الكتاب: البناية شرح الهداية المؤلف: أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى (المتوفى: 855هـ) الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 2000 م عدد الأجزاء: 13   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]   «الهداية للمرغيناني» بأعلى الصفحة يليه - مفصولا بفاصل - «البناية شرح الهداية» للعيني ---------- البناية شرح الهداية بدر الدين العيني الكتاب: البناية شرح الهداية المؤلف: أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى (المتوفى: 855هـ) الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 2000 م عدد الأجزاء: 13   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]   «الهداية للمرغيناني» بأعلى الصفحة يليه - مفصولا بفاصل - «البناية شرح الهداية» للعيني [مقدمة الكتاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ   [البناية] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ش: ابتدأ الكتاب بالبسملة أولا، ثم ثنى بالحمدلة اقتداء بالكتاب العزيز المستفتح هكذا، وعملا بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله وبسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع.» رواه الحافظ عبد القادر الرهاوي في أربعينه: وفي رواية أبي داود والنسائي: «كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم» وفي رواية ابن ماجه: «كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع» ورواه أبو عوانة وابن حبان في صحيحيهما. وقال ابن الصلاح: ورجاله رجال الصحيح سوى مرة بن عبد الرحمن فإنه ممن تفرد به مسلم بالتخريج له. قال: وهو حديث حسن، بل صحيح. ومعنى: " أقطع ": قليل البركة، وكذلك: " أجذم " بالجيم من جذم بكسر الذال المعجمة يجذم بفتحها. فإن قلت: إن بين النصين تعارضا ظاهرا، والابتداء بأحدهما مفوت الابتداء بالآخر. قلت: يمكن الجمع بأن يقدم أحدهما على الآخر، فيقع الابتداء بالمقدم حقيقة وبالآخر بالإضافة إلى ما سواه، فعمل بالكتاب الوارد بتقديم التسمية والإجماع المنعقد عليه، فلذلك ترك العاطف لئلا يشعر بالتبعية فيخل بالتسوية. فإن قلت: في قولك: " اقتداء بالكتاب العزيز المستفتح هكذا " نظر من وجهين: أحدهما: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أنه إنما يتجه الابتداء بالحمد لو لم يكتب في الأول البسملة، وكيف لا، وحال المسلم ينافي قصدا ترك البسملة؟. والآخر: أن الكتاب العزيز لم يستفتح بالحمدلة؛ لأن الترتيب فيه إما بالنظر إلى النزول على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو بالنظر إلى الترتيب العثماني، فإن كان الأول فلا ثم أنه لم يستفتح بالحمد بل بسورة العلق والمدثر على الاختلاف، وإن كان الثاني فهو استفتح بالبسملة قطعا. قلت: المراد من القول: " اقتداء بالكتاب العزيز المستفتح هكذا " بالنظر إلى ما تقرر عليه استفتاح الكتاب، فكان مطابقا لترتيبه في الابتداء بالبسملة والثني بالحمدلة. " والباء " في بسم الله للاستعانة، وهي الداخلة عل آلة الفعل، نحو: كتبت بالقلم، ونجرت بالقدوم؛ لأن الفعل لا يتأتى على الوجه الأكمل إلا بها، لأن المؤمن لما اعتقد أن فعله لا يصير معتدا به حسب الشرع، ولا موافقا في السنة حتى يذكر الله وإلا لكان فعلا كأي فعل، لذلك جعل متقولا بسم لله كما يفعل الكاتب بالقلم، ويجوز أن يتعلق باقرأ تعلق الدهن بالإنبات في قَوْله تَعَالَى: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20] على معنى نتبرك باسم الله وأقرأ. وكذلك قول الداعي للعرس: بالرفاء والبنين. وهذا الوجه أقرب وأحسن. وعرفت أن الفعل الذي تعلق به الباء على الاسم محذوف، حذف لدلالة الحال عليه، والمعنى: بسم الله أقرأ، أقرأ: أتلو لأن الذي يتلوه مقروء، كما أن المسافر إذا حل أو ارتحل قال: بسم الله والبركات، كأن المعنى: بسم الله أحل وبسم الله أرتحل متبركا به. وكل فاعل يبدأ فيه باسم الله كان مضمرا بما جعل التسمية مبتدأ له. واعلم أن الظرف أعني " باسم " في الوجه الأول على الإلغاء، وفي الوجه الثاني على الاستقرار ومحله منصوب على الحال، والعامل هو الفعل المحذوف، وإذا قدرنا: ابتدائي بسم الله كان محلها الرفع، والباء على هذا متعلقة بالخبر المحذوف هو نائب عنه كأنه قيل: ابتدائي ثابت أو مستقر بسم الله ونحو ذلك. فإن قلت: لم لا يتعلق بابتدائي؟. قلت: لا يجوز ذلك؛ لأنه مصدر، فلو تعلقت به لدخلت في صفاته، وبقي المبتدأ بلا خبر، وذلك أن المصدر إذا كان بمعنى: " أن فعل " و " أن يفعل " احتاج إلى صلة. ونقل بعضهم عن البصريين أن تقديره: أول ما ابتدأته به بسم الله، ولا يجوز أن يتعلق الباء في هذا الوجه بأبدأ؛ لأنه في صلة ما، وما تعلق بالموصول لا يجوز أن يكون خبرا، فتكون الباء متعلقة بمحذوف وهو خبره. وعن الكسائي أن الباء زائدة؛ لأن الباء لا تعلق بشيء، وموضع " الله " وقع تقديره وأول ما أبدأ به: اسم الله. وزيادة الباء في خبر المبتدأ عزيزة جدا لا تكاد توجد إلا ما حكي عن الأخفش: الباء في قَوْله تَعَالَى: {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} [يونس: 27] م: (يونس: آية 27) ، والتقدير: مثلها، بدليل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قَوْله تَعَالَى في موضع آخر: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] (الشورى: آية 40) ، والصواب أن الباء هاهنا متعلقة بمحذوف، والتقدير: سيئة " جزاء سيئة واقع بمثلها. ويجوز أن يتعلق بجزاء والخبر محذوف التقدير: وجزاء ..... " بمثلها واقع أو حاصل، وما نقل عنه ضعيف عند المحققين. واعلم أن الأولى أن يقدر المحذوف متأخرا قصدا إلى اختصاص الابتداء بسم الله؛ وذلك لأن العرب كانوا يبدءون بأسماء آلهتهم، فيقولون: بسم اللات، بسم العزى. وذلك أولى للموحد، كما في قَوْله تَعَالَى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] حيث صرح بتقديم الاسم إرادة الاختصاص. وهذا بخلاف: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] (العلق: آية 1) ، فإن هناك تقديم الفعل أوقع؛ لأنها أول سورة نزلت، فكان الأمر بالقراءة أهم. وللباء أحد عشر معنى: الإلصاق: نحو: مررت بزيد. أي التصق مروري بمكان يقرب منه زيد. وقد يقال: إن هذه الباء مكملة بالفعل، ومنه: حلفت بالله، ويقال: معنى الإلصاق لا يفارقها في كل الأحوال. والتعدية: وتسمى باء الفعل أيضا: نحو: ذهب بزيد. والاستعانة: وقد مر. والسبب نحو: {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ} [البقرة: 54] م: (البقرة: آية 54) ، {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} [العنكبوت: 40] م: (العنكبوت: آية 40) . والمصاحبة: نحو: {اهْبِطْ بِسَلَامٍ} [هود: 48] (سورة هود: آية 48) أي: معه. والظرفية: نحو: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: 34] (سورة القمر: آية 34) . والبدل: كقول الحماسي: لي بهم قوما إذا ركبوا والمقابلة: وهي الداخلة على الأعراض: كاشتريته بألف. والمجاورة: ك " عن "، فقيل: تختص بالسؤال نحو: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] (الفرقان: آية 59) . وقيل: لا تختص به. والاستعلاء: نحو: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75] (آل عمران: آية 75) . والتبعيض: أثبته الأصمعي والفارسي وابن مالك، قيل: والكوفيون جعلوا منه: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] (الإنسان: آية 6) ، ومنه: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] (سورة المائدة: آية 6) . والقسم: وهي أصل أحرفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] والغاية: نحو: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} [يوسف: 100] (سورة يوسف: آية 100) ، أي إلي. والتوكيد: وهي الزائدة، فتكون في الفاعل: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 79] (النساء: آية 79) ، وتكون في المفعول نحو: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] (البقرة: آية 195) ، وتكون في المبتدأ، نحو: " بحسبك درهم "، و " خرجت فإذا بزيد " ونحو ذلك. وقد قيل: إن الباء في {وَكَفَى بِاللَّهِ} [النساء: 79] ليست لغوا، ويجوز أن يكون الفعل مقدرا بعد كفى، ويكون {بِاللَّهِ} [النساء: 79] صفة له قائمة مقامه، ويجوز أن يكون الفاعل مضمر العين المنصوب بعده، أعنى: شهيدا. كما تقول: نعم رجلا زيدا، أو زيد رجلا، قال هذا القائل: ولو كانت الباء زائدة هناك لكان القياس أن يلحق الفعل عليها علامة التأنيث في قَوْله تَعَالَى: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14] (الإسراء: آية 14) ؛ لأنه للنفس، وهو ما يغلب عليه التأنيث. وقال بعضهم: إن الباء تكون للتجريد، نحو: " لقيت بزيد بحرا ". وإنما سمي تجريدا؛ لأنك إذا قلت: زيدا بحرا، كأنك لقيت زيدا وهو جواد فجردته. فإن قلت: الحرف مبني، وحق البناء السكون. قلت: لا ينافي الابتداء بها. فإن قلت: حق الحرف الواحد الفتح لخفته، نحو واو العطف وفائه، وسين الاستقبال، وغيرها. قلت: لأنهم شبهوا حركتها بحركة معمولها فكسروها. فإن قلت: الكاف حرف، وهي مع ذلك مفتوحة. قلت: الكاف يدل على معنيين: معنى الاسم، ومعنى الحرف، فبالأولى أن يحرك بأخف الحركات. وحكي عن أبي علي بن عيسى أن الباء إنما حركته ليتوصل إلى النطق بها، ولو فتحت أو ضمت لجاز أيضا، وبعض العرب يفتح هذه الباء، وهي لغة قليلة. ولفظ الاسم أحد الأسماء لعشرة التي بنوا أوائلها على السكون، فإذا نطقوا بها مبتدئين زادوا همزة؛ لئلا يقع الابتداء بالسكن. وهو من الأسماء المحذوفة الأعجاز، كيد ودم. وأصله: يسمو، واشتقاقه من السمو عند البصريين. قال الكوفيون: من وسم يسم، وقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] البصريون: لو كان كذلك لقالوا في تصغيره: وسيم، وفي جمعه: أوسام، فلما قالوا: سمي وأسماء دل على أن أصله: سمو. ويقال: اسم وسم بالكسر فيهما، واسم وسم بالضم فيهما. وقال المبرد: سمعت العرب تقول: اسمه، وسمه، وباسمه، وسماه. وإنما سقطت همزة " اسم " في " الله "؛ لأنها همزة وصل، كما في: ابن وابنة، ونحوهما وسقطت في الخط أيضا لكثرة الاستعمال. ولفظة: " الله " اسم علم على الباري جل جلاله. والمختار أنه ليس بمشتق، وهو قول الخليل وسيبويه وأكثر الأصوليين والفقهاء. وذلك لأنه لو كان مشتقا لكان معناه معنى كليا لا يمنع نفس تصور مفهومه من وقوع الشركة، وحينئذ لا يكون قولنا: " إلا الله " موجبا للتوحيد المحض. وحيث أجمع الفقهاء على أن هذا موحد محض علمنا أنه اسم علم موضوع لتلك الذات المعينة، وليست من الألفاظ المشتقة كما ذهب إليه سيبويه وآخرون، ثم اختلفوا في اشتقاقه: فقيل: من أله يأله بفتح العين فيهما إلاهة بالكسر أي عبادة. والإله على وزن فعال بمعنى مفعول، أي مألوه أي معبود. ثم لما كان اسما لعظيم ليس كمثله شيء أرادوا تفخيمه بالتعريف الذي هو " أل "؛ لأنهم أفردوه لهذا الاسم دون غيره، فقالوا: الإله، واستثقلوا الهمزة في كلمة يكثر استعمالهم فيها فحذفوها ثم ادغموا اللام في اللام، فصار " الله " كما نزل به القرآن. وقيل: من أله يأله بالكسر في الماضي والفتح في الحاضر ألها بفتح الفاء والعين أي سكنا، إنما سمي الله إلها لسكون الخلق إليه في جميع حوائجهم. وقيل: من أله: أي تحير، إنما سمي به لتحير الخلق في عظمته. وقيل: من تأله: أي تضرع يتأله تألها، إنما سمي به لتضرع الخلق إليه. وقيل: من لاه يلوه: أي احتجب عن إدراك الأبصار، وإحاطة الأفكار. قال الشاعر: لاه ربي عن الخلائق طرا ... خالق الخلق لا يُرى ويرانا فإن قلت: لم قرن لفظة الاسم بلفظة الله دون سائر أسمائه؟. قلت: لأنه اسم الذات المستجمع لجميع الصفات العلى والأسماء الحسنى، فلذلك جعل إمام سائر الأسماء، وخصت به كلمة الإخلاص، ووقعت به الشهادة فصار شعائر الإيمان. وهو اسم ممنوع لم يسم به أحد، وقد قبض الله عنه الألسن، فلم يدع به شيء سواه. وقد كان يتعاطاه المشركون اسما لبعض أصنامهم فصرفه به الله إلى اللات صيانة لحق هذا الاسم وذبا عنه، وكذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 الحمد لله   [البناية] الجواب في " الحمد لله " فافهم. الرحمن: فعلان من رحم، كغضبان من غضب. والرحيم: فعيل منه. وفي " رحمان " من المبالغة ما ليس في الرحيم، فلذلك قالوا: رحمان الدنيا والآخرة، ورحيم الدنيا. والزيادة في البناء زيادة في المعنى. واتصاف الله تعالى بالرحمة، ومعناها العطف والحنو، مجاز عن إنعامه على عباده. وذكر الرحيم بعد الرحمن من قبيل التعميم والرديف، وذلك لأنه لما قال: الرحمن، تناول جلائل النعم، ودقائقها، ثم أردفه بالرحيم ليتناول ما دق منها وما لطف، وهما مجروران بالوصفية، وهما من الصفات المادحة بمجرد الثناء والتعظيم. وقد اختلف في صرف رحمن ومنعه، فمن شرط في المنع انتفاء فعلانه منعه، ومن شرط وجود فعلى صرفه على ما عرفت في موضعه. م: (الحمد لله) ش: الحمد لله هو الثناء على الجميل الاختياري نعمة كانت أو غيرها، باللسان وحده. يقال: " حمدته على إنعامه وعلى شجاعته. والشكر هو الثناء على النعمة وحدها باللسان وغيره من الجوارح، قال الشاعر: أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا فبينهما عموم. والمدح هو الثناء على الجميل اختياريا أولا باللسان وحده، فيقال: حمدت الله وشكرته، ولا يقال: مدحت، فهو أعم من وجه. وقيل: الحمد: هو الثناء باللسان على قصد التعظيم سواء تعلق بالنعمة أو بغيرها. والشكر: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم لكونه منعما سواء كان باللسان أو بالجنان أو بالأركان. فمورد الحمد لا يكون إلا باللسان، ومتعلقه يكون النعمة أو غيرها، ومتعلق الشكر لا يكون إلا النعمة ومورده يكون اللسان وغيره، فالحمد أعم من الشكر باعتبار المتعلق، وأخص باعتبار المورد، والشكر بالعكس. وقال الزمخشري: الحمد والمدح أخوان، فالحمد على النعمة وغيرها، والشكر على نعمة خاصة بالقلب واللسان والجوارح، والحمد باللسان وحده، وهو إحدى شعب الشكر والحمد نقيضه الذم، والشكر نقيضه الكفران. قلت: معنى قوله: أخوان: أي مشتركان في المعنى الأصلي، وهو الثناء لاشتراكهما في الحروف الأصول، غير أن كلا منهما يدل على معنى يختص هو به على حسب الاختلاف في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] اللفظ، وذلك من وجوه: الأول: أن المدح قد يحصل للحي وغيره، فإن من رأى لؤلؤة في غايتها يمدحها ولا يحمدها، فبينت أن المدح أعم من الحمد. الثاني: أن الحمد يكون قبل الإحسان وبعده، والمدح لا يكون إلا بعده. والثالث: أن المدح قد يكون منهيا عنه، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «احثوا التراب في وجوه المداحين» ، والحمد مطلق. والرابع: المدح عبارة عن القول الدال على كونه مختصا بنوع من أنواع الفضائل. والحمد هو القول الدال على كونه مختصا بفضيلة معينة، وهي فضيلة الإنعام والإحسان. ثم اعلم أن معنى الحمد والشكر الحقيقي في العرف أن الحمد ليس عبارة عن قول القائل: الحمد لله، بل هو فعل يشعر عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما مطلقا، بمعنى أعم من أن يكون منعما للحامد أو لغيره. وذلك أن الفعل إما فعل القلب، أعني الاعتقاد باتصافه بصفات الكمال، أو فعل اللسان، أعني ذكر ما يدل عليه من القرائن والأمارات التي تدل على أن المحمود يتصف بالصفات الكاملة، أو فعل الجوارح، وهو الإتيان بأفعال دالة على اتصافه بصفات الكمال والجمال، وأن الشكر ليس قول القائل: الشكر لله، بل صرفه جميع ما أنعم الله عليه من السمع والبصر وغيرهما إلى ما خلق وأعطاه لأجله، كصرفه النظر إلى مطالعة مصنوعاته يتوصل منها إلى المصدر صانعها، والسمع إلى تلقي ما ينبئ عن مرضاته والاجتناب عن منهياته. ثم اعلم أن الألف واللام موضوعة إما للعهد الخارجي أو الذهني، وإما لاستغراق الجنس، وإما لتعريف الطبيعة. لكن العهد هو الأصل، ثم الاستغراق، ثم تعريف الطبيعة؛ لأن اللفظ الذي يدخل عليه اللام دال على الماهية بدون اللام. فحمل اللام على الفائدة الجديدة أولى من حمله على تعريف الطبيعة، والفائدة الجديدة هذه إما تعريف العهد أو استغراق الجنس وتعريف العهد أولى من الاستغراق؛ لأنه إنما ذكر بعض أفراد الجنس خارجا وذهنا، فحمل اللام على ذلك البعض المذكور أولى من حمله على جميع الأفراد؛ لأن البعض متيقن، والكل محتمل. وبين هذا اختلفوا إذا دخلت على المفرد أو الجمع: فقالت عامة أهل الأصول والعربية: تفيد الاستغراق فيهما جميعا إلا إذا كان معهودا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 الذي   [البناية] وعن أبي علي الفارسي أنه لمطلق الجنس فيهما، لا للاستغراق، وهذا أحد قولي أبي هاشم المعتزلي، وقوله الآخر: أنه في المفرد لمطلق الجنس، وفي الجمع لمطلق الجمع لا للاستغراق إلا بدليل آخر. فإذا كان كذلك فقيل: الألف واللام في الحمد للجنس، أي حقيقة الحمد كما في " أرسلها العراك " ومعناه الإشارة إلى ما يعرفه كل واحد من أن الحمد ما هو، والعراك ما هو من بين أجناس الأفعال. وقيل: لاستغراق الجنس. أي: الحمد كله لله تعالى. وقالت المعتزلة: للعهد؛ لأنهم يرون أن خلق أفعال العباد مضاف إليهم، فيكون تقديره: المحامد التي تتعلق بالأعيان دون الأعراض لله تعالى. والأصح أن هذه مسألة ابتدائية للخلاف في معنى الكلام لا بنائه، على الخلاف في خلق الأفعال، فإنهم قالوا: الحمد ما يعرفه كل واحد منهم بحسب الإثم. واللام عندهم المطلق الجنس. فإن قلت: فعلى هذا قول من يقول: إن اللام لاستغراق الجنس يكون جميع المحامد التي تتعلق بالأعيان والأعراض لله تعالى، فيكون الله تعالى هو المستحق لجميع المحامد لا غير، فكيف يصح قولهم: حمدت فلانا على شجاعته. قلت: هو في الحقيقة، راجع إلى الله تعالى؛ لأن حمد المخلوق على صفة أو فعل حمد للخالق في الحقيقة. ثم الحمد مرفوع بالابتداء، وخبره قوله: " لله "، وأصله النصب؛ لأن أصله: نحمد الحمد لله، فلما حذف " نحمد " عدل عن النصب إلى الرفع، ليدل على ثبات المعنى؛ لأنه حينئذ يصير الكلام جملة إسمية، وهي راسخة القدم بخلاف الفعلية الدالة على التجدد والحدوث، وأيضا في الفعلية يكون الحمد مقيدا بقائله وليس الأمر كذلك، بل الله محمود قبل حمد الحامدين وقبل شكر الشاكرين، سواء حمده عبيده أو لم يحمدوه، فهو محمود من الأزل إلى الأبد بحمده القديم وكلامه القديم. م: (الذي) ش: هو صفة، اسم موصول مع صلته في محل الخبر؛ لأنه صفة الله تعالى. واختلفوا فيما يعمل في الصفة: فذهب جماعة، منهم سيبويه والمزاني وابن كيسان والزجاج، إلى أن العامل فيها هو العامل في الموصوف. وذهب الأخفش إلى أن العامل في الصفة كونها صفة، وأن الوصف يجري على ما قبله وليس معه لفظ عمل فيه، وإنما يعمل فيه كونه وصفا، فذلك هو الذي يرفعه وينصبه ويجره، كما أن المبتدأ اسم رفعه الابتداء، والابتداء معنى عمل فيه ليس لفظا، فكذلك هذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 أعلى معالم العلم وأعلامه   [البناية] فإن قلت: لم بني الذي على السكون؟ قلت: لأنه يشبه الحرف من حيث إنه لا يستقل بنفسه. فإن قلت: لم أعرب في حال التثنية؟ قلت: بالتثنية يزول الشبه، إذ لا مثنى في الحروف فيعود إلى أصل استحقاقه في الإعراب. ومنهم من يشدد ياءه ويخفضونه أيضا من غير وجه، لاستطالتهم إياه مع صلته، فقالوا: " الذر " بحذف الياء، ثم " الذ " بحذف الحركة، ثم حذفوه رأسا واجتروا عنه باللام، وذلك في نحو: الضارب إياه زيدا، واسم الفاعل هاهنا في معنى الفعل ومعناه الذي ضرب إياه. م: (أعلى) ش: مأخوذ من الإعلاء، وثلاثيه: علا يعلو. يقول: علا في المكان يعلو علوا، وعلي بالكسر، في الشرف، يعلى علاء بالفتح، ويقال أيضا: علا بالفتح علاء. م: (معالم العلم) ش: كلام إضافي، مفعول أعلى. والجملة صلة الموصول. وهو جمع معلم بفتح الميم وهو موضع العلم، والمعنى رفع مواضع درك العلوم، وأراد بها أصول الشرع، لكونها مدرك العلم الشرعي، وقيل: أراد بها العلماء على معنى أنهم مواضع أخذ العلوم. وأما إعلاء الله إياهم فظاهر، قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] (المجادلة: الآية 11) ، حيث خصهم بالذكر ثانيا بعد دخولهم في قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: 11] إظهارا لزيادة درجاتهم عنده. م: (وأعلامه) ش: عطف على المعالم، وهو جمع علم بفتحتين وهو الجبل، وأراد به العلماء تشبيها لهم بالجبال، لكونها أوتاد الأرض. وجه الاستعارة أن الجبال تمنع الأرض من التحرك والتمايل، فكذلك العلماء بين ظهراني الأمة، بل ينزلون منهم منزلتها، لكونهم يمنعون عن الميل إلى الزيغ والعناد، ويعني قيام أمورهم وانتظام أقوالهم على منهاج العدل في الشرع يكون منهم، ويقال: المراد من الأعلام: إثبات الأحكام الشرعية وشروطها. فعلى هذا يكون جمع علم، يعني ما يعلم به الشيء، وإعلاء الله إياها ظاهر حيث جعلها في حق العباد، وشرفها على غيرها. ومن جملة محاسن هذا التركيب أنه مشتمل على ما يلحق الجناس، وهو شيئان: أحدهما: أن يجمع اللفظين الاشتقاق، نحو قوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} [الروم: 43] (الروم: الآية 43) فإن أقم والقيم يرجعان في الاشتقاق إلى القيام. والثاني: أن يجمعهما ما يشبه الاشتقاق وليس به، نحو قَوْله تَعَالَى: {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} [الشعراء: 168] (الشعراء: الآية 168) فإن " قال " و " القالين " يشبه أن يكونا راجعين في الاشتقاق إلى أصل واحد، وليس كذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وأظهر شعائر الشرع وأحكامه   [البناية] فقوله أعلى مع غيره من قبيل الثاني، والثلاثة الأخر من قبيل الأول، فإن المعالم والمعلم والأعلام كلها ترجع إلى أصل واحد. والعلم في اللغة بمعنى المعرفة نقيض الجهل، من علمت الشيء أعلمه علما: عرفته. وفي الاصطلاح ما ذكره الشيخ أبو منصور الماتريدي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: العلم في اللغة صفة يتجلى بها المذكور لمن قامت به هي. ويقال: العلم إدراك النفس بمعنى الشيء، إذ كل من وجد له إدراك المعنى وجد له العلم من حيث إنه وجد له من ذلك الإدراك، وكل من عدم له ذلك الإدراك عدم له العلم من هذه الحيثية. قلت: حاصل هذا أنه ليس للعلم ماهية سوى إدراك النفس لمعنى الشيء. وقد قالت طائفة، منهم الغزالي والدارمي، بعدم جواز تعريفه؛ لأن غير العلم يعرف به، فلو عرف بغيره يلزم الدور. ويمنع ذلك بأن جهة توقف غير العلم عليه من حيث إنه إدراك له، وتوقفه على غيره لا من جهة أن ذلك الغير إدراك له، بل من جهة أنه صفة مميزة له عما سواه. م: (وأظهر) ش: عطف على " أعلى " من الإظهار، وهو من ظهر الشيء ظهورا بالفتح بينا. م: (شعائر الشرع وأحكامه) ش: الشعائر مفعول أظهر. وهو جمع شعارة، وقال الأصمعي: جمع شعيرة، وإليه مال السراج، والأولى هو الأول؛ لأن الشعيرة واحدة الشعير الذي هو من الحبوب؛ والشعيرة أيضا: البدنة تهدى. والشعارة كل ما جعل علما لطاعة الله تعالى. قال الجوهري: الشعائر: أفعال الحج، وكل ما جعل علما لطاعة الله عز وجل. ويقال: المراد بها: ما كان أداؤه على سبيل الاشتهار، كأداء الصلاة بالجماعة، وصلاة الجمعية والعيدين، والأذان، وغير ذلك مما كان فيه اشتهار. وقوله: " الشرع " يحتمل معاني: أحدهما: أن يكون بمعنى المشروع فيتناول الأسباب والأحكام الشرعية. والثاني: أن يكون بمعنى الشارع، ويكون من قبيل إقامة المظهر موضع المضمر. الثالث: أن يكون بمعنى الشريعة، يقال: شرع محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما يقال: " شريعة ". فإن قلت: ما هذه الإضافة في " شعائر الشرع "؟. قلت: البيان، من قولهم: خاتم فضة، وثوب خز. فإن قلت: كيف يكون من هذا القبيل؛ لأن الثوب هو عين الخز، والخاتم هو عين الفضة، وليست الشعائر هي عين الشرع؟. قلت: الشرع بمعنى المشروع، والشعائر على التفسير الذي ذكرنا، من عين المشروع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وبعث رسلا وأنبياء   [البناية] فإن قلت: أليست هذه الإضافة إضافة الشيء إلى نفسه. قلت: لا؛ لتغاير اللفظين، ولأن " الشعائر " قبل الإضافة يحتمل أن يكون الشعائر غير المشروع، كالثوب والخاتم قبل الإضافة، فبالإضافة نقطع الاحتمال. وفيه من صفة البديع السجع، وهو: تواطؤ الفاصلتين في النثر على حرف واحد، وهما الكلمتان اللتان هما عجز القرينتين، والفاصلة في النثر كالقافية في النظم. فإن قلت: أي سجع هو من الأقسام؟ قلت: سجع متواز وهو: أن لا تختلف الفاصلتان في الوزن، ولكن لا يكون جميع ما في القرينة ولا أكثره بمثل ما يقابله من الأخرى نحو: {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ} [الغاشية: 13] {وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ} [الغاشية: 14] (الغاشية: الآية 13، 14) لاختلاف سرر وأكواب في الوزن والقافية. م: (وبعث) ش: جملة حال من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى " الله "، وهو عطف على قوله: " وأظهر ". يقال: بعث يبعث بعثا، وبعثه يعني أرسله فانبعث وبعث الناقة: أي ساقها. وبعثه من منامه أي أهبه. وبعث الموتى: نشرهم ليوم القيامة. وانبعث في البيران: أي يشرع. م: (رسلا) ش: مفعول بعث، وهو جمع رسول من أرسلت فلانا في رسالته، وهو مرسل ورسول. فالمرسل اسم مفعول، والرسول صفة مشبهة. وقد يجيء الرسول بمعنى الرسالة. قال الأشعر الجعفي: ألا أبلغ أبا عمر رسولا ... بأني عن فتاحتكم غني أي رسالة. وصيغة فعول يستوي فيها الواحد والجمع، والمذكر والمؤنث مثل عدو وصديق، قال الله تعلى: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 16] (سورة الشعراء: الآية 16) ولم يقل رسلا؛ لأن فعولا وفعيلا تستوي فيها هذه الأشياء. م: (وأنبياء) ش: عطف على رسلا، وهو جمع نبي: فعيل بمعنى فاعل من النبأ، وهو الخبر. إلا أن أهل مكة - يشرفها الله تعالى - يهمزون هذه الحروف، ولا يهمزون في غيرها، وكذلك في أنبياء. وينبغي أن يقال: أنبئاء بالهمزتين، لكن الهمزة لما أبدلت وألزمت الإبدال جمع على ما هو الأصل؛ لأنه حرف علة، كعيد وأعياد. ويجمع النبي أيضا على نبآء بضم النون، قال العباس بن مرداس السلمي: يا خاتم النبآء إنك مرسل ... بالخير, كل هدى السبيل هداكا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -   [البناية] ثم الفرق بين الرسول والنبي: أن الرسول: من بعث لتبليغ الوحي ومعه كتاب، والنبي: من بعث لتبليغ الوحي مطلقا، سواء كان بكتاب أو بلا كتاب، كيوشع - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فكان النبي أعم من الرسول: كذا قال الشيخ قوام الدين الأترازي في " شرحه "، وهو قد تبع في ذلك صاحب " النهاية " حيث قال: الرسول: هو النبي الذي معه كتاب، كموسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والنبي: هو الذي ينبئ عن الله وإن لم يكن معه كتاب كيوشع - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ومن هنا قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل» ، ولم يقل: " كرسل بني إسرائيل "، وتعبهما الشيخ أكمل الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفرق بينهما هكذا. ثم قال: وهو الظاهر. كل هذا لا يخلو عن مناقشة، وذلك لأنه يلزم على تفسيرهم أن يخرج جماعة من الرسل عن كونهم رسلا، كآدم ونوح وسليمان، ونحوهم - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، فإنهم رسل بلا خلاف، ولم ينزل عليهم كتاب كما نزل على موسى. والصحيح هنا أن الرسول من نزل عليه الكتاب، أو أتى إليه ملك، والنبي من يوقفه الله تعالى على الأحكام، أو تبع رسولا آخر، ولهذا قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل» ، والعجب من الشيخ أكمل الدين مع ادعائه التحقيق في مصنفاته كيف رضي بالتفسير المذكور، ثم قال: وهو الظاهر؟! ومع هذا فهو ليس بظاهر على ما لا يخفى. م: (- صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -) ش: هذه الجملة إخبار في الصورة، ولكنها إنشائية في المعنى؛ لأن المعنى: الله صل عليهم صلواتك. وهو جمع صلاة، وهي في اللغة: الدعاء. قال الأعشى: تغايلها الرياح في دنها ... وصل على دنها وارسم وهو اسم وضع موضع المصدر، يقال: صليت صلاة، ولا يقال: تصلية. ومعناها من الله: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن المؤمنين: الدعاء. ومعناها الشرعي في حق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللهم عظمه في الدنيا بإعلاء كلمته، وإحياء شريعته، وفي الآخرة برفع درجته، وتشفيعه في أمته، هكذا سمعت من الأساتذة الكبار. وأما في حق غيره من الأنبياء فمعناها ما ذكرنا، من الله: الرحمة، إلى آخره. قوله: " أجمعين ": جمع " أجمع "، وهو من ألفاظ التوكيد المعنوي وهي: النفس، والعين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وكلاهما، وكلتاهما، وكل، وأجمع، وأكتع، وأبتع، وأبصع. ولا يؤكد بكل وأجمع إلا شيء ذو أجزاء يصح افتراقها حسا، نحو: زيد وعمر وبكر وغيرهم، أو حكما، نحو: اشتريت العبد كله أجمع، فإن العبد، وإن لم يكن له أجزاء يصح افتراقها حسا لكن له أجزاء يصح افتراقها حكما؛ لأنه يجوز أن يكون المشترى منه ربعه، أو ثلثه، أو نصفه، أو ثلثيه. واعترض على المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأنه ترك ذكر محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مع كونه الأصل المحتاج إلى ذكره؛ لأنهم ذكروا أنه مما لا بد منه في أوائل المصنفات. الابتداء بالبسملة، ثم بالحمدلة، ثم بالصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بصريح اسمه، والمصنف خالف المصنفين أصحاب التصانيف والرسائل. وأجاب عنه الشيخ أكمل الدين بأن المراد بالرسل والأنبياء محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لكن جمعه تعظيما له وإجلالا لقدره. قال الشيخ قوام الدين: كان ينبغي أن يصلي على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قصدا بذكر اسمه وصفاته؛ لأن الله تعالى قد رفع ذكره، قال تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] (سورة الشرح: آية 4) والغالب أنه سها، ولكل جواد كبوة، ولكل عالم هفوة. قلت: كل منهما أبعد. أما الأول فلأن لفظة " أجمعين " ترد عليه؛ لأنه أكده بها، فالتأكيد يقطع احتمال المجاز، وإطلاق الجمع وإرادة الواحد مجاز. ونصره بعضهم بأن قوله: " أجمعين " باعتبار صورة اللفظ، ورد عليه بأن أجمعين لفظ معنوي ينافي أن يخص قوله: " رسلا وأنبياء " بطائفة معينة منهم. وأما الثاني: فإنه نسبه إلى السهو، وهو ليس بجواب، بل الجواب هاهنا بوجهين: أحدهما: أن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قصد من ذلك المبالغة، والبلاغة في ذلك لما فيه من ذكره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مرتين؛ لأنه دخل أولا في قوله " رسلا "؛ لأنه من جملة المرسلين بل سيدهم وأشرفهم، وأفضلهم ثم دخل ثانيا في قوله: " وأنبياء "؛ لأن كل مرسل نبي فيكون ذكره مرتين، وإن كان ضمنا، أبلغ من ذكره مرة واحدة صريحا، والتضمين أبلغ من التصريح؛ لأن الاعتماد في الصريح على اللفظ، والدلالة منه، وفي التضمين على الفعل، والدلالة من جهة، وبين الدليلين والدلالتين فرق كبير. والثاني: ما سنح في خاطري من الأنوار الإلهية في الجواب القاطع الذي ليس وراءه شيء، وهو أن المصنف إنما لم يصرح باسم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصلاة عليه بل أضمره ليكون ذلك من باب الإضمار والإبهام، وهو طريق من طرق البلاغة؛ لأن فيه إشارة إلى علو شأنه، وارتفاع قدره، وتفخيم فضله على ما لا يخفى على أحد، لما فيه من الشهادة على أنه المشهور الذي لا يشتبه، والمبين الذي لا يلتبس، كما أضمره الله تعالى في قوله: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 إلى سبل الحق هادين   [البناية] (البقرة: الآية 253) ، حيث صرح أولا بما على موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بقوله: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة: 253] (البقرة: الآية 253) ولا شك في اشتهار موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالكلام، ثم صرح باسم عيسى بقوله تعالى: {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ} [البقرة: 253] (البقرة: الآية 253) ، وذكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم بطريق الإبهام والإضمار بقوله: {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: 253] (البقرة: الآية 253) إشارة إلى ما ذكرنا. وعليه قول الحطيئة لجرير: من أشعر الناس؟ فقال: زهير والنابغة، ثم قال: لو شئت لذكرت الثالث. أراد به نفسه، ولو قال: لذكرت نفسي، أو قال: زهير والنابغة وأنا لم يقع كلامه مؤذنا بتعظيمه بل كان فيه نوع نقص على ما لا يخفى. م: (إلى سبل الحق) ش: تعلق بقوله " هادين "، وإنما أخره لإقامة السجع. والسبل بضمتين جمع سبيل، وهو الطريق، يذكر ويؤنث، قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف: 108] (يوسف: الآية 108) فأنث، وقال: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} [الأعراف: 146] (الأعراف: الآية 146) فذكر، ويصح في الجمع تسكين الباء أيضا، والحق خلاف الباطل. قلت: الحق مستعمل في معان: أحدها: النزول، يقال: حق يحق، إذا نزل. والثاني: الوجوب، يقال: حق عليه: إذا وجب. والثالث: الصدق والصواب، يقال: قوله حق: أي صدق وصواب. " ومعناه في الاصطلاح: الحق ما غلب حجة وأظهر التمويه في غيره " م: (هادين) ش: نصب على أنه صفة لقوله: " رسلا وأنبياء " ويقال: نصب على الحال من رسلا وليس بصحيح؛ لأن الحال من النكرة لا يصح إلا بتقديم ذي الحال على الحال. وقد علم أن حق الحال أن يكون نكرة، وحق ذي الحال أن يكون معرفة، للفرق بينهما وبين الصفة والموصوف، فقيل: لأن الحال هو الخبر في الحقيقة، والخبر حقه التنكير. قلت: هما يتفقان في هذا، ولكنهما يفترقان من وجوه، الأول: أن الحال ما يحتمل الأوصاف فيميز بأحد الأوصاف، والتمييز ما يحتمل الأجناس فيميز بأحد الأجناس. الثاني: أن الحال لا ينقسم إلى ما يقع عن المفرد والجملة والتمييز إلى ذلك، ففي الجملة نحو: طاب زيد نفسا، فالإبهام في النسبة، وعن المعرف نحو: عندي دامور خلافا الإبهام في دامور. والثالث: أن " نفسا " ليس هو " زيد " في المثال المذكور، وإنما هي شيء منه، وراكبا في قولك: جاءني زيد راكبا هو زيد كله. والرابع: التقدير في المثال المذكور، وإنما هي شيء منه، وراكبا في قولك: وطابت نفسه فالفعل للنفس وليس لزيد، وفي جاءني زيد راكبا الفعل لزيد وراكبا تبع له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وأخلفهم علماء إلى سننهم بينهم داعين   [البناية] وقوله: " هادين ": من الهداية، وهي الدلالة الموصلة إلى البغية. وأصله أن يتعدى باللام أو بإلى، كقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9] (الإسراء: الآية 9) ، {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] (الشورى: الآية 52) ، فجار مجرى، وقَوْله تَعَالَى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} [الأعراف: 155] (الأعراف: الآية 155) ، وقال الجوهري: يقال: هداه الله للذين هدى. وقَوْله تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} [السجدة: 26] (السجدة: الآية 26) . قال أبو عمرو بن العلاء: أو لم يبين لهم. وهديت الطريق، والبيت هداية: أي عرفته، هذه لغة أهل الحجاز، وغيرهم يقول: هديته إلى الطريق وإلى الدار، حكاها الأخفش، وهدى واهتدى بمعنى. وقال الكاكي في شرحه: هداه إلى الطريق: إذا أعلمه أن الطريق في ناحية كذا، وهداه إلى الطريق: إذا ذهب به إلى رأس الطريق: أي أذهبه إلى المقصد، وذلك لا يتحقق إلا من الله تعالى، وهداه إلى الطريق: أعلمه أن الطريق في ناحية كذا، وهي وظيفة الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وهداه إلى الطريق: ذهب به وأوصله إلى رأس الطريق. واعترض عليه الشيخ قوام الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأن هذا الفرق غير صحيح، لعدمه في سائر قوانين اللغة. قلت: هذا اعتراض صادر من غير تأمل، وذلك لأن الفرق المذكور إنما هو لسبب الاستعمال، والفارق ما ادعى أن ذلك بحسب اللغة وإن ادعى ذلك فلا يمنع؛ لأن الذي ذكره هو حاصل المعنى اللغوي. م: (وأخلفهم علماء) ش: عطف على قوله: " وبعث رسلا "، وهي جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الله تعالى. و " أخلف " مفعولان: أحدهما: الضمير، أعني: هم، والآخر هو قوله " علماء ". والمعنى: جعل العلماء خلفاء الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وورثتهم. وقال الشيخ قوام الدين الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وأخلفهم علماء: من قولهم: خلفت الثوب: أصلحته وجعلت موضع الخلفان خلفانا، وهذا التفسير غير مرضي بل التفسير الصحيح ما ذكرناه؛ لأن مراده بيان أن العلماء خلفاء عن الأنبياء في بيان الشرائع، فحينئذ لا يفسر قوله: وأخلفهم إلا من قولهم: أخلف زيد عمرا: إذا جعله خليفة؛ لا من الثوب: إذا أصلحته. يقال: خلف فلان فلانا: إذا كان خليفة وخلفه في قومه خلافة، ومنه قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} [الأعراف: 142] (الأعراف: آية 142) . وأخلفه غيره: إذا جعله خليفة له، وكذلك استخلفه. م: (إلى سننهم بينهم داعين) ش: الجار والمجرور متعلق ب " داعين ". والسنن بفتح السين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 يسلكون   [البناية] والنون: مفرد بمعنى الطريقة. يقال: استقام فلان على سنن واحد. ويقال: امض على سنتك أي على وجهك، وتنح عن سنن الجبل: أي عن وجهه. وقوله: " سننهم " بضم السين وفتح النون جمع سنة وهي الطريقة المسلوكة المرضية. وقال الجوهري: السنة: السيرة. قال الهذلي يخاطب أبا ذؤيب: فلا تجزعن من سنة أنت سيرتها ... وأول راض سنة من يسرها وبين السنن والسنن تجنيس محرف، وهو من جملة محاسن الكلام. وقال الشيخ قوام الدين: فلو قال بضم السين في الموضعين ليكون تجنيسا تاما لكان أحسن، إلا أن الرواية بالمفتوح خاصة؛ لأن المضموم في معناه قليل الاستعمال. قلت: الذي ذكره أولى وأبلغ؛ لأن اختلاف الحركات تحصل زيادة رونق في الكلام، وأنواع التجنيس كلها من محاسن الكلام ولم يرجح منها شيء على غيره. والتجنيس التام: أن يتفق اللفظان في أنواع الحروف وهيئاتها نحو الحركات والسكنات، وفي ترتيبها مع تقديم بعض الحروف على بعض وتأخيره عنه. وإن اختلفا في هيئة الحروف فقط سمي التجنيس محرفا. قوله: " داعين " جمع داع: من دعوت فلانا: إذا صحبته واستدعيته. ويستعمل باللام وعلى وإلى، نحو: دعوت الله له، ودعوته عليه، ودعوته إلى الطعام، وهو من هذا القبيل، وقوله: " داعين وهادين " من الصفات المادحة. فإن قلت: أليس يجوز أن يكون من الصفات الكاشفة؟ قلت: لا؛ لأنه في الصفات الكاشفة يكون الموصوف فيه نوع غموض فيكون الوصف حينئذ كاشفا لذلك الغموض، بخلاف الصفة المادحة، وهذه الصفة ليس في موصوفها ذلك على مالا يخفى، كما في " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وبينهما تجنيس متواتر. م: (يسلكون) ش: تحتمل أمورا ثلاثة: الأول: أن تكون صفة لهم. الثاني: أن تكون حالا عنهم. فإن قلت: النكرة لا يقع عنها الحال. قلت: النكرة الموصوفة كالمعرفة يقع عنها الحال متأخرة، وهاهنا قد اتصف العلماء بقوله: داعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 فيما لم يؤثر عنهم مسلك الاجتهاد   [البناية] الثالث: أن تكون بيانا، كأن قائلا يقول: كيف دعوتهم إلى سنن سننهم؟ فقال: يسلكون. م: (فيما لم يؤثر عنهم) ش: فإن قلت: ما موضع هذه الجملة في الأحوال الثلاثة؟. قلت: أما الأول فالنصب؛ لأن الموصوف منصوب على المفعولية، وأما في الثاني فالنصب على الحالية، وأما في الثالث فلا محل لها من الإعراب، اللهم إلا إذا قدرنا مبتدأ محذوفا نحو: هم يسلكون، فحينئذ يكون موضع " يسلكون " من الإعراب رفعا على الخبرية، وقد علم أن الجملة لا تكتسب شيئا من الإعراب إلا إذا وقعت موقع المفرد، فحينئذ إعرابه محلا. ويسلكون: من سلك الشيء في الشيء فانسلك، أي أدخله فيه فدخل، ومصدره: سلك بفتح اللام. وأما السلك بكسر السين وسكون اللام فهو الخيط. والمعنى هاهنا: يدخلون فيما لم يؤثر عنهم أي عن الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، وهو على صيغة المجهول أي فيما لم يرو عنهم. وأصله من أثرت الحديث أثرته أثرا: إذا ذكرته عن غيرك، ومنه: " حديث مأثور ": أي مسند ينقله خلف عن سلف. قال الأعشى: إن الذي فيه تماريتما ... بين للسامع والآثر والأصل فيه الهمزة، وقد تلين للتخفيف. وكلمة " ما ": موصولة، و " لم يؤثر " صلتها. م: (مسلك الاجتهاد) ش: كلام إضافي منصوب على المفعولية: أي: طريق الاجتهاد. وهو اسم مكان من سلك. والاجتهاد: بذل الوسع والمجهود. وكذلك الجاهد، وأصله من الجهد وهو الطاقة، وكذلك بضم الجيم. ويقال: الجهد بالضم: المشقة. والاجتهاد، عند الفقهاء: استفراغ الفقيه وسعه لتحصيل الظن بحكم شرعي. وقيل الاجتهاد: بذل المجهود لنيل المقصود، وفيه إشارة إلى أنهم لا يخرجون عن المأثور عن الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - ويتبعونهم فيه، ولا يعدلون إلى الاجتهاد إلا فيما لم يرد عنهم، فحينئذ يأخذون في ذلك طريق الاجتهاد، وهو أيضا في نفس الأمر علم بالأثر كما في «قضية معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لما بعثني النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى اليمن قال: " كيف تقضي إن عرض قضاء؟ "، قال: قلت: أقضي بما في كتاب الله عز وجل، قال: " فإن لم يكن في كتاب الله؟ "، قال: قلت: بما قضى به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: فإن لم يكن قضى به الرسول؟ "، قال: قلت: أجتهد رأيي ولا آلو، قال: فضرب صدري وقال: " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله» أخرجه البيهقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 مسترشدين منه في ذلك، وهو ولي الرشاد وخص أوائل المستنبطين بالتوفيق   [البناية] وغيره. م: (مسترشدين منه في ذلك) ش: نصب على الحال من الضمير الذي في " يسلكون ": أي حال كونهم طالبين الرشد منه، أي من الله - عز وجل -، وذلك إشارة إلى قوله: " بما لم يؤثر عنهم ". والرشد: خلاف الغي، يقال: رشد بالفتح يرشد بالضم رشدا بضم الراء وسكون الشين، ورشد بالكسر رشدا بالضم يرشد بالفتح رشدا بفتحتين لغة فيه. والإرشاد إفعال منه، يقال أرشده إرشادا إذا دله على الخير. م: (وهو ولي الرشاد) ش: أي: الله تعالى هو المرشد والإرشاد بيده، وهو وليه. والولي: بمعنى الصاحب، وأصله: ولي على وزن فعيل، من ولي الرجل الأمر يليه ولاية: إذا تقلده. والولي: القرب والدنو. وهذه الجملة الاسمية في محل النصب على الحال، وقد علم أنها إذا وقعت حالا لا بد فيها من الواو إلا ما ندر، نحو: كلمته فيه إلى في. م: (وخص أوائل المستنبطين بالتوفيق) ش: خص جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى " الله " عطف على قوله: " أعلى معالم العلم " من خصه بالشيء خصوصا وخصوصية، وخصصه واختصه بكذا، أي خصه به. فالأوائل جمع " أول "، وهو نقيض الآخر، وأصله: أوأل على وزن أفعل مهموز الأوسط، قلبت الهمزة واوا وأدغمت الواو في الواو. وقال بعضهم: أصله: ووأل على وزن فوعل، قلبت الواو الأولى همزة، وإنما لم يجمع على واول لاستثقالهم اجتماع الواوين بينهما ألف الجمع. قول: (المستنبطين) : من الاستنباط وهو الاستخراج، وأصله من نبط الماء ينبط وينبط نبوطا. وانبط العقار: بلغ الماء. وعند الأصوليين: الاستنباط: استخراج الوصف فيه. وقال الشيخ قوام الدين وغيره: المراد من " أوائل المستنبطين ": هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وصاحباه أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، ومحمد بن الحسن الأنصاري الشيباني - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، فإنهم الذين مهدوا قواعد المسائل حتى قيل: إن ما وضعه أصحابنا من المسائل الفقهية هو ألف ألف ومائة ألف وسبعون ونيف مسألة. وقال الخطيب موفق بن أحمد المكي في مناقب أبي حنيفة عن مالك بن أنس - رضي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 حتى وضعوا مسائل من كل جلي ودقيق. غير أن الحوادث متعاقبة الوقوع   [البناية] عنه - وقد قيل له: كم قال أبو حنيفة في الإسلام؟ قال: ستين ألفا، يعني مسائله. ثم قال الخطيب: ذكر الثقة أن أبا حنيفة قال في السنة ثلاثة وثمانين ألفا وثمانية وثلاثين أصلا في العبادات، وخمسة وأربعين أصلا في المعاملات. وقال غيره: إن أبا حنيفة وضع ثلاثمائة أصل، كل أصل يخرج منه عشرة من الفروع. وذهب قوام الدين وغيره من قوله: " أوائل المستنبطين " إلى أن المراد منه أبو حنيفة وصاحباه؛ نظرا إلى أن هذا الكتاب في بيان مذهب أبي حنيفة، فلذلك خصصه به، ولكن لا يلزم من ذلك التخصيص بل الظاهر منه فقهاء الصحابة والتابعين أو سائر المجتهدين من الفقهاء المتقدمين؛ لعموم الكلام. قوله: " بالتوفيق ": يتعلق بقوله " خص "، وهو حسن عناية الله لعبده. وقال بعض أهل الكلام: التوفيق: خلق الله قدرة الطاعة، والخذلان: خلق قدرة المعصية. م: (حتى وضعوا مسائل من كل جلي ودقيق) ش: حتى: للغاية بمعنى إلى، والمسائل: جمع مسألة، وهو موضع السؤال، كذا قال بعضهم، وليس كذلك، بل المسألة مصدر، قال الصاغاني: بمسألة الشيء ومسألة من الشيء: سؤالا ومسألة. قوله: " من كل جلي " كلمة " من " للبيان، وموضعها النصب على الوصفية، تقديره مسائل جلية ودقيقة. والجلي: الظاهر، وهو نقيض الخفي، وأراد به المسائل القياسية لظهور إدراكها. وقال صاحب " النهاية ": نظيرها إذا وقعت البعرة في البئر، فيه قياس واستحسان. فالقياس: أن تفسد الماء لوقوع النجاسة في الماء القليل، هذا دليل ظاهر دركه. والاستحسان: أن لا يفسد؛ لأن آبار الفلوات ليس لها رؤوس حاجزة، والمواشي تبعر حولها، وتلقيها الريح فيها، فجعل القليل عند الضرورة عفوا، ولا ضرورة في الكثير، وهذا دليل خفي دركه. قلت: تخصيص الجلي بالمسائل القياسية فيه نظر؛ لأنه قد تكون مسألة قياسية في غاية الدقة، ومسألة استحسانية في غاية الجلاء والظهور. قوله: " ودقيقة ": من دق الشيء يدق دقة: أي صار دقيقا، وهو خلاف الظاهر. والدقاق بالضم والدق بالكسر مثل الدقيق. م: (غير أن الحوادث متعاقبة الوقوع) ش: هذا استثناء من قوله " حتى وضعوا " ويضاف إلى قوله " غير ". وهو اسم ملازم للإضافة في المعنى، ويجوز أن يكون صفة للنكرة، نحو قَوْله تَعَالَى: {نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 37] (فاطر: الآية 37) ، أو لمعرفة قريبة منها، نحو: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] (الفاتحة: الآية 7) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 والنوازل يضيق عنها نطاق الموضوع   [البناية] والثاني: أن يكون استثناء يعرب بإعراب الاسم الثاني إلا في ذلك الكلام، تقول: جاءني القوم غير زيد بالنصب، وما جاءني من رجل غير زيد، بالنصب والرفع، وهو هاهنا من هذا القبيل. (والحوادث) جمع حادثة، وأراد بها المسائل الواقعة بين الناس. وقوله: (متعاقبة الوقوع) : كلام إضافي مرفوع؛ لأنه خبر أن. واعلم أن هذا الاستثناء جواب عن سؤال مقدر، تقديره أن يقال: إذا كان أوائل المستنبطين وضعوا مسائل من كل جلي ودقيق، فأي حاجة تدعو إلى الاستنباط والتصنيف بعدهم؟ فأجاب بقوله: " غير أن الحوادث " إلى آخره، تقديره أنه قال: نعم، وإن كان الأمر كذلك لكن الحوادث متعاقبة: أي يقع شيء منها عقيب شيء، فلا تنقطع. والنوازل تنزل ساعة فساعة، فلا يستوعب جمعها نطاق مصنوعات الأوائل؛ فاحتيج إلى وضع آخر على حسب حادثة تحدث ونازلة تنزل. فحاصل الكلام هذا إشارة إلى وجه شروعه في تصنيف هذا الكتاب، والكلام مع أنه قد جرى منه وعد في مبدأ البداية فلا يجوز خلفه في الديانة. م: (والنوازل يضيق عنها نطاق الموضوع) ش: " النوازل ": بالنصب، عطف على قوله " أن الحوادث "، تقديره: وأن النوازل، وهو جمع نازلة، وهي الأمور الواقعة بين الناس. قوله: " يضيق ": فعل، وقوله: " نطاق الموضوع " كلام إضافي فاعله. والنطاق بكسر النون هو المنطقة. وقول الجوهري: النطاق: شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها، ثم ترسل الأعلى على الأسفل إلى الركبة، والأسفل يجر على الأرض، وليس لها حجزة ولا نيفق ولا ساقان، والجمع نطق. وكان يقال لأسماء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ذات النطاقين. وأراد بالموضوع ما وضعه الأوائل من التي يستنبطها. والألف واللام فيه بدل من المضاف إليه، تقديره: نطاق موضوع الأوائل من المستنبطين. وبين قوله " الوقوع " و " الموضوع " سجع مطرف، وفي قوله: " نطاق الموضوع " استعارة تخييلية؛ لأن الموضوع لا نطاق له وإنما استعير النطاق للأجوبة المنقولة عن السلف في الفتاوى. وفي قوله: " يضيق عنها " استعارة مرشحة، وأراد بضيق النطاق عدم كفاية موضوعهم لجميع الحوادث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 واقتناص الشوارد بالاقتباس من الموارد، والاعتبار بالأمثال من صفة الرجال،   [البناية] م: (واقتناص الشوارد بالاقتباس من الموارد) ش: هذه جملة مستقلة بذاتها، وليس لها موقع من الإعراب، لعدم وقوعها موقع المفرد، وتعلقها بما قبلها كأنها جواب عن سؤال نشأ عن الكلام المتقدم، تقديره أن يقال: لما كانت الحوادث كثر وقوعها، والنوازل تضيق عنها موضوعات الأوائل فكيف قنص ما كان شاردا منها إذا لم يوقف عليه من عين النصوص؟ فأجاب بقوله: " واقتناص الشوارد بالاقتباس من الموارد "، يعني: اكتساب النوازل من الحوادث التي تعثر دركها، ويحتاج فيها إلى الاستنباط بالقياس، والأخذ من موارد النصوص، يعني: بالإطلاع على الأوصاف المؤثرة، وفيه إشارة أيضا إلى أنه قادر على الاستنباط فيما لم يرد عن السلف، ولم يؤثر عنهم مطلقا على مناط الحكيم. " الاقتناص ": من اقتنص: إذا اصطاد وكذلك قنص ومصدره قنص بالسكون. وأما القنص بتحريك النون، فهو الصيد، والشوارد: جمع شاردة، من شرد البعير يشرد شرودا وشرادا فهو شارد وشرود، والجمع شرد مثل خدم وخادم. والاقتباس: من اقتبست منه نارا: أي أخذت منه قبسا، وهو شعلة من نار، وكذلك المقباس، يقال: قبست منه نارا اقتبس قبسا فاقتبس [أي] : أعطاني منه قبسا. (والموارد) : من ورد فلان ورودا: حضر. وأراد بها موارد النصوص من الكتاب والسنة. وهذا التركيب يشتمل على أنواع من محاسن البديع: الأول: فيه استعارة تخييلية، واستعارة ترشيحية. التخييلة في قوله: " الشوارد "، حيث شبه الحوادث بالوحش الشارد على التخييل. والترشيحية في قوله: " اقتناص "، حيث أورد صفة ملائمة للمستعار منه وهو الاقتناص على سبيل الترشيح. الثاني: فيه جناس لاحق ين قوله: " الشوارد " و " الموارد " نحو قَوْله تَعَالَى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1] (الهمزة: الآية 1) ، وقوله: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ} [النساء: 83] (النساء: الآية 83) ، وقوله تعلى: {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ} [غافر: 75] (غافر: الآية 75) ، كل هذا جناس لاحق. الثالث: فيه سجع ترصيع، نحو قول الحريري: فهو يقطع الأسجاع بجواهر لفظه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه. م: (والاعتبار بالأمثال من صفة الرجال) ش: الاعتبار مبتدأ، وخبره: من صفة الرجال، والجملة معطوفة على ما قبلها، وهي جواب عن سؤال ينشأ من الجملة المتقدمة، تقديره أن يقال: إذا كان اقتناص الشوارد، والنوادر من الأحكام لا يكون إلا بالاقتباس من موارد النصوص يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وبالوقوف على المآخذ يعض عليها بالنواجذ.   [البناية] ذلك أمرا عظيما؛ لا يقدر على ذلك إلا السلف المشهورون بالاستنباط وإدراك المعاني الخفية، فأجاب عنه بقوله: " والاعتبار بالأمثال من صفة الرجال "، يعني إظهار الأحكام بالأقسام بالقياس من صفة الرجال الكاملين، والسلف كانوا رجالا كاملين، ونحن أيضا رجال يسوغ لنا الاعتبار بالأمثال، كما ساغ لهم ذلك. وهذا كقول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في حق التابعين: هم رجال نزاحمهم كما يزاحموننا. وهذا في الحقيقة اعتذار عن شروعه في التصنيف. " والاعتبار ": مصدر من اعتبرت الشيء: إذا رددته إلى نظيره. " والأمثال ": جمع مثل بكسر الميم، كالأشباه جمع شبه، وأراد به المقيس عليه. وفيه من المحاسن اشتماله على سجع مطرف، وهو ما يختلف فيه الفاصلتان، نحو قَوْله تَعَالَى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13] {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نوح: 14] (نوح: الآية 13، 14) ، وإن لم يختلف فهو سجع ترصيع. م: (وبالوقوف على المآخذ يعض عليها بالنواجذ) ش: وبالوقوف عطف على قوله بالأمثال، والتقدير: قياس الأحكام على نظائرها من صفة الرجال الكاملين، " وبالوقوف على مآخذ الأحكام من ": وقفت الدابة تقف وقوفا، ووقفانا به. تعدى ولا يتعدى. وقوله: " يعض عليها ": جملة فعلية وقعت حالا من المآخذ. وقد عرفت أن الجملة الفعلية إذا وقعت حالا وكان فعلها مضارعا مثبتا لا يحتاج إلى الواو، بل يجوز نحو: جاء الأمير تقاد الجبائب بين يديه. وأشار بهذا التركيب إلى صعوبة الوقوف على مآخذ الأحكام، وأنه من صفة الرجال الكاملين لا من صفة كل رجل واحد. وقال الشيخ قوام الدين: قوله: " بالوقوف " إلى آخره: جواب عن سؤال مقدار، بأن يقال: نعم، إن موضوعات المتقدمين لا تكفي جميع الحوادث، لوقوعها متجددة. وهذا المعنى يقتضي التصنيف والاستنباط، ولكن هل فيك تلك الصلاحية حتى اجترأت على التصنيف؟ فأجاب عنه وقال: نعم؛ لأن السلف لم يقع صنيعهم على ما عليه من الحسن والإحكام إلا باعتبار وقوفهم على مادة الأحكام، فنحن نشاركهم في هذا المعنى. قلت: هذا كلام بعيد جدا لا يعضد من التركيب، ولا يوافق مراد المصنف على ما [لا] يخفى على الفطن. والظاهر أن المراد من هذا الكلام والذي قبله أنه أراد بهذا هضم نفسه عنه رتبة التصنيف؛ لأن ذلك بالاعتبار بالأمثال، وبالوقوف على مآخذ الأحكام، ولكن لما جرى الوعد منه في مبدأ " بداية المبتدي " بشرح يرسم بكفاية المنتهى، على ما صرح به في المتن شرع فيه لأجل وفائه بوعده، وإن كان لا يرى نفسه من رجال هذا الميدان. وأشار بهذا إلى أن مآخذ الأحكام والوقوف عليها لا يحصل إلا بمعاناة الشدة في ذلك، وهو معنى قوله: " يعض عليها "، أي على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وقد جرى علي الوعد في مبدأ " بداية المبتدي " أن أشرحها، بتوفيق الله تعالى، شرحا أرسمه ب " كفاية المنتهى "   [البناية] المآخذ " بالنواجذ ". والعض بالنواجذ كناية عن الإحكام والإتقان بعد نصب عريض، والشخص إذا أراد شدة الأخذ يعض بالنواجذ، وهي بالذال المعجمة، جمع ناجذ، وهو آخر الأضراس، وللإنسان أربعة نواجذ، في أقصى الأسنان بعد الأرحاء، ويسمى: ضرس الحلم؛ لأنه ينبت بعد البلوغ وكمال العقل. ويقال: ضحك حتى بدت نواجذه: إذا استغرب فيه. وفيه من السجع المطرف، وقد بيناه فيما مضى. م: (وقد جرى علي الوعد في مبدأ " بداية المبتدي " أن أشرحها بتوفيق الله - تعالى - شرحا أرسمه بكفاية المنتهي) ش: أصل جرى من الجريان، يقال: جرى الماء وغيره جريا وجريانا، وأجريته أنا: ولما ضمن جرى هاهنا معنى ورد عدي ب " على "، وهو فعل ماض وفاعله " الوعد ". وكلمة " قد " فيه للتحقيق، والمبتدأ بفتح الميم موضع البدء، والبداية، بكسر الباء، مصدر بدأ، يقال بدأت بالشيء بدءا: ابتدأت به، وبدأت الشيء: فعلته. والمبتدئ: فاعل من الابتداء. قوله: " أن أشرحها ": أي: بأن أشرحها، وهو متعلق بالوعد. و " وأن ": مصدرية. والتقدير: وقد جرى علي الوعد للأصحاب بأن أشرح " بداية المبتدي ". الباء في " بتوفيق الله " يتعلق بأشرحها، ومحلها النصب على الحال، تقديره: متلبسا بتوفيق الله - تعالى -: وهو تيسيره علي ذلك. قوله: " أشرحها شرحا " نصب على المصدرية. قوله: " أرسمه ": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، في محل النصب على أنها صفة " شرحا ": من رسم الشيء: إذا علم عليه. ورسم عليه: إذا كتب. والمعنى هاهنا: أسميه. فإن قلت: الواو في " وقد جرى " ما هي؟ قلت: يجوز أن تكون عاطفة عطف جملة، ويجوز أن تكون حالية. فإن قلت: كيف وجه ذلك في الموضعين؟ قلت: أما في الأول، فتكون فيه إشارة إلى هضم نفسه، وإلى أنه غير أهل للتصنيف؛ لأن الاعتبار بالأمثال والوقوف على المآخذ من صفة الرجال الكاملين، وهو ليس منهم، ولكن لما جرى عليه الوعد في مبدأ " بداية المبتدي " شرع فيه حال كون الوعد يسوغ بعض المساغ، لئلا يكون ممن إذا وعد أخلف، فيدخل تحت الوعيد. وأما في الثاني: ففيه إشارة إلى أن فيه صلاحية للتصنيف، وأنه من أهله، وأنه حصل له الوقوف على المأخذ بالإتقان، كما حصل لهم، فحينئذ جاز له الاعتبار. والحال أنه قد جرى عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 فشرعت فيه والوعد يسوغ بعض المساغ،   [البناية] الوعد، وهو مما يسوغ بعض المساغ، يعني منفرد عن صلاحية الوعد للإتيان بالموعود فكيف مع الصلاحية؟. واعترض الشيخ قوام الدين في هذا المقام، فقال: قال بعض الشارحين فيه بيان أن المصنف لم تتأهل نفسه للشرح. ثم قال: يعني أن المانع، وهو عدم الصلاحية، متحقق إلا أن الوعد يحرض عليه، ولولاه لامتنع. ثم قال: قوله هذا الكلام صادر لا عن تفكر وتبصر؛ لأن سياق كلام المصنف في قوله: " غير أن الحوادث " ينفر عن ذلك أو يأباه، إلى ما نادى بأعلى صوته في قوله: " والاعتبار بالأمثال من صفة الرجال " مثبت للصلاحية مدعيا كماله، فإذا حققت ما بينته قبيل هذا عرفت مزل قدم الشارح. قلت: أراد بهذا الحط على صاحب " النهاية وتاج الشريعة "، وكلامه هو صادر عنه غير منكر؛ لأن قوله: " غير أن الحوادث " كيف ينفر عن ذلك؟ وأي دليل من أنواع الدلالات يدل على ذلك؟ لأنه الذي يقتضيه فحوى التركيب ومعنى التركيب الوجهان اللذان ذكرناهما، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر في الوجه الذي ذهب إليه صاحب " النهاية وتاج الشريعة " لدلالة السياق عليه، فافهم. م: (فشرعت فيه) ش: أي في الشرح المسمى ب " كفاية المنتهي ". والفاء للسببية، وذلك لأن وعده كان سببا لشروعه فيه. م: (والوعد يسوغ بعض المساغ) ش: يسوغ، أي يجوز. يقال: ساغ له ما فعل: أي جاز له. وأنا سوغت له، أي: جوزته. والمساغ بفتح الميم، مصدر ميمي بمعنى المسوغ أي التجويز. والجملة وقعت حالا من التاء في " شرعت ". فإن قلت: الجملة الحالية تحتاج إلى ضمير يرجع إلى ذي الحال. قلت: يجوز خلاء الجملة الحالية عن الضمير إذا أجريت مجرى الظرف لابتعاد الشبه بينهما حينئذ، ونحو قولك: أتيتك والجيش قادم، والمعنى: أتيتك هذا الوقت. والظرف لا يفتقر إلى ضمير عائد منه إلى ما تقدمه، فكذا ما أجري مجراه. وكذلك حكم الجملة الواقعة خبرا عن ضمير الشأن على ما تقرر في موضعه. قوله: " بعض المساغ ": كلام إضافي منصوب بقوله: " يسوغ ". وقال الشيخ قوام الدين: و " بعض المساغ " منصوب على أنه مفعول مطلق، مثل قوله تعلى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح: 17] (نوح: الآية 17) ، فقرن بالفعل غير مصدره كما في الآية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وحين أكاد أتكئ عنه اتكاء الفراغ   [البناية] قلت: ليس الأمر كذلك من وجهين: الأول: أنه يلزم، على ما ذكره، أن تكون لفظة " بعض " في حكم المطروح، وليس كذلك. بل هو مقصود بالذكر؛ لأنه أشار به إلى أن الوعد بالتبرع ليس موجبا؛ لأنه يجوز حينا. والمصنف أشار إلى ذكر ذلك بقوله: وتحقيقه إن موعدي بعض الجائزات والممكنات، فمن الجوائز وقوع بعض الممكنات وإن لم يقع موعدي؛ لأنه بعض الممكنات لا كلها، فلأجلها شرعت في الشرح رجاء أن يكون موعدي من ذلك البعض الواقع. فإذا كان كذلك كيف يكون انتصاب " بعض المساغ " على أنه مفعول مطلق؟ بل هو منصوب على أنه مفعول به. ومع هذا يلزم على تقدير هذا أن يقرأ يسوغ بالتخفيف دون التشديد. الوجه الثاني: أن تمثيله بالآية غير صحيح؛ لأن نباتا واقع مفعولا لقوله أنبتكم على معنى " إنباتا " وليس وقع لفظ المساغ، هاهنا، مفعولا لقوله: " يسوغ "، وإنما المفعول هاهنا لفظة " بعض " على ما ذكرنا، والمفعول هاهنا مفعول به، والذي في الآية مفعول مطلق فكيف تتحقق المماثلة بينهما؟!. م: (وحين أكاد أتكئ عنه اتكاء الفراغ) ش: بين هذا الكلام وبين ما قبله من السجع المطرف، ولهذا قدم لفظة " عنه "؛ لأجل السجع، وإلا فحقه أن يقال: أتكئ اتكاء الفراغ عنه. قوله: " أكاد ": من أفعال المقاربة، يقال، كاد يفعل كذا يكاد كودا ومكايدة أي قارب ولم يفعل. ول " كاد " اسم وخبر، إلا أن خبره يجب أن يكون فعلا مضارعا متأولا باسم الفاعل، نحو: كاد زيد يخرج، الأصل: كاد زيد خارجا. ويستعمل بغير " أن "، وربما يستعمل استعمال عسى في إثبات " أن " بعدها. قال الشاعر: قد كاد من طول البلى أن يمحصا وقد يستعمل عسى بغير " أن " كما في كاد. قال الشاعر: عسى الهم الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب قوله: " أتكئ عنه ": أي عن الشرح. يقال: اتكأ عن الشيء فهو متكئ، والموضع متكأ. وقال صاحب " النهاية ": عدى الاتكاء ب " عن "، وإن كان هو يعدى ب " على "، لتضمين معنى الفراغ، كما في قَوْله تَعَالَى: {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة: 260] (سورة البقرة: آية 260) على تضمين معنى الإمالة، وتبعه على ذلك صاحب " الدراية ". وقال الشيخ قوام الدين: فيه نظر؛ لأنه حينئذ يكون معناه: أفرغ عنه فراغ الفراغ، وهو كما ترى فاسد من العبارة. وصح عندي أنه من باب التقديم والتأخير، أي: اتكاء الفراغ عنه أي عن الشرح وهو " الكفاية ". وتبعه على ذلك الشيخ أكمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 تبينت فيه نبذا من الإطناب، وخشيت أن يهجر لأجله الكتاب فصرفت العنان والعناية   [البناية] الدين. ويمكن أن يقال: التضمين صحيح، والفراغ يكون بمعنى الفارغ، لما يقال: رجل عدل بمعنى عادل، للمبالغة، فلا يلزم ما ذكر من المحذور. م: (تبينت فيه نبذا من الإطناب وخشيت أن يهجر لأجله الكتاب) ش: أي: علمت فيه، هكذا فسره الشراح. وأصل معناه. الظهور. يقال: بان الشيء بيانا: اتضح فهو بين، وكذلك أبان الشيء فهو مبين. وأبنته أنا أي: أوضحته، واستبان الشيء: ظهر. وتبينته أنا، بتقدير هذا الثلاثة ولا تتعدى. والتبيين: الإيضاح والوضوح. وفي المثل: قد بين كذا أي: تبين. قوله: " فيه ": أي في الشرح المذكور. قوله: " نبذا ": بفتح النون، وسكون الباء الموحدة، وفي آخره ذال معجمة، أي: شيئا يسيرا. ويقال: أصاب الأرض نبذا من مطر، أي: شيئا يسيرا. والإطناب: من أطنب في الكلام: إذا بالغ فيه. وفي الاصطلاح: الإطناب: أداء المقصود بأكثر من العبارة المتعارف بها. قوله: " أن يهجر ": أي: يترك، قال الجوهري: هجر، أي: ترك. قوله: " لأجله ": أي لأجل الإطناب. وقوله: " تبينت " عامل في قوله " حين ". وقوله " أتكئ ": جملة خبر " كاد ". وقوله: " اتكاء الفراغ ": كلام إضافي منصوب على المصدرية. قوله: " نبذا " مفعول تبينت، وقوله: " أن يهجر " في محل نصب على المفعولية، و " أن " مصدرية. و " خشيت أن يهجر لأجله الكتاب " أي: يترك لأجل الإطناب. م: (فصرفت العنان والعناية) ش: الفاء للسببية. و " صرفت " من الصرف، وهو الرد. يقال: صرف الله عنك الأذى، أي: رده. والمعنى هاهنا وجهت. " والعنان " بالكسر مفعول " صرفت "، وهو في الأصل، عنان الفرس، ولكن أراد به هاهنا عنان خاطره. " والعناية ": اسم من عنى يعني، من باب ضرب يضرب. يقال: عنيت بالقول كذا، أي: أردت. ويقال عني عناء وتعنى عنيا، ومعناه: دعني، وعنا يعنو عنوا وعنيا، معناه: خضع. والمعنى هاهنا: عناية القلب. ويقال: أراد بالعنان: الظاهر، وبالعناية: الباطن، ويقال " أراد بالعنان العلم، وبالعناية القلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 إلى شرح آخر موسوم ب " الهداية "، أجمع فيه بتوفيق الله تعالى بين عيون الرواية، ومتون الدراية، تاركا للزوائد في كل باب، معرضا عن هذا النوع من الإسهاب، مع ما أنه يشتمل على أصول ينسحب عليها فصول   [البناية] م: (إلى شرح آخر موسوم ب " الهداية ") ش: إلى متعلق بقوله " صرفت ". و " آخر ": على وزن أفعل غير منصرف، للصفة ووزن الفعل. " موسوم ": أي يسمى. وهذا بالجر صفة الشرح. و" موسوم " من وسم يسم وسما وسمة. وسمته: إذا أثرت فيه بشيء. والهداية في الأصل مصدر، لكن جعلت هاهنا عملا للكتاب. م: (أجمع فيه) ش: أي في شرح آخر، الذي سماه " الهداية "، وهو جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه، ومحلها النصب على الحال من الضمير الذي في " صرفت "، وهو من الأحوال المقدرة. م: (بتوفيق الله تعالى) ش: أي تيسيره وعونه. م: (بين عيون الرواية ومتون الدراية) ش: العامل في " بين " أجمع. والعيون " جمع عين الشيء، أي: خياره، وأراد به ما ينقل عن العلماء من المسائل المجازة. " والرواية ": مصدر: روى. " والمتون ": جمع متن الشيء، أي: قوته. ومنه سمي الظهر متنا؛ لأن بالظهر قوة البدن وقوامه. يقال: متن الشيء متنا، وبالضم متانة فهو متين: إذا صلب، " والدارية ": مصدر درى، وأراد ما يستنبط من العلوم. والحاصل أن عيون الرواية التي اختارها العلماء، ومتون الدراية المعاني المؤثرة والنكات اللطيفة. م: (تاركا للزوائد في كل باب، معرضا عن هذا النوع من الإسهاب) ش: " تاركا ": حال من الضمير الذي في " أجمع "، وكذلك " معرضا ": حال، إما من المتداخلة أو من المترادفة، والمراد من " الزوائد " الفروع الأخر التي ذكرها غيره معرضا. وأشار بقوله: " عن هذا النوع من الإسهاب " إلى ما وقع في " كفاية المنتهي " من الإسهاب أي: الإكثار في الكلام. يقال: أسهب الرجل: إذا أكثر من الكلام، فهو مسهب بفتح الهاء، ولا يقال بكسرها وهو نادر وخارج عن القانون. وأسهب الفرس: اتسع في الجري والسبق. وبين " الباب " و " الإسهاب " جناس أيضا كما بين الرواية والدراية. م: (مع ما أنه يشتمل على أصول ينسحب عليها فصول) ش: كلمة " مع " للمصاحبة. " وما " مصدرية. فإن قلت: " مع " اسم أو حرف؟. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وأسال الله أن يوفقني لإتمامها، ويختم لي بالسعادة بعد اختتامها حتى إن من سمت همته إلى مزيد الوقوف يرغب في الأطول والأكبر،   [البناية] قلت: اسم، بدليل دخول التنوين عليها في قولك " معا "، وتسكين عينها لغة تميم، وربيعة، بلا ضرورة خلافا لسيبويه، وتستعمل مضافة، وتكون ظرفا، ولها حينئذ ثلاثة معان: أحدهما: موضع الاجتماع، ولهذا يكنى بها عن الذوات، نحو: {وَاللَّهُ مَعَكُمْ} [محمد: 35] (سورة محمد: الآية 24) . والثانية: مرادفة عند. والثالثة: زمانية، نحو: جئتك مع العصر. وهاهنا على المعنى الأول، والتقدير: مع شمول الذي أجمعه على أصول تنسحب عليها فصول من الفروع. وشمل، بفتح الميم، من شملهم الأمر: إذا عمهم، " والأصول ": جمع أصل، وهو ما يبنى عليه غيره. وينسحب: من سحبت ذيلي فانسحب، أي: جررته فانجر. " والفصول ": جمع فصل، وهو في اللغة: القطع، يقال: فصلت بين الشيئين: إذا فرقت بينهما. وأراد بالفصل هاهنا، الحاجز بين الحكمين في الفروع التي يوردها في كتابه. وبين الأصول والفصول جناس. م: (وأسأل الله أن يوفقني لإتمامها، ويختم لي بالسعادة بعد اختتامها) ش: أسأل، جملة دعائية ولا محل لها من الإعراب. و " أن يوفقني ": في محل النصب على المفعولية. و " أن " مصدرية، والتقدير: أسأل الله التوفيق، وقد مر تفسيره من [قبل] . قوله: " ويختم " عطف على " يوفقني ". و " بعد ": نصب على الظرفية، والعامل فيه قوله: " يختم " وفيه من السجع والتزيين للكلام. م: (حتى إن من سمت همته إلى مزيد الوقوف يرغب في الأطول والأكبر) ش: حتى للغاية في الأصل، ولكن هاهنا فيها معنى التعليل، وليست للجر بدليل " إن " بعدها بالكسر، ولو كانت للجر لفتحت همزة " إن "؛ لأن القاعدة أن حرف الجر إذا دخلت على إن فتحت همزتها، نحو: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} [الحج: 6] (الحج: الآية 6) . فإن قلت: هذا يرتبط بماذا؟ قلت: بقوله: " فصرفت العنان والعناية "، ويجوز أن يرتبط بقوله: " تاركا للزوائد، في كل باب معرضا عن هذا النوع من الإسهاب "، وذكر هاهنا شيئين: تركه للزوائد، وإعراضه عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 ومن أعجله الوقت عنه يقتصر على الأقصر والأصغر، وللناس فيما يعشقون مذاهب، والفن خير كله.   [البناية] التطويل، وذكر في مقابلتهما شيئين: الرغبة في الأطول والأكبر، والاقتصار على الأقصر والأصغر. وأشار إلى [أن] من كانت همته عالية يرغب في الفصل الأول، ومن كانت همته قاصرة يقتصر على الفصل الثاني. قوله: " سمت ": أي: علت، من السمو وهو العلو. (والهمة) ، بكسر الهاء: ما يهم فيه الرجل بقلبه وقالبه. وجاء الفتح في الهاء. قوله: " مزيد الوقوف ": أي زيادة الوقوف على الأقسام العسيرة من الفروع. قوله: " يرغب ": من رغب في الشيء: إذا أراده، رغبة ورغبا بالتحريك، وارتغب فيه مثله. ورغب عن الشيء: إذا لم يرده. ومحل " يرغب " الرفع؛ لأنه خبر لقوله " من سمت " والأطول يقابله الأقصر، والأكبر يقابله الأصغر، والأشياء تتبين بضدها. م: (ومن أعجله الوقت عنه يقتصر على الأقصر والأصغر) ش: أعجله بمعنى عجله أي: استحثه عن أن يريد الوقوف. وفيه من محاسن الكلام اشتماله على الطباق، ويسمى المطابقة: وهي الجمع بين المتضادين، يعني معنيين متقابلين في الجملة، فإن ذكر الأطول وذكر ما يقابله وهو الأقصر، وذكر الأكبر وذكر ما يقابله وهو الأصغر من هذا الباب. وفيه من المحاسن اشتماله على الجمع. وفيه أيضا إسناد مجازي، وهو إسناد أعجل إلى الوقت، وهو مجاز عقلي، كما في قوله: " قيام الليل وصيام النهار ". وأشار بهذا الكلام إلى أن طلاب العلم على قسمين: أحدهما: من همته عالية لا يقنع بالقليل منه، والآخر: من همته قاصرة يقنع باليسير منه. ويجوز أن تكون هذه القسمة من جهة سعة الوقت وضيقه على ما [لا] يخفى. ومن مذهبي حب الديار لأهلها. م: (وللناس فيما يعشقون مذاهب والفن خير كله) ش: هذا شطر بيت وقبله: " ومن عادتي حب الديار لأهلها " وهو من قصيدة بائية من الطويل قالها أبو فراس واسمه همام، وقيل هميم بالتصغير ابن غالب التميمي، وفرزدق لقبه لقب به؛ لأنه كان جهم الوجه، والفرزدق في الأصل قطع العجين واحدتها فرزدقة، وقيل لقب به لفظه وقصره شبه القنينة التي يشير بها النساء وهي الفرزدقة، والأول أصح؛ لأنه أصابه جدري في وجهه ثم برأ منه فتبين وجهه جهما متقطبا، توفي بالبصرة سنة عشر ومائة، وأشار بهذا البيت إلى أن الناس لهم أهواء مختلفة، ولهم فيما يميلون إليه مذاهب وطرق مختلفة في كل فن من الفنون، ولهذا أشار إليه بعد ذلك بقوله: " والفن كله خير " أراد به إن كل فن من أي فن كان الذي يميل إليه الشخص هو خير عنده في زعمه، وإن كان غير خير عند غيره؛ لأنا ذكرنا أن الناس لهم أهواء مختلفة وهي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 ثم سألني بعض إخواني أن أملي عليهم المجموع الثاني   [البناية] فنون كلها خير بالنسبة إلى ما في زعم أصحابها، ألا ترى كيف قال الفرزدق ومن عادتي حب الديار لأهلها حيث جعل حب الديار لأجل أصحابها ملة وعادة، وذلك خير بالنسبة إلى ما في زعمه، وإن كان ذلك غير خير عند غيره، وقالت الشراح هاهنا: إنه لما قال من سمت همته إلى مزيد الوقوف إلى آخره، حرض بعد ذلك بقوله: والفن خير كله، فكأنه قال علم الفقه كله خير، فإن شئت فارغب في الأطول والأكبر كشفا وتأصيلا، وإن شئت فارغب في الأقصر والأصغر حفظا وتحصيلا، أو معناه حسن العلم فارغب في ذا أو في ذاك، أو معناه حسن العلم فارغب في أي نوع شئت. قلت: الذي دعاهم إلى هذا كونهم جعلوا قوله: " والفن خير كله " مرتبطا بقوله: " من سمت همته إلى آخره " والذي يظهر لي أنه مرتبط بشطر البيت الذي ذكره فكأنه يحرض بذلك إلى تحصيل فن من الفنون؛ لأن الفنون كلها خير، ولكن القرينة الحالية والمقالية دلت على أن مراده تحريضه وترغيبه في فن مخصوص متن وهو علم الفقه؛ لأنه بصدد بيانه فافهم، ثم الفن واحد الفنون، وهي الأنواع وإلا فالأساليب وهي أجناس الكلام، وطرقه وقوله " خير " بفتح الخاء وسكون الياء يقال: رجل خير وخير وكذلك امرأة خيرة وخيرة، وهذا لا يراد به أفعل فإن أريد به أفعل التفضيل يقال: فلان خير الناس وفلانة خير الناس وهؤلاء خير الناس فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث قوله " كله " من ألفاظ التوكيد المعنوية فلا يؤكد به إلا المعرفة وقال الأخفش والكوفيون يؤكد به النكرة أيضا إذا كانت محدودة ويجب إضافتها إلى اسم مضمر راجع إلى المؤكد نحو قَوْله تَعَالَى: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] (الحجر: الآية 30) فإذا أضيفت إلى المعرفة كانت لعموم الأفراد، وإذا أضيفت إلى النكرة كانت لعموم الأجزاء، فعلى هذا إذا قلت كل زمان مأكول يصح؛ لأن المعنى كل فرد من أفراد الزمان مأكول، وهذا لا يصح كما ترى، وعن هذا قالت النحاة: كل اسم موضوع لاستغراق أفراد النكرة نحو: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] (سورة آل عمران: آية 185) ، والمعرف كالمجموع نحو " كنتم " آية وأجزاء المفرد المعرف نحو كل زيد حسن، فإذا قلت: أكلت كل الرغيف لزيد كانت لعموم الأفراد فإذا أضيف الرغيف إلى زيد صارت لعموم أجزاء فرد واحد، وقوله: " الفن " مبتدأ، وخبره قوله " خير "، وقوله " كله " تأكيد للفن والمعنى كل فرد من أفراد الفن خير والألف واللام فيه إما للجنس فالمعنى أي فن كان من الفنون، وإما للعهد فالمعنى فن الفقه أي علم الفقه كله خير. م: (ثم سألني بعض إخواني أن أملي عليهم المجموع الثاني) ش: " بعض إخواني " كلام إضافي مرفوع؛ لأنه فاعل سألني، وهو جمع أخ وأراد به الأخ في الدين، وإنما قال: " بعض إخواني "؛ لأنه لا يمكن السؤال من إخوانه كلهم؛ لأن المؤمنين شرقا وغربا إخوانه في الدين، قال الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 فافتتحته مستعينا بالله تعالى في تحرير ما أقاوله متضرعا إليه في التيسير لما أحاوله   [البناية] تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] (الحجرات: الآية 10) . قوله: " أن أملي عليهم " من الإملاء يقال أمليت الكتاب وأملي وأمليت لغتان جيدتان جاء بهما القرآن، وكلمة " أن " مصدرية تقديره سألني بعض إخواني إملاء المجموع الثاني عليهم، والمراد " الهداية " فكأنه بعد صرف العناية إليه لم يشرع فيه حتى سأله بعض إخوانه الإملاء عليهم، وروي أنه بقي في تصنيفه ثلاث عشرة سنة، فكأنه كان يملي عليهم في أثناء تلك المدة، وكان يصوم في تلك المدة ولا يفطر أصلا، وكان لا يطلع على صومه أحدا حتى إن خادمه كان يأتي إليه بطعام وكان يقول له ضع واذهب أنت فإذا مضى كان يطعمه أحدا من الطلبة وغيرهم، فببركة هذا الزهد صار كتابه مقبولا بين العامة والخاصة وبلغ حيث ما بلغ الإسلام. م: (فافتتحته مستعينا بالله في تحرير ما أقاوله) ش: الفاء فيه تصلح أن تكون للسببية، ومستعينا حال من الضمير المرفوع في افتتحته قوله: " في تحرير ما أقاوله " أي في تخليص ما أقاوله وتقويمه، والمقاولة القول من الجانبين، يقال: قاول يقاول كدارس يدارس، وأشار بهذا إلى زيادة مقاساة في القول؛ لأنها من باب المفاعلة. م: (متضرعا إليه في التيسير لما أحاوله) ش: إليه أي إلى الله تعالى، و " متضرعا " حال مثل " مستعينا " ويجوز أن تكون في الأحوال المتداخلة و " التضرع " طلب الحاجة على وجه المسكنة، يقال: ضرع الرجل ضراعة أي خضع وذلك وأضرعه غيره، وتضرع إلى الله ابتهل، قوله: لما أحاوله: من المحاولة، يقال: حاولت الشيء إذا أراد به، المحاولة طلب الشيء بحيلة ومنه الحديث: " اللهم بك أحاول "، أي بنصرك، وتوفيقك أدفع عني كيد العدو وأطلب الوثوب إليهم. وفيه من محاسن الكلام حسن الأسجاع المذكورة ومنها الازدواج بين " أقاوله " و " أحاوله " ومنها المبالغة في البيان بالتفصيل بعد الإجمال، ليكون إشارة إلى عملين فالعملان خير من عمل واحد، وذلك في قوله: " في التيسير لما أحاوله " حيث لم يقل في تيسير ما أحاوله بالإضافة فيه إشارة إلى ما ذكرنا وقصدا للمبالغة بخلاف قوله: " في تحرير ما أقاوله " حيث ذكره بالإضافة؛ لأن المبالغة حاصلة من صيغة المقاولة. فإن قلت: فكذلك المبالغة حاصلة في صيغة المحاولة. قلت: لا نسلم ذلك؛ لأن المفاعلة فيه ليست على بابها كما في قَوْله تَعَالَى: {وَسَارِعُوا} [آل عمران: 133] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 إنه الميسر لكل عسير وهو على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل.   [البناية] (سورة آل عمران: آية 133) بمعنى أسرعوا، وسافر الرجل بمعنى سفر. م: (إنه المسير لكل عسير وهو على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير) ش: أي إن الله عز وجل هو الميسر لكل أمر صعب. قوله " قدير " وقوله " جدير " خبر مبتدأ محذوف تقديره " وهو بالإجابة جدير ": أي لائق، يقال فلان جدير بكذا أي خليق، وأنت جدير أن تفعل كذا والجمع جدر أو جديرون وفيه حسن التعليل، وهو قوله: " إنه الميسر " لأنه وقع موقع التعليل، يعني إنما فتحت إملاء " الهداية " مستعينا بالله لأنه الميسر لكل عسير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 كتاب الطهارات   [البناية] [كتاب الطهارات] [تعريف الوضوء] م: (كتاب الطهارات) ش: الكتاب والكتابة في اللغة جمع الحروف من الكتب، وهو الجمع، تقول: كتبت البلغة إذا جمعت بين شفريها بحلقة، أو سير من كتب يكتب من باب نصر ينصر، ويكتب من باب ضرب يضرب وكتبا كتابة، وكتبت القرية إذا أحرزتها فهي كتيب، والكتيبة بالضم الحرزة، والكتيبة الجيش، وكتبت الخيل إذا اجتمعت، والكتابة تصوير اللفظ بحروف هجائية؛ لأن فيها جمع الحروف والكلمات، والكتاب العرض، والحكم، والقدر، قال النابغة الجعدي: يا بنت عمي كتاب الله أخرجني ... عنكم وهلا متعن الله ما فعلا ويقال: أراد بالكتاب هاهنا المكتوب مجازا، كالحساب بمعنى المحسوب، ويقال في تعريف الكتاب: الكتاب طائفة من المسائل الفقهية اعتبرت مستقلة، اشتملت أنواعا أو لم تشتمل، فقوله: " طائفة " كالجنس، وقوله " من المسائل الفقهية " اخرج به غيرها، وقوله: " اعتبرت مستقلة " أي مع قطع النظر عن تبعيتها للغير أو تبعية غيرها إياها، ليدخل فيه هذا الكتاب، فإنه تابع للصلاة ويدخل كتاب الصلاة فإنه مستتبع للطهارة، وقد اعتبرا مستقلين. أما كتاب الطهارة فلكونه المفتاح، وأما كتاب الصلاة فلكونه المقصود الأصلي، فظهر من هذا أن اعتبار الاستقلال قد يكون لانقطاعه عن غيره ذاتا، كانقطاع كتاب " اللقطة " عن كتاب " الآبق "، وكتاب " المفقود " وانقطاعها عن كتاب الصلاة والزكاة، وقد يكون لمعنى يؤثر ذلك كانقطاع الصرف عن " البيوع "، و " الرضاع " عن " النكاح " و " الطهارة " عن " الصلاة " كما ذكرنا. وقوله: " اشتملت أنواعا أو لم تشتمل " لدفع قول من يقول: الكتاب جنس يدخل تحته أنواع من الجملة، وكل نوع يسمى بالباب والباب اسم لنوع مشتمل على أشخاص تسمى فصولا فإن الكتاب قد يكون كذلك، وقد لا يكون، فإن من الكتب ما لم يذكر فيه لا باب ولا فصل، " ككتاب اللقطة واللقيط " و " الآبق " وغيرهما على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، فلو لم يذكر ذلك ربما توهم ذلك، فذكره دفعا لذلك. الطهارة: في اللغة النظافة، وفي الاصطلاح: عبارة عن صفة تحصل لمزيل الحدث والجنب عما تعلق به الصلاة سواء كان طبعا أو شرعا. فإن قلت:، ذكر أو في الحدود لا يجوز. قلت: أو هاهنا ليست بمانعة الجمع، فلا يضر الحد، وإنما قال: عما تعلق به الصلاة ليتناول المكان فإن طهارته شرط على ما سيأتي. قال صاحب " الدراية ": الطهارة لغة النظافة، وشرعا نظافة الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: هذا تعريف غير صحيح؛ لأن الطهارة أعم من الوضوء والتعريف المذكور لا يطلق إلا على الوضوء. 1 - والوضوء نوع من أنواع الطهارة. وهي على وزن فعول بضم الفاء من الوضاءة وهي الحسن. قال الجوهري: الوضاءة الحسن والنظافة، تقول منه: وضاء الرجل، أي صار وضيئا، وتوضأت للصلاة، ولا تقول توضيت، وبعضهم يقول ذلك. والوضوء بالفتح: الماء الذي يتوضأ به. والوضوء أيضا مصدر من توضأت للصلاة، مثل الولوع والقبول. وقال اليزيدي: الوضوء: بالضم المصدر، وحكي عن أبي عمرو بن العلاء القبول بالفتح مصدر لم يسمع غيره، وذكر الأخفش في قَوْله تَعَالَى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6] (التحريم: الآية 6) فقال: الوقود بالفتح هو الحطب، والوقود بالضم الإيقاد وهو الفعل، قال: ومثل ذلك الوضوء وهو الماء، والوضوء وهو الفعل، ثم قال: وزعموا أنهما لغتان بمعنى واحد، تقول الوقود والوقود ويجوز أن يعني بهما الحطب ويجوز أن يعني بهما الفعل، وقال غيره: القبول والولوع مفتوحان وهما مصدران شاذان وما سواهما من المصادر فمبني على الضم، وفي اصطلاح الشريعة هو غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس، ويقال: هو عبارة عن غسل أعضاء مخصوصة، ومسح عضو مخصوص. فإن قلت: لم اختار لفظ الجمع في الطهارات دون المفرد، كما ذكره غيره. قلت: للتصريح بإرادة أنواع الطهارة؛ لأنه لو ذكرها بلفظ الإفراد لكان فهم الأنواع على سبيل الاحتمال لا القطع؛ لأن الجنس واقع على الأدنى مع احتمال الكل. فإن قلت: إذا دخلت الألف واللام على الجمع تبطل الجمعية وتكون للجنس أيضا فأي فائدة في جمعها حينئذ. قلت: هذا فيه خلاف على ما تقرر في موضعه فيجوز أن يكون المصنف أراد به مطلق الجمع كما هو مذهب البعض في اللام إذا دخلت في الجمع. فإن قلت: الطهارة مصدر فلا يثنى ولا يجمع. قلت: إذا أريد به النوع يجوز أن يجمع. فإن قلت: فلم لم يجمع الصلاة والزكاة ونحوهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: هذا لا يتمشى فيهما، أما الصلاة فلأنها متحدة أنواعها؛ لأنها عبارة عن الأركان المعهودة، وأما الزكاة فإنها عبارة عن إيتاء الربع من العشر وهو واحد، بخلاف الطهارة، فإن أنواعها مختلفة كما يرى من اختلاف طهارة الحدث، والجنب، والطهارة بالتيمم، ولا ترد علينا صلاة الجنازة؛ لأنها ليست بصلاة حقيقة لأنها دعاء، ولهذا جازت ركوبا قياسا استحسانا، ويجوز بالتيمم عند وجود الماء حتى إن الشعبي لم يشترط فيها الطهارة أصلا. وقوله: " كتاب الطهارة " كلام إضافي مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هذا كتاب الطهارة، ويجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر أي كتاب الطهارة هذا، ويجوز أن ينصب الكتاب على تقدير هات كتاب الطهارات، أو خذه، أو نحو ذلك. فإن قلت: ما هذه الإضافة؟ قلت: إضافة معنوية بمعنى في، أي: هذا كتاب في الطهارات أي في بيانها؛ لأن الكتاب ليس في نفس الطهارة، ويجوز أن تكون بمعنى اللام للاختصاص وإنما قدم العبادات على غيرها من المعاملات والزواجر لكونها أهم؛ لأن العبادة هي التي تحقق معنى العبودية وما خلق الثقلان إلا لهذا، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] (الذاريات: الآية 56) . فإن قلت: لم قدم الصلاة على غيرها من العبادة؟ قلت: لأنها ثانية الإيمان في الكتاب والسنة، ولأنها عماد الدين، والبيت لا يقوم إلا على الأعمدة. فإن قلت: الأصل في العبادات الإيمان، فكان ينبغي أن يقدم. قلت: هو متعلق بعلم الكلام، وهو علم مستقل بذاته فذكره هنالك أولى، وتقديم الطهارة على الصلاة؛ لأنها شرط الصلاة، وشرط الشيء يسبقه وجملته تعقبه، والشرط ما يتوقف على وجوده الشيء، ولا يكون منه فبالضرورة يكون مقدما على المشروط، فقدم عليه أيضا وضعا ليوافق الوضع الطبع، وتقديمها على سائر الشروط كاستقبال القبلة وستر العورة ونحوهما لأنها لا تسقط بالأعذار بخلاف غيرها، ولأن الله تعالى استقصى في بيانها ما لم يستقص في غيرها فكان التقديم بها أهم، وإنما قدم بيان الوضوء الذي هو طهارة صغرى على الغسل الذي هو طهارة كبرى، إما اقتداء بالكتاب العزيز، فإنه ذكر على هذا الترتيب، وإما باعتبار شدة الاحتياج إلى علم الوضوء باعتبار كثرة دورانه. 1 - فإن قلت: ما سبب الوضوء؟ قلت: عند الظاهرية القيام إلى الصلاة لظاهر النص؛ لأنه يقتضي وجوب الطهارة بعد القيام إلى الصلاة؛ لأنه جعل القيام إليها شرطا لفعل الطهارة، وحكم الجزاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أن يتأخر عن الشرط، ألا ترى أن من قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق، إنما يقع الطلاق بعد الدخول، وهذا لا خلاف فيه بين أهل اللغة؛ لأنه مقتضى اللفظ، وحقيقته فعلى هذا كل من قام إلى الصلاة فعليه أن يتوضأ. قلت: هذا باطل «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتوضأ لكل صلاة فلما كان يوم الفتح صلى خمس صلوات بوضوء واحد، فقال له عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: رأيتك اليوم تفعل شيئا لم تكن تفعله، فقلا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " عمدا فعلت، كيلا تحرجوا» والحديث أخرجه مسلم من طريق مسلم بن يزيد عن أبيه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الصلوات الخمس يوم الفتح بوضوء واحد ومسح على خفيه، فقال له عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه، فقال: " عمدا صنعته يا عمر» رواه الترمذي أيضا، ولفظه: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ لكل صلاة، فلما كان عام الفتح صلى الصلوات الخمس كلها بوضوء واحد.» الحديث، وأخرجه الطحاوي نحو رواية مسلم، فدل هذا على أن القيام إلى الصلاة غير موجب للطهارة إذ لم يجدد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طهارة لكل صلاة، فثبت بذلك أن في الآية مقدرا يتعلق به في إيجاب الوضوء وهو: إذا قمتم إلى الصلاة من مضاجعكم، وروى الطحاوي في " معاني الآثار " وأبو بكر الرازي في " الأحكام "، والطبراني في " الكبير " من طريق جابر بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم «عن عبد الله بن علقمة عن أبيه قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أجنب أو أهرق الماء إنما نكلمه فلا يكلمنا ونسلم عليه فلا يرد علينا.. حتى نزل قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) » ، فدل هذا الحديث على أن الآية نزلت في إيجاب الوضوء من الحدث عند القيام إلى الصلاة، وأن التقدير في الآية في إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم محدثون. فإن قلت: حديث جابر الجعفي غير ثابت، فلا يتم به الاستدلال. قلت: لا نسلم ذلك؛ لأن سفيان يقول: كان جابر ورعا في الحديث، ما رأيت في الحديث أورع منه، وعن شعبة: هو صدوق في الحديث، وقال: هذا الحديث مطلقا للدوران وجودا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وعدما، وهو أيضا باطل؛ لأنا نعلم أن الدوران دليل الغلبة ولئن سلمنا لكن لا نسلم أن الدوران وجودا موجود؛ لأنه قد يوجد الحديث ولا يجب الوضوء ما لم تجب الصلاة بالبلوغ ودخول الوقت، وعندنا هو الصلاة بدليل الإضافة إليها وهي أمارة السببية لكن شرطه الحدث؛ لأنه تعالى ذكر التيمم معلقا بالحدث والنص في البدل نص في الأصل؛ لأنه لا يفارقه بشرط وسببه هكذا ذكره الشيخ حافظ الدين النسفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - واعترض عليه الشيخ قوام الدين، وقال: لا نسلم أن البدل لا يفارق الأصل بشرطه وسببه وقد فارقه في النية وهي شرط في التيمم دون الوضوء. قلت: هو عين النية؛ لأن التيمم في اللغة عبارة عن القصد، قال الشاعر: وما أدري إذا يممت أرضا ... أريد الخير أيهما يسلني أي: إذا قصدت والقصد هو عين النية، فإذا كان كذلك كيف يطلق على النية أنها شرط التيمم والحال أن شرط الشيء خارج عن ذاته فإذا سقط الاعتراض المذكور. فإن قلت: قد صرح بذكر الحدث في الغسل والتيمم دون الوضوء فعلم بذلك أن الحدث هو سبب الوضوء. قلت: السبب الصلاة، وشرطه الحدث، لما ذكرنا، ولقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ} [المائدة: 6] ، أي من مضاجعكم وهو كناية عن النوم، وهو الحدث، وأما التصريح بذكر الحدث في الغسل والتيمم دون الوضوء فليعلم أن الوضوء يكون سنة وفرضا والحدث شرط في الفرض دون السنة؛ لأن الوضوء على الوضوء نور على نور، والغسل على الغسل، والتيمم على التيمم ليس كذلك، وهو المشهور فيهما عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قال المتولي من الشافعية: في موجب الوضوء: ثلاثة أوجه: أحدها: الحدث، فلولاه لا يجب. الثاني: القيام إلى الصلاة؛ لأنه لا يتعين عليه قبله. الثالث: وهو الصحيح عند المتولي وغيره أنه يجب بهما ثم الحدث يحل جميع البدن في وجه كالجنابة حتى منع من مس المصحف بظهره وبطنه والاكتفاء بغسل الأعضاء الأربعة تخفيف، وفي وجه يختص بالأربعة وعدم جواز المس لعدم طهارة جميع البدن بالنجاسة الحقيقية وفي الأصح اختلاف عندهم، فقال الشافعي: العموم، وقال النووي وغيره: الاختصاص ورجحه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] النووي. فإن قلت: ما الحكمة في تخصيص الأعضاء الأربعة في الوضوء قلت لأن الله تعالى لما نهى آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الجنة عن قربان تلك الشجرة وتناولها صارت هذه الأعضاء الأربعة مذنبة فمن الرجلين المشي ومن اليدين فإن قلت: كان ينبغي أن تجب المضمضة أيضا؛ لأن الفم حصل منه ما حصل. قلت: آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ما كان ممنوعا من الأكل، وإنما كان ممنوعا من القربان إليها بقوله: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة: 35] (البقرة: الآية 35) ولم يحصل من الفم القربان بخلاف الأعضاء المذكورة، وقيل فعل الفم كان بعد حصول ما حصل من آدم، فلم يكن له ذنب، وقيل: إنما لم يجب غسل الفم لأن مطهر الأبدان قد طهره، وهو قول: " لا إله إلا الله محمد رسول الله "، وطهارة جميع الأعضاء بالفم واللسان، ألا ترى أن الكافر إذا لم يقل ذلك يسمى نجسا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] (سورة التوبة: الآية 28) . فإن قلت: ما الحكم في تخصيص الأعضاء الثلاثة بالغسل والرأس بالمسح قلت الرأس لم يحصل منه شيء في قضية القربان فلم يبين له الغسل ولذا اختص بالمسح باليد المقترفة إليه وذلك كما ذكرنا أنه وضع يده على رأسه لما أصابه من الغم، وقيل: إنما اختصت هذه الأعضاء الأربعة أما الوجه فلأنه أحسن الأعضاء، وأما اليدان فلأن سائر الحيوانات ليست لها أيد باطشة، ولا آخذة، بل أخذها الأشياء بفهمها حتى لا تميز بين الخبيث والطيب، وأما الرجلان فلأن الله تعالى خلق ابن آم خلقة مستوية وخلق سائر الحيوانات خلقة منكوسة فأمر بغسل هذه الأعضاء شكرا لما صنع، وأما الرأس فقد رفع عنه السيف والجزية بدين الإسلام، فاكتفى بالمسح شكرا على ذلك، وقيل: لما كانت الصلاة مناجاة ومحل القرب أمرهم بتطهير هذه الأعضاء الذميمة وقيل: إنما أمر بغسل هذه الأعضاء الثلاثة لما ارتكبوا بها من الحرام؛ لأن مباشرة العبد لا تكون إلا بهذه الأعضاء، وأما الرأس فلأنه مجمع الحواس فكذلك خص أيضا بالتطهير واكتفي فيه بالمسح لأن الغسل ربما يضره، وقيل إن العبد إذا شرع في الخدمة يجب أن يجدد نظافته وأيسرها تنقية الأعضاء التي تنكشف كثيرا لتحصل بها نظافة القلب إذ تنظيف الظاهر يوجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] .   [البناية] تنظيف الباطن. م: (قال الله تعالى) : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] ش: (المائدة: الآية 6) الآية الكريمة، مقول القول، وافتتح الكتاب بالآية المذكورة لكونها أصلا في استنباط مسائل هذا الباب، أو لأجل التبرك في افتتاح الكتاب، وإن كان حق الدليل أن يؤخر عن المدلول؛ لأن الأصل في الدعوى تقديم المدعي، وهي مفتتحة بالنداء الذي هو نوع الطلب؛ لأنه طلب إقبال المخاطب بحرف نائب مناب أدعو إما بحرف نداء للبعيد حقيقة أو حكما، وقد ينادى بها القريب توكيدا، وقيل: هي مشتركة بين البعيد والقريب، وقيل بينهما وبين المتوسط، وهي أكثر حروف النداء استعمالا ولهذا لا يقدر عند الحذف سواها نحو: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [يوسف: 29] (يوسف: الآية 29) ، ولا ينادى اسم الله والاسم المستغاث وأيتها وأيها ولا المندوب إلا بها أو بهيا، وقوله من قال أن " يا " مشتركة بين القريب والبعيد هو الأصح؛ لأن أصحاب اللغة ذكروا أن " يا " حرف ينادى به القريب والبعيد. فإن قلت: ما تقول في قول الداعي يا الله، قال الله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] (ق: الآية 6) . قلت: هذا استقصار منه لنفسه، واستبعاد عن مظان القبول لعلمه. و " أي " اسم لخمسة معان: الأول للشرط نحو {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] (الإسراء: الآية 110) . الثاني: الاستفهام. نحو: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} [التوبة: 124] (التوبة: الآية 124) . الثالث: يكون موصولا نحو: {لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} [مريم: 69] (مريم: الآية 69) والتقدير لننزعن الذي هو أشد، نص عليه سيبويه. الرابع: يكون صفة للنكرة، نحو: زيد رجل: أي رجل: أي كامل في صفة الرجال، وجاء للمعرفة نحو مررت بعبد الله أي رجل. الخامس: يكون صلة لما فيه (ال) نحو يا أيها الرجل ومنه قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) ، وزعم الأخفش أن أيا هذه هي الموصولة حذف صدر صلتها وهو العائد، والمعنى: يا من هو الرجل، وكذلك التقدير هاهنا على قوله: يا من هم الذين إذا قمتم إلى الصلاة. وها تستعمل على ثلاثة أوجه: الأول: أن يكون اسم الفعل نحو خذ تقول للمذكر " ها " بالفتح و " ها " للمؤنث بالكسر وها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وهان وهاؤم قال الله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] (الحاقة: الآية 19) . الثاني: أن يكون ضميرا للمؤنث نحو ضربها وغلامها. الثالث: أن تكون للتنبيه فتدخل على أربعة: الأول: الإشارة نحو لهذا. الثاني: ضمير رفع المخبر عنه باسم إشارة نحو أنتم أولاء. الثالث: اسم الله تعالى في القسم عند حذف الحرف نحو ها الله بقطع الهمزة ووصلها وكلاهما مع إثبات ألفها وحذفها. الرابع: نعت " أي " في النداء نحو يا أيها الرجل، وهي في هذا واجبة للتنبيه على أنه المقصود بالنداء ومنه قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [النساء: 43] ، والذين اسم موصول موضوع لجمع الذي؛ لأن الذين عام لذي العلم وغيره، والذي يختص بذي العلم، ولا يكون الجمع أخص من مفرده، فمن هذا قول قوام الدين في شرحه: إن الذين جمع الذي صادر من غير تحقيق، والذي لا يخلو إما أن يكون صفة لأي، أو يكون موصوفها محذوفا، تقديره: يا أيها الناس الذين آمنوا، ويا أيها القوم الذين آمنوا، ونحو ذلك؛ لأن الموصولات وضعت وصلة إلى المعارف بالجمل و " أي " ليس بمعرفة فلا يكون الذي صفة له. فإن قلت: كيف يكون الذي صفة " لأي " وصفة " أي " هو المفرد من الناس أو القوم؟ قلت: المجموع كلمة هو صفة " أي " لا المقدر وحده، ولا الموصول وحده، فعن هذا سقط اعتراض الشيخ قوام الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - على الشيخ حافظ الدين النسفي في قوله: " الذين آمنوا صفه لأي " لأنه ليس كذلك لأن صفة أي هو المقدر من القوم، أو الناس ثم " آمنوا " صفة لتلك الصفة المقدرة " لأي " بواسطة " الذين، " قوله " آمنوا " فعل ماض لجمع المذكر الغائبين من أمن يؤمن إيمانا، وهي جملة من الفعل والفاعل وضعت صلة للموصول ولا محل لها من الإعراب؛ لأنها لم تقع موقع المفرد، وهي فعل الشرط. وقوله: {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] جواب الشرط فلذلك دخلت الفاء، ثم اعلم أن القياس في قوله: آمَنُوا أن يقال آمنتم لأن من حق المنادى بكونه مخاطبا أن يعبر عنه فيقال: يا إياك، يا أنت، إذ مقتضى الحال في المخاطب أن يعبر عنه بضميره، لكن لما كان النداء لطلب الإقبال ليخاطب بعده بالمقصود المنادى إذا ذهل عن كونه مخاطبا نزل منزلة الغائب فعبر عنه بالضمير الذي هو الغائب ليكون أقصى لحق البيان ولما جاء الاختلاف بقوله: آمنوا وآمنتم ذهب بعضهم إلى أن هذا من قبيل الالتفات؛ لأن آمنوا للغائب وآمنتم مخاطب، وممن قال ذلك الشيخ حافظ الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] النسفي في " المستصفى شرح المنافع "، وشنع عليه الشيخ قوام الدين في شرحه، ونسبه في ذلك إلى الغلط، وقال: ليس الأمر كذلك؛ لأن الالتفات لا يكون إلا فيما إذا كان حق الكلام بالغيبة وذكر بالخطاب أو بالعكس ولم يقع الكلام في الآية إلا في الموضع الذي اقتضاه. قلت: على تقدير كلام النسفي صحيح، والحط عليه مردود يفهم ذلك من التقرير الذي سبق، بل الصحيح أن منع الالتفات هاهنا مبنى على أن " آمَنُوا " صلة " الذين " والموصولات غيب، والضمير الذي يكون راجعا من الصلة إلى الموصول لا يكون إلا غائبا ويكن الجملة كلها أعني قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [النساء: 43] في حكم الخطاب لأنه منادى فوجب أن يكون ما بعده خطابا، فكان قولهم: قمتم بالخطاب واقعا في محله، مخرجا على مقتضى ظاهره، فلا يكون من الالتفات؛ لأنه انتقال من صيغة إلى صيغة أخرى سواء كان الضمير بعضها إلى بعض، أو من غيرها. وذهب بعضهم بناء على ما ذكر من أن قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [النساء: 43] في حكم الخطاب إلا أن الغائبين إنما يدخلون تحت الخطاب بالدلالة أو بالإجماع، وقال بعضهم: إنما قال: آمَنُوا دون آمنتم ليدخل تحته كل من آمن إلى يوم القيامة، ولو قال: آمنتم لاختص لمن كانوا في عصر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثم اعلم أن تقييد الفعل بحرف الشرط في أكثر الكتب يكون لاعتبارات شتى لا يعرف ذلك إلا بمعرفة أدوات الشرط التي هي إن، وأما، وإذا، وإذما، وإذ، ومتى، وكيفما، وأين، وأينما، وحيث، وحيثما، ومن، وما، ومهما، وأي، ولو، وصاحب " العناية " لا يتكلم إلا في " إذا " أو " إذا " و " لو " لكثرة دورانها مع تعلق اعتبارات لفظية بهما، أما " إن " و " إذا " فللشرط في الاستقبال يعني: لتعليق الفعل في الزمان المستقبل، لكن أصل " إن " عدم الجزم بوقوع الشرط: يعني: عدم جزم القائل بوقوع شرطها، ولا وقوعه، بل بتجويز كل منهما لكونه غير متحقق الوقوع كما في " إن طلعت الشمس " وإلا لا وقوع كما في " إن طار إنسان " ونحو " إن يكرمني أكرمك: إذا لم يعلم القائل أنه يكرمه أم لا، وأصل " إذا " الجزم. أي جزم القائل بوقوع الشرط تحقيقا وخطابا كقولك إذا جاء يحيى فإن مجيئه ليس قطعيا تحقيقا كطلوع الشمس، بل تقديرا باعتبار خطابي أو ظني وهو أن المحب يزور الحبيب. فإذا تمهد هذا فنقول ذكرها في الآية الكريمة " بإذا " دون " إن " وذكر في آية الغسل بإن دون إذا، وذلك أنه لما كان القيام إلى الصلاة من الأمور الملازمة والأشياء الغالبة بالنسبة إلى حال المؤمن ذكرها " بإذا " التي تدخل على أمر كائن أو منتظر لا محالة بخلاف الجنابة فإنها بالنسبة إلى القيام إلى الصلاة قليلة جدا، وهي من الأشياء المترددة الوجود والأمور العارضة، فلذلك خصت " بإن ". فإن قلت: ما تقول في قوله: إن مات فلان؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: هذه لجهالة وقت الموت لا في وقوعه فلا يقدح ذلك، واعلم أن هاهنا إرادة الفعل بالفعل؛ لأن معنى قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون فاغسلوا كما في قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] (النحل: الآية 98) التقدير: فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله، قال الزمخشري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فإن قلت: لم جاز أن يعبر عن إرادة الفعل بالفعل. قلت: لأن الفعل يوجد بقدرة الفاعل عليه وإرادته له، وهي قصده إليه وخلوص داعيته فكما عبر عن القدرة على الفعل بالفعل في قولهم الإنسان لا يطير، والأعمى لا يبصر أي لا يقدر على الطيران والإبصار، وذلك لأن الفعل مسبب عن القدرة والإرادة فأقيم المسبب مقام السبب للملاءمة بينهما ولإيجاز الكلام. فإن قلت: ما الحكمة في إضمار الحذف؟ قلت: كراهية أن يفتتح آية الطهارة بذكر الحدث، كما في قَوْله تَعَالَى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] (سورة البقرة: الآية 2) حيث لم يقل هدى للضالين الصائرين للتقوى بعد الضلال كراهية أن يفتح أول الزهراوين بذكر الضلالة. 1 - قوله: {إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] الصلاة على وزن فعلة من صلى كالزكاة من زكى واشتقاقها من الصلى، وهو العظم الذي عليه الإليتان؛ لأن المصلي يحرك صلويه في الركوع والسجود، وقيل للتاله من خيل السباق المصلي لأن رأسه يلي صلو التالي، ويقال للصلاة الدعاء ومنه قول الأعشى في وصف الخمر: وقابلها الريح في دنها ... وصلي على دنها وارسم أي: دعا لها بالسلامة والبركة. وأما في الشرع: فهي عبارة عن الأفعال المعهودة والأركان المعلومة. فإن قلت: كيف يكون المعنى في الوجهين؟ قلت: على الوجه الأول: تكون لفظة الصلاة من الأسماء المعتبرة شرعا، وعلى الوجه الثاني: تكون من الأسماء المنقولة شرعا لوجود المعنى اللغوي مع زيادتها شرعا، وفي الفعل المعنى اللغوي مراعى، وفي التغيير يكون باقيا، ولكنه زيد عليها شيء آخر وكلمة " إلى " تأتي لثمانية معان: الأول: إنه للغاية الزمانية، نحو: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] (البقرة: الآية 187) ، والمكانية نحو: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1] (الإسراء: الآية 1) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الثاني: البعد، نحو: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: 52] (آل عمران: الآية 52) . الثالث: التبيين، وهي المبينة لفاعلية مجرورها بعدما يقعد حبا أو بغضا من فعل تعجب أو اسم التفضيل {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} [يوسف: 33] (يوسف: الآية 33) . الرابع: بمعنى اللام، نحو: {إِلَى إِلَهِكَ} [طه: 97] (طه: الآية 97) . الخامس: بمعنى في نحو: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [النساء: 87] (النساء: الآية 97) . السادس: الابتداء كقوله: تقول وقد عاليت بالكور فوقها ... فلا يلوي إلى ابن أحمر السابع: بمعنى عند، نحو: انتهى إلي من الرحيق السلسبيل: أي عندي. الثامن: التوكيد، وهي الزائدة، أثبت ذلك الفراء مستدلا بقراءة بعضهم: {أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37] (إبراهيم: الآية 37) بالفتح. وقوله: {إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] يتناول سائر الصلوات من الفروض والنوافل؛ لأن الصلاة اسم الجنس، فاقتضى أن يكون من شروط الصلاة الطهارة، أي صلاة كانت، واستدلت بظاهر الآية طائفة أن الوضوء لا يجوز إلا بعد دخول الصلاة، وكذلك التيمم، وهو فاسد؛ لأنه لم يقيد في النص دخول وقت الصلاة، ويؤيد ما ذكرناه ما رواه النسائي وغيره من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة وراح في الساعة الأولى، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر» ، فهذا نص جلي على جواز الوضوء للصلاة قبل دخول الوقت بها؛ لأن الإمام يوم الجمعة لا بد ضرورة من أن يخرج قبل الوقت أو بعده وأي الأمرين كان يظهر هذا الربح من أول النهار كان قبل وقت الجمعة بلا شك. [حكم الطهارة] 1 قوله: {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] يقتضي إيجاب الغسل وهو اسم لإمرار الماء على الموضع إذا لم يكن هناك نجاسة، فإن كانت فغسلها إزالتها بإمرار الماء أو ما يقوم مقامه، وليس عليه ذلك الموضع بيده، وإنما عليه إمرار الماء حتى يجري على الموضع، وقال أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد اختلفت في ذلك على ثلاثة أوجه، فقال مالك بن أنس: عليه إمرار الماء ودلك الموضع به وإلا لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] يكن غاسلا، وقال أصحابنا وعامة الفقهاء: عليه إجراء الماء عليه وليس عليه دلكه به. روى هشام عن أبي يوسف أنه إن مسح الموضع بالماء كما يمسح بالدلك أجزأه، وفي " التحفة " الغسل: تسييل الماء على الموضع، والمسح: إمراره عليه، فقد فسر المسح بما فسر الرازي الغسل به، وفي " البدائع ": لو استعمل الماء من غير إسالته كالتدهين به لا يجوز في ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف أنه يجوز وعلى هذا لو توضأ بالثلج، ولم يقطر منه شيء لا يجوز، ولو قطر قطرتان أو ثلاث جاز لوجود الإسالة، وفي " الذخيرة ": تأويل ما روي عن أبي يوسف إن سال من العضو قطرة أو قطرتان، ولم يتدارك وفي " الأحكام " لابن بريدة صفة الغسل في الأعضاء المغسولة أن يبل العضو بالماء بلة، وقال أبو يوسف: إذا مسح الأعضاء كمسح الدهن يجوز، وقال بعض التابعين: ما عهدناهم يلطمون وجهوهم بالماء، وجماعة العلماء على خلاف ما قاله أبو يوسف؛ لأن تلك الهيئة التي قال بها لا تسميه العرب غسلا البتة. قوله: {وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] جمع وجه، وحكى الفراء في الوجوه، وهي الأوجه، وقال ابن السكينة: ويفعلون ذلك كثيرا في الواو، إذا انضمت، والوجه في اللغة مأخوذ من المواجهة وهي المقابلة، وحده في الطول من مبتدأ سطح الجبهة إلى منتهى اللحيين وهما عظما الحنك ويسميان التكثرة وعليهما منابت الأسنان السفلى، ومن الأذن إلى الأذن، وقال أبو بكر الرازي والأقطع: حده من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن إلى شحمة الأذن، حكى ذلك أبو الحسن الكرخي عن أبي سعيد البردعي. وقال الرازي: ولا يعلم خلافا بين الفقهاء في هذا المعنى، ولذلك يقتضي ظاهر الاسم إذا كان إنما يسمى وجها لظهوره، ولأنه يواجهه الشيء، ويقابل به، وهذا الذي ذكرنا من تحديده هو الذي يواجهه الإنسان ويقابله من غيره فإن قيل: فينبغي أن تكون الأذنان من الوجه لهذا المعنى، قيل له: لا يجب ذلك؛ لأن الأذنين يستران بالعمامة والقلنسوة والإزار ونحوها، وفي " البدائع " لم يذكر الوجه في ظاهر الرواية وذكر في غير رواية الوصول كما ذكره في الكتاب، وقال: هذا حديث صحيح مستخرج داخل العينين والأنف والفم وأصول شعر الحاجبين واللحية والشارب وونيم الذباب ودم البراغيث بخروجه من الوجه، وقال أبو عبيد الله البلخي: لا يسقط، وبه قال الشافعي في الجديد والمزني وأبو ثور وإسحاق بن راهويه مطلقا، وحكى الرافعي قولا، وقال في " المبسوط " العين غير داخل في غسل الوجه، كما في إيصال الماء إليها حرج؛ لأنه شحم لا يقبل الماء، ومن تكلف من الصحابة فيه كف بصره في آخر عمره كابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وفي كتاب " العناية " للسروجي عن أحمد بن إبراهيم أن من غمض عينيه في غسل الوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] غمضا شديدا لا يجزئه الوضوء، وقيل: من رمدت عينه فرمضت الماء واجتمع رمضها تكلف إيصال الماء إلى الآماق، كذا في " المنتخبة " وفي " المغني " الوجه من منابت شعر الرأس إلى ما اتحد من اللحيين والذقن إلى أصول الأذنين ولا يعتبر كل واحد بنفسه بل لو كان أصلع ينزع شعره عن مقدم رأسه إلى منابت الشعر في الغالب، والانتزاع الذي ينزل شعره إلى الوجه يجب عليه غسل الشعر الذي ينزل من حد الغالب، وفي " الأحكام " لابن بريدة: للوجه حد طولا وعرضا فحده طولا من منابت الشعر المعتاد إلى الذقن، وقولنا: المعتاد احتراز من الأعمى، والأقرع، واختلفت المذاهب في حده عرضا على أربعة أقوال: فقيل: من الأذن إلى الأذن، وقيل: من العذار إلى العذار، في حق الملتحي، ومن الأذن إلى الأذن في حق الأمرد، والقول الرابع: إن غسل البياض الذي بين الصدغ والأذن سنة، انتهى. واللحية يحمل أن يكون من الوجه؛ لأنها مواجهة المقابل، ولا تغطي في الأكثر كسائر الوجه فيقتضي ذلك وجوب غسلها، ويحتمل أن لا تكون من الوجه؛ لأن الوجه ما واجهك من بشرته دون الشعر النابت عليه هذا ما كانت البشرة ظاهرة دونه، فلذلك اختلفوا في غسل اللحية وتخليلها ومسحها على ما نذكره إن شاء الله تعالى، وما ذكرنا من حد الوجه يدل على أن المضمضة والاستنشاق غير واجبين لمن قال بهما بالآية إذ ليس داخل الأنف والفم منه إذ هما غير مواجهين لمن قابلهما، فمن قال بإيجابهما فقد زاد على الكتاب، وهو غير جائز. وقوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] يقتضي جواز الصلاة بوجود الغسل سواء قارنته النية أو لم تقارنه، وذلك لأن الغسل اسم شرعي مفهوم المعنى في اللغة وهي إمرار الماء على الموضع، وليس عبارة عن النية، فمن شرط فيه النية فقد زاد على النص، وسيجيء مزيد الكلام فيه في موضعه إن شاء الله تعالى. قوله: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] أي واغسلوا أيديكم، والأمر يدل على فرضية غسل اليدين، والأيدي جمع يد وأصلها يدي على وزن فعل بسكون العين، ويدل على هذا الجمع ويجمع على يد أيضا، وأصلة يدوي على وزن فلوس، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون وأبدلت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء، وقد جمعت الأيدي في الشعر على أياد، قال جند بن المثنى: كأنه بالفحيمان الأبخل ... قطن شجاع بأياد غزل وهو جمع الجمع مثل أكوع، وأكاوع، ولغة بعض العرب أيد بحذف الياء من الأصل مع الألف واللام، كما يقلون في المهتدي المهتد، وبعضهم يقولك يدي مثل رحى ويثني على هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] اللغة يديان مثل رحيان، ويقال في التنبه: يدوي كما يقال رحوي، ثم اليد اسم يقع على هذا العضو، وهي من طرف الأصابع إلى المنكب، والدليل على ذلك «أن عمارا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تيمم إلى المنكب وقال: " تيممنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المناكب» ، وكان ذلك بعموم قَوْله تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] ، ولم ينكر عليه من جهة اللغة بل هو كان من أهل اللغة فكان عنده أن الاسم للعضو إلى المنكب فثبت بذلك أن الاسم يتناول إلى المنكب، فإذا كان الإطلاق يقتضي ذلك، ثم ذكر التحديد فجعل المرفق غاية؛ لأن ذكرها لإسقاط ما ورائها، وسيجيء الكلام فيه في موضعه إن شاء الله تعالى. ثم اعلم أنه يجب غسل ما كان مركبا على اليدين من الأصابع الزائدة والكف الزائدة على التفسير الذي ذكرنا وإن خلق على العضد غسل ما يحاذي محل الفرض لا ما فوقه، وفي " المغني ": وإن خلق له إصبع زائدة أو يد زائدة في محل الفرض وجب عليه غسلها مع الأصلية، وإن كانت في غير محل الفرض كالعضد والمنكب لم يجب غسلها سواء كانت طويلة أو قصيرة، هذا قول ابن حامد وابن عقيل، وقال القاضي: إن كان بعضها يحاذي محل الفرض غسل ما يحاذيه منها، والأول أصح. واختلف أصحاب الشافعي في ذلك كما ذكرنا. وإن تعلقت جلدة في غير محل الفرض حتى تدلت في محل الفرض وجب غسلها لأن أصلها في محل الفرض، فأشبهت الإصبع الزائدة، وإن تعلقت في محل الفرض غسلها قصيرة كانت أو طويلة بلا خلاف، وإن تعلقت في أحد المحلين يجب غسل ما يحاذي محل الفرض من ظاهرها وباطنها وغسل ما يجب من محل الفرض، وفي " الحلية ": لو خلق له يدان على المنكبين إحداهما ناقصة فالكاملة هي الأصلية، والناقصة خلقت زائدة، فإن حاذى منها محل الفرض وجب غسله عندنا والشافعي، ومن أصحابه من قال لا يجب غسلها بحال، وفي " الغاية " ومن شلت يده اليسرى، ولم يجد من يصب عليه الماء والماء جار لا يستنجي بيمينه وإن وجد ذلك يستنجي بيمينه، وإن شلت يداه مسح يديه بالأرض ووجهه بالحائط ولا يدع الصلاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن مقطوع اليدين من المرفقين والرجلين من الكعبين يوضئ وجهه ويمسح أطراف المرفقين والكعبين بالماء ولا يجزئه غير ذلك، وهو قول أبي يوسف. وفي " الدراية ": لو قطعت يده من المرفق لا فرض عليه. وفي " المغني ": وإن قطعت من دون المرفق غسل ما بقي من محل الفرض، وإن قطعت من المرفق غسل العظم الذي هو طرف العضد، وإن كان من فوق المرفقين سقط الغسل لعدم محله، وإن كان أقطع اليدين فوجد من يوضؤه متبرعا لزمه ذلك لأنه قادر عليه، وإن لم يجد من يوضؤه إلا بأجر يقدر عليه لزمه أيضا كما يلزمه شراء الماء، وقال ابن عقيل: يحتمل أن لا يلزمه كما لو عجز عن القيام لم يلزمه استئجار من يعتمد عليه وإن عجز عن الأجر أو لم يقدر على من يأجر صلى على حسب حاله كعادم الماء والتراب، وإن وجد من ييممه ولم يوجد من يوضؤه لزمه التيمم وهذا مذهب الشافعي ولم أعلم فيه خلافا، وفي " مبسوط بكر " قال الإسكاف: يجب إيصال الماء إلى ما تحت العجين والطين في الأظفار دون الدرن لتولده منه، وقال الصفاء: يجب إيصال الماء إلى تحته إن طال الظفر، وإلا فلا. وفي " النوازل ": يجب في حق المصري لا القروي؛ لأن في أظفار المصري رسومة تمنع إيصال الماء إلى ما تحته، وفي أظفار القروي طين لا تمنع ولو كان خلاب أو خبز ممصوغ جاف يمنع وصول الماء لم يجزه. وفي ونيم الذباب والبرغوث: جاز وفي " الجامع الأصغر ": إذا كان واسع الأظفار وفيها طين أو عجين أو المرأة تصنع التخي جاز، وإنما جاز في القروي والمدني إذ لا يستطاع الامتناع منه إلا بحرج، قال الدبوسي: وهذا صحيح وعليه الفتوى، وفي " فتاوى ما وراء النهر ": لو بقي من موضع الغسل قدر رأس إبرة أو لصق بأصل ظفره طين يابس لم يجزه، ولو تلطخ يده بحمرة أو حناء جاز. وفي " المغني ": إذا كان تحت أظفاره وسخ يمنع وصول الماء إلى ما تحته فقال ابن عقيل: لا تصح طهارته حتى يزيله، ويحتمل أن لا يلزمه ذلك لأن هذا يسير عادة، وفي " الأحكام " لابن بزيزة: إذا طالت الأظفار فقد اختلف العلماء: هل يجب غسلها لأنها من اليدين حسا وإطلاقا وحكما، ومن العلماء من يوجب غسل الزائد على المعتاد، ولم يوجب بعض العلماء غسل الأظفار إذا طالت. وفي " المجتبى ": لا يجب نزع الخاتم، وتحريكه في موضعه، إذا كان واسعا، وفي الضيق اختلاف المشايخ. وروى الحسن عن أبي حنيفة: اشتراط النزع والتحريك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: روى الدارقطني «أن النبي كان إذا توضأ حرك خاتمه» . قلت: في سنده معمر بن محمد بن عبد الله هو وأبوه ضعيفان، وفي " الأحكام " لابن بزيزة تحريك الخاتم في الوضوء والغسل اختلف العلماء فيه، فقيل: يحركه في الوضوء والغسل، والتيمم، وقيل لا يحركه مطلقا، وقيل: إن كان ضيقا حركه، وإن كان واسعا لا يحركه، وقيل: يحركه في الوضوء والغسل ويزيله. قوله: {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] يدل على أن المرفق غاية، وهل تدخل الغاية تحت المغيا أم لا؟ فيه خلاف نذكره عن قريب إن شاء الله تعالى، وهو جمع مرفق بكسر الميم وفتح الفاء، وعلى العكس، وهو مجتمع طرف الساعد والعضد. قلت: الأول على وزن اسم الآلة، كالمخلب، والثاني على وزن اسم المكان، فيجوز فيه فتح الميم والفاء على أن تكون مصدرا، أو اسم مكان على الأصل. 1 - قوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] هذا يدل على فرضية مسح الرأس وسيجيء ذكر الخلاف فيه إن شاء الله تعالى. {وَامْسَحُوا} [المائدة: 6] أمر من مسح يمسح مسحا من باب فتح يفتح، قال الجوهري: مسح برأسه، ويمسح بالأرض، ومسح الأرض مساحة أي ذرعها، ومسح المرأة أي: جامعها، ومسحه بالسيف أي قطعه، ومسحت الإبل نوامها أي: سارت، ومسح الرجل بالكسر مسحا في الأصح وهو الذي يصيب إحدى ربليه إلى الأخرى، قلت: الربلة بفتح الراء وسكون الباء الموحدة وبفتحها أيضا هو باطن الفخذ، وقال الأصمعي: الفتح أفصح والجمع ربلات، والمسح في الشرع الإصابة، وقد يجيء بمعنى الغسل على ما نذكره إن شاء الله تعالى، والرؤوس جمع رأس، وهو جمع كثرة، وجمع القلة أرؤس. {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) فيه ثلاث قراءات: الرفع: قرأ به الحسن البصري، تقديره وأرجلكم مغسولة أو ممسوحة إلى الكعبين وقرأ به نافع، وروى عنه الوليد بن مسلم، وهي قراءة الأعمش أيضا. والنصب قرأ به على، وابن عباس، وابن مسعود، وإبراهيم، والضحاك، وابن عامر. والكسائي، والخفض: عن عاصم، وعلي بن حمزة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقال الأزهري وهي قراءة الأعمش وحفص عن أبي بكر ومحمد بن إدريس الشافعي، والجر قرأ به ابن عباس في رواية عكرمة وحمزة وابن كثير، وقال الحافظ أبو بكر بن المغربي: وقرأ يونس، وعلقمة، وأبو جعفر بالخفض، والمشهور قراءة الجر، والنصب وبينهما تعارض فالحكم في تعارض القراءتين كالحكم في تعارض الآيتين، وهو أنه إن أمكن العمل بهما يعمل مطلقا، وإن لم يمكن.. يعمل بهما بالقدر الممكن، وهاهنا لا يمكن الجمع بين الغسل والمسح في عضو واحد في حالة واحدة؛ لأنه لم يقل به أحد من السلف، ولأنه يؤدي إلى تكرار المسح؛ لأن الغسل يتضمن المسح، والأمر المطلق لا يقتضي التكرار، ولا يحتمله، فيعمل في حالتين، فيحمل قراءة النصب على ما إذا كانت الرجلان باديتين ويحمل على قراءة الجر على ما إذا كانتا مستورتين بالخفين توفيقا بين القراءتين وعملا بهما بالقدر الممكن، وقد يقال إن قراءة من قرأ {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] بالخفض معارضة لمن نصبها فلا حاجة إذن لوجود المعارضة فإن قيل: نحن نحمل قراءة الجر على أنها منصوبة المحل فإذا حملناه على ذلك لم يكن بينهما تعارض بل يكون معناهما النصب، وإن اختلف اللفظ فيهما، ومتى أمكن الجمع لم يجز الحمل على التعارض، والاختلاف، والدليل على جواز العطف على المحل قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1] (النساء: الآية 1) وقال الشاعر: ألا حي عثمان عمرو بن عامر ... إذا ما تلاقينا اليوم أو غدا فنصب " غدا " على المحل، ويجاب بأن العطف على المحل خلاف السنة وإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أما السنة: فحديث عمرو بن عيينة الذي أخرجه مسلم، وفيه: «ثم يغسل قدميه إلى الكعبين» ، الحديث. وأما الإجماع فهو ما روى عاصم عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: بينما يوم والحسن يقرأ على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وجلس قاعدا إلى علي يحازيه فسمع قارئا يقرأ: وأرجلكم، ففتح عليه الحسن بالخفض، فقال علي وزجره: إنما هو فاغسلوا وجوهكم واغسلوا أرجلكم في القرآن تقديم للتعظيم وتأخيره. وكذلك عن عروة ومجاهد، والحسن، ومحمد بن الحسن، وعبد الرحمن بن الأعرج، والضحاك، وعبد الرحمن بن عمرو بن غيلان، زاد البيهقي، وعطاء، ويعقوب الحضرمي، وإبراهيم بن زيد التميمي، وأبي بكر بن عباس. وذكر ابن الحاجب في " أماليه " أنه نصب على الاستئناف وقيل: المراد بالمسح في حق الرجل: الغسل، ولكن أطلق عليه لفظ المسح للمشاكلة كقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] (سورة الشورى: الآية 40) ، وقيل: إنما ذكر بلفظ المسح لأن الأرجل من بين سائر الأعضاء مظنة إسراف الماء بالصب فعطف على الممسوح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وإن كانت مغسولة للتنبيه على وجود الاقتصار في الصب لا التمسح، وجيء بالغاية فقيل إلى الكعبين إماطة لظن ظان يحسبها أنها ممسوحة إذ المسح لم تعرف له غاية. ثم اعلم أن النصب له وجهان: أحدهما أن يكون معطوفا على {وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] فيشاركها في حكمها وهو الغسل، وإنما أخر عن المسح بعد المغسولين لوجوب تأخير غسلهما عن مسح الرأس عند قدوم الاستجابة عند آخرين، والوجه الثاني: أن يكون عامله مقدرا، وهو {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] لا بالعطف على {وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] كما تقول: أكلت الخبز واللبن أي: وشربت، وإن لم يتقدم الشرب بذكر، وهاهنا تقدم للغسل ذكر فكان أولى بالإضمار، ومنه قوله: علفتها تبنا وماء باردا أي سقيتها، وقال: ورأيت زوجك في الوغا مقلدا سيفا ورمحا، أي وحاملا رمحا، وقال: تشوبت البان وتمرا أقط أي وأكل تمرا أقط، ويجاب عن الجر بأجوبة: الأول: أنها جرت على أنها مجاورة رؤوسكم وإن كانت منصوبة كقوله تعالى: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} [هود: 26] (سورة هود: الآية 26) ، على جر أليم، وإن كان صفة للعذاب، وكقولهم: هذا جحر ضب خرب بجر " خرب "، وإن كان مرفوعا. فإن قلت: جحرا ضب خربين وجحرة ضباب خربة لم يجزه الخليل في التثنية وأجازه في الجمع واشترط أن يكون الآخر مثل الأول وأجازه سيبويه في الكل. الجواب الثاني: أنها عطف على الرؤوس؛ لأنها تغسل بصب الماء عليها فكانت مظنة لإسراف الماء المنفي عنه لا التمسح، ولكن لينبه على وجوب الاقتصار في صب الماء عليها، فجيء بالغاية ليعلم أن حكمها مخالف لحكم المعطوف عليه؛ لأنه لا غاية في الممسوح، قاله صاحب " الكشاف ". والجواب الثالث: أنه محمول على مسألة لبس الخف، والنصب على الغسل عند [ ...... ] ، روى همام بن الحارث «أن جرير بن عبد الله بال ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل له: أنت تفعل هذا، قال: وما يمنعني وقد رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعله» وكان يعجبهم حديث جرير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة، قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال ابن العربي: اتفق الناس على صحة حديث جرير، وهذا نص يروي ما ذكروه، فإن قيل: روى محمد بن عمر الواقدي أن جريرا أسلم في سنة عشر في شهر رمضان وأن المائدة نزلت في شهر ذي الحجة يوم عرفة قيل: هذا لا يثبت لأن الواقدي ضعيف رمي بالكذب، وإنما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] نزلت يوم عرفة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] (المائدة: الآية 3) . الجواب الرابع: أن المسح يستعمل بمعنى الغسل الخفيف، يقال: مسح على أطرافه، إذا توضأ، قاله أبو زيد، وابن قتيبة، وأبو علي الفارسي، وفيه نظر. وما ذكر عن ابن عباس قال محمد بن جرير: إسناده ضعيف، والصحيح الثابت عنه أنه كان يقرأ: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] بالنصب، ويقول عطف على المفعول، هكذا رواه الحفاظ عنه منهم القاسم بن سلام، والبيهقي، وغيرهما، «وثبت في صحيح البخاري عنه أنه توضأ وغسل رجليه وقال: هكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. » وأما قَوْله تَعَالَى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ: 10] (سبأ: الآية 10) بالنصب على المحل فممنوع لأنه مفعول معه، ولو سلم العطف على المحل فإنما يجوز مثل ذلك عند عدم اللبس، نقل ذلك عن سيبويه وهاهنا لبس فلا يجوز، وأما البيت فغير مسلم فإنه ذكر في العقد أن سيبويه غلط فيه، وإنما قاله الشاعر بالخفض والقصيدة كلها مجرورة فكان مضطرا إلى أن ينصب هذا البيت ويحتال بحيلة ضعيفة قال: مغاري أننا بشر فانجح ... فلسنا بالجذيل ولا الجديد أكلتم أرضنا وجعلوا تمرنا ... فهل من قائم أو من حصيد أتطمع في الخلود إذا هلكنا ... وليس لنا ولا لك من خلود وقيل: هما قصيدتان مجرورة ومنصوبة وفيه بعد. فإن قلت: إن القراءتين النصب والجر نقلهما الأئمة تلقيا عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا يختلف أهل اللغة أن كل واحدة من القراءتين محتملة للمسح لعطفهما على الرأس ومحتملة للغسل لعطفهما على المغسول. قلت: لا يخلو القول من أحد معان ثلاثة: إما أن يقال: إن المراد هما جميعا مجموعان، فيكون عليه أن يمسح أو يغسل أو يكون أحدهما على وجه التخيير يفعل المتوضئ أيهما شاء ويكون ما يفعله هو المفروض، أو يكون المراد أحدهما بعينه لا على وجه التخيير، فلا سبيل إلى الأول لاتفاق الجميع على خلافه، وكذا لا سبيل إلى الثاني، إذ ليس في الآية ذكر التخيير ولا دلالة عليه، فتعين الوجه الثالث، ثم يحتاج في ذلك إلى طلب الدليل على المراد منهما، فالدليل على أن المراد الغسل دون المسح اتفاق الجميع على أنه إذا غسل فقد أدى فرضه، وأتى بالمراد، وأنه غير ملوم على ترك المسح، فتبين أن المراد الغسل، وأيضا فهو صار في حكم المجمل المقتصر إلى البيان فيما ورد فيه من البيان عن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من فعل أو قول، علمنا أنه مراد الله تعالى، وقد ورد البيان عنه بالغسل قولا وفعلا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أما فعلا فهو ما ثبت بالنقل المستفيض والنصوص المتواترة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غسل رجليه في الوضوء ولم تختلف الأمة فيه، وأما قولا: فما رواه جابر، وأبو هريرة، وعائشة، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، أما حديث جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه "، وقال: حدثنا أبو الأحوص عن إسحاق عن سعيد بن أبي كريب عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «ويل للعراقيب من النار» وأخرجه الطحاوي ولفظه: «رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قدم رجل لمعة لم يغسلها، فقال: " ويل للعراقيب من النار.» وأخرجه ابن ماجه من طريق ابن أبي شيبة. وأما حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فما أخرجه البخاري، وقال: حدثنا آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا شعبة «حدثنا محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة وكان يمر بنا والناس يتوضؤون من المطهرة فقال: أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " ويل للأعقاب من النار» أخرجه مسلم أيضا. وأما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه مسلم من طريق سالم مولى شداد قال: دخلت على عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم توفي سعد بن أبي وقاص فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فقالت: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء، فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «ويل للأعقاب من النار» وأخرجه الطحاوي أيضا. وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود، وقال: حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى بن معين قال: حدثنا منصور عن هلال بن بشار عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى قوما وأعقابهم تلوح، فقال: " ويل للأعقاب من النار، وأسبغوا الوضوء» وهذا إسناده صحيح، ورجاله ثقات، وأبو يحيى اسمه مصدع مولى عبد الله بن عمرو، وروى له الجماعة سوى البخاري، والحديث أخرجه النسائي وابن ماجه أيضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وأما حديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي فأخرجه أحمد في " مسنده "، وقال: حدثنا هارون قال: حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني حيوة بن شريح أخبرني عروة بن مسلم عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي وهو من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «ويل للأعقاب من النار، وبطون الأقدام من النار» وإسناده حسن، وقد أخرجه الطحاوي، والطبراني أيضا. فقوله: " ويل للأعقاب من النار " وعيد لا يجوز أن يخلف إلا بترك الفروض، وهذا يوجب استيعاب الرجل بالغسل، وفي " العناية ": وأما وظيفة الرجلين ففيها أربعة مذاهب. الأول: هو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل السنة والجماعة أن وظيفتهما الغسل، ولا يعتد بخلاف من خالف ذلك. الثاني: هو مذهب الإمامية من الشيعة أن الفرض مسحهما. الثالث: وهو مذهب الحسن البصري، ومحمد بن جرير الطبري، وأبي علي الجبائي: أنه مخير بين المسح والغسل. الرابع: مذهب أهل الظاهر وهو رواية عن الحسن أن الواجب الجمع بينهما، وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - هما غسلان، ومسحان، وعنه ما أمر الله بالمسح للناس إلا بالغسل، وروي أن الحجاج خطب بالأهواز فذكر الوضوء فقال: " اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم فإنه ليس شيء من ابن آدم أقرب من جنبه من قدميه فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما "، فسمع ذلك أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: صدق الله، وكذب الحجاج، قال الله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] ، وكان عكرمة يمسح رجليه، ويقول: ليس في الرجلين غسل، وإنما هو مسح، وقال الشعبي: نزل جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالمسح، وقال قتادة: فرض الله غسلين ومسحين، ولأن قراءة الجر محله في المسح؛ لأن المعطوف يشارك المعطوف عليه في الكلمة؛ لأن العامل الأول ينصب عليهما إنصابة واحدة بواسطة الواو عند سيبويه، وعند البصريين يقدر الثاني جنس الأول، والنص يحتمل العطف على الأول على بعد، فإن أبا علي قال: قد أجاز قوم النصب عطفا على {وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] وإنما يجوز وأشبهه في الكلام المعتبر، وفي ضرورة الشعر، وما يجوز على مثله هجنة العي وظلمة للبس وتقديره أعط زيدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 .. .... .... .... ..   [البناية] وعمرا جوائزها، ومر ببكر وخالد فأي بيان الكلام في هذا، وأي لبس أقوى من هذا ذكره المرسي حاكيا عنه في " ري الظمآن "، ويحتمل العطف على محل {بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] كقوله تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ: 10] (سبأ: الآية 10) بالنصب عطفا على المحل؛ لأنه مفعول به، وقد ذكرنا الجواب عن هذا عن قريب. وورد في الأحاديث المستفيضة في صفة وضوء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه غسل رجليه، وهو حديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المتفق على صحته وحديث علي، وابن عباس، وأبي هريرة، وعبد الله ابن زيد، والربيع بنت معوذ بن عفراء، وعمرو بن عنبسة، وثبت أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رأى جماعة يتوضؤون وبقيت أعقابهم تلوح لم يمسها الماء فقال، «ويل للأعقاب من النار» ، ولم يثبت عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه مسح رجليه بغير خف في حضر ولا سفر، أما تفسير " الكعب " فسيأتي عن قريب إن شاء الله تعالى، ويستفاد من الآية الكريمة فوائد: الأولى: يدل على أن الغسل مرة واحدة، إذ ليس فيها ذكر العدد فلا يوجب تكرار الفعل، فمن غسل مرة فقد أدى الفرض، وقد وردت الآثار بالمرة والمرتين والثلاث على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. الثانية: إن الأمر في هذه الآية لا يدل على وجوب الترتيب، ولا على الموالاة لإطلاق النص على ذلك على ما نذكره إن شاء الله تعالى. الثالثة: تدل على أن التسمية على الوضوء ليست بفرض؛ لأنه أباح الصلاة بغسل هذه الأعضاء ومسح الرأس من غير شرط التسمية على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى. الرابعة: تدل على أن الاستنجاء ليس بفرض، وأن الصلاة جائزة بتركه إذا لم يتعد الموضع، بيان ذلك أن معنى قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) : إذا قمتم وأنتم محدثون كما ذكرنا، وقال في أثناء الآية: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] (النساء: الآية 43) فحققت هذه الآية الدلالة من وجهين على ما قلنا: أحدهما: إيجابه على المحدث غسل هذه الأعضاء، وإباحة الصلاة به، وموجب الصلاة الاستنجاء فرض ما منع من الآية، وذلك يوجب المسح وهو غير جائز، والوجه الأخر: من دلالة الآية: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6] إلى آخرها، فأوجب التيمم على من جاء من الغائط، وذلك كناية عن قضاء الحاجة فأباح صلاته بالتيمم من غير استنجاء فدل على ذلك على أنه غير فرض. الخامسة: استدل بعض الناس بقوله: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] في قراءة الجر على جواز المسح على الخفين والمعنى: وامسحوا بأرجلكم في حال استعمال الخف، وإنما ترك ذكر الخف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 الآية ففرض الطهارة غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس كذلك بهذا النص   [البناية] كيلا يوهم جواز المسح على الخف بدون اللبس. م: (الآية) ش: يجوز فيه الأوجه الثلاثة: الرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر، أي الآية مقروءة بما فيها، ويجوز أن يكون مرفوعا على تقدير تقرأ الآية بتمامها، والنصب على أنه مفعول والتقدير: اقرأ الآية ونحو ذلك، والجر على تقدير: إلى آخر الآية، وهذا أضعف الوجوه؛ لأن فيه حذف الحرف، وحذف المضاف من غير ضرورة. [فرائض الطهارة] م: (ففرض الطهارة غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس كذلك بهذا النص) ش: ففرض الطهارة كلام إضافي مبتدأ، وغسل الأعضاء الثلاثة كذلك خبره، ومسح الرأس خبره، كذلك عطف عليه، وفي القضية الجملية لا بد من رابط قد يحذف، والتقدير هو غسل الأعضاء، والفاء فيه إما: للتعقيب، أو للتفسير، أو السببية، فالأول ذهب إليه الشيخ قوام الدين، والشيخ أكمل الدين، وقال الأكمل: لأنها دخلت على الحكم بعد ذكر الدليل، وقال القوام: لأنها تدخل على الحكم لما أنه يعقب العلة كما في قولك: اضرب فأوجع وأطعم فأشبع، والثاني ذهب إليه صاحب " النهاية " وصاحب " الدراية "، فقال الأول: لما كان في الآية المتلوة ذكر المسح والغسل فسرهما تتميما للمرام ولإبانة الكلام، وقال الثاني: إن الأمر في الآية يحتمل الوجوب والندب ففسره بالوجوب كما فسره في آية التيمم بقوله: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [المائدة: 6] لأن التيمم مجمل. والثالث: ذهب إليه بعضهم وهو أن يكون الكلام الواقع بعد الفاء نتيجة للكلام الواقع قبله، ولم يذكر أكثر أهل اللغة ألفاظ النتيجة والظاهر أنه اصطلاح. و (الفرض) هاهنا بمعنى المفروض كضرب الأمير بمعنى مضروبه، ونسج فلان بمعنى منسوجه، والإضافة فيه بمعنى أي المفروض في الطهارة هو غسل الأعضاء الثلاثة، وهذا من قبيل قَوْله تَعَالَى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سبأ: 33] (سبأ: الآية 34) أي مكر في الليل، وقد أنكر بعضهم هذه الإضافة وهو غير صحيح، ولكن الأكثر أن تكون الإضافة بمعنى " اللام "، أو بمعنى " من " كقولك غلام زيد وخاتم فضة، أي غلام لزيد، وخاتم من فضة. وقال صاحب " النهاية ": الإضافة هاهنا للبيان لأن الفروض قد تكون من الطهارة، ومن غيرها، وتبعه على ذلك الشيخ الأكمل، قلت: الكلام في " الطهارة " ولا يذهب الوهم هناك إلى أن الفروض قد تكون من غير " الطهارة " حتى يقال: إن الإضافة هاهنا للبيان، وعلى قولهما تكون الإضافة بمعنى " من " نحو خاتم فضة، ويكون المعنى المفروض من الطهارة من غسل الأعضاء الثلاثة، وأراد بالطهارة الوضوء من قبيل ذكر الكل وإرادة الجزء، أو من قبيل ذكر العام وإرادة الخاص، ولو قال: فرض الطهارة لكان أولى وأحسن؛ لأن العدول عن الحقيقة بلا داع لا يحسن، والفرض في اللغة يأتي لمعان كثيرة، بمعنى القطع، يقال فرض الخياط الثوب أي قطعه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وفرضت القرآن قطعت بالقراءة منه جزءا، قال الجوهري: الفرض الجزء في الشيء، يقال: فرضت الثريد والسواك وفرض القوس، هو الجزء الذي فيه الوتر، والمعنى التقدير، قال الله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] (سورة البقرة: الآية 237) أي قدرتم، وبمعنى التفصيل قال الله تعالى: " سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا " (النور: الآية 1) ، أي فصلناها، وبمعنى البيان قال الله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] (التحريم: الآية 2) أي بين الله لكم كفارة أيمانكم، ولمعنى الحد قال الله تعالى: {لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 118] (النساء: الآية 118) أي محدودا ومنه المفرض بكسر الميم، وهو الحدة التي يحد بها، وبمعنى التحرير كما في قوله: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} [النور: 1] بالتشديد بمعنى حررناها لكم، كذا فسره بعضهم، وقال الجوهري: التفريض التحرير بمعنى التعظيم وبمعنى العطية، يقال: ما أصبت منه فرضا ولا فريضا أي عطية. وقال الجوهري: الفرض العطية الدنيوية، وفرضت للرجل وأفرضت إذا أعطيته، وقد فرضت له في الديوان، وبمعنى التكبير يقال: فرضت البقرة تفرض فروضا أي كبرت وطعنت في السن، ومنه قَوْله تَعَالَى: {لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ} [البقرة: 68] (البقرة: الآية 68) ولمعنى العظمة [ ...... ] فارضة إذا كانت عظيمة، وقال الجوهري: الفارض الضخم في كل شيء، والفارض بمعنى الرئيس، قال: ضخم العين أنشده أبو عبيدة: أفرضت له بمثل لمع البر ... قلت بالكف فرضا حقيقا وفي اصطلاح الشرع: ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه كالكتاب والسنة المتواترة إذا لم يلحقهما خصوص وكالإجماع إذا لم ينتقل بطريق الآحاد، وكالقياس المنصوص عليه، والمعاني اللغوية تجري في المعنى الشرعي؛ لأنه الذي فرضه الله على عباده ومقطوع ومقدور ومفصل ومبين ومحدود ومحرر وغير ذلك من المعاني المذكورة. فإن قلت: كيف قال الأعضاء الثلاثة والأعضاء التي يجب غسلها في الوضوء خمسة. قلت: الأشياء الكثيرة إذا دخلت تحت خطاب واحد تجعل كالشيء الواحد، فجعلت اليدان كيد واحدة، وكذا الرجلان كرجل واحدة، وإن كانت أربعة في الحقيقة. فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن يجوز أن تغسل البلة من يد إلى أخرى ومن رجل إلى رجل أخرى في الوضوء، كما يجوز ذلك في الغسل. قلت: القياس بالفارق باطل، وذلك لأن البدن شيء واحد حقيقة، فكان في الغسل في حكم شيء واحد بخلاف اليدين والرجلين في الوضوء لأنهما مختلفان، وإنما عدت شيئا واحدا حكما لا حقيقة لدخولها تحت خطاب واحد، كما ذكرنا قوله بهذا النص إشارة إلى ما تلاه من قوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 والغسل هو الإسالة والمسح هو الإصابة، وحد الوجه من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن وإلى شحمتي الأذن؛   [البناية] تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] الآية (المائدة: الآية 5) . فإن قلت: الباء تتعلق بماذا؟ قلت: يجوز أن تتعلق بقوله: " ففرض الطهارة " والمعنى يثبت فرض الطهارة، وهي الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس بهذا النص، ويجوز أن تتعلق بمسح الرأس أي يثبت مسح الرأس بهذا النص، وذلك لئلا يتوهم أن فرضية المسح بالحديث والنص من نصفت الشيء رفعته، ونصفت الدابة استخرجت ثمنها أو سيرتها بالتكليف سيرا فوق سيرها المعتاد، وهو من أقسام اللفظ باعتبار ظهور المعنى، فهذا الاعتبار ينحصر في أربعة أقسام: الظاهر، والنص، والمفسر، والمحكم. والاعتبار في الظاهر لظهور المراد منه سواء كان مسوقا له، أولا، وفي النص كونه مسوقا للمراد سواء احتمل النسخ أو لا، وفي لمحكم عدم احتمال شيء من ذلك. [صفة غسل الأعضاء في الوضوء] م: (والغسل هو الإسالة) ش: هو بفتح الغين مصدر من غسلت الشيء غسلا، وبضم الغين الاسم، وبكسر الغين ما يغسل به الرأس من خطمي وغيره، وتفسيره بالإسالة تفسير لغوي ومعناه الشرعي: إسالة الماء على العضو، والتقاطر ليس بشرط، وفي " المبسوط " عن أبي حنيفة: لو سال الماء على الأعضاء بلا تقاطر يجزيه؛ لأن الإسالة تحصل به، وإن لم يتقاطر، وقال: يصلح الغسل إلا إذا سال الماء إلى حد التقاطر لأنه قبيل التقاطر متردد بين الإصابة والإسالة فلا يحصل اليقين بالغسل. م: (والمسح هو الإصابة) ش: أما إلى الموضع الذي يمسحه، وقد مر الكلام فيه مستوفى. فإن قلت: ما كان الداعي إلى تفسير الغسل، والمسح هاهنا؟ قلت: لما كان في الآية ذكرهما فسرهما تتميما للبيان، وقيل في تفسير المسح: دفع لما يذهب إليه الشافعي من تكرار مسح الرأس بمياه مختلفة، وفيه ثبوت المسح، والشارع أوجب المسح، وفي تفسير الغسل دفع لما روي عن أبي يوسف في الليل في المغسولات سقط الفرض. 1 - م: (وحد الوجه من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن وإلى شحمتي الأذن) ش: هذا تفسير الوجه من حيث الشرع وإلا فالوجه في اللغة: هو العضو المعين من بني آدم وغيرهم، وقصاص الشعر حيث ينتهي بينه من مقدمه ومؤخره والقاف مثلثة والضم أعلاها والذقن بفتح الذال المعجمة والقاف، وهو مجتمع لحيته وشحمة الأذن معلق القرط وقد بسطنا الكلام عند قَوْله تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 لأن المواجهة تقع بهذه الجملة وهو مشتق منها، والمرفقان والكعبان يدخلان في الغسل عندنا خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو يقول إن الغاية لا تدخل تحت المغيا كالليل في الصوم.   [البناية] م (لأن المواجهة تقع بهذه الجملة) ش: أي المقابلة تقع بهذه الجملة، وأشار إلى ما ذكر من حد الوجه طولا وعرضا. م: (وهو مشتق منها) ش: أي الوجه مشتق من المواجهة. فإن قلت: الوجه ثلاثي، والمواجهة مزيد الثلاثي، والثلاثي لا يكون مشتقا من المزيد. قلت: هذا الشرط في الاشتقاق الصغير وأما في الكبير والأكبر فلا يشترط ذلك بل مجرد التناسب بين اللفظ والمعنى كاف، بخلاف الصغير يشترط فيه التناسب في الحروف والترتيب والمناسبة في اللفظ والمعنى والتغاير في الصفة نحو: ضرب، فإنه مشتق من الضرب ونصر من النصر فلا يقال: الذئب مشتق من السرحان، ولا ذهب أحد النقدين من ذهب الماضي من الذهاب، وأما الاشتقاق الكبير فيجوز فيه أن يكون الثلاثي مشتقا من المزيد فقد ذكر الزمخشري في " الفائق " أن الدبر وهو النحل وهو مشتق من التدبير، والجن من الاجتنان وهو الاستتار، وذكر في " الكشاف " أن التيم مشتق من التيمم، وهذا لأن غرضهم من هذا الاشتقاق بيان حقيقة معنى تلك الكلمة، فجاز أن يكون المزيد أشهر وأقرب إلى الضم من الثلاثي لكثرة استعماله كما في الدبر مع التدبير، وأما الاشتقاق الأكبر فيكفي فيه وجود المناسبة في المخرج في الحروف نحو نعق من النهق، وقد شنع الشيخ قوام الدين هاهنا على الشيخ حافظ الدين النسفي بغير تأمل ثم تصدى للجواب، وهو في الحقيقة تحصيل ما قاله الشيخ حافظ الدين، ويعلم ذلك عند التأمل. [حد المرفق والكعب في الوضوء] م: (والمرفقان والكعبان يدخلان في الغسل) ش: قد مر تفسير المرفق وسيأتي تفسير الكعب. م: (عندنا) ش: أي عند أصحابنا الثلاثة: وهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وبه قال الشافعي، وأحمد، ومالك في رواية. م: (خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فعنده لا يدخل المرفقان والكعبان في الغسل، وبه قال مالك في رواية. م: (وهو يقول إن الغاية لا تدخل تحت المغيا) ش: أي زفر يقول فيما ذهب إليه أن الغاية أي الحد " لا تدخل تحت المغيا " أي في المحدود. م: (كالليل في الصوم) ش: أي كما لا يدخل الليل في الصوم في قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] (البقرة: الآية 187) بخلاف قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 222) حيث دخلت في الآية الغاية في المغيا لأنها إنما لم تدخل إذا كانت عينا أو وقتا، وهاهنا الغاية لا عين ولا وقت بل فعل، والفعل لا يوجد بنفسه ما لم يفعل فلا بد من وجود الفعل الذي هو غاية للنهي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 ولنا أن هذه الغاية لإسقاط ما وراءها، إذا لولاها لاستوعبت الوظيفة الكل وفي باب الصوم لمد الحكم إليها، إذ الاسم يطلق على الإمساك ساعة،   [البناية] لانتهاء النهي فبقي الفعل داخلا في النهي ضرورة، وذكر غير المصنف كزفر تعارض الاشتباه وهو أن من الغايات ما يدخل كقوله: " قرأت القرآن من أوله إلى آخره " ومنها ما لا يدخل كما في قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] (البقرة: الآية 280) ، وقوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] ، وهذه الغاية تشبه كلا منهما فلا تدخل بالشك. م: (ولنا أن هذه الغاية لإسقاط ما وراءها إذ لولاها) ش: يعني لولا ذكر الغاية. م: (لاستوعبت الوظيفة الكل) ش: أي لاشتملت وظيفة الغسل كل اليد، وكل الرجل، بيان ذلك أن الغاية على نوعين: غاية إسقاط، وغاية إثبات، يعلم ذلك بصدر الكلام فإن كان صدر الكلام يثبت الحكم في الغاية وما وراءها قبل ذكر الغاية فذكرها لإسقاط ما وراءها وإلا فلا تدخل الحكم إلى تلك الغاية، والغاية في صورة النزاع من قبيل الإسقاط، وفي المقيس من قبيل الإثبات فلا يصح القياس. م: (وفي باب الصوم لمد الحكم إليها) ش: هذا جواب عن قول زفر " كالليل في الصوم "، قوله إليها: أي إلى الغاية. م: (إذ الاسم يطلق على الإمساك ساعة) ش: أي: اسم الصوم يطلق على الإمساك أدنى ساعة حقيقة وشرعا حتى لو حلف لا يصوم يحنث بالصوم ساعة، وكذا قوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ} [البقرة: 187] (البقرة: الآية 187) اقتضى صومه ساعة، ومتى كان ما قبل ذكر الغاية يتناول زيادة على الغاية تدخل الغاية في الحكم، ويكون المراد بها خروج ما وراء الغاية مع بقاء الغاية والحد داخل في الحكم، واسم " اليد " يتناول من رؤوس الأصابع إلى الإبط واسم " الرجل " يتناول إلى أعلى الفخذ، فكان ذكر الغاية لإخراج ما وراءها وإسقاط من الإيجاب فبقيت الغاية، وما قبلها داخلة تحت الإيجاب وأوردا على هذا مسألة، وهو أنه لو حلف لا يكلم فلانا إلى رمضان يدخل رمضان في اليمين مع أنه لولا الغاية لكانت اليمين متأبدة ولم يكن ذكر الغاية مسقطا لما وراءها فاليد هاهنا كأيدي في اليمين. قال خواهر زاده: لا وجه لتخريج هذا النقض إلا بالمشي على رواية الحسن عن أبي يوسف. وقال رضي الدين النيسابوري: هذه الغاية لمد اليمين لا للإسقاط لأن قوله: لا أكلم للحال فكان من الحال إلى الأبد. قلنا: هذا ممنوع فإن المضارع مشترك بين الحال والاستقبال، والاستقبال يعم في النفي حتى لو حلف لا يكلم موالي فلان يتناول الأعلى والأسفل، ذكره في " الوصايا " و " الهداية " وغيرها، وعلى هذا قال أبو حنيفة: لو شرط الخيار في البيع والشراء إلى غد فله الخيار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 والكعب هو العظم الناتئ   [البناية] في الغد كله لأنه لو اقتصر على قوله: إني بالخيار يتناول الأبد فيكون ذكر الغد لإسقاط ما وراءه إنما وجهه ظاهر وآيته في اليمين في العرف ومبنى الأيمان عليه حتى لو حلف لا يكلمه إلى عشرة أيام يدخل اليوم العاشر، ولو قال إن تزوجت إلى خمس سنين دخلت السنة الخامسة في اليمين، وكذا لو استأجر دارا إلى خمس سنين دخلت الخامسة فيها، وقيل: إن " إلى " بمعنى " مع "، قاله ثعلب وغيره من أهل اللغة، واحتجوا بقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] (النساء: الآية 2) وكقولهم الذود إلى الذود إبل وقد ضعف فإنه يجب غسل العضد لاشتمال اليد عليه، وعلى المرفوع أنا نمنع أن يكون فيهما استشهد به بمعنى " مع "؛ لأن معنى الآية ولا تأكلوها مضمومة إلى أموالكم أو ولا تضموها إلى أموالكم آكلين لها وكذا الذود مضمومة إلى الذود إبل. وقيل: إن التحديد يدخل تحت المحدود إذا كان التحديد شاملا للحد والمحدود، وقال سيبويه والمبرد وغيرهما: ما بعد إلى إن كان من نوع ما قبلها دخل فيه، واليد عند العرب من رؤوس الأصابع إلى المنكب، ولهذا لو قال: بعتك هذه الأشجار من هذه إلى هذه دخل الحد ويكون المراد بالغاية إخراج ما وراء الحد فكان المراد بذلك المرافق والكعبين وإخراج ما وراءها وقيل إن " إلى " تفيد الغاية ودخولها في الحكم وخروجها منه يدور مع الدليل فقوله تعالى: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] (البقرة: الآية 280) مما لم يدخل فيه لأن الاعتبار علة الإنظار فيزول بزوال علته، وكذلك الليل في الصوم لو دخل لوجب الوصال، ومما فيه دليل الدخول قولك: حفظت القرآن من أوله إلى آخره وقطعت يد فلان من الخنصر إلى السبابة فالحد يدخل في المحدود فإذا كان الدخول وعدم الدخول يقف على دليل فقد وجد دليل الدخول هاهنا بوجوه ثلاثة: الأول: حديث «أبي هريرة " أنه توضأ فغسل يديه حتى أشرع في العضدين وغسل رجليه حتى أشرع في الساقين، ثم قال: هكذا رأيته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يتوضأ.» رواه مسلم، ولم ينقل تركها، فكان قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بيانا أنه ما يدخل قوله أشرع المعروف شرع في كذا أي دخل وروي حتى أسبغ في العضد وحتى أسبغ في الساق. الوجه الثاني: أن المرفق من عظمي الساعد والعضد وجانب الساعد دون العضد وقد تعذر التمييز بينهما للتداخل فوجب غسل المرفقين؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. الوجه الثالث: أنه قد وجبت الصلاة في ذمته والطهارة شرط لسقوطها فلا تسقط بالشك. م: (والكعب هو العظم الناتئ) ش: أي الناتئ في مفصل القدم والناتئ بالهمزة في آخره، ومعناه المرتفع عند ملتقى الساق والقدم، وأنكر الأصمعي قول من قال: إنه في ظهر القدم نقل عن الجوهري، وقال الزجاج: الكعبان العظمان الناتئان في آخر الساق مع القدم وكل مفصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] للعظام فهو كعب إلا أن هذين الكعبين ظاهران عن يمنى القدم ويسرته، فلذلك لم يحتج أن يقال الكعبان اللذان من صفتهما كذا وكذا، وفي " المختصر " في كل رجل كعبان وهما طرفا عظمي الساق، وملتقى القدمين. قال ابن جني: وقول أبي كثير وإذا انتبه من المنام رأيته عن ثوب كعب الساق، ليس بمزيل يدل على أن الكعبين هما الناتئان في أسفل كل ساق من جنبها، وليس الشاخص في ظهر القدم، وفي " الترهيب للأزهري عن ثعلب: الكعبان الشجان الناتئان، قال: وهو قول أبي عمرو بن العلاء والأصمعي، وفي كتاب " المنتهى "، و " جامع القرآن " الكعب: الناتئ عند ملتقى الساق، والقدم، ولكل رجل كعبان والجمع كعوب وكعاب. وقالت الإمامية وكل من ذهب إلى المسح: إنه عظم مستدير مثل كعب الغنم والبقر موضوع تحت عظم الساق حتى يكون مفصل الساق والقدم عند معقد الشراك. وقال فخر الدين الخطيب: اختار الأصمعي قول الإمامية في الكعب وقال الطرفان الناتئان يسميان النجمين، وهو خلاف ما نقله عنه الجوهري ورجحه الجمهور، ولو كان الكعب ما ذكروه لكان في كل رجل كعب واحد فكان ينبغي أن يقول إلى الكعاب؛ لأن الأصل إنما يوجد من خلق الإنسان مفردا فتثنيته بلفظ الجمع كقوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] (التحريم: الآية 4) وتقول: رأيت الزيدين أنفسهما، ومتى كان مثنى فتثنيته بلفظ التثنية فلما لم يقل إلى الكعبات علم أنه المراد بالكعب ما أوردناه، وأيضا أنه شيء خفي لا يعرفه إلا المشرحون، وما ذكرناه معلوم لكل أحد ومناط التكليف على الظهور دون الخفاء، وأيضا «حديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثم اليسرى كذلك أخرجه مسلم،» فدل على أن في كل رجل كعبين، «وحديث النعمان بن بشير في تسوية الصفوف " فقد رأيت الرجل يلصق كعبه بكعب صاحبه ومنكبه بمنكبه» رواه أبو داود والبيهقي بأسانيد جيدة، والبخاري في صحيحه تعليقا، ولا يتحقق إلصاق الكعب فيما ذكره. وحديث طارق بن عبد الله أخرجه إسحاق بن راهويه في " مسنده "، وقال: حدثنا الفضل بن موسى عن زيد بن زياد بن أبي الجعد عن جامع بن شداد «عن طارق بن عبد الله المحاربي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سوق ذي المجاز وعليه جبة حمراء وهو يقول: " يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " ورجل يتبعه يرميه بالحجارة وقد أدمى عرقوبه وكعبه وهو يقول: أيها الناس لا تطيعوه فإنه كذاب، فقلت: من هذا؟، فقالوا ابن عبد المطلب. قلت: فمن هذا الذي يتبعه بالحجارة، قالوا: هذا عبد العزى أبو لهب،» وهذا يدل على أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 هو الصحيح ومنه الكاعب. قال: والمفروض في المسح مقدار الناصية وهو ربع الرأس   [البناية] الكعب هو العظم النابت في جانب القدم لأن الرمية إذا كانت من وراء الماشي لا تصيب ظهر القدم. م: (هو الصحيح) ش: احترز به عما روي عن هشام بن عبد الله الرازي أنه في ظهر القدم عند معقد الشراك، قالوا: إن ذلك سهو من هشام في نقله عن محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن محمدا قال في مسألة المحرم إذا لم يجد النعلين حتى يقطع خفيه أسفل الكعبين، وأشار محمد بيده إلى موضع القطع فنقله هشام إلى باب الطهارة، وقال ابن حجر في شرح البخاري: قال أبو حنيفة الكعب هو العظم الشاخص في ظهر القدم، قال: وأهل اللغة لا يعرفون ما قال. قلت: هذا جهل منه لمذهب أبي حنيفة فإن ما ذكر ليس قولا له ولا نقله عنه أحد من أصحابه فكيف يقول قال أبو حنيفة كذا وكذا وهذا جرأة على الأئمة منه. م: (ومنه الكاعب) ش: أي ومن الكعب اشتقاق الكاعب وهي الجارية التي يبدو ثديها للنهود، وكذلك الكعاب بفتحتين بمعنى الكاعب، وقد كعبت تكعب بالضم كعوبا وكعب بالتشديد مثله، وأشار بذلك إلى تأييد قوله: الكعب والكعب هو الناتئ؛ لأن وجوه الاشتقاق يدل على ذلك، ولذا يقال للنواشر في أطراف الأنابيب كعوب، ومنه الكعبة لارتفاعها على سائر البيوت ويقال لربعها. فرع لو قطعت رجليه وبقي بعض الكعب يجب غسل البقية وموضع القطع وكذا في المرفق. [المقدار المفروض في مسح الرأس في الوضوء] م: (والمفروض في المسح مقدار الناصية) ش: أي المقدار على جهة الفريضة في مسح الرأس قدر الناصية، الألف واللام فيه للعهد يعني ذلك المسح الذي يثبت بالنص لا بخبر الواحد عندنا وأراد به الفرض اللغوي لا الشرعي فإن الآية مجملة والفرض لا يثبت بخبر الواحد، ويجوز أن يراد به الفرض الشرعي على الرواية التي هي أنه مقدر بثلاثة أصابع؛ لأن دخول الآلة تحت النص بطريق الاقتضاء يكون ثابتا بمقتضى النص لا بخبر الواحد. فإن قلت: لو دخلت الآلة تحت النص كان ينبغي أن لا يتأدى المسح بدون الآلة وهي أكثر اليد وقد يتأدى بإصابة المطر بلا استعمال اليد، وقد نص في " المبسوط " " والخلاصة " وغيرهما بذلك.، قلت: ثبوت الآلة بطريق الضرورة لا بطريق القصد فإن من أمر بالصعود على السطح دخل بنصب السلم تحت الأمر ضرورة لا قصدا حتى لو حصل الصعود من غير مضيه سقط اعتباره لكونه غير مقصود. م: (وهو ربع الرأس) ش: أي مقدار الناصية ربع الرأس وليست الناصية ربع الرأس على الحقيقة؛ لأن هذا لا يحتاج إلى تكسر ومساحة حتى يتبين أنها ربع الرأس على الحقيقة وإنما هي مقدار الناصية، قال ابن فارس: الناصية قصاص الشعر، ثم فسر القصاص بأنه نهاية منبت الشعر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] من مقدم الرأس، فهذا أعم من أن يكون ربع الرأس على الحقيقة، أو باعتبار أنه أحد الأركان الأربعة وهي: القفا والناصية والقودان، والقفا يقاله له: القذال أيضا بفتح القاف والذال المعجمة. وقال الجوهري: القذال جمع مؤخر الرأس وهو معقد العذار من الفرس خلف الناصية، ويقال: القذالان ما اكتنفا ما بين القفا من يمين وشمال، ويجمع أقذلة وقذل، والقودان فتح القاف وسكون الواو تثنية قود، وقال الجوهري: قود الرأس جانبه. ثم اعلم أن للفقهاء في هذه المسائل ثلاثة عشر قولا: ستة عن المالكية حكاها ابن العربي والقرطبي. قال ابن مسلمة صاحب مالك: يجزئه مسح ثلثيه، وقال أشهب، وأبو الفرج: يجزئه الثلث، وروى الرقي عن أشهب يجزئه مقدم رأسه، وهو قول الأوزاعي والليث وظاهر مذهب مالك الاستيعاب وعنهم: يجزئه أدنى ما يطلق عليه اسم المسح، والسادس: مسح كلها، ويعفى عن ترك شيء يسير منه يعزى إلى الطرطوسي، وللشافعية قولان: صرح أكثرهم بأن مسح شعرة واحدة يجزئه، وقالوا: يتصور ذلك بأن يكون رأسه مطليا بالحناء بحيث لم يبق ظاهرا إلا شعرة واحدة فأمر يده عليها وهذا ضعيف جدا، فإن الشرع لا يرد بالصورة النادرة التي يكلف في تصورها. وقال ابن القاضي: الواجب ثلاث شعرات وهذا أخف من الأول ويحصل أضعاف ذلك بغسل الوجه وهو يجزئ عن المسح في الصحيح، والنية عند كل عضو ليست بشرط بلا خلاف عندهم، ودليل الترتيب ضعيف، وعندنا في المفروض منه ثلاث روايات في ظاهر الروايات ثلاثة أصابع ذكره في " المحيط " و " المفيد " وهو راوية هشام عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفي رواية الكرخي والطحاوي مقدار الناصية وذكر في اختلاف زفر عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف أنهما قالا: لا يجزئه إلا أن يمسح مقدار ثلث رأسه أو ربعه. وروى ابن يحيى بن أكثم عن محمد أنه اعتم ربع الرأس، وقال أبو بكر: عندنا أعني فيه روايتان الربع والثلاث أصابع، وبعض المشايخ صحح رواية ثلاث أصابع احتياطا، وفي " جوامع الفقه " عن الحسن يجب مسح أكثر الرأس. وعن أحمد: مسح جميعه وعنه يجزئ مسح بعضه، والمرأة يجزئها مسح مقدم رأسها في ظاهر قوله، وفي " المغني ": لا خلاف بين الآية في وجوب مسح الرأس، وقد نص الله سبحانه وتعالى عليه بقوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] واختلف في قدر الواجب، فروي عن أحمد وجوب مسح الجميع في حق كل أحد، وهو ظاهر كلام الخرقي، ومذهب مالك، والرواية الثانية: يجزئ مسح بعضه، قال أبو الحارث: قلت لأحمد: فإن مسح برأسه وترك بعضه، قال: يجزئه ثم قال: ومن يمكنه أن يأتي على الرأس كله، ونقل عن سلمة بن الأكوع أنه كان يمسح مقدام رأسه، وابن عمر مسح اليافوخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 لما روى المغيرة بن شعبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى سباطة قوم فبال وتوضأ ومسح على ناصيته وخفيه»   [البناية] وممن قال يمسح البعض الحسن، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي إلا أن الظاهر عن أحمد في حق الرجل وجوب الاستيعاب وفي حق المرأة يجزئها مقدم الرأس. قال الخلال: العمل في مذهب أبي عبد الله أنها إن مسحت مقدم رأسها أجزأها وقال مهنا: قال أحمد أرجو أن تكون المرأة في مسح الرأس أسهل. واعلم أن قول المصنف و " المفروض في مسح الرأس مقدار الناصية " إشارة إلى أن الناصية لا تتعين حتى لو مسح القذال أو أحد القودين جاز ولا يجزئ مسح الأذنين عنه؛ لأن كون الأذنين من الرأس احتمالا لثبوته بخبر الواحد فأشبه التوجه إلى الحطيم هكذا ذكره وفيه نظر؛ لأن الحطيم من المسجد الحرام قطعا وقد أمرنا بالتولية بوجوهنا شطر المسجد الحرام بقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ} [البقرة: 149] الآية (البقرة: الآية 149) لكن قد أريد به الكعبة بالإجماع، وهو من باب ذكر الكل وإرادة الجزء. م: (لما روى المغيرة بن شعبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى سباطة قوم فبال وتوضأ ومسح على ناصيته وخفيه» ش: الكلام فيه على أربعة أنواع: الأول المغيرة بضم الميم وكسرها ابن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن صعقب بعين مهملة وبالمثاة من فوق وباء موحدة ابن مالك بن كعب بن عمرو ابن سعد بن عمرو بن قيس بن منبه وهو ثقيف بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة ابن قيس غيلان بن نصر بن نزار يكنى أبا علي ويقال: أبا عبيد الله ويقال أبا محمد أسلم عام الخندق. وروى عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة وستة وثلاثين حديثا اتفقا على تسعة وللبخاري حديث ومسلم حديثان، روى عنه جماعة منهم عروة بن الزبير وأبو إدريس الخولاني والشعبي، وروى عنه بنو عروة وحمزة وعقار بنو المغيرة ومولاه، ومات بالمدينة سنة خمسين وقيل سنة إحدى وخمسين روى له الجماعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الثاني: أن هذا الحديث مركب من حديثين رواهما المغيرة بن شعبة، جعلهما المصنف حديثا واحدا، وقد تبع في ذلك أبا الحسن القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الشيخ أكمل الدين قيل هذا حديث واحد، وقيل حديثان، جمع القدوري بينهما. قلت: هذا عجز ظاهر منه حيث صرح بقوله: قيل: هذا حديث واحد، وهذا القول غير صحيح، والقول الثاني هو الصحيح، ومع هذا لم يبين كيف روى الحديثان، ولا التفت إليه والعجب منه ومن نظرائه الذين تصدوا لتأليف الشروح على مثل " الهداية " كيف قصروا فيما يتعلق بالأحاديث التي يستدل بها في هذا الكتاب، وهل مبنى هذا العلم إلا عليها وليس بناؤها على شفا جرف هار، فنحن بين ذلك بعون الله وتوفيقه. أما الحديث الأول الذي فيه ذكر السباطة والبول، فأخرجه ابن ماجه في سننه حدثنا إسحاق ابن منصور حدثنا أبو داود حدثنا سعيد عن عاصم عن أبي وائل عن المغيرة بن شعبة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى سباطة قوم فبال قائما، قال شعبة قال عاصم يومئذ» . ورواه البخاري ومسلم عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى سباطة قوم فبال قائما ثم دعا بماء فجئته به ثم توضأ. وزاد مسلم " ومسح على خفيه» ووهم الشيخ علاء الدين التركماني في هذا الحديث بعد أن حكاه بلفظ البخاري وزيادة مسلم أخرجاه وليس كذلك بل انفرد مسلم فيه بالمسح على الخفين وصرح بذلك عبد الحق بالجمع بين الصحيحين، وقال: لم يذكر البخاري فيه المسح على الخفين، ووهم المنذري أيضا فعزاه إلى المتفق وتبع في ذلك ابن الجوزي فوهم وتعقبه ابن عبد الهادي لما ذكرنا من تصريح عبد الحق. وأما الحديث الثاني ففيه ذكر المسح على الناصية والخفين فأخرجه مسلم عن عروة بن المغيرة عن أبيه المغيرة بن شعبة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين» . رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه مطولا ومختصرا وأخرجه الطحاوي من حديث الربيع ابن سليمان المؤذن قال: حدثنا يحيى بن حبان حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عن عمرو بن وهب الثقفي عن المغيرة بن شعبة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ وعليه عمامة فمسح على عمامته ومسح بناصيته» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وأخرجه الدارقطني حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا الشافعي إلى آخره نحو رواية الطحاوي وأخرجه البيهقي من هذا الطريق في كتاب " المعرفة " وأخرجه الطبراني حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي حدثنا محمد بن بكار حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن محمد بن سيرين عن عمرو بن وهب الثقفي عن المغيرة بن شعبة قال: «مسح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ناصيته وعمامته ومسح على خفيه وأنا أشاهد ذلك» وأخرجه أحمد أيضا في مسنده مطولا. ووهم الشيخ علاء الدين أيضا في هذا الحديث حيث جعل الحديث الذي ذكره المصنف مركبا من حديث المغيرة الذي فيه المسح على الناصية وعلى الخفين ومن حديث حذيفة الذي فيه ذكر السباطة والبول، وليس كذلك بل هو مركب من حديث المغيرة كما ذكرناه واضحا. النوع الثالث: أن السباطة بضم السين الكناسة وهي المكنوسة من التراب وغيره، وأريد به المكان الذي تلقى فيه الكناسة بطريق إطلاق اسم الحال على المحل ثم الإضافة فيه قيل للاختصاص، وقيل: للملك؛ لأنها كانت مواتا مباحة، وقيل: لا موات في المدينة، وقيل: كانت للناس عامة وأضيفت إليهم لقربها منهم، وتباح عموما لكل مائل، وقيل: خاصا برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنهم كانوا يكرهون ذلك من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو يحمل على الإذن في ذلك. النوع الرابع: أن هذا الحديث صحيح لا نزاع فيه لأحد وهو حجة لمن يقول بأن الفرض في مسح الرأس مقدار الناصية فإن قلت: الحديث يقتضي بيان عين الناصية، والمدعى ربع غير معين، وهو مقدار الناصية، فلا يوافق الدليل المذكور. قلت: الحديث يحتمل تعيين بيان المجمل وبيان المقدار وخبر الواحد يصح بيانا لمجمل الكتاب والإجمال في المقدار دون المحل؛ لأنه الرأس وهو معلوم فلو كان المراد منه العين يلزم نسخ الكتاب بخبر الواحد. فإن قلت: لا نسلم أن الإجمال في المقدار لأن المراد منه مطلق البعض بدليل الباء في المحل والمطلق لا يحتاج إلى البيان قلت: المراد بعض مقدار لا مطلق المقدار بوجوه: الأول: أن المسح يطلق على أدنى ما يطلق عليه الاسم وهو مقدار شعرة غير ممكن إلا بزيادة غير معلوم. الثاني: أن الله تعالى أفراد المسح بالذكر ولو كان المراد بالمسح مسح مطلق البعض وهو حاصل في ضمن الغسل لم يكن للإفراد بالذكر فائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الثالث: أن المفروض في سائر الأعضاء غسل مقدر فكذا في هذه الوظيفة فكان مجملا في حق المقدار فيكون فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بيانا. الرابع: أن المذكور في الأحاديث المذكورة الإتيان إلى سباطة قوم والبول فيها قائما والتوضؤ والمسح على الناصية والخفين والعمامة مقدم عن قريب. فإن قلت: قد روى الأربعة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا أراد حاجة أبعد فكيف بال في السباطة التي تقرب الدور. قلت لعله كان مشغولا بأمور المسلمين والنظر في مصالحه وطال عليه المجلس حتى خرقه البول فلم يمكنه التباعد ولو أبعد لكان تضرر وارتداد السباطة لدمسها وكان حذيفة يقربه بيده من الناس مع أنهم كانوا يؤثرون ذلك ولا يكرهون بل يضرجون به ومن كان هذا حاله جاز البول في أرضه والأكل من طعامه والاستهداد من مجرته، ولهذا ذكر علماؤنا من دخل بستان غيره يباح له الأكل من الفاكهة كالهبة إذا كان بينه وبين صاحب البستان انبساط ومحبة، وأما البول قائما فأخرجه البخاري ومسلم من حديث الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أتى سباطة قوم فبال قائما الحديث.» فيه وجوه: الأول لما كان به وجع الصلب إذ ذاك. والثاني ما رواه البيهقي برواية ضعيفة " أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «بال قائما لعلة بمأبضه» والمأبضة بهمزة ساكنة بعد الميم ثم باء موحدة وهو باطن الركبة، والثالث: أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يجد مكانا للقعود فاضطر إلى القيام لكون الطرف الذي يليه من السباطة كان غالبا مرتفعا، والرابع: ما ذكره القاضي وهو كون البول قائما حالة يؤمن فيها خروج الحدث من السبيل الآخر في الغالب بخلاف حالة القعود، وكذلك قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " البول قائما حض للدبر "، والخامس: أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعله بيانا للجواز في هذه المرة وكان عادته المستمرة للبول قاعدا يدل عليه حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «من حدثكم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يبول قائما فلا تصدقوه ما كان يبول إلا قاعدا» رواه أحمد والنسائي والترمذي بإسناد جيد. وقد روي في النهي عن البول قائما أحاديث ثابتة ولكن حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هذا ثابت ولهذا قال العلماء يكره البول قائما إلا لعذر وهي كراهة تنزيه لا تحريم وقال ابن المنذر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] اختلف في البول قائما فثبت عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وزيد بن ثابت وابن عمر وسهل بن سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنهم بالوا قياما وذلك عن أنس وعلي وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وفعل ذلك ابن سيرين وعروة بن الزبير. وكرهه ابن مسعود والشعبي وإبراهيم وابن سعد وكان إبراهيم لا يجيز شهادة من بال قائما. وقال ابن المنذر: فيه قول ثالث أنه إذا كان يتطاير إليه من البول شيء فهو مكروه وإن كان لا يتطاير فلا بأس، وهو قول مالك، وقال ابن المنذر: البول جالسا أحب إلي وقائما مباح وكل ذلك ثابت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بالبول قائما، وأما تعريضه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيجيء بيانه إن شاء الله تعالى. 1 - وأما المسح على العمامة فقد اختلف فيه أهل العلم: فذهب إلى جوازه جماعة من السلف، وقال به من فقهاء الأمصار الأوزاعي، وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور وداود وقال أحمد وجاء ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من خمسة أوجه، وشرط في جواز المسح على العمامة أن يقيم الماسح عليه بعد كمال الطهارة كما يفعله من يريد المسح على الخفين، وروي عن طاووس أنه قال: يمسح على العمامة التي تجعل تحت الذقن وإلى المسح على العمامة أكثر الفقهاء، وتأولوا الخبر في المسح على العمامة على معنى أنه كان يقتصر على مسح بعض الرأس فلا يجب كله مقدمه ومؤخره ولا ينزع عمامته عن رأسه ولا ينقضها، وجعلوا خبر المغيرة بن شعبة كالمفسر له وهو أنه وصف وضوءه ثم قال: ومسح بناصيته وعلى عمامته فوصل مسح الناصية بالعمامة وإنما وقع أداء الواجب من مسح الرأس بمسح الناصية إذ هي جزء من الرأس وصارت العمامة تبعا له كما وري أنه مسح أسفل الخف وأعلاه ثم كان مسح الواجب في ذلك مسح أعلاه وصار مسح أسفله كالتبع له. وأما الحديث الذي رواه أحمد في مسنده ورواه عنه أبو داود عن ثوبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين.» فتأويله أنه يجوز أن يكون من قبيل ذكر الحال وإرادة المحل وذكر عاصب وأراد ما يحويه العصائب مجازا أو العصائب العمائم، سميت بذلك؛ لأن الرأس تعصب بها وكلما عصبت به رأسك من عمامة أو منديل أو خرقة فهو عصابة والتساخين الخفاف وقيل واحدهما تسخن أو تسخان. وذكر حمزة الأصبهاني أن الثخان فارسي معرب تسخان، وأما الحديث الذي رواه أبو داود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 والكتاب مجمل فالتحق بيانا به   [البناية] حدثنا عبد الله بن معاذ قال: حدثنا شعبة عن أبي بكر يعني ابن حفص بن عمر بن سعد سمع أبا عبيد الله عن أبيه عبد الرحمن السلمي أنه شهد «عبد الرحمن بن عوف سأل بلالا عن وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: كان يخرج فيقضي حاجته فآتيه بالماء فيتوضأ فيمسح على عمامته وموقيه» . فالجواب عنه أن المراد به مسح ما تحته من قبيل إطلاق اسم الحال على المحل، وأوله بعض أصحابنا أن بلالا كان بعيدا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فمسح النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يضع العمامة من رأسه فظن بلال أنه مسح على العمامة، وفي " الغاية " وبذكر المسح على العمامة تأويلان: أحدهما: أن المسح عليها لم يكن عن قصد بل تبع بمسح البعض كما نشاهد ذلك إذا مسح على البعض وعلى الرأس عمامة. الثاني: أنه يحتمل أن يكون به زكام فمسح على عمامته تكميلا للسنة بعد مسح الواجب منه يدل على ذلك اقتصاره على مقدم رأسه. وذكر المسح على عمامته في حديث رواه أبو داود عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ وعليه عمامة قطرية فأدخل يده تحت العمامة ومسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة» والقطرية بكسر القاف وسكون الطاء المهملة وكسر الراء ثياب حمر بها أعلام ينسب إلى قطر موضع بين عمان وسي البحر بكسر السين وسكون الياء آخر الحروف وهو ساحله، وقال الأزهري وقع في بعض الأحاديث الاقتصار على ذكر العمامة والخمار وفي بعضها على عمامته وخفيه أخرجه البخاري، وفي حديث المغيرة معهم الناصية، قال الخطابي والبيهقي في الجواب ما تحصيله أن المحتمل يحمل على الحكم وإنما حذف الراوي الناصية في بعضها لأن بعضها معلوم مقدمة فحذفه؛ لأن الله تعالى فرض مسح الرأس والعمامة ليست من الرأس فلا يترك اليقين بالمحتمل وقياسها على الخف بعيد؛ لأنه يشق نزعه. م: (والكتاب مجمل فالتحق بيانا به) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال حديث المغيرة من أخبار الآحاد فلا يزاد به الكتاب، وتقرير الجواب أن هذا ليس من باب الزيادة على الكتاب بل الكتاب مجمل " فالتحق الخبر بيانا به " أي بالكتاب إذ التقدير التحق فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيانا به، والمجمل ما ازدحمت فيه المعاني وأشبه المراد به اشتباها لا يدرك نفس العبارة بل الرجوع في الاستفسار ثم الطلب ثم التأمل. فإن قلت: نسلم أن الكتاب مجمل؛ لأن المجمل ما لا يمكن العمل به، الإتيان من المجمل والعمل بهذا النص ممكن بحمله على الأقل لتيقنه، قلت لا نسلم أن العمل به قبل التبيان في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] المجمل وإلا قد يكون أقل من شعرة والمسح عليها لا يكون إلا بزيادة عليها وما لا يمكن الفرض إلا به فهو فرض والزيادة غير معلومة فتحقق الإجمال في المقدار. فإن قلت: سلمنا أنه مجمل والخبر بيانا له ولكن الدليل أخص من المدلول فإن المدلول مقدار الناصية وهو ربع الرأس والدليل يدل على تعيين الناصية ومثله لا يفيد المطلوب. قلت: البيان لما فيه الإجمال فكانت الناصية بيانا للمقدار لا للمجمل المسمى وهو الناصية والإجمال في المجمل فكان من باب ذكر الخاص وإرادة العام وهو مجاز شائع فكانا متساويين في العموم. فإن قلت: لا نسلم أن مقدار الناصية فرض؛ لأن الفرض الخاص ما يثبت بدليل قطعي وخبر الواحد لا يفيد القطع ولئن سلمناه ولكن لازمه وهو تكفير الجاحد منتف فينفي الملزوم، قلت: الأصل في هذين خبر الواحد إذا لحق بيانا للمجمل كان الحكم بعده مضافا إلى المجمل دون البيان والمجمل من الكتاب والكتاب دليل قطعي ولا نسلم انتفاء اللازم؛ لأن الجاحد من لا يكون مؤولا وموجب الأقل أو الجمع متأول معتمد شبهة تقوية وقوة الشبهة تمنع التكفير من الجانبين ألا ترى أن أهل البدع لا يكفرون بما منعوا ما دل عليه الدليل القطعي في نظر أهل السنة لتأويلهم وقال السغناقي: فإن قيل الفرض هو الذي يوجب العلم اعتقادا باعتبار أنه ثابت بدليل مقطوع فيه فلهذا يكفر جاحده وكفر الجاحد غير ثابت هذا في حق أي في حق المقدار فكيف يكون فرضا؟ قلنا: إن لم يكن ثابتا في حق المقدار لكن الثلاثة أعني الوجوب والعلم وكون الدليل مقطوعا به وكفر الجاحد كلها ثابتة في حق أهل المسح فمسمى المقدار باسم أصل المسح إطلاقا للاسم المتضمن على المتضمن؛ لأن المقدار تفسير هذا المسح والمفسر متأول التفسير وإلا لا يكون تفسيرا له، ونقول الفرض على نوعين قطعي وهو ما ذكر، وظني وهو الفرض على زعم المجتهد كإيجاب الطهارة بالفصد والحجامة عند أصحابنا، فإنهم يقولون تعترض عليه الطهارة عند إرادة الصلاة، أو تقول يطلق اسم الفرض على الوجوب كما يطلق اسم الوجوب على الفرض في قوله الزكاة واجبة والحج واجب لاكتفائهما في معنى اللزوم على البدل وقال صاحب " الاختيار ": الإجمال في النص من حيث إنه يحتمل إرادة الجمع كما قال مالك ويحتمل إرادة الربع كما قلنا. ويحتمل إرادة الأقل كما قال الشافعي وهذا ضعيف؛ لأن في احتمال إرادة الجميع تكون الباء في {بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] زائدة وهو بمنزلة المجاز لا يعارض الأصيل كما ذكرنا في الأصول والعمل هاهنا ممكن بأي بعض كان فلا يكون النص بهذين الاحتمالين مجملا، وقال أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأحكام " قَوْله تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] يقتضي مسح بعضه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وذلك أنه معلوم أن هذه الأدوات موضوعة لإفادة المعاني، وإن كانت قد يجوز دخولها في بعض المواضع صلة فتكون ملغاة ويكون وجودها وعدمها سواء ولكن لما أمكن استعمالها هاهنا على وجه الفائدة لم يجزئ إلغاؤها، فلذلك قلنا إنها للتبعيض، والدليل على ذلك أنك قلت مسحت يدك بالحائط كان المفعول مسحها ببعضه دون جميعه، ولو قلت: مسحت الحائط كان المفعول مسح جميعه دون بعضه فوضح الفرق بين إدخالها وإسقاطها في العرف واللغة فإذا كان كذلك تحمل الباء في الآية على التبعيض مستوفية لحقها وإن كانت في الأصل للإلصاق إذ لا منافاة بينهما؛ لأنها تكون مستعملة للإلصاق في تفسير المفروض. والدليل على أنها للتبعيض ما روى عمر بن علي بن مقدم عن إسماعيل بن حماد عن أبيه حماد عن إبراهيم في قَوْله تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] قال إذا مسح لبعض الرأس أجزأه فإذا قال وامسحو رؤوسكم كان الفرض مسح الرأس كله فأخبر أن الباء للتبعيض وقد كان من أهل اللغة مقبول القول فيها ويدل على أنه قد أريد بها التبعيض في الآية اتفاق الجميع على جواز ترك القليل من الرأس في المسح والاقتصار على البعض وهذا هو اشتمال اللفظ فحينئذ احتاج إلى دلالة في إثبات المقدار الذي حده. فإن قيل: إذا كانت للتبعيض لما جاز أن يقال مسحت برأسي كله كما يقال مسحت ببعض رأسي كله، قيل له قدمنا أن حقيقتها إذا أطلقت للتبعيض مع احتمال كونها ملغاة فإذا قال مسحت برأسي كله علمنا أنه أراد أن تكون الباء ملغاة نحو قَوْله تَعَالَى {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59] (الأعراف: الآية 59، 65، 73) ونحو ذلك. فإن قلت: قال ابن جني وابن برهان من زعم أن الباء للتبعيض فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفونه. قلت: أثبت الأصمعي، والفارسي، والقتبي، وابن مالك التبعيض، وقيل: هو مذهب الكوفيين وجعلوا منه {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] (الإنسان: الآية 6) . وقول الشاعر: شربنا بماء البحر ثم ترفعنا وقال بعضهم الباء في الآية للاستعانة وإن في الآية حذفا وقلبا فإن " مسح " يتعدى إلى المزال عنه بنفسه وإلى المزيل بالباء فالأصل امسحوا رؤوسكم بالماء والتحقيق في هذا الموضع أن الباء للإلصاق بأن دخلت في الآلة المسح نحو مسحت الحائط بيدي يتعدى إلى المحل تقديره ألصقوا برؤوسكم فإذا لم يتناول كل المحل يقع الإجمال في قدر المفروض منه ويكون الحديث بينا لذلك كما قدرناه. فإن قلت: أليس أن في حكم التيمم حكم المسح بقوله: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: 43] (سورة النساء: الآية 43) ثم الاستيعاب شرط فيه. قلت: أما على رواية الحسن عن أبي حنيفة لا يشترط فيه الاستيعاب لهذا المعنى وأما على ظاهر الرواية فعرفناه بإشارة الكتاب وهو أن الله تعالى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التقدير بثلاث شعرات وعلى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اشتراط الاستيعاب،   [البناية] أقام التيمم في هذين العضوين مقام الغسل عند تعذره والاستيعاب في الغسل فرض وكذا فيما أقيم مقامه أو بالسنة المشهورة وهو «قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما يكفيك ضربة للوجه وضربة للذارعين» . م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: بيان كونه حجة على الشافعي أنه لما التحق بالكتاب على وجه البيان له صار الكتاب ردا له لذلك فصار حجة عليه. م: (في التقدير بثلاث شعرات) ش: من شعر الرأس وهذا الذي نسبه إلى الشافعي وجه شاذ في مذهبه مذكور في " الروضة " والواجب في مسح الرأس ما يطلق عليه الاسم ولو بعض شعرة أو قدره في البشرة وفي وجه شاذ يشترط ثلاث شعرات، وشرط الشعر الممسوح أن لا يخرج حد الرأس لو سدل سبطا كان أو جعدا انتهى. م: (وعلى مالك) ش: أي هو حجة أيضا على مالك بن أنس، (في اشتراط الاستيعاب) ش: أي في اشتراط استيعاب الرأس بالمسح، واعلم أن الذي ذهب إليه الشافعي في مسح الرأس لم يوجد له نص في الأحاديث التي رويت في صفة وضوء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخلاف ما ذهب إليه مالك وأصحابنا. أما ما ذهب إليه مالك فهو حديث عبد الله بن زيد بن عاصم رواه مالك، عن عمرو بن يحيى المازني «عن عبد الله قال شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد عن وضوء الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فدعا بتور من ماء فتوضأ لهم وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأكفأ على يده من التور فغسل يديه ثلاثا، ثم أدخل يده في التور فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات، ثم أدخل يده في التور فغسل وجهه ثلاثا ويديه إلى المرفقين مرة، ثم أدخل يده في التور فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة، ثم غسل رجليه. أخرجه الجماعة كلهم من حديث مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأما ما ذهب إليه أصحابنا فهو حديث المغيرة فيما مضى» . فإن قلت: كان ينبغي أن يكون الفرض مسح جميع الرأس بمقتضى حديث عبد الله بن زيد كما ذهب إليه مالك قلت: لما روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الاقتصار على الناصية دل على أن ما فوق ذلك مسنون ونحن نقول به فقد استعملنا الخبرين وجعلنا المفروض مقدار الناصية إذ لم يرو عنه أنه مسح أقل منها وجعلنا ما زاد عليها مسنونا ولو كان المفروض أقل من قدر الناصية كما ذهب إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وفي بعض الروايات قدره بعض أصحابنا بثلاث أصابع اليد؛ لأنها أكثر ما هو الأصل في آلة المسح قال:   [البناية] الشافعي لاقتصر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حال مسحه على مقدار المفروض كما اقتصر على الناصية في بعض الأحوال. م: (وفي بعض الروايات قدره أصحابنا بثلاث أصابع) ش: هذه رواية عن محمد ذكرها عنه في " نوادره " أنه إذا وضع ثلاث أصابع ولم يمدها جاز في قول محمد في الرأس والخف جميعا، ولم يجز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف حتى يمدها بقدر ما يصيب البلة ربع رأسه وهما اعتبرا الممسوح عليه ومحمد اعتبر الممسوح به وهو عشرة أصابع وربعها إصبعان ونصف، إلا أن الإصبع الواحد لا يجري جعل المفروض قدر ثلاثة أصابع وقال الشيخ قوام الدين في تفسير قوله " وفي بعض الروايات " إلى آخره وهو ظاهر الرواية؛ لأنه المذكور في الأصل فكان ينبغي على هذا أن يقول وعلى ظاهر الرواية لأن لفظة " بعض الروايات " مستعمل في غير ظاهر الرواية وقال الشيخ أكمل الدين: قيل: هي ظاهر الرواية لكونها المذكورة في الأصل فكان ينبغي أن يقول على ظاهر الرواية، قلت: ظاهر الرواية هو أن المفروض في مسح الرأس هو مقدار الناصية، والرواية التي فيها التقدير بثلاث أصابع هي رواية " النوادر " وهي غير ظاهر الرواية حتى يرد ما ذكره. فرع: إذا وضع ثلاث أصابع ولم يمدها جاز عند محمد كما ذكرنا ولو أعاد إصبعا واحدة إلى الماء ثلاث مرات جاز. وكذا لو مسح بإصبع واحدة بجوانبها الأربعة؛ لأن ظاهرها وباطنها يقومان مقام إصبعين وجانبها مقام إصبع واحدة وقال السرخسي: الأصح عندي أنه لا يجوز، وفي " البدائع " ولو مسح بثلاث أصابع منصوبة غير موضوعة ولا ممدودة لم يجز؛ لأنه لم يأت بالمفروض ولو مدها حتى أبلغ المفروض لم يجز عندنا خلافا لزفر، وفي " المحيط " إن كان الماء يتقاطر جاز كأنه أخذ ماء جديدا أو بلة وكذا لو مسح بالإبهام والسبابة وبينهما مفتوح يجوز كذا في " المجتبى " وفيه أيضا مسح شعر رأسه وفي " شرح الوجيز " المسح على بشرة الرأس يجوز ولا يضر كونها تحت الشعر، وقال بعض أصحابنا لا يجوز لانتقال الفرض إلى الشعور، ولو غسله بدل المسح قيل لا يجوز؛ لأنه مأمور بالمسح، والأصح أنه يجوز؛ لأن الغسل مسح وزيادة، ثم هل يكره غسل بدل المسح قيل يكره؛ لأنه سرف كالغسلة الرابعة والأظهر أنه لا يكره. ولو بدأ رأسه ولم يمد اليد فيه قولان أصحهما أنه يجوز، وقال القفال: لا يجوز، ولو قطرت على رأسه قطرة لم يجزه فإن جرت كفي، وفي " مغني الحنابلة " إذا وصل إلى بشرة الرأس ولم يمسح على الشعر لم يجزه، وإن رد هذا النازل وعقده على رأسه لم يجزه المسح عليه، ولو نزل عن منبته ولم ينزل عن محل الفرض فمسح عليه أجزأه، ولو خضب رأسه بما يستره أو طينه لم يجزه المسح على الخضاب والطين نص عليه أحمد في الخضاب، وإن غسل رأسه بدل مسحه فعلى وجهين: أحدهما لا يجزئه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وسنن الطهارة غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء   [البناية] والثاني يجزئ، ولو حصل على رأسه ماء المطر أو صب عليه إنسان ثم مسح يقصد بذلك الطهارة أجزأه وإن جعل الماء على رأسه من غير قصد أجزأه أيضا، وإن مسح رأسه بخرقة مبلولة أو خشبة أجزأه على أحد الوجهين. وإن وضع على رأسه خرقة مبلولة فانبل رأسه بها أو وضع خرقة ثم بلها حتى انبل شعره لم يجزئه ولو حلق رأسه أو لحيته لا يعيد المسح إجماعا وكذا إن قلم الظفر وكنسط الخف، وعند بعض الشافعية يجب إعادة المسح بعد حلق الشعر، وقال السروجي: ولو حلق رأسه بعد الوضوء أو جز شاربه أو قلم ظفره أو شرط خفه لا إعادة عليه، وقال ابن جرير: عليه الوضوء، وقال إبراهيم: عليه إمرار الماء على ذلك الموضع، ومسح العنق قيل سنة وقيل مستحب، ومسح الحلقوم بدعة، ولو مسحت المرأة على خمارها ووصل الماء إلى رأسها يجوز ما لم يتلون الماء ولو كانت الذؤابة مسدولة فوق رأسه كما يفعله النساء فمسح على رأسها الذؤابة لم يجز عند العامة وبعضهم جوزه إذا لم يرسل، وفي " هداية الناطفي " لو مسحت على الخضاب أو الوقاية لم يجز وإن وصل إلى الشعر، وقيل هذا قبل غسل الخضاب، وقيل هذا إذا خرج الماء من كونه ماء مطلقا، وفي " النظم " قال عامة العلماء: إن وصل إلى الشعر يجوز وإلا فلا مسح رأسه ببلل يبقى في كفه لم يجز. [سنن الطهارة] [غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء] م: (وسنن الطهارة غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء) ش: لما فرغ من بيان فرائض الوضوء شرع في بيان سننه وتقديم الفرائض لكونها أقوى، والإضافة فيه للبيان إما بمعنى في أو اللام، والمراد من الطهارة الوضوء، وإنما ذكر الفرض بلفظ الواحد. والسنة بلفظ الجمع؛ لأن الفرض في الأصل يتناول القليل والكثير ويستغني عن الجمع بخلاف السنة فإنها اسم ولها أفراد فجمعها لتعم أفرادها، وهي بضم السين جمع سنة، وهي في اللغة: الطريقة مطلقا، وكذلك السنن بفتحتين، يقال: استقام فلان على سنن واحد ويقال امض على سنتك أي على وجهك وتنح عن سنن الجبل أي عن وجهه وعن سنن الطريق وسننه وسنته ثلاث لغات وهي: فتحة السين مع فتح النون وضمة السين وفتحة النون وضمهما معا، والسنة السيرة أيضا يقال: سنة العمرين أي سيرتهما، والسنة أيضا ضرب من التمر بالمدينة، وفي الشريعة: ما واظب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليه ولم يتركه إلا مرة أو مرتين كذا في " المحيط "، وذكر في " المفيد " و " المزيد ": السنة ما واظب عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يتركه إلا لعذر والأدب ما فعله مرة ومرتين ثم تركه. قلت: مراده أدب شأنه دائما، وفي " المنافع " قال خواهر زاده: وحد السنة ما فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على سبيل المواظبة ويؤمر بإتيانها ويلام على تركها، وفي " البداية " السنة ما يؤجر على إتيانها ويلام على تركها وهي تتناول القولية والفعلية، وقال الأترازي: السنة ما في فعله ثواب وفي تركه عتاب لا عقاب ثم قال وإنما قلت: في تركه عتاب احترازا عن النقل وإنما. قلت: لا عقاب احترازا عن الواجب والفرض، هذا التعريف أبدعه خاطري في هذا المقام، وقال الأكمل: السنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 إذا استيقظ المتوضئ من نومه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده»   [البناية] هي الطريقة المسلوكة في الدين وحكمها أن يثاب في الفعل ويستحق الملامة في الترك، وكل من التعريفين ناقص لا يخلو عن نظر، أما تعريف الأترازي الذي ادعى أنه من إبداع خاطره فليس بشيء، من الأول: أن في قوله: إن في فعله ثواب.. يشتمل الفرض والنفل أيضا، وقوله: في تركه عقاب.. لا يخرج الفرض؛ لأن العتاب نوع من العقاب ولئن سلمنا أن العتاب غير العقاب حينئذ يخرج السنن المؤكدة التي هي في قوة الواجب فإن في تركها عذابا أيضا، الثاني: أن تعريفه هذا يدخل في سنة غير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن سيرة العمرين لا شك في فعلها ثواب وفي تركها عقاب؛ لأنا أمرنا بالاقتداء بهما لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اقتدوا باللذين من بعدي» فإذا كان الاقتداء بهما مأمورا به يكون واجبا وتارك الواجب يستحق العقاب والعتاب، وأما تعريف الأكمل فإنه غير مانع لتناوله سنة غير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ما لا يخفى. وأحسن التعريفات تعريف خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم كيفية غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء على أن يأخذ الإناء إن كان صغيرا ويصب علي يمينه فيغسلها ثلاثا، وإن كان كبيرا لا يمكنه رفعه يأخذ منه الماء بإناء صغير إن كان معه فيصبه على يمينه فيغسلها ثلاثا ثم يدخل اليمنى، والسنة تقديم غسل اليدين إلى الرسغ أما نفس الغسل ففرض حتى قال محمد في " الأصل ": ثم يغسل ذراعيه فلا يجب غسلهما ثانيا، وقال تاج الشريعة: قوله وسنن الطهارة غسل اليدين أي تقديم غسل اليدين لا نفس الغسل فإنه فرض. م: (إذا استيقظ المتوضئ من نومه) ش: شرط ذلك عند استيقاظ المتوضئ من نومه نقل ذلك شمس الأئمة الكردري أنه شرط حتى إنه إذا لم يستيقظ لا يسن غسلهما، وقيل: هو شرط اتفاقي، خص المصنف غسلهما بالمستيقظ تبركا بلفظ الحديث والسنة تشمل المستيقظ وغيره وعليه الأكثرون وسيجيء مزيد الكلام في الحديث الذي يذكره المصنف. وقوله: المتوضئ يحتمل أمرين أحدهما أن يريد به من قام على وضوء فإذا سن ذلك في حقه فغيره أولى، والآخر أن يريد به من يريد الوضوء ففي الأول الكلام حقيقة وفي الثاني مجاز فافهم. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده» ش: هذا الحديث صحيح أخرجه الجماعة بألفاظ مختلفة كلهم عن أبي هريرة، فالبخاري عن عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم يستنثر ومن استجمر فليوتر وإذا استيقظ أحدكم من منامه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» وأبو الزناد بكسر الزاي المعجمة وتخفيف النون اسمه عبد الله بن ذكوان المقري المدني من رجال الستة، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز المدني من رجال [الستة] ، ومسلم عن نصر بن علي الجهضمي وحامد بن عمر البكراوي قالا: حدثنا بشر بن المفضل عن خالد عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده» وأبو داود عن مسدد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي رزين وأبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قام أحدكم من الليل فلا يغمسن يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده» ، وأبو معاوية اسمه محمد بن خازم بالمعجمتين من رجال الستة والأعمش اسمه سليمان بن مهران ثقة كبير وأبو رزين بفتح الراء وكسر الزاي اسمه مسعود بن مالك الأسدي أسد خزيمة من رجال مسلم والأربعة وأبو صالح اسمه زكوان الزيات ويقال النعمان من رجال الستة. والترمذي عن الوليد الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرتين أو ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده» ، وأبو الوليد اسمه الأوزاعي اسمه عبد الرحمن بن عمر إمام كبير مشهور ونسبته إلى أوزاع وهي من قبائل [ ...... ] وقيل الأوزاع من همدان وقيل الأوزاع قرية بدمشق والزهري محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب ونسبته إلى زهرة بن كلاب بن كعب بن لؤي بن غالب وأبو سلمة اسمه عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف ويقال اسمه وكنيته. والنسائي عن قتيبة بن سعيد قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمسن يده في وضوئه حتى يغسلها ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» ، وابن ماجه عن عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما حدثاه أن أبا هريرة كان يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرتين أو ثلاثا فإنه لا يدري أحدكم أين باتت يده» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وأخرجه الطحاوي في " معاني الآثار " قال: حدثنا سليمان بن شعيب قال: حدثنا بشر بن بكير قال: حدثنا الأوزاعي وحدثنا سعيد بن نصر قال: حدثنا الفريابي قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثنا ابن شهاب قال: حدثنا سعيد بن المسيب أن أبا هريرة كان يقول: «إذا قام أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرة أو مرتين أو ثلاثا فإنه لا يدرى أين باتت يد أحدكم» . والفريابي بكسر الفاء وسكون الراء وبالياء آخر الحروف وبعد الألف باء موحدة مكسورة بعدها ياء النسبة نسبة إلى فارياب بليدة بنواحي بلخ ويقال الفريابي أيضا على الأصل وهو فيريابي بزيادة ياء بعد الفاء وهو محمد بن يوسف شيخ البخاري وغيره. وهذا الحديث روي عن جابر وابن عمر، وأما حديث جابر فرواه الدارقطني من حديث أبي الزبير عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قام أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها فإنه لا يدري أين باتت يده ولا على ما وضعها» إسناده حسن. وأما حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. فرواه الدارقطني من حديث ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده منه وأين طاف بيده» ، فقال له رجل: " أرأيت إن كان حوضا "، فحصبه ابن عمر، وقال: أخبرك عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتقول: " أرأيت إن كان حوضا ". إسناده حسن. ورواه ابن ماجه وابن خزيمة ولفظ المصنف في هذا الحديث لا يوافق الروايات المذكورة على النسق كما تراه، بل قوله إذا استيقظ أحدكم من منامه يوافق ما في رواية البخاري والدارقطني، قوله «فلا يغمسن يده» بنون التوكيد المشددة لم يقع في رواية هؤلاء إلا أنه وقع في رواية البزار فإنه رواه من حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في طهوره حتى يفرغ علها» الحديث. والذي وقع في رواية مسلم وهو قوله «فلا يغمسن» على صورة النهي وكذا في رواية النسائي، وقوله حتى يغسلها ثلاث مرات، وكذا وقع في رواية مسلم وأبي داود، وقع في رواية النسائي «حتى يغسلها ثلاثا» مثل لفظ المصنف وفي رواية الترمذي مرتين أو ثلاثا، وكذا في رواية أبي داود والترمذي، وفي رواية البخاري «فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» وكذا في رواية مسلم وأبي داود والترمذي وفي رواية البخاري «فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» وكذا في رواية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] النسائي وفي رواية ابن ماجه «فإن أحدكم لا يدري فيم باتت يده» وكذا في رواية الطحاوي وفي جميع الروايات عدم التعرض إلى العدد إلا في رواية البخاري «فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في وضوئه» . وفي رواية مسلم: «فلا يغمسن يده في الإناء» وفي رواية النسائي: «فلا يغمسن يده في وضوئه.» وفي رواية أبي داود مثل رواية مسلم، وفي رواية الترمذي " حتى يفرغ عليها " من أفرغت الإناء إفراغا إذا قلبت ما فيه، وكذا أفرغته تفريغا، والمعنى حتى يصب على يديه مرتين أو ثلاثا، وفي " سنن البيهقي الكبير " " حتى يصب عليها صبة أو صبتين "، وفي جامع عبد الله بن وهب المصري صاحب مالك: «حتى يغسل يده أو يفرغ فيها فإنه لا يدري حيث باتت يده» وفي " علل ابن أبي حاتم الرازي ": " فليغرف على يديه ثلاث غرفات "، وفي لفظ: " فليغرف بيمينه من إنائه "، وعند ابن عدي من رواية الحسن عن أبي هريرة مرفوعا: «فإن غمس يده في الإناء قبل أن يغسلها فليرق ذلك الماء.» قلت: أنكر ابن عدي على معلى بن الفضل الذي روى هذا الحديث عن الربيع بن صبيح عن الحسن عن أبي هريرة زيادة: " فليرق ذلك الماء ". والحديث منقطع عند الأكثرين بعدم صحة الحسن عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثم الكلام فيه على أنواع: الأول: استدل به أصحابنا على الغسل لليدين قبل الشروع في الوضوء سنة. بيان ذلك أن أول الحديث يقتضي وجوب الغسل للنهي عن إدخال اليد في الإناء قبل الغسل وآخره يقتضي استحباب الغسل للتعليل بقوله: «فإنه لا يدري أين باتت يده» يعني في مكان طاهر من بدنه أو نجس، فلما انتفى الوجوب لما في التعليل المنصوص تثبت فثبتت السنة؛ لأنها دون الوجوب. فإن قلت: كان ينبغي أن لا يبين في التعليل هذه السنة؛ لأنهم كانوا يتوضئون من الأتوار فلذلك أمرهم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بغسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، وأما في هذا الزمان فقد تغير ذلك. قلت: السنة لما وقعت سنة في الابتداء بقيت ودامت وإن لم يبق ذلك المعنى؛ لأن الأحكام إنما يحتاج إلى أسبابها حقيقة في ابتداء وجودها لا في بقائها؛ لأن الأسباب تبقى حكما، وإن لم يبق ذلك المعنى للشارع ولاية الإيجاد والإعلام فجعلت الأسباب الشرعية بمنزلة الجواهر في بقائها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] حكما، وهذا كالرمل في الطواف ونحوه. وفي " الأحكام " لابن بزيزة: واختلف الفقهاء في غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء فذهب قوم إلى أن ذلك من سنن الوضوء. وقيل إنه مستحب، وبه صدر ابن الخلاب في شرحه، وقيل: بإيجاب ذلك مطلقا، وهو مذهب داود وأصحابه، وقيل: بإيجابه في نوم الليل دون نوم النهار، وبه قال أحمد، وقال: هل يغسلان مجتمعين أو متفرقين ففيه قولان مبنيان على اختلاف لفظ الحديث الوارد في ذلك، ففي بعض الطرق يغسل يديه مرتين مرتين، وذلك يقتضي الإفراد، وفي بعض طرقه يغسل يديه مرتين، وذلك يقتضي الجمع. وقال السروجي: اختلف الفقهاء في غسل اليدين قبل الوضوء، فقيل: إنه سنة بإطلاق، وهو المشهور، وهكذا ذكر في " المحيط " و " المبسوط "، ويدل عليه أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يتوضأ قط إلا غسل يديه، وحديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - متفق عليه. ومثله في " التحفة " و " الحواشي " و " المنافع "، وفيه تقديم غسلهما إلى الرسغين سنة تنوب عن الفريضة، كالفاتحة تنوب عن الواجب وفرض القراءة. وقيل: إنه مستحب للتأكيد في طهارة يده مروي عن مالك، وقوله: إنه واجب على المنتبه من النوم بالليل دون النهار، قاله أحمد لحديث الترمذي وابن ماجه بقوله من الليل، ونحن نقول إن قيد الليل باعتبار الغالب وإلا فالحكم ليس مخصوصا بالقيام من الليل بل المعتبر الشك في نجاسة اليد، فمن شك في نجاستها كره له إدخالها في الإناء قبل غسلهما سواء قام من نوم الليل أو من نوم النهار أو شك في نجاستها في غير نوم، وهذا مذهب الجمهور. وعن أحمد: إن قام من الليل كره كراهة تحريم، وإن قام من نوم النهار كره كراهة تنزيه ووافقه داود الظاهري اعتمادا على لفظ الحديث. النوع الثاني: إن هذا النهي نهي تنزيه لا تحريم حتى لو غمس يده لم يفسد الماء ولم يأثم الغاسل وعن الحسن البصري وإسحاق بن راهويه ومحمد بن جرير الطبري - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أنه ينجس إن قام من نوم الليل. النوع الثالث: إن قوله في الإناء محمول على ما إذا كانت الآنية صغيرة كالكوز أو كبيرة كالجب ومعه آنية صغيرة أما إذا كانت كبيرة، وليست معه آنية صغيرة فالنهي محمول على الإدخال على سبيل المبالغة وتمام الكلام قد مر. النوع الرابع: يستفاد منه أن الماء القليل تؤثر فيه النجاسة كالقلتين بوقوع النجاسة فيه وإن لم تغيره وإلا لا يكون فائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] النوع الخامس: يستفاد منه استحباب غسل النجاسات ثلاثا؛ لأنه إذا أمر به في المتوهمة ففي المتحققة أولى، ولم يزد شيء فوق الثلاث إلا في ولوغ الكلب كما سيجيء إن شاء الله تعالى. النوع السادس: إن النجاسة المتوهمة يستحب فيها الغسل ولا يؤثر فيها الرش؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: حتى يغسلها ولم يقل حتى يرشها عليها. النوع السابع: فيه استحباب الأخذ بالاحتياط في أبواب العبادات. النوع الثامن: استدل به أصحابنا على أن الإناء يغسل من ولوغ الكلب ثلاث مرات، وذلك أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر القائم من الليل بإفراغ الماء على يديه مرتين أو ثلاثا وذلك أنهم كانوا يتغوطون ويتبولون ولا يستنجون بالماء وربما كانت أيديهم تصيب الموضع النجس فنجس، فإذا كانت الطهارة تحصل بهذا العدد من البول أو الغائط وهما أغلظ النجاسات كان أولى وأحرى أن يحصل بما دونهما من النجاسات. النوع التاسع: أن الماء ينجس بورود النجاسات عليه وهذا بالإجماع وأما ورود الماء على النجاسة فكذلك عندنا خلافا للشافعي، وقال الشيخ محيي الدين النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في هذا الحديث الفرق بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه وأنها إذا وردت عليه تنجسه وإذا ورد عليها أزالها، وتقريره أنه قد نهى عن إدخال اليدين في الإناء لاحتمال النجاسة، وذلك يقتضي أن ورود النجاسة على الماء مؤثر فيه وأمر بغسلها بإفراغ الماء عليها للتطهير، وذلك يقتضي أن ملاقاتها الماء على هذا الوجه غير مفسد بمجرد الملاقاة للضرورة ولكن لا نسلم أنه يبقى طاهرا بعد إزالة النجاسة. وقال النووي أيضا: وفيه دلالة أن الماء القليل إذا وردت عليه نجاسة تنجسه. وإن قلت: ما لم [ ...... ] لأن الذي يتعلق باليد ولا يرى قليل جدا، وإن كانت عادتهم استعمال الأواني الصغيرة التي تقرب من القلتين بل لا تقاربه. وقال القشيري: وفيه نظر عندي؛ لأن مقتضى الحديث أن ورود النجاسة على الماء يؤثر فيه ومطلق التأثير أعم من التأثير بالنجس ولا يلزم من ثبوت الأعم ثبوت الأخص العين فإذا سلم الخصم أن الماء القليل بوقوع النجاسة قد يكون مكروها فقد ثبت مطلق التأثير ولا يلزم ثبوت خصوص التأثير بالتنجس. النوع العاشر: فيه استعمال الكنايات في المواضع التي فيها استحياء ولهذا قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فإنه لا يدري أين باتت يده» ولم يقل فلعل يده وقعت على دبره أو ذكره أو نجاسة ونحو ذلك، وإن كان هذا معنى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهذا إذا علم أن السامع يفهم بالكناية المقصود فإن لم يكن كذلك فلا بد من التصريح لينفي اللبس والوقوع في خلاف المطلوب وعلى هذا يحمل ما جاء من ذلك مصرحا به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 ولأن اليد آلة التطهير فيسن البداية بطهارتها،   [البناية] النوع الحادي عشر: أن قوله في الإناء، وإن كان عاما لكن القرينة دلت على أنه إناء الماء بدليل ما في الرواية الأخرى في وضوئه وهو الماء الذي يتوضأ به، ولكن الحكم لا يختلف بينه وبين غيره من الأشياء الرطبة. النوع الثاني عشر: أن قوله: " فلا يغمسن يده " يتناول ما إذا كانت يده مطلقة أو مشدودة بشيء أو في جراب أو كون النائم عليه سراويله أو لم يكن لعموم اللفظ. النوع الثالث عشر: أن قوله " أحدكم " خطاب للعقلاء البالغين المسلمين، فإن كان القائم من النوم صبيا أو مجنونا أو كافرا فذكر في " المغني " أن فيه وجهين: أحدهما: أنه كالمسلم البالغ العاقل؛ لأنه لا يدري أين باتت يده. والثاني: أنه لا يؤثر غمسه شيئا؛ لأن المنع من العمل إنما يثبت بالخطاب ولا خطاب في آخر هؤلاء. النوع الرابع عشر: أن قول المصنف إذا استيقظ المتوضئ يدل على أنه كان نائما على الوضوء وهو لا يسن في حقه غسل يديه قبل إدخالهما الإناء فكيف عد ذلك من سنن الطهارة. قلت: قد مر جوابه عند قوله: " إذا استيقظ المتوضئ " وفي " المجتبى " و " الجنازية " خص المصنف غسلهما بالمستيقظ تبركا بلفظ الحديث، وإلا السنة شاملة للمستيقظ وغيره، فإنه ذكر في " المحيط " و " التحفة " وغيرهما أن غسلهما في الابتداء سنة على الإطلاق، وفي البداية قوله: «إذا استيقظ» اتفاقي، وعن شمس الأئمة الكردري كلمة الشرط تجري على حقيقتها حتى لم يسن إذا لم يستيقظ، وقيد في " الإيضاح " وفي " شرح مختصر الكرخي " وسائر شروح القدوري أن كونه سنة للمستيقظ من نومه فحسب؛ لأن النوم مظنة، واليد طوافة على البدن فلعلها أن تقع على موضع النجاسة، لكن هذا مردود بمن قام مستنجيا بالماء فإنه لا حاجة له إلى غسل اليدين أولا. النوع الخامس عشر: أنه إذا أراد غسل يديه بعد غسل وجهه، هل يغسل ذراعيه لا غير أو يغسلهما من الأصابع، ذكر في الأصل غسل الذراعين لا غير لتقدم غسل اليدين إلى الرسغ مرة، وقال السرخسي على ما ذكره في " الذخيرة ": الأصح عندي أن يعيد غسل اليدين ظاهرهما وباطنهما؛ لأن الأول كان سنة افتتاح الوضوء فلا ينوب عن فرض الوضوء، وهو مشكل؛ لأن المقصود هو التطهير بأي طريق كان حصل فلا معنى لإعادته. م: (ولأن اليد آلة التطهير فيسن البداية بطهارتها) ش: هذا بظاهره يدل على الوجوب باعتبار أن ما لا يتم الوجوب إلا به فهو واجب، ولكن طهارة العضو حقيقة وحكما تدل على عدم الوجوب فثبتت السنة في المستيقظ وغيره. فإن قلت: كيف طهارة العضو حقيقة، وحكما؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 وهذا الغسل إلى الرسغ لوقوع الكفاية به في التنظيف، قال: وتسمية الله تعالى في ابتداء الوضوء   [البناية] قلت: أما حقيقة فظاهر، وأما حكما فلأنه لو أدخل يده في الإناء لا ينجس على قول من يقول بسنية هذا الفعل، وأما على قول من يوجب ذلك فالماء يتنجس. وقال تاج الشريعة: فإن قلت اليد آلة التطهير فلا يتوصل إلى الطهارة إلا بها، فيفرض غسلها. قلت: هذه الآلة كانت طاهرة بيقين؛ لأن الظاهر اضطجاعه متوضئا إذ هو السنة والمستحب وقد شككنا في تنجيسها فلا تنجس بالشك، وقال أيضا في قول المصنف فتسن البداية بطهرها أي عند التباس حالها لئلا يؤدي إلى تنجيس غيره فإنه لما كان كذلك يكون تركه مكروها إذ الكراهية لاحتمال النجاسة، فإذا كان تركه مكروها يكون البيتان به سنة، إذ السنة إعدام المكروه إذ المكروه لاحتمال النجاسة فإذن كان تركه مكروها. م: (وهذا الغسل إلى الرسغ) ش: أشار به إلى غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء إلى الرسغ - بضم الراء وسكون السين المهملة وفي آخره غين معجمة وهو منتهى الكف عند المفصل - وفي " مغني الحنابلة ": وحد اليد المأمور بغسلها من الكوع؛ لأن اليد المطلقة في الشرع تتناول ذلك بدليل قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] (المائدة: الآية 38) ، وإنما تقطع يد السارق من مفصل الكوع. م: (لوقوع الكفاية به في التنظيف) ش: تعليل غسل اليدين إلى الرسغ وقد قلنا: إن هذا الغسل ينوب عن الفرض؛ لأن محمدا قال في " الأصل " ثم يغسل ذراعيه. [تسمية الله تعالى في ابتداء الوضوء] م: (وتسمية الله تعالى في ابتداء الوضوء) ش: هذا بالرفع عطف على قوله: غسل اليدين؛ لأنه خبر لقوله: " وسنن الطهارة "، وقوله " تسمية الله " خبر بعد خبر، ويجوز أن يكون قوله: وسنن الطهارة أشياء: الأول: غسل اليدين. والثاني: تسمية الله. والثالث: السواك، وكذا يقدر إلى آخر ما ذكره من السنن، وإنما قدر التسمية بقوله في ابتداء الوضوء؛ لأنه أراد به أن يسمي قبل شروعه في الوضوء لتقع جميع أفعال الوضوء فرضها وسنتها بالتسمية. فإن قلت: لا دلالة عليه في الحديث الذي ذكره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا وضوء لمن لم يسم الله»   [البناية] قلت: لما ثبت أنها سنة الوضوء دل على أن محلها ابتداء الوضوء ليشمل الجميع كما ذكر، ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر» . فإن قلت: دل حديث مهاجر بن قنفذ أنه سلم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يتوضأ فلم يرد عليه، فلما فرغ منه قال: «إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهت أن أذكر الله على غير طهارة.» إنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ قبل التسمية. قلت: التسمية من لوازم كمال الوضوء فكان ذكرها من تمامه والذاكر لها قبل وضوئه مضطرا إلى ذكرها لإقامة هذه السنة المكملة للفرض فخصت من عموم الذكر، ومطلق الذكر ليس من ضرورات الوضوء، وقد حكي التخصيص في الأذكار المقولة على أعضاء الوضوء؛ لأنها من مكملاته. أقول يعارض هذا ما ثبت عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كان يذكر الله في كل حين، ولا يجوز نسبة ترك الأفضل إليه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والعجب من الأكمل أنه أجاب عن التعارض بين حديث التسمية وحديث: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» وبما نسب إلى مالك في إنكاره التسمية في أول الوضوء ثم قال: وذلك كما ترى يدل على أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ قبل أن يذكر الله، وسكت على هذا ومضى. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا وضوء لمن لم يسم الله» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ لم يخرجه أحد، وإنما أخرجه أبو داود وغيره: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه.» وذكر صاحب الكتاب هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الحديث، وعزاه إلى أبي داود بلفظ المصنف وليس كذلك، وإنما المذكور في " سنن أبي داود " وغيره: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله» ثم اعلم أن هذا الحديث روي عن أحد عشر صحابيا، وهم: أبو هريرة، وسعيد بن زيد، وأبو سعيد الخدري، وسهل بن سعد الساعدي، وأنس بن مالك، وأبو سبرة، وأم سبرة، وابن عمر، وعلي، وابن مسعود، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أما حديث أبي هريرة فرواه أبو داود، وقال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن موسى عن يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر الله عليه» . ورواه أحمد أيضا في مسنده بهذا الإسناد، ورواه ابن ماجه أيضا، والحاكم في " المستدرك " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فقال فيه: عن يعقوب بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة فذكره ثم قال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وقد احتج مسلم بيعقوب بن أبي سلمة أي يعقوب بن أبي سلمة عن أبيه الماجشون واسم أبي سلمة دينار. قلت: تاه ذهن الحاكم في هذا من يعقوب بن سلمة إلى يعقوب بن سلمة الماجشون، وهذا الذي في هذا الحديث هو يعقوب بن سلمة الليثي وهذا لم يحتج به مسلم. وقال البخاري في تاريخه الكبير: لا يعرف لسلمة سماع من أبي هريرة ولا ليعقوب من أبيه ذكره في ترجمة سلمة، وللحديث طريق أخرى عند الدارقطني والبيهقي من طريق البخاري عن يحيى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة بلفظ: «ما توضأ ما لم يذكر اسم الله عليه، وما صلى ما لم يتوضأ.» وأيوب سمعه يحيى بن معين يقول: لم أسمع من يحيى بن أبي كثير إلا حديثا واحدا: «التقى آدم وموسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» . وفي " الأوسط " للطبراني من طريق علي بن ثابت عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يا أبا هريرة إذا توضأت فقل بسم الله، والحمد لله فإن حفظتك لا تزال تكتب لك الحسنات حتى تحدث من ذلك الوضوء.» وفيه أيضا من طريق الأعرج عن أبي هريرة رفعه: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يديه في الإناء حتى يغسلها ويسمي قبل أن يدخلها» تفرد بهذه الزيادة عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة وهو متروك عن هشام عن عروة عن أبي الزناد عنه. وأما حديث سعيد بن زيد فرواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي ثفال عن رباح بن عبد الرحمن أنه سمع جدته بنت سعيد بن زيد تحدث أنها سمعت أباها سعيد بن زيد يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ورواه أحمد، والبزار، والدارقطني، والحاكم، والعقيلي وزاد الحاكم والعقيلي: «ولا يؤمن بالله من لا يؤمن بي، ولا يؤمن بي من لا يحب الأنصار» وقال الترمذي: قال الإمام أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثا له إسناد جيد. وقال محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن، وصححه الحاكم في مستدركه وعلي بن القطان في كتاب التوهم، والإبهام، وقال: فيه ثلاثة مجاهيل الأحوال، جدة رباح لا يعرف لها اسم ولا حال، ولا تعرف بغير هذا، ورباح أيضا مجهول الحال، وأبو ثفال أيضا مجهول الحال مع أنه أشهرهم لرواية جماعة عنه منهم الدارقطني والدراوردي. وذكره ابن أبي حاتم في كتاب " العلل "، وقال: هذا الحديث عندنا ليس بذلك، والصحيح أبو ثفال مجهول، ورباح مجهول، وقال الترمذي في " علله الكبير ": سألت محمد بن إسماعيل عن اسم أبي ثفال فلم يعرفه، ثم سألت الحسن بن علي الخلال، فقال: اسمه ثمامة بن الحصين، وهو بضم الثاء المثلثة ويقال: بكسر الثاء المشددة بعدها الفاء، وقال البزار: أبو ثفال مشهور، ورباح وجدته لا نعلمهما رويا إلا هذا الحديث، ولا حدث عن رباح إلا أبو ثفال فالخبر من جهة النقل لا يثبت. وقال أبو حاتم وأبو زرعة الحديث ليس بصحيح وأما جدة رباح فقد عرف اسمها من رواية الحاكم ورواه البيهقي مصرحا باسمها، وأما جدته فقد ذكرت في الصحابة. أما حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه ابن ماجه، وأحمد، والدارمي، والترمذي في " العلل " وابن عدي، وابن السكن، والبزار، والدارقطني، والبيهقي، والحاكم من طريق كثير بن زيد عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه أبي سعيد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قال: " لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله» وصححه الحاكم في " المستدرك "، وأسند إلى الأثرم أنه قال: سألت أحمد بن حنبل عن التسمية في الوضوء، فقال: أحسن ما جاء فيها حديث كثير بن زيد ولا أعلم فيها حديثا ثابتا، وأرجو أن يجزئه الوضوء؛ لأنه ليس فيه حديث به، وقال الترمذي في " علله الكبير ": قال محمد بن إسماعيل وربيح بن عبد الرحمن منكر الحديث، وقال أحمد: كثير بن زيد ليس به بأس، وعن ابن معين: ليس بالقوي، وعن أبي زرعة: صدوق فيه لين، وعن أبي حاتم: صالح الحديث، ليس بالقوي، يكتب حديثه، وربيح قال أبو حاتم: شيخ، وقال الترمذي عن البخاري: منكر الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وأما حديث سهل بن سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه ابن ماجه، وقال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا ابن أبي فديك عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قال: " لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا صلاة لمن لم يصل على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا صلاة لمن لم يحب الأنصار.» وأخرجه الطبراني أيضا، وعبد المهيمن ضعيف لكن تابعه أخوه ابن عباس، وهو مختلف فيه. وأما حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه النسائي وقال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن ثابت وقتادة عن أنس، قال: «طلب بعض أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وضوءا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هل مع أحد منكم ماء؟ " فوضع يده في إناء وهو يقول: " توضئوا باسم الله " فرأيت الماء يخرج من أصابعه حتى توضئوا من عند آخرهم، قال: قلنا لأنس: كم تراهم، قال: نحوا من سبعين» وروى عبد الملك بن حبيب الأندلسي عن أسد بن موسى عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بلفظ: «لا إيمان لمن لم يؤمن، ولا صلاة إلا بوضوء، ولا وضوء لمن لم يسم الله» وعبد الملك شديد الضعف. وأما حديث أبي سبرة فرواه الطبراني في " الأوسط "، وقال: حدثنا أبو جعفر حدثنا يحيى بن زيد بن عبد الله بن سبرة عن أبيه عن جده، قال: «صعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المنبر ذات يوم فحمد الله عز وجل وأثنى عليه ثم قال: " أيها الناس لا صلاة إلا بوضوء، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا يؤمن بالله من لم يؤمن بي ولا يؤمن بي من لم يعرف حق الأنصار» ورواه الدولابي في " الكنى "، و " ألقاب الصحابة ". وأما حديث أم سبرة فأخرجه أبو موسى في " المعرفة " فقال عن أم سبرة وهو ضعيف، وقال الذهبي: أم سبرة لها حديث لا يصح. وأما حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فرواه الدارقطني، وقال: حدثنا أحمد بن محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بن زياد حدثنا محمد بن غالب حدثنا هشام بن بهرام حدثنا عبد الله بن حكيم عن عاصم بن محمد عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من توضأ فذكر اسم الله على وضوئه كان طهورا لجسده، ومن توضأ ولم يذكر اسم الله على وضوئه كان طهورا لأعضائه» ورواه البيهقي أيضا، ثم قال: هذا ضعيف، وأبو بكر الزاهدي غير ثقة عند أهل العلم بالحديث. قلت: أراد بأبي بكر الزاهدي عبد الله بن حكيم، وذكره المزي بفتح الحاء، وقال يحيى بن معين: عبد الله بن حكيم أبو بكر الزاهدي ليس بشيء، وقال السعدي: كذاب مصرح، وقال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات. وأما حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه ابن عدي في ترجمة عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن جده عن علي، وقال: إسناده ليس بمستقيم. وأما حديث ابن مسعود فرواه الدارقطني وقال: حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن سلمة، قال: حدثنا يحيى بن هاشم حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إذا تطهر أحدكم فليذكر اسم الله، فإنه يطهر جسده كله، وإن لم يذكر اسم الله على طهوره لم يطهر منه إلا ما مر عليه الماء، فإذا فرغ من طهوره فليشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ثم ليصل علي فإذا قال ذلك فتحت له أبواب الرحمة» . ورواه البيهقي أيضا، ثم قال: هذا ضعيف لا أعلم رواه عن الأعمش غير يحيى بن هاشم ويحيى بن هاشم متروك الحديث. وأما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فرواه البزار في " مسنده "، وقال: حدثنا إبراهيم بن زياد الصائغ حدثنا أبو داود الحولي حدثنا سفيان عن حارثة بن محمد عن سمرة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا بدأ الوضوء سمى» ورواه الدارقطني أيضا ولفظه: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا مس طهورا سمى الله» «وقال أبو بكر: كان يقوم إلى الوضوء فيسمي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ثم يفرغ الماء على يديه» . قوله: " لا وضوء " كلمة " لا " لنفي الجنس وخبرها محذوف تقديره: لا وضوء حاصل، أو كائن لمن لم يسم: أي لم يذكر اسم الله عليه، وحذف خبر " لا " شائع، ولا سيما إذا كان الخبر عاما كالموجود، والحاصل أن غير ذلك لدلالة النفي ومنه: لا إله إلا الله، ولا فتى إلا علي، ولا سيف إلا ذو الفقار، واستدل أهل الظاهر وإسحاق بن راهويه أن الوضوء لا يصح إلا بالتسمية حتى قال إسحاق: إذا ترك التسمية عامدا يجب عليه إعادة الوضوء، وعن أحمد أنها واجبة، وروي عنه أنه قال: ليس في هذا حديث يثبت، وأرجو أن يجزئه الوضوء. وفي " المغني " ظاهر مذهب أحمد أن التسمية مسنونة في طهارات الحدث كلها، ورواه جماعة من أصحابه عنه، وقال: الذي استقر في الروايات عنه أنه لا بأس به يعني إذا ترك التسمية وهذا قول الثوري، ومالك، والشافعي، وأبي عبيدة وابن المنذر وأصحاب الرأي، وعن أحمد رواية أخرى أن التسمية واجبة في جميع طهارات الحدث، الوضوء، والغسل، والتيمم، وهو اختيار أبي بكر، ومذهب الحسن، وإسحاق، ثم إذا قلنا بوجوبها فتركها عامدا لم تصح طهارته فإن تركها سهوا صحت، وهو قول إسحاق، وإن ذكرها في أثناء الطهارة أتى بها، وقال أبو الفرج: إذا سمى في أثناء الوضوء أجزأه يعني على كل حال؛ لأنه قد ذكر اسم الله عليه، وقال بعض أصحابنا: لا تسقط بالسهو لظاهر الحديث وقياسا على سائر الواجبات، والأول أولى. قال أبو داود: قلت لأحمد: إذا نسي التسمية في الوضوء، قال: أرجو أن لا يكون عليه شيء. انتهى. قال القدوري: قال قوم: إن التسمية في أول الوضوء فرض وهذا غلط، وعن مالك أنه أنكر التسمية في أول الوضوء، فقال: أتريد أن تذبح، قلت: إن كان إنكاره كونها شرطا كما يكون شرطا لحل الذبيحة فهو موجه، وإن كان إنكاره كونها مستحبة أو سنة في أول الوضوء فإنكاره ليس له وجه، لما ذكرنا من الأحاديث ولما روى الحافظ عبد القادر الزهاوي في " أربعينه " من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله أو بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فهو أقطع» وصححها أبو عوانة وابن حبان، وقال " صاحب البدائع ": قال مالك إن التسمية فرض إلا إذا كان ناسيا فتقام التسمية بالقلب مقام التسمية باللسان دفعا للحرج. واحتج له بالحديث المذكور. فإن قلت: هذا غير صحيح؛ لأن مذهب مالك أن التسمية سنة كمذهبنا على أن نقلنا عن القدوري أنه نقل عنه أنه أنكر التسمية كما ذكرنا أيضا، وقد قال صاحب " الجواهر ": وأما فضائله أي فضائل الوضوء فأربع: التسمية، وروى الواقدي أن ذلك فيما يؤمر به من شاء قال ذلك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 والمراد به نفي الفضيلة   [البناية] ومن شاء لم يقله، وروى علي بن زياد إنكارها وأما صفة التسمية فقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المنقول عن السلف في تسمية الوضوء باسم الله العظيم والحمد لله على دين الإسلام. وقال الأكمل فيه أنه مرفوع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: هذا عجز منه لم يبين من رفعه ورواه من الأئمة المعتبرين. وكذا قال البخاري: هو المروي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: المروي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بسم الله والحمد لله» رواه الطبراني في " الصغير " بإسناد حسن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا أبا هريرة إذا توضأت فقل بسم الله والحمد لله» الحديث، وقد مر عن قريب، وعن الدبوسي الأفضل أن يقول: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "، وعنه يتعوذ في ابتداء الوضوء ويبسمل. وفي " المجتبى ": لو قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، بسم الله العظيم، والحمد لله على دين الإسلام فحسن لورود الآثار. وقال صاحب " المحيط ": ولو قال في ابتداء الوضوء لا إله إلا الله، والحمد لله، أو أشهد أن لا إله إلا الله، يصير مقيما لسنة التسمية. قلت: هذا كما ترى كل واحد من الأئمة هؤلاء الكبار يذكر حديثا أو أثرا لم يبين مخرجه، ولا حاله من الصحة والضعف، والآفة في ذلك من التقليد. م: (والمراد به نفي الفضيلة) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: إنكم ذكرتم التسمية في سنن الوضوء، واحتججتم عليه بالحديث المذكور، فالحديث بظاهره يدل على الوجوب وتقدير الجواب أن الحديث محمول على نفي الفضيلة حتى لا تلزم الزيادة على مطلق الكتاب بخبر الواحد ونظير ذلك قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» . فإن قلت: الحديث المذكور نظير قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» في كونه بخبر الواحد، فكيف اختلف حكمها في السنة والوجوب. قلت: قد أجاب أكثر الشراح بأن لا نسلم أنهما نظيران في كونهما خبر الواحد، بل خبر الفاتحة أشهر من خبر التسمية، فقد ورد مرسلا على حسب مرتبة العلوية وهذا فيه نظر؛ لأن لقائل أن يقول: إذا كان خبر الفاتحة مشهورا كان تعيين الفاتحة فرضا لجواز الزيادة على النص بالخبر المشهور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] والأحسن أن يقال: فإذن خبر الفاتحة مواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليها من غير ترك فهذا دليل الوجوب بخلاف التسمية حيث لم تثبت عليها المواظبة ويرد عليه التكبيرات التي تخلل في أثناء الصلاة، والجواب القاطع عندي أن يقال: خبر الفاتحة متفق على صحته وخبر التسمية ليس كذلك حتى روي عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال حين سئل عنها: " لا أعلم فيها حديثا صحيحا أقوى " فإذا كان الأمر كذلك، فمن أين المعارضة حتى يحتاج إلى الجواب، ولأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علم الأعرابي الوضوء ولم يذكر التسمية وهو جاهل أحكام الوضوء، فلو كانت شرطا لصحته لاستوى فيها العمل والنسيان كتحريمة الصلاة. فإن قلت: روي في حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سمى كما ذكرنا عن البزار. قلت: ضعفه بعضهم، قال ابن عدي: بلغني عن أحمد أنه نظر في جامع إسحاق بن راهويه فإذا أول حديث أخرجه هذا الحديث فأنكره جدا، فقال: أول حديث يكون في الجامع عن حارثة، وكان في إسناده، حارثة بن محمد وهو ضعيف، روي عن أحمد أنه قال: هذا يزعم أنه اختار أصح شيء في إسناده، وهذا أضعف حديث، ولئن سلمنا ذلك لكن لا نسلم أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سمى باعتبار الوجوب بل باعتبار أنها مستحبة في ابتداء جميع الأفعال كما في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل أمر ذي بال» الحديث، وقد حمل بعضهم قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» على أنه الذي يتوضأ أو يغتسل ولا يتوضأ وضوءه للصلاة ولا غسل للجنابة. كما رواه أبو داود حدثنا أحمد بن السرح قال: حدثنا ابن وهب عن الدراوردي قال: ذكر ربيعة أن تفسير حديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» أنه الذي يتوضأ أو يغتسل ولا يتوضأ وضوءه للصلاة، ولا غسلا للجنابة وذلك لأن النسيان محله القلب فوجب أيضا أن يكون محلا للذكر الذي يضاد النسيان، وذكر القلب إنما هو النية، هذا توجيه كلام ربيعة ابن عبد الرحمن المدني شيخ مالك والليث والأوزاعي. قلت: الذكر الذي يضاد النسيان بضم الذال والذكر بالكسر يكون باللسان، والمراد بالذكر المذكور في الحديث هو الذكر باللسان فكيف يلتئم كلام ربيعة وفيه تعسف وتأويل بعيد لا تدل عليه قرينة من القرائن اللفظية ولا من القرائن الحالية فلا حاجة إلى هذا التكلف إذا حملناه على نفي الفضيلة والكمال. قيل: إن «حديث المهاجر بن قنفذ: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يتوضأ فسلمت عليه فلم يرد، فلما فرغ قال: " إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني على وضوء» أخرجه أبو داود وابن حبان في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] " صحيحه " والحاكم في " مستدركه "، وقال: إنه صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه مشكل على أحاديث التسمية والجواب عن ذلك من وجهين: أحدهما: أنه معلول، والآخر: أنه معارض. أما كونه معلولا فقال ابن دقيق العيد في " الإمام " سعيد بن أبي عروبة الذي يرويه عن قتادة عن الحسن عن الحصين بن المنذر عن المهاجر قال: كان اختلط في آخر عمره، فراعى فيه سماع من سمع منه قبل الاختلاط. قال ابن عدي: قال أحمد بن حنبل: زيد بن زريع سمع منه قديما، وقال قد رواه النسائي من حديث شعبة عن قتادة به، وليس فيه إنه لم يمنعني. أهـ، ورواه حماد بن سلمة عن حميد وغيره عن الحسن عن المهاجر منقطعا فصار فيه ثلاث علل. فإن قلت: روى أبو داود في سننه عن محمد بن ثابت العبدي حدثنا نافع قال: انطلقت مع عبد الله بن عمر في حاجة إلى ابن عباس فلما قضى حاجته كان من حديثه يومئذ أن «قال مر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سكة من سكك المدينة وقد خرج من غائط أو بول إذ سلم عليه رجل فلم يرد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثم إنه ضرب بيديه الأرض أو بيده الحائط فمسح وجهه مسحا ثم ضرب ضربة فمسح» قلت: قال النووي في " الخلاصة " محمد بن ثابت العبدي ليس بالقوي عند أكثر المحدثين، وقد أنكر عليه البخاري وغيره رفع هذا الحديث، وقالوا: الصحيح أنه موقوف على ابن عمر، وقال الخطابي: وحديث ابن عمر لا يصح؛ لأن محمد بن ثابت العبدي ضعيف جدا لا يحتج بحديثه. وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: يخالف في بعض حديثه، وقال النسائي: يروي عن نافع ليس بقوي. وأما كونه معارضا: فروى البخاري ومسلم من حديث كريب «عن ابن عباس قال بت ليلة عند خالتي ميمونة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاضطجعت في عرض الوسادة واضجع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في طولها فنام - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حتى إذا انتصف الليل أو قبله» الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 والأصح أنها مستحبة وإن سماها في الكتاب سنة   [البناية] ففي هذا ما يدل على جواز ذكر اسم الله وقراءة القرآن مع الحديث. ولكن وقع في الصحيح «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تيمم لرد السلام» أخرجاه «عن أبي الجهم، قال: أقبل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نحو بئر خم فلقيه رجل فسلم فلم يرد عليه حتى أقبل على الجدار فمسح وجهه ويديه ثم رد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» ولم يصل مسلم سنده به، ولكنه روي من طريق الضحاك بن عثمان عن نافع «عن ابن عمر أن رجلا مر ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبول فسلم فلم يرد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لم يذكر فيه التيمم» . ورواه البزار في " مسنده " من حديث أبي بكر رجل من آل عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن نافع عن ابن عمر في هذه القضية «قال: فرد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وقال: " إنما رددت عليك خشية أن تقول سلمت فلم ترد علي، فإذا رأيتني هكذا فلا تسلم علي فإني لا أرد عليك» ورواه عبد الحق في أحكامه من جهة البزار، ثم قال: وأبو بكر فيما أعلم هو ابن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وروى ذلك مالك وغيره بإسناد لا بأس به ولكن حديث الضحاك بن عثمان الأصح فإن الضحاك يوثق من بكر في هذا، ولعل ذلك كان في موضعين وتعقبه ابن القطان في كتابه فقال: من أين له أنه هو، ولم يصرح في الحديث باسمه، واسم أبيه وجده. قلت: قد جاء ذلك مصرحا في مسند السراج، فقال: حدثنا محمد بن إدريس حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا سعيد بن سلمة حدثني أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن نافع عن ابن عمر فذكره. وروى ابن ماجه في سننه من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رجلا مر على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يبول فسلم عليه، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إذا رأيتني على هذه الهيئة فلا تسلم علي فإنك إن فعلت ذلك لم أرد عليك» ورواه البزار وقال فيه: " فلم يرد عليه ". م: (والأصح أنها) ش: أي التسمية م: (مستحبة وإن سماها في الكتاب سنة) ش: أي القدوري، وقيل " المبسوط "، وليس بصحيح؛ لأن المنصوص فيه على الاستحباب. فإن قلت: أين جواب " إن " التي هي للشرط؟. قلت: بعده سمى " إن " الواصلة وهي مستغنية عن الجواب بدلالة ما قبل الكلام عليه، وتقديره في الأصل، وإن سماها في الكتاب سنة فهي مستحبة، ويجوز أن يكون معطوفا على المحذوف تقديره، والأصح من المذهب أن التسمية مستحبة إن لم يسمها، وإن سماها. ثم إن الشراح عللو ذلك بقولهم: لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يواظب عليها، ولأن عثمان وعليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حكيا وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم ينقل عنهما التسمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 ويسمي قبل الاستنجاء، وبعده هو الصحيح،   [البناية] قلت: كيف يكون الأصح أنها مستحبة مع ورود الأحاديث الكثيرة الدالة على سنيتها بمقتضى التأويلات التي ذكرناها، على أنا لو لم نورد لها المعارضة بأحاديث غيرها إياها لكان مقتضاها وجوب التسمية على ما ذهب إليه طائفة ممن ذكرناها فيما مضى، فلذلك نص على سنيتها في " المحيط " و " شرح مختصر الكرخي "، و " التحفة " و " الغنية "، و " الجامع " و " القدوري " وقال ابن المرغيناني: هو الصحيح وهو المختار أيضا. وقال الأكمل وغيره: وما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمى فهو من باب قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر» . قلت: هذا جواب عن الحديث الذي فيه أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمى عند الوضوء فكانت سنة، وتقديره أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمى لأنه سنة تختص بالوضوء بل إنه فعل من الأفعال والمستحب في سائر الأفعال البداية بسم الله، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل أمر ذي بال» الحديث. قلت: هذا لا يساعدهم؛ لأن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل أمر ذي بال» كاد أن يدل على وجوب التسمية عند كل فعل مطلقا؛ لأن فيه ما يشبه الوعيد على ترك التسمية، وذلك أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشار إلى أن الفعل الذي لا يبدأ باسم الله أبتر، ويروى أقطع، ويروى أجزم، وأدنى ما فيه الدلالة على السنية. م: (ويسمى قبل الاستنجاء، وبعده هو الصحيح) ش: احترز به عما قيل أنه يسمي قبل الاستنجاء؛ لأنه سنة الوضوء، فيسمي لتقع جميع أفعال الوضوء بها، وعما قيل: يسمي بعد الاستنجاء؛ لأن قبله حال انكشاف العورة وذكر الله تعالى في تلك الحالة غير مستحب تعظيما لاسم الله تعالى، وفي " جوامع الفقه ": ويبدأ بالتسمية بعد الاستنجاء وهو المختار، واختار المصنف الجمع بين القولين فقال: ويسمى قبل الاستنجاء وبعده. قلت: ينبغي أن يكون الأصح من قول من قال: يسن قبل الاستنجاء للتعليل الذي ذكر الآن، ولأن الاستنجاء الوضوء والبداية شرعت فيه بالتسمية نص عليه في " المحيط ". فإن قلت: الدليل من السنة على ما اختاره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - من التسمية تكون مرتين مرة قبل الاستنجاء ومرة بعده في ابتداء الوضوء. قلت: يمكن أن يكون حديث أبي هريرة: «كل أمر ذي بال» الحديث دليلا على مدعاه وذلك لأن الاستنجاء أمر من الأمور فيبدأ فيه بذكر الله تعالى، والوضوء أيضا أمر آخر، فيبدأ به أيضا ليكون عاملا بالحديث في كل الأحوال. فإن قلت: فعلى هذه ينبغي أن يكون عند غسل كل عضو؛ لأن كل واحد من ذلك أمر على حدة قلت: الوضوء كلها أمر واحد؛ لأنه عمل واحد بخلاف كثرة الاستنجاء والوضوء فإنهما عملان مختلفان على أنه لو سمى عند غسل كل عضو لا يمنع من ذلك ولا يكره بل هو مستحب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 قال: والسواك؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يواظب عليه.   [البناية] [السواك من سنن الوضوء] م: (والسواك) ش: بالرفع عطف على قوله: " تسمية الله تعالى " والمعنى: والاستعمال والمضاف فيه محذوف؛ لأن السنة استعمال السواك ونفس السواك ليس بسنة. قال الجوهري: السواك المسواك، وقال أبو زيد: السواك يجمع على سوك ككتاب وكتب قال الشاعر: انظر الثنايا إنهم اللتان ... بمنجة سوك إلا تجمل قال أبو حنيفة اللغوي: ربما همز سوك وسوك فاه تسويكا، وإذا قلت: استاك أو سوك لم يذكر الفم، وقال ابن الأثير في " النهاية ": السواك بالكسر والمسواك: ما يدلك به الأسنان من العيدان، يقال: ساك فاه يسوكه إذا دلكه بالسواك فإذا لم يذكر الفم قلت: استاك، وفي " المحكم " المسواك اسم العود يذكر ويؤنث، وفي " التهذيب " في العربية الحركة يقال: تساوكت الإبل إذا تمايلت في السقوط من الضعف. م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يواظب عليه) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يواظب على استعمال السواك، والعجب من المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ذكر أن استعمال السواك سنة، ثم احتج على ذلك بمواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مع هذا لم يذكر شيئا من الأحاديث الدالة على المواظبة، وقد علم أن مواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على فعل شيء يدل على أن ذلك واجب. وقد اعتذر عنه الشراح بأن المواظبة مع ترك دليل السنة وبدونه دليل الوجوب، وقد دل على تركه حديث الأعرابي، فإنه لم ينقل فيه تعليم السواك، فلو كان واجبا لعلمه. قال الأكمل: ويدل ترك التعليم على تركه دفعا للتعارض فإن عدم الترك يدل على الوجوب وترك التعليم على عدمه، فكان تدافع. قلت: ادعوا أن مواظبته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على السواك كان مع الترك، وهو دليل السنة، ثم احتجوا على ذلك بحديث الأعرابي، وفيه نظر من وجهين: الأول: أنهم لم يأتوا بحديث فيه تصريح بأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تركه في الجملة. والثاني: في استدلالهم على ذلك بحديث الأعرابي لا يتم؛ لأن الاستعمال للسواك هل هو من سنة الدين أو من سنة الوضوء، وقد اختلف العلماء في ذلك، فقال بعضهم: إنه من سنة الدين، لا من سنة الوضوء، لعدم اختصاصه به، ذكره في " المفيد "، وقال بعضهم: هو من سنة الوضوء وفيه أحاديث صحيحة ما رواه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لولا أن يشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء» قال أبو عمر: هذا يدخل في السنة لاتصاله من غير وجه، وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] معروف من جهة بشر بن عمر، وروح بن عبادة صحيح عنهما عن مالك بسنده مرفوعا. ورواه ابن خزيمة في " صحيحه "، والنسائي والدارقطني مرفوعا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «السواك مع كل وضوء» وعن شعبة «افترضت عليهم السواك مع كل وضوء.» ورواه البيهقي من حديث شعبة " مع كل طهور " ذكره في " الإمام " وخرجه أحمد أيضا. وروى البيهقي من حديث مالك بن أنس عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل فرض.» وأكثر الرواة عن مالك هكذا مرفوعا. ورواه الطحاوي أيضا عن ابن مرزوق عن ابن عمر عن مالك نحوه، وروى الدارقطني من حديث أنس «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يستاك ويفصل وضوءه» وفي إسناده زيد بن خالد الجهني. وروى أبو داود من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يوضع له وضوءه وسواكه فإذا قام من الليل تحلى ثم استاك» . وروى أيضا من حديث عائشة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ» . ولهذا احتج أبو داود أن السواك واجب، وحكي عن إسحاق ابن راهويه أنه واجب إن تركه عمدا بطلت صلاته. وقال بعضهم: هو من سنة الصلاة، وفيه أحاديث منها ما رواه الستة في كتبهم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة "، وقال مسلم عند كلا صلاة» . وروى أبو داود والترمذي من حديث أبي سلمة عن زيد بن خالد الجهني مرفوعا قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة "، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح» . فإن قلت: كيف التوفيق بين رواية عند كل وضوء، ورواية عند كل صلاة؟ قلت: السواك الواقع عند الوضوء واقع للصلاة؛ لأن الوضوء شرع لها، فتجعل الأحاديث التي فيها عند كل صلاة على ما ذكرنا توفيقا بين الأحاديث، السواك عند كل صلاة ربما جرح الفم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وأخرج الدم وهو نجس بلا خلاف، وإن كان خلاف في انتقاض الوضوء فيتجنب عن ذلك، وقول من قال: إنه من سنة الدين أقوى نقل ذلك عن أبي حنيفة وفيه أحاديث تدل على ذلك: منها ما رواه أحمد والترمذي من حديث أبي أيوب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أربع من سنن المرسلين: الختان، والسواك، والتعطر، والنكاح» رواه ابن أبي شيبة وغيره من حديث مليح بن عبد الله عن أبيه عن جده نحوه. ورواه الطبراني من حديث ابن عباس ومنها ما «رواه مسلم من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عشرة من الفطرة: فذكر منها السواك.» ورواه أبو داود من حديث علي، ومنها ما رواه البزار من حديث أبي هريرة: «الطهارات أربع: قص الشارب، وحلق العانة، وتقليم الأظفار، والسواك.» رواه الطبراني من حديث أبي الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ومنها ما رواه الطبراني والبيهقي من حديث أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مرفوعا: «ما زال جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يوصيني بالسواك حتى خشيت أن يدرد في» ورواه ابن ماجه من حديث أبي أمامة، ورواه أبو نعيم من حديث جبير بن مطعم، وأبي الطفيل، وأنس، والمطلب بن عبيد الله. ورواه أحمد من حديث ابن عباس، ورواه ابن السكن من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. واعلم أنه قد جاءت أحاديث تدل على المواظبة منها: ما رواه العقيلي وأبو نعيم من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: «كان إذا سافر حمل السواك، والمشط، والمكحلة، والمعطرة، والمرآة» وأعله ابن الجوزي، وروى ابن ماجه من حديث عائشة أيضا: «كنت أصنع له ثلاث آنية مخمرة، إناء لطهوره، وإناء لسواكه، وإناء لشرابه.» وإسناده ضعيف. ومنها ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] رواه البيهقي من حديثها أيضا: «هذه لكم سنة، وعلي فريضة: السواك، والوتر، وقيام الليل» وفي إسناده موسى بن عبد الرحمن الصغاني وهو متروك. ومنها ما رواه أحمد والطبراني من حديث واثلة بن الأسقع: «أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب علي» وفيه إياس بن أبي سليم، وهو ضعيف. ومنها ما رواه أبو نعيم من حديث رافع بن خديج وغيره: «السواك والوتر.» ومنها ما رواه ابن ماجه من حديث أبي أمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك» وإسنادهما ضعيف، وأقوى ما يدل على المواظبة وأصحه محافظته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للسواك حتى إنه فعله عند وفاته كما رواه البخاري في آخر كتاب المغازي من حديث القاسم عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «قالت: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، فأبده رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بصره. فأخذت السواك فقضمته، وطيبته، ثم دفعته إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستن فما رأيته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - استن استنانا قط أحسن منه. فما عدا أن فرغ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رفع يده أو إصبعه ثم قال: " في الرفيق الأعلى ثلاثا " ثم قضى، وكانت تقول مات بين حاقنتي وذاقنتي.» ومن ذلك ما رواه الطبراني من حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «كان السواك من أذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - موضع القلم من أذن الكاتب» وفي إسناده يحيى بن اليمان، وقد تفرد به، وسئل أبو زرعة عنه في " العلل "، فقال: وهم فيه يحيى بن اليماني وإنما هو عبد الله بن إسحاق، عن أبي سلمة عن زيد بن خالد بن نضلة. قلت: كذا أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أبي سلمة عن خالد الجهني مرفوعا: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كلا صلاة " قال أبو سلمة: فرأيت زيدا يجلس في المسجد وإن السواك من أذنه موضع القلم من أذن الكاتب وكلما قام إلى الصلاة استاك» . وردت أحاديث فيها الأمر بالسواك منها: ما رواه الأئمة الستة من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك» الحديث، قال الزيلعي: أحاديث الأمر بالسواك، ثم روى حديث أبي هريرة هذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وأخرج ما رواه البخاري من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أكثرت عليكم بالسواك» وذكره ابن حبان في " العلل " من حديث أبي أيوب بلفظ: «عليكم بالسواك» وأعله أبو زرعة بالإرسال، وروى مالك في " الموطأ " من حديث عبيد بن السباق مرسلا. ومنها ما رواه أبو نعيم من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إن أفواهكم طرق القرآن فطهروها بالسواك» ووقفه ابن ماجه، ورواه أيضا أبو مسلم المكي في " السنن ". ومنها ما رواه البزار، والطبراني والبغوي، وابن حبان، وابن أبي خيثمة من حديث العامري كانوا يدخلون على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فقال: " تدخلون علي قلحا استاكوا» والقلح بضم القاف وسكون اللام، وفي آخره حاء مهملة جمع أقلح يقال: قلح الرجل بالكسر قلحا وهو صفرة في الأسنان. ومنها ما رواه البخاري في " تاريخه " وغيره من حديث «أبي خيرة الصباحي كنت في وفد فزودنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالأراك وقال: " استاكوا بهذا.» ووردت أحاديث في فضيلة السواك منها: حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - علقه البخاري بلا إسناد، ووصله النسائي وأحمد وابن حبان من حديث عبد الرحمن بن أبي عتيق: سمعت أبي سمعت عائشة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب» . ومنها حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه أحمد، وابن خزيمة، والحاكم، والدارقطني وابن عدي والبيهقي في " الشعب " وأبو نعيم رواه عروة عن عائشة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها سبعون ضعفا» . ومنها حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه أبو نعيم: «إذا قام أحدكم من الليل يصلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فليستك فإنه إذا قام يصلى أتاه ملك فيضع فاه على فيه فلا يخرج شيء من فيه إلا وقع في في الملك.» ومنها حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رواه أبو نعيم مرفوعا: «السواك يذهب البلغم ويفرح الملائكة، ويوافق السنة» . ومنها ما رواه البزار من حديث مليح بن عبد الله الحطمي عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خمس من سنن المرسلين: الحياء، والحلم، والحجامة، والسواك، والتعطر» . ومنها ما رواه الطبراني في " الأوسط " من حديث معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «نعم السواك الزيتون من شجرة مباركة يطيب الفم، ويذهب الحفر وهو سواكي وسواك الأنبياء قبلي» . ومنها حديث عبد الله بن حداد، أخرجه أبو نعيم قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السواك الفطرة» . وذكر القشيري بلا إسناد عن أبي الدرداء قال: «عليكم بالسواك فلا تغفلوه فإن في السواك أربعا وعشرين خصلة، أفضلها أنه يرضي الرحمن ويضاعف صلاته سبعة وسبعين ضعفا، ويورث السعة والغنى، ويطيب النكهة ويشد اللثة ويسكن الصداع ويذهب وجع الضرس وتصافحه الملائكة لنور وجهه، وتبرق أسنانه» وذكر بقيتها. وقد أخرج الطحاوي في " معاني الآثار " حديث السواك عن ستة من الصحابة وأخرجه لنا في شرحه عن أربعين صحابيا أخر، ... أراد الوقوف عليها فعليه بمراجعته يقر بفوائده [فضل السواك وأوقات استحبابه] 1 وبقي الكلام في السواك من وجوه أخرى: الأول: وقت استعماله في الوضوء، ذكره في " المحيط " و " شرح مختصر الكرخي " والطحاوي و " التحفة " و " النافع " وغيرها، وقال في " شرح الطحاوي ": إنه سنة فيه رطبا ويابسا مبلولا بالماء أو لا، في جميع الأوقات على أي حال كان وذكر في " مبسوط شيخ الإسلام " ومن السنة: حالة المضمضة الاستياك فهذا يدل على أن وقته وقت المضمضة وعليه أكثر أصحابنا إلا أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 .. .... .... .... ..   [البناية] المنقول عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه من سنن الدين فحينئذ يستوي فيه كل الأحوال والاستحباب يتأكد فيه عند تغير الفم. وقال أبو عمر: فضل السواك مجتمع عليه لا اختلاف فيه، والصلاة عند الجميع أفضل منها بغيره حتى قال الأوزاعي: هو شطر الوضوء، ويتأكد طلبه عند إرادة الصلاة، وعند الوضوء، وقراءة القرآن، والاستيقاظ من النوم، وعند تغير الفم، ويستحب بين كل ركعتين من صلاة الليل، ويوم الجمعة، وقبل النوم، وبعد الوتر، وفي السحر. وفي " الدراية ": ثم وقته عند المضمضة تكميلا للإنقاء وكذا في " مبسوط شيخ الإسلام "، وفي " كفاية المنتهى "، " والوسيلة "، " والشفاء ": يستاك قبل الوضوء وعند الشافعي: هو سنة للقيام إلى الصلاة، وعند الوضوء، وعند كل حال يتغير فيه الفم. [كيفية الاستياك] 1 الوجه الثاني: في كيفية الاستياك: عرضا لا طولا عند مضمضة الوضوء، ونص عليه في " المحيط " وأخرج أبو نعيم من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يستاك عرضا لا طولا.» وفي " سنن أبي داود ": «إذا استكتم فاستاكوا عرضا» وفي " المغني ": ويستاك على أسنانه ولسانه، «وقال أبو موسى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أتينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرأيته يستاك على لسانه» متفق عليه. وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «استاكوا عرضا وادهنوا غبا واكتحلوا وترا» ، انتهى. وأخرج الطبراني بإسناه إلى بهدلة قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستاك عرضا» وأخرجه البيهقي بإسناده إلى ربيعة بن أكثم قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستاك عرضا، ويشرب مصا، ويقول: " هو أهنأ وأمرأ.» وعن إمام الحرمين عن أصحاب الشافعي أنه يمر بالسواك على طول الأسنان وعرضها، فإن اقتصر على أحدهما فالعرض أولى، وقال غيره من أصحابه: يستاك عرضا لا طولا، كذا في " شرح الوجيز ". وروى البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث حذيفة بن اليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وعند فقده يعالج بالإصبع؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعل كذلك   [البناية] قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام تهجد يشوص فاه بالسواك» ويقال الشوص رض السواك بأن يستاك طولا، والأصح أن تفسير الشوص هو التنقية، وقال الجوهري: الشوص الغسل والتنظيف، يقال: شوص فاه بالسواك، ويقال: الشوص هذا الذي يدلك أسنانه بالسواك، وهذا أعم من أن يدلك طولا أو عرضا، ولا تقدير في السواك يستاك إلى أن يطمئن قلبه بزوال النكهة واصفرار السن ويأخذ السواك باليمنى والمستحبة فيه ثلاثة أشياء، ويكون في غلظ خنصر، وطول شبر. [فيما يستاك به وما لا يستاك به] الوجه الثالث: فيما يستاك به وما لا يستاك به، وفي " الدراية ": ويستحب أن يستاك بعود من أراك يابس قد ندي بالماء ويكون لينا، وقد مر في حديث أبي سبرة الاستياك بالأراك وذكرنا أيضا عن الطبراني من حديث معاذ «نعم السواك الزيتون» الحديث. وروى الحارث في " سننه " عن سمرة بن جندب قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن السواك بعود الريحان، وقال: إنه يحرك عرق الجذام» وفي " الدارية " ويقول عند الاستياك: اللهم طهر فمي، ونور قلبي، وطهر بدني، وحرم جسدي على النار، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين، وفي " المحيط ": العلك للمرأة يقوم مقام السواك؛ لأنها تخاف سقوط أسنانها؛ لأن سنها ضعيف، والعلك مما ينقي الأسنان ويشد اللثة. [حكم من لم يجد السواك] الوجه الرابع: فيمن لا يجد السواك، أشار إليه المصنف بقوله: م: (وعند فقده) ش: أي فقد السواك. م: (يعالج بالإصبع) ش: أي يزود به عن يده اليمنى، (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعل كذلك) ش: أي عالج بإصبعه، قال الزيلعي: حديث غريب، أراد أنه لم يثبت من جهة فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وإنما رويت أحاديث في هذا الباب من جهة قوله منها: ما رواه البيهقي في " سننه " من حديث أنس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يجزئ عن السواك الأصابع» وضعفه البيهقي، وفي رواية عن أنس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الإصبع يجزئ عن السواك.» ومنها ما أخرجه الطبراني في " الأوسط " من «حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قلت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الرجل يدهن فاه يستاك؟، قال: " نعم "، قالت: كيف يصنع؟ قال: " يدخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 والمضمضة والاستنشاق؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعلها على المواظبة   [البناية] إصبعه في فيه» . ومنها ما رواه البيهقي عن رجل من الأنصار من بني عمرو بن عوف قال: «يا رسول الله إنك رغبتنا في السواك فهل دون ذلك من شيء، قال: " إصبعك سواك عند وضوئك تمرهما على أسنانك؛ لأنه لا عمل لمن لا نية له، ولا أجر لمن لا حسبة له» . قلت: لو نظر الزيلعي في " مسند أحمد " بالإمعان لاطلع على حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه يؤذن بأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعله، وهو «أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دعا بكوز من ماء فغسل وجهه وكفيه ثلاثا، وتمضمض فأدخل بعض أصابعه في فيه الحديث، وفي آخره: وهو وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . [المضمضة والاستنشاق في الوضوء] م: (والمضمضة والاستنشاق) ش: كلاهما بالرفع معطوفان على المرفوع قبلهما، و " المضمضة " تحريك الماء في الفم، قال ابن سيده: مضمض وتمضمض وهو أن يجعل الماء في فيه، ولا يشترط إدارته على مشهور مذهب الشافعي، وقال جماعة من أصحابه: يشترط، وفي بعض شروح البخاري: المضمضة أصلها مشعر بالتحريك، ومنه مضمض النعاس في عينيه إذا تحرك، واستعمل في المضمضة تحريك الماء في الفم. و" الاستنشاق " إدخال الماء في الأنف، استفعال من النشق وهو سعوط يجعل في المنخرين ونشقت منه ريحا طيبة أي شممت وتنشق واستنشق الماء في أنفه صبه في أنفه. وفي العرنين استنشق أي يبلغ الماء خياشيمه، وذكر ابن الأعرابي وابن قتيبة الاستنشاق والاستنثار واحد، وقال ابن طريف: ينشد الماء من أنفه دفعة، وقال ابن سيده: يقال استنثر إذا استنشق الماء ثم أخرج ذلك بنفس الأنف، والنشرة الخيشوم وما والاه، وفي جامع [ ...... ] نثرت الشيء إذا أنثره وأنثره نثرا إذا بددته فأنت ناثر والشيء منثور قال المتوضئ مستنشق إذا جذب الماء بريح أنفه ثم يستنثر. م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعلهما على المواظبة) ش: أي فعل المضمضة والاستنشاق، وقوله عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] السلام فعلهما على المواظبة يدل على أنهما واجبتان كما ذهب إليه أحمد وآخرون ولكن قيد الشيخ قوام الدين بقوله: أي مع الترك، وإلا كانا واجبتين، والدليل على الترك ما «روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - نقلت وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم تذكر المضمضة والاستنشاق» . ولم يذكر أيضا في حديث الأعرابي الذي علمه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الواجبات وتبعه على ذلك الشيخ الأكمل. قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقال المواظبة تدل على الوجوب حتى قال أهل الحديث: هما فرضان في غسل الجنابة، والوضوء استدلالا بالمواظبة؛ لأنا نقول أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يواظب في العبادات على ما فيه تحصيل الكمال كما كان يواظب على الأذكار، وفي كتاب الله تعالى أمر بتطهير أعضاء مخصوصة والزيادة على النص لا تجوز إلا بما ثبت النسخ، وعلم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأعرابي الوضوء، ولم يذكرهما فيه مع أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - صرح بقوله: هما فرضان في الجنابة سنة في الوضوء، كذا في " المبسوط ". قلت: ألا ما ترى لم يشق منهم واحد القليل، ولا روى منهم. أما القوام والأكمل فإنهما قدرا في قول صاحب " الهداية " مع الترك، وكيف يقيد بذلك وقد روى صفة وضوء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أصحابه ثلاثة وعشرون نفرا، وهم عبد الله بن زيد بن عاصم، وعثمان بن عفان، وابن عباس، والمغيرة بن شعبة، وعلي بن أبي طالب، والمقدام بن معد يكرب، والربيع بنت معوذ، وأبو مالك الأشعري، وعائشة، وأبو هريرة، وأبو بكرة، ووائل بن حجر، وجبير بن نفير الكندي، وأبو أمامة، وأنس، وكعب بن عمرو اليماني، وأبو أيوب الأنصاري، وعبد الله بن أبي أوفى، والبراء بن عازب، وأبو كاهل، وعبد الله بن أنيس، وطلحة عن أبيه عن جده، ولقيط بن صبرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وكلهم حكوا فيه المضمضة والاستنشاق كحديث عبد الله بن زيد عند الأئمة الستة. وحديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البخاري ومسلم. وحديث ابن عباس عند البخاري. وحديث المغيرة عند البخاري أيضا في كتاب اللباس وفيه المضمضة والاستنشاق. وحديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الأربعة: أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ماجه. وحديث المقدام عند أبي داود وحديث الربيع عند أبي داود أيضا. وحديث أبي مالك الأشعري عند عبد الرزاق في " مصنفه " ومن طريقه رواه الطبراني في " معجمه " وأحمد في " مسنده " وابن أبي شيبة في " سننه " وإسحاق بن راهويه في " سننه "، واسم أبي مالك حارث. وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عند النسائي في " الكبرى " وفيه المضمضة والاستنشاق. وحديث أبي هريرة عند أحمد في " مسنده "، والطبراني في " معجمه الأوسط "، وأبي يعلى في " مسنده ". وحديث أبي بكر عند البزار في " مسنده "، وحديث وائل بن حجر عند البزار أيضا، وحديث جبير بن نفير عند ابن حبان في صحيحه، والبيهقي في " سننه "، وحديث أبي أمامة عند أحمد في " مسنده "، وحديث أنس عند الدارقطني، والبيهقي في " سننه "، وحديث كعب بن عمرو عند أبي داود في " سننه "، وحديث أبي أيوب عند الطبراني في " معجمه " وإسحاق بن راهويه في " مسنده "، وعند ابن عدي في " الكامل ". وحديث أبي كاهل واسمه قيس بن عامر عند الطبراني في " معجمه "، وحديث عبد الله بن أنيس عند الطبراني في " معجمه "، وحديث طلحة عن أبيه عن جده عند أبي داود، وفيه قرائن تفصل بين المضمضة والاستنشاق، وحديث لقيط بن صبرة عند الشافعي، وأحمد، وابن الجارود وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، وأصحاب السنن الأربعة وفيه: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما.» وقول قوام الدين: والدليل على الترك ما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إلى آخره، ينافي ما رواه النسائي عنها على ما ذكرنا، فالعجب منه أن يدعي علم الحديث ولم يذكر هاهنا من روى حديث الترك، ولئن سلمنا ذلك فمعناه أنها اختصرت في إحدى رواياتها. وكذلك في حديث الأعرابي لم يبين من روى الترك، ولئن سلمنا فالجواب على ما ذكرناه، وأما جواب السغناقي في قَوْله تَعَالَى لا يقال المواظبة تدل على الوجوب مع تحصيل الكمال فيدل على أن مواظبته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على عبادة لتحصيل الكمال وليس كذلك في مواظبته على شيء يدل على الوجوب مع تحصيل الكمال، وسكوت المصنف عن القيد المذكور يدل على أن المضمضة والاستنشاق سنتان مؤكدتان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وكيفيتهما أن يمضمض ثلاثا يأخذ لكل مرة ماء جديدا ثم يستنشق كذلك   [البناية] والسنة المؤكدة في قوة الواجب، ومع هذا لا يحصل الفساد بتركها سواء كان عامدا أو ناسيا كما في ترك الواجب، غير أنه في ترك الواجب يكون ناقصا، وفي الشفاء هما سنتان، قوله: فإن من تركهما يأثم، وقول السغناقي في كتاب الله أمراه لا يلزمنا؛ لأنا ما ادعينا فرضية المضمضة والاستنشاق والذي ذكره إنما يلزم من يدعي فرضيتهما، وقوله مع أن ابن عباس إلى آخره ما أفاد فائدة جديدة لما ادعاه؛ لأنا لا نقول أنهما ليستا بسنتين، ومع هذا هو حديث ضعيف. م: (وكيفيتهما) ش: أي كيفية كل واحد من المضمضة والاستنشاق. م: (أن يمضمض ثلاثا يأخذ لكل مرة ماء جديدا ثم يستنشق كذلك) ش: إنما ذكر هذا نفيا لقول الشافعي فإن عنده الأفضل أن يتمضمض ويستنشق بكف واحد بماء واحد، واحتج الشافعي بما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وله طرق منها: «فمضمض واستنشق من كف واحدة، فعل ذلك ثلاثا» وفي لفظ البخاري: «فمضمض واستنشق ثلاثا بثلاث غرفات» وفي رواية لهما: «فمضمض واستنشق من ثلاث غرفات» . وروى ابن حبان «فمضمض واستنشق ثلاث مرات من ثلاث حثيات» وفي لفظ البخاري «فمضمض ثلاث مرات من حفنة» . وفي " التلويح شرح البخاري ": والأفضل أن يتمضمض ويستنشق من ثلاث غرفات كما في الصحيح وغيرها. ووجه ثان: «يجمع بينهما بغرفة واحدة يتمضمض منها ثلاثا ثم يستنشق منها ثلاثا» رواه علي ابن أبي طالب عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند أبي حنيفة وابن حبان، رواه أيضا وائل بن حجر، أخرجه البزار بسند ضعيف. وثالث: «يجمع بينهما بغرفة وهو أن يتمضمض منها ثم يستنشق ثم الثانية كذلك ثم الثالثة» رواه عبد الله بن زيد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أخرجه الترمذي وقال حسن غريب. ورابع: يفصل بينهما بغرفتين فتمضمض من أحدهما ثلاثا، ثم استنشق من الأخرى ثلاثا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 هو المحكي من وضوئه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [البناية] وخامس: يفصل بينهما بغرفتين يتمضمض من غرفة ثلاثا ويستنشق من أخرى ثلاثا، وفي " الروضة "، وفي كيفيته وجهان: أصحهما يتمضمض من غرفة ثلاثا ويستنشق غرفات، ومذهب أحمد كمذهب الشافعي، ومذهب مالك ما ذكره في " الموطأ " و " الجواهر " حكى ابن سابق في ذلك قولين: أحدهما: يغرف غرفة واحدة لفيه، وأنفه. والثاني: يتمضمض ثلاثا في غرفة ويستنشق ثلاثا في غرفة، فقال: وهذا اختيار مالك، والأول اختيار الشافعي، وأشار المصنف إلى دليل أصحابنا بقوله: م: (هو المحكي من وضوئه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: المحكي يستعمل في رواية الفعل، والمروي في رواية اللفظ، قال صاحب " الدراية ": حكى عثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وضوء رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هكذا نسبه إلى " المحيط "، ولم يبين حديثهما كيف هما، وأما قوام الدين فإنه قال: ولنا أن الأنف والفم عضوان منفردان فلا يجمع بينهما بماء واحد كسائر الأعضاء، وأما أكمل الدين فإنه قال كقول قوام الدين. وأما السغناقي فإنه قال بعد احتجاج الشافعي بما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يتمضمض ويستنشق بكف واحد وله عندنا تأويلان: أحدهما: أنه لم يستعن في المضمضة والاستنشاق باليدين كما في غسل الوجه، والثاني: أن فعلهما باليد اليمنى ردا على قول من يقول: يستعمل في الاستنشاق اليد اليسرى؛ لأن الأنف موضع الأذى كموضع الاستنجاء، ثم نسبه إلى " المبسوط " فانظر إلى هذا الشأن العجيب، بل يرد ما احتج به الشافعي من الصحيح بما ذكروه، وكان الواجب أن يذكر وربما احتجت به أصحابنا من الأحاديث، ثم يجيبوه عن أحاديثه، ثم يقووا ذلك بدلائل أخرى في التأويلين المذكورين؛ نظرا لأن الأحاديث المصرحة بأنه تمضمض واستنشق بماء واحد لا يمكن تأويلها بما ذكروه، فنقول وبالله التوفيق: أما ما احتج به أصحابنا فما ذهبوا إليه هو الحديث الذي رواه الترمذي من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفيه: «فغسل كفيه حتى أنقاهما ثم مضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا.» الحديث، وقال: هذا حديث حسن صحيح. فإن قلت: لم يحك فيه أن كل واحدة من المضامض والاستنشاقات بماء واحد، بل حكى أنه تمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: مدلوله ظاهر ما ذكرناه وهو أن يتمضمض ثلاثا يأخذ لكل مرة ماء جديدا ثم يستنشق كذلك، وهو رواية البويطي عن الشافعي فإنه روى عنه أن يأخذ ثلاث غرفات للمضمضة وثلاث غرفات للاستنشاق، وفي رواية غيره عنه في " الأم ": يغرف غرفة يمضمض بها ويستنشق، ثم يغرف غرفة يتمضمض بها ويستنشق، ثم يغرف ثالثة يتمضمض بها ويستنشق فيجمع في كل غرفة بين المضمضة والاستنشاق، واختلف نصه في الكيفيتين فنص في " الأم " وهو نص " مختصر المزني " أن الجمع أفضل، ونص البويطي أن الفصل أفضل، ونقله الترمذي عن الشافعي. قال النووي: قال صاحب " المهذب " القول بالجمع أكثر في كلام الشافعي، وهو أيضا أكثر في الأحاديث الصحيحة والجواب عن كل ما روي في ذلك فهو محمول على الجواز، ومن الدليل على تجديد الماء لكل مرة فيها حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده وهو كعب بن عمرو، قال ابن خزيمة الحافظ: عمرو بن كعب. والأول أصح، قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفصل بين المضمضة والاستنشاق» فإن قلت: ليس بصريح في المقصود. قلت: رواه الطبراني في " معجمه " من حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده كعب بن عمرو اليماني «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ فتمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا يأخذ لكل واحدة ماء جديدا الحديث» . فإن قلت: في سنده ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف تركه يحيى القطان، وابن مهدي، وابن معين، وأحمد بن حنبل. وقال النووي في " التهذيب ": العلماء على ضعفه، وأنكر ابن أبي حاتم كون جد طلحة صحابيا وقال: سألت عنه فلم يثبته، وقال: طلحة هذا رجل من الأنصار، وقال ابن القطان: فيه علة وهي جهل حال مصرف بن عمرو والد طلحة. قلت: أما ليث بن سليم القرشي الكوفي، فقد روى عنه خلق كثير منهم سفيان الثوري، وشريك، وشعبة، وفضل بن عاصم، وأبو عوانة، والوضاح، والإمام أبو حنيفة، وآخرون كثيرون، وعن أبي داود: ليس به بأس، وعن يحيى: لا بأس به. قال الدارقطني: كان صاحب سنة. وإنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاووس. وأما مجاهد فحسب واستشهد به البخاري في " الصحيح "، وروى في كتاب رفع اليدين في الصلاة وغيره، وروى له مسلم مقرونا بأبي إسحاق الشيباني، وروى له الأربعة، ولما روى أبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 ومسح الأذنين وهو سنة بماء الرأس عندنا خلافا للشافعي   [البناية] داود هذا الحديث سكت عنه، وذا يدل على أنه عنده حديث صحيح، وكذا سكت عنه المنذري في " مختصر السنن "، ونقل النووي على هذا غير صحيح، وأما إنكار أبي حاتم لكونه جد طلحة صحابيا فليس بموجه، قال الخلال: عن أبي داود: سمعت رجلا من ولد طلحة يقول: إن لجدي صحبة، وحكى عثمان الدارمي عن علي بن المديني: سألت عبد الرحمن بن مهدي عن اسم جده، فقال: عمرو بن كعب، وعمرو بن أبي كعب، وكعب بن عمرو، وكانت له صحبة، وقال الذهبي في تجزئة أسماء الصحابة: كعب بن عمرو الهمداني الثاني صحابي نزل الكوفة وجد طلحة بن مصرف حديثه عنده ذكره في باب كعب بن عمرو، وذكره أيضا في باب عمرو بن كعب، وقول ابن القطان يرده ما ذكره ابن السكن وابن مردويه أن طلحة بن مصرف وكذا ذكره يعقوب بن سفيان في " تاريخه " وابن أبي خيثمة أيضا، وآخرون. وأما حديث مصرف، فقد قال الذهبي في " مختصر تهذيب الكمال ": وثقه أبو زرعة ثم في تقديم المضمضة والاستنشاق اختيار رائحة الماء وطعمه كيلا يكون وضوءه بما لا يجوز بسبب التغير؛ لأن اللون شاهد هنا لاختيار الرائحة والطعم، وقيل الاستنشاق بالشمال لأن اليسار للأقذار وإزالة المخاط باليد اليسرى، وفي " المجتبى " لو رفع الماء من كف واحدة للمضمضة جاز، والاستنشاق لا يجوز لصيرورة الماء مستعملا، وفي " جامع قاضي خان " و " المحيط ": المبالغة فيها سنة إجماعا لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للقيط بن صبرة «بالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائما فأرفق» رواه الأئمة الخمسة، وصححه الترمذي، والمبالغة في المضمضة والغرغرة وفي الاستنشاق أن يأخذ بمنخريه حتى يصعد الماء إلى ما اشتد من الأنف. [مسح الأذنين في الوضوء] م: (ومسح الأذنين) ش: بالرفع عطف على ما قبله، والتقدير ومن سنن الوضوء مسح الأذنين م: (وهو) ش: أي مسح الأذنين، (سنة بماء الرأس عندنا) ش: أي عند أصحابنا، م: (خلافا للشافعي) ش: متعلق بقوله بماء الرأس لا بقوله: سنة، فإنه عنده أيضا، وقال قوام الدين: متعلق بمجموع قوله " سنة بماء الرأس " لا " بسنة " وحدها، ولا " بماء الرأس " وحده، كما ظن بعض الشارحين. قلت: أراد به السغناقي، ومن تبعه، وهذا عجيب منه؛ لأن الخلاف في موضع واحد، فكيف يتعلق بالموضعين. و " خلافا " منصوب على أنه مفعول مطلق بإضمار فعله تقديره: نحن في هذا نخالف خلافا للشافعي، أو هذا المذكور في معنى يخالف خلافا للشافعي وكان مصدرا مؤكدا مضمون الجملة كقوله علي ألف درهم اعترافا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الأذنان من الرأس»   [البناية] م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الأذنان من الرأس» ش: أكثر الشراح لم يتعرضوا لهذا الحديث من جهة التخريج والتصحيح ونحوهما، فنقول: هذا الحديث روي عن ثمانية أنفس من الصحابة وهم: أبو أمامة، وعبد الله بن زيد، وابن عباس، وأبو هريرة، وأبو موسى، وأنس، وابن عمر، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فحديث أبي أمامة عند أبي داود، والترمذي، وابن ماجه عن أبي أمامة «توضأ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا، وقال: " الأذنان من الرأس» ولفظ ابن ماجه وقال: قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الأذنان من الرأس» . وقال أبو داود والترمذي قال قتيبة: قال حماد: لا أدري هذا من قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو من قول أبي أمامة يعني حديث الأذنين، وقال الترمذي: حديثه ليس بذلك القائم، ورواه الدارقطني في " سننه "، وقال رفعه، وهم شهر بن حوشب ليس بالقوي، وقد رفعه سليمان بن حرب وهو ثقة، ثم أخرجه عن سليمان بن حرب حدثهما عن حماد بن زيد به، وفيه قال أبو أمامة: «الأذنان من الرأس» وقال ابن دقيق العيد في " الإمام ": وهذا الحديث معلول بوجهين: أحدهما: لشهر بن حوشب. والثاني: بالشك في رفعه، قلت: شهر وثقه أحمد، ويحيى، والعجلي، ويعقوب ابن شيبة. وسنان بن ربيعة أخرج له البخاري، وصحح حديث شهر الترمذي عن أم سلمة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نشر على الحسن والحسين وعلي وفاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كساء، وقال: هؤلاء أهل بيتي» ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، وقال: أشهر إسناد فيه حديث حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة، وكان حماد يشك في ربيعة، وكان سليمان ابن حرب يقول: هو من قول أبي أمامة. قلت: قد اختلف فيه على حماد، فوقفه ابن حرب عنه، ورفعه أبو الربيع، وإذا رفع ثقة حديثا ووقفه آخر وقبلهما شخص واحد في وقتين يرجح الرفع؛ لأنه أتى بزيادة، ويجوز أن يسمع الرجل حديثا فيقف به في وقت، ويرفعه في وقت آخر، وهذا أولى من تغليط الراوي. وحديث عبد الله بن زيد عن ابن ماجه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الأذنان من الرأس» وإسناده أمثل إسناد لاتصاله وثقة رواته وقواه المنذري وابن دقيق العيد. وحيث ابن عباس عند الدارقطني قال: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الأذنان من الرأس» قال ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] القطان: إسناده صحيح لاتصاله وثقة رواته فإن قلت: أعله الدارقطني بالاضطراب في إسناده، وقال: إن إسناده وهم، وإنما هو مرسل، قلت: لا يقدح ذلك، وما يمنع أن يكون فيه حديثان مسند مرسل، قال البزار: إسناد حديث ابن عباس جيد، فانظر كيف أعرض البيهقي عن حديث عبد الله بن زيد وحديث ابن عباس المذكورين واشتغل بحديث أبي أمامة وزعم أن إسناده أشهر إسناد بهذا الحديث، وترك هذين الحديثين وهما أمثل ومن هنا يظهر تحامله. وجد حديث أبي هريرة عند ابن ماجه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الأذنان من الرأس» ، وأخرجه الدارقطني في " سننه " وفي إسناده البختري بن عبيد وقال: هو ضعيف وأبوه مجهول، وفي إسناد ابن ماجه عمرو بن الحصين وبان علاثة، قال الدارقطني: كلاهما ضعيفان. وحديث أبي موسى عند الدارقطني والطبراني، وفي إسناده عن الحسن عن أبي موسى، قال الدارقطني: الحسين لم يسمع من أبي موسى، ثم أخرجه موقوفا. وحديث أنس عند الدارقطني من طرق عبد الحكم عن أنس وهو ضعيف. وحديث ابن عمر عند الدارقطني من طرق وأعل جميعها. وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عند الدارقطني أيضا، وقال: الأصح أنه موقوف، وفي إسناده محمد بن الأزهر وكذبه أحمد ثم مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الأذنين ليسا من الرأس، ولا من الوجه، نقله النووي في " شرح المهذب " ويأخذ لهما ماء جديدا، ولو أمسك بعض أصابعه عليه الماء الذي أخذه للرأس فمسح به أذنيه صح، وفي الرواية قال الشافعي: يمسح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 والمراد بيان الحكم دون الخلقة   [البناية] أذنيه ظاهرهما وباطنهما بماء جديد ثلاثا، ويأخذ لصماخه ماء جديدا، وهو قول أبي ثور، وقال مالك: الأذنان من الرأس إلا ويمسحهما مع الرأس على رواية الاستيعاب ويجزئ مسحهما بماء مسح الرأس، وقال الشعبي والحسن بن صالح: ما أقبل منهما من الوجه فيغسل معه، وما أدبر منهما من الرأس فيمسح معه، وعن ابن شريح أنه كان يغسلهما مع الوجه ويمسحهما من الرأس احتياطا في العمل، هذا مذهب العلماء، وقد غلط من غلطه زاعما أن الجمع لم يقل به أحد، فإن الشافعي استحب غسل الأذنين مع الوجه وأنهما يمسحان مع الرأس، وقال ابن المنذر: روايتان الأذنان من الرأس عن ابن عباس، وابن عمر، وأبي موسى، وبه قال عطاء، وابن المسيب، والحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز، والنخعي، وابن سيرين، والحسن، وابن جبير، وقتادة، ومالك وهو قول أصحابنا، وقال أبو عيسى الترمذي: وهو قول أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم وبه قال السدي وابن المبارك، وأحمد، وروي عن إسحاق بن راهويه أن من تركها عمدا لم تصح صلاته وعن الشعبي لا يستحب مسحها. م: (والمراد بيان الحكم دون الخلقة) ش: أي مراد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قوله: «الأذنان من الرأس» بيان حكم مسح الأذنين دون خلقتهما؛ لأنهما مشاهدة والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث ببيان الأحكام دون حقائق الأشياء. قال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - المراد إما أن يكون الحقيقة وهو مشاهد لا يحتاج إليه وإنهما ممسوحتان كالرأس وهذا بعيد؛ لأن اتفاق العضوين في وظيفة لا يوجب إضافة أحدهما إلى الآخر، فتعين أنهما ممسوحتان بالماء الذي مسح به الرأس. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل الأذنين من أبعاض الرأس حكما حيث قرنهما بكلمة " من "، ولو كان من أبعاض الرأس حقيقة يسن مسحهما بماء واحد فكذا إذا كانتا من أبعاضه حكما إذ الحكمي يلحق بالحقيقي. ووجه ثالث: أن استيعاب الرأس بالمسح بماء واحد سنة ولا يتم بدونهما حيث جعلتا من الرأس. فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن يجزئ مسحهما عن مسح الرأس. قلت: كون الأذنين من الرأس ثبت بخبر الواحد فلا يقع مجزئا عما ثبت بالكتاب، كما أن التوجه إلى الحطيم لا يجزئ لأن كونه من البيت ثبت بخبر الواحد والتوجه إلى البيت ثابت بالكتاب فلا يجزئ عنه ما ثبت بخبر الواحد، لئلا يلزم نسخ الكتاب به، وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في السنن أنه من ذلك لا يقتضي إلا المشاركة إياه في حكم، ولا يقتضي مساواة الأول للثاني في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] جميع الأحكام، وذلك عند قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «سلمان منا أهل البيت» وقوله: «إن مولى القوم منهم» لم يرد أن سلمان شارك أهل البيت في كرامتهم، واستحقاقهم التام ولأن مولى القوم الهاشمي لا يكون من غسالة الناس من الصدقات كما لا يكون الهاشمي، ألا ترى أن من حلف في شيء على أهل بيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يحنث بسلمان، وكذا من حف في شيء على بني فلان فلم يكن يحنث بمواليهم. فإن قلت: لم لا يجعل الحديث بيانا على أن وظيفتهما المسح لا الغسل من غير إثبات التبعية فكان الحديث بيانا أنهما من الممسوح. قلت: لا يلزم من كون وظيفة الشيء المسح كونه من الرأس كالخف. فإن قلت: إذا كانا من الرأس فينبغي أن يسقط فرض مسح الرأس إذا مسح أذنيه. قلت: المسنون لا يقوم مقام المفروض، وفي " المبسوط ": إن مسح أذنيه دون رأسه لم يجزئ، وقال خواهر زاده: الرأس من الحلقوم إلى فوق إلا أنه تعالى فصل في الأحكام فجعل وظيفة الوجه الغسل، ووظيفة الرأس بعده المسح، فأشبه الأذنين أن وظيفتهما من أيهما، فبين - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بقوله: «الأذنان من الرأس» أن وظيفتهما من الرأس؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ما بعث لبيان الحقائق. ووجه آخر في الاستدلالات أن كلمة " من " للتبعيض فوجب أن يكون بعض الرأس حقيقة وحكما، أو حكما لا حقيقة، وحكم الرأس من ذلك المسح، فكذا حكمهما ثم كيفية مسحهما، ذكر في " المجتبى " يمسحهما بالسبابتين داخلهما والإبهامين خارجهما، وفي " الأصل " يمسح داخلهما مع الوجه، وفوقهما مع الرأس، والمختار هو الأول، وعن الحلواني وشيخ الإسلام خواهر زاده يدخل الخنصر في صماخ الأذنين ويحركهما كذا فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واعلم أن الشافعي استدل بقوله: أن يأخذ لكل واحدة من الأذنين ماء جديدا بحديث عبد الله بن زيد «أنه رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ وأخذ لأذنيه ماء جديدا خلاف الماء الذي أخذه لرأسه» ورواه البيهقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقال: إسناده صحيح، واستدل أيضا بما «رواه أبو أمامة الباهلي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخذ لأذنيه ماء جديدا» ولأن الأذن مع الرأس كالفم والأنف مع الوجه ثم يأخذ لهما ماء جديدا فهذا مثاله. والجواب عن الأول: أنه محمول على أنه لم يبق في كفه بلل فلهذا أخذ ماء جديدا، فعلموا الدليل على ما رواه أبو داود من حديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه سئل عن الوضوء فدعا بماء أه. وفيه فأخذ ماء فمسح برأسه وأذنيه.» وفي " الغاية " للسروجي: وتأويل حديث عبد الله بن زيد «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخذ خلاف الماء الذي أخذه لرأسه» أنه لم يستعمله، ويحمل على الجواز؛ لأن السنة لا تثبت بمرة واحدة، وهكذا يكون جوابا عن الثاني. ولنا حديث أمثل من الكل، أخرجه ابن منده وابن خزيمة في " صحيحيهما " والحاكم في " مستدركه " من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: ألا أخبركم بوضوء رسول الله، فأخذ غرفة فمسح برأسه وأذنيه، وأخرجه ابن حبان في " صحيحه "، ولفظه: «ثم غرف غرفة فمسح بها رأسه وأذنيه.» وأما الجواب عن قوله: ولأن الأذن مع الرأس إلى آخره، أن الفم والأنف وإن كانا من الوجه في وجه، ولكنهما خصا بماء جديد ليحصل الامتياز بسنة الوجه عن غسل الفم بضرب حفنة، كما يحصل الامتياز لفرض المسح عن فرض الغسل بضرب حفنة ولهذا لا يقام الثلث فيهما إلا بماء جديد. 1 - فرع: أما مسح الرقبة، فلم يرد فيه رواية عن أصحابنا المتقدمين، قال في " شرح الطحاوي ": كان الفقيه أبو جعفر يمسح عنقه اتباعا لما روي أن ابن عمر كان يمسح عنقه، وفي " التحفة " اختلف المشايخ في مسح الرقبة قال أبو بكر الأعمش إنه سنة، وقال أبو بكر الإسكاف إنه أدب. فإن قلت: قال محمد الجرجي: روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " غسل الرقبة أمان من الغسل " ثم قال: ولم يوهن أئمة الحديث إسناده، فحصل التردد في أن هذا الفعل سنة أو أدب، وتعقبه الإمام بما حاصله أنه لم يجز الأصحاب ترددا في حكم مع تضعيف الحديث الذي يدل عليه. قلت: قال القاضي أبو الطيب: لم ترد فيه سنة ثابتة، وقال القاضي أبو الحسين: لم ترد فيه سنة، وقال الغوراني: لم يرد فيه خبر وأورده الغزالي في " الوسيط " وتعقبه ابن الصلاح فقال: هذا الحديث غير معروف عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما هو قول بعض السلف، وقال النووي في " شرح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 قال: وتخليل اللحية؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمره جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بذلك   [البناية] المهذب ": هذا حديث موضوع وليس من كلام النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وزاد في موضع آخر: لم يصح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه شيء، وليس هو سنة بل هو بدعة، ولم يذكره الشافعي ولا جمهور الأصحاب، وإنما قال ابن القاضي وطائفة يسيرة وتعقبه ابن الرفعة بأن البغوي من أهل الحديث قال باستحبابه، ولا مأخذ لاستحباب الأجزاء، وأثر مسح القفا ما رواه أحمد وأبو داود من حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح مؤخر أصل العنق» كذا قاله الجوهري وغيره، والقذال بفتح القاف والذال المعجمة جماعة مؤخر الرأس وهو معقد العذار من الفرس خلف الناصية، خلف الناصية، فإذا كان كذلك كيف يكون حديث طلحة مسندا في مسح الرقبة. وكلام بعض السلف الذي ذكره ابن الصلاح يحتمل بأن يريد به ما رواه أبو عبيد في كتاب الطهور عن عبد الرحمن بن مهدي عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن موسى بن طلحة قل: من مسح قفاه مع رأسه وقي الغل يوم القيامة. قلت: هذا وإن كان موقوفا فله حكم الرفع؛ لأنه لا مجال فيه للرأي، وروى أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " بإسناده إلى ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من توضأ ومسح عقبه وقي الغل يوم القيامة» وفي " البحر " للروياني لم يذكر الشافعي مسح العنق، وقال أصحابنا: هو سنة. [تخليل اللحية في الوضوء] م: (وتخليل اللحية) ش: بالرفع عطف على ما قبله من المرفوعات، وتفسيره أن يدخل أصابع يديه في خلل اللحية وهي الفرج التي بين الشعر م: (لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمره جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بذلك) ش: أي بتخليل اللحية على ما روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا وكيع حدثنا الهيثم بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 وقيل هو سنة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - جائز عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله -   [البناية] حماد بن أبان عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أتاني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فقال: إذا توضأت فخلل لحيتك» . ورواه ابن عدي في " الكامل " ولفظه قال: «جاءني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فقال: يا محمد خلل لحيتك بالماء عند الطهور» وأعله بالهيثم بن حماد، وأسند تضعيفه عن أحمد وابن معين. ويقرب منه ما رواه أبو داود في سننه عن الوليد بن وردان عن أنس بن مالك «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته، وقال: " هكذا أمرني ربي» ومن كتب عنه ثم المنذري بعده قال في " الإمام " الوليد بن وردان أنه روى عنه جماعة وقول ابن القطان أنه مجهول على طريقه في طلب زيادة التعديل مع رواية جماعة عن الراوي، قال قوام الدين: إنما أسند صاحب " الهداية " الأمر إلى جبريل (- عَلَيْهِ السَّلَامُ -) لكونه أمر بأمر الله عز وجل. قلت: هذا عجز منه؛ لأنه لم يقف على الحديث الذي ذكرنا عن ابن أبي شيبة حتى أول بهذا التأويل، ثم تخليل اللحية فيه أربعة أقوال: الأول: أنه واجب، يروى ذلك عن سعيد بن جبير، وعبد الحكم من المالكية، والثاني: أنه سنة، وبه قال أبو يوسف والشافعي، ورواية عن محمد قال في خير مطلوب وهو الأصح. الثالث: أنه مستحب، وفي " المحيط " أدب، وليس بمسنون، وهو قول أبي حنيفة ومحمد على ما يشير إليه المصنف الآن. م: (وقيل: هو سنة) ش: أي تخليل اللحية سنة (عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - جائز عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ، ش: معنى جائز أن صاحبه لا ينسب إلى البدعة وهو القول الرابع، وبه قال مالك في " القنية "، وفي " المبسوط ": وتخليل اللحية مستحب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما: جائز وكذا ذكر في " التحفة " و " القنية "، وفي " شرح الطحاوي " والأفضل تخليلها وإن لم يفعل أجزأه، وقال السغناقي في قوله: جائز عند أبي حنيفة ومحمد أي لا يبدع فاعله كما يبدع ماسح الحلقوم، وقال صاحب " الكافي ": يعني جائز ليس بسنة أصلية، ولو فعل لا يبدع ولا يكره؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعله مرة فدل على الجواز لا على السنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: قوله فعله مرة يرده ما رواه أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال: " هكذا أمرني ربي» ورواه أبو داود، وفيه شيئان يدلان على أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعله غير مرة: أحدهما: قوله " كان " فيدل على الاستمرار، والثاني: قوله: " هكذا أمرني ربي عز وجل " والذي يأمره ربه فلا يفعله مرة. فإن قلت: في إسناد الحديث الوليد بن وردان وهو مجهول الحال. قلت: أبو داود لما رواه سكت عنه فهذا يدل على رضاه به على قاعدته، وله طرق أخرى منها طريق الحاكم في " مستدركه " برواية ثقات، ومنها طريق ابن عدي، ومنها طريق صححه ابن القطان. ومع هذا روي حديث تخليل اللحية عن سبعة عشر نفرا من الصحابة وهم: عثمان بن عفان، وأنس بن مالك، وعمار بن ياسر، وابن عباس، وأبي أيوب، وابن عمر، وأبي أمامة، وعبد الله بن أبي أوفى، وأبي الدرداء، وكعب بن عمرو، وأبي بكرة، وعائشة، وجابر بن عبد الله، وأم سلمة، وجرير، وعبد الله بن عكبرة، وعلي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فحديث عثمان عند الترمذي وابن ماجه من حديث عامر بن شقيق الأسدي عن أبي وائل عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخلل لحيته» وقال الترمذي: إنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ وخلل لحيته وقال: حديث حسن صحيح، وقال محمد ابن إسماعيل - يعني البخاري -: أصح شيء في هذا الباب حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ورواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه "، وقال: صحيح الإسناد وقد احتجا - يعني البخاري ومسلم - بجميع رواته [ ... ] غير عمار بن ياسر وأنس وعائشة، ثم أخرج أحاديثهم «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ وخلل لحيته» وزاد في حديث أنس: وقال: «بهذا أمرني ربي» فإن قلت: تعقبه الذهبي في " مختصره "، وقال: بن عامر بن شقيق ضعفه ابن معين، وقال الشيخ تقي الدين: أخرج البخاري ومسلم حديث عثمان في الوضوء من عدة طرق، وليس في شيء منها ذكر التخليل. قلت: قال الترمذي في " العلل الكبير ": قال محمد بن إسماعيل - يعني البخاري -: أصح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] شيء عندي في التخليل حديث عثمان، وهو حديث حسن. وحديث أنس رواه ابن ماجه من حديث يزيد الرقاشي عن أنس قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذا توضأ خلل لحيته» رواه البزار في " مسنده "، والحاكم في " مستدركه ". وحديث عمار عند الترمذي، وابن ماجه قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخلل لحيته» وفي إسناده عبد الكريم بن أبي المخارق عن حسان بن بلال، قال الترمذي: سمعت إسحاق بن منصور يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: قال ابن عيينة: لم يسمع عبد الكريم عن حسان حديث التخليل، ثم أخرج الترمذي من حديث قتادة عن حسان بن بلال. وحديث ابن عباس عند الطبراني في " الأوسط " قال: «دخلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يتوضأ» . الحديث وفيه: «وخلل لحيته» ورواه العقيلي أيضا. وحديث أبي أيوب عند ابن ماجه من حديث واصل بن السائب عن أبي سورة «عن أبي أيوب قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ فخلل لحيته» . قال البخاري وأبو حاتم: واصل بن السائب منكر الحديث، وقال النسائي: متروك، ورواه الترمذي في " العلل "، والعقيلي، وأحمد. وحديث ابن عمر عند ابن ماجه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك ثم يشبك لحيته بأصابعه من تحتها» ورواه الطبراني في " الأوسط ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وحديث أبي أمامة عند ابن أبي شيبة في " مصنفه "، والطبراني في " معجمه الكبير "، وإسناده ضعيف. وحديث عبد الله بن أبي أوفى عند الطبراني، وعند أبي عبيد في " كتاب الطهور " وفي إسناده أبو الورقاء، وهو ضعيف. وحديث أبي الدرداء عند الطبراني، وابن عدي بلفظ: «توضأ فخلل لحيته مرتين، وقال: " هكذا أمرني ربي» وفي إسناده ثمامة بن نجيح وهو لين الحديث. وحديث كعب بن عمرو عند الطبراني، وحديث أبي بكرة عند البزار في " مسنده " «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ وخلل لحيته» . وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عند الحاكم في " مستدركه "، وأحمد في " مسنده "، وإسناده ضعيف. وحديث جابر عند ابن عدي في " الكامل " من حديث أصرم بن غياث قال البخاري: هو منكر الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، «ولفظه وضأت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث فرأيته يخلل لحيته بأصابعه كأنها أنياب مشط.» وحديث أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عند الطبراني في معجمه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا توضأ خلل لحيته.» ورواه العقيلي في " الضعفاء ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 لأن السنة إكمال الفرض في محله والداخل ليس بمحل له   [البناية] وحديث جرير عند ابن عدي، وفيه: أصرم بن غياث، وهو متروك. وحديث عبد الله بن عكبرة عند الطبراني في " الصغير " ولفظه: عن عبد الله بن عكبرة وله صحبة، «قال: " التخليل سنة» وفيه عبد الكريم وهو ضعيف، وحديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني فيما تلقاه عن ابن مردويه وإسناده ضعيف ومنقطع. م: (لأن السنة إكمال الفرض في محله) ش: لتخليل أصابع الرجلين والمضمضة والاستنشاق؛ لأن الفم والأنف من الوجه. ولا كذلك ما تحت اللحية لسقوط منبات اللحية. م: (والداخل) ش: أي في اللحية. م: (ليس بمحل له) ش: أي للفرض بعدم وجوب إيصال الماء إليه بالاتفاق، واعترض بأن المضمضة والاستنشاق سنتان وداخل الفم ليس محل الفرض في الوضوء، وأجيب بأن الفم والأنف من الوجه في وجه إذ هما في حكم الخارج من الوجه، والوجه محل الفرض. فإن قلت: الأمر يقتضي الوجوب فكان ينبغي أن يكون تخليل اللحية واجبا. قلت: أمر الوضوء في الآية خاص بظاهر اللحية لا يحتمل الخفاء. فلو قلنا: بوجوب تخليل اللحية بهذا الأمر يلزم الزيادة في كتاب الله تعالى بخبر الواحد، وهي تجري مجرى النسخ، فلذلك انحطت درجة مقتضى الأمر من الوجوب إلى السنية، وكون تخليل اللحية سنة هو الصحيح للأحاديث المذكورة ولفعل الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وأخرج سعيد بن منصور عن الوليد عن سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا توضأ خلل أصابعه ولحيته، وكان أصحابه إذا توضئوا خللوا لحاهم» . فإن قلت: قال أحمد: ليس في تخليل اللحية شيء صحيح. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: لا يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في تخليل اللحية [حديث] . قلت: قد مر أن الترمذي صحح حديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وحديث عائشة المذكور إسناده حسن، وقال السروجي في شرحه: ذكر أصحابنا «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان إذا خلل لحيته الكريمة شبك أصابعه كأنها أسنان مشط» وليس لذلك كله ذكر في كتب الحديث، وإنما ذكر ابن ماجه والدارقطني عن ابن عمر: «وشك لحيته بأصابعه من تحتها» ولم يزد، وذكر الراوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 وتخليل الأصابع   [البناية] «كأنها أسنان مشط» . قلت: العجب من السروجي كيف غفل حديث جابر الذي أخرجه ابن عدي المذكور آنفا وكيف يقول: وليس لذلك كله ذكر في كتب الحديث، ولا يلزم من اطلاعه على ذلك أن يقول: وليس لذلك كله ذكر في كتب الحديث، ثم نسبه إلى أبي بكر الرازي بأنه قال: كأنها أسنان مشط، وأبو بكر الرازي لم يقل هذا من عنده. [تخليل الأصابع في الوضوء] م: (وتخليل الأصابع) ش: بالرفع عطف على ما قبله من المرفوعات، وأطلق الأصابع على أصابع اليدين والرجلين، وذكر في " التحفة " و " القنية " و " المنافع " أصابع اليدين والرجلين، وسكت أكثرهم عن ذكر أصابع اليدين لحصول وصول الماء إلى أصابعهما بغسل الوجه واليدين والرجلين، وتخليلهما يكون بالتشبيك بينهما. وفي " الذخيرة " تخليل الأصابع إذا كانت مضمومة وهو يتوضأ من الإناء فرض، قال المرغيناني: بماء يتقاطر، قيل المراد وصول الماء إلى أثنائها لا نفس التخليل ولهذا قالوا: وإن توضأ في الماء الجاري أو الحوض، وأدخل رجليه في الماء يجزيه ترك التخليل. وإن كانت منضمة. وفي " جوامع الفقه " للعتابي: تخليل أصابع الرجلين إذا كانت منضمة واجب، وفي شرح شيخ الإسلام أن تخليلها قبل الوصول إلى أثنائها فرض، وبعده سنة، وقال شمس الأئمة الحلواني: سنة مطلقة، ومن الناس من قال: تخليل أصابع الرجلين فرض، وهو واجب في اليدين عند مالك، وقال إسحاق وأحمد وكذا في الرجلين. وقال مالك: لا يلزم في الرجلين ذكره في " العتبية " وإنما يجب عنده في الجنابة، وإن كانت أصابع يديه ورجليه متلاصقة ذلك كله فيها، ولا يلزم فعلها عنده وفي " العتبية " تخليل أصابع الرجلين مع وصول الماء إلى باطنها فيخلل بخنصر يده اليسرى فيبدأ بخنصر يده اليمنى ويختم بخنصر رجله اليسرى بذلك ورد الخبر، وكذا قال الرافعي الأحب في كيفية تخليل أصابع الرجلين أن يجعل خنصر اليد اليسرى من أسفل الأصابع، يبتدئ بخنصر أصابع الرجل اليمنى مختما بخنصر اليسرى، ورد الخبر بذلك عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذه الكيفية لا أصل لها وإنما روى أبو داود والترمذي من حديث المستورد بن شداد، قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا توضأ يدلك أصابع يده بخنصره» فالحديث يقتضي البداية بالخنصر فقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خللوا أصابعكم كي لا تتخللها نار جهنم»   [البناية] م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خللوا أصابعكم كي لا تتخللها نار جهنم» ش: ما ورد الحديث بهذا اللفظ، والذي ورد هو ما رواه الدارقطني في " سننه " عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خللوا أصابعكم لا يخللها الله بالنار يوم القيامة» ، وخرج نحوه من حديث عائشة، وفي الأول: يحيى بن ميمون الثمار، قال ابن أبي حاتم: قال عمرو بن علي كان يحيى كذابا، وله حديث عن يحيى بن علي حدث علي عن زيد بأحاديث موضوعة، وفي الثاني: عمر بن قيس، ولقبه مستدل، قال أحمد: متروك. وأخرجه الطبراني من حديث وائل بن حجر عن النبي، قال: «من لم يخلل أصابعه بالماء خللها الله بالنار يوم القيامة» ، وفي باب لقيط بن صبرة عند الأربعة وقد مر. وحديث ابن عباس عند الترمذي قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك» وقال الترمذي: حديث حسن غريب. وحديث الربيع بنت معوذ عند الطبراني في " الأوسط " بإسناد ضعيف. وحديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الدارقطني: «أنه خلل أصابع قدميه ثلاثا، وقال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 ولأنه إكمال الفرض في محله   [البناية] كما فعلت» وحديث عبد الله بن مسعود عند ابن أبي شيبة وعبد الرزاق موقوفا عن علي وابن مسعود، ولفظه: «لينهكن أحدكم أصابعه قبل أن تنهكه النار» ، ورواه زيد بن أبي الورقاء عن الثوري عن أبي مسكين عن هذيل بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود مرفوعا، قال أبو حاتم: رفعه منكر، وهو في جامع الثوري موقوفا. م: (ولأنه) ش: أي ولأن تخليل الأصابع م: (إكمال الفرض في محله) ش: أي في محل الفرض وقد قلنا: إن غسل اليدين والرجلين فرض، وتخليل أصابعهما إكمال الفرض فيكون سنة بمقتضى الأحاديث المذكورة. فإن قلت: ينبغي أن يكون التخليل واجبا نظرا إلى الأمر كما قال مالك في اليدين، وأحمد وإسحاق في اليدين والرجلين مع كونهما مقرونين بالوعيد لتاركه. قلت: هذا لا يفيد الفرضية؛ لأنه من أخبار الآحاد ولا يفيد الوجوب؛ لأنه إنما يقتضي الوجوب إذا لم يمنعه مانع، ولم توجد قرينة صارفة عن ظاهره كخبر صدقة الفطر والأضحية وخبر الفاتحة، أما إذا وجد لا يمكن القول بالوجوب وهاهنا عارض هذا الأمر من تعليم الأعرابي الوضوء، ولم يعلمه التخليل، فلو كان واجبا لعلمه. هذا الذي ذكره أكثر الشراح، وفيه نظر؛ لأنه يحتمل أن الراوي طوى ذكر التخليل لكونه من المكملات، وقال صاحب " الدراية ": الأخبار التي حكي فيها وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير ذكر التخليل يحتمل على الندب أو السنة التي دون الوجوب عملا بالدليلين بقدر الإمكان، وتبعه على ذلك الأكمل، وهذا أيضا فيه نظر؛ لأن في حديث وائل بن حجر رواه البزار في مسنده قال: «شهدت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأتي بماء فأكفأ على يمينه ثلاثا ... الحديث، وفيه ثم غسل بيمينه قدمه اليمنى وفصل بين أصابعه وقال: خلل بين أصابعه» . فإن قلت: الأمر المقرون بالوعيد على التارك يدل على الوجوب. قلت: قال السغناقي: إنما لم يفد الوجوب؛ لأن آية الوضوء خاصة ليس بمحتملة للبيان؛ لأنه بين في نفسه فحينئذ تكون الزيادة عليه بطريق النسخ لا بطريق البيان، وخبر الواحد لا يصلح لذلك، وقال الأكمل: الوعيد مصروف بما إذا لم يصل الماء بين الأصابع وقد أخذ ذلك من السروجي، وقال الشيخ حافظ الدين النسفي: لا مدخل للوجوب في الوضوء؛ لأنه شرط الصلاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 وتكرار الغسل إلى الثلاث؛ «لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ مرة مرة، وقال: " هذا وضوء لا يقبل الله تعالى الصلاة إلا به "، وتوضأ مرتين مرتين، وقال: " هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين "، وتوضأ ثلاثا ثلاثا، وقال: " هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي فمن زاد على هذا أو نقص فقد تعدى وظلم»   [البناية] فيكون تبعا لها، فلو قلنا بالوجوب هاهنا كما في الصلاة لقلنا بوجوب الفاتحة ليساوي الفرع الأصل، بخلاف النصين فيهما أي في الصلاة والوضوء للتفاوت هناك حيث يثبت التبع بثبوت الأصل، ويسقط بسقوطه ولا كذلك هاهنا. [تكرار الغسل ثلاث مرات في الوضوء] م: (تكرار الغسل إلى الثلاث) ش: بالرفع أيضا عطفا على ما قبله، أي تكرار غسل الأعضاء المفروض غسلها إلى ثلاث مرات، أراد أنه أيضا من سنن الوضوء. م: «لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ مرة مرة، وقال: هذا وضوء لا يقبل الله - تعالى - الصلاة إلا به، وتوضأ مرتين مرتين، وقال: هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين، وتوضأ ثلاثا ثلاثا، وقال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي فمن زاد على هذا أو نقص فقد تعدى وظلم» ش: أقول هذا الحديث بهذا اللفظ ما روي، ولكنه مركب من حديثين، فقوله: «توضأ مرة مرة، وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به - إلى قوله - فمن زاد» حديث واحد أخرجه الدارقطني من حديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - نحوه غير أن في حديثه «ثم توضأ مرتين، ثم توضأ ثلاثا، وفيه " وضوء المرسلين قبلي» . وأخرجه البيهقي في " سننه "، وقال: تفرد به المسيب بن واضح وهو ضعيف، وقال في " المعرفة ": المسيب بن واضح غير محتج به، وقد روي هذا الحديث من أوجه كلها ضعيفة، وقال عبد الحق في " أحكامه ": هذا الطريق من أحسن طرق هذا الحديث، ونقل عن ابن أبي حاتم أنه قال: المسيب صدوق لكنه يخطئ كثيرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وأخرجه ابن ماجه من طرق أخرى عن ابن عمر، ولفظه: «توضأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واحدة واحدة، فقال: هذا وضوء من لا يقبل الله منه صلاة إلا به، ثم توضأ ثنتين ثنتين، وقال: هذا وضوء القدر من الصلاة، وتوضأ ثلاثا وقال: هذا أسبغ الوضوء، وهو وضوئي ووضوء خليل الله إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» وفي رواته عبد الرحيم بن زيد العمي قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: هو متروك الحديث وأبوه زيد ضعيف الحديث، ولا يصح هذا الحديث عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وسئل أبو زرعة عن هذا الحديث، فقال: هو عندي حديث واه وفي إسناده معاوية بن قرة عن ابن عمر ومعاوية هذا لم يلحق ابن عمر. ورواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه عن معاوية بن قرة عن أبيه عن جده فذكره، وزيد العمي وثقه الحسن بن سفيان، وقال أحمد: صالح، وإنما سمي العمي؛ لأنه كان إذا سئل قال: حتى أسأل عمي، وروى ابن ماجه أيضا من حديث أبي بن كعب «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دعا بماء فتوضأ مرة مرة، وقال: " هذا وظيفة الوضوء، وقال: وضوء من لم يتوضأ لم يقبل الله له صلاة "، ثم توضأ مرتين مرتين، وقال: " هذا وضوء من يتوضأه أعطاه الله تعالى كفلين من الأجر "، ثم توضأ ثلاثا ثلاثا وقال: " هذا وضوئي ووضوء المرسلين من قبلي» وفي رواية زيد بن أبي الحواري قال ابن معين: ليس بشيء، وقال النسائي: ضعيف، وقال أبو زرعة: واهي الحديث، وفيه أيضا عبد الله بن عوانة الشيباني، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به. وروي عن أبي هريرة وزيد بن ثابت كلاهما أخرجه الدارقطني «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ مرة مرة، وقال: " هذا الذي لا يقبل الله العمل إلا به " وتوضأ مرتين مرتين، وقال: " هذا يضاعف الله به الأجر مرتين " وتوضأ ثلاثا ثلاثا، وقال: " هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي» وأما «حديث توضأ مرة مرة» فأخرجه الجماعة إلا مسلم من حديث ابن عباس، «وحديث توضأ مرتين مرتين» أخرجه البخاري من حديث زيد بن عاصم، وحديث توضأ ثلاثا ثلاثا أخرجه البخاري ومسلم من حديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقوله: " فمن زاد على هذا " إلى آخره، حديث آخر ركبه المصنف مع الأول، وأخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن رجلا أتى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال يا رسول الله كيف الطهر الحديث وفي آخره هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم أو ظلم وأساء وفي لفظ لابن ماجه تعدى وظلم وللنسائي فقد أساء» ، وقال تقي الدين في " الإمام ": الحديث صحيح عند من يصحح حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بصحة الإسناد إلى عمرو، قال أبو بكر بن العربي: عمرو بن شعيب ضعيف. وثبت في " الصحيحين " أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إن أمتي يأتون غرا محجلين يوم القيامة من آثار الوضوء» ، وقال أبو محمد الأصيلي: هذا الثابت يدل على أن هذه الأمة مخصوصة بالوضوء من بين سائر الأمم، فلا يثبت ما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ ثلاثا ثلاثا، فقال: " هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي» وهو حديث لا يصح. قلت: ما لعمرو بن شعيب، وقد روى عنه أيوب السختياني، وثابت البناني، والأوزاعي، وابن جريج، وعطاء بن أبي رباح، وهو أكبر منه، وقتادة بن دعامة، ومحمد بن إسحاق، و [ ... ] ومكحول الشامي، والإمام أبو حنيفة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وآخرون. وقال البخاري: رأيت أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وإسحاق بن راهويه، وأبا عبيدة، وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ما تركه أحد من المسلمين. قال البخاري: بمن الناس بعدهم؟ وقول الأصيلي هذا الحديث الثابت إلى آخره غير مسلم؛ لأنه لا يلزم من كون الغرة والتحجيل لهذه الأمة أن لا يكون الوضوء موجودا في غيرهم، ولكن تكون الغرة والتحجيل لهذه الأمة خاصة بشرفهم، وفضلهم على غيرهم، ولا يحسن أن نقول إن الأمم السابقة المسلمين كانوا يصلون بلا وضوء. وقوله: «فقد تعدى وظلم» له تأويلات سبعة: الأول: تعدي وأساء في الأدب بترك السنة، والتأدب بآداب الشرع، وظلم نفسه بما نقصها من الثواب بترداد المرات في الوضوء. الثاني: زاد على أعضاء الوضوء أو نقص عنها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الثالث: زاد على المحدود أو نقص عنه. الرابع: زاد على الثلاث يفيد أن كمال السنة لا يحصل إلا بالثلاث، أما لو زاد على الثلاث لطمأنينة القلب عند الشك أو نية وضوء آخر فلا بأس به، لحديث ابن عمر أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقول: «من توضأ على وضوئه كتب الله له عشر حسنات» رواه أبو داود، وابن ماجه، والبيهقي، والترمذي وضعفه هو وغيره؛ لأنه من رواية عبد الرحمن بن زياد، قلت: روي عن إسحاق بن راهويه أنه قال: سمعت يحيى القطان يقول: عبد الرحمن بن زياد ثقة، وعن يحيى: ليس به بأس، وقال أبو داود: قلت لأحمد بن صالح: أويحتج بحديث الأفريقي؟ قال: نعم، قلت: صحيح الكتابة؟ قال: نعم، وكان أحمد بن [ ...... ] ينكر على من يتكلم فيه، قال: من تكلم في ابن أنعم فليس بمقبول، ابن أنعم من الثقات، وأنعم جد عبد الرحمن هذا. فإن قلت: جاء «الوضوء على الوضوء نور على نور» . قلت: هذا مشهور في كتب الفقه لم يذكر في كتب الحديث المشهور المعتبرة. الخامس: قيل: فمن زاد على المد في الوضوء، وعلى الصاع في الغسل أو نقص عن ذلك فقد تعدى وظلم لحديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد» رواه البخاري ومسلم. السادس: فمن زاد على الصلوات الخمس والوتر أو نقص عنها. وهو بعيد جدا. السابع: ما ذكر من المشايخ أنه محمول على نفس الفعل وإن لم يكن ثم اعتقاد أن الزيادة على الثلاث لا يقع طهارة ولا يصير الماء به مستعملا إذا قصد به تجديد الوضوء. فإن قلت: ذكر في الجامع أن ماء الرابعة في غسل الثوب النجس الطهور، وفي العضو النجس مستعملا يقتضي ما ذكره سنة تقع طهارة ويصير الماء به مستعملا. قلت: ما ذكر هناك محمول على ما إذا نوى به القربة، والدليل عليه أنه قال في " العتابي ": وماء الرابعة مستعمل في العضو النجس؛ لأن الظاهر هو القربة حتى يقوم الدليل بخلافه، وفي " شرح النظم " للنسفي؛ لأن وجد فيه معنى القربة؛ لأن الوضوء على الوضوء نور على نور، فلهذا صار الماء به مستعملا. وذكر في " المحيط " والأسبيجابي أن ماء الرابعة لا يصير مستعملا إلا بالنية وفي " الدراية " قوله: تعدى، يرجع إلى الزيادة؛ لأنه مجاوزة الحد، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] (البقرة: الآية 229) والظلم يرجع إلى النقصان، قال الله تعالى: {وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف: 33] (الكهف: الآية 33) ، أي: لم ينقص، وأخذ الأكمل منه، وبه فسر السغناقي. وقال البخاري: كره أهل العلم الإسراف فيه، وإن لم يجاوز فعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: هذا من البخاري إشارة إلى نقل الإجماع على منع الزيادة عليها، وقد قال الشافعي في الأم: لا أحب الزيادة عليها فإن زاد لم أكره إن شاء الله تعالى، وذكر أصحابه ثلاثة أوجه: أصحها: أن الزيادة عليه مكروهة كراهة تنزيه، وثانيها: أنها حرام، وثالثها: أنها خلاف الأولى، وأبعد من قال: إذا زاد على الثلاث بطل وضوءه، حكاه الدبري في " استذكاره " وهو خطأ. فإن قلت: ما حكم الثلاث. قلت: الأولى: فرض، والثانية: سنة، والثالثة: إكمال السنة وهي المذهب، وقيل: الثانية سنة، والثالثة: نفل، وقيل: بالعكس وعن أبي بكر الإسكاف الثلاث فرض، ذكره في " مختصر المحيط "، ولو توضأ مرة مرة لقوة البرد أو لقلة الماء أو لضرورة لا يكره ولا يأثم وإلا فيأثم، وقيل: إن اعتاد يأثم وإلا فلا. فإن قلت: كيف يكون النفل عن الثلاثة إثما وظلما، وقد ثبت «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ مرة مرة وتوضأ مرتين مرتين» . قلت: ذلك لبيان الجواز وكان ذلك الحال أفضل؛ لأن البين واجب عليه. فإن قلت: مقتضى التأويل أن من غسل ما فوق المرفق والكعب يكون مسيئا وظالما، وجاء في تلك الإطالة الغرة والتحجيل الثابتة في الصحيح، وكان أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يمر يده حتى يبلغ الإبط، فقيل له: ما هذه الوضوء، «فقال: سمعت خليلي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: " يبلغ الحلي من المؤمن حيث يبلغ الوضوء، رواه مسلم، والبخاري» رواه بمعناه. قلت: تحصيل الجواب لما ذكرنا من التأويلات في قوله: فقد تعدى وظلم، وقال ابن بطال: هذا الذي قال أبو هريرة ما لم يبالغ عليه المسلمون مجمعون على أن الوضوء لا يتعدى به ما حد الله ورسوله، ولم يتجاوز فعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قط مواضع الوضوء. قلت: هذا ترك الأدب في حق الصحابي، وهو لم يفعل ما فعل من تلقاء نفسه بل أخذه عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ودعوى الإجماع لا يقبل مع خلاف أبي هريرة والشافعي وأصحابه، بل قالوا باستحباب غسل ما فوق المرفقين والكعبين لا خلاف فيه بين أصحابه، ذكر النووي حتى لو قطعت اليد من محل الفرض كالمنكب يستحب أن يمسح موضع القطع بلا خلاف، نص عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 والوعيد لعدم رؤيته سنة قال: ويستحب للمتوضئ أن ينوي الطهارة،   [البناية] الشافعي في " الأم "، واختلفوا في تعليله، فقال الجماعة: حتى لا يخلو العضو من طهارة. وقال الغزالي، والبغوي، وآخرون: يستحب ذلك إطالة للغرة والتحجيل؛ لأن الغرة إنما هي في الوجه، والذي في اليد التحجيل، وأورد عليهم بأن غسل ما فوق المرفق كان تبعا للذراع، وقد زال المتبوع فينبغي أن لا يشرع التابع، كما لا يقضي السنن إذا سقط قضاء الفرائض بحيض أو جنون، وأجابوا عنه بأن سقوط القضاء عن المجنون والحائض وخصه مع إمكانه فإذا سقط الأصل مع إمكانه فالتابع أولى. وأما سقوط غسل الذراع فلتعذره، والعذر مختص بالذراع، فيبقى العضد على ما كان في الاستحباب، وصار كالمحرم الذي لا شعر على حلق رأسه فيستحب إمرار الموسى على رأسه. م: (والوعيد لعدم رؤيته سنة) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: إن الشارع رتب على الزيادة والنقصان وعيد مقتضاه الإطلاق، وتقدير الجواب بأن الوعيد بعدم رؤيته الثلاث سنة، والحديث ليس على ظاهره، وأشار بذلك إلى أنه اختار من تأويلات هذا الحديث التأول الذي قيل: إنه إذا زاد عل الثلاث معتقدا أن كمال السنة لا يحصل بالثلاث. وأما إذا أراد طمأنينة القلب عند الشك أو بنيته وضوء آخر فلا بأس به ولا يدخل تحت الوعيد، ومن العجائب من دعاوى الأترازي في " شرحه " أنه نسب هذا الحديث أعني الذي فيه " فمن زاد على هذا " إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب وليس كذلك فإنه روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص كما ذكرنا، وأعجب منه أنه قال: كذا ذكره الخصاف في " شرح مختصر الطحاوي "، وسكت على ذلك من غير أن يبين من أخرجه من أئمة الحديث. [النية في الوضوء] م: (ويستحب للمتوضئ أن ينوي الطهارة) ش: النية بكسر النون وتشديد الياء وقد تخفف: إرادة استباحة الصلاة بوضوئه أو قصد عبادته لا تستغني عن الطهارة أو قصد امتثال الأمر كذا قال فخر الإسلام، وقيل: أن ينوي إزالة الحدث أو استباحة الصلاة والمستحب ما يثاب على فعله ولا يلام على تركه. فإن قلت: قال المصنف: وتستحب النية في الوضوء، ثم قال: فالنية في الوضوء سنة عندنا، وهذا ما وجهه. قلت: قال الأترازي وتبعه الأكمل إنما قال سنة بعد أن قال: ويستحب لأن الاستحباب على ما اختاره القدوري فرواه بلفظه ثم ذكر ما هو المختار عنده. قلت: له وجه آخر عندي: وهو أنه ذكر استحباب النية في الطهارة، والطهارة أعم من الوضوء فالمتوضئ إذا أراد أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 فالنية في الوضوء سنة عندنا، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فرض؛ لأنه عبادة فلا يصح بدون النية كالتيمم، ولنا أنه لا يقع عبادة إلا بالنية ولكنه يقع مفتاحا للصلاة   [البناية] يطهر ثوبه أو بدنه أو المكان الذي يصلي من النجاسة يستحب له أن ينوي لعموم قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الأعمال بالنيات» وهذا عمل أيضا مطلوب مرغوب فيه، فإذا نوى تطهير هذه الأشياء يحصل له الثواب فيكون مستحبا، وإذا لم ينو لا يضره ذلك؛ لأن تارك المستحب لا يلام، وأما ذكره بلفظ النية في الوضوء فلنصب الخلاف بيننا وبين الشافعي بأن النية عنده وجماعة آخرين فرض فأقل الأمر أن يذكر في مقابلة لفظ السنة. م: (فالنية في الوضوء سنة عندنا) ش: الفاء هنا للعطف ولكنها تعد الترتيب المتقارب من بعض الوجوه كما يقال: خذ الأكمل فالأفضل واعمل الأحسن فالأجمل، وفائدة كون النية سنة في الوضوء عندنا أنه إذا نسي المسح فأصابه المطر أو أجرى الماء أو قطر على أعضاء وضوئه أو علم الوضوء إنسانا أو توضأ متبردا فعندنا يجوز، وبه قال الثوري والأوزاعي، والحسن بن حي نظر ومالك في رواية. م: (وعند الشافعي فرض) ش: وبه قال الزهري، وربيعة، ومالك، والليث بن سعد، وإسحاق، وأحمد، وأبو ثور، وأبو عبيد، وداود م: (لأنه) ش: أي لأن الوضوء م: (عبادة فلا يصح بدون النية) ش: لأن العبادة فعل يأتي به المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيما لأمر ربه، والوضوء بهذه المثابة، وكل ما هو عبادة لا يصح بدون النية لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] (البينة: الآية 5) ، والإخلاص لا يحصل إلا بالنية، وقد جعله حالا للعابدين والأحوال شروط فتكون كل عبادة مشروطة بالنية. م: (كالتيمم) ش: أي كما أن النية شرط في التيمم، وقاسه على ذلك في كونهما طهارتين للصلاة فلا يفترقان م: (ولنا أنه) ش: أي لا، الوضوء م: (لا يقع عبادة إلا بالنية) ش: هذا قول بموجب العلة، معناه سلمنا أن الوضوء لا يقع عبادة إلا بالنية م: (ولكنه) ش: أي ولكن الوضوء (يقع مفتاحا للصلاة) ش: معنى هذا الاستدراك أنه ليس كلامنا في أن الوضوء لا يكون عبادة إلا بالنية، وإنما كلامنا في استعمال الماء المطهر في أعضاء الوضوء، هل يوجب الطهارة بدون النية حتى يكون مفتاحا للصلاة أو لا، ولا مدخل لكونه عبادة في ذلك، ويفسد ذلك بدونها؛ لأن أعضاء الوضوء محكوم بنجاستها في حق الصلاة، ضرورة الأمر بتطهيرها، والماء طهور بطبعه فإذا لاقى النجس طهره، قصد المستعمل من ذلك كالثوب النجس؛ ولأن المطهر لا يعرف كونه مطهرا على قصد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 لوقوعه طهارة باستعمال المطهر بخلاف التيمم؛ لأن التراب غير مطهر إلا في حال إرادة الصلاة أو هو ينبئ عن القصد،   [البناية] العبادة، والشيء إذا خلق على أي طبع فوجد ذلك الطبع فيه سواء وجدت النية فيه أو لم توجد، كالنار طبعها الإحراق إذا وجدت محلا قابلا للإحراق، وكذا الماء يطهر بلا نية؛ لأن طبعه مطهر، والتحقيق في هذا المقام أن الوضوء جعل شرطا للصلاة بوصف كونه طهارة لا بوصف كونه قربة، وهذا؛ لأن الشارع سمى الماء طهورا، وهو ما يحصل به الطهارة فاستعماله في محل قابل يحصل الطهارة قصد أو لم يقصد كما أن الماء يروي خلقة فاستعماله يحصل الري قصد أو لم يقصد م: (لوقوعها) ش: أي لوقوع الطهارة. م: (طهارة باستعمال المطهر) ش: وهو الماء الذي قال الله فيه: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] (الفرقان: الآية 48) . فإن قلت: إذا سلمتم للخصم أن الوضوء لا يقع عبادة إلا بالنية فتكون النية شرطا فيه فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط. قلت: نعم عبادة، ولكنها غير مستقلة؛ لأنها وسيلة إلى غيرها فهذا الاعتبار مستغنى عن النية على أن بعضهم قالوا: الوضوء غير عباده، ولهذا لا يصح النظر به وعدم النية تمنع العبادة ولا تمنع الطهارة. م: (بخلاف التيمم) ش: أشار به إلى أن قياس الشافعي الوضوء على التيمم في كونهما طهارة فلا يفترقان قياسا بالفارق، وذا لا يجوز بين ذلك بوجهين: أحدهما: قوله م: (لأن التراب غير مطهر) ش: يعني لم يعقل مطهرا؛ لأنه في ذاته ملوث ومغير فلا يكون مطهرا م: (إلا في حالة إرادة الصلاة) ش: فتكون طهارته بدلا عن الوضوء؛ لأنه بطبعه وحقيقته مطهر بخلاف الماء. والوجه الثاني: هو قوله: (أو هو) ش: أو التيمم م: (ينبئ عن القصد) ش: يقال تيمم إذا قصد، قال الله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] (البقرة: الآية 267) أي: لا تقصدوه، وفي لفظه ما يدل اشتراط النية، فلم يكن فيه إلا معنى النية. فإن قيل في الوضوء مسح والمسح لم يعقل مطهرا طبعا فيحتاج إلى النية، أجيب بأن مسح الرأس ملحق بالغسل لقيامه وانتقاله إليه بضرب من هذا الجرح، وهذا في " شرح الأكمل " نقله من كلام السغناقي ولو نظر في قوله لأنه ينبئ عن القصد لغة، والقصد الذي هو النية إنما هو قصد خاص وهو قصد إباحة الصلاة والأعم لا دلالة له على الأخص؛ لأن الأول: مدلول اللفظ، والثاني: فعل القلب، ولا دلالة لأحدهما على الآخر. قلت: القصد لغة مطلق، والقصد الذي هو إباحة الصلاة مقيد، ويلزم من وجود المقيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 ويستوعب رأسه بالمسح وهو السنة   [البناية] وجود المطلق والقصد فعل القلب فافهم. [استيعاب الرأس في الوضوء] م: (ويستوعب رأسه بالمسح) ش: بنصب الباء أي يستحب أن يستوعب رأسه عطفا على قوله: " أن ينوي الطهارة "، والتقدير يستحب نية الطهارة، فاستيعاب الرأس أي شموله بالمسح، وهو على اختيار القدوري، وعلى اختياره سنة، أشار إليه بقوله: م: (وهو سنة) ش: أي استيعاب الرأس بالمسح سنة، ذكرها في " المحيط " و " البدائع " و " التحفة " و" القنية "و " المفيد " و " شرح المبسوط "، وهو صحيح. وأشار بقوله: وهو سنة إلى الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال: شهدت عمرو بن أبي حسين سأل عبد الله بن زيد عن وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر الحديث، وفيه «ثم أدخل يده يعني في التور فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة» . ورواه الأربعة أيضا فأبو داود عن عبد الله بن سلمة عن مالك، والترمذي عن إسحاق بن موسى عن معن بن عيسى، والنسائي عن محمد بن سلمة، والحارث بن مسكين كلاهما عن ابن القاسم عن مالك، وابن ماجه عن الربيع بن سليمان وحرملة بن يحيى كلاهما عن الشافعي عن مالك. وأخرجه محمد بن الحسن في " موطئه " عن مالك، وقال: أخبرنا مالك بن أنس قال: أخبرنا عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسين المدني عن أبيه، ويحيى أنه سمع جده أبا حسين سأل عبد الله بن زيد بن عاصم، وكان من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قال: هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ؟ قال عبد الله بن زيد بن عاصم: نعم، فدعا بوضوء فأفرغ على يديه فغسل يديه مرتين، ثم تمضمض ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين، ثم مسح من مقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه» قال محمد: هذا حسن، والوضوء ثلاثا ثلاثا أفضل الوضوء، والاثنان مجزئان والواحدة إذا أسبغت تجزئ أيضا، وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والكيفية المذكورة في هذا الحديث هي المشهورة، وبه استدل أصحابنا على أن السنة البداءة من مقدم الرأس، قال الحسن البصرى: السنة البداءة من الهامة يضع يديه عليها، ويمر بهما إلى مقدم الرأس ثم يعيدهما إلى القفا، وهكذا روى هشام عن محمد، والصحيح قول العامة للحديث المذكور، وفي " المحيط ": ويستحب فيه أن يضع من كل واحدة من يديه ثلاث أصابع عن مقدم رأسه، سوى الإبهام والسبابة، ويجافي بين كفيه، ويمرهما إلى القفا ثم يضع كفيه على مؤخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] رأسه ويمرهما إلى مقدمه، ثم يمسح ظاهر كل أذن بكل إبهام وباطنه بمسبحة. وفي الينابيع: والمسح أن يضع الخنصر والبنصر بكسر أولهما والصاد بينهما من كل يد على مقدم الرأس من منبت الشعر ويمررهما إلى نصف رأسه ثم يرفعهما، ويضع الوسطيين في وسط رأسه، ويمرهما إلى منبت الشعر من قفاه، ثم يعيدهما إلى وسط رأسه، ثم يضع الخنصر والبنصر في وسط رأسه ويمرهما إلى مقدم رأسه، ثم يمرهما إلى وسط رأسه، ثم يمرهما إلى قفاه، ثم يدخل السبابة في أذنه ويديرها في زواياها ويدير إبهامه من زوياها. وفي " الدراية ": وكيفية الاستيعاب أن يبل كفه، وأصابع يديه ويضع بطون ثلاث من كل كف على مقدم الرأس، ويعزل السبابتين والإبهامتين. ويجافي الكفين ويمررهما إلى مؤخر الرأس ثم يمسح الفردين بالكفين ويمرهما إلى مقدم الرأس ويمسح ظاهر الأذنين بباطن الإبهامين وباطن الأذنين بباطن السبابتين ويمسح رقبته بظاهر اليدين، حتى يصير ماسحا ببلل لم يصر مستعملا، هكذا روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مسح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهكذا المنقول عن السلف وعن أبي حنيفة ومحمد أنه يبدأ من أعلى رأسه إلى جنبيه ثم إلى قفاه عكسه كذا في " مبسوط شيخ الإسلام ". قلت: حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه النسائي، «أنها وصفت وضوءه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ووضعت يديها في مقدم رأسها ومسحت إلى مؤخره، ثم مرت يديها بأذنيها، ثم مرت على خدين» قالوا: الذي ذكره صاحب " الدراية " ونسبه إلى عائشة، لم يذكره أحد من أئمة الحديث على الوجه المذكور ولا عن غير عائشة من الصحابة الذين وصفوا وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وأخرج أبو داود عن محمد بن حسين، وقد ورد من حديث طلحة بن مصرف، وفيه «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح رأسه مرة واحدة حتى يبلغ القذال، وهو أول القفاء، وقال مرة: وقد مسح رأسه من مقدمه إلى مؤخره حتى يخرج يديه من تحت أذنيه، وأخرجه الطحاوي، ولفظه: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح مقدم رأسه حتى بلغ القذال من مقدم عنقه» . وأخرج النسائي حديث عبد الله بن زيد وفيه «ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بهما إلى مؤخر رأسه ثم جره إلى قفاه ثم جره إلى مؤخره، وعند أبي داود وبدأ بالمؤخر ثم بمقدمه وبأذنيه كليهما، وفي لفظ مسح الرأس كله من قرن الشعر كل ناصيته لمنبت الشعر لا يحول الشعر عن هيئته، وفي لفظ: مسح رأسه وما أقبل وما أدبر وصدغيه» . وأخرجه البزار من حديث أبي بكرة وفيه «مسح برأسه وما أقبل يقبل بيديه من مقدمه إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: السنة التثليث بمياه مختلفة اعتبارا بالمغسول   [البناية] مؤخره، ومن مؤخره إلى مقدمه» وأخرج ابن قانع من حديث أبي هريرة وفيه «ووضع يديه على النصف من رأسه ثم جرهما إلى مقدم رأسه ثم أعادهما إلى المكان الذي بدأ منه، وجرهما إلى صدغيه.» وأخرج أبو داود أيضا من حديث أنس، وفيه: «فأدخل يده من تحت العمامة، فمسح مقدم رأسه» وأخرج ابن السكن عنه ولفظه: «فمسح باطن لحيته وقفاه.» وأخرجه البيهقي والبغوي وابن أبي خيثمة وفيه: مسح رأسه إلى سافله، فهذا أوجه كثيرة يختار المتوضئ أيها شاء، واختار بعض أصحابنا رواية عبد الله بن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وذكر السغناقي في كيفية المسح كلاما نقله عن الدراية ثم قال: كذا أعلمنا عين الأعيان الأستاذ المتفنن مولانا فخر الدين المايرمعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن الرواية منصوصة في " المبسوط " على أن الماء لا يعطى له حكم الماء المستعمل حال الاستعمال. قال الأترازي: إن في المسنون يستوعب الحكم جميع الرأس كما في المغسولات، فكما أن في المغسولات الماء في العضو لا يصير مستعملا فكذلك في حكم إقامة السنة في المسموح، ولكن يجب أن يستعمل فيه ثلاث أصابع اليد في الاستيعاب؛ ليقوم الأكثر مقام الكل، حتى إنه لو مسح بإصبعه بجوانبها الأربعة لا يجوز في الأصح؛ لعدم استعمال أكثر الأصابع، فانظر هل ترى أحدا من الشراح، وهم أئمة كبار، أقام من الحديث شيئا مما ذكره من الصور المذكورة في كيفية مسح الرأس بالاستيعاب. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: السنة التثليث بمياه مختلفة اعتبارا بالمغسول) ش: لا خلاف بيننا وبين الشافعي في سنية استيعاب الرأس بالمسح وإنما الخلاف في تثليث المسح، فعنده السنة في التثليث بمياه مختلفة نص عليه في كتبه، وقطع به جماعة من جماهير أصحابه، حكي هذا عن الشافعي، ولكن حكى الرافعي وجها لأصحابنا أنه يسن مرة واحدة، وهو مذهب أكثر العلماء، وحكى الترمذي عنه أنه يمسح مرة كقولنا، قال النووي: لا أعلم أحدا من أصحابنا حكى هذا عن الشافعي، لكن حكى الرافعي وجها لأصحابنا أنه مسح مرة واحدة وهو مذهب أكثر العلماء، وقال الترمذي: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن بعدهم. وقال ابن عدي: كل الرواة قالوا: مسح الرأس مرة واحدة، وقال ابن المنذر: وممن قال به عبد الله بن عمر، وطلحة بن مصرف، والحاكم، وحماد، والنخعي، ومجاهد، وسالم بن عبد الله بن عمر، والحسن البصري، وأحمد، ومالك، وسفيان الثوري، وإسحاق بن راهويه، واختاره ابن المنذر، ومذهب الشافعي حكاه ابن المنذر عن أنس بن مالك، وسعيد بن جبير، وعطاء، وهو رواية عن أحمد، وداود، وقال ابن سيرين إنه يمسح مرتين، واحتج بحديث الربيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بنت معوذ «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح برأسه مرتين» وعن عبد الله بن زيد مثله، وقال أبو عبيد القاسم ابن سلام: لا نعلم أحدا من السلف جاء عنه استكمال الثلاثة في مسح الرأس إلا عن إبراهيم التيمي. قلت: ذكرنا الآن عن الجماعة الذين ذكرهم ابن المنذر، ومن الغرائب أن الشيخ أبا حامد الاسفراييني حكى بعضهم أنه أوجب الثلاثة وحكاه صاحب " الإبانة " عن ابن أبي ليلى ثم إن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - احتج للشافعي من جهة القياس ولم يحتج له بشيء من الحديث، واحتج له بعض أصحابه بحديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ ثلاثا ثلاثا» ورواه مسلم ووجه الدلالة منه أن قوله توضأ يشتمل الغسل والمسح، وحديث عثمان أيضا أنه «توضأ، ومسح رأسه ثلاثا، وقال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ هكذا» رواه أبو داود بإسناد حسن ذكره النووي، وقال أيضا ابن الصلاح: حديث حسن. وحديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه توضأ فمسح رأسه ثلاثا ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل» ورواه البيهقي وقال: أحسن ما روى عن علي ابنه الحسين بن علي فذكره بإسناده وذكر مسح الرأس ثلاثا، «وهكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ» وإسناده حسن. وأما الذي احتج به المصنف بقوله: اعتبارا بالمغسول فأراد أن المسح ركن من الوضوء فكان التثليث فيه سنة كغسل الوجه واليدين والرجلين، وأيضا الرأس أحد أعضاء الوضوء والمسح أحد قسمي الوضوء فيسن تثليثه كالغسل. قلنا: هذا القياس ضعيف؛ لأن المسموح ليس من جنس المغسول، وكان من الواجب عليه أن يقيس الممسوح على الممسوح بأن يقول: لا يصلح تكرارا إنما شرع بحكم مرة كمسح الخف والجبيرة والتيمم، وهذا مسح فلا يكرر هو الذي قاله الأترازي، وقال صاحب " المفيد " والمزيد: هذا فاسد الوضع؛ لأن المسح مبناه على التوسعة، والتخفيف بخلاف الغسل وإلحاق ما مبناه على التيسير بما مبناه على التعسير فاسد في الوضع، واعتبار المسح بالمسح وجه كمسح الخف والجبيرة، وفي " البدائع " التعسير في الغسل يفيد زيادة النظافة وبزيادة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 ولنا «أن أنسا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - توضأ ثلاثا ثلاثا ومسح برأسه مرة واحدة، وقال: هذا وضوء رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -»   [البناية] تكرار المسح لا يحصل زيادة نظافة؛ ولأن تكراره يقربه إلى السيلان فكان مخلا باسم المسح والسنة الإكمال لا الإخلال، وجواب المصنف عن ذلك يأتي عن قريب مع الجواب عن أحاديثه. فإن قلت: اعتبارا منصوب بماذا. قلت: هو مصدر منصوب بفعل محذوف تقديره اعتبر الشافعي اعتبارا بالمغسول، ويجوز أن يكون اعتبارا بمعنى معتبرا على صيغة المفعول، ويكون نصب على الحال من التثليث. م: (ولنا «أن أنسا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - توضأ ثلاثا ثلاثا ومسح برأسه مرة واحدة، وقال: هذا وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ش: هذا الحديث الذي نسبه إلى أنس غريب، والعجب من المصنف ذكر هذا، ولم يذكر ما «روي في " الصحيحين " من رواية عبد الله بن زيد أنه مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة» وحديث آخر أخرجه الأربعة عن سعيد بن جبير عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه أتي بإناء فيه ماء وطست.. الحديث، وفيه ماء فمسح برأسه مرة واحدة، وقال في آخره: من سره أن يعلم وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فهو هذا» . ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتوضأ ثلاثا ثلاثا إلا المسح فإنه مرة مرة» وحديث آخر أخرجه أبو داود عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أنه رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ.. الحديث، وفيه مسح برأسه وأذنيه مرة واحدة.» وحديث آخر أخرجه الدارقطني في مسنده عن عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وفيه مسح برأسه مرة واحدة، وقال في آخره: هكذا رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ وكنت على وضوئه، ولكن أحببت أن أريكم كيف توضأ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وقال أبو داود: وأحاديث عثمان الصحاح كلها تدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 والذي يروى من التثليث محمول عليه بماء واحد   [البناية] على أن مسح الرأس مرة واحدة. فإن قلت: روى أبو داود، والبزار، والدارقطني من طريق أبي سلمة عن حمران عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ فمسح رأسه ثلاثا» . قلت: فيه عبد الرحمن بن وردان، وفيه مقال، وأخرجه البزار أيضا من طريق عبد الكريم بن حمران وإسناده ضعيف، ورواه أيضا من حديث أبي علقمة مولى ابن عباس عن عثمان وفيه ضعف، ورواه أيضا أبو داود، وابن خزيمة والدارقطني من حديث ابن دارة عن عثمان، وابن دارة مجهول الحديث. ورواه البيهقي من حديث عطاء بن أبي رباح عن عثمان، وفيه انقطاع ورواه الدارقطني أيضا من طريق السلماني عن أبيه عن عثمان والسلماني ضعيف جدا وأبوه ضعيف أيضا، وقال البيهقي: روي من أوجه غريبة عن عثمان وفيها: «مسح الرأس ثلاثا» إلا أنها مع خلاف الحفاظ الثقات ليست بحجة عند أهل المعرفة، وإن كان بعض أصحابنا احتج بها. فإن قلت: روى أبو داود والدارقطني في " سننه " عن محمد بن محمود الواسطي عن شبيب عن أيوب عن أبي يحيى الحمال عن أبي حنيفة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه توضأ.. الحديث، وفيه أنه مسح رأسه ثلاثا» ثم قال: هكذا رواه أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن علقمة بن خالد، وخالفه جماعة من الحفاظ الثقات فرووه عن خالد بن علقمة، وقالوا فيه: مسح رأسه مرة واحدة، ومع خلافه إياهم قال: إن السنة في مسح الرأس مرة واحدة. قلت: الزيادة من الثقة مقبولة ولاسيما مثل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأما قوله: فقد خالف حكم المسح.. غير صحيح؛ لأن تكرار المسح مسنون عند أبي حنيفة أيضا، إذا كان بماء واحد على ما يذكره المصنف عن قريب. م: (والذي يروى من التثليث محمول عليه بماء واحد) ش: هذا جواب عن الأحاديث التي فيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 وهو مشروع على ما روى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولأن المفروض هو المسح، وبالتكرار يصير غسلا فلا يكون مسنونا فصار كمسح الخف بخلاف الغسل؛ لأنه لا يضره التكرار، ويرتب الوضوء فيبدأ   [البناية] تثليث المسح التي احتج بها الشافعي، وتقريره أن يقال: الذي يروى من التثليث على تقدير ثبوته محمول عليه أي على التثليث بماء واحد؛ لأن ذلك يقتضي العدد دون تكرار أخذ الماء، قال تاج الشريعة: قوله والذي يروى فيه من التثليث هو ما روي عن عبد الله بن أبي أوفى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ومسح برأسه ثلاثا» . قلت: الذي يروى عن عبد الله بن أبي أوفى المذكور الذي فيه تثليث الغسل المسح هو وحده حتى خصه به، وقد روي ذلك عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ومع هذا من أخرج حديث عبد الله بن أبي أوفى من أئمة الحديث. م: (وهو) ش: أي التثليث (مشروع على ما روى الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وروى الحسن في " المجرد " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا مسح ثلاثا بماء واحد كان مسنونا، فإن قيل: قد صار البلل مستعملا بالمرة الأولى فكيف في إمراره ثانيا، وثالثا، أجيب بأنه يأخذ حكما واحدا، والصحيح أنه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصير مستعملا لإقامة فرض آخر لا لإقامة السنة؛ لأنها تبع للفرض، ألا ترى أن الاستيعاب يسن بماء واحد، والصحيح عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترك التثليث. فإن قيل: روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ ثلاثا ثلاثا فكان ماسحا رأسه ثلاثا» قيل له: ثبت ذلك بمقتضى قوله: ثلاثا، وقد مر أن التثليث ليس سنة بصريح قوله أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح رأسه مرة واحدة، فالصريح أقوى. م: (ولأن المفروض) ش: دليل آخر أي في الوضوء م: (هو المسح) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] م: (وبالتكرار) ش: أي بالتكرار للمسح م: (يصير) ش: أي المسح م: (غسلا) ش: لأن المسح مجرد الإصابة م: (فلا يصير مسنونا) ش: مسحه للقدمين يخرج عن كونه سنة؛ لأنه يصير غسلا والغسل خلاف المسح م: (فصار كمسح الخف) ش: أي فصار مسح الرأس كالمسح على الخف، وتحقيقه أن يقال: مسح الرأس مسح في الوضوء، وكل ما هو مسح في الوضوء لا يسن تثليثه كمسح الخف، والمسح على الجبيرة م: (بخلاف الغسل؛ لأنه لا يضره التكرار) ش: هذا متصل بقوله " وبالتكرار يصير غاسلا "، ومعناه: أن المسح يفسده التكرار بخلاف الغسل فإنه لا يفسده بل يزيده نظافة وتنقية فكان قياس الشافعي الممسوح على المغسول فاسدا. [ترتيب أعضاء الوضوء] م: (ويرتب الوضوء) ش: بنصب الباء عطف على قوله: " ويستوعب " قاله الأكمل، وقال الأترازي: عطف على قوله أن ينوي فعلى قوله يكون الترتيب مستحبا، والمنصوص في " المبسوط " أن الترتيب سنة، وكذا عند المصنف على ما يجيء الآن، م: (فيبدأ) ش: الفاء فيه تفسيرية؛ لأنه يفسر الترتيب، ويجوز فيه النصب والرفع، فالنصب عطف على قوله: ويرتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 بما بدأ الله تعالى بذكره، وبالميامن، والترتيب في الوضوء سنة عندنا، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فرض؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الآية، والفاء للتعقيب ولنا أن المذكور فيها حرف الواو وهي لمطلق الجمع بإجماع أهل اللغة   [البناية] الوضوء والرفع على تقدير فهو مبتدأ فتكون الجملة خبر مبتدأ محذوف، وهو أن يبدأ فيه م: (بما بدأ الله تعالى بذكره) ش: في القرآن في آية الوضوء م: (وبالميامن) ش: أي ويبدأ بالميامن، وهو جمع ميمنة وهي خلاف الميسرة وكذا الأيمن خلاف الأيسر ويجمع على أيامن، وسيأتي دليله (فالترتيب في الوضوء سنة عندنا) ش: أي الترتيب في أعضاء الوضوء سنة عند أصحابنا، وبه قال مالك، والليث، والثوري والأوزاعي، وعطاء بن السائب، ومكحول، والزهري، وربيعة، والنخعي، وداود، والمزني، وحكاه البغوي عن أكثر العلماء، واختاره ابن المنذر وصاحب " البيان "، وأبو نصير البنديجي من أصحاب الشافعي والأبهري، وروي ذلك عن علي وابن مسعود وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فرض) ش: أي الترتيب في الوضوء فرض، وقال أبو بكر الرازي ولا يروى عن أحد من السلف والخلف مثل قول الشافعي. قلت: هذا غفلة منه، وقد قال بقوله أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وقتادة، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وإليه ذهب ابن منصور، وصاحب مالك، وحكاه عن صاحبه م: (بقوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الآية، والفاء للتعقيب) ش: أي الفاء في قَوْله تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] ، وجه الاستدلال أن الفاء للتعقيب، والتعقيب يدل على الترتيب فيفيد ترتيب غسل الوجه على القيام إلى الصلاة، وإذا ثبت الترتيب فيه ثبت في غيره؛ لأنه معطوف على المرتب، والمعطوف على المرتب مرتب، وتحقيق هذا أن الفاء للتعقيب مع الوصل فإذا كان كذلك ثبت تقديم الوجه على الباقي، ويلزم ترتيب غيره عليه؛ لأن غيره معطوف عليه بحرف الواو وهو الترتيب كما في قَوْله تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] (الحج: الآية 77) ، وبقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] (البقرة: الآية 158) ، ونقلوا عن الفراء كون الواو للترتيب، وادعوا أن الفاء تفيد البداءة بغسل الوجه، واستدلوا أيضا بتأخر غسل الرجلين عن مسح الرأس، وقالوا: لولا وجوب الترتيب لما أخر غسلهما عن المسح ولذكره مع المغسولات وتعلقوا أيضا بوضوئه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسنجيب عن الكل إن شاء الله تعالى. م: (ولنا أن المذكور فيها) ش: أي في الآية المذكورة م: (حرف الواو وهي لمطلق الجمع بإجماع أهل اللغة) ش: يعني المذكور بعد الفاء حرف الواو، والواو لمطلق الجمع بإجماع أهل اللغة، وبإجماع النحاة البصرية والكوفية، دون الترتيب، وقيل: نص سيبويه عليه في سبعة عشر موضعا من الكتاب، فصار المعنى كأنه قال والله أعلم: فاغسلوا هذه الأعضاء، فعملنا بحرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الفاء والواو، فقلنا: الفاء دخل في الفعل لا في المحل والفاء التي للتعقيب هي العاطفة وليست هذه عاطفة بل جواب الشرط ولو كانت للتعقيب فهي لتعقيب الجملة بواسطة الواو. وقال إمام الحرمين، تكلف أصحابنا في نقل أن الواو للترتيب واستشهدوا بأمثلة فاسدة، والحال أنها لا تقتضي ترتيبا ومن ادعاه فهو مكابر، وقال النووي وهو الصواب، ولو كانت الواو للترتيب لكان قولنا جاء زيد وعمرو وبعده تكرار أو قبله أو معه نقضا، وكذا من قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق فإنه ينجزه، ولو كانت تحتمل الترتيب لما وقع ويصح تنجيز الحالف، وكذا تقول: تقابل زيد وعمرو مع امتناع الترتيب والاشتراك المجازي على خلاف الأصل. وقد شنع قوام الدين على حافظ الدين تشنيعا شنيعا لا يليق لمثله أن يذكر مثله بما ذكر، وذلك أن حافظ الدين قال في جواب الشافعي في " المستصفى ": والجواب [ب] الفاء إنما يقتضي التعقيب إذا دخلت على غير الأفعال الاختيارية، وأما إذا دخلت على الأفعال الاختيارية فلا. وقال قوام الدين: أقول ما للنسفي من جواب، فمن أين قال مثل هذا الكلام تقليدا، وما وضع أهل اللغة الفاء إلا للتعقيب مطلقا، سواء دخلت على كذا، وكذا. قلت: مراد حافظ الدين أن الفاء ما وضعت للتعقيب مطلقا، وما قاله صحيح؛ لأن الفاء إنما تكون للتعقيب إذا كانت عاطفة أما إذا كانت جواب الشرط لا تكون للتعقيب، بل تسمى حرفا رابطة، وقوله: وما وضع أهل اللغة الفاء إلا للتعقيب ليس كذلك بل وضعت لغيره، كما ذكرنا ولا يمكن أن يقال الفاء في قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} [المؤمنون: 14] (المؤمنون: الآية 14) للتعقيب، وذلك لأن المعلوم ما بين هذه الأشياء عن المهلة، والفاء التي للتعقيب لا تقتضي المهلة إذا قلت جاء زيد فعمرو، فمدلوله مجيء عمرو عقيب مجيء زيد بزمان وإن لطف، ولا يكون بينهما مهلة، فدل على أن الفاء في الآية المذكورة للتراخي بمعنى ثم وتجيء بمعنى الواو، كما قالوا في قول امرئ القيس بين الدخول، فحومل أي وحومل، حتى ادعى بعضهم أن الصواب روايته بالواو، وقد تجيء الفاء بمعنى الغاية، كما في قَوْله تَعَالَى: {مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26] (البقرة: الآية 26) وهو غريب. فإن قلت: الحروف ينوب بعضها عن بعض. قلت: هذا إذا كان الواضع واحدا، وأما إذا كان متعددا فلا يحتاج إلى هذا، وأما الجواب عما قالوه نصرة إلى ما ذهب إليه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أما عن الأول: فقد ذكرناه عند قوله: وأما وجه المذكور فيها حرف " الواو "، وتوضيح ذلك أيضا أن الواو لما كانت المطلق الجمع بإجماع أهل اللغة صار تقدير الآية على هذا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا كذا وامسحوا كذا، ولا يفهم منه إلا فعل الغسل والمسح مطلقا كما في قول الرجل لعبده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] إذا دخلت السوق فاشتر اللحم والخبز والبقل، لا يفهم منه إلا الجمع بين هذه الأشياء مطلقا كيفما وقع الشراء، وليس مراده أن يشتري اللحم أولا ثم البقل، فكذا فيما نحن فيه، وفيما ذهبنا إليه عمل بالسنة، ودلالة الإجماع، والمنقول، أما السنة فهي ما ذكر أبو داود في " سننه " «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تيمم فبدأ بذراعيه قبل وجهه» والخلاف فيهما واحد. قلت: ذكر السغناقي هكذا، والذي رواه أبو داود هكذا في حديث طويل، وفيه عن عمار «فأتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له، فقال: " إنما يكفيك أن تضع هكذا وضرب بيده على الأرض فنفضهما ثم ضرب بشماله على يمينه، ويمينه على شماله على الكفين ثم مسح وجهه " ورواه البخاري أيضا ولفظه: فقال: أي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمار: " إنما يكفيك أن تصنع هكذا، وضرب بكفيه ضربة على الأرض ثم نفضهما ثم مسح بهما ظهر كفه بشماله أو ظهر شماله بكفه ثم مسح بهما وجهه ". ورواه الإسماعيلي في كتابه " المخرج " على البخاري، ولفظه: " إنما يكفيك أن تضرب بيديك على الأرض ثم تنفضهما ثم تمسح بيمينك على شمالك، وشمالك على يمينك ثم تمسح بوجهك» ولم يذكر مسح اليدين إلا قبل الوجه، فإذا ثبت جواز تقديم مسح اليدين في التيمم على الوجه ثبت في الوضوء لعدم القائل بالفرق، وأما أدلة الإجماع فإنه لو انغمس في الماء بنية الوضوء أجزأه اتفاقا، وإن لم يوجد الترتيب، وأما المنقول فإن الواو لو اقتضى الترتيب لكان قول الرجل لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق كقوله إن دخلت الدار وأنت طالق، وليس كذلك، فإن في الواو تطلق في الحال، وفي الفاء يتعلق الطلاق. وأما عن الثاني: وهو استدلالهم بقوله تعالى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] (الحج: الآية 77) فإنا لم نعلم الترتيب فيه بالواو، ولأن النصوص فيها متعارضة فإنه قال: {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} [آل عمران: 43] (آل عمران: 43) ، وإنما علمناه بفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وأما عن الثالث: وهو استدلالهم بقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] (البقرة: الآية 158) فإن الترتيب فيهما ليس بالآية وإنما هو بالحديث، ولا يتصور الترتيب لكونهما من الشعائر، غير أن السعي لا ينفك عن الترتيب فرجح الصفا بالذكر بخلاف الوضوء فإنه يمكن غسل الأعضاء دفعة كما لو انغمس في الماء للوضوء أو للغسل. وأما عن الرابع: وهو نقلهم عن انفراد الواو تأتي للترتيب فهو خلاف ما ذكره أهل اللغة والنحو وأنكروا على الفراء ذلك، وكتب النحو مشحونة بأن الواو لمطلق الجمع، ولم يذكر خلافا وصرح في بعضها بلفظ الإجماع، ولذا قال المصنف بإجماع أهل اللغة. فإن قلت: قد وافق الفراء في ذلك جماعة منهم قطرب، والزيلعي، وثعلب، وأبو عمرو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 فتقتضي أعقاب غسل جملة الأعضاء والبداءة بالميامن فضيلة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الله تعالى يحب التيامن في كل شيء حتى التنعل والترجل»   [البناية] الزاهد، وهشام، والشافعي. قلت: قال السيرافي: إن النحويين واللغويين أجمعوا على أنها لا تفيد الترتيب وقد أنكروا عليهم بذلك، ولا يضر خلافهم إجماع الأكثرين على أن خلاف القليل لا يمنع انعقاد الإجماع عند البعض، والمصنف إما ذهب إلى قول البعض في قوله: بإجماع أهل اللغة، وإما اتفاق الجمهور فسماه إجماعا تسمية للبعض باسم الكل. وأما عن الخامس: وهو قولهم: إن الفاء تفيد البداءة بغسل الوجه؛ لأن الفاء دخلت في الغسل مقدما على المسح، فنقول: لا نسلم ذلك؛ لأن فعل المغسول لما كان مقدما يلزم منه تقديم جنس الغسل على المسح، ولا يفهم منه الترتيب. وأما عن السادس: وهو استدلالهم بتأخير غسل الرجلين فنقول: أعضاء الوضوء انقسمت إلى مكشوف غالبا وهو الوجه واليدان وإلى مستور غالبا وهو الرأس والرجلان، وكانت البداية بالمكشوف أولى؛ لأنه عرضة للتراب، وقدم من ذلك الوجه لشرفه ثم قدم اليمين على اليسار ثم قدم الرأس على الرجلين؛ لأنه أشرف، وقال الزمخشري: الرجلان مظنة الإسراف، فعطفهما على الممسوح ليدل على عدم الإسراف، والتوسط في الصب، وأدخل الممسوح بين الغسلين وقدم الوجه وأخر الرأس مع قربه لفائدة، ولا يلزم أن تكون تلك الفائدة الوجوب لعدم انحصارها فيه فتكون فائدة استحباب الترتيب. وأما عن السابع: وهو تعلقهم بوضوء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرتبا، فنقول: لما لم يرو ترك الترتيب فيه عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكذلك لم يرو ترك البداءة بغسل اليدين وترك المضمضة والاستنشاق وتقديم اليد اليمني والرجل اليمني والبداءة من رؤوس الأصابع والبداية بالوجه، وليس شيء من ذلك بشرط. م: (فيقتضي إعقاب غسل جملة الأعضاء) ش: أي لما كان حرف الواو لمطلق الجمع والفاء دخلت على هذه الجملة التي لا ترتيب فيها اقتضى ذلك إعقاب غسل جملة الأعضاء من غير ترتيب، والإعقاب بكسر الهمزة. [البداءة بالميامن في الوضوء] م: (والبداءة بالميامن فضيلة) ش: أي مستحبة، والفضيلة الدرجة الرفيعة في الفضل، وذكر الميامن فيما مضى الآن، وإنما أعاد ذكرها هاهنا ليبين أنها فضيلة وليست بسنة؛ لأنه ذكر شيئين: أحدهما: ترتيب الوضوء، والثاني: البداءة بالميامن، ولكن ما علم من ذلك أنهما سنة، وفضيلة بين هاهنا أن الترتيب سنة والبداية بالميامن فضيلة، وليست بسنة م: «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إن الله يحب التيامن في كل شيء حتى التنعل والترجل) » ش: هذا الحديث بهذا اللفظ لم يخرجه أحد ولكن الأئمة الستة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أخرجوه قريبا منه في كتبهم من حديث مسروق عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب التيامن في كل شيء حتى في طهوره وتنعله وترجله وشأنه كله» رواه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه في " الطهارة "، وأبو داود في " اللباس "، والترمذي في الصلاة وألفاظهم متقاربة. وأخرجه ابن حبان ولفظه: «كان يحب التيامن في كل شيء في وضوئه حتى في الترجل والانتعال» وأخرجه ابن مندة ولفظه: «كان يحب التيامن في الوضوء والانتعال» وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قال: " إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم» أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وابن حبان، والبيهقي، كلهم من طريق زهير عن الأعمش عن أبي صالح عنه، وزاد ابن حبان: «إذا لبستم.» والنسائي والترمذي من حديث أبي هريرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " كان إذا لبس قميصا بدأ بميامنه» وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كانت يد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليمنى لطهوره وطعامه، واليسرى لخلائه وما كان من أذى» رواه أبو داود وغيره. وعن أم عطية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للنسوة في غسل ابنته: " ابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها» رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا اغتسل أحدكم فليبدأ باليمنى، وإذا نزع فليبدأ بالشمال؛ لتكون اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تنزع» اتفقا عليه، وعن أنس ابن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى» قال الحاكم: هو صحيح على شرط مسلم، والتنعل لبس النعلين والترجل تسريح الشعر. واتفق العلماء أنه يستحب تقديم اليمنى في كل ما هو من باب التكريم كالوضوء والغسل، ولبس الثوب، والنعل، والخف، والسراويل، ودخول المسجد، والسواك، والاكتحال وتقليم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الأظفار، وقص الشارب، ونتف الإبط، وحلق الرأس، والسلام من الصلاة، والخروج من الخلاء، والأكل، والشرب، والمصافحة، واستلام الحجر الأسود، والأخذ والعطاء، وغير ذلك مما هو في معناه. ويستحب تقديم اليسار في ضد ذلك كالامتخاط، والاستنجاء، ودخول الخلاء، والخروج من المسجد، وقلع الخف، والنعل، والسراويل، والثوب، وأشباه ذلك، وعن شعبة تقديم اليمنى واجب يعني في الوضوء، وعن ابن مسعود أنه رخص بالشمال، وروى الدارقطني من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " ما أبالي بدأت بيميني أو شمالي إذا أكملت الوضوء "، وروى الدارقطني أيضا أنه جاء رجل إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فسأله عن الوضوء، فقال: " ابدأ باليمين أو الشمال، فخيره به علي، ثم دعا بماء فبدأ بالشمال قبل اليمين "، ورواه البيهقي أيضا، وروي عن علي: " ما أبالي بدأت بالشمال إذا توضأت " رواه ابن أبي شيبة. 1 - فروع: للوضوء فرائض وسنن وواجبات وآداب ومكروهات، أما الفرائض فقد مر ذكرها وأما سننها فقد عدها المصنف وعدها في صلاة الحلواني خمس عشرة، وفي التحفة إحدى وعشرين: 1 - الاستنجاء بالأحجار أو ما يقوم مقامها. 2 - والنية. 3 - والتسمية. 4 - وغسل اليدين إلى الرسغين قبل إدخالهما في الإناء. 5 - والاستنجاء بالماء وهو كان أدبا في عصر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصار سنة بعد عصره بإجماع الصحابة كالتراويح. 6 - والمضمضة. 7 - والاستنشاق والترتيب فيهما. 8 - وأخذ الماء لكل واحدة منهما على حدة والمبالغة فيهما إلا في حالة الصوم. 9 - والسواك في حال المضمضة. 10 - والترتيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] 11 - والموالاة وهو أن لا يفصل بين أعضاء الوضوء بعمل ليس منه. 12 - وتثليث غسل الأعضاء المغسولة. 13 - والبداءة بالميامن. 14 - والبداءة من رؤوس الأصابع في غسل اليدين والرجلين. 15 - وتخليل الأصابع. 16 - واستيعاب جميع الرأس. 17 - والبداءة من مقدم الرأس. 18 - والمسح مرة واحدة. 19 - وترك التثليث. 20 - ومسح ظاهر الأذنين وباطنهما بماء الرأس لا بماء جديد. 21 - وتخليل اللحية عند أبي يوسف. واختلف المشايخ في مسح الرقبة: قيل: سنة، وقيل: أدب. وأما مستحباته فأربعة عند المصنف: التسمية قبل الاستنجاء وبعده، وتخليل اللحية، والبداءة بالميامن، وعند القدوري النية، والترتيب، والاستيعاب من المستحبات. وأما آدابه فقد ذكر في " المحيط " سبعة: ترك الإسراف والتقتير وكلام الناس فيه، وذكر الشهادة عند كل عضو إلى المستراح، واستقاء ماء الوضوء بنفسه، وعن الوبري: لا بأس بصب الخادم على مولاه في الوضوء، وستر العورة بعد الاستنجاء، والتأهب للوضوء قبل الوقت، ويقول بعد فراغه: «سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» ولا يمسح أعضاءه بخرقة مسح بها مواضع الاستنجاء، ويستقبل القبلة في الوضوء، ويقول بعد فراغه أو في أثنائه: «اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين» ويشرب فضل وضوئه مستقبل القبلة قائما، وخيره الحلواني بين القيام والقعود، وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه فعل ذلك. وقيل: لا يستحب ذلك وإنما فعله إشارة إلى أنه لا يكره شرب الماء قائما، وقيل: لا يشرب قائما إلا في هذا وعند زمزم، ويصلي ركعتين بعده، ويتوضأ بالنية، ويتوقى التقاطر على الثياب، وزاد الغزنوي ويغسل الإناء ثلاثا ويضعه على يساره ولو كان إناء يغترف منه يضعه على يمينه ويضع يده حالة الوضوء على عرق الإناء دون رأسه، ويغسل الأعضاء بالرفق، ولا يستعجل في الوضوء، ويدلك أعضاءه خصوصا في زمان الشتاء، ويبالغ في الغسل والتخليل والدلك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ويجاوز حد الوجه واليدين والرجلين ليتيقن بغسل الحدود، ويدخل خنصره في صماخ أذنيه ويحركهما، وينزع خاتمه أو يحركه كل مرة عند غسل اليدين وينزعه حالة الاستنجاء إن كان في يساره وعليه اسم الله، واسم نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وفي " التوشيح شرح الهداية " وللوضوء آداب: الوضوء قبل الوقت، وترك الإسراف ولو كان على نهر، وترك التقتير، والتشهد عند كل عضو؛ لأنه روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه فعل ذلك هكذا في كتب الفقه، وأما الأحاديث الصحيحة في كتب الحديث فيقتضي أن يتشهد بعد الفراغ من الوضوء لحديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه مسلم، ولفظه: «ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ أو أسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء» . وفي رواية لمسلم أيضا: «من توضأ فأحسن وضوءه ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له» وفي رواية أبي داود ثم يقول حين يفرغ من وضوئه [ ...... الحديث] وفي رواية الترمذي: «من توضأ فأحسن وضوءه، ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله» أه. نحو رواية مسلم. قلت: زاد الترمذي في حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «-: " اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين» وقال: في إسناده اضطراب، وروى البزار هذه الزيادة والطبراني في " الأوسط " ورواه ابن ماجه من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وروى النسائي في " عمل اليوم والليلة ". والحاكم في " المستدرك " من حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بلفظ: «من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك كتب في ورقة ثم طبع فلم يكسر إلى يوم القيامة» واختلف في رفعه ووقفه، وصحح النسائي الموقوف، وضعف الحازمي الرواية المرفوعة، ورجح الطبراني الرواية الموقوفة أيضا، وقال النووي في " الأذكار " و " الخلاصة " أن حديث أبي سعيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذا ضعيف. وقال في " شرح المهذب " روي عن أبي سعيد مرفوعا وموقوفا وكلاهما ضعيف. قلت: أما المرفوع فيمكن أن يضعف بالاختلاف والشذوذ، وأما الموقوف فلا شك في صحته، فإن النسائي قال فيه: حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن كثير حدثنا شعبة حدثنا أبو هشام، وقال ابن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أبي هاشم الواسطي عن أبي مخلوفة عن قيس بن عبادة عنه، وهو من رواية " الصحيحين " فلا معنى لحكمه عليه بالتضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وفي " شرح الطحاوي " يقول عند المضمضة: " اللهم أعني على تلاوة القرآن، وذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك، واللهم أرحني برائحة الجنة، وعند غسل الوجه: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وعند غسل اليد اليمنى اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حسابا يسيرا، وعند غسل يده اليسرى: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي، ولا من وراء ظهري، وعند مسح أذنيه: اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وعند مسح عنقه: اللهم اعتق رقبتي من النار، وعند غسل رجليه اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل الأقدام ". قال الرافعي: من السنن المحافظة على الدعوات الواردة في الوضوء، ويقول في غسل الوجه: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وعند اليمنى: مثل ما ذكر، وعند اليسرى كذلك، وعند مسح الرأس: اللهم حرم شعري وبشرتي على النار. وروي: اللهم احفظ رأسي وما حوى، وبطني وما وعى، وأدِّ اللهم عني برحمتك وأنزل علي بركتك وأظلني تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، وعند مسح الأذنين وغسل الرجلين مثل ما ذكرنا، قال الرافعي: وروي هذا الخبر عن الصالحين، وقال النووي في " الروضة ": هذا الدعاء لا أصل له، ولم يذكره الشافعي والجمهور، وقال في " شرح المهذب ": لم يذكره المتقدمون، وقال ابن بالصلاح: لم يصح فيه حديث. قلت: روي فيه عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من طريق ضعيفة أوردها المستغفري في " الدعوات "، وابن عساكر في " أماليه "، وهو من رواية أحمد بن مصعب المروزي عن حبيب بن أبي حبيب الشابي عن أبي إسحاق الشعبي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفي إسناده من لا يعرف. ورواه صاحب " مسند الفردوس " من طريق أبي زرعة الرازي عن أحمد بن عبد الله بن داود، وحدثنا محمود بن العباس حدثنا المغيث بن بديل عن خارجة بن مصعب عن يونس بن عبيد عن الحسن عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نحوه. ورواه ابن حبان في " الضعفاء " من حديث أنس نحو هذا، وفيه حديث عبادة بن صهيب وهو متروك، ورواه المستغفري أيضا من حديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإسناده واه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ثم اختلف العلماء في التنشيف والمسح بالمنديل أو الخرقة بعد الوضوء: فمذهبنا لا بأس به، حكى ابن المنذر إباحته عن عثمان بن عفان، والحسين بن علي، وأنس بن مالك، وبشير بن أبي مسعود، والحسن البصري، وابن سيرين، وعلقمة، والأسود، ومسروق، والضحاك، ومالك، والثوري، وأحمد، وإسحاق. وحكى كراهته عن جابر بن عبد الله، وابن أبي ليلى، وسعيد بن المسيب، والنخعي، ومجاهد، وأبي العالية، وعن ابن عباس كراهته في الوضوء دون الغسل، وقال ابن المنذر كل ذلك مباح، ونقل المحاملي الإجماع على أنه لا يحرم، وإنما الخلاف في الكراهة، وعند الشافعي خمسة أوجه: الصحيح أنه لا يكره، ولكن يستحب تركه، وقيل: يكره، وقيل: يباح، وقيل: يستحب، وقيل: إن كان في الصيف كره دون الشتاء لعذر البرد، وليس للشافعي فيه نص، وروى ابن شاهين في " الناسخ والمنسوخ ": حدثنا أحمد بن سليمان هو النجار حدثنا محمد بن عبد الله [ ...... ] حدثنا عتبة بن مكرم حدثنا يونس بن بكير عن سعيد بن ميسرة عن أنس «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا علي، ولا ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.» وروى الترمذي عن أنس أيضا «كان للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خرقة ينشف بها بعد الوضوء» هذا يعارض ذلك، وكلاهما ضعيفان، وروى الحاكم من حديث عائشة نحوه، وفيه أبو معاذ، وهو ضعيف، وقال الترمذي: ليس بالقائم ولا يصح فيه شيء، وأخرج من حديث «مطرف رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه» وإسناده ضعيف. ثم الاستعانة في الوضوء فينبغي أن لا يستعين بغيره لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنا لا نستعين على طهورنا» ذكره صاحب " الهداية " في " المفيد " و " المزيد "، وتمامه «قال لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد بادر ليصب على يديه الماء» لكن قال النووي غير صحيح. قلت: ذكره الماوردي في الحاوي بسند آخر فقال: روي أن أبا بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] «كان يصب على يدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الماء، فقال: " أنا لا أحب أن يشاركني في وضوئي أحد» . قلت: تعيين أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه البزار في " كتاب الطهارة " وأبو يعلى في مسنده من طريق النضر بن منصور «عن أبي الجنوب، قال رأيت عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يسقي الماء لطهوره فبادرت أن أسقي له فقال: مه يا أبا الجنوب فإني رأيت عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يستقي الماء لوضوئه، فبادرت أن أسقي له فقال: مه يا علي فإني لا أريد أن يعينني على وضوئي أحد» قال عثمان الدارمي فقلت لابن معين: النضر بن منصور عن أبي الجنوب، وعند ابن أبي سعد، فعرفه فقال: هؤلاء حمالة الحطب. وروى ابن ماجه والدارقطني من حديث ابن عباس «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لا يكل طهوره إلى أحد» وفيه مطهر بن الهيثم، وهو ضعيف، وجاء في " الصحيحين «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعان بأسامة في صب الماء على يديه في قصته منها وقفه مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من عرفة في حجة الوداع، ولفظ مسلم: ثم جاء فصب على يديه الوضوء، وليس في رواية البخاري ذكر الصب» . وفي حديث «المغيرة بن شعبة: " كنت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر - الحديث -، ثم جاء وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، فذهب يخرج يده من كمها فضاق فأخرج يده من أسفلها فصببت عليه فتوضأ وضوءه للصلاة ثم مسح على خفيه» ورواه مسلم والبخاري أيضا، وقال الإمام الغزالي: كانت الاستعانة لأجل ضيق الكم وهو ظاهر، وأنكره ابن الصلاح، وقال: الحديث يدل على أنه استعان مطلقا؛ لأنه غسل وجهه أيضا وهو يصب على وجهه، وقيل: كانت الاستعانة في السفر، فأراد أن لا يتأخر عن الرفقة. «وعن صفوان بن عسال قال: صببت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحضر، والسفر، في الوضوء» رواه ابن ماجه والبخاري في " التاريخ الكبير "، وفيه ضعف، وعن «أم عياش، قالت: كنت أوضئ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا قائمة وهو قاعد» رواه ابن ماجه أيضا وإسناده ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وروى الدارمي، وابن ماجه، وأبو مسلم الكجي من حديث «الربيع بنت معوذ أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعان بها في صب الماء على يديه» وعزاه ابن الصلاح لتخريج أبي داود والترمذي، وليس في رواية أبي داود إلا أنها أحضرت الماء وحسب، وأما الترمذي فلم يتعرض فيه للماء بالكلية، نعم في " المستدرك "، وفي " سنن أبي مسلم الكجي " من طريق بشر بن المفضل عن أبي عقيل «عنها: صببت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتوضأ، وقال: " اسكبي علي " فسكبت عليه» . وأما مكروهاته فمنها: أن ينفض يديه، ذكر في " الدراية "؛ لما «روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم فإنها مراوح الشياطين» . قلت: رواه ابن أبي حاتم في كتاب " العلل " من حديث البختري بن عبيد عن أبي هريرة ورواه ابن حبان في " الضعفاء " من حديث البختري بن عبيد، وضعفه به، وقال: لا يحل الاحتجاج به، ولم ينفرد به البختري فقد رواه ابن طاهر في صفة التصرف من طريق ابن أبي البريء، قال: حدثنا عبد الله بن محمد الطائي عن أبيه عن أبي هريرة به، وإسناده مجهول، ومنها أن يتكلم فيه كلام الناس، ومنها لطم الماء وجهه، ومنها الإسراف في الماء، ولو كان على نهر، ومنها التقتير في الماء، روي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد» رواه البخاري ومسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 فصل نواقض الوضوء المعاني الناقضة للوضوء كل ما خرج من السبيلين   [البناية] [فصل في نواقض الوضوء] [ما خرج من السبيلين من نواقض الوضوء] م: (فصل في نواقض الوضوء) ش: لما فرغ من بيان فرائض الوضوء وسننه وآدابه، شرع في بيان نواقضه، وهو جمع ناقضة لا ناقض؛ لأنه لا يجمع على فواعل إلا المؤنث وشذ " فوارس " " وهوالك " " ونواكس " جمع " فارس " و " هالك " و " ناكس " على تأويل فرقة. والنقض في اللغة إبطال التأليف في البناء وغيره، ثم استعير لنقض العهد وللوضوء بجامع بطلان ما شرع لأجله، وهو استباحة الصلاة، أو نقول: النقض متى أضيف إلى الأجسام يراد به إبطال تأليفها، ومتى أضيف إلى المعاني يراد به إخراجه عما هو المطلوب، والمطلوب هاهنا من الوضوء استباحة الصلاة. والفصل في اللغة القطع، وفي الاصطلاح طائفة من المسائل الفقهية تغيرت أحكامها بالنسبة إلى ما قبلها غير مترجمة " بالكتاب " و " الباب ". فإن قلت: كيف إعراب هذا. قلت: الفصل منها: فصل لا ينون، ومنها فصل ينون؛ لأن الإعراب لا يكون إلا بعد العقد والتركيب، والتقدير، هذا فصل في بيان نواقض الوضوء. م: (المعاني الناقضة للوضوء كل ما خرج من السبيلين) ش: أي العلل المؤثرة في إخراج الوضوء عما هو المطلوب به، " كل ما خرج " أي خروج كل ما خرج من السبيلين وهما: القبل والدبر، وإنما قدر بالمضاف تصحيحا للحمل يعني لحمل الخبر على المبتدأ ولأن المبتدأ هو قوله: " المعاني " وقوله " كل ما خرج " خبره. وحمل الذات على المعنى غير صحيح، وهي قضية حملية التي تسميها النحاة جملة إسمية، ولا بد في القضية الحملية من الضمير، وهاهنا تقديره: المعاني التي تنقض الوضوء، وهي: كل ما خرج، وإنما اختار لفظ المعاني على لفظ العلل اقتداء بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى معان ثلاث» واحترازا أيضا من عبارة الفلاسفة فإن المتقدمين كرهوا استعمال ألفاظهم إلى أن نشأ الطحاوي فاستعملها فتبعه من بعده، والمراد من السبيلين سبيل الحي، حتى إذا خرج من الميت بعد الغسل لا يعاد الغسل. فإن قلت: هذه الكلية منتقضة بالريح الخارج من الذكر وقبل المرأة فإن الوضوء لا ينتقض به في أصح الروايتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] الآية، «وقيل لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وما الحدث؟ قال: ما يخرج من السبيلين» .   [البناية] قلت: الذي يخرج منها اختلاج وليس بريح، وأيضا الفرج محل الوطء لا النجاسة فلا يجاوز الريح النجاسة والريح طاهر في نفسه، وهو اختيار المصنف لكن قوله: "كل ما" عامة تتناول المعتاد وغيره. وعن محمد: يجب الوضوء منهما بعموم النص، ولأنه يتعقب عن محل النجاسة ظاهرا ولهذا لو وصل إليه شيء ثم عاد نحو الحقنة ففيه الوضوء لا ينفك عن نجاسة كذا في " جامع قاضي خان "، و" التمرتاشي ". قلت: الحاصل أنه أجمع العلماء على أن الخارج المعتاد من أحد السبيلين كالغائط والريح من الدبر، والبول، والمذي من القبل ناقض للوضوء، واختلفوا في غير المعتاد كالدود والحصاة يخرج من الدبر فعندنا ينقض وهو قول عطاء، والحسن البصري، وحماد بن أبي سليمان، والحاكم، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وقال مالك وقتادة: لا ينقض، وكذا قال مالك في الدم يخرج من الدبر والمذي لا بشهوة غير ناقض، وكذلك سلس البول ودم الاستحاضة، فإنه شرط أن يكون الخارج معتادا م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] (النساء: الآية 43)) ش: الغائط هو المكان المطمئن من الأرض ينتهي إليه الإنسان عند قضاء الحاجة تستر عن أعين الناس. ووجه الاستدلال به أن الله تعالى رتب وجوب التيمم على المجيء من الغائط حال عدم الماء وهو لازم بخروج النجس، فكان كناية عن الحدث، لكونه ذكر اللازم وإرادة الملزوم والترتيب يدل على العلية وإذا ثبت ذلك في التيمم يثبت في الوضوء لأن البدل لا يخالف الأصل في السبب. فإن قلت: الحدث شرط الوضوء، فكيف يكون علة نقضه. قلت: لأنه علة لنقض ما كان، وشرط لوجوب ما سيكون، ولا تنافي بينهما. م: «وقيل لرسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: وما الحدث؟ قال: ما يخرج من السبيلين» ش: استدل أولا بالآية على مدعاه ثم بالحديث ولكن هذا الحديث بهذه العبارة لا يعرف له أصل، ولكن روى مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من قبل أو دبر» ، أخرجه الدارقطني في " غرائب مالك "، وقال: في إسناده أحمد بن اللجلاج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وكلمة "ما" عامة فتتناول المعتاد وغيره   [البناية] وهو ضعيف. فإن قلت: هذا حجة عليكم لأنه يدل على أن الخارج من غير السبيلين ليس بحدث. قلت: مقصوده أن يأتي بدليل من الحديث على أن الخارج من السبيلين حدث وهو يدل على ذلك قطعا، وأما دلالته على ما ذكرنا، فلنا أحاديث سنذكرها، وحديث مالك وهذا حجة عليه لأنه شرط المعتاد، وكلمة "ما" فيه عامة تتناول المعتاد وغيره، وقال عبد الحق في " الأحكام الكبرى ": أخرج أحمد من حديث داود بن [ ...... ] قال: حدثنا شعبة عن قتادة، قال: «سئل أنس مما كان يتوضأ رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فقال: من الحدث، وأذى المسلم، قيل: وأنتم، قال: ونحن» ثم قال: وهذا لا يرويه عن شعبة غير داود وهو منكر المتن، وقال البخاري: وهو منكر الحديث، ثم قال عبد الحق: وهو ثقة في دينه. م: (وكلمة "ما" عامة فتتناول المعتاد وغيره) ش: أي كلمة "ما" التي في قوله: "ما يخرج من السبيلين"، وأشار به إلى نفي قول مالك فإنه يقول: لا وضوء بما يخرج نادرا كالحصاة، والدود، ودم الاستحاضة مستدلا بأن الله تعالى كنى بالغائط على الوجه الذي ذكرنا وهو قضاء الحاجة المعتادة فلا يكون غيرهما ناقضا. قلنا: تقييد بلا دليل في مقابلة ما يدل على خلافه وهو عموم كلمة ما، وفي " التوشيح " استدل من قال: بأن غير المعتاد لا ينتقض بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا وضوء إلا من صوت أو ريح» ، رواه الترمذي وغيره بأسانيد صحيحة من رواية أبي هريرة. وبحديث صفوان بن عباد المراري قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا إذا سافرنا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، وفي رواية: إلا من جنابة أو من غائط وبول ونوم» وللجمهور حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في المذي: "يغسل ذكره، ويتوضأ" وفي رواية: "يتوضأ وضوء الصلاة» رواه البخاري ومسلم. وعن ابن مسعود، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قالا. في الودي الوضوء، رواه البيهقي، والمذي والودي غير معتادين، وقد وجب فيهما الوضوء ولأنه خارج من السبيل فينقض كالريح والغائط ولأنه إذا وجب الوضوء بالمعتادة، والذي تعم به البلوى بغيره أولى. والجواب عن حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنا أجمعنا على أنه ليس المراد حصر نواقض الوضوء في الريح، فإن زوال العقل والنوم من النواقض ولم يذكر فيه بل المراد نفي وجوب الوضوء بالشك في خروج الريح حتى يدل عليه ما يرفع الشك من ريح أو صوت بدليل ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 والدم والقيح إذا خرجا من البدن فتجاوزا إلى موضع يلحقه حكم التطهير والقيء ملء الفم،   [البناية] رواه مسلم من رواية أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا وجد واحدكم من بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» . وثبت عن عبد الله بن زيد بن عاصم «قال: شكي إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: "لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» رواه البخاري، ومسلم، والجواب عن حديث صفوان، وهو أنه بين فيه جواز المسح ونقض ما يمسح بسببه ولم يقصد بيان جميع النواقض أو بين فيه جواز المسح من الحدث الأصغر دون الأكبر. . [خروج الدم والقيح من نواقض الوضوء] م: (والدم والقيح إذا خرجا من البدن فتجاوزا إلى موضع يلحقه حكم التطهير) ش: هذا معطوف على قوله: "كل ما خرج من السبيلين من المعاني التي تنقض الوضوء " الدم والقيح إن أخرجا من البدن وههنا قيود. الأول: الخروج لأن نفس النجاسة غير ناقضة ما لم يوصف بالخروج وإلا لما حصلت الطهارة لشخص ما. والثاني: من البدن وأراد به الحي لأنه إذا خرجت من بدن الميت بعد غسله لا يوجب إعادة غسله بل توجب غسل ذلك الموضع على ما سيأتي. والثالث: التجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير وهو احتراز عما يبدو ولم يتجاوز فإنه لا يسمى خارجا، ولكن يسمى باديا وفيه رد لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه ظن أن البادي خارج فأوجب فيه الوضوء. والشرط الرابع: أن يلحق ذلك موضع التطهير في الجملة كما في الجنابة حتى لو سال الدم من الرأس إلى قصبة الأنف ينتقض الوضوء بخلاف البول إذا نزل إلى قصبة الذكر ولم تظهر لأن النجاسة هناك لم تصل إلى موضع يلحقه حكم التطهير، وفي الأنف وصلت إلى ذلك إذ الاستنشاق فرض في الجنابة، والفاء في قوله: فتجاوز تفسيرية لأنها تفسر الخروج والإضافة في قوله: "حكم التطهير" من إضافة العام إلى الخاص كقولهم: علم الطب، أي حكمه هو تطهير في الجملة كما ذكرنا. [القيء والدم من نواقض الوضوء] م: (والقيء ملء الفم) ش: بالرفع عطفا على قوله: "الدم، والقيح" وسيجيء الكلام في حكم القيء مفصلا إن شاء الله تعالى، واعلم أن الخارج النجس من غير السبيلين ينقض الوضوء عند علمائنا وهو قول العشرة المبشرة بالجنة، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وأبي موسى الأشعري، وأبي الدرداء وثوبان، وصدور التابعين، وقال ابن عبد البر روي ذلك عن علي وابن مسعود، وعلقمة والأسود وعامر الشعبي وعروة بن الزبير وإبراهيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء لما روي «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قاء فلم يتوضأ»   [البناية] النخعي، وقتادة، والحكم بن قتيبة وحماد، والثوري والحسن بن حي، والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه، وقال الخطابي: وهو قول أكثر الفقهاء. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء) ش: وبه قال مالك وهو قول ابن عمر، وابن عباس، وعبد الله بن أبي أوفى وجابر، وأبي هريرة، وعائشة، وسعيد بن المسيب في رواية، وسالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وطاووس وعطاء في رواية ومكحول وربيعة، وأبي ثور، وداود م: (لما روي أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قاء فلم يتوضأ) ش: هذا الحديث غريب لا ذكر له في كتب الحديث واستدل الشافعي ومن تبعه فيما ذهب إليه بأحاديث منها: ما روي عن «النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قاء فغسل فمه فقيل له: ألا تتوضأ وضوءك للصلاة؟ فقال: "هكذا الوضوء من القيء» ، وروي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قال: «لا وضوء إلا من حدث، قيل: وما الحدث، قال: الخارج من السبيلين» . وروى أبو هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا وضوء إلا من صوت أو ريح» رواه الترمذي. وروى ثوبان «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتجم ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه» رواه الدارقطني، وفي رواية «سكت، فقال: "لو كان لوجدته في كتاب الله» . وعن جابر أن «النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خرج من غزاة ذات الرقاع فقال من يكلؤنا في الليلة فقال رجل من الأنصار ورجل من المهاجرين نحن نعم الشعب فقام الأنصاري واضطجع المهاجري فجاء رجل من المشركين فرماه بسهم فنزعه» ورماه بآخر حتى رماه ثلاثة أسهم فلما خاف على نفسه أيقظ صاحبه، فلما رأى الدم يسيل منه قال: هلا أيقظتني في أول، فقال: كنت أتلو سورة فلم أحب ان أقطعها حتى أنفذها فلما تابع على الرمي ركعت فآذنتك، وأيم الله لولا أني أخاف ان أضيع أمرا أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحفظه لما أيقظتك فبلغ ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] لهما. رواه أبو داود ولم يأمره بالوضوء ولا إعادة الصلاة. وأخرج هذا أيضا ابن حبان في "صحيحه " والبخاري أيضا معلقا، ورواه الدارقطني والبيهقي في "سننيهما "، إلا أن البيهقي رواه بإيضاح في كتاب " دلائل النبوة "، وقال فيه: «فنام عمار بن ياسر وقام عباد بن بشر يصلي، وقال: كنت أصلي بسورة وهي الكهف، فلم أحب أن أقطعها» . الجواب عن الحديث الأول أنه غريب فلا يعارض المشهور، والحديث الثاني: لا يعرف له أصلا، والثالث: متروك الظاهر لأن الوضوء يجب من غير الصوت والريح بالاتفاق، والرابع: فيه عتبة بن السكن، قال الدارقطني: هو متروك، والخامس: يحتمل أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يعلم بحاله على الفور ثم علم فأمره بالإعادة بغير علم الراوي، ولو وقع التعارض لطلبنا الترجيح وذلك من وجهين: أحدهما: إجماع الصحابة على مثل مذهبنا ولو كانت الأخبار غير ثابتة لما أجمعوا، والثاني: أن أخبارنا مثبتة وأخباره منفية والمثبت يقدم كذا قاله صاحب " أرباب الإنصاف " من أصحابنا ولا يخلو عن نظر. وقال صاحب " كتاب اللباب " وقيل هذا لا يصح الاستدلال به فإن الدم حين خرج أصاب بدنه وثوبه فينبغي أن يخرج من الصلاة ولم يخرج فلما لم يدل مضيه في الصلاة على جواز الصلاة مع النجاسة كذلك لا يدل مضيه فيها على أن خروج الدم لا ينقض الوضوء فإن قيل: أصاب الدم شيئا من بدنه، أو ثيابه شك فيه أو شك أنه يصير عمل في الصلاة أو كثير لا يحتمل فيها، وأما خروجه فإنه ينجس به لأنه خارج من بدنه، قيل له، قيل له: هذه مكابرة كيف يحصل له الشك، وقد قال جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء، والمهاجري قد رآه بالليل ويقال: ما رأى الدماء ببدنه وثيابه لأنه قال: ما بالأنصاري من الدماء، ولم يقل ما بالأرض والدم السائل في الليل لا يكون يسيرا فكيف قد جمع الدم في رواية حيث قال: فلما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء، قال: سبحان الله وذلك لأنه وقد أصابه بثلاثة أسهم والظاهر أنها في ثلاثة مواضع، ثم إن هذا نقل واحد من الصحابة ولعل هذا كان مذهبا له وكان غيره عالما بحكمه، وقال الخطابي أكثر الفقهاء على انتقاض الوضوء بسيلان الدم وهذا أقوى إلى الاتباع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 ولأن غسل غير موضع الإصابة أمر تعبدي فيقتصر على مورد الشرع وهو المخرج المعتاد، ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الوضوء من كل من كل دم سائل»   [البناية] م: (ولأن غسل غير موضع الإصابة أمر تعبدي فيقتصر على مورد الشرع وهو المخرج المعتاد) ش: هذا دليل الشافعي من جهة العقل، قوله: "تعبدي" أي أمر تعبدنا به حين كلفنا الله به من غير معنى يعقل إذ العقل إنما يقتضي وجوب غسل موضع إصابة النجاسة فيقتصر على مورد الشرع وهو المخرج المعتاد، ويجوز أن يكون معناه أمر تعبدي أن القياس يقتضي وجوب غسل كل الأعضاء كما في المني بل بطريق الأولى لأن الغائط أنجس من المني للاختلاف في نجاسته دون الغائط فالاقتصار على الأعضاء الأربعة أمر تعبدي. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الوضوء من كل دم سائل» ش: هذا أخرجه الدارقطني في "سننه " من حديث عمر بن عبد العزيز عن تميم الداري، وقال الدارقطني: عمرو بن عبد العزيز لم يسمع من تميم، ورآه وفي مسنده يزيد بن خالد عن يزيد بن محمد وكلاهما مجهولان. قلت: الحديث هذا مرسل والمراسيل عندنا حجة لما عرف في أصولنا، ويعزى هذا لزيد بن ثابت نحوه أخرجه ابن عدي في " الكامل " في ترجمة أحمد بن فرج عن بقية حدثنا عن شعبة عن محمد بن سليمان عن عاصم عن عمر بن الخطاب عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الوضوء من كل دم سائل» ، قال ابن عدي: هذا الحديث لا نعرفه إلا من حديث أحمد لهذا، وهو عمن لا يحتج بحديثه ولكنه يكتب فإن الناس مع ضعفه قد احتملوا حديثه. وقال ابن أبي حاتم: في كتاب " العلل " كتبنا عنه، ومحمله عندنا الصدق، وجه الاستدلال به أن مثل هذا التركيب يفهم منه الوجوه كما في قوله: «في خمس من الإبل شاة» ولا خلاف في الفرضية، فكان معناه توضأ من كل دم سائل من البدن، وإنما عبر بلفظ الخبر لكونه آكد في الدلالة على الوجوب كأنه أمر فامتثل أمره فأخبر عن ذلك، وهو آية كونه واجبا فإن الأمر إذا كان ممن لا يكذب في كلامه يعبر عن مطلوبه بلفظ الخبر تأكيدا للطلب، كذا قاله الأكمل وأخذه من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم»   [البناية] حاصل كلام السغناقي فإنه قال: فإن قلت: هذا مبتدأ وخبره ما اقتضاه الجار والمجرور وهو مستحب، أو سنة، أو واجب فما الوجه في تعيين الواجب؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن هذا إخبار آكد في الدلالة على الوجوب. الوجه الثاني: أنه وصف الدم بالسيلان والدم السائل نجس مطلقا كالغائط فكان ملحقا به بدلالة بالنص. فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون المراد به الوضوء اللغوي لأنه قد ورد ذلك في لسان الشرع الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم. قلت: أجاب السغناقي بأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخرج ذلك على طريق المشاكلة لجواب سائل في قوله: "ألا تتوضأ وضوءك للصلاة" وأجاب الأكمل بأن ذلك مجاز شرعي ولا تترك الحقيقة الشرعية في كلام الشارع بلا دليل. وقال تاج الشريعة: الوضوء من كل دم سائل واجب لأنه محل صالح لإتمام الكمال، فيصار إليه وغيره من الأحكام غير ثابت بعضها نحو الحرمة والكراهة، وبعضها ثابت بدون سيلان الدم وهو الندب والإباحة، لأن كلمة "من" للجزئية والبعضية أو لبيان أن أحدهما يتفرع من الآخر وبعضه كما يقال الثمرة من النخلة، وهذه الحقيقة غير مرادة ههنا لاستحالة أن يكون الوضوء متفرعا من الدم السائل أو بعضه فيحمل على السببية لأنها من لوازم الحقيقة، إذ المتفرع لا بد له أن يكون سببا فيصير تقدير الحديث، والله أعلم بالصواب، يجب بسبب كل دم سائل، وقد وجد الدم السائل فيجب الوضوء وهذا أدق وأوجه من الوجهين اللذين ذكرهما السغناقي فلذلك قال صاحب " الدراية " فيهما تأمل. م: (وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم» ش: قال الأكمل: رواه ابن أبي مليكة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الرازي في " شرح الطحاوي "، ولذا قال الأترازي: وهذا عجز منهما، بل رواه ابن ماجه في "سننه " من حديث إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة ولفظه قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أصابه قيء أو رعاف أو قلس فلينصرف ثم يبن على صلاته وهو في ذلك» . ورواه الدارقطني في "سننه " ولفظه: «إذا قاء أحدكم في صلاته أو قلس فلينصرف ثم يبن على ما مضى من صلاته ما لم يتكلم» . وروى الدارقطني أيضا من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قاء أحدكم أو رعف وهو في الصلاة أو أحدث فلينصرف فليتوضأ ثم ليجيء فليبن على ما مضى» . فإن قلت: قد طعنوا في الحديثين: أما حديث عائشة، فقال الدارقطني: أصحاب ابن جريج يروونه عن ابن جريج عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلا، وقال ابن عدي: رواه ابن عياش مرة هكذا، ومرة عن ابن جريج عن أبيه عن عائشة وكلاهما غير محفوظ. وأخرجه البيهقي من حديث البزار عن ابن جريج عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن صحت فتحمل على سبيل غسل الدم لا على الوضوء. وأما حديث أبي سعيد فهو معلول بأبي بكر الداهري الذي في سنده قال ابن الجوزي عن أحمد: إنه ليس بشيء، وقال ابن حبان: يضع الحديث. والجواب عن الأول: أن إسماعيل بن عياش وثقه ابن معين وغيره، وقال يعقوب بن سفيان ثقة عدل، وقال يزيد بن هارون: ما رأيت أحفظ منه، وما يضر الحديث إذا رواه الثقة بإسنادين مرسل ومسند في حالة واحدة، ومن رواه بالإسنادين جميعا الربيع بن نافع وداود بن رشيد وهذه المقالة تفيد الخطأ على ابن عياش فإنه لو رفع ما وقفه الناس ربما يتطرق الوهم إليه، فأما إذا وافق الناس على المرسل وزاد عليهم بالمسند فهو مشعر بتحفظ وتثبت الزيادة عن الثقة بقوله، ولئن سلمنا أنه مرسل مطلقا فنحن نحتج به. وأما حمل الشافعي الوضوء على غسل بعض الأعضاء يدفعه ما جاء في الحديث المذكور أو المذي، فإن المذي يوجب الوضوء الشرعي ولا يكفي فيه غسل بعض الأعضاء بالإجماع، وقد يقال في دفعه أنه لو حمل هذا الوضوء في هذا الحديث على غسل الدم فقط لبطلت الصلاة التي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] هو فيها بالانصراف ثم بالغسل ولما جاز له أن يبني على صلاته بل يستقبلها. وأما الجواب عن الثاني: فنقول إنه اعتمد بحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ولئن رددناه بالكلية فحديث عائشة كاف سواء كان مسندا أو مرسلا، ثم وجه الاستدلال بالحديث المذكور من وجوه: الأول: أنه أمر بالبناء وأدنى درجات الأمر الإباحة، والجواز، ولا جواز للبناء إلا بعد الانتقاض فدل بعبارته على البناء وعلى الانتقاض بمقتضاه. والثاني: أنه أمر بالوضوء ومطلق الأمر للوجوب. والثالث: أنه أباح الانصراف وهو لا يباح بعد الشروع إلا به، فإن قلت: جاز أن يكون الأمر بالانصراف واقعا لغسل النجاسة الحقيقية كرعاف أصاب بدنه وثوبه لا للحدث، قلت: أخرج عليه بطريق المشاكلة لجواب السائل في قوله: ألا تتوضأ وضوءك للصلاة مع أن غسل النجاسة الحقيقية مبطل للصلاة، ومانع للبناء بها بالاتفاق ألا ترى أن فيه [مني] أو مذي، وعن المذي يجب الوضوء الشرعي فكذا بالقيء أو الرعاف كذا في " الأسرار ". فإن قلت: البناء المعطوف على الانصراف غير واجب، فكذا الانصراف والتوضئ لتتناسب أحكام المعطوفات. قلت: هذا من الاستدلال بالأدلة الفاسدة فإن القران في النظم لا يوجب القران في الحكم، وقد يعطف الأمر المقتضي للوجوب على الأمر المقتضي للإباحة كما في قَوْله تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ} [سبأ: 15] (سبأ: الآية 15) فالأكل مباح والشكر واجب في قَوْله تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] (الأنعام: الآية 141) . فالثاني للوجوب لا الأول ولما أمر بالانصراف ظن ظان أن ذلك مفسد للصلاة فأمر بالبناء لنفي هذا الظن. وقوله: رعف بضم العين، وقال السعدي: فتح العين هو الصحيح، يقال: رعف إذا سال رعافه، أو قلس بالتحريك، وقيل: بالسكون وهو ما يخرج من الجوف ملء الفم أو دونه، وليس بقيء فإن عاد فهو قيء، واعلم أن لنا أحاديث أخر في هذا الباب: حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة، قال: "لا إنما ذلك عرق، وليست بالحيضة فإذا أقبلت فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وتوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت» فأخرجه أحمد وابن ماجه، «وتوضئي عند كل صلاة، وإن قطر الدم على الحصير» وهذا فيه دليل على وجوب الوضوء من الدم، ونبه على العلة بقوله: "عرق". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: قالوا: قوله: «وتوضئي لكل صلاة» من قول عروة. قلت: قد صححه الترمذي، ولا يمكن أن يقال هذا من قبيل نفسه، لأنه عطف الأمر بالتوضؤ على الأوامر المتقدمة من قوله: «فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم، وتوضئي لكل صلاة» فلما قال: " توضئي شيئا " كل ما قبله من أمره - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولأن من أثبت الإسناد كان أولى. فإن قلت: «فاغسلي عنك الدم» ، ثم صلي مشكل في ظاهره لأنه لم يذكر الغسل إلا بعد انقضاء الحيض من الغسل. قلت: هذا مذكور في رواية أخرى صحيحة. قال فيها: «فاغتسلي» قوله " أستحاض " على بناء المفعول، قوله: «أفأدع الصلاة» سؤال قوله: " عرق " أي دم عرق، قوله: «وإذا أدبرت» المراد من الإدبار انقطاع الحيض وعلامة إدبار الحيض انقطاعه وحصوله في الطهر عندنا بالزمان والعادة وهو الفصل بينهما فإذا أظلت عادتها تحرت وإن لم يكن لها ظن أخذت بالأقل وهو اليقين، وعند الشافعي وأصحابه اختلاف الألوان هو الفصل فالأسود أقوى من الأحمر، والأحمر أقوى من الأشقر، والأشقر أقوى من الأصفر، والأصفر أقوى من الأكدر، إذا جعلا حيضا فتكون حائضا في أيام القوة مستحاضة في أيام الضعف. وحديث سعد بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن «النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قاء فتوضأ فلقيته في مسجده فذكرت له ذلك، فقال: صدق أنا صببت وضوءه» رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسين المعلم أصح شيء في هذا الباب. وحديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «ليس في القطرة ولا القطرتين من الدم وضوء إلا أن يكون دما سائلا» رواه الدارقطني. وحديث سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد سال من القيء دم الحديث لما أحدث يكفي الوضوء» رواه البزار في "مسنده"، وسكت عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 ولأن خرج النجاسة مؤثر في زوال الطهارة وهذا القدر في الأصل وهو معقول والاقتصار على الأعضاء الأربعة غير معقول لكنه يتعدى ضرورة تعدي الأول   [البناية] وحديث ابن عباس قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا رعف في صلاته توضأ ثم بنى على صلاته» رواه الدارقطني وأعله بعمر بن رياح، والترجيح معنا لوجوه أربعة: الأول: أنه أكبر الصحابة. الثاني: أخبارنا مثبتة وأخبارهم نافية، والمثبت أولى بالقبول، الثالث: أن أخبارنا أكثر وأصح، وليس لهم خبر صحيح. الرابع: ما صرنا إليه أحوط في الدين في باب العبادة. م: (ولأن خروج النجاسة مؤثر في زوال الطهارة) ش: هذا جواب لقول الشافعي حيث قال: غسل غير موضع الإصابة تعبدي ليس بمعقول، وفيه إثبات لصفة النجاسة لما يخرج من غير السبيلين بطريق القياس، ومعنى قوله: يؤثر في زوال الطهارة ظاهر لأن النجاسة إذا وجدت في محل تنفي الطهارة عن ذلك المحل، وإذا زالت عنه توجد الطهارة فيه لأن بينهما منافاة، وقال تاج الشريعة: النجاسة معنى إذا اختص بمكان يوجب الإخلال بالتقرب إلى المعبود ويمنع كمال التعظيم في العبادة، والطهارة يعني إذا اختصت بمحل يوجب كمال التقرب به إلى المعبود، وتمام التعظيم في العبادة، والنجاسة ضد الطهارة ومن الضرورات بتحقق أحد الضدين انتفاء الضد الآخر. م: (وهذا القدر) ش: أي كون النجاسة تؤثر في زوال الطهارة م: (في الأصل وهو) ش: الخارج من السبيلين م: (معقول) ش: يعني يدركه العقل فيقاس عليه غيره، وهو الخارج من غير السبيلين م: (والاقتصار على الأعضاء الأربعة غير معقول) ش: لأنه غسل غير موضع الإصابة م: (لكنه يتعدى ضرورة تعدي الأول) ش: أي لكن الاقتصار على الأعضاء الأربعة يتعدى ضرورة تعدي المنصوص عليه وإن كان غير معقول إلى صورة النزاع حكما حتى يتعدى في ضمن الأول، وهو زوال الطهارة بخروج النجاسة. وتحقيق هذا الكلام أن نقول: نحن لا نتعدى الحكم المخالف للقياس ضرورة أن ههنا حكمين: أحدهما: ثبوت أحكام النجاسة، وهو المنع للصلاة ومن المضمضة وغيره أنه موافق للقياس لأنه محل تعظيم المعبود لأن القيام لعبادة الله ببدن نجس لا يكون مثل العبادة ببدن طاهر، والآخر الاقتصار على الأعضاء الأربعة وهو حكم مخالف القياس في الأصل، أعني السبيل فإذا تعدى الموافق للقياس تعدى إلى الفرع بصفة وأصل الحكم لما وافق القياس لا بد من تعديته لأنا أمرنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 غير أن الخروج إنما يتحقق بالسيلان إلى موضع يلحقه حكم التطهير   [البناية] بالقياس فإذا عدي لا سبيل أنه تعدى وحده لأنه خلاف وضع القياس، إذ القياس مثل تعدي الحكم الثابت في الأصل إلى الفرع وإذا كان الحكم في الأصل موصوفا بصفة لا يجوز تعديته بدونه فتعين أن يتعدى بصفته وإن كانت مخالفة للقياس، وهذا لأن الشيء إذا ثبت في ضمن غيره لا يعطى له حكم نفسه، وإنما يعطى له حكم التضمن كالوكالة الثابتة في ضمن الرهن فإنها تلزم والجندي يصير مقيما في المغازي بنية إقامة السلطان في السفر، وقال الأترازي: يعني قوله "لكنه" أي لكن الخارج من غير السبيلين يتعدى حكمه إلى غير موضع الإصابة ويثبت فيه ضرورة تعدي الأول وهو الخارج من السبيلين لأن شمول العلة تستلزم شمول الحكم، والمراد من الأول الخارج من السبيلين لأنه مذكور أولا وغير الخارج من السبيلين مذكور آخرا. فإن قلت: ما الأصل، وما الفرع، وما شروط القياس فإنا لم نعلم هذه من كلام المصنف قط. نقول: أولا القياس إبانة مثل حكم أحد المذكورين بمثل علته في الآخر، فالمذكور الأول هو الأصل والثاني هو الفرع، وشرطه أن لا يكون الأصل مخصوصا بحكم آخر كشهادة خزيمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأن لا يكون معدولا به عن القياس كبقاء الصيام مع الأكل ناسيا، وإن تعدى الشرع الثابت بالنص بعينه إلى فرع هو نظيره ولا نص فيه والأصل ههنا هو الخارج من السبيلين أعني الغائط والبول، والفرع هو الخارج من غير السبيلين، وعلماؤنا استنبطوا أن الخارج من السبيلين كان حدثا لكونه نجسا خارجا من بدن الإنسان من قَوْله تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] (النساء: الآية 43) وهو نص من أنه معلول بذلك الوصف لظهور أثره في عين الحكم المعلل به، وهو انتقاض الطهارة بخروج دم الحيض والنفاس، ووجدوا مثل ذلك في الخارج من غير السبيلين فتعدى الحكم الأول إليه، وتعدى الحكم الثاني وهو الاقتصار على الأعضاء الأربعة أيضا ضرورة تعدي الأول لأنه لو لم يتعد إليه تغير حكم النص بالتعليل وذلك يفسد القياس. م: (غير أن الخروج إنما يتحقق بالسيلان إلى موضع يلحقه حكم التطهير) ش: هذا جواب إشكال وهو أن يقول: إن الحكم في الفرع لا بد وأن يكون على وفق الحكم في الأصل كما عرف ثم في الأصل يستوي القليل والكثير ولا يستوي ذلك في الفرع، وتقدير الجواب أن المؤثر في نقض الطهارة إنما هو المخروج من الباطن إلى الظاهر، والخروج إنما يتحقق إذا وجد السيلان إلى موضع يلحقه حكم التطهير في البدن كله موضع النجاسة والرطوبات والدماء السائلة فإذا انقطعت البشرة كانت الدماء والرطوبات مادية لا خارجة بخلاف البول إذا ظهر على الإحليل ولم يسل لأنه وجد الخارج من الباطن إلى الظاهر لأن موضع تلك النجاسة هي المثانة لا الإحليل، والمراد من السيلان أن يعلو الشيء على رأس الجرح وينحدر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 وبملء الفم في القيء لأن بزوال القشرة تظهر النجاسة في محلها فتكون بادية لا خارجة بخلاف السبيلين؛ لأن ذلك الموضع ليس بموضع النجاسة فيستدل بالظهور على الانتقال والخروج   [البناية] م: (وبملء الفم في القيء) ش: أي وغير أن الخروج يتحقق بملء الفم في القيء يعني إذا قاء ولم يكن ملء الفم لا ينتقض وضوؤه وإنما اشترط ذلك باعتبار أن الفم له شبهان شبه الداخل، وشبه الخارج فاعتبر الكثير خارجا، والقليل غير خارج عملا بشبهي الفم. فإن قلت: كان القياس أن لا يكون القيء حدثا لأن الحديث خارج بقوة نفسه، والقيء يخرج بقوة غيره فإن من طبع السليمة أن لا تسيل إلى فوق إلا بدافع يدفعها أو جاذب يجذبها كالدم الظاهر على رأس الجرح فمسحه بخرقة. قلت: ترك القياس بالآثار عند ملء الفم فبقي مأذونا على أصل القياس لأنه من القليل يكون فإن امتلأ معدته يعلو إلى حلقه إذا ركع فجعل عفوا م: (لأن بزوال القشرة تظهر النجاسة في محلها فتكون بادية) ش: أي ظاهرة م: (لا خارجة) ش: لأن حقيقة الخروج هو الانتقال من الباطن إلى الظاهر والنجس ما دام في محله لا يأخذ حكم النجاسة لعدم إمكان تطهيره فاشترط التجاوز إلى موضع آخر م: (بخلاف السبيلين لأن ذلك الموضع ليس بموضع النجاسة) ش: أي لأن موضع الطهر ليس محل النجاسة وهو الإحليل، وموضع النجاسة المثانة فبالظهور يعلم أنه قد انتقل عن محله إلى محل آخر وهو معنى قوله م: (ويستدل بالظهور على الانتقال والخروج) ش: بخلاف غير السبيلين فإنه لم يعلم مجبر والظهور والخروج لأن تحت كل جلد رطوبة ودما فلا ينتقض الطهارة ما لم يوجد السيلان الذي هو يحقق الخروج. فروع - تورم رأس الجرح فظهر به قيح أو نحوه لا ينقض ما لم يجاوز الورم وعن محمد لو صار أكبر من رأس الجرح نقض. والصحيح الأول ولو نزل الدم إلى ما لان من الأنف أو إلى صماخ الأذن نقض، وقال الحسن بن زياد: الماء والقيح والصديد طاهر بمنزلة الريق، والعرق، والدمع، والمخاط، والنخامة والبصق فلا ينقض الوضوء، والصحيح أن ذلك بمنزلة الدم لأنه دم رقيق لم يتم نضجه فكان لونه لون الماء وفي " المجتبى ": الدم، والقيح، والصديد، وماء الجرح، والسفطة، والبشرة، والقذي في العين والأذن كله سواء على الأصح، وهذا يدل على أن من رمدت عينه وسال منها الماء يجب الوضوء والناس عنها غافلون ويؤمر به لوقت كل صلاة لاحتمال أن يكون من جرح في الجفون. وعن الحسن أن ماء النفطة لا ينقض. قال الحلواني: وفيه توسعة لمن به جرب أو جدري أو حكة بيده، والدم إذا أخذ من غرز الإبرة أو قطع السكين أكثر من النقبة حديث على الأصح، وذكر الحسن فيه عن محمد أنه ينتقض وعن أبي يوسف أنه لا ينتقض وبه أخذ الزمخشري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وفي " المحيط " مص القرادة عضوا فامتلأ إن كان صغيرا لا ينقض كما لو مص الذباب والبعوض وإن كان كبيرا ينقض كما لو مصت العلقة، ولو سال من فمه ماء أصفر نقض ولو ظهر بول المجبوب إن كان يقدر على إمساكه متى شاء نقض وإلا لا ينقض إلا بالسيلان وفي " المحيط " توضأ فرأى بللا سائلا من ذكره أعاد وضوءه وإن لم يعلم ما هو مضى على صلاته لأنه من وساوس الشيطان وينضح فرجه بالماء لتحليله عليه وفي " الذخيرة " إذا تبين أن الخنثى رجل أو امرأة فالفرج أخر منه بمنزلة القرحة لا ينقض الخارج منه ما لم يسل. قال: وفي الكتاب قال أحب أن يعيد الوضوء وهو إشارة إلى أنه غير واجب وهو اختيار محمد بن إبراهيم الميداني وأكثر المشايخ على إيجابه، والدم المساوي للريق ينقض استحسانا كالغالب بخلاف الناقض ولو كان لون الريق أحمر نقض وإن كان أصفر لا ينتقض خرج من أذنه قيح أو صديد بدون الوجع لا ينتقض ومع الوجع ينقض لأنه دليل الجرح هكذا أفتى الحلواني. باشر امرأته من غير حائل فاشتد ذكره لها انتقض وضوؤه عندهما استحسانا خلافا لمحمد إلا بخروج شيء ولم يشترط في ظاهر الرواية مماسة الفرج بالفرج واشترط في رواية الحسن وهو الأظهر الدم السائل من الجرح إذا لم يتجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير طاهر في الأظهر وهو قول أبي يوسف وبه أخذ الكرخي، وكذا كل ما لا ينقض الوضوء من القيء وغيره خلا دم الاستحاضة وبه كان يفتي أبو عبد الله القلانسي، ومحمد بن سلمة، وأبو نصر، وأبو القاسم، وأبو الليث. وعن محمد بن الحسن أنه نجس وبه كان يفتي أبو بكر الإسكاف، وأبو جعفر، وعلى الأول لو امتلأ الثوب منه لا يمنع جواز الصلاة كما يكون لأصحاب القروح يصيب ثيابهم مرة بعد مرة من غير تجاوز لمكان العذر ولا يمنع وإن كثر، روى ذلك بعض أصحابنا عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وحكي عن أبي يوسف وعليه الفتوى، وفي " الينابيع " أقطر دهنا في إحليله ثم سال منه لا ينقض عند أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف ومحمد. أدخل الحقنة في دبره ثم أخرجها لا وضوء عليه مع أنه لا يخلو من خروج شيء معها من النجاسة، وكل شيء غيبه في دبره ثم أخرجه أو خرج بنفسه نقض وأفسد الصوم وإن دخل بعضه وطرفه خارج لا ينقض ولا يفسد الصوم عمم ولم يفسد ومراده غير الذكر أما إذا لم يكن عليه بلة وفي " قاضيخان " روايتان والصحيح إذا لم تغب فيه تعتبر البلة والرائحة فإنه ليس بداخل من كل وجه حتى لا يفسد صومه ولا ينقض الوضوء بنزول البول إلى قصبة الذكر وإلى القلفة ينقض. والريح الخارج من ذكر الرجل وقبل المرأة لا ينقض الوضوء. في " المحيط " هكذا حكاه الكرخي عن أصحابنا إلا أن يكون مفضاة وهي التي صار مسلك بولها ووطئها والتي صار مسلك الغائط والوطء منها واحد ولا يحل وطؤها إلا أن يعلم أنه لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وملء الفم أن يكون بحال لا يمكن ضبطه إلا بتكلف لأنه يخرج ظاهرا فاعتبر خارجا   [البناية] يجاوز قبلها فحينئذ يستحب لها الوضوء لاحتمال أنها خرجت من دبرها لا من قبلها، وفي " المفيد " و " الذخيرة " عن محمد أنه حدث من قبلها قياسا على دبرها وعن الكرخي أن الريح من الذكر لا ينقض وإنما هو اختلاج. وقال أبو حفص الكبير: يجب في المفضاة، وقيل إن كانت الريح منتنة يجب وإلا فلا، وفي " الذخيرة " والدودة الخارجة من قبل المرأة على هذه الأقوال وفي " القدوري " يوجب وفي الذكر لا ينتقض، وإن خرجت الدودة من الفم، أو الأنف، أو الأذن، لا تنقض، حشى إحليله بقطنة أو ربط الجراحة إن تعدى البلل إلى خارجها نقض وإلا فلا، وإن حشت المرأة بقطنة فابتل داخلها إن كانت على الشفرين نقض وإن كانت داخل الفرج فلا وضوء عليها، وإن أدخلت أصبعها في فرجها انتقض وضوؤها لأنها لا تخلو عن بلة ولو وصل المائع إلى الدماغ بالسعوط، أو الوجوز، أو الأقطار ثم خرج لا ينقض لأنه خرج من مكان طاهر. وعن أبي يوسف إن خرج من الفم نقض، ولو غرز إبرة في يده وظهر الدم أكثر من رأس الإبرة لم ينتقض، وكان محمد بن عبد الله يميل إلى القول بالنقض ويراد سائلا وكذا في " فتاوى النسفي " وإذا عصرت القرحة فخرج منها شيء كثير ولو لم يعصرها لا يخرج منها شيء ينقض وضوءه كذا في " مجموع النوازل "، وفيه أيضا جرح ليس فيه شيء من الدم والصديد فدخل الحمام أو الحوض فدخل الماء الجرح وسال منه الماء لا ينقض وذكر الإمام علاء الدين أن من أكل خبزا أو فاكهة ورأى أثر الدم فيه من أصول أسنانه ينبغي أن يضع إصبعه أو طرف كفه على ذلك الموضع فإن وجد فيه أثر الدم انتقض وضوؤه وإلا فلا. م: (وملء الفم أن يكون بحال لا يمكن ضبطه إلا بتكلف) ش: هذا التعريف عن رواية الحسن بن زياد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل حد ملء الفم أن يمنعه من الكلام، وقيل: أن يزيد على نصف وقيل: أن يعجز عن تغطية الفم، وقيل: ما جاوز الفم، وقيل ليس فيه حد مقرر بل هو مفوض إلى رأي المبتلى به إن كان يراه ملء الفم انتقضت طهارته وإن لم يره لا ينقض وهذا أشبه مذهب أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيما لم يرد فيه من الشرع تقدير ظاهر وهو اختيار شمس الأئمة الحلواني م: (لأنه) ش: أي لأنه ملء الفم وهذا دليل لقوله "وبملء الفم من القيء" وليس بدليل لقوله: وملء الفم لمن يكون بحال اه. حتى لا يقال التعرب لا يستدل عليها لأنه ما قبل تعريف ملء الفم م: (يخرج ظاهرا) ش: لأنه لا يقدر على ضبطه إلا بكلفة م: (فاعتبر خارجا) ش: فلا يكون تبعا لذلك بخلاف ما إذا قل فإنه تبع للريق فلا يقتضي وحاصل الكلام ههنا أن الفم تجارى فيه دليلان: أحدهما يقتضي كونه باطنا والآخر يقتضي كونه ظاهرا نظير ذلك في الصائم إذا أخذ الماء بفيه ثم مسحه لا يفسد صومه، وإذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 وقال زفر: قليل القيء وكثيره سواء، وكذا لا يشترط السيلان، اعتبارا بالمخرج المعتاد ولإطلاق قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «القلس حدث» ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ليس في القطرة والقطرتين من الدم وضوء إلا أن يكون سائلا»   [البناية] ابتلع ريقه فكذلك، فورد على الدليلين حكمها، فقيل إذا كثير ينقض وإذا قل لا ينقض. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قليل القيء وكثيره سواء) ش: وبه قال الثوري والحسن البصري ومجاهد م: (وكذا لا يشترط السيلان) ش: أي في الخارج من غير السبيلين كالدم ونحوه م: (اعتبارا) ش: أي يعتبر اعتبارا وانتصابه بالمقدر م: (بالمخرج المعتاد ولإطلاق قوله «القلس حدث» ش: هذا قياس ظاهر لأنه لما كان الخارج من غير السبيلين حدثا بما دل عليه من الدليل، وجب أن يستوي فيه القليل والكثير. قال الأترازي والأكمل أيضا هذا الحديث رواه سوار بن مصعب عن زيد بن علي عن بعض آبائه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكره أبو بكر الرازي في شرحه لمختصر الطحاوي، وهذا عجز منهما من ثلاثة أوجه: الأول: أن هذا أخرجه الدارقطني في "سننه " حيث لم يرجعا إليه. والثاني: غير الإسناد إلى زيد بن علي غير سوار بن مصعب وهو متروك. والقلس بفتح اللام وقيل بسكونها. قاله ابن الأثير واختلف فيه فقال المرغيناني القلس ما كان ملء الفم والقيء دونه، وقيل على العكس دل عليه قول محمد فإن قلس أقل من ملء الفم وقول مجاهد وطاووس لا وضوء في القلس حتى يكون القيء. ذكره النسائي وفي " المغرب " القلس ما خرج من الحلق ملء الفم أو دونه وليس بقيء فإن عاد فهو القيء. وقلس الكأس إذا قذف بالشراب لشدة الامتلاء. وقال خواهر زاده: القلس ما يخرج من المعدة عند غثيان النفس واضطرابها والقيء ما يخرج منها عند سكون وقرار، فكان في القلس زيادة شدة ليست في القيء. م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ليس في القطرة والقطرتين من الدم وضوء إلا أن يكون سائلا» ش: رواه الدارقطني من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من طريقين كلاهما ضعيف، لأن في أحدهما محمد بن الفضل وفي الأخرى حجاج بن نصير وهما ضعيفان، والقطرة والقطرتان عبار عن قلة الدم، وسماه قطرة لأنه لم يوجد السيلان والدليل على ذلك قوله: «إلا أن يكون سائلا» فإن كان السيلان سابقا على حال القطر، فإن زاد السيلان بازدياد الدم واجتمع في موضع لو حصل له صلاحية ازدياد السيلان يحصل القطرة، فإذا كان كذلك لو كانت القطرة على حقيقتها لا يصح استثناء حالة السيلان منها، لأن استثناء الشيء بمنزله غايته، فلا يجوز تقديم الغاية على المغيا لأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 وقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين عد الأحداث جملة أو دسعة تملأ الفم   [البناية] الغاية تعقب المغيا أبدا، فكذلك حالة القطرة تعقب حالة السيلان على ما ذكرنا، ولا يجوز أن تعقب حالة السيلان حالة القطرة كذلك وهذا كما إذا قال الرجل لامرأته وهي خارجة الدار إذا قعدت وسط الدار فأنت طالق إلا إذا دخلت تلك الدار أو دخلت فإنه لا يصح لأن حال الدخول سابقة على حال القعود، نظيره ليس في اللقمة واللقمتين من أكل الجزء، واختيار قطع الصلاة إلا أن يكون المصلي أدخله في فيه لا يصح. وحاصل معنى الحديث ليس في القطرة والقطرتين بالقود من الدم وضوء لكن إذا سال الدم ففيه الوضوء. وفي " المغني " لا وضوء في الدم القليل لكن في الكثير وضوء وهو السليل فالاستثناء منقطع، لأن حقيقته ليست بمرادة لحصولها بعد السيلان، والمجاز وهو القليل لا يتناول السائل فلا يكون متصلا، ولا يجوز أن يكون المراد قطر الدم من رأس الجرح من غير أن يسيل فإنه قول خارق للإجماع لعدم القائل بالفصل فلا يصح، لأن كل من قال بانتقاض الطهارة بالسيلان، فقائل بانتقاضها في هذه الصورة ومن قال بعدم الانتقاض مطلقا لا يقول بالانتقاض في هذه الصورة، فالقول بالتناقض بالسيلان وبعدم الانتقاض بالقطر قول لم يقل به أحد. م: (وقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين عد الأحداث جملة أو وسعة تملأ الفم) ش: هذا غريب لم يثبت عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، والعجب من الأكمل قال: الظاهر أنه قاله سماعا من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذا بعد ثبوته عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وأعجب من هذا قول الأترازي أورده [ ...... ] أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عد الأحداث وقال: يعاد الوضوء من كذا ثم قال: أو وسعة تملأ الفم، ولم يقف على أصل الأثر كيف لفظه: ولا وقف على صحته، ولا عرف هل هو موقوف، أم مرفوع حتى يصرف فيه من عنده، ثم قال وذكر الناطقي في الأجناس وقال، روى زيد بن ثابت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «يعاد الوضوء من سبع: من نوم غالب، والقيء، وغائط، وبول، ودسعة تملأ الفم، ودم سائل، والقهقهة في الصلاة» الحديث. قال "صاحب الدراية " روى البيهقي و "صاحب المحيط " عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال «يعاد الوضوء ... » إلى آخره، نحوه وليس فيه والحدث. وذكر السروجي في شرحه كما ذكره صاحب " الدراية " وقال في آخره لا يصح وكلهم أظهروا العجز في ذلك والحديث أخرجه البيهقي في " الخلافيات " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يعاد الوضوء في سبع: من إقطار البول، والدم السائل، والقيء، ومن وسعة تملأ الفم، ونوم المضطجع، وقهقهة الرجل في الصلاة، وخروج الدم» فأضعفه فإن فيه سهل بن عفان والجارود بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 وإذا تعارضت الأخبار، يحمل ما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على القليل، وما رواه زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - على الكثير، والفرق بين المسلكين ما قدمناه، ولو قاء متفرقا بحيث لو جمع يملأ الفم، فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر اتحاد المجلس، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر اتحاد السبب وهو الغثيان،   [البناية] زيد وهما ضعيفان. وقال ابن الأثير في "النهاية ": الوسيع الدفع، ثم قال: ومنه حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وذكر ما يوجب الوضوء، وقال: ووسعة تملأ الفم يريد الدفع الواحدة من القيء. وجعله الزمخشري حديثا عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقال: هي من ريع السرمومة إذا نزعها من كرشه وألقاها إلى فيه. م: (وإذا تعارضت الأخبار، فيحمل ما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على القليل وما رواه زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - على الكثير) ش: وهذا إلى أن الأصل في تعارض الأخبار التوفيق، لأن الأصل في الأدلة الإعمال دون الإهمال. وههنا تعارض ما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما رواه من «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قاء فلم يتوضأ» . وما رواه - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «القلس حدث» . والعمل بهما ممكن فيحمل ما رواه الشافعي على القليل وما رواه زفر على الكثير، وذلك لأن القيء ملء الفم من كثرة الأكل. ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان عن ذلك بمعزل، والقياس مصدر قلس إذا قاء ملء الفم، كذا في الأسامي، ولأن ما رواه الشافعي إن صح فهو حكاية حال فلا عموم له أو أنه لم يتوضأ عن القيء في فوره ذلك. م: (والفرق بين المسلكين ما قدمناه) ش: أي الفرق بين المخرج المعتاد وغيره وهو جواب لزفر عن اعتباره غير المعتاد بالمعتاد، وقال صاحب " الدراية " أراد بالمسلكين السبيلين وغيرهما أو الفم أو السبيل. قال السغناقي: والفرق بين المسلكين أي: بين الفم والسبيلين ويروى والفرق بين المسألتين قوله ما قدمناه يعني في مسألة الدم من كون القليل ناقضا في السبيلين غير ناقض في غير السبيلين أو عند قوله: غير أن الخروج إلى آخره. م: (ولو قاء متفرقا) ش: أي قيئا متفرقا. وانتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف م: (بحيث لو جمع) ش: أي القيء. فإن قلت: القيء لم يذكر، قلت: دل عليه قوله قاء م: (يملأ الفم) ش: جواب لو. م: (فعند أبي يوسف يعتبر اتحاد المجلس) ش: أي: مجلس القيء، لأن للمجلس أثرا في جمع المتفرقات، وكذا التلاوات المتعددة للسجدة متحد باتحاد المجلس. م: (وعند محمد: اتحاد السبب) ش: أي: ويعتبر عند محمد اتحاد السبب في القيء المتفرق م: (وهو) ش: أي السبب م: (الغثيان) ش: وهو مصدر غثت نفسه إذا جاءت. وقال الجوهري: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 ثم ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا يروى ذلك عن أبي يوسف وهو الصحيح، لأنه ليس بنجس حكما حيث لم تنتقض به الطهارة   [البناية] الغثيان خبث النفس وتدعت نفسه عينا وعناة وأما عل سبيل المرتع [ ...... ] عزا إذا جمع بعضه إلى بعض، ومنه الغثاء بالضم والمد وهو ما يحمل السيل من العمامين، وقال محمد: لأن الحكم يثبت على حسب ثبوت السبب من الصحة والفساد فيتحد باتحاده، ألا ترى أنه إذا جرح جراحات ومات منها قبل البرء يتحد الموجب، وإن تخلل البرء اختلف ويعتبر الاتحاد في الغثيان، وإن بقي ثانيا قبل سكون النفس عن الغثيان الأول فإن سكنت ثم قاء فهو حدث جديد، وقيل: قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أصح ثم المسألة على أربعة أوجه: إما أن يتحد السبب في المجلس، أو يتعدد، أو يتحد الأول دون الثاني، أو على العكس. ففي الأول: يجمع اتفاقا، وفي الثاني: لا يجمع اتفاقا، وفي الثالث: يجمع عند الثالث، وفي الرابع: يجمع عند الثاني. م: (ثم ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا) ش: الذي لا يكون حدثا هو القليل من القيء وغير السائل من الدم لا يكون نجسا، ألا ترى أنه لا تنقض به الطهارة فيكون طاهرا م: (يروى ذلك عن أبي يوسف) ش: وبه أخذ الكرخي وفي " جامع الكردري " هو مروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وأمر به أبو عبد الله الغساني ومحمد بن سلمة وأبو نصر وأبو القاسم وأبو الليث. م: (وهو الصحيح) ش: أي ما روي عن أبي يوسف هو الصحيح، وهو اختيار المصنف أيضا. واحترز به عن قول محمد فإنه نجس عنده، واختاره بعض المشايخ احتياطا، وأفتى به أبو بكر الإسكاف، وأبو جعفر. وفائدة الخلاف تظهر فيما أخذه بقطنة وألقاه في الماء لا ينجس الماء عند أبي يوسف أرفق خصوصا في مثل أصحاب القروح والجدري، حتى لو أصاب الثوب منه كثير لا يمنع جواز الصلاة. م: (لأنه) ش: تعليل وجه الصحة أي لأن ما لا يكون حدثا م: (ليس بنجس حكما) ش: أي من حيث الحكم الشرعي م: (حيث لم تنتقض به الطهارة) ش: معناه أن الخارج النجس من بدن الإنسان، أي يستلزم كونه حدثا معه انتفى اللازم، وانتفاؤه يستلزم انتفاء الملزوم قيل: فيه مصادرة على المطلوب، بناء على أن معنى كلامه ليس كذلك بل معناه ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا، لأن ما لا يكون حدثا ليس بنجس حكما لأن حكمه بالنجاسة يستلزم كونه حدثا، وليس بحدث؛ لما دل عليه من الدليل، فلا يكون نجسا. فإن قلت: ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا ينعكس بأن يقال: ما يكون حدثا يكون نجسا. قلت: لا ينعكس فإن النوم والإغماء والجنون أحداث وليست بنجسة. فإن قلت: يرد عليك دم الاستحاضة، والجرح السائل فإنه ليس بحدث، قلت: بل هو حدث لكن لا يظهر أثره حتى يخرج الوقت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وهذا إذا قاء مرة أو طعاما أو ماء، فإن قاء بلغما فغير ناقض عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ناقض إذا قاء ملء الفم. والخلاف في المرتقي من الجوف، أما النازل من الرأس فغير ناقض بالاتفاق، لأن الرأس ليس بموضع النجاسة لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه نجس بالمجاوزة، ولهما أنه لزج لا تتخلله النجاسة وما يتصل به قليل والقليل في القيء غير ناقض   [البناية] فإن قلت: كيف يجوز الاستدلال بعدم نقض الطهارة على عدم النجاسة لأن عدم النقض يجوز أن يكون انتفاؤه لكونه غير خارج دون انتفاء الوصف الآخر. قلت: غير الخارج لا يعطى له حكم النجاسة لكونها في محلها فإن من صلى، وهو حامل حيوانا غير نجس أو حامل بيضة حال محها، وما جازت صلاته فكان انتفاء الخروج مستلزما لانتفاء النجاسة. م: (هذا) ش: إشارة إلى القيء ملء الفم م: (إذا قاء مرة) ش: بكسر الميم وتشديد الراء. قال الجوهري: المرة إحدى الطبائع الأربع، وقال: المراواة التي فيها المراة والمرة القوة أيضا. قلت: المراد بها الصفراء وهي إحدى الطبائع م: (أو طعاما) ش: أي: أو قاء طعاما م: (أو ماء) ش: أي: قاء ماء فإن هذه الأشياء ربما تنقض الطهارة إذا كانت ملء الفم. م: (فإن قاء بلغما فغير ناقض) ش: للوضوء م: (عند أبي حنيفة ومحمد) ش: إذا كان بلغما صرفا لا يشوبه طعام، ولم يذكر ما إذا اختلط بالطعام، قالوا: تعتبر فيه الغلبة فإن كان الطعام غالبا ينقض وإلا فلا. م: (وقال أبو يوسف ناقض إذا كان ملء الفم والخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين الثلاثة م: (في المرتقي) ش: أي الصاعد م: (من الجوف) ش: أي المعدة م: (أما النازل من الرأس فغير ناقض بالاتفاق لأن الرأس ليس بموضع النجاسة) ش: فالنازل منها رطوبة تنزل إلى أعلى الحلق فيرق فيصير بزاقا، وإذا استقر في أسفل الحلق يتخفف فيصير بلغما م: (لأبي يوسف أنه) ش: أي البلغم المرتقي من الجوف م: (ينجس بالمجاوزة) ش: أي مجاوزة ما في المعدة من النجاسة، وقد خرج إلى موضع يلحقه حكم التطهير، فيكون ناقضا للوضوء. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي البلغم المرتقي من الجوف م: (لزج) ش: أي لصق. وهو بفتح اللام وكسر الزاي المعجمة م: (لا تتخلله النجاسة) ش: أي لا يتداخله النجاسة ولا يدخل في أجزائه م: (وما يتصل به قليل والقليل في القيء غير ناقض) ش: لأنه لا يحتمل السيلان، والسيلان في غير السبيلين أقيم مقام الخروج ولم يوجده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 ولو قاء دما وهو علق يعتبر فيه ملء الفم، لأنه سوداء محترقة، وإن كان مائعا فكذلك عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا بسائر أنواعه، وعندهما إن سال بقوة نفسه ينقض الوضوء، وإن كان قليلا؛ لأن المعدة ليست بمحل الدم فيكون من قرحة في الجوف.   [البناية] فإن قيل: ينتقض هذا ببلغم يقع في النجاسة، ثم يرفع عنها يحكم بنجاسته. أجيب بأنه لا رواية في هذه المسألة، ولئن سلم فالفرق بينهما أن البلغم ما دام في البطن يزداد ثخانة فيزداد لزوجة، فإذا انفصل عن الباطن ثقل ثخانته فتقل لزوجته، فإذا قلت لزوجته ازدادت رقته، فجاز أن يقبل النجاسة. وكان الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يميل إلى قول أبي يوسف حتى روي عنه أنه يكره أن يأخذ الإنسان بلغمه بطرف ردائه ويصلي به، كذا في " الفوائد الظهيرية ". وفي " جامع المحبوبي " هذا الاختلاف راجع إلى اختلافهم في أن البلغم طاهر أو نجس، فعند أبي يوسف نجس وعندهما لا. م: (ولو قاء دما وهو علق) ش: أي والحال أنه علق بفتح العين واللام وهو المتجمدة. م: (يعتبر فيه ملء الفم) ش: حتى إذا لم يكن ملء الفم لا ينقض م: (لأنه) ش: أي: لأن الدم العلق سوداء محترقة وليس بدم على الحقيقة. فإن قلت: ما موصوف السواد فإنها صفة لا بد لها من موصوف. قلت: موصوفها المرة أي: مرة سوداء احترقت من شدتها، والسوداء المحترقة تخرج من المعدة وما يخرج منها لا يكون حدثا ما لم يكن ملء الفم م: (وإن كان) ش: أي: الدم م: (مانعا فكذلك) ش: أي فكان الحكم المذكور يعتبر فيه ملء الفم م: (عند محمد اعتبارا) ش: أي اعتبر محمد اعتبارا م: (بسائر أنواعه) ش: أي بسائر أنواع القيء وهي خمسة: الطعام، والماء، والمرة، والصفراء، والسوداء. كذا قال الأكمل أخذه من " الدراية "، وصاحب " الدراية " أخذه من المحبوبي وفيه نظر لأن المرة هي الصفراء كما ذكرنا، وهي السوداء أيضا، ولذلك قالت الأطباء الأخلاط أربعة: الدم، والمرة السوداء، والمرة الصفراء، والبلغم فطبع الأول حار رطب، والثاني بارد يابس، والثالث حار يابس، والرابع بارد رطب. م: (وعندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف (إن سال بقوة نفسه ينتقض الوضوء وإن كان قليلا) ش: الاعتبار عندهما بالسيلان بقوة نفسه، لا بقوة المزاج م: (لأن المعدة ليست بمحل للدم) ش: يعني أنها ليست من مظان الدم ومواضعه م: (فتكون من قرحة في الجوف) ش: فالمعتبر هناك السيلان فكذلك هناك. فإن قلت: لم اختص هذا الحكم بما يخرج من المعدة فينبغي أن يكون عاما ولا ينتقض الوضوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 ولو نزل من الرأس إلى ما لان من الأنف نقض الوضوء بالاتفاق، لوصوله إلى موضع يلحقه حكم التطهير فيتحقق الخروج. والنوم مضطجعا   [البناية] بخروج دم من قرحة في الفم ما لم يملأ الفم كالقيء، قلت: إنما اختص بالقيء لأن النص متعارض فيه، فإنه روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاء ولم يتوضأ» وروى الترمذي من حديث حسين المعلم عن أبي الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قاء فتوضأ» . والمفهوم من الإطلاق الوضوء الشرعي لا غسل الفم منه لأن ذلك يسمى مضمضة. وروي أنه قال: «القلس حدث» . فعرفنا بذلك بأن الفم حكم الباطن في قليل القيء، وحكم الظاهر في كثيره، فأما في حق الدم، فلم يوجد دليل يدل على ذلك بل دل فيه على أن المعتبر فيه التجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير. فإن قلت: ما تقول في ماء فم النائم. قلت: النازل من الرأس أو المتخف من اللهوات طاهر، والصاعد من الجوف فإن كان أصفر أو منتنا كالقيء، وعن أبي الليث هو كالبلغم، وقيل: نجس عند أبي يوسف خلافا لمحمد. وعن أبي حنيفة إن قاء طعاما أو ماء أصاب إنسانا قيء يسير لا يمنع. قال الحسن: الأصح أنه لا يمنع ما لم يفحش وفي " القنية ": قاء دودا كبيرا لا ينقض وكذا لو قاء حية ملأت فاه. م: (ولو نزل من الرأس إلى ما لان من الأنف) ش: أي الذي لان من الأنف وهو المازن. م: (نقض الوضوء بالاتفاق لوصوله إلى موضع يلحقه حكم التطهير فيتحقق الخروج) ش: لأن هذا الموضع له حكم الظاهر في الشرع، ولهذا يخاطب بتطهيره في بعض الأحوال فصار النازل اليسير خارجا فيكون ناقضا، بخلاف ما إذا نزل البول إلى قصبة الذكر لأنه ليس له حكم الظاهر، ولهذا لم يخاطب بتطهيره. فإن قلت: أليس هذا المكرر لأنه قد علم من قوله في أول الفصل والدم والقيح إذا خرجا من البدن. قلت: إنما ذكره ههنا بيانا لاتفاق أصحابنا، لأن عند زفر إذا وصل الدم إلى قصبة الأنف لا ينقض، وإنما ينقض إذا وصل إلى ما لان وإليه أشار المصنف بقوله بالاتفاق. [النوم من نواقض الوضوء] م: (والنوم مضطجعا) ش: برفع النوم عطفا على قوله: والقيء ملء الفم، أي: ومن نواقض الوضوء النوم مضطجعا، ولما فرغ من نواقض الوضوء بما خرج من البدن حقيقة كالبول والغائط، والدم، والقيح، والقيء شرع فيما ينقضه أيضا حكما كالنوم. ثم الأنف واللام في النوم بدل من المضاف إليه تقديره ونوم المتوضئ، وانتصاب مضطجعا على أنه حال منه، والاضطجاع أن يضع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 أو متكئا أو مستندا إلى شيء لو أزيل عنه لسقط، لأن الاضطجاع سبب لاسترخاء المفاصل فلا يعرى عن خروج شيء عادة والثابت عادة كالمتيقن به، والاتكاء يزيل مسكة اليقظة لزوال المقعد عن الأرض وبلغ الاسترخاء في النوم غايته بهذا النوع من الاستناد غير أن السند يمنعه من السقوط.   [البناية] النائم جنبه على الأرض، م: (أو متكئا) ش: أي وحال كونه متكئا على أحد وركيه، والاتكاء افتعال من وكا معتل العين مهموز اللام. ولما نقل من وكا إلى باب الافتعال صار أوتكا ثم أبدلت الواو تاء وأدغمت التاء في التاء وصار اتكا والمتكئ فاعل فيه وأصله المتوكئ م: (أو مستندا) ش: أي حال كونه مستندا م: (إلى شيء) ش: كجدار وعامود ونحوهما م: (لو أزيل عنه لسقط) ش: وهذا القياس ليس من رواية " المبسوط "، وإنما هو مما اختاره الطحاوي م: (لأن الاضطجاع سبب لاسترخاء المفاصل فلا يعرى) ش: أي فلا يخلو م: (عن خروج شيء) ش: أي الريح م: (عادة) ش: أي من عادة النائم المضطجع م: (والثابت بالعادة كالمتيقن به) ش: ألا ترى من دخل المستراح ثم شك في وضوئه فإنه يحكم بنقض وضوئه، لأن العادة جرت عند الدخول في الخلاء بالتبرز بخلاف ما إذا شك بدون الدخول. م: (والاتكاء يزيل مسكة اليقظة) ش: أي التماسك الذي يكون لليقظان والمسكة بالضم اسم، قال الجوهري: عن أبي زيد، يقال فيه: مسكة من خير بالضم أي بقية، والمسكة أيضا من السير الصلبة التي لا تحتاج إلى طي، واليقظة بفتح الياء، وفتح القاف أيضا من استيقظ فهو يقظان. وفي دستور اللغة يقال: يقظ من باب علم يعلم، فعلى هذا هو مصدر. وقال الصاغاني في " العتابي ": يقظ بالكسر أي استيقظ يقظا، ويقظة بالتحريك فيهما، فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك فما وجه إضافة المسكة إلى اليقظة سواء كان مصدرا أو اسما، قلت: هذا إسناد مجازي، والمراد مسكة صاحب اليقظة، والمعنى أن الاتكاء يزيل مسكة اليقظان حال قوي أن يزيل مسكة النائم، ولهذا علل المصنف بشيئين الأول أشار إليه بقوله: (لزوال المقعد عن الأرض) ش: لأن مقعده إذا زال عن الأرض لا يؤمن عن خروج شيء. والثاني: أشار إليه بقوله: (وبلغ الاسترخاء غايته لهذا النوع من الاستناد) ش: أراد بهذا النوع الاتكاء م: (غير أن السند يمنعه من السقوط) ش: جواب عن سؤال مقدر وهو أن يقال: لا نسلم أن الاسترخاء يبلغ غايته إذ لو كان كذلك سقط فلما لم يسقط علم أنه لم يبلغ غايته، فأجاب عنه بالسنة تمنعه من أن يسقط فلولا هو لسقط. واعلم أن النائم له ثلاث عشرة حالة: نوم المضطجع، والمتورك والمتكئ وهو ناقض، والقاعد، والمتربع، والماد رجليه، والمنحني، والمقعي شبه الكلب، والراكب، والماشي، والقائم، والراكع، والساجد، وهو ليس بناقض، والمستند وهو ناقض على ما ذكره الطحاوي أنه لو نام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 بخلاف حالة القيام، والقعود، والركوع، والسجود في الصلاة وغيرها هو الصحيح لأن بعض الاستمساك باق، إذ لو زال لسقط فلم يتم الاسترخاء. والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا وضوء على من نام قائما، أو قاعدا، أو ساجدا، إنما الوضوء على من نام مضطجعا فإنه إذا نام مضطجعا استرخت مفاصله» .   [البناية] مستندا إلى شيء أو متكئا على يديه ولو كان بحال لو زال السند أو ما اتكأ عليه لسقط فكان حدثا وإلا لا، واختاره القدوري وصاحب " الهداية " وبه أخذ كثير من المشايخ. ولكن روى خلف عن أبي يوسف أنه سأل أبا حنيفة عمن استند إلى شيء فنام فقال: إذا كانت إليته مستوثقة من الأرض فلا وضوء عليه، كيف ما كان، وبه أخذ عامة المشايخ، وهو الأصح. ذكره في " البدائع " و " المحيط " وفي " الكافي "، وهو ظاهر المذهب في " الذخيرة " أن النوم مضطجعا إنما يكون حدثا إذا كان اضطجاعه على غيره وأما إذا كان على نفسه لا يكون لو نام واضعا إليته شبه على وجهه واضعا بطنه على فخذيه لا ينقض الوضوء. وعن محمد من نام متكئا لا ينقض وضوؤه. وقال أبو يوسف: اضطجاعه على غيره ونفسه سواء في انتقاض الوضوء ونوم المريض المضطجع في الصلاة ينقض الوضوء في الصحيح. وقال أبو يوسف: لا وضوء عليه وهو الأصح. ولو نام خارج الصلاة على هيئة المصلي فيه اختلاف المشايخ. م: (بخلاف حالة القيام والقعود والركوع والسجود في الصلاة) ش: يعني لا ينقض النوم الوضوء في هذه الحالات، إذا كان على هيئة سجود الصلاة من تجافي البطن عن الفخذ وعدم افتراش الذراعين، فإذا كان بخلافه ينقض م: (وغيرها) ش: أي وغير الصلاة م: (وهو الصحيح) ش: يعني كون ذلك في الصلاة وغير الصلاة هو الصحيح وظاهر الرواية، واحترز بذلك عما ذكره ابن شجاع أنه ناقض للوضوء في غير الصلاة م: (لأن بعض الاستمساك باق) ش: وقدر ما بقي من الاستمساك يمنع الخروج م: (إذ لو زال) ش: أي الاستمساك م: (لسقط فلم يتم الاسترخاء) ش: وإذا لم يكن النوم في هذه الأحوال سببا لخروج شيء عادة فلا يقام مقامه، لأن السبب إنما يقام مقام السبب إذا كان غالب الوجود بذلك السبب، أما إذا لم يغلب فلا لأنه حينئذ يقع الشك في وجود الحدث، والوضوء كان ثابتا بيقين فلا يزال بالشك. م: (والأصل فيه) ش: أي في كون النوم غير ناقض في هذه الأحوال م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا وضوء على من نام قاعدا أو قائما أو راكعا أو ساجدا إنما الوضوء على من نام مضطجعا فإنه إذا نام مضطجعا استرخت مفاصله» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ غريب. وإنما رواه أبو داود والترمذي من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ولفظه: «إن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعا، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله» . ورواه أحمد في "مسنده "، الطبراني في "معجمه " وابن أبي شيبة في "مصنفه " والدارقطني في "سننه "، ورواه البيهقي في "سننه "، ولفظه: «لا يجب الوضوء على من نام جالسا أو قائما أو ساجدا حتى يضع جنبه فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله» . ورواه عبد الله بن أحمد في "زياداته " ولفظه: «ليس على من نام ساجدا وضوء حتى يضطجع» ، وصاحب " الهداية " لم يتعرض إلى هذا الحديث أصلا، وإنما احتج به وسكت. وقال أبو داود: قوله في الحديث: «على من نام مضطجعا» وهو حديث منكر لا يرويه إلا أبو خالد الدالاني عن قتادة. وقال الدارقطني: تفرد به أبو خالد الدالاني ولا يصح. وقال ابن حبان: كان يزيد الدالاني كثير الخطأ فاحش الوهم، لا يجوز الاحتجاج به إلا إذا وافق الثقات، فكيف إذا تفرد عنهم بالمعضلات. وقال الترمذي في " العلل الكبير ": سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: لا شيء. وقال البيهقي في "السنن ": أنكره عليه جميع الحفاظ وأنكروا سماعه عن قتادة. وقال في " الخلافيات ": أنكر عليه جميع أئمة الحديث. قلت: أبو داود كيف يقول إنه حديث منكر، وقد استدل ابن جرير الطبري على أنه لا وضوء إلا من نوم اضطجاع وصحح هذا الحديث، وقال: الدالاني لا يرفع إلا عن العدالة والأمانة والأدلة تدل على صحة خبره. وقول الدارقطني: تفرد به أبو خالد الدالاني ولا يصح غير صحيح، وقد تابعه فيه مهدي بن هلال عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا وضع جنبه فليتوضأ» . وأخرجه ابن عدي عنه حدثنا يعقوب بن عطاء بن أبي رباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس على من نام قاعدا أو قائما وضوء حتى يضطجع جنبه إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الأرض» . وأخرج ابن عدي أيضا ثم البيهقي من جهته عن بحر بن كنيز عن ميمون الخياط عن ابن عباس عن «حذيفة اليماني قال: كنت في مسجد المدينة جالسا فاحتضنني رجل من خلفي فالتفت فإذا أنا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلت: يا رسول الله هل وجب علي وضوء. قال: "لا حتى تضع جنبك» . قال البيهقي تفرد به بحر بن كنيز السقا وهو ضعيف لا يحتج بروايته. وقول ابن حبان: كان بحر إلى آخره يرده ما قاله يحيى بن معين وأحمد والنسائي: ليس به بأس. وقال أبو حاتم صدوق ثقة، وروى عنه سفيان الثوري، وسعيد، وزهير بن معاية وغيرهم. وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، ويروي الناس عنه وروى عنه عبد السلام بن حرب. وقال الأكمل: فإن قيل هذا الحديث غير صحيح لأن مداره على أبي العالية وهو ضعيف عند الثقة روى ابن سيرين أنه قال: حدث عمن شئت إلا عن أبي العالية فإنه لا يبالي عمن أخذ، أي لا يبالي أن يروي عن كل أحد. أجيب بأن أبا العالية ثقة نقل عنه الثقات كالحسن وإبراهيم النخعي والشعبي، وكونه لا يبالي عمن أخذ، يؤثر في مراسيله دون مسانيده، وقد أسند هذا الحديث إلى ابن عباس، قلت: من العجب أن الأكمل كيف رفع رأسه لبيان حال الحديث ومع هذا قال في الحديث الذي ذكره المصنف: رواه الترمذي مسندا إلى ابن عباس عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليس الحديث كذلك عند الترمذي، فقد ذكرنا وقوله لأن مداره على أبي العالية ليس كذلك وإنما مداره على يزيد الدالاني وعليه اختلف في ألفاظه ومع هذا كله ليس من عنده، وإنما نقله من تاج الشريعة برمته، ثم وجه الاستدلال بهذا الحديث من وجوه: الأول: نفي الوضوء عمن نام قائما أو راكعا. الثاني: فيه الحصر بإنما فيمن نام مضطجعا. فإن قلت: لا حصر ههنا لأن الوضوء لم ينحصر على من نام مضطجعا، بل هو واجب على المستند والمتكئ كما مر. قلت: لا نسلم أن إنما ههنا للحصر بل هو لتأيد الإثبات، ولئن سلمنا أنه للحصر فإنه حصر انتقاض الوضوء المتعلق بصفة الاضطجاع فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علل باسترخاء المفاصل، وإنما وجب على المتكئ والمستند بدلالة النص لاستوائهما في المنصوص في المعنى وهو الاسترخاء قال صاحب " الدراية ": هذا نقل عن مولانا حميد الدين، وقال فخر الدين الرازي: إنما يحصر الشيء في الحكم. وينحصر الحكم في الشيء لأن إن للإثبات وما للنفي فيقتضي إثبات المذكور ونفي ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عداه. واعترض عليه بأن ما في إنما كافة عند النحاة وليست بنافية لأنها قسيمة، وقسيم الشيء لا يكون عينه ولا قسيمه، وبأن دخول إن على ما النافية لا يستقيم لأن كلا منهما له صدر الكلام فلا يجمع بينهما. والوجه الثالث: الحديث معلل وهو قوله: «فإنه إذا نام استرخت مفاصله» فإنه يدل على عدم الوجوب على من نام قائما أو راكعا أو ساجدا لعدم الاسترخاء، وعلى وجوبه على المضطجع ومن هو بمعناه لوجوده فيه، قال الأكمل: قيل معنى قوله: استرخت مفاصله يبلغ الاسترخاء غايته لأن الأصل الاسترخاء فيمن نام قائما فحينئذ ناقض أول الحديث آخره. قلت: نقل هذا الكلام عن قائله المجهول ولكنه ما بينه كما ينبغي وتحقيقه. أما تفسير قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإنه إذا نام استرخت مفاصله» لأنه يبلغ الاسترخاء غايته بهذا النوع من الإسناد ولو لم يفسر الذي في الحديث بالاسترخاء النائم يلزم التناقض بين أول الحديث وآخره، لأن أصل الاسترخاء يوجد من النوم حالة القعود والركوع والسجود فإذا فسرنا الاسترخاء بالنوم في الحديث، وبأن المراد ليس الاسترخاء الناقض ولا هو علة فيه يندفع التعارض فافهم. فروع: ذكر " المبسوط " في سجود المرأة والرجل إذا ألصق بطنه بفخذه اختلاف المشايخ، والجالس إذا نام وسقط على الأرض أو عضو منه فانتبه، ذكر في " البحر المحيط " ظاهر الجواب عند أبي حنيفة أنه إن انتبه قبل أن يزايل مقعد الأرض لا ينقض. وروى الحسن عنه أنه إن انتبه حتى يضع جنبه على الأرض لا ينتقض. وعند أبي يوسف: لا ينقض يعني مستقرا قاعدا عليها بعد السقوط. وذكر السرخسي خلافه فقال: إن نام قاعدا فسقط، فعند أبي حنيفة إن انتبه قبل أن يصل جنبه إلى الأرض لا ينقض، وعن أبي يوسف ينقض حين سقط. وعن محمد إن زايل مقعده الأرض ينقض وعنه إن استيقظ حال ما سقط لا ينقض، وعند السقوط لو وضع يده على الأرض لا ينقض، ويستوي فيه الكف وظهر الكف، وأما في أمالي " قاضيخان " نام جالسا وهو متمايل فزال مقعده عنها، قال: قال الحلواني: ظاهر المذهب أنه ليس بحدث والنوم متوركا كالنوم جالسا مضطجعا، ولو كان متكئا على ركبتيه لا ينقض، ولو كان مربق ورأسه على فخذيه ينقض وذكر الحلواني ولا ذكر للنعاس مضطجعا والظاهر أنه ليس بحدث لأنه نوم قليل. وقال أبو علي الرازي وأبو علي الدقاق: إن كان لا يفهم عامة ما قيل حوله كان حدثا، وإن كان يفهم حرفا أو حرفين فلا. وسجدة التلاوة كالصلاتية وكذا سجدة الشكر عند محمد خلافا لأبي حنيفة، وفي النوم في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] سجود السهو اختلاف المشايخ فيه. ولو نام في سجوده معتمدا انتقض وضوؤه عند أبي يوسف، وقال: وضوؤه باق لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا نام العبد في السجود يباهي الله تعالى به ملائكته فيقول: انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده في طاعتي» . فإن قلت: ما حال هذا الحديث؟ قلت: قال في " الأسرار ": وهو من المشاهير. وقال في " البدائع " وفي المشهور من الأخبار ورد ذلك. وقال السروجي وكتب أصحابنا مشحونة به، وما وقعت له على أصل. قلت: الكلام في صحته وكونه من المشاهير زيادة درجة ويرد قول السروجي ما رواه البيهقي في "الخلافيات " من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولكن في إسناده داود بن الزبير فإنه ضعيف، وروي من وجه آخر عن أبان عن أنس، وأبان متروك. ورواه ابن شاهين في " الناسخ والمنسوخ " من حديث المبارك بن فضالة. وذكره الدارقطني في " العلل " من حديث عبادة بن راشد كلاهما عن الحسن عن أبي هريرة بلفظ: «إذا نام وهو ساجد يقول الله: انظروا إلى عبدي» قال وقيل عن الحسن تلقاه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: والحسن لم يسمع من أبي هريرة، ومرسل الحسن أخرجه أحمد في الزهد، ولفظه: «إذا نام العبد وهو ساجد يباهي الله به الملائكة، يقول: انظروا إلى روحه عندي وهو ساجد» وروى ابن شاهين عن أبي سعيد بمعناه وإسناده ضعيف. فائدة: نوم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس بحدث، وروى محمد عن أبي حنيفة بإسناده إلى «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه نام على جنبه وصلى بغير وضوء، وقال: "تنام عيني ولا ينام قلبي» وهو من خصائصه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال النووي: من خصائصه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه لا ينتقض وضوؤه بالنوم مضطجعا للأحاديث الصحيحة ثم صلى ولم يتوضأ، وقال: «إن عيني تنام، ولا ينام قلبي» ومنها حديث «ابن عباس قال: نمت عند خالتي ميمونة الحديث وفيه: "فنام حتى أتاه بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فآذنه بالصلاة فقام وصلى ولم يتوضأ» رواه البخاري في الدعوات، ومسلم في التهجد. فإن قلت: هذا يعارضه الحديث الصحيح «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نام في الوادي عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس» ولو كان غير نائم القلب لما ترك صلاة الصبح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: الجواب من وجهين: أحدهما: يحسن بما يتعلق بالبدن من الحديث وغيره وسريه القلب وليس طلوع الفجر والشمس من ذلك ولا هو مما يدرك بالقلب، وإنما يدرك بالعين والعين نائمة. والثاني: أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان له نومان: أحدهما ينام قلبه، ولا ينام عيناه. والثاني: تنام عينه دون قلبه وكان الوادي من النوع الأول. فائدة أخرى: قال ابن القطان: أجمع الفقهاء أن النوم القليل لا ينقض الوضوء، إلا المزني فإنه خرق الإجماع وجعل قليله حدثا، وذكر في العارضي أن إسحاق بن راهويه حينئذ معه في هذا، قال: وأجمعوا على أن النوم المضطجع ينقض الوضوء. قلت: وعند أبي موسى الأشعري والطعام لا ينقض، وبه قال لاحق بن حميد، وعبيدة. وعن سعيد بن المسيب أنه كان ينام مضطجعا وقت الصلاة، ثم يصلي ولا يعيد الوضوء. ومذهب البعض أن كثيره ينقض بكل حال، وقليله لا ينقض بكل حال وبه قال الزهري وربيعة والأوزاعي ومالك وأحمد في رواية. ومذهب البعض أنه لا ينقض إلا نوم الراكع والساجد، وروي هذا عن أحمد، ومذهب البعض أنه لا ينقض النوم في الصلاة بكل حال، وينقض خارج الصلاة وهو قول ضعيف للشافعية - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وللشافعي في النوم خمسة أقوال: الصحيح منها أنه إن قام ممسكا مقعدته من الأرض أو نحوها لم ينقض سواء كان في الصلاة أو غيرها وسواء طال نومه أو لا. والثاني: أنه ينقض بكل حال وهذا نصه في البويطي، قال النووي: وتأول أصحابنا نصه في البويطي على أن المراد أنه نام غير متمكن. وقال إمام الحرمين قال الأئمة إنه غلط البويطي. وقال النووي: هذا الذي قاله ليس بجيد، والبويطي يرتفع عن الغلط والصواب تأويله. قلت: المجتهد يخطئ، والغلط أدنى منه. الثالث: إن نام في الصلاة لم ينقض على أي هيئة كان، فإن نام في غيرها غير ممكن مقعدته من الأرض ينتقض، وإلا فلا. والرابع: إن نام ممكنا أو غير ممكن وهو على هيئة الصلاة سواء كان في الصلاة أو غيرها لم ينتقض، وإلا ينتقض، والخامس: إن نام ممكنا أو قائما لا ينتقض وإلا ينتقض. وقال: الصواب هو القول الأول، وما سواه ليس بشيء، وتحرير مذهب مالك على أربعة أقسام طويل ثقيل يؤثر في النقض بلا خلاف في المذهب، وقصير خفيف لا يؤثر على المعروف منه، وخفيف طويل يستحب فيه الوضوء، وثقيل خفيف في تأثيره في النقض قولان، وقيل قولان جائزان في الثالث أيضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 والغلبة على العقل بالإغماء والجنون لأنه فوق النوم مضطجعا في الاسترخاء، والإغماء حدث في الأحوال كلها، وهو القياس في النوم إلا أنا عرفناه بالأثر، والإغماء فوقه فلا يقاس عليه.   [البناية] [الإغماء والجنون والقهقهة في الصلاة من نواقض الوضوء] م: (والغلبة على العقل بالإغماء) ش: الغلبة مرفوع عطفا على قوله: والنوم مضطجعا أي ومن نواقض الوضوء الغلبة على العقل بالإغماء. وقال في المغرب: هو ضعيف القوى لطلب الإغماء امتلاء بطون الدماغ من بلغم بارد غليظ. وعند الكمت: هو سهو يعتري الإنسان مع فتور الأعضاء. والإغماء من أغمي على المريض فهو مغمى عليه، وغمي عليه فهو مغمى عليه على معقوله، وأصله من غماء مثل قضاء مقصور، يقال: تركت فلانا غمي أو مغمى عليه، وكذلك الإنسان والجمع والموت وإن شئت قلت: همام غمان وهم إغماء م: (والجنون) ش: بالرفع عطف على قوله: والغلبة والجر خطأ لأن العقل في الإغماء مغلوب، وفي الجنون مسلوب. ولهذا جاز الإغماء على الأنبياء دون الجنون، والجنون زوال العقل وفساده. ومن النواقض العشر: السكر إذا لم يعرف الرجل من المرأة وهو اختيار الصدر الشهيد، وذكر في " الملتقطات " للخوارزمي وفي " الذخيرة " الصحيح ما نقله عن شمس الأئمة الحلوائي أنه إذا دخل في مشيه اختلال ولهذا يحنث به إذا حلف لا يسكر. وعن أحمد في رواية يجب الغسل بالإغماء والجنون، فظاهر مذهب الشافعي كمذهبنا، وقال الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وجماعة من الشافعية: إن كان الغالب من حال من يجد الإنزال وجب الغسل إذا أفاق وإن لم يتحقق الإنزال، كما يوجب النوم مضطجعا الوضوء. وقال الماوردي في الحاوي عن أصحابنا: إن كان الإغماء لا ينفك عن الإنزال وجب الغسل وإن كان قد ينفك فلا. وقال النووي: الصحيح أنه يستحب الغسل مطلقا. م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الإغماء والجنون م: (فوق النوم مضطجعا) ش: أي حال كون النائم مضطجعا والألف واللام في النوم بدل من المضاف إليه بالتنبيه دونما م: (والإغماء حدث في الأحوال كلها) ش: يعني حال القيام والقعود والركوع والسجود لوجود الاسترخاء م: (وهو القياس في النوم) ش: يعني أن القياس على الإغماء يقتضي أن يكون النوم حدثا في الأحوال كلها، لأن خروج النجاسة أمر مظنون فدار الحكم على السبب الظاهر بالأثر م: (إلا أنا عرفناه) ش: أي النوم. م: (بالأثر) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا وضوء على من نام قائما» الحديث. م: (والإغماء فوقه) ش: أي والحال الإغماء فوق النوم م: (فلا يقاس عليه) ش: أي على النوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 والقهقهة في صلاة ذات ركوع وسجود تنقض الوضوء، والقياس أنها لا تنقض وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه ليس بخارج نجس، ولهذا لم يكن حدثا في صلاة الجنازة، وسجدة التلاوة، وخارج الصلاة،   [البناية] في حكم يثبت بخلاف القياس ولا يلحق به دلالة إذ لا يلزم من أن لا يكون أدنى الغفلة ناقضا أن يكون أعلاه ناقضا، فإن قلت: لم لا يعلل المصنف للجنون، قلت: لأن كون الجنون ناقضا ليس لعلة الاسترخاء لأن المجنون أقوى من الصحيح. لكن باعتبار عدم مبالاته وتمييزه فيصير في الأحوال كلها حدثا، ومنهم من علله بعلة الاسترخاء وليس بوجه. م: (والقهقهة) ش: بالرفع وليس بالعطف على ما قبله، بل هو مبتدأ وخبره قوله ينقض، أي من النواقض قهقهة المصلي م: (في كل صلاة ذات ركوع وسجود) ش: احترز به عن صلاة الجنازة فإنها لا ينتقض الوضوء وتبطلها م: (تنقض الوضوء) ش: جملة في محل الرفع لأنها خبر المبتدأ كما ذكرنا م: (والقياس أن لا تنقض) ش: لأنها ليست بخارج نجس بل هي صوت كالبكاء والكلام. م: (وهو) ش: أي القياس فيها م: (قول الشافعي) ش: وبه قال مالك، وأحمد، وأبو ثور، وداود، وقول ابن مسعود، وجابر، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن خارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن بشار، ومكحول م: (لأنها) ش: أي لأن القهقهة م: (ليس بخارج نجس ولهذا) ش: أي ولكونها ليست بخارج نجس م: (لم تكن حدثا في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة وخارج الصلاة) ش: ولا هي حدث في حق الصبي، فلذلك قيد النفي في " الكافي " بقوله: وقهقهة المصلي البالغ، وقيد بعضهم بكونه يقظانا احتراز عن ققهقهة النائم في الصلاة. وذكر في " الذخيرة " أن قهقهة النائم لا تنقض لعدم الجناية منه. ويتعدى صلاته. وفي " فتاوى المرغيناني " لو نام في الصلاة قائما أو راكعا أو ساجدا، ثم قهقه لا رواية لها في الأصول. وقال علام تفسد صلاته ووضوءه. وفي " المحيط ": لو قهقه بعد ما قعد قدر التشهد الأخير أو في سجود التشهد أو بعدما توضأ لحدث سبقه في الصلاة قبل أن يبني ينقض خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي " فتاوى المرغيناني " الثاني في الحدث إذا جاء متوضئا وقهقه في الطريق بعد الصلاة ولا ينقض وضوؤه، اختلفوا في الصلاة المظنونة والأصح أنها تنقض قهقهة الإمام والقوم ثم بعد التشهد تنقض وضوءهم وإن تأخرت قهقهة القوم عنه فلا وضوء عليهم، ولو قهقه في الصلاة على الدابة خارج المصر نقضت اتفاقا، وفي المصر لا خلافا لأبي يوسف، وعلى هذا الخلاف، لو أتمها خارج المصر ثم دخلها راكبا ثم قهقه، ولو كان منهزما من عدو نقضت اتفاقا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إلا من ضحك منكم قهقهة، فليعد الوضوء والصلاة جميعا»   [البناية] م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إلا من ضحك منكم قهقهة، فليعد الوضوء والصلاة جميعا» ش: روي هذا الحديث عن ستة أنفس من الصحابة مرفوعا وهم أبو موسى الأشعري، وأبو المليح واسمه أسامة بن عمرو بن عامر بن قيس الهذلي الكوفي، وقال الزهري [ ...... ] روى عنه أبو المليح، ومعبد الجهني، ورجل من الأنصار. أما حديث أبي موسى فرواه الطبراني في "معجمه " حدثنا أحمد بن زهير السدي حدثنا محمد بن عبد الملك الدمشقي حدثنا محمد بن أبي نعيم الواسطي حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أبي العالية عن أبي موسى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «بينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بالناس إذ دخل رجل فتردى في حفرة كانت في المسجد، وكان في بصره ضرر فضحك كثير من القوم وهم في الصلاة فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة» وذكره البيهقي في " الخلافيات " نحوه ثم أعله بأن جماعة من الثقات رووه عن هشام عن حفصة عن أبي العالية عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قلت: لم يقدر البيهقي على رده إلا بكونه مرسلا، ولهذا يترك هذا، والمرسل حجة عندنا، ومرسل أبي العالية صحيح. فإن قيل: إن أبا عمرو محمد بن سيرين مولى أنس بن مالك وكان عالما بأبي العالية والحسن البصري قال: لا تأخذوا بمراسيلهما لا يسألان عمن أخذ عنه. الجواب: هذا لا يستقيم من وجوه ثلاثة: الأول: أن المرسل لا تقوم به حجة عندهم فلا فائدة في هذه الوصية، ولا فرق بين مرسلهما ومرسل غيرهما. الثاني: لا تصح هذه الحكاية عن ابن سيرين، وذلك أن ابن دحية الكلبي حكي عنه أنه رأى في المنام كان الجواز أن قدمت على الزنا فأخذ في وصيته، وقال: يموت الحسن بن أبي الحسن وأموت بعده، وهو أشرف مني فمات في شوال سنة عشرة ومائة بعد الحسن بمائة يوم. ذكرها في العلم المشهور مع ثنائه على الحسن وترفعه على نفسه وزكيه. الثالث: إن صح ذلك عنه لا يسمع منه مثل هذا الكلام في حق الحسن البصري، وأبي العالية من جلالتهما ومكانتهما من العلم والدين الذي لا يتفق لغيرهما مثله. ومخيرات يروي عمن يعرفه أنه غير مأمور به على دين الله ولا ثقة لا تعتمد روايته مرسلا ولا مسندا. وقول ابن عدي إنما قيل في أبي العالية ما قيل لهذا الحديث وإلا فسائر أحاديثه صالحه، يرد قول ابن سيرين فيه، وإذا صلحت سائر أحاديثه فلا مانع من صلاح حديثه هذا، وهذا الحديث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قد رواه غيره كما ذكرناه ومن أسند الحديث إلى إنسان فقد شهد عليه أنه رواه، فإذا أرسله فقد شهد على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: لا يجوز الشهادة على غير رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كيف يجوز الشهادة على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالباطل، مع علمه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده في النار» وإذا سمع ممن لا يكون قوله معتبرا في دين الله وملته. ذلك كان عاما للمسلمين عمدا في زمنهم وذلك قادح في دينه فضلا عن عدالته، والحسن وأبو العالية من أعلام الدين ولهما المكانة العالية في الدين، والفضل والعلم والتقدم، فلا يلتفت إلى قول ساحر أو صاحب هوى. والعجب من أحمد بن حنبل أن مذهبه تقديم المراسيل والضعيف من الحديث على هذا القياس، هكذا حكاه عنه ابن الجوزي في " التحقيق "، وقد أخذ بالقياس هنا وترك أحد عشر حديثا عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مسألة واحدة كلها حجة عنده، ولا يجوز المصير إلى القياس عنده مع وجود حديث واحد معها. وأما مالك فالمراسيل حجة عنده. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الدارقطني في "سننه " عن عبد العزيز بن الحصين عن عبد الكريم أبي أمية عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قهقه أعاد الوضوء والصلاة» . فإن قلت: قال الدارقطني: عبد العزيز ضعيف وعبد الكريم متروك وفيه انقطاع بين الحسن وأبي هريرة، وأنه لم يسمع منه قلت: لما عد في " التهذيب " وغيره من روي عنه ممن قال وعن أبي هريرة، ثم قال: وقيل لم يسمع منه، ولا يضرنا هذا الخلاف، لأن المثبت يقدم على النافي، ولئن سلمنا فالمرسل حجة عندنا. وأما حديث عبد الله بن عمر فرواه ابن عدي في " الكامل " من حديث بقية حدثنا أبي حدثنا عمرو بن قيس الكوفي عن عطاء عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ضحك في الصلاة قهقهة فليعد الوضوء والصلاة» . فإن قلت: قال ابن الجوزي في " العلل المتناهية " هذا حديث لا يصح، فإن بقية من عادته التدليس كأنه سمعه من بعض الفقهاء، فحذف اسمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: هذا باطل لأنه قد صرح في هذه الرواية بقوله: حدثنا عمرو بن قيس المدلس متى صرح بالتحديث، وكان صدوقا زالت عنه تهمة التدليس وبقية من هذا القيد. وقد أخرج له مسلم وشرط المدلس إذا كان صدوقا أن يأتي بعبارة لا يصرح بالشرع وإلا كان كاذبا. وقال ابن عدي: وبعضهم يقول فيه عمرو بن قيس وإنما هو عمر. وأما حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه الدارقطني عن داود المحبر عن أيوب بن حوط عن قتادة عن أنس قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بنا فجاء رجل ضرير البصر مثل الأول» . فإن قلت: قال الدارقطني داود بن محبر متروك، وأيوب ضعيف، والصواب من ذلك قول من رواه عن قتادة عن أبي العالية مرسلا، ثم أخرج عن عبد الرحمن بن عمرو بن جيلة حدثنا سالم بن أبي مطيع عن قتادة عن ابن أبي العالية أن أعمى تردى فذكره. قلت: له طريق أخرى رواه أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي في " تاريخ جرجان " عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قهقه في الصلاة قهقهة شديدة فعليه الوضوء والصلاة» . وأما حديث جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه الدارقطني أيضا عن محمد بن يزيد بن سنان حدثنا أبي حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ضحك منكم في صلاته فليتوضأ ثم يعيد الصلاة» . فإن قلت: قال الدارقطني: يزيد بن سنان ضعيف، ويكنى بأبي قرة الرهاوي، وابنه ضعيف أيضا، وقد وهم في هذا الحديث في موضعين: أحدهما: في رفعه إياه، والآخر في لفظه والصحيح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر من قوله: «من ضحك في الصلاة أعاد الصلاة ولم يعد الوضوء» . كذلك رواه عن الأعمش جماعة من الثقات منهم سفيان الثوري، وأبو معاوية الضرير، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ووكيع، وعبد الله بن داود الخريبي وعمرو بن علي المقدمي وغيرهم، وكذلك رواه شعبة وابن جريج عن يزيد بن خالد عن أبي سفيان عن جابر ثم أخرج عن جابر أنه قال: «من ضحك في الصلاة أعاد الصلاة ولم يعد الوضوء» ، وزاد في لفظه: " إنما كان منهم ذلك حتى عجلوا خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". قلت: الحديث المرفوع يدل على ما ذهبنا إليه، إذا كان المراد من الضحك القهقهة، وكذلك إذا كان الضحك على أصل معناه، فإن الحكم عندنا أنه ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء، وهذا الحديث حجة لنا سواء كان مرفوعا أو موقوفا، ولا يمكن لجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يقول برأيه في مثل هذا الموضع. وأمره محمول على السماع على أنا نقول: وإن كان هذا الحديث ضعيفا فقد اعتضد بغيره من الأحاديث المروية في هذا الباب. وأما حديث عمران بن الحصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه الدارقطني أيضا عن إسماعيل بن عياش عن عمرو بن قيس الملائي عن عمرو بن عبيد عن الحسن عن عمران بن الحصين قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من ضحك في الصلاة فليعد الصلاة والوضوء» . فإن قلت: قال الدارقطني عمرو بن قيس المكي المعروف بسندل ضعيف، ذاهب الحديث، وعمرو بن عبيد قيل فيه إنه كذاب. قلت: كان عمرو بن عبيد جالس الحسن وحفظ عنه، واشتهر بصحبته وكان له شهرة وإظهار زهد، فالكذب عنه بعيد. والبيهقي أخرجه عن عبد الرحمن بن سلامة عن عمرو بن قيس عن الحسن عن عمران بن الحصين مرفوعا، وأخرجه ابن عدي من طريق آخر عن بقية عن محمد الخزاعي عن الحسن عن عمران بن حصين، «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لرجل ضحك في الصلاة: "أعد وضوءك» . وقال: محمد الخزاعي مجهول من مشايخ بقية، ويروي محمد بن شداد عن الحسن وابن راشد مجهول، هذا مردود لأن محمد الخزاعي هو ابن راشد، وابن راشد هذا وثقه أحمد ويحيى بن معين، وقال عبد الرزاق: ما رأيت أحدا أورع في هذا الحديث منه. وأما حديث أبي المليح عن أبيه فأخرجه الدارقطني أيضا من حديث محمد بن إسحاق حدثنا الحسن بن زياد عن الحسن البصري عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه قال: «بينا نحن نصلي خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ اقبل رجل ضرير البصر باللفظ الأول» . وقال ابن إسحاق: حدثني الحسن بن عمارة عن خالد الحذاء عن أبي المليح عن أبيه مثل ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: قال الدارقطني: الحسن بن دينار والحسن بن عمارة ضعيفان. قلت: قيل لابن عيينة كان الحسن بن عمارة يحفظ، قال: كان له فقيل وغيره أحفظ منه، وقال عيسى بن يونس الرملي الناخوري: سمعت ابن سويد يقول: كنت عند سفيان الثوري فذكر الحسن بن عمارة فغمزه، فقلت: يا أبا عبد الله هو عندي خير منك، قال: وكيف ذاك، قلت: جلست معه غير مرة فيجري ذكرك فيما يذكرك إلا بخير، قال أبو أيوب: قال سفيان ما ذكر الحسن بن عمارة بعد ذاك إلا بخير حتى فارقته. وأما حديث معبد الجهني فرواه أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن منصور بن زاذان عن الحسن البصري عن معبد بن أبي معبد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من قهقه في صلاته أعاد الوضوء والصلاة» . فإن قلت: قال البيهقي: معبد لا صحبة له، وهو أول من تكلم بالبصرة في القدر. قلت: في " معرفة الصحابة " لابن منده معبد بن أبي معبد رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو صغير، ثم ذكر ابن منده مرور النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخيمتي وأنه بعث معبدا وكان صغيرا. الحديث، ثم قال: روى أبو حنيفة عن منصور بن زاذان إلى آخر ما ذكرنا، ثم قال: وهو حديث مشهور عنده، رواه أبو يوسف القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأسيد بن عمرو وغيرهما، فظهر من هذا أن معبدا المذكور في هذا الحديث ليس هو الذي تكلم فيه في القدر كما زعم البيهقي، ولم يذكر ذلك بسند ينظر فيه، ثم لو سلمنا أنه الجهني المتكلم في القدر فلا نسلم أنه لا صحبة له، قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب " الاستيعاب ": ذكره الواقدي في الصحابة وقال: أسلم قديما وهو أحد الأربعة الذين حملوا ألوية الجهنية يوم الفتح. قال: وقال أبو أحمد في " الكنى " وابن أبي حاتم: كلاهما له صحبة. وقال الذهبي في " تجريد الصحابة ": معبد بن خالد الجهني أبو رفاعة شهد الفتح له رواية. وقال ابن حزم: إنه روى مرسلا عن الحسن بن معبد بن صبيح أيضا. وقال ابن عدي: قال لنا ابن حماد وهو معبد وهو الذي ذكره البخاري في كتاب " تسمية الصحابة ". وقال الذهبي: معبد بن صبيح بصري روى عنه إسحاق حديثه في الوضوء من القهقهة ولا يثبت. وأما حديث رجل من الأنصار فرواه الطبراني بإسناده عن وهيب عن حامد بن عبد الله الواسطي عن هشام بن حسان عن حفصة عن أبي العالية عن رجل من الأنصار عن النبي عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] السلام. الحديث. قال الدارقطني: ولا يسميا الرجل ولا ذكرا له صحبة ولم يصنع خالد شيئا، وقد خالفه خمسة حفاظ. قلت: زيادة خالد هذا الرجل الأنصاري زيادة عدل لا يعارضها نقصان من نقصها، وله خمسة مراسيل أيضا: الأول: مرسل أبي العالية وهو أشهر ما روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أبي العالية، وهو عدل ثقة أن «أعمى تردى في بئر والنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي بأصحابه فضحك بعض من كان يصلي معه فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من كان ضحك منهم أن يعيد الوضوء، ويعيد الصلاة» . وأخرجه الدارقطني من جهة عبد الرزاق وعبد الرزاق من شيوخه من رجال الصحيحين. الثاني: مرسل النخعي ورواه أبو معاوية عن الأعمش عن النخعي قال: جاء رجل ضرير البصر والنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي. الحديث. وقال ابن رشد المالكي: وهذا مرسل صحيح. الثالث: مرسل الحسن البصري رواه الدارقطني بإسناده عن ابن شهاب عن الحسن الحديث، وهو أيضا مرسل صحيح. الرابع: مرسل الزهري، والخامس: مرسل قتادة، وقال ابن عدي في " الكامل ": روى هذا الحديث الحسن البصري، وقتادة، وإبراهيم النخعي، والزهري مرسلا. فإن قلت: روى البيهقي في "سننه " قال الإمام أحمد: لو كان عند الزهري أو الحسن فيه حديث صحيح لما اختار القول خلافه. وقد صح عن قتادة عن الحسن أنه كان لا يرى من الضحك في الصلاة وضوءا، وعن شعيب بن أبي حمزة أو غيره من الزهري أنه قال في الضحك في الصلاة يعاد الصلاة ولا يعاد الوضوء. قلت: مخالفة الراوي للحديث ليس فيه جرح. وقد روى الدارقطني بسند صحيح عن أبي هريرة أنه قال: «إذا ولغ الكلب في الإناء فأهرقه ثم اغسله ثلاثا» ولم يجعلوا ذلك حرجا في روايته مرفوعا الغسل سبعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: روى أحمد والترمذي وابن ماجه والبيهقي من حديث أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا وضوء إلا من صوت أو ريح» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، فهذا يدل على أنه لا وضوء في القهقهة. قلت: ظاهر هذا متروك بالإجماع لأن في البول والغائط يجب الوضوء وإن لم يوجد الصوت والريح، وكذا في الدم والقيح إن أخرجا من المخرج المعتاد، وخصوصا على مذهب الشافعي، فإن عنده يجب الوضوء في مس الذكر، ومس النساء، ولا صوت، ولا ريح، فلما لم يدل هذا الحديث على نفي الوضوء فيما ذكرنا من الصوت دل على أنه لا يدل على نفي الوضوء في القهقهة أيضا، على أنا نقول: إن هذا الحديث ورد في حق من شك في خروج الريح، والحكم فيه كذلك، أما في من تحقق الريح والصوت فلا. فإن قلت: قال الشافعي: لو كانت القهقهة حدثا في الصلاة لكان حدثا خارجها، لأن نواقض الطهارة سوى فيها الصلاة وخارجها، كما في سائر الأحداث. قلت: الفرق بينهما ظاهر، وهو أن المصلي في مناجاة الرب سبحانه، والمقصود بالصلاة إظهار الخشوع والخضوع والتعظيم لله تعالى، فالضحك قهقهة فيها جناية عظيمة فناسب ذلك انتقاض وضوئه زجرا له كتنجيس الخمر من الشرع إهانة لها، وزجرا للشاربين ليجتنبوها. وهذه المعاني لا توجد خارج الصلاة ولأن من بلغ هذه الغاية من الضحك وربما غاب حسه، فأشبه نوم المضطجع فجعل حدثا في الصلاة لزيادة الجنابة على العبادة. ولأن النص إذ ورد على خلاف القياس لا لقياس على غيره بل يقتصر على مورده فلأجل هذا لم يجعل حدثا خارج الصلاة، ولا في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة. فإن قلت: لم يكن في مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بئر ولا ركية ولا حفرة، فكيف وقع فيه الضرير. قلت: المراد بالبئر حفرة عند المسجد يجتمع فيه المطر، وليس في أكثر الحديث أنه كان يصلي في المسجد، فيجوز أن يقال: كان يصلي في غير المسجد، وفي الموضع الذي كان فيه ركية. والذي فيه ذكر المسجد رواية أبي موسى وهو عدل ثقة ثبت فهو أولى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 وبمثله يترك القياس، والأثر ورد في صلاة مطلقة فيقتصر عليها.   [البناية] فإن قلت: هذا لا يصح باعتبار أنه لا يتوهم على أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الضحك في الصلاة قهقهة خصوصا خلف النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قلت: كان يصلي خلفه الصحابة ومن غيرهم من المنافقين والأعراب الجهال، وهذا من باب حسن الظن بهم، وإلا فليس الضحك كبيرة، وهم ليسوا من الصغار بمعصومين، ولا من الكبائر على تقدير كونه كبيرة. فإن قلت: ذكر البيهقي عن الشافعي أنه لو ثبت حديث الضحك في الصلاة لقال به. وقال ابن الجوزي: قال أحمد: ليس في الضحك حديث صحيح. وقال الذهبي: لم يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الضحك في الصلاة خبر. وقال أحمد: وحديث الأعمى الذي وقع في البئر مدرج، ومدار حديثه [على] أبي العالية، وقد اضطرب عليه فيه. قلت: مذهب الشافعي أن المرسل إذا أرسل من وجه، وأسند من وجه آخر يقول به، وهذا الحديث أرسل من وجوه وأسند من طريق فيلزمه أن يقول به. وقال ابن حزم: كان يلزم المالكيين والشافعيين بشدة تواتره يخرج عن عدد مراسيله، قلت: ويلزم الحنابلة أيضا لأنهم يحتجون بالمراسيل، وعلى تقدير أنهم لا يحتجون به ما قيل إن أقل أحواله أن يكون ضعيفا والحديث الضعيف عندهم مقدم على القياس الذي اعتمدوا عليه في هذه المسألة، والعجب منهم أن يقولوا لعلمائنا أصحاب الرأي والقياس وينسبونهم إلى ترك كثير من الأحاديث بالقياس، وهم تركوا حديثا رواه جماعة من الصحابة ما بينا هذا عشرة فأرسله جماعة من التابعين الكبار وعملوا بالقياس. وأما قول أحمد والذهبي فنفي وما رواه أصحابنا إثبات وهو مقدم على النفي، على أنا نقول عدم علم الشخص بشيء لا يكون حجة على من علمه قبله. م: (وبمثله) ش: أي وبمثل هذا الحديث الذي علمه الصحابة والتابعون. ولأن رواية من كان معروفا بالفقه والتقدم في الاجتهاد كأبي موسى وأصحابه م: (يترك القياس) ش: أي القياس الذي ذهب إليه الشافعي وغيره م: (والأثر) ش: أي الحديث المذكور م: (ورد في صلاة مطلقة) ش: أي كاملة م: (فيقتصر عليها) ش: أي على الصلاة المذكورة فلا يتعدى إلى صلاة الجنازة وسجدة التلاوة، وصلاة الصبي، وصلاة الباني بعد الوضوء على أحد الروايتين، وصلاة النائم؛ فإن الوضوء لا يفسد في جميع ذلك، وقوله: والأثر إلى آخره في الحقيقة جواب عن قياس الشافعي على صلاة الجنازة وسجدة التلاوة كما حققنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 والقهقهة ما يكون مسموعا له ولجيرانه والضحك ما يكون مسموعا له دون جيرانه وهو على ما قيل يفسد الصلاة دون الوضوء   [البناية] م: (والقهقهة ما كان مسموعا له ولجيرانه) ش: وأشار بهذا إلى تعريف القهقهة التي تفسد الصلاة والوضوء جميعا م: (والضحك ما يكون مسموعا له) ش: أي للضاحك دل عليه قوله: لأنه لا يقوم إلا بالضحك م: (دون جيرانه) ش: أراد أن لا يسمعه من كان حوله م: (وهو) ش: أي الضحك م: (على ما قيل) ش: في حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الضحك م: (يفسد الصلاة دون الوضوء) ش: يعني لا ينتقض ثم إنه فرق بين القهقهة والذكر، ولم يذكر التبسم لأنه ليس بمفسد للصلاة ولا للوضوء فليس له ههنا مدخل. وروى الطبراني وأبو يعلى الموصلي والدارقطني من حديث جابر «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي بأصحابه العصر فتبسم في الصلاة، فلما انصرف، قيل: يا رسول الله تبسمت وأنت تصلي قال: "إنه مر بي ميكائيل وعلى جناحه غبار فضحك لي فتبسمت» . وهو راجع من طلب القوم. وفي " معجم الطبراني " ذكر جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مكان ميكائيل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ثم يسوي في القهقهة العمد والنسيان والسهو سواء بانت أسنانه أو لا. ويبطل التيمم أيضا دون الاغتسال وقيل يبطل الوضوء في الغسل أيضا حتى لا يجوز الصلاة بغير وضوئه، وبقولنا قال أبو موسى الأشعري والحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري ومحمد بن سيرين والأوزاعي وعبيد الله. فروع: لواحق من النواقض التي عند غير أصحابنا لم يذكرها صاحب " الهداية " منها: مس الذكر معابة لا ينقض الوضوء عندنا، وهو قول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعمار بن ياسر، وزيد بن ثابت، وحذيفة بن اليمان، وعمران بن الحصين، وأبي الدرداء، وسعد بن أبي وقاص عند أهل الكوفة وأبي هريرة في رواية عنه، هكذا حكاه أبو عمر بن عبد البر، ومن التابعين الحسن البصري، وسعيد بن المسيب وهو مذهب سفيان الثوري. وقال الطحاوي: لم يعلم أحد من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفتى بالوضوء منه غير ابن عمر، وقد خالفه في ذلك أكثر أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال الشافعي وأحمد وداود: يجب الوضوء منه. واختلف أصحاب مالك في ذلك: منهم من شرط اللذة وباطن الكف، ومنهم من أوجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ذلك في العمد دون النسيان، مروي عن مالك وداود، وقيل: الوضوء منه سنة غير واجب وهو الذي استقر عليه قول مالك عند أهل العرب، والرواية عنه مضطربة فيه لهم من ذلك حديث بسرة بنت صفوان بن نوفل خالة مروان أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من مس ذكره فليتوضأ» . رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد والترمذي وصححه، ولم يخرجه الشيخان، ورواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود من حديثها، ونقل عن البخاري أنه أصح شيء في هذا الباب، وصححه أيضا يحيى بن معين فيما حكاه ابن عبد البر. قال البيهقي: هذا الحديث لم يخرجه الشيخان لاختلاف وقع في سماع عروة عنها، أو من مروان فقد احتجا بجميع رواته واحتج البخاري بمروان بن الحكم في عدة أحاديث، فهو على شرط البخاري بكل حال. والجواب عن ذلك أن طريق حديث أبي داود والنسائي عن مالك عن عبيد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عروة بن الزبير قال: دخلت على مروان فذكرت ما يكون عند الوضوء فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من مس ذكره فليتوضأ» . وطريق الترمذي وابن ماجه عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بسرة وأن في الإسناد الأول أبي بكر بن عبيد الله، قال سفيان بن عيينة فيه: إنه من الجماعة الذين لم يكونوا يعرفون الحديث. وقد رأيناه يحدث عنهم سخرنا منه. رواه الطبراني بإسناده عن ابن عيينة، ثم أخرجه الأوزاعي حدثني الزهري حدثني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: فثبت انقطاع هذا الخبر وضعفه. وفي السند الثاني: فإن النسائي قال: لم يسمع هشام من أبيه هذا الحديث، وقال الطحاوي: إنما أخذه هشام من أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم حدثني عروة فرجع الحديث إلى أبي بكر. فإن قلت: يشكل عليه رواية الترمذي عن يحيى بن سعيد القطان عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي عن بسرة، وكذلك رواية أحمد في "مسنده " حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] حدثني أبي أن بسرة بنت صفوان أخبرته، قال البيهقي في "سننه ": رواه يحيى بن سعيد القطان عن هشام بن عروة عن أبيه، فصرح فيه بسماع هشام من أبيه. قلت: أخرجه الطحاوي أيضا من خمس طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة ثم قال إن هشام بن عروة لم يسمع هذا الحديث عن أبيه، عروة ثقة ثبت لم ينكر عليه شيء إلا بعدما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية عن غير أبيه فأنكر ذلك عليه أهل بلده، وكان يشهد أنه أرسل عن أبيه مما كان يسمعه من غير أبيه. وقال ابن خراش: كان مالك لا يرضاه وكان هشام صدوقا يدخل أخباره في الصحيح، بلغني أن مالكا نقم عليه حديثه لأهل العراق، والبيهقي حط على الطحاوي ينسب هشاما إلى التدليس، فقال: وأين يكون إذا يرويه عن أبي بكر وأبو بكر ثقة حجة عند كافة أهل العلم بالحديث، وإنما يضعف الحديث بأن يدخل الثقة بينه وبين من فوقه مجهولا أو ضعيفا فإذا أدخل ثقة معروفا قامت به الحجة. قلت: اعترف البيهقي بالتدليس في الحديث المذكور، ولكن تحامله على الطحاوي الذي دعاه إلى ما قاله، وكيف يقول هذا ولا يخلصه من التدليس أن يكون بين الراوي وبين المروي عنه واحد أو أكثر سواء كان الواسطة ثقة أو ضعيفا، فانظر إلى تمثيل ابن الصلاح في صورة التدليس ترى فيه صحة ما قلنا على أن البيهقي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا منصور العناني يقول: سمعت الفضل بن محمد الشعراني يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: حدثني يحيى بن سعيد عن شعبة قال: لم يسمع هشام بن عروة حديث أبيه في مس الذكر. قال يحيى: فسألت هشاما فقال أخبرني أبي بهذا. شعبة صرح بأن هشاما لم يسمع هذا الحديث من أبيه عروة، فكيف يكون قول يحيى سمع من أبيه معارضا لقول شعبة أنه لم يسمع أباه. فإن قلت: رواه عن عروة أيضا غير الزهري وغير هشام، وهو ما رواه الطحاوي حدثنا محمد بن حجاج وربيع المؤذن قال: أخبرنا أسد، قال: حدثنا ابن لهيعة قال: حدثنا أبو الأسود أنه سمع عروة يذكر عن بسرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: أجاب الطحاوي فقال: كيف يحتجون بابن لهيعة، وهو ليس دائما بمرضي لهذا يحتج به في مواضع، وإنه لا يجعلونه حجرا لخصمكم فيما احتج به عليكم. وفي هذا قلب الموضوع. فإن قلت: ابن لهيعة مرضي عند الطحاوي، ولهذا يحتج به في مواضع من كتابه فيكون الحديث صحيحا عنده من هذا الطريق. قلت: لا نسلم أنه يحتج به، ولكن يذكره في المتابعات. ولئن سلمنا أنه يحتج به وأنه ثقة عنده فالحديث ضعيف لاضطرابه ويكون المدار على عروة في طريق هذا الحديث، وأيضا إن عروة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] لم يرفع بحديث بسرة يعني لم يعتبره ولم يلتفت إليه، وذلك إما لكون بسرة عنده ممن لا يوجد مثل ذلك الحكم عنها، ولو ذلك لكونها انفردت بهذه الرواية مع عموم الحاجة إلى معرفته، وما بال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقل هذا بين يدي كبار الصحابة، ولم ينقله أحد منهم إنما قاله بين يدي بسرة وقد كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشد حياء من العذراء في خدرها وإما لكون مروان ليس في حال من يجب القبول عن مثله فإنه خبر شرطي مروان عن بسرة دون خبره عنها فإن كان خبر مروان عنده غير مقبول، فخبر شرطية أخرى أن لا يكون مقبولا. فإن قلت: مروان احتج البخاري به على ما ذكرنا. قلت: لا يلزم من ذلك أن يكون ثقة عند عروة وإنما روى عروة خبره لعلة فيه قد ظهرت لعروة ولا سيما حين خرج على عبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فإن قلت: قال ابن حزم مروان لا يعلم له خروج قبل خروجه على ابن الزبير، ولم يكن قط لقي عروة إلا قبل خروجه على أخيه لا بعد خروجه. قلت: لا دليل على هذه الدعوى، فإذا قام دليل ينظر فيه. والجواب عن تصحيح الترمذي هذا الحديث هو أنه يعارضه قول يحيى بن معين، قلت: ثلاثة أحاديث لا تصح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها هذا، ويحيى بن معين هو العمدة في هذا الشأن، وإليه المرجع في التصحيح والتضعيف. فإن قلت: قال بعض من عنده تعصبا فاسدا من أهل هذا الزمان سئل بعض المخالفين عن يحيى بن معين أنه قال: ثلاثة أحاديث لا تصح: حديث مس الذكر، ولا نكاح إلا بولي، وكل مسكر حرام. وقال: يعرف هذا عن سفيان ولا يعرف هذا عن ابن معين. قلت: لم يقم الدليل على ذلك حتى ينظر فيه على أن الإثبات مقدم على النفي، وبذلك يجاب عن قول ابن الجوزي أيضا أن هذا لا يثبت عن ابن معين، والجواب عن قول البخاري أنه أصح شيء في هذا الباب، أن مراده هو على كلامه أصح من غيره من أحاديث الباب، وقد اعتد ابن العربي بهذه العبارة فحكى عن البخاري تصحيحه، وليس كذلك، فإن البخاري لو رضي به لأخرجه في صحيحه ولم يخرجه هو، ولا مسلم، ولئن تنزلنا وسلمنا بثبوته فتأويله من بال فيحمل مس الذكر كناية عن البول، لان من يبول يمس ذكره عادة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] (النساء: الآية 43) ولكنى به عن الحدث، أو يكون المراد من قوله: "فليتوضأ" غسل اليدين كما في قوله: «الوضوء قبل الأكل ينفي الفقر» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: قال ابن حبان وليس المراد غسل اليدين وإن كانت العرب تسمي غسل اليدين وضوءا على أن في حديث بسرة فليتوضأ وضوءه للصلاة. قلت: استضعفه الطحاوي وجعله منقطعا كما ذكرنا، وعلى كل تقدير حديث بسرة معلول، وقال في " الإمام " هو عند البخاري معلول، وقال إبراهيم الحربي: حديث بسرة يرويه شرطي عن شرطي. وكان ربيعة يقول ويحكم بمثل هذا ما أخذ أحد ويعمل به لو شهدت بسرة على هذا البقل ما قبلت شهادتها. إنما قوام الدين الصلاة والصلاة بالطهور فلم يكن في أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من يقيم هذا الدين إلا بسرة، قال: حديث بسرة ضعفه جماعة. وقال ربيعة: لو وضعت يدي في دم أو حيض لم ينقض وضوئي فمس الذكر أيسر منه. وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لحديث امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت، أحفظت أم نسيت. ويروى أن الأسود بن زيد أخذ كفا من حصى وحصب به الشعبي وقال: ويلك تحدث بمثل هذا. فإن قلت: في هذا الباب عن أم حبيبة وأبي موسى، وأبي هريرة، روى ابنه أنيس وعائشة، وزيد بن خالد، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر، وطلق بن علي، وابن عباس، وسعد بن أبي وقاص، وأم سلمة، والنعمان بن بشير، ومعاوية بن حيدة، وأبي بن كعب، وقبيصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فحديث أم حبيبة عند ابن ماجه قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من مس فرجه فليتوضأ» ، وأخرجه الطبراني أيضا، وصححه أبو زرعة والحاكم. قلت: أعله البخاري لأن فيه مكحولا عن عتبة قال: لم يسمع عتبة بن أبي سفيان، وكذا قال يحيى بن معين، وأبو حاتم، والنسائي أخرجه الطحاوي وقال: منقطع. وحديث أبي موسى عند ابن ماجه أيضا قال: سمعت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: «من مس فرجه فليتوضأ» . وفيه إسحاق بن أبي فروة متروك باتفاقهم واتهمه بعضهم بالوضع. وحديث أبي هريرة عند ابن حبان قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أفضى أحدكم بيده إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فرجه وليس بينهما ستر، ولا حائل فليتوضأ» . ورواه الحاكم في "مستدركه " وصححه، ورواه أحمد في "مسنده "، والدارقطني في "سننه "، والبيهقي أيضا، ولفظه فيه: «من أفضى بيده إلى فرجه وليس دونها حجاب فقد وجب عليه وضوء الصلاة» . وفيه يزيد بن عبد الملك، وقد أغلظ العلماء القول فيه، فقال أبو زرعة: واهي الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ضعيف سند الحديث، واختلط بآخره، فإذا عرفت تساهل ابن حبان والحاكم في الصحيح. وحديث أروى عند ابن المنذر وأبي نعيم الأصبهاني عن هشام بن عروة عن أبيه عن أروى بنت أنيس عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «من مس فرجه فليتوضأ» . وذكرها ابن الأثير في الصحابيات ثم ذكر هذا الحديث، ثم قال: وقيل أبو أروى الذؤابي حجازي، وهذا كما ترى فيه خلاف، وسئل الترمذي والبخاري عنه فقال: ما يصنع بهذا ألا تشتغل بغيره وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عند الدارقطني في "سننه " عن عائشة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضؤون قالت عائشة بأبي وأمي هذا للرجال أفرأيت النساء قال إذا مست إحداكن فرجها فلتتوضأ للصلاة» وفيه عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن جعفر العمري، قال أحمد: كان كاذبا، وقال أبو حاتم وأبو زرعة: متروك، زاد أبو حاتم: وكان يكذب. وقد روى أبو يعلى في "مسنده " ما ينافيه من حديث «سيف بن عبد الله الحميري قال دخلت أنا ورجل معي على عائشة فسألناها عن الرجل يمس فرجه أو المرأة تمس فرجها فقالت سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول ما أبالي إياه مسست أو أنفي» . وحديث زيد بن خالد الجهني عند أحمد في "مسنده " عن ابن إسحاق حدثني محمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] مسلم الزهري عن عروة بن الزبير عن زيد بن خالد الجهني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من مس فرجه فليتوضأ» . ورواه البزار والطبراني، وقال ابن المديني: أخطأ فيه ابن إسحاق، وأخرجه الطحاوي أيضا، وقال: إنكم لا تجعلون محمد بن إسحاق حجة في شيء إذا خالفه فيه من خالفه في هذا الحديث ولا رضي إذا انفرد، ونفس هذا الحديث منكر، وأخلت به أن يكون غلطا، لأن عروة حين سأله مروان عن مس الفرج أجابه من رواية أن لا وضوء فيه، فلما قال له مروان عن بسرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما قال قال له عروة: ما سمعت به وهذا بعد موت زيد بن خالد بكم ما شاء الله فكيف يجوز أن ينكر عروة على بسرة ما قد حدثه إياه زيد بن خالد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال البيهقي في كتاب "المعرفة ": وروى الطحاوي حديث زيد بن خالد الجهني من جهة محمد بن إسحاق بن يسار، ثم أخذ في الطعن على ابن إسحاق، وأنه ليس بحجة ثم ذهب إلى أنه غلط. قلت: فيها الطعن من البيهقي كيف يفهم كلام المحققين، وكيف طعن الطحاوي على ابن إسحاق، والذي ذكره الطحاوي ليس طعنا منه فيه، وإنما قال للخصم: أنتم لا تجعلون محمد بن إسحاق حجة، وهذا القول لا يستلزم الطعن منه فيه، وإنما اشتهر بذلك عسكر الخصم، حيث يجعل محمد بن إسحاق حجة عند كون الحديث له، ويتركه ويطعن فيه عند كون الحديث حجة عليه، ولئن سلمنا أنه طعن فيه فما هو بأول طاعن فإن مالكا قال فيه: من الدجاجلة. وقال الخطيب قد أمسك عن الاحتجاج بروايات ابن إسحاق غير واحد من العلماء، بأسباب منها: أنه كان يتشيع، وينسب إلى القدر، ويدلس في حديثه، فأما الصدق فليس بمرفوع عنه. وقال الذهبي فيما انفرد به نكارة وهو سيئ في حفظه. وحديث جابر عند ابن ماجه عن جابر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ» . وأخرجه الطحاوي وأعله بالإرسال، وقد قال الشافعي: سمعت جماعة من الحفاظ غير أبي نافع يرويه، ولا يذكرون فيه جابرا وهم لا يحتجون بالمرسل. وحديث عبد الله بن عمرو عند أحمد والبيهقي عن عتبة بن الوليد عن محمد بن الوليد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الزبيدي حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما رجل مس فرجه فليتوضأ وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ» . وأخرجه الطحاوي وقال لهم: أنتم تزعمون أن عمرو بن شعيب لم يسمع من أبيه شيئا عنه، وإنما حديثه عن صحيفة فهذا غير قولكم منقطع، والمنقطع لا يجب أن ترونه حجة عندكم. فإن قلت: إذا كان الطحاوي يحتج بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فما باله لم يقل لم يعمل بحديثه هذا. قلت: لأنه عارضه حديث طلق بن علي فلم يكن العمل به لتأخر حديث طلق عنه، فثبت بذلك انتساخ أحاديث الانتقاض بمس الفرج. فإن قلت: حديث أبي هريرة الذي ذكرناه في هذا الباب ناسخ لحديث طلق لأن طلقا قدم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ابتداء الهجرة والمسجد على العريش وأبو هريرة أسلم سنة سبع من الهجرة فكان حديثه متأخرا والأخذ بأحد الأمرين واجب لأنه ناسخ. والطبراني أيضا مال إلى أن حديث طلق منسوخ. قلت: روى أبو داود «عن ابن طلق عن أبيه قال: قدمنا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا نبي الله: ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما توضأ، قال: "هل هو إلا بضعة منك أو بضعة منه» ففي قوله ما ترى إلى آخره، دلالة على أنه كان بلغه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شرع فيه الوضوء فأراد أن يتيقن ذلك، وإلا فالمستقر عندهم أن الأحاديث إنما كان من الخارج النجس وإلا فالعقل لا يهتدي إلى أن مس الذكر يناسبه نقض الوضوء، فعلى هذا يكون حديث طلق هو آخر الأمرين. وكان أبو هريرة تأخر سمعه من بعض الصحابة ثم أرسله. وجواب آخر: دعوى النسخ إنما يصح بعد ثبوت صحة الحديث ونحن لا نسلم صحة حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وحديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عند الدارقطني في "سننه " عن رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من مس ذكره فليتوضأ وضوء الصلاة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ورواه الطبراني في "الكبير " والبزار في "مسنده " ولفظهما: «من مس فرجه فليتوضأ» . وأخرجه الطحاوي أيضا وأعله بصدقة بن عبد الله في سنده، وفي سند الطبراني العلائي بن سليمان، وفي سند البزار هاشم بن زيد وكلاهما ضعيفان جدا، وحديث طلق بن علي عند الطبراني، وفي الكبير أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من مس ذكره فليتوضأ» . قلت: يعارضه حديثه الآخر رواه أبو داود والترمذي والنسائي عن ملازم بن عمرو عن عبد الله بن زيد عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه سئل عن الرجل يمس ذكره في الصلاة، فقال: "هل هو إلا بضعة منك» . وقال الترمذي: هذا الحديث أحسن شيء في هذا الباب. ورواه ابن حبان في "صحيحه ". وحديث ابن عباس عند البيهقي من جهة ابن عدي في " الكامل " وفي إسناده الضحاك بن حمزة وهو منكر الحديث، وحديث سعد بن أبي وقاص عند الحاكم وحديث أم سلمة عند الحاكم. وحديث النعمان بن بشير عند ابن منده، وأما حديث معاوية بن حيدة وحديث أبي بن كعب، وحديث قبيصة هذه الأحاديث كلها لا تخلو عن علة، والحديث الذي عليه العمدة حديث طلق، وقد ذكرنا الآن عن الترمذي ما قاله. وذكر عبد الحق في "أحكامه " حديث طلق وسكت عنه فهو صحيح عنده على إعادته، وروي عن عمرو بن علي الفلاس أنه قال: حديث طلق عندنا أثبت من حديث بسرة، وتضعيف الخصم حديث طلق من جهة الطريق الذي فيه أيوب بن عتبة ومحمد بن جابر وهما ضعيفان ولا يضر ذلك، لأن حديث طلق له أربعة طرق: أحدها: عند أصحاب السنن عن ملازم بن عمرو. كما ذكرنا وهو صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] والثاني: عن محمد بن جابر وهو ضعيف أخرجه ابن ماجه من هذا الطريق. والثالث: عن عبد الحميد بن جعفر وهو ضعيف أخرجه ابن عدي. والرابع: عن أيوب بن عتبة وهو ضعيف. وأخرجه الطحاوي بالطريق الأول: قال هذا حديث مستقيم الإسناد غير مضطرب في إسناده، ولا شبه ثم أسند عن علي بن المديني أنه قال: حديث ملازم بن عمرو أحسن من حديث بسرة. ولنا حديث آخر ولكنه ضعيف رواه أبو أمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رجلا سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إني مسست ذكري وأنا أصلي فقال: "إنما هو حدبة منك» قال ابن الأثير، قيل: هي بالكسر ما قطع من اللحم طولا. ومن نواقض الوضوء عند الشافعي: مس المرأة على ما نذكره مفصلا وهو يحتج بدلائل وحجج، ونحن نحتج كذلك فإذا قطعنا النظر عن الكل يكفينا حديث عائشة المشهور رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سلمة «عن عائشة قالت: كنت أنام بين يدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورجلاي في قبلته، وإذا سجد غمزني قبضت رجلي، فإذا قام بسطتها» والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح. وفي لفظ: «فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي فضممتها إلي ثم سجد» . طريق آخر أخرجه مسلم عن أبي هريرة «عن عائشة قالت: "تقدمت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات ليلة فجعلت أطلبه بيدي فوقعت يدي على قدميه وهما منصوبتان وهو ساجد» . للحديث طريق آخر رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ قال عروة، فقلت لها من هي إلا أنت فضحكت» . طريق آخر أخرجه أبو داود والنسائي عن الثوري عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقبل بعض نسائه ثم يصلي ولا يتوضأ» . ولحديث عائشة طريق آخر وما ذهب إليه الشافعي يروى عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن عمر وزيد بن أسلم ومكحول، والنخعي، وعطاء بن السائب، والزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وربيعة، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 والدابة تخرج من الدبر ناقض، فإن خرجت من رأس الجرح، أو سقط اللحم منه لا ينقض. والمراد بالدابة الدودة   [البناية] عباس، وأبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في الذي صححه أبو بكر بن الحربي، وابن الجوزي، ومذهب عبيدة السلماني بفتح العين المهملة، وعبيدة الضبي بالضم وعطاء وطاووس والحسن البصري، والشعبي، والثوري، والأوزاعي، أن اللمس والملامسة كناية عن الجماع، ولا يجب الوضوء على مس المرأة أو تقبيلها إذا تيقن بعدم خروج المذي، وبه قال أصحابنا. وذهب مالك إلى أنه إن لمس بشهوة ينتقض وإلا فلا، وهو مروي عن الحكم وحماد والليث وإسحاق، وعن أحمد ثلاث روايات بالمذاهب الثلاثة. وذهب داود إلى أنه إن لمس عمدا انتقض، وإلا فلا، وعن الأوزاعي إذا لمس بأعضاء الوضوء انتقض، وإلا فلا، وروي عنه أنه لا ينتقض إلا باللمس باليد. وذهب عطاء إلى أنه إن لمس من يحل له انتقض وحجة الجمهور قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] (النساء: الآية 43) فالملامسة واللمس الجماع. وقال ابن رشد المالكي: وإن كانت دلالته على المعنيين على السواء أو قريبا من اللمس المسمى الأظهر عندي في الجماع؛ لأن الله تعالى قد كنى بالمباشرة والمس بالجماع، ولا فرق بين اللمس والمس في اللغة، ولأن الملامسة ظاهرة في الجماع، والمس سبب الجماع؛ لأنه محرك للشهوة، وذكر السبب وإرادة المسبب من أقوى طرق المجاز. وقال القرطبي: يلزم على مذهب الشافعي أن من ضرب امرأته أو لطمها أن ينقض وضوءه، وهذا لا يقوله أحد فيما أعلم، وحديث عائشة في التقبيل قد مر بطرقه. ومن النواقض أكل لحم الجزور عند أحمد وإسحاق وأبي ثور ومحمد بن إسحاق ويحيى بن يحيى. وعند الجمهور لا ينقض. ومنها غسل الميت عند أحمد. م: (والدابة) ش: مبتدأ وهي الدودة التي نبتت في البطن قوله م: (تخرج من الدبر) ش: جملة في محل النصب لأنها حال من الدابة وقوله: م: (ناقض) ش: خبر المبتدأ، فإن قلت: المطابقة شرط بين المبتدأ والخبر في التذكير والتأنيث. قلت: التقدير ههنا خروج الدابة التي تخرج من الدبر ناقض لأن النقض بالخروج لا بنفس الدابة فافهم. م: (فإن خرجت) ش: أي الدابة، والفاء في فإن خرجت تفسيرية م: (من رأس الجرح أو سقط اللحم منه لا ينقض) ش: لأن عين الخارج ليست بنجسة، وما عليها قليل وهو الناقض في السبيلين معفو عنه في غيرهما، فأشبه الخارج من الجرح الجشاء في عدم النقض، والخارج من الدبر الفساء في نقض الوضوء به. م: (والمراد بالدابة الدودة) ش: إنما فسر الدابة بالدودة لأن الدابة ما تدب على الأرض، ربما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 وهذا لأن النجس ما عليها   [البناية] يتوهم أن المراد بها ما يدخل الجرح كالذباب فيخرج منه فإنه لا ينقض، ففسره بيانا لذلك. وقال الأترازي: إنما فسر الدابة بعد أن ذكرها مجملة ولم يقل ابتداء دودة تخرج لأنه بغير لفظ محله، ثم فسرها دفعا لتشنيع البعض بأن الدابة وهي الفرس أو الحمار كيف يخرج من الدبر، أو رأس الجرح. وهذا لأن الدابة في أصل اللغة اسم لكل ماش في الأرض. ثم قال الأترازي: قال بعض الشارحين: وجدت بخط ثقة إنما فسر الدابة بالدودة لأن الدابة اسم لما يدب على وجه الأرض، فلو لم يفسرها بها لكان لقائل أن يقول المراد بالدابة هي التي تدخل من الذباب في الجرح ثم تخرج، فأما التي تنشأ فيه كان منشأها من الدم وخروجا كخروج الدم، فينتقض بها الوضوء في غير السبيلين، كما إذا خرج من السبيلين وهو أوجه، لكني وجدت بخط ثقة إلى آخر ما ذكرنا. قلت: نظر الأترازي إلى أول الكلام من غير أن يستوفي ما قاله السغناقي، ثم شنع عليه بهذا التشنيع، وليس له وجه، لأنه قال: ويريد صحة هذا التفسير ما ذكره شمس الأئمة السرخسي في تعليل هذه المسألة بعلتين في " الجامع الصغير " بعدما ذكر خروجها من الجرح، فقال: بخلاف الدابة التي تخرج من الدبر لا يخلو من قليل بلة فبالنظر إلى العلة الأولى يجب أن لا ينقض الوضوء بالدابة التي تدخل الدبر ثم يخرج لأنها لم تستحل من العذرة، وكذا بالنظر إلى العلة الثانية أيضا لأنه قيد بالبلة وتحتمل أن تخرج بغير بلة، والدليل عليه ما ذكره في " المحيط " أنه إذا دخل العود في دبره وطرفه بيده ثم أخرجه فيه البلة نقض، وإن لم تكن البلة فلا وضوء عليه. فإذا كان الأمر كذلك كيف يوجه الأترازي أن يشنع تشنيعا غير موجه سعة الغير المعرفة بقوله لأن الذباب الداخل إلى آخره فيطلق كلامه ويسكت عن تفسيره، حتى يتوصل به إلى التشنيع البارد، وهذا أشار به إلى الفرق بين المسألتين وهو قوله. م: (وهذا لأن النجس ما عليها) ش: أو ما على الدودة، لا يقال إن المصنف ناقض في كلامه، لأنه قال فيما مضى ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا. وههنا قال لأن النجس ما عليها، لأنا نقول هذا على قول محمد والذي هناك على قول أبي يوسف، وجوابه وقال الأكمل ويجوز أن يقال أطلق النجس على ما يخرج من الجوف بطريق المشاكلة لما كان بالنسبة إلى الدبر نجسا، ذكر في الخروج لفظ النجس. وقال الأترازي: ويريد به حقيقته اللغوية لا الشرعية، فيكون معناه حينئذ ذلك النجس اللغوي قليله حدث في السبيلين دون غيرهما. قلت: هذا كلام عجيب فمن تأمله يقف على فساده، وذكر السغناقي هنا ثلاثة أوجه، منها على تقدير الشرطية وهي لو كان ثمة نجس فهو ما عليها، ورد عليه الأكمل فقال: وهو غير صحيح لأن على تقدير الشرطية إن كان على هذا الوجه لكن ثمة نجس فيكون ما عليها لم يستقم في الجرح، لأن ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 وذلك قليل وهو حدث في السبيلين دون غيرهما؛ فأشبه الجشاء والفساء بخلاف الريح الخارجة من القبل والذكر، لأنها لا تنبعث عن محل النجاسة حتى لو كانت المرأة مفضاة فيستحب لها الوضوء احتياطا لاحتمال خروجها من الدبر   [البناية] وهو ليس بحدث في الجرح فلا يكون نجسا. وإن كان على هذا الوجه لكن لم يكن نجس ما عليها فلا يكون نجسا لم يستقم في الدبر لأنه نجس وحدث. م: (وذلك) ش: أي الذي عليها م: (قليل وهو حدث في السبيلين دون غيرهما) ش: أي دون غير السبيلين فإن القليل ليس بحدث في غيرهما م: (فأشبه الجشاء والفساء) ش: هذا لف ونشر فإن قوله الجشاء يرجع إلى القليل على الدود من غير السبيلين، والفساء يرجع إلى السبيلين. والجشاء على وزن فعال. وقال الأصمعي: كأنه من باب العطاس والبوال والدوار. قلت: هو مهموز اللام يقال: تجشى تجشية وتجشا، والاسم الجشية مثل الهمزة. والفساء بالمد أيضا على وزن فعال اسم من فسا يفسو فسوا وهو معتل اللام الواوي. والجشاء صوت مع الريح يخرج من الفم عند الشبع. والفساء ريح منتنة تخرج من الدبر بلا صوت وربما يكون الجشاء منتنا أيضا لكثرة الامتلاء وفساد المعدة م: (بخلاف الريح الخارجة من القبل) ش: أي من قبل المرأة والذكر م: (لأنها لا تنبعث من محل النجاسة حتى لو كانت المرأة مفضاة) ش: أي التي صارت سبيلاها واحدا، وفي " الكافي " المفضاة هي التي اتحد مسلكا بولها وغائطها وخرجت من قبلها ريح منتنة. وفي " البدائع " وهي التي صار مسلك البول والوطء واحدا م: (فيستحب لها الوضوء احتياطا لاحتمال خروجها من الدبر) ش: فيكون فساء، ولا يجب لأنها كانت على وضوء بيقين ولا يزول إلا بيقين مثله. فإن قيل: ينبغي أن يجب الوضوء في الريح مطلقا كما قال الشافعي لعموم قوله «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين سئل عن الحدث قال: ما يخرج من السبيلين» والعبرة في النصوص بعين النص لا بمعناه. قلنا: عن محمد أنه يجب الوضوء. ومن المشايخ من قال في المفضاة إذا كان الريح منتنا يجب الوضوء وما لا فلا. والدودة الخارجة من قبل المرأة بمنزلة الريح على الخلاف المذكور. والخارجة من ذكر المرء لا وضوء فيها والخارجة من الفم قيل: لا ينقض وكذا الخارجة من الأنف والأذن لا ينقض الوضوء. قلت: ينبغي أن يكون عدم النقض عند عدم البلة فافهم. ثم اعلم أنهم اختلفوا في أن عين الريح نجس أو متنجس، فمن قال: متنجس وقال بنجاسة عينها، قال: يتنجس السراويل. ومن قال بطهارة عينها لم يقل به كما لو مرت الريح بنجاسة ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 فإن قشرت نفطة فسال منها ماء أو صديد أو غيره إن سال عن رأس الجرح نقض الوضوء، وإن لم يسل لا ينقض، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينقض في الوجهين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا ينقض في الوجهين وهي مسألة الخارج من غير السبيلين. وهذه الجملة نجسة لأن الدم ينضج فيصير قيحا، ثم يزداد نضجا فيصير صديدا، ثم يصير ماء هذا إذا قشرها فخرج بنفسه، وأما إذا هذا إذا قشرها فخرج بنفسه، وأما إذا   [البناية] مرت بثوب مبتل فإنه لا ينجس بها. وفي قول المصنف لاحتمال خروجها من الدبر. فائدة أخرى: وهي أن المفضاة إذا طلقها زوجها ثلاثا وتزوجت بآخر ودخل بها الزوج الثاني لا تحل للأول ما لم تحمل لاحتمال أن الوطء كان في دبرها لا في قبلها كذا في " الفوائد الظهيرية ". م: (فإن قشرت نفطة) ش: إنما ذكرها بالفاء لأنها من فروع المسائل السابقة، والنفطة بالحركات الثلاث في نونها يخرج البدن ملآن من قولهم انتفط فلان أي امتلأ غضبا، ثم النفطة إذا قشرت م: (فسال منها ماء أو صديد أو غيره) ش: نحو القيح م: (إن سال عن رأس الجرح نقض الوضوء وإن لم يسل لا ينقض) ش: أراد إن لم يتجاوز عن رأس الجرح لا ينقض الوضوء. وعن أبي حنيفة: إذا خرج ماء صاف لا ينقض، وإن سال. م: (وقال زفر ينقض في الوجهين) ش: يعني سال عن رأس الجرح أو لم يسل. م: (وقال الشافعي لا ينقض في الوجهين) ش: بناء على أصله م: (وهي) ش: أي هذه المسألة هي م: (مسألة الخارج من غير السبيلين) ش: بالخلاف المذكور فيها فيما تقدم، وإنما أعادها ههنا وإن كانت تعلم مما تقدم ليعلم الفرق بين الخارج والمخرج، أو لأن الماء لم يذكر من قبل فأعادها ليعلم ههنا أن حكم الماء حكم غيره. م: (وهذه الجملة) ش: أي الماء والصديد وغيرهما م: (نجسة لأن الدم ينضج فيصير قيحا، ثم يزداد نضجا فيصير صديدا، ثم يصير ماء) ش: أشار بهذا إلى أن اللون الأصلي هو الحمرة فيصير دما، ثم بالنضج يصير قيحا، ثم يترقى فيصير صديدا، ثم يزداد النضج فتزول صفته فيصير ماء. وقال ابن الأثير: القيح المدة، يقال قاحت القرحة. وقال الجوهري: القيح المدة لا يخالطها دم. وقال ابن الأثير: الصديد الدم وليس كذلك، بل الصديد ماء الجرح الرقيق المختلط بالدم قبل أن تغلظ المدة، يقال: أصد الجرح أي صار فيه المدة قاله الجوهري. م: (وهذا) ش: أي الذي ذكرنا من النقض م: (إذا قشرها) ش: أي إذا قشر المتوضئ النفطة م: (فخرج بنفسه) ش: أي فخرج الماء أو الصديد أو القيح بنفسه من غير علاج من القاشر م: (وأما إذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 عصرها فخرج بعصره فلا ينقض، لأنه مخرج وليس بخارج والله أعلم   [البناية] عصرها) ش: أي أما إذا عصر المتوضئ النفطة م: (فخرج) ش: أي أحد الأشياء المذكورة م: (بعصره) ش: أي بسبب عصره لا بنفسه م: (فلا ينقض لأنه مخرج) ش: بضم الميم م: (وليس بخارج) ش: والنقض بسبب الخارج كما عرفت. وهذا الذي ذكره اختيار بعض المشايخ واختاره المصنف أيضا. وقال آخرون: ينقض. وقال الأكمل: قال بعض الشارحين: وهذا هو المختار عندي لأن الخروج لازم الإخراج، فلا بد من وجود اللازم عند وجود الملزوم، وفيه نظر، لأن الإخراج ليس بمنصوص عليه، وإن كان يستلزمه، فكان ثبوته غير قصدي ولا معتبر به. قلت: أراد بقوله: قال بعض الشارحين الأترازي فإنه قال في شرحه: وقال في " الفتوى " و" الخلاصة " ينقض، وبعض مشايخنا على هذا، وهذا هو المختار عندي لأن الاحتياط فيه وإن كان الرفق بالناس في الأول، وتحقيقه من عندي أن الخروج لازم الإخراج إلى آخر ما ذكره، وجه النظر ما ذكره وفيه نظر، لأن ثبوت اللازم يستلزم ثبوت الملزوم غير قصدي، والاحتياط في كونه معتبرا لأنه من باب العبادة. وفي " النوازل " و " فتاوى العتابي " عصرت القرحة فخرج منها شيء ولو لم يعصر لا يخرج لا ينقض. ولكن قال: وفيه نظر. وفي " الجامع" للإمام السرخسي: إذا عصرها فخرج الدم بعصرها انتقض، وهو حدث عمدا كالفصد والحجامة ولا يبني على صلاته، وفي " الكافي " الأصح أن المخرج ناقض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 فصل في الغسل وفرض الغسل المضمضة والاستنشاق وغسل سائر البدن وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هما سنتان فيه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: عشر من الفطرة   [البناية] [فصل في الغسل] [فرائض الغسل] م: (فصل في الغسل) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الغسل وقد بينا معناه لغة واصطلاحا وإعرابا أيضا فيما تقدم. والغسل بضم الغين اسم من الاغتسال. وبفتح الغين مصدر غسل يغسل من باب ضرب يضرب. وبكسر الغين ما يغسل به من خطمي ونحوه. وقال ابن الأثير: الغسل بالضم الماء الذي يغتسل به كالأكل لما يؤكل، وهو الاسم أيضا من غسله، ويقال: الغسل بفتح الغين وضمها لغتان، والفتح أفصح وأشهر عند أهل اللغة، والضم هو الذي يستعملها الفقهاء أو أكثرهم. وزعم بعض المتأخرين أن الفقهاء غلطوا في الضم وليس كما قال بل غلط هو في إنكاره ما لم يعرفه، وقيل: بالضم اسم الاغتسال الذي يعم البدن كله ذكره الأزهري. وقال عبد الحق: وقد أولع الفقهاء باتباع المضموم على فعل الغسل لا وجه له، وإنما قدم فصل الوضوء على الغسل لأن الحاجة إلى الوضوء أكثر، ولأن محل الوضوء جزء البدن ومحل الغسل كله والجزء قبل الكل، واقتداء بكتاب الله تعالى، فإنه وقع على هذا الترتيب، أو لأن الوضوء وظيفة الحدث الأصغر والغسل وظيفة الحدث الأكبر، والأصغر مقدم على الأكبر بمعنى أنه مقدمة الأكبر ثم ترتيب الغسل عليه باعتبار أنهما طهارتان تعلقتا بالبدن. م: (وفرض الغسل) ش: بضم الغين أي مفروض الغسل، كما يقال: هذه الدراهم ضرب الأمير أي مضروبه. والواو فيه إما للاستئناف وإما للعطف على قوله: ففرض الطهارة م: (المضمضة والاستنشاق) ش: قد مر تفسيرهما في فصل الطهارة م: (وغسل سائر البدن) ش: أي باقي البدن، وغسل الشيء عبارة عن إزالة الوسخ عنه بإجراء الماء عليه. والحاصل أن فرض الغسل ثلاثة منها: المضمضة والاستنشاق وبه قال الثوري وابن سيرين والليث وابن عرفة وهو مذهب ابن عباس وغيره من الصحابة. م: (وعند الشافعي هما سنتان فيه) ش: أي في الغسل، وبه قال مالك، وحكاه ابن المنذر عن الحسن البصري، والزهري والحاكم وقتادة وربيعة ويحيى بن سعيد الأنصاري ورواية عن عطاء وأحمد في رواية، وفي رواية أخرى وهي المشهورة أنهما واجبتان وشرطان لصحتهما، وهو مذهب ابن أبي ليلى وحماد وإسحاق، وقال أبو ثور وأبو عبيد وداود: الاستنشاق واجب في الوضوء والغسل دون المضمضة وهو رواية ثالثة عن أحمد. وقال ابن المنذر: وبه أقول. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عشر من الفطرة» ش: هذا الحديث رواه الجماعة إلا البخاري ورواه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] مسلم وأبو داود وابن ماجه في الطهارة والترمذي في الاستئذان، وقال: حديث حسن. والنسائي في الزينة كلهم عن مصعب بن شبيب عن طلق بن حبيب عن عبد الله بن الزبير عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، والاستنشاق بالماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء، قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة» . وأخرج أبو داود وابن ماجه من حديث علي بن زيد عن سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر عن عمار بن ياسر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من الفطرة المضمضة، والاستنشاق، والسواك، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، والاستحداد، وغسل البراجم، والانتضاح بالماء، والاختتان» ورواه أحمد في "مسنده " والطبراني في "معجمه " والبيهقي في "سننه "، وشراح الكتاب المشهورون لم يذكر أحد هذا الحديث بنصه ولا ذكروا من رواه، ولا كيف حاله، وأعجب من ذلك كله يفسرون العشر بقولهم خمس منها في الرأس، وخمس في الجسد، فالتي في الرأس الفرق، والسواك، والمضمضة، والاستنشاق، وقص الشارب، والتي في الجسد: الختان، وحلق العانة، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، والاستنجاء بالماء. وذكروا الفرق ولم يذكروا الحديث المذكور وإعفاء اللحية. وذكر في الحديث المذكور وذكر الاختتان في حديث أبي داود. وقوله: «عشر من الفطرة» مبتدأ وخبر. فإن قلت: عشر كيف يكون وقع مبتدأ، وقد علم أن العدد إذا ذكر وأريد به المعدود فهو غير علم، وهو منصرف، كقولك: عندي ستة، لأن المراد بهذه الستة هو المعدود وليس العدد، لأن العدد ليس شيئا يكون وقع مبتدأ. قلت: لأنه أريد به المعدود المعروف فيكون علما فيقع مبتدأ وقد علم أن العدد إذا ذكر وأريد به المعدود فهو غير علم فهو منصرف كقولك عندك ستة لأن المراد بهذه الستة هو المعدود لا العدد لأن العدد ليس شيئا يكون عندك، وإذا أريد به العدد فيحتمل أن يكون ستة من الدراهم، أو الدنانير أو غيرهما. فإذا كان كذلك يكون نكرة، وأما إذا أريد به العدد المعروف يكون علما غير منصرف للعلمية والتأنيث، تقول: عشرة ضعف خمسة، عشر، هنا منصرف لعدم التأنيث، ثم إنه يفسر باسم جمع وهو نحو خصال، والتقدير عشر خصال من الفطرة وقد علم أن عشر وأخواته إذا فسر باسم جنس أو اسم مؤنث لا يقال بالتاء، نحو ثلاث من التمر، وعشر من الإبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وإذا كان المعدود ما يذكر ويؤنث كحال ولسان وعين يجوز تذكيره، وتأنيثه نحو ثلاثة أحوال، وثلاث أحوال، ويمكن الوجهان في اسم جنس واحدة بالتاء كبقر ونخل فيقال ثلاث من البقر وثلاثة من البقر. والفطرة: السنة وتأويله أن هذه العشرة من سنن الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - الذين أمرنا أن نقتدي بهم، وأول من أمر بها إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وكلمة من للتبعيض لأن السنن كثيرة. والإعفاء من أعفى وثلاثيه عفا، يقال: عفا الشيء إذا كثر وزاد من ذلك عفا الزرع، وإعفاء اللحية: إرسالها وتوفيرها. قوله: " والسواك " أي واستعمال السواك. قوله: " والانتقاص بالماء " بالقاف والصاد المهملة وقد فسره وكيع بأنه الاستنجاء، وقال أبو عبيد: معناه انتقاص البول بسبب استعمال الماء في غسل مذاكيره، وقيل: هو الانتضاح كما في رواية أبي داود والآخرين. وقال الجمهور: الانتضاح نضح الفرج بماء قليل بعد الوضوء لينفي عنه الوسواس. وقال ابن الأثير أنه روي انتفاص بالفاء والصاد المهملة، وقال في فصل الفاء: قيل الصواب إنه بالفاء، قال: والمراد نضحه على الذكر من قولهم نضح الماء القليل بعضه وجمعهما نقض. وقال النووي في "شرح مسلم ": هذا الذي ذكره شاذ، والصواب هو الأول. قوله: " ونسيت العاشرة " أي الخصلة العاشرة. والاستحداد: استعمال الحديدة وهي الموسي والمراد بها حلق العانة. وغسل البراجم بفتح الباء الموحدة وبالجيم جمع برجمة بضم الباء وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها، وغسلها تنظيفها من الوسخ، وقال الخطابي: إنه الواجب ما بين البراجم. وأما الفرق الذي ذكره الشراح فقد وقع في رواية ابن عباس ورواه أبو داود عنه أنه قال: " خمس كلها في الرأس، وذكر فيها الفرق، ولم يذكر إعفاء اللحية " والفرق بالسكون مصدر من فرق شعره إذا جعله فرقتين وقد انفرق شعره في مفرقه وهو وسط رأسه، وأصله من الفرق بين الشيئين وفي " المطالع ": وكانوا يفرقون بالتخفيف أشهر، وقد شددها بعضهم. ثم اعلم أن الحديث المذكور وإن كان مسلم قد أخرجه فقد أثبت فيه ابن منده علتين: إحداهما: من جهة مصعب فإنه قال النسائي فيه في "سننه " منكر الحديث، وقال أبو حاتم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 أي من السنة وذكر منها المضمضة والاستنشاق ولهذا كانتا سنتين في الوضوء ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]   [البناية] ليس بقوي، ولا يوجد من وثقه. والثاني: أن سليمان التيمي رواه عن طلق بن حبيب عن أبي الزبير مرسلا هكذا رواه النسائي في "سننه "، ولأجل هاتين العلتين لم يخرجه البخاري، ولم يلتفت مسلم إليهما لأن مصعبا عنده ثقة، والثقة إذا أوصل حديثه يقدم وصله على الإرسال. م: (أي من السنة) ش: هذا تفسير الفطرة وليس من الحديث، وللفطرة معان بمعنى دين الإسلام وبمعنى الخلق، وبمعنى الاختراع والإبداع. وقال الخطابي فسرها أكثر العلماء بالسنة. وقال ابن الصلاح: هذا فيه إشكال لبعد معنى السنة من معنى الفطرة في اللغة، فلعل وجهه أن أصله سنة الفطرة أراد بها فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وقال النووي: تفسيرها بالسنة هو الصواب، ففي " صحيح البخاري " عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «من السنة قص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار» ، م: (وذكر منها) ش: أي في الفطرة التي هي السنة م: (المضمضة والاستنشاق ولهذا) ش: أي ولأجل كونهما من السنة م: (كانتا سنتين في الوضوء) ش: عنده وعندنا أيضا وعند أحمد فرض في الوضوء والغسل جميعا. م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ش: (المائدة: الآية 6) أي اغسلوا على وجه المبالغة، والجنب يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث، لأنه اسم جرى مجرى المصدر الذي هو الإجناب، يقال: أجنب يجتنب. والجنابة الاسم وهي في اللغة العبد وسمي الإنسان جنبا لأنه نهي أن يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر، وقيل: لمجانبة الناس حتى يتطهر. قال الجوهري: يقال: أجنب الرجل وجنب أيضا بالضم. قلت: الجنب صفة مشبهة وهو الذي يجب عليه الغسل بالجماع وخروج المني ويجمع على أجناب وجنبين، قوله {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] صيغة أمر الجماعة، أصله تطهروا فلما قصد الإدغام قلبت التاء طاء فأدغم في الطاء، واجتلبت همزة الوصل، ومعناه طهروا أبدانكم. قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرحه: قوله: {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] أمر بالإطهار فكان يجنبه لو كانت هكذا، (ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) أمر بالإطهار. ثم شرحه بقوله: قوله أمر بالتطهر بضم الهاء لأن أصله تطهروا فأدغمت التاء في الطاء لقرب المخرج، وحتى بهمزة الوصل ليتوصل بها إلى النطق فصار اطهروا. قلت: غالب النسخ التي عثرنا عليها هكذا، ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 وهذا أمر بتطهير جميع البدن إلا أن ما تعذر إيصال الماء إليه خارج عن قضية النص   [البناية] (المائدة: الآية 6) وهو أمر بتطهير جميع البدن إلا ما يتعذر اه. فإن كان الذي نقله هو لفظ المصنف يكون قصده الإشارة إلى أن قوله: فاطهروا من باب التفعل لا من باب الافتعال، ليدل على التكلف والأعمال، ومعناه أن الفاعل تبعا في ذلك الفعل فيحصل ويصير معناه استعمل الشجاعة وكلف نفسه إياها، كذلك استعمل يصير بالتكلف، ثم شرح الأترازي ههنا بقوله: وبعض من لا خبرة له ولا دراية يقرؤه بالإطهار، وما ذلك إلا لحرمانه من العربية والمصنف بريء من عهدته. قلت: هذا تشنيع بارد وهو تشنيع من لا خبرة له في قواعد العربية قرن الإطهار الذي قواه ذلك التشنيع عليه من باب الافتعال كان أصله الاطهار، فقلبت التاء طاء، وأدغمت الطاء في الطاء على ما هو القاعدة، وهذا الباب أيضا يدل على التكلف والاعتمال ما ليس في كسب فلذلك كما في قَوْله تَعَالَى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] (البقرة: الآية 286) بكلمة: على وليست بكلمة اللام ما اكتسبت على وكسبت مشكلة اللام. ثم قوله: والمصنف بريء من عهدته أبرد من تشنيعه بغير وجه لأن الذي قرأه بالاطهار هل على أمر كسب خطيئة أنزل حفظه أو ذكر خلاف ما تقتضيه القواعد، وخالف المصنف بغير وجه حتى يبرأ عنه المصنف م: (وهذا أمر بتطهير جميع البدن) ش: أي قَوْله تَعَالَى {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] أمر لتطهير سائر البدن في حق الجنب حتى تجب عليه المضمضة، والاستنشاق وإيصال الماء إلى باطن السرة، وتحريك الخاتم. وقد روى أبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشرة» هي ظاهر الجلد فيجب غسل جميعها ولهذا احتج أصحابنا على فريضة المضمضة والاستنشاق في الغسل. وشنع الخطابي ههنا على أصحابنا وقال من يحتج بفرضية المضمضة من الجنابة أن داخل الفم من البشرة، وهذا خلاف قول أهل اللغة لأن البشرة عندهم ما ظهر من البدن وداخل الفم والأنف ليس منها. قلت: ليس كذلك فإن أصحابنا احتجوا بفريضة الاستنشاق في الجنابة بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن تحت كل شعرة جنابة» وفي الأنف شعور، وأما المضمضة فإن الفم من ظاهر البدن بدليل أنه لا يقدح في الصوم فيطلق عليه ما يطلق على البدن، فهذا باعتبار الفرضية لا باعتبار ما قاله الخطابي، ثم استثنى من ذلك ما يتعذر إيصال الماء إليه من البدن بقوله: م: (إلا أن ما يتعذر إيصال الماء إليه خارج عن قضية النص) ش: أي مقتضى النص وتناوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 بخلاف الوضوء لأن الواجب فيه غسل الوجه والمواجهة فيهما منعدمة، والمراد بما روي حالة الحدث   [البناية] لجميع البدن، لأن البدن اسم للظاهر والباطن سقط لأجل التعذر في إمكان غسله، لأن تكليف ما ليس في الوسع مستحيل كما يسقط الظاهر إذ كان به جراح أو عدم الماء، والأنف والفم يمكن غسلهما فإنهما يغسلان عادة وعبادة نفلا في الوضوء، وفرضها في النجاسة الحقيقية فيتناولهما الأمر وأما القياس فلتعذر إدخال الماء فيهما والعسر معنى كالتعذر لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] (الحج: الآية 78) وفي غسلهما من الحرج ما لا يخفى، ولهذا لا تغسل العين إذا تكحل بالكحل النجس. وروى أبو داود والترمذي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وأنقوا البشر"، ويروى فاغسلوا الفرق» . وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ترك موضع شعرة لم يصبه الماء فعل به كذا وكذا من النار" قال علي: فمن ثم عاديت شعري وكان يجزه» رواه أبو داود وأحمد وغيرهما بإسناد حسن. وروى الدارقطني عن ابن سيرين عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالاستنشاق من الجنابة» . وروي أيضا عن ابن عباس «أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمضمضة والاستنشاق إن كان جنبا أعاد المضمضة والاستنشاق واستأنف الصلاة عليه أن فرضها في الجنابة» م: (بخلاف الوضوء) ش: جواب عن قياس الشافعي الغسل بالوضوء م: (لأن الواجب فيه) ش: أي في الوضوء م: (غسل الوجه) ش: لا جميع البدن م: (والمواجهة فيهما) ش: أي محل المضمضة والاستنشاق م: (منعدمة) ش: أي معدومة وأهل التصريف يجعلون العدم خطأ مطاوعة، لأن الفعل للمطاوعة، وهو مختص بالعلاج والتأثير، وجوابه معدومة. م: (والمراد بما روي حالة الحدث) ش: جواب عن حديث الشافعي يحمله على الوضوء أي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 بدليل قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنهما فرضان في الجنابة سنتان في الوضوء»   [البناية] المراد من كونهما سنتين في الوضوء م: (بدليل قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنهما فرضان في الجنابة سنتان في الوضوء» ش: لم يذكر أحد من الشراح أصل هذا الحديث، وإنما قال الأترازي وتبعه الأكمل بدليل ما روي عن ابن عباس وجابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إنهما فرضان في الجنابة نفلان في الوضوء» . ولفظ الأكمل: سنتان في الوضوء. وقال السروجي: وأما قول صاحب " الهداية ": (بدليل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنهما فرضان في الجنابة سنتان في الوضوء» فلا يعرف. قلت: روى الدارقطني ثم البيهقي في "سننيهما " ما يقارب ذلك من حديث بركة بن محمد الجهني عن يوسف بن أسباط عن سفيان عن خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثا فريضة» . ورواه الحاكم في المستدرك ولفظه قال: «جعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثا فريضة» وقال الحاكم في "المستدرك " وفي " المدخل ": بركة بن محمد الحلبي يروي عن يوسف بن أسباط أحاديث موضوعة. وقال الدارقطني: حديث بركة باطل لم يحدث به غيره وهو يضع الحديث، وقال البيهقي: رواه الثقات عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن ابن سيرين مرسلا. وقال الشيخ تقي الدين ابن الإمام: وقد روي هذا الحديث موصولا من غير حديث بركة أخرجه الإمام أبو بركة الخطيب من جهة الدارقطني حدثنا علي بن محمد بن يحيى بن مهران السواق حدثنا سليمان بن الربيع المهدي حدثنا حماد بن سلمة حدثنا سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المضمضة والاستنشاق ثلاثا للجنب فريضة» . قال الدارقطني: غريب تفرد به سليمان بن الربيع عن همام. وروى البيهقي من طريق الدارقطني بسنده عن أبي حنيفة عن عثمان بن راشد عن عائشة بنت محمد عن ابن عباس فيمن نسي المضمضة والاستنشاق قال لا يعيد إلا أن يكون جنبا. وجواب آخر: عما استدل به الشافعي أن الختان فرض عنده وكذا انتقاص الماء وهو الاستنجاء فرض عنده، فكل جواب له عنهما فهو جواب لنا في المضمضة والاستنشاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 وسننه أن يبدأ المغتسل فيغسل يديه وفرجه ويزيل النجاسة إن كانت على بدنه   [البناية] 1 - فروع: جنب اغتسل ولم يتمضمض إلا أنه شرب الماء هل يقوم الشرب مقام المضمضة أجاب أبو الفضل وقال: نعم. وقال الفقيه أبو جعفر: إن بلغ البلل نواحي الفم كما يبلغ له تمضمضا يجوز وما لا فلا. وقيل: إذا كان الرجل عالما أو مصريا لا يجوز له لأنه يشرب على وجه السنة يمص مصا وإن كان غير عالم أو بدويا يعب الماء عبا فيصل الماء جميع فمه فيجوز، لأن الجنابة تحولت إلى الفم فطهر الفم بشرب الماء. فرع آخر: والأقلف لا يجب عليه إدخال الماء داخل الجلد لأنه خلقة له وهو المختار. [سنن الغسل] [البدء بغسل اليدين في الغسل] م: (وسننه) ش: أي سنن الغسل م: (أن يبدأ المغتسل) ش: أي من يريد الاغتسال من قبل قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] (النحل: الآية 98) أي إذا أردت أن تقرأ القرآن والمعنى من شرع في الاغتسال م: (فيغسل يديه) ش: بنصب اللام عطف على قوله أن يبدأ، والفاء للعطف. وقال السروجي: الفاء للتفسير. قلت: ليس في قوله أن يبدأ إبهام حتى يفسر على ما لا يخفى م: (وفرجه) ش: بنصب فرجه والفرج يتناول القبل والدبر م: (ثم يزيل النجاسة إن كانت على بدنه) ش: وقع في بعض النسخ ويزيل نجاسة إن كانت على بدنه بواو العطف وتنكير النجاسة. قال السغناقي: قيل والأصح أن يقال ويزيل نجاسته لأن حرف التعريف لا يخلو إما أن يراد به العهد، أو الجنس ولا يجوز الأول؛ لأن قوله إن كانت كلمة الشك يأباه لأن العهد يقتضي التقرير إما ذكرا أو علما. ولا يجوز الثاني، لأن كون النجاسة كلها في بدنه محال وأقل النجاسة التي ليس دونها أقل وهو الجزء الذي لا يتجزأ غير مرادة، لأنه علل ذلك في الكتاب بقوله كيلا يزداد بإصابة الماء، وهذا الذي ذكرناه لا يزداد عند إصابة الماء، لما أنه ذكر الإمام التمرتاشي في " الجامع الصغير " قال وفي التفاريق عن أبي عصبة لو أصابت النجاسة مثل رؤوس الإبر ثم أصاب ذلك الموضع ماء لم يتنجس. قلت: هذا الذي ذكره منقول عن الإمام حميد الدين الضرير في شرحه ثم قال السغناقي قلت: إلا أن الرواية بالألف واللام قد ثبتت في النسخ فوجهه أن تحمل الألف واللام على تحسين النظم من غير اعتبار تعريف الجنس وتعريف العهد فكان ينبئ عن معنى التنكير نحو قَوْله تَعَالَى {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5] (الجمعة: الآية 5) ، وقَوْله تَعَالَى {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا} [يس: 33] (يس: الآية 33) ، وحيث وصفها بالجملة الفعلية لبقائها على معنى التنكير، فكانت من قبيل قول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 ثم يتوضأ وضوءه للصلاة إلا رجليه   [البناية] القائل: ولقد أمر على اللئيم يسبني وقال بعض الشارحين: ربما يتعين التنكير إذا انحصرت اللام في التعريفين وليس كذلك، يجوز أن تكون اللام لتعريف الماهية. فقلت: أراد ببعض الشارحين قوام الدين فإنه قال في شرحه ثم قال الأكمل: هذا ليس بشيء؛ لأن الماهية من حيث هي لا توجد في الخارج، فإما أن توجد في الأقل أو في غيره وذلك فاسد لما مر. وقال تاج الشريعة: ويزيل نجاسته بدون الألف واللام أولى لأنها عست أن تكون وعست أن لا تكون فذكرها منونة أولى، ثم ذكر وجه الأولوية كما ذكرناه. قلت: هذا كله تكلف منهم لأن مثل هذا إذا وقع في الكتاب أو في كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي هو أفصح الخلائق يستقل وفي غيرهما يوقف على الصواب وإن وقع على غير نهج الصواب يبدل بالصواب. [الوضوء من سنن الغسل] م: (ثم يتوضأ وضوءه للصلاة) ش: بالنصب عطفا على أن يبدأ أي مثل وضوئه للصلاة، إنما قاله هكذا كيلا يتوهم إذ يريد به غسل اليدين إلى المرفقين لأنه قد يسمى وضوءا، كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر» ، وقيل احترز به عما روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أن الجنب يتوضأ ولا يمسح رأسه، لأنه لا فائدة فيه لوجود إسالة الماء من بعد وذلك بعدم معنى المسح بخلاف سائر الأعضاء لأن السيل هو الموجود فلم يكن السيل من بعد معدما له. فإن قلت: لم يعلم من عبارته حال هذا الوضوء هل هو سنة أو فرض. قلت: غير واجب عندنا فيدخل الوضوء في الغسل كالحائض إذا أجنبت يكفيها غسل واحد ومنهم من أوجبه إذا كان محدثا قبل الجنابة. وقال داود: يجب الوضوء والغسل في الجنابة المجردة بأن يأتي الغلام والبهيمة أو لف ذكره بخرقة فأنزل وفي أحد قولي الشافعي يلزمه الوضوء في الجنابة مع الحدث. وفي قوله الآخر: يقتصر على الغسل لكن لا يلزم أن ينوي الحدث والجنابة في قوله وفي قول يكفي نية الغسل، ومنهم من أوجب الوضوء بعد الغسل وأنكره علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يتوضأ بعد الغسل» ، رواه مسلم والأربعة. م: (إلا رجليه) ش: يعنى يؤخر غسل رجليه لأن في حديث ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - على ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 ثم يفيض الماء على رأسه وسائر الجسد ثلاثا   [البناية] يأتي هكذا «ثم تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه» . وهذا يقتضي تأخير غسل الرجلين عن إكمال الوضوء، وبعضهم أجاز التكميل ومنهم الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بظاهر حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره ثم يفيض الماء على جلده كله» ، رواه البخاري ومسلم. والعجب من الشافعي كيف اختار التكميل فإن في حديث ميمونة النص على تأخير غسل الرجلين، وحديث عائشة مطلق ومن مذهبه حمل المطلق على المقيد في حادثتين فكيف في حادثة واحدة وهو نقض لأجله، والحديثان صحيحان وليس فيهما كلام. فإن قلت: كيف التوفيق بين الروايتين عندنا. قلت: عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أرجح بطول الصحبة والضبط في الحديث. وفي " شرح الوجيز " كلاهما سنة والكلام في الأولى وفي " المجتبى " والأصح أنه إن لم يكن في منبع الماء يتقدم بقدم وهو التوفيق بين الروايتين. وفي " المبسوط " إنما يؤخر غسلهما إذا كانا فيه حتى لو كان على حجر أو لوح أو آجر لا يؤخر كما ذكره في المتن على ما يأتي م: (ثم يفيض الماء على رأسه وعلى سائر جسده ثلاثا) ش: ثم يفيض بالنصب عطفا على قوله ثم يتوضأ. قوله وسائر جسده أي الباقي أي باقي جسده. قال أبو منصور الأزهري: وفي " تهذيب اللغة " اتفقوا على أن معنى سائر: الباقي. وقال ابن الصلاح: سائر بمعنى الجميع مردود عند أهل اللغة معدود من غلط ولا يلتفت إلى قول الجوهري أن سائر بمعنى الجميع فإنه ممن لا يقبل قوله فيما ينفرد به وقال السروجي «وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لغيلان الديلمي أسلم على أكثر من أربع اختر منهن أربعا وفارق سائرهن» يعني أن يكون سائر بمعنى الباقي دون الجميع للتناقض، فهذا يؤيد ما ذكره ابن الصلاح وحكم على الجوهري بالغلط في موضعين. أحدهما: في تفسيره بالجميع، الثاني: في ذكره في سير وحقه أن يذكر في باب سئر مهموز العين لا في معتل العين. قال: لأنه من السؤر الذي هو مهموز العين بمعنى البقية، قلنا له والجوهري لم ينفرد به وقد وافقه أبو المنصور الجواليقي في " شرح أدب الكاتب " أنه بمعنى الجميع، وأنكر أبو علي أن يكون السائر بمعنى السؤر بمعنى البقية لأنها بمعنى الأقل والسائر لأن السائر يقتضى لما كثر والبقية لما قل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 ثم يتنحى عن ذلك المكان فيغسل رجليه هكذا حكت ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اغتسال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [البناية] وقال ابن سيرين: من جعله سائرا من سار يسير يجوز أن يقول نفيت سائر الأديان أي نفي جميع الأديان. ثم قال السروجي: كون السائر لما كثر لا يمنع أن يكون من السؤر ويكون قد غلب في السؤر الخاص وهو الغالب في اليسير والكثير كالنجم، والبقية أيضا في القليل بالقلة لأنها فعلية من بقي تقول: ذهب زيد وبقي القوم بعده قلت: ذكره الصاغاني في العباب في سائر مهموز العين ثم قال: وسائر القوم بقيتهم وليس معناه جماعة الناس كما زعم من قصر في اللغة باعا وعناء ففي اختيار الغرائب باعه وهو مشتق من السؤر، فكما أن السؤر البقية والفضلة فكذلك السائر الباقي قوله ثلاثا بالنصب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي ثم يفيض الماء ثلاثا أي ثلاث مرات. وكيفية الإفاضة أن يفيض الماء على منكبه الأيمن ثلاثا ثم الأيسر ثلاثا ثم على رأسه وسائر جسده ثلاثا، كذا قاله الحلوائي وقيل يبدأ به ثلاثا ثم الرأس ثم بالأيسر، وقيل يبدأ بالرأس كما أشار إليه القدوري، وهكذا قال في كتب أصحاب الشافعي. م: (ثم يتنحى عن ذلك المكان) ش: أي ثم يتحول من المكان الذي اغتسل فيه م: (فيغسل رجليه) ش: بنصب اللام م: (هكذا حكت ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اغتسال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: حديث ميمونة أخرجه الأئمة الستة في كتبهم مطولا ومختصرا عن عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال حدثتني خالتي «ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: "أدنيت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غسله من الجنابة فغسل كفيه مرتين أو ثلاثا ثم أدخل يده في الإناء، ثم أفرغ على فرجه وغسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكا شديدا، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حثيات من كفه، ثم غسل سائر جسده، ثم تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه، ثم أتيته بالمنديل فرده» ، وفي رواية «وضعت للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وضوء الجنابة» . وفي الترمذي " غسلا"، وفي بعض طرقه ماء. وفي رواية: «ثم دلك بيده الحائط أو الأرض» . وفي رواية «فأتيته بخرقة فلم يردها» . وفي غير رواية الترمذي «فجعل ينفض الماء بيده» . قولها: غسله بكسر الغين وهو ما يغتسل به. قاله الإمام، وقال غيره بضم الغين وهو الماء الذي يغتسل به. قولها: وضوء الجنابة بفتح الواو. وقوله: ثلاث حفنات جمع حفنة وهي ملء الفم. وفي رواية عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ثلاث حثيات أي ثلاث غرفات، وهي جمع حثية، وفي رواية ثلاث غرفات، وجاء ثلاث غرفات فالغرفات جمع غرفة. وفي الحديث دليل على استخدام الزوج لزوجته، وفيه تأخير الرجلين عن إكمال الوضوء، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وإنما يؤخر غسل رجليه لأنهما في مستنقع الماء المستعمل فلا يفيد الغسل حتى لو كان على لوح لا يؤخر، وإنما يبدأ بإزالة النجاسة الحقيقية كيلا تزداد بإصابة الماء. وليس على المرأة أن تنقض ضفائرها في الغسل.   [البناية] وروي عن مالك أنه إن أخر غسل الرجلين فيه استأنف الوضوء. وعند أبي ثور يلزم الجمع بين الوضوء والغسل، واستدل بعضهم برده - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الخرقة على أنه لا ينشف أعضاء الوضوء، لا دليل فيه لأنه يحتمل أن يكون ذلك لمعنى في الخرقة أو غير ذلك. وقد ذكر: هذا نفض أعضاء الوضوء ولا فرق بين الوضوء والغسل، وتمسكهم [بحديث] «لا تنفضوا أيديكم فإنها مراوح الشيطان» وهو حديث ضعيف، وقد ذكرناه فيما مضى. م: (وإنما يؤخر غسل رجليه لأنهما في مستنقع) ش: أي في مجتمع م: (الماء المستعمل فلا يفيد الغسل) ش: أي غسل الرجلين حينئذ م: (حتى لو كان على لوح لا يؤخر) ش: لعدم الماء المستعمل حينئذ. وينبغي أن يكون هذا التعليل على رواية كون الماء المستعمل نجسا م: (وإنما يبدأ) ش: المغتسل م: (بإزالة النجاسة الحقيقية) ش: الظاهر أنه أراد بها النجاسة المعهودة في ذلك الحال وهي المني الرطبة؛ فإن ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: قالت في الحديث المذكور «ثم أفرغ على فرجه» . وفي رواية «وما أصابه من الأذى» وفيه دلالة على نجاسته. قيل: هذا تكرار لأنه ذكره أولا وليس كذلك لأنه ذكره ههنا لبيان التعليل، لأن هذا الكتاب كالشرح على القدوري م: (كيلا تزداد) ش: أي النجاسة إن كانت م: (بإصابة الماء) ش: لأن الماء إذا أصاب النجاسة بسطت وانتشرت فيزداد عليه العمل. م: (وليس على المرأة أن تنقض ضفائرها في الغسل) ش: الضفائر جمع ضفيرة وهي العقيصة، والضفرة بفتح الضاد المعجمة وسكون الفاء مسبح الشعر عريضا، وتحريك الفاء بالفتح بمعنى المضفور والتضفير مثله، وأضفرت المرأة شعرها ولها ضفيرتان وضفيران أي عقيصتان. ومذهب الجمهور لا يلزمها نقضه إلا أن يكون مليئة لا يصل الماء إلى أصوله فيجب نقضه. وقال النخعي: يجب نقضها بكل حال. وقال أحمد يجب في الحيض دون الجنابة وقيل: في تخصيص المرأة إشارة إلى أن حكم الرجل بخلافها. وفي " المبسوط " إذا ضفر الرجل شعره كما يفعله العلويون والأتراك هل يجب إيصال الماء إلى انتهاء الشعر، فظاهر الحديث أنه لا يجب. وذكر الصدر الشهيد أنه يجب، والاحتياط إيصال الماء. وقال الشافعي: يجب نقضه إذا كان لا يصل الماء إلى باطنها إلا بالنقض وبل الشعر، وإن وصل بدون النقض فلا حاجة إليه. وعن مالك أنه لا يجب نقض الضفائر ولا إيصال الماء إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 إذا بلغ الماء أصول شعرها «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لأم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: "أما يكفيك إذا بلغ الماء أصول شعرك» ، وليس عليها بل ذوائبها هو الصحيح لأن فيه حرجا، بخلاف اللحية لأنه لا حرج في إيصال الماء إلى أثنائها.   [البناية] منابت الشعور الكثيفة وما تحتها لدفع الحرج. وفي " مبسوط بكر " في وجوب إيصال الماء إلى شعب عقاصها اختلاف المشايخ. فإن قيل: الأصل في النساء أن لا يذكرن لأن مبنى حالهن على الستر، ولهذا يذكرن في القرآن حتى شكين فنزل {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] (الأحزاب: الآية 35) أجيب بأن الحكم إذا كان مخصوصا بهن يذكرن كهذه المسألة وكما في مسألة الحجاب، ثم إنهن مخصوصات بالضفائر ولهذا كره لهن الحلق وشرع لهن القصر في الحج. م: (إذا بلغ الماء أصول شعرها) ش: لحصول المقصود حتى إذا لم يبلغ فعليها النقض م: «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أما يكفيك إذا بلغ الماء أصول شعرك» ش: أم سلمة إحدى زوجات النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واسمها هند بنت أبي أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة هذا والراكب والحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري من حديث عبد الله بن رافع مولى أم سلمة «عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: "قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة؟ فقال: لا، وإنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضي عليك الماء فتطهري، أو فإذا أنت قد طهرت» . فإن قلت: هذا خبر واحد فلا تجوز به الزيادة على قَوْله تَعَالَى {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ، قلت الشعر ليس من كل وجه ببدن، والأمر بالتطهير للبدن، أو لأن مواضع التطهير مستثناة كتداخل العينين. م: (وليس عليها) ش: أي على المرأة م: (بل ذوائبها) ش: هي جمع ذؤابة وكان الأصل في الجمع أن يقال ذوائب، لأن الألف التي في ذؤابة كالألف التي حقها أن تبدل همزة في الجمع، ولكنهم استثقلوا أن تقع ألف الجمع بين الهمزتين فأبدلوا من الأولى واوا وأصله أذئبة ذال معجمة وهمزة وباء م: (هو الصحيح) : احترز به عما روي من وجوب البل والعصر ثلاثا، رواه الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال إنها تبل ذوائبها ثلاثا مع عصر كل بل ليبلغ الماء شعب قرونها. والأصح: أنه غير واجب ولهذا قال هو الصحيح م: (لأن فيه حرجا بخلاف اللحية لأنه لا حرج في إيصال الماء إلى أثنائها) . وفي " المحيط " يجب إيصال الماء إلى إنبات شعرها إذا كان معقوصا ذكره أبو جعفر الهندواني، وإن كان مضفورا قيل يجب إيصال الماء إلى إنباته لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فبلوا الشعر» والصحيح عدمه واحتجوا بحديث أم سلمة وأخرج مسلم عن عبيد بن عمر قال «بلغ عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن فقالت: يا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 قال: والمعاني الموجبة للغسل:   [البناية] عجبا لابن عمرو هذا يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضهن رؤوسهن أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن فقد كنت أغتسل أنا ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من إناء واحد وما أزيد أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات» . وفي " المبسوط " وغيرها بلغها عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مكان ابن عمرو وليس بصحيح، وإنما هو التباس وفي " الخلاصة " وفي شعر الرجال يفترض إيصال الماء إلى المترسل وإيصال الماء إلى البشرة فرض. وذكر الفقيه أبو الليث من اغتسل من الجنابة ينبغي أن يدخل أصبعه في سرته مبالغة في إيصال الماء إلى ما ظهر من بدنه، فإن لم يفعل إن علم أنه وصل إليها أجزأه وإلا فلا. [المعاني الموجبة للغسل] م: (قال) ش: أي القدوري م: (والمعاني الموجبة للغسل) ش: أي العلل التي توجب الغسل، واختار لفظ المعاني لكون العلل من ألفاظ الفلاسفة وقد كره العلماء استعمالها وقد تقدم هذا فيما مضى ورد هذا بأن الأصوليين من أهل السنة استعملوا لفظ العلة والعلل في كتبهم كما قالوا استعارة العلة للمعلول وفي تخصيص العلة وتقسيمها إلى ما هو علة معنى وحكما واسما وغير ذلك، فإن كان استعمال هذا اللفظ مما يجتنب فينبغي أن يجتنب في جميع المواضع، ولكن الأولى أن يقال إنما استعمل لفظ المعاني اتباعا للسنة لورودها بلفظ المعاني في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى معان ثلاث» ، أراد بها العلل، ولهذا يأت بالباء. وقال الأترازي: قال بعض الشارحين: هذه معان موجبة للجنابة لا للغسل على المذهب الصحيح من علمائنا فإنها تنقضه فكيف توجبه. قلت: أراد السغناقي فإنه قال في شرحه في هذا الموضع هكذا، ثم قال الأترازي لا شك أن معنى قوله المعاني الموجبة للغسل تجب لهذه المعاني على طريق البدل على معنى أن أي معنى من هذه المعاني إذا وجد يجب به الغسل فإن تجتمع العلة والمعلول بلا نقض. والذي قاله الشراح إنما يتوجه إذا كانت هذه المعاني موجبة لوجود الغسل لا لوجوبه ولم يتقيد المصنف بالوجود حتى يورد عليه مثلها. قلت: التحقيق في هذا الكلام أن العلل الشرعية لا تكون موجبة بذواتها، فإنما الموجب للحكم هو الله تعالى إلا أن ذلك الإيجاب غيب عنا في حقنا، وجعل الشرع الأسباب التي يمكننا الوقوف عليها علة لوجوب الحكم في حقنا تيسيرا علينا، ثم إن هذه العلل الثلاث موجبة للجنابة والجنابة موجبة للغسل فيكون المعاني الموجبة علة العلة، فكما أن الحكم يضاف إلى العلة يضاف إلى علة العلة. وذكر في " مبسوط شيخ الإسلام " أن سبب وجوب الاغتسال إرادة ما لا يحل فعله بسبب الجنابة. وأجاب الأكمل: بسبب الجنابة واجبا بما لا يحل عن هذا بقوله ورد بأن الغسل يجب بأحد المعاني المذكورة سواء وجدت الإرادة أو لم توجد. قلت: هذا جواب الأترازي في شرحه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 إنزال المني على وجه الدفق والشهوة من الرجل والمرأة حالة النوم واليقظة،   [البناية] ثم قال الأكمل وفيه نظر ولم يبين وجه ذلك قلت: وجه ذلك أن فائدة الوجوب الأداء وهو أمر اختياري فإن إضافة الوجوب إلى الأداء بهذا المعنى وقيل السبب الجنابة قال الأكمل وأورد عليه الحيض والنفاس ولو زيد عليه أو ما في معناها لاندفع. قلت: هذا لا يرد أيضا للأترازي، وجواب فيه أيضا له عند عامة المشايخ سبب وجوب الغسل القيام إلى الصلاة، وإرادة ما لا يحل فعله بسبب الجنابة، إما إضافة الحكم إلى الشرط فإن الحدث والجنابة من شرائطهما وجوب الوضوء والغسل وإما باعتبار أن بعضهم جعل الجنابة سببا لوجوب الغسل ولهذا ذكر في " الكافي " ويجب عند مني ذي دفق وشهوة فإن الحكم يجب عند الشرط بالعلة لا بالشرط، فإضافة الوجوب إلى الشرط مجاز كما يقال صدقة الفطر. وقال تاج الشريعة: هذه المعاني منجسة للبدن لا موجبة للاغتسال، بل يجب الاغتسال بإرادة الصلاة لكن عند تنجس البدن بخروج هذه النجاسات منه فكانت شرطا بها فيصير البدن قابلا لوصف التطهير والوصف الذي يثبت به علة الحكم شرطا فإن المحال شروط لما يثبت به المحلية يكون شرطا أيضا فتكون إضافة الوجوب إلى الشرط مجاز، أو قيل هذه المعاني موجبة للغسل بواسطة الجنابة كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شراء القريب إعتاقه» . [إنزال المني من موجبات الغسل] م: (إنزال المني) ش: المني ماء أبيض خاثر رائحته مثل الطلع يلتذ به الذكر ويتولد منه الولد م: (على وجه الدفق) ش: أي النفض م: (والشهوة) ش: وهذان قيدان لوجوب الغسل بخروج المني وسواء كان نزول المني م: (من الرجل والمرأة) ش: وسواء كان في م: (حالة النوم واليقظة) ش: فإن قيل خروج المني من النائم يوجب الغسل وإن لم يكن بشهوة، فكيف شرط المصنف الشهوة. قلت: كان القياس أن لا يجب لكنهم استحسنوا فأوجبوه، لأن الظاهر خروجه بالاحتلام. وقال الأكمل قيل هذا اللفظ بإطلاقه يستقيم على قول أبي يوسف لاشتراطه الدفق والشهوة عند الخروج، ولا يستقيم على قولهما لأنهما لم يشترطا الدفق عند الخروج حتى قالا يجب الغسل إذا زايل المني عن مكانه بشهوة. وإن خرج من غير دفق قلت: أخذ هذا من السغناقي، وكذا قال الأترازي في شرحه. قال بعض الشارحين: ثم ذكره ثم قال ليس كذلك بل هذا يستقيم على قول الكل، لأن إنزال المني على هذه الصفة إذا وجد يجب الغسل عند الجميع وأخذ منه الأكمل قال ورد بأنه يستقيم على قوله اه. ثم قال: ولكن كلام المصنف يوهم ترك بعض موجباته عندهما في مواضع بيانها، وربما بين قوله ثم المعتبر عند أبي حنفية ومحمد اه. لبعض بيان. قلت: ليس من المتعين على المصنف أن يبين جميع ما تتعلق به المسألة التي هو في صددها ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 وعند الشافعي: خروج المني كيفما كان يوجب الغسل، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الماء من الماء» أي الغسل من المني. ولنا أن الأمر بالتطهير يتناول الجنب والجنابة في اللغة: خروج المني على وجه الشهوة، يقال: أجنب الرجل إذا قضى شهوته من المرأة، والحديث محمول على خروج   [البناية] التزام ذلك. م: (وعند الشافعي خروج المني كيفما كان يوجب الغسل) ش: يعني سواء كان بشهوة أو بغير شهوة، مثل ما إذا حمل حملا ثقيلا وسقط من مكان مرتفع أو نحو ذلك م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الماء من الماء» ش: الحديث رواه مسلم وأبو داود من حديث أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الماء من الماء» ولفظ مسلم «إنما الماء من الماء» . م: (أي الغسل من المني) ش: أي وجوب استعمال الماء بسبب خروج الماء ومن للسببية. م: ولنا أن الأمر بالتطهير يتناول الجنب) ش: وهو الأمر الذي في قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وهذا يتناول الجنب وهو صريح في تناوله إياه. م: (والجنابة في اللغة خروج المني على وجه الشهوة) ش: قال السروجي تفسيره الجنابة بقوله والجنابة في اللغة اه. ليس كذلك فإن الجنابة في اللغة البعد، وهو اسم إسلامي لأن فيها يجتنب المساجد والصلاة وقراءة القرآن حتى يغتسل. في " الجنازية " البعد قال الله تعالى {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [القصص: 11] (القصص: الآية، 11) أي عن بعد، ومنه سمي الأجنبي والغريب جنبا لبعد الأجنبي عن القرابة، والغريب عن وطنه. قلت: مجيء الجنابة في اللغة بمعنى البعد لا يمنع مجيئها أيضا خروج النجاسة على وجه الشهوة كما قاله المصنف. وقال السغناقي: في جنب الرجل أصابته الجنابة بعد أن قال جنبت إلى لقائك جنبا أي أشفقت. ويقال أيضا: أجنب الرجل في بني فلان يجنب جنابة إذا نزل فيهم غريبا فهو جانب والجمع جناب، فالأول بكسر النون، والثاني بفتح النون. وقال أيضا: رجل جنب من الجنابة يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث. قال الفارابي في " ديوان الأدب ": أجنب الرجل إذا أصابته الجنابة بضم الهمزة وكسر النون. فهذا كله يدل على أن لفظ الجنابة مستعمل في اللغة لمعان كثيرة. واختلف النحاة في لفظ الجنب فقال الزجاج: إنه مصدر ولهذا أفرد في الجمع، وتبعه الرازي في " أحكام القرآن "، وكذا ذكره ابن مالك في " شرح الكافية " فإنه قال المصدر يجيء على وزن فعل كجنب. وقال الزمخشرى: هو اسم أجري مجري المصدر الذي هو الاجتناب وذكره ابن الحاجب في باب الصفة المشبهة وقال ابن عصفور لم يجئ فعل في الوصف إلا جنب وشكل. م: (يقال: أجنب الرجل إذا قضى شهوته من المرأة) ش: لم يحرر أحد من الشراح هذا الموضع كما ينبغي فقوله: أجنب الرجل بضم الهمزة وكسر النون كما ذكرنا الآن عن الفارابي، وأما أجنب بفتح الهمزة وفتح النون فمعناه يدخل في الجنوب. وقوله: من المرأة وقع اتفاقا لوقوعه من المحتلم وقيل ذكره ليخرج شهوة البطن بأن ما فيها لا يسمى جنبا م: (والحديث محمول على خروج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 المني عن الشهوة   [البناية] المني عن شهوة) ش: هذا جواب عن ما قاله الشافعي في الحديث الذي استدل به وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الماء من الماء» . وجه حمله على الخروج عن الشهوة للتوفيق بين الأدلة فإنه روي عن حسين بن قبيصة «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال كنت رجلا مذاء فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري فذكرت ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو ذكر له فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا تفعل فإذا رأيت المذي فاغسل ذكرك» . أخرجه أبو داود، وأخرجه البخاري ومسلم من حديث محمد بن علي وهو ابن الحنفية عن أبيه بنحوه مختصرا. وأخرجه النسائي والترمذي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه أحمد ولفظه: «إذا خذفت الماء فاغتسل، وإذا لم تكن خاذفا فلا تغتسل» فاعتبر الخذف والفضخ وذلك يكون مع المدفق والشهوة. انخذف بالخاء والذال المعجمتين والفضخ بالفاء والضاد والخاء المعجمتين الدفق والرحى. وهذا الحديث مقيد وحديث «الماء من الماء» مطلق، والحادثة واحدة فيحمل المطلق على المقيد، كذا قال في " المفيد " و " المزيد " كذا قال في الزكاة، ثم الشافعي من أصله حمل المطلق على المقيد وإن كان في حوادث فخالف أصله. وجه آخر في القيود الزائدة وهو أن قوله: «الماء من الماء» عام يتناول المني والمذي والودي ولم يكن إجراؤه على العموم لعدم وجوب الغسل في المذي والودي بالإجماع فيراد به الخصوص ويحمل على حال الشهوة «لحديث أم سليم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها جاءت إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: إن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال: "نعم، إذا رأت الماء" فقالت لها أم سلمة: فضحت النساء.» أخرجه البخاري من حديث أم سلمة واللفظ للبخاري في الطهارة وله ألفاظ عندهما، ورواه مسلم من حديث أنس عن أم سليم. وفي حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن امرأة سألت. ووقع في كلام الصيدلاني من الشافعية وإمام الحرمين والغزالي والروزباني وغيرهم أن أم سليم جدة أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وغلطهم ابن الصلاح والنووي ووقع في الصيد من كتب الشافعية أن القائلة فضحت النساء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وغلطهم بعض الناس، ولم يصب في ذلك فقد وقع ذلك في حديث مسلم وأخرجه الطبراني في " الأوسط " من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وأخرجه النسائي من حديث خولة بنت حكيم. ووجه آخر أن الترمذي روى من حديث عكرمة عن ابن عباس قال: «إنما الماء من الماء في الاحتلام» . وروى الطبراني حديث عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن الصباح حدثنا شريك بن أبي الجحاف عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إنما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " حديث «الماء من الماء» ، لمني الاحتلام. واسم أبي الجحاف داود بن أبي عون. قال النووي: كان مرضيا. ووجه آخر أن الحديث منسوخ لأن مفهومه عدم الغسل من الإكسال وقد ورد في " الصحيحين " صريحا من حديث «أبي بن كعب رواه البخاري ومسلم عنه قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الرجل يصيب من المرأة ثم يكسل، قال: "يغسل ما أصابه من المرأة ثم يتوضأ ويصلي» . ورويا أيضا من حديث أبي سعيد أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مر على رجل من الأنصار فأرسل إليه فخرج ورأسه تقطر ماء، فقال: لعلنا أعجلناك، فقال: نعم يا رسول الله، فقال: "إذا عجلت أو أقحطت فلا غسل عليك وعليك الوضوء» ". وهذان أيضا منسوخان وقد ورد في ثلاثة أحاديث صريح النسخ أحدها: ما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن يونس عن الزهري عن سهل بن سعيد عن أبي بن كعب قال: «إنما كان الماء من الماء رخصة في الإسلام» . الثاني: أخرجه ابن حبان في "صحيحه " عن الحسين بن عمران «عن الزهري قال سألت عروة في الذي يجامع ولا ينزل قال على الناس أن يأخذوا بالآخر من قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حدثتني عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقالت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعل» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 ثم المعتبر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - انفصاله عن مكانه   [البناية] والثالث: رواه أحمد في "مسنده " عن بعض ولد رافع بن خديج عن «رافع بن خديج قال ناداني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا على بطن امرأتي فقمت ولم أنزل فاغتسلت وخرجت فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا غسل عليك إنما الماء من الماء» فقال رافع: ثم أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ذلك بالغسل. فإن قلت: الحديث الأول منقطع وقد جزم به البيهقي، فقال: وهذا الحديث لم يسمعه الزهري من سعد إنما سمعه بعض أصحابه عن سهل. قلت: قال الشيخ تقي الدين: وقد وقع في رواية عن محمد بن جعفر من جهة أبي موسى عنه عن معمر عن الزهري وفيها قال: أخبرني سهل بن سعد. والحديث الثاني فيه الحسين بن عمران قال المحاربي: هو كثيرا ما يأتي عن الزهري بالمناكير، وقد ضعفه غير واحد، قلت: حكم ابن حبان بصحته ونفس المحاربي قال بذلك. والحديث الثالث فيه رشدين بن سعد أكثر الناس على ضعفه، ونفس رافع مجهول وبعض ولد رافع محمد مجهول. قلت: ذكره الحارثي في كتابه، وقال: هذا حديث حسن، وقال الشيخ تقي الدين: وقد وقع في تسمية ولد رافع في أصل سماع الحافظ النسفي، وساقه الشيخ بسنده إلى رشدين بن سعد عن موسى بن أيوب عن سهيل بن رافع بن خديج فذكره. ومن الاستدلال على النسخ هو أن بعض من يروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحكم الأول أفتى بوجوب الغسل ورجع عن الأول، فروى مالك عن يحيى بن سعيد بن عبد الله بن كعب مولى عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن محمود بن لبيد الأنصاري سأل زيد بن ثابت عن الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل فقال له زيد يغتسل فقال له محمد بن أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان لا يرى الغسل فقال له زيد بن ثابت: إن أبي بن كعب رجع عن ذلك قبل أن يموت. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا وجه لتركه إلا أنه ثبت له أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال بعده ما نسخه. م: (ثم المعتبر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - انفصاله) ش: أي انفصال المني م: (عن مكانه) ش: أي مكان المني وهو الصلب والترائب كما قال الله تعالى في كتابه. والمني في الأصل دم لكنه يبيض بتصفية الشهوة كما يبيض ماء الورد الأحمر بالنار، حتى إذا كثر الجماع. وقلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 على وجه الشهوة، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظهوره أيضا اعتبارا للخروج بالمزايلة، إذ الغسل يتعلق بهما. ولهما أنه متى وجب من وجه فالاحتياط في الإيجاب   [البناية] الشهوة خرج أحمر، والشرط إزالته عن مقره م: (على وجه الشهوة) ش: حتى إذا لم ينفصل عن مكانه بشهوة لا يجب الغسل عندهما م: (وعند أبي يوسف ظهوره أيضا) ش: أي المعتبر ظهور المني على وجه الشهوة أيضا م: (اعتبارا) ش: نصب على المصدرية أي يعتبره أبو يوسف اعتبارا م: (للخروج بالمزايلة) ش: أي بالانفصال وجه الاعتبار أن الغسل لا يجب إلا بهما فإذا وجد الانفصال ولم يوجد الخروج لا يجب الخروج بالإجماع، والشهوة حال الانفصال شرط بالاتفاق، فينبغي أن يشترط حال الخروج أيضا. م: (إذ الغسل يتعلق بهما) ش: أي لأن الغسل يتعلق بالانفصال والظهور م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أنه) ش: أي أن الغسل م: (متى وجب من وجه) ش: أي متى وجب الغسل من جهة الانفصال دون الدفق، والشرط مطلق الشهوة لإكماله فباعتبار ما وجد يجب الغسل وباعتبار ما عدم لا يجب م: (فالاحتياط) ش: من باب العبادة م: (في الإيجاب) ش: أي الاحتياط واجب في إيجاب الغسل ترجيحا لجانبه. وقال الأترازي: قال بعض الشارحين: الخروج على وجه الشهوة قد وجد، وإنما عدم الدفق لا غير فباعتبار ما وجد يجب الاغتسال، وباعتبار ما عدم لا يجب فيرجح حال الوجود احتياطا. قلت: أراد ببعض الشارحين السغناقي ثم قال هذا الشرح من الشروح كالصب من البول لأن كلام المصنف إنما يساق لبيان أن الشهوة لا يشترط حال الخروج عندهما، وعند أبي يوسف تشترط وبيان التعليل من الطرفين لأجل هذا، قلت: الذي قاله السغناقي هو الصواب مع أنه نقل هذا عن " المبسوط "، قال الأترازي: محارق في التشنيع على الأكابر وكلام المصنف ما سبق للذي قاله الأترازي، وإنما الذي قاله من لوازم ما سبق له فافهم، نعم وقع في كلام السغناقي في بيان تعليلهما أن الخروج على وجه الشهوة قد وجد وإنما عدم الدفق، والظاهر أنه سهو لأنه لو كان كذلك لارتفع النزاع. فإن قلت: دار الغسل بين الوجوب وعدمه فلا يجب بالشك، قلت إلا أن جهة الوجوب راجحة لأن الموجب أصل فالخروج بناء على المزايلة بالشهوة، وعدم الخروج بالشهوة بعد المزايلة من العوارض النادرة فلا اعتبار بهذا السؤال، والجواب لتاج الشريعة والأكمل أخذ منه. وقال السغناقي: يشكل على هذا الريح الخارجة من المفضاة لأنه على هذا التعليل الذي ذكرناه ينبغي أن يجب عليها الوضوء بأن يقال إنها لو خرجت من القبل لا يجب، ولو خرجت من الدبر يجب فيرجح جانب الوجوب احتياطا لأمر العبادة، ولم ينقل هناك كذلك بل قيل بالاستحباب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وأجاب بقوله: جاءك الشك هناك من الأصل فعارض الدليل الذي هو موجب مع الدليل الذي هو غير موجب لتساويهما في القوة فتساقطا، فعملنا بالأصل الذي كان ثابتا لها متعين باقيا لها بيقين وهو الطهارة، وأما هنا جاء دليل عدم الوجوب من الوصف وهو الدفق، ودليل الوجوب في الأصل وهو نفس وجود الماء مع الشهوة فكان في إيجاب الاغتسال ترجيح لجانب الأصل على جانب الوضوء، وثمرة الخلاف تظهر في خمس مسائل: أحدها: استمنى بكفه فزال المني عن مكانه بشهوة فأمسك ذكره حتى سكنت شهوته ثم سال عنه لا عن دفق فعليه الغسل عندهما خلافا لأبي يوسف. الثانية: جامع امرأته فيما دون الفرج أو قبلها بشهوة فزال المني عن مكانه وحصل ما ذكرنا فعلى الخلاف. والثالثة: احتلم فلما انفصل المني عن مكانه أخذ إحليله حتى سكنت شهوته ثم خرج المني فعلى الخلاف. الرابعة: اغتسل بعد الجماع قبل النوم أو البول ثم أمنى يعيد الغسل عندهما خلافا لأبي يوسف، وفي " المبسوط " و " السير الكبير ": لو أمنى بعد البول أو النوم لا غسل عليه بالاتفاق وعند الشافعي: يجب في الحال، وعن مالك: لا يجب في الحالين، وقال أحمد: إن خرج قبل البول يجب وبعده لا يجب كذا في " شرح الوجيز ". والخامسة: استيقظ فوجد بفخذه وثوبه بللا ولم يذكر الاحتلام فإن تيقن أنه مذي أو ودي لا غسل، وإن تيقن أنه مني عليه الغسل، وإن شك أنه مني أو مذي يجب عندهما خلافا له، ولو بال فخرج من ذكره مني فإن كان ذكره منتشرا فعليه الغسل وإن كان منكسرا فعليه الوضوء، ولو غشي عليه ثم أفاق أو سكر ثم صحا فوجد مذيا لا غسل عليه لأنه وجد سبب خروج المذي وهو الإغماء والسكر فيحال بالخروج عليه بخلاف النائم ولو مضطحعا أو قائما أو قاعدا أو ماشيا إذا استيقظ فإنه على ثلاثة أوجه التي ذكرناها الآن، وذكر هشام في "نوادره " عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا استيقظ فوجد بللا في إحليله ولم يتذكر حلما، إن كان ذكره قبل النوم منتشرا فلا غسل عليه وإن كان غير منتشر فعليه الغسل، قال ينبغي أن يحفظ هذا فإن البلوى كثرت فيه والناس عنه غافلون، وقال في " الينابيع " يعمل بقول أبي يوسف في نفي وجوب الغسل إذا كان في بيت إنسان ويستحي منه أو يخاف أن تقع في قلبه ريبة بأنه طاف حول أهل بيته، والمرأة في الاحتلام كالرجل وعند محمد في غير رواية الأصول أنه إذا تذكرت الاحتلام والإنزال ولم تنزل فعليها الغسل، قال الحلوائي: لا يؤخذ بهذه الرواية، وقال أبو جعفر الفقيه: إن خرج إلى الفرج الخارج يجب وإلا فلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 والتقاء الختانين   [البناية] وفي " المحيط " لو احتلمت ولم يخرج الماء إلى ظاهر فرجها فعليها الغسل، لأن فرجها بمنزلة الفم فعليها تطهيره، فأعطى له حكم الخروج، حتى لو كان الرجل أقلف فخرج المني إلى القلفة يلزمه الغسل وإلا فلا، لأن ماءها لا يكون دافقا كماء الرجل، ولو نام رجل وامرأته فوجد على فراشهما بللا لا يعرف من أيهما واختلفا فيه ينظر إن كان أصفر فعليها الغسل وإن كان أبيض فعليه. وقيل: إن وقع طولا فمنه وإن وقع عرضا فمنها، والاحتياط أن يغتسلا، والقياس أن لا يجب على واحد منهما لوقوع الشك ولا يجوز لها أن تقتدي به، وفي " القنية " منيها أصفر ومنيه أبيض، وفائدته تظهر فيما لو اغتسلت عن جماع ثم خرج منها فإن كان أصفر فعليها الغسل وإن كان أبيض فلا غسل عليها، ولو قالت: معي جني يأتيني في النوم مرارا وأجد في نفسي ما أجد إذا جامعني زوجي لا غسل عليها لعدم الإيلاج والاحتلام، ولو احتلم في المسجد وأمكنه الخروج من ساعته يخرج ويغتسل، وقيل يتيمم ويخرج وإن لم يمكنه الخروج بأن كان في وسط الليل فيستحب له التيمم حتى لا يبقى جنبا. [التقاء الختانين من موجبات الغسل] م: (والتقاء الختانين) ش: بالرفع عطفا على قوله إنزال المني على وجه الدفق والشهوة، والتقاؤهما كناية عن الإيلاج، فإن نفس الملاقاة لا يوجب الغسل ولكن يوجب الوضوء عندهما، خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال السغناقي: والتقاء الختانين أي مع تواري الحشفة. قيل: لا يحتاج إلى هذا القيد لأن التقاءهما كناية عن الإيلاج كما ذكرنا. قلت: لا حظ للشيخ في ذلك، لفظ الحديث «إذا التقى الختانات وغابت الحشفة» على ما يجيء إن شاء الله تعالى. وفي " فوائد القدوري " قوله وتوارت الحشفة ليس بقيد، بل ذكر تأكيدا لأن التقاء الختانين مستلزم لتواريها. وقال صاحب " الدراية " قال شيخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحتمل أن ذكره للإشارة إلى المعنى المؤثر في إيجاب الغسل، كما أن ذكر في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ما أبقته الفرائض فلأولى رجل» ذكر إشارة إلى علة العصوبة أو نفي لقول الشافعي، فإن عنده يجب الغسل إذا تحاذى الفرجان، ولكن ذكر في كتبهم أن إيلاج الحشفة يوجب الغسل. وقال بعضهم: لو قال تواري الحشفة في قبل أو دبر آدمي حي مشتهى أو قدر حشفة من مقطوعها لكان أولى، ليتناول الإيلاج في الدبر مع أنه ليس فيه التقاء الختانين، ويخرج الإيلاج في البهيمة والميتة والصغيرة التي لا تشتهى ولا يجامع مثلها في قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: لا يجب عليه شيء في ترك الأولى ولا يتعين عليه تعين العبارة ثم ختان الرجل موضع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 من غير إنزال   [البناية] القطع وما دون دورة الحشفة، وختان المرأة موضع قطع جلدة منها كعرف الديك في فم الرجل وذلك لأنه مدخل ومخرج الولد والمني والحيض، وفوق مدخل الذكر مخرج البول وبينهما جلدة رقيقة وفوق مخرج البول جلدة رقيقة تقطع منها في الختان، وهو ختان المرأة فإذا غابت الحشفة في الفرج فقد حاذى ختانه ختانها، والمحاذاة هي التقاء الختانين فإنه إذا تحاذيا التقيا ولهذا يقال التقى الفارسان إذا تحاذيا وإن لم يتصادفا والتصقا، ولكن يقال موضع ختان المرأة الخفاض فذكر الختانين بطريق التغليب كالعمرين والقمرين وفي " الدراية ": ذكر الختانين بناء على عادة العرب فإنهم يختنون النساء قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الختان للرجل سنة وللنساء مكرمة» ، أي في حق الزوج فإن جماع المختونة ألذ، قلت: لم يذكر راوي الحديث ولا من أخرجه. وقال الأترازي: روى الخصاف في باب أدب القاضي في باب من قال لا يجوز شهادة الأقلف بإسناده إلى شداد بن أوس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الختان للرجل سنة وللنساء مكرمة» . م: (من غير إنزال) ش: يعني الإنزال ليس بشرط في التقاء الختانين في وجوب الغسل، فإنه إذا أنزل يجب بالإجماع، إذ المعتبر أن نفس الالتقاء كاف في وجوب الغسل، والإنزال ليس بقيد أو هو يرد قول من يشترط الإنزال من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فمن المهاجرين قول ابن عمر وعلي وابن مسعود، ومن الأنصار أبي بن كعب وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأبو سعيد الخدري منهم من رجع إلى موافقة الجمهور، ومنهم من لم يرجع، وبقول هؤلاء قال داود وعطاء بن أبي رباح وأبو سلمة بن عبد الرحمن وهشام بن عروة والأعمش والجهني، وممن رأى أن لا غسل من الإيلاج في الفرج إن لم يكن الإنزال عثمان بن عفان والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص ورافع بن خديج وابن عباس والنعمان بن بشير وحمزة الأنصاري انتهى. وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على وجوب الغسل بالتقاء الختانين وإن لم ينزل، وروي ذلك عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أم المؤمنين وأبي بكر وعمر بن الخطاب وآخرين، وبه قال إبراهيم النخعي والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد، وفي " المغني " لابن قدامة تغييب الحشفة في الفرج هو الموجب للغسل سواء كانا مختتنين أو لا، وسواء أصاب موضع الختان منه موضع الختان منها أو لم يصب، ولو ألصق الختان بالختان من غير إيلاج فلا غسل بالاتفاق ويجب الغسل سواء كان الفرج قبلا أو دبرا من كل حيوان آدمي أو بهيمة حيا أو ميتا طائعا أو مكرها نائما أو مستيقظا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا التقى الختانان وغابت الحشفة وجب الغسل أنزل أو لم ينزل»   [البناية] وقال أبو حنيفة: لا يجب الغسل بوطء البهيمة وقال أيضا فإن أولج بعض الحشفة أو وطئ دون الفرج أو في البشرة لم يجب الغسل لأنه لم يوجد التقاء الختانين، فإن انقطعت الحشفة وكان الباقي من ذكره قدر الحشفة فأولج يجب الغسل وتعلقت به أحكام الوطء من المهر وغيره، فإن أولج في قبل خنثى مشكل أو أولج الخنثى ذكره في فرج أو وطئ أحدهما الآخر في قبله فلا غسل على واحد منهما لأنه يحتمل أن يكون خلقة زائدة فلا يزول عن الطهارة بالشك، وإذا كان الواطئ صغيرا أو الموطوءة صغيرة فقال أحمد يجب عليهما الغسل، وإذا كانت الصبية بنت تسع سنين ومثلها يوطأ وجب عليها الغسل، وسئل عن الغلام يجامع مثله ولم يبلغ فجامع امرأة يكون عليهما جميعا الغسل، قال نعم قيل له أنزل أو لم ينزل؟ قال نعم، وحمل القاضي كلام أحمد على الاستحباب، وهو قول أصحاب الرأي وأبي ثور انتهي. ولو لف على ذكره خرقة إن كان يجد حرارة الفرج يجب كإدخال ذكر الأقلف وإلا فلا، ولو أدخلت المرأة في فرجها ذكر بهيمة أو ميتة لا يجب إلا بالإنزال، خلافا للشافعي وأحمد وفي " المحيط " لو أتى امرأة وهي بكر فلا غسل ما لم ينزل لأن ببقاء البكارة يعلم أنه لم يوجد الإنزال، ولكن إذا جومعت البكر فيما دون الفرج فحبلت فعليها الغسل لوجود الإنزال لأنه لا حبل بدونه، ولو جامعها فيما دون الفرج فدخل منيه في فرجها لا يجب عليها الاغتسال منه، فإن حبلت منه يجب من وقت دخوله حتى يجب عليها قضاء الصلوات الماضية. وعن محمد: مراهق له امرأة بالغة جامعها فعليها الغسل لأنها مخاطبة ولا غسل عليه لعدم الخطاب، وفي العكس الحكم بالعكس لانعكاس العلة، وإذا جومعت المرأة فاغتسلت ثم خرج منها مني الرجل لا غسل عليها لعدم نزول الماء منها، وجماع الخصي يوجب الغسل على الفاعل والمفعول به. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا التقى الختانان وغابت الحشفة وجب الغسل أنزل أو لم ينزل» ش: الحديث أخرجه الإمام أبو محمد عبد الله بن وهب في "مسنده " أخبرنا الحارث بن شهاب عن محمد بن عبيد الله عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سئل عما يوجب الغسل فقال "إذا التقى الختانان وغابت الحشفة وجب الغسل أنزل أو لم ينزل» . وذكر عبد الحق في "أحكامه " من جهة ابن وهب وقال: إسناده ضعيف جدا، فالظاهر إنما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 ولأنه سبب للإنزال ونفسه يتغيب عن بصره، وقد يخفى عليه لقلته   [البناية] ضعفه بالحارث بن نبهان، وقد يعضد هذا ما رواه الطبراني في " الأوسط " أخبرنا عبد الله بن عمر الصفار حدثنا يحيى بن غيلان حدثنا عبد الله بن سريع عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إلى آخره نحوه، ومعناه في "الصحيحين" عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قعد بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل» ، زاد مسلم في رواية وإن لم ينزل. وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذ جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل» ، رواه مسلم. وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل، وفعلته أنا ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاغتسلنا» . رواه الترمذي وصححه. وعن عائشة قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا التقى الختانان اغتسل» . رواه الطحاوي، وعنها «إذا التقى الختانان وجب الغسل» . رواه الطحاوي موقوفا ومرفوعا. وعن عبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «إذا اختلف الختان الختان فقد وجب الغسل.» رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه " والطحاوي. وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مثله رواه الطحاوي. وعن «عبد الرحمن بن الأسود قال كان أبي يبعثني إلى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قبل أن أحتلم فلما احتلمت جئت فناديت فقلت ما موجب الغسل قالت إذا التقت المواسي» . أخرجه الطحاوي ومحمد بن سعد في " الطبقات ". قوله شعبها: بضم الشين النواحي وهو جمع شعبة ويروى شعبها جمع شعب، واختلفوا في الشعب الأربع فقيل هي اليدان والرجلان والفخذان. وقيل الرجلان والشفران، واختار القاضي عياض أن المراد شعب الفرج الأربع أي نواحيه الأربع، والضمير يرجع إلى المرأة وإن لم يمض ذكرها لدلالة السياق، أما قوله اختلف الختان الختان أي إذا جاوز أحدهما موضع الآخر، وهو كناية عن مجاوزة أحدهما الآخر بعد الملاقاة. قوله: إذا التقت المواسي كناية عن التقاء الختانين لأن الختان يكون بالموسى فذكرت المواسي، والمراد بها المواضع التي يختن فيها، وهذه من أحسن الكنايات حيث صدرت من امرأة عظيم الشأن ليتناول أول ما احتلم وكلاهما بصدد الحياء. م: (ولأنه) ش: أي ولأن التقاء الختانين م: (سبب للإنزال) ش: أي إنزال المني، والشيء الذي يترتب عليه حكم إذا كان خفيفا وله سبب ظاهر يقام السبب الظاهر مقام الأمر الخفي ويرتب على الحكم وها هنا التقاء الختانين سبب للإنزال ونفسه خفي وهو معنى قوله: م: (ونفسه) ش: أي نفس الإنزال الذي ترتب عليه الغسل م: (يتغيب عن بصره) ش: أي عن بصر المنزل م: (وقد يخفى عليه) ش: أي وقد يخفى الإنزال عن المنزل م: (لقلته) ش: أي لقلة المني م: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 فيقام مقامه، وكذا الإيلاج في الدبر لكمال السببية، ويجب على المفعول به احتياطا بخلاف البهيمة وما دون الفرج   [البناية] (فيقام) ش: أي التقاء الختانين م: (مقامه) ش: بضم الميم الأولى أي مقام الإنزال، كما في السفر مع المشقة التي ترتب عليها القصر في السفر، فقال الضمير يرجع في قوله إلى الخروج يعني على تقدير انحصار وجوب الغسل من المني، فالمني قائم في الالتقاء تقديرا والثابت في مثله الإنزال. وقال الأترازي: قوله وقد يحقق عليه جواب سؤال مقدر وهو أن يقال سلمنا أن نفس المني يتغيب عن بصره ولكن لا نسلم الخفاء لعلم الرجل بخروج المني. فأجاب عنه بقوله وقد يخفى اه. وقال تاج الشريعة: فإن قلت الماء من الماء يقتضي عدم وجوب الاغتسال بالالتقاء. قلت: لا نسلم وهذا لأن قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الماء من الماء» أي من المني تحقيقا أو تقديرا إذ الغالب الإنزال. م: (وكذا الإيلاج في الدبر) ش: أي حكم الإيلاج في القبل حكم الإيلاج في الدبر م: (لكمال السببية) ش: أي لكمال سببية خروج المني، حتى إن الفسقة اللاطة يرجحون قضاء الشهوة من الدبر على قضاء الشهوة من القبل للين والحرارة والضيق، وعن هذا ذهب بعضهم أن محاذاة الأمرد في الصلاة يفسد صلاة غيره كالمرأة. قلت: نقل ذلك عن محمد في " نوادر الصلاة " م: (ويجب) ش: أي الغسل م: (على المفعول به) ش: إن كان من أهل وجوب الاغتسال م: (احتياطا) ش: أي لأجل وجوب الاحتياط لأن من الناس صارت له تلك الفعلة الشنعاء طبيعة ويجد بها لذة كالمرأة. قلنا: بوجوب الاغتسال، كذا قاله تاج الشريعة. قلت: هذا إنما يظهر بالمفعول به إذا كانت به أنبه، وإلا فالذي ذكره إلا في الفاعل، قال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الزيادات ": من أتى امرأته أو أمته في غير ما أتاها لم يحد وإن كان محرما عليه لأن من الناس من يستحله بتأويل القرآن. واتفقوا على أن الغسل يجب على الفاعل والمفعول به إن كانا من أهل الاغتسال رجلا كان أو امرأة لتيقن الإيلاج عن غير إنزال أما عندهما فإنه للزنا. وعند أبي حنيفة الاغتسال بنفس الإيلاج إنما يجب في الغسل لأنه مشتهى على الكمال، فالظاهر أنه عند انقضاء الشهوة فهو سببه نزول الماء فأقيم الإيلاج مقام الإنزال ولا خلل في الشهوة هنا فيصار تشبها للاشتباه مثل الوطء في القبل فوجب للاحتياط، ولما اعتبر الإيلاج دون الإنزال استوى الفاعل والمفعول فيه. م: (بخلاف البهيمة وما دون الفرج) ش: هذا متصل بقوله فيقام مقامه، أي فيقام سبب الإنزال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 لأن السببية ناقصة. وقال: والحيض لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] بالتشديد،   [البناية] في المسألتين في الآدمي بخلاف البهيمة، فإنه لا يجب فيها الغسل بمجرد الإيلاج من غير إنزال وبخلاف ما دون الفرج كالفخذ والبطن لا يجب فيه الغسل أيضا. م: (لأن السببية ناقصة) ش: عند عدم الإنزال. م: (والحيض) ش: بالرفع عطفا على قوله والتقاء الختانين أي ومن المعاني الموجبة للغسل الحيض واختلفوا في تفسيره فقال السغناقي: أي الخروج من الحيض لأن الحيض ما دام باقيا لا يجب الغسل لعدم الفائدة. قال الأترازي: لا حاجة إلى هذا التكليف لأنا اقتبسنا من قبل أن نفس الحيض سبب للغسل بدليل الإضافة، فلا حاجة إذن إلى قوله: المراد منه الخروج، وهو لا يضاف الغسل إليه بأن يقال غسل الخروج من الحيض حتى يتكلف المتكلف، أما قوله لا فائدة في وجوب الغسل فلا نسلم بل فيه فائدة حيث يظهر الوجوب عند وجود الشرط وهو الطهر من الحيض، وفيه نظر لأن الحيض اسم لدم مخصوص والجوهر لا يصح أن يكون سببا للمعنى، فكيف يقول الحيض سبب للغسل؟ وقال صاحب " التوضيح ": معنى قوله والحيض أي انقطاعه والخروج عنه لأن نفس الحيض ما دام باقيا لا يجب الغسل لعدم الفائدة، وإنما يجب عند الانقطاع، وفيه نظر لأن الانقطاع طهر فلا يوجب الطهارة وقد شنع الأترازي على حافظ الدين النسفي في قوله المراد بالحيض انقطاعه؛ لأنه يلازمه فقال: وفي غاية العجب ذلك ورد عليه بمنع الملازمة بينهما لوجود الحيض قبل الانقطاع ووجوب الانقطاع بعده فكان أحدهما منفكا عن الآخر فلا ملازمة بينهما. وقال تاج الشريعة: والحيض أي خروج دم الحيض وهو الدم المخصوص يوجب الغسل، وهو الذي فسره تاج الشريعة فيكون مجازا من باب الحذف كما في قول تعالى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] (يوسف: الآية 82) لأن نفس الدم لا يوجب شيئا، وهذا أولى وأظهر مما نسب إلى حميد الدين الضرير حيث قال: الخروج من الحيض مستلزم للغسل فوجب الاتصال فصحت الاستعارة ولأن الخروج من الحيض عين انقطاعه، والانقطاع طهر والطهر لا يوجب الإطهار. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] بالتشديد) ش:، وجه التمسك به على وجوب الاغتسال هو أن الله تعالى منع الزوج من الوطء قبل الاغتسال والوطء تصرف واقع في ملكه فلو كان الاغتسال مباحا أو مستحبا لم يمنع الزوج من حقه، فيعلم أن واجب قوله حتى يطهرن بالتشديد معناه حتى يطهرن أي يغتسلن، وقرئ بالتخفيف معناه حتى ينقطع دمهن، وكلا القراءتين يجب العمل بهما، فذهب أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أن له أن يقربها في أكثر الحيض بعد انقطاع الدم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 وكذا النفاس بالإجماع. قال: وسن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: الغسل للجمعة والعيدين وعرفة والإحرام   [البناية] وإن لم تغتسل وفي أقل الحيض لا يقربها حتى تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة كامل وذهب الشافعي إلى أنه لا يقربها حتى تطهر وتنظف فيجمع بين الأمرين. م: (وكذا النفاس بالإجماع) ش: أي وكذا الخروج من النفاس يوجب الغسل بالإجماع، وسنده أنه لا نص ورد فيه واكتفوا به عن نقله أو قياس على الحيض لأنه أقوى، ونقل الإجماع ابن المنذر وابن جرير الطبري وغيرهما. [الأغسال المسنونة] [الغسل للجمعة والعيدين وعرفة والإحرام] م: (وسن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الغسل للجمعة والعيدين وعرفة والإحرام) ش: أما الجمعة ففي " الصحيحين " من حديث عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل» وليس الأمر للوجوب كما أخذ به أهل الظاهر، لأن الأمر بالغسل ورد على سبب وقد زال السبب فزال الحكم بزوال علته، لما رواه البخاري ومسلم من «حديث يحيى بن سعيد أنه سأل عمرة عن الغسل يوم الجمعة فقالت سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقالت: كان الناس في مهنة أنفسهم وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم فقيل لهم اغتسلوا» . وأخرج مسلم عن عروة عنها قالت: «كان الناس يتناوبون يوم الجمعة في منازلهم ومن العوالي فيأتون الغبار ويصيبهم من الغبار فيخرج منهم الرجل فأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو عندي فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لو أنكم تطهرتم» ، ويأتي الكلام عن قريب إن شاء الله تعالى. وأما العيدان فروي عن الفاكه بن سعد أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى ويوم عرفة» ، وكان الفاكه بن سعد يأمر أهله بالغسل في هذه الأيام، رواه ابن ماجه ورواه الطبراني في "معجمه " والبزار في "مسنده "، وزاد فيه يوم الجمعة قال ولا يعرف للفاكه بن سعد غير هذا الحديث، وهو صحابي مشهور، وفيه يوسف بن خالد السهمي قال في " الإمام ": تكلموا فيه. وروى ابن ماجه من حديث ابن عباس قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى» . وفيه جبارة بن المغلس وهو ضعيف، وقال ابن عدي: لا بأس به. وروى البزار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 نص على السنية وقيل: هذه الأربعة مستحبة، وسمى محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الغسل في يوم الجمعة حسنا في الأصل، وقال مالك: وهو واجب لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أتى الجمعة فليغتسل»   [البناية] في "مسنده " عن مندل عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغتسل للعيدين» . وذكر عبد الحق من جهة البزار وقال إسناده ضعيف. وقال ابن القطان: وعلته محمد بن عبيد الله، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث. وأما عرفة فقد تقدم في حديث الفاكه بن سعد. وأما الإحرام فأخرج مسلم في الحج «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر بالشجرة فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بكر أن يأمرها أن تغتسل وتهل» . والشجرة اسم موضع. وأخرج الترمذي أيضا في الحج «عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تجرد لإهلاله واغتسل» . وقال حديث غريب. م: (نص) ش: أي القدوري م: (على السنية) ش: يعني في هذه الأربعة م: (وقيل) ش: قائله فما قيل مالك في رواية عنه وعن مالك أنه حسن على ما نذكره. م: (هذه الأربعة) ش: يعني غسل الجمعة والعيدين وعرفة والإحرام م: (مستحبة) ش: وهو قول طائفة من العلماء م: (وسمى محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الغسل يوم الجمعة حسنا) ش: نص محمد على ذلك. م: (في الأصل) ش: أي " المبسوط " م: (وقال مالك: هو واجب) ش: أي غسل الجمعة واجب وبه قال الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح والمسيب بن رافع وجماعة الظاهر. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من أتى الجمعة فليغتسل» ش: الحديث رواه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر باللفظ المذكور، وأخرجه البخاري ومسلم ولفظهما «من جاء منكم الجمعة فليغتسل» . وحديث آخر روياه يدل صريحا على الوجوب من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم» . وحديث آخر روياه أيضا من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «حق الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل»   [البناية] على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام زاد البزار والطحاوي وذلك يوم الجمعة» . ثم اعلم أن نقل صاحب " الهداية " عن مالك أن غسل الجمعة واجب غير صحيح، فإن ابن عبد البر قال في " الاستدراك " وهو أعلم بمذهب مالك: لا أعلم أحدا أوجب غسل الجمعة إلا أهل الظاهر، فإنهم أوجبوه، ثم قال: روى ابن وهب عن مالك أنه سئل عن غسل يوم الجمعة أواجب هو؟ قال هو سنة ومعروف، قيل في الحديث أنه واجب قال ليس كل ما جاء في الحديث يكون كذلك. وروى أشهب عن مالك أنه سئل عن غسل يوم الجمعة أواجب هو؟ قال: حسن وليس بواجب، وهذه الرواية عن مالك تدل على أنه مستحب وذلك عندهم دون السنة. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل» ش: روى هذا الحديث سبعة من الصحابة وهم سمرة بن جندب وأنس وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وجابر وعبد الرحمن بن سمرة وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فحديث سمرة أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " من توضأ "، إلى آخره. وقال الترمذي حديث حسن صحيح، واختلف في سماع الحسن عن سمرة فعن ابن المديني أنه سمع منه مطلقا وذكر عند البخاري وقال صاحب " التنقيح " قال ابن معين: الحسن لم يلق سمرة، وقال النسائي سمع منه حديث العقيقة فقط. وحديث أنس عند ابن ماجه عنه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت يجزئ عنه الفريضة ومن اغتسل فالغسل أفضل» وسنده ضعيف وله طريق آخر عند الطحاوي والبزار في "مسنده " سندا ضعيفا من ذلك وله طريق آخر عند الطبراني. وحديث الخدري رواه البيهقي في "سننه " والبزار في "مسنده " عن أسيد بن زيد الجمال عن شريك عن عون عن أبي نصرة عن أبي سعيد فذكره، قال البزار: لا نعلم رواه عن عوف إلا يزيد، ولا عن شريك إلا أسيد بن زيد، وأسيد كوفي قد احتمل حديثا عن شيعية شديدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] كانت فيه. وقال ابن القطان: قال الدوري: عن ابن معين أنه كذاب. وقال الساجي: له مناكير. وقال ابن حبان: يروي عن الثقات المنكرات ومع هذا فقد أخرج البخاري له وهو ممن عيب عليه الإخراج عنه. وحديث أبي هريرة عن البزار في "مسنده " عن أبي بكر الهذلي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مسندا مرفوعا نحوه. ورواه ابن عدي في " الكامل " وأعله بأبي بكر الهذلي واسمه سلمى بن عبد الله. وحديث جابر عند أبي جميل في "مسنده " وعبد الرزاق في "مصنفه " وإسحاق بن راهويه في "مسنده " وابن عدي في " الكامل ". وحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البيهقي في "سننه ". قوله: "فبها ونعمت" جواب الشرط أي فبهذه الخصلة أو الفعلة ينال الفضل "ونعمت" الخصلة هي فعل الوضوء. وقيل: معناه فبالسنة أخذ ونعمت الخصلة هذه أي الأخذ بالسنة، وحذف المخصوص بالمدح. قلت: جميع شراح كتب الحديث وكتب الفقه فسروا هذا الحديث هكذا، ولم يوفوا حقه لأن فيه أشياء وهي الباء فلا بد لها من متعلق، والضمير فلا بد له من مرجع وإلا يلزم الإضمار قبل الذكر، وضمير آخر وهو قوله: فهو والمخصوص بالمدح في قوله: "ونعمت" وتأنيث الفعل فيه وفيه أفعل التفضيل، واستعماله في أحد الأشياء الثلاثة كما علم في موضعه، فنقول وبالله التوفيق إن هذا الحديث يتضمن شيئين أحدهما: الإتيان بالوضوء وهو فعل المتوضئ، والوضوء في نفسه فاضل، والآخر الإتيان بالغسل وهو أفضل بالنسبة إلى الوضوء لأن فيه الوضوء، وأشار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الأول بقوله: «من توضأ يوم الجمعة» ، يعني من فعل الوضوء يوم الجمعة فقد أتى بها أي بهذه الفعلة ونعمت هي، والمعنى: نعمت الفضيلة هي فصار قولنا أتى متعلقا بالباء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 وبهذا يحمل ما رواه على الاستحباب   [البناية] والضمير صار راجعا إلى الفعلة التي دل عليها قولنا: من فعل الوضوء. وأما قولنا: يعني من توضأ من فعل الوضوء لأن كل فعل يفعله الشخص يأتي فيه هذا التقدير، فإذا قلت: قام زيد معناه فعل القيام، وإذا قلت: أكل معناه فعل الأكل، وعلى هذا سائر الأفعال لأن الفاء والعين واللام أعم الأفعال، ولهذا اختار الصرفيون هذه المادة في وزن الأشياء وتأنيث نعمت باعتبار أن الضمير يرجع إلى الفعلة المذكورة، والمخصوص بالمدح محذوف كما قلنا. وأشار - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى الثاني بقوله: «ومن اغتسل» بمعنى ومن فعل الغسل يوم الجمعة فهو أفضل من الوضوء، والضمير في فهو يرجع إلى الفعل الذي يتضمن من فعل وهو الغسل، وفي نفس الأمر يرجع إلى الفعل الذي يدل عليه قوله اغتسل لأن كل فعل يدل على مصدره وهو من قبيل قَوْله تَعَالَى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] (المائدة: الآية 8) أي العدل أقرب. وقد علم أن أفعل التفضيل يستعمل مجردا كما في قولنا الله أكبر أي أكبر من كل شي فإن قلت: أفعلية التفضيل تدل على الوجوب ولا تثبت المساواة، قلت: السنة بعضها أفضل من بعض فجاز أن يكون الغسل من تلك السنن، فإن قلت: ما ذكرنا يقتضي وما ذكرتم ناف فالأول راجح، قلت: قوله فبها ونعمت نص على السنة وما ذكرتم يحتمل أن يكون أمر إباحة فالعمل بما ذكرنا أولى. م: (وبهذا) ش: أي وبهذا الحديث المذكور م: (يحمل ما رواه) ش: أي ما رواه مالك وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أتى الجمعة فليغتسل» . م: (على الاستحباب) ش: توفيقا بين الحديثين، فإن قلت: هذا الحديث ضعيف وحديث مالك صحيح فكيف التوفيق بين الصحيح والضعيف، قلت: قد روينا هذا الحديث عن سبعة أنفس من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كما ذكرنا، فحديث سمرة صحيح كما نص عليه الترمذي. وحديث أنس المذكور إنما ضعف لأجل يزيد بن أبان الرقاشي، قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به لرواية الثقات عنه، وقال ابن حبان: كان من خيار عباد الله القائمين بالليل، أو ضعفه لأجل الربيع بن صبيح، قال أبو زرعة: شيخ صالح صدوق، وقال ابن عدي: له أحاديث مستقيمة صالحة ولم أر له حديثا منكرا أرجو أنه لا بأس به. وصبيح بفتح الصاد. ولئن سلمنا ذلك فالأحاديث الضعيفة إذا ضم بعضها إلى بعض أخذت قوة فبها اجتمعت فيها من الحكم كذا قاله البيهقي وغيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 أو على النسخ.   [البناية] م: (أو على النسخ) ش: أي أو يحمل حديث مالك على أنه منسوخ قاله الأترازي لئلا تلزم المعارضة بين القطعي والظني، وهما آية الوضوء وخبر الواحد، قلت: ليس هذا دليل النسخ على ما لا يخفى بل يكون فيه مخالفة الكتاب بخبر الواحد لأنه يوجب غسل الأعضاء الأربعة عند القيام إلى الصلاة مع الحدث، فلو وجب الغسل لكان زيادة عليه بخبر الواحد وهذا لا يسمى نسخا بل يصير كالنسخ فافهم. وقال الأكمل قوله: أو على النسخ: بدليل ما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنهما قالا: كان الناس عمال أنفسهم، وكانوا يلبسون الصوف ويعرقون فيه ويأتون المسجد فكان يتأذى بعضهم برائحة بعض فأمروا بالاغتسال، ثم انتسخ حين لبسوا غير الصوف وتركوا العمل بأيديهم. قلت: هذا بعينه ذكره السغناقي وهو نقله عن المبسوط وليس ما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على هذه الصورة. أما ما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقد ذكرناه عن قريب. وأما ما روي عن ابن عباس فهو ما رواه أبو داود عن عكرمة أن ناسا من أهل العراق جاءوا فقالوا: يا ابن عباس أترى الغسل يوم الجمعة واجبا؟ قال: لا، ولكن أطهر وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب، وسأخبركم كيف بدأ الغسل، كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويعملون على ظهورهم وكان مسجدهم ضيقا مقارب السقف إنما عريش فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في يوم حار وعرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضا، فلما وجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلك الريح قال: «يا أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه» . قال ابن عباس: ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف، وكفوا العمل، ووسع مسجدهم، وذهب بعض الذين كان يؤذي بعضهم بعضا من العرق. وأخرجه الطحاوي أيضا في " معاني الآثار "، ثم قال: فهذا ابن عباس يخبر أن ذلك الأمر الذي كان من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالغسل لم يكن للوجوب عليهم، وإنما كان لعلة، ثم ذهبت تلك العلة فذهب الغسل. قوله: أطهر، وفي رواية الطحاوي ولكنه طهور أي مطهر وخير لمن اغتسل في الثواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قوله: كيف بدأ الغسل أي كيف كان ابتداؤه. قوله: مجهودين من جهد الرجل فهو مجهود إذا وجد مشقة. قوله: عريش وهو كان ما يستظل به والمراد أن سقفه كان من الجريد والسعف. وقوله: ثارت أي هاجت من ثار يثور ثورا وثورانا إذا مطمع: قوله: أفضل ما يجد، وفي رواية الطحاوي أمثل ما يوجد. قوله: ومن دهنه يتناول سائر الأدهان نحو الزيت ودهن السمسم وغير ذلك، وكذلك الطيب يتناول سائر أنواع الطيب نحو المسك والعنبر وغيرهما. قوله: ثم جاء الله بالخير إشارة إلى أن الله تعالى فتح الشام ومصر والعراق على أيدي الصحابة فكثرت أموالهم ومعاشهم وخدمهم، فغيروا السقف والبناء وغير ذلك. فإن قلت: قال ابن حزم حديث ابن عباس روي من طريقين، أحدهما: من طريق محمد بن معاوية النيسابوري، وهو معروف بوضع الأحاديث والكذب، والثاني: من طريق عمرو بن أبي عمرة عن عكرمة وهو ضعيف لا يحتج به، ثم لو صح من طريق عمرو بن أبي عمرة فليس فيه لهم بل حجة لنا عليهم، لأنه ليس فيه من كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا الأمر بالغسل فإيجابه وكل يتعلقوا به في إسقاط وجوب الغسل فليس من كلامه عليه، وإنما هو من كلام ابن عباس وظنه ولا حجة لأحد دونه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قلت: الحديث صحيح وعمرو بن أبي عمرة احتجت به جماعة، وعكرمة مولى ابن عباس، قال البخاري: ليس أحد من أصحابنا إلا وهو يحتج بعكرمة. وقال العجلي: مكي تابعي ثقة بريء مما يرميه الناس به من الحرورية فلا التفات إلى تضعيف ابن حزم إياه لترويج مذهبه وقوله: فليس فيه حجة لهم، كلام ساقط لأن ابن عباس لو لم يدر عدم وجوب الغسل يوم الجمعة لما قال: لا، حين سئل عنه، وكيف وقد روي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه كان يأمر به وهو أعلم الناس بما وافق النصوص وعللها ومواردها وما يتعلق بأحكامها، ولما كان الأمر كذلك حمل بعضهم الأمر على الاستحباب، ولفظ الوجوب على التأكيد للاستحباب، كما تقول: كان حقك واجبا علي والعدة دين وهو أضعف من الأول، ويدل عليه ما قرن به مما ليس بواجب وهو الدهن والطيب. وقال تاج الشريعة: قوله: أو على النسخ لأنه وجد دلالة التقديم، وهي ما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: كان الصحابة في بدء الإسلام عمال أنفسهم ويلبسون الجلود والحرص الحجازي والمسجد قريب السقف فأمرهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالغسل دفعا للرائحة فلما ظهرت الثروة والغنى فيهم قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من توضأ يوم الجمعة» الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 ثم هذا الغسل للصلاة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الصحيح لزيادة فضيلتها على الوقت واختصاص الطهارة بها، وفيه خلاف الحسن   [البناية] قلت: لم يرد هذا الحديث عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - على هذا الوجه، وإنما روي في " الصحيحين " أنها قالت: "كان الناس يتناوبون" الحديث وقد ذكرناه فيما مضى، واستدل تاج الشريعة بقولها: "فلما ظهرت الثروة" إلى آخره على النسخ، لأن قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: من توضأ الحديث يدل على أنه مؤخر بمقتضى ما في هذه الرواية، والمتأخر ينسخ المتقدم، ولكن هذا إنما يصح إذا ثبت هذا عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - على الوجه المذكور، على أن ابن الجوزي أنكر النسخ فقال: لا ناسخ معهم، ولكن سمعت حديث رواه ابن عدي في " الكامل " يدل على أنه ناسخ لأحاديث الوجوب، وهو ما رواه من حديث الفضل بن المختار عن أبان بن أبي عياش، عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من جاء منكم الجمعة فليغتسل فلما كان الشتاء قلت: يا رسول الله أخبرنا بالغسل للجمعة وقد جاء الشتاء ونحن نجد البرد، فقال: من اغتسل فبها ونعمت ومن لم يغتسل فلا حرج» قلت: قد شد بغيره. فإن قلت: إذا ثبت النسخ ينبغي أن يرتفع الغسل يوم الجمعة. قلت: المراد نسخ الوجوب لا كونه مشروعا، كما تقول نسخت الزكاة كل صدقة ونسخ صوم رمضان كل صوم. م: (ثم هذا الغسل) : ش: أي غسل يوم الجمعة م: (للصلاة عند أبي يوسف) ش: أي لأجل الصلاة بمعنى لا يحصل له الثواب إلا إذا صلى يوم الجمعة بهذا الغسل حتى لو اغتسل أول اليوم وانتقض وضوؤه وتوضأ وصلى لا يكون مدركا لثواب الغسل. م: (وهو الصحيح) ش: أي ما ذهب إليه أبو يوسف هو الصحيح، واحترز به عن قول الحسن بن زياد فإنه قال لليوم على ما نذكره الآن. م: (لزيادة فضيلتها على الوقت) ش: أي لزيادة فضيلة الصلاة في يوم الجمعة على غيرها من الصلوات، لأنها تؤدي بجمع عظيم فلها من الفضيلة ما ليس لغيرها. م: (واختصاص الطهارة بها) ش: أي بالصلاة فإنها من شرائطها م: (وفيه) ش: أي وفي كون غسل يوم الجمعة للصلاة م: (خلاف الحسن) ش: فإنه يقول غسل يوم الجمعة لليوم إظهارا لفضيلته، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «سيد الأيام يوم الجمعة» . والجواب عنه: أن سيادة اليوم باعتبار وقوع هذه الصلاة فيه، ويقول الحسن: قال داود في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 والعيدان بمنزلة الجمعة، لأن فيهما الاجتماع فيستحب الاغتسال دفعا للتأذي بالرائحة، وأما في عرفة والإحرام فسنبينه في المناسك إن شاء الله تعالى. قال: وليس في المذي والودي غسل، وفيهما الوضوء؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل فحل يمذي وفيه الوضوء»   [البناية] " المبسوط " وهو قول محمد وفي " المبسوط " وهو رواية عن أبي يوسف فعلى هذا عن أبي يوسف روايتان، وقيل: تظهر الفائدة من هذا الخلاف فيمن اغتسل بعد الصلاة قبل الغروب إن كان مسافرا أو عبدا أو امرأة ممن لا يجب عليه الجمعة، وهو بعيد لأن المقصود منه إزالة الروائح الكريهة لئلا يتأذى الحاضرون بها، وذلك لا يتأذى بعدها، ولو اتفق يوم الجمعة ويوم العيد أو يوم عرفة فاغتسل وقع عن الكل، وفي " صلاة الجلالي " لو اغتسل يوم الخميس أو ليلة الجمعة أتى بالسنة لحصول المقصود وهو قطع الرائحة. م: (والعيدان) ش: أي عيد الفطر وعيد النحر م: (بمنزلة الجمعة لأن فيهما الاجتماع فيستحب الاغتسال دفعا للتأذي بالرائحة) ش: هذا التعليل يشعر أن كون الغسل في يومي العيدين سنة أو مستحب لدفع الرائحة الكريهة، فلا هو لليوم. ولا هو للصلاة، والمفهوم من كلام الجلالي أن العلة هي دفع الأذى من الروائح الكريهة في الجمعة أيضا. م: (وأما في عرفة والإحرام فسنبينه في المناسك إن شاء الله تعالى) ش: قد بينا الأحاديث الواردة فيهما فيما مضى، واعلم أن صاحب " الخلاصة " ذكر للغسل أحد عشر نوعا: خمسة منها فريضة الغسل لالتقاء الختانين، ومن الإنزال، والاحتلام، والحيض، والنفاس، وأربعة سنة: غسل الجمعة، والعيدين، وعرفة، والإحرام، وواحد واجب: وهو غسل الميت، وواحد مستحب: وهو غسل الكافر إذا أسلم ولم يكن جنبا ولم يغتسل حتى أسلم ففيه اختلاف المشايخ. وفي " المحيط " أنواع الغسل سبعة: ثلاثة فرض: غسل الجنابة، والحيض، والنفاس، وأربعة سنة: مثل ما ذكرنا، وواحد واجب: مثل ما ذكرنا، وواحد مستحب: وهو غسل الكافر إذا أسلم، والمجنون إذا أفاق والصبي إذا بلغ بالسن، وإن بلغ بالإنزال وجب. وفي شرح " مختصر الطحاوي " نص على استحباب الثلاثة الكرماني في "مناسكه "، وينبغي أن يستحب الاغتسال لصلاة الكسوف والاستسقاء وكل ما كان في معنى ذلك لاجتماع الناس، وإن لم يذكر، وألا يجبر المسلم زوجته على غسل الجنابة لأنها غير مخاطبة بها ويمنعها من الخروج للكنائس. م: (وليس في المذي والودي غسل) ش: لما روى مسلم «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال كنت رجلا مذاء فكنت أستحي أن أسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمكان ابنته عندي فأمرت المقداد بن الأسود فسأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال يغسل ذكره ويتوضأ» ، وفي رواية فيه الوضوء م: (وفيهما الوضوء لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل فحل يمذي وفيه الوضوء» ش: هذا خبر من حديث رواه ثلاثة من الصحابة - رضي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عنهم - وهم عبد الله بن سعد، ومعقل بن يسار وعلي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فحديث عبد الله بن سعد عن أبي داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن حزام بن حكيم «عن عبد الله بن سعد الأنصاري قال سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عما يوجب الغسل وعن الماء يكون بعد الماء فقال ذاك المذي وكل فحل يمذي فتغسل من ذلك فرجك وتوضأ وضوءك للصلاة» ، ورواه أحمد في مسنده. وحديث معقل بن يسار عند الطبراني في "معجمه " من حديث إسماعيل بن عياش عن عطاء بن عجلان عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار أن «عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يلقى من المذي شدة فأرسل رجلا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأله عن ذلك المذي، قال: "ذلك المذي وكل فحل يمذي، اغسله بالماء وتوضأ وصل» . وحديث علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطحاوي في " شرح معاني الآثار " عن صالح بن عبد الرحمن قال: "حدثنا سعيد بن منصور قال: أخبرنا هشيم قال: أخبرنا الأعمش عن منذر بن يعلى الثوري «عن محمد بن الحنفية قال سمعته يحدث عن أبيه قال كنت أجد مذيا فأمرت المقداد أن يسأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك واستحييت أن أسأله لأن ابنته عندي فقال إن كل فحل يمذي فيغسل فإذا كان» . ورواه إسحاق بن راهويه أيضا في "مسنده " ولفظه: «أنه سئل عن المذي فقال: "كل فحل بمذي فيغسل ذكره ويتوضأ» . قوله: كل فحل أي كل ذكر من بني آدم يخرج من ذكره مذي. قوله: يمذي من أمذى ومن مذا بالتخفيف ومن مذي بالتشديد. وأشار إلى نفي وجوب الغسل بعلة كثرة الوقوع بقوله: «كل فحل يمذي» . فإن قلت: إذا كان الواجب الوضوء كان الواجب أن يذكرهما في فصل نواقض الوضوء. قلت: لما كانا يشابهان المني ذكرهما في فصل الغسل. وقال الأكمل: الأوجه أن يقال: إنما ذكره هاهنا لأن أحمد يقول: بوجوب الغسل في رواية، فذكر هاهنا نفيا لما قاله. قلت: لم تجر عادة المصنف أن يذكر شيئا ليدل على نفي قول أحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 والودي: هو الغليظ من البول يتعقب الرقيق منه خروجا فيكون معتبرا به   [البناية] فإن قلت: إذا كان حكمه الوضوء كان ذكره مستغنيا عنه بالكلية لأنه علم من قوله: «يخرج من السبيلين» . قلت: لما ذكره هنا للتأكيد وإن كان فهم من ذاك هذا الجواب للأترازي وأخذ عنه الأكمل أيضا، وقال الأكمل أيضا: وقيل ذكره تصريحا بالنفي لقول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه لا يقول بوجوب الغسل والوضوء بهما. وأجاب الأترازي بجواب آخر وهو أن يكون لبيان حكمها فيمن به سلس البول لأن طهارته لا تنقض بالبول في الوقت، وربما ينتقض. وقال تاج الشريعة: إنما ذكرهما لكونهما متشابهين للبول والحال أن الغسل لا يجب بهما فمست الحاجة إلى الذكر. م: (والودي) ش: بفتح الواو وسكون الدال المهملة، وفي " المطالع " وقد يقال معجمة وهو غير معروف ويقال أيضا بفتح الواو وكسر الدال وتشديد الياء من ودي بفتح العين، ويقال: من أودى بالألف م: (هو الغليظ من البول يتعقب الرقيق منه) ش: أي من البول م: (خروجا) ش: أي من حيث الخروج م: (فيكون معتبرا به) ش: أي بالبول. وقال أحمد: فإن قيل: نقض الوضوء بالودي غير متصور على التفسير المذكور في الكتاب لأنه لما خرج على أثر البول وقد وجب الوضوء بالبول فلم يجب بالودي. أجيب بأجوبة منها: إذا بال وتوضأ للبول ثم أودى فإنه يجب عليه الوضوء، ومنها أن من به سلس البول إذا توضأ للبول ثم أودى حال بقاء الوقت تنقض طهارته، ومنها أن الوضوء يجب في الودي لو تصور الانتقاض به وفيه ضعف. قال الأكمل: قلت هذا نظير تفريع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مسائل المزارعة، لو كان يقول بجوازها كان ذلك قياسا، ومنها أن المراد "يوجب الوضوء" يعني لا يوجد الاغتسال، ذكره الحلوائي، ومنها أن الوجوب بالبول لا ينافي الوجوب بالودي بعده فالوضوء منهما جميعا حتى لو حلف لا يتوضأ من رعاف فرعف ثم بال أو بال ثم رعف فتوضأ فالوضوء منهما جميعا ويحنث، أو حلف لا يغتسل من امرأته فلانة من جنابة فأصابها ثم أصاب غيرها واغتسل فهو منهما، هكذا في " المنتقى " ويحنث. وكذا المرأة إذا حلفت لا تغتسل من جنابة أو حيض فأصابها زوجها وحاضت فاغتسلت فهو منهما، وتحنث، وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيمن قال إن اغتسلت من زينب فهي طالق، وإن اغتسلت من عمرة فهي طالق، فجامع زينب ثم جامع عمرة فهما طالقان. وقال أبو عبد الله الجرجاني: الاغتسال من الأول دون الثاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 والمني خاثر أبيض ينكسر منه الذكر عند خروجه،   [البناية] وقال الفقيه أبو جعفر الهندواني إن اتحد الجنس بأن بال ثم رعف أو على العكس فالوضوء منهما جميعا، فعلى قول الجرجاني يكون الوضوء والغسل من الأول إن اتحد الجنس أو اختلف، وعلى قول الهندواني إن اتحد فمن الأول، وإن اختلف فمنهما جميعا، وعلى ظاهر الجواب الوضوء والغسل منهما جميعا كيف ما كان، وقيل: الودي ما يخرج بعيد الاغتسال من الجماع وبعد البول وهو من الزوج، فعلى هذا الإشكال ذكر الزوجة في الودي يخالف ما تقدم. م: (والمني خاثر أبيض ينكسر منه الذكر عند خروجه) ش: وزاد غيره ويتولد منه الولد. قال الأترازي: يرد على هذا التعريف مني المرأة لأن منيها ليس بتلك الصفة فإذن يحتاج إلى التعريف الجامع بين مني الرجل والمرأة جميعا، وقال: فما وجدت فيما عندي من الكتب ولا كتب اللغة يوجد منه إلا أنه ذكر في كتاب الأجناس ناقلا عن المجرد ويقال: المني هو الماء الدافق يكون منه الولد وهذا حسن. وقوله الماء الدافق احتراز عن الودي والمذي لأنه لا دفق فيهما. وقوله: المني يكون منه الولد، احترازا عن البول وعن ماء من الميزاب. ثم قال: لا يقال: ماء المرأة ليس بدافق لأنا نقول: لا نسلم لأن الله تعالى أراد بالماء الدافق ماء الرجل والمرأة جميعا حيث قال: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 7] (الطارق: الآية 7) قلت: هذا كلام عجيب صادر من غير روية. والتعريف الذي فسر المصنف المني به هو مني الرجل ولا يرد عليه، لأن مني كل منهما يعرف بتعريف، فمني الرجل ماء أبيض خاثر رائحته كرائحة الطلع فيه لزوجة ينكسر منه الذكر ويتولد منه الولد، ومني المرأة ماء أصفر رقيق فتعريف أحد الماهتين المختلفتين كيف يورد عليها بتعريف الماهية الأخرى، ثم استحسانه لما ذكر في " المجرد " بأن المني هو الماء الدافق الذي يكون منه الولد غير مساعد له لأن هذا أيضا مني الرجل، والدفق أيضا من صفات مني الرجل، وليس في مني المرأة دفق وقَوْله تَعَالَى: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] (الطارق: الآية 6) أي مدفوق في رحم المرأة. قال الإمام أبو الليث السمرقندي في "تفسيره " في قَوْله تَعَالَى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5] (الطارق: الآية 5) يعني فليعتبر الإنسان مم خلق، قال بعضهم: نزلت في شأن أبي طالب ويقال في جميع من أنكر البعث ثم بين أول خلقهم كي يعتبروا، فقال: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] يعني من ماء مهراق في رحم الأم. ويقال: دافق يعنى مدفوقا فهذا يدل صريحا على أن الدفق صفة ماء الرجل، جعله الله دافقا ليصل بقوة الدفق إلى قعر الرحم الذي يتولد منه الولد، ولولا الدفق لعقمت النساء الغائرات الأرحام. قال الزمخشري: الدفق صب فيه دفع وهذا لا يوجد إلا في مني الرجل وقوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 والمذي رقيق يضرب إلى البياض يخرج عند ملاعبة الرجل أهله،   [البناية] {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 7] (الطارق: الآية 7) . قال أبو الليث: يعني خلق من ماء الأب ومن ماء الأم، فماء الأب يخرج من الصلب، وماء المرأة يخرج من الترائب، وهو موضع القلائد. فإن قلت: كان ينبغي أن يقال من ماءين. قلت: قال الزمخشري ولم يقل ماءين لامتزاجهما في الرحم واتحادهما حين ابتداء خلقه، وقال أيضا الدفق في الحقيقة لصاحبه، والإسناد مجازي وصاحب الدفق هو الرجل، والمرأة ليس لها دفق. وقال أبو إسحاق العراقي: المني يخرج من الدماغ بعد نضجه ويصير دما أحمر في فقار الظهر إلى أن يصل إلى الكليتين فينضجانه، ثم يصبانه إلى أنثيين فينضجانه منيا أبيض، وهو خاثر رائحته كرائحة الطلع فيه لزوجة ينكسر الذكر عند خروجه وهذه صفة مني الرجل دون المرأة. والعجب من الأكمل أنه رضي بما قال الأترازي فقال: والتعريف الجامع لمني الرجل والمرأة أنه ماء دافق يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة، وقد قلنا: إن المرأة ليس لها دفق وهذا يمكن أن يكون تعريفا للمني المصبوب في رحم المرأة من جهتها الذي يتولد منه الولد إذا أراد الله. أما المني الذي تتعلق به الأحكام فاثنان: أحدهما مني المرأة والثاني مني الرجل، فلكل واحد منهما تعريف وحده، وإلا فتعريف القسمين بما ذكره كتعريف الإنسان والفرس بأنهما حيوان. ثم الفعل من المني مني وأمنى ومنى بالتشديد. وفي " نكت ابن الصلاح " في المني لغتان تشديد الياء وتخفيفها ولم يحكه الجوهري. م: (والمذي رقيق يضرب إلى البياض يخرج عند ملاعبة الرجل أهله) ش: المذي بفتح الميم وسكون الذال المعجمة، يقال: مذى الرجل بالفتح وأمذى بالألف وفي المطالع هو ماء رقيق يخرج عند التذكار والملاعبة بسكون الذال وكسرها يقال: مذى وأمذى ومذي. وقال عياض: فيه وجهان مذي بالتخفيف ومذي بالتشديد. ويقال: المذي من المرأة أيضا قال المبرد في " الكامل ": كل فحل يمذي وكل أنثى تمذي. قلت: من مذت الشاة إذا ألقت من رحمها بياضا. وقال الأترازي: فإن قلت: لم ذكر تعريف الودي سابقا والمني ثانيا والمذي ثالثا. قلت: لأن المصنف ذكر المذي والودي بعدما ذكر حكم المني سابقا، واستدل على عدم الغسل في المذي لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل فحل يمذي وفيه الوضوء» . ثم احتاج إلى الدليل في الودي فذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 وهذا التفسير مأثور عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -   [البناية] تعريفه لقربه بالبول لأنه يخرج عقيبه، فوقع تعريفه ثانيا ثم أراد أن يعرف المني والمذي، فقدم المني على المذي لقوة في المني دون المذي، فوقع تعريف المني ثانيا، والمذي ثالثا. قلت: هذا الذي ذكره مطولا ليس فيه مزيد الفائدة، والفقهاء لا ينظرون إلى رعاية محاسن التراكيب وإنما نظرهم في بيان المقصود ولا يرى ذلك إلا في التراكيب التي تقع في كلام الشارع لبيان الإعجاز وبيان الفصاحة، وسترى تساؤلا في كلام المصنف وغيره في الألفاظ والعبارات على ما ستقف عليه في مواضع إن شاء الله تعالى. م: (وهذا التفسير) ش: أي التفسير المذكور في المني والمذي والودي م: (مأثور عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) ش: ثم لم يثبت هذا عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. روى عبد الرزاق في "مصنفه " عن قتادة وعكرمة قالا: هي ثلاثة المني والمذي والودي، فالمني هو الماء الدافق الذي يكون فيه الشهوة، ومنه يكون الولد ففيه الغسل، وأما المذي فهو الذي يخرج إذا لاعب الرجل امرأته فعليه غسل الفرج والوضوء، وأما الودي فهو الذي يكون مع البول وبعده. وفيه غسل الفرج والوضوء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 باب الماء الذي يجوز به الوضوء وما لا يجوز به الطهارة من الأحداث جائزة بماء السماء والأودية والعيون والآبار والبحار   [البناية] [باب في الماء الذي يجوز به الوضوء وما لا يجوز] م: (باب في الماء الذي يجوز به الوضوء وما لا يجوز) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الماء الذي يجوز به الوضوء وفي بيان الماء الذي لا يجوز به الوضوء أيضا، غير أن المطلوب الأهم بيان ما يجوز به اقتصر عليه، ومعنى الباب في اللغة النوع، وفي الاصطلاح هو طائفة من مسائل العلم الفقهية يشتمل عليه الكتاب. والكتاب يجمع الأبواب والأبواب تجمع الفصول. ولما فرغ من بيان الوضوء والغسل وما يوجبهما شرع في بيان الآلة التي تحصل بها الطهارة في النوعين وهي الماء المطلق، والألف واللام في الماء للجنس، والماء جوهر سيال سببه خوف العطش وأصله موه قلبت الواو ألفا لتحريكها وانفتاح ما قبلها، والدليل عليه أن جمعه في القلة أمواه وفي الكثرة مياه، والهمزة فيه بدل من الهاء كما في شاء. وذكر صاحب " المحكم " ماه في لغته تدل على أن الإبدال غير لازم، ولفظة يجوز تارة تطلق على معنى يحل وتارة تستعمل بمعنى يصح وتارة بمعنى تصلح لهما. م: (الطهارة من الأحداث) ش: هو جمع حدث والحدث ينقسم إلى الأصغر والأكبر، ويقال: الأخف والأغلظ، وفي " الزيادات ": وإذا اجتمع حدثان فالأغلظ أهم، فلو قال: من الحدثين كان أولى، ولعله جمعه باعتبار كثرة محاله أو لاختلاف أنواعه. وقوله: "من الأحداث" ليس للاختصار لأن الأخباث تشاركهما، واللام فيه للعهد أي الطهارة من الأحداث التي سبق ذكرها، ويجوز أن تكون للجنس، والحدث اسم يطلق على الحكمي والخبث يطلق على الحسي والنجس مشترك يقع عليهما بدلا، ثم قيد الأحداث اتفاقي لأنه يجوز بالمياه التي ذكرها الطهارة من الحدث والخبث جميعا، ويجوز أن يكون قيده بها لكونه قد ذكرها فيما سبق في الطهارتين فاحتاج إلى بيان الآلة التي يحصلان بها. وقوله الطهارة: مبتدأ وخبره قوله: م: (جائزة بماء السماء) ش: وهو المطر والثلج والبرد إذا ذابا، وقوله: م: (والأودية) ش: عطف عليه وهو جمع وادي أي وماء الأودية وهو الماء الذي يجتمع فيها من الأمطار والسيول التي تتحصل بها م: (والعيون) ش: جمع عين وهي التي تنبع من الأرض وتخرج إلى ظاهرها م: (والآبار والبحار) ش: جمع بئر أصله بهمزة ساكنة في وسطها، وجمعها في القلة أبئر وآبار بهمز بعد الباء، ومن العرب من يقلب الهمزة فيكون أبار، فإذا كثرت فهي أبيار. وأما البحار جمع بحر قال الجوهري: البحر خلاف البر، يقال: سمي به لعمقه واتساعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] (الفرقان: الآية 48) وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه» .   [البناية] والجمع أبحر وبحار وبحور، وكل نهر عظيم بحر. قلت: فلذلك قيل لنهر مصر بحر النيل ولكن إذا أطلق البحر يراد به البحر المالح م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] (الفرقان: الآية 48)) ش: وجه التمسك بالآية في حق ماء السماء والأودية الحاصلة بماء السماء ظاهر وأما في حق العيون والآبار فإما لأن أصل المياه جميعا من السماء لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} [الزمر: 21] (الزمر: الآية 21) . وإما لأن التمسك بالآية يرجع إلى ماء السماء، والتمسك بطهورية باقي المياه بالحديثين اللذين ذكرهما. فإن قلت: ليس في الآية أن جميع المياه نزلت من السماء، لأن قوله: ماء نكرة في سياق الإثبات فلا تعم. قلت: تعم بقرينة الامتنان به فإن الله ذكره في تعريف الامتنان به، فلو لم يدل على العموم لفات المطلوب، والنكرة في الإثبات تفيد العموم بقرينة تدل عليه كما في قَوْله تَعَالَى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير: 14] (التكوير: الآية 14) . وقَوْله تَعَالَى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5] (الانفطار: الآية 5) . فإن قلت: لا يتم الاستدلال بالآية ولا بالحديث، لأن الطهور من طهر الشيء وهو لازم، فلا يستفاد منه التعدي فيكون بمعنى الطاهر كما في قَوْله تَعَالَى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] (الإنسان: الآية 21) أي طاهرا فلا يتم الاستدلال في التطهير. قلت: كون الماء مطهرا لغيره لا من حيث إن الطهور بمعنى الطهر بل من حيث إنه معدول عن صيغة الطاهر إلى صيغة الطهور التي هي المبالغة في ذلك الفعل كالغفور والشكور فيهما مبالغة ما ليس في الغافر والشاكر، فلا بد في الطهور من معنى زائد ليس في الطاهر وليس ذلك إلا بالتطهير. م: (وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه» ش: لم يثبت هذا الحديث بهذا اللفظ إلا أن ابن ماجه رواه من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الماء طهور لا ينجسه إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في البحر «هو الطهور ماؤه والحل ميتته»   [البناية] وفي إسناده راشد بن سعد أخرجه النسائي وابن معين وابن حبان وأبو حاتم ومعاوية بن أبي صالح، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال الدارقطني: لم يروه غير راشد بن سعد وليس بالقوي. وقال الشيخ تقي الدين: قد رفع من وجهين غير طريق راشد بن سعد أخرجهما البيهقي أحدهما عن عطية بن بقية بن الوليد عن أبيه عن ثور بن يزيد عن راشد بن سعد عن أبي أمامة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الماء طهور إلا أن يتغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه» . الثاني: عن حفص بن عمر حدثنا ثور بن يزيد عن راشد بن سعد عن أبي أمامة مرفوعا: «الماء لا ينجس إلا ما غير طمعه أو ريحه» . وقال البيهقي: والحديث غير قوي، رواه عبد الرزاق في "مصنفه " والدارقطني في "مسنده " عن الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلا والأحوص فيه مقال. وأخرج الدارقطني في "سننه " عن معاوية بن أبي صالح عن راشد بن سعد عن ثوبان عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الماء طهور إلا ما غلب على ريحه أو طعمه أو لونه» . وسنده ضعيف. وأخرجه الأربعة والشافعي وأحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث أبي سعيد الخدري من حديث بئر بضاعة، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» . وهو لفظ الترمذي، وقال: حديث حسن، وقد جوده أبو أسامة وصححه أحمد ويحيى بن معين. وقد علمت بهذا أن الحديث الذي احتج به المصنف نصفه الأول صحيح وهو قول: «الماء طهور لا ينجسه شيء» والنصف الثاني روي من وجوه كثيرة وهو ضعيف، وروى الدارقطني والطحاوي من طريق راشد بن سعد مرسلا: «الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه أو طعمه» . وزاد الطحاوي «أو لونه» وصحح أبو حاتم إرساله قاله في المذهب والروياني في "البحر " نص الشارع على الطعم والريح، وقاس الشافعي اللون عليهما وليس كذلك، فإن اللون أيضا مذكور في الحديث، وكأنهما لم يقفا عليه حتى قالا ذلك. [ماء البحر] م: (وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في البحر: «هو الطهور ماؤه والحل ميتته» ش: وقوله بالجر عطف على قوله الذي قبله، هذا الحديث روي عن ثمانية أنفس من الصحابة وهم: أبو هريرة، وجابر، وعلي بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أبي طالب، وأنس، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو، وابن الفراسي، وأبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فحديث أبي هريرة عند الأربعة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رجلا سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا فنتوضأ من البحر فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هو الطهور ماؤه والحل ميتته» . قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه مالك والشافعي، وابن خزيمة، وابن حبان، وابن الجارود، والحاكم، والدارقطني، والبيهقي وصححه البخاري فيما حكاه عنه الترمذي، وتعقبه ابن عبد البر بأنه لو كان صحيحا لأخرجه في "صحيحه"، وهذا مردود لأنه لم يلتزم الاستيعاب، ثم حكم ابن عبد البر بعد ذلك بصحته فتلقاه العلماء بالقبول ورجح ابن منده صحته، وصححه أيضا ابن المنذر وأبو محمد البغوي. وحديث جابر عن ابن ماجه في "سننه " من طريق أحمد بن حنبل عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن ماء البحر، فقال: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته» . ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه " والدارقطني كذلك وابن حبان في "صحيحه ". وحديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الحاكم في "المستدرك " والدارقطني في "سننه " من حديث الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه مرفوعا سواء وسكت الحاكم عنه. وحديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند عبد الرزاق في "مصنفه " والدارقطني في "سننه " عن أنس عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مثله، وفي إسناده أبان وهو متروك قاله الدارقطني. وحديث ابن عباس عند الدارقطني من حديث موسى بن سلمة عن ابن عباس مرفوعا نحوه، ثم قال: والصواب موقوف ورواه الحاكم في "المستدرك " وسكت [عنه] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وحديث عبد الله بن عمرو عند الدارقطني أيضا من جهة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا نحوه، ورواه الحاكم في "المستدرك " وسكت عنه. وحديث ابن الفراسي عند ابن عبد البر المعتد بإسناده عن مسلم بن يحيى أنه حدث أن «الفراسي قال كنت أصيد في البحر الأخضر على أرماث وكنت أحمل قربة لي فيها ماء فإذا لم أتوضأ من القربة أمس وقف ذلك لي ونصب لي ذلك بي وبقيت لي فجئت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقصصت ذلك» . وقال عبد الحق في "أحكامه ": حديث الفراسي هذا لم يروه فيما أعلم إلا بكر بن سوادة، وقال ابن القطان في كتابه: وقد خفي على عبد الحق ما فيه من الانقطاع فإن ابن يحيى لم يسمع من الفراسي، وإنما يرويه عن ابن الفراسي عن أبيه. ويوضح ذلك ما حكاه الترمذي في "علله " قال: سألت محمد بن إسماعيل عن حديث ابن الفراسي في ماء البحر، فقال: حديث مرسل لم يدرك ابن الفراسي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وابن الفراسي له صحبة فمسلم بن يحيى إنما يرويه عن ابن الفراسي وروايته عن الأب مرسلة، وحديث ابن الفراسي رواه ابن ماجه في "سننه " عن مسلم بن يحيى «عن ابن الفراسي قال: كنت أصيد وكانت لي قربة أجعل فيها ماء، وإني توضأت بماء البحر فذكرت ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته» وقال البخاري إن مسلم بن يحيى لم يدرك الفراسي نفسه وإنما يروي عن ابنه وإن الابن ليست له صحبة. وحديث أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الدارقطني من حديث عبد العزيز عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن ماء البحر الحديث» عبد العزيز بن عمران وهو ابن أبي ثابت، قال الذهبي: مجمع على ضعفه. ثم أخرجه عن عبيد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن عمرو بن دينار عن أبي الطفيل عن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - موقوفا، قال الذهبي: هذا سند صحيح واسم الرجل الذي سأل قيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 ومطلق الاسم يطلق على هذه المياه. قال: ولا يجوز بما اعتصر من الشجر والثمر؛   [البناية] عبيد وقيل عبد العزيز، وفي الحديث دليل على جواز ركوبه إلا في حال ارتجاجه، وتوقفهم على الوضوء به إما لكونه لا يشرب أو لكونه طبق جهنم على ما ورد. فإن قلت: ما الحكمة في أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقل: نعم عند سؤال الرجل، قلت: لو قال: نعم لم يجز الوضوء به إلا للضرورة، لأنه سأله بصفة الضرورة، وكان يرتبط نعم بسؤاله فاستأنف بيان الحكم لجواز الوضوء به مطلقا. فإن قلت: لم يسأله عن السمك فكيف زاد بيان حكمه، قلت: لأن حاجة الناس إلى ذلك ولا يركبون البحر في بعض الأوقات إلا للصيد ولا سيما ركوب السائل كان لأجل الصيد وهو زيادة من الشارع حملا له على الجواب. ومن الناس من كره الوضوء بماء البحر المالح لحديث ابن عمرو أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله فإن تحت البحر نارا أو تحت النار بحرا» أخرجه أبو داود متفردا به، وكان ابن عمر لا يرى جواز الوضوء ولا الغسل به عن جنابة، وكذا عن أبي هريرة وعن أبي العالية أنه كان يتوضأ فيه ويكره الوضوء بماء البحر لأنه طبق جهنم، وما كان طبق جهنم لا يكون طريق طهارة ورحمة على قوله: على أرماث بفتح الهمزة وسكون الراء وبعد الألف ثاء مثلثة جمع رمث بفتحتين، وهو خشب ضم بعضه إلى بعض ويركب في البحر. [الوضوء بما اعتصر من الشجر والثمر] م: (ومطلق الاسم يطلق على هذه المياه) ش: أي يطلق اسم الماء في الآية والحديثين المذكورين، ويطلق الاسم المتعرض للذات دون الصفات لا بالنفي ولا بالإثبات والمراد بالمطلق هنا ما سبق إلى الأفهام عند استعمال لفظ الماء. وقال الأترازي: وجه التمسك بالآية والحديث أن الماء لما ذكر فيهما مطلقا من غير قيد بواحد من هذه المياه، والمطلق ينصرف إلى تقدير البلد. م: (ولا يجوز) ش: أي الطهارة م: (بما اعتصر من الشجر والثمر) ش: ما اعتصر بالقصد على أن ما موصولة. قال الأكمل: هكذا المسموع. وقال تاج الشريعة: ما اعتصر غير ممدود وكذا قال في " المستصفى ". وقال السغناقي: بالقصر لأنها موصولة وإن كان يصح معنى الممدود، ولكن المنقول هو الموصولة، ولأن في الممدود وهم جواز التوضؤ بماء العصر هو بنفسه وليس الأمر كذلك وقال الأترازي لا نسلم، ولئن سلمنا الوهم، لكن لا يجوز التوضؤ بالعصر بنفسه من غير إعصار، لأنه خارج بلا علاج كما ذكره في المتن حيث قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 لأنه ليس بماء مطلق، والحكم عند فقده منقول إلى التيمم، والوظيفة في هذه الأعضاء تعبدية   [البناية] وأما الذي يقطر من الكرم، على ما يجيء، يعني الماء الذي يخرج منه بالتقاطر يجوز التوضؤ به ذكره في جامع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه ماء خرج من غير علاج. وفي " المحيط " لا يتوضأ بماء خرج من الكرم لكمال الامتزاج. وقال بعضهم: إذا قيل بالمد لوقع في الوهم أن المراد الماء المطلق. قال الأترازي: لا نسلم لأنه قيده بصفة الاعتصار فكيف يقع وهم الإطلاق لأنه عند إطلاق الماء لا يطلق عليه، مثلا: إذا كان في بيت شخص ماء بئر أو بحر أو عين وماء اعتصر من الشجر أو الثمر فقال لأحد هات لي ماء لا يسبق إلى ذهن المخاطب إلا الأول، ولا يعني بالمطلق أو المقيد إلا هو والإضافة نوعان: إضافة تعريف كغلام زيد، وأنه لا يغير المسمى، وإضافة تقييد كماء العنب، وأنه بغيره لأنه لا يفهم من مطلق اسم الماء، ولهذا يصح أن يقال: فلان لم يشرب الماء. وإن كان يشرب ماء العنب وماء الباقلاء والحقيقة لا تنفي عن المسمى بالإضافة إلى الماء وأخواته من القسم الأول وإضافته إلى المعتصر من الثاني. م: (لأنه ليس بماء مطلق) ش: إذ لا يفهم بمطلق قولنا الماء م: (والحكم عند فقده) ش: أي عند فقد الماء المطلق، وأراد بالحكم الطهارة م: (منقول إلى التيمم) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) ومن ضرورة النقل عدم جواز استعمال هذه المائعات، والأصل في هذا أن التوضؤ به جائز ما دامت صفة الإطلاق باقية ولم يخالطه نجاسة، وإن زالت صفة الإطلاق لا يجوز التوضؤ به أو زوالها بغلبة الممتزج وبكمال الامتزاج، وغلبة الممتزج بكثرة الأجزاء، وكمال الامتزاج بطبخ الماء بالمخلوط الطاهر أو يشرب الشارب الماء حتى يبلغ الامتزاج مبلغا يمنع خروج الماء منه إلا بعلاج، والامتزاج بالطبخ إنما يمنع التوضؤ به إذا لم يكن ذلك الامتزاج المقصود للغرض المطلوب وهو التنظيف، وأما إذا كان كالأشنان إذا خلط بالماء فإنه يجوز التوضؤ به، والامتزاج: الاختلاط بين الشيئين بحيث يسع أحدهما في الآخر حتى يمنع التمييز، فإذا عرف هذا فلا يجوز التوضؤ بما اعتصر. م: (والوظيفة في هذه الأعضاء تعبدية) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال إن الماء المعتصر من الشجر أو الثمر وإن لم يكن ماء مطلقا لكنه في معناه في الإزالة، فيلحق بالمطلق كما ألحقه أبو حنيفة وأبو وسف - رحمهما الله - بالمطلق في إزالة النجاسة الحقيقية فيجب أن يكون في الحكمية كذلك. وتقدير الجواب أن يقال: إن الوظيفة في هذه الأعضاء الأربعة في الوضوء تعبدية يعني غير معقولة لأن الله تعالى أمرنا بذلك وعبدنا به، فيجب علينا الامتثال من غير أن يدرك معناه، لأن أعضاء الحدث غير نجسة حقيقة لعدم إصابتها، وحكما لجواز صلاة حامل الجنب أو المحدث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 فلا تتعدى إلى غير المنصوص عليه. وأما الماء الذي يقطر من الكرم فيجوز التوضؤ به، لأنه ماء خرج من غير علاج، ذكره في جوامع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -،   [البناية] وتطهير الطاهر محال ولكنه أمر تعبدي كما ذكرنا م: (فلا تتعدى إلى غير المنصوص عليه) ش: لأن شرط القياس أن لا يكون حكم الأصل معدولا به عن القياس، وليس فيما نحن فيه كذلك فلا يصح القياس بخلاف إزالة النجاسة الحقيقية، فإنها معقولة المعنى لوجوبها حسا فجاز فيها الإلحاق. فإن قلت: إن لم تمكن التعدية بطريق القياس يلتحق بالدلالة فإنه كونه معقولا ليس بشرط فيه، قلت: سائر المائعات ليس في معنى الماء من كل وجه لأن الماء مبذول عادة لا يبالي نجسه، وسائر المائعات ليس كذلك. فإن قلت: كيف ألحقته به في النجاسة الحقيقية، قلت: قياسا لا دلالة لأنه معقول المعنى. فإن قلت: من شرط الدلالة أن يكون الملحق به في معنى الوصف الذي هو مناطق الحكم في كل وجه لا غير، والوصف فيما نحن فيه هو إزالة النجاسة والماء والمائع في ذلك سيان، وكون الماء مبذولا لا دخل له في ذلك، قلت: إنهما سيان في إزالة النجاسة الحقيقية أو مطلقا فالأول مسلم وليس الكلام فيه، والثاني ممنوع. فإن قلت: إذا كان الغسل في هذه الأعضاء تعبديا يلزم أن تكون النية فيه شرطا، وقد قلتم: إن الماء مزيل للحدث بالطبع فيلزم أن يكون مائعا كذلك لأنه مزيل بالطبع. قلت: إنما يكون مزيلا بالطبع إذا كان المزال نجاسة حقيقية، وأما لو كانت نجاسة حكمية فلا يكون كذلك ولكن يلزم عليه الوضوء، فإن المزال فيه حكمي فينبغي أن يشترط فيه النية. فإن قلت: غسل النجاسة بالماء المطلق على خلاف القياس لأنه يقتضي تنجيسه بأول الملاقاة وقد عديتم إلى المائعات الطاهرة. قلت: المزال من النجاسة مشاهد فلما ترك القياس في حق الماء للضرورة يترك في حق غيره مما يعمل عمل الماء، وكذا عند ورود النجاسة على الماء في غسل الثوب النجس في الإجابات الثلاث حتى خرج من الثالثة طاهرا. [الوضوء بالماء الذي يقطر من الكرم] م: (أما الماء الذي يقطر من الكرم فيجوز التوضؤ به لأنه ماء خرج من غير علاج) ش: هذا كأنه جواب عما يرد على قوله ولا يجوز بماء اعتصر من الشجر والثمر، فلذلك قال: وأما الماء الذي يقطر بكلمة أما، وقد ذكر في " المحيط " لا يتوضأ بما يسيل من الكرم لكمال الامتزاج وهذا المنقول عن شمس الأئمة م: (ذكره في جوامع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ذكر فيه ضميرا مرفوعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 وفي الكتاب إشارة إليه حيث شرط الاعتصار، ولا يجوز بماء غلب عليه غيره فأخرجه عن طبع الماء كالأشربة والخل وماء الورد وماء الباقلا والمرق وماء الزردج.   [البناية] ومنصوبا، أي ذكر أبو يوسف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في "جوامعه " جواز الوضوء بالماء الذي يقطر من الكرم أياما، وهو أيام تنظيف فروعه من أطرافه ليقوي الأصول، وتطرح العنب كثيرا. فإن قلت: فيه إضمار قبل الذكر. قلت: جاز ذلك للقرينة كما في قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: 32] (ص: الآية 32) أي الشمس ويجوز أن يكون الضمير المرفوع فيه راجعا إلى جمع الجوامع آخذا عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وفي الكتاب) ش: أي القدوري م: (إشارة إليه) ش: أي إلى جواز التوضؤ بالماء الذي يقطر من الكرم م: (حيث شرط الاعتصار) ش: لأن الذي يقطر من الكرم منعصر بنفسه لا معتصر، ويجوز أن يقرأ شرط على صيغة المعلوم وعلى صيغة المجهول، ففي المعلوم يعود الضمير الذي فيه إلى القدوري بقرينة قوله في الكتاب لأن الألف واللام فيه بدل من المضاف إليه، أي وفي كتاب القدوري، ويكون الاعتصار منصوبا على أنه مفعول شرط وفي المجهول يكون الاعتصار على أنه نائب عن الفاعل وذكر المفعول مطوي. [الطهارة بماء غلب عليه غيره] م: (ولا يجوز) ش: أي الطهارة م: (بماء غلب عليه غيره) ش: أي غير الماء من المائعات الطاهرة م: (فأخرجه عن طبع الماء) ش: هذا كالتفسير لكونه غلب على غيره، فلذلك ذكره بالفاء التفسيرية وطبع الماء كونه مرويا، لأنه يقطع العطش، وقيل قوة نفوذه، وقيل: كونه غير متلون، وقيل: ما يبقى له أثر الغليان والإخراج عن طبعه أن لا يبقى له أثر بالغليان م: (كالأشربة والخل وماء الورد وما الباقلاء) ش: بالمد وتخفيف اللام وإذا شدد اللام قصر الحاصل أن فيه لغتين ونظيره المزغر أو المزغري بكسر الميم وفتحها ذكره في الفصيح. م: (والمرق وماء الزردج) ش: بفتح الزاي وسكون الراء وفتح الدال المهملة وفي آخره جيم وهو ما يخرج من العصفر المنقوع يطرح ولا يصبغ به ذكره المطرزي. وقيل: ماء عروقه الزعفران. قال الأترازي: كأنه معرب. قلت: هو معرب زرده. واعلم أن قوله: كالأشربة اه. إن أراد به الأشربة المتخذة من الشجر كشراب الرمان والحماض وبالخل الخالص، كان من نظير المعتصر من الشجر والثمر، وكان ماء الباقلا والمرق نظير الماء الذي غلب عليه غيره، وكان فيه صفة اللف والنشر وهو أن يلف شيئين ثم ينشرهما، نظيره من التنزيل {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القصص: 73] (القصص: الآية 73) وإن أراد بالأشربة الحلو المخلوط به والخل المخلوط بالماء كانت الأربعة كلها نظير الماء الذي غلب عليه غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 لأنه لا يسمى ماء مطلقا. والمراد بماء الباقلا وغيره ما تغير بالطبخ. وإن تغير بدون الطبخ يجوز التوضؤ به. قال: ويجوز الطهارة بماء خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه.   [البناية] م: (لأنه) ش: أي لأن الماء الذي غلب عليه غيره، أو لأن كل واحد من هذه الأشياء المذكورة م: (لا يسمى ماء مطلقا) ش: لأن مطلق الشيء ما يتبادر إليه الفهم عند ذكره، والفهم لا يتبادر إلى هذه المياه عند ذكر الماء م: (والمراد بماء الباقلاء ما تغير بالطبخ) ش: بأن صار ثخينا حتى صار كالمرق حتى إذا طبخ ولم يثخن ورقة الماء فيه باقية يجوز الوضوء به م: (وإن تغير) ش: أي ماء الباقلاء م: (بدون الطبخ يجوز التوضؤ به) ش: لإطلاق اسم الماء عليه لغلبة الماء. [الطهارة بالماء الذي خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه] م: (ويجوز الطهارة بماء خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه) ش: وهي اللون والطعم والريح، وفيه إشارة إلى أنه لا يجوز التوضؤ به إذا غير وصفين، ولكن الرواية الصحيحة بخلافها، ألا ترى إلى ما قال في " شرح الطحاوي "، وأما الحوض والبئر إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه إما بمرور الزمان أو بوقوع الأوراق كان حكمه حكم الماء المطلق، ولا شك أن الماء إذا تغير لونه تغير طعمه أيضا، ولكن يشترط أن يكون باقيا على رقته، أما إذا غلب عليه غيره وصار به ثخينا فلا يجوز. وفي الرواية في قوله: فغير أحد أوصافه إشارة إلى أنه إذا تغير اثنان أو ثلاثة لا يجوز التوضؤ به، وإن كان المغير طاهرا لكن صحة الرواية بخلافه، وكذا عن الكرخي وفي " المجتبى " لا يقبل التغير به حتى لو غير الأوصاف الثلاثة بالأشنان أو الصابون أو الزعفران أو الأوراق أو اللبن ولم يسلب اسم الماء عنه ولا معناه فإنه يجوز التوضؤ به. وفي " زاد الفقهاء ": الماء المغلوب من الخلط الطاهر يلحق بالماء المقيد غير أنه يعتبر الغلبة أولا من حيث اللون ثم من حيث الطعم ثم من حيث الإجزاء. فإن كان لونه مخالف للون الماء كاللبن والعصير والخل وماء الزعفران فالعبرة باللون، فإن غلب لون الماء يجوز وإلا فلا، فإن توافقا لونا لكن تفاوتا طعما كماء البطيخ والمشمش والأنبذة فالعبرة للطعم، إن غلب طعم الماء يجوز وإلا فلا، وإن توافقا لونا وطعما كماء الكرم فالعبرة للإجزاء. وسئل المداني عن الماء الذي يتغير لونه بكثرة الأوراق في الكف إذا رفع منه هل يجوز التوضؤ به قال: لا، ولكنه يجوز شربه وغسل الأشياء. وفي " فتاوي قاضيخان " إذا طبخ بما يقصد به المبالغة في التنظيف كالسدر والحرض، فإن تغير لونه ولكن لم تذهب رقته يجوز التوضؤ به، ولو صار ثخينا مثل السويق لا يجوز. فإن قلت: قد ذكر من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه» وذلك يقتضي عدم التوضؤ به عند تغير أحد الأوصاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 كماء المد والماء الذي اختلط به الزعفران أو الصابون أو الأشنان قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أجري في المختصر ماء الزردج مجرى المرق. والمروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه بمنزلة ماء الزعفران هو الصحيح،   [البناية] قلت: معنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير.» الحديث، أي لا ينجسه شيء نجس وكلامنا في المختلط الطاهر هكذا أجاب الأكمل، وتبع في ذلك تاج الشريعة فإنه أيضا قال المعنى إلا ما غيره شيء نجس فيكون معناه حينئذ لا ينجسه شيء إلا بالمتغير النجس وهذا لأنه ورد في الماء الجاري ولا يجوز استعماله حيث ترى فيه النجاسة أو يوجد طعمها أو ريحها لأنه يدل على قيام النجاسة، وأجاب الأترازي بجوابين أحدهما مما ذكرنا والآخر إن الشرط لم يصح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: في الجميع نظر، أما في كلام الأكمل فلأن الحديث عام والتخصيص بلا مخصص لا يجوز، وأما في كلام تاج الشريعة: فلأن دعواه بأنه ورد في الماء الجاري لم يثبت، ومن ذكر هذا من شراح الحديث، وأما كلام الأترازي فلأن الشرط أراد به إلا ماء غير طعمه أو لونه أو ريحه لم يصح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن لم يصح مسندا فقد صح مرسلا كما ذكره والمرسل حجة عندنا. م: (كماء المد) ش: أي السيل لأنه يجيء بتغير طين هذا إذا كان رقة الماء غالبة وإن كان الطين غالبا لا يجوز الوضوء به كذا في " الذخيرة " م: (والماء الذي اختلط به الزعفران أو الصابون أو الأشنان) ش: بضم الهمزة وكسرها حكاهما الجوالقي وأبو عبيدة، وهو معرب وهو الحرض بضم الحاء وسكون الراء المهملتين وفي آخره ضاد معجمة. وعن أبي يوسف ماء الصابون إذا كان ثخينا قد غلب على الماء لا يتوضأ به وإن كان رقيقا يجوز وكذا ماء الأشنان. وعن أبي يوسف إذا طبخ الآس أو البابونج في الماء وغلب عليه حتى يقال ماء الآس والبابونج لا يجوز الوضوء بهما. وفي " الفتاوى الظهيرية " إذا طرح الزاج في الماء حتى اسود جاز الوضوء به، وكذا العفص إذا كان الماء غالبا. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف م: (أجري في المختصر) ش: أي أجري أبو الحسن القدوري في كتابه المختصر المسمى بالقدوري م: (ماء الزردج مجرى المرق) ش: أي جعل حكمها واحدا، حيث لا يجوز التوضؤ بها م: (والمروي عن أبي يوسف بمنزلة ماء الزعفران) ش: حيث يجوز التوضؤ بها م: (هو الصحيح) ش: أي المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو الصحيح. وقال السغناقي في قوله هو الصحيح احتراز عن قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإنه يعتبر العلة بتغير اللون والطعم والريح كذا في " فتاوى قاضيخان ". وقال الأترازي أنا أقول لا خلاف في هذه المسألة في الحقيقة اه. حاصله يقتضي إلى أنه إن كان المراد به ما إذا كان الماء مغلوبا بماء الزردج فلا خلاف بينهما ثم قال في آخر كلامه فافهم، فإنه غفل عنه الشارحون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 كذا اختاره الناطفي والإمام السرخسي، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز التوضؤ بماء الزعفران وأشباهه مما ليس من جنس الأرض؛ لأنه ماء مقيد، ألا ترى أنه يقال ماء الزعفران.   [البناية] قلت: هذا الموضع ليس من المواضع التي فيها غموض حتى ينسب الغفلة إلى الشراح م: (كذا اختاره الناطفي) ش: أي كذا اختار المروي عن أبي يوسف الإمام الناطفي، وهو أبو العباس أحمد بن محمد بن عمرو الناطفي أحد الأئمة الأعلام، وصاحب " الواقعات " و " النوازل " ومن تصانيفه " الأجناس " و " الفروق " والواقعات "، مات بالري سنة ست وأربعين وأربعمائة، ونسبه إلى عمل الناطف وبيعه، وهو تلميذ الشيخ أبي عبد الله الجرجاني، وهو تلميذ أبي بكر الجصاص الرازي، وهو تلميذ الشيخ أبي الحسن الكرخي، وهو تلميذ أبي حازم القاضي، وهو تلميذ عيسى بن أبان، وهو تلميذ محمد بن الحسن. م: (والإمام السرخسي) ش: هو شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي، وهو تلميذ الإمام محمد بن الفضل البخاري، وهو تلميذ الشيخ عبد الله بن يعقوب السيد مولى، وهو تلميذ عبد الله بن أبي حفص الكبير وهو تلميذ أبيه وشيخه أبي حفص الكبير وهو تلميذ محمد بن الحسن - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، والإمام السرخسي هو صاحب " المبسوط " أملاه وهو في السجن باذر جند، وهو من كبار علماء ما وراء النهر صاحب الأصول والفروع كان إماما حجة من فحول الأئمة ذا فنون. مات في حدود الأربعمائة وعشرين، ونسبته إلى سرخس بفتح السين والراء المهملتين ثم خاء معجمة ساكنة وفي آخره سين مهملة مدينة من مدن خراسان بين نيسابور ومرو في أرض سهلة. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز التوضؤ بماء الزعفران وأشباهه مما ليس من جنس الأرض) ش: كماء الصابون والأشنان ونحوهما م: (لأنه) ش: أي لأن ماء الزعفران ونحوه م: (ماء مقيد) ش: لأنه قيد بشيء آخر فخرج عن الإطلاق، ثم أوضح ذلك بقوله م: (ألا ترى أنه يقال ماء الزعفران) ش: بالإضافة فصار مقيدا فلا يجوز التوضؤ به. ومذهب الشافعي على التحرير أن الماء إذا تغير أحد أوصافه مما لا يمكن حفظ الماء عنه كالطحلب وما يرى على الماء من الملح والنورة وغيرهما جاز الوضوء به لعدم إمكان صون الماء عنه، وإن كان مما يمكن حفظه منه فإن كان ترابا طرح فيه فكذلك لأنه يوافق الماء في كونه مطهرا فهو كما لو طرح فيه ماء آخر فتغير به، وإن كان شيئا سوى ذلك كالزعفران والطحلب إذا رق وطرح فيه وغير ذلك مما يتغير الماء منه لم يجز الوضوء به، لأنه زال إطلاق اسم الماء بمخالطة ما ليس بطاهر والماء مستغن عنه فصار كاللحم والمائع المخالط بالماء إن قل جازت الطهارة به وإلا فلا. وبماذا تعرف القلة والكثرة ينظر فإن خالفه في بعض الصفات فالعبرة بالتغير، فإن غيره فكثير وإلا فقليل، وإن وافقه في صفاته كماء الورد وانقطعت رائحته، وفيما يعتبر به القلة والكثرة فيه وجهان: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 بخلاف أجزاء الأرض لأن الماء لا يخلو عنها عادة. ولنا أن اسم الماء باق على الإطلاق، ألا ترى أنه لم يتجدد له اسم على حدة وإضافته إلى الزعفران كإضافته إلى البئر والعين.   [البناية] أحدهما إن كانت الغلبة للماء جازت الطهارة به، وإن كانت المخالطة لم تجز. ومنهم من قال إذا كان ذلك قدرا لو كان مخالفا للماء في صفاته ولم يغيره لم يمنع، ولو خالط الماء المطلق ماء مستعمل فطريقان أصحهما كالمائع وفيه وجهان وبهذا قطع جمهورهم وصححه الرافعي. والثاني وفي " شرح الوجيز " ما تفاحش بغيره مما يستغني الماء عنه حتى زايله اسم الماء المطلق وإن لم يتجدد اسما آخر كالمتغير بالصابون والزعفران الكثير وأجناسهما سلب اسم الماء عنه لم تجز الطهارة به. وفي " الحلية " وبه قال مالك وأحمد وعند الشافعي لو طرح فيه التراب فتغير الوضوء جائز به على الأظهر، وحكي فيه قولان، ولو طرح فيه الملح فتغير به جاز وعند بعض أصحابه لا يجوز، ولو تغير بعود أو دهن طيب فقال المزني يجوز الوضوء به، وقال البويطي لا يجوز. ولو وقع فيه الكافور فتغير به ريحه فيه وجهان. ولو وقع فيه قطران فغيره قال الشافعي في " الإمام ": لا يجوز الوضوء به، وقال بعده بأسطر لا يجوز، ولو تغير بطول المكث يجوز الوضوء به. وعن ابن سيرين لا يجوز. وشذ الحسن بن صالح بن حسن وجوز الوضوء بالخل وما جرى مجراه. م: (بخلاف أجزاء الأرض) ش: كالطين والجص والنورة والكحل م: (لأن الماء لا يخلو عنها عادة) ش: أي لا يخلو عن أجزاء الأرض، وفي بعض النسخ عند ذكره باعتبار اللفظ. م: (ولنا أن اسم الماء باق على الإطلاق) ش: بعد زوال صفته بمخالطة طاهر م: (ألا ترى أنه لم يتجدد له اسم على حدة) ش: كما تجدد لماء الورد ونحوه قوله على حدة أي منفردا، وأصله وحده حذفت منه الواو تبعا لفعله كما في عدة ثم عوض عنها الهاء ولكن بعد نقل حركة فاء الفعل إلى عين الفعل. م: (وإضافته) ش: أي إضافة الماء م: (إلى الزعفران كإضافته إلى البئر والعين) ش: هذا جواب عما قاله الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تعليله بقوله - لأنه ماء مقيد ألا ترى أنه يقال له ماء الزعفران - تقديره أن يقال إن الألفاظ لا تغير عن المسميات وحيث لم يتجدد له اسم آخر دل على عدم اختلاف المسمى فتكون إضافته إلى الزعفران كإضافته إلى البئر. والحاصل أن الإضافة هنا للتعريف لا للتقييد والفرق بينهما أن المضاف إذا لم يكن خارجا من المضاف إليه بالعلاج فالإضافة للتعريف، وماء الزعفران وماء البئر وماء العين من هذا القبيل وإن كان خارجا منه فهي للتقييد كماء الورد ونحوه والتغير في اللون موجود في بعض المياه المطلقة نحو ماء المد والواقعة فيها الأوراق، وكذا ماء بعض البيار يضرب في السواد فلا يخرج عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 ولأن الخلط القليل لا يعتبر به لعدم إمكان الاحتراز عنه كما في أجزاء الأرض فيعتبر الغالب، والغلبة بالأجزاء لا بتغير اللون هو الصحيح،   [البناية] كونه مطلقا. فإن قلت: لم يتجدد لماء البقلاء اسم على حدة ومع هذا لا يجوز التوضؤ به، قلت المضاف هنا خارج من المضاف إليه بالعلاج كما ذكرنا فلا يجوز وإن لم يتجدد له اسم وقال تاج الشريعة: الدليل يقتضي الجواز ولكن الطبخ والخلط يبينان نقصانا في كونه مائعا. م: (ولأن الخلط القليل) ش: هذا دليل ثان وهو أن الاعتبار للخلط ينظر إن كان قليلا م: (لا يعتبر به لعدم إمكان الاحتراز عنه كما في أجزاء الأرض) ش: نحو الطين والجص والنورة، فإن التوضؤ بالماء الذي اختلط به هذه الأشياء يجوز بالاتفاق إذا كان الخلط به قليلا لأن الصفرة قليل، وإن كان كثيرا لا يجوز كماء الزعفران أيضا إذا غلب عليه الزعفران كماء الأترج. ثم تعرف القلة أو الكثرة بالغلبة أشار بقوله م: (فيعتبر الغالب) ش: لقوله ثم الغلبة لما كانت على قسمين أحدهما الغلبة بالأجزاء والآخر الغلبة باللون، ولما كان الاعتبار للقسم الأول أشار بقوله م: (والغلبة بالأجزاء) ش: أي بأجزاء المخالط والمخلوط فإن كانت أجزاء الماء غالبة جاز الوضوء به وإن كانت أجزاء الذي اختلط به غالبة فلا يجوز. فإن قلت: بما تعلم ذلك، قلت ببقائه على رقته أو تجربته، فإن كانت رقته باقية جاز الوضوء به، وإن صار ثخينا بحيث زالت عنه رقته الأصلية لم يجز. م: (لا بتغير اللون) ش: يعني لا تعتبر الغلبة بتغير اللون كما ذهب إليه محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثم أشار إلى الغلبة بالأجزاء أن الغلبة للأجزاء وهي المعتبرة بقوله م: (هو الصحيح) ش: لأنه حينئذ ينتفي عنه اسم الماء، وأشار به أيضا إلى نفي قول محمد، واعلم أن الماء إذا اختلط بشيء طاهر لا يخلو إما أن يكون لونه الماء أو مخالفا له، فإن كان مخالفا كاللبن والخل والعصير وماء الزعفران والمعصفر وما أشبههما فالعبرة للون، فإن غلب لون الماء يجوز الوضوء به وإن كان مغلوبا فلا يجوز وإن كان موافقا كماء البطيخ والأشجار فالعبرة بالطعم إن كان طعم الماء غالبا يجوز وإلا فلا، وإن لم يكن له طعم فالعبرة لكثرة الأجزاء فإن كان أجزاء الماء أكثر يجوز التوضؤ به وإلا فلا والماء الكثير المنتن إن كان نتنه من نجاسة لا يتوضأ به وإن لم يعلم يجوز. ولا يلزمه السؤال عنه لأن الطهارة أصل ولعل نتنه بمكثه كما قيل الماء إذا سكن سنة تحرك نتنه، وإن طال مكثه ظهر خبثه وفي " شرح مختصر الطحاوي " الماء الطاهر اختلط به نجس حتى صار طينا أو كان الماء نجسا والتراب طاهرا قال أبو بكر الإسكاف العبرة بالماء إن كان طاهرا فالماء طاهر، وإن كان نجسا فالطين نجس ولا ينظر إلى طهارة التراب ونجاسته وقال أبو نصر محمد بن محمد بن سلام: العبرة بالطهارة منهما أيهما كان طاهرا فالكل طاهر، وقال أبو القاسم الصفار: العبرة للنجس منهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أيهما كان نجسا فالطين نجس، وبه أخذ أبو الليث وقال في " المحيط " هذا هو الصحيح. وقيل عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الطين نجس وعند محمد طاهر، وفي " الملتقطات " إذا جعل السرقين في الطين فالطين لا ينجس للضرورة. فروع: خمر وقعت في ماء، وجعلت في وعاء، ثم تخللت طهرت، حوض ينزل إليه الماء من الأنبوب ويغترف الناس منه متداركا لا ينجس كالجاري ولا يجوز الوضوء بماء الملح وهو يجمد في الصيف ويذوب في الشتاء عكس الماء، ولا بأس بالوضوء من جب كورة في نواحي الدار ما لم ينجسه بالحرج والطهارة أصل. وإن أدخل جنب يده في كوز ماء ولم يعلم على يده نجاسة فالمستحب ترك الوضوء به لأنه لا يبقى النجاسة عادة، وإن توضأ أجزأه للأصل. وذكر الحاكم الشهيد عن أبي يوسف فيمن أخذ بفمه ماء من إناء فغسل يده وجسده أو توضأ به لم تجز، ولو غسل به نجاسة في يده أجزأة البزاق والنخامة والمخاط يقع في إناء الوضوء يجوز التوضؤ به محدث معه ماء قليل وعلى يده نجاسة يأخذ الماء بفمه من غير أن ينوي غسل فمه ثم يغسل يده. قال أبو جعفر على قول محمد: لا تطهر يده لأن الماء خالط البزاق فخرج من أن يكون مطلقا فالتحق بسائر المائعات غير الماء كالخل وماء الورد، وغسل اليدين بسائر المائعات غير الماء المطلق فيه روايتان عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية يطهر كالثوب، وفي رواية لا يطهر بخلاف الثوب وعن محمد رواية واحدة أن البدن لا يطهر بخلاف الثوب فإنه يطهر بالاتفاق. التوضؤ بالثلج يجوز إن كان ذائبا يتقاطر، وإلا فلا وعلى هذا التيمم حال وجود الثلج إن كان ذائبا لا يجوز التيمم. إذا أصاب بعض بدنه بول فبل يده ومسحها على ذلك الموضع إن كانت البلة من يده متقاطرة جاز وإلا فلا، والسيل شرط في ظاهر الرواية فلا يجوز الوضوء ما لم يتقاطر الماء. وعن أبي يوسف أنه ليس بشرط وفي مسألة الثلج إذا قطر قطرتان فصاعدا جاز اتفاقا وإلا فعلى قولهما لا يجوز وعلى قول أبي يوسف يجوز. فروع أخر: لا يكره الوضوء والاغتسال بماء زمزم. وعن أحمد يكره وفي " القنية " يكره الطهارة بالماء المشمس «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حين سخنت الماء بالشمس "لا تفعلي يا حميراء لا تفعلي فإنه يورث البرص» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 فإن تغير بالطبخ بعدما خلط به غيره لا يجوز التوضؤ به؛ لأنه لم يبق في معنى المنزل من السماء إذ النار غيرته إلا إذا طبخ فيه ما يقصد به المبالغة في النظافة كالأشنان ونحوه، لأن الميت يغسل بالماء الذي أغلي [ب] السدر بذلك وردت السنة،   [البناية] قلت: رواه البيهقي في "سننه " من حديث خالد بن إسماعيل عن هشام عن أبيه «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها سخنت ماء في الشمس "فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يا حميراء لا تفعلي فإنه يورث البرص» . قال ابن عدي: خالد يضع الحديث على الثقات قال الذهبي: تابع خالد أبو المجيري وهب بن وهب وهو مؤتمن وروى أيضا بإسناد منكر عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن هشام، قال الذهبي هكذا مكذوب على مالك وروى البيهقي أيضا من حديث الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد أخبرني أبي صدقة بن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يكره الاغتسال بالماء المشمس. قال الذهبي: إبراهيم واه: م: (فإن تغير) ش: أي الماء م: (بعدما خلط به غيره) ش: قيد به، لأنه إذا طبخ به وحده وتغير يجوز الوضوء به م: (بالطبخ) ش: مع غيره م: (لا يجوز الوضوء به لأنه لم يبق في معنى المنزل من السماء) ش: أي في الماء لزوال صفة الماء لأن الناظر لو نظر إليه لا يسميه مطلقا. م: (إلا إذا طبخ فيه) ش: أي في الماء والاستثناء من قوله لا يجوز التوضؤ به وطبخ على صيغة المجهول مسند إلى قوله م: (ما يقصد به المبالغة في النظافة كالأشنان ونحوه) ش: مثل السدر والخطمي ونحوهما فإنهم كانوا يغلون الماء بشيء من هذه الأشياء لأن الماء المغلي بذلك يستقضي إخراج الدرن والوسخ عن المغسول، ولكن يشترط أن لا يكون غليظا لما يأتي الآن، ثم أقام الدليل على ذلك بقوله م: (لأن الميت يغسل بالماء الذي أغلي بالسدر بذلك وردت السنة) ش: لم ترد السنة بذلك على الوجه المذكور، ولم أر أحدا من الشراح حققوا نظرة في هذا المكان. أما السروجي قال بذلك: وردت السنة عن «أم عطية الأنصارية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: دخل علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين توفيت ابنته زينب زوجة أبي العاص بن الربيع قال " اغسليها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك بماء السدر» الحديث رواه البخاري، ومسلم، وهذا الحديث لا يدل على ما ذكره المصنف أو هل فيه أن الماء أغلي بالسدر، وأي دليل دل على هذا. وأما الأكمل فإنه قال لأن السنة وردت به في غسل الموتى بالماء الذي أغلي بالسدر وهذا أعجب من ذلك وأبعد وأما تاج الشريعة فإنه قال وردت لأن السنة في غسل الموتى أن يغلى الماء بالسدر (والحرض) فهو أيضا مثله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 إلا أن يغلب ذلك على الماء فيصير كالسويق المخلوط لزوال اسم الماء عنه وكل ماء وقعت النجاسة فيه لم يجز الوضوء به   [البناية] وأما السغناقي والأترازي فبالكلية لم يحوما حوله وكذلك " صاحب الدراية ". وقال السروجي وحديث المحرم الذي وقصته راحلته قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «اغسلوه بماء وسدر» ش: الحديث رواه البخاري ومسلم، فلو سلب السدر الطهورية لما أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يغتسل ويغسل رأسه بالخطمي وهو جنب ويجزئ بذلك ويصب عليه الماء» رواه أبو داود وقد «أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالتعفير بالتراب في ولوغ الكلب» فدل على أن المخالطة لا يسلب طهورية الماء. قلت: حديث المحرم كيف دل على أنهم غسلوه بالماء المغلي بالسدر، وإنما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اغسلوه بماء وسدر» غاية ما دل أنه يجمع وقت الغسل بين الماء والسدر كما هو عادتهم أنهم يرشون عليه سدر أو يمعكونه ثم يسكبون عليه ماء. وقوله: - لو سلب السدر الطهورية - إلخ. غير مستقيم على ما لا يخفى. وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أيضا لا يدل على ذلك لأنها ما قالت إنه كان يغلى الماء بالسدر. وحديث التعفير أيضا لا يدل على ذلك لأن معنى التعفير التمريغ بالتراب، وشيء معفر أو معفور أي مترب. وقال صاحب " المطالع ": يعني وعفروا الثامنة بالتراب اغسلوه بالتراب وليس فيه ما يدل على الإغلاء. م: (إلا أن يغلب ذلك) ش: استثناء من الاستثناء وذلك إشارة إلى الذي يطبخ فيه ما يقصد المبالغة في التنظيف فإن ذلك إذا غلب م: (على الماء فيصير كالسويق المخلوط) ش: السويق قمح أو شعير يغلى ثم يطحن فتزود ويسق تارة بما يترى به أو بسمن أو بعسل وبسمن، وبنو المعسر يقولونه بالصادق قاله ابن دريد، وإذا خلط السويق بالماء لا يجوز التوضؤ به م: (لزوال اسم الماء عنه) ش: بغلبة ما اختلط به عليه. [الوضوء بالماء الذي وقعت فيه نجاسة] م: (وكل ماء وقعت النجاسة فيه لم يجز الوضوء به) ش: أراد بالماء ما لم يكن جاريا ولا ما في حكمه وهو الغدير العظيم لأنه يذكر الجاري فيما يأتي غير قريب. وقال السغناقي: أراد بالماء نحو الحوض الكبير الذي هو عشر في عشر. وقال الأترازي أراد بالماء الراكد الذي لا يبلغ قدر الغدير العظيم. وقال تاج الشريعة أراد من الماء الدائم الذي لم يبلغ عشرا في عشر سواء كان بئرا أو آنية أو غيرهما. وقال السروجي قوله وكل ماء. اه. له وجهان أحدهما معناه لاقته النجاسة وحكمه أن لا يجوز به الوضوء قليلا كان أو كثيرا جاريا كان أو راكدا فعلى هذا لا مناقضة بين هذا، وبين قوله جاز الوضوء من الجانب الآخر لأنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 قليلا كانت النجاسة أو كثيرا   [البناية] لم يلاق النجاسة. والوجه الثاني في دفع المناقضة أن يقال المراد بالكثير ما لا يغيره وقوع النجاسة، وهو الذي جعله مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - كثيرا، أو القلتان وهو الذي جعله الشافعي كثيرا فيكون هذا لإثبات الكثير المختلف فيه فلا يتناول الذي لا تصل النجاسة فيه إلى الطرف الآخر فلا يمنع الوضوء منه. قلت: المناقضة التي هي تقع ظاهرا بين قوله وكل ما وقعت فيه النجاسة لم يجز الوضوء به وبين قوله الغدير العظيم الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الآخر وإذا وقعت نجاسة في أحد جانبيه جاز الوضوء من الجانب الآخر، بيان ذلك أن قوله أولا وكل ماء يتناول الكلامين جميعا لأن لفظ كل إذا أضيف إلى النكرة يراد به عموم الأفراد، ففي كلامه الأول نفي الجواز، وفي الثاني أثبته وبينهما منافاة وبين الشارح دفع ذلك بالوجهين المذكورين. م: (قليلا كانت النجاسة أو كثيرا) ش: هذه عبارة القدوري وفي بعض نسخ " الهداية " قليلا كانت النجاسة أو كثيرا، وتوجيه عبارة القدوري أن يكون الضمير في كان راجعا إلى الماء في قوله وكل ماء الذي أريد به الماء الراكد، والضمير اسم كان وخبره قوله قليلا مقدما عليه، وتوجيه النسخة الثانية أنه شبه فعيلا الذي هو بمعنى فاعل بفعيل الذي هو بمعنى مفعول كما في قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] (الأعراف: الآية 56) قال بعض شراح القدوري قليلا كان أو كثيرا إن كان وصفا للماء فالكثير من الماء لا ينجس بوقوع النجاسة فيه كالقاذورات في الحياض الكبار والبحار، وإن كان وصفا للنجاسة فلا بد من تاء التأنيث في القليل والكثير لأنه فعيل بمعنى فاعل، ثم قال هو وصف للماء لكن نفى جواز الوضوء بالمحل والجانب الذي وقعت فيه النجاسة. ولمشايخنا في هذه المسألة قولان أن الغدير العظيم إذا وقعت فيه نجاسة هل يجوز التوضؤ من جانب الوقوع، ففي أكثر روايات الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وروايات بشر عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز، وفي ظاهر الأصول لا يجوز، وهو اختيار المصنف على ما أشار إليه في مسألة الغدير، ولم يذكر وجه كون القليل والكثير صفة للنجاسة. وقال صاحب " الدراية ": إن كان لفظ القليل صفة للماء كان الخلاف مع الشافعي، وإن كان صفة للنجاسة كان الخلاف مع مالك، فإن عنده لا ينجس الماء القليل بوقوع النجاسة إذا لم ير لها أثر. وفي بعض أصحاب مالك القليل ينجس بالنجاسة القليلة وإن لم يتغير به، والقليل كاف للوضوء والغسل وإن كان لفظ القليل والكثير صفة للنجاسة فذكر فيما مر. وقال الأترازي بعد أن وجه كون القليل والكثير عند كونهما صفة للنجاسة بأن ذكر بالتذكير كما ذكره، وقال بعضهم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز ما لم يتغير أحد أوصافه لما روينا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز إن كان الماء قلتين؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا»   [البناية] إن قليلا لا يحتمل أن يكون صفة للماء وذلك سهو منه لأن كان تقتضي اسما وخبرا فالاسم هو النجاسة والخبر هو القليل والكثير، وإذا كان كذلك بأي توجيه يكون القليل والكثير صفة للماء. قلت: كأنه أراد بقول بعضهم صاحب " الدراية " ونسبه إلى السهو وليس كذلك لأن مراده من قوله يحتمل أن يكون صفة للماء باعتبار اختلاف الجنسين. م: (وقال مالك يجوز ما لم يتغير أحد أوصافه) ش: أي يجوز الوضوء بالقليل وإن وقعت فيه النجاسة ما لم يتغير أحد أوصافه وهو اللون والطعم والرائحة. م: (لما روينا) ش: أراد به قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الماء طهور لا ينجسه شيء» الحديث، وقد مر توجيهه م: (وقال الشافعي يجوز إذا كان الماء قلتين لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا» ش: رواه الأربعة من حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ورواه ابن ماجه في صحيحه ولفظه «لم ينجسه شيء» وأخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأظنه لاختلاف فيه على أبي أسامة عن الوليد بن كثير، ورواه الشافعي في "مسنده "، وأحمد في "مسنده " وابن خزيمة والدارقطني والبيهقي، ولفظ أبي داود: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث» وفي رواية له ولابن ماجه «فإنه لا ينجس» . وقال ابن المنذر: إسناده على شرط مسلم صحيح وأخرجه الطحاوي أيضا بسند صحيح ولكنه اعتل في تركه العمل به بجهالة مقدار القلتين. واختلفوا في تفسير القلة فقيل خمس قرب كل قربة خمسون منا وقيل جرة تسعمائة وخمسة وعشرين منا، وقيل القلتان خمسمائة رطل بالبغدادي، وقيل ستمائة، وقيل ألف وهما بالمساحة ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا هكذا قالوا، وليس محررا فإن الماء تختلف أوزانه، وفي " المغني " لابن قدامة القلة هي الجرة ويقع هذا الاسم على الصغيرة والكبيرة، والمراد من القلتين هاهنا من قلال هجر وهما خمس قرب كل قربة مائة رطل بالعراقي فتكون القلتان خمسمائة رطل، هذا هو المشهور في المذهب وعليه أكثر الأصحاب وهو مذهب الشافعي. ووري الأثرم عن الأكمل أنهما أربع قرب وحكاه ابن المنذر أيضا عن أسامة. قلت: وهجر التي تنسب إليها القلال قرية كانت ببلاد المدينة، ويقال: الهجر التي باليمن والأول أصح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 ولنا حديث المستيقظ من منامه وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة» .   [البناية] م: (ولنا حديث المستيقظ من نومه) ش: قد مر في أوائل الكتاب وجه التمسك به أنه لما ورد النهي عن الغمس لأجل احتمال النجاسة فحقيقة النجاسة أولى أن يكون نجسا م: (وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة» ش: رواه بهذا اللفظ أبو داود وابن ماجه من حديث ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحديث، وهو في " الصحيحين " من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه» ، وفي لفظ: «ثم يغتسل منه» ، وفي لفظ الترمذي: «ثم يتوضأ منه» . وروى مسلم من حديث أبي السائب عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري وهو جنب" فقال: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ فقال: "يتناوله تناولا» . قوله: فقال: كيف يفعل؟ القائل هو أبو السائب مولى هشام بن زهرة. وأخرجه الدارقطني وابن حبان نحوه. وروي أيضا من حديث أبي الزبير عن جابر مرفوعا: «لا يبولن أحدكم في الماء الراكد» ، وروى البيهقي من حديث ابن عجلان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أنه نهى أن يبال في الماء الراكد وأن يغتسل فيه من الجنابة» . ووهم الشيخ علاء الدين التركماني في عزوه هذا الحديث لمسلم عن طلحة وإنما رواه مسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وروي بعضه عن جابر ولم يخرج مسلم لطلحة في كتابه إلا في خمسة أحاديث ليس هذا منها. الأول: «جاء رجل من أهل نجد ثائر الرأس.» أخرجه في كتاب الإيمان وشاركه البخاري فيه. الثاني: حديث «الصلاة إلى مؤخرة الرحل» أخرجه في الصلاة. الثالث: «أهدي لنا طير ونحن حرم» أخرجه في الحج. الرابع: حديث «لم يبق مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا طلحة» . الخامس: «مررت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوم على رؤوس النخل» أخرجهما في الفضائل، فالمقلد ذهل والمقلد جهل وآفة كل شيء من التقليد، وأخرجه الطحاوي أيضا من حديث عطاء بن يسار عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] منه أو يغتسل فيه» وأخرجه الطبراني بهذا الطريق، وأخرجه الطحاوي أيضا من حديث عطاء بن سعيد عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه أو يشرب» . وأخرجه البيهقي أيضا نحوه. قوله: «أو يشرب» أي منه، وجه التمسك بهذا الحديث أن الغسل من الجنابة لا يغير لون الماء ولا طعمه ولا ريحه وقد نهي عنه فإذا لا ينجسه بوقوع النجاسة بكل حال لم يكن للنهي فائدة ولا فصل في الحديث بين الدائم ودائم فهو على العموم إلا أن يصير في حكم الجاري كالحوض الكبير، ولأن الماء الذي يغتسل فيه أكثر من قلتين طاهر. فإن قلت: الحوض الكبير دائم والحديث مطلق فيدخل تحت إطلاقه فيكون حجة عليه. قلت: إنه في حكم الجاري في عدم اختلاط بعضه ببعض فإن قلت: يجوز أن يكون النهي فيه للتنزيه، قلت: لا يجوز لأن تأكيده وتقييده بالدائم ينافيه فإن الماء الجاري يشاركه في ذلك المعنى فإن البول كما أنه ليس باد في الماء الدائم فكذلك في الجاري فلا يكون للتقييد فائدة. وكلام الشارح مصون عن ذلك. وزعم النووي أن النهي فيه للتحريم في بعض المياه والكراهة في بعضها، فإن كان الماء كثيرا جاريا لم يحرم البول فيه لمفهوم الحديث، ولكن الأولى اجتنابه. وإن كان قليلا جاريا فقال جماعة من أصحابنا يكره، والمختار أنه لا يحرم لأنه يقدره وينجسه على المشهور من مذهب الشافعي، وإن كان كثيرا دائما فقال أصحابنا: يكره ولا يحرم ولو قيل: يحرم لم يكن بعيدا. فقيل: إذا بال في الماء الراكد القليل فقد أطلق جماعة من أصحابنا أنه مكروه والصواب المختار أنه حرام، والتغوط فيه كالبول فيه وأقبح. وكذا إذا بال في إناء ثم صبه في الماء، قلت: زعم أنه من باب استعمال اللفظ الواحد في معنيين مختلفين وفيه من الخلاف ما هو معروف عند أهل الأصول. ثم نتكلم في ألفاظ الحديث فقوله: الدائم، أي الثابت الواقف. وقوله: الذي لا يجري تفسير للدائم وإيضاح لمعناه. قوله: أو الراكد - شك من الراوي من ركد إذا ثبت، قال الجوهري: ركد الماء ركودا ثبت وكل ثابت في مكان راكد. قوله: نهى حكاية النهي كما أن قوله: أمر حكاية الأمر، واختلفوا فيما إذا قال الصحابي أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، أو السنة كذا، فالمذهب عندنا أنه لا يفهم من هذا المطلق الإخبار بأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا أنه سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم: ينصرف إلى ذلك عند الإطلاق، وفي الجديد قال: لا ينصرف إلى ذلك بدون البيان، لاحتمال أن يكون المراد سنة البلدان أو الرؤساء، حتى لو قال في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 من غير فصل. والذي رواه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] كل موضع: السنة في بلدنا كذا فإنما أراد سليمان بن بلال وكان عريفا بالمدينة. قوله: "ثم يغتسل فيه" برفع اللام لأنه خبر لمبتدأ أي: وهو يغتسل فيه، ويجوز الجزم عطفا على محل لا يبولن لأنه مجزوم، وعدم ظهور الجزم لأجل النون، وقد قيل: يجوز النصب بإضمار أن ويعطى له حكم الواو، قلت: هذا فاسد لأنه يقتضي أن يكون المنهي عنه هو الجمع بينهما دون إفراد أحدهما، ولهذا لم يقل به أحد بل البول فيه منهي سواء أراد الاغتسال فيه أو منه أو لا. وقال القرطبي: الصحيح يغتسل برفع اللام ولا يجوز نصبها إذ لا ينصب بإضمار أن بعد ثم وخالفه في ذلك ابن مالك وأجازه الذي ذكرناه، ويستنبط منه أحكام: الأول: أن أصحابنا احتجوا به أن الماء الذي لا يبلغ الغدير العظيم إذا وقعت فيه نجاسة لم يجز الوضوء به قليلا كان أو كثيرا. الثاني: استدل به أبو يوسف على نجاسة الماء المستعمل فإنه قرن فيه بين الغسل وبين البول فيه، وفي دلالة القران بين الشيئين على استوائهما في الحكم خلاف بين العلماء، فالمذكور عن أبي يوسف والمزني ذلك، وخالفهما غيرهما. الثالث: أن هذا الحديث عام فلا بد من تخصيصه اتفاقا بالماء المستبحر الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر، وبحديث القلتين كما ذهب إليه الشافعي، أو بالعمومات الدالة على طهارة الماء ما لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة كما ذهب إليه مالك. الرابع: أن المذكور فيه البول فيلحق به اغتسال الحائض والنفساء قياسا، وكذلك يلحق به اغتسال الجمعة، والاغتسال عند غسل الميت عند من يوجبها. فإن قلت: يلحق به الغسل المسنون أم لا، قلت: من اقتصر على اللفظ فلا إلحاق عنده كأهل الظاهر، وأما من يعمل بالقياس فمن زعم أن العلة الاستعمال فالإلحاق صحيح، ومن زعم أن العلة رفع الحدث فلا إلحاق عنده، فاعتبر بالخلاف الذي بين أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - في كون الماء مستعملا كما علم في موضعه. م: (من غير فصل) ش: أي حجتنا حديث: «لا يبولن أحدكم» إلخ. فإنه على العموم من غير فصل بين دائم ودائم، وبين ما يتغير لونه وبين ما لا يتغير. فإن قلت: ما محل هذا من الإعراب. قلت: النصب على الحال من قوله: لا يبولن، أي حجتنا عموم قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حال كونه من غير فصل كما ذكرنا. م: (والذي رواه مالك) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الماء طهور لا ينجسه شيء» وهذا جواب عن احتجاج مالك بهذا الحديث فيما ذهب إليه من جواز الطهارة من الماء القليل الذي وقعت ما لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 ورد في بئر بضاعة   [البناية] يتغير أحد أوصافه م: (ورد في بئر بضاعة) ش: أي الذي رواه مالك في بئر بضاعة وهو ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج عن أبي سعيد الخدري قال: «قيل لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنتوضأ من بئر بضاعة وهي تلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والمنتن، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء» قال الترمذي: حسن، وضعفه ابن القطان للاختلاف في إسناده، فقوم يقولون: عبد الله بن عبيد الله بن رافع بن خديج، وقوم يقولون عبيد الله بن عبد الله بن رافع، وقوم يقولون: عبد الله بن عبد الرحمن بن رافع، ومنهم من يقول عبد الرحمن بن رافع، قال: فتحصل فيه خمسة أقوال، وكيف ما كان فهو لا يعرف له حال ولا عين. وله إسناد صحيح من رواية سهل بن سعد أخرجه قاسم بن أصبغ في "مصنفه. «قال سهل: قالوا: يا رسول الله إنك تتوضأ من بئر بضاعة. وفيها ما ينجي الناس والحائض والجنب فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الماء لا ينجسه شيء» . قال قاسم: هذا أحسن شيء في بئر بضاعة. وحديث أبي سعيد أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أيضا وجوده أبو أسامة وصححه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، ورواه الطحاوي من حديث محمد بن إسحاق عن عبد الله بن عبيد الرحمن عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان يتوضأ من بئر بضاعة فقيل: يا رسول الله إنه يلقى فيها الجيف والمحائض، فقال: "إن الماء لا ينجسه شيء» . وروي من طريق آخر عنه قال: «قيل يا رسول الله إنما نستقي لك من بئر بضاعة وهي بئر يطرح فيها عذرة النساء ومحائض النساء ولحوم الكلاب، فقال: " إن الماء طهور لا ينجسه شيء» . وروي من طريق آخر عنه قال: «أتيت إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يتوضأ من بئر بضاعة فقلت: يا رسول الله أتتوضأ منها وهي يلقى فيها ما يلقى من النتن، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الماء لا ينجسه شيء» . قوله - أتتوضأ - بتاءين مثناتين من فوق خطاب للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وبضاعة بضم الباء هو المشهور، وذكر الجوهري الضم والكسر وهو بالضاد المعجمة وحكي أيضا بالمهملة، وقال المنذري: بئر بضاعة دار لبني ساعدة بالمدينة وبئرها معلوم، وبها مال من أموال أهل المدينة. قيل: بضاعة اسم لصاحب البئر وقيل لموضعها، والحيض بكسر الحاء وفتح الياء جمع الحيضة بكسر الحاء وهي الخرق التي تحشو بها المرأة وتمسح بها دم الحيض. والمحائض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 وكان ماؤها جاريا في البساتين   [البناية] جمع محيضة وهي مثل الحيض. والنتن الرائحة الكريهة ويقع أيضا على كل مستقبح. قوله: - «ما ينجي الناس» - بضم الياء بعدها نون ساكنة ثم جيم من أنجى الرجل إذا أحدث. قوله: - «لا ينجسه شيء» - نجس ينجس من باب علم يعلم نجسا ونجاسة وجاء فيه بضم الجيم في الماضي والمضارع أيضا. م: (وكان ماؤها) ش: أي ماء بئر بضاعة م: (جاريا في البساتين) ش: يسقى منه خمس بساتين، والماء الجاري لا ينجس بوقوع النجاسة فيه عندنا. فإن قلت: العبرة لعموم اللفظ دون خصوص السبب فكيف اختص بئر بضاعة مع وجود دليل العموم وهو الألف واللام، أجيب بأنه ليس من باب الخصوص في شيء، وإنما هو من باب الحمل للتوفيق فإن الحديثين إذا تعارضا وجهل تاريخهما يعد كأنهما وردا معا ثم بعد ذلك إن أمكن التوفيق بالعمل بينهما يحمل كل منهما على محمل حسن، وإن لم يمكن يطلب الترجيح، وإن لم يمكن يتهاتران، وهاهنا أمكن العمل بأن يحمل هذا الحديث على بئر بضاعة، وحديث المستيقظ وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يبولن أحدكم» الحديث على غيرها، فعملنا كذلك دفعا للتناقض. قلت: تحقيق الكلام أن النظر إلى عموم اللفظ دون خصوص السبب إنما يكون إذا لم يرد ما يخصصه من القوة، وقد ورد هنا وهو حديث المستيقظ والأمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب، والنهي عن البول في الماء الدائم، وما ورد من الأحاديث في تنجيس الماء بوقوع الحيوان فيها، فيكون خصوصه بها لدفع انتقاض فكان هذا من باب الحمل. وقال تاج الشريعة: سمعت من الشيخ الأستاذ الإمام أن هذا النص خص بالحديثين فجاز أن يخص بالسبب، أو أن العبرة إنما تكون بعموم اللفظ، إذا كانت الألف واللام للجنس، أما إذا كانت للعهد فلا. وقال الطحاوي: والمستحيل أن يكون سؤالهم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن بئر بضاعة وجوابه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إياهم في ذلك بقوله: «إن الماء لا ينجس» وكانت النجاسة في البئر، ولكنه والله أعلم كان بعد أن أخرجت النجاسة من البئر فسألوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك والبئر تطهر بإخراج النجاسة منها فلا ينجس ماؤها الذي يطرأ عليها بعد ذلك، وذلك موضع مشكل لأن حيطان البئر لم تغسل وطينها لم يستخرج، فقال لهم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الماء لا ينجس» يريد بذلك الماء الذي يطرأ بعد إخراج النجاسة منها، لأن الماء لا ينجس إذا خالطته النجاسة، وقد قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المؤمن لا ينجس» في حديث «أبي هريرة، قال: لقيت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأنا جنب، فمد يده إلي فقبضت يدي عنه، وقلت: إني جنب، فقال: "سبحان الله إن المؤمن لا ينجس» وهذا الحديث أخرجه الجماعة، وفي رواية الشيخين «إن المؤمن لا ينجس» وليس معناه أن بدنه لا ينجس وإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أصابته النجاسة وإنما أراد به لا ينجس بمعنى غير ذلك. وكذلك قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الأرض لا تنجس» في حديث «وفد ثقيف لما قدم على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فضرب لهم قبة في المسجد فقالوا يا رسول الله نحن قوم أنجاس فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنه ليس على الأرض من أنجاس الناس شيء إنما» رواه الحسن البصري مرسلا. وروي عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري عن يونس عن الحسن قال: «جاء رهط من ثقيف فأقيمت الصلاة، فقيل: يا رسول الله إن هؤلاء مشركون، قال: "إن الأرض لا ينجسها شيء» وليس معناه أن الأرض لا تنجس وإن أصابتها النجاسة، وكيف يكون ذلك وقد «أمر بالمكان الذي بال فيه الأعرابي من المسجد أن يصب عليه ذنوب من ماء» والحديث صحيح. وروى طاوس أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر بمكان أن يحض فكان معنى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن «الأرض لا تنجس» أنها لا تبقى نجسة في حال عدم كونها النجاسة فيها، فكذلك قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في بئر بضاعة «إن الماء لا ينجس» ليس هو على حال كون النجاسة فيها إنما هو على حال عدم النجاسة فيها، فهذا وجه قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في بئر بضاعة «الماء لا ينجسه شيء» . وقال أبو نصر المعروف بالأقطع: لا يظن بالنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه كان يتوضأ من بئر هذه صفاته مع نزاهته وإيثار الرائحة الطيبة ونهيه عن الامتخاط في الماء، فدل أن ذلك كان في الجاهلية فشك المسلمون في أمرها فبين أنه لا أثر لذلك مع كثرة النزح، وقال الخطابي: قد توهم بعضهم أن هذا كان لهم عادة وتعمدا وهذا لا يظن بذمي ولا وثني فضلا عن مسلم، فلم تزل عادة الناس قديما وحديثا مسلمهم وكافرهم من تنزيه الماء وصونه عن النجاسة فكيف يظن بأهل ذلك الزمان وهو أعلى طبقات أهل الدين، وأفضل جماعة المسلمين والماء ببلادهم أعز، والحاجة إليه أمس أن يكون هذا صنيعهم بالماء وامتهانهم له. وقد «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن التغوط في موارد الماء ومشارعه» فكيف من اتخذ عيون الماء ومنابعه رصدا للأنجاس ومطرحا للأقذار، وإنما كان ذلك من أجل أن هذا البئر موضعها في حدود من الأرض، وكانت السيول تلم هذه الأقذار من الطرق والأفنية وتحملها فتلقيها فيها، وكان الماء لكثرته، وغزارته لا يتغير من ذلك، فكان من جوابه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن الماء الكثير الذي صفته هذه في الكثرة والمقدار لا تؤثر فيها النجاسة، لأن السؤال إنما وقع عن ذلك والجواب إنما يقع عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: ما الدليل على كون ماء بئر بضاعة جاريا في البساتين. قلت: روى الطحاوي عن أحمد بن أبي عمران عن أبي عبد الله محمد بن شجاع البلخي عن الواقدي أن بئر بضاعة كانت طريقا للماء إلى البساتين. فإن قلت: كان أهل الحديث يشنعون على الواقدي تشنيعا عظيما، ونقل ابن الجوزي عن ابن عدي أنه كان يضع الحديث في السنة ينسبها إلى أهل الحديث متهما بها. قلت: من جملة تصانيفه كتاب الرد على المشبهة، فكيف يصح هذا عنه وكان دينا صالحا عابدا. وفي " التهذيب ": كان فقيه أهل الرأي في وقته، وصاحب التصانيف، فإن كان الواقدي مجروحا لما رواه عنه، وقال البخاري فيه: متروك الحديث، ثم عن الشافعي أنه قال: كتب الواقدي كذب، نقله البيهقي، وقال: الواقدي لا يحتج بروايته فيما يسنده فكيف فيما يرسله. وقد ضعفه يحيى وكذبه أحمد. قلت: هذا تحامل من البيهقي على الطحاوي في هذا الموضع، والعجب منه أن يشنع هذا التشنيع والحال أنه يخبر عن مشاهدة لأنه من أهل المدينة وهو أدرى بحالها وحال آبارها من غيره، وفيه إسناد وإرسال فيقول ما يقول، وقد طبق الأرض شرقها وغربها ذكره وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم كما ذكره الخطيب في ترجمته، وقال إبراهيم بن جابر الفقيه: سمعت الصاغاني وذكر الواقدي فقال: والله لولا أنه عندي ثقة ما حدثت عنه، وحدث عنه الأربعة أئمة الكبار أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو حثمة ورجل آخر، ويمكن أن يكون هو الشافعي لأنه روى عنه. وقال مصعب بن الزبير: الواقدي ثقة مأمون، ولولا هو والبلخي ثقتان عند الطحاوي لما روى عنهما في معرض الاستدلال، وتعريض غيره وتضعيفه إياهما لا يلزمه على ما عرف. واسم الواقدي: محمد بن عمرو الأسلمي أبو عبد الله المدني قاضي بغداد وأحد مشايخ الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فإن قلت: قد قيل إن المدينة لم يكن لها ماء جار على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأما عين الزرقاء وعيون حمزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فحدثت بعد ذلك، وبئر بضاعة كان ماؤها نبع غير جار وهي باقية إلى اليوم شرقي المدينة بدار بني ساعدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 وما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضعفه أبو داود،   [البناية] قلت: هذا يرد بما رواه الطحاوي، على أنه يحتمل أن يكون مراد هذا القائل أن المدينة لم يكن بها ماء جار على وجه الأرض مثل النهر، وبئر بضاعة كان ماؤها جاريا تحت الأرض كالقنوات التي تجري تحت الأرض. وقال الأكمل: فإن قيل استدل المصنف في أول الباب إلخ. نقله عن صاحب " الدراية " فإنه قال ذلك ثم قال في آخره كذا قول شيخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو الإمام علاء الدين بن عبد العزيز. تقرير السؤال أنه قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إن الماء لا ينجس» لما بين أنه ورد في بئر بضاعة لا يستقيم العمل بعمومه في أول الباب حيث أثبت صاحب " الهداية " طهارة المياه الكائنة من السماء والأودية والعيون والآبار وماء البحار بهذا الحديث، فإن كانت اللام في قوله الماء للجنس صح الاستدلال وبطل الحمل وإن كان للعهد صح الحمل ويبطل الاستدلال وتقرير الجواب أن اللام للجنس فالاستدلال صحيح والحمل ليس بباطل، لأن الحديث يشتمل على قضيتين إحداهما الماء طهور والثانية لا ينجسه شيء، والاستدلال بالأول صحيح لأنها تفيد المقصود من غير اقتضاء إلى الثانية والحمل بالثانية. فإن قيل: الضمير في قوله لا ينجسه يرجع إلى ما دخل عليه اللام فكان المراد به الجنس فكيف يصح حمله على المعنيين. أجيب بأن اللفظ إذا احتمل معنيين وأريد به أحدهما ثم أريد بضميره الآخر جاز ويسمى ذلك استخداما كما في قول الشاعر: إذا نزل السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا أريد بالسماء المطر وبضميره النبات. ونظيره قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة» . فإن القضية الأولى على العموم حتى حرم البول في الماء القليل والكثير جميعا واختصت الثانية بالقليل فوجب تخصيصه حتى لا يحرم الاغتسال في الماء الدائم الكثير مثل الغدير العظيم ونحوه، فيثبت أن حمل الحديث هنا على الماء الجاري لا يمنع التمسك به في أول الباب لعمومه. م: (وما رواه الشافعي ضعفه أبو داود) ش: أراد به حديث القلتين. قال الأترازي: أبو داود هذا هو أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني صاحب كتاب " معالم السنن " إمام ثقة من أئمة الحديث مقبول الرواية عند كل المذاهب، وتبعه الأكمل في ذلك، قلت هذا كلام غير صحيح لأن أبا داود السجستاني الذي ذكره روى حديث القلتين في "سننه". وسكت عنه فهو صحيح عنده على عادته في ذلك قال صاحب " الهداية " لم يعين اسم أبي داود فيحتمل أن يكون أبا داود الطيالسي أو غيره ممكن يكنى بأبي داود من أئمة الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: ويحتمل أن يكون أبو داود وهو الذي قاله الأترازي ويحتمل أنه ضعف هذا الحديث في غير سننه في موضع آخر فإنه نقل بعضهم أن أبا داود قال لا يكاد يصح لأحد من الفريقين حديث عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في تقدير الماء، ويلزم من هذا تضعيف حديث القلتين ضرورة أنه حديث في الماء، قلت: الاحتمال إذا كان ناشئا عن دليل يفيد وإلا لأدى إلى أن أبا داود قال لا يصح اه. هو أبو داود السجستاني صاحب السنن ويحتمل أن يكون غيره، وما ذكرنا من الرد على حاله. وأما تضعيف حديث القلتين فوجهه وإن كان رواه الأربعة والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي وصححه الحاكم وابن المنذر، أنه دائر على معطوف عليه في الرواية ومضطرب فيها أو موقوف. قال أبو بكر بن العربي في " شرح الترمذي ": وحسبك أن الشافعي رواه عن الوليد بن كثير وهو أباضي منسوب إلى عبد الله بن أباض من غلاة الروافض. واختلف في روايته قيل " قلتين أو ثلاثا " رواه يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة أخرجه الدارقطني، وروي: "أربعين قلة" عن القاسم بن عبيد الله عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا بلغ الماء أربعين قلة لم يحمل الخبث» أخرجه الحافظ أبو أحمد بن عبيد الله بن عدي الجرجاني وأبو حفص محمد بن عمرو العقيلي وأبو الحسن علي بن عمرو الدارقطني، وروي " أربعين غربا ". رواه أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ذكر الخلاف ووقفه على أبي هريرة وعبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وقال أبو بكر بن العربي أيضا والمقداد والدارقطني أن يخلص من رواية هذا الحديث بخبر سفه الذقن ما مضى لها وعلى كثرة طرقه لم يخرجه على شرط الصحة، وأكثر طرقه عن محمد بن إسحاق بن يسار، قال أبو زرعة: ليس يمكن أن يقضى له وكذبه مالك وغيره. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أخبرني مسلم بن خالد بن الزنجي عن ابن جريج بالإسناد ولا يحضر في ذكره أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل خبثا» وقال في الأحاديث بقلال هجر، قال أصحاب الحديث ما حضره ولا يحضره أبدا. قال الشيخ تقي الدين في " الإمام ": هذا فيه أمران أحدهما أن الإسناد الذي لم يحضره مجهول الرجال فهو كالمنقطع فلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] تقوم به الحجة. والثاني قوله: قال في الحديث بقلال هجر يتوهم له أنه من لفظ الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والذي وجد في رواية ابن جريج إنما هو من قول غير الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: وفيه علة ثالثة وهو أن شيخه مسلم بن خالد ضعيف ضعفه جماعة منهم البيهقي الذي تنازع فيه مع أئمة الحنفية ولا سيما في هذا الباب، فإن في باب من زعم أن التراويح بالجماعة أفضل، والذي وجد في رواية ابن جريج أنه قول يحيى بن عقيل وبينه البيهقي ويحيى هذا ليس بصاحبي فلا تقوم بقوله حجة. فإن قلت: أسند البيهقي عن محمد عن يحيى بن عقيل قال قلال فأظن أن كل قلة تأخذ فرقتين، زاد أحمد بن علي في رواية والفرق ستة عشر رطلا، قلت في هذا أربعة أشياء أحدها: أنه مرسل. والثاني: أن أحد المذكور فيه هذا يحيى على ما قاله أبو أحمد الحافظ يحتاج إلى الكشف عن حاله. الثالث: أنه ظن من غير جزم. الرابع: أنه إذا كان الفرق ستة عشر رطلا يكون مجموع القلتين أربعة وستين رطلا، وهذا لا يقول به البيهقي ولا إمامه وقد أكثر العلماء في هذا الباب جدا. وحاصله أن حديث القلتين مضطرب لفظا ومعنى، أما اللفظ فمن جهة الإسناد والمتن، أما الإسناد فلأنه روي بروايات مختلفة، وأما المتن فما تقدم وضعفه الحافظ أبو عمر بن عبد البر وابن العربي، وأما من جهة المعنى فقيل إن القلة اسم مشترك يطلق على الجرة والقلة، والقلة على رأس الجبل، وعلى قامة الرجل، والاسم المشترك لا يراد به إلا أحد المعاني الذي دل عليه المرجح، فأي دليل ترجح دل على أن المراد من القلة ما أرادوه لا غير من التقدير. فإن قالوا: الدليل ما روي في الحديث بقلال هجر، فقد أجبنا عنه من قريب. وقال أبو عمر في " التمهيد " في القلتين: مذهب ضعيف من جهة النظر غير ثابت في الأثر، لأن حديث القلتين قد تكلم فيه جماعة من أهل العلم بالنقل ولأنه لا يوقف على حقيقة مبلغهما في أثر ثابت ولا إجماع ولو كان حتما لازما لما منعوه ثم إنهم يقولون إذا تغير لونه أو طمعه أو ريحه بالنجاسة تنجس القلتان وليس في حديثهم ذلك، وإنما جاء في مطلق الماء، وقد ترك جماعة من أصحاب الشافعي مذهبه فيه لضعفه كالغزالي والديواني وغيرهما. وقال أبو عمر في " الاستذكار " حديث معلول رواه إسماعيل القاضي وتكلم فيه. وقال الطحاوي إنما لم يقل به لأن مقدار القلتين لم يثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 وهو يضعف عن احتمال النجاسة والماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة جاز الوضوء منه إذا لم ير لها أثر؛ لأنها لا تستقر مع جريان الماء،   [البناية] م: (وهو يضعف عن احتمال النجاسة) ش: هذا تأويل معنى حديث القلتين، فإن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول معنى قوله لا يحمل الخبث لا يقبل النجاسة ويدفعها، ونحن نقول معناه يضعف عن احتمال النجاسة، فإذا كان كذلك لم يكن التمسك به صحيحا. قلت: معناه يضعف عن مقاومة النجاسة كما يقال فلان لا يحتمل أذى الناس، وفلان لا تحتمل الضرب، وهذه الدلالة لا تحتمل هذا المقدار من الحمل، وهذه الأسطوانة لا تحتمل ثقل السقف، وهذا استعمال عربي فلا يتعين ما ذهب إليه فصار مجملا. وقال النووي: هذا خطأ فاحش من أوجه أحدها أن الرواية الأخرى مصرحة بغلطه وهو قوله فإنه لا ينجس، الثاني أن الضعف عن الحمل إنما يكون في الأجسام كقولنا فلان لا يحمل الخشبة أي يعجز عن حملها لثقلها، وأما في المعاني فمعناه لا يقبله. الثالث أن سياق الكلام يفسره لأنه لو كان المراد أنه يضعف عن حمله لم يكن للتقييد بالقلتين معنى فإن ما دونها أولى بذلك، وأجيب بأن التأويل المذكور في الرواية التي ذكرها المصنف صحيح على ما مر وتأويلهم في هذه الرواية. وأما الرواية الأخرى فالجواب عنها أن العمل متعذر للاختلاف الشديد في تفسير القلتين. وقال ابن حزم لا حجة لهم في حديث القلتين لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يحدد مقدار القلتين، ولاشك أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لو أراد أن يجعلهما حدا بين ما يقبل النجاسة وبين ما لا يقبلها، لما أجمل أن يحدها لنا بحد ظاهر. وأما الشافعي فليس حده في القلتين أولى من حد غيره فسرهما بغير تفسيره وكل قول لا برهان عليه فهو باطل. والقلتان ما وقع عليه في اللغة اسم قلتين صغرتا أم كبرتا، ولا خلاف أن القلة التي تسع عشرة أرطال ماء تسمى عند العرب قلة وليس هذا الخبر دال على قلال هجر، ولا شك أن لهجر قلالا صغارا [لا] كبارا فإنه قيل أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قد ذكر قلال هجر في حديث الإسراء. قلت: نعم وليس ذلك بموجب أن يكون - عَلَيْهِ السَّلَامُ - متى ذكر قلة فإنما أراد بها من قلال هجر، وليس تفسير ابن جريج القلتين بأولى من تفسير مجاهد الذي قال هما جرتان ويفسر كذلك. م: (والماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة جاز الوضوء منه إذا لم ير لها أثر) ش: أي لم يعلم لها أثر، وفيه إشارة إلى أنها لو كانت مرئية لا يتوضأ من جانب الوقوع، وإذا لم تكن مرئية جاز له الوضوء من أي موضع شاء من موضع وقوع النجاسة فيه أو من غيره م: (لأنها) ش: أي لأن النجاسة م: (لا تستقر مع جريان الماء) ش: أي لا تستقر في موضع وقوعها مع جريان الماء بل تتحول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 والأثر هو الطعم أو الرائحة أو اللون، والجاري: ما لا يتكرر استعماله وقيل: ما يذهب بتبنة. قال: والغدير.   [البناية] عنه م: (والأثر) ش: أي أثر النجاسة م: (هو الطعم أو الرائحة أو اللون) ش: ذكره بكلمة أو التي للتنوع على أن واحدا منها يكفي عند وجودها م: (والجاري) ش: أي حد الماء الجاري م: (ما لا يتكرر استعماله) ش: وذلك أن الرجل إذا غسل يده وسال الماء منها إلى النهر فإذا أخذه ثانيا لا يكون فيه شيء من الماء الأول. م: (وقيل ما يذهب بتبنة) ش: أو ورق، وقيل إن يضع إنسان يده في الماء عرضا لم تقطع جريانه. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن كان لا ينحسر وجه الأرض بالاغتراف بكفيه. وقيل ما يعده الناس جاريا وهو الأصح، ذكره في " البدائع " و " التحفة " وغيرهما. وفي " الذخيرة " و " البدائع " و " المرغيناني " لو بال إنسان في الماء الجاري فتوضأ به إنسان من أسفل منه جاز. وفي " البدائع " و " شرح الطحاوي " جيفة فأرة في الفرات وتوضأ إنسان أسفل منه إن وجد طعمها أو لونها أو ريحها ينجس الماء وإلا فلا. وفي المرئية كالجيفة إن كان الماء يجري على كلها أو نصفها لا يجوز الوضوء به أسفل منها، والقياس في النصف الجواز وعلى هذا التفصيل الميزاب، وإن لم تكن النجاسة على الميزاب يعتبر تغير لونه أو ريحه أو طعمه، ولو كان الماء يجري في جوف الجيفة وأكثرها لا يلاقيها فهو طهور. وقال أبو نصر: هذا أشبه بقول أصحابنا كلب ميتة سد عرض الساقية والماء يجري من تحته وفوقه فلا بأس بالوضوء به إن لم يتغير عند أبي يوسف خلافا لهما، وعن أبي حنيفة إن كان الماء فوق الكلب مقدار ذراع جاز، وفي " الذخيرة " إذا تغير لا يحكم بطهارته ما لم يزل تغيره بورود ماء طاهر عليه حتى يزيل تغيره. فرع: مسافر معه ميزاب واسع وأرواه ما يحتاج إليه ما يصنع فعند أبي الحسن السندي يأمر رفيقه بصب الماء من طرف الميزاب ويتوضأ من الميزاب، وعند الطرف الآخر منه إناء يجتمع فيه الماء فإن الماء المجتمع منه يكون طهورا والجاري لا يكون مستعملا عند جريانه، ومنهم من أنكر هذا لعدم المادة له، والصحيح الأول، وفي " الكبرى " ماء الثلج جرى على طريق فيه نجاسة إن لم ير أثرها فيه يتوضأ منه لأنه جار. م: (والغدير) ش: على وزن فعيل بمعنى مفعول من غادره إذا تركه، وهو الذي تركه ماء السيل، وقيل بمعنى فاعل لأنه يغدر بأهله لانقطاعه عند شدة الحاجة إليه. وقال الأترازي الغدير القطعة من الماء يغادرها السيل، وهو فعيل بمعنى فاعل من غادره أو بمعنى مفعل من أغدره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 العظيم الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر إذا وقعت نجاسة في أحد جانبيه جاز الوضوء من الجانب الآخر، لأن الظاهر أن النجاسة لا تصل إليه، إذ أثر التحريك في السراية فوق أثر النجاسة. ثم عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر التحريك بالاغتسال، وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعنه: التحريك باليد، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالتوضؤ. ووجه الأول: أن الحاجة إلى الاغتسال في الحياض أشد منها إلى التوضؤ،   [البناية] قلت: فيه نظر، لأن غديرا فعيلا من غدر لا من غادر حتى يقول بمعنى مفاعل، ولا هو من أغدر حتى يقول بمعنى مفعل مع أن الثاني منه متعد. م: (العظيم) ش: صفة الغدير وكذا قوله م: (الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر) ش: لا بالموج م: (إذا وقعت نجاسة في أحد جانبيه جاز الوضوء من الجانب الآخر) ش: إلا أن يتغير طعمه أو لونه أو ريحه فحينئذ لا يجوز كذا في " فتاوى الولوالجي ". فإن قلت: كيف إعراب هذا؟ قلت: الغدير مبتدأ وخبره الجملة وهو قوله إذا وقعت فيه نجاسة اه. وفيها الضمير أعني في جانبه يرجع إلى المبتدأ، وقد علم أن الجملة تقع خبرا سواء كانت اسمية أو فعلية أو شرطية أو ظرفية م: (لأن الظاهر أن النجاسة لا تصل إليه) ش: أي إلى الجانب الآخر م: (إذ أثر التحريك) ش: كلمة إذ للتعليل معناه لأن أثر تحريك الطرف من الغدير م: (بالسراية) ش: إلى الطرف الآخر م: (فوق أثر النجاسة) ش: لأن ذلك أسرع والنجاسة الواقعة في أحد الطرفين لا تصل إلى الآخر. م: (ثم عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر التحريك بالاغتسال) ش: يعني إذا اغتسل في طرف منه لا يتحرك الطرف الآخر فإن تحرك لا يجوز الوضوء منه ولا الاغتسال عند وقوع النجاسة. واعلم أنهم اختلفوا في هذا على اثني عشر قولا الأول: هو ما ذكره عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواه أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإليه أشار بقوله: م: (وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: صورة هذا أن يغتسل إنسان في جانب منه اغتسالا وسطا فلم يتحرك الجانب الآخر والثاني هو قوله م: (وعنه) ش: أي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر م: (التحريك باليد) ش: لا غير وهو أيضا نقله أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والثالث: هو قوله م: (وعن محمد بالتوضؤ) ش: أي روي عن محمد أنه يعتبر التحريك بالتوضؤ منه م: (ووجه الأول) ش: أي القول الأول وهو التحريك بالاغتسال م: (أن الحاجة إلى الاغتسال في الحياض أشد منها إلى التوضؤ) ش: لأن الوضوء يكون في البيوت عادة ولأن هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 وبعضهم قدروه بالمساحة عشرا في عشر بذراع الكرباس توسعة للأمر على الناس وعليه الفتوى   [البناية] أحوط ووجه الرواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو التحريك باليد لأنه أخف فكان الاعتبار به أولى توسعة على الناس. والرابع: هو قوله م: (وبعضهم قدروه بالمساحة) ش: أي بعض العلماء وهو أبو سليمان الجرجاني وبه أخذ مشايخ بلخ، وإليه ذهب عبد الله بن المبارك، وبه قال أبو الليث وهو قول أكثر أصحابنا م: (عشرا في عشر) ش: عشرا حال من قوله - بالمساحة - وقوله - في عشر - محلها النصب على الحال أيضا والتقدير بعض العلماء قدروا الماء الذي تقع فيه النجاسة حتى يجوز الوضوء منه بالذراع حال كونه عشرا كائنا في عشر، فيكون مائة والمائة منتهى العشرات والعشر منتهى الآحاد، والألف منتهى المئين، والمائة وسط، وخير الأمور أوسطها فلذلك اختاره أكثر العلماء. ولو كان الحوض مدورا قال في " الفتاوى الظهيرية " أنه يعتبر فيه ثمانية وأربعون ذراعا ودونها ينجس، وقيل ستة وثلاثون وهو الصحيح، وهو مبرهن عند الحساب وفي حيز مطلوب قدره بعضهم ثمانية وأربعين ذراعا. وقيل يعتبر أربعة وأربعون. وقيل أربعة وثلاثون لأن العمود عشرة أذرع فإذا ضربتها في ثلاثة وثلث فالخارج ثلاث وثلاثون وثلث فكملوا الثلث تسهيلا واحتياطا واحترازا عن الكسر، وكأن من قدره بأكثر من ذلك اعتبر الزوايا. م: (بذراع الكرباس) ش: الباء تتعلق بقوله قدروا، ثم اختلفت ألفاظ الكتب في تعيين الذراع فجعل الصحيح في " فتاوى قاضيخان " ذراع المساحة وهو سبع مشتان فوق كل مشتية إصبع قائمة وهو ذراع الملك، واختارها في حيز مطلوب والمصنف اختار للفتوى ذراع الكرباس وهي سبع مشتيات ليس فوق كل مشتية إصبع قائمة. وقيل أربع وعشرون إصبعا بعدد حروف لا إله إلا الله محمد رسول الله م: (توسعة للأمر) ش: نصب على التعليل أي لأجل التوسعة م: (على الناس وعليه الفتوى) ش: أي على هذا القول. وفي " المحيط " أنه يعتبر في كل مكان وزمان ذراعاتهم من غير تعرض للمساحة والكرباس. والخامس: من الأقوال الاثني عشر يعتبر فيه أكثر الرأي والتحري، فإن غلب على الظن وصول النجاسة إلى الجانب الآخر فهو نجس، وإن غلب عدم وصولها فهو طاهر، فهذا هو الأصح، وهو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، وقال السروجي: والمذهب الظاهر التحري والتفويض إلى رأي المبتلى به من غير تحقيق بالتقدير أصلا عند الإمام وبه أخذ الكرخي. السادس: يلقي فيه قدر النجاسة صبغ فإن لم يظهر أثره في الجانب الآخر لا ينجس، حكي عن أبي حفص الكبير في " المبسوط " و" البدائع ". السابع: يعتبر بالتكدر روي عن أبي نصر محمد بن محمد بن سلام ذكره في " البدائع " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] و" المفيد ". الثامن: إذا كانت ثمانيا في ثمان قاله محمد بن سلمة. التاسع: قدر بعضهم اثني عشر في اثني عشر أخذ من مسجد محمد بن الحسن من خارجه؛ لأنه لما سئل عن ذلك قال: مثل مسجدي هذا، فمسحوه من داخله فكان ثمانيا في ثمان ومن خارجه كان اثني عشر في اثني عشر. العاشر: خمسة عشر في خمسة عشر قاله عبد الله بن المبارك ثانيا وبه أخذ أبو المطيع البلخي، وقال: أرجو أن يجوز. الحادي عشر: عشرين في عشر، قال أبو مطيع حينئذ لا أجد في قلبي شيئا. والثاني عشر: عن محمد بن الحسن لو انغمس رجل في جانب لا يتحرك الجانب من ساعته، وهذا قريب من معنى ما تقدم. فإن قلت: نصب المقدرات بالرأي لا يجوز وكيف اخترتم في حد الماء الكثير بالعشر في العشر وما استنادكم وهذا كل أحد من الأئمة الثلاثة استند في هذا الباب على الأثر. أما مالك فإنه اعتمد على حديث أبي سعيد الخدري وقال: إن الماء لا ينجس بشيء إلا إذا تغير أحد أوصافه وبه قال الأوزاعي والليث بن سعد وعبد الله بن وهب وإسماعيل بن إسحاق ومحمد بن بكير والحسن بن صالح وبه قال أحمد في رواية. وأما الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه اعتبر القلتين بالحديث الوارد فيهما وبه قال أحمد في المشهور عنه. وقالت الظاهرية: الماء لا ينجس أصلا سواء كان جاريا أو راكدا وسواء كان قليلا أو كثيرا تغير طعمه أو لونه أو ريحه أو لم يتغير لظاهر حديث أبي سعيد الخدري. وقال ابن حزم في " المحلى ": وممن روي عنه القول مثل قولنا: إن الماء لا ينجسه شيء: عائشة أم المؤمنين وعمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس والحسن بن علي بن أبي طالب وميمونة أم المؤمنين وأبو هريرة وحذيفة بن اليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والأسود بن يزيد وعبد الرحمن أخوه وعبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جبير ومجاهد وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق والحسن البصري وعكرمة وجابر بن زيد وعثمان البتي وغيرهم. قلت: حديث بئر بضاعة يصلح أن يكون استنادا في التقدير بالعشر بيان ذلك أن محمدا لما سئل عن ذلك قال: إن كان قدر مسجدي فهو كثير فلما قاسوه وجدوه ثمانيا في ثمان من داخله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 والمعتبر في العمق أن يكون بحال لا ينحسر بالاغتراف هو الصحيح، وقوله في الكتاب: جاز الوضوء من الجانب الآخر، إشارة إلى أنه ينجس موضع الوقوع، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا ينجس إلا بظهور النجاسة فيه كالماء الجاري   [البناية] وعشرا في عشر من خارجه وقيل: اثني عشر في اثني عشر، وكان وسع بئر بضاعة ثمانيا في ثمان، والدليل عليه ما قله أبو داود: وقدرت بئر بضاعة بردائي مددتها عليها ثم ذرعته فإذا عرضها ستة أذرع، وسألت الذي فتح لي الباب وأدخلني إليه هل غيرتموها عما كانت عليه؟ فقال: لا، ورأيت الماء فيها متغير اللون، انتهى. فإذا كان عرضها ستة أذرع يكون طولها أكثر منها؛ لأن الغالب أن يكون الطول أمد من العرض، ولو كانت البئر مدورة يقال: فإذا دورها ستة أذرع فإن أضيف ما في الطول من الزيادة إلى العرض يكون مقداره الثمانية أو أكثر؛ لأن منشأ ذلك على التقدير لا على التحرير، فأخذ محمد من هذا ولكن ما اعتبر إلا خارج مسجده الأصلي للاحتياط في باب العبادات. م: (والمعتبر في العمق) ش: بفتح العين المهملة وضمها وسكون الميم م: (أن يكون الماء بحال لا ينحسر) ش: أي لا ينكشف. م: (بالاغتراف) ش: باليد؛ لأنه إذا انحسر ينقطع الماء بعضه عن بعض ويصير الماء في مكانين فتخلص إليه النجاسة، وهو اختيار الفقيه أبي جعفر الهندواني م: (هو الصحيح) ش: أي الذي ذكره بقوله: والمعتبر في العمق اهـ. واحترز به عن أقوال أخرى قال الكاساني: الصحيح أنه إذا أخذ الماء وجه الأرض يكفي، وقيل: مقدار ذراع بذراع الكرباس أو أكثر، وقيل: مقدار شبر، وقيل: زيادة على عرض الدرهم الكبير المثقال، ولا تقدير فيه في ظاهر الرواية. م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري م: (في الكتاب) ش: أي في " مختصر القدوري " م: (جاز الوضوء من الجانب الآخر إشارة إلى أنه ينجس موضع الوقوع) ش: أي موضع وقوع النجاسة ولم يفرق بين كونها مرئية وغير مرئية، وهو المحكي عن مشايخ العراق. ومشايخ بخارى وبلخ فرقوا بينهما وقالوا في غير المرئية: يتوضأ من الجانب الذي وقعت فيه النجاسة بخلاف المرئية. م: (وعن أبي يوسف أنه) ش: أي موضع الوقوع م: (لا ينجس إلا بظهور النجاسة فيه) ش: أي في موضع الوقوع م: (كالماء الجاري) ش: يعني حكمه حكم الماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة يجوز الوضوء منه ما لم يظهر أثرها فيه؛ لأنها لا تستقر مع جريان الماء، وقيل: على هذا إذا غسل وجهه من حوض كبير فسقط غسالة وجهه في الماء فرفع الماء من موضع الوقوع قبل التحريك لا يجوز عند العراقيين، وجوزه مشايخ بخارى وبلخ توسعة على الناس لعموم البلوى به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 قال: وموت ما ليس له نفس سائلة في الماء لا ينجسه كالبق والذباب والزنابير   [البناية] وقيل: ماء الحمام كالماء الجاري لا ينجس بإدخال اليد النجسة للضرورة، ولو انصب ماء الحوض النجس وجفت أرضه حتى طهرت ثم دخله الماء ففي كونه نجسا روايتان عن الإمام والأصح تنجيسه. وكذا المني لو أصابه ماء بعد فركه، وجلد الميتة بعد تتريبه وتشميسه، والبئر إذا عاد ماؤها بعد ما تنجسه ثم عاد الماء. قال نصر بن يحيى: يحكم بطهارتها وهذا أرفق بالناس. وقال محمد بن سلمة: ينجس وهو أوثق. وروى هشام عن محمد كقول محمد بن سلمة. وفي " الفتاوى الظهيرية " الماء إذا كان له طول ولا عرض له إن كان بحال لو جمع يصير عشرا في عشر وصار عمقه بقدر شبر جاز الوضوء فيه عند الميداني، وبه أخذ الزندروسي، وقال بكر ابن طرجاز: لا يجوز، وفي التجنيس ما له طول وعمق ولا عرض له ولو قدر يصير عشرا في عشر فلا بأس بالوضوء منه تيسيرا على المسلمين. خندق طوله أربعون ذراعا وعرضه ذراع قال أبو سليمان: يجوز الوضوء منه، قيل: لو وقعت فيه نجاسة؟ قال: ينجس من كل جانب عشرة أذرع، وفي " المجتبى " حوض كبير تنجس فدخل فيه ماء طاهر حتى كثر فهو نجس، وقيل: يطهر إذا خرج مثله وإن قل، وفي " المحيط " وهو الأصح، وقيل: إذا خرج مثله، وقيل: ثلاثة أمثاله، وقيل: يطهر. وقال الوصاني: وبه يفتى. ولو تنجس حوض الماء فدخل فيه ماء حتى خرج مثله يطهر، وقيل: ثلاثة أمثاله، ولو خاض في ماء الحمام يجب غسل قدميه، وقيل: لا يجب، والأصح أنه إن علم أن في الحمام خبثا يجب، وإلا فلا والأول أحوط كذا في " المجتبى ". [حكم موت ما ليس له نفس سائلة في الماء] م: (قال: وموت ما ليس له نفس سائلة في الماء لا ينجسه) ش: المراد من النفس الدم وفي " المستصفى " النفس بسكون الفاء الدم وتأنيثه باعتبار لفظ النفس، قال الله تعالى {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1] (النساء: الآية 1) والمراد به آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ويقال: النفس إما دم أو الدم محل النفس على حسب اختلاف الحكماء، فكان إطلاقا لاسم الحال على المحل. م: (كالبق) ش: جمع بقية وهي البعوضة. قال الجوهري: وأهل المصر يقولونه لدويبة تنشأ في الحصر والأخشاب وغير ذلك له ريحة كريهة م: (والذباب) ش: جمع ذبابة ولا يقال ذبانة، وجمع القلة أذببة، والكثير ذباب مثل غراب وأغربة وغربان، م: (والزنابير) ش: جمع زنبور بضم الزاي، قالت الشراح: إنما جمع الزنابير دون غيرها؛ لأنها أنواع شتى، قلت: الكل مذكور بلفظ الجمع كما ذكرنا ولا معنى لتخصيص الزنابير بذلك. فإن كانت القلة في ذكر المصنف الزنابير بذكر الجمع هي كونها على أنواع شتى فكذلك البواقي هي البعوض على أنواع شتى وهي التي يقول لها أهل المصر الناموس، وكذلك الذباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 والعقارب ونحوها، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يفسده؛   [البناية] على أنواع شتى. م: (والعقارب) ش: جمع عقرب والأنثى عقربة وعقرب مصروف وغير مصروف، والذكر عقربان بالضم وهو دابة له أرجل طوال وليس ذنبه كذنب العقارب، وهذا كما رأيت جمع عقرب ذكره المصنف بلفظ الجمع، فكيف قالت الشراح: إنما جمع الزنابير دون غيرها؟ فإن قلت: البق والبقة والذباب والذبابة مثل التمر والتمرة بخلاف الزنابير فلذلك قالت الشراح: إنما جمع الزنابير دون غيرها. قلت: يرد عليك ذكره العقارب فافهم فإنه لا يخفى. م: (ونحوها) ش: مثل القراد والجراد والخنفساء والنحل والنمل والصراصير والجعلان وبنات وردان وحمار قبان والبرغوث والقمل، والخنفساء بضم الفاء وفتحها، والجعلان بضم الجيم جمع جعيل، وهي دويبة تكون في الزبل، وحمال قبان علم على فعلان لدويبة يمنع ويصرف بتقدير زيادة الألف والنون، وأحمالها من قب أو قب في الأرض، وهذه الأشياء طاهرة عندنا فلا تنجس بالموت. وقال ابن المنذر في كتاب " الإجماع ": قال في " الأشراف ": ولا أعلم فيه خلافا إلا أحد قولي الشافعي، قال النووي وجماعة بعد الشافعي: أتى خرق الإجماع في قوله بالتنجيس، قال: ونقل عن محمد بن المنكدر ينجسه بموت العقرب فيه. م: (وقال الشافعي: يفسده) ش: أي موت هذه الأشياء المذكورة ينجس الماء إذا ماتت فيه، وهذا أحد قوليه، والقول الآخر كمذهبنا وهو الذي صححه جمهور أصحابه. وشذ المحاملي في " المقنع " والروياني في " البحر " فرجح النجاسة، وقال النووي: وهذا ليس بشيء والصواب الطهارة، وهو قول جمهور العلماء، ونقل الخطابي وغيره عن يحيى بن أبي كثير أنه قال: ينجس الماء بموت العقرب فيه، ونقل ذلك عن محمد بن المنكدر وهما إمامان من التابعين فلا يخرق الشافعي الإجماع. قلت: سلمنا في العقرب وما يقال في غيره، وقال النووي: القولان عن الشافعي إنما هو في نجاسة الماء بموت هذا الحيوان، أما الحيوان نفسه ففيه طريقان: أحدهما: أن في نجاسته القولين إن قلنا: نجس نجس الماء وإلا فلا وهذا القول اختاره البقالي. والثاني: القطع بنجاسة الحيوان، وبهذا قطع العراقيون وغيرهم، وهو الصحيح لأنه من جملة الميتات. قال: وذكر صاحب " التقريب " قولا ثالثا في المسألة الأولى وهو أن ما يعم لا ينجسه كالذباب والبعوض ونحوهما، وما لا يعم كالخنافس والعقارب ينجسه لتعذر الاحتراز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 لأن التحريم لا بطريق الكرامة آية النجاسة، بخلاف دود الخل، وسوس الثمار؛ لأن فيه ضرورة. ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيه: «هذا هو الحلال أكله وشربه والوضوء منه»   [البناية] وعدمه، قال: وهذا القول غريب. م: (لأن التحريم لا بطريق الكرامة آية النجاسة) ش: أي علامة النجاسة، واحترز بقوله: لا بطريق الكرامة عن الآدمي فإنه حرام لكرامته، وقال أبو زيد: حرمة الشيء مع صلاحيته للغذاء دليل نجاسته كالكلب والخنزير م: (بخلاف دود الخل وسوس الثمار) ش: هذا من كلام الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهذا كأنه جواب لمن يقول ما تقول في دود الخل وسوس الثمار، فقال: كلامنا في موت حيوان أجنبي عنه، أما الدود المتولد في الخل ونحوه والتين والتفاح ونحوهما لا ينجس ما مات فيه م: (لأن فيه ضرورة) ش: لأنه تولد منه، والضرورة تمنع الحكم بتنجيسه وحكاية الدارمي عن بعض أصحاب الشافعي أن ما مات فيه ينجس غلط ولا خلاف عندهم في ذلك، ولكن هذا الحيوان ينجس بالموت على المذهب عندهم ولا ينجس على قولهم. وقال إمام الحرمين: وإن جمع منه شيئا وتعمد أكله فوجهان؛ لأنه كجزء منه طبعا وطعما ومع الطعام لا يحرمه أكله على الصحيح. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيه) ش: أي في الماء الذي مات فيه ما ليس له نفس سائلة، وهو الذي فسر به أوجه وأحسن من قول الأكمل أي في مثل هذه الحادثة، ونقل الأكمل ذلك عن شيخه صاحب " الدراية " وعن الأترازي في " النهاية ". م: (هذا هو الحلال أكله وشربه والوضوء منه) ش: هذا الحديث رواه سلمان الفارسي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا سلمان كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها دم فماتت فيه فهو حلال أكله وشربه ووضوءه» رواه الدارقطني في "سننه " حدثني سعيد بن أبي سعيد الزبيدي عن بشر بن منصور عن علي بن زيد بن أحمد عن سعيد بن المسيب عن سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قال الدارقطني: لم يروه غير سعيد بن أبي سعيد الزبيدي وهو ضعيف، ورواه ابن عدي في " الكامل " وأعله بسعيد هذا، وقال: هو شيخ مجهول، وحديثه غير محفوظ، والعجب من شراح " الهداية " يذكرون هذا الحديث ولا يبينون حاله غير أن الأترازي قال: وقد روى أبو بكر الجصاص الرازي في شرحه لمختصر الطحاوي بإسناده إلى سعيد بن المسيب عن سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الحديث، ولم يذكر رجال الإسناد حتى ينظر فيه هل هم المذكورون في إسناد الدارقطني وابن عدي أم غيرهم، وذكر الأكمل نحوه. وأما صاحب "الدراية " والسغناقي فاكتفيا بمجرد الذكر، وأما السروجي فإنه نسبه إلى الدارقطني ومضى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 ولأن المنجس هو اختلاط الدم المسفوح بأجزائه عند الموت حتى حل المذكي لانعدام الدم فيه ولا دم فيها، والحرمة ليست من ضرورتها النجاسة كالطين.   [البناية] قلت: الحديث المذكور وإن ضعفوه فإن حديث ميمونة زوجة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنها كانت تمر بالغدير وفيه الجعلان فتسقي لها وتشرب منه وتتوضأ» . رواه أبو عبيد في كتاب الطهور. م: (ولأن المنجس هو اختلاط الدم المسفوح بأجزائه عند الموت) ش: قيد به لأنه قيدهم المذكورون في إسناد الدارقطني، وإن كان حيا لا ينجس، ولهذا قلنا: إن المصلي إذا استصحب فأرة أو عصفورة حية لم تفسد صلاته ولو كانت نجسة لفسدت، ولو ماتت حتف أنفها واستصحبها ما فسدت، وهذا لأن الدم الذي في الحي في معدته وبالموت ينصب عن مجاريها فيتنجس اللحم بتشربه إياه ولهذا لو قطعت العروق بعده لم يسل منه الدم. م: (حتى حل المذكي) ش: أي المذبوح من ذكى يذكي تذكية، م: (لانعدام الدم فيه) ش: أي في المذكي بعد التذكية وإلا فقبلها الدم فيه، ولو قال لزوال الدم منه لكان أولى، واستعمال ما انعدم بالتذكية خطأ، م: (ولا دم فيها) ش: أي للحيوانات المذكورة إذ البعوض كذلك فلا ينجس، فإنا قد نعلم أن النجس هو اختلاط الدم المسفوح فإن ذبيحة المجوسي ليس فيها دم مسفوح وهي نجسة، وذبيحة المسلم إذا لم يسل منها الدم بعارض بأن أكلت ورق الغاب حلال مع أن الدم لم يسل. فالجواب أن القياس في ذبيحة المجوسي الطهارة كذبيحة المسلم، إلا أن صاحب الشرع أخرجه عن أهلية الذبح لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» غير إنكاح نسائهم وأكل ذبائحهم جعل ذبحه كلا ذبح، وكما جعل لذلك جعلوا ذبيحة المسلم إذا لم يسل منها الدم كذبيحته إذا سال إقامة لأهلية الذابح، واستعمال آلة الذبح مقام الإسالة لإتيانه ما هو المأمور به الداخل تحت قدرته ولا معتبر بالعوارض؛ لأنها لا تدخل تحت القواعد الأصلية. م: (والحرمة ليست من ضرورتها النجاسة) ش: هذا جواب عن قول الشافعي: لأن التحريم لا بطريق الكرامة آية النجاسة أراد أن الحرام لا يستلزم النجاسة م: (كالطين) ش: فإنه أكله حرام لا لكرامته مع أنه ليس بنجس، وفي " جامع الكردري " وخص من الآية السمك والجراد باعتبار عدم الدم، والمتنازع فيه بمعناهما فلحق بهما، وكل لحوم السباع إذا ذبحت طاهرة ولا تؤكل. وفي " الحاوي " جازت الصلاة مع لحم البازي المذبوح، وكذا كل شيء لم يؤمر بإعادة الصلاة من سؤره مثل الحية والعقرب والفأرة وجميع الطيور وتجوز الصلاة من لحمها إن كانت مذبوحة، وقال نصر: إذا ذبح شيء من السباع فجلده طاهر ولحمه نجس بخلاف الطيور والحية والفأرة. وفي " الذخيرة " والحية طاهرة في حال الحياة ولحمه طاهر في الأصح، وكذا لو صلى معه سنور وفأرة تجوز الصلاة معه، ولو كان معه ثعلب أو جرو لم يجز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 قال: وموت ما يعيش في الماء فيه لا يفسده كالسمك والضفدع والسرطان.   [البناية] قال: والأصل في حق هذه المسائل أن كل ما يجوز الوضوء بسؤره تجوز الصلاة معه، وما لا فلا. وأما حرمة أكل ما ليس له دم غير مسفوح غير السمك والجراد وإن كان طاهرا على ما مر فلأن ذلك من الحشرات والخبائث، فإن البقة والزنبور، والخنفساء وأضرابها تستخبثها النفس وتعافيها [والحية] وأضرابها يستخفها الشرع ويتاقها قال الله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] (الأعراف: الآية 157) ولا يلزم من ذلك النجاسة، فإن الكافر عندهم لا ينجس بالموت على الصحيح، ولا يؤكل قولا واحدا. وموت الحية البرية في الماء وغيره ينجس ما مات فيه قاله في " الحاوي "، وكذا موت الوزغة والسحلية ودمهما نجس ذكره في " المفيد " ولهذا ينجس بالموت. وفي " الذخيرة " وغيرها خرء الحية وبولها نجس نجاسة غليظة وجلدها إذا كان أكبر من قدر الدرهم يمنع جواز الصلاة معه؛ لأنه نجس ولو كانت مذبوحة ولا تقبل الدباغ، وللشافعية - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وجهان في الحية والأصح ينجس ما مات فيه، والوزغة على العكس عندهم، ولو حمل حية فصلى معها جازت صلاته، قال في " الذخيرة ": وهي طاهر في حالة الحياة وقميصه طاهر في الأصح وقد ذكرناه الآن. [حكم موت ما يعيش في الماء فيه] م: (وموت ما يعيش في الماء) ش: يعني ما يكون مولده وفي بعض النسخ ومثواه م: (فيه) ش: أي في الماء، والجار والمجرور متعلق بقوله: وموت والجار في قوله في الماء يتعلق بقوله: يعيش، وفي بعض النسخ لم يذكر كلمة فيه وأثبتها شمس الأئمة الكردري لتكون المسألة مجمعا عليها؛ لأنه إذا مات في غير الماء قيل: يفسده، وقيل: لا يفسده، قوله: وموت ما يعيش مبتدأ وخبره هو قوله: م: (لا يفسده) ش: أي لا يفسد الماء. فإن قلت: قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المسألة الأولى في غير معدنه فيتوهم التنجيس فتناسب نفيه، وفي الثانية: في معدنه فلا يتوهم تنجيسه بواسطة الضرورة، لكن احتمل تغير صفة الماء فنفاه بقوله: لا يفسده م: (كالسمك والضفدع) ش: بكسر الضاد والدال مثل الخنصر واحد الضفادع، والأنثى ضفدعة، ومنهم من يقول: بفتح الدال. وقال الخليل: ليس في الكلام فعلل إلا أربعة درهم وهجرع وهيلع وقلعم. وقال أبو الحسن: الهاء زائدة منهما، قلت: الهجرع الطويل والهيلع الألوك. والهاء زائدة في قلعم م: (والسرطان) ش: ونحو ذلك كالعلق وحية الماء. فإن قلت: هل في تقديم السمك على أخواته فائدة؟ قلت: نعم لأنه مجمع عليه، وهذا إذا مات حتف أنفه فأما إذا قتل جرحا فعند أبي يوسف - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يفسده إلا السمك لما مر، ولنا أنه مات في معدنه فلا يعطى له حكم النجاسة كبيضة حال محها دما   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - يفسده الماء على ما روى المعلى عنه، وفي " المجتبى " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن ماتت حية عظيمة مائية في الماء تفسد، وفي " الحاوي " مات الضفدع في العصير، قال نصر: لا يفسد. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يفسده) ش: أي يفسد الماء م: (إلا السمك) ش: قال الأترازي: كان ينبغي أن يقول: إلا السمك والجراد لأن حكمهما واحد عندنا، كذا في " وجيزهم "، قلت: مراد المصنف نصب الخلاف ولا يلزم استيفاء الخلاف كله. وقال النووي: ما يعيش في الماء إن كان مأكولا فميتته طاهر لا شك أنه لا ينجس الماء، وما لا يؤكل كالضفدع وغيره: إذا قلنا: لا يؤكل، فإذا مات في الماء القليل أو مائع قليل أو كثير نجسه، صرح به أصحابنا في طرقهم، وقالوا: لا خلاف فيه إلا لصاحب " الحاوي " فإنه قال في نجاسته قولان، وذكر الروياني في الضفدع وجهان أحدهما: لا نفس له سائلة، فيكون في نجاسة الماء منه قولان، والثاني: لها نفس سائلة فتنجسه قطعا، وهذا الثاني هو المشهور في كتب الأصحاب م: (لما مر) ش: يعني من قوله: لأن التحريم لا بطريق الكرامة آية النجاسة. وقال الأكمل: قيل في التعليل إشكال وهو أن الضفدع والسرطان يجوز أكلهما عند الشافعي على ما روي عنه في كتاب الذبائح على ما سيأتي. والجواب: أن المذكور في كتاب الذبائح عن الشافعي أنه أطلق ذلك كله، فيجوز أن تكون هذه رواية أخرى فيكون الإلزام عليها، قلت: الإشكال للأترازي والجواب للأكمل فلا يرد الإشكال، ولا يحتاج إلى الجواب؛ لأن نسبة جواز أكل السرطان إلى الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما ذكر في كتاب الذبائح هكذا لا يسلمها أصحابه، فإنهم ذكروا أن هذين مما لا يؤكل كما بينهما عن بعضه عن قريب فلا يرد الإشكال أصلا، ولا يحسن الجواب عنه بقوله: فيجوز أن تكون هذه رواية أخرى وهذا من باب التخمين. م: (ولنا أنه) ش: أي ما يعيش في الماء، م: (مات في معدنه) ش: يعني في مثواه ومقره م: (فلا يعطى له حكم النجاسة) ش: لأنه لو أعطي حكم النجاسة لما في موضعها ومعدنها لما طهر إنسان أبدا لأن في بطنه وعروقه نجاسة، ثم مثل لذلك لقوله: م: (كبيضة حال) ش: أي انقلب م: (محها) شك بضم الميم وتشديد الحاء المهملة أي صفرتها م: (دما) ش: حتى لو صلى وفي كمه تلك البيضة يجوز الصلاة معها؛ لأن النجاسة في معدنها، بخلاف ما لو صلى وفي كمه قارورة فيها دم لا تجوز صلاته، لأن النجاسة ليست في معدنها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 ولأنه لا دم فيها، إذ الدموي لا يسكن الماء، والدم هو المنجس، وفي غير الماء قيل: غير السمك يفسده.   [البناية] وفي " الجامع الأصغر " لا يجوز الصلاة مع البيضة المذرة عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -، وعلى قياس قول أبي حنيفة والحسن - رحمهما الله - يجوز، واختاره أبو عبيد الله البلخي. ولا يجوز مع البيضة التي فيها فرخ ميت قد علم بموته أو بضعفه. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن كان رأس القارورة قدر الدرهم فما دونه يجوز. وعند الشافعية: البيضة إذا استحالت دما فهي نجسة في أصح الوجهين، ولو صارت مذرة التي اختلط بياضها بصفرتها فظاهرة بلا خلاف. وقال الأكمل: قيل هذا التعليل يقتضي أن لا يعطى للطيور والوحوش حكم النجاسة إذا ماتت في البئر، لأنه معدنها، قلت: قال بهذا صاحب " الدراية ". وقوله: والذي يظهر إلخ من كلام الأكمل كأنه جواب عما قيل وهو أن المعدن عبارة عما يكون محيطا، يفهم هذا من تمثيلهم بالدم في العروق والمح في البيضة وليس الأمر كذلك. م: (ولأنه) ش: دليل ثان أي ولأن ما يعيش في الماء من كل واحد من السمك والضفدع م: (لا دم فيها) ش: أعني في هذه الثلاثة أعني السمك والضفدع والسرطان م: (إذ الدموي لا يسكن الماء) ش: لمنافاة بين طبع الدم والماء بالحرارة والبرودة، والدم إذا شمس يسود، وما يسيل من هذه الحيوانات إذا شمس ابيض. واعلم أن كلمة إذ للتعليل، والدموي بتشديد الياء نسبة إلى الدم؛ لأن أصل دم دمويا بالتحريك، والأصل فيه أن يقال: دمي ولكن جاء دموي أيضا. م: (والدم هو المنجس) ش: أي الدم المسفوح وليس في هذه الحيوانات دم مسفوح، وهذا التعليل هو الأصح نص عليه السرخسي، كما أنه لا يفسد الماء بموت هذه الحيوانات فيه، لا يفسد غير الماء أيضا كالخل والعصير وسواء انقطع أو لم ينقطع إلا على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يقول: إذا انقطع في الماء أفسده بناء على قوله: إن دمه نجس وهو ضعيف؛ لأنه لا دم في السمك إنما هو آخر، ولو كان فيه دم فهو مأكول فلا يكون نجسا كالكبد والطحال. وأشار الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أن الطافي من السمك في الماء يفسده قال السغناقي: هو غلط منه فليس في الطافي أكثر فسادا من أنه غير مأكول كالضفدع والسرطان، وعن محمد: إن الضفدع إذا انغمس في الماء كرهت شربه لا لنجاسته؛ ولكن لأن أجزاء الضفدع وهو غير مأكول كذا في " المبسوط ". م: (وفي غير الماء) ش: أي إذا مات ما يعيش في غير الماء كالعصير والدهن والخل ونحوها م: (قيل) ش: قائله نصر بن يحيى م: (غير السمك يفسده) ش: أي يفسد غير الماء، وبه قال محمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 لانعدام المعدن، وقيل: لا يفسده لعدم الدم وهو الأصح، والضفدع البحري، والبري فيه سواء، وقيل: البري يفسد لوجود الدم وعدم المعدن، وما يعيش في الماء ما يكون توالده ومثواه في الماء، ومائي المعاش دون مائي المولد مفسد، قال: والماء المستعمل لا يجوز استعماله في طهارة الأحداث   [البناية] سلمة وأبو معاذ البلخي وأبو مطيع، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: لانعدام المعدن) ش: قال الأترازي: فيه نظر لأنه لا يجوز التعليل على وجود الشيء بالعدم، وأجاب عنه الأكمل بأنه ليس بتعليل بل هو البيان انتفاء المانع، فإنا قد ذكرنا أن النجاسة لا تعطى حكمها في معدنها، فكان المعدن مانعا عن ثبوت الحكم عليها، قلت: ويمكن أن يجاب عنه بأن الموجب للتنجيس هو لدم وهو مجود إذ اللون ما دون الدم والرائحة رائحته والمانع هو المعدن وهو مفقود فعمل المقتضى عمله. م: (وقيل) ش: قائله أبو عبد الله البلخي ومحمد بن مقاتل م: (لا يفسده لعدم الدم) ش: قال الأترازي: فيه نظر؛ لأن عدم العلة لا يوجب عدم الحكم لجواز أن يكون الحكم معلولا بعلل شتى إلا أن العلة إذا كانت متعينة يلزم من عدمها عدم المعلول لتوقفه على وجودها، وهذا النظر والذي قبله للشيخ حافظ الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - والأترازي أخذ مما بينه، وأجاب الأكمل عنه بأن العلة الشخصية يستلزم انتفاؤها انتفاء الحكم، وهاهنا كذلك لأن كونه دما ممتزجا هو المنجس لا غير. قلت: ويجاب أيضا بأن العلة متحدة وهي الدم فإذا عدم لا يثبت الحكم في مثله، وفي مثله يجوز التعليل بالعدم كقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولكن المغصوب لم يضمن؛ لأنه لم يغصب م: (وهو الأصح) ش: أي القول الثاني هو الأصح وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهشام عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو اختيار المصنف أيضا؛ لأنه لا دم فيها. م: (والضفدع البحري والبري فيه سواء) ش: أي في الحكم المذكور ويعرف البحري من البري، فإن البحري ما يكون بين أصابعه سترة دون البري م: (وقيل: البري يفسد لوجود الدم وعدم المعدن) ش: وجود الدم هو العلة، وعدم المعدن هو انتفاء المانع. م: (وما يعيش في الماء) ش: كلمة ما موصولة بمعنى الذي، ويعيش في الماء صلته، وارتفاعه على الابتداء محلا وخبره هو قوله: (ما يكون توالده ومثواه) ش: أي منزله ومقره م: (في الماء) ش: أراد بهذا بيان ما يعيش في الماء؛ لأنه ذكره ولم يبينه م: (ومائي المعاش دون مائي المولد مفسد) ش: كالبط والأوز والجاموس. [حكم استعمال الماء المستعمل في طهارة الأحداث] [المقصود بالماء المستعمل وأقسامه] م: (والماء المستعمل لا يجوز استعماله في طهارة الأحداث) ش: هذا حكم الماء المستعمل قدمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 خلافا لمالك والشافعي - رحمهما الله - هما يقولان: إن الطهور ما يطهر غيره مرة بعد أخرى كالقطوع.   [البناية] لأنه هو المقصود وقيد بطاهرة الأحداث إشارة إلى أنه يطهر الأخباث فيما روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الموافق لمذهبه، فإن إزالة النجاسة المعينة بالمائعات يجوز عنده على ما يأتي. وفي " جامع الإسبيجابي " الماء المستعمل ثلاثة أنواع: نوع طاهر بالإجماع كالمستعمل في غسل الأعيان الطاهرة، ونوع نجس بالاتفاق كالمستعمل في الأعيان النجسة، وفي " الإسبيجابي " قبل أن يحكم بطهارة ذلك الموضع، ونوع مختلف فيه وهو الذي توضأ به محدث أو اغتسل به جنب إن لم تكن على أعضائه نجاسة حقيقية. م: (خلافا لمالك والشافعي - رحمهما الله -) ش: فإن عندهما يطهر الأحداث، ونصب خلافا على الإطلاق غير موجه على ما نذكره، أما عند مالك فإن المذكور في كتبهم منها " الجواهر " أن الماء المستعمل في طهارة الحدث طاهر ومطهر إذا كان الاستعمال لم يغيره لكنه مكروه مع وجود غيره مراعاة للخلاف وهو قول الزهري والأوزاعي في أشهر الروايتين عنهما، وأبي ثور وداود، قال المنذري عن علي وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وأبي أمامة والحسن وعطاء ومكحول والنخعي أنهم قالوا: فمن نسي مسح رأسه فوجد في لحيته بللا يكفيه مسحه بذلك البلل، وهذا يدل على أنهم يرون المستعمل مطهرا وبه أقول. وقيل: طاهر ومشكوك في تطهيره، يتوضأ وبه ويتيمم ويصلي صلاة واحدة. وقال النووي: إن في المسألة قولين وهو الصواب. واتفقوا على أن المذهب الصحيح أنه ليس بطهور وعليه التفريع. وحكى عيسى ابن أبان أنه طهور، قال في " المهذب ": الصحيح أنه ليس بطهور، ومن أصحابنا من لم يثبت هذه الرواية. وقال المحاملي: قوله: من يدر رواية عيسى بن أبان ليس بشيء؛ لأنه ثقة وإن كان مخالفا، وقال بعضهم: عيسى ثقة لا يتهم فيما يحكيه، ففي المسألة قولان. وقال صاحب " الحاوي ": نصه في الكتب القديمة والجديدة وما نقله جميع أصحابه سماعا، ورواية أنه غير طهور. وحكى عيسى بن أبان في الخلاف عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه طهور. وقال أبو ثور: سألت الشافعي عنه فتوقف. وقال أبو إسحاق وأبو حامد المروزي فيه قولان. وقال ابن شريح وأبو علي بن أبي هريرة: ليس بطهور قطعا وهذا أصح لأن عيسى بن أبان وإن كان ثقة فيحكي ما يحكيه أهل الخلاف ولم يلقه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليحكيه سماعا، ولا وجده منصوصا فيأخذ من كتبه، ولعله تأول كلامه بصيرورة طهارته ردا على أبي يوسف فحمله على جواز الطهارة به. م: (هما) ش: أي مالك والشافعي (يقولان: إن الطهور ما يطهر غيره مرة بعد أخرى كالقطوع) ش: ولا يكون كذلك إلا إذا لم ينجس بالاستعمال، وتكلمت الشراح هاهنا بكلام كثير، فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] صاحب " الدراية " وفي " الكافي " هذا أنسب في القوانين ثم أطال الكلام، ولخصه الأكمل، فقال: والجواب أنه يحكى عن ثعلب أراد الطهور ما يطهر غيره إلى آخره. قال: ورد عليه بأن هذا إن كان لزيادة بيان نهايته في الطهارة كان سديدا، ويعضده قَوْله تَعَالَى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] (الأنفال: الآية 11) وإلا فليس نقول من التعليل في شيء، وإن كانت بيانا لنهاية فيها لا يستدل على تطهير الغير فضلا عن التكرار فيه. وقال صاحب " الدراية " في آخر كلامه: ولم يتضح لي سر هذا الكلام. وقال الأترازي: قوله كالمقطوع فيه تسامح؛ لأن المشبه يقال من الفعل اللازم والمشبه به من الفعل المتعدي، إلا أن المبالغة في الطهارة بأن يظهر أثرها في العين فصار بمعنى المطهر. وقال السغناقي: قال الشيخ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الماء مطهر لغيره؛ لأن الطهور بمعنى المطهر، بل علم ذلك بسبب العدول من صيغة الطاهر إلى صيغة الطهور التي هي للمبالغة في ذلك الفعل كالمغفور والشكور فيهما مبالغة ليس في الغافر والشاكر، وليس تكون تلك المبالغة في طهارة الماء إلا باعتبار أنه يطهر غيره؛ لأن في نفس الطهارة كلتا الصيغتين سيان، فلا بد من معنى زائدة في الطهور وليس في الطهارة، ولا ذلك إلا بالتطهير لا أن الطهور جاء بمعنى المطهر لأنه من طهر الشيء وهذا لا يستفاد منه التعدي. قلت: تقدير هذا الكلام أن مالكا والشافعي - رحمهما الله - احتجا بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] (الفرقان: الآية 47) ووجه ذلك أن الطهور مصدر، ومنه «مفتاح الصلاة الطهور» «وطهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب» «ولا صلاة إلا بطهور» نص عليه سيبويه والخليل والمبرد في " الكامل " والأصمعي وابن السكيت. ثم قولهما: إن الطهور ما يطهر غير مرة بعد أخرى غير مثبت في القولين، واحتج لهما من ينصرهما بما روي عن ثعلب: الطهور ما كان طاهرا في نفسه مطهرا لغيره كالقطوع فإن فيه معنى التكرار والصيغتان أوردا عليه بما ذكر الآن، وتحقيق الردين قياسه الطهور الذي هو من طهر اللازم على ما هو مشتق من الأفعال المتعدية كتطوع وتنوع غير صحيح، والصيغة إذا أخذت من الفعل اللازم كانت للمبالغة والتكثير في الفاعل نحو مات زيد وموت ونام ونوم، ولا يتعلق به الفعول البتة، وإن كان الفعل متعديا كان الثلاثي في مفعوله نحو قطعت الثوب. والطهور مأخوذ من فعل ثلاثي لازم فكيف يتصور أن يؤخذ منه معنى الرباعي المتعدي فيكون المراد به التكرار وتكثير المفعول، ألا ترى أنك إذا قلت: فلان صبور من صبر فمعناه كثير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الصبر لا أنه يصبر مرة بعد أخرى، ومثال ذلك كثير، ويدل على تحقيق هذا قَوْله تَعَالَى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] (الإنسان: الآية 21) ومعلوم أن أهل الجنة لا يحتاجون إلى التطهير إلى التطهير من حدث أو خبث بل هو عبارة عن الطاهر الشديد الطهارة. وقال جرير: عذاب الثنايا ... ريقهن طهور والريق لا يطهر به عندهم، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التيمم طهور المسلم» والتيمم لا يرفع الحدث عندهم. قلت: يمكن المناقشة بأن يقال: لا نسلم قولكم بأن المبالغة والتكرير تكون في الفاعل إذا كانت الصيغة من الفعل اللازم على الإطلاق، بل قد يكون التكثير في الفعل دون الفاعل نحو حولت وطرقت، وقد يكون في الفاعل نحو سومت الإبل، وقولكم: إن الطهور من طهر وهم لازم لا يشابه المشتق من الفعل المتعدي كتطوع وتنوع فلا يقاس عليه غير مانع قطعا؛ لأنه قد يستعمل على سبيل المجاز، أهل الصرف جوزوا ذلك فقال بعضهم: إن المراد بالتكثير في الفعول لا يستعمل بالتضعيف إلا إذا كان الفعل جمعا نحو قولهم: غلقت بالتضعيف فإنه لا يستعمل إلا إذا قال: غلقت الأبواب حتى إذا كان واحدا لا يقال: إلا غلقت بالتخفيف إلا على سبيل المجاز، فحينئذ قياسهم الفعول من اللازم على الفعول من المتعدي صحيح بهذه الطريقة. ويؤيد ذلك ما قاله تاج الشريعة في هذا الموضع في شرحه أن الطهور وإن كان اشتقاقه من فعل وهو لازم لكنه جعل متعديا شرعا بواسطة ظهور أثره في الغير فصح الإلحاق، ويمكن أن يمنع استدلالهم بلفظ الطهور فيما احتجوا به بأن يقال: الطهور اسم لما يتطهر به كالسجود والوقود فليس فيه ما يدل على أنه مطهر غيره مرة بعد أخرى ولا فيه مبالغة. فإن قالوا: نحن نحتج بأشياء غير ذلك الأول «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ فمسح رأسه ببل لحيته» . وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه اغتسل فنظر لمعة من بدنه لم يصبها الماء فأمر يده بما عليه ذلك» . الموضع الثاني: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الماء طهور لا ينجسه شيء» . وهو حديث صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان المستعمل متوضئا   [البناية] الثالث: أن ما لاقى طاهرا يبقى مطهرا كما لو غسل به ثوبه. والرابع: أن ما أدي به الفرض مرة لا يمنع أن يؤدى به ثانيا، كما يجوز للجماعة أن يتيمموا في موضع واحد. والخامس: «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه» . رواه البخاري. والسادس: أنهم كانوا يتوضؤون والماء يتقاطر على ثيابهم ولا يغسلونها. الجواب عن الأول: أنه حديث ضعيف، فإن فيه عبد الله بن محمد بن عقيل، فلا يحتج بروايته إذا لم يخالفه غيره، فكيف وقد عارضته الروايات الصحيحة منها ما رواه مسلم أبو داود وغيرهما «عن عبد الله بن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ فذكر صفة الوضوء إلى أن قال: ومسح رأسه بماء غير فضل يديه وغسل رجليه» وهذا هو الموافق لروايات الأحاديث الصحيحة في أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخذ لرأسه ماء جديدا. والذي روي عن ابن عباس ضعيف ضعفه البيهقي والدارقطني، وقال البيهقي: إنما هو كلام النخعي وعلى تقدير صحته فبدن الجنب كعضو واحد، ويجوز نقل البلة من موضع إلى آخر. والجواب عن الثاني: أنه استعمل في الذي تغيرت صفته من الطهورية إلى الطهارة كما في الصدقة لما أقيم به القربة تغيرت صفته وزال عنه صفة كونه حلالا للجميع، حتى لا تحل للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقرابته على ما يجيء عن قريب. وعن الثالث: فقياسهم غير صحيح؛ لأن في غسل الثوب لم يرد فرض ولا أقيم به عن قريب. وعن الرابع: فقياس على تيمم الجماعة غير صحيح؛ لأن المستعمل ما تعلق بالعضو والأرض ليست كالماء فلا تقبل صفة الاستعمال. وعن الخامس: أنه يجوز أن يكون اقتتالهم على ما فضل من وضوئه، قال في بعض الروايات الصحيحة: «فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به» وفي لفظ النسائي في هذا الحديث: وأخرج عن بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فضل وضوئه فابتدره الناس، وليس المراد الساقط من وضوئه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وعن السادس: بأن حكم الاستعمال لا يثبت إلا بالاستقرار على الأرض أو في إناء على قوله، وإن ثبت بالمزايلة على قوله لكنه في الثياب ضروري فعفي عن ذلك. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو أحد قولي الشافعي) ش: الضمير يرجع إلى القول الذي دل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 فهو طهور، وإن كان محدثا فهو طاهر غير طهور؛ لأن العضو طاهر حقيقة، وباعتباره يكون الماء طاهرا لكنه نجس حكما، وباعتباره يكون الماء نجسا، فقلنا بانتفاء الطهورية وبقاء الطهارة عملا بالشبهين. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو طاهر غير طهور،   [البناية] عليه. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إن كان المستعمل متوضئا) ش: أراد أنه إن كان على وضوء م: (فهو) ش: أي الماء الذي استعمله، م: (طهور) ش: يعني طاهر في نفسه على حاله ولم يتغير منه شيء فهو طهور لغيره، م: (وإن كان) ش: أي المستعمل، م: (محدثا فهو طاهر) ش: في نفسه م: (غير مطهر) ش: لغيره م: (لأن الأعضاء) ش: أي الأعضاء المستعملة م: (طاهرة حقيقة) ش: لا [ ...... ] التنجيس كما لو غسل به ثوب طاهر م: (وباعتباره) ش: أي وباعتبار أمر الحقيقة م: (يكون الماء طاهرا) ش: وطهورا؛ لأنه لم يتغير منه شيء، والأعضاء طاهرة، ولهذا كان عرق المحدث والجنب طاهرا، وكذلك سؤرهما، وتجوز صلاة حاملهما. م: (لكنه) ش: أي لكن الماء م: (نجس حكما) ش: أي من حيث الحكم أراد به النجاسة الحكمية بسبب إزالة الحدث أو التقرب على الاختلاف م: (وباعتباره) ش: أي وباعتبار النجس الحكمي م: (يكون الماء نجسا) ش: فإذا كان كذلك صار هنا اعتباران م: (فقلنا بانتفاء الطهورية) ش: لغيره م: (وبقاء الطهارة) ش: في نفسه م: (عملا بالشبهين) ش: شبه الطهارة، وشبه النجاسة، فباعتبار الشبه الأول يكون طاهرا مطهرا، وباعتبار الشبه الثاني لا يكون طاهرا أصلا. والحكم عليه بأوجه منها إبطال للآخر. وإعمالهما ولو بوجه أولى من إهمال أحدهما فعمل بهما بإسقاط الطهورية وبقاء الطهارة. فإن قلت: عملا منصوب بماذا؟ قلت: يجوز أن يكون تمييزا أي من حيث العمل، ويجوز أن يكون حالا بمعنى فعلت كذا، فكذا حال كوننا عملنا بالشبهين، ويجوز أن يكون نصبه على المصدرية التقدير فعلت كذا وكذا وعملنا بالشبهين. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو) ش: أي قول محمد دل عليه قال م: (رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو) ش: أي الماء المستعمل م: (طاهر) ش: في نفسه م: (غير طهور) ش: لغيره وبه أخذ مشايخ العراق، ورواه زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعافية القاضي قال: أو هو طاهر غير طهور عند أصحابنا، حتى كان قاضي القضاة أبو حازم عبد الحميد العراقي يقول: أرجو أن لا يثبت رواية النجاسة فيه عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو اختيار المحققين من مشايخنا بما وراء النهر. قال في " المحيط: وهو الأشهر الأقيس. قال في " المفيد ": هو الصحيح. وقال الأسبيجابي: وعليه الفتوى، وبه قال أحمد، وهو الصحيح من مذهب الشافعي وهو رواية عن مالك، ولم يذكر ابن المنذر عنه غير ذلك. قال النووي: وهو قول جمهور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 لأن ملاقاة الطاهر لا توجب التنجيس، إلا أنه أقيمت به قربة فتغيرت به صفته كمال الصدقة. وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف - رحمهما الله -: هو نجس لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسلن فيه من الجنابة» ولأنه ماء أزيلت به النجاسة الحكمية فيعتبر بماء أزيلت به النجاسة الحقيقية.   [البناية] السلف والخلف. م: (لأن ملاقاة الطهارة الطاهر لا يوجب التنجيس) ش: الطاهر الأول الماء، والطاهر الثاني: العضو المغسول، والملاقاة مصدر لاقى مضاف إلى فاعله، والطاهر الثاني منصوب به، فإذا لاقى الطاهر لا يتغير الملاقي كما لو غسل به ثوب طاهر م: (إلا أنه) ش: أي أن الماء والاستثناء من قوله لا يوجب التنجيس م: (أقيمت به قربة) ش: أي تقرب إلى الله تعالى، والتقرب إلى الله تعالى يكون بما فيه الخير والعمل الصالح، وليس المراد منه قرب الذات والمكان على ما عرف في موضعه م: (فتغيرت بصفته) ش: فلم يكن طيبا م: (كمال الصدقة) ش: الذي أقيم به القربة، وقد تغيرت صفته حتى لم تحل لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى أهل بيته، ولكنه في نفسه طاهر حلال في نفسه حتى يحل لغيره، ومع هذا سمى الزكاة أوساخ أموال الناس فإذا أعطى هاشمي بنية الزكاة لا يجوز وبنية الهبة يجوز، وإن كان المال واحدا وفي صدقة التطوع عليه روايتان. م: (وقال أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله -: هو) ش: أي الماء المستعمل م: (نجس) ش: إما حقيقة وأما حكما على الخلاف كما يأتي إن شاء الله تعالى م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم» ش: الحديث في هذا الباب ورواية أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وجه الاستدلال به أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كما نهى عن النجاسة الحقيقية وهي البول، فكذلك نهى عن الحكمية وهو الاغتسال، فدل على أن الاغتسال فيه كالبول فيه. الحديث يجوز فيه الرفع والنصب أما الرفع فعلى الابتداء، وخبره محذوف تقديره الحديث بتمامه، وأما النصب فعلى تقدير أمر الحديث أو أتمه وتمامه ولا يغتسل فيه من الجنابة. م: (ولأنه) ش: دليل عقلي أي ولأن الماء المستعمل م: (ماء أزيلت به النجاسة الحكمية) ش: لأن عضو المحدث والجنب له حكم النجاسة شرعا، وقد أزيلت تلك النجاسة بالماء فينجس كما في الحقيقة، والدليل على ذلك قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 16) والتطهير عبارة عن إزالة النجاسة، وقد أزيلت تلك النجاسة بالماء فاستعمل حكم النجاسة إليه كما في الحقيقة م: (فيعتبر بماء أزيلت به النجاسة الحقيقية) ش: أي فإذا كان كذلك يعتبر الماء الذي أزيلت به النجاسة الحكمية بالماء الذي أزيلت به النجاسة الحقيقية. فإن قلت: كيف يتصور هذا الانتقال والأعراض لا تقبل الانتقال من محل إلى محل باتفاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 ثم في رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه نجس نجاسة غليظة اعتبارا بالماء المستعمل في النجاسة الحقيقية، وفي رواية أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه وهو قوله: نجاسة خفيفة لمكان الاختلاف، والماء المستعمل هو ماء أزيل به حدث، أو استعمل في البدن على وجه القربة، قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا   [البناية] قلت: لا يعني بصيرورة الماء نجسا إلا اتصافه بالخبث شرعا كمال الصدقة سلمنا عدم قبول الأعراض الانتقال من محل إلى محل آخر، ولكن الأمور الاعتبارية الحكمية يجوز أن تعتبر قائمة بعد قطع الاعتبار عن قيامها بمحل آخر، ألا ترى أن الملك للبائع أمر اعتيادي حكمي، وبعد أن قال: بعت وقبل المشتري انتقل من البائع إليه. فإن قلت: سلمنا هذا في المحدث والجنب، فأما المتوضئ إذا توضأ ثانية بنية القربة فلا نسلم أنه يكون مستعملا؛ لأنه لم يكن بأعضائه من النجاسة الحكمية شيء حتى يزول عن أعضائه وينقل إلى الماء. قلت: نوى القربة فقد أراد به طهارة على طهارة، ونور على ما جاء في الخبر، ولا يكون طهارة جديدة حكما إلا بإزالته حكما فصارت الطهارة على الطهارة وعلى الحدث سواء. م: (ثم في رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه) ش: أي أن الماء المستعمل م: (نجس نجاسة غليظة) ش: أشار بهذا إلى أنه لما بين نجاسة الماء المستعمل احتيج إلى بيان صفة هذه النجاسة هل هي غليظة أم خفيفة، فاختلفت الروايات فيه، فروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه نجس مغلظ م: (اعتبارا بالماء المستعمل في النجاسة الحقيقية) ش: أي نجاسة خفيفة وارتفاعها على أنه مبتدأ وخبره قوله في رواية مقدما م: (لمكان الاختلاف) ش: أي لأجل اختلاف العلماء في الماء المستعمل، فإن عند مالك طاهر وطهور كما ذكرنا، واختلاف العلماء يورث الإخفاف. م: (والماء المستعمل هو ماء أزيل به حدث) ش: هذا شروع في بيان حقيقة الماء المستعمل وكان حقه التقديم كل قدم الحكم؛ لأنه هو المقصود، وقوله: الماء مبتدأ والمستعمل صفته وهو قوله: مبتدأ ثان، وقوله: ما أزيل به حدث خبره والجملة خبر المبتدأ الأول، م: (أو) ش: كلمة أو للتنويع يعني يكون الماء مستعملا بأحد الأمرين إزالة الحدث م: (استعمل) ش: أي الماء م: (في البدن على وجه القربة) ش: أي التقرب إلى الله تعالى بأن يتوضأ وهو على الوضوء، أو اغتسل وهو طاهر. م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهذا) ش: أي هذا الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقيل: هو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصير مستعملا إلا بإقامة القربة،   [البناية] ذكرنا أن كون الماء مستعملا بأحد الأمرين م: (قول أبي يوسف) ش: فإن عنده بأحد الأمرين م: (وقيل هو) ش: أي قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا) ش: يعني استعمال الماء عنده أيضا بأحد الأمرين المذكورين. م: (قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يصير) ش: أي الماء م: (مستعملا إلا بإقامة القربة) ش: فقط وعند زفر والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بإزالة الحدث لا غير، ولو توضأ محدث بنية القربة صار مستعملا بالإجماع، ولو توضأ متوضئ للتبرد لا يصير الماء مستعملا بالإجماع، ولو توضأ المحدث للتبرد صار مستعملا عندهما وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لعدم قصد القربة، وكذا عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لعدم إزالة الحدث عنده بلا نية. ولو توضأ المتوضئ بقصد القربة صار مستعملا عند الثلاثة خلافا لزفر والشافعي - رحمهما الله -. ولو توضأ بماء الورد لا يصير مستعملا إجماعا. وفي " المبسوط ": المحدث أو الجنب إذا أدخل يده في الماء أو الجب لأجل الاغتراف لا يصير الماء مستعملا بلا خلاف، إلا إذا نوى إيصال اليد للاغتسال، ولو أدخل رجله في البئر ولم ينو به الاغتسال ذكر الشيخ الإمام أنه يصير مستعملا لعدم الضرورة، وعلى هذا إذا وقع الكوز في الجب وأدخل يده في الجب لإخراج الكوز لا يصير الماء مستعملا في الرواية المعروفة عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي " الفتاوى " إذا أدخل في الإناء إصبعا أو أكثر منه دون الكف يريد غسله لم يتنجس الماء، ولو أدخل الكف يريد غسله يتنجس. وفي " المضمرات " هذا قول أبي يوسف، وعند محمد: طاهر وعليه الفتوى، وفي " الظهيرية " حيث رفع الماء بقية من أرى الحمام وغسل به يديه لا رواية لهذا في الأصل، وقال محمد بن الفضل فيه: نجس ويداه نجستان والماء الذي خرج من فيه نجس مستعمل، وقال بعضهم: الماء مستعمل ويداه نجستان وفمه طاهر والأول أصح. وإذا غسل فخذه لا لنجاسة هل يأخذ حكم الاستعمال لا نص فيه عن أصحابنا، وفي " الخلاصة " الأصح أنه لا يصير مستعملا، وفي " الذخيرة " ابن سماعة عن محمد رجل على جراحته جبائر فغمسها في الإناء يريد به المسح عليها أجزأه، ولا يفسد الماء في " المبسوط " إذا غسل يده للطعام قبل الأكل، وبعده يصير الماء مستعملا، بخلاف ما لو غسل يده من الوسخ والعجين فإنه لا يصير مستعملا؛ لأنه لا قربة ولا إزالة حدث. وفي " الطحاوي ": قال بعضهم قبل الطعام وبعده يصير مستعملا وفي الطعام لا، وإذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 لأن الاستعمال بانتقال نجاسة الآثام إليه وأنها تزال بالقرب، وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إسقاط الفرض مؤثر أيضا، فيثبت الفساد بالأمرين، ومتى يصير الماء مستعملا؟ الصحيح أنه كما زال عن العضو صار مستعملا؛   [البناية] أدخل الصبي يده في الإناء على قصد القربة فالأشبه أن يكون الماء مستعملا إذا كان الصبي عاقلا؛ لأنه من أهل القربة، وامرأة أوصلت الماء إلى ذوائبها فغسلت ذلك الشعر بالماء لا يصير مستعملا، بخلاف ما لو غسلت شعرها النابت من رأسها، ولو غسل رأس مفتول قد بان منه صار مستعملا. م: (لأن الاستعمال بانتقال نجاسة الآثام إليه) ش: أي إلى الماء المستعمل، فإن قلت: كيف يصف الإثم بالنجاسة، وبعد الاتصاف بها كيف تقبل الأعراض لانتقالها، قلت: أما اتصافه فلقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أصاب من هذه القاذورات فليستتر بستر الله» ، وهذا الشارع أطلق على الاسم قذرا، والقذر نجس فلقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من غسل وجهه تساقطت خطاياه مع آخر قطر الماء» ، وأما فلها حكم الجواهر في الشرع م: (وأنها) ش: أي وأن نجاسة الآثام م: (تزال بالقربة) ش: أي بإرادة القربة، قال الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] (هود: الآية 114) وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أتبع السيئة الحسنة تمحها» . م: (وأبو يوسف يقول: إسقاط الفرض) ش: وهو إزالة الحدث م: (مؤثر أيضا) ش: في كون الماء مستعملا؛ لأن الحدث الحكمي أغلظ من النجاسة العينية بالماء تنجسه، فإزالة النجاسة الحكمية أولى، ولهذا قال أبو حنيفة في رواية الحسن عنه م: (فيثبت الفساد) ش: أي فساد الماء م: (بالأمرين) ش: أي بإسقاط الفرض وهو إزالة الحدث وإقامة القربة. م: (ومتى يصير الماء مستعملا؟) ش: كلمة متى للاستفهام نحو: متى نصر الله، وهو أحد معانيه الخمسة، وهذا بيان لوقت أخذه حكم الاستعمال م: (الصحيح أنه) ش: أي أن الماء م: (كما زال عن العضو صار مستعملا) ش: قال السغناقي: الكاف هنا للمفاجآت لا للتشبيه كما تقول: كما خرجت من البيت رأيت زيدا، أي فاجأت ساعة خروجي ساعة رؤية زيد أي يصير الماء مستعملا مفاجأة وقت زواله عن العضو وقت الاستعمال من غير توقف إلى وقت الاستقرار في موضع، كما زعم بعضهم وتبعه صاحب " الدراية " و" الأكمل " في كون الكاف هنا للمفاجأة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 لأن سقوط حكم الاستعمال قبل الانفصال للضرورة ولا ضرورة بعده.   [البناية] قلت: ذكر النحاة أن الكاف إذا كانت بعدها ما الكافة يكون لها ثلاثة معان: أحدها: تشبيه مضمون جملة لمضمون الأخرى، كما كانت قبل الكف كتشبيه المفرد، قال الله تعالى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138] (الأعراف: الآية 138) والثاني أن تكون بمعنى لعل، حكى سيبويه عن العرب: انتظرني كما آتيك أي لعل ما آتيك، قال رومة: لا تشتم الناس كما لا تشتم، والثالث: أن تكون بمعنى قران الفعلين في الوجود نحو أدخل كما يسلم الإمام، وكما قام زيد قعد عمرو، الكاف في قوله: كما زائل عن العضو من هذا القبيل فالمعنى أن الماء يصير مستعملا مقارنا زواله عن العضو من غير توقف إلى استقراره في مكان. وبعضهم قالوا: إن الكاف التي بعدها ما الكافة تكون بمعنى المبادرة أيضا نحو سلم كما تدخل وصل كما تدخل الوقت ذكره ابن الخيار والسيرافي، ومع هذا قالوا: هو غريب وهذا في المعنى مثل قران الفعلين الذي ذكرناه، ولم أر أن أحدا منهم قال: إن الكاف للمفاجأة بهذه العبارة وإن كان معناها قريبا بما ذكرنا. م: (لأن سقوط حكم الاستعمال) ش: أي سقوط حكم كون الماء مستعملا م: (قبل الانفصال) ش: أي قبل انفصال الماء عن عضو المتوضئ م: (للضرورة) ش: أي لأجل ضرورة تعذر الاحتراز عنه م: (ولا ضرورة بعده) ش: أي عبد الانفصال وفي " المحيط " أن الماء إنما يأخذ حكم الاستعمال إذا زايل البدن، والاجتماع في المكان ليس بشرط هذا هو مذهب أصحابنا. قلت: بل نص عليه المصنف بقوله: الصحيح أنه كما زايل عن العضو صار مستعملا. وذكر في الأصل إذا مسح رأسه بما أخذه من لحيته لم يجز عندنا، وكذا لو مسح على خفيه وبقي على كفه بلل فمسح به رأسه، وكذا لو توضأ إنسان بالماء المتقاطر عن المتوضئ بأن يكون في موضع عال وهو يأخذ الماء من الهواء قبل وصوله إلى الأرض لا يجوز. وفي " شرح الطحاوي " الماء وإنما يأخذ حكم الاستعمال إذا زايل البدن واستقر في مكان، وبه قال سفيان الثوري وإبراهيم النخعي وبضع مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وهو اختيار الطحاوي وبه كان يفتي ظهير الدين المرغيناني. وفي " خلاصة الفتاوى " المختار أنه لا يعتبر مستعملا ما لم يستقر في مكان، وسكن عن التحرك. فإن قلت: فعلى ما ذكر المصنف ينبغي أن ينجس ثوب المتوضئ الذي ينشف به إذا أصاب الماء. قلت: أجابوا بأن ذلك سقط للحرج. فإن قلت: إذا أصاب ثوب غير المتوضئ، قلت: قيل: هذا لا ضرورة فيه فينجس، وقيل الضرورة في حق المتوضئ لا في حق المغتسل؛ لأنه قليل الوقوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 والجنب إذا انغمس في البئر لطلب الدلو، فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الرجل بحاله لعدم الصب وهو شرط عنده لإسقاط الفرض. والماء بحاله لعدم الأمرين.   [البناية] فإن قلت: من شرط الاستقرار في مكان شرط أن يكون في أرض، قلت: لا، سواء كان أرضا أو إناء أو كف المتوضئ أو كف غيره ونحو ذلك. فإن قلت: استدل سفيان الثوري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - علينا بمسائل زعم أنها تدل على صحة مذهبه، منها: إذا توضأ أو اغتسل وبقي في يده لمعة فأخذ البلة منها في الوضوء أو من أي عضو كما في الغسل وغسل اللمعة يجوز، ومنها: لو بقي في كفه بلة فمسح بها رأسه يجوز، ومنها: لو مسح أعضاءه بالمنديل فابتل جازت الصلاة معه، ومنها: لو تقاطر الماء من أعضائه على ثيابه وفحش لا يمنع جواز الصلاة. قلت: أجاب من لم يشترط الاستقرار في المكان عن الأول أن مع النقل في العضو الواحد يفضي إلى الحرج، وعن الثانية: بأن الفرض تأوى بما جرى على العضو لا بالبلة الباقية في الكف، وعن الثالثة والرابعة بالحرج والضرورة وقد ذكرناه. [الجنب إذا انغمس في البئر] م: (والجنب إذا انغمس في البئر) ش: أراد به الجنب الذي ليس على بدنه نجاسة فإنه إذا كان على بدنه نجاسة وانغمس في البئر نجس الماء وهو على حاله جنب سواء كان انغماسه لطلب الدلو أو لغيره، وإنما قيد بقوله م: (لطلب الدلو) ش: لأنه لو انغمس لطلب الاغتسال للصلاة فسد الماء بالاتفاق م: (فعند أبي يوسف الرجل بحاله) ش: وهو كونه جنبا م: (لعدم الصب) ش: صب الماء؛ لأنه عند الصب يكون كالجاري وعند عدمه يكون راكدا وهو أضعف من الجاري، والله تعالى كلفنا بالتطهير، والقياس يأبى التطهير بالغسل؛ لأن الماء ينجس بأول الملاقاة فلا يحصل به التطهير، وإنما حكمنا بالتطهير ضرورة، وهي تندفع بالصب فلا ضرورة إلى طريق آخر، ولهذا لا يشترط الصب عند الكل في الماء الجاري والحياض الكبيرة. وروي أن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: إن الثوب أيضا لا يطهر إلا بالصب وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا م: (وهو شرط عنده) ش: أي والصب شرط عند أبي يوسف والواو فيه للحال م: (لإسقاط الفرض) ش: الكلام فيه بالصب م: (والماء بحاله) ش: وهو كونه طاهرا م: (لعدم الأمرين) ش: وهما إسقاط الفرض، ونية القربة فإن الماء إنما يتغير عنده بأحدهما ولم يوجد. فإن قلت: كان الحق تقديم أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الذكر وبعده ذكر أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبعده ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: إنما قدم أبا يوسف لزيادة احتياجه إلى البيان بسبب تركه أصله، فإن كان يجب أن ينجس الماء عنده كما قاله أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الماء تغير عنده مستعملا لسقوط الفرض، وإن لم ينو فكأنه إنما ترك أصله في هذه المسألة لضرورة الحاجة إلى طلب الدلو فلم يسقط الغرض كيلا يصير الماء نجسا فيفسد البئر. ونظيره ما روي عنه أنه قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كلاهما طاهران: الرجل لعدم اشتراط الصب، والماء لعدم نية القربة. وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كلاهما نجسان: الماء لإسقاط الفرض عند البعض بأول الملاقاة، والرجل: لبقاء الحدث في بقية الأعضاء، وقيل: عنده نجاسة الرجل بنجاسة الماء المستعمل، وعنه: أن الرجل طاهر؛ لأن الماء لا يعطى له حكم الاستعمال قبل الانفصال، وهو أوفق الروايات عنه.   [البناية] إذا أدخل الجنب أو المحدث يده في الإناء ليغترف الماء لا يزول الحدث عن يده، كيلا يفسد الماء للحاجة إلى الاغتراف، فكذا هذا. م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كلاهما) ش: أي الرجل والماء م: (طاهران: الرجل لعدم اشتراط الصب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والماء لعدم نية القربة) ش: لأن عنده إنما يتغير الماء بنية التقرب ولم توجد فإن قلت: علمت بالعدم فلا يجوز. قلت: قد تقدم هذا مع جوابه م: (وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كلاهما) ش: أي الرجل والماء م: (نجسان: الماء لإسقاط الفرض عند البعض بأول الملاقاة) ش: أي النية عنده ليست بشرط لإسقاط الفرض، فإذا أسقطت الفرض صار الماء مستعملا عنده فينجس م: (والرجل: لبقاء الحديث في بقية الأعضاء) ش: أي ونجاسة الرجل لأجل بقاء الحدث في بقية الأعضاء م: (عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقيل: عنده نجاسة الرجل بنجاسة الماء المستعمل) ش: لأن النية لما لم يشترط لسقوط الفرض عنده سقط الفرض بالانغماس وصار الماء مستعملا، الرجل متصل به فينجس بنجاسته م: (وعنه) ش: أي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن الرجل طاهر؛ لأن الماء لا يعطى له حكم الاستعمال قبل الانفصال) ش: أي قبل انفصال الماء عن العضوم: (وهو) ش: أي هذا القول الثالث م: (أوفق الروايات عنه) ش: أي عن أبي حنيفة لكونه أكثر مناسبة لأصله ولكونه أسهل للمسلمين، فعلى الأول من أقواله لا تجوز له الصلاة ولا قراءة القرآن، وعلى الثاني: تجوز له قراءة القرآن دون الصلاة، وعلى الثالث: يجوز كلاهما وتسمى هذه المسألة مسألة - جحط - فالجيم عبارة عن نجاسة كل واحد من الرجل والماء؛ لأنهما نجسان، والحاء عن إبقاء حال كل واحد على ما كان، والطاء عن طهارة كل منهما، وترتيب الأحكام على ترتيب العلماء الثلاثة. وقد يقال: - نحط - بالنون موضع الجيم فالنون عبارة عن نجاسة كل منهما. وقال شمس الأئمة: التعليل لمحمد لعدم إقامة القربة ليس بقوي فإن هذا المذهب غير مروي عنه أيضا. والصحيح أن إزالة الحدث بالماء مفسد له إلا عند الضرورة كالجنب يدخل يده في الإناء، وفي البئر ضرورة لطلب الدلو يسقط استعماله للحاجة. وقال القدوري: كان شيخنا أبو عبد الله الجرجاني يقول: الصحيح عندي من مذهب أصحابنا أن إزالة الحدث استعمال للماء فلا معنى لهذا الخلاف، وإنما لم يصر الماء مستعملا في البئر ضرورة، وقال في " قاضيخان ": ومنهم من قال: يصير الماء مستعملا عند محمد برفع الحدث أيضا إلا في البئر للضرورة، ولو غسل الطاهر شيئا من بدنه غير أعضاء الوضوء كالفخذ والجنب بنية القرب قيل: يصير الماء مستعملا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 قال: وكل إهاب دبغ فقد طهر وجازت الصلاة فيه والوضوء منه   [البناية] كأعضاء الوضوء، وقيل: لا يصير مستعملا ذكره في " قاضيخان " وإذا وقع الماء المستعمل في البئر لا يفسده عند محمد، ويجوز التوضؤ به ما لم يغلب على الماء، وهذا هو الصحيح، وفي التجنيس على المذهب المختار. وإذا وقع الماء المستعمل في المطلق القليل قال بعضهم: لا يجوز الوضوء به، وإن قيل: وقيل يجوز وهو الصحيح، ومنهم من قال: الماء المستعمل إذا وقع في البئر عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز الوضوء به بخلاف بول الشاة مع أن كل واحد منها طاهر عنده، والفرق له أن الماء المستعمل من جنس ماء البئر فلا يستهلك فيه، وبول الشاة ليس من جنسه فيعتبر الغالب، وفي " قاضيخان ": لو صب الماء الذي توضأ به في بئر عند محمد ينزح منها عشرون دلوا؛ لأنه طاهر عنده فكان دون الفأرة. قلت: وعلى القول الثاني لا يجوز استعمال ماء البئر وعندهما ينزح أربعين دلوا وقيل: تنزح جميع الماء هذا على القول بنجاسة الماء المستعمل. [طهارة الجلود بالدباغ] [طهارة جلد الكلب والخنزير] م: (قال: وكل إهاب دبغ فقد طهر) ش: كلمة: كل إذا أضيفت إلى نكره توجب عموم الأفراد، وإذا أضيفت إلى معرفة توجب عموم الأجزاء والإهاب نكرة، فالمعنى كل واحدة من أفراد الإهاب إذا دبغ فقد طهر إلا ما استثني منه. والإهاب اسم لجلد لم يدبغ فكأنه تهيأ للدباغ، يقال: فلان تأهب للحرب إذا تهيأ واستعد، ويقال: تأهب للشتاء أي استعد. وفي " الفائق ": سمي إهابا لأنه أهبته للحي وبنا للحماية له كما يقال: مسك لإمساكه ما وراؤه، والإهاب أعم من الجلد يتناول جلد المذكى، وغير المذكى، وجلد ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل، والمدبوغ لا يسمى إهابا بل يسمى أديما أو حورا أو أدما أو جرابا. ونحو ذلك, وإنما دخلت الفاء في فقد طهر؛ لأن في صدر الكلام معنى الشرط، إذ التقدير وكل إهاب إذا دبغ فقد طهر وإن لم يدبغ فلا يطهر. وقوله: - طهر -: بضم الهاء وفتحها من باب كرم يكرم ونصر ينصر، والمصدر فيها طهارة، والطهر أيضا نقيض الحيض، والطهور ما يثبت الطهر به كالفطور والسحور، وقوله - طهر - أعم من طهارة الظاهر والباطن. م: (وجازت الصلاة فيه) ش: أي في إهاب المدبوغ، بأن جعل ثوبا يصلي فيه؛ لأنه طاهر م: (والوضوء منه) ش: أي من الإهاب المدبوغ، أي جاز الوضوء منه بأن جعل قربة أو دلوا أو نحو ذلك، فإذا جازت الصلاة فيه جازت عليه أيضا بأن جعل مصلى؛ لأن البيان في الثوب بيان في المكان لزيادة الاستعمال، ولأن الثوب منصوص عليه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] (المدثر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 إلا جلد الخنزير والآدمي   [البناية] الآية 4) وطهارة المكان تلحقه بالدلالة. فإن قلت: قوله طهر أفاد حصول الطهارة فيشمل ذلك الصلاة فيه والوضوء منه، فما الفائدة في ذكرهما بعد ذلك. قلت: أجيب بجوابين: أحدهما: الاحتراز بذلك عن قول مالك: فإنه يقول: يطهر ظاهره دون باطنه فيصلى عليه لا فيه، ويستعمل في اليابس دون الرطب. والثاني: أن ذلك توكيد لطهارته، ورد لقول من لا يقول بطهارة الجلد المدبوغ. م: (إلا جلد الخنزير والآدمي) ش: الخنزير وزنه فعليل مثل قنديل رباعي والياء فيه زائدة، والنون أصلية مثلها خندريس؛ لأنها لا تزاد ثانية مطردة بخلاف الثالثة شريت وجحيل فقد نقل بأنها زائدة مطردة. وحكى ابن سيده: أنه مشتق من خزر العين أي ضيعها فهو على هذا ثلاثي مزيد فيه الياء والنون. قلت: الشريت الغليظ الكفين والرجلين وصف به الأسيد. والجحيل بتقديم الجيم على الحاء الغليظ الشفة. الآدمي منسوب إلى آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فإن قلت: في المسألتين منه ما هو. قلت: معرفة هذا مبنية على معرفة شيء وهو أن جلد الخنزير يقيل الدباغ أو لا، وكذلك جلد الآدمي، فاختلف فيه، فقال بعضهم: جلد الخنزير لا يقبل الدباغ؛ لأن فيه جلودا مترادفة بعضها فوق بعض ذكره في " المحيط " و" البدائع ". وقيل: يقبل الدباغ ولكن لا يجوز استعماله؛ لأنه نجس العين لأنه رجس، والهاء في قَوْله تَعَالَى: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] (الأنعام: الآية 145) ينصرف إليه دون لحمة لقربه، فلذلك لا يجوز الانتفاع به ولا بيعه ولا جميع أنواع التملكات، ولا يضمن مثله للمسلم، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره في " المحيط "، وهو مذهب الليث بن سعد وداود. وأما جلد الآدمي فقد ذكر في " المحيط " " والبدائع ": أن جلد الإنسان يطهر بالدباغ ولكن يحرم سلخه ودبغة والانتفاع به احتراما له كشعره. وفي أحد قولي الشافعي: الآدمي ينجس بالموت ويطهر جلده بالدباغ في أحد الوجهين إلا أن المقصود منه لما لم يحصل استثني مع المستثنى. وقيل: جلد الآدمي أيضا لا يقبل الدباغ كجلد الخنزير. فإذا عرفت هذا فقد توجه في الاستثناء وجهان: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أحدهما: أن يكون الاستثناء من الدبغ ويكون المعنى: وكل إهاب يقبل الدباغ إذا دبغ فقد طهر إلا جلد الآدمي والخنزير لا يطهر؛ لأنه لا يقبل الدباغ. والوجه الثاني: أن يكون الاستثناء من قوله طهو، والمعنى: كل إهاب يقبل الدباغ إذا دبغ طهر إلا جلد الخنزير فإنه لا يطهر وإن كان يقبل الدباغ. فإن قلت: هذا الوجه يقتضي أن يطهر جلد الآدمي؛ لأن تعليله بكرامته لا ينفي طهارته. قلت: فعلى قول من يقول: لا يقبل الدباغ لا يطهر، وعلى قول من يقول: إنه يقبل يطهر، ولكن يحرم استعماله كما قلنا، فبالنظر إلى القول الأول قال: إلا جلد الخنزير ولم يقل إلا إهاب الخنزير؛ لأن الإهاب له تهيؤ واستعداد للدباغ، وجلد الخنزير ليس كذلك، فلذلك قال: إلا جلد الخنزير، وكذا الكلام في جلد الآدمي. فإن قلت: إن كان عدم القابلية للدباغ يستلزم عدم الطهارة كان ينبغي أن يستثنى أيضا جلد الحية لأن في شرح الطحاوي قال: جلد الحية نجس لا يحتمل الدباغ، ويمنع جواز الصلاة أكثر من قدر الدرهم، وكذلك كان ينبغي أن يستثنى جلد الفيل عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه كالخنزير عنده. قلت: اكتفى بذكر المتفق عليه، ولم يتعرض لما فيه الخلاف. فإن قلت: ما تقول في مصارين الشاة والمثانة. قلت: روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المصارين إذا أصلحت والمثانة إذا دبغت فقد طهرت؛ ولهذا يتخذ من المصارين الأوتار. فإن قلت: الأكراس: قلت: كالمصارين والمثانة. وقال أبو يوسف: كاللحم فلا يطهر. فإن قلت: فلم فرع الخنزير على الآدمي. قلت: الموضع موضع الإهانة لكونه في باب النجاسة وتأخير الآدمي في ذلك أولى كما في قَوْله تَعَالَى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} [الحج: 40] (الحج: الآية 40) . فإن قلت: لم أخرج جلد الخنزير والآدمي عن العموم، وكان ينبغي أن يجوز تخصيص الميتة منه قياسا عليه أو بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تنتفعوا من الميتة بإهاب» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أيما إهاب دبغ فقد طهر»   [البناية] قلت: هذا قياس فيه إبطال النص، وهو الحديث الذي يأتي، والنهي عن الانتفاع بالإهاب، وقد مر أنه اسم لجلد غير مدبوغ فليس ذلك داخل في عمومه ليجوز تخصيصه لا تعارض بينهما لاختلاف المحل. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما إهاب دبغ فقد طهر» ش: الحديث رواه ابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فحديث ابن عباس أخرجه الأربعة، ورواه ابن حبان في صحيحه وأحمد في " مسنده " والشافعي وإسحاق بن راهويه والبزار في مسانيدهم، وكثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين عزوا هذا الحديث في كتبهم إلى مسلم وهو وهم، وممن فعل ذلك البيهقي في " سننه ". وإنما رواه مسلم بلفظ: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» . واعتذر الشيخ تقي الدين بأن البيهقي وقع له مثل ذلك في كتبه كثيرا، ويزيد أصل الحديث لا كل لفظ منه ولا يقبل ذلك؛ لأن الفقهاء يختلف نظرهم باختلاف اللفظ، فلا ينبغي ذلك. ومن أحاديث هذا الباب ما رواه البخاري ومسلم قال: «تصدق على مولاة لميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بشاة فماتت فمر بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال هلا أخذتهم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به فقالوا إنها ميتة فقال إنما حرم أكلها» . ورواه الدارقطني وزاد: «أو ليس في الماء والقرص ما يطهره» وفي لفظ: «إنما حرم عليكم لحمها، ورخص لكم في مسكها» . وفي لفظ: «إن دباغه طهور» ، أخرج هذه الألفاظ في حديث ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ثم قال: وهذه الأسانيد كلها صحيحة. وما رواه البخاري أيضا من حديث سودة زوجة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها، ثم ما زلنا ننبذ فيه حتى صار شنا» . وما رواه ابن خزيمة في " صحيحه " والبيهقي في " سننه " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «أراد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يتوضأ من سقاء فقيل له: إنه ميتة، فقال: "ودباغه يزيل خبثه أو نجسه أو رجسه» . وقال البيهقي: إسناده صحيح ورواه الحاكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وما رواه ابن حبان في صحيحه عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دباغ جلود الميتة طهورها» . وما رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في "صحيحه" من حديث عبد الرحمن بن ثوبان عن أمه عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن الرسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر أن ينتفع بجلود الميتة إذا دبغت» . وأعله البزار بأم محمد غير معروفة، ولا يعرف لمحمد غير هذا الحديث، وسئل محمد عن هذا الحديث، فقال: من هي أمه، كأنه أنكره من أجل أمه. وما رواه أبو داود والنسائي عن جون بن قتادة عن سلمة بن المحبق «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك دعا بماء من عند امرأة، فقالت: ما عندي إلا قربة لي ميتة، قال: "ألست قد دبغتيها؟ " قالت: بلى، قال: " فإن دباغها طهورها» . ورواه ابن حبان في صحيحه وأحمد في " مسنده "، وأعله الأثرم بجون، ويحكى عن أحمد قال: لا أعرف من هذا الجون بن قتادة. وما رواه الدارقطني ثم البيهقي من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مرفوعا: «طهور كل أديم دباغه» ، وقالا: إسناده حسن ورجاله ثقات. وأخرج الدارقطني من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «استمتعوا بجلود الميتة إذا هي دبغت ترابا كان أو رمادا أو ملحا بعد أن يزيد صلاحه» وفيه معروف بن حسان، قال أبو حاتم: مجهول، وقال ابن عدي: منكر الحديث. وأخرج أيضا من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «إنما حرم رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من الميتة لحمها» فأما الجلد والشعر والصوف فلا بأس به، وفيه عبد الجبار، قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الدارقطني: ضعيف. قلت: ذكره ابن حبان في " الثقات " في هذا الحديث. وأخرج أيضا من حديث أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا بأس بجلد الميتة إذا دبغ، ولا بأس بشعرها وصوفها وقرونها إذا غسل بالماء» وفيه يوسف بن السفر، قال الدارقطني: متروك ولم يأت به غيره. وأخرج أيضا من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا الأنعام الآية ألا كل شيء من الميتة حلال إلا ما أكل منها فأما الجلد والقرون والشعر والصوف والسن والعظم فكله» . وفيه أبو بكر الهذلي قال: وهو متروك. وما رواه البيهقي من حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر على شاة فقال: "ما هذه؟ فقالوا: ميتة، قال: "ابغوا إهابها فإن دباغها طهور» وفيه القاسم بن عبد الله ضعيف. وأخرج أيضا من حديث زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «دباغ جلود الميتة طهورها» . وما رواه الطبراني في معجمه والبزار في مسنده من حديث ابن عباس قال: «ماتت شاة لميمونة فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فهلا استمتعتم بإهابها فإن دباغ الأديم طهوره» . وفيه يعقوب بن عطاء بن أبي رباح فيه مقال. قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: منكر الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات. وهذه الأحاديث كلها حجة لنا على المخالفين. وفي هذه المسألة للعلماء سبعة مذاهب: الأول: مذهبنا وقد ذكره المصنف. الثاني: مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يطهر الكل إلا جلد الكلب والخنزير، وما يتولد منهما أو من أحدهما. الثالث: يطهر الجميع، يروى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره في " المحيط " وهو مذهب الليث وداود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الرابع: كذلك ظاهره دون باطنه، يحكى عن مالك. الخامس: ينتفع بها من غير دباغ في الرطب واليابس، يحكى عن الزهري. السادس: يطهر بالدباغ جلد مأكول اللحم دون غيره، قاله الأوزاعي، وابن المبارك، وأبو ثور، وإسحاق. السابع: لا يطهر شيء منها بالدباغ، يروى عن عمر وابنه وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وهو رواية عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعن أحمد أحاديث التابعين منها غير ما رواه الأربعة من حديث عبد الله بن عكيم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه كتب إلى جهينة قبل موته بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب» . وقال الترمذي: حديث حسن ورواه ابن حبان في " صحيحه ". ومنها ما رواه ابن جرير الطبري في " تهذيب الآثار " من حديث جابر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تنتفعوا من الميتة بشيء» . ومنها ما رواه ابن جرير أيضا من حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ينتفع من الميتة بإهاب» . ومنها: ما رواه أبو داود والترمذي وصححه «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن جلود السباع التي تفترس» . والجواب عن حديث ابن عكيم أنه معلول بأمور ثلاثة؛ الأول: أنه مضطرب سندا ومتنا. فالأول: عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه حدثنا شيخ لنا أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كتب إليهم أن لا يستمتعوا من الميتة بشيء. رواه ابن حبان، وفي رواية حدثنا أصحابنا «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن في أرض جهينة إني كنت رخصت لكم في جلدة الميتة فلا تنتفعوا من الميتة بجلد ولا عصب» . رواه الطبراني في " معجمه الأوسط ". الثاني: يعني اضطراب المتن وهو ما روي قبل موته بشهر وروي بشهر أو شهرين، وقال البيهقي: وجاء في لفظ آخر قبل موته بأربعين يوما، وروي قبل موته بثلاثة أيام. والثاني: من العلة الاختلاف في صحبته، فقال البيهقي وغيره: لا صحبة له فهو مرسل، وعن الخلال أن أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - توقف فيه لما رأى تزلزل الرواة فيه، وقيل: إنه رجع عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 وهو بعمومه حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في جلد الميتة،   [البناية] والثالث: قال في " الإمام " عن الحكم بن عتبة الكندي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه انطلق هو وناس إلى عبد الله بن عكيم قال: فدخلوا وقعدت على الباب فخرجوا إلي وأخبروني أن ابن عكيم أخبرهم «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كتب إلى جهينة قبل موته بشهرين لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب» . ففي هذه الرواية أنه سمع من الناس الداخلين عليه وهم مجهولون. وقال الخلال: وطريق الإنصاف أن حديث ابن عكيم ظاهر الدلالة في النسخ ولكنه كثير الاضطراب، وحديث ابن عباس سماع وحديث ابن عكيم كتاب والكتاب والوجادة والمناولة كلها موقوف لما فيها من شبهة الانقطاع لعدم المشافهة، ولو صح فهو لا يقاوم حديث ابن عباس في الصحة، ومن شرط الناسخ أن يكون أصح سندا وأقوم قاعدة من جميع الرجحان، وغير خاف على كل جماعة الحديث أن حديث ابن عكيم لا يوازي حديث ابن عباس في جهة من جهات الترجيح فضلا عن جميعها. والجواب عن حديث جابر أن في رواته زمعة وهو ممكن لا يعتمد على نقله. وعن حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن عامة من في إسناده مجاهيل لا يعرفون. وأما النهي عن جلود السباع فقد قيل: إنها كانت تستغل قبل الدبغ. م: (وهو) ش: أي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما إهاب دبغ فقد طهر» ، م: (بعمومه حجة على مالك في جلد الميتة) ش:، لأنه يقول: لا يطهر لكنه ينتفع به في الجامد من الأشياء دون المائع فيجعل جرابا للحبوب دون السمن والعسل ونحوهما، وأراد بعموم هذا النص أن الإهاب نكرة والنكرة إذا اتصفت بصفة عامة تعم، كقوله: أي عبيدي ضربك فهو حر، يعتق كلهم إذا ضربوه، تقديره أي إهاب مدبوغ فهو طاهر، وأيضا بعمومه يدل على طهارة ظاهره وباطنه فلا معنى لاستثناء باطنه. وقال النووي: قال الماوردي يجوز هبة جلد الميتة قبل الدباغ، قال: وقال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يجوز بيعه وهبته كالثوب النجس. قلت: هذا سهو منه، بل لا يجوز بيع جلود الميتة قبل الدباغ ولا تمليكها، ذكره في " المحيط " و" شرح الطحاوي "، ولا يضمن بالإتلاف، ولو دبغه بالنجس صح في أحد الوجهين، ويغسل بعده عندهم وعندنا يطهر، وجلد الميتة المدبوغ مما يؤكل لحمه يحل أكله في الجديد، وكذا ما لا يؤكل لحمه في وجه ولا يحل بالذكاة. ثم اعلم أن قوله - حجة على مالك - ليس كما ينبغي؛ لأن مالكا لا يقول بذلك، ففي " الجواهر " للمالكية أن جلد الميتة يطهر بالدباغ فهذا النقل عنه ضعيف، وإنما هذا الحديث حجة على أحمد فإن عنده جلد الميتة لا يطهر بالدباغ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 ولا يعارض بالنهي الوارد عن الانتفاع من الميتة بإهاب، وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تنتفعوا من الميتة بإهاب» ؛ لأنه اسم لغير المدبوغ وحجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في جلد الكلب، وليس الكلب بنجس العين،   [البناية] م: (ولا يعارض) ش: على صيغة المجهول أي لا يعارض المذكور م: (بالنهي الوارد عن الانتفاع من الميتة بإهاب وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب لأنه") ش: أي لأن الإهاب م: (اسم لغير المدبوغ) ش: فإن دبغ يصير أديما فحينئذ لا معارضة بين الحديثين، لأن المعارض يقتضي اتحاد المحل مع اتحاد حالته واختلاف حالته ينفي التعارض، وإن كان أصلهما واحدا كحرمة الخمر وحل الخل. م: (وحجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: عطف على قوله حجة على مالك، أي الحديث المذكور حجة أيضا على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يقول بعدم الطهارة م: (في جلد الكلب) ش: بالدباغ وقاسه الشافعي بجلد الخنزير والآدمي، وتخصيصه بالكلب ليس له زيادة فائدة؛ لأن عنده كل ما لا يؤكل لحمه لا يطهر جلده بالدباغ، والظاهر أنه إنما خص الكلب موافقة لما ذكر في " الأسرار " لأن فيه نص الخلاف بالكلب حيث قال بطهارة جلود السباع بالدباغ سوى الكلب والخنزير عند الشافعي. وقال الأترازي: والعجب من الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقول: إن الكلب المعلم إذا أكل صيدا يحل أكله، وإن ترك على الكلاب التسمية عمدا وقت الإرسال، ثم يقول: إن جلده لا يطهر بالدباغ؛ لأنه نجس العين، فكيف جاز الانتفاع بنجس العين بلا ضرورة، وكيف جاز صيده، ومثل هذا لا يجوز في الخنزير وهو نجس العين؟ قلت: كيف يتعجب منه، وليس فيه ما يورث التعجب؛ لأن حل صيده لا يستلزم جواز دباغ جلده، وكونه نجس العين لا يستلزم تحريم صيده وكل واحد من ذلك ورد بنص مستقل ومع هذا رواية عندنا أن الكلب نجس العين وما منعنا طهارة جلده إذا دبغ؛ لأن ذلك ليس يمشي على هذا، بل على عموم النص. [هل الكلب نجس العين] م: (وليس الكلب بنجس العين) ش: هذا جواب عن قياس الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الكلب على الخنزير، وإن لم يذكر في الكتاب، واختلفت الروايات في كون الكلب نجس العين. ففي " المبسوط " الصحيح من المذهب عندنا عين الكلب نجسة، وقال بعض مشايخنا: ليس بنجس العين. قال في " البدائع " وهو رواية الحسن. وفي " الذخيرة " ذكره القدوري في " تجريده " أنه نجس العين عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - , وفي " العيون " روى ابن سماعة عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا خير في جلد الكلب والذئب وإن دبغا ولا تحلهما الذكاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 ألا ترى أنه ينتفع به حراسة؛ واصطيادا، بخلاف الخنزير؛ لأنه نجس العين إذ الهاء في قَوْله تَعَالَى: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] (الأنعام: الآية 145) منصرف إليه لقربه،   [البناية] وقال الكاساني: والذي يدل على أنه ليس بنجس العين أنه جوز الانتفاع به حراسة واصطيادا وإجارة، وقال في " عمدة المعين ": لو استأجر الكلب للصيد يجوز، والسنور لا يجوز؛ لأن السنور لا يعلم. وقال في " التجريد ": لو استأجر كلبا معلما أو بايا صيودا ليصيد بهما فلا أجر له. وقال مشايخنا: ومن صلى وفي كمه جرو كلب تجوز صلاته، وقد حكم أبو حصير [ ... ] فدل على أنه ليس بنجس العين. م: (ألا ترى) ش: كلمة ألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتنبيه والتوضيح م: (أنه) ش: أي أن الكلب م: (ينتفع به حراسة) ش: أي من حيث الحراسة سيما أهل البر م: (واصطيادا) ش: أي من حيث الاصطياد، فدل ذلك على أنه ليس نجس العين، ولا يشكل بالسرقين فإنه نجس لا محالة، وينتفع به إيقادا أو غيره؛ لأنه انتفاع بالإهلاك كالدنو من الخمر للإراقة، وهو الذي اختاره المصنف أيضا. والذين ذهبوا إلى أنه نجس العين استدلوا بما ذكر أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " العيون " أن الكلب لو وقع في الماء فانتفض فأصاب ثوب إنسان منه أكثر من قدر الدرهم منع جواز صلاته، فسئل: إذا وصل الماء إلى جلده، ويقول محمد: ليس الميت بأنجس من الكلب والخنزير، فدل على أنه نجس العين، وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي. وقال الأترازي: لا نسلم أن نجاسته تثبت في الكلب لهذا القدر من الكلام، فمن ادعى ذلك فعليه البيان، ولم يرد نص عن محمد في نجاسة العين. قلت: قد ذكرنا الآن عن صاحب " الذخيرة " عن القدوري أنه نجس العين عند محمد. م: (بخلاف الخنزير) ش: متصل بقوله: إلا جلد الخنزير م: (لأنه نجس العين إذا الهاء في قوله: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] ش: كلمة إذ للتعليل أي لأن الهاء هاء الضمير في قَوْله تَعَالَى: فإنه أي فإن الخنزير {رِجْسٌ} [الأنعام: 145] أي قذر قاله الفراء، وقيل: الرجس والرجز واحد. وقال البغوي: الرجس النجاسة. م: (منصرف) ش: خبر المبتدأ وهو قوله الهاء م: (إليه) ش: أي إلى الخنزير لا إلى اللحم في قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] (الأنعام: الآية 145) م: (لقربه) ش: أي لقرب الخنزير أراد أن الضمير إلى الخنزير أقرب من اللحم. فإن قلت: المقصود بالذكر في الكلام هو المضاف فيجب أن يرجع الضمير إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: قد يكون المضاف إليه مقصودا، وإن كان يجوز أن يعود إلى المضاف إليه، وما نحن بصدده من هذا القبيل لكونه شاملا للمضاف أشد وأحوط في العمل؛ لأن الضمير إن رجع إلى اللحم لم يحرم غيره، وإن رجع إليه يشمل الجميع. والعجب من الأترازي أنه أخذ في الجواب عن هذا السؤال محصل كلام المصنف، ثم قال: هذا الجواب مما سنح له خاطري. وقال: أيضا: وقيل في صرفه إلى الخنزير عمل بهما لاشتماله على اللحم، ولا ينعكس. أقول: فيه نظر؛ لأن لقائل أن يقول: لا نسلم لأن الجلد على تقدير عود الضمير إلى اللحم لا يكون نجسا، وعلى تقدير عوده إلى الخنزير يكون نجسا، وفي كون الجلد نجسا وغير نجس منافاة فيكون العمل بهما أحوط. انتهى كلامه. أقول: قوله - وقيل: هو صاحب التوشيح -: فإني رأيت بهذه العبارة فلا أدري هل هو من عنده أو نقله عن أحد. وقوله - في كونه نجسا أو غير نجس منافاة - غير مسلم؛ لأن المنافاة إنما تكون إذا كان كونه نجسا وغير بتقدير واحد. والذي قاله القائل المذكور بتقديرين فكيف تكون المنافاة. ثم قال الأترازي: ومما ظهر لي في فؤادي من الأنوار الربانية والأجوبة الإلهامية أن الهاء لا يجوز أن ترجع إلى اللحم؛ لأن قَوْله تَعَالَى: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] خرج في مقام التعليل، فلو رجع إليه لكن تعليل الشيء بنفسه وهو فاسد لكونه مصادرة، وهذا لأن نجاسة لحمه عرفت من قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] لأن حرمة الشيء مع صلاحيته للغذاء لا للكرامة آية النجاسة فحينئذ يكون معناه كأنه قال: لحم خنزير نجس فإن لحمه نجس. أما إذا رجع إلى الخنزير فحينئذ يكون معناه كأنه قال: لحم خنزير نجس لأن الخنزير نجس، يعني إن هذا الجزء من الخنزير نجس، لأن كله نجس. هذا هو التحقيق في الباب لأولي الألباب. قلت: فيما قاله نظر؛ لأن دعواه بعدم جواز رجوع الضمير إلى اللحم غير صحيحة، لأن الأصل في هذا الباب رجوع الضمير إلى المضاف، وإن كان رجوعه إلى المضاف إليه صحيحا، وذلك لأن المضاف هو المقصود بالذكر كما في قولك: رأيت غلام زيد وكلمته، فإن الأصل أن يكون التكلم للغلام، فإن كان يجوز أن يكون لزيد كما في قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [الرعد: 25] (البقرة: الآية 27) فإن الضمير يجوز أن يرجع إلى كل واحد من المضاف والمضاف إليه. ثم تعليل الأترازي بقوله: رجس خرج في مقام التعليل اهـ -، وقوله - هذا هو التحقيق في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 وحرمة الانتفاع بأجزاء الآدمي لكرامته   [البناية] هذا الباب - غير تحقيق لأنه إنما يلزم ما ذكره إذا جزم بعود الضمير إلى المضاف، وقد قلنا: إنه يجوز الأمران، والتحقيق في هذا الباب أن يكون التقدير في الضمير - فإن كل واحد من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير رجس أي نجس - فيكون هذا تعليلا لقوله: محرما، فبين بذلك أن هذه الأشياء حرام لأنها نجسة، لأنه لو لم يذكر {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] لما كان يلزم من صدر الكلام النجاسة لهذه الأشياء؛ لأن الحرمة لا تستلزم النجاسة. فإن قلت: فعلى هذا يلزم اقتصار النجاسة في الخنزير على لحمه. قلت: الأمر كذلك فإنه قال: {عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] والطعم لا يكون إلا في اللحم دون غيره وهو المطلوب. فإن قلت: فعلى هذا يجوز استعمال جلده بالدباغ واستعمال شعره. قلت: أما جلده فقد اختلف فيه، هل قبل الدباغ أم لا، فقد قال بعضهم: إنه يقبل، فعلى هذا يطهر بالدباغ، وهو مذهب الليث وداود ورواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال بعضهم: إنه لا يقبل، فعلى هذا لا يطهر بالدباغ، وقد ذكرنا هذا فيما مضى عن قريب. وأما شعره فإنه جزء ما هو نجس بعينه، وللجزء حكم الكل غير أن محمدا أباح الانتفاع به للخرازين والأساكفة للضرورة لأن في تنجيسه حرجا. وقوله: لأن نجاسة لحمه عرفت بالنص من قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] (الأنعام: الآية 145) ليس كذلك لأن بالنص ما عرف إلا حرمة لحمه، ونجاسته عرفت من الضمير الراجع إلى كل واحد من الأشياء الثلاثة قررناه فافهم، فإنه موضع دقيق. وقوله - لأن حرمة الشيء مع صلاحيته للغذاء لا لكرامته آية النجاسة - ينتقض بلحم الفرس لأنه حرام عند أبي حنيفة ومالك - رحمهما الله - مع صلاحيته للغذاء مع أنه غير نجس. فإن قلت: حرمته للكرامة. قلت: لا نسلم ذلك، وإنما حرمته لكون أكله سببا لقتله لأنه آلة الجهاد، ولأن الله تعالى امتن علينا بكونه مركوبا ولم يمتن بكونه مأكولا مع أن نعمة الأكل فوق نعمة الركوب. [الانتفاع بأجزاء الآدمي] م: (وحرمة الانتفاع بأجزاء الآدمي لكرامته) ش: يتعلق بقوله: أو الآدمي، والمعنى بخلاف جلد الخنزير فإنه لا يطهر بالدباغ لنجاسة عينه، ولجد الآدمي لكرامته؛ لأن الله تعالى كرمه، وفي استعمال جلده ابتذال له، هكذا قرره الشيخ الأكمل. وأنا أقول: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: لما خرج جلد الآدمي عن حكم الدباغ بقوله: إلا جلد الآدمي كان ينبغي أن يجوز الانتفاع ببقية أجزائه مثل شعره وعظمه وعصبه وغير ذلك، فأجاب عن ذلك بقوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 فخرجا عما رويناه، ثم ما يمنع النتن والفساد فهو دباغ وإن كان تشميسا أو تتريبا   [البناية] وحرمة الانتفاع اه. م: (فخرجا) ش: أي جلد الآدمي وجلد الخنزير، م: (عما روينا) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أيما إهاب دبغ فقد طهر» ، ومراده خرجا عن عموم هذا الحديث، ثم خروجهما عنه بالكتاب، فإن كان متأخرا عن الحديث، فهو ناسخ لا محالة، وإن كان متقدما عليه فخبر الواحد لا يعارضه فضلا عن أن ينجس، وإن كان معارضا كان مخصصها. والذين ذهبوا إلى طهارة جلد الآدمي والخنزير بالدباغ لم يخرجوهما عن عموم هذا الحديث، غير أنهم منعوا استعمال جلد الآدمي لكرامته. ونقل ابن حزم إجماع المسلمين على تحريم جلد الآدمي واستعماله. وعند الشافعي: الآدمي لا ينجس بالموت، وفي قول: نجس ويطهر جلده بالدباغ في أحد الوجهين، لكن المقصود لما لم يحصل به اشتباه. م: (ثم ما يمنع النتن) ش: بفتح النون وسكون التاء المثناة من فوق وهو الرائحة الكريهة يقال: نتن الشيء بضم النون وانتن بمعنى فهو منتن بضم الميم، ومنتن بكسرها اتباعا لكسرة التاء؛ لأن مفعلا بالكسر ليس من الأبنية. م: (والفساد) ش: وهو ضد الصلاح قاله الليث، والمراد هنا ما يمنع ضد صلاحية استعمال الجلد الغير المدبوغ، وهو أعم من النتن وغيره. فإن قلت: هو مصدر أم اسم؟ قلت: مصدر من فسد الشيء يفسد فسادا وفسودا وهو فاسد وهو من باب نصر ينصر. وقال ابن دريد: فسد يفسد مثل عقد يعقد لغة ضعيفة وكذلك فسد بضم السين فسادا فهو فاسد. م: (فهو دباغ) ش: جملة اسمية، وهو خبر المبتدأ وهو قوله: ما يمنع، ولتضمين الابتداء معنى الشرط دخلت الفاء في الخبر م: (وإن كان) ش: أي وإن كان ما يمنع النتن والفساد، وإن واصلة بما قدمنا فلذلك لا يذكر لها الجواب ظاهرا م: (تشميسا) ش: من شمست الشيء بتشديد الميم إذا وضعته في الشمس، يقال: شيء مشمس أي عمل في الشمس، والمراد هنا أن يبسط الجلد في الشمس لتشمس منه الرطوبة التي فيه وتزول عنه الرائحة الكريهة بذلك؛ لأنه دباغ حكمي، والدباغ على نوعين: حقيقي وحكمي على ما نذكره عن قريب. م: (أو تتريبا) ش: من تربت الإهاب تتريبا إذا ترب عليها التراب أزالت ما عليه من الرطوبة والرائحة الكريهة، وكذلك يقال: تربته متربا بالتخفيف، ويقال أيضا: أتربت الشيء إذا جعلت عليه التراب، ومنه الحديث: أتربوا الكتاب فإنه أنجح للحاجة. وقال الصاغاني: قال ابن روح: كل ما يصلح فهو متروب وكل ما يفسد فهو متروب مشددا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 لأن المقصود يحصل به فلا معنى لاشتراط غيره،   [البناية] قلت: فعلى قوله ينبغي أن يقال: أو متربا ولا يقال أو تتريبا، ولكن المشهور ما ذكرناه أولا. م: (لأن المقصود يحصل به) ش: أي ما يمنع النتن والفساد م: (فلا معنى لاشتراط غيره) ش: نحو القرظ بالظاء المعجمة، والعفص والشث بفتح الشين المعجمة والثاء المثلثة وهو نبت طيب الرائحة كذا ذكره الجوهري وغيره. وقال الأزهري: هو بالباء الموحدة هو ما يدفع به بعد الزاج وهو السماع، وقد صحفه بعضهم بالمثلثة وهو شجر لا أدري أيدبغه أم لا، وتابعه صاحب " الشامل " أو [ ... ] وفي تعليق الشيخ أبي حامد، قال أصحابنا: بمثلثة، وقال الشافعي: بالموحدة، وقد قيل الأمران وبأيهما كان فالدباغ به حاصل، وصرح القاضي خان أبو الطيب في تعليقه ما يجوز بهما، ولا ذكر له في حديث الدباغ، وإنما هو من كلام الشافعي. وقال الصاغاني: الشب بالباء الموحدة منه الزاج والشث بالمثلثة نبت طيب الريح مر الطعم يدبغ به، قال الدينوري: أخبرني أعرابي من أزد السراة قال: الشث شجر مثل شجر التفاح في القدر، ورقه يشبه ورق الخلاف، ولا شوك له، وله تومة موردة، ويستقر به ذرة صغيرة فيها ثلاث حبان، وربع سود مثل الربعة يرعاه الجمال إذا يبس. قالوا: والإبل تأكل الشث فتحصب عليه ويدبغ بورقه، ويساق بأغصانه وتعالج بفروعه الرطبة من الريح يأخذ في الجسد ويضمد به للكسير يجبر وهو مر ينبت في السهل والجبل وأكثره ينبت بجبال الفراهيد. وقال أبو عيسى البكري: الشث كأنه شجر المدبان. ثم اعلم الدباغ على نوعين: حقيقي كالقرظ ونحوه، وحكمي كالمترب والمشثت والمشمس والإبقاء في الريح، ولو جف ولم يستحل لم يطهر، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن كان يمنع من الفساد فهو دباغ ذكره في " المحيط " وهما سواء؛ لأنه يعود نجسا إذا أصابه ماء فإن في الحكمي روايتين. وقال في " الدراية " قول صاحب " الهداية ": فلا معنى لاشتراط غيره نفى قول الشافعي، فإن عنده لا يكون الدباغ إلا بما تزول به الرسوبات عنه، وذلك باستعمال القرظ والعفص ونحوهما؛ لأنه طهارة شرعية فيقتصر على مورد الشرع، والشرع ورد بالدباغ بالمتقوم كالقرظ والعفص دون غيرهما من التراب والشمس. انتهى. وقال أبو العباس الجرجاني من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " التحرير ": يجوز الدباغ بالتراب، ورجحه إمام الحرمين بحصوله بالملح. وقال القاضي أبو الطيب: ولا يكفي فيه الشمس، نص عليه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي وجه يجوز، حكاه الرافعي، وبه قطع الجمهور، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وفيه وجه شاذ تحصل به. وقال القاضي خان: ولم أر للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذا نصا، والمرجع في ذلك إلى أهل الصنعة، فإن كان للتراب والرماد هذا الفعل جعل الدباغ منهما. وأما الملح فنص الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يحصل الدباغ به، وبه قطع صاحب " الشامل "، وقطع إمام الحرمين بالحصول، وفي " الحلية " قال أبو نصر: سمعت بعض أصحابنا أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إنما يطهر الإهاب بالشمس إذا علمت به عمل الدباغ، وهذا يرفع الخلاف. وفي جواز بيع الجلد بعده له قولان أصحهما وهو الجديد أنه يجوز وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي قوله القديم: لا يجوز وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ثم إن الشافعي احتج فيما ذهب إليه بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «مر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشاة ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقال: "هلا استنفعتم بإهابها" فقالوا: إنها ميتة، قال: "إنما حرم أكلها إذ ليس في الماء والقرظ ما يطهره» . رواه الدارقطني والبيهقي. وقال النووي: هذا حديث حسن، ورواه أبو داود والنسائي في " سننيهما " بمعناه عن ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «مر على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجال يجرون شاة لهم مثل الحمار فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يطهره الماء والقرظ» . ولنا ما أخرجه الدارقطني عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «استمتعوا بجلود الميتة إذا هي دبغت ترابا كان أو رمادا أو ملحا أو ما كان بعد أن يزيد صلاحه» ". وقال محمد في كتاب " الآثار ": أخبرنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن حماد عن إبراهيم قال: كل شيء يمنع الجلد من الفساد فهو دباغ، وهذا يتناول المشمس والمترب. وحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الذي احتج به الشافعي لا يقتضي الاختصاص بل المراد به ما في معناه بالإجماع، والمرجع في ذلك إلى أهل الصنعة، نص عليه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما ذكرنا. فإن قيل: في رواية حديث عائشة الذي احتج به معروف بن حسان، قال أبو حاتم: هو مجهول، وقال ابن عدي: منكر الحديث، قلت: الذي ورد في الصحيح من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به" قالوا: إنها ميتة قال: "إنما حرم أكلها» . وقوله: فدبغتموه أعلم من أن يكون الدباغ حقيقيا أو حكميا فبعموم هذا يخص حديث عائشة المذكور، ثم عندنا يجوز بيع الجلد المدبوغ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «هلا أخذتم جلدها فدبغتموه وانتفعتم به» ، البيع من وجوه الانتفاع فجاز بيعه كالذكاة وهو قول جمهور العلماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 ثم ما يطهر جلده بالدباغ يطهر بالذكاة؛ لأنها تعمل عمل الدباغ في إزالة الرطوبات النجسة، وكذلك يطهر لحمه وهو الصحيح،   [البناية] وقال الماوردي والروياني: إذا جوزنا بيعه جاز رهنه وإجارته، وإن لم يجز بيعه ففي جواز إجارته وجهان كالكلب المعلم. وقيل: تجوز إجارته قطعا، وإنما القولان في بيعه ورهنه. وأما بيعه قبل الدباغ فباطل عندنا وعند جماعة من العلماء، وحكى النووي عن أبي حنيفة جوازه كالثوب النجس، وهذا سهو منه فإن مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عدم جواز بيع جلود الميتة قبل الدباغ، ذكره في " المحيط " وفي " شرح الطحاوي ". وفي جواز أكل الجلد المدبوغ من حيوان لا يؤكل لحمه قولان للشافعي في القديم، وطائفة منهم صححوا قول الجديد. [ما يطهر جلده بالدباغ يطهر بالذكاة] م: (ثم ما يطهر جلده بالدباغ يطهر بالذكاة) ش: الحاصلة من الأهل بالتسمية، فإن ذكاة المجوسي ليست بمطهرة. وقال في " البدائع ": إلا الدم وهو الصحيح من المذهب. وروى الدارقطني عن ابن عباس «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما مر بشاة ميمونة فقال: "هلا استمتعتم بجلدها" قالوا: يا رسول الله إنها ميتة قال: "إن دباغها ذكاتها في حق الجلد» فعلمنا أن الذكاة هي الأصل في الطهارة، وأن الدباغ قائم مقامها عند عدمها، ولأن الذكاة أبلغ من الدباغ؛ لأنها أسرع للدماء والرطوبات قبل التشوب والفساد بالموت، والعادة الفاشية بين المسلمين لبس جلد الثعلب والفهد والنمور والسنجاب ونحوها في الصلاة وغيرها من غير نكير، فدل على طهارته. وفي " النهاية " وعند بعضهم: إنما يطهر جلد الحيوان بالذكاة إذا لم يكن سؤره نجسا. وذكر في " فتاوى قاضي خان " قيل: يشترط أن يكون الذكاة من أهلها في محلها وهو ما بين اللبة واللحيين، وقد سمي بحيث لو كان مأكولا ليحل أكله بتلك الذكاة. م (لأنها) ش: أي لأن الذكاة، وإنما ذكر الضمير لأن الذكاة بمعنى الذبح، وفي بعض النسخ فإنها ولا يحتاج إلى التأويل م: (تعمل عمل الدباغ في إزالة الرطوبات النجسة) ش: لأنه يمنع من اتصالها به والدباغ يزيل بعد الاتصال، ولما كان الدباغ بعد الاتصال مزيلا ومطهرا كانت الذكاة المانعة من الاتصال أولى أن يكون مطهرا م: (وكذلك يطهر لحمه) ش: أي لحم ما ذكي حتى إذا صلى ومعه من لحم الثعلب المذبوح أو نحوه أكثر من قدر الدرهم جازت صلاته م: (وهو الصحيح) ش: أي الحكم بطهارة لحمه هو الصحيح، واحترز به عما قال في " الأسرار " وغيره أنه نجس. قلت: قد اختلف أصحابنا في طهارة لحمه وشحمه، فقال الكرخي: كل حيوان يطهر جلده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 وإن لم يكن مأكولا وهو الصحيح. وشعر الميتة وعظمها طاهر.   [البناية] بالدباغ يطهر بالذكاة، فهذا يدل على أنه يطهر شحمه ولحمه وسائر أجزائه. وقال بعض المشايخ: يطهر جلده لا غير. منهم نصر بن يحيى والفقيه أبو جعفر، والأول أقرب للصواب. وقال في " المفيد ": هو الصحيح، وتظهر فائدة ذلك لو وقع في الماء هل يفسده أم لا؟ وهل يجوز له حمله إلى طيوره وكلابه ليطعمها أم لا؟ ولو صلى معه هل تجوز صلاته أم لا؟ وذكاة الآدمي كموته حتف أنفه، وذكر الناطفي إذا صلى ومعه من لحم السباع أكثر من قدر الدرهم لا تجوز صلاته، وإن كان مذبوحا، وفي " فتاوى قاضي خان ": ولو وقع في الماء أفسده. م: (وإن لم يكن مأكولا) ش: واصل بما قبله أي: وإن لم يكن الحيوان المذبوح غير مأكول، وفي " البدائع ": الذكاة تطهر المذكى بجميع أجزائه إلا الدم المسفوح م: (وهو الصحيح) ش: وفي " الكافي ": اللحم نجس في الصحيح وكلامه هنا مخالف لما ذكر في الدباغ. قال صاحب " النهاية ": قوله - وكذلك يطهر لحمه - في هذه الرواية نوع ضعف لما أن حرمة أكل اللحم فيما سوى الآدمي ولم يتعلق به حق العباد دليل النجاسة، ولزمهم طهارة الجلد لاتصال اللحم به. وأجابوا بأن بين الجلد واللحم جلدة تمنع مماسة اللحم الجلد الغليظ فلا ينجس، وبه أخذ المحققون من أصحابنا منهم الناطفي وشيخ الإسلام خواهر زاده وقاضي خان. وفي " الخلاصة ": هو المختار وفيه نظر؛ لأنها متوهمة وعلى تقدير تحقيقها فإما أن تكون طاهرة أو تكون نجسة، فإن كانت متصلة باللحم فليس يتصور أن تكون طاهرة واللحم نجس فيكون نجسا، والجلد الغليظ متصل به أيضا؛ لأنه لا يجيء عند السلخ بين الجلد واللحم أمر ثالث فلا تكون طاهرا، لكن الفرض أنه طاهر، وإن كانت متصلة بالجلد فليس يتصور أن تكون نجسة والجلد طاهر فتكون طاهرة واللحم متصل به اتصالا فكيف يكون نجسا، وهذا هو الذي حمل المصنف على تصحيح رواية تطهير اللحم وبه قال مالك. وفي " القنية ": قال الكرابيسي والقاضي عبد الجبار: مجوسي ذبح حمارا قيل: لا يطهر والصحيح أنه يطهر ولو ذبحه مسلم ولم يسم قال أبو حاتم الشهيد: لا يطهر. [الأعيان الطاهرة] [شعر الميتة وعظمها طاهر] م: (وشعر الميتة وعظمها طاهر) ش: وكذا جميع أجزاء الميتة التي لا دم فيها إن كانت صلبة كالقرن والسن والظلف والحافر والخف والوبر والصوف والعصب في رواية، وفي رواية: نجس، والريش والأنفخة الصلبية والأجنحة الصلبية، وأما المائعة واللبن فكذلك عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما نجس. وذهب عبد العزيز والحسن البصري ومالك وأحمد وإسحاق، والمزني، وابن المنذر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إلى أن الشعر والصوف والوبر والريش طاهرة لا تتنجس بالموت كمذهبنا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] والعظم والقرن والظلف والسن نجسة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الكل نجس إلا الشعر فإنه فيه خلافا ضعيفا، وفي العظم أضعف منه، قال القاضي أبو الطيب وآخرون: الشعر والصوف والوبر والعظم والقرن والظلف تحلها الحياة وتنجس بالموت هذا هو المذهب وهو الذي رواه البويطي والربيع المرادي وحرملة، وروى المزني عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه رجع عن تنجيس شعر الآدمي. قال النووي: أما شعر الآدمي فقيه قولان: أشهرهما عنه أنه نجس، والثاني: وهو المنصوص في "الجديد" أنه طاهر، واتفق الأصحاب أن المذهب أن شعر الآدمي وصوفه ووبره وريشه نجس بالموت. واختلفوا في الراجح في شعر الآدمي فالذي صححه الجمهور من العراقيين نجاسته، والذي صححه جميع الخراسانيين أو جماهيرهم طهارته، فهذا هو الصحيح، فقد صح عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - رجوعه عن نجس شعر الآدمي، وأما شعر النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -[ ...... ] إساءة الأدب والجرأة في الإقدام بهذا الذكر الشنيع في حق هذا الجناب الرفيع، وفي اعتقادي أن مثل هذا كاد يكون كفرا، وأنا كنت أنزه نفسي عن إيراد هذه القضية السخيفة في هذه المواضع، ولكني ذكرته ليقف عليه من لم يخطر علمه به، ويعلم أن المذهب الحق منه هو الدين الحنفي، والذي رسخت في قلوبهم قواعد الدين إجلال قدر هذا النبي الكريم حكموا بطهارة فضلات النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكيف بشعره الطاهر المطهر، فنسأل الله البعد عن الزيغ والضلال. واحتج الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما ذهب إليه بقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] (الأنعام: الآية 145) وهو عام للشعر وغيره، فإن الميتة اسم لما فارقه الروح بجميع أجزائه. ولهذا لو حلف لا يمس ميتة فمس شعرها حنث، وبقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أبين من الحي فهو ميت» . والجواب عن الآية أن الميتة عبارة عما فارقه الحياة بلا ذكاة، والشعر ونحوه لا حياة لها بدليل عدم الألم بالقطع، فكيف يتصور أن يكون ميتة. ويقال أيضا: لم لا يجوز أن يكون المراد في الآية حرمة الأكل، فلا نسلم حرمة الانتفاع؟ والجواب عن الحديث أنه ليس على عمومه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80] (النحل: الآية 80) ، وهذا امتنان عام، وذلك لا يكون بالنجس، ولما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] روي عن ابن عباس أنه قال: إنما حرم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الميتة لحمها، فأما الجلد والشعر والصوف فلا بأس به، رواه الدارقطني. ولما روي عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - زوجة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ ولا بأس بصوفها وشعرها وقرونها إذا غسل بالماء» رواه الدارقطني أيضا. فإن قلت: في إسناد الحديث الأول عبد الجبار بن مسلم قال الدارقطني: ضعيف، وفي الحديث الثاني يوسف بن أبي لهيعة، قال الدارقطني: هو متروك. قلت: ابن حبان ذكر عبد الجبار المذكور في " الثقات "، وأما يوسف فإنه لا يؤثر فيه بالضعف إلا بعد بيان جهته والجرح المبهم غير مقبول عند الحذاق من الأصوليين وهو كان كاتب الأوزاعي، ومما يؤكد ما قلنا أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ناول أبا طلحة شعره فقسمه بين الناس وهو حديث متفق عليه، وهذا يدل على طهارة الشعر المبان. قالوا: على القول بالنجاسة إنما قسم الشعر للتبرك وقد يكون بالنجس، وهذه التكلفات البعيدة مما يؤدي إلى ارتكاب الإثم الكبير والخطأ العظيم الذي ليس وراءه إلا الباطل المحض، وقالوا أيضا: إن الذي أخذه كل واحد كان يسيرا معفوا عنه. قلنا: هذا أفحش من الأول؛ لأن فيه إشارة إلى الحكم بالتنجيس على ما لا يخفى، ونحن أيضا نحتج في طهارة عظم الميتة بحديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امتشط بمشط من عاج» . أخرجه البيهقي في " سننه " ثم قال: رواية بقية عن شيوخه المجهولين ضعيفة. قلت: لا نسلم أن بقية رواه عن مجهولين، فإن رواه عن عمرو بن خالد عن قتادة عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ونحتج أيضا بما رواه أبو داود في " سننه " بإسناده عن حميد الشيباني عن سليمان بن المنبهي عن ثوبان مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال له: «اشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج» . وأخرجه أيضا الطبراني في "مسنده " وابن عدي في " كامله " ومحمد بن هارون في " مسنده ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: قال ابن الجوزي: حميد سليمان مجهولان، وقال في " التنقيح " وحميد الشامي ذكره ابن عدي، وقال: إنما عليه هذا الحديث ولا أعلم له غيره. قلت: روي عن حميد سالم المرادي وصالح بن صالح بن حميد وغيلان بن جامع ومحمد بن جحادة فانتفت جهالته، وأما سليمان فإن ابن حبان ذكره في " الثقات ". ونحتج أيضا بما رواه أبو بكر الهذلي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: سمعت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: «كل شيء من الميتة حلال إلا ما أكل منها» ، فأما الجلد والشعر والوبر والصوف والعظم والسن فكل هذا حلال؛ لأنه لا يذكى أخرجه الدارقطني ثم قال: الهذلي ضعيف. قلت: ذكر في " الإمام " أن غير الهذلي أيضا رواه، فإن قلت: روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ادفنوا الأظلاف والدم والشعر فإنه ميتة» . قلت: هذا رواه البيهقي من جهة ابن أبي رواد وقال: هذا إسناد ضعيف. ثم اعلم أن العاج جمع عاجة. قال الجوهري: العاج عظم الفيل، وكذا قال في " العباب "، ثم قال: والعاج أيضا الذبل وهو ظهر السلحفاة البحرية. قال الأزهري: لم يرو في حديث ثوبان العاج ما يخرط من أنياب الفيلة ولأن أنيابها ميتة، وإنما العاج الذبل. وقال في " العباب ": الذبل ظهر السلحفاة البحرية يتخذ منه السوار والخاتم وغيرهما، قال جرير بن قيس الحوالي: حوتا بكسرها لها مسكا ... من غير عاج ولا ذبل, فهذا يدل على أن العاج غير الذبل، وكذا قال الجوهري: المسك؛ السوار من عاج أو ذبل والواحدة مسكة فدل على أن العاج غير الذبل. وكذا قال الجوهري المسك: السوار من عاج أو ذبل والواحدة مسكة فدل على أن العاج غير الذبل. وقال الخطابي: العاج الذبل وهو خطأ. وفي " المحكم ": والعاج أنياب الفيلة، ولا يسمى غير الناب عاجا. وحكى الأزهري عن النضر بن شميل: المسك من الذبل ومن العاج كهيئة السوار تجعله المرأة في يديها، وقال: والذبل القرون فإذا كان من عاج فهو مسك لا غير. قلت: الذبل بفتح الذال المعجمة وسكون الباء الموحدة، والمسك بفتح الميم والسين المهملة. م: (وقال الشافعي: نجس لأنه من أجزاء الميتة) ش: أي لأن كل واحد من الشعر والعظم من أجزاء الميتة، والميتة نجسة بجميع أجزائها ولو جز شعر أو صوف أو وبر من مأكول اللحم في حال حياته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نجس لأنه من أجزاء الميتة، ولنا أنه لا حياة فيهما، ولهذا لا يتألم بقطعهما فلا يحلهما الموت   [البناية] قال إمام الحرمين: القياس نجاسته، لكن الإجماع على طهارته، وإن كان نحر مجوسي وإن الفضل ذلك ينتف بنفسه فهو نجس على وجه، ولا يطهر إلا المجزور وفي وجه: إن سقط بنفسه فطاهر وإن نتف فنجس. م: (ولنا أنه لا حياة فيهما) ش: الضمير في أنه ضمير الشأن، وفي فيهما يرجع إلى أجزاء الميتة م: (ولهذا لا يتألم بقطعهما) ش: أي ولأجل عدم الحياة في أجزاء الميتة لا يتألم الحيوان بقطع هذه الأجزاء، ألا ترى أنه إذا قص ظلفه أو حافره أو نشر قرنه لا يؤثر لا يؤثر فيه م: (فلا يحلهما الموت) ش: هذا حجة المدعي وأصل القضية يرجع إلى قولنا: هذا الشيء لا حياة فيه؛ لأنه لا يتألم بقطعه، وكل ما لا يتألم بقطعه لا حياة فيه، فهذا الشيء لا حياة فيه، وأما كونه طاهرا أو غير طاهر على الاختلاف، فهو حكم يترتب عليه. وفي " المبسوط ": هذا الاختلاف بناء على أن لا حياة للشعر والعظم عندنا. وقال الشافعي: فيهما حياة، وقال مالك: في العظم حياة دون الشعر، وعن مالك: إذا ذكي الفيل فعظمه طاهر، وأورد بأن الحيوان يتألم بكسر العظم فيكون فيه الحياة، وأجيب بأن تألمه بذلك للاتصال باللحم. فإن قيل: قال الله تعالى: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] (يس: الآية 78) يدل على حصول الحياة فيها. وأجيب بأن هذا مثل قَوْله تَعَالَى: {يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: 50] فلا يدل على سبق الحياة فيها، والمراد به أصحاب العظام بإنبات اللحم عليها وفطرتها وإعادة الأرواح إلى الأجساد، فلا يدل على حقيقة حياة العظم. وقال صاحب " الكشاف ": يردها غضة رطبة في بدن حساس أو يكون إحياؤها في الآخرة، فعليه يجعل الحياة في نفس العظم وأحوال الآخرة لا تضاهي أحوال الدنيا. فإن قلت: نفس هذه الأجزاء ميتة فتكون نجسة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] (المائدة: الآية 3) ، قلت: الميتة عبارة عما فارقته الحياة بلا ذكاة، وهذا الأشياء لا حياة فيها لما بينا، والمراد من الآية حرمة الأكل، فلا يلزم من ذلك حرمة الانتفاع، والدليل عليه حديث ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - المذكور فيما مضى. فإن قلت: في هذه الأشياء رطوبة، قلت: نحن نقول بنجاستها، فإذا غسلت وأزيل عنها الدم المتصل والرطوبة النجسة طهرت. فإن قلت: الشعرة تنمو بنماء الأصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: هذا النماء لا يدل على الحياة الحقيقية كما في النبات والشجر، قولك: ينمو بنماء الأصل غير مسلم؛ لأنه قد ينمو مع نقصان الأصل، كما إذا ذهل الحيوان بسبب مرض وطال شعره، وفي " النهاية " وبين الناس كلام في السن أنه عظم أو طرف عصب يابس، فإن العظم لا يحدث في البدن بعد الولادة، وتأويل قَوْله تَعَالَى: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ} [يس: 78] (يس: الآية 78) النفوس. وفي العصب روايتان في إحداهما فيه حياة لما فيه من الحركة، وينجس بالموت، ألا ترى أنه يتألم الحي بقطعه بخلاف العظم. انتهي. فإن قلت: إذا طحن سن الآدمي مع الحنطة لا يؤكل. قلت: ذلك لحرمة الآدمي لا لنجاسته. وفي " فتاوى قاضي خان ": إذا صلى وفي عنقه قلادة فيها سن كلب أو ذئب تجوز صلاته. ولو صلى ومعه جلد حية أكثر من قدر الدرهم لا تجوز صلاته وإن كانت مذبوحة لأن جلدها لا يحتمل الدباغ، فلا تقوم الذكاة مقام الدباغ. وأما قميص الحية ففيه اختلاف المشايخ، قيل: إنه نجس، وقيل: إنه طاهر، ذكره الحلوائي، وأشار إلى أن الصحيح أنه طاهر، فإن عين الحية طاهر حتى لو صلى ومعه حية غير ميتة يجوز، فإذا كان عينها طاهرا كان قميصها طاهرا. ولو صلى ومعه لحم آدمي مذبوح أكثر من قدر الدرهم جازت صلاته بخلاف الثعلب؛ لأن ما كان سؤرها نجسا لا يطهر لحمه بالذكاة، وما كان طاهرا يطهر، ولو خرجت البيضة من الدجاجة الحية فوقعت في الماء، قيل: إن كانت يابسة لا يفسد الماء مطلقا ما لم يعلم أن عليها قذرا؛ لأن رطوبة المخرج ليست بنجسة. فلهذا قالوا بأن مجرى البول طاهر حتى يطهر موضع المني بالفرك. وفي " الذخيرة ": أسنان الكلب طاهرة إذا كانت يابسة، ولو صلى معها جازت صلاته، وأسنان الإنسان نجسة إذا سقطت ولو صلى معها لا تجوز. وحكى الفقيه أبو جعفر عن بعض المتقدمين من أصحابنا أن من أثبت مكان أسنانه أسنان كلب تجوز صلاته، وأسنان الآدمي لا تجوز صلاته، وهذا غريب، والفرق أن الكلب تقع عليه الذكاة فعظمه طاهر، بخلاف الآدمي والخنزير، عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - سن الإنسان طاهر في حق نفسه نجس في حق غيره حتى لو أثبتها في مكانها جازت صلاته، ولو أثبت سن غيره لا يجوز، ولو جر السن تنجس لم يجز كمن أثبته ونزعه؛ لأنه صار باطنا خلفة وسقط حكم نجاسته. ودم الشهيد ما دام عليه فهو طاهر تجوز الصلاة عليه معه، فإذا زال صار نجسا. وماء فم الميت قيل: نجس، وماء فم النائم: طاهر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وعليه الفتوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 إذ الموت زوال الحياة، وشعر الإنسان وعظمه طاهر. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نحبس لأنه لا ينتفع به، ولا يجوز بيعه، ولنا أن عدم الانتفاع به والبيع لكرامته، فلا يدل على نجاسته، والله أعلم.   [البناية] ونافجة المسلك إن كانت بحال لو أصابها الماء لم يفسد فهي طاهرة، والأصح أنها طاهرة بكل حال ذكرها في " الذخيرة "، هذا إذا كانت من الميتة ومن المذكاة طاهرة. ومرارة كل شيء كبوله، ولحم السباع لا يطهر بالذكاة؛ لأن سؤرها نجس هو الصحيح، بخلاف البازي ونحوه لطهارة سؤره، ذكر هذه كلها ظهير الدين المرغيناني. م: (إذ الموت زوال الحياة) ش: كلمة "إذ" للتعليل، وهذه إشارة إلى أن بين الحياة والموت تقابل العدم والملكة. وقال السغناقي: قال شيخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا تعريف بلازم المسمى لا بنفس المسمى، بل الموت أمر وجودي يلزم منه زوال الحياة، قل تعالى: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2] (الملك: الآية 2) وما يدخل تحت الخلق فهو أمر وجودي، وقيل: الموت معنى تزول به الحياة، وقيل: فساد بنية الحيوان. وقيل: عرض لا يصح معه إحساس معاقب للحياة. قال تاج الشريعة: قوله: إذ الموت زوال الحياة - هذا طريق مجازاة الموت حقيقة حاله يلزم منها زوال الحياة؛ لأنه أمر وجودي قال الله تعالى: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2] (الملك: الآية 2) . فإن قلت: الموت صفة وجودية بما ذكرنا والمخلوق لا يكون عدما. قلت: المراد بالخلق التقدير والعدم مقدر. [شعر الإنسان وعظمه] م: (وشعر الإنسان وعظمه طاهر) ش: كان يقتضي التركيب أن يقال: طاهران، ولكن التقدير وشعر الإنسان طاهر وعظمه طاهر. وعن محمد في نجاسة شعر الآدمي روايتان بنجاسته أخذ إمام الهدى أبو منصور الماتريدي وبطهارته أخذ الفقيه أبو جعفر والصفار واعتمدها الكرخي في كتابه وهو الصحيح، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد مضى الكلام فيه مفصلا. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - نجس لأنه لا ينتفع به ولا يجوز بيعه) ش: وروى المزني عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه رجع عن تنجيس شعر الآدمي. وفي " الحلية " شعر الإنسان طاهر إذا قلنا: إنه لا ينجس بالموت في أصح القولين، وإن قلنا: إنه ينجس به لا. م: (ولنا أن عدم الانتفاع به والبيع لكرامته) ش: أي لأجل كرامته؛ لأن الآدمي مكرم بالنص والضمير في به يرجع إلى الشعر، وفي كرامته يجوز أن يرجع إلى الشعر أيضا، ولكونه مكرما بكرامة صاحبه، ويجوز أن يرجع إلى الإنسان وهو الظاهر. م: (فلا يدل على نجاسته) ش: أي الفاء للنتيجة أي حرمة الانتفاع به إذا كانت لأجل كونه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] مكرما فلا تدل على نجاسته، وكذا البيع، ولأن فيه ضرورة وبلوى، فإنه متى حلق الرأس أو مشط اللحية لا بد من أن يتناثر على بعض شعوره فيلتصق به، فلو منع ذلك جواز الصلاة لضاق الأمر على الناس. والدليل على أن فيه ضرورة وبلوى ما حكي أن ضيفا نزل على الشافعي فدفع له [ ...... ] يشتري له الباقلاء الرطبة، فاشترى ثم حلق رأسه، ثم قام يصلي، فقال له الضيف: أليس هذا على مذهبك لا يجوز؟ فقال: نعم، لكن إذا اضطررنا في شيء انحططنا إلى قول العراقيين فثبت أن فيه ضرورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 فصل في البئر وإذا وقعت في البئر نجاسة   [البناية] [فصل في البئر] [حكم وقوع النجاسة في البئر] م: (فصل في البئر) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام ماء البئر، ولما كان أحكام مياه الآبار داخلة في باب الماء الذي يجوز به الوضوء ذكرها فيه، ولكن لما كان في هذا الفصل أحكام كثيرة تخالف أحكام ما ذكر في الباب ذكرها بفصل على حدة، فلذلك أفرد أحكام الآبار وغيرها أيضا فذكرها بفصل على حدة. وقد تكلف الشارحون في هذا الموضع وذكروا أشياء بلا فائدة زائدة. فقال السغناقي: لما ذكر حكم الماء بأنه يتنجس كله عند وقوع النجاسة فيه حتى يراق كله، ورد عليه حكم ماء البئر نقضا أنه لا ينزح كله في بعض الصور، استدعى هو ذكر ماء البئر على حدة مرتبا عليه، لأن كونه من الماء القليل يقتضي أن يكون متصلا به من غير فصل، لكن يخالفه في الحكم، ففصله بفصل على حدة رعاية للمعنى، وتبعه صاحب " الدراية "، وساق ما ذكره بعينه، ثم ذكر الأكمل كذلك، وهذا كله لا طائل تحته، وتشويش على المحصلين بزيادة كلام لا يتعلق بالمسائل المذكورة في هذا الباب. على أنا نقول: ما كان ينبغي أن يذكروا فيه المناسبة بين هذا الفصل وبين المسألة التي ذكرت قبلها مسألة شعر الميت وعظمها، وشعر الآدمي وعظمه، وبين هذا الفصل وبين مسألة الماء القليل مسافة بعيدة فيها مسائل كثيرة، فمن هذا عرفت أن الصواب ما ذكرناه. م: (وإذا وقعت في البئر نجاسة) ش: الكلام أولا في التركيب ومعاني ألفاظه، فنقول: الواو فيه تسمى واو الاستفتاح يستفتح بها كلام مبتدأ، وسمعته من مشايخي الأثبات؛ منهم الشيخ العلامة حسام الدين صنف البخاري وغيره، ومع هذا لا يخرج هاهنا عن كونها عاطفة على ما قبلها، ويكون ذكر الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بمعنى الذي ذكرناه مثل الجملة المعترضة، ومعنى الوقوع السقوط، والبئر يجمع في القلة على أبؤر وأبأر بهمزة بعد الباء، ومن العرب من يقلب الهمزة فيقول: آبار فإذا كثرت فهي البئار وقد بارت بئرا، والبؤرة الحفرة. وقال أبو زيد: بارت آبارا حفرت بؤرة يطبخ فيها وهي الأرض، والبئيرة على وزن فعيلة وخبره قوله م: (نزحت) ش: من نزح البئر نزحا وهو استقاء مائها، يقال: نزحت البئر ونزحتها لازم ومتعد، وفي الحديث نزل الحديبية وهي بئر نزح بالتحريك، يعني أخذ ماؤها وإذا أخذ ماء البئر يقال: بئر نزوح. وقال الأترازي: قال الشارحون: أي نزحت البئر إطلاقا لاسم المحل على الحال، وقالوا: لأن نزح النجاسة لا يتم الجواب. أقول هذا تكلف ناشئ عن عدم البصر؛ لأن قوله: نزحت ليس بجواب وحده بل الجواب هو وما بعده من قوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 نزحت وكان نزح ما فيها من الماء طهارة لها   [البناية] م: وكان نزح ما فيها من الماء طهارة لها) ش: لأن قوله: وكان عطف على قوله: نزحت أي نزحت النجاسة وكان. . إلخ، فيكون بمعنى ما قالوا من التأويل بعد التكلف بعد هو ما قاله المصنف تصريحا؛ لأنهم قالوا: نزحت أي البئر أي ما فيها من النجاسة والماء، وبقي قوله - وكان ما فيها من الماء زائدا - فما أحسن قول من قال: في حقهم، رأى الأمر يقتضي إلخ. قصر آخره أولا. وقال الأكمل: بل نزحت أي ماؤها بحذف المضاف بعدم الالتباس كما أن نزح العين غير ممكن، ونزح النجاسة لا يتم جواب المسألة فتعين ما قلنا، والتأنيث اعتبار للإسناد الظاهري؛ لأن قوله: وكان نزح ما فيها دليل على ما قلنا، فكان هذا من قبيل إطلاق اسم المحل على الحال كقولهم جرى النهر. قلت: هذا بعينه كلام السغناقي، وأشار إليه بقوله: قيل والقائل هو السغناقي قال الأكمل: وفيه نظر لأنه حينئذ لم يمكن لإخراج النجاسة ذكر ولا تطهر البئر إلا بإخراجها، وعن هذا ذهب بعض الشارحين إلى أن ضمير نزحت النجاسة وجواب إذا هو المجموع من قوله: نزحت إلى قوله: طهارة لها، ويكون تقديره نزحت النجاسة. فكان نزح ما فيها من الماء طهارة لها. يقول: أراد الأترازي بقوله: أراد الشارحون - السغناقي والكاكي وغيرهما، ثم قوله -: هذا تكلف ناشئ عن عدم التبصر إلخ - وهو بعينه عدم التبصر، بيان ذلك أن قوله: "نزحت" ليس بجواب وحده، بل الجواب هو وما بعده. . . إلخ. ليس كذلك بل الجواب هو قوله: نزحت، والضمير في نزحت لا يرجع إلى قوله نجاسة بل يرجع إلى البئر، والتقدير نزح ماء البئر من قبيل جرى النهر، وسال الميزاب ونزح ما فيها إفراغه عنها، فإذا خرج جميع ما فيها من الماء يخرج معه النجاسة بالضرورة. وقوله: وبقي: قوله "وكان نزح ما فيها من الماء زائدا" غير صادر عن تبصر، لأن قول المصنف - فكان نزح ما فيها. . إلخ لبيان أنه لا يحتاج إلى غسل حيطانها، وإخراج ما فيها من التراب والأحجار. ثم قول الأكمل: وفيه نظر غير سديد؛ لأن المراد من إسناد الترح إلى البئر إفراغ ما فيها، وما فيها يشمل الماء والنجاسة. وقوله: ذهب بعض الشارحين، أراد به الأترازي؛ لأنه جعل الضمير في نزحت للنجاسة، وقوله: (والتركيب والجواب ... إلخ) محصل ما ذكرت وقررته، غير أن قوله: - والتقدير أن يقال: نزحت النجاسة والماء - ليس مقتضى التركيب، ومقتضاه ما قلنا، وكان نزح ما فيها من الماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 بإجماع السلف   [البناية] طهارة لها إشارة بهذا إلى أن البئر تطهر بمجرد النزح من غير توقف على غسل الحيطان ونقل الأوحال، وقد علمت أن هذا الكلام مستقل بذاته بهذا المعنى من غير اشتراك بما قبله في المعنى. م: (بإجماع السلف) ش: أراد بهم الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولم أر أحدا من الشراح مع كثرتهم ودعوى بعضهم التحقيق في هذا الكتاب تعرض إلى متعلق الباء في قوله: بإجماع السلف، وهي متعلقة بقوله: (طهارة لها) ، أي للبئر، والمعنى أن طهارة البئر التي وقعت فيها النجاسة نزح ما فيها ثبت بإجماع السلف. فإن قلت: كيف إجماع السلف في هذا؟ قلت: الإجماع من الصحابة في هذا هو أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أمر بنزح جميع ماء بئر زمزم حين وقع فيه زنجي، وكان ذلك في خلافة عبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلم ينكر عبد الله بن الزبير ولا أحد من الصحابة في ذلك الزمان على ابن عباس، فوقع الإجماع منهم على طهارة البئر بالنزح، وكذلك روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في هذا الباب على ما نذكره إن شاء الله تعالى. وأما الإجماع من التابعين فقد روي في هذا الباب عن الشعبي وإبراهيم النخعي وعطاء والزهري والحسن البصرى وغيرهم، ولم ينقل عن أحد منهم خلافه فصار إجماعا، وسأذكر ذلك مفصلا عن قريب إن شاء الله تعالى. وسقط قول السروجي في شرحه وقوله: بإجماع السلف وفيه نظر، وبعض من لا خبرة له من أصحاب الشافعي طعن في هذا الموضع، وقال: ما أكيس دلو أبي حنيفة حيث ميز الماء النجس من الطاهر، وهذا في الحقيقة تشنيع على الصحابة والتابعين حيث أجمعوا على طهارة البئر بالنزح فيقال لهم: ما أكيس قرعته حيث ميزت بين الحر والرقيق، وكذلك في تعارض البنيان تميز الحق من الباطل بالقرعة، وقرعتهم هذه أكيس من دلونا. وفي " المبسوط " هم قالوا بالرأي ما هو أشد من هذا، فقالوا في بئر فيها قلتان، أي ماتت فيه فأرة فنزحت منها دلو، فإن حصلت الفأرة في الدلو فالماء الذي في الدلو نجس، والذي يبقى في البئر طاهر، وإن بقيت الفأرة في البئر فالدلو طاهر وما بقي في البئر نجس، ودلوهم هذا أكيس من دلونا. وقال الأترازي: فيا للدلو أيدته الشافعية كيف طهرت ظاهرها من مرة دون باطنها وعكست أخرى، وكيف طهرت البئر تارة ونجستها أخرى، وكيف وردت الجواب بقياسها على المشنعين علينا؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 ومسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار دون القياس، فإن وقعت فيها بعرة أو بعرتان من بعر الإبل أو الغنم لم يفسد الماء   [البناية] م: (ومسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار دون القياس) ش: لأن القياس أحد الأمرين، إما أن لا يطهر البئر طهارة ينتفع بها لاختلاط النجاسة بما فيها من الأوحال والحجارة والجدران ولا يمكن غسلها، وهو قول بشر المريسي، وإما أن لا ينجس أبدا كالماء الجاري إذا نبع الماء من أسفله وكحوض الحمام إذا سقط من جانب ويؤخذ من جانب آخر لم ينجس بإدخال يد جنب فيه، ولهذا نقل عن محمد أنه قال: اجتمع رأيي ورأي أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ماء البئر في حكم الجاري، إلا أنا تركنا القياس واتبعنا الآثار. ففي " مصنف عبد الرزاق " عن معمر قال: سألت الزهري عن فأرة وقعت في البئر، فقال: إن أخرجت مكانها فلا بأس، وإن ماتت فيها نزحت، رواه عبد الرزاق عن معمر، قال: أخبرني من سمع الحسن يقول: إذا ماتت الدابة في البئر أخذ منها، وإن نفخت فيها نزحت أربعون دلوا. وفي " مصنف ابن أبي شيبة " قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا عبد الله بن شبرمة عن الشعبي في دجاجة ماتت في بئر قال: تعاد منها الصلاة وتغسل الثياب. وقال ابن المنذر في " الأشراف " في الإنسان يموت في البئر تنزح كلها. وذكر أبو عبيد أن هذا قول الثوري وأصحاب الرأي. وقال الأوزاعي في ماء معين وجد فيه ميتة لم تغير الماء، قال: تنزح منها الدلاء، وإن غيرت ريح الماء وطعمها نزح بصفوف يطيب، وكذلك قال الليث بن سعد، وقال ابن القاسم عن مالك في الفأرة والوزغة يستقى حتى يطيب. وروى قتيبة بن سعيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبو مصعب عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الفأرة والوزغة تموت في البئر قال: تنزف كلها، ذكره في " العارضة "، وذكر في " البدائع " " والمحيط " و" قاضي خان " أنه «روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أمر في الفأرة تموت في البئر أن ينزح منها عشرون دلوا أو ثلاثون» . وفي " المبسوط " عن أنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثله. وقال السغناقي: رواه أبو علي الحافظ السمرقندي بإسناده. قلت: لم يثبت شيء من ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (فإن وقعت فيها بعرة أو بعرتان من بعر الإبل أو الغنم لم يفسد الماء) ش: أشار بالفاء التفسيرية إلى ما يجب نزحه من الماء بحيث ما يقع فيها النجاسة وما لا يجب، والبعر بسكون العين وفتحها، وعند الكوفيين فتح عين الكلمة إذا كانت حرف حلق قياسي، وعند البصريين سماعي فإنه لم ينقل في وعد، وعدو البعر للإبل والغنم، وهو يشمل الضأن والمعز، والروث للفرس والحمار، من راث الفرس من باب نصر، والخثي بكسر الخاء للبقر من خثي خثيا من باب ضرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 استحسانا والقياس أن تفسده لوقوع النجاسة في الماء القليل، وجه الاستحسان أن آبار الفلوات ليست لها رؤوس حاجزة، والمواشي تبعر حولها فتلقيها الريح فيها،   [البناية] م (استحسانا) ش: أي من حيث الاستحسان، أو التقدير استحسن ذلك استحسانا، فعلى الأول تمييز وعلى الثاني مفعول مطلق. م: (والقياس أن تفسده) ش: أي أن تفسد الماء م: (لوقوع النجاسة في الماء القليل) ش: فصار كالوعاء إذا وقعت فيه بعرة أو بعرتان فإنها تنجس لعدم الضرورة وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الإناء كالبئر في حق البعرة والبعرتين، وكذا الحوض الصغير، لإمكان صون الماء عنها فإن كانت النجاسة جامدة، وما وقع فيها جامد كالسمن ونحوه رميت النجاسة وما حولها وأكل الباقي، لما روى البخاري عن ميمونة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه سئل عن فأرة سقطت في سمن، قال: "إن كان جامدا فألقوها وما حولها وكلوا"، وإن وقعت في المائع نجسته» لحديث أبي هريرة قال: «سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الفأرة في السمن، فقال: "إن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعا فلا تقربوه» . رواه أبو داود وأحمد. ويجوز استعماله في دباغ الجلد، ودهن الدواب، والسفن، والاستصباح، ويجوز بيعه، ويجب عليه البيان، وروي «فانتفعوا به» . وقال البخاري: رواية أبي داود " "وإن كان مائعا فلا تقربوه"، خطأ، والصحيح الأول، يعني روايته، وذكر في " التوشيح " وفي الشاة تبعر في اللبن بعرة أو بعرتين، قال: ترمى البعرة ويشرب اللبن، روي ذلك عن خلف بن أيوب، ونصر بن يحيى، ومحمد بن مقاتل الرازي لمكان الضرورة، فإن الغنم لا تحلب من غير أن تبعر عند الحلب، وهو يحكى عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (وجه الاستحسان أن آبار الفلوات) ش: جمع فلاة وهي المفازة، ويجمع على فلاة أيضا، وأصل فلاة فلوة قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، والجمع يرد الشيء إلى أصله، م: (ليست لها رؤوس حاجزة) ش: أي مانعة وقوع النجاسة من حجزه يحجزه حجزا إذا منعه، فالحجز وهو من باب نصر ينصر. م: (والمواشي) ش: جمع ماشية وهي اسم يقع على الإبل والبقر والغنم، وأكثر ما يستعمل في الغنم م: (تبعر حولها) ش: أي حول الآبار خصوصا وقت إيرادها للسقي، وتبعر من باب بعر البعير والشاة بفتح العين وسكونها، وهو من باب منع يمنع م: (فتلقيها الريح فيها) ش: أي تلقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 فجعل القليل عفوا للضرورة، ولا ضرورة في الكثير وهو ما يستكثره الناظر إليه في المروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعليه الاعتماد. ولا فرق بين الرطب واليابس، والصحيح والمنكسر،   [البناية] الريح البعرات حول الآبار. م: (فجعل القليل عفوا للضرورة) ش: أي فإذا كان كذلك جعل القليل من البعر عفوا لأجل الضرورة، فلو أفسده القليل أدى إلى الحرج {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] (الحج: الآية 78) ، وهو الذي ذكره هو أحد وجهي الاستحسان. قال في " المبسوط " و" المفيد ": للاستحسان وجهان أحدهما: أن في القليل ضرورة، ووجها ما ذكره المصنف. والوجه الثاني: لم يذكره المصنف وهو أن البعر شيء صلب وعلى ظاهرها رطوبة في الأمعاء كالغلاف له، وفيها لزوجة تمنع دخول الماء في أثنائه. م: (ولا ضرورة في الكثير) ش: من البعر م: (وهو) ش: أي الكثير م: (ما يستكثره الناظر إليه) ش: بأن يقول هذا كثير م: (في المروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي في الذي روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فإن قلت: الجار والمجرور بماذا متعلق، وما محلهما من الإعراب؟ قلت: تعلقهما بمحذوف تقديره الكثير هو الذي يستكثره الناظر المعتمد عليه في المروي عن أبي حنيفة، دل عليه قوله م: (وعليه الاعتماد) ش: أي هذا المروي العمدة في هذا الباب، إنما قال ذلك لأن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقدر شيئا بالرأي في مثل هذه المسائل التي يحتاج إلى التقدير، ولما كان هذا موافقا لمذهبه قال: وعليه الاعتماد، ولهذا قال في " البدائع " و" قاضي خان ": هو الصحيح، وأما محلهما من الإعراب فالنصب على الحال وذو الحال هو المقدر الذي ذكرناه. وقيل: الكثير أن يغطي ربع وجه الماء. وقيل: أن لا يخلو دلو عن بعرة، وقال في " المبسوط ": هو الصحيح. وقيل: أن يأخذ جميع وجه الماء فدل على أن الثلاث يفسده، وهذا فاسد لأنه ذكر في الكتاب: إن وقعت فيها بعرة أو بعرتان لا يفسد الماء حتى يفحش، والثلاث ليس بفاحش هكذا ذكره في " المبسوط " و" المحيط " و" المفيد ". وقال الأسبيجابي في " شرح مختصر الطحاوي ": والأول أظهر؛ لأن محمدا جعل الرجعة في البعرة والبعرتين لا غير، وجعل الرطب واليابس المنكسر نجسا وإن قل، وروى الحسن أن اليابس لا ينجس للضرورة. م: (ولا فرق) ش: في هذا الحكم م: (بين الرطب واليابس والصحيح والمنكسر) ش: هذا على الوجه الذي ذكره المصنف من وجهي الاستحسان. وأما على الوجه الثاني: فإنه يفرق بين الرطب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 والروث والخثي والبعر؛ لأن الضرورة تشمل الكل، وفي شاة تبعر في المحلب بعرة أو بعرتين، قالوا: ترمى البعرة ويشرب اللبن لمكان الضرورة، ولا يعفى القليل   [البناية] واليابس والصحيح والمنكسر م: (والروث والخثي والبعر) ش: فجعل الرطب نجسا لوجهين: أنه ثقيل يلتصق بالأرض فلا يرفعه الريح فلا ضرورة فيه، يروى ذلك عن أبي حنيفة. والثاني: أن رطوبة الأمعاء لم تنصب عليه لعدم يبسه ذكره في " النوازل " والحاكم في " الإشارات "، والمنكسر ينجسه لدخول الماء باطنه بخلاف الصحيح. قلنا: الضرورة في المنكسر أشد لخفته. وعن أبي يوسف: الروث اليابس إذا خرج من ساعته لا ينجس، والرطبة ينجسه. وفي " المحيط ": السرقين والروث قليله وكثيره رطبه ويابسه سواء؛ لأنه يتشقق فينتشر في الماء، وكان قليله كالكثير، وخثي البقر قيل: ينجسه وإن كان صلبا فكالبعر. ثم اعلم أنه يفرق بين آبار الفلوات وبين آبار الأمصار، قال شيخ الإسلام في " المبسوط ": فأما إذا كان في الأمصار اختلف مشايخنا فيه؛ قال بعضهم: ينجس إذا وقع فيها بعرة أو بعرتان؛ لأنها لا تخلو عن حائط بتابوت أو حائط، فلا يتحقق فيها الضرورة. وقال بعضهم: لا ينجس اعتبارا للوجه الآخر من الاستحسان. قال شيخ الإسلام: والصحيح أن الكل والنصف سواء فلا ينجسه، وذكره الحاكم الشهيد في كتابه " الإشارات "، فقال: إن كان رطبا نجسه، وإن كان يابسا لا ينجس، والروث والخثي والبعر هذه المجرورات عطف على قوله: والمنكسر، أراد أنه لا يفرق أيضا بين هذه الأشياء، كما لا يفرق بين الرطب واليابس، والصحيح والمنكسر، وفي الخثي خلاف ما ذكرناه آنفا. وفي " المبسوط " في روث الحمار والفرس القليل والكثير سواء؛ لأنه ليس صلابة فيتداخل الماء في أجزائه فينجس، وكذلك المنفتة من البعر في ظاهر الرواية، إلا أنه روي عن أبي يوسف قال: القليل من الروث عفو، وهو الأوجه كذا ذكره الإمام المحبوبي. م: (لأن الضرورة تشمل الكل) ش: أراد جميع ما ذكره من قوله: ولا فرق ... إلخ. م: (وفي الشاة تبعر في المحلب بعرة أو بعرتين) ش: كلمة في قوله: وفي الشاة تتعلق بقوله: قالوا، والمحلب بكسر الميم آلة للحلب بفتح اللام وهو مصدر م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (ترمى البعرة ويشرب اللبن) ش: معناه لا ينجس إذا رميت قبل أن يتغير لونه. قال شيخ الإسلام في " مبسوطه ": لا ينجس إذا رميت من ساعته ولم يبق لها لون. م: (لمكان الضرورة) ش: لأن الغنم يتعين حلبها بلا بعر ومن عادتها أنها تبعر عن الحلب م: (ولا يعفى القليل) ش: وهو الذي يستقله الناظر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 في الإناء على ما قيل لعدم الضرورة، وعن أبي حنيفة أنه كالبئر في حق البعرة والبعرتين، فإن وقع فيها خرء الحمام أو العصفور لا يفسده، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وله أنه استحال إلى نتن وفساد فأشبه خرء الدجاج، ولنا إجماع المسلمين على اقتناء الحمامات في المساجد   [البناية] م: (وفي الإناء على ما قيل) ش: قول بعض المشايخ، وكلمة على بمعنى في، وما مصدرية والمعنى: ولا يعفى القليل في الإناء في قوله - وجاءت على بمعنى في - كما في قولهم كان كذا على عهد فلان أي في عهده. م: (لعدم الضرورة) ش: لإمكان صون الإناء بالتغطية م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي أن الإناء م: (كالبئر) ش: أي بمنزلة البئر في الحكم م: (وفي البعرة والبعرتين) ش: أي في عدم تنجس الماء بالبعرة والبعرتين تسهيلا للأمر. م: (فإن وقع فيها) ش: أي في البئر م: (خرء الحمام) ش: بضم الخاء وضم الراء العذرة وجمعه خروء مثل جند وجنود، والحمامة عند العرب ذوات الأطواق من نحو الفواخت والقماري وساق جرو القطا والوراشين وأشباه ذلك يقع على الذكر والأنثى؛ لأن الهاء إنما دخلت على أنه واحد من جنس لا للتأنيث. وعند العامة الحمام هي الدواجن فقط، الواحد: الحمامة ويجمع على حمامات وحمائم أيضا، وربما قالوا: حمام للواحدة. وقال الفرزدق: تساقط ريش غادية وغاد ... وحماما نقره قطط وقطارا م: (أو العصفور) ش: بضم العين والأنثى عصفورة وقوله: (لا يفسده) ش: جواب إن أي لا يفسد ماء البئر م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي خالفنا فيه الشافعي م: (وله) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني دليله م: (أنه) ش: أي أن خرء الحمام والعصفور م: (استحال) ش: أي متحول م: (إلى نتن) ش: ش: هو الرائحة الكريهة م: (وفساد) ش: هو خروجه عن الصلاحية فصار كالبول والغائط. والتحقيق فيه أن الذي يحيله الطبع من الغذاء على نوعين نوع يحيله إلى نتن وفساد كالبول والغائط وهو نجس، ونوع يحيله إلى صلاح كالبيض واللبن والعسل، وخرء الحمام والعصفور من النوع الأول. م: (فأشبه خرء الدجاج) ش: وهو نجس بالاتفاق. وقال السروجي وكان الأنسب تقديم خرء العصفور؛ لأن خرء الحمام إذا لم يفسد فالعصفور بالطريق الأولى فلا فائدة في ذكرها، لكن لما كان خرؤهما طاهرا فلا فرق بينهما يقدم أيهما شاء. قلت: لا فائدة في ذكر هذا الاستغناء عنه وليس فيه مزيد فائدة. م: (ولنا إجماع المسلمين على اقتناء الحمامات في المساجد) ش: أراد بهذا الإجماع أن الصدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الأول ومن بعدهم أجمعوا على اقتناء الحمامات في المساجد حتى المسجد الحرام، فدل هذا الإجماع على طهارة خرء الحمام، وفي قوله: - على اقتناء الحمامات - نظر؛ لأن الاقتناء والاتخاذ من قولهم قنوت الغنم وغيرها قنوة، وقنيتها قنية أيضا إذا اقتنيتها لا للتجارة واقتناء المال وغيره اتخاذه، ولم ينقل عن أحد من الصدر الأول أو ممن بعدهم بأنه اتخذ حماما في مسجد من مساجد الله أو في مسجد الكعبة، غاية ما في الباب أنها كانت تأوي إلى المساجد، ولم يكن أحد منهم يمنعه ويسكت عند، فحينئذ يكون هذا نوعا من أنواع الإجماع السكوتي. فإن قلت: ما كان سبب سكوتهم عن هذا حتى جعل إجماعا منهم؟ قلت: حديث أخرجه الطبراني في " معجمه " والبزار في " مسنده " والبيهقي في " دلائل النبوة " من حديث عون بن عمرو القيسي قال: سمعت أبا مصعب المكي قال: أدركت أنس بن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - زيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يتحدثون أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «أمر الله تعالى شجرة ليلة الغار فنبتت في وجهي، وأمر الله العنكبوت فنسجت فسترني الله وأمر الله تعالى حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار، وأقبل فتيان من قريش بعصيهم وهراواتهم وسيوفهم حتى إذا كانوا من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدر أربعين ذراعا، فجعل بعضهم ينظر في الغاز فرأى حمامتين بفم الغار فرجع إلى أصحابه فقالوا: مالك لم تنظر في الغار، قال: رأيت بفمه حمامتين فعرفت أنه ليس فيه أحد فسمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما قال فعرف أن الله قد درأ عنه بهما، فدعا لهما وشمت عليهن وأقررن في الحرم، وفرض خروجهن» وقال البزار لا نعلم روايته إلا عون بن عمر وهو بصري مشهور وضعفه العقيلي، ويقال عون بن عمرو. قوله: شمت بالشين المعجمة وتشديد الميم يقال: شمت فلانا وشمت عليه، إذا دعا له بالخير والبركة في حديث زواج فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فأتاهما فدعا لهما وشمت عليهما ثم خرج. فإن قلت: لا ينعقد الإجماع إلا بدليل يوجب العلم قطعا ولا ينعقد بخبر الواحد والقياس. قلت: هذا من مذهب الشيعة والقاشاني من المعتزلة وابن جريج، ومذهب أهل السنة والجماعة الحكم بالإجماع بطريق القطع، وكون الإجماع حجة قطعية لم يثبت من دليل، فنسبه الداعي إليه بل إنما ثبت من قبل ذا إن الإجماع رفعه وكرامة لهذه الأمة خاصة وأشد أمة لحجة الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 مع ورود الأمر بتطهيرها واستحالته لا إلى نتن رائحة   [البناية] تعالى في الأحكام إلى يوم القيامة. وقال السغناقي: وأصله هذا الإجماع حديث أبي أمامة الباهلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شكر الحمامة فقال:» «إنها أوكرت على باب الغار حتى تلمت فجازاها الله تعالى بأن يجعل المساجد مأواها» وتبعه على هذا صاحب " الدراية " ثم الأكمل في شرحيهما، فالعجب من هؤلاء يذكرون حديثا ولا يعزونه إلى مخرجه ولا إلى حاله. م: (مع ورود الأمر بتطهيرها) ش: أي بتطهير المساجد والأمر هو قوله عز وجل: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ} [البقرة: 125] (البقرة: الآية 125) ، وأما الأمر في الحديث فقد قال الأكمل قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «جنبوا مساجدكم صبيانكم» ، قلت: هذا قطعة من حديث لم يذكر تمامه ولا الصحابي الذي رواه ولا من أخرجه، وروي فيه عن عائشة وسمرة بن جندب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. أما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فأخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه في كتاب الصلاة عن هشام بن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت «أمر الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب» ورواه ابن حبان في " صحيحه " وأحمد في " مسنده ". وأما حديث سمرة فأخرجه أبو داود عن حبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه سليمان عن أبيه سمرة «أنه كتب إلى ما بعد فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأمرنا أن نضع المساجد في دورنا ونصلح صنعتها ونظرها» وسكت عنه، وقال سفيان بن عيينة الدور القبائل، وذكر الخطابي أنها البيوت وحكى أيضا أراد بها المحال التي فيها الدور. قلت: الظاهر أنه أراد بها البيوت مثله فقد ورد النهي عن اتخاذ البيوت مثل المقابر. م: (واستحالته) ش: أي استحالة خرء الحمام والعصفور هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه استحال إلى نتن وفساد وجهه أن موجب التنجيس أمران النتن والفساد، والنتن هاهنا غير موجود وهو معنى قوله م: (لا إلى نتن رائحة) ش: بل إلى فساد وانتفاء الخرء يستدعي انتفاء الكل. فإن قلت: الفساد وحده مما يوجب التنجيس، قلنا: ينقص هذا بالمني فإنه قد فسد وهو طاهر عنده وسائر الأطعمة فسد بطول المكث ولا تنجس، ولئن سلمنا ما قاله فإن سقط للضرورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 فأشبه الحمأة، فإن بالت فيها شاة نزح الماء كله عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا ينزح إلا إذا غلب على الماء فيخرج من أن يكون طهورا، وأصله أن بول ما يؤكل لحمه طاهر عنده نجس عندهما. له أن «النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر العرنيين بشرب أبوال الإبل وألبانها»   [البناية] م: (فأشبه الحمأة) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فأشبه خرء الحمام والحمأة هو الطين الأسود في قعر البئر، فإنه منتن في الغالب مع أنه طاهر، والحمأة بفتح الحاء وسكون الميم وفتح الهمزة وفي آخره هاء. وأما الحمأة فهو بفتح الميم، قال الله تعالى: {من حمأ مسنون} [الحجر: 26] (الحجر: الآية 26) ، تقول منه حمأت البئر حمأ بالتسكين إذا نزحت حمأتها وحمأت البئر بالكسر حمأة بالتحريك كثرت حمأتها واحمأتها احمأ ألقيت فيها الحمأة. م: (فإن بالت فيها) ش: أي في البئر م: (شاة نزح الماء كله عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبو ثور وميمون والحسن بن أبي الحسن وحماد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (وقال محمد لا ينزح) ش: وبه قال عطاء والنخعي والزهري والشعبي والثوري ومالك وأحمد رحمهما الله إلا إذا غلب على الماء فيخرج من أن يكون طهورا لغيره م: (إلا إذا غلب) ش: بول الشاة م: (على الماء) ش: فحينئذ م: (فيخرج من كونه طهورا) ش: لغيره، وأما إنه طاهر في نفسه عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وأصله) ش: أي وأصل الحكم في هذه المسألة م: (أن بول ما يؤكل لحمه طاهر عنده) ش: أي عند محمد فعلى هذا قوله: فإن بالت فيه شاة من باب التمثيل لا من باب التمثيل لا من باب التقييد فافهم م: (أنه) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (أمر العرنيين بشرب أبوال الإبل وألبانها) ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم، فالبخاري ومسلم في الصلاة وأبو داود وابن ماجه رحمهما الله في الحدود والترمذي في الطهارة والنسائي في تحريم الدم كلهم من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن أناسا من عرينة أصيبوا بالمدينة فوصف لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يأكلوا إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها فقتلوا الراعي واستاقوا الذود فأرسل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأسرهم فأتي بهم وقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم بالحرة يعضون الحجارة» . ولفظ أبي داود والترمذي والنسائي «وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها» وفي لفظ البخاري عن أنس قال: "قدم «أناس من عكل أو عرينة اجتووا المدينة فأمر لهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلقاح أن يشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا فلما صحوا قتلوا راعي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واستاقوا الإبل فجاء الخبر في أول النهار فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهار جيء بهم فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم ثم ألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون» نقول: وجه الاستدلال بتسويته عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين لبنها وبولها، وتقيم بولها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 ولهما قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه»   [البناية] على لبنها مع أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يأمر بشرب النجس، فإن كان بول ما يؤكل لحمه نجسا لما أمرهم بشربه. فإن قيل: لعله أمر بذلك للشفاء والضرورة. قلنا: لا شفاء في النجس المحرم يدل عليه ما رواه الطحاوي مرفوعا أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «في الخمر ذلك داء ليس بشفاء» . وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما كان الله ليجعل في رجس أو فيما حرمه شفاء وأخرجه الطحاوي. وقوله: - عرينة - بضم العين المهملة وفتح الراء والنون بينهما ياء آخر الحروف ساكنة قال الجوهري: عرينة بالضم اسم قبيلة ورهط من العرنيين ارتدوا فقتلهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: هو تصغير عرينة وهو بحذاء عرفات. والعرنيون جمع عرني، وكان القياس العرينيون بالياء بعدها الواو، ولكنها حذفت كما في قولهم الجهنيون، والقيام الجهينيون لأن ياء فعليه تحذف في النسبة كما يقال: جهني في جهينة، وكذلك ياء فعيلة كحنيفة يقال في النسب: حنفي. وفي القياس حنيفي. العكل بضم العين وسكون الكاف اسم قبيلة. قوله: اجتووا المدينة بالجيم أي استوجبوها، افتعال من الجوي تقول جويت نفسي إذا لم توافقك، واجتويته إذا كرهت المقام معه وبه، وإن كنت في نعمة هكذا ذكره الجوهري. قال السروجي: وهذا لا يناسب الحديث، وقال أبو الحسن في شرح البخاري: أجويت البلاد إذا كرهتها، وإن وافقك في الحديث بدنك. قلت: هذا مثل الأول قوله: بلقاح، اللقاح جمع لقوح وهو الناقة اللبون الحديثة العهد بالولادة التي يكثر لبنها. والذود بفتح الذال المعجمة وسكون الواو وفي آخره دال مهملة وهو من الإبل ما بين الثلاث إلى التسع وقيل ما بين الثلاث إلى العشرة واللفظة مؤنثة ولا واحد لها من لفظها كالنعم. وقال أبو عبيد: الذود من الإناث دون الذكور. وقوله: بالحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وهي في الأصل الأرض ذات الحجارة السود، والمراد هاهنا حرة المدينة وهي أرض فيها حجارة سود كبيرة، وتجمع على حرر وحرار وحرات وحرار وهو من الجموع النادرة. وقيل: إن واحد أحريرا حرة. قوله: - وسمر أعينهم - أي أحمى لهم مسامير الحديد ثم كحلهم بها. ويروى سمل أعينهم باللام موضع الراء أي فقأها بحديدة محماة أو غيرها، وقيل: نقرها بالشوك وهو معنى الثمر. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله م: (قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه» ش:، هذا الحديث رواه ثلاثة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الدارقطني من حديث قتادة عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه» ثم قال: المحفوظ مرسل، وفي رواية أبي جعفر الرازي وهو متكلم فيه قال ابن المديني: كان يخلط، وعن أحمد ليس بالقوي، وعن أبي زرعة يهم كثيرا. وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «استنزهوا» ... " إلخ مثل لفظ الكتاب رواه الدارقطني أيضا ورواه الحاكم في "مستدركه" من طريق أبي عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أكثر عذاب القبر من البول» ، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولا أعرف له علة ولم يخرجاه. وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - من حديث مجاهد عنه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن عذاب القبر من البول فتنزهوا منه» ، رواه الطبراني في معجمه والدارقطني والبيهقي وكلهم سكتوا عنه. وروى البزار عن عبادة بن الوليد عن أبيه عن جده قال: «سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن البول فقال: "إذا أمسكتم منه شيئا فاغتسلوه فإني أظن أن منه عذاب القبر» وفيه الاستدلال به أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر باستنزاه البول من غير فصل، والأمر للوجوب، ولأن البول محلى بالألف واللام فيعم جميع البول، ويروى - عن البول - مكان - من البول - وفي "المغرب": وأما قولهم: استنزهوا من البول فقال تاج الشريعة في شرحه: تنزهوا عن البول. يقال: تنزه عن الأقذار إذا انصرف عنها واجتنبها، وأما الاستنزاه فلم يوجد في قوانين اللغة، فإن صح ما روي فوجهه أن استفعل فعل يشاركه تفعل نحو استكبر واستقدم بمعنى تكبر وتقدم. قلت: قد بينا الآن أن لفظ الدارقطني تنزهوا، وقوله: إن استفعل قد يشارك تفعل، معناه أن من جملة معاني استفعل تفعل، وأصل هذا الباب للطلب، ومعناه نسبة الفعل إلى فاعله لإرادة تحصيل المشتق هو منه، ولا يعني أن يكون استفعل هاهنا على بابه والمعنى اطلبوا التنزه من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] البول. فإن قلت: المعنى الذي ذكرته لا يتأتى هاهنا. قلت: هو يكون صريحا نحو استكتبه أي طلب منه الكتابة، وقد يكون تقديرا نحو استخرجت الزيد من الحائط، فليس هاهنا طلب صريح، بل المعنى لم أزل أتلف وأتحيل حتى خرج ونزل ذلك منزلة الطلب هاهنا كذلك فافهم. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومما يؤيده أي ومما يؤيد ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله - ما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيع جنازة سعد بن معاذ وكان يمشي على رؤوس الأصابع من زحام الملائكة التي حضرت للصلاة عليه فلما وضع في القبر ضغطته الأرض ضغطة كادت أضلاعه تختلف فسئل رسول» . وقال تاج الشريعة: لما توفي سعد بن معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دفنه، فلما فرغ خرج من قبره متغير اللون وقال: «الله تعالى أكبر لا إله الله والله أكبر لو نجا أحد من ضغطة القبر لنجا سعد بن معاذ، ولقد رأيت القبر ضمه حتى سمعت صوت أعضائه» قال الراوي: كان قميص رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منخرقا فسئل عن ذلك فقال: إن سبعين من الحور العين تعلقن بي. وقالت كل واحدة منهن زوجني من سعد، ثم سئل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن سبب هذه الضغطة فقال: إنه كان لا يستنزه عن البول. قلت: كل من الحديثين لم يذكره أحد بهذه الألفاظ، بل روى الإمام - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «لما دفن سعد ونحن مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسبح الناس معه ثم كبر فكبر الناس معه فقالوا يا رسول الله لم سبحت قال لقد تضايق على هذا البعد الصالح» . وروى البزار بإسناد جيد من حديث نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لقد هبط يوم مات سعد بن معاذ سبعون ألف ملك إلى الأرض لم يهبطوا قبل ذلك، ولقد ضمه القبر ضمة» " ثم بكى نافع وكانت وفاته بعد انصراف الأحزاب بنحو من خمس وعشرين ليلة، وكان قدوم الأحزاب في شوال سنة خمس، فأقاموا قريبا من شهر، وذكر في " المبسوط " في قوله: إنه كان لا يستنزه، لم يرد به بول نفسه، فإن من لا يستنزه منه لا تجوز صلاته، وإنما أراد أبوال الإبل عند تعالجها. وذكر السغناقي هذا في شرحه ثم أخذ عنه الأكمل. قلت: يؤيد ذلك ما رواه البيهقي حدثنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو العباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا موسى بن بكير عن ابن إسحاق حدثني أمية بن عبد الله أنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 ولأنه يستحيل إلى نتن وفساد فصار كبول ما لا يؤكل لحمه وتأويل ما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عرف شفاءهم فيه وحيا؛   [البناية] سأل بعض آل سعد ما بلغكم من قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا؟ فقالوا ذكر لنا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن ذلك فقال: كان يقصر في بعض الطهور من البول، وكان سعد كبير الأوس وكان حامل لوائهم يوم بدر ومعالجة الإبل وطبقة الغلمان. وقال السغناقي وجه مناسبة عذاب القبر مع ترك استنزاه البول هو أن القبر أول منزل من منازل الآخرة، والطهارة أول منزل من منازل الصلاة، والصلاة أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة كما جاء في الحديث، وكانت الطهارة أول ما يعذب بتركها في أول منزل من منازل الآخرة وليس ذلك إلا القبر. م: (ولأنه) ش: أي ولأن بول الشاة، هذه إشارة إلى دليل معقول وهو أن بول ما يؤكل لحمه م: (يستحيل إلى نتن وفساد فصار كبول ما لا يؤكل لحمه) ش: والاستحالة إلى النتن والفساد حقيقة النجاسة، وقد مضى عن قريب تفسير النتن والفساد. فإن قلت: قد اتفقوا على طهارة لعاب ما يؤكل لحمه وعلى طهارة عرقه، فوجب أن يكون بوله مثلهما. قلت: هذا يبطل بالآدمي فإن ريقه وعرقه طاهران، وبوله نجس بإجماع المسلمين، نقل الإجماع ابن المنذر، وبول الكبير والصغير سواء عند سائر العلماء، إلا ما يروى عن داود أن بول الصغير طاهر، وأما بول باقي الحيوانات التي لا يؤكل لحمها فينجس عند العلماء قاطبة كالأئمة الأربعة وغيرهم، إلا ما نقل عن النخعي أنه طاهر، وحكى ابن حزم عن داود أن الأبوال والأرواث طاهرة من كل حيوان إلا الآدمي، وهذا في نهاية الفساد. م: (وتأويل ما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عرف شفاءهم فيه وحيا) ش: هذا جواب عن الحديث الذي احتج به محمد. قوله تأويل مرفوع بالابتداء مضاف إلى قوله ما روي، ويجوز الوجهان في روي أحدهما أن يكون صيغة معلوم أي تأويل ما رواه محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والثاني أن يكون صيغة مجهول أي تأويل ما روي في الحديث المذكور، وقوله "أنه" خبر المبتدأ أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عرف شفاءهم أي شفاء العرنيين فيه، أي في بول الإبل وحيا، أي من حيث الوحي وهو نصب على التمييز. فإذا كان من حيث الحكم يكون حكما ولا يوجد مثله في زماننا، فلا يحل شربه لأنه لا يتيقن بالشفاء فيه فلا يعرض من الحرمة. وقال السغناقي أيضا حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنه فقد ذكر قتادة عن أنس أنه رخص لهم في شرب ألبان الإبل، ولم يذكر الأبوال، وإنما ذكره في حديث حميد عن أنس، فإذا دار بين أن يكون حجة وبين أن لا يكون سقط الاحتجاج به وتبعه الأكمل على ذلك، وكذلك صاحب " الدراية ". قلت: هذا كلام واه جدا، فإن البخاري قال حدثنا مسدد وحدثنا يحيى عن شعبة حدثنا قتادة عن أنس أن أناسا من عرينة اجتووا المدينة ... الحديث وفيه فيشربوا من ألبانها وأبوالها، وقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 ثم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لا يحل شربه للتداوي ولا لغيره؛ لأنه لا يتيقن بالشفاء فيه فلا يعرض عن الحرمة. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحل للتداوي للقصة، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحل للتداوي وغيره لطهارته عنده.   [البناية] ذكرناه عن قريب، أخرجه البخاري في آخر الزكاة، وروى الزكاة في باب المحاربة وفيه من أبوالها وألبانها، وهذا عن أبي قلابة عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال في آخر حديث قتادة عن أنس تابعه أبو قلابة حميد وكاتب عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإذا كان كذلك فكيف يقول هؤلاء ذكر قتادة عن أنس أنه رخص لهم في شرب ألبان الإبل ولم يذكر الأبوال، وفي إحدى روايات البخاري ذكر الأبوال ثم الألبان، وفي الأخرى بالعكس، وفي رواية تقديم الأبوال ما يوهم تأكيد إباحة شرب بول ما يؤكل لحمه. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقيل: إنه منسوخ، ولم يبين ذلك، وجهه أنه كان في أول الإسلام ثم نسخ بعد أن نزلت الحدود، ألا ترى أن فيه قطع الأيدي والأرجل وتسميل الأعين لكونهم ارتدوا، كما أشار إليه أبو قلابة في رواية الحديث عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بقوله - لكونهم قتلوا وسرقوا وحاربوا الله ورسوله وسعوا في الأرض فسادا، ولم يكن جزاء المرتد إلا القتل، فعلم أن إباحة البول كالمثلة م: (ثم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحل شربه) ش: شرب بول الغنم م: (للتداوي) ش: أي لأجل التداوي م: (ولا غيره) ش: أي ولا لأجل غير التداوي م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لا يتيقن بالشفاء فيه) ش: أي في شربه للتداوي. م: (فلا يعرض عن الحرمة) ش: أي فإذا كان كذلك فلا تعرض عن كون شربه حراما إلا بتيقن الشفاء فلا يوجد ذلك، والمرجع إلى ذلك بقول الأطباء وقولهم ليس بحجة قطعية، فيجوز أن يكون شفاء لقوم دون قوم لاختلاف الأمزجة. م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحل) ش: أي يحل شربه م: (للتداوي) ش: لأنه لو كان حراما مطلقا لما أحله بالحديث وهو أن الله تعالى لم يجعل الشفاء في الحرام م: (للقصة) ش: يعني قصة العرنيين التي دلت على إباحة شرب بول الإبل لأجل التداوي. م: (وعند محمد يحل للتداوي وغيره) ش: أي يحل شربه لأجل التداوي ولغير التداوي أراد أنه سوى بينه وبين اللبن، وقوله منقوض بلبن الأتان فإنه طاهر بالاتفاق ولا يحل شربه، وفي "الملتقط" لبن الأتان وعرقها، وشحمها ولحمها بعد الذبح طاهرة بالاتفاق، إلا أنها لا تؤكل، ثم من أصحابنا من منع الانتفاع بلحمها وشحمها كالأكل، ومنهم من جوزه كالزيت يخالطه دهن الميتة، والزيت غالبا ينتفع به ولا يؤكل، وإذا لم يجز التداوي بلبن الأتان باتفاق أصحابنا فبالخمر أولى؛ لأن لبنها طاهر بالاتفاق، والخمر نجس بإجماع المسلمين إلا ما حكى القاضي أبو الطيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 وإن ماتت فيها فأرة أو صعوة أو عصفورة أو سودانية أو سام أبرص نزح منها ما بين عشرين دلوا إلى ثلاثين بحسب كبر الدلو أو صغرها،   [البناية] عن ربيعة وداود أنهما قالا بطهارتها واعتبرها بالنبات القاتل. قال النووي ولا يظهر من الآية دلالة ظاهرة على نجاسة الخمر؛ لأن الرجس عند أهل اللغة القذر ولا يلزم منه النجاسة، وكذا الأمر بالاجتناب كما في أجزائها في الآية، قال: وقول صاحب " المهذب " لأنه يحرم تناوله من غير ضرر فكان نجسا كالدم ولا دلالة فيه لوجهين: أحدهما: أنه ينتقض بالمخاط عند الكل والمني عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والثاني: العلة مختلفة فلا يصح القياس عليه؛ لأن المنع من الدم من استخباثه، ومن الخمر كونه سببا للعداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة. وقال الغزالي: يحكم بنجاستها تغليظا وزجرا عنها قياسا على الكلب وما دبغ فيه. قلت: قد انعقد الإجماع على نجاستها وداود لا يعتبر خلافه في الإجماع ولا يصح ذلك عن شريعة. م: (وإن ماتت فيها) ش: أي في البئر م: (فأرة أو عصفورة) ش: بضم العين، قال الجوهري: العصفور طائر والأنثى عصفورة م: (أو صعوة) ش: هي عصفورة صغيرة حمراء الرأس، وقال المطرزي: الصعو صغار العصافير. قلت: ويجمع على صعاء فرائضا م: (أو سودانية) ش: هي طويلة الذنب على قدر قبضة، ويسمى العصفور الأسود. وقيل: الزرزر الأسود وأكلها العنب والجراد م: (أو سام أبرص) ش: هو من كبار الوزغة وجمعه سوام أبرص. ولم يتعرض أحد من الشراح فيما رأيته إلى إعراب هذا فهو معرفة إلا أنه تعريف جنس وهم اسمان جعلا واحدا، وإن شئت أعربت الأول وأضفته إلى الثاني، وإن شئت بنيت الأول على الفتح وأعربت الثاني بإعراب ما لا ينصرف، وتقول في تثنية هذا: ساما أبرص، وفي الجمع سوام أبرص، وإن شئت قلت: هؤلاء السوام ولا تذكر أبرص، وإن شئت قلت: هؤلاء البرصة ولا تذكر سام، قال الشاعر: والله لو كنت بهذا خالصا ... لكنت عبدا يأكل الأبارص ويسمى بالفارسية سمار. م: (نزح منها) ش: أي من البئر م: (ما بين عشرين دلوا إلى ثلاثين بحسب كبر الدلو وصغرها) ش: يجوز في سين حسب الفتح والسكون والقدر وكبر الدلو بكسر الكاف وفتح الباء، والصغر بكسر الصاد وفتح الغين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 يعني بعد إخراج الفأرة، لحديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال في الفأرة إذا ماتت في البئر وأخرجت من ساعتها ينزح منها عشرون دلوا   [البناية] وقيل: قدر الصاع كبير وما دونه صغير، فإذا نزح بالكبير ينقض، وإن نزح بالصغير يزدد. وقيل: الكبير عشرة أرطال ذكره الأسبيجابي. وقيل: الكبير ما زاد على الصاع والصغير دون الصاع والوسط الصاع، ولو نزح بدلو عظيم مرة واحدة قدر عشرين دلوا أو أربعين دلوا جاز. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز وهو من رواية، والدلو مؤنثة واحدة الدلاء، والدلاء بالفتح واحد دلو. م: (يعني بعد إخراج الفأرة) ش: إشارة بهذا إلى أن المنزوح إنما يكون معتبرا إذا كان بعد إخراج الفأرة؛ لأن سبب نجاسة البئر حصول الفأرة فيها الميتة فلا تحكم بالطهارة مع بقاء السبب الموجب للنجاسة. م: (لحديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «في الفأرة إذا ماتت في البئر وأخرجت من ساعتها ينزح منها عشرون دلوا» ش: لم يذكر هذا في كتب الأحاديث المشهورة، غير أن السغناقي ذكر في شرحه رواه أبو علي الحافظ السمرقندي بإسناده، ولكن فيه عن أنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: ... إلخ، وتبعه الأكمل في ذلك حيث نقله في شرحه هكذا، وقال صاحب " الدراية " كذا أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك في رواية أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وأما الأترازي فإنه لم يذكره أصلا، وقال الشيخ علاء الدين: روى الطحاوي هذا الأثر بطرق. قلت: فإن كان مراده أنه رواه في " معاني الآثار " فليس له وجود فيه، وإن كان في غيره فالبيان على مدعيه، وعن قريب نذكر وجه قول المصنف عشرون دلوا إلى ثلاثين دلوا، وكذا وجه التردد في الأثر وعشرون دلوا أو ثلاثون. فروع: عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الفأرة إلى أربع فأرات عشرون دلوا، وفي الخمس إلى التسع أربعون دلوا، وفي العشر ينزح ماء البئر كله. وعن محمد في الفأرتين عشرون وفي الثلاث أربعون، وإن كان هيئة الفأر كهيئة الدجاج ينزح أربعون وإذا فرت الفأرة من الهرة أو كانت بها جراحة أو قطع ذنبها ينزح جميع مائها سواء أخرجت حية أو ميتة. وفي " النوادر " هرة أخذت فأرة فوقعت في البئر ولم يخرجها، وماتت الفأرة وخرجت الهرة حية ينزح عشرون، وإن ماتت الهرة وخرجت الفأرة حية ينزح أربعون، وإن خرجتا حيتين لا ينزح شيء إلا على القول بأنها تبول من الخوف. وإن صب الدلو الأخير في بئر طاهر ينزح دلو، وفي الثاني: تسع عشر دلوا ماتت في كل واحدة منهما فأرة فينزح من إحداهما عشرون، وصب في الأخرى ينزح من الأخرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 والعصفور ونحوها تعادل الفأرة في الجثة فأخذت حكمها ثم العشرون بطريقة الإيجاب والثلاثون بطريق الاستحباب.   [البناية] عشرون، ولو ماتت فأرة في بئر ثالثة فنزح من الأولين أربعون فصب في الثلاث ينزح أربعون، وإن صب فيها من إحدى البئرين عشرون ومن الأخرى عشر ينزح ثلاثون. وفي " شرح المختصر الكرخي ": لو صب دلو العاشرة في بئر طاهرة فينزح منها عشر دلاء في رواية أبي سليمان، وفي رواية أبي حفص إحدى عشر دلوا وهو الأصح، وبعضهم وفق فقال: عشر سوى المصبوبة، وإحدى عشرة مع المصبوبة، وفي " الذخيرة " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن ماتت في جب وصب ماؤه في بئر ينزح ماء الجب وثلاثون وعنه وعشرون، وعن محمد: ينزح الأكثر من المصبوب ولو وجب نزح عشرين فنزح عشرة فبعد الماء ثم نبع نزح عشرة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحتاج إلى نزح شيء آخر. م: (والعصفورة ونحوها تعادل الفأرة في الجثة فأخذت حكمها) ش: أي حكم الفأرة، وأشار بهذا إلى أن الأثر إلى ذكره وإن كان ورد في الفأرة يشمل كل حيوان قدر الفأرة فيأخذ حكمها، فيجب عشرون دلوا إلى ثلاثين. فإن قلت: مسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار والنص ورد في الفأرة والدجاجة والآدمي قيس بما عاد بها. قلت: بعد أن استحكم هذا الأصل صار كالذي يبنى على وفاق القياس في حق التفريع عليه كما في الإجارة وسائر العقود التي يأبى القياس جوازها، هكذا قرره في " المستصفى "، والمختارة والأولى أن يقول: هذا الإلحاق بطريق الدلالة لا بالقياس. م: (ثم العشرون بطريق الإيجاب والثلاثون بطريق الاستحباب) ش: أي العشرون من الدلاء في الفأرة إنما يتعلق بالإيجاب، فالزيادة عليه إلى الثلاثين بطريق الاستحباب، وإنما فعل ذلك لاختلاف الروايات فيه متعددة، فروى قيس أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال في بئر وقعت فيها فأرة فماتت قال: ينزح ماؤها، رواه الطحاوي بإسناد صحيح. وروى عبد الرزاق في " مصنفه " ما يخالف ذلك، فقال: حدثنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إذا سقطت الفأرة في البئر فتقطعت نزح منها تسعة دلاء، فإن كانت الفأرة كهيئتها لم تقطع ينزح منها دلوا ودلوين، فإن كانت ميتة أعظم من ذلك فلينزح من البئر ما يذهب الريح، وروى عبد الرزاق عن معمر أخبرني من سمع الحسن يقول: إذا ماتت الدابة في البئر أخذنا منها وإن تفسخت فيها نزحت. وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن ابن عيينة عن ليث عن عطاء قال: إذا وقع الجرذ في البئر نزح منها عشرون. والجرذ بضم الجيم وفتح الراء وفي الآخر ذال معجمة وهو الذكر الكبير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 قال: فإن ماتت فيها حمامة أو نحوها كالدجاجة والسنور نزح منها ما بين أربعين دلوا إلى ستين   [البناية] من الفأر، وجمعها الجرذان، وروي أيضا عن حفص عن عاصم عن الحسن في الفأرة تقع في البئر قال: يسقى منها أربعون دلوا. وروى يوسف بن مالك عن ابن عباس في الفأرة أربعون، فلما وقع هذا الاختلاف اختار أصحابنا قول من يقول بالعشرين التي هي الوسط بين القليل والكثير، ثم زادوا عليه مقدار نصفه بطريق الاستحباب لأجل الاحتياط. وقال الأكمل: وفيه نظر لأن هذا المعنى موجود في الثلاثين فلم يتعين عشرون للوجوب. قلت: في نظره لأن هذا المعنى موجود نظر لأنهم اختاروا الوسط الذي هو خير الأمور، ولم يرد عن أحد ستون دلوا حتى يتعين الثلاثون، ثم قال الأكمل: والأولى ما قيل أن السنة جاءت في رواية أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال في الفأرة: ...... الحديث، وقد مر عن قريب وأو لأحد الشيئين وكان الأقل ثابتا بيقين وهو معنى الوجوب والأكثر يؤتى به لئلا يترك اللفظ المروي، وإن كان مستغنى عنه في العمل وهو معنى الاستحباب. قلت: سنده فيما قاله الحديث المذكور وهو غير ثابت ولا هو موجود عند أهله فمن أين تأتي الأولوية، ثم قال: - وأو لأحد الشيئين - قلنا: نعم، ولكن ما بينه هل هي للشك أو للتنويع حتى يبني عليه ما ذكره. وقال تاج الشريعة: قيل، شك الراوي في لفظ الحديث فاكتفى في حكم المسألة بلفظ الحديث المروي في الباب توفيقا للزيادة على الشرع أو النقص منه. قلت: فعلى هذا ينبغي أن يكون الثلاثون واجبا على ما لا يخفى. م: (فإن ماتت فيها) ش: أي في البئر م: (حمامة أو نحوها كالدجاجة والسنور نزح منها ما بين أربعين دلوا إلى ستين) ش: فهذا يشير إلى أنه نزح بعد الأربعين دلوا أو دلوين أو ثلاثة إلى أن ينتهي إلى ستين كان يكفي، أما الدليل على نفس الأربعين فما رواه الطحاوي عن أبي بكر حدثنا أبو عامر العقدي قال: حدثنا سفيان عن زكريا عن الشعبي في الطير والسنور ونحوهما يقع في البئر ينزح منها أربعون دلوا، ومن جملة ما بين أربعين إلى ستين خمسون دلوا، لأن الزيادة على الأربعين غالبا، يكون على رأس عقدة وهو الخمسون، والدليل عليه ما رواه الطبراني حدثنا ابن خزيمة قال: حدثنا حجاج قال: حدثنا حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان أنه قال في دجاجة وقعت في البئر فماتت، قال: ينزح منها قدر أربعين درهما دلوا أو خمسين ثم يتوضأ منها. وأما الدليل على الستين فما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه " قال: حدثنا هشيم عن عبد الله بن سبرة عن الشعبي أنه قال: يدلي منها سبعين دلوا بقي من الدجاجة والستون داخل في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 وفي " الجامع الصغير " أربعون أو خمسون وهو الأظهر لما روي عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال في الدجاجة إذا ماتت في البئر ينزح منها أربعون دلوا والأربعون بطريق الإيجاب، والخمسون بطريق الاستحباب   [البناية] السبعين، قوله: "يدلي" من دلوت الدلو نزعتها. م: (وفي " الجامع الصغير " أربعون أو خمسون) ش: أراد بهذا " الجامع الصغير " المنسوب إلى محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهو الأظهر) ش: أي ما ذكر في " الجامع الصغير " هو الأظهر في المذهب لأنه آخر تصانيف محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فيكون القول المذكور فيه هو المرجوع إليه. م: (لما روي عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال في الدجاجة إذا ماتت في البئر: ينزح منها أربعون دلوا) ش: ذكر المصنف هذا كما يروى موقوفا، وذكر في " مبسوط فخر الإسلام " مرفوعا وتبعه على هذا صاحب " الدراية " وليس له أصل بل ذكره الطحاوي هكذا عن حماد بن أبي سليمان وقد ذكرناه عن قريب. م: (والأربعون بطريق الإيجاب، والخمسون بطريق الاستحباب) ش: قلت: هذا إنما يتأتى إذا كانت كلمة أو للشك على ما لا يخفى. وفي " البدائع " وغيره أراد "بأو" أن الأقل بطريق الوجوب والأكثر بطريق الاستحباب دون التخيير إذ التخيير بين القليل والكثير لا يعتبر مع اتحاد المعنى. وقيل: إنما قال ذلك لاختلاف الحيوان في الصغر والكبر، ففي الصغير ينزح الأقل، وفي الكبير ينزح الأكثر. وفي رواية الحسن عنه جعله على خمس مراتب، ففي الجملة وهو القراد العظيم وولد الفأرة ونحوها عشر دلاء، وفي الفأرة والعصفور ونحوها عشرون، وفي الحمامة والفاختة ونحوهما ثلاثون ثلاثون، وفي الدجاجة والسنور ونحوهما أربعون، وفي الآدمي والشاة ونحوهما ماء البئر كله ذكره في " المبسوط " و" المحيط " و" البدائع " و" الينابيع ". وعن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - أنهما جعلاها على ثلاث مراتب في الجملة، والفأرة عشرون، وفي الحمامة، والورشان أربعون، وفي الآدمي والشاة كلها. فإن قلت: قد قام أن مبنى مسائل الآبار على الآثار دون القياس والرأي، وما ذكرتم لا يخلو عن رأي. قلت: للمقادير بالرأي إنما يمنع في الذي يثبت لحق الله تعالى دون المقادير التي ترد بين القليل والكثير، فإن المقادير في الحدود والعادات لا مدخل للرأي فيها أصلا، وكذا ما يكون بتلك الصفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 قال: وإن ماتت فيها شاة أو آدمي أو كلب نزح جميع ما فيها من الماء؛   [البناية] وأما الذي يكون من باب الفرق بين القليل والكثير فيما يحتاج إليه فللرأي فيه مدخل، ولما عرف في آثار الصحابة حكم طهارة البئر في الفصول كلها مع اختلاف الأقوال عنهم وعن غيرهم من التابعين في القليل والكثير من النزح، صار ذلك من باب الفرق، فدخل فيه الرأي لاختيار عدد دون عدد سبب صفة القضية ألا ترى أن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - حكم في البئر المعين بمائتي دلو إلى ثلاثمائة، بناء على كثرة الماء في آبار بغداد، فهذا رأي ولكنه عن دليل، وذلك لأن الشرع لما أمرنا بإخراج جميع ما فيها صار الواجب نزح ذلك الماء الذي وقعت فيه النجاسة، وغالب مياه الآبار لا تزيد على مائتي دلو فبنزح ذلك المقدار يحصل المطلوب، وأما قوله: إلى ثلاثمائة فللاحتياط في باب الطهر. م: (وإن ماتت فيها شاة أو آدمي أو كلب نزح جميع ما فيها من الماء) ش: أي هذا حكمها في الموت، فإن أخرجت بالحياة، فإن كان نجس العين كالخنزير ينجس الماء، فإنه كالدم والبول. واختلفوا في الكلب بناء على نجاسة عينه وعدمها، والأصح أنه لا ينجسه إذا لم يصل فيه إلى الماء. وفي " الذخيرة " لو خرج الكلب من البئر حيا نجسها عندهما. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا بأس به، وإن كان آدميا وخرج حيا ولم يكن ببدنه نجاسة حقيقية أو حكمية لا ينزح في ظاهر الرواية، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ينزح عشرون دلوا وإن كان كافرا ينزح ماؤها، يروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن بدنه لا يخلو عن نجاسة حقيقية أو حكمية، حتى لو اغتسل ثم وقع في الماء فخرج من ساعته لا ينزح. وأما سائر الحيوانات فإن علم أن ببدنه نجاسة نجس الماء، وإن لم يعلم قيام النجاسة بمخرجه أو غيره من بدنه اختلف المشايخ فيه، وقيل: العبرة لإباحة الأكل وحرمته إن كان مأكول اللحم لا ينزح شيء لطهارته، وإن لم يكن مأكولا لا ينجس، وقيل: العبرة بسؤره إن كان نجسا نجس الماء، وإن كان مكروها يستحب أن ينزح عشر دلاء، ولو كان مشكوكا فيه ينزح كله والماء مشكوك فيه. وفي " التحفة ": الصحيح أنه لا يصير مشكوكا فيه، وكذا في " المحيط "، و" المفيد "، وعن أبي الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "خزانته" ينزح ماء البئر كله في البغل، والحمار، والكلب، والخنزير، والفهد، والنمر، والأسد، والذئب وكل ذي ناب من السباع وإن أخرج حيا. وفي " المحيط ": في الحيوان الذي لا يؤكل لحمه كسباع الطير والوحش الصحيح أنه لا ينجس الماء. وروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - في الإبل والبقر ينجسان الماء لبقاء النجاسة في أفخاذهما، غير أن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينزح عشرون، وفي الشاة: عشر لأن نجاسة بولها حقيقية. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينزح كلها لاستواء الخفيفة والغليظة في الماء. وقيل: لا ينزح شيء ذكره في " الينابيع ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 لما روي أن ابن عباس وابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أفتيا بنزح الماء كله حين مات زنجي في بئر زمزم   [البناية] وذكر القدوري في " شرح مختصر الكرخي " أن في الحيوان المكروه السؤر كالسنور والدجاجة المخلاة والصقر والباز والفأرة والحية والعقارب، في رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينزح منها دلاء على وجه الاستحباب، وكذا في الفرس والبرذون. وأما النجس كالخنزير والكلب والسباع والحمار والبغل ينزح جميع الماء منه، وإن لم يمت م: (لما روي أن ابن عباس وابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أفتيا بنزح الماء كله حين مات زنجي في بئر زمزم) ش: أما الذي روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" حدثنا عباد بن العوام عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس أن زنجيا وقع في زمزم فمات فأنزل إليه رجلا ثم قال: انزحوا ما فيها من الماء. وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر قال: سقط رجل في زمزم فمات فيها؛ فأمر ابن عباس أن تسد عيونها وتنزح، قيل له: إن فيها عينا فد غلبتنا، قال: إنها من الجنة فأعطاهم مطرفا من عنده فحشره فيها ثم نزح ماؤها حتى لم يبق فيها شيء. وأخرجه البيقهي في كتاب " المعرفة " من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن دينار أن زنجيا وقع في زمزم فمات فأمر به ابن عباس فأخرج وسد عيونها ثم نزحت. وأخرج البيهقي أيضا من طريق جابر الجهني عن أبي الطفيل عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال فذكره قال: ورواه جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرة أخرى عن أبي الطفيل معه أن غلاما وقع في زمزم فنزحت، لم يذكر فيه ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهذه الرواية عند الدارقطني أيضا. وأخرج الدارقطني أيضا في "سننه " حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد وعن أحمد بن منصور عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن هشام عن محمد بن سيرين أن زنجيا وقع في زمزم يعني فمات فأمر ابن عباس فأخرج، وأمر بها أن تنزح قال: فغلبتهم عين جاءت من الركن، قال: فأمر بها فسدت بالقباطي والمطارف حتى تنزحوها، فلما لم ينزحوها انفجرت عليهم. وأما الذي روي عن ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فأخرجه الطحاوي حدثنا صالح بن عبد الرحمن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا منصور عن عطاء أن حبشيا وقع في بئر زمزم فمات فأمر ابن الزبير بنزحها فنزح ماؤها فجعل الماء لا ينقطع فنظر فإذا عين تجري من قبل الحجر الأسود، فقال ابن الزبير: حسبكم. وأخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " قال: حدثنا هشيم عن منصور عن عطاء ... إلخ نحوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: قال البيهقي في " المعرفة ": رواه قتادة عن ابن عباس مرسلا لم يلقه ولا سمع منه إنما هو بلاغ بلغه، وقال أيضا: وجابر الجهني لا يحتج به، وابن لهيعة ضعيف لا يحتج به. قلت: المراسيل عندنا حجة ولا سيما [إذا] أرسلت من طرق مختلفة، فينبغي أن يكون حجة عند الكل على أنه ذكر البيهقي في " الخلافيات " عن شعبة أنه قال: حدثنا ابن سيرين عن ابن عباس والصحيح أن بينهما عكرمة، فإذا أرسل ابن سيرين وكان بينهما ثقة وهو عكرمة كان الحديث صحيحا محتملا به. وفي " التهذيب " لابن عبد البر مراسيل ابن سيرين عندهم حجة صحيحة كمراسيل سعيد بن المسيب. وأما جابر فإن له أحاديث صالحة، وقد روى عنه الثوري في الكبير مقدار خمسين حديثا وقتيبة أقل رواية عنه من الثوري وقد احتمله الناس وردوا عنه ولم يختلف أحد في الرواية عنه، وعن الثوري ما رأيت أورع في الحديث من الجعفي، وعن شعبة قال: هو صدوق في الحديث، وأما عبد الله بن لهيعة فإن حسن الحديث يكتب حديثه، وقال: حدثت عنه الثقات، وقتيبة وعمرو بن الحارث والليث بن سعد، وعن أحمد من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه في ضبطه وإتقانه، وحدث عنه أحمد بحديث كثير، وقال ابن وهب: كان ابن لهيعة صادقا، ولئن سلمنا ما قاله البيهقي فإن نزح زمزم قد روي من طرق صحاح منها رواية الطحاوي وابن أبي شيبة التي ذكر. فإن قلت: اعتمد البيهقي في تضعيف هذه القصة بأثر رواه عن سفيان بن عيينة، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ عن أبي الوليد الفقيه عن عبد الله بن شبرمة قال: سمعت أبا قدامة يقول: سمعت سفيان بن عيينة بقول: أنا بمكة منذ سبعين سنة لم أر صغيرا ولا كبيرا يعرف حديث الزنجي، قالوا: إنه وقع في زمزم، ولا سمعت أحدا يقول: نزحت زمزم. ثم أسند عن الشافعي أنه قال: لا يعرف هذا عن ابن عباس، وكيف يروى عن ابن عباس وهو قد روى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الماء لا ينجسه شيء» ، ويترك وإن كان قد جعل فالنجاسة ظهرت على وجه الماء أو نزحا للتنظيف لا للنجاسة فإن زمزم للشرب. قلت: قد عرفت هذا الأمر وأثبته أبو الطفيل عامر بن واثلة أي الصحابي، ومحمد بن سيرين وقتادة ولو أرسلاه، وعمرو بن دينار وعطاء بن أبي رباح ومعمر، والمثبت مقدم على النافي خصوصا مثل هؤلاء الأعلام، ولا يلزم من عدم سماع من لم يدرك ذلك الوقت وعدم من يعرفه عدم هذا الأمر في نفسه وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يترك بل خصصه كما خصصت أنت أيها الشافعي، وقلت بنجاسة ما دون القلتين بالنجس ولم يعتبر نجاسته ما بلغ قلتين فصاعدا. وأما الذي قاله ابن عيينة فيجوز أن لا يكون الذي قالوا ما قالوا أدركوا الوقت الذي وقعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فيه القضية أو كانوا غائبين في معايشهم ومصالحهم؛ ولأن البئر إذا نزحت لا يحضره جميع أهل البلد ولا أكثرهم، وإنما يحضره من له بصارة في أمر البئر وبعض من يستعان به على نزحه، ألا ترى أنك لو سألت الآن هل نزحت بئر بالقاهرة لعله ما عرفه أحد، وفيها أكثر من عشرة آلاف بئر أكثر من عين الأدبر فكيف ينزح بئر لم يكن على عهدهم ولا عهد آبائهم، ومع أن بين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبين هذه الكائنة أكثر من مائة وخمسين سنة، فمن أين لهم ذلك، وكذا الكلام فيما قال ابن عيينة. فإن قلت: قال الثوري بهذا أكثر أهل مكة فكيف يتوهم بعد هذا صحة هذا القضية؟ قلت: هذا مردود من وجوه: الأول: أن قول ابن عيينة ما سمعت لا يفيد؛ الأشياء التي ما سمعها هو ولا غيره لا تعد ولا تحصى ولا يدل ذلك على عدم وقوعها. الثاني: أن الذي شاهد هذه القضية لا يلزم أن يجيء إلى ابن عيينة ويخبره بها حتى يستدل بعدم إخباره على عدم وقوعها. الثالث: أنه لم يقل: إني سألت عن هذا الأمر جميع أهل مكة، وسألت عنه ثم كشف فلم أجده وقع. الرابع: ما ذكرنا من أن نقل الإثبات إثبات، وهو مقدم على النفي، ولا سيما في ابن عيينة فإنه زائد، فالإثبات مقدم على النفي بإجماع الفقهاء والأصوليين والمحدثين، ولا سيما إذا كان المنكر الثاني لم يدرك بسبب الحادثة التي ينكرها وينفيها. فإن قلت: قال النووي: وكيف يصل هذا إلى الكوفة ويجهله أهل مكة؟ قلت: هذه غفلة عظيمة منه، وهذا القول منه مخالف لقول إمامه، فإنه حكى عنه ابن القاسم ابن عساكر أنه قال لأحمد وغيره: أنتم أعلم بالأخبار الصحاح منا، فإن كان خبر صحيح فأعلموني حتى أذهب إليه كوفيا كان أو بصريا أو شاميا، فهل قال: كيف إمامه ويقتضي ما قال ينبغي أن لا يكون خبره حجة حتى يعرض على أهل مكة والمدينة، فإذا لم يعرض لا يكون حجة، وهذا خلاف الإجماع مع ما فيه من مخالفة نص إمامه. والذي يدل على بطلان قوله أن عليا وأصحابه وعبد الله بن مسعود وأصحابه وأبا موسى الأشعري وأصحابه وعبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وجماعة من أصحابه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وسلمان الفارسي وعامة أصحابه، والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - انتقلوا إلى الكوفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] والبصرة ولم يبق بمكة إلا القليل وانتشروا في البلاد للولايات والجهاد وسمع الناس منهم ونشر العلم على أيديهم في جميع البلاد الإسلامية، ولا ينكر هذا إلا مكابر أو صاحب بدعة وعصبة. فإن قلت: قد قال النووي أيضا: فإن صح هذا فإنه يحمل على أن دمه غلب على الماء فغيره. قلت: هذا أيضا فاسد من وجوه. الأول: الغالب أن من وقع في الماء يموت من حينه ولا يخرج منه دم، فضلا عن أن يغلب على الماء فيغيره ولا سيما ماء زمزم لكثرته. الثاني: أنها لما نزحوها جاءتهم عين من الركن فغلبتهم فسدوها ونزحوها حتى انفجرت العين فقال: حسبكم، فكيف يتصور أن يغلب دم شخص واحد ماء زمزم حتى نزحوها مرة بعد أخرى. الثالث: قال الراوي: فمات فيها زنجي، فأمر ابن عباس بأن تنزح فجعل علة نزحها موته دون غلبة دمه كقولهم: زنى ماعز فرجم، علة قتله زناه وليست ردة ولا قتل نفس. فإن قلت: يحمل الأمر على الاستحباب. قلت: مطلق الأمر للوجوب. فإن قلت: جاءت الآثار في بئر زمزم لا تنزح ولا تردم. قلت: ليس في حديث ابن عباس وابن الزبير أنهما قدرا على استعمال الماء بالنزح حتى يكون مخالفا للآثار التي جاءت بأنها لا تنزح بل تنزح في رواية ابن أبي شيبة بأن الماء يقطع، وفي رواية البيهقي بأن العين غلبتهم حتى سدت بالقباطي والمطارف، وجعل السهيلي حديث الحسن مؤيدا لما روي في صفتها أنها لا تنزح. ثم نذكر تفسير ما وقع في هذا الموضع من الألفاظ التي يحتاج إلى تفسيرها، قوله: زنجي نسبة إلى الزنج، وهم خيل من السودان، وجاء فيه كسر الزاي، وفي رواية الطحاوي وغيره حبشي منسوب إلى الحبش وهم جنس من السودان مشهور. وقال السهيلي: بنو حبش بن كوش ابن حام بن نوح - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وجاءني في رواية الطحاوي: فوقع غلام في زمزم ويمكن أن يكون هذا الغلام زنجيا أو حبشيا. وزمزم بئر بمكة أصلها مزبير وهو أهل المصر ركضه جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. والمطرف بكسر الميم وفتح الراء وتضم أيضا، والجمع على مطارف، وهي أردية من حزمة لعدلها أعلام. والقباطي جمع قبط وهي الثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء، وكأنه منسوب إلى القبط، وضم القاف من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 ثم المعتبر في كل بئر دلوها التي يسقى بها منها، وقيل: دلو يسع فيه صاع، ولو نزح منها بدلو عظيم مرة مقدار عشرين دلوا جاز لحصول المقصود، فإن انتفخ الحيوان فيها أو تفسخ نزح جميع ما فيها صغر الحيوان أو كبر   [البناية] تفسير ابن وهب، في الثاني: وأما الناس فقبطي بالكسر. وقد فسر السروجي قبطية بالبرود وما عرفت هذا التفسير والذي ذكره أهل اللغة، وبه فسرها ابن الأثير في " النهاية ". وذكر السروجي أيضا الحديث الذي رواه الدارقطني والطحاوي الذي مر ذكره وفيه فدست بالقباطي، ثم قال: ومعنى دست أي سدت، قيل: الظاهر أنه تصحيف منه أو من الناسخ؛ لأن في روايتهما فدست من الدس لا أنه دسمت من الدسم. قلت: إنه ليس بتصحيف؛ لأنه جاء في اللغة ذكره الجوهري وغيره أن الدسم هو السد ومنه الدسام بالكسر وهو ما تسد به الأذن والجرح ونحو ذلك، تقول منه: دسمته أدسمه بالميم دسما والدسام السداد وهو ما يسد به رأس القارورة ونحوها. قوله: لا تذم أي لا يوجد ماؤها قليلا من قولهم بئر ذمة بكسر الذال المعجمة إذا كانت قليلة الماء. م: (ثم المعتبر في كل بئر دلوها التي يسقى بها منها) ش: أشار به إلى تفسير الدلو، فإنه ذكر مبهما فاحتاج إلى تفسيره وفسره بهذا لأنه أيسر عليهم ولأن الإطلاق في الآبار ينصرف إلى الدلاء المتعارفة في كل بئر لأنه أعدل وأهون. م: (وقيل: دلو يسع فيه صاع) ش: هذه رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقيل: دلو يسع خمسة أمناء، وقيل: أربعة، وقيل: منوين، وذكر الدلو أبين وإن لم تكن لها دلو يعتبر بدلو ثمانية أرطال في رواية. قلت: الصاع مكيال يسع أربعة أمداد، والمد مختلف فيه، فقيل: رطل وثلث بالعراقي، وبه يقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفقهاء الحجاز. وقيل: هو رطلان وبه أخذ أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفقهاء العراق فيكون الصاع خمسة أرطال وثلاث أو ثمانية أرطال وسيجيء مزيد الكلام فيه في كتاب الزكاة. م: (ولو نزح منها بدلو عظيم مرة مقدار عشرين دلوا جاز لحصول المقصود) ش: وهو نزح المقدار الذي قدره الشرع. وفي الأصل: إذا وقع في البئر فجاءوا بدلو عظيم تسع وعشرين دلوا فاستقوا به مرة واحدة أجزأهم، وهو أحب إلي، لأن القطر الذي يعود منه إلى البئر أقل، وعن الحسن أنه لا يطهر بمرة واحدة؛ لأن بتواتر الدلاء يصر الماء في المعنى الجاري. فقال: إن المعتبر القدر المنزوح ومعنى الجريان ساقط. م: (فإن انتفخ الحيوان أو تفسخ أخرج جميع ما فيها صغر الحيوان أو كبر) ش: يعني الحيوان الواقع في البئر إذا انتفخ أو تفسخ حتى تمزقت أعضاؤه نزح جميع ما فيها من الماء قوله: صغر بضم الغين ومضارعه كذلك فهو صغير وصغار، كبر بضم الباء أي عظم ومضارعه يكبر بالضم أيضا فهو كبير، وكبير كفعيل، وهو صفة مشبهة باسم الباء على ما إذا أفرط قيل: كبار بالتشديد، وما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 لانتشار البلة في أجزاء الماء، فإن كانت البئر معينا لا يمكن نزحها أخرجوا مقدار ما كان فيها من الماء، وطريق معرفته أن تحفر حفرة مثل موضع الماء من البئر ويصب فيها ما ينزح منها إلى أن تمتلئ أو ترسل فيها قصبة وتجعل لمبلغ الماء علامة ثم ينزح منها مثلا عشر دلاء، ثم تعاد القصبة فينظر كم انتقص فينزح لكل قدر منها عشر دلاء،   [البناية] كبر بكسر الباء فمعناه يكبر بالفتح وهذه المسألة يحاجج فيقال في أي موضع الحمل مع الحمل. م: (لانتشار البلة في أجزاء الماء) ش: البلة بكسر الباء الموحدة وتشديد اللام النداوة، والبلة بالفتح البلل وكلاهما يجوزها هنا وهو من باب نصر ينصر، وهذه تعليل لقوله: نزح جميع ما فيها، وذلك أن الحيوان عند الانتفاخ تنفصل منه بلة نجسة مائعة تنشر في الماء بمنزلة قطرة خمر أو بول تقسمها، ولهذا قال محمد: لو وقع فيها ذنب فأرة نزح جميع الماء؛ لأن موضع القطع لا ينفك عن نجاسة مائعة. م: (فإن كانت البئر معينا) ش: أي ذات عين جارية من قولهم: عين معيونة، وكان القياس أن يقال: معينة كما في بعض النسخ كذلك لأن البئر مؤنثة، وإنما ذكر بلفظ التذكير نظرا إلى اللفظ أو توهم أن فعيل بمعنى مفعول. وفي " الصحاح " ماء معين أي معيون من مفعول من عنيت الماء إذا حفرت واستنبطت وبلغت العيون. فإن قلت: الميم أصلية أو زائدة. قلت: ما ذكرته عن " الصحاح " يدل على أن الميم زائدة، ومنه يقال: بماء معين معيون وعان الماء أي بان، ولكنه ذكر في فصل الميم معنت الأرض أي رويت، وماء معين أي جار فعلى هذا الميم أصلية. م: (لا يمكن نزحها) ش: تفسير لقوله: معين، قاله تاج الشريعة: ويقال: صفة وهو الأصوب م: (أخرجوا مقدار ما كان فيها من الماء) ش: هذا جواب المسألة، وأشار بقوله مقدار ما كان فيها من الماء إلى أن الاعتبار للماء الذي كان زمن وقوع النجاسة. م: (وطريق معرفته) ش: أي طريق معرفة إخراج ما فيها من الماء م: (إن تحفر حفرة مثل موضع الماء من البئر، ويصب فيها ما ينزح منها إلى أن تمتلئ) ش: أراد من موضع الماء من البئر طولا وعرضا وعمقا، ويجصص على قول بعض المشايخ حتى لا تشرب الأرض الماء المصبوب فيها. م: (أو ترسل فيها) ش: أي في البئر م: (قصبة وتجعل لمبلغ الماء علامة ثم ينزح منها عشر دلاء ثم تعاد القصبة فينظر كم انتقص) ش: من ماء البئر م: (فينزح لكل قدر منا عشر دلاء) ش: حتى لا يبقى من القصبة شيء، حتى إذا كان طول الماء عشر قصبات انتقص عشر دلاء قصبة واحدة يعلم أن كل الماء بمائة دلو فينزح تسعون دلوا أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 وهذان عن أبي يوسف، وعن محمد نزح مائتا دلو إلى ثلاثمائة فكأنه بنى قوله على ما شاهده في بلده. وعن أبي حنيفة في " الجامع الصغير " في مثله ينزح حتى يغلبهم الماء ولم يقدر الغلبة بشيء كما هو دأبه،   [البناية] م: (وهذان عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي هذان الوجهان مرويان عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - نزح مائتا دلو إلى ثلاثمائة) ش: أي عند محمد ينزح مائتا دلو إلى ثلاثمائة دلو م: (فكأنه) ش: أي فكأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - بنى جوابه في المسألة المذكورة م: (بنى قوله على ما شاهد في بلده) ش: وهو ببغداد من كثرة الماء في آبارها لمجاورة دجلة، فالمائتان تكون من طريق الوجوب، والمائة الأخرى بطريق الاستحباب للاحتياط في أمور الدين، ولو قيل هذا نصب المقدر بالرأي، فجوابه قد مر في هذا الباب. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " في مثله) ش: أي روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مثل هذا الحكم المذكور (ينزح حتى يغلبهم الماء) ش: أي حتى يعجزوا والماء لا يبقى فحينئذ يسقط التكليف، لأنه يعتمد الإسقاط عنه. وفي " فتاوى الثعالبي " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا نزح مائتا دلو أو ثلاثمائة فقد غلبهم الماء وهو المختار، وقدره أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اشتراط الغلبة [على] قول علي وابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ذكره ابن المنذر قاله بعض الشراح. قلت: قال الطحاوي: حدثنا محمد بن حميد بن هشام الرعيني قال: حدثنا علي بن معبد قال: حدثنا موسى بن أعين عن عطاء وزاذان عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سقطت الدابة في البئر فانزحها حتى يغلبك الماء. ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا وكيع عن حمزة عن عطاء بن السائب عن زاذان عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الفأرة تقع في البئر قال: تنزح إلى أن يغلبهم الماء. م: (ولم يقدر) ش: أي أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الغلبة بشيء) ش: لأنها متفاوتة، وهذا هو ظاهر الرواية. قال قاضي خان: الصحيح عنه العجز وعنه التفويض إلى رأي المبتلى به، وعنه مائتا دلو، وعنه مائة دلو أفتى به في آبار الكوفة لقلة مائها. وفسر الأسبيجابي بالغلبة بمائتي دلو وثلاثمائة ذكره في " المحيط " وقاضي خان. وفي " المحيط " وفي رواية: مائتان وخمسون دلوا؛ لأن ماءها غالبا لا يتجاوز ذلك. م: (كما هو دأبه) ش: أي رأي أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي عادته، فإن عادته أن يفوض مثل هذا إلى رأي المبتلى به، كما فعل كذلك في تفسير البعرة الواقع الكثير حيث قال: هو ما يستكثره الناظر، وكما في حبس الغريم، وحد التقادم، وانقطاع حق الحضانة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 وقيل: يؤخذ في هذا الحكم بقول رجلين لهما بصارة في أمر الماء، وهذا أشبه بالفقه، وإن وجدوا في البئر فأرة أو غيرها ولا يدرى متى وقعت في البئر ولم تنتفخ أعادوا صلاة يوم   [البناية] فإن قيل: قدر أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مدة البلوغ بالسن ثمانية عشر للغلام، وسبع عشرة للجارية بالرأي، وكذا قدر موت الفأرة الواقعة في البئر يوم وليلة وقدر تفسخها ثلاثة أيام بالرأي. أجاب عنه السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأن الممنوع في المقادير التي تثبت لحق الله تعالى ابتداء دون المقادير المتردد بين القليل والكثير كالميل في التيمم كما ذكر في هذا الباب. فإن قلت: ما نحن فيه من قبيل ما تردد فيه بين القليل والكثير فكيف يتم ما ذكرتم من التعليل؟ قلت: أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما يقدر ما تردد بين القليل والكثير بالرأي إذا لم تمكن معرفته بالرجوع إلى أحوال بالاستقلال والاستكثار. أما إذا أمكن فلا كما فيما نحن بصدده، ألا ترى أنه جعل الشهر فيما فوق كثيرا وما دونه قليلا وصرف الحين والزمان إلى ستة أشهر والأيام والشهور والأعياد والسنين إلى عشر من صنف. م: (وقيل) ش: قائله أبو نصر بن محمد بن سلام م: (يؤخذ في الحكم بقول رجلين) ش: إذا قالا: ماء هذا البئر مائة دلو، أو مائتا دلو ولو نزح ذلك القدر؛ لأن الأخذ بقول الغير هو المرجح فيما لم يشتهر من الشرع فيه تقدير، قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] (النحل: الآية 43) كما في جزاء الصيد حيث قال: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] (المائدة: الآية 95) ، والشهادة حيث قال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] (الطلاق: الآية 2) . م: (لهما بصارة في أمر الماء) ش: هذه جملة من المبتدأ المتقدم والخبر وقعت صفة لرجلين و" البصارة" بفتح الباء الموحدة، وهو مصدر من بصر يبصر بضم الصاد وبصر بالشيء علمه، والبصير العالم، والمعنى لهما بصارة أي علم بأمر البئر وحذاقة وخبرة. م: (وهذا أشبه بالفقه) ش: أي بالمعنى المستنبط من الكتاب وسننه ففي الكتاب، الاثنان نصاب الشهادة الملزمة لما ذكرها، وفي البينة شاهدان أو يمينه، ويقال: معنى قوله: وهذا أشبه بالفقه، أي بقول الفقهاء حيث اعتبروا قول رجلين في قيم الأشياء. م: (وإن وجدوا) ش: أي أصحاب البئر أو المصلون م: (في البئر فأرة أو غيرها) ش: من الحيوان م: (ولا يدرى متى وقعت في البئر) ش: وهي جملة وقعت حال من الفأرة، والأوجه أن تكون صفة لفأرة، وقيد به لأنهم إذا علموا زمان الوقوع يحكم بالنجاسة من ذلك الوقت بالاتفاق، م: (ولم ينتفخ) ش: جملة وقعت حالا والواو فيه واو الحال. وقوله: ولم تنتفخ عطف على الجملة الحالية م: (أعادوا) ش: جواب المسألة أي أعاد أصحاب البئر والمصلون م: (صلاة يوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 وليلة إذا كانوا توضئوا منها وغسلوا كل شيء أصابه ماؤها، وإن كانت قد انتفخت أو تفسخت أعادوا صلاة ثلاثة أيام ولياليها، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: ليس عليهم إعادة شيء حتى يتحققوا أنها متى وقعت؛ لأن اليقين لا يزول بالشك وصار كمن رأى في ثوبه نجاسة، ولا يدري متى أصابته،   [البناية] وليلة إن كانوا توضئوا منها وغسلوا) ش: عطف على أعادوا، وليس بعطف على توضئوا م: (كل شيء) ش: كلام إضافي منصوب؛ لأنه مفعول غسلوا م: (أصابه ماؤها) ش: أي ماء هذه البئر والجملة صفة شيء. م: (وإن كانت الفأرة قد تفسخت أو انتفخت) ش: فإن قلت: إذا كان الحكم في الانفساخ م: (أعادوا صلاة ثلاثة أيام) ش: ففي التفسخ بطريق الأولى فما فائدة ذكره؟ قلت: لا شك أن مدة التفسخ تزيد على مدة الانتفاخ، فالفائدة في ذكره نفي الزيادة على ثلاثة أيام م: (ولياليها) ش: أعادوا صلاة أيام ولياليها لا غير. م: (وهذا) ش: أي هذا الحكم في الصورتين م: (عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وهذا لم يذكره في ظاهر الرواية، وإنما رواه الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كذا في " البدائع ". م: (وقالا: ليس عليهم إعادة شيء حتى يتحققوا أنها متى وقعت) ش: هذه الفأرة في البئر، وقوله: شيء، يتناول عدم إعادة الصلاة وعدم غسل كل شيء أصابه ماؤها م: (لأن اليقين لا يزول بالشك) ش: اليقين هو كون الماء طاهرا، والشك في نجاسته فيما مضى، واليقين لا يزول به فلا يحكم بالنجاسة إلا زمن اليقين بوقوعها؛ لأن اليقين يزول بيقين مثله، وهو الذي ذكره هو القياس؛ لأنه يحتمل موتها في البئر ويحتمل أن تقع فيها وهي ميتة بأن ألقتها الريح العاصف أو بعض السفهاء أو الصبيان أو ألقتها بعض أعداء الدين، أو بعض من لا يعتقد تنجيس ما بها لكثرته أو لعدم تغير لون الماء وطعمه وريحه بها أو بعض الطيور كما حكي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه كان يقول بقوله يعني أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أن رأى حدأة وهو جالس في بستانه في منقارها فاختة فطرحتها في بئر فرجع عن قوله، والأصل في الحوادث أن يضاف إلى أقرب الأوقات للشك في الاستناد، وذلك قبل وجودها في البئر. فإن قلت: هلا حكمتم الحال كما في جريان ماء الطاحون. قلت: مدة إجارة الطاحون معلومة فيجعل الماء حاجزا من أول مدة العقد إلى انقضاء المدة، وهاهنا ما قبله مجهول، وأيضا قد عارضة استصحاب الحال؛ لأن البئر كانت طاهرة، وأيضا ما ذكرناه ظاهر للدفع، وما ذكر من التحكيم للإيجاب والطاهر للدفع دون الاستحقاق والإيجاب. م: فصار كمن رأى في ثوبه نجاسة ولا يدري متى أصابته) ش: فإنه لا يلزم إعادة شيء من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن للموت سببا ظاهرا وهو الوقوع في الماء فيحال به عليه إلا أن الانتفاخ والتفسخ دليل التقادم فيقدر بالثلاث، وعدم الانتفاخ والتفسخ دليل قرب العهد فقدرناه بيوم وليلة؛ ما دون ذلك ساعات لا يمكن ضبطها.   [البناية] الصلاة بالاتفاق على الأصح ذكره الحاكم الشهيد وهو رواية بشر المريسي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره في " البدائع "، وكذا لو دخل المصلي حمامة في كمه ميتة ولا يدري متى ماتت أو رأت المرأة في كرسفها وما تدري متى نزل، وكذا لو مات المسلم وله امرأة نصرانية فجاءت مسلمة بعد موته وقالت: أسلمت قبل موته، وقال الورثة بعده فالقول لهم. م: (ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن للموت سببا ظاهرا وهو) ش: أي السبب الظاهر لموت الفأرة الواقعة في البئر م: (وهو الوقوع في الماء فيحال) ش: أي فصار الحكم وهو نجاسة الماء م: (به) ش: أي بالموت م: (عليه) ش: أي الوقوع، وإن احتمل أن يكون الموت بغيره؛ لأن السبب الموهم لا يضر في مقابلة السبب الظاهر كمن رأى إنسانا في عنقه حية ملفوفة يغلب على الظن أنها نهشته فقتلته كذا ذكره شمس الأئمة الكردري، وكمن جرح إنسانا فلم يزل صاحب فراش حتى مات، فإن الموت يضاف إلى الجرح، وإن احتمل أن يكون بسبب آخر كذا في " المبسوط "، وكذا لو وجد قتيل في محل يضاف القتل إلى أهلها، وإن احتمل أنه قتل في محل آخر ثم حمل إليها. م: (إلا أن الانتفاخ دليل التقادم) ش: هذا كأنه جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: لما كان الحكم يضاف إلى سبب ظاهر ما وجه التفصيل قريبا بالانتفاخ وعدمه، فأجاب عن ذلك بقوله: الانتفاخ دليل التقادم؛ لأن الحيوان لا يموت بمجرد الوقوع في البئر بل يضطرب ساعات ثم يموت فقدر يوم وليلة، في غير المنتفخ؛ لأن ما دون ذلك لا يتصور دركه، وبالثلاث في المنتفخ؛ لأن الانتفاخ دليل بعد العهد وتقادمه، وأدنى التقادم ثلاثة أيام ولياليها كما في الصلاة على الميت الذي دفن بلا صلاة عليه فإنه يصلى عليه قبل الثلاثة، وبعد الثلاثة لا يصلى؛ لأن التقادم يورث انتفاخ الميت. فإن قلت: ما هذا الاستثناء، وما المستثنى منه. قلت: ما تقدم وهو اليوم. م: (فيقدر بالثلاث) ش: أي بثلاثة أيام ولياليها م: (وعدم الانتفاخ والتفسخ دليل قرب العهد) ش: أي الزمان. م: (فقدرناه بيوم وليلة؛ لأن ما دون ذلك) ش: أي ما دون اليوم والليلة م: (ساعات لا يمكن ضبطها) ش: المراد من الساعات الأوقات لا الساعة الرملية فإنها مضبوطة بالرمل، والساعات جمع ساعة ويجمع على سياع أيضا والساعات عند أهل اللغة الوقت الحاضر، وأصلها سوعة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 وأما مسألة النجاسة فقد قال المعلى: هي على هذا الخلاف فيقدر بالثلاث في البالي وبيوم وليلة في الطري، ولو سلم فالثوب بمرأى عينه والبئر غائبة عن بصره فيفترقان.   [البناية] قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. م: (وأما مسألة النجاسة) ش: جواب عن قولهما في قياس مسألة البئر على مسألة من رأى في ثوبه نجاسة لا يدري متى أصابته، فأجاب أولا بطريق المنع وهو نظير قوله: وأما مسألة النجاسة المذكورة م: (فقد قال المعلى) ش: أي منصور الرازي تلميذ أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - روى عنهما "الست: و" الأمالي " وسمع هشاما وحماد بن زيد وغيرهما، وروى عنه محمد بن عبد الرحيم وعلي بن الهيثم في تفسير الأحزاب والبيوع و [ ...... ] في " صحيح البخاري " قال البخاري: مات ببغداد في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة ومائتين، ودخلت عليه سنة عشر ومائتين، ولم يتحدث عنه في الجامع بشيء، وأنا حدثت عن رجل عنه وكان في الورع وحفظ الفقه والحديث على جانب عظيم - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (هي على هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور في مسألة الفأرة م: (فيقدر بالثلاث في اليابس) ش: أي يقدر بثلاثة أيام ولياليها في العتيق، وأراد به النجاسة اليابسة م: (وبيوم وليلة في الطري) ش: أي يقدر يوم وليلة في النجس الطري قيل: إن المعلى قال هذا من ذات نفسه تفريقا على قياس قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل: رواه عن أبي يوسف عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وذكر ابن رستم في " نوادره " أن من وجد ميتا في ثوبه أعاد من آخر نومة نامها فيه للشك فيما قبله، ذكره في " المحيط " و" البدائع " يعيد من آخر ما احتلم فيه. وقيل في البول: يعتبر من آخر ما بال. وفي الدم من آخر ما رعف. وفي " المحيط " في الدم لا يعيد حتى يتيقن؛ لأن الدم قد يصيبه في الطريق بخلاف المني، فإن كان الثوب يلبسه هو وغيره فهو كالدم. وفي " البدائع " لو فتح حقة فوجد فيها فأرة ميتة ولم يعلم متى دخلت فيها، فإن لم يكن لها ثقب يعيد الصلاة من يوم وضع القطن منها، وإن كانت لها ثقب يعيدها ثلاثة أيام ولياليها عنده كما في مسألة البئر: قلت: مراده إذا كانت يابسة. م: (ولو سلم) ش: جواب بطريق التسليم بأن يقال: سلمنا أن الأمر كما قلتم، لكن بين الثوب والبئر فرق، أشار إليه بقوله: (فالثوب بمرأى عينه) ش: أي عينه، فلو كانت النجاسة أصابته قبل ذلك لعلم، والمرأى على وزن مفعل بالفتح اسم مكان الرواية م: (والبئر غائبة عن بصره فيفترقان) ش: أي حكم الثوب وحكم البئر أراد أن قياس البئر على النجاسة قياس بالفارق فلا يصح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 فصل في الأسآر وغيرها   [البناية] [فصل في الأسآر وغيرها] [سؤر الآدمي وما يؤكل لحمه] م: (فصل في الأسآر وغيرها) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الأسآر وغير الأسآر والمناسبة بين الفصلين، أعني هذا الفصل والفصل الذي قبله، وهو فصل البئر هي أنه لما بين أحكام ماء البئر من حيث وقوع الحيوانات فيها استدعى ذلك ذكر الأحكام المستنبطة بسؤرها. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مناسبة هذا الفصل لما تقدم من حيث إن بعض الأسآر مما يجوز به الوضوء، فاحتاج إلى ذكر الأسآر ليفصل ذلك النقص منها. قلت: ما تقدم هذا الفصل أنواع، وكان ينبغي أن يبين أي نوع منها يناسب ذكر هذا الفصل، والوجه ما ذكرناه. وقال السروجي: علم أن الماء القليل نجس بوقوع الحيوان النجس السؤر فيه فلا بد لنا من معرفة الأسآر وأنواعها وأحكامها. قلت: هذا أبعد من الأول؛ لأن تنجيس الماء القليل لا يقتصر على وقوع الحيوان النجس السؤر، وأيضا وجه المناسبة لا يراعى إلا بين الفصلين دون أن يراعى بين فصل وبين مسألة فصل عليه فقط، ثم السؤر مهموز العين اسم للبقية بعد الشرب، يعني بقية الماء التي أبقاها الشارب في الإناء، ثم عم استعماله فيه وفي الطعم. فإن قلت: إذا كانت السؤر اسما فما المصدر من هذا الباب، ومن أي باب هو؟ قلت: المصدر سأرا من سأر يسأر سأرا من باب فتح يفتح، ومعناه أفضل وهو فعل متعد، وفي " العباب " سئر يسأر إذ بقي، وسأر إذا أفضل فضلة والفعل على قوله الأول من باب علم يعلم والثاني من باب فتح يفتح كما ذكرنا. ثم قال في " العباب ": وأسأر بقية السؤر، يقال: إذا شربت فأسر أي أبق شيئا من الشراب في مغب الإناء، والفعل سأر على غير القياس سئر وأسأر وعلى هذا الوجه قول الأخطل: شارب ريح بالكؤوس ما رمى ... لاقى بالحصور ولا فيها يسأر ونظيره أخبره فهو خبار، وأدركه فهو دراك، وأقصر عن كفؤه نزع من القدرة فهو قصار، ويجوز من هذا كله مفعل على القياس. قلت: القياس مخبر ومدرك ومقصر ومنزع كما ذكره. وقال في " العباب " أيضا من همزة السورة من سؤر القرآن، فقال سؤرة جعلها بمعنى بقية من القرآن وقطعة. فإن قلت: لم ذكر المصنف السؤر بالجمع؟ قلت: لأن السؤر على أنواع، قال في " المبسوط " و" المحيط " و" الينابيع " و" البدائع " و" التحفة " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 وعرق كل شيء معتبر بسؤره، لأنهما يتولدان من لحمه   [البناية] والأسآر عندنا أنواع أربعة. وقال الأسبيجابي على خمسة أوجه، قالوا: نوع متفق على طهارته من غير كراهة كسؤر بني آدم مسلمهم، وكافرهم، صغيرهم، وكبيرهم، ذكرهم، وأنثاهم، طاهرهم، ونجسهم، حائضهم، وجنبهم، إلا في حال شرب الخمر، فإن سؤره نجس، فإن بلع ريقه ثلاث مرات طهر فيه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكذا سؤر ما يؤكل لحمه كالإبل والبقر والغنم. وهو نوع نجس وهو سؤر سباع البهائم. ونوع مكروه: وهو سؤر النمر. ونوع مشكوك فيه: كسؤر الحمار والبغل، وقال الأسبيجابي: النوع الخامس: سؤر الخنزير فإنه متفق على نجاسته والخلاف فيما عداه. قلت: هذا ممنوع، فإن مالكا وداود قالا بطهارته مع سؤر الكلب وكراهة سؤرهما. قوله: وغيرها أي وغير الأسآر كاللعاب والعرق وعرق كل شيء معتبر بسؤره. قال الأكمل: كان الواجب أن يقول: وسؤر كل شيء معتبر بعرقه؛ لأن الكلام في السؤر لا في العرق، وليس بصحيح؛ لأن المصنف أراد أن يبين في ضمن الأسآر العرق، فلو قال: وسؤر كل شيء معتبر بعرقه لوجب أن يقول بعده عرق الآدمي كذا وعرق الكلب كذا وعرق الخنزير كذا، وكان الفصل إذ ذاك للعرق لا للسؤر. قلت: القائل في قوله: "قيل" هو السغناقي، فإنه قال في شرحه، فإن قلت: كان من حق الكلام أن يقول: وسؤر كل شيء معتبر بعرقه؛ لأن الكلام في السؤر لا في العرق، فحقه أن يجعل السؤر مقيسا عليه. ثم قال: قلت: نعم كذلك إلا أنهما لما كانا متولدين من أصل واحد لا مفاضلة لأحدهما على الآخر، كان كل واحد منهما بنية الآخر مقيسا ومقيسا عليه، وذكر في " الإيضاح " هكذا، وتبعه صاحب " الهداية ". وقال صاحب " الدراية ": م: (وعرق كل شيء معتبر بسؤره) ش: أي حكمهما واحد لا مفارقة بينهما إلا أن يكون أحدهما مقيسا والآخر مقيسا عليه. م: (لأنها يتولدان من لحمه) ش: قلت: كلام المصنف ألطف من الأكمل؛ لأن المصنف أراد أن يبين في ضمن الأسآر العرق، فليس كذلك لأن المصنف بين العرق قصدا، وكيف بيانه في ضمن الأسآر وقد فتح هذا الفصل ببيان العرق حيث قال: وعرق كل شيء معتبر بسؤره، فجعل العرق مقيسا والسؤر مقيسا عليه، فلزم من ذلك بيان المقيس عليه حتى يعلم المقيس وبين ذلك بقوله: وسؤر الآدمي. . إلخ. ولا يرد عليه النقض بسؤر الحمار لأنه مشكوك فيه، وعرقه طاهر لأن الشك في طهوريته لا في طهارته، وقول الأكمل أيضا: وكان الفصل إذ ذاك للعرق لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] للسؤر، ليس كذلك لأن الفصل غير مخصوص بالسؤر، ألا - ترى كيف قال المصنف: فصل في الأسآر وغيرها، أي وغير الأسآر وهو العرق واللعاب والدمع. وأما قول السغناقي: إلا أنهما لما كانا متولدين من أصل واحد. . إلى آخره، فليس كذلك. وأما كون تولد العرق من اللحم فظاهر، وأما تولد السؤر منه فليس كذلك؛ لأن السؤر بقية الماء الذي يبقيها الشارب كما ذكرنا، فمن أين يتولد من اللحم. غاية ما في الباب أنه يمتزج باللعاب، والدليل عليه ما قاله صاحب " الهداية " على ما يجيء. وسؤر الآدمي ما يؤكل لحمه طاهر، لأن المختلط باللعاب أي: المختلط بالسؤر اللعاب وقد تولد من لحم طاهر، ولكن أيضا ناقض كلامه؛ لأنه ذكرها هنا أن السؤر مختلط به اللعاب وذكر فيما قبله على ما يجيء لأنهما متولدان من لحمه، والسؤر لا يتولد من اللحم وهذا لا خفاء فيه، وإنما يمتزج من اللعاب وهو متولد من اللحم. وأما قول صاحب " الدراية ": إلا أن يكون أحدهما مقيسا والآخر مقيسا عليه؛ لأنهما متولدان من اللحم فغير موجه أصلا لما ذكرنا من أن السؤر لا يتولد من اللحم، فإذا كان كذلك صار حكم أحدهما مقيسا، وحكم الآخر مقيسا عليه. وقال تاج الشريعة: وعرق كل شيء معتبر بسؤره، يعني يقاس العرق على السؤر مرة، ويقاس السؤر على العرق مرة أخرى، وعلى هذا ينبغي أن يكون عرق الحمار مشكوكا فيه، لكن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما ركب الحمار معروقا حكم بطهارته. وقال الأترازي: في هذا الموضع وكان الأولى أن يقول المصنف: "وسؤر كل شيء معتبر بعرقه" لأن الفصل بيان للسؤر لا للعرق. قلت: ادعاء الأولوية بطريق لا يجديه لما ذكرنا، وقال السروجي: قال في "المنافع" ثم الأصل أن ما يكون لعابه طاهرا يكون معتبرا به، وهذا أوجه من قول صاحب " الهداية ": وعرق كل شيء معتبر بسؤره، لوجوه ثلاثة: أولها: أن الفصل في السؤر وهذا إنما يعتبر باللعاب بحسب طهارته ونجاسته، فلا يناسب ذكر العرق هاهنا. ثانيا: أن حكمها مأخوذ من غيرها وهو اللحم. فلا يؤخذ حكم أحدهما من صاحبه. وثالثها: أن عرق البغل أو الحمار طاهر في المختار بلا شك، وسؤرهما مشكوك فيه في الصحيح. قلت: في كل من الوجوه الثلاثة نظر: أما الأول، فقوله: "الفصل في السؤر" ليس كذلك، لأنا قلنا: إنه في السؤر والعرق. وأما الثاني: فقوله: إن حكمهما مأخوذ من غيرهما وهو اللحم، غير صحيح؛ لأن السؤر غير مأخوذ من اللحم كما ذكرناه. وأما الثالث: فلأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] طهارة عرقهما للحرج كما ذكرنا في " المبسوط " و" الذخيرة ". عرق البغل والحمار ولعابهما طاهر في الصحيح. وذكر في " الذخيرة " عن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: لو سقط لعابهما أو عرقهما في الماء أفسده، أراد أنه لا يبقى طهورا، وروى الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن عرق الحمار ينجس الماء، وعنه أن لعابهما وعرقهما نجس نجاسة حقيقية. وروى الكرخي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن سؤر الحمار نجس لأنه لا يخلو عن قليل دم لما يلحقه من التعب وحمل الأثقال. وفي " المفيد " أن لعابه ينجلب من لحمه فيكون فيه قليل دم لتخلله من اللحم الممتزج بالدم، إلا أنه سقط في حق الآدمي للحرج كيلا يتنجس مأكوله ومشروبه، وكذا ما يؤكل لحمه إلحاقا به. ومن المشايخ من قال بنجاسة سؤر الحمار دون الأتان لأن الحمار يتنجس فمه بشم البول. قال في " البدائع ": هذا موهوم فلا يتنجس. قال قاضي خان: الأصح أنه لا فرق بينهما، وقال قاضي خان: في لعابه وعرقه ثلاث روايات عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: نجس نجاسة غليظة، وفي رواية أخرى: حقيقة، وفي رواية أخرى: لا يمنع جواز الصلاة وإن فحش وعليها الاعتماد، وفي " جامع البرامكة " عن أبي يوسف أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: لعاب ما لا يؤكل لحمه من الدواب وعرقه يفسد الثوب إذا زاد على قدر الدرهم، فجعل نجاسة غليظة، وهذا يوافق رواية الكرخي عنه، وعن أبي يوسف: لا يفسده حتى ينجس. وفي " المحيط ": عرقهما ولعابهما لا يفسدان الثوب وإن فحشا للشك. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يفسدانه إذا فحشا للنجاسة اعتبارا بلحمهما. وفي " المنتقى " عن محمد أن لبن الأتان كلعابها وعرقها يفسدان الماء دون الثوب. وذكر أبو عبد الله البلخي أن سؤرهما نجس عند الحسن وزفر نجاسة خفيفة. قال قاضي خان: هذه رواية عن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل: إذا نزى الحمار على الرمكة لا يكره لحم البغل المتولد بينهما، عن محمد فعلى هذا لا يصير الماء بسؤره مشكوكا فيه لأنهما قال الشراح: أي لأن اللعاب والعرق. وقال السغناقي: ذكر ضمير اللعاب وإن لم يذكر قبله؛ لأن السؤر هو مخالطة اللعاب فكان ذكر السؤر ذكرا له فصلح ذكر ضميره، وتبعه الأكمل في هذا وقال الأترازي: لا يقال كيف رجع الضمير إليهما واللعاب غير مذكور؛ لأن الشهرة قائمة مقام الذكر لأن السؤر لما كان ممتزجا باللعاب صار ذكر السؤر كذكر اللعاب. قلت: هو ولأنه من إعادة الضمير إلى العرق والسؤر المذكورين مما قبله لأجل أن السؤر لا يتولد من اللحم، وقد صرح السغناقي وغيره أن السؤر متولد من اللحم على ما ذكرنا من قريب. وقولهم: إن ذكر السؤر ذكر اللعاب غير ظاهر لأن هذا بطريق اللزوم والاقتصار أو بطريق أن السؤر يطلق على اللعاب. وقول الأترازي: لأن الشهرة قائمة مقام الذكر. أقله ظهورا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 فأخذ أحدهما حكم صاحبه، قال: وسؤر الآدمي، وما يؤكل لحمه طاهر؛ لأن المختلط به اللعاب وقد تولد من لحم طاهر فيكون طاهرا ويدخل في هذا الجواب الجنب   [البناية] ذلك، وأي شهرة موجودة من ذلك حتى يقوم مقام الذكر بل ظاهر التركيب يدل على أن الضمير يرجع إلى العرق والسؤر، ولكن يلزم التناقض في كلامه، وقد ذكرناه عن قريب ويمكن دفع ذلك بأن نقول: إن قوله: لأنهما يتولدان من اللحم أي إطلاق تولد السؤر من اللحم يكون بطريق أن السؤر يمتزج به اللعاب، فبهذا الاعتبار كأنه يتولد من اللحم. م: (فأخذ أحدهما حكم صاحبه) ش: أي أخذ العرق والسؤر، وهاهنا لم يقل أحد منهم إن الضمير في أحدهما يرجع إلى اللعاب والعرق. م: (وسؤر الآدمي وما يؤكل لحمه طاهر لأن المختلط به) ش: أي بالسؤر م: (اللعاب وقد تولد من لحم طاهر فيكون طاهرا) ش: فيقال: سؤر الآدمي وما يؤكل لحمه طاهر، لأنه مختلط بلعاب متولد من طاهر، وكل لعاب متولد من طاهر طاهر فالسؤر المختلط به طاهر. م: (ويدخل في هذا الجواب) ش: أي في جواب المسألة المذكورة، وهو ثبوت طهارة سؤر الآدمي م: (الجنب) ش: لأنه آدمي، والجنابة لا تؤثر في ذلك. قال الشراح: لما «روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فمد يده ليصافحه فقبض يده، وقال: إني جنب، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المؤمن لا ينجس» ولم يبين أحد منهم مخرج هذا الحديث. والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه ولفظ مسلم «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقيه وهو جنب فحار عنه فاغتسل ثم جاء، فقال: كنت جنبا، قال: "إن المسلم ليس بنجس» ، ولفظ أبي داود «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لقاه فأهوى إليه، فقال: إني جنب، فقال: "إن المسلم ليس بنجس» . وفي الباب عن أبي هريرة وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أما حديث أبي هريرة فأخرجه الجماعة بألفاظ مختلفة، ولفظ البخاري عن أبي هريرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب قال فاستحييت منه فذهبت فاغتسلت ثم جئت فقال أين كنت يا أبا هريرة قال كنت جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة قال سبحان» . ولفظ النسائي كذلك، ولفظ مسلم: «المؤمن لا ينجس» ، وكذا ابن ماجه، ولفظ أبي داود والترمذي: «إن المسلم لا ينجس» . وأما حديث ابن عباس فأخرجه الحاكم عنه قال: قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تنجسوا موتاكم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 والحائض، والكافر وسؤر الكلب نجس، ويغسل الإناء من ولوغه ثلاثا   [البناية] فإن المسلم ليس بنجس حيا ولا ميتا» . وقال الحاكم: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه. [سؤر الحائض] م: (والحائض) ش: بالرفع عطفا على قوله الجنب، والدليل على ذلك حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قالت: «كنت أشرب وأنا حائض فأناول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيضع فاه على موضع في فيشرب» . أخرجه مسلم، وأبو داود وابن ماجه. وممن قال بطهارة سؤر الجنب: الحسن البصري، ومجاهد، والزهري، ومالك، والأوزاعي، والثوري، والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وروي عن النخعي أنه يكره فضل شرب الحائض، وقد روي عن جابر أنه سئل عن سؤر الحائض هل يتوضأ منه للصلاة فقال: لا. ذكر ذلك كله ابن المنذر في " الأشراف ". فإن قلت: كان ينبغي أن ينجس الماء بشرب الجنب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لسقوط الفرض به. قلت: هذا تعليل في مقابلة النص، فلا يجوز على أنه في مكان الضرورة، فلا يصير مستعملا للحرج. وقال خواهر زاده: ولأنه يشربه ولا محذور في السؤر. م: (الكافر) ش: طاهر أيضا لما ثبت في " الصحيحين «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكن ثمامة بن أثال من أن يمكث في المسجد قبل إسلامه» فلو كان نجسا لما مكنه من ذلك. فإن قلت: قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] (التوبة: الآية 27) ، قلت: النجاسة في اعتقادهم لا في ذاتهم. وقال ابن المنذر: وكان ممن لا يرى بسؤر الكافر بأسا: الأوزاعي، والشافعي، والثوري، وأبو ثور، ولا أعلم أحدا كره ذلك إلا أحمد، والحسن، فإنهما قالا: لا ندري ما سؤر المشرك. [سؤر الكلب] م: (وسؤر الكلب نجس) ش: وقال مالك وداود: طاهر، وإن ولغ في لبن أو سمن فلا بأس بأكله. ونقل الطحاوي: وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اختلاف العلماء أنه كان يرى الكلب من أهل البيت. م: (ويغسل الإناه من ولوغه ثلاثا) ش: أي ثلاث مرات. والولوغ من ولغ الكلب في الإناء بفتح اللام فيهما إذا شرب بأطراف لسانه. وعن ثعلب أنه يقال: يالغ بكسر اللام، ولكنها غير الصحيح، وتبعه على ذلك أبو علي وابن سيده، وابن القطان عنه، وأبو حاتم الأسبيجابي وسكن بعضهم اللام، وقال ابن جني: مستقبله يلغ بفتح اللام وكسرها، وفي مستقبل ولغ بالكسر يلغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا»   [البناية] بالفتح، وزاد ابن القطان: ويلغ بكسر اللام كما في الماضي. وقال ابن خالويه: ولغ يلغ ولغا ولغانا، وولغ ولغا وولوغا ولغانا، قال أبو زيد: يقال ولغ الكلب بشرابنا وفي شرابنا ومن شرابنا. قال ابن الأثير: وأكثر ما يكون الولوغ في السباع. وابن فورك: كل ولغ شرب وليس كل شرب ولوغا والشرب أعم، ولا يكون الولوغ إلا للسباع، وكل من يتناول الماء بلسانه دون شفتيه، فإذن الولوغ صفة من صفات الشرب يختص بها اللسان، والشرب عبارة عن توصيل المشروب إلى محله من داخل الفم، ألا ترى أنه يقال: شربت الماء الشجر والأرض، والمصدر من ولغ الكلب الولوغ بالضم. قال الخطابي: وإذا أكثر فهو الولوغ بالفتح. وقال الترمذي: الولوغ الولغ من الكلاب والسباع كلها، هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع يحركه تحريكا قليلا أو كثيرا، وقال مكي في شرحه: فإن كان غير مائع يقال: لعقته ولحسته، قال المطهر: فإن كان الإناء فارغا يقال له لحس، وإن كان فيه شيء يقال: ولغ، وقال ابن درستويه معنى ولغ قطعه بلسانه شرب منه أو لم يشرب، كان فيه ماء أو لم يكن، ولا يقال: ولغ في شيء من جوارحه سوى لسانه. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا) ش: هذا الحديث رواه أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من طريقين الأول أخرجه الدارقطني في "سننه" عن عبد الوهاب ابن الضحاك عن إسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا أو خمسا أو سبعا» . الثاني: أخرجه ابن عدي في "الكامل" عن الحسين بن علي الكرابيسي حدثنا إسحاق الأزرق حدثنا عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه وليغسله ثلاث مرات» . فإن قلت: قال الدارقطني: تفرد به عبد الوهاب بن الضحاك عن ابن عياش وهو متروك وغيره يروى عن ابن عياش بهذا الإسناد «فاغسلوه سبعا» وهو الصواب، وقال البيهقي: في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] إسناده إسماعيل بن عياش وهو لا يحتج به وأنه إذا روى عن أهل الحجاز. قلت: ظاهر هذا الكلام، وإطلاق القول وأنه لا يصح الاحتجاج به وأنه إذا روى عن أهل الحجاز كان أشد في عدم الاحتجاج به، وعلى هذا قد خالف البيهقي ما ذكره هاهنا في باب ترك الوضوء من الدم، وقال: ما روى عن الشاميين صحيح، وقال القدوري في "تجريده": إن قولهم عبد الوهاب بن الضحاك عن إسماعيل بن عياش وهما ضعيفان غير معتد به حتى يبينوا صفة الضعف، فإن الجرح المبهم غير معتبر. قلت: يلزم من كلام البيهقي أيضا أن يكون الراوي ثقة من وجه دون وجه، وهذا لا يصح، ومع هذا روى الدارقطني هذا الحديث بسند صحيح من حديث عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة: «إذا ولغ الكلب في إناء فأهرقوه، ثم اغسلوه ثلاث مرات» . وروي أيضا من حديث عطاء عن أبي هريرة أنه كان إذا ولغ الكلب في الإناء يهرقه ويغسله ثلاث مرات. وروى الطحاوي أيضا بإسناد صحيح. فإن قلت: قال البيهقي: تفرد به عبد الملك من بين أصحاب أبي هريرة والحفاظ الثقات من أصحاب عطاء وأصحاب أبي هريرة يروونه سبع مرات وعبد الملك لا يقبل منه؛ لأنه يخالف فيه الثقات، ولمخالفة أهل الحفظ والثقة في زمانه تركة ربيعة ولم يحتج به البخاري في " صحيحه ". وقد اختلف عليه في هذا الحديث فمنهم من يرويه عنه مرفوعا، ومنهم من يرويه عنه موقوفا على أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من قولهم: ومنهم من يرويه عنه من فعله، وقد اعتمد الطحاوي على الرواية المتواترة فيه في نسخ حديث السبع، وأن أبا هريرة لا يخالف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما يرويه عنه، وكيف يجوز ترك رواية الحفاظ الأثبات من أوجه كثيرة لا يكون مثلها غلطا رواية واحد قد عرفت مخالفته الحفاظ في بعض الأحاديث. قلت: هذا تحامل منه؛ لأن الحديث الذي رواه الطحاوي صحيح، وكذلك رواه الدارقطني عنه صحيح، وقال في " الإمام ": هذا مسند صحيح، ورواه ابن عدي أيضا عن عبد الملك كما ذكرناه، وعبد الملك قد أخرج له مسلم في "صحيحه". وقال أحمد والثوري: زين الحفاظ. وعن الثوري: هو ثقة متفق عليه. وقال أحمد بن عبد الله: ثقة ثبت في الحديث. ويقال: كان الثوري يسميه الزمان، ولا يلزم من ترك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 ولسانه يلاقي الماء دون الإناء، فلما تنجس الإناء من ولوغه فالماء أولى،   [البناية] الاحتجاج به أن يترك قوله وتشنيعه على الطحاوي بأنه اعتمد على الرواية الموقوفة في نسخ حديث السبع باطل؛ لأنه لما صح عنده هذه الرواية حمل رواية السبع على النسخ توفيقا بين الكلامين وتسحينا للظن في حق أبي هريرة ولا سيما وقد تأكدت الرواية الموقوفة بالرواية المرفوعة. وروى عبد الرزاق في "مصنفه" أيضا عن ابن جريج قال: قال لي عطاء: يغسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب، قال: كل ذلك لك سبعا وخمسا وثلاث مرات. فإن قلت: قال البيهقي: وقد روى حماد بن زيد عن أبيه عن ابن سيرين عن أبي هريرة فتواه بالسبع كما رواه، وفي ذلك دليل على خطأ رواية عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة في الثلاث، بل يحتمل أن يكون فتواه بالسبع قبل ظهور النسخ عنده أو يكون ذلك بطريق الندب و [من] يخطئ عبد الملك مخطئ. وقد روي عن أبي هريرة مرة واحدة أيضا. قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة في الهر يلغ في الإناء قال: غسله مرة واحدة، وإسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح. فهذا أدل دليل على ثبوت انتساخ السبع عنده، وأن مراده في رواية الثلاث هو أن يكون على الندب والاستحباب. وقال الطحاوي: ولو وجب أن يعمل بحديث السبع ولا يجع منسوخا لكان ما روى «فليغسله سبع مرات وعفروا الثامنة بالتراب» ، فهذا زاد على أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والزائد أولى من الناقص فكان ينبغي لهذا المخالف أن يقول: لا يطهر الإناء حتى يغسل ثمان مرات السابعة بالتراب والثامنة كذلك لما أخذنا بحديثين جميعا، فإن يترك هذا الحديث فقد لزمه ما ألزمه خصمه في ترك السبع، وإلا فقد بينا أن أغلظ النجاسات يطهر فيها الإناء بغسل ثلاث مرات فما دونها أحق من أن يطهره ذلك. فإن قلت: قال ابن الجوزي في " العلل المتناهية " في حديث الكرابيسي بعد أن رواه هذا حديث لا يصح لم يرفعه غير الكرابيسي، وهو ممن لا يحتج بحديثه. قلت: قال ابن عدي بعد أن رواه: لم أجد له حديثا منكرا غير هذا، وإنما عليه أحمد بن حنبل من جهة اللفظ بالقرآن، فأما في حديث فلم أر به بأسا؟ م: (ولسانه يلاقي الماء دون الإناء، فلما تنجس الإناء من ولوغه فالماء أولى) ش: أي لسان الكلب يلاقي الماء الذي في الإناء ولا يلاقي الإناء فلا ينجس الإناء من ولوغه، وقد انعقد الإجماع على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 وهذا الحديث يفيد النجاسة والعدد في الغسل،   [البناية] وجوب غسل الإناء بولوغه، فالماء أولى بالتنجس بدلالة الإجماع. وقال الأكمل: قيل يجوز أن يكون المراد بولوغ الكلب في الإناء لحسه فيكون لسانه ملاقيا للإناء، فلا يتم الاستدلال، وأجيب بأن الولوغ حقيقة في شرب الكلب وأشباهه المائعات بأطراف لسانه، والكلام في الحقيقة إذا لم تصرف عنها قرينة. قلت: هذا السؤال والجواب للسغناقي ولكن فيه نظر، لأن الولوغ هو اللط بلسانه شرب أو لم يشرب، وكان في الإناء مائع أو لم يكن. م: (وهذا الحديث) ش: أي قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا» م: (يفيد النجاسة) ش: أي نجاسة سؤر الكلب، وفيه نفي قول مالك، لأن سؤر الكلب طاهر عنده لكون الكلب طاهرا عنده. وذكر أصحابه عنه أربعة أقوال: طهارته، ونجاسته، وطهارة سؤر المأذون في الكلب ودوده وغيره، والرابع لابن الماجشون يفرق بين البدوي والحضري. ثم اختلف أصحابنا في الكلب، هل هو نجس العين كالخنزير أو لا، والأصح أنه ليس بنجس العين كذا في " البدائع "، وفي " الإيضاح ": فأما عين الكلب، فقد روي عن محمد أنه نجس، وكذا عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبعضهم قالوا: طاهر لأن طهارة جلده بالدباغ، وقال في فصل مسائل البئر: فأما الحيوان النجس كالكلب والخنزير والسباع ينزح كله لأنه نجس العين، ولهذا قالوا في كلب إذا ابتل وانتضح به على ثوب أكثر من قدر الدرهم لم تجز الصلاة فيه، وذكر في " قنية المنية ": الذي صح عندي من الروايات في " النوادر " و" الأماني " أن الكلب نجس العين عندهما، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليس بنجس العين، وفائدته تظهر في كلب وقع في بئر وخرج حيا فأصاب ثوب إنسان ينجس الماء والشرب عندهما خلافا لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والظاهرية يفعلون بظاهر الألفاظ الواردة في هذا الباب وحكموا بأشياء مخالفة للإجماع. فقال ابن حزم: فإن أكل الكلب في الإناء ولم يلغ فيه أو أدخل رجله أو ذنبه أو وقع كله فيه لم يلزم غسل الإناء ولا يهراق ما فيه البتة وهو طاهر حلال أكله، وكذا لو وقع الكلب في بقعة في الأرض، أو في يد إنسان أو لا مما لا يسمى إنسانا فلا يلزمه غسل شيء من ذلك ولا يهراق ما فيه. م: (والعدد في الغسل) ش: أي يقبل للعدد في غسل الإناء لأنه نص على الثلاث. فإن قلت: إفادة العدد بطريق الوجوب أو الاستحباب؟ قلت: بطريق الاستحباب لأن راوي الحديث المذكور هو أبو هريرة كما ذكرناه، وقد روي عنه بإسناد صحيح أنه قال: اغسله مرة واحدة، فدل على أن مراده في رواية الثلاث الندب والاستحباب؛ ويدل على هذا انتساخ السبع للعدد على ما نذكره إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اشتراط السبع، ولأن ما يصيبه بوله يطهر بالثلاث،   [البناية] وقد شنع ابن حزم هاهنا على أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأساء الأدب وقد قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يغسل الإناء من ولوغ الكلب إلا مرة واحدة، وأن كل ما في الإناء يهراق أي شيء كان، وهذا قول لا يحفظ عن أحد من الصحابة ولا من التابعين، واحتج له بعض مقلديه بأن أبا هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قد روي عنه أنه خالفه، وهو باطل؛ لأنه روى هذا الخبر الساقط عبد السلام بن حرب وهو ضعيف، وعلى صحة رواية شرط الثلاث فلم يحصلوا إلا على خلاف السنة وخلاف ما أعرضوا به عن أبي هريرة فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتبعوا ولا أبا هريرة الذي احتجوا به قلدوا. قلت: هذا كلام في غاية السخافة والتفاهة، لأن السخافة والتفاهة لم يقل فيه بالرأي ولا أحد من أصحابه، بل مذهبه أن يغسل ثلاث مرات كما أفتى به أبو هريرة، وكيف يقول: هذا قول لا يحفظ عن الصحابة، والحكم عن حديث عبد السلام بالسقوط ساقط باطل، وعبد السلام ثقة مأمون حافظ أخرج له الجماعة واعترض أيضا ابن قدامة [في المغني] علينا حيث قال: قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجب العدد في شيء من النجاسة إنما يغسل حتى يغلب على الظن نقاؤه من النجاسة، وفي الحديث الصحيح نص على السبع، وفي آخر خير بين الثلاث والخمس والسبع وحديثهم يرويه عبد الوهاب بن الضحاك وهو ضعيف. قلت: قد مر الجواب عن هذا في حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور فيما مضى. م: (وهو حجة على الشافعي في اشتراط السبع) ش: أي حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اشتراط السبع مرات في ولوغ الكلب في الإناء، وقد ذكرنا وجه ذلك، وقال بعضهم: وكان ينبغي أن يقول: وعلى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في عدم تنجيس الماء. قلت: لم يقل ذلك لأنه روي عنه ما يقتضي أنه النجاسة، وقال أصحابه: وإذا فرضنا الغسل بعد النجاسة فهل هو على الندب أو الوجوب، فيه روايتان، وكذلك في إلحاق الخنزير، وكذلك في اختصاص ذلك بالنهي عن اتخاذ الكلب أو تعميمه في جنس الكلاب، وأيضا هل يختص هذا الحكم بالماء أو بغيره أيضا؟ ففي رواية ابن القاسم في الماء خاصة، وفي رواية ابن وهب: إن إناء الطعام بمنزلة إناء الماء، وأيضا هل يراق الماء والطعام؟ فيه ثلاثة أقوال، إراقتها، وترك الإراقة فيها، وتخصيصها بالماء دون الطعام. وهل يغسل الإناء بالماء الذي ولغ فيه الكلب؟ فقال الغزوني من علمائهم: لا أعلم من أصحابنا نصا فيه، وحكى الشيخ أبو طاهر عن بعض أشياخه أنه ذكر أن المذهب على قولين في ذلك ثم عندهم: يغسل بجماعة الكلاب سبعا وللكلب الواحد إذا تكرر منه سبعا وقيل: سبعا سبعا. م: (ولأن ما يصيبه بوله يطهر بالثلاث) ش: أي: ولأن ما يصيبه بول الكلب من الثياب وغيرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 فما يصيبه سؤره وهو دونه أولى، والأمر الوارد بالسبع محمول على ابتداء الإسلام.   [البناية] يطهر بالغسل ثلاث مرات. قال الأترازي: أي بالإجماع وفيه نظر؛ لأن عند الشافعي بوله ودمه نجس منه لا يطهر إلا بالغسل سبعا، ذكره في " التهذيب " وفي " شرح الوجيز ": سائر فضلاته وأجزائه كلعابه، وفي وجه كسائر النجاسات. فإن قلت: الحديث لا يدل على نجاسة لعابه لجواز أن تكون نجاسة الإناء باستعمال النجاسة غالبا لأكله الجيف والميتات. قلت: إذا فرضنا لتطهر دمه بماء كثير فوقع في الإناء فإما أن يثبت وجوب غسله أو لا، فإن لم يثب وجب تخصيص العموم، وإن ثبت لزم ثبوت الحكم بدون علته وكلاهما على خلاف الأصل. م: (فما يصيبه سؤره وهو دونه) ش: أي والحال أن سؤره دون بوله م: (أولى) ش: أي بالتطهير م: (والأمر الوارد بالسبع محمول على ابتداء الإسلام) ش: هذا جواب عما استدل به الشافعي بالأمر الوارد بالسبع. قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أراد بهذا ما رواه عبد الله بن مغفل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فكذا قال غيره من الشراح مع عدم تعيين الراوي، وعن قريب نذكر ما رواه ابن المغفل، والوجه أن يقال: أراد بالأمر الواقع الوارد بالسبع ما رواه أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات أولاهن وآخرهن بالتراب» . والحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم، أو وجه ذلك أن مراد المصنف بيان نسخ الأمر الوارد بالسبع، والخصم ما استدل إلا بحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذا. وفي حديث ابن المغفل ما هو حجة على ما بينه وهو أنه «روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أمر بقتل الكلاب ثم قال: "مالي وللكلاب" ثم قال: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات وعفروا الثامنة بالتراب» أخرجه الطحاوي هكذا، ولفظه: «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتل الكلاب ثم قال: "ما بالهم وبال الكلاب"، ثم رخص في كلب الصيد وكلب الماشية» وقال: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبع مرات وعفروا الثامنة بالتراب» . ورواه أبو داود نحوه والنسائي أيضا إلا أنه ليس في روايته: «مالي وللكلاب» ، وابن ماجه رواه مقتصرا على قوله: إذا ولغ الكلب. . إلخ، وهذا فيه الأمر بالغسل سبع مرات وتعفير الثامنة بالتراب، وقد تركه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولزمه ما ألزم هو خصمه في ترك السبع، وقد خصصنا فيه فيما مضى قوله: "عفروا"، قال صاحب " المطالع ": معناه اغسلوه بالتراب وهو من العفر بالتحريك وهو التراب، يقال: عفره بالتراب يعفره عفرا، وعفره تعفيرا أي إذا مرغته بشيء معفور ومعفر أي ترب. فإن قلت: ما الدليل على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 وسؤر الخنزير نجس لأنه نجس العين على ما مر، وسؤر سباع البهائم نجس خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما سوى الكلب والخنزير،   [البناية] قوله محمول على الابتداء إي ابتداء الإسلام. قلت: هو أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يشدد في أمر الكلاب حتى يمنعوا من الاقتناء، ونهاهم عن مخالطتهم كما أمر بكسر دنان الخمر، ثم ترك ذلك وقال: مالي وللكلاب، ثم رواية أبي هريرة وجه النسخ وقد ذكرناه. فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون المراد بغسل الإناء التعبد لا إزالة النجاسة كما ذهب إليه مالك قلت: الجمادات لا يلحقها حكم التطهير بعد إذ لا يوجب في غير موضع الإصابة كما في الحديث. فإن قلت: الحجر الذي يستعمل به في رمي الجمار أنه يغسل إذا رمي به ثانيا. الحجر آلة الرمي فجاز أن تعين الآلة بنقل نجاستها والآثام إليها كالماء المستعمل وما الزكاة. فإن قلت: لو كان للنجاسة لما احتيج إلى السبع، فإن لعابه لا يكون أنجس من العذرة وبول الإنسان والحمار. قلت: الحمل على التنجيس أولى لأنه متى دار الحكم بين كونه تعبدا أو معقول المعنى كان جعله معقول المعنى هو الوجه لندرة التعبد وكثرة العقل. [سؤر الخنزير وسباع البهائم] م: (وسؤر الخنزير نجس) ش: خلافا لمالك وداود، فإنه عندهما طاهر، ولكنهما ألحقاه بالكلب في العدد مع كونه تعبدا عندهما م: (لأنه نجس العين) ش: أي لأن الخنزير نجس العين فصار لحمه نجسا وللعاب يتولد منه والسؤر يمتزج به م: (على ما مر) ش: في باب الماء الذي يجوز به الوضوء عند قوله: "بخلاف الخنزير لأنه نجس العين". م: (وسؤر سباع البهائم نجس) ش: سباع البهائم كالأسد والنمر والذئب، والدب والفهد ونحوها م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي خالفنا نحن خلافا فيه للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فيما سوى الكلب والخنزير) ش: وما يتولد منهما، وبقوله قال مالك، وأحمد - رحمهما الله - ورواية ثم إن المصنف لم يذكر مستند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا من حيث النقل ولا من حيث العقل ولا مستند أصحابنا من حيث النقل. وأما مستند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حيث النقل في أحاديث: أحدها: ما أخرجه ابن ماجه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الحياض التي بين مكة والمدينة، فقيل له: إن الكلاب والسباع ترد عليها، فقال: "لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي شراب وطهور» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الثاني: ما أخرجه الدارقطني في " سننه " عن داود بن الحصين عن أبيه عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قيل: يا رسول الله أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال: "نعم وبما أفضلت السباع» ورواه البيهقي، والشافعي، وعبد الرزاق عن إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن الحصين عن أبيه. ورواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا من حديث ابن أبي ذئب عن داود بن الحصين عن جابر بن عبد الرحمن من غير ذكر أبيه. ثالثها: ما أخرجه ابن ماجه عن أبي مصعب المدني عن عبد الرحمن بن زيد عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعض أسفاره فسار ليلا فمر على رجل عند مقراة له، فقال له عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يا صاحب المقراة أولغت السباع الليلة في مقراتك؟ فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "يا صاحب المقراة لا تخبرنا هذا تكلف، لها ما حلمت في بطونها» . الرابع: ما رواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر وعن الطهارة بها، فقال: "لها ما حملت في بطونها ولنا ما بقي طهور". والخامس: ما رواه مالك عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا أحواضا فقال عمرو بن العاص: يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع؟ فقال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "يا صاحب الحوض لا تخبره فإنا نرد على السباع وترد السباع علينا". وأما سند الشافعي من حيث العقل فهو أنها طاهرة جلدها وحرمة أكل لحمه لصون طباع بني آدم عن تعدي طباعها بواسطة التعدي دون النجاسة. وأما مستند أصحابنا من حيث النقل فما رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله «أنه عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 لأن لحمهما نجس ومنه يتولد اللعاب، وهو المعتبر في الباب،   [البناية] السلام نهى عن كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور» والمراد بها الجوارح، فدل على أن كل ذي ناب حرام، نهي عن أكل كل ذي ناب حرام مع صلاحيته للغذاء لا لكرامته فيكون نجسا ولعابه متولد من اللحم النجس فيمزج بسؤره. وقد استدل السغناقي وصاحب " الدراية " لأصحابنا بحديث مالك المذكور فقالا: ولولا أنهما - يعني أن عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص - كانا يريان التنجيس بورودهما وإلا لم يكن لسؤال عمرو ولا عمر لنهي. والمعنى في المسألة أنها في سؤر السباع يمكن الاحتراز عنه فكان نجسا قياسا على الخنزير. وقد استدل بعض الشراح للشافعي بهذا الحديث كما ذكرناه. ولنا من حيث العقل، فقد أشار المصنف إليه بقوله: م: (لأن لحمهما) ش: أي لحم الكلب والخنزير م: (نجس ومنه يتولد اللعاب) ش: فيمتزج به السؤر، وفيه إيراد على المصنف وهو أنه يرى طهارة لحم الكلب وجلده بالذكاة وهو قول جماعة أيضا، وهاهنا تمسك بنجاسة السؤر بنجاسة اللحم، وقد ذكر أنه يطهر بالذكاة وكان نجسا بالمجاورة من الدماء والرطوبات النجسة فلزم أن يكون لعابه طاهرا، فإن لحم الشاة نجس أيضا بالمجاورة حتى لو لم يذك حكم بعدم تطهيرها. وأجيب عنه بأن اللحم وإن كان نجس العين يحتمل أن يتبدل إلى الطهارة بأمر شرعي، فإن جلد الميتة نجس العين حتى لم يجز بيعه بالاتفاق، ولو كان نجسا بالمجاورة لجاز بيعه كالثوب النجس والدهن النجس، ثم الدباغ أثر فيه وطهره كتخليل الخمر، فعلم أن ما هو نجس العين يحتمل التبدل إلى الطهارة بأمر شرعي، ثم الذكاة تؤثر في الجلد الذي هو نجس العين إلى الطهارة، فيجوز أن يؤثر في اللحم أيضا فيكون اللحم نجس العين قبل الذكاة وبعدها طاهر كالخمر قبل التخليل نجس العين وبعده طاهر، ولا يلزم على هذا الخنزير؛ لأن الذبح لما لم يؤثر في جلده لإخراج الشرع إياه عن قبوله ولم يؤثر في لحمه أيضا، فثبت أن طهارة اللحم بالذبح لا تنافي النجاسة قبله، وفيه نظر لأنه يؤدي إلى تخصيص العلة، لأن نجاسة اللحم إنما عرفت من حرمة الأكل لا للكرامة مع صلاحية الغذاء وهي باقية بعد الذكاة، فلو قلنا بطهارة اللحم مع بقاء الحرمة المستدعية للتنجيس كان نقضا وتخصيصا، وحرمة بيع جلد الميتة ليست بنجاسة العين بل باعتبار اتصال الرطوبات النجسة بالجلد. م: (وهو المعتبر في الباب) ش: أي الاستدلال بنجاسة اللعاب وطهارته المعتبرة في هذا الباب، وأراد بالباب نفس فقه هذا الموضع. وأما الجواب عن أحاديث الشافعي، فحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - معلول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بعبد الرحمن بن زيد، فعن أحمد والنسائي وأبي زرعة ضعيف، وعن أبي حاتم: ليس بقوي في الحديث، وكان في نفسه صالحا وفي الحديث أنه رواه، قال أبو داود: أولاد زيد بن أسلم كلهم ضعفاء وأمثلهم عبد الله، وأيضا يلزم الشافعي طهارة سؤر الكلب ولم يقل به. وحديث جابر فيه داود بن الحصين ضعفه ابن حبان، وهو لم يلق جابر أيضا، وحديثه عن طريقين: أحدهما: عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن إبراهيم بن يحيى عن داود بن الحصين. والثاني: عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن داود. قال النووي: الإبراهيمان ضعيفان عند أهل الحديث لا يحتج بهما، ثم قال: وإنما ذكرنا الحديث وإن كان ضعيفا لكونه مشهورا في كتب الأصحاب، وربما اعتمده بعضهم [ولذلك] نبهت عليه. وحديث أبي سعيد فيه عبد الرحمن هذا أيضا. وحديث مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه أيوب بن خالد الحراني، قال ابن عدي: حدث عن الأوزاعي بالمناكير. قوله: "يا صاحب المقراة"، بكسر الميم غير المهموز مأخوذ من قريت الماء الحوض قريا وقرى إذا أجمعته. وقال ابن الأثير: المقري والمقراة الحوض الذي يجتمع فيه الماء. وقال ابن سيال: هي الحوض العظيم يجمع الماء فيه. وقال الجوهري: المسيل والموضع الذي يجتمع فيه ماء المطر من كل جانب. وقوله: "ولنا ما غبر": بفتح الغين المعجمة والباء الموحدة أي ما بقي. ثم إنا ولئن سلمنا بثبوت هذه الأحاديث فهي محمولة على الماء الكثير، أوهي محمولة على ما قبل تحريمها، أو المراد به حمر الوحش وسباع الطير. وأما الجواب عن دليل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حيث العقل فهو أن الله تعالى حرم أكل كل نجس بنفسه كالخمر أو للمجاورة كما وقعت فيه نجاسة، أو للاحترام كما في الآدمي، ولا احترام للسباع ولا خبث فيها فإنها كانت تؤكل قبل التحريم، فلم يبق إلا النجاسة، ولا يجوز أن تكون الحرمة لتعدي الطبع، فإن الطبائع نفرت عنها بخلاف الخمر، ولما حرم أكلها علم أنها نجس، فعلى هذا ينبغي أن لا يجوز بيعها؛ لأنها نجس العين كالخنزير، ولكن الحرمة غير شاملة للجلد، والعظم، والشعر، والعصب، وما لا يؤكل منه طاهر فأشبه دهنا نجسا والمجاورة وجلده إنما يطهر بالدباغ؛ لأن بين الجلد وللحم جلدة يمنع مماسة اللحم للجلد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقد رد على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعضهم بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الحياض التي تكون في الفلوات وما استوى بها من السباع، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا» أخرجه الأربعة، فلو كان سؤر السباع طاهرا لم يكن لذكر هذا الشرط فائدة، وكان التقييد به ضائعا. وأجاب النووي عن هذا بأجوبة: أحدها: أنه تمسك بدليل الخطاب، قال: وهم لا يقولون به. وقال السروجي: ما قاله صحيح نحن لا نقول به، ولا نعتقد صحة هذا الحديث أيضا؛ لأنه مطعون فيه لكنهم زعموا أنه صحيح ومفهوم الشرط حجة عندهم، فنحن نلزمهم ما هو حجة عليهم عندهم. الثاني: أن السؤال كان الماء الذي ترده الدواب والسباع فتشرب منه وتبول فيه غالبا، وأجيب أنه لا يجوز تقييد التنجيس ببولها وحده لوجهين: أحدهما: أن ورود السباع على الماء للشرب لا للتبول فيه فلا يجوز ترك هذا الذي سبق الحديث لأجله. الثاني: أن كلمة "ما" عامة فلا تخصيص بالبول ويصرف عن غيره بلا دليل. الجواب الثالث: أن الكلاب من جملة ما يردهما فالتنجيس بسببها، ويدل على دخولها في ذلك أوجه: أحدها: أنه جاء في رواية الدواب، ورد عليه السروجي بأن لو كان التنجيس بسبب الكلاب دون السباع لم يكن لذكر السباع وترك الكلاب التي منها يفسد الماء عندهم معنى إذ الكلاب لم تذكر في المشهور، وأيضا لو سلم ذكرها في بعض الطرق لما كان لضم السباع فيها فائدة إذ كان فساد الماء بسبب الكلاب لا غير عندهم، وقوله: إنها من جملة الكلاب لا يصح، فإن من قال: فلان قتل سبعا لا يفهم منه قتل كلب، والأصل عدم الاشتراك والترادف. وقوله إنها داخلة في الدواب لذوات الحوافر كالفرس والبغل والحمار كانت داخلة فيها لا يجوز إخراج غيرها بلا دليل. قلت: إنكاره الكلب من السباع غير موجه؛ لأن السبع في اللغة كل حيوان مفترس، ولهذا ورد في الحديث: «السنور سبع» مع أن الكلب أقوى منه وأشد افتراسا، واستشهاده بقوله: فإن من قال. . إلخ، ليس تحته طائل؛ لأن هذا نجسا يعرف بين الناس، ودعواه بان قوله: "دخول الكلب في الدواب باطل" غير صحيحة، لأن الدابة في اللغة ما دب على الأرض. قال الجوهري: كل ما مشى على الأرض دابة ودبيب، والدابة التي تركب. وقوله: "لأن لذوات الحوافر كالفرس، والبغل، والحمار" غير موجه، لأن التخصيص لهذه الثلاثة من أين، والدابة منقولة عما يدب على وجه الأرض على ذوات الأربع من الحيوان، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 وسؤر الهرة طاهر مكروه وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه غير مكروه؛   [البناية] فيشمل الجمل وغيره. ثم اعلم أن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر نجاسة سؤر السباع، ولم يبين أن نجاسته حقيقية حتى يعتبر فيه الكثير أو غليظة يعتبر فيه أكثر من قدر الدرهم. وقد روى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية " الأصول " أنه نجس نجاسة غليظة. وروى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن سؤر ما لا يؤكل لحمه من السباع كبول ما لا يؤكل لحمه. [سؤر الهرة] م: (وسؤر الهرة طاهر مكروه) ش: عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - هذا لفظ " الجامع الصغير "، وأما لفظ "كتاب الصلاة": وإن توضأ بغيره كان أحب إلي. قال الأترازي: وفائدته أنه إذا توضأ به يجوز مع الكراهة إن كان يجد ماء مطلقا، وإن لم يجد فلا كراهة، وبقولهما قال طاووس وابن سيرين وابن أبي ليلى ويحيى الأنصاري، وهو المروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. فإن قلت: أهي كراهة تحريمية أم تنزيهية، قلت: قال الطحاوي: كراهة سؤرها لحرمة لحمها؛ وهذا يدل على أنه إلى التحريم أقرب. وقال الكرخي: كراهة سؤرها لأنها تتناول الجيف، فلا يخلو فمها عن نجاسة عادة، وهذا يدل على أنه كراهة تنزيهية وهو الأصح والأقرب إلى موافقة الآثار، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - غير مكروه، وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وأبو عبيدة، - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وفي " المغني " لابن قدامة: السنور وما دونها في الخلقة كالفأرة وابن عرس وغيرهما من حشرات الأرض سؤرها طاهر يجوز شربه والوضوء به ولا يكره، وهذا قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين من أهل المدينة والشام وأهل الكوفة وأصحاب الرأي إلا النعمان فإنه كره الوضوء بسؤر الهرة فإن فعل أجزأه. وفي " المبسوط " و" الذخيرة " تكره أن تلحس الهرة كف إنسان ثم يصلي قبل غسلها أو يأكل من بقية الطعام الذي أكلت منه لقيام ريقها بذلك. وفي " البدائع " لو أكلت فأرة وسكتت ثم شربت الماء تنجس عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - كشارب الخمر، وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا ينجسه، وقال قاضي خان: مكثت ساعة أو ساعتين. وفي " المفيد" أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم ينقل بطهارة فمها إذا غسلته بلعابها لاشتراط الصب في الأبدان عدة. وفي " الجامع الصغير " أسقط الصب للحرج م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه غير مكروه) ش: وعنه أنه لا يجوز الوضوء به، ذكره المرغيناني، ثم إن أكثر أصحابنا ذكروا قول مدحم مع أبي حنيفة رحمهما الله وكذا ذكر صاحب " المنظومة " وصاحب " الإيضاح " والمصنف، الأصح أن محمدا مع أبي يوسف، وروى محمد حديث مالك الذي يأتي ذكره إن شاء الله في " موطئه "، ثم قال محمد لا بأس بأن يتوضأ بفضل سؤر وغيره أحب إلينا منه، وهذا قول أبي حنيفة - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 «لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصغي لها الإناء فتشرب منه ثم يتوضأ به» .   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذكر في " المحيط " و" التحفة" و"قاضي خان " قول أبي يوسف مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصغي لها الإناء منه ثم يتوضأ به) ش: رواه الدارقطني في "سننه" من طريقين عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أحدهما عن يعقوب بن إبراهيم الأنصاري عن عبد ربه بن سعيد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تمر به الهرة فيصغي لها الإناء فتشرب منه ثم يتوضأ بفضلها» قال: ويعقوب هذا هو أبو يوسف القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعبد ربه هو عبد الله بن سعيد العنبري وهو ضعيف. والثاني: عن محمد بن عمر الواقدي بإسناده وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. . إلخ وفي الواقدي مقال، وأخرجه الطحاوي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أيضا، ولفظه «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "كان يصغي الإناء للهرة ويتوضأ بفضله» وفي إسنادة صالح بن حيان البصري المدني ضعيف متروك. وأخرجه الطبراني في "الأوسط" عن عائشة برجال موثقين، وروى أبو داود من «حديث داود بن صالح التمار عن أمة أن مولاتها أرسلتها بهريسة إلى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فوجدتها تصلي فأشارت إلي ضعيها، فجاءت هرة فأكلت منها، فلما انصرفت أكلت من حيث أكلت الهرة، فقالت "إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم، وقد رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ بفضلها» ورواه الدارقطني وقال: تفرد به عبد العزيز الدراوردي عن داود بن صالح عن أمه بهذه الألفاظ. وروى ابن ماجه والدارقطني من حديث حارثة عن عمرة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت «كنت أتوضأ أنا ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من إناء واحد قد أصابت منه الهرة قبل ذلك» وقال الدارقطني وحارثة لا بأس به، وأخرج ابن خزيمة في " صحيحه " عن سليمان بن مسافع بن شيبة الحجبي قال: سمعت منصور بن صفية بنت شيبة يحدث عن أمه صفية عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنها ليست بنجس إنها كبعض أهل البيت» يعني الهرة. وروى أبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 ولهما قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الهرة سبع»   [البناية] داود عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة «أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءا فجاءت هرة تشرب فأصغى لها الإناء حتى شربت قالت كبشة فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقلت نعم، فقال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات» وأخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ورواية أبي داود والترمذي "بالواو"، ورواية الدارمي. وروي الوجهان عن مالك، وروى هذا الحديث أيضا ابن حبان، والحاكم، والدارقطني، والبيهقي، والشافعي، وأبو يعلى، وحميدة بضم الحاء، وقيل: بفتحها بنت عبد بن رفاعة الأنصارية وابن أبي قتادة اسمه عبد الله، وأبو قتادة الحارث بن ربعي. فإن قلت: ابن مندة أعل هذا الحديث بأن حميدة وخالتها كبشة محلهما محل الجهالة ولا يعرف لهما إلا هذا الحديث. قلت: لا نسلم ذلك لأن لحميدة حديثا آخر تشميت العاطس رواه أبو داود، ولها ثالث رواه أبو نعيم وأما خالتها فإن حميدة روى عنها إسحاق بن عبد الله وهو ثقة عند ابن معين، وأما كبشة فقال: إنها صحابية، فإن ثبت فلا يضر الجهل بها. قوله: "فيصغي لها" أي أماله ليسهل عليها الشرب. قال الجوهري: صغى يصغو يصغى صغوا أي أمال، وكذلك صغى بالكسر يصغي صغا وصغاء وصغت النجوم مالت للغروب وأصغيت أنا أملت قوله: «ليست بنجس» بفتح النون والجيم يقال: فكل المستقذر نجس سبعة الجن. قوله: "فسكبت له وضوءا" بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به. قوله، "من الطوافين - " هم بنو آدم ويدخل بعضهم على بعض بالتكرار، والطوافات هي المواشي التي يكثر وجودها عند الناس مثل الغنم والبقر والإبل جعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الهرة من القبيلين، لكثرة طوافها واختلاطها بالناس، وأشار إلى الكثرة بصيغة التفضيل؛ لأنه للتكثير والمبالغة، وموصوف كل واحد من الطوافين والطوافات محذوف أقيمت الصفة مقامه تقديره من الخدم الطوافين والحيوانات الطوافات. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الهرة سبع) ش: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 والمراد بيان الحكم دون الخلقة والصورة إلا أنه سقطت النجاسة لعلة الطواف فبقيت الكراهة   [البناية] رواه أبو هريرة أخرجه عند الحاكم في " مستدركه " وقال: حديث صحيح ولم يخرجاه، ولكن لفظه «السنور سبع» ، وأخرجه الدارقطني أيضا بهذا اللفظ، ورواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في مسانيدهم بلفظ " الهرة سبع "، وكذا في رواية مختصرة للدارقطني قال وكيع: " الهرة سبع ". م: (والمراد به) ش: أي بهذا الحديث م: (بيان الحكم دون الخلقة والصورة) ش: لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث لبيان الأحكام لأن الحقيقة لا يحتاج فيها إلى البيان النبوي لعلم كل أحد من الحاكة والرعاة أن ذلك الشيء حجر وذاك مدر وذلك شجر إلى غير ذلك، وسبعية الهرة حقيقة ظاهرة يصبو بها الحشرات، فصار المراد منه أن الهرة حكمها حكم السبع فكان ينبغي أن يكون سؤرها نجسا كسؤر سائر السباع. م: (إلا أنه سقطت النجاسة لعلة الطواف) ش: المؤثر في التخفيف الدافع للحرج بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الهرة ليست بنجسة إنما هي من الطوافين والطوافات» م: (فبقيت الكراهة) ش: ولا يلزم من سقوط النجاسة سقوط الكراهة، وقد بين المصنف ذلك بقوله: "إلا أنه سقطت النجاسة لعلة الطواف" هذا كأنه جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: لما كانت الهرة سبعا كان ينبغي أن يكون سؤرها نجسا كسؤر سائر السباع، فأجابت بقوله: إلا أنه ... إلخ وقوله: "لعلة الطواف" يجوز أن يكون إشارة إلى ضرورة، فإن حكم النجاسة يسقط بها، ويجوز أن يكون إشارة إلى ما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - المذكور عن قريب الذي رواه أبو داود والدارقطني، وذكره السغناقي في شرحه، ولفظه روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها كانت تصلي وفي بيتها قصعة من هريسة فجاءت هرة وأكلت منها، فلما فرغت من صلاتها دعت جارات لها فكن يتحابين عن موضع فمها، فمدت يدها وأخذت موضع فمها وأكلت، وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم - يقول: "الهرة ليست بنجسة إنما هي من الطوافين والطوافات عليكم"، فما لكن لا تأكلن» . وهكذا ذكره الأكمل، وصاحب " الدراية " في شرحيهما ولم يتعرض أحد منهم إلى راويه ولا إلى مخرجه، ولا إلى هذه العبارة من ذكرها من أصحاب الحديث وليس عندهم إلا روى على أي وجه كان. وقال الأكمل: فإن قيل: حديث أبي هريرة يدل على النجاسة فهو محرم فلا يرجح، فالجواب أن حديث أبي هريرة معلول دون حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فيقوى حديث عائشة بقوة حالها وقوة دلالته تعارض الحرمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 وما رواه محمول على ما قبل التحريم   [البناية] قلت: حديث أبي هريرة أقوى لأن الحاكم وغيره من أئمة الحديث صححوه، وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رواه الدارقطني وقال: تفرد به داود بن صالح، وكذا قال الطبراني والبزار وقال: لا يثبت، والذي ذكره خارج عن صنعة أهل الحديث وعن اصطلاح الفقهاء أيضا. وكان ينبغي أن يرتب هذا السؤال والجواب من حديث أبي هريرة وحديث أبي قتادة، والذي رواه الإمام مالك وأخرجه الأربعة وصححه الترمذي. فنقول وبالله التوفيق: إن حديث أبي هريرة لا يلحق حديث أبي قتادة في القوة فلا يخرج عليه. فإن قلت: قال بعضهم قوله: «ليست بنجس» من قول أبي قتادة. قلت: قال ابن عبد البر هذا غلط، وروى الطبراني في " الصغير " من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن الحسين عن أنس قال: «خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أرض بالمدينة يقال لها بطحان فقال: "يا أنس اسكب لي وضوءا"، فسكبت له فلما قضى حاجته أقبل إلى الإناء وقد أتى هر فولغ في الإناء فوقف له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى شرب فذكرت له ذلك، فقال: " يا أنس إن الهر من متاع البيت لن يقذر شيئا ولن ينجسه» قال: تفرد به عمر بن حفص فبقيت الكراهة لأنه لا يلزم عن سقوط النجاسة سقوط الكراهة. فإن قلت: إنما يكون كذلك لورود ذلك النص قبل هذا النص. قلت: يراد من ذلك النص حرمة اللحم لكونه صريحا فيها ومن هذا النص كراهة السؤر. م: (وما رواه) ش: أي ما رواه أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - من فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصغي له الإناء ... الحديث م: (محمول على ما قبل التحريم) ش: أي تحريم الهرة، وذلك في وقت تحريم السباع. فإن قلت: من أين علم أن ما رواه أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان قبل التحريم. قلت: إذا اجتمع المبيح والمحرم في قضية ولا يعلم التاريخ فالعمل للمحرم، وقيل: إذا لم يعلم التاريخ يجعل كأنهما وردا أيضا وإضافة الحرمة إلى ما هو صريح في التحريم أولى، وبقيت الكراهة لقصور العلة؛ لأنه يمكن أن تحفظ الأواني عنها بحيلة بأن تسد أفواهها، ويقال: يحمل ما رواه أبو يوسف على أن الهرة التي كانت في بيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كانت تأكل الفأرة كرامة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأما غيرها فيحمل على أنها شربت عقيب أكل الفأرة، ويحتمل غير ذلك فكان مكروها، وكراهة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 ثم قيل: كراهته لحرمة لحمه، وقيل: لعدم تحاميها النجاسة وهذا يشير إلى التنزه، والأول إلى القرب من التحريم، ولو أكلت الفأرة ثم شربت على فوره الماء تنجس الماء إلا إذا مكثت ساعة لغسلها فمها بلعابها، والاستثناء على مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] سؤر الهرة يروى عن ابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وعطاء ومجاهد ويحيى بن سعيد وابن أبي ليلى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (ثم قيل: كراهته لحرمة لحمه) ش: قائله الإمام أبو جعفر الطحاوي أي كون كراهة سؤر الهرة لأجل أن لحمها حرام لأنها عدت من السباع. م: (وقيل لأجل عدم تحاميها النجاسة) ش: قائله الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني كراهة سؤرها لأجل عدم احترازها عن النجاسة؛ لأنها تأكل الفأرة والجيفة وفمها لا يخلو عن النجاسة عادة. م: (وهذا يشير إلى التنزه) ش: أي ما قاله الكرخي يدل على أن سؤرها مكروه كراهة تنزيهية وهو الأصح والأقرب إلى موافقة الحديث حيث قال فيه إنها ليست بنجس م: (والأول) ش: أي ما قاله الطحاوي م: (إلى القرب من التحريم) ش: وكلام المصنف أولا يدل على أنه أقرب إلى التحريم وبينهما تناقض ظاهر ويمكن دفعه بأن يقال: إن الحديث الذي فيه أنها ليست بنجس يدل على الطهارة. وقوله: - الهرة سبع - يدل على النجاسة فدار أمر سؤرها بين الشيئين فالكرخي قال: كراهة تنزيه أخذا بالحديث الأول ولم يقل بالطهارة مطلقا من غير كراهة لعدم تجانبها النجاسة والطحاوي أخذ بالثاني ولم يقل بحرمته مطلقا لمعارضة الحديث الأول إياه، وأشار بهذا إلى أن الحرمة الأصلية باقية لنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أكل كل ذي ناب من السباع. فإن قلت: كيف تقول الحرمة الأصلية باقية لنهيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنها ليست بنجس؟ قلت: إنما قال ذلك للضرورة؛ لأن لها حق الشرب من الأواني، ولهذا قال: إنها من الطوافين والطوافات وهم الخدم والمماليك ومن يخدم أهل البيت كما ذكرناه، وقد سقط الحجاب في حقهم للضرورة ومع قيام الحرمة الأصلية. م: (فلو أكلت فأرة ثم شربت على فورها الماء) ش: أي لو أكلت الهرة فأرة ثم شربت على فورها الماء يعني قبل أن يسكن، قال الجوهري: يقال أتيت فلانا من فوري أي قبل أن أسكن، وفي بعض النسخ على فوره أي على فور الأكل أي عقبه من غير تراخ. م: (يتنجس الماء بالإجماع) ش: وفي " المجتبى " وكذا لو شربت الخمر ثم شربت الماء على الفور يتنجس الماء بالإجماع م: (إلا إذا مكثت ساعة لغسلها فمها بلعابها والاستثناء) ش: من قوله: يتنجس الماء ولكنه م: (على مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لأن عند محمد وزفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 ويسقط اعتبار الصب للضرورة. وسؤر الدجاجة المخلاة مكروه لأنها تخالط النجاسة، ولو كانت محبوسة بحيث لا يصل منقارها إلى ما تحت قدميها لا يكره لوقوع الأمن عن المخالطة، وكذا سؤر سباع الطير   [البناية] والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لا تجوز إزالة النجاسة بالمائعات الطاهرة غير الماء فلا يطهر فمها وفم السكران عندهم، ولو شربت الماء أو شربه السكران يطهر حينئذ فمه. وقيد المصنف المكث بالساعة وفي " المفيد" ساعة أو ساعتين، قال المرغيناني: هو الأصح. م: (ويسقط اعتبار الصب للضرورة) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: كيف يصح الاستثناء على قول أبي يوسف؛ لأن من مذهبه الصب شرط يعني صب الماء في الأبدان وتقرير الجواب: نعم الصب شرط عنده ولكنه هاهنا للضرورة. وفي " المفيد" أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يقل بطهارة فمها إذا غسلته بلعابها لاشتراط الصب في الأبدان. [سؤر الدجاجة المخلاة وسباع الطير وما يسكن البيوت] م: (وسؤر الدجاجة المخلاة مكروه) ش: المخلاة بالخاء المعجمة وهي الثيبة الدائرة في عذرات الناس، وقيل بالجيم وهي التي تأكل الجلة بفتح الجيم. وقال الجوهري: هي النعم، وقال أيضا هي الجلالة التي تأكل العذرة، وفي ذلك نظر، فمن يقول مجلاة بالجيم لأنه إن كان من جل البقرة يجل أي التقط من باب نصر ينصر يكون الفاعل منه جال للذكر وجالة للأنثى، والمجلاة من باب جلى يجلي تجلية واستوى الفاعل والمفعول فيه في تقدير مختلف، ولكن معنى هذا الباب لا يساعد من يدعي ذلك، وأما المخلاة بالخاء فهو من خلا يخلو تخلية ومعناه صحيح في هذا الباب م: (لأنها تخالط النجاسة) ش: أي لأن المخلاة تخالط النجاسة فيكره سؤرها لأن منقارها لا يخلو عن قذر وشك في نجاستها والشك لا يعارض اليقين فأثبت الكراهة للاحتمال. م: (ولو كانت محبوسة) ش: أي ولو كانت الدجاجة محبوسة للمقيمين ويكون أكلها وشربها خارج البيت أشار إليه بقوله م: (بحيث لا يصل منقارها إلى ما تحت قدميها لا يكره لوقوع الأمن عن المخالطة) ش: أي من مخالطة النجاسة، وإن كانت محبوسة في بيت أو في قفص فإنها تجول في عذرات نفسها فلا تؤمن من مخالطة النجاسة فيكره حينئذ سؤرها، وهذا الذي ذكره المصنف هو الذي ذكره الإمام الحاكم عبد الرحمن. وفي " مبسوط شيخ الإسلام " لو كانت محبوسة لا يكره لعدم النجاسة على منقارها من حيث الحقيقة ولا من حيث الاعتبار لأنها لا تجد عذارت غيرها حتى تجول فيها وهي في عذرات نفسها لا تجول وكذا سؤر الإبل الجلالة والبقر الجلالة مكروه لاحتمال نجاسة الفم. م: (كذا سؤر سباع الطير) ش: هذا عطف على قوله - وسؤر الدجاجة المخلاة - فيكون داخلا في حكم الكراهة وسباع الطيور كالصقر والبازي والشاهين والعقاب وكل مالا يؤكل لحمه من الطيور، وهذا الذي ذكره الاستحسان والقياس بنجسه فيه كسباع البهائم والجامع حرمة اللحم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 لأنها لا تأكل الميتات فأشبه الدجاجة المخلاة، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها إذا كانت محبوسة يعلم صاحبها أنه لا قذر على منقارها، ولا يكره لوقوع الأمن عن المخالطة، واستحسن المشايخ هذه الرواية وسؤر ما يسكن البيوت كالحية والفأرة مكروه؛ لأن حرمة اللحم أوجبت نجاسة السؤر إلا أنه سقطت النجاسة لعلة الطواف فبقيت الكراهة، والتنبيه على العلة في الهرة.   [البناية] وجه الاستحسان ما ذكره في " المبسوط " و" المحيط " لأنها تشرب بمنقارها وهو عظم جاف بخلاف البهائم فإنها تشرب بلسانها وهو رطب لعابها، ولأن في سباع الطير ضرورة وعم بلوى فإنها تنقض من علو وهوي، ولا يمكن حول الأواني عنها لا سيما في البراري والصحاري فأشبهت الفأرة والحية، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ما يقع على الجيف منها فسؤره نجس؛ لأن منقارها لا يخلو عن نجاسة في العادة والحية نجس والبازي والصقر ونحوهما إذا كانت تأكل اللحم الذي لا يكره، ذكره في " المحيط ". م: (لأنها لا تأكل الميتات فأشبهت الدجاجة المخلاة) ش: أي لأنها سباع الطير تأكل الجيف والميتات فأشبه الدجاجة المخلاة فيكون سؤرها مكروها وباقي فيها تقسيم المخلاة كما ذكرنا م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنها إذا كانت محبوسة يعلم صاحبها أنه لا قذر على منقارها لا يكره لوقوع الأمن عن المخالطة) ش: أي أن سباع الطير، وفي " المحيط " وكأن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبر الكراهة لتوهم إيصال النجاسة إلى منقارها لا وصول لعابها إلى الماء وقال: إذا لم يكن على منقارها نجاسة لا يكره التوضؤ بسؤرها م: (واستحسن المشايخ هذه الرواية) ش: أي المذكورة عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأفتوا بها. م: (وسؤر ما يسكن البيوت كالحية والفأرة مكروه لأن حرمة اللحم أوجبت نجاسة السؤر) ش: أي سؤر ما يسكن في البيوت م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن الشأن م: (سقطت النجاسة لعلة الطواف فبقيت الكراهة) ش: لأن سقوط النجاسة لا يستلزم عدم الكراهة. م: (والتنبيه على العلة في الهرة) ش: قال الأكمل: قيل معناه وبقي التنبيه على العلة التي كانت في الهرة: قلت: قائله السغناقي، وتمام كلامه يعني أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علل سقوط النجاسة في سؤر الهرة بعلة الطواف بقوله: «إنها من الطوافين والطوافات عليكم» دفعا للحرج، فكان مقتضى ذلك التعليل أن يوجد الحكم المرتب على تلك العلة فيما وجدت تلك العلة فقد وجدت تلك العلة وهي الطواف في سواكن البيوت بعينها بل أزيد منها فيثبت ذلك الحكم المرتب عليها أيضا وهو سقوط النجاسة في سواكن البيوت كما في الهرة. وقال الأكمل أيضا: قيل: هو جواب سؤال. قلت: قائله الأترازي فإنه قال: هذا جواب سؤال مقدر وهو أن يقال: كيف عللتم سقوط نجاسة سؤرها في سواكن البيوت بعلة الطواف، فمن أين نبهتهم هذه العلة وهل لها أثر شرعي حتى يعتبر، فأجاب عنه وقال التنبيه على علة سقوط النجاسة في سؤر سائر سواكن البيوت حاصل في الهرة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نبهنا عليها وعللها في الهرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 قال: وسؤر الحمار والبغل مشكوك فيه، وقيل: الشك في طهارته؛   [البناية] وقال: «الهرة ليست بنجسة إنما هي من الطوافين والطوافات عليكم» وأشار بتعليله إلى قول الله عز جل: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النور: 58] (النور: الآية 58) سقط الاستئذان بعلة الطواف دفعا للحرج وسقط النجاسة في سؤر الهرة بعلة الطواف دفعا للحرج أيضا. قلت: كل منهما أطال الكلام من غير حصول المراد فأقول: قوله والتنبيه مبتدأ وخبره متعلق قوله في الهرة، والتقدير والتنبيه على علة كراهة سؤر سواكن البيوت هي المذكورة في حكم الهرة، وهي علة الطواف التي أسقطت النجاسة فيها فكما أن الطواف علة في حكم سؤر الهرة فكذلك في سواكن البيوت فنبه المصنف على العلة في سؤر الهرة حتى يسقط البدل في علة سؤر سواكن البيوت فافهم. [سؤر الحمار والبغل والفرس] م: (وسؤر الحمار والبغل مشكوك فيه) شك وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - طاهر وطهور وفي "المغني" لابن قدامة، والنوع الثاني: ما اختلف فيه وهو سؤر السباع إلا السنور وما دونها في الخلقة، وكذلك جوارح الطير والحمار الأهلي والبغل، فعن أحمد أن سؤرها نجس إذا لم يجد غيره تيمم وتركه، وروي عن ابن عمر أنه كره سؤر الحمار وهو قول الحسن وابن سيرين والشعبي والأوزاعي وحماد وإسحاق، وعن أحمد: إذا لم يجد غير سؤر البغل والحمار يتيمم معه، ثم قال: والصحيح عندي طهارة البغل والحمار؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يركبهما في زمنه وفي عصر الصحابة، فلو كان نجسا لبين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهم ذلك. وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الخمر: إنها رجس أراد بها محرمة كقوله تعالى في الميسر والأنصار والأزلام: {رِجْسٌ} [المائدة: 90] . وفي " المبسوط " وكان أبو طاهر الدباس ينكر هذا ويقول: لا يجوز أن يكون في شيء من حكم الشرع مشكوكا فيه ولكن معناه يحتاط فيه فلا يجوز أن يتوضأ به في حالة الاختيار، وإذا لم يجد غيره يجمع بينه وبين التيمم احتياطا. قلت: المشايخ قالوا بالشك لتعارض الأدلة في طهارته وعدم طهارته لا أن يعني أن يكون شيء من أحكام الشرع مشكوكا للجهل بحكم الشرع. وفي " شرح القدوري " القول بالوقف عند تعارض الأدلة دليل العلم وغاية الورع. . م: (وقيل الشك في طهارته) ش: فلو وقع في الماء القليل يفسده، وقال قاضي خان: ولو أصاب الثوب أو البدن لا يفسده، وروى الكرخي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن سؤر الحمار نجس إلا أنه سقط في حق الآدمي للحرج، ومن المشايخ من قال بنجاسة سؤر الحمار دون الأتان؛ لأن الحمار نجس فمه لشبه البول، وفي " البدائع " هذا موهوم فلا ينجس، وقال قاضي خان: والأصح أنه لا فرق بينهما. وقال السروجي: الإجود أن يكون قيل بغيره أو لأنه أول القولين فلا عطف، وكذا قاله صاحب " الدراية ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 لأنه لو كان طاهرا لكان طهورا ما لم يغلب اللعاب على الماء. وقيل: الشك في طهوريته لأنه لو وجد الماء المطلق لا يجب عليه غسل رأسه، وكذا لبنه طاهر، ولا يؤكل وعرقه لا يمنع جواز الصلاة وإن فحش   [البناية] قلت: لا فساد في العطف، وكيف ينفي العطف بكونه أول القولين حتى يدعى الأجودية. م: (لأنه) ش: أي لأن سؤر الحمار والبغل م: (لو كان طاهرا لكان طهورا ما لم يغلب اللعاب على الماء) ش: لأن اختلاط الطاهر بالماء لا يخرجه عن الطهورية ما لم يغلب كما إذا اختلط ماء الورد بالماء لكن ينبغي أن يمنع من شربه؛ لأن لعاب ما لا يؤكل لحمه موجود فيه كلبن الأتان. وقال الوتري: الشك في حكم الطهارة، وفي حق الشرب وغيره طاهر وكذا لو شرب الحمار من لبن أو عصر. م: (وقيل الشك في طهوريته) ش: في كونه طاهرا لغيره م: (لأنه) ش: أي لأن الذي يراد الوضوء م: (لو وجد الماء) ش: المطلق م: (لا يجب عليه غسل رأسه) ش: يعني بعد ما مسح رأسه بسؤر الحمار وجد ماء مطلقا لا يجب عليه غسل رأسه، فلو كان الشك في طهارته لو جب وإنما عين الرأس دون غيره من الأعضاء؛ لأن غيره من الأعضاء يطهر بصب الماء عليه حقيقة وحكما. فإن قلت: هذا غير لازم لأن الرأس قبل المسح عليه بالماء المشكوك في طهارته فلا يدفع بالشك. قلت: مراده بعد ما توضأ به، فإن الحدث قد حل بالرأس فإذا مسح عليه بالمطلق يكون حكم البلة حكم الماء المشكوك في كونه طاهرا وعلى تقدير كونه نجسا يتنجس البلة فلا يرتفع به الحدث فلا يرفع الشك فيجب غسل رأسه لهذا المعنى، فلما لم يجب دل على أن الشك في طهوريته لا في طهارته. م: (وكذا لبنه طاهر) ش: قال السروجي كان ينبغي أن يقول وكذا لبنها؛ لأن اللبن من الأتان دون الحمار. قلت: الحمار يتناول الذكر والأنثى ويقال: الأنثى خاصة حمارة، وقيل: هذا ليس بظاهر الرواية. وظاهر الرواية أنه نجس والذي ذكره هو رواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي " المحيط " لبنة نجس في ظاهر الرواية، واعتبر التمرتاشي والبزدوي فيه الكثير الفاحش هو الصحيح، وعن شمس الأئمة أنه نجس نجاسة غليظة؛ لأنه حرام بالإجماع وفي " فتاوى قاضي خان " في طهارته روايتان. م: (ولا يؤكل) ش: أي اللبن، وقال السروجي: والأحسن أن يقول: لا يشرب قلت: اللبن يؤكل ويشرب، وإنما اختار لفظ الأكل؛ لأنه إذا كان حراما فالشرب بطريق الأولى والأكل في الألبان أكثر من الشرب عادة، ثم الطهارة على قول محمد لا تستلزم جواز الأكل كالتراب ونحوه. م: (وعرقه) ش: أي عرق الحمار طاهر م: (لا يمنع جواز الصلاة وإن فحش) ش: هذه إحدى الروايات عن أبي حنيفة وفي أخرى نجس مخفف، وفي أخرى مغلظ قال القدوري: إن عرق الحمار طاهر في الروايات المشهورة، كذا في " المحيط "، وفي " المنتقى " عن محمد لبن الأتان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 فكذا سؤره وهو الأصح ويروى نص عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - طهارته. وسبب الشك تعارض الأدلة في إباحته وحرمته   [البناية] كلعابها وعرقها يفسدان الماء دون الثوب. وفي المغني لابن قدامة كل حيوان حكم الحيوان حكم جلده وشعره وعرقة ودمعه ولعابه حكم سؤره في الطهارة والنجاسة. م: (فكذا سؤره) ش: أي كذا سؤره طاهر؛ لأن العرق لا يتولد منه، وكذا لبنه فإذا كانا طاهرين فالسؤر كذلك م: (وهو الأصح) ش: أي القول بأن الشك في طهوريته هو الأصح، فإذا كان الشك في طهوريته على الأصح كان بقاؤه على الطهارة بلا شك. م: (ويروى نص عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على طهارته) ش: أي على طهارة سؤره وقال الأترازي: أي على طهارة عرقه والأول أوجه؛ لأن الذي نص عن محمد ليس فيه ذكر العرق على ما يجيء الآن وكان العرق كالسؤر. وقال السغناقي: وهو ما روي عن محمد أنه قال: أربع لو غمس فيهن الثوب لم ينجس وهو سؤر الحمار والماء المستعمل ولبن الأتان وبول ما أكل لحمه كذا في " المبسوط " لشيخ الإسلام، وذكر قاضي خان وغيره في " شرح الجامع الصغير "، قال: لو غمس الثوب فيه يجوز الصلاة مع الماء المستعمل وسؤر الحمار وبول ما يؤكل لحمه. قلت: كان ينبغي أن يقال: ثلاثة لو غمس الثوب فيها لأن الماء والسؤر والبول كل منها مذكور فتحت تأويلات لا يعود الضمير إليها مفردا مذكورا، وكذا الكلام في قوله أربعا. م: (وسبب الشك تعارض الأدلة في إباحته وحرمته) ش: لم يتعرض أحد من الشراح إلى بيان عود الضمير في إباحته وحرمته وبيانه. فإن قلت: يرجع إلى السؤر كما هو الظاهر فالأدلة لم تتعارض فيه وإنما تعارضها في لحم الحمار، وإن قلت: إلى اللحم فهو غير المذكور، فأقول إنه يرجع إلى الحمار لأن الاختلاف فيه فيكون المعنى تعارض الأدلة في إباحة لحم الحمار وحرمته، وأراد بالأدلة الأخبار والآثار. واختلف المشايخ فيه فمنهم من قال: سبب الشك في سؤر الحمار تعارض الأدلة الواردة في الأحاديث، ومنهم من قال: اختلاف الصحابة في طهارته فالقسم الأول الأحاديث الواردة، أما الحرمة ففي " الصحيحين " عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر وأذن في لحم الخيل» أخرجه البخاري. وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن لحوم الخيل والبغال والحمر» وأخرجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 أو اختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في نجاسته وطهارته.   [البناية] أبو داود والنسائي وابن ماجه. أما الإباحة ففي " سنن أبي داود " من «حديث غالب بن أبجر أصابتنا سنة فلم يكن في مالي شيء أطعم أهلي إلا شيء من حمر، وقد كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حرم لحوم الحمر الأهلية فأتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: يا رسول الله أصابتنا السنة ولم يكن في مالي ما أطعم أهلى إلا سمان حمر وإنك حرمت الحمر الأهلية، فقال: "أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل جوال القرية» . وأشار إلى القسم الثاني بقوله م: (أو اختلاف الصحابة في نجاسته وطهارته) ش: أي في نجاسة سؤر الحمار وطهارته وعطف اختلاف الصحابة على تعارض الأدلة يوهم أن اختلاف الصحابة غير الأدلة وليس كذلك فإن أقوال الصحابة من جملة الأدلة واختلافهم في سؤره هو ما روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يقول: تعلف القت والطين فسؤره طاهر. وروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يقول: إنه رجس تعارض القولان فصار سؤر الحمار مشكوكا فيه؛ لأن التوفيق عند تعارض الأدلة واجب، والتعارض يقابل الدليلين والمعارضة المقابلة على سبيل الممانعة وذلك أن يوجب أحد الدليلين الحل والآخر الحرمة أو غير ذلك، ولما كان الأمر في سؤر الحمار وقع كذلك أو وقع الشك فقلنا: إنه لا يطهر النجس ولا ينجس الطاهر. فإن قلت: ينبغي أن يرجح دليل الحرمة. قلت: الأصل في التعارض الجمع، وقد أمكن كما قلنا، كذا قاله تاج الشريعة، وقال شيخ الإسلام في " مبسوطه ": هذا لا يقوى، لأن لحمه حرام بلا إشكال؛ لأنه اجتمع المحرم والمبيح فغلب المحرم عليه كما لو أخبر عدل بأن هذا اللحم ذبيحة مجوسي والآخر أنه ذبيحة مسلم فإنه لا يحل أكله لعلة الحرمة فكان لحمه حراما بلا إشكال ولعابه مولد منه فيكون نجسا بلا إشكال. وقال الأكمل: وفيه نظر؛ لأنه مستلزم نجاسة لبنه وقد تقدم من قول المصنف أنه طاهر. والجواب بالإلزام فإنه في ظاهر الرواية نجس كما تقدم. قلت: ما تعرض شيخ الإسلام إلى لبنه حتى يستلزم ما يقوله بنجاسته فالنظر ضعيف فكذلك أجاب بالالتزام. والجواب الواضح ما قاله شيخ الإسلام أن الأصل في التعارض الجمع إلا إن لم يكن ولم يمكن في اللحم للتضاد وفي السؤر ممكنة بأن يكون واجب الاستعمال عملا بدليل الطهارة، ووجب التيمم عملا بدليل النجاسة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: المرجح هنا المحرم. قلت: يقوى المبيح بقوله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] (الحج: الآية 78) ولأن المحرم لا يرجح عند تعارض الحاجة والضرورة كما في الهرة. فإن قلت: لا يصير الماء مشكوكا بتعارض الخبرين كما في مسألة خبر العدلين أحدهما: أخبر بطهارة الماء، والآخر بنجاسته. قلت: لا تعارض ثمة لأنه أمكن ترجيح أحدهما، فإن المخبر عن طهارته لو استقصى ذلك وقال: أخذته من البئر وسددت فم الماء ولم يخالطه شيء ورجحنا خبره لفائدة بالأصل وإن كان مبنى خبره على الاستصحاب رجحنا خبر النجاسة؛ لأنه أخبر عن محسوس مشاهد، فأما في سؤر الحمار فالتعارض قائم؛ لأن لحمه نجس وعرقه طاهر، والبلوى فيه من وجه دون وجه فلا يمكن إلحاقه بأحدهما فوجب المصير إلى ما كان ثابتا فلا يطهر به نجس ولا ينجس به طاهر، فإن عرف الماء طاهرا فوجب أن يبقى كذلك، فإن اليقين لا يزول بالشك. قلت: وجب أن يكون مشكوكا فيه كلعاب الحمار؛ لأن الماء إذا أصابه شيء يوصف بصفة بصنعة ذلك الشيء، والأصح في التمسك أن دليل الشك هو تردد في الضرورة، فإن الحمار يربط في الدور والأبنية ويشرب من الأواني وللضرورة أثر في إسقاط النجاسة كما في الهرة والفأرة إلا أن الضرورة دون الضرورة فيهما لدخولهما تضايق البيت بخلاف الحمار، ولو لم تكن الضرورة ثابتة أصلا كما في الكلب والسباع لوجب الحكم بالنجاسة بلا إشكال، ولو كانت الضرورة فيهما لوجب الحكم بإسقاط النجاسة، فلما ثبتت الضرورة من وجه دون وجه واستوى موجب النجاسة والطهارة تساقطا للتعارض فوجب المصير إلى الأصل، والأصل هاهنا بيان الطهارة في جانب الماء والنجاسة في جانب اللعاب؛ لأن لعابه نجس كما بينا وليس أحدهما بأولى من الآخر فبقي الأمر مشكلا نجسا من وجه طاهرا من وجه، فكان الإشكال عند علمائنا بهذا الطريق لا للإشكال في لحمه ولا لاختلاف الصحابة في سؤره، وبهذا التقدير يندفع كثير من الأسئلة. وقال الأكمل: وهاهنا نكتة لا بأس بالتنبيه عليها وبناءها على كون المراد بالنجاسة إما قبل الذبح أو بعده ثم بعد التطويل، قال: نعلم من هذا أن اللعاب المتولد من اللحم مأكول بعد الذبح طاهر بلا كراهة دون غيره إضافة الحكم إلى الفأر في صيانة حكم الشرع عن المناقضة ظاهرا هذا ما سنح لي والله أعلم. قلت: لا دخل في الذبح وتفصيله هاهنا، والكلام في حكم السؤر وهو لا يتصور بعد الذبح والأصل في هذا الباب اللعاب، فإن كان من حيوان مأكول كان طاهرا فسؤره طاهر، وإن كان من حيوان غير مأكول كان نجسا فسؤره نجس إلا أنه خولف فيه في سؤر الحمار مع كونه غير مأكول وسؤره طاهر كما ذكرنا من الوجوه فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه نجس ترجيحا للحرمة والنجاسة، والبغل من نسل الحمار فيكون بمنزلته   [البناية] م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه نجس) ش: أي روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن سؤر الحمار نجس رواه عنه وقد ذكرناه مرة م: (ترجيحا للحرمة والنجاسة) ش: ترجيحا نصب على المصدرية تقديره رجح أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترجيحا، ويجوز أن يكون حالا أي حكم أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بنجاسة سؤر الحمار حال كونه مرجحا للحرمة لتعارض الأدلة [ ... ] لاختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ويجوز أن يكون المعنى ترجيحا للحرمة؛ لأن المحرم مرجح للنجاسة، لأنه إذا ترجح المحرم تترجح النجاسة أيضا لامتناع الطهارة مع الحرمة قاله الأكمل، وفيه نظر؛ لأن الطهارة لا تمتنع بالحرمة وكم من طاهر حرام. وقال الأكمل أيضا في هذا الموضع واستشكل بما إذا أخبر عدل بحل طعام وآخر بحرمته فإنه يترجح خبر الحل كما إذا أخبر عدل بطهارة الماء وآخر بنجاسته ترجح الطهارة. قلت: هاهنا إشكالان أحدهما: لحافظ الدين ذكره في " الكافي " عند قوله والنجاسة، والآخر لصاحب " الدراية " عن شيخه عند قوله للحرمة. والجواب عن الأول أن تعارض الخبرين في الطعام يوجب التهاتر والعمل بالأصل وهو الحل، ولا يجوز ترجيح الحرمة بالاحتياط لاستلزامه تكذيب الخبر بالحل عن غير دليل، وأما تعارض أدلة الشرع في حل الطعام وحرمته فيوجب الترجيح بدليل وهو تعليل النسخ الذي هو خلاف الأصل. والجواب عن الثاني: أن تعارض الخبرين في الماء يوجب التهاتر والعمل بالأصل لوقوع الشك في اختلاط النجاسة، والأصل عدمه فبقي الماء على أصلة وهو الطهارة. أم هاهنا فقد اختلط اللعاب المتولد من اللحم بالماء بيقين. وقد ترجح الحرمة فيه باتفاق الروايات عن أصحابنا وهي مبنية على النجاسة على ما بينا فيجب ترجيح النجاسة بهذا الدليل. م: (والبغل من نسل الحمار) ش: هذا جواب عما يقال قد يثبت حكم سؤر الحمار وما فيه من الأمور المذكورة وما حكم البغل وحكم سؤره في ذلك مع أنك قلت: وسؤر الحمار والبغل مشكوك فيه؟ فأجاب بقوله: والبغل من نسل الحمار م: (فيكون بمنزلته) ش: بمنزلة الحمار في أحكامه. وقال السروجي: فيه نظر، فإن البغل متولد بين الحمار والفرس فعلى قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحتاج إلى جعله من نسل الحمار بل نسل أيهما كان يحرم، وأما على قوليهما فمشكل، فإن المنظور إليه الأم فإن كانت الأم مأكولة اللحم حل أكل ما تولد منهما، وإن كان الأب غير مأكول اللحم ويدل عليه أن الذئب إذا نزى على شاة فولدت ذئبا حل أكله ويجزئ في الأضحية ذكره صاحب " الكافي " في الأضحية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 فإن لم يجد غيرهما يتوضأ بهما ويتيمم، ويجوز أيهما قدم. وقال زفر: لا يجوز إلا أن يقدم الوضوء؛ لأنه ماء واجب الاستعمال فأشبه الماء المطلق، ولنا أن المطهر أحدهما فيفيد الجمع دون الترتيب.   [البناية] قلت: في قوله فإن البغل متولد بين الحمار والفرس؛ لأن البغل قد يتولد بين الحمار والبقر فإنه يؤكل بلا خلاف وإن كان متولدا بين الحمار والفرس فيجري فيه الخلاف. م: (فإن لم يجد غيرهما) ش: هذا تفريع على ما قبله فكذلك ذكر بالفاء أي فإن لم يوجد غير سؤر الحمار وسؤر البغل م: (يتوضأ بهما) ش: أي سؤر الحمار والبغل وينبغي أن يقول. . فإن لم تجد غيره أي غير سؤر الحمار والبغل م: (يتوضأ بهما ويتيمم ويجوز أيهما) ش: أي الاثنين أعني التوضؤ بالسؤر والتيمم م: (قدم) ش: وكلمة أي هنا شرطية كما في قَوْله تَعَالَى: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} [القصص: 28] (القصص: الآية 28) . م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز إلا أن يقدم الوضوء) ش: فيجب أن يؤخر التيمم وبه قال أحمد في رواية م: (لأنه) ش: أي لأن سؤر الحمار والبغل م: (ماء واجب الاستعمال) ش: وهذا قول ابن تيمية ووافقنا زفر عليه، ووجهه أن التيمم إنما يجوز عند عدم الماء نتيجة الواجب الاستعمال، وهذا ما وجب استعماله بالإجماع، فصار كالماء المطلق به وهو معنى قوله م: (فأشبه الماء المطلق) ش: هذه نتيجة قوله: ماء واجب الاستعمال، فإذا كان واجب الاستعمال شبه الماء المطلق فوجب استعماله حتى إنه إذا تيمم ولم يتوضأ به لا يجوز. فإن قلت: هل الجمع بينهما واجب أم لا؟ قلت: قال قاضي خان وقال في كتاب الصلاة رجل لم يجد إلا سؤر الحمار فإنه يتوضأ به والأفضل أن يتيمم معه، فإن تيمم ولم يتوضأ به لا يجوز، وقال: وهذا اللفظ لا يوجب الجمع بينهما، وجه الجمع بينهما أنه مشكوك في طهوريته على الصحيح فلا بد من التيمم لاحتمال أنه لا يرفع الحدث وحده. م: (ولنا أن المطهر أحدهما) ش: أي أحد سؤر الحمار والتيمم م: (فيفيد الجمع دون الترتيب) ش: الضمير في - فيفيد - يرجع إلى قوله مطهر أحدهما، وقوله: - الجمع - منصوب به، وقال الأكمل: الضمير في - فيفيد - راجع إلى قوله: يتوضأ بهما ويتيمم. قلت: كان ينبغي على قوله أن يقول: - فيفيدان الجمع -، لأن المذكور اثنان سؤر الحمار والتيمم، وهذا على تقدير أن يكون قوله الجمع منصوبا، وأما إذا قرئ مرفوعا بأن يكون فاعل - فيفيد - فلا حاجة إلى هذا التكلف بل الأولى الرفع؛ لأن المفيد هو الجمع بين سؤر الحمار والتيمم والترتيب غير مفيد؛ لأن الماء إن كان طهورا فلا معنى للتيمم تقدم أو تأخر وإن لم يكن طهورا فالمطهر هو التيمم تقدم أو تأخر وجود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 وسؤر الفرس طاهر عندهما، لأن لحمه مأكول، وكذا عنده في الصحيح؛ لأن الكراهة لإظهار شرفه فإن لم يجد إلا نبيذ التمر.   [البناية] هذا الماء وعدمه سواء، وإنما يجمع بينهما لعدم العلم بالمطهر بهما عينا، وفي " النهاية " المراد بالجمع أن لا تخلو صلاة واحدة عنهما حتى لو توضأ بالسؤر وصلى ثم أحدث وتيمم وصلى تلك الصلاة جاز، لأنه جمعهما في صلاة واحدة. فإن قيل: هذا الطريق مستلزم أداء الصلاة بغير طهارة في أحد المرتين لا محالة وهو مستلزم الكفر لتأديته إلى الاستخفاف بالدين فينبغي أن لا يجوز، ويجب الجمع في أداء واحد، قلت: إذا كان فيما أدى بغير طهارة بيقين، فأما إذا كان أداؤه بطهارة من وجه فلا استخفاف؛ لأنه عمل بالشرع من وجه وهاهنا كذلك لأن واحدا من السؤر والتراب مطهر من وجه دون وجه فلا يكون الأداء بغير طهارة من كل وجه، فلا يلزم منه الكفر كما لو صلى حنفي بعد الفصد والحجامة لا تجوز صلاته ولا يكون كافرا لمكان الاختلاف وهذا أولى بخلاف ما لو صلى بعد البول في " جامع المستوفى " عن نصير في رجل لم يجد إلا سؤر حمار يهرق ذلك حتى يصير عادما للماء ثم يتيمم، واختار الصفار ذلك وعن محمد "في النوادر ": توضأ بسؤر الحمار وتيمم ثم أصاب ماء نظيفا ولم يتوضأ به حتى ذهب الماء ومعه سؤر الحمار أعاد التيمم دون الوضوء؛ لأنه إذا كان مطهرا فقد توضأ به، وإن كان نجسا فليس عليه الوضوء في المرة الأولى ولا في المرة الثانية. م: (وسؤر الفرس طاهر عندهما) ش: أي عند أبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - م: (لأن لحمه مأكول) ش: عندهما، وذكر في الأصل لا بأس بسؤر الفرس من غير ذكر خلاف. وفي " المبسوط " سؤر الفرس طاهر في ظاهر الرواية م: (وكذا عنده في الصحيح) ش: أي وكقولهما طاهر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المروي الصحيح وهو ورواية كتاب الصلاة. وفي " المحيط ": وفي سؤر الفرس عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أربع روايات، روى البلخي عنه: أحب إلي أن يتوضأ بغيره. وروى الحسن عنه: أنه مكروه كلحمه، وروي أنه: مشكوك كسؤر الحمار، وفي رواية: طاهر كقولهما. م: (لأن الكراهة) ش: أي كراهة لحمه م: (لإظهار شرفه) ش: لأنه يرهب به عدو الله فيقع إعزاز الدين وإعلاء كلمة الله كما يقع بالآدمي لهذا اختص من بين الحيوانات بإفراد السهم كالآدمي فلا يؤثر تحريمه في سؤره كما في الآدمي. [حكم الطهارة بنبيذ التمر] م: (فإن لم يجد إلا نبيذ التمر) ش: أي فإن لم يجد من يريد الصلاة وهو محدث إلا نبيذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتوضأ به ولا يتيمم،   [البناية] التمر، وجه المناسبة في ذكره هذه المسألة هاهنا هو أن له شبها خاصا بسؤر البغل والحمار على قول محمد، فإنه يقول بضم التيمم إلى الوضوء به احتياطا كما يجيء عن قريب، فلذلك قال: فإن لم يجد بالفاء فإن فيه بيان الجمع بين التيمم والسؤر وهذا أحسن من ذكره بالواو؛ لأنه لمجرد العطف بخلاف الفاء، فإنه يدل على معان مختلفة مع العطف كما ذكر في موضعه. ثم إن النبيذ فعيل بمعنى مفعول في نبذت الشيء إذا طرحته وهو الماء الذي نبذ فيه تمرات لتخرج حلاوتها إلى الماء، وفي " النهاية" لابن الأثير: النبيذ ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير وغير ذلك، يقال: نبذت التمر والعنب إذا نزلت عليه الماء ليصير نبيذا مصرف من مفعول إلى فعيل، وأنبذته إذا اتخذته نبيذا وسواء كان مسكرا أو غير مسكر فإنه يقال له: نبيذ ويقال للخمر المعتصر من العنب نبيذ كما يقال للنبيذ خمر، وقال ابن فارس في " المجمل ": نبذت الشيء أنبذه إذا ألقيته من يدك، ونبيذ التمر يلقى في الآنية ويصب عليه الماء. قلت: هو من باب فعل بالفتح في الماضي والكسر في المضارع كضرب يضرب وكذا ذكره صاحب " الدستور "، وقال ابن سيده: النبيذ طرحك الشيء وكل طرح نبيذ، والنبيذ التمر المطروح، والنبيذ ما نبذته من عصير ونحوه، وقد نبذ وانتبذ ونبذ، وفي " الصحاح " العامة تقول: أنبذت وكذا ذكره في كتاب " الشرح " لابن درستويه، وذكر الخيالي في " نوادره " ومن خط الحافظ أنبذت لغة لكنها قليلة وذكره أيضا في كتاب فعلت وأفعلت، وفي " الجامع " للفراء وكثرة الناس يقولون: نبذت النبيذ بغير ألف. وحكى الفراء عن الرازي: أنبذت النبيذ قال: ولم أسمعها أنا من العرب، وفي " الكافي " أنبذت النبيذ لغة عامة ونبذت الشيء نبذا شدة للمبالغة. م: (قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتوضأ به) ش: أي نبيذ التمر م: (ولا يتيمم) ش: لتعيين نبيذ التمر، وقال أبو بكر الرازي في كتابه " أحكام القرآن " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه ثلاث روايات، وهذه هي المشهورة، قال قاضي خان: وهي قوله الأول وهو قول زفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قال الرضي وقاضي خان: ذكر في كتاب الصلاة إن تيمم معه أحب إلي وروي عنه الجمع بين سؤر الحمار وبه قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وروى عنه نوح بن أبي مريم وأسد بن عمر والحسن أنه يتيمم ولا يتوضأ، قال قاضي خان: هو الصحيح وهو قوله الأخير، وقد رجع إليه وبه قال أبو يوسف ومالك والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وغيرهم من العلماء وهو اختيار الطحاوي. وروى الحسن والمعلى عن أبي يوسف الجمع بينهما وذكر قاضي خان ولو وجد نبيذ التمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 (لحديث ليلة الجن)   [البناية] والماء المشكوك فيه والتراب يتوضأ بالنبيذ لا غير، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجمع بين المشكوك والتيمم. وعند محمد يجمع بين الثلاث، ولو ترك واحدا منهما لا تجوز ذكر ذلك المرغيناني والأسبيحابي والتقديم والتأخير في ذلك سواء. وحكي عن ابن طاهر الدباس - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: إنما اختلفت أجوبة أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لاختلاف الأسئلة فإنه سئل عن التوضؤ إذا كانت الغلبة للحلاوة، قال: يتيمم ولا يتوضأ، وسئل عنه أيضا إذا كان الماء والحلاوة سواء ولم يغلب أحدهما على الآخر، قال: يجمع بينهما، وقال السغناقي: وعلى هذه الطريقة لا يختلف الحكم بين نبيذ التمر وسائر الأنبذة، وسئل عنه أيضا إذا كانت الغلبة للماء فقيل يتوضأ به ولا يتيمم. وذكر القدوري في شرحه عن أصحابنا التوضؤ بنبيذ التمر لا يجوز إلا بالنية كالتيمم؛ لأنه بدل عن الماء كالتيمم حتى لا يجوز التوضؤ به حال وجود الماء، ولو توضأ بالنبيذ ثم وجد ماء مطلقا ينتقض وضوءه كما ينتقض التيمم بوجود الماء. قلت: وبقول أبي حنيفة قال عكرمة والأوزاعي وحميد بن حبيب والحسن بن جني وإسحاق فإنهم ذهبوا إلى جواز التوضؤ بنبيذ التمر عند عدم الماء المطلق، وقال ابن قدامة في " المغني " وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان لا يرى بأسا بالوضوء بنبيذ التمر وبه قال الحسن. وفي " الحلية " النبيذ نجس عندنا. وفي " شرح الوجيز " والجمادات كلها على الطهارة إلا الخمر والنبيذ، والمسكر، والحيوانات كلها على الطهارة إلا الكلب والخنزير وفروعهما. م: (لحديث ليلة الجن) ش: قال السغناقي: حديث الجن هو ما روى أبو رافع وابن المغيرة عن ابن عباس «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب ذات ليلة ثم قال: "ليقم معي من لم يكن في قلبه مثقال ذرة من كبر" فقام ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فحمله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع» نفسه، وقال عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «خرجنا من مكة فخط رسول الله حولي خطا وقال لا تخرج عن هذا الخط فإنك إن خرجت لم تلقني إلى يوم القيامة ثم ذهب يدعو الجن إلى الإيمان ويقرأ عليهم القرآن حتى طلع الفجر ثم رجع بعد طلوع الفجر» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقال تاج الشريعة في شرحه: حديث ليلة الجن هو ما روي عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ذات ليلة إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة فمن يتبعني قالها ثلاثا وأطرقوا إلا أنا قال فانطلقنا حتى إذا كنا على مكة في شعب الحجون خط لي خطا وقال لا» . وقال صاحب " البدائع ": حديث ليلة الجن ما روي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنا أصحاب النبي جلوسا في بيته فدخل علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليقم منكم من ليس في قبله مثقال ذرة من كبر» فقمت، وفي رواية: «فلم يقم منا أحد فأشار إلي بالقيام فقمت ودخلت البيت فتزودت إداوة من بيته فخرجت فخط لي خطا فقال إن خرجت من هذا لم ترني إلى يوم القيامة فقمت قائما حتى انفجر الصبح فإذا أنا برسول الله صلى» فأخذ ذلك وتوضأ وصلى الفجر. قلت: روي حديث ابن مسعود هذا من أربعة عشر طريقا وليس فيها ما يوافق ما ذكر هؤلاء لا متنا ولا إسنادا [كما] يلي: روى ابن ماجه في "سننه" من طريق ابن لهيعة حدثنا قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليلة الجن: "أمعك ماء؟ " قال: لا إلا نبيذ التمر في سطيحة، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تمرة طيبة وماء طهور صب علي" فصب عليه فتوضأ به» . وأخرجه الطحاوي: حدثنا ربيع بن المؤذن قال: أخبرنا ابن لهيعة قال: أخبرنا قيس بن الحجاج عن حابس الصبابي عن ابن عباس «عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خرج مع النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ليلة الجن، فسأله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "اصبب علي" فتوضأ به وقال: "شراب طهور» ورجاله ثقات غير أن عبد الله بن لهيعة فيه مقال على ما نذكره، وظاهر هذا الفظ يقتضي أنه من سند ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لكن الطبراني في معجمه جعله من سند ابن مسعود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وكذا البزار في مسنده ولفظهما بالإسناد المذكور عن ابن عباس عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه خرجنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الجنب بنبيذ فتوضأ وقال: "ماء طهور" قال البزار: هذا حديث لا يثبت؛ لأن ابن لهيعة كان كتبه قد احترقت وبقي يروي من كتب غيره نصا في أحاديثه مناكير. ورواه الدارقطني في "سننه " وقال: تفرد به ابن لهيعة وهو ضعيف. ورواه أبو داود: حدثنا هناد وسليمان بن داود العبكي قال: حدثنا شريك عن أبي فزارة عن أبي زيد عن «عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ليلة الجن: "ماذا في إداوتك؟ " فقال: نبيذ، فقال: "تمرة طيبة وماء طهور".» وقال أبو داود: قال سليمان بن داود عن أبي زيد قال: كذا قال شريك ولم يذكر هناد ليلة الجن. وأخرجه الترمذي من حديث أبي زيد مولى عمرو بن حريث عن «عبد الله بن مسعود قال: سألني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما في إداوتك؟ " قلت: نبيذ التمر، فقال: "تمرة طيبة، وماء طهور" قال: فتوضأ منه» . ووهم الشيخ علاء الدين في عزوه هذا الحديث إلى النسائي أيضا فإنه لم يخرجه، وقد ضعفوا هذا الحديث بثلاث علل: أحدها: جهالة أبي زيد، والثاني: التردد في أبي فزارة هل هو راشد بن كيسان أو غيره. والثالث: أن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يكن مع النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ليلة الجن. بيان الأول: قال الترمذي أبو زيد رجل مجهول لا يعرف له غير هذا الحديث، وقال ابن حبان في "كتاب الضعفاء ": أبو زيد شيخ يروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليس يدرى من هو، ولا يعرف له أبوه ولا بلده ومن كان بهذا النعت ثم لم يرو إلا خبرا واحدا خالف فيه الكتاب والسنة والإجماع والقياس استحق مجانبة ما رواه. وقال ابن أبي حاتم في "كتاب العلل ": سمعت أبا زرعة يقول: حديث أبي فزارة في الوضوء بالنبيذ ليس بصحيح وأبو زيد مجهول، وذكر ابن عدي عن البخاري قال: أبو زيد الذي روى حديث ابن مسعود في الوضوء بالنبيذ مجهول لا يعرف بصحبته عبد الله ولا يصح هذا الحديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو خلاف القرآن. وبيان الثاني: وهو التردد في أبي فزارة فقيل: هو راشد بن كيسان وهو ثقة أخرج له مسلم، وقيل: هما رجلان، وأن هذا ليس براشد بن كيسان وإنما هو رجل مجهول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وبيان الثالث: وهو إنكار كون ابن مسعود مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الجن، وروى مسلم من حديث الشعبي عن «علقمة قال: سألت ابن مسعود هل شهد منكم أحد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: لا ولكن كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات ليلة فافتقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب فقلنا: استطير أو اغتيل قال: فبتنا ليلة بات بها قوم، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء، فقلت: يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة قال: أتاني داعي الجن فذهبت معهم فقرأت عليها القرآن وانطلق بنا فأرانا آثارهم وأثار نيرانهم وسألوه الزاد فقال: "لكم كل عظم، ولكم كل بعرة علقا لدوابكم، ثم قال: لا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم"، وفي لفظ مسلم، قال: لم أكن مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الجن ووددت أني كنت معه. وفي لفظ: وكانوا من جن الجزيرة» . ورواه أبو داود مختصرا لم يذكر القصة ولفظه عن علقمة قال: قلت لعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: من كان منكم مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: ما كان معه منا أحد. ورواه الترمذي بتمامه في " الجامع " في تفسير سورة الأحقاف. وقال البيقهي في دلائل النبوة وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يكن مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ليلة الجن، وإنما كان معه حين انطلقوا به وبغيره يريه آثارهم وآثار نيرانهم. والجواب عن العلة الأولى أن أبا بكر بن العربي ذكر في شرحه للترمذي وأبو زيد مولى عمرو بن حريث روى عنه راشد بن كيسان العبسي الكوفي وأبو روق وبهذا يخرج عن حد الجهالة ولا يعرف إلا بكنيته، فيجوز أن يكون الترمذي أراد به أنه مجهول الاسم، ولا يضر ذلك، فإن جماعة من الرواة لا تعرف أسماؤهم وإنما عرفوا بالكنى. وعن العلة الثانية: أن صاحب " الإمام " قال أبو فزارة روى عنه جماعة من أهل العلم مثل سفيان الثوري وشريك بن عبد الله والجراح بن مليح الرؤاسي، ووكيع وقيس بن الربيع، وزاد ابن العربي جعفر بن برقان وجرير بن حازم وعلي ابن عائشة، فإين الجهالة بعد هذا فبطل دعوى الجهالة، وقال أبو أحمد بن عدي: أبو فزارة ثقة ثقة، وقال ابن عبد البر: أبو فزارة مشهور ثقة عندهم، وقال أبو حاتم: صالح روى له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه. فإن قلت: قيل هو فيها، فهما رجلان وأن هذا ليس براشد بن كيسان وإنما هو رجل مجهول، وذكر البخاري أن أبا فزارة العبسي غير مسمى فجعلهما اثنين، وقالوا: إن أبا فزارة كان نباذا بالكوفة، وروى هذا الحديث لنفق سلعته. قلت: روى هذا الحديث عن أبي فزارة جماعة فرواه عنه شريك كما أخرجه أبو داود والترمذي وكما رواه عنه الجراح كما أخرجه ابن ماجه ورواه عنه إسرائيل كما أخرجه البيهقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ورواه عنه قيس بن الربيع كما أخرجه عبد الرزاق فأين الجهالة بعد ذلك؟ وقد جزم ابن عدي بأنه راشد بن كيسان وحكي عن الدارقطني أنه قال: أبو فزارة في حديث النبيذ اسمه راشد بن كيسان، وقولهم: كان نباذا بالكوفة باطل وهم لا يجوزون الرواية عن المستور فكيف يروي هؤلاء الأعلام عن الخمار وفساده ظاهر لا يخفى على أحد. وعن الثالثة: بأن أربعة عشر رجلا رووه عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كما رواه أبو زيد عنه مصرح فيها أن ابن مسعود كان مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة وله سبع طرق مصرح فيها أن ابن مسعود كان معه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. الأول: عن أحمد في " مسنده " والدارقطني في " سننه " من حديث يونس عن أبي رافع عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ليلة الجن: "أمعك ماء؟ " قال: لا، قال: "أمعك نبيذ؟ " قال: أحسبه قال: نعم فتوضأ به» . الثاني: عن الدارقطني من حديث أبي عبيدة وابن الأحوص «عن ابن مسعود قال: مر بي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "خذ معك إداوة من ماء" ثم انطلق وأنا معه. فذكر حديث ليلة الجن، ثم قال: فلما أفرغت عليه من الإداوة إذ هو نبيذ، فقلت: يا رسول الله أخطأت بالنبيذ فقال: "ثمرة حلوة وماء عذب» . الثالث: عن الدارقطني أيضا من حديث ابن غيلان الثقفي أنه سمع «عبد الله بن مسعود يقول دعاني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الجن بوضوء فجئته بإداوة فإذا فيها نبيذ فتوضأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الجن فأتاهم فقرأ عليهم القرآن فقال لي رسول» . الرابع: عنه أيضا من حديث أبي وائل قال: سمعت ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: كنت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الخامس: عن الطحاوي من حديث قابوس عن أبيه قال: «انطلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى برار فخط خطا وأدخلني فيه وقال لا تبرح حتى أرجع إليك ثم انطلق فما جاء حتى السحر وجعلت أسمع أصواتا ثم جاء فقلت أين كنت يا رسول الله قال أرسلت إلى» قال الطحاوي: ما علمنا لأهل الكوفة حديثا أثبت أن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أمعك ماء؟ " قال: لا، إلا النبيذ في إداوة قال: "تمرة طيبة وماء طهور» . السابع: عن أبي داود من حديث أبي زيد عن عبد الله بن مسعود وقد ذكرناه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 فإن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: توضأ به حين لم يجد الماء. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتيمم ولا يتوضأ به، وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عملا بآية التيمم لأنها أقوى، أو هو منسوخ بها لأنها مدنية، وليلة الجن كانت مكية.   [البناية] فإن قلت: هذه الطرق كلها مخالفة لما في " صحيح مسلم " أنه لم يكن معه كما ذكرناه عن قريب. قلت: التوفيق بينها أنه لم يكن معه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين المخاطبة وإنما كان بعيدا عنه، وقد قال بعضهم إن ليلة الجن كانت مرتين، ففي أول مرة خرج إليهم ولم يكن مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ابن مسعود ولا غيره كما هو ظاهر حديث مسلم. ثم بعد ذلك خرج معه ليلة أخرى كما روى ابن أبي حاتم في تفسيره في أول سورة الجن من حديث ابن جريح قال: قال عبد العزيز بن عمر: أما الجن الذين لقوه بنخلة فمن نينوى، وأما الجن الذين لقوه بمكة فهم من نصيبين. قال القدوري في " شرح مختصر الكرخي ": وروي كونه يعني ابن مسعود مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خبر أجمع العلماء على العمل به وهو أنه طلب منه ثلاثة أحجار فأتاه بحجرين وروثة، الحديث، وقال ابن العربي صحته في البعض استوقفه وبعد عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثم عاد إليه فصح أنه لم يكن معه عند الجن لا نفس الخروج، وروى ابن شاهين بسنده عن ابن مسعود أنه قال: كنت مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ليلة الجن، والإثبات مقدم على النفي. م: (فإن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ به) ش: أي بنبيذ التمر م: (حين لم يجد الماء) ش: أي الماء المطلق. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتيمم ولا يتوضأ به) ش: أي بالنبيذ م: (وهو) ش: أي قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقد ذكرنا أنه روي عنه ثلاث روايات م: (وبه) ش: أي وبقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ومالك وأحمد والطحاوي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (عملا بآية التيمم) ش: أي عمل أبو يوسف عملا بآية التيمم فإنها تنقل التطهير من الماء ونبيذ التمر من وجه فيرد الحديث بها م: (لأنها أقوى) ش: أي لأنها أقوى من هذا الحديث م: (أو هو منسوخ بها) ش: أي أو هو هذا الحديث منسوخ بآية التيمم م: (لأنها مدنية) ش: لأن آية التيمم نزلت بالمدينة م: (وليلة الجن كانت مكية) ش: يعني قضية ليلة الجن التي ورد فيها الحديث المذكور كانت وقعت بمكة. فإن قلت: نسخ السنة بالكتاب لا يجوز عند الشافعي فكيف يستقيم قوله: أو هو منسوخ بآية التيمم قلت: على هذا رواية رويت عنه أنه يجوز ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتوضأ به ويتيمم، لأن في الحديث اضطرابا وفي التاريخ جهالة، فوجب الجمع احتياطا، قلنا: ليلة الجن كانت غير واحدة فلا يصح دعوى النسخ،   [البناية] وقال الأكمل: ذلك جواب أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خاصة والمشترك بينهما هو قوله: عملا بآية التيمم. قلت: هذا جواب عن سؤال لصاحب " الدراية " فالأكمل أخذهما منه. م: (وقال محمد يتوضأ به) ش: أي بالنبيذ م: (ويتيمم) ش: يعني يجمع بينهما احتياطا م: (لأن في الحديث اضطربا) ش: أي مقالا في ثبوته. قال الأترازي في معنى الاضطراب: بعضهم قالوا بتنجسه وبعضهم قالوا: بعدم تنجسه، وبعضهم قالوا: كان ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليلة الجن، وبعضهم قالوا: لم يكن، فوقع الشك، فوجب الضم احتياطا. وقال السغناقي: معنى الاضطراب وذلك لأن مداره على أبي زيد مولى عمرو بن الحريث روى أنه كان نباذا روى هذا الحديث ليهون على الناس أمر النبيذ وتبعه على هذا المعنى الشنيع صاحب " الدراية " و" الأكمل "، وقد قلنا: إنه روى عنه الأعلام الأثبات والأئمة الثقات، فكيف يستحسن هذا الكلام فيه طعن على الذين ردوا منهم. م: (وفي التاريخ جهالة) ش: فيه نظر لأن أهل السير ذكروا أن قدوم وفد جن نصيبين كان قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين، وفي " جامع قاضي خان ": تمسكوا في انتساخ هذا الحديث بجهالة التاريخ. قال بعضهم: نسخ ذلك بآية التيمم. وقال بعضهم: لم ينسخ؛ لأنها نزلت في شأن الأسفار والنبيذ يستعمل في المفازات فيما قرب من الأمصار فيجب الجمع احتياطا. ويحتمل أن تكون ليلة الجن بعد آية التيمم. قلت: فيه نظر لأن الآية مدنية وليلة الجن مكية اللهم إلا إذا كانت غير واحدة كما ذكره المصنف م: (فوجب الجمع) ش: أي بين السور والنبيذ م: (احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط في أمر الدين، قلنا إشارة إلى الجواب عما قال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -. م: (قلنا: ليلة الجن كانت غير واحدة) ش: يعني تكررت، وذكر النسفي في تفسيره أن الجن أتوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دفعتين فيجوز أن تكون الدفعة الثانية في المدينة بعد آية التيمم م: (فلا يصح دعوى النسخ) ش: قال السروجي: قوله قلنا: ليلة الجن كانت غير واحدة يوهم أنها كانت بالمدينة أيضا، ولم ينقل ذلك في كتب الحديث فيما علمته. قلت: حفظ شيئا وغابت عنه شيئا، وقد روى أبو نعيم في كتاب " دلائل النبوة " بإسناده إلى عمرو بن غيلان الثقفي قال: «أتيت ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقلت حدثت أنك كنت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة وفد الجن فقال أجل قلت حدثني كيف كان قال إن أهل الصفة أخذ كل رجل منهم رجلا يعشيه إلا أنا فإنه لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] يأخذني أحد، فمر بي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م، فقال: "من هذا" قلت: أنا ابن مسعود، فقال: "ما أجدك أحد يعشيك" قلت: لا يا رسول الله، قال: "فانطلق لعلي أجد لك شيئا" فانطلقنا حتى أتى حجرة أم سلمة رضي الله عنها فتركني ودخل إلى أهله، ثم خرجت الجارية، فقالت: يا ابن مسعود إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يجد لك عشاء، فارجع إلى مضجعك، فرجعت إلى المسجد فجمعت حصى المسجد فتوسدته، والتففت بثوبي فلم ألبث إلا قليلا حتى جاءت الجارية وقالت: أجب رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فاتبعتها حتى بلغت مقامي فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي يده عسيب نخل، فعرض به على صدري، فقال: "انطلق أنت معي حيث أنطلقت" فانطلقنا حتى أتينا بقيع الغرقد، فخط بعصاه خطة، ثم قال: "اجلس فيها ولا تبرح حتى آتيك" ثم انطلق يمشي وأنا أنظر إليه حتى إذا كان من حيث لا أراه ثارت مثل العجاجة السوداء، ففزعت وقلت في نفسي هذه هوازن مكروا برسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ليقتلوه فهممت أن أسعى إلى البيوت فأستغيث الناس، فذكرت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوصاني أن لا أبرح وسمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفزعهم بعصاه، ويقول "اجلسوا" فجلسوا حتى كاد ينشق عمود الصبح، ثم ثاروا وذهبوا، فأتاني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "أنمت بعدي"؟ قلت: لا والله، ولقد فزعت الفزعة الأولى حتى هممت أن آتي البيوت فأستغيث الناس، حتى سمعتك تفزعهم بعصاك، فقال: "لو أنك خرجت من هذه الحلقة ما أمنت عليك أن يخطفك بعضهم، فهل رأيت من شيء منهم"؟ قلت: رأيت رجالا سودا مستفزين عليهم ثياب بيض، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أولئك وفد جن نصيبين، فسألوني المتاع الزاد والمتاع، فمتعتهم بكل عظم حائل أو روثة أو بعرة" فقلت: وما يغني عنهم ذلك؟ قال: "إنهم لا يجدون عظما، إلا وجدوا لحمه الذي كان عليه يوم أكل، ولا روثة إلا وجدوا فيها حبة الذي كان فيها يوم أكلت، فلا يستنقي أحد منكم بعظم ولا روثة» . وأخرج أبو نعيم أيضا عن بقية بن الوليد: حدثني نمير بن يزيد القيني حدثنا أبي حدثنا قحافة بن ربيعة حدثني الزبير بن العوام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الصبح في مسجد المدينة، فلما انصرف قال: "أيكم يتبعني إلى وفد الجن الليلة فأمسك القوم ثلاثا، فمر بي فأخذ بيدي فجعلت أمشي معه حتى خنست عنا جبال المدينة كلها وأفضينا إلى أرض براز فإذا رجال طوال كأنهم الرماح مستنفرين ثيابهم من بين أرجلهم، فلما رأيتهم غشيتني رعدة شديدة» ، ثم ذكر نحو حديث ابن مسعود، فلا يصح دعواه النسخ يعني وإذا كانت ليلة الجن غير واحدة فلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 والحديث مشهور عملت به الصحابة وبمثله يزاد على الكتاب وتمسكه   [البناية] يصح دعواه النسخ. م: (والحديث مشهور) ش: أي الحديث المذكور مشهور ثبت بطرق مختلفة شتى م: (عملت به الصحابة) ش: مثل علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود، وأما الذي روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان لا يرى بأسا بالوضوء بالنبيذ وضوء من لم يجد الماء. وأما الذي روي عن ابن مسعود فظاهر، وعن عكرمة: النبيذ وضوء من لم يجد الماء، وقال إسحاق: حلو أحب إلي من التيمم وجمعهما أحب إلي، ولهذا الذي ذكرنا، غير أن الحديث ورد مورد الشهرة والاستفاضة حتى عمل به الصحابة وتلقوه بالقبول. فصار موجبا علما استدلاليا كخبر المعراج والقدر خيره وشره من الله تعالى وأخبار الرواية والشفاعة وغير ذلك مما كان الراوي في الأصل واحدا ثم اشتهر وتلقاه العلماء بالقبول وهذا معنى قول المصنف والحديث مشهور. وقال صاحب " الدراية ": وفي كون الحديث مشهورا تأمل. قلت: ليس التأمل إلا في قول من يقول: إنه غير مشهور، أفلا يكفي شهرته عمل هؤلاء الكبار من الصحابة، وهم أئمة كبار ونبلاء الصحابة فكان قولهم معمولا به؟ م: (وبمثله) ش: أي بمثل هذا الحديث (يزاد على الكتاب وتمسكه) ش: أي وتمسك هذا الحديث مبني على الكتاب كما في المطلقة ثلاثا فإنه يراد الدخول عليه بالحديث المشهور، وقال السروجي: فيه نظر كبير؛ لأن المشهور عندنا ما تلقته الأئمة بالقبول وعملت به. وقال البزدوي: ما كان من الآحاد ثم انتشر بنقل قوم لا يمكن تواطؤهم على الكذب، وهذا الحديث إن عمل به واحد واثنان من الصحابة لم يعمل به الباقون فكيف يكون مشهورا. قلت: قال شيخ الإسلام: شرط كون الخبر مشهورا أن يكون آحادا في الأصل بأن يكون الراوي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مرتبة الآحاد متواتر النقل بأن ينقله في القرن الثاني وما بعده قوم لا يتوهم تواطؤهم على الكذب. وهذا الحديث كذلك ويعرف بالتأمل ويؤيد ذلك ما روي من فتاوى نجباء الصحابة في زمان أشد فيه باب الوحي. وقال أبو بكر الرازي في " أحكام القرآن ": يستدل بقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) على جواز الوضوء بنبيذ التمر من وجهين: أحدهما: بقوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] عموم في جميع المائعات؛ لأنه يسمى غاسلا بها إلا ما قام الدليل فيه، ونبيذ التمر ما شمله العموم. الثاني: قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] (المائدة: الآية 6) ، فإن ما أباح إلا عند عدم كل جزء من الماء لأنه لفظ منكر يتناول كل جزء منه سواء كان مخالطا بغيره أو منفردا بنفسه ولا يمنع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 وأما الاغتسال به فقد قيل: يجوز عنده اعتبارا بالوضوء استحسانا، وقيل: لا يجوز لأنه فوقه، والنبيذ المختلف فيه الذي يجوز الوضوء به أن يكون حلوا رقيقا يسيل على الأعضاء كالماء، وما اشتد منها صار حراما لا يجوز التوضؤ به وإن غيرته النار فما دام حلوا فهو على الخلاف، وإن اشتد فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز التوضؤ به لأنه يحل شربه عنده، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يتوضأ به لحرمة شربه عنده،   [البناية] أحد أن يقول في نبيذ التمر ماء فلما كان كذلك وجب أن لا يجوز التيمم مع وجوده بالظاهر، ويدل على ذلك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ بمكة قبل نزول الآية في التيمم م: (وأما الاغتسال به) ش: أي بنبيذ التمر فكأن هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: قد ذكرت عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - جواز الوضوء بالنبيذ فهل حكم الاغتسال به مثل الوضوء أم لا فقال: وأما الاغتسال ... إلخ، ولا نص عن أبي حنيفة في الاغتسال به ولكنهم اختلفوا م: (فقد قيل: يجوز عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (اعتبارا بالوضوء) ش: وهو الأصح؛ لأن الخصوص عن القياس بالنص ملحق به ما هو في معناه من كل وجه وأشار إلى ذلك م: (استحسانا) ش: أي استحسنه استحسانا. م: (وقد قيل: لا يجوز) ش: أي الاغتسال به م: (لأنه فوقه) ش: أي لأن الاغتسال فوق الوضوء؛ لأن الحديث ورد في الوضوء والاغتسال فوقه فلا يلحق به، لأن الجنابة أغلظ الحدثين والضرورة فيه دون الوضوء. وقال في " المبسوط ": الأصح فيه أنه يجوز الاغتسال به، وقال في المفيد: لا يجوز به وهو الأصح. م: (والنبيذ المختلف فيه) ش: أشار به إلى بيان نبيذ م: (الذي يجوز الوضوء به) ش: الذي اختلفنا فيه م: (أن يكون حلوا رقيقا يسيل على الأعضاء كالماء) ش: قد بينا في أول المسألة حقيقة النبيذ وحاصله أنه لا يجوز الوضوء به إلا بشرطين: أحدهما: أن يكون رقيقا، والآخر: أن يكون سائلا كالماء ولا يكون مشتدا. وشرط آخر: أن لا يكون مسكرا أشار إليه بقول: (وما اشتد منه صار حراما لا يجوز التوضؤ به) ش: أي لا يجوز الوضوء به إجماعا لأنه صار مسكرا حراما. م: (وإن غيرته النار) ش: وإن غيرت النبيذ النار بأن طبخوه فيها م: (فما دام حلوا فهو على هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور وهو جواز الوضوء إجماعا عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لم يخرج عن كونه طهورا كالماء، وعند أبي يوسف يتيمم، وعند محمد: يجمع بينهما م: (وإن اشتد) ش: أي وإن اشتد النبيذ الذي غيرته النار وصار مسكرا م: (فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز التوضؤ به لأنه يحل شربه عنده وعند محمد لا يتوضأ به لحرمة شربه عنده) ش: يعني شربه حرام عند محمد. وفي " المفيد " " والمزيد ": الماء الذي ألقي فيه تمرات فصار حلوا ولم يزل عنه اسم الماء وهو رقيق يجوز الوضوء به بلا خلاف بين أصحابنا، وإن طبخ أدنى طبخة لا يجوز الوضوء به حلوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 ولا يجوز التوضؤ بما سواه من الأنبذة جريا على قضية القياس.   [البناية] كان أو مرا أو مسكرا، قال: وهو الأصح لأن المتنازع فيه المطبوخ الذي زال عنه اسم الماء بالحديث. وقال الكرخي: وهو المطبوخ وأدنى طبخه يجوز الوضوء به حلوا كان أو مسكرا إلا عند محمد في المسكر. وقال أبو طاهر الدباس: لا يجوز، قال في " المحيط ": وهو الأصح كمرق الباقلاء، وقال المرغيناني والأسبيجابي: منع محمد على أبي يوسف في الزيادات فقال: يجوز التوضؤ به بسؤر الحمار، ولم يرو فيه أثرا ويمنع بنبيذ التمر، وقد ورد فيه الأثر. قلت: ناقض المصنف كلامه الذي في باب الماء الذي يجوز به الوضوء فإنه قال هناك: وإن تغير بالطبخ بعدما خلط به غيره لا يجوز التوضؤ به لأنه لم يبق في معنى المنزل من السماء إذ النار غيرته. م: (ولا يجوز التوضؤ بما سواه من الأنبذة) ش: أي بما سوى نبيذ التمر كنبيذ الزبيب والتين والحنطة والذرة ونحوها هذا عند عامة العلماء. وقال الأوزاعي: يجوز التوضؤ بالأنبذة كلها حلوا كان أو غير حلو، مسكرا أو غير مسكر، نيئا كان أو مطبوخا إلا الخمر خاصة. وقال ابن أبي ليلى: يجوز التوضؤ بماء العنب إذا لم يكن مشتدا كما في التمر. م: (جريا على قضية القياس) ش: لأن القياس كان يقتضي أن لا يجوز استعمال النبيذ في إزالة الأحداث ولكنه خص بالأثر على خلاف القياس، فيقتصر على مورد النص ويبقى الباقي على موجبه؛ ولأنه في الحديث علل باسمه وصفته فقال: «تمرة طيبة» وهو من العلل القاصرة، فلما لم يوجد في غيره لم يجز غيره. قلت: ينبغي أن يجوز التوضؤ بسائر الأنبذة كما قاله الأوزاعي إما بدلالة الأنبذة بالنص، وإما أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نبه على العلة حيث قال: «تمرة طيبة» وهذا المعنى موجود في نبيذ الزبيب وغيره، فصار كالهرة الطائفة على العلة فيها بقوله: «فإنها من الطوافين والطوافات» قيس عليها سائر سواكن البيوت لوجود المعنى. فإن قلت: جريا منصوب بماذا. قلت: الجري مصدر من جرى الماء وغيره لازم والمتعدي أجري وانتصابه على التعليل أي لأجل الجري على قضية القياس، ويجوز أن جريا بمعنى جاريا ويكون منصوبا على الحال والتقدير في الأول: عدم جواز التوضؤ بما سواه من الأنبذة لأجل الجري على قضية القياس، وفي الثاني: حالة كونه جاريا على قصية القياس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 باب التيمم   [البناية] [باب التيمم] [تعريف التيمم] م: (باب التيمم) ش: أي هذا باب في بيان أحكام التيمم فيكون ارتفاع باب على الخبرية، ويجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر والتقدير: هذا باب التيمم لما يأتي، ويجوز انتصابه على المفعولية والتقدير: خذ أو هاك باب التيمم، وجه المناسبة بين البابين من حيث إن الباب الأول في أحكام المياه، التي هي الأصل في باب الطهارة، وهذا الباب في بيان الخلف وحقه أن يكون عقيب الأصل، أو تقول: إنه ابتدأ بالوضوء الذي هو طهارة صغرى ثم ثنى بالغسل الذي هو طهارة كبرى، ثم ثلث بالتيمم لكونه خلفا وظيفته التعقيب. وقال صاحب " الدراية ": ابتدأ بالتيمم تأسيا بكتاب الله، وابتدأ بالوضوء؛ لأنه الأعم الأغلب، ثم بالغسل لأنه الأندر، ثم بالآية التي يحصلان بها وهو الماء المطلق، ثم بالعوارض التي تعرض عليه من المخالطة طاهر أو نجس، ثم الخلف وهو التيمم. قلت: قوله: ابتدأ بالتيمم لا وجه له أصلا إن أراد بالابتداء الابتداء في أول الكتاب فليس كذلك، وإن أراد به هاهنا فلا وجه له؛ لأنه ليس بابتداء به بل هو ذكر بالتعقيب والصواب ما ذكرنا. وقوله أيضا: تأسيا بكتاب الله، ليس كذلك لأن المذكور في كتاب الله الوضوء ثم الغسل ثم التيمم، والتأسي لا يكون إلا بذكره هكذا ولا يقال كيف يترك التأسي في تقديم المسافر وخارج المصر على المريض، مع أن الله تعالى قدم المريض على المسافر؛ لأنا نقول: التيمم مرتب على عدم الماء وهو في المسافر وخارج المصر حقيقي، وفي المريض حكمي. ثم اعلم أن أصل التيمم من الأم وهو القصد، يقال: أمه يؤمه أما إذا قصده، ويقال: أم وتأيم وتيمم بمعنى واحد ذكره أبو محمد في " كتاب الراعي " وفي " المحكم "، وأتيمه والتيمم أصله من ذلك؛ لأنه يقصد التراب فيمسح به، وفي " الجامع " عن الخليل: التيمم يجري مجرى التوضؤ بقوله: تيمم أطيب ما عذب وأسقانا منه، أي توضأت. وقال الفراء: ولم أسمع يممت بالتخفيف. وفي " المهذب " لأبي منصور: التيمم التعمم، وفي الصحاح: يممت فلانا أي قصدته. قال الشاعر: وما أدري إذا يممت أرضا ... أريد الخير أيهما يليني أي الخير الذي أنا أبتغيه ... أم الشيء الذي هو يبتغيني قلت: اسم الشاعر اللقب العبسي، وقال الشيباني: رجل يمهم يظفر بكلامنا يطلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 ومن لم يجد الماء وهو مسافر أو خارج المصر   [البناية] وفي الشرع: التيمم هو القصد إلى استعمال الصعيد في أعضاء مخصوصة على قصدر الطهارة بشرائط مخصوصة، فالاسم الشرعي فيه معنى اللغوي. [شرائط التيمم] [عدم وجود الماء] م: (ومن لم يجد الماء وهو مسافر) ش: الواو في مثل هذه المواضع تسمى واو الاستفتاح كذا سمعت من مشايخي، ويجوز أن يكون العطف على ما قبله من الأحكام المتعلقة بالوضوء، وكلمة من موصولة بمعنى الذي، وقال بعض من لا خبرة له: إن كلمة من هنا تتضمن معنى الشرط، فكان ينبغي إدخال الفاء في جوابها، ولكن المصنف تركه. قلت: هذا كلام من لا يصرف له، ولأنه إن من المتضمن معنى الشرط يكون الجزاء مجزوما نحو من يلزمني ألزمه إلا إذا كان الجزاء ماضيا فحينئذ لا يظهر فيه الجزم، وأما إذا كان الجزاء جملة فلا بد من الفاء فيه، وقد تحذف في ضرورة الشعر. وقال ابن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز في النثر نادرا. قوله: وهو المسافر، جملة اسمية وقعت حالا، وقد علم أن الجملة الاسمية إذا وقعت حالا فلا بد فيها من الواو، وقد تحذف كما في قوله: كلمته فوه إلى في. فإن قلت: لم قدم المسافر على المريض هنا وفي كتاب الله ذكر المريض مقدم. قلت: قدم ذكره في كتاب الله تطييبا لقلبه، ولأن المرض عارض جاء من الله تعالى من غير اختيار العبد، والسفر عارض باختياره وقد ذكرناه عن قريب. م: (أو خارج المصر) ش: يجوز فيه النصب والرفع، أما النصب على وجوه: أحدها: أن يكون نصبا على الحال، عطفا على الجملة الحالية التي قبله. قال السغناقي في الآية: لما جاز عطف الجملة الحالية على المفرد من الحال في قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191] (آل عمران: الآية 191) أي مضطجعين على جنوبهم جاز عليه أيضا، قلت: قياما بمعنى قائمين، وقعودا بمعنى قاعدين، فحينئذ لا يكون عطف الجملة على المفرد اللهم إذا قلنا بذلك نظرا إلى اللفظ. الوجه الثاني: أن يكون مفعولا فيه تقديره أو في مكان خارج المصر، كذا قال السغناقي وغيره، ولكن تحدثه شيء وهو أن لفظة خارج عارض هنا اسم لظاهر البلد وفيما قالوا: اسم لفعل الخروج والأول هو الأولى والأوجه. وأما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره أو هو خارج المصر فتكون الجملة عطفا على الجملة السابقة فيكون محلها النصب على الحال، ثم إن قوله: أو خارج المصر، ولقول من يقول: إنه لا يجوز إلا للمسافر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 وبينه وبين المصر نحو ميل أو أكثر   [البناية] ذكر في " المحيط "، وقال في الناس: من قال: لا يجوز التيمم لمن خرج من المصر إلا إذا قصد سفرا صحيحا، والمعنى: ويجوز لمن هو خارج المصر وإن لم يكن مسافرا وفيه أيضا نفي لجواز التيمم في الأمصار سوى المواضع المستثناة وهذا موافق لما ذكره في " شرح الطحاوي " حيث قال: إن التيمم في المصر لا يجوز إلا في ثلاث: أحدها: إذا خاف من فوت صلاة الجنازة إن توضأ. والثانية: عند خوف فوت صلاة العيد. والثالثة: عند خوف الجنب من البرد بسبب الاغتسال. وقال الإمام التمرتاشي: من عدم الماء في الحضر لا يجوز له التيمم لأنه نادر، وذكر في " الأسرار " جواز التيمم لعادم الماء في الأمصار. فإن قلت: فعلى هذا لا يكون قوله: أو خارج المصر مبينا لجواز التيمم في الأمصار، والأقل جواز التيمم لعدم الماء سواء كان في المصر أو خارجه. م: (وبينه وبين المصر نحو ميل) ش: وفي بعض النسخ الميل بالألف واللام ولا وجه له، أي والحال أن بين خارج المصر وبين المصر ميل يعني قدر ميل. وقال الأترازي: ولو قال: بينه وبين الماء مكان وبين المصر لكان أحسن ليشمل الشخص جميعا المسافر والخارج عن المصر، وهذا لأن المعتبر هو الأبعد بين المتيمم وبين الماء سواء كان في المصر أو غيره. قلت: إنما يكون ما قاله أحسن لو قال: وبينهما أي وبين المسافر والخارج عن المصر ولما رد الضمير إلى الخارج عن المصر وقال: وبين المصر؛ لأن الخارج من المصر إذا عدم الماء فالضرورة غالبا لا يجد الماء إلا في المصر فذكر المصر ليستلزم الخارج من المصر من غير عكس، ثم الميل ثلث فرسخ أربعة آلاف ذراع، قال محمد بن قدح الشامي: طولها أربعة وعشرون أصبعا، بعدد حروف لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وعرض الأصبع ست حبات شعير ملصقة ظهر البطن، وزنة الحبة من الشعيرة ستون حبة خردل وهو الذراعي الملكي وبه ذرع هارون الرشيد الرق وجعل الفرسخ ثلاثة أميال، والبريد اثني عشر ميلا. وفسر ابن شجاع الميل: بثلاثة آلاف ذراع، وفسر الغلوة بثلاثمائة ذراع أي أربعمائة ذراع كذا في " الذخيرة "، وفي " الينابيع ": الميل ثلث الفرسخ أربعة آلاف خطوة ذراع ونصف بذراع العامة وهو أربعون وعشرون أصبعا. م: (أو أكثر) ش: بالرفع عطف على قوله: ميل وارتفاع ميل بالابتداء وخبره قوله: وبينه وبين المصر، ويجوز بالنصب على أن يكون لفظ كان مقدرا فيه والتقدير أو كان أكثر من الميل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 يتيمم بالصعيد   [البناية] فإن قلت: أفعل التفضيل لا يستعمل إلا بأحد الأشياء الثلاثة بالإضافة والألف واللام وكلمة من وليس شيء من ذلك هاهنا. قلت: قد يستعمل مجردا عنها كما في قولك: الله أكبر. فإن قلت: قوله: أو أكثر مستغنى عنه لا فائدة تحته. قلت: أجيب عنه بأجوبة: الأول: أنه للتأكيد لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} [الحاقة: 13] (الحاقة: الآية 13) ، لأن معنى التأكيد هو أن يستفاد من الثاني ما استفيد من الأول وهذا كذلك قال الأكمل: ورد بأن تخلل العاطف يأباه. قلت: الذي رد هو صاحب " الكافي ". والوجه الثاني: أن المسافة تعرف بالحرز والظن، فلو كان في ظنه أن بينه وبين الماء نحو ميل أو أقل لا يجوز حتى يتبين أنه ميل. قال الأكمل: وفيه نظر لأنه مبني على أنه حرزا أو ظنا فمن أين يتحقق ذلك؟ قلت: معرفة المسافة بالحرز والظن يكون مبني عليه. الثالث: قال الأترازي: الأصل في الدلالات المطابقة لا الالتزام فذكره بفهم الحكم بالمطابقة. قلت: هذا عجيب والحكم بالمطابقة فهم من قوله: ميل؛ لأن هذا معناه المطابق ويفهم منه جواز التيمم في هذا المقدار ففي أكثر منه بالطريق الأولى. الرابع: أنه ذكر رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الماء إن كان قدامه فالمسافة ميلان، وإن لم يكن فميل وفيه نظر؛ لأنه يلزم منه أن يكون أربعة أميال ذهابا وإيابا. الخامس: قال السروجي: يحتمل أن يكون ذلك شكا من الراوي في قوله: فإن صلت وربع ساقها أو ثلثه مكشوف، وفيه نظر لأنه إنما قيل: ربع ساقها أو ثلثه إشارة إلى أن كل واحد منهما رواية. والسادس: أن قوله: ميل في الجهات الثلاث، وقوله: أو أكثر فيما أمامه أو أكثر على قول من شرط ميلين ورد بما رد به الوجه الرابع. السابع: أن الذي قدره الشرع أربعة أنواع: الأول: أن يمنع الأقل والأكثر كالحدود والصلوات المفروضة والمواريث. الثاني: أن يمنعها لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] (النساء: الآية 40) . الثالث: أن يمنع الأقل لا الأكثر كنصاب الشهادة والسرقة والزكاة. الرابع: أن يمنع الأكثر لا الأقل كمدة إمهال المرتد ومدة جواز الصلاة على الميت المدفون من غير صلاة، وما في الكتاب من قبل النوع الثالث ذكره تنبيها للناظرين. م: (يتيمم بالصعيد) ش: خبر المبتدأ عن قوله: من لم يجد، وجواب المسألة: والصعيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء»   [البناية] التراب، قال الجوهري: وقال ثعلب الصعيد وجه الأرض لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40] (الكهف: الآية 40) ، والجمع: صعد وصعدات مثل طريق وطرق وطرقات سمي به لصعوده وهو فعيل بمعنى مفعول أو مصعود عليه. حكاه ابن الأعرابي والخليل وثعلب، وفي " معاني الزجاج ": الصعيد: وجه الأرض، كان موضع تراب أو لم يكن؛ لأن الصعيد ليس وجه التراب، وإنما وجه الأرض تراباً كان أو صخراً لا تراب عليه، وقال: لا أعلم خلافاً بين أهل اللغة في أن الصعيد وجه الأرض. وقال قتادة: الصعيد الأرض التي لا نبات فيها ولا شجر، وقال ابن دريد: المستوي، وسيأتي الخلاف في هذا الباب. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) أشار بهذا إلى أن ثبوت التيمم بالكتاب والسنة. أما الكتاب فهو قَوْله تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [المائدة: 6] كان نزولها في غزوة المريسيع، وهي غزوة بني المصطلق حين أقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس معه على التماس عقد عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حين أنقطع فأصبحوا على غير ماء. فأنزل الله تعالى آية التيمم، بحديث العقد رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود، والمريسيع بضم الميم وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وكسر السين المهملة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة. وفي آخره عين مهملة وهو اسم ماء بناحية قديد بين مكة والمدينة. وكانت غزوة بني المصطلق في شعبان من السنة الثالثة من الهجرة، وقيل: سنة أربع. قوله {طَيِّبًا} [المائدة: 6] أي طاهراً عند الأكثرين، وقيل: حلالاً. وقال الشافعي: الطيب المنبت الخالص ولهذا لا يجوز التيمم بغير التراب، وسيجيء الكلام فيه مستوفى إن شاء الله تعالى. وأما السنة فقد أشار إليها بقوله: م: (وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء» ش: وقوله: مجرور؛ لأنه معطوف على قَوْله تَعَالَى، والحديث روي عن أبي هريرة وأبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. أما حديث أبي هريرة فرواه البزار في " مسنده "، حدثنا مقدم بن محمد المقدمي، حدثنا القاسم بن يحيى بن عطاء بن مقدم، حدثنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله، وليمسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بشرته» . وقال البزار: لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه، ولم نسمعه إلا من مقدم وكان ثقة. ورواه الطبراني في " معجمه الأوسط " حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة، حدثنا مقدم بن محمد المقدمي به، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: «كان أبو ذر في غنيمة بالمدينة، فلما جاء قال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يا أبا ذر " فسكت فرددها عليه فسكت، فقال: " يا أبا ذر ثكلتك أمك " قال: إني جنب، فدعا له الجارية بماء فجاءته به فاستتر براحلته ثم اغتسل، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يجزئك الصعيد ولو لم تجد الماء عشرين سنة، فإذا وجدته فأمسه جلدك» وقال: لم يروه عن ابن سيرين إلا هشام، ولا عن هشام إلا قاسم، تفرد به مقدم، وذكر ابن القطان في كتابه من جهة البزار وقال: إسناده صحيح وهو غريب من حديث أبي هريرة. وأما حديث أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر قال: قال رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين ما لم يجد الماء، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير» رواه أبو داود، وقال الترمذي: حسن صحيح، وفي رواية لأبي داود والترمذي: «طهور المسلم» ، ورواه ابن حبان في صحيحه، ورواه الحاكم في " مستدركه "، وقال: حديث حسن صحيح، ولم يخرجاه، إذ لم يجدا لعمرو راويا غير أبي قلابة، وضعف هذا الحديث ابن القطان في كتابه " الوهم والإيهام "؛ لأن فيه عمرو بن بجدان وهو لا يعرف حاله. قلت: العجب منه لم يكتف بتصحيح الترمذي في معرفة حال عمرو بن بجدان مع تعريفه بالحديث، وبجدان بضم الباء الموحدة وسكون الجيم. وقول المصنف: «التراب طهور المسلم» ، لم يقع بهذا اللفظ إلا في رواية للترمذي، وفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 والميل هو المختار في المقدار   [البناية] رواية لأبي داود: «الصعيد طهور» . قوله: (ولو إلى عشر حجج) : أي عشر سنين، وكذا لفظ حديث أبي هريرة، والمراد نفس الكثرة لا عشرة بعينها. وتخصيص العشرة لأجل الكثرة؛ لأنه منتهى عدد الآحاد، والمعنى: له أن يفعل التيمم مرة بعد مرة أخرى، وإن بلغت مدة عدم الماء إلى عشر سنين، وليس معناه أن التيمم دفعة واحدة يكفيه عشر سنين. قوله: (ما لم يجد الماء) المراد به الماء الذي يكفي لرفع الحدث؛ لأن ما دونه يستوي فيه وجوده وعدمه، إذ لا تثبت به استباحة الصلاة فكان كالمعدوم. فإن قلت: " ماء " في قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) نكرة في سياق النفي فتناول ما يسمى به ماء قليلا كان أو كثيرا. قلت الآية سبقت لبيان الطهارة الحكمية فكان معنى قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 6] طهورا محللاً للصلاة وبوجود ما لا يكفي للوضوء لم يوجد ما يحلل الصلاة. واعلم أن المراد من الوجود القدرة، ومعنى الآية: فلم تقدروا على استعماله، ولفظ الوجود كما يستعمل للظفر بالشيء يستعمل للقدرة عليه. يقال: الشيء ظفر به ووجده إذا قدر عليه، فحملناه على القدرة هاهنا لاعتماد التكليف عليها إلا على الوجوب مطلقاً، ألا ترى أن [ ... ] الذي إذا تعذر عليه الوضوء منه ولا يجد من يوضئه يباح له التيمم، والماء أما وضوء على الطريق لا يمنع التيمم، إلا إذا كان كثيرا يعلم أنه وضع للوضوء والشرب، والغني والفقير سواء، وما وضع للتوضؤ يجوز الشرب منه. وفي المرغيناني: الماء الذي يحتاج إليه للعطش والخبز وكذا الثمن يحتاج إليه للعطش أو العجين تيمم معه، ولاتخاذ المرقة لا يتيمم؛ لأن حاجة الطبخ دون حاجة العطش والخبز، وكذا الثمن الذي يحتاج إليه للزاد يتيمم معه بمنزلة ماء العطش، وعطش رفيقه كعطش نفسه، وعطش دابته وكلبه كذلك. م: (والميل هو المختار في المقدار) ش: أي في مقدار بعد الماء وجه كونه مختاراً أن المسافة القريبة جداً مانعة من جواز التيمم والبعد يجوزه له، فقدر البعيد بالميل لإلحاق الحرج إلى وصول الماء، وفيه احتراز عن غيره من الأقوال، وعند محمد: شرطه أن يكون بينه وبين المصر ميلان. وعن أبي يوسف: لو ذهب إليه وتوضأ به وتذهب القافلة وتغيب عن بصره يجوز التيمم، وهذا أحسن جداً. وقيل: إذا كان نائياً عن بصره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 لأنه يلحقه الحرج بدخول المصر والماء معدوم حقيقة، والمعتبر المسافة دون خوف الفوت؛ لأن التفريط يأتي من قبله، ولو كان يجد الماء إلا أنه مريض فخاف إن استعمل الماء اشتد مرضه يتيمم لما تلونا، ولأن الضرر في زيادة المرض فوق الضرر في زيادة ثمن الماء   [البناية] واختلفوا في النائي، قيل: قطع ميل، وعن محمد: قطع ميلين، وقيل: فرسخ، وقيل: جواز قصر الصلاة، وقيل: عدم سماع الأذان. وقيل: عدم سماع أصوات الناس، وقيل: لو نودي من أقصى المصر لا يسمع. وفي " البدائع " إن ذهب إليه لا ينقطع عند جلبة الغير ويحسن أصواتهم وأصوات دراء فهو قريب. وقيل: إن كان بحيث يسمع أصوات أهل الماء فهو قريب. قال قاضي خان: وأكثر المشايخ عليه. وكذا ذكره الكرخي. وأقرب الأقوال اعتبار الميل ولا يبلغ ميلاً، وعن محمد: يبلغ، وقال زفر: إن خشي فوت الوقت يجوز، وإن كان قريباً. فإن قلت: النص مطلق عن اشتراط المسافة فلا يجوز تقييدها بالرأي. قلت: المسافة القريبة غير مانعة بالإجماع، والبعيدة غير مانعة بالإجماع، فجعلنا الفاصل بينهما الميل، أشار إليها بقوله م: (لأنه يلحقه الحرج بدخول المصر والماء معدوم حقيقة) ش: أي؛ لأن المكلف يلحقه الحرج وهو مدفوع شرعاً. وقال الأترازي: فلو قال بإبانة الماء لكان أولى، وتكلمنا فيه عند قوله: " بينه وبين المصر ". م: (والمعتبر المسافة) ش: أي الاعتبار في جواز التيمم كون الماء إلى الماء م: (دون خوف الفوت) ش: أي وقت الصلاة. وقال الأترازي: هذا يحتاج إلى قيد آخر بأن يقال: دون خوف الفوت إذا كان إلى خلف؛ لأنه إذا خاف الفوت لا إلى خلف يكون خوف الفوت معتبراً كما في صلاة العيد والجنازة حتى يحتاج إلى التيمم. قلت: لا يحتاج إلى ذلك؛ لأنه عن قريب يذكر هذا الحكم مفصلاً وفيه احتراز عن قول زفر، فإن عنده يجوز التيمم إذا خاف لفوت الوقت، وإن كان الماء قريباً أقل من ميل هو يقول لإطلاق الآية. وأشار المصنف إلى دليلنا بقوله: م: (لأن التفريط) ش: أي التقصير م: (يأتي من قبله) ش: أي من تأخيره الصلاة، فليس له أن يتيمم إذا كان الماء قريباً منه. [العجز عن استعمال الماء لمرض ونحوه] م: (ولو كان يجد الماء إلا أنه مريض) ش: إلا ها هنا بمعنى لكن، وفي كل موضع شأنه هذا م: (فيخاف إن استعمل الماء اشتد مرضه يتيمم) ش: واشتداد المرض تارة يكون بالتحريك كالمبطون ومن به العرق المديني، وتارة يكون باستعمال الماء بالجدري والحصبة م: (لما تلونا) ش: أراد به قوله {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) م: (ولأن الضرر في زيادة المرض فوق الضرر في زيادة ثمن الماء) ش: أي؛ لأن الضرر الحاصل له عندي خوفه من زيادة المرض إذا استعمل الماء فوق ضرره في زيادة ثمن الماء الذي يباع بأكثر من ثمنه، فإذا كان الحرج مدفوعاً عند زيادة الثمن في الماء فاندفاعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 وذلك يبيح التيمم فهذا أولى، ولا فرق بين أن يشتد مرضه بالتحرك أو بالاستعمال، واعتبر الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - خوف التلف، وهو مردود بظاهر النص.   [البناية] عند الخوف من زيادة المرض أولى وأجدر؛ لأن النفس أعز من المال. م: (وذلك) ش: إشارة لما ذكرنا من زيادة ثمن الماء م: (يبيح التيمم فهذا أولى) ش: هذا إشارة لما ذكرنا من زيادة المرض. م: (ولا فرق) ش: في المرض م: (بين أن يشتد مرضه بالتحريك) ش: كالمبطون كما ذكرنا م: (أو بالاستعمال) ش: أي باستعمال الماء كالجدري. م: (واعتبر الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - خوف التلف) ش: أي تلف نفسه أو عضوه، وهذا الذي ذكره المصنف هو القول الجديد للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقوله القديم مثل قولنا في " شرح الوجيز "، أما مرض يخاف منه زيادة العلة وبطء البرء فقد ذكر فيه ثلاثة طرق: أحدها: أن في جواز التيمم قولان: أحدهما المنع وهو قول أحمد، وأظهرهما الجواز، وهو قول الإصطخري وعامة أصحابه وهو قول مالك وأبي حنيفة. وفي " الحلية " وهو الأصح قال: إن كان مرض لا يلحقه باستعماله ضرراً كالصداع والحمى لا يجوز له التيمم. وقال داود: يجوز، ويحكى عن مالك، وعطاء، والحسن البصري، أنه لا يجوز للمريض إلا عند عدم الماء، ولو خاف من استعمال الماء شيئاً في المحل، قال أبو العباس: لا يجوز له التيمم على مذهب الشافعي. وقال غيرهما: إن كانت الشين كأثر الجدري والحراقة ليس له التيمم، وإن كان يؤمن من خلفه ويؤذي من وجهه كثيراً فيه قولان. والثاني من الطرق أنه لا يجوز قطعاً. والثالث: أنه يجوز قطعاً. وأجمعوا على أنه لو خاف على نفسه الهلاك أو على عضوه ومنفعته يباح له التيمم. وحكى صاحب " الحاوي " في خوف أحدهما فيه قولان كما في زيادة المرض، وأصحهما يقطع بالجواز كما قال الجمهور. وقال إمام الحرمين عن العراقيين أنهم قالوا في جواز التيمم من خاف مرضا مخوفا قولين، وهذا النقل عنهم مشكل، فإن الموجود في كتبهم كلها القطع بجواز التيمم لخوف حدوث مرض مخوف، وقد أشار الشافعي أيضاً إلى الإنكار على إمام الحرمين في هذا النقل. م: (وهو) ش: أي قول الشافعي م: (مردود بظاهر النص) ش: وهو قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) ، فإنه أباح التيمم بكل مرض من غير فصل، وهذا الرد لا يستقيم إلا على أحد قوليه الذي هو غير صحيح وغير مشهور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 ولو خاف الجنب إن اغتسل أن يقتله البرد أو يمرضه يتيمم بالصعيد، وهذا إذا كان خارج المصر لما بينا، ولو كان في المصر فكذلك يتيمم عند أبي حنيفة خلافا لهما،   [البناية] فإن قلت: كيف لا يتناول لمن لا يشتد مرضه. قلت: بسياق الآية وهو قَوْله تَعَالَى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) فإن الحرج إنما يلحق من يشتد مرضه فبقي الباقي على ظاهرها. فإن قلت: لا نسلم إطلاق النص لتقييده بالعدم. قلت: العدم شرط في حق المسافر دون المريض. [خوف الضرر من استعمال الماء] م: (ولو خاف الجنب إن اغتسل أن يقتله البرد) ش: كلمته الأولى مكسورة والثانية مفتوحة، في محل النصب على أنه مفعول لقوله " خاف " ثم إنه ذكر الجنب ولم يذكر المحدث. قال في " الأسرار ": إنهما سواء على قول أبي حنيفة. وذكر قاضي خان: ثم الجنب الصحيح في المصر إذا خاف الهلاك بالبرد جاز له التيمم على قوله: وأما المسافر إذا خاف الهلاك من الاغتسال جاز له التيمم بالاتفاق، وأما المحدث في المصر فاختلفوا فيه على قول أبي حنيفة في المحدث، اختلاف الرواية يجوزه شيخ الإسلام، ولم يجوزه الحلواني. وقال صاحب " الدراية " عنه أنه قال: مشايخنا في ديارنا لا يجوزون للمقيم أن يتيمم بالاتفاق؛ لأن في عرف ديارنا أجرة الحمام بعد الخروج فيمكنه أن يدخل الحمام ويغتسل ويعتذر بالعسرة. م: (أو يمرضه) ش: عطف على قوله: " أن يقتله البرد " وهو مرفوع؛ لأنه فاعل لقوله: أن " يقتله " وهو من الأمراض أي يمرضه البرد م: (يتيمم بالصعيد) ش: جواب لرد هو جواب المسألة. م: (وهذا) ش: إشارة إلى جواز التيمم م: (إذا كان) ش: أي الذي يريد به التيمم لأجل الخوف من استعمال الماء من الموت أو المرض م: (خارج المصر لما بينا) ش: أراد به قوله؛ لأنه يلحقه الحرج بدخول المصر. م: (ولو كان) ش: أي لو كان الجنب الخائف من المرض أو القتل م: (في المصر فكذلك يتيمم عند أبي حنيفة خلافاً لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد، وذكر في " قاضي خان " الجنب الصحيح في المصر إذا خاف الهلاك من الاغتسال جاز له التيمم في قولهم جميعاً. وأما المحدث في المصر إذا خاف الهلاك من التوضؤ اختلفوا فيه على قول أبي حنيفة، والصحيح: أنه لا يباح له التيمم بالاتفاق، وإن كان عنده من يعينه على استعمال الماء المتعين حراً أو امرأة جاز له التيمم في قول أبي حنيفة، وعندهما: لا يجوز وإن كان المعين مملوكاً اختلف المشايخ على قوله، وقيل: إن كان المعين بغير بدل لا يجوز له التيمم بالاتفاق، وبأجر يتيمم عنده قل أو كثر، وقالا بربع درهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 هما يقولان إن تحقق هذه الحالة نادر في المصر فلا يعتبر، وله أن العجز ثابت حقيقة، فلا بد من اعتباره.   [البناية] م: (هما) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (يقولان إن تحقق هذه الحالة) ش: أي العجز م: (نادر في المصر فلا يعتبر) ش: لأن الغالب فيه على القدرة عليه دخول الحمام فلا يعتبر النادر. م: (له) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن العجز ثابت حقيقة) ش: إذ الغرض خوف الهلاك مع وجود الماء ومشروعية التيمم لدفع الحرج وهو شامل لهما م: (فلا بد من اعتباره) ش: ولو كان نادراً في المصر إذا تحقق فلا بد أن يجب الخروج عند عهدته، ولهذا لو عدم الماء في المصر يتيمم ولو كان نادراً كما لو عدم في البرد، ولهما نظائر على هذا الخلاف منها إذا كان لا يقدر على استعمال القيام بنفسه، ومنها إذا كان على فراش نجس، ولا يمكنه التحول إلى مكان طاهر ثم وجد من يحوله. ومنها الأعمى إذا وجد قائداً يقوده إلى الجمعة والحج. واتفقوا على أنه إذا عجز عن القيام بنفسه وثم من يعينه يصلي قاعداً، والمقعد إذا وجد من يحمله إلى الجمعة لا جمعة عليه عند الكل ولا حج ولا حضور الجماعة. وقيل: الكل على الخلاف. فروع: المسافر خارج المصر يجوز له جماع زوجته وأمته عند عدم الماء وعليه عامة العلماء، يروى ذلك عن ابن عباس، وجابر، وزيد، وإسحاق، وقتادة، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر. وعن على، وابن مسعود: يمنعه لعدم جواز التيمم عند ابن مسعود، ومثله عن ابن عمر، والزهري. وقال مالك: لا أحب له أن يصيب امرأته إلا ومعه ماء، عن عطاء إن كان بينه وبين الماء ثلاثة أميال لم يصبها وإن كان أكثر جاز، وعن أحمد في كراهته وجهان، وحديث «عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: يا رسول الله الرجل يجنب ولا يقدر على الماء أيجامع زوجته؟ قال: " نعم» رواه أحمد، وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف. والتيمم عن النجاسة المعينة لا يجوز، ومعناه: إذا كان على جسده نجاسة يتيمم لها وفي وجه بيديه لا يصح، وهو قول الجمهور من أهل العلم، خلافاً لأحمد وأصحابه في إعادة صلاته، ولو كانت على بدنه لا يتيمم بها، لكن ينبغي له أن يمسح موضع النجاسة بتراب تقليداً لها. ولنا: أن الغسل لا يكون في غير موضع النجاسة فكذا التيمم. وفي المرغيناني: المرتد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 والتيمم ضربتان   [البناية] المسجون تلزمه الإعادة لصلاة التيمم، ولو جاءت قبل خروجه لا يأثم، ولو منع في السفر، وصلى بالتيمم لا يعيد، وفي صلاة الحسن لا يصلي حتى يقدر على الماء، ولو تيمم لقراءة القرآن الصحيح أنه لا تجوز الصلاة به، ولو تيمم لدخول المسجد أو مس المصحف جازت الصلاة به عند أبي بكر البلخي، وعامة المشايخ بخلافه، وعلى هذا التيمم لزيارة القبور وللتعليم لا يصلي به. وفي " التحفة ": لو تيمم لصلاة الجنازة، أو سجدة التلاوة، أو لقراءة القرآن فجاز له أن يؤدي جميع ما لا يجوز إلا بالطهارة بخلاف التيمم لمس المصحف ودخول المسجد، حيث لا يعتبر إلا في حقهما؛ لأنهما من أجزاء الصلاة. وفي القدروي لا يجوز التيمم لسجدة التلاوة وقيل هو جائز، ولو تيمم لسجدة الشكر لا يصلي به المكتوبة، وعن محمد: يصليها بناء على أنها قربة عنده. جنب، وحائض طهرت، وميت، معهم من الماء ما يكفي أحدهما فصاحب الماء أحق به، وبه قال مالك، وقال بعض الشافعية: يبيعه من الميت، وإن كان الماء لهم لا يجوز استعماله لأجل نصيب الميت. وفي " المحيط ": وينبغي أن يصرفا نصيبهما إلى الميت ويتيمما، وإن كان مباحاً فالجنب أولى به، وتتيمم المرأة ويتيمم الميت، وتقتدي المرأة بالرجل. وقال أحمد: الحائض أولى به لأجل حق زوجها في الوطء، وإن كان معهم محدث فكذلك. وقال المرغيناني وقيل: الميت أولى، والأول أصح. وفي " البدائع ": المحبوس في المصر عنده تراب طاهر يصلي يتيمم ويعيد. وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يصلي، وهو قول زفر، وعن أبي يوسف: يصلي ولا يعيد كالمريض والمحبوس، وإذا لم يجد ماء، ولا تراباً نظيفاً فإنه لا يصلي عند أبي حنيفة، وعامة الروايات عن محمد. وقال أصبغ من المالكية: لا يصلي وإن خرج الوقت إلا بوضوء أو تيمم. وقال أبو يوسف: يصلي بالماء ويعيد، وبه قال محمد في رواية أبي سليمان. وقال بعض المشايخ: إنما يصلي بالإيماء إذا كان المكان رطباً، وإن كان يابساً يصلي بالركوع والسجود، والصحيح عنه أنه يؤدي كيف ما كان، ومذهب عمر، وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن من لم يجد ماء لا يصلي، ذكره ابن بطال، وفي " المحيط " دل عليه أن الصلاة بغير طهارة، أو إلى غير القبلة، أو في ثوب نجس متعمداً يكفر، والصحيح أنه لا يكفر بغير طهارة ولا يكفر فيها. متيمم يصلي، قال يهودي: خذ هذا الماء يمضي في صلاته؛ لأنه مستهزئ به، فإن أعطاه بعدها أعاد. [أركان التيمم] م: (والتيمم ضربتان) ش: وبه قال الشافعي في الجديد، والثوري، والنخعي، والحسن وابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] نافع، والليث، والأوزاعي، وابن الحكم، وإسماعيل القاضي، وهو قول ابن عمر، ومالك في " المدونة " وقال مالك وأحمد: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى الرسغين، والرسغ مفصل الكف وأحد طرفيه كوع، ويقال: كاع أيضاً كياع وكوع يلي الإيهام، والآخر له كرسوع يلي الخنصر. وقال ابن أبي ليلى، وابن حي: ضربتان يمسح بكل واحدة منهما وجهه ويديه. وقال ابن سيرين: ثلاث ضربات الثالثة لهما جميعاً، وعنه: ضربة ضربة للوجه وضربة للكف وضربة للذراعين. وعن الزهري إلى المناكب، ويروى عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وروى أبو داود أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح إلى أنصاف ذراعيه، قال ابن عطية: لم يقل أحد بهذا الحديث فيما حفظت. وفي قواعد ابن رشد روي عن مالك الاستحباب إلى ثلاث والفرض اثنان. وفي " شرح الأحكام " لابن بزيزة قالت: طائفة من العلماء: يضرب أربع: ضربتان للوجه وضربتان للذراعين، وقال ابن بزيزة: وليس له أصل في السنة. قال أبو عمر: قال الأوزاعي: التيمم ضربتان ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى الكوعين، والفرض عند مالك إلى الكوعين والاختيار إلى المرفقين، وروي عن الأوزاعي وهو الأشهر قوله: التيمم ضربة واحدة يمسح بها وجهه ويديه إلى الكوعين، والفرض هو قول عطاء والشعبي في رواية، وبه قال أحمد وإسحاق والطوسي، وفي " المغني " لابن قدامة المسنون عن أحمد التيمم بضربة واحدة، فإن تيمم بضربتين، جاز. وقال القاضي: الإجزاء يحصل بضربة واحدة، والكمال بضربتين. وقال الأكمل: قيل في قوله ضربتان إشارة إلى أن نفس الضرب داخل في التيمم، فمن ضرب يديه على الأرض للتيمم وأحدث قبل أن يمسح بهما وجه وذراعيه ثم مسحهما بهما لم يجز؛ لأنه أحدث بعد ما أتى ببعض التيمم، وكان كمن أحدث في خلال الوضوء. وذكر الأسبيجابي جوازه كمن ملأ كفيه ماء للوضوء ثم أحدث ثم استعمله. قلت: قيل: قائله السغناقي. وقال الأترازي عند قوله والتيمم ضربتان: والمقصود من الضرب أن يدخل الغبار في خلال الأصابع تحقيقاً بمعنى الاستيعاب كما هو ظاهر الرواية، وإنما قلنا هذا؛ لأن الوضع كاف وإن لم يوجد الضرب، وما قيل إنما اختار لفظ الضرب؛ لأن الآثار جاءت بلفظ الضرب ففيه نظر؛ لأن الله تعالى لم يقيده بالضرب في قوله: {فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] وكذا سائر الآثار كقوله: «التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج» وقوله: «جعلت لي الأرض مسجداً» وقوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] " عليكم بالصعيد " إلا أن بعضها جاء لفظ الضرب ولا يقال بمثله جاءت الآثار بلفظ الضرب. قلت: في نظره نظر؛ لأن استدلاله على ذلك بالآية والأحاديث الثلاثة غير صحيح؛ لأنها تدل على مشروعية التيمم ولا تدل على كيفيته، وكيفيته بأحاديث غيرها وفيها لفظ الضرب، منها في حديث عمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه البخاري ومسلم وفيه: «ثم ضرب بيده الأرض ضربة واحدة» وفي رواية أخرى: فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنما يكفيك أن تضرب بيديك الأرض» . ومنها حديث ابن عمر رواه الحاكم في " مستدركه " والدارقطني في " سننه " قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين» وله طريقان آخران في أحدهما: «تيممنا مع رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فضربنا بيدينا على الصعيد» وفي الآخر أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «في التيمم ضربتين ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المفرقين» . ومنها حديث جابر، رواه الحاكم في " المستدرك " عنه، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ضربتان ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين» . وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ومنها حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رواه البزار في " مسنده " أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «في التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين» . ومنها حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرجه أبو داود عنه «عن عمار بن ياسر قال: كنت في القوم حين نزلت الرخصة في المسح بالتراب إذا لم نجد الماء، فأمرنا فضربنا واحدة.» ومنها: حديث أبي موسى الأشعري أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وفيه: «إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا، وضرب بيديه على الأرض» ، ولحديث عمار طرق كثير، وفيها لفظ الضرب، ومن جملة طرقه طريق فيه عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ومنها حديث أبي أمامة، أخرجه الطبراني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «التيمم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 يمسح بإحداهما وجهه وبالأخرى يديه إلى المرفقين لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين»   [البناية] ضربتان ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين» . ومنها: حديث الأسلع خادم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيه: «ضرب رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بكفيه الأرض» . وأخرج الطحاوي من حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بأربع طرق موقوفة صحاح، وفيها لفظ الضرب، وأخرج عن الحسن أنه قال: ضربة للوجه والكفين، وضربة للذراعين إلى المرفقين. وأخرج عن سالم أنه ضرب بيديه على الأرض حين سأله أيوب عن التيمم، وأخرج الشعبي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين» . فإذا كان الأمر هكذا فكيف يقول الأترازي: وفي بعضها جاء لفظ الضرب، ولا يقال لمثله الآثار جاءت بلفظ الضرب، ولو اطلع على ذلك لم يقل هكذا. وقوله: وما قيل، قائله تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [كيفية التيمم] م: (يمسح بإحداهما وجهه) ش: أي يمسح المتيمم بإحدى الضربتين وجهه، م: (وبالأخرى) ش: أي ويمسح بالضربة الأخرى، م: (يديه إلى المرفقين) ش: أي مع المرفقين، وقال الأكمل: فيه نفي لقول الزهري، فإنه يمسح إلى الآباط، وهو رواية عن مالك نفي لرواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إلى الرسغ وهو مروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قلت: أخذ هذا من " معراج الدراية "، وهذا ليس قول الزهري وحده، بل هو قوله وقول الأوزاعي، والأعمش، وقول قديم للشافعي، ثم قال: وهو مروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ولم يبين مخرجه. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين» ش: إلى المرفقين، روى هذا الحديث عبد الله بن عمر، وجابر، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وقد ذكرنا جميعها عن قريب. وقال الحاكم في حديث ابن عمر: لا أعلم أحداً أسنده إلا علي بن ظبيان، عن عبد الله وهو صدوق، وقد وقفه يحيى بن سعيد وهشيم وغيرهما، ومالك عن نافع، وقال الدارقطني: هكذا رفعه علي بن ظبيان، وقد وثقه يحيى بن القطان وغيره وهو الصواب، وكذا قال ابن عدي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقد ضعف بعضهم هذا الحديث بعلي بن ظبيان، فقال أبو داود: ليس بشيء، وقال النسائي، وأبو حاتم مثل ذلك. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. قلت: وثقه الحاكم، وقال: صدوق، ووقفه يحيى بن سعيد وهشيم وغيرهما، وحديث جابر صححه الحاكم، وقال الدارقطني رجاله كلهم ثقات، وقال ابن الجوزي: فيه عثمان بن محمد وهو متكلم فيه، وتعقبه صاحب الشيخ وقال: هذا الكلام لا يقبل منه؛ لأنه لم يبين من تكلم فيه، وقد روى عنه أبو داود، وأبو بكر بن أبي عاصم، وذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه صرح. وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في حديث [الحريش بن الخريت] قال البخاري: فيه نظر، وأنا لا أعرف حاله. قلت: حريش بفتح الحاء المهملة، وكسر الراء، وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره شين معجمه، والخريت بكسر الخاء المعجمة، وتشديد الراء المكسورة، وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره تاء مثناة من فوق. قال ابن ماكولا: روى عن ابن أبي مليكة، وروى عنه حرمي بن عمارة، ومسلم بن إبراهيم، وهذه الأحاديث حجة على قول من يقول: التيمم ضربة، وعلى من يقول: ثلاث ضربات، وحجة لمن يقول: إلى المرفقين، وعلى من يقول: إلى المناكب. وقال الخطابي: الاقتصار على الكفين أصح في الرواية، ووجوب الذراعين أشبه بالأصول وأصح في القياس. قلت: لأن الله تعالى أوجب في الوضوء غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس في صدر الآية، وأسقط منها عضوين في التيمم، فبقي العضوان فيه على ما كانا عليه في الوضوء، وإنما ذكر الوجه واليدين لأجل إسقاط العضوين الآخرين؛ إذ لولا ذلك لم يحتج إلى ذكرهما؛ لأنه كان يؤخذ حكمه من الوضوءِ. فإن قلت: فقد بين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حكم اليدين في التيمم، ولم يحمله على الوضوء، حيث مسح على الكفين في الحديث الثالث عن عمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وإن ثبت مسحه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المرفقين يحمل على الاستحباب، إذ لو كان واجبا لما تركه. قلت: لعله عبر بالكفين المعهودين في الوضوء. فإن قلت: وفي لفظ الدارقطني «ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين» يمنع هذا التأويل. قلت: لم يروه مرفوعاً عن حصين غير إبراهيم بن طهمان، وثقه شعبة وزائدة وغيرهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 وينفض يديه   [البناية] م: (وينفض يديه) ش: النفض تحريك الشيء ليسقط ما عليه من غبار وغيره وفيه خلاف، قيل ينفض مرة، وقيل مرتين. وفي " الزاد ": الأحوط أن يضرب بيديه على الأرض وينفضهما حتى يتناثر التراب فيمسح بهما وجهه، ثم يضرب أخرى فينفضهما ويمسح بباطن أربع أصابع يده اليسرى ظاهر يده اليمنى من رؤوس الأصابع إلى المرفقين، ثم يمسح بباطن كفه اليسرى ظاهر ذراعه اليمنى إلى الرسغ، ويمر بإبهام يده اليمنى، ثم يفعل بيده اليسرى كذلك. قال صاحب " الدراية ": هكذا حكى ابن عمر وجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تيمم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلمه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأسلع كذلك. قلت: حديث ابن عمر رواه أبو داود، وفيه: «ضرب يديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب أخرى فمسح ذراعيه» .. الحديث، وسنده ضعيف، ولابن عمر أحاديث غير هذا وقد ذكرناها عن قريب، وله حديث آخر أخرجه الحاكم والدارقطني من حديث سالم عن أبيه قال: «تيممنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فضربنا بأيدينا على الصعيد الطيب، ثم نفضنا أيدينا فمسحنا بها وجوهنا، ثم ضربنا ضربة أخرى الصعيد ثم مسحنا بأيدينا من المرافق إلى الأكف على منابت الشعر من ظاهر وباطن» وفيه سليمان بن أبي داود وهو ضعيف. وحديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذكرناه أيضاً. وحديث الأسلع أخرجه الطبراني في كتابه الكبير بإسناده «عن الأسلع - رجل من بني الأعرج بن كعب - قال: كنت أخدم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فقال: يا أسلع، قم فأرني كيف كذا وكذا، قلت: يا رسول الله أصابتني جنابة، فسكت عني ساعة حتى جاء جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالصعيد الطيب، قال: قم يا أسلع، قال الراوي: ثم رأى الأسلع كيف علمه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التيمم قال: " ضرب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكفيه الأرض ثم نفضهما، ثم مسح بهما وجهه حتى أمر على اللحية، ثم عادهما إلى الأرض فمسح بكفيه الأرض، فدلك إحداهما بالأخرى ثم نفضهما، ثم مسح ذراعيه ظاهرهما وباطنهما» . وأخرجه الطحاوي، والدارقطني، والبيهقي وأبو بكر الرقي في " معرفة الصحابة " والحافظ في كتاب الرجال، وابن الأثير في كتاب الصحابة، وابن حزم في " المحلى " وضعف هذا الحديث. ثم العجب من صاحب " الدراية " يقال: هكذا حكى ابن عمر.. إلخ، فانظر! هل يناسب ما في هذه الأحاديث ما ذكره صاحب " الدراية " الذي نقله في الرواية غاية ما في الباب موافقة في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الضربتين والنفض، وأعجب منه ما قال الأكمل، وقد حكى ابن عمر وجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تيمم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكيفيته أن يضرب بيديه الأرض إلى آخر ما ذكره في " الزاد "، وذكر صاحب " الينابيع " كيفية التيمم مثل ما ذكره صاحب " الدراية ". وقال بعض مشايخنا: ينبغي أن يضع بطن أصابع يده اليسرى على كفه اليمنى ويمسح بثلاثة أصابع أصغرها ظاهر يده اليمنى إلى المرفق، ثم يسح باطنها بالإبهام، والمسحة إلى رؤوس الأصابع، ثم يفعل في اليد اليسرى كذلك. وفي: " المحيط " يضرب يديه على الأرض ثم ينفضهما ويمسح بهما وجهه بحيث لا يبقى شيء وإن قل، وأن يمسح الوترة التي بين المنخرين، ثم يضرب يديه على الأرض ثانياً وينفضهما، ويمسح بهما وجه كفيه وذراعيه، ولا يجوز المسح بأقل من ثلاثة أصابع كمسح الرأس والخفين. وقال في " الذخيرة ": لم يذكر ها هنا أنه يضرب ظاهر كفيه وباطنهما، وأشار إلى أنه يضرب باطنهما، فإنه قال: لو ترك المسح على ظاهر كفه لا يجوز، فدل على أن الضرب بباطن كفه، والأصح أنه يضرب بباطن كفه وظاهرها على الأرض، ولو تيمم بالكف والأصابع جاز من غير أن يراعى ذلك. قال أبو يوسف: - سلمه الله - سألت الإمام عن كيفية التيمم فيضرب يديه على الصعيد. قال في " البدائع: " أقبل بهما وأدبر فمسح بهما وجهه، ثم أعاد على الصحيح إلى الصعيد، ثم أقبل بهما وأدبر، ثم رفعهما ونفضهما، ثم مسح بكل كف الذراع الأخرى، قيل: يفعل ذلك حتى لا يلصق التراب بيديه فيصير مثله، وفي صلاة الأصل النفض كلما رفع يديه مرة واحدة في ظاهر الرواية. وعن أبي يوسف في صلاة الوتر: ينفضهما مرتين، وفي صلاة النوادر: أن الغبار إذا لم يدخل بين أصابعه يجب تخليلهما، وهذه تحتاج إلى ثلاث ضربات، ضربة للوجه، وضربة لليدين، وضربة للتخلل على ما روي عن أبي يوسف عن أبي حنيفة، يحتاج إلى أربع ضربات، وضرب اليدين من وضعهما حتى يدخل التراب بين أصابعه يقبل بهما ويدبر عند الضرب حتى يلتصق التراب بيديه. وذكر في " المبسوط " ويستحب تسمية الله تعالى في أوله كما في الوضوء، وفي " قاضي خان " هل يمسح الكف؟ اختلفوا فيه، والصحيح أنه لا يمسح، وضربه على الأرض يكفي. وقال النووي: قال جماعة من الخراسانيين: لا يشترط في التيمم ضربتان، بل الواجب إيصال التراب إلى الوجه واليدين بضربة أو ضربتين أو ضربات، وعندنا لو ضرب يديه مرة واحدة ومسح بهما وجهه ويديه لا يجوز، فإن التراب الذي كان على يديه يصير مستعملاً بالمسح على الوجه، واقتداء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 بقدر ما يتناثر التراب كيلا يصير مثلة، ولا بد من الاستيعاب في ظاهر الرواية   [البناية] برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وعن محمد في " النوادر " رجل يرى التيمم إلى الرسغ والوتر ركعة، ثم رأى التيمم إلى المرفقين والوتر ثلاثاً لا يعيد ما صلى؛ لأنه مجتهد فيه، وإن كان فعل ذلك من غير أن يسأل أحداً ثم سأل فأمر بالثلاث في الوتر وإلى المرفقين في التيمم يعيد ما صلى؛ لأنه غير مجتهد فيه. م: (بقدر ما يتناثر التراب كيلا يصير مثلة) ش: الباء في " بقدر " متعلق بقوله ينفض، وأشار بذلك إلى أن النفض لا يقدر بمرة كما روي عن محمد، بل إن احتاج إلى الثاني فعل، وإلا بمرتين كما روي عن أبي يوسف، بل إن تناثر بمرة لا يحتاج إلى الثاني؛ لأن المقصود هو أن لا يصير مثلة وهو يحصل بالنفض سواء كان مرة أو مرتين، و " المثلة " بضم الميم ما يتمثل منه في تبديل خلقه وبتغير هيئته، سواء كان بقطع عضو أو تسويد وجه وتغيره، هكذا فسره الأكمل أخذه من " الدراية ". وقال تاج الشريعة: المثلة ما يتمثل فيه في القبح. قال الأترازي نحوه، وزاد: وأصلها قطع الأعضاء ويريد الوجه. قلت: المثلة: اسم لمصدر المثل بفتح الميم وسكون الثاء، يقال مثلت بالحيوان أمثل مثلاً: إذا قطعت أطرافه وشوهت به، ومثلت بالعبد إذا جدعت أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيئاً من أطرافه، وهو من باب نصر ينصر، والعجب من صاحب " الهداية " أنه جعل ترك النفض مثلة، وهذا من حيث اللغة لا من حيث الشرع، لعدم وروده هكذا، ولا يصير مثلة إذا ترك النفض. غاية ما في الباب تلوث وجهه بالتراب إن أخذه بيديه كثيراً وكان التراب رطباً، وتلوث عضو من الأعضاء بالتراب لا يسمى مثلة. قال الأترازي: تسويد الوجه ليس له فضل في المعنى اللغوي، نعم إذا سود الوجه يكون تشويها ربما يشابه المثلة، ولو قال صاحب " الهداية ": وينفض يديه اتباعاً للسنة لكان أولى، لو أراد أن يذكر الحكمة فيه لكان يمكن أن يقال: إنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعل ذلك حتى لا ينقل أثر التراب المستعمل في يديه في الضربة الأولى. م: (ولا بد من الاستيعاب) ش: أشار به يستوعب وجهه ويديه إلى المرفقين، وأصله استوعاب، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، وأصل الاستيعاب شرط في التيمم حتى إذا ترك شيئاً قليلاً لم يجزه كما في الوضوء، والاستيعاب أن يستوعب وجهه ويديه إلى المرفقين، وأصل الاستيعاب الإيصال في كل شيء، وكذلك الإيعاب من أوعب، والثلاثي وعب، وفي الحديث عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كان المسلمون يوعبون في السفر مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» أي يخرجون أجمعهم في الغزو. م: (في ظاهر الرواية) ش: واحترز به عما رواه الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 لقيامه مقام الوضوء،   [البناية] الأكثر يقوم مقام الكل؛ لأن في الممسوحات الاستيعاب ليس بشرط كما في مسح الرأس والخف. وجه الظاهر أن التيمم قائم مقام الوضوء وهو شرط فيه، فكذا ما قام مقامه، وقال الحلواني: ينبغي أن يحفظ رواية الحسن لكثرة البلوى. قال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجب إيصال التراب إلى جميع البشرة الظاهرة من الوجه والشعر الظاهر عليه. قال وعن أبي حنيفة: روايات أحدها كمذهبنا، قال: وهي التي ذكرها الكرخي في " مختصره " قلت له: إن أراد أنه كمذهبهم في الاستيعاب فصحيح، وإن أراد به إيصال التراب فليس ذلك مذهباً له ولا رواية عنه. وقال الثانية إن ترك قدر درهم لم يجزئه ودونه يجزئه، وهذه ليس لها أصل في الكتب الأمهات لأصحابنا مثل " المبسوط " و " المحيط " و " الذخيرة " و " شرح مختصر الكرخي " و " البدائع " و " المفيد " ونحوها. وقال [ ... ] الرابع ما مع الرابع: مسح الأكثر يجزئه، ثم إنه يجب على الظاهر نزح الخاتم والسوار في حق المرأة. وقال الأكمل: فإن قيل: قد دل الدليل على أن حقيقة اليد ليست بمرادة، فإن الباء إذا دخلت لمحل تعدى الفعل إلى الآلة، فلا يقتضي استيعاب المحل، بأن أجيب الباء صلة كما في قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] (سورة البقرة: الآية 195) فلا يقتضي تبعيض المحل وفيه بحث. قلت: أصل السؤال والجواب لتاج الشريعة، ولكنه قال في الجواب أحسن منه، وهو أنه قال: إن الاستيعاب ها هنا ثابت بالسنة المشهورة، فجعلت الباء صلة كما في قوله يضرب بالسيف ويرجو بالفرح، أي يرجوه، أو بدلالة الكتاب؛ لأنه مجموع خلفاً، قلت: الباء في قوله يضرب بالسيف ليست بصلة، وإنما هي للتبعيض، وكأنه ذكر مثالين أحدهما قوله يضرب بالسيف إشارة إلى أن الباء فيه للتبعيض، كما في آية الوضوء، والباء في قوله ويرجو بالقدح إشارة أن الباء فيه صلة كما في آية التيمم، فإذا كان كذلك يكون الاستيعاب شرطاً. وقال الأكمل: وفيه بحث، كأنه أشار به إلى أن جعل الباء في آية التيمم ليس فيه وجه؛ لأن التيمم خلف عن الوضوء، فالباء في آية الوضوء للتبعيض، فلا يقتضي استيعاب الرأس بالمسح فذلك ينبغي أن تكون في التيمم؛ لأن الخلف لا يخالف الأصل. م: (لقيامه مقام الوضوء) ش: أي لقيام التيمم مقام الوضوء، لا يقال إنه إضمار قبل الذكر؛ لأن التيمم ذكر في أول الباب. قال الأكمل: الاستيعاب في الوضوء شرط فكذا فيما قام مقامه، ولولا الخلفية لكان المسح إلى المناكب واجبا عملا بالمقتضى، وهو ذكر الأيدي في الكتاب والسنة، ولا يلزم آية السرقة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين محل القطع وهو الزند بالقول والفعل بخلاف ما نحن فيه. قلت: خلفية التيمم عن الوضوء تظهر في المسح فقط، ألا ترى أنه سقط فيه عضوان وبقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 ولهذا قالوا: يخلل الأصابع وينزع الخاتم ليتم المسح، والحدث والجنابة فيه سواء،   [البناية] عضوان فصار التيمم خلفاً عن البعض والاستيعاب في المسح الذي في الوضوء ليس بشرط، فكذا في خلفه وهو التيمم. فإن قلت: لما سقط عضوان بقي عضوان من اشتراط الاستيعاب فيهما. قلت: نعم، لولا الباء في آية التيمم، فإنهم وقوله عملاً بالمقتضى، وهو ذكر الأيدي في الكتاب والسنة. قلت: إنما يتوجه ما ذكره لو كانت الباء فيهما صلة والغرض أنها للتبعيض فيهما، أما في آية الوضوء فقد تقرر فيما مضى كونها للتبعيض، وأما ها هنا فلأن التيمم خلف عنه فلا يخالف أصله. قوله: ولا يلزم آية السرقة ... إلخ. قلت: إنما يلزم ذلك إذا قلنا إن الباء صلة، وآية السرقة ليست فيها باء فاقتضى قطع اليد من المناكب، ولكن الشارع بينه بخلاف ما نحن فيه. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون الاستيعاب شرطاً م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (يخلل الأصابع وينزع الخاتم ليتم المسح) ش: وكذا المرأة تنزع السوار. قوله: " ليتم المسح للوجه واليدين " فإنه اسم للكل، ويؤيد هذا ما ذكره محمد في " النوادر " أن الغبار إذا لم يدخل بين أصابعه يجب تخليلهما، وفي " المحيط " لو لم يمسح تحت الحاجبين وفوق العينين، أو لم يحرك خاتمه وهو ضيق لا يجوز به. [تيمم الجنب] م: (والحدث والجنابة فيه سواء) ش: أي في التيمم من حيث الجواز والكيفية والآلة، أما الجواز فكما يجوز التيمم للمحدث فكذلك يجوز للجنب، وأما الكيفية فكما ذكرنا في حق المحدث فكذلك في حق الجنب. وأما الآلة فكما يجوز للمحدث بكل ما كان من جنس الأرض فكذلك يجوز للجنب. قال: السغناقي: قال شيخ الإسلام في " المبسوط ": وهو وقول أصحابنا وعليه العلماء. وقال بعض الناس بأنه لا يتيمم الجنب والحائض والنفساء. قلت: عن النخعي أن الجنب يؤخر الصلاة حتى يجد الماء. وقال السغناقي: المسألة مختلفة بين الصحابة، روي عن عمر، وعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وعبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنهم كانوا لا يجوزون التيمم للجنب. قلت: لم يبين من أخرج عنهم هذا، وكذا غيره من الشراح، فالمروي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " بسنده عنه أنه قال " لا يتيم الجنب وإن لم يجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 وكذا الحيض والنفاس، لما روي «أن قوما جاءوا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقالوا: إنا قوم نسكن هذه الرمال ولا نجد الماء شهرا أو شهرين وفينا الجنب والحائض والنفساء، فقال: عليكم بأرضكم» .   [البناية] الماء شهرا " وروى أيضاً بسنده عن ابن مسعود أنه قال: إذا كنت في سفر فأجنبت فلا تصل حتى تجد الماء. قال النووي في " شرح المهذب ": وغيره إجماع الصحابة ومن بعدهم على جواز التيمم للحدث الأصغر والأكبر الذي هو الجنابة، وقد ذكروا رجوع عمر وابن مسعود وهو المروي عن علي، وابن عباس، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ومنشأ الاختلاف فيما بينهم أن قَوْله تَعَالَى {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] (النساء: الآية 43) ، محمول على المس باليد أو على الجماع، فذهب أصحابنا وعامة العلماء إلى الثاني، وذهب النافون للجنابة إلى الأول، فقالوا: القياس ألا يكون التيمم طهورا، وإنما أباحه الله تعالى للمحدث، فلا يباح للجنب؛ لأنه ليس معقول المعنى حتى يصح القياس، وليس في معناه حتى يلحق به، بل هو فوقه. قلنا: أريد بالملامسة الجماع مجازا لسياق الآية، فإن الله تعالى بين حكم الحدث والجنابة في آية الوضوء، ثم نقل الحكم بالتراب حال عدم الماء، وذكر الحدث الأصغر بقوله {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] (النساء: الآية 43) ، فيحمل {لَامَسْتُمُ} [النساء: 43] على الحدث الأكبر لتصير الطهارتان والحدثان مذكوران في آية البدل كما ذكرنا في آية الوضوء، ولكن سلمنا أن الله تعالى شرع التيمم للمحدث، فرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شرعه للجنب أيضاً، وهو الحديث الذي ذكره المصنف على ما نبينه إن شاء الله تعالى، والشافعي أباح التيمم للجنب ومع ذلك حمل الملامسة في الآية على المس باليد، فيكون قولاً ثالثاً مخالفاً للطائفتين من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. [تيمم الحائض والنفساء] م: (وكذا الحيض والنفاس) ش: أي وكذا التيمم في الحيض والنفاس سواء، يعني يجوز للحائض والنفساء كما يجوز للجنب والحائض م: (لما روي «أن قوماً جاءوا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقالوا: إنا قوم نسكن هذه الرمال ولا نجد الماء شهراً أو شهرين، وفينا الجنب والحائض والنفساء، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليكم بأرضكم» ش: هذا الحديث رواه أحمد في " مسنده "، والبيهقي في " سننه "، وإسحاق بن راهويه في " مسنده " وأبو يعلى الموصلي في " مسنده "، والطبراني في " معجمه الأوسط "، من حديث أبي هريرة، «أن ناساً من أهل البادية أتوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: إنا نكون بالرمال الأشهر الثلاثة والأربعة ويكون فينا الجنب والحائض والنفساء ولا نجد الماء، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليكم بالأرض ...... الحديث» وفي سنده المثنى بن الصباح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 ويجوز التيمم عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - بكل ما كان من جنس الأرض كالتراب والرمل والحجر والجص والنورة والكحل والزرنيخ.   [البناية] قال الإمام أحمد والدارمي: لا يساوي شيئاً، وقال النسائي متروك الحديث، وفي إسناد أبي يعلى ابن لهيعة وهو ضعيف، وذكره الأترازي بلفظ «أن رجلاً سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إنا نكون بالرمال الأشهر وفينا الجنب والحائض والنفساء، ولا نجد الماء فكيف نصنع؟ فقال: " عليكم بالصعيد.» قلت: ما وقعت على لفظه في كتب الأمهات. فإن قلت: هذا الحديث ضعيف فلا يتم به الاستدلال. قلت: قد ورد في حديث عمران بن الحصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه البخاري وغيره «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلا معتزلاً لم يصل في القوم فقال: أفلان ما منعك أن تصلي في القوم؟ فقال يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصابتني جنابة ولا ماء، قال عليك بالصعيد فإنه يكفيك» . قوله: " ولا ماء " أي ولا ماء موجود، أو أجد، أو عندي ونحو ذلك، وفي حذف الخبر نظر لعذره لما فيه من عموم النفي، فكأنه نفى وجود الماء بالكلية، بحيث لو وجد بسبب أو سقي أو غيره لحصله. قوله: " عليكم بأرضكم " أي افعلوا التيمم بأرضكم، ولفظ عليكم هاهنا اسم للفعل بمعنى خذوا، ويقال: عليك زيداً وزيد. وقال الأترازي: " عليكم بأرضكم " أي باستعمال أرضكم. قلت: التيمم لا يضاف إلى الأرض بل إلى الفعل. [ما يتيمم به] م: (ويجوز التيمم عند أبي حنيفة ومحمد بكل ما كان من جنس الأرض كالتراب، والرمل والحجر والجص) ش: بفتح الجيم وتشديد الصاد، ويقال: بكسر الجيم أيضاً. وقال الجوهري: هو ما يبنى به وهو معرب، وقال في فصل القاف القصة الجص لغة حجازية، وفي لغة المصريين الجص يسمى " الجير " بكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف، وفي لغة غيرهم يسمى " كلثا "، وبالفارسي يسمى كج. م: (والنورة) ش: قال الجوهري: النورة ما يطلى به، وفي " المغرب " همز النورة خطأ، م: (والكحل والزرنيخ) ش: بكسر الزاء الكبريت والتوتياء والزاجات والطين الأحمر والأبيض والأسود والحائط المطين والمجصص، والمراد سبخ والملحي الجبلي. وفي " قاضي خان ": لا يصح على الأصح؛ لأنه يذوب وبالماء لا يجوز اتفاقا، ويجوز أيضاً بالياقوت، والزبرجد، والزمرد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 وقال أبو يوسف: لا يجوز إلا بالتراب والرمل. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز إلا بالتراب المنبت، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] أي ترابا منبتا، قاله ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.   [البناية] والبلخش والفيروز، والمرجان، والأرض الهندية والطين الرطب. ولا يجوز بالطين المغلوب بالماء، ويجوز بالآجر في ظاهر الرواية من غير فصل، وشرط الكرخي أن يكون مدقوقاً. وقد منع أبو يوسف في غير المدقوق ذكره في " الذخيرة "، وفي رواية لا يجوز. وفي " المحيط ": والخزاف إذا كان من طين خالص يجوز وإن كان خالطه شيء آخر ليس من جنس الأرض لا يجوز، فالزجاج المتخذ من الأرض وشيء آخر ليس من جنس الأرض. قال الثعلبي: وأجاز أبو حنيفة التيمم بالجوهر المسحوق، والجوهر عندهم هو اللؤلؤ الكبير وهو غلط منه؛ لأنه ليس من أجزاء الأرض، بل هو متولد من حيوان في البحر. ونقل القرطبي الإجماع على منع التيمم بالياقوت والزمرد، وهو وهم منه، وهما من الأجزاء النفيسة، فيجوز التيمم بهما عند أبي حنيفة، وفي " المحيط " لا يجوز بمسبوك الذهب والفضة، ويجوز بالمختلط بالتراب إذا كانت الغلبة للتراب. وقال المرغيناني: يجوز بالذهب والفضة والحديد، والنحاس وما أشبهها ما دامت على الأرض ولم يصنع منه شيء. وقال أبو عمر: وجميع العلماء على أن التيمم بالتراب دون الغبار جائز. وعند مالك يجوز بالتراب، والرمل، والجين والحر والسانح والمطبوخ بالجص والآجر. وقال الثوري والأوزاعي: يجوز كل ما كان على الأرض حتى الشجر والثلج والجمد. ونقال النقاش عن ابن علية، وابن كيسان جوازه بالمسك والزعفران، وإن إسحاق منعه بالسباخ. م: (وقال أبو يوسف: لا يجوز إلا بالتراب والرمل) ش: هذا قوله المرجوع عنه، كان يقول أولاً هكذا ثم رجع فقال: لا يجوز إلا بالتراب الخالص، رواه المعلى عنه وهو آخر قوله. م: (وقال الشافعي: لا يجوز إلا بالترب المنبت) ش: الذي له غبار، وبه قال أحمد، وعن أحمد في رواية في السبخة والرمل أنه يجوز التيمم به، فإن دق الخزف والطين المحرق لم يجز التيمم به. وعن الشافعي في القديم: يجوز بالرمل، ومن أصحابه من قال: لا يجوز به قولاً واحداً، وما قاله في القديم محمول على رمل يخالطه تراب، ومنهم من قال: على قولين؛ أحدهما: الجواز، والآخر: عدمه، والمعروف من مذهبه الذي قطع به أصحاب النصوص عليه في " الإمام " لا يجوز إلا التراب، وفي " الحلية ": لا يصح التيمم عندنا إلا بتراب طاهر له غبار تعلق بالوجه واليدين، وبه قال أحمد وداود عن بعض أصحاب الشافعي: لا يصح إلا بتراب غبار تراب الحرث، وبه قال إسحاق. م: (وهو رواية عن أبي يوسف) ش: أي قول الشافعي رواية عن أبي يوسف، وهو قوله المرجوع إليه كما ذكرنا، م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] أي تراباً منبتاً، قاله ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: الذي قاله عبد الله بن عباس، رواه البيهقي من جهة قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عن ابن عباس قال: الصعيد الطيب حرث الأرض، ورواه من جهة جرير عن قابوس عن أبيه، عن ابن عباس قال: أطيب الصعيد حرث الأرض، وسئل عنه أي الصعيد أطيب؟ قال: الحرث؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [الأعراف: 58] (الأعراف: الآية 58) . قلت: الاستدلال للشافعي في هذا غير موجه؛ لأنه غير قائل باشتراط الإنبات في التراب الذي يجوز به التيمم، وقال في التيمم: الإنبات ليس بشرط في الأصح. فإن قلت: قوله في الأصح يدل على أن الإنبات شرط في غير الأصح، ويكون الاستدلال بما روي عن ابن عباس موجهاً، قيل: يخدش ذلك كون الاستدلال لأبي يوسف والشافعي، ولم يرو عن أبي يوسف كما هو شرط عند الشافعي، قال: كذا ذكره في التأويلات. وذكر صاحب " الدراية " الاستدلال الصحيح لهما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» . رواه البخاري ومسلم، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التراب طهور المسلم» . قلت: هذا الذي ذكره في الحقيقة استدلال لأبي حنيفة ومحمد على جواز التيمم بجميع أجزاء الأرض؛ لأن اللام فيها للجنس، فلا يخرج شيء منها، ولأن الأرض كلها جعلت مسجداً، وما جعل مسجداً هو الذي جعل طهورا، وعورض بالرواية الأخرى، وهي «وجعلت تربتها لنا طهوراً» . وأجيب بأن الأصل قد انفرد أبو مالك بها، وجميع طرقه «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» ، ولا اعتداد بمن خالف الناس، ويمنع كون التربة يراد بها التراب، بل كل مكان تراباً ما يكون فيه من التراب أو الرمل أو غير ذلك من جنس تلك الأرض بما يقابل التربة، وبأنه مفهوم اللقب، وهو ضعيف عند جميع الأصوليين، قالوا: لم يقل به إلا الدقاق، وهو يدل بمنطوقه على جميع أجزاء الأرض، وطهوراً عطف على قوله مسجداً، ومعناه: وجعلت لي الأرض طهوراً، وهو أقوى من مفهوم اللقب. وقال ابن القطان في شرح البخاري: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أيما رجل أدركته الصلاة فليصل» دليل على أن المراد الأرض كلها، فإنه قد تدركه في أرض رمل أو جص أو غير ذلك كما تدركه في أرض عليها تراب، ويجوز أن يكون ذكر التربة خرج مخرج الغالب، لا أنه يجوز غيره. فإن قلت: قوله " فليصل " لا يدل على أنه يتيمم ويصلي، بل إذا لم يجد تراباً يصلي بغير وضوء على حسب حاله عنده فلا حجة فيه. قلت: المنع أولاً، فإنه لا يصلي بغير طهور عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواية عن محمد، وبأنه تلزمه الإعادة عند من يأمره بالصلاة بغير طهور، ولا إعادة ها هنا لوجهين: أحدهما لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 غير أن أبا يوسف زاد عليه الرمل بالحديث الذي رويناه، ولهما أن الصعيد اسم لوجه الأرض، سمي به لصعوده، والطيب يحتمل الطاهر   [البناية] يذكرها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلو وجبت إعادتها لبينها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الثاني: وجوب الإعادة، حكم الطهارة بغير طهور، وها هنا الطهور موجود. وجواب آخر أنه قد جاء، فعنده طهوره ومسجد، والحديث يفسر بعضه بعضها. م: (غير أن أبا يوسف زاد عليه الرمل) ش: أي على التراب الرمل، فإنه يجوز عندهما بهما لا غير، والضمير في عليه ترجع إلى التراب كما قلنا، ويجوز أن يرجع إلى الشافعي، أي: زاد أبو يوسف الرمل على ما ذهب إليه الشافعي وهو التراب الذي اتفقا فيه م: (بالحديث الذي رويناه) ش: الباء تعلق بقوله زاد، وأراد " بالحديث " هو الذي مضى ذكره، وهو أن قوما جاءوا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان ينبغي للمصنف أن يقول بالحديث الذي ذكرناه أو نحو ذلك وهو لم يروه، فكيف يقول رويناه. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، م: (أن الصعيد اسم لوجه الأرض) ش: قد ذكرنا عند قوله " تيمم بالصعيد " ما قاله أهل اللغة في معنى الصعيد، والذي قاله المصنف منقول عن الأصمعي، والخليل، وثعلب، وابن الأعرابي، والزجاج. وقال في " معاني القرآن " الصعيد وجه الأرض، ولا ينافي كان في الوضع تراب أو لم يكن؛ لأن الصعيد ليس التراب، إنما هو وجه الأرض تراباً كان أو صخراً لا تراب عليه أو غيره، قال الله تعالى: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40] (الكهف: الآية 40) ، فعلم أن الصعيد يكون زلقاً. وقال الزجاج: لا أعلم فيه خلاف أهل اللغة. وقال قتادة: الصعيد الأرض التي لا نبات فيها ولا شجر. م: (سمي به) ش: أي سمي وجه الأرض بالصعيد م: (لصعوده) ش: أي لكونه ما يصعد إليه من باطن الأرض. وقال الأكمل: قال المصنف: سمي به لصعوده، وهو إشارة إلى أنه فعيل بمعنى فاعل، فإذا كان كذلك، فتقييده بالتراب المنبت تقييد للمطلق بلا دليل. قلت: ليس كذلك، بل يكون بمعنى مفعول يعني مصعود، وإذا كان بمعنى فاعل على ما قاله فيكون بمعنى صاعد، وليس المراد ذلك ها هنا، وإن كانوا قالوا إنه يجيء بمعنى فاعل أيضاً، فالذي قلنا أشار إليه الخليل، وابن الأعرابي، وثعلب، وهم الذين يرجع إليهم في هذا الباب، ثم قوله فتقييده بالتراب المنبت تقييد للمطلق بلا دليل ليس كذلك؛ لأن الصعيد وإن كان مطلقاً فقد قيده بالصفة، وهي قوله طَيّباً ولكن اختلف في أن معناه طاهراً ومنبتا على ما نذكره عن قريب. م: (والطيب يحتمل الطاهر) ش: هذا جواب عما قاله الشافعي أن معنى طيباً في قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] تراباً منبتا، ثم استدل بنفي الطاهر على ذلك بقول ابن عباس، حيث فسر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 فحمل عليه؛ لأنه أليق بموضع الطهارة، أو هو مراد بالإجماع،   [البناية] الطيب بالمنبت، تقرير الجواب أن الطيب مشترك بين الطاهر، والنظيف والحلال، والمنبت والطيب بمعنى الطاهر، فإن الطيب في اللغة خلاف الخبيث، أما بمعنى النظيف، فقال أبو إسحاق: الطيب النظيف، وأما بمعنى الحلال فقوله تعالى {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] (البقرة: الآية 172) ، وأما بمعنى المنبت فقوله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [الأعراف: 58] (الأعراف: الآية 58) ، والأكثر على أنه بمعنى الطاهر، وقد أريد به الطاهر بالإجماع؛ لأن الطهارة شرط فيه؛ لأن النجس لا يكون طهوراً، فإذا أريد به المعنى لا يراد غيره؛ لأن المشترك لا عموم له. م: (فحمل عليه) ش: أي على معنى الطاهر م: (لأنه) ش: أي؛ لأن معنى الطاهر ها هنا م: (أليق بموضع الطهارة) ش: لأنه قال في آخر الآية {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] ألا ترى أنه لو كان التراب المنبت نجسا لم يجز التيمم به إجماعاً، فعلم أن الإنبات ليس له أثر في هذا الباب. فإن قلت: الطيب في الآية مقرون بالأرض، فيكون الإنبات أليق، إذ القرآن يفسر بعضه بعضاً. قلت: آخر الآية يدل على أن المراد الطاهر؛ لأنه لو كان المراد منبتاً لكان قال موضع قوله {لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] لتزرعوا؛ لأن الإنبات يناسب الزرع. م: (أو هو مراد بالإجماع) ش: هذا دليل آخر على أن المراد من طَيّباً أن يكون طاهراً، تقريره أنه يحتمل المعاني المذكورة، والطاهر مراد بالإجماع كما ذكرنا آنفا، فإذا تعين أحد معاني المشترك للإرادة بطل الباقي؛ لأن المشترك لا عموم له. فإن قلت: الشافعي قائل بعموم المشترك. قلت: شرط فيه أن لا يمنع الجمع، وأن يتجرد اللفظ عن القرينة الصارفة إلى أحد المعاني، وها هنا لم يتجرد عن القرينة، على أن المراد الطاهر، ثم إن المصنف لم يجب عن قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فالجواب: عنه أن المطلق لا يقيد بخبر الواحد فكيف الأثر؟ وأيضاً المنقول عن ابن عباس أطيب الصعيد أرض الحرث، فهو يدل على جواز التيمم بغير الحرث؛ لأنه إذا كان أطيب الصعيد دل على أنه غير طيب، وهو المأمور به، ثم الاستدلال بهذا الأثر يدل.. أن لا يجوز التيمم بالسبخية. وذكر النووي أن السبخية هي التراب الذي فيه ملوحة ولا ينبت، والتيمم به جائز. وحديث أبي جهم الأنصاري يرد أيضاً على الشافعي، وهو أنه قال: «أقبل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بئر جمل - موضع بالمدينة - فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أقبل إلى الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» رواه البخاري مسنداً ومسلم تعليقاً. قال الطحاوي: حيطان المدينة مبنية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 ثم لا يشترط أن يكون عليه غبار عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لإطلاق ما تلونا   [البناية] من حجارة سودة من غير تراب، أو لم تثبت الطهارة بهذا التيمم لما فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال ابن القصار المالكي: تيمم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجدار [ ... ] على الشافعي في اشتراط التراب، وقال الماذري: قال الشافعي قول شاذ، وقال الذهبي في أبي جهم: الصواب أبو جهيم بالتصغير. م: (ثم لا يشترط أن يكون عليه) ش: أي على الصعيد م: (غبار عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي الغبار الذي يلتزق باليد ليس بشرط عنده، فحينئذ لو تيمم بالحجر الأملس والصخرة الملساء يجوز. قال الولوالجي: إذا ضرب يده على صخرة لا غبار عليها أو على أرض يده ولم يتعلق بيده شيء يجوز عند أبي حنيفة، وبه قال مالك. وعن محمد روايتان لا يجوز بدون الغبار، وهو قول أبي يوسف، والشافعي، وأحمد، وداود، وعند عدم الغبار عند أبي يوسف، روايتان. وفي " البدائع " قول أبي يوسف الثاني: الغبار ليس من الصعيد. وفي " قاضي خان " وعنه يتيمم به ويعيد، ثم إنه رجع وقال: الغبار ليس من الصعيد، وكذا رجع عن جواز التيمم بالرمل ولو لم يكن بثوبه غبار فليتلطخ جسده بالطين حتى جف جاز التيمم عليه، وكذا لو تيمم بالطين جاز، إلا أن فيه مثله. وفي " الدراية " والتيمم جائز عند أبي حنيفة بالطين، وعن محمد روايتان، إلا إذا كان مغلوباً بالماء، ولو أصابه غبار فمسح به وجهه وذراعيه ناوياً التيمم جاز عند أبي حنيفة، فذكره في " الوجيز " وفي " صلاة الأصل " لو أصاب وجهه وذراعيه غبار لم يجزئه عن التيمم، قالوا: تأويله أنه يمسح به وجهه وذراعيه حتى نص على هذا في كتاب " الصلاة " للمعلى فقال: هدم حائط أو كال حنطة فأصابه غبار لم يجزئه عن التيمم حتى يمر يديه عليه، وقال الشافعي: يجوز التيمم بتراب على فخذه أو ثوب أو حصير أو جدار أو إداوة أو نحوها، ذكره النووي في " شرح المهذب ". وقال العبدري وغيره: كذا لو ضرب يده على حنطة أو شعير للتيمم وفيه غبار، وكذا لو تيمم على ظهر كلب أو خنزير وشعره يابس جاز عند أبي حنيفة. وفي " البحر " لا يجوز بغبار الثوب النجس، إلا إذا وقع التراب بعدما جف الثوب، وعن أصحابنا: يجوز التيمم بتراب غالب على رماد، وبالعكس لا يجوز، وكذا إذا خالط التراب غير الرماد، ولا بشيء من أجزاء الأرض كالدقيق تعتبر فيه الغلبة، والشافعي فرق بين مخالطة الدقيق ونحوه ومخالطة الرمل؛ حيث جاز في الرمل دون الدقيق، ولو ضرب يده على بشرة أجنبية عليها تراب إن كان كثيراً يمنع التقاء البشرتين صح تيممه، وإلا فلا، قاله القاضي حسين. م: (لإطلاق ما تلونا) ش: وهو قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] (النساء: الآية 43) ، ودليل أبي يوسف في رواية، قَوْله تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) أي من التراب، وهو كما تراه يوجب المسح بشيء من الأرض؛ لأن كلمة " من " للتبعيض، والجواب أن الضمير في منه يرجع إلى الحدث، ولئن سلمنا أنه يرجع إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 وكذا يجوز بالغبار مع القدرة على الصعيد عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -   [البناية] التراب فهي لابتداء الغاية، كقولك خرجت من البصرة، يعني ابتداء المسح من الصعيد، بدليل قَوْله تَعَالَى في موضع آخر {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) وقال صاحب " الدراية " قيل: لا يستقيم هذا الاستدلال؛ لأن المطلق والمقيد إذا وردت في حادثة واحدة في حكم واحد فيجب حمل المطلق على المقيد بالاتفاق، وكذا قوله " من لابتداء الغاية " عدول عن حقيقة هذه الكلمة؛ لأنها حقيقة للتبعيض مجاز لغيره، وفيه تأمل. قلت: وجه التأمل أن هذا ليس ورود المطلق والمقيد في الآيتين المذكورتين في " النساء " و " المائدة " من قبيل ورودهما في حكم واحد، بل في سبب الطهارة ولا تزاحم في الأسباب، فجرى مجرى المطلق على إطلاقه، ولا يحمل على المقيد. وقوله: " لأنها حقيقة للتبعيض مجاز في غيره " غير صحيح؛ لأن الغالب على كلمة من أن تكون لابتداء الغاية، حتى ادعى جماعة أن سائر معانيها راجعة إليه. قال الأترازي: وليس قول أبي يوسف والشافعي، قال الله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) ، وهذا يدل على أن غير التراب لا يجوز به التيمم، فنقول: لا نسلم أنه يدل على ذلك إلا فيما إذا أريد به التبعيض من قوله " منه " أو فيما إذا أريد منه الابتداء فلا، فإن قلتم بالثاني فلا نسلم الدلالة على ما قلتم؛ لأنه معنى يحصل في كل جزء من أجزاء الأرض، إن قلتم بالأول فنعم يلزم ما قلتم إذا سلم، لكن لا نسلم أن التبعيض هو المراد. قلت: هو الذي ذكره لا يوافق دليلاً إلا في الخلاف يجوز فيه التيمم بغير التراب أو لا يجوز، والدليل الموافق هو الذي ذكرناه الآن، وهو الخلاف في اشتراط التصاق الغبار وعدمه. وقوله " لا نسلم أن التبعيض هو المراد " منع مجرد، ويمكن أن يكون للتبعيض؛ لأنه أحد معاني كلمة من. فإن قلت: علامة كلمة التبعيض أن يسد " بعض " مسدها كقراءة عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] (آل عمران: الآية 92) . قلت: لا يتصور ها هنا هذا التقدير فافهم. [التيمم بالغبار مع وجود الصعيد] م: (وكذا يجوز) ش: أي التيمم، م: بالغبار مع القدرة على الصعيد عند أبي حنيفة ومحمد) ش: بأن نفض ثوبه أو لبده وارتفع فتيمم منه يجوز عندهما، وبه قال الشافعي. وعند أبي يوسف لا يجوز، وحكي عن مالك أيضاً، وفي " الإيضاح " أن أبا يوسف رجع عن ذلك. وقال صاحب " الدراية ": قوله مع القدرة على الصعيد نفي لقول أبي يوسف. قلت: ليس الأمر كذلك، وخلاف أبي يوسف معهم من الاقتصار على ذكر أبي حنيفة ومحمد، وإنما هذا قيد قيد به؛ لأنه إذا لم يقدر على الصعيد جاز التيمم بالغبار حينئذ اتفاقاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 لأنه تراب رقيق. والنية فرض في التيمم. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليست بفرض؛ لأنه خلف عن الوضوء فلا يخالفه في وصفه، ولنا أنه ينبئ عن القصد فلا يتحقق دونه، أو جعل طهورا في حالة مخصوصة.   [البناية] م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الغبار م: (تراب رقيق) ش: ألا ترى أن من نقض ثوبه يتأذى جاره بالتراب، فكل ما يجوز بالخشن منه فكذا في الرقيق. وقال أبو يوسف: الغبار ليس بتراب خالص، ولكنه تراب من وجه، والمأمور منه التيمم بالصعيد، وحالة العجوز مستثناة. قلنا: هو تراب حقيقة، ولكنه امتزج بالهواء، وفي " المبسوط " واحتج أبو حنيفة ومحمد بحديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه كان مع أصحابه في سفر فمطروا بالجنابة، فأمرهم أن ينفضوا لبودهم وسروجهم فتيمموا بغبارها. [والنية فرض في التيمم] م: (والنية فرض في التيمم) ش: النية شرط جواز التيمم عند عامة العلماء، حتى لو تيمم بلا نية لا يجوز. م: (وقال زفر: ليست بفرض؛ لأنه خلف عن الوضوء، فلا يخالفه في وصفه) ش: أي في وصف الوضوء الذي هو الصحة، فإن الوضوء بدون النية صحيح، فلو لم يصح التيمم بلا نية كان الخلف مخالفاً للأصل في وصفه، فلا يجوز ذلك لخروجه عن الخلف حينئذ. م: (ولنا أنه) ش: أي التيمم م: (ينبئ عن القصد فلا يتحقق دونه) ش: أي دون القصد. فإن قلت: لما كان التيمم القصد لغة فلا حاجة إلى النية. قلت: مطلق القصد غير مراد بالإجماع، بل المراد القصد الشرعي، وهذا لا يكون إلا بالنية، قال الأكمل: قيل التيمم يدل على القصد، والقصد هو النية، وأمرنا بالتيمم والأمر للوجوب فتشترط النية. بخلاف الوضوء، فإن الأمر فيه ورد بالغسل والمسح، ولا دلالة لهما على النية. قلت: قائل هذا هو الأترازي. ثم قال الأكمل: وفيه نظر؛ لأن القصد المأمور به هو قصد استعمال التراب، وتفسير النية في التيمم أن ينوي الطهارة أو رفع الحدث أو الجنابة أو استباحة الصلاة، وهذا غير ذلك لا محالة، فلا يلزم من كون أحدهما مأموراً به أن يكون الآخر شرطاً. قلت: وفيه نظر أيضا؛ لأن قصد استعمال التراب هو عين النية؛ لأنه لا يقصد إلا لأحد الأمور الأربعة، وإلا يلزم أن يكون ها هنا نيتان، أحدهما: القصد المأمور به وهو قصد استعمال التراب، والآخر: نية أحد الأمور الأربعة، ولم يقل أحد أن التيمم يحتاج إلى نيتين. م: (أو جعل طهوراً) ش: هذا دليل آخر على فرضية النية في التيمم، أي وجعل التراب طهوراً م: (في حالة مخصوصة) ش: وهي حالة إرادة الصلاة، والنية هي الإرادة أيضاً، فاشترطت النية فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 والماء طهور بنفسه على ما مر، ثم إذا نوى الطهارة أو استباحة الصلاة أجزأه، ولا يشترط نية التيمم للحدث أو للجنابة، وهو الصحيح من المذهب.   [البناية] وليس كذلك الماء، فإنه بالطبع مطهر فلم تشترط فيه النية، وأشار إلى هذا بقوله: م: (والماء طهور بنفسه على ما مر) ش: أي بطبعه فلا يحتاج إلى النية، بخلاف التراب فإنه ملوث بطبعه فافترقا، وقال الأكمل: قوله: والماء طهور بنفسه جواب سؤال تقديره أن الماء أيضاً في الآية جعل طهورا في حالة مخصوصة كما ذكرتم، فكان الواجب أن تكون النية فيه شرطاً، وتقدير الجواب أن الماء طهور بنفسه أي عامل بطبعه، فلا يحتاج إلى النية كما في إزالة النجاسة العينية. قلت: السؤال غير موجه؛ لأنا نقول فيه أن الماء أيضاً في الآية جعل طهوراً في حالة مخصوصة وليس كذلك، بل الماء مطهر في جميع الحالات، وليست طهارته مقتصرة على إرادة الصلاة بخلاف التراب، فإن طهارته مقتصرة على وقت إرادة الصلاة كما ذكرنا، وفي الجواب أيضاً نظر؛ لأن قياس الوضوء على إزالة النجاسة المعينة غير صحيح؛ لأن الوضوء من باب المأمورات، وإزالة النجاسة من باب المتروك كترك الزنا واللواطة ورد المغصوب قبل الطهارة ترك الحدث. وعورض بأن الوضوء ليس ترك الحدث، بدليل الوضوء على الوضوء، أجيب بأنه ليس طهارة ترك الحدث على الحقيقة لتحصيل الحاصل، وإنما جعل طهارة مجازاً في حق الآخر، ولهذا لم يجعل الغسل على الغسل مثله عندنا، وعند الخصم على المذهب الصحيح المشهور على ما مر في باب أحكام المياه. م: (ثم إذا نوى الطهارة أو استباحة الصلاة أجزأه) ش: لأن التيمم طهارة لا يلزمه نية أسبابها كما في الوضوء، فلا يشترط التعيين، ألا ترى أنه لو توضأ للظهر يجوز أداء العصر به، وكذا على العكس. [نية التيمم للحدث أو الجنابة] م: (ولا يشترط نية التيمم للحدث أو الجنابة) ش: لأن الشرط يراعى وجوده لا غير، فلا يشترط التعيين م: (وهو الصحيح من المذهب) ش: أي عدم اشتراط التعيين هو الصحيح من المذهب احترازاً عما روي عن الإمام أبي بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه كان يقول: يحتاج إلى نية للحدث أو الجنابة؛ لأن التيمم لهما بصفة واحدة، فلا يتميز أحدهما عن الآخر كصلاة الفرض عن النافلة وهو صحيح، فإن محمد بن سماعة روى عن محمد أن الجنب لو تيمم يريد به الوضوء أجزأه عن الجنابة، والحاجة إلى النية لتقع طهارة واستباحة الصلاة مثلها، وفي الجنابة ينوي استباحة الصلاة، ولو نوى رفع الحدث لم يصح تيممه في أصح الوجهين. وعن بعض أصحاب أبي حنيفة أنه يرفع الحدث، ولا بد في استباحة الصلاة في التيمم للفرض عند أصحاب الشافعي، وهو قول مالك وأحمد، وهل يفترق إلى تعيين الفرض من ظهر وعصر؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فيه وجهان، ففي قول: يباح الفرض بنية صلاة مطلقة أو نافلة، ولو تيمم للفرض استباح به النفل قبل الفرض وبعده، وفي قول: لا يجوز به النفل، وبعده يجوز وبه قال مالك وأحمد. ولو تيمم لمس المصحف أو لقراءة القرآن أو للطواف استباح ما نواه، وهل يبيح به النفل؟ فيه وجهان، ثم اعلم أن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يجب عن قول زفر؛ لأن الخلف لا يجوز أن يكون مخالفاً لأصله. والجواب عنه أن الخلف قد فارق الأصل لاختلاف حالهما، ألا ترى أن الوضوء يجعل بأربعة أعضاء بخلاف التيمم، ومن التكرار في الوضوء دون التيمم. فإن قلت: لا شك أن التيمم خلف عن الوضوء، فلا ينبغي أن يخالف الأصل قطعاً. قلت: قد بينت لك أنه يخالف الأصل باختلاف الحال، على أنا لا نسلم أن التيمم خلف عن الوضوء عند الكل: فإن عند محمد خلف عن الوضوء، وعندهما خلف عن الماء في حصول الطهارة، حتى جازت إمامة المتيمم للمتوضئ عندهما خلافاً لما قاله، وسيجيء تحقيقه في باب الإمامة إن شاء الله تعالى. واعلم أيضاً أن التيمم رافع للحدث أو مبيح، فعندنا رافع للحدث إلى وقت وجود الماء، وقال أبو بكر الرازي: لا يرفع، وبه قال الشافعي كالمسح على الخفين يرفع الحدث عن الرجل، والأول المذهب للحديث الذي في " الصحيحين «وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» وحديث أنس «الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر حجج» . فإن قلت: معنى الحديثين: فإن التراب قائم مقام الطهور في إباحة الصلاة، إذ لو كان طهوراً حقيقة لما احتاج الجنب بعد التيمم أن يغتسل، والدليل على ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عمران بن الحصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كنا في سفر مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلى بالناس، فإذا هو برجل معتزل فقال: " ما منعك أن تصلي " قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: " يكفيك الصعيد» ، «واشتكى إليه الناس العطش فدعا علياً وآخر، فقال: "اذهبا فابتغيا الماء " فذهبا فجاءا بامرأة معها مزادتان، فأفرغ من أفواه المزادتين ونودي في الناس، فسقى واستقى، وكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء، فقال: " اذهب فأفرغه عليك» . قلت: ليس في الحديث أنه تيمم، ويحتمل أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عاجله بالماء قبل التيمم، أو أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمره بالاغتسال استحباباً لا وجوبا، وقد روى أبو داود من «حديث عمرو بن العاص قال: (احتلمت في ليلة باردة وأنا في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 فإن تيمم نصراني يريد به الإسلام ثم أسلم لم يكن متيمما عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فهو متيمم؛ لأنه نوى قربة مقصودة، بخلاف التيمم لدخول المسجد ومس المصحف؛ لأنه ليس بقربة مقصودة،   [البناية] فثم صليت بأصحابي الصبح، ثم أخبرت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فضحك ولم يقل شيئاً» ورواه الحاكم [وقال] على شرط الشيخين. فلو كان الاغتسال بعد التيمم واجباً لأمره به، وفيه حجة على من أمر بإعادة الصلاة التي تصلى بالتيمم؛ لأن - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يأمره بالإعادة لا صريحاً ولا دلالة، وغزوة [ذات] السلاسل كانت في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة، وذات السلاسل واد من وادي القرى بينها وبين المدينة عشرة أيام. فقوله: " فأشفقت ": أي خفت. م: (فإن تيمم نصراني يريد به) ش: أي بالتيمم م: (الإسلام ثم أسلم لم يكن متيمما) ش: يعني لا تجوز الصلاة بذلك التيمم م: (عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وهذه من مسائل " الجامع "، وشرط فيه كون التيمم للإسلام، فلذلك قال المصنف: يريد به الإسلام، وهو معتبر به، ولم يشترط في الأصل، وما في " الجامع " هو الصحيح، إذا الاختلاف ثابت فيما إذا أراد الإسلام، وهو بقربه، وفيما إذا لم يرده أولى أن تصح. م: (وقال أبو يوسف: فهو متيمم) ش: يعنى إذا أرد به الصلاة فصلى به. فإن قلت ها هنا: فإن الأولى في قوله: فإن تيمم نصراني، والثاني في قوله: فهو متيمم. قلنا: ذكرها في الأولى لكون المسألة متفرعة على ما قبلها، وفي الثاني: كأنها جواب شرط محذوف تقديره قال أبو يوسف: إن تيمم النصراني يريد الإسلام باق على تيممه م: (لأنه) ش: أي؛ لأن النصراني م: (نوى قربة مقصودة) ش: مع كونها قربة؛ لأن الإسلام أعظم القرب، وأما مقصودة فلأنها ليست في ضمن شيء آخر كالشرط، فإذا كان كذلك صح تيممه كالمسلم تيمم للصلاة. م: (بخلاف التيمم لدخول المسجد ومس المصحف) ش: أي بخلاف تيمم المسلم لدخول المسجد أو لمس المصحف، م: (لأنه) ش: أي؛ لأن تيممه لدخول المسجد أو مس المصحف م: (ليس بقربة مقصودة) ش: لحصوله في ضمن شيء آخر، وكذا لو تيمم لخروج المسجد بأن دخل متوضئاً ثم أحدث، أو تيمم للسلام، أو رده، أو للتعليم على الأصح، خلافاً لما رواه الحسن عن أبي حنيفة: تيمم لقراءة القرآن على ظهر القلب أو لزيارة القبور أو لدفن الميت أو للأذان، فإنه لا يجوز الصلاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 ولهما أن التراب ما جعل طهورا إلا في حال إرادة قربة مقصودة لا تصح بدون الطهارة، والإسلام قربة مقصودة تصح بدونها، بخلاف سجدة التلاوة؛ لأنها قربة مقصودة لا تصح بدون الطهارة. وإن توضأ لا يريد به الإسلام ثم أسلم، فهو متوضئ عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بناء على اشتراط النية،   [البناية] به عند عامة العلماء؛ لأنه ليس بقربة مقصودة، وفيه خلاف أبي سعيد البلخي، حيث قال: تجوز الصلاة به عنده. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أن التراب ما جعل طهوراً إلا في حال إرادة قربة مقصودة لا تصح بدون الطهارة، والإسلام قربة مقصودة تصح بدونها) ش: أي بدون الطهارة. قال السغناقي: في هذا اللفظ إشارة إلى أن الكافر إذا تيمم للصلاة ثم أسلم لا تجوز الصلاة بذلك التيمم، نص على هذا شيخ الإسلام في " مبسوطه "، بل المقبول في التعليل أن يقال: الكافر إذا تيمم للصلاة ثم أسلم لا تجوز الصلاة بذلك التيمم؛ لأنه ليس من أهل النية، والتيمم لا يصح بدونها، فلذلك قال: لا يصح منه التيمم، وعن هذا فرق أبو يوسف بين نية الإسلام ونية الصلاة فقال: يكون في الأول دون الثاني، وقال: لأن الإسلام يصح منه، فتصح نية التيمم منه للإسلام، بخلاف ما لو تيمم بنية الصلاة؛ لأن الصلاة قربة لا تصح من الكافر، ولا تصح نية الصلاة، فجعل وجود هذه النية وعدمها بمنزلته، فبقي التيمم من غير نية فلا يصح. م: (بخلاف سجدة التلاوة؛ لأنها قربة مقصودة لا تصح بدون الطهارة) ش: قيل: هذا مخالف لما ذكر في الأصول حيث قال فيها: إنها قربة غير مقصودة. قلنا: المراد بكونها مقصودة ها هنا أن لا يجب في ضمن شيء آخر بخلاف التبعية، بل شرعت ابتداء من غير أن يكون تبعاً لآخر، والمراد بما ذكر في الأصول أن هيئة السجدة ليست بمقصودة لذاتها عند التلاوة، بل لاشتمالها على التواضع المحقق لموافقة المؤمنين أو مخالفة المشركين، فلهذا لا يخص إقامة الواجب بهذه الهيئة، بل ينوب الركوع منابها، وحاصل هذا أن المعترض ادعى التناقض، والمجيب نفاه لاختلاف الجهتين على ما ذكرنا. فإن قلت: يصح التيمم بنية الطهارة وهي ليست بمقصودة. قلت: الطهارة شرعت للصلاة، فكانت نيتها نية إباحة للصلاة، حتى لو تيمم لتعليم الغير لا تجوز به الصلاة في الأصح على ما ذكرنا. م: (وإن توضأ) ش: أي النصراني والحال م: (لا يريد به الإسلام) ش: أي المتوضئ الإسلام م: (ثم أسلم فهو متوضئ عندنا) ش: حتى لو صلى به يجوز م: (خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه عنده ليس بمتوضئ، وأشار إلى دليل الشافعي بقوله م: (بناء على اشتراط النية) ش: فإن النية شرط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 فإن تيمم مسلما ثم ارتد - والعياذ بالله - ثم أسلم فهو على تيممه. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يبطل تيممه؛ لأن الكفر ينافيه فيستوي فيه الابتداء والبقاء   [البناية] عنده وهو ليس من أهلها، ويفهم منه أيضاً دليلنا؛ لأنه إذا لم تكن النية شرطاً عندنا صح وضوءه، وإن لم تعتبر نيته. م: (فإن تيمم مسلم ثم ارتد - والعياذ بالله - ثم أسلم فهو على تيممه) ش: يعني له أن يصلي بهذا التيمم. م: (وقال زفر: يبطل تيممه) ش: باعتراض الارتداد م: (لأن الكفر ينافيه) ش: أي ينافي التيمم ابتداء فكذا انتهاء م: (فيستوي فيه الابتداء والبقاء) ش: أي إذا كان الكفر ينافيه ابتداء فيستوي في هذا الحكم الابتداء والبقاء. فإن قلت: الضمير في قوله: " فيه " يرجع إلى ماذا. قلت: قد أشرت إليه بقولي: " فيستوي في هذا الحكم "، وقال بعضهم: أي يستوي في هذا الأمر المنافي حالة الابتداء وحالة البقاء، وهذا مثل الأول في المعنى. وذكر في " الجامع الصغير " للحسامي أن المنافاة بينهما باعتبار معنى العبادة، فإنه شرع مطهر غير معقول المعنى تعبداً فينافيه الكفر كسائر العبادات. وفي " المختلف " أنه عبادة فلا يجامع الكفر، فعلى هذا لا يتصور الخلاف المذكور إلا في التيمم المنوي؛ لأن غيره وإن كان مفتاحاً للصلاة عنده ليس بعبادة كالوضوء بلا نية فلا ينافيه الكفر، فبقي بعد الارتداد على أصله، والصحيح أن المنافاة بينهما باعتبار عدم الأهلية، فإن كافراً لو تيمم لا يصح التيمم مشروعاً في حقه، ويكون فعله كفعل البهيمة، فثبت أن الكفر مناف للتيمم يستوي فيه الابتداء والبقاء. فعلى هذا بطل تيممه عنده نوى أو لم ينو. وفي " الكافي ": ويبطل عنده؛ لأنه عبادة فينافيه الكفر، ثم سيق الكلام إلى أن قيل: فإنه إنما يصير عبادة بالنية وهي ليست بشرط عنده. قلنا: الكلام في المنوي أو في غيره لا خلاف. وقال عبد العزيز: يبعد ما ذكره. قلت: إن أراد به أنه لا خلاف في بقائه على الصحة بعد الكفر فهو غير مستقيم؛ لأن هذا لا يصح أصلاً عندنا لعدم شرطه، فكيف بقي على الصحة، وإن أراد به لا خلاف في بطلانه وهو الظاهر فهو كما قال، إلا أن ما قال زفر على كونه عبادة فينافيه الكفر غير مستقيم لما بينا أن غير المنوي ليس بعبادة، فكيف يصح بناء بطلانه على الكفر المنافي للعبادة مع انتفاء صفة العبادة عنه. فإن قلت: كان من حقه أن ينعكس الحكم لانعكاس العلة، فإنه من حقه أن لا يبطل تيمم المسلم بارتداده على قوله لعدم احتياجه إلى النية وهذه كالوضوء في ذلك. قلت: قال شيخ الإسلام: هذه المسألة من زفر رواية منه أن التيمم لا يصح إلا بالنية، وروي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 كالمحرمية في النكاح. ولنا أن الباقي بعد التيمم صفة كونه طاهرا فاعتراض الكفر عليه لا ينافيه كما لو اعترض على الوضوء، وإنما لا يصح من الكافر ابتداء لعدم النية منه، وينقض التيمم كل شيء ينقض الوضوء؛ لأنه خلف عنه فأخذ حكمه،   [البناية] عنه أنه يصح بغير النية، فعلى هذا لا يبطل على مذهبه بالردة كالوضوء، فكان عنه روايتان أن التيمم من غير نية يتأدى أم لا. وجواب آخر: أنه تكلم فيه على قول من يرى فيه وجوب النية كما تكلم أبو حنيفة في المزارعة على رأي من يرى صحتها وإن كان هو لا يرى بجوازها. م: (كالمحرمية في النكاح) ش: بأن كان الزوجان رضيعين وقد زوج كلاً منهما أبوهما ثم أرضعتهما امرأة، أو كانا كبيرين وقد مكنت المرأة ابن زوجها بعد النكاح حيث قال: يرتفع النكاح بينهم بعد الثبوت كما لا ينعقد فيهما ابتداء. والأصل أن كل صفة منافية الحكم يستوي فيها الابتداء والبقاء م: (كالردة والمحرمية في النكاح) ش: والحدث العمد في الصلاة. فإن قلت: لو سبقه الحدث في الصلاة لا يعيدها فينبغي أن يفسدها؛ لأنها لا تنعقد به ابتداء. قلت: ذلك مخصوص بالنص وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من قاء أو رعف في صلاة فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم» رواه ابن ماجه من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. م: (ولنا أن الباقي بعد التيمم صفة كونه طاهراً) ش: يعني الباقي بعد التيمم صفة كون المرتد طاهراً بذلك التيمم م: (فاعتراض الكفر عليه) ش: أي على التيمم م: (لا ينافيه) ش: أي لا ينافي كونه طاهراً؛ لأن التيمم عند الكفر لا يكون موجودا حتى بطل لوجود ما ينافيه م: (كما لو اعترض على الوضوء) ش: أي كاعتراض الكفر على الوضوء، فإنه لا يبطله للبقاء فيه فكذا التيمم م: (لأنه) ش: أي لأن التيمم م: (خلف عنه) ش: أي عن الوضوء، ولا شك أن حال الخلف دون حال الأصل، فكان مبطلاً للأعلى فأولى أن يكون مبطلاً للأدنى، بخلاف الصوم والصلاة؛ لأن حكمهما بعد الفراغ عنهما الثواب، وهو لا يجامع الكفر، والتيمم له حكم آخر وراء الثواب وهو الطهارة والكفر يجامعها، فجاز أن ينفي التيمم بعد هذا الحكم، فإن السبب يبقى بعد بقاء أحد الحكمين وإن بطل الآخر، كما في الثواب والطهارة في الوضوء بعد الارتداد. م: (فأخذ حكمه) ش: أي فأخذ الخلف حكم الأصل، فالخلف هو التيمم والأصل هو الوضوء، وقد ذكرنا أن كون التيمم خلفاً عن الوضوء مذهب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فإن قلت: الردة تحبط العمل لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: 5] (المائدة: الآية 5) ووضوءه وتيممه من عمله، فكيف يبقيان بعد الردة. قلت: الردة تحبط ثواب العمل، وذلك لا يمنع زوال الحدث كمن توضأ رياء، فإن الحدث يزول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 وينقضه أيضا رؤية المادة إذا قدر على استعماله؛ لأن القدرة هي المرادة بالوجود الذي هو غاية لطهورية التراب،   [البناية] به وإن كان لا يثاب على عمل الوضوء. (وإنما لا يصح التيمم من الكافر ابتداء) ش: أي ابتداء الأمر، يعني قبل أن يسلم م: (لعدم النية منه) ش: أي من الكافر، قوله: وإنما لا يصح.. إلخ كأنه جواب سؤال مقدر تقديره أن يقال: أنتم قلتم يبقى تيمم المسلم الذي ارتد، وقلتم: إن اعتراض الكفر لا ينافيه فما له لا يصح منه ابتداء، وتقدير الجواب أن يقال: إنما لا يحص من الكافر ابتداء لانعدام النية، وليس انتهاء كذلك لوجودها، قوله: "لانعدام " مصدر من انعدم، ولكنهم قالوا: أعدمه فانعدم وهو خطأ، فلا يقال ذلك كما لا يقال علمه فانعلم؛ لأن هذا البناء يختص بالفلاح والعدم ليس بفلاح. [مبطلات التيمم] م: (وينقض التيمم كل شيء ينقض الوضوء) ش: النقض عبارة عن خروجه عن حكمه الأصلي، وهو كونه مبيح الصلاة م: (لأنه) ش: أي لأن التيمم م: (خلف عنه) ش: أي عن الوضوء م: (فأخذ حكمه) ش: أي حكم الوضوء في النقض، ولا شك أن الأصل أقوى من الخلف، فما كان ناقضاً للأقوى كان ناقضاً للأضعف بطريق الأولى. م: (وينقضه) ش: أي ينقض التيمم أيضاً م: (رؤية الماء) ش: الكافي حتى لو كان لم يكفه لا يلزم استعماله عندنا، وهو قول الحسن، والزهري، وحماد، وابن المنذر، وبه قال مالك. وقال الشافعية في أحد قولي الشافعي: أنه يلزم استعماله ويتيمم به للباقي، وبه قال أحمد في الجنابة، وفي الوضوء له وجهان، وإسناد النقض إلى روية الماء إسناد مجازي؛ لأن الناقض في الحقيقة هو الحدث السابق، لكن يظهر عند الرؤية فأضيف إليه مجازاً م: (إذا قدر) ش: أي المتيمم م: (على استعماله) ش: أي على استعمال الماء م: (لأن القدرة هي المرادة بالوجود الذي هو غاية لطهورية التراب) ش: أراد بالوجود هو المذكور في القرآن بقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] وفي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء» ، وإنما سماه غاية من حيث المعنى لا من حيث الصفة؛ لأنه لم يرد فيه كلمة الغاية، أما في الآية فظاهر. وأما في الحديث فإن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما لم يجد الماء» ليس غاية للتيمم، حيث لم يقل: إلى وجود الماء، بل فيه بيان مدة التيمم كما في قوله: اجلس ما دمت جالساً، لكن معناهما يتفقان في أن الحكم في ذلك الوقت يخالف ما قبله فسمي باسم الغاية. وقال الأكمل: بل لا يلزم من انتهاء طهورية التراب انتهاء الطهارة الحاصلة به كالماء، فإنه يصير نجساً بالاستعمال أو تنتهي طهوريته وتبقى الطهارة به. قلت: هذا القائل هو الخبازي، ذكره في حواشيه، والجواب أن التراب مطهر مؤقت حكماً لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] حقيقة، على معنى أنه لا تزول طهوريته بدون شيء يتصل به، فثبتت به الطهارة المؤقتة على صفة التطهير، كالماء لما كان مطهراً حقيقة على معنى أنه لا تزول طهوريته دون شيء يتصل به، فثبتت الطهارة على المائية على أن ما كان ضعيفاً لبقاء ما يشترط لابتدائه وعدم الماء شرط لابتداء التيمم، فكذا لبقائه، هذا جواب الخبازي. وقال صاحب " الدراية ": وفيه تأمل؛ لأن كون التراب مطهراً مؤقتاً مسلم، لكن الطهارة الحاصلة به مؤقت غير مسلم، وفي زيادات القدرة على الماء تمنع الطهارة بالتيمم ابتداء وبقاء؛ لأن القدرة على الأصل قبل حصول المقصود بالخلف يبطل حكم الخلف. وقال حافظ الدين في " المستصفى ": العمل بالحديث مشكل؛ لأنه لم يتعرض لانتقاض التيمم السابق، بل فيه بيان أن التيمم لا يجوز بعد رؤية الماء، وجاز أن تكون رؤية الماء منافية للابتداء لا للبقاء، كعدم الشهود في النكاح فإنه يمنع ابتداء النكاح لا البقاء. تعديل الجواب أن يقول: الطهورية صفة راجعة إلى المحل، فالابتداء والبقاء فيه سواء كالمحرمية في باب النكاح، وهذا الجواب هو الذي ذكره الأكمل عن سؤال الخبازي أخذا من كلام حافظ الدين. وقال صاحب " الدراية ": مع أن هذا بعض الحديث، وتمامه «فإذا وجدت الماء فلتمسه بشرتك» ، وكذا في " المصابيح " و " المبسوط " قيل قوله: «فلتمسه بشرتك» وهذا لفظ " المصابيح " لا يدل على انتقاض الوضوء؛ لأن هذا بطريق الاستحباب، بدليل أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في آخره: " فإن ذلك خير ". قلت: قد ذكرنا أن هذا الحديث أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي، والحاكم، والدارقطني من حديث أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولفظ أبي داود: «الصعيد الطيب وضوء لكم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك» . وبهذا اللفظ أخرجه النسائي، وابن حبان. وأخرجه البزار من حديث أبي هريرة ولفظه: «الصعيد وضوء لكم وإن لم يجد الماء إلى عشر سنين فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته فإن ذلك خير» ، ومن أعجب العجائب أن هؤلاء الشراح أئمة كبار، فإذا وقع حديث لا يشبعون الكلام فيه من جهة الترجيح، ومن جهة الألفاظ، ومن جهة الصحة، فغالبهم يحيلونه على كتاب من كتب الفقه، وليس هذا من شأن المحققين. وقوله قبل: فلتمسه بشرتك ... إلخ كلام غير صحيح؛ لأن قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وليمسه بشرته» للوجوب لا للاستحباب، فاستدلال هذا القائل على الاستحباب بقوله: " فإن ذلك خير " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 وخائف السبع والعدو والعطش عاجز حكما   [البناية] غير صحيح؛ لأنه ليس معناه أن الوضوء والتيمم كلاهما جائزان عند وجود الماء، لكن الوضوء خير، بل المراد به أن الوضوء واجب عند وجود الماء، ولا يجوز التيمم، وهذا نظير قَوْله تَعَالَى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24] (الفرقان: الآية 24) مع أنه لا خير ولا حسن لمستقر أصحاب النار ومقيلهم. ثم اعلم أن وجود الماء الفاضلة عن حاجة المقدور على استعماله ينقض الوضوء وإن كان في الصلاة عندنا، وإليه ذهب الثوري، وأحمد في مختار قوله، واختاره المزني وبان شريح، ونقله البغوي عن أكثر العلماء. وقال مالك والشافعي: لا ينقض وضوءه ويتم صلاته ولا يعيدها في صلاة السفر، وهو رواية عن أحمد وقول داود، وقيل: يجوز الخروج منها فيه وجهان للشافعي أظهرهما أنه أفضل، والثاني: أنه لا يجوز، وعن بعض أصحابه الخروج منها مكروه. وقال الأوزاعي: تصير صلاته نفلاً. وفي " الحلية ": لو تيمم لشدة البرد في الحضر وجب عليه الإعادة عند وجود الماء الحار وإن كان في السفر ففي وجوبها قولان. وفي " شرح المجمع " صلى بالتيمم في الحضر لإعواز الماء ففي بطلان صلاته عند الشافعي قولان، أحدهما: لا تبطل صلاته، والثاني: تبطل، وفي " المجتبى ": رأى في صلاته سؤر الحمار لا تبطل صلاته فيتمها ثم يتوضأ به فيعيد، ولو رأى فيها سراباً فظنه ماء فمشى إليه بطلت صلاته، جاوز مكان الصلاة أو لا، ولو رأى ماء فظنه سراباً فصلى ثم علم بعدها يعيدها، ولو رأى فيها رجلاً في يده ماء فأتم صلاته ثم سأله فأعطاه لا يعيدها. وفي " جامع أبي الحسن " رأى فيها رجلاً معه ماء كثير لا يدري أيعطيه أم لا يتم صلاته ثم يسأله، فإن أعطاه أعادها وإلا فلا، وإن أبى ثم أعطي لا يعيد، وكذا العاري لو رأى فيها ثوباًً. م: (وخائف السبع) ش: كلام إضافي مبتدأ، وهو الحيوان المفترس كالأسد، والنمر، والفهد، والدب، والذئب، ونحوها م: (والعدو) ش: سواء كان مسلماً أو كافراً، أو قاطع طريق أو لصاً، ونحوه الحريق والحية م: (والعطش) ش: أي وخائف العطش على نفسه أو على رفيقه أو على حيوان معه نحو دابته، ولكبه، وسنوره، وطيره م: (عاجز) ش: مرفوع؛ لأنه خبر المبتدأ، أعني قوله: " وخائف السبع " م: (حكما) ش: أي من حيث الحكم، لا من حيث الحقيقة، لأنه واجد ظاهراً ولكنه عاجز، والقدرة شرط كما مر. وفي " التنجيس " و " فتاوى الولوالجي " رجل أراد أن يتوضأ فمنعه إنسان عنه يعيد. قيل: ينبغي أن يتيمم ويصلي ثم يعيد الصلاة عند زوال ذلك عنه؛ لأن هذا جاء من قبل العباد، فلا يسقط الفرض عنه كالمحبوس إذا صلى بالتراب في الحبس، فإذا خرج يعيد، فكذا هذا. وفي " شرح الطحاوي ": إذا خاف على نفسه أو ماله يجوز التيمم، وذكر الولوالجي: متيمم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 والنائم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قادر تقديرا حتى لو مر النائم المتيمم على الماء بطل تيممه   [البناية] مر على الماء في موضع لا يستطيع النزول عنه لخوف على نفسه أو ماله لا ينقض تيممه؛ لأنه غير قادر. وفي " شرح الوجيز ": لو خاف على نفسه أو ماله من سبع أو سارق فله التيمم، ولو احتاج إلى الماء لعطش رفيقه أو لعطش حيوان محترم جاز له التيمم، وفي " المغني " لابن قدامة: أو كان الماء عند جمع فساق فخافت المرأة على نفسها الزنا جاز لها التيمم. م: (والنائم) ش: مرفوع على الابتداء، والمراد النائم الذي ليس بمضطجع ولا مستند في المحل؛ لأنه إذا كان كذلك ينقض تيممه بالنوم فلا تتأتى هذه المسألة، وكذا المراد النائم سواء كان راكباً أو ماشياً وقدموا على الماء وهو متيمم م: (عند أبي حنيفة قادر تقديراً حتى لو مر النائم المتيمم على الماء بطل تيممه عنده) ش: أي حكما؛ لأنه واجد للماء ظاهراً، فإذا كان قادراً ينقض تيممه عنده؛ لأنه عاجز عن الاستعمال لعذر جاء من قبله فلا يكون معذوراً، وقيل: ينبغي أن لا ينقض عند الكل؛ لأنه لو تيمم وبقربه ماء لا يعلم به يجوز تيممه عند الكل. وقال التمرتاشي: في " زيادات الحلواني " في انتقاض تيمم النائم المار بالماء روايتان من غير ذكر اختلاف. وفي " فتاوى قاضي خان ": لا ينتقض تيمم النائم المار على الماء بالاتفاق. وفي " المجتبى " الأصح أنه لا ينتقض تيممه عند الكل. قلت: فلذلك لم ينبه المصنف على خلافهما؛ لأن المختار في الفتاوى عدم الانتقاض اتفاقاً. وقيل: في ستة وعشرين موضوعاً للنوم حكم اليقظة، هذا المسألة، وصائم نائم على قفاه فوقع المطر في فيه أو قطرت ماء في فيه فوصل إلى جوفه فسد صومه، ونائمة جامعها زوجها فسد صومها. ومحرم كذلك، ومحرم نائم حلق إنسان رأسه فعلية الجزاء، ومحرم نائم انقلب على صيد فقتله كذلك، ونائم مر بعرفات أجزأه. هو قائم وقع صيد عنده كما لو وقع عند يقظان وهو قادر على زكاته. ونائم انقلب على مال فأتلفه يضمن، ونائم وقع على مورثه فقتله على قول البعض أو وقع قائماً فوضعه تحت جدار واه فسقط عليه فمات فلا ضمان، ونائم مكثت امرأته عنده في بيت ساعة صحت خلوته، ونائمة رضع صغير من ثديها ثبتت الحرمة. ونائم في صلاته تكلم فسدت. ونائم قرأ فيها أجزأته. ونائم تلا آية السجدة تلزم صاحبه، ونائم أخبر بالتلاوة عنده يجب عليه السجدة في قول. وقال شمس الأئمة: يفتي بعدم الوجوب فيها، ونائم يكلم من حلف أنه لا يكلمه ولم يستيقظ حنث في الأصح، ونائمة مسها مطلقها صار مراجعاً، ونائم قبلته بشهوة يثبت حرمة المصاهرة إذا علم بفعلها، ونائم يومين وليلتين يجب القضاء. ونائم احتلم في صلاته وجب الغسل ولا يمكن البناء، ونائمان عقد بينهما يصح على قول، ونائم أخبر أنك تلوت آية السجدة وجب على السامع وعليه السجدة في قول، والأصح أنها لا تجب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 عنده، والمراد ماء يكفي للوضوء؛ لأنه لا معتبر بما دونه ابتداء فكذا انتهاء،   [البناية] م: (والمراد) ش: أي المراد من قوله " وينقضه أيضاً رؤية الماء "، م: (ماء يكفي للوضوء) ش: لأن الذي لا يكفي في حكم العدم، وفي هذه العبارة يجوز وجهان أحدهما: أن يكون كلمة ما في قوله " ما يكفي " موصولة. والمعنى: والمراد الماء الذي يكفي الوضوء. والثاني: أن يكون التقدير والمراد ماء بالمد والهمزة. وقوله: " يكفي " في الوجه الأول: صلة وفي الثاني صفة، وقال الأكمل: قوله: والمراد ما يكفي يعني الماء الذي يمر عليه النائم، قلت: تقييده بهذا غير صحيح، بل المراد ما فيه كفاية الوضوء، سواء كان ماراً نائما أو يقظان ماراً أو مقيماً أو مسافراً، سائراً أو نازلاً في موضع، وذلك لأن المصنف بين المراد من قوله: وينقضه أيضاً رؤية الماء الذي في أي حال كان إذا قدر على استعماله، وكان فيه كفاية للوضوء، فظن الأكمل أن قوله: " والمراد ما يكفي " يرجع إلى قوله " والنائم " عند أبي حنفية قادر تقديراً وليس كذلك، بل المراد ما قلنا يشمل الكل. م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الشأن م: (لا معتبر بما دونه) ش: أي لا اعتبار بما دون ما يكفي للوضوء م: (ابتداء) ش: أي في ابتداء الأمر، أراد أنه إذا أراد أن يصلي فلم يجد ماء يكفي للوضوء يتيمم؛ لأنه لا اعتبار له لذلك م: (فكذا انتهاء) ش: أي فكذا المراد ما يكفي للوضوء في حالة الانتهاء، أراد أنه إذا كان متيمماً فرأي ماء لا يكفي للوضوء فإنه على تيممه؛ لأنه في حكم العدم، وأراد بالانتهاء السبق والبقاء معتبراً بالابتداء، وهذا بناء على الخلاف. وفي أن المحدث والجنب إذا وجد بعض ما يكفيه من الماء لطهارته هل يجب عليه استعماله؟ فالأصح عند الشافعي وجوب استعماله بالتيمم بعده، وهو أقوي الروايتين عن أحمد وداود، وحكاه ابن الصباغ عن عطاء والحسن البصري، ومعمر بن راشد. وفي القول الآخر للشافعي: عدم وجوب الاستعمال وهو مذهبنا، ومذهب مالك والثوري، والأوزاعي، وابن المنذر، والزهري، وحماد. وقال البغوى: وهو قول أكثر العلماء. ودليل الشافعي حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «وما أمرتكم بشيء فافعلوا منه ما استطعتم» رواه البخاري ومسلم، وقول الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) ، وهو نكرة في موضع النفي، فيعم الماء اليسير والكثير، كالعاري إذا وجد ثوباً يستر بعض عورته فإنه يلزمه ستر ذلك القدر، وكذا إذا كانت به نجاسة حقيقية يجب استعماله في ذلك القدر، فينبغي أن يجب في النجاسة الحكمية أيضاً. قلنا: نحن نقول لموجب الآية أيضاً، إذ المراد منه ما يكفي للوضوء، وذلك لأن الآية سيقت لبيان الطهارة الحكمية، وكان قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) أي طهوراً محللاً للصلاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 ولا يتيمم إلا بصعيد طاهر؛ لأن الطيب أريد به الطاهر في النص، ولأنه آلة التطهير، فلا بد من طهارته في نفسه كالماء، ويستحب لعادم الماء وهو يرجوه أن يؤخر الصلاة إلى   [البناية] باستعماله في هذه الأعضاء، وبوجود ما لا يكفي للوضوء لم يوجد ما يحلل الصلاة باستعمال هذه الماء لم يثبت شيء من الحل، فإنه موقوف على الكمال، فإن الحكم والعلة غسل جميع الأعضاء، وشيء من الحكم لا يثبت ببعض العلة كبعض النصاب في حق الزكاة، بخلاف النجاسة الحقيقية وستر العورة؛ لأن المزال أمر حسي فاعتبر الزوال حسا لا حكماً، فثبت بقدر الماء الذي معه والثوب الذي معه، وأما ها هنا فالطهارة حكمية، فلا يثبت شيء من الحكم ببعض العلة؛ لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف وهو الكافي للوضوء أو الغسل، ولأن استعمال قطرة أو قطرتين في الماء في بدن الجنب بعدها عبث، والنكرة وإن كانت تعم في النفي لكن لا يمكن إجراؤه على العموم، إذ وجود ما يحتاج إليه العطش غير مراد، فيراد به أخص الخصوص، ولأنه عجز عن بعض الأصل فيسقط الاعتداد به مع البدل في حالة واحدة، كمن عجز عن بعض الرقبة في الكفارة فصار بمنزلة من لم يستطع شيئاً، وهو الجواب عن قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فأتوا منه ما استطعتم» ولا يلزم إذا غسل لبعض الأعضاء ثم انصب الماء، ومن اعتدت بحيضة ثم ارتفع حيضها؛ لأن ما تقدم يسقط عندنا ويصير مؤدياً للفرض بالتيمم خاصة، والعدة إن بلغت المرأة الإياس بالشهور خاصة. م: (ولا يتيمم إلا بصعيد طاهر؛ لأن الطيب) ش: المذكور في قَوْله تَعَالَى: {صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) م: (أريد به الطاهر في النص) ش: بالإجماع، إذ طهارة التراب شرط عند الأئمة الأربعة، وعن داود: والتراب إذا تغير بالنجاسة لا يجوز التيمم به، وإن لم يتغير جاز، ويجوز التيمم بالتراب المستعمل عندنا، وفي قول للشافعي وظاهر مذهبه لا يجوز، والمستعمل ما يقام في العضو. وقال بعض أصحابه: ما بقي في العضو مستعمل دون ما يتناثر عنه، كذا في " الحلية "، ولو تيمم جماعة بحجر واحد أو لبنة واحدة أو أرض جاز. فإن قلت: لا يلزم من شرط الطهارة أن يكون المراد من الطيب الطاهر في الآية، لجواز أن تثبت شرطية الطهارة بدليل آخر. قلت: لو لم ترد بالآية لاقتضى مطلق الآية جواز التيمم بدون طهارة، فكان الدليل الآخر معارضاً لمطلق النص، وذا لا يجوز. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الصعيد م: (آلة التطهير، فلا بد من طهارته في نفسه كالماء) ش: حيث شرط طهارته عند الاستعمال. م: (ويستحب لعادم الماء وهو يرجوه) ش: أي والحال أنه يرجو الماء، والمراد بالرجاء غلبة الظن، أي يغلب على ظنه أنه يجد الماء في آخر الوقت، كذا في " الإيضاح " م: (أن يؤخر الصلاة إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 آخر الوقت،   [البناية] آخر الوقت) ش: كلمة " أن " مصدرية في تأويل: ويستحب تأخير الصلاة لمن يرجو الماء، وفي " الذخيرة " عن محمد: المسافر الذي لا يجد الماء ينتظره إلى آخر الوقت، فإن خاف فوته تيمم. وفي " القدوري ": يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت إذا كان على طمع ورجاء من وجوده وهو الصحيح، وألا يؤخر عن الوقت المستحب. وفي " البدائع ": هذا لا يوجب اختلاف الرواية، بل يجعل تفسير الماء ما أطلقه في الأصل، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يتلو إلى آخر الوقت. وقال القدوري: التأخير مستحب لا حتم، وروي عن أبي حنفية، وأبي يوسف: أنه حتم هذا إذا كان الماء بعيداً، وإن كان قريباً لا يتيمم وإن خاف خروج الوقت، قال الفقيه أبو جعفر: أجمع أصحابنا الثلاثة على هذا. وقيل: إذا كان بينه وبين موضع الماء الذي يرجوه ميل أو أكثر، فإن كان أقل منه لا يجزئه التيمم وإن خاف فوت وقت الصلاة. وفي " الحلية ": فإن لم يكن على ثقة من وجود الماء في آخر الوقت ولا على إياس من وجوده، فالأصل أن يصلي بالتيمم في أول الوقت في أصح القولين، وهو اختيار المزني. والثاني: التأخير أفضل، وعن أبي حنيفة روايتان كالقولين. وقال النووي: التأخير أفضل بكل حال، وبه قال أحمد، وقال مالك: يتيمم المريض والمسافر في وسط الوقت لا يؤخره جداً ولا يعجله، وفي الأصل أحب إلي أن يؤخره ولم يفعل. ولا يؤخر العصر إلى تغير الشمس والمغرب عن أول وقته، وقيل: يؤخره إلى ما قبيل غيبوبة الشفق، وعن حماد والشافعي: لا يؤخر، روي أن هذا أول واقعة خالف أبو حنيفة فيها أستاذه حماد بالتيمم في أول الوقت، ووجد أبو حنيفة الماء في آخر الوقت وصلاها، وكان ذلك عن اجتهاده - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وصوابه فيه، وقال الأكمل: قيل: هذه المسألة تدل على أن الصلاة في أول الوقت أفضل عندنا أيضاً، إلا إذا تضمن التأخير فضيلة لا تحصل بدونه كتكثير الجماعة والصلاة بأكمل الطهارتين. قلت: قائل هذا السغناقي ناقلاً عن شيخه تاج الشريعة، والشيخ عبد العزيز في حواشيهما، وقال الأترازي: قال الشارحون: هذه المسألة تدل إلى آخر ما ذكرناه، ثم قال: أقول هذا سهو من الشارحين، وليس مذهب أصحابنا كذلك، ألا تري ما صرح به صاحب " الهداية " وغيره من المتقدمين في كتبهم بقوله: ويستحب الإسفار بالفجر والإبراد بالظهر في الصيف بتأخير العصر ما لم تتغير الشمس، وتأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل، وأجاب الأكمل بما قاله الأترازي بقوله: ورد بأن هذا ليس مذهب أصحابنا إلى آخره، والعجب من الأكمل كيف رضي بنسبة الأترازي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 فإن وجد الماء يتوضأ ويصلي به، وإلا تيمم وصلى ليقع الأداء بأكمل الطهارتين، فصار كالطامع في الجماعة،   [البناية] السهو إلى الشارحين، وأورد في شرحه ما قاله، بل الحق أن السهو منه لا منهم؛ لأنه فهم كلامهم على خلاف مقصودهم. بيان ذلك: أنه فهم من قولهم بأن أداء الصلاة في أول الوقت أفضل لغي المترجي بأن المراد بأول الوقت حقيقة كما هو مذهب الشافعي، وهو خلاف المذهب، فلزم من ذلك ما ذكره، لكن ليس هذا بمراد، بل مرادهم بأن العبادات في أول الوقت المستحب المعهود في حقهم المقيم أفضل لغير راجي الماء، يعني التأخير عن أول الوقت المستحب إنما يكون مستحباً لعدم الماء إذا كان راجياً لوجدانه، وإلا فالمستحب الأداء في أول وقت الاستحباب لا التأخير. والذي يدل على ما ذكرنا ما ذكره في " البدائع " بقوله: وإن لم يكن على طمع لا يؤخر ويتيمم ويصلي في الوقت المستحب، وكذا يدل عليه كلام الشيخ عبد العزيز عن شمس الأئمة في " الإمام "، وهو قوله: فإن كان لا يرجو ذلك لا يؤخر الصلاة عن وقتها المعهود، وأراد بذلك المعهود في حق غيره، وهو أول الوقت المستحب المعهود في المذهب، لا أول الوقت المعهود على مذهب الشافعي، ويدل عليه ما نقله الأترازي المعترض على صاحب " التحفة ": روى المعلى عن أبي حنيفة وأبي يوسف: الطامع في الماء يؤخر إلى آخر الوقت، وغير الطامع يؤخر إلى آخر الوقت المستحب، فظهر من هذا أن المراد بأول الوقت في هذا الموضع أول الوقت المستحب، وآخر الوقت المستحب، لا كما فهمه الأترازي، فإنه احترز بقوله: العادم الماء عن قول الشافعي لا غير العادم؛ لأن مذهب الشافعي: إن عادم الماء وإن رجى أن يجده في آخر الوقت قدم الصلاة، وهو غير صحيح على ما نص عليه الشافعي في " الإملاء "، فإنه موافق لمذهبنا. وقال الأكمل: وقوله العادم الماء ليس احترازاً عن غير عادمه، بل هو احتراز عن قول الشافعي، فإن عنده أن عادم الماء آخر ما ذكرناه الآن. قلت: هذا بعينه كلام الأترازي، وقد بينا فساده الآن. م: (فإن وجد الماء) ش: " الفاء " فيه للتفصيل، أي: فإن وجد عادم الماء بعد تأخير الصلاة إلى آخر الوقت م: (يتوضأ ويصلي به) ش: وقوله: يتوضأ هذا جواب الشرط، وهو محذوف مقدر، م: (وإلا) ش: أي: وإن لم يجد الماء، م: (تيمم) ش: لأنه عادم الماء حقيقة م: (وصلى) ش: صلاته التي أخرها م: (ليقع الأداء) ش: أي أداء الصلاة التي أخرها إلى آخر الوقت م: (بأكمل الطهارتين) ش: وهو الوضوء، وصيغة أفعل تدل على أن التيمم طهارة كاملة، ولكن الوضوء أكمل منها م: (فصار) ش: هذا الشخص في هذه الحالة م: (كالطامع في الجماعة) ش: أي كالشخص الذي يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت طمعاً في كثرة الجماعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 وعن أبي حنفية، وأبي يوسف - رحمهما الله - في غير رواية الأصول أن التأخير حتم؛ لأن غالب الرأي كالمتحقق.   [البناية] وقال الأكمل: قوله كالطامع في الجماعة ليس احترازاً عن غير الطامع، بل إلزام على الشافعي؛ لأن مذهبه أن التأخير مستحب إذا كان طامعا في الجماعة. قلت: هذا بعينه كلام الأترازي، وهو ليس بصحيح، بل هو احتراز عن غير الطامع، وليس بإلزام على الشافعي؛ لأن مذهبه المنصوص عليه كمذهبنا على ما ذكرنا، والطامع في الجماعة على قسمين، أحدهما: الطامع المسافر، فإن كان واجداً للماء أو غير راج فإن المستحب فيه أداء الصلاة أول الوقت؛ لأن الأصل هو المسارعة إلى أداء العبادات على ما نطق به التنزيل والرفقة كلهم حاضرون، فلا يثبت التأخير في حقه للأصل، ولهذا يستحب الأداء في أول الوقت في الشتاء لهذا المعنى، ويدل على ما قلنا قول المصنف " ويستحب لعادم الماء وهو يرجوه " لأن تخصيص الاستحباب به يدل على أن الاستحباب أداء الصلاة أول الوقت للمسافر الواجد ولغير الراجي. والقسم الثاني: للطامع المقيم، فإن المستحب في حقه تأخيرها للطمع في كثرة الجماعة. م: (وعن أبي حنيفة وأبي يوسف في غير رواية الأصول) ش: وهي رواية " النوادر " و " الأمالي " و " الرقيات " و " الكيسانيات " و " الهارونيات "، ورواية " الأصول " رواية " الجامعين " و " الزيادات " " والمبسوطات ". قلت: الرقيات جمع رقية نسبة إلى رقية بفتح الراء وتشديد القاف، وهي واسطة ديار ربيعة، وهي مدينة خراب كبيرة مورده على الجانب الغربي من الجانب الشمالي الشرقي. وقال ابن حوقل: " الرقة " أكبر مدن ديار بكر ويقال لها: الراقية، وقال سعيد: واسمها البيضاء و " الرقيات " مسائل جمعها محمد حين كان قاضياً بالرقية المذكورة. و " الكيسانيات " جمع كيسانية نسبة إلى " كيسان " وكان من أصحاب محمد أبي عمرو، وسليمان بن شعيب الكيساني من قولهم ذكر محمد في " الكيسانيات " أو في " إملاء الكيساني "، وكيسان: أحمد جدار سليمان بن شعيب ونسبته إليها. والهارونيات جمع هارونية. م: (أن التأخير) ش: أي تأخير الصلاة لعادم الماء الراجي م: (حتم) ش: أي واجب، يعني إذا كان ذلك الموضع بعيداً، نص عليه في " المبسوط "، وفي " المحيط " و " الذخيرة "؛ لأن شرع التيمم لدفع الحرج وصيانة للوقت عن الفوات فإذا تيقن أو غلب على ظنه وجود الماء آخر الوقت فقد أمن من الفوات حقيقة أو ظاهراً، فلا يجزئه التيمم ويجب التأخير، م: (لأن غالب الرأي كالمتحقق) ش: ولهذا وجب العمل بخبر الواحد، والقياس يؤيده، قال الله تعالى: {فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] (الممتحنة: الآية 10) علق عدم الرد إليهم بالعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 وجه الظاهر أن العجز ثابت حقيقة، فلا يزول حكمه إلا بقين مثله   [البناية] بكونهن مؤمنات، والعلم بذلك لا يكون إلا لغالب الرأي وهو كالثابت حقيقة، وفي ظاهر الرواية لا يجب التأخير عنه مع بعد المسافة، ويجزئه التيمم مع غلبة الظن بوجدان الماء في آخر الوقت أو التيقن. وأشار إلى وجه الظاهر بقوله م: (وجه الظاهر) ش: أي وجه ظاهر الرواية م: (أن العجز ثابت حقيقة فلا يزول حكمه) ش: أي حكم العجز وهو جواز التيمم م: (إلا بيقين مثله) ش: قيل: هذا ليس بوجه، فإن زوال العجز لا يتوقف على اليقين، ألا ترى أن وجود الماء لو كان مظنوناً بأن كان في العمران، ورأى من بعيد أشجاراً أو سراباً ظنه ماء لا يتيمم، فقد زال عذره بغير تغير. ونقل الأكمل ها هنا عن الشيخ عبد العزيز إشكالاً ملخصه أن قوله: " لأن غالب الرأي كالمتحقق " يقتضي أن يجب التأخير عند التحقق في آخر الوقت مع بعد المسافة في ظاهر الروايات ليصلح مقيسا عليه، ويمكن إلحاق غالب الرأي وليس كذلك، فإنه ذكر في أول الباب أن من كان خارج المصر يجوز له التيمم إذا كان بينه وبين الماء ميل أو أكثر، وإن كان أقل لا يجوز، وإن خاف فوت الصلاة، وإن جعل هذا يعني التعليل على أن المراد منه أن التيمم لا يجوز في التحقق في غير رواية " الأصول " فألحق غالب الظن به في هذه الرواية لا يستقيم أيضاً؛ لأنه علل وجه ظاهر الرواية بأن العجز ثابت (حقيقة فلا يزول حكمه إلا بيقين مثله) وذلك يقتضي أن حكم العجز يزول عند اليقين بوجود الماء في ظاهر الرواية، وليس كذلك على ما بينا، وإن حمل على أن هذا فيما إذا كان بينه وبين ذلك الموضع أقل من ميل لا يستقيم أيضاً؛ لأنه لا فرق في تعليل ظاهر الرواية بين غلبة الظن واليقين فيما إذا كانت المسافة أقل من ميل في عدم جواز التيمم، كما أنه لا فرق بينهما إذا كانت المسافة أكثر من ميل في جواز التيمم. وقد صرح في آخر هذا الباب أنه إذا غلب على ظنه أن بقربه ماء لا يجزئه التيمم كما لو تيقن بذلك فعلم أنه مشكل. بقي وجه آخر وهو أن يحمل هذا على ما إذا لم يعلم أن المسافة قريبة أو بعيدة، فلو ثبت أنه تيقن بوجود الماء في آخر الوقت فقد أمن من الفوات، ولما لم يثبت بعد المسافة للشك فيه لم يثبت جواز التيمم فيجب التأخير. أما لو غلب على ظنه عدم بعد المسافة، وكذلك عندهما في غير رواية " الأصول "؛ لأن الغالب كالمتحقق، وفي ظاهر الرواية لا يجب التأخير؛ لأن العجز ثابت لعدم الماء حقيقة، وحكم هذا العجز وهو جواز التيمم لا يزول إلا بيقين مثله، وهو اليقين في وجود الماء في آخر الوقت، ولم يوجد فلا يجب التأخير، ولكن هذا الوجه لا يخلو عن تمحل، ويلزم عليه أنه فرق ها هنا بين غلبة الظن واليقين في ظاهر الرواية، ولم يفرق بينهما فيما إذا غلب على ظنه أن بقربه ماء في عدم جواز التيمم، ولا فيما إذا كانت المسافة بعيدة في جواز التيمم كما بينا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 ويصلي بتيممه ما شاء من الفرائض والنوافل، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتيمم لكل فرض؛ لأنه طهارة ضرورية،   [البناية] قال الشيخ: فالأظهر بقاء الإشكال، وقد ذكر هذا كله صاحب " الدراية " أيضاً ناقلاً عن شيخه، والعجب من الشيخ حيث لم يذكر وجه التخلص منه مع كونه من المحققين الكبار، وكذا صاحب " الدراية "، والأكمل ذكر هذا وسكتا عليه، فنقول وبالله التوفيق: نذكر وجهاً ينحل منه هذا الإشكال وهو: أنه يعتبر رجاء الماء وعدم رجائه بأسباب أخر غير بعد المسافة أو قربها، وهو أن يكون في السماء غيم رطب وغلب على ظنه أن يمطر ويقدر على الماء في آخر الوقت، فإنه يستحب له التأخير في ظاهر الرواية، ويجب عليه في غير رواية " الأصول " كما لو تحقق بوجود الماء أو يكون الماء بعيداً لكن أرسل من يسقي له، وغلب على ظنه حضور من أرسله للماء في آخر الوقت بأمارات ظهرت له، أو كان الماء في بئر ولم تكن له آله الاستسقاء من الدلو والحبل، لكن غلب على ظنه وجدانه في آخر الوقت، أو كان الماء بقرب منه ولم يعلم مكانه وجود ثمن يشتري به الماء، وعنده ما يعد للعطش وغلب على ظنه وجود ماء آخر غير مشغول بالحاجة الأصلية، أو كان الماء عند اللصوص أو السباع أو الأفاعي أو الحيات أو من يخاف منه على نفسه أو ماله، وغلب على ظنه زوال المانع آخر الوقت، وقس على هذا أسباب أخر. والمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يقيد الرجاء وعدمه ببعد المسافة أو قربها، بل أطلق فوجب حمله على وجه لا يرد عليه الإشكال، وليس في كلامه إشعار بما قيد الشيخ حتى يرد عليه من الإشكال ما لا مخلص له. [ما يباح بالتيمم] م: (ويصلي) ش: أي المتيمم الذي يريد الصلاة م: (بتيممه ما شاء من الفرائض والنوافل) ش: وبه قال ابن عباس، وسعيد بن المسيب، وعطاء، والنخعي، والحسن البصري عنه على ما ذكره النووي عنه، وداود والمزني وقول الروياني وهو الاختيار. وقال شريك ببن عبد الله: يتيمم لكل صلاة فريضة ونافلة. وقال مالك: لكن فريضة، ومذهبه مضطرب فيه، فإنه لو صلى فرضين روى ابن القاسم أنه يعيد الثانية ما دام في الوقت، فدل على صحتها. قال أبو الفرج من أصحابه: إن من قضى صلوات كثيرة بتيمم واحد فلا شيء عليه، وذلك جائز، فقد تناقض مذهبه أن قد تركوه فجعلوا ذلك مذهباً لهم. م: (وعند الشافعي يتيمم لكل فرض) ش: أي لكل فرض مع ما شاء من النوافل، وبه قال مالك، وأحمد، وأبو ثور، واختلف أصحاب الشافعي في الجمع بين الفوائت بتيمم واحد، وبقول الشافعي قال علي، وابن عمر، والشعبي، وقتادة، وربيعة الأنصاري وإسحاق م: (لأنه) ش: أي؛ لأن التيمم م: (طهارة ضرورية) ش: لأن جعل حالة الضرورة بالعجز عن الماء، إذ التراب يلوث في نفسه، ولهذا يعود حكم الحدث السابق إذا رأى الماء فلم يرتفع الحدث السابق، إذ لو ارتفع لا يعود إلا بحدث جديد، ولكن أبيحت الصلاة للضرورة، فإذا صلى الفرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 ولنا أنه طهور حال عدم الماء فيعمل عمله ما بقي شرطه   [البناية] انتفت الضرورة. وقال الأترازي: ثم نقول للشافعي: هل انتقض تيممه بعد أداء فرضه أم لا، فإن قال: انتقض فليقل لا يصلي نفلاً بعد ذلك؛ لأنه لا صلاة إلا بطهارة وهو خلاف مذهبه، وإن قال: لم ينقض فليقل يصلي فرضاً آخر كما يصلي نقلاً؛ لأن الطهارة تعتبر كما كانت، ولم يوجد الحدث ولا الماء حتى يبطل تيممه. ولئن قال: لا يجوز الجمع بين الفرضين لأنه طهارة ضرورية كما في طهارة المستحاضة فنقول: لا نسلم أن المستحاضة لا يجوز لها أن تجمع بين فرضين، ولا نسلم أن هذا القياس صحيح أصلاً؛ لأن طهارة المستحاضة في غاية الضعف لمقاربة الحدث لها، والتيمم لم يقارنه الحدث، وقياس ما جعلت طهارة بدون المنافاة على ما جعل طهارة مع المنافاة. فائدة: واحتج الشافعي بما رواه الدارقطني من حديث الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال: من السنة أن لا يصلي بالتيمم أكثر من صلاة واحدة، وبما رواه البيهقي من حديث نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: يتيمم لكل صلاة. م: (ولنا أنه) ش: أي التراب م: (طهور حال عدم الماء) ش: بالنص وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين» رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وقد مر بيانه مستوفى. وقال النووي: التراب عندنا يطهر وإن لم يرفع الحدث، وهذا لا معنى له؛ لأن المطهر المثبت للطهارة، وبقاء الحدث مع ثبوت الطهارة متنافيان، والأصل فيه أن التيمم عندنا رافع، وعنده مبيح، وبه قال أبو بكر الرازي، وقد مر الكلام فيه. م: (فيعمل عمله) ش: أي فيعمل التراب عمل الماء م: (ما بقي شرطه) ش: أي شرط التراب في كون التراب طهوراً، والمراد بالشرط عدم الماء وعدم الحدث، وتوضيحه أن التراب بدل عن الماء بالنص، فثبت له حكم يكون للماء، وحكمه أنه يثبت به طهارة مطلقة غير ضرورية، فكذا حكم بدله، لا يقال هذه العبارة تقتضي أن يكون وجود الشرط مستلزماً لوجود المشروط وهو غير صحيح؛ لأنا نقول بصحة ذلك عند مساواتهما، فإن كل واحد من عدم الماء، وجواز التيمم مساو للآخر بلا محالة، فجاز أن يستلزمه، وعلى الأصل المذكور قال أصحابنا: يجوز التيمم للفرض قبل دخول وقته كالنافلة وافقنا الليث، وأهل الظاهر، وابن شعبان من المالكية، والمزني من أصحاب الشافعي. وقال ابن رشد المالكي في " القواعد ": اشتراط دخول الوقت للتيمم ضعيف، فإن التأقيت في العبادات لا يجوز إلا بالسمع، ويلزم من ذلك أن لا يجوز التيمم إلا في آخر الوقت. وفي " المغني " عن أحمد: القياس أن التيمم كالوضوء حتى يجد الماء أو يحدث، قال: فعلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 ويتيمم الصحيح في المصر   [البناية] هذا يجوز قبل الوقت. وقال الشافعي: لا يجوز تقديمه على الوقت؛ لأنه مستغنى عنه. وقال النووي: ولأنه طهارة ضرورية فلا يجوز قبل الوقت كطهارة المستحاضة. قال: وهم وافقونا عليه. وقال أبو سعيد الإصطخري: لا نناظر الحنفية في جواز تقديم التيمم على الوقت، فإنهم خرقوا الإجماع فيه. وقال إمام الحرمين: يثبت جوازه بعد الوقت، فمن جوزه قبله فقد حاول إثبات التيمم المستثنى عن القاعدة بالقياس، وليس ما قبله في معنى ما بعده، ولأن القياس إلى الصلاة إنما يكون بعد دخول وقتها. والجواب عن ذلك كله: أما احتجاج الشافعي بما رواه الدارقطني عن ابن عباس فإن في إسناده الحسن بن عمارة وهو ضعيف، ورواه عنه ابن يحيى الحماني وهو متروك، مع أن السنة لا تمنع الجواز وهو متروك الظاهر، فإن الشافعية يجوزون أكثر من صلاة واحدة من النوافل مع الفرض وليس في حديثهم ذلك. وأما احتجاجه بما رواه البيهقي من أثر ابن عمر ففي إسناده عامر الأحول عن نافع وعامر ضعفه أحمد، وفي سماعه عن نافع نظر، وقال ابن حزم: الرواية فيه عن ابن عمر لا تصح. وأما قوله: لأنه يستغنى عنه، فإنه ممنوع، فإن الحاجة ماسة إلى تقديمه على الوقت ليشتغل أول الوقت بأداء الفرائض والسنن الراتبة قبلها. وأما قول النووي: وهم وافقونا عليها أي على طهارة المستحاضة، وكذا قال ابن قدامة، فإنه غلط منهما، فإن طهارة المستحاضة تصح قبل الوقت عند أبي حنيفة ومحمد، حتى إن المستحاضة لو توضأت حين طلعت الشمس يجوز لها أن تصلي به ما شاءت من الفرائض والنوافل حتى يذهب وقت الظهر، وإنما ينتقض بخروج الوقت للاستغناء عنه، وكذا أصحاب الأعذار. وأما قول الإصطخري فإنه باطل؛ لأن جماعة من أهل العلم قالوا بقولنا وقد ذكرناهم عن قريب. وقول إمام الحرمين فإنه وهم لا شك فيه، فإن من أثبت جوازه قبل الوقت وبعده أثبته بالنصوص الواردة في التيمم لا بالقياس، فإنها لم تفصل بين وقت ووقت، والمطلق يجري على إطلاقه. وقال ابن الحداد من الشافعية: لو تيمم لفائتة ضحوة النهار فلم يؤد حتى زالت الشمس جاز أداء الظهر به، فقد جوز تقديمه على الوقت. [التيمم لصلاة الجنازة والعيدين ونحوها] م: (ويتيمم الصحيح في المصر) ش: وغيره لصلاة الجنازة وغيرها، ولياً كان أو غير ولي لعدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 إذا حضرت جنازة والولي غيره، فخاف إن اشتغل بالطهارة أن تفوته الصلاة؛ لأنها لا تقضى فيتحقق العجز، وكذا من حضر العيد فخاف إن اشتغل بالطهارة أن يفوته العيد يتيمم؛ لأنها لا تعاد. وقوله: والولي غيره إشارة إلى أنه لا يجوز للولي، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الصحيح؛   [البناية] الماء فيها غالباً م (إذا حضرت جنازة) ش: قيد بها؛ لأن الوجوب بحضورها م: (والولي غيره) ش: والحال أن الولي غير الصحيح الذي تيمم، قيد به لأن المتيمم إذا كان وليا لا يجوز له التيمم؛ لأنه ينتظر. وفي " المحيط ": لا يجوز للسلطان أيضاً؛ لأنه ينتظر م: (فخاف إن اشتغل بالطهارة أن تفوته الصلاة) ش: قيد به؛ لأنه إذا لم تخف الفوت لا يجوز له التيمم، فكلمة " أن " من الأولى مكسورة والثانية مفتوحة؛ لأنها مصدرية في محل النصب على أنها مفعول خاف. م: (لأنها) ش: أي؛ لأن الصلاة على الجنازة م: (إذا فاتت لا تقضى فيتحقق العجز) ش: أي عن الأداء، وبقولنا قال الزهري، والأوزاعي، والثوري، وإسحاق، ورواية عن أحمد. وقال الشافعي ومالك: لا يجوز التيمم لصلاة العيد، والجنازة مع القدرة على الماء لخوف فوتهما، ومبنى هذا على الخلاف على صلاة الجنازة هل تقضى أم لا، فعنده لا تقضى إلا إلى بدل، فلا يتحقق العجز، وعندنا تفوت فيتحقق العجز. م: (وكذلك من حضر العيد) ش: أي كحكم من حضر الجنازة بالتيمم عند خوف الفوات حكم من حضر صلاة العيد م: فخاف إن اشتغل بالطهارة أن يفوته العيد) ش: أي صلاة العيد م: (يتيمم لأنها) ش: أي؛ لأن صلاة العيد م: (لا تعاد) ش: لأنها تفوت لا إلى خلف. وقال النووي: قاس الشافعي صلاة الجنازة والعيد على الجمعة وقال: تفوت الجمعة بخروج الوقت بالإجماع، والجنازة لا تفوت، بل تصلى على القبر إلى ثلاثة أيام بالإجماع، ويجوز بعدها عندنا، قلنا: فوات الجمعة إلى شيء هو أصل، وهو الظهر، بخلاف صلاة الجنازة والعيد، فإنهما يفوتان لا إلى خلف. وقوله: الجنازة لا تفوت، بل تصلى على القبر إلى ثلاثة أيام بالإجماع، صادر عن عدم تحقق موضع الخلاف، بيانه أنا قلنا: لو تيمم هذا الشخص فصلى عليها غيره فتفوته الصلاة عليها في حقه، والصلاة لا تعاد عندنا، فلا ينال أجر الصلاة على الميت، إذ الفرض قد سقط بالأولى، والنفل فيها غير مشروع. م: (وقوله) ش: أي قول القدوري في مختصره م: (والولي غيره) ش: إشارة إلى أنه م: (لا يجوز للولي) ش: لأنه ينتظر كما ذكرنا م: (وهو) ش: أي عدم الجواز للولي م: (رواية الحسن عن أبي حنيفة وهو الصحيح) ش: أي عدم جواز التيمم للولي هو الصحيح. وفي " المجتبى ": وكذا الولي والإمام؛ لأنه ينتظر بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 لأن للولي حق الإعادة فلا فوات في حقه. وإن أحدث الإمام أو المقتدي في صلاة العيد تيمم، وبنى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا يتيمم؛ لأن اللاحق يصلي بعد فراغ الإمام فلا يخاف الفوت، وله أن الخوف باق؛ لأنه يوم زحمة فيعتريه عارض يفسد عليه صلاته،   [البناية] م: (لأن للولي حق الإعادة) ش: أي إعادة الصلاة على الميت إذا صلى غيره م: (فلا فوات في حقه) ش: أي في حق الولي. وفي ظاهر الرواية يجوز للولي أيضاً لحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا جاءت الجنازة وأنت على غير وضوء فتيمم» . رواه ابن عدي في " الكامل " ثم قال: هذا مرفوع غير محفوظ، بل هو موقوف. وفي " التحقيق " قال أحمد في " مسنده ": فعبره بابن زياد وهو ضعيف، وكذا قال البيهقي في " المعرفة " مغيرة ضعيف ويرويه غيره عن عطاء موقوفاً. قلت: رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " بسنده عن ابن عباس قال: إذا خفت أن تفوتك الجنازة وأنت على غير وضوء فتيمم وصل، ورواه الطحاوي في " الإرشاد " والنسائي عن المعافى بن عمران به موقوفاً، وخرج ابن أبي شيبة نحوه عن عكرمة، وعن إبراهيم النخعى عن الحسن، وأخرج عن الشعبي فقال: " فصل عيها على غير وضوء ". وروى البيهقي من طريق الدارقطني أن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أتي بجنازة وهو على غير وضوء فتيمم وصلى عليها، والحديث إذا كثرت طرقه وتعاضدت قويت فلا يضره الوقف، فإن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا يقفون بالحديث تارة فلا يرفعونه، وتارة يرفعونه فلا يقفونه. م: (وإن أحدث الإمام أو المقتدي في صلاة العيد تيمم وبنى عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: هذا بعد شروعه بالوضوء، ولو كان شروعه بالتيمم تيمم للبناء اتفاقاً، وفي " البدائع " إن كان يدرك بعضها مع الإمام لا يتيمم، هذا عند الشروع في أول الصلاة وبعد الحدث فيها إن كان لا يخاف زوال الشمس ويمكنه أن يدرك شيئاً منها مع الإمام لو توضأ لا يتيمم؛ لأنه إذا أرك البعض معه تيمم الباقي وحده، ولو كان لا يدرك شيئاً منهما مع الإمام تيمم عنده. م: (وقالا: لا يتيمم؛ لأن اللاحق) ش: وهو الذي أدرك الإمام في الأول قام ثم أشبه بعد فراغ الإمام فإنه م: (يصلي بعد فراغ الإمام) ش: من صلاته م: (فلا يخاف الفوات) ش: لأنه في حكم الصلاة بالجماعة. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الخوف) ش: أي خوف الفوات م: (باق لأنه) ش: أي؛ لأن يوم العيد م: (يوم زحمة) ش: أي ازدحام الناس (فيعتريه عارض) ش: مثل أن يسلم عليه أحد فيرد السلام، أو يهنئه بالعيد، أو ما أشبه ذلك، فلا يسلم عما م: (يفسد عليه صلاته) ش: فيتيمم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 والخلاف فيما إذا شرع بالوضوء، ولو شرع بالتيمم تيمم وبنى بالاتفاق؛ لأنا أوجبنا عليه الوضوء يكون واجدا للماء في صلاته فتفسد صلاته. ولا يتيمم للجمعة وإن خاف الفوت لو توضأ، فإن أدرك الجمعة صلاها، وإلا صلى الظهر أربعا،   [البناية] م: (والخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (فيما إذا شرع بالوضوء) ش: يعني إذا شرع في صلاة العيد مع الإمام وهو متوضئ فعنده يتمم ويبني خلافاً لهما كما ذكرنا. م: (ولو شرع بالتيمم) ش: أي ولو شرع في صلاة العيد مع الإمام وهو متيمم م: (تيمم وبنى بالاتفاق؛ لأنا لو أوجبنا عليه الوضوء يكون واجداً للماء في صلاته فتفسد صلاته) ش: المتيمم وجد الماء في خلال صلاته فإنه يستأنف الصلاة. وقال الأكمل: قيل: هذا اختيار بعض المتأخرين، ومنهم من قال: يتوضأ ويبني لقدرته على الماء والأداء. قلت: قائله صاحب " الفوائد الظهيرية "، فإنه قال: فإن كان شروعه بالتيمم فسبقه الحدث تيمم وبنى عند أبي حنفية بلا إشكال. وأما على قولهما: فاختلف المتأخرون، قال بعضهم: تيمم وبنى كما هو قول أبي حنيفة، وقال بعضهم: لا، بل يتوضأ ويبني، وفرق بين هذا وبين متيمم يجد الماء في خلال الصلاة، فإن التيمم ينتقض هناك بصفة الاستناد إلى ابتداء وجود الحدث، عند إصابة الماء؛ لأنه يصير محدثاً بالحدث السابق، إذ الإصابة ليست بحدث، وفيما نحن فيه لم ينتقض التيمم عند إصابة الماء لصفة الاستناد، بل بالحدث الطارئ على التيمم. [التيمم لصلاة الجمعة] م: (ولا يتيمم للجمعة وإن خاف الفوت لو توضأ، فإن أدرك الجمعة صلاها) ش: الفاء للتفصيل، يعني إذا توضأ بعدما سبقه الحدث وهو في الجمعة، فإن أدرك الجمعة صلاها م: (وإلا) ش: وإن لم يدرك الجمعة م: (صلى الظهر في الوقت) ش: أي وقت الظهر، وفي بعض النسخ: صلى الظهر أربعاً، قاله الأكمل. قيل: هو تأكيد وقطع لإرادة الجمعة بالظهر مجازاً لكونها خلفه. قلت: قائله الأترازي: وأخذه الأترازي من " الكافي " قال فيه: وإنما يكون أربعاً؛ لأن الجمعة تسمى ظهراً باعتبار أنها خلف عن الظهر عندنا، فقال: أربعاً قطعا لذلك المجاز، وقال صاحب " الدراية ": إنما قال: أربعاً، كيلا يظن أنه يكفيه ركعتان قضاء الجمعة، أخذه صاحب " الدراية " من " البدرية ". فإن قلت: قوله: فإن " أدرك الجمعة صلاها " ينفي هذا الاحتمال. قلت: قوله: إن " أرك الجمعة "، أي الجمعة التي مع الإمام لا يبقى أن يصليها بدون الإمام إن لم يدرك الجمعة، فيكون احتمال إطلاق اسم الظهر عليها باقياً، ولكن على وجه الانفراد، وذكر الإمام التمرتاشي التيمم لصلاة العيد قبل الشروع فيها لا يجوز للإمام؛ لأنه ينتظر. وأما المقتدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 لأنها تفوت إلى خلف وهو الظهر بخلاف العيد، وكذا إذا خاف فوت الوقت لو توضأ لم يتيمم ويتوضأ ويقضي ما فاته؛ لأن الفوات إلى الخلف وهو القضاء.   [البناية] فإن كان الماء قريباً لو توضأ لا يخاف الفوت لا يجوز، وإلا فيجوز، فلو أحدث أحدهما بعد الشروع بالتيمم تيمم وبنى، وإن كان الشروع بالوضوء وخاف ذهاب الوقت لو توضأ فكذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافاً لهما. وفي " المحيط " إن أحدث المؤتم في صلاة العيد في الجبانة فإن كان قبل الشروع ويرجو إدراك شيء مع الإمام لو توضأ لا يتيمم وإلا فتيمم، وإن كان الحدث بعد الشروع وهو متيمم تيمم وبنى بلا خلاف، وإن كان بالوضوء وخاف زوال الشمس لو توضأ تيمم بالإجماع، وإلا فإن كان يرجو إدراك الإمام قبل الفراغ لا يتيمم بالإجماع. وإلا تيمم وبنى عند أبي حنيفة، وقالا: يتوضأ ولا يتيمم، فمن المشايخ من قال هذا اختلاف عصر وزمان أبي حنيفة كانت الجبانة بعيدة من الكوفة، وفي زمنهما كانوا يصلون في جبانة قريبة. وكان شمس الأئمة الحلواني وشمس الأئمة السرخسي يقولان في ديارنا: لا يجوز التيمم لصلاة العيد لا ابتداء ولا بقاء؛ لأن الماء محيط لمصلي العيد، فلا يخاف الفوت حتى لو خاف تيمم، ومنهم من قال: هذا اختلاف حجة وبرهان، قال أبو بكر الإسكاف: هذه المسألة بناء على أن من شرع في صلاة العيد ثم أفسدها لا قضاء عليه عند أبي حنيفة، فكان تفوته الصلاة لا إلى بدل فكذلك جاز التيمم. وعندهما: يلزمه القضاء، فلا تفوته لا إلى بدل فلا يجوز التيمم، وقبل الشروع إذا فاته الأداء لا يمكنه القضاء بالإجماع، فكان الفوات إلى بدل، فلا يجوز التيمم، وغيره من المشايخ جعل هذا اختلافاً مبتدأ. م: (لأنها) ش: أي؛ لأن الجمعة م: (تفوت إلى خلف وهو) ش: أي الخلف عن الجمعة م: ش (الظهر) ش: اختلف المشايخ في فرض الوقت، فقيل فرض الوقت الجمعة، والظهر خلف عنها، وهو المروي عن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقيل: الفرض أحدهما، وراية عن محمد، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف فرض الوقت الظهر، لكنه مأمور بإسقاطه بالجمعة، وفكان قول المصنف وهو الظهر إشارة إلى القول الأول، وعلى المذهب المختار الظهر أصل لا خلف، ولكنه تصور بصورة الخلف باعتبار أن المأمور في هذا يوم الجمعة، ولهذا سقط بالأعذار وهو يقوم مقامها عند فوتها. م: (بخلاف العيد) ش: أي بخلاف صلاة العيد فإنها تفوت لا إلى خلف، بحيث لا تقضى فيتيمم عند خوف الفوت م: (وكذا إذا خاف فوت الوقت) ش: أي وكذا لا يتيمم إذا خاف فوت وقت صلاة من المكتوبات؛ لأنها تقضى م: (لو توضأ) ش: أي لو اشتغل بالوضوء لما عرف أن التيمم شرع رخصة لدفع حرج كثرة الفوات، لا لخوف فوت الوقت م: (لم يتيمم ويتوضأ ويقضي ما فاته) ش: لأن الفوات إلى الخلف م: (وهو القضاء) ش: لأن الفوات إلى خلف [ ... ] فوات. وقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 والمسافر إذا نسي الماء في رحله فتيمم وصلى ثم ذكر الماء لم يعدها عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -   [البناية] الأكمل: لا يقال هذا وقع مكررا لما أن هذا الحكم عرف في أول الباب من قوله: والمعتبر المسافة دون فوت الوقت؛ لأن ذلك كان قول صاحب " الهداية "، وهذا قول القدوري. قلت: قال الأترازي: هذا وقع تكراراً من صاحب " الهداية " فأخذه الأكمل ونقله بهذه الصورة، وأجاب الأترازي عن هذا بجوابين: أحدهما: أخذه الأكمل، وهو الذي قاله ورضي به. والثاني: نظر فيه وهو قوله: وقيل؛ لأنه علل بتعليل غير التعليل السابق ولا وجه لقوله: وفيه نظر؛ لأن الفرق بين التعليلين ظاهر. فإن قلت: فضيلة الجمعة وفضيلة الوقت تفوت لا إلى خلف، فينبغي أن تيممه له كصلاة الجنازة والعيدين، ولهذا جوز للمسافر التيمم لخوف فوت الوقت، ولهذا جازت صلاة الخوف مع ترك التوجه إلى القبلة وراكباً بالإيماء. قلت: فضيلة الوقت والأداء وصف المؤدى تابع له غير مقصودة لذاتها، بخلاف صلاة الجنازة والعيدين، فإنهما أصل، فيكون فواتهما أصل مقصودة، وجوازه للمسافر بالنص، لا لخوف الوقت؛ لئلا يتضاعف عليه الفوت ويقع في الحرج في القضاء، وكذا صلاة الخوف للخوف دون خوف الوقت. م: (والمسافر إذا نسي الماء في رحله) ش: بفتح الراء وسكون الحاء المهملة. قال الأزهري: رحل الرجل منزله من حجر أو مدر وشعر ودير قالوا: ويقع أيضاً على متاعه وأثاثه، ومنه قول الشاعر: ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ... والزاد حتى نعله ألقاها وفي " المغرب " يقال: المنزل للأفاقي وماؤه رحل وجمعه أرحل ورحال، ومنه: نسي الماء في رحله. فإن قلت: لم قيد بالمسافر والحكم فيه، وفي خارج المصر سواء، ولهذا قال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير " بأن المسافر وغيره سواء استدلالاً بعدم ذكر المسافر رجل في رحله ماء نسيه فتيمم وصلى ثم ذكر في الوقت فقد تمت صلاته. وقال السغناقي. قيد بالنسيان؛ لأن في الظن لا يجوز بالإجماع يعيد الصلاة. م: (فتيمم وصلى ثم ذكر الماء لم يعدها) ش: أي الصلاة التي صلاها بالتيمم م: (عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وبه قال الثوري، وأبو ثور، وداود، والشافعي في القديم، ومالك في رواية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعيدها، والخلاف فيما إذا وضعه بنفسه أو وضعه غيره بأمره   [البناية] وتوقف أحمد فيه. م: (وقال أبو يوسف: يعيدها) ش: أي الصلاة، وبه قال الشافعي في الجديد وأحمد في رواية م: (والخلاف فيما إذا وضعه بنفسه أو وضعه غيره بأمره) ش: أي الخلاف المذكور فيما إذا وضع الماء في رحله بنفسه أو وضعه غيره بأمره أي بأمر صاحب الرحل أو بغير أمره، أو وضعه غيره بغير أمره بلا علم منه. وقال الأترازي: قال بعض الشارحين: قيد بقوله: " أو وضعه غيره بأمره " فإنه لو وضعه غيره وهو لا يعلم به يجزئه بالإجماع؛ لأن المرء قط لا يخاطب بفعل الغير. أقول: دعوى الإجماع ليست بصحيحة، ألا ترى ما أورد فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير " قال في كتاب الصلاة: في مسافر تيمم وفي رحله ماء وهو لا يعلم به، والذي لا يعلم به إن وضعه غيره في الرحل بغير علمه، قال: ومسألة هذا الكتاب أي " الجامع الصغير " فيما إذا وضع الماء في الرحل بنفسه أو غيره بأمره ثم نسيه، ثم قال: فثبت أن الخلاف في الفصلين واحد، وكذا أن سائر نسخ " الجامع الصغير " فعلم أن دعوى الإجماع هو أشهر كلامه. قلت: أراد بقوله: قال بعض الشارحين السغناقي، فإنه قال في شرحه: قيل بقوله أو وضعه غيره بأمره، فإنه لو وضعه غيره بغير علم اتفاقاً. وقال في " الينابيع ": والمسألة على الخلاف، وذكر المراغي أن المسألة على ثلاثة أوجه، أما إن وضعه بنفسه ولم يطلبه، أو وضعه خلافه أو جيرانه وهو لا يعلم، أو وضعه بنفسه ولكنه نسي، ففي الأول لم يجزئه التيمم بالإجماع؛ لأن التقصير جاء من قبله، وفي الثاني: يجوز بالإجماع، وفي الثالث: خلاف، وعن محمد في غير رواية " الأصول " أن الفصول الثلاثة على الاختلاف، ولو كان الإناء معلقاً على إكاف، فإن كان راكبا والماء في مؤخرة الرحل يجزئه عندهما، وإن كان ماشياً، فإن كان الماء في مقدم الرحل يجزئه عندهما، وإن كان في مؤخره لا يجزئه بالإجماع، وإن كان قائداً يجزئه كيف ما كان، ولو كان في إناء على ظهره أو معلقاً في عنقه، أو موضوعاً بين يديه لا يجزئه بالإجماع. ولو كان على شاطئ النهر فعن أبي يوسف في الإعادة روايتان، ولو مر بالماء وهو متيمم لكنه نسي أنه تيمم ينتقض تيممه، ولو ضرب الفسطاط على رأس النهر فقد غطى رأسها لم يعلم بالماء فتيمم وصلى ثم علم بالماء أمر بالإعادة، ولو وجد بئرا في الطريق فيها ماء وهو لا يستطيع أخذه منها ولا يجد ماء غيره تيمم، ولو كان معه منديل طاهر لا يجزئه التيمم به. وهذا قول يوافق بما ذكره الشافعية، وهو أنه لو وجد بئراً فيها ماء لا يمكنه النزول إليه وليس معه ما يدليه إلا ثوبه أو عمامته لزمه إدلاؤه ثم يعصره إن لم ينقص قيمة الثوب أكثر من ثمن الماء، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 وذكره في الوقت وبعده سواء. له أنه واجد للماء فصار كما إذا كان في رحله ثوب فنسيه، ولأن رحل المسافر معدن للماء عادة فيفترض الطلب عليه، ولهما: أنه لا قدرة بدون العلم وهو المراد بالوجود،   [البناية] فإن زاد النقص على ثمن الماء يتيمم ولا إعادة، وإن قدر على استئجارها ينزل إليها بأجر المثل لزمه ولم يجز التيمم، وإلا جاز بلا إعادة. ولو كان معه ثوب إن شقه نصفين وصل الماء، وإلا لم يصل، فإن كان نقصه بالشق لا يزد على الأكثر من ثمن الماء أو ثمن آلة الاستيقاء لزمه شقه ولم يجز التيمم، وإلا جاز بلا إعادة، وهذا موافق لقواعدنا. م: (وذكره في الوقت وبعده سواء) ش: أي ذكر المتيمم الماء في وقت الصلاة أو بعد وقتها سواء، وهذا من تتمة قول أبي يوسف، ولو ظن أن ماءه قد فني ثم تبين أنه لم يفن عليه الإعادة - اتفاقاً - به. م: (له) ش: أي لأبي يوسف م: (أنه) ش: أي أن المتيمم م: (واجد للماء) ش: لأنه في رحله، ورحله في يده، والنسيان لا يعادل الوجوه من قبله م: (فصار) ش: أي حكم الشخص المذكور م: (كما إذا كان في رحله ثوب فنسيه) ش: فصلى عاريا فإنه يعيد ما صلى، وكذا الرجل لو صلى في ثوب نجس وفي رحله ثوب طاهر قد نسيه، أو صلى مع النجاسة ونسي ما يزيلها، أو محدثا نسي غسل بعض الأعضاء أو ستر العورة، أو صلى مع النجاسة ناسياً، تجب الإعادة، أو حكم بالقياس ونسي النص، أو كفر بالصوم وفي ملكه رقبة نسيها، أو كان الماء في ركوة معلقة على رأسه أو قربة على ظهره، أو كانت معلقة بعنقه قد نسيه. م: (ولأن رحل المسافر) ش: دليل آخر، أي: ولأن منزلة المسافة م: (معدن للماء عادة فيفترض الطلب عليه) ش: لأن كل ما كان معدنا كالماء عادة يفترض على المتيمم طلب الماء فيه كما [لو] كان في العمران، فإنه يفترض عليه طلب الماء لكونه في معدنه، فإن لم يطلب وتيمم لم تجز، فصار كمن جاء قوماً ولم ير عندهم ماء فتيمم قبل طلبه منهم ثم علم بأنه قد كان. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أنه) ش: أن الشأن م: (لا قدرة بدون العلم) ش: فلا يكون واجداً، والنص شرط عدم الوجود وهو القدرة أشار إليه بقوله: م: (وهو المراد بالوجود) ش: أي القدرة هي التي أريدت بالوجود في القرآن والحديث؛ لأنه لم يرد بقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا} [المائدة: 6] عدم الماء حقيقة، وإنما المراد به لم تقدروا على استعمال الماء فتيمموا، إلا ترى أن المريض يتيمم مع وجود الماء حقيقة؛ لأنه غير قادر على استعماله. فإن قلت: كيف لا قدرة بدون العلم، والمكفر بالصوم إذا نسي الرقبة في ملكه لا يجزئه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 وماء الرحل معد للشرب لا للاستعمال، ومسألة الثوب على الاختلاف، ولو كانت على الاتفاق ففرض الستر يفوت لا إلى خلف،   [البناية] صومه فعليه أن يعتق؟ قلت: المعتبر في التكفير الملك لا القدرة، حتى لو عرض عليه شخص الرقبة أن لا يقبله ويكفر بالصوم. وروى الحسن عن أبي حنيفة أن فصل التيمم والتكفير سواء كذا في " المجتبى "، وفي " المختار ": العلم كالآلة يتوصل به إلى استعمال الماء فكان بمنزلة الدلو والرشاء، فانعدامه بمنزلة انعدامهما. م: (وماء الرحل معد للشرب لا للاستعمال) ش: هذا جواب عن قوله: ولأن رحل المسافر ... إلخ، وقال الأكمل: تقديره: أن رحل المسافر معدن الماء عادة معد للشرب لا للاستعمال، والأول: مسلم غير مقيد، والثاني: ممنوع. قلت: ما قرر شيئا في الجواب، وإنما زاد فيه: والأول: مسلم غير مقيد، والثاني: ممنوع، فإن أراد بالأول: التعليل، وهو على الثوب الذي نسيه في رحله فكونه مسلماً ظاهر؛ لأن في كون كل من المقيس والمقيس عليه النسيان موجود، ولكنه لا يضاد الموجود كما ذكرنا، وكونه غير مقيد ظاهر، وإن أراد بالأول " كون الماء معداً للشراب، وبالثاني: قوله: لا للاستعمال، فلا يفسد ما قاله، فإن أراد بالأول: كون رحل المسافر معدناً للماء عادة، وبالثاني: كونه معدنا للشرب فهذا ظاهر يفهم بالتأمل. م: (ومسألة الثوب على الاختلاف) ش: جواب عن قوله: فصار كما إذا كان في رحله ثوب نسيه، وهو المقيس عليه الذي قاس عليه أبو يوسف، وتقريره أن يقال: فإن أراد بالأول رحل المسافر معدنا للماء عادة، لا نسلم أن مسألة الثوب متفق عليها، والخلاف فيها واقع أيضاً ذكره الكرخي، وهو الأصح، فإذا كان كذلك لا ينتهض حجة. م: (ولو كانت) ش: أي مسألة الثوب م: (على الاتفاق ففرض الستر يفوت لا إلى خلف) ش: هذا جواب بطريق التسليم، يعني: ولئن سلمنا أن مسألة الثوب على الاتفاق بيننا ولكن الفرق بينهما موجود، وهو أي ستر العورة يفوت إلى خلف بخلاف صورة النزاع. وأيضاً شرط القياس المساواة بين المقيس والمقيس عليه، ولا نسلم وجودها في صورة النزاع؛ لأن فرض الستر يفوت لا إلى خلف، وفرض الوضوء يفوت إلى بدل، وهو التيمم بعذر النسيان والقلب، والفائت بلا بدل كلا فائت فافترقا، ونظير مسألة الكتاب: إذا كان معه إناءان أحدهما: نجس، يريقهما ولا يتحرى؛ لأنه يفوت إلى خلف وهو التيمم، ولو لم يرق وتيمم، جاز، فلو توضأ بالماءين وصلى يجزئه إذا مسح في موضعين من رأسه؛ لأن النجس إن تأخر لم يجد ما يزيل به النجاسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 والطهارة بالماء تفوت إلى خلف وهو التيمم، وليس على المتيمم طلب الماء إذا لم يغلب على ظنه أن بقربه ماء؛ لأن الغالب عدم الماء في الفلوات، ولا دليل على الوجود، فلم يكن واجدا للماء، وإن غلب على ظنه أن هناك ماء، لم يجز له أن يتيمم حتى يطلبه؛ لأنه واجد للماء نظرا إلى الدليل،   [البناية] فتجوز صلاته، ذكره في " المحيط "، ونظير مسألة الثوب وأخواتها لو كان ثوبان أحدهما متنجس يتحرى؛ لأن الستر يفوت لا إلى خلف فكان فائتاً أصلا، وبدلاً. م: (الطهارة بالماء تفوت إلى خلف) ش: يعني تفوت الطهارة إلى خلف م: (وهو) ش: أي الخلف م: (التيمم وليس على المتيمم) ش: أي الذي يريد التيمم م: (طلب الماء إذا لم يغلب على ظنه أن بقربه ماء) ش: كلمة أن مصدرية في محل الرفع على أنها فاعل لم يغلب تقريره إذا لم يغلب على ظنه قرب الماء منه. وفي " المجتبى ": هذا في الفلوات، أما في العمران فالطلب واجب بالإجماع، ولذا يجب الطلب إذا غلب على ظنه أن بقربه ماء، وغلبة الظن هي الدليل على وجوده، مثل ما إذا كان في العمران أو رأى في الفلاة طيوراً نازلين ومن حيوانات البر ما يستبين، بخلاف ما إذا كانت في براري الرمال سيما طريق الحجاز. وفي " النافعي " في إيراد هذه المسألة عقب مسألة ماء الرحل نظر، فإن الاختلاف فيها بناء على اشتراط الطلب وعدمه. م: (لأن الغالب عدم الماء في الفلوات) ش: التي ليس فيها دليل على وجود الماء، وهو معنى قوله م: (ولا دليل على الوجود، فلم يكن واجداً) ش: حكما؛ لأنه ليس كذلك في غالب الظن. م: (وإن غلب على ظنه أن هناك ماء) ش: أشار به إلى مواضع قريبة منه م: (لم يجز له أن يتيمم حتى يطلبه) ش: أي الماء م: (لأنه واجد للماء نظراً إلى الدليل) ش: وهو غلبة الظن. وقال أبو يوسف: سألت أبا حنيفة عن المسافر لا يجد الماء يطلبه عن يمينه ويساره في طريقه، فقال: إن كان على طمع فيه فليطلبه ولا يبعد أصحابه فيضر بهم وبنفسه. وقال الشافعي: الطلب يمنة ويسرة شرط، وفي " جامع الوجيز " قال: للمسافر حالات: إحداها: أن يتحقق عدم الماء حواليه، ففي تقديم الطلب فيها وجهان: أحدهما: أنه يجب، وأظهرهما: أنه لا يجب. ويشترط أن يكون الطلب بعد دخول الوقت ليحصل الضرورة، وهل يجب أن يطلب بنفسه فيه وجهان: أظهرهما أنه يجوز أن يبعث غيره فيه حتى لو بعث النازلون أحداً لطلب الماء أجزأ طلبه عن الكل، ويطلب إلى حيث لو استعان بالرفقة أن يأتوا، وبقول الشافعي قال مالك وأحمد في رواية. وقال الثوري: القطع بوجوب الطلب بكل حال هو الذي أطلقه العراقيون وبعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 ثم يطلب مقدار الغلوة، ولا يبلغ ميلا كيلا ينقطع عن رفقته،   [البناية] الخراسانيين، وقالوا: إن تحقق عدم الماء حوله لم يلزمه الطلب، ولهذا قطع إمام الحرمين والغزالي وغيرهما واختاره الروياني. وقال إمام الحرمين: إنما يجب طلبه إذا توقع وجوده قريباً، فإن قطع أن لا ماء هناك بأن كان في رمال البراري فيعلم بالضرورة استحالة وجود الماء لم يكفه التردد؛ لأن طلب ما يعلم عدمه واستحالته محال. وصفة الطلب عندهم أن ينظر يميناً وشمالا ووراء وأماما، ولا يلزمه المشي، بل يكفيه نظره في هذه الجهات وهو لا يبرح مكانه إذا كان حوله [ما] لا يستر عنه، فإن كان بقربه جبل صغير صعد ونظر حواليه. وله أن يوكل بالطلب، ولا يجب أن يطلب من كل واحد بعينه بل ينادي فيهم: من معه ماء؟ من يجد الماء؟ ولهم وجه آخر: أنه لا يصح التوكيل بالطلب إلا للمعذور إن أراد تيمما آخر لبطلان الأول بحدث أو بفريضة أخرى إن احتمل حصول الماء، ولو انتقل من موضع التيمم وجب الطلب، فكل موضع تيقن بالطلب الأول أن لا ماء فيه ولم يحتمل حدوث الماء فيه ففي وجوب الطلب وجهان. قال أبو حامد: وإذا طلب ثانياً ثم حضرت صلاة أخرى وجب الطلب لها ثالثاً، وهكذا كلما حضرت الصلاة، قال: ولو كان عليه فزالت يجب الطلب لكل واحدة، وكذا في الجمع بين الصلاتين يطلبه للثانية. واستدل الشافعي فيما ذهب إليه بقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) ، يقتضي عدم الوجدان مطلقا، فمن قيد الطلب فيعمل بإطلاقه، وقال أبو بكر الرازي: الوجود لا يستدعي الطلب. قال تعالى: {قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: 44] (الأعراف: الآية 44) ، ولا طلب. وقوله: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا} [الكهف: 77] (الكهف: الآية 77) ، لم يكن منهما طلب الجدار، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من وجد منكم لقطة فليعرفها» ولا طلب من الواجد. م: (ثم يطلب مقدار الغلوة) قيل: هي رمية القوس، وفي " المغرب ": مقدار ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة ذراع، وفي " الصحاح ": غلوات السهم إذا رميت به أبعد ما يقدر عليه، والغلوة الغاية مقدار رمية، ويقال: أول من سماها به سليمان بن عبد الملك، وعن أبي يوسف: إذا كان بحال لو ذهب لا تغيب القافلة عن بصره. وفي " المستصفى ": شرط الطلب مقدار ما يسمع صوت أصحابه، وقيل: يطلب دون الميل، وإن طلعت الشمس. م: (ولا يبلغ ميلاً) ش: أي لا يبلغ طلبه مقدار ميل م: (كيلا ينقطع عن رفقته) ش: لأنه إذا زاد عن الميل ربما انقطع عن رفقته فيحصل الضرر، والحرج والضرر مدفوع شرعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 وإن كان مع رفيقه ماء، طلب منه قبل أن يتيمم لعدم المنع غالبا، فإن منعه منه تيمم لتحقق العجز. ولو تيمم قبل الطلب أجزأه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا يلزمه الطلب من ملك الغير، وقالا: لا يجزئه؛ لأن الماء مبذول عادة، ولو أبى أن يعطيه إلا بثمن المثل وعنده ثمنه لا يجزئه التيمم لتحقق القدرة، لأن الضرر مسقط، ولا يلزمه تحمل الغبن الفاحش. والله أعلم.   [البناية] م: (وإن كان مع رفيقه ماء طلبه منه قبل أن يتيمم لعدم المنع غالباً) ش: لأن الماء مبذول عادة م: (فإن منعه منه) ش: أي فإن منع المطلوب الطالب من الماء م: (تيمم لتحقيق العجز عن الماء) ش: وفي " المحيط " لو غلب على ظنه الإعطاء وجب السؤال وإلا فلا. وفي " المجتبى: الغالب عدم الضنة بالماء حتى لو كان في موضع يجري فيه الضنة لا يجب الطلب. م: (ولو تيمم قبل الطلب أجزأه عند أبي حنيفة؛ لأنه لا يلزمه الطلب من ملك الغير) ش: لأن في الطلب ذلا، وفيه ضرر لا يجب حمله، وذكر هذا الخلاف. وفي " الإيضاح " و " التقريب " و " شرح الأقطع " بين أبي حنيفة وصاحبيه كما ذكره المصنف. وفي " المبسوط ": وإن كان مع رفيقه ماء فعليه أن يسأله إلا على قول الحسن بن زياد، فإنه كان يقول: السؤال ذل وفيه بعض الحرج، وما شرع التيمم إلا لدفع الحرج، فإن مضى عليها وسأله بعد فراغه فأعطاه أو باعه أعادها إن كان ثمنه معه، وإن منعه لم يعد، وكذا لو أعطاه بعد منعه أو منعه قبل شروعه فيها، وبذله بعد فراغه. وذكر الزوزني وغيره أنه لو تيمم قبل الطلب أجزأه عند أبي حنيفة في رواية الحسن عنه. وذكر في " الذخيرة " عن الخصاف أنه لا خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه، ومراد أبي حنيفة فيما إذا غلب على ظنه منعه إياه، ومرادهما عند غلبة الظن بعدم المنع. وفي " التجريد ": لا يجب الطلب من الرفيق عند أبي حنيفة ومحمد، خلافاً لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعند الشافعي: لا يجب الاستيهاب من صاحبه في قوله لصعوبة السؤال على أهل المروءة، والأظهر أنه يجب؛ لأنه ليس في هبة الماء كثير هبة. وفي " النهاية ": لم يذكر في عامة النسخ قول أبي حنيفة في هذا الموضع، بل قيل: لا يجوز التيمم قبل الطلب إذا كان في غالب ظنه أنه يعطيه مطلقاً من غير ذكر خلاف بين علمائنا الثلاثة، إلا على قول الحسن بن زياد فإنه يقول: السؤال ذلة وفيه ضرر. م: (وقالا: لا يجزئه؛ لأن الماء مبذول عادة) ش: فكان قادراً على استعمال الماء ظاهراً، فلا بد من الطلب لتحقق العجز أو القدرة م: (ولو أبى) ش: أي امتنع م: (أن يعطيه إلا بثمن المثل) ش: في ذلك الموضع أو في أقرب المواضع الذي يعز وجود الماء فيه م: (وعنده ثمنه) ش: أي والحال أن عنده ثمن الماء م: (لا يجزئه التيمم لتحقق القدرة؛ لأن الضرر مسقط) ش: أي للقدرة، أي مسقط للوجوب م: (ولا يلزمه تحمل الغبن الفاحش) ش: وهو ضعف الثمن، كذا في " النوادر "، وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة أنه يشتري ما يساوي درهماً بدرهم ونصف. وقيل: ما لا يدخل تحت تقويم المقومين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقيل: ما لا يتغابن في مثله. قول الحسن يلزمه الشراء بجميع ماله [ ... ] ، كما أن قول الشافعي الزيادة على ثمن المثل عذر في ترك الشراء قليلة كانت أو كثيرة تفريط. وقال النووي في ثمن المثل ثلاثة أوجه: أجرة نقله إليه، اختاره الغزالي بناء على أن الماء لا يملك، قال: وهو تخفيف، والثاني: يعتبر قيمته في ذلك الموضع في غالب الأوقات، لا في وقت عزته للضرر عليه. قال: وليس بشيء. والثالث: عن مثله في ذلك المكان في تلك الحال، قال: وهو الصحيح، فما زاد على ثمن المثل لم يلزمه الشراء بلا خلاف فيه، وهم سواء كثرت الزيادة أو قلت، وهو الصحيح، ونص عليه الشافعي في الأم، وفيه وجه آخر: أنه يلزمه شراء وبغبن يسير الذي يتغابن الناس في مثله، وبه قال البغوي وقطع به. قال النووي بالأول، قال: وقال أبو حنيفة والنووي: يلزمه شراؤه بالغبن اليسير، وقال مالك: إن طلب منه بزيادة لا تجحف لزمه الشراء. فروع: وإن كان مع رفيقة دلو، وليس معه دلو لا يجب عليه أن يسأل، فإن سأل الدلو فقال: انتظر حتى أستقي الماء ثم أدفع إليك فالمستحب عند أبي حنيفة أن ينتظر إلى آخر الوقت، فإن خاف فوات الوقت تيمم، وعلى هذا لو كان مع رفيقه ثوب وهو عريان، فقال له: انتظر حتى أصلي وأدفع إليك الثوب لم يجزه عريانا. وعن أبي حنيفة أنه يتيمم ويصلي عريانا. وأجمعوا على أنه إذا قال له [ ... ] لك مالي لتحج فإنه لا يجب عليه الحج؛ لأن الضرر يسقط - أي يسقط الوجوب -، هو من إسقاط باب الأفعال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 باب المسح على الخفين المسح على الخفين جائز بالسنة   [البناية] [باب المسح على الخفين] م: (باب المسح على الخفين) ش: أي هذا باب في أحكام المسح على الخفين. وجه المناسبة بين البابين من حيث إن كلاً منهما بدل، فالتيمم بدل عن الوضوء، والمسح على الخفين بدل غسل الرجلين. فإن قلت: كان ينبغي تقديم المسح على التيمم؛ لأنه بدل عن البعض، والبعض بدل مقدم على الكل. قلت: نعم، ولكن ثبوت التيمم بالكتاب والمسح بالسنة فالأول أقوى. وقال الأترازي: قيل: وجه مناسبة هذا الباب لما تقدم من حيث الرخصة؛ لأن المسح شرع رخصة كالتيمم أو من حيث المعارضية؛ لأن الأصل هو غسل الرجل كما أن الوضوء هو الأصل، والمسح والتيمم عارضان أو من حيث التوقيت؛ لأن لكل منهما وقتاً، أو من حيث أن كلاً منهما يكتفى فيه بالبعض، انتهى. قلت: هذه أربعة أوجه، فالوجه الثالث: أخذه عن السغناقي. قال: وللسغناقي وجهين آخرين: أحدهما: أن كلاً منهما طهارة، غير أن أحدهما بالتراب والآخر بالماء. والوجه الثاني: أن كلاً منهما بدل عن الغسل، والأترازي أخذ هذا الوجه، والثاني من تاج الشريعة في " شرحه ". وقال الأكمل: إنما أعقب المسح على الخفين عن التيمم؛ لأن كلاً منهما طهارة مسح، أو لأنهما بدلان عن الغسل، أو من حيث إنهما رخصة مؤقتة إلى وقت، فالأول والثاني أخذهما من " النهاية "، والثالث من " الكفاية ". [حكم المسح على الخفين] م: (المسح على الخفين جائز بالسنة) ش: معنى جائز أنه إن فعله جاز وإن لم يفعله جاز، فهو مخير بين المسح ونزع الخف والغسل. وفي " المستصفى ": إنما قال جائز لكون الغسل أفضل؛ لأنه أبعد عن مظنة الخلاف، وفي " القنية ": المسح أفضل أخذا باليسر. وقال الأترازي: إنما قال جائز؛ لأن الشخص إذا لم يمسح أصلاً ونزع خفيه وغسل رجليه لا يأثم. قلت: بشرط أن لا يرى المسح ولا يكره، وقال الأكمل: المسح على الخفين جائز بالسنة، أي بقوله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفعله، ولم يزد على هذا. وقال تاج الشريعة: إنما قال جائز ولم يقل واجب؛ لأنه مخير كما ذكرناه. وقوله: نفي لما قال بعضهم أن ثبوته بالكتاب الكريم، وهو قراءة الجر في قَوْله تَعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] وقد تكلمنا في أول الكتاب في الآية الكريمة مستقصى، وإنما قال بالسنة، ولم يقل بالحديث؛ لأن تقرير المسح ثبت بالسنة زيادة بالمشهور على الكتاب وهي جائزة به، وإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 والأخبار فيه مستفيضة   [البناية] كان ناسخاً على ما عرف في أصول الفقه. قلت: لم يقصد المصنف ما قاله، وإنما مراده هاهنا أن أصل المسح ثبت بالسنة وإن كان مقداره أيضاً ثبت بالسنة. م: (والأخبار فيه) ش: أي في المسح على الخفين م: (مستفيضة) ش: أي كثيرة شائعة قولاً وفعلاً، وفي " المبسوط " عن أبي حنيفة أنه قال: ما قلت بالمسح حتى جاء في مثل ضوء النهار. وفي " الأسبيجابي ": حتى وردت آثار أضوأ من الشمس. وفي " المحيط " عن أبي حنيفة: من أنكر المسح على الخفين يخاف عليه الكفر. وفي " المفيد ": لو كان المسح مما يختلف فيه لمسحنا. وفي " النوادر ": من أنكر المسح على الخفين، عن الكرخي يخاف عليه الكفر. وفي " المفيد "، قال: لأنه ورد فيه الأخبار ما يشبه التواتر، قال: وكتب في " السمرقنديات " على قياس قول أبي يوسف وعلى قول محمد: لا يكفر؛ لأنه بمنزلة الآحاد، ومن أنكر خبر الآحاد لا يكفر، قيل لمحمد: لم جوزت [المسح] على الخفين إذا كان خبر المسح من الآحاد، وفيه نسخ لكتاب الله، فقال: ما نسخت كتاب الله بل خصصته به، قال: يريد به تخصيص الحال؛ لأنها عمت حالة الستر والكشف، والحديث بين الأمر بالغسل مختص بحالة الكشف دون الستر بالخف، قال: وتخصيص الكتاب بالآحاد جائز عندي. قلت: مراده بالآحاد التي اشتهرت، قيل: يجوز جوازه بالكتاب أيضاً، قال: قراءة الجر. قلت: فيه ضعف؛ لأن المسح إلى الكعبين غير واجب إجماعاً. وقال أبو البقاء القدوري عن أحمد: روى حديث المسح على الخفين سبعة وثلاثون من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال ابن أبي حاتم: رواه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واحد وأربعون صحابياً، ومثله عن أحمد ذكره في " المغني "، ومثله عن أبي عمر ذكره في الاستذكار، وفي " الإشراف " عن الحسن حدثني به سبعون صحابياً، وفي " البدائع ": روي عن الحسن البصري أنه قال: أدركت سبعين بدرياً من الصحابة يرون المسح على الخفين. وقال السروجي: وممن نقل المسح على الخفين عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عمر، وعلي، وسعيد، وابن مسعود، والمغيرة بن شعبة، وأبو موسى الأشعري، وعمرو بن العاص، وأبو أيوب، وخالد بن زيد الأنصاري، وأبو أمامة الباهلي، وسهل بن سعد، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد، وحذيفة، وعمار، وأبو مسعود الأنصاري، وجابر بن سمرة، والبراء بن عازب، وأبو بكرة، وبلال، وصفوان، وعبد الله بن الحارث بن حزم، وأبو زيد الأنصاري، وسليمان، وثوبان، وعبادة بن الصامت، ويعلى بن مرة، وأسامة بن شريك، وعمرو بن أمية الضمري، وبريدة، وأسامة بن زيد، وأبو هريرة، وعوف بن مالك، وعبد الله بن عمر، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: هؤلاء تسعة وثلاثون نفراً ذكرهم مجردين ولم يذكر المخرجين عنهم. وقد ذكرت في " شرح معاني الآثار " سبعة وستين صحابياً، وأشرت إلى مخرج كل واحد بإشارة لطيفة، فمنهم الجماعة المذكورون والبقية: أبو عبيدة بن الجراح، ورجل له صحبة، وبديل بن ورقاء، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن رواحة، وفضالة بن عبيد، وأبو بردة الأسلمي، وأبو عوسجة، وشعيب بن غالب الكندي، ويسار جد عبد الله بن أسلم، وأبو زيد رجل من الصحابة، وأبي بن عمارة، وعقبة بن عامر، ومالك بن سعد، وأبو ذر، وكعب بن عجرة، وأبو طلحة، وعثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وخالد بن سعيد بن العاص، وأبو العلاء الدارمي، وأويس الثقفي، وربيعة بن كعب، وخالد بن عرفطة، وعبد الرحمن بن حسنة، وعمرو بن حزم، وعروة بن مالك، وميمونة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأم سعد بنت ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فحديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند ابن أبي شيبة بسند حسن، وحديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البزار: ضعيف، وحديث المغيرة عند الجماعة، وحديث خزيمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند ابن حبان في " صحيحه ". وحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عند البزار في " مسنده "، وحديث جرير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الجماعة. وحديث أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الجماعة، وابن حبان. وحديث قيس بن سعد عند البيهقي. وحديث أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البيهقي أيضاً. وحديث عمرو بن العاص عنده أيضاً. وحديث أبي أيوب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني، وإسحاق بن راهويه، وعند النيسابوري في كتاب " الآداب ": صحيح. وحديث أبي أمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند عبد الله بن وهب بسند ضعيف، وحديث سهل بن سعد عند القاضي أبي أحمد بسند جيد. وحديث جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البزار والطبراني في " الأوسط ". وحديث أبي سعيد الخدري عند البيهقي. وحديث حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند مسلم، وحديث عمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البيهقي. وحديث أبي مسعود الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي عمر بن عبد البر. وحديث جابر بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البيهقي مرفوعاً، وعند ابن أبي شيبة موقوفاً. وحديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني. وحديث أبي بكرة بن الحارث - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند ابن خزيمة في " صحيحه "، والطبراني في " معجمه "، والبيهقي في " سننه ". وحديث بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند مسلم، وابن خزيمة في " صحيحه ". وحديث صفوان بن غالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند النيسابوري والترمذي وابن ماجه والطحاوي والطبراني في " الكبير ". وحديث عبد الله بن الحارث - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البيهقي. وحديث أبي زيد الأنصاري - رضي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عنه - عند مسلم. وحديث سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند ابن حبان في " صحيحه ". وحديث ثوبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند أبي داود وأحمد في " مسنده "، والحاكم في " مستدركه " وقال: على شرط مسلم. وحديث عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند ابن وهب. وحديث يعلى بن مرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند النيسابوري في كتاب " الآداب ". وحديث أمامة بن شريك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي يعلى الموصلي، وأبي طاهر الذهلي بسند لا بأس به. وحديث عمرو بن أمية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البخاري. وحديث بريدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الجماعة إلا البخاري. وحديث أسامة بن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند النيسابوري في " سننه "، وابن قانع " بمسنده "، ومسلم في كتاب " التمييز ". وحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أحمد في " مسنده " والبيهقي في " سننه "، وعند ابن عبد البر. وحديث عوف بن مالك الأشجعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أحمد في " مسنده "، وإسحاق بن راهويه والبزار والطبراني في " معجمه ". وحديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عند البيهقي. وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عند الدارقطني بسند جيد. وحديث أبي عبيدة بن الجراح - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي عمر بإسناد حسن. وحديث رجل له صحبة عند البخاري وأعله. وحديث بديل بن ورقاء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند العسكري في كتاب " الصحابة ". وحديث عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي عمر بإسناد جيد. وحديث عبد الله بن رواحة عند ابن قانع والطبراني. وحديث فضالة بن عبيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي عمر، وحديث أبي بردة الأسلمي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البزار والنيسابوري في الآداب. وحديث أبي عوسجة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني والبزار وأعله. وحديث شعيب بن غالب الكندي عند أبي نعيم في " معرفة الصحابة ". وحديث يسار جد عبد الله بن مسلم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند ابن أبي حاتم وأعله. وحديث أبي بن عمارة عند الحاكم وصححه. وحديث عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند النيسابوري في "الآداب"، وانفرد به. وحديث مالك بن سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي نعيم في كتاب " الصحابة "، وحديث أبي زرعة عند ابن حزم وصححه، وحديث كعب بن عجرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنده أيضاً وصححه. وحديث أبي طلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني في " الصغير ". وحديث عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي عمر. وحديث الزبير بن العوام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني. وحديث خالد بن سعد بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند النيسابوري، وحديث أبي العلاء الدارمي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الحافظ ابن عساكر في ترجمة: أحمد بن علي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 حتى قيل: إن من لم يره لم كان مبتدعا   [البناية] وحديث أوس الثقفي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند ابن أبي شيبة في " مصنفه ". وحديث ربيعة بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني، وحديث خالد بن عرفطة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أسلم بن سهل الواسطي في " تاريخ واسط "، وخالد هذا له حديث واحد عند الترمذي والنسائي، وحديث عبد الرحمن بن حسنة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني، وحديث عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنده أيضاً. وحديث عروة بن مالك. وحديث ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عند الدارقطني بسند صحيح. وحديث أم سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عند النيسابوري. وقال أبو عمر بن عبد البر: لم يرو عن أحد من الصحابة إنكار المسح على الخفين إلا عن ابن عباس وأبي هريرة وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أما ابن عباس وأبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فقد جاء عنهما موافقة سائر الصحابة بأسانيد حسان. وأما عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقد أحالت علم ذلك على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وذلك في " صحيح مسلم "، وقال: لا ينكر المسح إلا مبتدع خارج عن جماعة المسلمين أهل الفقه والأثر. وقال البيهقي: إنما بلغنا كراهة ذلك عن علي وابن عباس وعائشة، فأما الرواية عن علي سبق في كتاب المسح على الخفين، فلم يرد ذلك عنه بإسناد موصول يثبت مثله. وأما ابن عباس فإنما [كان] حين لم يثبت مسح النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد نزول المائدة، فلما ثبت رجع إليه. وقال الكاساني: وأما الرواية عن ابن عباس فلم تصح؛ لأن مداره على عكرمة، وروي أنه لما بلغ ذلك عطاء قال: كذب عكرمة. وروي عن عطاء قال: كان ابن عباس يخالف الناس في المسح على الخفين فلم يمت حتى وافقهم. م: (حتى قيل: إن من لم يره كان مبتدعاً) ش: قال شيخ الإسلام وغيره: ومعنى لم يره أي من لم يعتقد المسح كان مبتدعاً لمخالفة السنن المشهورة، والمبتدع هو الذي يخرج عن مذهب أهل السنة والجماعة، وقد مر عن الكرخي أنه قال: من أنكر المسح يخاف عليه من الكفر. وقالت الخوارج والإمامية: لا يجوز المسح على الخفين، وبه قال أبو بكر بن أبي داود وخالف أباه في ذلك، فكأنهم تعلقوا بما روي «عن ابن عباس أنه قال: مسح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد سورة المائدة، ولأن أمسح على طهر في صلاة أحب إلي من أن أمسح على الخفين» وإنما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لأن تقطع قدماي أحب إلي من المسح على الخفين. والجواب عما روي عن ابن عباس فقد ذكرناه آنفا. وأما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقال ابن الجوزي في " العلل المنتاهية " هذا حديث موضوع، وضعه محمد بن مهاجر على عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقال ابن حبان: محمد بن مهاجر كان يضع الحديث، فظهر أن الحديث باطل لا أصل له. وأما الرافضة فإنهم يرون المسح على الرجلين من غير حائل، وقال النووي: حكى المحاملي في المجموع وغيره عن مالك ست الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] روايات: إحداها: لا يجوز المسح أصلاً. ثانيها: يكره، ثالثها: يجوز من غير توقيت وهي المشهورة عند أصحابه. رابعها: يجوز مؤقتاً. خامسها: يجوز للمسافر دون المقيم. سادسها: قال النووي: كل هذا الخلاف باطل مردود. وقال أبو بكر: ومن روى عن مالك إنكاره مستدلاً بأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أقاموا بالمدينة أعمارهم ولم يرو عن أحد منهم أنه مسح على الخفين فهو وهم منه، ولا يلزم؛ لأن هذه الحيلة العزيزة الكريمة فعلت الأفضل في ترك المسح وسن الجواز رفقاً بالأمة. قلت: روي «عن حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: " كنت معه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً فتوضأ ومسح على خفيه» رواه مسلم، وفي رواية البيهقي: «سباطة قوم بالمدينة» . وعن الإسماعيلي الحافظ كذلك، وقال في " الإمام ": وقد وقع لنا من جهة ابن أبي نعيم «عن المغيرة أنه مسح مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة،» وقد علم أن الإثبات مقدم على النفي. فإن قلت: المسح أفضل أم الترك؟ قلت: الغسل أفضل، وبه قال الشافعي، ومالك، وروى ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وابنه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. ورواه البيهقي عن أبي أيوب الأنصاري أيضاً. وقال الشعبي، والحاكم، وحماد، والإمام الرستغفني من أصحابنا: إن المسح أفضل، وهو أصح الروايتين عن أحمد. إما لنفي التهمة عن نسبته إلى الروافض والخوارج، فإنهم لا يرونه كما قلنا، وإما للعمل بقراءة النصب والجر. وعن أحمد في رواية أخرى عنه أنها سواء، وهو اختيار ابن المنذر. واحتج من فضل المسح بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث المغيرة: «بهذا أمرني ربي» ، رواه أبو داود، والأمر إذا لم يكن للوجوب يكون ندباً. ولنا ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «رخص لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ثلاثة أيام للمسافر ويوم وليلة للحاضر» . ذكره ابن خزيمة في " صحيحه ". وفي حديث صفوان: «رخص لنا أن لا ننزع خفافنا» رواه النسائي، والأخذ بالعزيمة أولى. وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا من الفقهاء روي عنه إنكار المسح إلا مالكاً، والروايات الصحاح بخلاف ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 لكن من رآه ثم لم يمسح آخذا بالعزيمة كان مأجورا. ويجوز من كل حدث موجب للوضوء   [البناية] قلت: فيه نظر لما روي في " مصنف " ابن أبي شيبة من أن مجاهداً وسعيد بن جبير وعكرمة كرهوا، وكذا حكاه أبو الحسين النابه، عن محمد بن على بن الحسين وأبي إسحاق السبيعي، وقيس بن الربيع. م: (لكن من رآه ثم لم يمسح) ش: حال كونه م: (آخذا) ش: على صيغة الفاعل، ويجوز أن يكون مصدراً بمعنى الفاعل أيضاً م: (بالعزيمة) ش: الباء تتعلق بأخذ. قال الأترازي: آخذا بالعزيمة: أي: للأخذ بما هو أصل. قلت: جعل انتصاب أخذ على التعليل، وما قلنا هو الأحسن، لأن الحال قيد، وكون الأخذ قيداً أولى من كونه علة. والعزيمة في اللغة عبارة عن الإرادة المؤكدة، دل على هذا قَوْله تَعَالَى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] (طه: الآية 115) ، أي قصداً بليغا. وفي الشريعة ثابتاً ابتداء غير متصل بعارض. م: (كان مأجوراً) ش: يعنى مثاباً؛ لأن العمل بالعزيمة أولى. فإن قلت: تجب لا يكون مأجوراً لما أنه رخصة إسقاط، وفيها لا ينفي العزيمة مشروعة أصلاً فلأجل ذلك قيل: إن المصنف بأخذه بهذه الآية خالف رواية أصول الفقه، فإن المذكور فيها أن المسح عسلى الخفين رخصة إسقاط كالصلاة في السفر، والعزيمة لم تكن مشروعة فيها فكيف يؤجر على غير المشروع. قلت: ليس الأمر كذلك؛ لأن المسح إنما كان رخصة إسقاط ما دام المكلف مخففاً، وأما إذا نزع خفيه أو أحدهما، والنزع مشروع في حقه، فلا يكون حينئذ من ذلك النوع، نظير هذا من ترك السفر فإنه يسقط عنه سبب الرخصة. وأما أخذ المصنف بهذا فغير موجه؛ لأنه تبع في هذا شيخ الإسلام خواهر زاده، في " مبسوطه "، فإن ذكر فيه وقال: كان مأجوراً، وقال تاج الشريعة: فإن قلت: كيف يكون مأجوراً، وأنه رخصة إسقاط فكان نظير الصلاة في حق المسافر، ولو صلى المسافر أربعاً لا يؤجر بل يكره، قلت: إن الغسل أشق من المسح ويكون أبعد عن الخلاف. [شروط المسح على الخفين] م: (ويجوز) ش: أي المسح على الخفين م: (من كل حدث موجب للوضوء) ش: موجب بكسر الجيم من الإيجاب، وجعل الحدث موجباً مجازاً؛ لأنه ناقض للوضوء، فكيف يكون موجباً والموجب إرادة الصلاة والحدث شرطه، فجاز أن يضاف الإيجاب إليه كما في صدقة الفطر. فإن قلت: ذكر في " المبسوط " و " خير مطلوب ": أن الحدث هو السبب. قلت: نعم، ذكره هكذا، ولكنه غير صحيح، والحدث شرط على الصحيح، وقيده بقوله: موجب للوضوء احترازاً عن موجب الجنابة على ما يأتي عن قريب عن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 إذا لبسهما على طهارة كاملة ثم أحدث خصه بحدث موجب للوضوء؛ لأنه لا مسح من الجنابة على ما نبين إن شاء الله. وبحدث متأخر؛ لأن الخف عهد مانعا، ولو جوزناه بحدث سابق كالمستحاضة إذا لبست ثم خرج الوقت، والمتيمم إذا لبس الخفين ثم رأى الماء لكان الخف رافعا.   [البناية] م: (إذا لبسهما) ش: أي الخفين م: (على طهارة كاملة) ش: قيد بهذا احترازاً مما إذا توضأ بسؤر الحمار أو بنبيذ التمر لا يجوز المسح عليهما؛ لأن نبيذ التمر بدل عن الماء عند أبي حنيفة، ولهذا لو وجد في خلال صلاته يفسد صلاته، فلو جاز المسح كان هذا بدل البدل، وذا لا يجوز، وفي زيادة الحاكم الشهيد لا يمسح بنبيذ التمر لعدم الضرورة، ويمسحبسؤر الحمار؛ لأنه ماء مطلق عند طهوره، وفي " زيادات قاضي خان " اختلف المشايخ في جواز المسح على الخفين بنبيذ التمر. وفي " خواهر زاده ": نبيذ التمر ذكره عنه المرغيناني. وفي " جوامع الفقه " للعتابي في جواز المسح بنبيذ التمر روايتان عن أبي حنيفة، وحكى الجواز الأسبيجابي أيضاً. م: (ثم أحدث) ش: أي ثم أحدث بعد لبسهما على طهارة كاملة، وأشار بكلمة ثم إلى أن المسح بعد الحدث لا بعد اللبس، وهذه عبارة القدوري، وباقي ما قاله المصنف فيه م: (خصه بحدث) ش: أي خص القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - المسح بحدث م: (موجب للوضوء) ش: فسر المصنف قول القدوري هذا بقوله (لأنه) ش: أي؛ لأن الشأن م: (لا يمسح) ش: على الخفين م: (من الجنابة على ما نبين إن شاء الله تعالى) ش: لأن الجنابة ألزمت غسل جميع البدن ومع الخف لا يتأتى. م: (وبحدث متأخر) ش: أي خص القدوري المسح أيضاً بحدث متأخر عن الوضوء، كذا ما قاله الأكمل. وقال الأترازي متأخر عن اللبس وهو الأوجه م: (لأن الخف عهد) ش: أي عرف وهو صيغة المجهول، والعهد يأتي لمعان كثيرة بمعنى: اليمين، والأمان، والذمة، والحفظ، ورعاية الحرمة، والوصية، فكل واحد من هذه يذكر لما يناسبه بحسب الداعي م: (مانعاً) ش: نصب على الحال من الضمير الذي في عهد، يعني مانعاً من سراية الحدث إلى القدم لا رافعاً للحدث؛ لأن الرفع هو المطهر والخف ليس كذلك م: (ولو جوزناه) ش: أي ولو جوزنا المسح على الخفين م: (بحدث سابق على اللبس كالمستحاضة إذا لبست) ش: الخفين، الدم يسيل م: (ثم خرج الوقت) ش: قيد به؛ لأن المستحاضة يجوز لها أن تمسح ما دام الوقت باقياً، فإذا خرج الوقت ففيه الخلاف، فعندنا لا تمسح، وعند زفر تمسح مدة المسح على حسب السفر والإقامة. م: (والمتيمم) ش: أي وكالمتيمم م: (إذا لبس الخفين ثم رأى الماء) ش: وتوضأ لا يمسح؛ لأنه برؤية الماء ظهر الحدث السابق م: (لكان الخف رافعاً) ش: للحدث السابق، والحكم في مسألة المتسحاضة أن يكون الدم سائلاً عند الوضوء واللبس أو عند أحدهما أو بينهما، وإن كان منقطعاً عندهما أو بينهما فحكمه حكم الأصحاء، وعند زفر حكمها حكم الأصحاء في الوضوءات كلها، وعلى هذا سائر أصحاب الأعذار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 وقوله: إذا لبسهما على طهارة كاملة لا يفيد اشتراط الكمال وقت اللبس، بل وقت الحدث، وهو المذهب عندنا،   [البناية] م: (وقوله) شك أي قول القدوري لا يقال: إنه إضمار قبل الذكر، وكذلك الضمير في قوله: خصه بحدث؛ لأنه معلوم بقرينة الحال؛ لأن المصنف في صدد شرح كلام القدوري م: (إذا لبسهما على طهارة كاملة لا يفيد اشتراط الكمال وقت اللبس) ش: يعني اشتراط القدوري كمال الطهارة وقت لبس الخفين لا يجوز؛ لأن المذهب اشتراط الكمال وقت الحدث، أشار بكلمة الإضراب بقوله: م: (بل وقت الحدث) ش: أي بل اشتراط الكمال وقت الحدث هو الذي يفيده. وقال الأكمل: إن كان مراد المصنف هذا الذي قرروه ففي كلام القدوري تسامح، وإن كان غير ذلك يحتاج إلى بيان؛ لأن ظاهر كلام القدوري يفيد ذلك. قلت: تحرير هذا أن القدوري ذكر اللبس وأراد به بقاءه، يعني إذا لبسهما باقياً عند الحدث يمسح؛ لأن ما له دوام يأخذ بقاؤه حكم ابتدائه كما لو حلف: لا يسكن هذه الدار، يحنث فيها بالبقاء، حتى لو غسل رجليه وأدخلهما خفيه، ثم أكمل طهارته يمسح، وكذا لو لبسهما وهو محدث ثم توضأ وخاض الماء حتى انغسلت رجلاه ثم أحدث يمسح لكمال الطهارة عند الحدث، ولو غسل رجليه الواحدة وأدخلها الخف وحدها ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف يجوز له المسح إذا أحدث، وبه قال الثوري، والمزني، وابن المنذر، والطبري، وداود الظاهري، ويحيى بن آدم، وأبو ثور. وقال الشافعي وأحمد: ينزع الخف الأول ثم يعيده إلى مكانه، وإن لم يفعله لا يجوز له المسح. وفي " المبسوط ": هذا اشتغال بما لا يفيد. م: (وهو المذهب عندنا) ش: أي اشتراط الكمال وقت الحدث لا وقت اللبس هو المذهب عندنا خلافا للشافعي، فإنه يشترط الكمال وقت اللبس، واحتج الشافعي على ذلك بأحاديث منها في " الصحيحين " حديث المغيرة بن شعبة، وفيه: «ثم أهويت إلى الخفين لأنزعهما فقال: " دع الخفين، فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهران» فمسح عليهما، واستدل الأترازي بهذا الحديث على اشتراط اللبس على الطهارة، وليس بظاهر على ما نقول في جوابه، وأقرب ما يستدل به حديث أخرجه الدارقطني عن أبي بكرة «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليها، وللمقيم يوماً وليلة إذا تطهر فلبس خفية أن يمسح عليهما» . فقالوا: إن الفاء للتعقيب، والطهارة إذا أطلقت إنما يراد بها الطهارة الكاملة. والجواب عن ذلك: أنه ليس له حجة في الأحاديث التي تتعلق بنا، لأنا نقول بعدم جواز المسح إلا بعد غسل الرجل، ومحل الخلاف يظهر في المسألتين، إحداهما: إذا أحدث ثم غسل رجليه ثم لبس الخفين ثم مسح عليهما، ثم أكمل وضوء الثانية إذا أحدث ثم توضأ، فلما غسل إحدى رجليه لبس عليها الأخرى ثم غسل الأخرى ثم لبس عليها الخف، فإن هذا المسح جائز عندنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 حتى لو غسل رجليه ولبس خفيه ثم أكمل الطهارة ثم أحدث يجزئه المسح،   [البناية] في الصورتين، خلافا له، هذا تحرير مذهبنا. والشافعية يقولون هنا: إن الحنفية لا يشترطون كمال الطهارة في المسح، وهذا يدخل ما لو توضأ ولم يغسل رجليه ثم لبس الخفين وليس كذلك عندنا، بل لا يجوز له في الصورة؛ لأن الحدث باق في القدم. وقال الخطابي في تعليل هذه المسألة: وذلك أنه جعل طهارة القدمين معاً قبل لبس الخفين شرطاً لجواز المسح عليهما وعلله بذلك، والحكم المعلق بشرط لا يصح إلا بوجود شرطه، ولكن لا نسلم أنه شرط كمال الطهارة وقت اللبس؛ لأنه لا يفهم من نص الحديث، غاية ما في الباب أخبر أنه لبسهما وقدماه كانتا طاهرتين، فأخذنا من هذا اشتراط الطهارة لأجل جواز المسح، سواء كانت الطهارة لأجل جواز المسح حاصلة وقت اللبس، أو وقت الحدث، وتقييده بوقت اللبس أمر زائد لا يفهم من العبارة. وقال الطحاوي - رحمة الله عليه -: معنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أدخلتهما وهما طاهرتان» يجوز أن يقال: طاهرتان إذا غسلهما وإن لم تكمل الطهارة، كما يقال: صلى ركعتين قبل أن يتم صلاته، ويحتمل أن يريدهما طاهرتان من جنابة أو خبث. فإن قلت: إذا كان الخف مانعاً من سراية الحدث إلى القدم كان ينبغي أن يمسح عليه إذا غسل رجليه ولبس الخفين ثم أحدث قبل كمال الطهارة. قلت: علم كونه مانعاً من سراية الحدث إلى القدم بالنص على خلاف القياس عند كمال الطهارة فيقتصر عليه. وأما حديث أبي بكرة فإنه ضعيف وفي إسناده: مهاجر بن مخلد، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: لين الحديث، ليس بذلك، ثم إنه قد روي بالواو: " ولبس خفية "، وعلى تقدير صحته فهو محمول على طهارة الرجلين. م: (حتى لو غسل رجليه ولبس خفيه ثم أكمل الطهارة ثم أحدث يجزئه المسح) ش: هذه نتيجة قوله، وهو المذهب عندنا، قال الأكمل: قيل: لا يصح أن يكون نتيجة ما ذكر من اشتراط اللبس على طهارة كاملة، فإن عدم جواز المسح ها هنا باعتبار ترك الترتيب في الوضوء لا باعتبار اشتراط الطهارة الكاملة وقت اللبس. قلت: هذا كلام السغناقي وصاحب " الدراية " بعده. ثم قال الأكمل: ويجوز أن يقال لما أثبت المصنف بالدليل فيما تقدم أن الترتيب في الوضوء ليس بشرط، صح أن يبني هذا الفرع على هذا الخلاف لكونه أثبت الدليل في الوضوء أن الترتيب ليس بشرط، بل يمكن أن يقال: إن هذا الفرع له وجهان في الفساد عند الشافعي، أحدهما: من جهة ترك الترتيب، والثاني: من جهة عدم كمال الطهارة وقت اللبس، فالمصنف في هذا على الوجه الثاني مع قطع النظر عن الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 وهذا؛ لأن الخف مانع حلول الحدث بالقدم فيراعي كمال الطهارة وقت المنع حتى لو كانت ناقصة عند ذلك كان الخف رافعا. ويجوز للمقيم يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها؛   [البناية] م: (وهذا؛ لأن الخف مانع حلول الحديث بالقدم) ش: هذا استدلال من جهة العقل، ولم يذكر ما هو من جهة النقل م: (فيراعي كمال الطهارة وقت المنع) ش: الفاء فيه جواب شرط محذوف، أي: فإذا كان الخف مانعاً عن سريان الحدث إلي القدم فيراعي كمال الطهورية عن حلول الحدث ولا يراعى وقت اللبس. م: (حتى لو كانت) ش: نتيجة ما قبلة، أي حتى لو كانت الطهارة م: (ناقصة عند ذلك) ش: أي عند حلول الحدث م: (كان الخف رافعاً) ش: وليس كذلك؛ لأنه عهد مانعاً، أراد أن الطهارة إذا لم تكن كاملة عند الحدث لا يجوز المسح كما إذا لبس خفيه بعد غسل رجليه ثم أحدث ثم توضأ لا يجوز المسح لما قلنا، ولأن الحدث وإن ارتفع عن الرجلين لم يرتفع حكمه، ولهذا لا تجوز صلاته فيكون الخف رافعاً حكماً وإن جعل مانعاً حقيقة، ولو توضأ للفجر وغسل رجليه ولبس خفيه، وصلى ثم أحدث وتوضأ للظهر، وصلى ثم للعصر كذلك ثم تذكر أنه لم يمسح برأسه في الفجر نزع خفيه ويعيد الصلوات؛ لأنه تبين أن اللبس لم يكن على طهارة كاملة، وإن تبين أنه لم يمسح للظهر فعليه إعادة الظهر خاصة؛ لأنه لبسه على طهارة كاملة فتكون طهارة الأصل كاملة. فإن قلت: إذا غسل القدمان رفع الحدث عنهما حكماً، فإذا انضم إليه غسل بقية الأعضاء ارتفع الحدث بالمجموع فكان مانعاً لا رافعاً. قلت: كلهم اتفقوا على أن المسح لا يجوز إلا بعد طهارة كاملة، واختلافهم في وقتها، فلو كانت الطهارة ناقصة عند حلول الحدث يلزمه أن يكون الخف رافعاً للحدث الحكمي الذي حل بالقدم؛ لأنه وإن زال بالماء حقيقة لكنه باق حكماً لعدم التجزئ، وعن بقية الأعضاء أيضاً يرد النقض على مسح الخف طهارة كاملة فكان مانعاً لا رافعاً وهو خلف. فإن قلت: هذا يقتضي وجود الطهارة الكاملة وقت الحدث، نحن لا نمنع ذلك، وإنما نقول: إنها لا تكفي، بل يحتاج إلى وجودها وقت اللبس أيضاً، وما ذكرتم لا يدفع ذلك. قلت: كلام المصنف لا يدفع ذلك، والدفع أن وجود الطهارة يحتاج إليه عند سريان ما يزيلها، وهو الحدث تحقيقاً للإزالة، وأما قبل ذلك فهي مستغنى عنها، فلا فائدة في اشترطها. [مدة المسح على الخفين للمقيم والمسافر] م: (ويجوز) ش: أي المسح م (للمقيم يوماً وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها) ش: التوقيت في المسح قول عامة العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقال الخطابي: هو قول عامة الفقهاء. وقال ابن المنذر هو قول عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن زيد الأنصاري، وعطاء، وشريح، والكوفيين، ويحكى عن الأوزاعي، وأبي ثور، والحسن بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] صالح، وأحمد، وإسحاق. وقالت طائفة: لا توقيت في المسح، ويمسح ما شاء، يروى عن الشعبي، وربيعة، والليث، وأكثر أصحاب مالك، وسمع مطرف مالكا يقول: التوقيت بدعة، وقال الشافعي: لا توقيت فيه، قاله نصر. وقال النووي: هو قوله القديم: وهو ضعيف وواه جداَ، ولا تفريع عليه، وحكى ابن المنذر عن سعيد بن جبير أنه يمسح من غدوه إلى الليل، وعن الشعبي، وأبي ثور وسليمان بن داود: أنه لا يصلي به إلا خمس صلوات إن كان مقيماً، وخمس عشرة إن كان مسافراً، وهو مذهب مردود؛ لأن التوقيت بالزمان لا بتعدد الصلوات. وفى " المحيط ": لو خاف على رجله يمسح على خفيه من غير توقيت للضرورة، وفي " جوامع الفقه " المسافر بعد الثلاث يمسح على خفيه لخوف البرد للضرورة. وفي " الاستذكار ": روي عن مالك إنكار المسح على الخفين في الحضر والسفر أكثر وأشهر، وعلى ذلك بنى موطأه، وقد ذكرنا في أول الباب عن مالك ست روايات. وقال ابن المنذر في كتاب " الإجماع ": أجمع العلماء على جواز المسح على الخفين، وقد صح رجوع من كان مخالفهم، وكذلك لا أعلم أحداً من الفقهاء المسلمين روي عنه إنكار المسح إلا مالكاً، الرواية الصحيحة الرجوع بخلاف ذلك، وعلى ذلك جميع أصحابه، احتج من قال بعدم التوقيت بما خرجه أبو داود، والدارقطني، البيهقي، «عن أبي بن عمارة، وقد كان صلى مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى القبلتين قال: قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنمسح على الخفين، قال: " نعم " قلت: يوم، قال: " ويومين " قلت: وثلاثة أيام قال: " نعم، وما شئت " وفي رواية: حتى بلغ سبعاً، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " نعم ما بدا لك.» والجواب عنه: أن أبا داود قال: هذا الحديث ليس بالقوي، واختلف في إسناده، وقال الدارقطني: إسناده لا يثبت، وقال ابن القطان: فيه محمد بن زيد، وهو ابن أبي زياد صاحب حديث الصور، قال فيه أبو حاتم: مجهول، ويحيى بن أيوب مختلف فيه، وهو ممن عيب على مسلم إخراج حديثه. وقال ابن العربي: وفي طريقه ضعفاء أو مجاهيل، منهم: عبد الرحمن بن زيد، ومحمد بن يزيد وأيوب بن قطن، وقال البخاري: حديث مجهول، لا يصح. وقال أحمد: رجاله لا يعرفون، وقال الثوري: اتفقوا على أنه ضعيف مضطرب لا يحتج به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: رواه الحاكم في " المستدرك " وقال: إسناده بصري، ولم ينسب واحد منهم إلى جرح، وأبي بن عمارة صحابي مشهور، ولم يخرجاه. قلت: لا يؤخذ منه ما قاله مع وجود ما ذكرنا، وكيف يخرجه البخاري مع قوله: حديث مجهول. فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك فما مستند أهل المدينة في المسح أكثر من ثلاث ويوم وليلة. قلت: قال أبو زرعة: لهم فيه أثر صحيح من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه كان لا يوقت في المسح على الخفين وقتاً، واحتجوا أيضاً برواية حماد بن زيد عن كثير بن شنظير عن الحسن قال: سافرنا مع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكانوا يمسحون خفافهم بغير وقت ولا عذر، رواه ابن الجهيم في " كتاب " وروى ابن الجهيم في " كتابه " بسنده إلى سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه خرج من الخلاء فتوضأ ومسح على خفيه، فقلت له: تمسح عليهما وقد خرجت من الخلاء، قال: نعم إذا أدخلت القدمين إلى الخفين وهما طاهرتان فامسح عليهما ولا تخلعهما إلا لجنابة. وروى أيضاً بسنده إلى عروة أنه كان لا يوقت في المسح، وروي نحو ذلك عن جماعة من الصحابة، قاله ابن عبد البر في " الاستذكار "، وهم عمر بن الخطاب، وسعد بن أبي وقاص، وعقبة بن عامر، وعبد الله بن عمر. والجواب عن ذلك أن هذا لا يصادم الأحاديث الصحيحة في التوقيت على ما نذكره عن قريب إن شاء الله تعالى، على أن ابن حزم ضعف كثير بن شنير جداً، وعن يزيد بن مغفل عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة، فدل ذلك على رجوع عمر إلى التوقيت في المسح. وأخرج الطحاوي ما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من ثمان طرق، وأخرجه البهيقي من حديث الأسود عن شبابة عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن. وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " أخبرنا عائذ بن حبيب، عن طلحة بن يحيى، عن أبان بن عثمان قال: سألت سعد بن أبي وقاص عن المسح على الخفين فقال: نعم ثلاثة أيام ولياليهن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] للمسافر، ويوم وليلة للمقيم، فهذا أيضاً يدل على رجوعه إلى التوقيت، والمرجع في هذا إلى قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أولى. فإن قلت: روى الحاكم في " مستدركه " حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليصل فيهما وليمسح عليهما ثم لا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة» . وقال الحاكم: إسناده صحيح على شرط مسلم ورواته آخرهم ثقات. وروى الحاكم أيضاً من حديث عقبة بن عامر الجهني، أنه قدم على عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بفتح دمشق، قال: وعلي خفاف فقال لي عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كم لك يا عقبة منذ لم تنزع خفيك، فذكرت من الجمعة منذ ثمانية أيام، فقال: أحسنت وأصبت السنة، وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم ورواه الدارقطني، والبيهقي أيضاً. قلت: الجواب عن الأول ما قاله ابن الجوزي في " التحقيق " أنه محمول على مدة الثلاث، وقال ابن حزم: هذا مما انفرد به أسد بن موسى عن حماد، وأسد منكر الحديث لا يحتج به. قلت: ليس كذلك، فإن أسد ثقة، وليس له ذكر في شيء من كتب الضعف، ووثقه البزار وابن يونس. والجواب عن الثاني: ما قاله الطحاوي: ليس فيه دليل قطعي على أن قوله: أصبت السنة من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأن السنة يحتمل أن تكون سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويحتمل أن تكون سنة أحد من خلفائه، وقد تطلق أيضاً على قول أحد من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فإن قلت: روي عن خزيمة بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة» ، ورواه أبو داود والطحاوي ثم قال أبو داود: رواه منصور بن المعتمر عن إبراهيم التيمي بإسناده، ولو استزدناه لزادنا، وفي رواية الطحاوي: ولو { ... } عليه السائل لزاده. قلت: ذكر في " الإمام ": أن فيه ثلاث علل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يمسح المقيم يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها» .   [البناية] الأولى: اختلاف إسناده وله ثلاثة مخارج، رواية إبراهيم التيمي وإبراهيم النخعي ورواية الشعبي، ثم ذكر الزيادات، أعني لو استزدناه لزادنا، وبعضها ليست فيه. الثانية: الانقطاع، قال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - عن هذا الحديث فقال: لا يصح، وحديث خزيمة بن ثابت في المسح [ضعيف] ؛ لأنه لا يعرف لأبي عبد الله الجدلي سماع من خزيمة. الثالثة: قال ابن حزم: إن أبا عبد الله الجدلي لا يعتمد على روايته. فإن قلت: لما روى الترمذي حديث خزيمة هذا قال: حديث حسن صحيح، وكيف ينقل عن البخاري أنه لا يصح. قالت: والظاهر أن قوله - لم يصح - هو بالزيادة المذكورة مع الخلاف رواية، وأما تصحيحه وتحسينه فبغير الزيادة المذكورة، واسم أبي عبد الله الجدلي عبد بن عبيد، ويقال: عبد الرحمن بن عبيد. وذكر الأكمل في احتجاج مالك حديثين: أحدهما: «حديث عمار بن ياسر، قال: قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نمسح على الخفين يوماً؟ قال: نعم، فقلت: يومين؟ قال: نعم، حتى انتهيت إلى سبعة أيام، فقال: " إذا كنت في سفر فامسح ما بدا لك» . والآخر: ما روى سعد بن أبي وقاص وجرير بن عبد الله، وحذيفة بن اليمان، في جماعة من الصحابة، فإنهم رووا المسح على الخفين غير مؤقت، ذكره أبو بكر الرازي في " شرح مختصر الطحاوي ". فالحديث الأول: لمالك في عدم جواز المسح للمسافر، والثاني: أنه غير مؤقت، وكذا نقله الأترازي عن أبي بكر الرازي. قلت: هذا عجز ظاهر حيث ذكر أحد الحديثين ونسبه إلى أحد من الفقهاء، أو نقله من كتاب الأصل، فكان [عليه أن] يبين مخرجه، ورجاله سنده، حتى يرضي الخصم بذلك. وأما حد نسبة الأكمل الحديث الأول إلى عمار بن ياسر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه نظر؛ لأن الحديث لأبي عمارة، أخرجه أبو داود وغيره كما ذكرناه عن قريب. وأما حديث عمار فقد قال البيهقي: روينا عنه جواز المسح. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يمسح المقيم يومياً وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها» ش: هذا الحديث أخرجه جماعة منهم الطبراني من حديث البراء بن عازب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «للمسافر ثلاثة أيام ولياليها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وللمقيم يوم وليلة في المسح على الخفين» ومنهم الحافظ أبو نعيم في كتاب " معرفة الصحابة " من حديث مليكة بنت الحارث قالت: حدثني أبي عن جدي مالك بن سعد أنه «سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: وسئل عن المسح على الخفين. قال: " ثلاثة أيام للمسافر، ويوم وليلة للمقيم» . ومنهم أبو نعيم أيضاً من حديث مالك ين ربيعة قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ومسح على خفية» وروى «للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة» . ومنهم من حديث شريح بن هانئ قال: أتيت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أسالها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب فاسأله للمقيم فإنه كان مسافراً مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسألناه، فقال: «جعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر للمقيم ويوماَ وليلة للمقيم» . ورواه ابن خزيمة في " صحيحة " بلفظ: «رخص لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسح على الخفين ثلاثة أيام إلى آخره» . ومنهم أبو دود: من حديث خزيمة بن ثابت قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة» ، أخرجه ابن ماجه، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. ومنهم ابن أبي شيبة أخرجه في " مصنفه " من حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمر بالمسح على ظاهر الخف للمسافر ثلاثة أيام ولياليها وللمقيم يوما وليلة» . ومنهم الحافظ أبو بكر النيسابوري من حديث عمرو بن أمية الضمري أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوم وليلة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ومنهم البزار من حديث عوف بن مالك لا يخفى «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوم وليلة للمقيم» . ومنهم البزار أيضًا من حديث أبي هريرة «أن رجلاً سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المسح على الخفين فقال: " للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن» . ومنهم الدارقطني: من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة إذا طهر ولبس خفية أن يمسح عليهم» رواه ابن خزيمة أيضاً، والأثرم، وقال الطحاوي: هو صحيح الإسناد، وقال البخاري: حديث حسن. ومنهم الطبراني في " الكبير " من حديث المغيرة: «آخر غزوة غزونا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرنا أن نمسح على خفافنا للمسافر ثلاثة أيام ولياليها، وللمقيم يوماً وليلة ما لم يخلع» . ومنهم الترمذي من حديث صفوان بن عسال بفتح العين المهملة وتشديد السين المهملة قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا إذا كنا مسافرين أو سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ويروى لا من جنابة، ولكن من غائط، وبول، ونوم» وقال: حديث حسن صحيح، ورواه النسائي وابن ماجه وابن حبان في " صحيحه " وابن خزيمة، أيضاً قوله: " أو سفراً " شك من الراوي بفتح السين وسكون الفاء جمع مسافر كركب وراكب. وقيل: اسم جمع، وذكر الغائط والبول والنوم خرج مخرج الغالب، وفي معناها: زوال العقل بالجنون، والإغماء، وكذا القيء، وخروج الدم، وكل ما كان حدثاً، وفي معنى الجنابة النفاس، والحيض على أصل أبي يوسف إذا كانت مسافرة؛ لأن أقل الحيض عنده يومان وليلتان وأكثره الثلاث، فيمكنها المسح في بقية المدة وما فيه غسل جميع البدن، ويؤخذ منها أنه لا يمسح على الخف من نجاسة. قوله: لكن، حرف استدراك بعد النفي، وإذا استدرك بها الإثبات يختص بالجملة دون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 قال: وابتداؤها عقيب الحدث؛ لأن الخف مانع سراية الحدث إلى القدم فيعتبر المدة من وقت المنع.   [البناية] المعنى، وقيل: في لفظ الحديث إشكال؛ لأن قوله: «أمرنا أن لا ننزع خفافنا إلا من جنابة» معقب بالاستثناء فيصير إيجاباً، وقوله: بعد ذلك، لكن استدرك من إيجاب المفرد وذلك خلاف ما تقدم. قوله: وبول ونوم، بواو العطف في كتب الحديث ووقع في كتب الفقه كلها أو للتنويع. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وابتداؤها) ش: أي ابتداء مدة المسح م: (عقيب الحدث) ش: لا من وقت اللبس، وبه قال الشافعي والثوري وجمهور العلماء، وهو أصح الروايتين عن أحمد وداود، وقال الأوزاعي وأبو ثور: ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث وهو رواية عن أحمد وداود، وهو المختار، والراجح دليلاً ذكره النووي واختاره ابن المنذر وحكى نحوه عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وعن الحسن البصري أن ابتداءها من وقت اللبس، ويلزم على قول الحسن أنه إذا مضى يوم وليلة على المقيم ولم يحدث وجب أن ينزع الخف ولا يجزئه المسح بعد ذلك وهو محال، وعلى من يعتبر من وقت المسح أنه إذا لبس خفيه وأحدث ولم يمسح ثم أغمي عليه بعد ذلك أسبوعاً أو شهراً أنه لا ينزع خفيه ويمسح عليهما وهو محال أيضاً، كذا في " مبسوط " شيخ الإسلام وشمس الأئمة. ثم بيان الأقوال الثلاثة ممن توضأ عند طلوع الفجر، ولبس الخف ثم أحدث بعد طلوع الشمس ثم توضأ ومسح بعد الزوال فعلى قول العامة يمسح المقيم إلى وقت الحدث من اليوم الثاني وهو ما بعد طلوع الشمس من اليوم الثاني، وعلى القول الثاني إلى وقت طلوع الفجر من اليوم الثاني وهو وقت اللبس، وعلى القول الثالث إلى ما بعد الزوال من اليوم الثاني وهو وقت المسح، والصحيح قول العامة. م: (لأن الخف مانع سراية الحدث إلى القدم) ش: أي مانع حلول الحدث بالرجل شرعاً م: (فتعتبر المدة من وقت المنع) ش: أي؛ لأن المانع عن الشيء إنما يكون مانعاً حقيقة عند سريان الممنوع، ثم الحقيقة أولى بالاعتبار، فتعتبر المدة من عنده. وفي " المبسوط ": لأن الحدث سبب للوضوء فتعتبر المدة من وقت السبب. وقال أبو نصر الأقطع: عن إبراهيم الحربي قال: روي عن عشرة من الصحابة وعشرين من التابعين أن ابتداء المسح من وقت الحدث لا من وقت اللبس، ولأن الحدث سبب الرخصة حتى لو لم يحدث لا يحتاج إلى المسح، فتعتبر من وقت السبب، فأكثر ما يصلي به المقيم من الصلاة الوقتية ست صلوات، والمسافر ستة عشر وقتاً، إلا بعرفة والمزدلفة فإنها تكون سبعاً للمقيم وسبعة عشر للمسافر، ومثلها عند الشافعي في سائر الأماكن للجمع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 والمسح على ظاهرهما خطوطا بالأصابع   [البناية] [كيفية المسح على الخفين] م: (والمسح على ظاهرهما) ش: أي محل المسح على ظاهر الخفين، وهو المستحب عندنا، ومسح أسفل الخفين غير مستحب، وفي " البدائع " المستحب عندنا الجمع بن ظاهره وباطنه في المسح إذا لم يكن به نجاسة، وبه قال الشافعي، حكاه في " المهذب " حيث قال: والمستحب أن يمسح أعلى الخف وأسفله، والواجب عنده أقل جزء من أعلاه. وقال السغناقي: قال الإمام السرخسي في " المبسوط ": فإن مسح باطن الخف دون ظاهره لم يجز، فإن موضع المسح ظهر القدم. وقال الشافعي: المسح على ظاهر الخف فرض، وعلى باطنه سنة. وقال صاحب " الهداية ": قوله على ظاهرهما احترازاً عن قول الشافعي، والزهري، ومالك، فإن السنة عندهم المسح على الخف وأسفله، إلا أن يكون على أسفله نجاسة، ولكن لو اقتصر على مسح أعلاه يجوز عندهم، ولو اقتصر على مسح أسفله لم يجز على ظاهر المذهب، وأظهر القولين عن الشافعي، ويجزئه في قول. وأما مسح العقب فمن أصحابه من قال: يمسحه قولاً واحداً، ومنهم من قال: فيه قولان، أصحهما: أنه يمسحه، وفي الاقتصار على العقب قولان، الأظهر: أنه يجوز، وعندنا، والثوري وداود، وأحمد: لا مدخل لأسفل الخف في المسح ولا للعقب. قلت: ما ذكر في " البدائع " هو قول علي، وأنس، وقيس بن سعد، وعروة بن الزبير، والحسن البصري، الشعبي، وعطاء، والنخعي، والثوري، والأوزاعي، وغيرهم، واختاره ابن المنذر، وروي عن سعد بن أبي وقاص وابن عمر، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، ومالك وجوب مسح ظاهرهما وباطنهما، وحكى النووي عن ابن المنذر أن مسح أسفلهما استحباب عندهم، وبه قال الشافعي، وهو قول لمالك: السنة مسح أعلى الخف وأسفله. قلت: هذا مخالف لما نقله النووي وما نقله السغناقي عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الأكمل: وفي " المغني ": ولا يسن مسح أسفله ولا عقبه، وبذلك قال عروة، وعطاء، وإسحاق، والنخعي، والأزواعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وابن المنذر، ولا نعلم أحداً قال يجزئه مسح أسفل الخف إلا أشهب من أصحاب مالك، وبعض أصحاب الشافعي، والمنصوص عن الشافعي: أنه لا يجزئه. وقال ابن المنذر: لا أعلم أحداً يقول بالمسح على الخفين، ويقول: لا يجزئه المسح على أعلى الخف. م: (خطوطاً بالأصابع) ش: قال الأكمل: هو منصوب على الحال بمعنى مخطوطاً. قلت: أخذه من السغناقي، وكذا قال صاحب " الدراية "، وتاج الشريعة، ولم يبين أحد منهم أن لفظ " الخطوط " مصدر أو جمع، وأن ذا الحال ما هو فنقول: و " الخطوط " جمع خط. قال الجوهري: الخط واحد الخطوط، وكذا قال في " العبارات " فإن كان الخطوط مصدراً والمصدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 يبدأ من قبل الأصابع إلى الساق،   [البناية] الخط يقال: خط الكتابة خطاً. قال السغناقي: يقال خطه فلان كما يقال كتبه فلان، ثم قال في آخر الباب: وأكثر كتبه يدل على أنه من باب نصر ينصر، كذا في " دستور اللغة " وذا الحال هو المبتدأ، أي قوله: و " المسح " لأنه مرفوع على الابتداء، والخبر متعلق قوله: على ظاهرهما، وهو كائن أو جائز أو نحو ذلك، و " خطوطاً " على حاله من غير تأويل. فإن قلت: المطابقة بين الحال وذي الحال شرط، وها هنا الحال جمع وذو الحال مفرد. قلت: المصدر يتناول القليل والكثير، ويمكن أن يقال: إن ذا الحال محذوف والخطوط حال منه، والتقدير: ومسح الماسحين على ظاهر الخفين حال كونهم مخططين بالأصابع، فحينئذ يجوز خطوطاً بالمخططين على صيغة اسم الفاعل، لا للتأويل بالمفرد على ما قالوا من غير روية. وقال الأترازي: وقوله خطوطاً بيان السنة لا شرط الجواز، وقال: هذا احتراز عن قول عطاء، فإنه يقول بتثليث المسح اعتبارا بالغسل، وذلك؛ لأن الخطوط إنما تبقى إذا مسح مرة واحدة. قلت: هذا ليس باحتراز عن قول عطاء، فإنه لو قيل: خطوطا بالأصابع مرة كان احترازا عن قول عطاء قول؛ لأن الخطوط إنما تبقى إذا مسح مرة وفيه نظر؛ لأن بقاء الخطوط ليس بشرط، وغاية ما في الباب أن عطاء قاس مسح الخف على الغسل. م: (يبدأ من قبل الأصابع إلى الساق) ش: هذا كيفية المسح أن يبدأ الماسح، وابتداؤه من قبل أصابع الرجل وانتهاؤه إلى الساق، وفيه إشارة إلى أن الساق لا يدخل؛ لأن الغاية لا تدخل تحت المغيا، وعن هذا قال الحسن عن أبي حنيفة أنه يمسح ما بين أطراف الأصل إلى الساق، وهذا الذي ذكره هو مقدار الواجب في المسح. وقال أحمد: الواجب مسح أكثر ظاهره، وعند مالك " مسح جميعه إلا مواضع، وعند الشافعي: إن اقتصر على جزء من أعلاه أجزاء بلا خلاف، وإن اقتصر على بعض أسفله لا يجزئه، نصه في البويطي و " مختصر المزني ". ولهم فيه طرق ثلاث: طريقة جمهورهم عدم الإجزاء ذكره النووي في " شرح المذهب ". وقال أبو عمر: حديث المغيرة يبطل قول أشهب أنه لا يجوز الاقتصار على ظاهر الخف. وفي " المغني " عن أشهب وبعض الشافعية أنه يجوز الاقتصار على أسفله. وقال ابن المنذر: لا أعلم أحداً يقول بالمسح على الخفين أنه يجزئ المسح أعلى الخفين. وقال ابن بطال: الصحابة مجمعون على أنه إن مسح أسفله دون أعلاه لم يجزه. وفي " المحيط ": السنة إكمال الفرض في محله كالعقب، والساق، والجوانب، والكعب، ولو مسح بأصبع واحدة في ثلاثة مواضع أو بدءاً من الساق أو من ظهر القدم عرضاً جاز، ولو كان بعض خفه خالياً ومسح قدر ثلاثة أصابع على المغسول جاز على الحال، والبداءة من رءوس الأصابع مستحبة اعتباراً بالغسل، وهو قول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 «لحديث المغيرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وضع يديه على خفيه ومدهما من الأصابع إلى أعلاهما مسحة واحدة، وكأني أنظر إلى أثر المسح على خف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطوطا بالأصابع» .   [البناية] المرغيناني وظاهرهما من رءوس الأصابع إلى مقدار شراك النعل. وفي " جوامع الفقه ": ولو مسح على إحدى رجليه مقدار إصبعين وعلى الأخرى مقدار خمسة أصابع لا يجزئه، فيعتبر مقدار ثلاث أصابع من رجل. ونص محمد على أن المعتبر فيه أكثر آلة المسح، ذكره في " المحيط " و " الزيادات " وقال الكرخي: ثلاث أصابع من الرجل واعتبره بالخرق، والأول أصح، ولا يجزئه أصبع ولا أصبعان كما في مسح الرأس، ولو أصابه مطر أو مشى على حشيش مبتل بالصر يجزئه، وكذا بالطل؛ لأنه ماء، وقيل: لا يجزئه؛ لأنه نفس دابة في البحر يجذبه الهواء فيرش على الأرض. قال المرغيناني: الصحيح الأول، وفي " فتاوى قاضي خان ": وكيفية المسح أن يضع بعض أصابع يده اليمنى، وأصابع يده اليسرى على مقدم خفه الأيسر، ويمدهما إلى الساق فوق الكعبين ويفرج بين أصابعه، ولو بدأ من أصل الساق ومد إلى الأصابع جاز، وفي " المجتبى " إظهار الخطوط ليس بشرط في ظاهر الرواية. وقال الطحاوي: المسح على الخفين خطوط بالأصابع. م: (لحديث المغيرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وضع يديه على خفيه ومدهما من الأصابع إلى أعلاهما مسحة واحد، وكأني أنظر إلى أثر المسح على خف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطوطًا بالأصابع» ش: قلت: حديث المغيرة بن شعبه لم يرو على هذا الوجه، وإنما رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه "، حدثنا الحنفي، عن أبي عامر الخزاز، ثنا الحسن، «عن المغيرة بن شعبة قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بال، ثم جاء حتى توضأ ومسح على خفيه، (ووضع يده اليمنى على خفه الأيمن) ويده اليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة، حتى كأني أنظر إلى أصابع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الخفين.» هذا الحديث مع غرابته يدل على أحكام: الأول: أن السنة وضع اليدين على الخفين. وعن محمد يضع أصابع يديه مقدم الرجل ويمدها، أو يضع كفه مع الأصابع إلى أعلاهما، والمد سنة؛ لأنه ورد «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح بالمد وبغير المد» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الثاني: أن السنة في كيفية الوضع وضع يده اليمنى للأيمن واليسرى للأيسر. الثالث: أن السنة المسح مرة واحدة. فإن قلت: أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث ثور بن يزيد، عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة «عن المغيرة قال: وضأت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك فمسح أعلا الخف وأسفله» . قلت: ضعف هذا الحديث، فقال أبو داود: بلغني أن ثوراً لم يسمعه من رجاء، قال الترمذي: حديث معلول لم يسنده عن ثور غير الوليد بن مسلم، وسألت محمدا وأبا زرعة عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيح؛ لأن ابن المبارك رواه عن ثور عن رجاء. قال: حديث كاتب المغيرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسل. وقال الدارقطني في " العلل ": حديث لا يثبت؛ لأن ابن المبارك رواه عن ثور بن يزيد مرسلاً، وكذا ضعفه أحمد بن حنبل - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: حاصل ما ذكروا في الحديث أربع علل. الأولى: أن ثوراً لم يسمعه من رجاء، ويجاب عن هذا بأن البيهقي أسنده عن داود بن رشيد، حدثنا الوليد، عن ثور، حدثنا رجاء، عن كاتب المغيرة، عن المغيرة، وقد صرح فيها بأن ثوراً قال: حدثنا رجاء، وإن كان من رواه عنه قال عن رجاء. الثانية: أن كاتب المغيرة قد أرسله، ويجاب عن هذا بأن الوليد مسلم زاد في الحديث ذكر المغيرة، وزيادة الثقة مقبولة. الثالثة: أن كاتب المغيرة مجهول، ويجاب عن هذا بأن المعروف بكاتب المغيرة هو مولاه، وزاد الثقفي وكنيته أبو سعيد، ويقال: أبو الورد، سمع المغيرة، وروى عنه الشعبي، ورجاء بن حيوة، وأبو عون وغيرهم، وروى له الجماعة، وصرح ابن ماجه في " سننه " فقال: عن رجاء عن داود كاتب المغيرة، فصرح باسمه. الرابعة: أن الوليد مدلس، ويجاب عن هذه بأن أبا داود قال عن الوليد: أخبرني ثور، فأمن بذلك تدليسه، فلذلك استدل به جماعة منهم الشافعي أن مسح أسفل الخفين مستحب عندهم. قلت: وعن هذا قال صاحب " البدائع ": المستحب عندنا الجمع بين ظاهره وباطنه، وقد ذكرناه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وجمهور أصحابنا استدلوا بما روي من حديث الأعمش عن أبي إسحاق عبد خير «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: " لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح عليه من ظاهره، وقد رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح على الخفين على ظاهرهما» ، رواه أبو داود وأحمد والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه أبو داود أيضاً من حديث الأعمش بإسناده قال: «ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحق بالمسح، حتى رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح على ظاهر خفيه.» وقال أبو داود: «أبو السوداء عن أبيه، قال: رأيت علياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - توضأ فغسل ظاهر قدميه، وقال: لولا أني رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعله لظننت بطونهما أحق بالمسح» وقال البيهقي: والمرجع فيه إلى عبد خير، وهو لم يحتج به صاحبا " الصحيح ". قلت: عدم احتجاج صاحبي " الصحيح "ليس بقادح في روايته، [ .... ] وقد احتج به غيرهما، وحديثه صحيح. وقال إمام الحرمين في " النهاية في الحديث ": الصحيح أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مسح على خفيه خطوطا فكأنه تبع القاضي حسين، فإنه قال: روي «حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما، قال: فحكي عنه أنه قال: ولكني رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح على ظاهر الخف خطوطاً بالأصابع» وتبعه الغزالي في " الوسيط ". وقال النووي في "شرح المهذب ": هذا الحديث ضعيف، روي عن علي مرفوعاً، وعن الحسن البصري موقوفاَ. قلت: وروى ابن أبي شيبة أثر الحسن البصري قال: من السنة أن يمسح على الخفين خطوطَا. وقال في " التنقيح ": قول إمام الحرمين: إنه صحيح، غلط فاحش، لم نجده من مرويات علي، ولكن روى ابن أبي شيبة أثر الحسن المذكور. قلت: كأن النووي أراد بقوله: هذا الحديث ضعيف، هو الذي نقله إمام الحرمين، وأما الذي رواه أبو داود فهو صحيح كما قلنا، والدليل على ذلك ما قاله صاحب " التنقيح ". وقال السروجي: في تعليل ترك مسح باطن الخفين؛ لأن المسح إذا تكرر على أسفل الخف خلق وبلى، وأضر به مع الدوس بالبلل على الأرض، كما ذكروا في ساق الخف، بل أولى؛ لأنه لا يلحق الأرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 ثم المسح على الظاهر حتم   [البناية] قلت: هذا التعليل معدول لا يخفى، وقال أيضاً: ولأنه معدول عن القياس فيقتصر على ما ورد به الشرع وهو ظاهر الخف دون باطنه. قلت: القياس يقتضي مسح الظاهر والباطن؛ لأنه يدل على الغسل، والشرع كما ورد بالظاهر ورد بالباطن كما ذكرنا مستقصى. م: (ثم المسح على الظاهر حتم) ش: أي ثم مسح الخف على ظاهره حتم أي واجب. قال الأترازي: يعني أنه واجب لا يحتمل غيره. قلت: إن أراد بعدم الاحتمال عقلاً فممنوع ومنعه ظاهر، وإن أراد به شرعاً فممنوع أيضاً؛ لأنه ورد «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مسح على باطن خفه» كما مر من حديث المغيرة بن شعبة. وقال صاحب " الدراية ": فإن قيل: ينبغي أن يجوز المسح على الباطن والقعر؛ لأنه خلف عن الغسل، فيجوز في جميع محل الغسل كما في مسح الرأس، فإنه يجوز المسح في جميع الرأس، وإن ثبت مسحه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الناصية. قلت: لا يجوز؛ لأن فعله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ابتداء شرع وهو غير معقول المعنى، فيعتبر جميع ما ورد به الشرع من رعاية الفعل والمحل بخلاف مسحه عليها، فإنه بيان ما ثبت بالكتاب لا نصب الشرع، فيجب العمل بمقدار ما يحصل به البيان وهو المقدار؛ لأن المحل معلوم بالنص فلا حاجة إلى فعله بياناً له. قلت: إن أراد بقوله لا يجوز يعني مسح البطن والعقب مع مسح الظاهر فلا نسلم بذلك؛ لأنه ورد مسح الظاهر والباطن بقوله، فيعتبر جميع ما ورد في الشرع من رعاية الفعل والمحل لا دليلاً لمدعي الاقتصار على الظاهر؛ لأنه ورد في الشرع فعل الباطن. وثبت أنه محل أيضاً لفعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فكما أنه يراعى الفعل والمحل لو ورد الشرع بهما، فكذلك ينبغي أن يراعى ذلك في الباطن أيضاً، فإن الشرع ورد بهما أيضاً. وقوله: لأن المحل معلوم بالنص فلا حاجة إلى نقله بياناً له - غير مسلم في حق المقدار. قال صاحب " الدراية ": فإن قيل: ينبغي أن يجوز المسح على الباطن مع الظاهر لكونهما مرويين والجمع ممكن، فثبت فرضية مطلق المسح وسنية المسح عليهما كما قال الشافعي. قلت: هذا السؤال غير وارد فلا يحتاج إلى قوله ينبغي.. إلخ، والعمل بما قاله الشافعي لو ورد حديث الظاهر والباطن، وإمكان الجمع بينهما في العمل وتأويله في جواب هذا السؤال بقوله: يحتمل أن يكون المراد من أعلاه مما يلي الساق، ومن أسفل ما يلي الأصابع، فلا يثبت سنية مسح الباطن، فالشك غير صحيح؛ لأن هذا مفسر فلا يحتاج إلى التأويل إذا لم يمكن الجمع، وقد أمكن كما ذكرنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 حتى لا يجوز على باطن الخف، وعقبه، وساقه؛ لأنه معدول به عن القياس فيراعى فيه جميع ما ورد به الشرع، والبداية من رءوس الأصابع استحباب   [البناية] م: (حتى لا يجوز على باطن الخف وعقبه وساقه) ش: هذه نتيجة قوله: ثم المسح على الظاهر حتم، قلت: إن أراد بقوله: لا يجوز الاقتصار على الباطن أو العقب أو الساق فمسلم. وإن أراد به مع الظاهر فغير مسلم كما ذكرنا. وقال الأكمل: يعني لا يجوز على باطن الخف وعقبه خلافاً للشافعي في قوله. قلت: هذا لا يصح، فإنه لم ينقل عن الشافعي أنه أجاز مسح الباطن وحده، بل نص في الأم وغيره أن مسح الباطن وحده لا يجوز. م: (لأنه معدول به عن القياس) ش: أي لأن المسح معدول به عن القياس؛ لأن المسح لا يطهر شيئاً ولا يزيله، فجعل قائما مقام الغسل للتخفيف رخصة. وقال الأترازي: قوله معدول به عن القياس إشارة إلى ما ذكرنا من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «لو كان الدين بالرأي» الحديث. قلت: يفهم من كلامه هذا أن القياس مسح الباطن، وعدل به عنه إلى الظاهر، وليس كذلك، بل القياس أن لا يجوز المسح أصلاً كما ذكرنا الآن. م: (فيراعى فيه جميع ما ورد به الشرع) ش: هذه نتيجة قوله: لأنه معدول به عن القياس، ولكن ظاهر هذا الكلام لا يستقيم؛ لأن استيعاب ظاهر الخف والبداءة من رءوس الأصابع غير معتبر في الوجوب، فلو روعي جميع ما ورد به الشرع لوجب ذلك [ ... ] . م: (والبداءة من رءوس الأصابع استحباب) ش: الخبر لا يطابق المبتدأ في المعنى، والمطابقة مستحبة وهو يتضمن الاستحباب، اللهم إلا إذا جعل هذا من قبيل زيد عدل، فافهم. ونتيجة قوله: " استحباب " أنه لو بدأ من الساق جاز. وسأل الأكمل ها هنا سؤالاً، وملخصه: أنه كان ينبغي أن تكون البداءة من الأصابع حتما لا مستحبا كالمسح على ظاهرهما؛ لأن الشرع ورد بمد اليدين من الأصابع إلى أعلاهما، ثم أجاب عن ذلك بقوله ما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مسح على خفيه من غير مد إلى الساق. قلت: في حديث المغيرة الذي ذكره المصنف ومدهما من الأصابع إلى أعلاهما. فإن قلت: إن هذا غريب لم يرو حديث المغيرة هكذا. قلت: روي في حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده هكذا من أطراف الأصابع إلى أصل الساق» ، ورواه ابن ماجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 اعتبارا بالأصل وهو الغسل، وفرض ذلك مقدار ثلاث أصابع من أصابع اليد. وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من أصابع الرجل، الأول أصح اعتبارا بآلة المسح، ولا يجوز المسح على خف فيه خرق كثير يبين منه قدر ثلاثة أصابع من الرجل.   [البناية] فإن قلت: في سنده جرير بن يزيد، قال صاحب " التنقيح ": وجرير هذا ليس بمشهور ولم يروعنه غير بقية، وفي سنده أيضاً: منذر بن زيادة الطائي، وقد كذبه الفلاس، وقال الدارقطني: متروك، وهذا الحديث مما استدركه الحافظ المزني على ابن عساكر، إذ لم يذكره في " أطرافه " وكأنه ليس في بعض نسخ ابن ماجه. قلت: أخرج الطبراني في " معجمه الأوسط " عن بقية، عن جرير بن يزيد الحميري، عن محمد بن المنكدر، «عن جابر بن عبد الله، قال: " مر رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجل يتوضأ، وهو يغسل خفيه، فنخسه بيده، وقال: إنما أمرنا بالمسح هكذا، وأراه بيده من مقدم الخفين إلى أصل الساق مرة، وفرج بين أصابعه.» م: (اعتباراً بالأصل وهو الغسل) ش: اعتباراً على أنه مفعول مطلق، أي اعتبرنا في مسح الخف البداء من الأصابع اعتباراً بالأصل، وهو غسل الرجلين م: (وفرض ذلك) ش: أي فرض مسح الخف م: (مقدار ثلاث أصابع من أصابع اليد) ش: قال في " التحفة ": سواء كان المسح طولاً أو عرضا، أما التقدير بثلاث أصابع كما ذكر في حديث جابر المذكور آنفاً، وقد ذكر بلفظ الجمع وأقله ثلاثة، وأما اعتبارها من أصابع اليد فلكونها آلة كما في مسح الرأس. م: (وقال الكرخي من أصابع الرجل) ش: وقال الشيخ أبو الحسن الكرخي في " مختصره ": إذا مسح مقدار ثلاث أصابع من الرجل أجزأه واعتبر بالخرق م: (والأول أصح) ش: أي اعتباراً لأصابع اليد م: (اعتباراً بآلة المسح) ش: لأن المسح فعل يضاف إلى الفاعل لا إلى المحل فتعتبر الآلة كما في الرأس. [المسح على خف فيه خرق كبير] م: (ولا يجوز المسح على خف فيه خرق كبير) ش: يروى كبير بالباء الموحدة وكثير بالثاء المثلثة، فالأول يقابله الصغير، والثاني يقابله القليل، والأول أيضاً يستعمل في الكمية المتصلة، والثاني في المنفصلة م: (يبين منه قدر ثلاث أصابع من أصابع الرجل) ش: هذه الجملة الفعلية في محل الرفع؛ لأنه صفة لقوله: كبير، وفي " المحيط " و " البدائع " و " الأسبيجابي ": الخرق المانع هو المفتوح الذي يكشف ما تحت الخف، أو يكون منضماً، لكن يفرج عند المشي ويظهر القدم، وإذا كان طويلاً منضماً لا ينكشف ما تحته لا يمنع، كذا روي عن أبي يوسف، ولو انكشف الطهارة وفي داخلها بطانة من جلد. وفي " الذخيرة " أو خرقة مخروزة بالخف لا يمنع، وقيل: ولو كان الخرق تحت القدم لا يمنع ما لم يبلغ أكثر القدم. وفي الكعب يمنع ثلاث أصابع لا ما دونها وما فوق الكعبين لا يمنع؛ لأنه ليس الموضع لمسح ولا لمشي، وفي " الذخيرة " الكبير ثلاث أصابع الرجل أصغرها، وفي بعض الواضع كالإبهام وجاز لها. قال الحلواني: إن كان الخرق عند أكبر الأصابع يعتبر أكبرها، وإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 فإن كان أقل من ذلك جاز. وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا يجوز وإن قل؛ لأنه لما وجب غسل البادي وجب غسل الباقي، ولنا أن الخفاف لا تخلو عن الخرق القليل عادة فيلحقهم الحرج في النزع، وتخلو عن الكثير فلا حرج،   [البناية] كان عند أصغر الأصابع يعتبر أصغرها، وهذا في الخرق المنفرج الذي يرى ما تحته من الرجل. وإن كان طويلاً يدخل فيه ثلاث أصابع وأكثر، ولكن لا يرى شيء ما أصابع إلا ينفرج عند المشي لصلابته لا يمنع، وفي مقطوع الأصابع يعتبر الخرق بأصابع غيره، وقيل بأصابع نفسه له كانت قائمة. وفي " المرغيناني ": إن ظهرت من الخرق الإبهام والوسطى والخنصر شيء من الخف لم يجز المسح، ولو ظهر الإبهام ولكن قدر ثلاث أصابع الرجل أصغرها لا بأس بالمسح، وفي " صلاة الحسن ": يعتبر قدر ثلاث أصابع الرجل مضمومة لا ينفرج الخف الذي لا ساق له كذي الساق وصاحب الرجل الواحدة يمسح، وفي " المنية ": مقطوع الأصابع تحته خرق في موضع الأصابع مقدار ثلاث أصابع قدميه أصغرها لو كانت قائمة يمنع المسح ولا يعبأ بأصابع غيره، وإن كان موضع الإبهام، وخرجت هي وجارتها يمنع، وجارة واحدة منها لا يمنع في الأصح، وإن ظهرت الأصابع ولم تخرج لا يمنع. م: (وإن كان أقل من ذلك جاز) ش: أي من ثلاث أصابع الرجل جاز المسح؛ لأن الخف لا يخلو عن الخرق القليل عادة فجعل عفواً لدفع الحرج. م: (وقال زفر والشافعي: لا يجوز بخرق وإن قل) ش: أي الخرق. وقال أحمد: وعن الثوري، ويزيد بن هارون، وأبي ثور، جوازه على جميع الخفاف. وعند مالك: اليسير غير مانع، والكبير مانع، وعن الأوزاعي: إن ظهرت طائفة من رجله مسح على خفيه وعلى ما ظهر من رجليه. وعن الحسن: إن ظهر أكثر الأصابع لم يجز، وفي شرح " الوجيز ": ولو كان الخف متخرقاً ففيه قولان، في القديم: يجوز المسح عليه ما لم يتفاحش، وبه قال مالك. وحد الفحش ما قاله الأكثرون ما لم يتمالك في الرجل، ولا يتأتى المشي عليه، وإلا فليس بفاحش. وقيل: حده أن لا يبطل له اسم الخف، وبه قال النووي. وفي الجديد: لا يجوز المسح عليه قليلاً كان الخرق أو كثيراً، وبه قال أحمد: والطحاوي. م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الشأن م: (لما وجب غسل البادي) ش: أي الظاهر من الرجل م: (وجب غسل الباقي) ش: اعتباراً بالكثير عندنا، والجميع بين الغسل والمسح لا يجوز. م: (ولنا أن الخفاف لا تخلو عن الخرق القليل عادة فيلحقهم الحرج في النزع) ش: أي في نزع الخف ولا سيما في حق المسافر م: (وتخلو) ش: أي الخفاف م: (عن الكثير فلا حرج) ش: فيه لندورته، وقولهم: لما وجب غسل البادي، قلنا: وجوب غسل البادي غير مسلم لهم فاليسير الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 والكثير أن ينكشف قدر ثلاثة أصابع من أصابع الرجل أصغرها هو الصحيح؛ لأن الأصل في القدم هو الأصابع، والثلاث أكثرها، فيقام مقام الكل واعتبار الأصغر للاحتياط، ولا يعتبر بدخول الأنامل إذا كان لا ينفرج عند المشي، ويعتبر هذا المقدار في كل خف على حدة،   [البناية] ذكروه، فإن مواضع [ ... ] الخف كان مثل ذلك فيه خرق، ألا ترى كيف يدخل التراب من ذلك. م: (والكثير أن ينكشف قدر ثلاثة أصابع من أصابع الرجل أصغرها) ش: الكثير مبتدأ، وأن مصدرية في محل الرفع على الخبرية، والتقدير الكثير انكشاف قدر ثلاث أصابع الرجل. قوله: " أصغرها " بالجر بدل من ثلاث أصابع، بدل البعض من الكل م: (هو الصحيح) ش: أي التقدير بثلاثة أصابع من أصابع الرجل هو الصحيح، واحتراز به عما روي عن الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: قدر ثلاثة أصابع من أصابع اليد، وقال الأكمل قوله: هو الصحيح احتراز عن رواية الحسن كما ذكرنا، وعما قال شمس الأئمة الحلواني: المعتبر بأكبر الأصابع إن كان الخرق أكبرها وأصغرها إن كان عند أصغرها. قلت: أخذ الأكمل هذا من السغناقي، وليس كذلك، بل قوله: هو الصحيح، احتراز عن رواية الكرخي، وأما الاحتراز عن رواية الحلواني فنقول أصغرها. م: (لأن الأصل في القدم هو الأصابع والثلاث أكثرها) ش: أي ثلاثة أصابع أكثر القدم، وفيه نظر؛ لأنه جعل الأصل في القدم الأصابع، ثم قال: والثلاث أكثرها، وهذا يقتضي أن تكون الأصابع من أجزاء القدم وجزء الشيء لا يكون أصلاً له م: (فيقام مقام الكل) ش: أي إذا كان الثلاث أكثر القدم فيقام مقام الكل بضم الميم الأولى؛ لأن أكثر الشيء له حكم كله. م: (واعتبار الأصغر للاحتياط) ش: وهذا كأنه جواب عما يقال: لم اعتبر الأصابع بثلاث الصغير؟ فأجاب بقوله: للاحتياط في باب العبادة م: (ولا معتبر بدخول الأنامل إذا كان لا ينفرج عند المشي) ش: أي لا عبرة بدخول الأنامل في حكم الأصابع، يعني إذا بدا مقدار ثلاثة من أصابع الرجل لا يمنع الجواز، وقيل: يمنع، وإليه مال السرخسي، والأصح أنه إذا بدا قدر ثلاثة من أصابع الرجل بكمالها يمنع، وإليه مال الحلواني. وفي " المجتبى " له ذلك من بطانة الخف دون الرجل، قال الفقيه أبو جعفر: الأصح أنه يمسح عند الكل كأنه كالجوارب المنعل، وحكم الكعب المرتفع حكم الخف؛ لأنه كالخف لا ساق له. وفي " شرح الوجيز ": لو تخرقت البطانة وحدها أو الطهارة وحدها جاز المسح إن كان ما بقي ليس بضعيف، وإلا لا يجوز في أظهر القولين م: (ويعتبر هذا المقدار) ش: أي مقدار ثلاثة أصابع الذي يمنع بدورها عن المسح م: (في كل خف على حدة) ش: أي في كل واحد من الخفين منفرداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 فتجمع الخروق في خف واحد، ولا يجمع في خفين؛ لأن الخرق في أحدهما لا يمنع قطع السفر بالآخر، بخلاف النجاسة المتفرقة؛ لأنه حامل للكل. وانكشاف العورة نظير النجاسة. ولا يجوز المسح لمن وجب عليه الغسل.   [البناية] وقوله: على حدة: أي على حال، والهاء فيه عوض عن الواو، وأصله وحده، ولما حذفوا الواو عوضوا بها الهاء في آخره على حدة، وكذلك أحد أصله وحد م: (فتجمع الخروق في خف واحد) ش: هذه نتيجة قوله: ويعتبر هذا المقدار في كل خف على حدة م: (ولا تجمع) ش: أي الحروق م: (في الخفين) ش: وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تجمع في خف أيضاً م: (لأن الخرق في أحدهما لا يمنع قطع السفر بالآخر) ش: أي بالخف الآخر بخلاف الخرق من الخفين. قال الأكمل: قيل: ينبغي أن يجمع في الخفين أيضاً؛ لأن الرجلين صارا كعضو واحد لدخولهما تحت خطاب واحد. وأجيب بأنهما صارا كعضو واحد في حق حكم شرعي. والخرق أمر حسي فلا يكونان فيه كعضو واحد كما في قطع المناخر، ولهذا لو مد الماء من الأصابع إلى العقب جاز، ولم يظهر له حكم الاستعمال؛ لأنه عضو واحد، ولو مد الماء من إحدى الرجلين إلى الأخرى لم يجز. قلت: هذا السؤال مع جوابه في " الدراية " ولكن جواب صاحب " الدارية " قلت: نعم صار كعضو واحد في حق المسافر. فإن قيل: هلا يغسل أحدهما؟ قلنا: لما كان العضوين واحداً في حق حكم شرعي، فلو غسلت إحداهما ومسح الأخرى يكون جمعاً بين المسح والغسل في عضو واحد حكماً، وهذا غير مشروع، كذا في " الكافي "، وفي " الإيضاح ": الوظيفة فيهما إن كانت متحدة حتى انتقض المسح بنزع أحدهما، ولكنهما في حق الغسل عضوان م: (بخلاف النجاسة المتفرقة) ش: على الخفين بأن كانت في إحداهما قليلة وفي الأخرى كذلك يجمع بينهما م: (لأنه) ش: أي؛ لأن صاحب الخف م: (حامل للكل) ش: أي لكل النجاسة وهو ممنوع في الحمل. وقيل في الفرق بين النجاسة والخرق إنما يمنع المسح لا بعينة، بل لمعنى يتضمنه، وهو أنه لا يمكنه قطع السفر به بخلاف النجاسة، فإن المانع غيرها لا لمعنى يتضمنه، وهو أنه لا يمكنه قطع السفر بالنجاسة خصت به، فإذا كان كذلك فمتى بلغت النجاسة أكثر من قدر الدرهم تمنع الجواز. م: (وانكشاف العورة نظير النجاسة) ش: يعني أنه يجمع وإن كان في مواضع كما يجمع النجاسة المتفرقة في بدن الإنسان أو ثوبه أو خفه. وفي " الزيادات ": ولو انكشف شيء من فرجها وشيء من بطنها وشيء من فخذها وشيء من ساقها وشيء من شعرها، بحيث لو جمع يكون ربع ساقها أو شعرها أو فرجها لا تجوز صلاتها. [المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل] م: (ولا يجوز المسح لمن وجب عليه الغسل) ش: صورته رجل توضأ ولبس الخف، ثم أجنب ثم وجد ماء يكفي للوضوء ولا يكفي للاغتسال فإنه يتوضأ ويغسل رجليه ولا يمسح ويتيمم للجنابة، ذكر هذا في " المنتقى ". وقيل: صورته مسافر أجنب ومعه ماء يكفي للوضوء فتيمم للجنابة، ثم أحدث، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 لحديث صفوان بن عسال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليها إلا عن جنابة، ولكن من بول أو غائط أو نوم»   [البناية] وتوضأ بذلك الماء، ولبس خفيه ثم مر على الماء انتقض وضوؤه السابق لقدرته على الاغتسال، فلو لم يغتسل وعدم الماء ثم حضرت الصلاة وعنده ماء قدر ما يكفي الوضوء تيمم وتعود الجنابة لرؤية الماء، ولو أحدث بعده فتوضأ بذلك الماء، ولكن ينزع خفيه ويغسل رجليه، وفي الجنابة المسألة لا تحتاج إلى صورة معينة، فإن من أجنب بعد لبس الخف على طهارة كاملة لا يجوز له المسح مطلقاً؛ لأن الشرع جعل الخف مانعاً لرؤية الحدث الأصغر لا الأكبر. وقال شمس الأئمة السرخسي: الجنابة لزمها غسل جميع البدن، ومع الخف لا يتأتى ذلك. م: «لحديث صفوان بن عسال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليها إلا عن جنابة، ولكن من بول أو غائط أو نوم» ش: هذا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " وابن خزيمة في " صحيحه "، وفي رواية الترمذي: الحديث معلول يتضمن قضية المسح والعلم والتوبة والهوى، ورواه الشافعي أيضاً وأحمد والدارقطني والبيهقي، ووقع في الدارقطني زيادة في آخر هذا المتن، وهو وقوله: " أو ريح "، ولكن وكيع تفرد بها عن مسعر. قلت: إن كثيراً من الشراح المشهورين لم يتعرضوا لذكر هذا الحديث أصلاً، أما السغناقي فلم يذكره أصلاً، وكذلك الأترازي وتاج الشريعة. وأما الأكمل فإنه أمعن، وقال: عسال بالعين المهملة يباع له العسل ولم يذكر شيئاً غير ذلك. أما صاحب " الدراية " فأمعن فيه، وقال: الحديث في " المستصفى " ولكن ذكر فيه " إلا عن جنابة " وهكذا ذكره أكثر المحدثين. قلت: روي إلا بكلمة الاستثناء وبكلمة لا للنفي وكلاهما صحيح، ولكن المشهور هو الأول، والمشهور أيضاً في كتب المحدثين بالواو في قوله: " أو غائط أو نوم " وكلمة " أو " في كتب الفقه، وقد تكلمنا فيه فيما مضى. وقال صاحب " الدراية ": روى الطحاوي في كتابه: " إلا عن جنابة " كما ذكر في المتن وهو الأشبه بالصواب، وقال: ولعل بعض الرواة أدخلها في كتابه، وكتب " إلا " مكان: " لا:، كذا في " شرح المصابيح "، ويحتمل أن الصحابي قال: كان عليه اللام يأمرنا بنزع خفافنا من بول وغائط ونوم إلا عن جنابة، فرواه مقلوباً، كذا قيل. قلت: هذا كله تخمين وتصرف غير سديد، وقد قلت: إنه روي بوجهين عن صفوان، فلا يحتاج إلى هذا التكلف. وقال الأكمل بعد قوله: " والاستدلال به ظاهر " أي بحديث صفوان، وقال حميد الدين: الموضع موضع النفي فلا يحتاج إلى التصوير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 ولأن الجنابة لا تتكرر عادة، فلا حرج في النزع بخلاف الحدث؛ لأنه يتكرر. وينقض المسح كل شيء ينقض الوضوء؛ لأنه بعض الوضوء، وينقضه أيضا نزع الخفين لسراية الحدث إلى القدم حيث زال المانع، وكذا نزع أحدهما لتعذر الجمع بين الغسل والمسح في وظيفة واحدة،   [البناية] قلت: مولانا حميد الدين لم يقل هذا المذكور في الحديث، وإنما قال في قول المصنف: لا يجوز المسح لمن وجب عليه الغسل؛ لأنهم قالوا: إن ذكر الصور بهذا تكلف، ولهذا قال في " المنافع " أيضاً هو موضع النفي فلا يحتاج إلى التصوير. م: (ولأن الجنابة لا تتكرر عادة، فلا حرج في النزع بخلاف الحدث؛ لأنه يتكرر) ش: وفي نزع الخف فيه حرج، وشرعية المسح لدفع الحرج. فإن قلت: قوله: " بخلاف الحدث " يتناول الحدث الأصغر والأكبر. قلت: دلت القرينة اللفظية على أن المراد هو الحدث الأصغر. [نواقض المسح على الخفين] م: (وينقض المسح كل شيء ينقض الوضوء) ش: لأنه بدل عن الغسل فصار كالتيمم م: (لأنه) ش: أي؛ لأن المسح م: (بعض الوضوء) ش: فيعتبر البعض بالكل م: (وينقضه أيضاً) ش: أي ينقض المسح أيضاً م: (نزع الخفين لسراية الحدث إلى القدم حيث زال المانع) ش: وهو الخف؛ لأنه لو كان المانع عن حلول الحدث السابق، فلما زال حل وعمل عمله م: (وكذا نزع أحدهما) ش: أي وكذا ينقض المسح نزع أحد الخفين م: (لتعذر الجمع بين الغسل والمسح في وظيفة واحدة) ش: وهي غسل الرجلين؛ لأن إتيان البدل إنما يتأتى عند عدم الأصل، ومن أصحاب مالك من قال: لا يلزمه ذلك، بل يمسح على الآخر ويغسل الرجل، وهو مذهب الزهري، وأبي ثور أيضاً، وهاهنا خمسة أشياء. الأول: أنه قال: النزع في الصورتين، وحكم الانتزاع كذلك، وسراية الحدث السابق إلى القدمين كما ذكرنا. والثاني: قال في وظيفة واحدة؛ لأنه إذا كان الجمع بين الغسل والمسح في وظيفتين لا يمنع كغسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين. الثالث: أن النزع أو الانتزاع غير ناقض، وإنما الناقض هو الحدث السابق، ولكن لما كان ظهور عمله عند وجود النزع أضيف النقض إليه مجازاً. والرابع: أن التعذر الذي ذكره هو باعتبار ما تقتضيه القاعدة، وأما باعتبار غير لك فلا يقدر، وهذه الأربعة متعلقة بالكتاب. والخامس: دخول الماء أحد خفيه حتى تصير رجله مغسولة ينقضه أيضاً، ويجب غسل رجله الأخرى لمنع المسح الجمع، وإن لم يبلغ لا ينقض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 وكذا مضي المدة لما روينا، وإذا تمت المدة نزع خفيه وغسل رجليه وصلى وليس عليه إعادة بقية الوضوء.   [البناية] وزاد أبو جعفر في " نوادره ": أن الماء إذا أصاب أكثر الرجل ينقض، وفي " الحاوي " إذا ابتل جميع أحد القدمين ينق مسحه، ذكره في " الزيادات " غسلت إحدى الرجلين أو بعض الرجل لا يجوز المسح، وفي " المرغيناني " الأصح أن غسل أكثر القدم ينقضه، وفي " متنه " إذا بلغ الماء أكثر رجله الواحدة روايتان في انتقاض المسح. وفي " الذخيرة " قال في " صلاة العيون " الماسح على الخف إذا أحدث فانصرف ليتوضأ فانقضت مدة مسحه قيل فله أن يغسل رجليه ويبني على صلاته كالمتيمم إذا أحدث فانصرف فوجد ماء لا تفسد صلاته، وله أن يتوضأ ويبني على صلاته كذا ها هنا. قال: وذكر في " مجموع النوازل " نزعها لهذه المسألة فقال: لو انقضت مدة مسحه بعدما أعاد إلى مكان صلاته فسدت، وإذا انقضت مدة مسحه، وهو في الصلاة ولم بجد ماء فإنه يمضي على صلاته، ومن المشايخ من قال: تفسد صلاته. م: (وكذا مضي المدة) ش: أي وكذا ينقض المسح لمضي يوم وليلة في المقيم وثلاثة أيام في المسافر م: (لما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يمسح المقيم يوماً وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها» . وقال الأكمل: لما روينا من رواية صفوان أ: «أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام» ، وكذا قال صاحب " الدراية "، والأكمل أخذه منه، والأوجه هو الأول على ما لا يخفى. وقوله: " لما روينا ": ليس على الحقيقة، وإنما هو حكاية أو مجرد نقل، والرواية غير ذلك على ما عرفت. وقال ابن أبي ليلى: المسح على الخفين قائم مقام غسل الرجلين، فلو غسل رجليه ولبس خفيه، ثم نزع لم يجب عليه غسل رجليه فكذا ها هنا، قلنا: إنه قائم مقامه شرعاً في وقت مقدر، فإذا مضى لا يقوم مقامه كطهارة التيمم. م: (وإذا تمت المدة) ش: وفي بعض النسخ " وإذا انقضت المدة " وهي اليوم والليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليها للمسافر م: (نزع خفيه وغسل رجليه وصلى) ش: لسريان الحدث إلى القدمين إذا كان متوضئاً. قال الأكمل: قيل هو تكرار؛ لأنه علم حكمه من قوله: وكذا مضي المدة، وأجيب بأنه ذكر تمهيداً لما رتب عليه من قوله: " ينزع خفيه وغسل رجليه " قلت: ليس كذلك، وإنما ذكره تمهيداً لما رتب عليه حكما آخر وهو قوله م: (وليس عليه إعادة بقية الوضوء) ش: قال الأكمل هذا احتراز عن قول الشافعي فإنه يقول: عليه أن يعيد الوضوء. قلت: المصنف في صدد بيان مذهبه لم يلتزم بيان مذهب غيره إلا في مواضع لأجل نصب الدلائل رداً عليه، ثم عدم بقية الوضوء إذا كان متوضئاً، وأما إذا كان محدثاً فعليه أن يتوضأ وهو قول أبي عمر، والشعبي، والنخعي، وابن علية، والأسود، وأبي ثور، والليث، والشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 وكذا إذا نزع قبل المدة؛ لأن عند النزع يسري الحدث السابق إلى القدمين كأنه لم يغسلهما، وحكم النزع يثبت بخروج القدم إلى الساق؛ لأنه لا معتبر به في حق المسح، وكذا بأكثر القدم هو الصحيح.   [البناية] في أصح قوليه، ومالك، والليث، إلا أنهما قالا: إن أخر غسلهما يستأنف الوضوء. وقال الحسن بن حي، والزهري، ومكحول، وابن سيرين: إذا خلع خفيه أعاد الوضوء من أوله، ولا فرق بين تراخيه وعدمه. وقال الحسن البصري، وطاووس، وقتادة، وسليمان بن حرب: إذا نزع بعد المسح صلى كما هو، وليس عليه غسل رجليه، ولا تجديد الوضوء، واختاره ابن المنذر، واعتبروه بحلق الشعر بعد مسح الرأس. وأجيب عن ذلك بأن الشعر من الرأس خلقة، ومسحه مسح الرأس بخلاف الخف فإنه منفصل عن الرجل فلا المسح عليه غسلاً للرجل فكان الحدث قائماً بالرجل بعد نزع الخف عنها. م: (وكذا إذا نزع قبل مضي المدة) ش: أي وكذا ليس عليه إعادة بقية الوضوء إذا نزع الخف قبل مضي مدة المسح في حق المقيم والمسافر م: (لأن عند النزع يسري الحدث السابق إلى القدمين كأنه لم يغسلهما) ش: فإذا لم يغسلهما بقيتا بلا غسل ولا مسح مع الحدث بهما وهذا لا يجوز. م: (وحكم النزع يثبت بخروج القدم إلى الساق) ش: لما كان لنزع الخف قبل مضي المدة حكم قدر ذكره إشارة بهذا إلى النزع الذي يترتب عليه الحكم ما هو حكمه، فقال: حكم النزع إلى ساق الخف ثبت بخروج القدم، أي بخروج قدم المتوضئ الماسح إلى موضع ساقه من الخف؛ لأن موضع المسح فارق مكانه فكأنه ظهر رجله. م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الساق م: (لا معتبر به في حق المسح) ش: أي بالساق في حق المسح حتى لو لبس خفاً لا ساق له يجوز المسح إذا كان الكعب مستوراً، وإنما قلنا به مع أن الساق مؤنثة سماعية إما باعتبار لفظ المذكور وإما باعتبار العضو م: (وكذا بأكثر القدم) ش: أي وكذا ثبت كم النزع بخروج أكثر القدم إلى ساق الخف. وفي " مبسوط " شيخ الإسلام: أخرج رجليه إلى الساق ثم أعادهما لا يمسح عليهما بعد ذلك. وقال الشافعي في القديم: له المسح لما أنه لم ظهر من محل الفرض شيء فلا يلزمه الغسل، وفي الجديد: وهو الأصح، وهو قولنا، وقول مالك، وأحمد: لا يجوز المسح م: (هو الصحيح) ش: هو المروي عن أبي يوسف. وفي " شرح الطحاوي " إذا خرج أكثر العقب من الخف ينتقض مسحه. وعن محمد: إذا بقي في الخف من القدم قدر ما يجوز المسح عليه جاز وإلا فلا، وهذا إذا قصد النزع ثم بدا له أن لا ينزع، فإذا كان لزوال العقب فلبس الخف فلا ينتقض المسح. وفي " الكافي ": على قول محمد أكثر المشايخ؛ لأن المعتبر هو محل الفرض، فما بقي لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 ومن ابتدأ المسح وهو مقيم فسافر قبل تمام يوم وليلة مسح ثلاثة أيام ولياليها عملا بإطلاق الحديث،   [البناية] ينقض مسحه. وفي " الذخيرة ": رجل أعوج يمشي على قدميه وقد ارتفع عقباه عن عقب الخف، أو كان لا عقب للخف وصدور قدميه في الخف، أو رجل صحيحة أخرج قدميه من عقب الخف إلا أن مقدم قدميه في الخف في موضع المسح له أن يمسح ما لم يخرج صدور قدميه من الخف إلى الساق. م: (ومن ابتدأ المسح وهو مقيم) ش: أي والحال أنه مقيم م: (فسافر قبل تمام يوم وليلة مسح ثلاثة أيام ولياليها عملاً بإطلاق الحديث) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها» لأن إطلاق الحديث سبق رخصة المسح في كل مسافر - وهذا مسافر - فيمسح كما في سائر المسافرين، وبقولنا قال الثوري، وأحمد رجع إليه عن قوله الأول، وهو قول داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقال الشافعي: إذا أحدث ومسح في الحضر ثم سافر قبل تمام يوم وليلة يتم يوما وليلة من حين أحدث، وبه قال مالك، وإسحاق، وأحمد، وداود في رواية عنهما، ولو أحدث في الحضر ثم سافر ومسح في السفر قبل خروج وقت الصلاة فإنه يتم مسح مسافر من حيث أحدث في الحضر عند الجمهور إلا ما نقل عن المزني أن يتم مسح مقيم، وقيل: ما نقله عنه غلط، بل قوله قول الجمهور. ولو لبس في الحضر وسافر قبل الحدث يمسح مسح مسافر بالإجماع، ولو أحدث في الحضر ثم سافر قبل خروج الوقت هل يمسح مسح مسافر أو مقيم فيه الوجهان، والصحيح مسح مسافر، والمسألة على أربعة أوجه، والمرأة كالرجل في المسح على الخف شرعيته، ومدته، وشروطه، ونواقضه كالتيمم، والمستحاضة كمن به سلس البول، عليه خف مغصوب جاز. وقال أحمد: لا يجوز، وكذا عليه خف من حرير عنده، وقال النووي: ولو اتخذ خفا من زجاج أو خشب أو حديد يمكن متابعة المشي عليه بغير عصى جاز المسح عليه. وقال إمام الحرمين والغزالي: يمسح على خف الحديد وإن عسر المشي فيه لثقله، وذلك لضعف اللابس، وإن كان يرى ما تحته لصفائه، بخلاف ستر عورته بزجاج يصف ما تحته حيث لا تجوز صلاته لعدم ستر العورة، وكذا عند الحنابلة وعندنا لا يجوز المسح على شيء من ذلك؛ لأن الشرع ورد بالمسح على الخف وهو اسم للمتخذ من الجلد الساتر للكعبين فصاعداً، وما ألحق به من المكعب والجرموق والخفاف المتخذة من [ ... ] على ما ذكره السرخسي، والصحيح عنده إن كانت تحتها أدم يجوز، ذكره في " البحر ". وجنب اغتسل وصب الماء في خفيه فانغسلت رجلاه وارتفعت الجنابة عنها وصحت صلاته وانقضت المدة فغسل رجليه في الخف صح، فلو أحدث بعد هذا لا يلزمه نزع خفيه، بل له أن يمسح عليهما، وقال الشافعي: ينزع خفيه ثم يلبسهما، ولو دميت رجله في الخف فغسلهما فيه جاز المسح بعده اتفاقا ولا يشترط نزعه، ونسي المسح على الخف ثم خاض ماء جار [ ] الفرض بإصابة البلة ظاهر الخف، ولا يصير الماء مستعملاً عند أبي يوسف، وقال محمد: يصير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 ولأنه حكم متعلق بالوقت فيعتبر فيه آخره، بخلاف ما إذا استكمل المدة للإقامة ثم سافر؛ لأن الحدث قد سرى إلى القدم والخف ليس برافع، ولو أقام وهو مسافر إن استكمل مدة الإقامة نزع؛ لأن رخصة السفر لا تبقى بدونه، وإن لم يستكمل أتمها؛ لأن هذه مدة الإقامة وهو مقيم، ومن لبس الجرموق فوق الخف مسح عليه، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] مستعملاً ولا يجزئه عن المسح إذا كان الماء قليلاً غير جار. م: (ولأنه حكم متعلق بالوقت فيعتبر فيه آخره) ش: أي؛ لأن المسح متعلق بالوقت وهو يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام ولياليها للمسافر، فيعتبر فيه آخر الوقت كالصلاة، فإنها حكم متعلق بالوقت، فاعتبر فيها آخر الوقت في الطهر، والحيض، والإقامة، والسفر، والبلوغ، والإسلام. م: (بخلاف ما إذا استكمل المدة للإقامة ثم سافر) ش: يلزمه غسل رجليه م: (لأن الحدث قد سرى إلى القدم والخف ليس برافع) ش: بل هو مانع في المدة. م: (ولو أقام وهو مسافر إن استكمل مدة الإقامة نزع؛ لأن رخصة السفر لا تبقى بدونه، وإن لم يستكمل أتمها؛ لأن هذا مدة الإقامة) ش: وهي يوم وليلة مدة الإقامة م: (وهو مقيم) ش: أي والحال أنه مقيم فيتمها. [المسح على الجرموقين] م: (ومن لبس الجرموق فوق الخف) ش: يعني قبل أن يحدث لبس الجرموق على الخف، والجرموق ما يلبس فوق الخف وساقه أقصر من الخف، ويقال وهو معرب عن يرموق م: (مسح عليه) ش: عندنا، وبه قال الثوري، والحسن، وأحمد، وداود، وجمهور العلماء، قال أبو حامد: هو قول العلماء كافة. وقال المزني: لا أعلم بين العلماء خلافا في جوازه، حكاه عنهما النووي في " شرح المهذب "، وهو قول الشافعي في القديم، وإلا فلا، وقال في الجديد: لا يجوز المسح عليه إلا إذا لبسه وحده بلا خف. م: (خلاف للشافعي) ش: وبه قال مالك في رواية، وفي " شرح الوجيز " هذا لا يخلو عن أربعة أحوال، أحدها: أن يكون يمسح الأسفل بحيث لا يمسح على الخف أو بخرق الأعلى يمسح عليه، فالمسح على الأعلى والأسفل كاللفافة. الثانية: أن يكون على العكس من ذلك، فيمسح على الأسفل القوي وما فوقه كخرقة، فلو مسح الأعلى فوصل البلل إليه، فإن قصد المسح على الأسفل أو عليهما جاز، وإن قصد الأعلى فقط لم يجز، وإن لم يقصد شيئاً فوجهان والأظهر الجواز. والثالثة: أن لا يكون واحد منهما بحيث يمسح فلا يخفى بعذر المسح. والرابعة: أن يكون كل منهما بحيث يمسح عليه، فهل يجوز المسح على الأعلى فيه قولان، في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 فإنه يقول: البدل لا يكون له بدل، ولنا أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مسح على الجرموقين   [البناية] القديم: يجوز، وهو قول أبي حنيفة، وأحمد، وهو اختيار المزني، وفي الجديد: لا يجوز، وهو أشهر الروايتين عن مالك. م: (فإنه يقول) ش: أي فإن الشافعي يقول م: (البدل لا يكون له بدل) ش: يعني الشرع ورد بالمسح على الخفين بدلاً عن غسل الرجلين، فلو جوز المسح عليهما أقامها مقام الخف، والخف لا يكون له بدل. م: (ولنا «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على الجرموقين فوق الخف» ش: هذا الحديث رواه بلال، وأنس، وأبو ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أما حديث بلال فأخرجه أبو داود من حديث أبي عبد الله عن أبي عبد الرحمن أنه شهد عبد الرحمن بن عوف يسأل بلالاً عن وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «كان يخرج يقضي حاجة فآتيه بالماء فيتوضأ، ثم يمسح على عمامته وموقيه» ، رواه ابن خزيمة في " صحيحه " والطبراني في " معجمه " من حديث شريح بن هانئ عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «زعم بلال أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمسح على الخفين والخمار» ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " من حديث أبي إدريس الخولاني عن بلال «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على الموقين والخمار» . وأما حديث أنس فرواه البيهقي من حديث عاصم الأحول عن أنس بن مالك «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمسح على الموقين والخمار» . وأما حديث أبي ذر فرواه الطبراني في " معجمه الأوسط " من حديث عبد الله بن الصامت «عن أبي ذر قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح على الموقين والخمار.» وقال الشيخ تقي الدين في " الإمام ": قد اختلفت عبارتهم في تفسير الموق فقال ابن سيده: الموق ضرب من الخفاف، والجمع أمواق، عربي صحيح، وحكى الأزهري عن الليث كذلك، وقال الفراء الموق: الخف، فارسي معرب، وكذا قال الهروي: الموق الخف، وقال الخطابي أيضاً: الموق نوع من الخف معروف وساقه إلى القصر، وقال النووي: أجاب أصحابنا عن الحديث أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 ولأنه تبع للخف استعمالا وغرضا   [البناية] الموق هو الخف لا الجرموق لأوجه، الأول: لأنه اسمه عند أهل اللسان. الثاني: أنه لم ينقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه مسح على جرموقه. الثالث: أن الحجاز لا يحتاج فيه إلى الجرموقين فينقد لبسه. الرابع: أن الحاجة لا تدعو إليه في الغالب فلا تتعلق به الرخصة. قال السروجي ما ملخصه: إن قوله الموق وهو الخف لا الجرموق غير مستقيم؛ لأن الجوهري والمطرزي والعكبري قالوا: إن الجرموق والموق يلبسان فوق الخف، فعلم أن الموق والجرموق متغايران وغير الخف، فبطل قوله: إن الموق هو الخف: وقال أبو البقاء وأبو نصر البغدادي: إن الموق هو الجرموق يلبس فوق الخف، فصار معنى قوله: إن الموق هو الخف لا الجرموق، وهذا ظاهر الفساد. وقوله: إنه لم ينقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان له جرموقان من صوف، والإثبات مقدم عليه. وقوله: إن الحجاز لا يحتاج فيه إلى الجرموقين ممنوع، بل يرده في الشتاء الشديد. وقوله: فإن الحاجة ما تدعو إليه إلخ يناقض مذهبهم في رخصة المسح عند عدم غلبة الحاجة، فعند عدم الحاجة أولى، وقد أثبتوها في هذه الأشياء عند عدم الحاجة، وهذا ظاهر بين ليس لهم معه كلام. وقال الصنعاني في " العباب ": الجرموق الذي يلبس فوق الخف، ثم قال في باب الميم: الموق الذي يلبس فوق الخف فارسي معرب، وهو تقريب مؤكد. وقال الليث: الموقان ضرب من الخفاف يجمع أمواق. قلت: إذا ثبت أن الجرموق غير الخف، وأن الموق هو الجرموق يكون استدلال المصنف ببلال وغيره الذي ذكره مستقيماً، وإذا ثبت أن الموق هو الخف على ما ذكره الفراء والهروي وكراع يكون استدلاله بالحديث المذكور غير مستقيم، ولهذا قال الأترازي: ولنا ما روي في " المبسوط «عن أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على الجرموقين» ولم يذكر ما يذكره المصنف، ولكن قال النووي: لم ينقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه مسح على جرموق. والجواب الذي ذكره السروجي على هذا غير مستقيم على ما لا يخفى، ولكن روى محمد في كتاب " الآثار " قال: أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه كان يمسح على الجرموقين. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الجرموق م: (تبع للخف استعمالاً وغرضاً) ش: أي من حيث الاستعمال ومن حيث الغرض، أما الاستعمال فمن حيث المشي والقيام والقعود والانخفاض والارتفاع، فإنه أين ما دار الخف يدور معه، فكان تبعاً للخف في الاستعمال. وأما الغرض من لبسه فإنه يلبس صيانة للخف عن الخرق والأقذار، كما أن الخف وقاية للرجل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 فصارا كخف ذي طاقين وهو بدل عن الرجل لا عن الخف، بخلاف ما إذا لبس الجرموق بعدما أحدث؛ لأن الحدث حل بالخف فلا يتحول إلى غيره، ولو كان الجرموق من كرباس لا يجوز المسح عليه؛ لأنه لا يصلح بدلا عن الرجل إلا أن تنفذ البلة إلى الخف. ولا يجوز المسح على الجوربين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] م: (فصارا كخف ذي طاقين) ش: أي فصار الخف من هاتين الجهتين كخف ذي طاقين ثم نزع أحد طاقيه، أو كان الخف شعراً فمح عليه ثم حلق الشعر فإنه لا يجب إعادة المسح. قلت: لما كانت تبعية في الاستعمال والغرض لم يكن بالأصالة، فإذا زال بالنزع زالت التبعية وحل الحدث بما تحته فيجب إعادة المسح. وأما طاقا الخف فلشدة اتصال أحدهما بالآخر كانا كالشعر مع البشرة، وقد تقدم أنه إذا مسح على الرأس ثم حلقه لا يجب عليه إعادة المسح. م: (وهو) ش: أي الجرموق م: (بدل عن الرجل لا عن الخف) ش: هذا جواب عن قول الشافعي: البدل لا يكون له بدل، وهو أن يقال: لا نسلم أنه بدل عن الخف، وإنما هو بدل عن الرجل كالخف لم ينعقد فيه حكم المسح بعد. فإن قلت: لا نسلم، أليس أنه لو نزع الجرموقين يلزمه المسح على الخفين، ولا يجب غسل القدمين، ولو كان الجرموق بدلاً عن الخف لوجب غسل القدمين عند نزعهما كما في نزع الخفين. قلت: عدم سريان الحدث إلى الرجل لا؛ لأن الجرموق كان بدلاً عن الخف، بل لأن الخف لم يكن محلاً للمسح بعد نزع الجرموقين. وقيل: حلول الحدث على الخف لا يصير محلاً، فإذا لم يكن محلاً لم يكن الجرموق بدلاً عنه. م: (بخلاف ما إذا لبس الجرموق بعدما أحدث؛ لأن الحدث حل بالخف فلا يتحول إلى غيره) ش: وهو الجرموق فلا يمسح عليه. م: (ولو كان الجرموق من كرباس لا يجوز المسح عليه؛ لأنه لا يصح بدلاً عن الرجل) ش: إذا لم يمكن تتابع المشي عليه م: (إلا أن تنفذ البلة إلى الخلف لرقته) ش: فيكون المسح عليه كالمسح على الخف. [المسح على الجوربين] م: (ولا يجوز المسح على الجوربين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: الجورب يتخذ من جلد يلتبس في القدم إلى الساق لا على هيئة الخف، بل هو لبس فارسي معرب وجمعه جواربة، وفي " الصحاح ": ويقال جوارب أيضاً. قلت: (الجورب هو الذي يلبسه أهل البلاد الشامية الشديدة البرد، وهو يتخذ من غزل الصوف المفتول، يلبس في القدم إلى ما فوق الكعب. وفي " المنافع ": وجورب مجلد إذا وضع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 إلا أن يكونا مجلدين أو منعلين. وقالا: يجوز إذا كانا ثخينين لا يشفان   [البناية] الجلد على أعلاه وأسفله، والمنعل هو الذي وضع جلد على أسفله كالنعل للقدم. وفي " الصحاح ": أنعلت خفي ودابتي وفعل فعلت. وفي " المغرب ": أنعل الخف ونعله جعل له نعلاً، والنعل في الجورب يكون إلى الكعب، وقيل: مقدار القدمين. والمسح على الجوربين في ثلاثة أوجه: في وجه يجوز بالاتفاق، وهو ما إذا كانا ثخينين منعلين. وفي وجه: لا يجوز بالاتفاق، وهو أن لا يكونا ثخينين ولا منعلين. وفي وجه: لا يجوز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه خلافاً لصاحبيه، وهو أن يكونا ثخينين غير منعلين. م: (إلا أن يكونا مجلدين أو منعلين) ش: بضم الميم وسكون النون من أنعلت كما ذكرنا، وقيل: بالتشديد. م: (وقالا: يجوز إذا كانا ثخينين) ش: ما تقوم على الساق من غير أن يشد بشيء م: (لا يشفان) ش: بفتح الياء آخر الحروف وكسر الشين المعجمة من شف الثوب إذا وصف ما تحته، من باب ضرب يضرب، والذي يقول: ها هنا لا ينشفان من نشف الثوب العرق، وهو من باب علم يعلم خطأ لا يعتمد عليه، وهذه الجملة في محل النصب إما على الحالية من ثخينين وإما على الوصفية، وإنما ذكرها تأكيداً للثخانية، وقولهما قول الجمهور من الصحابة كعلي بن أبي طالب، وأبي مسعود البدري، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، وأبي أمامة البلوي، وعمر، وابنه، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن عمرو بن حريث، وسعيد، وبلال، وعمار بن ياسر، فهؤلاء الصحابة لا يعرف لهم مخالف، ومن التابعين: سعيد بن المسيب، وعطاء، والنخعي، والأعمش، وسعيد بن جبير، ونافع مولى ابن عمر، وبه قال الثوري، والحسن بن صالح، وابن المبارك، وإسحاق بن راهويه، وداود، وأحمد، وكره ذلك مجاهد، وعمرو بن دينار، والحسن ابن مسلم، ومالك، والأوزاعي. وقال: الشافعي: يجوز المسح عليهما بشرط أن يكون صفيقا منعلاً، نص عليه في " الأم "، وفي " الحلية "، وبقول أبي حنيفة قال الشافعي. وبقولهما قال أحمد، وداود. وفي " الأسرار ": وقال الناطفي: لا يجوز على الكل. وفي " شرح الوجيز ": لا يجوز المسح على اللفائف والجورب المتخذة من اللبد والصوف؛ لأنه لا يمكن المشي عليهما، وكذا على الجوارب المتخذة من الجلد التي تكسر مع الكعب وهي الجوارب الصوفية، لا يجوز حتى تكون بحيث يمكن متابعة المشي عليها، يعتبر قعود [ ... ] أو التجليد للقدمين والنعل على الأسفل والإلصاق بالكعب، وحكى بعضهم أنها كانت معقودة صفيقة، ففي اشتراط تجليد القدمين قولان. وكره مالك والأوزاعي المسح على الجوربين من [ ] والرقيق من غزل أو شعر بلا خلاف، ولو كان ثخيناً بحيث يمشي به فرسخاً فصاعداً كجوارب أهل بدر فعلى الخلاف، وكذا الجورب من جلد رقيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 لما روي «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: مسح على جوربيه» .   [البناية] على الخلاف، ويجوز على الجوارب اللبدية، ويجوز على الجورب المشقوق على ظهر القدم، ولو ازداد كخروق الخف يشد عليه فيستره؛ لأنه كغير المشقوق، وإن ظهر من ظهر القدم شيء فهو كلخف الدوراني الذي يعتاده سفهاء زماننا، فإن كان مجلداً يستر جلده الكعب يجوز وإلا فلا. وفي " شرح الوجيز ": الخف المتخذة من الخشب أو الحديد إذا كانت رقيقاً يمكن المشي عليه ويجوز وإلا فلا. وفي " الوسيط ": يجوز المسح على الخف منه وإن عسر المشي عليه، وفي المتخذ من الذهب والفضة قولان. م: (لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على جوربيه» ش: هذا الحديث روي عن المغيرة، وأبي موسي، وبلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وأما حديث المغيرة بن شعبة فروي من طريق أبي قيس عن هذيل بن شرحبيل، عن المغيرة بن شعبة، «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ومسح على الجوربين والنعلين» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال النسائي في " سننه الكبرى ": لا نعلم أحدا تابع أبا قيس على هذه الرواية، والصحيح عن المغيرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على الخفين» . وذكر البيهقي حديث المغيرة هذا وقال: إنه حديث منكر، ضعفه سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومسلم بن الحجاج، والمعروف عن المغيرة حديث المسح على الخفين. وقال النووي: كل واحد من هؤلاء لو انفرد قدم على الترمذي، مع أن الجرح مقدم على التعديل، قال: واتفق الحفاظ على تضعيفه، ولا يقبل قول الترمذي: إنه حسن صحيح. وذكر البيهقي في " سننه " أن أبا محمد يحيى بن منصور - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: رأيت مسلم بن الحجاج وضعف هذا الحديث. وقال: أبو قيس الأودي، وهذيل بن شرحبيل لا يحتملان، وخصوصاً مع مخالفتهما الأجلة الذين رووا هذا الحديث عن المغيرة فقالوا: مسح على الخفين. قلت: قال في " الإمام " أبو قيس: اسمه عبد الرحمن بن مروان، احتج به البخاري في " صحيحه " ووثقه ابن معين، وقال الجعفي: ثقة ثبت، وهذيل وثقه العجلي، وأخرج لهما البخاري في " صحيحه "، ثم إنهما لم يخالفا الناس مخالفة معارضة، بل رويا أمراً زائداً على ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] رواه بطريق مستقل غير معارض، فيحمل على أنهما حديثان، ولهذا لما أخرجه أبو داود وسكت عنه وصححه ابن حبان والترمذي، فإذا كان كذلك كيف يقبل قول النووي في حق الترمذي: ولا يقبل قول الترمذي في أنه حسن صحيح، فإذا طعن في الترمذي في تصحيحه هذا الحديث فكيف يؤخذ بتصحيحه في غيره. وأما البيهقي فإنه نقل ما قاله واعتمد عليه من غير رواية؛ لأنه ادعى في هذا الحديث المخالفة للأئمة الحملة، وقد قلنا: إنه ليس فيه مخالفة، بل أمر زائد مستقل، فلا يكابر في هذه الأسانيد متعصب. وأما حديث أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه ابن ماجه في " سننه " والطبراني في " معجمه " عن عيسى ابن سنان، عن الضحاك بن عبد الرحمن، عن أبي موسى «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ومسح على الجوربين والنعلين» . فإن قلت: هذا الحديث لم يذكره ابن عساكر في " الأطراف " فلذلك قال الزيلعي: لم أجده في نسختي. قلت: عزاه ابن الجوزي في " التحقيق " لابن ماجه، وكذا ذكر في " الإمام " أنه لابن ماجه، ويمكن أن يكون ساقطاً من بعض النسخ. فإن قلت: قال أبو داود: هذا الحديث ليس بمتصل ولا بالقوي، وقال البيهقي: والضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى، وعيسى بن سنان لا يحتج به. قلت: قال عبد الغني في " الكمال ": الضحاك بن عبد الرحمن سمع أباه، وأبا موسى الأشعري، وأبا هريرة، وعيسى بن سنان، قال يحيى بن معين: إنه ثقة. وأما حديث بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه الطبراني في " معجمه " من طريق ابن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن الحكم بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح على الخفين والجوربين» واحتج الأترازي لهما بحديث أبي موسى ولم ينسبه إلى أحد، وكذا الأكمل ثم قال: على أن أبا داود طعن فيه، وقال: ليس بالمتصل ولا بالقوي، ولم أر أحداً منهم يشد مذهبه بكلام يرد خصمه رداً قطعياً، ولا تكلم في حال حديث حين يذكره للاحتجاج، غاية قولهم: ويروى افترى ونحو ذلك، وليس فيه نفع ولا نفيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 ولأنه يمكنه المشي فيه إذا كان ثخينا، وهو أن يستمسك على الساق من غير أن يربط بشيء فأشبه الخف. وله أنه ليس في معنى الخف؛ لأنه لا يمكن مواظبة المشي فيه إلا إذا كان منعلا، وهو محمل الحديث، وعنه أنه رجع إلى قولهما وعليه الفتوى. ولا يجوز المسح على العمامة   [البناية] م: (ولأنه يمكنه المشي فيه إذا كان ثخينا، وهو أن يستمسك على الساق من غير أن يربط بشيء، فأشبه الخف) ش: فيلحق به في الحكم. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي أن الجورب م: (ليس في معنى الخف) ش: لأنه لا يمكن قطع مسافة السفر به، وهو معنى قوله: م: (لأنه لا يمكن مواظبة المشي فيه إلا إذا كان) ش: أي الجورب م: (منعلاً) ش: وقد مر تفسيره م: (وهو محمل الحديث) ش: أي كون الجورب منعلاً وهو محمل الحديث الذي رواه أبو موسى وغيره، وأراد بهذا الكلام الجواب عن هذا الحديث الذي احتجا به؛ لأنه يقول: إن المسح على الخف ورد على خلاف القياس؛ لأن النص يقتضي الغسل فلا يلحق به غيره، إلا ما كان في معناه من كل وجه، فثبت بدلالة النص لا بالقياس، فلو لم يكن المنعل مراداً في حديث أبي موسى وغيره يكون زيادة على النص بخبر الواحد، وذا لا يجوز، كذا في " الكافي ". م: (وعنه) ش: أي وعن أبي حنيفة م: (أنه رجع إلى قولهما) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - وهو أنه مسح على جوربيه في مرضه، ثم قال لأصحابه: فعلت ما كنت أمنع الناس عنه، فاستدلوا به على رجوعه إلى قولهم، كذا قال في " المبسوط "، ونقله الأكمل في شرحه وفيه نظر لا يخفى، وقد صرح بعضهم أنه رجع إلى قولهما قبل موته بسبعة أيام، وفي " فتاوى الكرخي ": ثلاثة أيام. م: (وعليه الفتوى) ش: أي وعلى قولهما الفتوى، أو على الذي رجع إليه أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الفتوى. [المسح على العمامة والقلنسوة ونحوهما] م: (ولا يجوز المسح على العمامة) ش: أراد اقتصار المسح عليها، وهو قول الجمهور حكاه الخطابي وقال ابن المنذر: حكي عن عروة بن الزبير، والشعبي، والنخعى، والقاسم، ومالك، وحكاه غيره عن علي بن أبي طالب، وابن عمر، وجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وفي " الحلية ": ويستحب لمن على رأسه عمامة لا يريد نزعها أن يمسح على ناصيته ويتمم المسح على العمامة، فإن اقتصر على مسحها لا يجوز، وبه قال أبو حنيفة، ومالك، انتهى. وقالت طائفة بجواز الاقتصار على العمامة، قاله الثوري، والأوزاعي، وأحمد، وأبو ثور، وإسحاق، ومحمد بن جرير، وداود، وقال ابن المنذر: مسح على العمامة أبو بكر الصديق، وبه قال عمر، وأنس بن مالك، وأبو أمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وروي عن سعد بن أبي وقاص، وأبي الدراء، وعمر ابن عبد العزيز، ومكحول، والحسن، وقتادة، والأوزاعي، وشرط بعضهم أن يلبسها على طهارة، وهو مذهب أحمد فإنه شرط أن يكون قد تعمم على طهر. وفي " النهاية " قال بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 والقلنسوة والبرقع والقفازين؛ لأنه لا حرج في نزع هذه الأشياء والرخصة لدفع الحرج، ويجوز المسح على الجبائر   [البناية] أصحاب الحديث والشافعي في قول بجواز المسح عليها م: (والقلنسوة) ش: «لحديث بلال أنه قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على عمامته وخفيه» وجاء في حديث ثوبان «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعث سرية وأمرهم أن يمسحوا على المساود والتساخين» والمساود: العمائم، والتساخين: الخفاف، ولأنه لو سجد على كور عمامته يجوز، فكذا المسح. قلت: حديث بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، رواه البخاري، وحديث ثوبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، رواه أبو داود بأسانيد جيدة، ذكره النووي، ورواه أيضاً الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، قوله: المساود، وقوله: التساخين، قيل: لا واحد لها من لفظها، وقيل: واحدها سخان وسخن، والتاء فيها زائدة، وقيل: أصل ذلك كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما. والجواب عن هذين الحديثين وأمثالهما «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقتصر على مسح بعض الرأس» فلا يمسحه كله مقدمه ومؤخره، ولا ينزع عمامته عن رأسه ولا ينقضها. وحديث المغيرة بن شعبة كالمقر له، وهو أنه وصف وضوءه ثم قال: «ومسح بناصيته وعلى عمامته» فدخل مسح الناصية بالعمامة ووقع أداء من مسح الرأس بمسح الناصية إذ هي جزء من الرأس، وصارت العمامة تبعاً له كما روي «أنه مسح أسفل الخف وأعلاه» وكان الواجب في ذلك مسح أعلاه، وصار مسح أسفله كالتبع له، والأصل أن الله تعالى فرض المسح، وحديث ثوبان ونحوه يحتمل التأويل فلا يترك الأصل المقيد وجوبه بالأحاديث المتحملة للقلنسوة. م: (والبرقع) ش: بضم الباء الموحدة. وقال الجوهري: البرقع والبرقع بضم القاف وفتحها النقاب تلبسه نساء الأعراب، وكذا البرقوع م: (والقفازين) ش: تثنية قفاز بضم القاف وتشديد الفاء. وقال النسفي: القفاز تلبسه النساء في أيديهن لتغطية الكف والأصابع، وقال غيره: القفاز شيء يعمل لليدين يحشى بالقطن وله أزرار تزر على الساعدين من البرد، تلبسه المرأة في يديها. قلت: ومنه الذي يلبسه الصيادون في أكفهم حين يحملون الطيور م: (لأنه لا حرج في نزع هذه الأشياء) ش: بخلاف الخف م: (والرخصة لرفع الحرج) ش: يعني الرخصة التي في مسح الخف كانت لرفع الحرج في نزع هذه، وجمهور العلماء ممن عرف بالفقه على عدم جواز المسح على هذه الأشياء، إلا ما ذكره الجلال عن أبي موسى أنه مسح على قلنسوته، وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: إن شاء مسح على رأسه، وإن شاء على قلنسوته، قال ذلك بأسانيد صحاح. [المسح على الجبائر] [حكم المسح على الجبائر] م: (ويجوز المسح على الجبائر) ش: جمع جبيرة، وهي العيدان التي تجبر بها العظام، ويقال: الجبيرة، والجبائر بكسر الجيم أعواد ونحوها تربط على الكسر ونحوه لتضم بعض العضو إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 وإن شدها على غير وضوء   [البناية] بعضه ليلتحم م: (وإن شدها على غير وضوء) ش: كلمة إن بالكسر واصلة بما قبلها، وذلك لأنها إنما تربط حالة الضرورة، واشتراط الطهارة في ذلك يفضي إلى الحرج فلا يعتبر، وفي " المحيط ": لو ترك المسح على الجبائر والمسح يضر جاز، وإن لم يضر لم يجزه، ولا تجوز صلاته عندهما، ولم نجد في الأصل قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقيل عنده يجوز تركه، والصحيح أنه واجب وليس بفرض عنده حتى تجوز صلاته بدونه، وذكر في " منية المصلي " عن أبي حنيفة روايتين. وقال أبو علي النسفي: إنما يجوز المسح على الجبيرة إذا كان يضر المسح على القرحة، أما إذا قدر على المسح عليهما لا يجوز على الجبيرة، كما لو قدر على غسلها، وعلى هذا عصابة المفصد، وفي " المستصفى " الخلاف في المجروح، وفي المكسور: يجب المسح اتفاقاً. وفي " جوامع الفقه ": وقد صح رجوعه إلى قولهما فيه، وفي " تجريد القدوري ": الصحيح من مذهبه أن المسح على الجبيرة ليس بفرض. وفي " المحيط ": إذا زادت الجبيرة على رأس الجرح، أو جاوز رباط الفصد موضع الجراحة إن كان حل الخرقة وغسل ما تحتها يضرها لجراحة يمسح على الكل تبعاً، وإن كان المسح والحل لا يضر بالجرح لا يجزئه مسح الخرقة، بل يغسل ما حول الجراحة. ويمسح عليها لا على الخرقة، وإن كان يضر المسح ولا يضر الحل يمسح على الخرقة التي على رأس الجرح ويغسل حواليها وتحت الخرقة الزائدة، ولو انكسر ظفره فجعل عليه دواء أو علكاً ويضر نزعه مسح عليه، وإن ضره المسح تركه، ذكره الكرخي. وقيل: لا يجوز تركه؛ لأنه لا يضره عادة، إن العادة تمنع شرب الماء. وفي " منية المصلي ": في أعضائه شقوق يمر الماء عليها إن قدر، وإلا غسل ما حولها، ولو أدخل في أصبعه مرارة ومسح عليها عن محمد أنه يجوز بغير كراهة، وإن كانت بها بول شاة قيل: ينبغي أن يكون قول أبي يوسف كذلك للتداوي به. وعند أبي حنيفة: يكره بخلاف الخرقة النجسة. وفي " الحلية ": وضعها على طهر، لو ضرها مسح على جميعها في أظهر الوجهين، وهل يجب ضم التيمم إليه؟ فيه قولان: أحدهما: لا يضم إليه، ويصلي به ما شاء من الفرائض. والثاني: يضم إليه ويتيمم لكل فرض، وهل يجب الإعادة بعد البرء فيه قولان، أحدهما: لا يجب، وهو قول أبي حنيفة، واختاره المزني، ولو وضعها على غير طهر وخاف من نزعها مسح عليها وأعاد قولاً واحداً، وقيل: فيه قولان وليس بشيء. وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: لا تعتبر الطهارة في مسحها ووضعها ولا يصلي ولا يعيد، وبه قال مالك، ولو زادت الجبائر أو عصابة الفصد على الجرح يجزئه المسح على خرقة المفتصد دون عصابته، وقيل: إن أمكنه شد العصابة بنفسه لم يجز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعل ذلك   [البناية] م: (لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعل ذلك) ش: أي فعل المسح الجبيرة، ولم أر أحداً من الشراح المشهورين تعرض لهذا، غير أن الأكمل قال: والأصل في ذلك ما قال في الكتاب أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل وأمر علياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واكتفى بهذا الكلام ومضى. قلت: فيه حديثان مرفوعان، أحدهما: أخرجه الدارقطني في " سننه " من حديث ابن عمر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمسح على الجبائر» وفي سنده أبو عمارة محمد بن أحمد، قال الدارقطني: هو ضعيف جداً، ولا يصح هذا الحديث مرفوعا. والحديث الآخر أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه لما رماه ابن قميئة يوم أحد رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا توضأ حل عصابته ومسح عليها بالوضوء» وذكر الشيخ جمال الدين الحضرمي في " خير مطلوب ": أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مسح وجهه يوم أحد فداواه بعظم بال فعصب عليه، فكان يمسح على العصابة. وقال السروجي: وما رأيته في كتب الحديث. قلت: مداواته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعظم بال وجهه يوم أحد ذكره أهل السير. وقال أبو سليمان حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني إبراهيم بن محمد، حدثني أبي عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن حزم، عن أبيه، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - داوى وجهه يوم أحد بعظم بال.» والحديث غريب، وأبو أمامة هذا اسمه أسعد سماه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وورد في رواية للبخاري «أن فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخذت قطعة من حصير فأحرقتها فألصقتها فأمسك الدم (وأمر) أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (علياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) أي بالمسح على الجبيرة.» قال الأترازي: والأصل في جواز المسح على الجبيرة ما روي «أن علياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كسرت يده يوم أحد فسقط اللواء منها، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اجعلوه في يساره، فإنه صاحب اللواء في الدنيا والآخرة " فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أصنع بالجبائر فقال: " امسح عليها» رواه الكرخي في " مختصره " بإسناده إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قلت: هذا الحديث لا أصل له، والذي روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هو انكسار إحدى زنديه، وأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره بالمسح على الجبائر، وهو أيضاً غير صحيح، رواه ابن ماجه في " سننه " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] من حديث عمرو بن خالد، «عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده الحسين بن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: انكسرت إحدى زندي فسألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمرني أن أمسح على الجبائر» وأخرجه الدارقطني، ثم البيهقي في " سننهما "، قال الدارقطني: وعمرو بن خالد الواسطي: متروك. وقال البيهقي: وقد تابع عمرو بن خالد عليه ابن موسى بن دحية، فرواه عن زيد بن علي مثله، وابن دحية: متروك، منسوب إلى الوضع. وقال ابن أبي حاتم في " علله ": سألت أبي عن حديث رواه عمرو بن خالد، عن زيد بن علي عن آبائه، فقال: هذا حديث باطل لا أصل له، وعمرو بن خالد متروك الحديث، وقال ابن القطان في " كتابه ": قال إسحاق بن راهويه: عمرو بن خالد: كان يضع الحديث. قال ابن معين: كذاب غير ثقة ولا مأمون، وروى العقيلي هذا الحديث في ضعفائه وأعله بعمرو بن خالد وقال: لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به، ونقل تكذيبه عن جماعة. وقال السروجي: وجه وجوب المسح على الجبيرة ما أخرجه ابن ماجه عن زيد بن علي إلى آخره، فيه: «كسرت إحدى زندي يوم أحد» ... إلى آخره، ثم قال: وفي " المغرب ": «وكسرت إحدى زندي؛» لأن الزند مذكر، وذكر في " المبسوط " و " خير مطلوب ": والبادي يوم خيبر كما ذكره في " المغرب "، وصوابه يوم أحد كما ذكره ابن ماجه، وهكذا ذكره في " المحيط ". قلت: لأن هذا جواب ولا زال الحديث ليس له أصل كما ذكرنا. والعجب من السروجي كيف رضي بهذا الذي قاله مع ابتاعه الأحاديث التي لها أصل في الصحاح أو الحسان. وكان يمكن للأترازي وغيره من الشراح أن يقول: الأصل في هذا الباب حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه أبو داود في " سننه " حدثنا موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي، قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن الزبير بن خريق، عن عطاء، «عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: خرجنا في سفرة فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم فقال لأصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم، فقالوا: ما نجد لك رخصة، وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر بذلك فقال: " قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب (شك موسى) على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 وأمر عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - به، ولأن الحرج فيه فوق الحرج في نزع الخف، فكان أولى بشرع المسح، ويكتفى بالمسح على أكثرها، ذكره الحسن، ولا يتوقت لعدم التوقيف بالتوقيت.   [البناية] وقال البيهقي في " المعرفة ": هذا الحديث أصح ما روي في هذا الباب مع اختلاف في إسناده، والزبير بن خريق بضم الزاء في الزبير وضم الخاء المعجمة في خريق، والعي: بكسر العين المهملة، وتشديد الياء: الجهل. قوله: بمعنى يعصبه، وفي الحديث: دليل على جواز المسح على الجبائر بعد تعصيبها [و] يغسل بعضها. فإن قلت: قال الخطابي في القصة: إنه أمر بالجمع بين التيمم وغسل سائر بدنه بالماء، ولم ير أحد الأمرين كافياً دون الآخر. وقال أصحاب الرأي: إن كان أقل أعضائه مجروحاً جمع بين الماء والتيمم، وإن كان الأكثر كفاه التيمم وحده. قلت: لم يأمر - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أن يجمع بين التيمم والغسل، وإنما بين أن الجنب المجروح له أن يتيمم ويمسح على الجراحة ويغسل سائر بدنه، فيحمل قوله: يتيمم ويمسح، على ما إذا كان أكثر بدنه جريحاً، ويحمل قوله: ويغسل سائر جسده إذا كان أكثر بدنه صحيحاً، وعليه قوله: ويغسل سائر جسده إذا كان أكثر بدنه جريحاً، ويمسح على الجراحة، وأما نقل الخطابي مذهبنا على هذا الوجه فغلط غير صحيح، بل المذهب ما ذكرناه، وليس عندنا الجمع بين التراب والماء. م: (ولأن الحرج فيه) ش: أي في نزع الجبيرة م: (فوق الحرج في نزع الخف) ش: لأنه يتضرر في ذلك دون نزع الخف م: (فكان أولى بشرع المسح) ش: أي فكان مسح الجبيرة أولى من مسح الخف في المشروعية م: (ويكتفى بالمسح على أكثرها) ش: أي على أكثر الجبيرة. وفي نسخة الأترازي: أي على أكثره ثم تكلف، وقال: يذكر الضمير على تأويل المجبور أو المذكور. قلت: قوله: على تأويل المجبور غير صحيح، لأن المجبور هو صاحب الجبيرة، وليس المراد الاكتفاء بالمسح على أكثر صاحب الجبيرة، وإنما المراد الاكتفاء بمسح أكثر الجبيرة. م: (وذكره الحسن) ش: ابن زياد، فإنه ذكر في " إملائه " أنه إذا مسح على الأكثر أجزأه، وإن مسح على النصف لا يجزئه. وفي " السروجي ": والغرض فيه الاستيعاب، وقيل الأكثر. قلت: لم يذكر في ظاهر الرواية إلا الاكتفاء بالبعض دون البعض، وذكر في كتاب " الصلاة ": قال الحسن: قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا مسح على العصابة فعليه أن يمسح على موضع الجرح وعلى جميع العصابة أو على الأكثر. وفي " الكافي ": الصحيح ما ذكره الحسن لئلا يؤدي إلى عامة الجراحة. م: (ولا يتوقت) ش: أي المسح على الجبيرة ليس له وقت معلوم م: (لعدم التوقيف بالتوقيت) ش: يعني لعدم سماعه شيئاً في الوقت حيث لم يرد فيه أثر ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 وإن سقطت الجبيرة عن غير برء لا يبطل المسح؛ لأن العذر قائم والمسح عليها كالغسل لما تحتها ما دام العذر باقياً. وإن سقطت عن برء بطل لزوال العذر، وإن كان في الصلاة استقبل؛ لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل. والله أعلم   [البناية] خبر، فيمسح إلى وقت البرء بخلاف مسح الخف، فإنه مؤقت بالحديث، وبين مسح الجبيرة ومسح الخف فرق من وجوه: الأول: هذا المذكور. الثاني: أن مسح الجبيرة يجوز وإن شدها بلا وضوء، ومسح الخف لا يجوز إذا لبسه قبل غسل الرجل. والثالث: أن سقوط الجبيرة لا عن برء لا يبطل المسح، ونزع الخف يبطل المسح، فوجب غسل الرجل. م: (وإن سقطت الجبيرة عن غير برء) ش: بضم الباء أي عن غير صحة م: (لا يبطل المسح؛ لأن العذر قائم) ش: فيعمل المرخص عمله م: (والمسح عليها) ش: أي على الجبيرة م: (كالغسل لما تحتها ما دام العذر باقياً، وإن سقطت عن برء بطل لزوال العذر) ش: فلا يزول المسح وإن زال الممسوح، كما لو مسح رأسه ثم حلق شعره بخلاف الخف؛ لأنه مانع لا لعلة العذر. وفي " المجتبى ": المسح على الجبيرة كالغسل لما تحتها بخلاف المسح على الخف، وفائدته تظهر في عشر مسائل: الثلاثة الأولى كما ذكرناها. والرابعة: إذا مسح ثم شد عليها أخرى أو عصابة جاز المسح على العليا. الخامسة: مسح على الجبائر في الرجلين ثم لبس الخفين ثم يمسح عليهما. السادسة: الاستيعاب في المسح عليهما أو أكثرها شرط على اختلاف الروايتين. السابعة: إذا أدخل الماء تحت الجبائر أو العصابة لا يبطل المسح. الثامنة: أنه لا يشترط الشد في جميع الروايات فيه. التاسعة: من التثليث فيه عند البعض إذا لم يكن على الرأس. العاشرة: إذا كان الباقي أقل من ثلاث أصابع اليد كاليد المقطوعة أو الرجل جاز المسح عليها بخلاف المسح على الخف. م: (وإن كان) ش: أي سقوط الجبيرة م: (في الصلاة استقبل؛ لأنه قدر على الأصل) ش: وهو المسح على الخفين م: (قبل حصول المقصود بالبدل) ش: وهو مسح الجبيرة، فصار كالمتيمم يجد الماء في خلال صلاته فإنه يصليها لذلك. وذكر في " الزيادات ": أن مسح الجبيرة كالغسل لما تحتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 617 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وليس ببدل مبدل، والمسح على الخفين بدل عن الغسل، ولهذا لا يمسح على الخفين في إحدى الرجلين ويغسل الرجل الأخرى؛ لأنه يؤدي إلى الجمع بين الأصل والبدل، ولو مسح على الخف في الأخرى يكون جمعاً بينهما فلا يجوز، ويجب غسلها، فثبت أن المسح على الجبيرة ما دام العذر باقياً أفضل، وهو أصل لا بدل. وأورد مسألة التحري إذا ظهر الخطأ فيه لا يستقبل مع أن جهة التحري بدل عن جهة الكعبة. وأجيب بأن ذلك بعلامة النسخ لما قبلة أن أصله كان بطريق النسخ فبقي في حق التحري كذلك، والنسخ يظهر في حق القائم لا في حق الغائب فلذلك يبني، ولا يستقبل، والله أعلم بالصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 باب الحيض والاستحاضة   [البناية] [باب الحيض والاستحاضة] [تعريف الحيض وأركانه] م: (باب الحيض والاستحاضة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الحيض وأحكام الاستحاضة وارتفاعه، على أنه خبر مبتدأ محذوف كما ذكرنا، ويجوز أن ينتصب على تقدير خذ باب الحيض. والباب النوع والكتاب يشتمل على الأنواع. وجه المناسبة بين البابين من حيث إن الخف مسقط لركن الوضوء إذ هو رخصة إسقاط، والحيض مسقط لجميع أركانه، والجزء مقدم ومسقط كذلك، وقيل: لأنه في بيان الطهارة أصلاً وخلفاً، والتيمم خلف الكل، والمسح خلف من البعض، فأخر الحيض؛ لأنه مسقط. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لما فرغ من بيان أحكام الطهارة من الأحداث أصلاً وخلفاً، شرع في بيان الطهارة عن الأنجاس، وقدم الحيض لاختصاصه بأحكام على حدة، أو لكثرة مناسبته بالأحداث من حيث حرمة الصلاة وقراءة القرآن ودخول المسجد وغير ذلك. وقال السغناقي ما حاصله: إن الأحق بالتقديم ما يكثر وقوعه وهو الحدث الأصغر والأكبر، فلذلك قدم ذكرهما مع متعلقاتهما، ثم رتب عليه ما يقل وقوعه بالنسبة إلى ذلك وهو الحيض والنفاس، والحيض لما كان أكثر وقوعاً من النفاس قدمه عليه، لا يقال: كان الأولى تأخير باب الحيض؛ لأنه بين الطهارة عن الأحداث فيحتاج إلى بيان الطهارة عن الأنجاس، ثم يرتب عليه باب الحيض باعتبار أنه طهارة من الأنجاس؛ لأنا نقول: إن حكم الحيض حكم الجنابة، فينبغي ذكره في طهارة الأحداث دون الأنجاس. فإن قلت: يصح تسمية النجاسة باعتبار أن الدم نجس مغلظ. قلت: البول والغائط يشاركان في هذا الحكم، فالطهارة عنهما طهارة عن الأحداث، فكذا الطهارة عن الحيض؛ لأن أكثر الأحكام المذكورة في هذا الباب مختصة بالأحداث لا بالأنجاس كحرمة قراءة القرآن والطواف ودخول المسجد وغيرها. فإن قلت: لم لقب هذا الباب بالحيض دون النفاس، وإن كان مشتملاً عليهما، قلت: لأن الحيض حالة معودة بين بنات آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دون النفاس [ ... ] وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحيض: «هذا شيء كتبه الله تعالى على بنات آدم» . وقال بعضهم: كان أول ما أرسل الحيض على بني إسرائيل، رواه البخاري معلقاً. وأخرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عبد الرزاق عن ابن مسعود بإسناد صحيح قال: «كان الرجل والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعاً، كانت المرأة تستشرف للرجل، فألقى الله تعالى عليهن الحيض ومنعهن من المساجد» وعنده عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، نحوه. وروى الحاكم وابن المنذر بإسناد صحيح «عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن ابتداء الحيض كان على حق حواء - عَلَيْهَا السَّلَامُ - بعد أن هبطت من الجنة» . قلت: هذا أقرب وأوجه؛ لأن الطبري روى عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وغيره: أن قَوْله تَعَالَى في قصة إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} [هود: 71] (هود: الآية 71) ، أي حاضت، والقصة في سورة بني إسرائيل بلا ريب. ثم الكلام فيه في عشرة مواضع في: تفسيره لغة، وشرعاً، وسببه، وركنه، وشرطه، وقدره، وألوانه، وأوانه، ووقت ثبوته، وحكمه. أما تفسيره لغة: فقال صاحب " الدراية ": الدم الخارج، يقال: حاضت السمرة وهي شجرة يسيل منها شيء كالدم، ويقال حاضت الأرنب إذا خرج منها شيء كالدم، وقال الأترازي: الحيض في اللغة: خروج الدم، يقال: حاضت الأرنب إذا خرج منها الدم. وقال الأكمل: الحيض في اللغة الدم الخارج، ومنه حاضت الأرنب، وكذلك قال السغناقي وتاج الشريعة. قلت: ليس كذلك، بل الحيض في اللغة عبارة عن السيلان، سواء كان دماً أو ماء أو نحوهما، يقال: حاض السيل والوادي، وحاض المشجون إذا قذف شيئاً أحمر يشبه الدم. وفي " المبسوط ": حاضت السمرة: إذا خرج منا الصمغ الأحمر، قال عمار بن عقيل: حالت حضاهن الذراري وحيضت ... عليهن حيضات السيول الطواحم وقال الصاغاني: التحييض التسييل، ثم أنشد هذا البيت. والطواحم جمع طاحمة من طحمة السيل، وهي دفعة ومعظمه كذلك طحمة الليل. ويقال: حاضت الأرنب وحاضت المرأة تحيض حيضاً ومحاضاً ومحيضاً، وعن اللحياني: حاض وحاض وحاض وجاز كلها بمعنى، وفي " المغرب ": المحيض موضع الحيض، وهو الفرج. قلت: يتصرف منه العد والموضع والزمان والهيئة، وكلها وردت في ألفاظ الحديث. والمرأة حائض، وفي اللغة الفصيحة الثابتة بغير تاء، واختلف النحاة في ذلك، فقال الخليل: لما لم تكن جائزة على الفعل كان منزلة المنسوب عنده بمعنى حائض، أي ذات حيض، كذارع وتامر وطامس ولابن، وكذا طالق وطامث وقاعد للآية: أي ذات طلاق، بمعنى أن الطلاق ثابت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فيها. وقال السروجي يرد عليه قَوْله تَعَالَى: {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة: 21] (الحاقة: الآية 21) قالوا: بمعنى ذات رضا وقد أتى بالتاء. قلت: راضية بمعنى مرضية فلا يرد، ومذهب سيبويه أن ذلك معنى مذكور [ ... ] أو شخص حائض وطامث وطامس وطالق، ونظيره غلام نصفة وربعة على تأويل نفس، لكنه لا يطرد؛ لأنه مقصور على السماع، ومذهب الكوفيين أنه استغنى عن علامة التأنيث؛ لأنه مخصوص بالمؤنث و [ ... ] نحو حاضت المرأة فهي حائضة، وأرضعت فهي مرضعة. وللحائض عشرة أسماء: الحائض، والطامث، والطامس، والدارس، والعارك، والضاحك، والفارك، والكابر. وقال النووي: الكبر والمصبر والنافس والطامث بالثاء المثلثة والطاء، بالهمزة في آخره، ونساء حيض وحوائض، والحيض بالفتح: المرأة، وبالكسر اسم للدم والخرقة التي تستر بها المرأة والحالة، وفي " تهذيب " النووي: إذا أقبلت الحيضة. قال الخطابي: قال المحدثون بالفتح، وهو خطأ، والصواب بالكسر؛ لأن المراد بها الحالة، ورده القاضي عياض وآخرون وقالوا: الأظهر الفتح؛ لأن المراد إذا أقبل الحيض. وأما تفسيره شرعاً، فقال صاحب " البدائع ": وهو عبارة عن الدم الخارج من الرحم، وهو موضع الجماع والولادة، لا يعقب ولادة مقداراً في وقت معلوم. وقال أبو منصور الأزهري: الحيض دم ينفض رحم المرأة بعد بلوغها في أوقات معتادة من معدن الرحم. وقال ابن عرفة: الحيض اجتماع الدم، ومنه الحوض يجتمع فيه الماء. وقال السروجي: هذا حده لفظاً ومعنى؛ لأن الحيض من السيلان دون الاجتماع، وهو من معتل العين بالياء دون الواو. قلت: أخطأه المخطئ؛ لأن العرب تدخل الواو على الياء، والياء على الواو؛ لأنهما من حد واحد وهو الهواء. قال الأزهري: ومنه قيل للحوض حوض؛ لأن الماء يحيض إليه أي يسيل. وقال الكرخي: الحيض دم تصير به المرأة بالغة بابتداء خروجه. وقال صاحب " الدراية ": هو دم ممتد خارج عن موضع مخصوص وهو القبل. وقال الفضلي: هو دم ينفضه رحم المرأة السليمة من الداء والصغر، ومنه أخذ صاحب " الكافي ". قوله: رحم المرأة: احترز عن الرعاف والدماء الخارجة من الجراحات ودم الاستحاضة؛ لأنها دم عرق لا دم رحم. وقوله: السليمة من الداء احتراز عن النفاس، فإن النفاس في حكم المريضة حتى اعتبرت تبرعاتها من الثلث، وقوله: والصغر احتراز عن دم تراه الصغيرة قبل بلوغها بتسع سنين فإنه لا يعتبر في الشرع. فإن قلت: ما تراه الصغيرة ليس بدم رحم ظاهراً، وقد خرج ذلك بقوله: ينقضه رحم امرأة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: دم ولكنه فاسد، والذي يخرج من رحم المرأة ليس بفاسد. فإن قلت: الذي تراه الصغيرة استحاضة، فلذلك احترز بقوله: والصغر. قلت: لا يقال له: استحاضة؛ لأنها لا تكون إلا على أثر حيض على صفة لا يكون حيضاً، فلذلك قلنا: إنه دم فاسد. وأما سبب الحيض في الابتداء، فقيل: إن أمنا حواء - عَلَيْهَا السَّلَامُ - لما تناولت من شجرة الخلد ابتلاها الله بذلك وبقي في بناتها إلى يوم القيامة. وأما ركنه: فامتداد دور الدم؛ لأن ركن الشيء ما يقوم به ذلك الشيء، والحيض يقوم به. وأما شرطه: فتقدم نصاب الطهر حقيقة وحكماً وفراغ الرحم عن الحبل. وأما قدره: فنوعان الأقل والأكثر، وسيجيء بيانه إن شاء الله تعالى. وأما ألوانه: فسيجيء إن شاء الله تعالى عند قوله: وما تراه المرأة.. إلى آخره، وقدم الكمية على الكيفية؛ لأن الكمية: عبارة عن المقدار في الذات، والكيفية راجعة إلى الصفة، والذات مقدمة على الصفة. وأما بيان أوانه: فقد اختلف في مدة الحكم ببلوغها، فقال بعضهم: ست سنين، وقيل: سبع سنين. وقال محمد بن مقاتل: تسع سنين، وبه أخذ أكثر المشايخ وهو [قول] الشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وقال أبو علي الدقاق: اثنتا عشرة سنة اعتباراً للعادة في زماننا، كذا في " المحيط ". واختلف في زمان الإياس، فقيل: ستون سنة، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المولدات ستون سنة، وفي الروميات خمس وخمسون سنة، وقيل: أقرابها من قرابتها، وقيل: يعتبر تركيبها لاختلاف الطبائع باختلاف البلدان، وعن أحمد خمسون سنة في العجمية وستون في العربية. وقال الصاغاني: ستون سنة، وقيل: لم يقدر بشيء، فإذا غلب على ظنها الإياس فاعتدت بالشهور، ولو رأت دماً في أثناء الشهور وانقضى ما مضى من عدتها وبعد تمامها لا تبطل وهو المختار، وعند الأكثر: خمس وخمسون سنة، والفتوى في زماننا عليه، وهو قول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وسفيان الثوري، وابن المبارك، ومحمد بن مقاتل الرازي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وبه أخذ نصر بن يحيي، وأبو الليث السمرقندي، والمصنف لم يذكر الوقت، وابتدأ الباب ببيان المقدار، ثم باللون، ثم بالحكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها   [البناية] وأما الاستحاضة فهو استفعال من الحيض، يقال: استحاضت المرأة إذا استمر بها الدم بعد أيامها فهي مستحاضة. وفي الشرع: اسم لما نقص عن أقل الحيض أو زاد على أكثره. فإن قلت: ما وجه بناء الفعل للفاعل في الحيض والمفعول في الاستحاضة. قلت: لما كان الأول معتاداً ومعروفا بني إليها، والثاني: لما كان نادراً غير معروف الوقت، وكان منسوباً إلى الشيطان، كما ذكرنا أنها ركضة من الشيطان بني لما لم يسم فاعله. فإن قلت: ما هذه السين فيه؟ قلت: يجوز أن تكون للتحول كما في استحجر الطين، ويعني أيضاً تحول دم الحيض إلى غير دمه وهو دم الاستحاضة [مدة الحيض] [أقل الحيض] م: (أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها) ش: أي أقل مدة الحيض، وإنما قيدنا هذا؛ لأن الأقل والأكثر بعض المضاف إليه، والثلاثة هي الأيام، والأيام ليست حيضاً فلا بد من التقدير ونظيره: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] (البقرة: الآية 197) أي مدة الحج أو زمانه أو وقته، ويجوز رفع ثلاثة أيام ونصبها، أما الرفع فلكونها خبر المبتدأ، وأما النصب على الظرف. ثم اعلم أن ظاهر الرواية هو الذي ذكره المصنف، وبه قال الثوري، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه ثلاثة أيام وما يتخللها من الليالي، وهو الليلتان، ذكره في " المبسوط "، وقال في " الينابيع ": يريد بقوله: لياليها ليال تقع في بعض هذه الأيام، ولا يريد الثلاث ليال مقدرة لتقديره بثلاثة أيام، فعلى هذا قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لو رأت في أول اليوم غدوة دما وانقطع ثم رأته في اليوم الثاني ساعة، ثم رأته في اليوم الثالث ثم انقطع بالعشي، هذا حيض كله. ثم اعلم أن كون الدم يمتد إلى ثلاثة أيام بحيث لا ينقطع ساعة حتى يكون حيضاً غير شرط؛ لأن ذلك لا يكون إلا نادراً بل انقطاع ساعة أو ساعتين فصاعداً غير مبطل للحيض، وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في التقدير بيوم وليلة، وفي " الحلية ": أقل الحيض يوم، وقال في موضع آخر: يوم وليلة، فمن أصحابنا من قال: فيه قولان، ومنهم من قال قولاً واحداً يوم وليلة، وهو قول أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهو الأظهر، ونص عليه الشافعي وتفرع عليه أحكام الحيض. ومنهم من قال: يوماً قولاً واحداً وهو قول داود. وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا حد لأقله في العبادات، وروى عنه ابن وهب: أن أقله في العدة والاستبراء خمسة أيام بلياليها، وقال محمد بن جرير الطبري: أجمعوا على أنها لو رأت الدم ساعة وانقطع لا يكون حيضاً كأنه لم يتصوره، بخلاف مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يقول: أقله دفعة، وقالت: طائفة: ليس لأقله ولا لأكثره حد بالأيام، بل الحيض إقبال الدم المنفصل عن دم الاستحاضة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 فما نقص من ذلك فهو استحاضة لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة أيام ولياليها»   [البناية] م: (فما نقص من ذلك) ش: أي من أقل الحيض الذي هو ثلاثة أيام ولياليها م: (فهو) ش: أي الناقص م: (استحاضة) ش: عندنا ولو بساعة، وعليه الفتوى، قاله الصدر الشهيد؛ لأن الأيام إذا ذكرت بلفظ الجمع انتظمت ببيان أنها من التوالي، فنقصان ساعة منها تنفي الحيض كما ذكرنا م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة أيام ولياليها» ش: هذا الحديث روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -[وعن بعض] من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. الأول: حديث أبي أمامة رواه الطبراني في " معجمه ". والدارقطني في " سننه " من حديث حسان بن إبراهيم، عن عبد الملك، عن العلاء بن كثير، عن مكحول، عن أبي أمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة، وأكثر ما يكون عشرة أيام، فإذا زاد فهي مستحاضة» . الثاني: حديث واثلة بن الأسقع رواه الدارقطني في " سننه " من حديث حماد بن المنهال البصري، عن محمد بن راشد، عن مكحول، عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام» . الثالث: حديث معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه ابن عدي في " الكامل " عن محمد بن سعيد الشامي، حدثني عبد الرحمن بن غنم، سمعت معاذ بن جبل يقول: إنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا حيض دون ثلاثة أيام، ولا حيض فوق عشرة أيام، فما زاد على ذلك فهي مستحاضة تتوضأ لكل صلاة إلا أيام أقرائها، ولا نفاس دون أسبوعين، ولا نفاس فوق أربعين يوماً، فإن رأت النفساء الطهر دون الأربعين صامت وصلت، ولا يأتيها زوجها إلا بعد أربعين» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الرابع: حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " من حديث أبي داود النخعي، حدثني أبو طوالة، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أقل الحيض ثلاث وأكثره عشر، وأقل ما بين الحيضتين خمسة عشر يوماً» . الخامس: حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه ابن عدي في " الكامل " عن الحسن بن دينار، عن معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أقل الحيض ثلاثة أيام وأربعة وخمسة وستة وسبعة وثمانية وتسعة وعشرة، فإذا جاوز العشر فهي مستحاضة» . السادس: حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ذكره ابن الجوزي في " التحقيق " قال: وروى حسين بن علوان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «أكثر الحيض عشر وأقله ثلاث» . فإن قلت: هذه الأحاديث كلها ضعيفة فلا يصح الاحتجاج بها، ففي حديث أبي أمامة: عبد الملك مجهول، والعلاء بن كثير ضعيف الحديث، ومكحول لم يسمع من أبي أمامة، قاله الدارقطني. وفي حديث واثلة: حماد بن المنهال، قال الطبراني: مجهول، وفيه محمد بن راشد، قال ابن حبان: كثير المناكير في روايته فاستحق الترك، وفي سنده أيضاً محمد بن أحمد بن أنس ضعيف. وفي حديث معاذ: محمد بن سعيد، فالبخاري، وابن معين، والثوري قالوا: إنه يضع الحديث. وفي حديث الخدري: أبو داود والنخعي، واسمه: سليمان، قال ابن حبان: كان سليمان يضع الحديث، وقال أحمد: كان كذاباً، وقال البخاري: هو معروف بالكذب. وفي حديث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أنس: الحسن بن دينار، وقال ابن عدي: إن جميع من تكلم في الرجال أجمع على ضعفه. وفي حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حسين بن علون، قال ابن حبان: كان يضع الحديث، لا يحل كتب حديثه، كذبه أحمد ويحيى بن معين. قلت: أجاب القدوري في " التجريد " أن ظاهر الإسلام يكفي لعدالة الراوي ما لم يوجد فيه قادح، وضعف الراوي لا يقدح إلا أن تقوى جهة الضعف، وقد ذكر النووي في " شرح المهذب " أن الحديث إذا روي من طرق ومفرداتها ضعيفة يحتج به. وقال الدارقطني: مكحول لم يسمع أبا أمامة، غير مسلم؛ لأنه أدرك أبا أمامة وسمع في عصره، وإذا روى عنه فالظاهر السماع؛ فإن الشرط عند مسلم إمكان اللقي، ولو ثبت إرساله فالمرسل حجة عندنا. فإن قلت: قال أحمد: أخبرتني امرأة ثقة أنها تحيض سبعة عشر. وقال ابن المنذر: بلغني عن نساء الماجشون أنهن يحضن سبعة عشرة يوماً، وكذا حكى عنهن أحمد، وروى إسحاق بن راهويه أن امرأة من نساء الماجشون كانت تحيض عشرين، وعن ميمون بن مهران أن زوجته بنت سعيد بن جبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كانت تحيض شهرين من السنة. وقال يزيد بن هارون: عندي امرأة تحيض يومين، وعن عبد الرحمن بن مهدي: كانت امرأة يقال لها: أم العلاء، تقول: حيضتي من أيام الدهر يومان. قال النووي: روينا ذلك بإسناد صحيح. قلت: [ذكر] مالك ما حكي عن نساء الماجشون، وقال إسحاق: كنت أرى ما زاد على خمسة عشر صحيحاً، وما ذكر عن إسحاق ويزيد بن هارون أنكره أبو بكر بن إسحاق الفقيه، على أنا نقول: قد شهد لمذهبنا عدة أحاديث من عدة عن الصحابة من طرق مختلفة كثيرة [يشد] بعضها بعضاً، وإن كان كل واحد ضعيفاً، لكن يحدث عند الاجتماع ما لا يحدث عند الانفراد، على أن بعض طرقها صحيحة، وذلك يكفي للاحتجاج؛ خصوصاً في المقدرات، والعمل به أولى من العمل بالبلاغات، والحكايات المروية عن نساء مجهولة، ولا يجوز ترك الحجة بغير الحجة، ولأنا لو فتحنا باب اتساع وجود الدم في كل ما يحدث يظهر الخطأ والاضطراب، ونحن مع هذا لا نكتفي بما ذكرنا، بل نقوي ما ذهبنا إليه بالآثار المنقولة عن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في هذا الباب. فمن ذلك ما روي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه البيهقي من حديث الجلد بن أيوب، عن معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك أنه قال: قرء المرأة، أو قال: حيض المرأة ثلاث أو أربع حتى ينتهي إلى عشرة، فتزاد في رواية، ثم تغتسل وتصوم وتصلي، وزاد غيره: فإذا جاوزت العشرة فهي مستحاضة. قال في " الإمام ": هذا مشهور برواية جعد عن أنس مرفوعاً، رواه جماعة من الأكابر منهم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] سفيان الثوري، وبه أخرجه الدارقطني من رواية وكيع، وأبي أحمد الزبيري عن الثوري، ففي رواية أبي أحمد: أدنى الحيض ثلاثة وأقضاه عشرة. وقال وكيع: الحيض ثلاثة إلى عشرة، فما زاد فهو استحاضة. ومنهم حماد بن زيد، ولفظه عن أنس: الحيض ثلاث وأربع وخمس وست وسبع وثمان وتسع وعشر. ومنهم إسماعيل بن إبراهيم [ ... ] يكنى أبا بشر، مولى أنس بن خزيمة، بصري ثقة، ينسب إلى أمه علية، ذكر ذلك في " العلم المشهور ". ومنهم: هشام بن حسان وسعيد، أخرجه الدارقطني، ولفظه: الحائض تنتظر ثلاثة أيام إلى عشرة أيام، فإذا جاوزت فهي مستحاضة تغتسل وتصلي، فإن البيهقي ذكر تضعيفه عن جماعة. وقال ابن عدي: لم ير للجعد حديثاً منكراً جداً، وقد جاء لحديثه متابعات من سواهن، منها ما أخرجه الدارقطني من حديث الربيع بن صبيح بفتح الصاد وكسر الباء الموحدة عمن سمع أنساً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: لا يكون الحيض أكثر من عشر، والربيع هذا وثقه يحيى بن معين، وقال أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا بأس به رجل صالح. وقال شعبة: هو من سادات المسلمين. فإن قلت: قولهم: " عمن سمع أنساً ": مجهول. قلت: هو معاوية بن قرة، صرح بذلك عبد الرزاق في " مصنفه "، وله طريقان آخران عن أنس أحدهما: أخرجه الدارقطني، والآخر أخرجه البيهقي، وروي أيضاً عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الدارقطني، وروي أيضاً عن عثمان بن أبي العاص أخرجه الدارقطني أنه قال: الحائض إذا جاوزت عشرة أيام فهي بمنزلة الاستحاضة تغتسل وتصلي. قال البيهقي: هذا الأثر لا بأس بإسناده. وحديث آخر رواه العقيلي عن معاذ بن جبل: لا حيض أقل من ثلاثة ولا فوق عشرة، وهو من حديث محمد بن الحسن الصدفي، وفي " الإمام ": عن جعفر بن محمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبيه عن جده، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أقل الحيض ثلاث، وأكثره عشر، وأقل ما بين الحيضين خمسة عشر يوماً» وذكر أبو بكر الخطيب بسنده إلى يعقوب بن سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال القدروي: وقد روي مثل قولنا عن عمر، وعلي، وابن عباس، وأنس، وابن مسعود، وعثمان بن أبي العاص الثقفي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولا يعرف لقولهم مخالف، فوجب تقليدهم، أو نقول: إن ما لا يدل عليه القياس يحمل فيه قول الصحابي على أنه قاله سماعاً، فكأنه رواه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولنا وجه آخر من هذا الباب احتج به الطحاوي، الثلاث والعشر، وهو «حديث أم سلمة أنها سألت عن المرأة تهرق الدم، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " تنظر عدد الأيام والليالي التي كانت تحيض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] من الشهر، فلتترك قدر ذلك من الشهر، ثم تغتسل وتصلي» فأجابها بذكر عدد الليالي والأيام من غير مسألة لها عن مقدار حيضها قبل ذلك، وأكثر ما يتناوله الأيام عشرة وأقله ثلاثة. قلت: روى هذا الحديث أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم من حديث سليمان بن يسار عنها. قال النووي: إسناده على شرطهما. وقال البيهقي: هو حديث مشهور، إلا أن سليمان لم يسمعه منها، وفي رواية لأبي داود عن سليمان أن رجلاً أخبره عن أم سلمة، والدارقطني عن سليمان: أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت فأمرت أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وقال المنذري: لم يسمعه سليمان، وقد رواه موسى بن عقبة عن نافع، عن سليمان بن يسار عنها، وساقه الدارقطني من حديث جويرية عن نافع عن سليمان، أنه حدثه رجل عنهما. قوله: تهراق على صيغة المجهول في الرواية والدم منصوب، وفي رواية: الدماء، أي تهراق هي الدماء فينصب الدماء على التمييز، وإن كان معرفة وله نظام، ويجوز رفع الدماء على تقدير تهراق دماءها وتكون الألف واللام بدلان عن الإضافة. وقوله: " لتنظر عدد الليالي والأيام "، أي تحتسب عدد الليالي والأيام التي تحيض فيها قبل أن يصيبها الذي أصابها وهو الاستحاضة فلتترك الصلاة قدر ذلك أي قدر ما كنت تراه قبل ذلك، مثلاً إن كانت عادتها من كل شهر عشرة أيام، إما من أولها وإما من أوسطها وإما من آخرها تترك الصلاة عشرة أيام من هذا الشهر فغير ذلك. فإن قلت: من أين كانت تحفظ هذه المرأة عدد أيامها التي كانت تحيضها أيام الصحة. قلت: ولم تكن تحفظ ذلك لم يكن لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر» ، قبل أن يصيبها الذي أصابها معنى لا يجوز، يردها إلى رأيها ونظرها في أمر هي غير عارفة بكنهه. فإن قلت: كيف الأمر فيمن لم تحفظ عدد أيامها. قلت: هذه مسألة مشهور في الفروع، وهي أنه يجب من كل شهر عشرة أيام حيضها، ويكون الباقي استحاضة، واحتج الأترازي لأصحابنا بما احتج به أبو بكر الرازي في " شرح مختصر الطحاوي " على تقدير أقل الحيض وأكثره، فقال: والأصل فيه ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال لفاطمة بنت أبي حبيش «دعي الصلاة أيام محيضك» وفي بعض الألفاظ: أيام أقرائك من كل شهر، وقال: المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها، وأقل ما يتناوله اسم الأيام ثلاثة أيام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 وأكثره عشرة أيام، وهو قول أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التقدير بيوم وليلة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يومان، والأكثر من اليوم الثالث إقامة للأكثر مقام الكل، فقلنا: هذا نقص عن تقدير الشرع، وأكثره عشرة أيام، والزائد استحاضة   [البناية] [أكثر الحيض] م: (وأكثره عشرة أيام) ش: فقد أفادنا هذا الخبر مقدار الأقل والأكثر؛ لأن ما دون الثلاثة لا يسمى أياماً، ونقول ثلاثة إلى عشرة، ثم نقول أحد عشر يوماً، انتهى كلامه. قلت: لم يبين من راوي هذا الحديث من الصحابة، ومن أخرجه من أهل الحديث، ورواه أبو داود والنسائي من «حديث فاطمة بنت أبي حبيش، أنها سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الدم فقال: " إذا أتاك قرؤك فلا تصلي، وإذا مر قرؤك فتطهري وصلي ما بين القرء إلى القرء» . ورواه النسائي من حديث الزهري، عن عمرة من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن أم حبيبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كانت مستحاضة، فسألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضها» ورواه ابن حبان من طريق هشام عن أبيه عنها نحوه. ورواه البيهقي موقوفاً، والطبراني في " الصغير " مرفوعاً من طريق قمير بن أبي مسروق عنها وزاد: «إلى مثل أيام أقرائها» . م: (وهو قول أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المذكور في الحديث المذكور قول أنس بن مالك، وليس هذا في كثير من النسخ، وقد ذكرناه عن قريب مفصلاً. م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (حجة على الشافعي في التقدير بيوم وليلة) ش: وعلى مالك أيضاً فيماً ذهب إليه من أن الدفعة حيض، وعلى أبي يوسف أيضاً فيما ذهب إليه من أن أقله يومان والأكثر من اليوم الثالث، ولكنه رواية عنه أشار المصنف إليه بقوله م: (وعن أبي يوسف أنه يومان والأكثر من اليوم الثالث إقامة الأكثر مقام الكل) ش: بضم الميم وإقامة نصب على أنه مفعول مطلق، والتقدير أقمنا إقامة أو أقيمت إقامة. م: (قلنا هذا نقص عن تقدير الشرع) ش: هذا جواب عما ذهب إليه أبو يوسف، تقديره: أن الشرع نص على عدد معين فلا يجوز تغييره، فلو جاز النقص فيه لجاز في إقامة اليومين مقام الثلاثة؛ لأنها أكثرها ولأن العدد بعد النص عليه، يعتبر عليه كما له، كأعداد الركعات وأيام الصيام وغيره أي يومين لمراعاة نص العدد. م: (وأكثره) ش: أي أكثر الحيض م: (عشرة أيام والزائد) ش: على العشرة م: (استحاضة) ش: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 لما روينا وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التقدير بخمسة عشر يوما   [البناية] فتجري فيه أحكام الاستحاضة م: (لما روينا) ش: والمصنف لم يرو الحديث ولا يشير لأحد من الصحابة، وإنما ذكره م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التقدير) ش: أي في تقدير أكثر الحيض م: (بخمسة عشر يوماً) ش: وبه قال مالك، وأحمد في رواية، وأبو يوسف أيضاً في رواية، وأبو حنيفة أولاً، وداود، وأظهر الروايات عن أحمد: أنه سبعة عشر يوماً، وهو رواية عن مالك. وعنه: لا حد لقليله ولا لكثيره، ولم يذكر المصنف حجة الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا حجة مالك. وأما حجة الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن وافقه فهو حديث رووه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «تمكث إحداكن شطر عمرها أو دهر لا تصلي» وقال الشطر: النصف، فدل على أن أكثره خمسة عشر يوماً. قلت: ذكر السغناقي هذا الحديث ولفظه لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نقصان دين المرأة: " تقعد «إحداهن شطر عمرها لا تصوم ولا تصلي» ، وذكره الأترازي فقال قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما رأيت ناقصات عقل ودين أقدر على سلب عقول ذوي الألباب، قيل: يا رسول الله! ما نقصان عقلهن ودينهن؟ فقال: أما نقصان عقلهن: فشهادة امرأتين شهادة رجل، وأما نقصان دينهن: فلأن إحداهن تمكث شطر عمرها لا تصلي» فعلم بهذا أن أكثر الحيض مقدر بخمسة عشر يوماً. وقال ابن منده: لا يثبت عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بوجه من الوجوه، وقال ابن الجوزي: هذا لا يعرف. وقال النووي: هذا حديث باطل لا يعرف. وقال البيهقي في كتاب " المعرفة ": والذي يذكره بعض فقهائنا من قعودها شطر عمرها أو دهرها لا تصلي، قد طلبت كثراً فلم أجده في شيء من كتب أصحاب الحديث، ولم أجد له إسناداً بحال، فهذا الحديث لم يثبت، وإنما الثابت من " الصحيحين " حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ما رأيت ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن، قال: وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر رمضان، فهذا نقصان الدين» والعجب من الأترازي يذكر هذا الحديث ويرضى به ويسكت، مع ادعائه أن له يداً في الحديث، ولم يكن له فيه غير قوله: لا نسلم أن مكث إحداهن شطر عمرها يدل على ما قلتم، بل المكث بهذه الصفة حاصل فيما قلنا، ألا ترى أن المرأة إذا بلغت بخمسة عشر سنة ثم حاضت من كل شهر عشرة أيام ثم ماتت بعد ستين سنة تكون تاركة الصلاة نصف عمرها لا محالة. وقال السغناقي في جوابه: المراد ليس حقيقة الشطر؛ لأن في عمرها زمان الصغر ومدة الحبل وزمان الإياس، ولا يختص في شيء من ذلك، فعرفنا أن المراد به ما يقارب الشطر حيضاً، وإذا قدرنا بالعشرة بهذه الآثار فقد جعلنا ما يقارب الشطر حيضاً. وأما حجة مالك فإنه يقول: الكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 630 ثم الزائد والناقص استحاضة؛ لأن تقدير الشرع يمنع إلحاق غيره به، وما تراه المرأة من الحمرة والصفرة والكدرة في أيام الحيض فهو حيض   [البناية] مطلق عن التقييد بالزمان وهو قَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 22) ، والتقييد ينافي الإطلاع، والجواب عنه أن الذي استدل به مجمل يحتاج إلى البيان، فالأحاديث المذكورة إجمالاً. م: (ثم الزائد) ش: على العشرة م: (والناقص) ش: عن الثلاثة م: (استحاضة؛ لأن تقدير الشرع يمنع إلحاق غيره به) ش: أي غير تقدير الشرع بتقدير الشرع؛ لأن العقل لا ابتداء له في المقادير، ويقال: إن الدم الزائد والناقص إما أن يكون دم حيض، أو نفاس، أو استحاضة، فانتفى الأولان فتعين الثالث. ثم اعلم أن هذه الأيام والليالي المقدرة في أقل الحيض والمرأة تعتبر بالساعات حتى لو رأت وقد طلع نصف قرص الشمس وانقطع في الرابع وقد طلع دون نصفه فليس بحيض فتتوضأ وتقضي الصلوات، ولو طلع تمام القرص تغتسل ولا تقضي، وكذا لو رأت معتادة بخمسة وقد طلع نصف الشمس وانقطع في الحادي عشر وقد طلع أكثرها اغتسلت وقضت صلوات خمسة أيام وإلا فلا. وقال أبو إسحاق الحفاظ: هذا في أقل الحيض وأقل الطهر، وفيما سواها إن كانت المرأة أنها طهرت في الحادي عشر حد بها بعشرة وفي العاشرة سبعة وفي الطهر مثله، وما كان يتعرض للساعات وعليه الفتوى. م: (وما تراه المرأة من الحمرة والصفرة والكدرة في أيام الحيض) ش: بضم الكاف وهي التي لونها كلون الماء الكدر في أيام الحيض م: (فهو حيض) ش: ارتفاع حيض على أنه خبر ما الموصولة أعني الألوان التي ذكرناها في أول الباب الموعود بذكره والألوان ستة: السواد، والحمرة، والصفرة، والكدرة، والخضرة، والتربية، وهي التي على لون التراب وهي نوع من الكدرة فحكمها حكم الكدرة وهي بضم التاء المثناة من فوق وسكون الراء وبكسر الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف. وقال التربية: نسبة إلى الترب، والتراب والترب بضم التاء وهو التراب، وقيل: التاء بدل من الواو من لفظة ورأ؛ لأنها من لفظة ترى بعد الحيض. وقيل: هي تربية على وزن تفعله من برئي بفتح الباء وسكون الراء وكسر الهمزة وفتح الياء آخر الحروف، وقيل: فعلية ذكره الفراء. وقيل: تربة بتشديد الراء وتخفيفها مع الإدغام، وفي " قاضي خان ": الربية على وزن البرية. وذكر " المغرب " هي الرية؛ لأنها على لونها. فإن قلت: لم يذكر السواد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: لا إشكال في كونه حيضاً، واستدل به صاحب " الدراية " ثم الأكمل في ذلك بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «دم الحيض أسود غليظ محترم» ، وذكره الأترازي أيضاً ولم بين أحد منهم راويه من هو، ولا مخرجه من هو. قلت: هذا روي من وجوه مختلفة، فروى أبو داود من حديث فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما ذلك عرق» . وأخرجه النسائي أيضاً وزاد بعضهم فيه: و «أنه له رائحة» بعد قوله: " تعرف "، وليس كذلك بقولهما ودفع الشافعية تبعاً للنهاية بعد قوله: فإنما هو عرق انقطع، وأنكر ابن الصلاح والنووي وابن الرفعة قوله: " انقطع " وليس كذلك فإنه موجود في " سنن " الدارقطني والحاكم، والبيهقي، من طريق ابن أبي مليكة: جاءت خالتي فاطمة بنت حبيش إلى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فذكر الحديث، وفيه: «فإنما هو داء عرض، أو ركضة من الشيطان أو عرق انقطع» . وذكر الشافعية في صفته الأسود؛ لأنه محترم وليس له أصل، بل وقع في " تاريخ " العقيلي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: دم الحيض أحمر قاني، ودم الاستحاضة كغسالة اللحم، ووقعت الصفة المذكورة في كلام الشافعي في " الأم "، وذكروا أيضاً في صفته أنه أحمر سرق وليس له أصل، ولكن روى الدارقطني، والبيهقي، والطبراني من حديث أبي أمامة مرفوعاً: «دم الحيض أسود خاثر تعلوه حمرة، ودم الاستحاضة أسود رقيق» ، وفي رواية: «دم الحيض لا يكون إلا أسود غليظا تعلوه حمرة، ودم الاستحاضة دم رقيق تعلوه صفرة» ، وذكر صاحب " المحيط " حديث فاطمة بنت أبي حبيش وفيه: «ليست بالحيضة، إنما هي ركضة من الشيطان، أو عرق عند، أو داء اعترض» . قلت: قوله: " عرق عند "، ليس في كتب الحديث، وقوله: " أو داء اعترض " ذكره الدارقطني، ووقع في الطحاوي: «ولكن عرق فتقه إبليس» ، وذكر أصحابنا في الحديث «عرق انفجر» ، وهذا ذكره الشيخ تقي الدين في " شرح العمدة "، والذي وقع في البخاري ومسلم: «فإنما هو عرق» أي دم عرق، وهذا العرق يسمى العاذل. وفي " المبسوط ": قالت فاطمة بنت قيس لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إني أستحاض فلا أطهر، هذا وهم، وليست هي فاطمة بنت قيس، وإنما هي فاطمة بنت أبي حبيش كما مر آنفا، وفاطمة بنت قيس هي التي بت طلاقها زوجها، وقالت: لم يجعل لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفقة ولا سكنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقوله: محترم: بالحاء المهملة، قال الجوهري: احترام الدم اشتدت حمرته حتى يسود، وفسره الأكمل بقوله: أي طري شديد الحمرة إلى السواد. قلت: قوله: طري ليس له دخل تفسيره. قوله: " أو عرق عند " بفتح العين المهملة وكسر النون، ويقال له: العاذل أيضاً من عند العرق سال، ولم يرقأ. والعاذل: بالعين المهملة وكسر الذال المعجمة اسم للعرق الذي يسيل منه دم الاستحاضة، وسئل ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن دم الاستحاضة فقال: ذاك العاذل يغذ وتستشفر بثوب ولتصل. وقوله: يعذر أي يسيل. وأما الحمرة فهو اللون الأصلي للدم إلا عند غلبة السوداء يضرب إلى سواد. وعند غلبة الصفرة يضرب إلى الصفرة ويتبين ذلك لمن افتصد. وأما الصفرة فهي من ألوان الدم إذا رق، وقيل: هي كصفرة البيض أو كصفرة القز. وفي " قاضي خان ": الصفرة تكون كلون السبر أو لون التين. وفي " المجتبى ": وهذه الثلاثة أعني الأسود والأحمر والأصفر حيض. وعن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم قالوا: السواد والحمرة والصفرة حيض. وفي " مبسوط أبي بكر " عن أبي منصور الماتريدي: لو اعتادت أن ترى أيام طهرها صفرة وأيام حيضها حمرة فحكم صفرتها حكم الطهر بدلالة الحال. وقيل: إنما اعتبر ذلك في صفرة عليها بياض ولها حكم الطهر على قول أكثر المشايخ، وعن أبي بكر الإسكاف: إن كانت الصفرة على لون البقم فهي حيض وإلا فلا، والمنقول عن الشافعي في " مختصر المزني ": الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، واختلف أصحابه في ذلك على ستة أوجه الصحيح المشهور ما قاله ابن شريح، وأبو إسحاق، المروزي، وجماعة من المتقدمين، أو من المتأخرين أن الصفرة والكدرة في زمان الإمكان، وهو خمسة عشر يوماً يكونان حيضاً سواء كانت مبتدأة أو معتادة خالف عادتها أو وافقها كما لو كان أسود أو أحمر وانقطع بخمسة عشر. الثاني: قول الإصطخري أن الصفرة والكدرة في أيام العادة حيض وإن رأتهما مبتدأة أو معتادة في غير أيام العادة. قلت: محيض. الثالث: أبو علي الطبري أنه إن تقدم الصفرة، والكدرة، دم أسود قوي أو أحمر، ولو بعض يوم كان حيضا، وإن لم يتقدم منها شيء لم يكن حيضاً تبعاً للقوي، وإن تقدمها دون يوم وليلة قبلت حيضاً. الخامس: حكاه ابن كج إن تقدمها دم قوي كانت حيضاً وإلا كانت استحاضة. السادس: حكاه السرخسي إن تقدمها دم قوي يوم وليلة ولحقها دم قوي يوماً وليلة كانت حيضاً وإلا فلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 حتى ترى البياض خالصا. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تكون الكدرة من الحيض إلا بعد الدم؛ لأنه لو كان من الرحم لتأخر خروج الكدر عن الصافي، ولهما ما روي أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - جعلت ما سوى البياض الخالص حيضا   [البناية] وأما الكدرة فهي حيض عند أبي حنيفة ومحمد سواء رأت في أول أيامها أو آخرها. وأما الخضرة فقال في " البدائع ": اختلف المشايخ فيها، فقال الشيخ الإمام أبو منصور إذا رأتها في أول الحيض يكون حيضا، وإن رأتها في آخر الحيض واتصل بها أيام الحيض لا يكون حيضاً، وجمهور الأصحاب على كونها حيضاً كيفما كان، وفيل: الخضرة مثل الكدرة، وقيل الخضرة، والتربية، والكدرة، والصفرة إنما يكون حيضا على الإطلاق في غير العجائز، وفيهن إن وجدتها على الكرسف شدة وصفة تربية فهي حيض، وإن طالت لم تكن حيضاً؛ لأن أرحام العجائز تكون منتنة فيتغير الماء بطول المكث ودم النفاس كدم الحيض. م: (حتى ترى البياض خالصاً) ش: كلمة حتى للغاية والمعنى أنها تراه الحائض من الألوان المذكورة في أيام الحيض حيض إلى أن تري البياض خالصاً على أنه حال من البياض. م: (وقال أبو يوسف: لا تكون الكدرة حيضاً إلا بعد الدم) ش: يعني إذا رأتها في آخر أيام الحيض، وإذا رأتها في أول أيام الحيض لا تكون حيضاً وبه قال أبو ثور، واختاره ابن المنذر وقال داود: لا تكون الكدرة والصفرة حيضاً بحال. وقال الشافعي: إن كانتا في زمن الإمكان بأن لا يكون أقل من يوم وليلة حيض كما أيام العادة، ونقل ذلك ابن الصباغ صاحب " الشامل " عن ربيعة، ومالك، والثوري، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الكدرة، إنما ذكر الضمير باعتبار الكدر أو باعتبار المذكور م: (لو كان من الرحم لتأخر خروج الكدر عن الصافي) ش: لأن الكدرة من كل شيء يتبع صافيه، فلو جعلت حيضاً ولم يتقدم عليها دم كانت حيضاً مقصودة لا تبعاً. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (ما روي أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - جعلت ما سوى البياض الخالص حيضاً) ش: روى مالك عن محمد في " موطئهما " عن علقمة بن أبي علقمة عن أمة مولاة عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: كانت النساء يبعثن إلى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في الدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيض فسألتها عن الصلاة فتقول لهن: لا تعلجن حتى ترين القصة البيضاء، تريد بذلك الطهر من الحيض. ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر، عن علقمة بن أبي علقمة به سواء، أخرجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 634 وهذا لا يعرف إلا سماعا   [البناية] البخاري في " صحيحه " تعليقاً، ولفظه: قال: وكن يبعثن إلى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بالكرسف فيه الصفرة فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء. قوله: بالدرجة: بكسر الدال وفتح الراء جمع درج، مثل حرج حرجة، وترس وترسة، والدرج كالغط الصغير، تضع فيه المرأة حق متاعها وطيبها، وقيل: إنما هي الدرجة، وبالضم تأنيث درج، وجمعها الدرجة بضم الدال. والكرسف بضم الكاف، قال ابن الأثير: هو القطن، وقال غيره: الكرسف خرقة أو قطنة ونحو ذلك تدخله المرأة فرجها لتعرف هل بقي شيء من أثر الحيض أم لا، ويستحب أن تكون مطيبة بالمسك أو الغالية لتدفع رائحة دمها، قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لامرأة استحيضت: «خذي فرصة ممسكة» ، والفرصة بضم الفاء قطعة من صوف أو قطن أو خرقة، والممسكة المطيبة بالمسك، وفي رواية عن بعضهم حكاه أبو داود: قرصة، بالقاف، أي شيئاً يسيراً مثل القرصة بطرف الأصبعين، وحكي عن أبي قتيبة، قرضة بالقاف والضاد المعجمة أي قطعة من القرض هو القطع، والقصة بفتح القاف، وتشديد الصاد المهملة الجصة يشبة الرطوبة الصافية بعد الحيض بالجص، وقيل: القصة شيء يشبه الخيط الأبيض يخرج من قبل النساء في آخرهن أيامهن تكون علامة طهرهن، وقيل: ماء أبيض يخرج في آخر الحيض. وفي " المحيط ": القصة في حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الطين الذي يغسل به الرأس وهو أبيض يضرب لونه إلى الصفر، أرأيت أنها لا تخرج من الحيض حتى ترى البياض الخالص، ويخرج من الطين بالحفوف أيضاً. وفي " المبسوط ": القصة الببلون الذي يغسل به الرأس وهو أبيض يضرب لون إلى الصفرة. قلت: الببلون بفتح الباء الموحدة وسكون الباء الأخيرة وضم اللام وسكون الواو وفي آخره نون وهو الذي يقال له الطفل وهو لغة بلدية. م: (وهذا لا يعرف إلا سماعاً) ش: أي هذا الذي جعلته عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لا يعرف إلا من حيث السماع فيحمل على أنها سمعت من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأن العقل لا يهتدي لمثل هذا، وقال الأترازي: وهذا الذي قلنا مذهب علمائنا. قلت: مقصوده هو الذي قاله لا يهتدي إليه إلا من طريق السماع من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والذي ذكرنا أجود وأصوب ولا يقال: إن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دم الحيض أسود عبيط محترم» يدل على أن هذه الأشياء ليست بحيض وهو أقوى من فعل عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فلا يجوز تركه به؛ لأنا نقول: تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه، وقد عرف في الأصول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 وفم الرحم منكوس فيخرج الكدر أولا كالجرة إذا ثقب أسفلها. وأما الخضرة فالصحيح أن المرأة إذا كانت من ذوات الأقراء تكون حيضا   [البناية] م: (وفم الرحم منكوس) ش: هذا جواب عن قول أبي يوسف؛ لأنه لو كان من الرحم لتأخر خروج الكدر عن الصافي، وتقريره أن يقال: نعم هو كذلك إذا لم يكن المخرج من أسفل، وفم الرحم منكوس: يعني من الأسفل لا من الأعلى، فيخرج الكدر أولاً ثم الصافي كالجرة إذا ثقب أسفلها فإنه يخرج الكدر أولاً، وإن من خاصة الطبيعة أنها تدفع الكدر أولاً كما في الفصد والبول والغائط. قلت: على هذا لو خرج الصافي أولاً ثم الكدر لا ينبغي أن يكون الكدر حيضاً م: (فيخرج الكدر أولاً) ش: نتيجة قوله: وفم الرحم منكوس م: (كالجرة إذا ثقب أسفلها) ش: هذا شبه فم الرحم بالجرة إذا ثقب أي يحسن أسفلها فإنه حينئذ إذا كان فيها شيء من المائعات يخرج من الكدر منها أولاً، والرحم كذلك؛ لأن فيه من أسفل، والتشبيه بالجرة الموضوعة هكذا لا بالجرة المطلقة؛ لأن التشبيه لا يكون إلا في صفة مخصوصة كما في قولك: زيد كالأسد، فإن التشبيه فيه في الشجاعة مطلقاً. واعلم أن للمرأة فرجاً داخلاً، وفرجا خارجا، فالداخل بمنزلة الدبر، والخارج بمنزلة الأليتين، فإذا وضعت الكرسفة في الخارج فابتدأ الجانب الداخل منه كان ذلك حيضاً وإن لم ينفذ إلى الخارج، وإن وضعته في الفرج الداخل فابتدأ منه لم يكن ذلك حيضاً؛ لأنه بمنزلة خصية الذكر وإن نفذت البلة إلى الجانب الخارج، فإن كان الدبر عالياً عمل على رأس الفرج أو محاذيا له يكون حيضاً لظهور البلة، وإن كان منتقلا عنه لم يكن حيضاً وعلى هذا التفصيل إذا حشى الرجل إحليله بقطنة فابتلت، وهذا كله إذا لم يسقط الكرسف، فإن سقط فهو حيض كيف ما كان لظهور البلة، وكذلك الحكم في النفاس. وعن محمد بن سلمة أنه كان يكره للمرأة أن تضع كرسفها في الفرج الداخل؛ لأنه يشبه النكاح بيدها، ولو وضعت الكرسف في أول الليل ونامت فلما أصبحت فنظرت الكرسف فرأت البياض الخالص يلزمها قضاء العشاء؛ لأنا تيقنا بطهرها من حيث وضعت الكرسف، ولو كانت طاهرة حين وضعت الكرسف ونامت ثم أصبحت ووجدت البلة على الكرسف فإنها تجعل حائضاً من أقرب الأوقات، وهو ما بعد الصبح أخذا باليقين والاحتياط حتى يلزمها قضاء العشاء إن لم تكن صلت. م: (وأما الخضرة فالصحيح أن المرأة إذا كانت من ذوات الأقراء) ش: أي الحيض م: (تكون حيضاً) ش: هذا أحد ألوان الحيض، فلذلك ذكره بكلمة التفصيلية وقد ذكرنا أنا ستة فذكر منها الثلاثة الأولى وهي الحمرة والصفرة والكدرة، وذكر هنا الرابعة وهو الخضرة ولم يذكر اللونين وهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 ويحمل على فساد الغذاء، وإن كانت كبيرة لا ترى غير الخضرة تحمل على فساد المنبت   [البناية] الأسود والتربية. وقال صاحب " الدراية ": وإنما لم يذكر الثلاثة من ألوان الحيض؛ لأن الثلاث متداخلة في الثلاثة المذكورة؛ لأن الحمرة إذا اشتدت صارت سوادء والخضرة قريبة إلى الصفرة، والتربية تكون داخلة في الحمرة إذا رقت الحمرة تضرب إلى التربية. قلت: ليس الأمر كذلك، فإنه ذكر الأربعة وهي الحمرة والصفرة والكدرة والخضرة، وأما الأسود فلأنه أصل في باب الحيض معهود فاستغنى عن ذكره، وأما التربية فإنها نادرة فلذلك تركها. وأما الخضرة فقد اختلف فيها مشايخنا، فمنهم من أنكر وجودها حتى استبعده أبو نصر بن سلام حين سئل عنها فقال: كأنها أكلت فصيلاً. وذكر أبو علي الدقاق: أن الخضرة نوع من الكدرة، وأشار المصنف إلى أن الصحيح من المذهب أن المرأة إذا كانت من ذوات الأقراء تكون الخضرة حيضاً. ثم أشار إلى سبب كون الدم أخضر بقوله م: (ويحمل ذلك على فساد الغذاء) ش: يعني يجعل كأنها أكلت غذاء فاسداً ففسد دمها فصار لونه أخضر، ولهذا قال أبو نصر: كأنها أكلت فصيلاً. م: (وإن كانت) ش: أي المرأة م: (كبيرة) ش: أي آيسة م: (لا ترى غير الخضرة) ش: لا يكون حيضاً م: (تحمل) ش: ما تراه من الخضرة م: (على فساد المنبت) ش: بفتح الميم وسكون النون وكسر الياء الموحدة وفي آخره تاء مثناة من فوق وهو موضع النبات، والمعنى أنه يحمل الخضرة على أنها لم تكن في الأصل دماً، فإن الدم في الأصل لا يكون أخضر. ثم اعلم أن قوله: وإن كانت كبيرة إشارة إلى الإياس، وإن لم يبين هنا حده، وقد ذكرنا في أول الباب أن الكلام في الحيض فقال أبو نصر بن سلام: ست سنين، وقيل: سبع سنين وقال محمد بن مقاتل: تسع سنين، وبه أخذ أكثر المشايخ، وهو قول الشافعي ومحمد، وقال أبو علي الدقاق: ثنتي عشرة سنة اعتباراً للعادة في زماننا، كذا في " المحيط "، وفي البخاري وغيره: قالت: عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: إذا بلغت تسع سنين فهي امرأة، قال ابن تيمية: ورواه القاضي أبو يعلى بإسناده، يعني إذا حاضت، وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إذا أتى على الجارية تسع سنين فهي امرأة، ذكره ابن عدي، وروى الدارقطني عن عباد المهلبي قال: أدركت قبا يعني المهالبة امرأة صارت جدة وهي بنت ثماني عشرة سنة، ولدت تسع سنين بنتا، فولدت بنتها تسع سنين ابنا، وهو محمول على غير مدة الحمل فيهما، وإنما لم يذكر الراوي لنقصها عن السنة واجتماع سنة من الزيادتين لا تمنع قوله صارت جدة في ثماني عشرة سنة لا يحتمل أن تكون بترك الكسرين أو شك في قدره. وقال الأسبيجابي: ابنة لأبي مطيع البلخي صارت جدة في ثماني عشرة سنة وهو بالتفسير الذي تقدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] واعلم أنه بقي من الأنواع العشرة نوعان: أحدهما وقت ثبوت الحيض والآخر حكمه، والمصنف ذكر حكمه على ما يأتي عن قريب. وأما ثبوته فلا يكون إلا بالبروز، وعن محمد أنها إذا أحست بالبروز يثبت حكم الحيض والنفاس أيضاً إلا بالبروز. وثمرة الاختلاف تظهر فيما إذا توضأت المرأة ووضعت الكرسف ثم أحست أن الدم نزل منها فأدخلت الكرسف قبل غروب الشمس فالصوم تام عند محمد، وعندهم تقضي. ثم البروز إنما يعلم بمجاوزة موضع البكارة اعتباراً بنواقض الوضوء، والاحتشاء يسن للثيب ويستحب للكبر حالة الحيض، وأما في حالة الطهر فيستحب للثيب دون البكر، ولو صلتا بغير كرسف جاز. وفي " المفيد " قيل في بنت سبع سنين يكون ما تراه حيضاً، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أمرههم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً» والأمر للوجوب، والصحيح أنه استحاضة والأمر للاستحباب ليتمرنوا على الصلاة، ويتخلقوا بها كما يؤمر المراهق بالغسل من الجماع تخلقا به، ولهذا لم يؤمر بوضوئه، بخلاف التسع «فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بنى بعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وهي بنت تسع سنين» والظاهر أنه كان بعد بلوغها. وفي " الأسبيجابي " عن أبي نصر: بنت ست لو رأت الدم من غير آفة حيض، وما دون الست إجماع أنه ليس بحيض، وبنت ست اتفاق أنه حيض واختلفوا فيما بينهما، وفي " المفيد " الصغيرة جداً لو جعل ذلك منها حيضاً به بالغة وتبقى أهلاً للتكاليف الشرعية، وهي غير صالحة، وفي " المحيط ": ابنة ثنتي عشرة إذا رأت الدم من غير داء فهو حيض عند بعضهم، وفيه الكبيرة العجوز لو رأت الدم في مدة الحيض فهو حيض كما رأته على الدوام كان حيضاً فانقطاعه بينهما لا يمنع حيضاً؛ لأن في إياسها به فمتي عاودها الدم كان حيضاً ولم تكن آيسة لما تبين من عود الدم، وزوجة الخليل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حاضت وولدت وهي بنت تسعين سنة أو ثنتي وثمانين، وزوجة زكريا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولدت يحيى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهي بنت ثمان وتسعين سنة، وكذا روي عن ابن عباس - رض الله عنهما. والإياس المبيح للاعتداد بالأشهر: أن لا تري الدم سن لا يحيض في مثله غالباً لا يقينا بدليل قوله: إن ارتبتم. وقال محمد بن مقاتل الرازي قاضي بغداد: حده خمسون سنة وما تراه بعده لا يكون حيضاً، وهو قول أبي عبد الله الزعفران، والثوري، وابن المبارك، واختاره أبو الليث، ونصر بن يحيى، وبه قال أحمد هذا إذا لم يحكم بإياسها، فإن حكم به ثم رأت الدم لا يكون حيضاً، قال في " المحيط ": وهو الصحيح؛ لأن الاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله؛ لأنه يجوز أن يكون الدم بعد ذلك فاسداً، وما نقل كان معجزة فلا يجود إلا على وجه الإعجاز. وقيل: إن رأته سائلاً كما تراه في حيضها فهو حيض، وإن رأت بلة يسيرة لم يكن حيضاً بل يكون ذلك من نتن الرحم. وقيل: إن رأته أسود أو أحمر يكون حيضاً، وأصفر وأخضر لا يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 فلا يكون حيضا، والحيض يسقط عن الحائض الصلاة، ويحرم عليها الصوم،   [البناية] حيضاً، ولو اختار هذا إنساناً كان حسنا إلا في بطلان الاعتداد بالأشهر، وقيل في حد الإياس تعتبر أقراؤها من قرابتها، وقيل: تركها لاختلاف الطبائع باختلاف البلدات والأهوية والأزمان، ألا ترى أن النعمة تبطئ الإياس، والفقر يسرع به. وعن محمد أنه قدره بستين سنة، وعنه في المولدات ستين سنة، وفي الروميات بخمس وخمسين سنة؛ لأن الروميات أنعم من المولدات فكن أسرع تكسراً من المولدات. وعن أحمد: خمسون في العجمية ستون في العربية. وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لن ترى المرأة في بطنها ولداً بعد خمسين سنة. وقال صاحب " الإمام ": لم أقف على سنده. قلت: قال ابن تيمية: رواه الدارقطني في " مسنده " عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وفي " المحيط ": أفتى عامة المشايخ بخمس وخمسين سنة وهو أعدل الأقوال في سائر الأوقات وأقرب العادات، وفي رواية يقدر للإياس مدة، فإذا غلب على ظنها آيسة اعتدت بالأشهر ثم رأت الدم وفي أثناء الشهور انتقض ما مضى من عدتها وبعد تمامها لا تبطل وهو المختار، ولو أنا لم تحض قط وقد بلغت مبلغاً تحيض أمثالها فيه غالباً يحكم بإياسها. وفي " الجامع الصغير ": إذا بلغت ثلاثين سنة ولم تحض يحكم بإياسها. م: (فلا يكون حيضاً) ش: نتيجة قوله: وإن كانت كبيرة ... وإلخ، وفي بعض النسخ: بالواو ولا يكون حيضاً ويكون عطفاً على قوله: يحمل على فساد المنبت. [ما يسقطه الحيض من العبادات] م: (والحيض يسقط) ش: من الإسقاط م: (عن الحائض الصلاة) ش: هذا شروع في بيات حكم الحيض الذي هو من العشرة التي ذكرناها في أول الباب. وقال السغناقي وغيره: أي أحكام الحيض اثنا عشر، وثمانية يشترك فيها الحيض والنفاس، وأربعة مختصة بالحيض دون النفاس. أما الثمانية: فتترك الصلاة لا إلى قضاء، وتترك الصوم إلى قضاء، وحرمة الدخول في المسجد، وحرمة الطواف بالبيت، وحرمة قراءة القرآن، وحرمة مس المصحف، وحرمة جماعها، والثامن: وجوب الغسل عند انقطاع الحيض، وأما الأربعة الخصوصة: فانقضاء العدة والاستبراء والحكم ببلوغها والفصل بين طلاقي السنة والبدعة، فالسبعة الأولى تتعلق بروز الدم عندها وبالإحساس عند محمد، والثامن: وهو الحكم ببلوغها معلق، والأربعة الباقية: تتعلق بانقضائه وهو وجوب الاغتسال مع الثلاثة من الأربعة المخصوصة. [ما يحرم على الحائض] م: (ويحرم عليها) ش: أي على الحائض م: (الصوم) ش: فإن قلت: قال في الصلاة تسقط، وفي الصوم يحرم لماذا من الفائدة. قلت: إنما تسقط في الصلاة على القاضي أبي زيد، فإن عنده نفس الوجوب ثابت على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، «لقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كانت إحدانا على عهد رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا طهرت من حيضها تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة» ولأن في قضاء الصلوات إحراجا لتضاعفها، ولا حرج في قضاء   [البناية] الصبي، والمجنون، والحائض لقيام الذمة الصالحة للإيجاب، ولكن يسقط بالعذر، والمسقوط يقتضي سابقة الوجوب، وأما على قول عامة المشايخ: لا يجب فيكون المراد من قوله: فيسقط: يمنع. وأما في الصوم فلم يقل يسقط إشارة إلى أن الصوم يقضى، وهل هو على التراخي أم على الفور؟ ففي " المجتبى " الأصح عند أكثر المشايخ أنه على التراخي، وعند أبي بكر الرازي على الفور، والمبتدأة إذا رأت دماً تركت الصلاة والصوم عند أكثر مشايخ بخارى، وعن أبي حنيفة: لا تترك حتى يستمر الدم ثلاثة أيام. [ما تقضيه الحائض من العبادات] م: (وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة) ش: هذا فائدة الإسقاط والتحريم م: «لقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كانت إحدانا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا طهرت من حيضها تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم " من حديث معاذة بنت عبد الله العدوية بلفظ مسلم، «قالت - يعني معاذة -: سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ما بال الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟! قلت: لست بحرورية، ولكني أسأل، قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة» . وفي رواية البخاري: «لقد كنا نحيض عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا يأمرنا، أو قالت: فلا نفعله» وفي رواية لمسلم: «قد كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم لا نؤمر بالقضاء» ولفظ أبي داود «عن معاذة: أن امرأة سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أتقضي الحائض الصلاة؟ قالت: أحرورية أنت؟! لقد كنا نحيض على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا نقضي ولا نؤمر بالقضاء» وفي رواية «فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة» . وفي رواية للترمذي: «كنا نحيض عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيأمرنا بقضاء الصوم ولا يأمرنا بقضاء الصلاة» «عن معاذة العدوية أن امرأة سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أتقضي الحائض الصلاة إذا طهرت، فقالت: أحرورية أنت؟! قد كنا نحيض على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم نتطهر فيأمرنا بقضاء الصوم، ولا يأمرنا بقضاء الصلاة» . وفي رواية ابن ماجه «عن معاذة العدوية عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن امرأة سألتها أتقضي الحائض الصلاة؟ قالت لها عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أحرورية أنت؟! قد كنا نحيض عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم نطهر ولم يأمرنا بقضاء الصلاة.» قولها: أحرورية أنت؟ الهمزة للاستفهام على سبيل الإنكار، أي هذه طريقة الحرورية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 الصوم ولا تدخل المسجد، وكذا الجنب؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فإني لا أحل المسجد لحائض، ولا جنب» .   [البناية] وبئست الطريقة، والحرورية طائفة من الخوارج نسبوا إلى حروراء قرية على ميلين من الكوفة تمد وتقصر، وكان أول اجتماعهم فيها على عهد علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقيل: إنها خرجت عن الجماعة وخالفت السنة كما خرج هؤلاء عن جماعة المسلمين، وقيل: كانوا يرون على الحائض قضاء الصلاة وشددوا في ذلك، وكانوا يتعمقون في أمور الدين حتى خرجوا منه، والسائلة أيضاً كأنها تعمقت في سؤالها فكذلك قالت لها عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أحرورية أنت؟ فإن قلت: وجوب القضاء يبنى على وجود الأداء في الأحكام، فكيف تخلف هذا الحكم هاهنا. قلت: الأصل هذا، ولكنه ثبت على خلاف القياس. م: (ولأن في قضاء الصلوات إحراجا) ش: هذا دليل عقلي لوجود الحرج م: (لتضاعفها) ش: أي لتضاعف الصلاة؛ لأنها خمس صلوات في كل يوم وليلة م: (ولا حرج في قضاء الصوم) ش: لأنه في السنة مرة واحدة مع انضمام النص إليه فوجب. [ما يحرم على الحائض والجنب] [دخول الحائض والجنب المسجد] م: (ولا تدخل المسجد) ش: أي لا تدخل الحائض المسجد وبه قال مالك والثوري وابن راهويه، وهو مروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (وكذا الجنب) ش: أي كالحائض لا يدخل المسجد الجنب أيضاً م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» ش: هذا شطر من حديث رواه أبو داود بإسناده من حديث دجاجة قالت: سمعت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تقول: «جاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووجوه بيوت أصحابنا شارعة في المسجد فقال: "وجهوا هذه البيوت عن المسجد" ثم دخل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن ينزل لهم رخصة، فقام إليهم بعد فقال: "وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» . وأخرجه البخاري في " تاريخه الكبير " وفيه زيادة، وذكر بعده حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سدوا هذه الأبواب إلا باب أبي بكر» ، ثم قال: وهذا أصح، وقال ابن القطان في "كتابه ": قال أبو محمد عبد الحق في حديث جسرة هذا أنه لا يثبت من قبل إسناده، ولم يبين ضعفه ولست أقول: إنه حديث صحيح، وإنما أقول: إنه حسن، لأن أبا داود يرويه عن مسدد وهو يرويه عن عبد الواحد ابن زياد وهو ثقة لم يذكر بقدح، وعبد الحق احتج به في غير موضع من كتابه وهو يرويه عن فليت ابن خليفة، قال أحمد: ما أرى به بأساً، وسئل عنه أبو حاتم الرازي فقال: شيخ. وفليت بضم الفاء، ويقال: أفلت أيضاً وهو يروي عن جسرة بفتح الجيم وسكون السين المهملة بنت دجاجة بكسر الدال بخلاف واحدة الدجاج. قال أحمد: تابعية ثقة، وذكرها ابن حبان في "الثقات ". وقال البخاري: إن فليتا سمع من جسرة بنت دجاجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 وهو بإطلاقه حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في إباحة الدخول على وجه العبور والمرور   [البناية] فإن قلت: قال الخطابي: وضعفوا هذا الحديث، وقالوا: إن أفلت راويه مجهول لا يصح الاحتجاج بحديثه. قلت: قد قال المنذري: فيما قاله نظر، فإنه فليت بن خليفة ويقال: أفلت كذا يري، ويقال: الدهلي كنيته أبو حسان حديثه في الكوفيين، روى عنه سفيان الثوري وعبد الواحد بن زياد ويؤيد هذه الرواية ما رواه ابن ماجه في "سننه " عن أبي بكر بن أبي شيبة والطبراني في "معجمه " عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته: "إن المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض» ". قوله: ووجوه بيوت أصحابه: البيت أبوابها ولذلك قيل لناحية البيت التي فيها الباب وجه الكعبة، ومعنى شارعة في المسجد مفتوحة فيه، يقال: شرعت الباب إلى الطريق أي أنفذته إليه فالشارع الطريق الأعظم، قوله: وجهوا هذه البيوت، أي اصرفوا وجوهها عن المسجد، يقال: وجهت الرجل إلى ناحية كذا إذا جعلت وجهه إليها ووجهته إذا صرفته عن وجهها إلى جهة غيرها. قوله: رجاء أن تنزل لهم رخصة أي لترجي بنزول الرخصة ونصبه على التعليل، وأن مصدرية محلها الجر بالإضافة، فخرج إليهم بعد ذلك. قوله: فإني لا أحل من الإحلال من الحل الذي هو ضد الحرام، والألف واللام في المسجد للعهد وهو مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحكم غيره مثل حكمه، ويجوز أن تكون للجنس فيدخل فيه جميع المساجد وهو أولى. فإن قلت: لم قدم الحائض على الجنب. قلت: للاهتمام في المنع والحرمة لأن نجاستها أغلظ والنفساء مثل الحائض، وروى الترمذي في "جامعه " في مناقب علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك» وقال: حديث حسن غريب. وقال أبو نعيم: قال ضرار بن صرد: معناه لا يحل لأحد يطرقه جنباً غيري وغيرك. م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (بإطلاقه) ش: يعني بكونه غير مقيد بشيء م: (حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في إباحة الدخول على وجه العبور والمرور) ش: أي في إباحة دخول المسجد على وجه العبور من غير مكث، والمرور بأن كان فيه طريق يمر فيه الناس، وبقوله قال أحمد، وعن أحمد: له المكث فيه إن توضأ وهو خلاف قول الجمهور، ولأنه لا أثر للوضوء في الجنابة لعدم تحريكها اتفاقاً. وعن الحسن البصري، وابن المسيب، وابن جبير، وابن دينار، مثل قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقول المزني، وداود، وابن المنذر: يجوز له المكث فيه مطلقا، ومثله عن زيد بن أسلم واعتبروه بالشرك بل أولى، وتعلقوا بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المؤمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 642 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] لا ينجس» ، قلنا: معناه لا يصير نجس العين حتى لو تلطخ بالنجاسة منع عن الصلاة ودخول المسجد لتنجسه بمجاورة النجاسة. وفي " شرح الوجيز " في العبور وجهان: لو خافت تلويث الدم إما لغلبة الدم، وإما أنها لم تستوثق، فليس لها العبور صيانة له، وكذا المستحاضة ومن به سلس البول، فإن أمنت التلويث فيه وجهان: أحدهما: لا يجوز لإطلاق الحديث وأصحهما الجواز. واحتج الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الجنب بظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] (النساء: الآية 43) ، قلنا: إلا هاهنا بمعنى لا قاله أهل التفسير، ونظير قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) والمعنى لا خطأ. وقال الزجاج: معنى الآية: ولا تقربوا الصلاة وأنتم جنبا إلا عابري سبيل أي إلا مسافرين، قال: لأن المسافر قد يفوته الماء فخص المسافرين بذلك، وقال أبو بكر الرازي في " أحكام القرآن ": روي علي، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن المراد بعابري السبيل المسافرين إذا لم يجدوا الماء يتيممون ويصلون به، قال: والتيمم لا يرفع الجنابة فأبيح لهم الصلاة به تخفيفا من الله تعالى عن المكلف. قلت: هذا اختياره، وظاهر المذهب أن التيمم رفع الحدث إلى غاية القدرة على استعمال الماء الكافي، ولكن لما كان يعود جنبا عند ذلك سماه جنبا باعتبار عاقبته. وقال الزمخشري من فسر الصلاة بالمسجد مع ما بعده فمعناه لا تقربوا المسجد جنبا إلا مجتازين فيه إذا كان الطريق إلى الماء أو كان الماء فيه، وقول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليس في الصلاة عبور سبيل، إنما عبور السبيل في موضعها وهو المسجد. قلنا عبور السبيل هو السفر، ففي الصلاة حينئذ عبور سبيل فاندفع قوله. أما إذا حملنا الصلاة على المسجد مجازاً فليس له جواب عن قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] (النساء: الآية 43) ، فإن حمل الصلاة والمسجد معاً فقد جمع بين الحقيقة والمجاز في البخاري عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال «أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياماً فخرج إلينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب فقال لنا مكانكم ثم رجع فاغتسل وخرج إلينا ورأسه يقطر فكبرنا وصلينا معه» . وقال ابن بطال في شرحه: قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا كان الماء في المسجد يتيمم الجنب ويدخل المسجد فيخرج الماء عنه قال وهذا الحديث يدل على خلاف قوله لأنه لما لم يلزمه التيمم للخروج كذا من المضطر إلى المرور فيه جنب لا يحتاج إلى التيمم. قلت: هذا الحديث لم يرد في دخول المسجد وإنما ورد في خروجه منه والخروج ضد الدخول فلا يدل عليه بوجه من وجوه الدلالات الثلاث المطابقة والتضمن والالتزام فثبت أن الحديث لا يدخل على إباحة الدخول بوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 643 ولا تطوف بالبيت لأن الطواف في المسجد ولا يأتيها زوجها؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 222)   [البناية] وإنما يدل عليه القياس إذا لم يذكر الفرق بينهما. وقوله: وهذا الحديث يدل على خلاف قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حمل مر بالفقه وأصوله وليس في الحديث نفي التيمم بل هو مسكوت عنه فلعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تيمم ثم خرج ولا يلزم من عدم التصريح بذكره عدم وقوعه. اختلف فيمن أجنب في المسجد هل يخرج لوقته أو يتيمم ثم يخرج. فإن قلت: روى سعيد بن منصور عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال كنا نمر بالمسجد جنبا مجتازين، وعن عطاء قال رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجلسون في المسجد وهم جنبون إذا توضؤوا وضوء الصلاة، رواه سعيد بن منصور، ولا حجة في ذلك على جواز مكث الجنب في المسجد ولا على جواز دخوله فيه لأنه لم ينقل أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علم ذلك منهم فأقرهم عليه. [طواف الحائض والجنب] م: (ولا تطوف) ش: أي الحائض م: (بالبيت) ش: أراد به الكعبة المشرفة وهو من الأسماء الغالبة كالنجم والصعق، وكذلك الجنب لا يطوف بالبيت. فإن قلت: عدم جواز طواف الحائض بالبيت فهم من قوله: "ولا يدخل المسجد" لأن الطواف لا يكون إلا فيه. قلت: نعم فهم لكن بطريق الالتزام لا بطريق المطابقة وهي الدلالة الحقيقية، وربما يختص حالة الشروع في الطواف بعد الدخول فيحتاج إلى ذكر المنع عن الطواف قصداً. وجواب آخر وهو أنه إنما ذكره مع ظهوره لئلا يتوهم أنه لما جاز فيهما الوقوف مع أنه أوقى أركان الحج فإن الطواف أولى. وجواب آخر: وهو أنه لو قدر أن الطواف لم يكن في المسجد فإنه لا يجوز مع أنه عارض لم يكن في زمان إبراهيم الخليل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. والحاصل أن حرمة الطواف على الحائض والجنب لدخول انتقض فيه لا لدخولهما المسجد ولهذا يجب عليهما [ ... ] . م: (لأن الطواف في المسجد) ش: هذا تعليل لقوله: "ولا يطوف". قال الأكمل ولو علل بقوله لأن الطواف بالبيت صلاة كان أشمل واندفع السؤال قلت: كون الطواف بالبيت صلاة ليس بطريق الحقيقة. ولهذا يجوز محدثا. م: (ولا يأتيها زوجها) ش: أي ولا يأتي الحائض زوجها بمعنى لا يطأها، وفيه رعاية الأدب حيث ذكره بطريق الكناية عن الشك م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 222)) ش: هذا نهي عن القربان في حالة الحيض فيقتضي التحريم فلا يجوز الجماع وعليه إجماع المسلمين واليهود والمجوس خلاف النصارى. وذكر القرطبي عن مجاهد قال: كانوا في الجاهلية يجتنبون النساء ويأتونهن في إدبارهن في مدته، والنصارى يجامعوهن في فروجهن في زمان الحيض، والمجوس واليهود يتغالون في تجنب الحيض وهجرانهن في مدة الحيض فأمر الله تعالى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بالقصد بين ذلك. وقال غيره واليهود يعتزلون النساء بعد انقطاع الدم وارتفاعه سبعة أيام اعتزالاً يفرطون فيه إلى حد أن أحدهم لو لبس ثوبه مع ثوب امرأة لنجسوه مع ثوبه وإن ذلك من أحكام التوراة التي بأيديهن، وأن فيها أيضا من مص عظماً أو وطئ قبراً أو حضر ميتاً عند موته فإنه يصير من النجاسة بحال لا يتخرج له منها إلا برباد البقرة التي كان الإمام الهاد تحرقها وهذا نص من يتداولونه. ثم اعلم أنه لو وطئ الحائض مع العلم بالتحريم فليس عليه إلا التوبة والاستغفار عندنا وهو قول عطاء، والشعبي، والنخعي، والزهري، ومكحول، وسعيد بن جبير، وحماد، وربيعة ويحيى بن سعيد، وأيوب السختياني، والليث، ومالك، والشافعي في الجديد وأحمد في رواية وحكاه الخطابي عن أكثر العلماء. وقال بعض العلماء: تجب الكفارة ديناراً، في الإقبال ونصف في الإدبار وهو القول القديم للشافعي. وحكي ابن المنذر عن ابن عباس وقتادة والحسن والأوزاعي وأحمد في رواية وإسحاق، وعن سعيد بن جبير أن عليه عتق رقبة وعن الحسن البصري أن عليه ما على المجامع في نهار رمضان. واحتج: من أوجب الدينار أو نصفه بحديث صفية عن مقسم بن بجرة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا وقع الرجل على أهله وهي حائض فليتصدق بدينار أو نصف دينار» ، رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي، ثم أعله البيهقي بأشياء، منها: أن جماعة رووه عن شعبة موقوفاً على ابن عباس وأن شعبة رجع عن رفعه، ومنها أنه روي مفصلاً، ومنها أن في سنده اضطراباً لأنه روي بدينار أو نصف دينار على الشك، وروي يتصدق بدينار، فإن لم يجد فنصف دينار وروي يتصدق بخمسي دينار وروي يتصدق بنصف دينار وروي فيه التفرقة بين أن يصيبها في الدم أو في انقطاع الدم، وروي أنه إذا كان دماً أحمر فدينار وإذا كان أصفر فنصف دينار، وروي إن كان الدم عبيطاً فيتصدق بدينار , وإن كان أصفر فنصف دينار. والجواب: عن ذلك كله أن الحاكم أخرجه في "مستدركه " وصححه، وكذا ابن القطان صححه وذكر الخلال عن أبي داود أن أحمد قال: ما أحسن حديث عبد الحميد، وهو ما رواه أبو داود حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى عن شعبة قال حدثني الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: "يتصدق بدينا أو بنصف دينار» قيل لأحمد أتذهب؟ إليه قال: نعم، إنما هو كفارة، ولئن سلمنا أن شعبة رجع عن رفعه، فإن غيره رواه عن الحكم مرفوعاً، وعن عمرو بن قيس الملائي، إلا أنه أسقط عبد الحميد، وكذا أخرجه من طريق النسائي، وعمر هذا ثقة، وكذا رواه قتادة عن الحكم مرفوعاً، وهو أيضاً أسقط عبد الحميد، ومقتضى القواعد أن رواية الرفع أشبه بالصواب؛ لأنه زيادة ثقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 645 وليس للحائض والجنب والنفساء قراءة القرآن؛   [البناية] فإن قلت: فعلى هذا يثبت الوجوب. قلت: يحمل على الاستحباب كما ورد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من ترك الجمعة بغير عذر فليتصدق بدينار فإن لم يجد فنصف دينار» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد. فإن قلت: ما القرينة على أن الأمر للاستحباب. قلت: التخيير بين الدينار ونصفه إذ لا تخيير في جنس الواحد بين الأقل والأكثر وأمر أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه بالاستغفار وأن لا يعود. واحتج: من أوجب العتق بحديث ابن عباس: «جاء رجل فقال يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصبت امرأتي وهي حائض فأمره بعتق نسمة وقيمة النسمة يومئذ دينار» قلنا هذا ضعيف ولئن سلمنا صحته فالأمر للاستحباب كما ذكرنا ولا كفارة في الوطء بعد انقطاع الدم قبل الغسل عند الجميع خلافاً لقتادة والأوزاعي وهذا كله إذا وطئ عامداً عالماً بالتحريم فإن وطئها ناسياً أو جاهلاً به أو بأنها حائض لا شيء عليه. وقال بعض أصحاب الحديث يجيء على قوله القديم عليه الكفارة كذا في " شرح الوجيز "، قال أبو حنيفة وهو رواية عن أبي يوسف يجوز الاستمتاع بالحائض بما فوق السرة وما تحت الركبة. وتحرم المباشرة بين السرة والركبة بدون الإزار، وهو قول سعيد بن المسيب، وسالم، والقاسم، وشريح، وطاووس، وقتادة، وسليمان بن يسار، ومالك، والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وحكاه البغوي عن أكثر العلماء. وقال محمد: يجوز الاستمتاع بما دون السرة بلا إزار، ويجب عليه اجتناب شعار الدم وهو قول عطاء، والشعبي، والنخعي، والثوري، وأحمد، وأصبغ المالكي، وأبي ثور، وإسحاق، وابن المنذر، وداود، واحتجوا بما روي عن ابن عباس في قَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 222) ، أي فاعتزلوا نكاح فروجهن، وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» ، رواه الجماعة، وفي لفظ النسائي وابن ماجه: "إلا الجماع". ولهما ما روي في "الصحيحين «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يباشرها أمرها أن تتزر ثم يباشرها» . وعن ميمونة نحوه، رواه البخاري ومسلم، وفي رواية: «كان يباشر نساءه فوق الإزار؛» يعني في الحيض، والمراد بالمباشرة التقاء البشرتين على أي وجه كان. والجواب عن الحديث المذكور: أنه محمول على القبلة ومس الوجه واليد ونحو ذلك، وفي " النوادر ": امرأة تحيض من دبرها لا تدع الصلاة لأنه ليس بحيض. ويستحب الاغتسال عند انقطاعه ويستحب للزوج أن لا يأتيها. [قراءة القرآن للحائض والجنب] م: (وليس للحائض والجنب والنفساء قراءة القرآن) ش: على قصد القرآن دون قصد الذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تقرأ الحائض والجنب شيئا من القرآن»   [البناية] والثناء، وكذلك ولا قراءة التوراة والإنجيل والزبور لأن الكل كلام الله إلا ما بدل منها وحرف وبه قال الحسن وقتادة وعطاء وأبو العالية والنخعي والزهري وإسحاق وأبو ثور والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في أصح قوليه، وهو قول عمر وعلي وجابر وأبي وائل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وأباحها سعيد بن المسيب وحماد بن أبي سليمان وداود وعن ابن عباس كالمذهبين، ولو علم الصبيان حرفاً حرفاً فلا بأس به لحاجة. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن» ش: الحديث روي عن ابن عمر، وعن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. أما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي وابن ماجه عن إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن» ورواه البيهقي في "سننه " وقال: قال البخاري فما بلغني عنه إنما روى هذا إسماعيل بن عياش عن موسى ابن عقبة، وأعرفه من حديث غيره، وإسماعيل منكر الحديث عن أهل الحجاز وأهل العراق، ثم قال: وقد روي عن غيره عن موسي بن عقبة وليس بصحيح، وقال ابن عرفة: هذا حديث تفرد به إسماعيل بن عياش، وروايته عن أهل الحجاز ضعيفة لا يحتج بها، قاله أحمد ويحيى بن معين وغيرهما من الحفاظ، وقد روي هذا عن غيره وهو ضعيف، وقال ابن أبي حاتم في "علله ": سمعت أبي وذكر حديث إسماعيل بن عياش هذا فقال: خطأ إنما هو من قول ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال ابن عدي في "الكامل ": هذا الإسناد لهذا الحديث، لا يروى عن غير إسماعيل بن عياش وضعفه أحمد والبخاري وغيرهما، وصوب أبو حاتم وقفه على ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وأما حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه الدارقطني في "سننه " في آخر الصلاة من حديث محمد بن الفضل عن أبيه عن طاوس عن جابر مرفوعاً نحوه، ورواه ابن عدي في "الكامل " وأعله بمحمد بن الفضل، وأغلظ في تضعيفه عن البخاري والنسائي وابن معين. فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك فلم يبق في الحديث المذكور وجه الاستدلال في المذهب. قلت: روي حديث صحيح في منع الجنب عن القراءة، أخرجه الأربعة من حديث عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة بكسر اللام عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يحجبه أو لا تحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة» قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه ابن حبان في "صحيحه " والحاكم في "المستدرك " وصححه. قوله: لا يحجبه، ورواية أبي داود ولم يكن يحجره أو يحجزه الأول من الحجر بالراء المهملة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 وهو حجة على مالك في الحائض، وهو بإطلاقه يتناول ما دون الآية فيكون حجة على الطحاوي في إباحته.   [البناية] وهو المنع، والثاني بالزاي من حجزه بمعنى منعه أيضاً وكلاهما من باب نصر ينصر. قوله: ليس الجنابة، بمعنى غير الجنابة، وهذا الحديث يقوي الحديثين الأولين. م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الحائض) ش: فإنه يجوزها للحائض لكونها معذورة محتاجة إلى القراءة عاجزة عن تحصيل الطهارة بخلاف الجنب فإنه قادر عليه بالغسل والتيمم م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور: م: (بإطلاقه) ش: أي بعمومه وشموله م: (يتناول ما دون الآية) ش: لأن قوله: شيئاً، نكره في سياق النفي يتناول ما دون الآية فتمنع قراءته كالآية م: (فيكون حجة على الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في إباحته) ش: أي في إباحة ما دون الآية. قلت: فللطحاوي أن يقول هذا الحديث ما يثبت عندي، وعندي حديث ما يدل على ما ذهب إليه وهو ما رواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مسنده " حدثنا عائذ بن حبيب حدثني عامر بن السمط «عن أبي الغريف الهمداني قال: أنبأني علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بوضوئه فمضمض واستنشق ثلاثا وغسل وجه ثلاثا وغسل يديه ثلاثا، وذراعيه ثلاثا ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ثم قرأ شيئاً من القرآن ثم قال: هذا لمن ليس بجنب فأما الجنب فلا ولا آية» ورواه الدارقطني موقوفاً بغير هذا اللفظ، وفيه «ثم قرأ صدراً من القرآن، ثم قال: اقرءوا القرآن ما لم يصب أحدكم جنابة فإن أصابه فلا ولا حرفاً أو قال واحداً» قال الدارقطني: هو صحيح عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فإن قلت: كيف يساعد هذا الحديث الطحاوي. قلت: مساعدة المرفوع ظاهرة وأما الموقوف فعليه، فإن قال الطحاوي: تمنع كون ما دون الآية من القرآن لوجود هذا المقدار في كلام من لا يعرف القرآن من الأعراب أصلاً مثل قوله: الحمد لله وبسم الله إلا إذا قصد الشخص به قراءة القرآن، وقال الفقيه أبو الليث في كتاب " العيون ": لا يقرأ الجنب آية كاملة، ويجوز أقل من آية، ولو أنه قرأ الفاتحة على سبيل الدعاء أو شيئاً من الآيات التي فيها معنى الدعاء ولم يرد به القراءة فلا بأس به. قال الأترازي: وهو المختار. وقال الهندواني: لا أفتي بهذا وإن روي في " العيون " وغيرها. وأورد الحافظ بأن العزيمة لو كانت صغيرة من القرآن لكان ينبغي إذا قرأ الفاتحة في الأوليين بنية الدعاء يجزئه، وأجاب بأنها إذا كانت في محلها لا يتغير بالعزيمة حتى لو لم يقرأ في الأوليين فقرأ في الآخرين بنية الدعاء لا تجزئه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 وليس لهم مس المصحف إلا بغلافه ولا أخذ درهم فيه سورة من القرآن إلا بصرته، وكذا المحدث لا يمس المصحف إلا بغلافه؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يمس القرآن إلا طاهر» .   [البناية] [مس المصحف للمحدث والحائض والجنب] م: (وليس لهم) ش: أي للحائض والجنب والنفساء م: (مس المصحف إلا بغلافه) ش: وكذا مس اللوح المكتوب عليه آية من القرآن م: (ولا أخذ درهم فيه سورة من القرآن إلا بصرته) ش: أي ولا مس الدرهم المكتوب عليه آية إلا بصرته، وأراد بالسورة الآية من قبيل ذكر الكل وإرادة الجزء لأن السورة تشتمل على ما فوق الآية. فإذا جعل السورة قيداً يلزم منه عدم كراهة مس الدرهم الذي عليه آية، ومع هذا هو مكروه به، قال ابن عمر وعطاء والحسن ومجاهد وطاووس ومالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والشعبي وابن سيرين، ورخص فيه سعيد بن جبير وحماد بن أبي سليمان والظاهرية، وحملوا قَوْله تَعَالَى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] (الواقعة: الآية 79) ، على الكرام البررة، وتعلقوا بكتابة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى هرقل، وذكر ابن أبي شيبة في "مصنفه " أن سعيد بن جبير رفع مصحفه إلى غلام وهو مجوسي ومنع الحكم بمس المصحف بباطن الكف خاصة. م: (وكذا المحدث لا يمس المصحف إلا بغلافه) ش: أي لا يجوز للحائض والجنب والنفساء مس المصحف إلا بغلافه كذلك لا يجوز للمحدث أن يمس المصحف إلا بغلافه م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا يمس المصحف إلا طاهر) ش: هذا الحديث رواه خمسة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الأول: عمرو بن حزم، أخرج حديث النسائي في "سننه " في كتاب الديات وأبو داود في "المراسيل " من حديث محمد بن بكار بن بلال عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أهل اليمن في السنن والفرائض والديات: «ولا يمس القرآن إلا طاهر» . أورد هنا أيضاً من حديث الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة حدثنا سليمان بن داود الخولاني حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده نحوه، قال أبو داود: وهم فيه الحكم بن موسى يعني في قوله: سليمان بن داود، وإنما هو سليمان بن أرقم، وقال النسائي: الأول أشبه بالصواب، وسليمان بن أرقم: متروك. وبالسند الثاني: رواه ابن حبان وقال: سليمان بن داود الخولاني من أهل دمشق ثقة مأمون، وأخرجه الحاكم في "مستدركه " وقال: هو من قواعد الإسلام والطبراني في "معجمه " والدارقطني ثم البيهقي في "سننهما " وأحمد في "مسنده " وابن راهويه، وروي هذا الحديث من طرق أخرى بعضها مرسل. الثاني: عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرج حديث الطبراني في "معجمه " والدارقطني ثم البيهقي من جهته في "سننهما " من حديث ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الزهري قال: سمعت سالماً يحدث عن أبيه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يمس القرآن إلا طاهر» ، وسلمان بن موسى الأشدق مختلف فيه فوثقه بعضهم، وقال البخاري: عنده مناكير، وقال النسائي: ليس بالقوي. الثالث: حكيم بن حزام، أخرج حديثه الحاكم في "المستدرك " في كتاب الفضائل من حديث سويد بن أبي حاتم حدثنا مطر الوراق عن حسان بن بلال «عن حكيم بن حزام قال: لما بعثني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر» وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ورواه الطبراني في "معجمه " والدارقطني ثم البيهقي من جهته في "سننهما ". الرابع: عثمان بن أبي العاص أخرج حديثه الطبراني في "معجمه " بإسناده إلى المغيرة بن شعبة عن عثمان بن أبي العاص أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يمس القرآن إلا طاهر» . الخامس: ثوبان أخرج حديثه علي بن عبد العزيز في "منتخبه " من حديث أبي أسماء الرحبي عن ثوبان قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يمس القرآن إلا طاهر والعمرة هي الحج الأصغر» ، وإسناده ضعيف جداً، قلت: ولو استدل المصنف على ذلك بقوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] (الواقعة: الآية 79) ، لكان أولى وأقوى. وقال الأكمل. فإن قلت: ما بال المصنف لم يستدل بقوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة: 77] {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة: 78] {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] فإنه ظاهر في النهي عن مس المصحف بغير الطاهر. قلت: لأن بعض العلماء حملوه على الكرام البررة فكان محتملاً فترك الاستدلال به. قلت: هذا الاحتمال البعيد لا يضر الاستدلال به، لأن حمل الآية على مس الملائكة بعيد لأنهم كلهم مطهرون، وتخصيص بعض الملائكة من بين سائر المطهرين على خلاف الأصل مع وجود الأحاديث المذكورة. [فروع فيما يكره للحائض والجنب] فروع: يكره للجنب أو الحائض أن يكتب الكتاب الذي في بعض سطوره آية من] القرآن وإن كانا لا يقرآن لأن فيه من القرآن. وفي " فتاوى أبي الليث ": الجنب لا يكتب القرآن وإن كانت الصحيفة على الأرض ولا يضع يده عليها وإن كان ما دون الآية، وفي " المحيط " لا بأس لهما بكتابة المصحف إذا كانت الصحيفة على الأرض عند أبي يوسف لأنه لا يمس القرآن بيده وإنما يكتب حرفاً فحرفاً، وليس الحرف الواحد بقرآن. وقال محمد: أحب إلي أن لا يكتب، ومشايخ بخارى أخذوا بقول محمد، كذا في " الذخيرة " ويكره لهما أن يمسكا بكمهما ما عليه سورة من القرآن. وأما الأذكار فلم ير بعضهم بمسه بأساً، والأولى عند عامة المشايخ: أن لا يمس إلا بحائل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 650 ثم الحدث والجنابة حلا اليد فيستويان في حكم المس والجنابة حلت الفم دون الحدث فيفترقان في حكم القراءة وغلافه ما يكون متجافيا عنه   [البناية] كما في غيره. ويكره كتاب القرآن وأسماء الله تعالى على ما يبسط ويفرش، وكتابة القرآن على المحاريب والجدران ليست بمستحبة، ويكره كتابة سورة الإخلاص على الدراهم حين تضرب. وفي " المفيد ": قيل لا يكره من حواشي المصحف والبياض الذي لا كتابة عليه، وإنما المكروه مس موضع الكتابة لا غير، والصحيح منعه لأنه تبع للقرآن، ولا بأس أن يلقن الكافر القرآن، لأنه ربما أسلم إذا عرف نجاسته ويكره المسافرة بالقرآن إلى دار الحرب. م: (ثم الحدث والجنابة حلا اليد فيستويان في حكم المس) ش: هذه إشارة إلى بيان اشتراك الحدث والجنابة في حرمة المس وافتراقهما في حكم القراءة بين صورة الاشتراك بقوله: ثم الحدث والجنابة حلا اليد - أي نزلا بها يعني ثبت حكم الحدث والجنابة في اليد فيستوي كلاهما في حكم المس وهو حرمته للمحدث والجنب وبين صورة الافتراق بقوله م: (والجنابة حلت الفم) ش: أي نزلت به م: (دون الحدث) ش: يعني لم ينزل الحدث بالفم م: (فيفترقان) ش: أي الحدث والجنابة م: (في حكم القراءة) ش: حيث جازت قراءة المحدث لأنه لم يثبت حكم الحدث في الفم، ولهذا لا يجب غسله ويثبت حكم الجنابة فيه، ولهذا وجب غسله فلم تجز قراءة الجنب. فإن قلت: الحدث حل الفم أيضاً لأن المرء إذا صار محدثا يحل الحدث جميع البدن لعدم التجزؤ، لكن الاقتصار على غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس ثبت تعبداً. قلت: هذا حدث ضعيف، ولهذا سقط في ضمن الغسل فلا يحل الفم لأنه باطن من وجه بخلاف الجنابة فإن حدث قوي يحل الفم لأنه ظاهر من وجه، ولهذا يجب غسله، وقال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ": فإن غسل الجنب فمه ليقرأ أو يديه ليمس أو غسل المحدث يده ليمس لم تطلق القراءة ولا المس للجنب ولا المس للمحدث هذا هو الصحيح لأن ذلك لا يتجزأ وجوداً ولا زوالاً. م: (وغلافه) ش: أي غلاف المصحف، أشار بهذا إلى بيان الغلاف الذي يجوز مس المصحف به لأنه قال: وكذا المحدث لا يمس المصحف إلا بغلافه، واختلف المشايخ فيه، فقال بعضهم: هو الجلد الذي عليه، وقال بعضهم: هو الكم، وقال بعضهم: هو الخريطة يعني الكيس الذي يوضع فيه المصحف وهو الصحيح، أشار إليه بقول: وغلافه م: (ما يكون متجافياً عنه) ش: أي متباعداً عن المصحف وهو الكيس وأصل مادته من الجفائف بالمد من جفا يجفو، وأصل معناه البعد والرفع، ومنه {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] (السجدة: الآية 16) ، أي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 651 دون ما هو متصل به كالجلد المشرز، هو الصحيح. ويكره مسه بالكم هو الصحيح؛ لأنه تابع له بخلاف كتب الشريعة لأهلها، حيث يرخص في مسكها بالكم لأن فيه ضرورة، لأنه تابع لليد   [البناية] بعدت عن مضاجعهم م: (دون ما هو متصل به) ش: أي بالمصحف م: (كالجلد المشرز) ش: أي اللصوق به، فيقال: مصحف مشرز أجزاؤه أي مسد وبعضها من الشيرازة وليست بعربية، وفي " العباب " مصحف مشرز أي مضموم الكراريس والأجزاء بعضها إلى بعض، مضموم الطرفين، فإن لم يضم طرفاه فهو مشرش بشينين وليس مشرز مشتق من الشيرازة وهو فارسية، والشيراز الذي يؤكل المستجد من اللبن وأصله شراز بالتشديد قلبت أحد الراءين ياء آخر الحروف كما في قيراط وديباج أصلها قراط ودباج بالتشديد. م: (هو الصحيح) ش: أي المذكور وهو كون الغلاف متباعداً من المصحف هو الصحيح لأنه منفصل عنه، ولهذا لا يدخل في بيع المصحف إلا بالذكر. م: (ويكره مسه بالكم) ش: أي مس المصحف بكم الماس م: (هو الصحيح لأنه تابع له) ش: أي كون مسه بالكم مكروهاً هو الصحيح، وفي " المحيط ": لا يكره مسه بالكم عند عامة المشايخ لعدم المس باليد؛ لأن المحرم هو المس وهو اسم للمباشرة باليد بلا حائل، ولهذا لو وقعت امرأة أجنبية في طين وردغت حل للأجنبي أن يأخذها بيدها بحائل ثوب، وكذا لا تثبت حرمة المصاهرة بالمس بحائل. وفي " الذخيرة " عن محمد أنه لا بأس بالمس بالكم، وقيل عنه روايتان. م: (بخلاف كتب الشريعة لأهلها حيث يرخص لأهلها في مسها بالكم لأن فيه ضرورة) ش: وهذا قول عامة المشايخ، وكرهه بعضهم، وفي " الذخيرة " ويكره لهم مس كتب الفقه والتفسير والسنن لأنها لا تخلو عن آيات من القرآن، ولا بأس بمسها بالكم بلا خلاف. وفي " الإيضاح ": يمنع الكافر عن مسه وإن اغتسل. وفي " الفوائد الظهيرية " النظر إلى المصحف لا يكره للجنب والحائض ويكره للمحدث كتابة القرآن عند محمد وهو قول مجاهد والشعبي وابن المبارك، وبه أخذ الفقيه أبو الليث. قال تاج الشريعة: وعليه الفتوى. وعن أبي يوسف: لا بأس به إذا كانت الصحفة على الأرض. م: (لأنه تابع لليد) ش: أي لأن الكم تابع لليد، ولهذا لو بسط كمه على النجاسة وسجد عليها لا يجوز، وكذا لو قام متخففاً أو مستقلاً على النجاسة، وكذا لو حلف لا يجلس على الأرض فجلس على ثيابه على الأرض يحنث بخلاف كتب الشريعة مثل كتب التفسير والحديث والفقه وما فيه ذكر الله تعالى حيث يرخص لأهلها في مسها بالكم؛ لأن فيه ضرورة أي لأن مسها بالكم ضرورة، وهي مدفوعة وقد ذكرناه الآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 ولا بأس بدفع المصحف إلى الصبيان لأن في المنع تضييع حفظ القرآن، وفي الأمر بالتطهر حرجا بهم، وهذا هو الصحيح، وإذا انقطع دم الحيض لأقل من عشرة أيام لم يحل وطؤها حتى تغتسل لأن الدم يدر تارة، وينقطع أخرى، فلا بد من الاغتسال ليترجح جانب الانقطاع،   [البناية] [دفع المصحف إلى الصبيان المحدثين] م: (ولا بأس بدفع المصحف إلى الصبيان) ش: المحدثين أي لا بأس للطهارة من يدفع المصحف إلى الصبيان المحدثين م: (لأن في المنع) ش: أي في منع دفع المصحف إليهم م: (تضييع حفظ القرآن) ش: لأن الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر والحفظ في الكبر كالنقش على المدر م: (وفي الأمر بالتطهر حرجاً بهم) ش: أي في أمر الأولياء بتطهر الصبيان حرجاً بهم أي مشقة وكلفة والضمير في بهم يرجع إلى الصبيان وأعاده الأكمل إلى الأولياء حيث حال حرج الأولياء أو المعلمين الدافعين والأوجه ما قلنا على ما لا يخفى. ثم اعلم أن ذكر المصنف هذه المسألة أعني دفع المصحف إلى الصبيان من أنهم غير مخاطبين بشبهة ترد وهي أن الدافع البالغ إلى الصبي المحدث يجب أن لا يدفع إليه كما يجب أن لا يلبس الذكر منهم الحرير وأن لا يسقيه الخمر ولا يوجه إلى جهة القبلة في قضاء حاجة، ثم أشار إلى دفع تلك الشبهة بقوله: لأن في المنع يضيع حفظ القرآن. أه وحاصل هذا الكلام أن كل ذلك ممنوع غير أن دفع المصحف تعلق أمر ديني وهو حفظ القرآن [ ... ] . م: (وهذا هو الصحيح) ش: أي الذي ذكرناه من جواز دفع المصحف إلى الصبيان هو الصحيح، واحترز به عن قول بعض المشايخ أن ذلك مكروه بناء على أن الدافع مكلف بعدم الدفع. [انقطاع دم الحيض لأقل من عشرة أيام] قال أي القدوري م: (وإذا انقطع دم الحيض لأقل من عشرة أيام) ش: مثلاً انقطع دمها لتسعة أيام ولثمانية أيام أو نحو ذلك، والحال أن هذه الأيام كانت عادتها م: (لم يحل وطؤها حتى تغتسل) ش: أي لم يحل لزوجها أن يطأها حتى تغتسل. م: (لأن الدم يدر) ش: بكسر الدال وضمها أي يسيل م: (تارة وينقطع تارة أخرى فلا بد من الاغتسال ليترجح جانب الانقطاع) ش: أي انقطاع الدم بوجود ما زاد على زمان عادتها من مدة الاغتسال لصيرورتها من الطاهرات حقيقة. وفي " البدرية ": إذا كانت المرأة مبتدأة أو ذات عادة فانقطع دمها على العادة أو فوقها، أما لو انقطع إلى ما دونها يكره وطؤها إلى تمام العادة وإن اغتسلت، وفي " المحيط ": لو انقطع مما دون العشرة ولكن بعد مضي ثلاثة أيام فاغتسلت أو مضى عليها الوقت كره للزوج وطؤها حتى تأتي عادتها وتغتسل، أما لو انقطع على رأس عادتها أخرت الاغتسال إلى آخر الوقت، قال الهندواني: تأخر في هذه الحالة بطريق الاستحباب ومما دون عادتها بطريق الوجوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 ولو لم تغتسل ومضى عليها أدنى وقت الصلاة بقدر أن تقدر على الاغتسال والتحريمة حل وطؤها؛ لأن الصلاة صارت دينا في ذمتها فطهرت حكما، ولو انقطع الدم دون عادتها فوق الثلاث، لم يقربها حتى تمضي عادتها، وإن اغتسلت؛ لأن العود في العادة غالب فكان الاحتياط في الاجتناب، وإن انقطع الدم لعشرة أيام   [البناية] م: (ولو لم تغتسل) ش: أي هذه المرأة التي انقطع دمها لأقل من عشرة أيام م: (ومضى عليها أدنى وقت الصلاة) ش: وهو قدر أن تقول فيه: الله بعد الاغتسال عندهما، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قدر أن تقول: الله أكبر م: (بقدر أن تقدر على الاغتسال والتحريمة) ش: وهو قول الله أو الله أكبر على الاختلاف المذكور م: (حل وطؤها لأن الصلاة صارت دينا في ذمتها) ش: لأنها إذا أدركت من الوقت ما يسع الاغتسال والتحريمة فعليها القضاء؛ لأن بالاغتسال يحكم بطهارتها، وإذا بقي من الوقت ما يسع فيه التحريمة فقد أدركت جزءا من الوقت وهي طاهرة فعليها قضاء تلك الصلاة، وإن عجزت عن الأداء؛ لأن نفس الوجوب لا يفتقر إلى القدرة على الأداء، ألا ترى أن النائم إذا استيقظ يخاطب بالقضاء بخلاف ما إذا بقي من الوقت ما يسع فيه التحريمة والاغتسال؛ لأنه لا يحكم بطهارتها. م: (فطهرت حكما) ش: أي من حيث الحكم لا من حيث الحقيقة لأن الشرع إذا حكم عليها بوجوب الصلاة ولا يصح حال كونها حائضاً إذ أنه حكم بطهارتها. وفي بعض النسخ: أو يمضي عليها وقت صلاة كامل. وقال السغناقي: فقد قلت: قوله: كامل، إن كان صفة لوقت يجب أن يكون مرفوعاً، وإن كان صفة لصلاة يجب أن يقال: كاملة، فلما وجهه؟ قلت: صفة لوقت وانجراره للجواز كما في: حجر صب حرب. قلت: هذا السؤال مع جوابه لا طائل تحته؛ لأنه لم يتعين جر كامل حتى يضطر إلى تشبيهه حجر صب حرب، وأغرب من هذا أن الأكمل أخذ هذا السؤال من السغناقي فقال: إن كان كامل صفة للوقت كان مرفوعاً، وليس بمروي بجعل الأصل أداة التشبيه المذكور عدم كونه مروياً، وهذا فاسد من وجهين: أحدهما: أن هذا خبر ثابت في حال النسخ، والثاني: على تقدير الثبوت هو اللفظ النبوي حتى يراعى فيه الرواية فارفع أنت الكامل وأرح نفسك من الناقص. م: (ولو كان انقطع الدم دون عادتها فوق الثلاث) ش: أي ثلاثة أيام م: (لم يقربها حتى تمضي عادتها) ش: المعتادة، وذكر قوله: فوق الثلاث مستغنى عنه لكونه خرج مخرج الغالب م: (وإن اغتسلت) ش: واصل بما قبله: م: (لأن العود) ش: أي عود الدم م: (في العادة غالب فكان الاحتياط في الاجتناب) ش: عن القربان. م: (وإن انقطع الدم) ش: أي دم المرأة م: (لعشرة أيام) ش: قلت: قيد الانقطاع مستغن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 حل وطؤها قبل الغسل لأن الحيض لا مزيد له على العشرة إلا أنه لا يستحب قبل الاغتسال للنهي في القراءة بالتشديد. قال: والطهر إذا تخلل بين الدمين في مدة الحيض فهو كالدم المتوالي   [البناية] عنه؛ لأن الدم إذا انقطع لعشرة أيام حل وطؤها قبل الغسل وكذا لو لم ينقطع لكنه ذكره؛ لأنه وقع في مقابلة قوله: وإذا انقطع دم الحيض لأقل من عشرة أيام، وأخرجه مخرج المعتادة ثم حل القربان قبل الاغتسال لتمام العشرة، مذهبنا. وقال زفر والشافعي وأحمد ومالك وأبو ثور - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: لا يحل قبله وإن انقطع دمها لأكثر الحيض؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 222) ، بالتشديد أي يغتسلن. وقال داود: لو غسلت فرجها من الدم بعد الانقطاع حل وطؤها، وعن طاوس ومجاهد: لو توضأت حل وطؤها. قلنا: قراءة التشديد تقتضي حرمة الوطء إلى غاية الاغتسال، وقراءة التخفيف تقتضي حرمة الوطء إلى غاية الطهر وهو انقطاع الدم، فحملنا قراءة التشديد على ما إذا كان الانقطاع لأقل من عشرة، وقراءة التخفيف على ما إذا كان الانقطاع لعشرة أيام رفعاً للتعارض بين القراءتين. م: (حل وطؤها قبل الغسل، لأن الحيض لا مزيد له على العشرة) ش: أي لا زيادة للحيض على العشرة لأنها أكثر الحيض، والمزيد مصدر بمعنى الزيادة م: (إلا أنه) ش: استثناء من قوله: حل وطؤها والضمير في أنه للشأن م: (لا يستحب وطؤها قبل الاغتسال للنهي في القراءة بالتشديد) ش: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] لأن ظاهر النهي فيما يوجب حرمة الوطء قبل الاغتسال في الحالين بإطلاقه، فما ذهب إليه زفر والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - والمراد من النهي قول تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 222) ، فإنه قرئ بالتشديد والتخفيف، وقد ذكرنا الآن التوفيق بين القراءتين وفيما قلنا يكون لكل قراءة فائدة وفيما قال زفر والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فائدة واحدة في القراءتين، والأول أولى، غير أنا أوجبنا الغسل في الصورة الأولى، واستحسناه في الثانية احتياطاً فيصير نظيراً لمن توضأ ثلاثا ثلاثا فإنه أولى وأحب ممن توضأ مرة مرة. فروع: القرآنية إذا انقطع دمها فيما دون العشرة، ولم يبق من الوقت إلا قدر ما تغتسل يحل وطؤها قبل الاغتسال وتتزوج بغيره وتبطل رخصتها بنفس الانقطاع، ولو أسلمت بعده تصوم وتصلي ويأتيها زوجها، ولها أن تتزوج وتنقطع الرجعة إن كان آخر عدتها؛ لأنها خرجت من الحيض بنفس الانقطاع؛ لأن الاغتسال لا يعرض عليها لأنها لا تخاطب بالشرائع، ولكنها لا تقرأ القرآن ما لم تغتسل؛ لأنها بمنزلة الجنب، وهذه تدل على أن الكافرة إذا أجنبت ثم أسلمت يلزمها الاغتسال، ولو أسلمت ثم انقطع دمها فهي والمسألة سواء. م: (قال) ش: أي القدوري [حكم الطهر المتخلل بين الدمين في مدة الحيض] م: (والطهر إذا تخلل بين الدمين في مدة الحيض فهو) ش: أي الطهر المتخلل بينهما م: (كالدم المتوالي) ش: أي بحكم المتواصل؛ لأنه ليس بطهر معتبر، صورته: مبتدأة رأت يوماً دماً وثمانية طهراً ويوماً دماً فالكل حيض؛ لأن الطهر فاسد فيصير كله دماً، ولو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذه إحدى الروايات عن أبي حنفية - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ووجهه أن استيعاب الدم مدة الحيض ليس بشرط بالإجماع فيعتبر أوله وآخره كالنصاب في باب الزكاة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل: هو آخر أقواله أن الطهر إذا كان أقل من خمسة عشر يوما لا يفصل، وهو كله كالدم المتوالي؛ لأنه طهر فاسد   [البناية] رأت يوماً دما وتسعة طهراً ويوما دماً لم يكن شيئاً منها حيضاً، كذا في " المبسوط ". م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي قال المصنف م: (هذا) ش: أي هذا المذكور م: (إحدى الروايات عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: والروايات عن أبي حنيفة في هذا خمسة: رواه خمسة من أصحابه، وهم: أبو يوسف، ومحمد، وزفر، والحسن بن زياد، وعبد الله بن المبارك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فروى كل واحد منهم في هذه المسألة رواية، والمذكور هو رواية محمد عن أبي حنيفة، وأصل ذلك أن الشرط أن يكون الدم محيطاً بطرفي العشرة، فإذا كان كذلك لم يكن الطهر المتخلل فاصلاً بين الدمين، وإلا كان فاصلا وعلى هذه الرواية لا تجوز بداية الحيض، ولا ختمه بالطهر، قال: لأن الطهر ضد الحيض فلا يبدأ الشيء بما ضاده ولا يختم به، ولكن المتخلل بين الطرفين يجعل تبعاً لهما كما قلنا في الزكاة، وإن كمال النصاب وحده شرط لوجوب الزكاة ونقصانه في خلال الحول لا تفرد بين هذا في المسائل كما ذكرناه الآن. م: (ووجهه) ش: أي وجه المروي في ذلك عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أن استيعاب الدم مدة الحيض ليس بشرط بالإجماع فيعتبر أوله وآخره) ش: نتيجة عدم اشتراط استيعاب الدم مدة الحيض م: (كالنصاب في باب الزكاة) ش: أي إذا كان الاستيعاب غير شرط فيها كمال النصاب في أول الحيض وآخره كما ذكرناه الآن. م: (وعن أبي يوسف وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: الضمير: أعني قوله: وهو يرجع إلى متعلق بكلمة عن في قوله: وعن أبي يوسف، تقديره: والمروي عن أبي يوسف وهو مروي عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا يقال: إنه إضمار قبل الذكر؛ لأنه في حكم الملفوظ به فيبعد عن الجار المتعلق كما عرف في موضعه. م: (وقيل هو آخر أقواله) ش هذه جملة معترضة بين قوله: عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وبين قوله: أن الطهر، وكلمة "أن" مصدرية، والعامل فيه متعلق كلمة "عن" والتقدير وهو رواية تثبت عن أبي حنيفة كون الطهر إذا كان أقل من خمسة عشر يوماً غير فاصل، فإذا كان كذلك يكون قوله م: (أن الطهر) ش: في محل الرفع لأنه فاعل، وقوله م: (إذا كان أقل من خمسة عشر يوماً) ش: جملة ظرفية فيها معنى الشرط وقوله م: (لا يفصل) ش: جملة في محل الرفع لأنها خبر "أن" أي لا يفصل بين الدمين م: (وهو كله كالدم المتوالي) ش: أي المتابع والمتواصل م: (لأنه طهر فاسد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 فيكون بمنزلة الدم والأخذ بهذا القول أيسر وتمامه يعرف في كتاب الحيض   [البناية] فيكون بمنزلة الدم) ش: المستمر؛ لأن أقل مدة الطهر خمسة عشر يوماً، صورته: مبتدأة رأت يوما دماً وأربعة عشر يوماً طهراً، ويوماً دماً فالعشرة من أول ما رأت عند أبي يوسف حيض يحكم ببلوغها به، وكذلك إذا رأت يوماً دماً وتسعة طهراً ويوماً دماً، والطهر إذا كان بخمسة عشر يوما فصاعدا يكون فاصلا لكنه لا يتصور ذلك إلا في مدة النفاس؛ لأن أكثر الحيض عشرة م: (والأخذ بهذا القول) ش: أي الأخذ بقول أبي يوسف م: (أيسر) ش: على المفتي والمستفتي؛ لأن في قول محمد تفاصيل يشق ضبطها خصوصاً على الحيض القاصرات العقل م: (وتمامه يعرف في كتاب الحيض) ش: أي تمام ما ذكر من قوله هذا إحدى الروايات يعرف في كتاب الحيض لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وسنبين ذلك بتوفيق الله تعالى. وقد قلنا: إن الروايات عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خمسة؛ وقد ذكر المصنف قولين وبقيت ثلاثة: الأول: قول زفر فإنه روى عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنها إذا رأت في طرفي العشرة ثلاثة أيام دما فهي حيض وإلا فلا؛ لأن الطهر يجعل دما تبعا للدمين فلا بد من أن يكون من أنفسهما صالحين للحيض في وقت الحيض، وعبارة " المحيط ": قال زفر: وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا رأت أقل الحيض في العشرة يحصل حيضا، ولا عبرة بالطهر في العشرة حتى لو رأت يوما في أولها ويومين في آخرها دما وطهرا بينهما كان الكل حيضا، وكذا يومين في أولها ويوما في آخرها، وأما لو كانت رأت يوما في ألها ويوما في آخرها فلا، وكذا أقل منهما وإن رأت يوماً في أولها ويوماً في آخرها ويوماً متخللا بين أيام طهرها فهو حيض. الثاني: قول الحسن بن زيادة فإنه روى عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان دون ثلاثة أيام لا يصير فاصلا فكان كله كالدم المتوالي، فإذا بلغ الطهر ثلاثة أيام ولياليها كان فاصلاً، على كل حال، مثاله: مبتدأة رأت يوماً دما ويومين طهراً ويوماً دماً فالأربعة حيض، وكذا لو رأت ساعة دما وثلاثة أيام غير ساعة طهرا، وساعة دما فالكل حيض، فإن رأت يومين دما وثلاثة أيام طهراً ويوما دما لم يكن شيء منه حيضا على قوله؛ لأن الطهر المتخلل ثلاثة أيام، وإن رأت ثلاثة دما وثلاثة طهراً وثلاثة دما فالحيض عنده الثلاثة الأول؛ لأنه أسرعهما إمكانا. الثالث: قول ابن المبارك، فإنه روى عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن المروي في أكثر الحيض إذا كان مثل أقله فالطهر المتخلل لا يكون فاصلاً، وإن لم يكن شيء منه حيضا، مثاله: لو رأت يوما دما وثمانية طهرا ويوما دما لم يكن شيء منه حيضا على هذه الرواية؛ لأن المروي من الدم دون الثلاث، ولو رأت يومين دما وسبعة طهرا أو يوما دما وسبعة طهرا ويومين دما فالعشرة حيض. فهذه الروايات الخمسة المروية عن أبي حنيفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وفي " المبسوط ": اختلف المشايخ في فصل هذه الجملة على قول محمد وهو أنه إذا اجتمع طهران معتبران وصار أحدهما لإحاطة الدم بطرفيه واستوائه كالدم المتوالي، ثم هل يتعدى حكمه إلى الطهر الآخر، قال أبو زيد: يتعدى، وقال أبو سهل الغزالي: لا يتعدى، وهو الأصح ذكره في " المحيط ". بيان ذلك: مبتدأة رأت يوماً دما وثلاثة طهرا، ويوما دما فعلى قول أبي زيد العشرة كلها حيض، عند محمد، وعلى قول أبي سهل: حيضها السبعة الأولى، ولو رأت يوما دما وثلاثة طهرا ويومين دما وثلاثة طهرا، ويوما دما، على قول أبي زيد: العشرة حيض لاستواء الدم والطهر، وعلى قول أبي سهل حيضها الستة الأخيرة [ ... ] ، وإن رأت يوما دما وثلاثة طهرا ويوما دما وثلاثة طهرا ثم استمر بها الدم، فعلى قول أبي زيد يحسب يوماً [من] أول الاستمرار إلى ما سبق، فتكون العشرة كلها حيض، وعلى قول أبي سهل حيضا عشرة بعد اليوم، والثلاثة الأولى أولى بالاستمرار [ ] حيض، ولو رأت يومين دما وثلاثة طهرا ويوما دما وثلاثة طهرا ثم استمر بها الدم فعلى قول أبي زيد حيضها من أول ما رأت فيكون أول يوم من الاستمرار من جملة حيضها، وبه تتم العشرة، وعلى قول أبي سهل: حيضها ستة أيام من أول ما رأت فلا يكون من أول الاستمرار حيضا، وكذلك لو رأت يوماً دما وثلاثة طهرا أو يومين دما وثلاثة طهرا ثم استمر بها الدم. وفي " المحيط ": رأت يوما دما، ويوما طهرا، ويوما دما فالثلاثة حيض عند الكل إلا زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الطهر قاض عن ثلاثة أيام فلم يفصل، وعند زفر: الدم قاض يتبعه فلا يتبع غيره. ولو رأت يومين دما وخمسة طهرا وثلاثة دما فالعشرة حيض عند الكل إلا الحسن فإن عنده الثلاثة حيض، واليومان استحاضة؛ لأنه وجد الفاصل عنده، وكذا لو رأت يوماً دما وثلاثة طهراً ويومين دماً فالستة حيض؛ لأنهما ثلثاه فلا يصير الطهر فاصلا بين الدمين عندهم وغيره ليس بشيء من ذلك بحيض لوجود الفاصل بينهما، أو لو رأت يوماً دماً وثلاثة طهراً ويوماً دما لم يكن شيء منه حيضا عند محمد وزفر والحسن، أما عند محمد فلأن الطهر ثلاثة أيام وهو غالب على الدمين فصار فاصلاً، وكذا عند الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - قد وجد الفاصل، وعند زفر لم يوجد الصالح للحيض. ولو رأت ثلاثة دما وستة طهرا ويوما دما، فعند محمد والحسن الثلاثة الأولى حيض؛ لأن الطهر أكثر من الدمين فيفصل بينهما لوجود الفاصل واليوم الأخير استحاضة، وكذلك لو رأت يوماً دما وستة طهرا وثلاثة دما فالثلاثة الأخيرة حيض عندهما وعند الكل حيض في المسألتين. ولو رأت ثلاثة دما وستة طهرا وثلاثة دما فالثلاثة حيض عندهما؛ لأن عدد الدمين في العشرة أربعة وعدد الطهر ستة فيكون الطهر أكثر فيفصل بينهما، والثلاثة الأخيرة استحاضة؛ لأنه لم يتخلل بين الدمين طهر صحيح، وعند الحسن وجد الطهر الصحيح لكن الطرف الأخير لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 وأقل الطهر خمسة عشر يوما، هكذا نقل عن إبراهيم النخعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] يصلح للحيض، ولو كان يصلح لكان أولى؛ لأنه أسرعهما إمكاناً، وعندهما العشرة من أول ما رأت حيض والباقي استحاضة. وقال تاج الشريعة في الأقوال الستة: صورة تجمع هذه الأقوال الستة: مبتدأة رأت يوما دما وأربعة عشر طهرا ويوما دما وثمانية طهرا ويوما دما وسبعة طهرا، ويومين دما وثلاثة طهرا ويوما دما ويومين طهرا ويومين دما فهذه خمسة وأربعون يوما، فالعشرة الأولى والرابعة حيض عند أبي يوسف، وأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لقصور الطهر عن خمسة عشر يوما هو كالدم المتوالي عندهما، وجواز بداءة الحيض وختمه به عندهما، والعشرة بعد الطهر الأول حيض في رواية محمد لإحاطة الدم بطرفيه في العشرة، والعشرة بعد الطهر الثالث حيض عنده فيحسب. وعند الحسن الأربعة الأخيرة حيض لقصور الطهر فيها من الثلاثة. [أقل الطهر] م: (وأقل الطهر خمسة عشر يوماً) ش: أي الطهر الذي يكون بين الحيضتين، وبه قال الثوري والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قال ابن المنذر: ذكر أبو ثور أن ذلك لا يختلفون فيه فيما يعلم، وفي " المهذب ": لا أعرف فيه خلافاً. وقال الكامل: أقل الطهر خمسة عشر يوماً بالإجماع ونحوه في " التهذيب "، وقال القاضي أبو الطيب: أجمع الناس على أن أقل الطهر خمسة عشر يوماً، قال النووي - رحمه لله -: دعوى الإجماع غير صحيحة؛ لأن الخلاف فيه بين العلماء مشهور، فإن أحمد وإسحاق أنكرا التحديد في الطهر فأول أحمد الطهر بين الحيضتين على ما يكون. وقال إسحاق: توقيتهم الطهر، بخمسة عشر يوماً غير صحيح، وقال ابن عبد البر: أما أقل الطهر، فقد اختلف فيه قول مالك وأصحابه، فروى أبو القاسم عنه عشرة أيام، وروى أيضاً عنه ثمانية أيام، وهو قول سحنون، وقال عبد الملك بن الماجشون أقل الطهر خمسة أيام وهو رواية عن مالك. م: (وهكذا نقل عن إبراهيم النخعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ليس هذا موجود في الكتب المتعلقة بنفس الأحاديث والأخبار، وقال بعض الشراح: الظاهر أنه سمع من الصحابي، وهو سمع من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأن منصبه أجل عن الكذب. قلت: هذا يسلم إذا ثبت النقل عنه، وقال الأكمل: الظاهر أنه منقول عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: هذا أيضاً إنما يصح إذا ثبت عنه أولاً، ولم يثبت، فكيف يقال: الظاهر أنه منقول؟ وهذا مثل ما يقال: اثبت العرش ثم انقشه. واحتج بعض أصحابنا في ذلك بما روى أبو طوالة عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وجعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «أقل الحيض ثلاث وأكثره عشر وأقل ما بين الحيضتين خمسة عشر يوماً» وفيه كلام. ومثله عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 وأنه لا يعرف إلا توقيفا ولا غاية لأكثره؛ لأنه يمتد إلى سنة وسنتين فلا يتقدر بتقدير إلا إذا استمر بها الدم، فاحتيج إلى نصب العادة   [البناية] النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية أبي داود النخعي ذكره في " الإمام " وتكلم في أبي داود. وفي " المحيط ": أنه قال: أقام الشهر في حق الآيسة والصغيرة مقام الطهر والحيض، وما أضيف إلى شيئين ينقسم عليهما نصفين فينبغي أن يكون نصف الشهر في حق الآيسة والصغيرة مقام حيضة ونصف طهر إلا أنه قام الدليل على نقصان الحيض عن النصف فيبقى الطهر على ظاهر القسمة، وهذا الاستدلال منقول عن أبي منصور الماتريدي. وفي " المبسوط ": مدة الطهر نظير مدة الإقامة من حيث إنها تعيد ما كان ساقطا من الصوم والصلاة ولهذا قدرنا أقل مدة الحيض ثلاثة أيام اعتباراً بأقل مدة السفر، فإن كلاً منهما يؤثر في الصوم والصلاة، وفي كل واحد منهما نظر لا يخفى. م: (وأنه) ش: أي وأن كون أقل الطهر خمسة عشر يوماً م: (لا يعرف إلا توقيفاً) ش: أي من حيث التوقيف على السماع، لأن المقدرات لا اهتداء للعقل فيها م: (ولا غاية لأكثره) ش: أي لأكثر الطهر، ومعناه أنه تصلي وتصوم ما ترى الطهر وإن استغرق عمرها م: (لأنه) ش: أي لأن الطهر م: (يمتد إلى سنة وسنتين) ش: ومن النساء من تحيض في الشهر مرة ومرتين، ومنهن من تحيض في شهرين مرة م: (فلا يتقدر بتقدير) ش: لأنه لا يدخل تحت الضبط م: (إلا إذا استمر بها الدم) ش: استثناء من قوله: فلا يتقدر بتقدير، يعني في وقت استمرار الدم بما له غاية. م: (فاحتيج إلى نصب العادة) ش: أي فاحتيج عند الاستمرار إلى نصب العادة فتكون له عادة عند ذلك عند عامة العلماء خلافا لأبي عصمة سعد بن معاذ المروزي وأبي حازم القاضي فإنه لا غاية لأكثره عندهما على الإطلاق لأن نصب المقادير بالسماع ولا سماع هاهنا وعلى هذا إذا بلغت امرأة فرأت عشرة دماً وسنة أو سنتين طهراً ثم استمر بها الدم فعندهما طهرها ما رأت، وحيضها عشرة أيام تدع الصلاة في أول زمان الاستمرار عشرة أيام وتصلي سنة أو سنتين، فإن طلقها زوجها تنقض عدتها بثلاث سنين أو ست سنين وثلاثين يوماً. وأما العامة فاختلفوا في المقادير، فقال محمد بن شجاع: طهرها تسعة عشر يوماً، لأن أكثر الحيض في كل شهر عشرة والباقي طهره تسعة عشر بيقين. وقال محمد بن سلمة: طهرها سبعة وعشرون يوماً فما دونها لأن أقل الحيض ثلاثة أيام فيرفع عن كل شهر فيبقى سبعة وعشرون يوماً. وقال محمد بن إبراهيم الميداني: طهرها ستة أشهر إلا ساعة وعليه الأكثر، لأن أقل المدة التي يرتفع الحيض فيها ستة أشهر، وهو أقل مدة الحمل إلا أن ما عليه الأصل أن مدة الطهر أقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 660 ويعرف ذلك في كتاب الحيض، ودم الاستحاضة كالرعاف لا يمنع الصوم ولا الصلاة ولا الوطء   [البناية] من مدة الحمل فنقص منه شيء يسير وهو ساعة فتقضي عدتها بتسعة عشر شهرا إلا ثلاث ساعات لجواز أن يكون وقوع الطلاق عليها في حالة الحيض فيحتاج إلى ثلاثة أطهار كل طهر ستة أشهر إلا ساعة وكل حيض عشرة أيام. وقال الحاكم الشهيد: طهرها شهران، وهو راية ابن سماعة عن محمد، لأن العادة مأخوذة من المعاودة والحيض والطهر ما يتكرر في الشهرين عادة، إذ الغالب أن النساء يحضن في كل شهر مرة فإذا طهرت شهرين فقد طهرت في أيام عادتها، والعادة تنتقل بمرتين فصار ذلك الطهر عادة لها فوجب التقدير به وهو اختيار أبي سهل. قال الإمام برهان الدين عمر بن علي: الفتوى على قول الحاكم الشهيد لأنه أيسر على المفتي والنساء، وقال ابن مقاتل الرازي وأبو علي الدقاق: تقدر طهرها بنصب العادة سبعة وخمسين يوما لأنه إذا زاد على ذلك لم يبق في الشهرين ما يحصل حيضاً فتنصف هو بالكثرة. وقال الزعفراني: أكثر الطهر في حقها مقدر بسبعة وعشرين يوماً؛ لأن الشهر في الغالب يشتمل على الحيض والطهر، وأقل الحيض ثلاثة أيام فيبقى الطهر سبعة وعشرين يوماً، حتى لو رأت مبتدأة عشرة دما وستة طهراً ثم استمر بها الدم، فعند أبي عصمة تدع من أول الاستمرار عشرة وتصلي سنة، هكذا أدامها إذ لا غاية للطهر عنده. وقال في " الخلاصة ": أكثر مدة الطهر الذي يصلح لنصب العادة شهر كامل، وهو الذي ذكرناه في حق العادة. أما في حق سائر الأحكام لم يقدر الطهر بشيء بالاتفاق، بل تجتنب أبداً ما تجتنبه الحائض من قراءة القرآن ومسه ودخول المسجد ونحو ذلك، ولا يأتيها زوجها وتغتسل لكل صلاة فتصلي به الفرض والوتر وتقرأ فيهما قدر ما تجوز به الصلاة ولا تزيد، وقيل: تقرأ الفاتحة وسورة لأنهما واجبتان، وإن حجت تطوف طواف الزيارة لأنه ركن ثم تعيد بعد عشرة أيام وتطوف للصدر لأنه واجب وتصوم شهر رمضان لاحتمال أنها طاهرة ثم تقضي خمسة وعشرين يوماً لاحتمال أنها حاضت في رمضان خمسة عشر يوماً خمسة عشر في أوله وخمسة في آخره وبالعكس ولا يتصور حيضها في شهر واحد أكثر من ذلك، ثم يحتمل أنها حاضت في القضاء عشرة فيسلم في خمسة عشر بيقين. م: (ويعرف ذلك في كتاب "الحيض") ش: لما كان الأقوال في المسألة المذكورة كثيرة قال: ويعرف ذلك في "كتاب الحيض" الذي صنفه محمد بن الحسن كتاباً مستقلاً في أحكام الحيض. [حكم دم الاستحاضة] م: (ودم الاستحاضة كالرعاف الدائم لا يمنع الصلاة ولا يمنع الصوم ولا الوطء) ش: أي ولا يمنع وطء الزوج إياها أيضاً وهو قول أكثر العلماء، ونقله ابن المنذر في " الإشراف " عن ابن عباس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 661 لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «توضئي وصلي وإن قطر الدم على الحصير»   [البناية] وابن المسيب وعطاء وسعيد بن جبير وقتادة وحماد بن أبي سليمان وبكر بن عبد الله المزني والثوري وإسحاق وأبي ثور، وقال ابن المنذر: وبه أقول، وحكي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - والنخعي والحكم وابن سيرين منع ذلك، وقال البيهقي وغيره: إن تفصيل المنع عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ليس بصحيح عنها بل هو قول الشعبي أدرجه بعض الرواة في حديثها. وقال أحمد: لا يجوز الوطء إلا إذا خاف العنت، وفي رواية: لا يأتيها زوجها إلا أن يطول، واحتجوا بأن دم الاستحاضة كالحيض حتى يجب غسله من البدن والثوب والمنع في الحيض بمعنى الأذى وهو موجود فيها فأشبهت الحائض. واحتج المصنف لنا ولمن وافقونا بحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وهو قوله: م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «توضئي وصلي وإن قطر الدم على الحصير» ش: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في "سننه " من حديث وكيع عن الأعمش عن حبيب بن ثابت عن عروة بين الزبير عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله إني امرأة مستحاضة فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: "إنما ذلك عرق، وليس بالحيض اجتنبي الصلاة أيام حيضك ثم اغتسلي وصلي وتوضئي لكل صلاة وإن قطر الدم» . وكذا أخرجه أحمد في "مسنده " وأخرجه أبو داود ولكن لم يقل فيه: «وإن قطر الدم على الحصير» ولم ينسب عروة فيه كما نسبه ابن ماجه بأن عروة بن الزبير، وأصحاب الأطراف لم يذكروه في ترجمة عروة بن الزبير وإنما ذكروه في ترجمة عروة المزني، معتمدين في ذلك على قول ابن المديني أن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع عن عروة بن الزبير، ورواه أحمد وإسحاق بن راهويه وابن أبي شيبة والبزار في "مسانيدهم " ولم ينسبوا عروة. ولكن ابن ماجه والبزار أخرجاه في ترجمة ابن الزبير عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وفي لفظ لابن أبي شيبة بهذا الإسناد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تصلي المستحاضة وإن قطر الدم على الحصير» ، ورواه الدارقطني في "سننه "، وقال عروة بن الزبير في بعض ألفاظه، وضعف الحديث. قال: وزعم سفيان الثوري أن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير ثم نقل عن أبي داود أنه ضعفه بأشياء منها أن حفص بن غياث رواه عن الأعمش فوقفه على عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وأنكر أن يكون مرفوعاً. ووقفه أيضاً أسباط بن محمد عن الأعمش أيضاً رواه مرفوعاً أوله، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 وإذا عرف حكم الصلاة ثبت حكم الصوم والوطء بنتيجة الإجماع   [البناية] وأنكر أن يكون عنه الوضوء عند كل صلاة، وبأن الزهري رواه عن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وقال فيه: وكانت تغتسل لكل صلاة. قلت: حاصل الكلام أن قصدهم إبطال احتجاج الحنفية فيما ذهبوا إليه بهذا الحديث، ولكن لا يمشي هذا منهم لأنهم تعلقوا في هذا بأمور: الأول: أنهم قالوا: ليس فيه وإن قطر الدم على الحصير، الجواب عنه: أنه ثبت ذلك في رواية ابن أبي شيبة وفي رواية الدارقطني أيضاً. الثاني: قالوا: إن عروة لم ينسبه إلا ابن ماجه، والجواب عنه أن الدارقطني نسبه في رواية، وكذلك البزار في رواية. الثالث: قالوا: إن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير، الجواب عنه: أن أبا عمر قال: وحبيب لا شك أنه أدرك عروة، وقد روى عنه أبو داود في كتاب "السنن "، وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حديثا صحيحاً، وهذا أشد تظاهراً على أن حبيبا سمع من عروة، وهو مثبت فيقدم على من ينفي، وأيضا حبيب لا ينكر لقاءه بعروة لروايته عمن هو أكبر من عروة وأجل وأقدم ثبوتا. الرابع: قالوا أنه موقوف، والجواب عنه إن كان هاهنا قد روي موقوفا من جهات ثقات مثل وكيع ومثله، فقد رواه أيضاً ثقات كرواية وكيع مرفوعاً عن الأعمش مثل الجريري وسعيد بن محمد الوراق وعبد الله بن نمير فهؤلاء كبار رووا عن الأعمش الرفع فوجب على مذهب الفقهاء، وأصل الأصول ترجيح روايتهم لأنها زيادة ثقة ويحمل رواية من وقفه على عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها سمعت من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فروته مرة، وقالت به مرة أخرى. م: (وإذا عرف حكم الصلاة ثبت حكم الصوم والوطء بنتيجة الإجماع) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: إنكم قلتم أن دم الاستحاضة لا يمنع الصلاة الصوم والوطء،، ودليلكم لا يدل إلا على أحكام الصلاة فقط، فأجاب عنه بأن حكم الصلاة وهو جوازها مع سيلان دم الاستحاضة إذا عرف فإنه كالعدم في حكم الصلاة مع المنافاة الثابتة بينهما لكونه منافيا للطهارة التي هي شرط الصلاة يثبت حكم الصوم والوطء مع عدم المنافاة بينهما وبينه وذلك أن الصوم نقيضه الفطر لا الدم، والوطء نقيضه تركه لا الدم. وقال المصنف: ثبوت حكم الصوم والوطء نتيجة الإجماع. وقال صاحب " الدراية " مثله ثم قال: فإن الإجماع على أن دم العرق لا يمنع الصلاة والصوم والوطء بخلاف دم الرحم فإنه يمنع منها، فكما لم يمنع هذا الدم الصلاة على أنه دم عرق فلا يمنع الصوم والوطء بدلالة الإجماع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 ولو زاد الدم على عشرة أيام ولها عادة معروفة دونها ردت إلى أيام عادتها والذي زاد استحاضة   [البناية] وفي " الكافي " تفسير نتيجة الإجماع بدلالة غير صحيح لفظاً لا معنى، والتفسير بالحكم أشد إطباقاً، وقال الشيخ عبد العزيز - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قد يجوز أنه نتيجة من حيث إن دلالة النص أو الإجماع لا يكون إلا به، ومستحيل أن يثب قبله فكأنها نتيجة والنص والإجماع أصل، ولو فسرت بالحكم لأوهم أن دلالة النص أو الإجماع لا تكون إلا لذلك فلذلك فسرت بالدلالة. قلت: حكم الصلاة لم يثبت ابتداء بالإجماع، وإنما يثبت بالنص، فكيف يكون حكم الصوم والوطء بدلالة الإجماع مع أنه ورد خبر صحيح بجواز وطء المستحاضة، ورواه أبو داود وغيره من حديث عكرمة عن حمنة بنت جحش أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يغشاها، وفي لفظ له قال: كانت أم حبيش مستحاضة وكان زوجها يغشاها، ورواه البيهقي وغيره، وزوج حمنة طلحة بن عبد الله. م: (ولو زاد الدم على عشرة أيام) ش: التي أكثر الحيض فالمرأة لا تخلو إما أن تكون معتادة أو مبتدأة أو مختلفة العادة، وأشار إلى القسم الأول بقوله: (ولها عادة معروفة دونها) ش: أي دون العشرة بأن كانت عادتها ستة أيام أو سبعة أيام أو ثمانية أيام أو تسعة أيام فزاد الدم على عادتها وعلى العشرة أيضاً م: (ردت إلى أيام عادتها) ش: باتفاق أصحابنا فيكون الحيض أيام عادتها وما زاد على عادتها المعروفة إلى ما فوق العشرة إلى أن ينتهي يكون استحاضة وهو معنى قوله: م: (والذي زاد) ش: يعني على العادة المعروفة م: (استحاضة) ش: فيصير حكمها حكم المستحاضات. وأما إذا زاد على عادتها المعروفة دون العشرة فقد اختلف فيه المشايخ، فذهب أئمة بلخ إلى أنها تؤمر بالاغتسال والصلاة لأن حال الزيادة مترددة بين الحيض والاستحاضة لأنه إذا انقطع الدم قبل العشرة كان حيضا وإن جاوز العشرة كان استحاضة فلا تترك الصلاة مع التردد. وقال مشايخ بخارى: لا تؤمر بالاغتسال والصلاة لأنا عرفناها حائضا بيقين، ودليل بقاء الحيض وهو رؤية الدم قائم فلا تؤمر حتى يتبين أمرها، فإن جاوز العشرة أمرت بقضاء ما تركت من الصلاة بعد أيام عادتها. وفي " المجتبي ": وهو الصحيح. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ما زاد على عادتها يميز باللون. فإن كان أسود غليظا أو أحمر غليظا أو أحمر خالصا يجعل حيضها ولا عبرة للأيام، وإن لم يكن أسود كان دم الاستحاضة، وإن لم يكن التمييز باللون بأن لم يكن أسود خالصا أو أحمر خالصا بل يشبه كلاهما فحينئذ تعتبر الأيام فترد إلى أيامها. وفي " الحلية ": معتادة تميز وهي التي ترى في بعض الأيام دماً أسود، وفي بعضها دماً أحمر وجاوز الدم الأكثر فحيضها الأسود لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دم الحيض أسود» فهذا يبقى بظاهره كون غيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها»   [البناية] حيضاً. وقال ابن حبان والإصطخري: تقدم العادة على المتميز، وقال مالك: الاعتبار للمتميز لا العادة، فإن لم يكن لها تمييزا استظهرت بقدر زمان العادة بثلاثة أيام إلى أن تجاوز خمسة عشر، وإن كانت غير مميزة فحيضها أيام عادتها. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها» ش: هذا الحديث روي عن جد عدي بن ثابت وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وأم سلمة وسودة بنت زمعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. أما حديث جد عدي فرواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي» قال الترمذي: هذا حديث تفرد به شريك عن أبي اليقظان، قال: وسألت محمداً يعني البخاري عن هذا الحديث، فقلت له: عدي بن ثابت عن أبيه عن جده، جد عدي ما اسمه؟ فلم يعرفه، وذكرت له قول يحيى بن معين أن اسمه دينار فلم يعبأ به. وقال أبو داود: حديث عدي بن ثابت هذا ضعيف لا يصح، ورواه أبو اليقظان عن عدي ابن ثابت عن أبيه عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وشريك هذا هو ابن عبد الله النخعي الكرخي قاضي الكوفة تكلم فيه غير واحد، وأبو اليقظان اسمه عثمان بن عمر الكوفي ولا يحتج بحديثه. قلت: قال أبو نعيم: وقال غير يحيى: أن جد عدي اسمه قيس الخطي، وقيل لا يعرف من جده، وذكر ابن حبان في " الثقات ": أن ثابتا هو ابن عدي بن عدي أخي البراء بن عازب، وعن يحيى بن معين قال: شريك صدوق ثقة، وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كوفي ثقة. وأما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فرواه الطبراني في "معجمه الصغير " من حديث يزيد ابن هارون أخبرنا أيوب أبو العلاء عن عبد الله بن شبرمة القاضي عن قمراء امرأة مسروق عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال في المستحاضة: «تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل مرة ثم تتوضأ إلى مثل أيام أقرائها» ، ورواه ابن حبان في "صحيحه " من حديث أبي عوانة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المستحاضة فقال: «تدع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل غسلا واحدا ثم تتوضأ عند كل صلاة» ". وأما حديث أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فرواه الدارقطني في "سننه " من حديث معلى بن أسد أخبرنا وهيب حدثنا أيوب عن سليمان بن يسار «أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت فأمرت أم سلمة أن تسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتستدفر بثوب وتصلي» وقال الدارقطني: رواته كلهم ثقات، ورواه ابن أبي شيبة في "مسنده " حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حجاج عن نافع «عن سليمان بن يسار أن امرأته أتت أم سلمة لكي تسأل لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المستحاضة فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتستثفر بثوب وتتوضأ لكل صلاة وتصلي إلى مثل ذلك» انتهى. وهذه المرأة هي فاطمة بنت أبي حبيش يفسره رواية الدارقطني المذكورة. وأما حديث سودة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فرواه الطبراني في "معجمه الأوسط " من حديث الحكم بن عتيبة عن أبي جعفر عن سودة بنت زمعة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تجلس فيها ثم تغتسل غسلا واحدا ثم تتوضأ لكل صلاة» ". قوله: تدع: أي تترك، والأقراء: جمع قرء بمعنى الحيض. قوله: تستثفر: أي تسد فرجها بثوب وهو مأخوذ من ثفر الدابة التي تجعل تحت دنها. وقوله: تستدفر من الدفر وهو الرائحة، ومعناه تستعمل طيباً في الثوب تزيل به الرائحة، وقد يسمى الثوب طيباً، لأنه يقوم مقام الطيب. وأصح ما روي في هذا الباب ما روى أبو داود أخبرنا عبد الله بن مسلم عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار «عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستفتت لها أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل [فيه» ، رواه مالك في "موطئه " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 ولأن الزائد على العادة يجانس ما زاد على العشرة فيلحق به وإن ابتدأت   [البناية] والشافعي في "مسنده " وأحمد في "مسنده " والنسائي في "سننه " بأسانيد صحيحة على شرط البخاري ومسلم وقد مر في أول الباب بما فيه من المعاني والأحكام. م: (ولأن الزائد على العادة يجانس ما زاد على العشرة فيلحق به) ش: هذا دليل آخر تقديره أن يقال: الزائد على العادة يجانس الدم الذي يدل على العشرة من حيث الندرة ومن حيث كونه زائداً على العادة المعروفة ولا يجانس الواقع المعروف إلا من وجه واحد وهو أنهما وقعا في المدة الأصلية للحيض وهي العشرة فكان إلحاقها لما وقع خارج العشرة أولى، وهو معنى قوله: فيلحق أي يلحق بالزائد على العشرة. وقال الأترازي: في هذا التعليل نظر عندي لأن للقائل أن يقول: كما أن النجاسة حاصلة بين الزائدتين فكذلك حاصلة بين ما رأت في معرفتها وبين الزائد إلى العشرة لأن كل واحد منهما في مدة الحيض لا بل المجانسة هنا أكثر لأن أحد الزائدين في مدة الحيض والآخر في غيرها. قلت: لو تأمل الأترازي في هذا وقدح فكره لم يقل: في هذا التعليل نظر عندي والتأمل فيه يحدث عن هذا النظر بما قررناه الآن. وقال الأكمل وعورض فإن الزائد على العادة يمكن أن يكون حيضا بخلاف الزائد على العشرة فإنهما يتجانسان. قلت: هذا الذي ذكره سأله صاحب " الدراية " بقوله فإن قيل: الزائد على العشرة لا يمكن أن يكون حيضاً والزائد على العادة يمكن أن يكون حيضاً فكيف يتجانسان ثم أجاب بقوله: قلت: في مسألتنا لا يمكن أن يكون عليها حيضاً لأن ما زاد على العشرة استحاضة بيقين، وأما في أيام حيضها حيض يقينا، ففيما زاد إلى تمام العشرة إن ألحقناه بما بعده كان استحاضة، وإن ألحقناه بما قبله كان حيضا فوقع الشك في كونه حيضا فلا تترك الصلاة بالشك لأن وجوب الصلاة كان ثابتا بيقين فلا تترك إلا بيقين فحينئذ يتجانسان من حيث عدم منع الصلاة. وجواب الأكمل غير هذا، وملخصه أن التجانس بين الزائد من الوجهين وبين الزائد والعادة من وجه فكان الأول أولى، وهذا محصل بما قررناه أولاً. وقال صاحب " الدراية ": فإن قيل: كيف يكون وجوب الصلاة بيقين، فإنها لا تجب عليها في الأصح في أيام حيضها. قلنا وجوبها عليها بيقين نظراً إلى انقضاء العدة وفي كون ما زاد على العادة حيضا شك فلا يزول ذلك اليقين. م: (وإن ابتدأت) ش: أي المرأة هذا شروع في بيان حالة المرأة المبتدأة وقد ذكرنا أن المرأة لا يخلو إما أن تكون معتادة أو مبتدأة أو مختلفة العادة، وقد ذكر حال العادة وهذا في بيان المبتدأة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 مع البلوغ مستحاضة   [البناية] وقوله: ابتدأت على صيغة المبني للفاعل، ويروى على صيغة المبني للمفعول بضم التاء. وقال الأترازي: والأول أوجه عندي من الثاني لأن المرأة مبتدأة على صيغة المفعول فلذلك اختار صاحب " النهاية " صيغة المفعول في ابتدأت. م: (مع البلوغ) ش: يعني كما بلغت استمر عليها الدم وهو معنى قوله م: (مستحاضة) ش: وهو نصب على الحال المقدرة، أي حال كونها مقدرة للاستحاضة، وذلك لأنه لم تثبت الاستحاضة حال ابتداء رؤيتها الدم ولكن يعلم عند الزيادة على العشرة فحينئذ تكون العشرة في كل شهر أيضاً والباقي وهو الزائد على العشرة استحاضة. وعند زفر والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ترد إلى أقل الحيض لأنه متيقن والباقي مشكوك وبه قال أحمد، وفي قول للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يعتبر حيضها بنساء عشيرتها وفي قوله الآخر بالوسط وهو ست أو سبع وبه قال الثوري وأحمد في رواية، وعند مالك تقعد ما دام يأتيها ولتستظهر بعد ذلك بثلاثة أيام ما لم يتجاوز ذلك مجموع خمسة عشر يوماً، وعن مالك رواية أخرى أنها تجلس ما دام الدم بثلاثة أيام إلى أن يبقى خمسة عشر يوماً وهو رواية عن أحمد. فإن قلت: كيف يكون نصب العادة في المبتدأة؟. قلت: أول ما رأت المبتدأة دما تترك الصلاة كما رأيته عند مشايخنا، وعند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنها لا تترك حتى يستمر بها الدم ثلاثة أيام، والأول أصح، ولو رأت خمسة دما خمسة عشر طهرا ثم استمر بها الدم فإنها تترك الصلاة من أول الاستمرار خمسة ثم تصلي خمسة عشر يوما وذلك عادتها لأن الانتقال عن حالة الصغر عادة في النساء فتحصل بمرة واحدة، وأما الانتقال عن العادة الثانية في العادة ليس بعادة لها فلا يحصل بالمرة عند أبي حنيفة ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وبه قال بعض الشافعية وهو رواية عن أحمد، وفي أشهر الروايتين لا يثبت إلا بالتكرار ثلاثا. وقال أبو يوسف والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: ثبت بمرة واحدة. وقال مالك: يثبت بمرة لكن إذا اختلف بالزيادة والنقصان ثم استحيضت جلست أكثر ما كانت تجلسه ثم تستظهر بالثلاث. ثم اعلم أن العادة على نوعين أصلية وجعلية، فالأصلية على نوعين: أحدهما أن ترى دمين خالصين وطهرين خالصين متعقبين على التوالي بأن رأت مبتدأة ثلاثة دما وخمسة عشر طهراً وثلاثة دما وخمسة عشر طهرا وثلاثة دما وخمسة عشر طهرا ثم استمر بها الدم فإنها تدع الصلاة من أول الاستمرار ثلاثا وتصلي خمسة عشر يوماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] لأن ذلك صار عادة لها بالتكرار وكذا لو رأت ثلاثة دما وخمسة عشر طهراً أو أربعة دما وستة عشر طهرا ثم استمر بها الدم فحيضها ثلاثة وطهرها خمسة عشر عادة أصلية لها فتصلي من أول الاستمرار ستة عشر لأنها حين رأت أربعة دما فثلاثة منها مدة حيضها ويوم من حساب طهرها، فلما طهرت ستة عشر فأربعة عشر تمام طهرها ويومان من حيضها لم تر فيهما الدم فتصلي إلى موضع حيضها الثاني وذلك ستة عشر ثم تدع الصلاة وتصلي خمسة عشر. والثاني: أن ترى دمين وطهرين مختلفين بأن رأت مبتدأة ثلاثة دما وخمسة عشر طهراً، ثم استمر بها الدم فعند أبي يوسف أيام حيضها وطهرها ما رأت آخر مدة، واختلفوا على قولهما: قبل عادتها ما رأته أول مدة لأن العادة لا تنتقل برؤية الخالف مرة واحدة عندهما فيكون حيضها ثلاثة وطهرها خمسة عشر فلما رأت في المرة الثانية فاليوم الرابع من طهرها ولما رأت ستة عشر فأربعة عشر منها بقية طهرها ويومان من حيضها الثاني وذلك ستة عشر. وقيل: عادتها أقل المرتين فتترك من أول الاستمرار ثلاثة وتصلي خمسة عشر لأن العادة في المبتدأة تحصل بمرة واحدة. وأما العادة الجعلية فهي أن ترى ثلاثة دما وأطهاراً مختلفة ثم استمر بها الدم بأن رأت خمسة دماً وسبعة عشر طهرا أو أربعة دما وستة عشر طهرا وثلاثة دما وخمسة عشر طهرا، قال بعضهم: تجعل عادتها أوسط الاعتداد فتدع من أول الاستمرار أربعة وتصلي ستة عشر. وقال بعضهم: أقل المدتين الأخيرتين تدع من أول الاستمرار [ ... ] وتصلي خمسة عشر والفتوى على هذا لأنه أيسر على النساء. مبتدأة رأت ثلاثة دما وخمسة عشر طهرا وأربعة دما وستة عشر طهرا وخمسة دما وسبعة عشر طهرا، ثم استمر بها الدم فعادتها أربعة في الدم وستة عشر في الطهر اتفاقا، مبتدأة رأت ثلاثة دما وخمسة عشر طهراً، وأربعة دما وستة عشر طهراً، وثلاثة دما وخمسة عشر طهرا فإنها تدع الصلاة من أول الاستمرار ثلاثة وتصلي خمسة عشر، وتلك العادة جعلية لها فإن طرأت الجعلية على العادة الأصلية لأنها دونها والشيء لا ينقض بما هو دونه كالوطن الأصلي لا ينقضه الوطن الإقامة. وقال مشايخ بخارى: تنقض العادة بالجعلية، ومثاله إن كانت العادة الأصلية في الحيض خمسة لا تثبت الجعلية إلا برؤية ستة وسبعة وثمانية ويتكرر فيها بخلاف العادة الأصلية مراراً لأن سبعة وثمانية بتكرارها ستة والعادة الأصلية تنقض بالتكرار بخلافها لكونها مختلفة متفاوتة في نفسها بكون العادة الثانية جعلية لا أصلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 فحيضها عشرة أيام من كل شهر وباقي الشهر استحاضة لأنا عرفناه حيضا فلا يخرج عنه بالشك والله أعلم.   [البناية] م: (فحيضها عشرة أيام من كل شهر) ش: ففي الشهر الأول تكون العشرة من أول ما رأت حيضا م: (وباقي الشهر استحاضة) ش: فحكمها حكم الطاهرات لكنها تتوضأ لوقت كل صلاة ثم بعد ذلك حيضها أيام من كل شهر م: (لأنا عرفناه حيضا فلا يخرج عنه بالشك) ش: أي عرفنا الدم المرئي في العشرة حيضا فلا يخرج عن كونه حيضا بالشك لأنا تيقنا بالدخول فيه والأيام صالحة له، فإذا تجاوز الدم العشرة تيقنا بخروجها فكانت طاهرة حكما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 فصل والمستحاضة ومن به سلس البول والرعاف الدائم والجرح الذي لا يرقأ يتوضؤون لوقت كل صلاة، فيصلون بذلك الوضوء في الوقت ما شاءوا من الفرائض والنوافل   [البناية] [فصل في وضوء المستحاضة ومن به سلسل البول والرعاف الدائم] م: (فصل) ش: الفصل منها فصل لا ينون ومنها فصل ينون لأن الإعراب لا يكون إلا بعد العقد والتركيب وعقد هذا الفصل لأحكام الاستحاضة وقدمها على النفاس لأنها أكثر وقوعاً. م: (والمستحاضة) ش: مبتدأ وقد تكلمنا فيها أول الباب مستقصى م: (ومن به سلس البول) ش: وكلمة "من" موصولة عطف على ما قبله، وسلس البول كلام إضافي مبتدأ وخبره مقدم وهو قوله: (به) ، والجملة صلة الموصول. وسلس البول بفتح اللام، والرجل سلس البول بالكسر يقال: شيء سلس أي سهل، وأصل سلس بالكسر أي لين معتاد وفلان سلس البول بالكسر إذا كان لا يستمسك، وسلس بوله بالكسر يسلس بالفتح من باب علم يعلم. م: (والرعاف الدائم) ش: بالرفع عطف على ما قبله وهو دم الأنف لا يرقأ أي لا يسكن م: (والجرح الذي لا يرقأ) ش: بالرفع أيضاً عطف على ما قبله يقال: رقأ الدمع يرقأ رقاء ورقوا أي سكن وكذلك الدم. م: (يتوضؤون) ش: جملة في محل الرفع على أنه خبر المبتدأ المذكورة أعني قوله: المستحاضة وما أضيف إليه م: (لوقت كل صلاة) ش: اللام فيه للتعليل م: (فيصلون بذلك الوضوء في الوقت ما شاءوا من الفرائض والنوافل) ش: وبه قال الأوزاعي والليث وأحمد هكذا ذكره عنه أبو الخطاب في الهداية، ولم يحك خلافاً، وفي " المغني " لابن قدامة تتوضأ لكل صلاة وبه قال الشافعي وأبو ثور، وعزى هذا إلى أصحابنا أيضاً وهو غلط منه. وقال ابن تيمية الحراني في هذه رواية عن أحمد، وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يجب الوضوء على المستحاضة ومن به سلسل البول ونحوه، وهو قول ربيعة وعكرمة وأيوب، وأما الوضوء به مستحب لكل صلاة عنده ذكره في " التمهيد " وذكر كثير من أصحابنا في كتبهم عنه أنها تتوضأ لكل صلاة. وقال الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والمستحاضة تتوضأ لكل فريضة وهو مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا كما نذكره الآن. وقال النخعي: تغتسل في آخر وقت الظهر، أول وقت العصر، والعصر في آخر وقته، وكذلك تغتسل في آخر وقت المغرب فتصلي وكذلك في العشاء والفجر، وعن ابن عمر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجوب الغسل عليها لكل صلاة وعندنا لا يجب عليها الغسل إلا مرة واحدة لخروجها عن الحيض وهو قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كعلي وابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] مسعود وابن عباس وعائشة وعروة وأبي سلمة وعبد الرحمن والشافعي وأحمد ومالك في رواية. وقال بعضهم: تغتسل كل يوم غسلا، روي ذلك عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب. وقال بعضهم: تجمع بين الظهر والعصر بغسل وبين المغرب والعشاء وتصلي الصبح بغسل. احتج من قال بوجوب الغسل لكل صلاة بما «روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت فسألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمرها أن تغتسل لكل صلاة» والجواب عن ذلك أن هذا لم يرفعه إلا محمد بن إسحاق عن الزهري، وأما سائر أصحاب الزهري فإنهم يقولون فيه عن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «عن أم حبيبة بنت جحش [أنها] استحيضت فسألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: "إنما هو عرق وليس بالحيضة، فأمرها أن تغتسل وتصلي» ففهمت ذلك عنه فكانت تغتسل لكل صلاة. وقال أبو عمر في " التمهيد " عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها استفتت بعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة، فأفتوها بذلك بعد وفاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، دلت على نسخ ما روت عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ لا يسوغ لها خلاف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويحمل ذلك على الاستحباب أو على الثانية [أي] أيام عادتها فافهم. فإن قلت: روي أبو داود: «أن امرأة كانت تهريق على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرها أن تغتسل عند كل صلاة» . قلت: أجاب النووي عن ذلك أن الأحاديث الواردة في سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرها بالغسل لكل صلاة، فليس فيها شيء ثابت، وقد بين البيهقي ومن قبله ضعفها، واحتج من قال: تغتسل في كل يوم مرة في أي وقت شاءت من النهار، بما رواه أبو داود في "سننه " من حديث معقل الخثعمي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: المستحاضة إذا انقضى حيضها اغتسلت كل يوم لأجل الاحتياط، وأما الصوف التي فيها السمن أو الزيت فإن بها يدفع الدم وينشفه. ومعقل بالعين المهملة وبالقاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تتوضأ المستحاضة لكل مكتوبة لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المستحاضة تتوضأ لكل صلاة»   [البناية] واحتج من قال بأنها تغتسل من طهر إلى طهر بما رواه مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن قال: سألت سعيد بن المسيب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن المستحاضة فقال: تغتسل من طهر إلى طهر وتتوضأ لكل صلاة، فإن كان عليها الدم استثفرت. الجواب عن ذلك أن أبا داود قال: قال مالك: إني لا أظن حديث ابن المسيب من ظهر إلى ظهر بالظاء المعجمة، إنما هو من طهر إلى طهر بالطاء المهملة ولكن الوهم دخل فيه، فعليه الناس من ظهر إلى ظهر بالمعجمة. وقال الخطابي: لأنه لا معنى للاغتسال من وقت صلاة الظهر إلى مثلها ولا أعلمه قولاً لأحد من الفقهاء، وإنما هو من طهر إلى طهر بالمهملة فيهما وهو انقطاع دم الحيض، وقد يجيء بما روي من الاغتسال من ظهر إلى ظهر بالمعجمة فيهما في بعض الأحوال لبعض النساء، وهو أن تكون المرأة قد نسيت الأيام التي كانت عادتها ونسيت الوقت أيضاً، إلا أنها تعلم أنها كلما انقطع دمها في أيام العادة كانت وقت الطهر فهل يلزمها أن تغتسل عند كل طهر وتتوضأ لكل صلاة وما بينهما وبين الطهر من اليوم الثاني، فقد يحتمل أن يكون سعيد بن المسيب إنما سئل عن امرأة هذه حالها فنقل الراوي الجواب ولم ينقل السؤال على التفصيل. وفي " الاستذكار " ليس في ذلك وهم لأنه صحيح عن سعيد معروف من مذهبه في الاستحاضة تغتسل كل يوم من ظهر إلى ظهر، وكذلك رواه ابن عيينة عن موسى مولى أبي بكر ابن عبد الرحمن قالت: سألت سعيد بن المسيب عن المستحاضة فقال: تغتسل من ظهر إلى ظهر وتتوضأ لكل صلاة، فإن كان عليها استثفرت وصلت. واحتج مالك فيما ذهب إليه من أن المستحاضة ليس عليها وضوء بما رواه في الموطأ عن هشام ابن عروة عن أبيه «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إني لا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: "إنما ذلك عرق، وليست بالحيضة [فإذا أقبلت] فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي» وأخرجه الجماعة. وجه التمسك به أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال لها: "فاغتسلي وصلي" ولم يذكر الوضوء لكل صلاة. والجواب عنه الوضوء مذكور في غيره على ما نذكره. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تتوضأ المستحاضة لكل مكتوبة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المستحاضة تتوضأ لكل صلاة» ش: الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي وتصوم» رواه أبو داود، ولفظه: والوضوء عند كل صلاة، وله شواهد، منها ما أخرجه أبو داود، وابن ماجه من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: جاءت فاطمة بنت أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 673 ولأن اعتبار طهارتها لضرورة أداء المكتوبة فلا تبقى بعد الفراغ منها   [البناية] حبيش.. الحديث، وفي آخره: «اغتسلي وتوضئي لكل صلاة» . ومنها: ما أخرجه ابن حبان في "صحيحه " من حديث فاطمة بنت أبي حبيش وفي آخره: «فاغتسلي وتوضئي لكل صلاة» ". ومنها: ما رواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده " من حديث جابر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر المستحاضة بالوضوء لكل صلاة» . م: (ولأن اعتبار طهارتها) ش: دليل عقلي، أي طهارة المستحاضة م: (لضرورة أداء المكتوبة فلا تبقى) ش: أي الضرورة م: (بعد الفراغ منها) ش: أي من المكتوبة، وقال الأترازي في جواب دليل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأن طهارة المستحاضة ضرورية لكن لا نسلم أن لا ضرورة لها في حكم أداء مكتوبة أخرى. قلت: للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يقول بعد التسليم أنها ضرورية كيف يمنع عدم الضرورة في حقها مكتوبة أخرى، ومطلق الضرورة موجود عند كل مكتوبة، وتقدير الطهارة في المكتوبة والنافلة يقدر بتلك الضرورة لأنه ليس من المعقول التجاوز عن قدر الضرورة، ثم منع الأترازي هذا بقوله: ولا نسلم أنها تقدر بقدر الضرورة عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقد جاز لها أداء النوافل ما شاءت بالاتفاق، وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أن يقول: لا ضرورة في النوافل بعد أداء الفرض، ولكن هي تابعة للفرض فيدخل في حكم المتبوع بعد الشروع بخلاف مكتوبة أخرى، لأنها عبادة أخرى مستقلة تحتاج إلى طهارة أخرى، لكون الطهارة ضرورية في حق الأولى فلم يجاوز إلى غيرها. ثم قال الأترازي: إنا نقول: هل بقيت الطهارة بعد المكتوبة الواحدة أم لا؟ فإن قلت: نعم، فقل: تصلي الفرائض والنوافل، وإن قلت: لا، فقل لا تصلي الفرائض والنوافل أصلاً، إلا بوضوء جديد، فالشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: هذه الترديد مردود، فإني لم أقل إلا أنها تصلي فرضاً واحدا مع تبعية النفل ثم لا تصلي فرضا آخر إلا بوضوء جديد، لأن الشارع لما أسقط حكم سيلان الدم لضرورة الحاجة إلى أداء فرض الوقت الذي هو الأصل سقط كذلك في حق التبع بخلاف فرض آخر كما ذكرنا، فإذا كان الأمر كذلك فكيف يقول الأترازي وهذا الإلزام شيء يسكت الخصم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 674 ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة» وهو المراد بالأول، لأن اللام تستعار للوقت، يقال: آتيك لصلاة الظهر أي وقتها،   [البناية] وقد أورد الأكمل هاهنا إيرادا على الشافعية ملخصه: أن الصلاة في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لكل صلاة، أعم من أن تكون مكتوبة أو غيرها فاختصاصها بالمكتوبة تحكم. ثم أجاب عن ذلك بأن الصلاة مطلق وهو منصرف إلى الكمال والكامل هو المكتوبة ثم رد هذا بأن الصلاة عام بدخل كلمة كل فليس كما ذكرتم. قلت: فلهم أن يقولوا سلمنا العموم ولكنه يحتمل التخصيص، وهاهنا التخصيص موجود وهو الضرورة المؤخرة للصلاة مع سيلان الدم، مع أن القياس لا يقتضي الجواز أصلاً ولكن النص حكم عليه للضرورة فيقتصر علها ويتقدر بقدرها. والجواب المسكت ورود لفظة: هذه الصلاة مقيدة بالوقت في حديث آخر على ما نقرره عن قريب. ثم أجاب الأكمل بجواب آخر وهو أن الطهارة بعد أداء المكتوبة إن كانت باقية تساوت الفرائض والنوافل في جواز الأداء بها وإلا فلا، ثم قال: وفيه نظر. وجه التنظير هو أن يقال: نعم باقية بالنسبة إلى النوافل دون الفرائض. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة» ش: قال بعضهم: هذا غريب يعني بلفظ: لوقت كل صلاة، قلت: ليس كذلك لأنه لا يلزم من عدم اطلاعه عليه أن يكون غريباً، بل روي هذا الحديث بهذه اللفظة في بعض ألفاظ حديث فاطمة بنت أبي حبيش: "وتوضئي لوقت كل صلاة" ذكره ابن قدامة في " المغني "، ورواه الإمام أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - هكذا: «المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة» ، ذكره السرخسي في " المبسوط "، وروى أبو عبد الله بن بطة بإسناده عن حمنة بنت جحش أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أمرها أن تغتسل لوقت كل صلاة، والغسل يغني عن الوضوء فبطل الاشتراك لكل صلاة. م: (وهو المراد بالأول) ش: هذه إشارة إلى الجواب عما احتج به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كون الوضوء للصلاة أي لوقت الصلاة وهو المراد بالحديث الأول وهو ما احتج به الشافعي م: (لأن اللام تستعار للوقت، يقال: آتيك لصلاة الظهر أي لوقتها) ش: لأن اللام كثير الاستعمال في الوقت. ورد ذلك في الكتاب والسنة ومتعارف الناس. أما الكتاب فقوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ} [مريم: 59] (مريم: الآية 59) ، أي وقت الصلاة، وأما السنة فقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا فأينما أدركتني الصلاة تيممت» أراد وقت الصلاة لأنه فعله وفعله لا يسبقه لأن المدرك هو الوقت لا الصلاة، وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن للصلاة أولا وآخرا كوقتها» ، وأما تعارف الناس فيقال: آتيك لصلاة الظهر أي لوقتها، فحينئذ يكون ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 ولأن الوقت أقيم مقام الأداء تيسيرا فيدار الحكم عليه   [البناية] رواه الشافعي محتملاً، وما رواه الحنفي مفسراً بالوقت فيحمل المحتمل على المفسر، وهذا هو التوفيق بين الحديثين دفعاً للتعارض. فإن قلت: لم لا ينعكس الحمل. قلت: لأنه يلزم ترجيح المحتمل على المفسر. م: (ولأن الوقت أقيم مقام الأداء تيسيراً) ش: هذا دليل عقلي تقريره أن الشرع أسقط اعتبار الحدث للحاجة إلى الأداء، والناس يختلفون فيه، فمنهم المطول، ومنهم المقتصر، ومنهم من يرى الأداء في أول الوقت، ومنهم بالعكس، ومنهم من يحتاج إلى تأخيره لمانع منه لبعد الماء منه، ومنهم من يوسوس إلى إعادة الصلاة دفعاً للوسوسة فلذلك جعل الوقت مقام الأداء ليستوي الكل في بقاء [الأداء] تيسيراً للأمر على المأمور، فأدير الحكم على الوقت وسقط اعتبار الحدث، وإذا أقيم شيء مقام شيء آخر يكون المنظور إليه بذلك الشيء فيكون المنظور إليه هنا الوقت فتكون الطهارة باقية ما دام الوقت باقياً، فتقدير الطهارة بالوقت دفعاً للحرج. فإن قلت: إذا قدرت طهارة كل شخص بأدائه ارتفع الحرج. قلت: هذا ممنوع، لأنه إذ قدر ذلك وفرض الفراغ منه وأوجب عليه وضوء آخر كل ما يصلي من قضاء أو واجب أو نذر في وقته أو مكتوبة أخرى في وقت آخر تحقق الحرج في موضع التخفيف وذلك باطل، ولأن الوقت معلوم ولا يتفاوت والأداء غير معلوم فيكون في تقدير الطهارة به بعض الجهالة. م: (فيدار الحكم عليه) ش: أي على الوقت وأراد بالحكم جواز الصلاة، ودليل آخر أن الأصول شاهدة لاعتبار الوقت دون فعل الصلاة، لأنا فيها رخصة مقدرة بالوقت وهي المسح على الخفين، ولم نجد رخصة مقدرة بفعل الصلاة. وقال الطحاوي: [ومذهبنا قوي من جهة النظر وذلك أنا عهدنا للأحداث إما خروج خارج أو خروج وقت، فخروج الخارج معروف، وخروج الوقت وانقضاء المدة حدث في المسح على الخفين، فرجعنا في هذا الحديث المختلف فيه، فجعلناه كالحديث المختلف فيه الذي أجمع عليه ووجد له أصل ولم يجعله كما لم يجمع عليه، ولم نجد له أصلاً لأنها لم يعهد الفراغ من الصلاة حدثا قط] . وأجاب بعضهم عن الحديث الذي احتج به الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه ضعيف، وقال: اتفق الحفاظ عل ضعف الحديث الذي فيه الوضوء لكل صلاة، حكاه النووي في " المهذب ". قلت: هذه اللفظة: أعني قوله: وتتوضأ لكل صلاة، معلقة عند البخاري عن عروة في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 676 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] "صحيحه " وأخرجها الترمذي عن أبي معاوية متصلاً، ثم قال في آخره: حديث حسن صحيح. وقال ابن رشد في قواعده: وصحح قوم من أهل الحديث هذه الزيادة يعني تتوضأ لكل صلاة، وقال في موضع آخر: صححها أبو عمر بن عبد البر، وذكر البيهقي عن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قيل له روينا أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، قال: نعم، قد رويتم ذلك وبه نقول قياسا على سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الوضوء مما خرج من دبر أو ذكر أو فرج ولو كان محفوظاً لكان أحب إلينا من القياس. قلت: يلزم على قياس الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن لا تختص المستحاضة بفرض واحد كالوضوء مما يخرج من أحد السبيلين. فإن قلت: الفرق أن حديث المستحاضة بعد الفرض موجود قائم. قلت: فواجب أن لا تصلي بعد ذلك نافلة، ثم إنه خصص العموم وجوز من النوافل ما شاءت، وجعل التقدير لكل صلاة فرض، فكما أضمر ذلك فلزمه أن يضمر الوقت ويقول التقدير لوقت كل صلاة على أنا نقول قد روى ذلك على ما ذكرنا. فإن قلت: ذكر البيهقي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة» وحكي عن أبي بكر الفقيه أنه قال: أخبر - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أن الله تعالى أمره بالوضوء إذا قام إلى الصلاة لا دخول وقت الصلاة أو خروجه. قلت: ظاهره متروك بالإجماع بين الفقهاء، وإنما يؤمر بالوضوء من قام إلى الصلاة وهو فرض، ومن قال: بانتقاض طهارتها عند خروج الوقت أو دخوله لا يأمرها بالوضوء عند ذلك، وإنما يقول: طهارتها مقيدة بالوقت على مقتضى ما مر، فإذا خرج الوقت أو دخل على حسب اختلافهم عمل على حكم الحديث السابق. فإذا أرادت الصلاة بعد ذلك فقد أرادتها وهي محدثة فتؤمر بالوضوء عملاً بذلك الحديث، ونظير هذا الماسح على الخف إذا انقضت مدته فإنه تنقض طهارته بلا خلاف وإن كان لم يقم إلى الصلاة، ولما ألغى الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طهارتها في حق النوافل وإن كان في ذلك مخالفة لطرد هذا الحديث أعني قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة» فلذلك خصه بنفي طهارتها في حق الصلاة كلها ما دام الوقت باقياً عملاً بحديث المستحاضة "تتوضأ لكل صلاة" بإضمار الوقت كما ذكرنا. 1 - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 677 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فروع: المستحاضة تستوثق بالشد والثلجم وحشو فرجها بقطنة أو خرقة دفعاً للنجاسة أو تقليلاً لها إلا أن تكون صائمة أو يضرها ذلك، «وفي حديث أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لتستثفر بثوب» وهو أن تشد ثوباً تحتجز به تمسك موضع الدم، «وفي حديث حمنة بنت جحش قال: فتلجمي قالت: إنما أشج شجاً» . الحديث رواه أبو داود والترمذي وصححه أحمد. وفي " المبسوط " و " شرح مختصر الكرخي " للقدوري: قال: فاطمة بنت قيس لم تذكر في المستحاضات، والتي قالت: أشج، هي حمنة لا فاطمة، فالوهم بينهما في موضعين في جعل فاطمة بنت قيس المستحاضة، وفي نسبة شدها وتعصيب جسمها تيسير ولأنه نجس وحدث، فإن غلب الدم وخرج بعد الشد لم يقر في الوقت لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: اعتكفت امرأة من أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكانت ترى الدم الصفرة والطست تحتها وهي تصلي، رواه البخاري، وكان زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - به سلس البول وكان يداويه ما استطاع، فإذا غلبه توضأ ولا يبالي بما أصاب ثوبه، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يصلي يثعب دما، رواه أحمد والدارقطني. وفي " الذخيرة ": إذا حشت فرجها ومنعته من الخروج لا ينتقض وضوءها في إحدى الروايتين، وفي " الحاوي " قال: لا ينتقض، ولم يحك خلافا. وفي " المبسوط " و" المحيط " وغيرهما: إذا أصاب ثوبها من ذلك الدم فعليها أن تغسله إن كان مقيداً بأن لا يصيبه مرة أخرى حتى لو لم تغسله وهو أكثر من قدر الدرهم لم يجزها، وإن لم يكن مقيداً بأن كان يصيبها مرة بعد مرة أخرى أجزأها ولا يجب غسله ما دام القدر قائماً، ومثله سلس البول والجرح السائل. وفي " المحيط ": وقيل: إذا أصابه خارج الصلاة يغسله لأنه قادر على أن يفتتح الصلاة في ثوب طاهر وفي الصلاة لا يمكنه التحرز منه فسقط عنه. وفي " الحاوي ": الرباط إذا امتنع منه السيلان لا ينتقض الوضوء وأجزأه من الحدث، فإن نشف الدم في الخرقة فهو سائل، وكان محمد بن مقاتل الرازي يقول في الدم ونحوه: عليه غسل ثوبه عند وقت كل صلاة مرة كالوضوء. وغيره من المشايخ قال: لا يلزمه ذلك، وكذا لا يلزم عندنا إعادة الشد وغسل الدم ولا إبداله ولا الاستنجاء لوقت كل صلاة للحرج. ثم الطهارة إذا وقعت للسيلان لا ينتقض به في الوقت. وينتقض بحدث آخر عند خروج الوقت، وشرط وقوعها السيلان بأن لا يكون السيلان مقارناً لها أو طارئاً عليها وهو يحتاج إليها لأجله، وعند خروج الوقت يظهر حكم الحدث السابق حتى يغسل التي هو فيها عند خروجه ويتوضأ ويستقبل ولا يبني، ولو كانت نافلة يجب القضاء لصحة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 وإذا خرج الوقت بطل وضوؤهم واستأنفوا الوضوء لصلاة أخرى   [البناية] الشروع فيها، ولو توضأ لأجل مكتوبة وسال من الأجزاء انتقض، ولو توضأ لهما فانقطع أحدهما فهو على وضوئه ما بقي الوقت. وعلى هذا القروح إن تجدد فيها زيادة بعد الوضوء أو انقطع الدم من بعضها. م: (وإذا خرج الوقت بطل وضوؤهم واستأنفوا الوضوء لصلاة أخرى) ش: أي إذا خرج وقت صلاة المعذورين بطل وضوؤهم، وإضافة البطلان إلى الخروج مجاز لأنه لا يوصف بذلك فضلاً عن أن يكون حدثا، وإنما الانتقاض بالحدث السابق لكن أثره يظهر عنده، لأن الوقت مانع، فإذا زال أثره ظهر والشرط يقام مقام العلة في حق إضافة الحكم. وقال: الأكمل: قيل قوله: واستأنفوا الوضوء مستدرك لأن بطلان الوضوء يستلزمه. قلت: هذا السؤال مع جوابه للسغناقي ولكنه قال في الجواب قال شيخي في جوابه: جاز أن يبطل الوضوء بحق صلاة ولا يبطل بحق صلاة أخرى، ولا يجب عليهم الاستئناف في حق تلك الصلاة كما قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ببطلان طهارة المستحاضة للمكتوبة بعد أدائها وبقاء طهارتها للنوافل وكذلك قوله في التيمم أيضاً، وكما قال بعض أصحابنا في حق المتيمم لصلاة الجنازة، وفي المضطر ببقاء تيممه في حق جنازة أخرى لو حضرت هناك على وجه لو اشتغل بالوضوء تفوته صلاة الجنازة ويبطل في حق غيرها. وذكر صاحب " الدراية " أيضاً هذا السؤال ثم قال في جوابه: قال مولانا حافظ الدين في جوابه ما قاله الشيخ السغناقي وهو الشيخ عبد العزيز ولكنه لم يذكر من قوله وكما قال أصحابنا إلى آخره، ثم قال الأكمل: وفيه تمحل كما ترى أراد بالتمحل أن الكلام في الوضوء لا في التيمم. قلت: فيما قاله تمحل لأنه نظر في ذلك بما قاله الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الوضوء، وأما التيمم فإنه كالوضوء لأنه خلف عنه قائم مقامه، ثم قال الأكمل: يجوز أن يكون تأكيداً. قلت: إنما يصح ذلك لو كان في قوله: بطل وضوؤه احتمال لعدم البطلان بوجه من الوجوه، وقال أيضاً: ويجوز أن يكون كالتفسير الأول، ثم علله بعلة لا تجدي، قلت: إنما يصح ذلك لو كان قوله: بطل وضوؤهم احتمالاً أو إبهاماً، وقال أيضاً: ويجوز أن يكون الأول لبيان المذهب والثاني نفي لقول زفر فإنه يقول بقوله إذا دخل الوقت. قلت: وهذا صادر من غير تدور لأنه لا خلاف في الاستئناف المستلزم للبطلان وإنما الخلاف في أن البطلان بدخول الوقت أو خروجه أو بكليهما على ما يأتي بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى، فكيف يقول بنفي قول زفر وهو لا يقول بالاستئناف حتى ينفي قوله، ولئن سلمنا ما ذكره وأنه لا يحتاج إلى نفي قول زفر بقوله واستأنفوا لأنه خرج بقول زفر بقوله: وقال زفر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 وهذا عند أصحابنا الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وقال زفر: استأنفوا إذا دخل الوقت، فإن توضؤوا حين تطلع الشمس أجزأهم حتى يذهب وقت الظهر، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أجزأهم حتى يدخل وقت الظهر، وحاصله أن طهارة المعذور تنتقض بخروج الوقت بالحدث السابق عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -   [البناية] استأنفوا على ما نذكره الآن. م: (وهذا عند علمائنا الثلاثة) ش: أي بطلان الوضوء بخروج الوقت عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (وقال: زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - استأنفوا) ش: أي وضوءهم م: (إذا دخل الوقت) ش: أي وقت صلاة أخرى م: (فإن توضؤوا حين تطلع الشمس أجزأهم حتى يذهب وقت الظهر) ش: أي فإن توضأ هؤلاء المعذورون وقت طلوع الشمس كفاهم هذا الوضوء إلى خروج وقت الظهر، وأصل هذا أن طهارة هؤلاء تبطل بخروج الوقت عند علمائنا الثلاثة، وعند أبي يوسف تبطل بالدخول أيضاً، وعند زفر لا تبطل بالدخول لا غير على رواية الشيخ الإمام إسماعيل الزاهد وبالدخول والخروج جمعاً على رواية الشيخ الإمام أبي عبد الله الخراجي كما هو قول أبي يوسف ذكر الروايتين عن زفر في " شرح الجامع الكبير " لأبي بكر محمد بن الحسين البخاري المعروف بخواهر زاده، وخواهر زاده ابن [ ... ] القاضي نائب قاضي سمرقند، ولأن سير المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى الأصل المذكور، وإنما قدم هذه الصورة لكون أبي يوسف مع زفر أشار إليه بقوله م: (وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش: أي هذا الذي ذكرنا ذكرنا من بقاء وضوئهم إلى أن يذهب وقت الظهر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله. م: (وقال أبو يوسف وزفر - رحمهما الله - أجزأهم حتى يدخل وقت الظهر) ش: أي كفاهم لوجود الدخول عندهما، وإنما ذكرنا هذه الصورة عقيب تلك الصورة إشارة لكون أبي يوسف مع زفر لا يخالفهما فيهما إلا أبو حنيفة ومحمد. م: (وحاصله) ش: أي حاصل ما ذكرنا من الاختلاف في المسألة المذكورة م: (أن طهارة المعذور تنتقض) ش: محلا رفع لأنها مع اسمها وخبرها أعني قوله: تنتقض خبر المبتدأ أعني قوله: حاصله، م: (بخروج الوقت) ش: أي وقت المكتوبة أي عنده هذا تفسير لقوله: خروج الوقت يعني المراد بخروج الوقت عند الخروج م: (بالحدث السابق عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش: لأن الخروج شرط الانتقاض والعلة هي الحدث السابق، وإنما لم يظهر أثره في الوقت للضرورة، فإذا خرج الوقت زالت الضرورة فظهر أثره، ولهذا لم يجز مسح المستحاضة بعد خروج الوقت على الخفين إذا كان الدم سائلاً وقت الوضوء أو اللبس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 وبدخول الوقت عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبأيهما كان عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفائدة الاختلاف لا تظهر إلا فيمن توضأ قبل الزوال كما ذكرنا أو قبل طلوع الشمس   [البناية] وقال الأكمل: وإنما قال: أي عنده لأن خروج الوقت ليس من مقدور الإنسان فضلاً أن يكون حدثا، فكان الانتقاض بالحدث السابق لكن الوقت مانع، فإذا زال ظهر أثر الحدث فكانت السببية إلى الخروج مجازاً واعترض بأن الانتقاض لو أسند إلى الحدث السابق لما وجب القضاء على ما شرع في التطوع ثم خرج الوقت لأنه ظهر أنه شرع فيه بلا طهارة. قلت: أخذ هذا كله من " الغاية " و" الذخيرة "، وتقدير الجواب ليس هذا بظهور من وجه أيضاً ومن وجه فأظهرنا الاقتصار في القضاء والظهور في حق المسح، وإنما لم يعكس الاقتصار والظهور لما ذكرنا ليكون عملاً بالاحتياط وفي عكسه لا يكون عملاً به. م: (وبدخول الوقت عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي تنتقض بدخول الوقت فقط عند زفر م: (وبأيهما كان عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني تنتقض بأي شيء كان من الدخول والخروج عنده م: (وفائدة الخلاف لا تظهر إلا فيمن توضأ قبل الزوال كما ذكرنا) ش: يعني ثمرة الاختلاف إنما تظهر في الصورتين، إحداهما: فيمن توضأ قبل الزوال، ثم دخل الوقت لا تنتقض طهارته ويصلي بها الظهر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - خلافا لأبي يوسف وزفر - رحمهما الله - لوجود الدخول بلا خروج. والثانية: هي قوله م: (أو قبل طلوع الشمس) ش: أي لو توضأ قبل طلوع الشمس بعد طلوع الفجر ثم طلعت الشمس تنتقض طهارته عندهما لوجود الخروج وكذا عند أبي يوسف لوجود أحد الأمرين خلافاً لزفر لعدم الدخول. فإن قلت: لم حصرت الفائدة في الصورتين؟ لأن في الأول دخولاً بلا خروج، وفي الثانية خروجا بلا دخول، هذا ظاهر كلام المصنف، وقال المحققون من مشايخنا مثل فخر الإسلام ومن تابعه على قول أبي يوسف: لا تنتقض طهارته بدخول بلا خروج، وإنما تنتقض بخروج بلا دخول كما هو قولهما وفيما إذا توضأت المستحاضة قبل الزوال ودخل وقت الظهر إنما يحتاج إلى الطهارة لأجل الظهر عنده لا لكون طهارتها انتقضت بدخول الوقت بلا طهارة، لأن طهارتها ضرورية ولا ضرورة في تقديم الطهارة على الوقت. وكذا ذكر فخر الإسلام أيضاً في طرق عن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضاً، وقال: فظن السائل أن زفر لم يجعل الخروج حدثا بل جعل الدخول حدثا وليس كذلك، بل الصحيح من مذهبه أن شيئاً من ذلك ليس بحدث، وإنما لم تنتقض الطهارة بطلوع الشمس عنده، لأن قيام الوقت جعل عذراً وقد بقيت شبهته حتى لو قضى صلاة الفجر قضاها مع سنتها فكان كمال الخروج بدخول وقت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن اعتبار الطهارة مع المنافي للحاجة إلى الأداء ولا حاجة قبل الوقت فلا تعتبر. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الحاجة مقصورة على الوقت فلا تعتبر قبله ولا بعده، ولهما أنه لا بد من تقديم الطهارة على الوقت ليتمكن من الأداء كما دخل الوقت   [البناية] آخر، ولم يوجد فبقيت شبهته فصلحت لبقاء حكم العذر تخفيفاً. وقال السغناقي: وبهذا التقدير يعلم أن العلماء الأربعة كلهم متفقون على أن الحدث السابق إنما يعمل عند خروج الوقت لا غير إلا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تقديم الطهارة غير معتبر لعدم الحاجة فيجب عليها الوضوء ثانياً بعد خروج الوقت، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يوجد الخروج من كل وجه ما لم يدخل وقت مكتوبة أخرى، فلذلك يجب عليها الوضوء بعد خول الوقت عنه. م: (لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن اعتبار الطهارة مع المنافي) ش: وهو سيلان الدم م: (للحاجة إلى الأداء ولا حاجة قبل الوقت فلا تعتبر) ش: أي الطهارة قبل الوقت. فإن قيل: فغير المعتبر كيف يوصف بالانتقاض عند دخول الوقت. أجيب بأن عدم الاعتبار قبل الوقت إنما هو بالنسبة إلى الوقتية لقيامه مقام الأداء فلا تعتبر قبله وبعده. قلت: هذا السؤال والجواب للسغناقي ذكرهما الأكمل في شرحه. م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الحاجة) ش: إلى الأداء م: (مقصورة على الوقت فلا تعتبر قبله ولا بعده) ش: أي فلا تعتبر الطهارة قبل الوقت ولا بعد الوقت. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي أن الشأن م: (لا بد من تقديم الطهارة على الوقت ليتمكن من الأداء) ش: لأن الشرع أمر بالصلاة في أول الوقت، ولهذا استغرق جملة الوقت بالصلاة. فيجب أن يتمكن من ذلك ولا يتمكن منه إلا بتقديم الطهارة على الوقت، فلو كان دخول الوقت ناقضاً للطهارة لما انتفع بالتقديم. فإن قلت: قوله: لا بد من تقديم الطهارة يورث وجوب التقديم، لأن لفظة لا بد تستعمل في الوجوب وليس كذلك. قلت: فيه تسامح، والمضاف محذوف تقديره لا بد من جواز تقديم الطهارة. م: (كما دخل الوقت) ش: الكاف فيه للمفاجأة، وكلمة ما مصدرية وليست الكاف للتشبيه أي لتفاجئ تمكن الأداء بدخول الوقت، لأن الوقت قائم مقام الأداء وتقديمها على الأداء واجب فكان تقديمها على خلفه وهو وقت الأداء جائز. ولهذا قال بعضهم على قياس قولهما لو توضأت للعصر قبل العصر جاز أن تصلي العصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 682 وخروج الوقت دليل زوال الحاجة فظهر اعتبار الحدث عنده، والمراد بالوقت وقت المفروضة حتى لو توضأ المعذور لصلاة العيد له أن يصلي الظهر به عندهما وهو الصحيح، لأنها بمنزلة صلاة الضحى، ولو توضأ مرة للظهر في وقته وأخرى فيه للعصر فعندهما ليس له أن يصلي العصر به لانتقاضه بخروج وقت المفروضة   [البناية] به، وقال بعضهم: لا يجوز، لأن هذا دخول مشتمل على الخروج وبه تنتقض لا بالدخول، وإليه أشار المصنف بقوله: وعندهما أي عند أبي حنيفة ومحمد ليس له أن يصلي العصر به على ما يجيء عن قريب. م: (وخروج الوقت دليل زوال الحاجة) ش: يعني أن خروج الوقت يدل على انقضاء الطهارة وانقضاؤها لا يستدعي بقاء الطهارة فنجعل الحدث السابق في انقضاء الطهارة، وأما دخول الوقت فيدل على تحقق الحاجة، وتحقق الحاجة يستدعي ثبوت الطهارة، فكان خروج الوقت الذي لا يستدعي بقاء الطهارة أحق بأن يضاف إليه انتقاض الطهارة من الدخول الذي يستدعي بقاؤها م: (فظهر اعتبار الحدث عنده) ش: أي عند خروج الوقت. م: (والمراد بالوقت وقت المفروضة) ش: أي المراد بالوقت الذي اعتبر خروجه ودخوله وقت الصلاة المفروضة م: (حتى لو توضأ المعذور لصلاة العيد له أن يصلي الظهر به) ش: أي بذلك الوضوء وليس هذا بإضمار قبل الذكر، لأن قوله: توضأ يدل على الوضوء، كما في قَوْله تَعَالَى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] (المائدة: الآية 8) ، م: (عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد، وإنما خصهما بالذكر مع أن الحكم عند الكل كذلك لما أن الشبهة ترد على قولهما حيث جوز تقديم الوضوء على الوقت، وما قالا بالانتقاض بالدخول م: (وهو الصحيح) ش: احترز به عن قول بعضهم أنه ليس له أن يصلي الظهر به لأن خروج وقت صلاة واجبة لأن صلاة العيد واجبة م: (لأنها) ش: أي لأن صلاة العيد. وإنما ذكر الضمير إما باعتبار المذكور، وإما باعتبار لفظ العيد م: (بمنزلة صلاة الضحى) ش: من حيث إنها ليست بمفروضة. وقال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير ": فإن توضأ صاحب العذر يوم العيد بعد طلوع الشمس لصلاة العيد هل يصلي به الظهر؟ فقد قيل: ليس له ذلك، ثم قال: ولا رواية فيه، وقيل: بل هي صلاة الضحى في الأصل فأشبه سائر الأيام. م: (ولو توضأ مرة للظهر في وقته وأخرى فيه) ش: أي توضأ مرة أخرى في وقت الظهر م: (للعصر) ش: أي لأجل صلاة العصر م: (فعندهما) ش: أي فعند أبي حنيفة ومحمد م: (ليس له أن يصلي العصر به) ش: أي بذلك الوضوء م: (لانتقاضه) ش: أي لانتقاض ذلك الوضوء م: (بخروج وقت المفروضة) ش: وهو صلاة الظهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 683 والمستحاضة هي التي لا يمضي عليها وقت صلاة إلا والحدث الذي ابتليت به يوجد فيه   [البناية] فإن قلت: ما الفائدة في وضع المسألة في وقت الظهر؟ قلت: لتبيين أنه ليس بين وقت العصر وبين وقت الظهر وقت مهمل، كما هو مذهب الحسن بن زياد فإنه روى عن أبي حنيفة أنه إذا صار الظل قائما يخرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر وهو الذي تسميته بين الصلاتين وليس هذا بصحيح. م: (والمستحاضة هي التي لا يمضي عليها وقت الصلاة إلا والحدث الذي ابتليت به يوجد فيه) ش: أي في الوقت هذا تعريف المستحاضة بعد ذكر أحكامها، وكان ينبغي تقديم تعريفها على بيان أحكامها ثم هذا الحد في حق الدوام والبقاء، وأما اشتراط استيعاب الوقت بالسيلان لثبوت العذر ليس بشرط عند المصنف، وهو الذي ذهب إليه صاحب " البدائع " و" فتاوى قاضي خان " و" المفيد " و" المزيد " و" الينابيع "، وإنما قلنا هكذا لئلا يرد عليه ما لو رأت الدم في أول الوقت ثم انقطع فتوضأت على الانقطاع ودام الانقطاع حتى خرج الوقت فإنه لا تنقض طهارتها، ولو لم يؤول كلامه إلى ما ذكرنا لما كانت طهارة المستحاضة تنتقض بخروج الوقت فلا بد من العناية المذكورة لدفع هذا الإيراد. وذكر في " الذخيرة " و" فتاوى المرغيناني " و" الواقعات و" الحاوي " و" خير مطلوب " و" جامع الخلاطي " و" المنافع " و" الحواشي " أنه يشترط استيعاب الوقت بالسيلان فلا يثبت حكم الاستحاضة حتى يستمر الدم في وقت صلاة كامل. وذكر في " الذخيرة ": ولو سال الدم في وقت صلاة فتوضأت وصلت ثم خرج الوقت ودخل وقت صلاة أخرى، وانقطع دمها ودام الانقطاع إلى آخر الوقت توضأت وأعادت تلك الصلاة، وإن لم ينقطع في وقت الصلاة الثانية حتى يخرج الوقت لا تعيدها لأن في الوجه الأول لم يستوعب السيلان وقت صلاة، فلم يحكم باستحاضتها وفي الوجه الثاني تستوعبه فيحكم باستحاضتها. وقال تاج الشريعة في حد المصنف للاستحاضة: هذا حد المستحاضة بقاء، ولم يتعرض إلى شيء غير ذلك، وكذلك السغناقي وصاحب " الدراية "، ولم يتعرض إليه إلا الأترازي فإنه قال: هذا الذي قاله صاحب " الهداية " فيه نظر عندي، لأن التعريف ينبغي أن يكون جامعا ومانعا وهو ليس بجامع، لأن حقيقة المستحاضة لا يوجد بهذا القدر، قال: حتى يوجد الاستغراق في الابتداء وليس بمانع لدخول الحائض تحته، لأن الحائض قد تكون بهذه المثابة بأن لا يمضي عليها وقت صلاة إلا والحدث الذي ابتليت به يوجد فيه. قلت: نظره ضعيف، لأنه إنما يلزم ما ذكره لو لم يحمل كلامه على ما بعد الثبوت أي بعد ما ثبت أنها مستحاضة، لأنا ذكرنا أن حده الذي ذكره في حق الدوام والبقاء، وكذا قال الإمام حميد الدين الضرير في "شرحه " هذا حد المستحاضة بقاء، أما في قوله: مستحاضة ابتداء، فالشرط أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 684 وكذا كل من هو في معناها وهو من ذكرناه ومن به استطلاق بطن وانفلات ريح، لأن الضرورة بهذا تتحقق وهي تعم الكل. والله أعلم.   [البناية] يكون الحدث مستغرقا لجميع الوقت حتى لو لم تستغرق كل الوقت لا تكون مستحاضة، وإنما استغرق مدة لا تحتاج إلى الاستغراق بعد ذلك بل وجوده في الوقت مرة كاف، وقال الأترازي وبعد أن قال فيه نظر، وهذا الذي قال الإمام حميد الدين لأنه قال: هذا حد المستحاضة بقاء.. إلخ، وذلك يقتضي تعدد حقيقة الشيء وهو فاسد، وأخذ الأكمل منه فقال: يلزم اختلاف حقيقة الشيء بالنسبة إلى الحالتين والحقائق لا تختلف. قلت: هذا أعجب من العجب لأن عدم وجواز اختلاف الحقائق بالنظر إلى ذات الشيء، وأما بالنظر إلى صفاته فلا مانع منه، لأن ذات المستحاضة من سال دمها في غير أوقات معلومة، ومن غير عرق الحيض. وأما صفتها التي هي التعريف الشرعي فهو الذي ذكره المصنف مع قيد في الدوام والبقاء، وأما كونه مستحاضة ابتداء فله شرط آخر على ما ذكرناه، ثم طول الأترازي في حد الاستحاضة، وادعى أنه وقع في خاطره من الأنوار الربانية والأسرار الإلهية، وكذلك طول الأكمل فيه، وقال ولعل الصواب أن يقال في تعريفها إلى آخر ما ذكره، وطوينا ذكرهما خوفاً من التطويل لما فيهما من التعسف. م: (وكذلك كل من هو في معناها) ش: أي في معنى المستحاضة أن يكون حكمه حكم المستحاضة م: (وهو من ذكرناه) ش: أراد به قوله: ومن به سلس البول الرعاف الدائم والجرح الذي لا يرقأ م: (ومن به استطلاق بطن) ش: عطف على قوله: من ذكرناه، واستطلاق البطن عبارة عن الإسهال. وقال الجوهري: استطلاق البطن فيه م: (وانفلات ريح) ش: عطف على ما قبله، والانفلات خروج الشيء فلتة أي بغتة، كذا قاله المطرزي م: (لأن الضرورة بهذا) ش: أي بما ذكر من الانفلات أو بما ذكر من الأحداث م: (تتحقق وهي) ش: أي الضرورة م: (تعم الكل والله أعلم) ش: أي تشمل كل ما ذكر فيكون حكم الكل حكم المستحاضة، ويعرف المعذور بمن حصل به دوام حدث وقت صلاة كاملة ثم لا يخلو عنه منذ توضأ فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 685 فصل في النفاس والنفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة؛   [البناية] [فصل في النفاس] [تعريف النفاس] م: (فصل في النفاس) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام النفاس، أخره عن الحيض والاستحاضة لقلة وقوعه، والنفس بكسر النون ولادة المرأة، مصدر، سمي به الدم كما يسمى بالحيض ذكره المطرزي وهو مأخوذ من تنفس الرحم بخروج النفس الذي هو الدم، ومنه قول إبراهيم النخعي ما ليس له نفس سائلة إذا مات في الماء لا يفسده، أي وليس له دم سائل وهو عربي فصيح وفي الصحاح جعله حديثا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومنه قول الشاعر: تسيل على حد السيول نفسوسنا ... وليس على غير السيوف تسيل والنفس ذات الشيء ومنه جاء زيد نفسه، في التأكيد، فسمي المولود نفسا، ومنه ما من نفس منفوسة، والنفس الروح، يقال خرجت نفسه، أي روحه، والنفس العين، يقال أصابته نفس أي عين، والنافس العائن، والنفس قدر دبغة يدبغ بها الأديم من قرظ وغيره، والنفس بالتحريك واحد الأنفاس، والنفس الجرعة. وفي " المغرب ": النفاس مصدر نفست المرأة بضم النون وفتحها إذا ولدت فهي نفساء وهن نفاس، وقول أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إن أسماء نفست أي حاضت، والضم فيها خطأ. وفي " الدراية " وأما اشتقاقه من تنفس الرحم أو خروج النفس بمعنى الولد فليس بذلك، وفي " المجتبى " مشتق من تنفس الرحم أو خروج النفس أو الولادة على ما قال الشاعر: إذا نفس المولود من آل خالد ... بدا كرم للناظرين قريب وأما النفساء فهي الوالدة، قال الجوهري: ليس في الكلام من فعلاء يجمع على فعال غير نفساء وعشراء وهي الحامل من البهائم. قلت: ويجمع أيضا على نفسوان بضم النون. وقال صاحب " المطالع ": وبالفتح أيضاً، ويجمع أيضاً على نفس بضم النون، والفاء ويقال في الواحد: نفسى مثل يسرى نفسى بفتح النون أيضاً وامرأتان نفساوان: م: (والنفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة) ش: الواو في - والنفاس - واو الاستفتاح كذا سمعته من أساتذتي الكبار، ولم أره في الكتب ولا مانع من كونها للعطف، وقد يعترض شيء بين المعطوف والمعطوف عليه، وهذا الذي ذكره المصنف هو حد النفاس، اصطلاحاً قول: عقيب الولادة، وفي بعض النسخ - عقيب الولد - وفي بعضها - هو الدم الخارج يعقب الولد - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 686 لأنه مأخوذ من تنفس الرحم بالدم أو من خروج النفس بمعنى الولد، أو بمعنى الدم والدم الذي تراه الحامل ابتداء أو حال ولادتها قبل خروج الولد أو حال الحبل استحاضة وإن كان ممتدا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حيض   [البناية] لأنه مأخوذ من تنفس الرحم بالدم أو من خروج النفس بمعنى الولد، أو بمعنى الدم والدم الذي تراه الحامل ابتداء أو حال ولادتها قبل خروج الولد أو حال الحبل استحاضة وإن كان ممتدا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حيض وهذه الجملة صف الدم لأنه لم يرد به تفسير معين فهو في معنى النكرة قاله الأكمل. قلت: إنما قال هكذا لدفع قول من قال لأن الدم معرف بالألف واللام، والجملة لا تكون صفة للمعرف. م: (لأنه) ش: أي لأن النفاس م: (مأخوذ من تنفس الرحم بالدم أو من خروج النفس) ش: بالسكون م: (بمعنى الولد أو بمعنى الدم) ش: وقد ذكرنا هذا عن قريب م: (والدم الذي تراه الحامل ابتداء) ش: أي قبل خروج الولد م: (أو حال ولادتها قبل خروج الولد أو حال الحبل استحاضة) ش: وليس بحيض. م: (وإن كان ممتدا) ش: أي وإن بلغ نصاب الحيض وهو ثلاثة أيام فليس بحيض، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن والأوزاعي وعطاء ومحمد بن المنكدر وجابر بن زيد والشعبي ومكحول والزهري والحكم وحماد والثوري وأحمد وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيض) ش: وهو قوله الأصح، وبه قال قتادة ومالك والليث، وعن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قوله - إنه دم فاسد - وفي " شرح الوجيز ": ما تراه الحامل على ترتيب الحيض في القديم هو دم فاسد أي استحاضة، وفي الجديد هو حيض ولا فرق على القولين بين ما تراه قبل حركة الحمل أو بعدها، وقيل القولان فيما بعد حركة الحمل أما قبل حركته فهي كالحبالى وفق الخلية، والذي يخرج مع الولد فيه وجهان: أحدهما: أنه نفاس، والثاني: أنه حيض. وفي " شرح الهداية " لأبي الخطاب ما تراه قبل الوضع باليومين والثلاثة نفاس تترك له الصلاة والصوم وبه قال إسحاق. وقال الحسن والأوزاعي: دم المطلق المتتابع نفاس وما قبله فاسد، وإن خرج بعض الولد فالدم قبل انفصاله نفاس عند أحمد وإن قل، وإن ألقته مضغة أو علقة فليس بنفاس، وفي المضغة عنه روايتان إذا لم يستبن بعض خلقه، وعندنا إن خرج أكثر الولد يكون نفاساً وإلا فلا. وفي " المفيد ": والنفاس يثبت بخروج أقل الولد عند أبي يوسف وعند محمد بخروج أكثره، وكذا إن انقطع الولد منها وخرج فهي نفساء، وخروج أكثره كخروج أقله، وعند محمد وزفر: لا تكون نفساء والسقط إن استبان بعض خلقه تكون به نفساء على ما يجيء عن قريب إن شاء الله تعالى. وقالت الشافعية: في " شرح المهذب " إن وضعت لحما لم يتصور بعد صورة آدمي والقوابل قلن: إن لحم آدمي يثبت حكم النفاس، ولو شرب دواء فأسقطت جنينا ميتا حتى صارت نفساء لا تقضي صلاة مدة نفاسها، وإن كانت عاصية عندهم على الأصح ذكره في " شرح المهذب " للنووي وهو ينقض قاعدتهم في منع الرخصة بالمعصية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 687 اعتبارا بالنفاس إذ هما جميعا من الرحم، ولنا أن بالحبل ينسد فم الرحم كذا العادة والنفاس بعد انفتاحه بخروج الولد، ولهذا كان نفاسا بعد خروج بعض الولد فيما يروى عن أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - لأنه ينفتح فيتنفس به،   [البناية] م: (اعتباراً بالنفاس) ش: أي الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اعتبر ما تراه الحامل حيضا اعتبارا بالنفاس يعني أن بقاء الولد في البطن لا يمنع كون الدم نفاسا، ولهذا يكون المرئي بين الولدين نفاسا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف فلا يمنع كونه حيضا م: (إذ هما جميعا من الرحم) ش: كلمة إذ للتعليل أي لأن الدم الذي تراه الحامل ودم النفاس كلاهما من الرحم والدم من الرحم حيض. م: (ولنا أن بالحبل ينسد فم الرحم) ش: حفظا للولد، لأن النقب من السفل فلا يخرج مع وجود الانسداد م: (كذا العادة) ش: أي كذا عادة الله جرت بذلك لئلا يترك ما فيه م: (والنفاس بعد انفتاحه) ش: أي بعد انفتاح فم الرحم م: (بخروج الولد) ش: هذا جواب عن اعتبار الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الحيض بالنفاس م: (ولهذا) ش: أي ولكون النفاس بعد انفتاح فم الرحم بخروج الولد م: (كان نفاسا بعد خروج بعض الولد) ش: ولهذا كان ابتداء النفاس من خروج بعض الولد م: (فيما يروى عن أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله) ش: رواه المعلى عن أبي حنيفة وبه قال أحمد، وفي رواية خلف عن أبي يوسف عن أبي حنيفة إذا خرج أكثره، وعن محمد مثله، وعنه كله. واختار القدوري الأكثر حيث قال وما تراه الحامل حال ولادتها قبل خروج أكثر الولد استحاضة، وروى هشام عن محمد: بعد خروج الرأس ونصف البدن أو الرجلين وأكثر من نصف البدن، ولأجل هذه الاختلافات أبهم المصنف البعض. م: (لأنه) ش: أي في فم الرحم م: (ينفتح فيتنفس به) ش: أي بالدم، ولنا في هذا الباب أحاديث وأخبار، منها «حدث سالم عن أبيه وهو ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسكها وإن شاء طلقها قبل أن يمس» ، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق بها النساء، متفق عليه. ومنها حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ورفعه أنه قال في سبايا أوطاس: «لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة» ، رواه أبو داود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 688 والسقط الذي استبان بعض خلقه ولد حتى تصير المرأة به نفساء وتصير الأمة أم ولد به، وكذا العدة تنقضي به   [البناية] ومنها حديث رويفع بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يحل لأحد أن يسقي ماءه زرع غيره ولا يقع على أمة حتى تحيض أو تتبين حملها» . رواه أحمد، فجعل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجود الحيض علماً على براءة الرحم من الحبل في الحديثين، ولو جاز اجتماعهما لم يكن دليلاً على إبقائه، ولو كان بعد الاستبراء بحيض احتمال الحل لم يحل وطؤها للاحتياط في أمر الإبضاع. ومن الأخبار ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: "إن الله تعالى رفع الحيض من الحبل وجعل الدم رزقا للولد "، رواهما أبو حفص بن شاهين، وما روى الأرقم والدارقطني بإسنادهما عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في الحامل ترى الدم فقالت الحامل لا تحيض وتغتسل وتصلي. وقولها: - تغتسل - استحباب لكونها مستحاضة ولا يعرف عن غيرهم خلافه إلا عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فإنه قد ثبت عنها رواية أخرى أنها قالت: الحامل لا تصليِ، وما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يدل أن الحائض قد تحبل ونحن نقول به، ولكنه يقطع حيضها ويدفعه، والخلاف في طرآن الحيض على الحبل، ولهذا لم يكن الذي تراه الحامل قبل الوضع حيضاً ولا نفاساً عند جمهور الشافعية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - هكذا ذكره في العدة والخلاطي منهما لا تنقضي به العدة إلا في صورة غريبة في أحد الوجهين أن من طلق الحامل ثم وطئها بشبهة وجبت العدة في القول الذي لا تتداخل العدتان، فلو حاضت وهي حامل تنقضي العدة للشبهة. [السقط الذي استبان بعض خلقه] م: (والسقط) ش: بالحركات الثلاث في السين م: (الذي استبان) ش: أي ظهر م: (بعض خلفه ولد) ش: وارتفاع ولد على أنه خبر للمبتدأ، أعني قوله - والسقط - وبعض خلقه كالأصبع والشعر والظفر م: (حتى تصير المرأة به) ش: أي بالسقط م: (نفساء وتصير الأمة أم ولد به وكذا العدة تنقضي به) ش: أما في أمومية الولد إذا وجد الدعوة من المولى. وأما انقضاء العدة ففي تعليق الطلاق بالولادة لأنه ولد ولأنه ناقص الخلقة، ونقصان الخلقة لا يمنع ثبوت أحكام الولد كما لو ولدت ولداً ليس له بعض أطرافه، فإن لم يظهر شيء من خلقه فلا نفاس لأن هذه علقة أو مضغة فلم يكن الدم الذي عنه نفاساً، ولكن أن أمكن جعله المرئي من الحيض وسمي الدم حيضاً بأن تقدمه طهر تام جعل حيضها إن كان ثلاثة أيام وإلا فهو استحاضة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 689 وأقل النفاس لا حد له   [البناية] ثم المسألة على وجهين، إما أن ترى الدم قبل إسقاط السقط أو بعده، فإن رأت قبله وقد استبان بعض خلقه ما تركت من الصلاة والصوم لأنه يتبين أنها كانت حاملاً، وإن لم يستبين خلقه فإن كانت رأت قبل السقط ثلاثة أيام وقد وافق أيام عادتها أو كان مرئياً عقيب طهر صحيح فهو حيض لأنه يتبين أنها لم تكن حاملا، وما رأته بعد السقط استحاضة، وإن رأت قبل السقط يوماً أو يومين تكمل ثلاث أيام مما رأت بعد السقط والباقي استحاضة. وأما إذا رأت الدم بعد إسقاط السقط ولم تر ما قبله فإن أمكن جعله حيضاً يجعل حيضاً وإلا فهو استحاضة، وإن كان السقط لا يدرى بأنه كان مستبين الخلقة أو لم يكن بأن السقط في المخرج فهو على وجهين. أما إن رأت الدم قبل إسقاط السقط أو بعده فإن رأت بعده واستمر الدم فهي مبتدأة في النفاس وصاحبة عادة في الحيض والطهر كان عادتها في الحيض عشرة وفي الطهر عشرين فنقول على تقدير السقط مستبين الخلق هي نفساء ونفاسها يكون أربعين يوما، وعلى تقدير أن السقط لم يكن مستبين الخلق لا تكون نفساء ويكون عشرة أيام عقيب الإسقاط حيضاً، وإذا وافق عادتها أو كان ذلك عقيب طهر صحيح فتترك هي الصلاة عقيب الإسقاط عشرة أيام بيقين، لأنها إما حائض أو نفساء، لأن السقط إن كان مستبين الخلق فهي نفساء وإلا فهي حائض، فلم تجب عليها الصلاة بكل حال، ثم تغتسل وتصلي عشرين بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك لتردد حالها فيه بين الحيض والنفاس ثم تترك عشرة أيام بيقين، لأن فيها إما حائض أو نفساء ثم تغتسل لتمام عدة النفاس أو الحيض. فإن رأت الدم قبل الإسقاط تنظر إن رأت ثلاثة أيام دما قدر ما يتم به حيضها لا تدع الصلاة فيما رأته قبل الإسقاط بكل حال، لأنه إن كان السقط مستبين الخلق لم يكن ما رأته قبله حيضاً، وإن لم يكن كان حيضا فتردد حالها بين الطهر والحيض فلا تترك الصلاة بالشك. ولو رأت قبل الإسقاط عشرة دما ثم أسقطت، صلت تلك العشرة بالوضوء ثم اغتسلت وصلت بعد السقط عشرين يوماً بالوضوء بالشك لتردد حالها فيه بين الطهر والنفاس، ثم تدع الصلاة عشرة بيقين لأنها فيها إما حائض أو نفساء ثم تغتسل وتصلي عشرين يوما بالوضوء بالشك لتردد حالها فيه بين الطهر والنفاس، ثم تغتسل وتصلي عشرة لتردد حالها فيها بين الطهر والحيض، ثم تغتسل وهكذا دأبها أن تغتسل في كل وقت لتوهم أنه وقت خروجها من الحيض من الحيض أو النفاس. [أقل النفاس وأكثره] م: (وأقل النفاس لا حد له) ش: وهو قول أكثر أهل العلم منهم عطاء والشعبي ومالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 690 لأن تقدم الولد علم على الخروج   [البناية] والشافعي وأحمد وإسحاق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قال الثوري: معنى قولهم - لا حد لأقله - أنه لا يتقيد بساعة ولا بنصفها بل يكون مجرد حجة، وقال أما إطلاق جماعة من أصحابنا أن أقله ساعة ليس معناه الساعة التي هي جزء من اثني عشر جزءا من النهار، بل المراد اللحظة فيما ذكره الجمهور هذا هو الصحيح، وحكي أبو ثور عن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن أقله ساعة، وكذا وقع في بعض نسخ المزني وأشار ابن المنذر إلى أن للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في ذلك قولين. وقال الثوري أقله ثلاثة أيام كأقل الحيض. وقال المزني: أقله أربعة أيام كأقل الحيض أربع مرات. وروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن أقله خمسة وعشرون يوماً، ذكره أبو موسى في "مختصره "، قال وليس المراد به أنه إذا انقطع دونها لا يكون نفاسا بل المراد أنه إذا وقعت حاجة إلى نصب العادة في النفاس لا ينقص عن ذلك إذا كان عادتها في الطهر خمسة عشر يوما، إذ لو نصب لها دون ذلك أدى إلى نقص العادة فمن أصله أن الدم إذا كان محيطاً بطرفي الأربعين المتخلل بينها لا يكون فاصلاً طال الطهر أو قصر حتى لو رأت ساعة دما وأربعين يوماً إلا ساعتين طهراً ثم ساعة كان الأربعون يوما نفاسا عنده، وعندهما إن لم يكن الطهر خمسة عشر يوماً فكذلك، وكان خمسة عشر يوما فصاعدا يكون الأول نفاسا والآخر حيضا إن أمكن ثلاثة أيام وإلا كان استحاضة وهو رواية ابن المبارك عنه. وعن أبي يوسف أنه قدر أقله بأحد عشر يوماً ليكون أكثر من أكثر الحيض في حق الأخبار بانقضاء العدة، أما لو انقطع دون ذلك فلا خلاف أنه نفاس. وذكر شيخ الإسلام في "مبسوطه " اتفق أصحابنا أن أقل مدة النفاس ما يوجد، فإنها كما ولدت إذا رأت الدم ساعة ثم انقطع عنها الدم فإنها تصوم وتصلي فكان ما رأت نفاساً لا خلاف في هذا بين أصحابنا، إنما الخلاف فيما إذا وجب اعتبار أقل النفاس في انقضاء العدة بأن قال لها إذا ولدت فأنت طالق، فقالت انقضت عدتي أي مقدار [ما] يعتبر لأقل النفاس مع ثلاث حِيض عند أبي حنيفة يعتبر أقله بخمسة وعشرين يوماً، وعند أبي يوسف بأحد عشر يوما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بساعة. وأما في حق الصوم والصلاة فأقله ما يوجد. ولو ولدت امرأة ولدا ولم تر دما فعند أبي حنيفة وزفر هي نفساء وعليها الغسل احتياطا لأن خروج الولد لا يخلو عن قليل الدم ظاهراً فيحتاط في إيجاب الغسل، وأكثر المشايخ أخذوا بقول أبي حنيفة وبه كان يفتي الصدر الشهيد وهو الأصح عند مالك والشافعي - رحمهما الله - وفي رواية الحسن عن أبي يوسف هي طاهرة ذكره في "إملائه" فلا غسل عليها لعدم الدم، هكذا نقل عن محمد وبعضهم أخذوا بقوله، وفي " المفيد " و" الحاوي " هو الصحيح. م: (لأن تقدم الولد علم) ش: أي أمارة ظاهرة م: (على الخروج) ش: أي على خروج الدم م: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 691 من الرحم، فأغنى عن امتداد ما جعل علما عليه بخلاف الحيض وأكثره أربعون يوما، والزائد عليه استحاضة، لحديث أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وقت للنفساء أربعين يوما»   [البناية] (من الرحم فأغنى) ش: أي تقدمه م: (عن امتداد ما جعل علما عليه بخلاف الحيض) ش: هكذا وقع في بعض النسخ بإضافة امتداد إلى قوله - ما جعل كلمة موصولة - وقوله بخلف الحيض جملة وقعت حالا من قوله - علما - والنتيجة الصحيحة هكذا عن امتداد جعل علما عليه بخلاف الحيض، فقوله - عن امتداد - بالتنوين، أي عن امتداد دم، وقوله - جعل علما - جملة وقعت صفة لقوله - امتداد -، و (جعل) على صيغة المجهول و (علماً) نصب على أنه مفعول بأن يجعل قوله - عليه - أي على خروج الدم من الرحم يعني لا يشترط الامتداد في النفاس لأن خروج الولد عن ذلك بخلاف الحيض، حيث يشترط فيه امتداد الدم ثلاثة أيام شرعا ليعلم بذلك أن الدم من الرحم، إذ لا دليل على كونه من الرحم إلا بالامتداد. م: (وأكثره) ش: أي أكثر النفاس م: (أربعون يوماً) ش: وبه قال الثوري وابن المبارك وأحمد وأبو عبيد وإسحاق بن راهويه، وهو قول أكثر أهل العلم وحكى الليث بن سعد عن بعض أهل العلم أنه سبعون يوماً، وفي " المحيط " وهو قول مالك ولا أصل له. وفي " البدائع " عن مالك والشافعي - رحمهما الله - ستون، وذكر الترمذي عن الشافعي أربعين، قال ابن القاسم: ثم رجع مالك فقال تسأل النساء عن ذلك فأحال على عادتهن، وعن الحسن البصري: خمسون، وعن الأوزاعي من الغلام خمسة وثلاثون، وعنه ثلاثون، ومن الجارية أربعون، وعن الضحك أربعة عشر يوماً. م: (والزائد عليه) ش: على الأربعين م: (استحاضة) ش: كالزائد في الحيض على عشرة أيام م: (لحديث أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقت للنفساء أربعين يوماً» ش: هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه فرواه أبو داود في "سننه " عن أحمد بن يونس عن زهير عن علي بن عبد الأعلى عن سهل عن مسة عن أم سلمة: «كانت النساء على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تقعد بعد نفاسها أربعين يوماً وأربعين ليلة وكنا نطلي على وجوهنا الورس يعني من الكلف» ، ورواه الحاكم في "مستدركه "، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ورواه الدارقطني والبيهقي في "سننهما "، وقال الخطابي: وحديث مسة أثنى عليه محمد بن إسماعيل، وقال عبد الحق في "أحكامه " أحاديث هذا الباب معلولة وأحسنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 692 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] حديث مسة الأزدية ولا يلتفت إلى كلام ابن القطان حيث قال: وحديث مسة معلول، لأن مسة لا يعرف حالها ولا عينها، ولا تعرف في غير هذا الحديث ولا إلى كلام ابن حبان في كتاب الضعفاء أن كثير بن زياد يروي الأشياء المقلوبات فاستحق مجانبة ما انفرد به من الروايات، لأن البخاري أفتى على هذا الحديث، وقال: مسة هذه الأزدية وكثير بن زياد ثقة، وكذا قال ابن معين: ثقة. قلت: كثير بن زياد في رواية أخرى لأبي داود حدثنا الحسن بن يحيى قال حدثنا محمد بن حاتم قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن يونس بن نافع عن كثير بن زياد أبي سهل قال حدثتني الأزدية قالت: "حججت فدخلت على أم سلمة فقلت يا أم المؤمنين إن سمرة بن جندب يأمر النساء يقضين صلاة المحيض فقالت لا يقضين، كانت المرأة من نساء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تقعد في النفاس أربعين ليلة لا يأمرها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقضاء صلاة النفاس ". فإن قلت: أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن منهن نفساء معه إلا خديجة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ونكاحها كان قبل البعثة فلا معنى لقولها قد كانت المرأة.. إلخ. قلت: أرادت بنسائه من غير أزواجه من بنات، وقريبات وسرية عارية. ومسة بضم الميم وتشديد السين المهملة وتكنى أم بسة بفتح الباء الموحدة. قوله: على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي في زمانه وأيامه. قوله - بعد نفاسها - أي بعد ولادتها. قوله - وكنا نطلي - من طلت الشيء بالدهن وغيره طليا وتطليت به، فأطليت به. والورس بفتح الواو وسكون الراء في آخره سين مهملة نبت يكون باليمن يخرج على الرمث بين الشتاء والصيف يتخذ منه الحمرة للوجه. وقال ابن الورس: نبت أصفر يصبغ به. والرمث بكسر الراء وسكون الميم وفي آخره ثاء مثلثة يرى في مراعي الإبل وهو من الحمض بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وفي آخره ضاد معجمة وهو من النبات وهو للإبل كالفاكهة للإنسان. قوله - كالكلف - بفتح الكاف واللام وهو شيء يعلو الوجه كالسمسم وهو لون بين السواد والحمرة، وروي في هذا الباب أحاديث أخر: منها ما رواه ابن ماجه بإسناده عن أنس: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقت للنفساء أربعين يوماً إلا إن ترى الطهر قبل ذلك» ، ورواه الدارقطني في "سننه " ثم قال: لم يروه عن حميد غير سلام بن سليم وهو ضعيف. ومنها ما رواه الحاكم في "مستدركه " عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال: «وقت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 693 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للنساء في نفاسهن أربعين يوماً» وهو مرسل لأن الحسن لم يسمع من عثمان بن أبي العاص. ومنها ما رواه الحاكم أيضاً عن عبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تنتظر النفساء أربعين ليلة، فإذا رأت الطهر قبل ذلك فهي طاهرة، وإن جاوزت الأربعين فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل وتصلي، فإن غلبها الدم توضأ لكل صلاة» ، رواه الدارقطني أيضاً، وقال: عمرو بن الحصين وابن علاثة متروكان ضعيفان وهما من رواة هذا الحديث. ومنهما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه الدارقطني: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقت للنساء في نفاسهن أربعين يوماً» وأخرجه ابن حبان في " كتاب الضعفاء "، قالت: «وقت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للنفساء أربعين يوما إلا أن ترى الطهر فتغتسل وتصلي، ولا يقربها زوجها في الأربعين» ، وفي إسناده عطاء بن عجلان، وهو كوفي ضعيف. ومنها حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الطبراني في "الأوسط " قال: «وقت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعين يوماً» . ومنها حديث أبي الدرداء وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرجه ابن عدي في " الكامل " قالا قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تنتظر النفساء أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فإن بلغت أربعين يوماً ولم تر الطهر فلتغسل وهي بمنزلة المستحاضة» ، وفي إسناده العلاء بن كثير، [وهو] ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 694 وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اعتباره الستين، وإن جاوز الدم الأربعين وكانت قد ولدت قبل ذلك ولها عادة في النفاس ردت إلى أيام عادتها   [البناية] وهذه الأحاديث يسند بعضها بعضا وهي حجة على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن وافقه من أن أكثر النفاس ستون يوماً، وعلى كل من قال غير الأربعين، وحكى ابن المنذر مثل هذا عن عمر وابن عباس وأنس وعثمان بن أبي العاص وعائذ بن عمرو وأم سلمة، ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم. وقال أبو عبيد وعلى هذا جماعة المسلمين، وقال إسحاق هو السنة المجمع عليها ولا يصح في مذهب من جعله إلى شهرين نسبة، وإنما يروى عن بعض التابعين، وقال الطحاوي ولم يقل بالستين أحد من الصحابة، وإنما قاله بعض من بعدهم، وروي أيضاً مثل مذهبنا عن أبي الدرداء [ ... ] وأنس وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (وهو) ش: أي حديث أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - م: (حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اعتباره) ش: أي في اعتبار النفاس م: (الستين) ش: يوماً وعلى من ذهب إلى غيره أيضاً، وقال النووي تضعيف حديث أم سلمة مردود، والحديث جيد، وبقية الأحاديث ضعفها البيهقي. قلت: قد قلنا إن بعضها يشد بعضاً فلا يفيد قوله ذلك. م: (وإن جاوز الدم الأربعين وكانت) ش: أي والحال أنها قد كانت م: (وقد ولدت قبل ذلك ولها عادة) ش: أي والحال أن لها عادة معينة م: (في النفاس ردت إلى أيام عادتها) ش: فإن كانت عادتها في النفاس عشرين أو ثلاثين أو خمسة وعشرين فرأت أكثر من عادتها، فإن لم تجاوز الأربعين فالكل نفاس. وإن جاوزت الأربعين بأن رأت خمسة وأربعين فنفاسها ما كانت عادتها، والباقي استحاضة سواء كانت ختم بعروقها بالدم أو بالطهر إذا كان بعدهم عند أبي يوسف، وعند محمد إن ختم بعروقها بالدم فكذلك وإن ختمها بالطهر فلإتيانه كانت عادتها في النفاس ثلاثين فولدت فرأت الدم عشرون وانقطع فرأت الطهر عشرة أيام تمام عادتها في النفاس ثم رأت الدم حتى جاوز الأربعين فإنها ترد إلى معرفتها ويجعل ذلك نفاساً في قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن حصل ختمه بالطهر وعند محمد نفاسها عشرون يوماً من أيام الرؤية لأنه لا يختم النفاس بالطهر. وإن كانت مبتدأة بأن كان ذلك أول ما ولدت والدم مستمر فنفاسها أربعون يوماً، والزائد عليها استحاضة، ولو انقطع الدم دون الأربعين، فإن جميع ذلك نفاس سواء كانت مبتدأة أو معتادة، وإذا انقطع الدم دون الأربعين، اغتسلت وصلت بناء على الظاهر، فإن عاد الدم في الأربعين أعادت الصوم، وعند الإمام مالك النقاء الفاصل بين الدمين في مدة النفاس طهر، تصلي وتصوم ولا تقضي بعود الدم، وبه قال أحمد، وإن انقطع دون اليوم وعنه إذا كان يوما كاملاً، وللشافعي قولان أحدهما أنه طهر، والثاني: نفاس، وهو المشهور، وبه قطع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 695 لما بينا في الحيض، وإن لم تكن لها عادة فابتداء نفاسها أربعون يوما لأنه أمكن جعله نفاسا، فإن ولدت ولدين في بطن واحد فنفاسها من الولد الأول عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وإن كان بين الولدين أربعون يوما   [البناية] جمهورهم. وقال النووي: في الدم الثاني وجهان. أصحهما: مثل قول أبي يوسف ومحمد، وفي الوجه الآخر - وهو قول أبي العباس -: شرع الدمان نفاس كما لو كان الطهر أقل من خمسة عشر. وعن مالك: إن كان النقاء يومين أو ثلاثة فهو نفاس، وإن تطاول فهو حيض، ثم قيل في حالة الطلق يؤتى بقدر فيجعل تحتها، وقيل: يحفر لها حفيرة وتجلس عليها وتصلي كيلا يؤذي ولدها. م: (لما بينا في الحيض) ش: وهو قوله في فصل الحيض إذا تجاوز الدم على عشرة أيام ولها عادة معروفة دونها ردت إلى أيام عادتها، والذي زاد استحاضة م: (وإن لم تكن لها عادة) ش: بأن كانت مبتدأة م: (فابتداء نفاسها أربعون يوماً، لأنه أمكن جعله نفاسا) ش: أي جعل الأربعين، فلو انقطع الدم دون الأربعين فالكل نفاس، سواء كانت مبتدأة أو معتادة، وعند الانقطاع فيما دون الأربعين فتغتسل وتصلي بناء على الظاهر، فإن عاد الدم في الأربعين أعادت الصوم. م: (فإن ولدت ولدين في بطن واحد فنفاسها من الولد الأول عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله) ش: وبه قال مالك، وأحمد في أصح روايتيه، وهو أصح الوجوه عند الشافعية، وصححه [ ...... ] وإمام الحرمين والغزالي وفي " الهداية ": وللشافعي ثلاثة أقوال: أحدها: وهو الأصح أنه يعتبر من الأول ابتداء المدة، وبه قال أبو إسحاق ومالك وأحمد في الأصح. والثاني: أنه يعتبر ابتداء المدة من الثاني وبه قال داود. والثالث: أنه يعتبر ابتداؤها من الأول، ثم تستأنف من الثاني. م: (وإن كان بين الولدين أربعون يوماً) ش: احترز به عما قال بعض المشايخ فيما إذا كان بين الولدين أربعون يوماً أن النفاس فيه يكون من الولد الثاني عند أبي حنيفة، وليس هذا بصحيح، وإنما الصحيح ما اختاره المصنف، لأن أكثر مدة النفاس أربعون يوما وقد مضت فلا يجب النفاس بعده، ولو كان بين الولدين ثلاثون يوما فمن الولد الثاني عشرة أيام، وإن ولدت ثلاثة أولاد بين الأول والثاني أقل من ستة أشهر وبين الثاني والثالث كذلك، ولكن بين الأول والثالث أكثر من ستة أشهر، والصحيح أن يجعل كحمل واحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 696 وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من الولد الأخير وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنها حامل بعد وضع الأول فلا تصير نفساء كما أنها لا تحيض، ولهذا تنقضي العدة بالأخير بالإجماع، ولهما أن الحامل إنما لا تحيض لانسداد فم الرحم على ما ذكرنا وقد انفتح بخروج الأول وتنفس بالدم فكان نفاسا، والعدة تعلقت بوضع حمل مضاف إليها فيتناول الجميع   [البناية] م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من الولد الأخير) ش: أي نفاسها من الولد الثاني م: (وهو) ش: أي قول محمد هو م: (قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقول داود وبه قال بعض الشافعية م: (لأنها حامل بعد وضع الأول) ش: أي الولد الأول م: (فلا تصير نفساء) ش: لأن الحمل من الثاني واقع [حال] خروج الدم من الرحم فلا تكون نفساء بالولد الأول م: (كما أنها لا تحيض، ولهذا تنقضي العدة بالأخير) ش: أي بالولد الأخير م: (بالإجماع) ش: لأن الولد الأخير هو المعتبر في انقضاء العدة فكذا النفاس. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أن الحامل إنما لا تحيض لانسداد فم الرحم على ما ذكرنا) ش: عندنا خلافا للشافعي م: (وقد انفتح) ش: أي فم الرحم م: (بخروج الولد) ش: أي الولد الأول م: (وتنفس) ش: أي الرحم م:) بالدم فكان نفاسا) ش: لأن الخارج من الرحم بعد الولادة يكون نفاساً م: (والعدة تعلقت بوضع حمل مضاف إليها) ش: أي إلى المرأة، وهذا جواب عن قياس محمد: [أن] النفاس على انقضاء العدة، ووجهه أن العدة تنقضي بوضع الحمل، لقول تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) ، والحمل اسم لكل ما في البطن، ولما بقي الولد في بطنها موجوداً كانت حاملاً فلا تنقضي العدة حتى تضع الجميع، ولهذا لو قال: إن كان حملك غلاما فأنت حرة، فولدت غلاماً وجارية لم تعتق، لأن الغلام صار بعض الحمل، والشرط كونه كل الحمل م: (فيتناول الجمع) ش: أي كل الحمل فما لم تضع الجميع لا تنقضي العدة. 1 - فروع: امرأة ولدت في غرة رمضان فصامت رمضان كله ثم ولدت آخر فيما بعد رمضان لأقل من ستة أشهر من رمضان قضت صوم النصف الأول وصلاة النصف الأخير، لأن الولد الثاني من علوق حادث لأنه تخلل بين ولادة الولدين أقل مدة الحمل وهو ستة أشهر، والمرأة لا تلد لأقل من ستة أشهر فعلم أنها حبلت في النصف الأخير من رمضان ودم الحامل لا يكون نفاساً وكانت طاهرة في النصف الأخير فتقضي ما تركت من الصلاة فيه إلا أن تكون اغتسلت على رأس النصف الأخير، لأن الاغتسال يشترط لجواز الصلاة وتقضي صيام النصف الأول لأن صومها لم يصح فيه، ولا تقضي صلاتها لأنها كانت حائض فيه، وإن كانت اغتسلت يوم الفطر وصامت شوال بنية رمضان وصلت قضت صوم يوم واحد وصلاة خمسة عشر يوماً، لأنها قضت صيام رمضان في شوال وهي طاهرة فيجزئها إلى يوم الفطر وعليها قضاء صلوات النصف الأخير من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 697 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] رمضان لأنها كانت طاهرة ولم تصل أو صلت من غير اغتسال. 1 - فروع أخر: ولو خرج ولدها ميتا من قبل أو دبر لا تصير نفساء، ولو سال الدم من الأسفل صارت نفساء لأنه وجد خروج الدم من الرحم عقيب الولادة، ولو كانت معتدة تنقضي عدتها لأنها وضعت حملها وتصير الجارية أم ولد له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 698 باب الأنجاس وتطهيرها   [البناية] [باب الأنجاس وتطهيرها] [حكم تطهير النجاسة] م: (باب الأنجاس وتطهيرها) ش: أي هذا باب بيان أحكام الأنجاس وبيان أحكام تطهيرها، وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هذا، ويجوز نصبه بتقدير: خذ باب الأنجاس، قال تاج الشريعة: قد يحذف المضاف كما في قَوْله تَعَالَى: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [طه: 96] (طه: الآية 36) وقوله: باب الأنجاس: من قبيل القسم الثاني، أي باب بيان أنواع الأنجاس. قلت: لا حاجة إلى هذا التعسف، لأن لفظ الأنجاس يشمل الأنواع، وكونه من القسم الأول أولى. ولما فرغ من بيان النجاسة الحكمية وتطهيرها شرع في بيان النجاسة الحقيقية وتطهيرها، ولما كانت الأولى أقوى وأكثر قدمها على الثانية، والأنجاس جمع نجس بفتح النون وكسر الجيم وبسكونها مع فتح النون، وبكسر النون مع سكون الجيم وكلها مستعملة في اللغة، قاله على بعض الشراح. قال: الأكمل: والأنجاس جمع نجس بفتحتين وهو كل مستقذر وهو في الأصل مصدر ثم استعمل اسما، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] (التوبة: الآية 28) ، وقال تاج الشريعة: الأنجاس جمع نجس بكسر الجيم وهو الشيء الذي أصابته النجاسة، والنجس بالفتح كل ما استقذرته، وقال صاحب " الدراية ": وهو في الأصل مصدر، والمراد هاهنا الاسم. قلت: قد رأيت ما بين أحد منهم حقيقة هذه المادة، وهو من باب علم يعلم، تقول: نجس ينجس نجساً بفتح فهو نجس بكسر الجيم وفتحها، وفي دستور اللغة: نجس بكسر الجيم ينجس بفتح النون وسكون الجيم وهو مصدر، وكذلك نجس نجاسة. وكذلك ذكره في باب فعل يفعل بالضم فيهما. وفي " العباب ": والنجَس والنجِس والنَجْس والنِجْس والنجُس ضد الطهارة، ونجس ينجس مثال سمع يسمع، ونجس ينجس مثال كرم يكرم، وإذا قلت: رجل نجس بكسر الجيم ثنيت وجمعت، وإذا قلت: نجس بفتحها لم تثن ولم تجمع وقلت: رجل نجس ورجلان نجس ورجال نجس وامرأة نجس ونساء نجس، ويقال: أنجسه ونجسه تنجيسا فعن هذا أن قول الأكمل: الأنجاس جمع نجس بفتحتين غير صحيح والصحيح ما قاله تاج الشريعة فافهم. ثم الخبث يطلق على الحقيقي والحدث على الحكمي والنجس يطلق عليهما. قوله: وتطهيرها: أي وفي بيان تطهير الأنجاس، والتطهير إن فسرها بالإزالة فحسن إضافة التطهير إليها، وإن فسر بإثبات الطهارة فالمراد طهارة محلها كالبدن والثوب والمكان، لأن نجاسة هذه الأشياء مجاورة النجاسة، فإذا زالت ظهرت الطهارة الأصلية، وهذا لأنه لا يمكن تطهير عين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 699 تطهير النجاسة واجب من بدن المصلي وثوبه والمكان الذي يصلي عليه   [البناية] النجاسة فلا بد من التأويل فذكر الحال وأراد به المحل عكس قوله في البئر نزحت فإنه ذكر المحل وأراد به الحال، والنجاسة محل معنى إذا حلت بالمحل يوجب الاختلال بالثوب إلى المعبود ويمنع كمال التعظيم له سبحانه وتعالى. [حكم تطهير النجاسة] م: (تطهير النجاسة) ش: أي تطهير محل النجاسة، لأن النجاسة لا تثبت فيها صفة الطهارة أصلاً بل تثبت في محلها بإزالتها عنه، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وإنما أنشأ الضمير لأنه إضافة إلى ضمير الأنجاس. م: (واجب) ش: أي فرض، وهذا كما قالوا: الزكاة واجبة، وإنما ذكر لفظ الواجب ليشمل الكل إذ الفرض هو الأصل م: (من بدن المصلي وثوبه والمكان الذي يصلي عليه) ش: كلمة من تتعلق بقوله: تطهير النجاسة وهو في الأصل لابتداء الغاية، لكن اللائق هاهنا أن تكون للمجاورة، وهذه ثلاثة أشياء: الأول: بدن المصلي، فإن كان عليه نجاسة أكثر من قدر الدرهم لا تجوز صلاته وفيما دونه تجوز وتكره. الثاني: الثوب كذلك ويحتسب بغلظ النجاسة وتخفيفها، وقال أبو عمر: ذهب مالك وأصحابه [إلى] أن إزالة النجاسة من البدن والثوب سنة وليست بفرض، وقال هشام: يعيد صلاته في النجاسة والجنابة في الوقت وبعده، وهو قول أبي قلابة والشافعي وأحمد وأبي ثور والطبري. وقال أبو عمر: روى ابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء وطاوس ومجاهد والشعبي والزهري ويحيى بن سعيد في الذي يصلي في الثوب النجس ولا يعلم إلا بعد الصلاة أنه لا إعادة عليه، وبه قال إسحاق بن راهويه، وعن الحسن في الثوب يعيد في الوقت وفي جسده في الوقت وبعده. الثالث: المكان، والمعتبر في طهارة المكان [ما] تحت قدم المصلي، حتى لو افتتح الصلاة وتحت قدميه أكثر من قدر الدرهم من النجاسة فصلاته فاسدة، فكذا إذا كان تحت إحدى قدميه وهو الأصح، وقيل يجزئه، وإذا كان في موضع السجود دون القدم ففي رواية محمد عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يجوز، وهو الأصح وهو قولهما. وفي رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة: أنه يجوز، وإن كان في موضع يديه أو ركبتيه يجزئه عندنا خلافاً للشافعي وزفر - رحمهما الله -، ولو صلى على مكان طاهر، وسجد عليه، لكن إذا سجد وقعت ثيابه على الأرض النجسة جازت صلاته ولو افتتحها على مكان طاهر ثم تحول إلى مكان نجس ثم تحول منه إلى مكان طاهر جازت صلاته، إلا أن يمكث. ولو صلى على بساط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 700 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] (المدثر: الآية 4) ، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «حتيّه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء ولا يضرك أثره»   [البناية] وفي طرف منه نجاسة، قيل: يجوز في الكبير دون الصغير وحده إذا رفع أحد طرفيه لا يتحرك الطرف الآخر وإن تحرك الصغير، والأصح أنه يجوز مطلقاً. ولو قام على النجاسة وفي رجله جوربان أو نعلان لم تجز صلاته، ولو فرش نعليه وصلى عليهما جازت لأنه بمنزلة ما لو بسط الثوب الطاهر على الأرض النجسة وصلى عليها جازت واللبنة والآجر إذا كان أحد وجهيها نجساً وقام على الوجه الطاهر وصلى عليها إن كانت مفروشة جازت، وإن لم تكن مفروشة روي عن محمد أنه لا يجوز. وعن أبي يوسف أنه يجوز، ولو سجد على مكان نجس ثم أعاد السجدة على مكان طاهر جاز، وعن محمد: لو سجد على ميت وعليه لبد إن كان لا يجد حجم الميت جاز، وإن وجد حجمه لا يجوز: م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] (المدثر: الآية 4) ش: أي طهرها من النجاسة، والأمر للوجوب، وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وابن زيد والحسن وابن سيرين: اغسلها بالماء ونقها من الدرن ومن القذر. وقال الأكمل: فإن قيل: قال المفسرون: معناه فقصر فلا يتم دليلاً على إزالة النجاسة. أجيب بأن ذلك مجاز والأصل هو الحقيقة، على أن تقصير الثياب يستلزم الطهر عادة فيكون أمراً بتطهير الثوب اقتضاء: قلت: أخذ هذا من " الدراية "، وقوله: قال المفسرون، من هم هؤلاء المفسرون حتى يؤخذ هذا عنهم؟ ثم يحتاج إلى الجواب مع أنه قيل: وما نقل من هذا في تفسير الآية لا يوافق ظاهر اللغة. فإن قلت: نقل ذلك عن الفراء ذكره أبو الليث في تفسيره. قلت: الأصل في التفسير تفسير ابن عباس و [من] مثله من الصحابة ومن بعدهم من التابعين الكبار كالحسن وابن سيرين وغيرهما، والفراء ومثله أئمة اللغة والنحو، مع أن تفسيره هذا خلاف اللغة. م: (وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حتيه اقرصيه ثم اغسليه بالماء ولا يضرك أثره» ش: هذا أصل [له] في الحديث الصحيح، ولكن ما روي بهذا اللفظ، و [إنما] روى الأئمة الستة في "كتبهم" واللفظ لمسلم من حديث هشام بن عروة عن امرأته فاطمة بنت المنذر بن الزبير عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت: «جاءت امرأة إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة كيف تصنع به؟ قال: "تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه» وفي رواية لأبي داود: «حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه» . وفي رواية له: «فإن رأت فيه دماً فلتقرصه بشيء من ماء ولتنضح ما لم تر وتصلي فيه» . رواه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 701 إذا وجب التطهير في الثوب وجب في البدن والمكان، لأن الاستعمال في حالة الصلاة يشتمل الكل   [البناية] ابن أبي شيبة في "مصنفه "، وفيه قال: «اقرصيه بالماء واغسليه وصلي فيه» ، ورواه الإمام أبو محمد عبد الله بن علي بن الجارود في كتاب " المنتقى ": «حتيه واقرصيه ورشيه بالماء» . قوله: حتيه: من حت يحت من باب نصر ينصر إذا قشر بيده. قوله: واقرصيه، من قرص يقرص من باب نصر ينصر أيضا، وهو الدلك بأطراف الأصابع والأظفار مع صب الماء عليه حتى يذهب أثره وهو أبلغ في غسل الدم من غسله بجميع يده. وقال الخطابي: أصل القرص أن يقبض بأصبعيه على الشيء ثم يغمزه غمزاً جيدا. وقال أبو عمر في " التمهيد ": ويروى: "فلتقرصه" بفتح التاء وضم الراء وكسرها، ويروى فلتقرصه بالتشديد على التكثير أي فلتقطعه بالماء، ومنه تقريص الطحين، والنضح الرش. وقال الخطابي: وقد يكون بمعنى الصب والغسل، وقال المهلب: النضح: كثرة الصب وهو بالحاء المهملة، هي الرواية، ولو قال: بالخاء المعجمة لكان أقرب إلى معنى الغسل لأنه أكثر من المهملة، وقيل: النضح هو الرش في موضع الشك لدفع الوسوسة. وجه الاستدلال بالحديث المذكور: أنه يدل على وجوب الطهارة في الثياب، وفيه دلالة على نجاسة الدم، وهو إجماع المسلمين ودلالة على أن العدد لا يشترط في إزالة النجاسات، بل المراد الإنقاء. فإن قلت: استدل به البيهقي في "سننه " على أصحابنا في وجوب الطهارة بالماء دون غيره من المائعات الطاهرة. قلت: هو مفهوم لقب لا يقول به إمامه. فإن قلت: الحدث ورد في أسماء بنت أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حين سألت عن دم الحيض يصيب الثوب فيقتصر عليه. قلت: قال في " الدراية ": العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ثم قال: كذا قيل، وفيه تأمل ظاهر، والأوجه أن يقال: الموجب لوجوب تطهير الحيض كونه نجساً فلا خصوصية له بذلك فكل من كان نجساً يلحق به. ثم إن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - استدل بالآية والحديث المذكور على وجوب طهارة ثياب المصلي ويأتي وجه وجوب طهارة البدن والمكان. م: (إذا وجب التطهير) ش: أي تطهير المصلي بما ذكرنا م: (في الثوب) ش: أي في اشتراط طهارة ثوب المصلي بما ذكره من الآية والحديث م: (وجب في البدن) ش: أي وجب التطهير في بدن المصلي م: (والمكان) ش: أي وفي المكان الذي يصلي عليه م: (لأن الاستعمال) ش: أي استعمال المصلي م: (في حالة الصلاة يشتمل الكل) ش: أي الثوب والبدن والمكان، وجه ذلك أن التمسك بالنص يكون بطرق أربعة: بالعبارة والدلالة والإشارة والاقتضاء، ثم وجوب تطهير الثوب ثبت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 702 ويجوز تطهيرها بالماء وبكل مائع طاهر يمكن إزالتها به   [البناية] بالعبارة والبدن والمكان بالدلالة، وهذا لأن تطهير الثوب إنما وجب للصلاة لأنها مناجاة مع الرب وهي أعلى حالة العبد، فيجب أن يكون المصلي على أحسن حاله وذلك في طهارته وطهارة ما حل به، وقد وجب عليه تطهير الثوب بالنص مع قصور اتصاله به وتصور الصلاة بدونه في الجملة فلأن يجب عليه تطهير بدنه ومكانه مع كمال اتصالهما به لقيامه بهما وعدم تصور الصلاة بدونهما بطريق الأولى. ويستدل أيضاً في وجوب طهارة الثوب بما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال - حين أجنب في ثوبه -: أغسل ما رأيت وأنضح ما لم أره، ومثله عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذكرهما أبو عمر في " التمهيد ". واستدل في وجوب طهارة بدن المصلي بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الذي [أمذى] : «توضأ وانضح فرجك» رواه مسلم، والمراد من النضح الغسل، والدليل عليه ما رواه البخاري: «اغسل ذكرك وتوضأ» ، وقد ذكرنا أن النضح كثرة الصب مستدل في وجوب طهارة المكان بما رواه عن أنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا» . قال في " الإمام ": هذا حديث صحيح أخرجه الإمام أبو بكر بن [أبي شيبة في "مصنفه "] ، فدل على اشتراط طهارة مكان الصلاة كطهارة الثياب للمتيمم ونهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة في الأماكن السبعة، رواه ابن ماجه لأنها مظنة النجاسات، ولما حمل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن صخرة بيت المقدس التراب والزبل الذي كان عليها نهى الناس أن يصلوا عليها حتى يصبها ثلاث مطرات، رواه حرب بإسناده، فأفاد نجاسة الزبل وأنها مانعة من جواز الصلاة عليها. [ما يجوز التطهير به وما لا يجوز] م: (ويجوز تطهيرها) ش: أي تطهير النجاسة، وقد ذكرنا أن المراد به إما المحل أو الإزالة، وإنما قال: ويجوز ولم يقل ويجب لأن استعمال عين الماء ليس بواجب عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - بل إزالة النجاسة واجبة بأي مائع طاهر مزيل كان على ما يأتي الآن م: (بالماء) ش: الباء متعلق بالتطهير م: (وبكل مائع طاهر يمكن إزالتها به) ش: أي إزالة النجاسة بالمائع الطاهر، وشرط ثلاثة أشياء في جواز استعمال غير الماء في إزالة النجاسة: الأول: كونه مائعا يسيل كالخل ونحوه، لأنه إذا كان نجسا ليبقا كالدبس ونحوه لا يجوز. الشرط الثاني: أن يكون المائع طاهرا لأن النجس لا يزيل النجاسة، وقال الأكمل: قوله طاهرا، احتراز من بول ما يؤكل لحمه فإن الأصح أن التطهير لا يحصل به، وقيل: يحصل حتى لو غسل الدم بذلك رخصنا فيه ما لم يفحش. قلت: لا وجه لتخصيص الاحتراز بالطاهر عن بول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 703 كالخل وماء الورد ونحو ذلك مما إذا عصر انعصر وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وقال محمد وزفر والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا يجوز إلا بالماء؛ لأنه يتنجس بأول الملاقاة، والنجس لا يفيد الطهارة   [البناية] ما يؤكل لحمه، فإن الماء المستعمل أيضاً مائع، ولكنه غير طاهر على إحدى الروايات عن أبي حنيفة كما مر بيانه فيما مضى. الشرط الثالث: أن يكون المائع الطاهر مزيلاً كالخل وماء الورد ونحوهما، واحترز به عن الدهن والدبس واللبن ونحوها، فإن بها يبسط النجاسة ولا تزول، وفي " الذخيرة ": روى الحسن عن أبي يوسف لو غسل الدم من الثوب بدهن أو سمن أو زيت حتى أذهب أثره جاز، ومثله رواية بشر عنه في اللبن، وفي بول ما يؤكل لحمه اختلف المشايخ فيه، والصحيح أنه لا يطهر، ذكره السرخسي. وفي " المحيط ": في اللبن روايتان، وفي بعض نسخ " المحيط ": والماء المستعمل ولا حجة له إلا على رواية عن أبي حنيفة أنه طاهر. وفي " شرح أبي ذر " ويجوز إزالة النجاسة بالماء المستعمل ونحو ذلك مما إذا عصر انعصر كشراب التفاح وسائر الثمار والأشجار والبطيخ والقثاء والصابون والباقلاء والأنبذة وماء الخلاف والبنوفة واللبسان وكل ما اختلط به طاهر وغلب عليه وأخرجه عن طبع الماء وصار مقيداً فهو في حكم المائع ذكره الطحاوي. وفي " المغني ": عن أحمد ما يدل على ذلك، وعن أبي يوسف أنه لا يجوز في البدن إلا الماء ومثله عن أبي حنيفة ذكره في " العيون ". ثم إن المصنف ذكر هاهنا ما ذكره القدوري وهو أنه لم يفرق بين الثوب والبدن، قال: ويجوز تطهيرها بالماء وبكل مائع على ما يأتي الآن. م: (كالخل وماء الورد) ش: والماء المستعمل بين به الطاهر المائع المزيل م: (ونحو ذلك) ش: بالجر عطف على قوله: كالخل وإنما أفرد الضمير وإن كان المعطوف عليه اثنان باعتبار كل واحد منهما م: (مما إذا عصر انعصر) ش: كماء البطيخ وسائر الثمار وقد ذكرناه. وقوله: وانعصر من باب الانفعال وهو للمطاوعة بقوله عصر مطاوع بفتح الواو، وقوله: انعصر مطاوع بالكسر لأنه طاوع الأول وهو بالفتح لأنه طاوعه الثاني. م: (وهذا) ش: أي جواز تطهير النجاسة بالمائع الطاهر المزيل م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وقال محمد وزفر والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا يجوز إلا بالماء) ش: وبه قال مالك وعامة الفقهاء م: (لأنه) ش: أي لأن الماء م: (يتنجس بأول الملاقاة) ش: يعني لاختلاطه بالنجاسة م: (والنجس لا يفيد الطهارة) ش: لأن الماء صار نجساً بملاقاته النجاسة، فلم يبق له قوة الإزالة. م: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 704 إلا أن هذا القياس ترك في الماء للضرورة، ولهما أن المائع قالع والطهورية في الماء بعلة القلع والإزالة والنجاسة للمجاورة، فإذا انتهت أجزاء النجاسة يبقى طاهرا   [البناية] (إلا أن هذا القياس ترك في الماء للضرورة) ش: هذا جواب عما أورد على ما قاله محمد تقرير الإيراد أن يقال: إن الذي قلته هو القياس في الماء أيضاً وينبغي أن لا يجوز إزالة النجاسة بالماء أيضاً. وتقرير الجواب أن الحكم في الماء ثبت بخلاف القياس؛ لأجل الضرورة وللنظافة وسرعة اتصاله. وسائر هذه المائعات لا نص فيها فبقي على أصل القياس يؤيده قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اغسليه بالماء" فلا يجوز بغيره لأن الأمر للوجوب، ولأن الله تعالى ذكر الماء في معرض الامتنان والإنعام فقال: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] (الأنفال: الآية 11) ، فدل على اختصاص الطهر به، ولأن النجاسة الحقيقية تمنع جواز الصلاة فلا تزول بغير الماء قياسا على النجاسة الحكمية. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن المائع قالع) ش: من قلع الشيء واقتلعه إذا أزاله من موضعه من باب فعل يفعل بالفتح فيهما، وكانت العلة في الماء الإزالة م: (والطهورية في الماء بعلة القلع والإزالة) ش: وغير الماء كالخل يشاكله في الإزالة بل أولى وأقوى: لأن الخل أقلع للنجاسة من الماء لأنه يزيل اللون والدسومة لما فيه من الشدة والحموضة، وفي الألوان ما لا يزول بالماء وماء الورد يزيل العين والرائحة. م: (والنجاسة للمجاورة) ش: هذا جواب عن استدلال محمد ومن معه بقولهم: لأن الماء [يتنجس] بأول الملاقاة، تقديره: أن النجاسة لم تنجس المحل بعينه بل كانت للمجاورة وإن كانت نجسة بأول الملاقاة. م: (فإذا انتهت أجزاء النجاسة) ش: بانتهاء أجزائها المتناهية لتركبها من جواهر لا يتجزأ م: (يبقى) ش: أي المحل م: (طاهراً) ش: لزوال النجاسة بالعصر، لأنه إذا عصر يخرج منه ويصحبه ما يلاقيه من أجزاء النجاسة هكذا في المرة الثانية والثالثة إلى أن يزول محل الأجزاء فيبقى المحل طاهراً لانتقال النجس إلى الماء جزءاً فجزء، لأن الشيء الواحد محال أن يكون في محلين في حالة واحدة، والحكم إذا ثبت لمعنى يزول بزوال ذلك المعنى، ولهذا لو قلع محل النجاسة بقي الثوب طاهراً. وقال الأكمل: لا يقال التعليل بالقلع لا يجوز، لأن النص يقتضي الغسل بالماء، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اغسليه بالماء"، قلت: هذا السؤال للأترازي، وتقرير الجواب أن يقال: إن اقتضاء النص الغسل بالماء لذاته أم لغيره؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 705 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: لذاته فلا نسلم لأن المصلي إذا قرض موضع النجاسة وصلى بذلك الثوب جاز، فعلم أن استعمال عين الماء ليس بواجب، وإن قلت: لغيره وهو التطهير فنقول نعم، ولكن يحصل الطهارة بغيره كالخل، فإنه إذا استعمل مكررا يحصل التطهير كما يحصل بالماء. وقال تاج الشريعة: فإن قلت: لو كان القلع علة لوجب أن يجوز بشيء نجس. قلت: ولهذا إذا زالت النجاسة الغليظة ببول ما يؤكل لحمه يكون حكم ذلك الشيء بعد الغسل حكم بول ما يؤكل لحمه حتى لا يمنع جواز الصلاة ما لم يبلغ ربع الثوب. فإن قلت: محمد ومن معه احتجوا بالحديث أيضاً وهما لا يحتجا إلا بالمعقول. قلت: ما اكتفيا بذلك بل احتجا بالحديث أيضاً وهو ما رواه البخاري في "صحيحه " عن مجاهد قال: قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم الحيض قالت بريقها فقصعته بظفرها. وروى أبو داود عن مجاهد قال: قالت: ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد فيه تحيض، فإذا أصابه شيء من دم بلته بريقها ثم قصعته بظفرها، ولو كان الدم بالدلك بريقها لا يطهر لكان ذلك تكثراً للنجاسة، ومع الكثرة لا تصفى والمضغ والقصع: الحك بالظفر، ومنه قصع القملة. فإن قلت: يعد قوله بالأمر في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اغسليه" وقالوا الأمر للوجوب، قلت: لا نسلم أنه أمر بالغسل بالماء بل الأمر متعلق بنفس الغسل والإباحة بوصف الماء، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25] (النساء: الآية 25) ، فعلق الأمر بالإذن والإباحة بنفس النكاح فثبت بهذا أن يجوز أن يكون أحدهما واجباً والآخر مباحاً. فإن قلت: نص على الغسل بالماء. قلت: هو مفهوم اللقب وهو غير حجة، ولأنه خرج مخرج الغالب في الاستعمال لا الشرط، ولأن تخصيص الشيء بالذكر لا ينفي الحكم عما عداه عندنا. فإن قلت: غسله بالخل وماء الورد والخلاف إضاعة للمال وهي منهي عنها. قلت: إنفاق المال لغرض صحيح يجوز فلا يكون إضاعة، والماء بعد الإحراز في الأواني يكون مملوكاً، وقال: فلا يجوز استعمال إضاعة المال ويفرض المال فيما إذا كان للماء عزة فوق الخل، ولو سلم منع استعمال الخل في إزالة النجاسة فإذا استعمل فيها [ما] يزيلها كالماء الممنوع من استعماله لأجل العطش لو توضأ به وترك التيمم جاز، وكذا المغصوب. [الماء القليل إذا ورد على النجاسة] فروع: الماء القليل إذا ورد على النجاسة تنجس بها الماء، وقال أحمد: إن كان أرضاً فهو طاهر، وفي غير الأرض وجهان، وقال الإمام مالك: لا فرق بين ورود الماء على النجاسة وورود النجاسة على الماء، لا ينجس فيهما إلا بالتغيير، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن ورود الماء على النجاسة يوجب تنجيسه، وورود النجاسة على الماء دون القلتين ينجسه وإن كانت النجاسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 706 وجواب الكتاب لا يفرق بين الثوب والبدن، وهذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإحدى الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعنه أنه فرق بينهما فلم يجز في البدن بغير الماء، وإذا أصاب الخف نجاسة لها جرم كالروث والعذرة والدم والمني فجفت فدلكه بالأرض جاز، وهذا استحسان.   [البناية] م: (وجواب الكتاب) ش: أي " مختصر القدوري " وهو قوله: ويجوز تطهيرها بالماء وبكل مائع ... إلخ م: (لا يفرق بين الثوب والبدن) ش: لأنه أطلق في قوله: ويجوز إلخ. ولم يقيد الثوب م: (وهذا) ش: أي عدم الفرق م: (قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإحدى الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف م: (أنه فرق بينهما) ش: أي بين الثوب والبدن بغير الماء م: (فلم يجز في البدن بغير الماء) ش: وهو راوية لخبر ابن أبي مالك عنه لأن غسل البدن طريقة العبادة، فاختص بالماء كالوضوء وغسل الثوب، طريقه إزالة النجاسة لإبعاده فلا يختص بالماء. وقال الأترازي: وذكر في بعض نسخ القدوري الماء المستعمل فقال: كالخل وماء الورد والماء المستعمل، وقال أبو نصر البغدادي في " الشرح الكبير " للقدوري: وأما جوازه بالماء المستعمل فلأنه طاهر على رواية محمد عن أبي حنيفة بمنزلة الخل. [كيفية تطهير الخف الذي لحقته نجاسة] م: (وإذا أصاب الخف نجاسة لها جرم) ش: أي حبسته والجملة حالية وقعت بدون الواو وهو جائز على العلة م: (كالروث والعذرة) ش: بفتح العين المهملة وكسر الذال المعجمة وهي الغائط التي لقيها الناس م: (والدم والمني فجفت) ش: أي يبست م: (فدلكه بالأرض جاز) ش: وهنا قيود: الأول: قيد بالخف لأن الثوب لا يطهر إلا بالغسل إلا في المني. الثاني: قيد بالجرم لأن ما لا جرم له لا يطهر بالدلك، وإن جف إلا إذا التصق به من التراب أو رمل فجف بعد ذلك. الثالث: قيد بالجفاف لأن ما له جرم من النجس إذا أصاب الخف ولم يجف لا يطهر بالدلك إلا في رواية عن أبي يوسف. الرابع: قيد بالدلك لأنه بالغسل يطهر اتفاقاً. وقال محمد: لا يطهر بالدلك إلا في المني على ما يجيء. م: (وهذا استحسان) ش: أي الجواز في الصورة المذكورة استحسان، أي مستحسن بالأثر على ما يأتي. وفي " المحيط ": ذكر في " الجان ": النجاسة التي لها جرم إذا أصابت الخف فحكها أو حتها بعدما يبست بطهر في قولهما، قال القدوري: هذا في حق الصلاة، وأما لو أصاب الماء بعد ذلك يعود نجسا في رواية، وفي الأصل إذا مسحها بالتراب تطهر، وقيل: الدلك رواية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 707 وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز وهو القياس إلا في المني خاصة، لأن المتداخل في الخف لا يزيله الجفاف والدلك بخلاف المني على ما نذكره، ولهما قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فإن كان بهما أذى فليمسحهما بالأرض فإن الأرض لهما طهور»   [البناية] الأصل. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز) ش: وبه قال زفر والشافعي في الجديد، ومالك في العذرة والبول. وأما في أرواث الدواب له روايتان إحداهما: الغسل، والثانية: يمسح، وقال الشافعي في القديم: إذا دلكه بالأرض كان عفواً. وقال أحمد: يجب غسل جميع النجاسات إلا الأرض إذا أصابها نجاسة. واختلف أصحابه في ضم التراب. وفي " المحيط ": والصحيح أن محمدا رجع عن هذا القول لما رأى من كثرة السرقين في الطرق. م: (وهو القياس) ش: أي قول محمد هو القياس كما في الثوب م: (إلا في المني خاصة) ش: الاستثناء من قوله: لا يجوز، فإنه قال: يطهر في المني بالدلك والفرك إذا جف على الثوب. فإن قلت: لفظ خاصة منصوب بماذا وما [في] معناه. قلت: خاصة اسم بمعنى اختصاصاً من قولهم: خص بالشيء يختصه خصاً وخصوصاً بفتح الخاء وخصوصاً بالضم وخصوصية وخصيصي وخصيصاً عن ابن الأعرابي وخصه يخصه عن ابن عباد إذا فضله واختار ثعلب الخصوصية بفتح الخاء وخصه بالرد لذلك، وأما انتصابه فعلى أنه قائم مقام المصدر. م: (لأن المتداخل في الخف لا يزيله الجفاف والدلك) ش: لأن الجلد يتشرب فيصير كالثوب والبدن فإنهما لا يطهران إلا بالغسل فكذلك الخف م: (بخلاف المني على ما نذكره) ش: لأنه خص بالنص على القياس فلا يقاس عليه غيره. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فإن كان بهما أذى فليمسحهما بالأرض فإن الأرض لهما طهور» ش: هذا الحديث روي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أما حديث أبي هريرة فرواه أبو داود من طريقين: أحدهما: عن محمد بن كثير الصنعاني عن الأوزاعي عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب» ، رواه ابن حبان في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 708 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] "صحيحه ". وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وقال النووي في " الخلاصة ": رواه أبو داود بإسناد صحيح. الثاني: عن عمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي قال: أنبئت أن سعيدا المقبري حدث عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور» . فإن قلت: قال ابن القطان في "كتابه" عن الطريق الأول: هذا الحديث رواه أبو داود من طريق لا يظن بها الصحة، فإنه رواه من حديث محمد بن كثير عن الأوزاعي، ومحمد بن كثير: الصنعاني الأصل المصيصي الدار أبو يوسف ضعيف، وأضعف ما هو من الأوزاعي، قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: هو منكر الحديث يروي أشياء منكرة. وقال صالح بن محمد بن حنبل: قال أبي: هو عندي ليس بثقة. وقال المنذري في "مختصره ": الأول: فيه محمد بن عجلان، وفيه مقال لم يحتجا به، والثاني: فيه مجهول. قلت: محمد بن كثير سئل عنه يحيى بن معين فقال: كان صدوقاً ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة، ومحمد بن عجلان وثقه يحيى وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وصحح الطريق من ذكرناهم، والثاني قائل بالأول. ولنا حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه أبو داود أيضاً في " الصلاة " عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن أبي نعامة السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: «بينما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى القوم ذلك ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما حملكم على إلقائكم نعالكم" قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً، وقال: إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمحه وليصل فيهما» ورواه ابن حبان أيضاً في "صحيحه "، ولم يقل: "وليصل فيهما"، ورواه عبد بن حميد وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى الموصلي في "مسانيدهم " بنحو أبي داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبو نعامة اسمه [ ...... ] ، وأبو نضرة اسمه المنذر بن مالك البصري. وأما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فرواه أبو داود أيضاً عن محمد بن الوليد أخبرني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 709 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] سعيد بن أبي سعيد عن القعقاع بن حكيم عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمعناه ولم يذكر لفظه، ورواه ابن عدي في " الكامل " عن عبد الله بن زياد بن سمعان القرشي مولى أم سلمة عن سعيد المقبري عن القعقاع بن حكيم عن أبيه «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الرجل يطأ بنعله في الأذى، قال: "التراب لهما طهور» ، وعبد الله بن زياد ضعفه البخاري ومالك وأحمد وابن معين، ورواه الدارقطني مسنداً إلى ابن سمعان وهو ضعيف، وقال ابن الجوزي: قال مالك: هو كذاب، وقال أحمد: متروك الحديث. قوله: الأذى، أراد به النجاسة، وينحل النعل: الحذاء مؤنثة وتصغيرها فعيلة، وقال ابن الأثير: وهي التي تلبس في المشي مملوة. وجه الاستدلال بالأحاديث المذكورة ظاهر، فإنه قال فإن طهورهما التراب أي يزيل نجاستهما، وكان الأوزاعي يستعمل هذا الحديث على ظاهره وقال: يجزئه أن يمسح القذر في نعله أو خفه بتراب ويصلي فيه، وروي مثله عن عروة بن الزبير وكان النخعي يمسح النعل والخف يكون فيه السرقين عن باب المسجد ويصلي بالقوم. وقال أبو ثور في الخف والنعل: إذا مسحهما بالأرض حتى لا يجد له ريحاً ولا أثراً رجوت أن يجزئه. فإن قلت: الحديث مطلق فلم قيده أبو حنيفة بقوله النجاسة التي لها جرم؟ قلت: التي لا جرم لها خرجت بالتعليل، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإن التراب لهما طهور» أي مزيل نجاسته، ونحن نعلم يقيناً أن النعل والخف إذا شرب البول أو الخمر لا يزيله المسح ولا يخرجه من أجزاء الجلد فكان الخلاف في الحديث مصروفاً إلى الأذى الذي يقبل الإزالة بالمسح حتى إن البول أو الخمر لو استجر بالرمل أو التراب فجف فإنه يطهر أيضاً بالمسح على ما قال شمس الأئمة وهو الصحيح فلا فرق بين أن يكون جرر النجاسة منهما أو من غيرهما، هكذا ذكر الفقيه أبو جعفر والشيخ الإمام أبو بكر بن محمد ابن الفضل عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعن أبي يوسف مثل ذلك إلا أنه لم يشترط الجفاف. فإن قلت: لعل الأذى المذكور في الحديث كان طيناً. قلت: الأذى في لسان الشرع يحمل على النجاسة كناية عن عينها، ولو كان طيناً لصرح باسمه ولم يذكره بالكناية لما فيه من اللبس، ويدل عليه قوله: «فإن الأرض لهما طهور» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 710 ولأن الجلد لصلابته لا يتداخله أجزاء النجاسة إلا قليلا، ثم يجتذبه الجرم إذا جف، فإذا زال زل ما قام به، وفي الرطب لا يجوز حتى يغسله لأن المسح بالأرض يكثره ولا يطهره. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا مسحه بالأرض حتى لم يبق أثر النجاسة يطهر لعموم البلوى، وعليه مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وإطلاق ما يروى: فإن أصابه بول فيبس لم يجز حتى يغسله   [البناية] فإن قلت: لم يفصل بين النجاسة التي لا جرم لها وبين التي لها جرم، فإن اسم الأذى يطلق عليهما وكذلك لم يفصل بين الرطب واليابس وأنتم قد فصلتم؟ قلت: بل فصل الحديث بين الرطب واليابس بالتعليل الذي ذكرناه أيضاً. فإن قلت: حديث أبي سعيد ساقط العبرة لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يستقبل الصلاة. قلت: يحتمل أن الحظر مع النجاسة ترك في ذلك الوقت ويحتمل أن يكون لأقل من قدر الدرهم كذا في " المبسوط " و " الأسرار ". م: (ولأنه الجلد لصلابته لا يتداخله أجزاء النجاسة إلا قليلاً) ش: لأن صلبة الجلد وكثافة النجاسة يمنعان شربها فيه، ورخاوتها بعد اليسير، حذف إليها، فلا يبقى فيها إلا قليل وهو معفو م: (ثم يجتذبه الجرم إذا جف) ش: يعني يجذبه الجرم إلى نفسه م: (فإذا زال) ش: أي الجرم م: (زال ما قام به) ش: أي بالجرم، لأنه لما جذبه إلى نفسه فيبس مع الجرم فلا يبقى إلا اليسير وهو عفو بخلاف البدن، لأن رطوبته ولينه وما به من العرق يمنع من الجفاف، وبخلاف الثوب لأن النجاسة متداخلة فلا يخرجها إلا الماء والاحتراز عن النجاسة فيه ممكن. م: (وفي الرطب) ش: أي وفي النجس الرطب م: (لا يجوز حتى يغسله، لأن المسح بالأرض يكثره) ش: أي يكثر النجس بالرطب، لأنه ينشر ويتلوث ما لم يصبه أيضاً م: (ولا يطهره) ش: أي لا يطهر الخف لانتشار النجس فيه. م: (وعن أبي يوسف أنه إذا مسحه بالأرض) ش: أي إذا مسح النجس بالأرض يعني إذا دلكه على سبيل المبالغة م: (حتى لم يبق أثر النجاسة يطهر لعموم البلوى) ش: أي البلية، وكذلك البلية بكسر الباء وسكون اللام، والبلوى بالكسر أيضاً، والبلاء كلها أسماء وهذه من المواد الناقصة الواوية م: (وعليه مشايخنا) ش: أي على قول أبي يوسف مشايخ ما وراء النهر م: (وإطلاق ما يروى) ش: يعني إطلاق قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن كان بهما أذى، حيث لم يفصل بين الرطب واليابس، والجواب عن هذا الإطلاق قد مر آنفاً. وفي " فتاوى أهل المصر " ذكر الجلائي في صلاته لو أصابت النجاسة الخف أو الكعب أو الجرموق فأمر الماء عليه ثلاث مرات تطهر من جفاف. م: (فإن أصابه بول) ش: أي فإن أصاب الخف بول م: (فيبس لم يجز حتى يغسله) ش: لتمكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 711 وكذا كل ما لا جرم له كالخمر، لأن الأجزاء تتشرب فيه ولا جاذب يجذبها، وعن أبي يوسف أن ما يتصل به من الرمل، والرماد والتراب الناعم جرم له، والثوب لا يجزئ فيه إلا الغسل وإن يبس، لأن الثوب لتخلخله يتداخله كثير من أجزاء النجاسة فلا يخرجها إلا الغسل، والمني نجس يجب غسله رطبا فإذا جف على الثوب أجزأ فيه الفرك   [البناية] البول فيه بالجفاف م: (وكذا كل ما لا جرم له) ش: أي وكذا لا يجوز إذا أصاب الخف كل ما لا يجرم له م: (كالخمر لأن الأجزاء) ش: لأن أجزاء الخمر أو البول م: (تتشرب فيه) ش: أي في الخف م: (ولا جاذب يجذبها) ش: أي يجذب أجزاء النجاسة [ ...... ] . م: (وعن أبي يوسف أن ما يتصل به) ش: أي بالخف الذي أصابته النجاسة الرطبة م: (من الرمل والرماد والتراب الناعم جرم له) ش: أي الذي أصابه، فإذا جف فدلكه بالأرض طهر كالتي لها جرم. [كيفية تطهير الثوب الذي لحقته نجاسة] م: (والثوب لا يجزئ فيه إلا الغسل وإن يبس؛ لأن الثوب لتخلخله) ش: أي لكون فرج في خلاله، وقولهم - أجزاء الثوب يخلخله - أي في خلالها فرج لرخاوتها وتكون مجوفة غير يسيرة م: (يتداخله كثير من أجزاء النجاسة فلا يخرجها) ش: أي أجزاء النجاسة م: (إلا الغسل) ش: بالماء أو بمائع طاهر مزيل. وقال النسفي: الخف الخرساني الذي ضرمه توسخ فالقول حكمه حكم الثوب لا يطهر بالدلك بل يغسل ثلاثاً ويجفف في كل مرة. [حكم المني وكيفية تطهيره] م: (والمني نجس) ش: وبه قال مالك والثوري والأوزاعي والحسن بن حي وأحمد في رواية. إلا أن مالكا قال: يغسل رطبه ويابسه، وهو قول الحسن البصري، وقول بعض مشايخ بلخ مثل: محمد بن الأزهري وأبي معاذ البلخي م: (يجب غسله رطباً) ش: أي حال كونه رطباً. م: (فإذا جف على الثوب أجزأ فيه الفرك) ش: أي كفى فيه الدلك والحك، وقوله - أجزأ - من الإجزاء، يقال أجزأني الشيء أي كفاني وهي لغة بني تميم، وعن الأزهري: [قال] بعض الفقهاء: أجزى بمعنى قضى، والمعنى على هذا أجزى الفرك عن الغسل أي ناب عنه وأغنى. قلت: الأول مهموز، والثاني ناقص. وقال أبو إسحاق الحافظ: المني اليابس إنما يطهر بالفرك إذا كان رأس الذكر طاهراً وقت خروجه بأن كان بال واستنجى، أما إذا لم يكن طاهراً فلا. وهكذا روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال الفقيه أحمد بن إبراهيم: وعندي أن المني إذا خرج في رأس الإحليل عل سبيل الدفق ولم ينشر على رأسه فإنه يطهر بالفرك، لأن البول الذي هو داخل الإحليل غير معتبر، ومرور المني عليه غير مؤثر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 712 لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «فاغسليه إن كان رطبا وافركيه إن كان يابسا»   [البناية] فأما إذا انتشر المني على رأس الإحليل لا يكتفي بالفرك، فعلى هذا القول إذا بال ولم يتجاوز البول ثقب الإحليل حتى لم يصل رأس الإحليل شيء من البول ثم احتلم يكفي فيه الفرك. قيل: أيضاً إذا كان رأس الإحليل طاهراً وإنما يطهر المضاف بالفرك إذا خرج المذي قبل خروج المني على رأس الإحليل ثم خرج المني لا يطهر الثوب بالفرك إلا أن يقال إنه مغلوب بالمني فيجعل تبعاً له، وروي عن محمد: إن كان المني غليظاً فجف يطهر بالفرك أعلاه، و [أما] أسفله فلا يطهر إلا بالغسل. كذا في " المبسوط ". وفي " فتاوى قاضي خان ": الثوب إذا أصابه المني ويبس وفرك يحكم بطهارته في قولهما، وعن أبي حنيفة روايتان، وأظهرهما أن بالفرك فعل النجاسة تجوز الصلاة فيه. وإذا أصابه الماء يعود نجساً في أظهر الروايتين عن أبي حنيفة، وعندهما لا يعود نجسا، وعن الفضل أن مني المرأة لا يطهر بالفرك لأنه رقيق، وعن محمد: أن المني إذا كان غليظاً فجف يطهر بالفرك، وإن كان رقيقاً لا يطهر إلا بالغسل، وعن محمد: أن المني إذا كان غليظاً فجف يطهر بالفرك، وإن كان رقيقاً لا يطهر إلا بالغسل، والصحيح أنه لا فرق بين مني المرأة ومني الرجل كذا لو نفذ المني إلى البطانة يطهر بالفرك قال المرغناني: هو الصحيح. واختلف المتأخرون في الطار الباقي من الثوب، والصحيح أنه يطهر بالفرك كالأعلى بخلاف لعابة الخف، ذكره في " المبسوط ". وفي " شرح بكر ": أصاب الثوب دم عبيط فجف [فحينئذ] طهر الثوب كالمني. م: «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: "فاغسليه إن كان رطباً وافركيه إن كان يابساً» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ غريب، قال ابن الجوزي في " التحقيق ": والحنفية يحتجون على نجاسة المني بحديث رووه «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - "اغسليه إن كان رطباً وافركيه إن كان يابساً» قال: هذا الحديث لا يعرف، وإنما روي نحوه من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. قلت: عدم المعرفة منه أو من غيره لا يستلزم نفي معرفة غيره مع أن أصل الحديث في الصحاح، وقد روى مسلم والأربعة «من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: كنت أغسل الجنابة من ثوب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه، وقالت أيضاً: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيصلى فيه» . أخرجه مسلم وأبو داود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 713 وقال الشافعي: المني طاهر   [البناية] وروى الدارقطني والبيهقي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: "كنت أغسل المني من ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان رطباً وأفركه إذا كان يابساً» ، ورواه البزار في "مسنده " وقال: لا نعلم أحداً أسنده عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إلا عبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ورواه غيره عن حمزة مرسلاً، ومن الناس من حمل فرك الثوب على غير الثوب الذي يصلى فيه. ورد هذا ما وقع في صحيح مسلم «كنت أفركه من ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيصلي فيه» وعند أبي داود - ويصلي فيه - والفاء ترفع احتمال غسله بعد الفرك، وحمله بعض المالكية على الفرك بالماء، ويرده ما صح أيضاً: لقد رأيتني وإن لأحكه من ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يابساً بظفري. وأما الآثار في ذلك فكثيرة روى ابن أبي شيبة في "مصنفه " سأل رجل عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال إني احتلمت على طنفسة، فقال: إن كان رطباً فاغسله، وإن كان يابساً فاحككه، وإن خفي عليك فارششه [بالماء] . وعن عمر وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنهما يغسلان المني من الثوب، وعن أبي هريرة في المني يصيب الثوب: إن رأيته فاغسله وإلا فاغسل الثوب كله، ورواه الطحاوي، وعن جابر بن سمرة أنه سئل عن الثوب الذي يجامع أهله فيه قال صل فيه إلا أن ترى منه شيئاً فتغسله ولا تنضحه، قال لأن النضح لا يزيل الأثر، وسئل أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن قطيفة أصابها نجاسة لا يدري موضعها قال: اغسلها، وعن الحسن أن المني بمنزلة البول، فهؤلاء الصحابة والتابعون قد غسلوا المني، وأمروا بغسل الثياب منه، وهذا لإزالة النجاسة. م: (وقال الشافعي المني طاهر) ش: هذا نص الشافعي، وحكى صاحب " البيان " وبعض الخراسانيين قولين، ومنهم من قال قولين في مني المرأة فقط، قال النووي: الصواب الجزم بطهارة منيه ومنيها والمسلم والكافر فيه سواء ينجس منيها برطوبة فرجها إن قلنا بنجاستها، كما لو بال الرجل ولم يغسل ذكره، وفي مني غير الآدمي ثلاثة أوجه أحدها: الجميع طاهر إلا مني الكلب والخنزير. الثاني: أن الجميع نجس. الثالث: أن مني ما يؤكل لحمه طاهر وغيره نجس. وأحمد مع الشافعي في أصح قوليه. واحتج الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: "كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم يصلي فيه ولا يغسله» ، رواه الطحاوي وأخرجه البزار [عنها] ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 714 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قالت: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما أغسله، وروى أبو بكر بن خزيمة «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله، وهو يصلي» «وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كانت تحت المني من ثيابه وهو في الصلاة» قال البيهقي: ولو كان المني نجساً لما جازت الصلاة معه، «وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "يسل المني من ثوبه بعرق الإذخر ثم يصلي فيه» رواه أحمد. وعن ابن عباس، قال: «سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المني يصيب الثوب فقال: هو بمنزلة المخاط والبصاق وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة» رواه الدارقطني وقال: ولم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الأترازي في المني عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طاهر لأنه أصل الأنبياء، ولم يذكر له شيئاً غير ذلك من حديث أو أثر. ثم قال في جوابه قلنا: أصل الأعداء أيضاً فنمرود وفرعون وغيرهما. وهذا ليس بشديد، والذي قاله غيره، أن المني أصل البشر والطين خلق منه البشر فكان طاهراً كالطين وأيضاً هو في بني آدم كماء البيض في الطيور وهو خارج من حيوان فكان المني طاهراً كالبيض، وأيضاً أن حرمة الرضاع شبهت بحرمة النسب كاللبن الذي يحصل به الرضاع طاهر، والمني الذي يحصل به النسب أولى لأنه أصل، والرضاع مجلوبة، ومن ذلك قالت المالكية: المني [ ...... ] الشافعية. وقال النووي في " شرح المهذب " أن المني يحل أكله في وجه، فعارضهم فقالوا: الكلب يحلله بعض المالكية. [و] الجواب عن هذه الأشياء فنقول: أما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الذي فيه: ولا يغسله، فقد قال الطحاوي: وليس في هذا عندنا دليل على طهارته، وقد يجوز أن يكون كانت تفعل به هذا فيطهر بذلك الثوب والمني في نفسه نجس. كما قد روي فيما أصاب الفعل من الأذى حيث قال: فطهورهما التراب فكان ذلك التراب يجري في غسلها وليس في ذلك دليل على طهارة الأذى في نفسه فكذلك ما روي في المني على أنه قد روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ما يدل على أن المني كان عندها نجساً وهو ما رواه الطحاوي ثنا ابن أبي داود قال: ثنا منذر قال: ثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن عبد الرحمن بن قاسم عن أبيه عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت في المني إذا أصاب الثوب: إذا رأيته فاغسله وإن لم تره فانضح، وهذا إسناد صحيح. قلت: هذا لا يجري دعوى [الطحاوي] ، لأن الطحاوي بعد أن روى هذا الحديث قال: ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 715 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] في ذلك دليل لأنه لو كان حكمه عندها حكم سائر النجاسات من الغائط والبول والدم لأمرت بغسل الثوب كله، ولما كان الحكم عندها إذا كان موضعه من الثوب غير معلوم النضح، ثبت بذلك أن حكمه كان عندها بخلاف سائر النجاسات. قلت: قد روي في ذلك آثار كثيرة من الصحابة وهي التي ذكرناها عن قريب فكلها تدل على نجاسته كما ذكرنا على أنا نقول أن النضح يأتي بمعنى الصب والغسل، وفي حديث دم الحيض: «تقرصيه بالماء ثم تنضحيه» أي تغسله. فإن قلت: لما اختلفت الأحاديث والآثار في حكم المني لم يدل دليل قطعاً على نجاسته ولا على طهارته. قلت: في مثل ذلك يرجع إلى النظر والقياس، فنقول المني حدث لأنه خارج عن السبيل وكل خارج عن سبيل نجس، فالمني نجس. فإن قلت: إذا ثبت كونه نجساً كان الواجب غسله مطلقاً رطباً كان أو يابساً كسائر النجاسات. قلت: نعم كان القياس يقتضي ذلك، ولكنه ترك، بالأحاديث الواردة بالفرك في يابسه. وأما حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الذي فيه «إنما هو بمنزلة المخاط والبزاق» فالجواب عنه أنه موقوف، ولئن ثبت أنه مرفوع، فإنه يشهد لنا من وجه لأنه أمر بالإماطة، ومطلق الأمر للوجوب، والتشبيه بالبزاق والمخاط يشهد له فسقط الاحتجاج به. وأما الجواب عن كونه أصل البشر فإنه لا ينفي النجاسة كالمضغة والعلقة. وقال النووي: المني يستحيل في الرحم فيصير علقة وهي الدم الغليظ، ففي نجاستها وجهان، قال أبو إسحاق: نجسة، وقال الصيرفي: طاهرة، فإذا استحال بعده وصار قطعة لحم وهي المضغة فالمذهب عندهم القطع بطهارتها كالولد، وقيل فيها الوجهان. فإن قلت: لم يسمع هذا الذي ذكرتم في الجواب ولا يلزم إلزامكم بالعلقة والمضغة قطعاً. قلت: قال أبو إسحاق العراقي: المني يجري من الدماغ بعد نضجه ويصير دماً أحمر في فقار الظهر إلى أن يصل إلى الكليتين فتنضجانه ثم تبعثانه إلى الأنثيين فينضجانه منياً أبيضاً، فإذا كان كذلك ثبت أنه متولد من الدم وهو نجس، والنجس لا ينقلب عندهم طاهراً إلا الماء النجس إذا صار قلتين، والخمر إذا تخللت بنفسها، وذكر الأكمل للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حديث ابن عباس أنه قال: المني كالمخاط فأمطه عنك ولو بإذخرة، لم يحصل جوابه أنه موقوف فلا يصح الاحتجاج به. قلت: يعني عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكان ينبغي أن يستدل بحديث من الأحاديث المرفوعة الصحيحة التي ذكرها، ثم يجيب عنه، فكيف يذكر له أثر وهو لا يقول به؟ وهذا عجيب وقصور ممن يتصدى لترجيح مذهبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 716 والحجة عليه ما رويناه، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنما يغسل الثوب من خمس، وذكر منها: المني»   [البناية] م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (ما رويناه) ش: وهو حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - المذكور، وقال الأكمل: فإن قيل: إذا استدل الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بحديث ونحن بحديث فما وجه قول المصنف والحجة عليه ما رويناه. فالجواب أن وجه ذلك أن حديثه لا يدل عليه، لأن قوله كالمخاط لا يقتضي أن يكون طاهراً لجواز أن يكون التشبيه في اللزوجية وقلة التداخل وطهارته بالفرك والأمر بالإماطة مع كونه للوجوب يستدعي أن يكون نجساً لأن إزالة ما ليس بنجس ليست بواجبة. قلت: هذا السؤال إنما يرد لو كان الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يرى بالأثر المذكور، ويقول به، نعم لو ذكر له حديثاً من الأحاديث كان يتوجه السؤال، وتشبيه ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - له بالمخاط إنما كان في النظر والبشاعة لا في الحكم بدليل ما ذكرنا من أدلة نجاسته، والأمر بالإماطة ليتمكن من غسل محله. م: (وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما يغسل الثوب من خمس وذكر منها المني» ش: هذا دليل آخر عل نجاسة المني، وهذا قطعة من حديث رواه الدارقطني من حديث ثابت بن حماد عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب «عن عمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: مربي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا أسقي راحلة لي في ركوة إذ انتخمت فأصابت نخامتي ثوبي، فأقبلت أغسلها، فقال: "يا عمار ما نخامتك ولا دموعك إلا بمنزلة الماء الذي في ركوتك إنما يغسل الثوب من خمس: من البول، والغائط، والمني، والدم، والقيء» وفي " الأسرار ": الخمر مكان القيء، وجه الاستدلال به ظاهر وهو أنه يدل على نجاسة المني. فإن قالت: الاستدلال به يقتضي غسله رطباً ويابساً، ولستم قائلين به فكان متروكاً. قلت: حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في جواز فرك اليابس، ويحمل هذا على الرطب توفيقاً بين الحديثين، والنخامة بضم النون ما يخرج من الخيشوم. فإن قلت: قال الدارقطني: لم يرو حديث عمار غير ثابت بن حماد وهو ضعيف جداً، ورواه ابن عدي في " الكامل " قال: لا أعلم روى هذا الحديث عن علي بن زيد غير ثابت بن حماد، وله أحاديث في أسانيد الثقات يخالف فيها وهي مناكير ومقلوبات. وقال البيهقي: هذا حديثه باطل، إنما رواه ثابت بن حماد، وهو متهم بالوضع عن علي بن زيد وهو غير محتج به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 717 ولو أصاب المني البدن قال مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يطهر بالفرك لأن البلوى فيه أشد وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يطهر إلا بالغسل، لأن حرارة البدن جاذبة فلا يعود إلا الجرم، والبدن لا يمكن فركه، والنجاسة إذا أصابت المرآة والسيف اكتفي بمسحهما لأنه لا تتداخلهما النجاسة. وما على ظاهره يزول بالمسح   [البناية] قلت: علي بن زيد روى له مسلم مقروناً به، وقال العجلي: لا بأس به، وفي موضع آخر قال: يكتب حديثه، وروى له الحاكم في " المستدرك ". وقال الترمذي: صدوق، وأما ثابت فلم يتهمه أحد بالوضع غير البيهقي مع أنه ذكره في كتابه " المعرفة " ولم ينسبه إلى الوضع، وإنما حكى فيه قول الدارقطني وابن عدي، وقال البزار: وثابت بن حماد: كان ثقة ولا يعرف أنه روى غير هذا الحديث، وله متابع، رواه الطبراني في معجمه الكبير " حدثنا الحسن بن إسحاق التستري ثنا علي بن بحر ثنا إبراهيم بن زكريا العجلي ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد به سنداً ومتناً. فإن قلت: كلمة إنما تخصيص ولا حصر فيها، لأن الغسل يجب في غيرها كالخمر. قلت: غيرها في معناها فيلحق بها كما في قوله: لا قود إلا بالسيف، وقد ألحق الخنجر وغيره لما أنه في معناه. [الحكم لو أصاب المني البدن] م: (ولو أصاب المني البدن قال مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: أراد بهم مشايخ بخارى وسمرقند م: (يطهر بالفرك لأن البلوى فيه أشد) ش: أي لأن البلية في البدن أشد من البلية في الثوب، فلما طهر الثوب بالفرك طهر البدن بطريق الأولى دفعاً للحرج. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ورواه الحسن عنه م: (أنه) ش: أي أن البدن م: (لا يطهر إلا بالغسل) ش: ذكر هذا شمس الأئمة السرخسي في " المبسوط " م: (لأن حرارة البدن جاذبة) ش: تجذب رطوبة المني م: (فلا يعود إلى الجرم) ش: [ ...... ] فلا يزول بالفرك مثل ما يزول في الثوب، لأن المني لزج لا يتداخل أجزاء الثوب منه إلا قليل، فإذا يبس يجذبه إلى نفسه فإذا فرك زال بالكلية. فإن بقي بقي منه قليل وإنه ممنوع بخلاف رطبه لأنه لم يوجد فيه الجذب كذا في " جامع الكردري " م: (والبدن لا يمكن فركه) ش: لأنه متعذر فاحتيج إلى الماء لاستخراجه. [النجاسة إذا أصابت المرآة والسيف] م: (والنجاسة إذا أصابت المرآة والسيف اكتفي بمسحهما لأنه لا تتداخلهما النجاسة) ش: لصقل تام لأنه صقيل بل بقي على ظاهره م: (وما على ظاهره يزول بالمسح) ش: ولا يبقى إلا القليل، وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 718 وإن أصابت الأرض النجاسة فجفت بالشمس وذهب أثرها جازت الصلاة على مكانها.   [البناية] غير معتبر، ولا فرق بين الرطب واليابس والعذرة والبول، ذكره الكرخي في "مختصره ". وذكر في الأصل: أن السيف والسكين إذا أصابه بول أو دم لا يطهر إلا بالغسل، وإن أصابه عذرة إن كانت رطبة فكذلك، وإن كانت يابسة طهرت بالحت عندهما، وبه قال مالك، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يطهر إلا بالغسل، وبه قال زفر والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - والإمام مالك، وقال الأترازي قال شيخي برهان الدين الحريفعي: إنما وضع المسألة في المرآة والسيف احترازاً عن الحديد الذي عليه الجار بأنه لا يطهر إلا بالغسل. قلت: ذكر في " البدرية " و " الذخيرة " و " المنافع ": خصهما بالذكر لكونهما مصقولين ولا مدخل للشرب فيهما حتى لو كانت قطعة غير مصقولة وأصابتها نجاسة لا يكتفي بمسحها، وفي " جامع الكردري ": الشرط أن يمسح مخففاً من غير مشقة للرطوبة، وعن أبي القاسم: ذبح شاة ومسح السكين على صوفها أو ما يزيل تطهر. وفي " الحلية ": ذكر القاضي حسين: لو سقى السكين بماء نجس ثم غسل يطهر ظاهره دون باطنه، والحد في تطهيره أن يسقيه بماء طاهر مرة أخرى، ومجرد الغسل يكفي في تطهير الذهب والفضة وزبر الحديد وهذا عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعند أبي يوسف يمر السكين بالماء الطاهر ثلاثاً ويجفف في كل مرة. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يطهر أبداً، وفي " الإيضاح ": السيف يطهر بالمسح، لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا يقتلون الكفار بسيوفهم ثم يمسحونها ويصلون معها، ولأن الغسل يفسدها فكان في تركها ضرورة. وفي " الفتاوى " أيضاً: وكذا لو لحس السكين بلسانه حتى ذهب أثر الدم طهر. وعند أبي يوسف: السيف إذا أصابه دم أو عذرة فمسحه بخرقة أو تراب حتى لو قطع به بطيخة أو غيره كان طاهراً وأباح أكله. وفي " المبسوط ": وسكين القصاب تطهر بالمسح بالتراب. وفي " المحيط " و" القنية ": ما دامت النجاسة رطبة لا تطهر إلا بالغسل، فإن جفت أو جففها بالمسح بالتراب أو غيره تطهر بالحت أو تطهر بالمسح. [كيفية تطهير الأرض التي أصابتها نجاسة] م: (وإن أصابت الأرض النجاسة فجفت بالشمس وذهب أثرها) ش: قيد الجفاف بالشمس وقع اتفاقاً، لأن الغالب جفاف الأرض بالشمس، وليس باحتراز على الجفاف بأمر آخر، لأن الأرض إذا جفت بالنار أو بالريح م: (جازت الصلاة على مكانها) ش: أي مكان النجاسة التي جفت، وهذا الكلام يشير إلى أنه لا يجوز التيمم به وهو ظاهر الرواية. وروى ابن طاوس والنخعي عن أصحابنا أنه يجوز التيمم به لأنه حكم بطهارته كذا في " المبسوط "، ومذهب علمائنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 719 وقال زفر والشافعي - رحمهما الله - لا تجوز لأن لم يوجد المزيل. ولهذا لا يجوز التيمم بها، ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «زكاة الأرض يبسها»   [البناية] الثلاثة وهو قول أبي قلابة والحسن البصري ومحمد بن الحنفية. وقال النووي: إذا جف لا بأس بالصلاة عليه. م: (وقال زفر والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجوز) ش: وبه قال مالك وأحمد، وللشافعي قولان في القديم، وفي " الإملاء ": يطهر، وفي " الأم ": لا يطهر، وقيل: القطع بأنها تطهر، والقولان فيما إذا لم يبق للنجاسة طعم ولا ريح ولا لون، وعند أحمد: لا يطهر، وقال إمام الحرمين: إنهم أطردوا القولين في الثوب كالأرض، وهل يطهر الثوب بالجفاف. وفي الظل وجهان ذلك كله للنووي في " شرح المهذب ". واختلفوا في الشجر، والكلام [معناه أنه] ما دام قائماً على الأرض يطهر بالجفاف وبعد القطع لا يطهر إلا بالغسل م: (لأنه لم يوجد المزيل) ش: للنجاسة إذا أصابت فلا يطهر م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عدم المزيل م: (لا يجوز التيمم بها) ش: أي بمكان النجاسة التي أصابت وجفت. م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «زكاة الأرض يبسها» ش: هذا لم يرفعه أحد إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما هو مروي عن أبي جعفر محمد بن علي أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " عنه، قال: "زكاة الأرض يبسها "، وأخرج عن ابن الحنفية وأبي قلابة قال: "إذا جفت الأرض فقد زكت". وروى عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا معمر عن أيوب عن أبي قلابة، قال: "جفوف الأرض طهورها "، في " الأسرار ": الحديث المذكور موقوف على عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وقال صاحب " الدراية ": هذا الحديث لم يوجد في كتب الحديث، وهذا لا أصل له لأنه [لم] يثبت بنقل العدل أو يكون ذلك النقل بالمعنى عند من جوزه. وقال الأكمل: ولقائل أن يقول: معناهما واحد فيجوز أن يكون نقلاً بالمعنى فيكون مرفوعاً. قلت: إنما يجوز نقل الحديث بالمعنى عند من يجوزه إذا كان حديثان معناهما واحد، وكيف يقال فيكون مرفوعاً والمنقول عنه لم يعرف، ولكن يقال: محمد بن الحنفية الذي انتصب مفتياً في زمان الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تقلد عنه بعض مشايخنا كذا في " التقويم ". وعند ابن إسحاق [ ...... ] ثم يروي في كتاب " طبقات الفقهاء " عن محمد بن الحنفية من فقهاء التابعين بالمدينة. وقال فيه: روي عن محمد بن الحنفية أنه قال: الحسن والحسين خير مني وأنا أعلم بحديث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 720 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أبي منهما، وذلك لأن الصحابة لما قرروه على الفتوى منهم صار كواحد منهم [ ... ] ، كما إذا فعل فعل بين يدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسكت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما روي عنه أن زكاة الأرض يبسها ولم يرو عن غيره خلافه حل محل الإجماع ولا سيما وقد وافقه أبو جعفر محمد بن علي وأبو قلابة وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ومحمد بن الحنفية مات سنة ثمانين. وقيل: سنة إحدى وثمانين وهو ابن خمس وستين سنة. ولد في خلافة أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ومع هذا استدل أكثر أصحابنا في هذه المسألة بما رواه أبو داود عن أحمد بن صالح قال: حدثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: حدثني حمزة بن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كنت أبيت في المسجد على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكنت فتى شاباً، عزباً، فكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك، وأخرجه أيضاً أبو بكر بن خزيمة في "صحيحه ". فإن قلت: قال الخطابي: يتأول على أنها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها وتقبل وتدبر في المسجد [ ...... ] وإنما كان إقبالها وإدبارها في أوقات نادرة، ولم يكن على المسجد أبواب حتى تمنع عن عبورها فيه. قلت: هذا تأويل بعيد جداً، لأن قوله في المسجد ليس ظرفاً لقوله: تقبل وتدبر، بل إنما هو ظرف لقوله: تبول وتقبل وتدبر، كلها وأيضاً قوله: يكونوا يرشون شيئاً من ذلك، يمنع التأويل لأنها كانت تبول في موطنها ما كان يحتاج إلى ذكر الرش وغيره إذ لا فائدة فيه. وأبو داود بوب على هذا بقوله: باب طهور الأرض إذا يبست، فهذا أيضاً يرد عليه هذا التأويل الظاهر أنها كانت تبول في المسجد، ولكنها تنشف فتطهر فلا يحتاج إلى رش الماء، وإنما حمل الخطابي على هاذ التأويل الفاسدة منعه هذا الحديث أن لا يكون حجة للحنفية عليهم. فإن قلت: احتجوا علينا بما رواه مسلم «عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مه مه، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تزرموه" فتركوه حتى بال، ثم أمر رجلاً فدعا بدلو من ماء فسنه عليه» . وأخرجه البخاري أيضاً ولفظه: «فبال في طائفة من المسجد فزجره الناس فنهاهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما قضى بوله، أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذنوب من ماء فأهريق عليه» . وأخرجه النسائي وابن ماجه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أيضاً. قوله: مه، أمر فعل من مونة، ومعناه اكفف، [و] مه الثاني تأكيد له. وقوله: لا تزرموه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 721 وإنما لا يجوز التيمم لأن طهارة الصعيد ثبتت شرطًا بنص الكتاب فلا تتأدى بما ثبت بالحديث   [البناية] بتقديم الزاي على الراء المهملة أي لا تقطعوا عليه بوله. فسنه بالسين المهملة، ويروى بالمعجمة، فمعنى الأول الصب المتصل، ومعنى الثاني: الصب المنقطع، قوله: في طائفة من المسجد أي قطعة منه، والذنوب بفتح الذال المعجمة الدلو الكبير، وقيل: لا يسمى ذنوباً إلا إذا كان فيه ماء. قلت: نحن ما تركنا العمل، ونحن نقول أيضاً بصب الماء إذا كانت الأرض رخوة حتى ينتقل منها، فإذا لم يبق على وجهها شيء من النجاسة وانتقل الماء يحكم بطهارتها ولا يعتبر فيه العدد، فإن كانت الأرض صلبة، أو كانت صعبة الحفر [حفر] في أسفلها حفيرة ويصب عليها ثلاث مرات، وينقل [التراب] إلى الحفيرة حتى تيبس الحفيرة، وإن كانت مستوية بحيث لا يزول عنها الماء لا يغسل لعدم الفائدة بل يحفر. وعند أبي حنيفة لا تحفر الأرض حتى تجف الأرض إلى الموضع الذي وصلت إليه النداوة، وينقل التراب. ودليلنا على الحفر ما رواه الدارقطني بإسناده إلى عبد الله بن الزبير قال: «جاء أعرابي فبال في المسجد، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكانه فاحتفر فصب عليه دلو من ماء» وما رواه عبد الرزاق في "مصنفه " عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس: قال: «بال أعرابي في المسجد فأرادوا أن يضربوه، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "احفروا مكانه واطرحوا عليه من ماء علموا ويسروا ولا تعسروا» ". فإن قلت: الأول مرفوع ضعيف لأن في إسناده سمعان بن مالك ليس بالقوي، وقال ابن خراش مجهول. والثاني مرسل وتركتم الحديث الصحيح. قلت: لا نسلم ذلك فإنا قد عملنا بالكل، فعملنا بالصحيح كما إذا كانت الأرض صلبة، وعملنا بالضعيف على زعمكم فيما إذا كانت الأرض رخوة، والعمل بالكل أولى من العمل بالبعض والإجمال بالبعض. فإن قلت: كيف تحملون الأرض فيه على الصلب، وقد ورد الأمر بالحفر يدل على أنها كانت رخوة. قلت: يحتمل أن يكون يصبان في الواحدة كانت الأرض صلبة وفي الأخرى كانت رخوة. م: (وإنما لا يجوز التيمم، لأن طهارة الصعيد ثبتت شرطاً بنص الكتاب فلا تتأدى بما ثبت بالحديث) ش: هذا جواب عن قول زفر والشافعي ولهذا لا يجوز التيمم به، تقرير الجواب أن طهارة الصعيد الذي هو وجه الأرض تثبت ببعض الكتاب وهو قَوْله تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] (النساء: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 722 وقدر الدرهم   [البناية] الآية 43) . فلا يتأدى بما ثبت بخبر الواحد، كما لا يجوز التوجه إلى الحطيم. وإن كان ورد فيه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحطيم من البيت» ولأن التيمم قائم مقام الوصف، فلما كان قليل النجاسة مانعاً بلا خلو صار مانعاً للخلو بطريق الأولى، والمراد من النص عبارة الكتاب فلا يعارض ما ثبت بخبر الواحد، بخلاف اشتراطه طهارة، فإن ذلك ثبت بدلالة النص فحينئذ يعارض بما ثبت بخبر الواحد، لأن العبارة فوق الدلالة. فإن قلت: الثابت بها قطعي كالثابت بالعبارة فكيف يجوز معارضة خبر الواحد للدلالة. قلت: النص الوارد في طهارة المكان مخصوص، لأنه خص من النجاسة القليلة بالإجماع فعارضه خبر الواحد بخلاف النص الوارد في التيمم قطعي بلا معارضة خبر الواحد. وقال الأكمل: فإن قلت: أليس قد تقدم أن طهارة المكان ثبتت بدلالة قَوْله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] والثابت بالدلالة كالثابت بالعبارة في كونه قطعياً حتى ثبت الحد والكفارات بدلالة النصوص فوجب أن لا تجوز الصلاة عليها كما يجوز التيمم بها. أجيب بأن الآية هنا ظنية، لأن المفسرين اختلفوا في تفسيرها، فقيل: المراد به تطهير الثوب، وقيل: تقصيره للمنع عن التكبر والخيلاء، فإن العرب كانوا يجرون أذيالهم تكبرا، وقيل المراد تطهير النفوس عن المعائب. والأخلاق الرديئة، وإذا كان كذلك كان ظني الدلالة ولهذا لا يكفر من أنكر اشتراط طهارة الثوب وهو خطأ، وتكون الدلالة لذلك. قلت: لا يوافق معنى الآية هاهنا، لأن من فسر بتطهير الثوب وهو الذي تقتضيه اللغة وبقية التفاسير لا تساعدها اللغة بل فيها تفسير أهل التصوف، فكيف يكون هذا ظني الدلالة، وكل واحد من هذه المعاني خلاف المعنى اللغوي غير قطعي، فكيف يصير القطعي بهذا ظنياً. والجواب السديد أن يقال: خص من هذه الآية غير حالة الصلاة والنجاسة القليلة والثياب التي أعدت للدخول والبروز وإعمام المخصوص ظني فيجوز تخصيصه بخبر الواحد. فإن قلت: النص لا عموم له في الأحوال، لأنها غير داخلة فيه وإنما يثبت ضرورة ولا عموم لما ثبت في الضرورة والخصوص يستدعي بسبق العموم. قلت: لا عموم له في الأحوال لأنه لما قال: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] (المدثر: الآية 4) تناول تطهير الثياب في كل حالة يلحقها الخصوص بعد ذلك فصارت ظنية الدلالة فافهم. [ما يعفى عنه من النجاسات] م: (وقدر الدرهم) ش: كلام إضافي مبتدأ وخبره يأتي، والمراد به الدرهم الشهليلي نسبة إلى موضع يسمى الشهليل، وفي " المغرب ": الشهليلي من الدراهم: مقدار عرض الكف، وفي " المحيط ": الدرهم ما يكون مثل عرض الكف، وفي "صلاة الأحد": الدرهم الكبير المثقال، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 723 وما دونه من النجس المغلظ كالدم والبول والخمر وخرء الدجاج وبول الحمار جازت الصلاة معه، وإن زاد لم تجز. وقال زفر والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قليل النجاسة وكثيرها سواء   [البناية] ومعناه ما يبلغ وزنه مثقالاً، وفي بعض الكتب: قدره بالدرهم البغلي. وعند السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعتبر بدرهم زمانه، وفي " الأسرار ": دون الدرهم لا يمنع جواز الصلاة لكن تكره الصلاة معها م: (وما دونه) ش: أي ما دون قدر الدرهم وهذا الخبر لا يخفى م: (من النجس المغلظ) ش: كلمة من للبيان. م: (كالدم والبول والخمر وخرء الدجاج وبول الحمار) ش: وخرء الحية وبولها ومرارة كل شيء كبوله م: (جازت الصلاة معه) ش: جازت الصلاة جملة فعلية في محل الرفع على أنها خبر المبتدأ، لا عن قوله: وقدر الدرهم، قوله: معه، أي مع قدر الدرهم وما دونه م: (وإن زاد لم تجز) ش: يعني: وإن زاد النجس المغلظ على قدر الدرهم لم تجز صلاته. م: (وقال زفر والشافعي: قليل النجاسة وكثيرها سواء) ش: وفي " المبسوط ": وقال الشافعي: إذا كانت النجاسة بحيث يقع البصر عليها يمنعه، وفي " الحلية ": النجاسة دم وغير دم، فغير الدم إذا لم يدركه البصر فيه ثلاثة طرق: أحدها: يعفى، والثاني: لا يعفى، والثالث: قولان: أما الدم فيعفى عن القليل من دم البراغيث والكثير فيه وجهان: أصحهما أنه يعفى عنه. وقال الإصطخري: لا يعفى، وفي دم غيرها ثلاثة أقوال، أصحها: أنه يعفى عن المقدار الذي يتعافاه الناس بينهم. والثاني: لا يعفى عن شيء منه، وفي القديم: يعفى عما دون الكف، وعن مالك: يعفى عن يسير الدم ولا يعفى عما تفاحش، وغيره في دم الحيض روايتان، إحداهما: أنه كغيره، والثانية: أنه يستوي فيه قليله وكثيره. وحكي عن أحمد أنه قال: الكثير ما تفاحش وحكي عنه أيضاً أنه يعفى عن النقطة والنقطتين، واختلف عنه فيما بين ذلك. وقال النووي: اتفق أصحابنا أنه يعفى عن قليل الدم، وفي كثيره وجهان مشهوران، أحدهما: قاله الإصطخري: لا يعفى عنه، وأصحهما باتفاق الأصحاب يعفى عنه، وهو قول ابن شريح وأبي إسحاق وسائر أصحبانا، والقليل ما يعفوه الناس أي عدوه عفواً، والكثير ما غلب على الثوب وطبعه، وقيل في القليل قدر ما دون الكف، وفي الجديد وجهان: أحدهما: الكثير ما يظهر للناظر من غير تأمل، والقليل دونه وأصحهما الرجوع إلى العادة، وهذه الأقاويل في دم غيره، وأما في دم نفسه فضربان: أحدهما: ما يخرج من بثره فله حكم دم البراغيث بالاتفاق، والثاني: ما يخرج من الفصد ففيه طريقان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 724 لأن النص الموجب للتطهير لم يفصل، ولنا أن القليل لا يمكن التحرز عنه فيجعل عفوا، وقدرناه بقدر الدرهم أخذا عن موضع الاستنجاء   [البناية] م: (لأن النص الموجب للتطهير) ش: النص هو قَوْله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] (المدثر: الآية 4) ، وغيره من الأحاديث م: (لم يفصل) ش: بين القليل والكثير، إلا أن الشافعي ومن معه لم يعتبروا إلا ما تراه العين لعدم إمكان الاحتراز عنه. م: (ولنا أن القليل لا يمكن التحرز عنه فيجعل عفواً) ش: إجماعاً لأن ما عمت بليته سقطت قضيته. وأما الحدث فإنه لا يتجزأ ولا حرج في تكليف إزالته م: (وقدرناه) ش: أي القليل الذي هو خلاف الكثير م: (بقدر الدرهم) ش: المثقالي إن كان النجس ذا جرم وقدر عرض الكف إن كان مائعاً على ما يأتي م: (أخذا عن موضع الاستنجاء) ش: أخذاً منصوب، لأنه مفعول مطلق، قال الأكمل: مفعول مطلق من قدرناه، لأن فيه معنى الأخذ، قلت: الأحسن أن يقول: تقديره وقدرناه حال كوننا آخذين أخذاً في موضع الاستنجاء، والمراد من مواضع الاستنجاء موضع خروج الحدث، روي عن إبراهيم النخعي أرادوا أن يقولوا مقدار المقعد، واستقبحوا ذلك فقالوا مقدار الدرهم. فإن قلت: النص، وهو قَوْله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] (المدثر: الآية 4) ، لم يفصل بين القليل والكثير فلا يعفى عن القليل، قلت: القليل غير مراد منه بالإجماع، بدليل عفو موضع الاستنجاء فيتعين الكثير. وأجاب بعضهم بما روي عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال في الدم إذا كان أكثر من قدر الدرهم أعاد الصلاة، فشرط إعادتها في الزيادة على قدر الدرهم. قلت: هذا الحديث أخرجه الدارقطني في "سننه " عن روح بن غطيف عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم» . وفي لفظ: «إذا كان في الثوب قدر الدرهم غسل الثوب وأعيدت الصلاة» . وقال البخاري: هذا حديث باطل، وروح هذا منكر الحديث. وقال ابن حبان: هذا حديث موضوع لا شك فيه، لم يقله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكن اخترعه عنه أهل الكوفة وكان روح ابن غطيف يروي الموضوعات عن الثقات. ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " من طريق نوح بن أبي مريم عن يزيد الهاشمي، وأغلط في نوح بن أبي مريم. وروى البيهقي عن ابن عمر: أنه رأى دماً في ثوبه وعليه ثياب فرمى بالثوب الذي فيه الدم وأقبل على صلاته، وروي عن القاسم بن محمد أنه رأى دماً في ثوبه وهو في الصلاة فخلعه ولم يستقبل، فدل على أن منع الدم دون القليل منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 725 ثم يروى اعتبار الدرهم من حيث المساحة وهو قدر عرض الكف في الصحيح، ويروى من حيث الوزن وهو الدرهم الكبير المثقال وهو ما يبلغ وزنه مثقالا   [البناية] وذكر في " الأسرار " عن علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنهما قدرا النجاسة بالدرهم. وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كساء فقال رجل: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذه لمعة من دم، فقبض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ما يليها، فبعث بها إلي مصرورة في يد الغلام فقال: "اغسلي هذه ولم يعد صلاته» " فدل على أن القليل من النجاسة محتمل، وأمر بغسلها لأنه يستحسن إزالة القليل منها وإيضاعه بنظر الدم. وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قدرها بظفره، قال في " المحيط ": وكان ظفره قريباً من كفنا، فدل على أن ما دونه لا يمنع، قال: وقول عمر يبطل قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في منع التقدير. م: (ثم يروى اعتبار الدرهم من حيث المساحة) ش: أشار بهذا إلى بيان اختلاف عبارات عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في اعتبار الدرهم، فروي عن محمد أن اعتباره بالمساحة م: (وهو قدر عرض الكف) ش: أي ما وراء مفاصل الأصابع، وهذا الاعتبار يروى عن الكرخي عن محمد م: (في الصحيح) ش: أشار به إلى أن هذا الاعتبار هو الصحيح ذكره محمد في " النوادر "، وقال: الدرهم الكبير هو ما يكن مثل عرض الكف. م: (ويروى من حيث الوزن وهو الدرهم الكبير المثقال) ش: أي اعتبار الوزن في الدرهم، هو الدرهم الكبير المثقال، ذكر هذا عن محمد أنه ذكره في كتاب " الصلاة " إلى اعتبار الدرهم الكبير المثقال. قال الأترازي: وقوله: الكبير المثقال يجوز برفع اللام على أنه صفة بعد صفة، أي الدرهم الموصوف بأنه مثقال، ويجوز بجر اللام للإضافة كما في الحسن الوجه، فافهم. و [قال] بعض المتقلدين الفقه في الدين: الأحسن لم [ ... ] ،، ومن لا يعلم الإعراب يظن أن المثقال لا يجوز جره لأنه يلزم حينئذ دخول اللام في المضاف ولهذا [ذلك] إلا من سوء فهمه وقلة علمه وعدم إدراكه؛ لأن الإضافة اللفظية يجوز فيها دخول اللام في المضاف م: (وهو ما يبلغ وزنه مثقالاً) ش: أي الدرهم الكبير هو الذي يبلغ وزنه مثقالاً وانتصاب مثقالاً على أنه مفعول يبلغ ومعناه ما يصل إليه كما في قولك: بلغت لمكان كذا، معناه: وصلت إليه، وكذلك إذا شارفت عليه، ومنه قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234] (البقرة: الآية 234) ، أي قاربنه وشارفن عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 726 وقيل في التوفيق بينهما أن الأولى في الرقيق والثاني في الكثيف، وإنما كانت نجاسة هذه الأشياء مغلظة لأنها ثبتت بدليل مقطوع به   [البناية] م: (وقيل) ش: قائله أبو جعفر الهندواني م: (في التوفيق بينهما) ش: أي بين الروايتين المذكورتين م: (أن الأولى في الرقيق) ش: أي أن الرواية الأولى وهي اعتبار الدرهم من حيث المساحة في النجس الرطب والمائع م: (والثانية في الكثيف) ش: أي: والرواية الثانية، وهي اعتبار الوزن في النجس [في] المسجد كالعذرة، وهو الصحيح نص عليه في " المحيط "، لأن التقدير بالعرض في المسجد قبيح. وفي جامع " الكردري " وهو المختار في " المبسوط " و " الخلاصة " الدرهم يكون من القدر المعروف في البلد، وأما النقود المنقطع عملها كالبشهيلي وغيره، قيل: يعتبر، وهو ضعيف. م: (وإنما كانت نجاسة هذه الأشياء) ش: يعني الأشياء المذكورة كالدم والبول والخمر ونحوها م: (مغلظة) ش: يعني موصوفة بالتغليظ م: (لأنها) ش: أي لأن هذه الأشياء أي نجاستها م: (ثبتت بدليل مقطوع فيه) ش: أي بنص وارد فيه بلا معارضة نص آخر كالخمر مثلاً، فإن نجاسته بنص القرآن لقوله (رجس) أي نجس ولم يعارضه نص آخر. فإن قلت: لا يظهر من الآية دلالة ظاهرة على نجاسة الخمر، لأن الرجس عند أهل اللغة القذر، ولا يلزم ذلك النجاسة. وكذا الأمر الوارد بالاجتناب لا يلزمه فيه النجاسة. قلت: لما رمى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالروثة وقال: "إنها رجس، أو ركس) دل على أن الرجس النجس. فإن قلت: حكي عن ربيعة وداود أنهما قالا: الخمر طاهرة فأقل [ ... ] أن يكون نجساً مخففاً. قلت: نقل أبو جسامة الإجماع على نجاستها وأراد بها النجاسة المغلظة. فإن قلت: يلزم بما ذكرت أن يكون ما عطف على الخمر في الآية نجساً. قلت: القران في النظم لا يوجب القران في الحكم، ويكون المراد من قوله بدليل مقطوع به الإجماع، كالدم مثلاً فإنه حرمه فأشبه بنص القرآن، ونجاسته مجمع عليها بلا خلاف وهو حجة قطعية. والمراد من الدم: الدم المسفوح، وفي " الجنازية ": والمراد بكونه قطعياً أن يكون سالماً عن الأسباب الموجبة للتخفيف من معارض النصين، [ ... ] الاجتهاد والضرورات المحققة. قلت: لا يلزم منه سلامته عما ذكر أن يكون مقطوعاً به، لأن خبر الواحد السالم عن ذلك لا يكون الحكم الثابت به وحده متطوعاً به، وعلى هذا الأصل الاختلاف بين أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 727 وإن كان مخففا كبول ما يؤكل لحمه جازت   [البناية] وصاحبيه، فإن التغليظ عند أبي حنيفة يثبته بنص، فعلى نجاسته من غير معارضة نص آخر في طهارته، والتخفيف يثبت بتعارض النصين، وعندهما التغليظ يثبت بما وقع الإجماع على نجاسته، والتخفيف بما وقع الاختلاف. وفائدة الخلاف تظهر في مثل الروث، فعنده نجس مغلظ لحديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليلة الجن، ولم يعارضه غيره، وعندهما: مخفف لأنه عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - طاهر، ومن الأشياء المذكورة فيما مضى البول وهو على أنواع أربعة: الأول: بول الآدمي الكبير فحكمه أنه نجس مغلظ بإجماع المسلمين من أهل الحل والعقد، وابن المنذر نقل الإجماع عن أصحابنا وأصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. الثاني: بول الصبي الذي لم يطعم فكذلك عند جميع أهل العلم قاطبة إلا ما نقل عن داود الظاهري بطهارتها ولا يعتبر خلافه، وعند الشافعي نجاسة خفيفة، وقال الأوزاعي: لا بأس ببول الصبي ما دام يشرب اللبن ولا يأكل الطعام، وهو قول عبد الله بن وهب صاحب الإمام مالك، واحتجوا في ذلك بأحاديث منها: ما رواه البخاري ومسلم واللفظ له عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم، فأتي بصبي فبال عليه فدعى بماء فأتبعه بوله ولم يغسله» . قلنا: لم يغسله محمول على نفي المبالغة فيه، وما ورد في الأحاديث من النضح المراد به الصب، وقال في " المعلم في شرح صحيح مسلم ": بال في ثوبه - عائد إلى الصبي - وهو في حجره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على ثوب نفسه فنضح ثوبه خوفاً من أن يكون طار منه على ثوبه، وهو بعيد، لأن الآثار جاءت صريحة بأن المراد به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. والثالث: بول الحيوان الذي لا يؤكل لحمه، فحكمه أنه نجس مغلظ عندنا، وعند الشافعي وعند الإمام مالك والفقهاء كافة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "استنزهوا" وحكي عن النخعي طهارته، وهو مردود، وحكى ابن حزم الظاهري عن داود: أن الأبوال كلها والأرواث كلها طاهرة من كل حيوان إلا الآدمي، وهذا في نهاية الفساد. والرابع: بول الحيوان الذي يؤكل لحمه فحكمه أنه نجس عند أبي حنيفة وأبي يوسف والشافعي وغيرهم - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - على ما يأتي تفصيله في "النجاسة". وقال مالك وعطاء والثوري والنخعي وزفر وأحمد: بوله وروثه طاهران، واختاره الروياني وابن خزيمة من أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هكذا حكاه النووي، والصواب في مذهب زفر: أن روثه نجس مخفف كمذهب أبي يوسف ومحمد، وعند محمد والليث بوله طاهر وروثه. م: (وإن كان) ش: النجس م: (مخففاً كبول ما يؤكل لحمه) ش: كالإبل والبقر والغنم م: (جازت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 728 الصلاة معه حتى يبلغ ربع الثوب، يروى ذلك عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن التقدير فيه بالكثير الفاحش والربع يلحق بالكل في بعض الأحكام، وعنه ربع أدنى ثوب تجوز فيه الصلاة كالمئزر، وقيل: ربع الموضع الذي أصابه كالذيل والدخريص، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - شبر في شبر   [البناية] الصلاة معه حتى يبلغ ربع الثوب) ش: أي إلى أن يبلغ النجس المخفف ربع الثوب م: (يروى ذلك عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي يروى جواز الصلاة مع النجس المخفف ما لم يبلغ ربع الثوب، رواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (لأن التقدير فيه) ش: أي في النجس المخفف م: (بالكثير الفاحش) ش: في منع الصلاة، وذلك لأن الكثير ما يستكثره الناظر ويستفحشه م: (والربع يلحق بالكل في بعض الأحكام) ش: كمسح الرأس وانكشاف العورة، وفي حق المحرم وغيرها. م: (وعنه) ش: أي عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (ربع أدنى ثوب تجوز فيه الصلاة كالمئزر) ش: لأنه أقصر الثياب، وفيه الاحتياط، ويقرب منه ما قال أبو بكر الرازي: يعتبر السراويل احتياطاً م: (وقيل ربع الموضع الذي أصابه كالذبل والدخريص) ش: قال في " المحيط ": وهو الأصح، وكذا قال في " التحفة ". م: (وعن أبي يوسف: شبر في شبر) ش: أي شبر طولاً، وشبر عرضاً، أخذا في باطن الخفين يعني ما يلي الأرض من الخف، فإن باطنهما يبلغ شبراً في شبر، فيجوز تقديم الكثير الفاحش به، وعن محمد: مقدار القدمين يعني قدم في قدم، قاله في " شرح الطحاوي "، وعن أبي يوسف: ذراع في ذراع ذكره في " المفيد ". وفي " الذخيرة ": ما روى إبراهيم عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الكثير الفاحش في الخف [ ... ] ، وإنما خص الخف والقدمين لاستدامة الضرورة في ذلك، لاسيما في حق [ ] . وفي " المبسوط ": روي عن محمد: أن الروث لا يمنع إن كان كثيراً فاحشاً، وقال في آخر أقواله: يمنع حتى كان بالري مع الخليفة هارون الرشيد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فرأى في الطرق والخانات الأرواث، وللناس فيها بلوى عظيمة، وقال: سواء عليها طين بخارى، وإنما خصها لأن شني الناس والدواب يختلط فيها مثل ديار مصر، بخلاف المدائن وغيرها في أزقها يمشي على حدة ابن آدم، فإن البلوى فيها أقل. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه كره أن يحد لذلك حداً، وقال: الفاحش يختلف باختلاف طباع الناس، [و] توقف الأمر فيه على العادة وما يستفحشه المتبلى به كما هو دأبه. م: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 729 وإنما كان مخففا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - لمكان الاختلاف في نجاسته أو لتعارض النصين على اختلاف الأصلين، وإذا أصاب الثوب من الروث أو من أخثاء البقر أكثر من قدر الدرهم لم تجز الصلاة فيه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن النص الوارد في نجاسته وهو ما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رمى بالروثة وقال هذا رجس أو»   [البناية] (وإنما كان) ش: يعني بول ما يؤكل لحمه م: (مخففاً عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف لمكان الاختلاف في نجاسته) ش: على أصل أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن تخفيفها عنده إنما ينشأ من سوغ الاجتهاد م: (أو لتعارض النصين) ش: على أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهاهنا حديث الاستنزاه من البول وحديث العرنيين، فإن تخفيفها عنده ينشأ من تعارض النصين م: (على اختلاف الأصلين) ش: أي أصل أبي يوسف وأصل أبي حنيفة في بول ما يؤكل لحمه تعارض النصين، وأصل أبي يوسف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اختلاف العلماء وكل منهما على أصله في تخفيف بول ما يؤكل لحمه. فإن قلت: أصل محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضاً مثل أصل أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلم لم يذكر محمداً معه؟ قلت: لأن الكلام في بول ما يؤكل لحمه وهو ليس بنجس عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فكان أصل أبي يوسف وحده في هذه المسائل، فلذلك لم يذكره معه، وقال السغناقي: وإنما أخر أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رعاية لفواصل الألفاظ، فإنها ما تراعى، ألا ترى أن الله تعالى أخر خلق السموات عن خلق الأرض في سورة طه في قوله: {تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا} [طه: 4] وفي غيرها استمر ذلك، وذكر خلق السموات فتدخل الأرض نحو: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأنعام: 1] (الأنعام: الآية 1) وغير ذلك من الآيات. وقال الأكمل: وأرى أن تقديمه ما كان ينافي ذلك، ولعله من باب الترقي. قلت: هذا الذي ذكره إنما يراعى في كلام الفصحاء البلغاء ولا يراعى ذلك في عبارات الفقهاء، بل هم مسامحون في عباراتهم بذكر ألفاظ مخالفة لقواعد الصرف واصطلاحات النحاة، [ ...... ] على ذلك في مواضع من الكتاب إن شاء الله تعالى. [حكم الروث أو أخثاء البقر] م: (وإذا أصاب الثوب من الروث أو من أخثاء البقر) ش: والأخثاء جمع خثي بكسر الخاء المعجمة وسكون المثلثة. قال الجوهري: الخثي للبقر. قلت: ولكل حيوان ذو ظلف، والخثي بالفتح مصدر خثي البقر يخثي خثياً من باب ضرب يضرب ضرباً م: (أكثر من قدر الدرهم لم تجز الصلاة فيه عند أبي حنيفة لأن النص الوارد في نجاسته) ش: أي نجاسة الخثي م: (وهو) ش: أي النص م: (ما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رمى بالروثة وقال: هذا رجس أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 730 ركس لم يعارضه غيره ولهذا يثبت التغليظ عنده والتخفيف بالتعارض، وقالا يجزئه حتى يفحش، لأن للاجتهاد فيه مساغا وبهذا يثبت التخفيف عندهما، ولأن فيه ضرورة لامتلاء الطرق بها وهي مؤثرة في التخفيف، بخلاف بول الحمار،   [البناية] ركس» ش: الحديث أخرجه البخاري، وتمامه عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى الغائط فأمرني أن آتيه بثلاث أحجار فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجد، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: "هذا ركس» . ورواه ابن ماجه وقال: "هذا رجس" بالجيم. ورواه الدارقطني ثم البيهقي فزاد فيه: "ائتني بحجر" محتجين بذلك على وجوب الاستنجاء بثلاثة أحجار، وسيأتي عن قريب إن شاء الله تعالى. م: (لم يعارضه غيره) ش: جملة في محل الرفع لأنها خبر إن في قوله: لأن النص قوله: غيره ما روي من الحديث المذكور م: (ولهذا) ش: أي بورود نص على التنجيس لم يعارضه نص آخر م: (يثبت التغليظ عنده) ش: في النجاسة فحينئذ يكون الروث والخثي من النجاسة الغليظة عند أبي حنيفة بناء على أصله م: (والتخفيف بالتعارض) ش: أي يثبت التخفيف في النجاسة بتعارض النصين كما في حديث الاستنزاه عن البول بحديث العرنيين. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (يجزئه) ش: أي يجزئ المصلي إن أصاب ثوبه من الروث والخثي أكثر من قدر الدرهم م: (حتى يفحش) ش: أي حتى يصير فاحشاً وهو أن يبلغ ربع الثوب كما ذكرنا م: (لأن للاجتهاد فيه) ش: أي التخفيف م: (مساغاً) ش: أي جوازاً، حاصله أن الاجتهاد كالنص، قال الله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2] (الحشر: الآية 2) . فلما ثبت التخفيف بالنص ثبت بالاجتهاد أيضاً، فالروث عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - طاهر وعند ابن أبي ليلى السرقين ليس بشيء قليله وكثيره لا يمنع الصلاة لأنه وقود أهل الحرمين، ولو كان نجساً لما استعملوه كالعذرة. م: (وبهذا) ش: أي ويجوز الاجتهاد في هذا الحكم م: (يثبت التخفيف عندهما) ش: أي يثبت تخفيف النجاسة عند أبي يوسف ومحمد م: (ولأن فيه ضرورة) ش: إشارة إلى التخفيف يثبت عندهما بشيء آخر وهو الضرورة، والضمير فيه يرجع إلى الروث م: (لامتلاء الطرق بها) ش: هذا بيان الضرورة أي لأجل امتلاء طرق الناس بها، أي بالروث والخثي م: (وهي) ش: أي الضرورة م: (مؤثرة في التخفيف) ش: أي في تخفيف النجاسة، ألا ترى أنها مؤثرة في سقوط النجاسة في الهرة، إلا أن الضرورة هاهنا دون الضرورة هناك فأوجبنا التخفيف دون الإسقاط. [بول الحمار] م: (بخلاف بول الحمار) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: أن الضرورة في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 731 لأن الأرض تنشفه. قلنا الضرورة في النعال وقد أثرت في التخفيف مرة حتى تطهر بالمسح فيكتفى بمؤنتها ولا فرق بين مأكول اللحم وغير مأكول اللحم، وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فرق بينهما، فوافق أبا حنيفة في غير المأكول، ووافقهما في المأكول، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لما دخل الري   [البناية] بول الحمار كالضرورة في روثه، وقد قلتم بتغليظه، وتقرير الجواب أنا لا نسلم ذلك م: (لأن الأرض تنشفه) ش: أي تشربه من تنشف الثوب العرق، تنشف بكسر الشين في الماضي وفتحها في المستقبل فإذا كان كذلك قد يبقى على وجه الأرض منه شيء يبتل به الماء بخلاف الروث. م: (قلنا إن الضرورة) ش: التي ذكرها في الروث إشارة إلى الجواب عما قالا في ثبوت التخفيف في الروث إنما هي م: (في النعال وقد أثرت في التخفيف مرة حتى تطهر بالمسح فيكتفي بمؤنتها) ش: أي بمؤنة الضرورة فلا يخفف في نجاستها ثانياً إلحاقاً للروث بالعذرة، فإن الحكم فيها كذلك بالاتفاق. فإن قلت: هذا التعليل يخالف التعليل الذي ذكره في قدر القراءة في السفر في فصل القراءة وهو قوله لأن للسفر أثر في إسقاط الصلاة، فلأن يؤثر في تخفيف القراءة أولى حيث يستدل بوجود التخفيف مرة على تخفيفه ثانياً هناك، ومنعه هاهنا فما وجه. قلت: لا مخالفة بينهما في المعنى بل كل منهما في نجس، وذلك لأن سقوط شرط الصلاة في السفر من قبل رخصة الإسقاط والحكم فيها وهو أن لا يبقى العزيمة مشروعة أصلاً لسقوط العينية في المسلم، فلما كان كذلك الساقط كأن لم يكن أصلاً شيء لو أتى بالأربع كان الفرض هو الركعتين فقط، فكان في القراءة حينئذ ابتداء لا ثانياً، فلذلك راعى المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لفظ الإسقاط في الركعتين، ولفظ التخفيف في قدر القراءة إشارة إلى ما قلنا. م: (ولا فرق بين مأكول اللحم وغير مأكول اللحم) ش: أراد بيان [أن] الأرواث كلها نجسة نجاسة خفيفة، وحال ذلك أنه لا فرق بين علمائنا الثلاثة في أصل نجاسة الروث، غير أن اختلافهم في الصفة، ولم يفرق في ذلك إلا زفر أشار إليه بقوله م: (وزفر فرق بينهما) ش: أي بين مأكول اللحم وغير مأكول اللحم م: (فوافق) ش: أي زفر وافق م: (أبا حنيفة في غير المأكول) ش: أي غير مأكول اللحم حيث قال: إن الروث إن كان من غير مأكول اللحم فهو نجس مغلظ كما قال أبو حنفية مطلقاً م: (ووافقهما) ش: أي وافق أبا يوسف ومحمداً - رحمهما الله - م: (في المأكول) ش: أي في مأكول اللحم، حيث قال: إن الروث إن كان من مأكول اللحم فهو نجس مخفف كما قالا مطلقاً، لأن حل الأكل مؤثر في حق النجاسة كما في الأبوال، ولنا ما مر. م: (وعن محمد أنه لما دخل الري) ش: بفتح الراء وتشديد الياء اسم مدينة في عراق العجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 732 ورأى البلوى أفتى أن الكثير الفاحش لا يمنع أيضا، وقاسوا عليه طين بخارى أو عند ذلك رجوعه في الخف يروى وإن أصابه بول الفرس لم يفسده حتى يفحش عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يمنع وإن فحش لأن بول ما يؤكل لحمه طاهر عنده مخفف نجاسته عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولحمه مأكول عندهما.   [البناية] كبيرة، ويكون قدر عمارتها فرسخاً ونصفاً في مثله، وفيها نهران جاريان وهي أيضاً بها قبر محمد بن الحسن والكسائي وبها ولد الرشيد، لأن المهدي تركه في خلافة المنصور [ ...... ] . فلذلك سمى الري المحمدية، والنسبة إليها الرازي بزيادة الزاي في آخرها على غير القياس، وكان دخول محمد الري مع هارون الرشيد م: (ورأى البلوى) ش: أي بلية الناس في الأرواث م: (أفتى بأن الكثير الفاحش لا يمنع أيضاً) ش: لما فيه من البلوى م: (وقاسوا عليه) ش: أي قياس مشايخ بخارى على قياس قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (طين بخارى) ش: وإن فحش لما فيه من الضرورة، وإن كان ترابه مختلطاً بالعذرات، ويبتنى على هذا مسألة معروفة وهي أن الماء والتراب إذا اختلطا وصارا طيناً وأحدهما نجس، فقيل: العبرة فيه بالماء، وقيل: بالتراب، وقيل: بالغالب، وقيل: أيهما كان طاهراً فالطين طاهر، وبه قال الأكثر، وقيل: إن كانا نجسين فالطين طاهر، لأنه صار شيئاً آخر كالخمر إذا تخللت، والكلب والخنزير إذا صارا ملحاً في المملحة م: (أو عند ذلك) ش: أي عند دخول محمد الري وقرينة البلوى م: (رجوعه في الخف يروى) ش: أي رجوعه عن قوله في الخف بأنه لا يطهر به بالدلك يروى عنه وقد تقدم أن مذهبه أن النجاسة التي لها جرم إذا أصابت الخف لا يجزئ فيها الدلك، بل يشترط فيها الغسل فرجع عن قوله هذا إلى قولهما فقال: لا يجزئ فيها الدلك، ولا يحتاج إلى الغسل لما رأى من كثرة السرقين في طريق الري وكثر الزحام. [حكم بول الفرس] م: (وإن أصابه) ش: أي الثوب م: (بول الفرس لم يفسده) ش: أي الثوب يعني لم يضره م: (حتى يفحش) ش: أي حتى يصير فاحشاً بأن يبلغ ربع الثوب م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: وكل واحد منهما مشى على أصله، أما عند أبي حنيفة فالفرس غير مأكول وبوله نجس مخفف لتعارض الآثار، ولولا التعارض لكان نجساً مغلظاً على أصله، وأما عند أبي يوسف فلأنه مأكول وبوله مخفف وبقي الكلام في قول محمد فعنده بول الفرس طاهر. أشار إليه بقوله م: (وعند محمد لا يمنع) ش: أي لا يمنع جواز الصلاة م: (وإن فحش) ش: يعني وإن صار فاحشاً بأن زاد على الربع م: (لأن بول ما يؤكل لحمه طاهر عنده) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فخفف نجاسته) ش: أي نجاسة بول الفرس م: (عند أبي يوسف) ش: على ما ذكرنا، وأشار إلى مبنى كلامهم بقوله م: (ولحمه مأكول عندهما) ش: أي لحم الفرس مأكول عند أبي يوسف ومحمد وكل منهما على أصله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 733 وأما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فالتخفيف لتعارض الآثار. وإن أصابه خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور أكثر من قدر الدرهم أجزأت الصلاة فيه عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز، وقد قيل أن الاختلاف في النجاسة وقد قيل في المقدار.   [البناية] وبقي الكلام في قول أبي حنيفة أشار إليه بقوله (وأما عند أبي حنيفة فالتخفيف) ش: في بول الفرس م: (لتعارض الآثار) ش: فإن حديث العرنيين يدل على طهارة البول في الجملة، وحديث: استنزهوا من البول، يدل بعمومه على نجاسة البول مطلقاً. فإن قلت: التعارض إنما يتحقق إن جهل التاريخ، وفي حديث العرنيين دلالة التقدم، لأن فيه المثلة فيكون منسوخاً، فلا تعارض بين الناسخ والمنسوخ. قلت: أجاب الأكمل أخذاً من كلام السغناقي بقوله: سلمنا أن فيها تعارضاً ولكنه في بول ما يؤكل لحمه، والفرس عنده غير مأكول، والكراهة فيه كراهة التحريم فيكون بوله نجساً مغلظاً، ثم أجاب عنه بما ملخصه بأن حرمة الفرس لم تكن لنجاسته، بل تحرزاً عن تقليل مادة الجهاد فكان لحمه طاهراً، ولهذا قال بطهارة سؤره، ولكن يتحقق التعارض في بوله فيكون مخففاً. قلت: طول الأكمل بما يشوش الناظر وخلاصة الجواب أن يقال: ذكر فخر الإسلام في الجامع الصغير: أن الفرس يؤكل لحمها، وهو قولهم جميعاً يعني عند أبي حنيفة أيضاً يؤكل، وإنما كره للتنزيه وهو المحابي عن قطع مادة الجهاد، والكراهة لا تمنع الإباحة كأكل لحم البقرة الجلالة قبل التنقية، فإن بوله كبول ما يؤكل لحمه. وقيل: أراد بالتعارض تعارض الآثار في لحمه، فإنه روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن لحوم الخيل والبغال» وروي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أذن في لحوم الخيل» فهذا يوجب قولاً في تخفيف بوله لأنه مأكول من وجه فلا يكون كبول الكلب والحمار. [حكم خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور] م: (وإن أصابه خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور) ش: أي وإن أصاب الثوب خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور مثل الصقر والبازي والشاهين ونحوها م: (أكثر من قدر الدرهم) ش: أكثر منصوب، لأنه حال من الخرء م: (أجزأت الصلاة فيه) ش: أي في ذلك الثوب م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: لا يجوز، وقد قيل) ش: قائله الكرخي م: (أن الاختلاف في النجاسة) ش: يعني أنه طاهر عندهما ونجس عند محمد كاللحوم. م: (وقد قيل) ش: قائله أبو جعفر الهندواني م: (في المقدار) ش: يعني أنه نجس بالاتفاق، لكنه خفيف عند أبي حنيفة غليظ عندهما، وأبو يوسف مع أبي حنيفة - رحمهما الله - على رواية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 734 وهو الأصح هو يقول إن التخفيف للضرورة، ولا ضرورة هاهنا لعدم المخالطة فلا تخفف، ولهما أنها تذوق من الهواء والتحامي عنه متعذر فتحققت الضرورة، ولو وقع في الإناء قيل: يفسده وقيل لا يفسده لتعذر صون الأواني عنه.   [البناية] الكرخي ومع محمد على رواية الهندواني كما هو صريح في " المنظومة "، و " المختلف " ولا يفهم هذا من لفظ " الهداية "، بل الذي يفهم منه أن أبا يوسف في " الجامع الصغير " مع أبي حنيفة على الروايتين جميعاً، وجعل فخر الإسلام قول أبي يوسف في " الجامع الصغير " مع أبي حنيفة على رواية خفة نجاسة الخرء. وعلى رواية طهارته م: (وهو الأصح) ش: أي كون الاختلاف في المقدار هو الأصح، نص عليه في " جامع قاضي خان " و " المحيط "، لأنه مما حاله طبع الحيوان إلى نتن وفساد، ولكن ذكر في " المبسوطين " و " محيط السرخسي " خلاف هذا فقال: ليس لما ينفصل من الطيور نتن وخبث رائحة ولا ينحى شيء من الطيور عن المساجد، فعرفنا أن خرء الجميع طاهر، ولأنه لا فرق في الخرء بين ما يؤكل لحمه وبين ما لا يؤكل لحمه. وفي " المجتبى " قيل: خرء الحمار نجس إن كان سلطاً لكثرة علفها. وقال النووي: خرء الدجاج طاهر للبلوى، وخرء دود القز والفأرة وبولها نجس، وعن محمد: لا بأس ببولها وبول السنور الذي يعتاد من البول على الثياب لا بأس به للبلوى، وعن محمد: بوله طاهر وبه قال أبو نصر، وقيل: خفيفه، وفي " الإيضاح ": وبول الخنافس وخرؤها ليس بشيء لتعذر الاحتراز عنه، وخرء الحمام والعصفور طاهر. م: (هو يقول أن التخفيف للضرورة) ش: أي محمد يقول بتخفيف النجاسة إنما يكون للضرورة م: (ولا ضرورة هاهنا لعدم المخالطة) ش: أي لعدم مخالطة هذه الطيور التي لا يؤكل لحمها مع الناس ولا تأوي البيوت م: (فلا تخفف) ش: بل تغلظ بخلاف الحمام والعصفور لوجود المخالطة فيهما. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أنها) ش: أي أن هذه الطيور م: (تذرق من الهواء) ش: بالذال المعجمة، من ذرق يذرق، ويذرق من باب نصر ينصر وضرب يضرب، ومعناه [رمى بسَلحِه] ، وذرق الطائر خرؤه (والتحامي عنه متعذر) أي التحفظ عنه صعب، لأنه يأتي بغتة من غير روية (فتحققت الضرورة) فتحققت للبلوى. م: (ولو وقع) ش: خرء طير من هذه الطيور م: (في الإناء قيل: يفسده) ش: أي يفسد ما في الإناء، سواء كان ماء أو غيره من المائعات، وقال هذا أبو بكر الأعمش لإمكان صون الإناء بالتغطية ونحوها م: (وقيل: لا يفسده) ش: قائله الكرخي م: (لتعذر صون الأواني عنه) ش: أي عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735 وإن أصابه من دم السمك أو لعاب البغل أو الحمار أكثر من قدر الدرهم أجزأت الصلاة فيه، أما دم السمك فليس بدم على التحقيق. فلا يكون نجسا. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه اعتبر فيه الكثير الفاحش فاعتبره نجسا. وأما لعاب البغل والحمار فلأنه مشكوك فيه فلا يتنجس به الطاهر،   [البناية] الخرء المذكور، ولهذا قالوا يفسده خرء الدجاج لأنه لا ضرورة فيه حيث يمكن صون الأواني عنه. [قدر الدرهم من دم السمك أو لعاب البغل أو الحمار] م: (وإن أصابه) ش: أي الثوب م: (دم السمك أو لعاب البغل أو الحمار أكثر من قدر الدرهم أجزأت الصلاة فيه) ش: أي في ذلك الثوب م: (أما دم السمك فليس بدم على التحقيق) ش: لأن الدم على التحقيق يسود إذا شمس، ودم السمك يبيض، ولهذا يحل تناوله من غير ذكاة، ولأن طبع الدم حار وطبع الماء بارد، فلو كان للسمك دم لم يدم سكونه في الماء. وفي " مبسوط شيخ الإسلام " أنه ما أخذ أي ما يتغير، وقال بعضهم: هو دم ولكنه طاهر، لأنه لو كان نجساً لأمر بالطهارة فصار حكمه حكم الكبد والطحال ودم يبقى في العروق كذا في " الإيضاح "، وفيه: أنه ما يلون، لأن الدم لا يمكن فيه. فإن قلت: أثبت المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولاً أنه دم ثم نفاه وهذا تناقض. قلت: أجاب الأترازي بأنه أراد بالإثبات صورة الدم وبالنفي حقيقة الدم، قلت: يجوز أن يقال إن الإثبات بالنسبة إلى قول من قال: إنه دم حقيقة والنفي بالنسبة إلى قول الجمهور: أنه ليس بدم على التحقيق. وقال أبو يوسف في قول الشافعي: هو نجس إلحاقاً بسائر الدماء، وهو ضعيف، ودم البق والبراغيث ليس بشيء، وبه قال مالك وأحمد في رواية لأنه ليس بمسفوح، ودم الحدأة والأوزاغ نجس؛ لأنه دم سائل وما يبقى في العروق واللحم طاهر لا يمنع جواز الصلاة وإن كثر لأنه ليس بمسفوح، ولهذا حل تناوله. وعن أبي يوسف أنه معفو عنه في الثياب لعدم الاحتراز فيه دون الثوب. م: (فلا يكون نجساً) ش: هذا نتيجة قوله - فلأنه ليس بدم على التحقيق - فإذا لم يكن دماً حقيقة فلا يكون نجساً فلا يمنع الصلاة. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه اعتبر فيه) ش: أي في السمك م: (الكثير الفاحش فاعتبره نجساً) ش: مخففاً للضرورة، وهذه رواية المعلى عنه. [لعاب البغل والحمار] م: (وأما لعاب البغل والحمار فلأنه مشكوك فيه) ش: كسؤرها، ومعنى الشك تقدم م: (فلا يتنجس به الطاهر) ش: أي لا يتنجس بالمشكوك فيه الثوب الطاهر، فلا يمنع جواز الصلاة وإن كثر، وعن أبي يوسف أن لعاب البغل والحمار يمنعان جواز الصلاة إذا كثر، لأن اللعاب يتولد من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 736 وإن انتضح عليه البول مثل رءوس الإبر فذلك ليس بشيء، لأنه لا يستطاع الامتناع عنه. قال: والنجاسة ضربان: مرئية وغير مرئية، فما كان منها مرئيا فطهارتها بزوال عينها، لأن النجاسة حلت المحل باعتبار العين فتزول بزوالها إلا أن يبقى من أثرها ما يشق إزالته لأن الحرج مدفوع.   [البناية] اللحم النجس. م: (وإن انتضح) ش: أي وإن ترشرش، وهو بالضاد المعجمة والحاء المهملة م: (عليه) ش: أي على المصلي م: (البول) ش: أراد به البول الذي أجمع على نجاسته بالتغليظ م: (مثل رءوس الإبر) ش: بكسر الهمزة وفتح الباء الموحدة جمع إبرة الخياط م: (فذلك ليس بشيء) ش: أي ليس بشيء معتبر، ولا مانع من جواز الصلاة معه. فإن قلت: هذا شيء موجود فكيف يصح نفيه؟ قلت: من التفسير يعلم جوابه. وفي " الكافي " أما لو انتضح مثل رءوس المسلة يمنع لعدم الضرورة، وعن الفقيه أبي جعفر ما قاله محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الكتاب مثل رءوس الإبر دليل على أن الجانب الآخر من الإبر معتبر، وغيره من المشايخ لا يعتبر الجانبين دفعاً للحرج. ولو انتضح ويرى أثره لا بد من غسله، وإن لم يغسل حتى صلى به وهو بحال لو جمع كان أكثر من الدرهم أعاد كذا ذكر البقالي والمحبوبي في "جامعه ". م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لا يستطاع الامتناع عنه) ش: خصوصاً في مهب الرياح. [أنواع النجاسة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (والنجاسة ضربان) ش: أي نوعان م: (مرئية) ش: أي يرى بالعين ويدرك بالنظر كالدم والعذرة، والآخر لا يرى ولا يدرك بالنظر وهو معني قوله م: (وغير مرئية) ش: كالبول ونحوه م: (فما كان منها) ش: أي من النجاسة م: (مرئياً فطهارتها بزوال عينها) ش: أي عين النجاسة من غير اشتراط عدد فيه م: (لأن النجاسة حلت المحل باعتبار العين فتزول بزوالها) ش: أي بزوال العين، وفي بعض النسخ بزواله بالضمير المذكر، أي بزوال العين أيضاً. م: (إلا أن يبقى من أثرها ما يشق إزالته لأن الحرج مدفوع) ش: الكلام فيه في مواضع: الأول: في الاستثناء. قال السغناقي ما ملخصه: أن المستثنى منه محذوف غير مذكور لفظاً، لأن استثناء الأثر من العين لا يصح، لأنه ليس من جنسه فكان تقديره؛ فطهارته زوال عينه وأثره، إلا أن يبقى من أثره ما يشق إزالته، ثم استشكل بأن حذف المستثنى منه في المثبت فلا يجوز، فلا يقال: ضربني إلا زيد، ثم استدرك ذلك بأن هذا لا يجوز عند استقامة المعنى، وعند عدم الاستقامة يجوز بقولك: قرأت إلا يوم كذا، لأنه يجوز أن يقرأ الأيام كلها إلا يوماً، بخلاف: ضربني إلا زيد، فإنه لا يستقيم أن يضربه كل ويستثني زيداً، وهذا من قبيل ما يستقيم فيه المعنى، فإن قولك: فطهارته زوال عينه وأثره في جميع الصور إلا في صورة تشق إزالة أثره، مستقيم، وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 737 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] صاحب " الدراية " أخذ هذا يومئذ في شرحه. وأما الأكمل فإنه قال: وهذا استثناء العرض من العين فيكون منقطعاً. قلت: لم يكن له حاجة إلى ادعاء حذف المستثنى منه ولا الاستشكال، والجواب عنه بل الأوجه هنا أن يقول: إلا هاهنا استثناء من قوله: فتزول بزوالها. والمعنى: فالنجاسة لا تبقى بزوال عينها كما حمل لفظ يأبى في قَوْله تَعَالَى {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: 32] (التوبة: 32) ، على معنى: لا يريد بهما بمعنى واحد، وكذلك هنا معنى قوله: فتزول، فلا تبقى، فحينئذ وجد الشرط في هذا الاستثناء وهو كون الكلام غير إيجاب، فيكون معنى فتزول النجاسة فلا تبقى النجاسة فتزول عنها إلا بقاء أثرها الذي يشق إزالته، فإنه معنوي فيجيء كلام الأكمل وهو استثناء العرض من العين فانتفى قول السغناقي، لأن استثناء الأثر من العين لا يصح. الثاني: أن المراد من الأثر هو اللون والرائحة وتعريفهم المشقة بالاحتياج في قلعه إلى شيء أخر نحو الصابون والحرص وغيرها، ومنه قال الأكمل: ما يشق إزالته بالاحتياج إلى الإزالة إلى غير الماء كالصابون والأشنان. قلت: هذا التفسير ليس بشيء لأن المعنى ليس على هذا، بل المعنى الذي يقتضيه التركيب؛ عدم إزالة الأثر بالماء لا يضر، والدليل عليه «حديث خولة بنت يسار سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن دم الحيض، فقال: "اغسليه" فقلت: فإن لم يخرج الدم؟، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يضرك أثره» ، أخرجه أبو داود في رواية ابن الأعرابي والبيهقي من طريقين. وقال إبراهيم الحربي: لم يسمع بخولة بنت يسار إلا في هذا الحديث. ورواه الطبراني في "الكبير " من حديث خولة بنت حكيم، ووهم ابن الأعرابي حيث عزاه إلى أبي داود، وليس كذلك، فإن أبا داود إنما رواه من حديث خولة بنت يسار كما ذكرنا، ولأن الأثر إذا لم يزل كان ذلك ضرورة فيسقط بهم حكم النجاسة، ولأن الأثر عبارة عن اللون والنجاسة ما كانت باعتبار اللون بل باعتبار العين والنتن وقدر الأقل. فإن قلت: روى أبو داود عن معاذة قالت: سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن الحائض يصيب ثوبها الدم، قالت: تغسله، فإن لم يذهب أثره فلتغيره بشيء من صفرة، وفي رواية الدارمي: باصفرار الزعفران، فهذا يدل أن الاحتياج إلى شيء غير الماء. قلت هذا موقوف، وأيضاً فلا يدل على أن الاحتياج المذكور ضروري، وإنما أمرت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بذلك لتغيير اللون لا للإزالة، فإن ذلك يشق وفيه حرج وهو مدفوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 738 وهذا يشير إلى أنه لا يشترط الغسل بعد زوال العين وإن زالت بالغسل مرة واحدة، وفيه كلام، وما ليس بمرئي فطهارته أن يغسل حتى يغلب على ظن الغاسل أنه قد طهر، لأن التكرار لا بد منه للاستخراج ولا يقطع بزواله فاعتبر غالب الظن كما في أمر القبلة، وإنما قدروا بالثلاث   [البناية] فإن قلت روى أبو داود وغيره من «حديث أم قيس بنت محصن تقول: سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن دم الحيض يكون في الثوب، قال: "حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر" ففيه إضافة سدر إلى الماء» . قلت: إنما أمرها مبالغة في الإنقاء وقطع أثر دم الحيض لا غير، واسم أم قيس: أميمة، قاله السهيلي، وقيل خزامة، ويعفى بقاء ريحه بعد زوال العين، قال الكرخي في " شرح الجامع الصغير ": الثوب أصابته نجاسة كثيرة فغسل وبقيت رائحتها لم يكن لها حكم، وقال الأترازي: في هذا الموضع إلا إذا بقي ما في إزالته مشقة بأن لا يزول بالماء الصرف كاللون فيعفى عن ذلك «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في دم الحيض: "حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء ولا يضرك أثره» . قلت: ولم يبين أحد هذا الحديث ولا من خرجه ويحتج به تماماً. والحديث رواه أبو داود من «حديث أسماء بنت أبي بكر، قالت: سألت امرأة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع؟ قال: "إذا أصاب إحداكن الدم من الحيض فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء ثم لتصل» " وليس فيه ولا يضرك أثره. الموضوع الثالث: فيه إشارة إلى أن عين النجاسة إذا زالت بمرة واحدة لا يحتاج إلى غسل بعده، أشار إليه بقول م: (وهذا) ش: أي لفظ القدوري م: (يشير إلى أنه لا يشترط الغسل بعد زوال العين) ش: أي عين النجاسة م: (وإن زالت بالغسل مرة واحدة) ش: كلمة إن واصلة بما قبله، والمعطوف عليه في الحقيقة محذوف تقديره إن لم يزل وإن زالت م: (وفيه كلام) ش: أي اختلاف المشايخ. وقال الهندواني والطحاوي: يغسل مرتين بعد زوال العين، وقال بعضهم: يطهر وإن كانت بمرة واحدة كذا في " المبسوط " وفي " الجامع الكردري ": يغسل ثلاثاً بعده، وكذا في فخر الإسلام: يغسل ثلاثاً بعد زوال العين، ذكره في " الجامع الكبير " م: (وما ليس بمرئي) ش: أي النجس الذي لا يرى بالعين م: (فطهارته أن يغسل حتى يغلب على ظن الغاسل أنه قد طهر) ش: لأن الظن أصل في الشرع. فإن قلت: لو غسل الصبي أو المجنون طهر ولا ظن. قلت: غسلهما مثل الماء الذي جرى على الثوب النجس وغلب على ظنهما زوال نجاسته بزوال استعماله ولا نجاسة هاهنا. م: (لأن التكرار لا بد منه للاستخراج ولا يقطع بزواله) ش: يعني لا يعلم قطعاً ويقيناً بزوال ما ليس بمرئي م: (فاعتبر غالب الظن كما في أمر القبلة) ش: إذا اشتبهت م: (وإنما قدروا بالثلاث) ش: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 739 لأن غالب الظن يحصل عندهم فأقيم السبب الظاهر مقامه تيسيرا، ويتأيد ذلك بحديث المستيقظ من منامه ثم لا بد من العصر في كل مرة في ظاهر الرواية لأنه هو المستخرج   [البناية] يعني إنما قدر المشايخ المتقدمون بالثلاث م: (لأن غالب الظن يحصل عندهم) ش: أي عند الثلاث م: (فأقيم السبب الظاهر) ش: وهو الثلاث م: (مقامه) ش: بضم الميم، أي مقام غالب الظن م: (تيسيراً) ش: أي جرى التيسير لأجل التيسير وهو منصوب لأنه مفعول م: (ويتأيد ذلك) ش: أي يتأيد تقدير الثلاث م: (بحديث المستيقظ من منامه) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً» وقد مر هذا مع ما فيه من الأحكام والأبحاث في أول الكتاب، وقد شرط ثلاث في النجاسة الموهومة، ففي النجاسة المتحققة أولى. م: (ثم لا بد من العصر في كل مرة) ش: لأن العصر له قوة الاستخراج م: (في ظاهر الرواية) ش: احترز به عما روي عن محمد في غير رواية الأصول أنه إذا غسل ثلاثاً وعصر في الثالثة يطهر. ثم اعلم أن اشتراط العصر فيما ينعصر بالعصر، أما فيما لا ينعصر كالحنطة إذا تنجست بمائع والجرد والحديد والسكين المموه مما ينجس والحصير إذا تنجس فعند أبي يوسف يغسل ثلاثاً ويجفف في كل مرة فيطهر، وقال محمد: لا يطهر أبداً لأن النجاسة لا تزول إلا بالعصر، ولأبي يوسف أن التجفيف يقوم مقام العصر في الاستخراج إذ لا طريق سواه. م: (لأنه هو المستخرج) ش: أي لأن العصر هو الذي يستخرج النجاسة. 1 - فروع: إذا انتضح من الغسالة المنفصلة من المرة الأولى وجب غسله ثلاثاً في ظاهر المذهب، وفي رواية الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يغسل مرتين، وفي المرة الثانية يغسل مرتين بعصر، وفي الثالثة مرة، وعند الشافعي والحنابلة على اعتبار العدد، والنفع شرط عندهم في جميع النجاسات، ذكره ابن قدامة في " المغني " والنووي. وفي " شرح المهذب ": اغتسل جنب في عشر آبار أفسدها ولا يجزئه غسله عند أبي يوسف، وعند محمد يخرج من الثانية طاهراَ سواء كان على بدنه نجاسة حقيقية، أو لم يكن، فإن كانت على بدنه منها شيء فالمياه الثلاثة نجسة وما بعدها مستعملة، وإن لم يكن فالمياه الثلاثة مستعملة، وكذا لو أدخل يده في عشر أواني فطهر عندهما ولا يطهر عند أبي يوسف، وفي عشر جرار خل يطهر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا يطهر عند محمد. كذا في " المحيط " وقعت فأرة في خمر وماتت ثم صارت خلاً، قيل يباح أكله، وقيل: لا، وقيل: إن انتفخت لا يحل وإلا حل، هذا إذا أخرجت قبل أن يصير الخمر خلاً، ولو صارت خلاً والفأرة فيها لا تحل. ولو وقع الكلب في العصير ثم تخمر ثم تخلل يجب أن يكون نجساً، ولو وقع خرء الفأرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 740 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] في قفيز حنطة وطحنت لم يجز أكلها، ويفسد الدهن عند الحسن بن زياد. وقال محمد بن مقاتل الرازي: لا يفسد الدهن ولا الحنطة ما لم يتغير طعمه. وفي " المرغيناني ": يرمى خرء الفأرة من الخبز ويؤكل إذا كان صلباً. ولو وقع في الدهن أو الماء لا يفسده، وكذا في الحنطة إذا كان قليلاً، وفي " مسائل الشيخ الزاهد أبي حفص ": لا يفسد الخل ولا الزيت، وعن أبي إسحاق الضرير: لو كان لي لشربته. وبول الهرة نجس إلا قولاً شاذاً، والدودة الساقطة من السبيلين نجسة، وذكر الفقيه أبو حفص في "غرائب الرواية ": أنها طاهرة، وإن سقطت من اللحم فهي طاهرة أيضاً. وجرة البعير بكسر الجيم وتشديد الراء ما يخرج من جوفه من الاجترار نجسة، وبه قال الشافعي، والحمار لو شرب من العصير لا يجوز شربه، وقال محمد بن مقاتل: لا بأس بشربه، وقال أبو الليث: هذا خلاف قول أصحابنا، وبخار النجاسة إذا تجمد ثم سال نجس. وقال في " المرغيناني ": لا ينجس في الصحيح. موضع الحجامة يمسح بثلاث خروق رطاب، ويجزئه عن الغسل ذكره أبو الليث وعن أبي يوسف: يشترط غسله. الحصير النجس إن كانت نجاسته يابسة دلكه، وإن كانت رطبة أجرى عليه الماء ثلاث مرات، وفي " الذخيرة ": يطهر عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافاً لمحمد. والبساط يجعل في نهر جار ليلة ليطهر العذرة إذا صارت تراباً، قيل: تطهر كالحمار الميت إذا وقع في المملحة حتى صار ملحاً عند محمد. قال في الذخيرة: عندهما وعند قول أبي يوسف نجس، وكذا السرقين والعذرة إذا أحرقت بالنار وصارت رماداً فهي على هذا الخلاف. وفي " الفتاوى ": رأس الشاة إذا أحرق حتى زال الدم تطهر، وكذا بلة التنور النجسة تزول بالإحراق، وعند الشافعي: الأعيان النجسة لا تطهر بالإحراق بالنار. وقال في الحضري منهم: رماد هذه الأشياء طاهرة، وفي دخان النجاسة وجهان مشهوران عندهم. وفي " الذخيرة ": لا توقيت في إزالة النجاسة إذا أصابت الحجر أو الآجر أو الأواني بل يغسل حتى يغلب على ظن الغاسل طهارتها ولا يبقى لها رائحة ولا طعم ولا لون وسواء كانت الآنية من خذف أو غيره أو كانت قديمة أو حديثة، وعن محمد أن الخذف الجديد لا يطهر أبداً. وفي " المرغيناني " حانة الخمر لو غسلت ثلاث مرات تطهر إذا لم تبق لها رائحة الخمر، وإن بقيت فلا. ولو صب الماء في الخمر ثم صارت خلاً تطهر في الصحيح. الحنطة المتنجسة قبل أن تنتفخ تغسل ثلاثاً وتؤكل إذا لم يبق لها رائحة، ولا طعم. وفي " شرح الطحاوي ": لا يحل وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإن طبخت بالخمر حتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 741 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] [ ... ] يطبخ بعده ثلاث مرات تنتفخ في كل مرة ويجفف بعد كل طبخة. وعند أبي حنيفة: إذا طبخت بالخمر لا تطهر أبداً لقول محمد. ولو وقعت الحنطة في الخمر ثم قلبت لا تطهر أبداً. والدقيق إذا أصابته الخمر لا يؤكل وليس له حيلة. وفي " الذخيرة ": صب خمر في قدر [به لحم] قبل الغليان يطهر اللحم بالغسل ثلاثاً وبعده لا يطهر، وقيل: يغلى ثلاث مرات كل مرة بماء طاهر، ويجفف في كل مرة ويجففه بالزبد. والخبز الذي عجن بالخمر لا يطهر بالغسل، ولو صب فيه الخل وذهب أثرها يطهر. ولو صبغ يده بحناء نجس أو شعره بأن خلط ببول أو خمر أو دم فغسله فزالت العين وبقي اللون فهو طاهر وهو الصحيح. قال صاحب " الحاوي ": فإن قلنا: لا يطهر وكان عليها شعر كاللحية لا يلزمه حلقها بل يصلي، فإذا اتصل أعاد الصلاة وكذا على البدن، وإن كان مما لا يصل كالوسم فإن أمن التلف يلزمه قطعه، وإن جاوز وكان غيره أكرهه عليه تركه، وإن كان هو الذي فعل فوجهان، ولو غسل يده من دهن نجس طهرت ولا يضره أثر الدهن على الأصح. ولو تنجس العسل يكفأ ويصب عليه الماء ويغلى حتى يعود إلى المقدار الأول، هكذا يفعل ثلاثاً، وعلى هذا الدبس [ ... ] إذا اتزر في الحمام وصب الماء على جسده ثم صب الماء على الإزار يحكم بطهارته. امرأة سجرت التنور ثم مسحته بخرقة مبتلة نجسة ثم حرقت فيه، فإن أكلت حرارة النار البلة قبل إلصاق الخبز بالتنور لا ينجس الخبز. المسك حلال على كل حال يؤكل في الطعام ويجعل في الأدوية وإن كان أصله دماً على ما قيل بعد. وأما الزناد إن كان لبن سنور، وفي " البحر ": طاهر عرق سنور بري كما قيل: فهو عرق غير مأكول اللحم. الذي صلى ومعه جلد حية أكثر من قدر الدرهم لا تجوز صلاته وإن كانت مذبوحة، وأما قميص الحية ففيه اختلاف المشايخ، فقيل: إنه نجس، وقيل: إنه طاهر. وأشار شمس الأئمة إلى الصحيح أنه طاهر. الماء الذي يسيل من فم النائم طاهر في الأصح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 742 فصل في الاستنجاء   [البناية] [فصل في الاستنجاء] م: (فصل في الاستنجاء) ش: أي: هذا فصل في بيان الاستنجاء وأحكام الكلام، فيه أنواع: الأول: أنه ذكر هذا الفصل في هذا الباب، لأن الاستنجاء إزالة النجاسة العينية، فذكره أشق، وأيضاً اتبع المصنف فيه القدوري وهو اتبع محمداً في أنه لم يورده عند ذكر سنن الوضوء. وقيل فيه أوجه أخرى لا طائل تحتها. الثاني: في معنى الاستنجاء وهو على وزن استفعال، تقول: استنجى يستنجي استنجاء، والسين فيه للطلب وهو على قسمين: أحدهما: صريح نحو استكتبته، أي طلبت منه الكتابة. والثاني: أن يكون تقديراً نحو استخرجت الوتد من الحائط، فليس هنا طلب صريح بل المعنى له أول المطلق، والحبلى حتى تخرج، ونزل ذلك منزلة الطلب. فإن قلت: الاستنجاء من أيهما. قلت: من الثاني، فإن المستنجي لم يزل يتلطف حتى يزول النجو عن موضعه، وهذا هو التحقيق هنا. وأكثر الشراح قالوا: السين للطلب وسكتوا عليه، وليس ذلك يفيد المقصود على ما لا يخفى، والنجو ما يخرج من البطن، يقال: نجى وأنجى إذا أحدث، يقال: نجى الغائطة نفسه ينجو، وقال الأصمعي: استنجى أي مسح موضع النجو أو غسله ولهذه المادة معان، يقال: نجا من كذا ينجو نجاءً بالمد، ونجاة بالقصر ونجوت أيضاً نجاء ممدوداً أي أسرعت وانبعثت، واستنجى: أي أسرع، ونجوت فلاناً [ ..... ] النحل إذا التقطت رطبها، عن الأصمعي، وقال أيضاً: نجوت غصون الشجرة إذا قطعتها، والنجاة بالقصر، والجمع نجا، والنجو السحاب [ ..] والجمع نجا بكسر النون، والنجا المكان المرتفع لا يعلوه السيل [ ..... ] ، قال: نجوته نجواً ساررته، وكذلك ناجيته، والنجوى اسم ومصدر. وفي المغرب: نجا وأنجى إذا أحدث وأصله من النجوة وهو المكان المرتفع لأنه يتستر بها وقت قضاء الحاجة، ثم قالوا: استنجى إذا مسح موضع النجو وهو ما يخرج من البطن أو غسله، وقيل: من نجى الجلد إذا مر، قلت: يمكن أن تراعى المعاني المشهورة في لفظ الاستنجاء في هذا الباب. الثاني: أن معنى الاستنجاء والاستطابة والاستجمار كلها عبارة عن إزالة الجاري من السبيلين عن مخرجه، فالاستنجاء والاستطابة يكونان بالماء وغيره كالحجر ونحوه، والاستجمار يختص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 743 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بالأحجار مأخوذ من الجمار، وهي الحصى الصغار، والاستطابة أعم من الطيب لأنه يطيب نفسه بإزالة الخبث، قلت: فعلى هذا الاستطابة أعم وبقي الاستنجاء والاستنقاء والاستبراء والاستنزاه. فالاستنجاء قد ذكرناه. والاستنقاء طلب النقاوة بالحجر والمدر أو نحوهما. وقال بعضهم: هو أن يدلك مقعدته حتى تذهب الرائحة الكريهة وذلك بيده اليسرى. وقال بعضهم: هو أن يدلك مقعدته حتى يتيقن أنها قربت للجفاف. وقال بعضهم: هو أن ينشف بالمنشفة أو بالخرقة حتى لا يقطر منه شيء من الماء المستعمل على الثوب. وأما الاستبراء فهو طلب البراءة وهو أن يركض برجله على الأرض حتى يزول عنه [ ..... ] . وأما الاستنزاه فهو طلب النزه بضم النون وسكون الزاء المعجمة وهو البعد عن البول. النوع الثالث: في آداب الاستنجاء وقضاء الحاجة الإبعاد: روى مسلم من «حديث المغيرة، قال: انطلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى توارى عنا فقضى حاجته» . وروى أبو داود والترمذي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كان إذا ذهب المذهب أبعد» روى محمد بن الحسن عن عيسى بن أبي عيسى الخياط عن الشعبي عن عمر سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «اتقوا الملاعن الثلاث وأعدوا النبل» رواه أبو عبيد عن محمد بن الحسن، وقال: سمعته يقول: النبل: هي الحجارة للاستنجاء وهو بضم النون وفتح الباء الموحدة، قاله الأصمعي، وقال أبو عبيد: والمحدثون يقولون: النبل بالفتح سميت نبلاً لصغرها، وهذا من الأضداد، يقال للعظام نبل، وللصغار نبل، والكبير لقضاء الحاجة. وعن عبد الله بن جعفر قال: «كان أحب ما استنزه به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقضاء حاجته هدف أو حائش نخل» رواه مسلم. وقال "الفارس": الهدف كل شيء عظيم، وقيل ما ارتفع من الأرض [ ..... ] ، والحائش بالحاء المهملة والشين المعجمة جماعة النخل وإدامة الستر حتى يدنو من الأرض، وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أراد قضاء الحاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 744 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] رواه أبو داود [ ... ] المكان للبول عن أبي موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم فأراد أن يبول فأتى دمثا في أصل جدار فبال، ثم قال: «إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله» الدمث: بفتح الدال المهملة والميم، المكان اللين السهل، وكراهة البول في الهواء عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يكره البول في الهواء» . وفي مسند أبي يوسف النعر وهو ضعيف، وفي حديث الحضرمي وكان من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا بال أحدكم فلا يستقبل الريح ببوله فيرد عليه» ، ذكره في " الإمام ". والخاتم عليه اسم الله، عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا دخل الخلاء وضع خاتمه» رواه أبو داود، وقال: منكر ورواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وكراهة ذكر الله في الخلاء، روي عن ابن عباس هكذا، وهو قول عطاء ومجاهد والشعبي وعكرمة، وبه قال أصحابنا وهو الاحتياط بتركها لاسم الله تعالى واحتراما له. وروي عن مالك والنخعي إباحته واتقاء الملاعن، روى أبو داود من حديث معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل» ، والبراز بكسر الباء الموحدة الموحدة كناية عن الغائط. وروى أبو داود أيضاً عن عبد الله بن سرجس: «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى أن يبال في الجحر» "، قال قتادة: كان يقال: إنها مساكن الجن، وفي " المراسيل " عن مكحول «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يبال في أبواب المساجد» وعن أبي مجلز «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر عمر أن ينهى عن أن يبال في قبلة المسجد» وعن أبي هريرة: «لا يبولن أحدكم في الماء الناقع» ، أخرجه ابن ماجه، الناقع بالنون والقاف الماء المجتمع، وعنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه نهى عن البول في المغتسل» ، رواه أبو داود والنسائي والدارمي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 745 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وعن عبد الله بن مغفل قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه، فإن عامة الوسواس منه» أخرجه الأربعة، ويجتنب القعي في قضاء الحاجة، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من جلس على قبر يتغوط أو يبول [عليه] فكأنما جلس على جمرة» ، أخرجه أبو جعفر البغوي، ما جاء من الذكر عند دخول الخلاء فليقل: «إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» ، أخرجه الجماعة. والخبث بضمتين جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة، فاستعاذ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من ذكران الجن وإناثهم، وقال الخطابي: وعامة المحدثين يقولون بسكون الباء وهو غلط والصواب الضم. قلت: يجوز تسكينها تخفيفا، وذكر أبو عبيد بالسكون ومعناه الرد والكفر أو الشيطان. وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال رسول الله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول بسم الله» ، أخرجه ابن ماجه، الستر بكسر السين الحجاب: وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا خرج من الخلاء قال: "غفران» ، أخرجه الأربعة. وروى البيهقي من جهة ابن خزيمة زيادة: " غفرانك ربنا وإليك المصير "، وقال الخطابي: قيل في سبب غفرانك في هذا الموضوع قولان: أحدهما: أنه استغفر من تركه ذكر الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 746 والاستنجاء سنة، لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - واظب عليه   [البناية] حال لبثه على الخلاء. فإن قيل: فتركه مأمور به فكيف يسأل المغفرة قيل: المخرج إلى الخلاء من قبل نفسه، الثاني: استغفر خوفا من تقصيره في شكر نعمة الله تعالى من خلاصه من الأذى وغفرانك مصدر منصوب بتقدير: أسألك أو اغفر بغفرانك، وعن أميمة بنت رقيقة قالت: «كان له - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل» رواه أبو داود والنسائي والبيهقي، والعيدان بفتح العين المهملة، وواحدة عيدانة وهي النخل الطوال المتجردة. [حكم الاستنجاء] م: (والاستنجاء سنة) ش: وبه قال مالك وابن سيرين وسعيد بن جبير والمزني، وقال الشافعي: واجب من البول والغائط وكل خارج ملوث من السبيلين وهو شرط في حصة الصلاة وبه قال أحمد والحسن وداود وأبو ثور، والخلاف مبني على عفو القليل من النجاسة وعدم عفوه، وقد تقدم م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واظب عليه) ش: أي على الاستنجاء، والدليل على مواظبته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أحاديث كثيرة. منها ما رواه ابن ماجه في "سننه " من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج من غائط قط إلا مس ماء» ". ومنها ما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أتى الخلاء أتيته بماء في تور أو ركوة فاستنجى ثم مسح يده على الأرض ثم أتيته بإناء آخر فتوضأ» . ومنها ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدخل الخلاء فأحمل أن وغلام نحوي إدواة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء» . فإن قلت: مواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على فعل يدل على وجوبه فكيف قال المصنف: الاستنجاء سنة؟، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واظب عليه فكان ينبغي أن يكون واجبا. قلت: عادة المصنف على هذا الاصطلاح أنه يجعل مواظبته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دليلاً على السنة، لكن مراده السنة المؤكدة وهي في قوة الواجب، ولكنه ليس بواجب مطلقا بل تارة يكون واجبا وتارة يكون فرضاً وتارة يكون سنة وتارة يكون مستحبا وتارة يكون بدعة، وأما الواجب فهو ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 747 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] إذا كانت النجاسة مقدار الدرهم. وأما الفرض فهي ما إذا كانت النجاسة أكثر من قدر الدرهم، وأما السنة فهي ما إذا كانت النجاسة أقل من قدر الدرهم فالاستنجاء حينئذ سنة، وأما المستحب فهو ما إذا بال ولم يتغوط فإنه يغسل قبله دون دبره، وأما البدعة فهي ما إذا خرج من غير السبيلين شيء أو خرج ريح من دبره أو دودة فالاستنجاء فيه بدعة. ثم إن المصنف أطلق كلامه ولم يبين أي نوع من الاستنجاء سنة، وكذلك لم يبين أنه بالماء أو بالحجر ونحوه. وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": الاستنجاء نوعان نوع بالحجر والمدر، ونوع بالماء والاستنجاء بالحجر أو ما يقوم مقامه كالأعيان الطاهرة والعود والخرقة سنة، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعله على سبيل المواظبة وكذلك الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اتباع الماء أدب لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يستنجي بالماء مرة وتركه أخرى وهو حد الأدب، وهكذا روي عن بعض الصحابة قال مشايخنا: إنما كان ذلك أدبا في الزمان الأول. وأما في زماننا سنة حتى قيل للحسن البصري: - رَحِمَهُ اللَّهُ - كيف يكون سنة وقد فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مرة وتركه أخرى، وكذا الصحابة كعمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فقال: إنهم كانوا يبعرون بعراً وأنتم تثلطون، ولا خلاف في الأفضلية. قلت: فعلى هذا قول المصنف الاستنجاء سنة محمول على الاستنجاء بالحجر ونحوه، ومع هذا تجاوزت النجاسة المخرج أكثر من قدر الدرهم لا يجوز إلا بالماء كما يصرح به عن قريب. قال الأكمل في هذا الموضع: وهو سنة لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واظب عليه، والمواظبة على ذلك والترك دليل السنة. قلت: من ذكر من الصحابة والتابعين أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ترك الاستنجاء في الجملة حتى قيد بهذا القيد، ولم ينقل الترك عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وفي " الكافي ": أجاب عن هذا السؤال، وقال: والدليل أن المراد عدم الوجوب؛ لأن قدر الدرهم معفو يعلم أن الاستنجاء ليس بواجب. وقال صاحب " الدراية " وفيه تأمل، فإن عند الخصم قدر الدرهم غير معفو، بل نقول: نفس المواظبة دليل السنة، وعدم الترك لم يثبت فلا يدل على الوجوب، وعدم فعل الترك لا يدل على عدمه. قلت: الإشكال يأتي لأن المواظبة مع عدم الترك تدل على الوجوب، وقوله نفس المواظبة دليل السنة وعدم الترك لم يثبت فيه نظر، لأن نفس المواظبة قليل الوجوب، وإن لم يثبت عدم الترك لم يثبت الترك أيضاً، وذكر المواظبة من غير قيد يفهم منه الوجوب وإن كان نفس الأمر يحتمل الترك وعدمه، والاحتمال الثاني عند غيره دليل لا يعتبر ولا يترك دلالة صريح اللفظ بأمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 748 ويجوز فيه الحجر وما قام مقامه يمسحه حتى ينقيه لأن المقصود هو الإنقاء فيعتبر ما هو المقصود   [البناية] موهوم فافهم. [ما يجوز به الاستنجاء به وما لا يجوز] م: (ويجوز فيه الحجر) ش: أي يجوز في الاستنجاء استعمال الحجر م: (وما قام مقامه) ش: أي ويجوز أيضاً بما قام مقام الحجر كالمدر والتراب والعود والخرقة والقطن والجلد ونحو ذلك. وفي " المفيد ": وكل شيء طاهر غير مطعوم يعمل عمل الحجر عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا قضى أحدكم حاجته فليستنج بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاثة حثيات من الترب» ، رواه الدارقطني وبه قال مالك والشافعي، وقال أهل الظاهر: لا يجوز بغير الأحجار وضبط في " تهذيب الشافعية " بكل جامد طاهر مزيل للعين ليس له جرم ولا جزء من حيوان، قالوا: وسواء في ذلك الأحجار والأخشاب والخرق والخذف والآجر ليس من سرقين وما أشبه ذلك، ولا يشترط اتحاد جنسيته بل يجوز في الغسل جنس آخر، ويجوز أن يكون الثلاثة حجر أو خشبة أو خرقة نص عليه الشافعي. م: (يمسحه حتى ينقيه) ش: أي يمسح الموضع إلى أن ينقيه وهو بضم الياء من الإنقاء وهو التنظيف، وأصله من نقي الشيء بالكسر ينقى بالفتح نقاوة بفتح النون فهو نقي أي نظيف، والنقاء ممدود: النظافة، والنقاء مقصور: الكثيب من الرمل، ونقاوة الشيء بضم النون: خياره، كذلك النقاية. فإن قلت: يمسحه فيه ضميران، أحدهما: ضمير مرفوع مستتر والآخر منصوب ظاهر، وليس لهما موجع وهو إضمار قبل الذكر، وهو لا يجوز. قلت: يجوز إذا قامت لعدم الالتباس، وهاهنا فصل الاستنجاء وهو مستلزم المستنجي، وموضع الاستنجاء، وليس لهذه الجملة محل من الإعراب لأنها ابتدائية. م: (لأن المقصود) ش: من الاستنجاء م: (هو الإنقاء) ش: أي التنظيف م: (فيعتبر ما هو المقصود) ش: فلا حاجة إلى غير المقصود، وكيفية الاستنجاء: أن يجلس معتمداً على يساره، منحرفاً عن القبلة، والريح والشمس والقمر، ومعه ثلاثة أحجار، يدبر بأحدهما ويقبل الثاني ويدبر بالثالث وقال الفقيه أبو جعفر: هذا في الصيف وفي الشتاء يقبل بالأول ويدبر بالثاني، ويقبل بالثالث؛ لأن خصيتيه في الصيف مدلتان دون الشتاء، والمرأة تفعل في الأوقات كلها كما يفعل الرجل في الشتاء، وفي " المجتبى ": المقصود هو الإنقاء، فيختار ما هو أبلغ فيه والأسلم من زيادة التلوث، وفي " الدراية ": ولنا كيفية الاستنجاء هو أن يأخذ الذكر بشماله ويمره على حجر أو مدر، يأتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 749 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] من الأرض ولا يأخذ الحجر بيمينه ولا الذكر به لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نهى عن الاستنجاء باليمنى ومسح الذكر به» . وأما صفته بالماء فهو أن يستنجي بيده اليسرى بعدما ترخى موضع الاستنجاء مع الإدخال حتى يتم التنظيف إذا لم يكن صائما ويستنجى بأصبع أو أصبعين أو بثلاثة أصابع عرضاً ببطونها لا برؤوسها احترازاً عن الاستمتاع بها، ويصعد أصبعه الوسطى على سائر أصابعه صعوداً قليلا في ابتداء الاستنجاء ويغسل موضعه ثم يصعد بنصره ويغسل موضعه ثم يصعد خنصره ثم سبابته ويغسل حتى يطمئن قلبه أنه قد طهر، وعن محمد: من لم يدخل أصبعه في دبره لا تطفأ. قال " الأسبيجابي ": هذا غير معروف، وقيل ذلك يورث الباسور وينقض صومه، لأن أصبعه لا يخلو عن بلة ويبدأ فيه بالغسل حتى لا تتلوث يده، فإن كان لا ينبغي أن يقوم من موضع الاستنجاء حتى ينشف الموضع بخرقة كيلا يصل الماء باطنه فيفسد صومه. والمرأة كالرجل إلا أنها تقعد بين رجليها وتغسل ما ظهر منها ولا تدخل الأصابع في فرجها. وقيل: تستنجي برؤوس أصابعها؛ لأنها تحتاج في تطهير فرجها الخارج، وقيل: يكفيها مزاجها. وقيل تعرض أصابعها، والعذر ألا تستنجي بإصبعها خوفا لزوال عذرتها. وفي " النظم ": المرأة تصعد ينصرها ووسطاها أولاً معا دون الواحد كيلا يقع في قبلها فتنزل فيجب الغسل، وفي "الجامع الأصغر": لها أن تغسل ما يقع من فرجها على راحتها، قاله أبو مطيع، وقد تدير أصبعها في فرجها. قال محمد بن سلمة: قول أبي مطيع أحب إلي، ولو جرى بالاستنجاء على الخف يحكم بطهارته، وكذا لو دخل من جانب وخرج من جانب آخر وفي موضع احتاج إلى كشف العورة ليستنجي بالحجر لا بالماء، ولو كشف العورة للاستنجاء صار فاسقاً، وكشفه عند الشافعي وجهان، قال علي بن أبي هريرة: يضع حجراً على مقدم الصفحة اليمنى ويمره إلى مؤخرها ثم يدبرها إلى مؤخرها ويمره عليها إلى الموضع الذي بدأ ويأخذ الثاني فيمره مرة من مقدم صفحته اليسرى ويمره إلى مؤخرها ويدبرها إلى على ما ذكرناه، ويأخذ الثالث فيمره على الصفحتين ويمس به. وقال عبد الحق: يأخذ حجرين للصفحتين وحجراً للمس والأول أصح، وينبغي أن يضع الحجر على موضع طاهر بالقرب من النجاسة، وإن كان يستنجي من البول أمسك ذكره باليسار ومسحه على الحجر والثيب والبكر سواء، والصحيح والواجب أن تغسل ما ظهر من فرجها عند جلوسها وذلك دون البكر كذا في " الحلية ". والاستنجاء على شط النهر يجوز عند مشايخ بخارى خلافا لمشايخ العراق، ولو أخرج دبره وهو صائم فغسله لا يقوم من مقامه حتى ينشفه بخرقة قبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 750 وليس فيه عدد مسنون. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بد من الثلاث لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وليستنج أحدكم بثلاثة أحجار»   [البناية] رده، وهو جائز في الدم والماء وغير ذلك إذا خرج من السبيلين، وفي " جوامع الفقه ": إن خرج من فرجه قيح أو دم يجب غسله، وقيل: يجوز الحجر في الكل، وفي " العتبية ": إذا أصاب موضع الاستنجاء نجاسة من الخارج أكثر من قدر الدرهم يطهر بالحجر، وقيل: الصحيح أن لا يطهر إلا بالغسل والاستنجاء من الريح والنوم بالإجماع. م: (وليس فيه) ش: أي في الاستنجاء بالحجر ونحوه م: (عدد مسنون) ش: أي عدد فيه سنة، لأن النجاسة مرئية فكان المقصود زوال عينها أو حقيقتها فلا يعتبر بالعدد في ذلك، والحاصل أن عندنا المقصود هو التنقية دون العدد، حتى إذا حصلت التنقية بالمرة الواحدة لا يحتاج إلى الثانية، وإذا لم تحصل التنقية بثلاث مرات يزاد على الثلاث. م: (وقال الشافعي: لا بد من الثلاثة) ش: أي من ثلاثة أحجار م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وليستنج أحدكم بثلاثة أحجار» ش: هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وأحمد في "مسنده " كلهم بلفظ: «وكان يأمر بثلاثة أحجار» وتمام الحديث عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنما أن لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول، وليستنج بثلاثة أحجار "، ونهى عن الروث والرمة وأن يستنجي الرجل بيمينه» وأخرجه البيهقي أيضاً في "سننه " بلفظ الكتاب. وروى الدارقطني أيضاً بلفظ الكتاب من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قضى أحدكم حاجته فليستنج بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاث حثيات من تراب» ، قال زمعة بن صالح وهو أحد رواته: فحدثت به ابن طاوس فقال: أخبرني أبي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: - بهذا سواء. قال الدارقطني: لم يسنده عن غير المضري وهو كذاب، والمضري أحد رواته وهو أحمد بن الحسن وغيره يرويه عن طاوس مرسلاً ليس فيه ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وقد رواه ابن عيينة عن سلمة عن طاوس قوله. وحديث آخر في هذا الباب رواه ابن عدي في " الكامل " عن حماد بن الجعد حدثنا قتادة حدثني خلاد الجهني عن أبيه السائب أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا دخل أحدكم الخلاء فليستنج بثلاثة أحجار» ، وضعف حماد بن الجعد عن ابن معين. والنسائي من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فليستطب بها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 751 ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من استجمر فليوتر فمن فعل فحسن ومن لا فلا حرج»   [البناية] فإنها تجزئ عنه» وقال: إسناده صحيح. وآخر رواه الطبراني في "معجمه " من حديث أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا تغوط أحدكم فليتمسح بثلاثة أحجار فإن ذلك كافيه» ". م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من استجمر فليوتر، فمن فعل فحسن ومن لا فلا حرج» ش: الحديث رواه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج» ، وأخرجه أحمد في "مسنده " والبيهقي في "سننه " وابن حبان في "صحيحه " والحديث في " الصحيحين " دون هذه الزيادة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعاً: «من استجمر فليوتر» ، وفي لفظ لمسلم: «فليستجمر وترا» ". قوله: - ومن لا فلا حرج - أي فلا إثم عليه، ولفظ الحديث - فقد أحسن - ولفظ الكتاب - فحسن - والمعنى صحيح قريب. فإن قلت: قال البيهقي: بعد أن روى هذا الحديث: إن صح، فإنما أراد وترا بعد الثلاث، ثم استدل على هذا التأويل بحديث أخرجه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعاً: «إذا استجمر أحدكم فليوتر، فإن الله وتر يحب الوتر، أما ترى السموات سبعاً والأراضين سبعاً والطواف؟!!» وذكر أشياء. قلت: هذا مكابرة، فكيف يقول إن صح وقد رواه ابن حبان وصححه؟ وتأويله بوتر يكون بعد الثلاث غير صحيح لأن دعوى من غير دليل، ولو صح ذلك يلزم منه أن يكون الوتر بعد الثلاث مستحباً؛ لأمره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - به على مقتضى هذا التأويل، وعندهم لو حصل النقاء بالثلاث فالزيادة عليها ليست بمستحبة بل هي بدعة، وإن لم يحصل النقاء بالثلاث فالزيادة عليها واجبة لا يجوز تركها. ثم حديث: «أما ترى السموات سبعاً» على تقدير صحته لا يدل على أن المراد بالوتر ما يكون بعد الثلاث؛ لأنه ذكر فردا من أفراد الوتر، إذا لو أريد بذلك السبع بخصوصها للزم بذلك وجوب الاستنجاء بالسبع؛ لأنها المأمور به في ذلك الحديث. فإن قلت: قال الخطابي: وفيه وجه آخر وهو رفع الحرج بالزيادة على الثلاث، وذلك أن مجاوزة الثلاث في الماء عدوان وترك للسنة، والزيادة في الأحجار ليست بعدوان وإن صارت شفعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 752 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: هذا الوجه لا يفهم من هذا الكلام على ما لا يخفى على الفطن، وأيضاً مجاوزة الثلاث في الماء كيف يكون عدوانا إذا لم تحصل الطهارة بالثلاث والزيادة بالأحجار وإن كانت شفعا كيف لا يصير عدوانا وقد نص عليه الأنباري فافهم. قلت: نحن نستدل بحديث أخرجه البخاري في "صحيحه ": حدثنا أبو نعيم حدثنا زهير عن أبي إسحاق قال: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أنه سمع عبد الله يقول: «أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجد، فأخذت روثة فأتيته بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: "هذا ركس» ". وجه الاستدلال به ظاهر لأنه أنقى بالحجرين ولم يبتغ ثالثاً. وقال الطحاوي: حديث عبد الله دليل على أن الثلاثة ليست بشرط، بيانه أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قعد للغائط في مكان لم يكن فيه حجارة لقوله لعبد الله: "ناولني ثلاث"، ولو كان بحضرة حجارة لما احتاج أن يناوله غيره من غير ذلك المكان، ولما اقتصر على الحجرين دل ذلك على أن الاستنجاء يجزئ بهما ما يجزئ منه الثلاثة إذ لو لم تجزئ الثلاثة لما اكتفى بالحجرين ولأمر عبد الله أن يأتيه بالثلاث، وقال ابن القصار: وقد روي في بعض الآثار التي لا تصح: أنه أتى بحجر ثالث. قال: ولو صح ذلك فالاستدلال لنا به صحيح لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقتصر للموضعين على حجرين أو ثلاثة يحصل لكل واحد منهما أقل من ثلاثة أحجار ضرورة ولا يقتصر على الاستنجاء لأحد الموضعين ويترك الآخر، ولعل ذكر الثلاثة خرج مخرج الغالب في الاكتفاء بحصول الإنقاء بها لا مخرج الشرط أو تحمل الثلاث على الاستحباب، ولأن الثلاثة متروكة عندهم حتى إنه بالحجر الواحد إذا كان له ثلاثة أحرف فيقوم مقام الثلاث فكذا يقوم الحجر أو الحجران إذا حصل الإنقاء مقام الثلاثة لحصول المقصود من الإنقاء فلا معنى للمحمول على لفظة الثلاثة مع حصول المقصود المفهوم من الشرع. وعن محمد لا يجزئه حجر له ثلاثة أحرف. فإن قلت: يحمل الوتر المطلق، على المقيد وهو الثلاثة. قلت: هذا النوع على أصلنا، ولئن سلمنا فقد يقع الحرج على تاركه فانتفى وجوب الاستنجاء بثلاثة أحجار، وبين أن المراد بالأمر الاستحباب والندب فإن قلت: قد فهمنا أن النهي لمعنى الكراهة وتركها لا يمنع الجواز. قلت: ونحن فهمنا أيضا أن المقصود من الأمر بالتثليث تحصيل إزالة النجاسة وجعلها وتحقيقها، فإذا حصل ذلك كفى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 753 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: يحمل قوله - ومن لا فلا حرج - على ترك الوتر بعد الثلاث. قلت: هذا فاسد لأنه إن حصل النقاء بالثلاث، فإن زاد على الثلاث لا تكون مستحبة عندكم، وإن لم يحصل بالثلاثة فالزيادة واجبة عندكم كما قررناه عن قريب. فإن قلت: قال ابن المنذر: قد ثبت أنه قال لا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار. قلت: لا نسلم ذلك، ولئن سلمناه فمعناه لا يكفي لإقامة الأمر المستحب، وأيضاً قد تركوه في الحجر له ثلاثة أحرف، وأيضاً فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد اكتفى بحجرين ولم يطلب الثالث، ولأنه إذا زالت بالأول لا يكون الثاني والثالث استنجاء، لأنه أزاله، ولم يزله. فإن قلت: الثلاثة يعد كالإقرار في العدة، لأن فراغ الرحم يحصل بالواحد. قلت: نحوه يفسد ما في باب العدة بالصغير والآيسة وعدة الوفاة قبل الدخول بخلاف ما نحن فيه، فإنه لا يجب بخروج الصوت والريح والدودة والحصاة. وجواب آخر أن العدة على خلاف القياس. فإن قلت: الآخر لا يستعمل إلا في الواجب. قتل: باطل بدليل ما أخرجه البخاري عن أبي بردة في الأضحية، «قال: عندي جذعة قال: "اذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك» "، والأضحية غير واجبة عندكم بل هي سنة. فإن قلت: حديث البخاري الذي استدل به فيه ثلاثة أشياء. الأول: أن فيه الانقطاع بين أبي إسحاق وعبد الرحمن بن الأسود. الثاني: فيه التدليس من أبي إسحاق ذكره البيهقي [في] الخلافات عن ابن الشاذكوني قال: ما سمعت بتدليس قط أعجب من هذا ولا أخفى، قال أبو عبيدة: لم يحدثني ولكن عبد الرحمن عن فلان [عن فلان] ولم يقل: حدثني، فجاز الحديث وسار الاعتراض. الثالث: الاختلاف في إسناده، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة يقول في حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استنجى بحجرين وألقى الروثة» فقال أبو زرعة: اختلفوا في إسناده، فمنهم من يقول: عن أبي إسحاق عن أبي الأسود عن عبد الله، ومنهم من يقول: عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله. ومنهم من يقول: عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله، والصحيح عندي حديث أبي عبيدة وكذلك روى إسرئيل عن أبي عبيدة، وإسرائيل أحفظهم [ .... ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 754 وما رواه متروك الظاهر، فإنه لو استنجى بحجر له ثلاثة أحرف جاز بالإجماع وغسله بالماء أفضل لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] (التوبة: الآية 108) ،   [البناية] [و] روى الدارقطني ثم البيهقي من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن علقمة ابن قيس عن ابن مسعود «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذهب في حاجته فأمر ابن مسعود أن يأتيه بثلاثة أحجار، فأتاه بحجرين وروثة فألقي الروثة وقال: "إنها ركس ائتني بحجر» . الجواب عن الأول والثاني: أن البخاري لما خرج هذا الحديث قال: وقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق: حدثني عبد الرحمن هذا، فزال الانقطاع والتدليس أيضاً، ودليل آخر على رفع التدليس ما ذكره الإسماعيلي في "صحيحه " المستخرج على البخاري بعد رواية الحديث من جهة يحيى بن سعيد عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن عبد الله بن يحيى بن سعيد لا يرضى أن يأخذ عن زهير عن أبي إسحاق ما ليس بسماع لأبي إسحاق. والجواب الثالث: إن البخاري لم ير ذلك متعارضا وجعلهما إسنادين أو أسانيد، ورجح رواية زهير لكونه أحفظ وأتقن من إسرائيل. والجواب عن الرابع: أن الحديث في البخاري وليس فيه الزيادة المذكورة، والإيتار يقع على الواحد يعني لما قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من استجمر فليوتر» ، أمر بالإيتار، والإيتار قد يقع على الواحد ولا يلزم أن يكون ثلاثاً أو خمساً؛ وأصل الإيتار أوتار، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. م: (وما رواه) ش: أي ما رواه الشافعي من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وليستنج بثلاثة أحجار» م: (متروك الظاهر فإنه لو استنجى بحجر له ثلاثة أحرف) ش: والأحرف جمع حرف، وحرف كل شيء طرفه وشفره وحده م: (جاز بالإجماع) ش: فلا يصح استدلاله به على الخصم أو يقول ما رواه يحتمل الاستحباب، وما رويناه محكم فيحمل المجمل على المحكم توفيقا بين الحديثين م: (وغسله) ش: أي غسل موضع الاستنجاء م: (بالماء أفضل) ش: من الاستنجاء بالحجر. [ما يكون به الاستنجاء] واختلف السلف في الاستنجاء، أما المهاجرون فكانوا يستنجون بالأحجار، وأنكر الاستنجاء بالماء سعد بن أبي وقاص وحذيفة وابن الزبير وابن المسيب قالوا: إنما ذلك وصف للنساء، وكان الغسل لا يتغسل بالماء. وقال عطاء: وكان الأنصار يستنجون بالماء، وكان ابن عمير بعد أن لم يكن يراه، وقال: جربناه ووجدناه دواء وطهوراً، وبه قال رافع بن خديج وعن أنس كان يستنجي بالحرض. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] (التوبة: الآية 108) ش: وأنزلت في أقوام كانوا يتبعون الحجارة بالماء) أراد بالأقوام: أهل قباء، «وقال الشعبي: لما نزلت هذه الآية، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أهل قباء ما هذا الشأن الذي أثني عليكم» ، قالوا: ما من أحد منا إلا وهو يستنجي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 755 وأنزلت في أقوام كانوا يتبعون الحجارة بالماء، ثم هو أدب وقيل هو سنة في زماننا. ويستعمل الماء إلى أن يقع في غالب ظنه أنه قد طهر ولا يقدر بالمرات إلا إذا كان موسوسا   [البناية] بالماء، وفي رواية قال: «يا معشر الأنصار إن الله عز وجل قد أثنى عليكم فما الذي تصنعون عند الوضوء أو عند الغائط"، قالوا: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نتبع الغائط بالأحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء، فتلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] » ، واحتج الطحاوي الاستنجاء بالماء بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 222) ، يعني المتطهرين بالماء، قال بهذا عطاء ومثله عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأبى الجواز. م: (ثم هو أدب) ش: أي الغسل بالماء بعد استعمال الحجر أو المدر أدب لما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - "أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يغسل مقعدته ثلاثاً» ، رواه ابن ماجه، «وعن عائشة قالت: "مروا أزواجكن أن يغسلوا أثر الغائط والبول بالماء، فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعله وأن أستحييهم» ، رواه أحمد والترمذي وصححه، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " [إن من كان قبلكم] كانوا يبعرون بعرا وأنتم تثلطون ثلطا فأتبعوا الحجارة الماء "، رواه أبو بكر بن أبي شيبة. وفي " المحيط ": ليس فيه عدد لازم بالماء، وكان أدبا في عصره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم صار سنة أشار إليه بقوله (وقيل هو سنة في زماننا) ش: رواية عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكورة آنفا في " الحلية ": الأفضل الجمع بينهما، فإذا اقتصر على أحدهما فالماء أولى، وإن اقتصر على الحجر جاز. وفي " شرح الوجيز ": لو كان الخارج من السبيلين نادراً كالدم والقيح ففيه قولان: أحدهما أنه يتعين إزالته بالماء لأن الاقتصار على الحجر تخفيف على خلاف القياس فيقتصر على ما تعم به البلوى، فلا يلحق به غيره. الثاني أنه يجوز الاقتصار على الحجر وهو الأصح نظرا إلى المخرج. وفي " المبسوط ": استنجى من الغائط والبول والمذي والودي والمني والدم الخارج من السبيلين دون سائر الأحداث، وفي " الدراية ": كون الغسل أفضل إذا أنقاه بالأحجار، لأن النص ورد على هذا الوجه. م: (ويستعمل الماء إلى أن يقع في غالب ظنه أنه قد طهر) ش: أي يستعمل المستنجي الماء إلى وقوع غلبة ظنه أن الموضع قد طهر، وأشار بهذا إلى أن العدد فيه ليس بشرط، ونبه عليه أيضاً بقوله: م: (ولا يقدر بالمرات) ش: أي ولا يقدر استعمال الماء بالعدد، بل الاعتبار غلبة الظن م: (إلا إذ كان) ش: أي المستنجي م: (موسوسا) ش: بكسر السين على صيغة الفاعل لأنه هو الذي يلقي الوسوسة في خلده، والوسوسة حديث النفس. وقال الأترازي: ولا يقال بالفتح. قلت: لا مانع من ذلك، لأن صاحب " الكافي " قال: الوسوسة [ ... ] الذي يرى في المرأة كإيقاع الشيطان شيئاً في قلب المؤمن فهي وسوسة فتأمل، وتجد للفتح باباً، والشيطان الذي يوسوس في هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 756 فيقدر بالثلاث في حقه وقيل بالسبع، ولو جاوزت النجاسة مخرجها لم يجز إلا الماء   [البناية] الحالة يسمى ولهان م: (فيقدر بالثلاث في حقه) ش: أي في حق الموسوس وذلك كما في غير الرؤية. م: (وقيل بالسبع) ش: وقيل يقدر في حقه سبع مرات اعتباراً بالحديث الذي ورد في ولوغ الكلب، كذا قاله الأترازي والأكمل أيضاً. قلت: أصحابنا ما اعتبروا السبع هناك فكيف يعتبرونه هاهنا، وقيل: بالتسع وقيل: بالعشر، وقيل: يقدر في القبل بالثلاث وفي المقعدة بالخمس. وروى صالح بن أحمد عن أبيه أنه قال: أقل ما يقدر من الماء في الاستنجاء سبع مرات، وفي " المجتبى " يفوض ذلك إلى رأي المبتلى به. م: (ولو جاوزت النجاسة مخرجها لم يجز إلا الماء) ش: هذا قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اشتراط الماء لإزالة النجاسة. وفي " المحيط ": إنما يجب غسلها عند محمد، ولأنه يزيد على قدر الدرهم. وفي " الذخيرة ": وما جاوز موضع الفرج وزاد على قدر الدرهم فإنه يغسل إجماعاً ولا تكفيه الأحجار، وكذا لو زاد على قدر الدرهم من البول في طرف الإحليل، وإن كانت الزيادة على قدر الدرهم على موضع الفرج يجوز فيه الحجر عندهما، وعند محمد لا يجوز إلا الماء، وكذا روي عن أبي يوسف أيضاً، وإن كانت النجاسة في موضع الاستنجاء أكثر من قدر الدرهم فإنقاؤها بالأحجار ولم يغسلها بالماء، قال الفقيه أبو بكر: لا يجوز به، وعن أبي شجاع: يجزئه، وهكذا في النجاسة فصلاته فاسدة، فكذا إذا كانت تحت إحدى قدميه وهو الأصح، وقيل: ينجسه، وإذا كان في موضع السجود دون القدم ففي رواية عن محمد عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجوز، وهو الأصح، وهو قولهما. وفي رواية أبي يوسف وأبي حنيفة أنه لا يجوز، وإن كان موضع يديه أو ركبتيه يجزئه عندنا خلافاً للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وزفر. ولو صلى على مكان طاهر وسجد عليه لكن إذا سجد وقعت ثيابه على الأرض النجسة جازت صلاته، ولو افتتحها على مكان طاهر ثم تحول إلى مكان نجس ثم تحول منه إلى مكان طاهر جازت صلاته إلا أن يمكث. ولو صلى على بساط وعلى طرف منه نجاسة قد يجوز في الكبير دون الصغير، وحده إذا رفع أحد طرفيه [لم يتحرك الآخر] إلا إذا كان أحد وجهيها نجسا فقام بالماء "ثم نضحه". وفي وراية له: «فإن رأت فيه دما فلتقرصه بشيء من ماء ولتنضح ما لم تر، وتصلي فيه» ، ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه " وفيه قال: «اقرصيه بالماء واغسليه وصلي فيه» . ورواه الإمام أبو عبد الله بن علي بن الجارود في كتاب " المنتقى "، في رواية: «حتيه واقرصيه ورشيه بالماء» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 757 وفي بعض النسخ إلا المائع، وهذا يحقق اختلاف الروايتين في تطهير العضو بغير الماء على ما بينا، وهذا لأن المسح غير مزيل، إلا أنه اكتفي به في موضع الاستنجاء فلا يتعداه، ثم يعتبر المقدار المانع وراء موضع الاستنجاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لسقوط اعتبار ذلك الموضع وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع موضع الاستنجاء اعتبارا بسائر المواضع ولا يستنجي بعظم ولا بروث، لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن ذلك   [البناية] قوله: - حتيه - من حت يحت من باب نصر ينصر، عن الطحاوي، قال الفقيه في " التساوي ": وبه نأخذ. وفي " الملتقطات ": لو أصاب موضع الاستنجاء نجاسة من خارج الدبر قدر الدرهم يطهر بالحجر، وقيل: الصحيح أنه لا يطهر، ذكره المرغيناني. واتفق المتأخرون على سقوط اعتبار ما بقي من النجاسة في حق الفرد، وإن زاد عل قدر الدرهم ولم يرو عنهم فيما إذا جلس هذا المستنجي فيها قليلاً فهل تنجس؟ حكي عن الفقيه أبي جعفر أنه قال: لا ينجس فله وجه، وإن قيل: ينجس، فله وجه، وهو الصحيح، وذكر في " المبسوط ": أنه يتنجس ولم يذكر خلافاً. م: (وفي بعض النسخ) أي وفي بعض نسخ القدوري لم يجز م: (إلا المائع) ش: أي الطاهر المزيل وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف م: (وهذا) ش: أي وهذا الذي قاله إلا الماء وإلا المائع م: (يحقق اختلاف الروايتين في تطهير العضو بغير الماء) ش: فقوله الماء يدل على أن إزالة النجس الحقيقي عن البدن لا يجوز إلا بالماء، وقوله - إلا المائع - يدل على أن إزالته يجوز بالمائع المزيل م: (على ما بينا) ش: في أول باب الأنجاس. م: (وهذا) ش: أي هذا الذي قنا من اشتراط المائع إذا جاوزت النجاسة مخرجها م: (لأن المسح غير مزيل) ش: بالكلية م: (إلا أنه اكتفي به) ش: أي بالمسح م: (في موضع الاستنجاء) ش: بضرورة، والثابت بالضرورة يتقدر بقدرها م: (فلا يتعداه) ش: أي فلا يتعدى موضع الاستنجاء إلى غيره م: (ثم يعتبر المقدار المانع وراء موضع الاستنجاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف لسقوط اعتبار ذلك الموضع) ش: فكان طاهراً حكما، فبقيت العبرة لما عداها، فإن كان أقل من درهم لا يمنع، وإن كان أكثر يمنع، [وفي] موضع آخر: فإنه لم يسقط اعتباره شرعاً. م: (وعند محمد مع موضع الاستنجاء) ش: أي المعتبر عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في المقدار المانع موضع الاستنجاء م: (اعتباراً بسائر المواضع) ش: يعني أن في سائر المواضع قدر الدرهم عفواً، فإذا زاد عليه يكون مانعاً، فكذا في موضع الاستنجاء. [الاستنجاء بالعظم والروث] م: (ولا يستنجي بعظم ولا بروث، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ذلك) ش: أي عن الاستنجاء بالعظم والروث، وفيه أحاديث، فروى البخاري في "بدء الخلق" من «حديث أبي هريرة، قال له النبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 758 ولو فعل يجزئه لحصول المقصود، ومعنى النهي في الروث النجاسة، وفي العظم كونه زاد الجن، ولا يستنجي بطعام لأنه إضاعة وإسراف ولا بيمينه «لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن الاستنجاء باليمين»   [البناية] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ابغني أحجارا استنفض بها ولا تأتني بعظم ولا بروثة"، قلت: ما بال العظام والروثة، قال: "إنهما من طعام الجن» . وروى الجماعة غير البخاري من حديث سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نستقبل القبلة بغائط أو بول أو أن نستنجي برجيع أو عظم» ، وفي لفظ: «ونهى عن الروث والعظام» . وروى مسلم من حديث ابن مسعود حديث الوضوء بالنبيذ وفيه: "وسألوه الزاد، فقال: «لكم كل عظم ولكم بعرة علف لدوابكم"، ثم قال: "لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنهما زاد أخوانكم من الجن» . م: (ولو فعل يجزئه) ش: أي ولو فعل الاستنجاء بالعظم أو بالروث يجزئه، ولكن يكره وبه قال مالك إذا كان العظم طاهراً، وقال الشافعي: لا يجزئه م: (لحصول المقصود) ش: وهو إنقاء الموضوع م: (ومعنى النهي في الروث: النجاسة، وفي العظم: كونه زاد الجن) ش: أشار بهذا إلى أن النهي يعد في غيره فلا ينفي المشروعية، كما لو توضأ بماء مغصوب واستنجى بحجر مغصوب. م: (ولا يستنجى بطعام لأنه إضاعة وإسراف) ش: وهما حرام، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الاستنجاء بالعظم لكونه زاد الجن، فهي زاد الإنس بطريق الأولى، ويكره الاستنجاء بعشرة أشياء: العظم والرجيع والروث والطعام واللحم والزجاج وورق الشجر والشعر، ولو استنجى بها يجزئه مع الكراهة خلافا للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأحمد في الطعام والعظم والروث. وفي سقوط الغرض بالطعام وجهان عند الشافعي [ ... ] . وفي " المبسوط ": يكره الاستنجاء بالآجر والخزف والفحم، وليس له قيمة أو حرمة كحرمة الديباج والأطارش، وفي " النظم ": ويستنجى بثلاثة الماء، فإن لم يجد فالأحجار، فإن لم يجد فثلاثة أكف من تراب، ولا يستنجى بما سواها من القرفة والقطن ونحوهما؛ لأنه روي في الحديث أنه يورث النقرس، وعنده يجوز الاستنجاء بقطعة من الخشب ومن الذهب والفضة في أظهر الروايتين كما يجوز بالقطعة من الديباج عنه، وروى الدارقطني من حديث رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه نهى أن يستطيبه أحدكم بعظم أو روثة أو جلد» قال الدارقطني: لا يصح ذكر الجلد. وقال ابن القطان في رواية: مجهول م: (ولا بيمينه) ش: أي ولا يستنجي بيمينه م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن الاستنجاء باليمين» ش: أخرجه الجماعة في "كتبهم" ومختصراً من حديث أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 759 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قتادة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه، وإذا أتى الخلاء فلا يتمسح بيمينه، وإذا شرب فلا يشرب نفساً واحدا» . وللجماعة غير البخاري من حديث سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيه: «نهى عن الاستنجاء باليمين» . قوله: - لا يمس ذكره - هذا إذا كان في الخلاء، وعلى الإطلاق ما روي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: ما تعنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا إكرام اليمين وإجلال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو من باب الآداب عند الفقهاء، [فمني] أكل بالشمال لا يحرم عليه طعامه. انتهى المجلد الأول ويليه المجلد الثاني وأوله كتاب الصلاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 760 كتاب الصلاة.   [البناية] [كتاب الصلاة] [تعريف الصلاة] م: (كتاب الصلاة) ش: أي: هذا كتاب في بيان أحكام الصلاة، فارتفاع كتاب على أنه خبر مبتدأ محذوف، ويجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر، أي كتاب الصلاة هذا، ويجوز نصب الكتاب على تقدير: خذ كتاب الصلاة. وقد مضى تفسير الكتاب في أول الكتاب. ولما فرغ من بيان الطهارات التي فيها شروط الصلاة، شرع في بيان الصلاة التي هي مشروطة، فلذلك أخرها عن الطهارات لأن شرط الشيء يسبقه وحكمه تبع، ثم معنى الصلاة في اللغة العامة: الدعاء؛ قال الله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] (التوبة: الآية 103) أي ادع لهم، وفي حديث إجابة الدعوة: «وإن كان صائما فليصل» أي فليدع بالخير والبركة، ومنه قول الأعشى: وصهباء طاف يهود بها ... وأبرزها وعليها ختم وقابلها الريح في دنها ... وصلى على دنها وارتسم يصف الخمرة ودعا لها بالسلامة والبركة، والصهباء اسم من أسماء الخمر سميت بها للونها في الشعر، فإن الصهبة [حمرة] بين الشعر، قوله أبرزها أي أظهرها، قوله: وارتسم ضبطه الأترازي بالشين المعجمة وهو غلط، وإنما هو بالسين المهملة. قال الجوهري: في فصل: ارتسم الرجل كبر ودعى. ثم قال الأعشى: وقابلها الريح إلى آخره، ومادته من الرسوم بالمهملة، وأما الرشم بالمعجمة فمعناه الختم، وهو قريب من معنى الرسم بالمهملة، ولكن هاهنا لا يصلح أن يكون قوله ارتشم بالمعجمة لأن معناه دعا عطفا على قوله: وصلى، ومضى أيضا معنى الختم في آخر البيت الأول، وسميت الصلاة الشرعية صلاة؛ لاشتمالها عليه، قالوا: هذا هو الصحيح، وبه قال الجمهور من أهل اللغة. وقيل هي مشتقة من صليت العود على النار إذا قومته، قال النووي: وهذا باطل لأن لام الكلمة من الصلاة واو؛ بدليل الصلوات، وفي صليت ياء فكيف يصح الاشتقاق مع اختلاف الحروف الأصلية. قلت: دعواه بالبطلان غير صحيحة لأن اشتراط اتفاق الحروف الأصلية في الاشتقاق الصغير دون الكبير والأكبر، وأيضا فإن الجوهري ذكر مادة صلى ثم قال: الصلاة الدعاء هو اسم يوضع موضع المصدر، تقول صليت صلاة، ولا يقال تصلية، وصليت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وصليت العصا بالنار إذا لينتها وقومتها، وقال قيس بن هير: فلا تعجل بأمرك واستدمه ... فما صلى عصاك المستقيم والمصلي تالي السابق، وصليت اللحم وغيره أصليه صليا مثال رميته رميا إذا شويته، وصلي فلان بالنار بالكسر يصلي صليا أحرق واصطليت بالنار وتصليت بها، وذكر غير ذلك، ولم يفرق بين الواوية والمادة اليائية، وفي الحقيقة ما يفرق بينهما إلا برد الكلمة إلى الجمع والتصغير. فإن قلت: الصلاة لو كانت واوية كان ينبغي أن يقال صلوات ولم يقل ذلك. قلت: هذا لا ينبغي أن تكون واوية لأنهم يقلبون الواو ياء إذا وقعت رابعة. وقيل: الصلاة مشتقة من الصلوين تثنية الصلاة وهو ما عن يمين الذنب وشماله. قال الجوهري: قلت: هما العظمان الناتئان عن العجيزة. وقال المطرزي: الصلا هو العظم الذي عليه الأليتان، لأن المصلي يحرك صلويه في الركوع والسجود. وقيل: مشتقة من المصلي وهو الفرس الثاني من خيل السباق، لأن رأسه قد تكون [عند صلا] السابق، وقيل: إن أصلها في اللغة التعظيم، وسميت المادة المخصوصة صلاة لما فيها من تعظيم الرب عز وجل، وقيل: من الرحمة، وقيل: من الشواء من قولهم شاة مصلية وهي التي قربت إلى النار، وقيل: من اللزوم. قال الزجاج: يقال صلي واصطلى إذا لزم. وقيل: هي الإقبال على الشيء وأنكر غير واحد بعض هذه الاشتقاقات لأن لام الكلمة في الصلاة واو. وفي بعض هذه الأقوال ياء فلا يصح الاشتقاق مع اختلاف الحروف. قلت: الجواب عنه ما ذكرته. وأما معناها الشرعي: فهو أنها عبارة عن الأركان المعهودة والأفعال المخصوصة. قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سميت بالصلاة لاشتمالها على المعنى اللغوي فهو من المنقولات الشرعية. قلت: إذا كان فيها زيادة مع بقاء اللغة تكون تفسيرا لا نقلا لأنه لا يراعى المعنى اللغوي في النقل، وفي المعنيين يكون باقيا ولكنه زيد عليه شيء آخر. 1 - وسبب وجوب الصلوات الخمس أوقاتها، وشرائطها ستة، الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة، والوقت، والنية، وتكبيرة الإحرام. وإنما عد الوقت من الشروط مع أنه سبب لأنه شرط للأداء وسبب للوجوب. وأركانها، القيام والقراءة والركوع والسجود والقعدة الأخيرة مقدار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] التشهد، وحكمها سقوط الواجب بالأداء في الدنيا، وحصول الثواب الموعود في الآخرة. وحكمتها تعظيم الله تعالى بجميع الأركان بالأعضاء ظاهرها وباطنها تنزها عن عبادة الأوثان قولا وفعلا وهيئة وثبوت نفس الصلاة بالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] (النساء: الآية 102) ، أي فرضا مؤقتا، وغيرها من الآيات. وأما السنة: فحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا» . متفق عليه. وأما الإجماع، فقد أجمعت الأمة من زمن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا من غير نكير منكر ولا رد راد، فمن أنكر شرعيتها فقد كفر بلا خلاف. وأما فرضية الخمس فقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] (البقرة: الآية 238) ، وهذه الآية قاطعة الدلالة على فرضية الخمس لأنه تعالى فرض جمعا من الصلوات والصلاة الوسطى معها وأقل جمع صحيح معه وسطى هو الأربع دون الثلاث، وما قيل: إن اللام إذا دخلت على الجمع يراد بها الجنس، لا يستقيم هاهنا لأنه إنما يراد به الجنس إذا لم يكن ثمة معهودة فهو منه، وهاهنا يرجع إلى المفروضات في الشرع. ولئن سلم حمله على الجنس لا يمكن حمله على أقل الجنس، هاهنا بالإجماع ولا على كله بالإجماع، فعلم أن المراد أقل الجمع الذي يصح به الوسطى خمس، وعلى قول أكثر أهل اللغة لا تصير للجنس بدخول اللام بل يبقى جمعا عاما في أنواع الجموع، وهو اختيار صاحب " الكشاف " و " المفتاح "، فحينئذ لا يرد الإشكال وهو قَوْله تَعَالَى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: 17] (الروم: الآية 17) أراد به المغرب والعشاء، وحين تصبحون أراد به الصبح وعشيا أراد به صلاة العصر وحين تظهرون الظهر. وأما من السنة، فحديث طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب قال: «جاء إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا يفهم ما يقول حتى دنى من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " خمس صلوات في اليوم والليلة "، فقال: هل علي غيرها؟ قال: " لا، إلا أن تطوع.» رواه البخاري ومسلم. قوله ثائر الرأس أي منتفش الشعر، وطلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرة بالجنة، قتل يوم الجمل لعشر خلون من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين، ودفن بالبصرة. 1 - فإن قلت: متى فرضت الصلاة؟ وكيف فرضت؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: جاء في " مسند الحارث بن أبي أسامة " من حديث أسامة بن زيد «أن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أتاه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في أول ما أوحي إليه فعلمه الوضوء والصلاة» . وابن ماجه بلفظ: «علمني جبريل الوضوء» . وذكر الحربي أن الصلاة قبل الإسراء كانت صلاة قبل غروب الشمس، وصلاة قبل طلوعها. قال الله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55] (غافر: الآية 55) . وذكر الحكيم الترمذي: أن أول فرض كتب على هذه الأمة الصلاة، وأهلها مسئولون عنها يوم القيامة، في أول حشر من الحشور السبعة. وفي " صحيح البخاري " عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر» . وفي " الصحيح «فرضت الصلاة بمكة ركعتين ركعتين فلما هاجر فرضت أربعا وأقرت في صلاة السفر ". وفي رواية " بعد الهجرة بسنة» ، وفي " مسند أحمد ": «فرضت ركعتان ركعتان إلا المغرب فإنها كانت ثلاثا» ". وقال ابن عمر وروي «عن ابن عباس أن الصلاة فرضت في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين» وبذلك قال نافع، وابن جبير، والحسن، وابن جريج، ولا خلاف في أن فرض الصلوات الخمس كانت ليلة المعراج، وروي البيهقي من طريق موسى بن عقبة عن الزهري أنه قال: أمر بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل خروجه إلى المدينة بسنة، وعن [ ...... ] : فرض على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخمس ببيت المقدس ليلة أسري به قبل ثمانية عشر شهرا، وقال القرطبي، وعياض: لا خلاف أن خديجة صلت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد فرض الصلاة وأنها توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل بخمس سنين. والعلماء مجمعون أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء. فإن قلت: ما الحكم في كون الظهر والعصر والعشاء أربع ركعات، والصبح ركعتين، والمغرب ثلاثا؟ قلت: كل صلاة صلاها نبي؛ فالفجر صلاها آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين خرج من الجنة، وأظلمت الدنيا عليه وجن الليل، فلما انشق الفجر صلى ركعتين الأولى: شكرا للنجاة من ظلمة الليل، والثانية: شكرا لرجوع ضوء ذلك النهار، فكان متطوعا عليه وفرضا علينا. والظهر صلاها إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين أمر بذبح الولد وذلك عند الزوال. الأولى: شكرا لزوال غم الولد، والثانية لمجيء الفداء، والثالثة لرضى الله تعالى، والرابعة شكرا لصبر ولده، وكان متطوعا وفرض علينا. والعصر صلاها يونس - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين أنجاه الله تعالى من أربع ظلمات: ظلمة الذلة، وظلمة البحر، وظلمة الحوت، وظلمة الليل. والمغرب صلاها عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الأولى لنفي الألوهية عن نفسه، والثانية: لنفي الألوهية عن أمه، والثالثة: لإثبات الألوهية لله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 .. .... .... .... ..   [البناية] تعالى. والعشاء صلاها موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين خرج من اليابس ودخل الطريق، وكان في غم المرأة، وغم أخيه هارون، وغم غرق فرعون، وغم أولاده، وشكرا لله تعالى حيث نجاه من الغرق وأغرق عدوه، فلما نجاه الله من ذلك كله، ونودي من شاطئ الوادي صلى أربعا شكرا تطوعا، فأمرنا بذلك لينجينا الله من شر الشيطان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 باب المواقيت أول وقت الفجر إذا طلع الفجر الثاني،   [البناية] [باب المواقيت] م: (باب المواقيت) ش: أي: هذا باب في بيان مواقيت الصلاة؛ فإعرابه مثل إعراب كتاب الصلاة، والمواقيت جمع ميقات والميقات ما وقت به أي حدد من زمان، كمواقيت الصلاة، أو مكان كمواقيت الإحرام، ويقال: المواقيت جمع وقت على غير القياس، يقال: وقت الشيء بوقته ووقته: إذا بين حده. والتوقيت والتأقيت: أن يجعل للشيء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة، وأصل ميقات موقاة، قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها. قال الجوهري: الميقات الوقت المضروب للمصلي والموضع أيضا، يقال هذا ميقات أهل الشام. للموضع الذي يحرمون منه. ولما كانت الصلوات قسمين، الأول: لازمة كالخمس والجمعة والعيدين، والثاني عارضة كصلاة الجنازة والكسوف والاستسقاء ونحوها، واللازمة يلزم بأوقاتها، ووقت بعضها يتكرر في السنة مرة، وبعضها في الجمعة مرة وبعضها في كل يوم خمسا، كان معرفة الأوقات أهم معالم الصلوات. ولأن التوقيت سبب، والسبب يقدم على المسبب؛ فلذلك بدأ المصنف بباب المواقيت، وله جهتان: جهة أنه وجه الشرط لأنه سبب للوجوب، وشرط للأداء فلذلك استحق التقديم. [وقت صلاة الفجر] [أول وقت الفجر] م: (أول وقت الفجر إذا طلع الفجر الثاني) ش: قدم بيان وقت الفجر وكان الواجب أن يبتدئ وقت الظهر، لأنها أول صلاة أمه فيها جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولكن وقت الفجر وقت متفق في أوله وآخره، ولأنه صلاة وجبت بعد النوم، والنوم أخو الموت فكان إيراده بأول وقت يخاطب المرء بأدائها إذ الخطاب على اليقظان لا على النائم، ولأن صلاة الفجر أول من صلاها آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين أهبط من الجنة كما ذكرنا عن قريب. فإن قلت: كيف قلت وقت الفجر وقت اختلف في أوله وآخره، وقد قال أبو سعيد الإصطخري من الشافعية: إذا أسفر يخرج الوقت وتكون الصلاة بعد طلوع الشمس قضاء؟. قلت: هذا القول خارق للإجماع فلا يلتفت إليه. وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على من يصلي الصبح قبل طلوع الشمس أنه يصليها في وقتها، ولأن صلاة الفجر أول الخمس في الوجوب، إذ لم يختلفوا في أن الصلوات الخمس فرضت في ليلة الإسراء، فالفجر صبيحة ليلة وجوبها، وذلك لما روى أنس بن مالك قال: « [فرضت] على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصلوات ليلة الإسراء، خمسين صلاة ثم نقصت حتى جعلت خمسا، ثم نودي يا محمد إنه لا يبدل القول لدي وإن لك بهذه الخمس خمسين» . رواه النسائي وأحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 وهو البياض المعترض في الأفق وآخر وقتها ما لم تطلع الشمس؛ لحديث إمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فإنه أم رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيها في اليوم الأول حين طلع الفجر وفي اليوم الثاني حين أسفر جدا وكادت الشمس تطلع،   [البناية] [آخر وقت صلاة الفجر] وقال السروجي: والشافعية بدءوا بصلاة الظهر لإمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ثم قال: ولنا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بدأ بالفجر للسائل بالمدينة، وهو متأخر عن الأول الذي هو فعل جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وناسخ لبعضه فلهذا استحسنوا ترتيبه. قلت: بدأ محمد في أصل " الجامع الصغير " بصلاة الظهر. وقال الأترازي: لأن أول صلاة الفجر فالمضاف محذوف. قوله: إذا طلع الفجر الثاني أي الصادق. وفي " الجمهرة ": اختلف المشايخ في أن العبرة لأول طلوعه أو لاستطارته وانتشاره. م: (وهو) ش: أي الفجر الثاني م: (البياض المعترض في الأفق) ش: أي في أفق السماء وهو طرفه وناحيته. قال الجوهري: الآفاق النواحي. الواحد أفق وأفق مثل عشر وعشر، قال الأكمل: احترز به عن الفجر الكاذب، وفسره أيضا على ما يأتي عن قريب، ومقصوده هاهنا بيان الفجر الثاني، وهو الفجر الصادق الذي يدخل به وقت صلاة الصبح، وهو الفجر المعترض أي المنتشر في الأفق عرضا لا يزال يزداد، وسمي الصادق به لأنه صدق عن الصبح. م: (وآخر وقتها) ش: أي آخر وقت صلاة الفجر م: (ما لم تطلع الشمس) ش: المراد به جزء قبل طلوع الشمس. وفي " البداية " في قوله ما لم تطلع الشمس إطلاق اسم الكل على البعض لأن قوله ما لم تطلع للشمس يتناول من أول الوقت إلى ما قبل طلوع الشمس، والمراد به الجزء كما ذكرنا. م: (لحديث إمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فإنه أم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها في اليوم الأول حين طلع الفجر، وفي اليوم الثاني حين أسفر جدا، وكادت الشمس تطلع) ش: حديث إمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رواه جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - منهم ابن عباس، [وأبو] مسعود، وأبو هريرة، وعمرو بن حزم، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وابن عمر، وبريدة، وأبو موسى الأشعري، والبراء بن عازب. أما حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه أبو داود، والترمذي عنه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أمني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عند البيت مرتين فصلى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم العصر حين كان ظل كل شيء مثله، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم، وصلى المرة الثانية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الظهر حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب لوقته الأول، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت إلى جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال: يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت ما بين هذين الوقتين» . قال الترمذيِ: حديث حسن. ورواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه "، وأبو بكر بن خزيمة في " صحيحه ". فإن قلت: في إسناده عبد الرحمن بن الحارث تكلم فيه أحمد وقال: متروك الحديث، ولينه النسائي، وابن معين، وأبو حاتم الرازي. قلت: هذا الحديث هو العمدة في هذا الباب، ومثل هؤلاء الأئمة صححوه، وعبد الرحمن بن الحارث وثقه ابن سعد وابن حبان. وقال ابن عبد البر في " التمهيد ": وقد تكلم بعض الناس في حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذا بكلام لا وجه له، ورواته كلهم مشهورون بالعلم، وأخرجه عبد الرزاق عن الثوري عن عبد الرحمن بن الحارث بإسناده عن العمري عن عمر بن نافع بن حبيب بن مطعم عن أبيه عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نحوه. وأما حديث جابر فرواه الترمذي والنسائي عنه واللفظ له: «جاء جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين مالت الشمس فقال: " قم يا محمد فصل الظهر حين مالت الشمس، ثم مكث حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاءه للعصر فقال: قم يا محمد فصل العصر، ثم مكث حتى إذا غابت الشفق جاءه فقال: قم فصل المغرب فقام فصلاها، حين غابت الشمس، ثم مكث حتى إذا غاب الشفق جاءه فقال: قم فصل العشاء فقام فصلاها ثم جاءه حين سطع الفجر بالصبح فقال: قم يا محمد فصل فقام فصلى الصبح، ثم جاءه من الغد حين كان فيء الرجل مثله، فقال: قم يا محمد فصل الظهر، ثم جاءه حين كان فيء الرجل مثليه فقال: قم يا محمد فصل العصر، ثم جاءه المغرب حين غابت الشمس وقتا واحدا لم يزل عنه فقال: قم يا محمد فصل المغرب، ثم جاءه للعشاء حين ذهب ثلث الليل الأول، فقال: قم يا محمد فصل العشاء، ثم جاءه الصبح حين أسفر جدا فقال: قم يا محمد فصل فصلى الصبح، ثم قال ما بين هذين وقت كله» . قال الترمذي: قال محمد يعني البخاري: حديث جابر أصح شيء في المواقيت، ورواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه "، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه لعله حديث الحسين الأصغر، وهو من جملة رواته، وثقه النسائي وابن حبان. رواه أحمد وإسحاق بن راهويه. فإن قلت: قال ابن القطان في " كتابه ": هذا الحديث يجب أن يكون مرسلا، لأن جابرا لم يذكر من حدثه بذلك، وجابر لم يشاهد ذلك، صحة الأمر لما علم أنه أنصاري، وإنما صحت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بالمدينة، ولا يلزم بذلك من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأبي هريرة، فإنهما رويا إمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: هذا إرسال غير ضار، فمن ثم يبعد أن يكون جابر سمعه من تابعي غير صحابي. وقد اشتهر أن مراسيل الصحابة مقبولة والجهالة غير ضارة. وأما حديث أبي مسعود فرواه ابن راهويه مطولا في " مسنده "، ورواه [البيهقي] في " سننه "، ثم قال: إنه منقطع، لم يسمع أبو بكر من أبي مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإنما هو بلاغ. قلت: أبو بكر هو ابن عمرو بن حزم، وأبو مسعود اسمه عقبة بن عمرو الأنصاري. وحديث أبي مسعود هذا في " الصحيحين " إلا أنه غير مفسر، ولفظهما عن أبي مسعود الأنصاري قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «نزل جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فأمني فصليت معه، ثم جاء مرة أخرى فأمني فصليت معه ويحسب بأصابعه خمس صلوات ثم قال: بهذا أمرت» . وليس في " الصحيحين " غير ذلك. وأما حديث أبي هريرة فعند البزار والنسائي والحاكم في " مستدركه " وأما حديث عمرو بن حزم فعند عبد الرزاق في " مصنفه "، وعنه رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده ". وأما حديث أبي سعيد الخدري فعند أحمد في " مسنده " والطحاوي في " شرح الآثار ". وأما حديث أنس فعند الدارقطني في " سننه "، وقال ابن القطان: في إسناده محمد بن سعيد وهو مجهول، والراوي عنه أبو حمزة إدريس بن يونس بن يناق الفراء ولا يعرف حاله. وأما حديث ابن عمر فعند الدارقطني أيضا، ورواه ابن حبان في كتاب " الضعفاء "، وأعله بمحبوب بن الجهم أحد رواته. وأما حديث بريدة فعند مسلم أن رجلا سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن وقت الصلاة أخرجه مطولا. وأما حديث أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعند مسلم، إلا أن فيه أنه أخر المغرب في اليوم الثاني وأن ذلك كان في صلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المدينة، ثم الكلام في حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقوله: «أمني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عند البيت» أراد به الكعبة شرفها الله تعالى. واعترض النووي على الغزالي في قوله هذا الخبر عند باب البيت، وقال: المعروف عند البيت وليس له وجه، لأن الشافعي هكذا رواه فقال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة بن عبد العزيز عن عبد الرحمن بن الحارث، وفيه: «أمني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عند باب البيت» . وهكذا رواه البيهقي والطحاوي أيضا في " شرح الآثار ": «أمني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مرتين عند باب البيت» . 1 - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قوله: حين زالت الشمس، ورد أن انحطاطها عن كبد السماء يسير. قوله: قدر الشراك، هو أحد سواري النعل التي تكون على وجهها، وقدره هاهنا ليس على معنى التحديد، ولكن زوال الشمس لا يتبين إلا بأقل ما يرى من الظل، وكان حينئذ يمكن تحديد هذا القدر، والظل يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة، وإنما يتبين ذلك في مثل مكة من البلاد التي ينتقل فيها الظل، فإذا كان أطول النهار، واستوت الشمس فوق الكعبة لم ير شيء من جوانبها، وظل كل بلد يكون أقرب إلى خط الاستواء، وعدل النهار يكون الظل فيه أقصر، وكل ما بعد عنها إلى جهة الشمال يكون الظل فيه أطول. قوله: حين كان ظله مثله، وفي بعض الرواية حين صار كل شيء مثله. قوله: حين غاب الشفق، وهو البياض عند أبي حنيفة على ما يأتي. قوله: حين حرم الطعام والشراب على الصائم، وهو أول طلوع الفجر الثاني الصادق. قوله: حين كان ظله مثليه، وهو آخر وقت الظهر عند أبي حنيفة على ما يأتي إن شاء الله تعالى. قوله: وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، يعني حين غابت الشمس، والإجماع على أن وقت المغرب غروب الشمس. واختلفوا في آخر وقتها فقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والأوزاعي والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: لا وقت للمغرب إلا وقت واحد. وعن الشافعي: ووقت المغرب بقدر وقوع فعلها فيه مع شروطها حتى لو بقي ما يسع فيه ذلك فقد انقضى الوقت. وعند أبي حنيفة وأصحابه: وقت المغرب من غروب الشمس إلى غروب الشفق، وبه قال أحمد والثوري وإسحاق بن راهويه وهو قول الشافعي في القديم، وقال الثوري: هو الصحيح واختاره النووي والخطابي والبيهقي والغزالي. وعن مالك ثلاث روايات أحدها: كقولنا. والثانية: كقول الشافعي في الجديد. والثالثة: تبقى إلى طلوع الفجر، وهو قول عطاء وطاوس. وقوله: وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل، يجوز أن يكون إلى هاهنا بمعنى في، أي صلى في ثلث الليل ومنه قَوْله تَعَالَى: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [النساء: 87] (النساء: الآية 87) أي في يوم القيامة، وهذا وقت الاستحباب، أما وقت الجواز ما لم يطلع الفجر. وقال الشافعي ومالك وأحمد: هو وقت الفجر. وأما آخره عند أصحابنا ما لم يطلع الفجر. وقال الشافعي: إلى الإنقاء لأصحاب الرفاهية ولمن لا عذر له. وقال: ومن صلى ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس لم يفته الصبح، وهذا في أصحاب الأعذار والضرورات. وقال مالك وأحمد وإسحاق: من صلى ركعة من الصبح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وطلعت الشمس أضاف إليها أخرى وقد أدرك الصبح. قوله: هذا وقت الأنبياء قبلك، هذا يدل على أن الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - كانوا يصلون في هذه الأوقات، ولكن لا يلزم أن يكون قد صلى كل منهم في جميع هذه الأوقات. والمعنى أن صلاتهم كانت في هذه الأوقات [ .... ..... ] ، وإلا فلم تكن هذه الصلوات على هذه المواقيت إلا لهذه الأمة خاصة، وإن كان غيرهم قدره لهم في بعضها. ألا ترى أن ما روى أبو داود في القسمة وفيه: «اغتنموا بهذه الصلاة فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم» . قوله: والوقت مبتدأ. وقوله: ما بين هذين الوقتين إشارة إلى وقت اليوم الأول والثاني الذي أم فيها جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فإن قلت: هذا يقتضي أن لا يكون الأول والآخر وقتا لها. قلت: لما صلى في أول الوقت وآخره وجد البيان منه فعلا وبقي الاحتياج إلى ما بين الأول والآخر فتبين ما يقول. وجواب آخر أن هذا بيان للوقت المستحب إذ الأداء في أول الوقت ما يتعين على الناس، ويؤدي أيضا إلى تقليل الجماعة، وفي التأخير إلى آخر الوقت خشية الفوات، فكان المستحب ما بينهما مع قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خير الأمور أوساطها» ، ثم إن الشافعية استدلوا بإمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على صحة إمامة المفترض بالمنتفل، وقالوا: إن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان متنفلا معلما والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مفترض. قلنا: هذه دعوى فمن أين لهم أنه كان متنفلا أو مفترضا؟ أما كونه معلما فبين: قالوا: لا تكليف على ملك في هذه الشريعة، وإنما هو على الجن والإنس. قلنا: هذا لا يعلم عقلا وإنما علم بالشرع، وجبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مأمور بالإمامة بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يؤمر غيره من الملائكة ملك، فلما خص بالإمامة جاز أن يخص بالفرضية، وروي في حديث أبي مسعود في " الصحيحين " الذي مضى ذكره، بهذا أمرت بضم التاء وفتحها، أما الفتح فظاهر، وأما الضم فيدل على أن جبريل كان مأمورا ولكن لم يعلم كيفية أمر الله تعالى له، هل قال له بلغ قولا أو فعلا أو كيف شئت، ولا يقال أمره أن يبلغه قولا ويبلغ فعلا لأنه يكون مخالفا غير ممتثل. فإن قلت: لا شك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان مقتديا بجبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والناس صلوا سواء. قلت: في حديث عمرو بن حزم قال: جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فصلى بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصلى النبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 ثم قال في آخر الحديث: «ما بين هذين الوقتين وقت لك ولأمتك» . ولا معتبر بالفجر الكاذب، وهو البياض الذي يبدو طولا ثم يعقبه الظلام؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يغرنكم أذان بلال ولا الفجر المستطيل، وإنما الفجر المستطير في الأفق» .   [البناية] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالناس الحديث. م: (ثم قال في آخر الحديث) ش: أي قال جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في أخر حديث إمامته. م: (" ما بين هذين الوقتين وقت لك ولأمتك ") ش: أشار بهذين إلى الوقتين اللذين صلى فيهما جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في اليوم الأول واليوم الثاني، وقد مر أن هذا الحديث أخرجه جماعة من الصاحبة، وليس في حديث واحد منهم هذا اللفظ بهذه العبارة، فعبارة حديث ابن عباس: «والوقت فيما بين هذين الوقتين» وعبارة حديث جابر: «ما بين هذين وقت كله» ، وعبارة حديث أبي مسعود الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ما بين هذين وقت صلاة» . وعبارة حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما بين هذين وقت، بدون لفظة كله مما في حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وفي طريق آخر لأبي هريرة أخرجه النسائي ثم قال: " الصلاة ما بين صلاتك أمس وصلاتك اليوم ". وفي حديث أبي موسى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن سائلا سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحديث، وفي آخره ثم قال أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أين السائل عن وقت الصلاة؟ الوقت: فيما بين هذين» . وفي حديث أبي بريدة: «وقت صلاتكم ما بين ما رأيتم» قوله: وقت مرفوع على الابتداء وخيره مقدم هو قوله: ما بين هذين، محل لك من الإعراب رفع لأنه صفة لقوله -: وقت - ومتعلق اللام محذوف تقديره وقت كائن لك. م: (ولا معتبر بالفجر الكاذب) ش: يعني الاعتبار بدخول وقت الصبح، ولا في خروج وقت العشاء. م: (وهو البياض الذي يبدو طولا ثم يعقبه الظلام) ش: هذا تفسير الفجر الكاذب وهو الذي يبدأ يظهر ضوؤه مستطيلا ذاهبا في السماء كذنب السرحان وهو الذي يعقبه ظلمة. يعني: يمضي أثره ويصير الجو أظلم ما كان، ويسمى كاذبا لأنه يضيء ثم يسود ويذهب النور فيختلف ويعقبه ظلمة فكان كاذبا، والعرب تشبهه بذنب السرحان لمعنيين: أحدهما طوله. والثاني: أن ضوءه يكون في الأعلى دون الأسفل، كما أن الذنب يكثر شعره في أعلاه لا في أسفله، والأحكام متعلقة بالفجر الثاني دون الأول، به يدخل وقت صلاة الصبح، ويخرج وقت العشاء، ويحرم الأكل والشرب والجماع على الصائم، وينقضي الليل ويدخل النهار، ولا يتعلق [بالأول] شيء من الأحكام بإجماع المسلمين. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يغرنكم أذان بلال، ولا الفجر المستطير، إنما الفجر المستطير في الأفق» هذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 أي المنتشر فيها. وأول وقت الظهر إذا زالت الشمس؛ لإمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في اليوم الأول حين زالت الشمس.   [البناية] الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كلهم - في الصوم، واللفظ للترمذي من حديث سوادة بن حنظلة عن سمرة بن جندب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق» . ولفظ مسلم: «لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هذا حتى يستطير هكذا» . وحكى حماد قال: يعني مفترضا، وبلفظ الترمذي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن راهويه وأبو يعلى الموصلي في مسانيدهم، والطبراني في " معجمه "، وابن أبي شيبة في " مصنفه ". قوله - الفجر المستطيل هو الفجر الكاذب، والفجر المستطير هو الفجر الصادق، وقد فسره المصنف بقوله م: (أي المنتشر فيها) ش: أي في الأفق، وإنما أنث الضمير فيها إلى معنى الناحية وعليه قوله ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يمدح النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وأنت لما ولدت أشرقت الأرض ... وضاءت بنورك الأفق قوله: ضاءت، لغة في أضاءت. ويجوز أن يكون الأفق واحدا وجمعا كالفلك، والمستطير المنتشر المتفرق في نواحيها، والاستطارة والتطاير: التفرق والذهاب. والسين فيه للطلب كأنه يطلب الطيران في نواحي الأفق. [وقت صلاة الظهر] [أول وقت الظهر] م: (وأول وقت الظهر) ش: أي أول وقت صلاة الظهر م: (إذا زالت الشمس) ش: وزوال الشمس عبارة عن ميلانها من جانب الشمال إلى اليمين لمستقبل القبلة، وفي " المبسوط ": لا خلاف في أول وقت الظهر أنه يدخل بزوال الشمس إلا شيء نقل عن بعض الناس أنه يدخل إذا صار الفيء بقدر الشراك. وقال النووي عن أبي الطيب: هو خلاف ما اتفق عليه الفقهاء. م: (لإمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في اليوم الأول حين زالت الشمس) ش: قد تقدم في حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أمني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عند البيت مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس» . وقد تقدم أيضا حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «جاء جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين زالت الشمس» . أخرجه الترمذي وغيره. وفي حديث عمرو بن حزم قال: «جاء جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فصلى بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصلى النبي بالناس من حين زالت الشمس الظهر» . وفي حديث بريدة: «ثم أمره بالظهر حين زالت الشمس عن بطن السماء» . رواه عبد الرزاق - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 وآخر وقتها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا صار ظل كل شيء مثليه   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأخرج مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا: «وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس ما لم يحضر وقت العصر» . وروى الترمذي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا: «أن للصلاة أولا وآخرًا وأول وقت صلاة الظهر حين زوال الشمس» . وأخرجه مسلم أيضا من حديث أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «ثم أمر فأقام بالظهر حين زالت الشمس» . فإن قلت: جاء عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «أمني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عند البيت مرتين فصلى الظهر في المرة الأولى حين كان الفيء مثل الشراك» . قلت: هذا محمول على الفراغ منها، والأحاديث المذكورة محمولة على الشروع فيها، توفيقا بين الأحاديث، ويدل عليه قَوْله تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] (الإسراء: الآية 78) أي لزوالها، وهو قول ابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة والحسن البصري. وقال النووي: المراد به أنه حين زالت الشمس كان الفيء حينئذ مثل الشراك من ورائه، لا أنه أخر إلى أن صار مثل الشراك، وهو أحد سيور النعل، وهو يكون على وجهها، والمعنى أن الظل قد رجع حين وقع النعل، والظل من أول النهار إلخ. والفيء لا يكون إلا بعد الزوال لأنه ظل فاء أي رجع، والفيء مهموز معناه الرجوع، والمراد هاهنا رجوع الظل من جانب المغرب إلى جانب المشرق. [آخر وقت الظهر] م: (وآخر وقتها) ش: أي آخر وقت الظهر م: (عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا صار ظل كل شيء مثليه) ش: قال الأكمل: قوله آخر الوقت إذا صار ظل كل شيء مثليه فيه تسامح لأن آخر الشيء منه، فماذا صار ظل كل شيء مثليه خروج وقت الظهر عنده، وكذا إذا صار مثله عندهما قال: وتأويله آخر الوقت الذي يتحقق عنده خروج الظهر بدليل قوله فيما بعد - وآخر وقت المغرب حين يغيب الشفق يتحقق الخروج. قلت: هذا كلام السغناقي فإنه أخذ منه، وملخص كلامه: أن آخر الشيء من أجزاء ذلك الشيء فيكون وقت الظهر باقيا عنده عند المثلين، وعندهما المثل. ورواية " المنظومة " يقتضي أن لا يبقى وقت الظهر على القولين على هذا التقدير، والذي في المنظومة هو قوله: والعصر حين المرء يلقى ظله ... قد صار مثليه وقالا مثله فيحتاج إلى التوفيق بينهما. فأجاب عنه بجوابين: أحدهما ما ذكرناه، والآخر أن المراد بآخر الوقت هو القرب منه الذي يتحقق الخروج عنده وهو نظير قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} [الطلاق: 2] (البقرة: الآية 234) أي قارب بلوغ أجلهن، فكان لفظة آخر بمنزلة لفظ الأجل لأن كل منهما اسم لتمام الشيء، ثم يذكر الأجل ويراد به القرب، ويذكر ويراد به الانقضاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ثم اعلم أن قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا رواية محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه وهي المشهورة. وفي تأويل رواية الحسن وأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: حتى يصير ظل كل شيء مثله وبه قال أبو يوسف ومحمد وزفر والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - واختاره الطحاوي. وفي رواية أسد ين عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا صار ظل كل شيء مثله خرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر حتى يصير ظل كل شيء سوى فيء الزوال. وروى المعلى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه إذا صار الظل أقل من قامتين يخرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر حتى يصير قامتين، وصححه الشيخ أبو الحسن الكرخي. وفي " المبسوط " جعل رواية الحسن رواية محمد عن أبي حنيفة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وجعل المثلين رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قال: وروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية الحسن إذا صار ظل كل شيء قامته خرج وقت الظهر، ولا يدخل وقت العصر حتى يصير الظل قامتين وبينهما وقت مهمل وهو الذي سمته الناس بين الصلاتين. وقال مالك: إذا صار ظل كل شيء مثله دخل وقت العصر، ولم يخرج وقت الظهر، يبقى بعد ذلك قدر أربع ركعات صالحا للظهر والعصر أداء. وحكي في " المغني " عن ربيعة: أن وقت الظهر والعصر إذا زالت الشمس. وعن عطاء وطاوس: إذا صار ظل كل شيء مثله دخل وقت العصر، وما بعده وقت لهما على سبيل الاشتراك حتى تغرب الشمس. وقال إسحاق بن راهويه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأبو ثور والمزني وابن جرير الطبري: إذا صار ظل كل شيء مثله دخل وقت العصر وبقي وقت الظهر قدر ما يصلي أربع ركعات، ثم يتمحض الوقت للعصر وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن المبارك، حتى لو صلى رجل الظهر حين صار الظل مثل الشخص وآخر [صلى] فيه العصر كانا مؤديين. وروى أبو نصير عن مالك: وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله وقت المختار، وأما وقت الأداء يؤخر إلى أن يبقى إلى غروب الشمس قدر أربع ركعات في " المبسوط ". وقال مالك: إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر، فإذا مضى مقدار ما يصلى فيه أربع ركعات، دخل وقت العصر ولم يخرج وقت الظهر وكان الوقت مشتركا بينهما إلى أن يصير الظل قامتين، وهو فاسد لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يدخل وقت صلاة حتى تخرج وقت صلاة أخرى» . وفي " الوجيز " ويروى هذا عن المزني أيضا، [و] عن ابن جرير وعطاء أنه لا يكون تأخير الظهر إلى صفرة الشمس مفرطا. وعن طاوس: لا تفوت حتى الليل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 سوى فيء الزوال، وقالا: إذا صار الظل مثله، وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفيء الزوال هو الفيء الذي يكون للأشياء وقت الزوال،   [البناية] م: (سوى فيء الزوال) ش: وهو الظل الذي يكون للأشياء وقت الزوال. وفي " المجتبى ": زوال الشمس بفيء الزوال، وقد مر أن الفيء مهموز، وهو في اللغة الرجوع، فلا يكون إلا بعد الزوال. م: (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (إذا صار الظل مثله) ش: أي إذا صار ظل كل شيء مثله. م: (وهو) ش: أي قولهما م: (رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه الحسن عنه. م: (وفيء الزوال هو الفيء الذي يكون للأشياء وقت الزوال) ش: أي وقت زوال الشمس عن كبد السماء. وقال المرغيناني: قال أبو حنيفة: ما دام القرص في كبد السماء فإنه لم يزل وإن انحط يسيرا فقد زال. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقوم الرجل مستقبل القبلة، فإذا زالت الشمس عن يساره فهو الزوال. وأصح ما قيل في معرفة الزوال: قول محمد بن شجاع: أنه يغرز خشبة في أرض مستوية وتخط على رأس الظل خطا، فيجعل ما بلغ الظل علامة، [و] ما دام الظل ينقص عن الخط والعلامة فإنها لم تزل فإذا وقف ولم يزدد ولم ينقص فهو وقت الزوال والاستواء، فإذا أخذ في الزيادة فقد زالت الشمس. وقال السرخسي والمرغيناني: هذا هو الصحيح. وفي " المبسوط ": الزوال يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة، وقد قيل: لا بد أن يبقى لكل شيء فيء الزوال في كل موضع إلا مكة وصنعاء والمدينة في أطول أيام السنة، فلا يبقى بمكة وصنعاء ظل على الأرض، وبالمدينة يأخذ الشمس الحيطان الأربعة، وحكي عن أبي جعفر: أن عند أطول النهار في الصيف لا يكون بمكة ظل من الأشخاص عند الزوال بستة وعشرين يوما قبل انتهاء الطول، وستة وعشرين يوما بعد انتهاء الطول، وفي هذه الأيام إذا لم ير للشخص ظل فإن الشمس لم تزل، فإذا رأى الظل بعد ذلك فإن الشمس قد زالت. وعن أبي حامد: إنما يكون الظل في يوم واحد في السنة، وأما الزوال في نفس الأمر الذي لا يظهر فإنه يتقدم على ما يظهر لنا فلا اعتبار له ولا يتعلق به الحكم، ولو لم يجد ما تقرر لمعرفة الوقت والفيء والأمثال فيعتبر بقامته وقامة كل إنسان ستة أقدام ونصف بقدمه. وقال الطحاوي: عامة المشايخ سبعة أقدام من طرف سمت الساق، وستة ونصف من طرف الإبهام، وإليه أشار البقالي في " الأربعين ". وحكى ابن قدامة في " المغني " عن أبي العباس السبخي على وجه التقريب: أن الشمس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 لهما إمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في اليوم الأول في هذا الوقت، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم» ، وأشد الحر في ديارهم في هذا الوقت، وإذا تعارضت الآثار لا ينقضي الوقت بالشك.   [البناية] تزول في نصف حزيران وهو بئونة على قدم وثلث، وهو أقل ما تزول عليه الشمس، وفي نصف تموز وهو أبيب ونصف آذار وهو بشنس على قدم ونصف وثلث، وفي نصف آب وهو مسري ونيسان وهو برمودة على ثلاثة أقدام، وفي نصف آذار وأيلول وهما برمهات وتوت على أربعة أقدام ونصف، وفي نصف تشرين الأول وشباط وهما بابة وأمشير على ستة أقدام، وفي نصف تشرين ثاني وكانون ثاني وهما هاتور وطوبة على تسع أقدام، وفي نصف كانون الأول وهو كهيك على عشرة أقدام وسدس. وهذا انتهى ما تزول عليه الشمس في إقليم العراق والشام وما بينهما من البلدان، فإذا أردت معرفة ذلك فقف على أرض مستوية وعلم الموضع الذي انتهى إليه ذلك، ثم ضع قدمك اليمنى بين يدي قدمك اليسرى وألصق عقبك بإبهامك فإذا بلغت ساعة هذا القدر بعد انتهاء النقص فهو الوقت الذي زالت عليه الشمس ووجبت صلاة الظهر قبل طول الآبار من ستة أقدام ونصف بقدم نفسه. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. م: (إمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في اليوم الأول في العصر في هذا الوقت) ش: أي الوقت الذي جعل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقت الظهر، وهو ما إذا صار ظل كل شيء مثله. واختلفت نسخ " الهداية " في هذا الموضع ففي بعضها في اليوم الأول في هذا الوقت، وفي بعضها في اليوم الثاني أي إمامته للظهر وفي بعضها إمامته للعصر في اليوم الثاني. م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة. م: (قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم» ش: هذا الحديث أخرجه جماعة عن خلق كثير من الصحابة وسنبين جميع ذلك في فصل بيان الأوقات المستحبة. وبلفظ المصنف رواه البخاري في " صحيحه " من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم» . قوله: أبردوا، أمر من الإبراد والفيح بالفاء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء وهو سطوع الحر وزفراته. ويقال بالواو فاحت القدر تفوح إذا غلت. وقد أخرجه مخرج التنبيه والتمثيل أي كأنه نار جهنم في حرها. م: (وأشد الحر في ديارهم في هذا الوقت) ش: يعني وقت صيرورة ظل كل شيء مثله. وأراد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 وأول وقت العصر إذا خرج وقت الظهر على القولين   [البناية] بديارهم ديار الحجاز. 1 - م: (وإذا تعارضت الآثار لا ينقضي الوقت بالشك) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال يعارض حديث الإبراد حديث إمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لأن إمامته في صلاة العصر في اليوم الأول فيما إذا صار ظل كل شيء مثله، فدل ذلك على خروج وقت الظهر. وحديث الإبراد دل على خروج وقت الظهر؛ لأن اشتداد الحر في ديارهم في ذلك الوقت، وتقرير الجواب أن الآثار أي الأحاديث إذا تعارضت لا ينقضي الوقت الثابت بيقين بالشك، ما لم يكن ثابتا بيقين أنه وقت العصر، ولا يثبت بالشك. فإذا قلت: هل في الإبراد تحديد. قلت: روى أبو داود والنسائي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كان قدر صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للظهر في الصيف ثلاثة أقدام» . هذا يدل على التحديد. اعلم أن هذا الأثر يختلف في الأقاليم والبلدان، ولا يستوي فيه جميع المدن والأمصار، وذلك لأن العلة في طول الظل وقصره هو زيادة ارتفاع الشمس في السماء وانحطاطها، فكلما كانت إلى محاذاة الرءوس في مجراها أقرب كان الظل أقصر، وكلما كانت أخفض ومحاذاتها الرءوس في مجراها أقرب كان الظل أطول، كذلك ظلال الشيء في الشتاء أبدا أطول من ظلال الصيف في كل مكان، وكانت صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة والمدينة ثلاثة أقدام وهما من الإقليم الثاني، ويذكرون أن الظل فيهما في أول الصيف في شهر آذار ثلاثة أقدام وشيء، ويثبت أن تكون صلاته إذا اشتد الحر متأخرة عن الوقت المعهود قبله، فيكون الظل عند ذلك خمسة أقدام. وأما الظل في الشتاء فإنهم يذكرون أنه في تشرين الأول خمسة أقدام أو خمسة وشيء، وفي كانون سبعة أقدام أو سبعة وشيء، فبقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ينزل على هذا التقدير في ذلك الإقليم دون سائر الأقاليم والبلدان التي هي خارجة عن الإقليم الثاني. [وقت صلاة العصر] [أول وقت العصر] م: (وأول وقت العصر) ش: أي أول وقت صلاة] العصر (إذا خرج وقت الظهر على القولين) ش: أي قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الرواية المشهورة عنه، وقول صاحبيه، فعنده إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال ودخل وقت العصر، وعندهما إذا صار ظل كل شيء مثله، وإنما قيدنا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالرواية المشهورة عنه احترازا عن رواية أسد عنه حيث يخرج الظهر ولا يدخل العصر، فلا يكون أول العصر إذا خرج الظهر على تلك الرواية. وفي " المحيط ": الخلاف في وقت الظهر خلاف في أول وقت العصر. قلت: هذا على المشهور من القولين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 وآخر وقتها ما لم تغرب الشمس، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها» .   [البناية] وقال الشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إذا زاد على المثل أنى يدخل أول وقت العصر. واختلف الشافعية في هذه الزيادة على ثلاثة أوجه: أحدها: الظل إلى المثل وإلا فالوقت قد دخل قبل حصول الزيادة بمجرد المثل، فتكون الزيادة من وقت العصر. والثاني: أنها من وقت الظهر وإنما يدخل وقت العصر بعدها وهذا مخالف لقول جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الوقت فيما بين هذين» . الثالث: أنها ليست من وقت الظهر، ولا من وقت العصر بل هي وقت مهمل فاصل بين الوقتين. [آخر وقت العصر] م: (وآخر وقتها ما لم تغرب الشمس) ش: أي آخر وقت العصر غروب الشمس، وهو قول أكثر أهل العلم، وبه قال الشافعي في الصحيح الذي نص عليه. وقال الحسن بن زياد: بتغير الشمس إلى الصفرة، حكاه عنه قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال السرخسي: العبرة بتغير القرص عندنا، وهو قول الشعبي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال النخعي: تغير الضوء. وقال الإصطخري: إذا صار ظل كل شيء مثليه خرج وقت العصر ويأثم بالتأخير بعدها ويكون قضاء. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها» ش: هذا الحديث رواه الأئمة الستة. فالبخاري عن عبد الله بن مسلم عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وبشر بن سعيد وعبد الرحمن بن الأعرج عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» . ومسلم عن يحيى قال: قرأت على مالك إلى آخره بنحوه. والترمذي عن إسحاق بن موسى الأنصاري عن معن عن مالك إلى آخره. وابن ماجه عن محمد بن صالح عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن بشر بن سعيد وعن الأعرج يحدثون عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ. وأبو داود من حديث ابن عباس عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك، ومن أدرك من الفجر ركعة قبل أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] تطلع الشمس فقد أدركها» . والنسائي من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه. وأخرجه ابن ماجه أيضا من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ومسلم أيضا، وابن حبان بعدة ألفاظ فمنها: «من صلى الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس لم تفته الصلاة، ومن صلى من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس لم تفته الصلاة» ، وفي لفظ: «فقد أدرك الصلاة كلها» ، وفي لفظ: " وليتم ما بقي "، وفي لفظ: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها» . وأخرج النسائي عن معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن عزرة بن تميم عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا صلى أحدكم ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت الشمس فليصل إليها أخرى» . وأخرج أيضا عن همام قال: سئل قتادة عن رجل صلى ركعة من صلاة الصبح، ثم طلعت الشمس فقال: حدثني جلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " يتم صلاته ". وجه الاستدلال بهذا الحديث على وجوه: الأول: أنه يدل على أن آخر وقت العصر هو غروب الشمس، وأن الذي يؤخر صلاة العصر عن صيرورة ظل كل شيء مثليه غير مفرط، وبه قال زفر ومالك في رواية ابن وهب عنه، وذلك أن معنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فقط أدركها» أي أدرك وجوبها حتى إذا أدرك الصبي قبل غروب الشمس، أو أسلم الكافر، أو أفاق المجنون، أو طهرت الحائض يجب عليه صلاة العصر ولو كان الوقت الذي أدركه جزءا يسيرا لا يسع فيه الأداء، وكذلك الحكم قبل طلوع الشمس. فإن قلت: قيل في الحديث: " ركعة " فينبغي أن لا يعتبر أقل منها. قلت: قيد الركعة فيه خرج مخرج الغالب، فإن غالب ما يمكن معرفة الإدراك به ركعة ونحوها، حتى قال بعض الشافعية: إنما أراد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذكر الركعة البعض من الصلاة لأنه قد روي عنه أنه من أدرك ركعة من العصر، ومن أدرك ركعتين من العصر، ومن أدرك سجدة من العصر، وأشار إلى بعض الصلاة مرة بركعة ومرة بركعتين ومرة بسجدة، والتكبيرة في حكم الركعة لأنها بعض الصلاة، فمن أدركها فكأنه أدرك الركعة. فإن قلت: المراد من السجدة الركعة على ما روى مسلم: حدثني أبو طاهر وحرملة كلاهما عن ابن وهب والسياق كله لحرملة قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس، أو من الصبح قبل أن تطلع فقد أدركها» ، والسجدة إنما هي الركعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: فسر السجدة حرملة، وكذا فسر الإمام لأنه يعبر بكل واحد منهما عن الآخر، وأيا ما كان فالمراد بعض الصلاة، وأدرك بشيء منها، وهو يطلق على الركعة والسجدة وما دونهما مثل تكبيرة الإحرام. وحديث: «من أدرك سجدة» رواه أحمد عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. الوجه الثاني: أن الوقت الذي يدرك فيه قبل غروب الشمس، ولو كان جزءا يسيرا لا يسع فيه الأداء وقت وجوب الصلاة عليه، لأن معنى قوله: " فقد أدرك وجوبها " كما ذكرنا. وقال زفر: ما لم يجد وقتا يسع فيه الأداء حقيقة. وعن الشافعي قولان فيما إذا أدرك دون ركعة كتكبيرة مثلا أحدهما لا يلزمه، والآخر يلزمه وهو أصحهما. الوجه الثالث: فيه دليل صريح في أن من صلى ركعة من العصر ثم خرج الوقت قبل سلامه لا تبطل صلاته وهذا بالإجماع، وأما في الصحيح فكذلك عند الشافعي ومالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس فيها، وقالت الشافعية: الحديث حجة على أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث عمل به في العصر ولم يعمل به في الصبح. قلت: من وقف على ما مر عليه أبو حنيفة عرف أن الحديث ليس بحجة عليه بل الحديث حجة عليهم، فنقول: لا شك أن الوقت سبب للصلاة وظرف لها ولكن لا يمكن أن يكون كل الوقت سببا؛ لأنه لو كان كذلك يلزم تأخير الأداء عن الوقت، فتعين أن يحصل بعض الوقت سببا وهو الجزء الأول لسلامته عن الزحام، فإن اتصل به الأداء تقرر السبب، ولا ينتقل إلى الجزء الثاني والثالث والرابع وما بعده إلى ما يمكن منه من عقد التحريمة إلى آخر جزء من أجزاء الوقت، ثم هذا الجزء إن كان صحيحا بحيث لا ينسب إلى الشيطان ولم يوصف بالكراهة كما في الفجر وجب عليه كاملا، حتى لو اعترض الفساد في الوقت بطلوع الشمس في خلال الفجر فسد خلافا لهم، لأن ما وجب كاملا لا يتأدى بالناقص كالصوم المنذور المطلق، أو صوم القضاء لا يتأدى في أيام النحر والتشريق، وإن كان هذا الجزء ناقصا بأن صار منسوبا إلى الشيطان، كالعصر في وقت الاحمرار وجب ناقصا لأن نقصان السبب مؤثر في نقصان المسبب، فساوى نصف النقصان؛ لأنه ما لزم كما إذا نذر من صوم يوم النحر وأداءه فيه، فإذا غربت الشمس في أثناء الصلاة لم يفسد العصر؛ لأنه ما بعد الغروب كامل كما دل فيه لأن ما وجب ناقصا يتادى كاملا بطريق الأولى. فإن قلت: يلزم أن يفسد العصر إذا شرع فيه في الجزء الصحيح ومدتها إلى أن غربت. قلت: لما كان الوقت تبعا جاز له قبله كل الوقت فينتفي الفساد الذي يصل فيه بالبناء، لأن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 وأول وقت المغرب إذا غربت الشمس   [البناية] الاحتراز عنه مع الإقبال على الصلاة متعذر. وأما الحديث الذي هو حجة عليه فهو ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وقت صلاة الصبح من صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة فإنها تطلع بين قرني الشيطان» وقال الطحاوي: ورد هذا الحديث أي حديث من أدرك كان قبل نهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة في الأوقات المكروهة. [وقت صلاة المغرب] [أول وقت المغرب وآخره] م: (وأول وقت المغرب إذا غربت الشمس) ش: أي أول وقت صلاة المغرب وقت غروب الشمس، قال بعض الشراح: وهذا إجماع، وعند الشيعة: لا يدخل وقتها حتى تشتبك النجوم. قلت: وعند طاوس وعطاء بن رباح ووهب بن منبه - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أول وقت المغرب حين طلوع النجم، وإنما احتجت الشيعة بما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى المغرب عند اشتباك النجوم، واحتج طاوس ومن معه بما رواه مسلم من حديث أبي بصرة الغفاري قال: «صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العصر بالمحمض فقال: " إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها كان له من الأجر مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد» والشاهد النجم، وأخرجه النسائي والطحاوي أيضا، وأبو بصرة بفتح الباء الموحدة وسكون الصاد المهملة، واسمه حميل بضم الحاء والمهملة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف، وقيل: جميل بالجيم والأول أصح. قوله: بالمَحْمَض، بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وفي آخره ضاد معجمة، وهو الموضع الذي ترى فيه الإبل الحمض وهو ما ملح وأمر من النبات. والجواب: عن حديث الشيعة ما قال النووي: باطل لا يعرف، ولو عرف يحمل على الجواز، وعن حديث مسلم ما قاله الطحاوي، وكان قوله عندنا والله أعلم: ولا صلاة بعدها حتى يرى الشاهد، يحتمل أن يكون هذا هو آخر الحديث من قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما ذكره الليث، وهو من روايته، ويكون الشاهد هو الليل، ولكن الذي رواه عن الليث فأول أن الشاهد هو النجم، فقال ذلك من رأيه لا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد تواترت الأخبار عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يصلي المغرب إذا تواترت الشمس بالحجاب. فإن قلت: إذا كانت الزيادة عن ثقة يعمل بها حينئذ إذا لم تخالفها الآثار الصحيحة، وقد تكاثرت الآثار الصحيحة أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي المغرب عقيب غروب الشمس، وحث أمته على تعجيله حيث قال ": «لا تزال أمتي بخير أو قال: على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم» رواه أبو داود والحاكم في " مستدركه " وقال: صحيح على شرط مسلم، وآخر وقتها ما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 وآخر وقتها ما لم يغب الشفق. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مقدار ما يصلي فيه ثلاث ركعات، لأن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أم في اليومين في وقت واحد، ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أول وقت المغرب حين تغرب الشمس، وآخر وقتها حين يغيب الشفق» .   [البناية] لم يغب الشفق. [وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مقدار ما يصلي فيه ثلاث ركعات] . وبه قال الثوري وأحمد وأبو ثور وإسحاق وداود وابن المنذر، وهو قول الشافعي في القديم، واختاره من نسب إلى الحديث من أصحابه كابن خزيمة والخطابي والبيهقي والبغوي في " التهذيب " والغزالي في " الأخبار " وصححه العجلي وابن الصلاح، وقال النووي: وهو الصحيح. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مقدار ما يصلي فيه ثلاث ركعات) ش: أي قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقت صلاة المغرب قدر ما يصلي فيه ثلاث ركعات وهو قوله الجديد. وقال الغزالي: في وقت المغرب قولان: أحدهما: أنه يمتد إلى غروب الشفق، وإليه ذهب أحمد. والثاني: إذا مضى بعد الغروب وقت وضوئه وأذان وإقامة وقدر خمس ركعات فقد انقضى الوقت كذا في " الوسيط "، ويقال: وينبغي أن يكون سبع ركعات؛ لأنه يصلي ركعتين عندهم قبل فرض المغرب، ومقدار ما يكسر سورة الجوع من الأكل في حق الصائم لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا وضع العشاء وأحدكم صائم فابدءوا به قبل أن تصلوا» وهو قول الأوزاعي، وقال الأكمل: ما ذكره المصنف من جهة الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليس بكاف. قلت: ما التزم المصنف أن يذكر مذهب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وغيره من المخالفين على وجه الكفاية على أن الذي ذكره هو الذي ذكره في " الحلية "، وعن الإمام مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثلاث روايات أحدها: كقولنا، والثانية: كقول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الجديد، والثالثة: تبقى إلى طلوع الفجر وهي قول عطاء وطاووس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. م: (لأن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أم في اليومين في وقت واحد) ش: " ولو كان الوقت يمتد لم يؤم جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في اليومين في وقت واحد؛ لأنه كان يعلم أول الوقت وآخره. م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أول وقت المغرب حين تغرب الشمس وآخر وقتها حين يغيب الشفق» ش: هذا الحديث بهذه العبارة لم يذكره أحد، ولكن بمعناه رواه مسلم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عن وقت الصلاة. الحديث، وفيه: «ووقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس ما لم يسقط الشفق» ، وفي رواية: «ما لم يغب الشفق» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 وما رواه كان للتحرز عن الكراهة. ثم الشفق هو البياض الذي في الأفق بعد الحمرة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: وهو الحمرة، وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] ولمسلم أيضا من حديث أبي موسى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن سائلا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأله عن مواقيت الصلاة الحديث، فأقام المغرب حين وقعت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، وله أيضا من حديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس» الحديث، وفيه «ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق» . م: (وما رواه) ش: أي والذي رواه الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من إمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في اليومين في وقت واحد. م: (كان للتحرز عن الكراهة) ش: لأن تأخير المغرب إلى آخر الوقت مكروه فسقط التعلق به. وجواب آخر أن معناه بدأها في اليوم الثاني حتى غربت الشمس، ولم يذكر وقت الفراغ فيحتمل أن يكون الفراغ عند مغيب الشفق، ويكون بين هذين إشارة إلى ابتداء الفعل في اليومين وإلى آخر الفعل في اليوم الثاني، وفي " المبسوط " و " الأسرار ": وحجتنا ما روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق» - بالثاء المثلثة - أي ثورانه وانتشاره، وفي رواية أبي داود: " فور الشفق " - بالفاء - وهو بمعناه، وهو صريح في امتداد وقت المغرب حتى يغيب الشفق. قال النووي: وهو الصواب الذي لا يجوز غيره إلا أن التأخير عن أول الغروب مكروه، فلذلك لم يؤخره جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فإنه أتاه ليعلمه المباح من الأوقات، ألا ترى أنه لم يؤخر العصر إلى الغروب والوقت باق، ولا العشاء إلى الثلث فكان بعد وقت العشاء بالإجماع على أن المصير على ما روينا أولى لأنه كان بالمدينة، وما رواه كان بمكة، وآخر ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواها حتى يرى نجما طالعا أعتق رقبة، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رأى نجمتين أعتق رقبتين. م: (ثم الشفق هو البياض الذي في الأفق بعد الحمرة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو قول أبي بكر الصديق وأنس ومعاذ بن جبل وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين - ورواية ابن عباس وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وبه قال عمر بن عبد العزيز والأوزاعي وزفر والمزني وابن المنذر والخطابي واختاره المبرد وثعلب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (وقالا) ش: أي أبي يوسف ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (وهو) أي الشفق هو (الحمرة) وبه قال مالك وأحمد وداود وعن أحمد أنه في البياض والحمرة في الصحراء. م: (وهو) ش: أي قولهما هو كون الشفق حمرة م: (رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه عنه أسد بن عمرو. م: (وهو) ش: أي قولهما هو م: (قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وعن الصحابة قول عمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الشفق الحمرة» . ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وآخر وقت المغرب إذا اسود الأفق»   [البناية] وابنه عبد الله وشداد بن أوس وعبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، والصفرة التي بين البياض والحمرة، المذهب عندهم أنها تلحقه بالبياض، وقيل الشفق اسم للحمرة والبياض لكن يطلق على أحمر غير قاني، وبياض غير واضح كالفراء، ونقل الحربي عن أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا غاب الشفق وهو الحمرة في السفر والبياض في الحضر، ونقلوا عن الخليل: والفراء أنه الحمرة، وقال الأزهري: الشفق عند العرب الحمرة، وقال الفراء: يقول العرب على فلان ثوب مصبوغ كأنه الشفق. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفق الحمرة» ش: هذا الحديث رواه الدارقطني في " سننه " من حديث عتيق بن يعقوب حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفق الحمرة» وذكره كذلك في كتابه " غرائب مالك " غير موصول بالإسناد، فقال: قرأت في أصل أبي بكر أحمد بن عمرو بن جابر المكي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بخط يده نبأ علي بن عبد الله الطالبي ثنا هارون بن سفيان السلمي حدثني عتيق به. وقال: حديث غريب، ورواته كلهم ثقات. وأخرجه في " سننه " موقوفا على ابن عمر وعلى أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقال البيهقي في " المعرفة ": روي هذا الحديث عن عمر وعلي [وابن] ابن عباس وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولا يصح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه شيء. ورواه ابن عساكر من حديث ابن [عمر] خلافه وجعله مثالا لما رفعه المخرجون من الموقوفات. وقال النووي: وروي هذا الحديث مرفوعا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليس بثابت. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وآخر وقت المغرب إذا اسود الأفق» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ غريب، لم يرد هكذا، وإنما روى أبو داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نزل جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأخبرني بوقت الصلاة» الحديث، وفيه يصلي العشاء حين اسود الأفق. ورواه ابن حبان في " صحيحه "، وقد استدل غيره لأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بحديث النعمان بن بشير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة - صلاة العشاء - كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصليها حين يسقط القمر لثالثه» . رواه أبو داود والنسائي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ويروى بسقوط القمر لثالثه. اللام في الموضعين للتوقيت أي: لوقت سقوط القمر ليلة ثالثة كما في قَوْله تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 وما رواه موقوف على ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -   [البناية] (الإسراء: الآية 78) أي: لوقت دلوكها. وسقوط القمر: وقوعه للغروب ويغرب القمر في الليلة الثالثة من الشهر على مضي ستة وعشرين درجة من غروب الشمس. وقال السروجي: وقد جاء في الحديث وقت العشاء إذا ملأ الظلام الضراب، قيل هي الجبال الصغار. وقال صاحب " الدراية ": وفي رواية إذا داراهم الليل يستوي الأفق في الظلام، وإنما يكون ذلك إذا ذهب البياض كله. قلت: لم يبين كل منهما حال الحديث الذي رواه ولا من رواه، وقال: الشفق بالبياض أليق لأنه مشتق من الرقة، ومنه شفقة القلب، وهي رقة القلب، ويقال ثوب شفيق إذا كان رقيقا، ولأن الفجر يكون قبله حمرة يتلوها بياض الفجر فكانت الحمرة والبياض في ذلك وقتا لصلاة واحدة وهي الفجر فإذا خرجا خرج وقتها، فالنظر على ذلك أن تكون الحمرة والبياض في ذلك المغرب وقتا واحدا، وقالوا: البياض يبقى إلى نصف الليل، وقيل لا يذهب البياض في ليالي الصيف بل يتفرق في الأفق ثم يجتمع عند الصبح. وقال الخليل بن أحمد: رأيت البياض بمكة ليلا فما ذهب إلا بعد نصف الليل: قلنا إن صح هذا فهو محمول على بياض الجو وذلك يغيب آخر الليل. وأما البياض الذي هو رقيق الحمرة فذلك يتأخر بعدها ثم يغيب، وفي " المبسوط " قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الحمرة أثر الشمس، والبياض أثر النهار، فما لم يذهب قبل ذلك لا يصير ليلا مطلقا، وقولهما أوسع للناس، وقول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أحوط. وقيل: يؤخذ بقولهما في الصيف لقصر الليل، ويقال البياض إلى ثلث الليل أو نصفه وفي الشتاء لقوله بطولها وعدم بقاء البياض البتة كذا في " المجتبى ". م: (وما رواه موقوف على ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: أي وما رواه الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - موقوف على عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - غير مرفوع على ما ذكرناه. قال الأترازي: وإنما قال المصنف، وما رواه ولم يقل وما رووه بضمير الجمع، وإن كان أبو يوسف ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أيضا يرويان هذا الحديث إلزاما للحجة على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لأن المرسل عنده ليس بحجة فكيف يحتج بما ليس بحجة على الخصم، بخلاف أبي يوسف ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فإنهما يقولان بحجة المرسل والمسند جميعا فإن كونه موقوفا على الصحابي لا يكون قادحا عندهما. وأيضا قول الصحابي محمول على السماع عندنا وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يقلد أحدا منهم أصلا فافهمه فقد غفل عنه الشارحون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 ذكره مالك في الموطأ. وفيه اختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وأول وقت العشاء إذا غاب الشفق وآخر وقتها ما لم يطلع الفجر الثاني؛   [البناية] قلت: أبو يوسف ومحمد والشافعي - رحمة الله عليهم أجمعين - متفقون معه في هذه المسألة، والثلاثة احتجوا بهذا الحديث بناء على أنه مرفوع، والإلزام فيه للحجة ليس على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وحده بل الإلزام على الكل من جهة أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ثم إن الحديث لما ظهر أنه موقوف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خصه بذكر الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنه ليس بحجة عنده، فلذلك أفرد الضمير الذي في - روى - وأما عند أبي يوسف ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فهو حجة وليس في هذا الموضع أمر مشكل حتى يقول قد غفل عنه الشارحون. وقال الأكمل: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشفق هو الحمرة. موقوف على ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، والموقوف لا يصلح حجة. قلت: هذا الكلام منه بعيد جدا لأن مذهبه حجية الموقوف وهو أيضا في حكم المرفوع لأنا لا نظن في الصحابة إلا صدقا وخيرا. م: (ذكره مالك في " الموطأ ") ش: أي ذكر هذا الموقف الإمام مالك بن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " موطئه ". وقال الأترازي: ولم يصح في هذا النقل عن " الموطأ " نظر، لأن مالكا لم يذكر فيه هذا الحديث بل قال: قال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الشفق هو الحمرة التي في المغرب، فإذا ذهبت الحمرة خرج وقت المغرب. قلت: هذا الذي ذكره في " موطأ مالك " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من رواية يحيى، ولو نظر في غيره لما أنكر لأن له كذا وكذا موطأ، منها " الموطأ " من رواية محمد بن الحسن الشيباني - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وفيه اختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أي وفي الشفق اختلاف الصحابة، وقد ذكرناه عن قريب. [وقت صلاة العشاء] [أول وقت العشاء] م: (وأول وقت العشاء إذا غاب الشفق) ش: وأي وأول وقت الآخرة عند غيبوبة الشفق، هذا إجماع على الخلاف في الشفق. م: (وآخر وقتها ما لم يطلع الفجر) ش: أي وآخر وقت صلاة العشاء عند طلوع الفجر الصادق وهو أيضا إجماع لم يخالف فيه غير الأترازي فإنه قال: بذهاب الثلث أو النصف يخرج الوقت، وتكون الصلاة بعدها قضاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وآخر وقت العشاء حين يطلع الفجر» . وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في تقديره بذهاب ثلث الليل.   [البناية] م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وآخر وقت العشاء حين يطلع الفجر» ش: هذا الحديث الذي بهذه العبارة لم يرد وهو غريب. وفي " المبسوط " روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «آخر وقت العشاء حين طلوع الفجر الثاني» ، والعجب من أكثر الشراح أنهم يستدلون بهذا الحديث ينسبون روايته إلى أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولم يصح هذا الإسناد. وتكلم الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الآثار " هاهنا كلاما حسنا ملخصه أنه قال: يظهر من مجموع الأحاديث أن آخر وقت العشاء حين يطلع الفجر، وذلك أن ابن عباس، وأبا موسى الأشعري وأبا سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رووا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخرها إلى ثلث الليل. وروي أبو هريرة وأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه أخرها حين أنصف الليل. وروي ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه أخرها حين ذهب ثلثا الليل. وروت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه أعتم بها حتى ذهب عامة الليل، وكل هذه الروايات في " الصحيح ". قال: فثبت بذلك أن الليل كله وقت له، ولكنه على أوقات ثلاثة، فأما من حين يدخل وقتها إلى أن يمضي ثلث فاضر وقت صليت فيه. وأما بعد ذلك إلى أن يتم نصف الليل ففي الفضل دون ذلك. وأما بعد نصف الليل فدونه، ثم ساق سنده عن نافع بن جبير قال: كتب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى أبي موسى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وصل العشاء إلى الليل ولا يفصلها. ولمسلم في قصة التعريس عن أبي قتادة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس في النوم تفريط» أن يؤخر صلاة حتى يدخل وقت الأخرى فدل بقاء الأولى إلي أن يدخل وقت الأخرى وهو طلوع الفجر الثاني. [آخر وقت العشاء] م: (وهو) ش: أي قوله وآخر وقت العشاء حين يطلع الفجر م: (حجة الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في التقدير بذهاب ثلث الليل) ش: أي في تقدير آخر وقت العشاء بذهاب ثلث الليل. قال الأكمل: ووجه ذلك أنه يدل على قيام الوقت إلى الفجر، وحديث إمامة جبريل عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 وأول وقت الوتر بعد العشاء، وآخره ما لم يطلع الفجر؛   [البناية] السلام يدل على آخر الوقت هو ثلث الليل فتعارضا، فإذا تعارضت الآثار لا ينفي الوقت الثابت يقينا بالشك أو يقول إمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لنفي ما وراء وقت الإمامة عن وقت الصلاة بل لإثبات ما كان فيه، ألا ترى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أم في اليوم الثاني حين أسفر، والوقت يبقى بعده إلى طلوع الشمس، وإذا لم يكن للنفي بقى ما روينا سالما عن المعارض فيكون حجة. قلت: الذي قاله كله غير محرر ولا مطابق لنفس الأمر من وجوه: الأول: أن يمنع المعارضة لأن الحديث الذي ذكره المصنف غريب، والذي استدل به الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، من إمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في اليوم الثاني من ثلث الليل صحيح فكيف يتأتى فيه المعارضة. الثاني: أن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يقل أن وقت العشاء مقدر بذهاب ثلث الليل في الجواز. وتحرير مذهبه ما ذكر في " الحلية " أن آخر وقت العشاء المختار إلى نصف الليل في القديم، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وفي الجديد " إلى ثلث الليل " وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - في رواية - وقت الجواز إلى طلوع الفجر ما لم يكن بيننا وبينه خلاف في الجواز، فكيف يكون ذلك الحديث الغريب حجة عليه. وذكر في " شرح الوجيز " أن وقت العشاء ممتد إلى طلوع فجر. وقال السروجي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وآخر وقت العشاء إلى طلوع الفجر الثاني إجماع لم يخالف فيه غير الاصطخري فلا يعتبر خلافه. فإن قلت: قالوا قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في باب استقبال القبلة إذا مضى ثلث الليل فلا أراها إلا فائتة، وهو يؤيد قول الاصطخري. قلت: في خلوه على فوات وقت الاختياري وما مراد الأكمل إلا قول المصنف وهو حجة على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولم يتأمل فيه ورجع فيه إلى كتب مذهب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بما قاله من غير تحقيق. الثالث: أن قوله وإذا لم يكن للنفي بقي ما روينا سالما عن المعارض، وما بقي بالمعارض من المعارضة التي هي مقابلة الشيء بالشيء بالرد والمنع، وإنما بقي معنى الرد والمنع فافهم، والأترازي أيضا حكم هاهنا قريبا من كلام الأكمل، وما قلنا فيه نفي ذلك كذلك. [وقت صلاة الوتر] م: (وأول وقت الوتر بعد العشاء وآخره ما لم يطلع الفجر) ش: قال في " الينابيع " و " المنافع " و " المنتقى ": قوله - أول وقت الوتر بعد العشاء - على قولهما أما عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأول وقتها إذا غاب الشفق ووقتها واحد، فالفرض فرض على حدة عملا عنده، وأما عندهما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الوتر: «فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر» ، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذا عندهما، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وقته وقت العشاء إلا أنه لا يقدم عليه عند التذكير؛ للترتيب.   [البناية] سنة على ما يجيء البحث فيه محررا في باب الوتر. (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الوتر: «فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر» ش: الحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - من حديث خارجة بن حذافة قال: خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «إن الله أمركم بصلاة خير لكم من حمر النعم وهي الوتر فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر» وبقريب من لفظ المصنف، أخرجه الحاكم في " المستدرك " في كتاب الفضائل من طريق ابن لهيعة حدثني عبد الله بن هبيرة أن أبا تميم أتى إلى عبد الله بن مالك رحمهما الله أخبره أنه سمع عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول سمعت أبا بصرة الغفاري يقول سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إن الله تعالى زادكم صلاة وهي الوتر فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح» وسيجيء مزيد الكلام في باب الوتر إن شاء الله تعالى. م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (هذا عندهما وأما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقته وقت العشاء) ش: أي وقت الوتر وقت العشاء، والوقت إذا جمع صلاتين واجبتين كان وقتا لهما إلا أنه يرد عليه سؤال وهو أن وقت الوتر لو كان وقت العشاء لجاز تقديمه على العشاء، فأجاب عن ذلك بقوله م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن الوتر م: (لا يقدم عليه) ش: أي على العشاء م: (عند التذكير للترتيب) ش: يعني إذا لم يكن ناسيا للترتيب، وعلى هذا إذا أوتر قبل العشاء متعمدا أعاد الوتر بلا خلاف، وإن أوتر ناسيا للعشاء ثم تذكر لا يعيد عنده؛ لأن بالنسيان يسقط الترتيب ويعيده عندهما، لأنه سنة العشاء، ولو قدم الركعتين على العشاء لم يجز عامدا كان أو ناسيا فكذلك الوتر. وقال السغناقي: عدم جواز تقديم الوتر على صلاة العشاء لأجل وجوب الترتيب عنده لا لأن وقت الوتر لم يدخل، وهذا الاختلاف يبقى على اختلاف آخر بينهما وهو أن الوتر فرض عملا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والترتيب بين الفرائض واجب عند التذكير عندنا، وعندهم الوتر سنة فكان تبعا للعشاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 فصل ويستحب الإسفار بالفجر   [البناية] [فصل ويستحب الإسفار بالفجر] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان الأوقات التي تستحب فيها الصلوات، وقد قلنا: إن الفصل مهما قصر لا ينون، ومهما وصل ينون لأن الإعراب بعد العقد والتركيب. ولما فرغ من بيان مطلق الأوقات وأصلها شرع في بيان الأوقات التي بها الكامل وبها الناقص، وجعل لكل منهما فصلا على حدة، وقدم الأوقات المستحبة على الأوقات المكروهة وهذه هي المناسبة، أو القول أن الاستحباب والكراهة صفتان للصلاة والموصوف ينبغي تقديمه على الصفة، والصفة المستحبة مقدمة على الصفة المكروهة، وهذا هو الوجه في تقديم مطلق الوقت، ثم ذكر الوقت المستحب بعده، ثم ذكر الوقت المكروه بعده. م: (ويستحب الإسفار بالفجر) ش: الإسفار بكسر الهمزة من أسفر الصبح إذا أضاء، وأسفر بالصلاة: إذا صلاها في الإسفار، وفي المعارضة الإسفار: قوة السفر من سفر أي يكشف وتبين وسفرت المرأة وجهها أي: كشفت، ويقال: الإسفار قوة الضوء مأخوذ من الإسفار، يقال أسفر مقدم رأسه من الشعر: إذا بقي أصلع، والسفر: بياض النهار، وأسفر وجه حسنا: أي أشرق. قلت: أسفر يجيء متعديا إلى ما يصله، ويجيء لازما فأسفر الصبح لازم، وأسفر بالصلاة متعد لأن الباء للتعدية ثم إن المصنف أطلق الإسفار بالفجر بناء على ما ذكره في " المبسوط " فإنه قال فيه وفي " المفيد " أيضا و " التحفة " و " القنية ": الإسفار بالفجر أفضل من التغليس في الأوقات كلها. وفي " المحيط " و " البدائع " إذا كانت السماء مصحية الإسفار أفضل إلا للحاج بمزدلفة فإن التغليس هناك أفضل ولا يؤخرها بحيث يقع الشك في طلوع الشمس بل صفرتها حتى لو ظهر فساد صلاة أمكنه أداؤها في وقتها، وفي " فتاوى قاضي خان " قراءته مسنونة ما بين أربعين آية إلى ستين مع ترتيل القراءة، وقيل تؤخر جدا لأن الفساد موهوم فلا يترك المستحب لأجله. وروى الطحاوي بإسناده عن السائب بن يزيد قال: صليت خلف عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الصبح فقرأ بالبقرة فلما انصرفوا استشرفوا الشمس فقالوا: طلعت، فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين، ثم أطلق المصنف بقوله أيضا يدل على أن الدور الأحمر بالإسفار، ويجمع بينهما تطويل القراءة. وفي " المبسوط " و " البدائع " قال الطحاوي: إن كان من عزمه التطويل بالقراءة شرع بالتغليس، ويخرج منها بالإسفار، وإلا يشرع بالإسفار، وزعم أنه قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر» .   [البناية] رحمهما الله -، وظاهر الرواية هو الأول وفي " الأسرار " لا يسع التأخير على أن ينام في بيته بعد الفجر بل يحضر المسجد أول الوقت ثم ينتظر الصلاة فيكون له ثواب المصلي بالانتظار، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أما إنكم في صلاة ما انتظرتم [الصلاة] » . وفي " الصحيحين " ويكف عن الكلام باللغو، والكلام فيه إثم عليه ويشتغل بالذكر والتسبيح بالخضوع ما دام متصفا بالنومة في المسجد، ثم يصلي آخر الوقت فسلمت الدعاء قليلا عادة فتطلع الشمس. م: (لقوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر» ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة وبلفظ المصنف رواه البزار في " مسنده " من حديث بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر» . وأخرجه الطبراني ولفظه: «يا بلال أصبحوا بالصبح فإنه خير لكم» في رواية أيوب بن سيار قال يحيى: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث. فإن قلت: كيف أخرج الطحاوي هذا واحتج به في مذهبه؟ قلت: كان مرضيا عنده. وقال ابن عدي: أظنه مزنيا. قلت: ليست أحاديثه بمنكرة جدا، ونقول هذه زيادة وتأكيد لأن الأحاديث الصحيحة كثيرة، ومن الصحابة الذين رووا حديث هذا الباب أبو برزة الأسلمي أخرجه الطحاوي والنسائي والطبراني - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ولفظه قال كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ينصرف من الصبح فينظر الرجل إلى الجليس الذي يعرفه فيعرفه» . وأبو برزة بالزاي المعجمة اسمه نضلة بن عبيد بن برزة. ومنهم محمود بن لبيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه أبو نعيم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في كتاب الصلاة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أصبحوا بالصبح فكلما أصبحتم بالصبح كان أعظم لأجوركم أو لأجرها» . وذكر ابن أبي حاتم أن البخاري قال: محمود بن لبيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - له صحبة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقال [ ...... ] لا تعرف صحبته، وقال أبو عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وقول البخاري أولى. ومنهم قتادة بن النعمان أخرج حديثه البزار والطبراني في الكبير من حديث فليح بن سليمان ثنا عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أسفروا بالفجر فإنه أعظم لأجركم أو للأجور» . ورجاله ثقات. ومنهم أبو الدرداء أخرجه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبيد ثنا أبو زرعة ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي عن محمد بن شعيب سمعت سعيد بن يسار يحدث عن أبي الزاهرية عن [جبير بن نفير عن] أبي الدرداء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أسفروا بالفجر تغنموا» . ومنهم رافع بن خديج - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الطحاوي والطبراني في الكبير والترمذي عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أسفروا بصلاة الفجر فإنه أعظم للأجر» ولفظ الطحاوي: «أسفروا بالفجر فكلما أسفرتم فهو أعظم للأجر أو لأجركم» ، وفي لفظ له: «نوروا بالفجر فإنه أعظم للأجر» ، وأخرجه أبو داود ولفظه: «أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم أو أعظم للأجر» ، وأخرجه ابن ماجه مثل أبي داود. وقال الترمذي: حديث رافع حسن صحيح. وأخرجه ابن حبان في صحيحه. ومنهم رجال من الأنصار من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخرج حديثهم الطحاوي والنسائي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كلاهما عن زيد بن أسلم عن عاصم بن عمر وعن رجال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من قومه من الأنصار أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما أصبحتم بالصبح فهو أعظم للأجر» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ومنهم ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الطبراني مرفوعا: «أسفروا بالفجر فإنه أعظم لأجركم أو لأجوركم» . ومنهم حواء الأنصارية أخرج حديثها الطبراني في الكبير قالت سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر» وحواء هي بنت زيد بن السكن أخت أسماء بنت زيد بن السكن. ومنهم مرة بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الطبراني قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أسفروا بصلاة الصبح فإنه أعظم للأجر» . قوله: - أسفروا - أمر من الإسفار وقد فسرناه عن قريب، والأمر يفيد الوجوب فلا يترك عن الاستحباب. قوله - أعظم - أفعل التفضيل فيقتضي أجرين أحدهما أكمل من الآخر، فإن صيغة أفعل تقتضي المشاركة في الأصل مع رجحان أحد الطرفين، ولفظ الإسفار يحمل على التبيين والظهور. قلت: قد يخرج أول الوقت من أيديهم إلا اشتقاق الفجر وطلوعه يكون خفيا جدا لا يدركه الأطراف ممن يعلم علم المواقيت ثم يدركه الأمثل فالأمثل ثم يظهر لعموم الناس. وقال أبو بكر بن العربي: من صلاها بالمنازل قبل تبينه وظهوره للإبصار فهو مبتدع فإن أوقات الصلاة علقت بالأوقات المتبينة للعامة والخاصة، والعالم والجاهل والحر والعبد، وإنما جعلت المنازل ليعلم أقرب الصباح فيكف الصائم ويتأهب المصلي، ولأنه لم يوجد من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بالتغليس قط، وأما الموجود منه فعل والفعل يتطرق إليه احتمالات كثيرة ووجد الأمر بالإسفار والأمر أولى بالعمل به. فإن قلت: الأمر بالإسفار محمول على ليالي الفجر فإنه لا يتأتى الفجر إلا بالانتظار في الإسفار. قلت: التقييد على خلاف الدليل ولا يجوز التخصيص بدون المخصص، ويبطل هذا أيضا ما رواه ابن أبي شيبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن إبراهيم النخعي ما أجمع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يستحب التعجيل في كل صلاة،   [البناية] شيء ما اجتمعوا على التنوير بالفجر. فإن قلت: قال الخطابي: يحتمل أنهم لما أمروا بالتعجيل صلوا بين الفجر الأول والثاني طلبا للصواب، وقيل إنهم صلوا بعد الفجر الثاني وأصبحوا بها فإنه أعظم لأجوركم. قلت: هذا باطل لا أصل له إذ لم يقل أنهم أمروا بالتعجيل ولم يقل أنهم صلوا صلاة الصبح قبل طلوع الفجر الثاني بعد الفجر الكاذب، ولو صلوا قبل الفجر لا يعتد بها فكيف يكون له أجر؟ فإن قلت: قال النووي: يؤجر على نيته ولا تصح صلاته. قلت: رتب الأجر على الصلاة دون النية، والصلاة إذا لم تصح فلا أجر له فيها وعليه الوزر لبقاء الفرض، ولأن في الإسفار تكثير الجماعة وتوسع الحلال على النائم والضعيف في إدراك فضل الجماعة فكان أفضل وأولى. م: (وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يستحب التعجيل في كل صلاة) ش: يعني إقامتها في أول وقتها وهو إذا تحقق طلوع الفجر وبه قال أحمد: وفي " الحلية " الأفضل تقديم الفجر في أول الوقت وبه قال مالك وداود وأبو ثور ومحمد والحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -. في رواية. وفي " شرح الوجيز ": الأفضل عندنا تعجيل الصلوات ويستحب تعجيل العشاء على أحد القولين. احتج الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] (آل عمران: الآية 133) وفيما قلنا إظهار المسارعة، وبحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «إن كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليصلي العشاء فتنصرف النساء متلففات بمروطهن ثم يظهرن لا يعرفن من الغلس» . رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين -، ويروى متلفعات بالعين المهملة بعد الفاء، والمعنى متقاربات إلا أن التلفع مستعمل مع تغطية الرأس، والمروط جمع مرط بكسر الميم وسكون الراء وهي ألبسة من صوف أو خز مربعة. وقيل سداها شعر، قوله - إن كان - كلمة إن مخففة من الثقيلة عند البصريين، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، وقال الكوفيون: إن نافية، واللام بمعنى إلا كقوله: {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102] (الأعراف: الآية 102) . والغلس: بفتحتين بقايا ظلمة الليل يخالطها بياض الفجر، والغليس مثله إلا أن الغلس لا يكون إلا في آخر الليل والغلس يكون في أوله وآخره، وهذا الحديث معتمد مذهبهم. واحتج أيضاً بحديث أسامة بن زيد عن الزهري يسنده إلى أبي مسعود الأنصاري - رضي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الله عنه - سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «نزل جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فأخبرني بوقت الصلاة - الحديث - وفيه صلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصبح مرة بغلس ثم صلى أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر» ، رواه أبو داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقال الخطابي: هذا حديث صحيح الإسناد. وبحديث هشام عن قتادة عن أنس عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين - قال: «تسحرنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قمنا إلى الصلاة. قلت: كم كان قدر ما بينهما قال: خمسون آية» رواه مسلم. وبحديث القاسم بن غنام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أم فروة وكانت ممن بايعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: «سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لأول وقتها» . وبحديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يا علي ثلاث لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفؤا» . وبحديث نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الوقت الأول رضوان الله ووسطه رحمة الله وآخر الوقت عفو الله» . والجواب: عن الآية أن المسارعة لهذا أسباب العبادة لا لتعجيل فيها في غير وقتها الحسن، وأيضا المسارعة إلى المغفرة تكون في المسارعة إلى الشيء الذي هو أفضل عند الله. وذلك في تكثير الجماعة لا في تقليلها وذلك لا يكون إلا في التنوير لا في التغليس. وعن مشايخنا أن للمرأة أن تصلي الفجر بغلس لأنه أقرب إلى الستر، وفي سائر الصلوات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ينتظرون حتى يفرغ الرجال من الجماعة، وقيل الأفضل لها في الصلوات كلها أن تنتظر فراغ جماعة الرجال، كذا في " القنية "، وعن حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أجوبة: الأول: أنه لا حجة لهم فيه لأنهم كانوا يصلون صلاة الصبح بمسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يكن له مصابيح يعرف بها الرجل جليسه في نصف الليل، والغلس حينئذ يتم إلى وقت الإسفار في الأبنية. ويقال هذا بيت غلس في النهار إذا كانت فيه غلسة وظلمة يسيرة، والمرأة إذا تلفعت بمرطها وغطت رأسها لا تعرف فلذلك إذا كان مع قليل ظلمة الليل وهو الغلس المذكور. الثاني: أن العلة لعدم معرفتهن التستر بالمرط لا الغلس دل عليه ما رواه البخاري من هذا الحديث فيه «يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد» . الثالث: أن فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد اختلف في النقل في الإسفار كما ذكرنا من الأحاديث للطرفين فرجعت إلى الأمر بالإسفار في الصبح، والأمر يفيد الوجوب فلا يترك للاستحباب. الرابع: أن حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - كان في الابتداء حين يحضر النساء الجماعة ثم انتسخ ذلك حين أمرن بالقرار في البيوت، وقول إبراهيم النخعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما اجتمع أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على شيء مما اجتمعوا على التنوير يدل على النسخ لأن اجتماعهم على خلاف ما كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعله لم يكن إلا بعد نسخ ذلك وثبوته بخلافه. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النسائي والدارقطني - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: ليس بالقوي. وعن الثاني أن يحيى بن سعيد حدث عن أسامة بن زيد ثم تركه بآخره فلم يبق حجة. فإن قلت: قال الحازمي في كتاب " الناسخ والمنسوخ ": حديث الغلس ثابت وأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - داوم [عليه] إلى أن فارق الدنيا ولم يكن - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يداوم إلا على ما هو الأفضل، ثم روى حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذي رواه أسامة بن زيد المذكور. قلت: يرد هذا ما أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن زيد عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين - قال: «ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى صلاة لغير وقتها إلا جمع فإنه يجمع بين المغرب والعشاء بجمع وصلى صلاة الصبح من الغد» . قيل: قالت العلماء ففي وقتها المعتاد كل يوم إلا أنه صلى الصبح قبل الفجر دائما غلس بها جدا ويوضحه رواية البخاري والفجر حتى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 والحجة عليه ما رويناه وما نرويه، قال: والإبراد بالظهر في الصيف، وتقديمه في الشتاء لما روينا،   [البناية] شرع، وهذا دليل على أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسفر بالفجر دائما صلاها بغلس على أن أسامة قدر فيه ما ذكرنا. والجواب: عن حديث زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه حكاه فعل واحد فيه تغليس، ونحن لا ننكر ذلك، وقد كان يفعله أحيانا تعليما للجواز وغير ذلك من الأسباب، ولأنه يجوز أن يكون قد أخروا السحور إلى آخر الوقت وهو المستحب، ثم يكثر قدر قراءته خمسين آية مرتلة بعد الوضوء ودخول الخلاء ونحو ذلك فيدخل حينئذ وقت الإسفار. والجواب: عن حديث أم فروة أنه ضعيف مضطرب لأنه يرويه القاسم بن غنام والقاسم لم يدرك أم فروة وهي بنت أبي قحافة أخت أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأبيه، وقيل: فيه نظر لأنها أنصارية، وقيل في كونها أنصارية نظر. والجواب: عن حديث علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه يرويه عبد الله بن معبد الجهني. قال أبو حاتم: هو مجهول غريب. والجواب: عن حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن في رواته يعقوب بن الوليد وهو ضعيف. وقال أحمد: كان يعقوب بن الوليد من الكذابين الكبار يضع الحديث، وقال: متروك الحديث. والجواب: عن حديث أبي محذورة أن في رواته إبراهيم بن زكريا، قال أبو حاتم: هو مجهول، وحديثه هو منكر. وقال ابن عدي: يحدث عن الثقات بالأباطيل. وقال أحمد: هذا لا يثبت. م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (ما رويناه) ش: يعني قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر» . وقال الأكمل: قال المصنف: والحجة عليه ما رويناه، بل الجواب يعني من حديث رافع بن خديج. قلت: ليس لرافع بن خديج ذكر هاهنا فمن أين تعتد به؟، والحديث رواه جماعة غير رافع بن خديج بل الجواب الذي فسرناه وكونه حجة عليه أنه أمر، وأقله الندب وقد ذكرناه. م: (وما نرويه) ش: أي والذي نرويه أيضا حجة عليه وهو حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذي نذكره الآن في الإبراد بالظهر. [الإبراد بالظهر وأخير العصر في الصيف] م: (والإبراد بالظهر في الصيف وتقديمه) ش: في أيام. م: (في الشتاء لما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم» وقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 ولرواية أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان في الشتاء بكر بالظهر، وإذا كان في الصيف أبرد بها» .   [البناية] مر ذكره في الباب الذي قبل هذا الفصل، وحديث الإبراد بالظهر رواه جماعة من الصحابة أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أخرج حديثه الأئمة الستة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم» . وأبو سعيد الخدري: روى حديثه البخاري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم» . وعمرو بن عقبة: روى حديثه الطبراني، والمغيرة بن شعبة: روى حديثه أحمد وابن ماجه، وابن حبان وتفرد به ابن إسحاق الأزرق وشريك بن طارق عن قيس عنه، وفي رواية للخلال وكان آخر الأمرين عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الإبراد، وسئل البخاري عنه فعده محفوظا، وذكر الميموني عن أحمد أنه رجح صحته. وقال أبو حاتم الرازي: وهو عندي صحيح، وأعله ابن معين بما رواه أبو عوانة عن طارق عن قيس عن المغيرة موقفا قال: ولو كان عند قيس عن المغيرة مرفوعا لم يفتقر إلى أن يحدث به عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - موقوفا، وقوى ذلك عنده أن أبا عوانة أثبت من شريك. وصفوان: روى حديثه ابن أبي شيبة والحاكم والبغوي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - من طريق القاسم بن صفوان عن أبيه بلفظ: «أبرودوا بصلاة الظهر» . والحديث عن ابن عباس: روى حديثه البزار بلفظ «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك يؤخر الظهر حتى تبرد، ثم يصلي الظهر والعصر» . الحديث، وفيه عمرو بن صهبان. وعبد الله بن عمر: روى حديثه البخاري وابن ماجه ولفظه «أبردوا بالظهر» ، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين -: روى حديثها ابن خزيمة بلفظ: «أبردوا بالظهر في الحر» . م: (ولرواية أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان في الشتاء بكر بالظهر وإذا كان في الصيف أبرد بها» ش: أخرجه البخاري من حديث خالد بن دينار قال: «صلى بنا أميرنا الجمعة ثم قلت لأنس: كيف كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي الفرض؟ قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا اشتد البرد عجل بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالظهر» . فإن قلت: يعارض هذه حديث أبي إسحاق عن سعيد بن وهب عن خباب بن الأرت قال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 وتأخير العصر ما لم تتغير الشمس في الصيف والشتاء؛ لما فيه من تكثير النوافل لكراهتها بعده،   [البناية] «أتينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فشكونا إليه حر الرمضاء فلم يشكنا أي لم يزل شكوانا» . والهمزة فيه للسلب. قلت: هذا منسوخ بين نسخه البيهقي. وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يدل على النسخ حديث المغيرة كنا نصلي بالهاجرة فقال لنا أبردوا فتبين أن الإبراد كان بعد التهجير. م: (وتأخير العصر ما لم تتغير الشمس في الشتاء والصيف) ش: أي ويستحب تأخير صلاة العصر وهو قول ابن مسعود، وأبي هريرة وأبي قلابة عبد الملك بن محمد، وإبراهيم النخعي، والثوري، وابن شبرمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين -، ورواية عن أحمد وقال الليث والأوزاعي والشافعي وإسحاق: الأفضل تعجيلها وهو ظاهر قول أحمد، احتجوا بما رواه أنس قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي العصر والشمس مرتفعة حينئذ؛ فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة» أخرجوه، والعوالي: أربعة أميال من المدينة، وقيل ستة أميال وعند مالك: يستحب تأخيرها قليلا. م: (لما فيه من تكثير النوافل لكراهتها بعده) ش: أي لما في تأخير العصر من التمكن على تكثير النوافل وبعده يكره التنفل، وتكثير النوافل أفضل من المبادرة إلى الأداء في أول الوقت، واكتفى المصنف بالدليل العقلي: ما رواه أبو داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من حديث يزيد بن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه عن جده قال: «قدمنا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية» وروى رافع بن خديج «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأمر بتأخير هذه الصلاة يعني العصر» . أخرجه الدارقطني وغيره. وعن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[أشد تعجيلا للظهر منكم] ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 والمعتبر فيه تغير القرص، وهو أن يصير بحال لا تحار فيه الأعين، هو الصحيح،   [البناية] وأنتم أشد تعجيلا للعصر منه» أخرجه الترمذي من حديث إسماعيل بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ورواه أيضا عن ابن جريج عن أبي مليكة عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين - نحوه، فدل على أنه كان يعجل الظهر ويؤخر العصر عكس ما يفعل أولئك. وروى الطحاوي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي العصر والشمس طالعة في حجرتي» . قال الطحاوي الشمس لا ينقطع منها إلا عند قرب الغروب. وعن أنس: " كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي العصر والشمس بيضاء ". رواه الطحاوي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وقال: تواترت الأخبار عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن الصحابة من بعده التأخير ما لم تتغير الشمس. والجواب: عن حديثهم أن الطحاوي وغيره قال: أدنى العوالي ميلان أو ثلاثة فيمكن أن يصلي العصر في وسط الوقت، ويأتي العوالي والشمس مرتفعة. وفي " المبسوط " وحديث أنس قد كان في الصيف ويأتي مثله للتعجيل، أو كان ذلك في وقت مخصوص لعذر. م: (والمعتبر فيه تغير القرص) ش: أي العبرة في تغير الشمس هو تغير قرصها، واختلفوا فيه فذهب المصنف إلى أن تغير القرص بأن لا تحار فيه الأبصار، وهو معنى قوله. م: (وهو) ش: أي القرص. م: (أن يصير بحال لا تحار فيه الأعين) ش: يعني لا تحار الأعين في النظر إليه لذهاب ضوئه، وعن النخعي تغير الضوء. قلنا: تغير الضوء يتحقق بعد الزوال، وقيل: أن يتغير الشعاع على الحيطان، وقيل: توضع طشت ماء الأرض المستوية فإن ارتفعت الشمس على جوانبه فقد يتغير الشمس وإن وقعت في الشمس فلم يتغير. وفي " المحيط " تغيرها بصفرة أو حمرة، وفي " المرغيناني ": إذا كانت الشمس، مقدار رمح لم يتغير ودونه قد تغيرت، وقيل: إن كان يمكن النظر إلى القرص من غير كلفة ومشقة فقد تغيرت. م: (وهو الصحيح) ش " أي تغير القرص وهو الذي فسره، وهو قول الشعبي هو الصحيح واحترز به عن بقية الأقوال التي ذكرناها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 والتأخير إليه مكروه. ويستحب تعجيل المغرب لأن تأخيرها مكروه لما فيه من التشبه باليهود،   [البناية] وقال الأكمل: هو الصريح واحترز عن قول سفيان وإبراهيم النخعي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أن المعتبر تغير الضوء الذي يقع على الجدار، فإن قلت: أخذ هذا من صاحب " الدراية " فإنه قال: وبه أخذ الحاكم الشهيد. والصواب: أن المصنف احترز به عن بقية الأقوال كما ذكرنا، ولا يقيد تعيين أحد الأقوال المذكورة في الاحتراز. م: (والتأخير إليه مكروه) ش: أي إلى تغير القرص مكروه، وفي " القنية " هذه الكراهة هي كراهة تحريم، قالوا: أما الفعل فغير مكروه لأنه مأمور بالفعل ولا تستقيم إثبات الكراهة للشيء مع الأمر به. م: (ويستحب تعجيل المغرب) ش: أعاد الفعل لما بعد المعطوف عليه ويستثنى منه ليلة النحر إذا قصد للمزدلفة فإنه لا يستحب تعجيلها وفي الآخر اختلاف، ويقال إلا أن يكون التأخير قليلا، وفي السنة لا يكره في البقرة والمائدة، أو كان يوم غيم ولو أخره لتطويل القراءة فيه خلاف. وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لا يكره التأخير ما لم يغب الشفق. وفي " المبسوط " كان عيسى بن أبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول الأولى تعجيلها للآثار ولكن لا يكره تأخيره مطلقا، ألا ترى أن تعذر السفر والمرض يؤخر المغرب ليجمع بينها وبين العشاء فعلا، فلو كان المذهب التأخير مطلقا لما أبيح ذلك بعد السفر والمرض كما لا يباح تأخير العصر إلى تغير الشمس. واستدل فيه بما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قرأ سورة الأعراف في صلاة المغرب ليلة. والجواب: عن هذا أن فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا كان من باب المد، والمد من أول الوقت إلى آخره معفو. م: (لأن تأخيرها مكروه) ش: أي لأن تأخير المغرب مكروه للحديث الذي يأتي. م: (لما فيه من التشبه باليهود) ش: أي لما في تأخير المغرب من التشبه باليهود والرافضة يؤخرون المغرب حتى تشتبك النجوم. وقد أورد على قوله ويستحب تأخير المغرب لأن تأخيرها مكروه، بأن كل ما كان يكون تأخيرها مكروها لا يستلزم أن يكون تعجيلها مستحبا لجواز أن يكون مباحا، ألا ترى أن تأخير العشاء إلى النصف الأخير مكروه، ويلزم من تركه الاستحباب لأن التأخير إلى نصف الليل مباح، ولما فطن المصنف ذلك أراد أن يبرهن فقال: لما فيه من التشبه باليهود لأن ما فيه التشبه باليهود فتركه مستحب؛ لأن الإباحة فيه قد تنصرف إلى المسامحة. وذكر الأترازي: الإيراد المذكور بقوله لا نسلم ثبوت الاستحباب من نفي الكراهية، ثم أجاب بقوله: لا شك أن انتفاء أحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تزال أمتي بخير ما عجلوا المغرب وأخروا العشاء» .   [البناية] النقيضين مستلزم لوجود الآخر، وهنا بالتعجيل إذا انتفت الكراهة ثبت الاستحباب ضرورة. وأجاب السغناقي: بأن الاستدلال على ثبوت المدعي بحكم الضد مستقيم فيما لا واسطة بينهما ولا يستقيم فيما فيه الواسطة وعن هذا افتراق الاستدلال في حق المغرب والعشاء، ألا ترى أنك لو قلت: هذا متحرك لأنه ليس بساكن يصح، ولو قلتك: هذا أبيض لأنه ليس بأسود لا يصح لجواز أن يكون أصفر أو غيره. وقال الأكمل: وما ذكره في " النهاية " وغيره في جواب هذا السؤال مبنيا على أمر الضدين والنقيضين لا يتمشى. قلت: من يقول الضدين على جواب السغناقي رد بقوله، أو النقيضين على كلام الأترازي. [تعجيل المغرب] م: (وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تزال أمتي بخير ما عجلوا المغرب وأخروا العشاء» ش: هذا الحديث له أصل ولكن بغير هذه العبارة، روى أبو داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " سننه " من حديث محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله عن أبي أيوب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تزال أمتي بخير أو قال على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم» . مختصرا وتمامه عن مرثد بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قدم علينا أبو أيوب غازيا، وعقبة بن عامر يومئذ على مصر، فأخر المغرب فقام إليه أبو أيوب فقالوا له ما هذه الصلاة يا عقبة؟ قال: شغلنا، قال: أما سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول «لا تزال أمتي بخير» اهـ. ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال صحيح على شرط مسلم، وأخرجه ابن ماجه عن العباس بن عبد المطلب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم» . والمراد من الفطرة السنة كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عشرة من الفطرة» . وقوله: «إلى أن تشتبك النجوم» ، فكلمة " أن " مصدرية والتقدير إلى أن اشتباك النجوم يقال اشتبك النجوم إذا ظهرت جميعها واختلط بعضها ببعض لكثرة ما ظهر منها، وجه التمسك أن التأخير لما كان سببا لزوال الخير كان التعجيل سببا لاستجلائه وكلمة ما في المتن توقيت الفعل بمعنى المصدر إلى زمان تعجيلهم للمغرب. وقال الأكمل: واعترض على المصنف في تأخير الحديث عن الدليل العقلي وأجيب بأنه فعل ذلك لأن الحديث فيه دلالة على تأخير العشاء، فكره الفصل بينه وبين المدلول بدليل عقلي ثم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 قال: وتأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل» .   [البناية] قال: وليس بطائل. قلت: هذا الاعتراض وجوابه للأترازي فإنه قال: فإن قلت: قدم صاحب " الهداية " الدليل العقلي على النقلي وكان حقه أن يعكس. قلت: وقع في خاطري الإلهام الرباني أن صاحب " الهداية " إنما أخر الحديث عن الدليل العقلي وذكره متصلا بما له تأخير العشاء، لأن الحديث فيه استحباب تأخير العشاء أيضا فكره أن يفصل بين الحديث وبين مسألة تأخير العشاء. قلت: وقع في خاطري بالإلهام الرباني أن هذا الجواب غير طائل كما أشار إليه الأكمل، والجواب الطائل هو أنه إنما أخر الدليل العقلي لأنه دليل استحباب تعجيل المغرب ودليل أيضا للدليل اللفظي، لأنه علل كراهة التأخير لأجل التشبه باليهود؛ فإنهم يؤخرون المغرب إلى اشتباك النجوم، كما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «عجلوا بالمغرب ولا تشبهوا باليهود» ، فأخروا عنه حتى يشمل المدلول ودليله العقلي أيضا، وكان ذكره على الطريقة المعهودة من تقديم المدلول وتأخير الدليل فافهم. [تأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل] م: (قال) ش " أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وتأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل) ش " أي يستحب تأخير صلاة العشاء إلى ما قبل ثلث الليل، وفي بعض نسخ القدوري إلى نصف الليل، وعن الطحاوي: التأخير إلى ثلث الليل مستحب وبه قال مالك، وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وأكثر أصحابه والتابعين ومن بعدهم قاله الأترازي، وإلى النصف مباح وما بعده مكروه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم: تقديمها أفضل، وهو لا يصح كسائر الصلوات، وفي الجديد: تأخيرها أفضل ما لم يجاز وقت الاختيار. وحكى ابن المنذر: أن المنقول عن ابن مسعود وابن عباس - رضي الله عنهما إلى ما قبل ثلث الليل وهو مذهب إسحاق والليث أيضا، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في كتبه الجديدة. وفي الإملاء القيم تقديمها، وقال النووي: وهو الأصح، وقطع الأترازي في " الكافي " بتفصيل التأخير، قال: وهو أقوى دليلا. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل» ش: روي هذا عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني وعلي بن أبي طالب، وأبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين -، وروي أيضا في هذا الباب: عن ابن عباس وابن عمر وأنس وأبي هريرة وجابر بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فحديث أبي هريرة: رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه» ، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وحديث زيد بن خالد رواه الترمذي في " الطهارة " والنسائي في " الصوم " قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، وأخرت العشاء إلى ثلث الليل» الحديث، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وذكره الشيخ علاء الدين التركماني فعزى هذا الحديث بتمامه لأبي داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولم يخرج منه إلا فضل السواك ولم يذكر فيه تأخير العشاء، والعجب من أصحاب الأطراف كابن عساكر والحافظ المزني حيث لم يتنبها إلى ذلك وما قصر الحافظ المنذري حيث بين ذلك، وقال: حديث الترمذي مشتمل فيه على الفضلين فضل السواك وفضل الصلاة. وأعجب من ذلك ما ذكره النووي في " الخلاصة " مقتصرا على فضل تأخير العشاء وعزاه لأبي داود والتزمذي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وحديث علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رواه البزار بسنده عنه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت العشاء إلى ثلث الليل» قال: ولا نعلمه يروى عن علي إلا بهذا الإسناد. وحديث أبي سعيد: قال ابن أبي حاتم سمعت أبي وذكر حديث مروان الفزاري عن محمد بن عبد الرحمن بن مهران عن سعيد المقبري عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل» قال أبي: إنما هو عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وروى ابن ماجه هذا الحديث من رواية داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صلى المغرب ثم لم يخرج حتى ذهب شطر الليل ثم خرج فصلى بهم، وقال: لولا الضعيف والسقيم لأحببت أن أؤخر هذه الصلاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 ولأن فيه قطع السمر   [البناية] إلى شطر الليل» وحديث ابن عباس: رواه البخاري ومسلم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أخر العشاء حتى ذهب من الليل ما شاء فقال له عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يا رسول الله نام النساء والصبيان والولدان، فقال حين خرج لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوا هذه الساعة» . وحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: رواه مسلم قال: «مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لصلاة العشاء الآخرة، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعضه، فلا يدري أي شيء شغله في أهله أو غير ذلك، فقال حين خرج: إنكم تنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ولولا أن أشق على أمتي لصليت بهم هذه الساعة ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة وصلى» . وحديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: رواه البخاري ومسلم قال: «أخر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال: صلى الناس وناموا أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها» . وحديث أبي بردة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: رواه البخاري ومسلم قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستحب أن يؤخر العشاء التي يدعونها العتمة» . وحديث جابر بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: رواه مسلم قال: «كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤخر العتمة» . فإن قلت: كيف ثبت الاستحباب هاهنا والسنة في السواك مع أن " لولا " فيهما على شق واحد. قلت: انتفى الأمر في السواك لمانع المشقة، ولو أمر لكان واجبا، فلما انتفى الأمر لمانع المشقة، يلزم فوات ما دون نقص الأمر وهو السنة، والمنتفى لمانع هو التأخير، ومفسر التأخير لم يدل على الوجوب بل يدل على الندب والاستحباب. وقال الأترازي وصاحب " الدراية ": وأيضا وجدت المواظبة في السواك ولم توجد في التأخير. قلت: فعلى هذا كان ينبغي أن يكون السواك واجبا على مذهب بعضهم. م: (ولأن فيه) ش: إي في تأخير العشاء م: (قطع السمر) ش: بفتح الميم وهو المحادثة لأجل المؤانسة. وقال ابن الأثير: السمر من المسامرة وهي الحديث بالليل، وأصل السمر ضوء القمر وسموه بضوء القمر لأنهم كانوا يتحدثون فيه، وجاء بسكون الميم فيكون مصدرا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 المنهي عنه بعده، وقيل: في الصيف تعجل كيلا تتقلل الجماعة،   [البناية] م: (المنهي عنه) ش: أي السمر هو الذي نهى عنه. (بعده) ش: أي بعد العشاء، والحديث الذي فيه النهي عن السمر رواه الأئمة الستة في كتبهم من حديث أبي برزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يستحب أن يؤخر العشاء التي يدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها» . وقال الطحاوي: إنما يكره النوم بعدها لمن حشي فوت وقتها أو فوت الجماعة منها، وأما من دخل [ ... ] من يوقظه لوقتها يباح له النوم. وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «جدب لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السمر بعد العشاء» ، رواه ابن ماجه وقال: يعني زجرنا عنه، ونهانا عنه، وجدب بالجيم والدال المهملة وفي آخرها باء موحدة. قال ابن الأثير: وفي حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جدب السمر ذمه وعابه، وكل غائب جادب. 1 - وقد أجاز العلماء السمر بعد العشاء في الخير، واستدلوا على ذلك بما أخرجه البخاري ومسلم عن سالم عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قال: «أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض [أحد] ".» وروى الترمذي في الصلاة والنسائي في المناقب عن إبراهيم عن علقمة عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسمر عند أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليلة في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما» . م: (وقيل في الصيف تعجل) ش: أي العشاء، وفي " المحيط " و " البدائع " ويؤخر العشاء إلى ثلث الليل أفضل وتعجل في الصيف. م: (كيلا تتقلل الجماعة) ش: قال شيخ الإسلام: وتأخير العشاء إلى ثلث الليل أفضل عند علمائنا في الشتاء من التعجيل في الوقت، وفي الصيف التعجيل من التأخير. وكذلك ذكر التفضيل بين الشتاء والصيف في " فتاوي قاضي خان " م: (كيلا تتقلل الجماعة) ش: لأن الليل قصير والنوم غالب. وقال الأترازي: قال بعض الشارحين كان من حق هذا القول أن يؤخر عن التقاسم أجمع من قوله وتأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل، وقوله والتأخير إلى نصف الليل وقوله وإلى نصف الأخير مكروه، أو يقوم على القاسم أجمع. أقول: ليس كما قال الشارح، بل كلام المصنف وقع موقعه، وأجاب نحوه لأنه لو أخر عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 والتأخير إلى نصف الليل مباح؛ لأن دليل الكراهة - وهو تقليل الجماعة - عارضه دليل الندب وهو قطع السمر بواحدة، فتثبت الإباحة إلى النصف، وإلى النصف الأخير مكروه؛ لما فيه من تقليل الجماعة،   [البناية] جميع التقاسم يظن ظان أن المراد من هذا التعجيل هو التأخير إلى ما قبل ثلث الليل، لأنه تعجيل أيضا بالسنة إلى نصف الليل وإلى نصف الأخير، فلما ذكر هذا القول بعد ذكر ثلث الليل لأنه تعجيل لم يفهم منه إلا التعجيل في أول الوقت، أما التقديم فلا معنى له، لأن المصنف إنما قال بلفظ قيل في المصنف، وإنما يستعمل لفظ قيل إذا سبق قبله قوله آخر، يعني أن تأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل مستحب في الصيف والشتاء، وقيل في الصيف يعجل ولا يؤخر انتهى. قلت: أراد ببعض الشارحين السغناقي فإنه قال: نقل ما نقله عنه لكنه قال في آخر كلامه: لما أن هذه التقاسم في حق الشتاء لا في حق الصيف، وترك بقية كلام السنغاقي وبقي كلامه، وليس كذلك على ما لا يخفى. م: (لأن دليل الكراهة وهو تقليل الجماعة عارضه دليل الندب وهو قطع السمر بواحدة) ش: بتاء التأنيث أي سمرة واحدها بالخلاف للموصوف، وفسره تاج الشريعة بقوله: أي بالكلية ومعناه بالفارسية - يكبار - وأخذ عنه هذا التفسير الأكمل وصاحب " الدراية ". وفي بعض النسخ بواحد بغير تاء التأنيث. وقال صاحب " الدراية ": أي بواحد من الناس وهذا عبارة عن المبالغة في قطع السمر، لأنه لما انقطع بواحد كان منقطعا باثنين وما فوقه أيضا. وقال الأترازي: بواحد أراد به نفي السمر عن شخص واحد، مبالغة في نفي السمر على وجه العموم، لأن السمر إذا كان منفيا عن واحد كان منفيا عن الجميع لأن النكرة إذا وقعت في موضع النفي عمت. قلت: هذه التفاسير كلها ليست بظاهرة، أما تفسير " تاج الشريعة " فإنه ليس مما يقتضيه معنى الكلمة إلا إذا قدرنا الموصوف كما ذكرنا. وأما تفسير صاحب " الدراية " لفظ بواحد بغير التاء بقوله بغير واحد من الناس فهو أيضا خلاف الظاهر، وأما تفسير الأترازي فأبعد من الكل لأنه أين النكرة التي وقعت في موضع النفي حتى تعم. م: (فتثبت الإباحة إلى النصف) ش: هذه نتيجة الكلام الذي قبله، أي إباحة التأخير إلى نصف الليل. م: (وإلى النصف الأخير مكروه) ش: أي تأخيره إلى النصف الأخير من الليل مكروه. م: (لما فيه) ش: أي في التأخير إلى نصف الليل الأخير م: (من تقليل الجماعة) ش: وفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 وقد انقطع السمر قبله، ويستحب في الوتر لمن يألف صلاة الليل أن يؤخره إلى آخر الليل، فإن لم يثق بالانتباه أوتر قبل النوم؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخر الليل فيوتر آخره» .   [البناية] " القنية ": كراهة التأخير إلى النصف الأخير للتحريم م: (وقد انقطع السمر قبله) ش: الواو فيه للحال، والغالب أن السمر لا يكون في النصف الأخير يثبت الكراهة لبقاء دليلها سالما عن المعارض. وقال الأكمل: واعترض بتعجيل النحر في أول الوقت فإنه مباح ودليل الكراهة وهو تقليل الجماعة سالم عن معارضة دليل النجم. وأجيب: بأن المعارض هناك أيضا موجود وهو قَوْله تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] (آل عمران: الآية 133) فإن المسارعة إلى العبادة بعد وجوب السبب مندوب إليها لو لم يكن فيها التأخير يعني تكثير الجماعة، فكان فيه تعارض دليل الندب وهو المسارعة إلى العبادة مع دليل الكراهة وهو تقليل الجماعة؛ فثبتت الإباحة لذلك بخلاف تأخير العشاء إلى النصف الأخير، فإن دليل الكراهة فيه سالم عن معارضة دليل الندب أصلا؛ لأنه ليس فيه المنازعة لأداء العبادة ولا تكثير الجماعة ولا قطع السمر لانقطاعه قبله. قلت: أخذ الأكمل هذا من السغناقي. وقال صاحب " الدراية ": فيه تأمل. م: (ويستحب في الوتر لمن يألف صلاة الليل) ش: أي لمن له إلفة وعادة بالصلاة في الليل أن يؤخر الوتر إلى: م: (آخر الليل) ش: في غالب النسخ، ويستحب في الوتر لمن يألف الصلاة آخر الليل فعلى هذا يجوز في لفظ آخر النصب على الظرفية، والتقدير، يوتر في آخر الليل وهذا روي، ويجوز الرفع أيضا بأن يكون مفعولا أقيم مقام فاعل يستحب، وهذا روي أيضا. وقال الأترازي وغيره: عندي الأول هو الأولى لأن في الثاني يحتاج إلى التأويل والأصل عدم التأويل. قلت: أراد بالأول: الرفع، وبالثاني: النصب ونحوه من كلامه بأن الإسناد في الأول على وجه المجاز، فلا يخرج عن التأويل. م: (وإن لم يثق بالانتباه أوتر قبل النوم) ش: لأن من ليس له إلفة بصلاة الليل آناء آخر الوقت لا بأس من الفوات لغلبة النوم. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخره» ش: الحديث رواه مسلم عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: " متى توتر؟ قال: أول الليل بعد العتمة قال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 فإذا كان يوم غيم، فالمستحب في الفجر والظهر والمغرب تأخيرها، وفي العصر والعشاء تعجيلهما؛ لأن في تأخير العشاء تقليل الجماعة على اعتبار المطر، وفي تأخير العصر توهم الوقوع في الوقت المكروه، ولا توهم في الفجر؛ لأن تلك المدة مديدة وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - التأخير في الكل للاحتياط،   [البناية] أخذت بالوثقى، ثم قال لعمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - متى توتر؟ قال آخر الليل. قال: أخذت بالقوة» . م: (فإذا كان يوم غيم) ش: يوم: مرفوع لأنه اسم كان، والغيم: السحاب، وفيه إشارة إلى أن الذي ذكره قبله من استحباب فيما إذا كانت السماء مضحية، أما إذا كان يوم غيم م: (فالمستحب في الفجر والظهر والمغرب تأخيرها) ش: قوله فالمستحب خبر كان ودخول الفاء عليه لتوهم معنى الشرط في كلمة. أما قوله تأخير الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة. وفي " الينابيع " " والمحيط " " والتحفة " " والقنية " وغيرها: إن كانت السماء مغيبة فكل صلاة أولها حين عجلت، يقال: غابت السماء وأغامت بالإعلال، وأغمته بالتصحيح على الأصل إذا كان بها غيم. وفي " المبسوط ": المستحب تعجيل المغرب في كل وقت ولم يذكر التأخير في يوم الغيم، وقال القاضي: نص العمل في رواية الجماعة على استحباب تأخير الظهر والمغرب في الغيم وتعجيل العصر والعشاء. قال ابن المنذر: عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا كان يوم غيم فأخروا الظهر وعجلوا العصر. وقال المهلب: لا يصح التبكير في الغيم إلا بصلاة العصر والعشاء. م: (وفي العصر والعشاء تعجيلهما) ش: أي يستحب في صلاة العصر والعشاء تعجيلها، وتوحيد الضمير باعتبار لفظ الصلاة المقدرة وفي العصر والعشاء كما قدرنا. (لأن في تأخير العشاء تقليل الجماعة على اعتبار المطر) ش: أي على اعتبار وقوع المطر، وحصول الطين والغيم الرطب سبب المطر وتكاسل الناس في الخروج إلى المسجد مترخصين بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا بلت النعال فالصلاة في الرحال» . م: (وفي تأخير العصر توهم الوقوع في الوقت المكروه) ش: وهو وقت اصفرار الشمس. " ولا توهم في الفجر لأن تلك المدة مديدة " يعني ما بين التنوير وطلوع الشمس مدة مديدة يؤمن أن يقع الأداء وقت طلوع الشمس. م: (وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - التأخير في الكل) ش: أي في الصلاة، روى الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إذا كان يوم غيم فالمستحب في جميع الصلوات التأخير كذا في " المبسوط "، وفي " البدائع " وهو اختيار الفقيه الجليل أبي أحمد العياضي لأن في التردد ترددا بين الأداء والقضاء، وفي التعجيل بين الصحة والفساد وأشار إلى ذلك بقوله (للاحتياط) ش: في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 ألا ترى أنه يجوز الأداء بعد الوقت لا قبله.   [البناية] الصحة والفساد. م: (ألا ترى أنه يجوز الأداء بعد الوقت لا قبله) ش: وصح بذلك وجه الاحتياط وذلك لأنه إذا أخر في يوم الغيم صلاة من الصلوات بوقت بعد خروج الوقت، فصلاته جائزة تسقط عنه الفرض، بخلاف ما إذا عجل ووقعت قبل دخول الوقت فإنها فاسدة فيجب عليه الإعادة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 فصل في الأوقات التي تكره فيها الصلاة لا تجوز الصلاة عند طلوع الشمس، ولا عند قيامها في الظهيرة، ولا عند غروبها؛   [البناية] [فصل في الأوقات التي تكره فيها الصلاة] م: (فصل في الأوقات التي تكره فيها الصلاة) ش: أي هذا فصل في بيان الأوقات التي تكره فيها الصلاة، ولقب الفصل بما يكره مع أن فيه ما لا تجوز الصلاة فيه باعتبار الغالب، ولأن علة الجواز مستلزم الكراهة والإفراغ من بيان أحد قسمي الوقت، شرع في بيان القسم الأول. م: (لا تجوز الصلاة عند طلوع الشمس ولا عند قيامها في الظهيرة ولا عند غروبها) ش: الظهيرة شدة الحر نصف النهار، ولا يقال في الشتاء ظهيرة، ويجمع على الظهائر. وقال الجوهري: الظهيرة: الهاجرة، يقال أتيته حر الظهيرة وحين قام قائم الظهيرة، وقال الهاجرة والهجر نصف النهار عند اشتداد الحر. م: (قوله: لا تجوز الصلاة) ش: قال تاج الشريعة: إذا أريد منها الفرض بها نفي الجواز مطلقا وإن يراد غيره فمعناه الكراهة، والكراهة مطلق على الجائز وعلى غيره، ويجوز إطلاقها على الفرائض والواجبات التي لا تجوز في الأوقات، وعلى الفعل الذي يجوز. وقال السروجي: والمراد من قوله لا يجوز لا نبغي أن يفعل ولو فعل يجوز. وقال صاحب " الدراية ": ففي قوله - (لا تجوز الصلاة) أي لا تجوز فعله ولو شرع يلزم كما في البيع الفاسد، لأن النهي عن الأفعال الشرعية بعض المشروعية. وفي " الزاد " أراد به ما سوى الفعل. قلت: فعلى هذا المراد من قوله لا تجوز الصلاة نوع مخصوص، وهو الفرض وليس المراد جنس الصلاة حتى لو صلى النوافل في الأوقات المكروهة يجوز، لأنه أدى كما وجبت لأن النافلة تجب بالشروع، وشروعه حصل في الأوقات المكروهة ولهذا قال الإمام الإسبيجابي في " شرح الطحاوي ": ولو صلى التطوع في هذا الأوقات الثلاث فإنه يجوز ويكره. وقال الكرخي: ويجوز واجب البناء إذا تقدم. قال الإسبيجابي: فالأفضل له أن يقطع ويقضيها في الوقت المباح، وإنما لا تجوز الفرائض في هذه الأوقات لأنها وجبت كاملة فلا يتأدى بالناقص. فإن قلت: قوله لا يجوز إذا استعمل في عدم الجواز بالنسبة إلى الفرائض وفي الكراهة بالنسبة إلى النوافل وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة يكون جمعا بين الحقيقة والمجاز. قلت: على غير هذه الرواية لا يلزم ذلك، لأن في غير ظاهر الرواية لا يجوز النفل أيضا وأما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 لحديث عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «ثلاثة أوقات نهانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نصلي فيها وأن نقبر فيها موتانا: عند طلوع الشمس حتى ترتفع، وعند زوالها حتى تزول، وحين تضيف للغروب حتى تغرب» .   [البناية] على ظاهر الرواية من أن النفل يجوز مع الكراهة، فلا يستقيم إلا إذا كان رأوه عدم الجواز مطلقا كما ذهب إليه البعض. وفي " المبسوط " " والمحيط " الأوقات التي تكره فيها الصلاة خمسة. ثلاثة منها لا يصلي فيها أحد الصلاة: عند طلوع الشمس إلى أن تبيض، وعند زوالها، وعند غروبها إلا عصر يومه، ولا تتطوع بعد طلوع الفجر إلا بركعتيه إلى أن ترتفع الشمس، ولا يتطوع بعد صلاة العصر. وذكر في " التحفة " " والقنية " " والمفيد " أن الأوقات التي تكره فيها الصلاة اثني عشر وقتا ثلاثة منها تكره لمعنى في الوقت وهي المذكورة آنفا، ففي هذا الثلاثة يكره التطوع التي ليس فيها سبب في جميع الأيام والأمكنة ولو شرع فيها صح شروعه وجاز أداؤها فيه. وفي " المحيط ": في الرواية المشهورة لكن الأولى قطعها وأداؤها في وقت غير مكروه، وقال في " المحيط " ولو قضاها في غير وقت مكروه جاز، وقد أساء خلافا لزفر. وكذا ما له سبب كركعتي الطواف وتحية المسجد وسجدة التلاوة وصلاة الجنازة والمنذورة في هذه الأوقات، والأولى أن لا يؤخر صلاة الجنازة لأن تأخيرها مكروه. وفي " المفيد " إن حضرت في وقت مستحب لا يجوز فيها بخلاف ما ذكره، ونص الكرخي على أنه لا يجوز فيها صلاة الجنازة ولا سجدة التلاوة، ولا يقضي فرضا ولا يصلي تطوعا، وكذا يكره أداء فرض العصر عند تغير الشمس. ولا يصح الفرض عند الطلوع والزوال، وأما قضاء الفرائض والمنذورة وقضاء الواجبات الفائتة وسجدة التلاوة في وقت غير مكروه والوتر من ذلك لا يجوز في هذه الأوقات، وفي البواقي من اثني عشر بمعنى في غير الوقت وهي تسعة: بعد طلوع الفجر، وبعد فرض الفجر قبل الطلوع وقبل صلاة العصر، وبعد الغروب، قبل المغرب وعند الخطبة، وعند الإقامة، وعند خطبة العيدين، وعند خطبة الكسوف، وخطبة الاستسقاء كذا في " التحفة " ولكن بلفظ الكراهة. وفي " المجتبى " ولا تنفل بعد صلاة الجمع بعرفات والمزدلفة وذكروا أنها الصلاة قبل العيد. م: (لحديث عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «ثلاثة أوقات نهانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نصلي فيها وأن نقبر فيها موتانا عند طلوع الشمس حتى ترتفع، وعند زوالها حتى تزول، وحين تضيف للغروب حتى تغرب» ش: هذا الحديث رواه مسلم والأربعة من حديث موسى ابن علية بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «ثلاث ساعات كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب» وأن نقبر فيها: المراد منه الصلاة على الميت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] على ما يذكره المصنف عن قريب. قوله: تضيف، أي تميل للغروب وقد وقعت هذه اللفظة هاهنا بتاءين وأن [ ...... ] وقعت بتاء واحدة وأصله بتاءين لأنه من تضيف، ويجوز فيه أيضا التاءين على الأصل ويجوز فيه حذف إحداهما كما في قوله: {نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14] (سورة الليل: الآية 14) أصله: تتلظى فحذفت إحدى التاءين، وثلاثية ضاف يضيف أي مال، يقال: ضافت الشمس وضيفت وتضيفت أي مالت للغروب. قوله م: (حتى ترتفع) ش: أي الشمس، وحد الارتفاع الذي يباح فيه الصلاة اختلفوا فيه في الأصل إذا ارتفعت الشمس، قدر رمح أو رمحين تباح الصلاة. وقال الفضل: ما دام الإنسان يقدر على النظر إلى قرصها فالشمس في الطلوع، ولا تباح الصلاة فيه فإذا عجز عن النظر يباح. وقال أبو حفص السفكردري: يؤتى بطست ويوضع في أرض مستوية ما دامت الشمس تقع على حيطانها فهي في الطلوع، وإذا وقعت في وسطه فقد طلعت وحلت الصلاة كذا في " المحيط ". فإن قلت: التخصيص بالثلاث في العدد يفيد الانحصار عليه، وقد ذكرت تسعة أوقات لا يجوز فيها النفل، وتلك التسعة غير هذه الثلاثة فيلزم منه إبطال العدد. قلت: إنما يلزم هذا أن لو كان المزيد مثل حكم المزيد عليه، فالثلاثة المنصوصة حكمها أن لا يجوز الفرائض والنوافل أيضا في بعض الروايات، وأما غيرها فليس في معناها لأنه يجوز قضاء الفوائت وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة فيها بخلاف الثلاثة المذكورة فإن ذلك لا يجوز فيها، وإذا كان المعنى يختلف لا يلزم الإبطال بل يكون كل واحد منهما ثابتا بدليل على حدة. فأما الثلاثة المذكورة فبحديث عقبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وأما غيرها فبأحاديث أخرى مثل «لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس» . فإن قلت: إذا لم تجز الفرائض في هذه الأوقات فلو شرع فيها ثم قهقه هل ينقض وضوءه؟ قلت: لا ينتقض لأن شروعه لم يصح فلا تصادق قهقهته صلاة شروعه، وقال في نوادر الصلاة ": من الصلاة لو طلعت الشمس وهو في خلال صلاة الفجر ثم قهقه قبل أن يسلم فليس عليه وضوء لصلاة أخرى. أما على قول محمد فلأنه صار خارجا عن الصلاة بطلوع الشمس، وهي وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي الرواية الأخرى وإن لم يصر خارجا من حد التحريمة فقد فسدت صلاته بطلوع الشمس لأنه لا يجوز أداء الفعل في هذا الوقت كما لا يجوز أداء الفرض، فالضحك في هذه الحال دون الضحك في صلاة الجنازة فلا يجعل حدثا، وعلى قياس قول أبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 والمراد بقوله: " وأن نقبر ": صلاة الجنازة؛   [البناية] يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويلزمه الوضوء خصوصا على الرواية التي رويت عنه أنه يصير حتى تطلع الشمس ثم يتم الفريضة فعلى هذه الرواية أن ضحكه صادف حرمة صلاة مطلقة فكان حديثا. م: (والمراد بقوله - وأن نقبر - صلاة الجنازة) ش: المراد مبتدأ وخبره صلاة الجنازة، أي المراد من قول عقبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأن نقبر فيها - الصلاة على الجنازة يقال قبر يقبر من باب نصر ينصر ومصدره مقبر يعني مدفن الميت أيضا قبر يقال قبره إذا دفنه وأقبره إذا جعل له قبرا يوارى فيه. وقال ابن السكيت: قبرته أي جعلت له قبرا يدفن فيه وقَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: 21] (سورة عبس: الآية 21) أي جعله ممن يقبر ولم يجعله يلقى للكلاب فأكرم الإنسان بالقبر. وقال ابن الأعرابي: أقبر إذا أمر إنسانا بحفر قبر. فإن قيل: قلت ذكر القبر وإرادة الصلاة من أي قبيل من المجاز أو الكناية؟ قلت: قال في " المبسوط ": وهو من باب الكناية اللازمة بينهما. وقال الأترازي: هو كناية لأنه ذكر الرديف وأراد المردوف، قلت: المراد من الملازمة المذكورة ما يكون بين اللازم والملزوم على سبيل التبعية، لأن الكناية أن يذكر في اللازمين ما هو تابع ورديف ويراد به ما هو متبوع ومردوف. فإن قلت: ما هذا الداعي إلى هذه الدعوى فلم لا يؤخذ بظاهره فيكون دفن الميت في هذه الأوقات الثلاثة مكروها؟ قلت: اختلف العلماء في هذا الباب فأخذت طائفة بظاهره وقالوا: يكره دفن الميت في هذه الأوقات الثلاثة. وقال البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ونهيه عن القبر في هذه الساعات لا يتناول الصلاة على الجنازة وهو عند كثير من أهل العلم محمول على كراهة الدفن في تلك الساعات، وكذلك حمله أبو داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على الدفن فإنه بوب عليه في كتاب الجنازة فقال: باب ما جاء من الدفن عند طلوع الشمس وعند غروبها، ثم روى حديث عقبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور. وذهب أكثر أهل العلم إلى كراهة الصلاة على الجنازة في هذه الأوقات، وروي ذلك عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو قول عطاء والنخعي، والأوزاعي والثوري وبه قال أبو حنيفة، وأصحابه وأحمد، وإسحاق، وكذلك حمله الترمذي على الصلاة وبوب عليه " باب ما جاء في كراهة صلاة الجنازة عند طلوع الشمس وغروبها " ونقل عن ابن المبارك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: يعني أن نقبر فيها موتانا يعني صلاة الجنازة انتهى. وعن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه كان يرى الصلاة على الجنائز أي ساعة شاء من ليل أو نهار وكذلك الدفن أي وقت كان من ليل أو نهار. في أحكام ابن بريدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 لأن الدفن غير مكروه، والحديث بإطلاقه حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تخصيص الفرائض، وبمكة في حق النوافل،   [البناية] قال بعض العلماء: لا يصلى عليها في الأوقات الثلاثة المذكورة في حديث عقبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا أن يخاف عليها النتن، وقيل: لا يصلى عليها عند الغروب والطلوع فقط ويصلى بعد العصر ما لم تصفر الشمس، وبعد الصبح ما لم تسفر. وقال ابن عبد الحكم: يصلى عليها في كل وقت كالفرائض. وقال الليث: يكره الصلاة عليها في الأوقات التي يكره فيها الصلاة. وقال عطاء والنخعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لا يصلى عليها في الأوقات الخمسة المنهي عنها. فإن قلت: هل جاء ما يدل على هذا الحمل؟. قلت: نعم روى الإمام أبو حفص عمر بن شاهين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في كتاب الجنائز من حديث خارجة بن مصعب عن ليث بن سعد عن موسى بن علي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قال: «نهانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نصلي على موتانا عند ثلاث: طلوع الشمس..» إلى آخره. م: (لأن الدفن غير مكروه) ش: أي لأن دفن الميت في هذه الأوقات المذكورة غير مكروهة. م: (والحديث بإطلاقه حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تخصيص الفرائض وبمكة في حق النوافل) ش: واختلفت نسخ " الهداية " في هذا الموضع فلذلك تردد الشراح فيه، ولم يحرروا كما ينبغي خصوصا تحرير مذهب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على ما هو المسطور في كتب أصحابه المعتمد عليها. فقال السغناقي في شرحه: قوله والحديث بإطلاقه حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تخصيص الفرائض والنوافل بمكة. وفي بعض نسخ " الهداية " لم يذكر الفرائض وذكر بمكة بالباء، وفي بعضها لم يذكر النوافل والصحيح من الرواية أن يذكر الفرائض ويذكر مكة بدون الباء. ويقال في تخصيص الفرائض وبمكة ليكون أداء الفرائض في جميع الأمكنة، وتعميم جواز الفرائض والنوافل بمكة وذلك إنما يعاد فهذا الذي ذكرت وهكذا كان بخط شيخي، فإن عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يجوز الفرائض والنوافل فإن شمس الأئمة السرخسي ذكر في " المبسوط ": حديث عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وغيره من الأحاديث، ثم قال: والأمكنة في هذا النهي سواء عندنا لعموم الآثار. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا بأس بالصلاة في هذه الأوقات بمكة لحديث روي في النهي إلا بمكة انتهى كلامه. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله: وتخصيص الفرائض أي الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يقول بعدم كراهية الفرائض في هذه الأوقات، قوله ومكة أي تخصيص مكة فإن عنده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ينصرف هذا النهي إلى مكة حتى لا تكره النوافل فيها انتهى. وقال صاحب " الدراية ": قوله حجة على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتخصيص الفرائض ومكة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز في هذه الأوقات الفرائض ومن النوافل ما له سبب كتحية المسجد، وركعتي الطواف، وكذا في الجمعة بعد الزوال انتهى. وقال الأترازي: قوله والحديث بإطلاقه حجة على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في تخصيص الفرائض ومكة. - وفي بعض النسخ وبمكة بالباء - والصحيح أن يذكر ومكة بلا باء، بيانه أن الشافعي يخص الفرائض من جميع الصلاة ويقول: إن النهي ورد في حق النفل لا في حق الفرائض بدليل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» فإن ذلك وقتها. نعلم أن الفرض ليس بمنهي عنه حتى تجوز الفرائض في الأوقات المكروهة بلا كراهة في جميع البلدان. أما النوافل فإنها تكره في هذه الأوقات إلا بمكة، فإن مكة مخصوصة من سائر البلدان لما روى أبو داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النهي عن الصلاة في هذه الأوقات مقرونا بقوله: " إلا بمكة، فإذن تجوز الفرائض في جميع البلدان في مكة وغيرها لأن الفرائض خصت من جميع الصلاة، وتجوز النوافل بمكة خاصة لأن مكة خصت من جميع البلدان، وعلى هذا التقدير لا يفهم إلا على رواية مكة بدون الباء فافهم، انتهى. 1 - قال الأكمل: ما يخصه إن أراد بقوله لا يجوز الفرض وحده وإن النفل جائز مكروه، ولم يستقم جعل الحديث حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تجويز النوافل وإن كان مراده عدم الجواز في الفرض والنفل جميعا لزم عليه ما نقل عن الكرخي والإسبيجابي وهو أن النوافل تجوز وتكره، وإن كان الجواز مع الكراهة فما لم يكن الحديث حجة لنا على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا إذا أثبته أن أصحابنا يقولون بالجواز مع الكراهة، وهو يقول بالجواز بلا كراهة. قال: ولم أطلع على ذلك فيما وجدته من النسخ وإن كان عدم الجواز في الفرض والجواز في النفل مع الكراهة فإن في بعض الروايات لزم اختلاف معنى اللفظ للواحد مراد نزلا على سبيل الكناية وهو غير جائز. وأرى أن المراد عدم الجواز في الفرض والنفل على بعض الروايات ولا يلزمه ما نقل عن الكرخي والإسبيجابي لأنه اختار خلافه وإذا ظهر لك ما قررناه تبين لك أن النسخة الصحيحة هو أن يقال حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تخصيص الفرائض بمكة، لأنه هو الذي يقيد ما ذكرنا من مذهبه، وإن كان فيه إعلام دون ما عداه وهو ما وقع في بعضها من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قوله في تخصيص الفرائض والنوافل بمكة، وفي بعضها في التخصيص بمكة، وفي بعضها ولم يذكر النوافل. قلت: هذه الترديدات والتصرفات البحثية كلها من عدم الوقوف على نص مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعدم الرجوع إلى أمهات كتب أصحابه فنقول مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - جواز الفرائض في هذه الأوقات، ومن النوافل ما له سبب كتحية المسجد وركعتي الطواف دون النوافل المطلقة، وفي مكة يجوز النوافل المطلقة أيضا. وقال النووي في " الروضة ": يجوز في هذه الأوقات قضاء الفرائض والسنن والنوافل التي أخذها الإنسان وردا له وتجوز صلاة الجنازة وسجود التلاوة وسجود الشكر وركعتا الطواف وصلاة الكسوف، ولا يكره فيها صلاة الاستسقاء على الأصح. وعلى الثاني يكره كصلاة الاستخارة ويكره ركعتا الإحرام على الصحيح. فأما تحية المسجد فإن اتفق دخوله الفرض كدرس علم أو اعتكاف أو انتظار صلاة ويجوز ذلك ثم يكره، وإن دخل لا لحاجة بل ليصلي التحية فوجهان أقيسهما الكراهة انتهى. فإذا عرفت هذا عرفت أن نقل السنغاقي عن مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: فإن عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تجوز الفرائض في هذه الأوقات في جميع الأمكنة دون النوافل، وفي مكة تجوز الفرائض في عنده والنوافل ليس كما ينبغي، وكذلك ما قاله الأترازي، فإذا قابلت كلامهما بالذي قلنا آنفا عرفت أن نقلهما عن مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليس على ذلك، وكذلك ما قاله الأكمل بقوله تبين أن النسخة الصحيحة إلى آخره والأقرب إلى المطالعة ما قاله صاحب " الدراية " ثم فسر النسخة التي هي قوله: (والحديث بإطلاقه) يعني بكونه متنا ولا للفرض والنفل حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وتخصيص الفرائض بالجواز في هذه الأوقات أي فرض كان وفي أي مكان كان. قوله م: (والنوافل) ش: أي وفي تخصيص النوافل بالجواز فيها حال كونها فيها بمكة أي نفل كان ولا تدل هذه العبارة على جواز النفل الذي له سبب في غير مكة، فقلت إن النسخ كلها قاصرة على الدلالة على ما ينبغي؛ ثم حجة الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مما ذهب إليه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها» ، جعلت وقت التذكير وقتا للفائتة مطلقا وله في جواز النفل بمكة شرفها الله تعالى الوارد في حديث عقبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا بمكة. وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمور الناس شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] شاء» . وله في الجمعة حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الصلاة في نصف النهار إلا يوم الجمعة» . وروى أبو الخليل عن أبي قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة» . وقال ابن الجهم متحسر إلا يوم الجمعة. والجواب عن ذلك: أما حديث: «من نام عن صلاة» إلى آخره فهو مخصوص بحديث عقبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والدليل عليه ما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قفل من غزة خيبر فسار بليلة ... » الحديث، وفيه: «فناموا فما أيقظهم إلا حر الشمس» -. وفي رواية «انتبهوا - وقد بدا جانب الشمس فأداروا رحالهم شيئا ثم نزلوا للصلاة» . وإنما نقل ذلك لترتفع الشمس فلو جاز قضاء المكتوبة في حال طلوع الشمس لما أخرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الانتباه. وعن الثاني: أن الاستثناء الوارد في حديث عقبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا بمكة غريب لم يرد في المشاهير فلا يزاد به عليها أو يحتمل أنه كان قبل النهي. وعن الثالث: أن أبا داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في إباحة الدعاء قرأ معنى صلى دعا قال أبو بكر ابن العربي: هذا الحديث لم يصح. وعن الرابع: أن إلا في قوله - إلا يوم الجمعة بمعنى: ولا يوم الجمعة كما في قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا خَطَأً} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) . أي لا خطأ عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وحديث أبي قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، منقطع لأن أبا الخليل لم يسمع من أبي قتادة قاله أبو داود، وقال أبو الفرج - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف مرة. وفي " المغني " عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كنا ننهى عن ذلك يوم الجمعة. وعن سعيد المقبري: أدركت الناس وهم ينهون عن ذلك وأباحه فيها عطاء في الشتاء دون الصيف، وفي بقية الأوقات يوم الجمعة وجهان عند الشافعية أحدهما يجوز لكل واحد، وفي بقية الأوقات يوم الجمعة والآخر لا يجوز إلا في وقت الاستواء يوم الجمعة، دون بقية الأوقات يوم الجمعة روي عن بعضهم تخصيص الإنشاء من بقاء الشعائر وبترجيحه قال صاحب " المهذب " وغيره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 وحجة على أبي يوسف في إباحة النفل يوم الجمعة وقت الزوال. قال: ولا صلاة جنازة لما روينا، ولا سجدة تلاوة؛ لأنها في معنى الصلاة   [البناية] فإن قلت: يعارض حديث عقبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الفجر» . بيانه أن هذا يقتضي أنه لو شرع في صلاة الفجر وطلعت الشمس في خلالها لا تفسد الصلاة كما ذهب إليه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: إنه لبيان الوجوب بإدراك جزء من الوقت قل أو كثر. ومذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذا الباب أنه يقضي الفرائض في هذه الأوقات الثلاثة ولا يصلي النوافل سواء كان لها سبب أو لا، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أنه أجاز ركعتي الطواف وصلاة الجماعة مع إمام الحي لخوف الفوت. واختلفت الرواية عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه في صلاة الكسوف وسجود القرآن في وقت النهي. م: (وحجة على أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في إباحة النفل يوم الجمعة) ش: وحجة عطف على قوله حجة على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: لا بأس بالصلاة م: (وقت الزوال) ش: واستدل على ذلك بحديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد ذكرناه عن قريب مع الجواب عنه. م: (قال) ش: أي القدروي معطوف على أول الكلام. (ولا صلاة جنازة) ش: أي ولا تجوز صلاة الجنازة في الأوقات الثلاثة المذكورة، هذا محمول على جنازة حضرت قبل العصر لأن الصلاة تجب بحضورها كاملة ولا تؤدى بالناقص، حتى لو حضرت جنازة في هذا الوقت جازت الصلاة مع الكراهة؛ لأنها ناقصة كما وجبت. (لما روينا) ش: وهو قوله: «وأن نقبر فيها موتانا» . م: (ولا سجدة تلاوة) ش: عطف على ما قبله، أي ولا تجوز سجدة التلاوة، وهذا إذا كان تلا أو سمع قبل هذا الزمان فسجد في هذا الزمان بعدم إجزاء الناقص عن الكامل، أما لو تلا في هذا الزمان فسجد جازت لأنها أديت ناقصة كما وجبت. م: (لأنها في معنى الصلاة) أي لأن سجدة التلاوة في معنى الصلاة من حيث إنه يشترط لها ما شرط للصلاة من الطهارة، وستر العورة، واستقبال القبلة، ويقال باعتبار حصول التشبه لعبدة الشمس إزالة يحصل بعد الشمس بالحول، أيضا كذا في " المبسوط ". وقال الأكمل: فإن قيل ما بالها لم تلحق بها في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ضحك منهم فقهقه فليعد الوضوء والصلاة جميعا» ، فينتقض وضوء الضاحك في سجدة التلاوة كما في الصلاة. وأجيب بأن اللام في قوله: «فليعد الوضوء والصلاة» للعهد لأنه إنما يعيد الصلاة التي وجدت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 إلا عصر يومه عند الغروب؛ لأن السبب هو الجزء القائم من الوقت؛ لأنه لو تعلق بالكل لوجب الأداء بعده، ولو تعلق بالجزء الماضي فالمؤدي في آخر الوقت قاض، وإذا كان كذلك فقد أداها كما وجبت، بخلاف غيرها من الصلوات؛ لأنها وجبت كاملة فلا تتأدى بالناقص.   [البناية] فيها القهقهة لا للجنس، والمعهود صلاة ذات تحريمة وركوع وسجود، والسجود المجرد ليس في معناه من كل وجه فلا يلحق به. قلت: هذا السؤال والجواب للسنغناقي. م: (إلا عصر يومه عند الغروب) ش: هذا استثناء من قوله - ولا عند غروبها - يعني لو صلى عصر يومه عند غروب الشمس جازت صلاته. م: (لأن السبب) ش: أي سبب وجوب الصلاة. م: (هو الجزء القائم من الوقت) ش: الذي يتصل به الأداء (لأنه لو تعلق بالكل) ش: أي لأن السبب لو تعلق بكل الوقت جملة م: (لوجب الأداء بعده) ش: أي لوجب أداء الصلاة بعد ذلك الوقت لوجوب تقدم السبب بجميع أجزائه على السبب فلا يكون أداء. م: (ولو تعلق بالجزء الماضي) ش: أي ولو تعلق بسبب الوجوب بالجزء الماضي من الوقت م: (فالمؤدي) ش: بكسر الدال. (في آخر الوقت قاض) ش: لأنه أدى بعد خروج الوقت فيكون قضاء. م: (وإذا كان كذلك) ش: أي وإذا كان الأمر كما ذكرنا من أن السبب هو الجزء القائم إلى آخره. (فقد أداها) ش: أي أدى الصلاة التي هي العصر. (كما وجبت) ش: أي باتصال الأداء بها فإن كان وقتها صحيحا بأن لا يكون موصوفا بالكراهة ولا منسوبا إلى الشيطان كالظهر مثلا وجب المسبب كاملا فلا يتأدى ناقصا، وإن كان فاسدا أي ناقصا بأن يكون منسوبا إلى الشيطان كالعصر يستأنف وقت الاصفرار وجب الفرض به ناقصا فيجوز أن يتأدى ناقصا، لأنه أداه كما وجب. م: (بخلاف غيرها من الصلوات) ش: يعني غير العصر. (لأنها وجبت كاملة فلا تتأدى بالناقص) ش: لأن ما وجب كاملا لا تتأدى بالناقص. وقال الأكمل: قوله - لأن السبب هو الجزء القائم من الوقت - فيه تسامح لأن السبب إما أول جزء والذي يلي الأداء الجزء والمضيق أو كل الوقت عند خروجه. قلت: المراد بالجزء القائم من الوقت الجزء الباقي من آخر الوقت لأن السببية تنتقل من جزء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] إلى جزء والسبب هو الجزء القائم. وقال صاحب " الكافي ": ما قاله فالمؤدي في آخر الوقت قاضي أشكاله لأنه مؤدي باعتبار بقاء الوقت، وأيضا يلزمه على تقدير جواز قضاء العصر في هذا الوقت لأن الجزء القائم من الوقت ناقص فيجب به العصر ناقصا فينبغي أن يجوز كعصر يومه، وأجاب عنه الشيخ عبد العزيز عن الأول بأن كلامه فيمن أخر العصر إلى الغروب، ولا شك أن السبب في حقه هو الجزء القائم من الوقت هو المعبر عنه بالجزء المضيق. وعن الثاني بأن الجزء إذا تعين السببية بحيث لا ينتقل إلى غيره كان التأخير عنه تفويتا للواجب كالجزء الأخير من الوقت في الصلاة، والجزء الأول من اليوم في الصوم. قال الأكمل: ورد عليه بأن الفوات والتفويت عن الجزء الأخير من الوقت إنما هو باعتبار خروج الوقت لا باعتبار تعينه للسببية، وكذلك الجزء الأول من اليوم لأن وقت الصوم كل النهار فإذا فات البعض فات الكل. قلت: لا نسلم أن التفويت بمجرد اعتبار خروج الوقت بل به، وباعتبار الجزء الأخير للسبب ألا ترى أنه إذا شرع في صلاة الظهر أو المغرب أو العشاء في الجزء الأخير ثم خرج الوقت كان ذلك أداء لا قضاء، فلو أسلم الكافر عند غروب الشمس يلزمه أداء العصر، فإن لم يتمكن حتى غربت الشمس هل تلزمه أم لا؟ فهو مبني على خلاف في ذلك. 1 - ثم اعلم أنه لا بد من جعل جزء من الوقت سببا للوجوب فقال شمس الأئمة السرخسي: سبب الوجوب الجزء الأول من الوقت فصار السبب حكم الوجوب، وصحة أداء الواجب ولكنه وجوب موسع وهو الأصح وهكذا نقله علاء الدين الحاكم السمرقندي فيش " الميزان والتقويم " لأبي زيد، ومن الناس من ظن أن الأداء لما لم يلزم في أول الوقت لم يكن وجوب الصلاة متعلقا بأوله وأنه غلط ويتعاين وقته بالفعل كالكفارة. وفي " مختصر البزدوي ": الوجوب بأول الجزئية من أول الوقت خلافا لبعض مشايخنا، والقاضي عبد الجبار أنكر أن قوله: من قال الصلاة في أول الوقت تقع نفلا، قال: وهذا لا يصح. وقال شمس الأئمة: ومن مشايخ العراق من يقول الوجوب لا يثبت في أول الوقت وإنما تعلق الوجوب بآخره ومستدلون عليها بما لو حاضت في آخر الوقت فصلى ركعتين، فلو كان الوجوب بأول الوقت لما سقطت الصلاة بذلك، وكذا لو مات قبل خروج الوقت لا تكون الصلاة دينا في ذمته ولا شيء عليه. ثم عند مشايخ العراق اختلاف في صفة المروي في أول الوقت فمنهم من يقول: هو نفل يمنع لزوم الفرض في آخر الوقت إذا بقي على حال يلزمه الأداء بأن لا يعارضه جنون أو حيض وغير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ذلك فيه لأنه يمكن، ثم نزل الأداء في أول الوقت لا إلى القضاء. ومنهم من قال: المؤدي في أول الوقت وقوف على ما يظهر من حاله في آخر الوقت فاعتبروه بتعجيل الزكاة قبل الحول. وفي " المرغيناني " قال: أكثر أصحابنا الوجوب يتعلق بمقدار التحريمة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - بمقدار ما يؤدي الصلاة وهذا القول مختار القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والأول اختيار القاضي أبي زيد الدبوسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وذكر عن الكرخي ثلاث روايات عن أصحابنا فروى الشيخ أبو بكر الجصاص - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الوقت كله وقت العرض وعليه أداؤه في وقت مطلق من جميع الوقت وهو مخير في الأداء فيتعين الواجب بالأداء ويضيق الوقت، فإن أدى في أول الوقت يكون واجبا، وإن أخر لا يأثم وهو الرواية على المعتمد عليها. ويروى أيضا أن الأداء في أوله موقوف إن بقي إلى آخر الوقت بصفة التكليف يقع واجبا فإن فات شيء من شرائط التكليف يكون نفلا، وفي رواية أخرى عنه يقع نفلا في أول الوقت فإذا بقي إلى آخر الوقت وصفة المكلفين يكون ذلك سقطا للغير من قال، وهذا الرواية مهجورة. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما يفرد الوجوب في أول الوقت لزمه الأداء على وجه لا تتغير بتغير حال فيعد ذلك تعارض الحيض والقرء. وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب الصلاة بأول الوقت وجوبا موسعا ويستقر الوجوب بإمكانه فعلها قاله. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية كمذهبنا وهي غريبة. قلت: إن أراد به تعلق الوجوب بأول الوقت وجوبا موسعا فهو المذهب الصحيح عندنا وليست هذه الرواية بغريبة، وإن أراد استقرار الوجوب بإمكان فعلها فليس هذا رواية عن أصحابنا لا غريبة ولا مشهورة. وقال ابن بطال: حكى ابن القضاء عن الكرخي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الصلاة في أول الوقت تقع نفلا، قال: والفقهاء بأسرهم على خلاف قوله. قلت: هذا قول ضعيف نقل عن بعض الأصحاب كما ذكرنا وليس منقولا عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ثم اعلم أيضا أن الواجب الموسع الذي هو الفاضل عن الواجب لا يتعين بعض أجزائه بتعين العذر، رضا بأن يقول عينت هذا للسببية ولا قصدا بأن ينوي ذلك، وذلك لأن تعيين الأسباب والشرائط من وضع الشارع، وليس للعبد ذلك، وإنما للعبد اختيار فعل فيه رفيق وليس ذلك بتعيين جزء لأنه ربما لا يتيسر فيه الأداء بل له الاختيار في تعينه فعلا بأن يؤدي الصلاة في أي جزء يريد فيتعين بذلك الفعل ذلك الجزء وقتا لفعله كما في خصال الكفارة فإن الواجب أحد الأمور من الإعتاق والكسوة والإطعام لا يتعين شيء منها بتعيين المكلف قصدا ولا قضاء بل يختار أيها شاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: والمراد بالنفي المذكور في صلاة الجنازة، وسجدة التلاوة الكراهة، حتى لو صلاها فيه أو تلا آية السجدة. فسجدها جاز لأنها أديت ناقصة كما وجبت، إذ الوجوب بحضور الجنازة والتلاوة. ويكره أن يتنفل بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس؛ لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن ذلك.   [البناية] فيفعله هو الواجب بالنسبة إليه. م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والمراد بالنفي المذكور في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة) ش: أي في قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا صلاة جنازة ولا سجدة تلاوة - م: (الكراهة) ش: مرفوع لأنه خبر المبتدأ وهو قوله والمراد. م: (حتى لو صلاها فيه) ش: نتيجة الكراهة، أي لو صلى الجنازة في وقت من الأوقات الثلاثة، م: (أو تلا سجدة فيه) ش: أي أو قرأ آية في وقت من هذه الأوقات م: (فسجدها جاز) ش: أي فسجد لتلاوته وفيه جازت. م: (لأنها أديت ناقصة) ش: أي لأن كل واحدة من صلاة الجنازة وسجدة التلاوة أديت حال كونها ناقصة. م: (كما وجبت) ش: أي كما وجبت ناقصة. م: (إذ الوجوب بحضور الجنازة والتلاوة) ش: كلمة إذ للتعليل أي لأن الوجوب حصل بحضور الجنازة وبوقوع التلاوة في الوقت الناقص وقد مر الكلام فيه مستوفى عند قوله - ولا صلاة جنازة ولا سجدة تلاوة. م: (ويكره أن يتنفل بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس) ش: أراد أنه إذا طلع الجر وصلى صلاة الفجر يكره، لا أن يصلي إلى أن تطلع وبعد صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس. م: (لما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ذلك) ش: لما روى مسلم من حديث أبي أمامة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وفيه: «فقلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبرني عن الصلاة، قال: صل الصبح ثم اقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس، فإنها تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها، ثم صلى فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل كالرمح، ثم اقصر عن الصلاة فإنها حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة حتى تصلي العصر، ثم اقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان» . الحديث بطوله وروى إسحاق بن راهويه - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في " مسنده " ثم البيهقي من جهة حدثنا وكيع ثنا سفيان الثوري أخبرني أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الله عنه: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي ركعتين دبر كل صلاة مكتوبة إلا الفجر والعصر» . وأخرج البخاري عن معاوية - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «إنكم لتصلون صلاة لقد صحبت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فما رأيناه يصليها ولقد نهى عنها» يعني الركعتين بعد العصر. وروى مسلم عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عن حفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين» "، روى أبو داود عن يسار مولى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال رآني ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أصلي بعد طلوع الفجر فقال: يا يسار إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة فقال: «ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين» . وأخرج الطبراني عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا طلع الفجر فلا تصلوا إلا ركعتين الفجر» . وأخرج أيضا عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا صلاة إذا طلع الفجر إلا ركعتين» ومثله عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال ابن بطال - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح البخاري ": تواترت الأحاديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه نهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يضرب على الركعتين بعد العصر بمحضر من الصحابة من غير نكير فدل أن صلاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مخصوصة به دون أمته، وكره ذلك علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبو هريرة وسمرة بن جندب وزيد بن ثابت وسلمة بن عمرو وكعب بن مرة وأبو أمامة وعمرو بن عيينة وعائشة والصالحي واسمه عبد الرحمن بن عقيلة وعبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والحسن البصري وسعيد بن المسيب والعلاء بن زياد وحميد بن عبد الرحمن - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تعالى أجمعين. وقال النخعي: كانوا يكرهون ذلك. 1 - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: أخرج البخاري ومسلم عن الأسود عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: «لم يكن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعهما سرا ولا علانية ركعتان قبل صلاة الصبح وركعتان بعد العصر» . وفي لفظ لهما: «ما كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يأتي في يوم بعد العصر إلا [صلى] ركعتين» . وروى أبو داود من حديث قيس بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وقال: «رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلا يصلي بعد صلاة الصبح ركعتين فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " الصبح ركعتان فقال الرجل: إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما فصليتهما الآن، فسكت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» هكذا رواه أبو داود وقال قيس بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في رواية قيس بن قهر بالقاف. قلت: استوت القاعدة أن المبيح والحاظر إذا تعارضا جعل الحاظر متأخرا، وقد ورد نهي كثير في الأحاديث التي ذكرناها آنفا بالعمل عليها. وأما حديث الأسود عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فإن صلاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه مخصوصة به والدليل عليه ما ذكرنا أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يضرب على الركعتين بعد العصر بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من غير نكير. وذكر الماوردي من الشافعية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وغيره أيضا أن ذلك من خصوصيته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال الخطابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مخصوصا بهذا دون الخلق. قال ابن عقيل: لا وجه له إلا هذا الوجه. وقال الطبري: فعل ذلك تنبيها لأمته أن نهيه كان على وجه الكراهة لا التحريم. وقال الطحاوي: الذي يدل على الخصوصية أن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - هي التي روت صلاته إياها قيل لها أفنقضيهما إذا فاتتا بعد العصر. قالت: لا. وأما حديث قيس بن عمر قال [في] " الإمام ": إسناده غير متصل ومحمد بن إبراهيم لم يسمع من قيس. وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج [به] . ثم نفسر بعض ألفاظ الأحاديث المذكورة. قوله - «تطلع بين قرني شيطان» - اختلفوا فيه على وجوه فقيل: معناه مقارنة الشيطان عند رؤيتها للطلوع والغروب. وقيل: قرنه قوته من قولك أنا مقرن لهذا الأمر أي بطوله يرى عليه، وذلك لأن الشيطان إنما يتولى أمره في هذه الأوقات لأنه يسول لعبدة الشمس أن يسجدوا لها في هذه الأوقات. وقيل: قرنه حزبه وأصحابه الذين يعبدون الشمس يقال هؤلاء قوم قرن، أي قوم بعد قرن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 ولا بأس بأن يصلي في هذين الوقتين من الفوائت، ويسجد للتلاوة، ويصلي على الجنازة؛ لأن الكراهة كانت لحق الفرض ليصير الوقت كالمشغول به، لا لمعنى في الوقت، فلم تظهر في حق الفرائض، وفيما وجب لعينه كسجدة التلاوة.   [البناية] آخر. وقيل: إن هذا تمثيل وتشبيه، وذلك أن تأخير الصلاة إنما هو من تسويل الشيطان وتزيينه ذلك في قلوبهم، وذوات القرون إنما تعالج الأشياء وتدفعها بقرونها، وكأنهم لما دفعوها وأخروها عن أوقاتها بتسويل الشيطان لهم حتى اصفرت الشمس صار ذلك لهم بمنزلة ما يعالجه، وذوات القرون بقرونها وتدفعه بأرواقها. قلت: يمكن حمل الكلام على حقيقته ويكون المراد أنه يحاذيها بقرنيه عند غروبها وكذا عند طلوعها، لأن الكفار يسجدون لها حينئذ فيقارنها ليكون الساجدون لها في صورة الساجدين له، ويخيل لنفسه ولأعوانه إنما يسجدون له فيكون له ولنفسه تسلط. قوله - مشهودة - أي تشهدها الملائكة وتحضرها. م: (ولا بأس بأن يصلي في هذين الوقتين) ش: أراد بالوقتين ما بعد صلاة الفجر قبل طلوع الشمس، وما بعد صلاة العصر قبل غروب الشمس. م: (الفوائت) ش: بالنصب مفعول يصلي. م: (ويسجد للتلاوة ويصلي على الجنازة لأن الكراهة) ش: الحاصلة في هذين الوقتين. م: (كانت لحق الفرض ليصير الوقت) ش: من بعده، م: (كالمشغول به) ش: أي بالفرض فلم يجز النفل فيهما لأن الثقل التقديري بالفرض أولى من الثقل الحقيقي بالنفل م: (لا لمعنى في الوقت) ش: يعني ليست الكراهة في هذين الوقتين بالنفل لا لمعنى في الوقت، يعني ليست الكراهة في هذين الوقتين لمعنى في نفس الوقت، بل لثقل الوقت بالفرض، ولهذا لو ابتدأ العصر في أول الوقت ومده إلى المغرب لا يكره بالاتفاق، فلو كانت الكراهة لمعنى في الوقت لكان هذا مكروها. وقوله - لا بمعنى في الوقت - تأكيد لقوله - لحق الفرض - وفيه إشارة إلى أن يفرق بين النهي الوارد في هذين، والوارد في الأوقات الثلاثة المذكورة بأن ذلك لمعنى في الوقت، وهو كونه منسوبا إلى الشيطان فيظهر في حق الفرائض والنوافل وغيرها، وهذا المعنى لثقل الوقت بالفرض كما ذكرنا. م: (فلم يظهر في حق الفرائض) ش: هذه نتيجة ما قبله فلذلك ذكره بالفاء، أي فلم تظهر الكراهة في حق الفرائض فجازت الفوائت فيها. م: (وفيما وجب لعينه كسجدة التلاوة) ش: لكون وجوبها غير موقوف على فعل العبد بدليل وجوبها بالسماع فصارت كسائر الفرائض. فإن قلت: قد ذكر في الأصول أن سجدة التلاوة وجبت بقربة مقصودة حتى جاز إقامة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 فظهرت في حق المنذور؛ لأنه تعلق وجوبه بسبب من جهته وفي حق ركعتي الطواف، وفي الذي شرع فيه ثم أفسده؛ لأن الوجوب لغيره   [البناية] الركوع مقامها بخلاف سجود الصلاة، وهذا يوهم أنها واجبة لغيرها. قلت: أراد بما وجب بعينه هاهنا ما شرع واجبا ابتداء لأنه شرع نفلا في الأصل ثم صار واجبا بعارض كالنذر، ثم هذا الواجب قد يكون قربة مقصودة بذاتها وقد لا يكون: كالصلاة، والصوم، وسجدة التلاوة من حيث إنها وجبت ابتداء كانت واجبة بعينها، ومن حيث إنها وجبت موافقة للأبرار ومخالفة للكفار، ولم تكن مقصودة بنفسها فكانت واجبة مقصودة لنفسها لعدم التنافي، ألا ترى أن صلاة الجنازة عرفت من هذا أن الفعل مع أنها وجبت بغيرها وهو لصاحب الميت، ولكنها لما شرعت ابتداء صح جعلها واجبة بعينها من هذا الوجه. م: (فظهرت في حق المنذور) ش: أي ظهرت الكراهة في حق المنذور من الصلاة في هذين الوقتين م: (لأنه تعلق وجوبه بسبب من جهته) ش: أي من جهة الناذر لا من جهة الشرع فصار كالصلاة التي شرعت فيها متطوعا، فإذا كان كذلك يكره أداء المنذور في هذين الوقتين، لا يقال الضمير في جهته إضمار قبل الذكر، لأنا نقول قوله المنذور يدل على الناذر، لأن النذر قائم به. وعن أبي يوسف: لا يكره المنذور في هذين الوقتين لأنه واجب بالنذر. م: (وفي حق ركعتي الطواف) ش: أي فظهرت الكراهة أيضا في حق ركعتي الطواف حتى كره أداؤها في هذين الوقتين لأن وجوبهما بغيرهما وهو ختم الطواف الحاصل بفعله. وقال الشافعي: يجوز في هذين الوقتين ركعتا الطواف، وتحية المسجد، وكل فعل له سبب: كركعتي الوضوء، وسنن الرواتب، والمنذور. قلت: في " المبسوط " أن كراهة الطواف بالأثر، وهو ما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طاف بالبيت أسبوعا بعد صلاة الفجر ثم خرج من مكة حتى كان بذي طوى فطلعت الشمس فصلى ركعتين، ثم ذهب فقال: ركعتين مقام ركعتين، فقال أخر ركعتي الطواف إلى ما بعد طلوع [الشمس] . وذي طوى: ينصرف ولا ينصرف وهو بضم الطاء اسم موضع مكة. ولو أفسدته الفجر، ثم قضاها بعد صلاة الفجر لم يجز كذا في " المحيط ". وقيل يجوز ولو في شرع في النفل قبل طلوع الفجر ثم طلع قيل يقطعه، والأصح: أنه يتمه ولا ينوب عن سنة الفجر في الأصح. م: (وفي الذي شرع فيه ثم أفسده) ش: أي وكذا ظهرت الكراهة في النفل الذي شرع فيه حتى كره قضاؤه في هذين الوقتين. م: (لأن الوجوب لغيره) ش: تعليل للمسألتين جميعا، ومعنى الوجوب لغيرها أنه يجب في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 وهو ختم الطواف وصيانة المؤدي عن البطلان، ويكره أن يتنفل بعد طلوع الفجر بأكثر من ركعتي الفجر؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لم يزد عليهما مع حرصه على الصلاة. ولا يتنفل بعد الغروب قبل الفرض لما فيه من تأخير المغرب،   [البناية] الأصل، فقوله م: (وهو ختم الطواف) ش: يرجع إلى قوله - وفي حق ركعتي الطواف م: (وصيانة المؤدي) ش: - يرجع إلى قوله - وفي الذي شرع فيه ثم أفسده - والمؤدى بفتح الدال. فإن قلت: ركعتا الطواف واجبتان عندنا فوجوبه من جهة الشرع بعد الطواف كوجوب سجدة التلاوة بعد التلاوة فينبغي أن يؤتى بهما كسجدة التلاوة في هذين الوقتين. وقول المصنف بأن الوجوب لختم الطواف ينتقض بسجدة التلاوة فإن وجوبها للتلاوة وهي فعله أيضا. قلت: قد تجب السجدة بتلاوة غيره إذا سمعه من غير قصد ولا كذلك ركعتا الطواف. م: (ويكره أن يتنفل بعد طلوع الفجر بأكثر من ركعتي الفجر لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يزد عليهما) ش: أي على ركعتي الفجر اللتين هما السنة المذكورة. م: (مع حرصه على الصلاة) ش: أي مع حرص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على النافلة. قال الأترازي: ولو لم تكره تفعل، قلت: هذا يبنى على معرفة الحديث الذي فيه عدم زيادة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ركعتي الفجر وكذا قال الأكمل: أن الترك مع حرصه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على إحراز فضيلة النفل دليل الكراهة، وقد ذكرنا فيما مضى من حديث مسلم الذي رواه عن ابن عمر عن حفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا طلع الفجر لا يصلى إلا ركعتين خفيفتين» وهذا يدل على أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ما كان يزيد على ركعتي الفجر مع حرصه على إحراز فضيلة النوافل. وفي " المجتبى " ويخفف القراءة في ركعتي الفجر لقول ابن عمر: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ فيهما ب {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] . وفي " المبسوط " لشيخ الإسلام: والنهي عما سوى ركعتي الفجر فيه لحق ركعتي الفجر لخلل في الوقت. وفي " التجنيس " للمصنف يتطوع آخر الليل فلما صلى ركعة طلع المفجر كان الإتمام أفضل، لأنه وقع في التطوع بعد الفجر لا عن قصد. م: (ولا يتنفل بعد الغروب قبل الفرض) ش: أي قبل صلاة المغرب. م: (لما فيه من تأخير المغرب) ش: وتأخير المغرب مكروه فيكره ما يكون سببا للتأخير. فإن قلت: روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «كان المؤذن إذا أذن قام الناس من أصحاب رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبتدرون السواك حتى يخرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا خرج رآهم لذلك يصلون ركعتين قبل المغرب ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء» . قلت: حمل ذلك على أن أول الأمر قبل النهي، أو قبل أن يعلم ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 ولا إذا خرج الإمام للخطبة يوم الجمعة إلى أن يفرغ من خطبته؛ لما فيه من الاشتغال عن استماع الخطبة.   [البناية] منهم. وقال أبو بكر بن العربي: اختلف الصحابة فيها ولم يفعله بعدهم أحد. وقال النخعي: إنها بدعة. وقال عميرة: كان ذلك في أول الإسلام ليعرف خروج الوقت المنهي عنه ثم أمروا بتعجيل المغرب. وروى أبو داود عن طاووس قال سئل ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن الركعتين قبل المغرب فقال: ما رأيت أحدا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصليهما، وروي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بين كل أذانين صلاة إن شاء إلا المغرب» . قال الخطابي: يعني الأذان والإقامة، وعند بعض أصحاب الشافعي يستحب أن يصلي ركعتين قبل المغرب. م: (ولا إذا خرج الإمام للخطبة يوم الجمعة) ش: أي ولا يتنفل أيضا إذا خرج الإمام من بيت الخطابة يوم الجمعة لأجل الخطبة. م: (إلى أن يفرغ) ش: من الخطبة. م: (لما فيه) ش: أي لما في التنفل، دل عليه قوله ولا يتنفل م: (لما فيه من الاشتغال عن استماع الخطبة) ش: وهو مكروه كراهة تحريم. وقال أبو بكر بن العربي: والجمهور على أنه لا يفعل وهو الصحيح، لأن الصلاة حرام إذا شرع الإمام في الخطبة بوجوه ثلاثة من الدليل. الأول: قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] (الأعراف: الآية 204) فكيف يترك الفرض الذي شرع الإمام فيه إذا دخل عليه بغير فرض. الثاني: صح عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من كل طريق أنه قال: «إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب أنصت، فقد لغوت» ، فإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأصل أن الفرضان في المسألة يحرمان في حال الخطبة فالنفل أولى بأن يحرم. الثالث: أنه لو دخل والإمام في الصلاة لم يركع والخطبة صلاة من وجه يحرم فيها من الكلام والعمل ما يحرم في الصلاة. وذهب الشافعي وأحمد وإسحاق إلى جواز تحية المسجد بركعتين لحديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «بينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب يوم الجمعة إذا جاء رجل فيه بذة فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أصليت؟ " قال: لا. قال: " قم فاركع.» وهو حديث اتفق البخاري، ومسلم عليه. وهذا الرجل هو: " سليك الغطفاني " بين ذلك مسلم وغيره. قلت: هذا الحديث لا يعارض الأصول من أوجه أحدها أنه خبر واحد يعارض أخبار أقوى منه فوجب تركه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الثاني: يحتمل أن يكون في الوقت الذي كان الكلام مباحا في الصلاة لأنه لا يعلم تاريخه. الثالث: أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كلم سليكا وقال له: قم وأمره سقط عنه فرض الاستماع فإنه أقوى في هذا الباب. الرابع: الحظر مقدم على الإباحة. الخامس: أن سليكا [كان به] بذاذة فأراد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يشهره فيرى حاله فيعتبر به أو يتصدق عليه لضعف حاله، والبذاذة على التواضع في اللبس وعدم الريبة، وروي «البذاذة من الإيمان» وأصله من بذ فلان الناس إذا سفههم الناس في فضل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 باب الأذان   [البناية] [باب الأذان] م: (باب الأذان) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الأذان. لما ذكر الأوقات التي هي تحصيل أسباب، وفي الحقيقة إعلام ذكر عقبها الأذان الذي هو: إعلام لتلك الإعلام وقيام الأوقات، لما أن فيها معنى السببية، والسبب يقدم على العلامة. ثم " الأذان " له تفسير لغة وشريعة وثبوت وسبب ووصف وكيفية محل شرع فيه ووقت وسنن وما يجب على سامعه. أما تفسيره لغة فهو: إعلام قال الله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] (التوبة: الآية 3) من: أذن يؤذن تأذينا وأذانا، مثل كلمه يكلمه تكليما وكلاما، فالأذان والكلام اسم لمصدر قياسي. وقال الهروي: الأذان والأذين والتأذين بمعنى وقيل الأذين المؤذن فعيل بمعنى مفعل وأصله من الأذان كأنه يلقي في أذان الناس بصوته ما تدعوهم إلى الصلاة. وأما تفسيره شريعة: فهو إعلام مخصوص في أوقات مخصوصة. وأما سبب ثبوته فما رواه أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن علقمة بن مزيد عن أبي زيد عن أبيه قال: «مر أنصاري على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرآه حزنا، وكان الرجل ذا طعام فرجع إلى بيته واهتم لحزنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فلم يتناول الطعام فأتاه آت فقال: أتعلم حزن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ماذا؟ هو من هذا الناقوس فمره فيعلم بلالا الأذان وذكره» أه. وروى أبو داود في " سننه " قال: «اهتم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للصلاة كيف يجمع الناس لها وقيل له انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها أذن بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك قال. فذكر له القنع - يعني الشبور - فلم يعجبه ذلك فقال: هو أمر اليهود قال: فذكر له الناقوس، فقال: هو من أمر النصارى، فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأري الأذان في منامه فغدا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره فقال يا رسول الله إني لبين النائم واليقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان فقال وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما، ثم أخبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: ما منعك أن تخبرني فقال سبق عبد الله بن زيد فاستحييت فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله " قال: فأذن بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وروى أبو داود أيضا من حديث عبد الله بن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «لما أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالناقوس يعمل فيضرب به للناس لجمع الصلاة، قال طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده، فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت: له بلى. قال: " تقول الله أكبر، الله أكبر. الله أكبر، الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله. حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح. الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله " قال: ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال: ثم تقول إذا أقيمت الصلاة: " الله أكبر الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة. حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله " فلما أصبحت أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته بما رأيت، قال: " إن هذه الرؤيا حق إن شاء الله تعالى فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك " فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فلله الحمد» . ورواه أحمد وصححه الترمذي. وقال أبو عمر بن عبد البر: روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قصة عبد الله بن زيد هذه في بدء الأذان جماعة عن الصحابة بألفاظ مختلفة ومعان متقاربة، وكلها متفق على أمره عند ذلك، وكان ذلك في أول الأمر في الأذان والآثار في ذلك متواترة حسان ثابتة. قوله: فذكر له القنع - بضم القاف وسكون النون - وقيل سمي به لإيقاع الصوت وهو دفعه، وعن ابن عمر هو القثع - بالثاء المثلثة الساكنة - يعني البوقا، وهذا أثبته أبو عمر الزاهد وأبطله الأزهري، ويروي القبع بالباء الموحدة لأنه يقبع فم صاحبه أي يستره. قوله: الشبور تفسير: القنع - وهو بفتح الشين المعجمة وضم الباء الموحدة المشدودة قال في الصحاح: الشبور على وزن السنور على البوق، ويقال هو معرب. والناقوس: خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها، والنصارى يعلمون بها أوقات صلاتهم قال الجوهري: السعي فأما الناقوس فينظر فيه أعربي هو أم لا؟ قلت: التفسير هو الضرب بالناقوس يدل على أنه عربي، وزنه فاعول كناقوس البحر فيكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الألف والواو فيه زائدتان. قوله: مثل ما أري بضم الهمزة وكسر الراء - مثل ما رأى عب الله بن زيد وفي رواية: " مثل ما أرى " على صيغة المتكلم. فإن قلت: ما الفاء في قوله: فلله الحمد؟ قلت: يجوز أن تكون عاطفة على محذوف تقديره لله الشكر فلله الحمد، ويجوز أن يكون زائدة قد زيدت فيه للتخيير والكلام. 1 - فإن قلت: لِمَ لَمْ يأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبد الله بن زيد أن يؤذن هو بنفسه؟ قلت: قال أبو بشر الواحدي أحد رواة الحديث حدثني أبو عمران الأنصاري ويزعم أن عبد الله بن زيد لولا أنه كان يومئذ مريضا لجعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مؤذنا، ومنهم من قال إن الأذان كان وحيا لا مناما، واستدلوا في ذلك بما رواه البزار في " مسنده " حدثنا محمد بن عثمان بن مخلد الواسطي ثنا داود بن المنذر عن محمد بن علي بن الحسن عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «لما أراد الله تعالى أن يعلم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأذان أتاه جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بدابة يقال لها البراق، فذهب يركبها فاستصعبت، فقال لها: اسكني فو الله ما ركبك عبد أكرم على الله من محمد. قال: فركبها حتى انتهى إلى الحجاب الذي يلي الرحمن تبارك وتعالى، فبينما هو كذلك إذا خرج ملك من الحجاب فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " يا جبريل من هذا؟ " قال: والذي بعثك بالحق إني لأقرب الخلق مكانا، وإن هذا الملك ما رأيته منذ خلقت قبل ساعتي هذه فقال الملك: الله أكبر الله أكبر، قال فقيل له من وراء الحجاب صدق عبدي، أنا أكبر أنا أكبر ثم قال الملك: أشهد أن لا إله إلا الله. قال: فقيل له من وراء الحجاب صدق عبدي، أن لا إله إلا أنا، قال الملك: أشهد أن محمدا رسول الله فقيل له من وراء حجاب: صدق عبدي أنا أرسلت محمدا ثم قال الملك: حي على الصلاة حي على الفلاح، ثم قال الملك: الله أكبر الله أكبر، فقيل له من وراء الحجاب صدق عبدي، أن لا إله إلا أنا، قال: ثم أخذ الملك بيد محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فقدمه، فأم أهل السماء فمنهم آدم ونوح - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -» . وقال البزار: هذا حديث لم نعلمه يروى بهذا اللفظ عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا بهذا الإسناد، ورواه الأصبهاني في كتاب " الترغيب والترهيب ": وقال حديث غريب لا أعرفه إلا من هذا الوجه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 الأذان سنة   [البناية] قال في " الإمام ": والخبر الصحيح أن بدء الأذان كان بالمدينة. وروى ابن شاهين بسنده عن عمر قال: «لما أسري بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوحي إليه الأذان فنزل فعلمه بلالا» وفي رواته طلحة بن زيد قال النسائي: متروك. ومنهم من قال الأذان نزل مع فرض الصلاة قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] (الجمعة: الآية 9) أراد بهذا النداء الأذان عند صعود الإمام على المنبر للخطبة، وقال الشعبي: وتفسير قوله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] امضوا إليه وكذا كان يقرأ عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والمراد من ذكر الله صلاة الجمعة. وعن سعيد بن المسيب موعظة الإمام. وعن بعضهم الخطبة والصلاة. ومنهم من قال: إنه أخذ من أذان إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الحج {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] (الحج: الآية 27) قال: فأذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقيل نزل به جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على النبي حتى قال له بريدة: أذن جبريل وما في السماء السابعة فسمعه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا منافاة بين هذه الأسباب، فليجعل كل ذلك كذا في " المبسوط ". قال أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أحكام القرآن " ليلة أسري به كان بمكة، وقد صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة بغير أذان وأما سبب الأذان، فدخول وقت المكتوبة. [حكم الأذان] وأما وصفه فقوله م: (الأذان سنة) ش " عند أكثر الفقهاء. وذكر محمد ما يدل على وجوبه، فإنه قال: لو أن أهل قرية أو بلدة اجتمعوا على ترك الأذان لقاتلتهم عليه ولو تركه أحد ضربته وحبسته، وإنما يقاتل ويضرب على ترك الواجب كترك الصلاة ومنع الزكاة. وقيل: الأذان عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من فروض الكفاية وفي " المحيط والتحفة " الأذان سنة مؤكدة. وفي " البدائع " وعامة مشايخنا قالوا: الأذان والإقامة سنتان مؤكدتان، لما روى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه قال في قوم صلوا في المصر جماعة بغير أذان وإقامة: أنهم أخطئوا السنة و [ ...... ] سماه سنة، والقولان متقاربان، لأن السنة المؤكدة بمنزلة الواجب في الإثم. وإنما يقاتل على تركه لأنه من شعائر الإسلام وخصائص الدين. قال قاضي خان: من سنن الصلاة بالجماعة، وأنهما من الشعائر حتى لو اجتمع أهل مصر أو قرية أو محلة على تركهما أخبرهم الإمام فإن لم يفعلوا قاتلهم ولم يحك خلافا. ومذهب الشافعي وإسحاق أنه سنة، قال النووي: وهو قول جمهور العلماء. قال ابن المنذر: فرض في حق الجماعة في الحضر والسفر، وقال مالك: يجب في مسجد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 للصلوات الخمس والجمعة، دون ما سواها للنقل المتواتر، وصفة الأذان معروفة،   [البناية] الجماعة، وفي " العارضة ": وهو على البلد وليس بواجب في كل سجدة، ولكنه يستحب في مساجد الجماعات أكثر من العدد. وقال عطاء ومجاهد: لا تصح صلاة بغير أذان، وهو قول الأوزاعي وعنه تعاد في الوقت. وقال أبو علي الأصطخري: هو فرض في الجملة، وقال العدوي: هما سنتان عند مالك فرض كفاية عند أحمد. قال المحاملي: وقالت الظاهرية: هما واجبان لكل صلاة. واختلفوا في صحة الصلاة بدونهما. وقال داود: هما فرضا الجماعة وليسا بشرط لصحتها. وقال إمام الحرمين: لا يقاتل على تركهما إلا إذا قلنا أنهما من فروض الكفاية، ويسقط الفرض عند الشافعية بالأذان لصلاة واحدة في اليوم والليلة. وعن مكحول: أنهما من سنن الهدي وتركهما ضلالة يقاتلون على الضلال كذا في " المحيط ". [ما يشرع له الأذان من الصلوات] م: (للصلوات الخمس والجمعة) ش: هذا محله الذي شرع فيه الأذان، ولا يشرع بغير الصلوات الخمس بلا خلاف وللجمعة أيضا. قال في " المنافع ": خص الجمعة بالترك لأنها تشبه العيد من حيث اشتراط الإمام أو المصر أو يكون ذكر الجمعة وإن كانت داخلة في الخمس لبقي قول بعض أصحاب الشافعي حيث قالوا: إنه فرض في الجماعة م: (دون ما سواها) ش: أي دون ما سوى الصلوات الخمس والجمعة كالوتر وصلاة العيدين والخسوف والكسوف والاستسقاء وصلاة الجنازة والسنن والنوافل والتراويح والصلاة المنذورة وصلاة الضحى وفي الصلاة للزلازل والأفزاع. وقال النووي في " شرح المهذب ": ولكن ينادى للعيدين والاستسقاء والكسوف والتراويح: الصلاة جامعة، ولا يستحب ذلك. وصلاة الجنازة على أصح الوجهين عندهم، وبه قطع الدلوي والمحاملي والبغوي، وقطع الغزالي باستحبابه. والمذهب الأول عندهم قاله النووي. وقول صاحب " الدفاتر ": وفي المنذورة يؤذن ويقيم إن سلك بها مسلك صاحب الشرع هو غلط منه. وعن معاوية وعمر بن عبد العزيز هما سنتان في العيدين. م: (للنقل المتواتر) ش: يعني لورود النقل المتواتر من زمان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن بعده من الأئمة إنهم إذا نووا الصلوات الخمس إلى يومنا هذا، ولم يؤذن - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ولا أحد من الأئمة بغير الصلوات الخمس والجمعة. [صفة الأذان] م: (وصفة الأذان معروفة) ش: هذا كيفية الأذان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 وهو كما أذن الملك النازل من السماء، ولا ترجيع فيه وهو أن يرجع فيرفع صوته بالشهادتين بعدما خفض بهما، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فيه ذلك؛ «لحديث أبي محذورة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمره بالترجيع» .   [البناية] م: (وهو) ش: أي صفة الأذان، ويذكر الضمير باعتبار المذكور أو المراد وصف الأذان م: (كما أذن الملك النازل من السماء) ش: وقد ذكرنا كيفية أذان الملك النازل من السماء من غير زيادة ولا نقصان عند عامة أهل العلم، فنقص مالك من أوله تكبيرتين، وهو رواية الحسن عن أبي يوسف. وقال أبو الحسن: رجع أبو يوسف عن هذا. وقال أصحابنا: وزاد في آخره الله أكبر بعد لا إله إلا الله، وزاد مالك والشافعي: فيه الترجيع وحاصله أن الأذان عندنا خمس عشرة كلمة لا ترجيع فيه، التكبير في أوله أربع والشهادتان أربع والدعاء إلى الصلاة والفلاح أربع، والتكبير في آخره مرتان، وختم بكلمة الإخلاص مرة واحدة، وبه قال الثوري والحسن بن علي وأحمد وإسحاق وغيرهم. وقال الشافعي: هو سبع عشرة كلمة، وزاد فيه الترجيع أربع كلمات وهو إعادة الشهادتين على ما سنذكره. م: (ولا ترجيع فيه) ش: أي في الأذان. م: (وهو أن يرجع فيرفع صوته بالشهادتين بعدما خفض بهما وقال الشافعي فيه ذلك) ش: أي في الأذان الترجيع، وبه قال مالك إلا أنه قال: لا يؤتى بالتكبير في أوله إلا مرتين، وقال أحمد: إن رجع فلا بأس به وإن لم يرجع فلا بأس به. وقال أبو إسحاق من أصحاب الشافعي: قد ثبت أذان بلال وأذان أبي محذورة فلو ترك الترجيع فالمذهب أن يعتد به، وحكى بعض أصحابنا عن الشافعي أن لا يعتد به كما لو ترك سائر كلماته وفيه نظر، كذا في " الحلية "، وفي شرح الوجيز " والأصح أنه إن ترك الترجيع لم يضر. م: (لحديث أبي محذورة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره بالترجيع) ش: حديث أبي محذورة رواه الجماعة إلا البخاري من حديث عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمه الأذان: «الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمدا رسول الله. أشهد أن محمدا رسول الله. ثم قال لي: ارجع من صوتك أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله» وفي بعض ألفاظهم علمه الأذان تسعة عشر كلمة فذكرها. ولفظ أبي داود قلت: يا رسول الله علمني بسنة الأذان، قال: «تقول الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، ثم تقول أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله وتخفض بهما صوتك، ثم ترفع صوتك بهما» الحديث وهو لفظ ابن حبان في " صحيحه " واختصره الترمذي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 ولنا أنه لا ترجيع في المشاهير،   [البناية] ولفظه عن أبي محذورة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقعده وألقى عليه الأذان حرفا حرفا قال بشر: [فقلت له:] أعد علي، فوصف الأذان بالترجيع وطوله النسائي وابن ماجه عن عبد الله بن محيريز وكان يتيما في حجر أبي محذورة بن معير حين جهزه إلى الشام فقلت له: أي عم إني خارج إلى الشام، وإني أسأل عن تأذينك فأخبرني أن أبا محذورة قال: «خرجت في نفر فلما كنا في بعض الطريق فأذن مؤذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسمعنا صوت المؤذن فصرنا نحكيه نهزأ به فسمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأرسل إلينا قوما فأقعدونا بين يديه فقال: أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع، فأشار القوم إلى كلهم وصدقوا، فأرسل كلهم وحبسني، وقال لي: قم فأذن فقمت ولا شيء أكره إلي من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا مما يأمرني به فقمت بين يدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فألقى علي رسول الله التأذين هو بنفسه فقال: قل الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال لي ارفع من صوتك أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله. حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة، ثم وضع يده على ناصية أبي محذورة ثم أمرها على وجهه، ثم على ثدييه، ثم على كبده، ثم بلغت يد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سرة أبي محذورة ثم قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " بارك الله لك وبارك عليك " فقلت يا رسول الله: مرني بالتأذين بمكة قال. نعم قد أمرتك فذهب كل شيء كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من كراهية وعاد ذلك كله محبة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وهذا لفظ ابن ماجه من حديث أبي عامر عن ابن جريج ومن هذا الوجه أخرجه أبو داود. وفيه «ثم قال ارجع فمد صوتك أشهد أن لا إله إلا الله» وذكرنا الأذان وأخرجه النسائي من حديث حجاج عن ابن جريح وفيه فقفل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حنين فلقيه في بعض الطريق فظللنا نحكيه ونهزأ به فأرسلهم كلهم وفيه: " ثم قال ارجع فأدره صوتك " وحكى أبو داود أن أبا محذورة، كان لا ...... ولا يعرفها لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مسح عليها وفي الباب طرق أخر، فيها ضعيف نتركها لضعفها وطولها. وأبو محذورة: بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وبعدها ذال معجمة مضمومة وراء مفتوحة وتاء تأنيث واسمه: سمرة بن معيز بكسر الميم وسكون العين المهملة بعدها ياء آخر الحروف مفتوحة ثم راء قيل اسمه سلمان، وقيل: مسلمة وقيل أوس بن معين بن لوذان بن وهب بن سعد بن جمح. م: (ولنا أنه لا ترجيع في المشاهير) ش: أي وحجتنا أن لا ترجيع في الآحاد والمشاهير، وهو جمع مشهور منها حديث عبد الله بن زيد من غير ترجيع وقد تقدم، ومنها ما رواه أبو داود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] والنسائي من حديث شعبة قال سمعت أبا جعفر مؤذن مسجد العربان - في مسجد بني هلال - يحدث عن مسلم أبي المثنى مؤذن المسجد الجامع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «إنما كان الأذان على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرتين مرتين والإقامة مرة غير أنه يقول قد قامت الصلاة فكنا إذا سمعنا الإقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة» . ورواه ابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما " وهذا دليل صريح على أنه لم يكن فيه ترجيع. ورواه أبو عوانة في " مسنده " بلفظ: «مثنى مثنى والإقامة فرادى» . ومنها ما رواه الطبراني في " معجمه الأوسط " حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله البغدادي حدثنا أبو جعفر بن الفضيل حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة، قال سمعت جدي عبد الملك بن أبي محذورة بقوله أنه سمع أباه أبا محذورة يقول «ألقى علي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأذان حرفا حرفا الله أكبر، الله أكبر إلى آخره، لم يذكر فيه ترجيعا» . ومنها أذان بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مولى أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بحضرة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سفرا وحضرا وهو مؤذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإطلاق أهل الإسلام إلى أن توفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومؤذن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى أن توفي أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من غير ترجيع، والعجب من الأترازي حيث يقول: ولنا حديث عبد الله بن زيد الذي هو أصل الأذان ولم يذكر فيه الترجيع وهو معنى قول صاحب " الهداية " أنه لا ترجيع في المشاهير، وقد ذكرنا أن المراد من المشاهير الآثار الشهيرة، وهو جمع فوق واحدة لأن حديث عبد الله بن زيد واحد فكيف يطلق عليه المشاهير، وأعجب منه ما ذكره صاحب " الأسرار " وتبعه الأكمل حيث ذكره في شرحه وهو أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أمره بذلك لحكمة رويت في قصته وهي أن أبا محذورة كان يبغض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل الإسلام بغضا شديدا فلما أسلم أمره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعرك أذنه، وقال له «ارجع وامدد بها صوتك» إما ليعلم أنه لا حياء من الحق أو ليزيده محبة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتكرير كلمات الشهادة. قلت: هذا ضعيف فإنه خفض صوته عند ذكر اسم الله أيضا بعد أن رفع صوته بالتكبير، ولم ينقل في كتب الحديث أنه عرك أذنه والمشهور أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمره بالتكرار حالة التعلم فحسن تعلمه، وهو كان عادة النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في التعليم فظن أنه أمره بالترجيع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 وكان ما رواه تعليما فظنه ترجيعا، ويزيد في أذان الفجر بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم، مرتين؛ «لأن بلالا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الصلاة خير من النوم - مرتين -، حين وجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - راقدا. فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " ما أحسن هذا يا بلال! اجعله في أذانك» ،   [البناية] وقال ابن الساعاتي: هذا التأويل أشبه فإن أبا محذورة أخلص في إيمانه من أن يبقى معه حياء من قومه أو كراهة، لكن ذكر مسلم في حديثه ثم قال: قال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا يأمرني به وقال: إن أبا محذورة لما لقيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان كافرا وكارها لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأذانه أعاد عليه الشهادة وكررها لتثبت عنده ويحفظها ويكررها على أصحابه المشركين، فإنهم كانوا ينفرون منها خلاف نفورهم من غيرها وفيها من الأذان وليس الأمر كذلك بدليل أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لم يأمر به بلالا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال ابن الجوزي: لا يختلف في أن بلالا كان لا يرجع ويقال أذان أبي محذورة عليه أهل مكة وما ذهبنا إليه عليه أهل المدينة وهو أولى بوجهين أحدهما: كون العمل على المتأخرين من الأمور. والثاني: أن أذان بلال بحضرة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مطلع عليه فقرر له، وأذان أبي محذورة بمكة غائب عنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فلعله لا يعلم باطنه من الأذان. ونزد عليه أن الشافعي لم يجعله من أركان الأذان بل جعله من سننه على المذهب الصحيح عندهم. فإن قلت: أذان أبي محذورة بعد فتح مكة وحديث عبد الله بن زيد في أول شروع الأذان فيكون منسوخا. قلت: أليس قد رجع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة، وبلال يؤذن معه بالمدينة بعد رجوعه إلى أن توفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلا ترجيع، فقد أمره - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - على الأذان الذي هو أذان عبد الله. وفي " المنافع ": تعارف من زمان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا - يعني أذان بلال - من غير ترجيع، والعرف ما استقر في النفوس من جملة [ ...... ] المنقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول. م: (وكان ما رواه تعليما فظنه ترجيعا) ش: أي وكان ما رواه الشافعي من حديث أبي محذورة لأجل التعليم له حيث كرره له فظنه أبو محذورة أنه ترجيع وهو في أصل الأذان، وقد مر الكلام فيه مستوفى. [زيادة الصلاة خير من النوم في أذان الفجر] م: (ويزيد في أذان الفجر بعد الفلاح ... ) ش: أي المؤذن بالقرينة الحالية والمقالية دلت عليه فلا يكون إضمارا قبل الذكر م: (في أذان الفجر بعد الفلاح الصلاة خير من النوم مرتين؛ لأن بلالا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال الصلاة خير من النوم حين وجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - راقدا فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ما أحسن هذا يا بلال! اجعله في أذانك» ش: هذا الحديث رواه الطبراني في " معجمه الكبير " حدثنا محمد بن علي الصائغ المكي ثنا يعقوب بن حميد ثنا عبد الله بن وهب عن يوسف بن يزيد عن أبي هريرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 وخص الفجر به؛ لأنه وقت نوم وغفلة، والإقامة مثل الأذان، إلا أنه يزيد فيها بعد الفلاح: قد قامت الصلاة، مرتين هكذا فعل الملك النازل من السماء،   [البناية] عن حفص بن عمر عن بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه أتى إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤذنه بالصبح فوجده راقدا فقال: الصلاة خير من النوم مرتين فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " ما أحسن هذا يا بلال اجعله في أذانك» . وأخرجه الحافظ أبو الشيخ في " كتاب الأذان " ثم حدثنا عبدان حدثنا محمد بن موسى الجرشي حدثنا خلف الحزان يعني البكاء قال: قال ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «جاء بلال إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤذنه بالصلاة فوجده راقدا قد أغفل فقال: الصلاة خير من النوم فقال " اجعله في أذانك إذا أذنت للصبح " فجعل بلال يقولها إذا أذن للصبح» . وروى ابن ماجه في " سننه " حدثنا عمر بن رافع حدثنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن بلال «أنه أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤذنه لصلاة الفجر فقيل هو نائم فقال: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم فأقرت في تأذين الفجر» فثبت الأمر على ذلك. وروى ابن خزيمة في " صحيحه " والدارقطني ثم البيهقي في "سننيهما" من حديث ابن سرين عن أنس قال: «من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم» . م: (وخص الفجر به) ش: أي بقوله الصلاة خير من النوم. م: (لأنه) ش: أي لأن الفجر. م: (وقت نوم وغفلة) ش: لأن آخر الليل يحلى النوم ولا سيما إذا سهر أول الليل. م: (والإقامة مثل) ش: أي مثل الأذان في هيئته. م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن المؤذن. م: (يزيد فيها) ش: أي في الإقامة. م: (بعد الفلاح قد قامت الصلاة مرتين هكذا فعل الملك النازل من السماء) ش: يعني أقام بعد حد الأذان مثنى وفرادى بعد الفلاح قد قامت الصلاة مرتين. وروى أبو داود بإسناده إلى ابن أبي ليلى قال: الصلاة ثلاثة أحوال، قال: وحدثنا أصحابنا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لقد أعجبني أن تكون صلاة المسلمين أو المؤمنين واحدة، حتى لقد هممت أن أبث رجلا في الدور ينادون بخير الصلاة حتى هممت أن آمر رجالا يقومون على الآطام ينادون المسلمين بخير الصلاة حتى يقضوا وكادوا أن ينقضوا " فجاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله إني لما رجعت لما رأيت من اهتمامك رأيت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] رجلا كان عليه ثوبين أخضرين فقام على المسجد فأذن ثم قعد ثم قام فقال مثلها إلا أنه يقول قد قامت الصلاة ولولا أن تقول الناس: قال - ابن المثنى - بعد إدراك خير أو لم يقل عمر وأخذ فَمُر بلالا فليؤذن قال: فقال عمر: أما أنا فقد رأيت مثل الذي رأى ولكن لما سبقت استحييت» . وأخرجه أحمد في " مسنده " مطولا وفيه إني رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران فاستقبل القبلة فقال الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مثنى حتى فرغ من الأذان ثم أمهل ساعة ثم قال مثل الذي قاله غيره أنه يزيد في ذلك قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " علمها بلالا " فكان بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أول من أذن بها. الحديث. قوله: ابن أبي ليلى هو عبد الرحمن واسم أبي ليلى يسار. قوله: أحلت الصلاة ثلاثة أحوال، أي غيرت ثلاث تغيرات أو حولت ثلاث تحويلات، وقد فسرها كما ينبغي في " مسند أحمد " وفيه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: أحلت الصلاة ثلاثة أحوال فإنها أحوال الصلاة فإن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قدم المدينة وهو يصلي سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس ثم إن الله عز وجل أنزل عليه {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144] (البقرة: الآية 55) فتوجه إلى مكة فهذا حول وكانوا يجتمعون للصلاة ويؤذن بها بعضهم بعضا حتى نقضوا أو كادوا أن ينقضوا ثم إن رجلا من الأنصار يقال له عبد الله بن زيد أتى رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «يا رسول الله إني رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران إلى قوله فكان بلال أول من أذن بها كما ذكرنا عن قرب قال فمضى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنه قد طاف بي» وهذا حولان. قوله: وحديث أصحابنا إن أراد به الصحابة فهو قد سمع من جماعة من الصحابة فيكون الحديث مسندا وإلا فهو مرسل قاله المنذري. قلت: بل أراد به الصحابة صرح بذلك ابن أبي شيبة في " مصنفه " فقال ثنا وكيع ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال حدثنا أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أن عبد الله بن زيد الأنصاري جاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله رأيت في المنام كأن رجلا قام وعليه بردان أخضران، فقام على حائط فأذن مثنى مثنى» وأخرجه البيهقي في " سننه " عن وكيع به قال في " الإمام ": وهذا رجاله رجال الصحيحين، وهو متصل على مذهب الجماعة في عدالة الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وأن جهالة أسمائهم لا تضر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 وهو المشهور، ثم هو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في قوله: إنها فرادى فرادى، إلا قوله: قد قامت الصلاة مرتين.   [البناية] قوله: أو من المؤمنين شك من الراوي قوله: أن أبث أي لا فرق من البث وهو النشر وكلمة أن مصدرية. قوله: في الدور أي القبائل. قوله: يجيء الصلاة أي بوقتها. قوله: على الآطام: جمع أطم بضم الهمزة والطاء وهو بناء مرتفع وآطام المدينة أبنيتهما المرتفعة. وفي الصحاح: الآطام: حصون أهل المدينة. قوله: حتى نقض بفتح القاف من النقض وهو الضرب بالناقوس. قوله: أو كادوا أن ينقضوا بضم القاف لأنه من نَقَضَ يَنْقُضُ من باب نَصَرَ يَنْصُرُ وهو شك من الراوي والمعنى أو قربوا من نفس الناقوس؛ لأن كاد من أفعال المقاربة. قوله فجاء رجل من الأنصار هو عبد الله بن زيد الأنصاري وهو مفسر به في حديث أحمد. قوله: كان عليه ثوبين أخضرين وفي رواية أحمد كما ذكرنا كان عليه ثوبان أخضران وهو القياس، لأن ثوبين فاعل كان وهو اسمه فيكون مرفوعا وخبره قوله عليه ووجهه رواية أبي داود وأن صحبا أن يكون كان زائدة وهي أي التي لا تخل بالمعنى الأصلي ولا يعمل في شيء أصلا، ويكون نصب ثوبين بالفعل المقدر والتقدير: رأيت رجلا ورأيت عليه ثوبين أخضرين. قلت: إذا كان بالتشديد لا يحتاج إلى هذه المكلفات اللهم إذا صحت الرواية فكان الناقض قوله ثم قعد قعدة بفتح القاف لأنه للمرة هاهنا وأما القعدة بالكسر فللهيئة. قوله: قال ابن المثنى هو محمد بن المثنى أحد مشايخ أبي داود. وقوله: ولم يقل عمرو هو عمرو بن مروان أحد شيوخ أبي داود. قوله: فمر بلالا من كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخاطب به عبد الله بن زيد الأنصاري. قوله: فقال هو عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أما أنا بفتح الهمزة في أنا وبكسرها في إني سمعت على صيغة المجهول. قوله: استحييت أن أذكر ما يأتي. فإن قلت: من هو الملك الذي قال المصنف هكذا فعل الملك النازل. قلت: قد قيل جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - .... غيره والأول أظهر. م: (وهو المشهور) ش: أي قيل الملك النازل من السماء هو المشهور وفيه من تكرار كلمات الإقامة كما في قوله قد قامت الصلاة مرتين. م: (ثم هو حجة على الشافعي في قوله: إنها فرادى فرداى، إلا في قوله قد قامت الصلاة مرتين) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ش: أي ثم فعل الملك النازل من السماء في الإقامة مثنى مثنى حجة على الشافعي في قوله أن الإقامة فرادى فرادى بضم الفاء جمع فرد على غير القياس كأنه جمع فردان والفرد الوتر. قوله: إلا قد قامت الصلاة يعني هي مرتان وبه قال أحمد. وقال الشافعي في القديم ثم لفظ الإقامة أيضا مرة، وبه قال مالك لما روي عن أبي محذورة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «الأذان مثنى مثنى والإقامة فرادى فرادى» «وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: كان الأذان في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرتين مرتين والإقامة فرادى فرادى» . ولما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر بلالا أن يشفع فيه ويوتر في الإقامة» . ولأن المقصود بالأذان الإعلام ومع تكراره أبلغ والمقصود من الإقامة إقامة الصلاة بالإفراد أعجل لإقامتها. ولنا ما ذكرنا من حديث عبد الله بن زيد الأنصاري ومشاهير أحاديث كبار الصحابة وما رواه محمول على الجمع بين الكلمتين في الإقامة والتفريق بينهما في الأول، وعلى إتيان قوله بحيث لا ينقطع الصوت لما روي أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مر بمؤذن أوتر الإقامة فقال له اشفعها لا أبا لك كذا في " المحيط "، وما ذكروا من قولهم وبالإفراد إذا عجل يعني أسر إلى الشروع [ ...... ] بقد قامت وروي عن النخعي أنه قال: أول من أفرد معاوية وقال مجاهد: كانت الإقامة في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثنى مثنى حتى استحقه بعض أمراء الجواز لحاجة. فإن قلت: أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال «أمر بلالا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة» وأخرج أبو داود والنسائي وابن حبان عن ابن عمر قال: كان الأذان الحديث ذكرناه الآن وحديث أبي محذورة الذي احتج به الشافعي المذكور آنفا أخرجه الدارقطني في " سننه " وأخرج ابن ماجه عن معمر - بتشديد الميم - ابن محمد بن عبد الله بن أبي رافع حدثني أبي محمد عن أبيه عبد الله قال: «رأيت بلالا يؤذن بين يدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثنى مثنى ويقيم» . وأخرج الدارقطني عن سلمة بن الأكوع قال: «كان الأذان على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثنى مثنى والإقامة فرادى» . وأخرج البيهقي عن محمد بن إسحاق عن عون عن ابن أبي حنيفة عن أبيه قال «كان الأذان على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثنى مثنى والإقامة مرة واحدة» . قلت: قد قلنا أحاديث مشاهير الصحابة مثل ما ذهبنا إليه، فهذا الترمذي روى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد قال: «كان أذان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شفعا شفعا في الأذان والإقامة» وروى أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمه الأذان» . وقال النسائي فيه: «ثم عدها أبو محذورة تسع عشرة كلمة» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " ولفظه: «فعلمه الأذان والإقامة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] مثنى مثنى» وكذلك رواه ابن حبان في " صحيحه ". فإن قلت: قال البيهقي: هذا الحديث عندي غير محفوظ بوجوه أحدها أن مسلما لم يخرجه، ولو كان محفوظا لم يتركه لأن هذا الحديث قد رواه هشام الدستوائي عن عامر الأحول دون ذكر الإقامة كما أخرجه مسلم في " صحيحه ". والثاني: أن أبا محذورة قد روي عنه خلافه. والثالث: أن هذا الخبر لم يدم عليه أبو محذورة، ولا أولاده ولو كان هذا حكما ثابتا لما فعل بخلافه. قلت: عدم تخريج مسلم إياه لا يدل على عدم صحته، لأنه لم يلتزم إخراج كل الصحيح، ويتعين العدد بتسعة عشر وسبعة عشر ينفي الغلط في العدد بخلاف غيره من الروايات لأنه قد يقع فيها اختلاف وإسقاط وأيضا قد وجدت متابعة لهما. ثم في رواية عن عامر كما أخرجه الطبراني عن سعيد بن أبي عروة عن عامر بن عبد الواحد عن مكحول عن عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة قال: «علمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة» . والجواب عن الثالث أن هذا داخل في باب الترجيح لا في باب التضعيف؛ لأن عمدة التصحيح عدالة الراوي وترك العمل بالحديث لوجود ما هو أرجح منه لا يلزم منه ضعفه ألا ترى أن الأحاديث المنسوخة يحكم بصحتها إذا كانت رواتها عدولا ولا يعمل بها لوجود الناسخ، وإذا قال الأمر إلى الترجيح فقد يختلف الناس فيه. قلت: وله طريق أخرى عند أبي داود أخرجه عن ابن جريج عن عثمان بن السائب وفيه «وعلمني الإقامة مرتين» ثم ذكرها مفسرة، وله طريق آخر عند الطحاوي أخرجه عن شريك بن عبد العزيز بن رفيع قال سمعت أبا محذورة يؤذن مثنى مثنى ويقيم مثنى مثنى. وقال [في] الإمام عن يحيى بن معين عن عبد العزيز بن رفيع ثقة، وحديث [آخر] أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن حماد عن إبراهيم عن الأسود «أن بلالا كان يثني الإقامة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وكان يبدأ بالتكبير ويختم بالتكبير» . ومن طريق عبد الرزاق رواه الدارقطني في " مصنفه " والطحاوي في " شرح الآثار ". فإن قلت: قال ابن الجوزي في " التحقيق " والأسود: لم يدرك بلالا. قلت: قال صاحب " التنقيح ": وفيما قاله نظر. وقد روى النسائي للأسود عن بلال حديثا. وحديث آخر أخرجه الدارقطني في " سننه " بإسناده إلى بلال «أنه كان يؤذن للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثني مثنى، ويقيم مثنى مثنى» وفيه زياد البكاء وثقه أحمد، وقال أبو زرعة: صدوق واحتج به مسلم. ويرد بهذا تعليل ابن حبان في كتاب " الضعفاء " هذا الحديث بزياد وأيضا روى الطحاوي من حديث وكيع عن إبراهيم بن إسماعيل عن مجمع بن حارثة عن عبيد مولى سلمة بن الأكوع أن سلمة بن الأكوع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يثني الأذان والإقامة. حدثنا محمد عن خزيمة ثنا محمد بن سنان ثنا حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم قال: كان ثوبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يؤذن مثنى ويقيم مثنى. حدثنا يزيد بن سنان حدثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا فطر بن خليفة عن مجاهد قال: في الإقامة مرة مرة إنما هو شيء أحدثه الأمراء وأن الأصل التثنية. قلت: قد ظهر لك بهذه الدلائل أن قول النووي في " شرح مسلم ": وقال أبو حنيفة الإقامة سبعة عشرة كلمة. وهذا المذهب شاذ. قلت: رأيه لا يلتفت إليه، وكيف يكون شاذا مع وجود هذه الأحاديث والأخبار الصحيحة؟ فإن قلت: قول أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بلال الحديث في حكم المرفوع. وقال النووي قول الصحابي أمرنا هكذا ونهينا عن كذا وأمر الناس بكذا ونحوه كلمة مرفوع سواء قال الصحابي ذلك في حياة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو بعد وفاته. قلت: من الإطلاق هنا وجوه الاحتمالات. قوله: - سواء - اهـ غير مسلم، لجواز أن يقول الصحابي بعد رسول الله أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا ويكون الآمر والناهي أحد الخلفاء الراشدين. فإن قلت: حديث أبي محذورة لا يوازي حديث أنس هذا من جهة واحدة، فضلا عن الجهات كلها مع أن الجماعة من الحفاظ ذهبوا إلى أن هذه اللفظة في تثنية الإقامة غير محفوظة، ثم رووا عن طريق أخرى عن عبد الملك بن أبي محذورة أنه سمع أباه أبا محذورة يقول: إن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 ويترسل في الأذان ويحدر في الإقامة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لبلال: «إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر» وهذا بيان الاستحباب،   [البناية] النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمره أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة. قلت: قد ذكرنا أن الترمذي وابن خزيمة وابن حبان صححوا هذه اللفظة. فإن قلت: سلمنا أن هذه محفوظة وأن الحديث ثابت، ولكن نقول إنه منسوخ لأن أذان بلال هو آخر الأذانين. قلت: لا نسلم أنه منسوخ لأن حديث بلال إنما كان في أول ما شرع الأذان كما يدل عليه حديث أنس، وأبي محذورة كان عام حنين وبينهما مدة مديدة. [ما يسن في الأذان والإقامة] م: (ويترسل في الأذان) ش: الترسل: ترك التعجيل، يقال ترسل في قرابة إذا لم يعجل، ومنه على رسلك: أي أشد وحقيقة الترسيل طلب الرسل، ومنه الرسل وهي الهينة والسكون. م: (ويحدر في الإقامة) ش: من الحدر، وهو السرعة وهو من باب نصر ينصر وفي " الفتاوى الظاهرية " الترسل أن يفصل بين كلمتين، والأحرى أن يفصل بينهما ولا يفصل. ولو ترسل فيهما أو حدر فيه أو ترسل في الإقامة وحدر في الأذان جاز لحصول المقصود. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لبلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر» ش: هذا الحديث أخرجه الترمذي عن عبد المنعم بن نعيم ثنا يحيى بن مسلم عن الحسن وعطاء عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لبلال: «إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر، واجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته» وأريد المتغوط، قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث عبد المنعم وهو إسناد مجهول وانتهى. وعبد المنعم هذا ضعفه الدارقطني، وقال أبو حاتم: منكر الحديث جدا لا يجوز الاحتجاج به وأخرجه الحاكم في " مستدركه " عن عمرو بن فائد الأسواري ثنا يحيى بن مسلم به سواء ثم قال: هذا الحديث ليس في إسناده مطعون فيه غير عمرو بن فائد، ولم يخرجاه، قال الذهبي: قال الدارقطني: عمرو بن فائد متروك، وروى أحمد بن عدي «وإذا أقمت فاحذر» بالحاء المهملة وكسر الذال المعجمة أي أسرع قال ابن فارس: كل شيء أسرعت فيه فقد حدرته ولتعلمه أنها الروح والأرواح. وقد روى الأترازي هذا الحديث في شرحه وقال رواه الترمذي وغيره ولم يبين حاله. م: (وهذا بيان الاستحباب) ش: أي هذا الذي ذكر من ترسل الأذان والحدر في الإقامة بيان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 ويستقبل بهما القبلة؛ لأن الملك النازل من السماء أذن مستقبل القبلة، ولو ترك الاستقبال جاز؛ لحصول المقصود، ويكره لمخالفة السنة، ويحول وجهه للصلاة والفلاح يمنة ويسرة؛ لأنه خطاب للقوم فيواجههم به،   [البناية] الاستحباب. وفي " الكافي " وسأذكره في المتن مشيرا إلى عدم الكراهة حيث قال: وهذا بيان الاستحباب وفيه نظر. م: (ويستقبل بهما القبلة) ش: أي بالأذان والإقامة، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن السنة في الأذان استقبال القبلة لأن كل واحد منهما مشتمل على الدعاء والثناء والشهادة بالوحدانية والرسالة، وأحسن أحوال الداعين والذاكرين استقبال القبلة ولأنهما يشبهان الصلاة فيستقبل بهما القبلة كما في الصلاة ويجوز أن يكون التبع مقدما كسنة الظهر وحجاب الملوك. م: (لأن الملك النازل من السماء أذن مستقبل القبلة) ش: بعده في حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ وقال فيه «فاستقبل القبلة وقال الله أكبر الله أكبر» أخرجه أحمد في " مسنده " وأبو داود في " سننه ". قوله مستقبل القبلة حال من الضمير الذي في أذن. م: (ولو ترك الاستقبال) ش: أي استقبال القبلة. م: (جاز لحصول المقصود) ش: وهو الإعلام. م: (ويكره لمخافة السنة) ش: أراد بالسنة ما روي من حديث الرؤيا الذي تقدم. م: (ويحول) ش: أي المؤذن وليس بإضمار قبل الذكر للعلم به. م: (وجهه للصلاة والفلاح) ش: يعني عند قوله حي على الصلاة حي على الفلاح. م: (يمنة ويسرة) ش: بسكون الميم في يمنة وسكون السين في يسرة وبفتح الأول فيهما، والميمنة خلاف الميسرة وهما منصوبان على الظرفية. وقيل: فيه لف ونشر مرتب وذلك لأن يمنة يرجع إلى حي على الصلاة ويسرة يرجع إلى حي على الفلاح، وقيل كل واحد من الميمنة والميسرة ينصرف إلى الصلاة والفلاح، جميعا بأن يقول حي على الصلاة يمنة ثم يقول يسرة حي على الفلاح يمنة ثم يقول يسرة وقيل الأصح هو الأول. م: (لأنه خطاب للقوم فيواجههم به) ش: فيه. فإن قلت: فإن كانت أذان المواجهة للقوم كان ينبغي أن يوجه من كان وراءه م القوم لأنهم يخصون به. قلت: في ذلك استدار للقبلة والنفي فيه بما يحصل لهم من بلوغ الصوت عند تحويل الوجه يمنة ويسرة. وعن الخلال: لو صلى وحده لا يحول والصحيح أنه تحول لأنه سنة فيؤتى بها على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 وإن استدار في صومعته فحسن   [البناية] كل حال، قالوا لو أذن لمولود يؤتى به يحول وجهه يمنة ويسرة كذا في " المحيط " وذكر التمرتاشي أنه لا يحول في الإقامة إلا لأناس ينظرون. م: (وإن استدار في صومعته فحسن) ش: أي وإن استدار المؤذن في صومعته وهي الموضع العالي على رأس المئذنة يقف فيها المؤذن يؤذن. وقال الأترازي: الصومعة ما على رأس المنارة من المئذنة. قلت الصومعة في الأصل للنصارى والواو فيه زائدة والشيء الدقيق المحدد الرأس يسمى مصمعا، ومنه الصومعة لأنها دقيقة الرأس. وروى حوقلة وقال الأكمل: واستدار في صومعته فهو ظاهر قلت: الظهور من أين أتى والكلام في الاستدارة حسن والحسن يرجع إلى شيء آخر في نفس الأمر. أما الأول فقد روى الترمذي حدثنا محمود بن غيلان ثنا عبد الرزاق ثنا سفيان الثوري عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: «رأيت بلالا يؤذن ويدور ويتبع فاه هاهنا وأصبعاه في أذنيه» وقال الحديث حسن صحيح. فإن قلت: روى أبو داود من حديث عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: «أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة، وهو في قبة حمراء من أدم» . الحديث وفيه «رأيت بلالا خرج إلى الأبطح فأذن، فلما بلغ حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدر» . وقال البيهقي الاستدارة في الأذان ليست من الطرق الصحيحة في حديث أبي جحيفة ونحن نتوهم بأن سفيان رواه عن حجاج بن أرطاة عن عروة، والحجاج غير محتج به. وعبد الرزاق وهم فيه، ثم أسند عن عبد الله بن وليد عن سفيان به وليس فيه الاستدارة. وقد رويناه من حديث قيس بن الربيع عن عون فيه وفيه ولم يستدر قلت: كونه مخرجا في " الصحيح " غير لازم. وقد صححه الترمذي كما ذكرناه وهو أتمه اللسان، وأما نسبة الوهم إلى عبد الرزاق متروك بمتابعة مؤمل إياه، كما أخرجه أبو عوانة في " صحيحه " عن مؤمل عن سفيان به نحوه وتابعه أيضا عبد الرحمن بن مهدي أخرجه أبو نعيم في " مستخرجه " على " كتاب البخاري " وإن توهمه أن سفيان سمع من حجاج بن أرطاة فقد جاء مصرحا به مما أخرجه الطبراني عن يحيى بن آدم عن سفيان عن عروة بن أبي جحيفة عن أبيه قال رأيت بلالا أذن فأصبع فاه هاهنا وهاهنا. وقال يحيى قال سفيان: كان حجاج بن أرطاة يذكر عن عون أنه قال: واستدار في أذانه فلما لقينا عونا لم يذكر فيه واستدار. وأيضا فقد جاءت الاستدارة من غير جهة الحجاج. أخرجه الطبراني أيضا عن زيد بن عبد الله عن إدريس الأودي عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: «أتينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحضرت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 ومراده إذا لم يستطع تحويل الوجه يمينا وشمالا، مع ثبات قدميه مكانهما كما هو السنة بأن كانت الصومعة متسعة، فأما من غير حاجة فلا، والأفضل للمؤذن أن يجعل أصبعيه في أذنيه، بذلك أمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بلالا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -،   [البناية] الصلاة فقام بلال فأذن وجعل أصبعيه في أذنيه وجعل يستدير» . وأخرج أبو الشيخ الأصبهاني «أن بلالا أذن لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالبطحاء فجعل فوضع أصبعيه في أذنيه، وجعل يستدير يمينا وشمالا» . وأخرج ابن ماجه بلفظ يخالف عن حجاج بن أرطاة عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال «أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالأبطح وهو في قبة حمراء فخرج بلال فأذن فاستدار في أذانه وجعل أصبعيه في أذنيه» . وفي " سنن الدارقطني " من حديث كامل أبي العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أمر أبا محذورة أن يستدير في أذانه» . وأما الكلام في الثاني وهو قوله فحسن يحتمل أن يكون معناه وإن استدار في صومعته، فأذانه أحسن ويحتمل أن يكون معناه فاستدارته وهو أقرب في الوجه. فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك كان ينبغي أن يقول إن استدار في صومعته فسنة للأحاديث التي ذكرناها. قلت: لما كان فيه تفصيل على مسائل لم يحسن على أن الحسن من لوازم السنة فذكر اللازم وأراد الملزوم فافهم. م: (ومراده) ش: أي مراد محمد بن الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " الجامع الصغير " في قوله وإن استدار فحسن. م: (إذا لم يستطع تحويل الوجه يمينا وشمالا مع ثبات قدميه مكانهما) ش: يعني إذا لم يستطع إخراج رأسه من الصومعة بدون الاستدارة مع ثبات قدميه. م: (كما هو السنة) ش: يعني كما هو تحويل الوجه في الأذان يمينا وشمالا بدون الاستدارة، وعدم الاستدارة يدل على ثبات القدمين ثم بين المصنف اتساع الصومعة بقوله. م: (بأن كانت الصومعة متسعة) ش: لأن عند الاتساع لا يمكن الاستدارة مع ثبات القدمين. م: (فأما من غير حاجة فلا) ش: أي ما في غير حاجة الاستدارة فلا يكون حسنا وهذا إنما يكون إذا كانت الصومعة صغيرة بحيث يمكن تحويل الوجه وإخراج الرأس فيها يمينا وشمالا مع ثبات القدمين، وبه قال النخعي والأوزاعي وأبو ثور وأحمد في رواية. وقال ابن سيرين يكره الالتفاف، وهو قول الإمام مالك إلا أن يريد إسماع الناس. وعند الحسن والشافعي لا يستدير. م: (والأفضل للمؤذن أن يجعل أصبعيه في أذنيه، بذلك) ش: أي يجعل أصبعيه في أذنيه. م: (أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلالا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 ولأنه أبلغ في الإعلام فإن لم يفعل فحسن؛   [البناية] عبد الرحمن بن سعيد بن عمار بن سعد مؤذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حدثني أبي عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أمر بلالا أن يجمع أصبعيه في أذنيه وقال: " إنه أرفع لصوتك» وأخرجه الحاكم في " المستدرك " في كتاب الفضائل عن عبد الله بن عمار بن سعد القرظي حدثني أبي عن جدي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أمر بلالا أن يجعل أصبعيه في أذنيه، وقال: " إنه أرفع لصوتك» مختصرا، وسكت عنه. وأخرجه الطبراني في " معجمه " من حديث بلال «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له إذا أذنت فاجعل أصبعيك في أذنيك فإنه أرفع لصوتك» . وقال ابن القطان: عبد الرحمن هذا وأبوه وجده كلهم لا يعرف لهم حال. وقال السروجي في " الغاية ": روى ابن حبان «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أمر بلالا أن يجعل أصبعيه في أذنيه» . قلت: ليس هذا بابن حبان صاحب " الصحيح " وإنما هو ابن حيان بالياء آخر الحروف وهو أبو الشيخ الأصبهاني رواه في كتاب الأذان وأبو حاتم بن حبان بالباء الموحدة صاحب " الصحيح ". وروى أبو بكر بن خزيمة من حديث عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: «رأيت بلالا يؤذن وقد جعل أصبعيه في أذنيه» . وروى أبو الشيخ الأصبهاني في " كتاب الأذان " عن زيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد الأنصاري قال: «اهتم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للأذان بالصلاة» . الحديث وفيه: «حتى إذا كان قبيل الفجر رأيت رجلا عليه ثوبين أخضرين وأنا بين النائم واليقظان فقام على سطح المسجد فجعل أصبعيه في أذنيه ونادى» . الحديث ويزيد بن أبي زياد متكلم فيه. م: (ولأنه) ش: أي ولأن جعل أصبعيه في أذنيه. م: (أبلغ في الإعلام) ش: لأنه أندى لصوته، كما ذكره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفيه فائدة أخرى وهي أنه إنما لا يسمع صوت الأذان والإقامة لصمم أو لبعد فيستدل بوضع أصبعيه على أذنيه على ذلك وإن جعل يديه على أذنيه فحسن لأن في حديث أبي محذورة ضم أصابعه الأربع ووضعها على أذنيه. ورواه أحمد ومثله عن ابن عمر وحكاه في " المغني ". وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه إن جعل إحدى يديه على أذنيه فحسن. م: (وإن لم يفعل فحسن) ش: قال صاحب " الدراية " أي الأذان حسن لا ترك الفعل لأنه أمر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلالا فلا يليق به أن يوصف تركه بالحسن لكن لما لم يكن من السنن الأصلية لم يؤثر زواله في زوال حسن الأذان فكان معناه أن الأذان به أحسن ومع تركه حسن، وتبعه الأكمل على ذلك وقال السروجي: إن الأذان بدونه أحسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قال تاج الشريعة قريبا منه، ثم قال: وإنما كان كذلك لأنه ليس من السنن المشهورة في الأذان وهو غير مذكور في حديث الرؤيا وهو السبب الظاهر فشرع الأذان والكل أخذوه من كلام السغناقي وإسناد الحسن إلى الأذان مذكور في " الفوائد الظهيرية " قال الشيخ نظير هذا ما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمار «إن عادوا فعد» أي عادوا إلى الإكراه فعد إلى تخليص نفسك لا لسب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني به يظهر من حيث إن العدول بالضمير عن الظاهر إلى مدلول الظاهر. وقال الأترازي: ويجوز أن يقال إن الأفضل جعل الإصبعين في الأذنين وذاك يقتضي الفاضل والفاضل حسن، فإذا كان فعله أفضل يكون تركه فاضلا حسنا. قلت: الكل أخرجوه من الدائرة، لأن التركيب وإن كان غريبا فلا يقتضي معناه هذا لتأويلات بيانه أن قوم لم يفعل فيه ضمير مرفوع يرجع إلى المؤذن ومفعوله محذوف. والتقدير: وإن لم يفعل المؤذن جعل أصبعيه في أذنيه. وقوله: فحسن جواب الشرط تقديره فهو حسن والمعنى عدم فعله حسن لأن الجزاء يترتب على الشرط، والشرط هنا عدم الفعل. فكيف يكون ذا حسن؟ فيكون نظير ما ذكروا إن لم يفعل خيرا فالماء موجود وهذا في غاية الهجانة. وقوله من قال لم يكن من السنن الأصلية إلى آخره غير موجه لأن مراد هذا القائل أن السنة على نوعين: سنن أصلية، وسنن فرعية. وهذا لم يقل به أحد بل كما أمر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ فعله سنة أصلية وكيف لا يكون من السنن الأصلية؟ وقد روى جماعة من أهل الحديث أخبارا كثيرة وفيها أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك. وقد ذكرنا نبذة من ذلك. وقال السروجي: أي الأذان بدونه حسن أيضا غير موجه لأنه كيف يكون بدونه حسنا، وقد أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يقل بذلك أحد. وكذلك قول تاج الشريعة: لأنه ليس من السنن المشهورة في الأذان غير سديد، لأنه كيف لا يكون من السنن المشهورة وقد رواه جماعة من الصحابة. وقول السغناقي وأشار الحسن الأذان مذكور في كلام " الفوائد الظهيرية " كلام لا طائل تحته؛ لأن نسبة الحسن إلى الأذان غير مستبعد ولا مستغرب حين ثبت ذلك في " الفوائد الظهيرية ". ثم قوله: وقال الشيخ إلى آخره كلام واه ولا يخفى ذلك على من له أدن ذوق من أحوال التركيب، وكيف يكون نظير هذا ما قاله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن عادوا فعد» ، لأن معناه إن عاد الكفار أي أكثر أهل ما يتكلم بكلمة الكفر فعد إليها، وأنت مطمئن بالإيمان. وتفسره بقوله إن عادوا إلى الإكراه فعد إلى تخليص نفسك تأويل بعيد. ولئن سلمنا أن تقدير الخبر مثل ما قال، ولكنه لا يقدر على تخليص نفسه بالإتيان ما هو أكرهوه به من أي مكان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 لأنها ليست بسنة أصلية،   [البناية] وقول الأترازي ويجوز أن يقال إلى آخره خارج عن الدائرة بالكلية، لأن الذي ذكره قط لا يقتضي التركيب فكأنه لمح ما قاله من قول المصنف. والأفضل للمؤذن أن يجعل، وذلك لأن الأفضل أفعل التفضيل وهو يقتضي الفاضل فإذا كان فعله ذاك أفضل كان فاضلا ونحن نقول تركه غير فاضل لأنه مأمور به. فكيف يكون تركه فاضلا ولا مخلص هاهنا إلا أن يقول تقدير التركيب وإن لم يفعل وضع أصبعيه في أذنيه بل وضعهما عليهما فحسن ذلك لأنه روى أحمد في حديث أبي محذورة ضم أصابعه الأربعة ووضعها على أذنيه. وقد ذكرنا هذا فيما مضى، وذكرنا أيضا أن أبا يوسف روى عن أبي حنيفة أنه إن جعل إحدى يديه على أذنيه حسن فهذا يزيل الإشكال. م: (لأنها ليست بسنة أصلية) ش: أي لأن هذه الفعلة ليست سنة أصلية قال تاج الشريعة، وغيره لأنه لم يذكر في أصل الحديث وهو حديث الرؤيا. قلت: هذا غير صحيح لأنا قد ذكرنا أن الشيخ الأصبهاني روى حديث عبد الله بن زيد وفيه " فقام على سطح المسجد فجعل أصبعيه في أذنيه ونادى "، وقال الأترازي السنة نوعان: الهدى وتاركها مبتدع فلا يكون تركها حسنا وزائدة وتركها لا يكون بدعة لأن الإنسان ينتقل من تركها وفعلها، وما لا يكون بدعة لا يكون حسنا، وهذا معنى قوله لأنها ليست بسنة أصلية، أي: ليست من سنة الهدى إلى آخره. قلت: تفسيره قول المصنف لأنها ليست بسنة أصلية. فقوله: أي ليست من سنن الهدى غير صحيح فإذا لم يكن من سنن الهدى يكون فعله بدعة، ولم يقل به أحد لأنه مأمور به في أحاديث وردت به. وكيف يكون اتصافها بأنها ليست من سنن الهدى؟ بل تفسير كلامه هو الذي ذكرناه ثم اعلم أن ما قد ذكرنا في أول الباب أن للأذان تفسير لغة وشرعا، وثبوت، وسبب، ووصف، وكيفية، ومحل شرع فيه ووقت وسنن وفيما يجب على سامعه. أما الوقت للأذان فدخول وقت المكتوبة. وأما سننه فستة أنواع: نوع يرجع إلى صفة الأذان، ونوع يرجع إلى صفة المؤذن، فالذي يرجع إلى نفس الأذان أن يرتفع المؤذن صوته وجاء في حديث أبي محذورة «ارفع من صوتك ومد من صوتك» وفي حديث عبد الله بن زيد «ألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك» ولأن المقصود منه الإعلام وهو أتم فيه ولهذا كان الأفضل أن يؤذن في موضع يكون أسمع للجيران كالمئذنة ونحوها لحديث أبي بردة الأسلمي، قال «من السنة الأذان في المنارة والإقامة في المسجد» . رواه أبو الشيخ الأصبهاني والحافظ أبو القاسم تمام بن محمد الرازي، ولا ينبغي أن يحمل نفسه لأنه يخاف حدوث الفتق والضعف في الصوت قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأبي محذورة أما خشيت أن تفيق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] مريطا وهو ما بين السرة والعانة، والمريط، بضم الميم وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف يمد ويقصر. وذكر النووي في " شرح المهذب " ويجهر بالإقامة دون الجهر بالأذان، وأن يفصل بين كملتي الأذان بسكتة بخلاف الإقامة. روى مالك موقوفا قال الجوهري: وعوام الناس يقولون الله أكبر بضم الراء، وكان أبو العباس المبرد: يفتح الراء في الأولى ويسكنها في الثانية فيحركها بالأول لالتقاء الساكنين بقوله تعالى: " أَمِ اللهُ " وذكر ابن بطة عن أبي نعيم النخعي قال ابن شيبان مجزومان كانوا لا يعرفونهما الأذان والإقامة، وحكاه ابن الأنباري: عن أهل اللغة قال: يعني لأهل الكلام بعضه بعض مقدما بل بالإسكان على نية الوقف، لكن يقف في كلمات الأذان حقيقة وفي الإقامة ينوي الوقف. وفي " المجتبى ": المد في أول التكبير كفر وفي آخره خطأ. ولا بأس بالتطريب في الأذان وهو تحسين الصوت من غير تغيير وإن تغير لحن وإن مد كره، وعن الحلواني: إنما يكره التلحين في الثناء دون الدعاء والفلاح، وإذا كره التلحين في الأذان ففي قراءة القرآن أولى أن يترتب بين كلمات الأذان والإقامة حتى لو قدم البعض على البعض يعيد [ ...... ] ، ثم يؤذن وكذا لو ثوب بين الأذان والإقامة في الفجر يظن أنه في الإقامة فأتمها. ثم تذكر قبل الشروع في الصلاة فالأفضل أن يأتي بالإقامة من أولها إلى آخرها، ولو أذن فظنه الإقامة ثم علم بعد الفراغ فالأفضل أن يعيد الأذان وليستقبل الإقامة مراعاة للموالاة، وكذا إذا أخذ في الإقامة فظن أنها الأذان ثم علم يبتدئ بالإقامة فإن علم بعد قوله قد قامت الصلاة أنه في الأذان يتم الأذان ثم يقيم. وفي " المحيط " لو جعل الأذان الإقامة لا يستقبل ولو جعل الإقامة، أذانا استقبل وفي " البدائع " لو غشي عليه في الأذان والإقامة ساعة أو ارتد عن الإسلام - والعياذ بالله - ثم أسلم أو أحدث فذهب وتوضأ ثم جاء فالأفضل هو الاستقبال، ولو أذن ثم ارتد فإن تبادر أعاد وإن لم يبادر اعتدوا به بحصول الإعلام به. ويكره له أن يتكلم في أذانه وإقامته، لأنه ذكر معظم كالخطبة، قال الأوزاعي: لم نعلم أحدا مقتدى به فعله، ورخص فيه الحسن وعطاء وقتادة وعروة. وروى عن سليمان بن حرب حكى عنه الأثرم أن اليسير من الكلام جائز دون الطويل وعن أحمد إباحته في الأذان دون الإقامة وأبطله الزهري بالكلام وهو ضعيف، ويكره له رد السلام فيه، وقال النووي: يرده وأن يؤذن قائما للجماعة ويكره أذان القاعد. قال صاحب " المحيط " والإسبيجابي والوتري: القيام سنة أذان الجماعة ويكره تركه من غير عذر وبه قال عطاء، وقال الإمام مالك: لم أر أحدا فعله وإن أذن لنفسه فلا بأس بأن يؤذن قاعدا من غير عذر موافقا لسنة الأذان وعدم الحاجة إلى إعلام الناس ولا بأس أن يؤذن راكبا لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أذن يا أخا صداء قال وأنا راكب على راحلة فأذنت» رواه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الطبراني. وقال ابن المنذر: ثبت أن عمر كان يؤذن على البعير وينزل للإقامة، ويكره في ظاهر الرواية في الحضر أن يؤذن راكبا، وعن أبي يوسف لا بأس به. ثم المؤذن يختم الإقامة على مكانه ويتمها ماشيا، اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يختمها على مكانه سواء كان المؤذن إماما أو غيره، كذا روي عن أبي يوسف وقيل يتمها ماشيا. وعن الفقيه أبي جعفر الهندواني فيه إذا بلغ قد قامت الصلاة فهو بالخيار إن شاء مشى وإن شاء وقف إماما كان أو غيره، وبه أخذ أبو الليث وما روي عن أبي يوسف أصح ذكره في " البدائع " ويكره أن يؤذن في مسجدين لأن التنقل بالأذان غير مشروع. والثاني نافلة وفي " الذخيرة " أذن رجل وأقام آخر إن غاب الأول لا يكره وإن كان حاضرا ويلحقه الوحشة بذلك يكره. وفي " القدوري " إن أذن واحد وأقام آخر فلا بأس به وروي عن أبي حنيفة أنه يكره من غير فصل. وإن رضي به لا يكره عندنا. وفي " الوبري " الذي أذن أولى بالإقامة والحق له. وإن أقام غيره بإذنه جاز. فإن قلت: روى الترمذي وابن ماجه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم» . قلت: في رواته عبد الرحمن الأفريقي ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره. وقال أحمد: لا أكتب حديثه الأفريقي واسم الصدائي يزيد بن الحارث. وقيل زياد نسبة إلى الصدا بضم الصاد وتخفيف الدال المهملتين وبالمد وهو حي من اليمن. وقال الشافعي يستحب أن يكون المؤذن هو الذي يقيم. [شروط المؤذن] 1 وأما الذي يرجع إلى المؤذن، فهو أن يكون ذكرا بالغا عاقلا صحيحا تقيا عالما بالسنة، ومواقيت الصلاة جهرا بصوت مواظبا على الأذان في الصلوات الخمس ولا يستأجر عليها، ولو فعل لا يستحق الأجرة لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لعثمان بن أبي العاص، «وإن اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وبه قال الأوزاعي وأحمد وابن المنذر. ورخص فيه مالك وبعض الشافعية ولو علموا حاجته فلا بأس بأن يعينوه من غير شرط، ولو قسم القوم لم يجيز ولو فعلوا ذلك ضربوا بينهما حائطا وصار مسجدين، ويشترط أن يكون لكل واحد إمام ومؤذن وإن أذن صبي لا يعقل أو مجنون يعاد، لأنه لم يعتد به كصوت الطير ولا يعاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أذان الصبي العاقل. وعن أبي يوسف عن أبي حنيفة في غير ظاهر الرواية أنه قال: أكره أن يؤذن من لم يحتلم، لأن الناس لا يعتدون بأذانه. وبه قال مالك والثوري، ورخص عطاء والشعبي وابن أبي ليلى فيه ويكره أذان السكران ويستحب إعادته، وكذا يكره أذان الفاسق ولا يعاد وإن اشترط عليه أجرا فهو فاسق. وفي العبد والأعرابي وولد الزنا والأعمى وغيرهم أحب، ذكره في " الذخيرة " " والبدائع " وفي " المحيط " يكره أذان الأعمى وبه قال الشافعي، وقال النووي لا يصح أذان الأعمى عند أبي حنيفة وداود ومالك والشافعي. قلت: نقله عن أبي حنيفة غير صحيح. فإن قلت: ابن أم مكتوم أحد مؤذني الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان أعمى. قلت: هو كان يعرف الوقت بأذان بلال لأنه كان إذا نزل بلال صعد هو. وأما الذي يرجع إلى سامعه فهو أنه يجب عليه الإجابة. قال بعضهم: الإجابة بالقدم لا باللسان، وهو المشي إلى المسجد ولو كان حاضرا في المسجد حين سمع الأذان فليس عليه إجابة، فإن قال ما يقوله نال الثواب، وإن لم يقله فلا إثم عليه ولا يكره له ذلك. [ما يستحب لمن سمع الأذان] 1 وفي " قاضي خان " يستحب لمن سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذن وفيه وفي " الذخيرة " إلا عند قوله حي على الصلاة حي على الفلاح، فإنه يقول عند هاتين الكلمتين لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ومكان قوله حي على الفلاح ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وعند قوله الصلاة خير من النوم، صدقت وبررت. وجه الوجوب قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا سمعتم الأذان فقولوا مثل ما يقول المؤذن» رواه الجماعة من حديث أبي سعيد الخدري، وعن معاوية مثله إلى قوله أشهد أن محمدًا رسول الله وإذا قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله رواه البخاري. وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «إذا سمعتم الأذان» مثل رواية معاوية رواه مسلم وحديث عمرو ومعاوية تفسير حديث الخدري وبه قال مالك والشافعي. ومنهم من قال: يقول في الكل مثل ما يقول المؤذن منهم الخرقي، وروى غيره أن أحمد معنا. وقيل: يجمع بينهما للحديثين، ولو سمعه في الصلاة قال مالك يقول مثل قوله في التكبير والشهادتين في النافلة دون الفريضة. وهو قول الليث وقال سحنون لا يقوله في فريضة ولا نافلة، وهو قول الشافعي. وروى أبو مصعب عن مالك يقوله فيهما. وقال الطحاوي عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 والتثويب في الفجر: حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين بين الأذان والإقامة   [البناية] أصحابنا ما يدل على أنه لا يقوله المصلي لأن كلامه يحرم في الفريضة والنافلة، وفي " المنية " إجابة المؤذن بعد الصلاة، ووجه الاستحباب رواية عبد الله بن منصور - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال «كنا نسمع مناد يقول الله أكبر، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الفطرة فقال أشهد أن لا إله إلا الله فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج من النار فابتدرناه فإذا هو صاحب ماشية أدركته الصلاة فصلى» . قال الطحاوي: فهذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمع المنادي فأجاب غير ما قال فدل على أن الأمر للاستحباب وإصابة الفضل ويستحب له أن يتابع المؤذن في ألفاظ الإقامة إلا في الحيعلة وفي كلمة قد قامت الصلاة يقول أقامها الله وأدامها وفي " المفيد " ما دامت السماوات والأرض وفي حديث شهر بن حوشب عن أبي أمامة أو بعض أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقامها وأدامها. وقال في باب الإقامة بنحو حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الأذان، رواه أبو داود. والمتابعة لكل سامع من محدث وجنب وحائض وكبير وكذا الصغير على وجه الاستحباب لأنه ذكر. وكذا في الطواف ويستثنى منه المصلي ومن هو على الخلاء والجماع. وفي " المحيط " " والبدائع " لا ينبغي للسامع أن يتكلم في حال الأذان ويشتغل بالاستماع والإجابة. وفي " المرغيناني " لو كان يقرأ القرآن في المسجد لا يقطع ويقطع في بيته ولا يرد السلام. وفي " الخطبة" يرد سرا وجواب العطسة يكون سرا. ولو سمع مؤذنا بعد مؤذن قال النووي لم أر فيه شيئا لأصحابنا، قال: والمختار أن يقال: يخص الأول، قلنا زيادة الفضل والثواب في المبالغة لا يختص. [التثويب في أذان الفجر] م: (والتثويب في الفجر) ش: أي التثويب في صلاة الفجر، وهو مبتدأ والتثويب في اللغة: الرجوع، ومنه الثواب لأنه منفعة عمله يعود إليه وهو عود إلى الإعلام بعد الإعلام، وتفسيره عند المصنف أن يقول المؤذن. م: (حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين بين الأذان والإقامة) ش: هذا الذي ذكر محمد في " الجامع الصغير " عن يعقوب عن أبي حنيفة، وهذا التثويب محدث أحدثه علماء الكوفة بعد عهد الصحابة لظهور التواني وتغير أحوال الناس ولم يبين التثويب القديم. وفي الأصل كان التثويب في صلاة الفجر بعد الأذان الصلاة خير من النوم مرتين. وفي " المحيط " روي عن أبي حنيفة هكذا. وقال الطحاوي: التثويب القديم للشافعي والمسألة فيما يفتي على القديم وبه قال مالك وأحمد. وقال الشافعي في الجديد: أنه بين الأذان والإقامة، وهو المروي عن أبي حنيفة ومحمد. وعن أبي حنيفة قوله الصلاة خير من النوم بعد الأذان لما فيه وهو اختيار أبي بكر بن الفضل البخاري. وفي رواية البخاري عن أصحابنا أنه في الأذان، وكذلك عن الطحاوي لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ما أحسن هذا، اجعله في أذانك» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 حسن؛ لأنه وقت نوم وغفلة، وكره في سائر الصلوات، ومعناه   [البناية] قال فخر الإسلام البزدوي: الصحيح أنه كان بعد الأذان. م: (حسن) ش: خبر المبتدأ، أعني قوله والتثويب. فإن قلت: هذا الذي ذكره محدث كما قلنا وكيف سمي حسنا؟ قلت: لما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» . م: (وكره) ش: أي التثويب بين الأذان والإقامة. م: (في سائر الصلوات) ش: وقال الأترازي: لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لبلال «ثوب في الفجر، ولا تثوب في العشاء» . قلت: هذا الحديث لم يرد على هذا الوصف ومع هذا هو لا يصلح دليلا إلا لترك التثويب في العشاء فقط فكيف يستدل بهذا على ترك التثويب في الظهر والعصر والمغرب؟ والذي ورد فيه حديثان ضعيفان: أحدهما: للترمذي وابن ماجه عن أبي إسرائيل عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال: «أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن لا أثوب في شيء من الصلاة إلا في صلاة الفجر» . قال الترمذي: هذا الحديث لا نعرفه إلا من حديث أبي إسرائيل الملائي وليس بالقوي، ولم يسمعه من الحكم، إنما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم. والثاني أخرجه البيهقي عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال: «أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن لا أثوب إلا في الفجر» . قال البيهقي: وعبد الرحمن لم يلق بلالا وقال ابن السكن: لا يصح إسناده. ورواه الدارقطني من طرق أخرى عن عبد الرحمن وفيه أبو سعيد البقال وهو ضعيف. وفي " المبسوط " روى أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رأى مؤذنا يثوب للعشاء فقال: أخرجوا هذا المبتدع من المسجد. وقال مجاهد: دخلت مع ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مسجدا فصلى الظهر فسمع المؤذن يثوب فغضب وقال: قم حتى تخرج من هذا الموضع هذا المبتدع، وما كان التثويب على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا في صلاة الفجر. وفي " الحلية " ولا يستحب في قول الشافعي في غير أذان الصبح. م: (ومعناه) : أي معنى التثويب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 العود إلى الإعلام بعد الإعلام، وهو على حسب ما تعارفوه، وهذا التثويب أحدثه علماء الكوفة بعد عهد الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لتغير أحوال الناس، وخصوا الفجر به لما ذكرنا، والمتأخرون استحسنوه في الصلوات كلها لظهور التواني في الأمور الدينية. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا أرى بأسا أن يقول المؤذن للأمير في الصلوات كلها: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، حي على الصلاة حي على الفلاح، الصلاة يرحمك الله،   [البناية] م: (العود إلى الإعلام بعد الإعلام) ش: وهذا معناه الشرعي، وفي اللغة التثويب الرجوع مطلقا كما ذكرناه. م: (وهو) ش: أي التثويب م: (على حسب ما تعارفوه) ش: أي ما تعارفه أهل كل بلدة من التنحنح، أو قوله الصلاة، الصلاة أو قوله قامت قامت لأنه للمبالغة في الإعلام وإنما يحصل ذلك بما تعارفوه. م: (وهذا التثويب) ش: إشارة إلى قوله والتثويب في الفجر حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين الأذان والإقامة م: (والتثويب أحدثه علماء الكوفة بعد عهد الصحابة) ش: أي بعد زمانهم م: (لتغير أحول الناس) ش: وهو توانيهم وكسلهم في باب العبادة. م: (وخصوا الفجر به) ش: أي خص علماء الكوفة الفجر به التثويب، يعني لم يثوبوا إلا في الفجر خاصة. م: (لما ذكرنا) ش: وهو قوله لأنه وقت نوم وغفلة. م: (والمتأخرون استحسنوه) ش: أي العلماء المتأخرون استحسنوا التثويب م: (في الصلوات كلها لظهور التواني في الأمور الدينية) ش: فعلى هذا استحباب المتأخرين أحداثا بعد أحداث وفي " جامع البرهاني " ترك سائر الأوقات في زماننا بتركه وقت الفجر في زمان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: استحسان المتأخرين التثويب في كل الصلوات ليس بلفظ معين، ولا شرطوا غير ذلك اللفظ، بل ما ذكروا متعارف. وفي " شرح مختصر الكرخي " للقدوري ويثوب وهو قائم كالأذان في قول أبي حنيفة وأبي يوسف. قال الحسن: وفيه قول يسكت بعد الأذان ساعة ثم يقول حي على الصلاة حي على الفلاح وبه نأخذ، وإن صلوا ركعتي الفجر بين الأذان والتثويب فلا بأس به. وفي قول أبي حنيفة: وقال ابن شجاع عن أبي حنيفة التثويب الأول في نفس هذا الأذان وهو الصلاة خير من النوم مرتين. والثاني: فيما بين الأذان والإقامة. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا أرى بأسا أن يقول المؤذن للأمير في الصلوات كلها السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، حي على الصلاة حي على الفلاح، الصلاة يرحمك الله) ش: قول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 واستبعده محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الناس سواسية في أمر الجماعة، وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خصهم بذلك، لزيادة اشتغالهم بأمور المسلمين، كيلا تفوتهم الجماعة، وعلى هذا القاضي والمفتي، ويجلس بين الأذان والإقامة،   [البناية] أبي يوسف هذا متعلق بالتثويب المحدث في سائر الصلوات بزيادة اختصاص بمن يكون مشتغلا بأمور المسلمين قال السرخسي والقدوري: عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لما كثر اشتغاله نصب من يحفظ عليه صلاته. وفي " جامع قاضي خان " ما قاله أبو يوسف في أمراء زمانه لا في أمراء زماننا، لأنهم مشغولون بالظلم لا بأمور المسلمين. م: (واستبعده محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي استبعد محمد ما قاله أبو يوسف حتى قال: أنى لأبي يوسف، حيث خص الأمر بالتثويب والذكر ومال إليه. وقيل: إنما استبعده محمد لما بينهما من الوحشة، ويؤيده ما قال في " الجامع الصغير " محمد عن يعقوب ولم يقل عن أبي يوسف، ولكن لا يظن أنه لقي الله وهو كما قال بل تاب ورجع، والبشر لا يخلو عن هذه الحالات كذا في " الحميدية ". م: (لأن الناس سواسية في أمر الجماعة) ش: أي متساوون في أمر الجماعة فلا يختص به الأمراء، وفي " المغرب " يقول هم سواسية أي سواء وهما سيان أي مثلان. وفي " الصحاح " هم سواء فلا يختص به الأمراء. وفي الجمع وأسواء وسواسية أي أشباه مثل ثمانية على غير قياس، وتقول هما في هذا الأمر سوى وإن شئت تقول أسواء وهم سوان للجميع وهم سواسية. م: (وأبو يوسف خصهم بذلك) ش: هذا اعتذار من جهة أبي يوسف، يعني تخصيصه الأمراء بذلك أي يقول المؤذن السلام عليك أيها الأمير إلى آخره. م: (لزيادة اشتغالهم بأمور المسلمين كيلا تفوتهم الجماعة) ش: أي الصلاة بالجماعة. وإنما قيد بقوله بأمور المسلمين لأن الأمراء المشتغلين باللهو والطرب، لا يثوب لهم إلا على وجه الأمر بالمعروف والنصيحة. م: (وعلى هذا) ش: أي عل ما ذكره أبو يوسف من زيادة اشتغال الأمراء بأمور المسلمين م: (القاضي والمفتي) ش: لأنهما مشغولان بأمور المسلمين، القاضي: بفصل الأحكام والمفتي بكتابة الفتاوى والمراجعة إلى الكتب يثوب لهم كيلا تفوتهم الجماعة. [الفصل بين الأذان والإقامة] م: (ويجلس) ش: أي المؤذن م: (بين الأذان والإقامة) ش: أراد أن الوصل بينهما مكروه لأن المقصود بالأذان إعلام الناس بدخول الوقت ليتأهبوا للصلاة بالطهارة فيحضروا المسجد لإقامة الصلاة، وبالوصل ينتفي هذا المقصود. وذكر التمرتاشي في " جامعه " أنه يقعد مقدار ركعتين أو أربع أو مقدار ما يفرغ الآكل من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 إلا في المغرب، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يجلس في المغرب أيضا جلسة خفيفة؛ لأنه لا بد من الفصل، إذ الوصل مكروه، ولا يقع الفصل بالسكتة لوجودها بين كلمات الأذان، فيفصل بالجلسة كما بين الخطبتين، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن التأخير مكروه، فيكتفي بأدنى الفصل احترازا عنه، والمكان في مسألتنا مختلف، وكذا النغمة، فيقع الفصل بالسكتة،   [البناية] أكله، والشارب من شربه، والحاقن من قضاء حاجته. وقيل " مقدار ما يقرأ عشر آيات ثم يثوب ثم يقيم كذا في " المجتبى ". وفي " شرح الطحاوي " يفصل بين الأذان والإقامة مقدار ركعتين أو أربع، يقرأ في كل ركعة نحو عشر آيات وينظر المؤذن للناس ويقيم للضعيف المستعجل، ولا ينظر رئيس المحلة، ولا كبيرها، ولا يؤذن إلا في فناء المسجد وناحيته. م: (إلا في المغرب) ش: يعني لا يفصل بين الأذان والإقامة في وقت صلاة المغرب لأن تأخيرها مكروه م: (وهذا عند أبي حنيفة) ش: أي استثناء المغرب عند أبي حنيفة م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد. م: (يجلس في المغرب أيضا جلسة خفيفة) ش: وهي مقدار الجلسة بين الخطبة. م: (لأنه لا بد من الفصل إذ الوصل مكروه) ش: اتفاقا. م: (ولا يقع الفصل بالسكتة لوجودها بين كلمات الأذان فيفصل بالجلسة كما بين الخطبتين) ش: وحاصل المذهب أن العلماء اتفقوا على أنه لا يفصل الإقامة بالأذان، بل يفصل بينهما لكنهم اختلفوا في مقدار الفصل. فعند أبي حنيفة المستحب أن يفصل بينهما بسكتة يسكت قائما ساعة ثم يقيم، ومقدار السكتة عنده قدر ما يتمكن فيه بقراءة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة. وروي عنه مقدار ما يخطو ثلاث خطوات. وعندهما يفصل بينهما بجلسة خفيفة مقدار الجلسة بين الخطبتين. وذكر الإمام الحلوائي الخلاف في الأفضلية حتى عند أبي حنيفة إن جلس جاز فالأفضل أن لا يجلس، وعندهما على العكس ذكره الإمام التمرتاشي. م: (ولأبي حنيفة أن التأخير مكروه) ش: أي تأخير صلاة المغرب مكروه بلا خلاف. م: (فيكتفي بأدنى الفصل) ش: بين الأذان والإقامة وحده ما ذكرناه عن قريب. م: (احترازا عنه) ش: أي عن التأخير المكروه واحترازا منصوب على أنه مفعول مطلق بتقدير احتراز احترازا ونحو ذلك. م: (والمكان في مسألتنا مختلف) ش: هذا جواب من جهة أبي حنيفة عن قولهما في الفصل بين الأذان والإقامة مقدار الجلسة بين الخطبتين، وتقديره أن القياس غير صحيح لأن المكان أي مكان الأذان والإقامة فيما نحن فيه، وهو معنى قوله في مسألتنا مختلف بكسر اللام، لأن مكان الأذان غير مكان الإقامة والمكان بين الخطبتين متحد فلا يقاس عليه. م: (وكذا النغمة) ش: وهي الترسيل في الأذان والحدر في الإقامة شيئان مختلفان. م: (فيقع الفصل) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فيقع الفصل بينهما م: (بالسكتة) ش: لوقوعها بين شيئين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 ولا كذلك الخطبة. وقال الشافعي: يفصل بركعتين اعتبارا بسائر الصلوات، والفرق قد ذكرناه. قال يعقوب:   [البناية] مختلفين. م: (ولا كذلك الخبطة) ش: لأن مكانها متحد فلا يقع الفصل بين الخطبتين بمجرد السكتة لأنها توجد بين كلماتها أيضا فلا بد من الجلسة. م: (وقال الشافعي: يفصل بركعتين) ش: أي يفصل بين الأذان والإقامة بصلاة ركعتين. م: (اعتبارا بسائر الصلوات) ش: أي قياسا عليها، ومذهب الشافعي ما ذكره النووي فإنه قال: ويستحب أن يفصل بين أذان المغرب وإقامتها فصلا يسيرا بقعدة أو سكوت أو نحوها، هذا لا خلاف فيه عندنا. ونقل المصنف عن الشافعي ما ذكره فيه نظر. فإن قلت: ما مقدار الفصل بين الأذان والإقامة في سائر الصلوات غير المغرب. قلت: لم يذكر في ظاهر الرواية مقدار الفصل. وروى الحسن عن أبي حنيفة في الفجر مقدار عشرين آية، وفي الظهر مقدار ما يصلح أربع ركعات يقرأ في كل ركعة قدر عشر آيات وفي العصر مقدار ركعتين يقرأ فيهما عشرين آية، والعشاء كالظهر. وإن لم يصل يجلس مقدار ذلك، وهذا ليس بتقدير لازم فينبغي أن يؤخر الإقامة مقدار ما يحضر القوم مع مراعاة الوقت المستحب. وروى محمد بن حبان الأصبهاني بسنده عن أبي هريرة أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال لبلال: «اجعل بين أذانك وإقامتك وقتا بقدر ما يفرغ المتوضئ من وضوئه في مهل والمتعشي من عشائه» . م: (والفرق قد ذكرناه) ش: هذا إشارة إلى قوله أن التأخير مكروه بخلاف سائر الصلوات فإن التأخير فيها ليس بمكروه، والاشتغال بالركعتين يؤدي إلى التأخير فلذلك لا يفصل بينهما. وعن هذا قلنا أيضا ويتنفل بعد الغروب قبل الفرض لما فيه من تأخير المغرب. وذكر الإمام المحبوبي والمراد من قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بين كل أذانين صلاة ما سوى المغرب. قلت: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن عبد الله بن المغفل قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بين كل أذان صلاة قال في الثالثة: لمن شاء» . وفي لفظ البخاري: «صلوا قبل المغرب ثم قال: صلوا قبل المغرب، ثم قال في الثالثة: لمن شاء» كراهة أن يتخذها الناس سنة وليس فيه هذا المغرب. والذي فيه إلا المغرب رواه الدارقطني ثم البيهقي في " سننهما " عن ابن حبان بن عبد الله العدوي ثنا عبد الله بن بريدة قال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إن عند كل أذانين ركعتين إلا المغرب» . ورواه البزار في " مسنده "، فقال: لا نعلم رواه عن ابن بريدة إلا حبان بن عبد الله، وهو رجل مشهور من أهل البصرة لا بأس به. وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في " الموضوعات " ونقل سفيان القلاس أنه قال كان حبان هذا كذابا. م: (قال يعقوب) ش: هو أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن بحير بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 رأيت أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يؤذن في المغرب ويقيم، ولا يجلس بين الأذان والإقامة، وهذا يفيد ما قلناه، وأن المستحب كون المؤذن عالما بالسنة لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ويؤذن لكم خياركم» ، ويؤذن للفائتة، ويقيم، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قضى الفجر غداة ليلة التعريس بأذان وإقامة،   [البناية] معاوية البجلي، وأم سعد حبتة بنت مالك من بني عمرو بن عوف، وسعد بن حبتة من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وإنما ذكر أبا يوسف باسمه دون كنيته لأنه ذكر محمد في " الجامع الصغير " كذلك حتى لا يتوهم التسوية في التعظيم بين الشيخين بذكر أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (رأيت أبا حنيفة يؤذن في المغرب ويقيم، ولا يجلس بين الأذان والإقامة، وهذا يفيد ما قلناه) ش: أي يفيد ما رواه عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من عدم جلوسه في أذان المغرب ما قلنا، وهو أن لا جلوس عنده في أذان المغرب. م: (وأن المستحب) ش: ويفيد أيضا أن المستحب م: (كون المؤذن عالما بالسنة) ش: أي بأحكام الشرع. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ويؤذن لكم خياركم» ش: هذا الحديث رواه أبو داود وابن ماجه من حديث حسين بن عيسى عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم أقرؤكم» . وفي " الإمام " وروى إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «لا يؤذن لكم غلام حتى يحتلم وليؤذن لكم خياركم» . ولم يعزه. وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " لو أطيق الأذان مع الخليفي لأذنت " والخليفي: الخلافة، وذكره في " الفائق " " والمغربين "، قوله خياركم من كان عالما بأحكام الشرع. م: (ويؤذن للفائتة ويقيم) ش: يعني إذا فاتته صلاة وأراد أن يقضيها يؤذن ويقيم. م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قضى الفجر غداة ليلة التعريس بأذان وإقامة) ش: وروى هذا الحديث أبو هريرة وعمران بن حصين وعمرو بن أمية الضميري وذو مخبر وعبد الله بن مسعود وبلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فحديث أبي هريرة رواه أبو داود في " سننه " حدثنا موسى بن إسماعيل [ثنا أبان] ثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في هذا الخبر يعني قصة التعريس قال: فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تحولوا من مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة» قال: فأمر بلالا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأذن وأقام وصلى. وحديث عمران [بن حصين] رواه أبو داود أيضا، وفيه «ثم أمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] مؤذنا فأذن وصلى ركعتين قبل الفجر ثم أقام فصلى الفجر» وحديث عمرو بن أمية رواه أبو داود أيضا وفيه «ثم أمر بلالا فأذان ثم توضئوا وصلوا ركعتي الفجر، ثم أمر بلالا فأقام الصلاة وصلى بهم صلاة الصبح» . وحديث ذي مخبر رواه أبو داود أيضا وفيه «ثم أمر بلالا فأذن ثم قام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فركع ركعتين غير عجل، ثم قال لبلال: " أقم الصلاة " ثم صلى وهو غير عجل» . وحديث ابن مسعود رواه ابن حبان في " صحيحه " وفيه «ثم أمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى بنا» . وحديث بلال رواه البزار في " مسنده " عن بلال «أنهم ناموا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر حتى طلعت الشمس فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قاموا بلالا فأذن، ثم صلى ركعتين، ثم أقام بلال فصلى بهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الفجر بعدما طلعت الشمس» . فهذه الأحاديث كلها تدل صريحا على الأذان والإقامة معا. واستشهد الأترازي في " شرحه " بحديث أبي قتادة، وكذلك الأكمل في شرحه أخرجه البخاري، وفيه: «قم يا بلال فأذن بالصلاة " فتوضأ، فلما ارتفعت الشمس وأضاءت: قام فصلى بالناس جماعة» قلت: وليس فيه إلا الأذان واستشهادهما به غير واف. فإن قلت: قد جاء في حديث أخرجه النسائي يدل على الاقتصار على الإقامة وهو ما رواه عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال «شغلنا المشركون يوم الخندق عن صلاة الظهر حتى غربت الشمس فأنزل الله تعالى: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [الأحزاب: 25] (الأحزاب: الآية 25) ، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلالا فأقام لصلاة الظهر، فصلاها كما كان يصليها لوقتها، ثم أقام العصر فصلاها كما يصليها لوقتها» . قلت: هذه لا يمنع الأذان، لجواز أن يكون قد اقتصر على بعضهم، والزيادة أولى بالقبول. وفيه إشارة إلى الأذان حيث قال كما كان يصليها لوقتها، وصلاته - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لوقتها بالأذان والإقامة لكل صلاة. ثم اعلم أن - التعريس - هو النزول في آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة، يقال منه عرس تعريسا، ويقال فيه أعرس، والمعرس بفتح الراء موضع التعريس. فإن قلت: هذه القصة أين وقعت [وهل] وقعت مرة أو أكثر. قلت: أخرج مسلم من حديث أبي هريرة ما يدل على أن القصة كانت بخيبر، وبذلك صرح ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي، وقالوا إن ذلك كان حين قفل من خيبر، وقال ابن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اكتفائه بالإقامة، فإن فاتته صلوات أذن للأولى وأقام، لما روينا وكان مخيرا في الباقي؛ إن شاء أذن وأقام، ليكون القضاء على حسب الأداء، وإن شاء اقتصر على الإقامة.   [البناية] عبد البر هو الصحيح. وقيل مرجعه من حنين. وفي حديث ابن مسعود أن ذلك كان عام الحديبية. وفي حديث عطاء بن يسار أن ذلك في غزوة تبوك. قال ابن عبد البر: حسبه وهما، قال الأصل لم يعرض ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا مرة. وقال ابن الحصاد: هي ثلاث نوازل مختلفة. م: (وهو حجة على الشافعي في اكتفائه بالإقامة) ش: أي الحديث المذكور الذي فيه قضى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأذان وإقامة حجة عليه فيما ذهب إليه. فإن قلت: فللشافعي أن يستدل بما رواه النسائي الذي فيه الاكتفاء بالإقامة، وقد ذكرناه آنفا. قلت: قد مر في حديث الصحابة المذكورة من ذكر الأذان والإقامة والعمل بالزيادة أولى. والجواب عن حديث النسائي قد ذكرناه آنفا. وقال الأكمل: لا يقال قد روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بلالا فأقام بدون ذكر الأذان، لأنا نقول العمل بالزيادة أولى لأن القصة واحدة وفيه نظر، لأن ذلك إنما يكون إذا كان راويهما واحد، ولم يثبت هاهنا ذلك. والجواب: أن الراوي إذا كان متعددا إنما يعمل بالخبرين إذا كان يمكن العمل بهما، وهاهنا لا يمكن ذلك لكون القصة واحدة. قلت: كون القصة واحدة غير صحيح لأن القصة متعددة كما ذكرنا آنفا. قوله: وفيه نظر لأن أحدا لم يشترط في العمل بالزيادة عند اتحاد الراوي، بل الزيادة مقبولة إذا ثبت سواء كان الراوي واحدا أو متعددا. م: (فإن فاتته صلاة أذن للأولى، وأقام لما روينا) ش: أشار به إلى الحديث الذي فيه قضاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الفجر غداة ليلة التعريس بأذان وإقامة. م: (وكان مخيرا في الباقي إن شاء أذن وأقام) ش: يعني إن شاء أذن وأقام لكل صلاة من الفوائت. م: (ليكون القضاء على حسب الأداء) ش: لأن القضاء على الأداء. م: (وإن شاء اقتصر على الإقامة) ش: لما روى الترمذي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاتته يوم الخندق أربع صلوات حتى ذهب ما شاء الله من الليل، فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العشاء» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 لأن الأذان للاستحضار وهم حضور. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقيم لما بعدها ولا يؤذن، قالوا: يجوز أن يكون هذا قولهم جميعا.   [البناية] فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك فالتخيير من أين؟ قلت: جاء في رواية فصلى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بأذان وإقامة. وفي رواية بأذان وإقامة للأول وإقامة لكل واحد من البواقي. وقال: الاختلاف خيرنا في ذلك. فإن قلت: إذا كان الرفق متعينا في أحد الجانبين لا يخير بينهما، كما في قصر صلاة المسافر، وهاهنا الرفق متعين في الإقامة، فكيف يبقى التخيير؟ قلت: فإن ذلك في الواجب لا في السنن والتطوعات. م: (لأن الأذان للاستحضار) ش: أي لاستحضار القوم إلى الصلاة بالجماعة. م: (وهم حضور) ش: أي والحال أنهم حاضرون فلا يحتاجون إلى الإعلام. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي قال المصنف. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقيم لما بعدها) ش: أي من غير اختيار الجمع بينهما وبين إفراد الإقامة. وفي " التحفة " وروي في غير رواية الأصول عن محمد: إذا فاتت صلوات يقضي الأول بأذان وإقامة والثاني بالإقامة لا الأذان. م: (قالوا: يجوز أن يكون هذا قولهم جميعا) ش: أي قال المشايخ عن أبي بكر الرازي: يجوز أن يكون ما قاله محمد قولهم جميعا. والمذكور في الكتاب محمول على الصلاة الواحدة فيرتفع الخلاف بين أصحابنا. وقال الشافعي في " الإمام ": يقيم لهما ولا يؤذن وفي القديم يؤذن للأول ويقيم ويكفي في البواقي على الإقامة وبه قال أبو ثور. وقال النووي في " شرح المهذب " يقيم لواحدة بلا خلاف، ولا يؤذن لغير الأولى منهن، وفي الأولى ثلاثة أقوال: في الأذان أصحها أنه يؤذن ولا يعتبر تصحيح الرافعي منع الأذان والإقامة، الأول: مذهب مالك والشافعي وأحمد وأبي ثور. وقال ابن بطال: لم يذكر الأذان في الأول عن مالك والشافعي والأول قال أبو حامد. وقال الثوري والأوزاعي وإسحاق: لا يؤذن لفائتة. وفي " البدائع " للشافعي قولان في قوله يصلي بغير أذان وإقامة. قلت: هذا لا يصح عنده. وفي قول يقضي بالإقامة لا غير ولو صلى الرجل في بيته وحده فاكتفى بأذان الناس وإقامتهم جاز، وإن أقام فحسن، ذكره في الأصل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 وينبغي أن يؤذن ويقيم على طهر، فإن أذن على غير وضوء جاز؛ لأنه ذكر وليس بصلاة، فكان الوضوء فيه استحبابا كما في القراءة.   [البناية] وروي عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود بغير أذان ولا إقامة وقال يكفينا أذان الحي وإقامتهم. وروي أبو يوسف عن أبي حنيفة في قوم صلوا في المصر في المنزل أو في مسجد منزل فأخبروا بأذان الناس وإقامتهم أجزأهم وقد أساءوا في تركهما. هذا في المقيمين، وأما المسافرون فالأفضل لهم أن يؤذنوا ويقيموا ويصلوا بالجماعة إذ السفر لا يسقط الجماعة فلا يسقط ما هو من لوازمها ولا يكره لهم ترك الإقامة. والمسافر وحده لو ترك الإقامة يكره له. والمقيم لو تركها لا يكره لأن المقيم قد وجد الأذان في حقه والمسافر لم يوجد في حقه شيء من ذلك لأنه عزر في ترك الأذان دون الإقامة. وفي " المغني " الذي يصلي في بيته يجزئه أذان المصر وإقامتها، وبه قال الشعبي والنخعي وعكرمة ومجاهد والأسود وأحمد. وقال ميمون تكفيه الإقامة. وهو قول مالك والأوزاعي وسعيد بن جبير. وعند الشافعي يؤذن على المنصوص. ولو صلى في مسجد بأذان وإقامة لا يكره لأهله أن يعيدهما، وعند الشافعي لا يكره إن كان مسجدا ليس له أهل بأن كان على شوارع الطريق لا يكره له تكرار الأذان والإقامة فيه. وفي " المجتبى " قوم ذكروا فساد صلاتهم في المسجد في الوقت قضوها بجماعة فيه لا يعيدون الأذان والإقامة، وإن قضوها بعد الوقت في ذلك المسجد بأذان وإقامة. [ما ينبغي للمؤذن والمقيم] م: (وينبغي أن يؤذن ويقيم على طهر) ش: لأن الأذان والإقامة ذكر شريف فيستحب الطهارة. م: (فإن أذان على غير وضوء جاز) ش: وبه قال الشافعي وأحمد وعامة أهل العلم. وعن مالك أن الطهارة شرط في الإقامة دون الأذان. وقال الأوزاعي وعطاء وبعض أصحاب الشافعي يشترط فيهما. م: (لأنه ذكر وليس بصلاة فكان الوضوء فيه استحبابا كما في القراءة) ش: أي لأن الأذان ذكر فكان الوضوء فيه مستحبا كما في قراءة القرآن. ولا شك أن القراءة أفضل من الأذان فإذا جاز بلا طهارة فالأذان أولى. قوله - استحبابا - بمعنى مستحبا، وذكر المصدر وإرادة الفاعل والمفعول من باب المبالغة. فإن قلت: روى الترمذي من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 ويكره أن يقيم على غير وضوء؛ لما فيه من الفصل بين الإقامة والصلاة. ويروى: أنه لا تكره الإقامة أيضا، لأنه أحد الأذانين، ويروى: أنه يكره الأذان أيضا، لأنه يصير داعيا إلى ما لا يجيب بنفسه. ويكره أن يؤذن وهو جنب، رواية واحدة، ووجه الفرق على إحدى الروايتين أن للأذان شبها بالصلاة، فتشترط الطهارة عن أغلظ الحدثين لا دون أخفهما؛ عملا بالشبهين.   [البناية] «لا يؤذن إلى متوضئ» . قلت: قال الترمذي: الأصح أنه موقوف على أبي هريرة، وهو منقطع أيضا لأن الزهري لم يدرك أبا هريرة. ويعارضه أيضا ما رواه الشيخ الأصبهاني الحافظ عن وائل قال حق أو سنة ألا يؤذن إلا وهو طاهر وهذا يقتضي الاستحباب. م: (ويكره أن يقيم على غير وضوء لما فيه) ش: أي لما في فعل الإقامة بغير وضوء. م: (من الفصل بين الإقامة والصلاة) ش: بالاشتغال بأعمال الوضوء والإقامة شرعت متصلا بالشروع في الصلاة. م: (ويروى) ش: الراوي وهو الكرخي م: (أنه) ش: أي ضمير الشأن م: (لا تكره الإقامة أيضا لأنه أحد الأذانين) ش: فالأذان لا يكره بلا وضوء وكذا الإقامة. م: (ويروى) ش: الراوي هو الكرخي م: (أنه يكره الأذان أيضا لأنه يصير داعيا إلى ما لا يجيب بنفسه) ش: لأن المؤذن يدعو الناس إلى التأهب إلى الصلاة فإذا لم يكن متأهبا دخل تحت قوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44] (البقرة: آية 44) . م: (ويكره أن يؤذن وهو جنب رواية واحدة) ش: قد ذكرنا أنه ذكر شريف فيكره مع أغلظ الحدثين. والواو في - وهو - للحال. ورواية منصوبة على المصدرية، وإنما وضعها بواحدة إشارة إلى أنه لم يرو عن أحد من الأصحاب عدم كراهة أذان الجنب. م: (ووجه الفرق على إحدى الروايتين هو) ش: أي بين أذان الجنب والمحدث على الرواية التي لا يكره أذانه م: (أن للأذان شبها بالصلاة) ش: في أنهما يفتتحان بالتكبير، ويؤديان مع الاستقبال، وترتب كلمات الأذان كأركان الصلاة، ويختصان بالوقت ولا يتكلم فيها م: (فتشترط الطهارة عن أغلظ الحدثين) ش: وهو الجنابة م: (دون أخفهما) ش: وهو الحدث م: (عملا بالشبهين) ش: لم أر أحدا من الشراح بين الشبهين ما هو غاية ما في الباب أنهم قالوا ما ملخصه أن الأذان لا يكره مع الحدث فعمل بشبهه الصلاة مع الجنابة، فكره معها ولم يكره مع الحدث اعتبارا لجانب الحقيقة لأنه ليس بصلاة على الحقيقة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 في " الجامع الصغير ": إذا أذن على غير وضوء وأقام لا يعيد، والجنب أحب إلي أن يعيد، ولو لم يعد أجزأه أما الأول فلخفة الحدث، وأما الثاني ففي الإعادة بسبب الجنابة روايتان، والأشبه أن يعاد الأذان دون الإقامة؛ لأن تكرار الأذان مشروع دون الإقامة، وقوله: ولو لم يعد أجزأه؛ يعني الصلاة؛ لأنها جائزة بدون الأذان والإقامة. قال: وكذلك المرأة تؤذن، معناه يستحب أن يعاد   [البناية] ولو اعتبر الشبه في الحدث لاعتبر في جانب الحقيقة بالطريق الأولى لأنها أغلظ. والذي يظهر لي أن أحدهما أشبه بالصلاة وهو الذي ذكرناه، والآخر أشبه بالذكر، فبالنظر إلى شبهه بالصلاة كره مع الجنابة، وبالنظر إلى شبهه بالذكر لم يكره مع الحدث. فإن قلت: الأذان ذكر فكيف يقول إنه شبه الذكر وشبه الشيء غيره. قلتك: هو ليس بذكر خالص على ما لا يخفى، وإنما أطلق اسم الذكر عليه باعتبار أن أكثر ألفاظه ذكر. م: (وفي " الجامع الصغير ": إذا أذن على غير وضوء وأقام لا يعيد) ش: إنما ذكر رواية " الجامع الصغير " لاشتمالها على الإعادة وعدمها. [أذان الجنب] م: (والجنب أحب إلي أن يعيد الأذان وإن لم يعد أجزأه) ش: أي وإن لم يعد الجنب أذانه أجزأه لأن المقصود من الأذان الإعلام وقد حصل، وهذا التعليل يشير إلى أن معنى قوله أجزأه أي الأذان ولكنه فسره فيما بعده بقوله وقوله فإن لم يعد أجزأه يعني الصلاة. م: (أما الأول) ش: وهو قوله: إذا أذن على غير وضوء وإقامة لا يعيد. م: (فلخفة الحدث وأما الثاني) ش: وهو قوله والجنب أحب إلي أن يعيد. م: (ففي الإعادة بسبب الجنابة روايتان) ش: يعني أنه يعاد إذا أذن الجنب وأقام، ففي رواية على طريق الاستحباب، لأن الأذان ذكر معظم لأنه من شعائر الدين وبسبب الجنابة ينتقص معنى التعظيم، فيستحب إعادته كما يستحب إعادة الخطبة للجنب يوم الجمعة. وفي رواية لا تعاد لحصول المقصود. م: (والأشبه) ش: بالحق م: (أن يعاد الأذان دون الإقامة لأن تكرار الأذان مشروع) ش: في الجملة فإن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قد استحسنوه حين أحدثه عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يوم الجمعة على الزوراء، واستمر العمل عليه إلى اليوم. والزوراء اسم دار عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بالمدينة، ومن فسرها بالمنارة فله وجه كذا ذكره تاج الشريعة. م: (دون الإقامة) ش: يعني تكرارها غير مشروع م: (وقوله) ش: أي قول محمد في " الجامع الصغير ". م: (ولو لم يعد أجزأه يعني الصلاة لأنها جائزة بدون الأذان والإقامة) ش: لأنه قال في " الإيضاح " ويحتمل أن يكون المراد من الجواز أصل الأذان، لأن رفع الصوت زائد في الباب. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وكذلك المرأة تؤذن، معناه يستحب أن يعاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 ليقع على وجه السنة. ولا يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها، وتعاد في وقتها؛ لأن الأذان للإعلام، وقبل الوقت تجهيل وقال أبو يوسف: وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز للفجر في النصف الأخير من الليل؛   [البناية] ليقع على وجه السنة) ش: هذا عطف على قوله والجنب أحب إلي أن يعيد. وأذان المرأة لا يقع على وجه السنة، لأنها إن رفعت صوتها ارتكبت حراما وإن خفضت اختلت بالمقصود. قلت: قيل في ظاهر الرواية لا يستحب أذان الأربعة، الجنب والمرأة والسكران والمعتوه الذي لا يعقل وفي غير رواية الأصول يعاد أذان هؤلاء الأربعة: وفي " المبسوط " وليس على النساء أذان وإقامة وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور وجماعة من التابعين، وكذا لو صلين بجماعة لحديث بالياء آخر الحروف قال كان جماعة من النساء أمتهن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بلا أذان وإقامة، وللشافعي في جماعة النساء ثلاثة أقوال أصحها وهو ما نصه في الأم أنه يستحب لهن الإقامة دون الأذان. والثاني: أنه لا أذان ولا إقامة. والثالث: أنه يستحب الأذان والإقامة. وفي " شرح الوجيز " ولا يختص هذا الخلاف فيما إذا صلين بجماعة أو وحدهن. [الأذان قبل دخول الوقت] م: (ولا يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها وتعاد في وقتها) ش: إن وقع قبلت م: (لأن الأذان للإعلام، وقبل الوقت تجهيل) ش: وهذا بالإجماع إلى في أذان الفجر فإنهم اختلفوا فيه أشار إليه بقوله م: (وقال أبو يوسف: وهو قول الشافعي يجوز للفجر في النصف الأخير من الليل) ش: وهو الأصح من أقوال الشافعي، وبه قال مالك وأحمد. وقال في " العارضة " عند المالكية: يؤذن لها عند انقضاء صلاة العتمة، وقيل: عند ثلث الليل، وقيل: عند سدسه، قال: لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في " الصحيح «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين ينصف الليل» . وروي «إذا ذهب ثلث الليل» ، وروي «إذا بقي ثلث الليل» فيؤذن المؤذن بينهما على نداء الغفلة، قيل فيكون هذا الأذان بينهما إعلام بوقت نزوله سبحانه إلى سماء الدنيا لا لصلاة الصبح. والقول الثاني للشافعي: قبل طلوع الفجر في السحر، وبه قطع البغوي وصححه القاضي الحسين والمتولي. وقال النووي " وهذا ظاهر المنقول عن بلال وابن أم مكتوم. والقول الثالث: يؤذن لها في الشتاء لسبع تبقى من الليل، وفي الصيف لنصف سبع يبقى منه. والرابع: من ثلث الليل آخر الوقت المختار. والخامس: جميع الليل وقت لأذان الصبح، حكاه إمام الحرمين وصاحب " العدة ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 لتوارث أهل الحرمين، والحجة على الكل قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لبلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا» ومد يده عرضا   [البناية] قلت: ما أعلم أي الأذانين تقدم عندهم أذان المغرب أم أذان الصبح؟ إذا كان جميع الليل محلا لأذان الصبح فحينئذ لا يعرف أحدهما من الآخر. قال النووي: وهذا القول ضعيف الرواية بل هو غلط. وقال إمام الحرمين: لولا حكاية أبي علي له، وأنه لا ينقل إلا ما صح عنده لما استحب نقله، وكيف يحسن الدعاء لصلاة الصبح في وقت الدعاء إلى المغرب؟ م: (لتوارث أهل الحرمين) ش: أي أهل مكة والمدينة ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيما روى ابن عمر «أن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» رواه الشعبي عن مالك، ورواه جماعة غيره مرسلا. قال صاحب الإمام: هو الصحيح. م: (والحجة على الكل) ش: أراد بالكل أبا يوسف والشافعي ومن تابعهما. وقال الأترازي: الحجة على أبي يوسف والشافعي وأهل الحرمين. م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لبلال: «لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يده عرضا» ش: أخرج هذا الحديث أبو داود عن شداد عن بلال اه. وسكت عنه، وقال ابن القطان: وشداد مجهول لا يعرف بغير رواية جعفر بن برقان وأعله البيهقي بالانقطاع. ومعنى قول أبي داود شداد لم يدرك بلالا. قوله: - حتى يتبين لك الفجر - أي حتى يظهر. وروى أبو داود عن حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر «أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرجع فينادي ألا أن العبد نام ثلاث مرات فرجع فنادى ألا إن العبد نام» . فإن قلت: أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال «إن بلالا يؤذن بليل» الحديث وقد مضى الآن. وفي " الصحيحين " أيضا عن ابن عمر وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «كان لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مؤذنان بلال وابن أم مكتوم فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» واسمه عمرو بن قيس وقيل عبد الله بن زائدة القرشي العامري ابن خال خديجة أم المؤمنين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - استخلفه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث عشرة مرة في غزواته وشهد القادسية واستشهد بها في خلافة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قلت: قال الطحاوي: وكان ذلك من بلال خطأ على ظن طلوع الفجر، والدليل عليه حديث «لا يغرنكم أذان بلال فإن في بصره سواد» استدل عليه بحديث أخرجه وهو من حديث أبي ذر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لبلال: " إنك تؤذن إذا كان الفجر سادلها وليس ذلك الصبح إنما الصبح هكذا معترضا ". قال الطحاوي: فأخبر - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه كان يؤذن بطلوع ما يرى أنه الفجر، وليس في الحقيقة بفجر، وروى الطحاوي أيضا من حديث حفصة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «كان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 والمسافر يؤذن ويقيم؛ «لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لابني أبي مليكة: " إذا سافرتما فأذنا وأقيما» .   [البناية] لا يؤذن حتى يصبح» . فإن قلت أخرج ابن خزيمة في " صحيحه " عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن ابن أم مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال، وكان بلال لا يؤذن حتى يرى الفجر» . فإن قلت: قال ابن خزيمة: هذا الخبر لا يضاد خبر ابن عمر لجواز أن يكون - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جعل الأذان بين بلال وابن أم مكتوم نوابة فأمر في بعض الليالي بلالا أن يؤذن بليل فإذا نزل بلال صعد ابن أم مكتوم فأذن في الوقت فإذا جاءت نوبة ابن أم مكتوم بدأ فنزل فأذن بليل، فإذا صعد بلال، فأذان في الوقت. [المسافر يؤذن ويقيم] م: (والمسافر يؤذن ويقيم لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لابني أبي مليكة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «إذا سافرتم فأذنا وأقيما» ش: هذا حديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم مختصرا ومطولا عن مالك بن الحويرث قال: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا وصاحب لي. وفي رواية ابن عم لي وفي رواية للنسائي وابن عمر قال فلما أردنا الانصراف قال لنا: «إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما» . قلت: انظره في كلام الشراح ما قالوا هاهنا. وقال السغناقي: ذكر هذا الحديث في " المبسوط " بخطاب غيرها، قال: وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال لمالك بن الحويرث وابن عم له: «إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما قرآنا» ، وكذا ذكر في " الجامع الصغير " لفخر الإسلام والإمام المحبوبي ما يوافق " المبسوط " ولكن ذكر فخر الإسلام «وليؤمكما أكبركما سنا» . ثم إن الأكمل نقل هذا عن السغناقي وسكت راضيا به ونقل صاحب " الدراية " ما ذكره في " المبسوط " وسكت، وقال الأترازي: روى أبو داود في " سننه " بإسناده إلى أبي قلابة عن مالك بن الحويرث أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال له ولصاحب له: «إذا حضرت الصلاة فأذنا ثم أقيما، وليؤمكما أكبركما» ثم قال: ويجوز أن يسمي أحد الأخوين صاحبا للآخر، ويجوز أن يكون كنية الحويرث أبا ملكية ولكن لفظ " مبسوط شمس الأئمة "، ولفظ " الجامع الصغير " لفخر الإسلام غير ذلك حيث قالا يروى أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال لمالك بن الحويرث وابن عم له: «إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما سنا» فعلى هذا يجوز تسمية الابنين للابن ولابن عمه في قول صاحب " الهداية " بطريق التغليب على اعتبار أن ابن العم يجوز أن يسمى ابنا لأن العم يجوز أن يسمى أبا مجازا. قلت: هذا الكلام لا يصدر إلا ممن ليس له أدنى حسن من فن الحديث. أما السغناقي فإنه صدر كلامه بما ليس في الحديث. ثم لو حمل الحديث الذي وقع في الكتب الستة بصيغة التمريض، وأما الأكمل فإنه قلده ومضى. وأما صاحب " الدراية " لأنه قصر هاهنا لأنه يمشي على طريق المحدثين، وهاهنا لم يحرز أصلا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 فإن تركهما جميعا يكره، ولو اكتفى بالإقامة جاز؛ لأن الأذان لاستحضار الغائبين، والرفقة حاضرون. والإقامة لإعلام الافتتاح، وهم إليه محتاجون، فإن صلى في بيته في المصر يصلي بأذان وإقامة، ليكون الأداء على هيئة الجماعة، وإن تركهما جميعا جاز   [البناية] وأما الأترازي فإن مع دعواه الفريضة حفظ كثيرا لأنه ذكر الحديث أولا على أصله ثم كلام صاحب " الهداية " عليه بتأويل أعجبه غير مقبولة، فقال ويجوز أن يسمي أحد الأخوين صاحبا من الناس الأجانب، وإما ابن عمه وإما عبد الله بن عمر على الروايات الثلاثة وليس مراده أصلا أنه كان أخاه من النسب، وإنما حمل الأترازي على ذلك قول صاحب " الهداية " لأبي مليكة فأوله بالتأويل المذكور تصحيحا لكلام الهداية وهو غلط في نفس الأمر، والصواب مالك بن الحويرث وصاحب له وابن عم له أو ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على الروايات الثلاث. ثم أكد الأترازي غلطه بقوله ويجوز أن يكون كنية الحويرث أبا مليكة وهذا لم يقل به أحدا فزاد غلطا على غلط ثم استدرك كلامه بقوله ولكن لفظ " مبسوط شمس الأئمة " إلى آخره هو الصواب، وأوله بقوله فعلى هذا يجوز تسمية الابنين إلى آخره توفيقا للفظ الحديث. ولفظ صاحب " الهداية " ولا جواز هاهنا ولا توفيق لا كل وقوع الأصل على الغلط على أن صاحب " الهداية " ذكر هذا الحديث في كتاب الصرف على الصواب فقال في مسألة السيف المحلى لأن الاثنين قد يراد بهما الواحد. قال الله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] (الرحمن: آية 22) ، والمراد أحدهما وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لمالك بن الحويرث وابن عمه: «إذا سافرتما فأذنا وأقيما» ، والمراد بهما أحدهما وفيه نظر أيضا. م: (فإن تركهما جميعا يكره) ش: أي فإن ترك المسافر الأذان والإقامة جميعا يكره تركه إياهما لمخالفة السنة م: (ولو اكتفى بالإقامة جاز؛ لأن الأذان لاستحضار الغائبين والرفقة حاضرون والإقامة لإعلام الافتتاح) ش: أي لافتتاح الصلاة والشروع فيها م: (وهم) ش: أي الرفقة بضم الراء جمع رفيق. م: (إليه محتاجون) ش: أي إلى إعلام الافتتاح يحتاجون. وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المسافر بالخيار إن شاء أذن وإن شاء أقام ولم يؤذن والقوم حاضرون في السفر بخلاف الحضر؛ لأن الناس في المصر لتفرقهم واشتغالهم بأنواع المكاسب والحرف لا يعرفون وقت الصلاة، وفي الإقامة لا فرق بين المسافر والمقيم. م: (فإن صلى في بيته في المصر يصلي بأذان وإقامة ليكون الأداء على هيئة الجماعة) ش: بالأذان والإقامة م: (وإن تركهما جميعا جاز) ش: أي وإن ترك المصلي في بيته الأذان والإقامة جميعا جاز، لأن مؤذن الحي نائب عن أهل المحلة في الأذان والإقامة لأنهم هم الذين نصبوه لها فكان أذانه وإقامته كأذان الكل وإقامتهم، وهذا يوجد الفرق بينه وبين المسافر الذي يصلي وحده وترك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أذان الحي يكفينا.   [البناية] الإقامة فإنه يكره له ذلك. وعن عطاء من نسي الإقامة أعاد. وقال الأوزاعي: يعيد ما بقي الوقت، وقال مجاهد: من نسي الإقامة في السفر يعيد. وعن علي بن الجعد عن أبي حنيفة وأبي يوسف صلوا في المصر الظهر والعصر جماعة بلا أذان ولا إقامة أخطئوا السنة وأتموا، هذا يدل على وجوب الأذان. م: (لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أذان الحي يكفينا) ش: هذا غريب والمصنف أخذه من " المبسوط " وفيه روي عن ابن مسعود: أنه صلى بعلقمة والأسود في بيته فقيل له: ألا تؤذن وتقيم؟ قال: أذان الحي يكفينا. وروى الطبراني في " معجمه " حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبوسي عن عبد الرزاق عن الثوري عن حماد عن إبراهيم أن ابن مسعود وعلقمة والأسود صلوا بغير أذان ولا إقامة. قال سفيان: كفته إقامة المصر. وذكر التمرتاشي: إذا لم يكن أقيم في محلته يكره ترك الإقامة. وقال السرخسي له أن يصلي في بيته بلا أذان وإقامة إن شاء، وإن كانوا جماعة. وعن أبي يوسف إن شاء ترك ذلك، وفي " جامع الكردري " رخص له ذلك. ولو أذن وأقام فحسن وكذا إن أقام ولم يؤذن وفي " المحيط " والذي يصلي في المسجد وحده لا يؤذن إجماعا لأن أذان الحي يكفيه وعند الشافعي سن الأذان في حالة الجماعة والانفراد في الجديد لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لأبي سعيد الخدري «إنك تحب البادية والغنم فإذا دخل وقت الصلاة فأذن وارفع صوتك» ، وقال أبو عبيد في كتابه " غريب الحديث " وفي حديث سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «من صلى بأرض قي فأذن وأقام الصلاة صلى خلفه من الملائكة ما لا يرى يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه» . قال: القي القطر هو بكسر القاف: وتشديد الياء والقطر بضم القاف الجانب وقطر كل شيء جانبه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 باب شروط الصلاة التي تتقدمها   [البناية] [باب شروط الصلاة التي تتقدمها] م: (باب شروط الصلاة التي تتقدمها) ش: أي هذا باب في بيان الشروط التي تتقدم الصلاة، والشروط جمع شرط وهو العلامة، وفي الاصطلاح: الشرط ما يتوقف عليه وجود الشيء ولم يكن داخلا فيه، وقيل: يلزم من انتفائه انتفاء المشروط، ولا يلزم من وجوده وجود المشروط، وقال السرخسي في " أصوله ": الحكم يضاف إلى الشرط وجودا عنده لا به ويضاف إلى العلة وهو ما بها والشرط والركن لا بد بهما ويفترقان كافتراق العام والخاص، فعلى هذا كل ركن شرط يعني يلزم من وجود الركن وجود الشرط ولا يلزم من انتفاء الركن وجود الشرط، ولا يلزم من انتفاء الركن انتفاء الشرط. وكذا يلزم من وجود العام وجود الخاص، ولا يلزم من عدم العام عدم الخاص والأعم والأخص على العكس يلزم من عدم الأعم عدم الأخص، فإنه يلزم من عدم الحيوان عدم الإنسان، ولا يلزم من وجود الأعم وجود الأخص فإنه لا يلزم من وجود الحيوان وجود الإنسان ثم الشرط على ثلاثة أنواع، عقلي كالقدوم للنجار، وشرعي: كالطهارة للصلاة، وجعلي كالدخول المعلق به الطلاق. وفي " الحواشي ": شرط الصلاة مسموعة ثلاثة أنواع: شرط الانعقاد كالنية والتحريمة والوقت، والخطبة في الجمعة والجماعة للجمعة عندهما، وشرط الدوام كالطهارة، واستقبال القبلة، والوقت في الجمعة، والثالث: ما شرط وجوده في حالة البقاء، ولا يشترط فيه عدم ولا المقارنة لابتداء الصلاة وهو القراءة فإنها ركن في نفسها ويشترط في سائر الأركان، لأن القراءة موجودة في جميع الصلاة تقديرا. قلت: ولهذا لو استخلف الإمام القارئ في الأخيرين أميا لا يجوز وبقي هنا ما هو شرط التمام كالقعدة الأخيرة فإنها شرط لتمام الأركان عند البعض. وقال السروجي: يقتضي ما ذكره أن يكون الوقت والتحريمة من شروط الصلاة التي تقدمها فينبغي أن يكونا مذكورين في هذا الباب ولم يذكرا فيه. قلت: عقد للوقت بابا مستقلا لكثرة أحكامه فلا يحتاج إلى ذكره هنا. وأما التحريمة ففيها خلاف هل هي من الشروط أو من الأركان فافهم. قوله: التي تتقدمها من الصفات المذكورة لا من الصفات المميزة إذ ليس من الشروط ما لا يكون متقدما حتى يكون احترازا عنه، وهو قريب من أسلوب قَوْله تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة: 44] (المائدة: الآية 44) . وقال صاحب " الدراية ": احترز بقوله تتقدمها عن القعدة الأخيرة فإنه اختلف في ركنيتها. كذا ذكره شيخ الإسلام. وعن ترتيب أفعال الصلاة فيما لم يشرع مكررا كترتيب الركوع على القراءة والسجود على الركوع فإنه شرط الجميع فلو ترك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 يجب على المصلي أن يقدم الطهارة من الأحداث والأنجاس على ما قدمنا، قال الله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] .   [البناية] الترتيب لا تجوز صلاته. وعن مراعاة المقتدي مقام الإمام وعن عدم تذكر فائتته قبلها وهو صاحب ترتيب؛ وعن عدم محاذاة المرأة، فإن هذه الأشياء شروط ولا تتقدمها، وفي " الهداية ": هذا قيد قصدي لا اتفاقي لأن في هذا الباب ذكر الشروط المتقدمة لا المتوسطة. فإن قلت: ما وجه المناسبة بين هذا الباب وبين ما قبله؟ قلت: لما ذكر الطهارة وهي شرط الصلاة وذكر الأوقات عقيبها لكونها أسبابا وشروطا وذكر الأذان لكونه إعلاما على الأوقات شرع في بيان بقيته. [الطهارة من الأحداث والأنجاس] م: (يجب على المصلي أن يقدم الطهارة من الأحداث والأنجاس على ما قدمنا) ش: الأحداث جمع حدث، والأنجاس جمع نجس. فإن قلت: ما لنا إلا حدثان الأصغر والأكبر والجمع من أين جاء؟ قلت ذكر مع الأنجاس لمناسبة إياها، ويجوز أن يذكر الجمع ويراد به الاثنان وهو كثير لا ينكر، وإنما جمعه باعتبار تعدد أسبابه. وقال الأترازي: قيل: إنما ذكر الأحداث لأنها أقوى، لأن قليلها ليس بعفو بخلاف القليل من الأنجاس، وفيه نظر عندي لأن القطرة من الخمر أو الدم أو البول إذا وقعت في البئر نجس، والجنب أو المحدث إذا أدخل يده في الإناء لا ينجس، والأولى أن يقال ليس فيه تقديم لأن الواو لمطلق الجمع. قلت: نظره فيه نظر لأن مراد القائل من كون الأحداث لا يعفى قليلها هو ما إذا بقيت لمعة، ولو كانت يسيرة في بدن الجنب أو في أعضاء المحدث لا يعفى بخلاف القليل من الأنجاس وأن ما دون الدرهم منه عفو كما عرف في موضعه فتكون الأحداث أقوى من الأنجاس، من هذه الحيثية. وقوله: والأولى أن يقال ليس فيه تقديم ليس بجيد لأنه يقدم في الذكر، وفائدة التقديم لا تتطلب ما ذكره فيما مضى من بيان الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، وما ذكره في بيان الطهارة من النجاسة المغلظة والمخففة على الثوب والمكان. فإن قلت: لما كان علم مما تقدم كونها شرط للصلاة فلم أعادها؟ قلت: ليكون الباب مشتملا على جملة الشروط. (قال الله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] ش: (المدثر: الآية 4) إنما ذكر هذه الآية الكريمة لأنها تدل بعبارتها على تقديم الطهارة من الأنجاس وبدلالتها على تقديمها على الأحداث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 وقال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ويستر عورته لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] . أي ما يواري عوراتكم عند كل صلاة.   [البناية] وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " تفسيره ": وأمر الله أن تكون ثيابه طاهرة لأن طهارة الثياب شرط في الصلاة لا تصح إلا بها، وهي الأولى والأحب في غير الصلاة. ويقبح للمؤمن الطيب أن يحمل نجسا. وقيل: أمر بتقصيرها ومخالفة العرب في تطويلهم الثياب وجرهم الذيول، وذلك مما لا يؤمن معه إصابة النجاسة. وقال إبراهيم وقتادة والضحاك والشعبي والزهري: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] من الرجس والإثم والمعصية. وقيل أراد طهر نفسك من الذنوب فكنى عن الجسم بالثياب لأنها تشتمل عليه. وقال ابن سيرين وابن زيد: نق ثيابك واغسلها بالماء وطهرها من النجاسة، وذلك المشركين كانوا لا يتطهرون فأمر بتطهير ثيابه، وذكر فيها وجوها كثيرة. م: (وقال الله تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ش: (المائدة: الآية 6) ذكر هذه الدلالة بعبارته على تقديم الطهارة على الأحداث. وقال الأترازي: لو لم يورد صاحب الهداية قَوْله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] (المدثر: الآية 4) وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] لكان أحسن للاختصار يفهم ذلك من قوله على ما قدمناه وكان من حقه حيث أورد أن يورد الدليل على مجموع مدعاه لئلا يكون البيان متنافيا وهو ليس كذلك لأن قَوْله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] دليل تقديم الطهارة من الأنجاس وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] دليل تقديم الطهارة من الحدث الأكبر، وبقي تقديم الطهارة من الحدث الأصغر ولم يذكره وهو أنه الوضوء. قلت: الدليل على جميع مدعاه قائم وبيانه شاف، وذلك فهم من قوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] لأنا قلنا إن بعباراته تدل على تقديم الطهارة من الأنجاس، وبدلالته على تقديمها على الأحداث، وهي تتناول الحدث الأصغر والأكبر، وقوله: ولم يذكره ليس كذلك بل ذكره على طريقة ما ذكرنا ولكنه لم يتذكره. [ستر العورة] م: (ويستر عورته) ش: بنصب الراء، لأنه عطف على قوله أن يقدم وتقديره وأن يستر. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] أي ما يواري عوراتكم عند كل صلاة) ش: (الأعراف: 31) أراد بالزينة ما يواري العورة وبالمسجد والصلاة. ففي الأول: إطلاق اسم الحال على المحل. وفي الثاني: إطلاق اسم المحل على الحال لوجود الاتصال الذي بين الحال والمحل، وهذا لأن أخذ الزينة نفسها وهي عرض بحال فأريد محلها وهو الثوب مجازا. وكانوا يطوفون عراة يقولون لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها فنزلت. لا يقال: نزول الآية في الطواف فكيف يثبت الحكم في الصلاة لأنا نقول العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهنا اللفظ عام لأنه قال: {عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] ولم يقل عند مسجد الحرام فدل بعمومه، ويقال: {خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31] من قبيل إطلاق المسبب على السبب لأن الثوب سبب الزينة ومحل الزينة الشخص. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا صلاة لحائض إلا بخمار» أي لبالغة.   [البناية] وقيل: الزينة ما يتزين به من ثوب وغيره كما في قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] (النور: آية 31) فعلى هذا يصح ما ذكروه من التأويل. وقال الزمخشري: الزينة ما زينت به المرأة من حلي أو كحل وإنما نهى عن ابتداء الزينة نفسها ليعلم أن النظر لم يحل إليها. وقيل: أراد موضع الزينة لأن النظر إلى الزينة حلال بالإجماع والستر لا يجب لغير المسجد بدليل جواز الطواف عريانا هنا فعلم من هذا أن ستره للصلاة لا لأجل الناس، حتى لو صلى وحده ولم يستر عورته لا تجوز صلاته وإن لم يكن عنده أحد. م: (وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا صلاة لحائض إلا بخمار» أي لبالغة) ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن حماد بن سلمة عن قتادة عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» . وقال الترمذي: حديث حسن. ورواه ابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما " ولفظهما: «لا يقبل الله صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار» . رواه الحاكم في " المستدرك "، وقال حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. وأظنه بخلاف فيه على قتادة ثم أخرجه عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «لا صلاة لحائض إلا بخمار» . قلت: هذا مثل لفظ المصنف وهذا قد دل على افتراض ستر العورة في الصلاة وستر العورة شرط لصحة الصلاة فرضها ونفلها عندنا، وبه قال الشافعي وأحمد وعامة الفقهاء وأهل الحديث. وقال بعض المالكية: هو واجب وليس بشرط لصحة الصلاة. وقال ابن رشيد في " القواعد ": ظاهر مذهب مالك أن ستر العورة من سنن الصلاة. وقال بعضهم: هو شرط عند الذكر دون النسيان. وعن أشهب: من صلى عريانا أعاد في الوقت. وحكى أبو الفرج المالكي: أنه يجب ستر جميع الجسد، قالوا: وجوابه لا يخص الصلاة. قلت: ستر العورة عن العيوب واجب بلا خلاف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 عورة الرجل ما تحت السرة إلى الركبة، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته» .   [البناية] فإن قلت: الحديث خبر الواحد فلا يفيد الفرض. قلت: هو قطعي الدلالة لأداة الحصر ظني الثبوت لكونه خبر الواحد، فبالمجموع تحصل الدلالة على الافتراض، وأما الآية فهي قطعية الثبوت دون الدلالة، ولهذا يرد ما قيل أن الآية تفيد الوجوب في حق الطواف فلو أفادت الفريضة في حق الصلاة لكان لفظ خذوا مستعملا في الوجوب والافتراض، وهذا لا يجوز. قوله: بخمار بكسر الخاء المعجمة هو ما تغطي به المرأة رأسها. قوله: أي - البالغة - تفسير الحائض، وليس من متن الحديث، وهو مجاز عن البالغة لأن الحديث يستلزم البلوغ فيكون هذا إطلاق اسم الملزوم على اللازم. ويقال إن حقيقة الحائض مهجورة حيث لا يجوز للحائض الصلاة أصلا، فيصير إلى المجاز بطريق إطلاق اسم السبب وهو الحيض على المسبب وهو البلوغ. [عورة الرجل] م: (وعورة الرجل ما تحت السرة إلى الركبة) ش: سميت العورة عورة لقبح ظهورها، ومنه الكلمة العوراء وهي القبيحة. وعور العين نقص وعيب فيها. قوله: عورة الرجل كلام إضافي مبتدأ. وقوله: ما تحت السرة خبره. وكلمة إلى بمعنى مع على ما يذكر وجهه عن قريب. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته» ش: في هذا الباب أحاديث كثيرة منها ما أخرجه الدارقطني في " سننه " عن سوار بن داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مروا صبيانكم» . الحديث، وفيه: «فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة من العورة» وهذا المعنى يقرب لفظ نقل المصنف. ورواه أحمد في " مسنده " ولفظه: «فإن ما أسفل من سرته إلى ركبته من العورة» . وسوار بن داود كنية العقيلي، ورفعه ابن معين وابن حبان. وقال أحمد: شيخ بصري لا بأس به. ومنها ما أخرجه الحاكم في " المستدرك " من حديث عبد الله بن جعفر قال سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «ما بين السرة إلى الركبة عورة» وسكت عنه. وقال: الذهبي في " مختصره ": أظنه مرفوعا فإن إسحاق بن واصل متروك، وأصرم بن حوشب متهم بالكذب، وهما من رواته. ومنها ما أخرجه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 ويروى: «ما دون سرته حتى تجاوز ركبته» وبهذا يتبين أن السرة ليست من العورة خلافا لما يقوله الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والركبة من العورة، خلافا له أيضا، وكلمة " إلى " نحملها على كلمة مع، عملا بكلمة حتى،   [البناية] الدارقطني في " سننه " من حديث أبي أيوب قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يقول ما فوق الركبتين من العورة، وما أسفل السرة من العورة» . م: (ويروى ما دون سرته حتى تجاوز ركبته) ش: هذا غريب بهذا اللفظ ولكن معناه لا يخرج من الأحاديث المذكورة. م: (وبهذا) ش: أي وبالحديث المذكور م: (يتبين أن السرة ليست من العورة) ش: لأنه قال: ما بين سرته إلى ركبتيه ما دون سرته والمقصود من ذلك أن لا تكون السرة عورة م: (خلافا لما يقوله الشافعي في أن السرة من العورة) ش: قال النووي: في عورة الرجل خمسة أوجه: صحيحها المنصوص أنها ما بين السرة والركبة وليست من العورة. ثانيها: أنها عورة أيضا كالرواية عن أبي حنيفة. ثالثها: السرة دون الركبة. رابعها: عكسه الظاهر قول الثلاثة من أصحابنا. خامسها: القبل والدبر فقط، حكاه الرافعي عن الإصطخري. قال النووي: هو شاذ منكر، وهو رواية عن أحمد حكاه عنه في " المغني " وقال: وهو قول ابن أبي ذئب، وداود، ومحمد بن جرير. قال ابن حزم: الذكر وخلفه الدبر. م: (والركبة من العورة خلافا له أيضا) ش: أي خلافا للشافعي، فإن الركبة ليست من العورة عنده في قوله كما ذكرنا. م: (وكلمة إلى نحملها على كلمة مع عملا بكلمة حتى) ش: وكلمة إلى كلام إضافي مبتدأ وقوله نحملها جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل الرفع على الجزئية. قوله: على كلمة مع التي هي للمصاحبة. قوله: عملا منصوب على المصدرية، وهذا جواب عن سؤال مقدر تقديره: أن يقال إن كلمة إلى في قوله - إلى ركبته - في الحديث للغاية وهي في هذا الموضع لمد الحكم إليها فلا يدخل، وتقرير الجواب أن إلى هاهنا تحمل على معنى مع، كما في قَوْله تَعَالَى: {أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 أو عملا بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الركبة من العورة» .   [البناية] (النساء: آية 2) أي مع أموالكم، دفعا للتعارض عن كلام صاحب الشرع، والتعارض ظاهر بين قوله ما بين سرته إلى ركبتيه، وبين قوله ما دون سرته حتى يجاوز ركبته. وقال بعض المشايخ: قوله إلى ركبتيه غاية للإسقاط لأن قوله ما بين سرته، يتناول ما تحت السرة فأخرجه ما تحتها فبقيت الركبة تحت العورة. وفي " شرح المجمع " و " الغاية " قد تدخل وقد لا تدخل والوضع موضع الاحتياط. فقلنا بأنها عورة تخرج بتغطيتها عن العهدة بيقين. وفي " الدراية " " وجامع الكردي " الركبة مركبة من عظم الساق والفخذ فيكون المحرم مختلطا مع المبيع والمباح فرجح المحرم. وقال المصنف في " التجنيس ": الركبة إلى آخر القدم عضو واحد، والأول أصح، لأنها في الحقيقة لنفي عظم الفخذ والساق، وإنما حرم النظر إليها من الرجال لتعذر التمييز أو عملا بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الركبة من العورة» . م: (أو عملا) ش: عطف على قوله عملا بكلمة حتى، وهذا جواب ثان، وتقديره أن قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما بين سرته إلى ركبته» يدل على أن الركبة ليست من العورة لقضية إلى وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حتى يجاوز ركبته» يدل على أن الركبة من العورة وبينهما تعارض ظاهر، فإذا أبقينا إلى على حالها تساقطا ويعمل حينئذ في كون الركبة من العورة بحديث آخر وهو م: (بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الركبة من العورة» ش: وقال الأكمل: وفيه نظر لأن حتى إذا دخلت على الفعل كانت بمعنى إلى في مثل هذا الموضع، فلا فرق بينهما، وكان ينبغي أن يقول وعملا بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالواو؛ لأن المعارضة قائمة بكل منهما. والجواب عن الأول: أنه بمعنى إلى لكن مع دخول الغاية. وعن الثاني: بأن كلمة أو لمنع الخلو، لا لمنع الجمع فلا يكون منافيا. قلت: لحتى الداخلة على المضارع المنصوب ثلاثة معان مرادفة إلى نحو {حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه: 91] (طه: آية 91) ، ومرادفة في التعليلية نحو أسلم حتى تدخل الجنة، ومرادفة إلا في الاستثناء. وقوله: مع دخول الغاية لا طائل تحته لأنه إذا كان بمعنى إلى يكون للغاية، ثم عند كونها للغاية لا بد من قرينة على دخول ما بعدها وعلى عدم الدخول أيضا، وإن لم تكن قرينة، الأصح أن لا يدخل كما عرف في موضعه. ثم الفرق بينهما بجواز وقوع المنصوب بعدها كما في الحديث وعدمه في إلى، والنصب بأن مضمرة لا بنفس حتى لا ينتصب إذا كان مستقبلا. ثم إن كان استقباله بالنظر إلى زمان المتكلم فالنصب واجب وإلا فيجوز الرفع أيضا. وفي الحديث النصب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 وبدن الحرة كلها عورة، إلا وجهها وكفيها، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المرأة عورة مستورة»   [البناية] متعين لأن الرفع إنما يجوز بثلاثة شروط: الأول: أن يكون حالا أو مأولا بالحال. والثاني: أن يكون سببا عما قبلها. والثالث: أن يكون فضلة فإن أردت التحقيق فليرجع إلى مكانه. ثم الحديث وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الركبة من العورة» . أخرجه الدارقطني في سننه عن النضر بن منصور الفزاري عن عقبة بن علقمة سمعت عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الركبة من العورة» . وقال الذهبي: النضر بن منصور: واه وقال ابن حبان: لا يحتج به. وعقبة بن علقمة ضعفه أبو حاتم الرازي. وأخرج البيهقي في " الخلافيات " من جهة إبراهيم بن إسحاق القاضي عن بقية عن سفيان عن ابن جريج عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «السرة من العورة» قال: هذا مفصل مرسل. [عورة الحرة] م: (وبدن الحرة كلها عورة) ش: وفي بعض النسخ كله عورة، والأول بالنظر إلى الحرة والثاني بالنظر إلى البدن، ويذكر ضمير الأول لأن التأكيد للبدن والتأنيث باعتبار تأنيث المضاف إليه كما في قولهم خنصرة أصابعه. م: (إلا وجهها وكفيها لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المرأة عورة مستورة» ش: أخرجه الترمذي في آخر الرضاع عن همام عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص عوف بن مالك عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه قال: «المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان» . وقال: حديث حسن صحيح غريب. وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي الأحوص به وزاد أنها لا تكون إلى الله أقرب منها في تعزيتها. وأخرجه البزار أيضا في مسنده وليس لفظ مستورة عند أحد منهم. وقال الأكمل: وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المرأة عورة مستورة» خبر بمعنى الأمر، ومثله يفيد التأكيد. وقيل معناه من حقها أن تستر. قلت: لا حاجة إلى هذا التأويل لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أخبر أن المرأة عورة فمن ضرورة ذلك أن يكون النظر إليها حراما. قال صاحب " الدراية ": قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عورة مستورة إخبار ونحن نشاهدها غير مستورة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 واستثناء العضوين للابتلاء بإبدائهما، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا تنصيص على أن القدم عورة، ويروى أنها ليست بعورة،   [البناية] وقد عصم عن الكذب والخلف فيحمل بإخباره على معنى آخر للاحتراز عنهما فحملناه على إيجاب الستر أي يجب عليها الستر. وفي " الجنازية " " والكافي " معناه من حقها أن تستر كما يقال الله معبود أي من حقه أن يعبد لا لأجل الجنة. وإن قلت: الخبر آكد لأنه يدل على المبالغة ومعناه قد ذكرناه. والتأويل الذي ذكروه إنما هو بعد صحة قوله مستورة ولم يصح ذلك. وقوله: وكفيها يشير إلى أن ظهر الكف عورة وهو ظاهر الرواية لأن الكف عرفا لا يتناول ظهره، قاله الأكمل. قلت: الكف اسم لظاهر اليد وباطنها إلى الرسغ وكونه لا يتناول ظهر اليد عرفا لا يبنى عليه شيء من حيث العرف والاعتبار لما قاله الشارع. وقد روى أبو داود في المراسيل عن قتادة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الجارية إذا حاضت لم تصلح أن يرى منها إلا وجهها ويداها» أي العضد. ولفظ اليد يتناول ظاهر الكف وباطنه. م: (واستثناء العضوين) ش: أي استثنى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العضوين وهما الوجه والكفين. وقوله المرأة عورة وعود الضمير إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما يصح إذا ثبت في الحديث إلا وجهها وكفيها. م: (للابتلاء بإبدائهما) ش: هذا تعليل الاستثناء أي لوجود الابتلاء بإظهار الوجه والكفين عندنا. وله الابتلاء في يدها وفي كشف وجهها خصوصا عند الشهادة والمحاكمة والنكاح. وفي " المحيط " إلا الوجه واليدين إلى الرسغين والقدمين إلى الكعبين. وفي " الوتري ": جميع بدن الحرة عورة إلا ثلاثة أعضاء الوجه واليدان إلى الرسغين والقدمين. وفي " جامع البرامكة " عن أبي يوسف يباح النظر إلى ذراعيها، وكذا يباح النظر إلى ثيابها لأنها يرونها. وفي الحديث مع الرجل، وقال أبو بكر بن عبد الرحمن الشافعي: الحرة كلها عورة حتى ظفرها لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المرأة عورة» . وعن أحمد في الكفين روايتان. م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (وهذا) ش: أي لفظ القدوري في قوله وبدن المرأة الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها م: (تنصيص) ش: أي نص م: (على أن القدم عورة) ش: لأنها ليست بمستثناة. م: (ويروى) ش: الراوي هو الحسن عن أبي حنيفة م: (أنها) ش: أي أن القدم م: (ليست بعورة) ش: لأنها تبتلى بإبداء القدم إذا مشت حافية أو منتعلة فربما لا تجد الخف على أن الاشتهاء لا يحصل بالنظر إلى القدم كما يحصل بالنظر إلى الوجه فإن لم يكن الوجه عورة مع كثرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 وهو الأصح. فإن صلت وثلث ساقها أو ربعه   [البناية] الاشتهاء فالقدم أولى م: (وهو الأصح) ش: أي كون القدم ليست بعورة هو الأصح. وفي " شرح الأقطع ": والصحيح أنها عورة بظاهر الخبر. وقال المرغيناني والأسبيجابي في " شرح مختصر الطحاوي ": وقدماها فيها عورة. قال الأسبيجابي: في حق النظر. والطحاوي لم يجعلها عورة في حق الصلاة. وقال الكرخي: ليست بعورة في حق النظر. وقيل لا تكون عورة في حق الصلاة أيضا. وفي " المفيد " في القدمين اختلاف المشايخ. وقال الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - والمزني: القدمان ليستا من العورة. وقال الثوري في قول عند الخراسانيين: وقيل وجهه أن باطن قدميها ليست بعورة. م: (فإن صلت) ش: ذكر بالفاء لترتيب هذه المسألة التي هي من مسائل الجامع الصغير على ما قاله المصنف من قوله ويروى أن القدم ليس بعورة وهو الأصح، لأن مسألة " الجامع الصغير " تدل على جواز الصلاة مع كشف ما دون ربع الساق، فكانت القدم مكشوفة لا محالة م: (وثلث ساقها) ش: أي والحال أن ثلث ساقها م: (أو ربعه) ش: أي أو ربع ساقها قيل إذا كان الربع مانعا فإنه يغني عن ذكر الثلث فما فائدة ذكره، وأجيب بأجوبة: الأول قاله الأترازي المانع هو الكثير لا القليل والثلث كثير استدلالا بحديث الوصية وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «والثلث كثير» أما الربع ففي كثرته شك لثبوته بالرأي ولهذا ذكره بكلمة أو وهي للشك. قلت: هذا ليس بسديد لأن الربع سواء شك بكثرته أو لم يشك فإنه أقل من الثلث، لأن الشيء لا يوصف بالكثرة إلا إذا كان مقابله صحيحه. الثاني: قاله صاحب " الهداية " أنه أورد على هذا الوجه لبيان قول أبي يوسف لما أن عنده الربع الثلث غير مانع. قلت: هذا ليس بشيء لأن عنده إذا لم يمنع الثلث فالربع بالطريق الأولى. الثالث: قاله هو أيضا أن محمدا تردد في الكثير، لأنه يروى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " الربع كثير "، وروي أيضا عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «الثلث كثير» كما في الوصية فتردد بينهما فذكرهما. قلت: هذا أيضا فيه نظر لأنه مبنى على صحة رواية كثرة الربع قاله في " الفوائد الظهيرية " فإن أبا حنيفة سئل عن هذه المسألة على هذا الوجه فأورده كذلك في الكتاب. قلت: هذا ليس بشيء لأنه كان ينبغي أن يكون إيراده على ما أجاب أبو حنيفة فإن فخر الإسلام والفقيه أبو الليث لم يذكرا لفظ الثلث في " الجامع الصغير "، وقال: ينقل عن يعقوب عن أبي حنيفة في المرأة تصلي وربع ساقها مكشوف أنها تعيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 مكشوف تعيد الصلاة عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وإن كان أقل من الربع لا تعيد، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان أقل من النصف لا تعيد الصلاة؛ لأن الشيء إنما يوصف بالكثير إذا كان ما يقابله أقل منه، إذ هما   [البناية] الخامس: ما قاله في " الجنازية " قيل هذا غلط من الكاتب، وكذا ذكر صدر الأكمل جوابا من الأجوبة بأن قال: إنه سهو من الكاتب، ولهذا لم يكتب فخر الإسلام وعامة المشايخ لعدم الفائدة. قلت: لا يلزم من عدم كتابة فخر الإسلام وعامة المشايخ عدم الفائدة عند غيرهم. السادس: قاله الأكمل بأنه شك وقع من الراوي عن محمد. قلت: وقوع الشك من الراوي عن محمد لا يستلزم وقوعه عن المصنف حتى يذكره على هذا الوجه. السابع: نقل صاحب " الدراية " من أن الربع مانع فإذا كان كذلك كانت مانعية الثلث بطريق الدلالة، وما ثبت بالدلالة بالتنصيص عليه لا يكون قبيحا قال الله تعالى: {يَوْمٌ عَسِيرٌ} [المدثر: 9] {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر: 10] (سورة: المدثر: الآية 9: 10) ونقله الأكمل منه أيضا. قلت: هذا القياس غير صحيح لأن قوله غير يسير ليس بالمعنى الذي ذكروه، وإنما معناه غير يسير على الكافرين كما هو يسير على المؤمنين فلأجل هذه النكتة ذكر وإن كان مستغنى عنه عند ذكر عسير في الحقيقة، أو هو عسير لا يرجى أن يكون يسيرا لما يرجى بتيسير العسير من أمور الدين وإليهما لمح الزمخشري في تفسيره. الثامن: قاله صاحب " الدراية " وأخذ عنه الأكمل بأن الربع مانع قياسا والثلث استحسانا فأورده عن القياس والاستحسان. التاسع: أورده أيضا بأن الربع مانع مع القدم والثلث مانع لا مع القدم. قلت: هذان الوجهان لا بأس بهما. م: (مكشوف) ش: خبر لقوله وثلث ساقها م: (تعيد الصلاة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإن كان أقل من الربع لا تعيد) ش: وإن كان الذي انكشف من ساقيها أقل من ربعها لا تعيد الصلاة. والأصل أن الكثير من انكشاف العورة مانع، والقليل غير مانع، والربع ما فوقه كثير وما دونه قليل عندهما. وقال الشافعي: لو انكشف شيء من العورة في الصلاة بطلت صلاتها ولا يعفى عن شيء منها ولو شعرة من رأس الحرة أو ظفرة منها. وعند أحمد: يعفى عن القليل ولم يحده بشيء بل جعل الكثير فاحشا في النظر والقليل لا يفحش ويرجع فيه إلى العادة. م: (وقال أبو يوسف: إذا كان) ش: أي الانكشاف م: (أقل من النصف لا تعيد الصلاة؛ لأن الشيء إنما يوصف بالكثير إذا كان ما يقابله أقل منه إذ هما) ش: كلمة إذ للتعليل وهما أي القلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 من أسماء المقابلة، وفي النصف عنه روايتان، فاعتبر الخروج عن حد القلة أو عدم الدخول في ضده، ولهما أن الربع يحكي حكاية الكمال،   [البناية] والكثرة م: (من أسماء المقابلة) ش: قال الأكمل: يريد به التقابل لا التضايف فسره هكذا لأنه احترز به عن تقابل التضاد، ولهذا قال في " الشروح " أن التقابل بينهما تقابل الضدين ليس بشيء لاجتماعهما في محل واحد، فإن الشيء الواحد يجوز أن يكون قليلا بالنسبة إلى شيء، وكثيرا بالنسبة إلى غيره. قلت: التقابل بالذات في أقسام أربعة تقابل العدم والملكة، وتقابل السلب والإيجاب، وتقابل التضاد وتقابل التضايف، هكذا ذكر في معنى التقابل بالغرض وهو التقابل بين الوحدة والكثرة فإن تقابلهما ليس بالذات بل بالعرض وما ذكرناه من الأربعة تقابل بالذات على ما عرف في موضعه. وقال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المبسوط ": القلة والكثرة من الأسماء المشتركة فإن الشيء إذا قوبل بما هو أكثر منه يكون قليلا، وإذا قوبل بما هو أقل منه يكون كثيرا فكلتا العبارتين صحيح لأن الكثير إنما استحق القليل باعتبار المقابل، وإلا ليس له هذا الاسم، فكذا الكثير فكانت القلة والكثرة من أسماء المقابلة، وكذلك الشيء الواحد لما أطلق على معنيين مختلفين باعتبارين مقابلين كان مشتركا بينهما. قلت: أما إطلاق المقابلة بينهما فنعم ولكن الكلام في أن المراد فيها ما هو وأما الصحيحة في كون القلة والكثرة من الأسماء المشتركة فلا وجه له أصلا لا لغة ولا اصطلاحا؛ لأن قوله لأن الشيء الواحد.. الخ. رد ما قاله لأن مراده من الشيء الواحد إن كان قليلا فهو ليس بمشترك في تفسيره. وكذا إذا كان مراده هو الكثير فكذلك، وهذا ظاهر لا يخفى. م: (وفي النصف عنه) ش: أي عن أبي يوسف، م (روايتان) ش: في رواية " الجامع الصغير " جعل النصف في حكم القليل، وفي رواية الأصل جعله في حكم الكثير. م: (فاعتبر الخروج عن حد القلة) ش: هذا بيان جهة الروايتين فلذلك ذكره بالفاء أي اعتبر أبو يوسف الخروج أي خروج النصف عن حد القلة في كونه مانعا، وهذا ليس بخارج عنه، لأن القليل اسم لما يقابله الكثير وما يقابله هاهنا ليس بكثير، لأنه نصف والنصف اسم لأحد الجزءين المتساوين فلا يكون قليلا والقليل عفو، فإذا لم يكن قليلا يكون خارجا عن حد القلة فيكون مانعا. م: (أو عدم الدخول في ضده) ش: أن أبا يوسف اعتبر عدم دخول النصف في ضده أي في ضد القليل وهو الكثير فيكون غير كثير لأن الكثير اسم مباين. وقول المصنف في ضده هو حد الشارحين على نفس المقابلة بالضد، وليس كذلك كما ذكر بل تقابل التضايف. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أن الربع يحكي حكاية الكمال) ش: وفي بعض النسخ حكاية الكل أي يقوم مقام الكل في مواضع كثيرة من الأحكام واستعمال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 كما في مسح الرأس والحلق في الإحرام، ومن رأى وجه غيره يخبر عن رؤيته، وإن لم ير إلا أحد جوانبه الأربعة، والشعر والبطن والفخذ كذلك؛ يعني على هذا الاختلاف؛   [البناية] الكلام. م: (كما في مسح الرأس) ش: فإن مسح ربع الرأس يقوم مقام مسح كل الرأس في الفرض م: (والحلق في الإحرام) ش: فإن المحرم إذا حلق ربع رأسه تجب الفدية كاملا، كما إذا حلق كله، وكما في الثوب الذي ربعه طاهر لا تجوز صلاته عريانا، كما لو كان كله طاهرا، وإذا كان أقل من الربع، كما لو كان كله نجسا. ومحمد مع أبي يوسف في الأضحية في اعتبار ما زاد عليه نصف العضو في المبالغة، وفي فوات النصف بينهما روايتان. وقال الأكمل: واعترض بأن اعتبار هذا بمسح الرأس غير مستقيم؛ لأن مسح كل الرأس لم يكن واجبا حتى يقوم الربع مقامه، بل الواجب منه بعض الرأس. أجيب: بأن الأصل في الرأس غسل كله كما في غسل الوجه؛ لأن الطهر المقصود بالوضوء يحصل به لأن الشارع اكتفى بالمسح عن الغسل ثم اكتفى بالبعض عن الكل دفعا للضرورة، فكان الربع قائما مقام الكل. قلت: هذا أخذه من كلام صاحب " الدراية " وفيه نظر، فلذلك لما أورد صاحب " الدراية " هذا السؤال والجواب قال: كذا قيل، فهذا يشير إلى أن هذا ما أعجبه كما ينبغي وجه النظر بأنا لا نسلم أن الأصل في الرأس غسل كله، بل الأصل مسح كله؛ لأن الله تعالى شرع في الوضوء وظيفة الرأس بالمسح، ووظيفة بقية الأعضاء بالغسل، كما نطق به النص، ولكنه لما ذكر المسح بالماء وقع الاختلاف في المقدار لا في أصل المسح كما هو مقرر في موضعه. وقال الأكمل أيضا: وقيل: هذا تشبيه القدر بالقدر لا تشبيه الواجب بالواجب، كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنكم سترون ربكم» . الحديث، فإن فيه تشبيه الرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئي بالمرئي. قلت: هذا أخذه من كلام صاحب " الدراية " وفيه أيضا نظر لأنه ليس المراد منه مجرد تشبيه القدر بالقدر، بل المراد تشبيه الحكم بالحكم، وإلا فلا يصح التشبيه. م: (ومن رأى وجه غيره يخبر عن رؤيته وإن لم ير إلا أحد جوانبه الأربعة) ش: ذكر هذا تمثيلا في المحسوسات وهو أزين الأربع، وهذا من قبيل ذكر الكل وإرادة الجزء الذي هو الربع. م: (والشعر والبطن والفخذ كذلك) ش: أي حكم شعر المرأة وبطنها وفخذها كذلك، وقد فسره بقوله: م: (يعني على هذا الخلاف) ش: يعني إذا انكشف ربع شعر المرأة يكون مانعا للصلاة عندهما. وعند أبي يوسف: إذا زاد على النصف يكون مانعا، وفي النصف روايتان، وكذا الخلاف في البطن والفخذ على هذا الوجه. وإذا انكشف سدس شعرها وسدس بطنها وسدس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 لأن كل واحد منها عضو على حدة، والمراد به النازل من الرأس، هو الصحيح، وإنما وضع غسله في الجنابة لمكان الحرج،   [البناية] فخذها يجمع، فإن كان يبلغ الربع من هذه الأعضاء يكون مانعا عندهما، وإلا فلا. وذكر في " شرح الزيادات " لو كان سدس عورتها مكشوفا وسدس ساقها وسدس فخذها، وذلك يبلغ ربع الساق فلا تجزئها صلاتها، وكذا الحكم لو كان ينكشف من كل ساق أقل من الربع، ولو جمع بلغ الربع، وفي " الذخيرة ": امرأة صلت وشعرها من تحت أذنها مكشوف قدر ربعه تعيد صلاتها. م: (لأن كل واحد منها) ش: أي من الشعر والبطن والفخذ م: (عضو على حدة) ش: أي كل واحد منها عضو وحده، فإن قلت: الشعر ليس بعضو، قلت: هذا إما من باب التغليب لأنه جزء من الآدمي حتى لا يجوز بيعه، فأطلق عليه العضو. فإن قلت: ما الدليل على أن حكم الشعر حكم العضو؟ . قلت: إذا حلق شعرها ولم ينبت تجب كل الدية. م: (والمراد به النازل من الرأس) ش: أي المراد بالشعر هو الشعر النازل من الرأس لا المسترسل إلى أسفل الأذنين. وفي " الذخيرة " امرأة صلت وشعرها من تحت أذنها مكشوف قدر ربعه فسدت صلاتها. والدليل على كون الشعر النازل عورة أن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - جمع في الأصل بين الرأس والشعر، لأن المراد من الرأس ما عليه من الشعر، فثبت أن الشعر النازل منه عورة. م: (هو الصحيح) ش: وهو اختيار الشيخ الإمام محمد بن الفضل البخاري. وقال فخر الإسلام: وهو الأصح عندنا، واحترز بقوله هو الصحيح عن قول صدر الشهيد، فإن عنده الشعر النازل ليس بعورة، وهو رواية المتقي، ذكره المحبوبي. وأما الشعر المسترسل إلى أسفل من الأذنين ففي كونها عورة روايتان، واختيار أبي الليث أنه عورة احتياطا. وعند أبي عبد الله البلخي ليس بعورة، والاحتياط فيما ذهب إليه أبو الليث وما ذهب إليه البلخي يقتضي جواز النظر إلى صدغ الأجنبية وطرف ناصيتها، وهو أمر يؤدي إلى الفتنة. وثدي المرأة الحرة إن كانت ناهدة فهي تبع لصدرها، وإن تدلت فهي عورة على حدة فيعتبر ربعها. م: (وإنما وضع غسله في الجنابة لمكان الحرج) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: لو كان الشعر النازل عورة باعتبار أنه من بدنها لوجوب غسلها في حالة الجنابة، وتقريره الجواب: أن سقوط غسله ليس باعتبار أنه ليس من بدنها، بل هو من بدنها لاتصاله بها، ولكن غسله في الجنابة إنما سقط لأجل الخروج في بعضها إياها، بخلاف الرجل فإن الخروج فيها يسيرا، إما لقلته وإما ليسر الغسل على الرجل فوق يسره على النساء، لا لغسله الحياض والأنهار جهارا ودخوله الحمام بلا خشية في الخروج من البيوت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 والعورة الغليظة على هذا الاختلاف،   [البناية] فإن قلت: ما ذكر الساعد وهو عورة. قلت: لأنها لم تدخل في الاستثناء لأن العادة لم تجر بإبرازها. م: (والعورة الغليظة على هذا الاختلاف) ش: العورة الغليظة هي القبل والدبر، وأراد بهذا الاختلاف المذكور فيما تقدم من انكشاف النصف والربع، يعني إذا لم يكن المكشوف منها زائدا على النصف لا يكون مانعا عند أبي يوسف، وعندهما إذا لم يكن ربعها مكشوفا لا يكون مانعا. واعلم أن عند عامة العلماء العورة الغليظة حكمها حكم الخفيفة، والخلاف في الكل واحد. والعورة الخفيفة: ما عدا القبل والدبر، وبعض المشايخ قدروا في الغليظة بما زاد على قدر الدرهم؛ احتياطا، كما في النجاسة الغليظة، وكذا في الخفيفة بالربع، والأصح الأول. ولو نظر إلى داخل فرج امرأة بشهوة حرمت عليه أمها وبنتها، ويصير مراجعا ولا تفسد صلاته. وفي " الأجناس ": تفسد صلاته أيضا. وذكر ابن شجاع أن من نظر من ربقه إلى فرجه لم تجز صلاته. وفي نوادر هشام: إذا كان قميصه محلول الجيب فانفتح حتى رأى عورة نفسه، تبطل صلاته وأعاد، وإن لم يلتزق الثوب ببردة حتى لا يراها لو نظر، لا تفسد، فعلى هذه الرواية جعل سترها من نفسه شرطا، ومن الأصحاب من قال: إن كان كثيف اللحية تجوز صلاته لأنها تسترها. وقال بعضهم: لا تجوز ولا تنفعه لحيته. وفي " الذخيرة ": وعامة الأصحاب جعلوا الستر شرطا عن غيره لا عن نفسه؛ لأنها ليست بعورة في حق نفسه لأنه يحل له مسها والنظر إليها، وبالأول قال الشافعي وأحمد. وروى ابن شجاع نصا عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه لو كان محلول الجيب فنظر إلى عورة نفسه لا تفسد صلاته، ولو نظر المصلي إلى عورة غيره لا تفسد صلاته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال المرغيناني: هو قولهما، ولو صلى في قميص واحد لا يرى أحد عورته، لكن لو نظر إنسان من تحته فرأى عورته، فهذا ليس بشيء. والثوب الرقيق الذي يصف ما تحته لا تجوز فيه، وهو قول الشافعي وأحمد لأنه مكشوف العورة معنى. مراهقة صلت بغير قناع جازت استحبابا لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا صلاة لحائض إلا بقناع» ، مفهومه أن غير الحائض صلاتها صحيحة بغير قناع، ولو كانت عريانة تؤمر بإعادتها، والصغيرة جدا لا بأس بالنظر إليها ومنها. وقال الشافعي: يستوي في العورة الحر والعبد والصبي، حكاه النووي. ولنا ما رواه ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرج بين فخذي الحسن وقبل زبيرته» ذكره الطبراني في معجمه الكبير. لا يجب ستر المنكب في الصلاة ولا في غيرها، وبه قال مالك والشافعي وعامة أهل العلم. وقال أحمد: لا تصح صلاته بدونه ستر بعض المنكبين ولو بثوب رقيق يصف ما تحته، في ظاهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 والذكر يعتبر بانفراده، وكذا الأنثيان، وهذا هو الصحيح دون الضم. قال: وما كان عورة من الرجل فهو عورة من الأمة، وظهرها وبطنها عورة،   [البناية] مذهبه، وعنه ابن قدامة في " المغني ". وقال ابن المنذر: يجب ستر العاتق في الصلاة مع القدرة عليه بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» أخرجاه. قلنا: قد عارضه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا كان الثوب واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به» رواه البخاري. «وسئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة في ثوب واحد فقال: "ولكل منكم ثوبان» رواه مسلم. م: (والذكر يعتبر بانفراده) ش: من غير أن يضم إلى الأنثيين، احتياطا، كما في الدية. م: (وكذا الأنثيان) ش: أي وكذا حكم الخصيتين مثل حكم الذكر، حيث لا يضم كل منهما إلى الآخر حتى يمنع انكشاف الربع من كل واحد من الذكر والأنثيين. م: (وهذا هو الصحيح) ش: يعني اعتبار كل واحد منهما بانفراده من غير ضم إلى آخر هو الصحيح من المذهب، واحترز به عما ذكر بعض المشايخ أن الأنثيين مع الذكر عضو واحد فجعلوهما تبعا للذكر. وأذن المرأة عضو على حدة، والركبة تبع للفخذ على ما هو المختار في الفتاوى، حتى إن ربع الركبة لو كان مكشوفا لا يمنع الصلاة. وكعب المرأة حكمها حكم الركبة. وما بين سرة الرجل وعانته حول جميع البدن عضو على حدة. م: (دون الضم) ش: أي دون ضم الذكر إلى أنثيين على ما ذكرناه [عورة الأمة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وما كان عورة من الرجل فهو عورة من الأمة) ش: عورة منصوب لأنه خبر كان، قاله بعض الشراح. قلت: يجوز الرفع أيضا على أن تكون (كان) تامة وإن كانت عورة الأمة، ما هو عورة الرجل؟ لأن حكم العورة في الإناث أغلظ، فإذا كان الشيء من الرجال عورة كان من الإناث عورة بالطريق الأولى م: (وظهرها وبطنها عورة) ش: يعني: هذان العضوان أيضا عورة من الأمة لأنهما محل من الشهوة. وقال المرغيناني: العورة من الأمة أربع: الظهر والبطن والفخذ والركبة. قلت: ويضاف إليها المدبرة وأم الولد والمكاتبة والمستسعاة، ومن كان في رقبتها شيء من الرق فهي في معنى الأمة، والمستسعاة عندهما حرة، والمستسعاة المرهونة إذا أعتقها الراهن وهو معسر حرة بالاتفاق، ذكره في " الجامع "، وقال الشافعي في أصح أقواله: الأمة كالرجل، والتي بعضها حر فيها وجهان في " الحاوي " أحدهما: كالحرة، وعند أحمد فيما حكاه عن أبي حامد: عورة الأمة كعورة الرجل، وهو الأظهر عندهم، حتى لو انكشف فيها ما بين سرتها وركبتها فصلاتها باطلة، وإن انكشف ما عدا ذلك صحت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 وما سوى ذلك من بدنها ليس بعورة؛ لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ألق عنك الخمار يا دفار أتتشبهين بالحرائر   [البناية] وفي " الجامع ": عورة الأمة ما عدا الرأس واليدين إلى المرفقين والرجلين إلى الكعبين. وعن ابن سيرين: أم الولد يلزمها ستر رأسها في الصلاة، وإذا زوج الأمة سيدها أو سواها قال الحسن البصري: يلزمها ستر رأسها، ولم يوافقه أحد من العلماء. وفي " المبسوط ": عتقت الأمة أو المدبرة أو المكاتبة أو أم الولد في صلاتها، فأخذت قناعها بعمل يسير قبل أن تؤدي ركنا، لا تفسد صلاتها وإلا فسدت، وكذا لو سقط قناع الحرة في صلاتها وإزار الرجل. وقال زفر: تفسد في الكل، ولو صلت شهرا بغير قناع ثم علمت بالعتق منذ شهر تعيدها. وفي فتاوى العتابي السغناقي: ولو كان عليها ثوب أو مقنعة تصف ما تحته فهي عريانة، وبه قال الشافعي. وفي " الحلية ": عورة الأمة كعورة الرجل، على ظاهر المذهب. وبعض أصحابنا قال: جميع بدنها عورة إلا موضع التقليب منها في الشراء كالرأس والساعد والساق. وقال بعضهم: عورتها كعورة الحرة، إلا أنها يجوز لها كشف رأسها ولو كان نصفها حرا ونصفها رقيقا فهي كالحرة على ظاهر المذهب. وعن ابن سيرين: أم الولد تصلي بخمار وهي عورة، رواية عن أحمد، ويحكى عن مالك أيضا: ولو أعتقت الأمة في الصلاة ورأسها مكشوف وهنا سترة بعيدة، بطلت صلاتها، وفي " الحاوي ": فيه اختلاف، والصحيح أنها تبطل لقدرتها على أخذ الثوب في الحال. والثاني يبطل بالمضي وبطول العمل، وإذا انتظرت من يناولها الستر فناولها من غير أن تحدث عملا ففيه وجهان، أحدهما: لا تبطل صلاتها، والثاني: تبطل. ولو علمت بالعتق بعد الصلاة ففي وجوب الإعادة قولان، وقيل: يجب الإعادة قولا واحدا، والأول أصح. م: (وما سوى ذلك من بدنها) ش: أي وما سوى ذلك من عورتها مثل عورة الرجل وبطنها وظهرها م: (ليس بعورة لقول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ألق عنك الخمار يا دفار أتتشبهين بالحرائر) ش: هذا الأثر غريب، قال السروجي: وفي الكتاب وغيره من كتب الفقه عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنه قال لأمة: ألقي عنك الخمار.. إلخ. لم أجده في كتب الحديث والأثر. قلت: معناه رواه عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضرب أمة لآل أنس رأسها متقنعة فقال: اكشفي رأسك لا تتشبهي بالحرائر. وعن ابن جريج عن عطاء عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان نهى الإماء عن الجلابيب أن يتشبهن بالحرائر. قال ابن جريج: وجد أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضرب عقيلة أمة أبي موسى الأشعري في الجلباب أن تتجلبب. وعن ابن جريج عن نافع أن صفية بنت عبيد حدثته قالت: خرجت امرأة مخمرة سجلة فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: من هذه المرأة؟ فقيل له: جارية لفلان، رجل من بنيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 ولأنها تخرج لحاجة مولاها في ثياب مهنتها عادة، فاعتبر حالها بذوات المحارم في حق جميع الرجال دفعا للحرج. قال: ومن لم يجد ما يزيل به النجاسة صلى معها ولم يعد،   [البناية] فأرسل إلى حفصة فقال: ما حملك على أن تخرجي هذه الأمة وتجليها حتى هممت أن أقع لها [ .... ] لا تشبه الإماء من المحصنات. وروى محمد بن الحسن في كتاب " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن سليمان عن إبراهيم النخغي أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يضرب الإماء أن يتقنعن ويقول: لا يتشبهن بالحرائر. وقال البيهقي: الآثار بذلك صحيحة. قوله يا دفار، بفتح الدال المهملة، وفي آخره راء مكسورة، ومعناه: يا منتنة، وهي معدولة عن دفرة أي منتنة وهي مبنية من الكسر، ويقال للدنيا: أم دفر. قوله: ألقي، مجزوم عند الكوفيين وعلامة جزمه حذف النون، وعند البصريين مبني على الجزم. م: (ولأنها) ش: أي ولأن الأمة م: (تخرج لحاجة مولاها في ثياب مهنتها) ش: بفتح الميم وكسرها، قاله صاحب " الدراية ". قال في " المغربين ": المهنة: الخدمة، بنصب الميم، وخفضه خطأ، قاله شمس الأئمة عن مشايخه. قال الأصمعي: المهنة بفتح الميم هي الخدمة، ولا يقال: مهنة بكسر، نقله الزمخشري عنه وهو من: مهن القوم خدمهم م: (عادة) ش: أي في عادة أصحاب الإمام. م: (فاعتبر حالها بذوات المحارم في حق جميع الرجال) ش: يعني يجوز أن ينظر الرجل من ذوات محارمه إلى الوجه والرأس والصدر والساقين والعضدين، فكذا يجوز أن ينظر الأجنبي من الأمة إلى هذه المواضع م: (دفعا للحرج) ش: لأن البعض من غير استئذان واحتشام م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن لم يجد ما يزيل به النجاسة صلى معها) ش: أي مع النجاسة. وكلمة ما بالقصر ليتناول المائعات، كذا ذكره الشراح، ويجوز أن يكون بالمد، ولكن الأول أولى للعموم م: (ولم يعد) ش: أي الصلاة. وقال الشافعي: يعيد، وفي قول: يصلي عريانا، وهو ظاهر مذهبه. وقال مالك: يصلي في الثياب النجسة ولا يعيد، ثم المذهب عندنا أن إزالة النجاسة عن الثوب والبدن والمكان شرط لصحة الصلاة عند القدرة، ولا فرق بين العلم والجهل والنسيان في الفرض والنفل وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة والشكر. وبه قال الشافعي وأحمد وجمهور الفقهاء من السلف والخلف. وقال النووي: عن مالك فيها ثلاث روايات، أشهرها أنه لا تصح مع النسيان والجهل، وهو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 وهذا على وجهين: إن كان ربع الثوب أو أكثر منه طاهرا يصلي فيه، ولو صلى عريانا لا يجزئه؛ لأن ربع الشيء يقوم مقام كله؛ وإن كان الطاهر أقل من الربع فكذلك عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن في الصلاة فيه ترك فرض واحد، وفي الصلاة عريانا ترك للفروض، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله: يتخير بين أن يصلي عريانا وبين أن يصلي فيه، وهو الأفضل؛ لأن كل واحد منهما مانع جواز الصلاة حالة الاختيار، ويستويان   [البناية] قول الشافعي في القديم وفي الثانية معنا، وفي الثالثة إزالتها سنة عنده، ونقل عن ابن عباس وابن جبير وعطاء مثله. م: (وهذا) ش: أي الحكم المذكور أو الجواب المذكور م: (على وجهين) ش: أحدهما هو قوله: م: (إن كان ربع الثوب أو أكثر منه) ش: أي أكثر من الربع م: (طاهرا يصلي فيه) ش: أي في هذا الثوب م: (ولو صلى عريانا لا يجزئه) ش: ولو قال فلو صلى، بالفاء، لكان أولى على ما لا يخفى م: (لأن ربع الشيء يقوم مقام كله) ش: فحينئذ عاره، وهو ظاهر، والوجه الثاني هو قوله: م: (وإن كان الطاهر أقل من الربع فكذلك) ش: أي فالحكم فيه كالحكم في الأول م: (عند محمد وهو أحد قولي الشافعي) ش: وقول مالك وأحمد. وقال النووي: فإن وجد ما يستر به القبل أو الدبر ففيه وجهان، أصحهما يستر به القبل لأن الدبر يستر بالأليتين. والثاني: يستر به الدبر لأنه أفحش في حالة الركوع والسجود، ومثله في " المغني " عن الحنابلة حكما وتعليلا، وأصول أصحابنا يقتضي التخيير في ذلك لأن كل واحد منهما عورة غليظة. م: (لأن في الصلاة فيه) ش: أي في الثوب الذي الطاهر منه أقل من الربع م: (ترك فرض واحد) ش: وهو إزالة النجاسة م: (وفي الصلاة عريانا) ش: أي حال كونه عريانا م: (ترك للفروض) ش: وهو ستر العورة والقيام والركوع والسجود، ولأن الستر أقوى لوجوبه في الصلاة وغيرها بخلاف النجاسة حيث لا يلزم إزالتها إلا للصلاة، ولهذا إذا طاف عرايا يلزمه دم، ولا يلزمه إذا طاف بثوب نجس. م: (وعند أبي حنيفة وأبي يوسف: يتخير بين أن يصلي عريانا وبين أن يصلي فيه) ش: أي في الثوب الذي أقل من ربعه طاهر م: (وهو الأفضل) ش: أي فعله هذا هو الأفضل، وهو الصلاة بعد م: (لأن كل واحد منهما) ش: أي من ترك ستر العورة وإزالة النجاسة م: (مانع جواز الصلاة حالة الاختيار) ش: أي في حالة القدرة عليهما م: (ويستويان) ش: جملة في محل الرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف، تقديره: وهما يستويان، وإنما قدرنا هكذا ليكون عطف جملة اسمية على جملة اسمية؛ أي تساوي العورة والنجاسة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 في حق المقدار، فيستويان في حكم الصلاة، وترك الشيء إلى خلف لا يكون تركا، والأفضلية لعدم اختصاص الستر بالصلاة واختصاص الطهارة بها. ومن لم يجد ثوبا صلى عريانا قاعدا يومئ بالركوع والسجود،   [البناية] م: (في حق المقدار) ش: هذا الكلام له وجهان، أحدهما أن يكون معناه أن القليل من كل واحد غير مانع والكثير مانع، فلما كان كذلك ثبت المساواة بينهما في الماهية من غير رجحان أحدهما على الآخر، فيختار أيها شاء. والوجه الثاني: أن يكون معناه: في مقدار الربع، فإن المانع في النجاسة الخفيفة مقدر بالربع، وكذا المانع في العورة الربع، فلما استويا في المانع وفي المقدار استوى اختيار المصلي أيضا في أن يصلي فيه أو يصلي عريانا، وأشار إليه بقوله: م: (فيستويان في حكم الصلاة) ش: فيكون مخيرا بين الصلاة في ذلك الثوب وبين الصلاة عريانا م: (وترك الشيء إلى خلف لا يكون تركا) ش: هذا جواب عما قاله محمد أن في ترك الصلاة عاريا ترك الفروض، يعني لا نسلم أن فيها تركا لوجود الخلف وهو الإيماء. م: (والأفضلية) ش: هذا جواب عن قول السائل سلمنا أنه أتى بفرض وترك فرضا ولكن لا نسلم المساواة بينهما، فإن فرضية الستر أقوى من فرضية ترك استعمال النجاسة، ومن أين الأفضلية، فأجاب عن ذلك وأقام دليلا على قوله، وهو الأفضل، بقوله: والأفضلية؛ أي كون الصلاة في ذلك الثوب أفضل. م: (لعدم اختصاص الستر بالصلاة) ش: يعني ستر العورة لا يختص بالصلاة حيث يجب سترها في غير الصلاة، وكانت رعاية ما كان واجبا دائما أولى مما كان واجبا في حال دون حال [صلاة العريان] م: (ومن لم يجد ثوبا) ش: أي لم يجد ثوبا أصلا لا طاهرا ولا نجسا م: (صلى عريانا) ش: أي صلى حال كونه عريانا. م: (قاعدا يومئ بالركوع والسجود) ش: قاعدا أيضا حال، وكذا قوله: يومئ. فهذه ثلاثة أحوال، إما متداخلة أو مترادفة، وتغير القعود عن ركن الإسلام على الصفة بأن يمد رجليه نحو القبلة ليكون أقرب إلى الستر، وما ذكره المصنف هو مروي عن ابن عباس وابن عمر وعطاء وعكرمة وقتادة والأوزاعي وأحمد. وقال المزني: يصلي قاعدا حتما، وقال مجاهد وزفر وبشير ومالك والشافعي وابن المنذر: يصلي قائما يركع ويسجد. وقال النووي: حكى الخراسانيون فيه ثلاثة أوجه، أحدها وجوب القيام، كما ذكرنا عن الشافعي. الثاني: وجوب القعود كقول المزني. الثالث: التخيير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 هكذا فعله أصحاب رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فإن صلى قائما أجزأه، لأن في القعود ستر العورة الغليظة وفي القيام أداء هذه الأركان، فيميل إلى أيهما شاء، إلا أن الأول أفضل؛ لأن الستر واجب لحق الصلاة وحق الناس، ولأنه لا خلف له، والإيماء خلف له عن الأركان. قال: وينوي الصلاة التي يدخل فيها بنية لا يفصل بينها وبين التحريمة بعمل،   [البناية] والمذهب الصحيح عندهم الأول. م: (هكذا فعله أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: قال الزيلعي: غريب. قلت: روى الخلال بإسناده عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن قوما انكسرت بهم السفينة فخرجوا عراة وكانوا يصلون جلوسا يومئون بالركوع والسجود دائما برؤوسهم، ولم ينقل خلافه، وروى عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا إبراهيم ابن محمد عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: الذي يصلي في السفينة والذي يصلي عريانا يصلي جالسا. أخبرنا إبراهيم عنه عن صلاة العريان فقال: إن كان حيث يراه الناس صلى جالسا، وإن كان حيث لا يراه الناس صلى قائما. م: (فإن صلى قائما أجزأه لأن في القعود ستر العورة الغليظة، وفي القيام أداء هذه الأركان، فيميل إلى أيهما شاء) ش: أي إلى أي الوجهين، أحدهما الصلاة قاعدا مومئا بالركوع، والآخر قائما م: (إلا أن الأول) ش: أي الصلاة قاعدا مومئا بالركوع والسجود م: (أفضل) ش: من الصلاة قائما م: (لأن الستر واجب لحق الصلاة وحق الناس) ش: لأن ستر العورة فرض، سواء كان في الصلاة أو خارجها. م: (ولأنه) ش: دليل بأن في أفضلية الصلاة قاعدا بالإيماء، ولأن فعله قائما م: (لا خلف له) ش: لأنه عريان والستر لا خلف له م: (والإيماء خلف له عن الأركان) ش: فالترك إلى خلف كلا ترك، كما عرف، ولا إعادة عليه. قال أبو حامد: لا أعلم خلافا بين المسلمين، ذكره النووي. وذكر الحسام وقاضي خان في الزيادات وأبو نصر في شرح " القدوري " أنه يصلي قائما، ولم يذكروا جوازها قائما، وعللوا أن ترك القيام جائز في حالة الاختيار كصلاة القاعد وعلى الدابة بالإيماء في النفل. وكشف العورة لا يجوز في حال الاختيار حتى إنها لو صلت قائمة تنكشف قائمة ربع ساقها، وقاعدة لا تنكشف، تصلي قاعدة، وذكر جوازه قائما بالركوع والسجود في " المبسوط " " والمحيط " وغيرهما. [النية من شروط الصلاة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وينوي الصلاة التي يدخل فيها بنية لا يفصل بينها وبين التحريمة بعمل) ش: اجتمعت الأمة على أن الصلاة لا تصح بدون النية، وقطع الجمهور أن نية القلب كافية دون اللفظ، وفي قول أبي عبد الله الترمذي من الشافعية أنه لا يجوز حتى يجمع بين نية القلب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الأعمال بالنيات» . ولأن ابتداء الصلاة بالقيام إليها، وهو متردد بين العبادة والعادة، ولا يقع التمييز إلا بالنية، والمتقدم من النية على التكبير كالقائم عنده   [البناية] وفعل اللسان، وليس بشيء. وفي " المفيد ": كره بعض مشايخنا النطق باللسان، ورواه الآخرون به. وفي " المحيط ": النية شرط لصحة الصلاة، وهي إرادتها بالقلب فرض والذكر باللسان سنة، فينبغي أن يقول: اللهم إني أريد صلاة كذا فيسرها وتقبلها مني؛، فعلها مني، كما يقول في الحج من معرفة أي صلاة يؤديها، كذا في " المبسوط " قوله: بنية، إلى آخره، إشارة إلى أن الأصل في النية المقارنة بالشروع، والمراد بقوله: بعمل، أي عمل ينافي الصلاة حتى لم يكن المشي إليها فاصلا لعدم منافاته، وإذا فصل بينهما فعل مناف لا تكون النية موجودة عند التحريمة، فبقي بلا نية فلا يصح. وفي " الينابيع ": يشترط اتصال النية بالصلاة؛ تحقيقا لمعنى الإخلاص، وشرطت في ابتدائها لتقع كلها مستويا، ولم يشترط في حالته البقاء للحرج. والشرط أن يعلم بقلبه أية صلاة يصليها. وقيل: أدناها أنه لو سئل عنها لأمكنه أن يجيب بديهة من غير فكر. م: (والأصل فيه) ش: أي في اشتراط النية م: (قوله عليه الصلاة والسلام: «الأعمال بالنيات» ش: هذا الحديث رواه الأئمة الستة في كتبهم عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الأعمال بالنيات» ولفظ مسلم: «الأعمال بالنيات» ، مثل لفظ الكتاب، وفي رواية: «الأعمال بالنية» ومعنى الأعمال بالنيات: حكم الأعمال وثوابها يلصق بها، ومن جملة الأعمال عمل الصلاة، ولا يمتاز إلا بالنية، لأن ابتداء الصلاة بالقيام وهو يوجد كثيرا ولا عبادة، فاحتاج إلى النية المميزة للعبادة عن العادة، فاشترطت النية. فإن قلت: كيف يصح الاستدلال على شرطية النية أو على عدم الفصل بينها وبين التحريمة بهذا الحديث؛ فإن قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: الأعمال، من قبيل الاقتضاء، على مذهب أبي يزيد، ومن قبيل المحذوف على مذهب الشيخين. وعلى التقديرين لا عموم له، وحكم الآخرة وهو الثواب مراد بالإجماع، فلا يكون حكم الدنيا وهو الجواز والفساد مرادا لأنه لا عموم له ولا للمقتضي ولا للمنزل. قلت: الجواز في حكم الآخرة أيضا؛ إذ الثواب يتعلق بالجواز، إذ لا ثواب بدونه. وقيل بعد كون العمل معتبرا بالنية: الحكم نوعان، فقلنا: يحتاج إلى النية بوقوعه معتبرا شرعا. م: (ولأن ابتداء الصلاة بالقيام إليها، وهو متردد بين العبادة والعادة، ولا يقع التمييز إلا بالنية، والمتقدم من النية على التكبير كالقائم عنده) ش: أي كالموجود عند التكبير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 إذ لم يوجد ما يقطعه، وهو عمل لا يليق بالصلاة، فلا يعتبر بالمتأخرة منها عنه؛ لأن ما مضى لا يقع عبادة لعدم النية، وفي الصوم جوزت للضرورة،   [البناية] م: (إذ لم يوجد ما يقطعه) ش: أي ما يقطع المتقدم من النية م: (وهو) ش: أي الذي يقطعه م: (عمل لا يليق بالصلاة) ش: مثل أن ينوي فيشتري شيئا مثلا م: (فلا يعتبر بالمتأخرة) ش: أي بالنية المتأخرة م: (منها) ش: أي من التحريمة م: (عنه) ش: أي عن التكبير، وفي بعض النسخ لم يذكر لفظة عنه، ومعناه على هذه النسخة: لا معتبر بالنية المتأخرة من التحريمة، وعلى النسخة الأولى جعل المتأخرة صفة مطلقة، ثم بينها بقوله: منها، كذا قاله الأترازي. قلت: الأوجه ما ذكرته فلا يحتاج إلى التكلف. فإن قلت: لفظة (عنه) تنافي ما ذكرته. قلت: لا، لأن لفظة (عنه) على تقدير كونها من النسخة تكون بدلا عن الضمير الذي في (منها) الذي هو كناية عن التحريمة، فافهم. م: (لأن ما مضى) ش: يعني من الأجزاء م: (لا يقع عبادة لعدم النية) ش: والأجزاء الباقية مبنية عليه فلم يجز، وبه قال الشافعي. وعن الكرخي: يجوز بالمتأخرة ما دام في الثناء. وقيل: إلى التعوذ. وقيل: إلى ما بعد الفاتحة. وقيل: إلى الركوع، وهو مروي عن محمد. وفي " القنية " عن الحلوائي: كبر ثم غفل عن النية ثم نواها يجوز. وفي " المحيط ": لو نوى بعد قوله: الله، قبل قوله: أكبر، لا يجزئه عند أبي حنيفة، وفيه أيضا عن محمد: لو خرج من منزله يريد الفرض في الجماعة، فلما انتهى إلى الإمام كبر ولم تحضره النية وقت الشروع، يجوز. ومثله عن أبي حنيفة وأبي يوسف. وذكر الطحاوي أن النية تكون مخالطة للتكبير باللسان، قال: وهو الأحوط، ولا يجوز بعد التكبير ويكون متطوعا. وقال الشافعي: يجب أن تكون النية مقارنة للتكبير لا قبله ولا بعده. وقال النووي: وفي كيفية المقارنة وجهان، أحدهما بحيث يبتدئ النية بالقلب مع ابتداء التكبير باللسان، ويفرغ منها مع فراغه منه. قال: وأصحهما لا يجب هذا، بل لا يجو لئلا يخلو أول التكبير عن إتمام النية. واختيار إمام الحرمين والغزالي أنه لا يجب التدقيق وتحقيق المقارنة، وأنه تكفي المقارنة العرفية العامية، حيث يعد مستحضر الصلاة غير غافل عنها. م: (وفي الصوم جوزت للضرورة) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر، تقديره أن يقال: كان القياس على ما ذكرت في الصلاة أن لا تجوز النية المتأخرة في الصوم أيضا؛ لاشتراط النية منهما، وتقرير الجواب أن ما ذكرت في الصوم جوزت النية المتأخرة لأجل الضرورة لأن قران النية بوقت انفجار الصبح فيه حرج عظيم لكونه وقت نوم وغفلة بخلاف الصلاة، فإن الشروع فيها حال اليقظة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 والنية هي الإرادة، والشرط: أن يعلم بقلبه أي صلاة هي، أما الذكر باللسان فلا يعتبر به، ويحسن ذلك لاجتماع عزيمته ثم إن كانت الصلاة نفلا يكفيه مطلق النية، وكذا إن كانت سنة في الصحيح   [البناية] فبقي الحكم على القياس، وهو أن تكون النية مقارنة بالشروع. [تعريف النية] م: (والنية هي الإرادة) ش: هذا تفسير النية؛ أي الإرادة الجازمة القاطعة م: (والشرط: أن يعلم بقلبه أي صلاة هي) ش: لأن النية الإرادة كما ذكره، والإرادة لا بد أن تكون بشيء مخصوص ليقع التميز بينه وبين غيره، والتمييز لا يكون إلا بعلمه، وعلامة علمه أنه إذا سئل عن ذلك أمكنه أن يجيب على الفور، فإن توقف في الجواب لم يكن عالما به، فعلم من ذلك أن العلم غير النية، ولكن شرطها، وقال شيخ الإسلام: الأصح أن العلم لا يكون نية لأنه غيرها، ألا ترى أن من علم الكفر لا يكفر ولو نواه يكفر، فتناول قول المصنف والشرط قصد بعد العلم. قلت: ما في كلام المصنف ما يشير إلى هذا، والأحسن ما ذكرته أولا. م: (أما الذكر باللسان فلا يعتبر به) ش: يعني في الجواز لأنه كلام وليس بنية ومن عمل القلب، واللسان يوجه عن ذلك م: (ويحسن ذلك) ش: أي الذكر باللسان م: (لاجتماع عزيمته) ش: أي لاجتماع نيته به. وذكر في بعض الكتب أن الذكر باللسان يستحب، وعبارة " المبسوط " أنه حتم، وعند بعضهم أنه سنة مؤكدة ومكملة. وذكر في " جامع الكردري " أنه يكره الذكر باللسان عند البعض لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنكر على من يسمع ذلك منه، ولأن النية عمل القلب والله مطلع على الضمائر، فالإيضاح في حقه غير مفيد، فيكره. م: (ثم إن كانت الصلاة نفلا يكفيه مطلق النية) ش: وهذا بيان لكيفية النية، لأن النية لها أصل ووقت وكيفية، وقد بين المصنف أصلها بقوله: والأصل فيه بين وقتها بقوله: والمتقدم على التكبير، إلى آخر، وشرع هذا في بيان كيفيتها لأن الصلاة التي يدخل فيها إما فرض أو غيره، فإن كان غير الفرض بأن كان نفلا يكفيه مطلق النية لأنها للتمييز عن العادة، وهو يحصل بمطلق النية بأن يقول: نويت أن أصلي، ولأن العمل لعموم أفرادها متعذر إذ الجمع بين الفرائض والنوافل في تحريمة واحدة لا يجوز، فيكون المراد أحدهما، فكان صرف اسم الصلاة إلى النفل أولى لأنه أدنى لأن النفل مشروع في كل الأوقات، فكان بمنزلة الحقيقة وغيره بمنزلة المجاز، والكلام على الحقيقة، كذا ذكره شيخ الإسلام. م: (وكذا إن كانت سنة) ش: أي وكذا يكفيه مطلق النية إن كانت الصلاة سنة لأن السنة نفل أيضا لكونها زيادة عبادة شرعت لتكميل الفرائض. وقوله: سنة، يشتمل سائر السنن وكذا التراويح. م: (في الصحيح) ش: احترز به عما ذكره بعض المشايخ لأنه لا بد من أن ينوي سنة الرسول، إذ فيها صفة زائدة على النفل المطلق كما في الفرض. وفي " التجنيس " والاحتياط أن ينوي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 وإن كانت فرضا فلا بد من تعيين الفرض كالظهر مثلا لاختلاف الفروض،   [البناية] متابعة الرسول، وبه قال الشافعي، فإنه ذكر في شرح " الوجيز " و " الحلية ": النوافل ضربان: ما يتعلق بسبب أو وقت، فيشترط فيه نية فعل الصلاة والتعيين فينوي، كسنة الاستسقاء والخسوف والعيد والتراويح والضحى وغيرها. وفي الرواية يتعين بالإضافة فيقول: سنة الفجر أو الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء، وفيما عداها يكفي مطلق النية. م: (وإن كانت فرضا) ش: أي وإن كانت الصلاة فرضا من الفرائض م: (فلا بد من تعيين الفرض كالظهر مثلا) ش: فيقول: نويت ظهر اليوم وعصر اليوم أو فرض الوقت أو ظهر الوقت، فإن نوى الظهر لا غير لا يجوز م: (لاختلاف الفروض) ش: لأنها متنوعة فلا يحصل له التمييز. وفي " المحيط ": لو نوى الظهر بدون ذكر اليوم والوقت لا يجزئه لأنه ربما كانت عليه صلاة فائتة فلا يتعين، أما لو نوى فرض الوقت يجزئه وخارج الوقت لا، والأولى أن يقول: ظهر اليوم، سواء كان الوقت خارجا أو لا. وفي " المجتبى " لا بد من نية الصلاة ونية الفرض ونية التعيين، حتى لو نوى الفرض لا تجزئه، ولو نوى فرض الوقت أو فرض الظهر يجزئه، وإن ظهر أنه خرج الوقت. والصحيح أنه لا يجزئه ولو نوى الظهر لا غير. قيل: لا يجزئه، والأصح أنه يجزئه، وإن ظهر أنه خرج الوقت، فالصحيح أنه لا يجزئه. ولو نوى الظهر لا غير قيل: لا يجزئه، والأصح أنه يجزئه، ذكره في فتاوى السغناقي. وعند الشافعي ينوي الظهر المفروضة. وقال ابن أبي هريرة من أصحابه: يجزئه نية الظهر أو العصر كما هو مذهبنا. وفي " المجتبى ": وفي اشتراط نية فرض الصلاة ونية استقبال القبلة اختلاف المشايخ، ولم يذكره في ظاهر الرواية فعند الفضلي شرط وعند الحامدي إن أتى به فحسن، وإن تركه لا يضر، في " الخزانة ": وهو الصحيح. وبعض المشايخ قالوا: إن كان يصلي في المحراب فكما قال الحامدي، وإن كان يصلي في الصحراء فكما قال الفضلي، كذا في " شرح الطحاوي ". ولو نوى فرض الوقت بعدما خرج الوقت لا يجوز، وإن شك في خروجه فنوى فرض الوقت جاز. وعند الشافعي لا يجوز في أصح الوجهين. وفي " جامع الكردري " ينوي الجمعة ولا ينوي فرض الوقت لأنه مختلف فيه، وينوي الوتر لا الوتر الواجب لأنه مختلف فيه، وفي صلاة الجنازة ينوي الصلاة لله تعالى والدعاء للميت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 وإن كان مقتديا بغيره ينوي الصلاة ومتابعته؛   [البناية] م: (وإن كان) ش: المصلي م: (مقتديا بغيره ينوي الصلاة) ش: التي شرع فيها م: (ومتابعته) ش: أي نوى أيضا متابعة الإمام، فإذا نوى صلاة الإمام هل تجزئه؟ قال في " الخلاصة ": لا تجزئه، وقال في " شرح الطحاوي ": أجزأه، وقام مقام نيتين. وقيل: يحتاج المقتدي إلى أربعة أشياء: نية الصلاة، وتعيينها، ونية الاقتداء، ونية القبلة، والصحيح ما ذكر أولا. وفي " المرغيناني ": يحتاج المنفرد إلى ثلاث نيات، أولها: ينوي أي هي، ثانيها ينوي لله تعالى، ثالثها ينوي استقبال عرصة القبلة، والمقتدي يحتاج إلى أربع نيات، الثلاثة منها تقدمت، والرابعة ينوي أنه اقتدى بفلان، والأفضل أن يقول من هو إمامي أو بهذا الإمام، جاز، ولا يجوز تركه نية الاقتداء، ونية الإمامة للإمام ليست بشرط عند عامة الفقهاء. وقال أبو حفص الكبير والكرخي: لا بد منه، وبه قال أحمد. وأما نية إمامة النساء ففيها خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى في باب الإمامة. وفي " المفيد ": ويقول المقتدي: اللهم إني أريد أن أصلي فرض الوقت مستقبل القبلة مقتديا بهذا الإمام، أو بالإمام. ولو نوى الاقتداء بهذا الإمام ولم يعين الظهر أو نوى الشروع في صلاة الإمام، اختلف فيه المشايخ، قيل: لا يجزئه، والأصح أنه يجزئه. وفي " المحيط ": لو نوى الظهر ولم ينو ظهر الوقت قيل: لا يجزئه التطوع، وقيل: يجزئه إذ الفائتة عارضة. ونية عدد الركعات والسجدات ليست بشرط عندنا، وهو المذهب عند الشافعي، وكذا نية استقبال القبلة عندهم. ولو نوى الظهر ثلاثا أو خمسا لا تنعقد صلاته عنده، وعندنا تصح صلاته ويلغو نية التفسير، ولو افتتح المكتوبة فظن أنها تطوع فأتمها على نية التطوع، فالصلاة هي المكتوبة لأن الشرط قران العزيمة بأول العبادة إذ قرانها بجميعها متعذر، ولو شرع فيها على أنها مثنية فإذا هي أحدية لا تصح، ولو ظن أنها أحدية فإذا هي مثنية يصح. وفي " المبسوط " " والذخيرة ": ولو اقتدى بالإمام ينوي صلاته ولم يدر أنها ظهر أو جمعة تجزئه، ولو لم ينو صلاته ولكن نوى الظهر والاقتداء به فإذا هو في الجمعة، لا يصح لأنه نوى غير صلاة الإمام. وفي غير رواية أبي سليمان: إذا نوى الإمام الجمعة فإذا هي ظهر جازت، قال شمس الأئمة: وهو الصحيح. ولو نوى الإمام ولم يخطر بباله أنه زيد أو عمرو جاز الاقتداء، ولو نوى الاقتداء به ويظن أنه زيد فإذا هو عمرو صح. ولو مقال: اقتديت بزيد، أو نوى الاقتداء بزيد فإذا هو عمرو، لا يصح اقتداؤه. وفي " الذخيرة ": قال مشايخنا: الأفضل أن ينوي الاقتداء بعد تكبيرة الإمام حتى يكون مقتديا بالمصلي، ولو نواه حتى وقف الإمام موقف الإمامة جاز عند عامة علمائنا، وبه كان يفتي الشيخ أبو إسماعيل الزاهد، والحاكم عبد الرحمن، وقال أبو سهل الكبير، والفقيه عبد الواحد، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 لأنه يلزم فساد الصلاة من جهة الإمام، فلا بد من التزامه. قال: ويستقبل القبلة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] (البقرة: الآية 144، 150) .   [البناية] والقاضي أبو حزم وكثير من أئمة بخارى أنه لا يجوز. وقال الفقيه الزاهد الجواليقي: ينوي الاقتداء بعد قوله: الله، قبل التكبير، وإن كان الإمام قال: الله أكبر، قبل أن يكبروا، ثم كبروا بعد قوله: الله، أجزأهم، وإن فرغوا قبله، عن أبي يوسف في رواية خلف بن أيوب عنه أنه قال: إن مد الإمام التكبير وجذبه رجل خلفه ففرغ منه قبل الإمام قال: يعيد بعده، ولا تجزئه تلك التحريمة، وهذا يقتضي أنه لو مد وفرغ معه يجوز. م: (لأنه يلزم فساد الصلاة من جهة الإمام فلا بد من التزامه) ش: أي يلزم فساد صلاة المقتدي من جهة الإمام لأنه ضامن، فلا بد من التزام الضروري وضرر الفساد لا يجوز أن يلحقه بدون التزامه فيشترط نية المتابعة. [استقبال القبلة من شروط الصلاة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويستقبل القبلة) ش: استقبال القبلة شرط لصحة الفرض والواجبة إلا في حال الخوف. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] (البقرة: الآية 144، 150) ش: أي شطر المسجد الحرام. وشطره: نحوه وجهته، وقرئ: إلى تلقاه. وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: شطره: قبله، قال الله تعالى {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144] (البقرة: الآية 144) . ثم أمر بالتوجه شطر المسجد الحرام، فدل على أن استقبال القبلة فرض. ويقال: حيثما كنتم في بر أو بحر وأردتم الصلاة فولوا وجوهكم تلقاءه، أي ثمة وجهته. وعن البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لما قدم المدينة صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبلة البيت، وأنه أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون، وقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت.» أخرجاه في الصحيحين. وقال أبو البقاء: وقيل ثلاثة عشر شهرا، وقيل: عشرة أشهر، وقيل: تسعة أشهر، وفي رواية أخرجاه في صلاة الصبح، ويتعلق بها مسائل أصولية وفروعية. أما الأصولية فقبلوا خبر الواحد وجواز نسخ الكتاب والسنة المتواترة عند الظاهرية، وجواز نسخ السنة بالكتاب عند الشافعي وليس بظاهر، وحكم النسخ لا يثبت في حق المكلف قبل بلوغ الخطاب، وجواز مطلق النسخ، وجواز الاجتهاد في زمان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالضرب منه. وأما الفروعية: فالوكيل إذا لم يعلم بعزله فهو باق على وكالته، والأمة إذا صلت مكشوفة الرأس وعلمت بالعتق في أثناء صلاتها إذا سترت رأسها من غير تراخ لأنه لم يبطل ما مضى من صلاتها قبل علمها بالعتق، وجواز الاجتهاد في أمر القبلة، ومن لم يعلم بفرض الله تعالى ولم يبلغه الدعوة ولا أمكنه الاستعلام من غيره، لا يلزمه الفرض، قاله الطحاوي، ونزلت على هذا أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 ثم من كان بمكة، ففرضه إصابة عينها، ومن كان غائبا ففرضه إصابة جهتها،   [البناية] من أسلم في دار الحرب أو أطراف بلاد الإسلام، بحيث لا يجد من غيره شرائع الإسلام، لا يجب عليه أن يقضي الصلاة والصيام، وفيه خلاف الشافعي ومالك. م: (ثم من كان بمكة ففرضه إصابة عينها) ش: أي ثم المصلي الذي كان حاضرا في مكة ففرضه في استقبال [القبلة] إصابة عين الكعبة، سواء كان بين المصلي وبينها حائل، كجدار ونحوه، أم لم يكن، حتى لو اجتهد وصلى وبان خطؤه، قال: قال الرازي: يعيد. وذكر ابن رستم عن محمد فيمن بان خطؤه بمكة وبالمدينة أنه لا إعادة عليه، وهو الأقيس. ويجب أن يكون بالمدينة والمواضع التي عرفت صلاته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قطعا فيها كذلك؛ لأن قبلتها معلومة بيقين لإخباره - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بذلك أو نقله. وقال أبو البقاء: قبلة المدينة حين وضع جبرائيل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - محراب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عرفه أنه مناسب الكعبة. وقيل: كان ذلك بالمعاينة بأن كشفت الجبال وأزيلت الحوائل، فرأى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الكعبة فوضع القبلة عليها. وقال أبو عبد الله الجرجاني وهو شيخ القدوري: الفرض إصابة عينها في حق الحاضر والغائب، ذكره في " الذخيرة " وغيرها. م: (ومن كان غائبا عنها) ش: أي عن الكعبة م: (ففرضه إصابة جهتها) ش: أي جهة الكعبة، لأن الطاعة بحسب الطاقة، وبه قال جمهور أهل العلم، منهم الثوري، ومالك، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، وأبو داود، والمزني، والشافعي في قول، أخرجه الترمذي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وفي " الحلية ": من كان غائبا ولم يجد من يخبره بالقبلة اجتهد في طلبها. وفي فرضه قولان: قال في " الإمام ": فرضه إصابة العين بالاجتهاد. والثاني ما نقله المزني: إصابة الجهة، وهو قول الباقين من أصحابه. وفي " الدراية ": ومن كان بمكة وبينه وبين الكعبة حائل يمنع المشاهدة كالأبنية، فالأصح أن حكمه حكم الغائب، ولو كان الحائل أصليا كالجبل، فله أن يجتهد، والأولى أن يصعد على الجبل حتى تكون صلاته إلى الكعبة يقينا. وفي " النظم ": الكعبة قبلة من في المسجد الحرام، والمسجد قبلة من بمكة، ومكة قبلة الحرم، والحرم قبلة العالم، وبه قال مالك. قيل: هذا على التقريب، فأما على التحقيق فالكعبة قبلة العالم. وروى الحسن عن أبي حنيفة وجوب نية استقبال القبلة. والصحيح أن استقبالها يغني عن النية، ذكره في " المبسوط " وغيره. وفي " الذخيرة ": كان الشيخ أبو بكر بن محمد بن الفضل يشترط نية الكعبة مع استقبال القبلة، وكان الشيخ أبو بكر بن حامد لا يشترطها، وبعضهم اختار ما قاله ابن حامد فيما إذا صلى إلى المحراب، وما قاله الفضلي في الصحراء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 هو الصحيح؛ لأن التكليف بحسب الوسع ومن كان خائفا يصلي إلى أي جهة قدر؛ لتحقق العجز والعذر، فلا يكلف إلى التوجه، فأشبه حالة الاشتباه، وإن اشتبهت عليه القبلة وليس بحضرته من يسأله عنها اجتهد وصلى،   [البناية] والمختار أنه لا يشترط، وفي " البدائع ": هو الصحيح. ولا تجزئه نية بناء الكعبة ولا نية الحجر الأسود لأن القبلة العرصة إلى عنان السماء لا البناء، لأن البناء لو وضع في مكان آخر فصلى إليه لا يجزئه وإلى العرصة يجزئه. وكذا لو صلى على أبي قبيس يجوز وإن لم يقابل البناء، ولو نوى مقام إبراهيم أو الحجر وقد أتى مكة لا يجزئه، وإن كان لم يأتها وعنده المقام والحجر والبيت واحد، أجزأه، قاله أبو أحمد العياضي. وقال أبو نصر: لا يجزئه. وفي " الجامع الأصغر ": لو نوى أن يصلي إلى المقام أو البيت لا يجزئه، وكذا لو نوى أن قبلته محراب مسجده لم يجزئه لأنه علامة القبلة. قال خواهر زادة: لو نوى بالمقام الجهة دون عينه لا يجزئه. قلت: يشترط مسامتة القبلة. م: (هو الصحيح) ش: يعني كون فرض الغائب إصابة جهة القبلة هو الصحيح، واحترز به عن قول الشيخ أبي عبد الله الجرجاني أن فرضه إصابة عينها، ويريد بذلك اشتراط عين الكعبة، وقد تقدم. م: (لأن التكليف بحسب الوسع) ش: وليس في وسع الغائب إصابة عينها م: (ومن كان خائفا) ش: من عدو أو سبع، أو الغرق بأن بقي على لوح م: (يصلي إلى أي جهة قدر لتحقق العجز والعذر، فلا يكلف إلى التوجه، فأشبه حالة الاشتباه) ش: أي فأشبه حكم هذا الخائف حكم من اشتبهت عليه القبلة في تحقيق العذر، فيتوجه إلى أي جهة قدر، لأن الكعبة تعتبر بعينها ليتحقق المقصود بالتوجه إلى أي جهة قدر. [حكم من اشتبهت عليه القبلة] م: (وإن اشتبهت عليه القبلة وليس بحضرته من يسأله عنها، اجتهد وصلى) ش: الواو في وليس للحال، وقوله: من، في محل الرفع لأنها اسم ليس، والضمير المنصوب في يسأله يرجع إلى من، وفي عنها إلى القبلة. وقوله: اجتهد، جواب إنما قيد بالاشتباه لأنه لو لم يشتبه لا تجوز صلاته إلى جهة التحري بل يجب التوجه إلى جهة الكعبة، وقد يعدم من يسأله لأنه إذا كان عنده من يسأله لا تجوز صلاته بالتحري، ويجب عليه الاستخبار. وإنما قيد بالحضرة إشارة إلى أنه لا يجب عليه أن يطلب من يسأله. وقيد بقوله: اجتهد وصلى؛ لأنه إذا صلى بدون الاجتهاد لا تجوز صلاته، حتى روي عن أبي حنيفة أنه يكفر لاستخفافه بالدين. وفي " النوازل ": رجل صلى إلى غير القبلة متعمدا فوافق ذلك الكعبة، قال أبو حنيفة: هو كافر، وقال أبو يوسف: جازت صلاته، قال الفقيه أبو الليث: القول ما قاله أبو حنيفة إن كان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 لأن الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - تحروا وصلوا، ولم ينكر عليهم النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -   [البناية] فعل ذلك على وجه الاعتقاد. م: (لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تحروا وصلوا ولم ينكر عليهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: فيه حديثان، أحدهما عن عامر بن ربيعة قال: «كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر. زاد الترمذي: في "ليلة مظلمة" قال: "قال: فتغيمت السماء وأشكلت علينا القبلة، فصلينا وأعلمنا، فلما طلعت الشمس إذا نحن قد صلينا لغير القبلة، فذكرنا ذلك للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فأنزل الله عز وجل {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] » (البقرة: الآية 115) . قال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بذاك ولا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان وهو يضعف في الحديث. ورواه أبو داود الطيالسي في "مسنده " وزاد فيه: " فقال: قد مضت صلاتكم، وأنزل الله الآية ". وقال ابن القطان في "كتابه": الحديث معلول بأشعث وعاصم، فأشعث مضطرب الحديث ينكر عليه أحاديث، وأشعث السمان سيئ الحفظ يروي المنكرات عن الثقات، وقال: فيه عمرو بن على وهو متروك. والحديث الثاني عن جابر: فروي من ثلاثة طرق: أحدها: أخرجه الحاكم في " المستدرك " عن محمد بن سالم عن عطاء بن أبي رباح عن جابر قال: «كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سرية فأظل لنا غيم، فتحيرنا فاختلفنا في القبلة، فصلى كل واحد منا على حدة فجعل كل واحد منا يخط بين يديه ليعلم مكانه، فذكرنا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يأمرنا بالإعادة وقال لنا: "قد أجزأت صلاتكم» . قال الحاكم: هذا حديث صحيح، ومحمد بن سالم لا أعرفه بعدالة ولا جرح. وقال الذهبي: محمد بن سالم يكنى أبا سهيل وهو واه، ورواه الدارقطني، ثم البيهقي في "سننهما"، فقال: محمد بن سالم ضعيف. الطريق الثاني: أخرجه الدارقطني ثم البيهقي ولفظهما: قال: «بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سرية كنت فيها، فأصابتنا ظلمة، فلم نعرف القبلة، فصلوا وخطوا خطوطا، فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة، فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك فسكت فأنزل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 ولأن العمل بالدليل الظاهر واجب عند انعدام دليل فوقه،   [البناية] الله تعالى {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] » (البقرة: الآية 115) . قال ابن القطان: فيه انقطاع ومجهول الحال. والطريق الثالث: عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن عطاء عن جابر نحوه. فإن قلت: في حديث جابر اختلاف؛ لأن في أحد الطريقين: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سرية، وفي الآخر: بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سرية كنت فيها. قلت: التوفيق بينهما أن السرية كانت جريدة جردها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من العسكر فمر فيها جابر واعتراهم ما ذكر، ولما قفلوا منها إلى عسكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سألوه، أو تكون الجريدة لم تجتمع مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا في المدينة، حتى يكون قوله: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقوله: بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سرية، صادقين. م: (ولأن العمل بالدليل الظاهر واجب) ش: هو الدليل الراجح وهو غلبة الظن م: (عند انعدام دليل فوقه) ش: أي فوق الدليل الظاهر. اعلم أن المجتهد في القبلة هو العالم بأدلتها وإن كان عاميا. قال تاج الشريعة: ومن الأدلة المحاريب القديمة المنصوبة في كل موضع؛ لأن نصبها كان باتفاق من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والتابعين - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فإن الصحابة فتحوا العراق وجعلوا القبلة لأهلها بين المشرق والمغرب، ثم فتحوا خراسان وجعلوا قبلة أهلها بين مسوى الصيف والشتاء، ومنهم من توفي فجعل قبره إليها من غير إنكار من أحدهم، وكفى باجتماعهم حجة، فيلزمنا اتباعهم في ذلك. ومن الأدلة السؤال في كل موضع عن أهله عنها لأنهم أعرف بقبلتهم عادة من غيرهم، قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] (النحل: الآية 43) . ومن الأدلة عند فقد هذه النجوم على ما حكي عن عبد الله بن المبارك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: أهل الكوفة يجعلون الجدي خلف القضاء استقبال القبلة، وهو نجم إلى جنب القطب يعرف القبلة. قال: ونحن نجعل الجدي خلف الأذن اليمنى. وكان الشيخ أبو منصور الماتريدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: انظر إلى مغرب الشمس في أطول أيام السنة وإلى مغربها في أقصر أيام السنة، ثم دع الثلثين عن يمينك والثلث عن يسارك، فتكون مستقبل القبلة، فذلك الوضع، انتهى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ويقال: أدلة معرفة القبلة كثير، منها الشمس من مطلعها ومغربها، والقمر في سيره ومنازله والنجوم في طلوعها وأفولها، والرياح في مهابها، والأنهار في مجاريها، والجبال في وجوهها، والمجرة. أما الشمس: فمن أشكلت عليه القبلة وكان بالمشرق يجعل الشمس خلفه في أول النهار وتلقاء وجهه في آخره، وإن كان في المغرب فعلى العكس، وإن كان بالشام يجعلها في أول النهار على جانبه الأيسر، وفي آخر النهار على جانبه الأيمن، وإن كان باليمن فعلى العكس يجعلها. وأما القمر: فإنه يطلع في أول الشهر على يمنة المصلي، ويختلف مطلعه في اليمنة، فربما كان مع قرب شقه اليسرى، وربما كان إلى مدائرها أقرب، ويطلع في ليلة ثمان وعشرين رفيعا لحظة ثم يغيب على يسرة المصلي. وقيل: في الليلة السابعة يكون في القبلة، ويغيب الهلال في الليلة الأولى على مضي ستة [ ...... ] . وأما النجوم: فأقوى الدلائل وأقواها القطب الشمالي، وهو نجم صغير في بنات النعش الصغرى بين الفرقدين في مهب الشمالي على مرتفع لا يغيب شتاء ولا صيفا. وأكثر استدلال الناس على الجهات في البر والبحر لكونه غير "زائل" عن مكانه، وحوله كواكب جلبة وخفيفة تسمى السمكة، وفاس الرحى تدور حول القطب أبدا لقطب الرحى، والفرقدان يكونان أعلاه في أول الليل ثم ينزلان عنه كلما تصرم الليل، وإذا قوي نور القمر خفي، ويعرف بوضعه في الفرقدين. وأما سهيل اليماني فإنه لا يرى بالأندلس ولا بخراسان لانخفاضه، ويرى مع الفجر في آخر السماء في السادس والعشرين بين سوى بمصر ويطلع فيه ظهوره [كان يصلي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل هجرته إلى المدينة، وهو ما بين الركنين اليماني والعراقي] ويقال القطب الشمالي في داخل السفينة عند رجل الفرقدين عند رتبة الجدي، وهو مقابل القطب الجنوبي والقطب الذي بين الجدي والفرقدين يكون خلف أذن المصلي اليمنى إذا كان بالمشرق، وخلف أذنه اليسرى إذا كان بالمغرب، وبين كتفيه إذا كان بالشام، وخلف كتفه اليسرى إذا كان بأرض جصة، وغروب بنات النعش خلف ظهره. ومطلع العقرب تلقاء وجهه. ويصلي أهل ديار مصر على حد أسوان مشرق الشتاء، إلا أهل أسوان فإنها أشد سريعا من البلاد الشمالية، تقرب من الجنوب والقطب قبالة وجهه إذا كان باليمين. وأما الرياح الأربعة: ريح الشمال، والجنوب، والصبا، والدبور، فيقابل أركان الكعبة، فالصبا شرقية تقابل الركن العراقي الذي به الحجر الأسود، سميت الصبا لأنها تصير إلى وجه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الكعبة، ومهبها ما بين الركن اليماني والركن العراقي إلى مصلى آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو وسط الكعبة. والشمال شامية تقابل الركن الشامي والركن الغربي، والدبور غربية لأنها تقابل الركن العراقي، ومهبها جبال الميزاب إلى ما بين الركن اليماني والغربي، سميت بالدبور لأنها تأتي من دبر الكعبة. والجنوب جبالية لأنها تقابل الركن اليماني ومهبها حيال الركن الغربي والركن اليماني إلى مصلى النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قبل الهجرة، وسميت الجنوب لأنها تستقبل الجانب الأيمن من الكعبة، فالصبا تقابل الدبور والشمال تقابل الجنوب وكل ريح بين ريحين من هذه الأرياح الأربعة تسمى ريحا. وأما الأنهار والمياه: فإنها تحل جارية من يمنة المصلي إلى يسرته على انحراف قليل يقرب من كتفه اليمنى، وتنفذ من الماء في اليسرى، كدجلة والفرات، والنهرين وغيرها من الأنهار، أحدها بخراسان، والأخرى: بالشام يسمى العاصي، ويقال لهما العارض لأنهما يخالفان لجريان الماء لأنهما يجريان عن يسرة المصلي إلى يمينه، ولا اعتبار بالأنهار المحدثة والسواقي لأنها بحسب الحاجات، ونيل مصر أيضا يجري إلى الشمال على خلاف الأنهار. وأما الجبال فوجوهها مستقبل البيت. وأما المجرة فإنها تكون ممتدة على كتف المصلي اليسرى إلى القبلة، ثم تلتوي رأسها حتى يصير آخر الليل على كتفه اليمنى. وقال المرغيناني: قيل: قبلة البشر الكعبة، وقبلة أهل السماء البيت المعمور، وقبلة الكروبيين: الكرسي، وقبلة حملة العرش العرش، ومطلوب الكل وجه الله تعالى. م: (والاستخبار فوق التحري) ش: أي طلب خبر القبلة من غيره فوق التحري إذا كان المخبر من ذلك الموضع، وأما إذا كان مسافرا لا يلتفت إلى الخبر، وفي " التحفة ": إذا كان في المفازة والسماء مضحية وله علم بالاستدلال بالنجوم على القبلة، لا يجوز له التحري، والتحري في اللغة طلب أحد الأمرين وهو أولاهما، وفي الشرع يقع على أخف الأمرين وأولاهما بغالب الرأي عند تعذر الوقوف على حقيقته. قلت: الخبر قد يكون حجة [ ...... ] ، فلذلك قلنا: إن الاستخبار فوق التحري، كما في خبر رواية الهلال ورواية الحديث، والتحري حجة حقة لا في غيره، ولا يجوز التحري مع المحاريب، وقال النووي: أحب اعتمادها ولا يجوز معها الاجتهاد، وقال: ونقل صاحب " الشمائل " إجماع المسلمين على هذا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 والاستخبار فوق التحري، فإن علم أنه أخطأ بعدما صلى لا يعيدها، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يعيدها إذا استدبر لتيقنه بالخطأ، ونحن نقول: ليس في وسعه إلا التوجه إلى جهة التحري والتكليف مقيد بالوسع.   [البناية] م: (فإن علم أنه أخطأ بعدما صلى لا يعيدها) ش: أي الصلاة التي صلاها، وبه قال مالك وأحمد والمزني م: (وقال الشافعي: يعيدها إذا استدبر) ش: وهو ظاهر مذهبه وقوله الآخر كمذهبنا. وفي " الحلية ": هو المختار، وقيد بالاستدبار لأن في التيامن والقياس لا يعيد اتفاقا. م: (لتيقنه بالخطأ) ش: وتمكنه من أداء الفرض بيقين، فيعيدها كما لو تحرى في ثوبين، أحدهما نجس، ثم ظهر بعد الصلاة في أحدهما بالتحري أنه نجس فيها أنه يعيد الصلاة إجماعا، وكذا التحري في الأواني. قلنا: الاجتهاد يقوم مقام إصابة الكعبة عند العجز عن التوجه إلى عينها، بخلاف الثوب النجس والماء النجس إذا تنجس ما أقيم مقامه الظاهر فظاهر. ولأن الحاجة إلى الاجتهاد في القبلة أمس إذ لولاه صحت الصلاة أصلا، بخلاف الثوب والماء فإنه يمكنه أن يصلي عاريا وبالتيمم، فللصلاة وجود بدونها. م: (ونحن نقول: ليس في وسعه إلا التوجه إلى جهة التحري) ش: إذ ليس في وسع هذا المجتهد إلا التوجه إلى جهة التحري لأن المقصود من طلب الجهة رضاء الله عنه لا عين الجهة، إلا إذا أمر بالطلب تحقق معنى الابتداء، والابتداء قد تم بالتحري فسقط عنه ما لزمه من الفرض. م: (والتكليف مقيد بالوسع) ش: قال الله تعالى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] (البقرة: الآية 286) . قال الأكمل: قيل هذا لا يصح جوابا للشافعي اه. قلت: هذا هو كلام السغناقي، فإنه قال: فإن قلت: هذا التعليل لا يكون جوابا كما ذكره الشافعي، فإن له أن يقول: سلمنا أن التكليف مقيد بالوسع، لكن هذا حال العمل، فإن له أن يعمل حال توجه الخطاب بالعقل لما في وسعه، ولا يأثم بما فعل عند ظهور الخطأ، فأما إذا ظهر خطؤه يقينا فكان فعله كلا فعل في حق وجوب الإعادة، كما في التحري في ثوبين أحدهما نجس، فإنه يعيد الصلاة هنا. وملخص جوابه بأن القبلة من قبيل ما يحتمل الانتقال لأنها انتقلت من بيت المقدس إلى الكعبة ومن الكعبة إلى الجهة ومنها إلى سائر الجهات إذا كان راكبا، فإن فعل حيثما توجهت إليه راحلته فيعيد ما صلى إلى الجهة بالتحري إذا تحرك رأسه، فينتقل فرض التوجه إلى تلك الجهة، فكما يبدل الرأي فيه بمنزلة الفسخ فيعمل به في المستقبل، ولا يعمل به بطلان ما مضى، كما في النسخ الحقيقي، بخلاف النجاسة ونحوها مما لا يحتمل الانتقال من محل إلى محل، فلم يحركه العمل إلا بظاهر ما أدى إليه تحريه، فإذا ظهر ما هو أقوى منه أبطله لأنه غير قابل للانتقال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 فإن علم ذلك وهو في الصلاة استدار إلى القبلة وبنى عليه؛ لأن أهل قباء لما سمعوا بتحول القبلة استداروا كهيأتهم في الصلاة، واستحسنه النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وكذا إذا تحول رأيه إلى جهة أخرى توجه إليها؛ لوجوب العمل بالاجتهاد فيما يستقبل من غير نقض المؤدى قبله.   [البناية] م: (فإن علم ذلك) ش: يعني خطأه م: (وهو في الصلاة) ش: أي والحال أنه في نفس الصلاة م: (استدار إلى القبلة) ش: بلا استئناف. م: (لأن أهل قباء لما سمعوا بتحول القبلة استداروا كهيأتهم، واستحسنه النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: هذا الحدث أخرجه البخاري ومسلم عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال: «بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أنزل عليه الليلة قرآنا، وقد أمرنا أن نستقبل القبلة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة» وأخرجه مسلم عن أنس وفيه: " وهم ركوع في صلاة الفجر ". وأخرج البخاري عن البراء قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، فإنه صلى أول صلاة صلاها العصر ومعه قوم» . الحديث. وفي لفظ آخر له: «وهم ركوع في صلاة العصر» . وروى ابن سعد عن الواقدي: ثنا عمر بن صالح مولى التوأمة قال: سمعت محمد بن عبد الله بن سعد يقول: «صليت القبلتين مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصرفت القبلة إلى البيت ونحن في صلاة الظهر فاستدار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واستدرنا معه» . قوله: بقباء بصم القاف والمد: قرية من قرى المدينة، قال أبو حاتم: من العرب من يصرفه ويجعله مذكرا، ومنهم من يؤنثه فلا يصرفه. قوله: استداروا؛ أي داروا من الدوران. وفي " الكافي " كيفية الاستدارة أن يبدأ من الجانب الأيمن لا من الجانب الأيسر. م: (وكذا إذا تحول رأيه إلى جهة أخرى توجه إليها) ش: صورته: صلى بالتحري ركعة إلى جهة ثم تبين خطؤه في الصلاة، حول وجهه إلى تلك الناحية وبقي على الأول، ولا يجب عليه شيء فيها، وبه قال ابن أبي موسى والأسدلي من الحنابلة. م: (لوجوب العمل بالاجتهاد فيما يستقبل من غير نقص المؤدى قبله) ش: المؤدى بفتح الدال. قوله: قبله؛ أي قبل تحريه إلى جهة أخرى وهو في الصلاة، لأن تبدل الرأي بمنزلة النسخ فيعمل في المستقبل لا في الماضي، كما في النسخ. وكذلك الأمة إذا] أعتقت في الصلاة أنها تأخذ قناعا وتبني، ولو شك وصلى من غير تحر فهو على الفساد ما لم يتبين الصواب بعد الفراغ. ولو علم في الصلاة أنه أصاب القبلة فعليه أن يستقبل صلاته لأن حاله قويت بالعلم، وبناء القوي على الضعيف لا يجوز، ذكر ذلك الأسبيجابي والمرغيناني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 ومن أم قوما في ليلة مظلمة فتحرى القبلة وصلى إلى المشرق، وتحرى من خلفه فصلى كل واحد منهم إلى جهة، وكلهم خلفه، لا يعلمون ما صنع الإمام، أجزأهم؛ لوجود التوجه إلى جهة التحري، وهذه المخالفة غير مانعة كما في جوف الكعبة بالجماعة، ومن علم منهم بحال الإمام تفسد صلاته؛   [البناية] وروي عن أبي يوسف جواز البناء، ولو كان في الزاوية إلى جهة فتركها وصلى إلى غيرها، فإنه لا تجوز صلاته وإن أصاب القبلة، لأنه تولى القبلة المتعينة عليه، وكذا لو أصاب في أثنائها يستقبل. وفي رواية أبي سليمان عن أبي يوسف أنه يجزئه لأنه أدرك المطلوب من الاجتهاد. وفي " المحيط ": لو كان بحضرته من يسأله عنها فصلى بالتحري، لا يجزئه إلا إذا أصاب القبلة، لحصول المقصود، ولو قام إلى الصلاة إلى جهة من غير شك ثم شك بعد ذلك، فهو على الجواز حتى يعلم يقينا فساده، فتجب عليه الإعادة، وإن علم فيها استقبل صلاته، ولو صلى بالتحري في أحد ثوبين ثم تحول تحريه إلى الثوب الآخر، فكل صلاة صلاها في الثوب الأول تجزئه، وإن علم النجاسة في الثوب الأول أعاد. وفي " المرغيناني ": صلى بالتحري في المفازة والسماء مصحية وهو لا يعرف النجوم، فتبين أنه أخطأ القبلة، قال ظهير الدين: يجوز، وقال غيره: لا يجوز. وفي " فتاوى السغناقي ": يجزئه ولم يقع تحريه على شيء، قيل: يؤخر الصلاة، وقيل: يصلي إلى أربع جهات، وقيل: يخير. وفي " المحيط ": دخل مصرا وعاين المحاريب لا يتحرى، وبه قال الشافعي، ولو دخل مسجدا لا محراب له وبحضرته أهله، لا يجزئه التحري إلا إن أصاب، ولو سألهم ولم يخبروه فتحرى وصلى جاز. م: (ومن أم قوما في ليلة مظلمة فتحرى القبلة وصلى إلى المشرق، وتحرى من خلفه فصلى كل واحد منهم إلى جهة وكلهم خلفه لا يعلمون ما صنع الإمام أجزأهم) ش: أي الصلاة. فإن قلت: قوله: لا يعلمون ما صنع الإمام، مشكل، لأنه يجوز أن يعلموا حال الإمام بصوته لأنهم في صلاة الليل بدليل قوله: في ليلة مظلمة. قلت: يحتمل أن تكون الصلاة قضاء، أو يترك الإمام الجهر ناسيا، أو يكونوا قد عرفوا الإمام بصوته أنه قدامهم ولكن لم يميزوا من صوته إلى أي جهة توجه. م: (لوجود التوجه إلى جهة التحري) ش: وجهة التحري هي المتعينة، وقد وجدت م: (وهذه المخالفة غير مانعة) ش: لأن جهة تحري كل واحد قبلة له، فلا بأس بالاختلاف. م: (كما في جوف الكعبة بالجماعة) ش: فإنه لا يضر، فكذا ذاك، وبه قال الشافعي. وقال بعض أصحابه: عليهم الإعادة، كذا قال الأترازي وأخذ عنه الأكمل م: (ومن علم منهم) ش: أي من القوم المقتدين م: (بحال الإمام تفسد صلاته) ش: قال السغناقي: وهذا القيد وهو علم المقتدي حال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 فكذا لو كان متقدما على الإمام؛ لتركه فرض المقام.   [البناية] كونهم مأمومين ليس بلازم في سبق فساد صلاتهم، فإنه لو علم حال الإمام قبل الاقتداء فالحكم كذلك، وإن كان الإمام في وقت الاقتداء على الصحة، قال الأكمل: فيه نظر لأن قوله: ومن علم منهم حال إمامه، أعم من أن يكون علم قبل الاقتداء به أو بعده. قلت: في نظره مخالفة إمامه في الكعبة، لأن صلاة الكل إلى القبلة. م: (فكذا لو كان متقدما عليه) ش: أي فكذا الحكم لو كان المأموم متقدما على الإمام م: (لتركه فرض المقام) ش: أي لترك المأموم فرض مقامه، وهو تأخره عن الإمام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 باب في صفة الصلاة   [البناية] [باب في صفة الصلاة] م: (باب في صفة الصلاة) ش: أي هذا باب في بيان صفة الصلاة. ولما فرغ من ذكر الوسائل وهي الشروط والأسباب، شرع في بيان ما هو المقصود من ذكره وهو صفة الصلاة، والوصف والصفة مصدران كالوعد والعدة والوزن والزنة، من يصف وصفا وصفة، من باب فعل يفعل، بفتح العين من الماضي وكسرها في المستقبل. وأصل يصف: يوصف، حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة، وأصل صفة: وصف، حذفت الواو تبعا لفعله وعوض عنها التاء، فصار صفة على وزن عدة، وجعلت التاء في آخره لأن العوض لا يكون موضع المعوض. فإن قلت: ما تقول في تخمة وتراث، فإن أصله وخمة ووراث. قلت: هذا بدل وليس بعوض كما عرفت في موضعه. فإن قلت: لم لا يجوز أن يقول وحده لئلا يلزم الجمع بين العوض والمعوض، فإن قلت: ما تقول في وجهة مع أن فيه الجمع بين العوض والمعوض. قلت: هذا ليس بمصدر جار على فعله، ويجوز أن يقال وإن كان مصدرا لم يحذف منه المعوض؛ تنبيها على أصله كما في قود واستحوذ. ثم إن الصفة والوصف مترادفان عند أهل اللغة وعند المتكلمين الوصف، كما في قولك: زيد عالم، وإلحاقه بالموصوف، أعني المعنى القائم بذاته. فإن قلت: قال: باب صفة الصلاة، ولم يقل: باب وصف الصلاة. قلت: ظهر لك جوابه بما ذكرنا إن كنت في ذكر منه، وقال الأكمل: الظاهر أن المراد بالصفة هنا الهيئة الحاصلة للصلاة بأركانها وعوارضها. قلت: ليس المراد الحاصلة، وإنما المراد وصف تلك الهيئة، والوصف هو لفظ الواصف مدلوله، فأطلق الصفة وأريد به الوصف إطلاقا لاسم المدلول على الدال. فإن قلت: ما هذه الإضافة في صفة الصلاة؟ قلت: إضافة الجزء إلى الكل لأن كل صفة من هذه الصفات جزء الصلاة. فإن قلت: الصفة عرض والصلاة كذلك فكيف يقوم العرض بالعرض؟ قلت: جاز أن يوصف العرض بالصفات الذاتية كاللونية واستحالة البقاء، فيقال: السواد عرض، ولون مستقبل البقاء، وإنما لا يوصف بالصفات الزائدة على الذات، كالبقاء والحياة والقدرة، مع أن الأفعال الشرعية لها حكم الجواهر، فلذلك يوصف بالصحة والفساد والجواز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 فرائض الصلاة ستة: التحريمة   [البناية] والبطلان ونحو ذلك، على أن هذا الباب مختلف فيه. [فرائض الصلاة] [تكبيرة الإحرام] م: (فرائض الصلاة ستة) ش: الفرائض جمع فريضة، وهي ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه. قوله: ستة؛ أي ستة أشياء، فيقال للمذكر بتاء التأنيث وللمؤنث بدون التاء، تقول ثلاثة رجال وثلاث نسوة إلى عشرة رجال وعشر نسوة. وفي بعض النسخ فرائض الصلاة ست، وهي على القياس، وتؤول النسخة الأولى على أن المراد بالفرائض الفروض، جمع فرض، والمراد من الصلاة الفرض لأن القيام في النافلة ليس بفرض. فإن قلت: لم لم يقل: أركان الصلاة. قلت: لأن الفرض أعم من الأركان، لأن الفرض يطلق على الركن والشرط أيضا، وأيضا لو قال: أركان الصلاة لكان خرج منها التحريمة؛ لأنها شرط على قول عامة المشايخ لا ركن. ونقل عن فخر الإسلام أنها ركن، ولذلك اختلفوا في ركنية القعدة الأخيرة. فإن قلت: فعلى هذا كان ينبغي أن يذكر التحريمة مع الشروط. قلت: إنما هو ذكرها مع الأركان لشدة اتصالها بالصلاة، فحيث تنفك عنها وليست كسائر الشروط. فإن قلت: كان ينبغي أن تكون الفروض سبعة؛ لأن الخروج عن الصلاة بفعل المصلي فرض. قلت: أراد بها الفرائض التي اتفق عليها أصحابنا الثلاثة، على أن الكرخي نقل عن أبي حنيفة أنه ليس بفرض. والشرط ما يتوقف عليه المشروط وهو خارج عن ماهيته، والركن ما يتوقف عليه وهو داخل في ماهيته، والفرض أعم منهما. ونقل عن مولانا حميد الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - يشترط لثبوت الشيء ستة أشياء: العين، وهو عبارة عن ماهية الشيء، والركن، وهو عبارة عن جزء الماهية، والحكم وهو الأثر الثابت به، والمحل، والشرط، والسبب. فالعين الصلاة ههنا، والأركان: القيام والقراءة، إلى آخر ما ذكر، والمحل: الآدمي المكلف، والشرط: ما تقدم من طهارة البدن والثوب وغير ذلك، والسبب: الأوقات. م: (التحريمة) ش: أي أول الفرائض التحريمة، وهي تكبيرة الافتتاح. والتحريمة جعل الشيء محرما، والهاء فيها لتحقيق الاسمية، قاله الأكمل أحسن من صاحب " الدراية ". قلت: الظاهر أن يكون للأفراد، وإنما اختصت التكبيرة الأولى بهذا الاسم لأنها تحرم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] (المدثر: الآية 3) . والمراد: تكبيرة الافتتاح، والقيام، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] (البقرة: الآية 238)   [البناية] الأشياء المباحة قبلها بخلاف سائر التكبيرات، كذا في " المستصفى ". م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] (المدثر: الآية: 3) والمراد تكبيرة الافتتاح) ش: الفاء فيه للتنبيه؛ كأنه قال: والذي رباك فكبر. وقال الأكمل: دخلت الفاء لمعنى الشرط كأنه قال: أي شيء كان فلا تدع تكبيره. وقلت: نقله عن " الكشاف "، والأمر للوجوب وإلا لكان يجب فيه إلا في افتتاح الصلاة، والمعنى على الحقيقة: خص ربك بالتكبير، وهو الوصف بالكبرياء، وأن يقال: الله أكبر. اعلم أنه ثبت فرضية التكبيرة الأولى بالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] (الأعلى: الآية 15) نزلت هذه الآية في التكبيرة الأولى، وقَوْله تَعَالَى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] (المدثر: الآية 3) والمراد به في الصلاة إذ لا يجب خارج الصلاة بإجماع أهل التفسير. أما بالسنة: فما روي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» . رواه الترمذي وابن ماجه، على ما نذكره إن شاء الله تعالى. وأما الإجماع فلأنه لم يخالف أحد في وجوبه، كذا في " مبسوط شيخ الإسلام " قلت: ما ذكر في " مبسوط السرخسي " أنه التكبير، فلا بد فيه للشروع في الصلاة، إلا على قول أبي بكر الأصم وإسماعيل بن علية، فإنما يقولان: يصير تنازعا بمجرد النية والأذكار التكبيرية والقراءة عندهما ونية الصلاة؛ والمراد تكبيرة الافتتاح؛ أي بإجماع أئمة التفسير. ولأن سائر التكبيرات ليس بفرض بالإجماع، فتعين هذا الفرضية فلا يؤدي إلى تعطيل النص. [القيام في صلاة الفرض] م: (والقيام) ش: الفريضة الثانية هي القيام في الصلاة الفرض، لأن القيام في النافلة ليس بفرض على ما تقدم. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] (البقرة: الآية 238) ش: وجه الاستدلال أن الله عز وجل أمر بالقيام، والأمر للوجوب، وليس القيام واجبا خارج الصلاة، فكان واجبا فيها ضرورة، والنفل خارج لعدم تناول الأمر إليه. قوله: قانتين، حال من الضمير الذي في قوموا، ومعناه ساكتين وتاركين الكلام، يدل عليه حديث زيد بن أرقم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كنا نتكلم في الصلاة حتى نزل قَوْله تَعَالَى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام» رواه الجماعة غير ابن ماجه، وقيل: معنى القنوت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 والقراءة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) . والركوع والسجود؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: و {اركعوا واسجدوا} [الحج: 77] (الحج: الآية 77) والقعدة في آخر الصلاة مقدار التشهد؛ «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين علمه التشهد: "إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك".»   [البناية] الطاعة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} [الأحزاب: 35] (الأحزاب: الآية 35) . وقيل: القنوت الخشوع؛ أي خاشعين. وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - القنوت: طول القيام في الصلاة. [قراءة القرآن والركوع والسجود في الصلاة] م: (والقراءة) ش: أي الفريضة الثالثة قراءة القرآن. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] المزمل: الآية 20) ش: وجه الاستدلال أنه أمر بالقراءة، والأمر للوجوب، فلا وجوب خارج الصلاة بالإجماع، فثبت في الصلاة والاعتبار كما تقدم عن أبي بكر الأصم أن القراءة ليست بفرض في الصلاة لأنه خرق للإجماع، وكذا نقل عن الحسن، وسيجيء مزيد الكلام في آخر باب النوافل، وكذلك يجيء هل هي فرض في جميع الصلاة أو ههنا؟ ثم الأمر بالقراءة أعم من أن تكون قراءة الفاتحة أو غيرها، فلأن تشترط قراءة الفاتحة للجواز لأن مطلق القراءة كما يوجد في ضمن الفاتحة يوجد في ضمن غيرها من السور. م: (والركوع) ش: أي الفريضة الرابعة الركوع م: (والسجود) ش: أي الفريضة الخامسة السجود م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا} [الحج: 77] الحج: الآية 77) ش: الواو في قوله: واركعوا، سهو؛ لأنها ليست من القرآن، وجب الاستدلال على ما مر الآن، وقيل: كان الناس أول ما أسلموا يسجدون بلا ركوع ويركعون بلا سجود، فأمروا أن تكون صلاتهم بركوع وسجود لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} [الحج: 77] (الحج: الآية 77) . أي اقصدوا بعبادتكم في ركوعكم وسجودكم وجه الله تعالى، كذا قال الزمخشري. [القعدة في آخر الصلاة والتشهد والسلام] م: (والقعدة في آخر الصلاة) ش: أي الفريضة السادسة: القعود في آخر الصلاة. م: (مقدار التشهد) ش: أي مقدار ما يأتي فيه بكلمتي التشهد، والأصح قدر ما يمكن فيه من قراءة التشهد إلى قوله: عبده ورسوله، وذكر القولين في " الينابيع ". وقال في " المحيط ": هو من جملة الفروض دون الأركان، وبه قال الشافعي وأحمد وغيرهما، وقيل: هو سنة، وبه قال مالك م: «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين علمه التشهد: إذا قلت هذا، أو فعلت هذا، فقد تمت صلاتك» ش: أخرجه أبو داود في "سننه " حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا زهير ثنا الحسن عن القاسم بن مخيمرة قال: «أخذ علقمة بيدي فحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذه بيده وأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ بيد عبد الله فعلمه التشهد في الصلاة، فذكر مثل حديث دعاء الأعمش: "إذا قلت هذا، أو قضيت هذا، فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد» ، وكذا رواه أحمد في مسنده: ثنا الفضل بن دكين الملائي ويحيى بن آدم قالا: حدثنا زهير بن معاوية بن خديج به، فذكر التشهد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بحروفه وفي آخره: «فإذا قلت هذا فقد قضيت ما عليك، إن شئت أن تقوم فقم» . وقول أبي داود: فذكر مثل دعاء حديث الأعمش، أراد به ما رواه أولا: حدثنا مسدد ثنا يحيى عن سليمان الأعمش قال: حدثني سفيان بن سليمان عن عبد الله بن مسعود قال: «كنا إذا جلسنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصلاة قلنا: السلام على الله قبل عباده، السلام على فلان وفلان، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تقولوا السلام على الله؛ فإن الله هو السلام، ولكن إذا جلس أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم يتخذ أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به» . ثم اعلم أن أصحابنا استدلوا بالحديث الذي ذكره في الكتاب في مسائل، الأولى استدلوا به على فرضية القعدة الأخيرة، وذلك لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - علق الصلاة بالقعود، وما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وهو حجة على مالك حيث لم يفرض القعدة الأخيرة. فإن قلت: كلمة أو لأجل السبق وليس فيه دلالة على ما ادعيتم. قلت: معناه: إذا قلت هذا وأنت قاعد أو قعدت ولم تقل، فصار الخبر في القول لا في الفعل؛ إذ الفعل ثانيه في الحالين، وتحقيق وجه الاستدلال به أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علق تمام الصلاة بالفعل قراءة ولم يقرأ لأنه علق بأحد الأمرين من قراءة التشهد والقعود، وأحدهما وهو القراءة لم تشرع بدون الآخر، حيث لم يفعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا فيه، وانعقد على ذلك الإجماع، فكان الفعل موجودا على تقدير القراءة البتة، وكان هو المعلق به في الحقيقة لاستلزامه الآخر، وكلما علق بشيء لا يوجد بدون الفعل، وتمام الصلاة واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالقعدة واجبة؛ أي فرض. فإن قلت: هذا خبر واحد، وهو بظاهره لا يقيد الفرضية، فكيف مع هذا التكلف العظيم. قلت: إن قَوْله تَعَالَى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [الأنعام: 72] (البقرة: الآية 43) مجمل، وخبر الواحد لحق بيانا له، والمجمل من الكتاب إذا لحقه البيان الظني يفيد الفرضية، لأن الحكم بعده يكون مضافا إلى الكتاب لا إلى البيان في الصحيح. فإن قلت: لم لا يكون الأمر في القراءة ويكون فرضا؟ قلت: لأن نص القراءة ليس بمجمل بل هو خاص، فتكون الزيادة عليه نسخا بخبر الواحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وهو لا يجوز. وههنا جواب آخر، وهو أن خبر الواحد إن كان متعلقا بالقبول جاز إثبات الركنية به، فبالطريق الأولى أن يثبت به الفرضية لأن درجات الركنية أعلى، وقد بينا ركنية الوقوف بعرفات لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الحج عرفة» ، والوقوف معظم أركان الحج لا محالة، والقعدة الأخيرة فرض والمصنف صرح به حيث ذكرها في الفرائض، فجاز أن تثبت بخبر تُلقي بالقبول. وذكر في " الإيضاح ": أما القعدة الأخيرة فمن جملة الفروض وليست من الأركان، لأن ركن الشيء ما يفسر به ذلك الشيء، وتفسير الصلاة لا يقع بالقعدة وإنما يقع بالقيام والقراءة والركوع والسجود، ووجه القعدة من جملة الأركان لتوقف الحنث عليها، وإنما تقدمت الركنية في القعدة لأنها اعتبرت بغيرها لا بعينها لأن الصلاة التعظيم وهو بالقيام، ويزداد بالركوع ويتناهى بالسجود والقعدة للخروج، فافهم. فإن قلت: هذا الكلام، أعني قوله: إذا قلت هذا إلخ. مدرج وليس من كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال البيهقي: بين ذلك شبابة بن سوار في رواية عن زهير بن معاوية، وفصل كلام ابن مسعود من كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو أصح من قول من جعله من كلام النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ورواه ابن ثوبان عن الحسن بن الحر أنه من كلام ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال ابن حبان بعد أن أخرج هذا الحديث في " صحيحه ": وقد أوهم هذا الحديث من لم يحكم الصناعة أن الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليست بفرض، فإنه قوله. إذا قلت: هذه زيادة أخرجها زهير بن معاوية في الخبر عن الحسن بن الحر قال: ذكر بيان أن هذه الزيادة من قول ابن مسعود لا من قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأن زهيرا أدرجه في الحديث، ثم أخرجه عن الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة به سندا ومتنا، وفي آخره قال ابن مسعود: فإذا فرغت من صلاتك فإن شئت فاثبت وإن شئت فانصرف. ثم أخرجه عن حسين بن على الجعفي عن الحسن بن الحر، وفي آخره قال الحسن: وزاد محمد بن أبان بهذا الإسناد قال: فإذا قلت هذا فإن شئت فقم، قال: محمد بن أبان ضعيف. وقال الدارقطني في " سننه ": هذان أخرجا هذا الحديث هكذا، أدرجه بعضهم في الحديث عن زهير ووصله بكلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفصله شبابة بن سوار عن زهير بجعله من كلام ابن مسعود وهو أشبه بالصواب. قلت: الجواب عن جميع ما ذكروه من وجوه: الأول: أن أبا داود روى هذا الحديث وسكت عنه، ولو كان فيه ما ذكره لبينه، لأن عادته في كتابه أن يلوح على مثل هذه الأشياء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الثاني: أن أبا زيد الدبوسي من عم هو وغيره، وأن هذه الزيادة رواها أبو داود الطيالسي. وروى ابن داود العتبي وهشام بن القاسم ويحيى بن أبي بكر كثير، ويحيى بن يحيى النيسابوري في آخرين متصلا، فرواية من رواه مفصولا لا يقطع بكونه مدرجا؛ لاحتمال أن يكون نسيه ثم ذكره، فسمعه هؤلاء متصلا وهذا منفصلا، وجدنا في كتاب النسائي من حديث الإفريقي عن عبد الله بن عمر عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «إذا أحدث الرجل في آخر صلاته قبل أن يسلم فجازت صلاته» . الثالث: أن عبد الرحمن بن ثابت الذي ذكره البيهقي قد ضعفه ابن معين هو بنفسه، ذكره في باب التكبير أربعا. وكذلك عنان بن الربيع الذي روى عن عبد الرحمن بن ثابت، ضعفه الدارقطني وغيره، فمثل هذا لا يعلل رواية " الجامع الصغير " الذي جعلوا هذا الكلام بالحديث، وعلى تقدير صحة السند الذي روي فيه موقوفا، فرواية من وقف لا يعلل بها رواية من رفع؛ لأن الرفع زيادة مقبولة على ما عرف من مذاهب أهل الفقه والأصول، فيحمل على أن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سمعه من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فرواه بذلك مرة وأفتى به مرة أخرى، وهذا أولى من جعله من كلامه، إذ فيه تخطئة الجماعة الذين وصلوا. ولئن سلمنا وصوله، فالوهم في رواية من أدرجه لا يتعين أن يكون الوهم من زهير، بل ممن رواه عنه موقوفا، والثانية أن هذا ينافي فرضية الصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الصلاة؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - علق التمام بالقول، وهو حجة على الشافعي، وأيضا أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علم التشهد لعبد الله بن مسعود ثم أمره عقبه أن يتخذ من الدعاء ما شاء ولم يعلمه الصلاة عليه، ولو كانت فرضا لعلمه، إذ موضع التعلم لا يؤخر لبيان الواجب. وأيضا علم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأعرابي أركان الصلاة، ولم يعلمه الصلاة عليه، ولو كانت فرضا لعلمه. وكذا لم يرو في تشهد أحد من الصحابة، فمن أوجبها فقد خالف الآثار. وقد قال جماعة من أهل العلم أن الشافعي خالف الإجماع في هذه المسألة مقتدى به، منهم ابن المنذر وابن جرير الطبري والطحاوي، وسيأتي مزيد الكلام فيه. الثالثة: أن هذا ينافي فرضية السلام في الصلاة؛ لأنه عزم أمر المصلي بعد القعود بقوله: إن شئت أن تقوم وإن شئت أن تقعد، وهو حجة على الشافعي أيضا، حيث افترض السلام. الرابعة: استدل به أبو يوسف ومحمد في المسائل الاثني عشرية أن الصلاة لا تبطل فيها لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علق تمام الصلاة بالقعود ولم يعلق عليه شيئا. واعتراض العوارض قبل السلام كاعتراضها بعد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 علق التمام بالفعل، قرأ أو لم يقرأ. قال: وما سوى ذلك فهو سنة، أطلق اسم السنة وفيها واجبات: كقراءة الفاتحة، وضم السورة إليها. ومراعاة الترتيب فيما شرع مكررا من الأفعال،   [البناية] م: (علق التمام بالفعل) ش: أي علق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إتمام الصلاة بالفعل م: (قرأ أو لم يقرأ) ش: قرأ التشهد أو لم يقرأ، فكان الفعل هو اللازم دون القول، لأن الفعل أقوى من القول، فكان اعتباره أولى، بدليل أن القادر على الفعل والعاجز عن القول يلزمه الفعل، كالأمي، والعاجز عن الفعل والقادر على القول لا يلزمه القول، كالعاجز عن القعدة، فتعلقت الفرضية بالأقوى وهو الفعل دون القول، ولأنه ثبت باتفاق الأخبار أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما سلم إلا بعد القعدة، والأمر بالصلاة مجمل، فيكون فعله بيانا، كذا في " الأسرار " وفي " الجنازية ": ذكر في القرآن: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [الأنعام: 72] ولم يعلم تمامها في أي وقت، فالحديث يبين تمامها في القعدة. فإن قلت: فعلى هذا كان ينبغي أن تكون القعدة الأولى فرضا أيضا لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أتى بها وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلى» فصار بيانا لمجمل الكتاب أيضا. قلت: روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سها عن القعدة الأولى، فأعلم بذلك فلم يفعل فسجد للسهو، فدل على أنها ليست بفرض. وفي " الدراية ": أن الفريضة لا تثبت ابتداء بخبر الواحد، أما البيان به فيصح، كما في مسح الرأس، والتحقيق في هذا الموضع أن القعدة فرض، عملا لا اعتقادا؛ إذ بخبر الواحد يثبت هذا الفرض، كالوتر عند أبي حنيفة لأنه في درجة الواجب، ولهذا لا يكفر منكر فرضيتها، كمالك وأبي بكر الأصم والزهري؛ لأنه عندهم سنة إلا مقدار إيقاع السلام، ولأن الإتيان بالسلام واجب ومحله القعدة، فيراد القعود لغيره فيتعذر به. [سنن الصلاة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وما سوى ذلك فهو سنة) ش: أي وما سوى ما ذكرنا من الفرائض الستة فهو سنة. وفي " المجتبى " يحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى الفرائض المذكورة، وإليه ذهب أكثر الشارحين، ويحتمل أن يكون إشارة إلى قدر التشهد، فيكون إخبارا عن القعود الذي يصلي فيه على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويدعو ويسلم وهو الأشبه، لأن الفقهاء جعلوا أفعال الصلاة أقساما وواجبات. فالواجبات ثمانية، وهي مذكورة في الكتاب، والسنن ما فعله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المواظبة ولم يترك إلا بعذر: كالثناء والتعوذ في تكبيرات الركوع والسجود، والآداب ما فعله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرة أو مرتين، كزيادة التسبيحات فيها والزيادة على القراءة المستوية. م: (أطلق) ش: أي القدوري م: (اسم السنة وفيها) ش: أي والحال أن في السنة م: (واجبات كقراءة الفاتحة وضم السورة إليها) ش: أي إلى الفاتحة أو ثلاث آيات، ويكره ضم آية أو آيتين إليها، نص على ذلك في " الذخيرة " و " المرغيناني " م: (ومراعاة الترتيب فيما شرع مكررا من الأفعال) ش: أي في الذي شرع حال كونه مكررا، أراد به السجود؛ لأنه شرع في كل ركعة مكررا ومراعاة الترتيب فيه واجبة، حتى ترك سجدة من الركعة الأولى لا تفسد صلاته، ويجوز قضاؤه في الثانية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 والقعدة الأولى، وقراءة التشهد في القعدة الأخيرة، والقنوت في الوتر، وتكبيرات العيدين، والجهر فيما يجهر والمخافتة فيما يخافت فيه، ولهذا تجب عليه سجدتا السهو بتركها، هذا هو الصحيح،   [البناية] وفي " الحواشي ": لو تذكر في الركوع الثاني: أنه ترك سجدة من الركعة الأولى، فانحط من ركوعه فسجد، لا يلزمه إعادة الركوع، وكذا الترتيب فيما بين الركعات ليس بفرض، فإن المسبوق إذا قام إلى قضاء ما سبق به يصلي أول الثانية عن أبي حنيفة وأبي يوسف. وفي " الجنازية ": الترتيب فرض فيها، اتخذت شرعيته في كل ركعة، كالقيام والركوع، أو اتخذت شرعيته في جميع الصلاة كالقعدة، حتى لو قعد قدر التشهد ثم عاد إلى السجدة الثانية، أو تذكر في الركوع أنه لم يقرأ السورة نقض ما أدى قبله من الركوع. م: (والقعدة الأولى) ش: عند المتأخرين وعند الطحاوي والكرخي سنة. وفي " التحرير " القعدة الأولى في الفرض واجبة، وكذا قراءة التشهد فيها، وهو المختار، وقيل: سنة، وهو الأقيس، وعند بعضهم واجبة. قال في " المحيط ": وهو الأصح، وقال مالك: الجلسة الأولى سنة، ولو تعمد تركها تفسد صلاته، ذكره في " التمهيد ". فإن قلت: لو لم يذكر قراءة التشهد في القعدة الأولى، وهي واجبة أيضا، كذا ذكره في باب سجود السهو من الكتاب. قلت: لم يلزم ذلك جميع الواجبات، قاله السغناقي. قلت: يجوز أن يكون تركه ههنا إشارة إلى أنها سنة، كما قاله البعض، كما ذكرنا. م: (وقراءة التشهد في القعدة الأخيرة) ش: وكعن أبي يوسف روايتان م: (والقنوت في الوتر) ش: في " المبسوط ": قنوت الوتر سنة م: (وتكبيرات العيدين) ش: وفي " المبسوط " سنة م: (والجهر فيما يجهر) ش: أي في الصلاة التي يجهر فيها، كالمغرب والعشاء والصبح م: (والمخافتة فيما يخافت فيه) ش: أي في الصلاة التي يخافت فيها بالقراءة، كالظهر والعصر، هذا في حق الإمام دون المنفرد. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل وجوب هذه الأشياء المذكورة م: (تجب سجدة السهو بتركها) ش: أي بترك هذه الأشياء المذكورة ساهيا تجب سجدتا السهو لأن سجود السهو لا يجب إلا بترك الواجب. م: (هذا هو الصحيح) ش: أي وجوب سجود السهو بترك كل واحد من الأشياء المذكورة هو الصحيح. واحترز به عما ذكر في " المبسوط " من جواب القياس في تكبيرات العيدين والقنوت إذا تركهما لا يجب سجود السهو. وكذا القياس في قراءة التشهد في القعدة الأولى لما أنها أذكار، وبنى الصلاة على الأفعال فلا يدخل كثير نقصان. وفي " الاستحسان " وجوب سجود السهو تضاف إلى الصلاة، حيث قال: تكبيرات العيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 وتسميتها سنة في الكتاب لما أنه ثبت وجوبها بالسنة. قال: وإذا شرع في الصلاة كبر؛   [البناية] وقنوت الوتر وتشهد الصلاة. فإذا تحصل النقصان بتركها فتجبر بالسهو، وثناء الافتتاح لا يضاف إلى الصلاة. وفي " الجنازية ": قوله: هو الصحيح، احتراز عن قول البعض: إن ترك الجهر والمخافتة مما يجهر ويخافت، لا يجب السهو؛ لأنهما ليسا بمقصودين، فكانا كالقومة بين الركوع والسجود، وقيل: تعلق بالجهر الاستماع، وهو مقصود، وبالمخافتة دفع إيذاء الكفرة، فإذا تعلق بهما معنى مقصود فصارا مقصودين بنفسيهما فيتعلق بتركهما سجود السهو، وفيه نظر. ونص أيضا في " المحيط " على وجوب سجود السهو بترك القومة، ولم يحك فيه خلافا. م: (وتسميتها سنة) ش: أي تسمية هذه الواجبات سنة م: (في الكتاب) ش: أي في القدوري (لما أنه ثبت وجوبها بالسنة) ش: أي لأجل أن الشأن يثبت وجوب هذه الأشياء معنى بطريق إطلاق اسم السبب على المسبب مجازا. وقال الأكمل: وقيل: قوله: وتسميتها سنة اهـ. ليس بجيد لأنه يلزم منه الجمع بين الحقيقة والمجاز، لأنه حينئذ يكون المراد السنة والواجب أيضا لأنه ثبت بالسنة أيضا. قلت: هذا السؤال للأترازي، حيث قال في شرح بيانه، أن لفظ السنة إذا أريد به السنة تكون الحقيقة، وإذا أريد به الواجب يكون مجازا. وههنا أراد صاحب القدوري بقوله: وما سوى ذلك فهو سنة، الواجب والسنة جميعها؛ لأنه لم يرد به الواجب وحده أو السنة وحدها، فالجواب عنه، وقد سكت عنه الشارحون، ثم قال الأكمل: وأجيب، إلى آخره، هو جواب الأترازي، فقال: قلت: والجمع بين الحقيقة والمجاز في محلين مختلفين يجوز على مذهب بعض العراقيين من أصحابنا، والشيخ أبو الحسن العراقي منهم، فلا يرد على هذا السؤال أيضا، ثم قال الأكمل: وخلله ظاهر، والحق أنه ليس من باب الجمع بينهما، بل المراد بقوله: فهو سنة، ثابتة بالسنة والواجبات، والسنن المذكورة في هذا الباب داخلة تحت هذه اللفظة بطريق الحقيقة. م: (قال: وإذا شرع في الصلاة كبر) ش: أي إذا أراد الشروع في الصلاة قال: الله أكبر، لأن التحريمة ليست بعد الشروع بل الشروع يتحقق بها. وقوله: في الصلاة، أعم من أن تكون فرضا أو نفلا، وهذا عند العامة. وقال ابن المنذر: وشذ الزهري وقال: يدخل فيها بمجرد النية، قال: ولم يقله أحد. قلت: قال في " المبسوط " و " شرح مختصر الكرخي ": هو قول إسماعيل بن علي وأبي بكر الأصم، وقال أبو عمر في" التمهيد ": وهو قول الأوزاعي وطائفة، قال في " المبسوط " و " الوتري ": الأخرس والأمي الذي لا يحسن شيئا فيصير شارعا فيها بالنية ولا يلزمه تحريك اللسان، وهو الصحيح من قول أحمد خلافا للشافعي. وعن الحسن وعطاء وابن المسيب وقتادة والحكم والأوزاعي فيمن نسي التكبير أن تكبير الركوع يقوم مقامه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 لما تلونا، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «تحريمها التكبير»   [البناية] \ وللأترازي هنا سؤال، وهو أن استعارة المسبب للسبب لا يجوز، فكيف جاز ههنا، وأجاب بأن عدم الجواز إنما يكون إذا لم يكن المسبب خاصا بذلك. وأما إذا اختص به فيجوز، والشروع في الصلاة تختص بالإرادة، لا يكون بدونها، فجاز إرادة الإرادة منه مجازا. قلت: هذا من قبيل قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [الإسراء: 45] (الإسراء: الآية 45) أي إذا أردت قراءته، فيكون إطلاق اسم الملزوم على اللازم. م: (لما تلونا) ش: أراد به قَوْله تَعَالَى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] (المدثر: الآية 3) . م: (وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تحريمها التكبير» ش: هو عطف على قوله: لما تلونا. والحديث رواه خمسة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. الأول: علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن وكيع عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي بن أبي طالب عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم» . وقال الترمذي: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وعبد الله بن عقيل صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبيل حفظه، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق والحميدي يحتجون بحديثه، قال محمد: هو مقارب الحديث. رواه أحمد وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه والبزار في "مسانيدهم"، وقال النووي في " الخلاصة ": وهو حديث حسن. الثاني: أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الترمذي وابن ماجه من حديث طريف بن شهاب، أبي سفيان السعدي، عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم» . ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال: حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه. الثالث: عبد الله بن زيد، أخرج حديثه الدارقطني في سننه والطبراني في " معجمه الأوسط " عنه نحوه، وفيه الواقدي، وتفرد به، ورواه ابن حبان في كتاب " الضعفاء " وفيه محمد بن موسى بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 وهو شرط عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى إن من يحرم للفرض كان له أن يؤدي بها التطوع عندنا،   [البناية] سليمان قاضي المدينة وأعله به، وقال أنس: يسرق الحديث، ويروي الموضوعات عن الأثبات. الرابع: عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه أحمد والبزار والطبراني من حديث مجاهد عنه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيه أبو يحيى العتاب وهو ضعيف. قوله: تحريمها، مبتدأ، وخبره: التسليم، والتحريم مصدر من حرم بالتشديد، وهو مضاف إلى فاعله، وهو الصلاة، ولا يقدر له مفعول، لأن المقصود إثبات التحريم لها لا إيقاعه على شيء آخر لأن ذلك غير شرط، وكذلك الكلام في قوله: وتحليلها التسليم. فإن قلت: كيف قلت: إنه مضاف إلي فاعله. قلت: لأن الصلاة هي التي تحرم وتحلل. وقال الأزهري: أصل التحريم المنع، يسمى التكبير تحريما لأنه يمنع المصلي من الكلام والأكل والشراب وغيرهما. م: (وهو شرط عندنا) ش: أي تكبير الشروع شرط في خارج الصلاة م: (خلافا للشافعي) ش: فإنه عنده ركن، وبه قال مالك وأحمد وآخرون م: (حتى إن من يحرم للفرض جاز أن يؤدي بها) ش: أي بتلك التحريمة م: (التطوع) ش: لأن التحريمة لما كانت شرطا جاز أداء النفل بتحريمة الفرض، وعند الشافعي لما كانت ركنا فلم يجز به، وكذلك إذا كبر وفي يده نجاسة فألقاها عند فراغه منها، أو شرع في التكبيرة قبل ظهور زوال الشمس ثم ظهر الزوال عند فراغه منها، أو مكشوف العورة فسترها بعمل يسير عند الفراغ منها، أو شرع في السنة قبل السلام من غير تحريمة يصير شارعا فيها عندنا، خلافا له. وقال شرف الأئمة: يصح بناء العصر على تحريمة الظهر وبناء الفرض على تحريمة النفل، وعلى العكس، والقضاء على الأداء لأن التكبير شرط، وبما قاله شرف الأئمة يحصل الجواب عما قاله الأكمل ناقلا عن السغناقي، وهو أن الأقسام العقلية أربعة: بناء الفرض على الفرض، وبناء النفل على النفل، وبناء النفل على الفرض، وهو المذكور في الكتاب، فهل يجوز غيره من الأقسام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 وهو يقول: إنه يشترط لها ما يشترط لسائر الأركان، وهذا آية الركنية، ولنا أنه عطف الصلاة عليه في قَوْله تَعَالَى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] ومقتضاه المغايرة، ولهذا لا يتكرر كتكرار الأركان ومراعاة الشرائط لما يتصل به من القيام.   [البناية] الباقية أو لا؟. وأما قوله: وأما بناء الفرض على النفل، قيل: لم توجد فيه رواية، والظاهر عدم الجواز، فرد أيضا بما ذكرنا. وقوله: لم توجد فيه رواية، غير صحيح؛ لأنه روي عن أبي الرجاء جواز ذلك، ذكره في " الدراية ". م: (وهو يقول) ش: أي الشافعي يقول: الاستدلال فيما ذهب إليه م: (إنه يشترط لها) ش: أي للتحريمة م: (ما يشترط لسائر الأركان) ش: مثل استقبال القبلة وستر العورة والطهارة والنية والوقت م: (وهذا آية الركنية) ش: أي الاشتراط لها مثل ما يشترط لسائر أركان الصلاة علامة كونها ركنا كسائر الأركان. م: (ولنا أنه عطف الصلاة عليه) ش: الضمير في أنه يجوز أن يعود إلى الله، وعطف أيضا على صيغة المعلوم؛ أي ولنا أن الله تعالى عطف الصلاة عليه، أي على التكبير، ويجوز أن يكون الضمير ضمير الشأن وعطف على صيغة المجهول في النص، م: (في قَوْله تَعَالَى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] ش: (الأعلى: 15) وعطف الصلاة بحرف الفاء على الذكر، والذكر الذي تعقبه الصلاة بلا فصل ليس إلا التحريمة بالاتفاق، فيقتضي هذا النص أن يكون التكبير خارج الصلاة، إذ التكبير لا يجب مرتين بالإجماع فتكون الصلاة المعطوفة خارجة عنه، وهو معنى قوله. م: (ومقتضاه المغايرة) ش: بين المعطوف والمعطوف عليه، ولو كان ركنا لما جاز ذلك لأنه يلزم عطف الكل على الجزء، وفيه عطف الشيء على نفسه لاشتمال الكل على جزئه م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن تكبير الشروع شرط م: (لا يتكرر كتكرار الأركان) ش: في كل صلاة كالركوع والسجود، فلو كان ركنا تكرر كما تكرر الأركان. فإن قلت: القراءة ركن فلا يشترط تكرارها. قلت: القراءة متكررة أيضا بدليل افتراضها في الركعة الثانية كما في الأولى في الفرض وفي غيره كل الركعات. م: (ومراعاة الشرائط لما يتصل به من القيام) ش: هذا جواب عما قاله الشافعي يشترط للتكبير ما يشترط لسائر الأركان، يعني مراعاة الشرائط لأجل القيام الذي يتصل بالتكبير لأجله عملا بموجب الفاء في النص، فلو لم يشترط فيه ما يشترط في الصلاة يؤدي ذلك إلى الفصل بينه وبينها، وهذا كعبد اشتراه الهاشمي فإنه يأخذ حكم المولى في حرمان الزكاة للاتصال به لا لذاته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 قال: ويرفع يديه مع التكبير وهو سنة، لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - واظب عليه،   [البناية] كذا في " الجنازية "، قال صاحب " الدراية ": وهذا منقوض بالنية فإنها شرط بالإجماع، ويشترط لها ما يشترط لسائر الأركان. قلت: النية أمر باطني فلا يورد لها على الأمور الظاهرة. [رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويرفع يديه مع التكبير) ش: أي يرفع المصلي يديه مصاحبا للتكبير، وقال في " المحيط ": يجعل باطن يديه مستقبل القبلة ناشرا أصابع يديه؛ لحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كبر للصلاة نشر أصابعه» ، ورواه الترمذي وابن خزيمة في " صحيحه " وفي " المبسوط ": لا يكلف بتفريج الأصابع عند الرفع، ومعنى الحديث المذكور ناشر إلى الكف، وقال شيخ الإسلام: فمن الناس من ظن أنه أراد بنشر الأصابع أن يفرج بين الأصابع تفريجا، وهو غلط، ولكن أراد به [ ...... ] كما يكون في الثوب أي لا يرفع يديه مضمومتين بل يرفعهما منصوبتين حتى تكون الأصابع مستقبل القبلة بالكفين، ونشر الأصابع فيه سنة , وإخراج اليدين عن الكمين سنة [ ... ] وفي " الحاوي " للماوردي: يجعل بطن كل كف إلى القبلة. وقيل: يجعل بطن كل كف إلى الأخرى. م: (وهو سنة) ش: أي رفع اليدين سنة في أول الصلاة عنه وهو الصحيح، روي ذلك عن أبي حنيفة نصا، فإن تركه قيل: يأثم، وروي عن أبي حنيفة ما يدل على هذا القول فإنه قال: إن تركه جاز وإن رفع كان أفضل، وقال الصفار: إن اعتاد تركه أثم. ونقل القدوري عن الزيدية أنه لا يرفع يديه عند الإحرام، ولا نقل بخلافهم. ونقل عن الحسن المروزي أن ترك رفع اليد في تكبيرة الإحرام تبطل الصلاة، وهو مردود بالإجماع. وذكر في " القواعد " لابن رشد من المالكية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن رفع اليدين فرض. وعند داود وجماعة من أصحابه الظاهرية، فمنهم من أوجبه في تكبيرة الافتتاح فقط، ومنهم من أوجبه فيه وعند الانحطاط للركوع والارتفاع منه، ومنهم من أضاف إلى ذلك السجود، أيضا يجب اختلافهم في المواضع التي يرفع فيها. م: (لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - واظب عليه) ش: أي رفع اليدين في أول الصلاة، ومواظبته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معروفة في أحاديث صفة صلاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها حديث ابن عمر، أخرج حديثه الأئمة الستة في كتبهم عن سالم عن أبيه عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا استفتح الصلاة رفع يديه» . الحديث، ومنها حديث أبي حميد الساعدي قال: «كان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 وهذا اللفظ يشير إلى اشتراط المقارنة، وهو المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والمحكي عن الطحاوي،   [البناية] رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه» وسيأتي قريبا، أخرجه الجماعة إلا مسلما، ومنها ما أخرجه الطحاوي في " شرح الآثار " عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان إذا قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه حذو منكبيه» ، والعجب من الأكمل يقول: رفع اليدين في أول الصلاة سنة بلا خلاف؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واظب عليه مع الترك، وهو علامة السنة، بخلاف ما إذا كان بلا ترك، فإن ذلك دليل الوجوب. قلت: كيف يقول: واظب عليه مع الترك، فمن أين أخذ هذا وجميع الأحاديث التي رويت في صفة صلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدل صريحا على رفع اليدين في أول الصلاة، حتى قال ابن المنذر: لم يختلف أهل العلم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يرفع يديه إذا افتتح، فلذلك ذهب قوم إلى وجوبه كما ذكرنا. وقال قوم: بلا خلاف، يدل على عدم اطلاعه؛ فإن فيه خلافا، وإن كان الجمهور على خلافه، والعجب من الأترازي أيضا أنه يقول: رفع اليدين سنة لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علم الأعرابي واجبات الصلاة، ولم يذكر رفع اليدين. قلت: كيف يدل هذه على سنية رفع اليدين؟ بل يدل هذا صريحا على كونه غير سنة، ولا يلزم من عدم ذكره الرفع فيه عدم كونه سنة، ومع هذا شارح الكتاب وصاحب الكتاب في واد وهو في واد. قال السغناقي: فإن قلت: المواظبة دليل الوجوب، فكيف استدل بها على السنية؟ ثم أجاب بما حاصله: أن المصنف قال في آخر باب إدراك الفريضة: لا سنية دون المواظبة، ثم قال: المواظبة إنما تكون دليل الوجوب إذا كانت من غير ترك، وثبت الترك ههنا، فإن شمس الأئمة السرخسي قال في تعليل هذه المسألة: لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علم الأعرابي الصلاة ولم يذكر رفع اليدين، لأنه ذكر الواجبات وواظب على رفع اليدين عند التكبير، فدل على أنه سنة. قلت: هذا أعجب مما ذكر الأكمل والأترازي، فإنه يقول: وثبت، ففي أي موضع ثبت ذلك؟ ومن رواه من الصحابة؟ وقد قلنا أيضا ما في قصة الأعرابي. م: (وهذا اللفظ) ش: أي لفظ القدوري في قوله: ويرفع يديه مع التكبير م: (يشير إلى اشتراط المقارنة) ش: أي مقارنة الرفع مع التكبير لأن كلمة مع للقران، وقال الصفار وشيخ الإسلام خواهر زادة: ويرفع مقارنا للتكبير. م: (وهو المروي عن أبي يوسف) ش: أي الرفع مع التكبير مروي عن أبي يوسف، أي كان يقول ذلك فيما روي عنه م: (والمحكي عن الطحاوي) ش: أي عن الإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي، المحكي عبارة عن الفعل يعني أنه كان يفعل كذلك فيما حكي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 والأصح أنه يرفع أولا ثم يكبر، لأن فعله نفي الكبرياء عن غير الله تعالى، والنفي مقدم على الإثبات. ويرفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرفع إلى منكبيه،   [البناية] عنه، وبه قال أحمد، وهو المشهور عن مذهب مالك. م: (والأصح أنه يرفع أولا ثم يكبر) ش: أي الأصح في المذهب أن المصلي يرفع يديه أولا ثم يكبر، قال في " المبسوط ": وعليه أكثر مشايخنا. وللشافعي فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه يبتدئ بالتكبير هذا الدال، الثاني: أن يرفع التكبير، والثالث: يكبر ويداه قارنتان حذو منكبيه. م: (لأن فعله نفي الكبرياء عن غير الله تعالى) ش: لأن في تقلب الرفع نفي الكبرياء عما سوى الله تعالى، وبالتكبير يثبت لله تعالى. م: (والنفي مقدم على الإثبات) ش: كما في كلمة التوحيد، ولقائل أن يقول: ثبت التقدم في كلمة التوحيد ضرورة، لأنه لا يمكن التكلم بالنفي والإثبات معا بخلاف ما نحن فيه، فإن النفي بالفعل والإثبات بالقول يمكن القران، ثم الحكم في رفع اليدين الإشارة إلى نقل ما سوى الله وراء ظهره، كأنه يشير بيده اليمنى إلى الآخرة، وباليسرى إلى الدنيا، قائلا بلسان حاله: نبذت ما سوى الله، الدنيا والآخرة، وراء ظهري، وأعرضت عنهما، وأقبلت إلى عبادة الله عز وجل، والله أكبر، أبي وهو أعظم من أن يؤدى حقه بهذا المقدار. وقال محمد بن أبي جمرة المالكي: حكم رفع اليدين أن يراه الأصم فيعلم دخوله في الصلاة، وقال ابن بطال: رفعهما تعبد، وقيل: إشارة إلى التوحيد، وقيل: هو انقياد في خبر مطلوب، يكبر بعد استقرار اليدين ويكبر للافتتاح مرة واحدة. وقالت الرافضة: يكبر ثلاث مرات، وهو باطل، وقال الوبري: يأتي بالتكبير بنية تعظيم الله تعالى، قيل: يحصل بنية التعظيم باختصاص ذكر الله تعالى عند الافتتاح، ويكون ذلك بنية لوجود نية التعظيم. م: (ويرفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه) ش: شحمة الأذن معلق القرط، وفي " المحيط ": ويرفع يديه حذاء أذنيه حتى يحاذي بإبهاميه شحمة أذنيه، ويروى: أصابعه فروع أذنيه. م: (وعند الشافعي يرفع إلى منكبيه) ش: وعنه يحاذي أطراف أصابعه أذنيه وكفيه ومنكبيه، وإبهاماه شحمة أذنيه، وقال أبو محمد من المالكية: يرفعهما إلى المنكبين. واختار المتأخرون منهم: أن يحاذي بكوعه صدره، وبطرف كفه المنكب وأطراف أصابعه أذنيه، وهذا إنما يتهيأ إذا كانت يداه قائمتين ورؤوس أصابعهما مما يلي السماء، وهي صفة التائب، وقال سحنون: يكونان مبسوطين، بطونهما مما يلي الأرض وظهورهما مما يلي السماء، وهي صفة الخائف، وعند أحمد: يخير بين الرفع إلى الأذنين والمنكب لصحة الحديث فيهما، وعنده يضم الأصابع بعضها إلى بعض مع المد. وعند الشافعي ينشرها، وعن طاوس: أنه يرفع حتى يحاذيهما رأسه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 وعلى هذا تكبيرات القنوت والأعياد والجنازة. له حديث أبي حميد الساعدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا كبر رفع يديه إلى منكبيه» . ولنا ما رواه وائل بن حجر والبراء بن عازب وأنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أن النبي عيه السلام كان إذا كبر رفع يديه حذاء أذنيه» .   [البناية] قال النووي: ولا أصل له. م: (وعلى هذا) ش: يعني وعلى هذا الخلاف م (تكبيرات الأعياد وتكبيرة القنوت وتكبيرة الجنازة) ش: فعندنا يرفع يديه إلى شحمتي أذنيه في هذه التكبيرات، وعند الشافعي: إلى المنكبين كما في تكبيرة الافتتاح، وكان ينبغي أن يقول: تكبيرة الجنازة، بلا جمع لأن عندنا لا يعرف اليد في الجنازة إلا في تكبيرة الأولى. م: (له) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (حديث أبي حميد الساعدى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنه قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كبر رفع يديه إلى منكبيه» ش: حديث أبي حميد رواه الجماعة إلا مسلما من حديث محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منهم أبو قتادة، «قال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا: ولم فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعة ولا أقدمنا له صحبة. قال: بلى، قالوا: فأعرض، قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه. الحديث. وفي آخره: "قالوا: صدقت هكذا كان يصلي» ، أخرجوه مطولا ومختصرا. وأبو حميد اسمه عبد الرحمن بن عمرو بن سعيد، وقيل: ابن المنذر بن سعد الخزرجي، توفي في آخر خلافة معاوية، وأبو قتادة، واسمه الحارث بن ربعي، قوله: عشرة من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي بين عشرة، وكلمة في تجيء بمعنى بين، كما في قَوْله تَعَالَى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] [الفجر: الآية 29] أي بين عبادي، ومحلها النصب على الحال، أي سمعه حال كونه جالسا بين عشرة أنفس من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، قوله: تبعة، أي اتباعا وهي بضم التاء المثناة من فوق، وسكون الباء الموحدة، وكذلك التبعة بفتح التاء وكسر الباء بمعناه، والتباعة أيضا بالفتح، وانتصابها على التمييز، وكذلك صحبة. م: (ولهنا ما رواه وائل بن حجر والبراء بن عازب وأنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان إذا كبر رفع يديه حذاء أذنيه» ش: أما حديث وائل فأخرجه مسلم في " صحيحه " عن عبد الجبار عن وائل عن علقمة عن وائل ومولى لهم أنهما حدثاه «عن أبيه وائل بن حجر أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رفع يديه حتى دخل في الصلاة كبر وصفهما حيال أذنيه» الحديث. وهذا الحديث رواه أيضا أبو داود، والنسائي، والطبراني، والدارقطني، وحجر بضم الحاء وسكون الجيم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 ولأن رفع اليد لإعلام الأصم   [البناية] وأما حديث البراء فأخرجه أحمد، وإسحاق بن راهويه في " مسنديهما " والدارقطني في " سننه " والطحاوي في " شرح الآثار " كلهم من حديث يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلي رفع يديه حتى تكون إبهاماه حذاء أذنيه» . وزاد الدارقطني فيه: «ثم لم يعد» ويجيء الكلام فيه مستقصى. وأما حديث أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه الحاكم في " المستدرك " والدارقطني ثم البيهقي في " سننيهما " من حديث العلاء بن إسماعيل العطار، حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أنس قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبر فحاذى بإبهاميه أذنيه ثم ركع» الحديث. وقال الحاكم: إسناده صحيح على شرط الشيخين ولا أعلم له علة ولم يخرجاه. وفي هذا الباب حديث مالك به الحويرث وأبي هريرة أيضا. وأما حديث مالك بن الحويرث فأخرجه أبو داود عنه قال: «رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع حتى بلغ بهما فروع أذنيه» وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه والدارقطني. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي وأبو داود من حديث بشر بن سعد، قال: قال أبو هريرة: «لو كنت قدام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لرأيت إبطه، يعني إذا كبر فرفع يديه» . ووجه الاستدلال به أن من رفع يديه إلى منكبيه لا يرى إبطه، ولا يرى إلا ممن يرفع يديه إلى أذنيه. م: (ولأن رفع اليد لإعلام الأصم) ش: يعني الأصم لا يسمع تكبير الإمام، ولا يعرف شروعه، فيكون رفع اليد لإعلامه، وهذا هو الحكم في الرفع. وقال السغناقي: قلت: كان يجب عليه أن يقول: ورفع اليد لإعلام الأصم أيضا، بزيادة قوله: أيضا؛ لرفع التناقض صورة، لأنه ذكر أولا أن معنى رفع اليد نفي الكبرياء عن غير الله تعالى فلا يكون لغيره، حتى يكون لتخصيصه فائدة، وإنما يكون هو لغيره معه إذا كان له معنيان وهو التقى والإعلام، وهو يحصل بذكر قوله: أيضا، إلا أن المصنف اتبع شمس الأئمة السرخسي، كذلك ذكره، فإن دأبهم ترك التكلف لتفهم المعاني، والمعنيان يحصلان بما ذكروا، فلا حاجة بعد ذلك إلى زيادة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 وهو بما قلناه، وما رواه يحمل على حاله العذر، والمرأة ترفع يديها حذاء منكبيها،   [البناية] التكليف. ونقل الأكمل هذا الكلام منه ثم قال: فكأنه يحوم حول أن المعلول الواحد لا يكون له علتان مستقلتان. قلت: لا حاجة إلى ما ذكره لأن الكلام إن كان في العلة فالحكم يثبت بعلل شتى، وإن كان في الحكم فيجوز أن تكون واحدة وثنتين وما فوقهما. قال الأكمل: وقيل: لو كان لإعلام الأصم لما أتى به المنفرد، وأجيب بأن الأصل هو الأداء بالجماعة، قال الله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] (البقرة: الآية 43) فيكون الانفراد نادرا، على أن حكمة الحكم لا تراعى في كل فرد. فإن قيل: فعلى هذا يجب أن لا يأتي به المقتدي، أجيب بأن الأصم يجوز أن يكون في آخر الصفوف. قلت: هذان السؤالان مع جوابهما لتاج الشريعة. م: (وهو بما قلناه) ش: من رفع اليدين إلى أصل الأذين. م: (وما رواه يحمل على حالة العذر) ش: أي ما رواه الشافعي من حديث أبي حميد محمول على العذر وهو عند البرد. وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الرفع إلى المنكبين كان لعذر لأن وائلا قال: «ثم أتيته من العام المقبل وعليهم الأكسية والبرانس، فكانوا يرفعون أيديهم فيها» وأشار شريك إلى صلاة فأخبر وائل بن حجر في حديثه هذا أن رفعهم إلى مناكبهم إنما كان لأن أيديهم كانت حينئذ في ثيابهم، وأخبر أنهم كانوا يرفعون إذا كانت أيديهم ليست في ثيابهم إلى حذو آذانهم، فأعلمنا روايتيه كلتيهما، فجعلنا الرفع إذا كانت اليدان في الثياب لعلة البرد إلى ما انتهى ما استطاع إليه وهو المكان. وإذا كانتا باديتين رفعهما إلى الأذنين، كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: لا حاجة إلى هذه التكلفات، وقد صح الخبر فيما قلنا وما قاله الشافعي، فاختار الشافعي حديث أبي حميد واختار أصحابنا حديث وائل في غيره، وقد قال أبو عمر بن عبد البر: اختلفت الآثار عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وعن الصحابة ومن بعدهم في كيفية رفع اليدين في الصلاة، فروي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هذا فوق الأذنين مع الرأس، وروي عنه أنه كان يرفع يديه حذاء أذنيه، وروي عنه أنه كان يرفعهما حذو منكبيه، وروي عنه أن كان يرفعهما إلى صدره، وكلها آثار محفوظة مشهورة، انتهى. وهذا يدل على التوسعة في ذلك، وقال الأترازي بعد أن ذكر حديث البراء بن عازب: ولهذا ثبت قول الشافعي في رفع اليدين إلى المنكبين. قلت: هذا كلام غير موجه، وكيف ثبت هذا الضعف؟ وقد يثبت ذلك في الحديث وشبه هذا الضعف في الحقيقة إلى الحديث، والحديث صحيح كما ذكرناه. م: (والمرأة ترفع يديها حذاء منكبيها) ش: وفي " التحفة " لم يذكر في ظاهر الرواية حكم المرأة، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنها كالرجل؛ لأن كفيها ليسا بعورة، وروى محمد بن مقاتل عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 وهو الصحيح لأنه أستر لها. فإن قال بدل التكبير: الله أجل أو عظم، أو الرحمن أكبر أو لا إله إلا الله، أو غيره من أسماء الله تعالى، أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إن كان يحسن التكبير لم يجزئه إلا قوله: الله أكبر، أو الله الأكبر، أو الله الكبير، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لا يجوز إلا بالأولين.   [البناية] أصحابنا: أنها ترفع يديها حذاء منكبيها كالرجل عند الشافعي، وقال في " الروضة ": لأنها لا تفتح إبطيها في السجود، فكذا في الافتتاح، وعن أم الدرداء وعطاء والزهري وحماد وغيرهم: أن المرأة ترفع يديها إلى ثدييها، ويبقى حال المرأة على القبض، ويبقى حال الرجل على البسط والتفرج، وعن أحمد في رواية: ترفع المرأة دون رفع الرجل، وفي أخرى لا ترفع عنده. م: (وهو الصحيح) ش: يعني رفع يديها حذاء منكبيها هو الصحيح، واحترز به عن رواية الحسن عن أبي حنيفة أنها كالرجل م: (لأنه أستر لها) ش: أي لأن رفع يديها حذو منكبيها أستر للمرأة لأن مبنى أمرها على الستر. م: (فإن قال بدل التكبير) ش: يعني إن قال المصلي عوض قوله: الله أكبر، وفيه إشارة إلى أن الأصل فيه التكبير م: (الله أجل وأعظم) ش: كلاهما أفعل التفضيل من الجليل والعظيم ومعناهما واحد (أو الرحمن أكبر) أي قال: الرحمن أكبر، موضع الله أكبر؛ أي أو قال بدل الله أكبر: لا إله إلا الله م: (أو غيره من أسماء الله تعالى) ش: أي أو قال غير ما ذكر من الألفاظ المذكورة بأن قال: لا إله غيره، أو قال: تبارك الله، أو قال: سبحان الله، أو ذكر اسما من أسماء الله التسعة والتسعين. م: (أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وهذا جواب قوله: الله أكبر م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان يحسن التكبير لم يجزئه إلا الله أكبر أو الله الأكبر أو الله الكبير) ش: يعني لم يجز إلا أن يأتي بأحد من هذه الألفاظ الثلاثة، وإن لم يحسن جاز. ولم يذكر المصنف إلا هذه الألفاظ الثلاثة، وهكذا ذكره في " البدائع " و" المفيد " " والأسبيجابي " " والتحفة " " والينابيع "، وذكر في " المبسوط " أربعة ألفاظ: هذه الثلاثة، والرابع: الله كبير، بدون الألف واللام، والحق ما ذكره فيه، وفي " قاضي خان " روى الحسن عن أبي حنيفة: إن كان يحسن التكبير يكره، وقال السرخسي: الأصح أنه لا يكره، وذكر القدوري أيضا أنه كره الافتتاح إلا بقوله: الله أكبر، وفي " الذخيرة ": لو افتتح الصلاة بالتهليل أو التحميد أو التسبيح، يصير شارعا في الصلاة عندهما ويكره، قال: وهو الأصح لترك السنة المتواترة، وقيل: لا يكره، ذكره المرغيناني. م: (وقال الشافعي: لا يجوز إلا بالأولين) ش: وهما الله أكبر، والله الأكبر، وهو الصحيح من مذهبه، ولو قال: الله أكبر وأجل وأعظم، جاز عند الشافعي، وكذا الله أكبر كبيرا، والله أكبر من كل شيء، ولو قال: الله الجليل أكبر، أجزأه في أصح الوجهين، ولو قال: الله الذي لا إله إلا هو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 وقال الإمام مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لا يجوز إلا بالأول، لأنه هو المنقول، والأصل فيه التوقيف. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إدخال الألف واللام فيه أبلغ في الثناء، فقام مقامه. وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إن أفعل وفعيلا في صفات الله تعالى سواء، بخلاف ما إذا كان لا يحسن أن يقول: الله أكبر؛ لأنه لا يقدر إلا على المعنى، ولهم أن التكبير هو التعظيم لغة   [البناية] الملك القدوس الأكبر، لا يجوز بلا خلاف عندهم، وحكى الرافعي وغيره وجها أنه يتعذر بقوله: الرحمن أكبر أو الرحيم أكبر، ولو قال: الأكبر الله، منكوسا بغير ترتيب، جاز عندهم، وعند أحمد لا يجوز، وذكر في " وسيط الشافعية " أنه لا يجوز كما قال أحمد. م: (وقال الإمام مالك: لا يجوز إلا بالأول) ش: وهو قوله: الله أكبر، وبه قال أحمد وداود م: (لأنه) ش: أي لأن لفظ الله أكبر م: (هو المنقول) ش: أي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصحابة والتابعين م: (والأصل فيه التوقيف) ش: أي الأصل في المنقول التوقيف على الفعل، ولم ينقل غير لفظ الله أكبر. فإن قلت: أخرج الطبراني ما يؤيد ما ذهب إليه مالك من حديث رفاعة بن رافع " أن رجلا دخل المسجد فصلى "، الحديث. وفيه: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ، فيضع الوضوء مواضعه، ثم يستقبل القبلة ثم يقول: الله أكبر» ، قلت: قد ثبتها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة ونفى قبولها، وتجوز أن تكون الصلاة جائزة ولا تكون مقبولة إذ لا يلزم من الجواز القبول، وعندهم لا تكون صلاة، ولا حجة في هذا. م: وقال الشافعي: إدخال الألف واللام فيه) ش: يعني في لفظ أكبر الذي هو الخبر م: (أبلغ في الثناء) ش: لأنه يفيد الحصر م: (فقام مقامه) ش: أي فقام المعرف مقام المنكر م: (وأبو يوسف يقول: إن أفعل) ش: أي صيغة أفعل التي للتفضيل م: (وفعيلا) ش: أي وإن صيغة فعيلا. م: (في صفات الله سواء) ش: لأنه لا يراد بالأفعل إثبات الزيادة بعد الاشتراك في أصل المعنى، كما يراد ذلك في قولك: زيد أفضل من عمرو، ولما كان حكمه الأفعل في صفاته كذلك وهو جائز، جاز الفعيل أيضا ش: (بخلاف ما إذا كان لا يحسن أن يقول: الله أكبر؛ لأنه لا يقدر إلا على المعنى) ش: يعني الله أكبر. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد. م: (أن التكبير هو التعظيم لغة) ش: أي من حيث اللغة، كما في قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف: 31] (يوسف: الآية 31) أي عظمنه {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] (المدثر: الآية 3) أي فعظم، فكل لفظ دل على التعظيم وجب أن يجوز الشروع به، ولأن التكبير ما وجب بعينه حتى يقتصر على لغة أكبر، بل الواجب تعظيم الله تعالى بجميع البدن واللسان، فصرفناه إلى جميع الألفاظ الدالة على الثناء والتعظيم لله تعالى، والأصل في خطاب الشرع أن يكون مفهوما معلوما مقبولا، والبقية على خلاف الأصل على ما عرف في الأصول، وقال تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] (الأعلى: الآية 15) وذكر اسم، أعم من أن يكون باسم الله أو باسم الرحمن، فجاز الرحمن أعظم، كما جاز الله أكبر لأنهما في كونهما ذكرا سواء، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] (الأعراف: الآية 180) فأي اسم من أسمائه افتتح الصلاة به جاز. وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» ، ثم لو قال: لا إله إلا الرحمن أو العزيز، كان مسلما، فإذا جاز في الإيمان الذي هو أصل، ففي فروعه أولى، وفي " سنن" أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي العالية أنه سئل بأي شيء كان الأنبياء يفتتحون الصلاة؟ قال: بالتوحيد والتسبيح والتهليل، وعن الشعبي قال: بأي اسم من أسماء الله تعالى فتحت الصلاة أجزأك، ومثله عن النخعي، وعن إبراهيم: إذا سبح أو كبر أو هلل أجزأ في الافتتاح، ولو افتتحها بقوله: سبحانك اللهم، يصير شارعا، كما إذا قال: سبحان الله، ذكره في فتاوى النسفي ". ولو قال: يا ألله، يصير شارعا، وكذا لو قال: لا إله غيره، ولا يصح شارعا بقوله: اللهم اغفر لي، وأستغفر الله، أو لا حول ولا قوة إلا بالله، أو ما شاء الله كان، أو أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو باسم الله الرحمن الرحيم، لأن التعوذ في نفي الداء، والمسألة للتبرك، فكأنه قال: اللهم بارك لي في هذا، وفي " المرغيناني ": قيل: يجوز، وعن محمد بن الفضل: يجوز بقوله بسم الله الرحمن، عند أبي حنيفة، والصحيح الأول، ولو قال: الله أو الرب أو الرحمن، ولم يرد، يصير شارعا عند أبي حنيفة، خلافا لمحمد. وفي " المرغيناني ": وعلى هذا الكبير والأكبر أو أكبر عند أبي حنيفة، وفي " فتاوى الفضلي " بالرحمن يصير شارعا وبالرحيم لا، لأن الرحيم مشترك، وذكر في " الذخيرة " و " البدائع " أن صحة الشروع بالاسم وحده رواية الحسن عن أبي حنيفة، وقيل: عن أبي يوسف عن أبي حنيفة، وفي ظاهر الرواية يصير شارعا. قلت: لأن الحكم بشيء على شيء إنما يتم بالخبر، والتعظيم حكم على التعظيم، فلا بد من لفظ يدل عليه، وفائدة الاختلاف تظهر في حائض طهرت في آخر الوقت، فإن اتسع للاسم فقط تجب الصلاة عليها عنده، خلافا لأبي يوسف ومحمد، ولو قال: الله الكابر، يصح شارعا لأنه لغة في الكبير. ولو افتتحها باللهم اختلف أهل الحق فيه على قولين: قال البصريون: يصير شارعا لأن الميم بدل من حرف النداء، قال في " الذخيرة ": وفي " المحيط ": وهو الأصح. وقال الكوفيون: لا يصير شارعا. قال في " الأسبيجابي " و " الينابيع ": وهو الأظهر، ولو كبر متعجبا ولم يرد به التعظيم لم يجز، ولو كبر في الركوع لا يصير شارعا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 وهو حاصل. فإن افتتح الصلاة بالفارسية أو قرأ فيها بالفارسية، أو ذبح وسمى بالفارسية، وهو يحسن العربية، أجزأه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يجزئه إلا في الذبيحة خاصة، وإن لم يحسن أجزأه،   [البناية] وقيل: عند أبي حنيفة يجوز إذا كان إلى القيام أقرب، ولو وقع (الله) قبل ركوعه، و (أكبر) في ركوعه، لا يصير شارعا، قال في " المرغيناني ": يصير شارعا على قياس قول أبي حنيفة ومحمد، وفي " العيون ": لو مد الإمام التكبير وجزم رجل خلفه، ووقع قبله يجوز عند أبي حنيفة ومحمد، لأنه لو قال: الله، ولم يزد، يجوز، فكذا هذا، وفي " المحيط ": لو أدرك الإمام في الركوع فكبر قائما ويريد به تكبيرة الركوع جاز لأن نيته تلغو. وإن لم يحسن العربية كبر بلغته عندنا، وبه قال الشافعي وأحمد في " المجرد "، وقال في " الجامع ": لا يكبر بغير العربية، بل يكون حكمه حكم الأخرس، والأخرس لا يلزمه تحريك لسانه وشفتيه عنده خلافا للشافعي، وفي وجه: السريانية والعربية يتعين؛ لنزول الكتب بهما، وبعدهما الفارسية أولى من التركية والهندية. وفي " الجواهر ": الأبكم يدخل بالنية والعاجز بمثله باللغة ليس عليه نطق آخر يفتح الصلاة به عوضا عن التكبير، قاله أبو بكر من المالكية، وقال أبو الفرج: يدخل بالحرف الذي دخل به الإسلام، وقيل: يدخل بلسانه. م: (وهو حاصل) ش: أي التعظيم حاصل بما ذكر من الألفاظ م: (فإن افتتح الصلاة بالفارسية) ش: أي اللغة الفارسية وهي اللغة التي تسمى في ألسن الناس بالعجمية بأن قال موضع الله أكبر حذاي برزك م: (أو قرأ فيها) ش: أي في الصلاة م: (بالفارسية) ش: بأن قرأ تنكا موضع ضنكا، وسزا موضع جزاء، وسك أطل موضع عند، ونحو ذلك م: (أو ذبح وسمى بالفارسية) ش: بأن قال بنام حذاي برزك م: (وهو يحسن العربية) ش: أي والحال أن المصلي المكبر أو القارئ في الصلاة أو الذابح للشاة متمكن من التلفظ باللغة العربية م: (أجزأه عند أبي حنيفة، وقالا: لا يجزئه إلا في الذبيحة خاصة) ش: يعني عندهما لا يجزئه في الافتتاح والقراءة عند القدرة إلا في الذبيحة وأنها تجوز. م: (وإن لم يحسن) ش: أي وإن لم يحسن العربية م: (أجزأه) ش: لعجزه، وقيل: الخلاف في الاعتداد بها، ولا تفسد صلاته بالاتفاق، ولو لم يكن ذلك تلاوة القرآن لما جاز عند العجز كالتفسير وإنشاد الشعر، قال في " المحيط ": ولهذا لا يجوز للجنب والحائض قراءة القرآن على نظم القرآن بالفارسية. وقال أبو سعيد البراذعي: إنما جوز أبو حنيفة القراءة بالفارسية لا بغيرها من الألسن لقرب الفارسية بالعربية لأنه ورد أنهما لسان أهل الجنة، والصحيح أن الخلاف في الكل، وقال بعض مشايخنا: إنما يجوز إذا كان على نظم القرآن، وقيل: يجوز كيف ما كان نقله الصفار، وقيل: إنما يجوز إذا كان ثناء، كسورة الإخلاص، أما إذا كان ممن ينقص لا يجوز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 أما الكلام في الافتتاح، فمحمد مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في العربية، ومع أبي يوسف في الفارسية؛ لأن لغة العرب لها من المزية ما ليس لغيرها.   [البناية] كقوله: {اقْتُلُوا يُوسُفَ} [يوسف: 9] (يوسف: الآية 9) فقرأ يكشت يوسفرا تفسد صلاته، والأصح أنه يجوز في الكل. وفي " المستصفى ": الشرط أن لا يحذف منها حرفا وتيقن أنه معنى العربية، قال فخر الإسلام: الشأن فيمن لا يتهم في دينه، وقال محمد بن الفضل البخاري: هذا الخلاف فيما إذا جرى على لسانه من غير قصد، فمن تعمد ذلك فهو زنديق أو مجنون، فالمجنون يداوى والزنديق يقتل، لأن الإخلال بالنظم يخل بالقرآن كالإخلال بالمعنى، حتى لو لم يضم معناه شعرا أو قراءة فسدت صلاته لأنه من كلام الناس، وعلى هذا لو خطب يوم الجمعة أو كبر أو تشهد أو قنت. ولو أذن أو أقام بالفارسية، قيل: على الخلاف، وقيل: لا يجوز بلا خلاف، إلا أن يكونوا قد اعتادوا ذلك، وأجمعوا جواز الأيمان والذبح، والسلام ورده بأي لسان كان، ذكره في " الينابيع ". وفي " المبسوط ": روى الحسن عن أبي حنيفة أن من أذن بالفارسية والناس يعلمون أنه أذان جاز، وإلا فلا. وفي " المحيط ": وفي التشهد روايتان عن أبي حنيفة، وبتفسير القرآن لا يجوز لأنه غير مقطوع به، ولو قرأ مثل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ربه «الصوم لي وأنا أجزي به» ، ومثل قوله: «ما تقرب المتقربون إلي بشيء أحب إلي مما افترضته عليهم» لا يجوز، ولو قرأ من التوراة والإنجيل والزبور لم يجز، سواء كان يحسن العربية أو لا لأنه ليس بقرآن، هكذا علل محمد، وقالوا: هذا يشير إلى أنه لا بأس للجنب أن يقرأها، وفي " النوادر ": لا يكره، وقيل: إن كان معناه معنى القرآن يجوز عنده، وإن كان معناه معنى التسبيح لا يجوز ولو بعد صلاته، وإن كان يعلم معناه فسدت صلاته، وفي " الروضة ": لو قرأ من التوراة والإنجيل والزبور ما كان تسبيحا وتحميدا وتهليلا أجزأه، ومن غيره لا يجزئه. وعند الشافعي يبدأ بالقراءة بالفارسية وعند العجز وعدمه، وبه قال مالك وأحمد. وفي " الكافي ": لو قرأ بقراءة شاذة لا تفسد صلاته بالاتفاق، ولو قرأ بقراءة ليست في مصحف العامة كقراءة ابن مسعود وأبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تفسد صلاته عند أبي يوسف، والأصح أنه لا يفسد ولكن لا يعتد به من القراءة. م: (أما الكلام في الافتتاح) ش: أي في افتتاح الصلاة م: (فمحمد مع أبي حنيفة في العربية ومع أبي يوسف في الفارسية) ش: يعني يجوز عند محمد لكل اسم من أسمائه تعالى، ومع أبي يوسف في الفارسية، يعني لا يجوز عند أبي يوسف إلا إذا كان عاجزا عن العربية م: (لأن لغة العرب لها من المزية) ش: أي من الفضيلة، يقال: له عليه مزية، ولا ينهى منه فعل، والميم أصلية م: (ما ليس لغيرها) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 وأما الكلام في القراءة فوجه قولهما أن القرآن اسم لمنظوم عربي كما نطق به النص، إلا أن عند العجز عن القراءة بالعربية يكتفى بالمعنى كالإيماء، بخلاف التسمية؛ لأن الذكر يحصل بكل لسان. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] ولم يكن فيها بهذه اللغة،   [البناية] ش: أي لغة العرب، كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنا عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة عربي» ، ذكره السغناقي ثم قال: ذكره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في معرض الأثر وتفضيل لسان العرب على سائر الألسنة. م: (وأما الكلام في القراءة فوجه قولهما) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد م: (أن القرآن اسم لمنظوم عربي) ش: والعربي اسم لشيء مخصوص بلسان العرب، لأن المعنى لا اختصاص له بلسان دون لسان، فكما كان مخصوصا بلسان العرب، لم تجز القراءة بالفارسي م: (كما نطق به النص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] (يوسف: الآية 2) والمراد بالعربي نظمه م: (إلا أن عند العجز عن القراءة بالعربية يكتفى بالمعنى) ش: للضرورة كيلا يلزم تكليف بالشيء في الوسع، وصار كمن عجز عن الركوع والسجود فإنه جاز له الإيماء. م: (كالإيماء بخلاف التسمية) ش: عند الذبيحة وهذا في الحقيقة جواب عن إيراد يرد على قوليهما، وهو أن القرآن لما كان اسما لمنظوم عربي كان الأمر يقتضي أن لا تجوز التسمية أيضا عند الذبح بغير العربية، وتقرير الجواب أن المراد بالتسمية الذكر، قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] (الأنعام: الآية 121) فلا يتوقف على العربية. م: (لأن الذكر يحصل بكل لسان) ش: سواء كان يحسن العربية أو لم يحسن، في قولهم جميعا، وكذلك الشهادة عند الحكام، واللعان والعقود تصح بالإجماع م: (ولأبي حنيفة قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] [الشعراء: الآية 196] ولم يكن فيها بهذه اللغة) ش: العربية، فتعين أن يكون بمعناه فيها، والمقروء بالفارسية على سبيل الترجمة يشتمل على معناه، فكان جائزا إلحاقا به. فإن قلت: قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] (يوسف: الآية 2) محكم لا يقبل التأويل، وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] [الشعراء: الآية 196] محتمل لأن بعض المفسرين ذهب إلى أن الضمير للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكيف يترك المحكم به؟ قلت: هذا بعيد يفضي إلى التعقيد اللفظي بتفكيك الضمائر في قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 192] (الشعراء: الآية 192) والكلام المعجز مصون عن ذلك. فإن قلت: سلمنا تساويهما في الأحكام لكي يكونا متعارضين، فمن أين تقوم الحجة. قلت: إعمال الدليلين ولو كان بوجه أولى من إعمال أحدهما، فيحتمل قوله: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] (الشعراء: الآية 196) على حالة الصلاة لأنها حالة المناجاة والاشتغال بنظم خاص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 ولهذا تجوز عند العجز، إلا أنه يصير مسيئا لمخالفته السنة المتواترة، ويجوز القراءة بأي لسان كان سوى الفارسية، هو الصحيح لما تلونا. والمعنى لا يختلف باختلاف اللغات، والخلاف في الاعتداد، ولا خلاف بينهم أنه لا فساد، ويروى رجوعه في أصل المسألة إلى قولهما وعليه الاعتماد، والخطبة والتشهد على هذا   [البناية] يذهب بالرقة ويحمل قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] (يوسف: الآية 2) على غير حالة الصلاة. م: (ولهذا) ش: أي ولكون القرآن لم يكن في الزبر بهذا النظم م: (تجوز) ش: القراءة بالفارسية م: (عند العجز) ش: عن العربية، ولا شك أن العجز لا يجعل غير القرآن قرآنا م: (إلا أنه) ش: استثناء من قوله: أجزأه عند أبي حنيفة، أي إلا أن المصلي بالقراءة الفارسية م: (يصير مسيئا لمخالفته السنة المتواترة) ش: وهي القراءة بالعربية. م: (ويجوز القراءة بأي لسان كان) ش: بالتركية أو الهندية وغيرهما من أي لسان كان، على قوله الأول م: (سوى الفارسية) ش: يعني غير اللغة الفارسية، وهذا ليس باستثناء، بل معناه: كما يجوز عنده بالفارسية يجوز بغيرها أيضا من أي لسان كان، لكن هذا على قوله الأول م: (وهو الصحيح) ش: أي جواز القراءة بأي لغة كانت، واحترز به عن قول أبي سعيد البرذعي فإنه قال: إنما يجوز أبو حنيفة القراءة بالفارسية دون غيرها من الألسنة لقرب الفارسية من العربية. م: (لما تلونا) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] (الشعراء: الآية 196) فإنه لما لم يكن فيها بلغة العرب كذلك لم يكن بالفارسية م: (والمعنى لا يختلف باختلاف اللغات) ش: ولأن الاعتماد على المعنى عند النقل م: (والخلاف في الاعتداد) ش: أي أن الخلاف المذكور في أن القرآن بالفارسية هل يعتد عن القراءة بالعربية أم لا؟ فعند أبي حنيفة على قوله الأول يعتد عنها، وعندهما لا م: (ولا خلاف بينهم أنه لا فساد) ش: للصلاة. قال الأترازي: ولي فيه نظر لأن القراءة بالفارسي ليست بقراءة القرآن عندهما، فإذا لم يكن قراءة القرآن كانت من كلام الناس وهو مفسد للصلاة. قلت: هذا نظر غير صحيح؛ لأن كون القراءة بالفارسية غير قراءة القرآن، ليس على إطلاقه، ولهذا يجوز عند العجز عندهما أيضا، فلم يكن من كلام الناس من كل وجه. م: (ويروى رجوعه) ش: أي رجوع أبي حنيفة م: (في أصل المسألة) ش: يعني القراءة بالفارسية م: (إلى قولهما) ش: أي إلى قول أبي يوسف ومحمد، رواه أبو بكر الرازي وغيره م: (وعليه الاعتماد) ش: أي على القول بالرجوع الاعتماد، ولتنزيله منزلة الإجماع، فإن القرآن اسم للنظم والمعنى جميعا بالإجماع. م: (والخطبة) ش: يوم الجمعة م: (والتشهد) ش: أي قراءة التحيات في القعدات م: (على هذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 الاختلاف، وفي الأذان يعتبر التعارف. ولو افتتح الصلاة باللهم اغفر لي لم يجز؛ لأنه مشوب بحاجته، فلم يكن تعظيما خالصا، ولو افتتح بقوله: "اللهم" فقد قيل: يجزئه؛ لأن معناه يا ألله، وقيل: لا يجزئه لأنه معناه يا ألله آمنا بخير، فكان سؤالا. قال: ويعتمد بيده اليمنى على اليسرى   [البناية] الاختلاف) ش: يعني يجوز عند أبي حنيفة خلافا لهما م: (وفي الأذان يعتبر التعارف) ش: يعني عرف الناس، فإن كان عربيا فهو المعتبر، وإن كان بلسان آخر فذاك المعتبر لأن المقصود من الأذان الإعلام، وهو يحصل بما هو المتعارف، وقال الأكمل: قوله: وفي الأذان المعتبر المتعارف، قيل: جواب عما يقال: قراءة القرآن في الصلاة لكونها ركنا أعظم خطرا من الأذان لكونه سنة، والأذان لا يجوز بغير العربية، فكيف جازت قراءة القرآن؟ ووجهه أنا لا نسلم عدم جواز الأذان مطلقا، بل يعتبر فيه المتعارف، فإن الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - روى عن أبي حنيفة: لو أذن بالفارسية والناس يعلمون أنه أذان جاز، وإن كانوا لا يعلمون لا يجوز لعدم حصول المقصود، وهو الإعلام. قلت: نقله من كلام صاحب الدراية. م: (قال) ش: أي المصنف، أو قال محمد في " الجامع " والقدوري لم يذكر هذه المسألة وليس في بعض النسخ: قال م: (ولو افتتح الصلاة باللهم اغفر لي لم يجز) ش: افتتاحه م: (لأنه) ش: أي لأن افتتاحه بهذا م: (مشوب) ش: أي مختلط م: (بحاجته فلم يكن تعظيما خالصا) ش: والاعتبار للتعظيم الخالص م: (ولو قال: اللهم) ش: يعني افتتح بقوله: اللهم م: (فقد قيل: يجزئه) ش: وهو قول أهل البصرة م: (لأن معناه يا ألله) ش: فيتمحض ذكرا م: (وقيل: لا يجزئه) ش: وهو قول أهل الكوفة م: (لأن معناه يا ألله آمنا بخير) ش: أي اقصدنا بالخير م: (فكان سؤالا) ش: فلم يكن تعظيما، وقد حققناه فيما مضى عن قريب. [وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويعتمد بيده اليمنى على اليسرى) ش: الاعتماد: الاتكاء، قال الجوهري: اعتمدت على الشيء: اتكأت، وتفسير اعتماد هناك: وضع وسط كفه اليمنى على ظهر كفه اليسرى، وقال الأترازي: وما قيل يعتمد يعني يقصد والباء زائدة عند الأترازي، وما قيل يعتمد بمعنى يقصد وضع يده اليمنى، ففيه نظر. قلت: قائله السغناقي، وفي هذا النظر ضعف لأن السغناقي نقل عن الديوان، يعني اعتمد قصد، وقصد يتعدى بدون الباء، فإذن تكون الباء زائدة، وزاغ النظر عن محله، ثم إن لوضع اليد أربعة أوجه: أصل الوضع، وصفته، ومكانه، ووقته. أما الأول: فعندنا يضع، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وعامة أهل العلم، وهو قول علي وأبي هريرة والنخعي والثوري، وحكاه ابن المنذر عن مالك، وأشار المصنف إلى هذا بقوله: ويعتمد يده اليمنى على اليسرى، وعند مالك في المشهور: يرسل يديه، وهو قول ابن الزبير والحسن وابن سيرين، وعليه عمل أهل المغرب، وقال الأوزاعي: يخير بين الوضع والإرسال، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 تحت السرة، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن من السنة وضع اليمين على الشمال تحت السرة»   [البناية] وقال الليث بن سعد بن سلمة: فإن طال على ذلك وضع اليمنى على اليسرى للاستراح. وأما الثاني: وهو صفة الوضع، وهي أن المصلي يضع بطن كفه اليمنى على رسغه اليسرى، يكون الرسغ وسط الكف، وقال الوبري: لم يذكر في ظاهر الرواية الوضع، قيل: يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى، وقيل: ذراعه الأيسر، والأصح وضعها على المفصل، وقال الأسبيجابي: عن أبي يوسف يضع يده اليمنى على رسغ يده اليسرى، وقال محمد: يضعها كذلك ويكون الرسغ وسط الكف، وقال أبو جعفر الهندواني: قول أبي يوسف أحب إلي لأن فيه وضعا وزيادة، وفي " المفيد ": ويأخذ بالخنصر والإبهام وهو المختار لأنه يلزم من الأخذ الوضع، وفي " الدراية " يأخذ كوعه الأيسر بكفه الأيمن، وبه قال الشافعي وأحمد وداود، وقال أبو يوسف ومحمد: يضع باطن أصابعه على الرسغ طولا ولا يقبض، واستحسن كثير من مشايخنا الجمع بينهما بأن يضع باطن كفه اليمنى على اليسرى ويحلق بالخنصر والإبهام على الرسغ. وأما الثالث: فكأنه أشار إليه بقوله: ويضعهما؛ أي يضع يديه م: (تحت السرة) ش: وعند الشافعي على الصدر، ذكره في " الحاوي "، وفي " الوسيط " تحت صدره، وفي رواية ابن الماجشون عن مالك: يضع اليمنى على المعصم والكوع من اليسرى تحت صدره، وهو مخير في رواية أشهب م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن من السنة وضع اليمين على الشمال تحت السرة) ش: هذا قول علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإسناده إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير صحيح. وإنما رواه أحمد في " مسنده " والدارقطني ثم البيهقي من جهته في " سننيهما " وعزاه عند إسحاق في أحكامه لأبي داود وليس بموجود في أحد نسخ أبي داود، فلذلك لم يعزه ابن عساكر في " الأطراف " إليه ولا ذكره المنذر في " مختصره " وإنما يوجد في النسخة التي هي من رواية ابن داسة، ومن حديث عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي عن زيادة بن زيد السوائي عن أبي جحيفة عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «السنة وضع الكف على الكف تحت السرة» ، وقال أحمد وأبو حاتم: عبد الرحمن بن الحارث أبو شيبة الواسطي، منكر الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: فيه نظر، وزيادة بن زيد لا يعرف، وقال النووي في الخلاصة في " شرح مسلم ": هو حديث ضعيف متفق على ضعفه، وقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أي من السنة هذا اللفظ يدخل في المرفوع عندهم، وقال ابن عبد البر في " التقصي ": واعلم أن الصحابي إذا أطلق اسم السنة فالمراد به سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكذا إذا أطلقها غيره ما لم تضف إلى صاحبها كقولهم: سنة العمرين، وما أشبه ذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 وهو حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الإرسال،   [البناية] م: (وهو) ش: أي حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (حجة على مالك في الإرسال) ش: أي في إرسال اليدين، وحجة على الشافعي في الوضع على الصدر، أي في وضع اليدين على الصدر. فإن قلت: كيف يكون الحديث حجة على الشافعي وهو حديث ضعيف لا يقاوم الحديث الصحيح والآثار التي احتج بها مالك والشافعي، هو حديث وائل بن حجر أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " قال: «صليت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوضع يده اليمنى على اليسرى على صدره» ". وفي " الإمام ": روى سليمان بن موسى عن طاوس قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضع يده اليمنى على صدره في الصلاة» . وروى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضع يده على السرة» ومنها قَوْله تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] (الكوثر: الآية 2) أي ضع يدك على صدرك، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قرأ هذه الآية ووضع يده اليمنى على اليسرى على صدره، وأخرج الطبراني من حديث معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "كان إذا كان في صلاته رفع يديه قبال أذنيه، فإذا كبر أرسلهما ثم سكت، وربما أنه يضع يمينه على شماله» . قلت: أما نفس الوضع فإنه ثبت من طرق كثيرة وكونه حجة على مالك، والحديث الذي تعلق به الذي أخرجه الطبراني عن الحصب بن جحد وكذبه شعبة ويحيى القطان، وأما كون الشافعي محجوجا بها فظاهر، لأن تعلقه بحديث وائل تعارضه الأحاديث الأخر، وحديث طاوس مرسل وهو لا يرى الاستدلال به، على أن حديث سليمان بن موسى يتكلم فيه، وحديث أبي هريرة غير ظاهر في كونه نصا في هذا الباب، واستدلاله بالآية غير ظاهر لأن المراد من قوله: (وانحر) الأضحية بعد صلاة العيد، والذي رواه عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يعارضه حديث الكتاب، وروى البيهقي من حديث عمر بن ميمونة [بن] مالك البكري عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عباس: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] (الكوثر: الآية 2) وضع اليمنى على الشمال في الصلاة. وقال الترمذي بعد أن أخرج حديث قبيصة بن هلب عن أبيه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤمنا فيأخذ شماله بيمنه» : حديث هلب حسن، والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والتابعين ومن بعدهم، يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة، ورأى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 وعلى الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الوضع على الصدر، لأن الوضع تحت السرة أقرب إلى التعظيم، وهو المقصود، ثم الاعتماد سنة القيام عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى حتى لا يرسل حالة الثناء. والأصل أن كل قيام فيه ذكر مسنون يعتمد فيه وما لا فلا، وهو الصحيح، فيعتمد في حالة القنوت، وصلاة الجنازة،   [البناية] بعضهم أن يضعهما فوق السرة، ورأى بعضهم أن يضعهما تحت السرة، وكل ذلك واسع عندهم، وهلب بضم الهاء واسمه يزيد بن قتادة، قاله الأترازي. قلت: يزيد بن قتادة، ويقال: زيد وقنافة، بضم القاف بعدها النون وبعد الألف فاء، ويقال قتادة. فإن قلت: الوضع على الصدر أبلغ في الخشوع، وفيه حفظ نور الإيمان في الصلاة فكان أولى من إشارته إلى العورة بالوضع تحت السرة، وقال الماوردي في " الحاوي ": وضع اليدين على الصدر أبلغ في الخضوع والخشوع من وضعهما على العورة. قلت: الوضع تحت السرة أقرب إلى التعظيم وأبعد من التشبيه بأهل الكتاب وأقرب إلى سترة العورة وحفظ الإزار عن السقوط، وما قاله الماوردي ممنوع، ووضعهما على العورة لا يضر فوق الثياب، وكذا لو كان بغير حائل لأن العورة ليس لها حكم العورة في حق نفسه، ولهذا تضع المرأة يديها على صدرها، وإن كان عورة، وما قلنا أقرب إلى التعظيم كما يفعل بين يدي الملوك، وفي وضعهما على الصدر تشبه بالنساء قد يسن. وأشار المصنف إلى ذلك بقوله: م: (لأن الوضع) ش: أي وضع اليدين م: (تحت السرة أقرب إلى التعظيم وهو المقصود) ش: أي التعظيم من وضع اليدين، وهو المقصود في هذا الباب. م: (ثم الاعتماد) ش: هذه إشارة إلى بيان القسم الرابع وهو وقت وضع اليدين، وقد ذكرنا أن لوضع اليدين أربعة أوجه: نفس الوضع، وصفته، ومكانه، وقد ذكرناه، والرابع وقت الوضع، وأشار المصنف إلى ذلك بقوله: ثم الاعتماد؛ أي اعتماد يده اليمنى على اليسرى م: (سنة القيام عند أبي حنيفة وأبي يوسف، حتى لا يرسل حالة الثناء) ش: أي حالة قراءة سبحانك اللهم، وعن محمد: أنه سنة القراءة فإذا أخذ في القراءة اعتمد. م: (والأصل) ش: في هذا الباب م: (أن كل قيام فيه ذكر مسنون يعتمد فيه وما لا فلا) ش: أي وما لا يكون فيه ذكر مسنون لا يعتمد فيه م: (وهو الصحيح) ش: احترز به عن قول أصحاب الفضلي كأبي علي النسفي والإمام أبي عبد الله الخيري وغيرهما، حيث قالوا: إنه يعتمد في كل قيام، سواء كان فيه ذكر مسنون أو لا؛ تحقيقا لخلاف الروافض لعنهم الله فإن مذهبهم إرسال اليد من أول الصلاة، فنحن نخالفهم من أول الصلاة م: (فيعتمد في حالة القنوت وصلاة الجنازة) ش: هذا بحسب الأصل المذكور، فلذلك ذكره بالفاء؛ أي فيضع يديه ولا يرسلهما في حالة قراءة القنوت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 ويرسل في القومة وبين تكبيرات الأعياد. ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، إلى آخره. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يضم إليه قوله: "وجهت وجهي" إلى آخره؛   [البناية] لأنه ذكر مسنون، وكذلك في صلاة الجنازة. م: (ويرسل في القومة) ش: أي في القومة من الركوع لأنه ليس فيه ذكر مسنون م: (وبين تكبيرات الأعياد) ش: أي يرسل أيضا بين تكبيرات العيدين، وأراد به التكبيرات الزوائد التي لا ذكر فيها بينها ولا قراءة، فلا يضع يديه بينهم باتفاق بين علمائنا الثلاثة، وفي " الذخيرة ": يرسل في القومة عنده لعمل محمد، وعليه الاعتماد، وقيل: يعتمد، وبه قال أبو علي النسفي، والحاكم عبد الرحمن الكاتب وإسماعيل الزاهد، أصحاب محمد بن أسفل، وقيل: معنى الإرسال أن لا يضع يمينه على يساره في القنوت والقومة وصلاة الجنازة، وقيل: أن يبطلهما حالة الداء، وعند بعضهم هو سنة القيام مطلقا، وقال أبو القاسم الصفار: يرسل إلى أن يشرع في الثناء والتسبيح، واختار الطحاوي أنه يضع يمينه على شماله لما يفرغ من التكبير، وفي صلاة الجنازة وعند القنوت عن أبي حنيفة، وعن أبي يوسف ومحمد أن يضعهما، وهو اختيار مشايخ سمرقند. وذكر الكرخي: وعن أصحابنا أنه يرسلهما، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة، وفي " الجامع الأصغر ": عن أبي سليمة إذا رفع رأسه من الركوع يطمئن قائما ويضع يده اليمنى على اليسرى حتى ينحط للسجود، وقيل: إذا طال القيام يعتمد؛ مخالفة للشيعة. [دعاء الاستفتاح] م: (ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره) ش: أي ثم يقول المصلي بعد الشروع بالتكبير: سبحانك اللهم، وبه قال أكثر العلماء، منهم: أبو بكر الصديق وعمر وابن مسعود والنخعي وأحمد وإسحاق، قال الترمذي: وعليه العمل عند أهل العلم من التابعين وغيرهم، وقال محمد في كتاب الحج على أهل المدينة سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وجل ثناؤك ولا إله غيرك. م: (وعن أبي يوسف أنه يضم إليه) ش: أي أن المصلي يضم إلى قوله: سبحانك اللهم، إلى آخره، قوله: م: (وجهت وجهي إلى آخره) ش: وتمامه: «وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، ربي، وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق إنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها إنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يدك والشر ليس إليك، وأنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك» . رواه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه، ولكن عند أبي يوسف يقول: وجهت، إلى قوله: " وأنا أول المسلمين "، ولم يصرح المصنف أن المصلي يقول: وجهت، بعد الثناء أو قبل الثناء بعد الكبير. وقال في " المختلف ": والحصر يقول المصلي بعد الثناء قبل القراءة، وقال في " شرح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الطحاوي ": إن شاء قدم ذلك على التسبيح أو أخر، وكذا في شرح الأقطع حيث قال: قال أبو يوسف: يجمع بين هذا وبين هذا وبين قوله: وجهت، يقدم أيهما شاء، وفي " الدراية ": وجعل البداية سبحانك اللهم أولى، وفي رواية: مخير، وفي رواية: يبدأ بأيهما شاء. قوله: سبحانك، منصوب على المصدرية، سبحان: علم للتسبيح لا ينصرف، ومعناه نسبحك بجميع آلائك ونحمدك سبحانك، والأصل: أسبح سبحان الله، إلا أنه ترك فعله وجعل علما للتسبيح فلم ينون ولم يرفع كغيره من المصادر، والتسبيح تنزيه من صفات النقص. فإن قلت: لو كان سبحان علما ما أضيف إذ العلم لا يضاف إلى إذا كان مؤولا بواحد. قلت: إنما يكون علما إذا لم يكن مضافا، أما إذا أضيف فلا، واستعماله مفرد غير مضاف قليل، قوله: وبحمدك سبحت. وعن أبي حنيفة: إذا قال: سبحانك اللهم بحمدك، بحذف الواو فقد أصاب، كذا في " فتاوى الظهيرية ". قوله: تبارك اسمك. أي تعاظم عن أسماء المخلوقين وصفاتهم، والبركة: الخير الكثير الدائم، قيل: هي مشتقة من برك الماء في الحوض: إذا دام وكثر، ومن بروك الإبل وهو الثبوت والاستمرار، كأنه قال: دام خيرك وكثر وتزايد، قوله: وتعالى جدك؛ أي علا جلالك وعظمتك وعز ملكك وسلطانك، وقيل: غناك. قوله: وجهت وجهي، الموجه إليه محذوف. وقوله: للذي، حال من الياء، وكذا حنيفا، كأنه قيل: أقبلت خاشعا أو منقادا. قوله: فطر؛ أي خلق، والفطر: اتخاذ الشيء واختراعه. قوله: حنيفا؛ الحنيف: المائل، والمراد: المائل إلى الحق، وقال أبو عبيد: الحنيف من كان على دين إبراهيم. قوله: ونسكي، بضم النون والسين: الطاعة والعبادة وكل ما تقرب به إلى لله تعالى، والنسك بسكون السين ما أمرت به الشريعة. والناسك: العابد، وقد نسك ينسك نسكا مثل نصر ينصر نصرا: إذا دفع، والنسك الذبيحة. والمحيا والممات مصدران. قوله: وأنا من المسلمين، إنما يقول كذلك لئلا يلزم الكذب، ومن قال: أنا أول المسلمين، قيل: تفسد صلاته للكذب، وقيل: لا تفسد لإرادة ما في القرآن. قوله: لبيك، من التلبية، وهي إجابة المنادي؛ أي إجابتي لك يا رب، وهو مأخوذ من لب بالمكان وألب على كذا: إذا لم يفارقه، ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير أي إجابة بعد إجابة، وهو منصوب على المصدرية بعامل لا يظهر، كأنك قلت: إلبابا بعد إلباب، والتلبية من لبيك كالتهليل من لا إله إلا الله. قوله: سعديك؛ أي ساعدت طاعتك. ساعدت بعد، مساعدة وإسعادا بعد إسعاد، وهو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 لرواية علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقول ذلك.   [البناية] من المصادر المنصوبة بفعل لا يظهر في الاستعمال، قال المزني: لم يسمع سعديك منفردا. قوله: والشر ليس إليك قال النووي: فيه خمسة أقوال للعلماء: أحدها: لا يتقرب به إليك، قاله الخليل والنضر بن شميل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين والأزهري. الثاني: لا يضاف إليك على انفراده، فلا يقال يا خالق القردة والخنازير ورب الشر، وإن كان يقال: يا خالق كل شيء، وهو مروي عن المزني وغيره. قلت: هذا قول أصحابنا. الثالث: الشر لا يصعد إليك، وإنما يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح. الرابع: الشر ليس شرا بالنسبة إليك، فإنك أوجدته بحكمة بالغة، وإنما هو شر بالنسبة إلى المخلوقين والخائفين، حكاه الخطابي، إن قولك: فلان بني فلان، إذا كان عداده فيهم. قوله: وأنا بك، مبتدأ في محل الرفع على الخبرية. قوله: وإليك، عطف على قوله: بك، أي وأنا إليك. والمعنى: وأنا ملتجئ إليك ومتوجه إليك ونحو ذلك. م: (لرواية علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: هذا غريب من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأنه مع هذا لا يدل على الجمع بين سبحانك اللهم وبين وجهت، وإنما يدل على وجهت وحده لأن معنى قوله: م: (كان يقول ذلك) ش: أي كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: وجهت، ولا يلزم من ذلك قوله: سبحانك، معه، وكان ينبغي أن يستدل المصنف لأبي يوسف فيما ذهب إليه من الجمع بينهما بحديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرجه الطبراني في " معجمه " عن محمد بن السكن عنه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا افتتح الصلاة قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين» وفي إسناده عبد الله بن عامر، ضعفه جماعة كثيرة. وعن ابن معين: ليس بشيء، وروى البيهقي من حديث جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، وجهت وجهي» اه. وروى إسحاق بن راهويه في كتابه " الجامع " عن علي بن أبي طالب رضي الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 ولهما رواية أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "كان إذا افتتح الصلاة كبر وقرأ سبحانك اللهم وبحمدك» إلى آخره" ولا يزيد على هذا، وما رواه محمول على التهجد، وقوله: "وجل ثناؤك" لم يذكر في المشاهير فلا يأتي به في الفرائض،   [البناية] عنه «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يجمع في أول صلاته بين سبحانك اللهم وبحمدك، وبين وجهت وجهي» إلى آخرها. قال إسحاق: والجمع بينهما أحب إلي، انتهى. وقال أبو حاتم: هذا حديث باطل موضوع لا أصل له لأنه من رواية خالد بن القاسم المدائني، وأحاديثه معتلة. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (رواية أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا افتتح الصلاة كبر وقرأ سبحانك اللهم وبحمدك» إلى آخره) ش: هذا الحديث رواه الدارقطني من حديث حميد عن أنس: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا افتتح الصلاة كبر ثم رفع يديه حتى يحاذي بإبهامه أذنيه ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك» إلخ، وأخرج من طريق آخر عن عابد بن شريح عن أنس بن مالك «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا افتتح الصلاة كبر ثم يقول: سبحانك اللهم» إلخ. نحوه م: (ولا يزيد على هذا) ش: أي ولا يزيد المصلي على سبحانك اللهم إلخ. م: (وما رواه) ش: أي وما رواه أبو يوسف م: (محمول على التهجد) ش: وهو الاستقبال بالنوافل بالليل، وفي النوافل سعة، وأصل التهجد: السهر، وما ذهب إليه أبو حنيفة ومحمد مروي عن أنس وعمر وابن مسعود وأبي سعيد الخدري وجابر وبريدة وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قالوا: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا افتتح الصلاة كبر قال: سبحانك اللهم» . فإن قلت: أخرج البخاري ومسلم عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر وعمر وعثمان يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين» . قلت: هذا محمول على افتتاح القراءة، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: معناه أنهم كانوا لا يقرأون م: (وجل ثناؤك لم يذكر في المشاهير) ش: أي لفظ جل ثناؤك، فيما روي سبحانك اللهم اه. لم يذكر في الأخبار المشهورة، وفي " شرح الطحاوي ": وليس عن المتقدمين قول في جل ثناؤك، ولو قال لا بأس به. م: (فلا يأتي به في الفرائض) ش: نتيجة لما قبله، أي فلا يأتي بلفظ وجل ثناؤك في الفرائض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 والأولى أن لا يأتي بالتوجه قبل التكبير لتتصل النية به، هو الصحيح. ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] معناه: إذا أردت قراءة القرآن.   [البناية] احترازا عن الزيادة فيها ما ليس منها م: (والأولى أن لا يأتي بالتوجه) ش: أي الأولى للمصلي أن لا يقول: وجهت وجهي. اه. م: (قبل التكبير لتتصل النية به) ش: أي بالتكبير م: (هو الصحيح) ش: احترز به عن قول بعض المشايخ المتأخرين، فإنهم قالوا: يأتي به قبل التكبير، فيكون أجمع للعزيمة، وهو اختيار الفقيه أبي الليث، فقالوا أيضا: إنه يؤدي إلى أن يطول مكثه في المحراب قائما يستقبل القبلة ولا يصلي، وهذا مذموم شرعا لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما لي أراكم سامدين» أي متحيرين، كذا في " المبسوط " وفي " النظم ": لا يقرأ: وجهت إلخ، في الفرائض عندهما، لا قبله ولا بعده ولا بعد الثناء، هو قول أبي يوسف في الأصل، وعنه أنه يقرأ بعد الثناء قبل التعوذ، واتفقوا أنه يقرأ في النفل إجماعا، واختار المتأخرون أنه يقوله قبل الافتتاح. [حكم الاستعاذة في الصلاة] م: (ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم) ش: أي بعد قراءة سبحانك اللهم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، خلافا لمالك فإن عنده لا يقول، واستدل بحديث أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور عن قريب، وعنه أنه يتعوذ في قيام رمضان إذا قرأ. م: (لقول تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] (النحل الآية 98) معناه: إذا أردت قراءة الْقُرْآن) ش: ظاهر الأمر يقتضي أن يكون التعوذ فرضا كما قال به عطاء، إلا أن السلف أجمعوا على أنه سنة مؤكدة، وإنما قال: معناه: إذا أردت القراءة؛ نفيا لقول بعض أصحاب الظواهر أنه يتعوذ بعد القراءة عملا بحرف الفاء؛ فإنه ليس بصحيح لما روى أبو سيعد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقول قبل القراءة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» ، كذا ذكر الأترازي لفظ الحديث. قلت: الحديث عن أبي سعيد الخدري قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام من الليل كبر ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلا الله، ثلاثا، ثم يقول: الله أكبر كبيرا، ثلاثا، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، ثم يقرأ» أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، قال الترمذي: حديث أبي سعيد أشهر حديث في الباب وقد تكلم في إسناده، وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث. وقال ابن خزيمة: لا نعلم في الافتتاح بسبحانك اللهم خبرا ثابتا عند أهل المعرفة بالحديث، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 والأولى أن يقول: أستعيذ بالله، ليوافق القرآن،   [البناية] وأحسن أسانيده حديث أبي سعيد، ثم قال: لا نعلم أحدا ولا سمعنا به استعمل هذا الحديث على وجهه، وروى أحمد نحوه وفيه: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» . وفي إسناده من لم يسم، وروى ابن ماجه وابن خزيمة من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه» . رواه الحاكم بلفظ: «كان إذا دخل في الصلاة» وعن أنس نحوه، ورواه الدارقطني وفيه الحسين بن علي بن الأسود، وفيه اتصال. وروي عن جبير بن مطعم «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتعوذ قبل القراءة» رواه أحمد. ومعنى أعوذ بالله: أتوجه وأعتصم به وألجأ إليه، والشيطان اسم لكل متمرد عات لشطوته على الخير؛ أي تباعده، وقيل: لتشيطه؛ أي هلاكه واحتراقه. فعلى الأول النون أصلية والياء والألف زائدة، وعلى الثاني الياء أصلية والنون والألف زائدتان، يمنع الصرف، والرجيم المطرود، وقيل المرجوم بالشهب. قوله: " من همزه " بدل اشتمال من الشيطان وهو جمع همزة وهي ما يوسوس به، قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] (المؤمنون: الآية 97) ، وهمزاته خطراته التي يخطرها بقلب الإنسان. وقرأ أبو داود بالمغربة فقال: وهمزه: الموتة بضم الميم وسكون الواو وفتح التاء المثناة من فوق، وهي الجنون. قوله: ونفخه، بالخاء المعجمة: الكبر، كأن قوله للإنسان من الاستكبار والخيلاء فيتعاظم في نفسه كالذي نفخ فيه. قوله: ونفثه، قال أبو داود: ونفثه الشعر، وإنما سمي به لأنه كالشيء ينفثه للإنسان من فيه كالرقية، قيل: أراد به السحر، وهو الأشبه لما في التنزيل، قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] (الفلق: الآية 4) . م: (والأولى: أن يقول: أستعيذ بالله، ليوافق القرآن) ش: لأن المذكور في القرآن: فاستعذ، وهو أمر من الاستعاذة، فإذا قال: أستعيذ، يحصل الموافقة للقرآن، واختلف القراء في صفة الاستعاذة، واختار أبو عمرو وعاصم وابن كثير: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وبه أخذ أصحابنا والشافعي وأكثر أهل العلم، نص الشافعي أنه الأفضل، وزاد حفص من طريق هبيرة: أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم، وهو قول أحمد لكن زاد في آخره أنه هو السميع العليم. واختار نافع وابن عامر والكسائي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم، وهو قول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 ويقرب منه: أعوذ بالله، ثم التعوذ تبع للقراءة دون الثناء عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لما تلونا، حتى يأتي به المسبوق دون المقتدي، ويؤخر عن تكبيرات العيد خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: ويقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هكذا نقل في المشاهير.   [البناية] سفيان الثوري، واختار حمزة: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وهو قول ابن سيرين، وبكل ذلك ورد الأثر، وفي " المجتبى " وبقول حمزة نفتي، ولكن ورد في أكثر الأخبار والآثار: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فلذلك قال المصنف: م: (ويقرب منه: أعوذ بالله) ش: أي يقرب من أستعيذ، أعوذ بالله لأن المزيد قريب من الثلاثي، ومعنى كل منهما طلب الإعاذة منهما، قاله بعض الشراح. قلت: معنى الطيب في أستعيذ ظاهر بخلاف أعوذ. م: (ثم التعوذ تبع للقراءة دون الثناء عند أبي حنيفة ومحمد لما تلونا) ش: أي وهو قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] جعل الاستعاذة جزاء لقراءة القرآن فيكون تابعا للقراءة لا للثناء. وعند أبي يوسف تبع للثناء لأنها شرعت بعد الثناء م: (حتى يأتي به المسبوق دون المقتدي) ش: ثمرة ما قبله في قوله تبع للقراءة، فالمسبوق عليه القراءة فيأتي به. وعند أبي يوسف يأتي به المقتدي لأنه يسبح. م: (ويؤخر عن تكبيرات العيد خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ش: أي يؤخر الاستعاذة عن تكبيرات الزوائد فيأتي بها بعد التكبيرات عندهما، وعند أبي يوسف يؤتي بها عقيب الثناء بعد تكبيرة الافتتاح. وقال صاحب " الخلاصة ": الأصح قول أبي يوسف، وهذا الخلاف كما رأيت بين أبي حنيفة ومحمد وبين أبي يوسف كما ذكره المصنف، وفي بعض نسخ الفقه وفي عامة النسخ " كالمبسوط " و " المنظومة " وشروحها بين أبي يوسف ومحمد، ولم يذكر قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، والتعوذ في الركعة الأولي لا غير، إلا عند ابن سيرين والشافعي على المذهب، ذكره النووي. ولا يجهر بالثناء والتعوذ اتفاقا، وعند أبي ليلى يخير، وقال أبو هريرة: يجهر وخارج الصلاة يجهر اتفاقا. وعند أحمد: المسبوق لا يستفتح ولا يتعوذ مع الإمام، فإذا قام ليقضي استفتح واستعاذ لأن ما يقضيه أول صلاته وما أدرك آخرها. [البسملة في الصلاة] م قال: (ويقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ش: أي بعد التعوذ يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ م: (وهكذا نقل في المشاهير) ش: أي في الأخبار المشهور، منها ما روى نعيم بن المجمر: «والذي نفسي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بيده لأنا أشبهكم صلاة برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» - ". رواه ابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما " والحاكم في " المستدرك " وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ومنها: ما رواه ابن عباس قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم» ، أخرجه الترمذي وقال: ليس إسناده بذاك، فكأنه قال هكذا لأجل أبي خالد الوالبي الكوفي، وهو من رواته. وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وذكره ابن حبان في "الثقات" واسم أبي خالد هرمز ويقال هرم، ومنها ما رواه علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في صلاته» وأخرجه الدارقطني فقال: "إسناده علوي لا بأس به، ومنها ما روته أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في الفاتحة في الصلاة» . وأخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه ". ومنها ما رواه عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه «كان إذا افتتح الصلاة يبتدئ ببسم الله الرحمن الرحيم» . أخرجه الدارقطني في "سننه ". ومنها: ما روي عن بريدة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بآية، أو بسورة لم تنزل على نبي بعد سليمان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غيري، فمشى وتبعته حتى انتهى إلى باب المسجد، فأخرج رجله وبقيت الأخرى فقلت: أنسي؟ فأقبل علي بوجهه فقال: بأي شيء تفتتح القرآن إذا افتتحت الصلاة؟ قلت: ببسم الله الرحمن الرحيم. قال: هي هي ثم خرج» وفي إسناده صالح وعبد الكريم، قال أحمد ويحيى: ليسا بشيء، وفيه يزيد أبو خالد، قال النسائي: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] متروك الحديث. اعلم أن الكلام في التسمية على وجوه، الأول في كونها من القرآن أم لا؟ والثاني أنها من الفاتحة أم لا؟ والثالث أنها من أول كل سورة أم لا؟ والرابع: يجهر بها أم لا؟. أما الأول: فالصحيح من مذهب أصحابنا أنها من القرآن لأن الأمة اجتمعت على أن ما كان مكتوبا بين الدفتين بقلم الوتر، فهو من القرآن والتسمية كذلك. وكذلك روى المعلى عن محمد فقال: قلت لمحمد: التسمية آية من القرآن؟ فقال: ما بين الدفتين كله من القرآن، وكذا روى الجصاص عن محمد أنه قال: التسمية من القرآن، أنزلت للفصل بين السور والبداية منها تبركا، وليست بآية من كل واحدة منها، ويبنى على هذا أن فرض القراءة يتأدى بها عند أبي حنيفة إذا قرأها على قصد القراءة دون الثناء لأنها آية من القرآن. وقال بعض أصحابنا: لا يتأدى لأن في كونها آية تامة احتمال، فإنه روي عن الأوزاعي أنه قال: ما أنزل الله تعالى في القرآن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إلا في سورة النمل وحدها، وليست بآية تامة، في قوله: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30] (النمل: الآية 30) ، فوقع الشك في كونها آية تامة، فلا يجوز بالشك، ولذا يحرم على الجنب والحائض والنفساء قراءتها على قصد القرآن. أما على قول الكرخي فظاهر لأن ما دون الآية محرم عليهم، وكذا على رواية الطحاوي؛ لاحتمال كونها آية تامة، فيحرم عليهم قراءتها احتياطا. الثاني: أنها من الفاتحة أم لا؟ قال الشيخ أبو بكر الرازي: عن أصحابنا رواية منصوصة أنها من الفاتحة أو ليست منها. وذكر السرخسي في " أصول الفقه " عن الرازي أن الصحيح من المذهب عندنا: آية منزلة للفصل لا من أول السورة ولا من آخرها. وقال الشافعي: إنها من الفاتحة قولا واحدا، وبه قال أبو ثور. وقال أحمد في رواية: إنها من الفاتحة دون غيرها تجب قراءتها حيث تجب قراءة الفاتحة، وفي رواية وهي الأصح، أنه لا فرق بين الفاتحة وغيرها في ذلك، وإن قرأ بها في أول القراءة كقراءتها في أول السورة وللفصل بين السور وليست من القرآن إلا في النمل، فإنها بعض آية منها. 1 - الثالث: أنها ليست من أول كل سورة عندنا. وقال الشافعي وأصحابنا: هي من أول كل سورة على الصحيح من المذهب عندهم، وبه قال عطاء والزهري وعبد الله بن المبارك، وهو مذهب ابن كثير وعاصم والكسائي من القراء، ووافقهم حمزة على أنها من الفاتحة خاصة، وبه قال الشافعي في قول في " المجتبى ". قال الأسبيجابي: أكثر مشايخنا على أنها من الفاتحة، ومذهب باقي القراء كمذهب مالك لكن يلزم قراءتها قالون ومن تابعه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] واحتج الشافعي ومن تابعه بحديث أبي الجوزاء عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ الفاتحة فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وعدها آية منها» . واحتج أصحابه بما رواه الشافعي عن مسلم عن ابن جريح عن عبد الله بن أبي مليكة عن أم سلمة أم المؤمنين قالت: «قرأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاتحة الكتاب فعد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آية والحمد لله رب العلمين آية، الرحمن الرحيم آية، إياك نعبد وإياك نستعين آية، اهدنا الصراط المستقيم آية، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين» ذكره فخر الدين الرازي في " تفسيره الكبير ". واحتجوا أيضا بما رواه الشعبي في تفسيره عن أبيه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ألا أخبرك بحديث. وقد ذكرناه عن قريب. والجواب عن هذه الأحاديث، أما حديث عائشة فالصحيح ما رواه مسلم عن بديل بن مسلمة عن أبي الجوزاء عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين» وهذا ظاهر في كون التسمية من الفاتحة. فإن قلت: تأويله على إرادة اسم السورة. قلت: لا يعدل عن حقيقة اللفظ وظاهره إلا بدليل. فإن قلت: أبو الجوزاء لا يعرف له سماع عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ولئن سلم فإنه روي عنها أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يجهر بها. قلت: يكفينا أنه حديث أودعه مسلم في "صحيحه ". وأبو الجوزاء اسمه أوس بن عبد الله الربعي، ثقة كبير لا ينكر سماعه من عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وقد احتج به جماعة، وبديل بن ميسرة تابعي صغير مجمع على عدالته وثقته، وقد حدث عنه هذا الحديث الأئمة الكبار وتلقاه العلماء بالقبول ولم يتكلم فيه أحد منهم وما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - من الجهر فكذب بلا شك، فيه الحكم بن عبد الله بن سعد، وهو كذاب دجال لا يحل الاحتجاج به، ومن العجب القدح في الحديث الصحيح والاحتجاج بالباطل. وأما حديث أم سلمة فليس بصحيح لأنه يرويه عمر بن مروان البلخي عن ابن جريج قال يحيى: ليس بشيء. وأما حديث أبي هريرة فقد ذكرنا ما فيه من العلل، وإنما استدللنا به فيما مضى لأنه يدل على أن التسمية من القرآن وهو المختار عند بعضهم، ولا يدل على أنها من الفاتحة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ونقل الخطب عدة أحاديث في ذلك من تفسير الثعلبي وليس لها صحة ولا يثبت شيء منها، والثعلبي حاطب ليل يذكر الغث والسمين. وأما احتجاجات أصحابنا فيما ذهبوا إليه فأحاديث كثيرة، منها ما رواه مسلم في "صحيحه " من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، نصفها إلي ونصفها لعبدي، يقول العبد: الحمد لله رب العالمين، يقول الله: حمدني عبدي، يقول العبد: الرحمن الرحيم، يقول الله: أثنى علي عبدي، يقول العبد: مالك يوم الدين، يقول الله: مجدني عبدي، يقول العبد: إياك نعبد وإياك نستعين، يقول الله: هذه بيني وبين عبدي، يقول العبد اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال الله: فهؤلاء لعبدي» . قال ابن عبد البر: هذا حديث قد رفع الإشكال في سقوط بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من الفاتحة، وهو نص لا يحتمل التأويل، ولا أعلم حديثا في سقوط البسملة أبين منه. قلت: وجه التمسك به أنه ابتدأ القسمة بالحمد لله رب العالمين دون البسملة، فلو كانت منها لابتدأ بها. وأيضا فقد جعل النصف {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] فيكون ثلاث آيات لله تعالى في الثناء عليه وثلاث آيات للعبد، وآية بينهما، وفي جعل التسمية منها إبطال هذه القسمة فيكون باطلا. وأيضا أنه قال: يقول العبد: اهدنا الصراط المستقيم إلى آخرها، ثم قال: هؤلاء لعبدي، هكذا ذكره أبو داود والنسائي بإسنادين صحيحين، وهو جمع، فيقتضي ثلاث آيات، وعلى قول الشافعي يكون اثنين وللباري أربع ونصف إذا لم يعدوا {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] آية، وإن عدوها آية تصير ثماني آيات، وهذا كله خلاف تصريح الحديث بالنصف. والمراد بالصلاة القراءة، ألا تراه كيف فسر القراءة وقسم الآيات، ولم الأفعال. فإن قلت: لم لا يراد بالقسمة المعنى لا الآي؟ فيكون لله الحمد والثناء والتحميد، وللعبد الخضوع والتذلل. قلت: هذا باطل، فإن الله تعالى منفرد بالحمد والثناء، والحمد لله الذي لا يكيف بالعبد، والعبد ينفرد بالخضوع والتذلل الذي ينزه الباري عنه، ولا يجوز أن يراد ذلك بقوله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، مثاله إذا كان ثوب لزيد وعبد لعمرو لا يجوز أن يقول: قسمت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الثوب والعبد بين زيد وعمرو إذا لم يشتركا فيهما. فإن قلت: ما المانع أن يكون قسمة الألفاظ والحروف؟. قلت: لا يجوز لأن القسمة لا تصح مع ذلك، فلم يبق إلا عدد الآيات، على أن قسمة المعاني داخلة في قسمة الآيات. فإن قالوا: إنما لم يذكر البسملة لأنه أدرجها في الاثنين بعدها. قلنا: هذا ظاهر الفساد ويدعيه مكابر. فإن قالوا في مثل العلاء بن عبد الرحمن: وتكلم فيه ابن معين فقال: ليس حديثه بحجة، مضطرب الحديث، ليس بذاك، هو حديث، وروي عنه هذه الألفاظ كلها. وقال ابن عدي: ليس بالقوي، وقد انفرد بهذا الحديث فلا يحتج به. قلنا: هذا جهل وفرط وتعصب ورداءة فكر ورأي، حيث يترك الحديث الصحيح والضعيف لكونه غير موافق لمذهبهم، وكيف وقد رواه عن العلاء الأئمة الثقات الأثبات كمالك، وسفيان بن عيينة، وابن جريج، وعبد العزيز الدراوردي، وإسماعيل بن جعفر ومحمد بن إسحاق، والوليد ابن كثير، وغيرهم، والعلاء نفسه ثقة صدوق. فإن قالوا: سلمنا ما قلتم ولكن جاء في بعض الروايات عنه ذكر التسمية، كما أخرجه الدارقطني عن عبد الله بن زياد بن سمعان عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، نصفها له يقول عبدي إذا افتتح الصلاة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فيذكرني عبدي، ثم يقول: الحمد لله رب العالمين، فأقول: حمدني عبدي» " إلى آخره، فهذه الرواية وإن كان فيها ضعف ولكنها تفسر بحديث مسلم أنه أراد السورة لا الآية. قلنا: هذا أيضا مكابرة وفساد وفرط ونقص مع علمهم بحال ابن سمعان، فقال عمر بن عبد العزيز الواحدي: سألت مالكا عنه فقال: كان كذابا، وقال يحيى بن أبي بكر: قال هشام بن عروة: لقد كذب علي وحدث عني بأحاديث لم أحدثه بها. وعن أحمد بن حنبل: متروك الحديث. وسئل ابن معين عنه فقال: كان كذابا. وقيل لابن إسحاق: إن ابن سمعان يقول: سمعت مجاهدا فقال: لا إله إلا الله، أنا والله أكبر منه ما رأيت مجاهدا ولا سمعت منه. وقال ابن حبان: كان يروي عمن لم يره ويحدث بما لم يسمع. وقال أبو داود: متروك الحديث كان يروي عن الكذابين. وقال النسائي: متروك فكيف يعلل الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه بالحديث الضعيف؟ إذ مقتضى العلم أن يعلل الحديث الضعيف بالحديث الصحيح كما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 ويسر بهما، لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أربع يخفيهن الإمام، وذكر منها التعوذ والتسمية وآمين وربنا لك الحمد.   [البناية] يفعل. ونحن نذكر من الأحاديث الصحيحة التي استدللنا بها ما رواه البخاري في "صحيحه " من حديث أبي هريرة قال: «كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم أجبه فقلت: يا رسول الله كنت أصلي فقال: "ألم يقل الله: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24] ، ثم قال لي: ألا أعلمك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ قلت: ما هي؟ قال: الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» . فأخبر أنها السبع المثاني، ولو كانت البسملة آية منها لكانت ثمانيا، لأنها سبع آيات بدون البسملة. ومنها ما رواه أصحاب السنن الأربعة عن شعبة عن قتادة عن عباس الجشمي عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن سورة من القرآن شفعت لرجل حتى غفر له وهي {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] » قال الترمذي: حديث حسن، ورواه أحمد في "مسنده " وابن حبان في "صحيحه " والحاكم في "مستدركه " وصححه، وعباس وثقه ابن حبان، ولم يتكلم فيه أحد. وجه الاستدلال به أن هذه السورة ثلاثون آية بدون البسملة بلا خلاف بين العادين، وأيضا فافتتاحه بقوله: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] (الملك: الآية 1) دليل على أن البسملة ليست منها. وأما القسم الرابع فنذكره عن قريب إن شاء الله تعالى. م: (ويسر بهما) ش: أي يخفي بالاستعاذة والتسمية. قال الأترازي: قال المطردي: أسر الحديث: أخفاء، وزيادة الباء سهو، وكذا قال السغناقي. قلت: يستعمل باب أفعل بالباء أيضا. م: (لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أربع يخفيهن الإمام، وذكر منها التعوذ، والتسمية وآمين، وربنا لك الحمد) ش: وهذا غريب، ولكن معناه رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه " ثنا هشيم عن سعيد بن المرزبان ثنا أبو وائل عن ابن مسعود أنه كان يخفي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ والاستعاذة وربنا لك الحمد. وروى سعد بن الحسن في كتاب "الآثار " ثنا أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثنا حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال: أربع يخفيهن الإمام: التعوذ، وبسم الله الرحمن الرحيم، وسبحانك اللهم وبحمدك، وآمين. ورواه عبد الرزاق في "مصنفه " ثنا معمر عن حماد، فذكره إلا أنه قال عوض سبحانك اللهم ربنا لك الحمد، ثم قال: أنا الثوري عن منصور عن إبراهيم قال: خمس يخفيهن الإمام، فذكرها، وزاد سبحانك اللهم وبحمدك. وروى أبو معمر عن عمر بن الخطاب أنه قال: يخفي الإمام أربعا: التعوذ، وبسم الله الرحمن الرحيم، وآمين، وربنا لك الحمد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يجهر بالتسمية عند الجهر بالقراءة، لما «روي أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - "جهر في صلاته بالتسمية» .   [البناية] م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجهر بالتسمية عند الجهر بالقراءة) ش: وبه قال أبو ثور، قال الثوري: يجهر بالبسملة حيث يجهر بالقراءة في الفاتحة والسورة جميعا، قال: وعلى هذا أكثر علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأكابر. أما الصحابة فرواه أبو بكر الخطيب البغدادي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعمار بن ياسر وأنس وأبي هريرة وغيرهم، حتى ذكر عبد الله بن المغفل الذي ذكر الجهر به على ابنه. وأما التابعون ومن بعدهم، فمن قال بالجهر فهم لا يمكن أن يذكروا أو أن يحصوا. قال عمر بن عبد البر في " الاتفاق ": وقد روي عن عمر وعلي وعمار الجهر بها، والطرق عنهم ليست بالقوية، قال: وكذا اختلف عن أبي هريرة وابن عباس، والأشهر عن ابن عباس الجهر بها. وقال ابن أبي ليلى: إن شاء جهر بها وإن شاء خافت. قلت: قال الترمذي: والعمل عليه؛ أي على ترك الجهر بالبسملة عند ذكر أهل العلم من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ومن بعدهم من التابعين، وقال أبو عمرو بن المنذر: هو قول ابن مسعود وابن الزبير وعمار بن ياسر وعبد الله بن المغفل والحكم والحسن والشعبي والنخعي والأوزاعي وسعيد بن جبير وعبد الله بن المبارك وقتادة وعمر بن عبد العزيز وسليمان الأعمش والزهري ومجاهد ويحيى بن جعدة وحماد بن أبي سليمان وأبي عبيد والإمام مالك وأحمد وإسحاق. وقال أبو الخطاب: والعمل عليه عند أهل المدينة، وهذا نقل خلاف قد يلتفت إلى العصبية. م: (لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جهر في صلاته بالتسمية) ش: عن أكثر الشراح هذا الحديث إلى أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وروى الدارقطني عن العلاء عن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أم الناس جهر ببسم الله الرحمن الرحيم» . ورواه ابن عدي فقال فيه: " أسر " عوض " جهر ". وروى النسائي في "سننه " من حديث يعلمه التمرتاشي قال: «صليت وراء أبي هريرة فقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن حتى قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين. وفي آخره: فلما سلم قال: إني أشبهكم صلاة برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -. ورواه ابن حبان في "صحيحه "، وابن خزيمة في "صحيحه "، والحاكم في "مستدركه " وقال: إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والدارقطني في "سننه " وقال: حديث صحيح ورواته كلهم ثقات مجمع على [ ... ] ، يحتج بهم في الصحيح. وروى الدارقطني أيضا عن خالد بن إلياس عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «علمني جبرائيل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الصلاة فقام فكبر لنا ثم قرأ ببسم الله الرحمن الرحيم فيما يجهر به في كل ركعة» . وروى الطبراني في "الأوسط " عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هزأ منه المشركون ويقولون: محمد يذكر إله اليمامة» . وروى الحاكم في "مستدركه " من حديث علي وعمار أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم» . وقال: صحيح الإسناد، ورواه الدارقطني في "سننه " من حديث جابر عن أبي الطفيل عن علي وعمار نحوه. وروى الدارقطني أيضا عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «صليت خلف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» . وأخرجه الخطيب من طريق آخر من حديث مسلم بن حسان قال: «صليت خلف ابن عمر فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين" فقيل له، فقال: صليت خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى قبض، وخلف أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حتى قبض، وخلف عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حتى قبض، فكانوا يجهرون بها في السورتين فلا أدع الجهر بها حتى أموت» . وأخرج الدارقطني عن أبي الصخر عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أمني جبرائيل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عند الكعبة فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم» . وأخرج أيضا من حديث الحكم بن عمير وكان بدريا قال: «صليت خلف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاة الليل وصلاة الغداة وصلاة الجمعة» . وروى الحاكم في "مستدركه " والدارقطني في "سننه «من حديث محمد بن أبي المتوكل بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أبي السري قال: صليت خلف المعتمر بن سليمان من الصلوات ما لا أحصيها، الصبح والمغرب، فكان يجهر ببسم الله الرحمن قبل فاتحة الكتاب وبعدها. وقال المعتمر: ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي بكر. وقال أبي: ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال أنس: ما آلو أن أقتدي بصلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وأخرجه الحاكم من طريق آخر عن محمد بن السري ثنا إسماعيل ابن أبي أويس ثنا مالك عن حميد عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «صليت خلف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فكلهم كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» . قال الحاكم: وأخرجته شاهدا. أخرجه الخطيب من طريق آخر من حديث حميد عن أنس أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. الرد عن هذه الأحاديث: أما حديث أبي هريرة الذي روى عنه العلاء، وروى عنه أويس، واسمه عبد الله بن أويس، وهو غير محتج به لأنه لا يحتج بما انفرد به، فكيف إذا انفرد بشيء وخالفه فيه من هو أوثق منه، مع أنه متكلم فيه، وقد ضعفه أحمد وابن معين وأبو حاتم الرازي. فإن قلت: أخرج له مسلم في صحيحه، قلت: بناء على أن مجرد الكلام في الرجال لا يسقط العدالة ولا حديثه، ولو اعتبرنا ذلك لذهب معظم السنة إذ لم يسلم من كلام إلا من عصمه الله، بل خرج في الصحيح ممن تكلم فيهم، ومع هذا لم يترك حديثه لكلام الناس فيه، بل للتفرد به ومخالفة الثقات له، ولرواية مسلم الحديث في "صحيحه" من طريقه وليس فيه ذكر البسملة. وأما رواية نعيم المجهول عنه فهي معلولة، البسملة فيه مما تفرد به نعيم المجمر من بين أصحاب أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهم ثمانمائة ما بين صاحب وتابع، ولا يثبت عن ثقة من أصحاب أبي هريرة أنه حديث عن أبي هريرة أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يجهر بالبسملة في الصلاة، فالبخاري ومسلم أعرضا عن ذكر البسملة في حديث أبي هريرة الذي رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها، فيكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع، الحديث ثم يقول حين ينصرف: والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبها لصلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وليس في هذا الحديث ولا في الأحاديث الصحيحة عن أبي هريرة ذكر للتسمية، وهذا فيما يغلب على الظن أنه وهم على أبي هريرة. فإن قلت: نعيم المجمر ثقة والزيادة من الثقة مقبولة. قلت: ليس ذلك مجمعا عليه، بل فيه خلاف مشهور، فمن الناس من يقول: زيادة الثقة مطلقا غير مقبولة، ومنهم من يقبلها، والصحيح التفصيل، وهو أنها تقبل في موضع إذا كان راويها ثقة حافظا ثبتا، والذي لم يذكرها مثله أو دونه في الثقة، كما قبل الناس زيادة مالك بن أنس قوله: من المسلمين، في صدقة الفطر، واحتج بها أكثر العلماء، وتقبل في موضع آخر لقرائن تخصها يجزم بصحتها كزيادة مالك، وفي موضع يغلب على الظن صحتها، وفي موضع يجزم بخطئها كزيادة عبد الله بن زياد ذكر البسملة في حديث قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، وزيادة نعيم المجمر التسمية في هذا الحديث مما يتوقف فيه، بل يغلب على الظن ضعفه، وعلى تقدير صحتها فلا حجة فيها بالجهر لأنه قال: فقرأ أو فقال بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وذلك أعم من قراءتها سرا أو جهرا على من لا يرى قراءتها. فإن قلت: قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: أراد به أصل الصلاة، ومقاديرها، وهيآتها، والتشبه لا يقتضي أن يكون من كل وجه بل يكفي في غالب الأفعال، وذلك محقق في التكبير وغيره دون البسملة. وأما الحديث الذي فيه: علمني جبريل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن إسناده ساقط، وإن خالد بن إلياس مجمع على ضعفه، فعن أحمد: منكر الحديث، وعن ابن معين: ليس بشيء، لا يكتب حديثه. وعن النسائي: متروك الحديث. وعن ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات. وأما حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس فإنه لم يذكر هل كان في فرض أو نفل. فإن قلت: ذكر الدارقطني حديثين عن ابن عباس أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جهر ببسم الله الرحمن الرحيم، والثاني: كان يفتتح الصلاة ببسم الله. قلت: قال الترمذي: إسناده ليس بذاك، والأول لا حجة فيه. فإن قلت: قال النووي في " صحيح مسلم ": قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أنزلت علي آنفا سورة، فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] » . اه. قال: وهذا تصريح بالجهر خارج الصلاة، فكذا في الصلاة كسائر الآيات. قلت: هذا الاحتجاج في غاية السقوط فهل يحتج بالقياس مع مخالفة النصوص الصحاح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وأما حديث علي وعمار، ففي الأول عبد الرحمن بن سعد المؤذن، وقد ضعفه ابن معين لما قال الحاكم: صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي فقال: هذا جزاؤه، كأنه موضوع. وفي الطريق الثاني: جابر الجعفي، وقد كذبه أيوب وليث بن أبي سليمان الخزرجاني. وعن أبي حنيفة: ما رأيت أكذب من جابر الجعفي، ما أتيته بشيء من رأي إلا أتاني فيه بأثر. وأما حديث ابن عمر فله طريقان، الأول رواه الدارقطني وفيه شيخه عمر بن الحسن، وقد ضعفه الدارقطني، وفيه جعفر بن محمد بن مروان فقال فيه الدارقطني: لا يحتج به، فظهر بذلك بطلان هذا الحديث. والطريق الثاني رواه الخطيب، فهو أيضا باطل لأن فيه عباد بن زياد الأسدي، وقال الحافظ محمد بن النيسابوري: هو مجمع على كذبه، وقال أبو حاتم: كان من رؤساء الشيعة. وأما حديث النعمان بن بشير فإنه حديث منكر بل موضوع، ومن رواته يعقوب بن يوسف الضبي، وهو ليس بمشهور، وأحمد بن حماد ضعفه الدارقطني، وسكوت الدارقطني والخطيب وغيرهما من الحفاظ عن مثل هذا الحديث بعد روايتهم له قبيح جدا، ولم يعلق ابن الجوزي في هذا الحديث إلا عن فطر بن خليفة، وهو تقصير منه، فإن البخاري روى له في صحيحه ووثقه أحمد وابن معين ويحيى القطان، فكأنه اعتمد على قول السعدي فيه: هو زائغ غير ثقة، وليس كذلك لما ذكرنا. وأما حديث الحكم بن عمير فهو حديث باطل لوجوه: الأول: أنه ليس بدريا ولا في البدريين أحد اسمه الحكم بن عمير، بل لا نعرف له راويا سوى ابن حبيب الراوي عنه، لم يلق صحابيا بل هو مجهول لا يحتج بحديثه. وقد ذكر الطبراني في "معجمه الكبير " الحكم بن عمير وقال في نسبته: الثمالي، ثم روى له بضعة عشر حديثا منكرا، وكلها من رواية موسى بن أبي حبيب عنه. وروى له ابن عدي في "الكامل " قريبا من عشرين حديثا ولم يذكر فيها هذا الحديث. والراوي عن موسى هو إبراهيم بن إسحاق الصيني الكوفي، قال الدارقطني: متروك الحديث. الثاني: يحتمل أن يكون هذا الحديث صنعه، فإن الذين رووا نسخة موسى عن الحكم لم يذكروا هذا الحديث فيها كبقي بن مخلد وابن عدي والطبراني، وإنما رواه مما علمنا الدارقطني ثم الخطيب. الثالث: أن الدارقطني وهم فقال: إبراهيم بن حبيب، وإنما هو إبراهيم بن إسحاق، وتبعه الخطيب، ورواه وزاد وهما ثانيا، فقال: الضبي، بالضاد المعجمة والباء الموحدة، وإنما الصيني بصاد مهملة ونون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وأما حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فهو معارض بما رواه ابن خزيمة في "صحيحه " والطبراني في "معجمه" عن معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، وأبا بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -» وقوله: في الصلاة، زادها ابن خزيمة. والحديث الذي رواه الحاكم وقال: إنما ذكرته شاهدا، فقال الذهبي في "مختصره ": أما استحى الحاكم يورد في كتابه مثل هذا الحديث الموضوع، فأنا أشهد بالله والله إنه لكذب. وقال ابن عبد الهادي: سقط منه (لا) وتوثيق الحاكم لا يعارض ما يثبت في الصحيح خلافه؛ لما عرف من تساهله، وكيف وأصحاب أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الثقات الأثبات يروون عنه خلاف ذلك، حتى إن شعبة سأل قتادة عن هذا، فقال: أنت سمعت أنسا يذكر ذلك؟ فقال: نعم. وأخبره باللفظ الصريح المنافي للجهر. واحتجت الشافعية أيضا بالآثار، ومنها ما رواه البيهقي في "الخلافيات " من حديث عمر بن ذر عن أبيه سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال: صليت خلف عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وكان أبي يجهر بها. قلنا: هذا مخالف للصحيح الثابت عن عمر أنه كان لا يجهر، وروى الطحاوي بإسناده عن أبي وائل قال: كان عمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لا يجهران. وقد روى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن أبيه أيضا عدم الجهر، فإن ثبت الجهر يحمل على أنه فعله مرة لتعليم أو بسبب من الأسباب. ومنها: ما رواه الخطيب من طريق الدارقطني بسنده عن عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم. قلنا: هذا باطل، وعثمان بن عبد الرحمن هو الوقاصي، أجمعوا على ترك الاحتجاج به. قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: كذاب ذاهب الحديث. وقال ابن حبان: يروي عن الثقات الأشياء والموضوعات لا يحل الاحتجاج به، وقال النسائي: متروك الحديث. ومنها ما أخرجه الخطيب أيضا، عن يعقوب عن عطاء بن أبي رباح عن أبيه، قال: «صليت خلف علي بن أبي طالب، وعدة من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلهم يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» . قلنا: وهذا أيضا لا يثبت، وعطاء بن أبي رباح لم يلحق عليا، ولا صلى خلفه قط، والحمل فيه على ابنه يعقوب، فقد ضعفه غير واحد من الأئمة، قال أحمد: منكر الحديث. وأما شيخ الخطيب فيه فهو أبو الحسين محمد بن الحسن بن أحمد الأصبهاني الأهوازي، ويعرف بابن أبي علي، فقد تكلموا فيه، وذكروا أنه كان يركب الأسانيد. ونقل الخطيب عن أحمد بن علي الجصاص قال: كنا نسمي ابن أبي علي الأصبهاني جراب الكذب!. ومنها: ما أخرجه الخطيب أيضا من قوله من طريق الدارقطني عن الحسن بن محمد بن عبد الواحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 قلنا: هو محمول على التعليم؛   [البناية] ثنا الحسن بن الحسين ثنا إبراهيم بن أبي يحيى عن صالح بن نبهان قال: صليت خلف أبي سعيد الخدري وابن عباس وأبي قتادة وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم. قلنا: وهذا أيضا لا يثبت، والحسن بن الحسين هو العربي إن شاء الله. وهو شيعي ضعيف، أو هو الحسين بن الحسن الأشقر، وانقلب اسمه، وهو أيضا شيعي ضعيف أو مجهول. وإبراهيم بن أبي يحيى قد رمي بالرفض والكذب. وصالح بن نبهان مولى التوأمة قد تكلم فيه مالك وغيره من الأئمة، وفي إدراكه الصلاة خلف أبي قتادة نظر. وهذا الإسناد لا يجوز الاحتجاج به. وإنما كثر الكذب في أحاديث الجهر على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه لأن الشيعة ترى الجهر وهم أكذب الطوائف، فوضعوا في ذلك أحاديث، وكان أبو علي بن أبي هريرة أحد أعيان أصحاب الشافعي يترك الجهر بها، وهو يقول: الجهر بها صار من شعار الروافض. وغالب أحاديث الجهر نجد في روايتها من هو منسوب إلى التشيع. وأما أقوال التابعين في ذلك فليست بحجة مع أنها قد اختلفت، فروي عن غير واحد منهم الجهر، وروي عن غير واحد منهم تركه، والواجب في ذلك الرجوع إلى الدليل لا إلى الأقوال. م: (قلنا: هو محمول على التعليم) ش: هذا جواب عما احتج به الشافعي فيما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جهر في صلاته بالتسمية، ويريد أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما جهر بها لأجل تعليم أنه بها يسر، أو يقال: إنه محمول على الجهر الذي يسمعه القارئ، ويقال: إنه محمول على وقوعها اتفاقا، ويقال: كان الجهر ابتداء قبل نزول قَوْله تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] (الأعراف: الآية 55) فكأنهم كانوا يجهرون بالثناء والقراءة أيضا حتى نزل قوله: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ} [الإسراء: 110] (الإسراء: الآية 110) . قلت: كل هذا لا يجزئ ولا يرضى به الخصم ولا يندفع. وكانت الطريقة في هذا أن يحتج المصنف نصرة لمذهبه بما روى من الأحاديث الصحيحة، ثم يجيب عما احتج به الخصم بما يجاب به عند ورود الأحاديث والأخبار المتناقضة، فنقول وبالله التوفيق: قد ذكرنا أن للتسمية أربعة أحوال: هل هي من القرآن أم لا؟ وهل هي من الفاتحة أم لا؟ وهل هي من أول كل سورة أم لا؟ فهذه الثلاثة قد ذكرناها وبقى الرابع وهو أنها هل يجهر بها أم لا؟ فقال الشافعي ومن معه: يجهر بها، ونحن نقول: لا يجهر؛ لما روى البخاري ومسلم في "صحيحيهما" من حديث شعبة: سمعت قتادة يحدث عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «صليت خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخلف أبي بكر وعمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فلم أسمع أحدا منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم» . وفي لفظ لمسلم «فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] رب العالمين، ولا يذكرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، في أول القراءة ولا في آخرها.» رواه النسائي في "سننه " وأحمد في "مسنده " وابن حبان في "صحيحه " والدارقطني في "سننه ". وقالوا فيه: «كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» وزاد ابن حبان: ويجهرون بالحمد لله رب العالمين. وفي لفظ لابن حبان والنسائي أيضا: «فلم نسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم» . وفي لفظ لأبي يعلى الموصلي في "مسنده ": «فكانوا يستفتحون القراءة فيما يجهر به بالحمد لله رب العالمين» . وفي لفظ للطبراني في "معجمه " وأبي نعيم في "الحلية " وابن خزيمة في مختصر "صحيحه " والطحاوي في "شرح الآثار ": «فكانوا يسرون في بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» . ورجال هذه الروايات كلهم ثقات مخرج لهم في " الصحيحين ". وكل ألفاظه ترجع إلى معنى واحد يصدق بعضها بعضا وهي سبعة ألفاظ: فالأول: كانوا لا يستفتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم. والثاني: فلم أسمع أحدا يقول أو يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. والثالث: فلم يكونوا يقرأون ببسم الله الرحمن الرحيم. والرابع: فلم أسمع أحدا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. والخامس: فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم. والسادس: كانوا يسرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. والسابع: فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين. وروى الترمذي والنسائي وابن ماجه من حدث أبي نعامة الحنفي، واسمه قيس بن عباية: حدثنا ابن عبد الله بن مغفل قال: «سمعني أبي وأنا أقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فقال: أي بني إياك والحدث! فإني لم أر أحدا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أبغض إليه الحدث في الإسلام، يعنى منه. قال: وصليت مع أبي بكر وعمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فلم أسمع أحدا منهم يقولها، فلا تقلها أنت، إذا صليت فقل: الحمد لله رب العالمين» . قال الترمذي: حديث حسن. فإن قلت: قال النووي في "الخلاصة ": وقد ضعف الحفاظ هذا الحديث، وأنكروا على الترمذي تحسينه كابن خزيمة وابن عبد البر والخطيب، وقالوا: إن مداره على ابن عبد الله بن المغفل وهو مجهول. قلت: رواه أحمد في "مسنده " من حديث أبي نعامة عن بني عبد الله بن المغفل قال: «كان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أبونا إذا سمع أحدا منا يقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، يقول: أي بني صليت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فلم أسمع أحدا منهم يقول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» . ورواه الطبراني في "معجمه " عن عبد الله بن بريدة عن ابن عبد الله بن مغفل عن أبيه مثله. ثم أخرجه عن أبي سفيان طريف بن شهاب عن يزيد بن عبد الله بن مغفل عن أبيه قال: «صليت خلف إمام فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، فلما فرغ من صلاته قلت: ما هذا؟! غيب عنا هذه التي أراك تجهر بها! فإني قد صليت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومع أبي بكر وعمر فلم يجهروا بها» . فهؤلاء ثلاثة رووا هذا الحديث عن ابن عبد الله بن المغفل عن أبيه، وهم أبو نعامة وأبو سفيان السعدي. أما أبو نعامة فقد وثقه ابن معين وغيره، وأما عبد الله بن بريدة فأشهر من أن يثنى عليه، وأما أبو سفيان مهران وإن تكلم فيه ولكنه يعتبر به ما تابعه عليه غيره من الثقات، وهو الذي سمى ابن عبد الله بن المغفل يزيد، كما هو عند الطبراني فقط، فقد ارتفعت الجهالة عن ابن عبد الله بن مغفل برواية هؤلاء الثلاثة عنه. وقد تقدم في " مسند أحمد " عن أبي نعامة عن بني عبد الله بن المغفل، وبنوه الذي يروي عنهم يزيد وزياد ومحمد، والنسائي وابن حبان وغيرهم يحتجون بمثل هؤلاء مع أنهم ليسوا مشهورين بالرواية، ولم يرو أحد منهم حديثا منكرا ليس له شاهد ولا متابع حتى يجرح بسببه. وإنما رووا ما رواه غيرهم من الثقات. فأما يزيد فهو الذي سمي في هذا الحديث. وأما محمد فروى له الطبراني عنه عن أبيه قال: سمعت النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يقول: «ما من إمام يبيت غاشا لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» . وأما زياد فروى له الطبراني عنه عن أبيه مرفوعا: «لا تحذفوا فإنه لا يصاد به صيد ولا ينكأ العدو ولكنه يكسر السن ويفقأ العين» . وبالجملة فهذا حديث صريح في عدم الجهر بالتسمية، وهو وإن لم يكن من أقسام الصحيح فلا ينزل عن درجة الحسن، وقد حسنه الترمذي، والحديث الحسن يحتج به لاسيما إذا تعددت شواهده وكثرت متابعاته. فإن قلت: تركوا الاحتجاج به لجهالة ابن عبد الله بن مغفل. [قلت] : قد احتجوا بما هو أضعف منه، بل احتج الخطيب بما يعلم هو أنه موضوع. والبيهقي لم يحسن في تضعيفه هذا الحديث، غير أنه بعد أن رواه في كتابه " المعرفة " قال: تفرد به أبو نعامة قيس بن عباية، وأبو نعامة وابن عبد الله بن مغفل لم يحتج بهما صاحبا " الصحيح "، وكل ذلك لأجل التعصب والتحامل. وقوله: تفرد به، غير صحيح، فقد تابعه عبد الله بن بريدة وأبو سفيان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 لأن أنسا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخبر أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان لا يجهر بها،   [البناية] كما ذكرنا، وعدم احتجاج صاحبي الصحيح لا يستلزم تضعيف هذا الحديث الصحيح، وهما لم يلتزما إحاطة الأحاديث الصحيحة، ومع هذا فالبخاري كثيرا ما يتبع لما يرد على أبي حنيفة من السنة، فيذكر الحديث ثم يعرض بذكره فيقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذا وكذا، ثم يقول: وقال بعض الناس كذا، يشير به إليه ويشنع به عليه، ولم يجد حديثا صحيحا في الجهر حتى يذكره في "صحيحه". فهذا أبو داود والترمذي وابن ماجه مع اشتمال كتبهم على الأحاديث السقيمة والأسانيد الضعيفة، لم يخرجوا منها شيئا، ولولا أنها عندهم واهية بالكلية لما تركوها، وقد تفرد النسائي منها بحديث أبي هريرة وهو أقوى ما فيها عندهم، وقد بينا ضعفه من وجوه. م: (لأن أنسا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخبر أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان لا يجهر بها) ش: حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه البخاري ومسلم، وقد ذكرناه عن قريب. فإن قلت: روي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن ذلك كان في الجملة، فروى أحمد والدارقطني من حديث سعيد بن زهد بن سلمة قال: «سألت أنسا أكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أو الحمد لله رب العالمين؟ قال: إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه، أو ما سألني أحد قبلك.» قال الدارقطني: إسناده صحيح. قلت: ما روي من إنكاره لا يقاوم ما ثبت عنه خلافه في " الصحيح " ويحتمل أن يكون أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نسي في تلك الحالة لكبره، وقد وقع مثل ذلك كثيرا، كما سئل يوما عن مسألة فقال: عليكم بالحسن فاسألوه فإنه حفظ ونسينا، وكم ممن حدث ونسي. ويحتمل أنه إنما سأله عن ذكرها في الصلاة أصلا لا عن الجهر بها وإخفائها. فإن قلت: يجمع بين الأحاديث بأن يكون أنس لم يسمعه لبعده، لأنه كان صبيا يومئذ. قلت: هذا مردود لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هاجر إلى المدينة ولأنس يومئذ عشر سنين، ومات - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وله عشرون سنة فكيف يتصور أنه يصلي خلفه عشر سنين فلا يسمعه يوما من الدهر يجهر؟! هذا بعيد بل يستحيل. ثم قد روي هذا في زمان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكيف وهو رجل في زمان أبي بكر وعمر، وكهل في زمان عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مع تقدمه في زمانهم وروايته للحديث؟! فإن قلت: أحاديث الإخفاء شهادة على النفي، وأحاديث الجهر شهادة على الإثبات، والإثبات مقدم على النفي. قلت: هذه الشهادة وإن ظهرت في صورة النفي فمعناها الإثبات، على أن هذا مختلف فيه، فالأكثرون على تقديم الإثبات، وعند البعض سواء، وعند البعض النافي يقدم على المثبت وإليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ذهب الأزدي وغيره. فإن قلت: روى الإخفاء اثنان من الصحابة أنس وعبد الله بن المغفل، وروى الجهر أربعة عشر صحابيا، فيقدم الجهر بكثرة الرواة. قلت: الاعتماد على كثرة الرواة إنما يكون بعد صحة الدليلين. فأحاديث الجهر ليس فيها صحيح صريح، بخلاف ما روي في الإخفاء، فإنه حديث ثابت صحيح مخرج في الصحيح والمسانيد المعروفة والسنن المشهورة، مع أن جماعة من الحنفية لا يرون الترجيح بكثرة الرواة. وأحاديث الجهر وإن كثرت رواتها لكنها كلها ضعيفة، ولم يرو أحاديث الجهر إلا الحاكم وقد عرف تساهله وتصحيحه للأحاديث الضعيفة بل الموضوعة. وقال ابن دحية في كتابه " المعلم " المشهور: يجب على أهل الحديث أن لا يحفظوا من قول الحاكم أبي عبد الله، فإنه كثير الغلط ظاهر، وقد غفل عن ذلك كثير من مخالفيه، وقلده في ذلك الدارقطني وملأ كتابه من الأحاديث الضعيفة والغريبة والشاذة والمعللة، وكم فيه من حديث لا يوجد في غيره. وحكي أنه لما دخل مصر سأله بعض أهلها تصنيف شيء في الجهر بالبسملة [فصنف فيه جزءا] فأتاه بعض المالكية فأقسم عليه أن يخبره بالصحيح من ذلك، فقال: كل ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجهر فليس بصحيح. وأما عن الصحابة فمنه صحيح وضعيف. والخطيب فإنه قد جاوز عن حد التحامل والتعصب، واحتج بالأحاديث الموضوعة مع علمه بذلك، وروى الخطيب عن عكرمة أنه قال: لا يصلى خلف من لا يجهر بالبسملة، وعارضته رواية الطحاوي بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس في الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قال: ذلك فعل الأعراب. وسئل الحسن عن الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم فقال: إنما يفعل ذلك الأعراب. وقال أبو عمر عن ابن عباس: الجهر فيها قراءة الأعراب، وأراد جهلتهم. وعن النخعي: أن الجهر بها بدعة. ونقل السروجي عن ابن الجوزي: والخطيب لا ينبغي أن يقبل جرحه ولا تعديله، لأن قوله ونقله يدل على قلة دين. والعجب من الثوري أيضا كيف ذكر الأحاديث الضعيفة وانتصر لها وصححها، ولم يذكر ما قيل فيها. فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم وقال الأكمل في هذا الموضع: فإن قيل: خبر الإخفاء بالبسملة مما تعم به البلوى، إلى آخر ما ذكره في شرحه، قلت: أخذ جميع ذلك عن السغناقي، ومع هذا فليس ما ذكره توفيقا بين الأحاديث الواردة في الجهر والإخفاء على طريقة أهل هذا الفن، وقد ذكرنا الذي هو الأصل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 ثم عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يأتي بها في أول كل ركعة كالتعوذ، وعنه أنه يأتي بها احتياطا، وهو قولهما، ولا يأتي بها بين السورة والفاتحة إلا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فإنه يأتي بها في صلاة المخافتة،   [البناية] فللناظر فيه نظر. م: (ثم عند أبي حنيفة أنه) ش: أي أن المصلي م: (لا يأتي بها) ش: أي بالتسمية م: (في أول كل ركعة) ش: وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة، وروي عن أبي حنيفة أن المصلي إذا سمى أول صلاته فإنه لا يعيدها لأنها شرعت لافتتاح الصلاة م: (كالتعوذ) ش: أي كقراءة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإنه يقرأها مرة في أول السورة اتفاقا. م: (وعنه) ش: أي وعن أبي حنيفة (أنه يأتي بها) ش: أي أن المصلي يأتي بالتسمية في أول كل ركعة، وهذه الرواية رواها أبو يوسف عن أبي حنيفة. وفي " قنية الفتاوى ": والأحسن أن يأتي بها في أول كل ركعة عند أصحابنا جميعا لا اختلاف فيه، ولا تختلف الرواية عنهم، ومن قال، مرة، فقد غلط على أصحابنا غلطا فاحشا عرفه من تأمل كتب أصحابنا، لكن الخلاف في الوجوب، فعندهما في رواية المعلى عن أبي حنيفة أنها تجب في الثانية كوجوبها في الأولى. ورواية الحسن عنه أنها لا تجب إلا عند افتتاح الصلاة وإن قرأها في غيره فحسن، والصحيح أنها تجب في كل ركعة حتى لو سها عنها قبل الفاتحة سجد للسهو. وفي " المجتبى ": وأما وجوبها خارج الصلاة، فالصحيح أنها تجب، وأجمع القراء أن يقرأها أول الفاتحة وكذا في سائر السور إلا عند غيره وأبي عمرو. م: (احتياطا) ش: أي على سبيل الاحتياط، لأنها أقرب إلى متابعة المصحف لأن عليه إعادة الفاتحة، فكذا إعادتها. وروى الحسن عن أبي حنيفة: إن قرأها عند السورة فحسن. م: (وهو قولهما) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد م: (ولا يأتي بها) ش: أي بالتسمية م: (بين السورة والفاتحة) ش: لأن محلها أول الصلاة م: (إلا عند محمد فإنه يأتي بها في صلاة المخافتة) ش: أي فإن المصلي يأتي بالتسمية بين الفاتحة والسورة في الصلاة التي يخافت فيها القراءة اتباعا للمصحف، وأما إذا جهر فلا، وعند الشافعي: لا تجوز الصلاة بدون التسمية، فلذلك قالوا: الأجود أن يأتي بها في كل ركعة، وهو المنقول عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومجاهد، وذلك للاحتياط. وقال حميد الدين: لا احتياط فيه، لأن عند سعد بن أبي وقاص تسمية المقتدي مفسدة لصلاته، لكن لم يفند هذا الخلاف إذ فساد الصلاة لها بعيد، حتى إنه استحسن قراءة البعيد خلف الإمام فيما يخافت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 قال: ثم يقرأ فاتحة الكتاب وسورة أو ثلاث آيات من أي سورة شاء، وقراءة الفاتحة لا تتعين ركنا عندنا، وكذا ضم السورة، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الفاتحة، ولمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فيهما، له قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وسورة معها» .   [البناية] واعتبر خلاف الشافعي لأن معه غيره ولم يعتد بخلافه في الجهر لانفراده، ومخالفة النصوص على ما ذكرنا. [الواجب من القراءة في الصلاة] م: (قال) : أي القدوري: (ثم يقرأ فاتحة الكتاب) ش: أي ثم بعد قراءة الثناء والتعوذ والتسمية يقرأ سورة فاتحة الكتاب، هذا بيان الواجب من القراءة دون الركن والسنة على ما يأتي إن شاء الله تعالى م: (وسورة) ش: أي ويقرأ سورة من القرآن (أو ثلاث آيات من أي سورة شاء) ش: أي ويقرأ ثلاث آيات مع الفاتحة، والخيار فيها من أي سورة شاء، وهذا أيضا بيان الواجب من القراءة. م: (وقراءة الفاتحة لا تتعين ركنا عندنا) ش: أي من حيث الركنية، ويجوز أن ينصب على الحال. وقال أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا خلاف بين الفقهاء في جواز الصلاة مع الفاتحة وحدها، ويروى مثل مذهبنا عن ابن عباس والحسن وإبراهيم والشعبي وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وداود ومالك في رواية. م: (وكذا ضم السورة إليها) ش: أي إلى الفاتحة م: (خلافا للشافعي في الفاتحة) ش: يعنى قراءة الفاتحة عنده فرض حتى لو لم يقرأها تبطل صلاته، ولو ترك حرفا منها وتشديدا عمدا لا تجوز صلاته، ولو ترك التشديد من لفظ الله، فإن كان عمدا تبطل صلاته، وإن كان ناسيا فيؤمر بسجود السهو، ولو ترك من "إياك نعبد" فإن تعمد ذلك وعرف معناه يكفر، وإن كان ساهيا أو جاهلا يسجد للسهو، كذا في تتمتهم. وعند عامة مشايخنا لو ترك التشديد من إياك ومن رب العالمين يعيد، والمختار أنه لا يعيد صلاته، ذكره في " الخلاصة ". م: (ولمالك فيهما) ش: أي خلافا لمالك في قراءة الفاتحة وضم السورة إليها ونصب خلاف مالك على هذا الوجه غير صحيح، لأن " صاحب الجواهر " قال: وضم السورة إلى الفاتحة سنة عند مالك خلاف ما نقله عنه أصحابنا. وقال غيره: المشهور عن مالك جعل أم القرآن ركنا، ولم يقل أحد أن ضم السورة إلى الفاتحة ركن فيما علمته. وأكثر الشراح سكتوا عن هذا ونسبوا إلى مالك قولا وهو لم يقل به، على أنه روي عنه أن مذهبه في هذا كمذهبنا لمالك. م: (له قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وسورة معها» ش: هذا الحديث روي بوجوه مختلفة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عن أبي سعيد بلفظ الكتاب رواه ابن عدي في " الكامل "، وفي لفظ: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نقرأ الفاتحة وما تيسر» . وفي لفظ: «لا تجزئ صلاة إلا بفاتحة الكتاب ومعها غيرها» ، وفي لفظ: «وسورة، في فريضة أو غيرها» ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، ولا صلاة لمن لا يقرأ بالحمد لله وسورة في فريضة وغيرها» . هذا لفظ الترمذي، واقتصر ابن ماجه على قوله: «لا صلاة لمن لم يقرأ بالجهر» وسكت عنه الترمذي، وهذا معلول بأبي سفيان. وقال عبد الحق في "أحكامه ": لا يصح هذا الحديث من أجله. ورواه ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في "مسنديهما" والطبراني في " مسند الشاميين " من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد: «لا صلاة إلا بأم القرآن ومعها غيرها» وروى أبو داود عن أبي نضرة عنه قال: «أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر» ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر» . ورواه أحمد وأبو يعلى في "مسنديهما". قال الدارقطني في "علله ": هذا يرويه قتادة وأبو سفيان السعدي عن أبي نضرة مرفوعا، ووقفه أبو سلمة عن أبي نضرة هكذا. قال أصحاب شعبة عنه: ورواه ربيعة عن عثمان بن عمر عن شعبة عن أبي سلمة مرفوعا، ولا يصح رفعه من شعبة. وروى الطبراني في " مسند الشاميين " من حديث عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وآيتين من القرآن» . ورواه ابن عدي من حديث عمران بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا «تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وآيتين فصاعدا» . وفيه عمرو بن يزيد، قال ابن عدي: ضعيف منكر الحديث، ورواه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " من حديث أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وشيء معها» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20)   [البناية] وروى أبو داود من حديث رفاعة بن رافع قال: جاء رجل ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالس في المسجد. الحديث. وفي رواية: «إذا قمت وتوجهت إلى القبلة فكبر ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله» . ورواه أحمد أيضا في "مسنده". م: (وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم من حديث محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب» . ورواه الدارقطني بلفظ: «لا تجزئ الصلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب» وقال: إسناده صحيح. وأخرجه ابن حبان من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب" قلت: وإن كنت خلف الإمام، قال: فأخذ بيدي وقال: "اقرأ في نفسك» وجه الاستدلال بالحديث المذكور ظاهر وهو نفي حسن الصلاة عن الجواز إلا بقراءة فاتحة الكتاب. م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) ش: وجه الاستدلال بهذه أن الله تعالى أمر بقراءة ما تيسر من القرآن مطلقا وتقييده بفاتحة الكتاب زيادة على مطلق النص، وهذا لا يجوز، لأنه نسخ، فيكون أدنى ما يطلق على القرآن فرضا لكونه مأمورا به فإن قراءته لصلاة ليست بفرض يتعين أن يكون في الصلاة. فإن قلت: هذه الآية في صلاة الليل وقد نسخت فرضيتها وكيف يصح التمسك بها؟ قلت: ما شرع ركنا لم يصر منسوخا، وإنما نسخ وجوب قيام الليل دون فروض الصلاة وشرائطها وسائر أحكامها. ويدل عليه أنه أمر بالقراءة بعد النسخ بقوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] ، والصلاة بعد النسخ تثبت نفلا. وكل من شرط الفاتحة في الفرض لعدم المقابل بالفصل، وأيضا الاعتبار لعموم اللفظ لا لخصوص السبب على القول المنقول على ما عرف في موضعه. فإن قلت: كلمة ما مجملة والحديث مبين والمبين يقضي على المبهم. قلت: كل من قال هذا يدل قوله على عدم معرفته بأصول الفقه لأن كلمة من من ألفاظ العموم، يجب العمل بعمومها من غير توقف، ولو كانت مجملة لما جاز العمل بها قبل البيان كسائر مجملات يسير القراءة، والحديث معناه أي شيء يسير، ولا يسوغ ذلك فيما ذكروه فيلزم الترك بالقرآن والحديث، والعام عندنا لا يحمل على الخاص مع ما في الخاص من الاحتمالات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: هذا الحديث مشهور فإن العلماء تلقته بالقبول فيجوز الزيادة بمثله. قلنا: لا نسلم ذلك لأن المشهور ما تلقاه التابعون بالقبول. وقد اختلف التابعون في هذه المسألة، ولئن سلمنا أنه مشهور، فالزيادة بالخبر المشهور إنما يجوز إذا كان محكما، أما إذا كان محتملا فلا. وهذا الحديث محتمل لأن مثله نفي الجواز ويستعمل لنفي الفضيلة كقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» ، ولأنه معارض لما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب أو غيرها» . وروي: «لا صلاة إلا بقراءة ولو بفاتحة الكتاب» وقد ذكرناه عن قريب. وروي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علم الأعرابي الصلاة إلى أن قال: «الله أكبر ثم اقرأ ما تيسر أو ما معك من القرآن» . فإن قلت: نفي الجواز أصل فيكون هذا المراد. قلت: لا نسلم أن الأصل هو المراد بالحديث لجواز ترك الأصل بدليل يقتضي الترك. فإن قلت: أخرج مسلم وأبو داود وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج غير تمام» . فهذا يدل على الركنية. قلت: لا نسلم ذلك لأن معناه ذات خداج أي نقصان صلاة ناقصة، وهذا لا يوافق مذهبنا لأنه ثبت النقصان لا الفساد، ونحن نقول: لأن النقصان في الوصف لا في الذات، ولهذا قلنا بوجوب الفاتحة. فإن قلت: قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ} [المزمل: 20] عام خص منه البعض وهو ما دون الآية، فإن المصنف ذكر في فصل القراءة أدنى ما يجزئ من القراءة عند أبي حنيفة أنه آية، لأن ما دون الآية خارج بالإجماع، فإذا كان كذلك يجوز تخصيصه بخبر الواحد بل القياس أيضا. قلت: القرآن يتناول ما هو معجز عرفا فلا يتناول ما دون الآية. فإن قلت: هذا مستقيم على قولهما لأنهما قالا: فرض القراءة ثلاث آيات قصار وآية طويلة. أما على قول أبي حنيفة لا يستقيم، لأن الفرض يتأدى عنده بالآية القصيرة وهي ليست بمعجزة. قلت: الشرط فيه أن تكون الآية القصيرة كلمتين أو أكثر، ولا يتأدى الفرض بآية هي كلمة واحدة ك "ص" و "ن"، وقال: مذهنبا بائن في الصحيح، فإذا كان كذلك لم يدخل ما دون الآية في النص. وقال الأترازي: فإن قلت: إن مالكا مستدل على ركنية الفاتحة وضم السورة جميعا بقوله: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 والزيادة عليه بخبر الواحد لا تجوز، لكنه يوجب العمل فقلنا بوجوبهما.   [البناية] «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وسورة معها» فما جوابه؟ قلت: جوابه هو الذي سمع من ردنا على الشافعي فلا نعيده، انتهى. قلت: هذا السؤال غير موجه أيضا، لأن مالكا لم يقل بركنية ضم السورة إلى الفاتحة كما ذكرنا. م: (والزيادة عليه) ش: أي على النص (بخبر الواحد) ش: وهو الحديث المذكور (لا تجوز) ش: لأنه نسخ كما ذكرنا، لأن خبر الواحد دون نص الكتاب والنسخ لا يجوز بما دون المنسوخ كقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] (البقرة: الآية 106) . فإن قلت: ما معنى النسخ هاهنا؟ قلت: الذي كان مشروعا قبل الزيادة لما كان بعضه بعد الزيادة لزم تبدله من الكل إلى البعض وليس معنى النسخ إلا التبديل. فإن قلت: ما تيسر عام، فقال المصنف بالزيادة عليه، وهذا يدل على أنه مطلق، والمطلق خاص لا عام عندنا. قلت: كأنه أراد العام المطلق وهو العام غير المخصوص. م: (لكنه يوجب العمل) ش: أي لكن الحديث المذكور يوجب العمل به وبين ذلك بقوله: م: (فقلنا بوجوبهما) ش: أي قلنا بوجوب قراءة الفاتحة وضم السورة حتى يأثم تاركهما إذا عمد ويلزمه سجود السهو إذا سها، والحاصل أنما نحن عملنا بالعدل باستعمالنا بالقرآن والحديث، وأثبتنا فريضة مطلق القراءة بالنص ووجوبية قراءة الفاتحة وضم السورة بالحديث، وهذا هو العدل في باب إعمال الأخبار، وليس من العدل أن يعمل بأحدهما ويهمل الآخر، وهاهنا دقيقة وهي أن الحديث الذي رواه أبو هريرة وهو الذي أخرجه أبو داود والطبراني في " الأوسط " أنه قال: «أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أنادي: لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب» عما إذا ترك على فريضة ما زاد على الفاتحة وليس ذلك مذهب الخصم. ولنا جواب وهو أن الحكم يثبت بقدر دليله وخبر الواحد ليس بقطعي، فلا تثبت به الفرضية. نعم يثبت به الوجوب، ونحن نقول به. فإن قلت: الخصم يقول: الفرض والواجب عندي سواء. قلت: النزاع لفظي. فإن قلت: الحديث مجمل، لأن نصبه يقتضي نفي الذات ومعلوم ثبوتها حسا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 وإذا قال الإمام: {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قال: آمين، ويقولها المؤتم؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا أمن الإمام فأمنوا» ، ولا متمسك لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا قال الإمام {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فقولوا: آمين» من حيث القسمة؛ لأنه قال في آخره: "فإن الإمام يقولها".   [البناية] قلت: قد أجيب عن هذا، والتحقيق أن قدر نفي الإجزاء يلزم به نفي الكمال أيضا، فيلزم نفي شيئين قبله للمخالفة، فتعين به نفي الكمال. [قول المأموم آمين] م: (وإذا قال الإمام: {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] ، قال: آمين) ش: أي قال الإمام عقيب ولا الضالين آمين. قال الأترازي: خلافا لمالك. قلت: لم يقل مالك بأن الإمام لا يقول آمين ولكن يقولها على وجه الفضيلة دون السنة على ما حكاه القاضي أبو محمد عنه، ذكره في " الجواهر ". م: (ويقولها المؤتم) ش: أي يقول المقتدي أيضا: آمين. والأترازي يقول: هذا ما كان المقتدي في علم التصريف بقوله وهو أن المؤتم به؛ أي اقتدى به، يجوز أن يكون اسم الفاعل ويجوز أن يكون اسم المفعول، لأن التقدير يختلف، وإن كان اللفظ يحتاج إلى تقدير اسم الفاعل مؤتم بكسر الميم الأولى وتقدير اسم المفعول مؤتم بفتح الميم الأولى والمراد هنا هو الثاني وهو الإمام لمناسبة الكلام. قلت: هذا إنما يصح إذا كان الضمير في قال في قوله آمين كما ذهب إليه بعض الشراح، ويفهم من كلامه هذا أيضا وليس كذلك، وإنما الضمير فيه للإمام، ويكون من قوله ويقولها المؤتم هو المقتدي كما ذكرنا. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا أمن الإمام فأمنوا» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» ، قال ابن شهاب: «وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول آمين» . ولفظ النسائي وابن ماجه فيه: «إذا أمن القارئ» وزاد فيه البخاري في كتاب الدعوات: «فإن الملائكة تقول آمين» . قال ابن حبان: يريد أنه إذا أمن كتأمين الملائكة من غير إعجاب ولا سمعة ولا رياء خالصا لله تعالى، فإنه حينئذ يغفر له. م: (ولا متمسك لمالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قال الإمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين» من حيث القسمة لأنه قال في آخره: فإن الإمام يقولها) ش: أي ولا حجة لغير مالك في هذا الحديث فيما ذهب إليه من أن الإمام لا يقول عند فراغه من قراءة الفاتحة آمين من حيث أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قسم ذلك بينه وبين القوم، لأن القسمة تنافي الشركة. ثم بين المصنف عدم احتجاجه بذلك بقوله: (لأنه قال) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في آخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 قال: ويخفونها   [البناية] الحديث المذكور: «فإن الإمام يقولها» أي يقول لفظ آمين، ولفظ الحديث: «فإن الإمام يقول آمين» كما نذكره يقطع بتلك الشركة، فصار الإمام والقوم مشتركين في الإتيان بلفظ آمين. ثم إن المالكية حملوا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذا أمن الإمام، على بلوغ موضع التأمين وقالوا: سنة الدعاء تأمين السامع دون الداعي، وآخر الفاتحة دعاء فلا يؤمن الإمام لأنه داع. وقال القاضي أبو الطيب: هذا غلط بل الداعي أولى بالاستيجاب. واستبعد أبو بكر بن العربي تأويلهم لغة وشرعا، وقال: الإمام أحسن الداعين وأولهم وأولاهم. وفي " المعارضة ": قال الإمام مالك: لا يؤمن الإمام في صلاة الجهر. وقال ابن حبيب: يؤمن. وقال ابن كليب: هو ما يختار. وروى الحسن عن أبي حنيفة مثل قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإمام لا يأتي بها. وفي " المبسوط ": قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يخفي الإمام آمين، ثم قال: وقد طعنوا فيه، وقالوا: إن مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإمام لا يقوله أصلا فكيف يستقيم جوابه: ويخفي به، لكنا نقول: عرف أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن بعض الأئمة لا يأخذون بقوله لحرمة قول علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ففرع الجواب على قولهما كما فرع مسائل المزارعة على قول من يرى جوازها. فإن قلت: إذا كان مذهب أبي حنيفة أن الإمام لا يقول آمين، كما روى عنه الحسن فما جوابه عن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذا أمن الإمام؟ قلت: جوابه أنه إنما سمى الإمام مؤمنا باعتبار المسبب والمسبب يجوز أن يسمى باسم المباشر كما يقال بنى الأمير داره. ثم الحديث الذي في آخره: فإن الإمام يقولها، أخرجه النسائي في "سننه " من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين، فإن الملائكة تقول: آمين، وإن الإمام يقول: آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» . ورواه عنه عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا معمر عن الزهري، ومن طريقه رواه ابن حبان في "صحيحه " بسنده، والحديث في " الصحيحين " وليس فيه: فإن الإمام يقول: آمين. م: (ويخفونها) ش: أي يخفي الإمام والقوم جميعا لفظة آمين، وبه قال الشافعي في قوله الجديد، ومالك في رواية. وعند الشافعي يجهر الإمام، وبه قال أحمد وعطاء وداود لما روي عن أبي هريرة أنه قال: «كان إذا أمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمن من خلفه حتى كان في المسجد ضجة» . وفي رواية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بجة، وهو اختلاف الأصوات. وروي عن بعض أصحابه أنه قال: كنت أسمع من الأئمة كابن الزبير ومن بعده يقولون آمين ويقول من خلفهم آمين، حتى يكون في المسجد ضجة. وكذا روي عن عكرمة، كذا ذكره صاحب " الدارية " عنهم. قلت: حديث الجهر بالتأمين رواه أبو داود والترمذي عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر، واللفظ لأبي داود قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قرأ ولا الضالين قال آمين ورفع بها صوته» ، وقال: حديث حسن. وأخرج أبو داود والترمذي من طريق آخر عن علي بن صالح، ويقال العلاء بن صالح، الأسدي عن سلمة بن كهيل عن عمر عن عنبس عن وائل بن حجر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه صلى فجهر بآمين وسلم عن يمينه وشماله» انتهى وحكى عنه. وروى النسائي أنا قتيبة ثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق «عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: "صليت خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما افتتح الصلاة كبر ورفع يديه حتى حاذيا أذنيه ثم قرأ فاتحة الكتاب، فلما فرغ منها قال: آمين، رفع بها صوته» . وروى أبو داود وابن ماجه عن ميسر بن رافع عن أبي عبد الله بن عمر عن أبي هريرة قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا تلى {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قال: آمين حتى تسمع من الصف الأول» وزاد ابن ماجه: «فيرتج بها المسجد» . ورواه ابن حبان في "صحيحه " والحاكم في "مستدركه " وقال: على شرط الشيخين. رواه الدارقطني في "سننه " قال: إسناده حسن. وروى إسحاق بن راهويه في "مسنده " أخبرنا النضر بن شميل حدثنا هارون الأعور عن إسماعيل بن مسلم عن أبي إسحاق «عن ابن أم الحصين عن أمه: أنها صلت خلف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قال: آمين، فسمعته وهي في صف النساء» . قلت: أما الحديث الأول الذي رواه الشافعية من حديث أبي هريرة وفيه: «حتى كان في المسجد ضجة» فليس كذلك لفظه، بل لفظه في زيادة ابن ماجه: «فيرتج بها المسجد» كما ذكرناه، وهو حديث ضعيف، وفي إسناده بشر بن رافع الحارثي، ضعفه البخاري والترمذي والنسائي وأحمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 لما روينا من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولأنه دعاء فيكون مبناه على الإخفاء،   [البناية] وابن معين، وقال ابن القطان في كتابه: بشر بن رافع أبو الأسباط الحارثي، ضعيف، وهو يروي هذا الحديث عن أبي عبد الله ابن [عم] أبي هريرة، وأبو عبد الله هذا لا يعرف له حال ولا روى عنه غير بشر، والحديث لا يصح من أجله فقط بذلك [ .... ... ] قول الحاكم: على شرط الشيخين، وتحسين الدارقطني إياه. وأما قولهم: وروي عن بعض أصحابه؛ أي بعض أصحاب الشافعي، فإن الذي رواه هو الشافعي في " الأم " أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عطاء قال: كنت أسمع الأئمة كابن الزبير ومن بعده أه. ومسلم بن خالد شيخ الشافعي ضعيف. فإن قلت: قال النووي: ذكر البخاري هذا الأثر عن ابن الزبير تعليقا. قلت: التعليق ليس بحجة. وأما الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي من حديث وائل بن حجر فيعارضه ما رواه الترمذي أيضا عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن حجر بن العنبس عن وائل عن أبيه وقال فيه: «وخفض لها صوته» . فإن قلت: قال الترمذي: سمعت محمدا يقول: حديث سفيان أصح من حديث شعبة، وأخطأ شعبة في مواضع فقال: عن حجر أبي العنبس، وإنما هو حجر بن العنبس، ويكنى أبا السكن، وزاد فيه علقمة وليس فيه علقمة وإنما هو حجر عن وائل، وقال: خفض بها صوته وإنما هو مد بها صوته. قلت: تخطئه مثل شعبة خطأ، وكيف وهو أمير المؤمنين في الحديث وقوله حجة هو ابن عنبس وليس بأبي عنبس، وليس هو كما قاله بل هو ابن عنبس، وجزم به ابن حبان في " الثقات "، فقال: كنيته كاسم أبيه. وقول محمد: كونه أبا السكن لا ينافي أن يكون كنيته أيضا أبا عنبس؛ لأنه لا مانع أن يكون لشخص كنيتان المختار، زاد فيه علقمة لا يضر لأن الزيادة كانت من الثقة مقبولة، ولا سيما من قبل شعبة. وقوله: قال وخفض بها صوته وإنما هو ومد بها صوته، يؤيده ما رواه الدارقطني عن وائل بن حجر قال: «صليت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بجمعة حين قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال: آمين، وأخفى صوته» . وحجر بضم الجيم. وعنبس بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة وفي آخره سين مهملة. م: (لما روينا من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: وهو الذي ذكره فيما تقدم عن قريب عند قوله: ويلزمها، وقد مر الكلام فيه مستقصى م: (ولأنه) ش: أي ولأن التأمين أي التلفظ به. (دعاء فيكون مبناه على الإخفاء) ش: أي الأصل فيه الإخفاء، قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] (الأعراف: الآية 55) ، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خير الدعاء ما خفي وخير الرزق ما يكفي» ولأن بإخفائها يقع التمييز بين القرآن وغيره، فإنه إذا جهر بها مع الجهر بالفاتحة يلبس أنها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 والمد والقصر فيه وجهان والتشديد فيه خطأ فاحش.   [البناية] من القرآن. فإن قلت: ورد الجهر والإخفاء فماذا يعمل؟. قلت: إذا تعارضت الأخبار والآثار يعمل بالأصل [والأصل] في الدعاء الإخفاء كما ذكرنا، أو يحمل ما فيه على أنه وقع اتفاقا وعلى التعليم أو على أصل الأمر. وفي " المحيط " و " فتاوى الظاهرية ": لو سمع المقتدي من الإمام: ولا الضالين، في صلاته يجهر بها، هل يؤمن؟ قال بعض مشايخنا: لا يؤمن لأن ذلك الجهر لغو فلا يتبع وعن الهندواني: يؤمن لظاهر الحديث. م: (والمد والقصر فيها وجهان) ش: أي مد ألف آمين وقصرها فيه لغتان، وفي " الخلاصة ": المد اختيار الفقهاء لموافقته للمروي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والقصر اختيار الأصوليين، وعلى الوجهين هو مبني على الفتح قطعا كيف كان لاجتماع الساكنين. وفي " الجنازية ": فيه أربع لغات: فتح الألف ومدها وقصرها، وفتح النون في الوجهين وتسكينه، وحكى الواحدي فيه لغة أخرى وهو إمالة مع. وحكي أيضا المد والتشديد. قال: وروي ذلك عن الحسن. وحكى القاضي عياض عنه أنها مردودة. وقال ابن السكيت وغيره من أهل اللغة: على أن التشديد لغة العوام وهو خلاف المذاهب الأربعة. واختلف الشافعية في بطلان الصلاة بذلك، وفي " التجنيس ": ولو قال آمين بتشديد الميم في آمين لا تفسد، أشار إليه المصنف بقوله: م: (والتشديد فيه خطأ فاحش) ش: أي تشديد الميم فيه، ولكنه لم يذكر هنا فساد الصلاة به ها هنا لأن فيه خلافا، وهو أن الفساد، وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما لا تفسد لأنه يوجد في القرآن مثله وهو قَوْله تَعَالَى: {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2] م: (المائدة: الآية 2) وعلى قولهما الفتوى، فلذلك لم يتعرض إلى الفساد هنا. وأما معنى آمين رواية وأصله فوزنه ليس من أوزان كلام العرب وهي مثل هابيل وقابيل، وأصله يا ألله استجب دعاءنا، اسم من أسماء الله تعالى، إلا أنه أسقط ياء النداء فأقيم المد مقامه، فلذلك أنكر جماعة القصر فيه، وقالوا: المعروف فيه المد، وهو اسم فعل مثل صه بمعنى اسكت، ويوقف عليه بالسكون، فإن وصل بغيره تحرك لالتقاء الساكنين، ويفتح طلبا للخفة لأجل البناء كأين وكيف، أو معناه، فقيل: لكن كذلك، وقيل: أعقل، وقيل: لا يخيب رجانا. وقيل: لا يقدر على هذا غيرك. وقيل: طالع الله على عباده يدفع به عنهم الآفات. وقيل: هو كنز من كنوز العرش لا يعلم تأويله إلا الله، وقيل: اسم من أسماء الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 قال: ثم يكبر ويركع، وفي " الجامع الصغير ": ويكبر مع الانحطاط،   [البناية] قال النووي: وهو ضعيف. وفي " المنافع ": قيل: هو معرب همين وعن أبي زهير البحتري قال: «وقف رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على رجل ألح في الدعاء فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "وجب؛ أي ختم، فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ فقال: بآمين، فإنه إن ختم بآمين فقد وجب» رواه أبو داود، وأبو زهير اسمه معاذ. وفي " المجتبى ": لا خلاف أن آمين ليس من القرآن حتى قالوا بارتداد من قال: إنه منه، وأنه مسنون في حق المنفرد والإمام والمأموم والقارئ خارج الصلاة. واختلف القراء في التأمين بعد الفاتحة إذا أراد ضم السورة إليها، والأصح أنه يأتي بها. فروع: ينبغي أن يراوح المصلي بين قدميه في القيام، وهو أفضل من أن ينصبهما نصبا، والرواية إن تمكن على هذا القدم مرة وعلى الأخرى مرة، نص عليه عن أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله في صلاة الأكثر، ولم يرو عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافه. وفي " النسفي " أي الاستراحة من رجل إلى رجل أخرى مكروهة ومثله في " المرغيناني "، وكذا القيام على إحدى الرجلين إلا لعذر. وفي " الواقعات ": ينبغي أن يكون بين قدمي المصلي قدر أربع أصابع اليد لأنه أقرب إلى الخشوع، والمراد من قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الصقوا الكعاب بالكعاب» اجتماعهما. [التكبير قبل الركوع وبعد الرفع منه] م: (قال: ثم يكبر ويركع) ش: أي بعد الفراغ من قراءة الفاتحة وضم السورة يكبر ويركع، وهذا يقتضي أن يكون التكبير في محل القيام، وهذه رواية القدوري، وبه قال بعض مشايخنا. (وفي " الجامع الصغير " ويكبر مع الانحطاط) ش: وهذا يقتضي مقارنة التكبير للركوع لأن كلمة مع للمقارنة، وبه قال بعض مشايخنا، وإنما صرح " بالجامع الصغير " لأن دأبه إذا وقع نوع مخالفة بين رواية " الجامع الصغير " ورواية " القدوري " التصريح بلفظ الجامع الصغير. وفي " شرح الإرشاد ": ينبغي أن يكون بين حالة الانحناء وحالة الرفع لا في حالة الاستواء ولا في حالة تمام الانحناء. وقال بنو أمية: لا يكبر حال ما يركع بل يكبر حال ما يرفع رأسه من الركوع لأنه روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعل هذا، وأن الحديث الذي يأتي لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان يكبر عند كل خفض ورفع، المراد بالخفض والرفع ابتداء كل ركن وانتهاؤه، ومعناه: الله أعظم من أن يؤدى حقه بهذا القدر من العبادة، لا يقال: إذا كان المعنى هذا فلم لا يكبر عند رفع الرأس من الركوع، لأنا نقول: المراد من التكبير أن لا يخلو جزء من أجزاء الصلاة خاليا عن الذكر، فبعد الركوع الإمام يسمع والمقتدي يحمد والمنفرد يأتي بهما، فلا يخلو ذلك الجزء عن الذكر، فلم يسن التكبير لأجل هذا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 «لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، كان يكبر عند كل خفض ورفع، ويحذف التكبير حذفا؛»   [البناية] م: (لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان يكبر عند كل خفض ورفع) ش: هذا دليل قوله ثم يكبر، والحديث رواه الترمذي والنسائي من حديث عبد الرحمن بن الأسود بن علقمة، رواه الأسود عن عبد الله بن مسعود قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود، وأبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -» قال الترمذي: حديث حسن صحيح، رواه أحمد وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه والدارقطني في "مسانيدهم" والطبراني في "معجمه ". وأخرج البخاري ومسلم عن أبي سلمة «عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يصلي بهم فيكبر كلما خفض ورفع، فلما انصرف قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -. وفي " الموطأ " عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عن ابن شهاب الزهري عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع، فلم تزل تلك صلاته حتى لقي الله عز وجل» . وقد قلت: ينبغي الخفض والرفع، ومذهب الشافعي في هذا كما ذكر في " الجامع الصغير ". وقال الطحاوي: يخر راكعا مكبرا، وفي " خزانة الأكمل ": لا يكره وصل القراءة بتكبير الركوع. وعن أبي يوسف: ربما فعلت وربما تركت. وقال أبو حفص: فعلها وصلا وربما أن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترك الأفضل خلافا للرافضة. وفي " المجتبى ": واختلف في وقت الركوع والأصح أنه بعد الفراغ من القراءة، وقال: إنه في حالة الخروج حرف أو كلمة عن القراءة لا بأس به، ثم هذه التكبيرات كلها سنة عند الجمهور من الصحابة والتابعين والعلماء من بعدهم. وقال ابن المنذر: وبه قال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وجابر والشعبي والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز ومالك والشافعي، - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وروي عن سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري: أنه لا يشرع إلا بتكبيرة الإحرام بلفظه، ونقله ابن المنذر أيضا عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر، ونقله ابن بطال في "شرح البخاري " عن جماعة منهم معاوية وابن سيرين وسعيد بن جبير. وقال البغوي: اتفقت الأمة أنها سنة وليس كما قاله، وقد قالت الظاهرية وأحمد في رواية أنها واجبات. م: (ويحذف التكبير حذفا) ش: أي لا يمد في غير موضع المد، والحذف في الأصل الإسقاط، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 لأن المد في أوله خطأ من حيث الدين، لكونه استفهاما، وفي آخره لحن من حيث اللغة. ويعتمد بيديه على ركبتيه ويفرج بين أصابعه؛   [البناية] ويعتبر به عن ترك التطويل والتخليط في القراءة. (لأن المد في أوله خطأ من حيث الدين لكونه استفهاما) ش: أي في أول التكبير، وهو الهمزة، فإذا مدها عامدا يكفر، ولا تجوز صلاته لكونه شاكا في كبرياء الله تعالى باستفهامه، هكذا قاله الأترازي، والذي قاله المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو الحق لأن الهمزة للإنكار، لكن من حيث إنها تجوز أن تكون للتقرير لا يلزمه الكفر. وفي " الخلاصة ": لو قال: الله أكبر، بمد الألف من أكبر، تكلموا في كفره، ولا تجوز صلاته لأنه إن لزمه الكفر فظاهر، وإن لم يلزمه يكون كلاما فيه احتمال الكفر فيخشى عليه الكفر، وهو خطأ أيضا شرعا، لأن الهمزة إذا دخلت على كلام منفي كما في قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1] (الانشراح: آية1) ، تكون للتقرير بخلاف الكلام المثبت، وفيه ضعف من حيث اللغة وذلك لأن العرف بالقرآن. م: (وفي آخره لحن من حيث اللغة) ش: أي المد في آخر التكبير، وهو أن يمد الباء؛ أي خطأ من لحن الكلام فيه في كلامه إذا أخطأ، يقال: فلان لحان ولحانة؛ أي مخطئ، ولكن لا تفسد صلاته. وعن بعض المشايخ: لا يصير شارعا، ولو شرع تفسد صلاته، وبه قال الفقيه أبو جعفر. وفي " المبسوط ": ولو مد ألف الله لا يصير شارعا، وخيف عليه الكفر إن كان قاصدا، وكذا لو مد ألف أكبر، وكذا لو مد باءه لا يصير شارعا، لأن إكبار جمع كبر، فكان فيه إثبات الشركة. وقيل: إكبار اسم للشيطان. وقيل: إكبار جمع كبر وهو الطبل. فإن قلت: يجوز أن تشبع فتحة الباء، فصارت ألفا. قلت: هذا في ضرورة الشعر، ويجزم الراء في أكبر، وإن كان أصله الرفع بالخبرية، لأنه روي عن إبراهيم التكبير جزم والسلام جزم، وفي رواية: والإقامة جزم أيضا، وهو بالجيم والزاي، وروي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حزم بالحاء المهملة والزاء المعجمة، ومعناه سريع، والجزام في اللسان السرعة ومنه حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاجزم. م: (ويعتمد بيديه على ركبتيه) ش: أي يعتمد المصلي بيديه على ركبتيه في الركوع (ويفرج بين أصابعه) ش: يعني لا يضمها، وبه قال الثوري والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق. وذهب جماعة إلى التطبيق بين ركبتيهم إذا ركعوا، وصورته أن يضم إحدى ركبتيه إلى الأخرى ويرسلهما إلى بين فخذيه. وفي " المبسوط ": كان ابن مسعود وأصحابه يقولون بالتطبيق. وقال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وضع يديه على ركبتيه في الركوع، ونقله عمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إذا ركعت فضع يديك على ركبتيك وفرج بين أصابعك» ، ولا يندب إلى التفريج إلا في هذه الحالة، ليكون أمكن من الأخذ، ولا إلى الضم إلا في حالة السجود وفيما وراء ذلك يترك على العادة. ويبسط ظهره؛ لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كان إذا ركع بسط ظهره»   [البناية] وعلي وسعيد وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وجماعة، وقد ثبت نسخ التطبيق. قال مصعب بن سعيد بن أبي وقاص: «فجعلت يدي بين ركبتي فنهاني أبي فقال: "كنا نفعل هذا فنهينا عنه، وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب» متفق عليه. وفي " شرح الإرشاد ": عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ما فعل التطبيق إلا مرة واحدة. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إذا ركعت فضع يديك على ركبتيك وفرج بين أصابعك» ش: هذا الحديث أخرجه الطبراني في "معجمه الصغير" و "الأوسط " من طريق سعيد بن المسيب عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قال: قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة وأنا يؤمئذ ابن ثمان سنين، الحديث مطولا، وفيه: «يا بني إذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك وفرج بين أصابعك وارفع يديك عن جنبيك» ورواه أبو سعيد الموصلي أيضا في "مسنده ". وعن أبي مسعود وعقبة بن عامر: «أنه ركع فجافى يديه ووضعهما على ركبتيه وفرج بين أصابعه من وراء ركبته، وقال: هكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي» رواه أبو داود والترمذي وأحمد. م: (ولا يندب إلى التفريج إلا في هذه الحالة) ش: أي لا يستحب تفريج الأصابع أي كشفها إلا في حالة الركوع. (ليكون أمكن من الأخذ) ش: بالركب وبه يأمن السقوط (ولا إلى الضم إلا في حالة السجود) ش: أي ولا يندب إلى ضم الأصابع إلا في حالة السجود، ولأن اليد أقوى في الإقعاد عليها وازدياد قوتها عند الضم، ولتقع رؤوس الأصابع مواجهة إلى القبلة. م: (وفيما وراء ذلك يترك على العادة) ش: أي فيما وراء الركوع والسجود ترك الأصابع على العادة، يعني لا يفرج كل التفريج ولا يضم كل الضم كما هو العادة، وما روي من نشر الأصابع في رفع اليدين عند التحريمة فهو عندنا محمول على النشر الذي هو ضد الطي لا التفريج بين الأصابع. م: (ويبسط ظهره) ش: في الركوع م: (لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان إذا ركع بسط ظهره) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 ولا يرفع رأسه ولا ينكسه؛ «لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - "كان إذا ركع لا يصوب رأسه ولا يقنعه» ، ويقول: سبحان ربي العظيم، ثلاثا، وذلك أدناه،   [البناية] ش: الحديث رواه أبو العباس محمد بن السراج في "مسنده " من حديث البراء قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا ركع بسط ظهره وإذا سجد وجه أصابعه قبل القبلة» . وروى ابن ماجه من حديث راشد قال: سمعت وابصة بن معبد يقول: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي فكان إذا ركع سوى ظهره حتى لو صب عليه الماء لاستقر» . وروى الطبراني من حديث ابن عباس مثل وابصة سواء، وروى أيضا من حديث أبي بردة الأسلمي مثله. م: (ولا يرفع رأسه) ش: أعلى من عجزه ولا عجزه أعلى من رأسه م: (ولا ينكسه) ش: أي ولا ينكس رأسه أي لا يطأطئه، يقال: نكست الشيء أنكسه نسكا: إذا قلبته على رأسه ونكسته تنكسيا، وإنما يسمى المطأطئ رأسه. وحاصله أنه يسوي رأسه بعجزه. م: (لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان إذا ركع لا يصوب رأسه ولا يقنعه) ش: والحديث رواه الترمذي من حديث أبي حميد الساعدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مطولا وفيه: «ثم قال: الله أكبر، ثم اعتدل ولم يصوب رأسه ولم يقنع» وقال: حديث حسن صحيح. رواه ابن حبان في "صحيحه ". وروى مسلم من حديث عائشة مطولا وفيه: «وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك» . وفي البخاري في حديث: «ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه ثم يعتدل فلا ينصب رأسه ولا يقنع» . قوله: ولا يصوب، من صوب رأسه: إذا خفضه، وكذلك صبى، وفي رواية: لا يصبي رأسه، يقال: صبى رأسه يصبيه: إذا خفضه جدا. قوله: ولا يقنعه، من " الإقناع " يقال: أقنع رأسه: إذا رفعه، ومنه قَوْله تَعَالَى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} [إبراهيم: 43] (إبراهيم: الآية 43) . [قول سبحان ربي العظيم في الركوع] م: (ويقول: سبحان ربي العظيم ثلاثا) ش: أي ثلاث مرات، هذا قول عامة أهل العلم، يختارون التسبيح للركوع، وأن لا ينتقص عن ثلاث، وهو مذهب أحمد، وأشار إلى ذلك بقوله: م: (وذلك أدناه) ش: أي القول ثلاث مرات أدناه. واختلفوا في الضمير الذي في أدناه فقيل: يرجع إلى المصدر الذي دل عليه قوله: ويقول في أدنى القول المسنون، وقال الشيخ حافظ الدين: راجع إلى الاستحباب أو الندب، فإن الركوع بدون هذا الذكر جائز، وقيل: أدنى كمال التسبيح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا ركع أحدكم فليقل في ركوعه: سبحان ربي العظيم» ، ثلاثا، وذلك أدناه،   [البناية] المسنون. وقيل: أدنى التسبيح المسنون. قلت: على كل، التقدير هو إضمار قبل الذكر، ولكن يفتقر إلى هذا إذا دلت قرينة على ذلك كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت» . أي فبالسنة أحسن ونعمت الخصلة. وفي " الذخيرة ": إذا زاد على الثلاث في تسبيحات الركوع والسجود فهو أفضل، هذا إن كان الختم على وتر فيقول خمسا أو سبعا، هذا في حق المنفرد، وأما الإمام فلا ينبغي له أن يطول على وجه يمل القوم. وقال الثوري: يقول الإمام خمسا ليتمكن القوم أن يقولوا ثلاثا. وفي " شرح الطحاوي ": قيل: يقول الإمام ثلاثا، وقيل: يقول أربعا ليتمكن المقتدي من أن يقول ثلاثا. وفي " التحفة ": المقتدي يسبح إلى أن يرفع الإمام رأسه. وفي " الغزنوي ": إن زاد على الثلاث حتى ينتهي إلى اثنتي عشرة فهو أفضل عند الإمام ليكون جمع الجمع. قلت: ينبغي أن يكون تسعا. قال: وعند صاحبيه إلى سبع لأنها عدد كامل. وعند الشافعي: عشرة لانتهاء الركعة، وإذا ترك التسبيح أصلا أو أتى به مرة فقد روي عن محمد أنه يكره. وفي " الحاوي ": التسبيح في الركوع لا يكون أقل من ثلاث، حتى لو رفع الإمام رأسه أتم المقتدي تسبيحه ثلاثا، روي كذا عن المرغيناني. وقال أبو الليث: الصحيح أنه تابع للإمام، وقال الوبري: يقول الإمام في ركوعه: سبحان ربي العظيم، ثلاثا على تؤدة حتى يتمكن القوم من أن يقولوا ثلاثا قبل رفع رأسه، وعن الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التسبيح التام سبع والوسط خمس وأدناه ثلاث، وكان عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يسبح عشر تسبيحات. وقال الشافعي وأحمد رحمهما الله: واحدة، ولو سبح مرة كان آتيا بسنة التسبيح عندهما، والكمال عند الشافعي أحد عشر. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا ركع أحدكم فليقل في ركوعه: سبحان ربي العظيم، ثلاثا، وذلك أدناه» ش: هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث عون بن عبد الله عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات سبحان ربي العظيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 أي أدنى كمال الجمع.   [البناية] وذلك أدناه، وإذا سجد فليقل: سبحان ربي الأعلى، ثلاث مرات، وذلك أدناه» هذا لفظ أبي داود وابن ماجه. ولفظ الترمذي: «إذا ركع أحدكم فقال في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فقد تم ركوعه، وذلك أدناه، وإذا سجد فقال في سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات فقد تم سجوده وذلك أدناه» . وقال أبو داود: وهذا مرسل، وعون بن عبد الله لم يدرك عبد الله بن مسعود. وقال الترمذي: هذا الحديث ليس إسناده بمتصل، عون لم يلق عبد الله. م: (أي أدنى كمال الجمع) ش: هذا تفسير المصنف معنى قوله: وذلك أدناه، بقوله: أي كمال الجمع؛ جمعا بين لفظي " المبسوطين "، فإن شمس الأئمة في "مبسوطه " لم يرد بهذا اللفظ أدنى الجواز إنما المراد به أدنى الكمال، فإن الركوع والسجود يجوز بدون هذا الذكر. وقال شيخ الإسلام في "مبسوطه": يريد به أدنى من حيث جمع العدد؛ فإن أقل جمع العدد ثلاثا، والمصنف جمع بينهما فقال: إن كمال الجمع قلته أخذ كلام السغناقي، وليس له وجه لأن الجمع ليس له ذكر في الحديث ولا له معنى، بل الصواب أدنى كمال السنة، أو أدنى كمال التسبيح، ثم قال الأكمل: فإن قيل: المشهور في مثله أدنى الجمع ثلاثة فما معنى كمال الجمع، فالجواب: أن أدنى الجمع لغة يتصور في الاثنين لأن فيه جمع واحد مع واحد، وأما كماله فهو ثلاثة لأن فيه معنى الجمع لغة واصطلاحا وشرعا. فإن قيل: كمال الجمع ليس بمذكور ولا يحكمه فيرجع إلى غير مذكور، أجيب بأنه سبق ذكره دلالة بذكر الثلاث. قلت: إذا أطلق الجمع لا يراد به المعنى اللغوي، وقوله: وأما كماله فهو ثلاثة. ليس كذلك بل الثلاث أقل الجمع وكماله ليس له نهاية. فروع متعلقة بالركوع: قال مالك: ليس عندنا ذكر محدود في الركوع والسجود، وأنكر قول الناس في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى، وقال: لا أعرفه وإن قاله جاز، قال صاحب " المنظومة " في مقالة مالك: وترك تسبيح السجود يفسد، ليس مذهبه والنقل به عنه غير صحيح. وعند أبي صالح البلخي تلميذ أبي حنيفة: ذكر التسبيحتين في الركوع والسجود ثلاث مرات فرض، وتكره قراءة القرآن في الركوع والسجود بإجماع الأئمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الأربعة. وفي " المحيط ": متى محل القعدة؟ قال محمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: محلها عند الركوع، وقال أبو يوسف: عند السجود، وقيل: هذان بعيدان لأن وضع اليدين على الركبتين سنة فلا بد من محلها للوضع. وفي " الروضة ": يكره أن يجيء ركبته فيها شبه القوس عند أهل العلم. وفي " الذخيرة ": سمع الإمام في الركوع خفق النعال ينتشر، قال أبو يوسف: سألت أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن أبي ليلى عن ذلك فكرهاه، وقال أبو حنيفة: أخشى عليه أمرا عظيما، يعني الشرك. وروى هشام عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه كره ذلك، وعن مطيع أنه كان لا يرى به بأسا، وبه قال الشعبي إذا كان ذلك مقدار التسبيحة أو التسبيحتين، وقال بعضهم: يطول التسبيحات ولا يزيد في العدد. وقال أبو القاسم الصفار: إن كان الجائي غريبا لا يجوز وإن كان مقيما يجوز انتظاره. وقال أبو الليث: إن كان الإمام عرف الجائي لا ينتظره، وإن لم يعرفه فلا بأس به إذ فيه إعانة على الطاعة، وقيل: إن طال الركوع لإدراك الجائي خاصة، ولا يزيد إطالة الركوع للتقرب إلى الله تعالى، فهذا مكروه، وقيل: إن كان الجائي شريرا ظالما لا يكره دفعا لشره، ومن أدرك الإمام في الركوع فقد أدرك الركعة بخلاف القومة. وفي قول ابن أبي ليلى ورواية عن الحسن وظاهر قول أحمد: إذا أدركه في طمأنينة الركوع يصير مدركا للركعة. وعن ابن عمر، وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قالا: إن وجدهم وقد رفعوا رءوسهم من الركوع كبر وسجد ولم يعتد بها. وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن المسيب وميمون: من يكبر قبل أن يرفعوا رءوسهم فقد أدرك الركعة، ويأتي بتكبيرة أخرى للركوع، فإن اقتصر على الأولى جاز، وروي ذلك عن عمر، وزيد بن ثابت، وابن المسيب، وعطاء، والحسن، والنخعي، وميمون بن مهران، والحكم، والثوري، ومالك، والشافعي، وأحمد. وعن عمر بن عبد العزيز أن عليه تكبيرتين، وهو قول حماد بن سليمان، شيخ الإمام، هذا إذا نوى بالأولى الافتتاح، وكذا لو نوى بها الركوع عندنا جاز ولغت نيته، ذكره في " المحيط " و " المرغيناني ". وعند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز، وإن لم ينو الركوع ولا الافتتاح جاز عنده، وإن نواهما جاز اتفاقا. وفي " الذخيرة ": إذا أدرك الإمام في السجدة الأولى والثانية أتى بالبناء وترك التعوذ ثم خر ساجدا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 ثم يرفع رأسه ويقول: سمع الله لمن حمده، ويقول المؤتم: ربنا لك الحمد، ولا يقولها الإمام عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وقالا: يقولها في نفسه،   [البناية] [قول سمع الله لمن حمده] م: (ثم يرفع رأسه ويقول: سمع الله لمن حمده) ش: أي ثم يرفع المصلي رأسه من الركوع ويقول: سمع الله لمن حمده، يقال له: استمعت، وتسمعت إليه وسمعت له، وكل بمعنى أي أضيفت إليه، قال الله تعالى: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ} [فصلت: 26] (فصلت: الآية 26) ، وقال الله تعالى: {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى} [الصافات: 8] (الصافات: الآية 8) ، المراد منه التسميع مجاز بطريق إطلاق اسم السبب وهو الإصغاء على المسبب وهو القبول والإجابة، أي أجاب له، وقيل: يعني قبل الله حمد من حمده، يقال: سمع الأمير كلام فلان: إذا قبله، ويقال: ما سمع كلامه؛ أي رده ولم يقبله وإن سمعه حقيقة. وفي الحديث: «أعوذ بك من دعاء لا يسمع» أي لا يستجاب. وفي " الفوائد الحميدية ": الهاء في حمده للسكتة والاستراحة لا للكناية، كذا نقل عن الثقات. وفي " المستصفى ": الهاء للكناية كما في قوله: واشكروا له. م: (ويقول المؤتم: ربنا لك الحمد) ش: أي المقتدي يقول: ربنا لك الحمد؛ ليوافق مبدأ الركعة بالحمد لله رب العالمين، ويختمها بربنا لك الحمد، وفي " شرح الطحاوي ": اختلفت الأخبار في التحميد، في بعضها يقول: ربنا لك الحمد، وفي بعضها: اللهم ربنا لك الحمد، وفي بعضها: اللهم ربنا ولك الحمد، والأول أظهر. وقلت: ثبت في الأحاديث الصحيحة من روايات كثيرة: ربنا لك الحمد، ولك الحمد بالواو، واللهم ربنا لك الحمد، والكل صحيح. قال في " المحيط " و " الذخيرة ": اللهم ربنا لك الحمد أفضل لزيادة الثناء. وعن الفقيه أبي جعفر أنه قال: هذه زائدة، يقول العرب يعني هذا الشراب فيقول المخاطب: نعم، وهو لك بدرهم، فالواو زائدة، وقيل: يحتمل أن تكون عاطفة على محذوف أي: ربنا حمدناك ولك الحمد. م: (ولا يقولها الإمام عند أبي حنيفة) ش: أي لا يقول الإمام: ربنا لك الحمد عند أبي حنيفة، وبه قال مالك وأحمد وحكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وأبي هريرة والشعبي، قال: وبه أقول. م: (وقالا: يقولها في نفسه) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد: يقول الإمام: ربنا لك الحمد، سرا، وهو معنى قوله في نفسه، وبه قال الثوري والأوزاعي وأحمد في رواية، ويقتصر المأموم على ربنا لك الحمد، وقال الشافعي: يستحب له أن يقول: سمع الله لمن حمده، فإذا استوى فإنما يستحب له أن يقول: "ربنا [لك] الحمد ملء السموات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، كلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد"، هذا في كتبهم، والذي في الحديث أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد بالواو في كلنا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - "كان يجمع بين الذكرين» ، ولأنه حرض غيره فلا ينسى نفسه. وله قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد» .   [البناية] قلت: في " سنن النسائي ": يحذفها، ويستوي عندهم في استحباب الأذكار الإمام والمأموم والمنفرد، وبه قال عطاء وابن سيرين وداود وجد أصحابنا هذا وأمثاله في النوافل، ويدل عليه حديث ابن أبي ليلى أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - زاد بعد ذلك: «اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس» رواه مسلم، هذا كله لا يقال في الفرض اتفاقا. م: (لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يجمع بين الذكرين» ش: يعني سمع الله لمن حمده، وربنا لك الحمد. وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: «كان النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذا أقام الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد، ثم يكبر حين يهوي ساجدا» . وأخرج البخاري عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا افتتح رفع يديه حذو منكبيه" وفيه: "وكان إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد» . وأخرج مسلم عن عبد الله بن أبي أوفى قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا رفع رأسه من الركوع قال: "سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد» . م: (ولأنه) ش: أي ولأن الإمام م: (حرض غيره فلا ينسى نفسه) ش: لئلا يدخل تحت قَوْله تَعَالَى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44] (البقرة: الآية 44) وفى " فتاوى الظاهرية ": كان الفضلي والطحاوي وجماعة من المتأخرين يميلون إلى قوله، وهو قول أهل المدينة، فاختاروا قولهما، وفي " المحيط ": قولهما رواية إسحاق عن أبي حنيفة. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة (قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قال الإمام: سمع لله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد» ش: روي هذا الحديث عن أنس، وأبي هريرة، وأبي موسى، وأبي سعيد الخدري، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أما حديث أنس وأبي هريرة فرواه البخاري ومسلم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد» . وأما حديث أبي موسى الأشعري فرواه مسلم والنسائي وابن ماجه وأحمد عنه أن رسول الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 هذه قسمة، وأنها تنافي الشركة، ولهذا لا يأتي المؤتم بالتسميع عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولأنه يقع تحميده بعد تحميد المقتدي، وهو خلاف موضوع الإمامة،   [البناية] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قال الإمام سمع الله من حمده فقولوا: ربنا لك الحمد يسمع الله لكم» . وأما حديث أبي سعيد الخدري فرواه الحاكم في "مستدركه " عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قال الإمام الله أكبر، فقولوا: الله أكبر، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد» : وقال: حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه. م: (هذه قسمة) ش: أي هذه الكلمات المذكورة وهي الحديث قسمة؛ أي ذات قسمة لأنه قسم التسميع والتحميد فجعل التسميع للإمام والتحميد للمأموم (وأنها) ش: أي ولأن القسمة (تنافي الشركة) ش: أي تقطعها، كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» وقال الأكمل: فإن قيل: هذا الحديث يعارضه ما روي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "أربع يخفيهن الإمام، وعد منها التحميد". أجيب: بأنه قال في " الأسرار " أنه غريب. قلت: هذا أخذه من السغناقي، ولكن الآخذ والمأخوذ منه لو تأمل هذا الموضوع لم يورد هذا السؤال ولا الجواب عنه لأنه ساقط جدا، فمن أين المعارضة هاهنا والحديث مذكور في " الصحيحين ". وما روي عن ابن مسعود موقوف عليه، مع أنه لم يصل إلى الصحة عنده. وقال الأكمل أيضا: أو بأن الرجحان بحديث القسمة لأنه مرفوع إلى النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - برواية أبي موسى الأشعرى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قلت: إنما يطلب الرجحان من الخبرين إذا كانا ثابتين فظهر التعارض بينهما، وأما إذا كان أحدهما مرفوعا صحيحا والآخر موقوفا لم تثبت صحته، فكيف يقال بالرجحان؟. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون القسمة تنافي الشركة (لا يأتي المؤتم بالتسميع عندنا) ش: لأن الذي أصابه من القسمة التحميد لا التسميع معه م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده المؤتم يجمع بينهما، وروي عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الإمام والمؤتم يجمعان بين التسميع والتحميد كما هو مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذكر الأقطع هذه الرواية في " شرحه للقدوري " وهذه رواية شاذة. م: (ولأنه يقع تحميده) ش: دليل آخر؛ أي ولأن الشأن يقع تحميد الإمام م: (بعد تحميد المقتدي وهو خلاف موضوع الإمامة) ش: لأن الاقتداء عقد موافقة ومتابعة لا مسابقة، وفيه نظر لإمكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 والذي رواه محمول على حالة الانفراد، والمنفرد يجمع بينهما في الأصح، وإن كان يروى الاكتفاء بالتسميع، ويروى بالتحميد، والإمام بالدلالة عليه آت به معنى. قال: ثم إذا استوى قائما كبر وسجد، أما التكبير والسجود فلما بينا،   [البناية] مقارنة تحميد المقتدي، وفيه نظر م: (والذي رواه) ش: أي الحديث الذي رواه أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان يجمع بين الذكرين» (محمول على حالة الانفراد) ش: أي على حالة انفراد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاة النقل توفيقا بين الحديثين (والمنفرد يجمع بينهما) ش: أي بين التسميع والتحميد (في الأصح) ش: أي في الأصح من الروايات عن أبي حنيفة، فإنه جاء عنه في رواية ذكرها الصدر الشهيد في شرح " الجامع الصغير " أن المنفرد يأتي بالتسميع لا غير، وجاء في رواية رواها الحسن عنه أنه يأتي بهما، كما هو مذهبنا، وجاء عنه في رواية أنه لا يجمع بينهما، وأشار المصنف إلى أن الأصح من هذه الروايات هو رواية الجمع بينهما. وفي "شرح الأقطع ": الصحيح أنه لا يأتي بهما. وروى المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يأتي بالتحميد لا غير، قال في " المبسوط ": وهو الأصح، قال قاضي خان: وعليه أكثر مشايخنا. م: (وإن كان يروى الاكتفاء بالتسميع ويروى بالتحميد) ش: كلمة إن واصلة لما قبلها، وأشار بهذا إلى أن ها هنا روايتين أخريين، إحداهما: الاكتفاء بالتسميع والأخرى بالتحميد، وأن الرواية التي رويت بالجمع بينهما هي الأصح من هاتين الروايتين، ورواية الاكتفاء بالتسميع هي رواية " النوادر "، ورواية الاكتفاء بالتحميد هي رواية " الجامع الصغير ". م: (والإمام بالدلالة عليه آت به معنى) ش: هذا جواب عن قولهما أنه حرض غيره فلا ينسى نفسه، تقريره: لا نسلم أن الإمام ينسى نفسه، لأنه أتى بالتحميد أيضا بدلالة غيره عليه؛ أي على التحميد لأن الدال على الخير كفاعله بالحديث. فإن قلت: مثل هذه الدلالة موجود في حق المنفرد أيضا فينبغي أن يكتفي هو بالتسميع. قلت: لا دلالة على اكتفاء المنفرد بالتسميع من جهة الشارع بخلاف الإمام، فإنه قام الدليل على ترك التحميد في حقه، وفي " المجتبى " ثم في الرواية التي يجمع بينهما يأتي بالتسميع حال الرفع. م: (ثم إذا استوى قائما) ش: قال: ربنا لك الحمد ثم إذا استوى قائما (كبر وسجد) ش: أي بعد فراغ المصلي عن الركوع إذا استوى حال كونه قائما منتصبا يقول الله أكبر ويهوي للسجود م: (أما التكبير والسجود فلما بينا) ش: أراد به بين التكبير قبل هذا بقوله: لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يكبر عند كل خفض ورفع، وبين السجود في أول الباب بقوله: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] (الحج: الآية 77) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 وأما الاستواء قائما فليس بفرض، وكذا الجلسة بين السجدتين، والطمأنينة في الركوع والسجود، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف: يفترض ذلك كله، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -   [البناية] م: (وأما الاستواء قائما فليس بفرض) ش: وهو الذي يسمى القومة (وكذا الجلسة بين السجدتين) ش: أي ليست بفرض (والطمأنينة في الركوع والسجود) ش: أي وكذا الطمأنينة في الركوع ليس بفرض في نفس الركوع ونفس السجود، والطمأنينة مصدر من اطمأن الرجل اطمئنانا وطمأنينة، أي سكن، وهو مطمئن إلى كذا وكذا طبأن بالباء الموحدة على الإبدال، وهذا مزيد الرباعي وأصله طمأن على وزن فعلل فنقل إلى باب افعلل بالتشديد في اللام الأخيرة، فصار اطمأن، وأصله اطمأن، فنقلت حركة النون الأولى إلى الهمزة، وأدغمت النون في النون مثل اقشعر، أصله اقشعرر ورباعيه قشعر على ما عرف في موضعه. م: (وهذا) ش: أي الذي ذكرنا من عدم فرضية القومة والجلسة والطمأنينة (عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله) ش: وبه قال بعض أصحاب مالك، فإذا لم تكن هذه الأشياء فرضا عندهما فهي سنة، وهذا في تخريج الجرجاني، وفي تخريج الكرخي واجبة، ويجب سجود السهو بتركها. وفي " الجواهر" للمالكية: لو لم يرفع رأسه من ركوعه، وجبت الإعادة في رواية ابن القاسم عن مالك، ولم يجز في رواية علي بن زياد. وقال ابن القاسم: من يرفع من الركوع والسجود رأسه ولم يعتدل يجزئه ويستغفر الله ولا يعود، وقال أشهب: لا يجزئه. قال أبو حنيفة: إن من كان إلى القيام أقرب الأولى أن يجب، فإن قلنا بوجوب الاعتدال يجب الطمأنينة وقيل: لا تجب. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يفترض ذلك كله) ش: أي المذكور من القومة والجلسة والطمأنينة، وفي " التحفة ": فقال أبو يوسف: فرض طمأنينة الركوع والسجود مقدار تسبيحة واحدة. وفي " الأسبيجابي ": الطمأنينة ليست بفرض في ظاهر الرواية، وروي عن أبي يوسف أنها فرض. قال أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يذكر الاختلاف في الكتاب ولكن تلقيناه من أبي جعفر وكذلك لم يذكر في " الأسرار ". م: (وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي ما ذهب إليه أبو يوسف هو قول الشافعي وبه قال أحمد أيضا. وقال إمام الحرمين: في قلبي شيء من وجوب الطمأنينة في الاعتدال، وسببه أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لم يذكرها في الاعتدال قائما وإنما ذكرها في غيره، فلو أتى بالركوع الواجب فعرضت علة منعته من الانتصاب، سجد في ركوعه وسقط عنه الاعتدال، فإن زالت العلة قبل بلوغ جبهته الأرض وجب أن يرفع وينتصب قائما ويعتدل ثم يسجد، وإن زالت بعد قطع صلاته كان عالما بتحريمه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «قم فصل فإنك لم تصل» قاله لأعرابي حين أخف الصلاة.   [البناية] وقال في " المفيد " و " المنافع ": وهذه المسألة بلغت بتعديل الأركان. وقال السرخسي: من ترك الاعتدال تلزمه الإعادة، وقال أبو الليث: تلزمه الإعادة وتكون الثانية هي الفرض. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «قم فصل فإنك لم تصل، قاله لأعرابي حين أخف الصلاة» ش: الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وأبو داود عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، حتى فعل ذلك ثلاث مرات، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني يا رسول الله، قال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم اجلس حتى تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» . وقال القعنبي: عن سعيد بن أبي سعيد المقبري [عن أبيه] عن أبي هريرة، وقال في آخره «فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك، وما انتقصت من هذا فإنما انتقصته من صلاتك» . والترمذي رواه عن رفاعة بن رافع «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينما هو جالس في المسجد يوما، قال رفاعة: ونحن معه، إذ جاء رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته ثم انصرف فسلم على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال له: "وعليك، ارجع فصل فإنك لم تصل» . الحديث، وقال: حديث حسن. والنسائي رواه عن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري، حدثني أبي عن عم له بدري قال: «كنت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالسا في المسجد فدخل رجل فصلى ركعتين ثم جاء فسلم على النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وقد كان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يرمقه في الصلاة فرد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثم قال: ارجع فصل فإنك لم تصل» .. الحديث. وأصل الحديث في " الصحيحين " عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ أبي داود في المسيء الصلاة، وليس فيه: إذا انتقصت من هذا فإنما ينقصه من صلاتك، والعجب من شراح " الهداية " كيف يتركون الكلام في الحديث الذي احتج به المصنف ويذكرون الأحاديث من الخارج، ومع هذا لا يتعرضون إلى بيان حالها ولا إلى مخرجها من الصحابة والرواة. وأما الأترازي: فإنه ذكر حديث الأعرابي بقوله لأبي يوسف قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للأعرابي حين خفض الركوع والسجود قم فصل فإنك لم تصل، ولم يروه أحد من المحدثين بهذه العبارة. وقال أيضا وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إن أسوأ الناس سرقة من سرق من صلاته، ولم ينسبه إلى أحد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 ولهما أن الركوع هو الانحناء، والسجود هو الانخفاض لغة فتتعلق الركنية بالأدنى فيهما، وكذا في الانتقال،   [البناية] وأما الأكمل فإنه قال: وأعدل أبو يوسف حديث الأعرابي وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين رآه ينقر نقر الديك: قم فصل فإنك لم تصل، ولم يرو أحد في الكتب المشهورة بهذه العبارة. وأما صاحب " الدراية " فإنه قال ولأبي يوسف ما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: لا يقبل الله صلاة من لم يقم صلبه في الركوع والسجود، وما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رأى رجلا تاركا للتعديل فلما فرغ قال له: «إن أسوأ الناس سرقة من سرق من صلاته» ، وما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال للمسيء صلاته: «أقم الركوع حتى تعتدل قائما» . وما روي أنه رأى حذيفة بن اليمان رجلا يصلي ولا يتم الركوع والسجود فقال له: مذ كم تصلي هكذا؟ فقال: مذ كذا، فقال له: ما صليت لله صلاة، فإنك لم تصل بكذا وكذا، ومثل هذا كما ترى وليس فيه نسبة حديث إلى مخرجه ولا يتعرض إلى حاله. وأما السغناقي فكذلك سلك مسلكهم. وأما حديث: لا يقبل الله صلاة من لم يقم صلبه في الركوع والسجود، فقد رواه الأربعة عن عبد الله بن سخبرة عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها ظهره في الركوع والسجود» . قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وأما حديث حذيفة فأخرجه البخاري وبعد قوله مذ كذا، قال حذيفة: ما صليت لله صلاة، وأحسبه قال: ولو مت مت على غير سنة محمد، - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد (أن الركوع هو الانحناء) ش: يقال ركع الشيخ: انحنى من الكبر، وركعت النخلة: إذا مالت إلى الأرض م: (والسجود هو الانخفاض) ش: وإمساس جبهته بالأرض عندهم أو أنفه عند أبي حنيفة، والمزيد على ذلك للأكمل وترك الأكمل لا يكون مفسدا، وهذا لأن الأمر بالفعل يوجب أصل الفعل دون الدوام عليه، ولهذا يحنث إذا حلف لا يركع بالانحناء. م: (لغة) ش: أي من حيث اللغة، وهو يرجع إلى المذكورين (فتتعلق الركنية بالأدنى فيهما) ش: أي بأدنى الانحناء والانخفاض في الركوع والسجود، والركنية لا تثبت إلا بالنص، وإنما ورد النص بالركوع وهو الانحناء والسجود وهو الانخفاض. م: (وكذا في الانتقال) ش: أي وكذا الطمأنينة في حال الانتقال من ركن إلى ركن، يعنى ليست الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 إذ هو غير مقصود، وفي آخر ما روي تسميته إياه صلاة حيث قال: «وما نقصت من هذا شيئا فقد نقصت من صلاتك» .   [البناية] بفرض (إذ هو) ش: أي الانتقال م: (غير مقصود) ش: يعني لذاته، وإنما المقصود أداء الركن، وفي " الخلاصة ": والاعتدال في الانتقال سنة بالاتفاق. م: (وفي آخر ما روي تسميته إياه صلاة حيث قال: «وما نقصت من هذا شيئا فقد نقصت من صلاتك» ش: أي تسمية النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو مبتدأ والضمير في إياه يرجع إلى الأعرابي، وقوله صلاة منصوب لأنه مفعول ثان للتسمية، وقوله في آخر ما روي جملة في محل الرفع لأنها وقعت خبرا للمبتدأ، وروي، يجوز أن يكون صفة المعلوم؛ أي ما رواه أبو يوسف، ويجوز أن يكون على صيغة المجهول أي فيما روي من حديث الأعرابي، وتقرير الجواب عنه أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سمى ما صنعه الأعرابي في صلاته حيث قال: وما نقصت من هذا فقد نقصت من صلاتك، فلو كان ترك التعديل مفسدا لما سماه صلاة، كما لو ترك الركوع والسجود. وقال الأكمل: ولأنه لو كان فاسدا كان الاشتغال به عبثا وكان تركه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى الفراغ منه حراما، فكان الحديث بمنزلة الإكرام من الوجهين، قلت: لقائل أن يقول: لا نسلم أن تسميته إياه صلاة يرجع إلى ما صلاه الأعرابي أولا بل يرجع إلى الصلاة التي صلاها بعد قوله: «والذي بعثك بالحق نبيا ما أحسن غير هذا فعلمني يا رسول الله، قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر» إلى آخره، وقد ذكرناه عن قريب، على أن أصل الحديث في " الصحيحين " وليس فيهما ذكر تسمية الصلاة كما ذكرناه، ولئن سلمنا ذلك فيجوز أن يكون تسميته صلاة باعتبار ما عند الأعرابي من زعمه أنه صلاة، وتعليل الأكمل بقوله: ولأنه لو كان فاسدا إلى آخره، غير سديد ولا موجه من وجوه: الأول: أن قوله: لو كان فاسدا لعلة غير صحيح لأنه كان فاسدا، ولهذا أمره بإتيان صلاة صحيحة بعد تعليمه إياه. الثاني: أن قوله: كان الاشتغال به عبثا وتركه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وبالفراغ منه حراما ليس كذلك لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - منزه عن تقرير آخر عن الاشتغال بالعبث أو بتركه على الحرام، وإنما كان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يرمقه حتى ينظر كيف يصلي كما ذكرناه فيما مضى عن قريب، وفي الحديث: حتى فعل ذلك ثلاث مرات، ولو كان فعل الأعرابي عبثا وتقريره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عليه غير جائز لكان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - منعه في المرة الأولى وعلمه الصلاة الكاملة بعدها، وإنما صبر عليه لأنه ربما يهتدي إلى الصلاة الصحيحة ولم ينكر عليه لأنه كان من أهل البادية وعندهم جفاء وغلظ، فلو أمره ابتداء لكان يقع في خاطره شيء وكان المقام مقام تعليم وإرشاد، ففي تمكينه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في فعله ذلك ثلاث مرات لذلك المعنى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 ثم القومة والجلسة سنة عندهما، وكذا الطمأنينة في تخريج الجرجاني - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وفي تخريج الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - واجبة حتى تجب سجدتا السهو بتركها ساهيا عنده.   [البناية] الثالث: أن قوله: فكان الحديث مشترك الالتزام، بطل بما ذكرنا، ومن جملة ما قال أبو يوسف في هذا الموضع: إن القومة والجلسة والطمأنينة فرض لأنها ركن من أركان الصلاة فوجبت أن لا تتأدى بأدنى ما يطلق عليه الاسم بل بزيادة توجد بعد قياسا على القيام والقراءة والقعدة الأخيرة، ولأن الركوع ركن شرع فيه تسبيح فوجب أن يكون رفع الرأس ركنا قياسا على السجدة، وأجابوا بأن اعتباره بالقيام، فالركن في القيام عندنا ما يطلق عليه اسم القيام وإنما التقدير بسبب القراءة، ألا ترى أنه متى سقطت القراءة كان نفس القيام يكفيه كما في الثالثة والرابعة وفيمن أدرك الإمام في الركوع. وأما القراءة فالركن عندنا فيها أدنى ما يطلق عليها اسم القراءة وذلك آية وما دونها، وإن كان قرآنا حقيقة فليس بقرآن حكما حتى حلت قراءته للجنب والحائض. وأما القعدة فإنما لم يكتف فيها بأدنى ما يطلق عليه الاسم لأن الخروج يلاقي القعدة ويتصل بها، والجزء الذي يلاقيه القطع يخرج من أن يكون صلاة، والباقي مما يطلق عليه اسم القطع، وإذا وجبت الزيادة فقدرت بالتقدير الذي ورد به الشرع بخلاف غيرها من الأركان، فإنه لا يتصل بها، فيبقى القدر الذي وجد تاركا. وأما قوله: لأن الركوع ركن شرع فيه تسبيح، فقلنا: رفع الرأس في السجدة ليس بفرض وإنما الفرض هو الاشتغال لأنه لا يمكنه أداء الثانية إلا به، إلا أنه لا يمكنه الاشتغال، حتى لو أمكنه الاشتغال من غير الرفع بأن سجد على وسادة فأزيلت الوسادة حتى سقطت جبهته على الأرض أجزأه، هكذا قال القدوري في " التجريد ". وأما في الركوع فالاشتغال إلى السجود يمكن من غير الرفع فلا يحصل الرفع ركنا. م: (ثم القومة) ش: أي بعد الركوع (والجلسة) ش: أي بين السجدتين (سنة عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد باتفاق الروايات. وفي " المحيط ": الاعتدال في القومة والجلسة سنة قدر التسبيحة (وكذا الطمأنينة) ش: أي وكذا الاطمئنان في الركوع والسجود سنة عندهما م: (في تخريج الجرجاني) ش: وهو الشيخ أبو عبد الله الجرجاني تلميذ الشيخ أبي بكر الرازي وهو تلميذ الشيخ أبي الحسن الكرخي، وجه تخريجه أن الطمأنينة شرعت لإكمال ركن، وما كان مشروعيته للإكمال فهو سنة لا واجبة كطمأنينة الاشتغال، فعلى هذا لا يجب سجود السهو بتركها. م: (وفي تخريج الكرخي واجبة) ش: أي الطمأنينة لأنها شرعت لإكمال ركن مقصود فصارت كطمأنينة القراءة. (حتى تجب سجدت السهو بتركها ساهيا) ش: أي بترك الطمأنينة (عنده) ش: أي عند الكرخي، وسئل الزهري عمن لا يتم الركوع والسجود أيشتغل بالتطوع أم بقضاء ما صلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 ويعتمد بيديه على الأرض؛ «لأن وائل بن حجر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وصف صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسجد وادعم على راحتيه ورفع عجيزته» .   [البناية] بلا اعتدال على قول أبي يوسف والشافعي؟ . قال: ما دام في الوقت يؤمر بالإعادة، فإذا خرج لا يؤمر، ولكن يثاب بها. قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله الاشتغال بقضائها أولى في الحالتين، كذا في " التتمة ". م: (ويعتمد بيديه على الأرض) ش: يعني في حالة السجود، وفي " شرح الطحاوي " كيفية الانتقال إلى السجود والقيام منه أول ما يكون يقع على الأرض ركبتاه ثم يداه ثم جبهته، فقال بعضهم: يضع أنفه ثم جبهته، والأولى أن يضع أولا ما كان أقرب إلى الأرض، وإذا رفع يرفع ما كان أقرب إلى السماء، وبه قال الشافعي وأحمد، هذا إذا كان حافيا، فلو كان ذا خف ولا يمكنه ما قلنا، يضع يديه أولا ويقدم اليمنى على اليسرى. وقال الأوزاعي: يضع يديه ثم ركبتيه، قال أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا سجد أحدكم فلا ببرك بروك الجمل وليضع يديه قبل ركبتيه» رواه النسائي وأبو داود، وقال أصحاب مالك: إن شاء وضع يديه وركبتيه أولا، وإن شاء يديه، والبداءة بوضع اليدين أحسن. م: (لأن وائل بن حجر وصف صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فسجد وادعم على راحتيه ورفع عجيزته» ش: هذا الحديث لم يرو عن وائل بن حجر وإنما روي عن البراء بن عازب، رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " حدثنا محمد بن الصباح حدثنا شريك عن أبي إسحاق قال: «وصف البراء بن عازب السجود فسجد وادعم على كفه ورفع عجيزته، وقال: هكذا كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسجد» ورواه أبو داود عن أبي توبة عن شريك، والنسائي عن علي بن حجر عن شريك به. وقال النووي في " الخلاصة ": ورواه ابن حبان والبيهقي، وهو حديث حسن ولم أر أحدا من الشراح تعرض لهذا الحديث، وإنما فسروا معنى ادعم والعجيزة، وسكتوا ومضوا، وادعم بتشديد الدال من يدعم، يقال: أدعمت الشيء دعما: إذا جعلته دعامة، فنقل إلى باب الافتعال فصار اتدعم أي أتكأ. والراحة: الكف، والعجيزة بفتح العين وكسر الجيم وسكون الباء للمرأة، وقد يستعار للرجل. والعجز بفتح العين وضم الجيم وهو ما بين الوركين. وقال الأترازي: وكأن صاحب " الهداية " استعار العجيزة للعجزاء، ويحتمل أنها جاءت كالعجز سواء. قلت: لم يستعر صاحب " الهداية " ذلك أيضا، وإنما هو وقع هكذا في حديث البراء كما ذكرناه الآن. وقوله: أو يحتمل إلخ، ليس كذلك لأن العجز خاص للمرأة نص عليه أصحاب اللغة وإنما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 قال: ووضع وجهه بين كفيه ويديه حذاء أذنيه؛ لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعل كذلك قال: وسجد على أنفه وجبهته؛   [البناية] استعماله في موضع العجز بطريق الاستعارة كما ذكرنا. م: (قال) ش: أي القدوري (ووضع وجهه بين كفيه ويديه) ش: أي وضع يديه (حذاء أذنيه) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن آخر الركعة معتبر بأولها، فكما يجعل رأسه بين يديه في أول ركعة عند التكبير، فكذلك في آخرها. وفي " الكافي ": لو وضع وجهه بين كفيه يكون واضعا يديه حذاء أذنيه، فلهذا صرح بلفظ اليد، وذكر اليد لأجل التأكد كما في قَوْله تَعَالَى: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] وقال الشافعي: يضع يديه حذو منكبيه. م: (لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعل كذلك) ش: يعني لما سجد وضع وجهه بين كفيه ويديه حذاء أذنيه، فهذا لا يوجد إلا معرفا ففي " صحيح مسلم " من حديث وائل «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجد فوضع وجهه بين كفيه مختصرا» . وفي " مسند إسحاق بن راهويه " عن وائل «رمقت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما سجد وضع يديه حذاء أذنيه» وكذلك رواه الطحاوي في " شرح الآثار ". ورواه عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا الثوري به، ولفظه: «كانت يداه حذو أذنيه» . والعجب من الأترازي أنه يقول في هذا الموضع: قال في " شرح الأقطع ": روى وائل بن حجر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا سجد وضع جبهته بين كفيه» وهذا التقصير منه [له] وجهان، الأول: أنه نسب الحديث إلى ما ذكره الأقطع في شرحه ولم ينسبه إلى مخرجه. والثاني: المذكور ها هنا اثنتان: وضع الوجه بين الكفين في السجدة، ووضع اليدين حذو الأذنين، فذكر دليل أحدهما وترك الآخر، ثم قال: والذي روي أنه وضع يديه حذاء منكبيه يحتمل أنه فعل ذلك حالة التكبير. قلت: هذا رواه البخاري في حديث أبي حميد «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما سجد وضع كفيه حذو منكبيه» . ورواه أبو داود والترمذي ولفظهما: «كان إذا سجد مكن أنفه وجبهته ونحى يديه عن جنبيه ووضع كفيه حذو منكبيه» ، وإليه ذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والجواب الذي قاله الأترازي عن هذا الحديث ليس بكاف، والأحسن يقال: إن الذي روينا أولى بالأخذ من حديث أبي حميد، لأن في سنده فليح بن سليمان وهو وإن أخرج له الأئمة الستة وهو من كبار العلماء، فقد تكلم فيه، فضعفه النسائي وابن معين وأبو حاتم وأبو داود ويحيى القطان والساجي، قاله الذهبي في "ميزانه ". م: (قال) ش: أي القدوري (وسجد على أنفه وجبهته) ش: والجمع بينهما مستحب عندنا، وبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - واظب عليه. فإن اقتصر على أحدهما جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -   [البناية] قال الشافعي وأبو ثور، وقال سعيد بن جبير والنخغي وإسحاق: يجب السجود عليهما. وعن مالك وأحمد رحمهما الله روايتان كالمذهبين، ثم إذا جمع بينهما قيل يقدم الجبهة على الأنف، وقيل يقدم الأنف عليهما، حكاه الأسبيجابي. م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واظب عليه) ش: أي على السجود على الأنف والجبهة، ومواظبته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك تفهم من أحاديث جاءت في هذا الباب، منها حديث أبي حميد رواه البخاري في "صحيحه "، وفيه: «ثم سجد فأمكن أنفه من جبهته من الأرض» ، ورواه أبو داود والنسائي كذلك. ومنها حديث وائل رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده، والطبراني في "معجمه " وفيه: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضع أنفه على الأرض مع جبهته» . ومنها حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رواه ابن عدي في "الكامل " وفيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من لم يلصق أنفه مع جبهته بالأرض إذا سجد لم تجز صلاته» وفيه الضحاك بن حمزة، قال ابن معين: ليس بشيء. ومنها حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه الدارقطني قالت: «أبصر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امرأة من أهله تصلي ولا تضع أنفها بالأرض فقال: "ما هذا؟ ضعي أنفك بالأرض فإنه لا صلاة لمن لم يضع أنفه بالأرض مع جبهته في الصلاة» وفيه ثابت بن عمرو الشيباني، وهو ضعيف. (فإن اقتصر على أحدهما جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) الاقتصار على الأنف والجبهة يجوز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مطلقا، لكن بلا عذر يكره. وفي " المبسوط ": السجدة جائزة عند أبي حنيفة وتكره في " التجنيس " لو وضع جبهته على حجره. غير أن وضع أيسرها على الأرض يجوز وإلا فلا. أبو حنيفة يقول: ينبغي أن يضع مع جبهته مقدار الأنف حتى جاز وإلا فلا. وفي " البدائع " و " التحفة ": إن وضع الجبهة وحدها من غير عذر تجوز عند أبي حنيفة بلا كراهة، وفي الأنف وحده يجوز مع الكراهة، والمستحب الجمع بينهما في حالة الاختيار بلا خلاف، وفي " المفيد " و " المزيد " وضع الجبهة وحدها والأنف وحده يكره ويجزي عنده. فإن قلت: قال ابن المنذر: لا أعلم أحدا سبقه إلى هذا القول ولا تابعه عليه، حكي ذلك عن النووي في " شرح المهذب " وابن قدامة في " المغني ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 وقالا: لا يجوز الاقتصار على الأنف إلا من عذر، وهو رواية عنه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم» وعد منها الجبهة،   [البناية] قلت: ذكر الطحاوي في " شرح الآثار " أن حكم الجبهة والأنف سواء. وقال أبو يوسف عن طاووس أنه سئل عن السجود على الأنف وقال: أليس أكرم للوجه؟ قال أبو هلال: سئل ابن سيرين عن الرجل يسجد على أنفه فقال: أوما تقرأ {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107] (الإسراء: الآية 107) ، فالله مدحهم بخرورهم على الأذقان في السجود، فإذا يسقط السجود على الذقن بالإجماع بصرف الجواز إلى الأنف لأنه أقرب إلى الحقيقة لعدم الفصل بينهما بخلاف الجبهة، إذ الأنف فاصل بينهما فكان من الجبهة، وقال تقي الدين العبدي: وهو قول مالك. وذكر في " المبسوط " جواز الاقتصار على الأنف عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال في العارض: في بعض طرق حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يسجد على سبعة أعظم، الجبهة أو الأنف» وقال بعض شراح مسلم أن المراد من ذكر الجبهة أو الأنف لئلا تصير ثمانية، ويدل عليه أو الأنف في الرواية المذكورة. وقول ابن المنذر: لا أعلم أيضا فيه منه إذ ما جهله أكثر مما علمه. وما ذكر تحامل منه وتعصب، وقد بينا من قال بقوله قبله وبعده من السلف والخلف. م: (وقالا: لا يجوز الاقتصار على الأنف إلا من عذر وهو رواية عنه) ش: أي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية أسد بن عمرو عنه، وفي " الوبري ": لو كان على أحدهما عذر جاز السجود على الآخر بلا كراهية في قولهم جميعا، ولو ترك السجود على المعذور منها وأدى لا يجوز اتفاقا، وإن كان بهما عذر يومئ ولا يسجد على غيرهما كالخد والذقن، ويومئ قاعدا وإن قدر على القيام، وبقولهما قال الشافعي وأحمد رحمهما الله في رواية، وقال أحمد في رواية: يجب السجود، وقال إسحاق وبعض أصحاب مالك: إن اقتصر على وضع الجبهة أعاد في الوقت، وإن اقتصر على الأنف أعاد أبدا، وفي " المجمع ": وعلى قولهما الفتوى. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، وعد منها الجبهة» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن طاووس عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين» ، وفي لفظ لهم: «أمر النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أن يسجد على سبعة أعضاء» فذكرها. وجه الاستدلال به ظاهر لأنه ذكر الجبهة من السبعة. فإن قلت: لا يتم الاستدلال لهما بهذا الحديث، ألا ترى أنه لو ترك وضع اليدين والركبتين جازت سجدته بالإجماع، وهذه الأعضاء الأربعة من تلك السبعة، فحينئذ يستقيم لأبي حنيفة أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أن السجود يتحقق بوضع بعض الوجه، وهو المأمور به، إلا أن الخد والذقن خارج بالإجماع، والمذكور فيما روي الوجه في المشهور،   [البناية] يحتج عليهما بجواز ترك الجبهة بهذا الحديث، لأن كونها فيها في كونه مأمور به سواء. قلت: أورد الحديث لبيان أن هذه الأعضاء هي محل السجدة؛ لأنه غيرها لا لبيان أن وضع هذه الأعضاء السبعة لازم لا محالة، والأنف غير هذه الأعضاء المذكورة، فيجب أن لا يتأدى الفرض بوضع الأنف مجردا كما لو وضع الذقن مجردا، لأن نص الحديث لم يتناوله، فلم يكن الأنف محلا للسجدة، فلذلك تعرض في الكتاب لتصريح الجبهة بقوله: وعد منها الجبهة، ولم يعد الأنف، فكان نفيا لمحلية الأنف للسجدة ليفيد التخصيص، فلما لم يكن محلا لا يقع الفرض بوضعه منفردا. م: (ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن السجود يتحقق بوضع بعض الوجه) ش: لأن السجود ينبئ عن الوضع على الأرض، يقال: سجدت الناقة: إذا وضعت جرانها على الأرض، فإذا كان كذلك يتحقق بوضع بعض الوجه على الأرض (وهو المأمور به) ش: أي وضع بعض الوجه على الأرض هو المأمور به لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بين أن محل السجدة هو الوجه، ولا يمكن بكله فيكون بالبعض مأمورا بها والأنف بعضه م: (إلا أن الخد والذقن خارج) ش: عن إرادة البعض (بالإجماع) ش: فتعين الجبهة والأنف، والاقتصار على الجبهة يجوز بالاتفاق لكونها بعض الوجه وسجد، أثم الاقتصار على الأنف لأنها بعض الوجه، وسجد إلا أنه يكره لمخالفة السنة. م: (والمذكور فيما روي الوجه في المشهور) ش: هذا جواب عن الحديث الذي احتج به أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تقريره أن الذي ذكره في الحديث الذي رواه لفظ الوجه موضع الجبهة، وهو الذي رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه وكفاه، وركبتاه، وقدماه» . ورواه ابن حبان في "صحيحه " والحاكم في "مستدركه " وسكت عنه. ورواه البزار في "مسنده " بلفظ: «أمر العبد أن يسجد على سبعة» قال البزار: وقد روى هذا الحديث سعد، وابن عباس، وأبو هريرة، وغيرهم ولا نعلم أحدا قال: آراب، إلا العباس. قلت: قد قالها ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضا، أخرجه أبو داود في "سننه " عنه مرفوعا: «أمرت أن أسجد، وربما قال: أمر نبيكم أن يسجد على سبعة آراب» . وقالها سعد أيضا كما رواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده " والطحاوي في " شرح الآثار " من حديث عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «أمر العبد أن يسجد على سبعة آراب» فذكرها بلفظ السنن وزاد: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] «أيها لم يضعه فقد انتقص» . وأخطأ المنذري أن عزاه في " مختصره " هذا الحديث للبخاري ومسلم إذ ليس فيهما لفظة الآراب أصلا. وقول المصنف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: في المشهور عنه، نظر، لأن المشهور هو ذكر الجبهة، ولم أر أحدا من الشراح حقق هذا الموضع. فإن قلت: ذكر الأنف في رواية مسلم حيث قال: «أمرت أن أسجد على سبعة: الجبهة، والأنف، واليدين، والركبتين، والقدمين» ". قلت: الأنف تابع للجبهة، ألا ترى كيف أصحاب التشريح قالوا: إن عظمي الأنف يبتدآن من قرنة الحاجب وينتهيان إلى الموضع الذي فوق الثنايا والرباعيات، فعلى هذا يكون الأنف والجبهة التي هي أعلى الخد واحدا، وهو المعنى المشار إليه في حديث عبد الله بن طاوس عن أبيه قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة، وأشار بيده على أنفه والرجلين وأطراف القدمين ولا تكفت الثياب ولا الشعر» فقد سوى بينهما، ولأن أعضاء السجود سبعة إجماعا، ولا تكون سبعة إلا إذا كانت الجبهة والأنف عضوا واحدا. والآراب: جمع إرب بكسر الهمزة وسكون الراء وهو العضو. فإن قلت: حديث العباس بن عبد المطلب خبر ومعناه الأمر وإلا يلزم الكذب. قلت: لا نسلم ذلك، ويجوز أن يكون خرج مخرج الغالب إذ الظاهر من حال المصلي الإتيان بالسنة فلا يلزم منه الأمر، وجعل الخبر معنى الأمر خلاف الأصل فيه، في " الواقعات ": لو لم يضع يديه وركبتيه على الأرض عند سجوده لا يجزئه. قال: كذا قاله أبو الليث، قال: وفتوى مشايخنا على الجواز حتى لو كان موضع ركبته نجسا يجوز. وقال في " الذخيرة ": لم يصحح أبو الليث هذه الرواية. وفي عمدة الفتاوى ": الصحيح أن موضع الركبة لو كان نجسا لا يجوز وكذا موضع اليد. قال: هذه العلة غير سديدة فإنه لو صلى واقفا إحدى رجليه يجوز، وواضعها على النجاسة لا يجوز، ولو رفع أصابع رجليه في سجوده لا يجوز. وقال في " الذخيرة ": كذا ذكره الكرخي في "كتابه " والجصاص في "مختصره "، وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجوب هذه الأعضاء قولان، أشهرهما: أنه لا يجب، أي لا يجب الإتمام بها إذا عجز كالجبهة. ونص في " الأمالي ": إن وضعها مستحب، قال أبو الطيب: مذهب الشافعي أنه لا يجب، وهو قول عامة العلماء، وقال صاحب " المهذب " والبغوي: هذا القول الأشهر وصححه الجرجاني في التحرير والروياني في " الحلية "، وعند زفر وأحمد: واجب، وعند أحمد في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 ووضع اليدين والركبتين سنة عندنا، لتحقق السجود بدونهما، وأما وضع القدمين فقد ذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أنه فريضة في السجود. قال: فإن سجد على كور عمامته أو فاضل ثوبه جاز،   [البناية] الأنف روايتان. وروى الترمذي عن أحمد أن وضع منه كقولنا. م: (ووضع اليدين والركبتين سنة عندنا) ش: احترز بقوله: عندنا، عن قول زفر. فإنه عنده واجب، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد استوفينا الكلام فيه آنفا. (لتحقق السجود بدونهما) ش: أي دون وضع اليدين، وأما الركبتان فإذا تحقق فلا يشترط وضعهما م: (وأما وضع القدمين فقد ذكر القدوري أنه فريضة في السجود) ش: فقد ذكره القدوري والكرخي والجصاص، ووضع القدمين على الأرض حال السجود فرض. وذكر الجلالي في صلاته سنة، وما ذكره القدوري يقتضي أنه إذا رفع إحدى رجليه لا يجوز. وفي " الخلاصة ": لو رفع إحدى رجليه يجوز، ولم يذكر الكراهة، وذكر الكراهة في " فتاوى قاضي خان " وفي " الجامع مع التمرتاشي ": لو لم يضع القدمين واليدين جاز. وفي " المحيط ": لو لم يضع ركبتيه على الأرض عند السجود لا يجوز. م: (فإن سجد على كور عمامته) ش: كور العمائم: دورها إذا أدارها على رأسه، كذا في " المغرب ". وفي " الصحاح ": الكور مصدر كار العمامة على رأسه أي لفها، وكل دور كور م: (أو فاضل ثوبه) ش: أي أو سجد على فاضل ثوبه من ذيله أو أكمامه (جاز) ش: فعل ذلك فلا يضر صلاته، وقال بالجواز على كور العمامة والقلنسوة والكم والذيل والذؤابة الحسن وعبد الله بن يزيد الأنصاري الخطمي ومسروق وشريح والنخغي والأوزاعي وسعيد بن المسيب والزهري ومكحول والإمام مالك وإسحاق وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في أصح الروايتين عنه. قال صاحب " التهذيب " من الشافعية: وبه قال أكثر العلماء، وقال الشافعي وأحمد رحمهما الله في رواية: لا يجوز على كورها، وكذا طرتها وطرفها وعلى كمه. وفي " التجنيس " و " المختلف ": والخلاف فيما إذا وجد حر الأرض، أما بدونه فلا يجوز إجماعا، وتفسير وجدان الحر ما قالوا أنه لو بالغ [ ...... ] رأسه أبلغ من ذلك. وفي " المفيد ": لو سجد على الجبهة بحائل يتصل به يتحرك بحركته في القيام أو القعود لا يجوز، واتفقوا على سقوط مباشرة الأرض في بقية الأعضاء غير الجبهة لحديث ابن مسعود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 «لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - "كان يسجد على كور عمامته» .   [البناية] - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي في النعلين والخفين» رواه ابن ماجه، «وسئل أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "أكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي في النعلين؟ قال: نعم» متفق عليه، وفي الركبتين أولى لأنهما عورة فلا يكشفان. وقال ابن تيمية: سقوط مباشرة اليدين قول أكثر أهل العلم، واحتج الشافعي بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مكن جبهتك وأنفك من الأرض» وفي رواية: «ألصق جبهتك من الأرض» . وعما روى خباب قال: «شكونا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حر الرمضاء في جباهنا، فلم يشكنا" أي لم يزل شكوانا [ .... ... ] إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "ترب جبينك يا رباح» فأمره بتتريب جبينه، ودليلنا يأتي الآن مع الجواب عن أحاديثهم. م: (لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان يسجد على كور عمامته) ش: هذا الحديث رواه أبو هريرة وابن عباس وابن أبي أوفى وجابر وأنس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فحديث أبي هريرة رواه عبد الرزاق في "مصنفه "، أخبرنا عبد الله بن محرر أخبرنى يزيد بن الأصم أنه سمع أبا هريرة يقول: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسجد على كور عمامته» . وحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه أبو نعيم في " الحلية " في ترجمة إبراهيم بن أدهم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وحديث عبد الله بن أبي أوفى رواه الطبراني في "معجمه الأوسط " عنه «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسجد على كور عمامته» . وحديث جابر رواه ابن عدي في " الكامل " نحوه. وحديث أنس رواه ابن أبي حاتم في كتابه " العلل " عنه «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سجد على كور عمامته» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 ويروى «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صلى في ثوب واحد يتقي بفضوله حر الأرض وبردها» .   [البناية] وحديث ابن عمر رواه الحافظ أبو القاسم همام بن محمد الرازي في "فوائده " عنه «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسجد على كور عامته» . فإن قلت: قال البيهقي في " المعرفة ": وأما ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسجد على كور عمامته، فلا يثبت منه شيء. وفي حديث أبي هريرة: عبد الله بن محرر، ضعيف، وفي حديث جابر: عمرو بن شمر ضعيف. وقال أبو حاتم: حديث أنس منكر. قلت: حديث ابن عباس وابن أبي أوفى والضعيف يسند بالقوي. وأخرج البيهقي في "سننه " عن هشام عن الحسن قال: كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسجدون وأيديهم في ثيابهم ويسجد الرجل منهم على عمامته، وذكر البخاري في صحيحه تعليقا فقال: وقال الحسن: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة. وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه " عن أبي الورقاء قال: رأيت ابن أبي ليلى يسجد على كور عمامته. م: (ويروى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى في ثوب واحد يتقي بفضوله حر الأرض وبردها) ش: هذا الحديث رواه ابن عباس ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عنه أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه. ورواه أحمد وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى في "مسانيدهم" والطبراني في "معجمه " وابن عدي في "كامله "، وبمعناه أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن بكر بن عبد الله المزني «عن أنس قال: كنا نصلي مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شدة الحر، فإذا لم نستطع أخذنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود» . والجواب عن أحاديث الشافعي أنها مجملة، وما روينا بحكم المجمل المحتمل على الحكم، أو يقول بموجبها وهو وجدان أحجم الأرض حتى إذا بيع حجمها لا يجوز إلا بدليل ما لو سجد على البساط يجوز بالإجماع. وحديث ابن حبان ليس فيه ذكر الجبهة والأنف في المسانيد المشهورة، وإن ثبت فهو محمول على التأخير الكثير حتى يبرد للرمضاء، وذلك يكون في أرض الحجاز ليعط الصغير، ويقال: إنه منسوخ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم» ويدل عليه ما رواه عبد الله بن عبد الرحمن قال: «حيانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلى في بيتي في مسجد بني عبد الأشهل فرأيته واضعا يديه في ثوبه إذا سجد» . رواه أحمد وابن ماجه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: هذا محمول على الثوب المنفصل الذي لا يتحرك بحركته. قلت: هذا بعيد لقلة الثياب عندهم، وبقوله: بسط ثوبه فسجد عليه، إذ الفاء فيه للتعقيب. فروع: لو وضع كفيه وسجد عليهما جاز، ذكره في " عدة المفتي "، وروى ابن عساكر ذلك عن عبد الله بن عمر. وفي " الذخيرة ": قال عبد الكريم الفقيه: لا يجوز، وقال غيره: يجوز، قال المرغيناني: هو الأصح، ولو بسط كمه على النجاسة وسجد عليه قيل: يجوز وهو الصحيح، وقيل: لا يجوز، وفي " الذخيرة " و " الواقعات ": لو سجد على ظهر من هو في صلاته يجوز للضرورة، وعلى ظهر من يصلي صلاة أخرى لا يجوز لعدم الضرورة، وسجود على فخذيه من غير حاجة لا يجوز على المختار، وبعذر يجوز على المختار، وإن سجد على ركبتيه لا يجوز بعذر وبغيره، لكن يكفيه الإيماء. وفي " الذخيرة ": لو سجد على ظهر غيره بسبب الزحام، ذكر في الأصل أنه يجوز، وقال الحسن بن زياد: لا يجوز، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إنما يجوز إذا سجد على ظهر المصلي. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: على ذيل غيره أو ظهر رجل أو امرأة أو شاة أو حمار أو كلب عليه ثوب، تصح صلاته، وكذا إن سجد على ميت وعليه لبد لا يجد حجم الميت يجوز. وفي " المجتبى ": إذا سجد على الثلج أو الحشيش الكثير أو القطن المحلوج يجوز إن اعتمد حتى إذا استقرت جبهته ووجد حجم الأرض جاز وإلا فلا. وفي "فتاوى أبي حفص ": لا بأس بأن يصلي على الحمل أو البرد والشعير والكدس والتبن والذرة، ولا يصلي على الأرز لأنه لا يستمسك، ولا يجوز على الثلج المنحال والجص وما أشبهه حتى تلبده يجد حجمه. ولو سجد على ظهر ميت عليه لبد وجد حجمه جاز وإلا فلا. وقيل: إن كان مغسولا جاز وإن لم يكن عليه إزار. وفي " النظم: لو تبدل الإزار والبساط عليه الأشجار الأربعة وصلى عليه لا يجوز، وعلى قطنة جمد يجري في الماء كالسفينة، وقيل: إنما يجوز إذا أبطلت طرفاه، وفي " المبسوط ": يكبر ولو كان موضع السجود أرفع من موضع القدمين بعد ركبتيه أو بشين منصوبتين يجوز، وإن زاد لم يجز، ويجوز السجود على جلد وسخ خلافا لمالك، وقالت الرافضة: لا يجوز إلا على ما أخرجته الأرض من قطن أو كتان أو خشب أو قصب أو حشيش، ولا يجوز على ما يتخذ من الحيوان فافهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 ويبدي ضبعيه، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وأبد ضبعيك» . ويروى: "وأبد" من الإبداد وهو المد، والأول من الإبداء، وهو الإظهار. ويجافي بطنه عن فخذيه؛ «لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "كان إذا سجد جافى حتى إن بهيمة لو أرادت أن تمر بين يديه لمرت» .   [البناية] م: (ويبدي ضبعيه) ش: من الابتداء، وفي " المغرب ": ابتداء الضبعين: تفريجهما، والضبع بسكون الباء، قال الأترازي: بالسكون لا غير، وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": فيه لغتان الضم والسكون، وهو العضد، وهي ضبع الرجل وسطه وباطه. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وأبد ضبعيك") ش: هذا غريب لم يرد مرفوعا هكذا، وإنما روى عبد الرزاق في "مصنفه " عن سفيان الثوري عن آدم بن علي البكري قال: «رآني ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وأنا أصلي لا أتجافى عن الأرض بذراعي، فقال: يا ابن أخي لا تبسط بسط السبع، وادعم على راحتيك وأبد ضبعيك، فإنك إذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك» . ورفعه ابن حبان في "صحيحه " بلفظ: «وجاف بين ضبعيك» . وكذلك الحاكم في " المستدرك " وصححه عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا: «لا تبسط بسط السبع» إلى آخره. م: (ويروى وأبد من الإبداد وهو المد) ش: هذه الرواية ليست لها أصل، ولا لها وجود في كتب الحديث، وكان ينبغي أن يحتج في هذا بما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مالك بن بحينة قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا سجد يتحلج في سجوده حتى يرى وضح إبطيه» ، والوضح: البياض. وروي أيضا أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كان إذا سجد فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه» وينون مالك لأن ابن بحينة ليس صفة لمالك، وبحينة اسم أم عبد الله، وقيل: أم مالك، والأول أصح، وهي بضم الباء الموحدة وفتح الحاء المهملة. وبما رواه أنس أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب» رواه الجماعة، وبما رواه أبو حميد في صفة صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "وإذا «سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه» رواه أبو داود، وروى مسلم أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نهى أن يفترش المصلي ذراعيه افتراش السبع» . وفي " سنن أبي داود " وابن ماجه «نهى عن فرشة السبع» . م: (والأول) ش: وهو قوله: وأبد ضبعيك (من الإبداء وهو الإظهار) ش: يقال: أبدى يبدي إبداء، من باب الإفعال بالكسر. م: (ويجافي بطنه عن فخذيه) ش: أي يباعد، وثلاثيه جفى يقال: جفى السرج عن ظهر الفرس، وأجفيته أنا: إذا رفعته، وجافاه عنه يتجافى ويجافي عليه عن الفراش؛ أي ما قال الله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} [السجدة: 16] (السجدة: الآية 16) ، أي تتباعد م: (لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان إذا سجد جافى» ش: بطنه عن فخذيه (حتى إن بهيمة لو أرادت أن تمر بين يديه لمرت) ش: هذا الحديث أخرجه مسلم عن زيد بن الأصم عن ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان إذا سجد» .. الحديث، وهو في " مسند أبي يعلى " أن تمر تحت يديه، ورواه الحاكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 وقيل: إذا كان في الصف لا يجافي كيلا يؤذي جاره. ويوجه أصابع رجليه نحو القبلة؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا سجد المؤمن سجد كل عضو منه، فليوجه من أعضائه القبلة ما استطاع» ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثلاثا، وذلك أدناه.   [البناية] في "مستدركه " والطبراني في "معجمه " وقالا فيه: بهيمة بالياء الساكنة بعد الهاء المكسورة، والصواب: بهيمة بضم الباء تصغير بهمة، والبهمة واحدة البهم وهي صغار الضأن والمعز جميعا، وربما خص الضأن بذلك، كذا في " الجهيرة "، واقتصر الجوهري على أولاد الضأن، وخصه القاضي عياض بأولاد المعز. م: (وقيل: إذا كان) ش: أي المصلي (في الصف لا يجافي كيلا يؤذي جاره) ش: هذا إذا كان في الصف ازدحام وقرب البعض من البعض، وإذا لم يكن كذلك لا يترك السنة لأنه حينئذ لا إيذاء، وفي " الروضة ": إن أعيا فاستعان بركبتيه فوضع ذارعيه عليهما فلا بأس به. م: (ويوجه أصابع رجليه نحو القبلة لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا سجد المؤمن سجد كل عضو منه، فليوجه من أعضائه القبلة ما استطاع» ش: هذا الحديث غريب، نعم جاء في رواية النسائي عن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: «من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة ما استطاع والجلوس على اليسرى» وبوب على باب الاستقبال بأطراف الأصابع القدم القبلة عند القعود للتشهد. وجاء في حديث أبي حميد الذي أخرجه البخاري: «واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة» . [قول سبحان ربي الأعلى في السجود] (ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاثا وذلك أدناه) ش: أي ثلاث مرات، وقال الشافعي: يضيف إلى ذلك وهو الأفضل: «اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين» لحديث على - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان إذا سجد قال ذلك، رواه مسلم، قلنا: هذا وأمثاله محمولة على النوافل لأن بابها أوسع. قوله: شق سمعه وبصره أي فتقهما ومعنى تبارك وتعالى قال ابن الأنباري: يتبرك العباد بتوحيده وذكر اسمه، وقال الخليل: تمجيده، وقال إسحاق: أحسن الخالقين أي المصورين والمقدرين. فروع: وفي الأسبيجابي: لو خفف سجوده وهو إلى القعود أقرب يجوز، وإن كان إلى السجود والأرض أقرب لا يجوز، روي ذلك عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا سجد أحدكم فليقل في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثلاثا، وذلك أدناه» أي   [البناية] سلمة: لو رفع رأسه وهو لا يشكل على الناظر أنه رفع رأسه، يجوز، ذكرها في " العيون ". وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه إذا رفع رأسه من السجود مقدار ما يمر الريح بينه وبين الأرض جازت صلاته. وروى أبو يوسف عنه إذا رفع مقدار ما سمي به رافعا جاز لوجود الفصل بين السجدتين، قال في " المحيط: وهو الأصح بخلاف الركوع، حيث ترجح بالأكثر، وقيل: إذا أزيلت جبهته عن الأرض ثم عادت جاز، ذكره المرغيناني، وفي " الروضة ": لا يجوز ذلك عندهما. وفي " جمل النوازل ": يستحب البكاء في السجود لأنه تعالى أثنى بقوله: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] (مريم: الآية 58) ، ويسن النظر إلى أرنبة الأنف فيه، وفي " فتاوى الظاهرية ": وليس بين السجدتين ذكر مسنون. وعن الحسن بن أبي مطيع أنه يقول: سبحان الله والحمد لله أستغفر الله العظيم. وعند الشافعي: يستحب أن يدعو في جلوسه بين السجدتين لما روى حذيفة أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول بينهما: «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وعافني وارزقني» وفي "تتمتهم": ولا يتعين عليه دعاء، ولكن يستحب أن يدعو كما وردت به السنة. قلنا: هذا كله وارد في التهجد لا في الفرائض والأمر فيه واسع. فإن قلت: ما الحكمة في تكرار السجود دون الركوع. قلت: مذهب الفقهاء أنه تعبد لا يطلب فيه المعنى كعدد الركعات، والسجدة الثانية فرض كالأولى بالإجماع، والجلوس بينهما قدر التسبيح، وأما عند أهل الحكمة فقد اختلفوا فيه فقيل: ترغيما للشيطان؛ فإنه أمر بالسجود فلم يفعل، فنحن نسجد مرتين ترغيما له، وإليه أشار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سجود السهو، وقال: هما سجدتان ترغيما للشيطان، وقيل: الأولى إشارة إلى أنه خلق من الأرض والثانية إشارة إلى أنه يعود إليها، قال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55] (طه: الآية 55) وقيل: لما أخذ الله الميثاق على ذرية آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حيث قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 172] (الأعراف: الآية 172) ، أمرهم بالسجود تصديقا لما قالوا، فسجد الملائكة والمؤمنون كلهم ولم يسجد الكفار، فلما رفعوا رؤوسهم ورأوهم لم يسجدوا، سجدوا ثانيا شكرا لما وفقهم الله تعالى، صار المفروض سجدتين وذلك أدناه، وقد استقصينا الكلام فيه عند ذكر الركوع. (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا سجد أحدكم فليقل في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثلاثا، وذلك أدناه؛» أي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 أدنى كمال الجمع. ويستحب أن يزيد على الثلاث في الركوع والسجود بعد أن يختم بالوتر؛ «لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "كان يختم بالوتر» وإن كان إماما لا يزيد على وجه يمل القوم حتى لا يؤدي إلى التنفير، ثم تسبيحات الركوع والسجود سنة لأن النص تناولهما دون تسبيحاتهما، فلا يزاد على النص. والمرأة تنخفض في سجودها وتلزق بطنها بفخذيها؛ لأن ذلك أستر لها. قال: ثم يرفع رأسه من السجدة   [البناية] أدنى كمال الجمع) ش: وقد تقدم الحديث هناك، ووقع في أكثر النسخ: وإذا سجد أحدكم، بواو العطف، عطف على قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا ركع أحدكم؛ لأنها في حديث واحد وإنما ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مقطعا لأن نصفه الركوع ونصفه السجود. (ويستحب أن يزيد على الثلاث) ش: أي ثلاث تسبيحات بأن يقول خمسا أو سبعا أو تسعا، وهي سنة عند أكثر العلماء، وقال أبو مطيع تلميذ أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فرض، ولم يجزه أقل من ثلاث، فقال أحمد وداود: ويستحب مرة إذ الأمر لا يوجب التكرار، إلا أن عند أحمد إذا تركه ناسيا لا تبطل صلاته، وعنه ولو كان عامدا. (في الركوع والسجود بعد أن يختم بالوتر) ش: أي بعد أن يختم تسبيحه بالأوتار كما قلنا م: (لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يختم بالوتر) ش: يعني في تسبيحات الركوع والسجود، وهذا الحديث غريب جدا م: (وإن كان المصلي إماما لا يزيد على وجه يمل القوم) ش: بضم الياء من الإملال، والقوم منصوب على المفعولية (حتى لا يؤدي إلى التنفير) ش: أي حتى لا يؤدي مجاوزته عن الثلاث إلى تنفير الجماعة، وعن سفيان: يقول الإمام خمسا حتى يمكن القوم من الثلاث. م: (ثم تسبيحات الركوع والسجود سنة) ش: عند أكثر العلماء، والآن مضى الكلام فيه (لأن النص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] م: (الحج: الآية 77) . م: (تناولهما) ش: أي تناول الركوع والسجود م: (دون تسبيحاتهما) ش: أي لم يتناول تسبيحات الركوع والسجود. م: (فلا يزداد على النص) ش: بخبر الواحد وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اجعلوها في ركوعكم واجعلوها في سجودكم» قالوا: إنما قال ذلك حين نزل قَوْله تَعَالَى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] ، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] (الأعلى: الآية 1) ، وإنما لا يزاد على النص بخبر الواحد لأنها تكون نسخا فلا يجوز، ويؤيده أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لما علم الأعرابي واجبات الصلاة لم يعلمه تسبيحات الركوع والسجود، ولأنه ذكر جائز على كل حال فيكون كالتأمين، وهذا لأن مبنى الفرائض على الشهرة والإعلان، ومبنى التطوعات على الخفية والكتمان. م: (والمرأة تنخفض في سجودها وتلزق بطنها) ش: أي تلصق بطنها (بفخذيها لأن ذلك) ش: أي الانخفاض والإلزاق (أستر لها) ش: أي لأن مبنى حالها على الستر. م: (قال) ش: أي القدوري (ثم يرفع رأسه من السجدة) ش: وقد بينا مقدار الرفع، ويذكره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 ويكبر؛ لما روينا، فإذا اطمأن جالسا كبر وسجد؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث الأعرابي: «ثم ارفع رأسك حتى تستوي جالسا» ولو لم يستو جالسا وكبر وسجد أخرى أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقد ذكرناه، وتكلموا في مقدار الرفع. والأصح أنه إذا كان إلى السجود أقرب لا يجوز؛ لأنه يعد ساجدا، وإن كان إلى الجلوس أقرب جاز؛ لأنه يعد جالسا، فتتحقق الثانية، قال: فإذا اطمأن ساجدا كبر، وقد ذكرناه، واستوى قائما على صدور قدميه، ولا يقعد ولا يعتمد بيديه على الأرض،   [البناية] المصنف على ما يجيء الآن، وقوله (ويكبر) ش: حال (لما روينا) : أشار به إلى قوله «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يكبر عند كل خفض ورفع» . م: (فإذا اطمأن جالسا) ش: أي حال كونه جالسا عقيب السجدة الأولى (كبر وسجد) ش: السجدة الثانية، وقد ذكرنا أن الجلوس بين السجدتين قدر تسبيحة (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حديث الأعرابي: «ثم ارفع رأسك حتى تستوي جالسا» ش: وقد تقدم حديث الأعرابي مستقصى، وفيه: ثم اجلس حتى تطمئن جالسا، وعند النسائي: «ثم ارفع رأسك حتى تطمئن قاعدا» وعند البيهقي: «حتى تطمئن جالسا» . م: (ولو لم يستو جالسا وسجد أخرى) ش: أي لو لم يستو في الجلوس بعد السجدة الأخرى (أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقد ذكرناه) ش: أي في قوله: وأما الاستواء قائما فليس بفرض، وكذا الجلسة بين السجدتين. م: (وتكلموا في مقدار الرفع) ش: يعنى قد تكلم علماؤنا في مقدار الرفع الذي يكون فاصلا بين السجدتين فقال بعضهم: إذا زالت جبهته عن الأرض ثم أعادها جاز، وعن القدوري: أدنى ما يطلق عليه اسم الرفع، وهو رواية عن أبي يوسف، وفيه أقوال أخرى قد ذكرناها عن قريب، وأشار المصنف إلى الأصح من ذلك بقوله: م: (والأصح أنه إذا كان إلى السجود أقرب لا يجوز) ش: أي سجوده م: (لأنه يعد ساجدا وإن كان إلى الجلوس أقرب جاز لأنه يعد ساجدا وإن كان إلى الجلوس أقرب جاز لأنه يعد جالسا) ش: فتتحقق السجدة الثانية. م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإذا اطمأن ساجدا كبر، وقد ذكرناه) ش: أراد بأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان يكبر عند كل خفض ورفع، وفي حديث مسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه كان يكبر كلما خفض ورفع، ويحدث أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعل ذلك» م: (واستوى قائما على صدور قدميه ولا يقعد ولا يعتمد بيديه على الأرض) ش: يعني بعد رفع رأسه من السجدة الثانية، وفي " جمل النوازل ": جلسة الاستراحة مكروهة عندنا لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا ينهضون على صدور أقدامهم. م: (ولا يعتمد بيديه على الأرض) ش: بأن يعتمد براحتيه على الأرض، منصوص عليه عن أبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجلس جلسة خفيفة، ثم ينهض معتمدا على يديه على الأرض، لما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فعل ذلك. ولنا حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "كان ينهض في الصلاة معتمدا على صدور قدميه» .   [البناية] حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " الوبري ": لا بأس بأن يعتمد على الأرض عند النهوض من غير فصل، وقال مالك: ينهض على صدور قدميه من غير اعتماد، وهو قول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وقال الشافعي يجلس جلسة خفيفة ثم ينهض معتمدا على يديه على الأرض لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل ذلك) ش: أي الاعتماد على الأرض، والمروي هنا ما أخرجه البخاري «عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان في الوتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا» . وقال النووي: وقال الأكثر: لا يستحب ذلك؛ أي الجلسة بعد السجدة الثانية، قال: حكاه ابن المنذر عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وأبي الزناد والثوري والنخعي ومالك وإسحاق وأحمد، وقال النعمان بن أبي عياش: أدركت غير واحد من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعل هذا، وقال أحمد: أكثر الأحاديث على هذا، ولم يذكر ذلك في حديث المسيء في صلاته. وقال أبو إسحاق المروزي والشافعي: إن كان ضعيفا جلس للاستراحة وإن كان قويا لا يجلس، وقال الإمام حميد الدين في "شرحه " ناقلا عن شمس الأئمة الحلوائي: الخلاف في الأفضلية حتى إذا جلس لا بأس به عندنا، وإذا لم يجلس لا بأس به عند الشافعي. م: (ولنا حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان ينهض في الصلاة معتمدا على صدور قدميه» ش: هذا الحديث رواه الترمذي عن خالد بن إياس عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهض في الصلاة على صدور قدميه» وقال الترمذي: هذا حديث عليه العمل عند أهل العلم. فإن قلت: خالد ويقال ابن إياس وقيل إلياس، ضعيف ضعفه البخاري والنسائي وأحمد وابن معين. قلت: قاله الترمذي، ومع ضعفه يكتب حديثه، ويقويه ما روي عن الصحابة في ذلك، فأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان ينهض في الصلاة على صدور قدميه ولم يجلس، وأخرج نحوه عن علي وابن الزبير وعمر بن الخطاب رضي الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 وما رواه محمول على حالة الكبر، ولأن هذه قعدة استراحة، والصلاة ما وضعت لها. ويفعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الركعة الأولى؛ لأنه تكرار الأركان، إلا أنه لا يستفتح ولا يتعوذ، لأنهما لم يشرعا إلا مرة واحدة. ولا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الركوع وفي الرفع منه؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن: تكبيرة الافتتاح، وتكبيرة القنوت، وتكبيرات العيدين» . وذكر الأربع في الحج والذي يروى من الرفع محمول على الابتداء. كذا نقل عن ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.   [البناية] تعالى عنهم وأخرج عن الشعبي قال: كان عمر وعلي وأصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهضون في الصلاة على صدور أقدامهم. وأخرج عن النعمان عن ابن عباس قال: أدركت غير واحد من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا رفع أحدهم رأسه من السجود الثاني في الركعة الأولى ينهض كما هو ولم يجلس. وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه " عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر نحوه. وأخرج البيهقي عن عبد الرحمن بن يزيد أنه رأى عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقوم على صدور قدميه في الصلاة ولم يجلس إذا صلى في أول ركعة حتى يقضي السجود. م: (وما رواه محمول على حالة الكبر) ش: وما رواه الشافعي وهو حديث مالك بن الحويرث محمول على فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعدما كبر وأسن، وفيه تأمل، لأن نهاية عمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثلاث وستون سنة، وفي هذا القدر لا يعجز الرجل عن النهوض، اللهم إذا كان لعذر مرض أو جراحة أو نحوها. والدليل الثاني أوجه وهو قوله: م: (ولأن هذه قعدة استراحة والصلاة ما وضعت لها) ش: أي للاستراحة، بل هي مشقة في نفسها، ولأنه اعتمد على غيره في صلاته فيكون مسيئا قياسا على ما قالوا: لو اتكأ على حائط أو على عصا، بخلاف ما لو اعتمد على ركبتيه. م: (ويفعل في الركعة الثانية) ش: أي يفعل المصلي في الركعة الثانية م: (مثل ما فعل في الأولى) ش: أي في الركعة الأولى (لأنه) ش: أي لأن الركعة الثانية، وذكر الضمير باعتبار الخبر وهو قوله: (تكرار الأركان) ش: والتكرار يقتضي إعادة الأولى، وكان ينبغي أن يزاد عليه ولا ينوي ولا يكبر للإحرام. م: (إلا أنه لا يستفتح ولا يتعوذ لأنهما لم يشرعا إلا مرة واحدة، ولا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى؛ خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الركوع والرفع منه، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن: تكبيرة الافتتاح، وتكبيرة القنوت، وتكبيرات العيدين» . وذكر الأربع في الحج، والذي يروى من الرفع محمول على الابتداء، كذا نقل عن ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي إلا أن المصلي لا يقول: سبحانك اللهم، اهـ. وهذا الدعاء يسمى الاستفتاح، وعلى هذا قيل: لكل صلاة مفتاح وافتتاح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] واستفتاح، فمفتاح الصلاة الطهور، وافتتاحها تكبيرة الإحرام، واستفتاحها سبحانك اللهم اهـ، وأخرجه الترمذي أيضا. وبحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه ابن ماجه والطحاوي عنه، قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفع يديه في الصلاة حذاء منكبيه حين يفتتح الصلاة وحين يركع وحين يسجد» . وبحديث وائل بن حجر قال: «رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين يكبر للصلاة وحين يركع وحين يرفع رأسه من الركوع يرفع يديه حذاء أذنيه» أخرجه أبو داود والنسائي. وبحديث علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الأربعة وفيه: «ورفع يديه حذو منكبيه، ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته إذا أراد أن يركع، ويضعه إذا فرغ ورفع من الركوع» واحتج أصحابنا بحديث البراء بن عازب قال: «كان النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذا كبر لافتتاح الصلاة رفع يديه حتى يكون إبهاماه قريبا من شحمتي أذنيه ثم لا يعود» أخرجه أبو داود والطحاوي من ثلاث طرق، وابن أبي شيبة في "مصنفه " ومحمد بن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود» أخرجه أبو داود والطحاوي وابن أبي شيبة في "مصنفه ". وبالحديث الذي ذكره المصنف ولكنه بغير اللفظ الذي ذكره، فروى البخاري معلقا في كتابه المفرد في "رفع اليدين" وقال: قال وكيع: عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن: في افتتاح الصلاة، وفي استقبال الكعبة، وعلى الصفا والمروة وبجمع، وفي المقامين، وعند الجمرتين» ، رواه البزار عن نعيم عن ابن عباس. وعن نافع عن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ترفع الأيدي في سبع مواطن: افتتاح الصلاة واستقبال البيت، والصفا والمروة، والموقفين وعند الحجر» . ورواه الطبراني في "معجمه " عن نعيم عن ابن عباس عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن: حين يفتتح الصلاة، وحين يدخل المسجد الحرام فينظر إلى البيت، وحين يقوم على الصفا والمروة مع الناس عشية عرفة وبجمع والمقامين حين يرمي الجمرة» ورواه ابن أبي شيبة موقوفا في "مصنفه" حدثنا ابن فضيل عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «ترفع الأيدي في سبع مواطن: إذا قام إلى الصلاة، وإذا رأى البيت، وعلى الصفا والمروة، وفي جمع، وفي عرفات، وعند الجمار» . وقال السروجي: ورواية أصحابنا في كتب الفقه: لا يرفع الأيدي إلا في سبع مواطن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: ليس كما قاله؛ فإن اللفظين رويا كما ذكرناه، قول المصنف، وذكر الأربع في الحج: وهي عند استلام الحجر، وعند الصفا والمروة، وفي الموقفين، وعند الجمرتين، وعند المقامين، والمتنازع فيه خارج عن السبع على ما ذكره البخاري والبزار والطبراني وغيرهم، فانظر إلى باقي رواياتهم هل تجد فيها ذكر رفع اليدين عند القنوت؟ وإنما يوجد هذا عند أصحابنا في كتبهم، منهم المصنف، ويذكر رفع اليدين عند تكبيرة تكون المواطن ثمانية، وسنذكر بقية الكلام فيه في باب صلاة الوتر إن شاء الله تعالى. واستدل أصحابنا بحديث جابر بن سمرة قال: «خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: ما لي أراكم رافعين أيديكم كأنها أذناب خيل شمس، اسكنوا في الصلاة» ، أخرجه مسلم. فإن قالوا في حديث البراء: قال أبو داود: روى هذا الحديث هشيم وخالد بن إدريس عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلي عن البراء، ولم يذكروا: ثم لا يعود، وقال الخطابي: لم يقل رجل في هذا: ثم لا يعود، غير شريك، وقال أبو عمر في " التمهيد ": تفرد به يزيد ورواه عنه الحفاظ فلم يذكر واحد منهم قوله: ثم لا يعود وقال البراز: لا يصح حديث يزيد في رفع اليدين: ثم لا يعود، وقال عباس الدوري عن يحيى: ليس هو بصحيح الإسناد. وقال البيهقي عن أحمد: هذا حديث واه، قد كان يزيد يحدث به لا يذكر: ثم لا يعود، فلما كبر أخذ يذكره فيه. وقال جماعة: إن يزيد يحدث به لا يذكر: ثم لا يعود، فلما لقن أخذ يذكره فيه. وقال غيره: إن يزيد كان تغير بآخره وصار يتلقن، واحتجوا على ذلك بأنه أنكر الزيادة كما أخرجه الدارقطني عن علي بن عاصم: ثنا محمد بن أبي ليلى عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: «رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه حتى ساوى بهما أذنيه» فقلت: أخبرني ابن أبي ليلى أنك قلت: ثم لم يعد، قال: لا أحفظ هذا، ثم عاودته فقال: لا أحفظه. وقال البيهقي: سمعت الحاكم أبا عبد الله يقول: يزيد بن أبي زياد كان يذكر الحفظ، فلما كبر نسي حفظه، وكان يقلب عليه الأسانيد ويزيد في المتون ولا يميز. قلت: تعارض قول أبي داود وقول ابن عدي في " الكامل " رواه هشيم وشريك وجماعة معهما عن يزيد بإسناده، وقالوا فيه: لم يعد، يظهر أن شريكا لم يتفرد برواية هذه الزيادة، فسقط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أيضا بذلك كلام الخطابي: لم يقل في هذا: ثم لا يعود غير شريك؛ لأن شريكا قد توقع عليها كما أخرجه الدارقطني عن إسماعيل بن زكريا ثنا يزيد بن أبي زياد نحوه، أخرجه البيهقي في " الخلافيات " من طريق النضر بن شميل عن إسرائيل، هو ابن يونس بن إسحاق عن يزيد بلفظ: «رفع يديه حذو أذنيه ثم لم يعد» وأخرجه الطبراني في " الأوسط " من حديث حفص بن عمر: ثنا حمزة الزيات كذلك، وقال: لم يروه عنه إلا حفص، تفرد به محمد بن حرب. فإن قلت: تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف. قلت: لا نسلم ذلك لأن عيسي بن عبد الرحمن رواه أيضا عن ابن أبي ليلى، فلذلك أخرجه الطحاوي إشارة إلى أن يزيد قد توقف في هذا، وأما يزيد في نفسه فهو ثقة يقال جائز الحديث، وقال يعقوب بن سفيان: هو وإن تكلم فيه لتغيره فهو مقبول القول عدل ثقة. وقال أبو داود: ثبت لا أعلم أحدا ترك حديثه، وغيره أحب إلي منه. وقال ابن معين في كتاب " الثقات ": قال أحمد بن صالح: يزيد ثقة ولا يعجبني قول من تكلم فيه. وخرج حديثه ابن خزيمة في "صحيحه". وقال الساجي: صدوق، وكذا قال ابن حبان، وخرج مسلم حديثه في "صحيحه" واستشهد به البخاري، فإذا كان حاله كذلك جاز أن يحمل أمره على أنه حدث ببعض الحديث تارة وبجملة أخرى، أو يكون قد نسي أولا ثم ذكر. فإن قلت: إن عارضونا برواية إبراهيم بن بشار عن سفيان: ثنا يزيد بن أبي زياد بمكة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع» . قال سفيان: فلما أتيت الكوفة سمعته يقول: يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود، فظننت أنه يخيره. قلت: هذا لا يخير لأنه لم يرو هذا المتن بهذه الزيادة غير إبراهيم بن بشار، كذا قال الشيخ في " الإمام " عن الحاكم، وابن بشار، قال النسائي فيه: ليس بالقوي، وذمه أحمد ذما شديدا. وقال ابن معين: ليس بشيء، لم يكن يكتب عند سفيان وما رأيت في يده قلما قط، وكان يحكي على الناس ما لم يقله سفيان، وما رواه البخاري وابن الجارود بالوهم فجاز أن يكون وهم في هذا. فإن قلت: قال ابن قدامة في " المغني " ما ملخصه: حديث يزيد بن أبي زياد ضعيف، ولئن سلمنا فأحاديثنا ترجح عليه بصحة الإسناد وعند أكثر الرواة، وظن الصدق في الكثير أقوى والغلط منهم أبعد والمثبت يخبر عن شيء شاهده ورواه، والنافي لم ير شيئا فلا يؤخذ بقوله، ورواه حديثا فصلوا في روايتهم ونصبوا في الرفع على الحالتين المختلف فيهما، والمخالف لهم عمم رواية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] المختلف فيه وغيره، فيجب تقديم أحاديثنا لنصها وخصوصها على أحاديثهم العامة التي لا نص فيها، كما يقدم الخاص على العام والنص على الظاهر المحتمل، والسلف من الصحابة والتابعين تحملوا بها، فدل ذلك كله على قولنا. قلت: حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صحيح، نص عليه الترمذي وغيره، وما يذكره الرواة في الترجيح إنما يكون إذا كان راوي الخبر واحدا، وراوي الخبر الذي يعارضه صفة اثنان أو أكثر، فالذي نحن فيه روي عن جماعة، وهم عبد الله بن مسعود والبراء بن عازب وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فحينئذ تساوت الأخبار في ظن الصدق بقولهم وبعدم الغلط، ولا نسلم تقديم خبر المثبت على خبر النافي مطلقا، وإذا كان خبر النفي عن دليل يوجب العلم به يتساوى مع المثبت فتتحقق المعارضة بينهما، ثم يجب طلب المخلص، فإن كان خبر النافي لا عن دليل يوجب العلم، يقدم خبر المثبت كما في حديث بلال أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لم يصل في الكعبة، مع حديث ابن عمر أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صلى فيها عام الفتح، فإنهم اتفقوا أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ما دخلها يومئذ إلا مرة واحدة، ومن آخر أنه لم يصل فيها فإنه لم يعتمد دليلا موجبا للعلم لأنه لم يعاين صلاته فيها، والآخر عاين ذلك، وكان المثبت أولى من النافي. وأما الذي نحن فيه عن دليل يوجب العلم به لأن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شاهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعاينه أنه رفع يديه في أول تكبيرة ثم لم يعد، فحينئذ تساويا في القوة والضعف، فكيف يرجح الإثبات على النفي، وكما أن الخاص يوجب الحكم فيما تناوله مطلقا، فكذلك العام يوجب له فيما تناوله مطلقا، وكل واحد من الحديثين نص، فكيف يقال: والنص يقدم على الظاهر المحتمل؟ وأحاديثنا أيضا عمل بها السلف من الصحابة والتابعين، وقد ذكرناه عن قريب. فإن قلت: حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - معترض فيه بما رواه الترمذي بسنده عن ابن المبارك قال: لم يثبت عندي حديث ابن مسعود أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يرفع يديه إلا في أول مرة، وثبت حديث ابن عمر أنه رفع عند الركوع وعند الرفع وعند القيام من الركعتين. وقال المنذري: وعبد الرحمن لم يسمع من علقمة قاله. وقال الحاكم: عاصم بن كليب لم يخرج حديثه في " الصحيحين " وكان يختصر الأحكام فيؤديها بالمعنى، وأن لفظة: ثم لا يعود غير محفوظة، قاله البيهقي عن الحاكم. قلت: عدم ثبوت الخبر عند ابن المبارك لا يمنع ثبوته عند غيره، فقد قال الترمذي: حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حديث صحيح، وصححه ابن حزم في " المحلى " وهو يدور على عاصم بن كليب وقد وثقه ابن معين، وأخرج له مسلم، فلا يسأل عنه للاتفاق على الاحتجاج به، وقول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] المنذري غير قادح عن رجل مجهول وهو قول عجيب؛ لأنه تعليل برجل مجهول شهد على النفي، وقال الشيخ في " الإمام " تتبعت هذا القائل فلم أجده، وقد صرح في كتاب " المتفق والمفترق " في ترجمة عبد الرحمن هذا أنه سمع أباه وعلقمة وكذا قال في الحمال سمع عائشة وأباه وعلقمة بن قيس، وعاصم بن كليب وثقه ابن معين، وأنه من رجال الصحيح وقول الحاكم أن حديثه لم يخرج في الصحيح غير صحيح فقد أخرج له مسلم حديثه عن أبي بردة عن الهذلي. فإن قلت: الحديث الذي ذكره المصنف فيه الحكم عن نعيم قال البخاري: قال شعبة لم يسمع الحكم من نعيم إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها فهو مرسل وغير محفوظ؛ لأن أصحاب نافع خالفوا، وأيضا فهم قد خالفوا هذا الحديث ولم يعتمدوا عليه في تكبيرات العيدين وتكبيرة القنوت. قلت: قول شعبة مجرد دعوى ولئن سلمنا فمرسل الثقات مقبول يحتج به، وكونهم لم يعتمدوا عليه في تكبيرات العيدين وتكبيرة القنوت لا توجب المخالفة؛ لأن الحديث لا يدل على الحصر. فإن قالوا: هذا الحديث رواه غير واحد موقوفا وابن أبي ليلى لم يكن بالحافظ. قلنا: ابن أبي ليلى من كبار التابعين أدرك مائة وعشرين رجلا من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فإن لم يعمل يرفع مثله يعمل يرفع من. إن قلت: حديث جابر بن سلمة لا يدل على ما ادعيتم؛ لأنه لم يرو لما ذكرتم وإنما ورد لمنع الإشارة؛ لأنهم كانوا يشيرون بأيديهم إلى الجانبين يرون بذلك السلام على من على الجانبين، والدليل على رواية مسلم أيضا عن جابر بن سمرة أنه قال: «كنا إذ صلينا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلنا: السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيده إلى الجانبين، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علام تفعلون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ وإنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من يمينه وشماله» . وقال النووي: واحتجاجهم بحديث جابر بن سمرة من أعظم الأشياء وأقبح أنواع الجهالة بالسنة؛ لأن الحديث لم يرو في رفع الأيدي في الركوع والرفع عنه، ولكنهم كانوا يرفعون أيديهم في حالة السلام من الصلاة ويشيرون بها إلى الجانبين يريدون بذلك السلام، وهذا لا خلاف بين أهل الحديث ومن له أدنى اختلاط بأهل الحديث، قال ومثله عن البخاري. قلت: في الحديث الأول إنكار لرفع اليد في الصلاة وأمر بالسكون فيها فكيف يحمل هذا على الإيماء باليد والإشارة بهما بعد السلام كما في الحديث الثاني؟ وليس فيه ذكر رفع الأيدي ولا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الأمر بالسكون إذا خرجوا من الصلاة بالسلام، وحديث إنكار رفع اليدين والأمر بالسكون مقيد بداخل الصلاة، وحديث إنكار الإيماء والإشارة بالأيدي مقيد بحال السلام الذي قد خرجوا به من الصلاة، والمقيد بقيد لا يندرج تحته مقيد آخر بقيد آخر، فالحديث الثاني غير الحديث الأول قطعا، فكيف يجعل هو فاتحة بيان يختلفان في الحكم الذي يحمل أحدهما على الآخر بلا دليل مع إنكار إفادتهما تأييد بين منقلبين هو الذي أتي بأعظم الأشياء وأقبح أنواع الجهالة بالسنة، على أن الثوري، ومالك بن أنس شيخ إمام، وأجيد بالحديث، وأعلم بالسنة، وقد رفع اليدين في الصلاة إلا عند التحريمة وهي رواية ابن القاسم عنه ورواية متقدمة على المالكية على جميع أصحابه حتى كانت القضاة بالضرب يكتبون في تقاليدهم أن لا يحكموا إلا برواية ابن القاسم الذي روى من الرفع محمول على الابتداء. هذا جواب عما احتج به الشافعي من الذي روي من رفع اليدين في الركوع وفي الرفع سنة. وأراد بقوله: - محمول على الابتداء - أنه كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ كذا نقل عن ابن الزبير بن العوام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وابن الزبير من الأسماء العالية على بعض [ ..... ] المسلمين به كابن عمر وابن عباس والذي نقل عن ابن الزبير هو ما نقله البعض «أن ابن الزبير رأى رجلا يرفع يديه في الصلاة عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع فقال له: لا تفعل فإن هذا شيء فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم تركه» قال ابن الجوزي في " التحقيق ": زعمت الحنفية أن أحاديث الرفع منسوخة بحديثين رووا. أحدهما: عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفع يديه كلما ركع وكلما رفع، ثم صار إلى افتتاح الصلاة ترك ما سوى ذلك» . والثاني: رووه «عن ابن الزبير أنه رأى رجلا يرفع يديه من الركوع فقال: مه فإن هذا شيء فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم تركه» وهذان الحديثان لا يعرفان أصلا، وإنما المحفوظ عن ابن عباس وابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - خلاف ذلك فأخرج أبو داود عن ميمون، لكن أنه رأى ابن الزبير وصلى بهم يشير بكفيه حين يقوم وحين يركع وحين يسجد، قال: فذهبت إلى ابن عباس فأخبرته بذلك فقال: إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاقتد بصلاة عبد الله بن الزبير، ولو صح ذلك لم يصح دعوى النسخ؛ لأن شرط الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ. قلت: قوله: لا يعرفان أصلا لا يستلزم عدم معرفة أصحابنا هذا ودعوى النافي ليست بحجة على المثبت وأصحابنا أيضا ثقات لا يرون الاحتجاج بما لم يثبت عندهم صحته،؛ لأن هذا أمر الدين، فالمسلم لا يستهزئ فيه، ويؤيد ما روي من عدم الرفع عند الركوع وعند الرفع منه ما رواه الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حديث ابن أبي داود قال: أنبأ أحمد بن عبد الله بن يونس قال: ثنا أبو بكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بن عياش، عن حصين، عن مجاهد قال: صليت خلف ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلم يكن يرفع يديه في التكبير الأول من الصلاة. قال الطحاوي: فهذا ابن عمر قد رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفع ثم ترك هو الرفع بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا يكون ذلك إلا وقد ثبت عنده نسخ ما قد كان رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعله، وإسناد ما رواه الطحاوي صحيح وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة في "مصنفه " ثنا أبو بكر بن عياش، عن مجاهد قال: ما رأيت ابن عمر يرفع يديه إلا في أول ما يفتح. فإن قلت: هذا حديث مسند؛ لأن طاوسا قد ذكر أنه رأى ابن عمر يفعل ما يوافق ما روي عنه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ذلك. قلت: يجوز أن يكون ابن عمر فعل ما رواه طاوس يفعلها قبل أن تقوم الحجة عنده بنسخه، ثم قامت الحجة عنده بنسخه فيه له وفعل ما ذكره عنه مجاهد وهكذا ينبغي أن يحمل ما روى عنهم وينفي عنهم الوهم حتى يتحقق ذلك، ولا يكثر أكثر الروايات. وأما الجواب عن أحاديث الخصم فنقول: أما حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فإنه روي عنه خلاف ذلك فقال الطحاوي: أما ابن أبي داود إلى آخر ما ذكرناه الآن. أما حديث أبي حميد الساعدي، فإن أبا داود وقد أخرجه من وجوه كثيرة أحدها عن أحمد بن حنبل، وليس فيه ذكر رفع اليدين عند الركوع والطريق الذي فيه عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمعت أبا حميد في عشر من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الحديث، وعبد الحميد عندهم ضعيف فكيف يحتجون به في مثل هذا الموضع في معرض الاحتجاج على خصمهم؟ وقالوا: عبد الحق مطعون في حديثه، روى ذلك عن يحيى بن معين، وهو إمام في هذا الباب. فإن قلت: عبد الحميد من رجال مسلم، واحتجت به الأربعة، واستشهد به البخاري في "الصحيح "، وعن أحمد ويحيى: ثقة. قلت: إن سلمنا ذلك ولكن الحديث معلول بحجة أخرى، وهو محمد بن عمرو بن عطاء لم يسمع هذا الحديث من أبي حميد بن عدي، ولا ممن ذكر معه في هذا الحديث مثل: أبي قتادة وغيره، وذلك؛ لأن سنده لا يحتمل ذلك؛ لأن أبا قتادة قتل مع على - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وصلي عليه كذا قال الهيثم بن عدي. وقال ابن عبد البر: هو الصحيح، وقيل: توفى بالكوفة سنة ثمان وثلاثين، ومحمد بن عمرو بن عطاء توفي في خلافة وليد بن يزيد بن عبد الملك، وكانت خلافته في سنة خمس وعشرين ومائة، ولهذا قاله ابن حزم ولعله وهم يعني عبد الحميد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: قال البيهقي في " المعرفة " حكم البخاري في "تاريخه " أنه سمع أبا حميد، وأبا قتادة، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وقوله: - قتل مع على - رواية شاذة رواه الشعبي، والصحيح الذي أجمع عليه أهل التاريخ أنه بقي إلى سنة أربع وخمسين، ونقله عن الترمذي، والواقدي، والليث، وابن منده. قلت: القائل بأنه لم يسمع من أبي حميد هو بين الحجة في هذا الباب، وهو قول الهيثم بن عدي، وهذا صححه ابن عبد البر، فكيف يقول البيهقي هذه رواية شاذة، فلم لا يجوز أن تكون رواية البخاري شاذة؟ بل هي شاذة بلا شك؛ لأن قوله لا يرجح على قول الشعبي، والهيثم بن عدي، وفي هذا الحديث علة أخرى وهي أن بين محمد بن عمرو بن عطاء، وبين أبي حميد رجل مجهول، بين ذلك الطحاوي، فقال: حدثنا سهيل بن سليمان، ثنا يحيى وسعيد بن أبي مريم، قال: ثنا عطاف بن خالد، قال: حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء، قال حدثنا رجل أنه وجد عشرة من أصحاب النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جلوسا.. الحديث. وعطاف وثقة ابن معين، وعنه صالح، وليس به بأس. وقال أحمد: من أهل مكة ثقة صحيح الحديث. والدليل على أن بينهما واسطة أن أبا حاتم بن حبان أخرج هذا الحديث في "صحيحه" من طريق عيسى بن عبد الله، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عباس بن سهل الساعدي أنه كان في مجلس فيه أبوه، وأبو هريرة، وأبو أسيد، وأبو حميد الساعدي. الحديث، وذكر المزني، ومحمد بن طاهر المقدسي في أطرافها، عن أبي داود أخرجه من هذا الطريق، فظهر من ذلك أن هذا الحديث منقطع ومضطرب السند والمتن أيضا. وأما حديث أبي هريرة فإنه من طريق إسماعيل بن عياش عن صالح بن كيسان وهم لا يجعلون إسماعيل فيما روى عن غير الشاميين حجة، فكيف يحتجون على خصمهم بما لو احتج بمثله عليهم لم يسوغني إياه، وقال [ ...... ] إسماعيل في الشاميين غاية وخلط عن المدنيين وقال النسائي: ضعيف. وقال ابن حبان: كثير الخطأ في حديثه، فخرج عن حد الاحتجاج به. وقال ابن خزيمة لا يحتج به. وأما حديث وائل بن حجر فقد ضاده ما رواه إبراهيم النخغي، عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنه لم يكن رأى النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نقل مما ذكرنا من رفع اليدين من غير تكبيرة الإحرام فعبد الله أقدم صحبة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأفهم بأفعاله من وائل، وقد كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب أن يليه المهاجرون ليحفظوا عنه، وكان عبد الله أكثر الولوج على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ووائل بن حجر أسلم في المدينة في سنة تسع من الهجرة وبين إسلامهما اثنان وعشرون سنة، فحينئذ حفظ ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لم يحفظه وائل وأمثاله، ولهذا قال إبراهيم للمغيرة حين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قال: إن وائلا حدث أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، إن كان وائل رآه مرة يفعل ذلك فقد رآه عبد الله خمسين مرة لا يفعل ذلك. فإن قلت: ما ذكرتموه عن إبراهيم لم يدرك عبد الله؛ لأن عبد الله توفي سنة اثنين وثلاثين من الهجرة بالمدينة، وقيل: بالكوفة وولد إبراهيم سنة خمسين كما صرح به ابن حبان. قلت: كانت عادة إبراهيم إذا أرسل حديثا عن عبد الله لم يرسله إلا بعد صحته عنده من الرواة عنه بعد تكاثر الرواة عنه، ولا شك أن خبر الجماعة أقوى من خبر الواحد وأولى. وأما حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور فقد روي عنه ما ينافيه ويعارضه أيضا فإن عاصم بن كليب روى عن أبيه أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يرفع يديه في تكبيره من الصلاة، ثم لا يرفعه فقد رواه الطحاوي، وأبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه "، ولا يجوز لعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يرى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفع ثم يترك هو الرفع بعده، ولا يجوز ذلك إلا وقد ثبت عنده نسخ الرفع في غير تكبيرة الإحرام؛ لأن هذا هو حسن الظن بالصحابة، وحديث عاصم بن كليب صحيح على شرط مسلم. وفي سنن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عبد الله بن المبارك، عن الأعمش، عن الشعبي أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يرفعهما فيما بقي. وعن شعبة، عن أبي إسحاق قال: كان أصحاب عبد الله وأصحاب علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لا يرفعون أيديهم إلا في افتتاح الصلاة. وقال وكيع: ثم لا يعودون، وعن إبراهيم أنه كان يقول: إذا كبرت في فاتحة الكتاب فارفع يديك، ثم لا ترفعهما فيما بقي وبغيره عن إبراهيم: لا ترفع يديك إلا في افتتاح الأولى. وعن طلحة، عن خيثمة كان لا يرفع يديه إلا في بدء الصلاة. وعن يحيى بن سعيد، عن إسماعيل كان قيس يرفع يديه أول ما يدخل في الصلاة، ثم لا يرفعهما. وعن مسلم الجهني قال كان ابن أبي ليلى يرفع يديه في أول شيء إذا كبر، قال عبد الملك: ورأيت الشعبي، وإبراهيم، وأبا إسحاق لا يرفعون أيديهم إلا حين يفتتحون الصلاة، ذكر ذلك كله أبو بكر بن أبي شيبة. ويحكى في " المبسوط " أن الأوزاعي لقي أبا حنيفة في المسجد الحرام فقال: ما بال أهل العراق لا يرفعون أيديهم عند الركوع، وعند رفع الرأس من الركوع، وقد حدثني الزهري، عن سالم، عن ابن عمر أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يرفع يديه عندهما، فقال أبو حنيفة حدثني حماد، عن إبراهيم النخغي، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان يرفع يديه عند تكبيرة الافتتاح ثم لا يعود» . قال عجبا من أبي حنيفة أحدثه بحديث الزهري عن سالم، وهو يحدثني بحديث حماد عن إبراهيم، فأشار إلى علو إسناده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 وإذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الثانية افترش رجله اليسرى وجلس عليها، ونصب اليمنى نصبا، ووجه أصابعه نحو القبلة، هكذا وصفت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قعود رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصلاة.   [البناية] فقال أبو حنيفة: أما حماد فكان أفقه من الزهري، وأما إبراهيم فكان أفقه من سالم، ولولا سبق ابن عمر لقلت بأن علقمة أفقه منه. أما عبد الله فرجح بفقه رواته فسكت الأوزاعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: لأبي حنيفة ترجيح آخر وهو أن ابن عمر راوي الحديث في الرفع كان لا يرفع إلا عند الإحرام للوجه الذي ذكرناه. [الافتراش عند التشهد الأوسط] (وإذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الثانية افترش رجله اليسرى) ش: وفي " المبسوط " يجعلها بين إليتيه م: (وجلس عليها ونصب اليمني) ش: أي رجله اليمني (نصبا ووجه أصابعه نحو القبلة) ش: وباطنها على الأرض في القعدتين، قال الترمذي: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وبه قال الثوري، وابن المبارك، والحسن بن حي، وأهل الكوفة، وقال مالك: يجلس متوركا فيهما ويفضي بإليتيه إلى الأرض، وينصب رجله اليمني، ويثني اليسرى كجلوس المرأة وكذا بين السجدتين. والشافعي أخذ بقولنا في التشهد الأول ويقول بقول مالك في الأخيرة. وقال مالك يتورك في كل تشهد أول وثان، وعند الشافعي في كل تشهد يعقبه السلام ولا يتورك عند أحمد في الصبح والجمعة والعيدين، وعند الشافعي يتورك. م: (هكذا وصفت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قعود رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصلاة) ش: توصيف عائشة قعود رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاته في حديث أخرجه مسلم، عن أبي الجوزاء، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين» .. الحديث، وفيه كان يفترش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى إلى آخره. قوله: - يفرش - بفتح الياء وضم الراء هو المشهور. قال النووي وضبطه صاحب " مشارق الأنوار " بكسر الراء، وذكره أبو حفص بن أعلى في " لحن العوام "، وروى أبو داود، والنسائي، وأحمد «عن وائل بن حجر: أنه نظر إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي فسجد ثم قعد فافترش رجله اليسرى ونصب اليمنى» . وروى أحمد من حديث رفاعة بن رافع «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال للأعرابي: فإذا جلست فاجلس على رجلك اليسرى» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 قال ووضع يديه على فخذيه وبسط أصابعه وتشهد، ويروى ذلك في حديث وائل بن حجر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ ولأن فيه توجيه أصابع يديه إلى القبلة، فإن كانت امرأة.   [البناية] وروى النسائي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: «من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى، واستقباله بأصابعها القبلة، والجلوس على اليسرى» . م: (قال) ش: أي القدوري (ووضع يديه على فخذيه وبسط أصابعه) ش: وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصول: السنة أن يضع اليمنى على فخذه الأيمن، وكفه اليسرى على فخذه الأيسر. وقال الطحاوي يضع يديه على ركبتيه كما في حالة الركوع. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينبغي أن يكون أطراف الأصابع عند الركبة. (وتشهد) ش: أي قرأ التحيات إلى آخره وسمى هذه الثناء تشهدا إطلاقا لاسم البعض على الكل؛ لأن فيه ذكر الشهادتين كما في الأذان فإنه في الحقيقة حي على الصلاة، حي على الفلاح مع إطلاق الأذان على الكل. م: (ويروى ذلك في حديث وائل بن حجر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: ذلك إشارة إلى وضع اليدين على الفخذين، وبسط الأصابع، وقراءة التشهد باعتبار المذكور، ولكن ليس كل ذلك في حديث وائل بن حجر، وقد تقدم حديثه. فإن قلت: فعلى هذا لا يتم استدلال المصنف بهذا. قلت: أما وضع اليدين على الفخذين في " صحيح مسلم " من رواية ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا أن فيه كان قبض أصابعه، وأما بسط الأصابع فليس في حديث وائل، وإنما فيه أن يعقد أصابعه ويجعل حلقة الإبهام والوسطى. قال الفقيه أبو جعفر: هكذا روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقول المصنف -: وبسط أصابعه - مخالف لما في حديث وائل، وكذلك ما ذكره صاحب " المحيط "، وعن محمد أنه يضع يديه على فخذيه؛ لأن فيه توجه الأصابع إلى القبلة أكثر. وعن بعضهم أنه يفرق أصابعه وهذا كله مخالف لما في حديث وائل. م: (ولأن فيه) ش: أي في بسط الأصابع على الفخذين (توجيه أصابع يديه إلى القبلة) ش: هذا ظاهر وما رأيت أحدا من الشراح استقصى بيان هذا الموضع، لا من جهة الحديث الذي هو العمدة في الاستدلال، ولا من جهة صحة المنقول عن الأصحاب في هذا الموضع. م: (فإن كانت امرأة) ش: ذكره بالفاء التفريعية لأنه ذكر أولا صفة جلوس الرجل في القعدة، ثم عقب ذلك ببيان صفة جلوس المرأة، وضبط بعضهم امرأة بالنصب فوجهه أن يكون التقدير، فإن كانت المصلية امرأة والأوجه على أن تكون كانت ناقصة. وقوله: - جلست - جواب إن في الوجهين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 جلست على إليتها اليسرى وأخرجت رجليها من الجانب الأيمن؛ لأنه أستر لها. والتشهد: التحيات لله، والصلوات   [البناية] م: (جلست على إليتها اليسرى وأخرجت رجليها من الجانب الأيمن؛ لأنه أستر لها) ش: لأن مراعاة فرض الستر أولى من مراعاة سنية القعدة. وفي " المرغيناني " وجهت ما فيها، وكانت أم الدرداء تجلس كالرجل، وكانت فقيهة، ذكره ابن بطال، وهو قول النخعي ومالك ومن الصحابة أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وكانت صفية، ونساء ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يجلسن متربعات؛ لأن ذلك أستر لهن. وعن سلمة: الأمة كالرجل في رفع اليد، وكالحرة في الركوع والسجود والقعود. [التشهد الأوسط وصيغته] م: (والتشهد التحيات لله) ش: أي التشهد الذي هو جزء أطلق عليه الكل، قراءة التحيات هذا، وهو جمع تحية من حي يحيي تحية. وعن الليث معان: الأول: البقاء من قولهم: حياك الله، أي أبقاك الله، روي ذلك عن الأزهري، الثاني: الملك أي الملك لله من قولهم: حياك الله أي ملك الله، وروى ذلك الأزهري عن أبي علي. الثالث: السلامة من الآفات، كما قاله خالد بن يزيد. الرابع: السلام على الله من قولهم: حياك الله أي سلام الله عليك. قال الأترازي: فيه نظر عندي لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى في صدر حديثي ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أن يقال: السلام على الله. قلت: وجه النهي أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، فمن هذا الوجه لا يوجه القول بالسلام على الله، وأما إذا قصد معنى السلامات من الآفات والزوالات والعوارض لله تعالى فلا يبعد. فإن قلت: ما معنى الجمع فيه؟ قلت: لأنه كان في الأرض ملوك يحيون بتحيات مختلفة فيقال لبعضهم: أبيت اللعن، ولبعضهم: أسلم وأنعم صباحا، ولبعضهم عش ألف سنة، فقيل لنا: قولوا: التحيات لله أي: الألفاظ التي تدل على الملك والبقاء والسلامة عن الآفات لله عز وجل، نقل ذلك عن العقبي، وعن الخطابي. روي عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في تفسير التحيات لله والصلوات والطيبات. فقيل: هي أسماء الله السلام المؤمن المهيمن الحي القيوم العزيز الأحد الصمد، قال: التحيات لله بهذه الأسماء وهي الطيبات التي لا يحيا بها غيره. م: (والصلوات) ش: أي الأدعية وهي جمع صلاة وهي الدعاء الذي أصل معناه هذا في كلام العرب، وفي " المغربين " الصلاة رحمة، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] (الأحزاب: الآية 56) أي يترحمون. وعن الأزهري الصلاة من الملائكة دعاء واستغفار ومن الله رحمة. وعن ابن المبارك في قوله: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 157] (البقرة: الآية 157) ، أي رحمات، وقوله في التشهد التحيات لله والصلوات أي: الثناء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته إلى آخره، وهذا تشهد عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه قال: «أخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدي، وعلمني التشهد كما كان يعلمني سورة من القرآن، وقال: قل: التحيات لله إلى آخره»   [البناية] الحسن والحمد والتسبيح لله تعالى. م: (والطيبات) ش: أي الطيبات من الكلام مصروفات إلى الله تعالى. وعن الليث: وأحسن الكلام وأفضله لله تعالى. وعن مشايخنا الفقهاء: التحيات لله أي: العبادات القولية لله تعالى لا يستحقها غيره، والصلوات أي: العبادات البدنية لله تعالى، والطيبات أي: العبادات المالية لله تعالى، يعني الجميع لله تعالى لا يستحقها غيره. وهذا على مثال من يدخل على الملوك يقدم السلام والثناء أولا، ثم يقوم في الخدمة، ثم يبذل المال. م: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته إلى آخره) ش: هذا من الله تعالى على نبيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ليلة المعراج فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لما قال: التحيات لله، والصلوات والطيبات، رد الله تعالى من مقابلته بقوله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته والزيادة، ولما زاد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بهذه الألفاظ أشرك النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمته فيه بقوله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ثم لما سمعت الملائكة بذلك فرحوا وقالوا: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. وذكر زين الأئمة الفرودي في ثواب العبادات عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «لما عرج بي ليلة المعراج إلى السماء أمرني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن أسلم على ربي فقلت: كيف أسلم؟ فقال: قل: التحيات لله والصلوات والطيبات، قال: قلت: فقال جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فقلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقال جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أشهد أن لا إله الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» ". م: (وهذا تشهد عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه قال: «أخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدي وعلمني التشهد كما كان يعلمني سورة من القرآن، وقال: قل: التحيات لله إلى آخره» ش: تشهد ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الأئمة الستة عن ابن مسعود واللفظ لمسلم، قال: «علمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التشهد كما يعلمني السورة من القرآن، فقال: "إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإذا قالها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» . زاد في رواية [إلا] الترمذي وابن ماجه «ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 والأخذ بهذا أولى من الأخذ بتشهد ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وهو قوله: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا.. إلى آخره؛   [البناية] م: (والأخذ بهذا) ش: أي بتشهد ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أولى من الأخذ بتشهد ابن عباس -- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) - ش: ولهذا قال الترمذي أصح حديث عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في التشهد حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ثم أخرج عن معمر عن خصيف قال: رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المنام فقلت له: إن الناس قد اختلفوا في التشهد، فقال: عليك بتشهد ابن مسعود. وأخرج الطبراني في "معجمه " عن بشر بن المهاجر عن ابن بريدة عن أبيه قال: ما سمعت من التشهد أحسن من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وذلك لأنه رفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووافق ابن مسعود في روايته عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا التشهد جماعة من الصحابة والتابعين - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -. فمنهم معاوية وحديثه عند الطبراني في "معجمه " أخرجه عن إسماعيل بن عياش، عن حريز ابن عثمان، عن راشد بن سعد، «عن معاوية بن أبي سفيان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يعلم الناس التشهد وهو على المنبر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التحيات لله والصلوات والطيبات..» الخ سواء. ومنهم سلمان الفارسي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وحديثه عند البزار في "مسنده "، والطبراني في "معجمه " أيضا عن سلمة بن الصلت، عن عمر بن يزيد الأزدي «عن أبي راشد قال: سألت سلمان الفارسي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن التشهد، فقال: أعلمكم كما علمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، التحيات لله والصلوات والطيبات» .. إلخ سواء. ومنهم عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وحديثها عند البيهقي في "سننه" عن القاسم عنها قالت: «هذا تشهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التحيات لله.. الخ» . وقال النووي في " الخلاصة ": إسناده جيد. م: (وهو قوله) ش: أي تشهد ابن عباس هو قوله. م: (التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله إلخ) ش: تشهد ابن عباس أخرجه الجماعة إلا البخاري عن سعيد بن جبير وطاوس «عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، وكان يقول: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» ". وهاهنا تشهد آخر لأبي موسى الأشعرى، وتشهد لجابر، وتشهد لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وتشهد أبي موسى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه مسلم وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه عن عطاء بن عبد الله الرقاشي، «عن أبي موسى قال: خطبنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال: "إذا صليتم فكان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم التحيات، الطيبات، الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» ". الرابع: تشهد جابر، أخرجه النسائي وابن ماجه عن أيمن بن نابل، ثنا أبو الزبير، «عن جابر قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن "بسم الله وبالله التحيات لله والصلوات والطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أسأل الله الجنة أعوذ بالله من النار» . رواه الحاكم في "مستدركه " وصححه، وضعفه جماعة من الحفاظ أجل من الحاكم، وأتقى منهم: البخاري، والترمذي، والبيهقي، وقال الترمذي: سألت البخاري [عنه] فقال: هو خطأ. والخامس: تشهد عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه مالك في " الموطأ " أخبرنا الزهري عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه سمع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو على المنبر ويعلم الناس التشهد يقول: قولوا: التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وهذا إسناد صحيح. والسادس: تشهد ابن عمر رواه الطحاوي، بسم الله التحيات لله والصلوات لله، الزاكيات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، شهدت أن لا إله إلا الله، شهدت أن محمدا رسول الله. السابع: تشهد علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذكره الكرخي، التحيات لله والصلوات والطيبات الغاديات الزاكيات. والثامن: تشهد سمرة، التحيات الطيبات الصلوات، السلام والملك لله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 لأن فيه الأمر، وأقله الاستحباب والألف واللام وهما للاستغراق، وزيادة الواو وهي لتجديد الكلام، كما في القسم وتأكيد التعليم   [البناية] والتاسع: تشهد ابن الزبير، بسم الله وبالله خير الأسماء التحيات الصلوات الطيبات لله أشهد أن لا إله إلا الله. م: (لأن فيه الأمر وأقله الاستحباب) ش: هذا شروع في تشهد ابن مسعود، أي؛ لأن في تشهد ابن مسعود صيغة الأمر، وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قل التحيات لله إلى آخره، وللأمر مراتب وأقلها الاستحباب، ولترجيح تشهد ابن مسعود وجوه كثيرة: الأول: هو ما ذكره. والثاني هو قوله: م: (والألف واللام) ش: أي ولأن فيه الألف واللام وهو معطوف على قوله: الأمر فلذلك نصب (وهما للاستغراق) ش: أي والألف واللام لاستغراق الجنس، وسلام بدون الألف واللام نكرة. والثالث: فيه زيادة أشار إليه بقوله: م: (وزيادة الواو) ش: أي واو العطف فيها يصير كل كلام على حدة؛ لأن العطف للمغايرة، وبغير الواو يصير الكل ثناء واحدا بعضه صفة بعض م: (وهي) ش: أي الواو م: (لتجديد الكلام) ش: أي الاستئنافية يعني: أن الكل لفظ ثناء بنفسه م: (كما في القسم) ش: يعني إذا قال الرجل: والله الرحمن الرحيم يكون يمينا واحدة، وإذا قال: والله والرحمن والرحيم بثلاث واوات يكون ثلاثة أيمان. والرابع: فيه التأكيد أشار إليه بقوله: م: (وتأكيد التعليم) ش: بنصب تأكيد أي ولأن فيه تأكيد التعليم وهو قوله: - علمني التشهد كما يعلمني سورة من القرآن - وهذه الوجوه الأربعة التي ذكرها المصنف. وهاهنا وجوه أخر الأول فيه الأخذ باليد فإن أبا حنيفة قال: «أخذ حماد بيدي، فقال حماد: أخذ إبراهيم بيدي، وقال إبراهيم: أخذ علقمة بيدي، وقال علقمة: أخذ ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بيدي، وقال ابن مسعود: أخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدي وعلمني التشهد» . الثاني: أنه علق تمام الصلاة به، فدل على أن التمام لا يوجد بدونه. الثالث: أن تشهد ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أحسن إسنادا كذا قال أئمة الحديث وهم يجمعون عليه، وقد ذكر في " الصحيحين ". الرابع: أن عامة الصحابة أخذوا به فإنه روي أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - علم الناس على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] منبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تشهد ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهكذا روى سلمان الفارسي، وجابر، ومعاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. الخامس: أن في تشهد غيره نقصانا. السادس: تقديم اسم الله تعالى فإنه إذا تقدم على الممدوح في ابتداء الكلام ومتى أخر كان مجملا وإزالة الإجمال بأول الكلام أولى. السابع: أن التحيات عام شمل كل [ ..... ] الصلاة، وغيرها وذلك عند وجود الواو، فإن كان بغير الواو صارت الصلاة مخصصة أو ما [ ..] فلا يكون عاما. الثامن: أنه موافق للقياس؛ لأن ذكره ممتد مشروع في آخر طرفي الصلاة فيكون بالواو كالاستفتاح اعتبارا لآخر المذكورين للآخر. التاسع: ليس فيه اضطراب ولا وقف، وحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مضطرب جدا وهو أن مسلما وأبا داود ورياه مثل ما ذكرنا، والترمذي ذكر السلام منكرا، والشافعي وأحمد روياه مثل الترمذي ولم يذكرا وأشهد، وروى ابن ماجه كمسلم، لكنه قال: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، والنسائي كمسلم، لكنه صح نكر السلام، وقال: وأن محمدا عبده ورسوله، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، وهو موقوف أيضا. قال الطحاوي: رواه ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس موقوفا، والذي رواه مرفوعا أبو الزبير ولا يكافئ الأعمش، ولا منصور، ولا مغيرة، ولا أشباههم ممن روى حديث ابن مسعود. العاشر: فيه تشهد به عبد الله على أصحابه حين أخذ عليهم بالواو والألف واللام ليوافق لفظ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال عبد الرحمن بن يزيد كنا نحفظ عن عبد الله التشهد كما نحفظ حروف القرآن، وهذا يدل على ضبطه ولا يوجد مثله بغيره، فصارت الوجوه في ترجيح تشهد ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أربعة عشر وجها. فإن قلت: قالت الشافعية: تشهد ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الذي اختاره الشافعي رواه مسلم. قلت: ليس الأمر كما زعموا؛ لأن مسلما روى السلام معرفا في الكتابين، ومذهبهم تنكيره فيهما. ورواه الترمذي والشافعي وأحمد، ولم يخرجه لذلك من التزم إخراج الصحيح في كتابه، فكيف يعارض الجمع على صحة مثل هذا؟ فإن قلت: قالوا: فيه زيادة المباركات، وهي موافقة للفظة القرآن في قَوْله تَعَالَى: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 ولا يزيد على هذا في القعدة الأولى؛ «لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: علمنى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التشهد في وسط الصلاة وآخرها» فإذا كان وسط الصلاة نهض إذا فرغ من التشهد، وإذا كان في آخر الصلاة دعا لنفسه بما شاء.   [البناية] قلت: في حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - زيادات، فإن كانت علة الترجيح هي الزيادات، فحديث جابر أولى. فإن قلت: حجة البيهقي بتعليم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو حديث أنس متأخر عن تعليم ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قلت: هذا لا شيء؛ لأن أحدا من الفقهاء وأهل الأثر لم يقل بترجيح رواية ابن عباس والعبادلة صغار الصحابة وأحدثهم على رواية أبي بكر الصديق، وعمر، وعثمان، وعلي، وعبد الله بن مسعود وغيرهم من كبار الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عند التعارض ويجوز أن يكون تعليم ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعد تعليم ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولا يلزم من صغر سنة تأخر تعلمه وسماعه من غيره، قد أخذوا برواية غيره وتركوا روايته في عدة مواضع. منها أنهم أخذوا الحديث عن أبي قتادة في القراءة في الظهر والعصر، ورجحوه على رواية ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (ولا يزيد على هذا في القعدة الأولى) ش: أي لا يزيد المصلي على التشهد المذكور في القعدة الأولى من الثلاثية والرباعية، وبه قال أحمد إسحاق، وهذا مذهب عطاء، والشعبي، والنخغي، والثوري في القديم. وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان إذا تشهد قال: بسم الله خير الأسماء، وعن ابنه أنه أباح الدعاء فيه بما بدا له، وقال: زدت فيه وحده لا شريك له. وقال أيوب، وسعيد، وهشام: يقول عمر فيه التسمية، وبه قال مالك وأهل المدينة. وقال الشافعي في الجديد: يصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه وفي الصلاة على الأول خلاف عندهم. م: (لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «علمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التشهد في وسط الصلاة وآخرها، فإن كانت وسط الصلاة نهض إذا فرغ من التشهد، وإذا كان في آخر الصلاة دعا لنفسه بما شاء» ش: من الدعاء، الحديث رواه أحمد في "مسنده" من حديث ابن مسعود أنه قال: علمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.. إلخ، وهذا حجة على الشافعي فيما ذهب إليه. فإن قلت: روي عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - من حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «في كل ركعتين تشهد وسلام على المرسلين، وعلى من يتبعهم من عباد الله الصالحين» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: هذا محمول على التطوع إذا كل شفع منه صلاة على حدة. قوله: - وإن كان في آخر الصلاة - إلى آخره لما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال» . 1 - فروع: هل يشير بالمسبحة إذا انتهى إلى قوله - أشهد أن لا إله إلا الله؟ - فقال بعض مشايخنا: لا يشير؛ لأن في الإشارة زيادة لا يحتاج إليها فيكون تركه أولى. وفي " المنية " و " الواقعات " وعليه الفتوى لا إشارة في الصلاة إلا عند الشهادة في التشهد وأنه حسن. وفي " الذخيرة " لم يذكر محمد الإشارة في الأصل، وذكر محمد في غير رواية الأصول حديثا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يشير، قال محمد نصنع بصنع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: وهو قول أبي حنيفة ومثله في " المحيط " وفي " الفتاوى ". قال أبو بكر بن سعيد: الإشارة عند قوله أشهد أن لا إله إلا الله حسن. 1 - واتفق الأئمة الثلاثة على أصل الإشارة بالمسبحة، ثم كيف يشير يقبض خنصره والتي تليها، ويحلق الوسطى بالإبهام، ويقيم السبابة ويشير بها، هكذا روى الفقيه أبو جعفر أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعله هكذا وهو أحد وجوه قول الشافعي، وفي تتمة أصحاب الشافعي لما في كيفية قبض الأصابع ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يقبض الأصابع كلها إلا المسبحة ويشير بها، فعلى هذا في كيفية القبض وجهان: أحدهما: يقبض كأنه يعقد ثلاثة وخمسين، وهو رواية ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والثاني يقبض كأنه يعقد ثلاثة وعشرين، وهو رواية ابن الزبير عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. والثاني: أنه يقبض الخنصر والوسطى ويرسل الإبهام والمسبحة، وهذه رواية أبي حميد الساعدي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. والقول الثالث: أنه يقبض الخنصر والبنصر ويحلق الوسطى والإبهام ويرسل المسبحة، وهذه رواية وائل بن حجر عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهذه الأخبار تدل على أن فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يختلف فكيف ما فعل أجزأه، ولو ترك لا شيء عليه. وفي " المجتبى " العمل بها أولى من الترك، ويكره أن يشير بالسبابة من اليدين؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أحد أحد ولا يستحب تحريك الأصابع وعن بعضهم يقيم أصبعيه عند قوله لا إله، ويضعها عند قوله إلا الله؛ ليكون النصب كالنفي، والوضع كالإثبات والمسبحة بكسر الباء سميت بها؛ لأنها يشار بها إلى التوحيد، ويقال لها: السبابة أيضا؛ لأنهم كانوا يشيرون بها إلى السب في الخصومات ونحوها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 قال: ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب وحدها؛ «لحديث أبي قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - "قرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب» وهذا بيان الأفضل، وهو الصحيح؛ لأن القراءة فرض في الركعتين.   [البناية] [القراءة في الأخيرتين بفاتحة الكتاب فقط] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب وحدها) ش: ولا يضم السورة معها فيهما وبه قال الشافعي على الأظهر، وهو قول أحمد لكن قراءة الفاتحة عندهما واجبة. وعند مالك تجب في كل ركعة على الأظهر، وهو قول أحمد في الرواية المشهورة، وفي الأكثر في رواية وبه قال إسحاق، وقال المغيرة تجب ويكفي وجودها وفي ركعة واحدة. وفي " المغني " وعن أحمد والنخعي والثوري لا يجب إلا في ركعتين. م: (لحديث أبي قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قرأ في الأخيرين بفاتحة الكتاب» ش: وقتادة اسمه الحارث بن ربعي السلمي الأنصاري، وقال الكلبي، وابن إسحاق: اسمه نعمان توفي بالكوفة في سنة ثمان وثلاثين وصلى عليه علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وحديثه هذا أخرجه البخاري ومسلم، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن أبي قتادة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وفي الأخيرتين بفاتحة الكتاب ويسمعنا الآية أحيانا، ويطيل في الركعة الأولى ما لا يطيل في الثانية، وهكذا في الصبح» ورواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه أيضا. وروى إسحاق بن راهويه في "مسنده " عن رفاعة بن رافع الأنصاري قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب» وروى الطبراني في "معجمه الأوسط «عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سنة القراءة في الصلاة أن يقرأ في الأوليين بأم القرآن وسورة في الأخريين بأم القرآن» . وأخرج أيضا عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في الركعتين بفاتحة الكتاب» . م: (وهذا) ش: أي الذي ذكره القدوري من أنه يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب وحدها. م: (بيان الأفضل) ش: وأشار به إلى أنه ليس سنة فإن قرأ فقد أتى بالأفضل وإن ترك فلا شيء عليه. م: (وهو الصحيح) ش: احترز به عما روى الحسن، عن أبي حنيفة أن قراءة الفاتحة واجبة فيهما حتى يجب بتركها ساهيا سجود السهو م: (لأن القراءة فرض في الركعتين) ش: الأوليين دون الأخريين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 على ما يأتيك من بعد إن شاء الله تعالى. قال: وجلس في الأخيرة كما جلس في الأولى؛ لما روينا من حديث وائل وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -   [البناية] فإن قلت: ظاهر قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» يقتضي أن تكون قراءة القرآن واجبة في الأخريين كما روى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: خص من النص الركوع والسجود فكذا الأخريان مع أن القراءة التقديرية موجودة في جميع الصلاة على ما قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - القراءة في الأوليين قراءة في الأخريين، كذا في " الجنازية "، وفي " المحيط " عن الحسن، عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يسبح في الأخريين ثلاث تسبيحات وقراءة الفاتحة أفضل، ولو لم يقرأ، أو لم يسبح كان مسيئا إن كان متعمدا، ولو كان ساهيا فعليه السهو؛ لأن القيام في الأخريين مفقود قبلها إخلاؤه عن الذكر والقراءة جميعا، كما في الركوع والسجود. وعن أبي يوسف: يسبح فيها ولا يسكت إلا أنه إذا أراد قراءتها جميعا كما في الركوع فليقرأها على جهة الثناء لا القراءة. وقال أبو جعفر: قرأ الدعاء، وفي " المجتبى ": ويخير المصلي بين قراءتها والتسبيح والسكوت ولا يلزمها السهو. م: (على ما يأتيك من بعد إن شاء الله تعالى) ش: في باب النوافل. فإن قلت: كلمة على هاهنا معناها وبذلك متعلق. قلت: لكلمة على معان: منها أن تكون للاستدراك والإخبار كما في قولك: فلان فقير جدا على أنه كريم وهاهنا كذلك؛ لأنه أخبر أولا أن القراءة فرض في الركعتين ولكنه لم يبين وجهه، ثم استدرك أنه يبينه فيما يأتي، وأما متعلقه فمحذوف تقديره والتحقيق على ما يأتيك، أو البيان في فريضة القراءة في الركعتين على ما يأتيك فافهم، فإن هذا الكلام في هذا المقام من الأنوار الإلهية التي يخص بها بعض الأنام. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وجلس في الأخيرة) ش: أي في القعدة الأخيرة م: (كما جلس في الأولى) ش: أي كجلوسه في القعدة الأولى مفترشا غير متورك، وإنما قال في الأخيرة دون الثانية يشمل قعدة الفجر وقعدة المسافر؛ لأنها آخره وليست ثانية، وفيه خلاف الشافعي ومالك - رحمهما الله - كما بيناه. م: (لما روينا من حديث وائل) ش: بن حجر م: (وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: عند قوله هكذا وصفت عائشة قعود رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فإن قلت: هذا سهو من المصنف؛ لأنه لم يذكر فيما تقدم إلا عن عائشة. قلت: ذكر المصنف فيما تقدم في الجلوس شيئين ذكر بعضها عن عائشة وبعضها عن وائل وهاهنا كذلك. فإن قلت: إنما أراد بذلك هيئة الجلوس، وافتراش اليسرى، ونصب اليمني، وهذا لم يتقدم إلا عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 ولأنها أشق على البدن، فكان أولى من التورك الذي يميل إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والذي يرويه «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قعد متوركا» ضعفه الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أو يحمل على حالة الكبر، وتشهد، وهو واجب عندنا، وصلى على النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وهو ليس بفرض عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيهما   [البناية] عائشة. قلت: لا يمنع أن يريد بقوله: كما جلس في الأولى عدم الحالات التي أذكرها. ثم خصص في التعليل منها هيئة الجلوس. م: (ولأنها) ش: أي؛ ولأن الجلسة على تلك الصفة م: (اشق على البدن فكان أولى من التورك) ش: وهو أن يضع إليتيه على الأرض ويخرج رجليه من الجانب الأيمن، وهذه الهيئة أخف من الهيئة التي اختارها وأفضل العبادة أشقها. م: (الذي يميل إليه) ش: أي إلى التورك م: (مالك) ش: بن أنس وهو مذهبه كما ذكرنا. م: (والذي يرويه أنه) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (قعد متوركا) ش: يعني في قعدته في الصلاة م: (ضعفه الطحاوي) ش: هذه الجملة خبر المبتدأ، أعني قوله: والذي وهو جواب عن حديث الثوري الذي رواه عبد الحميد بن جعفر، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي حميد الزهري، وفي حديثه حتى إذا كان السجدة التي في آخرها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركا على شقه الأيسر، وضعفه الطحاوي؛ لأن عبد الحميد ضعيف عند نقلة الحديث، وقد بيناه مستقصى فيما تقدم. م: (أو يحمل على حالة الكبر) ش: جواب آخر عن الحديث المذكور وهو على طريق التسليم يعني ولئن سلمنا أن حديث عبد الحميد صحيح فهو محمول على أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما تورك بعدما كبر وأسن. م: (وتشهد) ش: يعني قرأ التحيات لله.. إلخ في القعدة الأخيرة أيضا م: (وهو واجب عندنا) ش: أي التشهد واجب عندنا، وعند مالك سنة فيه وفي القعود الأول معه، وعند الشافعي ركن فيه مع جلوسه بخلاف التشهد الأول، فإنه سنة عنده مع جلوسه. وقال أحمد: التشهد واجب ولم يقل ركن كالثاني عنده، وقال أبو البقاء: الواجب دون الركن عند أحمد، وكل ركن واجب وليس كل واجب ركنا. [الصلاة على النبي في التشهد الأخير] م: (وصلى على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) : ش: أي على طريق السنة، وهو عطف على قوله: وتشهد م: (وهو ليس بفرض عندنا) ش: في الصلاة وتذكير الضمير باعتبار المذكور، وهو قوله - وصلى على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيهما) ش: أي في التشهد والصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ودل على التشهد قوله: - وتشهد - وعلى الصلاة قوله: وصلى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قلت هذا أو فعلت فقد تمت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد»   [البناية] م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا قلت هذا أو فعلت فقد تمت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود في "سننه " واستقصينا الكلام فيه جدا في أول باب صفة الصلاة، والخطاب في - وقلت، وفعلت، وشئت، شئت - لابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولم يذكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيه الصلاة عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ولأنه لما علم الأعرابي فرائض الصلاة لم يعلمه إياها، ولو كانت فرضا لعلمه. فإن احتج الشافعي بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] (الأحزاب: الآية 56) . فنقول الأمر مطلق فلا يجوز تقييده بحالة الصلاة لئلا يلزم بطلان صيغة الإطلاق، والأمر لا يقتضي التكرار فيجب الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العمر مرة واحدة سواء كانت في الصلاة أو في غيرها، وإن احتج بما رواه ابن ماجه، عن ابن عباس بن سهل الساعدي، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا صلاة لمن لا يصلي على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولا صلاة لمن لم يحب الأنصار» ، رواه الحاكم في " المستدرك ". فنقول: هذا حديث ضعيف، وعبد المهيمن ليس بالقوي، وقال ابن حبان: لا يحتج به، وأخرجه الدارقطني، عن أبي بن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه، عن جده مرفوعا بنحوه، قالوا: هذا وحديث عيد المهيمن سواء، وتكلم في أبي بن عباس، فمنهم الإمام أحمد، والنسائي، وابن معين، والعقيلي، والدولابي وليس علمنا صحته فهو محمول على نفي الكمال. فإن احتج بحديث أبي سعيد الأنصاري، أخرجه الداراقطني عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر [عن أبي مسعود الأنصاري] قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صلى صلاة لم يصل علي فيها ولا على أهل بيتي لم يتقبل منه» " فنقول: جابر ضعيف، وقد اختلف عليه فوقفه تارة، ورفعه أخرى. فإن احتج بما رواه البيهقي، عن يحيى بن السباق، عن رجل من بني الحارث، عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد"، ورواه الحاكم في " المستدرك» " الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 والصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خارج الصلاة واجبة إما مرة واحدة كما قال الكرخي، أو كلما ذكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كما اختاره الطحاوي، فكفينا مؤنة الأمر والفرض المروي في التشهد هو التقدير.   [البناية] وقال: إسناده صحيح متصل. فنقول فيه رجل مجهول، وقال القاضي عياض في " الشفاء " وقد شذ الشافعي فقال من لم يصل على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد الأخير فصلاته فاسدة وعليه الإعادة ولا سلف له في هذا القول، ولا سنة يتبعها، وقد أنكر عليه هذا القول جماعة وشنعوا عليه منهم الطبري والقشيري، وخالفه من أهل مذهبه الخطابي، وقال: لا أعلم له فيها قدوة. [حكم الصلاة على النبي خارج الصلاة] م: (والصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خارج الصلاة واجبة) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: م: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] (الأحزاب: الآية 56) ، لكن م: (إما مرة واحدة كما قاله الكرخي) ش: لأن الأمر لا يقتضي التكرار م: (أو كلما ذكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أو واجبة كلما ذكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وسمعه م: (كما اختاره الطحاوي) ش: وفي " شرح المجمع " و"الفتوى" عند عامة العلماء بالاستحباب كلما ذكر - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وقال فخر الإسلام في " الجامع الكبير ": تكرار اسمه واجب لحفظ السنة، إذا به قوام الدين والشرائع وفي إيجاب الصلاة عليه مدة العمر، وقيل في جوابه يجب التدخل كما في سجدة التلاوة إذا اتحد المجلس إلا أنه يستحب تكرار الصلاة بخلاف السجود. وفي " المجتبى " واختلف في تكرار الوجوب في الصلاة عليه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا تكرر ذكره في مجلس واحد، والصحيح أنه يتكرر الوجوب وإن كرر، في " الجامع الأصغر " كرواية السجدة في مجلس واحد، وكذا في الصلاة، ولا يسن التهجد في المسجد لكل مرة، وفي الصلاة لكل مرة ولو تكرر اسم الله في مجلس واحد يكفيه ثناء واحد، وفي مجلسين لكل مجلس، ولو تركه لا يبقى عليه دينا لكن الصلاة علي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لو ترك يبقى عليه دينا لأنه مأمور بالصلاة وغير مأمور بالثناء. قلت: كونه مأمورا بالثناء أظهر ولا يجب على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يصلي على نفسه فكفينا مؤنة الأمر، هذا جواب عما قاله الشافعي أن الأمر للوجوب وخارج الصلاة غير مراد فتعين الصلاة. وتقريره أن يقال: نعم الأمر للوجوب ونحن نعمل بموجبه وهو الوجوب. إما بالصلاة عليه في العمر مرة كما قال الكرخي، أو كلما ذكر اسمه كما قال الطحاوي م: (فكفينا مؤنة الأمر) ش: يعني علمنا بموجبه والمؤنة الثقل. م: (والفرض المروي في التشهد هو التقدير) ش: أي لفظ الفرض الذي روي في تشهد ابن مسعود في حديثه الآخر هو بمعني التقدير، وهذا جواب عما قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - جاء في حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 قال: ودعا بما شاء مما يشبه ألفاظ القرآن والأدعية المأثورة؛ لما روينا من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال له النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ثم اختر من   [البناية] الله السلام على جبريل وميكائيل، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فقولوا التحيات لله..» إلى آخره فعلم بهذا أن التشهد فرض. وتقدير الجواب أن المراد بقوله: قبل أن يفرض، أي قبل أن يقدر لأن الفرض يأتي لمعان كثيرة منها: معني التقدير، كما في قَوْله تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] (البقرة: الآية 237) ، أي قدرتم. م: (قال: ودعا) ش: عطف على قوله وصلى على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (بما شاء) ش: أي بالذي شاء م: (مما يشبه ألفاظ القرآن) ش: أراد به كون لفظ الدعاء موجودا في القرآن، وليس المراد حقيقة المشابهة؛ لأن القرآن معجز لا يشابهه شيء من كلام الناس، ومن ذلك قال في " المحيط و" الجامع الصغير " ادع في الصلاة بكل شيء من القرآن، ونقل عن الفضل أنه كان يقول: دعاء في القرآن إذا دعا بذلك لا يفسد صلاته ونقل عن الفضل أنه كان يقول: كل دعاء في القرآن إذا دعا بذلك لا يفسد صلاته، ونقل عن الفضل أنه كان يقول: كل دعاء في القرآن إذا دعا بذلك لا يفسد صلاته، كما إذا قال اللهم: اغفر لي ولوالدي؛ لأنه في القرآن. وكذلك إذا قال: اللهم اغفر لأبي، ولو قال؛ اغفر لأخي واغفر لزيد تفسد؛ لأنه ليس فيه. وعن الحلوائي لو قال: اللهم اغفر لأخي لا تفسد، ولو قال: اللهم ارزقني عدسا وبصلا تفسد؛ لأن عين اللفظ ليس فيه، ولو قال: اللهم ارزقني من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها لا تفسد؛ لأن عينه في القرآن. وفي " المجتبى ": عما يشبه ألفاظ القرآن من الدعوات اللهم اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات يوم يقوم الحساب، وقوله: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم: 40] (إبراهيم: الآية 40) وقوله: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: 10] (الحشر: الآية 10) ، وقوله: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف: 23] (الأعراف: الآية 23) ، وقوله {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ} [آل عمران: 192] (آل عمران: الآية 192) . قلت: هذه كلها من القرآن، وكيف يقال فيها بما يشبه ألفاظ القرآن، اللهم أن يراد بها نفس الدعاء لا قراءة القرآن. [الدعاء بعد التشهد الأخير وقبل السلام] م: (والأدعية المأثورة) ش: بالنصب عطفا على ألفاظ القرآن، أي وبما يشبه الأدعية المأثورة أي المروية عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويجوز جر الأدعية عطفا على القرآن؛ لأنه مجرور بإضافة ألفاظ إليه. ومن الأدعية المأثورة ما روي في " السنن " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يقول بعد التشهد: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات» "، والأدعية المأثورة كثيرة. م: (لما روينا من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال له النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ثم اختر من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 الدعاء أطيبها وأعجبها إليك» ويبدأ بالصلاة على النبي عليه الصلاة السلام؛ ليكون أقرب إلى الإجابة، ولا يدعو بما يشبه كلام العباد،   [البناية] الدعاء أطيبها وأعجبها إليك» ش: أشار بهذا إلى الحديث المتقدم عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «علمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التشهد في وسط الصلاة وفي آخرها» فإذا كان وسط الصلاة نهض إذا فرغ من التشهد، وإذا كان في آخر الصلاة دعا لنفسه بما شاء، لا يتم دليله. وإن أراد بما في حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الآخر ثم التخير من الدعاء أعجبه إليك فتدعو به، وفي رواية ثم يخير في المسألة ما شاء، فذلك لم يتم دليله ولا سيما عند البخاري لم يتخذ يعمل من الكلام ما شاء ذكره في الدعوات وفي الاستئذان، بل كل دليل للشافعي وحجة له في إباحة الدعاء بكلام الناس نحو: اللهم زوجني امرأة حسناء، أعطني بستانا أنيقا، ولو استدل المصنف بحديث أن صلاتنا لا يصلح فيها شيء من كلام الناس لكان أصوب، ولم أر أحدا من الشراح حقق هذا الموضع، فأكثرهم يذكروا شيئا من ذلك، واعتذر بعضهم وقال: ولعله سقط من النسخ، وأراد به حديث: إن صلاتنا هذه.. الحديث. وهاهنا شيء آخر من السهو وهو تأنيث الضمير في قوله: - أطيبها وأعجبها - والصحيح من الروايات أطيبه وأعجبه - وقال الأترازي: ولئن صح بالتأنيث فعلى تأويل الدعوات أو الأدعية. قلت: عدم صحة الروايات بالتأنيث يمنع هذا التأويل، وكذلك أول الأكمل وقال صاحب " الدراية " تذكير الضمير في الرواية الموثوق بها وكذا بها وكذا لفظ " المبسوطين "، وفي بعض نسخ " الهداية " أطيبها وأعجبها بالتأنيث على تأويل الكلمة وليس بصحيح. قلت: هذا اعتذار حسن، والظاهر أن الأمر كما قال، ثم معنى قوله: أطيبه أحسنه، ومعنى أعجبه الذي يليق بخاطره. م: (ويبدأ بالصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ليكون أقرب إلى الإجابة) ش: أي دعائه بعد فراغه من التشهد بالصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ليكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ابدأ بالثناء على الله بما هو أهله، ثم بالصلاة على محمد وسل حاجتك بعد ذلك؛ ولأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من خواص حضرته تعالى، ومن أتى باب الملك لسؤال شيء فلا بد من تحفة لخواص حضرته لينال شرف القبول، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من خواص خواصه، فلا بد من تحفة صلوات عليه. م: (ولا يدعو بما يشبه كلام العباد) ش: فسره أصحابنا لما لا يستحيل سؤاله من غير الله تعالى، نحو أعطني كذا، وزوجني امرأة، وما لا يشبه كلام الناس ما يستحيل سؤاله عنهم كقوله: الله اغفر لي، كذا في " الإيضاح ". وقال الفضلي: ما لا يوجد في القرآن تفسد صلاته، واستحال سؤاله من العباد أولا كذا في " الجنازية ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 تحرزا عن الفساد،   [البناية] وقال بعض الشراح في قوله: ولا يدعو بما يشبه كلام العباد إشكال وهو أنه بعد ما قعد للتشهد لا يلحقها فساد، ويخرج منها بكلام الناس، قيل: يريد به فساد التحريمة حتى لا يجوز لغيره الاقتداء به بعده، وتقوية إصابة السلام أو فساد أصل الصلاة لو كان ترك سجدة. قلت: مراده إذا كان وجود ذلك قبل أن يقعد جاز التشهد؛ ولهذا قال في " الينابيع ": إن وجد ذلك قبل أن يقعد قدر التشهد بطلت صلاته، وإن وجد بعده تمت وعليه يحمل إطلاق غيره. وقال ابن بطال: قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يجوز أن يدعو في الصلاة إلا بما يوجد في القرآن، أورد عليه «قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في سجوده أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» قال: وهذا مما ليس في القرآن، فسقط قول المخالف. قلت: ما أبعده من ذوق الفقيه، وما أقل ورعه، وأبو حنيفة لا يشترط أن يوجد ما يدعو به في القرآن، بل يشترط أن يدعو بما يشبه ألفاظه، ومن كان بهذا الفهم، وعدم علم الفقه خصمه كيف يقدم على ذكر مذاهب العلماء، فلا ينبغي لأحد أن يعتمد على نقله ولا يوثق بقوله. فإن قلت: روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: إني لأدعو في صلاتي [ ...... ] حماري و [ .] . قلت: إن صح ذلك عنه يحمل على أنه ما بلغه الحديث أو تأوله. وقال أحمد: لا يجوز الدعاء إلا بالأدعية المأثورة والموافقة للقرآن، وإن لم تكن في القرآن، وهو قول النخعي، وطاوس. قال العذري من الشافعية: قيل: لا يجوز بما يطلب من الآدميين، وحكى إمام الحرمين عن والده أنه كان يميل إلى منع أن يقول: اللهم ارزقني خادمة صفتها كذا، وبه تبطل الصلاة. وقال النووي في " شرح المهذب ": يجوز أن يدعو في الصلاة بكل ما يجوز خارجها من أمر الدنيا ويقول: اللهم ارزقني مالا ودارا وبستانا أنيقا، وكسبا طيبا، جارية حسناء صفتها كذا وكذا حيثما يريد هو يطلبه ويشتهيه، وخلص فلانا من السجن وأهلك فلانا ولا تبطل صلاته بشيء من ذلك، وبه قال أبو ثور، وإسحاق، ومالك. وقال ابن سيرين: يجوز الدعاء في المكتوبة بأمر الآخرة، فأما الدنيا فلا. م: (تحرزا عن الفساد) ش: أي تحرزا عن فساد الصلاة أو فساد التحريمة. وقال السغناقي: أي تحرزا عن فساد الجزء الملاقي لكلام الناس لا جميع الصلاة بالاتفاق؛ لأنه بعد التشهد، هذا عندهما ظاهر، وكذا عند أبي حنيفة؛ لأن كلام الناس صنع منه فتعم صلاته لوجود الصنع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 ولهذا يأتي بالمأثور المحفوظ، وما لا يستحيل سؤاله من العباد كقوله: اللهم زوجني فلانة يشبه كلامهم، وما يستحيل كقوله: "اللهم اغفر لي" ليس من كلامهم، وقوله: "اللهم ارزقني" من قبيل الأول، هو الصحيح، لاستعمالها فيما بين العباد، يقال: رزق الأمير الجيش.   [البناية] م: ولهذا يأتي بالمأثور المحفوظ) ش: عند الرواة المقبول بينهم. م: (وما لا يستحيل سؤاله من العباد كقوله: اللهم زوجني فلانة) ش: أشار بهذا إلى بيان ما يستحيل وما لا يستحيل، ونظر لما لا يستحيل بقوله: اللهم زوجني فلانة فإنه لا يستحيل سؤاله من العباد. م: (يشبه كلامهم) ش: أي فيه كلام العباد فتبطل صلاته بذلك إذا كان قبل قعوده قدر التشهد كما ذكرنا. م: (وما يستحيل كقوله: "اللهم اغفر لي" ليس من كلامهم) ش: فلا تبطل صلاته م: (وقوله: "اللهم ارزقني" من قبيل الأول) ش: أي من قبيل مالا يستحيل سؤاله من العباد فلا يجوز الدعاء بهذا اللفظ م: (هو الصحيح) ش: فإذا كان من قبيل الأول تفسد صلاته، وقيل لا تفسد؛ لأن الرزاق هو الله تعالى وهو موجود في القرآن، وذكره في " المبسوط " م: (لاستعمالها فيما بين العباد) ش: أي لاستعمال هذه الكلمة بين العباد وبين ذلك بقوله م: (يقال: رزق الأمير الجيش) ش: فإذا كان كذلك فلا يجوز الدعاء به. وقال الأترازي فيه نظر عندي؛ لأن ما بعد التشهد موضع الدعاء، وهذا دعاء فيجوز بخلاف قوله: اللهم زوجني فلانة؛ لأنه يشبه كلام الناس فاعتبر من كلامهم. قلت: فيه نظر؛ لأن ما بعد التشهد لا يضر اللهم زوجني فلانة ونحوه كما قررناه عن قريب. وقال الأترازي أيضا: أما قولهم: رزق الأمير الجيش فلا نسلم أن إسناد الرزق إلى الأمير حقيقة، بل هو مجاز، قلنا: الرزق في اللغة ما ينتفع به قاله الجوهري، والرزق: العطاء أيضا فعلى هذا الإسناد المذكور حقيقة لا مجازا. [كيفية الصلاة على النبي] 1 فروع اختلفوا في كيفية الصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وعن كعب بن عجرة قال: قلنا: يا رسول الله أمرنا أن نصلي عليك، وأن نسلم عليك، فأما السلام فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: "اللهم صلي على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد» رواه الجماعة. «وعن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك قال: قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد» أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه. «وعن أبي مسعود الأنصاري أنه قال: أتانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك يا رسول الله؟ فسكت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قولوا» :.. فذكر بمعني حديث كعب بن عجرة، زاد في آخره: «في العالمين إنك حميد مجيد» أخرجه مسلم وأبو داود، والترمذي، والنسائي «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عدهن في يدي وقال: عدهن جبريل في يدي، وقال: "هكذا نزلت من عند ربي اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ... إلى اللهم سلم على محمد وعلى آل محمد كما سلمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» . «وعن علي، وابن مسعود، وابن عباس، وجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قالوا لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عرفنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك؟ فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "قولوا: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد» . وحكي عن محمد بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر أنه كان يكره قول المصلي: وارحم محمدا إلخ، وكان يقول: هذا نوع ظن بنقص الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، فإن أحدا لا يستحق الرحمة إلا ما سيأتي قائلا عليه ونحن أمرنا بتعظيمهم؛ ولهذا لو ذكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لا يقال: رحمة الله عليه، بل يصلي عليه، وفي " مبسوط السرخسي ": لا بأس به؛ لأن الأمر ورد به من طريق أبي هريرة، ولا عيبة على من اتبع الأثر؛ ولأن أحدا لا يستغني عن رحمة الله. فإن قلت: كيف قال: كما صليت على إبراهيم المشبه دون المشبه به، وهو أكرم على الله من إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟. قلت: أجابوا بأجوبة. الأول: كان ذلك قبل أن يبين الله حاله ومنزلته، وإذا قال له رجل: يا خير البرية، فقال له: "ذلك إبراهيم" فلما أثنى الله منزلته، وكشف عن مرتبته في الدعوة، وإن كان قد أظهر المزيد. الثاني: أن ذلك تشبيه لأصل الصلاة بأصل الصلاة لا القدر بالقدر، كما في قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] (البقرة: الآية 183) ، أن المراد بأصل الصيام لا عليه ولا وقته. الثالث: أنه سؤال للتسوية مع إبراهيم فيها ويزيد عليه بغيرها. الرابع: أن التشبيه وقع في الصلاة على الأول لا عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكان قوله: اللهم صل على محمد مقطوعا من التشبيه، وقوله: وعلى آل محمد متصلا بقوله: كما صليت على إبراهيم وعلى آل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] إبراهيم. الخامس: أشبه الصلاة على محمد بالصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، ومعظم الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - هم آل إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فإذا تقابلت الجملة بالجملة، وتعذر أن يكون لآل الرسول بآل إبراهيم الذين هم الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - كان ما يعرفه من ذلك حاصلا للرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فيكون زائدا على الحاصل لإبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والذي يحصل من ذلك هو آثار الرحمة والرضوان ومن كان في حقه البشر كان أفضل. السادس: أن التشبيه وقع في دعاء لا خبر. السابع: أنه في الدوام. الثامن: أنه سأل صلاة [ .... ] خليل فلم يمت حتى أعطيها قبل موته. التاسع: شرع ذلك لأمته لينالوا بذلك فضله. العاشر: أن هذه الصلاة أمر بها التكرار بالنسبة إلى كل صلاة في حق كل مصل، فإذا اقتصر في حق كل صلاة حصول صلاة مستوية للصلاة على إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كان الحاصل للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالنسبة إلى مجموع الصلوات أضعافا مضاعفة، فلا ينتهي إليه العدد والإحصاء. فإن قلت: لم خص إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من بين سائر الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وذكرها في الصلاة؟ قلت: لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رأى ليلة المعراج جميع الأنبياء والمرسلين وسلم على كل نبي ولم يسلم منهم أحد على أمته غير إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فأمرنا النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن نصلي عليه في آخر كل صلاة إلى يوم القيامة مجازاة على إحسانه. فإن قلت: نحن أمرنا بالصلاة عليه، ثم نقول: اللهم صل على محمد، فأين صلاتنا نحن بأنفسنا. قلت: النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - طاهر لا عيب فيه، ونحن فينا العيوب والنقائص فكيف يثني من فيه عيب على طاهر، فقال: أمرنا الله أن نصلي عليه؛ لتكون الصلاة من غير طاهر على نبي طاهر. فإن قلت: ما معني سؤالنا الصلاة عليه من الله تعالى؟ قلت: معناها اللهم أعظمه في الدنيا بإعلام كلمته ودوام شريعته، وفي الآخرة برفع درجته وتعظيم أجره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 ثم يسلم عن يمينه، فيقول: السلام عليكم ورحمة الله، ويسلم عن يساره مثل ذلك،   [البناية] [الحكم لو ترك بعض التشهد وأتى بالبعض] 1 فروع أخر: لو ترك بعض التشهد وأتى بالبعض يجوز في ظاهر الرواية، وقيل: يجوز على قول أبي يوسف، ولا يجوز على قول محمد ذكره المرغيناني، وإذا فرغ من التشهد والصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دعا لنفسه وللمؤمنين وللمؤمنات، ولوالديه المؤمنين ولا يخص نفسه بالدعاء، وقراءة الأدعية المأثورة التي فيها صورة الأمر مستحبة. وقالت الظاهرية: تعد الصلاة بذكرها عندهم رجوعا إلى ظاهر الأمر. م: (ثم يسلم عن يمينه فيقول: السلام عليكم ورحمة الله) ش: أي بعد فراغ المصلي من التشهد والصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والدعاء لنفسه وللمؤمنين يسلم، والحكمة فيه أن السلام سنة لمن حضر القوم بعد غيبة عنهم، والقادم على حضرة رب العالمين مشتغلا بمناجاته بمنزلة الغائب عن الخلق، ويحضرهم عند التحليل، والسلام سنة من حضرهم بعد الغيبة عنهم، وشرطوا كل مقيم بفرض أو سنة أن يقول العمل بالسنة؛ لأن يؤم الأعمال بها وأنه مخاطب القوم المشاركين له في الصلاة فينوبهم على ما يجيء مزيد الكلام فيه عن قريب. وفي " المحيط" و" المرغيناني ": المختار أن يكون السلام في التشهد والتسليم بالألف واللام، وتكون الثانية أخفض من الأولى، ولو سلم عن يساره أولا يسلم عن يمينه ما لم يتكلم، ولا يعيد التسليم عن يساره، ولو سلم تلقاء وجهه يسلم على يساره وهو مروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو الصحيح من قول أحمد، وقال النووي: لو سلم عن يساره أولا أجزأه، ويكره. ولو سلم التسليمتين عن يمينه أو عن يساره، أو تلقاء وجهه أجزأه، ويكون تاركا للسنة. ولو نكر السلام قال القاضي أبو محمد وغيره من المالكية: لا يجزئه وقيل: يجزئه. وفي " جمل النوازل ": لو قال: السلام ودخل رجل في صلاته لا يصير داخلا، فثبت بهذا أن الخروج لا يتوقف على عليكم، ولو سلم تلقاء وجهه يعيده. م: (ويسلم عن يساره مثل ذلك) ش: أي ويسلم عن يساره مثل ما سلم عن يمينه، وقال ابن المنذر: هذا قول أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وأبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وبه قال الشعبي، والثوري، وعطاء، وعلقمة، والأسود، ونافع بن عبد الحارث، وإسحاق بن أبي ليلى، وأبو ثور، وأحمد. وقالت طائفة: يسلم تسليمة واحدة فقط تلقاء وجهه، يميل به إلى يمينه شيئا قليلا، وروي ذلك عن ابن عمر، وأنس، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وهو قول مالك، والليث، والأوزاعي. وللشافعي فيه ثلاثة أقوال: والصحيح المشهور ونصه في الجديد مثل قول الجماعة، والثاني: تسليمة واحدة، قاله في القديم، والثالث: إن كان منفردا، أو في جماعة قليلة، ولفظه عندهم فواحدة، والاثنان قاله في القديم، والواحدة تلقاء وجهه حكي ذلك عن النووي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 لما روى ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - "كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن، وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر» ،   [البناية] وفي " المبسوط " عن ابن سيرين أن المقتدي يسلم ثلاث تسليمات إحداهن يرد سلام الإمام، وهذا ضعيف. م: (لما روى ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر» ش: هذا الحديث أخرجه الأربعة واللفظ للنسائي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيسر» وفي لفظ أبي داود، وابن ماجه «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسلم عن يمينه، وعن شماله، حتى يرى بياض خده السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله» وهو لفظ الترمذي إلا أنه ترك - «حتى يرى بياض خده» - ورواه ابن حبان " في صحيحه " ولفظه: «ثم يسلم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن يمينه وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله، وكأني أنظر إلى بياض خديه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -. ورواه مسلم في "صحيحه «عن عامر بن سعد، عن أبيه سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: كنت أرى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده» . وروي أحاديث في التسليمة الواحدة منها: ما أخرجه ابن ماجه، عن عبد المهيمن بن عباس، عن أبيه، عن جده «سهل بن سعد أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسلم تسليمة واحدة لا يزيد عليها» وقال الدارقطني: عبد المهيمن ليس بالقوي. وقال ابن حبان: بطل الاحتجاج به. ومنها: ما أخرجه ابن عدي في " الكامل "، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن الحسن، عن سمرة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسلم تسليمة واحدة لا يزيد عليها» قال الدارقطني: قبل وجهه. وقال عبد الحق: عطاء ضعيف قدري. ومنها ما أخرجه البيهقي في " المعرفة " من حديث حميد عن أنس «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسلم تسليمة واحدة» . ومنها: ما أخرجه الترمذي، وابن ماجه، عن زهير بن محمد، عن هشام بن عروة، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة بتلقاء وجهه» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 وينوي في الأولى من عن يمينه من الرجال والنساء والحفظة، وكذلك في الثانية؛ لأن الأعمال بالنيات،   [البناية] ورواه الحاكم في " المستدرك "، وقال: على شرط الشيخين، قال صاحب " التنقيح ": وزهير بن محمد وإن كان من رجال الصحيحين لكن له مناكير، وهذا الحديث منها. وقال أبو حاتم: هو حديث منكر، وقال الطحاوي في " شرح الآثار ": وزهير بن محمد وإن كان معه ثقة، لكن عمرو بن سلمة يضعفه قاله ابن معين، والحديث أصله الوقف على عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هكذا رواه الحفاظ، وقال ابن عبد البر في " التمهيد ": لم يرفعه إلا زهير بن محمد وحده، وهو ضعيف عند الجميع كثير الخطأ لا يحتج به. وأجاب بعض أصحابنا عن حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بأنها كانت تقف في صف النساء. وعن حديث سهل بأنه كان من جملة الصبيان فيحمل على أنهما لم يسمعا التسليمة الثانية مع أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسلم الثانية أخفض من الأولى. وقال النووي: لا يقبل تصحيح الحاكم حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وليس في الاقتصار على تسليمة واحدة شيء ثابت. وأجاب بعضهم عن أحاديث التسليمة الواحدة بأنها محمولة على الجواز، وأحاديث التسليمتين على بيان الفضل والكمال، وبعضهم قال في أحاديث التسليمتين زيادة صحيحة وهي مقبولة من العدل: م: (وينوي في الأولى) ش: أي في التسليمة الأولى ولا بد من النية؛ لأن السلام قربة وهي لا تكون إلا بالنية م: (من على يمينه) ش: بفتح الميم في محل النصب؛ لأنه مفعول ينوي م: (من الرجال والنساء والحفظة) ش: كلمة من للبيان، والحفظة جمع حافظ وهم الملائكة، وإنما قدم بني آدم على الحفظة اتباعا " للجامع الصغير " و" القدوري " وفي الأصل قدم الحفظة على بني آدم. وقال الأترازي: وفي تقديم بني آدم تنبيه على أنهم أفضل من الملائكة وهو المذهب عند أهل السنة خلافا للمعتزلة. قلت: هذا ليس على الخلاف، وإنما فيه تفصيل على ما عرف في موضعه، وفي " الدراية ": ظن بعض مشايخنا أن ما ذكر في " المبسوط " بناء على قول أبي حنيفة الأول في تفضيل الملائكة على البشر، وما ذكر في " الجامع الصغير " بناء على قوله الآخر في تفضيل البشر عليهم، وليس كما ظن؛ لأن الواو لا توجب الترتيب، وإن سلم على جماعة لا يمكنه أن يرتب النية. م: (وكذلك في الثانية) ش: أي وكذلك ينوي من عن يساره من الرجال والنساء والحفظة في التسليمة الثانية م: (لأن الأعمال بالنيات) ش: والسلام عمل فلا بد من النية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 ولا ينوي النساء في زماننا ولا من لا شركة له في صلاته، هو الصحيح؛ لأن الخطاب حظ الحاضرين. ولا بد للمقتدي من نية إمامه، فإن كان الإمام من الجانب الأيمن أو الأيسر نواه فيهم،   [البناية] فإن قلت: منعتم اشتراط النية في الوضوء مع وجود هذا الحديث، فكيف استدللتم به. قلت: إما استئنافا عن العمل به هناك لاستلزمه الزيادة على الكتاب، وهاهنا ما جعلناها شرطا، وإنما أخذنا بظاهر لفظه على النية فلا يلزم ذلك المحذور. م: (ولا ينوي النساء في زماننا) ش: لعدم حضورهن الجماعات؛ لأنهن منعن من ذلك في هذا الزمان؛ لظهور الفساد. فلا يصح خطاب الغائبين، وقيل: ينوي بالتسليمتين جميع المؤمنين والمؤمنات؛ لأن بالتحريم حرم عليه الكلام، وهو اختيار الحاكم الشهيد، وفي " التحفة ": وهو اختيار الحاكم الخليل. قال شمس الأئمة: هذا عندنا في سلام التشهد، أما سلام التحليل فيخص الحاضرين لأجل الخطاب. قلت: وعلى هذا ينبغي أن ينوي المؤمنين من الجن أيضا، وقد مضت الشافعية على هذا في كتبهم، ومذهب أهل السنة اعتقاد وجودهم. م: (ولا من لا شركة له في صلاته) ش: أي ولا ينوي أيضا من لا شركة له في صلاته م: (هو الصحيح) ش: واحترز به عن قول الحاكم الخليل: أنه ينوي من يشارك ومن لا يشاركه في صلاته. وقال ابن عبد البر في "جامعه ": هذا شيء تركه جميع الناس؛ لأنه قل ما ينوي أحد قط. وفي " المجتبى ": قيل: ينوي بالسلام الأول الحضور. وفي الثاني جميع عباد الله الصالحين. وقيل: ينوي بهما جميع عباد الله المؤمنين. وقيل: لا ينوي الفسقة وكفى بالفسقة مبعدة وشنأ حيث لا نصيب لهم في الدنيا من سلام المصلين، والأولى أن يقدم الحفظة لفضلهم أو لقربهم أو لكونهم أحق بالدعاء لعصمتهم عن الكبائر والصغائر. قلت: هذا مذهب المعتزلة. م: (لأن الخطاب حظ الحاضرين) ش: هذا التعليل يتأتى في النساء لأنهن منعن عن الحضور في هذا الزمان، ولا يتأتى فيمن لا شركة له في الصلاة؛ لأن عدم الشركة في الصلاة لا يستلزم الغيبة. م: (ولا بد للمتقدي من نية إمامه) ش: لأنه قدامه وهو أكثر استحقاقا من غيره، وقوله: "لا بد" ليس للدلالة على وجوب نية إمامه وتخصيص الإمام بالذكر، يؤيد قول من يقول: إنه ينوي من يشاركه في الصلاة دون غيره كذا في " الجامع الصغير " للقاضي خان، وابن سيرين شرط التسليمة لرد سلام الإمام، وقلنا: إنه ضعيف فإن مقصود الرجل حاصل بالتسليمتين؛ إذ لا فرق في الجواب بين أن يقول: عليكم السلام وبين أن يقول السلام عليكم، قال السغناقي: في هذه الرواية مما تحفظ فإن جواب السلام لا يفارق بين تقديم السلام عليكم وبين تأخيره. م: (فإن كان الإمام من الجانب الإيمن) ش: الفاء للتفصيل أي في الجانب الأيمن من المقتدي م: (أو الأيسر) ش: أي أو كان الإمام في الجانب الأيسر من المتقدي م: (نواه فيهم) ش: أي نوى الإمامة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 وإن كان بحذائه نواه في الأولى عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترجيحا للجانب الأيمن، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - نواه فيهما؛ لأنه ذو حظ من الجانبين، والمنفرد ينوي الحفظة لا غير؛ لأنه ليس معه سواهم. والإمام ينوي بالتسليمتين، هو الصحيح،   [البناية] في الجملة القوم الذين في الجانب الأيمن أو الأيسر م: (وإن كان بحذائه) ش: أي وإن كان المقتدي بحذاء الإمام لم يذكر في " الجامع الصغير " ذكره المصنف بقوله م: (نواه في الأولى عند أبي يوسف) ش: أي نوى الإمام في التسليمة الأولى عند أبي يوسف م: (ترجيحا لجانب الأيمن) ش: إذ اليمين في الأيمن، وكذلك كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب التيامن في كل شيء، وكذلك يؤتى أهل الجنة الصحف بأيمانهم وهو اختيار الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - نواه فيهما) ش: أي نوى المقتدي الإمام فيهما أي في اليمين واليسار، وقال الشافعي: ينويه في أيهما شاء، ويستحب جانب الأيمن م: (لأنه) ش: أي لأن الإمام م: (ذو حظ من الجانبين) ش: يعني له جانبان يستوجب الحظ من كل منهما. م: (والمنفرد ينوي الحفظة لا غير؛ لأنه ليس معه سواهم) ش: وقال الحاكم: ينوي جميع المسلمين في الدنيا، ثم قيل: الحفظة اثنان: أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، فالذي يكتب عن يمينه بغير شهادة صاحبه، والذي عن يساره لا يكتب إلا بشهادة من صاحبه إن قعد فأحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، وإن مشى فأحدهما أمامه والآخر خلفه، وإن قام فأحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه. فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن يذكر صيغة اثنين، ولم يذكرهما بالجمع وأعاد الضمير إليهم بالجمع. قلت: إما باعتبار ما قيل: إنهم أربعة: اثنان بالنهار واثنان بالليل، وعن عبد الله بن المبارك خمسة: اثنان بالنهار، واثنان بالليل، والخامس لا يفارقه ليلا، ولا نهارا، وإما باعتبار أن الاثنين يطلق عليهما الجمع كما في قَوْله تَعَالَى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] (التحريم: الآية 4) والمراد قلباكما ومع هذا المراد من قوله: الحفظة هم الملائكة الموكلون ببني آدم بدليل قوله فيما بعد: وينوي في الملائكة عددا محصورا، غير أن أعمالهم مختلفة منهم الكتبة، ومنهم الحفظة على ما نبينه. م: (والإمام ينوي بالتسليمتين) ش: أي ينوي القوم والحفظة في التسليمة الأولى والثانية م: (هو الصحيح) ش: احترز به عما قال بعضهم في " الجامع الصغير " أنه ينوي بالتسليمة الأولى ترجيحا لجانب الأيمن والأصح الجمع؛ لأنه لا يمكن فلا يصار إلى الترجيح. وقال أبو اليسر: لا يجب أن ينوي الإمام؛ لأنه يجهر بالتسليمتين ويشير إليهم، وهو فوق النية فلا حاجة إليها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 ولا ينوي في الملائكة عددا محصورا؛ لأن الأخبار في عددهم قد اختلفت، فأشبه الإيمان بالأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -،   [البناية] م: (ولا ينوي في الملائكة عددا محصورا) ش: لاختلاف العدد الواقع في عدد الملائكة الذين وكلوا ببني آدم، وأخرج الطبراني في "معجمه " عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه ما لم يقدر له من ذلك، عليه سبعة أملاك يذبون عنه كما يذبون عن قصعة العسل الذباب في اليوم الصائف، ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين» ". وروى الطبراني أيضا عن بعضهم قال: «دخل عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله أخبرني عن العبد كم معه ملك؟ فقال: "على يمينك ملك؟ وعلى حسناتك وهو أمين على الملك الذي على الشمال، فإذا عملت حسنة كتبت عشرا، وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين أكتب؟ فيقول: لعله يستغفر الله ويتوب، فإذا قال ثلاثا، قال: نعم اكتب أراحنا الله منه فبئس القرين ما أقل مراقبته إلى الله، وأقل استحياؤه منا، يقول الله: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] (ق: الآية 18) ، وملكان من بين يديك ومن خلفك، يقول الله: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11] (الرعد: الآية 11) ، وملك قابض على ناصيتك، فإذا تواضعت لله رفعك، وإذا تجبرت على الله قصمك، وملكان على شفتيك ليس يحفظان منك إلا الصلاة على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وملك قائم على فيك لا يدع أن تدخل الحية في فيك، وملكان على عينيك فهؤلاء عشرة أملاك على كل بني آدم يتبدلون ملائكة الليل على ملائكة النهار؛ لأن ملائكة الليل سوى ملائكة النهار، فؤلاء عشرون ملكا على كل آدمي، وإبليس بالنهار وولده بالليل» " انتهى. م: (لأن الأخبار في عددهم قد اختلفت) ش: أي في عدد الملائكة الموكلين ببني آدم كما ذكرنا م: (فأشبه الإيمان بالأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -) ش: أي فأشبه حكم هذا حكم الإيمان بالأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - حيث يقال في كلمة الإيمان آمنت بجميع الأنبياء أولهم آدم وآخرهم محمد - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - ولا يعد عددا محصورا لئلا يلزم دخول من لم يكن منهم فيهم. لأن في نبوة بعض الأنبياء خلافا كما في ذي القرنين ولقمان، قيل: هما نبيان وأكثرهم على أنهما ليسا بنبيين، ولقمان حكيم، وذو القرنين ملك صالح. وقيل: عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا. قلت: في تعليله نظر، وروي «عن أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قلت: يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال: "مائة وأربعة وعشرون ألفا» . الحديث رواه ابن حبان في صحيحه، وابن مردويه في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 ثم إصابة لفظة السلام واجبة عندنا، وليست بفرض. خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو يتمسك بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» ، ولنا ما رويناه من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -   [البناية] "تفسيره ". م: (ثم إصابة لفظة السلام واجبة عندنا) ش: قال في " المحيط ": وهو الأصح، وقيل: سنة وهو المروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وبه قال سعيد بن المسيب، والنخعي، والثوري، والأوزاعي ويصح الخروج من الصلاة بدونها، وعن ابن القاسم إذا أحدث الإمام متعمدا قبل السلام صحت صلاته. م: (وليست بفرض خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنها عنده فرض وبه قال أحمد، وقال الثوري: لو أحدث بحرف من حروف السلام عليكم لم يصح سلامه كما لو قال: السلام عليك، أو سلامي عليك أو سلام الله عليكم، أو السلام عليهم، فإنه لا يجزئه بلا خلاف، وتبطل صلاته إن تعمد، وهذا منه ظاهر محض، ولو قال: عليكم السلام ففيه وجهان، وقال الوردي قولان، والصحيح أنه يجزؤه، ولو سلم التسليمتين واحدة أو بدأ باليسار قبل اليمين أجزأه مع الكراهة فقد ترك الظاهرية في هذه الصورة واعتبر المعنى. م: (وهو يتمسك) ش: أي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحتج م: (بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تحريمها التكبير وتحليلها التسليم) ش: فقد تقدم في أول باب صفة الصلاة أن هذا الحديث رواه علي بن أبي طالب، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن زيد، وعبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - واحتج به المصنف هناك على شرطية تكبيرة الإحرام، وهنا احتج به الشافعي على فرضية السلام ووجه ذلك أنه لما قال: تحريمها التكبير كان لا يصح الدخول في الصلاة إلا بالتكبير فكذلك قوله: وتحليلها التسليم - أي لا يخرج من الصلاة إلا به، وأجاب عنه السروجي بأنه ضعيف وكذلك قال صاحب " الدراية " وتعلق الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بهذا الحديث لا يصح إذا مداره، على عبد الله بن محمد بن عقيل، وعلى أبي سيعد طريف بن شهاب، وكلاهما ضعيف الرواية عند نقلة الحديث. قلت: ليس كذلك فإن الترمذي لما رواه قال هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسنه، وأيضا فلا وجه أن يستدل بحديث في موضع ويتركه في موضع آخر مدعيا ضعفه ويتبين عن قريب الوجه في ذلك. م: (ولنا ما رويناه من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وقد ذكره في أول باب الصلاة عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وذكرنا هناك أن أبا داود أخرجه في "سننه " وأحمد في "مسنده " والحاكم في "مستدركه"، واستدل به المصنف هناك في فرضية القعدة الأخيرة في الصلاة واستدل به هاهنا على أن إصابة لفظه واجب فقال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 والتخيير ينافي الفرضية والوجوب إلا أنا أثبتنا الوجوب بما رواه احتياطا وبمثله لا تثبت الفرضية والله أعلم.   [البناية] م: (والتخيير ينافي الفرضية والوجوب) ش: أي التخيير الذي يفهم من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك ينافي بقاء الفرض أو الواجب عليه م: (إلا أنا أثبتنا الوجوب) ش: أي وجوب السلام في آخر الصلاة م: (بما رواه) ش: أي بما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بالحديث المذكور م: (احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط في ترك العمل به بالكلية فقلنا بوجوب السلام به ولم يقل بفرضيته؛ لأنها تثبت بخبر الواحد، وهو معني قوله م: (وبمثله) ش: أي وبمثل هذا الحديث الذي هو خبر واحد م: (لا تثبت الفرضية) ش: لأن الفرض لا يثبت إلا بدليل قطعي والواجب دون الفرض فيثبت بخبر الواحد، وقد استدل الأترازي في وجوب السلام بقوله: وإنما قلنا بوجوب إصابة لفظ السلام لمواظبة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولم يبين وجه استدلال المصنف به - وبحديث ما قاله ما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الظهر خمسا فلما أخبر - ثنى رجله فسجد سجدتين فقد خرج منها إلى الخامسة لا بتسليم» . فإن قلت: لم لا تقيس التحليل على التحريم نجعل كليهما فرضا. قلت: لا يصح القياس؛ لأن الذي يقع به التحريم وهو التكبير عبادة خالصة، وثناء محض مخصوص بصيغته ومحله؛ لأنه يؤدى مع استقبال القبلة فصلح فرضا. وأما السلام فتردد الشارحان [ ...... ] صلح ثناء لكن كونه خطابا للقوم أخرجه إلى كلام الناس، وكذلك كان محظورا في محظور في الصلاة، ويؤدى مع الانحراف عن القبلة، وأمره خروج من العبارة، فلما تردد أمره جعله فوق النفل دون الفرض، فكان واجبا، فلم يصح قياسه بالتكبير. فإن قلت: هاهنا إشكال على قول أبي حنيفة يقول الخروج من الصلاة بفعل المصلي فرض، وقد قال المصنف والتخيير ينافيه، فيكف يتم الاستدلال على مذهبه، قلت: قال الكرخي الخروج عنها بفعل المصلي ليس بفرض عنده، إذ لو كان فرضا لاختص بما هو قربة كالخروج من الحج، ولما كان الحدث العمد مخرجا قال شمس الأئمة: والصحيح ما قاله الكرخي، وقول أبي سعيد البردعي وأكثر المشايخ وهو أن الخروج منها بفعل المصلي فرض ليس بمنصوص عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والجواب على قول أبي سعيد إنما صار فرضا لأداء صلاة أخرى؛ لأن الأداء لا يمكن إلا بالخروج منها، فقال: فرضا لأجل صلاة أخرى لا لأجل هذا الاستدلال على مذهبهما فوق مذهب أبي حنيفة، وأبو حنفية يتمسك في المسألة بحديث الأعرابي حيث علمه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يذكر لفظ السلام، وبالقياس على التسليم الثاني فإنه ليس بفرض إجماعا. 1 - فروع: المسبوق يتابع الإمام في التشهد إلى قوله: عبده ورسوله بلا خلاف، وفي الزيادة ذكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] القدوري أنه لا يتابعه وإليه مال الكرخي وخواهر زاده، وروى إبراهيم بن رستم عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يدعو بدعوات القرآن، وروى هشام عنه أنه يدعو بذلك ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال بعضهم: يسكت، وعنه هشام في قوله ومحمد بن شجاع البلخي أن يكرر التشهد إلى أن يسلم الإمام، قال: لا معنى للسكوت في الصلاة بلا استماع فينبغي أن يكرر التشهد مرة بعد مرة. قلت: يشكل عليهما بالقيام فإن المقتدي يسكت فيه من غير استماع، وقيل يصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال بعضهم هو بالخيار إن شاء يأتي بالدعوات المذكورة في القرآن مثل الآيات التي أولها ربنا، وإن شاء صلى على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم إذا سلم الإمام لا بالقيام وينظر هل يفعل الإمام بعض ما يشبه فإذا تيقن فراغه يقوم إلى قضاء ما سبق به ولا يسلم مع الإمام، قال البريد في نظمه: تمكث حتى تقوم الإمام إلى أن ... تطوعه إن كان بعدها تطوع ويستند إلى المحراب إن كان لا يتطوع بعدها، ولو قام قبل سلامه جازت صلاته ويكون مسيئا. وعند الشافعي يقوم بعد التسليمتين، نص عليه في " مختصر البويطي "، ولو قام بعد التسليمة الأولى جاز. ولم يذكر المصنف أن المقتدي متى يسلم، فعن أبي حنيفة روايتان، في رواية: يسلم مع الإمام كالتكبير، وفي رواية: يسلم بعد سلام إمامه، وقال الشافعي: المقتدي يسلم بعد فراغ الإمام من التسليمة الأولى، فلو سلم مقارنا بسلامه إن قلنا: إن نية الخروج بالسلام شرط لا يجزئه، كما لو كبر مع الإمام لا تنعقد له صلاة الجماعة، فعلى هذا تبطل صلاته، وإن قلنا: إن نية الخروج غير واجبة فتجزئه كما لو ركع معه، وفي وجوب نية الخروج عن الصلاة بالسلام وجهان، أحدهما: يجب، والثاني: لا يجب، كذا في "تتمتهم". وذكر في " المبسوط ": المقتدي يخرج من الصلاة بسلام الإمام، وقيل: هو قول محمد، أما عندهما يخرج بسلام نفسه. وتظهر ثمرة الخلاف من انتقاض الوضوء بسلام الإمام قبل سلام نفسه بالقهقهة، فعنده لا ينتقض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 فصل في القراءة قال: ويجهر بالقراءة في الفجر والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء إن كان إماما، ويخفي في الأخريين، هذا هو المأثور المتوارث،   [البناية] [فصل في القراءة] [الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة والتي يسر فيها] م: (فصل في القراءة) ش: أي: هذا فصل في بيان أحكام القراءة في الصلاة، إنما جعل أحكام القراءة بفصل على حدة لزيادة أحكام تعلقت بها دون غيرها، ومن أحكامها: الجهر، ومنها: القرب، فالأول: يرجع إلى الصفات، والثاني: إلى الذات. وكان ينبغي تقديم ما بالذات على ما بالصفات، وهاهنا قدم بالعكس؛ لأن الجهر يتعلق بالأداء الكامل، والقدر يشتمل الكامل والناقص، فكان التعلق بالكامل الذي هو الأصل أولى بالتقديم. م: (ويجهر بالقراءة) ش: أي يجهر المصلي بالقراءة م: (في الفجر والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء إن كان) ش: أي المصلي م: (إماما ويخفي في الأخريين) ش: أي في الركعتين الأخريين من العشاء، ولم يبينه على الأكثر من المغرب؛ لأنه يفهم من قوله: الأوليين في المغرب؛ لأن التنصيص عليه ينفي القراءة بالجهر في الثالثة. فإن قلت: فعلى هذا ما كان يحتاج إلى ذكر قوله: ويخفي في الأخريين. قلت: يكون ذلك للتأكيد. م: (هذا هو المأثور المتوارث) ش: أي الجهر في المواضع المذكورة والإخفاء فيما يخفى هو المروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - المتوارث من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، كما روى الدارقطني في "سننه " من حديث قتادة عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أتى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بمكة حين زالت الشمس فأمره أن يؤذن للناس بالصلاة حين فرضت الصلاة عليهم، فقام جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمام النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقام الناس خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلى أربع ركعات لا يجهر فيها بالقراءة، فأتم الناس برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يأتم بجبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ثم أمهل حتى دخل وقت العصر فصلى بهم أربع ركعات لا يجهر فيها بالقراءة يأتم المسلمون برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويأتم رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بجبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثم أمهل حتى وجبت الشمس حتى صلى بهم ثلاث ركعات يجهر في الركعتين بالقراءة، ولا يجهر في الثالثة، ثم أمهل حتى ذهب ثلث الليل فصلى بهم أربع ركعات، يجهر في الأوليين بالقراءة، ولا يجهر في الأخريين بها، ثم أمهل حتى إذا طلع الفجر صلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 وإن كان منفردا فهو مخير إن شاء جهر وأسمع نفسه؛ لأنه إمام في حق نفسه، وإن شاء خافت؛ لأنه ليس خلفه من يسمعه، والأفضل هو الجهر ليكون الأداء على هيئة الجماعة، ويخفيها الإمام في الظهر والعصر،   [البناية] قال الدارقطني: ورواه سعيد عن قتادة مرسلا، وفيه مرسلان آخران أخرجهما أبو داود في "مراسليه " أحدهما عن الحسن، والآخر عن الزهري، وذكرهما عبد الحق في "أحكامه " من جهة أبي داود وقال: إن مرسل الحسن أصح. [المنفرد هل يجهر بصلاته أم يسر فيها] م: (وإن كان) ش: أي المصلي م: (منفردا فهو مخير إن شاء جهر وأسمع نفسه) ش: أسمع نفسه تفسير لقوله: "جهر"، قال تاج الشريعة: وقال السغناقي: إنما ذكر قوله: وأسمع نفسه معنيين أحدهما: لجواب سؤال مقدر، وهو أنه لما قال: إن شاء جهر أو رد عليه فقيل: يجب أن لا يجهر لعدم فائدة الجهر، فإنه للإسماع، وليس معه أحد يسمعه، فأجيب بأن فائدة الجهر حاصلة هاهنا أيضا بقدره وهو أن يسمع نفسه فيجهر لذلك. والثاني: ما ذكره فخر الإسلام في "مبسوطه ": لا يجهر كل الجهر؛ لأنه ليس معه أحد يسمعه، بل يأتي بأدنى الجهر فكان معناه على هذا إن شاء جهر وأسمع نفسه ولا يسمع غيره؛ لما أن التخصيص في الرواية يدل على نفي ما عداه في الغالب. قلت: كلام تاج الشريعة أوجه وأسد على ما لا يخفى. م: (لأنه) ش: أي المنفرد م: (إمام في حق نفسه) ش:؛ لأن الإمام يقرأ وهو أيضا يقرأ، والإمام غير مقتد بغيره فكذلك هذا م: (وإن شاء خافت؛ لأنه ليس خلفه من يسمعه) ش: فليتخير ويسمع بضم الياء من الإسماع والضمير المستكن فيه يرجع إلى المنفرد والبارز يرجع إلى من. م: (والأفضل هو الجهر؛ ليكون الأداء على هيئة الجماعة) ش: وهذا لو أذن وأقام كان أفضل، وفي " الذخيرة ": الأفضل أن يجهر بها في الأصح، وقال القدوري في " شرح مختصر الكرخي ": لا يبالغ في الجهر مثل الإمام؛ لأنه لا يسمع غيره، وفي النوافل النهارية يخافت ويخير بالليل، وفي " المحيط ": والجهر أفضل؛ لأنها اتباع للفرائض فلا يتميز عليها، وفي " الذخيرة ": الأفضل في نوافل الليل بأن تكون بين الجهر والمخافتة. فإن قلت: إذا كان المنفرد إماما في حق نفسه، فلما أذن جازت المخافتة في حقه. قلت: لأن القراءة له دون غيره، فكانت مخافتته كجهره. [الإسرار بالقراءة في الظهر والعصر] م: (ويخفيها الإمام) ش: القراءة م: (في الظهر والعصر) ش: لأن الأصل فيه أن الكفار كانوا مستعدين للأذى في الظهر والعصر فترك الجهر فيهما لهذا العذر، ثم ثبتت هذه السنة وإن زال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 وإن كان بعرفة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صلاة النهار عجماء» أي ليست فيها قراءة مسموعة،   [البناية] العذر بكثرة المسلمين. فإن قلت: لماذا جهر في الجمعة والعيدين؟ قلت لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ما صلاها إلا بالمدينة. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه " أن خباب بن الأرت كان يجهر بالقراءة في الظهر والعصر. وعن محمد بن مزاحم قال: صليت خلف سعيد بن جبير فكان الصف الأول يفقهون قراءته في الظهر والعصر، وكان الأسود وعلقمة يجهران بالقراءة في الظهر والعصر ولا يخفيان. وعن جابر سألت الشعبي والحكم وسالما والقاسم ومحمدا ومجاهدا وعطاء عن الرجل يجهر في الظهر والعصر؟ فقالوا: ليس عليه سهو. وعن قتادة: إن شاء جهر في الظهر والعصر ولم يسجد. وروى أبو حفص بن شاهين بإسناده عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا رأيتم من يجهر بالقراءة في صلاة النهار فارجموه بالتفذ» ". وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه " عن يحيى بن بشير «قالوا: يا رسول الله، إن هاهنا قوما يجهرون بالقراءة بالنهار، فقال: "ارموهم بالبعر» ". م: (وإن كان بعرفة) ش: كلمة إن للوصل أي وإن كان الإمام يصلي بعرفة، وعن مالك يجهر بالجمع بعرفات؛ لأنه يؤدي بجمع عظيم كما في الجمعة، والآن يأتي مستوفيا. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صلاة النهار عجماء» ش: هذا ليس بحديث مرفوع عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال النووي في " الروضة ": هذا باطل ليس له أصل، ورواه عبد الرزاق في مصنفه من قول مجاهد وأبي عبيدة قال معمر عن عبد الكريم الجزري قال: سمعت أبا عبيدة يقول: صلاة النهار عجماء، وقال مجاهد: صلاة النهار عجماء. وفي " الذخيرة " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: صلاة النهار عجماء، وجعل في المغربين، وفي " الفائق ": صلاة النهار عجماء من كلام الحسن البصرى، وإنما استدل به أصحابنا؛ لأن الحسن لما كان من القرن الأول وممن أدرك أكابر الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - جعلوا كلامه كالمسموع من الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. م: (أي ليست فيها قراءة مسموعة) ش: أي ليست في قراءة النهار قراءة بالجهر، والعجماء بالمد تأنيث الأعجم، شبهت بالعجماء من كونها أن الأعجم الذي لا يتكلم وتفسيره لهذا الاحتراز من قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فإنه قال: لا قراءة في هاتين الصلاتين، فسر الحديث [لا] قراءة فيهما، ولنا رواية البخاري في "صحيحه «عن عبد الله بن سخبرة، قال: قلنا لخباب: هل كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم، قلنا: بم كنتم تعرفون ذلك؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 وفي عرفة خلاف لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والحجة عليه ما رويناه. ويجهر في الجمعة والعيدين، لورود النقل المستفيض بالجهر وفي التطوع بالنهار يخافت، وفي الليل يتخير، اعتبارا بالفرد في حق المنفرد، وهذا لأنه مكمل له.   [البناية] قال باضطراب لحيته» . [الجهر في الجمع بعرفة] م: (وفي عرفة خلاف لمالك) ش: هو يقول بالجهر بالجميع بعرفات م: (والحجة عليه ما رويناه) ش: أي الحجة على مالك ما رويناه وهو الذي ذكره صلاة النهار عجماء. قال الأكمل وأورد عليه بأنه ليس بحديث، وإنما هو من كلام الحسن البصري، ولئن سلم فهو عام خص منه الجمعة والعيدين فيجوز تخصيصها بالقياس على الجمعة وأجيب بأن أصحابنا ملأوا كتبهم ونقلوا أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يفسره بعدم القراءة وليسوا من أهل الأهواء والبدع، ولو ثبت إسناده عندهم لما فعلوا ذلك، فليس العيدان والجمعة مخصوصة؛ لأن الجمعة فرضت بالمدينة وكان نسخا لا تخصيصا، والنسخ بالقياس لا يجوز وكذا الأعياد. قلت: فيه نظر؛ لأن أهل الحديث أطبقوا على أن المذكور ليس بحديث مرفوع كما ذكرنا. [الجهر في الجمعة والعيدين] م: (ويجهر في الجمعة والعيدين لورود النقل المستفيض بالجهر) ش: أي النقل الشائع المنتشر، يقال: هذا حديث مستفيض أي منتشر، فمنه ما رواه الجماعة إلا البخاري من حديث حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] » . ومنه ما رواه مسلم «عن أبي واقد الليثي قال سألني عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما كان يقرأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الأضحى والفطر، فقال: كان يقرأ بقاف والقرآن المجيد، واقتربت الساعة» وفي الثاني: كان يصلي خلف النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الظهر فسمع منه الآية بعد الآيات من سورة لقمان والذاريات. ومنه ما رواه البيهقي عن الحارث عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «الجهر في صلاة العيدين من السنة، والخروج في العيدين إلى الجبانة من السنة» . [تطوعات النهار سرية] م: (وفي التطوع بالنهار يخافت) ش: أي يخفي حتما حتى يكره الجهر للأثر المذكور م: (وفي الليل يتخير اعتبارا بالفرد في حق المنفرد) ش: أي وفي التطوع بالليل يخير المتطوع بين الجهر والإخفاء، ولكن الجهر أفضل، كذا في " المبسوط ". قلت: المنفرد كذلك أعني التخيير مع أفضلية الجهر فكذا هاهنا. م: (وهذا) ش: أي اعتبار المتطوع بالليل بفرض المنفرد م: (لأنه) ش: أي؛ لأن التطوع م: (مكمل له) ش: أي للفرض. وروي أن العبد أول ما يحاسب عن الصلاة فإن كان ترك منها شيئا يقال: انظروا إلى عبدي هل تجدون له نافلة؟ فإن وجدت كملت الفرائض منها وأدخل الجنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 فيكون تبعا له. ومن فاتته العشاء فصلاها بعد طلوع الشمس إن أم فيها جهر، كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حين قضى الفجر غداة ليلة التعريس بجماعة،   [البناية] م: (فيكون تبعا له) ش: أي إذا كان التطوع مكملا للفرض، فيكون التطوع تبعا للفرض، والتبعية تستدعي أن يكون الحكم في التابع كالحكم في المتبوع فيما يصلح تبعا له، كالجندي يصير مقيما في المفازة لإقامة إمامه في المصر، وإنما قيدنا بقولنا فيما يصلح تبعا له احترازا عن حكم الجواز والفساد، فإنه إذا صلى الأربع قبل الظهر ثم شرع في الظهر وأفسدها لا يرى ذلك إلى فساد السنة قبلها، وإن كانت شرعيتها لتكميل الفرض أيضا لما كان لكل واحدة منهما تحريمة مبتدأة غير مبنية أحدهما على الأخرى. وقولنا غير مبنية احترازا عن صلاة المقتدي حيث تفسد بفساد صلاة الإمام وإن كانت لصلاة كل واحد منهما تحريمة مبتدأة. م: (ومن فاتته العشاء) ش: هذا إلى قوله: ومن قرأ في العشاء ليس في بعض النسخ، والصواب ذكرها، لما أن ذلك من أصل مسائل " الجامع الصغير " حيث قال فخر الإسلام في "جامعه ": هذه مسألة الكتاب والمصنف التزم ذكر مسائل قوله - ومن فاتته العشاء - أي صلاة العشاء م: (فصلاها بعد طلوع الشمس إن أم فيها جهر) ش: أي بالقراءة وبه قال أبو ثور وأحمد وابن المنذر. م: (كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حين قضى الفجر غداة ليلة التعريس بجماعة» ش: أي كما جهر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالقراءة حين صلى صلاة الفجر قضى غداة ليلة التعريس بجماعة، كما في حديث أبي قتادة، «فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قضى الفجر بعد طلوع الشمس فيه وما أيقظهم إلا حرها، ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتين ثم صلى الغداة، فصنع كما صنع كل يوم» رواه مسلم وأحمد وفيه دليل على الجهر في قضاء الفوائت. وروى محمد بن الحسن في كتاب " الآثار "، أخبرنا أبو جعفر، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي قال: «عرس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال من يحرسنا الليلة؟ فقال رجل من الأنصار شاب: أنا يا رسول الله أحرسكم فحرسهم حتى إذا كان من الصبح غلبته عيناه فما استيقظوا إلا بحر الشمس فقام رسول الله فتوضأ وتوضأ أصحابه وأمر المؤذن فأذن وصلى ركعتين، ثم أقيمت الصلاة، فصلى الفجر بأصحابه وجهر فيها بالقراءة كما كان يصلي بها في وقتها» . وروى مالك في " الموطأ " عن زيد بن أسلم قال: «عرس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة بطريق مكة. فذكر الحديث في نومهم وقيامهم وصلاتهم، ثم قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ولو شاء ما ردها، فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فرغ إليها فليصلها في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 وإن كان وحده خافت حتما، ولا يتخير، هو الصحيح؛ لأن الجهر يختص إما بالجماعة حتما، أو بالوقت في حق المنفرد على وجه التخيير، ولم يوجد أحدهما.   [البناية] وقتها» هذا والذي رواه محمد بن الحسن مرسلان، ففي رواية محمد التصريح بالجهر، وفي رواية مالك يمكن حمله على الجهر، ويمكن على استيفاء الأركان. قوله: - التعريس - نزول المسافر آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة، يقال منه: عرس يعرس تعريسا، ويقال فيه: أعرس والعرس موضع التعريس، وبه سمي معرس ذي الحليفة عرس به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصلى فيه الصبح ثم رحل. م: (وإن كان وحده) ش: أي وإن كان الذي فاتته صلاة العشاء وصلى بعد طلوع الشمس وحده م: (خافت) ش: أي أخفى بالقراءة م: (حتما) ش: أي على وجه الحتم، أي الوجوب، والحتم مصدر حتمت عليه الشيء أي أوجبته م: (ولا يتخير) ش: أي بين الجهر والمخافتة. م: (وهو الصحيح) ش: أي الإخفاء هو الصحيح، واحترز به عما ذكر فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير " أن المخافتة ليست بحتم، بل له أن يجهر إن شاء، والجهر أفضل وكذا ذكره شمس الأئمة السرخسي، والتمرتاشي، والمحبوبي، وقاضي خان في شروحهم " للجامع الصغير "، وقال قاضي خان: ولو صلى وحده خافت؛ لأن الجهر سنة الجماعة والأداء في الوقت، ولا يجهر بعد خروج الوقت. وقال بعضهم: يخير فيها والجهر أفضل كما في الوقت وهو الصحيح؛ لأن القضاء يكون على وفق الأداء، وفي الأداء المنفرد يتخير والجهر أفضل، فكذا في القضاء، وقال الشافعي: لو فاتته صلاة الليل وأراد قضاءها بالنهار أو على العكس يعتبر وقت القضاء وهو ظاهر مذهبه، فإن قضى بالنهار يسر، وإن قضى بالليل يجهر. وقال بعض أصحابه يعتبر وقت الفوات، فإن كان في صلاة الليل جهر فيها، وإن كان في صلاة النهار أسر فيها كذا في تتمتهم. م: (لأن الجهر يختص إما بالجماعة حتما) ش: أي؛ لأن الجهر بالقراءة مخصوص أما في الصلاة بالجماعة على سبيل الحتم أي الوجوب م: (أو بالوقت) ش: أي وإما أن يختص بوقت الصلاة م: (في حق المنفرد وعلى وجه التخيير) ش: بين الجهر والإخفاء م: (ولم يوجد أحدهما) ش: أي أحد المذكورين وهما أي الجماعة والوقت في حق المنفرد وحاصله أن سبب الجهر إما الجماعة وذلك حتم، وإما الوقت وذلك فيه خيار للمنفرد بين الأمرين الجهر، والمخافتة، والمنفرد القاضي لا يوجد في حقه لا الجماعة ولا الوقت فلا يجهر. وقال الأترازي: قول صاحب " الهداية " ممنوع عندي بأن يقال: لا نسلم أن الجهر ينبغي مانعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 ومن قرأ في العشاء في الأوليين السورة، ولم يقرأ بفاتحة الكتاب، لم يعد في الأخريين، وإن قرأ الفاتحة ولم يزد عليها قرأ في الأخريين الفاتحة والسورة.   [البناية] ما قال من السبب؛ لأن الحكم جاز أن يكون معلولا بعلل شتى، وكيف يقال مثل هذا؟ والقضاء يحكي الفائت والمنفرد كما سئل عن الجهر حال الأداء فكذا حال القضاء ألا ترى أنه يؤذن ويقيم في القضاء فكما في الأداء، قلت: أخذ الأكمل كلام الأترازي هذا ثم أجاب عنه بعبارة غير عبارته، فقال بعد ذكر تعليل المصنف: ويمنع بأن السبب ليس بمنحصر في ذلك لم لا يجوز أن يكون موافقة القضاء الأداء سببا للجواز أيضا في حق المنفرد؟ ويمكن أن يجاب عنه بأن ما ذكره المصنف من سبب الجهر ثابت بالإجماع ولا نص يدل عليها فجعلها سببا يكون إثبات سبب بالرأي ابتداء وهو ينزع إلى الشركة في وضع الشرع وهذا باطل، ولعل هذا حمل المصنف على الحكم بكونه حتما، وهو الصحيح فيكون معنى قوله: هو الصحيح يعنى الصحيح دراية لا رواية، فإن أكثر الروايات على الجواز. قلت: في دعوى الإجماع في الأول نظر لا يخفى، وفي بقية من الثاني كذلك، فإن عند الشافعي الاعتبار لوقت القضاء، وعند الحلوائي الاعتبار لوقت الأداء. وقال بعضهم: القول بأن الجهر سنة الوقت مردود بفعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وقوله: فإن أكثر الروايات على الجواز يدل على وجود الرواية على الجواز، فكيف يقول: معنى الصحيح دراية لا رواية. [حكم من قرأ في العشاء في الأوليين السورة ولم يقرأ بالفاتحة] م: (ومن قرأ في العشاء في الأوليين السورة ولم يقرأ بفاتحة الكتاب لم يعد في الأخريين) ش: أي لم يعد قراءة الفاتحة في الركعتين الأخريين. وفي " الذخيرة" يعني قوله: - لم يعد - أي لم يقض. وقال عيسى بن أبان: ينبغي أن يكون الجواب على العكس؛ لأن قراءة الفاتحة واجبة فيقضي، وقراءة السورة سنة فلا تقضى إلا تبعا، فالواجب أولى بالقضاء. وعن الحسن أنه روى عن أبي حنيفة أنه يقضيهما، أما الفاتحة فكما قال عيسى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وأما السورة فلأنها مرتبة على الفاتحة على وفق السنة وهي واجبة أيضا بدليل وجوب سجود السهو بتركها. م: (وإن قرأ الفاتحة ولم يزد عليها) ش: أي على الفاتحة يعنى لم يقرأ السورة م: (قرأ في الأخريين الفاتحة والسورة وجهر) ش: يعني بالفاتحة والسورة في ظاهر الرواية. وروى ابن سماعة عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه جهر بالسورة خاصة؛ لأنه في الفاتحة مؤد فراعى صفة أدائها، وفي السورة قاض فيجهر بالسورة كما يجهر في الأداء ولا يكون جمعا بين الجهر والمخافتة في ركعة واحدة صورة وحقيقة، وذلك غير مشروع، ووجه ظاهر الرواية وهو الجهر بهما أن قراءة السورة واجبة، وقراءة الفاتحة في الشفع الثاني غير واجبة، فكان مراعاة صفة الواجب أولى، فإذا جهر بالسورة يجهر بالفاتحة كيف يختلف صورة القراءة في قيام واحد، كذا في " الجامع الصغير " للقاضي خان، وذكر شيخ الإسلام في " المبسوط " أن الظاهر من الجواب الجهر بالسورة والمخافتة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقضي واحدة منهما؛ لأن الواجب إذا فات عن وقته لا يقضى إلا بدليل، ولهما وهو الفرق بين الوجهين: أن قراءة الفاتحة شرعت على وجه يترتب عليها السورة فلو قضاها في الأخريين تترتب الفاتحة على السورة، وهذا خلاف الموضوع بخلاف ما إذا ترك السورة؛ لأنه أمكن قضاؤها على الوجه المشروع،   [البناية] بالفاتحة؛ لأن السورة قضاء وقد قامت بصفة الجهر فيقضي كذلك، والفاتحة أداء وقد شرع أداؤها على سبيل المخافتة وكذلك ذكره الإمام التمرتاشي فقال: وهو الصحيح ما ذكره البلخي وهو جهر السورة دون الفاتحة، فكان ما ذكره المصنف من الجهر بهما جميعا مخالفا لرواية هذين الكتابين ورواية فخر الإسلام أيضا، وموافقا لما ذكره الإمام قاضي خان " ومبسوط شمس الأئمة ". م: (وهذا) ش: أي قضاء السورة دون قضاء الفاتحة م: (عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " لا يقضي واحدة منهما) ش: أي من الفاتحة والسورة م: (لأن الواجب إذا فات عن وقته لا يقضى إلا بدليل) ش: وهاهنا لم يوجد الدليل؛ لأن من شرط الدليل أن يكون له مثل حتى يصرف ما له إلى ما عليه، والسورة غير مشروعة في الأخريين حتى يصرف إلى ما عليه، ألا ترى أن الصلاة إذا فاتت عن أيام التشريق يقضيها في غير أيام التشريق بلا تكبير له في سائر الأيام. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (وهو الفرق بين الوجهين) ش: أحد الوجهين هو قراءة السورة في أول العشاء دون الفاتحة، والوجه الأخير هو قراءة الفاتحة وحدها في الأوليين. م: (أن قراءة الفاتحة شرعت على وجه يترتب عليها السورة) ش: يعني شرعت قراءة الفاتحة في الركعتين الأوليين على وجه يترتب على قراءتها قراءة السورة، ألا ترى أنه إذا نسي الفاتحة فذكرها قبل الركوع أو فيه يقرأها ويعيد السورة. م: (فلو قضاها) ش: أي الفاتحة م: (في الأخريين تترتب الفاتحة على السورة) ش: يعني تقع الفاتحة عقيب السورة م: (وهذا) ش: أي ترتب الفاتحة على السورة م: (خلاف الموضوع) ش: لأن الموضوع ترتب السورة على الفاتحة، قال الأكمل: ونوقض بترتب الفاتحة التي في الشفع الثاني أي آخره. قلت: هذا أخذ من السغناقي ملخص بيان النقض في منع قوله خلاف الموضوع هو أن ترتيب الفاتحة في الشفع الثاني على السورة في الركعة الثانية من الشفع الأول مشروع، وملخص الجواب أن الذي ذكرتم على وجه الدعاء، وليس الكلام فيه وإنما الكلام في قراءة الفاتحة على وجه قراءة القرآن. م: (بخلاف ما إذا ترك السورة) ش: في الأوليين، فإنه يقرأ في الأخريين الفاتحة والسورة أيضا م: (لأنه أمكن قضاؤها) ش: أي قضاء السورة في الأخريين م: (على الوجه المشروع) ش: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 ثم ذكر هاهنا ما يدل على الوجوب، وفي الأصل بلفظة الاستحباب؛ لأنها إذا كانت مؤخرة فغير موصولة بالفاتحة فلم يمكن مراعاة موضوعها من كل وجه، ويجهر بهما، هو الصحيح؛ لأن الجمع بين الجهر والمخافتة في ركعة واحدة شنيع، وتغيير النفل وهو الفاتحة أولى، ثم المخافتة: أن يسمع نفسه والجهر: أن يسمع غيره، وهذا عند الفقيه أبي جعفر الهندواني - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] وهو أن ترتب السور على الفاتحة وانضمامها إليها. م: (ثم ذكر) ش: أي ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (هاهنا) ش: أي في " الجامع الصغير " م: (ما يدل على الوجوب) ش: وهو قوله: قرأ في الأخريين الفاتحة والسورة. فإن قلت: كيف يدل هذا على الوجوب؟ قلت: لأنه ذكر بلفظ الخبر والأخبار في الوجوب دليل الأمر على ما عرف، فدل على أن قضاء السورة في الشفع الثاني واجب. م: (وفي الأصل بلفظ الاستحباب) ش: أي وذكر في " المبسوط "، وهو قوله: أحب إلي أن يقضي السورة في الأخريين م: (لأنها) ش: أي؛ لأن السورة، وهذا بيان وجه الاستحباب، وهو أن السورة م: (إذا كانت مؤخرة) ش: عن الفاتحة م: (فغير موصولة بالفاتحة) ش: الأولى لوقوع الفصل بالفاتحة الثانية، أي فهي غير موصولة بالفاتحة؛ لأن السورة في الثانية والفاتحة في الأولى. م: (فلم يمكن مراعاتها) ش: أي مراعاة السورة م: (من كل وجه) ش: في القضاء ولم يذكر الوجه الآخر وهو أن تكون متقدمة على الفاتحة لبعده؛ لأنه يفضي إلى أمر غير مشروع آخر وهو تقديم السورة على الفاتحة، وإن ذهب إليه بعضهم. م: (ويجهر بهما) ش: أي بالفاتحة والسورة إذا قضى السورة في الشفع الثاني م: (هو الصحيح) ش: احترز به عما روى ابن سماعة عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه يجهر بالسورة لا الفاتحة، وقد مر الكلام فيه مستقصى م: (لأن الجمع بين الجهر والمخافتة في ركعة واحدة شنيع) ش: أي غير موجه بحسب الظاهر م: (وتغيير النفل وهو الفاتحة أولى) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: سلمنا أن الجمع بين الأمرين شنيع. لكن لا نسلم أن ارتفاع هذا الشنيع ينحصر فيما قلتم؛ لأنه لا يلزم الجمع بينهما فيما قال هشام في روايته عن محمد: أنه لا يجهر أصلا. وتقرير الجواب أن فيما قال هشام تغيير صفة الواجب إلى صفة النفل، وفيما قلتم تغيير صفة النفل إلى الواجب وتغيير صفة النفل أحق، فكان هذا التغيير أولى من ذلك التغيير. م: (ثم المخافتة أن يسمع نفسه) ش: أشار بهذا إلى بيان الاختلاف. في حد المخافتة والجهر فقال: حد المخافتة أن يسمع القارئ نفسه؛ لأن ما دون ذلك حمحمة وليس بقراءة م: (والجهر أن يسمع غيره) ش: سواء كان ذلك الغير في الصلاة بجنبه أو خارج الصلاة م: (وهذا) ش: أي الذي ذكرنا من حد المخافتة والجهر م: (عند الفقيه أبي جعفر الهندواني - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي عند الإمام أبي جعفر، ونسبته إلى هِنْدوان بكسر الهاء قلعة ببلخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 لأن مجرد حركة اللسان لا يسمى قراءة بدون الصوت، وقال الكرخي: أدنى الجهر أن يسمع نفسه، وأدنى المخافتة تصحيح الحروف؛ لأن القراءة فعل اللسان دون الصماخ، وفي لفظ الكتاب إشارة إلى هذا.   [البناية] م: (لأن مجرد حركة اللسان لا تسمى قراءة بدون الصوت) ش: الواصل إلى أذنه فهو كما ترى جعل كل واحد من المخافتة والجهر من الكيفيات المسموعة. وقال الأكمل: قال الهندواني: مجرد حركة اللسان لا يسمى بدون الصوت قراءة، يعني لا لغة ولا عرفا وفيه نظر، فإن من رأى المصلي الأطرش يحرك شفتيه يخبر عنه أنه يقرأ، وإن لم يسمع منه شيئا. قلت: في نظره نظر؛ لأن الهندواني ما قيد قوله باللغة، ولا بالعرف كليهما؛ لأنه ليس المراد من القراءة إفادة المخاطب. والأطرش قارئ وإن لم يفهم المخاطب قراءته، وبقول الهندواني قال الفضل، والشافعي، وشرط بشر المريسي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خروج الصوت من الفم وإن لم يصل إلى أذنه، ولكن بشرط أن يكون مسموعا في الجملة حتى لو أدنى أحدهما عنه إلى فيه يسمع. م: (وقال الكرخي: أدنى الجهر أن يسمع نفسه، وأدنى المخافتة تصحيح الحروف) ش: وبه قال أبو بكر البلخي المعروف بالأعمش، وهو قول مالك أيضا، واكتفوا بتصحيح الحروف. وفي " الذخيرة " ولا بد من تحريك اللسان وتصحيح الحروف حتى قال الكرخي: لا يجزئه بلا تحريك اللسان. قالوا: وقول الكرخي أقيس وأصح. م: (لأن القراءة فعل اللسان دون الصماخ) ش: بكسر الصاد وتخفيف الميم، وهو خرق الأذن، ويقال الأذن نفسها. قال الجوهري: وبالسين نفسه، فالكرخي كما ترى جعل المخافتة من الكيفيات المبصرة، والجهر من الكيفيات المسموعة. قال الأكمل: واعترض عليه بأن الكتابة يوجد بها تصحيح الحروف ولا تسمى قراءة لعدم الصوت، وهذا فاسد؛ لأنه لم تجعل تصحيح الحروف مطلقا قراءة بل تصحيح الحروف باللسان قراءة، ألا ترى إلى قوله: لأن القراءة فعل اللسان قلت: المراد من فعل اللسان تحريكه كما ذكرنا. م: (وفي لفظ الكتاب) ش: أي وفي لفظ " مختصر القدوري "، وقيل: المراد منه " المبسوط "، وقيل: " الجامع الصغير " والأول أظهر م: (إشارة إلى هذا) ش: أي قول الكرخي حيث قال في " مختصر القدوري ": وإن كان مفردا فهو مخير، إن شاء جهر وأسمع نفسه، وإن شاء خافت. وجه الإشارة إليه أنه جعل أدنى المخافتة ما دون إسماع النفس كما ترى فعلم أن تصحيح الحروف كاف. وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا صحح الحروف ولم يسمع نفسه هل تجوز صلاته أم لا؟ فعند الكرخي يجوز وعند الهندواني لا. وأما عبارة محمد في الأصل إن شاء قرأ في نفسه، وإن شاء جهر وأسمع نفسه، وهذا يدل على أن القراءة في نفسه غير إسماع نفسه لوجهين: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 وعلى هذا الأصل كل ما يتعلق بالنطق كالطلاق والعتاق والاستثناء، وغير ذلك. وأدنى ما يجزئ من القراءة في الصلاة آية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: ثلاث آيات قصار أو آية طويلة؛ لأنه لا يسمى قارئا بدونه، فأشبه قراءة ما دون الآية،   [البناية] أحدهما: أنه جعل إسماع نفسه جهرا والقراءة في نفسه مخافتة، والجهر ليس قسما من المخافتة فلا يمكن حمل الأول على كلا الجملتين، أو نقول: جعل إسماع نفسه قسيما للقراءة في نفسه، وقسيم الشيء لا يكون قسما له. والثاني: لو كان إسماع نفسه داخلا في القراءة في نفسه لكان مستفادا من قوله: إن شاء قرأ في نفسه فيكون قوله: - وإن شاء أسمع نفسه - تكرارا خاليا عن الفائدة، والعرف غير معتبر في هذا الباب؛ لأنه أمر بينه وبين ربه. وقال الحلوائي: الأصح أنه لا يجوز ما لم يسمع نفسه ويسمع من يقربه. وفي " المرغيناني " قال أبو جعفر: إسماع نفسه لا بد منه. م: (وعلى هذا الأصل) ش: أي وعلى هذا الاختلاف المذكور م: (كل ما يتعلق بالنطق كالطلاق) ش: بأن قال لامرأته: أنت طالق ولم يسمع نفسه يقع الطلاق عند الكرخي خلافا للهندواني م: (والعتاق) ش: بأن قال لعبده: أنت حر ولم يسمع نفسه يعتق عند الكرخي خلافا للهندواني م: (والاستثناء) ش: بأن قال لامرأته: أنت طالق إن شاء الله، أو قال لعبده: أنت حر إن شاء الله، وخافت إن شاء الله ولم يسمع نفسه لا يقع الطلاق ولا العتاق عند الكرخي، وعند الهندواني يقعان في الحال. وكذلك الخلاف في الشرط. م: (وغير ذلك) ش: مثل الإيلاء واليمين والتكبير وإحرام الحج والتسمية ووجوب سجدة التلاوة ونحو ذلك مما يتعلق بالنطق، وإن تكلم في صلاته ولم يصحح الحروف لا يفسد، وإن صحح الحروف لا يفسد، وعلى قول محمد بن الفضل لا يفسد، والبيع على الخلاف المذكور. وقيل: الصحيح في البيع أن يسمع المشتري. وفي النصاب [ .... ..... ] الإمام يسمع قراءة رجل أو رجلين في صلاة المخافتة، قال: لا يكون جهرا والجهر أن يسمع الكل. [أدنى ما يجزئ من القراءة في الصلاة] م: (وأدنى ما يجزئ من القراءة في الصلاة آية) ش: أي قراءة آية سواء كانت طويل أو قصيرة م: (عند أبي حنيفة) ش: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو رواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكرها في " المغني ". م: (وقالا: ثلاث آيات قصار أو آية طويلة) ش: أي وقال أبو يوسف ومحمد أدنى ما يجوز من القراءة في الصلاة قراءة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة، وهو رواية عن أبي حنيفة م: (لأنه لا يسمى قارئا بدونه فأشبه قراءة ما دون الآية) ش: أي؛ لأن المصلي لا يسمى قارئا عرفا بدون المذكور من ثلاث آيات، أو آية طويلة؛ لأنه مأمور بالقراءة المطلقة، والمطلق ينصرف إلى المتعارف، وقارئ الآية القصيرة لا يسمى قارئا عرفا، فلا تجوز الصلاة بذلك القدر، كما لا تجوز إذا قرأ ما دون الآية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 وله قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] [المزمل: الآية 20] من غير فصل إلا أن ما دون الآية خارج،   [البناية] م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] [المزمل: الآية 20] من غير فصل) ش: بيانه أن الله تعالى أمرنا بالقراءة مطلقا وبإطلاقه يتناول ما يطلق عليه اسم القراءة مقصودة لا يشعر بها قصد الخطاب لأحد ولا جوابه ولا قصد التلقين من غيره، وفي رواية عنه آية واحدة؛ لأن ما دونها يوجد في كلام الناس فلا يطلق عليه اسم القرآن، وهذه الرواية هي المذكورة في المتن، والحاصل أن في ذلك عن أبي حنيفة ثلاث روايات: الأولى: رواية الأصل كقول الصاحبين. والثانية: رواية القدوري وهو ما يتناوله اسم القراءة، قال القدوري: هو الصحيح، وهو قول ابن عباس فإنه قال: اقرأ ما معك من القرآن فليس شيء من القرآن بقليل. والثالثة: ما قاله في " الينابيع " وهو قراءة آية أي آية كانت قصيرة أو طويلة، ولو كانت الآية قصيرة كلمة واحدة مثل مدهامتان أو حرفا واحدا مثل قاف أو صاد أو نون، فإن كل واحد منها آية عند بعض القراء. اختلف المشايخ فيه، قال المرغيناني: الأصح أنه لا يجزئه، وقال الحلوائي: لأنه يسمى عادا لا قارئا. وفي " نوادر المغني " عن أبي يوسف: إذا كان الرجل لا يحسن إلا قوله: الحمد لله رب العالمين يقرؤها مرة واحدة في كل ركعة ولا يكررها، وتجوز صلاته وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي " فتاوى المرغيناني ": لو قرأ آية الكرسي أو المداينة بدون الفاتحة الصحيح عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجزئه، فإن ذلك عند القاضي عماد الدين، وعامة المشايخ على جوازها. ولو قرأ آية الكرسي أو المداينة في ركعتين اختلف المشايخ فيه على قول أبي حنيفة، قيل: لا يجزئه؛ لأنه لم يقرأ في كل ركعة آية تامة. وقيل: يجوز؛ لأن بعضها يزيد على ثلاث آيات قصار. ولو قرأ نصف آية مرتين أو كلمة واحدة من آية مرارا حتى بلغ قدر آية تامة لا يجوز، وفي " فتاوى النسفي " قراءة ثلاث آيات قصار، أو آية طويلة واحدة بالإجماع. وقد ثبت رجوع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن آية. وفي " البدرية " هذا أحد الجواز، أما الكراهية ثابتة ما لم يقرأ الفاتحة مع ثلاث آيات. وفي " شرح الطحاوي ": قراءة الفاتحة وحدها ومعها آية أو آيتان مكروه. وفي " المبسوط ": تكرار آية طويلة بمنزلة ثلاث آيات في حق إقامة السنة. م: (إلا أن ما دون الآية خارج) : ش: هذا جواب سؤال مقدر وهو أن يقال: لو كان المراد من قوله: ما تيسر من القرآن مطلقة من غير فصل لجاز ما دون الآية كما جاز بالآية؛ لأن إطلاق ما دون الآية خارج عن الإطلاق؛ لأن المطلق ينصرف إلى الكامل، والكامل من القراءة ما هو قرآن حقيقة وحكما، وما دون الآية وإن كان قرآنا حقيقة فليس بقرآن حكما، ألا ترى أنه يجوز قراءته للجنب والحائض، نص بذلك في " العيون "، و" المختلف " فلا ينصرف المطلق إليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 والآية ليست في معناه. وفي السفر يقرأ بفاتحة الكتاب وأي سورة شاء؛ لما «روي أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - "قرأ في صلاة الفجر في سفر بالمعوذتين» ؛ ولأن للسفر أثر في إسقاط شطر الصلاة فلأن يؤثر في تخفيف القراءة أولى   [البناية] م: (والآية ليست في معناه) ش: أي في معنى ما دون الآية، فإذا كان كذلك لم يجز قياسها م: (وفي السفر يقرأ بفاتحة الكتاب وأي سورة شاء) ش: قدم حكم القراءة في السفر مع أنه من العوارض وهو أليق بالتأخير؛ لأنه مظنة قلة القراءة فكانت له مناسبة للحكم التي قبله وهو قراءة الآية الواحدة، أو؛ لأن أحكام قراءة الحضر كثيرة فأراد أن يدخلها فيها بعد الفراغ من القليل. م: (لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ في صلاة الفجر في سفر بالمعوذتين» ش: هذا الحديث رواه أبو داود في "سننه " في فضائل القرآن، والنسائي في الاستعاذة من حديث القاسم مولى معاوية، «عن عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنت أقود لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناقته في السفر، فقال لي: "يا عقبة لأعلمك خير سورتين قرئتا فعلمني: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ الناس. قال: فلما نزل لصلاة الصبح صلى بهما صلاة الصبح للناس» . الحديث. والقاسم هو عبد الرحمن القرشي الأموي مولاهم الشامي وثقه ابن معين وتكلم فيه غير واحد قاله المنذري، ورواه ابن حبان في "صحيحه " والحاكم في "مستدركه ". م: (ولأن للسفر أثر في إسقاط شطر الصلاة فلأن يؤثر في تخفيف القراءة أولى) ش: السفر مظنة التخفيف فأدير الحكم عليه وخففت القراءة، وإن كان المسافر أميا؛ لأن للسفر أثرا في إسقاط الركعتين من الرباعيات للتخفيف، وتأثيره في تخفيف القراءة التي هي جزء من الصلاة أظهر وادعى إلى التخفيف. قال الأكمل: فإن قيل: هذا التعليل مخالف لما ذكر في طرق أبي حنيفة في مسألة الأرواث في باب الأنجاس حيث استدل هاهنا بوجود التخفيف ثانيا وما ذاك هنا أجيب بالفرق بين الموضعين بأن العمل بتخفيف القراءة عملا بالدلالة؛ لأن كل شيء ظهر تأثيره في الأصل كان ظهور تأثيره في الوصف أولى؛ لكونه تابعا للأصل بخلاف الأدوات فإن الضرورة عملت في وصف التخفيف مدة وكفت مؤنتها بها فلا تعمل ثانية. قلت: هذا ذكره العتابي وله جواب آخر، وهو أن الحكم يدور مع العلة، لا مع الجملة ألا ترى أنه يباح الفطر في السفر مع الأمن والقرار لوجود العلة، وقيل: في تعليل المصنف نظر؛ لأن السفر ما أثر في إسقاطه على مذهبنا؛ بل صلاة السفر من الأصل وجبت ركعتين؛ لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن الصلاة فرضت ركعتين فأقرت في السفر وزيدت في الحضر» . رواه مسلم. قلت: زيادته في الحضر أمر تعبدي، وتركه على السفر في ركعتين؛ لأجل التخفيف، وإن كان في الأصل شرع ركعتين قال: الأمر في ذلك مع كل وجه إلى التخفيف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 وهذا إذا كان على عجلة من السير، وإن كان في أمنة وقرار يقرأ في الفجر نحو سورة البروج، وانشقت؛ لأنه يمكنه مراعاة السنة مع التخفيف. ويقرأ في الحضر في الفجر الركعتين بأربعين آية، أو خمسية آية سوى فاتحة الكتاب، ويروى من أربعين إلى ستين   [البناية] م: (وهذا) ش: يعني ما ذكرنا من قوله: وفي السفر يقرأ بفاتحة الكتاب وأي سورة شاء. م: (إذا كان) ش: أي المسافر الذي يصلي م: (على عجلة من السير) ش: أي على استعجال في سيره لوصول المنزل، أو كان وراءه عدو، أو سبع يخافه، فيستعجل للحوق بجماعته. م: (وإن كان في أمنة) ش: بفتح الميم أي أمن ومنه قَوْله تَعَالَى: {أَمَنَةً نُعَاسًا} [آل عمران: 154] (آل عمران: الآية 154) ، والأمنة أيضا الذي يثق بكل أحد، وكذلك الأُمنة بضم الهمزة م: (وقرار) ش: وفي مكان م: (يقرأ في الفجر سورة البروج وانشقت) ش: يعني {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1] وهي ثنتان وعشرون آية، وسورة {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] وهي خمس وعشرون آية. م: (لأنه يمكنه مراعاة السنة مع التخفيف) ش: مراعاة السنة هي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قرأ في الحضر بمثل سورة (البروج) ، و (انشقت) في صلاة الفجر، فإذا كان المسافر في أمن يقرأ بمثل هذه السورة في صلاة الفجر، فيكون مراعيا للسنة مع حصول التخفيف المطلوب في السفر، الذي هو عين المشقة. [مقدار القراءة في الصلوات الخمس] م: (ويقرأ في الحضر في الفجر في الركعتين بأربعين آية، أو خمسين آية سوى فاتحة الكتاب) ش: في هذه العبارة إشارة إلى أن الأربعين آية، أو الخمسين تكون في الركعتين، لا في ركعة واحدة، فيكون في كل ركعة من الفجر عشرون آية في رواية الأربعين، وخمسة وعشرين آية في رواية الخمسين. فإن قلت: هذا خلاف الآثار فإنه ذكر في " المبسوط " عن «مسروق العجلي قال: بلغت سورة "ق" و {اقْتَرَبَتِ} [القمر: 1] من فيّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لكثرة قراءته إياهما في صلاة الفجر» ولا يمكن حمله على أنه قرأ بعض سورة (ق) في ركعة؛ لأن المستحب قراءة سورة تامة في ركعة، وقد أمر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلالا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قلت: يحمل على ما رواه العجلي على ما في الكتاب من ستين إلى مائة فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما قرأ سورة (ق) في الركعة الأولى وهي أربع وخمسون آية كأن يقرأ في الثانية ما يعادلها أو يقاربها، فكان مجموعهما يقرب إلى مائة؛ ولهذا فسر في " مبسوط شيخ الإسلام " وقال: إنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ سورة (ق) ، أو {اقْتَرَبَتِ} [القمر: 1] في الركعة الأولى. والحاصل أن الاختلاف الواقع في هذا الباب لاختلاف الأخبار والآثار، على ما يجيء عن قريب إن شاء الله تعالى. م: (ويرى من أربعين إلى ستين) ش: أراد بهذا أنه روي عن أبي حنيفة أنه يقرأ في الفجر في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 ومن ستين إلى مائة وبكل ذلك ورد الأثر ووجه التوفيق أنه يقرأ بالراغبين مائة وبالكسالى أربعين، وبالأوساط ما بين خمسين إلى ستين، وقيل: ينظر إلى طول الليالي وقصرها، وإلى كثرة الأشغال وقلتها   [البناية] الحضر في الركعتين من أربعين آية إلى ستين: م: (ومن ستين إلى مائة) ش: أي ويروى عن أبي حنيفة أيضا رواها الحسن عنه أنه يقرأ من ستين آية إلى مائة آية م: (وبكل ذلك ورد الأثر) ش: أي بكل ما ذكرنا من المقادير في القراءة في الفجر في السفر والحضر ورد الأثر، ألا ترى أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قرأ في الفجر سورة البقرة، فلما قال له عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كادت الشمس تطلع يا خليفة رسول الله، فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قرأ سورة يوسف، فلما انتهى {أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86] (يوسف: الآية 86) ، خنقته العبرة فركع، وروي عن أبي سويد أنه قال: خرجنا مع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حجاجا فصلى بنا الفجر ب {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} [الفيل: 1] ، {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} [قريش: 1] . وعن ابن ميمون قال: صلى بنا عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الفجر في السفر فقرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، وعن الأعمش، عن إبراهيم قال: كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأون في السفر بالسور القصار. وعن أبي وائل قال: صلى بنا ابن مسعود في السفر الفجر بآخر بني إسرائيل {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء: 111] (الإسراء: الآية 111) ، ثم ركع، كذا ذكر ذلك ابن أبي شيبة. م: (ووجه التوفيق) ش: أي بين الروايات التي رويت، وقد ذكر وجه ذلك بثلاثة أوجه: أحدها: قوله م: (أنه) ش: أي الإمام م: (يقرأ بالراغبين) ش: في سماع طول القراءة والإمام م: (مائة) ش: أي مائة آية أو أكثر؛ لأن الراغبين هم الزهاد والعباد، فلا يثقل عليهم التطويل، ويجمع الإمام في هذا بين التغليس والإسفار. م: (وبالكسالى) ش: أي ويقرأ بالكسالى، وهو جمع كسلان م: (من أربعين إلى خمسين) ش: أي من أربعين آية إلى خمسين آية، ولا يزيد على هذا؛ لأنه يثقل عليهم، لقلة رغبتهم م: (وبالأوساط) ش: أي ويقرأ بأوساط الناس، وهم لا راغبون ولا كسالى جدا، بل بين هؤلاء وهؤلاء، وهو جمع وسط م: (ما بين خمسين إلى ستين) ش: أي ما بين خمسين آية إلى ستين آية. م: (وقيل: ينظر إلى طول الليالي وقصرها) ش: وأقصرها ليالي الصيف، ويقرأ فيها أربعين آية. وفي الخريف خمسين آية أو ستين آية م: (وإلى كثرة الأشغال وقلتها) ش: هو الوجه الثالث من وجوه التوفيق، وهو أنه ينظر إلى كثرة أشغال الناس وقلتها؛ لأن التطويل عند الاشتغال الكثير يؤدي إلى ترك السنة، وهاهنا وجوه أخرى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 قال وفي الظهر مثل ذلك لاستوائهما في سعة الوقت وقال في الأصل أو دونه لأنه وقت الاشتغال فينقص عنه تحرزا عن الملال والعصر والعشاء سواء يقرأ فيهما بأوساط المفصل وفي المغرب دون ذلك يقرأ فيها بقصار المفصل، والأصل فيه كتاب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن اقرأ في الفجر والظهر بطوال المفصل وفي العصر والعشاء بأوساط المفصل وفي المغرب بقصار المفصل،   [البناية] الأول: ينظر إلى حال الإمام في الطول والقصر بحسب القدرة. الثاني: ينظر إن كان الإمام حسن الصوت يقرأ مائة، وإن كان خلاف ذلك لا يزيد على الأربعين. الثالث: ينظر إلى حال الوقت بحسب الأمن والخوف. م: (قال) ش: أي في " الجامع " م (وفي الظهر مثل ذلك) ش: أي يقرأ في صلاة الظهر مثل ما قرأ في صلاة الفجر، وقد روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في الظهر {الم} [السجدة: 1] {تَنْزِيلُ} [السجدة: 2] السجدة، وروي أنه كان يقرأ في الفجر {الم} [السجدة: 1] {تَنْزِيلُ} [السجدة: 2] فدل على أنه كان يقرأ في ركعتي الظهر مثل ما يقرأ في الفجر م (لاستوائهما في سعة الوقت) ش: أي لاستواء الظهر والعصر في سعة الوقت. م: (وقال في الأصل) ش: أي قال محمد في " المبسوط " م: (أو دونه) ش: أي أو يقرأ في الظهر دون ما يقرأ في الفجر م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الظهر م: (وقت الاشتغال) ش: بخلاف الفجر م: (فينقص عنه) ش: أي عن الفجر م: (تحرزا عن الملال) ش: أي احتراز عن الملالة المفضية إلى تقليل الجماعة. م: (والعصر والعشاء سواء) ش: يعني يتساويان في حكم القراءة م: (يقرأ فيهما بأوساط المفصل) ش: وأوساط المفصل من كورت إلى الضحى، وطوال المفصل من الحجرات إلى {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1] والقصار من الضحى إلى آخر القرآن، كذا في " جامع المحبوبي " و " قاضي خان " إلا أنه ذكر في " جامع قاضي خان " قيل: أول الطوال من قاف، قال الخطابي: روي هذا في حديث مرفوع. وحكى القاضي عياض أنه من الجاثية وهو غريب، وسمي المفصل؛ لكثرة الفصول فيه، وقيل: لقلة المنسوخ فيه. م: (وفي المغرب دون ذلك يقرأ فيها بقصار المفصل والأصل فيه) ش: أي في تقدير القراءة في الصلاة م: (كتاب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن اقرأ في الفجر والظهر بطوال المفصل، وفي العصر والعشاء بأوساط المفصل، وفي المغرب بقصار المفصل) ش: هذا له أصل، ولكن بغير هذا الوجه، فروى عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا سفيان الثوري عن علي بن زيد بن جدعان عن الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وغيره قال: كتب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى أبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 ولأن مبنى المغرب على العجلة والتخفيف أليق بها، والعصر والعشاء يستحب فيهما التأخير، وقد يقعان بالتطويل في وقت غير مستحب، فيوقف فيهما بالأوساط.   [البناية] موسى الأشعري أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل، وفي العشاء بأوساط المفصل، وفي الصبح بطوال المفصل. وروى ابن شاهين ولفظه: أن اقرأ في الصبح بطوال المفصل، وفي الظهر بأوساط المفصل، وفي المغرب بقصار المفصل. وقال الترمذي في كتابه في آيات القراءة في الصبح، وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كتب إلى أبي موسى أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل، وأبو موسى الأشعري اسمه عبد الله بن قيس، مات سنة اثنين وأربعين، وهو ابن ثلاث وستين سنة. م: (ولأن مبنى المغرب على العجلة والتخفيف أليق بها، والعصر والعشاء يستحب فيهما التأخير) ش: أراد بالعجلة الاستعجال خوفا من وقوعها إلى اشتباك النجوم، وروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في المغرب {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] » رواه ابن ماجه. فإن قلت: في حديث «جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في المغرب بالطور» وعنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قرأ في المغرب الأعراف وقسمها في ركعتين» رواه النسائي. قلت: هذا بحسب الأحوال، فكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلم من أحوال المؤمنين في وقت أنهم يؤثرون التطويل فيطول، وفي وقت غير مستحب قد ذكر المصنف في باب المواقيت، ويستحب تأخير العصر ما لم تتغير الشمس في الشتاء والصيف؛ لما فيه من تكثير النوافل لكراهتها بعده، وذكر في العشاء أنه يستحب تأخيره إلى ما قبل ثلث الليل. ثم تعليل المصنف حينئذ بقوله م: (وقد يقعان بالتطويل في وقت غير مستحب) ش: ماش ظاهر في العصر وغير ماش في العشاء؛ لأن تأخيره إلى نصف الليل مباح والتعليل الصحيح فيه أن وقتها وقت النوم فبالتطويل في القراءة يحصل التأخير، وبالتأخير يحصل التنفير والتقليل في الجماعة لغلبة النوم عليهم حينئذ م: (فيوقت فيهما) ش: أي في وقت العصر والعشاء م: (بالأوساط) ش: أي بأوساط المفصل، وعن أبي بريدة: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في العشاء الآخرة: والشمس وضحاها ونحوها» ، ورواه النسائي والترمذي، وقال: حديث حسن. وعن جابر بن سمرة: «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في الظهر والعصر {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1] و {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق: 1] » رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه. م: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 وقال: ويطيل الركعة الأولى من الفجر على الثانية، إعانة للناس على إدراك الجماعة. قال: وركعتا الظهر سواء، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أحب إلي أن يطيل الركعة الأولى على غيرها في الصلوات كلها؛ لما «روي أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "كان يطيل الركعة الأولى على غيرها في الصلوات كلها» ، ولهما أن الركعتين استويا في استحقاق القراءة فيستويان في المقدار، بخلاف الفجر؛ لأنه وقت نوم وغفلة   [البناية] (وقال) ش: أي محمد في الأصل م: (ويطيل الركعة الأولى من الفجر على الثانية) ش: وفي بعض النسخ ويطول وهذا بالاتفاق بين أصحابنا، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يسوي بين الركعتين في الصلاة كلها ذكر في " المهذب " وبه قال الأكثرون من الشافعية - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - واختار النووي قول محمد وفي " الروضة " والأصح التسوية بينهما وبين الثالثة والرابعة، واتفقوا على كراهية إطالة الثانية على الأولى إلا مالكا، فإنه قال: لا بأس بأن يطول الثانية على الأولى. م: (إعانة للناس على إدراك الجماعة) ش: أي لأجل الإعانة للناس على إدراك الجماعة؛ لأن وقت الفجر وقت نوم وغفلة، فاستحب تطويل الركعة الأولى ليدرك الناس الجماعة. م: (قال: وركعتا الظهر سواء) ش: أي الركعتان الأوليان من الظهر مستويتان في الإطالة والقصر، لأنهما استويا في وجوب القراءة ويستويان في مقدارها إذ الترجيح خلاف الأصل بخلاف صلاة الفجر لما ذكرنا وقد ذكرنا عن قريب حديث جابر بن سمرة وقراءته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الظهر والعصر {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1] و {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق: 1] وهما متقاربتان. م: (وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: يعني استواء ركعتي الظهر وغيره م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أحب إلي أن يطول الركعة الأولى على الثانية في الصلوات كلها) ش: وبه قال الثوري وأحمد - رحمهما الله - م: (لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يطيل الركعة الأولى على الثانية في الصلوات كلها) ش: روى البخاري ومسلم من حديث أبي قتادة، واللفظ للبخاري «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب ويطول في الركعة الأولى ما لا يطيل في الثانية وهكذا في العصر» وهكذا في الصبح وزاد أبو داود والعشاء؛ لأنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أن الركعتين استويا في حق استحقاق القراءة فيستويان في المقدار) ش: يعني أن القراءة كما فرضت في الأولى فرضت في الثانية، فثبت استواؤهما في استحقاق القراءة، فينبغي أن يستويا في حق المقدار أيضا. م: (بخلاف الفجر؛ لأنه وقت نوم وغفلة) ش: هذا جواب عن قياس محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث قاس سائر الصلوات بالفجر، فإن إطالة الأولى على الثانية مسنونة بالإجماع، وأما الفجر فإنه في وقت نوم وغفلة بخلاف غيرها، فإن الناس فيها على علم ويقظة، فلا يقاس على الفجر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 والحديث محمول على الإطالة من حيث الثناء والتعوذ والتسمية، ولا معتبر بالزيادة والنقصان بما دون ثلاث آيات؛ لعدم إمكان الاحتراز عنه من غير حرج.   [البناية] لوجود الفارق، وفي " جامع المحبوبي ": الجمعة والعيد وغيرهما في هذا الحكم سواء. م: (والحديث محمول على الإطالة من حيث الثناء والتعوذ والتسمية) ش: هذا جواب من جهة أبي حنيفة وأبي يوسف عن الحديث الذي احتج به محمد وهو ظاهر، وفيه نظر من وجهين، أحدهما: أنه احتج لمحمد بالحديث المذكور، ولم يحتج لأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - إلا بالمعقول، وكان ينبغي له أن يذكر لهما حديثا ثم يجيب عن حجته. والثاني: أن المراد من الإطالة هي الإطالة في نفس القراءة، والثناء، والتعوذ، والتسمية ليست من القراءة، وهذا جواب شاف. وقد احتج أبو حنيفة وأبو يوسف بما رواه أبو سعيد الخدري «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقرأ في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين خمس عشرة آية، وقال: نصف ذلك في العصر، في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية، وفي الأخريين قدر نصف ذلك» . رواه مسلم وأحمد - رحمهما الله. م: (ولا معتبر بالزيادة والنقصان بما دون ثلاث آيات؛ لعدم إمكان الاحتراز عنه من غير حرج) ش: أي ولا عبرة في زيادة آية أو آيتين في الركعة الأولى على القراءة في الركعة الثانية، وكذلك على العكس وكذا لا عبرة في نقصان آية أو آيتين عن ذلك، والحاصل أن المقدار في الزيادة والنقصان بما دون ثلاث آيات من غير حرج في اعتبار التساوي على الحقيقة، «وقد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ في المغرب بالمعوذتين» والثانية أطول من الأولى بآية، وإطالة الركعة الثانية على الأولى بثلاث آيات فصاعدا في الفرائض مكروه بالإجماع، وفي السنن والنوافل لا يكره؛ لأن أمرها أسهل كذا في " جامع المحبوبي "، وفي " جامع التمرتاشي " هكذا إذا كان إماما، أما إذا كان منفردا قرأ ما شاء؛ لأن على الإمام أن يراعي حق القوم، قال المرغيناني: في التطويل يعتبر بالآي إن كان بينهما مقاربة، بأن كانت الآيات متقاربة من حيث الطول والقصر معتبرا بالكلمات والحروف، وقيل: ينبغي أن يكون التقرب بالثلاث والثلاثين. وقال الطحاوي: يقرأ في الأولى ثلاثين آية، وفي الثانية عشر آيات، أو عشرين آية، وهذا بيان الأولوية. وفي " المجرد " قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: المنفرد كالإمام في جميع ما وصفنا من القراءة إلا أنه ليس عليه الجهر، وقيل: يستحب للمنفرد رجلا كان أو امرأة تطويل القراءة؛ لقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: طول القراءة أحب إلي من كثرة الركوع والسجود، وقَوْله تَعَالَى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] (البقرة: الآية 238) ، قيل: القنوت طول القيام، وفي " القنية ": القراءة المسنونة يستوي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 وليس في شيء من الصلوات قراءة سورة بعينها بحيث لا تجوز غيرها   [البناية] فيها الإمام والمنفرد والناس عنها غافلون. [قراءة نفس السورة مع الفاتحة في الركعة الثانية] فروع: إذا قرأ الفاتحة وسورة معها، ثم قرأ في الثانية تلك السورة مع الفاتحة فلا بأس به، حتى قال الأصحاب لو قرأ (قل أعوذ برب الناس) في الأولى، ثم قام إلى الثانية يقرأها بعينها. وعن أبي الحويرث: «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ في المغرب بأم القرآن وقرأ معها (إذا زلزلت الأرض) ثم قام فقرأ بأم القرآن وقرأ (إذا زلزلت الأرض» أيضا" رواه أبو داود. وفي " البخاري «أن رجلا كان يقرأ في كل ركعة ب (قل هو الله أحد) فرفع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأقره عليه» وكره جماعة الجمع بين سورتين غير الفاتحة في ركعة واحدة، وعندنا لا يكره ذلك، وقال الطحاوي: وثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه فعله، وذكر في " الحديقة " أن أربعة من العلماء ختموا القرآن في ركعة واحدة، وهم عثمان بن عفان، وتميم الداري، وسعيد بن جبير وأبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وإن جمع بين سورتين في ركعة، وبينهما سور أو سورة يكره. وإن قرأ في الركعتين من وسط السورة وآخرها في الأولى، وفي الثانية وسط سورة وآخر سورة أخرى لا ينبغي أن يفعل، ولو فعل لا بأس به، وإن انتقل من آية إلى آية وبينهما آيات يكره في ركعة واحدة، وفي الركعتين إن كان بينهما سورة لا يكره، وإن كان سور يكره، وقيل: لا يكره إذا كانت السورة طويلة، وقيل: لا يكره على الإطلاق. ويكره أن يقرأ سورة أو آية في ركعة، ثم يقرأ في الثانية ما فوقها، وعليه جمهور الفقهاء. قال ابن بطال في " شرح البخاري " وعن عبد الله أنه سئل عمن يقرأ القرآن منكوسا قال: ذلك منكوس القلب، وفسر بأن يقرأ سورة ثم يقرأ بعدها سورة قبلها في النظم، وبه قال أحمد، ولم يكرهها مالك، وكذا ترديد السورة في ركعة، نص مالك: لا بأس به وروى ابن القاسم عنه أنه سئل عن تكرير {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فكره وقال: هذا مما أحدثوه. وفي " الذخيرة ": ولو قرأ آية في التطوع لا يكره ذلك فقد ثبت عن جماعة من السلف أنهم كانوا يحيون ليلتهم بآية العذاب، أو الرحمة، أو الرجاء. م: (وليس في شيء من الصلوات قراءة سورة بعينها بحيث لا تجوز غيرها) ش: أي ليس في صلاة من الصلوات أي صلاة كانت قراءة سورة من القرآن بعينها للمصلي، بحيث أنه لا تجوز غيرها إذا قرأ ذلك الغير، وفيه نفي قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن عنده الفاتحة فرض على التعيين في الصلوات، حتى إذا ترك الفاتحة لا تجوز الصلاة. وقوله: - لا يجوز غيرها - يجوز فيه الوجهان: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 لإطلاق ما تلونا. ويكره أن يوقت بشيء من القرآن لشيء من الصلوات لما فيه من هجر الباقي وإيهام التفضيل.   [البناية] أحدهما: أن يكون يجوز بالتخفيف، وغيرها بالرفع فاعله، والجملة بقيت في محل النصب على الحال، والآخر: أن يكون من باب التفعيل وغيرها بالنصب على المفعولية، والضمير في لا يجوز على هذا يرجع إلى المصلي الذي يدل عليه قوله: - قرأ سورة -؛ لأن التقدير قراءة المصلي سورة، فالمصدر مضاف إلى مفعوله، وطوى ذكر الفاعل. م: (لإطلاق ما تلونا) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) ، فإنه مطلق ولا يجوز تقييده بخبر الواحد. [تعيين سورة أو آية من القرآن لشيء من الصلوات] م: (ويكره أن يوقت) ش: أي يعين م: (بشيء من القرآن لشيء من الصلوات) ش: مثل ما أخذ عين قراءة السجدة و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} [الإنسان: 1] في فجر كل جمعة، ومثل تعيين قراءة سورة الجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة م: (لما فيه) ش: أي في توقيت السورة من القرآن بشيء من الصلوات م: (من هجر الباقي) ش:؛ لأن المواظبة على تعيين شيء من القرآن لشيء من الصلوات هجر لباقي القرآن من غير المعين، فيدخل تحت قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30] (الفرقان: الآية 30) ، أي متروكا وأعرضوا عنه م: (وإيهام التفضيل) ش: أي ولما فيه من إيهام تفضيل المعين على غيره، والقرآن كلام الله تعالى كله سواء في التفضيل. وقال السغناقي: هاهنا سؤال، وملخصه أن هذه المسألة والتي قبلها في إبداء حكم واحد بحسب الظاهر، فحينئذ يصير هذا تكرارا ولا فائدة فيه. وأجابوا بجوابين ملخصهما: الأول: أن المسألة الأولى من مسائل القدوري. والثانية: من مسائل " الجامع الصغير "، والمصنف التزم ذكر مسائلهما. قلت: فيه نظر لا يخفى. والثاني: أن في الأولى تعيين السورة في مطلق الصلوات ولا يقرأ غيرها في كلها، وفي الثانية تعيين سورة معينة [في] صلاة معينة كما ذكرنا مثلها. وأورد الأكمل هذا في شرحه ناقلا عنه، وذكر في الجواب الأول أن المصنف قد التزم الإتيان بمسائل القدوري، ومسائل " الجامع الصغير " إذا اختلفت الروايتان. قلت: ليس هاهنا اختلاف الروايتين، وإنما هو اختلاف الحكمين. وقال الأترازي: فافهم فرق ما بين هذه المسألة وبين المسألة المتقدمة، وقد خبط خبط عشواء إذ ركب متن في فرقهما كثير ممن تصدى للتدريس. قلت: هو فيما ذكره؛ لأنه لم يفرق بينهما بوجه ما، وأظن أنه حل المسألة الثانية على أنه إذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 ولا يقرأ المؤتم خلف الإمام   [البناية] واظب على البعض، وأما إذا قرأ أحيانا تبركا، روي «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يقرأ السجدة و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} [الإنسان: 1] في صلاة الفجر» فيكون مستحبا لا مكروها، فلذلك قال: ممن تصدى للتدريس ولم يقل من تصدى للشرح. ثم ذكر السغناقي سؤالا آخر ملخصه: أنه علم كراهة التعيين من جانب واحد فعلمه من الجانبين بالطريق الأولى؛ لأن الكراهة ما جاءت إلا من جانب التقديم وأجاب بما ملخصه بطريق المنع؛ لأنه يجوز أن يكون للتعيين من الجانبين فائدة لزيادة التبرك بفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك دون الآخر، حتى إن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرى استحباب الثاني دون الأول؛ لأن فيه هجرا للباقي من غير تضمن معنى التبرك، فيكره الأول دون الثاني، وقد تكلم هاهنا من غير تحريم يعلم ذلك بالوقوف عليه والتأويل فيه. ثم قال الإسبيجابي والطحاوي: هذا الذي ذكر رآه حتما واجبا، لا يجزي غيرها أو رأى القراءة بغيرها مكروهة، أما لو قرأها في تلك الصلاة تبركا بقراءة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها أو تأسيا به، أو لأجل التيسير عليه، فلا كراهة في ذلك، لكن بشرط أن يقرأ غيرها أحيانا لئلا يظن الجاهل الغبي أن لا يجوز غير ذلك، وغالب العوام على اعتقاد بطلان سورة السجدة دون سورة (هل أتى) ، وما تحملهم على هذا إلا التزام الشافعية - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قراءة سورة السجدة. وقال الطحاوي: قرأ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجمعة بغير ما ذكر فيها. وعن النعمان بن بشير: «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في الركعة الثانية {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] » ، فيحمل على أنه قرأ هذا مرة، وبهذا مرة، واستدل النووي بحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذي أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة {الم} [السجدة: 1] {تَنْزِيلُ} [السجدة: 2] السجدة و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] » على سنية قراءة هاتين السورتين في صبح يوم الجمعة. وكذلك استدل بما رواه مسلم وأبو داود والنسائي بحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أنه كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة و {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1] » "، وقال: فيه دليل لمذهبنا، ومذهب موافقينا، وهم محجوجون بهذه الأحاديث الصحيحة المروية من طريق ابن عباس، وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قلت: ولا خلاف بيننا وبينهم في الحقيقة؛ لأن أبا حنيفة إنما كره الملازمة إذا لم يعتقد الجواز بغيره، والشافعي أيضا يكره مثل هذا، أما إذا اعتقد الجواز بغيره ولازم على سورة معينة لأحد الوجوه التي ذكرناها الآن فلا يكره. [قراءة المؤتم خلف الإمام] م: (ولا يقرأ المؤتم خلف الإمام) ش: سواء جهر الإمام أو أسر به. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الفاتحة، له أن القراءة ركن من الأركان فيشتركان فيه، ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة»   [البناية] وقال ابن المسيب، وعروة بن الزبير، وسعيد بن جبير، والزهري، والشعبي، والثوري، والنخعي، والأسود، وابن أبي ليلى، والحسن بن جني: إذا كان يسمع قراءة الإمام. وقال ابن تيمية: وبه قال الأوزاعي، وابن عيينة، وابن المبارك، والإمام مالك، وأحمد، وفي " الجواهر " يستحب قراءتها في السر دون الجهر. وقال ابن وهب وأشهب وابن عبد الحكم وابن حبيب: لا يقرأها في الجهر ولا في السر. م: (خلافا للشافعي في الفاتحة) ش: فعنده يجب على المأموم قراءة الفاتحة في السرية والجهرية وبه قال الليث وأبو ثور، وفي القديم لا يجب في الجهرية نقله أبو حامد في تعليقه. وحكى الرافعي وجها أنه لا يجب في السرية، وقال الثوري فإنه يجب فيهما. م: (له) ش: أي للشافعي م: (أن القراءة ركن من الأركان فيشتركان فيه) ش: أي يشترك الإمام والمقتدي في هذا الركن كما يشتركان في سائر الأركان بخلاف ما لو أدرك الإمام في الركوع؛ لأن تلك الحالة حالة الضرورة ولم يذكر المصنف إلا الدليل العقلي؛ لأنه ذكر في باب صفة الصلاة ما احتج به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من الحديث وقد بسطنا الكلام فيه هناك، ومن جملة ما احتج به من المنقول ما رواه عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للمأمومين الذين قرأوا خلفه: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأها» ، رواه أبو داود والترمذي وحسنه. واحتج له البيهقي بحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج"، فقيل لأبي هريرة إذا يكون وراء الإمام، فقال اقرأها في نفسك يا فارسي» . الحديث رواه أبو داود بلفظ: فهي خداج غير تام. وفي لفظ ابن عدي: «كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وآيتين فهي خداج» وفي رواية الطبراني: «كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي مخدجة» . وفي رواية أخرى لابن عدي بإسناده إلى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تجزئ المكتوبة إلا بفاتحة الكتاب وثلاث آيات فصاعدا» . وقد أجبنا عن هذه الأحاديث وما جاء في هذا الباب من نحو ذلك في باب صفة الصلاة. م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» ش: هذا الحديث رواه من الصحابة جابر بن عبد الله وابن عمر وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وابن عباس وأنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أما حديث جابر فأخرجه ابن ماجه في "سننه " عن جابر الجعفي عن أبي الزبير عن جابر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان له إمام فإن قراءة الإمام له قراءة» ". وأما حديث ابن عمر فأخرجه الدارقطني في "سننه " عن محمد بن الفضل بن عطية عن أبيه عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من كان له إمام فقراءته له قراءة» " وعن إبراهيم بن عامر الأصبهاني حدثنا أبي عن جدي عن النضر بن عبد الله ثنا الحسن بن صالح عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وثنا العدوي عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» . وأما حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فأخرجه الدارقطني في "سننه " عن محمد بن عباد الرازي، ثنا إسماعيل بن إبراهيم التيمي، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا نحوه سواء. وأما حديث ابن عباس فأخرجه الدارقطني أيضا من حديث عاصم بن عبد العزيز المدني، عن أبي سهيل عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تكفيك قراءة الإمام خافت أو جهر» ". وأما حديث أنس فأخرجه ابن حبان في كتاب " الضعفاء " عن غنيم بن سالم، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» ". فإن قلت: حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه جابر الجعفي وهو مجروح وروي عن أبي حنيفة أنه قال: ما رأيت أكذب من جابر الجعفي. وحديث ابن عمر موقوف وفيه وهم قاله الدارقطني. وحديث أبي سعيد أخرجه ابن عدي أيضا فيه إسماعيل بن عمرو بن نجيح وهو ضعيف. وقال ابن عدى: هذا لا يتابع عليه. وحديث أبي هريرة، قال الدارقطني: لا يصح هذا عن سهيل، وتفرد به محمد بن عباد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وهو ضعيف. وحديث ابن عباس قال أحمد: هو حديث منكر، وقال الدارقطني: فيه عاصم بن عبد العزيز وليس بالقوي ورفعه وهم وحديث أنس بن مالك فيه غنيم بن سالم قال ابن حبان: هو يخالف في الروايات ولا تعجبني الرواية عنه فكيف الاحتجاج به؟. قلت: أما حديث جابر فله طرق أخرى وهي وإن كانت مدخولة ولكن يشد بعضها بعضا، فمنها ما رواه محمد بن الحسن في "موطئه " أخبرنا الأمام أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حدثنا أبو الحسن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن جابر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من صلى خلف الإمام فإن قراءة الإمام قراءة له» ". ومنها ما رواه ابن عدي والدارقطني، عن الحسن بن صالح عن ليث بن أبي سليم، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعا نحوه، ومنها ما رواه الدارقطني في "سننه "، والطبراني في "معجمه الأوسط "، عن سهل بن العباس المروزي، ثنا إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن أبي الزبير [عن جابر] قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» ". فإن قلت: أخرج هذا الحديث الدارقطني في "سننه "، ثم البيهقي عن أبي حنيفة مقرونا بالحسن بن عمارة، وعن الحسن بن عمارة وحده بالإسناد المذكور، قال الدارقطني: وهذا الحديث لم يسنده عن جابر بن عبد الله غير أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - والحسن بن عمارة وهما ضعيفان، وقد رواه سفيان الثوري وأبو الأحوص، وشعبة، وإسرائيل، وشريك، وأبو خالد الدالاني، وسفيان بن عيينة وغيرهم عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مرسلا وهو الصواب. قلت: سئل يحيى بن معين عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقال: ثقة ما سمعت أحدا ضعفه، هذا شعبة بن الحجاج يكتب إليه أن يحدث ويأمره شعبة وسعيد وقال أيضا: كان أبو حنيفة ثقة من أهل الصدق، ولم يتهم بالكذب، وكان مأمونا على دين الله صدوقا في الحديث، وأثنى عليه جماعة من الأئمة الكبار، مثل عبد الله بن المبارك، وسفيان بن عيينة، والأعمش، وسفيان الثوري، وعبد الرزاق، وحماد بن زيد، ووكيع وكان يفتي برأيه والأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وآخرون كثيرون فقد ظهر لنا من هذا تحامل الدارقطني عليه وتعصبه الفاسد، فمن أين له تضعيف أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو مستحق التضعيف، وقد روى في "مسنده" أحاديث سقيمة ومعلولة ومنكرة وغريبة وموضوعة، ولقد صدق القائل في قوله حينئذ والمعنى: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 وعليه إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -   [البناية] إذا لم ينالوا شأنه ووقاره ... فالقوم أعداء له وخصوم وفي المثل السائر: البحر لا يكدره وقوع الذباب ولا ينجسه ولوغ الكلاب وحديث أبي حنيفة حيث صحيح، وأما أبو حنيفة فأبو حنيفة، وأبو الحسن موسى بن أبي عائشة الكوفي من الثقات الأثبات ومن رجال الصحيحين، وعبد الله بن شداد من كبار الثلاثة وثقاتهم. فإن قلت: هذا الحديث زاد فيه أبو حنيفة جابر بن عبد الله وقد رواه جرير، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وأبو الأحوص، وشعبة، وزائدة وزهير، وأبو عوانة، وابن أبي ليلى، وقيس، وشريك وغيرهم فأرسلوه. فقلت: الزيادة من الثقة مقبولة، ولئن سلمنا فالمراسيل عندنا حجة. فإن قلت: حديث ابن عمر فيه محمد بن الفضل وهو متروك، وقال الدارقطني رفعه وهم. قلت: نحن نحتج بالموقوف؛ لأن الصحابة عدول. فإن قلت: حديث أبي سعيد أخرجه ابن عدي عن إسماعيل بن عمرو وهو ضعيف. قلت: هو من طريق الطبراني والضعيف ما كذبه. فإن قلت: حديث أبي هريرة فيه محمد بن عباد الرازي وهو ضعيف، وكذلك حديث ابن عباس وحديث أنس. قلت: قد ذكرنا أن الضعيف قد يتقوى بالصحيح ويقوي بعضها بعضا. م: (وعليه إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أي على ترك القراءة خلف الإمام كما مر في حديث عبادة بن الصامت، وحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فكيف ينعقد الإجماع مع خلف بعض؟ قلت: سماه إجماعا باعتبار اتفاق الأكثر فإنه يسمى إجماعا عندنا. وقد روي منع القراءة عن ثمانين نفرا من كبار الصحابة منهم المرتضى والعبادلة الثلاثة، وأسانيدهم عند أهل الحديث. وقيل ما يجاوزه عدد من أفتى في ذلك الزمان عن الثمانين فكان اتفاقهم بمنزلة الإجماع، وذكر الشيخ الإمام عبد الله بن يعقوب الحارثي السنديوتي في كتاب " كشف الأسرار "، عن عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه قال: عشرة من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهون عن القراءة خلف الإمام أشد النهي: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 وهو ركن مشترك بينهما، لكن حظ المقتدي الإنصات والاستماع.   [البناية] عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - جميعا. أو نقول إجماع ثبت بنقل الآحاد، ولهذا لم يعد مخالفة جاهلا فلا يمنعه نقل البعض بخلافه كنقل حديث بالآحاد لا يتبع نقل حديث آخر معارض له، ثم لما ثبت نقل الأمرين ترجح ما قلنا؛ لأنه موافق لقول العامة وظاهر الكتاب والأحاديث المشهورة، ويجوز أن يكون رجوع المخالف ثابتا فتم الإجماع. إن قلت: لما ثبت نهي العشرة المذكورة ولم يثبت رد واحد عليهم عند توفر الصحابة كان إجماعا سكوتيا. فإن قلت: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قراءة الإمام له قراءة معارض بقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا} [المزمل: 20] فلا يجوز تركه بخبر الواحد. قلت: جعل المقتدي قارئا بقراءة الإمام إلا ما يأتم فلا يلزم الترك، أو نقول: إنه خصه منه المقتدي الذي أدرك الإمام في الركوع، فإنه لا يجب عليه القراءة بالإجماع، فيجوز الزيادة عليه حينئذ بخبر الواحد. فإن قلت: قد حمل البيهقي في كتاب " المعرفة " حديث «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» على ترك الجهر بالقراءة خلف الإمام، وعلى قراءة الفاتحة دون السورة، واستدل عليه بحديث عبادة بن الصامت المذكور فيما مضى. قلت: ليس في شيء من الأحاديث بيان القراءة خلف الإمام فيما جهر، والفرق بين الإسرار والجهر لا يصح؛ لأن فيه إسقاط الواجب بمسنون على زعمهم قاله إبراهيم بن الحارث. وفي حديث عبادة محمد بن إسحاق بن يسار وهو مدلس. قال النووي: ليس فيه إلا التدليس، قلنا: المدلس إذا قال عن فلان لا يحتج بحديثه عند جميع المحدثين، مع أنه قد كذبه مالك وضعفه أحمد، وقال: لا يصح الحديث عنه، وقال أبو زرعة الرازي: لا يقضى له بشيء. م: (وهو ركن مشترك بينهما) ش: جواب عن قول الشافعي القراءة ركن وتقريره سلمنا أنها ركن لكن مشترك بينهما أي بين المقتدي والإمام م (لكن حظ المقتدي الإنصات) ش: أي السكوت م: (والاستماع) ش: بمعنى، فعلى قوله: لا فرق بينهما فحينئذ يكون قوله: - والاستماع - عطف تفسيري. وقال ابن الأثير: يقال: أنصت ينصت إنصاتا إذا سكت فسمع، وقد نصت انتصاتا وأنصته إذا سكته فهو لازم ومتعد ويقال: الإنصات والسكوت والاستماع شغل السمع بالسماع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وإذا قرأ فأنصتوا» . ويستحسن على سبيل الاحتياط فيما يروى عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ويكره عندهما؛ لما فيه من الوعيد.   [البناية] م: (قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وإذا قرأ فأنصتوا» ش: وتمام الحديث قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده قولوا: ربنا لك الحمد» ، رواه أبو هريرة، وأخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه. فإن قلت: قال أبو داود: هذه الزيادة فأنصتوا [ليست] بمحفوظة والتوهم عندنا من أبي خالد. قلت: تعقبه المنذري في "مختصره "، وقال: وهذا فيه نظر، فإن أبا خالد الأحمر هذا هو سليمان بن حيان وهو من الثقات الذي احتج بهم البخاري ومسلم، ومع هذا لم ينفرد بهذه الزيادة بل تابعه عليها أبو سعيد محمد بن سعيد الأنصاري الأسلمي المدني، نزيل بغداد، وقد أخرج مسلم هذه الزيادة في "صحيحه" من حديث أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من حديث سليمان التيمي عن متابعة أبي سعيد أبا خالد مما رواه النسائي في "سننه " أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك، ثنا محمد بن سعيد الأنصاري، حدثني محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا» . فإن قلت: قال البيهقي في " المعرفة " بعد أن روى حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأبي موسى: قد أجمع الحفاظ على خطأ هذه اللفظة في حديث أبي داود، وابن أبي حاتم، وابن معين، والحاكم والدارقطني وقالوا: إنها ليست بمحفوظة. قلت: يرد هذا كله ما يوجد في بعض النسخ مسلما هذه الزيادة عقيب هذا الحديث، وصحح ابن خزيمة حديث ابن عجلان المذكور في تلك الزيادة، فقال مسلم: هو صحيح عندي يعني الحديث الذي رواه أبو هريرة المذكور، فقيل له: لم يضعفه هاهنا، فقال: ليس كل شيء عندي صحيح، وضعفه هاهنا إنما وضعت هاهنا وأجمعوا عليه، وهذا مسلم جبل من جبال أئمة الحديث، وأهل النقل قد حكم بصحة هذا الحديث ورد بهذا كلام البيهقي وأمثاله. م: (ويستحسن على سبيل الاحتياط فيما يروى عن محمد) ش: أي يستحسن قراءة المقتدي الفاتحة احتياطا، ورفعا للخلاف فيما روى بعض المشايخ عن محمد. وفي " الذخيرة ": لو قرأ المقتدي خلف الإمام في صلاة لا يجب فيها، اختلف المشايخ فيه، فقال أبو حفص - وهو من بعض مشايخنا -: لا يكره في قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأطلق المصنف كلامه ومراده في حالة المخافتة دون الجهر. وفي " شرح الجامع " للإمام ركن الدين علي السعدي عن بعض مشايخنا أن الإمام لا يتحمل القراءة عن المقتدي في الصلاة المخافتة. م: (ويكره عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لما فيه من الوعيد) ش: أي لما في هذا الصنع وهو القراءة خلف الإمام، فقد أخطأ طريق الفطرة رواه ابن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أبي شيبة، وروي عن سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام في فيه جمرة. رواه عبد الرزاق في "مصنفه "، إلا أنه قال: في فيه حجرا. وروي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: ليت في فم الذي يقرأ خلف الإمام حجرا، رواه عبد الرزاق، ومحمد بن الحسن أيضا. وروي عن عبد الله: من قرأ خلف الإمام ملئ فيه ترابا. وروي عن زيد بن ثابت: من قرأ خلف الإمام فلا صلاة له. وقال السروجي: تفسد صلاته في قول عدة من الصحابة، وعن البلخي أحب إلي أن يملأ فمه من التراب. وقيل: يستحب أن يكسر أسنانه، ذكر ذلك الرازي في "أحكام القرآن". وفي " شرح التأويلات " عن سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من قرأ خلف الإمام لا صلاة له. وروي أيضا نهى عن ذلك جماعة من الصحابة. وروى الطحاوي في " شرح الآثار " حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عروة بن شريح، عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعن عبد الله بن مقسم أنه سأل عبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وجابر بن عبد الله فقالوا: لا تقرأ خلف الإمام في شيء من الصلاة. وروى محمد بن الحسن في "موطئه" عن سفيان بن عيينة، عن أبي منصور، عن أبي وائل قال: سئل عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن القراءة خلف الإمام، قال: أنصت، فإن في الصلاة ثقلا ويكفي في الإمام. وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه " عن جابر قال: لا يقرأ خلف الإمام إن جهر وإن خافت. فإن قلت: روى أبو داود والترمذي والنسائي مرة حديث أبي هريرة «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: "هل قرأ معي أحد منكم آنفا؟ " فقال رجل: نعم يا رسول الله فيما يجهر فيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» - من قول الزهري فلم يجعل الحديث حجة، قال أحمد: ما سمعنا أحدا من أهل الإسلام يقول: إن الإمام إذا جهر بالقراءة لا يجزئ صلاة المأموم ما لم يقرأ، وهذا النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - والتابعون، وهذا مالك في أهل الحجاز، وهذا الثوري في أهل العراق، وهذا الأوزاعي في أهل الشام، وهذا الليث في أهل مصر، قالوا: الرجل إن قرأ إمامه ولم يقرأ هو صلاته باطلة. وفي المعارضة: يقال للشافعي: عجبا لك كيف تقدر المأموم على القراءة في الجهر أينازع القرآن الإمام أم لا يعرض عن إسماعه، أم يقرأ إذا سكت؟ فإن قال: يقرأ إذا سكت، قيل له: فإن لم يسكت الإمام وقد اجتمعت الأمة أن سكوت الإمام غير واجب، فمتى يقرأ؟ ثم يقال: ليس في استماعه لقراءة القرآن قراءة منه، وهذا كاف لمن أنصف، وفيهم قد كان ابن عمر لا يقرأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 ويستمع وينصت وإن قرأ الإمام آية الترغيب والترهيب؛ لأن الاستماع والإنصات فرض بالنص،   [البناية] خلف الإمام، وكان أعظم الناس اقتداء برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (ويستمع وينصت وإن قرأ الإمام آية الترغيب والترهيب) ش: أي يستمع المقتدي وينصت وكلمة إن واصلة بما قبله، والمعطوف عليه محذوف وتقديره يستمع المقتدي وينصت وإن لم يقرأ الإمام آية الترغيب وإن قرأ آية الترغيب مثل الآية التي فيها ذكر الجنة، وآية الترهيب مثل الآية التي فيها ذكر النار، وفي ذكر المصنف هذا التركيب على هذه العبارة رعاية حسن الأدب حيث لم يقل: ولا يسأل المتقدي الجنة، أو لا يتعوذ من النار إذا قرأ الإمام آية الترغيب والترهيب، فإن فيه التصريح بالنهي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن تحذيره، وذكره بطريق الكناية عن النهي هو طريق حسن، ولكنه اقتصر فيه على بيان حكم المقتدي في هذا الباب، فإن في هذا المقام ثلاثة أحكام: حكم المقتدي، وحكم الإمام، وحكم المنفرد، أما حكم المقتدي فهو الذي ذكره، وهو أنه يستمع وينصت ولا ينشغل بالدعاء. م: (لأن الإنصات والاستماع فرض بالنص) ش: هو قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] (الأعراف: الآية 204) . وأما حكم الإمام فإنه لا يفعل ذلك في التطوع، ولا في الفرض؛ لأنه يؤدي إلى تطويل الصلاة على القوم وإنه مكروه. وقال الشافعي: إذا قرأ الإمام آية الرحمة فيستحب له أن يسأل الله تعالى، أو آية العذاب يستحب له أن يستعيذ، أو آية تنزيه يستحب له أن يسبح؛ لما «روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه ما مر بآية رحمة إلا سألها، أو آية عذاب إلا استعاذ منها» ويستحب للمقتدي أن يتابعه على ذلك نقله المزني في "المختصر "؛ لأن كل ذكر يسن للإمام فيسن للمقتدي كسائر الأذكار، وكذا لو قرأ بقوله تعالى: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 40] (القيامة: الآية 40) ، يقول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين: أو قرأ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 8] (التين: الآية 8) ، يقول بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين، أو قرأ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30] (الملك: الآية 30) يستحب أن يقول: الله رب العالمين، ولو قرأ قَوْله تَعَالَى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 185] (الأعراف: الآية 185) ، يقول: آمنت بالله، ويقول: لا إله إلا الله، وبجميع ذلك ورد الأثر والخبر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والكل سنة في حق المقتدي أيضا كذا في الصلاة تفسد والدعاء فيها مندوب إليه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فإنه أحرى أن يستجاب لكم» . وأما حكم المنفرد فإنه وإن كان في التطوع فهو حسن للحديث المذكور، وفي أن يسن له ذلك؛ لأنه لم ينقل عن ذلك في الخبر، ولا عن الأئمة بعده، فكان محدثا، وشر الأمور محدثاتها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 والقراءة وسؤال الجنة والتعوذ من النار، كل ذلك مخل به وكذلك في الخطبة، وكذلك إن صلى على النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لفريضة الاستماع،   [البناية] م: (والقراءة) ش: وراء الإمام م: (وسؤال الجنة) ش: عند قراءة آية الترغيب م: (والتعوذ من النار) ش: عند قراءة آية الترهيب م: (كل ذلك) ش: أشار به إلى الأشياء المذكورة م: (مخل به) ش: أي بكل واحد من الإنصات والاستماع. م: (وكذلك في الخطبة) ش: أي كذلك يسمع وينصت عند الخطبة؛ لما روى أبو هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت» رواه البخاري ومسلم، وآخرون، وبمعنى لغوت. قلت: اللغو وهو الكلام الساقط الباطل المردود وقيل معناه: قلة الصواب، وقيل: تكلمت بما لا ينبغي، وفي رواية: لقد لغيت. قال: الزيادة هي لغة أبي هريرة، وإنما هي: لغوت، قال أهل اللغة: لغى يلغو لغوا، يقال: بمعنى يلغي كعمي يعمى لغتان والأول أفصح، والظاهر أن القراءة تقتضي الثانية التي هي لغة أبي هريرة، قال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: 26] (فصلت: الآية 26) وهذا من لغى يلغي، ولو كان من الأول لقال: والغو بضم الغين. وقال ابن السكيت وغيره: مصدر الأول: اللغو ومصدر الثاني: اللغي، ففي هذا الحديث النهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة، وطريقه إذا أراد النهي عن الكلام أن يشير إليه بالسكوت إن فهمه، فإن تعذر فهمه فليفهمه بكلام مختصر، ولا يزيد على أقل ممكن. واختلفوا فيه: هل هو حرام أم مكروه كراهة تنزيه؟ فيهما قولان للشافعي، وقال القاضي: قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وعامة العلماء: يجب الإنصات للخطبة، وحكي عن النخعي والشعبي وبعض السلف: أنه لا يجب إلا إذا تلا فيها القرآن. م: (وكذلك إن صلى على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي وكذلك يستمع وينصت إن صلى الخطيب على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطبة م: (لفريضة الاستماع) ش: في الخطبة والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس بفرض إلا في العمر مرة واستماع الخطبة فرض لا يجوز ترك الفرض لإقامة ما ليس بفرض. وسأل أبو حنيفة أبا يوسف: إذا ذكر الإمام فهل يذكرون ويصلون على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: أحب إليّ أن يستمعوا وينصتوا، ولم يقل: لا يذكرون ولا يصلون فقد أحسن في العبارة وأحسن من أن يقول: ولا يذكرون ولا يصلون على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وعن أبي يوسف: يصلي في نفسه، واختاره الطحاوي كذا ذكره في " المحيط ". قلت: عند الطحاوي تجب الصلاة عليه كلما سمع فلهذا اختار قول أبي يوسف، وكذا حكم التشميت ورد السلام لا يأتي بهما حال الخطبة، والمسلم ممنوع عن السلام فلا يكون الجواب فرضا، وكذا لو قرأ القرآن فسلم عليه لا يرد الجواب، وكذا لو سلم على المدرس في حال التدريس له أن لا يرد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 إلا أن يقرأ الخطيب قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] (الأحزاب: الآية 56) فيصلي السامع في نفسه. واختلفوا في النائي عن المنبر، والأحوط هو السكوت إقامة لفرض الإنصات والله أعلم بالصواب.   [البناية] الجواب، كذا لو سلم السائل على إنسان لا يرد الجواب؛ لأن مقصوده المال دون إفشاء السلام ذكره المحبوبي. وقال النووي: قوله: - والإمام يخطب - دليل على أن وجوب الإنصات والنهي عن الكلام إنما هو في حال الخطبة فهذا مذهبنا ومذهب مالك والجمهور. وقال أبو حنيفة: يجب الإنصات بخروج الإمام. قلت: أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه " عن علي وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم كانوا يكرهون الصلاة. وفي " الموطأ " عن الزهري قال: خروجه يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام. م: (إلا أن يقرأ الخطيب قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] فيصلي السامع في نفسه) ش: هذا استثناء من قوله: وكذلك إن صلى - يعني إذا قرأ الخطيب قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] (الأحزاب: الآية 56) يصلي السامع في نفسه؛ لأن الخطيب حكى عن الله، وعن ملائكته أنهم يصلون، وحكى أمر الله بذلك وهو قد اشتغل بذلك فكان على القوم أن ينشغلوا. فإن قلت: توجه عليه أمران: أحدهما {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا} [الأحزاب: 56] والأمر الآخر قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] (الأعراف: الآية 204) . قال مجاهد: نزلت في الخطبة الاشتغال بأحدهما يفوت الآخر، قلت: إذا صلى في نفسه وأنصت وسكت يكون إيتاء بموجب الأمرين. فإن قلت: الجمهور على أن الآية نزلت في استماع القراءة في الصلاة. قلت: الخطبة بآيات من القرآن والخطبة كالصلاة لأنها تقوم مقام الركعتين. م: (واختلفوا في النائي عن المنبر) ش: أي اختلف المشايخ المتأخرون في البعيد عن المنبر وهو الذي لا يسمع الصوت فعن فضيل بن يحيى يحرك شفتيه ويقرأ القرآن، وعن محمد بن سلمة الأنصاري: الإنصات أولى واختاره المصنف؛ فلذلك قال: (والأحوط هو السكوت إقامة لفرض الانصات والله أعلم بالصواب) ش: وكذا روي عن أبي يوسف وقوله: الأحوط، أفعل التفضيل، وقال المطرزي: قولهم: أحوط. أي أدخل في الاحتياط شاذا أو نظيره أخصر من الاختصار. قلت: وجه الشذوذ أنه مخالف للقياس؛ لأن القياس أن يقال فيه أشد احتياطا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 باب في الإمامة الجماعة سنة مؤكدة   [البناية] [باب في الإمامة] [حكم صلاة الجماعة] م: (باب في الإمامة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الإمامة، وجه المناسبة بينه وبين الفصل الذي قبله هو أن المذكور هناك أفعال الإمامة، من وجوب الجهر، والمخافتة، وسنة قراءة الإمام وهاهنا يذكر مشروعية الإمامة بأنها على أي صفة شرعت. فإن قلت: لم ذكر هاهنا بالباب وهناك بالفصل. قلت: لأن الباب يجمع الفصول، وفيه أحكام كثيرة تابعة للإمامة، وأحوال المقتدي بين، فلذلك ذكره بالباب. م: (الجماعة سنة مؤكدة) ش: قال الاترازي: يعني سنة في قوة الواجب، وهي التي تسميها الفقهاء سنة الهدى، وهي التي أخذها هدى وتركها ضلال، وتاركها يستوجب إساءة وكراهية. وقال صاحب " الدراية ": تشبه الواجب في القوة وكذا قال الأكمل وكلاهما أخذا من السغناقي. قلت: هذه التأويلات غير طائلة؛ لأن هذه مسألة مختلف فيها بين العلماء، وذهب المصنف إلى أنها سنة مؤكدة وهو قول الكرخي والقدوري وكذا قال في " شرح بكر" خواهر زاده. وفي " المفيد ": الجماعة واجبة وتسميتها سنة لوجوبها بالسنة، وفي " البدائع ": تجب الجماعة على الرجال العقلاء، البالغين، الأحرار، القادرين على الصلاة بالجماعة من غير حرج. وقيل: إنها فرض كفاية وبه قال الطحاوي، وهو قول الشافعي. وقال النووي: هو الصحيح نص عليه الشافعي، وهو قول ابن شريح وأبي إسحاق وجمهور المتقدمين من الشافعية. وقال النووي: وفي وجه سنة، وفي وجه فرض عين لكن ليست شرطا لصحة الفرض، وبه قال ابن خزيمة، وابن المنذر، والرافعي وهو قول عطاء، والأوزاعي، وأبي ثور، وهو الصحيح من مذهب أحمد، وقوله الآخر: لا تصح الصلاة بتركها وبه قال داود الظاهري وأصحابه، وفي " الجواهر " عن مالك: سنة مؤكدة وليست بواجبة إلا في الجمعة. وحكى قاضي خان أبو الوليد، وأبو بكر عن بعض أهل مذهبهم أنها فرض كفاية. وفي " التحفة ": الجماعة إنما تجب على من قدر عليها من غير حرج وتسقط بالعذر حتى لا تجب على المريض والأعمى والزمن ونحوهم هذا إذا لم يجد الأعمى قائدا، والزمن من يحمله، وكذا إذا وجد عند أبي حنيفة، وعندهما تجب، قال محمد: لا تجب الجمعة ولا الجماعة على المريض، والمقعد، والزمن والأعمى، ومقطوع اليد والرجل من خلاف أو مقطوع الرجل، والمقطوع الرجل، والمفلوج الذي لا يستطيع المشي وإن لم يكن به ألم، والشيخ الكبير العاجز. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الجماعة من سنن الهدى لا يتخلف عنها إلا منافق» .   [البناية] وقال أبو يوسف: سألت أبا حنيفة عن الجماعة في طين ومدر، فقال: لا أحب تركها، والصحيح أنها تسقط بعذر المطر والطين وإن فاتته الجماعة جمع بأهله وصلى بهم، وإن صلى وحده جاز. وفي صلاة الجلابي إذا كان مطر أو برد شديد أو ظلة أو خوف فذلك كله يمنع لزوم الجماعة. وقال شرف الأئمة: الوحل عذر، وقال أيضا [ ...... ] والحافظ وغيرهما: ترك الجماعة بغير عذر يجب به التعزير ويأثم الجيران بالسكوت عن تاركها. وقال نجم الأئمة: من يشتغل بالفقه ليلا ونهارا لا يعذر الإمام والمؤذن والجيران في السكوت عنه، ولا تقبل شهادته، وقال أيضا: من يشغل بتكرار اللغة فتفوته الجماعة لا يعذر، وتكرار الفقه ومطالعة كتبه يعذر. وعن أبي حفص من لا يحضر الجماعة للمؤذن أن يرفعه إلى السلطان فيأمره بذلك فإن أبى عزر، وفي [ ... ] : له الاشتغال بالعمل ويختار مسجد حيه، ولو كان مسجدان يختار أقدمهما وإن استويا يختار الأقرب. وقيل: جماعة الجامع أفضل بالاتفاق، ولو فاتته صلاة جماعة فصلاها في مسجده وحده، أو بجماعة في مسجد آخر، أو في بيته فذلك حسن، وتكره الجماعة في مسجد بأذان وإقامة بعدما صلى أهله بجماعة، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك. وقال أحمد وداود: لا يكره تكرار الجماعة، ولو صلى فيه من ليس بأهل للجماعة كان لأهله أن يصلوا فيه بأذان وإقامة. وعن أبي يوسف: إنما يكره تكرار الجماعة لقوم كثير، أما إذا صلى واحد بواحد أو باثنين فلا بأس به مطلقا إذا صلى في غير مقام الإمام. وقال قاضي خان: مسجد لا إمام له ولا مؤذن يصلي الناس فيه فردانا فالأفضل أن يصلي كل فريق بأذان وإقامة على حدة وصلى بعض أهل المسجد بأذان وإقامة مخافتة، ثم حضر بقيتهم فلهم أن يصلوا على وجه الإعلان كذا في " المجتبى ". (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الجماعة من سنن الهدى لا يتخلف عنها إلا منافق» ش: هذا من قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ورفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير صحيح. وأخرجه مسلم عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله بن مسعود: «لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق وإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه» . وأخرج عنه أيضا قال: «من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما تخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف» فدل هذا الأثر أن الجماعة سنة مؤكدة؛ لأن إلحاق الوعيد إنما يكون بترك الواجب أو بترك السنة، ودل على أن الجماعة ليست بواجبة؛ لقوله: وإن في سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه، فتكون سنة مؤكدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن أهل بلد لو اجتمعوا على ترك الجماعة نضربهم ونقاتلهم، وقال السغناقي: والدليل على أن الجماعة سنة ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلاة الرجل بجماعة تفضل على صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين درجة» ، وفي رواية: «سبع وعشرين درجة» ولم يقل صلاة الرجل وحده فاسدة، فالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتبر الجماعة للفضيلة لا للجواز، إذ دل على أنها سنة إلا أنها مؤكدة؛ لأنها من شعائر الإسلام، ومن خصائص هذا الدين، فإنها لم تكن مشروعة في دين من الأديان، وما كان من شعائر الإسلام فالتمسك فيه الإظهار. قلت: الحديث الذي ذكره في " الصحيح " ما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة» " وفي لفظ: «تزيد على صلاته وحده سبعا وعشرين درجة» . وأخرجا عن أبي هريرة مرفوعا: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا» ، وفي لفظ: «تفضل صلاة الجمع على صلاة الرجل وحده خمسا وعشرين درجة» . وأخرج البخاري عن أبي سعيد نحوه، وزاد أبو داود فيه: «فإن صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة» وإسناده جيد. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وفي لفظ آخر للبخاري ومسلم أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا» . وفي رواية لهما: «بخمسة وعشرين جزءا» وفي رواية لمسلم " درجة ". وأخرج أبو داود، والنسائي، وابن ماجه من حديث أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما زاد فهو أحب إلى الله» ". وقوله: أفضل يقتضي الاشتراك في الفضل وترجيح أحد الجانبين، وما لا يصح لا فضيلة فيه، ولا يجوز أن يقال: إن أفضل قد تستعمل بمعنى الفاضل؛ لأن ذلك إنما يجوز على سبيل العلة عند الإطلاق، لا عند التفاضل بزيادة عدد، ويؤيد هذا ما جاء في لفظ: «يزيد على صلاته وحده» وفي لفظ: " يضعف " فإن ذلك يقتضي ثبوت صلاة زاد عليها وعدد تضاعف. والعجب من الشراح لم يتعرضوا إلى الأثر الذي ذكره المصنف هل هو موقوف أو مرفوع، صحيح أو غير صحيح؟ وعلى كل تقدير منه من هو الراوي والمروي عنه. وأعجب من ذلك قول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الأكمل حيث نسب هذا الأثر إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في الديار التي أكثرها علماء الحديث، وجل طلابها المحدثون، ثم قال: وليس المراد بالمنافق المصطلح عليه وهو الذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان، وإلا لكانت الجماعة فريضة؛ لأن المنافق كافر، ولا يثبت الكفر بترك غير الفريضة، وكان آخر الكلام منافقا لا أوله، فيكون المراد به العاصي. قلت: قوله منافق خرج مخرج المبالغة في التهديد، وشدة الوعيد، وهذا كما روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رجلا سأله عمن يقوم الليل، ويصوم بالنهار، ولا يحضر الجماعة، قال: هو في النار، وليس مراده أنه في النار لأجل كفره، وإنما مراده التخويف والتهديد، والمنافق [في] المصطلح الذي ذكره الأكمل إنما يسمى اليوم زنديقا، ولا يمكن أن يحمل لفظ المنافق في الأثر المذكور على هذا المعنى الذي يستحق بها النار من الأمور الثلاثة والأربعة وتارك الجماعة غير داخل فيها فلم يبق إلا المعنى الذي ذكرناه الآن. وقول الأكمل: لأن المنافق كافر، ليس على إطلاقه، والمنافق له معنيان كما ذكرنا، ولا يصح أن يكون المراد منه هاهنا أحد المعنيين على ما ذكرنا، وقوله: ولا يثبت الكفر بترك غير الفريضة، يشير إلى أن تارك الفريضة كافر وليس كذلك، وإنما يكفر بالجحد على ما لا يخفى. فإن قلت: الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم انطلقت برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار» ". يدل على أن الجماعة فرض كما ذهب إليه طائفة؛ لأن تارك السنة لا يحرق عليه بيته، ولو كانت سنة ما استحق تاركها هذا الوعيد الشديد. وحديث جابر: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» . قلت: لا نسلم دلالة ذلك على ما قالوا؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يشهدون الصلاة» ولم يقل: لا يشهدون الجماعة. وفي رواية: «إلى قوم متخلفين عن الصلاة» ولم يقل يتخلفون عن الجماعة، والصلاة فرض وتاركها مستحق الوعيد على أنه جاء في رواية لمسلم عن ابن مسعود: «يتخلفون عن الجمعة» الحديث يفسر بعضه بعضا. فإن قلت: قال: البيهقي: والذي تدل عليه سائر الروايات أنه عبر بالجمعة عن الجماعة. قلت: قال النووي في " الخلاصة ": بل هما روايتان، رواية في الجمعة، ورواية في الجماعة، وكلاهما صحيح، ولئن سلمنا ذلك فالحديث خبر واحد، فلا يزداد به على إطلاق الكتاب. وأما حديث جابر فالمراد به نفي الكمال والفضيلة كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة للعبد الآبق ولا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 وأولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أقرؤهم؛ لأن القراءة لا بد منها، والحاجة إلى العلم إذا نابت نائبة ونحن نقول: القراءة مفتقر إليها لركن واحد، والعلم سائر أركان الصلاة.   [البناية] للمرأة الناشزة» . فإن قلت: لو لم يكن فرضا لما هم بالإحراق. قلت: ترك الإحراق يدل على عدم الفرضية. فإن قلت: ما فائدة الهم إذا لم يكن فرضا؟ قلت: لقد هم بالاجتهاد ثم منع بالوحي أو بتغير الاجتهاد على المختار في جواز الاجتهاد له - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فإن قلت: قَوْله تَعَالَى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] (البقرة: الآية 43) ، يدل على أن الجماعة فرض؛ لأنه قيل: إن المراد به الجماعة. قلت: الخطاب لليهود فإنه لا ركوع في صلاتهم، وقيل: المراد بالركوع الخضوع، وفي الآية أقاويل فلا تثبت الفرضية. [أولى الناس بالإمامة] م: (وأولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة) ش: أي بالفقه والأحكام الشرعية إذا كان يحسن من القرآن ما يجوز به الصلاة، وهو قول الجمهور، وإليه ذهب عطاء والأوزاعي ومالك الشافعي. فإن قلت: في الحديث الذي يأتي الأقرأ مقدم وهاهنا على العكس. قلت: عن قريب يأتي وجه ذلك إن شاء الله تعالى. م: (وعن أبي يوسف أقرؤهم) ش: أي وروي عن أبي يوسف أن أقرأ للناس أولى بالإمامة؛ يعني أعلمهم بالقراءة، وكيفية أداء حروفها، وما يتعلق بالقراءة، وبه قال ابن سيرين وأحمد وإسحاق وابن المنذر، وهو أحد الوجوه عند الشافعية. م: (لأن القراءة لا بد منها) ش: لأنها ركن في الصلاة يحتاج إليها لا محالة في الصلاة م: (والحاجة إلى العلم إذا نابت نائبة) ش: المعنى إنما يحتاج إلى العلم بالسنة. إذا وقعت واقعة من العوارض ليمكنه من صلاته، وربما لا يفرض فيكون الأقرأ أولى من العالم بالسنة. م: (ونحن نقول: القراءة مفتقر إليها في ركن واحد) ش: وهو القيام م: (والعلم) ش: يحتاج إليها لأجل م: (سائر أركان الصلاة) ش: جواب عما قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تقريره أن القراءة محتاج إليها في الصلاة في ركن واحد وهو القيام، والعلم محتاج إليه لأجل سائر أركان الصلاة، فكان العلم أولى. وفي " المجتبى ": الأعلم بالسنة أولى إذا كان يحذر الفواحش الظاهرة، وإن كان غيره أورع منه، وفي " الشفاء " عن أبي حفص: الأمي الذي يقرأ القليل أحب إلي من الفاسق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 فإن تساووا فأقرؤهم؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا سواء فأعلمهم بالسنة» وأقرؤهم كان أعلمهم؛ لأنهم كانوا يتلقونه بأحكامه.   [البناية] القارئ. وفي " شرح الإرشاد ": لو كان عالما بمسائل الصلاة متبحرا فيها، غير متبحر في سائر العلوم، فإنه أولى من المتجر في سائر العلوم. م: (فإن تساووا) ش: في القراءة أو العلم م: (فأقرؤهم) ش: أي فأولاهم بالإمامة أقرؤهم م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى، فإن كانوا سواء فأعلمهم بالسنة) ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري واللفظ لمسلم عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يؤم القوم أقرهم لكتاب الله تعالى، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم إسلاما، ولا يؤم الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه» . قال: الأصح في الرواية مَكَانَ "إسْلَامًا": "سِنًّا"، ورواه ابن حبان في "صحيحه " والحاكم في "مستدركه " إلا أن الحاكم قال عوض قوله: «فأعلمهم بالسنة» ، «فأفقههم فقها، فإن كانوا في الفقه سواء فأكثرهم سنا» ، وقد أخرج مسلم في "صحيحه " هذا الحديث، ولم يذكر فأفقههم فقها، وهي لفظة عزيزة غريبة بهذا الإسناد، وسنده عن يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن جرير بن حازم، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج، عن أبي مسعود، فذكره، ثم أخرج الحاكم، عن الحجاج بن أرطاة، عن إسماعيل ابن رجاء به، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يؤم القوم أقدمهم هجرة، فإن كانوا سواء فأفقههم في الدين، فإن كانوا في الفقه سواء فأقرؤهم للقرآن، ولا يؤم الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه» " وسكت عنه، والباقون من الأئمة يخالفونه في هذه المسألة، ويقولون: إن الأقرأ لكتاب الله مقدم على العالم كما هو لفظ الحديث، قال: إذا اجتمع من يحفظ القرآن وهو غير عالم وفقيه يحفظ يسيرا من القرآن، قدم حافظ القرآن عندهم، ونحن نقول: يقدم الفقيه. وأجاب المصنف عن الحديث بقوله: (وأقرؤهم كان أعلمهم) ش: يعني في زمان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان أعلم الصحابة أقرأهم م: (لأنهم كانوا يتلقونه) ش: أي القرآن م: (بأحكامه) ش: أي بأحكام القرآن. وفي " المبسوط " وغيره: إنما قدم الأقرأ في الحديث؛ لأنهم كانوا في ذلك يتلقونه بأحكامه، حتى روي أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حفظ سورة البقرة في اثنتى عشرة سنة، فكان الأقرأ فيهم هو الأعلم بالسنة والأحكام. وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: ما كانت تنزل السورة على رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إلا ونحن نعلم أمرها ونهيها، وزجرها، وحلالها وحرامها، والرجل اليوم يقرأ السورة، ولا يعرف من أحكامها شيئا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 فقدم في الحديث، ولا كذلك في زماننا فقدمنا الأعلم. فإن تساووا فأورعهم   [البناية] فإن قلت: لما كان أقرؤهم أعلمهم فما معنى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة» ، وأقرؤهم هو أعلمهم بالسنة في ذلك الوقت لا محالة على ما قالوا. قلت: المساواة في القرآن مع التفاوت في الأحكام، ألا ترى أن أبي بن كعب كان أقرأ وابن مسعود كان أفقه وأعلم، وفي " النهاية ": اشتغل بحفظ القرآن سنة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد وأُبَي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان أعلم وأفقه من عثمان، ولكن كان يعسر عليه حفظ القرآن فجرى كلامه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على الأعم الأغلب. م: (فقدم في الحديث) ش: هذا نتيجة قوله: وأقرؤهم كان أعلمهم أي فقدم الأقرأ في لفظ الحديث المذكور م: (ولا كذلك في زماننا) ش: أي وليس الأقرأ في زماننا أعلم؛ لأن الشخص ربما يكون أقرأ وليس له علم بالكتاب أصلا م: (فقدمنا الأعلم) ش: نتيجة النفي المذكور. فإن قلت: الكلام في الأفضلية مع الاتفاق على الجواز على أي وجه كان، والحديث بصيغته يدل على عدم جواز إمامة الثاني عند وجود الأول؛ لأن صيغته صيغة إخبار وهو في اقتضاء الوجوب آكد من الأمر، وأيضا فإنه ذكره بالشرط والجزاء على طريق الترتيب، فكان اعتبار الثاني إنما كان بعد وجود الأول لا قبله. قلت: صيغة الإخبار لبيان المشروعية، لا أنه لا يجوز غيره؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يمسح المقيم يوما وليلة» . ولئن سلمنا أن صيغة الإخبار محمولة على معنى الأمر يحمل على الاستحباب لوجود الجواز بدون الاقتداء بالإجماع. فإن قلت: لو كان المراد من الإقراء قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يؤم القوم أقرؤهم» هو الأعلم لكان يلزم تكرار الأقرأ في الحديث، ويكون التقدير: يؤم القوم أعلمهم، فإن استووا فأعلمهم. قلت: المراد من قوله: أعلمهم بأحكام كتاب الله دون السنة، ومن قوله: أعلمهم بالسنة أعلمهم بأحكام الكتاب والسنة جميعا، فكان الأعلم الثاني غير الأعلم الأول. فإن قلت: يعارض حديث ابن مسعود المذكور قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مروا أبا بكر يصلي بالناس» إذا كان من هو أقرأ منه للقرآن مثل أبي وغيره وهو أولى. قلت: حديث ابن مسعود كان في أول الهجرة، وحديث أبي بكر كان في آخر الأمر، وقد تفقهوا في القرآن، وكان أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أعلمهم وأفقههم في كل أمره، ألا ترى أن قول أبي سعيد: وكان أبو بكر أعلمنا. واسم أبي مسعود هو عقبة بن عامر الأنصاري. م: (فإن تساووا فأورعهم) ش: فإن تساووا في العلم والقراءة فأولاهم بالإمامة أورعهم، في " البدرية " الورع الاجتناب عن الشبهات، والتقوى الاجتناب عن الحرم، وفي " الكافي ": الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من صلى خلف عالم تقي فكأنما صلى خلف نبي» فإن تساووا فأسنهم؛ «لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لابني أبي مليكة: "وليؤمكما أكبركما سنا» ؛ ولأن في تقديمه تكثير الجماعة.   [البناية] المتقي الذي لا يأكل الربا، والورع: الذي لا يدفع المال بدل الإجارة، والورع ليس في لفظ الحديث في ترتيب الإمام، وإنما فيه بعد ذكر الأعلم، أقدم هجرة، ولكن أصحابنا وأكثر أصحاب الشافعي معنا، ومكان الهجرة الورع؛ لأن الهجرة منقطعة في زماننا، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا هجرة بعد الفتح، وإنما المهاجر من هجر السيئات» فجعلوا الهجرة عن المعاصي مكان تلك الهجرة، فإن هجرتهم لتعلم الأحكام وعند ذلك يزداد الورع. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صلى خلف عالم تقي فكأنما صلى خلف نبي» ش: هذا الحديث غريب ليس في كتب الحديث، لكن روى الطبراني ما في معناه من حديث مرثد بن أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم علماؤكم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم» . ورواه الحاكم في "مستدركه " في فضائل الأعمال عن يحيى بن يعلى به سندا ومتنا، إلا أنه قال: «فليؤمكم خياركم» وسكت عنه. وروى الدارقطني ثم البيهقي في "سننهما" عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين الله تعالى» ، قال البيهقي: إسناده ضعيف، وقال ابن القطان: فيه الحسين بن نصر لا يعرف. م: (فإن تساووا فأسنهم) ش: أي فإن تساووا في القراءة والعلم والورع فأسنهم أولى بالإمامة م: «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لابني أبي مليكة وليؤمكما أكبركما سنا» ش: هذا الحديث قد تقدم في باب الأذان وهو من حديث مالك بن الحارث أخرجه الأئمة الستة، قال: «أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا وصاحب لي فلما أردنا الانتقال من عنده قال لنا: "إذا حضرت الصلاة فأذنا ثم أقيما وليؤمكما أكبركما» وأخرجه الجماعة مطولا ومختصرا. م: (ولأن في تقديمه) ش: أي في تقديم الأسن م: (تكثير الجماعة) ش:؛ لأن رغبة الناس في الاقتداء به أكثر فيكون سببا لتكثير الجماعة، وكلما كثرت الجماعة كان الأجر أكثر، وفي " المحيط و " التحفة ": الأسن من الورع إذا لم يكن فيه فسق؛ لأن الكبير أخشع في الصلاة، وأقرب إلى الإجابة، وأكثر عبادة. وقال النووي: المراد بالسن سن من يصير في الإسلام فلا يقدم شيخ أسلم قريبا على شاب نشأ في الإسلام أو أسلم قبله، وفي " خير مطلوب " و " التحفة ": زاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 ويكره تقديم العبد؛ لأنه لا يتفرغ للتعلم، والأعرابي؛ لأن الغالب فيهم الجهل   [البناية] بعضهم فإن تساووا فأحسنهم خلقا، وزاد بعضهم: فإن تساووا فأحسنهم وجها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار» ، وفي " المحيط ": اعتبر الحسب في المال على الأحسن وجها. وفي " مختصر الجواهر ": يرجح بالفضائل الشرعية والخلقية والمكاتبية وكمال الصورة كالشرف في النسب والسن ويلحق بذلك حسن اللباس، وقيل: ونظافة الوجه وحسن الخلق وتملك رقبة المكان أو منفعته، قال المرغيناني: المستأجر أولى من المالك. وفي " الخلاصة ": فإن تساووا في هذه الخصال يقرع أو الخيار إلى القوم، وقيل: إمامة المقيم أولى من العكس. وقال أبو الفضل الكرماني: هما سواء. وللشافعي قولان في القديم: يقدم الأشرف ثم الأقدم هجرة ثم الأسن وهو الأصح. والقول الثاني: يقدم الأسن ثم الأشرف ثم الأقدم هجرة، وفي "تتمتهم" ثم بعد الكبر والشرف تقدم نظافة الثوب، والمراد النظافة عن الوسخ، والنجاسات؛ لأن الصلاة مع النجاسة لا تصح، ثم بعد ذلك حسن الصوت؛ لأن به تميل الناس إلى الصلاة خلفه فتكثر الجماعة ثم حسن الصورة. وفي " المبسوط " و " المحيط " و " شرح الأقطع " لم تعتبر الهجرة لسقوط وجوبها على جميع الحاضرين، الأفقه والأقرأ والأورع والأسن وصاحب البيت وإمام المسجد. قلت: هذا في الزمان الماضي؛ لأن الولاة كانوا علماء وغالبهم كانوا صلحاء، وفي زماننا أكثر الولاة ظلمة وجهلة. [إمامة العبد والفاسق والأعمى وولد الزنا] م: (ويكره تقديم العبد؛ لأنه لا يتفرغ للتعلم) ش: فيغلب عليه الجهل، وقال مالك: لا يؤتم به في جمعة ولا عيد. وقال الأوزاعي: لا يجوز أن يؤم الأحرار، قلنا: الإمامة أمر ديني فيستوي فيه الحر والعبد، ولهذا جوز الشافعي إمامته بلا كراهة، وقال: الحر أولى. وفي "تتمتهم" تكره إمامته، ووجه الكراهة أن في تقديمه تقليل الجماعة؛ لأن الناس يستنكفون متابعته. م: (والأعرابي) ش: عطف على قوله العبد أي ويكره أيضا تقديم الأعرابي، وهو بفتح الهمزة البدوي، وهو من يسكن البادية عربيا كان أو أعجميا. وفي " الكافي ": ويستحب تقديم العربي؛ لأنه يسكن البدو م: (لأن الغالب فيهم الجهل) ش: وهو معنى: من بدا جفا. فإن قلت: ما وجه رفع الضمير في قوله: فيهم، مع أن المذكور واحد، وإن كان مراده عود الضمير إلى الأعرابي والعبد، وما كان ينبغي أن يقول فيها بضمير التثنية؟ قلت: كان الأولى أن يقول: فيه أو فيهما، ولكن كأنه ينظر إلى أن في الأعرابي معنى الجمع؛ لأنه محلى بالألف واللام فيصدق على كل من يسكن البادية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 والفاسق؛ لأنه لا يتهم لأمر دينه   [البناية] م: (والفاسق؛ لأنه لا يهتم لأمر دينه) ش: فيرد فيه الناس، وفيه تقليل الجماعة، وقال مالك: لا تجوز إمامة الفاسق بلا تأويل كالزاني وشارب الخمر، أما الفاسق بالتأويل كمن يسب السلف الصالح، فعنه فيه روايتان، وعن أحمد: فيه روايتان في جواز الاقتداء به مطلقا أصحهما المنع، وقلنا نحن والشافعي بجواز إمامته؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صلوا خلف كل بر وفاجر» ؛ ولأن ابن عمر وأنسا وغيرهما من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والتابعين صلوا خلف الحجاج الجمعة وغيرها مع أنه كان أفسق أهل زمانه. وروي أن الحجاج كان يخطب يوم الجمعة، فأطال الجمعة حتى كاد يدخل وقت العصر فقام ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وقال: أقصر يا مكار هداك الله، فلما فرغ الحجاج دعا ابن عمر ليقتله وقال: أما تخشى أن الله يسلطني على مالك ودمك فأهريقه، أو على نفسك فأخترمها، فقال ابن عمر: أما يكفيني أني صليت خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخلف أبي بكر وعمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والآن أصلي خلفك، وأنت من أفسق الناس. وأما وجه الكراهية فلما قلنا؛ ولهذا قال أصحابنا: لا ينبغي أن يقتدى بالفاسق إلا في الجمعة؛ لأن في سائر الصلوات يجد إماما غيره بخلاف الجمعة، وكان ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يصلي خلف الوليد بن عقبة في صلاة الجمعة وسائر الصلوات، وكان الوليد واليا بالكوفة وكان فاسقا حتى صلى بالناس يوما وهو سكران، كذا في " شرح الإرشاد ". وفي " المحيط ": لو صلى خلف فاسق أو مبتدع يكون محرزا ثواب الجماعة؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صلوا خلف كل بر وفاجر» . وأما لا ينال ثواب من صلى خلف التقي، ثم الفاسق إذا كان يؤم، وعجز القوم عن منعه تكلموا فيه، قيل: يقتدى به في صلاة الجمعة، ولا يترك الجمعة بإمامته، أما في غيرها من المكتوبات فلا بأس بأن يتحول إلى مسجد آخر، ولا يصلي خلفه ولا يأثم بذلك، وفي " المجتبى " و" المبسوط ": يكره الاقتداء بصاحب البدعة، وفي " شرح بكر " فأصل الجواب أن من كان من أهل قبلتنا، ولم يعمل بقوله لم يحكم بكفره، وتجوز الصلاة خلفه، وإن كان يكفي حتى يكفر أهلها؛ كالجهمي والقدري الذي قال بخلق القرآن، والرافضي الغالي الذي ينكر خلافة أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والمشبهة لا تجوز، وبه قال أكثر أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال القفال ومن تابعه: يجوز الاقتداء بهم وأنهم لا يكفرون وهو ظاهر مذهب الشافعي كذا في " شرح الوجيز "، وعن أبي يوسف: من اتخذ من هذه الأهواء شيئا فهو صاحب بدعة. وروى محمد عن أبي حنيفة، وأبي يوسف أن الصلاة خلف أهل الأهواء لا تجوز. أما الصلاة خلف الشافعي إذا انحرف عن القبلة لا يجوز، أو لم يتوضأ من الخارج من غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 والأعمى؛ لأنه لا يتوقى النجاسة، " وولد الزنا؛ لأنه ليس له أب يثقفه فيغلب عليه الجهل؛ ولأن في تقديم هؤلاء تنفير الجماعة، فيكره وإن تقدموا جاز؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صلوا خلف كل برّ وفاجر» .   [البناية] السبيلين، أو لم يغسل المني الذي هو أكثر من الدرهم لا تجوز على الأصح، وإلا فتجوز، وقيل: لكنه يكره، وقال أبو يوسف: لا تجوز الصلاة خلف المتكلم وإن تكلم بحق، وقال ابن حبيب من المالكية: من صلى وراء من شرب الخمر يعيد أبدا إلا أن يكون واليا. وقال أبو بكر: من صلى خلف الفاسق من غير تأويل يعيد أبدا، وتكره إمامة الخصي والأقلف والمأبون وولد الزنا، وعند الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين تصح الصلاة خلف الفاسق، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يؤمهم صاحب خصومة في الدين، ولو صلى خلفهم جازت. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - من طلب الدين بالخصومات دعي زنديقا، ومن طلب الكساد دعي زعليا، ومن طلب غريب الحديث دعي كذابا، ولا بأس بأن يصلى وراء من في يديه تصاوير، وقيل: إن كانت مكشوفة يكره. وفي " الفتاوى الظهيرية ": لا تصح إمامة الأحدب للقائم هكذا ذكره محمد بن شجاع في " النوازل "، وقيل: يجوز والأول أصح. وفي " الذخيرة ": ويؤم الأحدب القائم، كما يؤم القاعد القائم، ولا يؤم الراكب النازل. م: (والأعمى) ش: عطف على قوله: والأعرابي أي: ويكره أيضا تقديم الأعمى م: (لأنه لا يتوقى النجاسة) ش: أي لا يتحفظ على النجاسة ولا يهتدي إلى القبلة، ولا يقدر على استيعاب الوضوء في أعضاء الطهارة غالبا، وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كيف أؤمهم وهم بعيد، يعني إلى القبلة، وقال القاضي من الحنابلة: هو كالبصير إذ هو أخشع في الصلاة، قال: البصير يشغله ما يراه وقد ينظر إلى ما لا يحل. وفي " المحيط ": إذا لم يوجد غيره من البصير فهو أولى بالإمامة. وفي " البدائع " إذا كان لا يوازيه غيره في الفضل في المسجد فهو أولى. م: (وولد الزنا) ش: عطف على قوله: والأعمى، أي: ويكره أيضا تقديم ولد الزنا م: (لأنه ليس له أب يثقفه) ش: أي يؤدبه ويعلمه فيبقى على ما حمل جاهلا م: (فيغلب عليه الجهل) ش: وبقولنا قال الشافعي ومالك، وقال أحمد: لا يكره، ورواه ابن المنذر عن مالك واختاره. م: (ولأن في تقديم هؤلاء) ش: هذا دليل ثان يشتمل الكل، أي ولأن في تقديم العبد والأعرابي والفاسق والأعمى وولد الزنا م: (تنفير الجماعة فيكره) ش: لأن القوم يؤذون بهم ولا يرضون بهم أئمة فيكره. وفي " المجتبي " والمراد من الكراهة في هذا الموضع كراهة تنزيه، فإنه قال محمد في الأصل: إمامة غيرهم أحب إلي، وأما الجواز فلا كلام فيه أشار إليه بقوله: م: (وإن تقدموا جاز؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا خلف كل بر وفاجر» ش: وهذا الحديث أخرجه الدارقطني في "سننه " عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 ولا يطول الإمام بهم الصلاة؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من أم قوما فليصل بهم صلاة أضعفهم، فإن فيهم المريض والكبير وذا الحاجة» ، ويكره للنساء أن يصلين وحدهن الجماعة   [البناية] رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلوا خلف كل بر وفاجر، وجاهدوا مع كل بر وفاجر» . قال الدارقطني: مكحول لم يسمع من أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن دونه ثقات، ومن طريق الدارقطني رواه ابن الجوزي في " العلل المتناهية "، وأعله بمعاوية بن صالح مع ما فيه من الانقطاع وتعقبه ابن عبد الهادي، وقال: إنه من رجال الصحيح، وجه الاستدلال بهذا الحديث في حق الفاسق ظاهر، وفي حق العبد والأعمى يتمسك بدلالته؛ لأنه لما جوز الاقتداء بالفاسق مع الموجب للتميز، فيجوز في حقهما بالطريق الأولى ونقول: كل واحد منهما لا يخلوا إما أن يكون برا أو فاجرا، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جوز الاقتداء بكل منهما. [تخفيف الإمام في الصلاة] م: (ولا يطول الإمام بهم الصلاة) ش: أي بالجماعة م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أم قوما فليصل بهم صلاة أضعفهم، فإن فيهم الكبير والمريض وذا الحاجة» ش: هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من حديث الأعرج عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء» وفي لفظ لمسلم: «الصغير والكبير والضعيف والمريض» . وروى البخاري أيضا «من حديث أبي مسعود الأنصاري فقال: يا رسول الله لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بها فلان، فقال: فما رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في موعظة أشد غضبا من يومئذ، ثم قال: "يا أيها الناس إن منكم منفرين، من صلى بالناس فليخفف، فإن فيهم الكبير والصغير وذا الحاجة» "، فهذا يدل على أن الإمام ينبغي له أن يراعي حال قومه، وهذا لا خلاف فيه. [إمامة المرأة للنساء في صلاة الجماعة] م: (ويكره للنساء أن يصلين وحدهن الجماعة) ش: الكلام في هذا الموضع على وجوه: الأول: قال السغناقي في اللفظ صورة المناقضة، حيث ذكر الوحدة مع كونهن جماعة، ثم أجاب عن هذا بقوله: لكن المراد من الوحدة توحدهن عن الرجال، وهن في أنفسهن جماعة النساء. قلت: لا مناقضة فيه، ولا يصدق حد عليه؛ لأن المعنى: ويكره للنساء المنفردات عن الرجال أن يصلين بجماعة عنهن. الثاني قال الأترازي وهذا عندنا وعند الشافعي يستحب لنا أنها لو كانت مستحبة لبينها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتكون جماعتهن بدعة ويكره. قلت: قول الشافعي هو قول الأوزاعي والثوري وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وحكاه ابن المنذر عن عائشة وأم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فإذا كان كذلك فكيف تكون جماعتهن بدعة؟ والبدعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 لأنها لا تخلو من ارتكاب المحرم وهو قيام الإمام وسط الصف فيكره كالعراة   [البناية] اسم لإحداث أمر لم يكن في زمان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد روى أبو داود في "سننه " في باب إمامة النساء من «حديث أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث بن نوفل، وفيه كانت قد قرأت القرآن فاستأذنت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تتخذ في دارها مؤذنا، فأذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها» . وروى عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: تؤم المرأة النساء تقوم في وسطهن. وروى ابن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمار الدهني، عن امرأة من قومه اسمها حجيرة، قالت: أمتنا أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قائمة وسط النساء. حدثنا وكيع عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها كانت تؤم النساء تقوم معهن في وسطهن. وروت عظمة الحنفية قالت: أمتنا عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقامت بينهن في الصلاة المكتوبة، رواه الدارقطني وهو حجة على الشعبي والنخعي حيث قال: تؤمهن في النفل دون الفرض، وشذ أبو ثور والمزني ومحمد بن جرير الطبري فأجازوا إمامة النساء على الإطلاق للرجال والنساء. وعن سليمان بن بشار والحسن البصري ومالك: لا تؤم المرأة أحدا في فرض أو نفل. الثالث: قول المصنف في كراهته جماعة النساء: م: (لأنها لا تخلو عن ارتكاب المحرم وهو قيام الإمام وسط الصف) ش: فكيف يكون قيام الإمام وسطهن محرما، وقد فعلته عائشة وأم سلمة، وروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على ما ذكرناه الآن، وأيضا فلقائل أن يقول: ارتكاب المحرم فيه في حق الرجال دون النساء، إذ لو كان مطلقا لما كان يجوز الصلاة. الرابع: قوله: م: (فيكره) ش: يعني إذا كان الأمر كذلك يكره فعلهن الجماعة وكيف يكره، وقد ذكر في " المحلى ": صلت عائشة بهن المغرب جهرت بالقراءة، وصلت أم سلمة العصر. الخامس: قوله: م: (كالعراة) ش: هو جمع عار كالقضاة جمع قاض، والتشبيه فيه من كل الوجوه ظاهر، ولكن كلام الشارح يختلف في وجه الشبه، فقال تاج الشريعة: يعني يكره للعراة الجماعة؛ لأنها لا تخلو عن مباشرة إحدى الروايتين. أما قيام الإمام وسط الصف، أو زيادة الاطلاع على العورات كما هاهنا، وقال السغناقي قوله: فيكره كالعراة، وفي العراة عندنا أن يصلوا وحدانا قعودا بإيماء، وإنما أمرناهم بترك الجماعة لتشاغل بعضهم عن بعض، ولا يقع بصر بعضهم على عورة البعض؛ لأن الستر يحصل، وإن الأولى لإمامهم إذا صلوا الجماعة أن يقوم وسطهن؛ لئلا يقع بصرهم على عورته، وإن تقدمهم جاز أيضا، وحالهم في هذا الموضع كحال النساء في الصلاة، فالأولى أن يصلين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 فإن فعلن قامت الإمام وسطهن؛ لأن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فعلت كذلك، وحمل فعلها الجماعة على ابتداء الإسلام   [البناية] وحدهن، وإن صلين بجماعة قامت إمامتهن وسطهن، وإن تقدمن جاز فكذلك حال العراة، وكلام الأكمل هاهنا قريب منه بل أخذ منه. وقال الأترازي: قوله: فيكره كالعراة، أي تكره جماعة النساء كجماعة العراة، وقال صاحب " الدراية ": التشبيه بالعراة ليس من كل الوجوه بل في أفضلية الأذان وأفضلية قيام الإمام وسطهن، وأما العراة فيصلون قعودا وهو أفضل من صلاة النساء قائمات. قلت: المصنف جعل العراة مشبها به، وتاج الشريعة عكس فيه، وجعل وجه التشبيه الحرمة، والسغناقي جعله في الأفضلية، وصاحب " الدراية " كذلك ولكنه زاد في الأفضلية الأذان أيضا، والأترازي جعله في الكراهة. السادس: قوله: م: (وإن فعلن قامت الإمام وسطهن) ش: فيه تناقض وهو أنه أولا قال: قيام الإمام وسط الصف ارتكاب محرم، فعلم منه عدم جواز صلاتهن بالجماعة، وهنا يقول بجواز ذلك، ويمكن أن يجاب عنه بأن يكون المراد بالحرمة أيضا هنا اللغوي وهو المنع، ووجه الكراهة لا يمنع ذلك الجواز مع الكراهة. فإن قلت: كيف قال: قامت الإمام، بتاء تأنيث الفعل. قلت: قال المطرزي في " المغرب ": الإمام من يؤم به أي يقتدى به ذكرا كان أو أنثى، ومنه قامت الإمام في وسطهن، وفي بعض النسخ: فإن فعلن قامت الإمامة وسطهن، وهو غير صواب؛ لأن لفظة الإمام اسم لا وصف. قوله: م: (وسطهن) ش: بسكون السين؛ لأنه ظرف بخلاف جلست وسط الدار بالفتح، وكل موضع صلح فيه بين فهو ساكن، وما لا يصلح فهو بالفتح ومنه يشد في وسطه الهميان. وقال الأزهري: كل ما كان يبين بعضه من بعض كوسط القلادة والصف والسبحة فهو بالإسكان وما كان منضما لا يبين كالدار والساحة فهو بالفتح، وأجازوا في المفتوح الإسكان ولم يجيزوا في الساكن الفتح. السابع: قوله: م: (لأن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فعلت كذلك) ش: أي صلت بجماعة النساء، وقامت وسطهن وقد ذكرناه عن قريب، وروى محمد بن الحسن في كتاب " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنها كانت تؤم النساء في شهر رمضان فتقوم وسطا، وقد ذكرنا عن أم سلمة أيضا، وفيه أيضا رد على الأترازي حيث قال: إنها بدعة، وعلى المصنف أيضا في أنها ارتكاب المحرم. الثامن: قوله: م: (وحمل فعلها الجماعة على ابتداء الإسلام) ش: قال الأترازي: أي حمل فعل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 ولأن في التقدم زيادة الكشف.   [البناية] عائشة الجماعة على ابتداء الإسلام يعني كان ذلك ثم نسخ حين أمرن بالوقار والقرار في البيوت، وهذا جواب سؤال مقدر بأن يقال: لما فعلت عائشة الجماعة دل على أنها مستحبة فلا يكره. فأجاب عنه وقال: وحمل ذلك على ابتداء الإسلام. قلت: هذا كلام من لم يطلع في كتب القوم، وأمضى فيه لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أقام بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة كما رواه البخاري ومسلم ثم تزوج عائشة بالمدينة وبنى بها وهي بنت تسع وبقيت عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسع سنين، وما صلت إماما إلا بعد بلوغها، فكيف يستقيم حمله على ابتداء الإسلام، وتصدى الأكمل للجواب عن هذا وقال: يجوز أن يكون المراد بابتداء الإسلام ما قبل بيان الانتساخ، فإنه ابتدأ بالنسبة إليه. قلت: هذا أبعد من الأول؛ لأن هذا لم يكن في ابتداء الإسلام على ما دلت عليه الأخبار المذكورة، فإذا كان كذلك كيف يحمل هذا على ما قبل الانتساخ. التاسع: قوله: م: (ولأن في التقدم زيادة الكشف) ش: هذا الدليل توكيد يمنع المتقدم بالنسبة؛ لأنه بين بالنسبة في الأصل لا بالتعليل، واعترض عليه بأن المرأة إذا كانت لابسة من فوقها إلى قدمها، ولم يكن بينهن أحد من الرجال، فإن التقدم يكره مع أنه لا كشف فيها، فلو كانت الكراهية لزيادة الكشف ينبغي أن يجوز هناك لانعدام العلة. فأجاب عنه الأكمل أخذا من كلام السغناقي بما ملخصه: أن ذلك نادر لا حكم له على أن ترك التقديم بالسنة والتعليل لا يضاهيها. قلت: لا نسلم أنه نادر؛ لأن المرأة شأنها التستر في كل الأحوال ولا سيما في الصلاة خصوصا إذا أمت، فإنها تحترز عن انكشاف شيء من أعضائها غاية الاحتراز، فحينئذ لا يوجد كشف أصلا فضلا عن زيادته وقوله: على أن يترك التقدم.. إلى آخره، فيه نظر لأنه لم يبين النسبة التي دلت على ترك التقدم. وقال الأكمل: وهنا بحث من أوجه، وذكر منها: أن المذهب عندنا أن انتفاء صفة الوجوب تستلزم انتفاء صفة الجواز، ثم أجاب عنه بما حاصله أن الجواز ليس بمنسوخ بالإجماع، وإنما المنسوخ هو كون جماعتهن سنة وفيه نظر؛ لأن من ادعى النسخ فعليه البيان. وقال صاحب " الدراية ": ولأن جماعتهن لو كانت مشروعة لزم تركها ولشاعت كما شاعت جماعة الرجال على أنها من الشعائر فيختص بالأذان والخطب والجمع والأعياد؛ ولأن جماعتهن لا تخلو عن ارتكاب محرم؛ لأن في التقدم زيادة كشف، وفي الوسط تركه القيام وكل ذلك حرام. أما زيادة الكشف؛ فلقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] (النور: الآية 31) ، وأما ترك القيام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 ومن صلى مع واحد أقامه عن يمينه   [البناية] فلأنه خلاف السنة؛ لأنه لم يعمل به النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ولا واحد من الصحابة. وأما حديث أم ورقة ورايطة كان في ابتداء الإسلام أو تعلما للجواز مع أن في حديث أم ورقة مقالا عند أهل الحديث. قلت: هذا كله مخدوش، أما قوله: لو كانت جماعتهن مشروعة كره تركها، فغير سديد؛ لأنه لا يلزم من كون الشيء مشروعا أن يكره تركه؛ لأن هذا ليس بكلي، فإن المشروع إذا كان فرضا يكون تركه حراما، وإن سنة يكون تركه مكروها، وإن كان ندبا يجوز تركه ولا يكره. وأما قوله: فتختص بالأذان.. إلخ. فيرده ما رواه الحاكم في " المستدرك " عن عبد الله بن إدريس عن عطاء عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء فتقوم وسطهن. وأما قوله: وكل ذلك حرام، غير مسلم؛ لأن الحرمة غير مقتصرة على زيادة الكشف. وأما قوله: فلأنه خلاف السنة، مردود؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها كما ذكرنا من رواية أبي داود، وفي الحديث وجعل لها مؤذنا يؤذن لها، وقال عبد الرحمن بن خلاد: فأنا رأيت مؤذنها شيخا كبيرا. وقوله: ولا واحد من الصحابة مردود، فإنا ذكرنا عن عائشة وأم سلمة بأنهما فعلتا ذلك. وقوله: مع النساء في حديث أم ورقة مقالا، إشارة إلى ما قاله المنذري في "مختصره " لسنن أبي داود في سنده الوليد بن جميع وفيه مقال ولا يضره ذلك، فإن مسلما أخرج له وكفى هذا في عدالته وصدقه. فإن قلت: قد قال ابن بطال في كتابه: الوليد بن جميع، وعبد الرحمن بن خلاد لا يعرف حاليهما. قلت: ذكرهما ابن حبان في " الثقات " فالحديث إذا صحيح. فإن قلت: أخرج ابن عدي في " الكامل " وأبو الشيخ الأصبهاني في كتاب "الأذان" من حديث أسماء بنت أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «ليس على النساء أذان ولا إقامة ولا جمعة ولا اغتسال، ولا تقدمهن امرأة ولكن تقوم وسطهن» ". قلت: في سنده الحاكم بن عبد الله قال ابن معين: ليس بثقة ولا مأمون. وعن البخاري: تركوه، وعن النسائي: متروك الحديث، وكان ابن المبارك يوهنه، وأنكر ابن الجوزي هذا الحديث في كتابه " التحقيق " ولا يعرف مرفوعا إنما هو شيء يروى عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي. [موقف الإمام والمأموم في الصلاة] م: (ومن صلى مع واحد أقامه عن يمينه) ش: مساويا له وهو قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابنه وعروة بن الزبير، وبه قال الثوري والأوزاعي ومالك وإسحاق وعن الشافعي: يستحب أن يتأخر عن الإمام قليلا، وعن سعيد بن المسيب أنه يقيمه عن يساره، وفيه قول رابع مروي عن النخغي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 «لحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى به وأقامه عن يمينه» ولا يتأخر عن الإمام، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يضع أصابعه عند عقب الإمام والأول هو الظاهر، فإن صلى خلفه أو في يساره جاز وهو مسيء؛ لأنه خالف السنة   [البناية] أنه يقوم خلفه إلى أن يركع، فإذا جاء أخذ الإمام عن يمينه. م: (لحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى به وأقامه عن يمينه» ش: حديث ابن عباس أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن كريب مولى ابن عباس. قال: «نمت عند خالتي ميمونة فقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الليل، فأطلق القربة فتوضأ ثم أوكأ القربة، ثم قام إلى الصلاة فقمت وتوضأت كما توضأ، ثم جئت فقمت عن يساره، فأخذني جنبه فأدارني من ورائه فأقامني عن يمنيه، فصليت معه» . أخرجوه مختصرا ومطولا. فإن قلت: كيف يجوز أداء النفل بالجماعة وإنه بدعة. قلت: أداء النفل بالجماعة بلا أذان ولا إقامة بواحد أو اثنين، يجوز على أنا نقول: التهجد كان فرضا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيكون اقتداء المتنفل بالمفترض مع أن ابن عباس كان صبيا فلا يكون مخالطا. م: (ولا يتأخر عن الإمام) ش:؛ لأن التأخر خلاف السنة، وإن كان المقتدي أطول وسجوده قدام الإمام لا يضره؛ لأن العبرة بموضع الوقوف، كما لو وقف في الصف فوقوع سجود الإمام يطوله. م: (وعن محمد أنه يضع أصابعه عند عقب الإمام) ش: كما هو المشهور من عمل العامة م: (والأول هو الظاهر) ش: أي قيام المقتدي عن يمين الإمام بدون التأخر هو ظاهر الرواية ووجهه حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. م: (فإن صلى خلفه أو في يساره جاز وهو مسيء) ش: أي وإن صلى المقتدي خلف الإمام أو عن يساره، والحال أنه وحده جاز والحال أنه مسيء أي فاعل فعل السيئ م: (لأنه خالف السنة) ش: وهو ما ذكر حديث ابن عباس آنفا، وعن شيخ الإسلام من مشايخنا من قال: الجواب في الفصلين وهو ما لو قام عن يساره أو خلفه واحد؛ لأنه ترك السنة في القيام فيكون مكروها. ومنهم من فرق وقال: لا يكون عن يساره إذا قام خلفه؛ لأنه لا يصير تاركا للسنة من كل وجه؛ لأنه عمل به واحد من الصحابة وهو ابن عباس فإنه قام خلفه، ودعا له بالفقه والعلم، وعند أحمد لو وقف على يساره تبطل صلاته، وقال أحمد: لو كان اثنان وكان أحدهما صبيا فوقفا عن يمينه فلا بأس به، ولو وقفا خلفه توقف أحمد، وأكثرهم على أنه لا يصح بل الصبي يقف على يساره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 وإن أم اثنين تقدم عليهما، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتوسطهما، ونقل ذلك عن عبد الله ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولنا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تقدم على أنس واليتيم حين صلى بهما   [البناية] م: (وإن أم اثنين تقدم عليهما) ش: أي وإن أم رجلين تقدم عليهما وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يتوسطهما) ش: أي الإمام يتوسط اثنين؛ لأن الاصطفاف خلف الإمام سنة الجماعة والاثنين ليسا بجماعة حقيقة. م: (ونقل ذلك عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي نقل التوسط بين الاثنين عن عبد الله بن مسعود، هذا موقوف على ابن مسعود كما ترى، وقد رواه مسلم من ثلاث طرق ولم يرفعه في الأوليين ورفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال فيه: «هكذا فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -. وقال الترمذي في "جامعه " عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود فقام بينهما، قال: ورواه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال أبو عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذا الحديث لا يصح رفعه، والصحيح عندهم التوقيف على ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود، وقال الحارثي: حديث ابن مسعود منسوخ وأراد به الحديث الذي أخرجه مسلم عنه في "صحيحه "، وعن إبراهيم «عن علقمة والأسود أنهما دخلا على عبد الله فقال: أصلي من خلفكم؟ قالا: نعم، فقام بينهما فجعل أحدهما بيمينه، والآخر عن شماله، ثم ركعنا فوضعنا أيدينا على ركبتينا، ثم طبق بين يديه، ثم جعلهما بين فخذيه، فلما صلى قال: هكذا فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» - لأنه إنما تعلم هذه الصورة من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة وفيهما التطبيق وأحكام أخرى وهي متروكة، وهذا الحكم من جملتها، ولما قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة تركه. فإن قلت: ما أجاب المصنف عن حديث ابن مسعود هذا. قلت: أجيب بثلاثة أجوبة. الأول: أن ابن مسعود لم يبلغه حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الآتي ذكره عقيب هذا الحديث. والثاني: أنه قال لضيق المسجد وبعذر آخر لا على أنه من السنة. والثالث: ذكر البيهقي في " المعرفة «أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي وأبو ذر عن يمينه كل واحد يصلي لنفسه، فقام ابن مسعود خلفهما فأومأ إليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشماله فظن عبد الله أن ذلك سنة الموقف، ولم يعلم أنه يؤمهما وعلمه أبو ذر حتى قال فيما روي عنه يصلي كل رجل منا لنفسه» . م: (ولنا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تقدم على أنس واليتيم حين صلى بهما» ش: وهذا الحديث أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه عن مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة «عن أنس بن مالك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 فهذا للأفضلية والأثر دليل الإباحة. ولا يجوز للرجال أن يقتدوا بامرأة أو صبي، أما المرأة فلقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أخروهن من حيث أخرهن الله» ، فلا يجوز تقديمها   [البناية] أن جدته مليكه دعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لطعام صنعته فأكل منه ثم قال: "قوموا فلأصل لكم" [قال أنس:] فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبث فنضحته بماء، فقام رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وقمت أنا واليتيم من ورائه والعجوز وأنس وراءنا فصلى بنا ركعتين ثم انصرف» واليتيم هو ضمير بن أبي ضميرة مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - له ولأبيه صحبة، وقيل: اليتيم أخو أنس لأبيه واسمه ضمير واليتيم علم غالب له كالنجم للثريا. وقال أبو عمر: قوله: جدته مليكة، والضمير عائد على إسحاق وهي جدة إسحاق أم أبيه عبد الله بن أبي طلحة، وهي أم سليم بنت ملحان زوج أبي طلحة الأنصاري، وهي أم أنس بن مالك، وقال غيره: الضمير يعود إلى أنس وهو القائل: إن جدته، وهي جدة أنس بن مالك أم أمه واسمها مليكة بنت مالك بن عدي، ويؤيد ما قال أبو عمر أن في بعض طرق الحديث أن أم سلمة سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يؤمها، أخرجه النسائي عن يحيى بن سعيد، عن إسحاق بن عبد الله فذكره وأم سليم وهي أم أنس جاء ذلك مصرحا في البخاري. م: (فهذا دليل للأفضلية) ش: أي فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تقدمه على الاثنين دليل الأفضلية م: (والأثر دليل الإباحة) ش: أراد بالأثر الذي رواه أبو يوسف عن ابن مسعود. فإن قلت: لم يعكس قلت: ترجيحا لفعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على فعل غيره. 1 - فروع: ولو قام واحد بجنب الإمام وخلفه صف يكره بالإجماع، كذا في " شرح الإرشاد "، وفي " المجتبى ": السنة أن يقوم في المحراب ليعدل الطرفين ولو قام في أحد جانبي الصف يكره، ولو كان المسجد الصيفي بجنب الشتوي، وإملاء المسجد ليقوم الإمام في جانب الحائط يستوي القوم من جانبيه، والأصح ما روي عن أبي حنيفة أنه قال: أكره أن يقوم الإمام بين الساريتين، وفي رواية: أو ناحية المسجد أو إلى سارية؛ لأنه خلاف لعمل الأمة، ومتى استوى جانباه يقوم عن يمين الإمام إن أمكنه وإن وجد في الصف فرجة سدها ولا ينتظر حتى يجيء آخر فيقفان خلفه، ولو لم يجد عالما يقف خلف الصف بحذاء الإمام للضرورة، ولو وقف منفردا بغير عذر تصح صلاته عندنا، وعند الشافعي ومالك. وقال أحمد وأصحاب الحديث: لا تصح صلاته واحتجوا بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا صلاة للمنفرد خلف الصف» ، ولنا حديث أنس واليتيم والعجوز، وقد جوزوا اقتداءها وهي منفردة خلف الصف، وما رواه من الحديث المذكور أريد به نفي الكمال. [إمامة المرأة والصبي في الصلاة] م: (ولا يجوز للرجال أن يقتدوا بامرأة ولا صبي، أما المرأة فلقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أخروهن من حيث أخرهن الله، فلا يجوز تقديمها» ش: هذا غير مرفوع، وهو موقوف على عبد الله بن مسعود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه " عن سفيان الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن ابن مسعود، ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في "معجمه " ولم أر أحدا من شراح " الهداية " تعرض لحال هذا الخبر، وكتب أصحابنا معتبرة، وذكره الكبائر أي من الشافعية في كتاب بعض ما تفرد به أحمد بن حنبل، وذكره أيضا ابن قدامة في " المغني " وابن حزم في " المحلى "، وجه الاستدلال بقوله: من حيث أخرهن الله، ما قال أبو زيد في " الأسرار ": إن حيث عبارة عن المكان ولا مكان يجب تأخرهن فيه إلا مكان الصلاة، وقيل: يجوز أن يكون حيث للتعليل يعني كما أخرهن الله تعالى في الشهادة والإرث والسلطنة وسائر الولايات. قلت: أصل حيث أنه ظرف مكان مضاف إلى الجملة تقول: اجلس حيث الأمير جالس، وحيث جلس الأمير، وقد يضاف إلى المفرد كقول الشاعر: تمضي المواضي حيث لي العمائم .... .... قال أبو الفتح: من أضاف حيث إلى المفرد أعربها، ومن ذلك ضبط بعضهم، أما ترى حيث سهيل طالعا، بفتح ثاء حيث وخفض سهيل، وأصله حيث سهيل بضم الثاء ورفع سهيل، والخبر محذوف أي موجود إذا اتصلت بها ما النافية فضمنت معنى الشرط وجزمت الفعلين، وفيه ست لغات بالحركات الثلاث وبالواو معها، ومن العرب من يعرب حيث، وعليه قراءة من قرأ {من حيث لا يعلمون} [الأعراف: 182] بالكسر وهي للمكان اتفاقا. وقال الأخفش: وقد ترد للزمان، أقول في الخبر أمرا تبركا بتأخيرهن من حيث العام في الصلاة؛ لعدم وجوب تأخيرهن خارج الصلاة إجماعا، وحيث تأخيرهن في الصلاة إظهار لتعيينهن في الجماعة؛ لأن الرجال هم الأصول في إقامة الجماعة، فإن جماعة النساء ليست مستحبة عن الانفراد. وعند الشافعي: دون استحباب الرجال والرجل هو المخاطب بالتأخير، فإذا ترك ما هو يخاطب به فسدت صلاته كما لو تقدم على إمامه. يظهر من هذا كله أنه أمر بتأخيرها وهو نهي عن الصلاة خلفها وإلى جانبها أيضا، والنهي يقتضي فساد المنهي؛ ولأن في تأخيرها صيانة للصلاة عن الفساد، وهي واجبة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] (محمد: الآية 33) ، وإليه أشار المصنف بقوله: فلا يجوز تقديمها، هذه نتيجة قوله: ولا يجوز أن يقتدوا بامرأة، تقدير الكلام: لما جاء الأمر بتأخيرها فلا يجوز تقديمها، فلم يجز الاقتداء بها. وفي الأترازي: فإن قيل: هذا الحديث خبر الواحد وبمثله ثبت الوجوب لا الفرض فلا تفسد الصلاة بتركه. قلنا: هذا حديث مشهور تثبت الفرضية به، فتركه مفسد، وفي " المجتبى ": يمسك في المسألة بالإجماع، والمراد به إجماع المجتهدين، لأنه حكي عن ابن جرير الطبري أنه يجوز إمامتها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 وأما الصبي فلأنه متنفل، فلا يجوز اقتداء المفترض به، وفي التراويح والسنن المطلقة جوزه مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ولم يجوزه مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ومنهم من حقق الخلاف في النفل المطلق بين أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - والمختار أنه لا يجوز في الصلوات كلها؛ لأن نفل الصبي دون نفل البالغ.   [البناية] بالتراويح إذا لم يكن هناك قارئ غيرها. م: (وأما الصبي فلأنه متنفل) ش: أي وأما عدم جواز الاقتداء بالصبي فلأنه متنفل والذي يقتدي به مفترض م: (فلا يجوز اقتداء المقترض به) ش: أي بالمتنفل؛ لأن صلاة الإمام متضمنة صلاة المقتدي صحة وفسادا، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الإمام ضامن» ولا شك أن الشيء إنما يتضمن ما هو دونه لا ما هو فوقه، فلم يجز اقتداء البالغ بالصبي لهذا، وبه قال الأوزاعي والثوري ومالك وأحمد وإسحاق، وفي النفل روايتان. وقال ابن المنذر: وكرهها عطاء والشعبي ومجاهد، وقال الحسن والشافعي: تصح إمامته، وفي الجمعة له قولان، قال في " الأم ": لا تجوز، وقال في " الإملاء ": تجوز لما روى البخاري عن عمرو بن سلمة قال: «أممت على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا غلام ابن ست سنين أو ابن سبع سنين» وسلمة صحابي، والأشهر أن عمرا لم يسمع من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولم يرو عنه، وقال الخطابي: كان الحسن يضعف حديث عمرو بن سلمة، وقال مرة: دعه ليس بشيء بين. وقال أبو داود: وقيل لأحمد حديث عمرو قال: لا أدري ما هذا، فلعله لم يتحقق بلوغ أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: وقد خالفه أمثال الصحابة، وقد قال عمرو: كنت إذا سجدت خرجت استي، وهذا غير بالغ، والعجيب أنهم لم يجعلوا قول أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وكبار الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وأفعالهم حجة، واستدلوا بفعل [صبي] عمره ست سنين، ولا يعرف فرائض الوضوء والصلاة، فكيف يتقدم في الإمامة؟ ومنعه أحوط في الدين، وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يؤم الغلام حتى يحتلم، وعن ابن مسعود: لا يؤم الغلام الذي لا تجب عليه الحدود، رواهما الأثرم في "سننه ". [إمامة الصبي في النوافل كالتراويح ونحوها] م: (وفي التراويح والسنن المطلقة) ش: السنن الرواتب قبل الفرائض وبعدها م: (جوزه) ش: أي الاقتداء بالصبي م: (مشايخ بلخ ولم يجوزه مشايخنا) ش: أي ولم يجوز الاقتداء بالصبي علماء أهل بخارى وسمرقند. م: (ومنهم) ش: أي ومن مشايخ بخارى وسمرقند م: (من حقق الخلاف في النفل المطلق بين أبي يوسف ومحمد) ش: فقال عند أبي يوسف: لا يجوز الاقتداء، وعند محمد يجوز م: (والمختار) ش: أي للفتوى م: (أنه) ش: أي أن الاقتداء بالصبي م: (لا يجوز في الصلوات كلها؛ لأن نفل الصبي دون نفل البالغ) ش:؛ لأن نفل البالغ مضمون حيث يجب القضاء إذا أفسده، ونفل الصبي غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 حيث لا يلزمه القضاء بالإفساد بالإجماع، ولا يبني القوي على الضعيف، بخلاف المظنون؛ لأنه مجتهد فيه، فاعتبر العارض عدما، وبخلاف اقتداء الصبي بالصبي؛ لأن الصلاة متحدة ويصف الرجال، ثم الصبيان، ثم النساء؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى»   [البناية] مضمون م: (حيث لا يلزمه القضاء بالإفساد بالإجماع) ش: فيكون نفل الصبي دون نفل البالغ فلا يجوز أن يكون الأدنى متضمنا للأعلى. م: (ولا يبني القوي على الضعيف) ش: لأن نفل البالغ القوي حيث يلزمه بالشروع، ونفل الصبي ضعيف حيث لا يلزمه بالشروع، وعلى هذا لا يجوز الاقتداء به أيضا في النفل. م: (بخلاف المظنون) ش: هذا جواب عن قياس مشايخ بلخ عن المظنون وتقديره قياس اقتداء البالغ بالصبي على الاقتداء بالظان فاسد، صورة المظنون أن يقتدي المتنفل بمن يصلي صلاة عليه يجوز الاقتداء، وإن كانت غير مضمونة بالقضاء عندنا، لأنه شرع فيه على قصد التزام فرض آخر عليه، وصورة أخرى شرع في صلاة على ظن أنها عليه فاقتدى به متنفل ثم أفسده يلزمه القضاء، وإن لم يلزم الإمام على تقدير الإفساد م: (لأنه مجتهد فيه) ش: أي؛ لأن المظنون مجتهد فيه؛ لأن عند زفر القضاء واجب على الظان، فصار كأن الإمام ضامن فاتحد حال الإمام والمقتدي فجاز الاقتداء به. م: (فاعتبر العارض) ش: وهو للظان م: (عدما) ش: في حق المقتدي بالنظر إلى اجتهاد زفر مع احتمال صحة قول المجتهد؛ لأن في زعمه مضمونة صلاة الإمام، فكان هذا اقتداء بمصلي المضمونة، أما الصبي فليس من أهل الضمان حتى يسري حكم ضمانه إلى المقتدي فكان اقتداء البالغ به في معنى اقتداء المفترض بالمتنفل. م: (وبخلاف اقتداء الصبي بالصبي؛ لأن الصلاة متحدة) ش: لعدم الضمان على واحد منهما وكان بناء الضعيف على الضعيف. [كيفية ترتيب الصفوف في الصلاة] م: (ويصف الرجال ثم الصبيان ثم النساء) ش: هذا ترتيب القيام خلف الإمام، وفي " المحيط " و " الإسبيجابي ": يلي الإمام الرجال ثم الصبيان الكبار ثم الخناثى ثم النساء ثم الصبيات والمراهقات م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى» ش: روي هذا الحديث عن ابن مسعود وأبي مسعود والبراء بن عازب، فحديث ابن مسعود أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم» . وحديث البراء بن عازب أخرجه الحاكم في " المستدرك " في كتاب الفضائل من حديث عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأتينا إذا أقيمت الصلاة فيمسح عواتقنا ويقول: "أقيموا صفوفكم ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وليلني منكم أولو الأحلام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] والنهى» وسكت عنه. وقال الزيلعي في تخريج أحاديث " الهداية " للمصنف: استدل بهذا الحديث على قوله ويصف الرجال.. إلخ، ولا ينهض ذلك إلا على تقديم الرجال فقط، ويمكن أن يستدل بحديث أبي مالك الأشعري «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصفهم في الصلاة فيجعل الرجال قدام الغلمان، والغلمان خلفهم، والنساء خلف الغلمان» رواه الحارث ابن أبي أسامة في "مسنده ". وأخرج ابن أبي شيبة عنه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقام الرجال يلونه وأقام الصبيان خلف ذلك» . قال الأكمل: الصبيان تابعة للرجال لاحتمال رجوليتهم. قلت: إذا سلمنا هذا فما الدليل منه على كون النساء بعد الصبيان، قوله: ليلني بكسر اللامين وتخفيف النون من ولي يلي وليا وهو القرب، وأصل يلي يولي حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسر وأمر الغائب منه ليل؛ لأن الياء تسقط للجزم، وأمر الحاضر مثل ق على وزن ع، وقال النووي: ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التأكيد. قلت: القاعدة في ذلك أن النون المؤكدة إذا دخلت الناقص تعود الياء والواو المحذوفتان فيصير ليليني. قوله: أولو الأحلام حلم بضم الحاء وسكون اللام وهو ما يراه النائم تقول منه: حلم بفتح اللام، واحتلم تقول: حلمت هكذا وحلمته أيضا ولكن غلبت استعماله فيما يراه النائم من دلالة البلوغ، فكان المراد هاهنا ليلني البالغون. قوله: النهى بضم النون جمع نهية بضم النون وسكون الهاء وهي العقل، يقال بفتح النون أيضا؛ لأنه نهى صاحبه عن الرذائل وكذلك العقل لعقله من عقال البعير، ويقال: رجل نه ونهى من قوم نهى، وقال أبو علي الفارسي: يجوز ألا يكون النهى مصدر كالهدى وأن يكون جمعا قال: ومعناه في اللغة الشاب والحسن. وقال السغناقي في تعبير الحلم بالعقل غلط من وجهين: أحدهما: أن الثقات لم يفسروه. الثاني: إثبات التكرار في الحديث، ففي تفسير العقل من غير قابل؛ لأن النهى جمع نهية وهي العقل. قلت: قد فسر بعضهم بالحلم وليس فيه التكرار، وإنما هو التأكيد؛ لأن اللفظ مختلف والمعنى واحد، وقد وقع من غير فائدة مثل هذا في الكلام الفصيح. قوله: وإياكم، من المنصوبات بالإلزام كما في قوله: إياكم والأسد، والمعنى: اتقوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 ولأن المحاذاة مفسدة فيؤخرن. وإن حاذته امرأة وهما مشتركان في صلاة واحدة   [البناية] أنفسكم أن تعرضوا لهيشات الأسواق، وهو بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف، وبالشين المعجمة وروي هوشان وأصله من الهوش وهو الاختلاط والهوشة الفتنة وبينهم تهاوش أي اختلاط واختلاف. فإن قلت: ما وجه تخصيص أولي الأحلام والنهى بذلك. قلت: لاختلافها من احتياج إليه ولتبليغ ما سمعوه منه وضبط ما يحدث عنه والتنبيه على سهو إن وقع؛ لأنهم أحق بالتقديم وليقتدي بهم من بعدهم، وكذا ينبغي لسائر الأئمة الاقتداء برأيه وسيرته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كل حال من جموع الصلاة، وتجانس العلم والذكر وبحال الرأي [ .... ..] ، قوله: ثم الذين يلونهم، معناه الذين يقربون منهم في هذا الوصف. م: (ولأن المحاذاة مفسدة فيؤخرن) ش: هذا دليل معقول وتمهيد لذلك مسألة المحاذاة، أي ولأن محاذاة النساء الرجال مفسدة لصلاتهم فيؤخرون دفعا لفسادهم. [محاذاة المرأة للرجل في الصلاة] م: (وإن حاذته امرأة) ش: أي وإن حاذت المصلي امرأة، والمحاذاة في اللغة هي المقابلة بالحذاء، يقال: حاذاه يحذوه وفلان جلس بحذاء فلان، وفلان يحتذي فلانا أي يقتدي به، ويقال: احتذى شماله وانتحى فعاله أي: اقتدى به وحذوه النعل بالنعل حذوا إذا أقدرت كل واحدة على صاحبها، وفي " المغرب " حذوته وحاذيته إذا ضربت بحذائه وحذا بي الفلان عليهما م: (وهما مشتركان في صلاة واحدة) ش: أي والحال الرجل والمرأة المحاذية له يشتركان في صلاة واحدة، وهاهنا شروط: الأول: أن يكون المحاذاة بين الرجل والمرأة، فلو كان المحاذي صبيا لا تفسد صلاة الرجل، وكذلك لو كان معتوها. الثاني: أن تكون المرأة المحاذية مشتهاة بأن كانت بنت سبع، وقيل: بنت تسع نظرا إلى بنائه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وهذا يبلغ في التاسع والأصح أن السن التي ذكرت لا تفسد بها بل المعتبر أن تكون ضخمة تتحمل الجماع، وإن لم تكن كذلك لا تكون مشتهاة بالسن الذي ذكر، أما لو بلغت سن البلوغ ولم تكن ضخمة ينبغي أن تكون مشتهاة بالسن، وهذا لا تراع فيه وسواء كانت المرأة المحاذية أجنبية أو ذات رحم محرم أو عجوزة ينفر الناس منها وتكرهها. الثالث: أن تكون المرأة عاقلة. الرابع: أن لا يكون بينهما حائل؛ لأن الحائل يرفع المحاذاة والحائل أن تكون بينهما أسطوانة أو كانت في قبة في وسط الصف، وفي " التحرير " أو مقدار ما يقوم به رجل آخر، وفي " المحيط " و " المفيد ": أو كان أحدهما على دكان قدر قامة الرجل والآخر أسفل وفي " المحيط " أو بينهما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] حائل أدناه مثل مؤخرة الرجل أو مقدمته، وفي " الحواشي ": غلظ من غلظ الأصبع ثم المساءة لأكثر القوم كذا في " مختصر المحيط "، قال أبو الليث: هو الأصح، وقيل: الأصح أن الاعتبار بالساق والكعب. الخامس: أن تكون الصلاة ذات ركوع وسجود حتى تكون صلاة من كل وجه، وإن كان ما يصليان بالإيماء لعذر؛ لأنها مطلقة في الأصل ولا تكون المحاذاة مفسدة في صلاة الجنازة. السادس: أن تكون المحاذاة في ركن كامل، وينبغي للحال أن يشترط أن يكون الأداء في ركن كامل عند محمد، وعند أبي يوسف لو وقعت مقدار الركن فسدت، وإن لم تؤد، وفي " مختصر بحر المحيط " لو حاذته أقل من مقدار أفسدت عند أبي يوسف وعند محمد لا تفسد إلا مقدار الركن. وفي " المحيط " ذكر الجرجاني أن امرأة لو كبرت في الصف الأول، وركعت في الصف الثاني وسجدت في الصف الثالث، فسدت صلاة من عن يمينها ويسارها وخلفها في كل صف؛ لأنها أدت ركنا كاملا من أركان صلاتها في كل صف، فصار كالمدفوع إلى صف النساء. السابع: أن يكون فيه نوى الإمام إمامتها، أو نوى إمامته النساء إلا امرأة بعينها تحاذيه لا تفسد صلاته ذكره صاحب " المحيط عن أبي يوسف، وقال شمس الأئمة السرخسي: لو صححنا اقتداء المرأة بالرجل بغير سنة قدرت على إفساد صلاة الرجل كل امرأة متى شاءت، بأن تقتدي به فتقف إلى جنبه وفيه من الضرر ما لا يخفى، وإن كان الجواب مطلقا في الكتاب يعني يجوز اقتداء المرأة بالرجل في الجمعة والعيدين، ولكن هو محمول عند أكثر المشايخ على وجود النية من الإمام، ومنهم من سلم ولكن يفرق بينهما وبين سائر الصلوات، فنقول: الضرر هاهنا في جانبها؛ لأنها لا تقدر على صلاة العيدين والجمعة وحدها، ولا تجد إماما آخر يقتدى به مع أنها لا تقدر على الوقوف بجنب الإمام؛ لكثرة الازدحام في هذه الصلوات، وصححنا اقتداءها لدفع الضرر عنها بخلاف سائر الصلوات. الثامن: شرط ذكره صاحب " الينابيع " وهو أن يكون الإمام قد نوى إمامتها، وهي معه قد اقتدت به من أول صلاته، ولو نوى إمامتها إلا أنها لم تقتد به في أول صلاته فصلاتهما جائزة؛ لأن الركن لا يوجد في كل واحد من كل وجه حيث انفرد في بعضها، وإذا وجدت الشركة من أول الصلاة فوقفت بجنب الإمام فسدت صلاته وصلاتهما مع القوم؛ لفساد صلاة إمامهم، والصحيح أن ذلك ليس بشرط فإنه ذكر في " الذخيرة " وعزاه في كتاب " الغنية " فقال: اقتدى رجل وامرأة برجل في الركعة الثالثة ثم أحدثا فذهبا وتوضآ ثم جاءا فيصليان فحاذته إن حاذته في الثالثة والرابعة للإمام وهي الأولى والثانية لهما تفسد صلاة الرجل، وإن حاذته في الثالثة والرابعة لهما لا تفسد صلاة الرجل؛ لأنهما متسويان فيها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 فسدت صلاة إن نوى الإمام إمامتها، والقياس أن لا تفسد، وهو قول الشافعي - رحمة الله عليه - اعتبارا بصلاتها حيث لا تفسد   [البناية] وفي " مختصر بحر المحيط " نية إمامة النساء تعتبر وقت الشروع لا بعده، وتصح نية النساء بدون حضورهن، وقيل: يشترط حضرتها، وفي " الذخيرة " ذكر في بعض الفتاوى لو أن رجلا صلى ولم ينو إمامة النساء فاقتدت به امرأة، قال أبو نصر: إن لم تقم بجنبه يصح اقتداؤها، وقال أبو القاسم: لا يصح اقتداؤها في الوجهين. وفي الأسبيجابي: لو تقدمت أمامه لا يصح اقتداؤها وتصح صلاته. وفي " المرغيناني ": لو تقدمت المرأة فالصحيح أن صلاة الرجل لا تفسد؛ لأنه لم يرض بإمامتها، وعن أبي يوسف تفسد. وفي " الذخيرة " حكي عن مشايخ العراق صورة في المحاذاة تفسد صلاة المرأة ولا تفسد صلاة الرجل، وبيانها جاءت امرأة فشرعت في الصلاة بعدما شرع الرجل ناويا إمامة النساء فحاذته تفسد صلاة الرجل، وإذا كانت حاضرة فقامت بحذائه وكان يمكنه أن يؤخرها بالتقدم عليها خطوة أو خطوتين، فلم يتقدم فسدت صلاته؛ لأنه لم يوجد منه التأخير لها وقد ترك فرض المقام. التاسع: أن تكون الصلاة مشتركة يعني تحريمة وأداء بأن يكونا وراء الإمام حقيقة أو تقديرا، أما حقيقة فظاهر، وأما تقديرا فبالتأخير. والعاشر: حد المحاذاة أن يكون عضو منها يحاذي عضوا من الرجل؛ لأنهم شرطوا المحاذاة مطلقا فيتناول كل الأعضاء أو بعضها، ونص في " قاضي خان " أن محاذاة غير قدمها بشيء من الرجل لا يوجب فساد صلاة الرجل، وقال: المرأة إذا صلت مع زوجها في البيت إن كان قدمها محل أقدام الزوج لا تجوز صلاتهما بالجماعة، وإن كان قدمها خلف قدم الزوج إلا أنها طويلة تقع رأس المرأة في السجود قبل رأس الزوج جازت صلاتهما؛ لأن العبرة للقدم، وفي " الجامع " لو أدركا أول الصلاة مع الإمام ثم أحدث أو نام، وقد فرغ الإمام فحاذته المرأة تفسد صلاته؛ لأن اللاحق خلف الإمام تقديرا، ولهذا لو وافقها يقضي، ولو سها لا يسجد للسهو فكانت الصلاة مشتركة، ولو كانا مسبوقين فحاذته في قضاء ما سبق لم تفسد صلاته؛ لعدم الاشتراك لا حقيقة ولا حكما، ثم الشركة قد تكون باتحاد الفرضين وباقتداء المشروعة بالمتطوعة أو المفترض. م: (فسدت صلاته) ش: جواب الشرط أي صلاة الرجل دون صلاة المرأة ولكن يشترط وهو م: (إن نوى الإمام إمامتها) ش: وفيه خلاف زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما يأتي عن قريب إن شاء الله. م: (والقياس أن لا تفسد) ش: أي أن لا تفسد صلاة الرجل، ويجوز أن تقرأ لا تفسد بضم التاء من الإفساد يعني ومقتضى أن لا تفسد المحاذاة صلاة الرجل م: (وهو قول الشافعي) ش: أي القيام، وهو عدم الفساد قول الشافعي م: (اعتبارا بصلاتها حيث لا تفسد) ش: أي اعتبر الشافعي اعتبارا بصلاة المرأة حيث لا تفسد؛ لأنهما مشتركين تفسد صلاة أحدهما دون الآخر؛ لأن فساد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 وجه الاستحسان ما رويناه، وإنه من المشاهير، وهو المخاطب به دونها فيكون هو التارك لفرض القيام، فتفسد صلاته دون صلاتها كالمأموم إذا تقدم على الإمام، وإن لم ينو إمامتها لم تضره ولا تجوز صلاتها؛ لأن الاشتراك لا يثبت دونها عندنا.   [البناية] الصلاة لترك الركن أو لوجود ما يناقضها ولم يوجد. م: (وجه الاستحسان ما رويناه) ش: وهو قول أبي مسعود أخروهن من حيث أخرهن الله. وجه الاستدلال به أن الرجل إن أخطأ مكانه ففسدت صلاته كما إذا تقدم على الإمام، وهذا لأن مقامه قدام المرأة للخبر المذكور، فلما حاذته لزم ترك فرض الإمام وهو تأخير المرأة عنه فسدت صلاته دون صلاة المرأة؛ لأن المأمور بالتأخير الرجل دون المرأة. م: (وأنه من المشاهير) ش: أي وإن الخبر المذكور من الأخبار المشهورة. هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: هذا خبر الواحد لا يثبت به الفرض فكيف أثبتم به فرض القيام؟ فأجاب عنه بقوله: وأنه من المشاهير، وليس بخبر الواحد فيجوز به الزيادة على الكتاب، ولئن سلمنا ذلك فلا نسلم أن الفرض يثبت به ابتداء، بل يثبت باعتبار أنه وقع بيانا لما تضمنه كتاب الله بقوله: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) ، فألحق بالكتاب فأخذ حكمه. أقول: هذا كله إذا ثبت كون الخبر المذكور حديثا مرفوعا ولم يثبت ذلك كما ذكرنا. م: (وهو المخاطب به دونها) ش: هذا جواب عن وجه القياس وتقريره أن يقال: لا يلزم من عدم فساد صلاتها عدم فساد صلاته؛ لأنه المخاطب به أي؛ لقوله أخروهن من حيث أخرهن الله م: (دون المرأة) ش:. فإن قلت: إذا كان هو مأمورا بتأخيرها وتكون هي أيضا مأمورة بالتأخير؛ لأن التأخير لازم التأخر فينبغي أن تفسد صلاتها. فإن قلت: لا نسلم أنها مأمورة قصدا بل هي مأمورة ضمنا، وما ثبت ضمنا دون ما ثبت قصدا، ففسدت صلاته دون صلاتها، وأيضا كان يمكن له أن يتقدم خطوة أو خطوتين، ولا يتأخرها، فيكون هو المقصر وإلى هذا أشار بقوله: (فيكون هو التارك لفرض القيام) ش: وهو تقديمه عليها م: (فتفسد صلاته دون صلاتها) ش: لعدم التقصير منها م: (كالمأموم إذا تقدم على الإمام) ش: وهذا القياس مستقيم على قول الشافعي وأحمد؛ لأنهما يقولان بفساد المأموم إذا تقدم على إمامه خلافا لمالك وإسحاق. وقال الثوري: المناولة بالعقب على المذهب، وفي الوسط الاعتبار بالكعب. م: (وإن لم ينو إمامتها لم تضره) ش: أي لم ينو الإمام إمامته المرأة تضره المحاذاة لعدم الاشتراك م: (ولا تجوز صلاتها) ش: أي صلاة المرأة م: (لأن الاشتراك) ش: بين الإمام وبينها م: (لا يثبت دونها عندنا) ش: أي دون النية؛ لأن نيته إمامتها يشترط لفساد صلاة الرجل عند المحاذاة عندنا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - ألا ترى أنه يلزمه الترتيب في المقام فيتوقف على التزامه كالاقتداء، وإنما يشترط نية الإمامة إذا ائتمت محاذية، وإن لم يكن بجنبها رجل ففيه روايتان، والفرق على إحداهما أن الفساد في الأول لازم، وفي الثاني محتمل.   [البناية] م: (خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده نية إمامتها ليست بشرط؛ لفساد صلاة الرجل بعدما دخلت في صلاته؛ لأن الرجل صالح لإمامة الرجال والنساء ثم اقتداء الرجل به صحيح بلا نية إمامته وكذا اقتداء المرأة. م: (ألا ترى) ش: توضيح لقوله: لأن الاشتراك لا يثبت دونها، وتقريره م: (أنه يلزمه الترتيب في المقام) ش: أي؛ لأن الإمام لا يلزمه الترتيب في المقام أي في التقديم بالنص، وكل من يلزمه شيء توقف على التزامه فلا يسر به الشريك في المقام م: (فيتوقف على التزامه كالاقتداء) ش: فإن الاقتداء لما بقي يلزم فساد صلاته من صلاة الإمام توقف لزوم الفساد على إلزام المقتدي بنية الشروع في صلاة الإمام. فإن قلت: يشكل على هذا قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في اقتداء القارئ بالأمي فإن صلاة الأمي تفسد بسبب اقتداء القارئ به، ومع ذلك لا يشترط للأمي نية إمامة القارئ مع أنه يلحق صلاته فساد من جهة عنده. قلت: يمنع اشتراط النية على قول الكرخي، فإن عنده لا يصح بلا نية أيضا، ولئن فيه لا يلحقه الفساد بسبب الاقتداء، وأما فساد صلاة الإمام في المحاذاة بسبب الاقتداء لا غير فيتوقف على إلزامه كذا في " مبسوط شيخ الإسلام " و " المحيط " ولكن ذكر في الكتاب الصحيح أنه تجوز صلاة الأمي فيما إذا صلى القارئ منفردا على ما يأتي إن شاء الله تعالى، وفي " جامع المحبوبي ": محاذاة الأمرد تفسد الصلاة عند البعض؛ لأنه ذكر في الملتقط أن الأمرد من قرنه إلى قدمه عورة. م: (وإنما يشترط نية الإمامة إذا ائتمت محاذية) ش: أي إذا اقتدت بالإمام حال كونها محاذية أراد بهذا أن النية إنما تشترط إذا كانت المحاذاة ثابتة وقت الاقتداء بأن قامت أولا بجنب رجل. م: (وإن لم يكن بجنبها رجل) ش: أو كان ولكن المرأة قامت خلفه هل يشترط نية الإمام أو لا؟ م: (ففيه روايتان) ش: في رواية: يشترط لاحتمال تقدم المرأة فتحقق المحاذاة، وفي رواية لا يشترط؛ لأنه لا فساد في الحال وتحققه موهوم م: (والفرق على إحداهما) ش: أي إحدى الروايتين: وهي رواية الصحة م: (أن الفساد في الأول) ش: وهو ما إذا كان بجنبها رجل م: (لازم) ش: لوجود ملزومه وهو المحاذاة في الحال، فلا بد من النية ليكون الفساد بالتزامه م: (وفي الثاني) ش: وهو ما إذا لم يكن بجنبه رجل فالفساد فيه م: (محتمل) ش: بأن تمشي فتحاذي فتفسد، ولكن الظاهر أن لا تمشي في الصلاة ولا تحاذي، فلم يشترط نية الإمام لعدم التحقق بلزوم الفساد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 ومن شرائط المحاذاة أن تكون الصلاة مشتركة، وأن تكون مطلقة، وأن تكون المرأة من أهل الشهوة، وأن لا يكون بينهما حائل، لأنها عرفت مفسدة بالنص، بخلاف القياس فيراعي جميع ما ورد به النص   [البناية] م: (ومن شرائط المحاذاة أن تكون الصلاة مشتركة) ش: أشار بهذا إلى شرائط المحاذاة المفسدة وقد ذكرنا أنها عشرة، والمصنف ذكر بعضها وأشار بكلمة من التي هي للتبعيض، فمنها أن تكون الصلاة مشتركة يعني تحريمة وأداء بأن يكون خلف الإمام حقيقة أو تقديرا، أما حقيقة فظاهر، وأما تقديرا فمثل رجل وامرأة خلف الإمام أحدثا فتوضآ ثم جاء أو قد فرغ الإمام فحاذته المرأة في الأداء فسدت صلاة الرجل؛ لأنها خلف الإمام تقديرا، ولهذا لم يكن عليهما قراءة ولا سهو، وإنما يبنيان على رأي الإمام في صلاة العيد في عدد التكبيرات ومحلها، ولو كانا مسبوقين فحاذته على قضاء ما سبقها لم تفسد لعدم الاشتراك حقيقة ولا حكما. أما حقيقة فظاهر، وأما حكما فإن المسبوق منفرد في قضاء ما سبق، وهذا كان عليه السهو والقراءة، وأنه مقيس على صلاة نفسه في صلاة العيد في التكبيرات عددا ومحلا ثم الاشتراك قد يكون باتحاد الفرضين واقتداء المتطوعة بالمتطوع أو المفترض. م: (وأن تكون مطلقة) ش: أي ومن شرائط المحاذاة أن تكون الصلاة مطلقة أي كاملة ذات ركوع وسجود، واحترز بذلك عن صلاة الجنازة، فإن المحاذاة فيها ليست بمفسدة؛ لأنه دعاء وقضاء حق الميت لا غير م: (وأن تكون المرأة من أهل الشهوة) ش: أي ومن شرائط المحاذاة أن تكون المرأة المحاذية مشتهاة في الحال أو في الماضي، حتى إن محاذاة الصغيرة ليست بمفسدة م: (وأن لا يكون بينهما حائل) ش: أي ومن شرائطها أن لا يكون بين الرجل والمرأة المحاذية حائل أي فاصل، واعتبره في " المحيط " بقدر ذراع، وإن كان أقل منه لا تكون سترة، وقد استقصينا الكلام في هذه الشروط فيما مضى. م: (لأنها) ش: أي؛ لأن المحاذاة م: (عرفت مفسدة) ش: للصلاة م: (بالنص) ش: وهو قوله: أخروهن من حيث أخرهن الله م: (بخلاف القياس) ش: لأن القياس المحاذاة غير مفسدة كما قال زفر والشافعي؛ لأن الصلاة لا تفسد إلا بترك ركن، ولو جردت ساقها فلم يوجد فيها ذلك م: (فيراعي جميع ما ورد به النص) ش: وهذا نتيجة قوله: بخلاف القياس، فحينئذ يراعي فيه ما ورد به النص وهو الخبر المذكور. ثم المرأة الواحدة تفسد صلاة ثلاثة: واحد عن يمينها، وآخر عن يسارها، وآخر عن خلفها، والثنتان صلاة أربعة، واحد عن يمينهما، وآخر عن يسارهما، و [اثنان خلفهما] وهذا لفظ " الذخيرة " و " التحرير "، وفي " المبسوط ": واحد عن يمين أحدهما، والآخر عن يسار الأخرى، وهذه العبارة أولى، وصلاة اثنين خلفهما بهما. وإن كن ثلاثا ووقفن في الصف أفسدت صلاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] خمسة: واحد عن يمينهن، وآخر عن يسارهن، وثلاثة خلفهن، وثلاثة إلى آخر الصفوف. ولو كان صف تام من النساء خلف الإمام ووراءهن صفوف من الرجال فسدت صلاة تلك الصفوف كلها. وفي " الذخيرة " و " المحيط " و " التحرير ": وهذا استحسان، وفي القياس: تفسد صلاة واحد من الرجال خلف النساء للحائل في حق باقي الصفوف. قلت: هذا استحسان في الاستحسان؛ لأن الفساد في الأصل المحاذاة استحسان، والأصل في الحائل وصف النساء قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من كان بينه وبين الإمام طريق أو نهر أو صف من نساء فليس هو مع الإمام، ذكره في " المحيط و " الذخيرة " وغيرهما، وقال: يرويه كعب بن أبي سليم وهو ضعيف عن تميم وهو مجهول، ورفعه لا أصل له. وفي " المحلى " لابن حزم عن عمر من كان بينه وبين الإمام نهر أو حائط أو طريق فليس مع الإمام. قال الأسبيجابي: الصف التام من النساء يفسد صلاة من خلفهن ولو كانوا عشرين صفا. وفي " المفيد " و " المزيد ": ولو كان ألف صف إذا كن في صلاة الإمام، وهو الذي يمنع صحة الاقتداء هو الذي لا يغير إلا بحيلة كالبحر وغيره. وقيل: ما تجري فيه سواء كان فيه ماء أو لم يكن ذكره في " المفيد ". وفي " المختصر " و " البحر المحيط ": السواقي تمنع كالأنهار عند أبي يوسف، ورواية عن أبي حنيفة، وقال محمد: لا يمنع إلا ما تجري فيه السفينة والزورق وهكذا ذكر الحاكم الشهيد في " المنتقى "، قال صاحب " الذخيرة ": وهو الصحيح، وفي " المحيط ": وهو الأصح. وعن أبي يوسف إن كان يمكن الشمس في بطنه كان عظيما، ومن المشايخ من قال: إذا كان لا يمكن الرجل القوي أن يحاذه بوثبة فهو مانع، ولو كان على عدة صفوف متصلة لا يمنع عند أبي يوسف خلافا لمحمد، وفي الحوض إن وصلت النجاسة إلى الجانب الآخر يمنع، ذكره الإمام أبو نصر الصفار، والطريق العريضة ما تمر به العامة ويمر به الواحد أو الاثنان خاصة، وقيل ما تمر به العجلة وحمل البعير والمحمل. 1 - فروع أخرى: وفي " المحيط ": إذا كان يصلي في الصحراء وبينه وبين إمامه قدر صفين يمنع وأقل لا، وفي " الذخيرة " عن الفقيه أبي القاسم الصفار: مانع والبعد بينه وبين إمامه في المسجد لا يمنع إذا لم يشتبه حال إمامه عليه، والمصلي بمنزلة المسجد في هذا وفي جوامع الفقيه: البيت والدار ومصلى العيد والجنازة بمنزلة المسجد كذا عن أبي يوسف بخلاف الصحراء. وقال أبو الحسن علي الصفدي: البيت لها كالمسجد للرجل كما في سجدة التلاوة، وفي " مختصر البحر المحيط ": المسافة التي تمنع الاقتداء في الصحراء تمنعه في البيت. قال: والأصح أنه يجوز صلاة جماعة في خان القاضي، أو خان السبيل والباب المغلق يجوز الاقتداء، وإن لم تتصل الصفوف، وهو جواب القاضي الحاكم ببخارى، وقيل: لا يجوز به لو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 ويكره لهن حضور الجماعات يعني الشواب منهن؛ لما فيه من خوف الفتنة، ولا بأس للعجوز أن تخرج في الفجر والمغرب والعشاء،   [البناية] كان بينه وبين الإمام حائط تجوز صلاته، قال في " المحيط " و " الذخيرة ": أطلق محمد الجواب في الأصل في الحائط قالوا: هذا إذا كان الحائط قصيرا مثل قامة الرجل لا يمنعه من الوصول إلى الإمام، وإن كان طويلا منع، وإن لم يشتبه عليه حال الإمام كالنهر العظيم والطريق العريضة. وفي " الذخيرة ": اختلف المشايخ في الفاصل القصير وغيره، فقال أبو طاهر الدباس: القصير ما يصعد عليه بغير كلفة بأن يخطو الرجل خطوة ويضع قدمه عليه. وعن محمد بن سلمة: القصير ما لا يشتبه حال الإمام عليه به. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده: القصير حائط المقصورة بحيث لا يمنع المقتدي من الوصول إلى الإمام، وإن [كان] في الطويل ثقب كبير مثل الباب فيصح الاقتداء، وإن كان صغيرا لا يمكنه الوصول إلى مكان الإمام قيل: لا يصح، وقيل: يصح، والباب الكبير إن كان مسدودا قيل: لا يصح الاقتداء به، وبه قال الفقيه أبو بكر الإسكاف، وقيل: يصح وبه قال الفقيه أبو بكر الأعمش، وإن كان الحائط الطويل عليه شباك فمن اعتبر الوصول قال يمنع، ومن اعتبر حال اشتباه الإمام قال: لا يمنع، فإن كان الإمام على الأرض والقوم على سطح المسجد أو العكس، قال: إن كان له منعه يصح وإلا فلا. وقيل: إن كان لا يشتبه عليهم حال إمامهم يصح وإلا فلا. ويجوز الاقتداء من المأذنة بالإمام وهو المسجد كالسطح، ولو كان على سطح داره بجنب المسجد لا يصح. قال في " المحيط ": وهو الصحيح. وفي " الذخيرة ": قال الحلوائي: يجوز كما لو صلى بمنزله تحت المسجد وهو يسمع التكبير من الإمام أو المكبر. وقال القاضي علاء الدين في " شرح المختلفات ": لا يجوز، ولو قام على رأس الحائط الذي هو المسجد ومنزله قالوا: يجوز؛ لأنه لا حائل هناك، وفي فناء المسجد لا يشترط اتصال الصفوف ولا يلي المسجد؛ لأنه في حكم المسجد، وإليه أشار محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في السفينتين المتلاصقتين يشترط اتصال الصفوف. [حضور النساء للجماعات] م: (قال: ويكره لهن حضور الجماعات) ش: أي يكره للنساء م: (يعني الشواب منهن) ش: وهي جمع شابة، وهذه اللفظة بإطلاقها تتناول الجُمَع والأعياد والكسوف والاستسقاء. وعن الشافعي: يباح لهن الخروج م: (لما فيه) ش: أي في حضورهن الجماعة م: (من خوف الفتنة) ش: عليهن من الفساق، وخروجهن سبب للحرام وما يفضي إلى الحرام فحرام. وذكر في كتاب الصلوات مكان الكراهة الإساءة والكراهة فحش. قلت: المراد من الكراهة التحريم ولا سيما في هذا الزمان لفساد أهله. م: (ولا بأس للعجوز أن تخرج في الفجر والمغرب والعشاء) ش: لحصول الأمن، وفي المغرب اختلاف الروايات، وفي " المنظومة ": ألحق المغرب بالعشاء كما ذكره المصنف والمبسوط لشمس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يخرجن في الصلوات كلها؛ لأنه لا فتنة لقلة الرغبة إليها فلا يكره كما في العيد، وله أن فرط الشبق حامل؛ فتقع الفتنة، غير أن الفساق انتشارهم في الظهر والعصر والجمعة، أما في الفجر والعشاء فهم نائمون، وفي المغرب بالطعام مشغولون، والجبانة متسعة فيمكنها الاعتزال عن الرجال فلا يكره.   [البناية] الأئمة. وفي " المختلف ": والعصر ألحق المغرب بالظهر كما في " مبسوط " شيخ الإسلام، ويحتمل أن ذلك بناء أن المغرب تنتشر فيه الفسقة أيضا كالعصر في بعض البلاد، قيل: هذا كله في زمانهم، أما في زماننا فيكره خروج النساء إلى الجماعة لغلبة الفسق والفساد، فإذا كره خروجهن للصلاة فلأن يكره حضورهن مجالس العلم خصوصا عند هؤلاء الجهال الذين تحلوا بحلية أهل العلم. م: (وهذا عند أبي حنيفة) ش: أي هذا الذي ذكرنا عند أبي حنيفة م: (وقالا: يخرجن في الصلوات كلها) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد: العجائز تخرجن في جميع الصلوات م: (لأنه لا فتنة لقلة الرغبة إليها) ش: أي لقلة رغبة الرجال فيهن، كذا علل في بعض الشروح، وفيه نظر؛ لأن الحريص منهم من يرغب في العجائز فيصير خروجهن سببا للوقوع في الفتنة. م: (فلا يكره) ش: نتيجة ما قيل يعني فإذا أمن من الفتنة فلا يكره م: (كما في العيد) ش: أي لا يكره خروجهن في العيد وهذا مجمع عليه. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن فرط الشبق) ش: بفتح الباء وهو شدة الغلبة من شبق الفحل بالكسر إذا اشتدت عليه، والفرط بالتسكين مجاوزة الحد م: (حامل) ش: أي على الفتنة م (فتقع الفتنة) ش: بسبب غلبان الشهوة، فعند ذلك يمنعن من الخروج إلى جميع الصلوات نظرا إلى ذلك. م: (غير أن الفساق انتشارهم في الظهر والعصر والجمعة) ش: فلا يحصل إلا في هذه الأوقات؛ لأن الحريص منهم يرغب العجائز، وفيهن من يرغب بلا خلاف. م: (أما في الفجر والعشاء فهم نائمون، وفي المغرب بالطعام مشغولون) ش: فيحصل الأمن منهم م: (والجبانة متسعة) ش: جواب عن قياسهما بقولهما كما في العيد والجبانة بتشديد الباء الموحدة بعد الجيم م: (فيمكنها الاعتزال عن الرجال) ش: لاتصال الجبانة ولغلبة أهل الصلح يومئذ م: (فلا يكره) ش: نتيجة ما قبله، وتكلموا أن حضورهن للصلاة أو لتكثير الجمع، فروى الحسن عن أبي حنيفة أن خروجهن للصلاة يقمن في آخر الصفوف فيصلين من وراء الرجال؛ لأنهن من أهل الجماعة تبعا للرجل، وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أن خروجهن لتكثير العراء ويقمن في ناحية ولا يصلين؛ لأنه قد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر الحيض بذلك فإنهن ليس من أهل الصلاة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 قال: ولا يصلي الطاهر خلف من هو في معنى المستحاضة ولا الطاهرة خلف المستحاضة؛ لأن الصحيح أقوى حالا من المعذور، والشيء لا يتضمن ما هو فوقه، والإمام ضامن بمعنى؛ أنه تضمن صلاته صلاة المقتدي،   [البناية] فإن قلت: روى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن» . رواه الجماعة إلا ابن ماجه. قلت: هذا محمول على العجائز، ويؤيده ما رواه البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن ابن مسعود «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى النساء عن الخروج إلا عجوزا في منقليها» . والأصح أنه موقوف عليه، والمنقلان الحقان بفتح الميم وهو الأشهر وبكسرها أيضا، وكان ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يحبس النساء إلا يوم الجمعة ويخرجن من المسجد، وقال أبو عمرو الشيباني: ابن مسعود حلف فبالغ في اليمين ما صلت امرأة أحب إلى الله من صلاتها في بيتها إلا في حج أو عمرة إلا امرأة قد يئست من بعولتها، وعن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «خير مساجد النساء قعر بيوتهن» رواه أحمد. [صلاة الصحيح خلف صاحب العذر] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا يصلي الطاهر خلف من هو في معنى المستحاضة) ش: أراد به من به سلس البول والرعاف الدائم والجرح الذي لا يرقأ، ومن به استطلاق بطن وانفلات الريح، يعني لا يجوز اقتداء الطاهر بواحد من هؤلاء. م: (ولا الطاهرة خلف المستحاضة) ش: أي: ولا تصلي النساء الطاهرات خلف المستحاضة وهي التي يمضي عليها وقت صلاة إلا والحدث الذي ابتليت به يوجد فيه. م: (لأن الصحيح أقوى حالا من المعذور) ش: فلا يجوز اقتداء الصحيح به؛ لأنه بناء القوي على الضعيف، وهو لا يجوز، وللشافعي في صلاة الطاهر خلف المستحاضة وجهان، والصحيح: أنه لا يجوز كالمتوضئ خلف المتيمم، والغاسل خلف الماسح، وبه قال زفر خلف كل معذور؛ لأنه آت بما هو مأمور به. والثاني: لا يجوز؛ لأن طهارتها ضرورة ولا ضرورة في الاقتداء. م: (والشيء لا يتضمن ما هو فوقه) ش: وإنما قلنا أنها تتضمن؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «والإمام ضامن» ش: والضمان ليس في الذمة، فإن صلاة المقتدي لا تصير في ذمته فثبت معناه أن صلاة الإمام في ضمنه صلاة المقتدي وإليه أشار بقوله م: (بمعنى أنه تضمن صلاته صلاة المقتدي) ش: هذا معنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الإمام ضامن» ومن المعلوم أن صلاة القوم ليست في ذمة الإمام كما ذكرنا، فيكون معنى ضامن لصلاته لتبعية صلاتهم صحة وفسادا، والتضمن إنما يتحقق إذا كان التضمن مثله أو فوقه، أما إذا كان دونه فلا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 ولا يصلي القارئ خلف الأمي،   [البناية] وقال تاج الشريعة: قوله: ضامن، من ضمن الشيء يضمنه إذا جعله تحت ضمنه أي كشحه ووقع ثقله عليه. قلت: الضبين بكسر الضاد المعجمة وسكون الباء الموحدة. قال الجوهري: ما بين الإبط والكشح وأول الحمل الإبط ثم الضبين ثم الحص. [صلاة القارئ خلف الأمي] م: (ولا يصلي القارئ خلف الأمي) ش: وللشافعي فيه قولان منصوصان، وثالث مخرج أصحهما الجديد أنه لا يصح، وفي القديم يصح في السرية دون الجهرية، وفي المخرج: يصح مطلقا، وشذ صاحب " الحاوي "، فقال الأقوال الثلاثة إذا كان جاهلا فإن علم لا يصح قطعا، والمذهب ما قدمناه، والصحيح بطلان الاقتداء وهو مذهب مالك وأحمد وغيرهم واختاره المزني وأبو ثور وابن المنذر وصححه مطلقا، وهو مذهب عطاء وقتادة، والأمي عندهم هو الذي لا يحفظ الفاتحة بكمالها، ولو حفظ جميع القرآن حتى الفاتحة إلا تشديدة منها أمي عندهم، وهذا بعيد من اللغة والعرب، وفي " المغرب ": الأمي في اللغة منسوب إلى أمه من العرب، وهي لم تكتب ولم تقرأ فاستقر لكل من لا يعرف الكتابة ولا القراءة، ومن يعرف الكتابة ويحفظ جميع القرآن إلا حرفا من الفاتحة. فكيف يكون أميا والأمي عندنا من لا يحفظ من القرآن ما تصح به صلاته. وقال تاج الشريعة: الأمي هنا من لا يحسن قراءة شيء من القرآن، منسوب إلى الأم أي هو كما ولدته أمه، وهو في التنزيل والحديث ولسان العرب من لا يحسن التحفظ، وإذا عرف ذلك فمن أحسن قراءة آية من القرآن أن لا يكون أميا حتى يجوز اقتداء من يحفظ التنزيل عند أبي حنيفة وعند ذلك حكم من يحسن ثلاث آيات قصار أو آية طويلة؛ لأن فرض القراءة إنما تقام بهذا القدر، وما رواه فصل في بابه، فقال صاحب " الدراية ": الأمي عند الشافعي من لا يحسن القراءة. وفي " المحيط ": ولا يؤم الأخرس الأمي ذكره الكرخي؛ لأن الأمي يقدر على التحريمة بخلاف الأخرس. وفي " الذخيرة ": لا يجوز لعلمائنا الثلاثة، وذكر شيخ الإسلام في شرح كتاب الصلاة أن الأخرس والأمي إذا أرادا الصلاة كان الأمي أولى بالإمامة، فهذا دليل على جواز اقتداء الأمي بالأخرس، والأمي إذا أم الأخرس فصلاتهما جائزة بلا خلاف. وفي " جوامع الفقه " وغيره: إذا قرأ في الأوليين ثم خرس أو صار أميا فسدت صلاة القوم وأتم هو صلاته، ولو اقتدى الأمي بالقارئ فعلم سورة في وسط الصلاة قال الفضل: لا تفسد صلاته، وقال غيره: تفسد، وعن أبي يوسف: من يجن ويفيق لا يجوز إمامته في حال إفاقته إذا كان أكثر حاله الغيبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 ولا المكتسي خلف العاري؛ لقوة حالهما ويجوز أن يؤم المتيمم المتوضئين وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز؛ لأنه طهارة ضرورية، والطهارة بالماء أصلية، ولهما أنه طهارة مطلقة،   [البناية] [صلاة المكتسي خلف العاري] م: (ولا المكتسي خلف العاري) ش: أي لا يصلي من عليه الثوب خلف العريان ولو قال: ولا المستور العورة خلف العاري لكان أجود؛ لأن من ستر عورته بالسراويل وغيرها يسمى عاريا في العرف هكذا ذكره المصنف في كفارة اليمين وفي " جوامع الفقه " لا يصح اقتداء الصحيح الذي ثوبه نجسة بالمبتلى بالحدث الدائم م: (لقوة حالهما) ش: أي لقوة حال القارئ والمكتسي وهذا ظاهر، ولا تظن أن الضمير يرجع إلى المكتسي والعاري، لفساد المعنى والمراد بقوة الحال الاشتمال على ما لم تشتمل عليه صلاة الإمام مما تتوقف عليه الصلاة، ثم في كل موضع لا يجوز الاقتداء هل يكون شارعا في صلاة نفسه، في رواية باب الحدث لا يكون شارعا، وكذا في روايات الزيادات حتى لو ضحك قهقهة لا تنتقض طهارته، وفي رواية باب الأذان يصير شارعا وقيل: ما ذكر في باب الحدث قول محمد وما ذكر في باب الأذان قولهما بناء على أن فساد التحريمة يوجب فساد التحريمة في قول محمد وعلى قولهما لا يوجب. وذكر في " المحيط " أن القارئ إذا اقتدى بالأمي قال بعضهم لا يصير شارعا حتى لو كان في التطوع يجب القضاء، والصحيح هو الأول نص عليه محمد في الأصل، وقيل: إنما لا يلزمه القضاء؛ لأن الشروع بمنزلة النذر، ولو نذر المصلي بأن يصلي بغير قراءة لا يلزمه فكذا الشروع. [إمام المتيمم للمتوضئين] م: (ويجوز أن يؤم المتيمم المتوضئين وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: وبه قال جمهور الفقهاء، وحكاه ابن المنذر، عن ابن عباس، وعمار بن ياسر، وجماعة من الصحابة، وعن سعيد بن المسيب، وعطاء، والحسن، والزهري، وحماد بن أبي سليمان، والثوري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور. م: (وقال محمد: لا يجوز) ش: وبه قال النخعي ويحيى الأنصاري. وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مكروه، وقال الأوزاعي: لا يؤمهم إلا أن يكون أميرا م: (لأنه) ش: أي؛ لأن التيمم م: (طهارة ضرورية) ش: يعني لا يصار إليها إلا عند عدم الماء، ويزول كونها طهارة بوجود الماء كما قال الشافعي أنه طهارة ضرورية مع قيام الحدث؛ ولهذا لا يؤدى به فرضان عنده ولا يعتبر قبل الوقت م: (والطهارة بالماء أصلية) ش: لأنه خلف عن الماء ولا شك أن حال من اشتمل على الطهارة الأصلية أقوى من حال من اشتمل على الطهارة الضرورية. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة، وأبي يوسف م: (أنه) ش: أي أن الماء م: (طهارة مطلقة) ش: أي غير مؤقتة بوقت كطهارة المستحاضة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 ولهذا لا يتقدر بقدر الحاجة،   [البناية] م: (ولهذا لا يتقدر بقدر الحاجة) ش: أي ولكونه طهارة مطلقة لا يتقدر بقدر الحاجة كالتيمم، ولم يذكر المصنف استدلال أصحابنا بالأخبار فنقول: أصبح محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لا يؤم المتيمم المتوضئين، ولا المقيد المطلقين، ولم يرو عن أقرانه خلاف ذلك فوجب اتباعه، ولهما «حديث عمرو بن العاص أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعله أميرا على سرية فلما انصرفوا سألهم عن سرية فقالوا: كان حسن السرية، ولكنه صلى بنا يوما وهو جنب فسأله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: احتلمت في ليلة باردة حيث الهلاك إن اغتسلت فقرأت قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] (البقرة: الآية 159) ، فتيممت وصليت بهم فتبسم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -. وقال مالك: من فقه عمرو بن العاص، ولم يأمرهم بإعادة الصلاة، رواه أبو داود وبغير هذا اللفظ، وقال في آخره: فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يقل شيئا، ورواه البخاري تعليقا. والجواب عما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أراد به نفي الفضيلة والكمال بدليل عطف المقيد عليه، وهناك المراد في الفضيلة بالاتفاق، وفي الحقيقة هذا الخلاف بناء على ما ذكر في الأصول، وهو أن التراب خلف عن الماء على قولهما، وعنده التيمم خلف عن الوضوء فيكون المتيمم صاحب الخلف والمتوضئ صاحب الأصل عنده فلا يؤمه، وعندهما لما كان التراب خلفا عن الماء في حصول الطهارة فعند حصول الطهارة كان شرط الصلاة موجودا في حق كل واحد منهما بكماله بمنزلة الماسح يؤم الغاسلين. فإن قلت: يرد إشكال على أصل كل واحد منهما بمسألة انقطاع الرجعة، فإن محمدا جعل التيمم هنا طهارة ضرورية، وفي باب الرجعة طهارة مطلقة حتى تنقطع الرجعة بمجرد التيمم من غير أن تصلي، وهما جعلاه قطعا هاهنا وضرورة هناك حتى قالا: لا تنقطع الرجعة بمجرد التيمم فيلزمه التناقض. قلت: لا تناقض أصلا فإنهم اتفقوا على أن التيمم طهارة ضرورية؛ لأنه لا يصار إليه إلا عند العجز ومطلقة باتفاقهم؛ لعدم توقيته بوقت غير أن الذي يظن هذا إذا وقف على تعليلهم اندفع ذلك عنه فيما اختارا جهة الضرورة في انقطاع الرجعة إذا انقطع دمها في الحقيقة الثالثة بما دون العشرة، وقالا: لم تنقطع الرجعة الإطلاق في حق الصلاة لدفع الحرج، وفي حق انقطاع الرجعة جهة بمجرد التيمم من غير أن تصلي؛ لأن الشرع لم يذكر كونها طهارة في باب الرجعة وكان المقصود من طهارتها أداء الصلاة فما لم يترتب ما هو المقصود منه لم يكن طهارة بالنسبة إليه، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قد عمل في البابين جميعا بالاحتياط، ففي باب الصلاة القول بعدم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 ويؤم الماسح الغاسلين؛ لأن الخف مانع سراية الحدث إلى القدم، وما حل بالخف يزيله المسح بخلاف المستحاضة؛ لأن الحدث لم يعتبر شرعا مع قيامه حقيقة. ويصلي القائم خلف القاعد، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز وهو القياس لقوة حال القائم،   [البناية] جواز اقتداء المتوضئ بالمتيمم فخرج عن العهدة على الوجه الأكمل، وفي باب الرجعة القول بالانقطاع؛ لأنه لما انقطعت الرجعة لم يكن لها أن يراجعها ولا يحل له وطؤها وانقطاع الرجعة مما لا يؤخذ فيه بالاحتياط إجماعا، ألا ترى أنه إذا بقيت لمعة من بدنها بعد الاغتسال تنقطع الرجعة عنها احتياطا. م: (ويؤم الماسح الغاسلين) ش: أي يؤم الماسح على الخف الذين غسلوا أرجلهم وهذا بلا خلاف فيه والمفتصد، والماسح على الجيرة كالماسح على الخف، وقيل لا يجوز، ذكر القولين في " المحيط ". م: (لأن الخف مانع سراية الحدث إلى القدم) ش: أي؛ لأن خف الماسح يمنع سراية الحدث فيكون هو باقيا على كونه غاسلا م: (وما حل بالخف يزيله المسح) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال إنه باق؛ لأنه على كونه غاسلا؛ لأن الخف قام مقام بشرة القدم، والحدث قد حله، وتقرير الجواب أن الذي قد حل بالخف يزيله المسح؛ ولأن المسح على الخف كغسل الرجل وكلمة ما موصولة ومحلها الرفع على الابتداء وخبره الجملة أعني قوله: يزيله المسح م: (بخلاف المستحاضة) ش: يعني لا يجوز إمامة المستحاضة للطاهرة للضرورة وفي القدم ليس بقائم لمنع الخف سراية الحدث. [صلاة القائم خلف القاعد] م: (ويصلي القائم خلف القاعد) ش: عند أبي حنيفة وأبي يوسف، والمراد من القاعد الذي يركع ويسجد أما القاعد الذي يومئ فلا يجوز اقتداء القائم به اتفاقا، وبه قال الشافعي ومالك في رواية استحسانا، وقال أحمد والأوزاعي: يصلون خلفه قعودا وبه قال حماد بن زيد وإسحاق وابن المنذر، وهو المروي عن أربعة من الصحابة وهم جابر بن عبد الله وأبو هريرة وأسيد بن حضير وقيس بن فهر حتى لو صلوا قياما لا يجزئهم، ولكن عند أحمد شرطين: الأول: أن يكون المريض إمام حي. الثاني: أن يكون المرض مما يرجى زواله بخلاف الزمانة، واحتجوا على ذلك بحديث أنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنما جعل الإمام» الحديث، وفي آخره: «وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين» رواه البخاري ومسلم. م: (وقال محمد: لا يجوز) ش: وبه قال مالك في رواية ابن القاسم عنه وزفر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قياسا، أشار إليه بقوله م: (وهو القياس) ش: أي الذي قال محمد هو القياس م: (لقوة حال القائم) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 ونحن تركناه بالنص، وهو ما روي: «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صلى آخر صلاته قاعدا والقوم خلفه قيام»   [البناية] ش: والقاعد ليس كالقائم فيكون اقتداء كامل الحال بناقص الحال فلا يجوز اقتداء القارئ بالأمي م: (ونحن تركناه بالنص) ش: أي تركنا القياس بالنص. فإن قلت: ما وجه قوله ونحن تركناه بالنص ولم يقل: قال ونحوه؟ قلت: أشار بهذه العبارة أن هذا مما اختاره فأشرك نفسه مع أبي حنيفة وأبي يوسف م: (وهو) ش: أي النص م: (ما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى آخر صلاته قاعدا، والقوم خلفه قيام» ش: هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر في مرضه الذي توفي فيه أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يصلي بالناس فلما دخل أبو بكر في الصلاة وجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نفسه خفة فقام يهادى بين رجلين ورجلاه يخطان في الأرض، فجاء فجلس عن يسار أبي بكر فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائم، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر» . وهذا صريح في أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان الإمام، إذ أجلس عن يسار أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولقوله: «فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بالناس» - ولقوله: «- يقتدي به أبو بكر» - وقال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بالناس وكان أبو بكر مبلغا» - لأنه لا يجوز أن يكون للناس إمامان. ويدل عليه حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنه قال: «اشتكى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره» . رواه مسلم بلفظه والبخاري بمعناه، وكانت هذه صلاة الظهر يوم السبت أو الأحد، وتوفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الاثنين والبيهقي وغيره. وقال الماوردي في " الحاوي " روي أنه توفي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من يومه. واعلم أن حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قد روي بطرق كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما وفيه اضطراب غير قادح، منهم من ادعى فيه التعارض؛ لأن في رواية شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى خلف أبي بكر،» وروى شعبة أيضا عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى خلف أبي بكر جالسا في مرضه الذي توفي فيه» فهذا كله يدل على أن أبا بكر كان إماما. وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بكر أن يصلي بالناس» ... الحديث. وفي آخره فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس يصلون بصلاة أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وروى أحمد بن يونس، عن زائدة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله قال: «دخلت على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عائشة فسألتها عن مرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» - ... الحديث، وفي آخره، «فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم يصلي بصلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قاعد» . وهذا كله يدل على أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إماما. وقال البيهقي: لا تعارض بين الخبرين، فإن الصلاة التي كان فيها النبي إماما هي صلاة الظهر يوم السبت أو يوم الأحد والتي كان فيها مأموما هي صلاة الصبح من يوم الاثنين وهي آخر صلاة صلاها - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حتى خرج من الدنيا. وقال ابن حبان في "صحيحه " بعد أن روى حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - من رواية زائدة عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن عبد الله، عن عائشة بلفظ " الصحيحين "، ثم روى من حديث شعبة عن موسى بن أبي عائشة «أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصف خلفه» هذا شعبة قد خالف زائدة في هذا الخبر وهما ثقتان ثبتان حافظان. ثم أخرج عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت: أغمي «على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، الحديث، إلى أن قال: فخرج بين ثويبة وبريرة فأجلساه إلى جنب أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي وهو جالس وأبو بكر قائم وهو يصلي بصلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس يصلون بصلاة أبي بكر» . ثم أخرج عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت: صلى «رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مرضه الذي مات فيه خلف أبي بكر قاعدا» قال: وعاصم بن أبي النجود ونعيم بن أبي هند حافظان ثقتان. قال: وأقول وبالله التوفيق: إن هذه الأخبار كلها صحيحة ليس فيها تعارض، فإن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى في مرضه الذي توفي فيه صلاتين في المسجد في إحداهما كان إماما وفي الأخرى كان مأموما، قال: والدليل على ذلك أن في خبر عبيد الله بن عبد الله، عن عائشة أنه خرج - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خرج بين رجلين العباس وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وفي خبر مسروق عنها أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خرج بين بريرة وثويبة، وفي كلام البخاري ما يقتضي الميل إلى أن حديث «إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا» منسوخ، فإنه قال بعد روايته: قال الحميدي هذا حديث منسوخ بأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - آخر ما صلى صلى قاعدا والناس خلفه قيام وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 ويصلي المومئ خلف مثله لاستوائهما في الحال، إلا أن يومئ المؤتم قاعدا والإمام مضطجعا؛ لأن القعود معتبر، فتثبت به القوة. ولا يصلي الذي يركع ويسجد خلف المومئ؛ لأن حال المتقدي أقوى، وفيه خلاف زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -   [البناية] م: (ويصلي المومئ خلف مثله) ش: أي مثله المومئ وهذا لا خلاف فيه م: (لاستوائهما في الحال) ش: أي لاستواء المأمومين في هذه الحالة، وقال التمرتاشي: لو كان الإمام يصلي قاعدا بالإيماء والمقتدي قائما بالإيماء يصح اقتداؤه به أيضا؛ لأن هذا القيام ليس بركن حتى كان الأولى تركه، دل عليه ما لو عجز عن السجود وقدر على غيره من الأفعال أنه يصلي قاعدا بالإيماء فيستوي حاليهما. م: (إلا أن يومئ المؤتم قاعدا والإمام مضطجعا) ش: هذا استثناء من قوله يصلي: المومئ، أي فحينئذ لا يجوز، وذكر التمرتاشي حكم هذه المسألة على خلاف هذا، فإنه قال: واختلف من يصلي قاعدا مؤمئا، بمن يصلي مضطجعا والأصح أنه يجوز على قول محمد، وكذا الأظهر على قولهما الجواز، وذكر في " المحيط " ما يوافق رواية " الهداية "، ثم ذكر التمرتاشي، وعلى هذا الخلاف اقتداء السليم بالأحدب الذي بلغ حد الركوع. م: (لأن القعود معتبر فتثبت به القوة) ش: دليله أن صلاة المتطوع مستلقيا بالإيماء مع القدرة على القعود لا يجوز. م: (ولا يصلي الذي يركع ويسجد خلف المومئ؛ لأن حال المقتدي أقوى) ش: من حال الإمام بقدرته على الركوع والسجود دون الإمام، وحاصله أن حال الراكع والساجد أقوى فلا يجوز بناؤه على الضعيف. وفي " الذخيرة ": لو صلى الإمام قاعدا بركوع وسجود وصلى خلفه قوم قعودا بالإيماء وقوم قياما بالإيماء فصلاة الكل جائزة؛ لأن صلاة القاعد بالركوع والسجود أقوى من صلاة القاعد والقائم بالإيماء، ولو كان الإمام يصلي قاعدا بالإيماء يجوز أيضا، وإن كان يصلي مستلقيا بالإيماء لا تجوز صلاة القاعد المومئ خلفه لقوة القاعد؛ لأن حال المستلقي دون حال القاعد، ولهذا لا تجوز صلاة المتنفل مستلقيا، ولو كان الإمام صلى قائما بركوع وسجود خلفه مثله وآخرون يصلون قعودا بركوع وسجود وقوم يصلون بالإيماء مستلقين على أقفيتهم فصلاة الكل جائزة. م: (وفيه خلاف زفر) ش: يعني يجوز عند زفر إمامة المومئ للذي يركع ويسجد؛ لأن صاحب الخلف كصحاب الأصل، ولهذا جازت إمامة المتيمم المتوضئ، وبه قال الشافعي، وقال الماوردي: عجز الإمام عن الأركان لا يمنع من الاقتداء به كالقائم، وفي " المغني " لا يؤم المضطجع والعاجز عن الركوع والسجود لمن يقدر عليهما في قول مالك وأحمد خلافا لزفر والشافعي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 ولا يصلي المفترض خلف المتنفل؛ لأن الاقتداء بناء، ووصف الفرضية معدوم في حق الإمام، فلا يتحقق البناء على المعدوم، قال: ولا من يصلي فرضا خلف من يصلي فرضا آخر؛ لأن الاقتداء شركة وموافقة   [البناية] قلنا: في جواب زفر لا نسلم أن الإيماء كالخلف، ولئن سلمنا لكن لا نسلم أنه كان في الحقيقة كالمتيمم؛ لأن التيمم خلف يؤدي به أركان الصلاة، كما شرعت وهذا لا يؤدي به كما شرعت. [صلاة المفترض خلف المتنفل والعكس] م: (ولا يصلي المفترض خلف المتنفل) ش: وبه قال مالك في رواية وأحمد في رواية أبي الحارث عنه، وقال ابن قدامة: اختار هذه الرواية أكثر أصحابنا وهو قول الزهري والحسن وسعيد بن المسيب والنخعي وأبي قلابة ويحيى بن سعيد الأنصاري. قال الطحاوي: وبه قال مجاهد وطاوس. م: (لأن الاقتداء بناء) ش: أي بناء أمر وجودي لأنه عبارة عن متابعة الشخص لآخر في أفعاله بصفاتها وهو مفهوم وجودي لا سلب فيه، وبناء الأمر الوجودي على المعدوم بصفاتها غير متحقق م: (ووصف الفرضية معدوم في حق الإمام) ش: فلا يمكن بناء الموجود على المعدوم م: (فلا يتحقق البناء على المعدوم) ش: لاستحالة ذلك. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا من يصلي فرضا خلف من يصلي فرضا آخر) ش: أي ولا يصلي من يريد صلاة فرض مثلا صلاة الظهر خلف من يصلي فرضا آخر نحو من يصلي عصرا أو عشاء م: (لأن الاقتداء شركة) ش: يعني في التحريمة م: (وموافقة) ش: يعني في الأفعال فلا بد من الاتحاد في الشركة والموافقة؛ لأنهما لا يوجدان إلا عند اتحاد ما يحرما له وفعلاه. فإن قلت: الشركة تقتضي المعية في الاشتراك، والبناء يقتضي التعاقب وبينهما منافاة. قلت: الاشتراك بالنسبة إلى التحريمة، والبناء بالنسبة إلى الأفعال، فلا منافاة بينهما، وحاصل الأمر أن اتحاد الصلاتين شرط لصحة الاقتداء فلا يصح اقتداء مصلي الظهر بمصلي العصر، وعلى العكس ولا اقتداء من يصلي ظهرا بمن يصلي ظهر يوم آخر، ويجوز اقتداء القاضي بالقاضي إذا فاتتهما صلاة واحدة من يوم واحد كالأداء، ولا يجوز أداء الناذر بالناذر إلا إذا نذر الثاني عين ما نذر الأول لاتحادهما، ولو أفسد كل واحد تطوعه ثم اقتدى أحدهما بالآخر صح كما قبل الإفساد. ويجوز اقتداء الحالف بالحالف؛ لأن وجوبها عارض لتحقيق البرء فبقيت نفلا، ولا يجوز اقتداء الناذر بالحالف لقوة النذر، ويجوز اقتداء الحالف بالناذر، ولو اقتدى مقلد أبي حنيفة في الوتر مقلد أبي يوسف ومحمد جاز لاتحاد الصلاة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 فلا بد من الاتحاد. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصح في جميع ذلك؛ لأن الاقتداء عنه أداء على سبيل الموافقة، وعندنا معنى التضمن مراعى.   [البناية] قال المرغيناني: وعندي نظيره من صلى ركعتين من العصر فغربت الشمس فاقتدى به إنسان في الأخيرتين يجوز، وإن كان هذا قضاء في حق المتقدي؛ لأن الصلاة واحدة ثم إذا لم يصح الاقتداء في هذه المسائل عندنا يصير شارعا في التطوع أم لا؟ فيه روايتان. وقال الصدر الشهيد: الاعتماد على أنه لا يصير شارعا، ولو كان اقتداء المفترض بالمتنفل في فعل واحد. قيل: لا يجوز كما لو كان في جميع الأفعال لأنه بناء الموجود على المعدوم. وقال بعضهم: لا يجوز في فعل واحد ألا ترى أن محمدا ذكر في الأصل أن الإمام إذا رفع رأسه من الركوع فجاء إنسان واقتدى به فقبل أن يسجد السجدتين سبق الإمام الحدث فاستخلف هذا المسبوق صح الاستخلاف ويأتي الخليفة بالسجدتين ويكونان له نفلا حتى يعتد بهما فرضا في حق من أدرك أولا الصلاة ومع هذا صح الاقتداء به، وكذا يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض في الركعتين الأخيرتين وهو اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القراءة، والصحيح الأول الذي عليه عامة الأصحاب. والجواب عن الأول: بأن السجدتين فرض في حق الخليفة حتى لو لم يأت بهما حتى خرج من صلاته فسدت صلاته وإن لم يعتد له بهما. وعن الثانية: أن صلاة المقتدي المتنفل أخذت حكم صلاة المفترض بسبب الاقتداء؛ ولهذا لزمه قضاء ما لم يدرك مع الإمام من الشفع الأول، ولذا لو أفسد صلاته يلزم قضاء الأربع فتكون القراءة نفلا في حقه في الركعتين الأخيرتين كما كانت نفلا في حق إمامه، فكان اقتداء المتنفل بالمتنفل في حق القراءة في الأخيرتين. م: (وعند الشافعي يصح في جميع ذلك) ش: يعني يصح عنده اقتداء الذي يركع ويسجد بالمومئ والمفترض بالمتنفل، واقتداء من يصلي فرضا آخر وبه قال أحمد في رواية، واختاره ابن المنذر وهو قول عطاء وطاووس وسليمان بن حرب وداود م: (لأن الاقتداء عنده) ش: أي عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أداء على سبيل الموافقة) ش: وقد حصل التوافق في الأفعال فجاز. م: (وعندنا معنى التضمن مراعى) ش: يعني التضمن الذي دل عليه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الإمام ضامن» مراعى عندنا وهو الصحة والفساد، وإنما تصير صلاتهم في ضمن صلاته صحة وفسادا إذ تبنى صلاتهم على صلاته، والابتناء لا يصح ما لم يكن أصل الفرض بحيث يمكن الإمام أداء ما على المقتدي بتحريمه أداء صلاته صح أداء المقتدي بناء على صلاته فيراعى الاتحاد بين صلاتهم وصلاته، فلا يحصل مراعاة الاتحاد مع تغاير الفرضين؛ ولهذا لا يجوز اقتداء مصلي الظهر خلف من يصلي الجمعة أو على العكس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: روى البخاري ومسلم عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن معاذا كان يصلي مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة» هذا لفظ مسلم ولفظ البخاري فيصلي بهم الصلاة المكتوبة. قلت: الجواب عنه من وجوه: الأول: أن الاحتجاج من باب ترك الإنكار من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشرط ذلك علمه بالواقعة وجاز أن لا يكون علم بها، ويدل عليه ما رواه أحمد في "مسنده " عن معاذ بن رفاعة «عن سليم رجل من بني سلمة أنه أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله إن معاذ بن جبل يأتينا بعدما ننام ونكون في أعمالنا بالنهار فينادي بالصلاة فنخرج عليه فيطول علينا فقال له - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "يا معاذ لا تكن فتانا إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك» "، فدل على أنه كان يفعل أحد الأمرين، ولم يكن يجمعهما بأنه قال: «إما أن تصلي معي» أي ولا تصلي بقومك، «وإما أن تخفف على قومك» ولا تصلي معنا. الثاني: أن النية أمر مبطن لا يطلع عليه إلا بإخبار الباري، ومن الجائز أن يكون معاذ كان يجعل صلاته معه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بنية النفل ليتعلم سنة القراءة منه وأفعال الصلاة، ثم يأتي قومه فيصلي بهم الفرض ويؤيده أيضا حديث أحمد المذكور. فإن قلت: معاذ إن ترك فضيلة الفرض خلف النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ويأتي به مع قومه وكيف يظن معاذ بعد سماعه قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» ولعل الصلاة الواحدة مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خير من كل صلاة صلاها في عمره، وأيضا وقع في رواية الشافعي، ومن طريقه روى الدارقطني ثم البيهقي «هي له تطوع ولهم فريضة» رواه الشافعي في "مسنده ". قلت: قال الشيخ تقي الدين: يمكن أن يقال في الحديث المذكور: إن مفهومه أن لا يصلي نافلة غير الصلاة التي تقام؛ لأن المحذور وقوع الخلاف على الأئمة، وهذا المحذور سبق مع الاتفاق في الصلاة المقامة، ويؤيد هذا اتفاقهم على جواز اقتداء المتنفل بالمفترض، ولو تناوله النهي لما جاز مطلقا. وقولهم: وكيف يظن بمعاذ إلخ غير موجه؛ لأنه ليس تفوته الفضيلة معه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سائر أئمة مساجد المدينة وفضيلة النافلة خلفه مع أداء الفرض مع قومه تقوم مقام أداء الفريضة خلفه وامتثال أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في إمامة قومه زيادة طاعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 ويصلي المتنفل خلف المفترض؛ لأن الحاجة في حقه إلى أصل الصلاة، وهو موجود في حق الإمام، فيتحقق البناء   [البناية] وأما الزيادة في رواية الشافعي فليس من كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما هي من الرواة، ولعلها من الشافعي فإنها دائرة عليه، ولا يعرف إلا من جهته فيكون منه ظنا واجتهادا. وعن ابن قدامة وابن تيمية الحراني من الحنابلة: أن أحمد قد ضعف هذه الزيادة، فقال: وقد سئل عن حديث معاذ: أخشى أن لا يكون محفوظا؛ لأن ابن عيينة زاد فيه كلاما لا يقوله أحد. قال في " المغني " عنه: وقد روى الحديث منصور بن زاذان وشعبة، ولم يقولا ما قال ابن عيينة يعني زيادته هي له تطوع ولهم فريضة. الثالث: أنه منسوخ، قال الطحاوي: يحتمل أن يكون ذلك وقت كانت الفريضة تصلى مرتين، فإن ذلك كان يفعل في أول الإسلام، ثم ذكر حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لا تصلى صلاة في يوم مرتين» وقال ابن دقيق العيد: هذا مدخول من وجهين: أحدهما: أنه أثبت النسخ بالاحتمال. الثاني: أنه لم يقم دليل على أن ذكره كان واقعا أعني صلاة الفريضة في يوم مرتين. قلت: الاحتمال إذا كان ثابتا عن الدليل يعمل به، وقد ذكر الطحاوي بإسناده أنهم كانوا يصلون الفريضة الواحدة في اليوم مرتين حتى نهوا عنه وكذا ذكره المهلب، والنهي لا يكون إلا بعد الإباحة، والدليل عليه أن إسلام معاذ متقدم، وقد صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد سنين من الهجرة صلاة الخوف مرة فلو جاز ما ذكروه لما يحملها مع المعدات، فلو جاز اقتداء المفترض بالمتنفل يصلي بهم الصلاة مرتين فيصلي بالطائفة الأولى صلاة كاملة فلما لم يصل دل على عدم جواز اقتداء المفترض بالمتنفل. الرابع: يحتمل أنه يكون كان يصلي مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة النهار ومع قومه صلاة الليل؛ لأنهم كانوا أهل خدمة لا يحضرون صلاة النهار في إسناد لهم، فأخبر الراوي بحال معاذ في وقتين لا في وقت واحد. م: (ويصلي المتنفل خلف المفترض) ش: وهذا بالاتفاق، وفي شرح " العمدة " وفيهم من لا يجوز ذلك لاختلاف النية م: (لأن الحاجة في حقه إلى أصل الصلاة) ش: أي في حق المتنفل المقتدي، وذلك أن المفترض يشتمل على أصل الصلاة والصفة، والمتنفل مشتمل على أصل الصلاة، ففي هذه الصورة تشتمل صلاة الإمام على صلاة المقتدي وزيادة فيصح اقتداؤه به. م: (وهو موجود) ش: أي أصل الصلاة موجود م: (في حق الإمام) ش: لأنه مفترض م: (فيتحقق البناء) ش: أي بناء صلاة المتنفل على صلاة المفترض، وتفسير البناء أن تجعل التحريمتان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 ومن اقتدى بإمام ثم علم أن إمامه محدث أعاد لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من أمّ قوما ثم ظهر أنه كان محدثا أو جنبا أعاد صلاته وأعادوا»   [البناية] تحريمة واحدة، وقال مالك والزهري: لا يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض؛ لأن الاقتداء شركة وموافقة، والمغايرة بين النفل والفرض ثابتة، ويرد ذلك بحديث معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فإن قلت: صفة النفل موجودة في حق المقتدي، ومعدومة في حق الإمام فيثبت التغاير فلا يجوز الاقتداء. قلت: تلك ليست بصفة زائدة هل هي عبارة عن عدم الوجوب فبقي أصل الصلاة وهو موجود في حق الإمام فيثبت الاتحاد، فيجوز الاقتداء أو يفهم هذا الجواب عن السؤال المذكور من أمعن نظره في كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فإن قلت: القراءة فرض في صلاة النفل والأخيرتين نفل في صلاة الفرض فيكون اقتداء المفترض وذا لا يجوز قلت: القراءة في الأخيرتين في النفل إنما يكون فرضا إذا كان المصلي منفردا، أما إذا كان مقتديا فلا لأنه ممنوع من ذلك. [اقتدى بإمام ثم علم أن إمامه محدث] م: (ومن اقتدى بإمام ثم علم أن إمامه محدث أعاد) ش: أي أعاد صلاته، قيد بالعلم بعد الاقتداء، لأنه لو علم أن إمامه محدث قبل الاقتداء لا يصح اقتداؤه بالإجماع. وقال النووي: اجتمعت الأئمة على أن من صلى محدثا مع إمكان الوضوء فصلاته باطلة وتجب عليه الإعادة بالإجماع، سواء تعمد ذلك أو نسيه أو جهله على المذهب، وفي " الوسيط " النجاسة مثله في الجديد فلا يعذر؛ لأنه شرط وإن بان إمامه مشركا أو مجنونا أو صلى بغير إحرام أو امرأة أو خنثى أو صلى القارئ خلف الأمي أعاد عند الشافعي وبه قال أحمد، وإن بان أنه محدث أو جنب أو في ثوبه نجاسة خفيفة أو ببدنه لا يعيد، وإن تعمد الإمام ذلك ففي الإعادة قولان عند الشافعي، وفي الجنابة يعيد عندهم، وعند مالك إن كان عالما بجنابته يعيد وإلا فلا. وقال أبو ثور والمزني: في الكل لا يعيد إذا لم يعلم، وقال عطاء: إن كان حدثه جنابة بطلت صلاة المأموم، وإن كان غيره أعاد في الوقت وبعده لا. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من أم قوما ثم ظهر أنه كان محدثا أو جنبا أعاد صلاته وأعادوا» ش: هذا الحديث لا يعرف ولكن جاءت فيه الآثار، وروى محمد بن الحسن في كتابه " الآثار " أخبرنا إبراهيم بن يزيد المكي عن عثمان بن دينار أن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال في الرجل يصلي بالقوم جنبا قال: يعيد ويعيدون. ورواه عبد الرزاق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في "مصنفه " عن إبراهيم بن يزيد المكي عن عمرو بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] دينار عن أبي جعفر أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صلى بالناس وهو جنب أو محدث على غير وضوء فأعادوا وأمرهم أن يعيدوا. وروى عبد الرزاق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخبرنا حسين بن وهران عن مطرح عن أبي المهلب عن عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: صلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بالناس وهو جنب فأعاد ولم يعد الناس فقال له علي: قد كان ينبغي من صلى معك أن يعيد، وقال: فرجعوا إلى قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولو احتج المصنف بما رواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين» . لكان أولى وأوجه لأنه يخبر أن ضمان الإمام في الجواز والفساد، بيانه أنه لم يرد أنه ضامن لنفسه؛ لأن كل مصل ضامن بصلاة نفسه فتعين أن يكون الإمام ضامنا للقوم، ولا يجوز أن يكون ضامنا للقوم وجوبا وأداء؛ لأنه غير مراد بالإجماع فتعين أن يكون صحة وفسادا. فإن قلت: في سنده اضطراب. قلت: رواه أحمد في "مسنده " حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا وهذا سند صحيح. وقال في " التنقيح ": رواه مسلم في "صحيحه " بهذا الإسناد نحوا من أربعة عشر حديثا. فإن قلت: الخصم احتج بما رواه أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاته فكبر وكبرنا معه ثم أشار إلى القوم أن امكثوا كما أنتم، فلم نزل قياما حتى أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد اغتسل ورأسه تقطر ماء فصلى بهم» ولو لم تكن صلاتهم منعقدة لم يكلف استدامة القيام مع قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تقوموا في الصف حتى تروني خرجت» فدل على أن عدم طهارة الإمام لا تمنع انعقاد صلاة المقتدي الذي لم يعلم بحال الإمام. قلت: هذا كان في بدء الأمر قبل تعلق القوم بصلاة الإمام، ألا ترى أن في هذا الحديث جاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكبر ولم يأمرهم بإعادة التكبير فيكون القوم مصلين بصلاة بتكبيرة قبل تكبير الإمام، وهذا لا يصح بلا إشكال؛ ولأن ابن سيرين ذكر هذه القصة، وذكر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أومأ إليهم أن اقعدوا، ولو انعقدت صلاتهم لم يأمرهم بالقعود، ولم يحتمل أن الأمر بالمكث كي لا يتفرقوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] حتى يجيء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والحديث حكاية حال لا عموم له، فلا يجوز ترك القياس بمثله. فإن قلت: يرد عليكم مسألة الترتيب والقهقهة حيث علمتم بهما بخلاف القياس. قلت: هذه حكاية قول وليس بحكاية فعل فيصح العموم فيه؛ لأن العموم من أوصاف اللفظ. فإن قلت: هو منسوب إلى التفريط بهذا الإتمام: دليله ما لو ارتد الإمام بعدما صلى. قلت: يشكل هذا بما لو ظهر أنه كافر أو امرأة حيث لا يصح، وإن هو غير منسوب إليه هناك أيضا. وفي " المجتبى " أم قوما مدة، ثم قال: صليت بغير طهارة أو مع العلم بالنجاسة المانعة أو قال: كنت مجوسيا لا يلزمهم الإعادة لأنه صرح بكفره وقول الفاسق غير مقبول في الديانات. واستدل الأترازي في المسألة المذكورة: بما روي عن سعيد بن المسيب «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بالناس فأعاد وأعادوا» . قلت: العجب منه مع دعواه الفرضية يستدل بحديث ضعيف ومرسل، ورواه الدارقطني والبيهقي عن أبي جابر البياضي عن سعيد بن المسيب به. وقال البيهقي: أبو جابر البياضي متروك الحديث، وكان مالك لا يرضى به، وكان ابن معين يرميه بالكذب. وقال الشافعي: من روى عن البياضي بيض الله عينه. فإن قلت: روى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه صلى بالناس وأعاد ولم يأمر القوم بالإعادة. قلت: لم يتيقن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بالجنابة قبل الدخول في الصلاة وإنما أخذ لنفسه بالاحتياط، ويدل عليه ما رواه مالك في " الموطأ " أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خرج إلى الحرف فنظر فإذا هو قد احتلم وصلى ولم يغتسل، قال: ما أراني إلا قد احتلمت وما شعرت وصليت وما اغتسلت. قال: وغسل ما رأى في ثوبه ونضح ما لم يره وأقام ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكنا. وروى الطحاوي بإسناده أن عمر نسي القراءة في صلاة المغرب وأعاد بهم الصلاة لترك القراءة، وفي فساد الصلاة بترك القراءة اختلاف، فإذا صلى جنبا أحرى أن يعيد، وعنه عن طاوس ومجاهد في إمام صلى وهو على غير وضوء أعادوا جميعا. فإن قلت: روى الدارقطني بإسناده عن البراء بن عازب أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما إمام صلى بالقوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بناء على ما تقدم، ونحن نعتبر معنى التضمن، وذلك في الجواز والفساد وإذا صلى أمي بقوم يقرءون وبقوم أميين فصلاتهم فاسدة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وقالا: صلاة الإمام ومن لم يقرأ تامة؛ لأنه معذور أم قوما معذورين وغير معذورين، فصار كما إذا أم العاري عراة ولابسين، وله أن الإمام ترك فرض القراءة مع القدرة عليها فتفسد صلاته، وهذا لأنه لو اقتدى بالقارئ تكون قراءته له   [البناية] وهو جنب فقد مضت صلاتهم ثم يغتسل هو ثم ليعد صلاته، فإن صلى بغير وضوء فمثل ذلك» ". قلت: قال أبو الفرج: لا يصح هذا الحديث؛ لأن في طريقه بقية وهو مدلس، وعيسى بن إبراهيم وهو ضعيف وجرير وهو متروك، والضحاك بن مزاحم ضعفه الأكثرون وهو لم يلق البراء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (وفيه خلاف الشافعي بناء على ما تقدم) ش: أي وفي حكم هذه المسألة خلاف الشافعي بناء على ما تقدم عن قريب، وهو أن الاقتداء عنده على سبيل الموافقة لا بناء على صلاة الغير م: (ونحن نعتبر معنى التضمن) ش: في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الإمام ضامن» م: (وذلك) ش: أي معنى التضمن م: (وفي الجواز والفساد) ش: أي لا في الوجوب والأداء وقد قررناه عن قريب. [إمامة الأمي] م: (وإذا صلى أمي بقوم يقرءون وبقوم أميين فصلاتهم فاسدة عند أبي حنيفة) ش: قد قررنا الأمي عند قوله: ولا يصلي القارئ خلف الأمي، مع خلاف الشافعي فيه. م: (وقالا: صلاة الأمي ومن لم يقرأ تامة) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد صلاة الأمي وصلاة من لا يقرأ تامة م: (لأنه معذور) ش: أي؛ لأن الأمي معذور م: (أم قوما معذورين) ش: وهم الأميون م: (وغير معذورين) ش: وهم القارئون م: (فصار) ش: أي فصار حكم هذه المسألة م: (كما إذا أم العاري عراة) ش: جمع عار كقضاة جمع قاض م: (ولابسين) ش: بالنصب عطف على عراة أي وقوما عليهم الثياب، هما قاسا المسألة المذكورة على هذه المسألة، فإن في هذه كان لكل فريق حكم نفسه اعتبار الكل بالبعض، فتصح صلاة العراة فكذلك في تلك المسألة تصح صلاة الأميين. والحاصل أن صلاة من يمثل هذا الإمام تصح، ولا تصح ممن هو أعلى منه. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الإمام ترك فرض القراءة مع القدرة عليها) ش: أي على القراءة بتقديم القارئ م: (فتفسد صلاته) ش: أي صلاة الإمام ثم بين وجه ذلك بقوله م: (وهذا) ش: أي ترك الإمام فرض القراءة الذي هو موجب لفساد صلاته م: (لأنه) ش: أي؛ لأن هذا الإمام الأمي م: (لو اقتدى بالقارئ تكون قراءته) ش: أي قراءة القارئ م: (قراءة له) ش: أي لهذا الإمام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 بخلاف تلك المسألة وأمثالها؛ لأن الموجود في حق الإمام لا يكون موجودا في حق المقتدي، ولو كان يصلي الأمي وحده والقارئ وحده جاز   [البناية] وذلك بالحديث فلما لم يقدمه لزم ترك القراءة مع القدرة، ففسدت صلاته كما لو كان قارئا فلم يقرأ، فإذا فسدت صلاته فسدت صلاة الكل، وعن الشيخ أبي الحسن الكرخي أنه كان يقول القارئ والأمي يتساويان في فرض التحريمة ويختلفان في القراءة، فإذا اقتدى القارئ صحت تحريمته وقد ألزم الإمام تصحيح صلاة المؤتم فصار ملزوما للقراءة التي تصح صلاة المؤتم بها وقد تركناها فتبطل صلاته. فإن قلت: كيف يلزم فرض القراءة على الأمي وهو غير قادر؟ قلت: يلزمه بالتزامه وإن لم يلزمه الشرع كنذر القراءة. فإن قلت: لم لا يلزم القضاء على المقتدي إذا أفسد وقد صح شروعه؟. قلت: لما شرع في صلاة الأمي أوجبها على نفسه بغير قراءة فلم يلزمه القضاء كنذر صلاة بغير قراءة لا يلزمه إلا في رواية أبي يوسف في ظاهر الرواية، لأنه فصل بين العلم وعدمه، وعن الشيخ أبي عبد الله الجرجاني أن صلاة الأمي إنما تفسد عنده إذا علم أن خلفه قارئا، أما إذا لم يعلم فلا على ما يجيء عن قريب. م: (بخلاف تلك المسألة) ش: أراد بها مسألة إمامة العاري للعراة واللابسين م: (وأمثالها) ش: أي وبخلاف أمثال تلك المسألة كإمامة الجريح بمثله والصحيح، وإمامة المومئ بمثله والقادر على الأركان وإمامة المستحاضة بمثلها والطاهرة م: (لأن الموجود في حق الإمام) ش: في هذه الصورة وهو الجراحة والإيماء والاستحاضة م: (لا يكون موجودا في حق المقتدي) ش: لأن أصحاب هذه الأعذار لا يكونون قادرين على إزالة هذه بتقديم من لا عذر له، بخلاف مسألة إمامة الأمي لأميين والقارئين. فإن قلت: هذا على أصل أبي حنيفة لا يستقيم؛ لأنه لا يعتبر قدرة الغير حتى لا يوجب الحج والجمعة على الأعمى، وإن وجد قائدا. قلت: الفرق أن الأعمى لا يقدر على إتيان الحج والجمعة بدون اختيار القائد، وهاهنا قادر على الاقتداء بالقارئ بدون اختيار، ولأبي حنيفة وجه آخر وهو أن افتتاح الكل قد صح؛ لأنه أوان التكبير والأمي قادر عليه فيصح الاقتداء وصار الأمي متحملا فرض القراءة عن القارئ، فإذا جاء أوان القراءة وهو عاجز عن الوفاء بما تحمل فتفسد صلاته، وبفساد صلاته تفسد صلاة القوم بخلاف سائر الأعذار فإنها قائمة عند الافتتاح فلا يصح اقتداء من عذر به ابتداء. م: (ولو كان يصلي الأمي وحده والقارئ وحده جاز) ش: لأن الأصل أن لا تكون قراءة الإمام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 هو الصحيح؛ لأنه لم يظهر منهما رغبة في الجماعة،   [البناية] قراءة المقتدي إلا أن الشرع جعل قراءة المقتدي إذا اقتدى، فإذا لم يقتد فلا فإذا لا يلزم ترك فرض القراءة فيجوز صلاة الأمي م: (هو الصحيح) ش: احترز به عما روي عن أبي حازم أن قياس قول أبي حنيفة لا تجوز صلاته ثم علل المصنف وجه التصحيح بقوله م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الشأن م: (لم يظهر منهما) ش: أي من الأمي والقارئ م: (رغبة في الجماعة) ش: لأنهما لم يرغبا في الجماعة، وصلى كل واحد وحده، لم يعتبر وجوب القارئ في حق الأمي؛ لأن تضمن قراءة الإمام قراءة المقتدي مقصور على الجماعة وحضور من ليس بينه وبين المصلي جامع الاقتداء كلا حضور، والمراد من صلاة الأمي وحده والقارئ وحده أن يكونا في مكان واحد بأن صلى الأمي وحده بجنب القارئ فحينئذ تفسد صلاته، وقيل: لا، وبه قال مالك. وفي " الذخيرة ": القارئ إذا كان على باب المسجد أو بجوار المسجد والأمي في المسجد يصلي فصلاة الأمي جائزة بلا خلاف، وكذا إذا كان القارئ في غير صلاة الأمي جاز للأمي أن يصلي وحده ولا ينتظر فراغ الإمام. وفي " المحيط ": ذكر الكرخي في "مختصره" لو اقتدى القارئ بالأمي، ولم ينو إمامته لا تفسد صلاته؛ لأنه يلحقه فساد صلاته من جهة القارئ فلا بد من التزامه كالمرأة، وقيل: تفسد وإن لم ينو إمامته. وفي " المحيط " لو تعلم الأمي سورة في خلال صلاته تفسد صلاته خلافا للشافعي، ولو اقتدى بالقارئ ثم تعلم سورة قيل: لا تفسد، وقيل: تفسد عند عامة المشايخ. وفي " الذخيرة " ذكر لهذه المسألة في الكتب المشهورة. فالأول: قاله أبو بكر بن محمد بن الفضل. والثاني: قاله أبو بكر محمد بن حامد وعامة المشايخ. وإن كان إماما أو منفردا فتعلم سورة في وسط صلاته لا يبني، وروى هشام عن محمد أنه قال: عامة أصحابنا على أن الأخرس إذا أم الأميين والقارئين فصلاتهم تامة، وقال الفقيه أبو جعفر: لم ير ذلك أبا حنيفة؛ لأنه خالفهم في ذلك القارئ إذا اقتدى بالأمي هل يصير شارعا في الصلاة، ذكر محمد هذا في " الجامع الصغير " وهذا فصل اختلف فيه الأصحاب، قال بعضهم: لا يصير شارعا حتى لو كان في التطوع لا يجب القضاء، وقال بعضهم: يصير شارعا ولم تفسد ويجب قضاء التطوع. قال في " الذخيرة ": والصحيح هو الأول، وذكر القدوري في "شرحه " أن القارئ إذا دخل في صلاة الأمي متطوعا ثم أفسدها يلزمه القضاء عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: ولا رواية عن أبي حنيفة، يعني سبقه الحدث فقدم الأمي في الركعتين الأخيرتين. وقال زفر: لا تفسد في هذا الفصل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 فإن قرأ الإمام في الأوليين، ثم قدم في الأخريين أميا فسدت صلاتهم، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تفسد لتأدي فرض القراءة. ولنا أن كل ركعة صلاة حقيقة فلا تخلو من القراءة إما تحقيقا أو تقديرا، ولا تقدير في حق الأمي، لانعدام الأهلية، وكذا على هذا لو قدمه في التشهد، جائزة عند الكل. والله تعالى أعلم بالصواب.   [البناية] م: (فإن قرأ الإمام في الأوليين ثم قدم في الأخريين أميا فسدت صلاتهم) ش: وكذا روي عن أبي يوسف في غير رواية الأصول. م: (وقال زفر: لا تفسد لتأدي فرض القراءة) ش: يعني أن القراءة فرض في الأوليين وقد تأدى فصار الأمي والقارئ بعده سواء. م: (ولنا أن كل ركعة صلاة حقيقة فلا تخلو من القراءة إما تحقيقا أو تقديرا) ش: يعنى لا يجوز خلوها من القراءة بالحدث فتشترط فيها القراءة إما حقيقة وإما تقديرا وكلاهما منتف في حق الأمي فصار استخلافه استخلاف من لا يصح للإمامة فأشبه استخلاف الصبي والمرأة ففسدت صلاتهم. م: (ولا تقدير في حق الأمي لانعدام الأهلية) ش: أي لا يمكن تقدير القراءة في حق الأمي ولا شيء منها موجود في حق الأمي إما حقيقة فظاهر وإما تقديرا فلعدم الأهلية والشيء إنما يقدر إذا أمكن تقديره م: (وكذا على هذا لو قدمه في التشهد) ش: أي وكذا على هذا الاختلاف لو قدم الأمي في التشهد يعني فسدت صلاتهم خلافا لزفر، هذا إذا لم يقعد قدر التشهد، أما إذا قعد قدر التشهد فصحيح بالإجماع كذا ذكر فخر الإسلام؛ لأن هذا من فعله وهو مناف فانقطعت صلاته، وإنما الاختلاف فيما ليس من فعله مثل طلوع الشمس، وقيل تفسد صلاتهم عند أبي حنيفة وعندهما لا تفسد والصحيح هو الأول. ولو أن القارئ قرأ في الأوليين ثم نسي القراءة في الأخريين وصار أميا فسدت صلاته عند أبي حنيفة ويستقبلها، وعلى قولهما لا تفسد ويبني عليهما استحسانا وهو قول زفر. وفي الأصل: الأمي إذا افتتح صلاته قعد قدر التشهد وسلم ثم تعلم السورة ثم تذكر أن عليه سجود السهو فإنه لا يعيد صلاته. م: (جائزة عند الكل) ش: يجب أن لا يترك الأمي الاجتهاد إن ليله أو نهاره حتى يعلم مقدار ما تجوز به الصلاة، فإن قصر لم يعذر عند الله تعالى وبه قالت الأئمة الثلاثة، ذكر التمرتاشي ولو حضر الأمي على قارئ يصلي فلم يقتد به وصلى وحده اختلفوا فيه: والأصح أن صلاته فاسدة، نوى الاقتداء بإمام على ظن أنه صلى فإذا هو خليفة جاز، ولو نوى الاقتداء بالأصلي فإذا هو خليفة لم يجز. وفي " فتاوى الصغرى ": اقتدى بإمام وفي زعمه أنه فلان ثم ظهر أنه غيره يجزئه، وإن اقتدى بفلان بعينه ثم ظهر أنه غيره لا يجزئه، اقتدى مسبوق بمسبوق في قضاء ما سبق لا يجوز، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وكذا لا يجوز اقتداء اللاحق باللاحق كذا في " الخلاصة "، شك في إتمام وضوء إمامه جاز اقتداؤه به. اشتركا في نافلة ثم أفسدها صح اقتداء أحدهما بصاحبه وإن لم يشتركا لم يصح شرع في ظهر الإمام متطوعا ثم قطعها واقتدى يصلي ظهر ذلك اليوم جاز. تكلم الإمام في شفع التراويح، ثم أمهم في ذلك جاز، وكذا لو اقتدى في سنة العشاء بمن يصلي التراويح وفي سنته بعد الظهر بمن يصلي الأربع قبل الظهر صح، ولو صليا الظهر ونوى كل واحد إمامة صاحبه صحت صلاتهما، ولو نويا الاقتداء فسدت. وفي " الخلاصة " و " الخزانة " أربعة مواضع لا يتابع المقتدي الإمام إذا فعله، لو زاد سجدة في صلاته لا يتابعه، ولو زاد في تكبيرات العيد يتابعه ما لم يخرج عن أقاويل الصحابة، ولو خرج لا يتابعه ولو كبر خمسا في صلاة الجنازة لا يتابعه، ولو قام إلى الخامسة ساهيا بعدما قعد قدر التشهد على الرابعة لا يتابعه، فإن لم يقيد الإمام الخامسة بالسجدة وعاد وسلم سلم المقتدي معه، وإن قيد الإمام الخامسة بالسجدة سلم المقتدي ولا يتابعه، ولو لم يقعد على الرابعة وقام إلى الخامسة ساهيا وتشهد المقتدي وسلم ثم قيد الإمام الخامسة بالسجدة فسدت صلاتهم، وتسعة أشياء إذا لم يفعلها الإمام يفعلها المقتدي إذا لم يرفع يديه عند الافتتاح يرفعهما وركع ولم يكبر يكبر المقتدي ولم يسبح في الركوع والسجود يسبح المقتدي ولم يقل سمع الله لمن حمده يقولها المقتدي ولم يكبر عند الانحطاط يكبر المقتدي ولم يقرأ التشهد يتشهد المقتدي، ولم يسلم يسلم المقتدي، ونسي الإمام تكبيرة التشريق يكبر المقتدي والله تعالى أعلم بالصدق والصواب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه أستعين وعليه توكلي وهو حسبي باب الحدث في الصلاة ومن سبقه الحدث في الصلاة انصرف   [البناية] [باب الحدث في الصلاة] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه أستعين وعليه توكلي وهو حسبي م: (باب الحدث في الصلاة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الحدث الواقع في الصلاة، وجه المناسبة بين البابين أن الباب الأول في بيان أحكام الإمامة والإمام، ومن جملة الأحكام المتعلقة بالإمام سبق الحدث إياه فنحتاج إلى بيان أحكامه، وأما وجه المناسبة بينه وبين الفصول السابقة، هي أن المذكور فيها أحكام السلامة عن العوارض في الصلاة في حق الإمام والمنفرد والجماعة، والمذكور هاهنا بيان أحكام العوارض العارضة المانعة من المضي في الصلاة والسلامة هي الأصل فلذلك أخر هذا الباب. م: (ومن سبقه الحدث) ش: كلمة من موصولة تضمنت معنى الشرط والمعنى سبقه بدون اختياره، ويسمى ذلك حدثا سماويا، والحاصل أن الشرط سبق الحدث الخارج من بدنه الموجب للوضوء دون الغسل، ومن غير قصد منه للحدث أو بسببه أو من غيره، ولم يأت بعده بما ينافي الصلاة من توقف في موضع الصلاة أو كلام أو كشف عورة من غير ضرورة أو فعل فعل ينافي الصلاة مما له منه بد، فعلى هذا لا يجوز له البناء فيما إذا انتضح البول عن بدنه أو ثوبه أكثر من قدر الدرهم؛ لأنه ليس من الأحداث، وكذا إذا انتقض وضوءه بالإغماء أو الجنون أو القهقهة؛ لأنها ليست خارجة من البدن، وكذا في الاحتلام، وإن كان خارجا من البدن؛ لأنه موجب للغسل والنص ورد في موجب الوضوء، وكذا في الحدث العمد؛ لأنه قصده والشرط المسبق كما ذكرنا، وكذا إذا كانت به جراحة أو فعل فغمزها بيده فسال منها الدم؛ لأنه وجد منه القصد بسبب الحدث، وكذا فيما إذا رماه إنسان ببندقة أو حجر من السقف فأصابه فسال الدم؛ لأن الحدث منه بسبب غيره. وعن أبي يوسف يبني في البندقة كالسماوي لعدم صبغه، ولو عثر بحشيش المسجد فأدماه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 أو تنحنح فخرجت ريح بقوته في الصلاة انصرف فإن كان إماما استخلف وتوضأ.   [البناية] قيل يبني، وقيل على الاختلاف بينهما وبين أبي يوسف فعنده يبني، ولو عطس فسبقه الحدث من عطاسه. م: (أو تنحنح فخرجت ريح بقوته) ش: قيل: يبني وقيل لا ولو سقط منها الكرسف بغير فعلها مبلولا بنت في قولهم وبتحريكها بنت عند أبي يوسف وعندهما لا تبني م: (في الصلاة) ش: في محل النصب على الحال م: (انصرف) ش: جواب من، والمعنى من غير توقف بعد سبق الحدث؛ لأنه إذا توقف يصير مؤديا جزء الصلاة مع الحدث فتنقطع صلاته فلا يبني حينئذ وأشار إليه بقوله: انصرف وهو جزاء الشرط والجزاء لا يتراخى عن الشرط، ولو مكث في مكانه قدر ما يؤدي ركنا فسدت صلاته. وفي (المنتقى) : إن لم ينو بمقامه الصلاة لا يفسد؛ لأنه لم يؤد جزءا من الصلاة بالحدث، وفي جوامع الفقه: إلا إذا أحدث في نومه ومكث حتى انتبه وذهب يبني. وعن محمد: لو ركع وسجد في حال نومه ثم انتبه وذهب جاز له البناء؛ لأن ما أتى به في حال نومه كالعدم، وعن أبي يوسف: لو أحدث في سجوده فرفع رأسه وكبر يريد به إتمام سجوده أو لم ينو شيئا فسدت، وإن أراد الانصراف لا تفسد ولو قرأ ذاهبا إلى الوضوء تفسد وإتيانه لا تفسد، وقيل على العكس والصحيح الفساد فيهما؛ لأن في الأول أدى ركنا مع الحدث، وفي الثاني مع المشي والتسبيح والتهليل لا يمنع البناء في الأصح. وقيل: لو رفع رأسه من الكوع وقال: سمع الله لمن حمده وهو محدث لا يبني. قال المرغيناني: نص عليه في المنتقى واعلم أن صورة ذهابه إلى الوضوء به يتأخر محدودا بالخفض كذا قاله في مختصر البحر المحيط. وقال صاحب الطراز: يضع يده على أنفه يوهم أنه قد رعف فينقطع عنه الظنون. قال: هو مروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قلت: ذكره المصنف على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى. م: (فإن كان إماما) ش: تفصيل حكم الذي سبقه الحدث في الصلاة فلذلك ذكره بالفاء، أي فإن كان الذي سبقه الحدث إماما م: (استخلف) ش: خليفة في موضعه، وتفسير الاستخلاف هو أن يأخذه بثوبه ويجره إلى المحراب كذا في الخلاصة ويكون استخلافه بالإشارة، وفي جوامع الفقه يشير لركعة واحدة بإصبع واحدة والسجدة يضع إصبعه على جبهته إن كان واحدا بإصبع واحدة وفي اثنين بأصبعين، وفي سجدة التلاوة يضع أصبعه على جبهته ولسانه، وفي السهو يشير بذلك بعد السلام وبتحويل رأسه يمينا وشمالا، ولو استخلف بالكلام فسدت صلاته وصلاتهم سواء كان عامدا أو ساهيا أو جاهلا، وذكر في الذخيرة للمالكية أن عند مالك إذا استخلف بالكلام يجوز، وقال ابن حبيب: إن استخلف [بالكلام جاهلا أو عمدا تبطل، وإن كان ساهيا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فعليه فقط ويقدم من الصف] الذي يليه لقربه ولهذا قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ليليني منكم أولو الأحلام والنهى» . وفي (المفيد) : لو قدم امرأة فسدت صلاته وصلاة القوم. وقال زفر: لا تفسد صلاة المقدمة والنساء، وتفسد صلاة الرجال. وفي (مختصر البحر) : استخلف محدثا فسدت صلاتهم وفي الجمعة يجوز ويقدم غيره فيصلي بهم. وفي " الأجناس ": لو قدم جنبا أو محدثا أو امرأة فسدت صلاة الكل، ولو استخلف صبيا أو مجنونا أو أخرس أو امرأة أو كافرا فاستخلف أهله غيره لم يجز، ولو استخلف رجلا جاثيا حينئذ وكان كبر قبل سبق حدث الإمام صح وكذا بعده ونوى الاقتداء به، وعند بشر المريسي لا يصح اقتداؤه، ولو قدم الإمام رجلا وتقدم آخر بنفسه أو بتقديم القوم وأتم بكل طائفة فهو والأول سواء، ولو قدم الإمام رجلا والقوم رجلا فالإمام من قدمه الإمام إلا أن ينوي القوم أن يأتموا بالآخر قبل أن ينوي ذلك. وقال إمام الحرمين: ليس عندي نقل في هذه المسألة، ولعل الأظهر أن المتبع من قدمه القوم [إلا أن ينوي القوم أن يؤموا بآخر قبل أن ينوي ذلك] . وفي " جوامع الفقه ": لو تقدم واحد بنفسه تشترط نية القوم الاقتداء به. ولو قدمه الإمام أو القوم لا يشترط بذلك. قال المرغيناني: هذا خلاف ما ذكره في الأصل، وفي " الذخيرة ": الإمام المحدث على إمامته ولم يخرج من المسجد فإن استخلف وأقام خليفته مقامه في مكانه ونوى أن يؤم الناس فيها، أو استخلف القوم غيره خرج من إمامته، وفي " جوامع الفقه ": لا يخرج من إمامته، إلا بالخروج من المسجد أو بقيام الخليفة مقامه إن نوى أن يؤم في ذلك المكان أو باستخلاف الناس غيره. وفي " التحفة ": وإن لم يستخلف وخرج من المسجد تفسد صلاة القوم إذا لم يكن خارج المسجد صفوف متصلة، فإن كانت وخرج ولم يجاوز الصفوف تبطل صلاتهم عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد: لا تبطل، قال: والصحيح قولهما وكذا لو استخلف من الصفوف المتصلة الخارجة من المسجد لم يجز عندهما ويجوز عند محمد. وفي " مختصر البحر المحيط ": وفي المسجد يستخلف والكبير والصغير فيه سواء إلا إذا كان مثل جامع المنصور وجامع البيت المقدس، وإذا لم يوجد شيء من ذلك فتوضأ في جانب المسجد والقوم ينتظرون ورجع إلى مكانه وأتم صلاته أجزأهم، وإن لم يستخلفوا حتى خرج الإمام من المسجد بطلت صلاتهم والإمام يتوضأ ويبني؛ لأنه منفرد في حق نفسه. ذكر الطحاوي أن صلاته تفسد أيضا. وفي " جوامع الفقه " في فساد صلاة الإمام روايتان. وفي " المفيد ": في المشهور من الرواية أنها لا تفسد. وذكر أبو عصمت من أصحابنا أنها تفسد والصحيح الأول، ولو لم يكن مع الإمام إلا رجل واحد فهو إمام قدمه أولا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقال في " الوبري ": تقدم بنفسه أو لم يتقدم وقام مقام الأول أو لم يقم حتى لو فسدت صلاة الثاني فسدت صلاته لنفسه. قال في " المفيد ": كالإمامة الكبرى إذا لم يكن في العالم من يصلح غيره، ولو اقتدى إنسان بالإمام المحدث قبل خروجه من المسجد صح، وإن كان بعد انصرافه، ثم ينظر إن قدم المحدث خليفة جازت صلاة الداخل ولا تفسد، وإن كان خلفه من لا يصلح للإمامة كالصبي والمرأة والأمي والأخرس إن استخلفه تفسد بلا خلاف كما ذكرنا. وإن لم يستخلف وخرج من المسجد اختلف المشايخ فيه، ففيل: تفسد، وقيل لا تفسد، وتفسد صلاة المقتدي، وهذا أصح، ولو قدم المحدث واحدا من آخر ثاني الصفوف وخرج من المسجد قبل أن يقوم الثاني مقام الأول، نظر إن نوى الثاني الإمامة من ساعته لا تفسد ويحول الإمام إلى الثاني، وإن لم ينو من ساعته وإنما نوى أن يكون إماما مقام الأول [وخرج الأول من المسجد قبل أن يصلي إلى مقام الأول فسدت صلاة القوم] ؛ لأن الإمامة لم تحول إليه بعد، والأول يبني على صلاته بكل حال، فإن تقدم رجلان [فالسابق إلى مكان الأول متعين] ، فإن بقي إلى مكان الإمام وإن استويا في التقدم واقتدى بعضهم بهذا وبعضهم بذاك فصلاة الذي ائتم به الأكثر صحيحة وصلاة الأقل فاسدة، وعند الاستواء لا يمكن الترجيح وإتمامها بإمامين غير ممكن فتفسد صلاتهم كذا في " الذخيرة ". وفي " جوامع الفقه ": يقدم كل طائفة رجلا فالعبرة للأكثر وعند الاستواء تفسد. وفي " المبسوط ": يقدم كل فريق رجلا فاقتدوا بأحدهما إلا رجلا أو رجلين اقتديا بالآخر فصلاة الجماعة صحيحة وصلاة الآخرين فاسدة، وإن كانت إحدى الجماعتين أكثر فقد قال بعض أصحابنا: وصلاة الأكثرين صحيحة ويتعين الفساد في حق الآخرين في الواحد والمثنى. قال: والأصح أنه تفسد صلاة الفريقين، وفي متعرقات الفقيه أبي جعفر إذا ظن الحدث فاستخلف ثم تبين أنه لم يحدث قبل خروجه، وإن كان الخليفة لم يأت بالركوع جازت وإلا فسدت. قال الفقيه: وفي رواية ابن سماعة عن محمد إن قام الخليفة مقام الإمام فسدت صلاتهم، وفي " جوامع الفقه " كبر الخليفة ينوي الاستقبال جازت صلاة من استقبل وفسدت صلاة من لم يستقبل، وتفسد صلاة المتخلف أن يبني على صلاة نفسه. وسئل أبو نصر عمن استخلف فقدم الخليفة غيره من غير أن يحدث؟ إن قدمه قبل أن يقوم في موضع الإمام الأول في المسجد جاز، ولو اقتدى المقيم بالمسافر خارج الوقت أو المتنفل بالمفترض فأحدث المسافر أو المفترض تفسد صلاتهما؛ لأنهما لا يصلحان لإقامتها، ولو أحدث الإمام والقوم فخرجوا معا تفسد صلاة القوم دون الإمام لخلو مكان الإمام وتفرد الإمام. ثم أعلم أن الذي سبقه الحدث يتوضأ ثلاثا ثلاثا، قال في " التحفة ": ويستوعب رأسه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 وبنى   [البناية] وبنى بالمسح ويتمضمض ويستنشق ويأتي بسائر سنن الوضوء وهو الصحيح. وفي " الحاوي ": عن أبي القاسم أنه يتوضأ مرة مرة ولا يزيد على ذلك وإن زاد فسدت صلاته. وفي " الجوامع " المتيمم للجنابة إذا أحدث فذهب فوجد ما يكفي لوضوئه يبني بخلاف ما إذا وجد ما يكفيه لجنابته. وفي " الذخيرة ": المرأة كالرجل في الوضوء والبناء؛ لأن كلمة "من" تتناول الرجل والمرأة. وعن أبي يوسف في غير رواية الأصول: إن أمكنها الوضوء من غير كشف عورتها بأن يمكنها غسل ذراعيها في الكمين ومسح مع الخمار بأن كان ذلك رقيقا يصل الماء إلى ما تحت ذلك فكشفتها لا شيء، وإن لم يمكنها بأن كان عليها جبة وخمار ثخينين لا يصل إلى ما تحت ذلك جاز وهو نظر الرجل إذا كشف عورته في الاستنجاء عند مجاوزة النجاسة مخرجها أكثر من قدر الدرهم. وعن إبراهيم بن رستم: لا يجوز للمرأة البناء؛ لأنها عورة. وفي " مختصر البحر المحيط ": لو سبقه الحدث من صلاة الجنازة ينبغي له أن ينبي وفي الاستخلاف خلاف. م: (وبنى) ش: أي على صلاته ما لم يوجد منه ما ينافي صلاته مما له منه بد كالكلام، والأكل، والشرب، والبول، والتغوط ونحو ذلك. وفي السغناقي يمنع البناء الحدث العمد والإغماء والجنون والقهقهة عمدا أو لا والاحتلام والإمناء، والنظر بشهوة أو تفكر أو النحة أو عضة زنبور أو ظهرت عورته عند الاستنجاء ولو لم يظهر بنى. وروى أبو سليمان أنه يبني مطلقا، وفي " شرح القدوري " لأبي نصير: لا يبني في ظاهر المذهب. وذكر في " المحيط " عن محمد أنه يستنجي من تحت ثيابه، وروى أبو سليمان أن الاستيفاء من البئر لا يمنع البناء، ولو جاوز الماء فذهب إلى غيره فسدت صلاته. وفي " مختصر عن المحيط ": يبني ولو استفاء بوضوء أو حزز دبره فسدت صلاته. وفي " المرغيناني ": ما يسقي من البئر ويبني. وقال الكرخي والقدوري: لا يبني. وفي " التحفة ": أنه يبني، ولم يجد خلافا ولو طلب الماء بإشارة أو اشتراه بالتعاطي أو نسي ثوبه في موضع الوضوء فرجع واحدة لا يبني، ولو تذكر أنه لم يمسح برأسه فرجع ومسح يجزئه؛ لأنه لا بد منه. ولو أحدث فأصاب منه ثوبه أو بدنه يغسل ويبني، ولو انتضح عليه من البول أكثر من قدر الدرهم وهو في الصلاة فذهب وغسله لا يبني عندهما، وعند أبي يوسف يبني، وإن كان له ثوبان نزع النجس منهما من ساعته وصلى، وكذا لو وقع ثوبه فأخذه من ساعته فستر عورته تفسد صلاته، وإن سكت عريانا إن عجز عن رفع ثوبه لا تفسد ما لم يؤد ركنا مع الكشف، وإن قدر على رفعه تفسد عندهما خلافا لأبي يوسف. فإن قلت: ما وجه تخصيص الإمام بالبناء مع جوازه للمقتدي والمنفرد. قلت: لأنه أعلم بشرائط البناء غالبا من غيره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 والقياس أن يستقبل وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لأن الحدث ينافيهما والمشي والانحراف يفسدها فأشبه الحدث العمد.   [البناية] م: (والقياس أن يستقبل) ش: أي صلاته هذه م: (وهو قول الشافعي) ش: أي استقبال الصلاة في هذه الحالة قول الشافعي في الجديد وبه قال مالك في قول وأحمد في رواية، وعن أحمد: أن صلاة المأمومين تبطل، وعنه: لا يستخلف ويتيممون وحدانا، والمسبوق تبطل صلاته، وعنه يتوضأ ويبني. وفي " المبسوط " كان مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول أولا: يبني ثم رجع وعاب عليه محمد في كتاب الحج لرجوعه من الآثار إلى القياس، وفي " الجواهر " من كتب المالكية أنه يستخلف سواء شرع طاهرأ أو محدثا أو جنبا، وإن صلوا وحدانا بطلت في المشهور. وقال الزهري في إمام بثوبه دم أو رعف أو سجد للسهو] بالتصرف وليقل أتموا صلاتكم. وروي أن معاوية لما طعن أتم الصلاة وحدانا، وذكر في " النهاية " لإمام الحرمين في باب الجمعة لو أحدث الإمام عامدا أو أخرج نفسه من الصلاة [تفسد أو سبقه] الحدث فالاستخلاف يجزئ في هذه الصورة عندهم مع بطلان صلاة الإمام. م: (لأن الحدث ينافيهما) ش: أي ينافي الصلاة، والطهارة شرط لبقاء الصلاة كما هي شرط لابتدائها فلا تبقى مع وجود الحدث المنافي لشرطها. م: (والمشي) ش: إلى الوضوء م: (والانحراف) ش: عن القبلة م: (يفسدها) ش: أي الصلاة لأنهما متنافيان م: (فأشبه الحدث العمد) ش: أي أشبه الحدث السابق وهو الحدث السماوي الحدث العمد، فكما أن في الحدث العمد تبطل الصلاة فكذلك في الحدث السماوي، وهو الذي ذكره وجه القياس الذي أخذ به الشافعي ومن اتبعه، ولم يذكر المصنف له دليلا من الآثار واحتجوا في ذلك بالأحاديث: منها: ما رواه الأثرم بإسناده عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه كان قائما يصلي بهم فانصرف ثم أتى ورأسه تقطر ماء، فقال: "إني قمت بكم ثم تذكرت أني جنب ولم أغتسل فانصرفت واغتسلت، فمن أصابه منكم مثل الذي أصابني فلينصرف وليغتسل وليستقبل صلاته» . ومنها: ما رواه مالك في " الموطأ «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى بأصحابه فلما أحرم بالصلاة وذكر أنه جنب فقال لأصحابه: "كما أنتم" ومضى ورجع ورأسه تقطر ماء ولم يستخلف» فدل أن تقدم الجنابة لم تمنع الاقتداء فإنه قال: كما أنتم. ومنها: ما رواه علي بن طلق عن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «إذا نسي أحدكم في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من قاء أو رعف أو أمذى في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم» .   [البناية] صلاته فلينصرف وليتوضأ وليعد صلاته» أخرجه الترمذي وأبو داود، وقال الترمذي: [هذا] حديث حسن ورواه ابن حبان في "صحيحه ". ومنها: ما رواه ابن عباس قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا رعف أحدكم في الصلاة فلينصرف وليغسل عنه الدم ثم ليعد وضوءه وليستقبل صلاته» وأخرجه الطبراني في "معجمه " والدارقطنى في "سننه " وابن عدي في " الكامل ". والجواب عن هذه الأحاديث: أن حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هو مذهبنا فإنه أمر بالاستقبال فدل أن شروعه فيها لم يصح، ونحن إنما قلنا بالاستخلاف والبناء في الحدث الطارئ السابق دون العمد القارن والجنابة، وأن حديث " الموطأ " يخالفه الصحيح الذي اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم فإنهما رويا بإسنادهما «عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياما، فخرج إلينا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فلما قام في مصلاه ولم يشرع في الصلاة وقد تكلم ثم جاء وكبر للشروع في الصلاة» . ومعنى قوله: كما أنتم أي لا تتفرقوا حتى أجيء، ولهذا استقبل وأمرهم بالاستقبال، ويدل عليه ما رواه أبو داود «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قام في مصلاه فانتظرنا أن يكبر فانصرف، فقال: "كما أنتم» فمن المحال أن يصلوا بصلاة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قبل شروعه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ومن المعلوم بالضرورة أنهم لم يكونوا شرعوا في الصلاة قبل شروعه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وأن حديث علي بن طلق محمول على العمد أو على الأفضلية توفيقا بين الأحاديث على أن ابن القطان [كان يقول] في كتابه: هذا حديث لا يصح فإن فيه مسلم بن سلام الحنفي أبا عبد الملك وهو مجهول الحال. وأن حديث ابن عباس فيه سليمان بن أرقم، وقال أحمد وأبو داود والنسائي وابن معين والبخاري: إنه متروك. م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قاء أو رعف أو أمذى في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم» ش: هذا الحديث رواه ابن ماجه في "سننه " عن إسماعيل عن [ابن جريج] عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف وليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم» ، وأخرجه الدارقطني في "سننه ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا صلى أحدكم فقاء أو رعف فليضع يده على فمه، وليقدم من لم يسبق بشيء» .   [البناية] وقال: الحفاظ يروونه عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلا، ثم أخرجه عن عبد الرزاق عن ابن جريج به مرسلا وقال: هذا هو الصحيح. وقال إمام الحرمين في " النهاية " والغزالي في " الوسيط ": إن هذا الحديث مروي في الكتب الصحاح وهو وهم منهما، وإنما لم يقل به الشافعي؛ لأنه مرسل وابن أبي مليكة لم يلق عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - م: (وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صلى أحدكم فقاء أو رعف فليضع يده على فمه وليقدم من لم يسبق بشيء» ش: هذا بهذا اللفظ غريب، ولكن أخرج أبو داود وابن ماجه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صلى أحدكم فأحدث فليأخذ بأنفه ثم لينصرف» . وأخرج الدارقطني في "سننه " عن عاصم بن ضمرة والحارث عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - موقوفا: [إذا أم القوم فوجد في بطنه رزءا أو رعافا أو قيئا فليضع ثوبه على أنفه وليأخذ بيد رجل من القوم فليقدم] . قوله: رعف، قال المطرزي: رعف أنفه سال رعافه. قلت: الرعاف هو الدم يخرج من الأنف، ورعف من باب نصر ينصر، وجاء رعف بالضم وهي لغة ضعيفة، وجاء رعف يرعف بالفتح فيهما، ويقال: رعف الفرس يرعف ويرعف بالفتح والضم أي سبق وتقدم واسترعف مثله. قوله: أو أمذى: أي صار ذا مذي، قوله: وليبن: أمر وأدنى درجاته الإباحة فيثبت شرعية البناء. فإن قلت" وليتوضأ أمر أيضا، وهو للوجوب فينبغي أن يكون وليبن كذلك. قلت: لا يضرنا ذلك، لأنه حينئذ يكون أثبت للمدعي. قوله: من لم يسبق بشيء مفعول وليقدم وأراد به من لم يسبقه حدث مثله، وقد فسره بعضهم بقوله: المراد المسبوق بالصلاة وليس كذلك لأن المسبوق يجوز أن [يكون] يجعل خليفة لمن سبقه الحدث، وقال تاج الشريعة: قوله: من لم يسبق بشيء لبيان الأفضل؛ لأنه أقدر على إتمام الصلاة من المسبوق. قوله: رزءا بكسر الراء وتشديد الزاء وهو في الأصل الصوت الخفي ويريد به القرقرة وقيل: هي غمز الحدث وحركته للخروج. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 والبلوى فيما سبق، دون ما يتعمده، فلا يلحق به، والاستئناف أفضل تحرزا عن شبهة الخلاف   [البناية] وأخرج الطبراني عن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من وجد في بطنه رزءا فلينصرف وليتوضأ» وأمره بالوضوء لئلا يدافع أحد الأخبثين وإلا فليس بواجب إن لم يخرج الحدث. فإن قلتم: استدللتم بحديثين أحدهما مرسل والآخر ضعيف. قلت: لا يضرنا إرساله؛ لأن المرسل عندنا حجة ويقوي الضعيف بما نقل عن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وهو ما أخرجه ابن أبي شيبه في "مصنفه" عن علي بن أبي طالب وأبي بكر الصديق وسلمان وابن عمرو ابن مسعود. وروي من التابعين عن علقمة، وطاوس، وسالم بن عبد الله، وسعيد بن جبير، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وعطاء، مكحول، وسعيد بن المسيب، وكيف يذهب إلى القياس بترك قول هؤلاء وقولهم فيما لا يدرك بالقياس كالنص في كونه راجحا على القياس حتى قال بعضهم في المسألة إجماع الصحابة، فإنه روي عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والعبادلة الثلاثة، وأنس، وسلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أجمعين - جواز البناء، والمراد إجماع فقهائهم وبقولهم يترك القياس، هذا والنووي اجتهد في هذا وقال: منع البناء المسور بن مخرمة من الصحابة وهو لا يقاوي هؤلاء الأجلاء من الصحابة، والأئمة الكبار من التابعين والرجوع إلى الحق واجب، وروي أيضا مثلما قلنا عن الأوزاعي وابن أبي ليلى وسلمان بن يسار والحسن البصري، وسفيان الثوري، وأبي سلمة بن عبد الرحمن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (والبلوى فيما سبق) ش: هذا جواب عن قول الشافعي فأشبه الحدث العمد، تقريره أن البلوى أي البلية في الحدث يقال: لحصوله بغير فعله فيجعل فيه مقدورا م: (دون ما يتعمده) ش: أي يقصده ويفعله باختياره وليس فيه بلوى فلا يجعل معذورا فلا يجوز القياس لوجود الفارق وهو معنى قوله م: (فلا يلحق به) ش: أي لا يلحق بما يسبق مما يتعمد وهذا في نفس الأمر منع المشابهة ومن قوله: فأشبه الحدث العمد، وكيف يشابه الذي بلا اختيار بالذي باختيار. م: (والاستئناف أفضل) ش: أي استقبال الصلاة أفضل من البناء م: (تحرزا عن شبهة الخلاف) ش: لأنه أقرب إلى الاحتياط؛ لأن البناء عمل بخبر الواحد والاستئناف بالإجماع، والإجماع أقوى من خبر الواحد كذا قاله بعض الشراح وفيه نظر؛ لأنه قيل: إن البناء إجماع الصحابة، فإن روي عن جماعة كثيرين كما ذكرنا، وبه يترك القياس؛ لأن قولهم فيما لا يدرك بالقياس، كالنص في كونه راجحا على القياس مع أنه مؤيد بالأمر في الحديث المذكور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 وقيل: إن المنفرد يستقبل، والإمام والمقتدي يبني صيانة لفضيلة الجماعة، والمنفرد إن شاء أتم في منزله، وإن شاء عاد إلى مكانه، والمقتدي يعود إلى مكانه، إلا أن يكون إمامه قد فرغ أو لا يكون بينهما حائل.   [البناية] م: (وقيل: إن المنفرد يستقبل) ش: أي الأفضل له ذلك للاحتياط م: (والإمام والمقتدي يبني) ش: يعني الإمام إذا سبقه الحدث يبني على صلاته، والمقتدي أيضا إذا سبقه الحدث يبني م: (صيانة لفضيلة الجماعة) ش: أي حفظا لفضيلة الجماعة، وانتصاب صيانة على التعليل. م: (والمنفرد إن شاء أتم في منزله) ش: يعني الذي يصلي وحده إذا سبقه الحدث فذهب وتوضأ إن شاء أتم صلاته في منزله وهو الموضع الذي توضأ فيه بعد الانصراف م: [ (وإن شاء عاد إلى مكانه) ] ش: وإنما صار مخيرا بين الأمرين لأنه إذا أتم في منزله صار مؤديا صلاته في مكانه مع قلة المشي، وإن عاد إلى مكانه صار مؤديا لها في مكان واحد مع كثرة المشي فوجد في كل واحد من الأمرين جهة الكراهة وجهة الفضيلة فصار مخيرا. م: (والمقتدي يعود إلى مكانه) ش: وهو الموضع الذي سبقه الحدث فيه، ولا يجوز له أن يبني في منزله الذي توضأ فيه لوجوب متابعة الإمام. وقال المرغيناني: المقتدي يعود لا محالة إذا لم يفرغ إمامه. وقال الأسبيجاني: يعود إلى موضع يجوز له الاقتداء بإمامه، وقال في " المفيد ": وكذا إذا لم يعلم بفراغ إمامه وإن فرغ يتخير بين العود والإتمام في مسجد آخر. م: (إلا أن يكون إمامه قد فرغ) ش: هذا مبينا من قوله يعود إلى مكانه أراد أن إمامه إذا فرغ عن الصلاة يجوز له أن يبني في منزله لزوال الداعي. وإذا عاد بعد فراغ الإمام، فعن ابن سماعة: أنه يفسد صلاته بحصول المشي بلا حاجة. واختيار السرخسي وشيخ الإسلام خواهر زاده: لا يفسد صلاته. فإن قلت: اللاحق في حكم المقتدي فيما يتم من صلاته، فإذا كان بينه وبين الإمام ما يمنع صحة الاقتداء من طريق أو نهر فينبغي أن لا يجوز في بيته. قلت: هم بمنزلة المقتدي، ولكن الإمام قد خرج من حرمة الصلاة، فلا يراعى ترتيب القيام بينه وبين إمامه، وربما خرج أو أحدث أو نام. م: (أو لا يكون بينهما حائل) ش: عطف على المستثنى؛ يعني أن المقتدي يعود إلى مكانه إلا إذا فرغ إمامه فحينئذ لا يعود، وإلا إذا لم يكن بين الإمام والمقتدي حائل؛ أي مانع لجواز الاقتداء كالطريق والنهر الكبير فحينئذ لا يعود إلى مكانه، وإن لم يفرغ الإمام عن الصلاة لجواز المتابعة من حيث هو. فإن قلت: المقتدي إذا عاد إلى مكانه قبل فراغ الإمام كيف يصنع؟ قلت: قال في " شرح الطحاوي ": يشتغل أولا بقضاء ما سبقه الإمام في حالة اشتغاله بالوضوء بغير قراءة؛ لأنه لاحق، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 ومن ظن أنه أحدث فخرج من المسجد، ثم علم أنه لم يحدث استقبل الصلاة، فإن لم يكن خرج من المسجد يصلي ما بقي، والقياس فيهما الاستقبال، وهو رواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لوجود الانصراف من غير عذر، وجه الاستحسان أنه انصرف على قصد الإصلاح، ألا ترى أنه لو تحقق ما توهمه بنى على صلاته، وألحق قصد الإصلاح بحقيقته.   [البناية] ويقوم مقدم قيام الإمام ومقدار ركوعه وسجوده، ولو زاد أو نقص فلا يضره ولا يلزمه السهو لأنه لاحق، إلا إذا انتهى إمامه فيتابعه في الموضع الذي سجد إمامه، ثم يقضي آخر صلاته، ولو لم يشتغل بقضاء ما سبق أولا فيتابع الإمام جاز فيقضي ما سبق الإمام بعد تسليم الإمام؛ لأن ترتيب أفعال الصلاة ليس بشرط عندنا خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [حكم من ظن أنه أحدث فخرج من المسجد ثم علم أنه لم يحدث] م: (ومن ظن أنه أحدث فخرج من المسجد ثم علم أنه لم يحدث استقبل الصلاة) ش: لأن الانصراف عن القبلة بلا عذر مفسد فيلزمه الاستقبال م: (فإن لم يكن خرج من المسجد يصلي ما بقي) ش: من صلاته؛ لأن السجود وإن تباعدت أطرافه بمنزلة مكان واحد. بدليل صحة الاقتداء وعدم تكرر وجود سجدة التلاوة. م: (والقياس فيهما الاستقبال) ش: أي فيما إذا خرج من المسجد وفيما إذا لم يخرج م: (وهو) ش: أي القياس م: (رواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لوجود الانصراف) ش: أي الانصراف عن الصلاة. وفي " الذخيرة ": أي الانحراف عن القبلة م: (من غير عذر) ش: وهذا وجه القياس. وفي " الجامع الصغير " لقاضي خان: إذا كان يمشي في المسجد ووجهه إلى القبلة بأن كان باب المسجد على حائط القبلة، فأما إذا أعرض عن القبلة فسدت صلاته، وإن كان في المسجد إذ هو انحراف عن القبلة بغير عذر. وفي ظاهر الرواية لم يفصل بينهما إذا مشى في المسجد مستقبل القبلة أو انحرف عن القبلة وإطلاق صاحب الكتاب يحمل على هذا. م: (وجه الاستحسان أنه انصرف على قصد الإصلاح) ش: أي على قصد إصلاح صلاته لا رفضها م: (ألا ترى) ش: تنبيه على ما ذكره من أن انصرافه على قصد الصلاح م: (أنه) ش: أي أن [الظن] الذي ظن أنه أحدث م: (لو تحقق ما توهمه) ش: من ظن حصوله الحدث م: (يبني على صلاته) ش: ولا يقطعها، والتأويل أن بين خطأ في آخر الأمر قد يعتبر في بعض الأحكام، كتأويل أهل البغي في دماء أهل الحق وأموالهم إذا كانت لهم قوة ومنعة حتى لا يضمنون شيئا من ذلك م: (وألحق قصد الإصلاح بحقيقته) ش: أي ألحق قصد الإصلاح بحقيقة الإصلاح، أعني أن الحدث المتوهم لو كان متحققا كان يبني فكذا في هذه الصورة. فإن قلت: إذا كان قصد الإلحاق ملحقا بحقيقته ينبغي أن يبني إذا خرج من المسجد أيضا. قلت: هذا ليس بمطلق بل في هذه الصورة لأنه إذا خرج يختلف المكان من غير عذر وهو يبطل لتحريمه أشار إليه بقوله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 ما لم يختلف المكان بالخروج، وإن كان استخلف فسدت؛ لأنه عمل كثير من غير عذر، وهذا بخلاف ما إذا ظن أنه افتتح الصلاة على غير وضوء فانصرف، ثم اعلم أنه على وضوء حيث تفسد صلاته وإن لم يخرج؛ لأن الانصراف على سبيل الغرض، ألا ترى أنه لو تحقق ما توهمه يستقبله، فهذا هو الحرف،   [البناية] م: (ما لم يختلف المكان بالخروج) ش: من المسجد لأنه مكان واحد. وفي " جامع التمرتاشي " وكذا الغازي لو ظن حضور العدو فانصرف، والأمر بخلافه لم تفسد صلاته ما لم يخرج من المسجد، وفي الصحراء ما لم يجاوز مكان الصفوف وإلا تفسد، والبيت كالمسجد، والمرأة إذا نزلت من مصلاها فسدت لأنه بمنزلة المسجد في حق الرجل، ولو ذهب قدامه في الصحراء بمقدار الصفوف حده إن لم يكن سترة وإن كانت فحده سترة. م: (وإن كان استخلف) ش: أي وإن كان الذي ظن أنه أحدث استخلف ثم علم أنه لم يحدث م: (فسدت) ش: أي صلاته وإن لم يخرج من المسجد م: (لأنه) ش: أي لأن الذي فعله م: (عمل كثير) ش: لأنه استخلاف ومشى والعمل الكثير م: (من غير عذر) ش: يفسد الصلاة م: (وهذا) ش: أي الحكم المذكور م: (بخلاف ما إذا ظن أنه افتتح (الصلاة) على غير وضوء فانصرف) ش: من صلاته أو من القبلة م: (حيث تفسد صلاته وإن لم يخرج) ش: من المسجد ثم أشار إلى الفرق بين المسألتين بقوله م: (لأن الانصراف) ش: أي في هذه المسألة م: (على سبيل الغرض) ش: والأغراض والانصراف من هذا الوجه ملحق بحقيقته. ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أنه لو تحقق ما توهمه) ش: من ظنه افتتاح صلاته بغير وضوء م: (يستقبله) ش: صلاته، لأنه انصرافه كان على سبيل الرفض م: (وهناك) ش: أي في المسألة الأولى م: (لو تحقق ما توهمه) ش: من سبق الحدث م: (لا يستقبلها) ش: أي الصلاة، لأن انصرافه كان على سبيل الإصلاح كما ذكرناه م: (فهذا هو الحرف) ش: أي هو الأصل في البناء والاستقبال، أو هذا هو الأصل بين المسألتين وهو أن الانصراف إذا كان على سبيل قصد الإصلاح لا يستقبل ما لم يخرج من المسجد، وإذا كان عل سبيل الرفض والترك يستقبل بمجرد الانصراف وإن لم يخرج من المسجد ولم يستخلف، وعلى هذا إذا أقبل سواد فظنوه عدوا فانحرف قوم، فإذا هي بقر أو غنم أو إبل إن لم يجاوزوا الصفوف بنوا استحسانا، وإن جاوزوا استقبلوا، وإذا ظن أنه لم يمسح فانصرف ثم علم أنه كان ماسحا فسدت صلاته، وإن لم يخرج من المسجد وكذلك متيمم رأى سرابا فظنه ماء فانحرف فظهر أن سراب، وكذلك إذا رأى في ثوبه لونا فظن أنه [نجاسة] فانحرف ثم علم أنه ليس بنجاسة لم يبن، وكذلك ماسح الخف إذا ظن أن المدة قد تمت فانحرف لغسل الرجلين يستقبل وإن لم يخرج لأنه في الجميع قصد رفض الصلاة فانقطعت صلاته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 ومكان الصفوف في الصحراء له حكم المسجد؛ ولو تقدم قدامه فالحد السترة، وإن لم تكن فمقدار الصفوف خلفه، وإن كان منفردا فموضع سجوده من كل جانب، وإن جن أو نام فاحتلم أو أغمي عليه استقبل؛ لأنه يندر وجود هذه العوارض، فلم يكن في معنى ما ورد به النص،   [البناية] [حكم الحدث من الإمام أو المأموم في الصحراء] م: (ومكان الصفوف في الصحراء له حكم المسجد) ش: هذا لبيان أنه لم يكن في المسجد ماذا يكون حكمه، وهو أنه إذا كان يصلي في الصحراء لا يخلو، إما أن يكون إماما أو منفردا وعلى التقديرين، لا يخلو إما أن يكون بينه سترة أو لا يكون، فإن كان إماما وكان الصفوف كالمسجد في حقه فإذا سبقه الحدث فإنه ينصرف ويستخلف ما دام في مكان الصفوف، فإن خرج من الصفوف ولم يستخلف، فقد بطلت صلاته لاختلاف المكانين من غير عذر، هذا إذا لم يكن سترة، فإن كانت بين يديه سترة فالمعتبر حد السترة إذا مشى قدامه وهو معنى قوله. م: (ولو تقدم قدامه) ش: أي ولو مشى قدامه سجد في الجواز والفساد السترة، وهو معنى قوله م: (فالحد السترة) ش: فإن جاوزها بطلت صلاته م: (وإن لم تكن) ش: أي سترة بين يديه م: (فمقدار الصفوف خلفه) ش: أي فالمعتبر مقدار الصفوف التي خلفه؛ أي خلف الإمام حتى إذا كان من آخر الصفوف إلى الإمام خمسة أذرع مثلا، فالحد قدام الإمام خمسة أذرع، فإن لم يخرج عن هذا المقدار يبنِ ولا يستقبل، وإن خرج عن هذا المقدار ولم يستخلف بطلت صلاته؛ لأن الإمام بعد سبقه الحدث كان عليه الاستخلاف ليصير هو في حكم المقتدين به لأنه صار مقتديا، فإن قلت: ذكر الصفوف [بالجمع باعتبار الغالب م: (وإن كان) ش: أن المصلي الذي سبقه الحدث م: (منفردا] فموضع سجوده) ش: أي فالمعتبر موضع سجوده م: (من كل جانب) ش: من جوانبه، فإذا لم يتجاوز المصلي في أثناء الصلاة [ذلك المقدار يبني فيما كان قصد الإصلاح وإلا فلا، وإن لم يتجاوزه م: وإن جن) ش: أي المصلي في أثناء الصلاة] م: أو نام فاحتلم) ش: إنما قال فاحتلم؛ لأن مجرد النوم في الصلاة لا يفسدها. فإن قلت: هلا اكتفى بقوله: أو احتلم من غير ذكر نام؛ لأن الاحتلام لا يكون إلا في النوم. قلت: احتلم يستعمل في البلوغ أيضا، فقال: احتلم الغلام أي بلغ وعقل، ولو اكتفى بقوله: أو احتلم لكان يوهم أنه بمعنى عقل بقرينة قوله: جن. م: (أو أغمي عليه) ش: الإغماء مرض يحصل في الدماغ بسبب الامتلاء من بلغم بارد غليظ، هذا عند أهل الطب، وعند المتكلمين هو سهو يعتري الإنسان مع فتور الأعصاب، والجنون زوال العقل وفساده، ولهذا يمكن الإغماء في الأنبياء دون الجنون م (استقبل) ش: جواب إن؛ أي استقبل صلاته م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (يندر وجود هذه العوارض) ش: أي الجنون والاحتلام والإغماء م: (فلم يكن) ش: أي هذه العوارض م: (في معنى ما ورد به النص) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من قاء أو رعف في صلاته» ومعنى ما ورد به النص هو القيء والرعاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 وكذلك إذا قهقه؛ لأنه بمنزلة الكلام وهو قاطع، وإن حصر الإمام عن القراءة فقدم غيره أجزأهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يجزئهم؛ لأنه يندر وجوده،   [البناية] فإذا لم يكن في معنى ما ورد به النص بقيت على أصل القياس. أما الجنون والإغماء فإن الشخص يبقى على حاله بعد حدوثهما فيصير مؤديا جزءًا من الصلاة مع الحدث فتفسد بخلاف القيء والرعاف فإنه ينصرف على الفور [حال] وقوعهما. وأما الاحتلام فإنه يوجب الغسل بخلاف القيء والرعاف، فإن وجوبهما بالفرض، هذا إذا وجدت هذه الأشياء قبل أن يقعد مقدار التشهد، أما لو حدث بعده فصلاته وصلاة القوم تامة؛ لأنه يصير خارجا عنها لهذه الأشياء. فإن قلت: الخروج بفعله فرض عند أبي حنيفة، ولم يوجد. قلت: وجد؛ لأنه صار محدثا بها؛ لأنه لا بد من اضطراب ومكث بعد الحدث، فبالمكث إذا الخروج من الصلاة مع الحدث، وهو صنع كيف ما كان من حيث الاضطراب أو من حيث المكث. م: (وكذلك إذا قهقه لأنه بمنزلة الكلام) ش: فصار كأنه تكلم بعد الحدث، وشرط البناء أن لا يتكلم؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وليبن على صلاته ما لم يتكلم» . فإن قلت: ما معنى قوله: إن القهقهة بمنزلة الكلام. قلت: لأن كلا منهما ينقل المعنى من الضمير إلى فهم السامع. م: (وهو قاطع) ش: أي الكلام قاطع للصلاة والقهقهة أقطع لأنها أفحش، ولهذا سوى بين النسيان والعمد، هذا أيضا إذا وجدت قبل ما قعد قدر التشهد، وأما إذا وجدت بعده فلا تفسد صلاته كما لو تكلم بعده ولكن يلزمه الوضوء عندنا لصلاة أخرى، وعند زفر: لا يلزمه هذا كله أيضا على قولنا، فأما على قول الشافعي: تفسد صلاة الإمام لا صلاة القوم. [الحكم لو حصر الإمام عن القراءة فقدم غيره] م: (وإن حصر الإمام عن القراءة) ش: حصر بكسر الصاد، يقال: حصر يحصر حصرا بفتحتين من باب علم يعلم، والحصر، والحصر القيء وضيق الصدر، قال تعالى: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] [النساء: الآية 90] ، ومعناه: ضاق صدر الإمام عن القراءة، ويجوز أن يقرأ على صيغة المجهول من حصره إذا حبسه من باب نصر ينصر، ومعناه: ومنع حبس عن القراءة بسبب خجل أو خوف. م: (فقدم غيره أجزأهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد، وفي " المفيد ": جعل قول أبي يوسف مع أبي حنيفة م: (وقالا: لا يجزئهم لأنه يندر وجوده) ش: أي لأن الحصر يندر وجوده، والاستخلاف ثبت بخلاف القياس، في أمر غالب الوجود وهو الحدث، فلا يجوز الاستخلاف فيه. وفي " الفوائد الظهيرية " ليس الحصر في معنى الحدث من وجوه: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 فأشبه الجنابة في الصلاة، وله أن الاستخلاف لعلة العجز وهو هنا ألزم، والعجز عن القراءة غير نادر، ولو قرأ مقدار ما تجوز به الصلاة لا يجوز بالإجماع لعدم الحاجة إلى الاستخلاف، وإن سبقه الحدث بعد التشهد توضأ وسلم؛ لأن التسليم واجب فلا بد من التوضؤ ليأتي به،   [البناية] أحدها: أن الطهارة شرط بجميع الصلاة، والقراءة شرط لبعضها. والثاني: أنه لا جواز للصلاة بدون الطهارة، ولها جواز بدون القراءة كما في الأمي. والثالث: أن القراءة تجزئ لها النيابة بخلاف الطهارة. وقال الأترازي: ونقل شيخنا عن شيخه العلامة حميد الدين الضرير أنه قال في شرحه صورة المسألة: إذا لم يعقد الإمام [على] القراءة لأجل خجل يعتريه، أما إنه إذا نسي القراءة أصلا لا يجوز الاستخلاف بالإجماع لأنه يصير أميا، واستخلاف الأمي لا يجوز. قلت: حميد الدين مسبوق في هذه، أما في السير فإنه قال: إنما يجوز الاستخلاف إذا [كان] حافظا للقراءة لكن لحقه خجل أو خوف فحصر، فأما لو نسي فصار أميا لم يجز الاستخلاف إجماعا؛ لأن إتمام القارئ صلاة الأمي غير جائز. وقال أبو بكر الرازي: إنما يستخلف إذا لم يمكنه أن يقرأ شيئا وإن أمكنه قراءة آية لا يستخلف، وإن استخلف فسدت صلاته. وقال الأترازي: ثم عندهما إذا لم يستخلف كيف يصنع، قال بعض الشارحين: يتم صلاته بلا قراءة إلحاقا له بالأمي، وهذا سهو لأن مذهبهما أنه يستقبل وبه صرح فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ". قلت: أراد ببعض الشارحين السغناقي، فإنه قال هكذا في شرحه، وقال الأكمل: ونسبه بعض الشارحين إلى السهو وأراد به الأترازي. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الاستخلاف لعلة العجز) ش: عن المضي في الصلاة صيانة لصلاة القوم عن البطلان م: (وهو هنا ألزم) ش: أي العجز عن القراءة ألزم؛ لأنه ربما يجد الماء في المسجد فيتوضأ ويبني من غير استخلاف، والذي حصر فلا بد له من تعلمه أو تذكره وذلك يمنع المضي غالبا، فلما جاز الاستخلاف في الحدث لعلة العجز جاز في الحصر أيضا لوجود تلك العلة. م: (والعجز عن القراءة غير نادر) ش: هذا جواب عن قولهما: إنه يندر وجوده م: (ولو قرأ مقدار ما يجوز به الصلاة لا يجوز بالإجماع) ش: أي لا يجوز الاستخلاف بالإجماع م: (لعدم الحاجة إلى الاستخلاف) ش: لوجود قراءة ما يجوز به الصلاة، وهي آية قصيرة عنده، فإذا لم يجز له الاستخلاف يركع ويمضي في صلاته، وقال في " المحيط ": ولو استخلف تفسد صلاته. م: (وإن سبقه الحدث بعد التشهد توضأ وسلم؛ لأن التسليم واجب فلا بد من التوضؤ ليأتي به) ش: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 وإن تعمد الحدث في هذه الحالة أو تكلم أو عمل عملا ينافي الصلاة تمت صلاته؛ لأنه يتعذر البناء لوجود القاطع، لكن لا إعادة عليه؛ لأنه لم يبق عليه شيء من الأركان، فإن رأى المتيمم الماء في صلاته بطلت صلاته، وقد مر من قبل، وإن رآه بعدما قعد قدر التشهد، أو كان ماسحا فانقضت مدة مسحه،   [البناية] أي بالتسليم الذي هو واجب، وعند الشافعي: التسليم فرض وقد مر بيانه م: (وإن تعمد الحدث في هذه الحالة) ش: يعني بعد التشهد م: (أو تكلم أو عمل عملا ينافي الصلاة فقد تمت صلاته لأنه يتعذر البناء لوجود القاطع) ش: وهو تعمد الحدث أو الكلام أو عمل ما ينافي الصلاة. م: (لكن لا إعادة عليه) ش: أي إعادة صلاته م: (لأنه لم يبق عليه شيء من الأركان) ش: وفساد ما بقي لا يؤثر في فساد ما مضى، وعند الشافعي ومالك وأحمد: فسدت صلاته؛ لأن السلام من الأركان أو الفرائض عندهم [رؤية المتيمم للماء أثناء الصلاة] م: (فإن رأى المتيمم الماء في صلاته بطلت صلاته) ش: لأنه قدر على الأصل حال قيام الخلف قبل تمام الحكم بالخلف. فإن قلت: يشكل هذا بالمتيمم إذا أحدث في صلاته فانصرف، ثم وجد ما كان له أن يتوضأ ويبني على صلاته، فلم تبطل صلاته هناك برؤية الماء. قلت: التيمم ينتقض بصفة الاستناد إلى ابتداء وجوده عند إصابة الماء؛ لأنه يصير محدثا بالحدث السابق؛ إذ الإصابة ليست بحدث، وهاهنا ينتقض التيمم عند إصابة الماء لانتقاضه بالحدث الطارئ على التيمم لا بصفة الاستناد. م: (وقد مر من قبل) ش: أي في باب التيمم وهو قوله: وينقض رؤية الماء إذا قدر على استعماله م: (فإن رآه) ش: أي فإن رأى المتيمم الماء م: (بعدما قعد قدر التشهد) ش: هذه اثنتا عشرة مسألة تسمى باثني عشرية؛ لأنها بذلك العدد في الروايات المشهورة، قيل: هي أنها من حيث العربية لأنه لا تجوز النسبة إلى اثني عشر ولا إلى غيره من العدد المركب [إلا] إذا كان علما فحينئذ ينسب إلى صدره فيقال: خمسي في خمسة عشر كما يقال: تأبطي في تأبط شرا أو بعلي في بعلبك. قلت: إنما لم ينسب إلى خمسة عشر عددا؛ لأن الجزأين حينئذ مقصودان، فلو حذف أحدهما اختل المعنى، ولو لم يحدث استثقل. وأما إذا كان علما فالاسمان بكمالها علم لا دلالة لعشرة ولا لخمسة، فكان الثاني كتاء التأنيث، ولم يكن في الحذف إخلال، ولكن لقائل أن يقول: يجعل اثني عشر هاهنا في حكم المفرد فينسب إليها بكمالهما على أن الذي قيل: إنما هو في المركب الإسنادي والمزجي كما عرف في موضعه، وقد أشار المصنف إلى المسألة الأولى من هذه المسائل الاثني عشرية بقوله، فإن رأى المتيمم الماء بعدما قعد قدر التشهد. وأشار إلى الثانية بقوله م: (أو كان ماسحا) ش: أي على خفيه م: (فانقضت مدة مسحه) ش: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 أو خلع خفيه بعمل يسير، أو كان أميا فتعلم سورة، أو عريانا فوجد ثوبا، أو مومئا، فقدر على الركوع والسجود، أو تذكر فائتة عليه قبل هذه، أو أحدث الإمام القارئ، فاستخلف أميا، أو طلعت الشمس في الفجر،   [البناية] بعدما قعد قدر التشهد، وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام ولياليها في حق المسافر. وأشار إلى الثالثة بقوله م: (أو خلع خفيه بعمل يسير) ش: أي خلع أحد خفيه وقيد باليسير؛ لأن العمل الكثير يخرج عن الصلاة فيتم صلاته حينئذ بالاتفاق، وقال في " المبسوط ": وتأويله إذا كان واسعا لا يحتاج إلى معالجة. وأشار إلى الرابعة بقوله: م: (أو كان أميا فتعلم سورة) ش: قال في " الينابيع ": يريد به إذا كان يصلي وحده، أما لو كان خلفه الإمام قيل: هي على الاختلاف، وقيل: يجوز صلاته بالاتفاق. قال أبو الليث: وبه نأخذ، وفي " المبسوط ": ذكر أبو يوسف في " الإملاء " عن أبي حنيفة أنه كان يقول: الأمي إذا تعلم سورة في خلال صلاته يقرأ ويبني كالقاعد إذا قدر على القيام، ثم رجع عن ذلك لأن صلاته ضرورية كالمومئ. وفي " المبسوط ": فتعلم سورة أي تذكرها بعد النسيان أما إذا تلقنها ابتداء فذلك صنع منه فيخرج به عنها ذكره الحلواني، وقيل: سمعها بلا اختيار وحفظها بلا صنع. وأشار إلى الخامسة بقوله: (أو عريانا) ش: أي أو كان المصلي عريانا م: فوجد ثوبا) ش: ساترا عورته. وأشار إلى السادسة بقوله: م: (أو مومئا) ش: أي: أو كان يصلي حال كونه مومئا م: فقدر على الركوع والسجود) ش: وأشار إلى السابعة بقوله: م: (أو تذكر فائتة عليه قبل هذا) ش: أي أو كان المصلي تذكر أن عليه فائتة قبل هذا الذي يصليه، قيل: معناه قبل سقوط الترتيب وفي الوقت سعة. وأشار إلى الثامنة بقوله: (أو أحدث الإمام فاستخلف أميا) ش: أي لو أحدث المصلي العاري بعدما قعد قدر التشهد فاستخلف رجلا أميا، وفساد صلاته باستخلاف الأمي في هذه الحالة عند أبي حنيفة على اختيار المصنف ومن وافقه. وأما على اختلاف فخر الإسلام فلا فساد بالاستخلاف بعد التشهد بالإجماع، وذكر في " كشف الغوامض ": أنه لا يفسد صلاته عند أبي حنيفة لأن هذا الفعل ليس من أفعال الصلاة فيخرج به من الصلاة كما لو تكلم أو خرج من المسجد. وفي " المبسوط ": والاستخلاف وإن كان بصنعه لكنه غير مفسد كاستخلاف العاري. وأشار إلى التاسعة بقوله: م: (أو طلعت الشمس في الفجر) ش: أي أو طلعت الشمس بعد أن قعد قدر التشهد في صلاة الفجر. وفي " المبسوط ": إن قيل طلوع الشمس مبطل لا مغير فلم كانت على الخلاف، قلنا: بل هو مغير من الفرض إلى النفل ولا يخرج به من التحريمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 أو دخل وقت العصر وهو في الجمعة، أو كان ماسحا على الجبيرة فسقطت عن برء، أو كان صاحب عذر فانقطع عذره كالمستحاضة ومن بمعناها،   [البناية] وأشار إلى العاشرة بقوله: م: (أو دخل وقت العصر وهو في الجمعة) ش: قال في " الينابيع ": هذا لا يتصور إلا على رواية الحسن عن أبي حنيفة إن أخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثله قولهما حتى يتحقق الخلاف. وفي " المنافع ": هذا على اختلاف القولين عندهما إذا صار ظل كل شيء مثله، وعنده إذا صار ظل كل شيء مثليه، وقيل: تخصيص الجمعة اتفاقي لأن الحكم في الظهر لذلك. وأشار إلى الحادية عشرة بقوله م: (أو كان ماسحا على الجبيرة فسقطت عن برء) ش: أي كان المصلي ماسحا على الجبيرة وهي العيدان التي يشد بها [على] الجرح ويجبر بها العظام. وأشار إلى الثانية عشرة بقوله: م: أو كان صاحب عذر فانقطع عذره) ش: بعدما قعد قدر التشهد، وفسر صاحب العذر بقوله م: (كالمستحاضة ومن بمعناها) ش: نحو من به سلس البول وانطلاق البطن وانفلات الريح والرعاف الدائم، والجرح الذي لا يرجى برؤه وانقطاع دم الاستحاضة ولا بد من استيعاب وقت كامل، فلو انقطع الدم بعد التشهد فلو سال الدم في وقت صلاة أخرى فالصلاة الأولى جائز، وإن لم يسل فالصلاة الأولى عند أبي حنيفة باطلة؛ لأنه يتحقق بعد التشهد، وأنه كالانقطاع في وسط الصلاة وعندهما جائزة؛ لأنه كالانقطاع بعد تمام الصلاة. واعلم أنه قد يزيد على هذه المسائل الاثنتي عشرة مسائل أخرى: الأولى: إذا صلى بالثوب وفيه نجاسة أكثر من قدر الدرهم، ثم وجد من الماء ما يغسل به النجاسة في هذه الحالة. الثانية: أنه كان يقضي صلاة الفجر وقد فاتته فدخل عليه وقت الزوال في هذه الحالة. الثالثة: أنه كان يقضي صلاة الظهر في وقت العصر فغربت الشمس في هذه الحالة. الرابعة: الأمة إذا صلت مكشوفة الرأس فعتقت في هذه الحالة إن سترت رأسها من ساعتها لا تفسد صلاته، وإن لم تستر فصلاتها فسدت عنده ذكرها الأسبيجابي. الخامسة: لو سلم ثم تذكر أن عليه سجدتي السهو فعاد إليهما فلما سجد سجدة تعلم سورة تفسد صلاته عنده؛ لأنه عاد إلى حرمة الصلاة فصار كما لو تعلم قبل السلام، بعدما قعد قدر التشهد ذكرها في " الذخيرة "، ولو سلم ثم تذكر أن عليه سجدة تلاوة أو قراءة تشهد، قال في " الذخيرة ": لم يذكر هذا في الكتاب، قال: ويجب أن يكون من الاثني عشرية؛ لأنه سلام ساه فيجعل كالعدم، أما لو سلم ثم تذكر سجدة صلاتية فإن صلاته تفسد عندهم جميعا لأنه تعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 بطلت الصلاة في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: تمت صلاته، وقيل: الأصل فيه أن الخروج عن الصلاة بصنع المصلي فرض عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وليس بفرض عندهما، فاعتراض هذه العوارض عنده في هذه الحالة كاعتراضها في خلال الصلاة، وعندهما كاعتراضها بعد التسليم، لهما ما رويناه من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وله أنه لا يمكنه أداء صلاة الأخرى إلا بالخروج من هذه وما لا يتوصل إلى الفرض إلا به يكون فرضا،   [البناية] سورة وعليه ركن من أركان الصلاة. م: (بطلت الصلاة في قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خلافا لهما) ش: هذا جواب قوله: فإن رآه بعدما قعد قدر التشهد وما بعده من المسائل وهي الاثنتا عشرة مسألة. م: (وقيل) ش: قائله أبو سعيد البردعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن قال: م: (الأصل فيه) ش: أي في المذكور من المسائل وهي اثنتا عشرة مسألة م: (أن الخروج عن الصلاة بصنع المصلي فرض عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: بدليل أنه ممنوع من البقاء على صلاته بعد التشهد حتى يدخل وقت صلاة أخرى، ولو لم يبق عليه فرض لم يمنع من البقاء كما بعد السلام، وإذا ثبت هذا فقد حدثت هذه المعاني وهي مفسدة للصلاة مع بقاء فرض من فروض الصلاة عليه فصار كما لو حدثت وسط الصلاة. م: (وليس بفرض عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد، فإذا كان فرضا عند أبي حنيفة م: (فاعتراض هذه العوارض) ش: وهي العوارض التي ذكرها في هذه المسائل الاثنتي عشرة م: (في هذه الحالة) ش: أي الحالة التي كانت بعدما قعد قدر التشهد م: (عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (كاعتراضها) ش: أي كاعتراض هذه العوارض م: (في خلال الصلاة) ش: أي في أثنائها، واعتراضها في أثنائها يبطل بالاتفاق فكذا في هذه الحالة. م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (كاعتراضها بعد التسليم) ش: فاعتراضها بعده لا يبطل بالاتفاق م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (ما رويناه من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك» وقد تقدم هذا في أول باب صفة الصلاة وفيه أيضا عند قوله: وتشهد وهو واجب عندنا.. إلى آخره، وجه استدلالهما به هو أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علق تمام الصلاة بأحد الأمرين، فمن علق بثالث فقد خالف النص. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي أن المصلي م: (لا يمكنه أداء صلاة أخرى إلا بالخروج عن هذه) ش: أي عن هذه الصلاة التي هو فيها م: (وما لا يتوصل إلى الفرض إلا به يكون فرضا) ش: كلمة ما مبتدأ، وخبره قوله: يكون فرضا، وصورة هذا التوسل أنه إذا تحرم للظهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] مثلا فلم يخرج منها حتى دخل وقت العصر لزمه أداء العصر مثلا ولا عليه أداؤها إلا بعد الخروج عن تحريمة الظهر؛ لأن العصر لا يتأدى بهذه التحريمة، فيكون الخروج عن تحريمة الظهر سببا يتوصل به إلى أداء العصر وأداء العصر فرض، وما لا يتوصل إلى الفرض إلا به يكون فرضا كالانتقال من ركن إلى ركن، في باب الصلاة عد من الأركان، وإن لم يكن ركنا في نفسه كذا هذا؛ لأنه لم يبق الأولى على الصحة لا يمكنه أداء الثانية لأن الترتيب عندنا فرض، ولا يخرج عن الأولى على وجه يبقى صحيحا إلا بصنع يوجد منه فكان فرضا، وهذه النكتة منقولة عن الشيخ الإمام أبي منصور الماتريدي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. 1 - فإن قلت: تشكل عليه مسألة المحاذاة، فإن المرأة لو حاذت رجلا في هذه الحالة تمت صلاته بالاتفاق ولا صنع منه. قلت: المحاذاة من باب المفاعلة فلا يتحقق إلا من فاعلين وكان منه صنع، أدناه اللبث في مكانه. فإن قلت: يشكل ما لو تعلم سورة بلا اختيار. قلت: إنه لا صنع فيه. فإن قلت: هذا جواب غير قوي. قلت: لا نسلم لأنه لم يوجد منه الصنع ابتداء وكون تعلمه صنعا منه لا يضرنا. فإن قلت: على ما قررتم يكون الخروج من الصلاة بصنعه فرضا لغيره كالسعي إلى الجمعة، فيجب إن تم صلاته في الصور المذكورة لحصول المقصود من الصنع، وهو الخروج من الأولى كما لو دخل الجامع يوم الجمعة قبل دخول الوقت. قلت: الخروج عن الأولى يجب أن يكون على وجه تبقى صحيحة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] [محمد: الآية 33] ، ولأن الترتيب فرض ولم يبق لهذا الخروج صحيحة. فإن قلت: إنما لم يبق صحيحة لأن الخروج لم يكن بصنع المصلي، وكان بقاؤها صحيحة موقوفا على الخروج على بقائها صحيحة فهذا دور. قلت: الخروج بصنعه موقوف على ما اعتبره الشرع رافعا للتحريمة، ويلزم منه بقاؤها صحيحة. ثم اعلم أن العامة على قول أبي سعيد البردعي، والمختار عند المصنف قول الكرخي، وفي كلامه إشارة إلى ذلك، ويشير قول الكرخي إلى أن الخروج بصنع المصلي ليس بفرض بالاتفاق، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 ومعنى قوله: " تمت " قاربت التمام، الاستخلاف ليس بمفسد، حتى يجوز في حق القارئ، وإنما الفساد ضرورة حكم شرعي، وهو عدم صلاحية الإمامة   [البناية] وإنما عند أبي حنيفة أن هذه الأشياء مغيرة للصلاة ووجود المغير بعد التشهد كوجوده قبله لما أنه في حرمة الصلاة، ولهذا إذا نوى المسافر في هذه الحالة الإقامة أتم، والمعني بالمغير ما يجب الصلاة بعد وجوده على غير الصغير الواجبة هي عليها قبله، فإن الصلاة تجب بعد رؤية الماء وانقضاء مدة المسح، ووجدان الثوب، وتعلم السورة بالوضوء والغسل واللبس والقراءة بعد أن كانت واجبة بطهارة [التيمم والمسح والعري وعدم القراءة، وقيل: المعني به كون الصلاة جائزة] بالاجتماع به وبضده، فإنها تصح بالتيمم والمسح والإيماء وأضدادها. م: (ومعنى قوله) ش: أي قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (تمت) ش: أي قاربت التمام، هذا جواب عن تمسكهما، وتقديره: أن معنى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (تمت) في قوله: إذا قلت هذا، أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك، يعني: قاربت التمام كما في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من وقف بعرفة فقد تم حجه» أي قاربت التمام بالاتفاق لبقاء فرض بعده وهو طواف الزيارة بالاتفاق. وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لقنوا موتاكم» ... " الحديث أي الذي شارف الموت. فإن قلت: من أي باب هذا؟ قلت: من باب تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه، كما في قوله: {أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] [يوسف: الآية 36] ، أي: عنبا، وإنما حملنا عليه توفيقا بين ما قلنا من الدليل العقلي وبينه، ولأن العقل حجة من حجج الله تعالى كالنقل. م: (والاستخلاف ليس بمفسد) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر يرد على قوله: أو أحدث الإمام القارئ فاستخلف أميا تقديره أن يقال: ينبغي أن لا تفسد الصلاة عند أبي حنيفة باستخلاف الأمي بعد قدر التشهد؛ لأن الاستخلاف عمل كثير مفسد للصلاة، وهو صنع منه فيخرج عن الصلاة باستخلافه، وتقدير الجواب: أن الاستخلاف نفسه ليس بمفسد بدليل أنه لو استخلف القارئ في صلاته لم يضره وهو معنى قوله م: (حتى يجوز في حق القارئ) ش: حتى يجوز الاستخلاف في حق المصلي القارئ، فعلم أن نفس الاستخلاف ليس بمفسد. م: (وإنما الفساد ضرورة حكم شرعي) ش: يعني أن الفساد ليس لنفس الاستخلاف بل لأمر آخر وهو ضرورة حكم شرعي. م: (وهو عدم صلاحية الإمامة) ش: يعني عدم شرعية الأمي لإمامة القارئ، وقال التمرتاشي والهندواني والإمام الكاساني: يجوز صلاته بالاتفاق لوجود الصنع المفسد وهو استخلاف من لا يصلح استخلافه. وقال الأترازي: في قوله الاستخلاف ليس بمفسد نظر عندي؛ لأنا نقول: لا نسلم أن الاستخلاف ليس بمفسد، وقد صرح صاحب " الهداية " نفسه فيمن ظن أنه أحدث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 ومن اقتدى بإمام بعدما صلى ركعة فأحدث الإمام فقدمه أجزأه؛ لوجود المشاركة في التحريمة والأولى للإمام أن يقدم مدركا لأنه أقدر على إتمام صلاته، وينبغي لهذا المسبوق أن لا يتقدم لعجزه عن التسليم، فلو تقدم يبتدئ من حيث انتهى إليه الإمام لقيامه مقامه، وإذا انتهى إلى السلام   [البناية] فاستخلف حيث قال: وإن كان استخلف فسد لأنه عمل كثير، فلو لم يكن الاستخلاف مفسدا لم تفسد الصلاة في تلك المسألة لأنه استخلف القارئ لا الأمي. قلت: في كلامه وقد ذهل عنها الأترازي: وهو أن مسألة الاستخلاف على الخلاف، فكان ذكره هناك اختيار ما ذكر في " المبسوط "، وهو أن الصورة في الاستخلاف صنع منه وهو عمل كثير من غير عذر وهاهنا فرض المسألة فيما إذا كان يعذر، ولا يلزم من كونه مفسدا إذا لم يكن عذر كونه مفسدا عند العذر. م: (ومن اقتدى بالإمام بعدما صلى ركعة) ش: أي بعدما صلى الإمام من صلاته ركعة، وهذا المقتدي مسبوق بالركعة م: (فأحدث الإمام فقدمه) ش: أي فقدم هذا المقتدي الذي هو مسبوق بركعة م: (أجزأه) ش: أي أجزأ الإمام تقديمه م: (لوجود المشاركة في التحريمة) ش: يعني أن صحة الاستخلاف بالمشاركة وهي حاصلة في المسبوق فيصح استخلافه. فإن قلت: ينبغي أن لا يجوز استخلاف المسبوق؛ لأن الاستخلاف عمل كثير يثبت على خلاف القياس في حق المدرك، والمسبوق ليس في معناه فلا يلحق به. قلت: لا نسلم أن الاستخلاف كان في المدرك. م: (والأولى للإمام أن يقدم مدركا لأنه أقدر على إتمام صلاته) ش: أي لأن المدرك أقدر من المسبوق فكان أولى لأن المسبوق إذا أتم صلاة الإمام يقدم مدركا آخر للسلام لعجزه عن السلام، أما المدرك فيسلم إذا أتم صلاة الإمام بدون استخلاف آخر، فيثبت أنه أقدر من المسبوق. م: (وينبغي لهذا المسبوق أن لا يتقدم لعجزه عن التسليم) ش: لأن عليه بقية صلاته فلا يقدر على التسليم حتى يكمل ما عليه، وإن قيل يتقدم جاز فيستخلف مدركا عند تمام صلاة إمامه ليسلم بهم وليسجد لسهوه إن كان عليه سهو، فإن جاء الأول وقد سبقه الثاني ينقل بقضاء ما سبقه ثم يتابعه لأنه لاحق، وإن لم يفعل جاز، قال في " المبسوط " لأن الترتيب في أفعال الصلاة ليس بشرط عندنا خلافا لزفر، ومثله في الأسبيجابي. قلت: ولهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف: المسبوق يصلي أولا مع الإمام آخر صلاته فإذا قام يقضي أول صلاته فقد قدم آخرها على أولها في الفعل. م: (فلو تقدم) ش: أي المسبوق م: (يبتدئ من حيث انتهى إليه الإمام لقيامه مقامه) ش: أي لقيام المسبوق مقام الإمام وهو بفتح الميم م: (وإذا انتهى إلى السلام) ش: أي إذا انتهى إلى آخر صلاة الإمام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 يقدم مدركا يسلم بهم، فلو أنه حين أتم صلاة الإمام قهقه أو أحدث متعمدا أو تكلم أو خرج من المسجد فسدت صلاته وصلاة القوم تامة؛ لأن المفسد في حقه وجد في خلال الصلاة وفي حقهم بعد تمام أركانها والإمام الأول إن كان فرغ لا تفسد صلاته وإن لم يفرغ تفسد وهو الأصح، فإن لم يحدث الإمام الأول وقعد قدر التشهد ثم قهقه أو أحدث متعمدا فسدت صلاة الذي لم يدرك أول صلاته عند أبي حنيفة. وقالا: لا تفسد، وإن تكلم أو خرج من المسجد لم تفسد في قولهم جميعا، لهما أن صلاة المقتدي بناء على صلاة الإمام جوازا وفسادا ولم تفسد صلاة الإمام، فكذا صلاته وصار كالسلام والكلام، وله أن القهقهة مفسدة للجزء الذي يلاقيه من   [البناية] الذي محله التسليم م: (يقدم مدركا يسلم بهم) ش: أي بالقوم م: (فلو أنه) ش: أي المسبوق م: (حين أتم صلاة الإمام قهقه أو أحدث متعمدا) ش: أي قصدا م: (أو تكلم أو خرج من المسجد فسدت صلاته) ش: أي صلاة المسبوق م: (وصلاة القوم تامة؛ لأن المفسد وجد في خلال الصلاة) ش: في حق المسبوق م: (وفي حقهم) ش: أي وفي حق القوم م: (وجد بعد تمام أركانها) ش: فلا تفسد صلاتهم؛ لأن هذه الأشياء لو وجدت [في هذه الحالة من القوم أنفسهم كانت لا تفسد صلاتهم فلأن لا تفسد إذا وجدت] من إمامهم أولى وأحرى. م: (والإمام الأول) ش: وهو الذي قدم المسبوق م: (إن كان قد فرغ لا تفسد صلاته) ش: لأنه كواحد من القوم م: (وإن لم يفرغ تفسد صلاته) ش: لوقوع المنافي للصلاة في وسطها م: (وهو الأصح) ش: أي فساد صلاته هو الأصح لما ذكرنا، واحترز به عن رواية أبي حفص أن صلاته أيضا تامة لأنه يدرك أول الصلاة فيكون كالفارغ بقعدة الإمام قدر التشهد. م: (فإن لم يحدث الإمام الأول وقعد قدر التشهد) ش: قبل القعود بقدر التشهد لأنه إذا وجدت القهقهة أو الحدث العمد قبله تفسد صلاة الجميع اتفاقا. م: (ثم قهقه أو أحدث متعمدا فسدت صلاة الذي لم يدرك أول صلاته) ش: وهو المسبوق م: (عند أبي حنيفة) ش: ولا تفسد صلاة المدرك اتفاقا وفي صلاة اللاحق، روايتان. م: (وقالا: لا تفسد) ش: أي صلاة الذي لم يدرك م: (وإن تكلم) ش: الإمام الأول م: (أو خرج من المسجد لم تفسد في قولهم جميعا) ش: أي في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن صلاة المقتدي بناء على صلاة الإمام جوازا وفسادا) ش: أي من حيث الجواز والفساد م: (ولم تفسد صلاة الإمام) ش: أي والحال أنه لم تفسد صلاة الإمام م: (فكذا صلاته) ش: أي صلاة المقتدي أيضا لا تفسد؛ لأن صلاته مبنية على صلاة الإمام م: (فصار كالسلام والكلام) ش: أي صار حكم هذا، كحكم السلام والكلام بعدما قعد قدر التشهد. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أن القهقهة مفسدة للجزء الذي تلاقيه من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 صلاة الإمام فيفسد مثله من صلاة المقتدي غير أن الإمام لا يحتاج إلى البناء والمسبوق محتاج إليه، والبناء على الفاسد فاسد بخلاف السلام؛ لأنه منه والكلام في معناه، وينتقض وضوء الإمام لوجود القهقهة في حرمة الصلاة. ومن أحدث في ركوعه أو سجوده توضأ وبنى ولا يعتد بالتي أحدث فيها؛ لأن إتمام   [البناية] صلاة الإمام) ش: لأنها تبطل الطهارة، وهي شرط للصلاة م: (فتفسد) ش: بضم التاء أي فتفسد القهقهة م: (مثله) ش: أي مثل ذلك الجزء م: (من صلاة المقتدي) ش: لابتنائها عليها م: (غير أن الإمام لا يحتاج إلى البناء) ش: هذه إشارة إلى بيان الفرق [الذي] بين صلاة الإمام وصلاة المسبوق، مع أن القهقهة لاقت بجزء من صلاة كل واحد منهما، ومع هذا لا تفسد صلاة الإمام وتفسد [صلاة] المسبوق وذلك لأن القهقهة وجدت في حق الإمام بعد انتهاء الأركان، فجعلت عفوا فلا يحتاج إلى البناء م: (والمسبوق محتاج إليه) ش: أي إلى البناء لأنها وجدت في خلال صلاته، فتفسد ذلك الجزء الذي لاقته ففسدت صلاته أصلا لعدم قدرته على البناء. م: (والبناء على الفاسد فاسد) ش: كان هذا جواب عما يقال: لم لا يبني المسبوق أيضا؟ فقال: كيف يبني على الفاسد وهو الجزء الذي لاقته القهقهة في خلال صلاته؟ والبناء على الفاسد فاسد م: (بخلاف السلام) ش: لأنه لا يبطل شيئا من أجزاء الصلاة على الإمام لأنه لا يبطل بشرط الأداء وهو الطهارة م: (لأنه منه) ش: أي لأن السلام سنة للصلاة وهو من الإنهاء ومعناه متمم للصلاة ومحلل إذا وجد في أوان التحليل، ولهذا لا ينتقض به الطهارة، وفي " المجتبى " المراد من النهي ما يكون مستحقا بالتحريمة، إما بصفة الاتصال كالسلام أو الانفصال كالخروج. وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": السلام منه لا يفسد لأنه قاطع، والقاطع في أوانه منه، وفي غير أوانه مبطل، وهاهنا في أوانه فيكون منهيا لا مفسدا م: (والكلام في معناه) ش: أي في معنى السلام لأنه إنما جعل منهيا باعتبار أنه كلام لا باعتبار أنه ثناء فعلم أنه معناه، ولهذا لو قالوا: لو حلف لا يكلم فلانا فسلم يحنث. م: (وينتقض وضوء الإمام لوجود القهقهة في حرمة الصلاة) ش: وعند زفر لا ينتقض وهو القياس؛ لأنها إنما تنقض الوضوء إذا فسدت الصلاة، وهاهنا لم تفسد صلاة الإمام فلا ينقض وضوءه. وجه الاستحسان أنها أفسدت الجزء الملاقي لها من الصلاة لوقوعها في حرمة الصلاة فانتقض الوضوء أيضا بناء على فساد ذلك الجزء؛ لأنها لم تؤثر في فساد باقي الصلاة لانتهاء الأركان. [حكم من أحدث في ركوعه أو سجوده] م: (ومن أحدث في ركوعه أو سجوده توضأ وبنى على صلاته ولا يعتد بالتي أحدث فيها) ش: أي الركعة التي أحدث فيها أو بالسجدة ولا يعتد من الاعتداد أي لا يعتبر، وفي بعض النسخ ويعيد بالتي أحدث فيها، من الإعادة والمعنى قريب لأن عدم الاعتداد يستلزم الإعادة م: (لأن إتمام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 الركن بالانتقال ومع الحدث لا يتحقق فلا بد من الإعادة ولو كان إماما فقدم غيره دام المقدم على الركوع؛ لأنه يمكنه الإتمام بالاستدامة، ولو تذكر وهو راكع أو ساجد أن عليه سجدة فانحط من ركوعه لها أو رفع رأسه من سجوده فسجدها يعيد الركوع والسجود، وهذا بيان الأولى لتقع أفعال الصلاة مرتبة بالقدر الممكن وإن لم يعد   [البناية] الركن بالانتقال) ش: تمام السجدة بالرفع عند محمد ولم يوجد، وعند أبي يوسف وإن تمت بالوضع لكن الجلسة بين السجدتين فرض عنده م: (ومع الحدث لا يتحقق) ش: أي الانتقال لا يتحقق بغير طهارة والانتقال من ركن إلى ركن فرض بالإجماع فلا يعتد بركوعه وسجوده بعد تحقق الانتقال بالطهارة م: (فلا بد من الإعادة) ش: أي من إعادة الركوع الذي أحدث فيه والسجود الذي أحدث فيه. م: (ولو كان إماما) ش: أي ولو كان الذي أحدث في ركوعه أو سجوده إماما م: (فقدم غيره دام المقدم) ش: بفتح الدال م: (على الركوع) ش: يعني يكون المقدم على هيئته م: (لأنه يمكنه الإتمام بالاستدامة) ش: أي بالثبات في حاله ولا يحتاج إلى رفع رأسه، ثم إنشاء الركوع لأن للدوام حكم الابتداء في الفعل الممتد، وللركوع وللسجود امتداد فلما دام المقدم صار كأنه ركع، أصله حلف لا يلبس ثوبا وهو لابسه ولا يركب دابة وهو راكبها يحنث بالاستدامة لوجود اللبس أو الركوب بالاستدامة. فإن قلت: لو قال لامرأته: إن جامعتك فأنت طالق فجامع ولبث في الجماع لا تثبت الرجعة عند محمد، فعلم أنه ليس للدوام حكم الابتداء. قلت: عدم ثبوت الرجعة عنده للاحتياط، ولأن الجماع هو الإيلاج والإخراج وهما ليسا بممتدين فلا تثبت الرجعة بالشك. م: (ولو ذكر) ش: أي المصلي م: (وهو راكع أو ساجد) ش: أي والحال أنه ذكر في الركوع والسجود م: أن عليه سجدة) ش: هو مفعول ذكر، يعني: في حالة الركوع أنه ترك سجدة صلاتية أو تلاوة أو ذكر في حالة السجود أنه ترك سجدة م: (فانحط من ركوعه لأجل السجدة التي ذكرها أو رفع رأسه من سجوده فسجدها) ش: أي السجدة [ويعيد السجدة] التي ذكرها. م: (يعيد الركوع والسجود) ش: يعني يعيد الركوع الذي ذكر فيه السجدة ويعيد السجود الذي ذكر فيه السجدة، وهذا بيان الأولى، يعني إعادة الركوع والسجود الذي ذكر فيهما أن عليه سجدة أولى، لأن مراعاة الترتيب ليست بركن م: (لتقع الأفعال مرتبة بالقدر الممكن) ش: لأن مراعاة الترتيب فيما شرع من الأفعال مكررا واجبة لا فرضا لما ذكرنا، والقدر الممكن إعادة الركوع والسجود لتحقق الترتيب على اعتبار أن لا يكون الأول محسوبا، ويجوز أن يكون المراد تقريب الركوع والسجود إلى محله بقدر الإمكان. م: (وإن لم يعد) ش: أي الركوع الذي ذكر فيه أن عليه سجدة، أو السجود الذي ذكر فيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 أجزأه؛ لأن الانتقال مع الطهارة شرط وقد وجد. وعن أبي يوسف أنه يلزمه إعادة الركوع؛ لأن القومة فرض عنده. قال: ومن أم رجلا واحدا فأحدث وخرج من المسجد فالمأموم إمام نوى أو لم ينو لما فيه من صيانة صلاته وتعيين الأول لقطع المزاحمة ولا مزاحمة ههنا،   [البناية] كذلك م: (أجزأه) ش: لأن ذكر السجود لا يناقض الركوع ولا ينافيه، فصح الاعتداد به فلا يعيد م: (لأن الانتقال مع الطهارة شرط وقد وجد) ش: هذا إشارة إلى بيان الفرق بين هذا وبين ما تقدم وهو من وجهين: أحدهما أن تذكر السجود في الركوع لا ينقض الركوع م: (لأن الاعتداد والترتيب في أفعال الصلاة الواحدة ليس بشرط) ش: وإن لم ينقض لا يلزمه الإعادة. والثاني: أن تمام الركوع برفع الرأس؛ لأن الركن إنما يتم بالانتقال والطهارة فيه شرط وقد وجدت، وعند زفر عليه إعادة القيام والركوع الأول؛ لأن من أصوله أن مراعاة الترتيب في أفعال الصلاة واجبة فيبطل ما أدى. م: (وعن أبي يوسف أنه يلزمه إعادة الركوع لأن القومة فرض عنده) ش: فحيث انحط من الركوع ولم يرفع رأسه فقد ترك الفرض فعليه الإعادة. فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين ما إذا عاد إلى السجد الأصلية بعدما قعد قدر التشهد، فإنه ترتفض القعدة وكذا لو تذكر في الركوع أنه لم يقرأ القرآن، فعاد إلى قراءة القرآن ارتفض الركوع. قلت: إنما لم يرتفض القعدة بالإتيان بالسجدة لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علق تمام الصلاة بالقعدة في قوله إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك فلو قلنا: يجوز تأخير غيرها عنها كان تمام الصلاة بذلك الغير وهو خلاف النص وكذلك لا يجوز تأخير القيام أو الركوع عن السجود؛ لأن القيام وسيلة إلى الركوع والركوع وسيلة إلى السجود، حتى إن من لم يقدر على الركوع والسجود لا يجب عليه القيام والوسائل متقدمة على المقاصد، والقراءة رتبة القيام فكانت تابعة له. [حكم من أم رجلا واحدا فأحدث] م: (ومن أم رجلا واحدا فأحدث) ش: أي الإمام م: (وخرج من المسجد فالمأموم إمام) ش: لتعينه بخلاف ما إذا كان أكثر من واحد حيث يحتاج إلى الاستخلاف لقطع المزاحمة. م: (نوى أو لم ينو) ش: الضمير في نوى، يحتمل أن يكون للإمام يعني نوى الإمام استخلافه أولى لتعينه، كما لو قال لعبديه: أحدكما حر، ثم مات أحدهما قبل البيان يتعين الحي للحرية لتعينه فكذا هذا، ويتحمل أن يكون للمقتدي يعني نوى هو الإمامة أولا لتعينه للاستخلاف لصلاحية الإمامة له. م: (لما فيه) ش: أي لما في كون المأموم إماما م: (من صيانة صلاته) ش: أي صلاة المقتدي الذي صار إماما لأنه لو لم يتعين المقتدي إماما لخلا موضع الإمامة عن الإمام وبهذا المعنى يوجب فساد صلاة المقتدي. م: (وتعيين الأول لقطع المزاحمة) ش: هذا جواب عما يقال: إن التعيين لا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 ويتم الأول صلاته مقتديا بالثاني كما إذا استخلفه حقيقة، ولو لم يكن خلفه إلا صبي أو امرأة قيل تفسد صلاته؛ لاستخلاف من لا يصلح للإمامة. وقيل: لا تفسد لأنه لم يوجد الاستخلاف قصدا وهو لا يصلح للإمامة، والله أعلم.   [البناية] يتحقق بلا تعيين ولم يعين فأجاب بقوله وتعيين الأول لقطع المزاحمة ولا تزاحم هنا فكان التعيين موجودا حكما، فإذا تعين كذلك كان كالمستخلف حقيقة ينوب عنه ويتم صلاته مقيدا بالثاني وهو معنى قوله م: (ويتم الأول صلاته مقتديا بالثاني كما إذا استخلفه حقيقة) ش: فإنه حينئذ يتم صلاته مقتديا بالثاني: فكذلك في الاستخلاف حكما. م: (ولو لم يكن خلفه) ش: أي خلف من يصلي م: (إلا صبي أو امرأة قيل تفسد صلاته) ش: أي صلاة الإمام خاصة لاقتدائه لمن لا يصلح إماما له وهو معنى قوله م: (لاستخلافه من لا يصلح للإمامة) ش: لأنه لما صار مقتديا به وهو غير صالح للإمامة فسدت صلاته م: (وقيل لا تفسد ش: [أي صلاة الإمام م: (لأنه لم يوجد منه الاستخلاف قصدا) ش: أي حقيقة ولا وجد] حكما أيضا؛ لأن فيه فساد الصلاة لكون الصبي أو المرأة غير صالح للإمامة، فلما انتفى الاستخلاف أصلا لم تفسد صلاة الإمام وفسدت صلاة المقتدي لأنه بقي بلا إمام م: (وهو) ش: أي الشخص وهو الصبي أو المرأة لا يصلح للإمامة] . وقيل في هذه المسألة: تفسد صلاتهما جميعا لما أن ذلك الواحد لما صار متعينا صار كأنه استخلفه، وقال فخر الإسلام: الأصح عندنا أن تفسد صلاة المقتدي دون صلاة الإمام؛ لأنه صار كمنفرد أحدث، ولذا قال التمرتاشي: الأصح أن صلاة الإمام لا تفسد؛ لأن الإمامة انتقلت من غير صنعه وكذا لو اقتدى مقيم بالمسافر في فائتة السفر، فأحدث الإمام لا يصير المقيم إماما له لعدم صلاحية إمامته، ولو كان خلفه جماعة لا يتعين أحدهما إلا بتقديم الإمام أو القوم أو بتقدمه فيقتدون به، ولو استخلف الإمام رجلين أو هو رجلا والقوم [رجلا] أو القوم رجلين بعضهم رجلا وبعضهم رجلا آخر فسدت صلاة الكل، فإن خرج الإمام قبل تعيين الخليفة فسدت صلاة القوم والإمام المحدث على إمامته ما لم يخرج من المسجد أو خليفته أو مستخلف القوم غيره، ولو تأخر الإمام ليستخلف فلبث مكانه لينظر من يصلح، فقيل: إن يستخلف أكبر رجل من وسط الصف للخلافة، وتقدم فصلاة من كان أمامه فاسدة ومن خلفه جائزة، وكذا لو استخلف الإمام رجلا من وسط الصف قبل أن يخرج وقبل أن يؤم خليفته مكانه تفسد صلاة من كان أمامه، ولو استخلف القوم إمامين فسدت صلاة الأقل وإن استويا فسدت صلاة الكل. وعن السرخسي: أن الأقل إذا كان ثلاثة فسدت صلاة الكل، قال الحسن اتفقت الروايات على أن الخليفة لا يصير إماما حتى ينوي. وعن أبي حنيفة ومحمد إن نوى الإمامة في الحال صار إماما قبل التقدم، حتى لو أتم الصلاة في مكانه فسدت صلاة إمامه، ولو نوى أن يصير إماما إذا تقدم فهو على ما نوى قبل ذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فروع: في " الأسبيجابي " أدرك مع الإمام ركعة من الظهر أو العصر أو العشاء، فإذا قضى ركعة يقرأ فيها بالفاتحة وسورة ويتشهد؛ لأن ما يقضي آخر صلاته في حق التشهد ويقضي ركعة أخرى يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وسورة ولا يتشهد، وفي الثالثة إن شاء قرأ وهي أفضل وإن شاء سكت، ولو أدرك منها ركعتين يقضي ركعتين ويقرأ فيهما ويتشهد عقبيهما، ولو ترك القراءة فيهما تفسد صلاته؛ لأن ما يقضيه أول صلاته في حق القراءة وإن كان إمامه ترك القراءة في الأوليين وقرأ في الأخريين لأنها قضاء عن الأوليين والقراءة فيما يقضي فرض لأنه أول صلاته في حق القراءة. وفي " المحيط ": لو أدرك الإمام في ثالثة المغرب قضى الأولى والثانية بالقراءة، حتى لو تركها في إحداهما فسدت صلاته لأن ما يقضيه أول صلاته في حق القراءة وفي حق التشهد آخر صلاته ويجلس في كل ركعة احتياطا. وفي " المبسوط ": إذا أدرك مع الإمام ركعة من المغرب فلما سلم الإمام قام يقضي يصلي ركعة ويقعد وهذا استحسان، وفي القياس يصلي ركعتين ثم يقعد ثم يقضي ما يصلي المسبوق مع الإمام آخر صلاته حكما في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وفي قول محمد في حكم القراءة والقنوت هو آخر صلاته، وفي حكم القعدة هو أول صلاته، وجعل المرغيناني محمدا مع أبي حنيفة وجعل قول محمد المذكور أولا لأبي يوسف. وقال النووي في " شرح المهذب ": مذهب الشافعي أن ما يصلي المسبوق مع الإمام أول صلاته وما يقضيه آخرها. وروي نحوه عن عمر وعلي وأبي الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقال ابن المنذر: ولا يثبت عنهم هذا. وقال مالك والثوري وأحمد: ما أدركه مع الإمام آخر صلاته وما يدركه أولها، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمرو ومجاهد وابن سيرين، وحكاه السرخسي عن علي وأحمد عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 باب ما يفسد الصلاة، وما يكره فيها ومن تكلم في صلاته عامدا أو ساهيا بطلت خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الخطأ والنسيان،   [البناية] [باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها] [حكم الكلام في الصلاة] م: (باب ما يفسد الصلاة، وما يكره فيها) ش: أي هذا باب في بيان ما يفسد الصلاة، وفي بيان ما يكره فيها، وجه المناسبة بين البابين من حيث إن كلا منهما مشتمل على العوارض في الصلاة إلا أن الأول في العوارض التي لا اختيار للمصلي فيها فكانت سماوية وهذا في العوارض المكتسبة، وقدم السماوية لأنها أعرف في المعارضة لعدم قدرة العبد على دفعها. فإن قلت: النسيان من قبيل السماوية فكيف ذكره في هذا الباب. قلت: المناسبة بين كلام الناسي والعامد في الحكم من حيث إن كلا منهما مفسد للصلاة. م: (ومن تكلم في صلاته عامدا) ش: أي حال كونه عامدا أي قاصدا م: (أو ساهيا) ش: أي أو حال كونه ساهيا، وفي بعض النسخ أو ناسيا ولم يفرق المصنف بين السهو والنسيان لعدم التفرقة بينهما في حكم الشرع، والسهو: ما يتنبه صاحبه بأدنى تنبيه، والخطأ: ما لا يتنبه بعد إلقائه، والنسيان: أن يخرج المدرك من الخيال. وقال الأترازي: صورة الخطأ أن يقصد القراءة والتسبيح فيجري على لسانه كلام الناس، وصورة النسيان أن يريد الكلام ناسيا لصلاته وفيه نظر لا يخفى. م: (بطلت صلاته) ش: جواب من م: (خلافا للشافعي في الخطأ والنسيان) ش: قال الشافعي: كلام الخاطئ والناسي لا يفسد، وكذا كلام الجاهل بتحريم الكلام في الصلاة بأن كان حديث عهد في الإسلام ولم يطل الكلام، فلو طال ففي ظاهر مذهبه تبطل صلاته؛ لأن الكلام الكثير مما لا يقع السهو به عادة فيمكن الاحتراز عنه، وقال بعض أصحابه: لا تبطل وإن كثر لإطلاق الحديث، وبقوله قال مالك وأحمد في رواية وعنه مثل قولنا. وقال النووي في " شرح المهذب ": إن تكلم عامدا لا لمصلحة الصلاة تبطل صلاته بالإجماع، ونقل الإجماع ابن المنذر وغيره، وكذا لمصلحة الصلاة بأن قام الإمام إلى الخامسة فقال له: صليت أربعا ونحو ذلك، وهو مذهب الجمهور، وإن تكلم مكرها فكذلك عند الشافعي على الأصح، وفي الناسي والمخطئ لا يبطلها إلا إذا طال ويعرف الطول بالعرف. وفي " الجواهر " للمالكية كما أطلق عليه اسم الكلام، من غير تجريد بحروفه ولا يتعين لها فهو مبطل للصلاة لعمده، أو أكره عليه أو وجب عليه الانتقاد سلم من مهلكه، ولا يبطلها سبق اللسان وكلام الناسي وكلام الجاهل ملحق بالعامد. وقال الأوزاعي ومالك وابن القاسم: الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطلها، وقال المغيرة: يبطلها ذكرها في " الذخيرة " للقرافي، وفي " المغني " لابن قدامة: إذا تكلم الإمام لمصلحة الصلاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 ومفزعه الحديث المعروف.   [البناية] فيه ثلاث روايات: عن أحمد أحدها يبطل في حق الإمام والمقتدي واختارها الخلال، والثانية: لا يبطلها في حقهما، والثالثة: تبطل صلاة المأموم دون صلاته، وعند النخعي يفسدها كلام الناسي وبه قال قتادة. وحماد بن أبي سليمان كمذهبنا. م: (ومفزعه) ش: أي مفزع الشافعي أي ملجؤه، والمراد به مسنده فيما ذهب إليه، وهو اسم مكان من فزع إليه إذا التجأ من باب علم يعلم، يقال: فلان مفزع القوم أي ملجؤهم، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث إذا دهمهم أمر فزعوا إليه وهو مبتدأ، وخبره قوله م: (الحديث المعروف) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ، والعجب من الشراح وغيرهم من أصحابنا وغيرهم أن كلهم لا يذكرونه إلا بهذا اللفظ وهذا لا يوجد بهذا اللفظ، وأقرب ما وجد بلفظ: «رفع الله عن هذه الأمة: الخطأ والنسيان والأمر يكرهون عليه» ، رواه ابن عدي في " الكامل " من حديث أبي بكرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع الله عن هذه الأمة ثلاثا» .. الحديث " وعده ابن عدي من منكرات جعفر بن جسر بن فرقد أحد رواته عن أبيه عن الحسن عن أبي بكرة. وروى ابن ماجه في " سننه " من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» : ورواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه "، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وروى ابن ماجه أيضا من حديث أبي ذر مرفوعا نحوه. وروى الطبراني في " معجمه " من حديث ثوبان مرفوعا نحوه. وروى أيضا من حديث أبي الدرداء مرفوعا نحوه. وروى أبو نعيم في " الحلية " من حديث ابن عمر عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نحو حديث ابن عباس وقال: غريب من حديث مالك تفرد به ابن الصفي عن الوليد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، وإنما هي التسبيح والتهليل وقراءة القرآن» ، وما رواه محمول على رفع الإثم،   [البناية] وأخرجه العقيلي في كتابه وأعلمه بأن الصفي وضعه عن أحمد، وقال ابن أبي حاتم في " علله ": سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ... الحديث المذكور، وعن الوليد عن مالك عن نافع عن ابن عمر مثله، وعن الوليد عن أبي لهيعة عن موسى بن وردان عن عقبة بن عامر مثله، فقال: إن هذه أحاديث منكرة، كأنها موضوعة ولا يصح هذا الحديث، ولا يصح إسناده. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس وإنما هي التسبيح والتهليل وقراءة القرآن» ش: هذا الحديث رواه مسلم في " صحيحه " من «حديث معاوية بن الحكم السلمي قال: " بينا أنا أصلي [مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذ عطس رجل من القوم، فقلت له: يرحمك الله، فرماني القوم] بأبصارهم، فقلت واثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم.. " الحديث بطوله فيه أن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، وأخرجه الطبراني ولفظه: إن صلاتنا لا يحل فيها شيء من كلام الناس» وبوب عليه مسلم: باب نسخ الكلام في الصلاة. م: (وما رواه) ش: أي الذي رواه الشافعي وهو الحديث المذكور م: (محمول على رفع الإثم) ش: تقرير هذا أن الذي يراد به الحقيقة أو الحكم، فالأول ممنوع لأن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ليست بمرفوعة فتعين الثاني وهو الحكم وهو لا يخلو [إما] أن يراد به حكم الدنيا أو حكم الآخرة، فالأول ممنوع لأنه ليس بمرفوع بالإجماع، ألا ترى أن رجلا إذا قتل مسلما خطأ تجب عليه الدية والكفارة بحكم نص القرآن، وكذا لو ترك ركنا من أركان الصلاة ناسيا لا يكون معذورا فتعين الثاني وهو حكم الآخرة، وهو الإثم فلما ثبت أن المراد منه حكم الآخرة لا حكم الدنيا كان كلام الناسي والخاطئ مفسدا للصلاة؛ لأن جوازها وفسادها من أحكام الدنيا. وقال الأكمل: تقريره أن حكم الآخرة وهو الإثم مراد بالإجماع فلا يكون حكم الدنيا مرادا وإلا لزم عموم المشترك أو المقتضي وكلاهما باطل. قلت: هذا الجواب غير كاف؛ لأن الشافعي قائل بعموم المشترك على ما عرف في موضعه. فإن قلت: احتج الخصم بحديث ذي اليدين أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: «صلى بنا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إحدى صلاتي العشي، إما الظهر وإما العصر، فسلم في ركعتين فقام ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق، لم تصل إلا ركعتين، فصلى ركعتين وسلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم " وفي رواية البخاري قال: " لم أنس ولم تقصر " وفي رواية لهما قال: " كل ذلك لم يكن، قال: قد كان بعض ذلك» وفي لفظ لهما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] «صلى بنا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلاة العصر، وفي لفظ لهما: صلى بنا ركعتين من صلاة الظهر، ثم سلم فأتاه رجل من بني سليم» . قلت: حديث ذي اليدين قد كان في وقت كان الكلام مباحا في الصلاة ثم انتسخ ذلك، ألا ترى أن ذا اليدين كان عامدا بالكلام ولم يأمرهم بالإعادة، ويدل على نسخه أيضا أن ذا اليدين لم يسبح لرسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - باتفاقنا أن رجلا لو ترك إمامه شيئا من صلاته يسبح له ليعلم إمامه ما قد تركه فدل أن ما علمه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الناس من التسبيح في الصلاة لنائبة كان متأخرا عن ذلك، والدليل على كون الكلام مباحا ثم نسخ بحديث زيد بن أرقم وحديث ابن مسعود. «فحديث زيد أخرجه البخاري ومسلم عنه قال: كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] [البقرة: الآية 238] ، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام» . «وحديث ابن مسعود أخرجه أيضا عنه قال: " كنا نسلم على رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه، فلم يرد علينا، فقلنا: يا رسول الله، كنا نسلم عليك فترد علينا، فقال: إن في الصلاة شغلا " وأخرجه أبو داود في لفظه: أنه قد حدث أن لا تكلموا في الصلاة» ورواه ابن حبان في " صحيحه ". والدليل أيضا على النسخ أن أبا بكر وعمر وغيرهما من الناس تكلموا عامدين. فإن قلت: أبو هريرة أسلم بعد فتح خيبر وحرمة الكلام كانت ثابتة حين قدم من الهجرة، وفتح خيبر كانت سنة سبع من الهجرة، وقال أبو هريرة في حديثه: صلى بنا. قلت: معناه صلى بنا أي بأصحابنا وهذا جائز في اللغة كما روي عن النزال بن سبرة قال: قال لنا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وإنا وإياكم كنا ندعى بني عبد مناف.. الحديث» والنزال لم ير رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وإنما أراد بذلك: قال لقومنا. وروي عن طاوس قال: قدم علينا معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلم يأخذ من الخضروات شيئا، وإنما أراد قدم بلدنا؛ لأن معاذا إنما قدم اليمن على عهد رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قبل أن يولد طاوس، وقد أشبعنا الكلام في شرحنا " لمعاني الآثار " للإمام الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وذو اليدين اسمه الخرباق وكنيته أبو العريان، وقال بعض أصحابنا منهم صاحب " المبسوط ": إن ذا اليدين قتل ببدر وذلك قبل فتح خيبر بزمان طويل. قلت: هذا غير صحيح، والذي عليه أهل الأثر المحققون أنه عاش بعد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه والذي قتل في بدر هو ذو الشمالين واسمه عمير بن عمر الخزاعي، وهو غير المتكلم في حديث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 بخلاف السلام ساهيًا لأنه من الأركان فيعتبر ذكرًا في حالة النسيان، وكلامًا في حالة التعمد لما فيه من كاف الخطاب، فإن أن فيها أو تأوه   [البناية] السهو، هذا هو قول جميع الحفاظ إلا الزهري، وقد اتفقوا على تغليط الزهري في ذلك. فإن قلت: قال الخطابي: دعوى النسخ فيه لا وجه لها لأن تحريم الكلام كان بمكة، وراوي حديث ذي اليدين أبو هريرة هو متأخر الإسلام، ورواه أيضا عمران وهجرته متأخرة، قلت: هذا ليس بشيء؛ لأنا قد ذكرنا وجه النسخ، ولا سيما بحديث زيد بن أرقم الذي في الصحيح، وصحبته كانت بالمدينة بعد قدوم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مكة، وفي حديثه {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] [البقر: الآية 238] ، وهي في سورة البقرة، وهي مدنية بالإجماع، ومن أين للخطابي أن تحريم الكلام كان بمكة ومن روى ذلك؟ وتأخر إسلام أبي هريرة وهجرة عمران بن حصين لا يقدح في النسخ، فلا يقوم الدليل بحديث ذي اليدين ما لم يقم الدليل على أنه كان بعد نسخ الكلام. م: (بخلاف السلام ساهيا) ش: هذا جواب عما يقال: السلام كالكلام في أن كل واحد منهما قاطع، وفي السلام تفصيل بين العمد والنسيان فكذلك في الكلام، وتقرير الجواب: أن السلام ليس كالكلام م: (لأنه من الأركان) ش: إذا تشهد يسلم على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو اسم من أسماء الله تعالى وله حالتان م: (فيعتبر ذكرا في حالة النسيان وكلاما في حالة التعمد لما فيه من كاف الخطاب) ش: عملا بالشبهين، بخلاف الكلام فإنه ينافي الصلاة على كل حال وكان مبطلا لها. وقال الأكمل: وطولب الفرق بينه وبين أفعال تنافي الصلاة، فإن القليل منها غير مفسد، وأجيب بأن الاحتراز عن قليلها غير ممكن؛ إذ في الحي حركات طبيعية ليست من الصلاة، فلا تفسد حتى تدخل في حد ما يمكن الاحتراز عنه وهو الكثير، وليس في الحي كلام طبيعي لا يمكن الاحتراز عنه فاستوى القليل والكثير. قلت: هذا السؤال مع جوابه للسغناقي فسبكهما هذه العبارة، والسغناقي أخذه من كتاب " الأسرار " حاصله، لا يجوز اعتبار القول بالفعل؛ لأن الاحتراز عن أصل الفعل محال بخلاف القول فاحتيج إلى الفرق باعتبار الكثرة في الفعل لإمكان الاحتراز عنها بخلاف القول. م: فإن أنَّ فيها) ش: أي في الصلاة وأنّ فعل ماض مشدد من الأنين وهو الصوت المستوجع والمتحزن م " (أو تأوه) ش: عطف على أنّ وهو أيضا فعل ماض من باب التفعل، والتأوه أن يقول: أوه، والأنين أن يقول: آه، وفي هذه اللفظة لغات: آه بسكون الواو وكسر الهاء، وآه تقلب الواو ألفا، وأوه بتشديد الواو مع كسرها وسكون الهاء، وأو بتشديد الواو مع حذف الهاء، وأوه بالمد وفتح الواو المشددة وسكون الهاء، وفي " شرح الأقطع " قال محمد - في الأنين إذا لم يقدر على دفعه من الوجع -: لم تفسد الصلاة؛ لأنه لا يمكن الاحتراز عنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 أو بكى فارتفع بكاؤه، فإن كان من ذكر الجنة أو النار لم يقطعها؛ لأنه يدل على زيادة الخشوع، وإن كان من وجع أو مصيبة قطعها؛ لأن فيه إظهار الجزع والتأسف فكان من كلام الناس. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن قوله: آه لا يفسد في الحالين، وأوه يفسد، وقيل: الأصل عنده أن الكلمة إذا اشتملت على حرفين، وهما زائدان، أو أحدهما زائد لا تفسد، وإن كانتا أصليتين   [البناية] م: (أو بكى فارتفع بكاؤه فإن كان) ش: أي بكاؤه م: (من ذكر الجنة أو النار لم يقطعها) ش: أي لم [يقطع] الصلاة م: (لأنه يدل على زيادة الخشوع) ش: لأن في البكاء من ذكر الجنة زيادة الرغبة وفي البكاء من ذكر النار زيادة الخشية، وفيه تعريض سؤال الجنة وتعوذ من النار، ولو صرح به فقال: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، لم يضره فكذلك هاهنا. م: (ولو كان) ش: أي البكاء م: (من وجع) ش: في بدنه م: (أو مصيبة) ش: في ماله أو أهله م: (قطعها) ش: أي قطع الصلاة م: (لأن فيه إظهار الجزع والتأسف فكان من كلام الناس) ش: وكلام الناس يفسد الصلاة فكذلك ما كان منه، ولو صرح به، فقال: أغيثوني فإني مصاب، تفسد صلاته، فكذلك هاهنا، وبه قال مالك وأحمد، وقال الشافعي: البكاء والأنين والتأوه يبطل الصلاة إذا كانت حرفين سواء بكاء للدنيا أو للآخرة، وفي " الدراية ": ثم إن عند الشافعي البكاء لا يفسد في الحالتين؛ لأن ما ظهر من الصوت ليس بكلام في الحالتين، ولا معبر عما في القلب فلا معنى للفصل بين الحالتين. م: (وعن أبي يوسف أن قوله آه) ش: بفتح الهمزة وسكون الهاء م: (لم يفسد في الحالتين) ش: يعني في البكاء من ذكر الجنة أو النار، والبكاء من وجع أو مصيبة. م: (وأوه يفسد) ش: يعني قوله " أوه " بفتح الهمزة وتشديد الواو وسكون الهاء يفسد الصلاة، وهذا القول عن أبي يوسف مبني على أن الحرفين لا تفسد، والثلاثة تفسد، والمعنى فيه: أن أقل أصل كلام العرب ثلاثة أحرف، وهو الأصل ليكون له ابتداء وانتهاء ووسطا، فكان الحرف الواحد أقل الكلمة فلا يطلق عليه الكلام، وكلك الحرفان إذا كان أحدهما من الزوائد؛ لأنه واحد على اعتبار الأصل، فكذلك لم يفسداه لأنهما من حروف الزوائد، وأوه تفسد وإن كان كلها من حروف الزوائد؛ لأنه زاد على الحرفين وهو قد قيد عدم الإفساد بالحرفين كان الزوائد عليهما مفسدا، وإن كان هو من حروف الزوائد فكان تقييده بحرفين زائدين إشارة إلى أن ليس يفسد؛ لأن له حرفين أصليين، وأوه أيضا يفسد لأنه زائد على الحرفين، وإلى ما قلنا أشار بقوله م: (وقيل الأصل فيه) ش: أي في هذا الحكم م: (أن الكلمة إذا اشتملت على حرفين وهما زائدان أو أحدهما زائد) ش: من الحروف الزوائد وهي عشرة أحرف، فالآن يأتي ذكرها. م: (لا تفسد) ش: أي الصلاة م: (وإن كانتا) ش: أي الحرفان م: (أصليتين تفسد) ش: على ما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 تفسد، والحروف الزوائد جمعوها في قولهم: " اليوم تنساه " وهذا لا يقوى؛ لأن كلام الناس في متفاهم العرف يتبع وجود حروف الهجاء، وإفهام المعنى ويتحقق ذلك في حروف كلها زوائد   [البناية] ذكرنا الآن م: (والحروف الزوائد جمعوها في قولهم: اليوم تنساه) ش: وهي عشرة أحرف من همزة اليوم إلى هاء تنساه، وسئل بعضهم عنها حين قدم على قوم فقال: هويت السمانا فشيبتني ... وقد كنت [قد ما] هويت السمانا فلم يفهموه وظنوا أنه يطلب السمين فأتوا به، فلما فرغ منه سألوه ثانيا، فقال: سألتمونيها، فلم يفهموه أيضا، فسألوه ثالثا، فقال مخاطبا لواحد منهم: اليوم تنساه، فأتى بجميع الحروف الزوائد في أجوبته الثلاثة، وقال السروجي: وسئل المازني عن حروف الزيادة، فأنشد: هويت السمان.. إلخ فلم يفهمه السائل فقال له: قد أجبتك مرتين. قلت: لم تجبه ولا مرة واحدة؛ لأنه نطق كل مرة بتسعة أحرف من حروف الزيادة؛ لأنه حذف ألف الوصل مرتين، ولهذا قال ابن الحاجب: السمان هويت، وجمعوها أيضا بكلمات أخرى، نحو: أتاه سليمان، الموت ينساه، وغير ذلك. فإن قلت: ما معنى تسميتهم هذه الأحرف حروف الزيادة. قلت: معناه [أن] الزيادة لغير الإلحاق والتضعيف، ولا يكون إلا منها لا أنها لا تقع إلا زوائد. م: (وهذا) ش: القول م: (لا يقوى) : أي هذا الذي قاله أبو يوسف ليس بقوي م: (لأن كلام الناس في متفاهم العرف يتبع حروف الهجاء) ش: وفي بعض النسخ يتبع وجود الهجاء م: (وإفهام المعنى) ش: أي ويتبع إفهام المعنى بكسر الهمزة م: (ويتحقق ذلك) ش: أي إفهام المعنى م: (في حروف كلها زوائد) ش: فإنك إذا قلت: أنتم اليوم سألتمونيها تفسد بالاتفاق، وهذا مبتدأ وخبر وفعل وفاعل ومفعول به ومفعول فيه وكلها من حروف الزوائد، وقال الأترازي: وفيه نظر عندي؛ لأن أبا يوسف إنما جعل حروف الزيادة كأن لم يكن إذا قل لتعذر الاحتراز عنه وشبهه بالتنحنح والتف، فأما إذا كثر فلا، فكيف يرد عليه حينئذ قوله، ويتحقق ذلك في حروف كلها زوائد. قلت: هو مسبوق بالسغناقي في هذا، فإنه قال: لا يرد عليه لأن كلامه في الحرفين لا في الزوائد عليهما، فإن في الزوائد عليهما قوله كقولهما، وقال الأكمل بعد أن حكى كلام السغناقي: أقول قول المصنف في حروف كلها زوائد يجوز أن يكون المراد بالجمع فيه التثنية، وحينئذ يكون معنى كلامه: كلام الناس في العرف عبارة عن وجود الهجاء وإفهام المعنى وذلك يتحقق في الكلام الذي فيه حرفان من حروف الزيادة، فيكون من كلام الناس كثيرة فيكون مفسدا. قلت: لا داعي هاهنا يذكر الجمع وأراد التثنية ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا لنكتة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 وإن تنحنح بغير عذر بأن لم يكن مدفوعا إليه، وحصل به الحروف ينبغي أن يفسد عندهما، وإن كان بعذر فهو عفو كالعطاس والجشاء   [البناية] [التنحنح في الصلاة] م: (وإن تنحنح بغير عذر) ش: التنحنح أن يقول: أح أح، وفسر قوله: لغير عذر بقوله م: (بأن لم يكن مدفوعا إليه) ش: أي بأن لم يكن مضطرا إليه بأن كان مبعوث الطبع؛ لأنه حينئذ لا يمكنه الاحتراز عنه فلا تفسد. وقال شيخ الإسلام: التنحنح لتحسين الصوت لا يقطع الصلاة؛ لأنه لإصلاح القراءة فكان من القراءة. م: (وقد حصل به الحروف) ش: جملة حالية، والضمير في " به " يرجع إلى التنحنح كما في قوله: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] [المائدة: الآية 8] ينبغي أن يفسد عندهما جواب أن؛ أي عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال الأكمل: قيل: إنما قال ينبغي؛ لأن المشائخ اختلفوا فيما إذا كان التنحنح لإصلاح الصوت للقراءة. قال شيخ الإسلام وشمس الأئمة: لا تفسد لأنه بمعنى القراءة، وكان الفقيه إسماعيل الزاهد يقول: يقطع الصلاة عندهما؛ لأنه حروف مهجاة وفيه نظر؛ لأن اختلاف المشائخ لا يستلزم ذلك، ولوقع في هذا الكتاب في موضع من اختلاف المشائخ كذلك فقلت لأجل اختلاف المشائخ: لم يقطع الجواب في الكتاب، وذكر لفظ ينبغي أن يفسد عندهما؛ لأن الأصل عندهما إذا حصل به الحروف المهجاة أن تفسد، وإن [لم] تظهر به الحروف المهجاة لا تفسد سواء كان لتحسين الصوت أو غيره ويندفع نظره بذلك، ولا يلزم من عدم وقوع هذا الوضع من الكتاب أن لا يقع في هذا الموضع، وقال الأكمل: في قوله عندهما أيضا فيه نظر؛ لأنه قال: وحصل به حروف بلفظ الجمع، ومذهبه حينئذ كمذهبنا فلا وجه لإفرادهما بالذكر. قلت: إنما قال عندهما بناء على التفصيل المذكور؛ لأن في هذا عدم العذر خلاف المشايخ، فأشار بقوله: عندهما، إلى أنه يقطع عندهما، ولكن لم يقطع بالجواب لما ذكرنا، وقوله فإن حمل الجمع هاهنا أيضا على التثنية اندفع النظر الثاني قد مر جوابه عن قريب. وللشافعي في التنحنح إن ظهر له حروف قولان كما في النفخ، وفي " مختصر البحر المحيط ": التنحنح بغير سبب يكره، وبسبب الخشونة في حلقه أو لإعلام غيره أنه في الصلاة لم يفسد ولم يكره، ولو قام الإمام إلى الخامسة فتنحنح تنبيها له لا يفسد، وكذا لو أخطأ الإمام فتنحنح المقتدي ليهتدي إلى الصواب لا يفسد، ولو تنحنح قاصدا إسماع شخص ففي بطلانها روايتان عند المالكية، وتبطل في أصح الوجوه عند الشافعية إن بان فيه حرفان إذا كان مختارا من غير حاجة. م: (وإن كان) ش: أي التنحنح م: (بعذر) ش: بأن يكون له سعال م: (فهو عفو) ش: يعني لا يفسد وإن حصل به حروف؛ لأنه جاء من قبل من له الحق فجعل عفوا م: (كالعطاس والجشاء) ش: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 إذا حصل به حروف   [البناية] أراد به أنه إذا عطس أو تجشأ م: (إذا حصل به حروف) ش: أي إذا حصل بكل واحد من العطاس والجشاء فإنه لا يفسد، وكذا التثاؤب إن ظهر له حروف مهجاة كذا في " فتاوى العتابي "، وأما النفخ فقال في " الذخيرة ": ينفخ التراب من موضع سجوده إن كان نفخا لا يسمع لا تفسد اتفاقا لأنه كالتنفس، وإن كان يسمع يفسد عندهما. 1 - قال: وظن بعض المشايخ أن المسموع ما يكون له حروف مهجاة، نحو: أف وتف ويف وغير المسموع بخلافه، وإليه مال شمس الأئمة الحلواني، وبعضهم لم يشترط للنفخ المسموع أن يكون له حروف مهجاة، وإليه ذهب خواهر زاده، وكان أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول أولا: لا يفسد إلا إذا أراد به التأفيف، يعني إظهار الكراهة والتضجر، كما في الآية، وكقول القائل: أفا وتفا لمن يؤديه به إن غبت عنه ساعة زالت إن مالت الريح هكذا وهكذا مال مع الريح أينما مالت، أما إذا أراد به تنظيف موضع سجوده وتنقيته من التراب لا يقطع ثم رجع، وقال: لا يقطع بكل حال. وقال أحمد: النفخ عندي بمنزلة الكلام، حكاه في " المغني "، وقال أيضا: تفسد به صلاته؛ لقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: من نفخ في الصلاة فقد تكلم، رواه سعيد بن منصور في " سننه "، ومثله عن سعيد بن جبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعنه قال: أكرهه ولا أقول يقطع الصلاة وليس بكلام، وعن مالك في النفخ قولان، وفي " الإمام «غلام يقال له رباح نفخ في سجوده، فقال له - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: يا رباح أما علمت أن من نفخ فقد تكلم» ذكره في الإمام من طرق فيها كلام. وفي " المحيط " إذا قال المصلي: أف مخففا لا تفسد صلاته عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بلا خلاف بين المشايخ، وإذا قال: أف مشددا ينبغي أن يكون فيه اختلاف المشايخ وعندهما تفسد الصلاة في المخفف والمشدد جميعا. واحتج أبو يوسف بما روي «عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أنه صلى صلاة الكسوف ونفخ في سجوده، وقال: " [أي رب] ألم تعدني أنك لا تعذبهم وأنا فيهم، ألم تعدني أنك لا تعذبهم وهم يستغفرون» رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وأن لا يكون كلاما حتى يسرد والنافخ لا يسردها، وفي ملتقى البخاري أن نفخ النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان في سجود المناجاة بعد فراغه من صلاة الكسوف، قال: نقل الثقات الأثبات وقد ذكروا في أف ما يزيد على أربعين وجها في النطق بها. وفي " الحلل في شرح الجمل " لأبي قاسم الحاجي، وقد قرئ بها في الشواذ وغيرها، وهي: أف أفَ أفْ أفُ أفَّ أفِّ، والنافخ: أفُّ أفٌ أفا أفي أفو أفا أفا الأول بغير إمالة والثاني بإمالة والثالث بين بين، أفي أفوا أفا أفه أفه، قال: فهذه اثنتان وعشرون لغة أف أف أفي أفوا، قال: وهو لفظ مستعمل جواب عما يضجر منه ولكل ما يستقذر. وقيل: إن أف اسم لوسخ الأظافر، وتف لوسخ البراجم، ويقال لوسخ الأذن أف ولوسخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 ومن عطس، فقال له آخر: يرحمك الله، وهو في الصلاة فسدت صلاته؛ لأنه يجري في مخاطبات الناس، فكان من كلامهم، بخلاف ما إذا قال العاطس أو السامع: " الحمد لله " على ما قالوا؛   [البناية] الظفر تف، وفي " الذخيرة " لو ساق دابة بقوله فالقول ليس يقطع عنده، وقال صاحب " الطوار ": لو نهق كالحمير أو زعق كالغراب تبطل صلاته، ولا يشترط فيه الحروف، وعندنا يشترط. [تشميت العاطس في الصلاة] م: (ومن عطس فقال له آخر) ش: أي شخص آخر م: (يرحمك الله وهو) ش: أي الحال أن الآخر م: (في الصلاة فسدت صلاته لأنه) ش: أي من قوله: يرحمك الله م: (يجري في تخاطب الناس فكان من كلامهم) ش: فإن كان الناس [ .... ] فقد يتكلم به تفسد صلاته، م: (بخلاف ما إذا قال العاطس) ش: لنفسه يرحمك الله يا نفسي، فإنه لا تفسد صلاته؛ لأنها لم تكن خطابا لغيره لم يعتبر من كلام الناس فلم يكن مفسدا. م: (أو السامع الحمد لله) ش: أي بخلاف ما قال السامع في الصلاة: الحمد لله، لا تفسد صلاته؛ لأنه لا يستعمل جوابا فلم يكن من كلام الناس وأشار بقوله م: (على ما قالوا) ش: إلى خلاف البعض من المشايخ فإنهم اختلفوا في فساد صلاة من أراد الجواب بقوله: الحمد لله، وفي " المحيط " لو حمد الله العاطس في نفسه، ولا يحرك لسانه عن أبي حنيفة لا تفسد، فلو حرك تفسد، وفي " فتاوى العتابي " لو قال السامع: الحمد لله على رجاء الثواب من غير إرادة الجواب فلا تفسد. وعن أبي حنيفة من رواية الحسن: تفسد إن أراد استفهامه، وعن محمد: أنه يحمد بعد الفراغ، ولو سمع اسم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وصلى عليه تفسد، وكذا لو سمع اسم الشيطان فقال: لعنه الله تفسد، وقيل على قول أبي يوسف: لا تفسد لأنه في القرآن، ولو أجاب المؤذن تفسد ولو أذن ذكر البقالي أنه تفسد خلافا لأبي يوسف، وفي الفتاوى: لا تفسد حتى يقول: حي على الصلاة، ولو قال: نعم، أو أرى لو اعتاده خارج الصلاة فسدت وإلا فلا، ولو شمت العاطس بالتحميد لا يفسد إلا في رواية عن أبي حنيفة ومحمد، والعاطس يحمد الله تعالى في نفسه وبه قال مالك وتركه أحسن، وعن مالك: الأحسن السكوت. وعن أبي يوسف يسر المقتدي التحميد، ويخير المنفرد، مصليان عطس أحدهما فشمته ثالث فقالا: آمين، فسدت صلاة العاطس لأنه أجابه دون الثاني، وقال مالك: لا يشمت العاطس، فلو شمته لا يرد بإشارة في فرض ولا نفل بخلاف رد السلام بالإشارة عنه. وفي " نوادر بشر " عن أبي يوسف أن المصلي وحده إذا عطس إن شاء أسر بالحمد وإن شاء أمكن به، وخلف الإمام يحرك به لسانه، وفي " الواقعات " الأحسن أن يسكت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 لأنه لم يتعارف جوابا، وإن استفتح ففتح عليه في صلاته تفسد، ومعناه أن يفتح المصلي على غير إمامه؛ لأنه تعليم وتعلم فكان من جنس كلام الناس،   [البناية] م: (لأنه) ش: أي لأن قول الحمد لله م: (لم يتعارف جوابا) ش: يعني ليس بجواب في العرف. م: (وإن استفتح) ش: على صيغة الفاعل والضمير فيه يرجع إلى المصلي، وهو أعم من أن يكون إماما أو منفردا، والإمام أيضا يحتمل أن يكون إمام نفسه أو إمام غيره، ولكن المراد منه هاهنا غير إمامه على ما لا يخفى على المتأمل م: (ففتح عليه) ش: على صيغة الفاعل أيضا أي: ففتح على المستفتح، م: (في صلاته فسدت صلاته) ش: أي صلاة الفاتح، ومراده: أن يفتح على غير إمامه، وأشار إلى ذلك بقوله م: (ومعناه أن يفتح المصلي على غير إمامه لأنه) : أي لأن فتحه على غير إمامه م: (تعليم وتعلم فكان من كلام الناس) ش: فيكون مفسدا. [الفتح على الإمام] 1 ثم اعلم أن الاستفتاح على أربعة أقسام بحسب القسمة العقلية. الأول: أن لا يكون المستفتح والفاتح في الصلاة، ولهذا ليس فيما نحن فيه. الثاني: أن يكون كلا منهما في الصلاة ثم لا يخلو إما أن تكون الصلاة متحدة بأن يكون المستفتح إماما والفاتح مأموما أو لا يكون، ففي الأول الذي هو القسم الثالث لا تفسد صلاة كل منهما، وفي الثاني الذي هو القسم الرابع يفسد صلاة كل واحد منهما؛ لأنه تعليم وتعلم والاستفتاح طلب الفتح والاستبصار، قال الله تعالى {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ} [البقرة: 89] [البقرة: الآية 89] ، أي: يستبصرون، ويجوز أن يكون كل واحد منهما مرادا، واستفتاح المصلي طلبه الفتح بدلالة حاله حيث توقف بسبب الحصر، كل واحد من المعنيين مفسدا؛ لأن الفتح ينزل منزلة قول القائل: إذا انتهت إلى هذا فبعده هذا، والتصريح به مفسد فكذا النازل منزله، ولكن وقع العدول عن قضية هذا التأويل فيما إذا اتحدت صلاتهما بأن كان المستفتح إماما والفاتح مقتديا بالنص، وهو ما روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة فالتبس عليه، فلما فرغ قال لأبي: أشهدت معنا؟ قال: نعم، وقال: فما منعك أن تفتحها علي» ، رواه أبو داود وابن حبان. وروى الحاكم «عن أنس: كنا نفتح على الأئمة على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -. وقد صح عن ابن عبد الرحمن السلمي قال: قال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا استطعمك الإمام فأطعمه، والاستطعام مجاز عن الاستفتاح لاشتراكهما في معنى الاستغاثة، وعن الحسن وابن سيرين أنهما قالا: لقن الإمام، وعن عطاء: لا بأس به، وعن نافع قال: صلى بنا ابن عمر فتردد ففتحت عليه فأخذ في ذكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 ثم شرط التكرار في الأصل؛ لأنه ليس من أعمال الصلاة فيعفى القليل منه، ولم يشترط في الجامع الصغير؛ لأن الكلام بنفسه قاطع وإن قل، وإن فتح على إمامه لم يكن كلاما مفسدا استحسانا؛ لأنه مضطر إلى إصلاح صلاته فكان هذا من أعمال صلاته معنى وينوي الفتح على إمامه دون القراءة   [البناية] ذلك ابن أبي شيبة في " سننه " وهو قول الجمهور. وقال ابن قدامة: قال أبو حنيفة: إن فتح على الإمام بطلت صلاته. قلت: هذا ليس بصحيح. وقال الأترازي: بمعنى أن لا يجوز الفتح على الإمام أصلا؛ لما روي عن ابن إسحاق عن الحارث عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا علي لا تفتح على إمامك في الصلاة» . قلت: ذاك حديث مطعون فيه طعنه أبو داود في " السنن " وقال: لم يسمع أبو إسحاق من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها. قلت: كان قصده من إيراد مثل هذا تطويل الكلام بلا فائدة، وكان ينبغي أن يقول: وما روى الحارث عن علي.. إلى آخره غير صحيح؛ لأن الحارث ضعيف، وأيضا قد صح عن علي خلاف هذا وقد ذكرناه. 1 - م: (ثم شرط التكرار) ش: وهو أن يفتح غير مرة م: (في الأصل) ش: أي في " المبسوط " وذكر فيه إذا فتح غير مرة فسدت صلاته، وهذا إشارة إلى أنه ما لم يتكرر لا تفسد م: (لأنه) ش: أي لأن التكرار م: (ليس من أعمال الصلاة فيعفى القليل منه) ش: كالخطوة والخطوتين. م: (ولم يشترط) ش: أي التكرار م: (في " الجامع الصغير " لأن حكم الكلام نفسه قاطع وإن قل) ش: أي الفتح يكون مفسدا بنفسه. [حكم الفتح على الإمام] م: (وإن فتح على إمامه لم يكن كلاما استحسانا) ش: أي من حيث الاستحسان؛ لأن القياس يأباه، وإطلاق هذا دليل على أنه إذا قرأ الإمام مقدار ما تجوز به الصلاة أو لم يقرأ لا تفسد صلاتهما بالفتح، والأخذ ويؤيد هذا ما ذكره قاضي خان في فتاواه وقال: وإن قرأ الإمام مقدار ما تجوز إلا أنه توقف ولم ينتقل إلى آية أخرى حتى فتح المقتدي اختلفوا فيه والصحيح أنه تفسد صلاة الفاتح، وإن أخذ الإمام لا تفسد صلاتهم وعن قريب يجيء مزيد الكلام فيه. م: (لأنه) ش: أي لأن الإمام م: (مضطر إلى إصلاح صلاته فكان هذا) ش: أي الفتح م: (من أعمال صلاته معنى) ش: أي من حيث المعنى، وأراد أنه اشتغال بالقراءة، والقراءة من أعمال الصلاة م: (وينوي الفتح) ش: أي ينوي الفاتح الفتح م: (على إمامه دون القراءة) ش: لأنه ممنوع من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 هو الصحيح؛ لأنه مرخص فيه وقراءته ممنوع عنها ولو كان الإمام انتقل إلى آية أخرى تفسد صلاة الفاتح وتفسد صلاة الإمام لو أخذ بقوله لوجود التلقين والمتلقن من غير ضرورة، وينبغي للمقتدي أن لا يعجل بالفتح، وللإمام أن لا يلجئهم إليه، بل يركع إذا جاء أوانه أو ينتقل إلى آية أخرى. ولو أجاب رجلا في الصلاة بلا إله إلا الله فهذا كلام مفسد عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يكون مفسدا وهذا الخلاف   [البناية] القراءة دون الفتح م: (هو الصحيح) ش: أي احتراز به عن قول بعض المشايخ: إنه ينوي بالفتح على إمامه التلاوة لئلا يكون مباشرا عملا ليس من الصلاة. وقال السرخسي: هذا سهو بل ينوي الفتح م: (لأنه) ش: أي لأن الفتح م: (مرخص فيه) ش: لإصلاح الصلاة. م: (وقراءته) ش: أي قراءة المقتدي م: (ممنوع عنها) ش: أي عن القراءة م: (ولو كان الإمام انتقل إلى آية أخرى تفسد صلاة الفاتح) ش: خاصة إن لم يأخذ الإمام بقوله لعدم الضرورة إلى الفتح م: (وتفسد صلاة الإمام لو أخذ بقوله) ش: أي بقول الفاتح م: (لوجود التلقين) ش: من الفاتح م: (والمتلقن) ش: من الإمام م: (من غير ضرورة) ش: أي الفتح. م: (وينبغي للمقتدي أن لا يعجل بالفتح) ش: لإمكان الاستفتاح م: (وللإمام أن لا يلجئهم إليه) ش: أي إلى الفتح والإلجاء أن يقف ساكتا يقيد الحصر أو يكرر الآية، ولا ينبغي له أن يفعل ذلك م: (بل يركع إذا جاء أوانه) ش: أي أوان الركوع وهو أن يقرأ مقدار ما تجوز به الصلاة، وكلامه مطلق وبعضهم فصل فيه، لاختلاف الرواية فيه؛ ففي بعضها اعتبر الاستحباب، وفي بعضها اعتبر فيها فرض القراءة م: (أو ينتقل إلى آية أخرى) ش: لأن الفتح وإن كان إصلاحا حقيقة ولكنه يتصور بصورة التعلم والتعليم فيكره كذا في " المحيط " و " قاضي خان "، وفي " جامع التمرتاشي " لو استفتح بعدما قرأ مقدار ما تجوز به الصلاة ففتح عليه اختلفوا فيه. فقيل: تفسد صلاته ولو أخذ الإمام تفسد صلاة الكل، والأصح أنه لا تفسد صلاة أحد؛ لأنه لو لم يفتح ربما يجري على لسانه ما يكون مفسدا فكان فيه إصلاح صلاته. وعن أبي حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يفتح على إمامه وإن فعل فقد أساء ولا تفسد، وعند الشافعي ومالك: لا بأس به. م: (ولو أجاب) ش: أي المصلي م: (في الصلاة رجلا بلا إله إلا الله) ش: بأن قيل عنده هل مع الله إله آخر، فأجاب: أن لا إله إلا الله م: (فهذا كلام مفسد عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وبه قال مالك وأحمد. م: (وقال أبو يوسف: لا يكون مفسدا) ش: وبه قال الشافعي م: (وهذا الخلاف) ش: أي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 فيما إذا أراد به جوابه، له أنه ثناء بصيغته فلا يتغير بعزيمته، ولهما أنه أخرج الكلام مخرج الجواب وهو يحتمله فيجعل جوابا كالتشميت والاسترجاع على الخلاف في الصحيح   [البناية] الخلاف المذكور بينهم م: (فيما إذا أراد به جوابه) ش: أي جواب ذلك الرجل، فعندهما إذا أراد الجواب تفسد صلاته، وإن أراد الإعلام بأنه في الصلاة فلا، وعند أبي يوسف لا تفسد صلاته سواء أراد الجواب أو الإعلام، م: (له) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) ش: أي قول المجيب بلا إله إلا الله م: (ثناء بصيغته فلا يتغير بعزيمته) ش: أي ثناء لوصفه فلا يكون من كلام الناس بنيته كما أن كلام الناس لا يكون ذكرا وثناء بالعزيمة (ولهما) أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أنه) ش: أي أن هذا المجيب (أخرج الكلام مخرج الجواب) بضم الميم (وهو يحتمله) أي الجواب محتمل كلامه لأنه يحتمل الثناء والجواب فكان كالمشترك والمشترك يجوز تعيين أخذ مدلوليه بالقصد والعزيمة م: (فيجعل جوابا كالتشميت) فإنه لا شك أنه ذكر بصيغته ويحتمل الخطاب وقد ألحقه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بكلام الناس حين قصد به خطاب العاطس. فإن قلت: روي «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -[قال في جواب ابن مسعود حين استأذن على الدخول وهو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] في الصلاة ادخلوها بسلام آمنين» أراد جوابه ولم يفسد صلاته. قلت: أجاب شمس الأئمة السرخسي بأنه محمول على أنه انتهى بالقراءة إلى هذا الموضع ويحتمل أنه أراد به الإعلام أنه في الصلاة. والتشميت مصدر من شمَّت على وزن فعل بالتشديد وفي " الصحاح " تسميت العاطس بالسين والشين. وقال ثعلب: الاختيار بالسين لأنه مأخوذ من السمت وهو القصد والمحجة، وقال أبو عبيد: الشين المعجمة أعلى في كلامهم وأكثر، ولما وقع التشميت جوابا صار من كلام الناس وإن كان فيه ذكر الله تعالى، ولهذا لو قال لرجل اسمه يحيى - {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: 12] تفسد صلاته لأنه أراد به الخطاب، وكذا إذا قال لرجل اسمه يوسف: يا يوسف أعرض عن هذا وكذا لو قال له: من أي موضع مررت؟ فقال وهو في الصلاة: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} [الحج: 45] وكذا لو قال لابنه [وهو] خارج السفينة {يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} [هود: 42] تفسد صلاته في الوجوه كلها. م: (والاسترجاع) ش: بالرفع مبتدأ وهو القول بإنا لله وإنا إليه راجعون عند المصيبة وكذا الترجيع وخبره م: (على هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أبي يوسف وبينهما يعني إذا أخبر أن فلانا مات فأجاب في الصلاة: إنا لله وإنا إليه راجعون، فعندهما تفسد صلاته وعند أبي يوسف لا تفسد. وأشار بقوله م: (في الصحيح) ش: إلى الاحتراز عن قول الفضل فإنه قال: مسألة الاسترجاع على الوفاق. وقال الشافعي: إن قصد الاسترجاع قراءة القرآن لا تفسد وإلا تفسد، وفي غريب الرواية: دُعي على ظالم أو لصالح، فقال المصلي: آمين أو أخبر بمصيبة فاسترجع أو سقط إنسان من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 وإن أراد به إعلامه أنه في الصلاة لم تفسد بالإجماع؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا نابت أحدكم نائبة في الصلاة فليسبح» .   [البناية] سطح فقال المصلي: بسم الله أو سمع رعدا أو رأى برقا أو هولا فسبح أو هلل أو استرجع أو تنحنح أو جر ثوبه لم تفسد، والصحيح في جنس المسائل قولهما، ولو عثر المصلي أو أصابه وجع فقال: بسم الله، يفسد عندهما؛ لأنه من كلام الناس، ولو قام الإمام إلى الثالثة في الظهر قبل أن يقعد فقال المقتدي: سبحان الله، قيل: لا تفسد، وقال الكرخي: تفسد عندهما. م: (وإن أراد إعلامه أنه في الصلاة) ش: أي وإن أراد المجيب إعلام ذلك الرجل القائل أنه في الصلاة م: (لم تفسد) ش: أي صلاته م: (بالإجماع) ش: بين الأئمة م: (لقول - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا ناب أحدكم نائبة في الصلاة فليسبح» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن سهل بن سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مطولا، وفيه: «من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيق للنساء» . قوله إذا نابت أي إذا أصابت، والنائبة المصيبة واحدة نوائب الدهر، والتصفيق أن تضرب المرأة بظاهر كفها اليمنى باطن كفها اليسرى، ولا تضرب بباطنهما كيلا يكون شبيها باللعب. وفي " السنن " عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال وليصفح النساء» . وقال الخطابي: التصفيح التصفيق باليد مأخوذ من صفحتي الكوة وضرب أحدهما على الأخرى. وفي " المحيط " إذا نادى المصلي إنسانا فسبح إعلاما أنه في الصلاة لا تفسد. وفي " الواقعات " وكذا لو كبر يعلمه أنه في الصلاة والمستحب أن يسبح. وفي " المبسوط " مرت جارية بين يدي المصلي فقال: سبحان الله أو أومأ بيده ليصرفها لم يقطع صلاته، ولا يجمع بين التسبيح والإشارة فإنا نأخذ منهما كفاية ومنهم من قال: المستحب أن لا يفعل شيئا من ذلك. وقال مالك: كلاهما يسبح يعني الرجل والمرأة، وقال أبو بكر بن العربي: وليس بصحيح لمخالفته الحديث المجمع عليه. وقال القرافي: التصفيق لا يناسب الصلاة. قلت: هذا مردود ولم ينظر الشرع إلى مناسبته وقد شرعه، ولو سمع المؤذن فأجاب وأراد به الجواب أو لم يكن له نية تفسد وإن لم يرد لا تفسد، وكذا لو أذن وعند أبي يوسف إذا قال: حي على الصلاة، تفسد، ولو سمع اسم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فصلى عليه، تفسد، وإن صلى عليه لا تفسد، ولو جرى على لسانه نعم إذا كان ذلك عادة له تفسد وإلا لا لأنه من القرآن، ولو دعا أو سبح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 ومن صلى ركعة من الظهر، ثم افتتح العصر أو المتطوع فقد نقض الظهر لأنه صح شروعه في غيره فيخرج عنه،   [البناية] بالفارسية، فعن أبي يوسف أنه تفسد، ذكره العتابي في " جوامع الفقه " سمع المصلي قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 172] فرفع رأسه، وقال: لبيك ذكره يا سيدي، فالأولى أن لا يفعل ولو فعل قيل: تفسد؛ لأنه من كلام الناس، وقيل: لا تفسد [لأنه بمنزلة الثناء والدعاء، ولو قرأ الإمام آية الرحمة أو العذاب فقال المقتدي: صدق الله، لا تفسد] وقد أساء، ولو وسوس له الشيطان، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله إن كان في أمر الآخرة لا تفسد، في أمر الدنيا تفسد. وفي " الواقعات ": المريض يقول عند القيام والانحطاط: بسم الله، لما يلحقه من الوجع والألم لا تفسد، وفي " غنية المفتي " قيل: تفسد، وقيل: لا تفسد، ولو لدغته عقرب، فقال: بسم الله، تفسد عند أبي حنيفة ومحمد، ولو عوذ نفسه بشيء من القرآن للحمى ونحوها تفسد عندهم، ولو قال عند رؤية الهلال: ربي وربك الله تفسد، ذكر ذلك كله المرغيناني، ولو قال في الصلاة في أيام التشريق: الله أكبر، لا تفسد ولو سمع المصلي غير المقتدي من الإمام " {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] " فقال: آمين تفسد صلاته عند المتأخرين، وعن أبي حنيفة لا تفسد، وفي " الذخيرة " لو أمن بدعاء رجل ليس في الصلاة تفسد. [حكم من صلى ركعة من الظهر ثم افتتح العصر] م: (ومن صلى ركعة من الظهر) ش: يعني إذا صلى رجل ركعة من صلاة الظهر م: ثم افتتح العصر) ش: يعني افتتح له افتتاحا ثانيا م: (أو المتطوع) ش: أو افتتح المتطوع م: (فقد نقض الظهر لأنه صح شروعه في غيره) ش: أي في غير الظهر وأراد بالغير العصر والتطوع، وفي بعض النسخ صح شروعه فيه أي في العصر أو التطوع م: (فيخرج عنه) ش: أي عن الظهر لأنه صح شروعه في العصر أو التطوع، فإذا صح شروعه انتقضت الركعة المؤداة من الظهر ضرورة، ومن ضرورة خروجه عن الأول بمنزلة المتبايعين إذا تبايعا بثمن آخر نقضا للبيع الأول واستئنافا للبيع الثاني. وصورته: أنه نوى العصر، وقال: الله أكبر من غير رفع اليد، وهذا في حق من لا ترتيب عليه بكثرة الفوائت أو تضيق الوقت أو بالنسيان؛ لأن صاحب الترتيب إذا انتقل من الظهر إلى العصر لا يصير منتقلا إلى العصر بل إلى النفل لأن العصر لا ينعقد عصرا قبل الظهر في حقه، وفي " الكافي ": افتتح باللسان وقال: الله أكبر، لا ينتقض ظهره، ولا بد مع النية الذكر باللسان. وفي جامع " التمرتاشي " و " شمس الأئمة ": وعلى هذا من كان في المكتوبة وكبر ينوي النافلة أو على العكس أو في الظهر فكبر ينوي الجمعة أو على العكس أو كان منفردا فكبر ينوي الاقتداء، أو مقتديا فكبر للتفرد أو للإمامة يخرج عن صلاته. وقال الشافعي وأحمد في أحد قوليهما: إن المنفرد إذا نوى الدخول في صلاة الإمام صح دخوله فيها ويجزئه ما صلى قبله بتحريمته قبل إمامه، وعندنا يخرج من صلاته وكذا لو كان منفردا فاقتدى به رجل فافتتح ثانيا لأجله فهو على الافتتاح الأول إلا أن يكون الداخل امرأة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 ولو افتتح الظهر بعدما صلى منها ركعة فهي هي ويجتزئ بتلك الركعة؛ لأنه نوى الشروع في عين ما هو فيه فلغت نيته وبقي المنوي على حاله. وإذا قرأ الإمام من المصحف فسدت صلاته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: هي تامة؛ لأنه عبادة انضافت إلى عبادة أخرى، إلا أنه يكره لأنه تشبه بصنيع أهل الكتاب. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عمل كثير،   [البناية] م: (ولو افتتح الظهر بعدما صلى منها) ش: أي من الظهر م: (ركعة فهي هي) ش: أي في الركعة التي صلاها هي غير الركعة المحسوبة في الصلاة التي هو فيها م: (ويجتزئ بتلك الركعة) ش: أي ويكتفي بتلك بالركعة الأولى م: (لأنه نوى الشروع في عين ما هو فيه فلغت نيته وبقي المنوي على حاله) ش: لأنه نوى تحصيل الحاصل حتى لو صلى بعدها ثلاث ركعات يخرج عن عهد الفرض، ولو صلى أربعا على ظن أن الأولى انتقضت ولم يقعد في الثالثة فسدت صلاته لأنه ترك القعدة الأخيرة. وفي " الخلاصة " هذا وإذا نوى بقلبه. أما لو نوى بلسانه بأن قال: نويت أن أصلي الظهر ينقض ما صلى، ولا يجزئ بتلك الركعة، والأصل في المسألة المذكورة أن النية إذا صادفت ما ليس بحاصل تصح، وإذا صادفت ما هو حاصل لا تصح فعليك أن تستخرج المسألتين من هذا الأصل. م: (وإذا قرأ الإمام في المصحف فسدت صلاته عند أبي حنيفة) ش: ذكر الإمام اتفاقا وليس بقيد؛ لأن حكم المنفرد كذلك، قاله في الأصل وفي " المحلى " لابن حزم وهو قول ابن المسيب والحسن البصري والشعبي [والسلمي] . قلت: وهو مذهب الظاهرية أيضا ولم يفصل في الكتاب بينهما إذا قرأ قليلا أو كثيرا منه، قال بعض مشايخنا: إن قرأ قدر آية تامة يفسد عنده وإلا فلا، وقال بعضهم: مقدار الفاتحة وإلا فلا. وفي " المجتبى ": قيل الخلاف فيمن لم يحفظ من القرآن شيئا ولو حفظ فسدت عندهم وقيل على العكس. م: (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد م: (هي تامة) ش: أي الصلاة تامة وبه قال الشافعي وأحمد وجماعة ويكره، وذكر السرخسي عن الشافعي أنها لا تكره، وكذا لو قلب أوراقه أحيانا لا تبطل صلاته عنده ذكره النووي ومثله في الوسيط م: (لأنه) ش: أي لأن القراءة والتذكير باعتبار المذكور، وفي بعض النسخ لأنها على الأصل م: (عبادة انضافت) ش: أي انضمت م: (إلى عبادة) ش: وهي النظر في المصحف م: (إلا أنه يكره لأنه تشبه بصنيع أهل الكتاب) ش: فإنهم يفعلون كذلك في صلاتهم، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تشبهوا باليهود ولكن خالفوهم» . [حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق في الصلاة] م: (ولأبي حنيفة أن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عمل كثير) ش: [والعمل الكثير] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 ولأنه تلقن من المصحف فصار كما إذا تلقن من غيره، وعلى هذا لا فرق بين المحمول والموضوع، وعلى الأول يفترقان   [البناية] يفسد الصلاة م: (ولأنه تلقن من المصحف) ش: دليل آخر: أي ولأن النظر إلى المصحف يكون [مفسدا] . وقال في " ديوان الأدب " تلقن منه أخذه وتمكن منه م: (فصار كما إذا تلقن من غيره) ش: أي فصار حكم التلقن من المصحف كحكم التلقين من معلم غيره فكان مفسدا م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى اعتبار هذا الدليل الذي هو الثاني م: (لا فرق بين الموضوع والمحمول) ش: أي بين المصحف الموضوع على شيء والمحمول على يديه حتى إذا قرأ من المصحف الموضوع أو المحمول ولم يقلب أوراقه تفسد صلاته وكذا إذا قرأ من المحراب. م: (وعلى الأول) ش: أي وعلى الاعتبار الدليل الأول م: (يفترقان) ش: أي يفترق الموضوع والمحمول، حتى إذا قرأ في المصحف الموضوع ولم يحمله ولم يقلب أوراقه لا تفسد صلاته وكذا إذا قرأ من المحراب، وهكذا روي عن الكرخي، وعن البردعي: لا يجوز أيضا على قول أبي حنيفة؛ لأن التمييز بين الحروف عمل كثير. وإذا كان يحفظه عن ظهر قلب، وهو مع ذلك ينظر في المكتوب أو على المحراب فيقرأ فلا إشكال أنه يجوز، وأما على قولهما فلأنه عبادة انضافت إلى عبادة أخرى، وأما على قوله فلعدم التعلم. فإن قلت: كان ذكوان مولى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يؤم عائشة في رمضان ويقرأ من المصحف، ذكره البخاري في باب إمامة العبد والمولى ولأنه قرأ القرآن فيجزئه كما لو قرأه عن ظهر القلب، وهذا لأن الفساد إن كان للحمل فحمل ما هو أكبر منه لا يفسد، ألا ترى أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصلي وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه فكان يضعها إذا سجد ويحملها إذا قام، وإن كان للنظر فلا يجوز لأنه عبادة انضمت إلى عبادة أخرى، ولأنه لا يكون أكثر من النظر في المنقوش في المحراب وهو لا يفسد وإن كان لتقليب الأوراق فلا يضر لأنه عمل قليل. قلت: أثر ذكوان إن صح فهو محمول على أنه كان يقرأ من المصحف قبل شروعه في الصلاة أي ينظر فيه ويتلقن منه ثم يقوم فيصلي، وقيل: تؤول بأنه كان يفعل بين كل شفعين فيحفظ مقدار ما يقرأ في الركعتين، فظن الراوي أنه كان يقرأ من المصحف فنقل ما ظن، ويؤيد ما ذكرناه أن القراءة في المصحف مكروهة، ولا نظن بعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها كانت ترضى بالمكروه، وتصلي خلف من يصلي بصلاة مكروهة. وروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: " نهانا أمير المؤمنين بأن نؤم الناس في المصاحف وأن يؤمنا إلا محتلم " ذكره أبو بكر بن أبي داود بإسناده.. وأما قصة [حديث] أمامة فقد قيل: إنه منسوخ، وقيل: إنه مخصوص بالنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وذكر أبو عمر في " التمهيد " عن أشهب عن مالك أن هذا كان في النافلة ومثله لا يجوز في الفرض، [وذكر عن محمد بن إسحاق أنه كان في الفرض] ، وقال أبو عمر: إني لا أعلم خلافا أن مثل هذا العمل مكره، فيكون لغا في النافلة، وإما منسوخا قال: وروى أشهب وابن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 ولو نظر إلى مكتوب وفهمه فالصحيح أنه لا تفسد صلاته بالإجماع بخلاف ما إذا حلف لا يقرأ كتاب فلان حيث يحنث بالفهم عند محمد؛ لأن المقصود هناك الفهم أما فساد الصلاة فبالعمل الكثير ولم يوجد، وإن مرت امرأة بين يدي المصلي لم تقطع صلاته؛   [البناية] نافع أن مثل ذلك يجوز في حالة الضرورة فحمل على الضرورة ولم يفرق بين الفرض والنفل. وقال [شمس] الأئمة: فإذا فعلت المرأة بولدها مثل هذا تكون مسيئة؛ لأنها أشغلت نفسها بما ليس من عمل صلاتها وفيه ترك سنة الاعتماد. وفعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان في وقت كان العمل مباحا في الصلاة أو لم يكن الاعتماد لسنة فيها. م: (ولو نظر إلى مكتوب) ش: أي ولو نظر المصلي إلى مكتوب من الفقه وغيره، وليس المراد منه المكتوب من القرآن؛ لأنه لو نظر إلى مكتوب وهو قرآن وفهمه لا خلاف لأحد فيه أنه يجوز م: (وفهمه فالصحيح أنه لا تفسد صلاته بالإجماع) ش: قيد بالصحيح احترازا عما قال بعضهم: ينبغي أن تفسد صلاته على قول محمد، قياسا على مسألة اليمين إذا حلف لا يقرأ كتاب فلان فنظر فيه حتى فهمه ولم يقرأ بلسانه حيث يحنث عنده بالفهم وجعل الفهم بمنزلة القراءة، والصحيح أنه لا تفسد عند محمد كما لا تفسد عندهما. م: (بخلاف ما إذا حلف لا يقرأ كتاب فلان حيث يحنث بالفهم عند محمد) ش: أشار بهذا إلى [الفرق] بين مسألة الصلاة ومسألة اليمين م: (لأن المقصود هناك) ش: أي في مسألة اليمين م: (الفهم) ش: لأن المراد من عدم قراءة كتاب فلان في العرف أن لا يفهمه، ولا يطلع على أسراره مجازا وبُني اليمين على العرف. م: (أما فساد الصلاة فبالعمل الكثير) ش: أي فساد الصلاة متعلق بالعمل الكثير والفهم ليس بعمل كثير فلا تفسد الصلاة ولا يأخذ الفهم حكم النطق، ولهذا لو كان مكتوبا على جبين [امرأته أنت طالق أو على جبين] عبده أنت حر، فنظر ففهم لم يقع الطلاق ولا العتاق ما لم يتلفظ بذلك بخلاف اليمين كما ذكرنا، ولما ثبت الفرق بين المسألتين لم يصح القياس. [اتخاذ السترة ومرور المرأة ونحوها بين يدي المصلي] م: (وإن مرت امرأة بين يدي المصلي لم تقطع الصلاة) ش: وبه قال عامة الفقهاء، وروي عن أنس ومكحول وأبي الأحوص والحسن وعكرمة: يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة، وعن ابن عباس: يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض. وعن عكرمة: يقطع الصلاة الكلب والحمار والخنزير والمرأة واليهودي والنصراني والمجوسي، وعن عطاء: لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود والمرأة الحائض. ذكر ذلك ابن أبي شيبة في [" سننه " وضعفه] أبو داود، وقال أحمد في المشهور عنه: يقطع الصلاة مرور الكلب الأسود البهيم، وفي رواية: يقطعها الحمار والمرأة أيضا والبهيم الذي لا يخالط لونه لون آخر، فإن كانت بين عينيه نكتتان يخالفان لونه لا يخرج بذلك عن كونه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يقطع الصلاة مرور شيء» .   [البناية] بهيما في قطع الصلاة وحرمة الاصطياد به وهل وحل على مذهبه، ولا فرق بين الفرض والنفل في الصحيح، وإن كان قائما بين يديه، ولا يمر لا يقطع في إحدى الروايتين عنه ذكر ذلك كله في " المغني "، وفي " جامع شمس الأئمة " عند أهل الظاهر تفسد الصلاة بمرور المرأة بين يديه. وفي " الكافي " عند أهل العراق تفسد بمرور الكلب والمرأة والحمار، وفي " الحلية " قال أحمد: يقطع الصلاة الكلب الأسود، وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء. وقال الأترازي: وإنما قيد بالمرأة وإن كان الحكم في الرجل كذلك، لما أن المرور بين يدي المصلي ينشأ من الجهل لما فيه من الإثم، والغالب في النساء الجهل. وقال الأكمل: وإنما ذكر هذه المسألة وإن لم يصدر من المصلي شيء يوجب فساد صلاته، ردا لقول أصحاب الظاهر أن مرور المرأة بين يدي المصلي يفسد صلاته. قلت: أما كلام الأترازي فإنه غير سديد، ولم يقل أحد أنه علة هذه المسألة ما ذكره، فإن المسألة لما كان فيها خلاف بين السلف والخلف ذكرها احترازًا عن خلاف الجماعة الذين ذكرناهم عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وأما كلام الأكمل فإنه أخذ من السغناقي وهو قريب المأخذ. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا يقطع الصلاة مرور شيء» ش: هذا الحديث روي عن أبي سعيد الخدري وعبد الله بن عمر وأبي أمامة وأنس وجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فحديث الخدري رواه أبو داود في " سننه " عنه قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم فإنما [هو] شيطان» وفيه مجالد بن سعيد فيه مقال، ولكن أخرج له مسلم مقرونا بجماعة من أصحاب الشعبي. وحديث ابن عمر رواه الدارقطني في " سننه " عنه أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأبا بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قالوا: «لا يقطع صلاة المسلم شيء، وادرءوا ما استطعتم» ووقفه مالك على ابن عمر في " موطئه " ووقفه البخاري على الزهري. وحديث أبي أمامة رواه الدارقطني عنه عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا يقطع الصلاة شيء» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وحديث أنس رواه الدارقطني أيضا عنه «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بالناس. الحديث، وفي آخره: فقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " لا يقطع الصلاة شيء» . وروى ابن الجوزي في " العلل المتناهية " هذه الأحاديث الثلاثة من طريق الدارقطني وقال: لا يصح منها شيء، قال في " التحقيق ": في حديث ابن عمر إبراهيم بن زيد الجوزي، قال أحمد والنسائي: هو متروك، وقال ابن معين: ليس بشيء. وفي حديث أبي أمامة عفير بن معدان قال أحمد: ضعيف منكر الحديث، وقال يحيى: ليس بثقة. وفي حديث أنس صخر بن عبد الله، قال ابن عدي: يحدث عن الثقات بالأباطيل عامة ما يرويه منكر أو من موضوعاته. وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه، تعقبه صاحب " التنقيح " وقال: إنه وهم في صحة هذا، فإن صخر [بن عبد الله بن حرملة الراوي عن عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يتكلم فيه] ابن عدي ولا ابن حبان، بل ابن حبان ذكره في " الثقات ". وقال النسائي: هو صالح، وإنما ضعف ابن عدي صخر بن عبد الله الكوفي المعروف بالحاجبي وهو متأخر عن ابن حرملة، روى عن مالك والليث وغيرهما. وحديث جابر رواه الطبراني في " معجمه الأوسط " عنه قال: «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قائما يصلي فذهبت شاة تمر بين يديه فساعاها حتى ألزقها بالحائط، ثم قال: [لا يقطع] الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم» ، وقال: تفرد به عيسى بن ميمون، وقال ابن حبان: عيسى بن ميمون يروي العجائب لا يحل الاحتجاج به [إذا انفرد] . فإن قلت: الخصم احتج بما رواه مسلم عن عبيد الله بن الصامت «عن أبي ذر، قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه كآخرة الرحل: المرأة والحمار والكلب الأسود ".. قلت: ما بال الأسود من الأحمر قال: يا ابن أخي، سألت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كما سألتني فقال: الكلب الأسود شيطان» . وروى مسلم أيضا من حديث أبي هريرة أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار ويقي ذلك [مثل] مؤخرة الرحل» وروى أبو داود والنسائي وابن ماجه من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرفوعا: «يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب» قال يحيى بن سعيد: لم يرفعه غير شعبة أحد رواته. قلت: أخرج البخاري ومسلم في " صحيحيهما " عن عروة «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: " كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي وأنا معترضة بين يديه كاعتراض الجنازة.» وفي لفظ لمسلم «عن عروة قال: قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: ما يقطع الصلاة؟ قال: قلنا: المرأة والحمار، فقالت: إن المرأة لدابة سوء، لقد رأيتني بين يدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معترضة كاعتراض الجنازة وهو يصلي» . وروى البخاري أيضا عنها أنها قالت: «كنت أنام بين يدي رسول الله ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي وإذا قام بسطتها، قالت: والبيوت يومئذ ليست فيها مصابيح» . [وروى البخاري أيضا من] حديث ابن شهاب عن عروة عنها: «كان يصلي وهي بينه وبين القبلة على فراش أهله اعتراض الجنازة» . ومن حديث عروة: «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كان يصلي وعائشة معترضة بينه وبين القبلة على الفراش الذي ينامان عليه، وفي لفظ لمسلم: يصلي وسط السرير وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة يكون لي حاجة فأكره أن أقوم فأستقبله فأنسل انسلالا من قبل رجليه. وفي لفظ [له عن ميمونة] : وأنا حذاءه، وأنا حائض، وربما قالت: أصابني ثوبه إذا سجد، وفي لفظ [له عن عائشة] : وعلي مرط وعليه بعضه» . وروى أبو داود عنها أنها قالت: «كنت أكون نائمة ورجلاي بين يدي رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو يصلي من الليل فإذا أراد أن يسجد ضرب رجلي فقبضتهما ليسجد» ". ووجه الاستدلال بهذه الأحاديث أن اعتراض المرأة، خصوصا الحائض بين المصلي وبين القبلة لا يقطع الصلاة والمارة بطريق الأولى، ولهذا بوب أبو داود في " سننه " باب: من قال المرأة لا تقطع الصلاة، ثم روى فيه أحاديث منها، وبوب أيضا باب: من قال الحمار لا يقطع الصلاة. ثم روى «حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: جئت على حمار، وفي رواية: أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي بالناس بمنى فمررت بين يدي بعض الصف فأمرت فنزلت فأرسلت الأتان ترتع، ودخلت الصف فلم ينكر ذلك أحد، وأخرجه بقية الجماعة، ولفظ النسائي وابن ماجه بعرفة. وأخرج مسلم اللفظين، وفي لفظ للنسائي في آخر الحديث: ربما رأيت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي والحمر تعترك بين يديه» وبوب أيضا باب: من قال الكلب لا يقطع الصلاة. ثم روى «عن الفضل بن العباس قال: أتانا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ونحن في بادية ومعه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 إلا أن المار آثم لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لو علم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الوزر لوقف أربعين» .   [البناية] ابن عباس فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة، وحمارة لنا وكلبة تعبثان بين يديه فما بالاه ذلك» وأخرجه النسائي أيضا، ثم لا شك أن هذه الأحاديث أقوى وأصح من أحاديث الخصوم. وقال النووي في " الخلاصة ": وتأول الجمهور القطع المذكور في الأحاديث المذكورة على قطع الخشوع جمعا بين الأحاديث. قلت: إذا كانت الأحاديث التي رويت في هذا الباب مستوية الأقدام يتوجه هذا التأويل، ونحن لا نسلم ذلك لما قلنا. م: (إلا أن المار آثم) ش: كلمة إلا هاهنا بمعنى غير، أي: غير أن المار آثم والإثم لا يستلزم القطع وبه قال مالك. وفي " الوسيط " للشافعية: يكره، وصرح العجلي بتحريمه، ووافقه " صاحب التهذيب " و " التتمة " من الشافعية وأصحابنا نصوا على كراهته، ذكرها في " المحيط " و " الذخيرة " وقال في " المغني ": لا يحل المرور من غير سترة أو بينه وبين السترة. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لو علم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الوزر لوقف أربعين» ش: هذا الحديث رواه الجماعة من حديث أبي جهيم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واسمه كنيته ابن الحارث بن الصمة إلا أن ابن ماجه ذكره بلفظ آخر، وهو: «لأن يقوم أربعين خير له من أن يمر بين يديه» . قال سفيان: لا أدري أربعين سنة أو شهرا أو صباحا أو ساعة، ورواه عن زيد بن خالد، ورواه البزار كذلك ولفظه: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم، لكان أن يقف أربعين خريفا خيرا له من أن يمر بين يديه» . ورواه ابن ماجه أيضا وابن حبان من حديث أبي هريرة مرفوعا: «لو يعلم أحدكم ما له في أن يمر بين يدي أخيه معترضا في الصلاة كان لأن يقيم مائة عام خير له من الخطوة التي خطا» ، وقال تاج الشريعة: وقد صح عن أبي هريرة أن المراد هو السنة. وقال صاحب " الدراية ": وفي رواية مسلم أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «وقف مائة عام خير له من أن يمر» . وفي " سنن الدارقطني " خريفا. وقال الأكمل: وقيل: صح من حديث أبي هريرة أربعين سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 وإنما يأثم إذا مر في موضع سجوده على ما قيل، ولا يكون بينهما حائل، ويحاذي أعضاء المار أعضاءه لو كان يصلي على الدكان،   [البناية] قلت: مائة عام في رواية ابن حبان، وأربعون خريفا في رواية البزار، وأربعون خريفا هو أربعون سنة، ولكن مجيء سنة لم أره عند أحد فضلا عن صحته. م: (وإنما يأثم المار إذا مر في موضع السجود) ش: هذه إشارة إلى بيان مقدار موضع يكره المرور فيه وهو موضع السجود، والكلام هاهنا في عشرة مواضع كلها مذكورة في الكتاب، وهاهنا شيئان آخران لم يذكرهما في الكتاب الأول، ترك السترة، والآخر كون السترة مغصوبة على ما نذكرهما في آخر الفصل، الأول هو أن مرور شيء لا يقطع الصلاة وقد ذكر مستوفى، والثاني: هو مقدار موضع يكره المرور فيه وقد بينه بقوله في موضع سجوده م: (على ما قيل) ش: وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي، وشيخ الإسلام، وقاضي خان، وقال فخر الإسلام: إذا صلى راميا بصره إلى موضع سجوده فلم يقع عليه بصره لا يكره، ومنهم قال: مقدار صفين أو ثلاثة، ومنهم من قدره بثلاث أذرع، ومنهم من قدره بخمس أذرع، ومنهم من قدره بأربعين ذراعا. وقال التمرتاشي: والأصح إن كان بحال لو صلى صلاة خاشع بصره ولا يقع على المار فلا يكره نحو أن يكون منتهى بصره في قيامه إلى موضع سجوده، وفي ركوعه إلى صدور قدميه وفي سجوده إلى أرنبة أنفه، وفي قعوده إلى حجره، وفي السلام إلى منكبيه، وهذا كله إذا كان في الصحراء، وفي الجامع الذي له حكم الصحراء، أما في المسجد فالحد هو المسجد إلا أن يكون بينه وبين المار إسطوانة وغيرها. وفي " الكافي " أو رجل قائم أو قاعد ظهره إلى المصلي، وقال بعضهم: مارا خمسين ذراعا، وقدر بعضهم ما بين الصف الأول وحائط القبلة. وقال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ": وإن مر عن بعد في المسجد الجامع فقد قيل بأنه يكره والأصح أنه لا يكره، وفي " الذخيرة " والمسجد الكبير مثل الجامع الصغير عند بعض المشايخ، وعند آخرين كالصحراء وفي " التتمة " للشافعية لو تستر بآدمي أو بحيوان لم تجب له لأنه يشبه عبادته وفي " مسلم " ما يرد عليه، فإن ابن عمر كان يعرض راحلته فيصلي إليها، وقال أبو بكر بن العربي: وقد غلظ بعضهم إذا لم يكن له سترة، فقال: لا يمر أحد بين يديه بمقدار رمية السهم، وقيل: رمية الحجر، وقيل: رمية الرمح، وقيل: مقدار المطاعنة، وقيل: مقدار المسايفة بالسيف، أخذوه من قوله: فليقاتله، فحملوه على أنواع القتال. م: (ولا يكون بينهما حائل) ش: الواو للحال أي بين المصلي والمار يعني الإثم إذا لم يكن بينهما ما يحول كالإسطوانة والجدار، وأما إذا كان بينهما حائل فلا يأثم المار. م: (ويحاذي أعضاء المار أعضاءه لو كان يصلي على الدكان) ش: الدكان بضم الدال وتشديد الكاف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 وينبغي لمن يصلي في الصحراء أن يتخذ أمامه سترة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا صلى أحدكم في الصحراء فليجعل بين يديه سترة» .   [البناية] قال الجوهري: الدكان الحانوت فارسي معرب، ولكن المراد هاهنا مثل الدكة أو السرير يكون المصلي عليه وقيل بالمحاذاة؛ لأنه إذا كان الدكان بقدر قامة الرجل المار لا يأثم؛ لأنه يعتبر سترة وكذا كل موضع مرتفع يعتبر سترة كالسطح والسرير، قالوا: الراكب إذا أراد أن يمر ولا يأثم ينزل عن دابته فيسيرها أو يسير هو والدابة بينه وبين المصلي، وكذا لو مر رجلان متحاذيان فإن كراهة المرور وإثمه يلحق الذي يلي المصلي كذا ذكره التمرتاشي. فإن قلت: بين قوله: عدم الحائل وقيل المحاذاة، وبين قوله: إذا مر في موضع سجوده منافاة؛ لأن الجدار والإسطوانة لا يتصور أن يكون بينه وبين موضع سجوده، وكذلك إذا صلى على الدكان لا يتصور المرور في موضع سجوده، قلت: يندفع هذا إذا قلنا: معنى قوله: في موضع سجوده، قريب من موضع سجوده. فافهم. [اتخاذ المصلي للسترة في الصحراء] م: (وينبغي لمن يصلي في الصحراء أن يتخذ أمامه سترة) ش: هذا هو الثالث من المواضع العشرة التي ذكرناها م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا صلى أحدكم في الصحراء فليجعل بين يديه سترة» ش: هذا غريب بهذا اللفظ ولكن روي فيه عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وابن عمر وسبرة بن معبد الجهني وسهل بن أبي حثمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فحديث أبي هريرة رواه أبو داود عنه أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا، ولا يضره ما مر أمامه» . وحديث الخدري رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها ولا يدع أحدا يمر بين يديه، فإن جاء أحد يمر فليقاتل فإنه شيطان» . وحديث ابن عمر رواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه " عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة ولا يدع أحدا يمر بين يديه " وزاد ابن حبان فيه: " فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين» ، وحديث سبرة رواه البخاري في " تاريخه " عنه قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليستتر أحدكم في صلاته ولو بسهم» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 ومقدارها ذراع فصاعدا؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أيعجز أحدكم إذا صلى في الصحراء أن يكون أمامه مثل مؤخرة الرحل» وقيل: ينبغي أن تكون في غلظ الإصبع؛   [البناية] وحديث سهل بن أبي حثمة رواه في " مستدركه " عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها» وقال: على شرطهما. قوله: سترة أعم من أن يكون حائطا أو سارية أو شجرة أو عودا أو ما يجري مجراه ولا يكون من مر من ورائه آثما. وقال محمد: يستحب لمن يصلي في الصحراء أن يكون بين يديه شيء مثل عصا ونحوها، فإن لم يجد يتستر بسارية أو شجرة. م: (ومقدارها ذراعا فصاعدا) ش: هذا هو الرابع من الواضع العشرة، أي مقدار السترة قدر ذراع أقلها بدليل قوله: فصاعدا، وانتصابه على الحال، والتقدير: فذهبت السترة إلى حالة الصعود على الذراع، كما في قولك: أخذته بدرهم فصاعدا؛ أي فذهب الثمن إلى حالة الصعود على الدرهم، فيقدر في كل موضع ما يلائمه من الحمل، والفاء فيه للعطف على المحذوف، وتقديره: على الذراع مقدرا فصاعدا فافهم. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أيعجز أحدكم إذا صلى في الصحراء أن يكون أمامه مثل مؤخرة الرحل» ش: هذا غريب بهذا اللفظ، ولكن مسلما أخرجه عن طلحة بن عبيد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا جعلت بين يديك مثل مؤخرة الرحل فلا يضرك من مر بين يديك» وأخرج أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يقطع الصلاة المرأة، والحمار، والكلب، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل» ، وأخرج أيضا عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل مؤخرة الرحل» وأخرج أيضا عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك عن سترة المصلي فقال: مثل مؤخرة الرحل» وهو بضم الميم وكسر الخاء وتشديدها خطأ، وهي الخشبة العريضة التي تحاذي رأس الراكب ومؤخرة الرحل لغة فيه، ولو تستر بإنسان جالس كان سترة وإن كان قائما اختلفوا فيه، ولو استتر بدابة فلا بأس به. م: (وقيل ينبغي أن يكون في غلظ الإصبع) ش: هذا هو الخامس من المواضع العشرة ولم أر أحدا من الشراح بين هذا القائل من هو، والظاهر أنه شيخ الإسلام فإنه قال في " مبسوطه " في «حديث أبي جحيفة أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بهم بالبطحاء وبين يديه عنزة، ومقدار العنزة طول ذراع غلظ أصبع» لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يجزئ من السترة السهم، وفي " الذخيرة " طول السهم قدر ذراع وعرضه قدر أصبع. واختلف مشايخنا فيما إذا كانت السترة أقل من ذراع، وقال شيخ الإسلام: وضع قناة أو جعبة بين يديه، وارتفع قدر ذراع كان سترة بلا خلاف، وإن كان دونه ففيه خلاف، وفي غريب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 لأن ما دونه لا يبدو للناظر من بعيد، فلا يحصل المقصود ويقرب من السترة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من صلى إلى سترة فليدن منها» ويجعل السترة على حاجبه الأيمن أو على الأيسر   [البناية] الرواية النهر الكبير ليس بسترة كالطريق وكذا الحوض الكبير، وذكر ذلك في " مختصر البحر المحيط "، وقال المالكية: يجوز القلنسوة العالية والوسادة بخلاف السوط وجوز في العتبية التستر بالحيوان الطاهر بخلاف الخيل والبغال والحمير وجوز بظهر الرجل ومنع بوجهه، وتردد في جنبه، ومنع بالمرأة واختلفوا في المحارم ولا يتستر بنائم ولا بمجنون [ ..... ] ولا بكافر، انتهى كلامهم. م: (لأن ما دونه) ش: أي ما دون غلظ الأصبع م: (لا يبدو للناظر من بعيد) ش: أي لا يظهر له لرقته م: (فلا يحصل المقصود) وهو الستر وعدم إيقاع المار في الإثم م: (ويقرب من السترة) ش: وهو الستر وعدم إيقاع المار في الإثم م: (ويقرب من السترة) ش: هذا هو السادس من المواضع العشرة م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من صلى إلى سترة فليدن منها» ش: روى هذا الحديث خمسة من الصحابة: سهل بن أبي حثمة وأبو سعيد الخدري وجبير بن مطعم وسهل بن سعد وبريدة. فحديث سهل بن أبي حثمة أخرجه أبو داود والنسائي وعنه يبلغ به النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته» ورواه ابن حبان في صحيحه، قال أبو داود: واختلف في إسناده، ورواه الحاكم في مستدركه، وقال: على شرط البخاري ومسلم. وحديث أبي سعيد أخرجه ابن حبان في صحيحه عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها فإن الشيطان يمر بينه وبينها ولا يدع أحدا يمر بين يديه» . وحديث جبير بن مطعم أخرجه الطبراني في معجمه عنه، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يمر الشيطان بينه وبينها» . ورواه البزار أيضا في مسنده [وقال على شرط البخاري ومسلم] . وحديث سهل بن سعد أخرجه الطبراني أيضا في معجمه نحوه سواء. وحديث بريدة أخرجه البزار في مسنده نحوه سواء. م: (ويجعل السترة على حاجبه الأيمن أو على الأيسر) ش: هذا هو السابع من المواضع العشرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 وبه ورد الأثر، ولا بأس بترك السترة إذا أمن المرور ولم يواجه الطريق وسترة الإمام سترة للقوم؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى ببطحاء مكة إلى عنزة، ولم يكن للقوم سترة،   [البناية] والأيمن أفضل م: (وبه ورد الأثر) ش: أي يجعل السترة على الحاجب الأيمن، أو [على] الأيسر، وهذا الحديث أخرجه أبو داود: ثنا محمود بن خالد الدمشقي، قال: ثنا علي بن عباش، ثنا أبو عبيدة الوليد بن كامل، عن المهلب بن حجر [البهراني] «عن ضباعة بنت المقداد بن الأسود، عن أبيها، قال: ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر ولا يصمد له صمدا» . وأخرجه أحمد في " مسنده " والطبراني في " معجمه " وابن عدي في " كامله " وأعله بالوليد بن كامل، وقال ابن القطان: فيه علتان: علة في إسناده؛ لأن فيه ثلاثة مجاهيل: ضباعة مجهولة الحال ولا أعلم أحدا ذكرها، والمهلب بن حجر مجهول الحال. والوليد بن كامل من الشيوخ الذين لم تثبت عدالتهم. وعلة في متنه، وهي أن أبا علي بن السكن رواه في سننه هكذا: حدثنا سعيد بن عبد العزيز الحلبي، ثنا أبو تقي هشام بن عبد الملك، ثنا بقية، عن الوليد بن كامل، حدثنا المهلب بن حجر البهراني، عن ضباعة بنت المقدام بن معد يكرب، عن أبيها، قال: قال رسول الله: «إذا صلى أحدكم إلى عمود أو سارية أو شيء فلا يجعله نصب عينيه وليجعله على حاجبه الأيسر» . قال ابن السكن: أخرج أبو داود هذا الحديث من رواية علي بن عباش، عن الوليد بن كامل؛ فغير إسناده ومتنه، فإنه عن ضباعة بنت المقدام بن معد يكرب عن أبيها، وذاك فعل، وهذا قول، وقوله: لا يصمد له صمدا؛ يعني لم يقصده قصدا بالمواجهة، والصمد القصد في اللغة. [وسترة الإمام سترة للقوم] م: (وسترة الإمام سترة للقوم) ش: هذا هو الثامن من العشرة (لأنه «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى ببطحاء مكة إلى عنزة ولم يكن للقوم سترة» ش: الحديث أخرجه البخاري ومسلم «عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بهم بالبطحاء وبين يديه عنزة والمرأة والحمار يمرون من ورائها، قوله: ولم يكن للقوم سترة» ليس من هذا الحديث ويحتمل أن يكون من المصنف وهو الأظهر، ولم يتعرض إلى هذا أحد من الشراح عند ذكر الحديث، وهذا قصور عظيم. قوله: إلى عنزة بالتنوين لأنها اسم جنس نكرة وهي تشبه العكازة وهي عصا ذات زج، والزج الحديدة التي في أسفل الرمح. وفي " الكافي " لو أريد عنزة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكون غير منصرف للتأنيث والعلمية فيجوز بالنصب والجر. وقال الأترازي: ولما قيل في بعض الشروح: إن كان المراد منها عنزة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكون غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 ويعتبر الغرز دون الإلقاء والخط؛ لأن المقصود لا يحصل بهما،   [البناية] منصوب فليس بشيء لأنها لما كانت باسم جنس تناولت عنزة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرها فلم يكن فيه العلمية قلت: يريد بها الخطأ على صاحب " الكافي ". والذي قاله ليس بشيء؛ لأن أهل السير لما ذكروا سلاح النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا: كانت له حربة دون الرمح يقال لها العنزة، فكأنها بالغلبة صارت علما لها، فكانت فيها العلمية والتأنيث فلا تنصرف. م: (ويعتبر الغرز دون الإلقاء والخط) ش: هذا هو التاسع من العشرة، أراد إذا لم يكن الغرز لكون الأرض صلبة فلا يعتبر الإلقاء، وإذا لم يعتبر الإلقاء فأولى أن لا يعتبر الخط م: (لأن المقصود لا يحصل بهما) ش: المقصود وهو الدرء فلا يحصل بالإلقاء ولا بالخط، وفي " مبسوط شيخ الإسلام " إنما يعذر إذا كانت الأرض رخوة، فأما إذا كانت صلبة لا يمكنه فيضع وضعا؛ لأن الوضع قد روى الغرز، لكن يضع طولا لا عرضا ليكون على مثال الغرز والخط، روي عن أبي عصمة عن محمد إذا لم يجد سترة، قال: لا يخط بين يديه فإن الخط وتركه سواء؛ لأنه لا يبدو للناظر من بعيد. وقال الشافعي بالعراق: إن لم يجد ما يغرز يخط خطا طويلا وبه أخذ بعض المتأخرين لحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا صلى أحدكم في الصحراء فليتخذ بين يديه سترة، فإن لم يكن فليخط خطا آخر» وفي " جامع التمرتاشي " عن محمد يخط، وقيل في الخط: يخط طولا، وقيل: عرضا، وقيل: مدورا كالمحراب، وقال إمام الحرمين: استقرت الأئمة أن الخط يكفي. وقال السروجي: إذا لم يجد ما يغرزه أو يضعه هل يخط بين يديه خطا؟ فالمنع هو الظاهر وعليه الأكثرون من أصحابنا ومن غيرهم، وقال السرخسي: لا نأخذ بالخط. وقال المرغيناني: هو الصحيح، وفي " المحيط " الخط ليس بشيء، وفي " الواقعات " هو المختار، وكذا لا يعتبر الإلقاء وهو المختار، وفي " الذخيرة " للقرافي: الخط باطل وهو قول الجمهور، وجوزه أشهب [ ... ] وهو قول سعيد بن جبير والأوزاعي والشافعي بالعراق، ثم قال: يصير الحفظ [ ... ] . فإن قلت: روى أبو داود من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا، فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخطط خطا، ثم لا يضر ما مر أمامه» ورواه ابن ماجه وابن أبي شيبة أيضا. قلت: فإن عبد الحق ضعفه جماعة، ولا يكتب هذا الحديث. وقال ابن حزم في " المحلى ": لم يصح في الخط شيء ولا يجوز القول به. وفي " الذخيرة ": هو مطعون فيه، وقال سفيان: لم يجد شيئا يشد به هذا الحديث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 ويدرأ المار إذا لم يكن بين يديه سترة أو مر بينه وبين السترة، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فادرءوا ما استطعتم» ، ويدرأ بالإشارة كما فعل رسول الله بولد أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -.   [البناية] [دفع المصلي المار بين يديه] م: (ويدرأ المار) ش: أي يدفعه م: (إذا لم يكن بين يديه سترة أو مر بينه وبين السترة) ش: هذا هو العاشرة من المواضع العشرة. وفي " المبسوط ": ينبغي أن يدفع المار عن نفسه لئلا يشغله إما بالرفع أو بأخذ طرف ثوبه على وجه ليس فيه شيء من العلاج، ومن الناس من قال: إن لم يقف بإشارته جاز دفعه بالقتال كأنهم أخذوه بعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فادرءوا ما استطعتم فإنما هو شيطان» . وبما روى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه وليدرأه ما استطاع فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان» وأخرج مسلم نحوه عن ابن عمر مرفوعا، وقال الخطابي: معناه أن الشيطان هو الذي يحمله على ذلك، ومعنى المقاتلة الدفع العنيف، ويجوز أن يراد بالشيطان نفس المار؛ لأن الشيطان هو المار والخبيث من الجن والإنس، يقال: معناه معه شيطان يأمره بذلك، بدليل حديث ابن عمر فإن معه القرين، رواه مسلم وأحمد. وقيل: فعله فعل الشيطان، ويقال: إنه كان في وقت كان العمل فيه مباحا في الصلاة، وقيل: معنى المقاتلة أن يغلظ عليه بعد فراغه، وقيل: يدعو عليه بقوله تعالى {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} [التوبة: 30] [التوبة: الآية 30] . م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فادرءوا ما استطعتم» ش: قد مر هذا عند ذكر قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقطع الصلاة مرور شيء ويدفع بها» وقال إمام الحرمين: لا ينتهي دفع المار إلى منع حقيقي بل يومئ ويشير برفق في صدر من يمر به. وفي " الكافي " للروياني يدفعه ويصر على ذلك، وإن أدى إلى قتله، وقيل: يدفعه دفعا شديدا أشد من الدرء ولا ينتهي إلى ما يفسد صلاته، وهذا هو المشهور عن مالك وأحمد، وقال: انتهيت [ .... ] إن قرب منه درأه ولا ينازعه فإن مشى له ونازعه لم تبطل صلاته وإن يتجاوزه لا يرده لأنه [ .] وكذا رواه ابن القاسم من أصحاب مالك، وبه قال مالك والشافعي وأحمد. وقال ابن مسعود وسالم: يرده من حيث جاء وإن مر بين يديه ما لا يؤثر فيه الإشارة كالهر، قال المالكية: دفعه برجله أو ألصقه إلى السترة. م: (كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بولد أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) ش: هذا الحديث رواه ابن ماجه في " سننه " عن أم سلمة قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي في حجرة أم سلمة فمر بين يديه عبد الله أو عمر بن أبي سلمة، فقال بيده فرجع، فمرت زينب بنت أبي سلمة فقال بيده هكذا فمضت، فلما صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: هذا أغلب» ، وذكر السراج هذا الحديث هكذا، «وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 أو يدفع بالتسبيح لما روينا من قبل، ويكره الجمع بينهما؛ لأن بأحدهما كفاية.   [البناية] بيت أم سلمة، فقام عمر بين يديه، فأشار إليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن قف فوقف، ثم قامت زينب تمر فأشار إليها أن قفي فأبت ومرت فلما فرغ من صلاته، قال: هن أغلب، وقيل: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ناقصات العقل ناقصات الدين صواحب يوسف، صواحب كرسف يغلبن الكرام ويغلبن القيام، وكرسف اسم عابد من بني إسرائيل فتنته النساء. وفي كتاب " المعجم " لابن شاهين: قالوا: يا رسول الله: من كرسف؟ قال: رجل كان يعبد الله على ساحل البحر ثلاثين عاما، فكفر بالله العظيم بسبب امرأة عشقها، فتداركه الله تعالى بما سلف منه فتاب عليه» . م: (أو يدفع بالتسبيح) ش: يعني مخير بين دفعه بالإشارة ودفعه بالتسبيح، ويمكن أن يقال: إن لم يدفع بالإشارة أو ما فهمه يدفعه بالتسبيح فيقول: سبحان الله؛ لما روينا من قبل، أراد به ما ذكره قبل هذا من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا ناب أحدكم نائبة فليسبح، وهذا في حق الرجال، وأما النساء فإنهن يصفقن؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فأما التصفيح للنساء.» والتصفيق والتصفيح بمعنى، ولأن في صوتهن فتنة فكره لهن التسبيح. م: (ويكره الجمع بينهما) ش: أي بين الإشارة والتسبيح م: (لأن بأحدهما كفاية) ش: وفي " المبسوط " قال في الكتاب: واجب إلى أن لا يجمع بينهما، ومنهم من قال: والمستحب أن لا يفعل شيئا، وأما الاثنان الموعود بذكرهما؛ فأحدهما: ترك السترة، والأصل فيها أنه مستحب، وقال إبراهيم النخعي: كانوا يستحبون إذا صلوا في فضاء أن يكون بين أيديهم ما يسترهم، وقال عطاء: لا بأس بترك السترة، وصلى القاسم وسالم في الصحراء إلى غير سترة، ذكر هذا كله ابن أبي شيبة في " مصنفه "، والآخر إذا كانت السترة مغصوبة فهي معتبرة عندنا وتبطل صلاته في إحدى الروايتين [العوارض] عن أحمد ذكرهما في " المغني " ومثله الصلاة في الثوب المغصوب عنده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 فصل في العوارض ويكره للمصلي أن يعبث بثوبه أو بجسده؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الله تعالى كره لكم ثلاثا» .   [البناية] [فصل في العوارض التي تكره في الصلاة] م: (فصل في العوارض) ش: بالسكون؛ لأن الإعراب لا يكون إلا بعد العقد والتركيب، وفيه بيان العوارض التي تكره في الصلاة، وفيها مثله بيان العوارض التي تفسدها فلقوتها قدمها. م: (ويكره للمصلي أن يعبث بثوبه أو بجسده) ش: الواو فيه واو الاستفتاح لا للعطف ولا لغيره لعدم ما تقتضيه هكذا سمعته عن بعض مشائخي الكبار. وقال السغناقي: قدم هذه المسألة لما أن هذه كلية وغيرها نوعية؛ لأن تقليب الحصى والقرقعة والتحصر من أنواع العبث، والكلي مقدم على النوعي. وقال الأترازي أيضا: وإنما قدم هذه المسألة لكونها كالكلي لما بعده. قلت: لا نسلم أنها كلية أو كالكلية؛ لأن الكلي له مفهوم مشترك بين أفراده، والعبث بالثوب أو بالجسد لا يشتمل ما بعده من تقليب الحصى وغيره، والذي يقال فيه أنه إنما قدم هذه المسألة؛ لكثرة وقوعها بالنسبة إلى غيرها، قوله أن يعبث كلمة أن مصدرية، وتقديره: ويكره العبث في الصلاة، وفي البدرية: العبث من الذي فيه غرض ولكنه ليس بشرعي، والسفه ما لا غرض فيه، وفي الحميدي: والعبث كل عمل صحيح ليس فيه غرض صحيح. فإن قلت: [ما] بين التعريفين منافاة. قلت: هذا اصطلاح ولا نزاع فيه لبدر الدين الكردري اصطلح بذلك، وحميد الدين بهذا، وقال تاج الشريعة: العبث الفعل فيه غرض غير صحيح. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إن الله كره لكم ثلاثا) ش: وتمامه «أن الله كره لكم ثلاثا: العبث في الصلاة والرفث في الصيام والضحك في المقابر» ولم أر أحدا من الشراح بين أصل هذا الحديث وحاله، وغير أن صاحب " الدراية " قال: رواه أبو هريرة كذا في " المبسوط ". وقال السروجي: ذكر هذا الحديث في كتب الفقه " كالمبسوط " وغيره. وقلت: رواه القضاعي في " مسند الشهاب " من طريق ابن المبارك، عن إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن دينار عن يحيى بن أبي كثير مرسلا قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إن الله كره لكم.. إلخ. وذكره الذهبي في كتابه " الميزان " وعده من منكرات إسماعيل بن عياش، وقال ابن ظاهر في كلامه على أحاديث الشهاب: هذا حديث رواه إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن دينار وسعيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 وذكر منها العبث في الصلاة، ولأن العبث خارج الصلاة حرام فما ظنك في الصلاة، ولا يقلب الحصى لأنه نوع عبث   [البناية] بن يوسف عن يحيى بن أبي كثير أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.. وهذا مقطوع، وعبد الله بن دينار شامي من أهل حمص وليس بالمكي. قلت: إسماعيل بن عياش عالم الشام، وأحد مشايخ الإسلام، روى عنه مثل سفيان الثوري ومحمد بن إسحاق والليث بن سعد والأعمش وهم شيوخه، وقال يعقوب الفسوي: تكلم قوم في إسماعيل بن عياش وهو ثقة عدل أعلم الناس بحديث الشام أكثر ما تكلموا فيه قالوا: يروي عن ثقات الحجاز، وعن ابن معين: ثقة، وعبد الله بن دينار النهراني، ويقال الأسدي الحمصي وعن ابن سيفان: ضعيف، وقال أبو علي النيسابوري الحافظ: وهو عندي ثقة، ويحيى بن أبي كثير أبو نصر اليماني أحد الأعلام روى عن جماعة من الصحابة مرسلا، وقد رأى أنسا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يصلي بمكة ولم يسمع منه، فإذا كان الأمر كذلك عد هذا الحديث من مرسلات التابعين وهي حجة عندنا. ثم المراد من العبث في الصلاة فعل ما ليس منها لعدم الخشوع، والرفث التصريح بذكر الجماع، وقال الأزهري: الرفث كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة. وقال ابن عرفة: الرفث الجماع في قَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] [البقرة: الآية 187] ، وكراهة الضحك عند المقابر لكونها مواضع الاعتبار والاتعاظ وذكر الآخرة واليقظة للموت. [العبث في الصلاة] م: (وذكر منها العبث) ش: أي ذكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من الثلاث التي كرهها الله العبث في الصلاة م: (ولأن العبث خارج الصلاة حرام فما ظنك في الصلاة) ش: فيه نظر، فإن عبث في ثيابه أو بلحيته أو بذكره خارج الصلاة يكون تاركا للأولى ولا يحرم ذلك عليه، ولهذا قال في الحديث الذي ذكره: كره لكم ثلاثا وذكر منها العبث في الصلاة، فلم يبلغه درجة التحريم في الصلاة فما ظنك بخارجها. فإن قلت: فعلى ما ذكره ينبغي أن يكون العبث مفسدا للصلاة كالقهقهة. قلت: بلى إذا كثر العبث تفسد لا لكونه عبثا مطلقا بل لكونه عملا كثيرا، وأما القهقهة فليست بمفسدة للصلاة لا باعتبار أنها حرام بل باعتبار أنها تنقض الطهارة وهي شرط الصلاة، ولهذا لا يفسد النظر إلى الأجنبية في الصلاة وإن كان حراما. م: (ولا يقلب الحصى لأنه نوع عبث) ش: وهو خلاف الخشوع وقد مدح الله الخاشعين في الصلاة بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] [المؤمنون: الآية 1 - 2] والحاصل في هذا الباب أن كل عمل يفيد مصلحة المصلي لا بأس أن يفعله، وكل عمل ليس بمفيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 إلا أن لا يمكنه من السجود فيسويه مرة لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مرة يا أبا ذر وإلا فذر» ، ولأنه فيه إصلاح صلاته ولا يفرقع أصابعه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تفرقع أصابعك وأنت تصلي» .   [البناية] فيكره أن يشتغل به م: (إلا أن لا يمكنه من السجود) ش: هذا استثناء من قوله: ولا يقلب وهو من النفي إثبات، والضمير المرفوع في لا يمكنه يرجع إلى الحصى، والمنصوب يرجع إلى المصلي م: (فيسويه مرة) ش: سويا بالنصب أي بأن يسويه لأنه جواب النفي. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مرة يا أبا ذر وإلا فذر) ش: هذا الحديث لم يرد بهذا اللفظ الذي ورد أخرجه أحمد في " مسنده " عنه قال: «سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كل شيء حتى سألته عن مسح الحصى فقال: " واحدة أو دع» . وأخرجه عبد الرزاق أيضا في " مصنفه " وابن أبي شيبة كذلك، وقال الدارقطني في " علله ": ابن أبي نجيح رواه عن مجاهد عن أبي ذر مرسلا، وروى الأئمة الستة في " كتبهم " عن معيقيب، أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا تمسح الحصى وأنت تصلي، وإن كنت فلا بد فاعلا فواحدة» ، ولفظ المصنف منقول عن المشايخ منهم شمس الأئمة الكردري أنه قال: «سأل أبو ذر خير البشر عن تسوية الحجر، فقال خير البشر: يا أبا ذر مرة أو ذر» . قوله: ذر؛ أي: دع أي اترك، وهو أمر من يذر، وقد أتت ماضية ولا يستعمل، وكذلك قالوا في ماضي دع لكن ورد في القرآن {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضحى: 3] [الضحى: الآية 3] ، بالتخفيف وهي قراءة شاذة ومعيقيب بن أبي فاطمة الدوسي من مهاجرة الحبشة شهد بدرا، وكان على خاتم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واستعمله أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من بيت المال، وتوفي في خلافة عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (ولأن فيه إصلاح صلاته) ش: أي ولأن في تقليب الحصاة عند عدم التمكن من السجود إصلاح صلاته وهو تمكينه من السجدة على الأرض م: (ولا يفرقع أصابعه) ش: أي لا يفرقع المصلي وهو مضارع من الفرقعة وهي نقض أصابعه [بأن لا يمدها ويغمزها حتى تصوت، ويقال: فقع وفرقع إذا نقض أصابعه] لغمر مفاصلها، ذكره في " الفائق ". وقال تاج الشريعة: وإنما يكره لأنه عمل قوم لوط فيكره التشبيه بهم. قلت: فعلى هذا يكره خارج الصلاة أيضا، وقال شيخ الإسلام: كره من الناس الفرقعة خارج الصلاة فإنها تلقين الشيطان، ولا خلاف لأحد من الأئمة الأربعة وغيرهم في كراهة فرقعة الأصابع وتشبيكها في الصلاة، وقال ابن حزم: إن تعمد فرقعة الأصابع أو تشبيكها أو تختم في غير الخنصر فصلاته باطلة. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تفرقع أصابعك وأنت تصلي» ش: الحديث رواه ابن ماجه في " سننه " عن الحارث عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال له: «لا تفرقع أصابعك وأنت في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 ولا يتخصر وهو وضع اليد على الخاصرة؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن الاختصار في الصلاة، ولأن فيه ترك الوضع المسنون، ولا يلتفت لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لو علم المصلي من يناجي ما التفت»   [البناية] الصلاة» . والحديث معلول بالحارث. وروى أحمد في " مسنده " والدارقطني في " سننه " والطبراني في " معجمه " عن ابن لهيعة عن زبان بن فائد عن سهل بن معاذ عن أبيه معاذ بن أنس عن النبي قال: «الضاحك في الصلاة والملتفت والمفرقع أصابعه بمنزلة واحدة» وهو ضعيف لأن الرواة كلهم ضعفاء. [التخصر في الصلاة] م: (ولا يتخصر) ش: من باب التفعل الذي يدل على التكلف والشدة، وقد فسر التخصر بقوله م: (وهو وضع اليد على الخاصرة) ش: الخاصرة والخصر وسط الإنسان، وقيل: التخصر هو التوكؤ على عصا مأخوذ من المخصرة وهو السوط والعصا ونحوهما، وقيل: أن يختصر السورة فيقرأ آخرها، وقيل: هو أن لا يتم صلاته في ركوعها وسجودها وحدودها وإنما ينهى عنه لأنه فعل المتكبرين، وقيل: هو فعل اليهود، وقيل: فعل الشيطان، وقيل: إنه لما طرد من الجنة نزل إلى الأرض وهو متخصر، وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها نهت أن يصلي الرجل متخصرا وقالت: لا تشبهوا باليهود، وكراهته متفق عليه في حق الرجل والمرأة. م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن الاختصار في الصلاة) ش: أخرج هذا الحديث الجماعة إلا ابن ماجه عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يصلي الرجل متخصرا» وفي لفظ: نهى عن الاختصار في الصلاة. وزاد ابن أبي شيبة في " مصنفه " قال ابن سيرين: وهو أن يضع الرجل يده على خاصرته وهو في الصلاة. م: (ولأن فيه) ش: أي في الاختصار م: (ترك الوضع المسنون) ش: وهو وضع اليد على اليد تحت السرة؛ لأنه علامة الخشوع والخضوع ووضعها على الخاصرة فعل المصاب، وحالة الصلاة حالة مناجاة العبد ربه ولا حالة إظهار المصيبة. م: (ولا يلتفت) ش: أي المصلي يمينا أو يسارا، وقال الشاعر فيه: ولو علم المصلي من يناجي ... لما التفت اليمين ولا الشمال والالتفات مكروه بالاتفاق بين أهل العلم م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لو علم المصلي من يناجي لما التفت) ش: لم يرد حديث بهذا اللفظ الذي ورد قريب، وما رواه الطبراني في " معجمه الأوسط " من حديث أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إياكم والالتفاف في الصلاة، فإن أحدكم يناجي ربه ما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 ولو نظر بمؤخر عينيه يمنة ويسرة من غير أن يلوي عنقه لا يكره؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يلاحظ أصحابه في صلاته بمؤق عينيه.   [البناية] دام في الصلاة» «وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: " سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الالتفات في الصلاة، فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد» ، رواه البخاري وأبو داود والنسائي وأحمد. وعن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إياكم والالتفات في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هلكة، فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وعن أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يزال الله مقبلا على عبده في الصلاة ما لم يلتفت، فإذا التفت صرف عنه وجهه» رواه أبو داود والنسائي وأحمد. [الالتفات في الصلاة] م: (ولو نظر بمؤخر عينه يمنة ويسرة من غير أن يلوي عنقه لا يكره) ش: ومؤخر العين بضم الميم وسكون الهمزة وكسر الخاء طرفها الذي يلي الصدغ والمقدم بخلافه، وهذا إنما لا يكره إذا كان لحاجة، وفي " المبسوط " حد الالتفات المكروه أن يلوي عنقه حتى يخرج من جهة القبلة والالتفات يمنة ويسرة انحراف عن القبلة ببعض بدنه، فلو انحرف بجميع بدنه تفسد صلاته م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كان يلاحظ أصحابه في الصلاة بمؤق عينيه» ش: [هذا الحديث لم يرد بهذا اللفظ، وأخرج ابن ماجه في " سننه " من حديث] علي بن شيبان قال: «خرجنا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبايعناه وصلينا خلفه، فلمح بمؤخر عينه رجلا لم يقم صلاته في الركوع والسجود، فقال: إنه لا صلاة لمن لم يقم صلبه» . ورواه ابن حبان في " صحيحه " وأخرج الترمذي والنسائي من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لا يلتفت في الصلاة يمينا وشمالا ولا يلوي عنقه خلف ظهره» وقال الترمذي: حديث غريب، ورواه ابن حبان في " صحيحه " مرفوعا، والحاكم في " مستدركه " وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه. وقال جمال الدين الزيلعي: ولو قال المصنف كان يلاحظ أصحابه بؤخر عينيه لكان أقرب إلى الحديث وإلى مقصوده أيضا، إذ لا يمكن الملاحظة بمؤق العين إلا ومعها شيء من الالتفات، والمؤق مهموز العين مقدم العين، وكذلك المآق. وفي " الصحاح " في مآقي العين نعت [ ...... ] ويدل عليه ما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كان يكتحل من قبل مؤقه مرة وموقه أخرى» . وقال الجوهري أيضا في مؤق العين: طرفها مما يلي الأنف، واللحاظ طرفها الذي يلي الأذن والجمع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 ولا يقعي ولا يفترش ذراعيه لقول «أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نهاني خليلي عن ثلاث: أن أنقر نقر الديك، وأن أقعي إقعاء الكلب، وأن أفترش افتراش الثعلب» .   [البناية] أماقي، مثل آبار وآثار وهو فعلي وليس بمفعل، لأن الميم من نفس الكلمة وإنما زيد في آخره الياء للإلحاق، فلم يجدوا له نظيرا يلحقونه به؛ لأن فعلي بكسر اللام نادر لا أخت لها، فألحق بمفعل، فلهذا جمعوه على مآق على التوهم. وقال ابن السكيت: ليس في ذوات الأربعة يفعل بكسر العين إلا حرفان مآقي العين؛ ومآوي الإبل، وقال: سمعتها، وقال الأزهري: إجماع أهل اللغة أن الموق والمآق بمعنى المؤخر والحديث المذكور غير معروف. قلت: ذكر هذا الحديث ابن الأثير في " النهاية " ثم قال: موق العين مؤخرها ومآقيها مقدمها. وقال الخطابي: من العرب من يقول: مآق وموق بضمها وبعضهم يقول: وموق بكسرها، وبعضهم يقول: ماق بغير همز كقاض، والأفصح والأكثر مآقي بالهمزة والياء والمؤق بالهمزة والضم، وجمع موق آماق وإماق، وجمع مؤق مآقي، وقال الصنعاني: ماق العين وموقها ومآقيها، وموقها: طرفها ومحله يلي الأنف، ثم ذكر الحديث المذكور وعلى ما قاله العمدة إذا قالت حذام فصدقوها [الإقعاء في الصلاة] م: (ولا يقعي) ش: من الإقعاء والآن يأتي تفسير المصنف إياه، وقال ابن تيمية: كراهة الإقعاء مذهب علي وأبي هريرة وابن عمر وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وأكثر العلماء، وكان عطاء وطاوس وابن أبي مليكة وسالم ونافع يقعون على أعقابهم بين السجدتين، ونقل عن العبادلة بمثله. م: (ولا يفترش ذراعيه) ش: من الافتراش، وافتراش الذراعين إلقاؤهما على الأرض م: «لقول أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نهاني خليلي عن ثلاث: أن أنقر نقر الديك، وأن أقعي إقعاء الكلب، وأن أفترش افتراش الثعلب» ش: الحديث ليس لأبي ذر، وإنما هو لغيره من جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة، فروى الترمذي وابن ماجه من حديث الأعور عن علي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نهى أن يقعي الرجل في صلاته» ورواه الحاكم في " المستدرك " من حديث سمرة بن جندب، وروى ابن السكن في " صحيحه " عن أبي هريرة: " أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نهى عن السدل والإقعاء في الصلاة» وعن أنس بلفظ: «نهى عن التورك والإقعاء في الصلاة،» وروى مسلم في " صحيحه " من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «وكان ينهى عن عقبة الشيطان» . قال أبو عبيد: هو أن يضع إليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهو الذي يجعله بعض الناس الإقعاء. وقال النووي في " الخلاصة " ليس في النهي عن الإقعاء حديث صحيح إلا حديث عائشة، وروى أحمد والبيهقي من حديث أبي هريرة: «نهاني رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن نقرة كنقرة الديك، والتفات كالتفات الثعلب، وإقعاء كإقعاء الكلب» وفي إسناده ابن أبي سليم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 والإقعاء أن يضع إليتيه على الأرض وينصب ركبتيه نصبا، هو الصحيح   [البناية] وروى ابن ماجه من حديث أنس بلفظ: «إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب، ضع إليتيك بين قدميك وألزق ظاهر قدميك بالأرض» ، وفيه العلاء بن زيد متروك، وكذبه ابن المديني. ونقر الديك: التقاطه الحب عن سرعة. وفي [ ...... ] النقر في الصلاة تخفيف السجود كنقر الديك. : (والإقعاء أن يضع إليتيه على الأرض وينصب ركبتيه نصبا) ش: الإقعاء في اللغة انطباق الإليتين بالأرض ونصب الساقين ووضع اليدين على الأرض كما يفعل الكلب، وعند الفقهاء مختلف فيه. وفي " التحفة " اختلفوا في تفسير الإقعاء، فقيل: أن ينصب قدميه كما يفعل في السجود ويضع إليتيه على عقبيه. وقال الكرخي: هو أن يقعد على عقبيه ناصبا رجليه. وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الإقعاء أن يضع إليتيه على الأرض واضعا يديه عليهما وينصب فخذيه ويجمع ركبتيه إلى صدره وهذا أشبه بإقعاء الكلب. وفي " المبسوط " وهو مراد الفقهاء وهو الأصح لأن إقعاء الكلب يكون هكذا. وفي " الكافي " إلا أن إقعاء الكلب في نصب اليدين وإقعاء الآدمي في نصب الركبتين إلى الصدر. وقال النووي: الأصح في الإقعاء أنه الجلوس على الوركين ونصب الفخذين والركبتين قال: وضم إلى ذلك أبو عبيدة وضع اليدين على الأرض والقعود على أطراف الأصابع. [قال] والصواب هو الأول وأما الثاني فغلط، فقد ثبت في " صحيح مسلم " أن الإقعاء سنة نبينا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وقال القاضي عياض في " مشارق الأنوار " الذي قاله أبو عبيدة أولى، والألية بالفتح ألية الشاة. قال الجوهري: ولا تقل إلية ولا لية فإذا ثنيت، قلت: إليتان فلا تلحقه التاء قال: ترتج إليتاه ارتجاج الوطب. قلت: جاء إليتاه أيضا بإلحاق التاء كما في قوله: وأنف إليتيك ويستطار الوطب بفتح الواو وسكون الطاء وفي آخره باء موحدة وهو شقا [ ...... ] خاصة وقوله: نصبا، منصوب على المصدرية. م: (هو الصحيح) ش: أي الذي ذكره في تفسير الإقعاء هو الصحيح، واحترز به عما قيل الإقعاء أن ينصب قدميه كما يفعل بالسجود ويضع إليتيه على عقبيه لأن الكلب لا يقعي كذلك، وإنما يقعي مثل ما ذكر في الكتاب إلا أنه ينصب يديه، والآدمي ينصب ركبتيه في صلاته كما ذكره في " الكافي ". وقال النووي: الإقعاء على نوعين أحدهما مستحب والآخر منهي عنه، والنهي أن يضع إليتيه ويديه على الأرض وينصب ساقيه، والمستحب أن يضع إليتيه على عقبيه وركبتاه في الأرض فهذا الذي رواه مسلم «عن طاوس قال: قلت لابن عباس في الإقعاء على القدمين، فقال: هي السنة، فقلت له: أما تراه حقا يا رجل؟ فقال: بل هي سنة نبيك - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وفعلته العبادلة» . نص الشافعي على استحبابه بين السجدتين وقد غلط فيه جماعة لتوهمهم أن الإقعاء نوع واحد وأن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 ولا يرد السلام بلسانه؛ لأنه كلام، ولا بيده لأنه سلام معنى   [البناية] الأحاديث فيه متعارضة حتى ادعى بعضهم أن حديث ابن عباس منسوخ، وهذا غلط فاحش فإنه لم يتعذر الجمع ولا تاريخ فكيف يصح النسخ. [رد السلام للمصلي] م: (ولا يرد السلام بلسانه لأنه كلام) ش: ولهذا لو حلف لا يكلم فلانا فسلم يحنث ولو رده به بطلت صلاته، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأبو ثور وإسحاق وأكثر العلماء، وهو مروي عن أبي ذر وعطاء والنخعي والثوري، وكان سعيد بن المسيب والحسن وقتادة لا يرون به بأسا، وكان أبو هريرة يرد السلام في الصلاة ويسمعه، ثم هل يجب بعد الفراغ؟ ذكر الخطابي والطحاوي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رد على ابن مسعود بعد فراغه من الصلاة كذا في " المجتبى "، وفي " الغاية " للسروجي ويرده بعد السلام عند محمد وعطاء والنخعي والثوري وهو قول أبي ذر، وعند أبي حنيفة لا يرده في نفسه، وعند أبي يوسف لا يرده في الحال، ولا بعد الفراغ ويكره السلام على المصلي والقارئ والذاكر والجالس للقضاء. م: (ولا بيده لأنه سلام معنى) ش: أي من حيث المعنى، أراد أنه ينوب عن الرد باللسان، وقال الشافعي: يستحب رده بالإشارة، وعن أحمد كراهية الرد بالإشارة في الفرض دون النفل، ومالك مرة كرهه ومرة أجازه. وفي " جوامع الفقه " لو أشار لرد السلام برأسه أو بيده أو بأصبعه لا تفسد صلاته. وفي " الذخيرة " لا بأس للمصلي أن يجيبه برأسه، قيل للمصلي: تقدم فتقدم أو دخل وأخذ فرجة الصف فتجانب المصلي توسعة له فسدت صلاته؛ لأنه امتثل أمر غير الله في الصلاة، وينبغي للمصلي أن يمكث ساعة ثم يتقدم برأيه. فإن قلت: روى أبو داود والترمذي والنسائي «عن صهيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: مررت برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلي فسلمت عليه، فرد علي إشارة، قال: لا أعلم إلا أنه قال: " إشارة بأصبعه» ، وصححه الترمذي. وأخرج أبو داود والترمذي «عن ابن عمر قال: قلت لبلال: كيف كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه في الصلاة؟ قال: كان يشير بيده.» قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في " صحيحهما " والدارقطني في " سننه " عن أنس «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يشير في الصلاة» . قلت: يحتمل أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان في التشهد وهو يشير بأصبعه فظنه صهيبا ردا أو لم يذكر أنه كان في حال القيام أو القعود أو غيرهما، وما حكي عن بلال وأنس وغيرهما فلعله كان نهيا عن السلام فظنوه ردا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 حتى لو صافح بنية التسليم تفسد صلاته ولا يتربع إلا من عذر لأن فيه ترك سنة القعود، ولا يعقص شعره وهو أن يجمع شعره على هامته ويشده بخيط أو بصمغ ليتلبد،   [البناية] ويؤيد ما ذكرنا ما رواه البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كنا مع رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حاجة فرجعت وهو يصلي على راحلته ووجهه إلى غير القبلة فسلمت عليه فلم يرد علي، فلما انصرف قال: أما إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي» . وقد يجاب عن هذه الأحاديث بأنها كانت قبل نسخ الكلام في [الصحيح] الصلاة، يؤيده «حديث ابن مسعود: " كنا نسلم على رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا.» م: (حتى لو صافح بنية التسليم تفسد صلاته) ش: كلمة حتى هاهنا غاية لما قبلها في الزيادة من قبيل قولهم مات الناس حتى الأنبياء، وعلة الفساد هو كون المصافحة بنية التسليم عملا كثيرا. وقال البقالي وحسام المردني: فعلى هذا لو رد بالإشارة ينبغي أن يفسد لأنه كالتسليم باليد. وقال: عند أبي يوسف لا تفسد. [التربع للمصلي] م: (ولا يتربع إلا من عذر) ش: به كالألم في رجله، أما التربع فلأنه نوع تجبر وحال الصلاة حال خشوع وتضرع، وعلل المصنف بقوله م: (لأن فيه ترك سنة القعود) ش: وهي افتراش رجله اليسرى والجلوس عليها ونصب اليمنى وتوجيه أصابعه نحو القبلة، وأما في حالة العذر فلأنه ناسخ لترك الواجب فأولى أن يسبح لترك المسنون، وكان ابن عمر يتربع في الصلاة فنهاه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: إني رأيتك تفعله، فقال: في رجلي عذر. وقال شيخ الإسلام: التربع جلوس الجبابرة فلهذا كره في الصلاة. وقال السرخسي في " مبسوطه ": هذا ليس بقوي فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يتربع في جلوسه في بعض أحواله حتى إنه «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يأكل متربعا فينزل عليه الوحي، كل كما يأكل العبيد واشرب كما يشرب العبيد، واجلس كما يجلس العبيد» وهو - عَلَيْهِ السَّلَامُ -[ ...... ] عن أخلاق الجبابرة، وكذلك كان جلوس عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في مجلس النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان متربعا؛ لكن الجلوس على الركبتين أقرب إلى التواضع فهو أولى في حالة الصلاة إلا من عذر.. وفي " الخلاصة " التربع خارج الصلاة مكروه أيضا. [لا يصلي وهو معقوص الشعر] م: (ولا يعقص شعره) ش: أي لا يصلي وهو معقوص الشعر؛ لأنه لو عقصه وهو في الصلاة فسدت صلاته لأنه عمل كثير م: (وهو) ش: أي عقص الشعر؛ لأن الفعل يدل على مصدره كما في قَوْله تَعَالَى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] [المائدة: الآية 8] ، م: (أن يجمع شعره على هامته) ش: أي وسط رأسه م: (ويشده بخيط أو بصمغ ليتلبد) ش: أي ليلتصق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 فقد روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى أن يصلي الرجل وهو معقوص»   [البناية] وفي " الصحاح " تلبد أي لصق، حاصله أن يجمع مشتدا، وفي " المحيط " العقص أن يتضفر به حول رأسه كعقد النساء أو يجمع شعره [فيعقد في مؤخر رأسه. وفي " المبسوط " عقصه [وهو] أن يجمع شعره على هامته] . وقيل: أن يشده كله على القفا كيلا يصل الأرض إذا سجد. وفي الصحاح: عقص الشعر ضفره وليه على الرأس، وللمرأة عقصته، وجمعه عقص، وفي المغرب: العقص جمع الشعر على الرأس، وقيل: كيه وإدخال أطرافه في أصوله، والعقاص ستر يجمع به الشعر، ثم إن صلاته صحيحة مع الكراهة، واحتج ابن جرير الطبري بصحتها بإجماع العلماء. وحكى ابن المنذر الإعادة عليه عن الحسن البصري. واتفق الجمهور من العلماء أن النهي لكل من صلى كذلك سواء تعمده للصلاة، أو كان كذلك قبلها لمعنى آخر. قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: النهي لمن يفعل ذلك [في] الصلاة، والصحيح الأول لإطلاق الحديث. م: (فقد روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نهى أن يصلي الرجل وهو معقوص» ش: هذا الحديث رواه عبد الرزاق في " مصنفه "؛ أخبرنا سفيان الثوري عن محمود بن راشد عن رجل عن أبي رافع قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يصلي الرجل وهو معقوص» ، وأخرجه ابن ماجه في " سننه " عن شعبة عن مخول بن راشد «سمعت أبا سعد يقول: رأيت أبا رافع مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد رأى الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهو يصلي وقد عقص شعره فأطلقه وقال: " نهى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يصلي الرجل وهو عاقص شعره» . ورواه أبو داود عن عمران بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه أنه رأى أبا رافع مولى النبي _ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مر بالحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو يصلي قائما، وقد غرز ضفرة في قفاه، فحلها أبو رافع، فالتفت إليه الحسن مغضبا، فقال له أبو رافع: أقبل على صلاتك ولا تغضب فإني سمعت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: «ذاك كفل الشيطان» ، وروى الترمذي أيضا نحوه إلا أنه قال فيه عن أبي رافع، لم يقل إنه رأى أبا رافع، وقال حديث حسن. ورواه الطبراني في " معجمه " عن سفيان عن مخول بن راشد عن سعيد المقبري عن أبي رافع عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى أن يصلي الرجل ورأسه معقوص» ورواه إسحاق بن راهويه في " سننه "، أخبرنا المؤمل بن إسماعيل ثنا سفيان به سندا ومتنا، وزاد: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 ولا يكف ثوبه؛ لأنه نوع تجبر، ولا يسدل ثوبه؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن السدل،   [البناية] قال إسحاق. قلت للمؤمل بن إسماعيل أفيه أم سلمة، فقال: بلا شك هكذا منه إملاء بمكة، وهذا السند رواه الدارقطني في كتاب " العلل "، قال: ووهم المؤمل في ذكر أم سلمة وغيره لا يذكرها. وفي " صحيح مسلم «عن ابن عباس أنه رأى عبد الله بن الحارث وهو يصلي ورأسه معقوص من الخلف فقام وراءه فجعل يحله، فلما انصرف أقبل على ابن عباس فقال: مالك ورأسي؟ فقال: سمعت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف» قيل: الحكمة في هذا المنهي عنه أن الشعر يسجد معه ولهذا مثله بالذي يصلي وهو مكتوف وقال ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لرجل رآه يسجد وهو معقوص الشعر أرسله ليسجد معك. قوله: كفل الشيطان بكسر الكاف وسكون الفاء مقعده، وأصله كساء يدار حول سنام البعير، وقيل يعقد طرفاه على حجز البعير ليركبه الرديف، ويجعله تحت كفله أي عجزه. [كف الثوب في الصلاة] م: (ولا يكف ثوبه) ش: المراد من كف الثوب القبض والضم، وأن يرفعه من بين يديه أو من خلفه إذا أراد السجود، وقيل لا بأس بكف الثوب صيانة عن التلوث. وفي " مختصر الحسن " قال: كان تاج الدين الهندي [لعله أخو حسام الهندي الشهيد] يرسل لحيته في الصلاة، ويقول في إمساكها كف الثوب وإنه مكروه، وكان برهان الدين صاحب " المحيط " وقاضي خان وغيرهما يمسكونه قال: وهو الأحوط. م: (لأنه) ش: أي لأن كف الثوب م: (نوع تجبر) ش: ولا يفعله إلا المتجبرون، وروي في الصحيح عن طاوس عن ابن عباس عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف ثوبا ولا شعرا» . م: (ولا يسدل ثوبه لأنه _ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - _ نهى عن السدل» ش: هذا الحديث رواه أبو داود في " سننه " عن سليمان الأحول عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن «رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه» ، ورواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه "، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه الترمذي عن عسل بن سفيان عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا، وقال: لا نعرفه مرفوعا من حديث عطاء عن أبي هريرة إلا من حديث عسل بن سفيان وليس في روايته: وأن يغطي الرجل فاه. وعسل بكسر العين وسكون السين والمهملتين ضعفه البخاري والنسائي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 وهو أن يجعل ثوبه على رأسه وكتفيه ثم يرسل أطرافه من جوانبه   [البناية] وغيرهما، وفي سند أبي داود الحسن بن ذكوان المعلم، ضعفه ابن معين وأبو حاتم، وقال النسائي ليس بالقوي، لكن أخرج له البخاري في " صحيحه " وذكره ابن حبان في " الثقات ". م: (وهو) ش: أي السدل بسكون الدال، وفي " المغرب " بفتحها وهو من باب طلب طلبا م: (أن يجعل ثوبه على رأسه وكتفيه، ثم يرسل أطرافه من جوانبه) ش: اختلفوا في تفسير السدل، فقال في " شرح مختصر الكرخي " مثل ما قال المصنف، إلا أنه قال: يجعل ثوبه على رأسه أو كتفيه بكلمة أو، وقال المعلى: السدل أن تجمع طرفي إزارك من الجانبين جميعا فإن ضممتهما أمامك فليس بسدل. وقال الحسن: السدل أن يضع وسط ثوبه على عاتقه ويرخي طرفيه. وروى المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة كراهة السدل على القميص وعلى الإزار وبه قال أبو يوسف؛ للتشبيه بأهل الكتاب قال: وهم يسدلون مع القميص وغيره، وقيل: هو جر الثوب على الأرض ذكره بعض المالكية، وفي " مختصر البحر المحيط ": [أن] السدل أن يلبس [ ...... ] ولا يدخل يديه في كميه ومثله عن جار الله، وفي صلاة (الجلاتي) إذا ضم طرفه أمامه فليس بسدل، واختلفوا في كراهة السدل خارج الصلاة، والعامة على كراهته في الصلاة إلا مالكا فإنه لا يكرهه فيها. 1 - فروع: ولو صلى وقد شمر كميه لعمل أو شبه ذلك يكره، وقيل لا بأس به، ويكره تغطيه الفم بلا عذر والاعتجاز وهو أن يلف العمامة حول رأسه، وقيل أن يلف بعضها على رأسه وبعضها على وجهه، وفي [" خبر مطلوب "] هو أن يشد عمامته على رأسه ويبدي هامته. وقيل: يشد بعض عمامته على رأسه وبعضها على يديه. وعن محمد أنه يلف بعضها على رأسه وطرفا منها يجعله كالمعجز للنساء. ويكره التسليم وتغطية الأنف والفم. قال في " المحيط " لأنه يشبه فعل المجوسيين حال عبادة النيران. ولا يمشط ولا يتثاءب فإن غلبه شيء من ذلك كظم نفسه ما استطاع، فإن غلبه وضع يده أو كمه على فمه، وروى مسلم «إذا تثاءب أحدكم فليسمك بيده على فمه فإن الشيطان يدخل [فيه] » . ويكره أن يروح على نفسه بمروحة أو بكمه، وحكاه ابن المنذر عن عطاء ومسلم بن يسار والنخعي ومالك والشافعي، ورخص فيه ابن سيرين ومجاهد والحسن، وكرهه أحمد وابن راهويه إلا أن يأتي غم شديد. وفي " المحيط " ويكره أن يدخل في الصلاة وهو يدافع الأخبثين أو الريح فإن ثقله الاهتمام بها قطعها، وإن مضى عليها أجزأه وقد أساء، وشدد أبو زيد المروزي والقاضي حسين من الشافعية وقالا: إذا انتهى به مدافعة الأخبثين إلى ذهاب خشوعه لم تصح صلاته، ومذهب الظاهرية بطلان الصلاة مع مدافعة الأخبثين، والصحيح عند العلماء: صحة ذلك مع الكراهة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 ولا يأكل ولا يشرب؛ لأنه ليس من أعمال الصلاة، فإن أكل أو شرب عامدا أو ناسيا فسدت صلاته؛   [البناية] فإن قلت: روى مسلم من حديث عائشة عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان» . قلت: هو محمول على الكراهة عند عامة العلماء. وفي " مختصر البحر المحيط " إن اشتغل الحاقن بالوضوء يفوته الوقت يصلي؛ لأن الأداء مع الكراهة أولى من القضاء، ويكره لبسة الصماء، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنها كالاضطباع، وإنما كرهها؛ لأنها من لبس أهل الأشر والبطر، وفي " البخاري «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن لبسة الصماء فقال: إنما يكون الصماء إذا لم يكن عليك إزار» . قيل: هي اشتمال اليهود. وقال الجوهري عن أبي عبيد: اشتمال الصماء أن تخلل جسدك بثوبك نحو سلمة الأعراب بأكيستهم وهي أن يرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى أو عاتقه الأيمن فيغطيها. وقيل: أن يشتمل بثوبه فيخلل جسده كله ولا يرفع جانبا يخرج يده منه. وقيل: أن يشتمل ثوب واحد ليس عليه إزار، وفي " مشارق الأنوار " هو الالتفاف في ثوب واحد من رأسه إلى قدميه يخلل به جسده كله وهو التلفف، قال سميت بذلك والله أعلم لاشتمالها على أعضائه حتى لا يجد مستقرا كالصخرة الصماء أو يشدها وضمها جميع الجسد، ومنه صمام القارورة الذي تسد به فوها. وتكره الصلاة حاسرا رأسه تذللا، وكذا في ثياب البذلة وفي ثوب فيه تصاوير. ويستحب أن يصلي في ثلاثة أثواب إزار وقميص وعمامة، والمرأة في قميص وخمار ومقنعة كذا في " المجتبى ". وفي " فتاوى السغناقي " ويكره له شد وسطه لأنه صنيع أهل الكتاب. [وفي " الخلاصة " أنه لا يكره، كذا في شرح " منية المصلي " و " البحر الرائق " وكذا في " القنية "] . [الأكل والشرب في الصلاة] م: (ولا يأكل ولا يشرب) ش: بالإجماع م: (لأنه ليس من أعمال الصلاة) ش: أي لأن كل واحد من الأكل والشرب ليس من أفعال الصلاة، وعن سعيد بن جبير أنه شرب [الماء] في النافلة، وعن طاوس لا بأس بالشرب في النافلة وهو رواية عن أحمد، وقال ابن المنذر: لا يجوز ذلك، ولعل من حكى ذلك عنه أنه كان فعله ناسيا أو سهوا، وروي أيضا عن ابن الزبير: أنه شرب في التطوع، وقال إسحاق: لا بأس به. م: (فإن أكل أو شرب عامدا) ش: أي حال كونه عامدا م: (أو ناسيا فسدت صلاته) ش: قل أكله أو كثر وهو قول الأوزاعي، وعند الشافعي: إن كان ناسيا للصلاة أو جاهلا بتحريمه إن كان قليلا لم يبطلها، وإن كان كثيرا أبطلها في أصح الوجهين، وتعرف القلة والكثرة بالعرف، ذكره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 لأنه عمل كثير وحالة الصلاة مذكرة،   [البناية] النووي. وقال ابن القاسم: إن أكل أو شرب يتبدئ، قال: ولم أحفظه عن مالك، وقال ابن حبيب: يبني [عليه] ما لم يبطل، وقال أحمد: لا تبطل بهما إذا كان ناسيا وفي " الذخيرة " لو ابتلع شيئا بين أسنانه لا تفسد صلاته؛ لأنه تبع لريقه، ولهذا لا يفسد به الصوم إذا كان قليلا كالحمصة، فإن كان أكثر من ذلك يفسد، وقيل لا تفسد الصلاة بما دون ملء الفم، وفرق هذا القائل بين الصلاة والصوم، وفي " أجناس الناطقي " إذا ابتلع المصلي ما بين أسنانه أو فضل طعام أكله أو شراب شربه فصلاته تامة، وإن أخذ سمسمة فوضعها في فمه فابتلعها تفسد، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف لا تفسد، ذكره في " جوامع الفقه ". وقال الشافعي: إن ابتلع شيئا من بين أسنانه أو نخامة من رأسه تفسد صلاته، وفي " الذخيرة " لو قاء دون ملء الفم فعاد إلى جوفه لا تفسد، وإن أعاده وهو يقدر على دفعه قال المرغيناني: يجب أن يكون على قياس الصوم، لا يفسد عند أبي يوسف، وتفسد عند محمد، وإن تقيأ أقل من ملء الفم لا تفسد وهو المختار، ولو كان في فمه سكرة فذابت ودخلت في حلقه فسدت وبه قال أحمد وهو الصحيح من وجهي الشافعية، ولو بقيت حلاوة السكر ونحوه في فمه بعد الشروع ولا يدخل حلقه مع ريقه لا تفسد، ولو كان في فمه هليلجة فلاكها فسدت صلاته وإن لم يكلها لا تفسد إلا إذا كثر ذلك، وإن مضغ علكا تفسد إذا أكثر ولو وقع في فمه بردة أو ثلج أو قطرة من مطر فابتلعه فسدت. م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الأكل والشرب م: (عمل كثير) ش: لا محالة فتفسد به م: (وحالة الصلاة مذكرة) ش: هذا جواب عما يقال: ينبغي أن يكون أكل الناسي وشربه عفوا في الصلاة كما في الصيام، وتقرير الجواب أن يقال: لا نسلم بصحة القياس لوجود الفارق، وهو أن حالة الصوم ليست بمذكرة فجعل النسيان عذرا بخلاف حالة الصلاة فإنها مذكرة فلم يجعل عفوا، ثم اعلم أن لأصحابنا خمسة أقوال في التفرقة بين العمل الكثير والقليل في الصلاة: أحدها: أن ما يقام باليدين عادة كثير، وإن ما يقام بيد واحدة قليل ما لم يتكرر. 1 - وفي " الذخيرة ": لو فعل ما يقام باليدين بيد واحدة لا تفسد الصلاة، ولو لبس قميصا أو شد سراويل تفسد، ولو نزع القميص أو حل السراويل لا تفسد، ولو سرح لحيته أو لبس خفيه أو أسرج دابته أو نزعه أو ألجمها أو دهن رأسه بيده بأن أخذ الدهن وصبه على يده ومسح به رأسه تفسد. وفي " الأجناس ": لو نزع لجام دابته أو أمسكها أو خلع خفيه وهو واسع أو نعليه أو زرر قميصا أو قباء أو لبس قلنسوة أو نزعها أو فتح بابا أو رده أو أغلق قفلا أو جعل فتيلة في مسرجه لا تفسد لأنه عمل قليل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وفي " جوامع الفقه ": سئل أبو بكر عمن شد إزاره بيديه، قال: لا عبرة لليدين وإنما العبرة بكثرة العمل، وقيل: اعتبار اليدين، قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولو أخذ قوسا فرمى به [تفسد صلاته. وقال المرغيناني: إن كان القوس بيده والسهم في الوتر فرمى به] لا تفسد، وهو اختيار الشيخ أبي بكر محمد بن الفضل. الثاني: أن الثلاث كثير، واستدل على هذا بما روى محمد بن الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: إذا تروح مرتين لا تفسد، فإن زاد فسدت، وقليله لا يفسد، وذكر الأستاذ حسام الدين الشهيد، إذا حك موضعا من جسده ثلاث مرات بدفعة واحدة تفسد صلاته. وفي " الذخيرة ": لو عبث بلحيته أو حك بعض جسده لا تفسد، قيل: هذا إذا فعله مرة أو مرتين، وكذا لو فعله إذا فصل بين كل مرتين، فإن كان ذلك متواليا تفسد وعلى هذا قتل القملة، وعلى هذا رمي الحجار الثلاثة على الولاء، ونتف ثلاث شعرات على الولاء تفسد ذكره في " جوامع الفقه ". الثالث: أنه مفوض إلى رأي المصلي المبتلى به، فإن استكثره كان كثيرا وإن استقله كان قليلا، قال الحلواني: هذا أقرب إلى قول أبي حنيفة لأنه مفوض في مثل ذلك إلى رأي المبتلى به، ويخرج على هذا ما ذكره في " الذخيرة " أنه لو تروح بكمه ثلاثا تفسد، ولو نتف من شعره ثلاث شعرات تفسد، ولو ضرب إنسانا بيده أو بسوط تفسد، ولو رمى طيرا بحجر لا تفسد، ذكره في " المبسوط " فإن ضرب دابة مرة أو مرتين لا تفسد، وثلاثا، ولو حرك رجلا واحدة لا على الدوام لا تفسد ورجلين تفسد. الرابع: أن الكثير ما يكون مقصودا لفاعل بأن يفرد له مجلسا، قال في " الذخيرة " واستدل هذا القائل بامرأة لمسها زوجها بشهوة أو قبلها بشهوة فسدت صلاتها، وكذا لو مس صبي ثديها فخرج منها اللبن تفسد، وذكر المعلى عن أبي يوسف أن قليل المباشرة لا تفسد وكثيرها يفسد، وكذا القبلة والمباشرة عن شهوة تفسد قليلها وكثيرها، وروى ابن سماعة عن أبي يوسف: أن القبلة تفسد بشهوة كانت أو بغير شهوة، وعن أبي يوسف لو مسته امرأة بشهوة ولم تشتهه أو قبلت فمه ولم يقبلها لا تفسد صلاته، وفي " المرغيناني " ولو قبل امرأة لم يشتهها لا تفسد. الخامس: أنه لو نظر إليه ناظران بعيدان إن كان لا يشك أنه في غير الصلاة فهو كثير مفسد للصلاة، ولو شك لا يفسد، [قال المرغيناني: هو الأصح، ولو حملت امرأة صبيها فأرضعته أو قطع ثوبا أو خاطه] قال المرغيناني: فهذا كله عمل كثير على الأقوال كلها، ولو [خلع] عمامته فوضعها على الأرض أو على رأسه أو كتب خطا [ ...... ] لا تفسد إلا أن يطول فيزيد على ثلاث كلمات، وفي الملتقط فإن زاد على مرة أو هو على [ ... ] لا تفسد، وإن كثر، وحركة الأصابع عمل قليل. وروى المعلى عن أبي يوسف: إن كتب في شيء يقرأ تفسد وفي شيء لا يقرأ لا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 ولا بأس بأن يكون مقام الإمام في المسجد وسجوده في الطاق   [البناية] تفسد. وذكر محمد بن الحسن في " السير الكبير " عن الأزرق بن قيس الأسلمي أنه رأى أبا برزة يصلي آخذا بقياد فرسه، حتى صلى ركعتين فانسل قياده من يده، فمضى الفرس نحو القبلة، فتبعه أبو برزة حتى أخذ بقياده ثم رجع ناكصا عن عقبيه حتى صلى الباقيتين، ثم قال محمد: وبهذا نأخذ إذا لم يستدبر القبلة بوجهه ولم يفصل بين القليل والكثير، فهذا يبين لنا أن المشي مستقبل القبلة لا تفسد وإن كثر، ومن المشايخ من روى هذا الأثر، واختلفوا في تأويله. قيل: معناه أنه لم يجاوز الصفوف أو موضع سجوده. وقال المرغيناني في " المختار " أنه إذا كثر يفسد. وقيل: تأويله أنه إذا مشى خطوة أو خطوتين فوقف ثم مشى مثل ذلك حتى أخذه وذلك قليل، أم إذا مشى متلاحقا يفسدها. وقيل: إذا كان مقدار ما يكون بين الصفين لا تفسد كما لو رأى في الصف الأول فرجة وهو في الثاني فمشى إليه فسدها لا يفسد ومن الثالث يفسد، وحكى القاضي ركن الإسلام أبو الحسن علي المفدى عن أستاذه أنه إذا مشى مستقبل القبلة وهو غاز أو حاج أو سفر طاعة وعبادة وإن كثر. قلت: الأثر المذكور رواه البخاري في باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة، حدثنا آدم قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا الأزرق بن قيس قال: كنا بالأهواز نقاتل الحرورية، فبينما كنا على حرف نهر إذا رجل يصلي وإذا لجام دابته بيده، فجعلت الدابة تنازعه وجعل يتبعها، (قال شعبة: هو أبو برزة الأسلمي) الحديث. وذكر المرغيناني هذا، وقال: الذي رووه لا يصح، والصحيح أبو بردة، واسم أبي برزة نضلة بن عبيد وقيل نضلة بن عابد وقيل: ابن عبد الله والأول هو الصحيح، وأبو بردة اسمه هانئ بن دينار، ويقال: اسمه الحارث من شهداء بدر، وفي التابعين أبو بردة بن أبي موسى الأشعري قاضي الكوفة، اسمه عامر، وقيل الحارث، وذكرت الشافعية في الفصل بين القليل والكثير أربعة أقوال: الأول: الكثير ما يسع زمانه فعل ركعة حكاه الرافعي. قال النووي: وهو ضعيف أو غلط. الثاني: ما يحتاج في عمله إلى بدنه كتكوير عمامته وعقد إزاره وسراويله، حكاه الرافعي. الثالث: ما يظن للثاني نظر إليه أنه كثير في الصلاة وضعفوه كقتل الحية وحمل الصبي. الرابع: وهو المشهور أن الرجوع إلى العرف في القلة والكثرة، ذكر هذا الأقوال النووي في " شرح المهذب ". م: (ولا بأس بأن يكون مقام الإمام في المسجد وسجوده في الطاق) ش: شرع من هاهنا في مسائل " الجامع الصغير "، والمراد بمقام الإمام موضع القدم وبالطاق المحراب، وقوله وسجوده في الطاق أي ورأسه في الطاق عند السجود وهذه صورتان الأولى هذه وهي أن يقوم الإمام في المسجد بقدميه ولكن عند سجوده يكون رأسه في المحراب، فهذه لا تكره؛ لأن الاعتبار بموضع القيام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 ويكره أن يقوم في الطاق؛ لأنه يشبه صنيع أهل الكتاب من حيث تخصيص الإمام بالمكان، بخلاف ما إذا كان سجوده في الطاق   [البناية] لا بموضع السجود، ألا ترى إن قدم المقتدي إذا كانت مؤخرة عن قدم الإمام ورأسه مقدما على رأس الإمام بسبب طول المقتدي تجوز صلاته، وإذا كانت قدم المقتدي مقدمة عن قدم الإمام فلا تجوز صلاته، ألا ترى أن الطير إذا كان رجله في الحرم ورأسه خارج الحرم يكون من صيد الحرم حتى يجب الجزاء بقتله، ألا ترى أن من حلف لا يدخل دار فلان فأدخل جميع أعضائه فيها دون القدمين لا يحنث، فعلم أن الاعتبار بموضع القدم. وفي " الجنازية ": طعن بعض من خالف أبا حنيفة في قوله لا بأس بأن يكون مقام الإمام في المسجد وسجوده في الطاق يعني لم يجعل الطاق من المسجد وليس كذلك، فإن المراد من المسجد هاهنا مصلى الناس وموضع سجودهم، والطاق ليس بمسجد بهذا الاعتبار، وبه تندفع شبهة الصورة الثانية. هي قوله: م: (ويكره أن يقوم في الطاق) ش: أي ويكره أن يقوم الإمام وحده في المحراب وتعليل هذه الصورة بشيئين: أحدهما: ما ذكره المصنف بقوله م: (لأنه يشبه صنيع أهل الكتاب) ش: أي لأن قيام الإمام في الطاق يشبه صنيع أهل الكتاب، وأشار إلى وجه التشبيه بصنيعهم بقوله م: (من حيث تخصيص الإمام بالمكان) ش: لأنهم يتخذون لإمامهم مكانا والتشبه بهم مكروه، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من تشبه بقوم فهو منهم» ، ولهذا يكره الاعتجاز وتغطيه الفم؛ لأنه تشبيه بهم، وكذا يكره التمايل عن اليمين واليسار، وقد صح عن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا صلى أحدكم فليسكن أطرافه فلا يتمايل تمايل اليهود» . والتعليل الثاني: ما حكي عن أبي جعفر أنه قال: إن حاله تشتبه على من عن يمينه وعن يساره [حتى إذا كان بجنبي الطاق عمودان، ووراء ذلك فرجة يطلع فيهما من عن يمينه أو عن يساره] على حال فلا بأس به؛ لأن الإمام إذا كان إماما ليعلم بحاله فيتحقق الائتمام به، وهذا بالعراق؛ لأن محاريبهم مجوفة مطوقة بنيت باللبن والآجر. فإن قلت: لم اختار المصنف الوجه الأول. قلت: لأنه مطرد بخلاف الثاني؛ لأنه إذا أمكن الإطلاع على حاله بالفرجة لم يطرد فيه. وقال شمس الأئمة السرخسي: من اختار الطريقة الثانية لم يكره عند عدم الاشتباه وإن كان مقام الأول في الطاق، ومن اختار الطريقة الأولى يكره في الوجهين جميعا [في الثانية] قال: هذا هو الأصح. م: (بخلاف ما إذا كان سجوده في الطاق) ش: أي لا يكره في هذه الصورة وهي الصورة الأولى لما قلنا إن العبرة للقدمين. وفي " فتاوى الولوالجي " إذا ضاق المسجد بمن خلف الإمام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 ويكره أن يكون الإمام وحده على الدكان لما قلنا، وكذا على القلب في ظاهر الرواية؛ لأنه ازدراء بالإمام.   [البناية] على القوم لا بأس بأن يقوم الإمام في الطاق؛ لأنه يشتبه بقدر الأمرين، وإن لم يضق المسجد بمن خلف الإمام لا ينبغي للإمام أن يقوم في الطاق؛ لأنه يشتبه بين المكانين. انتهى. وبالكراهة ففي هذه الصورة وهي ما إذا أقام في الطاق وحده، قال علي وابن مسعود وكعب وعلقمة والحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وسليمان التيمي وليث بن أبي سليم ومحمد بن جرير الطبري وابن حزم، وقال الطحاوي: هذا في محاريب الكوفة فإنها كانت خارجة عن حد المسجد؛ لأنه يشبه اختلاف المكانين، ولأنه يشتبه على من كان في جانبي الإمام، فإن كان مكشوفا لا يشتبه حاله فلا يكره، وعلى الأول يكره، وقال السرخسي: الكراهة في الوجهين؛ لأنه تشبه بأهل الكتاب، والتشبه بهم مكروه خارج الصلاة فكذا في الصلاة بل أولي. م: (ويكره أن يكون الإمام وحده على الدكان) ش: وقد ذكرنا أن المراد من الدكان الموضع، والموضع مبتنى يجلس عليه مثل الدكة، واختلفوا في نونه هل أصلية أم زائدة، وقيل: بقوله وحده؛ لأنه لو كان معه بعض القوم لا يكره، وبه قال مالك وأحمد والأوزاعي، فإن فعل بطل صلاته عند الأوزاعي وهو قول أبي حامد من الحنابلة. وقال الشافعي: يكره أن يكون موضع الإمام والمأموم أعلى من موضع الآخر، إلا إذا أراد تعليم أفعال الصلاة وأراد المأموم تبليغ القوم، فقال في " المهذب ": إذا كره أن يعلو الإمام فالمأموم أولى، ولم يذكر المصنف مقدار ارتفاع الدكان الذي يكره عليه، فقيل: قدر ارتفاع قامة الرجل الذي هو متوسط القامة فلا بأس بما دونها، ذكره في " المحيط " وكذا ذكره الطحاوي، وهكذا روي عن أبي يوسف، وقيل: إنه مقدر بقدر ما يقع الامتياز، وقيل: مقدر بقدر ذراع اعتبارا بالسترة. قال قاضي خان: وعليه الاعتماد. م: (لما ذكرنا) ش: وهو قوله: لأنه يشبه صنيع أهل الكتاب من حيث تخصيص الإمام بالمكان، وفي بعض النسخ لما قلنا. م: (وكذا على القلب) ش: وكذا يكره على قلب الحكم المذكور، أي عكسه وهو أن يكون الإمام أسفل الدكان والقوم عليه م: (في ظاهر الرواية) ش: احترز به عما روي عن الطحاوي أنه لا يكره لعدم التشبيه بصنع أهل الكتاب، فإنهم لا يفعلون هكذا، وعليه عامة المشايخ م: (لأنه) ش: أي لأن كون الإمام أسفل الدكان والقوم عليه م: (ازدراء بالإمام) ش: أي استخفافا به، يقال: ازدراه أي استخف به واحتقره. وذكر شيخ الإسلام إنما يكره هذا إذا لم يكن من عذر فلا يكره، كما في الجمعة إذا كان القوم على الرف، وبعضهم على الأرض لضيق مكان الرف بفتح الراء المهملة وتشديد الفاء. قال الجوهري: الرف شبه الطاق والجمع الرفوف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: روى البخاري ومسلم من حديث أبي حازم بن دينار «أن رجالا أتوا سهل بن سعد الساعدي وقد امتروا في المنبر مم عوده، فسألوه عن ذاك، فقال: " والله إني لأعرف مما هو، ولقد رأيته أول يوم وضع وأول يوم جلس عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.. الحديث، وفي آخره: ثم رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى عليها وكبر وهو عليها، ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر، ثم عاد فلما فرغ أقبل على الناس، فقال: " أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي» ، فهذا يدل على ما ذكره الطحاوي، وهو مذهب ابن حزم الظاهري، وحكاه في " المحلى " عن الشافعي وأحمد قال: وقال أبو حنيفة ومالك رحمهما الله: لا يجوز، ويجوز الاقتداء من سطح المسجد ورفه، وبه قال الشافعي وأحمد وفي " المغني " صلى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على سطح المسجد بصلاة القوم، وفعله سالم. قلت: روى أبو داود في " سننه " من حديث همام أن حذيفة أم الناس بالمدائن على دكان، فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك، قال بلى قد ذكرت حين مددتني، وروى أيضا من «حديث عدي بن ثابت الأنصاري حدثني رجل أنه كان مع عمار بن ياسر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بالمدائن فأقيمت الصلاة فتقدم عمار بن ياسر، وقام على دكان يصلي والناس أسفل منه، فتقدم حذيفة فأخذ على يديه، فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة، فلما فرغ عمار من صلاته، قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم " أو نحو ذلك، قال عمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لذلك اتبعتك حين أخذت على يدي. وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقوم الإمام فوق شيء، والناس خلفه يعني أسفل منه» رواه الدارقطني. والجواب عن حديث سهل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان فعله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - للحاجة إلى تعليم القوم وقد قلنا: إنه لا يكره للضرورة، وأيضا قد يحتمل أنه كان في الدرجة السفلى؛ لأنه لا يحتاج إلى عمل كثير في النزول والصعود، والعمل الكثير مفسد للصلاة بلا خلاف، وأيضا هو فعل، والذي قاله الأكثرون قول، والقول مقدم على الفعل، وقال ابن قدامة لاحتمال اختصاصه بفعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قلت: هذا لا يمكن مع قوله: إنما فعلت هذا لتقتدوا بي ولتعلموا صلاتي فقد نص - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه غير مختص به، بل فعله كذلك لتقتدوا به فيما فعله، والذي نقله ابن حزم عن الشافعي وأحمد وعطاء وعن أبي حنيفة غلط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 ولا بأس أن يصلي إلى ظهر رجل قاعد يتحدث؛ لأن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ربما كان يستتر بنافع في بعض أسفاره.   [البناية] م: (ولا بأس أن يصلي إلى ظهر رجل قاعد يتحدث) ش: قاعد بالجر صفة رجل وقوله يتحدث جملة في محل النصب على الحال، ولا يقال: إن هذا الحال نكرة فكيف يجوز الحال عنه؟ لأنا نقول إنه قد اتصف بالصفة، ويجوز أن يكون في محل الجر على أنها صفة أخرى، وقيد بقوله إلى ظهر رجل لأنه لو صلى إلى وجه رجل يكره، وفيه إشارة أيضا إلى أنه لا بأس بأن يصلي وبقربه قوم يتحدثون، وبه قالت الأئمة الأربعة إلا ما روي عن مالك [فإنه يقول] في رواية: إن كان أمامه مجنونا أو صبيا أو كافرا أو امرأة غير محرمة يكره، ومن الناس من كره ذلك؛ لأنه «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى أن يصلي الرجل وعنده قوم يتحدثون أو نائمون» ورواه ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وتأويل ذلك أنهم إذا رفعوا أصواتهم على وجه يخاف وقوع الغلط، ولهذا قال في " الجامع البرهاني ": قال: هذا إذا لم يشوشه حديثهم فإن كان يشوشه فيكره، [و] في النائمين إذا كان يخاف أن يظهر صوت من النائم فيضحك في صلاته ويخجل النائم إذا انتبه، فإن لم يكن كذلك فلا بأس به. فإن قلت: روى سعيد بن منصور في " سننه " أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نهى عن أن يصلوا إلى قوم يتحدثون أو نائمون» . قلت: هذا محمول على ما إذا رفعوا أصواتهم بالحديث كما ذكرنا، وفي النائم لأجل ما ذكرنا. فإن قلت: هذا في النافلة أو مطلقا. قلت: قال ابن قدامة: والأشبه أنه لا فرق بين الفريضة والنافلة في ذلك، يعني في عدم الكراهة. قلت: قد صح عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في الصلاة إلى النائم من غير كراهة في النافلة. م: (لأن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ربما كان يستتر بنافع في بعض أسفاره) ش: هذا الأثر رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن نافع ولفظه: كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلا إلى سارية من سواري المسجد، قال لي: ولني ظهرك. وروى أيضا عنه أن ابن عمر كان يقعد رجلا ويصلي خلفه والناس يمرون بين يدي ذلك الرجل. وفي " الجامع الصغير " لقاضي خان: «كان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا أراد أن يصلي في الصحراء أمر عكرمة أن يجلس بين يديه ويصلي» . قلت: إن كان مراده عكرمة _ وهو ابن أبي جهل _ الصحابي فليس له حديث في ذلك، وإن كان مراده من عكرمة هو مولى ابن عباس فهو تابعي ليس له صحبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 ولا بأس أن يصلي وبين يديه مصحف معلق أو سيف معلق لأنهما لا يعبدان، وباعتباره تثبت الكراهة، ولا بأس بأن يصلي على بساط فيه تصاوير،   [البناية] فإن قلت: روى أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث» . قلت: في سند أبي داود رجل مجهول، وفي سند ابن ماجه أبو المقدام هشام بن زياد البصري لا يحتج بحديثه، وقال الخطابي: هذا الحديث لا يصح عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وقد صح «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى وعائشة نائمة معترضة بينه وبين القبلة» . فإن قلت: روى البزار في " مسنده " من حديث محمد بن الحنفية عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلا يصلي إلى رجل فأمره أن يعيد الصلاة، قال: يا رسول الله إني صليت وأنت تنظر إلي» . قلت: قال البزار: هذا حديث لا نحفظه إلا بهذا الإسناد، وكأن هذا المصلي كان مستقبل الرجل في وجهه فلم يتنح عن حياله. م: (ولا بأس بأن يصلي وبين يديه مصحف معلق أو سيف معلق) ش: وهو قول الجمهور، وقال أحمد: يكره ذلك إلا أن يكون موضوعا بالأرض، وقيل: هو قول إبراهيم النخعي، وقال بعضهم يكره ذلك لأن [ ...... ] آلة الحرب والحديد فيه بأس شديد، فلا يليق تقديمه في مقام الامتهان، وقيل هو قول ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وفي استقبال المصحف تشبه بأهل الكتاب فإنهم يفعلون ذلك بكتبهم م: (لأنهما لا يعبدان) ش: أي لأن المصحف والسيف لا يعبدان م: (وباعتباره) ش: أي وباعتبار معنى الكراهة في الأشياء التي تعبد م: (تثبت الكراهة) ش: فالسيف لا يعبد لأنه سلاح، فلا يكره التوجه إليه، ألا ترى أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى إلى عنزة» وهي سلاح، والموضع موضع الحرب أيضا، وكذلك سمي المحراب محرابا فبان تقديم آلة الحرب، وكيف يقال بالكراهة وقد «صلى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عنزة؟» على أنا نقول قد ورد أخذ الأسلحة في صلاة الخوف، وقال تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] (النساء: الآية 102) ، وأما المصحف فلأن في تقديمه تعظيمه وتعظيمه عبادة، فانضمت عبادة إلى عبادة فلا تكره. م: (ولا بأس بأن يصلي على بساط فيه تصاوير) ش: قال الجوهري: التصاوير: التماثيل، وقال غيره: التمثال ما يصور على الجدار، والصورة ما على الثوب. وفي " المغرب ": التمثال ما يصور تشبيها بخلق الله تعالى من ذوات الروح والصورة عام، وروي عن ابن عباس ما يدل على أن التمثال والصورة واحد، وهو أنه نهى مصورا عن التصوير، فقال كيف أصنع وهو كسبي؟ قال: إن لم يكن لك بد فعليك بتمثال الأشجار، والتمثال بكسر التاء في أوله وقد جاء على هذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 لأن فيه استهانة بالصلاة، ولا يسجد على التصاوير؛ لأنه يشبه عبادة الصورة، وأطلق الكراهة في الأصل؛ لأن المصلى معظم، ويكره أن يكون فوق رأسه في السقف أو بين يديه أو بحذائه تصاوير أو صورة معلقة «لحديث جبريل " إنا لا ندخل بيتا فيه كلب أو صورة» .   [البناية] الوزن نحو عشرين كلمة وهي: التحفاف وهو [ ...... ] ، والتبيان مصدر، والتلقاء مصدر مثل اللقاء، والتمساح اسم لحيوان مشهور في نيل مصر، والتمطار اسم لماء المطر، وتنفاق للهلال، تنبال اسم يقال للقصر. م: (لأن فيه) ش: أي لأن في فعل الصلاة على البساط الذي فيه تصاوير م: (استهانة بالصلاة) ش: أي تحقيرا لها م: (ولا يسجد على التصاوير لأنه) ش: أي لأن السجود على الصورة م: (يشبه عبادة الصورة) ش: لأنه حينئذ يشبه فعل الكفار عبدة الأصنام م: (وأطلق الكراهة في الأصل) ش: أي أطلق محمد الكراهة في " المبسوط " يعني لم يفصل بين أن يكون الصورة في موضع السجود أو في غيره، فإنه قال: فإن صلى على بساط فيه تماثيل يكره، وفصل في " الجامع الصغير " حيث قال: إن كان في موضع سجوده يكره، وإن كان في موضع جلوسه أو قيامه لا يكره. قال تاج الشريعة: والأصح ما ذكره هاهنا يعني التفصيل. م: (لأنه المصلى معظم) ش: [هذا تعليل الإطلاق، والمصلى بفتح اللام وأراد به المسجد الذي يصلى فيه، قوله معظم] بفتح الظاء أي مستحق للتعظيم؛ لأنه أعد للصلاة فاستحق التعظيم من سائر البسط، فلو كان فيه صورة كان بنوع تعظيم لها ونحن أمرنا بإهانتها، فلا ينبغي أن تكون في المصلى مطلقا يسجد عليها أو لم يسجد. [الحكم لو صلى وفوقه أو بين يديه أو بحذائه تصاوير] م: (ويكره أن يكون فوق رأسه في السقف أو بين يديه أو بحذائه تصاوير) ش: تصاوير مرفوع لأنه خبر يكون م (أو صورة معلقة) ش: أي أو يكون صورة معلقة في السقف ونحوه، أو كان في ستارة معلقة ونحوها م: «لحديث جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنا لا ندخل بيتا فيه كلب أو صورة» ش: هذا الحديث روي عن ابن عمر وميمونة وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فحديث ابن عمر أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمر قال: «واعد النبي جبريل - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فراث عليه أي أبطأ حتى شق ذلك على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وخرج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فلقيه، فقال: إنا لا ندخل بيتا فيه كلب أو صورة» . وحديث ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه مسلم عن ابن عباس قال: أخبرتني ميمونة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصبح يوما واجما فقالت له ميمونة: قد استنكرت هيئتك منذ اليوم قال: " إن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان وعدني أن يلقاني الليلة فلم يلقني، ثم وقع في نفسه جرو كلب تحت فسطاط لنا " فأمر به فأخرج ثم أخذه بيده فنضح مكانه، فلما لقيه جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة، فأصبح النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فأمر بقتل الكلاب» . الحديث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه مسلم أيضا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنها قالت: «وعد رسول الله جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في ساعة يأتيه فيها فجاءت تلك الساعة ولم يأته وفي يده عصاه فألقاها من يده، وقال: ما يخلف الله وعده ولا رسله ثم التفت فإذا كلب تحت سريره فقال: " ما هذا يا عائشة؟ متى دخل هذا الكلب هاهنا "؟ فقالت: والله ما دريت، فأمر به فأخرج، فجاءه جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " واعدتني فجلست لك فلم تأت "! فقال: منعني الكلب الذي كان في بيتك، إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة» وأخرج الأئمة الستة عن أبي طلحة الأنصاري واسمه زيد بن سهل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة» . زاد البخاري يريد صورة التماثيل التي فيها الأرواح. وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد في " مسنده " وابن حبان في " صحيحه " عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة ولا جنب.. لم يرو ابن ماجه فيه الجنب، وزاد أحمد ولا صورة ذي روح» وفي " سنده " عن عبد الله بن يحيى وفيه مقال. وعن السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الذي ذكره المصنف بقوله: لما روى مجاهد عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - استأذن على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال له: " ادخل " فقال: كيف أدخل بيتا وفيه ستر عليه تماثيل حيوان أو رجال؛ إما أن يقطع رؤوسها أو أن تجعل بساطا يوطأ، وإنا معشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب أو صورة» وذكره الأكمل في " شرحه " ناقلا عنه وذكر صاحب " الدراية " نحوه، إلا أن في موضع ستر قرام فيه تماثيل. قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي عن مجاهد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أتاني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال لي: أتيتك البارحة، فلم يمنعني أن أدخل إلا أنه كان في البيت تمثال الرجال وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال فليقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتان منبوذتان توطآن، ومر بالكلب فليخرج " ففعل رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وإذا الكلب للحسن أو للحسين - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - كان تحت نضد لهم فأمر به فأخرج ". وفي لفظ الترمذي: ويجعل منه وسادتان منتبذتين توطآن» فانظر إلى هؤلاء الشراح كيف يذكرون الحديث على غير أصله، ولا بيان من أخرجه من أرباب فن الحديث، ولا التعرض إلى حاله، على أن هذا الحديث غير مطابق بمقصود المصنف؛ لأنه عام بالنسبة إلى كل صورة، وكلام المصنف خاص بالصورة المعلقة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 ولو كانت الصورة صغيرة بحيث لا تبدو للناظر لا تكره؛ لأن الصغار جدا لا تعبد، وإذا كان التمثال مقطوع الرأس أي ممحو الرأس فليس بتمثال فلا يكره؛ لأنه لا يعبد بدون الرأس، وصار كما إذا صلى إلى شمع أو سراج على ما قالوا.   [البناية] قوله: قرام بكسر القاف وهو الستر الرقيق، وقيل: الصفيق من صوف ذي ألوان والإضافة في قوله ستر كقولك ثوب قميص، وقيل: القرام الستر الرقيق وراء الستر الغليظ وكذلك أضاف. قوله منبوذتان قال الخطابي: أي وسادتان لطيفتان وسميتا منبوذتين لخفتهما تنبذان أي تطرحان للقعود عليهما. قوله تحت نضد بفتح النون والضاد المعجمة، وهو السرير الذي تنضد عليه الثياب أي يجعل بعضها فوق بعض، وهو أيضا متاع البيت المنضود. م: (ولو كانت الصورة صغيرة بحيث لا تبدو) ش: أي لا تظهر م: (للناظر لا تكره؛ لأن الصغار جدا لا تعبد) ش: لأن الكراهة باعتبار شبه العبادة، فإذا كانت لا تعبد لصغرها، وقد روي أن أبا هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان اتخذ خاتما عليه ذبابتان، وكان على خاتم دانيال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسد ولبؤة بينهما صبي يلحسانه، فلما نظر عمر له _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اغرورقت عيناه، ودفعه إلى أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وأصل ذلك أن ألقي في غيضة وهو رضيع فقيض الله له أسدا ليحفظه ولبؤة لترضعه وهما يلحسانه، فأراد بهذا النقش أن [ ...... ] الله تعالى. م: (ولو كان التمثال مقطوع الرأس أي ممحو الرأس فليس بتمثال فلا يكره) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإنما فسره بممحو الرأس؛ لأنها إذا لم تكن ممحوة الرأس بل لو قطع بخيط ما بين الرأس والجسد لا ترفع الكراهة؛ [لأنه] كالطوق له فيشبه حيوانا مطوقا. قلت: هذا لا يدل على هذا، وكذا تفسير السغناقي بقوله: إنما فسر بها؛ لئلا يتوهم أن لو قطع رأسه بخيط من الحلقوم ورأسه ظاهر، فإن الكراهة فيه باقية أيضا، لأن من الطير ما هو مطوق، والأكمل نقله منه كذلك، والصواب ما قاله قاضي خان: وقطع الرأس أن يمحو رأسه حتى لا يبقى له أثر. وقال في " المحيط ": وقطعه أن يمحوه بخيط يخيط عليه حتى لا يبقى للرأس أثر ويصلي [ ...... ] . قلت: الذي دل عليه حديث أبي هريرة ما ذكره الشراح أن قطع الرأس بالكلية أو يجعل بساطا. م: (لأنه لا يعبد بدون الرأس) ش: أي لأن التمثال لا يعبد إذا كان بلا رأس؛ لأنه حينئذ يصير كغيره من الجمادات م: (وصار كما إذا صلى إلى شمع أو سراج) ش: أي صار حكم التمثال الذي يمحى رأسه في الصلاة إليه كالصلاة إلى شمع أو سراج أمامه؛ لأنهما لا يعبدان م: (على ما قالوا) ش: أشار به إلى أن فيه اختلاف المشايخ، حيث قيل يكره التوجه إلى الشمس أو السراج أو [الشمع] ، والمختار أنه لا يكره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 ولو كانت الصورة على وسادة ملقاة أو على بساط مفروش لا يكره؛ لأنها تداس وتوطأ بخلاف ما إذا كانت الوسادة منصوبة، أو كانت على الستر؛ لأنه تعظيم لها،   [البناية] وفي " المحيط ": إن توجه إلى سراج أو قنديل أو شمع لا يكره، وكذا ذكر في قاضي خان من غير إشارة إلى خلاف ما إذا توجه إلى تنور أو كانون فيه نار تتوقد فإنه يكره؛ لأنه يشبه العبادة؛ لأنه فعل المجوس فإنهم لا يعبدون إلا نارا موقدة. وفي " الذخيرة ": ثم من المشايخ من سوى بين أن يكون التنور مفتوح الرأس مجمرا ومنهم من فرق، وفي " المغني ": لا يصلي إلى تنور وهو قول ابن سيرين وكره السراج والقنديل في رواية هاهنا. وقال ابن بطال في شرح حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - _ الذي رواه البخاري عنه: «انكسفت الشمس فصلى نبي الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثم قال: أريت النار فلم أر منظرا كاليوم أفظع قط» فلا يضره استقبال شيء من المعبودات وغيرها كما لم يضر الرسول ما رآه في قبلته، واستدل البخاري بهذا الحديث على أنه لا يكره استقبال النار؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لا يصلي صلاة مكروهة. قلت: احتجاجه بذلك على عدم الكراهة غير صحيح من وجوه: الأول: أنه لا يلزم من قوله أريت النار أن يكون أمامه متوجها إليها، بل يجوز أن يكون عن يمينه أو عن يساره أو وراءه. الثاني: أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أريها في جهنم، وبينه وبينها ما لا يحصى من بعد المسافة فلا يكره. الثالث: أن المكروه التوجه إلى النار التي أعدت وليست نار الآخرة هنا. الرابع: أن إراءتها كانت بعد الشروع في الصلاة فلم يكن مقصودا بالتوجه إليها. م: (ولو كانت الصورة على وسادة) ش: أي مخدة والجمع وسائد م: (ملقاة) ش: أي مطروحة على الأرض م: (أو على بساط مفروش) ش: أي أو كانت الصورة على بساط مفروش م: (لا يكره لأنها تداس وتوطأ) ش: أي لأن كل واحد من الوسادة والبساط يداس بالرجل ويوطأ عليه فيحصل الامتهان م: (بخلاف ما إذا كانت الوسادة منصوبة أو كانت) ش: أي الصورة م: (على الستر) ش: أي على الستارة م: (لأنه تعظيم لها) ش: أي لأن الصلاة إليها تعظيم لها فتكره. وقال السرخسي: ذكره بعض المتأخرين [ ...... ] على البساط الكبير من الوسائد التي توضع في صدر المجلس فيجلس عليها؛ لأن ذلك في معنى الإزار فيكره الجلوس عليها، ويحكى عن الحسن وعطاء أنهما دخلا بيتا فيه بساط عليه تصاوير، فوقف عطاء وجلس الحسن وقال: تعظيم الصورة في ترك الجلوس عليها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 وأشدها كراهة أن تكون أمام المصلي ثم من فوق رأسه ثم على يمينه ثم على شماله ثم خلفه، ولو لبس ثوبا فيه تصاوير يكره؛ لأنه يشبه حامل الصنم. والصلاة جائزة في جميع ذلك؛ لاستجماع شرائطها، وتعاد على وجه غير مكروه، وهذا الحكم في كل صلاة أديت مع الكراهة،   [البناية] م: (وأشدها كراهة) ش: أي أشد الصورة من حيث الكراهة م: (أن تكون أمام المصلي) ش: أي قدامه م: (ثم من فوق رأسه) ش: أي ثم أن تكون من فوق رأسه م: (ثم على يمينه) ش: أي ثم أن تكون على يمينه م: (ثم على شماله) ش: أي ثم تكون على شماله م: (ثم من خلفه) ش: أي ثم أن تكون خلفه، وأشار بهذا إلى أن الكراهة مقول بالتشكيك، يختلف أحدها بالشدة والضعف. والحاصل أن ذكره بكلمه ثم مكرر إشارة إلى التنزيل لا إلى الترقي، حتى قيل إذا كانت الصورة خلف المصلي لا تكره الصلاة، ولكنه يكره كونها في البيت؛ لأن تنزيه مكان الصلاة عما يمنع من دخول الملائكة مستحب. وكذا يكره اتخاذ الصورة على البساط، ولكن الجلوس والنوم عليه لا بأس به؛ لأن فيه استهانة لها لا تعظيمها. م: (ولو لبس ثوبا فيه تصاوير يكره؛ لأنه يشبه حامل الصنم) ش: والصنم ما يعمل من خشب أو ذهب أو فضة صورة [على] إنسان، وإذا كان من حجارة فهو وثن. وفي " الذخيرة ": وكره في الكتاب الصلاة بخاتم فيه تماثيل لأنه من ذوي الأعاجم م: (والصلاة جائزة في جميع ذلك) ش: أي في جميع ما ذكرنا من صور الكراهة م: (لاستجماع شرائطها) ش: أي شرائط الصلاة لأن الكراهة ليست بمعنى يرجع إلى الصلاة م: (وتعاد على وجه غير مكروه) ش: أي تعاد الصلاة للاحتياط على وجه ليس فيه كراهة، وفي " الكشف ": إعادة الطواف بالجناية واجبة كوجوب إعادة الصلاة التي أديت مع الكراهة على وجه غير مكروه، وفي " جامع التمرتاشي ": لو صلى في ثوب فيه صورة يكره وتجب الإعادة؛ [لأنه] بمنزلة من يصلي وهو حامل الصنم. وفي " المبسوط ": ما يدل على الأولوية والاستحباب فإن ذكر فيه [والقومة] غير ركن عندهما فتركها لا يفسد الصلاة، والأولى الإعادة، وهذا في ترك الواجب فالأولى أن يكون في غيره كذلك. وقال شمس الأئمة السرخسي ثم البخاري: قال أصحابنا: لو ترك الفاتحة يؤمر بالإعادة ولو ترك القراءة لا يؤمر، فهذا يدل على وجوب الإعادة في ترك الواجب لا غير. م: (وهذا الحكم في كل صلاة أديت مع الكراهة) ش: ليكون الأداء على وفق الوجوب، فإن ترك واجبا من واجبات الصلاة يجب أن تعاد، وفي مختصر البحر عن القاضي [المتكلم] لو صلى في الدار المغصوبة لا يجزئه، وبه قال أحمد إلا في الجمعة، ولو صلى في عمامة مغصوبة أو في يده خاتم مغصوب صح، وعند بشر المريسي: لا يصح ما في الأرض والثوب المغصوبين. وفي " شرح القاضي الصدر ": ولو وجبت عليه في الأرض المغصوبة فأداها فيها لا يجزئه. وقال العتابي: يصح في الأرض المغصوبة، وفي " شرح العمدة " للقاضي المتكلم: غصب ثوبا وكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 ولا يكره تمثال غير ذي الروح؛ لأنه لا يعبد، ولا بأس بقتل الحية والعقرب في الصلاة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اقتلوا الأسودين ولو كنتم في الصلاة» .   [البناية] فرضه أداء الصلاة بغير سترة فستر به عورته وصلى والمطالبة قائمة، فسدت إن كان الوقت متسعا وإلا لا تفسد. م: (ولا يكره تمثال غير ذي الروح؛ لأنه لا يعبد) ش: وقد جاء في " صحيح مسلم " عن ابن عباس أنه قال: إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له. [اتخاذ الصور في البيوت وقتل الحيات في الصلاة] فروع: يكره اتخاذ الصور في البيوت، ويكره الدخول في مثل هذه البيوت والجلوس والزيارة، ولا يكره بيع الثوب الذي فيه تصاوير، وفي الأقضية لا تقبل شهادة الذي يبيع الثياب المصورة أو ينسجها، وفي " فتاوى الفضلي " لا يكره إمامة من في يده تصاوير؛ لأنها مستورة بالثياب لا تستبين فصارت كصورة نقش خاتم. وفي " نوادر هشام " عن محمد، الأجير لتصوير تماثيل الرجال أو ليزخرفها والأصباغ من المستأجر، قال: لا أجر له؛ لأن عمله معصية، وفي التفاريق هدم بيت مصور الأصباغ ضمن قيمة البيت والأصباغ غير مصورة. م: (ولا بأس بقتل الحية والعقرب في الصلاة) ش: وبه قال الحسن والشافعي وأحمد، وقال إسحاق: وإنما تقتل الحية إذا تمكن من قتلها بضربة واحدة كالعقرب. وفي " المبسوط ": والأظهر أنه لا تفضيل فيه؛ لأنه رخصة [ ...... ] عن الحديث والاستسقاء من البئر والتوضؤ، وروى الحسن عن أبي حنيفة: أنه لو لم يخف أذاهما لا يقتلهما، وهو قول النخعي ومالك؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن في الصلاة لشغلا» . وفي " قاضي خان " قال: وذكر في كتاب الصلاة أن قتلهما لا يفسد الصلاة ولم يذكر الإباحة، قال: وذكر هاهنا إباحة قتل العقرب ولم يذكر الحية، ومن المشايخ من سوى بينهما م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اقتلوا الأسودين ولو كنتم في الصلاة» ش: هذا الحديث أخرجه الأربعة في " سننهم " عن ضمضم بن جوس عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وليس في روايتهم ولو كنتم وهذا زيادة، ولفظهم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اقتلوا الأسودين في الصلاة الحية والعقرب» . قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه ابن حبان في " صحيحه "، والحاكم في " مستدركه "، وقال: حديث صحيح ولم يخرجاه. وضمضم بن جوس من ثقات أهل اليمن أنه سمع جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وقد وثقه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وضمضم بضادين معجمتين، وجوس بفتح الجيم وسكون الواو في آخره سين مهملة. قلت: روى الحاكم عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، عن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 ولأن فيه إزالة الشغل فأشبه درء المار، ويستوي جميع أنواع الحيات هو الصحيح   [البناية] قال: «إن لكل شيء شرفا، وإن شرف المجالس ما استقبل به القبلة، واقتلوا الحية والعقرب وإن كنتم في صلاتكم» ، وسكت عنه، وقد علمت عنه أن زيادة لفظة ولو كنتم في الذي ذكره المصنف موجودة في الحديث غير أنها في رواية ابن عباس لا في رواية أبي هريرة فافهم، فاندفع بهذا [ما] قاله السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأصحابنا زادوا فيه ولو كنتم وقوله الأسودين من باب العمرين والقمرين من باب التغليب؛ لأن الأسود هو العظيم من الحيات وفيه سواد، وانضم إليه العقرب لمجانسة بينهما في الأذى، وفي حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «رأيتنا وما لنا طعام إلا الأسودين، المراد منهما التمر والماء» . م: (ولأن فيه) ش: أي في قتل الحية والعقرب م: (إزالة الشغل) ش: بفتح الشين المعجمة أي شغل القلب م: (فأشبه درء المار) ش: أي أشبه قتل الحية والعقرب دفع المار من بين يديه في الصلاة، وفيه إشارة إلى الجواب عما قاله بعض المشايخ أن قتلهما إن أمكنه بضربة أو وطأة أو مقطة فعل؛ لأنه عمل يسير، وإن احتاج إلى المشي أو للضرب يفسد الصلاة لأنه عمل كثير، وتقدير الجواب: أنه عمل رخص فيه للمصلي لإزالة شغل قلبه، وفيه إصلاح صلاته فلا حاجة إلى التفصيل. م: (ويستوي جميع أنواع الحيات) ش: يعني الحية التي تسمى جنية وغيرها م: (هو الصحيح) ش: يعني [أن [إباحة قتل جميع أنواع الحيات هو الصحيح، واحترز به عن قول الفقيه أبي جعفر، فإنه يقول: الحيات على نوعين منهما: ما يكون من سواكن البيوت [لها ضفيرتان] وهي جنية، ومنها ما لا يكون منها، والجنية صورتها بيضاء لها صفيرتان تمشي مستوية فلا يباح قتلها، [أو غير جنية وهي السوداء تمشي ملتوية فله قتلها] ، ولم يذكر في " الجامع الصغير " قتل الحية، وإنما ذكرها في كتاب الصلاة، وفي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اقتلوا الأسودين» إشارة إلى هذا، وأيده بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إياكم والحية البيضاء فإنها من الجن» ، وفي غير الصلاة على قوله لا يحل قتلها إلا بعد الإعذار والإنذر بأن يقول له خلي طريق المسلمين فإن أبى فحينئذ يقتله. وغير الجن مما لو كان يضرب لونه إلى الاسوداد في سنه التواء، والإمام أبو جعفر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إنه فاسد من قبل أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخذ على الجن العهود والمواثيق بأن لا يظهروا لأمته في صورة الحية ولا يدخلوا بيوتهم، فإذا نقضوا العهد يباح قتلها. وقال الإمام قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والأولى هو الإعذار رجاء العمل بالعهد. فإن قلت: روي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اقتلوا الحيات ذا الطفيتين والأبتر» فدل على الخصوص. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 لإطلاق ما رويناه، ويكره عد الآي، والتسبيحات باليد في الصلاة، وكذلك عد السور؛ لأن ذلك ليس من أعمال الصلاة، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا بأس بذلك في الفرائض والنوافل جميعا   [البناية] قلت: لا نسلم أن تخصيص الشيء بالذكر يدل على نفي ما عداه، وقد صح عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ترك الحيات مخافة طلبهن فليس منا ما سالمناهن منذ حاربناهن» يريد به قصة آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين أعانت الحية إبليس على آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقال أبو عبيد: الطفية خوصة المقل، وشبه الخطين على ظهره بخوصتين من خوص المقل، والأبتر: القصير الذنب في الأصل وفسر هاهنا بأنه الأفعى، وقال النضر: هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب لا تنظر إليه حامل إلا سقطت. م: (لإطلاق ما رويناه) ش: أشار به إلى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اقتلوا الأسودين ولو كنتم في الصلاة» ، والحديث مطلق فلا يجوز تخصيصه بنوع من الحيات. م: (ويكره عد الآي والتسبيح في الصلاة باليد) ش: قيد بقوله في الصلاة لعدم الكراهة خارج الصلاة في الصحيح خلافا لفخر الإسلام، حيث قال: إن عد التسبيح في غير الصلاة بدعة، وكان السلف يقولون: تذنب ولا تحصي وتسبح وتحصي، وقيد باليد لأن المكروه العد بالأصابع أو بخيط يمسكه، أما العد برؤوس الأصابع والحفظ بالقلب لا يكره كذا في " المحيط " و " الخلاصة ". وفي " الإيضاح " أشار إلى أنه [لا] يكره العد بالقلب أيضا؛ لأن فيه شغل البال، وخص الآي والتسبيح بالذكر؛ لأن عد غيرهما مكروه بالاتفاق، وإطلاق الصلاة يدل على أن الخلاف في الفرائض والنوافل، واختلف المشايخ في محل الخلاف، فقيل: لا خلاف في النوافل، وإنما الخلاف في المكتوبة أنه يكره، كذا ذكره المرغيناني والمحبوبي في " المحيط " والعد باللسان مفسد، وفي ملتقى البخاري: ولو حرك أصابعه بالعد تحريكا بليغا بحيث لو نظر إليه ناظر من بعد ظن أنه في غير الصلاة تفسد صلاته، فإذا لم يكن بليغا يكره، ويكره تحريك الخاتم في الأصابع في الصلاة عندنا، وبه قال ولم يكره مالك. م: (وكذلك عد السور) ش: أي وكذا يكره عد السور من] القرآن م: (لأن ذلك) ش: أي عد الآي والتسبيح والسور م: (ليس من أعمال الصلاة) ش: فيكره، وإن استكثر تفسد. م: (وعن أبي يوسف ومحمد أنه لا بأس بذلك) ش: أي بالعد م: (في الفرائض والنوافل جميعا) ش: ذكره بكلمة عن إشارة إلى أن خلافهما ليس من ظاهر الرواية، ولهذا لم يذكر أبو اليسر خلافهما أصلا، بل قال بعضهم قالوا، وكذا في " شرح الجامع الصغير " بكلمة عن، وعن أبي يوسف لا بأس به في النفل، ومثله عن أبي حنيفة ذكره في " التحفة "، وفي " التجريد " ذكر قول محمد مع أبي حنيفة، وكذا ذكر في " الجامع الصغير "، ويروى عن بعض أصحابنا جواز عد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 مراعاة لسنة القراءة والعمل بما جاءت به السنة، قلنا: يمكنه أن يعد ذلك قبل الشروع فيستغني عن العد بعده، والله أعلم.   [البناية] التسبيح بالنوى في الصلاة م: (مراعاة لسنة القراءة) ش: أي لأجل المراعاة لسنة القراءة في الصلاة، وهي أربعون آية أو ستون آية م: (والعمل) ش: عطفا على سنة القراءة، أي ومراعاة العمل م: (بما جاءت به السنة) ش: الشراح كلهم ذكروا أن المراد من السنة ما جاء في صلاة التسبيح في تسبيحاتها عشرا عشرا في الأركان على ما هو المعروف. قلت: لو فسروا قوله بما جاءت به السنة «بحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعد الآي في الصلاة» أخرجه الإمام عن عطاء بن السائب عن أبيه عن ابن عمر به لكان أنسب وأوجه، وأجاب عنه من جهة أبي حنيفة بعضهم أنه لعله كان ذلك منه في أول الأمر حين كان العمل مباحا في الصلاة، على أن عطاء بن السائب قد اختلط في آخر عمره، فلا يحتج بحديثه إلا إذا علم أنه أخبر به قبل الاختلاط، قال أحمد: [مع] أن أبا موسى الأصبهاني قال: هذا حديث غريب. م: (قلنا: يمكنه أن يعد ذلك قبل الشروع فيستغني عن العد بعده) ش: هذا جواب عما روي عن أبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وتقريره أن يقال: يمكن للمصلي أن يعد ما يريد عده من الآي التي يريد قراءتها في الصلاة، فيستغني بذلك عن العد إذا دخل في الصلاة. فإن قلت: هذا يمكن في عد الآي دون التسبيح. قلت: يمكن ذلك في التسبيح أيضا بأن يحفظه بقلبه وبضم الأنامل في موضعها، أو يسبح حتى يتيقن أنه أتى بذلك، والمكروه أن يعده بالأصابع هكذا ذكره في " قاضي خان "، واستدل بعضهم لأبي حنيفة ومن معه بما رواه مكحول عن أبي أمامة وواثلة بن الأسقع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قالا: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عد الآي في المكتوبة، ورخص في السبحة» ، قال في " الإمام ": أخرجه أبو موسى الأصبهاني بإسناده، وعن عطاء بن أبي رباح قال: أكرهه في الفريضة، ولا أرى به بأسا في النافلة. فإن قلت: روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أعد بالأنامل، فإنهن مسؤولات مستنطقات. قلت: بعد التسليم [ ...... ] فهو محمول على أنه خارج الصلاة، ولا بأس به خارجها بالاتفاق. فإن قلت: صرح في صلاة التسبيح بالعد حيث «قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " للعباس بن عبد المطلب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن تصلي أربع ركعات فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم قلت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقرأها وأنت راكع عشرا ... » الحديث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: قالوا: يعد عددها بأكثر الرأي لا بالأصابع، وفيه نظر لعدم تمكنه من ذلك على الحقيقة، ولهذا قال في " الكافي ": إنما يتأتى هذا أي العد بأكثر الرأي أو بالضبط قبل الشروع في الصلاة بالحفظ في قلبه في الآي دون التسبيحات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 فصل ويكره استقبال القبلة بالفرج في الخلاء لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: نهى عن ذلك   [البناية] [فصل ويكره استقبال القبلة بالفرج في الخلاء] م: (فصل) ش: قد ذكرنا أن قولهم فصل لا يكون معربا؛ لأن الإعراب لا يكون إلا بعد العقد والتركيب، ولكن التقدير: هذا فصل في بيان الكراهة خارج الصلاة؛ لأنه لما فرغ من بيانها في الصلاة شرع في بيانها في خارجها. م: (ويكره استقبال القبلة بالفرج في الخلاء) ش: قد ذكرنا أن مثل هذه الواو تسمى واو الاستفتاح أو هي للعطف على ما قبله، وقوله فصل معترض بينهما واستقبال القبلة هو التوجه إليها، والخلاء ممدود بيت التغوط والمقصود النبت، ومنه الحديث ألا لا يختلى خلاها أي لا يقطع نبتها وهذه المسألة من خواص مسائل " الجامع الصغير "، وفي استقبالها بالفرج واستدبارها أربعة أقوال لأهل العلم. الأول: أنه يحرم استقبالها واستدبارها في الصحراء والبنيان، وهو قول أبي أيوب الأنصاري، واسمه خالد بن زيد النجاري شهد بدرا ومات في زمان معاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سنة خمسين وقيل: سنة اثنتين وخمسين بأرض قسطنطينية، وقول مجاهد والنخعي والثوري وأبي ثور ورواية عن أحمد. القول الثاني: أنه حرام في الصحراء جائز في البنيان بشرط أن يكون بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع فما دونها وارتفاعه قدر مؤخرة الرحل، فهو حرام، إلا أن يكون في بيت مبني لذلك فلا حرج فيه، وكذا لو ستر في الصحراء بشيء من ذلك، قال الثوري: وهذا قول العباس بن عبد المطلب وعبد الله بن عمر والشعبي ومالك والشافعي ورواية عن أحمد. قلت: هذا الإطلاق عن الثوري خطأ؛ لأنه لا يمكنه بعد الشرطين اللذين شرطهما لمذهبه عنهم مع أنهما لا أصل لهما ولا نص عليهما دليل شرعي. والقول الثالث: يجوز ذلك فيهما، وبه قال عروة بن الزبير وربيعة وداود. والقول الرابع: يحرم استقبالها فيه. وهذا القول ذكره المصنف غير أنه روى عن أبي حنيفة عدم منع الاستدبار، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن ذلك) ش: حديث النهي أخرجه الأئمة الستة في الطهارة عن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا» وأخرجه الجماعة أيضا غير البخاري «عن سلمان الفارسي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قيل له علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة‍! فقال: " أجل لقد نهانا عن أن نستقبل القبلة بغائط أو بول ... » الحديث، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه واللفظ لمسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا «إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها» . وفي حديث آخر أخرجه أبو داود وابن ماجه عن أبي زيد عن معقل بن أبي معقل الأسدي «نهى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن نستقبل القبلة ببول أو بغائط» ، وقال أبو داود: أبو زيد مولى لبني ثعلبة، وقال الذهبي: لا ندري من هو، وروى مالك في " الموطأ " عن نافع «عن رجل من الأنصار عن أبيه أنه سمع رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " ينهى أن يستقبلوا القبلة ببول أو غائط» فيه رجل مجهول فهو كالمنقطع. أما حديث أبي أيوب وحديث أبي هريرة فإنهما يدلان على حرمة استقبال القبلة واستدبارها مطلقا سواء كان في الصحراء أو في البنيان فلا معارضة، وإنما المعارضة في الاستدبار في البنيان، ولا اعتبار لها مع دلالة عموم الأحاديث الصحيحة المذكورة. فإن قلت: يقاس الاستقبال في البنيان على الاستدبار فيها. قلت: هذا فاسد من وجهين: أحدهما: أن الاستقبال فوق الاستدبار في القبح؛ لأن ما ينحط منه لا يوجه إلى القبلة بخلاف الاستقبال فلا يجوز القياس عليه. والثاني: أن العمل باللفظ العام أولى من القياس على ما عرف. وقوله: شرقوا أو غربوا يريد البلاد التي قبلتها بين المشرق والمغرب كالمدينة والشام ونحوهما، وأما البلاد التي قبلتها المشرق أو المغرب، فلا يتأتى ذلك فيها. فإن قلت: النهي المذكور لأجل القبلة أو لأجل الملائكة. قلت: قد اختلف العلماء فيه، فمنهم من قال لأجل القبلة، واحتجوا في ذلك بحديث أخرجه الطحاوي في " تهذيب الآثار " عن سماك بن الفضل عن رشدين الجندي عن سراقة بن مالك قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا أتى أحدكم الغائط فليكرم قبلة الله عز وجل، فلا تستقبلوا القبلة» . ومنهم من قال: لأجل الملائكة واحتجوا في ذلك بما رواه البيهقي عن عيسى الخياط قال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 والاستدبار يكره في رواية لما فيه من ترك التعظيم، ولا يكره في رواية لأن المستدبر فرجه غير موازي للقبلة،   [البناية] قلت: للشعبي إني أعجب من اختلاف أبي هريرة وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال نافع «عن ابن عمر دخلت بيت حفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فجاءت مني التفاتة فرأيت كنيف رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مستقبل القبلة» وقال أبو هريرة: إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، قال الشعبي: صدقا جميعا، أما قول أبي هريرة فهو في الصحراء؛ لأن لله عبادا ملائكة، وجنا يصلون، فلا يستقبلهم أحد ببول ولا غائط ولا يستدبرهم، وأما كنفهم هذه فإنما هي بيوت بنيت لا قبلة فيها. قال البيهقي: وعيسى هذا هو ابن ميسرة وهو ضعيف، ويقال فيه الحناط بالحاء المهملة والنون، ويقال أيضا الخياط بالخاء المعجمة وتشديد الياء [والطاء] آخر الحروف، ويقال الخباط بالباء الموحدة، ومنهم من قال علة النهي حرمة المصلين وهو ضعيف، والصحيح أن ذلك لحرمة القبلة، ويدل عليه حديث سراقة كما ذكرنا، وحديث آخر أخرجه البزار عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من جلس ببول قبالة القبلة فذكر وانحرف عنها إجلالا لها لم يقم من مجلسه حتى يغفر له» ، وقيل: المنع للخارج النجس، وقيل: لكشف العورة نحوها، ويبني عليه جواز الوطئ مستقبل القبلة، فمن علل بالأول أباحه، ومن علل بالثاني منعه. وفي " الروضة ": لا بأس باستقبال القبلة في حالة الإزالة والنظر، ولو تذكر بعد استقبالها فانحرف عنها فلا إثم عليه، ويكره استقبال الشمس والقمر بالفرج وكذا الريح، وفي " الروضة ": ويكره مد الرجلين إلى القبلة في النوم وغيره، وكذا إلى المصحف وكتب الفقه. م: (والاستدبار يكره في رواية) : ش: يعني عن أبي هريرة وهو الأصح م: (لما فيه) ش: أي في الاستدبار م: (من ترك التعظيم) ش: للقبلة م: (ولا يكره في رواية) ش: أي عن أبي حنيفة، وفي " جامع الأسبيجابي " عن أبي حنيفة في هذه المسألة ثلاث روايات، في رواية: كره الاستقبال والاستدبار، وفي رواية كره الاستقبال دون الاستدبار، وفي رواية: لم يكرهما وبه قال داود، في كل ذلك جاءت الآثار، وذكر أبو اليسر أما الاستدبار فلا بأس به، وقال بعضهم إن كان ذلك ساقطا على الأرض فلا بأس به ولو كان رافعا [ثوبه] قالوا: ينبغي أن يكون مكروها لأن عورته تكون إلى القبلة، وأما نهيه عن الاستدبار فكأنه قال ذلك في حق أهل المدينة لأنهم إذا استدبروا صاروا متوجهين إلى بيت المقدس، فيكره الاستدبار تعظيما لبيت المقدس. م: (لأن المستدبر فرجه غير موازي للقبلة) ش: فرجه منصوب؛ لأنه بدل من المستدبر بدل البعض من الكل، وغير موازي كلام إضافي مرفوع؛ لأنه خبر إن، ومعنى غير موازي غير محاز للقبلة، والموازاة المقابلة والمواجهة، وأصله إذا كان مهموز الفاء ومعتل اللام، يقال آزيته إذا حاذيته ولا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 وما ينحط منه ينحط إلى الأرض بخلاف المستقبل؛ لأن فرجه مواز لها وما ينحط منه ينحط إليها، وتكره المجامعة فوق المسجد والبول والتخلي؛ لأن سطح المسجد له حكم المسجد، حتى يصح الاقتداء منه بمن تحته، ولا يبطل الاعتكاف بالصعود إليه، ولا يحل للجنب الوقوف عليه، ولا بأس بالبول فوق بيت فيه مسجد، والمراد ما أعد للصلاة في البيت؛ لأنه لم يأخذ حكم المسجد، وإن ندبنا إليه.   [البناية] يقل وازيته، قاله الجوهري وغيره حازه على تخفيف الهمزة وقلبها م: (وما ينحط منه ينحط إلى الأرض) ش: أي وما ينزل منه من البول ينحط إلى الأرض غير محاذ للقبلة. م: (بخلاف المستقبل) ش: بكسر الباء على صيغة الفاعل م: (لأن فرجه مواز لها) ش: أي للقبلة م: (وما ينحط منه ينحط إليها) ش: أي إلى القبلة لأنه متوجه إليها، وقال الشافعي: إنما يكره ذلك كله في الفضاء، فأما في الأكنفة فلا. [أحكام المساجد] [المجامعة فوق المسجد والبول والتخلي] م: (وتكره المجامعة فوق المسجد والبول والتخلي) ش: أي التغوط دون ما يقوله الناس أنه الخلوة بالمرأة، والمراد من الكراهة التحريم م: (لأن سطح المسجد له حكم المسجد) ش: لأنه ثابت في العرصة والهواء جميعا م: (حتى يصح الاقتداء منه) ش: أي من السطح م: (بمن تحته) ش: يعني يصح اقتداء من كان فوق المسجد بالإمام الذي تحته إذا كان يعلم حال الإمام م: (ولا يبطل الاعتكاف بالصعود إليه) ش: أي بالطلوع من المسجد إلى سطحه، م: (ولا يحل للجنب الوقوف عليه) ش: أي على سطح المسجد، فعلم أن حكم المسجد ثابت في الهواء كما في العرصة. فإن قلت: ما حكم المساجد التي عند السواقي وعند الحياض. قلت: قال بعضهم حكمها حكم المسجد، والأصح أنها ليس لها حرمة المسجد، فإنه لا بأس بإدخال الميت فيه مع أنا أمرنا بتجنيب المساجد الموتى، وذكر الصدر الشهيد: أن المختار للفتوى في الموضع الذي يتخذ لصلاة الجنازة والعيد أنه مسجد في حق جواز الاقتداء، وأن تفصل الصفوف رفقا بالناس، فما عدا ذلك ليس له حكم المسجد، والمسجد الجامع هو أعظم المساجد حرمة وكذلك المسجد الذي له جماعة وإمام ومؤذن [وقائمون] بأمره، والمساجد المبنية على القوارع فلها حكم المسجد، إلا أن الاعتكاف فيها لا يجوز؛ لأنه ليس لها إمام ومؤذن معلوم. م: (ولا بأس بالبول فوق بيت فيه مسجد) ش: لأنه لم يخلص لله تعالى م: (والمراد ما أعد للصلاة في البيت) ش: أي المراد من المسجد المذكور في قوله فوق بيت فيه مسجد هو الموضع الذي يعده المصلي في بيته للصلاة م: (لأنه لم يأخذ حكم المسجد) ش: لبقائه في ملكه، حتى له أن يبيعه ويهبه ويورث عنه، فكان حكمه حكم غيره من المنزل المملوك، فلا يكره المجامعة والبول في جوفه فضلا عن سطحه، وتسميته مسجدا لا يفيد حكم المساجد م: (وإن ندبنا إليه) ش: يعني وإن دعينا إلى اتخاذه في البيت؛ لأنه مستحب لكل إنسان أن يعد في بيته مكانا للصلاة يصلي فيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 ويكره أن يغلق باب المسجد؛ لأنه يشبه المنع من الصلاة، وقيل: لا بأس به إذا خيف على متاع المسجد في غير أوان الصلاة، ولا بأس بأن ينقش المسجد بالجص والساج وماء الذهب.   [البناية] النوافل والسنن، قال الله تعالى في قصة موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: 87] (يونس: الآية 87) ، وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب» ، رواه أبو داود [في " سننه "] ، وابن ماجه. وروى الترمذي مرسلا فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تتخذوا بيوتكم قبورا» وهو عبارة عن ترك الصلاة في البيت. [إغلاق باب المسجد] م: (ويكره أن يغلق باب المسجد؛ لأنه يشبه المنع من الصلاة) ش: أي لأن الإغلاق شبه المنع فيكره؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: 114] (البقرة: الآية 114) ، وقوله أن يغلق من الإغلاق، ولا يقال: غلق فهو مغلوق إلا في لغة رديئة متروكة، وفي " الجامع الصغير " ويكره غلق باب المسجد وهو على اللغة المتروكة، وصوابه إغلاق باب المسجد. م: (وقيل: لا بأس به) ش: أي بإغلاق باب المسجد م: (إذا خيف على متاع المسجد) ش: من السرقة م: (في غير أوان الصلاة) ش: أي في غير وقتها للاحتياط وهو حسن، وقيل: إذا تقارب الوقتان كالعصر والمغرب والعشاء لا يغلق، وبعد العشاء يغلق إلى طلوع الفجر، ومن طلوع الشمس إلى وقت الزوال، ذكره شمس الأئمة وقاضي خان، والتدبير في الإغلاق وتركه إلى أهل المحلة، فإنهم إذا اجتمعوا على رجل جعلوه متوليا بغير أمر القاضي يكون متوليا. م: (ولا بأس بأن ينقش المسجد بالجص والساج وماء الذهب) ش: الجص بفتح الجيم وتشديد الصاد المهملة، قال الجوهري: الجص والجص ما يبنى به وهو معرب. قلت: هو معرب - كج - بالكاف والجيم وهو الكلس، وهو النورى، يقال له في لغة المصريين الجير، والساج بالجيم شجر يغلظ جدا، ينبت بالهند وله قيمة، وهذه المسألة في خواص مسائل " الجامع الصغير "، وقال فخر الإسلام البزدوي، ولفظ لا بأس دليل على أن المستحب غيره وهو الصرف إلى آخره. وقال شمس الأئمة في قوله: لا بأس إشارة إلى أنه لا يؤجر ويكفيه أن يجوز لسائر الناس. قلت: البأس: الشدة، فقوله - لا بأس - وفي الشدة روايتان والإنسان إنما يفتقر إلى نفسه حيث يتصور الشدة، وجاء في الآثار أن «من أشراط الساعة تزيين المساجد» وعلي رضي الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 وقوله: لا بأس يشير إلى أنه لا يؤجر عليه، لكنه لا يأثم به، وقيل: هو قربة   [البناية] عنه بمسجد مزوق بالكوفة فقال: لمن هذه البيعة، فقيل: هذا مصلى للمسلمين، فقال: ما هكذا يكون مصلى المسلمين. وبعث الوليد بن عبد الملك بمال يزين به مسجد رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فمر به على عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: المساكين أحوج من الأساطين، إلا أن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - نفى البأس بقوله لا بأس بدلائل لاحت عنده منها قَوْله تَعَالَى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] (النور: الآية 36) ، ورفعها تعظيمها والتعظيم [رفع شأنها وتطهيرها من الأنجاس والأقذار لا زخرفتها] . وروي عن داود - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بنى مسجد بيت المقدس، وأتم بناه سليمان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وزينه حتى نصب على أعلى قبته الكبريت الأحمر، وكان يضيء من سبعة أميال، وقيل من اثني عشر ميلا، وكانت الغزالات يغزلن في ضوئها. وقال تاج الشريعة: الكبريت الأحمر مثل لكل ما يعز وجوده أو يتناقص، قلت: المراد هنا الياقوت الأحمر، وكذا الكعبة باطنها من خزف بماء الذهب وظاهرها مستور بالديباج، وكساها عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضا، وفي تزيين المسجد ترغيب الناس في الجماعة، وتعظيم بيت الله، والدخول في أمارة من مدحه الله تعالى بقوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 18] (التوبة: الآية 18) . ثم إن تزيين المسجد لما دار مرة بين الاستحباب وبين الكراهة، قال أصحابنا بالجواز، ولم يقولوا بالاستحباب كما قال به بعضهم، [ولا بلفظ الكراهة، لما ذكرنا، كما قال به بعضهم، ثم اختلفوا في كيفية التزيين، فقيل:] ولا ينبغي التكلف لدقائق النقش، وقيل: إن كان بحيث يشتغل به المصلي يكره، وإلا فلا، وقيل: إن كثر يكره، وإن قل لا، وقيل: يكره في المحراب دون السقف. م: (وقوله) ش: أي وقول محمد في " الجامع الصغير " م: (لا بأس يشير إلى أنه لا يؤجر عليه) ش: أي لا يثاب عليه م: (لكنه لا يأثم به) ش: أي تزيين المسجد لما ذكرنا م: (وقيل هو قربة) ش: أي التزيين تقرب إلى الله تعالى لما ذكرنا من الدلائل الدالة على أنه قربة. وأجاب هؤلاء عن الأثر المذكور بأن كونه من أشراط الساعة لا يدل على البطلان، وعن قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: من ألزم محمول على أنه كانت فيه تماثيل أو أعاجيب نقش يشغل المصلين عن الخشوع والخضوع، وعن قول عمر بن عبد العزيز أنه عرف أنه كان من مال الصدقة، والمسجد لا يصلح مصرفا لذلك، ومنع أبو إسحاق المروزي تحلية الكعبة والمساجد والمشاهد بقناديل الذهب والفضة. وقال الغزالي: لا يبعد مخالفته حملا على الإكرام كما في تحلية المصحف ذكره في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 وهذا إذا فعل من مال نفسه، أما المتولي، فيفعل من مال الوقف ما يرجع إلى أحكام البناء دون ما يرجع إلى النقش حتى لو فعل يضمن، والله أعلم بالصواب.   [البناية] الوسيط، وذكر صاحب " الطراز " عن المالكية كراهة ذلك كله، وذكر في " الرعاية " عن أحمد أن المسجد يصان عن الزخرفة وهم محجوجون بما ذكرناه من إجماع المسلمين في الكعبة. م: (وهذا) ش: أشار به إلى قوله لا بأس يعني لا يكره النقش م: (إذا فعل من مال نفسه) ش: لأنه يقصد به القربة م: (أما المتولي) ش: وهو الذي ينظر في أمر المسجد وأمر أوقافه م: (فيفعل من مال الوقف ما يرجع إلى أحكام البناء) ش: مثل التجصيص م: (دون ما يرجع إلى النقش) ش: يعني ليس له أن يفعل ذلك م: (حتى لو فعل يضمن) ش: لأنه تعدى، وقيل يضمن في التجصيص أيضا، وعن الشيخ بكر الزرنجري أنه يقول: هذا في زمانهم، أما في زماننا لو صرف ما يفضل من العمارة إلى النقش يجوز قطعا؛ للأطماع الفاسدة من الظلمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 باب صلاة الوتر الوتر واجب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] [باب صلاة الوتر] [حكم صلاة الوتر] م: (باب صلاة الوتر) ش: أي هذا باب في بيان أحكام صلاة الوتر، قال السراج: لما فرغ من بيان الفرائض ومتعلقاتها وكيفية أداءها، شرع في بيان صلاة هي دون الفرض وفوق النفل، وهي صلاة الوتر، وقدمه على النوافل؛ لأن الواجب فوقها، وهو دون الفرض، فذكره بينهما؛ لأن حقه أن يكون بين الفرض والنفل، ولم يتعرض أحد لبيان وجه المناسبة بينه وبين جميع ما تقدم من الأبواب والفصول. قلت: لما كان المذكور في الباب الذي قبله بيان الفساد الواقع في الصلاة ذكر هذا الباب عقيبه؛ لما فيه من نوع من ذلك صريحا وغير صريح، أما صريحا: ففي المسألة التي فيها اقتداء الحنفي بالشافعي، وأما في غير الصريح: ففي صلاة الرجل الفجر مع تذكره أنه لم يصل الوتر، وهذا المقدار كاف لوجه المناسبة. م: (الوتر) ش: الفرد واحدا كان أو أكثر، وهو بفتح الواو، وعند أهل الحجاز وبكسرها الذحل والحقد، ولغة أهل العالية على العكس، وتميم بكسر الواو فيها، وقال النووي: الفتح والكسر لغتان فيه، والوتر م: (واجب عند أبي حنيفة) ش: وفي " المحيط " عن أبي حنيفة فيه ثلاث روايات: أحدها: أنه واجب وهو آخر أقواله، [قلت] : هو الصحيح، وقال قاضي خان: هو الأصح. والثاني: أنه فرض، وهو قول زفر، وأبو بكر بن العربي في " العارضة "، مال سحنون والأصبغ من المالكية إلى وجوبه يريده به الفرض. وفي " المغني ": عن أحمد من ترك الوتر عمدا فهو رجل سوء، ولا ينبغي أن تقبل شهادته، وقد حكى عن أبي بكر أن الوتر واجب أي فرض. وحكى ابن بطال في " شرح البخاري " عن ابن مسعود وحذيفة والنخعي أنه واجب على أهل القرآن دون غيرهم، والمراد بالوجوب الفرض. واختار الشيخ علم الدين السخاوي المقرئ النحوي أنه فرض وصف فيه جزاء، وساق فيه الأحاديث التي دلت على فرضيتها، ثم قال: فلا يرتاب ذوقهم بعد هذا أنها ألحقت بالصلوات الخمس في المحافظة عليها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 وقالا: سنة لظهور آثار السنن فيه حيث لا يكفر جاحده ولا يؤذن له.   [البناية] وقال صاحب " المنظومة ": والوتر فرض ونوى بذكره في فجره فساد فرض فجره، وقال شراحها: يعني فرض عملا، واجب اعتقادا، سنة سببا. وفي " شرح المجمع ": الوتر فرض في حق العمل عند أبي حنيفة، وواجب في حق الاعتقاد، وسنة باعتبار السبب؛ لظهور آثار السنن فيه، وبين عدم إكفار جاحده وعدم الأذان فيه. فإن قلت: هذه الآثار موجودة في صلاة العيد مع أنها واجبة. قلت: مجرد عدم الإكفار لا يدل على عدم الوجوب بل يدل المجموع وهو أن لا يكفر ولا يؤذن، ولا نسلم كون صلاة العيد واجبة، وقول البخاري لا نسلم أنه لا إذن لها، فإن قولهم في صلاة العيد: يرحمك الله الصلاة أذان وإعلام غير سديد ولا موجه؛ لأن المراد من الأذان المصطلح وليس فيها كذلك. والرواية الثالثة: عن أبي حنيفة أنه سنة مؤكدة وهي قول الأكثر من العلماء، وقال صاحب " الدراية ": ثم فيه ليس في الظاهر رواية منصوصة عنده، لكن روى حماد بن يزيد عن أبي حنيفة أنه فرض، وبه أخذ زفر. وروى يوسف بن خالد التميمي أنه عن أبي حنيفة واجب وهو الظاهر من مذهبه، وروى نوح بن مريم وقيل أسد بن عمر أنه سنة وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعي ومالك وأحمد، وفي " الحقائق " فيها ثلاث روايات ولا اختلاف في الحقيقة بين الروايات، والصحيح أنه واجب. وقال أبو بكر الأعمش: اتفقوا مع اختلافهم فيه: أنه أدون درجة من الفرض، ولا يكفر جاحده، وتجب القراءة في الركعة الثالثة، ويجب قضاؤها بالترك عامدا أو ناسيا، ولا يجوز بدون نية الوتر، ولو كان سنة لكفته نيته في الصلاة، فإن كانوا مصرين قاتلهم بالسلاح. م: (وقالا: سنة) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد: الوتر سنة م: (لظهور آثار السنن فيه) ش: أي في الوتر وبين ذلك بقوله م: (حيث لا يكفر جاحده) ش: بسكون الكاف من الإكفار أي لا ينسب إلى الكفر إذا قال الوتر ليس بفرض. م: (ولا يؤذن له) ش: أي للوتر، يعني لا أذان فيه وقد مر الكلام فيه آنفا، ولم يذكر المصنف لها دليلا من الآثار، ودليلها ما رواه أبو داود والنسائي من «حديث عبد الله بن محيريز " عن رجل من بني كنانة يقال له المخدجي قال: كان رجل بالشام يقال له أبو محمد قال: الوتر واجب، قال: فرجعت إلى عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقلت: إن أبا محمد يزعم أن الوتر واجب، قال: كذب أبو محمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول خمس صلوات كتبهن الله على عباده ... » الحديث. والمخدجي بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وكسر الدال، وقيل بفتحها وبعدها جيم، قيل إن هذا لقب، وقيل نسبة إلى بطن من كنانة، واسمه رفيع الفلسطيني، وأبو محمد: أنصاري، اسمه مسعود بن زيد بن سبيع البخاري، وقيل: اسمه أوس وكان بدريا. واحتجا أيضا بحديث الأعرابي «هل علي غيرهن؟ فقال: لا، إلا أن تتطوع» وهذا ينفي الفرض والوجوب، وبقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ثلاث هن علي فرائض وهن لكم تطوع، الوتر والفجر وصلاة الضحى» ، رواه أحمد في " مسنده " والحاكم في " مستدركه " من حديث ابن عباس قال: سمعت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: " ثلاث.. " الحديث، والذي وقع في كتب أصحابنا: «ثلاث كتب علي ولم تكتب عليكم وهي لكم سنة، الوتر، والضحى، والأضحى» . واحتجا أيضا بفعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إياه على الراحلة، والفرض لا يؤدى على الراحلة من غير عذر. والجواب عن حديث عبادة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخبر عن فرضية خمس صلوات، وأبو حنيفة لا يقول بفرضية الوتر مثل فرضية الظهر مثلا، وإنما يقول بوجوبه، والفرق بين الواجب [والفرض ظاهر قطعا فلا يكون حينئذ حجة عليه، وقوله كذب أبو محمد أي أخطأ، وسماه كذبا؛ لأنه شبهة في كونه ضدا، وإنما قاله باجتهاده رآه إلى أن الوتر واجب] والاجتهاد لا يدخله الكذب وإنما يدخله الخطأ، وقد جاء كذب بمعنى أخطأ في غير موضع. وعن حديث الأعرابي بأنه كان قبل وجوب الوتر، وفي قوله إن الله زادكم صلاة على ما يجيء، إشارة على أنه متأخر عن وجوب الصلوات الخمس، وهو نظير قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] (الأنعام: الآية 145) ، وقد حرم الله تعالى بعد ذلك أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير. وحديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه مسلم وغيره، ويدل على تأخره أنه سأله عن الصلاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] والزكاة والصيام وقال في آخره: «والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " أفلح إن صدق» ، ولم يذكر الحج، فدل على أنه كان قبل وجوب الحج، فكذا يجوز أن يكون سؤاله قبل أن يزاد على الخمس فلا يكون حجة. وعن حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بأنه ضعيف، قال الذهبي: هو غريب منكر، وفي سنده الذي أخرجه الحاكم وأحمد وابن حبان والكلبي ضعفه النسائي والدارقطني، وفي سند آخر فيه جابر الجعفي وهو مختلف فيه، وكذا أخرجه البيهقي بسند فيه أبو حيان، وقال: هو ضعيف مدلس واسمه يحيى بن حية، وقال الثوري: إنما ذكرت هذا الحديث لما بين ضعفه والحذر من الاغترار به، وله طريق آخر عند ابن الجوزي في " العلل المتناهية " فيه وضاح بن يحيى ومندل وهما ضعيفان. وأخرج ابن الجوزي أيضا نحوه من حديث أنس وفيه عبد الله بن محيريز وهو ساقط. وقال ابن حبان: كان يكذب، وأجاب أصحابنا عنه بأن الحسن يقول: بموجبه لأن الوتر ليس من المكتوبات بل من الواجبات، والواجب مختلف في ذاته وليس كل واجب مكتوب، ألا ترى أن صلاة العيدين واجبة وليست بمكتوبة وليس وجوبها كوجوب صلاة [ ...... ] والجمعة، وغسل الميت واجب وليس كغسل الجنابة، وصدقة الفطر واجبة وليست كالزكاة، وسجدتا السهو واجبتان وليستا كسجود الصلاة؛ لأن طريق الواجبات مختلفة بنص القرآن وبالمتواتر والمشهور وبالآحاد، والوتر ليس وجوبه بطريق الآحاد. وأجيب عن قوله: وهي لكم سنة بأن تحقيق الثلاث سنة لكم؛ لأن كلا منها سنة بانفرادها. وأما احتجاجهما بفعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إياه على الراحلة، والفرائض لا تؤدى عليها، فغير مستقيم على أصلهما؛ لأنهما يريان الوتر فرضا على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، [ثم] الدعوى بجواز هذا الفرض دون سائر الفروض تحكم لا دليل عليه، فإن كانت شبهتهما حديث ابن عباس المذكور فقد بينا حاله، وقال القرافي في " الذخيرة " أن الوتر في السفر ليس بواجب عليه وفعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على الراحلة كان في السفر. قلت: هذا الأصل له، وروى الطحاوي بإسناده «عن نافع ابن عمر أنه كان يصلي على راحلته ويوتر بالأرض، ويزعم أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يفعل ذلك» وكذا عن مجاهد أن ابن عمر كان يصلي في السفر على بعيره أينما توجه، وإذا كان السحر نزل فأوتر، ولعل ما روي عن ابن عمر ما يخالف ذلك كان قبل تأكده ووجوبه. وقال ابن العربي: قال أبو حنيفة الوتر واجب ولا يلحق بالواجب بالقران فكذلك يفعل على الراحلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 ولأبي حنيفة قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الله زادكم صلاة ألا وهي الوتر فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر» .   [البناية] قلت: نقله هذا عن أبي حنيفة غلط وليس مذهبه كذلك، وفي " المحيط " لا يجوز أن يوتر قاعدا مع القدرة على القيام ولا على راحلته من غير عذر، أما عندهما وإن كان سنة فلأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان ينزل فيوتر على الأرض هذا الذي صح عندهما. م: (ولأبي حنيفة قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الله زادكم صلاة ألا وهي الوتر، فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر» ش: وروى هذا الحديث عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن خارجة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجه عنه قال: «خرج علينا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال " إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم وهي الوتر فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر» . وقال الترمذي: غريب، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " وقال: حديث صحيح الإسناد، ورواه أحمد في " مسنده " والدارقطني في " سننه " والطبراني في " معجمه ". فإن قلت: رواه ابن عدي في " الكامل " ونقل عن البخاري أنه قال: لا نعرف سماع بعض هؤلاء من بعض يعني رواية، وأعله ابن الجوزي في " التحقيق " بابن إسحاق وبعبد الله بن راشد، ونقل عن الدارقطني أنه ضعفه. قلت: قال صاحب " التنقيح " أما تضعيفه بابن إسحاق فليس بشيء فقد تابعه الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب به، وأما نقله عن الدارقطني أنه ضعف عبد الله بن راشد فغلط؛ لأن الدارقطني إنما ضعف عبد الله بن راشد البصري مولى عثمان بن عفان الراوي عن أبي سعيد الخدري، وأما عبد الله بن راشد هذا فهو مصري راوي عن خارجة، عده ابن حبان في الثقات، وخارجة هو ابن حذافة العدوي [والقريشي] الصحابي، سكن مصر له هذا الحديث. قوله: حمر النعم بفتح النون والعين واحد الأنعام وهي الجمال الراعية، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل، والحمر بضم الحاء وسكون الميم جمع أحمر، ولما كانت الإبل الحمراء أعز الأموال عند العرب ذكر ذلك - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وعن عمرو بن العاص وعقبة أخرج حديثهما إسحاق بن راهويه في " مسنده " عنهما عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إن الله عز وجل زادكم صلاة وهي خير لكم من حمر النعم الوتر وهي لكم فيما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر» ومن طريقه رواه الطبراني في " معجمه ". وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرج حديث الدارقطني في " سننه "، والطبراني في " معجمه " عنه قال: «خرج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مستبشرا فقال: إن الله قد زادكم صلاة وهي الوتر» وفيه النضر أبو عمر الخزاز قال الدارقطني: ضعيف. وعن أبي بصرة بفتح الباء الموحدة وسكون الصاد المهملة الغفاري واسمه جميل أو (حميل) أخرج حديثه الحاكم في المستدرك من طريق ابن لهيعة حدثني عبد الله بن هبيرة أن أبا تميم الجيشاني وعبد الله بن مالك أخبره، أنه سمع عمرو بن العاص يقول: سمعت أبا نصر الغفاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: سمعت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: «إن الله تعالى زادكم صلاة وهي الوتر، فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح» . وسكت عنه الحاكم، وأعله الذهبي في " مختصره " بابن لهيعة، وله طريق آخر عند الطبراني في " معجمه " وأحمد في " مسنده " عن ابن المبارك. أما سعيد بن يزيد عن أبي هبيرة عن أبي تميم الجيشاني به وبطريق آخر عند الطبراني عن الليث بن سعد عن جبير بن نعيم عن ابن هبيرة به. وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرج حديثه الدارقطني في " غرائب مالك " عنه قال: «خرج رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - محمرا وجهه يجر رداءه، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال يا أيها الناس إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم وهي الوتر» . وفيه حميد بن أبي الجون الإسكندراني، قال الدارقطني: ضعيف. وعن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الطبراني في كتابه " مسند الشاميين "، وعنه قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الله تعالى زادكم صلاة، وهي الوتر» . وروي أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: «أمرنا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " فاجتمعنا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " إن الله قد زادكم صلاة فأمرنا بالوتر» . وجه الاستدلال بهذه الأحاديث أن في بعضها الأمر، والأمر للوجوب وهو معنى قول المصنف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 أمر وهو للوجوب،   [البناية] م: (أمر) ش: أي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (وهو للوجوب) ش: أي أمر الشارع فيه يدل على وجوب الوتر، والذي فيه التصريح بالأمر حديث أبي بصرة وهو قوله فصلوها، وفي حديث عمرو ابن شعيب المذكور آنفا، ونظيره ما روي عن جابر أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «أيكم خاف أن لا يقوم في آخر الليل فليوتر ثم ليرقد، ومن وثق بالقيام من آخر الليل فليوتر في آخر الليل، فإن قراءة آخر الليل محضورة وذلك أفضل» ، رواه مسلم والترمذي وأحمد وابن ماجه. وما روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «اجعلوا آخر صلاتكم وترا» ، أخرجه البخاري ومسلم. وما روي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: سمعت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: «الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حق» ، [رواه أبو داود والحاكم في " المستدرك " وصححه] . وقوله: حق أي واجب ثابت، والدليل عليه بقية الحديث؛ لأنها وعيد شديد، ولا يقال مثل هذا إلا في حق تارك فرض أو واجب ولاسيما وقد تأكد بالتكرار الكلام ثلاث مرات، ومثل هذا الكلام بهذه التأكيدات لم يأت في حق السنن، وبهذا [أسقط] ما قاله الخطابي من قوله، وقد دلت الأخبار الصحيحة على أنه لم يرد بإلحاق الوجوب الذي لا يسعه غيره، منها: خبر عبادة ابن الصامت، لما بلغه أن أبا محمد رجلا من الأنصار يقول: الوتر حق، فقال: كذب أبو محمد، لقد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في عدد الصلوات الخمس. ومنها: خبر طلحة بن عبد الله في سؤال الأعرابي، ومنها: خبر أنس بن مالك في فرض الصلوات ليلة الإسراء. أما خبر عبادة فقد تكلمنا فيه بما فيه الكفاية عن قريب، وأيضا فإنما كذبه في قوله كوجوب الصلاة، ولم يقل أحد أن الوتر واجب كوجوب الصلاة. وأما خبر طلحة فكان قبل وجوب الوتر بدليل أنه لم يذكر فيه الحج، وقد قررناه أيضا. وأما حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلا نزاع فيه أنه كان قبل الوجوب، وما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر» . أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: قال الخطابي: تخصيصه أهل القرآن بالأمر فيه، يدل على أن الوتر غير واجب، ولو كان واجبا لكان عاما، وأهل القرآن في عرف الناس هم القراء والحفاظ دون العوام. قلت: أهل القرآن بحسب اللغة يتناول كل من معه شيء من القرآن ولو كان آية فيدخل فيه الحفاظ وغيرهم، على أن القرآن كان في زمنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مفرقا بين الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولهذا التأويل الفاسد لا يبطل مقتضى الأمر الدال على الوجوب، ولا سيما تأكيد الأمر بالتقرير لمحبة الله إياه بقوله فإن الله وتر يحب الوتر. وما روي عن أبي سعيد الخدري قال: قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أوتروا قبل أن تصبحوا» ، رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه، وما روي عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره» ، رواه أبو داود والترمذي، ووجوب القضاء فرع وجوب الأداء. فإن قلت: قال الخطابي: قوله: أمدكم بصلاة يدل على أنها غير لازمة لهم، ولو كانت واجبة يخرج الكلام فيه على صيغة لفظ الإلزام، فيقول ألزمكم أو فرض عليكم أو نحو ذلك من الكلام، قال: وقد روي أيضا: «إن الله قد زادكم صلاة» ومعناه الزيادة من النوافل، وذلك أن نوافل الصلاة شفع لا وتر فيها، فقد أمدكم بصلاة وزادكم صلاة لم تكونوا تصلونها قبل على تلك الصورة والهيئة وهي الوتر. قلت: لا نسلم أن قوله أمدكم بصلاة يدل على أنها غير لازمة، فلئن سلمنا فلا ينافي ذلك [دلالة] دليل آخر على الوجوب، وقد جاء فيما ذكرناه من الأحاديث ما يدل على الوجوب. وأما وجه الاستدلال بقوله إن الله زادكم من وجوه: الأول: أنه أضاف الزيادة إلى الله تعالى، والسنن إنما تضاف إلى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. والثاني: أنه قال زادكم والزيادة إنما تتحقق في الواجبات لأنها محصورة بعدد لا [كما] في النوافل؛ لأنه لا نهاية لها. والثالث: أن الزيادة في الشيء إنما تتحقق إذا كان من جنس المزيد عليه لا يقال زاد في ثمنه إذا وهب هبة مبتدأة، ولا يقال زاد على الهبة إذا باع، والمزيد عليه فرض فكذا الزائد، إلا أن الدليل غير قطعي فصار واجبا. فإن قلت: السنن مقدرة أيضا فهذه كانت زائدة على السنن. قلت: إضافته إلى الواجبات أولى للأخذ بالاحتياط، وأيضا لو اعتبرت زيادة على الفرائض يكون الأمر معمولا لا بحقيقته، ولأنه لا يمكن جعل الزيادة على السنن؛ لأنه لا نظير له في الشرع، إذ السنن توابع الفرائض، ولا جائز أن يكون تبعا للسنن؛ لأنه يؤدى في آخر الوتر وهو آخر الليل، والسنن ليست كذلك، وقيل أفضل وقت الوتر هو السحر، ويكره أداء العشاء فيه أشد الكراهة، ولو كان الوتر تبعا للعشاء من حيث السنية لكان وقته المستحب وقت العشاء، ومما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 ولهذا وجب القضاء بالإجماع، وإنما لا يكفر جاحده؛ لأن وجوبه ثبت بالسنة وهو المعني بما روي عنه أنه سنة،   [البناية] يدل على وجوب الوتر قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إلا وهي الوتر» على سبيل التعريف، فهذا دليل على أنه كان معلوما عندهم، وزيادة تعريف وزيادة وصف وهو الوجوب لا أصله. فإن قلت: جاء حديث عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا يدل على أنه لا يلزم أن يكون المزاد من جنس المزاد عليه وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الله تعالى زادكم صلاة إلى صلاتكم هي خير من حمر النعم ألا وهي الركعتان قبل صلاة الفجر» ، أخرجه الحاكم وقال: حديث صحيح. قلت: لا يمنع هذا ما ذكرنا؛ لأنه يجوز أن يكون المراد منه ركعتا الصبح ولهذا [جاء] التأكيد فيهما، وروى أبو هريرة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل» ، رواه أبو داود ولهذا رأى محمد قضاءها بعد طلوع الشمس إلى وقت الظهر. م: (ولهذا وجب القضاء بالإجماع) ش: أي ولأجل كون الوتر واجبا وجب القضاء بالإجماع، قال الأترازي: أي بإجماع أصحابنا، وقال الأكمل: قيل المراد بالإجماع إجماع أصحابنا على ظاهر الرواية، فإنه نقل عن أبي يوسف أنه لا يقضي خارج الوقت، وعن محمد أنه قال: أحب إلي أن يقضي، قيل: المراد بالإجماع إجماع السلف، لكنه لم يثبت إلا بطريق الآحاد. قلت: هذا من كلام (الخبازي) وعلى غير ظاهر الرواية لا يصح الاستدلال على وجوبه بوجوب قضائه بالإجماع، وذكر الحافظ أبو جعفر الطحاوي أن وجوب الوتر إجماع من الصحابة، فعلى هذا لا يحتاج إلى تفسير قوله بالإجماع أي بإجماع أصحابنا، وعلى ظاهر الرواية، ولهذا سقط زعم الأكمل أيضا. وقوله وفي الجملة وكلامه في هذا الموضع لا يخلو عن تسامح ولكل جواد كبوة. م: (وإنما لا يكفر جاحده لأن وجوبه ثبت بالسنة) ش: هذا جواب عن قولهما حيث لا يكفر جاحده أي لا كفر؛ لأن الجاحد إنما يكفر إذا كان الدليل قطعيا، وهاهنا ليس كذلك؛ لأن وجوبه ثبت بالسنة يعني بخبر الواحد، ولم يثبت بخبر التواتر ولا بالمشهور فصار دون من الذي ثبت بالمتواتر أو المشهور، فإن منكر الثابت بأحدهما يكفر م: (وهو المعني) ش: بكسر النون وتشديد الياء، أي كون وجوبه ثبت بالسنة م: (بما روي عنه أنه سنة) ش: وهو الحديث الذي رواه ابن عباس: «ثلاث كتب علي ولم تكتب عليكم وهي لكم سنة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 وهو يؤدى في وقت العشاء فاكتفي بأذانه وإقامته ولا يؤذن له. قال: الوتر ثلاث ركعات لا يفصل بينهن بسلام؛ لما «روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كان يوتر بثلاث» .   [البناية] [عدد ركعات الوتر] م: (وهو يؤدى في وقت العشاء فاكتفي بأذان العشاء وإقامته) ش: هذا جواب عن قولهما م: (ولا يؤذن له) ش: أي الوتر يؤدى في وقت العشاء فاكتفي بأذان العشاء وإقامته. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (الوتر ثلاث ركعات لا يفصل بينهن بسلام) ش: بل يتشهد عند الثانية ولا يسلم، ويتشهد عند الثالثة ويسلم، وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وأبي وأنس وابن عباس وأبي أمامة وعمر بن عبد العزيز واختاره الأكثرون وابن المبارك، وهو قول مالك في كتاب الصيام ذكره في " العارضة ". وقال ابن بطال: الوتر ثلاث، قول حذيفة وأبي والفقهاء السبعة بالمدينة وسعيد بن المسيب. وقال الترمذي: وقد ذهب جماعة من الصحابة وغيرهم إلى هذا. وقال الزهري: يوتر بثلاث في رمضان وفي غيره بواحدة. وقال مالك: لا يوتر بواحدة ليس قبلها شيء لا في سفر ولا حضر. وقال النووي: الوتر أقله ركعة لا خلاف فيه، وأدنى كماله ثلاث، وأكثره إحدى عشرة، وفي وجه: ثلاث عشرة ركعة ولو زاد عليها لم يصح وتره عند جمهورهم. وقال ابن حنبل: الذي أختاره أن يفصل ركعة الوتر مما قبلها، وقال: إن أوتر بثلاث ولم يسلم لم يضيق عليه عندي، ويعجبني أن يسلم في الركعتين، وقال الأوزاعي: إن فعل فحسن، وإن لم يفعله فحسن. م: (لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يوتر بثلاث» ش: أي بثلاث ركعات لا يفصل بينهن بسلام، لما روى النسائي في " سننه " عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يسلم في ركعتي الوتر» . ورواه الحاكم في " المستدرك "، وقال: إنه صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه، ولفظه قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن» . فإن قلت: الحديث الذي ذكره المصنف يحتمل أنه كان يوتر بتسليمتين. قلت: دفع هذا الاحتمال ما ذكرناه عن النسائي والحاكم. فإن قلت: كيف حملتم المطلق على المقيد؟ قلت: يحمل إذا ورد النصان في الحكم، ولنا أحاديث أخر تدل على أن الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] منها ما رواه الأربعة من حديث عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقرأ في الركعة الأولى من الوتر بفاتحة الكتاب و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] ، وفي الثانية ب {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، وفي الثالثة ب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، والمعوذتين» ورواه الحاكم في " مستدركه "، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ورواه ابن حبان في " صحيحه "، وظاهر الحديث أن الثالثة متصلة غير منفصلة، والاتصال في ركعة الوتر المنفردة أو نحو ذلك. فإن قلت: يعكر عليه في ما لفظ الدارقطني عن عائشة «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقرأ في الركعتين اللتين يوتر بعدهما ب {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، ويقرأ في الوتر ب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] » . قلت: لا يدل، وقوله أوتر بعدها على أنه يوتر بعد التسليمة، ولا شك أن الثالثة وتر. ومنها: ما رواه الطحاوي أيضا عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - نحو حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وما رواه الطحاوي أيضا من حديث سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه «أنه صلى مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الوتر يقرأ في الركعة الأولى بسبح» .. إلخ نحوه. ومنها: ما أخرجه عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نحوه وأخرجه النسائي والترمذي وابن ماجه. ومنها: ما رواه الدارقطني ثم البيهقي عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وتر الليل ثلاث كوتر النهار، صلاة المغرب» . فإن قلت: قال الدارقطني: لم يروه عن الأعمش مرفوعا غير يحيى بن زكريا وهو ضعيف، وقال البيهقي: الصحيح وقفه على ابن مسعود. قلت: لا يضرنا كونه موقوفا على ما عرف، مع أن الدارقطني أخرجه عن عائشة أيضا نحوه مرفوعا، ومما يدل على ما ذهبنا إليه حديث النهي عن البتيراء، أخرجه ابن عبد البر في " التمهيد " عن أبي سعيد أن رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نهى عن البتيراء» أن يصلي الرجل واحدة يوتر بها، وسيأتي في باب سجود السهو إن شاء الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 وحكى الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - إجماع المسلمين على الثلاث   [البناية] وأما ما روي أيضا من الآثار فروى محمد بن الحسن في " موطأه " عن يعقوب بن إبراهيم أنا حصين عن إبراهيم عن ابن مسعود قال: ما أجزأت ركعة قط، وروى الطحاوي من حديث عقبة بن مسلم قال: سألت عبد الله بن عمر عن الوتر، فقال: أتعرف وتر النهار؟، فقلت: نعم صلاة المغرب، فقال: صدقت وأحسنت، وقال الطحاوي: وعليه يحمل حديث ابن عمر «أن رجلا سأل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن صلاة الليل فقال: مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فصل ركعة توتر لك ما صليت، قال: معناه صلي ركعة في ثنتين قبلها» واتفقت بذلك الأخبار، حديثا أبو بكر حدثنا أبو داود ثنا أبو خالد سألت أبا العالية عن الوتر فقال: علمنا أصحاب رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن الوتر مثل صلاة المغرب، هذا وتر الليل وهذا وتر النهار. وروى الطحاوي أيضا عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الوتر ثلاث ركعات، وقال: حدثنا ابن مرزوق ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت قال: صلى بنا أنس الوتر أنا عن يمينه وأم ولده خلفنا ثلاث ركعات لم يسلم إلا في آخرهن، [وروى أيضا عن المسور بن مخرمة قال: دفنا أبا بكر ليلا فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إني لم أوتر، فقام وصفنا وراءه فصلى بنا ثلاث ركعات لم يسلم إلا في آخرهن] . قال: ومذهبنا أيضا قوي من جهة النظر لأن الوقت لا يخلو إما أن يكون فرضا أو سنة، فإن كان فرضا فالفرض ليس إلا ركعتين أو ثلاثا أو أربعا، وكلهم أجمعوا أن الوتر لا يكون اثنتين ولا أربعا، فثبت أنه ثلاث. وإن كان سنة فإنا لم نجد سنة إلا ولها مثل في الفرض منه [ ..... ] الفرض لم نجد منه إلا المغرب، وهو ثلاث فثبت أن الوتر ثلاث وهذا حسن جيد، وقد ذكر الحازمي في كتابه " الناسخ والمنسوخ " من جملة الترجيحات أن يكون الحديث موافقا للقياس دون الآخر فيكون المعدول عن الثاني إلى الأول متعينا. م: (وحكى الحسن) ش: أي البصري م: (إجماع المسلمين على الثلاث) ش: يعني لا يفصل بينهن بسلام، وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " ثنا حفص ثنا عمرو عن الحسن قال: أجمع المسلمون على أن الوتر ثلاث لا يسلم إلا في آخرهن، وأوتر سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بركعة فأنكر عليه ابن مسعود، وقال: ما هذه البتيراء التي لا نعرفها على عهد رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وفي " المبسوط " عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لما رأى سعدا يوتر بركعة فقال: ما هذه البتيراء لتشفعنها أو [لأدبنك] . «وعن عبد الله بن قيس قال: قلت لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: بكم كان رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوتر، قالت: بأربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان وثلاث، وعشر وثلاث، ولم يكن يوتر بأقل من سبع، ولا بأكثر من ثلاث عشرة» رواه أبو داود، فقد نصت على الوتر بثلاث ولم يذكر الوتر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 وهذا أحد أقوال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي قول: يوتر بتسليمتين وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] بواحدة، فدل على أنه لا اعتبار للركعة البتيراء. وقال النووي: وقال أصحابنا لم يقل أحد من العلماء أن الركعة الواحدة لا تصح الإتيان بها إلا أبو حنيفة والثوري ومن تابعهما. قلت: عجبا للنووي كيف نقل هذا النقل الخطأ ولا يرده مع علمه بخطئه، وقد ذكرنا عن جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أنه يوتر بثلاث ولا يجزيه الركعة الواحدة، وروى الطحاوي عن عمر بن عبد العزيز أنه أثبت الوتر بالمدينة بقول الفقهاء ثلاثا لا يسلم إلا في آخرهن، واتفق الفقهاء بالمدينة على اشتراط الثلاث بتسلمية واحدة، تبين لك خطأ نقل الناقل اختصاص ذلك بأبي حنيفة والثوري وأصحابهما. فإن قلت: ما تقول في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فإذا خشيت الصبح فأوتر بركعة. قلت: معناه مفصلة بما قبلها، ولهذا قال في قوله توتر لك ما قبلها، ومن يقتصر على ركعة واحدة كيف يوتر له ما قبلها وليس قبلها شيء. فإن قلت: روي أنه قال: «من شاء أوتر بركعة ومن شاء أوتر بثلاث أو بخمس» . قلت: هو محمول على أنه كان قبل استقرارها؛ لأن الصلوات [الغير] المستقرة لا عبرة في أعداد ركعاتها، وكذا قول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كان يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة، يعارضه» وما روى ابن ماجه عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه «كان يوتر بسبع أو بخمس لا يفصل بينهن بتسليم ولا كلام» فيحمل على أنه كان قبل استقرار الوتر. م: (وهذا) ش: أي الإيتار بثلاث ركعات بتسليمة واحدة م: (أحد أقوال الشافعي) ش: المنقول عنه ثلاثة أقوال: الأول: كقولنا أشار إليه بقوله: وهذا أحد أقوال الشافعي. والثاني: يوتر بتسليمتين أشار إليه بقوله م: (وفي قول يوتر بتسليمتين) ش: يعني يصلي ثلاث ركعات ولكنه يسلم بتسليمتين. والقول الثالث: هو بالخيار إن شاء أوتر بركعة أو ثلاث بتسلمية واحدة وقعدة واحدة. وذكر القدوري في " شرحه لمختصر الكرخي " وعند الشافعي إن شاء أوتر بركعة أو بثلاث وهو أفضل أو بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة. م: (وهو قول مالك) ش: أي الإيتار بتسليمتين قول مالك. قلت: تحقيق مذهب الشافعي ما ذكره في " الروضة " الوتر سنة ويحصل بركعة وبثلاث وبخمس وبسبع وبتسع وبإحدى عشرة فهذا أكثر على الأصح. وعلى الثاني: أكثره بثلاث عشرة ولا تجوز الزيادة على أكثره على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 والحجة عليهما ما رويناه، ويقنت في الثالثة قبل الركوع. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعده لما «روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قنت في آخر الوتر» وهو ما بعد الركوع. ولنا ما «روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قنت قبل الركوع»   [البناية] الأصح فإن زاد لم يصح وتره، فإن زاد على ركعة فأوتر بثلاث موصولة، والصحيح أن له أن يتشهد واحدة في " الذخيرة " وله تشهد آخر في الذي قبلها، وإذا أراد أن يوتر بثلاث فهذا الأفضل فصلها بسلامين أو وصلها بسلامين أو وصلها بسلام فيه أوجه أصحها الفصل أفضل، والثاني الوصل، والثالث إن كن منفردا بالفصل وإن كان صلاها جماعة فالوصل، ومذهب مالك ما ذكره في " الجواهر " ثم الوتر ركعة واحدة وهي سنة، ومذهب أحمد ما ذكره في " حاويهم " الوتر سنة، وقال أبو بكر: يجب وأقله ركعة وأكثره إحدى عشرة، وقيل: ثلاث عشرة، وأدنى الكمال ثلاث بتسليمتين أو سردا بسلام كالمغرب. م: (والحجة عليهما ما رويناه) ش: أي الحجة على الشافعي ومالك فيما ذهبا إليه ما رويناه من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - م: (ويقنت في الثالثة) ش: أي في الركعة الثالثة م: (قبل الركوع) ش: وهو محكي عن عمر وعلي وابن مسعود وأبي موسى والبراء بن عازب وابن عمر وابن عباس وأنس وعمر بن عبد العزيز وعبيدة السلماني وحميد الطويل وابن أبي ليلى ومالك وإسحاق وابن المبارك، وحكاه ابن المنذر عن الصديق وابن جبير، وقال أيوب السختياني وابن حنبل: هما جائزان، وعن طاوس أنه قال: القنوت في الوتر بدعة، وهو مردود، وبقولنا قال ابن شريح من الشافعية. م: (وقال الشافعي: بعده) ش: أي يقنت بعد الركوع، وهو الصحيح من مذهبه وبه قال أحمد، وفي " شرح الإرشاد " لا نص عن الشافعي فيه، ولكن قال أصحابه ينبغي أن يكون بعد الركوع، وقال بعض أصحاب الشافعي: يخير بين التقديم والتأخير م: (لما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قنت في آخر الوتر» ش: هذا رواه الدارقطني في " سننه " من حديث سويد بن غفلة قال: «سمعت أبا بكر وعمر وعثمان وعليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يقولون: قنت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في آخر الوتر، وكانوا يفعلون ذلك» ولم أر أحدا من الشرح بين هذا الحديث ولا نسبه إلى أحد من الصحابة م: (وهو ما بعد الركوع) ش: هذا من كلام المصنف وليس في الحديث. م: (ولنا ما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قنت قبل الركوع» ش: روي هذا الحديث عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأخرج حديثه النسائي وابن ماجه عنه: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يوتر فيقنت قبل الركوع» هذا لفظ ابن ماجه، ولفظ النسائي «كان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 وما زاد على نصف الشيء فهو آخره، ويقنت في جميع السنة   [البناية] يوتر بثلاث يقرأ في الأولى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] ، وفي الثانية: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، وفي الثالثة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، ويقنت قبل الركوع» . وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وأخرج حديثه ابن أبي شيبة في " مصنفه " والدارقطني في " سننه " عنه «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قنت في الوتر قبل الركوع» وفي سنده أبان ابن أبي عياش متروك، وأخرج الخطيب نحوه وسكت عنه. وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وخرجه الحافظ أبو نعيم في كتاب " الحلية " عنه قال: «أوتر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بثلاث قنت فيها قبل الركوع» وقال: غريب. وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وأخرجه الطبراني في " معجمه الأوسط " عنه «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " كان يوتر بثلاث ركعات ويجعل القنوت قبل الركوع» ، وروى الطبراني أيضا في " معجمه الأوسط " عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كان يوتر بثلاث» وعن الأسود قال: كان عبد الله بن مسعود لا يقنت في صلاة الغداة وإذا قنت في الوتر قنت قبل الركوع، وفي لفظ: كان لا يقنت في شيء من الصلوات إلا في الوتر قبل الركوع. وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن علقمة أن ابن مسعود وأصحاب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع. م: (وما زاد على نصف الشيء فهو آخره) ش: هذا جواب عما رواه الشافعي إن قنت في آخر الوتر، وتقريره أن ما زاد على نصف الشيء فهو آخره. قال الأكمل: وسكت عن بيانه. قلت المراد هو الآخر حكما؛ لأن الآخر الحقيقي هو ما بعد التشهد، وليس هذا بمراد بالإجماع. وقال تاج الشريعة: إن آخره قد يكون قبل الركوع، وما رواه يكون محتملا لما قبل الركوع وبعده، وما رويناه محكم، فيحمل المحتمل على المحكم. [أحكام القنوت في الصلاة] م: (ويقنت في جميع السنة) ش: وهو قول عبد الله بن مسعود والحسن والنخعي وابن المبارك وإسحاق وأبي ثور، ورواية منصور عن ابن حنبل. وقال الثوري وهو قول جماهير أصحاب الشافعي، وقال قتادة: يقنت في السنة كلها إلا في النصف الأخير من رمضان، وعن ابن عمر: ولا يقنت في وتر ولا صبح بحال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير النصف الأخير من رمضان «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للحسن بن علي حين علمه دعاء القنوت: " اجعل هذا في وترك من غير فصل» .   [البناية] م: (خلافا للشافعي في غير النصف الأخير من رمضان) ش: مذهب الشافعي القنوت فيه في النصف الأخير من رمضان، وقيل: في جميع السنة لقول الجماعة، والصحيح من مذهبه اختصاص الاستحباب بالنصف الثاني من رمضان، وفي " الروضة ": لنا وجه آخر يقنت في جميع شهر رمضان، ووجه أنه يقنت في جميع السنة ونص الشافعي النصف الأخير سنة، وفي النهار، واختلف أصحاب الشافعي فقيل: يجوز أن يقنت بلا كراهة، وقيل يستحب، وقال جمهور أصحابه: الاستحباب يختص بالنصف الأخير من رمضان، وقال قوم: لا قنوت إلا في رمضان، وقال قوم: في النصف الأول من رمضان، وعند مالك القنوت مستحب ومحله صلاة الصبح. وقال قوم: يقنت في كل صلاة، وقال الطحاوي: لم يقل بالقنوت في النصف الأخير من رمضان إلا الشافعي والليث. قلت: ذكر ابن قدامة في " المغني " روي عن علي وأبي وابن سيرين وأحمد ومالك في رواية مثل قول الشافعي. م: «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين علمه دعاء القنوت: اجعل هذا في وترك من غير فصل» ش: دعاء قنوت الوتر أخرجه الأربعة عن أبي الحوراء «عن الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: " علمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلمات أقولهن في الوتر، وفي لفظ في قنوت الوتر: " اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل ربنا من واليت، تباركت ربنا وتعاليت» . قال الترمذي: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي الحوراء السعدي واسمه ربيعة بن شيبان، ولا نعرف عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في القنوت شيئا أحسن من هذا. ورواه أحمد في " مسنده " وابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه " وسكت عنه، ورواه البيهقي في " سننه " وزاد في روايته بعد واليت ولا يعز من عاديت وزاد النسائي في روايته تباركت [ربنا] وتعاليت، وصلى الله على النبي عليه وسلم. وفي رواية بعد قوله: " تعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا ": " لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] إنك رؤوف رحيم، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، واغفر لنا وارحمنا، وأنت خير الراحمين، أعوذ بعفوك من عقابك، وبرضاك من سخطك، ولا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك ". واستدل أصحابنا بهذا الحديث أن المستحب للقانت في الوتر أن يقنت بهذا الدعاء، وأما استدلال المصنف بقوله اجعل هذا في وترك من غير فصل فليس له وجود في هذا الحديث، فعجبي كل العجب أن أحدا من الشراح لم يتعرض لهذا، بل كلهم سكتوا خصوصا الأترازي حيث يقول: لنا «قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للحسن حين علمه دعاء القنوت: " اجعل هذا في وترك» فدل على القنوت من جميع السنة؛ لأنه لم يقيد بوقت دون وقت، وكذلك الأكمل قال نحوه. 1 - وقال صاحب " الدراية ": ولنا حديث تعليم الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور في المتن وليس كل منهما شفى العليل ولا روى الغليل؛ لأن الحديث غاية ما في الباب يدل على أن مما يدعى به في الوتر ما علمه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا يدل ذلك على استحباب قراءته في جميع السنة ولا يرضى به الخصم أن يكون هو حجة لنا عليه، واستدل لنا ابن الجوزي في " التحقيق " بحديث أخرجه الأربعة عن علي ابن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقول في آخر وتره: " اللهم أني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.» قال الترمذي: حديث حسن. قلت: وجه الاستدلال به إن كان يقتضي الدوام فيدل على أنه كان يقنت به في جميع السنة، ومن ادعى غير ذلك فعليه البيان، وروي عن علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنهما كانا يقنتان في جميع السنة، ولأن القنوت من سنن الوتر فلا يختص ببعض الأزمان كسائر السنن. فإن قلت: أخرج أبو داود عن الحسن أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جمع الناس على أبي بن كعب فكان يصلي بهم عشرين ليلة من الشهر يعني رمضان ولا يقنت بهم إلا في النصف الثاني، فإذا كان العشر الأواخر تخلف وصلى في بيته، وأخرجه أيضا عن هشام عن محمد بن سيرين عن بعض أصحابه أن أبي بن كعب أمهم يعني في رمضان فكان يقنت في النصف الأخير من رمضان. وأخرج ابن عدي في " الكامل " عن أبي عاتكة طريف بن سليمان عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقنت في النصف من رمضان» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: في الطريق الأول لأبي داود انقطاع؛ لأن الحسن لم يدرك عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفي الثاني مجهول. وقال النووي: الطريقان ضعيفان، وفي حديث ابن عدي أبو عاتكة وهو ضعيف. وقال البيهقي: هذا حديث لا يصح إسناده. وقال الأترازي: فإن قلت: أبي بن كعب كان يؤمهم في رمضان وكان لا يقنت إلا في النصف الأخير، قلت: تقليد الصحابي عند الشافعي لا يجوز فكيف تجعل فعل أبي حجة علينا. قلت: الشافعي يورد هذا علينا؛ لأنا نقلد الصحابي. والجواب المخلص ما ذكرناه. ثم قال أيضا فإن قلت: لا نقلد أيضا بل نستدل بالإجماع؛ لأن أبيا كان يؤم بحضرة الصحابة من غير نكير فحل محل الإجماع، قلت: لا نسلم الإجماع ألا ترى إلى ما ذكره الطحاوي من أن هذا القول لم يقل به أحد إلا الشافعي والليث بن سعد.. إلخ. قلت: هذا يدل على عدم إطلاعه في هذا الفن كما ينبغي؛ لأنا قد ذكرنا عن قريب أنه روي عن علي وأبي وابن سيرين وأحمد ومالك كما روي عن الشافعي، وقد جاء في دعاء القنوت وجوه كثير منها ما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقول بعد الركوع: " اللهم اغفر لنا وللمؤمنين وللمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم العن الكفرة من أهل الكتاب، الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسولك، ويقاتلون أوليائك، اللهم خالف بين كلمتهم، وأزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ". وفي رواية: " ونستهديك ونستغفرك، ونؤمن بك ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله "، وفي رواية: " ونتوب إليك ثم نتوكل عليك، ونشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخاف عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق "، وفي رواية بعد قوله: " ولا نكفرك ": " نخنع لك» ونخلع، ومعنى نخنع بالنون في غير الفعل نتواضع. 1 - أما التسمية في القنوت فعلى قول ابن مسعود أنهما سورتان من القرآن عنده، وأما على قول أبي بن كعب فإنهما ليستا من القرآن وهو الصحيح فلا حاجة إلى التسمية، وبه أخذ عامة العلماء، ولكن الاحتياط أن يجتنب الحائض والنفساء والجنب عن قراءته. ثم لنتكلم ما في هذه الأحاديث من الألفاظ المحتاجة إلى البيان. فقوله عن الحوراء بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وبعدها راء مهملة [وألف] ممدودة، وقد ذكرنا اسمه. قوله فيمن هديت أي فيمن هديتهم، وحذف المفعول كثير في الكلام لأنه فضلة، وكذلك حذف في بقية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 ويقرأ في كل ركعة من الوتر فاتحة الكتاب وسورة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) .   [البناية] الألفاظ الدالة على الخطاب، وروي اللهم اهدنا بنون الجمع وكذلك في سائر الألفاظ الدالة على الإفراد. قوله وقني أي احفظني، وأصله من وقى يقي والأمر ق، وعلى الأصل أوق. قوله: أنه أي أن الشأن، قوله لا يذل بفتح الياء ومن واليت فاعله، أي ومن واليته، والمعنى لا يذل من كنت له وليا حافظا ناصرا. قوله تباركت أي تعاظمت، قوله ربنا أي ربنا، قوله ونحفد بالدال المهملة من باب ضرب يضرب، أي شرع في العمل والخدمة، وأصل الحفد الخدمة والعمل، والحفدة الخدم جمع حافد، وفي " الصحاح " ولد الولد، ورجل محفود أي مخدوم. وقال الأصمعي: أصل الحفد مقاربة الخطو، وعن ابن مسعود الحفدة الأنصار، وفي " الكافي " ولو قال ونحفذ بالذال المعجمة تفسد صلاته. قوله ملحق بفتح الحاء وكسرها والكسر أفصح. [القراءة في صلاة الوتر] م: (ويقرأ في كل ركعة من الوتر فاتحة الكتاب) ش: قراءة الفاتحة في كل ركعة من الوتر واجبة بالإجماع، أما عند أبي يوسف ومحمد وعند الشافعي ومن معهم فلأنه نفل، وأما عند أبي حنيفة وإن كان واجبا لثبوته بخبر الواحد وفيه شبهة فيقرأها في كله للاحتياط م: (وسورة) ش: أي ويقرأ سورة مطلقة غير متعينة. كما قال الشافعي: إنه يقرأ في الأولى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} [القدر: 1] ، وفي الثانية {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، وفي الثالثة] {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، وفي كتب الشافعية أنه يقرأ في الأولى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] ؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قرأ كذلك، وقد بين المصنف أن السورة لا تتعين بقوله م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] ش: (المزمل: الآية 20) ، وهذا التيسر متى عين فيه سورة ينقلب إلى العسر، والآية عامة في الوتر وغيره، ولأن درجة الوتر لا تربو على درجة المكتوبة ولم يتوقت فيها شيء سوى الفاتحة فكذا هذا. ومذهب مالك كمذهبنا كذا ذكره في المجموع، وخصص القاضي في " المعونة " الأولى بسبح، والثانية ب {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] والوتر ب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] والمعوذتين، وبه قال الشافعي وأحمد، وقال في " الذخيرة ": وهو قول أبي حنيفة. قلت: نقله عنه غلط، وعن مالك اقرأ في الوتر ب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] والمعوذتين، وأما الشفع فلم يبلغني فيه شيء، واحتجوا في ذلك بما روى ابن ماجه عن عائشة «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقرأ في الأولى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] ، وفي الثانية: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، وفي الثالثة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] والمعوذتين» . وروى أبو داود عن أبي بن كعب قال: «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يوتر ب {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] ، وقل للذين كفروا، والله الواحد الصمد، قلت: أراد بقل للذين كفروا {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] » الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 وإن أراد أن يقنت كبر؛ لأن الحالة قد اختلفت ورفع يديه وقنت؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن» وذكر منها القنوت:   [البناية] ، وأراد بقوله والله الواحد الصمد {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] يدل على ذلك رواية النسائي وابن ماجه، وفي روايتهما {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] . وقال ابن قدامة: وحديث عائشة في هذا لا يثبت. قلت لا يفهم منها التعيين ولكن يتبرك بها فقرأها لكان حسنا، وقال الأترازي إذا لم يفعل ذلك بطريق المواظبة. قلت: إذا كان قصده التبرك يكون حسنا سواء واظب عليها أو لا؛ لأن مواظبته لا تثبت الوجوب، وذكر الأسبيجابي أنه يقرأ في كل ركعة من الوتر بفاتحة الكتاب وسورة معها، ولو قرأ فيه بسبح و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] مع الفاتحة ولم يرها حتما بل خصصهما للتبرك والاقتداء بالنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لا يكره. وفي " التحفة " إن فعل ذلك أحيانا كان حسنا. م: (وإذا أراد أن يقنت كبر) ش: يعني مصلي الوتر إذا فرغ من القراءة في الركعة الثالثة كبر، خلافا لبعض أصحاب الشافعي. وقال أحمد: إذا قنت قبل الركوع كبر ثم أخذ في القنوت. قال في " المغني " لابن قدامة، وقد روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان إذا فرغ من القراءة كبر، ومن يقنت بعد الركوع يكبر حين يركع، ونقل عن المزني أنه قال: زاد أبو حنيفة تكبيرة في القنوات لم تثبت في السنة ولا دل عليها قياسه، وقال أبو نصر الأقطع: هذا خطأ منه، فإن ذلك روي عن علي وابن عمر والبراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والقياس يدل عليه أيضا، وأشار إليه المصنف بقوله م: (لأن الحالة قد اختلفت) ش: أي لأن حالة المصلي قد اختلفت؛ لأنه كان في حالة قراءة القرآن ثم ينتقل إلى حالة قراءة القنوت والحالتان مختلفتان، والتكبير في الصلاة عند اختلاف الحالة مشروع كما في حال الانتقال من القيام إلى الركوع ومن القومة إلى السجود. فإن قلت: كان ينبغي أن يكبر بين الثناء والقراءة لاختلاف الحالة. قلت: الثناء مكمل للتكبير؛ لأنه يجانسه لكونه ثناء، وأما القنوت فواجب فيفرد بحكم على حدة، ولأن رفع اليد ثبت بالحديث الذي يأتي الآن وأنه غير مشروع بلا تكبير كما في تكبيرة الافتتاح وتكبيرات العيدين. م: (ورفع يديه وقنت) ش: رفع يده كما في تكبيرة الافتتاح إعلاما للأصم، وللشافعي في رفع اليدين في القنوت وجهان، أحدهما الرفع ذكره في " الوسيط " وأظهرهما ما ذكره في " التهذيب " أنه لا يرفع، وبه قال مالك والليث بن سعد والأوزاعي وهو اختيار القفال وإمام الحرمين ولو قلنا: إنه يرفع هل يمسح بهما وجهه؟ في " التهذيب " أصحهما: أنه لا يمسح م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن» ش: [التعليل لقوله " رفع يديه "] أي رفع يديه بعد فراغه من القراءة ثم قنت، والحديث المذكور يدل على أن الركعة الثالثة من الوتر بعد الفراغ عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] القراءة، رفع اليدين أشار إليه بقوله م: (وذكر منها القنوت) ش: أي ذكر - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من السبعة المذكورة التي ترفع فيها الأيدي عند تكبيرة القنوت. وقد تقدم الحديث في باب صفة الصلاة بما فيه من الكلام مستوفى، وقد ذكرنا هناك أنه ليس فيه ذكر القنوت فيما رواه البخاري مطلقا والبزار والطبراني، وإنما ذكر تكبيرة القنوت وقع فيما ذكره [هكذا مطلقا غريب، واستدل به هاهنا بناء على ما ذكره] المصنف هناك ولم ينبه عليه أحد من الشراح غير أن السغناقي أطال الكلام هاهنا من غير تفتيش عن كيفية الحديث المذكور، بني أكثر كلامه على ما ذكره المصنف وغيره، فقال: ولنا أن الآثار لما اختلفت في فعل رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تحاكما إلى قوله وهو الحديث المشهور أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن، ثلاثة في الصلاة، وأربعة في الحج، أما الثلاثة فتكبيرة الافتتاح، وتكبيرات العيدين، وتكبيرة القنوت، وأما الأربعة فعند استلام الحجر، وعند الصفا والمروة، وفي الموقفين، وعند الجمرتين وعند المقامين» ، والمتنازع فيه خارج عن السبع إلى آخر ما ذكره المصنف. قلت: أراد بالمتنازع فيه رفع اليدين عند الركوع وعند رفع الرأس منه، وفي قوله وهو الحديث المشهور نظر، ولئن سلمنا ذلك (فعل) رفع اليدين عند تكبيرة القنوت ليس في الحديث المذكور كما ذكرنا في باب صفة الصلاة، ثم قال هاهنا أعني في باب صفة الصلاة. فإن قلت: بعد حصر رفع اليدين في الحديث [المذكور] بالمواضع السبعة فما وجه رفع اليدين عند كل دعاء. قلت: يذكر جواب هذا في باب الوتر، فقال: الوتر. فإن قلت: هذا الحديث يقتضي انحصار جواز رفع الأيدي في هذه المواضع السبعة؛ لأنه ذكر حرمة الرفع عاما ثم استثنى منه المواضع السبعة، فبقي وراءها تحت عموم الحرمة ضرورة حتى استدل بهذه أصحابنا على حرمة رفع اليدين عند الركوع، وعلى ما ذكر في الكتاب في باب صفة الصلاة لكونها فيما وراء السبعة، ثم عمل الأئمة على خلاف هذا فإنهم يرفعون أيديهم في مواضع الأدعية كلها وإن لم تكن هي من المواضع السبعة، فما وجهه؟ وأجاب عن هذا بما ملخصه أنه وجد رواية عن السيد السمرقندي في كتابه " المستخلص " أنه قال: آداب الدعاء عشرة: أي إن قام يدعو يستقبل القبلة ويرفع يده بحيث يرى بياض إبطيه، قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن ربكم حيي كريم فيستحي من عبده إذا رفع يده أن يردها صفرا» ، وكذا ذكره ركن الإسلام محمد بن أبي بكر في شرعة الإسلام في فضل سنن الدعاء بعد ذكره شرائط كثيرة ويبدأ بالدعاء لنفسه ويرفع يديه إلى المنكبين ويجعل باطن كفيه مما يلي وجهه، ولم يقنع بهذا حتى وجه رواية في " المبسوط " الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 ولا يقنت في صلاة غيرها، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الفجر، لما «روى ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قنت في صلاة الفجر شهرا ثم تركه» .   [البناية] و " المحيط " عن أبي يوسف أنه قال: إن شاء رفع يديه في الدعاء، وإن شاء أشار بإصبعيه؛ لأن رفع اليد عندنا في الدعاء سنة والاستسقاء ليس من تلك المواضع السبعة، واعلم أن رفع الأيدي في غير تلك المواضع جائز. ثم وجد ما ذكر من الحديث على وجه الانحصار، أي لا ترفع الأيدي على وجه السنن الأصلية التي هي سنة الهدى إلا في هذه المواضع، وأما في سائر المواضع إنما لترفع في الدعاء على أنه من الآداب والاستحباب والاتباع بالآثار لا على سنة الهدى. قلت: هذا الجواب غير مخلص؛ لأن رفع الأيادي في المواضع السبعة إذا كان من سنن الهدى فتركها يكون ضلالا، وتاركها يكون مبتدعا ولم يقل أحد بذلك. وفي " المبسوط " عن محمد بن الحنفية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الدعاء أربعة، دعاء رغبة، ودعاء رهبة، [ودعاء تضرع، ودعاء خفيه، ففي دعاء الرغبة يجعل بطون كفيه نحو السماء، وفي دعاء الرهبة] يجعل ظهر كفيه إلى وجهه كالمستغيث من الشيء، وفي دعاء التضرع يعقد الخنصر والبنصر ويحلق بالإبهام والوسطى، ويشير بالسبابة، ودعاء الخفية ما يفعله المرء في نفسه، وعلى هذا قال أبو يوسف في " الإملاء " يستقبل بباطن كفيه القبلة عند افتتاح الصلاة واستلام الحجر وقنوت الوتر وتكبيرات العيد، ويستقبل بباطن كفيه السماء عند رفع الأيدي على الصفا والمروة وبعرفات وبجمع وعند الجمرتين؛ لأنه يدعو في هذه المواقف بدعاء الرغبة. [القنوت في الوتر] م: (ولا يقنت في صلاة غيرها) ش: أي في غير الوتر، أنث الضمير باعتبار الصلاة م: (خلافا للشافعي في الفجر) ش: فعنده السنة أن يقنت في صلاة الفجر بعد الركوع وبه قال مالك، غير أنه قال يقنت قبل، وعند أحمد أن القنوت للأئمة يدعون للجيوش. وقال أبو نصر البغدادي: قال الشافعي: القنوت في الفجر سنة وفي بقية الصلوات إن حدثت حادثة بالمسلمين، وإن لم يحدث فله قولان. وقال أبو نصر: أيضا كان القنوت بعد الركوع في صلاة الفجر وقد نسخ القنوت فيها. قال: فإن قيل: ما بعد الركوع محل الدعاء بدليل أنه يقول سمع الله لمن حمده، فكان محلا للقنوت لأنه دعاء. قيل له ما قبل الركوع أولى لأنه محل للقراءة والركوع وما بعده ليس محلا للقراءة، ودعاء القنوت يشبه القرآن، وقد ذكر أنه في مصحف ابن مسعود وأبي، فكان ما قبل الركوع أولى به وأشبه، ولأن في تقديمه إحراز الركعة في حق المسبوق فكان أولى. م: (لما روى ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قنت في صلاة الفجر شهرا ثم تركه» ش: هذا الحديث حجة لنا على الشافعي، رواه [البزار] في " مسنده " والطبراني في " معجمه " وابن أبي شيبة في " مصنفه " والطحاوي في " الآثار " كلهم من حديث شريك القاضي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عن أبي حمزة ميمون القصاب عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: «لم يقنت رسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الصبح إلا شهرا ثم تركه لم يقنت قبله ولا بعده» . وجه الاستدلال به أنه يدل على أن قنوت رسول الله في الصبح إنما كان شهرا واحدا، وكان يدعو على أقوام، ثم تركه فدل على أن كان ثم نسخ. وقال الطحاوي: ثنا ابن أبي داود المقدمي ثنا أبو معشر ثنا أبو حمزة [ميمون القصاب] عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال: «قنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شهرا يدعو على عصية وذكوان، فلما نهي عنهم ترك القنوت» وكان ابن مسعود لا يقنت في صلاته به، ثم قال: فهذا ابن مسعود يخبر أن قنوت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي كان إنما كان من أجل من كان يدعو عليه، وأنه قد كان ترك ذلك فصار القنوت منسوخا، فلم يكن هو من بعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقنت، وكان أحد من روى أيضا عن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ثم أخبرهم أن الله عز وجل نسخ ذلك حتى أنزل على رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128] (آل عمران: الآية 128) ، فصار ذلك عند ابن عمر منسوخا أيضا فلم يكن هو يقنت بعد رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وكان ينكر على من يقنت، وكان أحد من روى عنه القنوت عن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عبد الرحمن ابن أبي بكر فأخبر في حديثه بأن [ما] كان يقنت به رسول الله دعاء على من كان يدعو عليه، وأن الله عز وجل نسخ ذلك بقوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} [آل عمران: 128] الآية، ففي ذلك أيضا وجوب ترك القنوت في الفجر. 1 - فإن قلت: [قد] ثبت عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يقنت في الصبح بعد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فكيف تكون الآية ناسخة لجملة القنوت، وكذا أنكر البيهقي ذلك فبسط فيه كلاما في كتاب " المعرفة "، فقال: وأبو هريرة أسلم في غزوه خيبر وهي بعد نزول الآية بكثير لأنها نزلت في أحد، وكان أبو هريرة يقنت في حياته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وبعد وفاته. قلت: يحتمل أن يكون أبو هريرة لم يعلم بنزول الآية، فكان يعمل على ما علم من فعل رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وقنوته إلى أن مات؛ لأن الحجة لم تثبت عنده بخلاف ذلك، [ألا ترى] أن عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لما علما بنزول الآية وعلما بكونها ناسخا لما كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعل ترك ذلك. فإن قلت: روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن البراء بن عازب أن «النبي عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] السلام كان يقنت في صلاة الصبح وصلاة المغرب» وروى البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، عن أبي هريرة قال: والله لأقربن صلاة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الظهر وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الصبح فيدعو للمؤمنين ويلعن الكافرين: قلت: كل ما جاء من القنوت في الصلوات الفرض قد نسخ على ما بينا، وكيف تستدل الشافعية بهذا وهم لا يرون القنوت في المغرب فيعملون ببعض الحديث ويتركون بعضه وهذا تحكم. فإن قلت: روى عبد الرزاق في " مصنفه "، أخبرنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك: قال «مازال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا» ومن طريقه رواية الدارقطني في " سننه " وإسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال: «قال رجل لأنس بن مالك: أقنت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شهرا يدعو على حي من أحياء العرب، قال فزجره أنس بن مالك، وقال: مازال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا» قال إسحاق وقوله ثم تركه يعني تركه تسمية القوم في الدعاء، ورواه الحاكم في " مستدركه " وصححه، ورواه البيهقي عن الحاكم بسنده ومتنه وسكت عنه، قال: وله شواهد عن أنس ذكرها في " سننه ". قلت: قال صاحب " التنقيح على التحقيق " هذا الحديث أجود أحاديثهم، وأبو جعفر الرازي وثقه جماعة وله طرق في كتاب " القنوت لأبي موسى المديني "، قال: وإن صح فهو محمول على أنه مازال يقنت في النوازل أو على أنه مازال يطول في الصلاة، فإن القنوت لفظ مشترك بين الطاعة والقيام والخشوع والسكوت وغير ذلك، قال الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} [النحل: 120] (النحل: الآية 120) ، وقال تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} [الزمر: 9] (الزمر: الآية 9) ، وقال: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ} [الأحزاب: 31] (الأحزاب: الآية 31) وقال: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي} [آل عمران: 43] (آل عمران: الآية 43) ، وقال: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] (البقرة: الآية 238) ، وقال: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [البقرة: 116] (البقرة: الآية 116) ، وفي الحديث: " أفضل «الصلاة طول القنوت» ، وابن الجوزي ضعف الحديث المذكور في " التحقيق "، وفي " العلل المتناهية " وقال: هذا حديث لا يصح، قال أبو جعفر الرازي: اسمه عيسى بن ماهان قال ابن المديني كان يخلط، وقال يحيى: كان يخطئ، وقال أحمد: ليس بالقوي في الحديث، وقال أبو زرعة: كان يهم كثيرا وقال ابن حبان: كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير، ورواه الطحاوي في " شرح الآثار " وسكت عنه إلا أنه قال: وهو معارض بما روي عن أنس «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنما قنت شهرا يدعو على أحياء من العرب ثم تركه» . 1 - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: ويعارضه أيضا ما رواه الطبراني في " معجمه "، ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ثنا شيبان بن فروخ ثنا غالب بن فرقد الطحاوي قال: كنت عند أنس بن مالك شهرين فلم يقنت في صلاة الغداة، وروى محمد بن الحسن في كتابه " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال: «لم ير النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قانتا في الفجر حتى فارق الدنيا» وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": أحاديث الشافعية على أربعة أقسام: منها: ما هو مطلق، وأن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قنت وهذا لا نزاع فيه، لأنه ثبت أنه قنت. والثاني: مقيد بأنه قنت في صلاة الصبح [فيحمله على فعله شهرا بأدلتنا. الثالث: ما روي عن البراء بن عازب «أن النبي كان يقنت في صلاة الصبح والمغرب» . رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد، وقال أحمد: لا يروى عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قنت في المغرب إلا في هذا الحديث. الرابع: ما هو صريح في حجتهم، نحو ما رواه عبد الرزاق في " مصنفه "، وقد ذكرناه الآن، قال: وقد أورد الخطيب في كتابه الذي صنفه في القنوت أحاديث أظهر فيها تعصبه. فمنهما: ما أخرجه عن دينار بن عبد الله خادم أنس بن مالك قال: «مازال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقنت في صلاة الصبح حتى مات» قال وسكوته عن القدح في هذا الحديث، واحتجاجه به وقاحة عظيمة وعصبية باردة وقلة دين؛ لأنه يعلم أنه باطل، قال ابن حبان: دينار يروي عن أنس أشياء موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب إلا على سبيل القدح فيها، فواعجبا للخطيب أما سمع في " الصحيحين ": «من حدث علي حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» ، ثم ذكر له أحاديث أخرى كلها عن أنس «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يزل يقنت في الصبح حتى مات» وطعن في أسانيدها. قلت اختلفت الآثار والأحاديث عن أنس واضطربت فلا يقوم مثل هذا حجة. فإن قلت: حديث المصنف فيه أبو حمزة القصاب، قال ابن حبان: كان فاحش الخطأ كثير الوهم يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، وتركه أحمد ويحيى بن معين. قلت: رضي به الطحاوي حيث استدل بحديثه وهو إمام جهبذ لا ينازع فيما يقوله، ولئن سلمنا فقد وردت أحاديث أخرى وإن كان بعضها ضعيفا، يقويه ويودعها الله ما شاء، منها ما روى ابن ماجه في " سننه " عن محمد بن يعلى عن عنبسة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن ماتع عن أبيه عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن القنوت في صلاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الصبح» . ومنها: ما روي «عن ابن عمر أنه ذكر القنوت فقال: إنه لبدعة ما قنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير شهر واحد ثم تركه» رواه بشر بن حرب عنه، وقال البيهقي: وهو ضعيف، وقال الذهبي: وبعضهم قواه واحتج به النسائي. ومنها: ما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه «عن أبي مالك الأشجعي، قلت: يا أبت أليس قد صليت خلف رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وخلف أبي بكر وعمر؟ قال: بلى، قلت: فكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: يا بني محدث» وأبو مالك الأشجعي. روى عن أبيه طارق بن أشيم، قال البيهقي: طارق الأشجعي ما حفظه من غيره، قلت حفظه فالحكم له، وقال الذهبي: لا منافاة بينهما، بل يدل على أنهم كانوا يقنتون ويتركون إذا كان لا يستدعي دوام العقد، وخبر طارق صححه الترمذي. ومنها: ما رواه البيهقي عن أبي مجلز قال: صليت مع ابن عمر [صلاة] الصبح، فلم يقنت ثم قلت له: لا تقنت! فقال: ما أحفظ من أحد من أصحابنا، قال الذهبي: هذا صحيح عن ابن عمر، وكونه مع فرط متابعته واعتنائه بالأثر [ ...... ] لم يحفظه يدل على ترك مداومة ذلك، وقال البيهقي: نسيان بعض الصحابة أو غفلته عن بعض السنن لا يقدح في رواية من حفظ وأثبت، وقال الذهبي: نسيان ابن عمر لذلك كالمستحيل؛ لأنه يستمر على صلاة الصبح دائما، وكان ملازما للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وصاحبيه، شديد الاتباع. فإن قلت: ذكر الحازمي في كتابه " الناسخ والمنسوخ " اختلف الناس في قنوت الفجر، فذهب إليه أكثر الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار إلى يومنا، فروي ذلك عن الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة ثم عمار بن ياسر وأبي بن كعب، وأبي موسى الأشعري، وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وسهل بن سعد الساعدي، ومعاوية بن أبي سفيان، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ومن المخضرمين أبو رجاء العطاردي، وسويد بن غفلة، وأبو عثمان النهدي، وأبو رافع الصائغ. ومن التابعين: سعيد بن المسيب، والحسن، ومحمد بن سيرين، وأبان بن عثمان، وهشام، وقتادة، وطاووس، وعبيد بن عمير، والربيع بن خثيم، وأيوب السختياني، وعبيدة السلماني وعروة بن الزبيرِ، وزياد بن عثمان، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعمر بن عبد العزيز، وحميد الطويل، وذكر جماعة من الفقهاء، ثم قال: وخالفهم طائفة من الفقهاء وأهل العلم [فمنعوه] وادعوا أنه منسوخ. قلت: قد ذكرنا النسخ ووجهه وكل من روى القنوت، وروى تركه ثبت عنده نسخه؛ لأن فعله للمتأخر ينسخ المتقدم، وقد صح أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كان يقنت في صلاة المغرب» كما في صلاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 .. .... .... .... ..   [البناية] الفجر ثم انتسخ أحدهما بالاتفاق فكذلك الآخر. فإن قلت: تركه ليس فيه دلالة على نسخه؛ لأنه يجوز أن يكون تركه وعاد إليه، قد يدفع هذا ما روى أبو يعلى الموصلي بسنده عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الحارث، عن عبد الله بن كعب، عن عبد الرحمن بن أبي بكر، قال: «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا رفع رأسه من الركعة الأخيرة من صلاة الصبح بعدما يقول: سمع الله لمن حمده يدعو للمؤمنين، ويلعن الكفار من قريش، فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] (آل عمران: الآية 128) ، فما عاد رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يدعو على أحد بعد» . ويؤيده ما أخرجه البخاري ومسلم عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة قال: «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا أراد أن يدعو على أحد قنت بعد الركوع " وربما قال: سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنين يوسف، يجهر بذلك حتى كان يقول في بعض صلاة الفجر: اللهم العن فلانا وفلانا لأحياء من العرب، حتى أنزل الله تعالى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [آل عمران: 128] الآية» . فإنه قلت: هذا كله يدل على أن المتروك [فعله] هو الدعاء على الكفار. قلت: حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -[أنه]- عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يقنت في الفجر إلا شهرا ولم يقنت قبله ولا بعده يدل على نفيه بالكلية غير شهر واحد فافهم. ومن الدلائل عليه ما روي عن شيبان ثنا غالب بن فرقد، قال: كنت عند أنس بن مالك شهرين فلم يقنت في صلاة الغداة ولو لم يثبت عنده النسخ لما تركه. وقال أبو زرعة: شيبان صدوق، وعن نافع «عن ابن عمر قال: صليت خلف رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعمر وعثمان فلم يقنتوا» وصلى علقمة ومسروق والأسود وعمرو بن ميمون خلف عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلم يقنت. 1 - فإن قلت: أخرج البيهقي عن طاوس قال: صليت خلف عمر الصبح فقنت. وعن عبيد بن عمير قال: سمعت عمر يقنت هاهنا في الفجر بمكة، ثم قال: هذه روايات صحيحة موصولة. قلت: كيف تكون صحيحة وفي أسانيدها محمد بن الحسن الروذباوي، قال ابن الجوزي في كتابه: قال البرقاني كان كذابا. قال الدارقطني: خلط الجيد بالرديء فأفسده، بل الروايات الصحيحة عن عمر أنه لم يقنت، فمنها «رواية أبي مالك الأشجعي، وقد ذكرناها. وروى ابن حبان في " صحيحه " والبيهقي أيضا عنه ولفظه: صليت خلف النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فلم يقنت وصليت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 فإن قنت الإمام في صلاة الفجر يسكت من خلفه عند أبي حنيفة، ومحمد رحمهما الله، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتابعه لأنه تبع لإمامه، والقنوت في الفجر مجتهد فيه. ولهما أنه منسوخ ولا متابعة فيه،   [البناية] خلف عمر فلم يقنت، وصليت خلف عثمان فلم يقنت، وصليت خلف علي فلم يقنت، ثم قال: يا بني إنها بدعة» . ومنها: ما رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا ابن أبي خالد عن أبي الصماء عن سعيد بن جبير أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان لا يقنت في الفجر، ورواه عبد الرزاق عن ابن عيينة عن أبي خالد، وفي " التهذيب " لابن جرير الطبري روى شعبة عن قتادة عن أبي الشعثاء عن ابن عمر مثله، وقال الشعبي: كان عبد الله لا يقنت، ولو قنت عمر لقنت عبد الله، وعبد الله يقول لو سلك الناس واديا وشعبا وسلك عمر واديا وشعبا، لسلكت وادي عمر وشعبه، وقال إبراهيم وقتادة: لم يقنت أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حتى مضيا. وروى شعبة عن قتادة عن أبي مجلز. قلت: لابن عمر الكبير: ما يمنعك عن القنوت قال: لا أحفظه عن أحد، وقال قتادة: عن علقمة عن أبي الدرداء قال: لا قنوت في الفجر، وأخرج أبو مسعود الرازي في أصول السنة وجعل أول حديث من قال إن القنوت محدث وأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قنت شهرا ثم تركه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، ورواه الطبري عن ابن كريب، وسئل ابن عمر عن القنوت في صلاة الفجر فقال: لا والله لا نعرف هذا. وعن سعيد بن جبير قال: أشهد أني سمعت ابن عباس يقول: القنوت في صلاة الفجر بدعة، ذكره ابن منده، وقال الليث بن سعد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما قنت منذ أربعين عاما أو خمسة وأربعين عاما إلا وراء إمام يقنت، وقال: أحدث في ذلك بالحديث الذي جاء عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قنت شهرا أو أربعين يوما يدعو لقوم ويدعو على آخرين حتى أنزل الله عز وجل معاتبا {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] الآية، فترك رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - القنوت فما قنت بعدها حتى لقي الله عز وجل قال: فمنذ حملت هذا الحديث لم أقنت. م: (فإن قنت الإمام في صلاة الفجر يسكت من خلفه عند أبي حنيفة ومحمد) ش: أطلق ذكر الإمام يتناول الشافعي والحنفي وغيرهما، فمن قنت في صلاة الفجر م: (وقال أبو يوسف يتبعه) ش: أي: يتبع الإمام في قراءة القنوت م: (لأنه يتبع الإمام) ش: فلا يخالفه؛ لأن الأصل هو المتابعة م: (والقنوت في الفجر مجتهد فيه) ش: لأن بعض العلماء يرون القنوت في الفجر، لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قنت في الفجر على ما مر، فيه أحاديث كثيرة وبعضهم يقولون إنه منسوخ، وصار مجتهدا فيه فلا يترك بالشك م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أنه) ش: أي القنوت في الفجر م: (منسوخ) ش: وقد بينا وجهه مستوفى م: (ولا متابعة فيه) ش: أي في المنسوخ؛ لأن الاتباع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 ثم قيل: يقف قائما ليتابعه فيما تجب متابعته. وقيل: يقعد تحقيقا للمخالفة؛ لأن الساكت شريك الداعي، والأول أظهر ودلت المسألة على جواز الاقتداء بالشفعوية،   [البناية] فيه لا يجوز، ثم إذا لم يتابعه عندهما ماذا يفعل؟ فقد اختلفوا أشار إليه بقوله م: (ثم قيل يقف قائما) ش: أي يقف المقتدي حال كونه قائما ينتظر الإمام م: (ليتابعه بما تجب متابعته فيه) ش: وهو القيام. وقال قاضي خان: هو الصحيح. م: (وقيل يقعد تحقيقا للمخالفة) ش: أي لأجل التحقيق في مخالفته في المنسوخ م: (لأن الساكت شريك الداعي) ش: ألا ترى أن المقتدي وإن كان لا يأتي بالقراءة فهو شريك الإمام. فإن قلت: تحقيق المخالفة مفسد للصلاة، قلت: إنما يكون مفسدا إذا كان في ركن من أركان الصلاة أو شرائطها، فأما في غير ذلك فلا. فإن قلت: الساكت إذا كان شريك الداعي ينبغي أن لا يفصل؛ لأن السكوت موجود في القعود أيضا. قلت: السكوت إنما يكون دليل الشركة إذا لم توجد المخالفة وقد وجدت؛ لأنه قاعد والإمام قائم، وعلى الخلاف المذكور إذا كبر خمسا على الجنازة، فإذا لم يتابعه في الخامسة عندهما، قيل: يسلم ولا ينتظر الإمام؛ لأنه اشتغل بأمر غير مشروع لقبحها وهو الأصح أن يسكت ويتابع الإمام في السلام، ولم يذكر فيها أنه يقعد تحقيقا للمخالفة كما ذكر في القنوت. م: (والأول أظهر) ش: هو قول من قال يقنت قائما لأن الأصل المتابعة لا المخالفة، ولو قعد لخالفه فيما يجب متابعته م: (ودلت المسألة) ش: أي المسألة المذكورة، وهي اقتداء من لا يرى القنوت في صلاة الفجر بمن يراه فيها م: (على جواز الاقتداء بالشفعوية) ش: لأنه إذا لم يجز الاقتداء بمن يرى القنوت في الفجر وهو الشافعي ومن تابعه لا يصح اختلاف علمائنا بأن المقتدي يسكت خلفة أو يتابعه، وقوله بالشفعوية أي بالطائفة الشفعوية، وهو لمذهب جمع شفعوي في زعم القائل هذا، وفي ذيل المغرب ومن الخطأ الظاهر قولهم اقتداء حنفي المذهب بشفعوي وإنما الصواب شافعي المذهب في النسبة إلى الإمام الشافعي على حذف بالنسبة من المنسوب إليه؛ لأن الشافعي منسوب إلى جده شافع، والقاعدة أنهم إذا أردوا النسبة إلى شيء منسوب إلى آخر يحذفون ياء النسبة منه. وقال صاحب " المحيط ": وقال قاضي خان وغيرهم: إنما يصح الاقتداء بالشافعية إذا كان الإمام يحتاط في موضع الخلاف بأن كان لا ينحرف عن القبلة ويجدد الوضوء عند الفصد والحجامة ويغسل ثوبه من المني ولا يكون منقصا ولا شاكا في إيمانه، أي لا يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، بل يقطع بإيمانه من غير استثناء، قلت: هذا يرجع إلى أن يصير حنفيا والتعصب يوجب فسقه، والصلاة خلف الفاسق جائزة، والانحراف عن القبلة ليس من مذهب الشافعي، وإنما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ينسب ذلك إلى بعض الأمويين. وقال في " المحيط ": ولا يقطع وتره. وقال أبو بكر الرازي: يجوز اقتداء الحنفي بمن يسلم على الركعتين في الوتر ويصلي معه بقية الوتر؛ لأن إمامه لا يجزئه سلامه عنده لأنه مجتهد فيه، كما لو اقتدى بإمام قد رعف وهو يعتقد أن طهارته باقية؛ لأنه مجتهد فيه فطهارته باقية في حقه. وقيل لا يصح الاقتداء في الرعاف والحجامة وبه قال الأكثرون، وإن رآه احتجم ثم غاب فالأصح جواز الاقتداء به يجوز أن يتوضأ احتياطا وحسن الظن به أولى، شاهد [بثيابه] منيا ولو رآه ثم صلى، ولم يتوضأ، قيل: يصح الاقتداء به. وقيل: لا يصح كاختلافهما في جهة التحري فإنه يمنع في " الواقعات " الرائي في ثوب إمامه بولا أقل من قدر الدرهم، وهو يرى أنه لا يجوز الصلاة معه، والإمام يرى جوازها معه يعيد صلاته. وفي " المنهاج ": لو اقتدى شافعي بحنفي مس فرجه أو افتصد فالأصح الصحة في الفصد دون المس اعتبارا بنية المقتدي، وفي " الخرقي " المختلفون في الفروع تصح الصلاة خلفهم من غير كراهة. وقال ابن قدامة: ما لم يعلم أنهم تركوا ركنا أو شرطا، ولو اقتدى الحنفي بمن يرى الوتر سنة يجوز لضعف دليل وجوبه ذكره في " مختصر المحيط "، وفي جواز اقتداء الحنفي بالشافعي ذكر أبو الليث أنه لا يجوز من غير أن يطعن في دينهم. وفي " جامع الكردري " عن أبي حنيفة أن من عمل عملا من رفع يديه عند الركوع وعند رفع الرأس منه تفسد صلاته، وفي " الفوائد الظهيرية " فيه نظر، ومن شرط جواز اقتداء الحنفي بالشافعي أن لا يتوضأ بماء راكد يبلغ قلتين ووقعت فيه النجاسة وأن يغسل ثوبه من المني الرطب ويفرك يابسه وأن لا يقطع الوتر، وأن لا يراعي الترتيب، وأن لا يمسح ربع ناصيته، فإذا لم يعلم هذه الأشياء (يتعين) يجوز الاقتداء به ويكره، وأن يقف إلى القبلة مستويا ولا ينحرف انحرافا فاحشا. وفي " الخلاصة " والمراد بالانحراف الفاحش أن [لا] يتجاوز [ .... ] وأن لا يكون شاكا في إيمانه، والشك في إيمانه أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله، أما لو قال: أنا أموت مؤمنا إن شاء الله يصلي خلفه. وفي " الحيلة ": صلى خلف حنفي أو مالكي يجوز إذا قرأ الفاتحة مع التسمية واعتدل في الركوع والسجود، وإن كان بخلاف هذا لا يجوز. وقال الأترازي: وقول من قال: أنا مؤمن إن شاء الله باطل؛ لأن التعليق مناف للوقوع كما في قوله لامرأته أنت طالق لا يقع الطلاق، وإنما هذا إذا كان حاصلا قبل التعليق فلا يصح التعليق؛ لأنه يكون في أمر مقدم على خطر الوجود، ألا ترى أن أحدا من العقلاء لا يقول هذه اسطوانة إن شاء الله؛ لأن الله قد شاء قبل ذلك، وإن لم يكن حاصلا يصح تعليقه ولا يصح إيمانه. فإن قال لا أريد التعليق بل أريد التبرك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 وعلى المتابعة في قراءة القنوت في الوتر. وإذا علم المقتدي منه ما يزعم به فساد صلاته كالفصد وغيره لا يجوز الاقتداء به، والمختار في القنوت الإخفاء؛ لأنه دعاء،   [البناية] كما في قَوْله تَعَالَى {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27] (الفتح: الآية 27) ؛ لأن الله قد شاء قبل ذلك، فيرد عليه بأن التعليق ليس بمراد في الآية، بل التعليق مراد بعينه؛ لأنه عبارة عن توقيف أمر على أمر سيكون وكان دخولهم المسجد الحرام بصفة الأمن موقوفا على مشيئة الله تعالى، كما أن الطلاق موقوف على مشيئة الله في قوله أنت طالق إن شاء الله؛ لا أن الطلاق لا يقع لعدم العلم بمشيئة الله بخلاف دخول المسجد الحرام فإنه لما حصل حسب علمنا أن مشيئة الله قد وجدت أيضا قطعا ويقينا؛ لأن وجود المشروط يدل على وجود الشرط لأنه لا وجود له بدون الشرط. م: (وعلى المتابعة في قراءة القنوت في الوتر) ش: أي ودلت المسألة أيضا على جواز متابعة المقتدي الإمام في قراءة القنوت في الوتر يعني يقنت فيه كالإمام. قال قاضي خان: ومنهم من قال: يقنت الإمام جهرا ولا يقنت المقتدي، قال: والصحيح أنه يقنت لأن الاختلاف في الدعاء المنسوخ يدل على الاتفاق في القنوت المشروع بالطريق الأولى. م: (وإذا علم المقتدي منه) ش: أي من الإمام م: (ما يزعم به فساد صلاته كالفصد وغيره) ش: نحو ترك الوضوء في الخارج النجس من غير السبيلين م: (لا يجوز الاقتداء به) ش: لأنه رأى إمامه على خطأ يمنع اقتداءه به في زعمه، وقد بسطنا الكلام فيه عن قريب. م: (والمختار في القنوت الإخفاء لأنه دعاء) ش: والمسنون في الدعاء الإخفاء، قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] (الأعراف: الآية 55) ، ولم يذكر هذه في ظاهر الرواية، فعند أبي يوسف يجهر الإمام بالقنوت والمقتدي يخير إن شاء أمن، وإن شاء قرأ جهرا أو مخافتة. وعن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخفي الإمام والمقتدي بالقنوت؛ لأنه ذكر كسائر أذكار الافتتاح وتسبيحات الركوع والسجود. وقال بعضهم يحمله الإمام عن المقتدي كالقراءة، وفي " الحاوي " يجهر الإمام بالقنوت، وقيل يخافت، وقيل يتوسط بين الجهر والمخافتة. وعن محمد: أن الإمام والمأموم يجهران بالقنوت، وفي " نوادر ابن رستم " رفع الإمام والمأموم صوتهما في قنوت الوتر أحب إلي. وفي " المفيد ": قال مشايخنا: المؤتم يخفي القنوت حتما، والإمام لا يخفي حتى يسمع الناس، وقيل: إن كان القوم لا يعلمون القنوت يجهر الإمام به ليتعلموا منه وإلا يخفي. قال بعض الأصحاب: يجب أن يجهر به لشبهه بالقراءة. وفي " الحاوي ": ولم ير بعض أصحابنا التأمين ولا الإرسال، بل يرون وضع اليمين على الشمال، وفي " المبسوط " وهو الأصح، وعند المالكية لو ترك الجهر به سهوا سجد للسهو، وإن تعمد ففي بطلان وتره قولان، ذكره في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] " الذخيرة " للقرافي، وفي " القدوري ": يرسل يديه، وفي " الذخيرة " يرسل عندهما، ورواية عن أبي حنيفة وفي رواية عنه يضعهما، ومعنى الإرسال: أن لا يبسطها كما يفعله الداعي في حالة الدعاء، وعن أبي حنيفة أنه يشير بالسبابة من يده اليمنى فيه. وعن أبي يوسف: أنه يبسط في حال القنوت. 1 - فروع: إن نزل بالمسلمين نازلة قنت الإمام في صلاة الجهر، وبه قال الأكثرون وأحمد. وقال الطحاوي: إنما لا يقنت عندنا في صلاة الفجر من غير بلية، فإن وقعت فتنة أو بلية فلا بأس به، فعله رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذكره عنه السيد الشريف صاحب " النافع " في مجموعه، وفي السابع إذا قنت الإمام في شهر رمضان تابعه القوم إلى قوله: ملحق، فإذا شرع في الدعاء قال أبو يوسف: يتابعونه؛ وقال محمد: يؤمنون على دعائه، وقيل: إن شاءوا سكتوا، ومن لا يحسن دعاء القنوت قال المرغيناني: يقول على وجه الاستحباب اللهم اغفر لي ثلاثا. وفي " الواقعات " و " الذخيرة ": اللهم اغفر لنا ثلاثا أو أكثر، وقيل: يقول يا رب ثلاثا ذكره في " الذخيرة "، وقيل: يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وهو اختيار بعض المشايخ. وفي " المرغيناني ": ولا يصلي على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وفي " المحيط " هذا عند بعضهم؛ لأنه ليس موضع الصلاة عليه، واختيار أبي الليث أن يصلي عليه ثم لا يصلي في القعدة الأخيرة. وقال محمد: ليس في القنوت دعاء مؤقت؛ لأنه إذا لم يؤقت في القرآن ففي الدعاء أولى، وفي " المحيط " و " الذخيرة ": يعني قول محمد ليس في القنوت دعاء مؤقت يعني غير قوله اللهم إنا نستعينك.. الخ، واللهم اهدنا.. الخ، وفي " جوامع الفقه ": قيل: المراد به خارج الصلاة، وفي " المبسوط ": ذلك في المناسك ولا في الصلوات، وأهل العراق يسمونها السورتين. وقال عبد الله بن داود: من لم يقنت بسورتين لا يصلى خلفه، وعند مالك يقنت بهما. وقال إسحاق والشافعي: يقنت بقوله: اللهم اهدني فيمن هديت.. إلخ، ولو بسط يديه بعد الفراغ منه ومسح بهما وجهه قيل: تفسد صلاته، ذكره في " جوامع الفقه "، وورد به حديث، رواه أبو داود وفي إسناده رجل مجهول، وكان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا دعا يرفع يديه مسح بهما وجهه، وفي إسناده عبد الله بن لهيعة ذكر الحديثين في " المغني ". [حكم من أوتر ثم قام يصلي يجعل آخر صلاته وترا أم لا] 1 اختلف العلماء فيمن أوتر، ثم قام يصلي، هل يجعل آخر صلاته وترا أم لا؟ فكان ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إذا عرض له ذلك صلى ركعة واحدة في ابتداء قيامه وأضافها إلى وتره ينقضه بها، ثم يصلي مثنى مثنى ثم يوتر، والجمهور لا يرون نقض الوتر. وفي " جوامع الفقه ": لو ترك القعدة الأولى في الوتر جاز ولم يحك خلاف محمد. الوتر في رمضان بالجماعة أحب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] في اختيار أبي على النسفي، واختيار غيره أن يكون في منزله، وفي " المبسوط " و " المرغيناني ": ولا يصلي بالجماعة إلا في شهر رمضان. وفي " الذخيرة " الاقتداء في الوتر خارج رمضان جائز، قال: ذكره في النوازل وفي القدوري لا يجوز أي يكره. شك في القيام أنه في الثانية أو الثالثة يقنت في تلك الركعة بجواز أن تكون الثالثة ثم يقعد ويصلي أخرى ويقنت فيها أيضا احتياطا بجواز أنها الثالثة، المسبوق في الوتر في رمضان إن قنت مع الإمام لا يقنت ثانيا فيما يقضي. وفي الجامع الصغير أدرك الإمام في الثالثة من الوتر في شهر رمضان وقنت مع الإمام، روى الحسن أنه يقنت في الثالثة، وهو خلاف ما ذكر في كتاب الصلاة. وفي " أجناس الناطفي " لو شك أنه في الأولى أو الثانية والثالثة قال: يقنت في الركعة التي هو فيها احتياطا، وفي قول لا يقنت في الكل. وفي " الذخيرة " لو قنت في الأولى ساهيا أو الثانية لم يقنت في الثالثة؛ لأنه لا يتكرر، [ولو شك في الثالثة أنه قنت أو لا يجزئ فإن لم يحضره رأي قنت. وفي مختصر البحر] ولو شك أنها الأولى أو الثانية أو الثالثة يصلي ثلاث ركعات بثلاث قعدات ويقنت في الأولى لا غير في قول أئمة بلخ. وعن أبي حفص الكبير أنه يقنت في الثانية وبه قال النسفي، ولو شك أنها الثانية أو الثالثة يقنت في الركعتين عند أبي حفص والنسفي، بخلاف المسبوق حيث لا يقنت في الآخرة في القضاء. وفي " المبسوط " إن نسي القنوت فتذكر بعد الركوع لم يقنت لفوات محله، وإن تذكر في الركوع يعود إلى القيام ويأتي به، وفي رواية ثم يعيد الركوع؛ لفرضيته كتكبيرات العيدين ويأتي به في رواية، ثم يعيد الركوع؛ لفرضيته كتكبيرات العيدين والقراءة، كذا ذكر في " الذخيرة "، وفي رواية لا يعود إلى القيام، ويسقط القنوت ولا يجمع بين وترين في ليلة واحدة؛ لحديث طلق بن عدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: «لا وتران في ليلة» ، رواه الترمذي قال: حديث حسن غريب، ومعناه أن من صلى الوتر ثم صلى بعد ذلك لا يعيد الوتر، مقدار القيام في القنوت قدر سورة {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 باب النوافل السنة ركعتان قبل الفجر،   [البناية] [باب النوافل] [عدد ركعات التطوع المرتبطة بالصلوات وكيفيتها] م: (باب النوافل) ش: أي هذا باب في بيان أحكام النوافل. ولما فرغ من بيان الفرائض والواجبات شرع في بيان النوافل، وهي أعم من السنن، فلذلك عبر بالنوافل ثم قدم أحكام السنن؛ لأنها أقوى من النوافل؛ لأنها جمع نافلة وهي الزيادة، ونافلة الصلاة الزيادة على المفروضة، ونافلة الرجل ولد ولده؛ لأنه زيادة على أولاده، والتنفل التطوع، والتطوع في الأصل فعل الطاعة، وفي الشرع والعرف مخصوص بطاعة غير واجبة، ومن ذلك قيل هما مترادفان، والنفل بسكون الفاء زيادة عبادة شرعت لنا لا علينا، ووجود اشتقاقه يدل على الزيادة، وبفتح الفاء الغنيمة، وهو ما يجعله الإمام لبعض الجيش زيادة على ما يستحقه من ثباتها، ويجمع على أنفال، والنوفل: البحر والرجل الكثير العطاء، والواو زائدة للإلحاق ب [ ... ] فإن قلت: ما وجه المناسبة بين هذا الباب والباب الذي قبله خاصة؟ قلت وجود معنى الزيادة في كل منهما، لأن الوتر زائد على الفرائض على ما صرح به في الحديث إن الله زادكم صلاة. م: (السنة ركعتان قبل الفجر) ش: أي قبل صلاة الفجر بعد طلوعه، قدم ذكر السنة على النفل المطلق لقوتها، ثم بدأ بسنة الفجر لكونها أقوى من غيرها؛ لما روي عن عائشة في الصحيح. قالت: «لم يكن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على شيء من النوافل أشد تعهدا منه على ركعتي الفجر» وفي " سنن أبي داود ": «لا تدعوهما ولو طردتكم الخيل» . فإن قلت: هذا يدل على وجوبها لأجل مواظبته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عليها، ولهذا ذكر المرغيناني عن أبي حنيفة أنها واجبة. وفي " جوامع المحبوبي " روى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: لو صلى سنة الفجر قاعدا بلا عذر لا يجوز. قلت: إنما لم يقل بوجوبها؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ساقها مع سائر السنن في حديث المثابرة، وقالوا العالم إذا صار مرجعا للفتوى يجوز له ترك سائر السنن لحاجة الناس إلا سنة الفجر، وذكر التمرتاشي في " الأمالي " ترك الأربع قبل الظهر والتي بعدها وركعتي الفجر لا يلحقه الإساءة إلا أن يستخف به، ويقول هذا فعل النبي وأنا لا أفعل، فحينئذ يكفر، وفي النوازل وفوائد الرستغفني من ترك سنن الصلوات الخمس ولم يرها حقا كفر، ولو رآها حقا وترك قيل لا يأثم، والصحيح أنه يأثم؛ لأنه جاء الوعيد بالترك، وعن أبي سهل الرازي من أصحاب أبي حنيفة لو ترك الأربع قبل الظهر وواظب على الترك لا تقبل شهادته، وفي " المجتبى ": لا يختلف الرجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 وأربع قبل الظهر، وبعدها ركعتان، وأربع قبل العصر، وإن شاء ركعتين، وركعتان بعد المغرب، وأربع قبل العشاء، وأربع بعدها، وإن شاء ركعتين، والأصل فيه   [البناية] والمرأة في الأربع قبل الظهر، وقيل إنها سنة لمن يصلي بالجماعة، الأربع قبل الجمعة كالأربع قبل الظهر. ثم الترتيب بين السنن قال الحلواني أقواها ركعة الفجر، ثم سنة المغرب؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يدعهما في سفر ولا حضر، ثم التي بعد الظهر فإنهما سنة متفق عليهما، وفي التي قبلها اختلاف قيل هي الفصل بين الأذان والإقامة، ثم التي بعد العشاء، ثم التي قبل الظهر، [ثم التي بعد الظهر] ، ثم التي قبل العصر، ثم التي قبل العشاء. وقال الحسن اختلف في أقواها بعد ركعتي الفجر، قيل: التي قبل الظهر والتي بعدها والتي بعد المغرب سواء، وقيل: بل التي قبل الظهر وهو الأصح. ثم السنة في اللغة الطريقة والعادة والسيرة، فإذا أطلقن في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ونهى عنه، وندب إليه، فإذا يراد بها سنة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قولا وفعلا مما لم ينطق به الكتاب العزيز، ولهذا يقال في أدلة الشرع الكتاب والسنة أي القرآن والحديث، وبه قال صاحب مطالع القرآن، السنة الطريقة التي سنها رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وشرع الاعتماد عليها، ومن سنته [ ... ] أي فعل فعلا وقال قولا يحتمل عليه وسلك فيه. ويجمع على سنن بضم السين، وسنن بالفتح الطريقة، وفي الصحاح بفتح السين والنون وضمها وضم السين ثلاث لغات، ويقال السنة في اللغة على ثلاث معان: السيرة وصورة الوجه وتمر بالمدينة، ولها خمسة أوجه في الشرع. الأول: ما تلقي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من غير الكتاب، ومنه الكتاب والسنة قولا كان أو فعلا، والثاني: فعله دون قوله، وعلى فعله الذي هو الواجب كقيام الليل وصلاة [الليل] وصلاة الضحى والوتر على قول ونحو ذلك، والواجب علينا كصلاة العيدين وغيرها ما تأكد وعلى من المندوبات كركعتي الفجر والوتر والثالث [ ... ] والخامس ما واظب عليه وتركه أحيانا ولم يتأكد كالأربع قبل العصر أو الركعتين أو الأربع قبل العشاء والأربع أو الركعتين بعدها. م: (وأربع قبل الظهر) ش: أي أربع ركعات قبل صلاة الظهر بعد الزوال م: (وبعدها ركعتان) ش: أي بعد صلاة الظهر ركعتان في وقته م: (وأربع قبل العصر) ش: أي أربع قبل صلاة العصر م: (وإن شاء ركعتين) ش: أي وإن شاء يصلي ركعتين م: (وركعتان بعد المغرب) ش: أي بعد صلاة المغرب في وقته م: (وأربع قبل العشاء) ش: أي وأربع ركعات قبل صلاة العشاء م: (وأربع بعدها) ش: أي أربع ركعات بعد صلاة العشاء م: (وإن شاء ركعتين) ش: أي وإن شاء يصلي ركعتين. م: (والأصل فيه) ش: أي العدد المذكور، وقال صاحب الدراية أي ما ذكر محمد، والذي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ثابر على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى الله له بيتا في الجنة» . وفسر على نحو ما ذكر في الكتاب،   [البناية] قلت أولى على ما لا يخفى م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ثابر على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى الله له بيتا في الجنة» ش: هذا الحديث روي بوجوه كثيرة، وألفاظه مختلفة عن أم حبيبة وعائشة وأبي هريرة، فحديث أم حبيبة أخرجه الجماعة إلا البخاري عنها أنها سمعت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: «ما من عبد مسلم يصلي لله في كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعا من غير الفريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة ". ولمسلم وأبي داود وابن ماجه: " أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الغداة "، وللنسائي في رواية وركعتين قبل العصر بدل ركعتين بعد العشاء» وكذلك عند ابن ماجه في " صحيحه " وابن خزيمة في " مسنده " والحاكم في " مستدركه "، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وجمع الحاكم في لفظ بين الروايتين فقال: وفيه ركعتين قبل العصر وركعتين بعد العشاء، وكذلك عند الطبراني في " معجمه ". وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه الترمذي وابن ماجه عنها قالت: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ثابر على ثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتا في الجنة: أربع ركعات قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر» . قال الترمذي حديث حسن غريب. وحديث أبي هريرة أخرجه ابن عدي في الكامل " عنه عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «من صلى في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا في الجنة ركعتين قبل الفجر، وأربعا قبل الظهر وركعتين بعد الظهر، وركعتين قبل العصر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء» . قوله: من ثابر يعني واظب بالثاء المثلثة أي دوام، والمثابرة المواظبة والمداومة. وقال ابن الأثير: المثابرة الحرص على الفعل والقول وملازمتها. م: (وفسر على نحو ما ذكر في الكتاب) ش: أي فسر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عدد الركعات في قوله على ثنتي عشرة ركعة على نحو ما ذكره في الكتاب، أي المبسوط والقدوري، ويجوز أن يقرأ فسر على صيغة المجهول، فعلى هذا يكون المفسر غير النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كما فسرت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 غير أنه لم يذكر الأربع قبل العصر، فلهذا سماه في الأصل حسنا، وخير؛ لاختلاف الآثار   [البناية] م: (غير أنه) ش: أي غير النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (لم يذكر الأربع قبل العصر) ش: في تفسير حديث المثابرة، أراد بها بيان المذكور فيه، فإن المذكور في الكتاب أكثر من ثنتي عشرة م: (فلهذا) ش: أي فلأجل أنه لم يذكر الأربع قبل العصر في تفسير حديث المثابرة م: (سماه) ش: أي سمى محمد م: (في الأصل) ش: أي في المبسوط، وإنما سماه أصلا؛ لأنه صنفه أولا ثم صنف كتاب " الجامع الصغير " ثم كتاب " الجامع الكبير " ثم كتاب الزيادات م: (حسنا) ش: قال أبو سليمان الجوزجاني في " المبسوط " قلت لمحمد: فهل قبل العصر تطوع؟ قال: إن فعلت فحسن، قلت: فكم التطوع قبلها؟ قال: أربع ركعات م: (وخير) ش: أي خير محمد المصلي بين الأربع والركعتين قبل صلاة العصر. م: (لاختلاف الآثار) ش: وهو أن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا،» رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن غريب، وأن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي قبل العصر ركعتين» رواه أبو داود من حديث عاصم بن ضمرة عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وروى الترمذي عن عاصم بن ضمرة عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي قبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسلم على الملائكة المقربين ومن معهم من المسلمين والمؤمنين» وقال: حديث علي حديث حسن. فإن قلت: كيف؟ قال: لاختلاف الآثار، ولم يقل: لاختلاف الأخبار لأن الأثر مستعمل فيما يروى عن الصحابة والخبر ما يروى عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في اصطلاح المحدثين، والاختلاف هاهنا في الأخبار كما ذكرنا، فكان ينبغي أن يقول لاختلاف الأخبار. قلت: قال السغناقي ناقلا عن " الإيضاح ": ولم يقل لاختلاف الأخبار؛ لأن اختلاف الرواية بين الأربع والركعتين إنما جاء من فعل الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لا من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وعن النخعي كانوا يستحبون قبل العصر ركعتين، ولم يكونوا يعدونها من السنة، وهذا نقل من الصحابة. قلت: فيه نظر؛ لأن ما ذكرناه الآن من ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يرد ما نقله، ونقله عن النخعي هذا لا يمنع كونه مفعولا من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فالمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما اعتمد في ذلك على ما نقل عن الصحابة، اختار لفظه الآثار، وأما من رأى أن الآثار والأخبار في الأصل يرجع إلى معنى واحد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 والأفضل هو الأربع، ولم يذكر الأربع قبل العشاء، ولهذا كان مستحبا لعدم المواظبة، وذكر فيه ركعتين بعد العشاء،   [البناية] م: (والأفضل هو الأربع) ش: أي الأفضل أربع ركعات قبل العصر. قال الأترازي: لأن أفضل الأعمال أكثرها، وقال الأكمل: لأنه الأكثر عملا أو أدوم عزيمة فكان أكثر ثوابا. قلت: الأولى أن يقال اتباعا للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فإنه روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه «كان يصلي قبل العصر أربع ركعات» كما ذكرنا. فإن قلت: في آخر حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يفصل بينهن بالتسليم. قلت: اختار إسحاق بن إبراهيم أن لا يفصل بينهن قبل العصر، قال: ومعنى قوله: بالتسليم أي بالتشهد كمذهبنا؛ لأن التسليم موصوف فيه. قلت: أراد بالتسليم التسليم على الملائكة وهو التشهد؛ لأن التسليم فيه، ولهذا يرد على ابن حبان حيث قال: المراد بالفصل التسليم حقيقة، يعني يصلي بتسليمتين، والدليل على ذلك أيضا ما رواه أبو داود والترمذي عن ابن عمر عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال «رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا» وفي " المفيد ": السنة قبل العصر أربع، ويؤيد هذا حديث علي وابن عمر المذكوران، وأيضا مذهب الإمام الأربع؛ لأن الصلاة صلاة الليل والنهار الأربع عنده، قيل: فيه نظر؛ لأن هذه المسألة وهي كون الأربع أفضل في الليل والنهار عنده بناء على فرع المسألة الأخرى، وهو أن اختلافهم في التطوع الذي ليس من السنن. م: (ولم يذكر الأربع قبل العشاء) ش: أي لم يذكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أربع ركعات قبل صلاة العشاء عند ذكر تفسير حديث المثابرة، فإن تطوع بأربع فهو حسن؛ لأن العشاء كالظهر من أنه لا يكره التطوع قبله وبعده.. [وفي المبسوط ولم يذكر التطوع قبل العشاء وبعده] كالظهر، وفي الذخيرة والتطوع قبل العشاء بأربع حسن. م: (ولهذا كان مستحبا) ش: أي ولأجل عدم ذكر الأربع قبل العشاء كان الأربع قبله مستحبا م: (ولعدم المواظبة) ش: على الأربع قبله؛ لأن السنة إنما تثبت بالمواظبة من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقد ذكر في المفيد والتحفة وشرح مختصر الكرخي وأربع قبل العشاء إن أحب م: (وذكر فيه) ش: أي ذكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حديث المثابرة وفي غيره ذكر الأربع، أي: وفي غير حديث المثابرة ذكر الأربع بعد العشاء. م: (ركعتين بعد العشاء) ش: وهو ما روي عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صلى قبل الظهر أربعا كان كأنما تهجد من ليلته، ومن صلاهن بعد العشاء، كان كمثلهن من ليلة القدر» ، رواه سعيد بن منصور في " سننه "، ورواه البيهقي من قول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «من صلى أربعا بعد العشاء كان كمثلهن من ليلة القدر» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 وفي غيره الأربع، فلهذا خير إلا أن الأربع أفضل خصوصا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما عرف من مذهبه،   [البناية] وفي " المبسوط ": لو صلى أربعا بعد العشاء فهو أفضل لحديث ابن عمر موقوفا ومرفوعا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «من صلى بعد العشاء أربع ركعات كان كمثلهن من ليلة القدر» . وقال الأترازي عند قوله وفي غير ذكر الأربع: وهو ما ذكر في شرح الأقطع قد روي «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى العشاء ودخل في حجرته فصلى أربع ركعات» فلما اختلف الخبران خير المصلي إن شاء صلى أربعا، وإن شاء صلى ركعتين. قلت: الذي يدعي أن له يدا في الحديث لم يذكره على هذا الوجه ولا سيما بالتقليد لمن لم يتبين حاله، والنفل عنه وبعد التسليم له، فلا يدل على ما ادعاه إلا بالاحتمال الظني. وفي " فوائد الرستغفني " يقرأ في الأولى الفاتحة وآية الكرسي ثلاث مرات، وفي الثانية الفاتحة و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، وفي الثالثة الفاتحة و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] ثلاث مرات، وفي الرابعة الفاتحة و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] ثلاث مرات، وفي " الملتقطات " في الثالثة والرابعة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] والمعوذتين مرة في كل ركعة. م " (ولهذا) ش: أي ولأجل ذكره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ركعتين بعد العشاء في حديث المثابرة وذكره أربعا في غيره م: (خير) ش: أي خير محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - المصلي بين أن يصلي أربعا وبين أن يصلي ركعتين. وقال السغناقي: خير أي محمد وأبو الحسن القدوري بقوله وأربع بعدها وإن شاء ركعتين م (إلا أن الأربع أفضل) ش: لما ذكرنا آنفا من حديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: (خصوصا على مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما عرف من مذهبه) ش: أي الأفضل عند أبي حنيفة في باب النوافل أن يصلي أربعا ليلا ونهارا، وعندهما الشفع أفضل بالليل على ما عرف في موضعه. ومذهب الشافعي في هذا الباب أن السنن عند الصلوات الخمس: عشر ركعات، قبل الظهر ركعتان، وبه قال أحمد، ومن الشافعية من قال: أدنى الكمال ثمان، فأسقط سنة العشاء. وقال النووي نص عليه في البويطي، ومنهم من قال: ثنتي عشرة ركعة [ ...... ] فجعل قبل الظهر أربعا، والأكمل عند الشافعية ثماني عشرة زادوا وقبلها ركعتين وبعدها ركعتين وأربعا قبل العصر، واحتج الشافعي وأحمد فيما ذهبا إليه من أن السنن عشر ركعات، بما روى الترمذي عن عبد الله بن سفيان قال «سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن صلاة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقالت: كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين وبعد العشاء ركعتين وقبل الفجر ثنتين» وصححه الترمذي. وأما حديث عن عبد الله بن سفيان قال: «سألت عائشة عن صلاة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فقلت: كان يصلي قبل الظهر أربعا وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ثنتين، وبعد العشاء ركعتين، وقبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 والأربع قبل الظهر بتسليمة واحدة عندنا، كذا قاله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [البناية] الفجر ركعتين» رواه مسلم وأبو داود، وهو أصح من حديث الترمذي، وفيه زيادة فكان أولى بالقبول. ولنا حديث المثابرة أيضا وقد ذكرناه، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يؤت سنة قبل المكتوبة ولا بعدها، وخالف الأحاديث الصحاح الثابتة في توقيت السنن، وزعم أنه عمل أهل المدينة، وفي " شرح الوجيز ": اختلف الأصحاب في عدد الركعات، قال الأكثرون: عشر ركعات كما ذكرنا، ومنهم من زاد على العشر ركعتين قبل الظهر، مضمومتين إلى الركعتين لحديث المثابرة، ومنهم من زاد على هذا العدد ركعتين بعد الظهر. وقال صاحب " المهذب "، وجماعة: أدنى الكمال عشر ركعات، وأتم الكمال ثمانية عشرة ركعة، وفي استحباب الركعتين قبل المغرب وجهان قيل باستحبابها، وإن لم يكن في الروايات لما روي «عن أنس أنه قال صليت ركعتين قبل المغرب ورآني رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وعلم فلم يأمرني ولم ينهني» وروي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «صلوا قبل المغرب ركعتين "، وقال في الثالثة: " لمن شاء» . وقيل: الاستحباب لما روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه سئل عنهما، فقال: ما رأيت أحدا على عهد رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلاهما، وعن أبيه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يضرب عليهما "، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن تعجيل المغرب مستحب. قلت: حديث أنس رواه مسلم، والحديث الثاني رواه البخاري، والحديث الثالث رواه أبو داود وسكت عنه. وقال النووي: إسناده حسن، وأثر عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الطحاوي في " معاني الآثار " من عشر طرق صحاح بألفاظ مختلفة. وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، وأخرج الطحاوي أيضا عن خالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يضرب الناس على الصلاة بعد العصر. وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا في مصنفه. وأخرج الطحاوي أيضا عن خالد ابن الوليد وأخرج أيضا عن ابن عباس أن طاوسا سأله عن الركعتين بعد العصر فنهاه عنهما وقال {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] (الآية 136 الأحزاب) . م: (والأربع قبل الظهر بتسليمة واحدة عندنا، كذا قاله رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: هذا الذي قاله رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رواه أبو داود في " سننه "، والترمذي في " الشمائل " عن أبي أيوب الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 وفيه خلاف للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قال: ونوافل النهار إن شاء صلى بتسليمة ركعتين، وإن شاء أربعا وتكره الزيادة على ذلك. وأما نافلة الليل، قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن صلى ثمان ركعات بتسليمة جاز وتكره الزيادة على ذلك.   [البناية] يفتح لهن أبواب السماء» . ورواه ابن ماجه في " سننه " بلفظ: «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصلي قبل الظهر أربعا إذا زالت الشمس لا يفصل بينهن بتسليم، قال: أبواب السماء تفتح إذا زالت الشمس» وضعفه أبو داود، وأطلق المنذري عزوه إلى الترمذي في مختصره، وكان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يعيده بالشمائل كما ذكرنا. م: (وفيه خلاف للشافعي) ش: أي في الأربع قبل الظهر خلاف الشافعي، فعنده يصليها بتسليمتين وهو أفضل، وبه قال مالك وأحمد، واحتجوا بحديث أبي هريرة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصليهن بتسليمتين، ولأن فيه زيادة تحريمة وتسليم لكان أفضل، ولنا حديث أبي أيوب الأنصاري المذكور آنفا. الجواب عن حديث أبي هريرة أن معنى قوله بتسليمتين يعني بتشهدين، يسمى التشهد تسليما لما فيه من السلام كما سمي التشهد لما فيه من الشهادة، وقد روي هذا التأويل عن ابن مسعود. فإن قلت: احتج هؤلاء أيضا بما روي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» قلت: عن قريب يأتي هذا الحديث وبيان حاله والجواب عنه. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ونوافل النهار) ش: إن شاء صلى بتسليمة ركعتين لم أر أحدا من الشراح حل هذا التركيب من حيث العربية فنقول قوله نوافل النهار كلام إضافي مبتدأ وخبره محذوف تقديره نوافل النهار يقال فيها م: (إن شاء) ش: المصلي م: (يصلي بتسليمة ركعتين وإن شاء أربعا) ش: أي وإن شاء صلى أربع ركعات بتسليمة واحدة بحديث أبي أيوب الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور آنفا م: (وتكره الزيادة على ذلك) ش: أي على أربع ركعات بتسليمة في نافلة النهار لعدم ورود نص عليه. م: (وأما نافلة الليل قال أبو حنيفة إن صلى ثمان ركعات بتسليمة جاز) ش: نافلة الليل أربع أربع بتسليمة واحدة أفضل عند أبي حنيفة لزيادة سعة، ويجوز الزيادة عليها إلى ست بتسليمة واحدة عنده من غير كراهة في رواية " الجامع الصغير "، وإلى ثمان في رواية لورود الخبر بكل واحد من العددين، ولكن الأربع أفضل عنده م: (وتكره الزيادة) ش: أي على ثمان ركعات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 وقالا: لا يزيد بالليل على ركعتين بتسليمة وفي " الجامع الصغير " لم يذكر الثماني في صلاة الليل   [البناية] بتسليمة وهو اختيار القدوري وفخر الإسلام. وقال شمس الأئمة: لا يكره، وفي " النهاية ": والأصح أنه لا يكره، لأن فيه وصلا بالعبادة وذلك أفضل. وقال الأكمل ناقلا عن السغناقي: لا فائدة في تخصيص أبي حنيفة بهذا الحكم، لأن كلا الحكمين الجواز في نافلة الليل إلى الثمان بغير كراهة، والكراهة فيما وراءها اتفاقا في عامة روايات الكتب، ثم قال قلت: يجوز أن يكون ذكر أبي حنيفة للاحتراز عن قول الشافعي، فإنه يقول لا يزيد على أربع، ولو زاد كره ذلك، انتهى. قلت: فيه نظر، لأن نصب الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه فيكون تخصيص أبي حنيفة بالذكر عن قول الشافعي، وفي مثل هذا الموضع لا يتأتى ما ذكره. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (لا يزيد بالليل على ركعتين بتسليمة) ش: فحينئذ يكره الزيادة على الأربع، وهل يكره الأربع بتسليمة عندهما، ولفظ القدوري يوهم الكراهة حيث قال: وقالا لا يزيد بالليل على ركعتين، ومثل هذا الكلام في الرواية يوهم نفي الزيادة بحرمة أو كراهة، ولكن ذكر في " المبسوط " و " الجامع الصغير " وعامة الكتب أن الاختلاف في الأفضلية، فيدل على انتفاء الكراهة في الأربع بالاتفاق، وفي " قاضي خان ": ولو صلى التراويح ثمان ركعات بتسليمة واحدة وقعد في كل ركعتين ينوب عن أربع تسليمات عند أبي حنيفة في رواية لعدم الكراهة إلى الثمان، وعندهما ينوب عن تسليمتين لأن ما زاد على الأربع عندهما يكره فلا تنوب الزيادة عن التراويح، فهذا تصريح بانتفاء الكراهة عن الأربع إذ الأربع جازت عن التراويح، فعلى هذا بمعنى ما ذكر في القدوري وقال: لا يزيد بالليل.. إلخ لا يزيد كيلا يلزم ترك الأفضل في الأربع، والكراهة في الزيادة عليها. وقال المحبوبي: فرق محمد في الكتاب بين صلاة الليل وصلاة النهار في كراهة الزيادة على الأربع باعتبار أن الأثر جاء منه في صلاة الليل لا النهار، وعلينا الاتباع خصوصا في العبادات. م: (وفي الجامع الصغير لم يذكر الثماني في صلاة الليل) ش: أي لم يذكر محمد ثمان ركعات في صلاة الليل، وإنما ذكر الستة، قوله الثماني الباقية للنسبة كاليماني على تعويض الألف عن إحدى يائي النسبة، ولهذا [لا يشدد] ، لا بمثل حتى ولا يجمع بين العوض والمعوض قال الأصمعي: لا يقال ثمان بالضمة على النون. فإن قلت قال الشاعر: لها ثنايا أربع حسان ... وأربع فيهن لها ثمان قلت: أنكره الأصمعي وقال هو خطأ، وعلى هذا ما ذكر في " الجامع الصغير " في صلاة الليل: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 ودليل الكراهة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يزد على ذلك، ولولا الكراهة لذكر تعليما للجواز، والأفضل في الليل عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله مثنى مثنى، وفي النهار أربع أربع. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيهما مثنى مثنى، وعند أبي حنيفة فيهما أربع أربع،   [البناية] وإن شئت ثمان خطأ والستة من الضرورات [ ... ] . وقال ابن الحاجب في ثماني عشرة فتح الياء وجاء إسكانها وشذ حذفها بفتح النون. م: (ودليل الكراهة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يزد على ذلك) ش: أي على الثماني م: (ولولا الكراهة) ش: لزاد أي على الثماني م: (للذكر تعليما) ش: أي لأجل التعليم م: (للجواز) ش: هذا اختيار القدوري وفخر الإسلام، وقال شمس الأئمة الأصح أنه لا يكره الزيادة على ثمان ركعات لأنه روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى ثلاث عشرة ركعة فتكون الثمانية صلاة الليل والثلاث الوتر والركعتان سنة الفجر، وكان يصلي هذا كله في الابتداء ثم فصل البعض على البعض هكذا ذكره حماد بن سلمة، ولم يذكر كراهة الزيادة على ثمان ركعات بتسليمة واحدة، ونقل الأكمل هذا عن السغناقي ثم قال وفيه نظر، لأن كلامنا فيما يكره بتسليمة واحدة، وليس فيما ذكر ما يدل على ذلك. قلت: ورد في صحيح مسلم في حديث طويل «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصلي تسع ركعات لا يجلس فيهن إلا في الثامنة فيذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا» . وفي غير مسلم كان يوتر بتسع ركعات، ولو وقف الأكمل على هذا الحديث لما قال وفيه نظر مع أن هذا الحديث خلاف ما قاله المصنف من قوله لم يرد على ذلك وذكر هذا حديثا غريبا ليس له أصل فافهم. م: (والأفضل في الليل عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله مثنى مثنى) ش: أي الأفضل في تطوع الليل عندهما مثنى أي اثنين، يعني ركعتين، ومثنى معدول عن اثنين اثنين وتكراره للتأكيد. وقال الزمخشري منع الصرف لما فيه من العدلين عدله عن صيغته الأصلية وعدله عن مكروه، ويقال شرط العدل أن يكون في اللفظ والمعنى، وقال ابن يعيش لا يكون العدل إلا في اللفظ وفي المعنى. م: (وفي النهار أربع أربع) ش: أي الأفضل في تطوع النهار أربع ركعات، وأما صرف أربع لأنه وضع اسما في الأصل، فلم يلتفت إلى ما طرأ له من الوصفية وأيضا فإنه قابل للتاء. م: (وعند الشافعي فيهما مثنى مثنى) ش: [أي في التطوع عنده في الليل والنهار مثنى مثنى] ، وبه قال مالك وأحمد م: (وعند أبي حنيفة فيهما أربع أربع) ش: أي الأفضل في التطوع عنده الليل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 للشافعي قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» ، ولهما الاعتبار بالتراويح.   [البناية] والنهار أربع ركعات م: (للشافعي قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) ش: هذا الحديث رواه ابن عمر وأبو هريرة وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فحديث ابن عمر أخرجه الأربعة عنه أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» . وحديث أبي هريرة أخرجه إبراهيم الحربي في غريب الحافظ أبي نعيم في تاريخ أصبهان عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» . والجواب عنها أن حديث ابن عمر لما رواه الترمذي سكت عنه، إلا أنه قال اختلف أصحاب شعبة فيه فرفعه بعضهم ووقفه بعضهم، ورواه الثقات عن عبد الله بن عمر عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولم يذكر فيه صلاة النهار، وقال النسائي هذا الحديث عندي خطأ، وقال في " سننه الكبرى ": إسناده جيد، إلا أن جماعة من أصحاب ابن عمر خالفوا الأزدي فيه فلم يذكروا فيه النهار، منهم سالم، ونافع وطاوس. والحديث في الصحيحين من حديث جماعة عن ابن عمر وليس فيه ذكر النهار وروى الطحاوي أيضا في معاني الآثار عن ابن عمر أنه كان يصلي بالليل ركعتين وبالنهار أربعا، فمحال أن يروي ابن عمر عن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ضعيفا أو كان موقوفا غير مرفوع. وأما حديث أبي هريرة وعائشة فإن الذي رواه البخاري ومسلم أصح منهما وأقوى وأثبت، وعلى طريق التسليم يقول معناه شفعا لا وترا بسبيل إطلاق اسم الملزوم على اللازم مجازا جمعا بين الدليلين على ما يجيء. م: (ولهما) ش: أي ولأبي يوسف ومحمد م: (الاعتبار بالتراويح) ش: يعني قياسا على التراويح، فإن الأفضل فيهما مثنى مثنى بالإجماع، وهذا نفل الليل فينبغي أن يكون سائر نوافل الليل كذلك بخلاف نفل النهار، لحديث أبي أيوب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذي تقدم ذكره، وكان ينبغي أن يستدل لهما بحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذي رواه البخاري ومسلم وفيه ذكر الليل فقط وإثبات الفضائل في العبادات لا نعلم إلا من فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو قوله وهو في نفس الأمر توقيفي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصلي بعد العشاء أربعا» روته عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -.   [البناية] م: (ولأبي حنيفة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصلي بعد العشاء أربعا، روته عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) ش: لم أر أحدا من الشراح ولا من غيرهم من المتأخرين حققوا هذا الموضع ولا تعرضوا لحال هذا الحديث، وأعجب من الكل أن علاء الدين التركماني قال مقلدا لغيره: وهذا الحديث لم نجده، فنقول وبالله التوفيق: أما الأترازي فإنه لم يترك هذا الحديث بالكلية، وإنما استدل لأبي حنيفة بالقياس حيث قال ولأبي حنيفة وجهان، أحدهما الاعتبار بالفرض وهو العشاء، فلو كان الأربع بتسليم فاصل أفضل من الأربع بلا تسليم فاصل لكن الفرض كذلك، لأن حال الفرض أقوى وهو بالفضيلة أولى، والثاني أن في الأربع بتسليمة واحدة مداومة على الطاعة، وفيها مشقة على النفس وفيما قالوا استراحة للنفس يكون ما صلاه أولى. قلت: هذا ليس من دأب المصنفين ولا سيما المتقدمين بشرح الكتاب، فالمصنف يستدل بحديث ويأتي الشارح ويستدل بالقياس ولا يلتفت إلى الحديث وإلى حاله، ومع هذا الوجهان اللذان ذكرهما مدخول فيهما ولا يخفى على المتأمل. وأما الأكمل فإنه لم يذكر شيئا أصلا، لا الحديث ولا غيره من وجوه الاستدلال لأبي حنيفة وقنع بقوله وكلامه ظاهر. وأما صاحب " الدراية " فإنه قال ولأبي حنيفة ما روي «عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه بات عند خالته ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يرقب صلاة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أرسله أبوه لذلك، فلما صلى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - العشاء رقد مرقده ثم قام ونظر إلى السماء فقرأ خاتمة سورة آل عمران وتوضأ وصلى أربع ركعات بتسليمة واحدة» . وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حين سئلت عن صلاة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقالت: «ما كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا لا تسأل عن حسنهن ولا عن طولهن، ثم يصلي أربعا لذلك، ثم يصلي الوتر» . وأما السغناقي فإنه أيضا لم يذكر حديث عائشة المذكور أصلا، وإنما استدل لأبي حنيفة بحديث ابن عباس المذكور، وأما قول علاء الدين هذا الحديث لم نجده فإنه كيف يقول ذلك وقد رواه أبو داود في سننه من حديث زرارة بن أوفى عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها سألت عن صلاة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في جوف الليل، فقالت «كان يصلي صلاة العشاء في جماعة ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات ثم يأوي إلى فراشه» . الحديث بطوله، وفي آخره «حتى قبض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 «وكان - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يواظب على الأربع في الضحى»   [البناية] على ذلك» . وقال أبو داود في سماع زرارة عن عائشة نظر، ثم أخرجه عن زرارة عن سعيد بن هشام عن عائشة وهذه الرواية هي المحفوظة عندي، فإن أبا حاتم الرازي قال: سمع زرارة من أبي هريرة وابن عباس وعمران بن حصين، وهذا م أصح له فظاهر هذا لأن زرارة لم يسمع من عائشة وأخرج أبو داود أيضا والنسائي في " سننه الكبرى " عن شريح بن هانئ عن عائشة قالت: سألتها عن صلاة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقالت: «ما صلى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - العشاء قط فدخل علي إلا صلى بعدها أربع ركعات أو ستا وسكت عنه» وروى أحمد في " مسنده " عن عبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا صلى العشاء ركع أربع ركعات وأوتر بسجدة ثم قام حتى يصلي بعدها صلاته من الليل» وأخرجه البزار أيضا في " مسنده " والطبراني في " معجمه ". وأخرج البخاري عن ابن عباس قال: «بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وكان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عندها في ليلتها فصلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - العشاء ثم جاء إلى منزله فصلى أربع ركعات ثم نام ثم قام وصلى خمس ركعات ثم صلى ركعتين ثم خرج إلى الصلاة» . فإن قلت أخرج مسلم عن عبد الله بن شقيق عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت «كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي في بيتي، [صلى] قبل الظهر أربعا ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين، يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين وكان يصلي بالناس العشاء ويدخل في بيتي فيصلي ركعتين» انتهى. فهذا مخالف لحديثها المتقدم. قلت قد وقع اختلاف كثير عن عائشة في أعداد الركعات في صلاته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الليل، فهذا إما من الرواة وإما باعتبار أنها أخبرت عن حالات منها ما هو الأغلب عن فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ومنها ما هو نادر، ومنها ما هو بحيث اتساع الوقت وضيقه. م: (وكان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مواظبا على الأربع في الضحي) ش: هذا الحديث رواه مسلم من حديث «معاذة أنها سألت عائشة كم كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي الضحى قالت أربع ركعات يزيد ما شاء» وفي رواية «ويزيد ما شاء» ورواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " من حديث عمرة عن عائشة قالت سمعت أم المؤمنين عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تقول «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 ولأنه أدوم تحريمة فيكون أكثر مشقة وأزيد فضيلة، ولهذا لو نذر أن يصلي أربعا بتسليمة لا يخرج عنه بتسليمتين وعلى القلب يخرج   [البناية] الضحى أربع ركعات لا يفصل بينهن كلام» فالمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر لأبي حنيفة حديثين أحدهما في أفضلية الأربع بالليل والآخر في أفضليته بالنهار. فإن قلت: روى البخاري عن عروة عن عائشة قالت: «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به الناس ليفرض عليهم، وما سبح رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سبحة الضحى قط وإني لأسبحها» وروى مسلم «عن عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هل كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي الضحى، قالت لا إلا أن يجيء من مغيبه» . قلت يحتمل أنها أخبرت في الإنكار عن رؤيتها ومشاهدتها [ .... ] أما في خبره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أو خبر غيره عنه وقد يكون إنكارها مواظبته عليها وقد يكون الإنكار إنما هو لصلاة الضحى المعهودة عند الناس على الذي اختاره جماعة من السلف من الصلاة بثمان ركعات، وأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصليها أربعا ويزيد ما شاء، فيصلي مرة أربعا ومرة ستا ومرة ثمانيا، وأقلها ركعتان، وقد رأى جماعة أن يصلي في وقت دون وقت يخالف بينهما وبين الفرائض. ثم اعلم أن صلاة الضحى مستحبة، وقال النووي: وقيل سنة، وكان ابن عمر يراها بدعة، ومثله ابن مسعود، حكاهما النووي وأقلها ركعتان. وقال النووي أفضلها ثماني ركعات وقيل اثني عشر ركعة، وفيه حديث فيه ضعيف. ووقتها من ارتفاع الشمس إلى وقت الزوال وقال صاحب الحاوي ووقتها المختار إذا مضى ربع النهار لحديث زيد بن أرقم أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال «صلاة الأوابين حين ترمض الفصال» رواه مسلم. قوله ترمض بفتح التاء والميم أي حين يترك الفصال من شدة الحر في إخفافها، وفي حديث أم هانئ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلاها ثماني ركعات، متفق عليه، وعن أبي هريرة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال «إن في الجنة بابا يقال له باب الضحى، فإذا كان يوم القيامة ينادي منادي أين الذين كانوا يديمون صلاة الضحى؟ هذا بابكم فادخلوه برحمة الله» . م: (ولأنه) ش: أي ولأن الأربع م: (أدوم تحريمة) ش: أي من حيث التحريم لأنها استمرت ولم يفصل بشيء م: (فيكون أكثر مشقة) ش: لأنه ليس فيه راحة للنفس بخلاف الركعتين م: (وأزيد فضيلة) ش: أي من حيث الفضيلة لأن زيادة الفضيلة في أكثر المشقة، وجاء أفضل الأعمال [ .... ] أي أشقها م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ما ذكرنا من تعليل ذكر في الزيادات. م: (لو نذر أن يصلي أربعا بتسليمة لا يخرج عنه) ش: أي عن النذر م: (بتسليمتين) ش: يعني لو صلى الأربع بسلامين لِأنه لا يخرج عن العهدة بما هو مخفف م: (وعلى القلب يخرج) ش: أي ولو نذر على قلب المسألة المذكورة وهو أنه لو نذر أن يصلي أربعا بتسليمتين فصلى أربعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 والتراويح تؤدى بجماعة فيراعى فيها جهة التيسير، ومعنى ما رواه شفعا لا وترا، والله أعلم.   [البناية] بتسليمة يخرج لأنه شدد المخففة فيكون أشق، فكان أفضل، وكذا في انجلاب الثواب، وإنما قال وعلى القلب دون وعلى العكس لأن عكس المسألة المذكورة أن ينذر أن يصلي ركعتين فصلى أربعا. م: (والتراويح تؤدى بجماعة) ش: هذا جواب عن استدلال الصاحبين بالتراويح تقديره أن يقال التراويح تؤدى بجماعة، واختيار الفريق فيه للتحقيق م: (فيراعى فيها جهة التيسير) ش: أي جهة التحقيق، وذلك رعاية لحق الجماعة. م: (ومعنى ما رواه شفعا لا وترا) ش: هذا جواب عن الحديث الذي احتج به الشافعي وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» وتقديره أن قوله مثنى مثنى معناه شفعا شفعا لا وترا بطريق إطلاق اسم الملزوم على اللازم مجازا والداعي إلى هذا التأويل لئلا يصلي السنن أو الوتر في النفل [ ..... ] ليس معناه أنه يسلم بين كل ركعتين، وقد أشبعنا الكلام في هذا الحديث عن قريب. فروع: قراءة الأوراد بين الفرض والسنة لا بأس بها، قاله الحلواني ولو قام في مصلاه إن شاء قرأ جالسا وإن شاء قرأ قائما. وفي " شرح الشهيد " القيام إلى السنة متصلا بالفرض مسنون وفي الثاني كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا سلم يمكث قدر ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ولو تكلم بعد السنة قبل الفريضة هل تسقط السنة، قيل: تسقط، وقيل: لا [تسقط] ، ولكن ثوابه أفضل من ثوابه قبل التكلم. وفي " المبسوط ": ويكره الكلام بعد انشقاق الفجر إلى أن يصلي الفجر لأنها ساعة تشهدها الملائكة، جاء في تأويل قَوْله تَعَالَى {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] (الإسراء: الآية 78) ، تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، فلا ينبغي بأن يشهدهم إلا على خير، طول القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود. وقال أبو يوسف: إذا كان له ورد من الليل فالأفضل أن يكثر عدد الركعات وإلا فطول القيام أفضل، وقال محمد: كثرة الركوع والسجود أفضل، إخفاء التطوع أفضل من إبدائه. نافلة الليل أفضل من نافلة النهار لأنها أشق على الإنسان لما فيها من هجران النوم والراحة، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أفضل الصلاة بعد المفروضة صلاة الليل» ، رواه مسلم، وآخر الليل أفضل من أوله. المسافر لا يترك السنة إلا بعذر قاله في منية المفتي الأفضل في السنن والنوافل الترك إلا التراويح. وقال الحسن اختلف في الآكد بعد ركعتي الفجر فقيل الأربع قبل الظهر والركعتان بعده والركعتان بعد المغرب كلها سواء، والأصح أن الأربع قبل الظهر آكد وفي " الحاوي ": عن أبي سهل موسى بن أبي نصر الرازي من أصحاب أبي حنيفة أنه قال: من واظب على ترك الأربع قبل الظهر لا أقبل شهادته. وفي " الأسبيجابي ": تارك الأربع قبل الظهر والركعتين بعدها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وركعتي الفجر تلحقه الإساءة لأنها تطوع، وفي " المحيط " و " الواقعات " الأصح أنه يأثم. لكل من استيقظ من الليل أن يمسح [النوم] عن وجهه ويتسوك وينظر في السماء ويقرأ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190] الآيات التي في آخر آل عمران، والثابت ذلك في الصحيحين. ويستحب إحياء ليلتي العيدين، ويستحب أيضا لمن أراد قيام الليل أن يعتاد ما يمكنه الدوام عليه مدة حياته، ويكره بعد ذلك تركه والتنقص منه من غير ضرورة ويستحب أيضا الإكثار من الدعاء في ساعات الليل وأكثرها النصف الأخير، وأفضله عند الأسحار. ومن التطوعات ركعتا شكر الوضوء عن عقبة بن عامر الجهني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قل: «ما من أحد يتوضأ ويحسن الوضوء فيصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة» ، رواه مسلم. وركعتا السفر عن مطعم بن المقدام قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما خلق عن أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حتى يزيد سفرا» ، ذكر هذا ابن أبي شيبة في " سننه ". وركعتا القدوم من السفر عن كعب بن مالك «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يقدم من السفر إلا نهارا في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه» رواه مسلم. وركعتا تحية المسجد، ولا يختصان بليل ولا نهار لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين» متفق عليه، وهي سنة وبه قال أحمد، وقال المرغيناني واجبة عند الشافعي ونقله غلط. قال النووي في " شرح المهذب ": أجمع العلماء على استحباب تحية المسجد، وفي " الجلاب " للمالكية: ويستحب لمن أراد الجلوس في المسجد أو جلس ولم يصل أن يصلي ركعتين إلا أن يكون مختارا أو محدثا أو في وقت نهي أو تكرر دخوله بعد أن حياه. وفي " مختصر البحر ": ودخول المسجد بنية الفرض أو الاقتداء ينوب عن تحية المسجد، وإنما يؤمر بتحية المسجد إذا دخله بغير الصلاة، وكذا من دخل الحرم بإحرام الفرض يكفيه عما يجب من الإحرام لدخول مكة، ويكفيه لتحية المسجد في كل يوم ركعتان، وقال صاحب " التتمة " من الشافعية: يستحب لكل من دخله، وقال المحاملي في " اللباب ": أرجو أن يجزئه التحية، ثم قيل: يجلس ثم يقوم فيصلي، وعامة العلماء على أنه يصلي كلما دخل، وقالت الشافعية: لو جلس وطال الفصل فاتت ولا قضاء عليه، وكذا انتقض الجلوس عندهم. وقال النووي: لا تحصل بصلاة الجنازة وسجدة التلاوة والشكر والركعة الواحدة كقولنا، وعند الشافعية يكره جلوسه من غير تحية سواء دخل في وقت النهي عن الصلاة أو غيره، وإن صلى أكثر من ركعتين بتسليمة واحدة كانت كلها تحية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] واتفقوا أن الإمام إذا كان في المكتوبة أو أخذ المؤذن في الإقامة يترك تحية المسجد، واتفقوا أنه يقدم الطواف على التحية بخلاف السلام على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حيث تقدم التحية عليه، لأن حق الله مقدم على حق الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -. وركعتا الاستخارة وصلاة التسبيح وصلاة الحاجة ركعتان، ورد فيه حديث فيه ضعف، وصلاة الرغائب في أول جمعة من رجب اثنتي عشرة ركعة، ويكون قد صام يوم الخميس وذلك بعد صلاة المغرب يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب و {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] ثلاث مرات و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] اثنتي عشرة مرة، فإذا فرغ منها وهو جالس في التشهد بعد السلام يقول رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم، سبعين مرة، فإذا رفع رأسه يقول: اللهم صل على النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم سبعين مرة ثم يكبر ويسجد ويقول في سجوده سبوح قدوس [ربنا] ورب الملائكة والروح سبعين مرة، فإذا فرغ منه يسأل الله حاجته وهو ساجد. وأما الصلاة في ليلة النصف من شعبان فقال أبو الخطاب مجد الدين دحية فليس فيها حديث يصح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال في " العلم المشهور " حديث ليلة النصف من شعبان موضوع، وحديث أنس فيها موضوع لأن فيه إبراهيم بن إسحاق، قال أبو حاتم: كان يقلب الأخبار ويسرق الحديث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 فصل في القراءة والقراءة في الفرض واجبة في الركعتين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الركعات كلها   [البناية] [فصل في القراءة] [حكم القراءة في الفرض] م: (فصل في القراءة) ش: قد مر غير مرة أن قول المصنفين فصل لا ينون، لأن الإعراب إنما يكون بعد التركيب. ولما فرغ من بيان الصلوات فرضها وواجبها ونفلها، شرع في بيان القراءة، لأنها تختلف باختلاف الصلوات. م: (القراءة في الفرض واجبة) ش: أي لازمة وفريضة، إذ الواجب نوعان قطعي وظني، فالقطعي هو الفرض وهذا [هو] الواجب قطعي في حق العمل من ذوات الأربع من الفرائض، ويقال المراد بقوله واجبة الفرض لكن لما لم يكفر جاحدها فيهما ولم يكن فرضا في حق العلم بل هي فرضا عملا وصفتها بالوجوب. ومذهب الأسود والنخعي والثوري كمذهبنا، وهو رواية عن أحمد وقال ابن المنذر: قد روينا عن علي أنه قال: اقرأ في الأوليين وسبح في الأخريين وكفى به قدوة م: (في الركعتين) ش: إنما أطلقهما ولم يقيدهما بالأوليين لأن في كونهما في الركعتين بأعينهما أولا كلام، قال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": قال أصحابنا: القراءة فرض في الركعتين بغير أعيانهما إن شاء في الأوليين وإن شاء في الأخريين، وإن شاء في الأولى والرابعة، وإن شاء في الثانية والثالثة، وأفضلها في الأوليين، وكذا قال القدوري في " شرح مختصر الكرخي " حيث قال فالأفضل أن يقرأ في الأوليين، وإن قرأ في الأخريين أو في الثانية والثالثة جاز. وقال في " خلاصة الفتاوى ": واجبات الصلاة عشرة وذكر منها تعيين القراءة في الأوليين، وفي " المحيط ": القراءة في الصلاة أنواع: فرض وواجب ومستحب ومكروه. أما الفرض فالقراءة في الأوليين ومثله في " القنية " و " التحفة "، وقال هو صحيح من مذهب أصحابنا حتى لو تركها في الأوليين يقضيها في الأخريين وليست بشرط فيهما حتى لا تفسد الصلاة بترك القراءة فيهما. وأما واجب فقال في المحيط قراءة الفاتحة والسورة في الأوليين وفي " الينابيع " القراءة فرض في ركعتين غير عين وله أن يقرأ في أي الاثنين شاء وهي واجبة في الأخريين من ذوات الأربع والثلاث وفي " التحفة " الجمع بين الفاتحة والسورتين في الأوليين واجب وليس بفرض. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الركعات كلها) ش: أي القراءة فرض في جميع ركعات الصلاة وبه قال مالك وأحمد حتى قالوا بفرضية الفاتحة في الكل، لكن مالكا أقام الأكثر مقام الكل، وعن مالك في رواية شاذة أن الصلاة صحيحة بدون القراءة. وقال المازري عن ابن سلبون أن أم القرآن ليست فرضا فيها. وقال ابن الماجشون: من ترك القراءة في ركعة من الصبح أو أي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا صلاة إلا بقراءة وكل ركعة صلاة» وقال مالك: في ثلاث ركعات إقامة للأكثر مقام الكل تيسيرا   [البناية] صلاة كانت تجزئ سجدتا السهو وهو بعيد عن الفقه والنظر. قاله ابن بطال وقال الشافعي في القديم: إن تركها ناسيا صحت صلاته معتمدة أثر عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه صلى المغرب فلم يقرأ فيها شيئا فقيل له: كيف الركوع والسجود؟ قالوا: حسنا قال: فلا بأس إذا قلت فعل الصحابة وقولهم ليس بحجة عنده مع أنه ضعيف فكيف يتمسك به. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا صلاة إلا بقراءة وكل ركعة صلاة» ش: هذا الحديث رواه مسلم عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا صلاة إلا بقراءة وكل ركعة صلاة» ، فما أعلن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعلنا وما أخفاه أخفيناه لكم. لكن: وكل ركعة صلاة ليس من الحديث، واستدلال المصنف بهذا الحديث للشافعي على وجوب القراءة في كل ركعة ليس بقائم لأنه ليس بصريح فيه، ونحن أيضا نستدل به على وجوب القراءة في الصلاة ولو استدل له بحديث المسيء في صلاته الذي أخرجه البخاري ومسلم في " الصحيحين " لكان أقوم وأصرح وفيه أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال له: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن وفي آخره ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» . م: (وقال مالك: في ثلاث ركعات) ش: أي القراءة فرض في ثلاث ركعات م: (إقامة للأكثر مقام الكل) ش: إقامة نصب على التعليل، والمقام بضم الميم، ومالك أيضا يستدل بالحديث المذكور، ولكنه يقول الثلاث تقوم مقام الكل م: (تيسيرا) ش: أي لأجل التيسير على المصلين والشراح قالوا: إن مسألة القراءة في الفرائض الرباعية مخمسة فذكروا الخمسة، والمصنف ذكر منها الثلاثة: قلت: هي مسدسة. الأول: مذهبنا أنها فرض في الركعتين. والثاني: فرض عند الشافعي في الكل. والثالث: فرض عند مالك في الأكثر. والرابع: مذهب أبي بكر الأصم إمام بغداد وإسماعيل بن علية والحسن بن صالح بن حيي، وسفيان بن عيينة أن القراءة مستحبة، روي ذلك عن عمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. والخامس: روى البيهقي عن زيد بن ثابت أنه قال القراءة سنة. والسادس: قال الحسن البصري وزفر والمغيرة من المالكية: يجب في ركعة واحدة، ومن وجه المسألة متسعة. السابع: رواية عن مالك أن الصلاة صحيحة من غير قراءة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] (المزمل، الآية 20) ، والأمر بالفعل لا يقتضي التكرار وإنما أوجبنا في الثانية استدلالا بالأولى لأنهما يتشاكلان من كل وجه.   [البناية] الثامن: عن الشافعي أنه إذا تركها ناسيا صحت صلاته. التاسع: [من قال] لا تجب القراءة في السرية كالظهر والعصر، حكي ذلك عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، لحديث عبد الله بن عبيد الله قال: «دخلت على ابن عباس فقلنا لشاب منا: سل ابن عباس أكان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقرأ في الظهر والعصر؟ فقال: لا. لا. فقيل له: فلعله كان يقرأ في نفسه فقال: خمشا هذه شر من الأولى كان عبدا مأمورا بلغ ما أمر به وما اختصنا دون الناس بشيء إلا بثلاث خصال، أمرنا أن نسبغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة وأن لا ننزي الحمار على الفرس» رواه أبو داود بإسناد صحيح. لكن عارضه حديث عكرمة عن ابن عباس أنه قال: «لا أدري أكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في الظهر والعصر أم لا» رواه أبو داود بإسناد صحيح. وحديث أبي سعيد الخدري كان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين نصف ذلك، وفي العصر في الأوليين في كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة، وفي الأخريين قدر نصف ذلك» رواه مسلم. م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] (المزمل، الآية 20) ، والأمر بالفعل لا يقتضي التكرار) ش: تقديره أن الله تعالى أمرنا بالقراءة مما تيسر من القرآن وذلك في الصلاة بالإجماع والأمر بالفعل يقتضي امتثاله، ولا يقتضي التكرار إعادة الشيء بعينه لا إعادة مثل الشيء فاقتضى ذلك أن تكون القراءة في ركعة واحدة كما ذهب إليه الحسن البصري. م: (وإنما أوجبنا في الثانية) ش: أي إنما أوجبنا القراءة في الركعة الثانية، وهذا جواب عما يقال إنكم قلتم إن الأمر بالفعل لا يقتضي التكرار، وقد أوجبتم القراءة في الركعة الثانية وخالفتم ما قلتم. وتقرير الجواب أن [وجوب] القراءة في الثانية لا بعبارة النص حتى يلزم ما قلتم وإنما وجوبها في الثانية بدلالة النص وهو معنى قوله م: (استدلالا بالأولى) ش: يعني بالركعة الأولى وبين ذلك بقوله: م: (لأنهما يتشاكلان من كل وجه) ش: أي لأن الركعة الأولى والثانية تتشابهان من كل وجه، فلما كان كذلك وجبت في الثانية استدلالا بالأولى كالحكم في أحد النوعين ينسب في النوع الآخر، وأما تشاكل الثانية للأولى من كل وجه فمن حيث السقوط والوجوب والصفة والقدر فكل من وجبت عليه الأولى وجبت الثانية، وإذا سقطت سقطت. وأما المماثلة في الصفة ففي الجهر والأخير الإخفاء، وأما المماثلة في القدر ففي ضم السورة مع الفاتحة. فإن قلت: كيف تكون المماثلة بينهما فالأولى تفارق الثانية في التكبيرة والثناء والتعوذ والبسملة فانتفت المشابهة من كل وجه؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 فأما الأخريان يفارقانهما في حق السقوط بالسفر، وصفة القراءة وقدرها فلا يلحقان بهما والصلاة فيما روي مذكورة صريحا فتنصرف إلى الكاملة وهي الركعتان عرفا فمن حلف لا يصلي صلاة بخلاف ما إذا حلف لا يصلي.   [البناية] قلت: المشابهة والمشاكلة في الكمية والكيفية، فما يرجع إلى نفس الصلاة وأركانها. أما تكبيرة الافتتاح فإنها شرط وليست بركن، وأما الثناء والتعوذ والبسملة فأمور زائدة وليست بفرض فلا يقدح ذلك في ثبوت المماثلة. فإن قلت: قَوْله تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] أمر ومع هذا يتكرر في كل ركعة. قلت: ذلك لفعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لأنه لم ينقل عنه الاكتفاء بركوع واحد ولا الاكتفاء بسجود. م: (فأما الأخريان) ش: أي فأما الركعتان الأخيرتان، وفي بعض النسخ وأما الأخروان هو لحن، لأن الألف إذا كانت ثالثة ردت إلى أصلها في التشبه كما يقال عصوان ورحيان، وإذا كانت رابعة تقلب ياء لا غير م: (فيفارقانهما) ش: أي فيفارقان الركعتين الأوليين م: (في حق السقوط بالسفر) ش: لأن السقوط بالسفر يدل على المفارقة م: (وصفة القراءة) ش: في الجهر والإخفاء م: (وقدرها) ش: أي وقدر القراءة في ضم السورة مع الفاتحة كما بيناها آنفا م: (فلا يلحقان بهما) ش: هذا نتيجة المفارقة، أي فإذا كان الأمر كذلك فلا يلحق الأخريان بالأوليين. م: (والصلاة فيما روي) ش: أي فيما روى الشافعي، هذا جواب عما رواه الشافعي من الحديث وتقريره أن قوله لا صلاة م: (مذكورة صريحا فتنصرف إلى الكاملة وهي الركعتان عرفا) ش: أي من حيث العرف م: (فمن حلف لا يصلي صلاة) ش: فإنه لا يحنث إلا بركعتين، لأن الصلاة مذكورة فيه فينصرف إلى الكاملة وهي الركعتان م: (بخلاف ما إذا حلف لا يصلي) ش: فإنه يحنث بركعة. فإن قلت: لا صلاة نكرة في سياق النفي فتعم كل فرض. قلت: تريد بذلك لغة أو شرعا فإن أردت لغة فلا سبيل لذلك، لأن معناها الحقيقي الدعاء. وليست القراءة شرطا في فرد من أفراد الدعاء، وإن أردت شريعة فنسلم، ولكن الركعة الواحدة ليست من الأفراد شرعا لنهيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن البتيراء، ولئن سلمنا أن لا صلاة إلا بقراءة، لكن الكلام في أن القراءة في الأوليين قراءة في الأخريين. قلت: الملازمة ممنوعة ألا ترى أن القعدة في آخر الصلاة فرض عند الخصم أيضا ولم يكن فرضا في كل ركعة، وكذا الصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الأخيرة فرض عنده وليست بفرض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 قال: وهو مخير في الأخريين معناه إن شاء سكت وإن شاء قرأ وإن شاء سبح كذا روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وهو المأثور عن علي وابن مسعود وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.   [البناية] في جميع الركعات. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وهو) ش: أي المصلي م: (مخير في الأخريين) ش: أي في الركعتين الأخريين وبين التخيير بقوله م: (إن شاء سكت وإن شاء قرأ، وإن شاء سبح) ش: لأن القراءة لما لم تجب في الأخريين جاز أحد الأمور الثلاثة م: (كذا روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي كذا روي الخبر عن أبي حنيفة، أما السكوت فمقدار تسبيحة، وقل قدر ما يطلق عليه اسم القيام، ولو أطال السكوت فهو أفضل، ولم يذكر المصنف عددا في التسبيح. وذكر المرغيناني والقدوري في شرحه وفي " التحفة " و " العتبية " و " الينابيع " [أنه لو سبح ثلاث تسبيحات أجزأه. وفي " المحيط " التخيير رواية عن أبي يوسف] وفيه لو سبح فيهما ولم يقرأ لا يكون مسيئا، وإن سكت فيهما يكون مسيئا ومثله في " المرغيناني "، وإن لم يكن مسيئا بترك القراءة إذا أتى بالتسبيح لأن القراءة فيهما شرعت على وجه الثناء والذكر، ولهذا تعينت الفاتحة لكونها ثناء. والحاصل أن في كراهة السكوت روايتين، وفي " شرح مختصر الكرخي ": وروى الحسن عن أبي حنيفة أن قراءة الفاتحة أفضل من التسبيح، وإن لم يسبح ولم يقرأ كان مسيئا وعليه سجدتا السهو إن تركهما ساهيا إذ القيام في الأخريين مقصود فلا يخلى عن القراءة والذكر جميعا كالركوع والسجود. قلت: إخلاء الركوع والسجود عن الذكر لا يوجب سجود السهو، قال: والأول أصح، وعن أبي يوسف في رواية يسبح فيهما ولا يسكت إلا أنه قرأ الفاتحة فيهما فليقرأها على وجه الثناء دون القراءة، وبه أخذ بعض المتأخرين من الأصحاب. م: (وهو المأثور عن علي وابن مسعود وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: الضمير أعني هو لا يصلح إن رجع إلى التخيير بين الأمور الثلاثة لأن الأثر المروي عن علي وابن مسعود في القراءة والتسبيح فقط. وقال صاحب " الدراية ": وهو أي التسبيح هو المأثور أي المروي. قلت لا يصلح هذا لأن المذكور في الأثر شيئان وإعادته إلى أحدهما بلا دليل تحكم، والظاهر أنه يرجع إلى المذكور في كلام القدوري الذي نقله المصنف، والمذكور فيه التخيير، ولكن الدليل الذي هو الأثر لا يطابق المدلول اللهم [إلا] إذا كان الثابت عند المصنف أن التخيير هو المنقول عن علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ولكن ما أدركته ولكن المصنف خطواته واسعة، فلم يعجز عن الإدراك. أما المأثور عن علي وابن مسعود فقد رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن شريك عن أبي إسحاق السبيعي عن علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قالا: اقرأ في الأوليين وسبح في الأخريين، وعن منصور قلت لإبراهيم: ما يفعل في الأخريين من الصلاة؟ قال سبح واحمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 إلا أن الأفضل أن يقرأ؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - داوم على ذلك. ولهذا لا يجب السهو بتركها في ظاهر الرواية   [البناية] وأما عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فهو غريب لم يثبت، ولكن روي أن رجلا سأل عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن قراءة الفاتحة في الأخريين. قالت اقرأها على جهة الثناء. م: (إلا أن الأفضل أن يقرأ) ش: هذا استثناء من قوله يخير في الأخريين وفي " الدراية " كأنه أراد به نفي رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن القراءة تجب فيهما حتى لو لم يقرأ ولم يسبح كان مسيئا إن كان عمدا، وإن كان ساهيا فعليه القراءة والسهو قد ذكرنا الآن هذا عن " شرح مختصر الكرخي "، وقال الأترازي: إلا أن الأفضل عندنا أن يقرأ خلافا لما روي عن سفيان فإن عنده الأفضل أن يسبح م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - داوم على ذلك) ش: يعني على القراءة في الأخريين، هذا التعليل لا يطابق قوله إلا أن الأفضل أن يقرأ لأن مداومة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على فعل شيء يدل على وجوبه، ولهذا روى الحسن عن أبي حنيفة أن قراءة الفاتحة واجبة في الأخريين ويجب سجود السهو بتركها ساهيا ذكره في " المبسوط " وغيره وقد ذكرناه، ويشهد لذلك حديث أبي قتادة رواه الجماعة إلا الترمذي «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب ويطيل في الركعة الأولى ما لا يطيل في الثانية، وكذلك في العصر» . وذكر الولوالجي في تعليل أفضلية القراءة في الأخريين بقوله ليكون مؤديا للصلاة الجائزة بيقين. وقال الأترازي: وإنما كانت القراءة أفضل، لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - داوم عليها في أغلب الأحوال. وقال الأكمل: لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - داوم على ذلك يعني ترك وإلا لكان واجبا. قلت: من أين أخذ الأترازي قوله في أغلب الأحوال والأكمل من أين أخذ قوله يعني ترك والأحاديث الصحيحة لا تدل على ذلك، ولئن سلمنا ذلك كان ينبغي أن تكون القراءة في الأخريين سنة. وفي " التحفة " و " شرح مختصر الكرخي " أن السنة في الأخريين الفاتحة لا غير، وروى المعلى عن أبي يوسف أنه يقرأ فيهما بالحمد وسورة معها. م: (ولهذا) ش: أي ولكون قراءة الفاتحة على وجه الأفضلية م: (لا تجب سجدة السهو بتركها) ش: أي بترك القراءة يعني بترك قراءة الفاتحة. قلت هذا أيضا لا يطابق تعليله المذكور على ما لا يخفى م: (في ظاهر الرواية) ش: احترز به عما رواه الحسن عن أبي حنيفة أنه إن لم يقرأ ولم يسبح عمدا كان أو ناسيا، وإن كان ساهيا وجب عليه سجدة السهو كما ذكرناه. وقال الأكمل: وظاهر الرواية أصح لأن الأصل في القيام القراءة، فإذا سقطت [ففي القيام المطلق فكان كقيام المقتدي. قلت كل واحد من القيام والقراءة ركن مستقل بذاته، فمن قال إن القراءة سقطت] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 والقراءة واجبة في جميع ركعات النفل، وفي جميع ركعات الوتر، أما النفل فلأن كل شفع منه صلاة على حدة، والقيام إلى الثالثة كتحريمة مبتدأة، ولهذا لا تجب بالتحريمة الأولى إلا ركعتان في المشهور عن أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ولهذا قالوا: يستفتح في الثالثة أي يقول: سبحانك اللهم وبحمدك،   [البناية] مطلقا، ولا نسلم أنه يكون كقيام المقتدي لأن المقتدي قارئا حكما، لأن قراءة الإمام تنوب عن قراءته. [حكم القراءة في صلاة النفل] م: (والقراءة واجبة في جميع ركعات النفل وفي جميع ركعات الوتر، أما النفل فلأن كل شفع منه صلاة على حدة) ش: لأن تحريمة النفل لا توجب أكثر من ركعتين على ما يجيء الآن م: (والقيام إلى الثالثة) ش: يعني القيام إلى الركعة الثالثة كالنفل بأربع ركعات م: (كتحريمة مبتدأة) ش: يعني كتحريمة ابتداء وبالتحريمة ابتداء لا تجب أكثر من ركعتين. م: (ولهذا) ش: أي ولكون كل شفع من النفل صلاة على حدة م: (لا تجب بالتحريمة الأولى إلا ركعتان في المشهور عن أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: هذا إذا نوى أربع ركعات حتى يحتاج إلى التقييد بالمشهور، فأما إذا شرع في التطوع بمطلق النية لا يلزمه أكثر من ركعتين بالاتفاق في جميع الروايات كذا في " المحيط " واحترز بالمشهور عن قول أبي يوسف أولا فإنه قال يلزمه جميع ما نواه اعتبارا للشروع بالنذر، وفي رواية عنه يلزمه أربع ركعات ولا يلزمه أكثر من ذلك اعتبارا للنفل بالفرض. م: (ولهذا) ش: أي ولكون القيام إلى الثالثة بمنزلة تحريمة مبتدأة م: (قالوا) ش: أي قال علماؤنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (يستفتح في الثالثة) ش: أي يقرأ في رأس الركعة الثالثة م: (سبحانك اللهم وبحمدك) ش: كما في الابتداء. فإن قلت: إذا كان كل شفع من النفل صلاة على حدة وترك القعدة الأولى من الشفع الأول كان ينبغي أن لا يجوز هذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف مع أنهما يجوزان ترك القعدة الأولى من الشفع الأول. قلت: الفساد هو القياس كما ذهب إليه زفر، وروي عن محمد لأن كل شفع بمنزلة صلاة الفجر وصلاة الظهر للمسافر، ولو ترك القعدة فيهما فسدت الصلاة، وإن ضم إليهما شفعا آخر فكذا هذا، ولكن الاستحباب عدم الفساد ووجوب سجدة السهو عند السهو والتطوع كما شرع ركعتين شرع أربعا أيضا، فإذا ترك القعدة وقام إلى الشفع الثاني يمكن أن يجعل الكل صلاة واحدة، وفي الصلاة الواحدة من ذوات الأربع لا تفرض من القعدة إلا الأخيرة وهي قعدة الختم كما في الظهر بخلاف صلاة الفجر، لأن الفجر شرع ركعتين لا غير، وبضم الشفع الثاني لا يصير الكل صلاة واحدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 وأما الوتر فللاحتياط، قال: ومن شرع في النافلة ثم أفسدها قضاها، وقال الشافعي: لا قضاء عليه. لأنه متبرع فيه ولا لزوم على المتبرع، ولنا أن المؤدى وقع قربة فيلزم الإتمام ضرورة صيانة عن البطلان،   [البناية] فإن قلت: ينبغي على هذا أن يكون في حق القراءة كذلك حتى لا تجب القراءة في الأخريين كما في الفرض. قلت: اعتبر في حق القراءة بمنزلة صلاتين لأن القراءة ركن مقصود في الصلاة شرعت لنفسها بخلاف القعدة، لأنها شرعت للفصل بين الشفعين، فلا يكون فرضا، وفي الفرض شرطت للتحليل فيكون فرضا. فإن قلت: لو صار هذا القيام إلى الشفع الثاني بمنزلة صلاة واحدة كالظهر لما أمرنا بالعودة إلى القعدة عند القيام إلى الثالثة كما في الظهر بل يؤمر هاهنا. قلت: له شبهان شبه للظهر لسريان الفساد إلى الأول عنه بترك القعدة وشبه للفجر في وجوب القراءة في الشفع الثاني، والشبه بالفجر يعود إليها ما لم يقيد بالسجدة، وبشبه الظهر لا يؤمر بالعود إذا قيد الثالثة بالسجدة ولم تفسد توفيرا للشبهين. م: (وأما الوتر فللاحتياط) ش: أي وأما وجوب القراءة في جميع ركعات الوتر فلأجل الاحتياط لأن الوتر سنة اعتقادا، كذا في " الجامع البرهاني " فتجب القراءة في الكل نظرا إليه، وبالنظر إلى مذهب أبي حنيفة لا تجب ولكن يجب للاحتياط وهو قول أبي بكر الصديق وابن عباس ومالك وآخرين. م: (قال: ومن شرع في النافلة ثم أفسدها قضاها، وقال الشافعي لا قضاء عليه) ش: وبه قال أحمد، وكذا الخلاف في صوم التطوع والعلماء أوردوا هذه المسألة في كتاب الصوم، القراءة سقطت مطلقا، ولا نسلم أنه يكون كقيام المقتدي لأن المقتدي قارئ حكما، لأن قراءة الإمام تنوب عن قراءته. لأن الأخبار التي يحتج بها من الجانبين إنما وردت في الصوم، لكن القدوري لما رأى أن حكم المسألة فيهما كان واحدا أوردها في كتاب الصلاة وتابعه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه متبرع فيه) ش: أي في فعله هذا م: (ولا لزوم على المتبرع) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] (التوبة: الآية 91) ، فصار كالمظنون. م: (ولنا أن المؤدى) ش: بفتح الدال م: (وقع قربة) ش: بدليل أنه لو مات بعد هذا القدر من المؤدى يصير مثابا م: (فيلزمه الإتمام ضرورة صيانة عن البطلان) ش: وإبطال العمل حرام بقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] (محمد: الآية 33) ، والاحتراز عن إبطال العمل فيما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 وإن صلى أربعا وقرأ في الأوليين وقعد ثم أفسد الأخريين قضى ركعتين؛ لأن الشفع الأول قد تم، والقيام إلى الثالثة بمنزلة تحريمة مبتدأة فيكون ملزما هذا إذا أفسد الأخريين بعد الشروع فيهما. ولو أفسد قبل الشروع في الشفع الثاني لا يقضي الأخريين. وعن أبي يوسف أنه يقضي اعتبارا للشروع بالنذر، ولهما أن الشروع يلزم ما شرع فيه، وما لا صحة له إلا به، وصحة الشفع الأول لا تتعلق بالثاني، بخلاف الركعة الثانية.   [البناية] لا يحتمل الوجه بالتجزي لا يكون إلا بإتمام، ومن الدليل على أن الشروع ما يلزم كالنذر المشروع في الحج فإنه يلزم بالاتفاق، وقياسه على المظنون فاسد لأنه شرع مقطعا لا ملتزما، وكلامنا فيما إذا شرع ملتزما. م: (وإن صلى أربعا) ش: أي إن شرع في الصلاة فأدى أربع ركعات، وإنما قيدنا هكذا لأنها لو كانت على حقيقتها لا يتصور إفساد الأخريين بعد تمامه م: (وقرأ في الأوليين وقعد) ش: قيد بالقعود، لأنه لو لم يقعد وأفسد الأخريين يجب عليه قضاء الأربع بالإجماع م: (ثم أفسد الأخريين قضى ركعتين) ش: يعني الشفع الثاني م: (لأن الشفع الأول قد تم) ش: بالقعود م: (والقيام إلى الثالثة) ش: أي إلى الركعة الثالثة م: (بمنزلة تحريمة مبتدأة) ش: أي بمنزلة تحريمة ابتداء م: (فيكون ملزوما فيقضي ركعتين) ش: كما إذا شرع في الركعتين ابتداء فأفسدهما قضى ركعتين فكذا هذا. م: (هذا) ش: أي هذا الذي ذكرنا من قضاء الركعتين م: (إذا أفسد الأخريين بعد الشروع فيهما) ش: بأن قام إلى الأخريين فأفسدهما م: (ولو أفسد) ش: أي الأخريين م: (قبل الشروع في الشفع الثاني لا يقضي الأخريين) ش: عند أبي حنيفة ومحمد. م: (وعن أبي يوسف أنه يقضي) ش: الأخريين م: (اعتبارا للشروع بالنذر) ش: وذلك لأن نية الأربع قارنت سبب الوجوب وهو الشروع فيلزم القضاء، كما إذا نذر، فإن نية الأربع قارنت سبب الوجوب وهو النذر. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أن الشروع يلزم) ش: من الإلزام م: (ما شرع فيه) ش: جملة في محل نصب مفعول قوله يلزم م: (وما لا صحة له إلا به) ش: أي الشروع يلزم أيضا ما لا صحة له أي للشروع إلا به، كالركعة الثانية حيث لا صحة للأولى بدونها، لأن البتيراء منهي عنها م: (وصحة الشفع الأول لا يتعلق بالثاني) ش: أي الشفع الثاني لا يتعلق ولا يتوقف عليه فلا يلزم من لزوم الشفع الأول بسبب الشروع فيه لزوم الشفع الثاني، فإذا لم يلزم لا يكون واجبا، فإذا لم يكن واجبا لا يجب قضاؤه، فظهر من هذا أن النية لم تقارن سبب الوجوب وهو الشروع، لأن الفرض أنه لم يشرع م: (بخلاف الركعة الثانية) ش: بخلاف النذر فإن نية الأربع قارنت سبب الوجوب فيلزم القضاء بالإفساد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 وعلى هذا سنة الظهر، لأنها نافلة، وقيل: يقضي أربعا احتياطا، لأنها بمنزلة صلاة واحدة، وإن صلى أربعا ولم يقرأ فيهن شيئا أعاد ركعتين، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقضي أربعا وهذه المسألة على ثمانية أوجه. والأصل فيها أن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترك القراءة في الأوليين. أو في أحديهما يوجب بطلان التحريمة، لأنها تقعد للأفعال،   [البناية] ومن الدليل على أن الشفع الثاني ينفك عن الشفع الأول في التطوع أن المرأة إذا دخلت على زوجها وهو في الشفع الأول فانتقل إلى الشفع الثاني ثم خرجت فطلقها يجب كمال المهر لصحة الخلوة، وتبطل الشفعة أيضا إذا أخبر في الشفع الأول فانتقل إلى الشفع الثاني. أما في الفريضة وسنة الظهر لا تصح الصلاة ولا تبطل الشفعة. م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الخلاف الذي في النفل المطلق م: (سنة الظهر) ش: يعني لو أفسد الأخريين من سنة الظهر فعند أبي يوسف يقضيهما سواء أفسدهما قبل الشروع فيهما أو بعد الشروع. وعندهما يقضي إذا أفسدهما بعد الشروع لا قبله، لكن يقضي ركعتين م: (لأنها نافلة) ش: أي لأن سنة الظهر نافلة في الأصل. م: (وقيل يقضي أربعا احتياطا لأنها) ش: أي لأن سنة الظهر م: (بمنزلة صلاة واحدة) ش: بدليل أن الزوج إذا خير امرأته وهي في الشفع الأول من هذه الصلاة، أو خيرت بشفعة لها فأتمت أربعا لا تبطل خيارها، ولا شفعتها بخلاف سائر التطوعات. م: (وإن صلى أربعا) ش: أي أربع ركعات تطوعا م: (ولم يقرأ فيهن شيئا) ش: أي والحال أنه لم يقرأ في هذه الأربع شيئا من القرآن م: (أعاد ركعتين) ش: لأنا ذكرنا أن بالشروع الأول لا يلزم الشفع الثاني، فإذا لم يلزم يعيد الركعتين هاهنا م: (وهذا) ش: أي الاقتصار على إعادة الركعتين فقط م: (عند أبي حنيفة ومحمد) ش: بناء على ما ذكرنا من أصلهما. م: (وقال أبو يوسف: يقضي أربعا) ش: بناء على أصله المذكور م: (وهذه المسألة على ثمانية أوجه) ش: إنما انحصرت على الثمانية لأن القسمة العقلية، وهذه الأقسام في الحقيقة في أقسام ترك القراءة لا في القراءة؛ لأن الفساد إنما جاء من قبل الترك، ولهذا لم يأت فيما إذا قرأ في الكل مع أن القسمة العقلية تقتضيه، ثم يذكر الكل راعيا المتن في ذلك واتباعا له، لأن الشرح لا أعلمه إلا إذا ساق المتن وأتبعه بالشرح وإلا فالمتن في واد والشرح في واد، ولا ينتفع به الناظر إلا بعد مشقة كثيرة بعد استعداد كامل. م: (والأصل فيها) ش: أي في هذه المسألة المثمنة م: (أن عند محمد ترك القراءة في الأوليين أو في أحديهما يوجب بطلان التحريمة) ش: أي في حق الشفع الثاني م: (لأنها) ش: أي لأن التحريمة م: (تقعد للأفعال) ش: يعني المقصود منها الأفعال، ولهذا لا تسقط الصلاة عن العاجز عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترك القراءة في الشفع الأول لا يوجب بطلان التحريمة، وإنما يوجب فساد الأداء، لأن القراءة ركن زائد، ألا ترى أن للصلاة وجودا بدونها غير أنه لا صحة للأداء إلا بها وفساد الأداء لا يزيد على تركه.   [البناية] القراءة، وإن قدر على الأذكار والأفعال قد فسدت بترك القراءة بالإجماع ومع صفة الفساد للأفعال لا بقاء للتحريمة، وفي " مبسوط شيخ الإسلام " إذا أفسد الأداء بحيث لا يمكن إصلاحه تنقطع التحريمة كالبيع إذا هلك قبل القبض انفسخ العقد لأنه فات المعقود عليه بحيث لا يرجى وجوده، فكذلك هاهنا التحريمة شرعت للأداء، فإذا فسد فقد فات المعقود عليه بحيث لا يرجى وجوده، فتنقطع التحريمة، وفي " مبسوط شيخ الإسلام " لما فسدت الأفعال صارت بمنزلة أفعال ليست هي من الصلاة، ومن فعل في صلاته أفعالا ليست من الصلاة تبطل بها التحريمة كالتكلم والحديث العمد. م: (وعند أبي يوسف ترك القراءة في الشفع الأول لا يوجب بطلان التحريمة) ش: لأنه يوجب فساد الأداء لا بطلانه [وفساد الأداء لا يزيد على تركه] وهو معنى قوله م: (وإنما يوجب فساد الأداء) ش: لا بطلانه، وفساد الأداء لا يزيد على ترك الأداء بعد التحريمة م: (لأن القراءة ركن زائد ألا ترى أن للصلاة وجودا بدونها) ش: أي بدون القراءة حقيقة كما في الأمي والمقتدين م: (غير أنه) ش: أي غير أن الشأن هو استثناء من قوله ركن زائد تقريره أن القراءة وإن كانت ركنا زائدا م: (ولكن لا صحة للأداء إلا بها) ش: أي بالقراءة لأنها تؤثر في إزالة صفة الصلاة وهي صحة الأداء، وإن كانت لا تؤثر في إزالة [صحة] أصل الصلاة حتى تصير باطلة. م: (وفساد الأداء لا يزيد على تركه) ش: أي على ترك الأداء بمعنى أن الفساد ليس بأقوى حالا من الترك لما أن الفساد عبارة عن زوال الوصف دون الأصل، وزوال الأصل أقوى من زوال الوصف فترك الأداء إذا لم يوجب بطلان التحريمة ففساد الأداء أولى أن لا يوجب، وصورة ترك الأداء أن يحرم للصلاة، فقام طويلا ولم يأت بشيء من الأركان، ولو عدم الأداء أصلا بقيت التحريمة، وهذا لأن مبتدأ التحريمة صحيحة قبل مجيء أوان القراءة لأنها شرعت بتحريم أعمال الدنيا، ثم يؤدي الأفعال في تلك التحريمة. فإن قلت: ما ذكرتم تأخير لا ترك فلا يكون مفيدا. قلت هذا ترك قبل اشتغاله بأداء، وإنما يعرف كونه تأخيرا إذا اشتغل بالأداء فقيل اشتغاله به يصح إطلاق اسم الترك عليه. قال السغناقي: كذا قاله العلامة شمس الدين الكردري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قال الأكمل: وفيه نظر لأن للخصم حينئذ أن يقول لا نسلم أن الفساد لا يزيد على مثل هذا الترك. قلت لم تفرق بينه وبين إذا أسلم أن الترك لا يبطل التحريمة كيف يسلم زيادة الفساد على الترك. فإن قلت: ما الفرق بينه وبين الكلام والحديث العمد فإنهما يبطلان التحريمة دون الترك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 فلا تبطل التحريمة، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترك القراءة في الأوليين يوجب بطلان التحريمة، وفي إحداهما لا يوجب، لأن كل شفع من التطوع صلاة على حدة، وفسادها بترك القراءة في ركعة واحدة مجتهد فيه فقضينا بالفساد في حق وجوب القضاء، وحكمنا ببقاء التحريمة في حق لزوم الشفع الثاني احتياطا.   [البناية] قلت: هما من محظورات التحريمة، وارتكاب المحظور يقطع التحريمة، لأنه يمنع انعقادها في الابتداء فيجوز أن يقطعها بعد الصحة، والفقه فيه أن التحريمة شرط الأداء، وبفساد الأداء لا يفسد الشرط كالوصف لا يفسد بفساد الصلاة. م: (فلا تبطل التحريمة) ش: نتيجة ما قيل، وقد قررنا عدم بطلانها الآن: م (وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترك القراءة في الأوليين يوجب بطلان التحريمة وفي إحداهما لا يوجب) ش: أي ترك القراءة في إحدى الأوليين لا يوجب بطلان التحريمة وهاهنا أمران، أحدهما ترك القراءة في الأوليين، والآخر تركها في إحداهما، وعلل الأول بقوله م: (لأن كل شفع من التطوع صلاة على حدة) ش: فكان ترك القراءة فيه إخلاء للصلاة عن القراءة، فتكون فاسدة يجب قضاؤها وبطل تحريمها. وعلل الثاني بقوله م: (وفسادها) ش: أي فساد الصلاة م: (بترك القراءة في ركعة واحدة مجتهد فيه) ش: فإن عند الحسن البصري لا تجب القراءة إلا في الركعة الأولى كما ذكرناه م: (فقضينا بالفساد في حق وجوب القضاء) ش: أي قضاء الشفع الأول كما في الفجر، م: (وحكمنا ببقاء التحريمة في حق لزوم الشفع الثاني احتياطا) ش: في كل واحد من الحكمين. فالحاصل أن الأداء يفسد بالنظر إلى دليلنا، ويصح بالنظر إلى ما تمسك به الحسن فيعمل بهما فقلنا ببقاء التحريمة حتى يصح شروعه في الشفع الثاني، وبفساد الشفع الأول حتى يجب القضاء ليكون العمل على الوثيقة في باب العبادة. وفي " مبسوط " شيخ الإسلام ما قال أبو حنيفة هذا حيث أوجب الفساد بفساد الأداء ولم يرفع التحريمة لأنه لم يوجد ما يقطع فعليه قضاء الأخريين بالإجماع لبقاء التحريمة وصحة الشروع في الشفع الثاني، وهذا إذا قعد بينهما، فإن لم يقعد قضى أربعا، لأن عندهما لم يصح الشروع في الثاني والأخريان لا يكونان قضاء عن الأوليين لأنه بناهما على تلك التحريمة والتحريمة الواحدة لا يتسع فيها الأداء والقضاء. فإن قلت: فساد الصلاة بترك القراءة في الركعتين أيضا مجتهد فيه، لأن أبا بكر الأصم وابن علية وابن عيينة لا يقولون بفسادها. قلت: ذلك خلاف لا اختلاف، لكونه مخالفا للدليل القاطع وهو قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 إذا ثبت هذا نقول: إذا لم يقرأ في الكل قضى ركعتين عندهما، لأن التحريمة قد بطلت بترك القراءة في الشفع الأول عندهما فلم يصح الشروع في الشفع الثاني، وبقيت عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فصح الشروع في الشفع الثاني ثم إذا فسد الكل بترك القراءة فيه فعليه قضاء الأربع عنده، ولو قرأ في الأوليين لا غير فعليه قضاء الأخريين بالإجماع؛ لأن التحريمة لم تبطل فصح الشروع في الشفع الثاني، ثم فساده بترك القراءة لا يوجب فساد الشفع الأول، ولو قرأ في الأخريين لا غير فعليه قضاء الأوليين بالإجماع؛ لأن عندهما لم يصح الشروع في الشفع الثاني،   [البناية] م: (إذا ثبت هذا) ش: يعني الأصل المذكور م: (فنقول إذا لم يقرأ في الكل) ش: شرع في بيان تلك المسائل الثمانية فلذلك قال فنقول بالبقاء الأولى إذا لم يقرأ في الأربع كلها م: (قضى ركعتين عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد م: (لأن التحريمة قد بطلت بترك القراءة في الشفع الأول عندهما، فلم يصح الشروع في الثاني) ش: أي في الشفع الثاني ولما لم يصح الشروع في الثاني لا يكون صلاة عندهما، وعند أبي يوسف يصح، لأن التحريمة باقية وهو معنى قوله م: (وبقيت) ش: أي التحريمة م: (عند أبي يوسف فصح الشروع في الشفع الثاني ثم إذا فسد الكل بترك القراءة فيه) ش: أي في الكل م: (فعليه قضاء الأربع عنده) ش: أي عند أبي يوسف، وثمرة الاختلاف تظهر في الاقتداء به في الشفع الثاني هل يصح أم لا، وفي القهقهة هل تكون ناقضة للوضوء أم لا، فعندهما لا يصح الاقتداء ولا تنتقض الطهارة خلافا لأبي يوسف. وفي " المحيط " قيل: هذا عند أبي يوسف فيما إذا أفسدها بترك القراءة، أما لو أفسدها بالكلام والحديث العمد لا يلزمه إلا ركعتان، قال: هذا مذكور في " المنتقى "، وفي " المبسوط ": في رواية ابن سماعة عن أبي يوسف يلزمه الأربع بالكلام أيضا. م: (ولو قرأ في الأوليين لا غير) ش: هذه المسألة الثانية وهي أن يقرأ في الركعتين الأوليين من الأربع م: (فعليه قضاء الأخريين بالإجماع لأن التحريمة لم تبطل فصح الشروع في الشفع الثاني ثم فساده) ش: أي فساد الشفع الثاني م: (بترك القراءة لا يوجب فساد الشفع الأول) ش: لأن كل شفع صلاة على حدة، ثم لو اقتدى به إنسان في الشفع الثاني وصلاه معه قضى الأوليين ذكره في " المحيط " لأنه التزم ما التزم الإمام كاقتداء المتطوع بمصلي الظهر في آخرها. م: (ولو قرأ في الأخريين) ش: هي المسألة الثالثة وهي أن يقرأ في الركعتين الأخريين م: (لا غير فعليه قضاء الأوليين بالإجماع) ش: هذا مما اتحد فيه الجواب، واختلف التخريج أشار إليه بقوله م: (لأن عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد م: (لم يصح الشروع في الشفع الثاني) ش: فلا تكون صلاة في قولهما حتى لو اقتدى به إنسان في الشفع الثاني لا يصح اقتداؤه، ولو قهقه لا تنقض طهارته كذا ذكره قاضي خان في " الجامع الصغير "، وذكر في " المبسوط " والأخريان لا يكونان قضاء عن الأوليين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن صح فقد أداها، ولو قرأ في الأوليين وإحدى الأخريين فعليه قضاء الأخريين بالإجماع، ولو قرأ في الأخريين وإحدى الأوليين فعليه قضاء الأوليين بالإجماع، ولو قرأ في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين، وعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قضى الأربع، وكذا عند أبي حنيفة؛ لأن التحريمة باقية، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عليه قضاء الأوليين؛ لأن التحريمة قد ارتفعت عنده، وقد أنكر أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذه الرواية عنه، وقال رويت لك عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يلزمه قضاء ركعتين، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يرجع عن روايته عنه،   [البناية] م: (وعند أبي يوسف إن صح) ش: أي الشروع في الشفع الثاني م: (فقد أداها) ش: أي فقد أدى الأربع، وإن لم يصح فعليه قضاء الشفع الأول، وعلى كلا التقديرين لا خلاف في الجواب، وإنما الخلاف في التخريج. م: (ولو قرأ في الأوليين) ش: هذه المسألة الرابعة وهي أن يقرأ في الركعتين الأوليين م: (وإحدى الأخريين) ش: أي وقرأ في إحدى الركعتين الأخريين م: (فعليه قضاء الأخريين بالإجماع) ش: يعني إذا قعد في الأوليين. م: (ولو قرأ في إحدى الأخريين) ش: هذه المسألة الخامسة وهي أن يقرأ في الركعتين الأخريين م: (وإحدى الأوليين) ش: أي قرأ في إحدى الركعتين الأوليين م: (فعليه قضاء الأوليين بالإجماع) ش: والأخريان صلاة عندهما خلافا لمحمد، ذكره في " المحيط ". وفي " المبسوط " والتحريمة عندهما لم تحل فصار شارعا في الشفع الثاني وقد أتمه، وعليه قضاء ما أفسده وهو الشفع الأول. م: (ولو قرأ في إحدى الأوليين) ش: هذه المسألة السادسة، وهي أن يقرأ في إحدى الركعتين الأوليين، م: (وإحدى الأخريين) ش: أي وقرأ في إحدى الركعتين الأخريين م: (وعلى قول أبي يوسف قضى الأربع) ش: لبقاء التحريمة م: (وكذا عند أبي حنيفة) ش: أي كذا عنده يقضي الأربع، وإنما قال وكذا عند أبي حنيفة، ولم يقل على قول أبي يوسف وأبي حنيفة، لأنه أشار بذلك إلى أنه ليس قول أبي حنيفة باتفاق بينه وبين أبي يوسف، بل إنما قوله بناء على رواية محمد لأن عنده يقضي الركعتين على ما يجيء الآن، وإنما يقضي الأربع عند أبي حنيفة أيضا. م: (لأن التحريمة باقية، وعند محمد عليه قضاء الأوليين، لأن التحريمة قد ارتفعت عنده) ش: وبه قال زفر لعدم صحة الشروع عندهما م: (وقد أنكر أبو يوسف عليه) ش: أي على محمد م: (هذه الرواية عنه) ش: أي عن أبي يوسف م: (وقال) ش: أي أبو يوسف م: (رويت لك عن أبي حنيفة أنه يلزمه قضاء ركعتين، ومحمد لم يرجع عن روايته عنه) ش: بأن قال لأبي يوسف بل رويت لي ما أقول وقلت أنت، وأصل هذه القضية ما ذكره فخر الإسلام البزدوي في أول شرح " الجامع الصغير " كان أبو يوسف يتوقع عن محمد أن يروي كتابا عنه فصنف محمد هذا الكتاب أي كتاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 ولو قرأ في إحدى الأوليين لا غير قضى أربعا عندهما،   [البناية] " الجامع الصغير " وأسنده عن أبي يوسف إلى أبي حنيفة، فلما عرض على أبي يوسف استحسنه وقال حفظ أبو عبد الله مسائل خطأه في روايتها عنه، فلما بلغ ذلك محمدا قال: بل حفظها ونسي وهي ست مسائل: إحداها: هذه المسألة وهي رجل صلى التطوع أربعا وقرأ في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين لا غير، روى محمد أنه يقضي أربعا، وقال أبو يوسف إنما رويت له ركعتين. وقال فخر الإسلام واعتمد مشايخنا رواية محمد، وقال أيضا يحتمل أن يكون ما حكى أبو يوسف من قول أبي حنيفة، قياسا، وما ذكر محمد استحسانا ذكر القياس والاستحسان في الأصل ولم يذكر في " الجامع الصغير ". والمسألة الثانية: مستحاضة توضأت بعد طلوع الشمس تصلي حين يخرج وقت الظهر، وقال أبو يوسف إنما رويت لك حتى يدخل وقت الظهر. والثالثة: المشتري من الغاصب إذا أعتق ثم أجاز المالك البيع بعد العتق، وقال أبو يوسف إنما رويت لك لأنه لا ينفذ. والرابعة: المهاجرة لا عدة عليها وتنكح، إلا أن تكون حبلى فلا يجوز نكاحها وقال أبو يوسف إنما رويته أنها تنكح ولكن لا يقربها زوجها حتى يضع حملها. والخامسة: عبد بين اثنين قتل مولاهما عمدا فعفى أحدهما بطل الدم كله، قال أبو يوسف ومحمد يدفع ربعه إلى شريكه أو يفديه بربع الدية، وقال أبو يوسف إنما حكيت له عن أبي حنيفة كما حكى عنهما، وإنما الاختلاف الذي رويته في عبد قتل مولاه عمدا وله اثنان فعفى أحدهما، إلا أن محمدا ذكر الاختلاف فيهما، وذكر قوله تفسد مع أبي يوسف في المسألة الأولى، ومع أبي حنيفة في المسألة الثانية. والسادسة: رجل مات وترك ابنا وعبدا له لا غير، فادعى العبد أن الميت كان أعتقه في صحته، وادعى رجل على الميت بألف درهم وقيمة العبد ألف، فقال الابن صدقتهما يسعى العبد في قيمته وهو حر ويأخذه الغريم بدينه. وقال أبو يوسف إنما رويت له أنه عبد ما دام يسعى في قيمته. قال في " المبسوط " وغيره: اعتماد المشايخ على رواية محمد، والمذهب أن الراوي إذا أنكر روايته لا يبقى حجة خلافا لمحمد والشافعي ذكره السرخسي والبزدوي في أصول الفقه. م: (ولو قرأ في إحدى الأوليين لا غير قضى أربعا عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف هذه المسألة السابعة وهي أن يقرأ في أحد الركعتين الأوليين ولم يقرأ في الركعتين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قضاء ركعتين، ولو قرأ في إحدى الأخريين لا غير قضى أربعا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما ركعتين. قال: وتفسير قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يصلي بعد صلاة مثلها» يعني ركعتين بقراءة وركعتين بغير قراءة فيكون بيان فريضة القراءة في ركعات النفل كلها،   [البناية] الأخريين يقضي عند أبي حنيفة وأبي يوسف أربع ركعات م: (وعند محمد قضاء ركعتين) ش: أي يقضي ركعتين. م: (ولو قرأ في إحدى الأخريين لا غير) ش: هي المسألة الثامنة، وهي أن يقرأ في إحدى الركعتين الأخريين ولم يقرأ في غير ذلك شيئا م: (قضى أربعا عند أبي يوسف) ش: يعني عند أبي يوسف يقضي أربع ركعات لعدم بطلان التحريمة وصحة الشروع م: (وعندهما ركعتين) ش: أي يقضي عند أبي حنيفة ومحمد ركعتين لبطلان التحريمة وعدم صحة الشروع، وفي هذا الباب ستة عشر وجها، وهي قرأ في الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو في الأوليين أو فيهما والثالثة أو فيهما والرابعة أو في الكل أو في الأخريين أو فيهما والأولى أو فيهما والثانية أو لم يقرأ فيهن شيئا أو قرأ في الأوليين ولم يتشهد أو تشهد ولم يقم إلى الثالثة أو قام إليها ولم يقيدها بالسجدة أو قيدها بالسجدة، فروع: لو دخل مع الإمام في الأوليين وتكلم قبل أن يدخل الإمام في الركعتين الأخريين يلزمه ركعتان عند أبي حنيفة ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنه صار مقتديا به في الركعتين لا غير. ولو تكلم بعدما قام إمامه إلى الثالثة وقرأ في الأربع يقضي أربعا لأنه صار شارعا في الشفع الثاني مع الإمام، ولو اقتدى به في الشفع فرعف فذهب ليتوضأ فتكلم فصلى إمامه ستا يصلي هو أربعا لأنه لم يشرع معه في الشفع. والثالث ذكره في " المحيط " ولا يجب بالتحريمة الأولى في النفل إلا ركعتان في ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف يلزمه جميع ما نوى، ولو نوى بأنه ركعة وهو رواية بشر بن أبي الأزهر النيسابوري اعتبارا بالنذر، وعنه أنه يلزمه أربع ركعات دون ما زاد عليها، رواه محمد ابن سماعة عنه وبشر بن الوليد، وفي رواية عنه يلزمه ثمان ركعات ذكره في الينابيع، وفي " مختصر البحر " لو ترك القراءة في إحدى ركعتي الفجر أو صلاة السفر فسدت ولا يمكنه إصلاحها، بخلاف ما لو سجد على النجاسة فأعادها على موضع طاهر حيث يصح. م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وتفسير قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا يصلي بعد صلاة مثلها» يعني ركعتين بقراءة وركعتين بغير قراءة فيكون بيان فرضية القراءة في ركعات النفل كلها) ش: الكلام هاهنا في مواضع: الأول: في حل التركيب فنقول قوله قال يقضي المقول وأن يكون المقول جملة إلا إذا كان القول بمعنى الحكاية، وهاهنا القول محذوف تقديره قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] تفسير قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا يصلي بعد صلاة مثلها» كذا ولا يجوز أن يكون قوله وتفسيره قوله.. الخ مقول القول لوجود حرف العطف. قوله وتفسير قوله كلام إضافي مرفوع بالابتداء وخبره محذوف كما ذكرناه، وقوله يعني ركعتين.. إلخ بيان لما فسره محمد في " الجامع الصغير ". الثاني: رفع هذا الخبر إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يثبت، وإنما هو موقوف على عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم، قال: قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يصلي بعد صلاة مثلها، وحديث عبد الله بن إدريس عن حصين عن إبراهيم والشعبي قالا: قال عبد الله: لا يصلي على إثر صلاة مثلها. وفي " جامع الأسبيجابي " هذا التفسير يروى عن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وفي " البزازية " عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مكان زيد، وفي " شرح الجامع الصغير ": قال الفقيه أبو الليث: هذا الخبر يروى عن عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وغيرهم من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم قالوا: لا يصلي بعد صلاة مثلها. وروى الطحاوي بإسناده في شرح الآثار عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يصلي بعد صلاة مثلها. الثالث: أن المصنف أورد هذا بعد أن ذكر أن القراءة واجبة في جميع ركعات النفل وما ترتب على ذلك من المسائل الثمانية لبيان فرضية القراءة في جميع ركعات النفل يوضح ذلك أنه لما ورد هذا الخبر عاما وقد خص منه البعض لأنه يصلي سنة الفجر، ثم فرض الفجر وهما مثلان وكذا يصلي سنة الظهر أربعا ثم يصلي الظهر أربعا وهما مثلان، وكذا يصلي فرض الظهر ركعتين في السفر ثم يصلي السنة ركعتين، ولما لم يكن العمل بعمومه قال محمد المراد منه أن لا يصلي بعد أداء الظهر نافلة ركعتان بقراءة، وركعتان بغير قراءة يصلي، يعني لا يصلي النافلة كذلك حتى لا يكون مثلا للفرض، مثل يقرأ في جميع ركعات النفل فيكون الحديث بيانا بفرضية القراءة في جميع ركعات النفل. فإن قلت: كيف بيان فرضية القراءة في جميع ركعات النفل والحال أنه غير مرفوع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولئن سلمنا رفعه وهو خبر الواحد فكيف يفسد الفرضية. قلت: أجاب الأترازي بقوله ما ثبت به الإتيان أن الأربع من النفل مجمل القراءة، وخبر الواحد يصلح أن يكون ثبتا لمجمل الكتاب، ثم الفرضية ثبتت بقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) . قلت: هو قال قبل هذا الكلام وعندي أنه ليس بثابت عن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، بل هو كلام عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فالذي لم يثبت عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كيف يكون مبنيا بمجمل الكتاب، وقال الأكمل في الجواب: أجيب بأنه قال بيان الفرضية، ويجوز أن تكون الفرضية ثابتة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 ويصلي النافلة قاعدا مع القدرة على القيام، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم» ،   [البناية] بقوله تعالى {فَاقْرَءُوا} [المزمل: 20] ، والحديث بيان أنها فرض في التطوع ركعة فركعة. قلت هذا مثله وليس بشيء، لأن نص القرآن ظاهر مستغن عنه من البيان، وليس بمجمل إذ لو كان مجملا لقيل بفرضية الفاتحة وضم السورة، على أن يكون هذا حديثا لم يثبت كما ذكرنا. وفي " الجنازية ": تفسير الحديث على الوجه المنقول بأن كل شفع من النوافل محل فرض من القراءة باعتبار أنه صلاة على حدة فرضت فيه القراءة بقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: 20] وهذا كما يقال: باعتبار المسح بالربع، ثبت بخبر المغيرة بن شعبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وفرضيته ثبتت بقوله تعالى: {فَامْسَحُوا} [المائدة: 6] . قلت: هذا أيضا من المشرب المذكور في كونه اعتمد على كون الحديث مرفوعا، وأيضا فإن قوله بيان أن كل القيام.. إلخ لا يحتاج إلى هذه المقالة، لأنه لما ثبت أن كل شفع من النوافل صلاة على حدة فبرهنت فيه القراءة بقوله تعالى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) لأن الأمر بالقراءة في مطلق الصلاة، فكانت في الركعة الأولى من الفرض بالأمور، وفي الثانية بدلالة النص، فكذلك في الشفع من النفل، لأنه صلاة والقراءة فرض في الصلاة، ولأجل ما ذكرنا من الأمور حمل بعضهم هذا الخبر على النهي عن إعادة الصلاة بسبب الوسوسة، ذكره في " الذخيرة "، وقيل كانوا يصلون الفريضة بعدها أخرى يطلبون بذلك زيادة الأجر، فنهي عن ذلك، وقال «لا يصلي بعد صلاة مثلها» وحمله الشافعي على المماثلة في العدد وليس بشيء، فإنه شرع بالإجماع في ركعتي الفجر مع الفجر ونحوه كذا ذكرنا. وفي " جامع فخر الإسلام ": ولو حمل على تكرار الجماعة في مسجد له أهل أو على قضاء صلاة عند توهم الفساد يكون صحيحا. وفي الجنازية فإن ذلك مكروه لما فيه من تسليط الوسوسة على القلب، وقال بعضهم: هذا حكم ظهر بعد سبب وهو ما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ليلة التعريس دعا بماء فأوتر ثم صلى الفجر بجماعة فقال له أصحابه أونقضي بها بين الركعتين في وقت الصلاة من اليوم الثاني؟ فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إن الله تعالى نهاكم عن الرياء فلا يأمركم به، لا يصلي بعد صلاة مثلها» معناه أن الفائنة إذا قضيت لا تقضى في اليوم الثاني في وقت تلك الصلاة من غير دليل، قلت فيه نظر لا يخفى. [صلاة النافلة على الدابة وفي حال القعود] م: (ويصلي النافلة قاعدا مع القدرة على القيام) ش: معناه يجوز له أن يصلي النافلة حال كونه قاعدا مع القدرة على الصلاة قائما م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري والأربعة عن عمران بن حصين قال: «سألت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن صلاة الرجل قاعدا، فقال: من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد» وفي رواية مسلم: قال عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 ولأن الصلاة خير موضوع وربما يشق عليه القيام فيجوز له تركه كيلا ينقطع عنه، واختلفوا في كيفية القعود، والمختار أن يقعد في حالة التشهد؛   [البناية] السلام: «صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة» أي في حق الأجر. فإن قلت: هذا الحديث لم يتعرض للنفل ولا للفرض ولا لحالة العذر وغيرها فكيف وجه التمسك به قلت قال الشراح هنا ما حاصله إن الإجماع منعقد على أن صلاة القاعد بعذر مساوية لصلاة القائم في حق الأجر فلم يبق حينئذ إلا صلاة النفل قاعدا بدون العذر، لأن الفرض لم يجز قاعدا بلا عذر. قلت: هذا غير مخلص على ما لا يخفى، لأنهم ما ذكروا شيئا يدل على ما قالوا، فأقول وبالله التوفيق: إن أبا بكر بن أبي شيبة روى في " سننه " عن المسيب بن رافع الكاهلي قال: صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم إلا من عذر، وروى أيضا عن «عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لكان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي قاعدا قالت بعدما حطته السن» هذا دليل على أن المراد من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم» غير حال العذر. وقال الترمذي وقال سفيان الثوري هذا الحديث «من صلى جالسا فله نصف أجر القائم» قال: هذا للصحيح ومن ليس له عذر، وأما من كان له عذر من مرض أو غيره فصلى جالسا فله مثل أجر القائم، وقد روي في بعض الحديث مثل قول سفيان الثوري. فإن قلت: هذا الذي ذكرته [منها] لا يدل على المدعى. قلت: روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كان يصلي بعد الوتر قاعدا» . وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كان يصلي ليلا طويلا قائما، وليلا طويلا قاعدا» ، الحديث رواه الجماعة إلا البخاري، فهذا يدل على أن النفل قاعدا من غير عذر يجوز، وأما الأحاديث المذكورة فتدل على أن الصلاة قاعدا في الفرض لا تجوز إلا عن عذر. م: (ولأن الصلاة خير موضوع) ش: أي مشروع لك مرفوع عنك لكونها غير واجبة، وروى أحمد في " مسنده " والبزار في " سننه " من حديث عبيد بن الخشخاش عن أبي ذر عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الصلاة خير موضوع، فمن شاء أكثر، ومن شاء أقل» . ورواه ابن حبان في " صحيحه " والطبراني في " الأوسط " م: (وربما يشق عليه) ش: أي على المصلي م: (القيام فيجوز له تركه) ش: أي ترك القيام م: (كيلا ينقطع عنه) ش: أي عن فعل النافلة، وفي بعض النسخ كيلا ينقطع به أي بسبب القيام عن الخبر، لأن القيام ربما يفضي إلى ذلك. م: (واختلفوا في كيفية القعود) ش: أي اختلف العلماء في كيفية القعود وحالة القراءة، قال المصنف م: (والمختار أن يقعد كما يقعد في حالة التشهد) ش: وهو الذي اختاره الفقيه أبو الليث السمرقندي وشمس الأئمة السرخسي وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي " الخلاصة ": عن أبي حنيفة ثلاث روايات: في رواية يجلس كما يجلس في التشهد، وفي رواية: يتربع، وفي رواية: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 لأنه عهد مشروعا في الصلاة وإن افتتحها قائما ثم قعد من غير عذر جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا استحسان، وعندهما لا يجوز به وهو قياس، لأن الشروع معتبر بالنذر له أنه لم يباشر القيام فيما بقي، ولما باشر صحت بدونه   [البناية] يحتبي، وفي " شرح الطحاوي ": وفي قول زفر يجلس كما يجلس في التشهد وفي حال التشهد يجلس كما يجلس في التشهد بالإجماع. وفي " الذخيرة ": يقعد في التشهد كما يقعد في سائر الصلاة إجماعا، وعن أبي حنيفة في حالة القراءة روايتان إن شاء قعد كذلك، وإن شاء تربع وإن شاء احتبى وعن أبي يوسف أنه يحتبي، وعنه أنه يتربع إن شاء، وعن محمد أنه يتربع، وذكر خواهر زادة في باب الحدث أنه يخير بين التربع والاحتباء، وروي عن أبي حنيفة أنه يتربع في صلاة الليل من أول الصلاة إلى آخرها. وقال أبو يوسف إذا جاء وقت الركوع والسجود يقعد كما يقعد في تشهد المكتوبة. وفي " مختصر الكرخي " عن أبي حنيفة يقعد كيف شاء وبه قال محمد وغيرهما من السلف. وروى الحسن أنه يتربع وإذا أراد الركوع يثني رجله اليسرى وافتراشها، وهو رواية عن أبي يوسف وعنه أنه يركع متربعا، وذكر شيخ الإسلام الأفضل له أن يقعد في موضع القيام محتبيا، لأن عامة صلاة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في آخر عمره كان محتبيا، وفي " شرح الوجيز " الافتراش أفضل في قول، والتربع أفضل في قول، وقيل ينصب ركبته اليمنى ويفترش رجله اليسرى، وقيل: ينصب رجله اليمنى كالقارئ يجلس بين يدي المقرئ. وعند مالك يتربع، وعند أحمد يتربع في حال القيام ويثني رجليه في الركوع والسجود، وتفسير الاحتباء أن ينصب ركبتيه ويجمع يديه عند ساقيه وفي الصحاح: احتبى الرجل إذا جمع ظهره وساقيه بعمامته أو بيديه والمراد هاهنا جمعها بيديه. م: (لأنه) ش: أي لأن قعود التشهد م: (عهد مشروعا في الصلاة) ش: فكان أولى من غيره م: (وإن افتتحها) ش: أي وإن افتتح النافلة حال كونه م: (قائما ثم قعد من غير عذر) ش: قيد به، لأنه إذا قعد بعذر جاز بالاتفاق وبغير عذر م: (جاز عند أبي حنيفة) ش: وبه قال مالك والشافعي م: (وهذا استحسان) ش: أي قول أبي حنيفة هو استحسان. م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (لا يجوز به) ش: وبه قال بعض أصحاب الشافعي م: (وهو قياس) ش: أي قولهما هو القياس م: (لأن الشروع معتبر بالنذر) ش: هذا وجه القياس، لأن المشروع ملزم كالنذر، فإذا نذر أن يصلي قائما لا يجوز له أن يصلي قاعدا، فكذا إذا شرع قائما لا يجوز له أن يتم قاعدا. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة وهو وجه الاستحسان م: (أنه) ش: أي أن المفتتح قائما م: (لم يباشر القيام فيما بقي) ش: من الصلاة م: (ولما باشر صحت بدونه) ش: أي لما باشر من القيام في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 542 بخلاف النذر، لأنه التزمه نصا، حتى لو لم ينص على القيام لا يلزمه القيام عند بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -،   [البناية] الأولى صحة بدون القيام في الثانية بدليل حالة العذر فلا يكون الشروع في الأولى قائما موجبا للقيام في الثانية م: (بخلاف النذر لأنه التزمه نصا) ش: أراد أن القياس على النذر غير صحيح، لأنه التزم القيام من حيث إنه نص عليه بتسليمة فيلزمه م: (حتى لو لم ينص على القيام) ش: في نذره م: (لا يلزمه القيام عند بعض المشايخ) ش: أراد به فخر الإسلام ومن وافقه، قال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير " وإذا نذر أن يصلي مطلقا لم يلزمه القيام، ثم قال: هذا هو الصحيح من الجواب. وقال الفقيه أبو جعفر الهندواني: لا رواية فيما إذا نذر أن يصلي صلاة ولم يقل قائما أو قاعدا، أما إذا قاله يجب قائما أو قاعدا. ثم اختلف المشايخ قال فخر الإسلام: لم يلزمه القيام لأنه في النفل وصف زائد فلا يلزم إلا بالشرط وقال بعضهم: يلزمه قائما؛ لأن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى، وأسماء أوجبها الله تعالى قائما، وقال الأكمل وفي قوله حتى لو لم ينص.. إلخ نظر لأنه لا يستقيم في الاستدلال على قول أبي حنيفة أخذ قوله بعض من تأخر عنه بأزمنة كثيرة. قلت: ليس الأمر كذلك لأن قوله حتى لو لم ينص إلخ عنه بأزمنة نتيجة قول أبي حنيفة الذي يفهم منه، وكيف لا يستقيم الاستدلال فيها بقول متأخر بقول متقدم، ومع هذا لا رواية عنه فيما إذا نذر صلاة مطلقا هل يصلي قائما أو قاعدا كما ذكرنا، وقال الأكمل أيضا واعلم أن الدليل المذكور في الكتاب يفيد أنه لو قعد في الركعة الأولى بعد افتتاحها لا يجوز، لأن الشروع يلزم ما باشره وما باشره إلا قائما. وذكر في " الفوائد الظهيرية " ما يدل على جوازه حيث قال المتطوع في الابتداء. كانت له الخيرة بين الافتتاح قائما وبين الافتتاح قاعدا فكذلك في الانتهاء بالطريق الأولى، لأن حكم الاستدامة أخف. قلت: هذا الذي قاله من كلام السغناقي، ثم قال الأكمل وفيه نظر، لأن كون البقاء أسهل من الابتداء من المسلمات لا نزاع فيه، لكن عارضه أصل آخر وهو أن الشروع فيما باشره يلزمه. قلت: المتطوع مخير بين القيام والقعود، ولأن القيام صفة زائدة، والصلاة تجوز بدونه صفة القيام، فبالنظر إلى هذا الشروع فيما باشره غير ملزم والاستحقاق هذا الجزء الذي شرع فيه اسمية الصلاة إنما يكون بانضمام أجزاء أخر. فروع: لو توكأ على عصا أو حائط بغير عذر لا يكره عنده، وعندهما يكره. ولو نذر صلاة وهو راكب فقد ذكر الكرخي أنه يجوز أداؤها راكبا، وفي الأصل: لو نذر أن يصلي فصلى راكبا لم يجزئه، ولم يفصل بينهما إذا كان الناذر راكبا على الدابة أو الأرض، وذكر ابن أبي شيبة عن السلف منهم الحسن البصري أنه قال: لا بأس من أن يصلي الرجل ركعة قائما وركعة قاعدا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 ومن كان خارج المصر تنفل على دابته إلى أي جهة توجهت يومئ إيماء؛ لحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «رأيت رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر يومئ إيماء»   [البناية] وكذا روي عن شعبة عن الحكم وحماد، ولم يذكر عن غيرهم خلاف وذهب بعض الناس إلى أنه إذا افتتحها قاعدا لا يتمها قائما، والصحيح جواز ذلك. ومن العلماء من كره أن يصلي الإنسان النافلة قاعدا من غير عذر. وفي " مبسوط بكر ": أطلق النذر قيل يلزمه نصف القيام وقيل: لصفة القعود، وقيل: يتخير، وعلى الثلاثة لا يجوز. وعن الكرخي لو نذر راكبا يجزئه. ولو نذر أن يصلي بغير وضوء أو بغير قراءة فعند أبي يوسف يلزمه ويلغو ذكر الوصف وعند زفر لا يلزمه، وعند محمد لو سمى ما لا يجوز أداء الصلاة إلا معه كالصلاة من غير طهارة لا يلزمه وإلا يلزمه كالصلاة من غير قراءة. ولو شرع في الأوقات المكروهة وقطعها لزمه القضاء، فإن قضاها فيها أو في مثلها سقط القضاء. م: (ومن كان خارج المصر تنفل على دابته إلى أي جهة توجهت دابته يومئ إيماء) ش: جملة حالية، أي يتنفل حال كونه مومئا، وفي المحيط من الناس من يقول إنما يجوز التطوع على الدابة إذا توجهت إلى القبلة عند افتتاحها ثم يترك التوجه والتحرف عن القبلة. أما لو افتتح الصلاة إلى غير القبلة لا يجوز لأنه لا ضرورة في حال الابتداء، وإنما الضرورة في حالة البقاء، وعند العامة يجوز كيفما كان، وصرح في الإيضاح بأن القائل به الشافعي وقال ابن بطال استحب ابن حنبل وأبو ثور أن يفتتحها متوجها إلى القبلة ثم لا يبالي حيث توجهت. وقال الشافعية القعود في الركوب على الدابة إن كانت سهلة يلزمه أن يدير رأسها عند الإحرام إلى القبلة في أصح الوجهين، وهو رواية ابن المبارك ذكرها في " جوامع الفقه "، وفي الوجه الثاني لا يلزمه، وفي القطار والدابة الصعبة لا يلزمه، وفي " العمادية " و " المجمل الواسعي " يلزمه التوجه للقبلة. وقيل في الدابة يلزمه في السلام أيضا، والأصح أن الماضي يتم ركوعه وسجوده ويستقبل فيهما وفي إحرامه ولا يمشي إلا في قيامه، ومذهبنا هو قول الجمهور وهو قول علي وابن الزبير وأبي ذر وأنس وابن عمر، وبه قال طاوس وعطاء والأوزاعي والثوري ومالك والليث. م: (لحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «رأيت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر يومئ إيماء» ش: الحديث في هذا الباب روي عن ابن عمر وجابر وأنس وعامر بن ربيعة وأبي سعيد ولم يرو بلفظ الكتاب إلا عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الدارقطني في " غرائب مالك " عن مالك عن الزهري عن أنس، قال: «رأيت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو متوجه إلى خيبر على حمار يصلي يومئ إيماء» وسكت عنه. أما حديث ابن عمر فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن عمرو بن يحيى المازني عن سعيد بن يسار عن عبد الله بن عمر قال «رأيت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي على حمار وهو متوجه إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 ولأن النوافل غير مختصة بوقت، فلو ألزمناه النزول والاستقبال تنقطع عنه النافلة أو ينقطع هو عن القافلة، أما الفرائض فمختصة بوقت،   [البناية] خيبر» قال النسائي: عمر بن يحيى لا يتابع على قوله على حمار وإنما هو على راحلته، قيل وقد غلط الدارقطني وغيره عمرو بن يحيى في ذلك والمعروف على راحلته وعلى البعير، وقوله يومئ إيماء ليس في الحديث. وأما حديث جابر فإن ابن حبان أخرجه في صحيحه عنه قال «رأيت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي النوافل على راحلته في كل وجه يومئ إيماء، ولكنه يخفض السجدتين من الركعتين» وأخرجه أبو داود والترمذي ولفظه: «بعثني النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حاجة فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق السجود أخفض من الركوع» وقال الترمذي: حسن صحيح وأخرجه البخاري عنه قال «كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي على راحلته حيث توجهت به، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة» . وأما حديث عامر بن ربيعة فإن البخاري ومسلما أخرجاه عنه، قال: «رأيت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو على الراحلة يسبح يومئ برأسه، قبل أي وجه توجه ولم يكن يصنع ذلك في المكتوبة» . وأما حديث أبي سعيد فأخرجه. م: (ولأن النوافل غير مختصة بوقت فلو ألزمناه النزول) ش: عن الدابة م: (والاستقبال) ش: إلى القبلة م: (تنقطع عنه النافلة) ش: بالنون لأنه إذا لزم النزول لا يقدر أن يتطوع راكبا، والنافلة خبر موضوع مشروع على حسب [ ...... ] ففي إلزام النزول بعذر ضرر م: (أو ينقطع هو) ش: أي المتطوع م: (عن القافلة) ش: بالقاف على تقدير النزول وفيه ضرر لا يخفى. م: (أما الفرائض فمختصة بوقت) ش: فلم يجز أن يؤديها راكبا لعدم لزوم الحرج في النزول. وفي " خلاصة الفتاوى ": أما صلاة الفرض على الدابة لعذر فجائزة، ومن الأعذار المطر عن محمد إذا كان الرجل في السفر فأمطرت السماء لم يجد مكانا ما يشاء ينزل للصلاة فإنه يقف على الدابة مستقبل القبلة ويصلي بالإيماء إذا أمكنه إيقاف الدابة، فإن لم يمكنه يصلي مستدبر القبلة، وهذا إذا كان الطين بحال يصيب وجهه، فإن لم تكن هذه المثابة لكن الأرض ندية صلى هنالك ثم قال وهذا إذا كانت الدابة تسير بنفسها، أما إذا سيرها صاحبها فلا يجوز التطوع ولا الفرض. ومن الأعذار اللص والمرض، وأما في البادية فتجوز ذلك كذا ذكر صاحب " الخلاصة "، ومن الأعذار أن تكون الدابة جموحا، ولو نزل لا يمكنه الركوب ومن الأعذار كون المسافر شيخا كبيرا لا يجد من يركبه إذا نزل، وفيها الخوف من السبع. وفي المحيط تجوز الصلاة على الدابة في هذه الأحوال ولا تلزمه الإعادة بعد زوال العذر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 والسنن الرواتب نوافل، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ينزل لسنة الفجر، لأنها آكد من سائرها، والتقييد بخارج المصر ينفي اشتراط السفر، والجواز في المصر. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز في المصر أيضا   [البناية] [حكم السنن الرواتب] م: (والسنن الرواتب نوافل) ش: يعني حكم السنن الرواتب حكم النوافل في جواز الأداء على الدابة في أي جهة توجهت، من الدليل على كون السنن الرواتب نوافل أنها تؤدى بمطلق النية. م: (وعن أبي حنيفة ينزل لسنة الفجر) ش: ولهذا لا يجوز فعلها قاعدا عند أبي حنيفة، وقد مر أنها واجبة عنده في رواية، وعن محمد بن شجاع يجوز أن يكون هذا لبيان الأولى يعني أن الأولى أن ينزل لركعتي الفجر، وعلل ذلك بقوله م: (لأنها) ش: أي لأن سنة الفجر م: (آكد من غيرها) ش: أي أقواها حتى يجوز للعالم أن يترك سائر السنن لتحصيل العلم دون سنة الفجر، وفي قول للشافعي وأحمد أنها آكد من الوتر م: (والتقييد بخارج المصر) ش: ينتفل على دابته م: (ينفي اشتراط السفر) ش: لأنه أعم من أن يكون سفرا وغير سفر، وفيه إشارة إلى ما روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف أن جواز التطوع على الدابة للمسافر خاصة لأن الجواز بالإيماء للضرورة ولا ضرورة في الحضر، والصحيح أن المسافر وغيره سواء بعد أن يكون خارج المصر. واختلفوا في مقدار البعد عن المصرِ، والمذكور في الأصل مقدار فرسخين أو ثلاثة، وقدر بعضهم بالميل، ومنع الجواز في أقل منه، وفي " فتاوى المرغيناني " والأصح أن في كل موضع يجوز للمسافر قصر صلاته فيه يجوز التطوع فيه على الدابة. وقيل: إن كان بينهما قدر ما يكون بين المصر ومصلى العبد يجوز، وأقل من ذلك لا يجوز، وعند الشافعي يجوز في طويل السفر وقصيره، وقال مالك: لا يصلي أحد على دابته في السفر ولا يقصر فيه الصلاة، ويرد عليه الآثار الواردة فيها من غير تحديد سفر ولا تخصيص مسافر، فصار كالمتيمم، وقال الطبري: لا أعلم من خالف ذلك إلا مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (والجواز في المصر) ش: بالنصب عطفا على قوله اشتراط التقييد أيضا بخارج المصر ينفي جواز التطوع على الدابة في المصر. فإن قلت: التخصيص بالذكر لا يدل على النفي. قلت: ذلك في النصوص دون الروايات، وذكر في المرويات عن أبي حنيفة لا يجوز التطوع على الدابة في المصر، وعند محمد: يجوز ويكره. م: (وعن أبي يوسف أنه يجوز في المصر أيضا) ش: حكي أن أبا يوسف لما سمع هذا الجواب عن أبي حنيفة قال حدثني فلان ورفع الإسناد إلى «رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ركب الحمار في المدينة يعود سعد بن عبادة وكان يصلي» فلم يرفع أبو حنيفة رأسه قيل إنما لم يرفع رأسه إظهارا للرجوع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 ووجه الظاهر أن النص ورد خارج المصر والحاجة إلى الركوب فيه أغلب، فإن افتتح التطوع راكبا ثم نزل يبني، وإن صلى ركعة نازلا ثم ركب استقبل؛ لأن إحرام الراكب انعقد مجوزا   [البناية] عن قوله إلى الحديث وإلا معنا أدلة، وقيل: هذا حديث شاذ. والشاذ فيما عم به البلوى لا يكون حجة وإنما لم يرفع أبو حنيفة رأسه لعدم مبالاته به وهو الأصح، لأن رفع الرأس عبارة عن المبالاة بالشيء يقال لم يرفع لحديثي رأسه، أي لم يصغ له ولم يتأمله ولم يقع موقع القبول عنده، فأبو يوسف أخذ بالحديث ومحمد " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " كذلك إلا أنه كره في الحضر، لأن اللفظ والأصوات تكثر فيه فيكثر الخطأ والغلط في القراءة وترتيب أفعال الصلاة فيؤدي ذلك إلى إبطال العمل وفساد العبارة ظاهر. قلت: ولأبي يوسف أن يحتج بما رواه أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى على حمار في أزقة المدينة يومئ إيماء» ذكره ابن بطال في شرح البخاري. م: (ووجه ظاهر الرواية أن النص ورد خارج المصرِ، والحاجة إلى الركوب فيه) ش: أي في خارج المصر م: (أغلب) ش: حاصله أن الصلاة على الدابة بالإيماء مع القدرة على الركوع والسجود خلاف القياس فاقتصر جوازها على مورد النص وهو خارج المصر فبقي الحكم في المصر على أصل القياس. م: (فإن افتتح التطوع راكبا ثم نزل يبني) ش: على افتتاحه ويكمل فإن قلت هذا بناء القوي على الضعيف فلا يجوز كالمريض يصلي بالإيماء ثم قدر على الأركان لا يجوز له البناء. قلت: بينهما فرق، لأن الإيماء من المريض بدل من الأركان ومن الراكب لا لأن البدل في العادات ما يصار إليه عند العجز، والراكب لا يعجز عن الأركان بأن ينتصب على الركابين فيكون ذلك قياما منه، وإن كان يمكنه أن يخر راكعا وساجدا ومع هذا أطلقه الشارع في الإيماء فكان قويا في نفسه فلا يؤدي إلى بناء القوي على الضعيف كما في الضعيف. فإن قلت: إذا كان الإيماء قويا لماذا يجوز البناء إذا تحرم بالإيماء ثم ركب. قلت: أما إذا راكب فلأن الركوب عمل كثير وأنه قاطع للتحريمة، وأما إذا أركب فلأن الدليل يأبى جواز الصلاة راكبا، لأن سير الدابة يضاف إلى راكبها فيتحقق الأداء في أماكن مختلفة فحينئذ يتحقق الأداء في حالة المشي وذا لا يجوز، إلا أن الشرع جعل الأماكن المختلفة كمكان واحد للحاجة إلى قطع المسافة وصيانة نفسه وماله عن [ .... ] التلف، فكان ابتداء التحريم نازلا دليل استغنائه عما ذكرنا فلا يجوز له البناء بعد ذلك. م: (وإن صلى ركعة نازلا) ش: قول الركعة وقع اتفاقا، لأنه لو لم يصل ركعة فالحكم كذلك. وقوله نازلا حال ومعناه صلى ركعة وهو على الأرض م: (ركب استقبل) ش: صلاته م: (لأن إحرام الراكب انعقد مجوزا) ش: بكسر الواو ونصبا على الحال وهذا تعليل المسألة الأولى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 للركوع والسجود قدرته على النزول، فإذا أتى بهما صح، وإحرام النازل انعقد لوجوب الركوع والسجود فلا يقدر على ترك ما لزمه من غير عذر. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يستقبل إذا نزل أيضا، وكذلك عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا نزل بعدما صلى ركعة، والأصح هو الأول وهو الظاهر   [البناية] م: (للركوع والسجود لقدرته على النزول فإذا أتى بهما) ش: أي بالركوع والسجود م: (صح) ش: لأن الراكب بالخيار إن شاء ترك وأتمها بالركوع والسجود وهذا تعليل المسألة الثانية م: (وإحرام النازل انعقد لوجوب الركوع والسجود، ولا يقدر على ترك ما لزمه) ش: بطريق الوجوب م: (من غير عذر) ش: وهذا الفرق الذي ذكره المصنف هو الصحيح. وقيل في الفرق بأن النزول عمل قليل والركوب عمل كثير، ورد بأنه لو رفع ووضع على السرج لا يبني مع أن العمل لم يوجد فصلا عن العمل الكثير. م: (وعن أبي يوسف أنه مستقبل إذا نزل أيضا) ش: لأن بناء القوي على الضعيف فصار كالمريض إذا قدر على الركوع والسجود في أثناء الصلاة م: (وكذا عند محمد " - رَحِمَهُ اللَّهُ - ") ش: أي كذا روي عن محمد " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " أنه يستقبل م: (إذا نزل بعدما صلى ركعة) ش: قيل لهذا لأنه لو لم يصل ركعة قائما ثم نزل أتمها نازلا، لكن هذا على أصل محمد غير مستقيم، لأن تحريمة الصلاة انعقدت للإيماء فلا يصح إتمامها بركوع وسجود لأنه يكون بناء القوي على الضعيف كذا نقل عن أبي بشر م: (والأول أصح وهو الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية وهو أن الراكب المتطوع إذا نزل يبني والراكب إذا ركب يستقبل. فروع: لو افتتح التطوع على الدابة خارج المصر ثم دخل مصرا قبل أن يفرغ منها ذكر في غير رواية الأصول أنه يتمها، واختلفوا في معناه، فقيل يتمها قاعدا على الدابة ما لم يبلغ منزله. وقيل يتمها بالنزول على الأرض ذكره المرغيناني، وفي " المبسوط " يصلي على الدابة، وإن كان سرجه قذرا. وكان محمد بن مقاتل الرازي وأبو جعفر [ ..... ] يقولان لا يصح إذا كانت النجاسة في موضع جلوسه أو في موضع ركابته أكثر من قدر الدرهم كالأرض، وأكثر المشايخ على الجواز. وقالوا: الدابة أشد من ذلك يعني أن باطنها لا يخلو عن النجاسة ويقال لا اعتبار لنجاسته بدليل أن من حمل حيوانا طاهرا يصلي به يجوز مع نجاسة باطنه. والجواب الصحيح: أن فيها ضرورة، وقد ترك الركوع والسجود مع إمكان النزول والأداء على الأرض للضرورة، والأركان أقوى من الشرائط، فإذ سقطت فشرط طهارة المكان أولى، وقيل: إن كانت النجاسة على الركابين فلا بأس بها، وإن كانت في موضع جلوسه منع الجواز. حمل امرأة من القرية إلى المصر لها أن تصلي على الدابة في الطريق، وأما الصلاة على العجلة إن كان طرفها على الدابة وهي تسير أو لا تسير فهي صلاة على الدابة تجوز في حالة العذر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] في الفرض، وإن لم يكن يجوز بمنزلة السرير. رجلان في محل واحد فاقتدى أحدهما بالآخر في التطوع أجزأهما، وإن كان في شقين وأحدهما مربوط بالآخر فكذلك وإلا لا يجوز، وقيل يجوز كيفما كان إذا كانا على دابة واحدة. وفي المحيط لو صلى في شق محمل لا يجوز إلا أن يركن تحت محمله خشبة لأنه يكون قرار المحمل على الأرض لا على الدابة فيكون سجوده في المحمل كالسجود على الأرض والسرير، وحكي أن أبا يوسف أمر هارون الرشيد أن يفعل ذلك، ومثلها صلاة الجنازة والنقل الذي أفسده والمنذور والوتر عنده والسجدة التي تليت على الأرض. وفي " جوامع الفقه ": لو حرك رجليه أو أحديهما متداركا أو ضربها بخشبة فسدت صلاته، بخلاف النجس إذا لم تسر، وفي الذخيرة إن كانت تساق بنفسها فليس له ذلك، وإن كانت لا تساق فرفع سوطه فضربها به ونجسها لا تفسد صلاته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 فصل في قيام شهر رمضان ويستحب أن يجتمع الناس في شهر رمضان بعد العشاء، فيصلي بهم إمامهم خمس ترويحات   [البناية] [فصل في قيام شهر رمضان] [حكم صلاة التراويح وكيفيتها] م: (فصل في قيام شهر رمضان) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام قيام الناس في ليالي شهر رمضان، وإنما اختار هذه اللفظة أعني قيام شهر رمضان اتباعا لحديث أبي هريرة الذي أخرجه الجماعة عنه أنه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرغب الناس في قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة، فيقول: " من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» . قوله إيمانا أي تصديقا بأنه حق. وقوله احتسابا أن يفعله لله تعالى لا رياء ولا سمعة. ووجه ذكره في باب النوافل ظاهر، والمناسبة بينه وبين الفصل الذي قبله من حيث إن وجوب القراءة في جميع ركعات التراويح لأنها نوافل، وفي " المبسوط " أجمعت الأمة على مشروعيتها ولم ينكرها أحد من أهل القبلة إلا الرافضة. م: (ويستحب أن يجتمع الناس في شهر رمضان بعد العشاء) ش: اختلف العلماء في كونها سنة أو تطوعا مبتدأ، فقال الإمام حميد الدين الضرير - رَحِمَهُ اللَّهُ - نفس التراويح سنة، أما أداؤها بالجماعة فمستحب. وروى الحسن عن أبي حنيفة " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " أن التراويح سنة لا يجوز تركها، وقال الشهيد: هو الصحيح. وفي " جوامع الفقه " التراويح سنة مؤكدة، والجماعة فيها واجبة وكذا في المكتوباِت، قال وذكر في " الروضة " أن الجماعة فضيلة، وفي " الذخيرة ": عن أكثر المشايخ أن إقامتها بالجماعة سنة على الكفاية، ومن صلى في البيت فهو تارك فضيلة المسجد، وفي " المبسوط ": لو صلى إنسان في بيته لا يأثم، فعلها ابن عمر وسالم والقاسم وإبراهيم ونافع، فدل هذا على أن الجماعة في المسجد على الكفاية أي لا يظن بابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن معه ترك السنة وهذا هو الصواب، ونذكر عن قريب معنى قوله أن يجتمع الناس وقوله بعد العشاء. م: (فيصلي بهم) ش: أي بالناس م: (إمامهم خمس ترويحات) ش: الترويحات جمع ترويحة وكذلك التراويح وهي في الأصل اسم للجلسة، وسميت بالتراويح لاستراحة الناس بعد أربع ركعات بالجلسة، ثم سميت كل أربع ركعات ترويحة مجازا لما في آخرها من الترويحة، ويقال الترويحة اسم لكل أربع ركعات فإنها في الأصل إيصال الراحة وهي الجلسة، ثم سميت الأربع ركعات التي في آخرها الترويحة كما أطلق اسم الركوع على الوظيفة التي تقرأ في القيام لأنه متصل بالركوع، وسئل العلامة عن الترويحة قبل الوتر بعد التراويح، قال ذلك بطريق المجاز إطلاقا لاسم الأغلب على الكل، وعن أبي سعيد سميت ترويحة لاستراحة القوم بعد كل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 في كل ترويحة بتسليمتين ويجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحة ثم يوتر بهم، وذكر لفظ الاستحباب والأصح أنها سنة،   [البناية] أربع ركعات، وفي المغرب روحت بالناس أي صليت بهم التراويح. وفي المجتبى سميت تراويح للترويح فيما بينهما، وقيل لإعقابه راحة الجنة. م: (في كل ترويحة بتسليمتين) ش: فتصير الجملة عشرين ركعة وهو مذهبنا، وبه قال الشافعي وأحمد، نقله القاضي عن جمهور العلماء، وحكي أن الأسود بن يزيد كان يقوم بأربعين ركعة ويوتر بسبع، وعند مالك " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " تسع ترويحات بستة وثلاثين ركعة غير الوتر، واحتج على ذلك بعمل أهل المدينة، واحتج الأصحاب والشافعية والحنابلة بمذهبهم بما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن السائب بن يزيد الصحابي قال كانوا يقومون على عهد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعشرين ركعة، وعلى عهد عثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مثل. وفي " المغني " عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أمر رجلا أن يصلي بهم في رمضان بعشرين ركعة قال وهذا كالإجماع. فإن قلت: قال في الموطأ عن يزيد بن رومان قال كان الناس في زمان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقومون في رمضان بثلاث وعشرين ركعة. قلت قال البيهقي والثلاث من الوتر ويزيد لم يدرك عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيكون منقطعا، والجواب عما قاله مالك أن أهل مكة كانوا يطوفون بين كل ترويحتين ويصلون ركعتي الطواف ولا يطوفون بعد الترويحة الخامسة، فأراد أهل المدينة مساواتهم فجعلوا مكان كل طواف أربع ركعات فزادوا ستة عشر ركعة وما كان عليه أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحق وأولى أن يتبع، قيل من أراد أن يعمل بقول مالك ينبغي له أن يفعل كما قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يصلي عشرين ركعة بجماعة كما هو السنة ويصلي الباقي فرادى كأنه ليس من التراويح بل هو نفل مبتدأ والجماعة فيه مكروهة. م: (ويجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحة) ش: ثم هو مخير، إن شاء سبح، وإن شاء هلل، وإن شاء صلى، وإن شاء سكت، أي فعل ذلك فهو حسن، كذا قاله قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولو صلى أربع ركعات كما هو فعل أهل المدينة أو طاف أسبوعا بينهما كما فعل أهل مكة فأهل كل بلدة بالخيار، ولو استراح الإمام بعد خمس ترويحات قيل لا بأس به، قال السرخسي وليس بشيء لمخالفة أهل الحرمين، وكذا بين الخامسة والوتر، وفي جوامع الفقه يكره للقوم أن يصلوا بين كل ترويحة ركعتين لأنها بدعة مع مخالفة الإمام م: (ثم يوتر بهم) ش: أي ثم يصلي الإمام بالجماعة الوتر، وسيجيء حكم الوتر بالجماعة. م: (وذكر لفظ الاستحباب) ش: أي ذكر القدوري لفظة الاستحباب حيث قال يستحب أن يجتمع الناس في شهر رمضان بعد العشاء م: (والأصح أنها سنة) ش: أي الأصح في المذهب أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 كذا روى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه واظب عليها الخلفاء الراشدون - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -   [البناية] التراويح سنة، وقد سقنا الكلام فيه عن قريب. قال الأكمل والأصح أنها سنة يعني في حق الرجال والنساء، وفيه نظر لأنه قال يستحب أن يجتمع الناس وهذا يدل على أن اجتماع الناس مستحب، وليس فيه دلالة على أن التراويح مستحبة وإلى هذا ذهب بعضهم، وقال التراويح سنة والاجتماع مستحب. قلت: القدوري لم يتعرض إلا إلى كون اجتماع الناس في شهر رمضان يستحب وسكت عن نفس كون التراويح مستحبة أو سنة، والمصنف لم يرد على القدوري فيما قال، وإنما قال والأصح أن التراويح في نفس الأمر سنة، ولا يلزم من كونها سنة كون الجماعة فيه سنة. م: (كذا روى الحسن عن أبي حنيفة) ش: أي كما قلنا الأصح أن التراويح سنة روى الحسن عن أبي حنيفة كذا نصا وقد ذكرناه م: (لأنه) ش: أي لأن الشان م: (واظب عليها) ش: أي على التراويح م: (الخلفاء الراشدون - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: الخلفاء الراشدون الذين أطلق النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عليهم باسم الخلافة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، روي عن سفينة مولى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن رسول الله قال: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم يكون ملكا» ، وفي رواية: «ثم يؤتي الله ملكه من يشاء» . رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي. ولا شك أن الذين ولوا الخلافة بعده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هؤلاء الأربعة ومدتهم ثلاثون سنة مثلها أخبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولي هاهنا بحث وهو أن المصنف قال: إنه واظب عليها الخلفاء الراشدون. وقال الأكمل إنما يدل على سنتها قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي» . قلت: أخذ هذا عن السغناقي فإنه قال هكذا، وكذا قال صاحب " الدراية " ولم يتيقن أحد منهم كلامه فيه حيث لم ينبئوا كما ينبغي، وهذا الحديث أعني قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عليكم بسنتي» . إلخ لا يدل على مواظبة الخلفاء الراشدين على التراويح. فإن قلت حديث السائب بن يزيد المذكور عن قريب يدل على ذلك قلت: لا نسلم فإنه لا يدل على أنهم كانوا يصلون عشرين ركعة في عهد الخلفاء الثلاثة أعني عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وما يدل على مواظبتهم عليها. غاية ما في الباب يدل على العدد، ولو احتج المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - على سنية التراويح لما روي عن عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إن الله عز وجل فرض صيام رمضان وسننت قيامه فمن صامه وقامه احتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» ، رواه أحمد والنسائي وابن ماجه لكان أوجه وأقوى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 والنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بين العذر في تركه المواظبة، كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أقامها في بعض   [البناية] م: (النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بين العذر في تركه المواظبة كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أقامها في بعض الليالي ثم تركها، وبين العذر في تركه المواظبة وهو خشية أن تكتب علينا) ش: أي ترك المواظبة خشية أن يكون فرضا علينا، وقوله وهو مبتدأ وخشية مرفوع على الخبرية مضاف إلى قوله أن تكتب وأن مصدرية، وقال الأكمل: هذا الكلام على طريقة السؤال والجواب، فقال فإن قيل لو كانت سنة لمواظبة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولم يواظب، أجاب بأنه بين العذر في ترك المواظبة. قلت هذا الكلام غير سديد لأن كون الشيء سنة لا يستلزم مواظبة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذ لو واظب عليه لكان واجبا، وأما بيان عذره في ترك المواظبة فما رواه البخاري ومسلم عن عروة بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فلما أصبح قال: " قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني أخشى أن تفرض عليكم " وذلك في رمضان» وفي لفظ لهما «ولكن خشية أن يفرض عليكم صلاة الليل " وذلك في رمضان» وزاد البخاري في كتاب الصوم «فتوفي رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والأمر على ذلك» والعجب من الأترازي ذكر هذا الحديث وقال وهو ما روى صاحب السنن، والحال أنه ما رواه إلا البخاري ومسلم كما ذكرنا وهما صاحبا الصحاح. وعن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: خرجت مع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع يتفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل بصلاته الرهط، فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذه والتي تنامون عنها لأفضل من التي تقومون يعني آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله، رواه البخاري والقاري بتشديد الياء منسوب إلى القارة بن الديس اسم قبيلة. م: (والسنة فيها) ش: أي في التراويح م: (الجماعة) ش: أي أن تصلى بالجماعة، قال أبو بكر الرازي: المشهور عن أصحابنا أن إقامتها في المساجد أفضل منها في البيت وعليه الاعتماد لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جمع الناس على إقامتها في جماعة، وذكر الطحاوي في اختلاف العلماء عن العلاء عن أبي يوسف إن أمكنه أداؤها في بيته مع مراعاته سنة القراءة وأشباهها فليصلها في بيته، وهكذا حكاه في " المبسوط " وقال وهو قول مالك والشافعي في القديم وربيعة ومثله في " جوامع الفقه " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يكون فقيها عظيما يقتدى به فيكون في حضوره المسجد ترغيب الناس فلا يصلي في بيته، وقال عيسى بن أبان والقاضي بكار بن قتيبة البكراوي قاضي مصر والمزني وابن عبد الحكم وأحمد بن حنبل وأحمد بن أبي عمران شيخ الطحاوي قال الجماعة أحب وأفضل وهو المشهور عند عامة العلماء، وقال صاحب " المبسوط " وهو الأصح والأوفق، وادعى علي بن موسى القمي فيه الإجماع وله كتب يروي فيها عن أصحاب الشافعي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 لكن على وجه الكفاية، حتى لو امتنع أهل المسجد عن إقامتها كانوا مسيئين، ولو أقامها البعض فالمتخلف عن الجماعة تارك للفضيلة؛ لأن أفراد الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يروى عنهم التخلف. والمستحب في الجلوس بين الترويحتين مقدار الترويحة.   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لكن على وجه الكفاية) ش: يعني إذا قام بها البعض بالجماعة سقطت عن الباقين حضور الجماعة، لأن الجماعة فيها سنة على الكفاية م: (حتى لو امتنع أهل المسجد عن إقامتها كانوا مسيئين) ش: هذه نتيجة كون الجماعة في التراويح سنة، على الكفاية م: (ولو أقامها البعض فالمتخلف عن الجماعة تارك للفضيلة) ش: يعني لو أقام بعض أهل المسجد التراويح فالذي يتخلف عنهم لا يكون مسيئا بل يكون تاركا للفضيلة، لأن سنتها بالجماعة على الكفاية والفرض على الكفاية إذا قام به بعض سقط عن الباقي، ففي السنة على الكفاية بالطريق الأولى. وعلل المصنف ذلك بقوله م: (لأن أفراد الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يروى عنهم التخلف) ش: أي عن الجماعة في صلاة التراويح، منهم عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رواه الطحاوي عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يصلي خلف الإمام في شهر رمضان، وروي أيضا عن مجاهد قال: قال رجل لابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أصلي خلف الإمام في رمضان؟ قال أتقرأ القرآن؟ قال: نعم قال: صل في بيتك. وأخرج ابن أبي شيبة أيضا في " مصنفه " عن ابن عمر أنه كان لا يقوم مع الناس في شهر رمضان قال وكان القاسم وسالم لا يقومان مع الناس. وروى البيهقي في " سننه " عن ابن عمر أنه قال له رجل أصلي خلف الإمام في رمضان؟ قال ابن عمر أليس تقرأ القرآن؟ قال: نعم، قال انتصب كأنك حمار، صل في بيتك. وروى الطحاوي عن الأشعث بن سليم قال: أتيت مكة وذاك في رمضان في زمان ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فكان الإمام يصلي بالناس في المسجد وقوم يصلون على حدة المسجد. وروي أيضا عن إبراهيم قال: لو لم يكن معي إلا سورة واحدة لكنت أرددها أحب إلي من أن أقوم خلف الإمام في رمضان، وروي أيضا عن عروة وسعيد بن جبير ونافع أنهم كانوا ينصرفون من العشاء في رمضان ولا يقومون مع الناس. م: (والمستحب في الجلوس بين الترويحتين مقدار الترويحة) ش: إنما قال هذا مع قوله فيما مضى عن قريب، ويجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحة لبيان أن هذا الجلوس مستحب لأنه شرح كلام القدوري وقال الأكمل: كان من حقه أن يقول والمستحب في الانتظار بين الترويحتين؛ لأنه استدل بعادة أهل الحرمين على ذلك، وأهل الحرمين لا يلتزمون بذلك، فإن أهل مكة يطوفون بين كل ترويحتين أسبوعا وأهل المدينة يصلون بدل ذلك أربع ركعات. قلت: هذا بقية كلام السغناقي وليس مراد المصنف حقيقة الجلوس، وإنما المراد التخيير بين السكوت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 وكذا بين الخامسة والوتر لعادة أهل الحرمين، واستحب البعض الاستراحة على خمس تسليمات وليس بصحيح. وقوله: ثم يوتر بهم يشير إلى أن وقتها بعد العشاء قبل الوتر، وبه قال عامة المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، والأصح أن وقتها بعد العشاء إلى آخر الليل قبل الوتر وبعده، لأنها نوافل سنت بعد العشاء   [البناية] والتهليل والتسبيح والصلاة نافلة كما ذكرناه عن قريب. م: (وكذا بين الخامسة والوتر) ش: أي وكذا المستحب في الجلوس مقدار الترويحة بين الترويحة الخامسة وصلاة الوتر م: (لعادة أهل الحرمين) ش: أهل حرم مكة بالطواف، وأهل حرم المدينة بأربع ركعات تطوعا. م: (واستحب البعض الاستراحة على خمس تسليمات) ش: وهو نصف التراويح، وقال السرخسي ولو استراح الإمام بعد خمس ترويحات قيل لا بأس به، قال وليس بشيء لمخالفة أهل الحرمين، وكذا بين الخامسة والوتر م: (وليس بصحيح) ش: أي الذي استحسنه البعض ليس بصحيح، وذكر في " فتاوى الأسبيجابي " الاستراحة على خمس ترويحات يكره. م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري م: (ثم يوتر بهم يشير إلى أن وقتها بعد العشاء قبل الوتر) ش: أي يشير إلى أن وقت التراويح بعد صلاة العشاء قبل صلاة الوتر م: (وبه) ش: أي ويكون وقتها بعد العشاء قبل الوتر م: (قال عامة المشايخ) ش: أراد بهم عامة مشايخ بخارى، وفي " الخلاصة " قال إسماعيل الزاهد وجماعة من أئمة بخارى: إن الليل كلها وقت قبل العشاء وبعدها، ثم قال: وقال عامة مشايخ بخارى: وقتها ما بين العشاء والوتر ثم قال وهو الصحيح م: (والأصح أن وقتها بعد العشاء إلى آخر الليل قبل الوتر وبعده لأنها نوافل سنت بعد العشاء) ش: أي لأن التراويح سنت بعد صلاة العشاء إلى آخر الليل، فأشبهت التطوع المسنون بعد العشاء في غير شهر رمضان. وقال الأترازي: والأصح عندي ما قاله عامة مشايخ بخارى، لأن الحديث ورد كذلك، وكان أبي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يصلي بهم التراويح كذلك. قلت: استدل على ما اختاره يبين ولم يبين أحد منهما فقوله لأن الحديث ورد كذلك إن أراد به حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس» - الحديث الذي ذكرناه عن قريب، وهو أيضا ذكره عند قول المصنف والنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بين العذر في ترك المواظبة فهو لا يدل على ما ادعاه من الصحة، وإن أراد به الحديث الذي فيه جمع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الناس على أبي بن كعب.. إلخ، وقد ذكرناه، وهو أيضا قد ذكره فهو أيضا لا يدل على ما ذكره النخغي. وقوله: وكان أبي يصلي بهم التراويح كذلك أي كما ذكره عامة مشايخ بخارى فهو أيضا لا يدل على ما ادعاه من الأصحية، بل الأصح ما قاله المصنف لأنه صلاة الليل، فيجوز إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 ولم يذكر قدر القراءة فيها. وأكثر المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - على أن السنة فيها الختم مرة.   [البناية] طلوع الفجر سواء كانت قبل الوتر أو بعده، وفي " المبسوط " المستحب فعلها إلى نصف الليل أو ثلثه كما في العشاء. وفي المحيط لا يجوز قبل العشاء ويجوز بعد الوتر ولم يحك فيه خلافا. م: (ولم يذكر قدر القراءة) ش: لم يذكر على صيغة المعلوم، أي لم يذكر محمد بن الحسن قدر القراءة في التراويح، ويجوز أن يقال ولم يذكر القدوري وهو الأقرب.. قال الأكمل: وقوله ولم يذكر قدر القراءة ظاهر. قلت الظهور من أين؟ فإذا احتمل أن يكون الفاعل في الفعل أحد النهي كيف يقال إنه ظاهر. م: (وأكثر المشايخ على أن السنة فيها الختم مرة) ش: اختلف المشايخ في قدر القراءة في التراويح، فقيل يقرأ مقدار ما يقرأ في المغرب تخفيفا للتخفيف. قال شمس الأئمة هذا غير مستحسن، وقال الشهيد هذا غير سديد لما فيه من ترك الختم وهو سنة فيها. وقيل يقرأ من عشرين آية إلى ثلاثين على ما رواه البيهقي بإسناده عن أبي عثمان النهدي قال: وعن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثلاث من القراء استقرأهم فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ للناس بثلاثين آية في كل ركعة، وأوسطهم بخمس وعشرين آية، وأبطأهم بعشرين آية. وعن عروة بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جمع الناس على قيام شهر رمضان الرجال على أبي بن كعب والنساء على سليمان بن أبي حثمة، وفي " الذخيرة ": إذا ختم على العشرين مثلا فله أن يقرأ في بقية الشهر ما شاء الله. قال القاضي أبو علي النسفي: إذا ختم وصلى العشاء في بقية الشهر من غير تراويح جاز من غير كراهة، لأنها شرعت لأجل ختم القرآن مرة، وهذا إن من لم يكن قاربه من النساء يصلي ستا وثمانيا وعشرا، وفي " التجنيس " ثم بعضهم اعتادوا قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] في كل ركعة، وبعضهم اختاروا قراءة سورة الفيل إلى آخر القرآن وهذا أحسن، لأنه لا يشتبه عليه عدد الركعات ولا يشغل قلبه بحفظها فيستفرغ للتدبر والتفكر. وفي " المجتبى ": أما القراءة فقيل ثلاثين آية في كل ركعة وقيل عشرين وقيل عشر آيات للختم مرة وقيل كما في المغرب، وقيل ثلاث آيات قصار أو آية طويلة، أو آيتان متوسطتان وعن أبي ذر آيتان، وفي " الدراية ": والمتأخرون في زماننا يفتون بثلاث آيات قصار وآية طويلة حتى لا يمل القوم ولا يلزم تعطيلها وهذا أحسن، قال الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن قرأ في المكتوبة بعد الفاتحة ثلاث آيات فقد أحسن ولم يسئ هذا في المكتوبة فما ظنك في غيرها. وفي " المحيط ": الأفضل في زماننا أن يقرأ مقدار ما لا يؤدي إلى تنفير القوم لكسلهم. قلت: المصنف قال بخلاف هذا على ما يجيء، وروى الحسن عن أبي حنيفة أن الإمام يقرأ في كل ركعة عشر آيات يحصل الختم فيها أو نحوها، لأن السنة في التراويح يختم مرة، وعدد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 فلا يترك لكسل القوم بخلاف ما بعد التشهد من الدعوات، حيث يتركها؛ لأنها ليست بسنة   [البناية] ركعات التراويح في جميع الشهر ستمائة، وعدد آي القرآن ستة آلاف وشيء، فإذا قرأ في كل ركعة عشر آيات يحصل الختم فيها، وإليه أشار المصنف بقوله وأكثر المشايخ.. إلخ وقال السرخسي: هذا هو الأحسن. فإن قلت: ما المراد في قول المصنف على أن السنة في الختم؟ قلت: قال في " الدراية ": أي سنة الخلفاء الراشدين. قلت: أثر عن الخلفاء الراشدين وأولهم أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وكانت التراويح تركت في أيام أبي بكر وفي أيام عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، والدليل عليه ما ذكرناه من حديث عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب إلى آخره في رمضان.. الحديث، فهذا يدل على أنها تركت في رمضان بدليل أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جمع الناس على أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فدل على أن المراد من قول المصنف أن السنة هي سنة عمر بن الخطاب ومن بعده من الخلفاء الراشدين وهذا ورد أيضا على من قال من أصحابنا أن التراويح سنة العمرين وأرادوا به أبا بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وليس كذلك. م: (فلا يترك لكسل القوم) ش: أي لا يترك الختم مرة لأجل كسل القوم، وفي " النهاية " و " العصير " في الختم مرتين، وأهل الاجتهاد كانوا يختمون في كل عشر ليال، وعن أبي حسين أنه كان يختم في شهر رمضان إحدى وستين ثلاثين في الليالي وثلاثين في الأيام وواحدة في التراويح كذا في فتاوى قاضي خان. م: (بخلاف ما بعد التشهد من الدعوات حيث يتركها لأنها ليست بسنة) ش: قال السغناقي: يعني إذا علم أن قراءة الدعوات تثقل على القوم، ولكن ينبغي أن يأتي بالصلاة، لأنها فرض عند الشافعي فيحتاط في الإتيان بها كذا في " الخلاصة ". قلت: فيما قاله المصنف نظر، لأنه يقول لا يترك الختم مرة لأجل كسل القوم، ثم يقول بخلاف الدعوات بعد التشهد يعني يترك لأجل كسل القوم فكيف لا يترك ما هو مستحب أو سنة صحابي لأجل الكسل ويترك ما هو سنة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فإنه روي الدعوات المأثورة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعد التشهد، وكيف يقول إنها ليست بسنة، وقد روى أحمد في " مسنده " من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمه التشهد، وفي آخره: وإن كان في آخرها أي في آخر صلاة دعا بعد تشهده بما شاء الله أن يدعو ثم يسلم» . وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا فرغ أحدكم من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 ولا يصلي الوتر بجماعة في غير شهر رمضان بإجماع المسلمين، والله أعلم.   [البناية] التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع، من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال» ، انتهى فهذه السنة الثابتة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا تركت لأجل كسل القوم لا يترك ما هو غير سنة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. [صلاة الوتر جماعة في غير رمضان] م: (ولا يصلي الوتر بجماعة في غير شهر رمضان) ش: لأنه نفل من وجه وجبت القراءة في ركعاته كلها، وتؤدى بغير أذان وإقامة، وصلاة النفل بالجماعة مكروهة ما خلا قيام رمضان وصلاة الكسوف لأنه لم يفعلها الصحابة، ولو فعلوا لاشتهرت، كذا ذكره الولوالجي. وفي " الخلاصة ": قال القدوري: إنه لا يكره، وقال النسفي: اختار علماؤنا الوتر في المنزل في رمضان، لأن الصحابة لم يجتمعوا على الوتر بجماعة في رمضان كما اجتمعوا في التراويح فيها، فعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يؤمهم في الوتر في رمضان، وأبي لا يؤمهم فيها في رمضان كذا في " المحيط " م: (بإجماع المسلمين) ش: أي على ترك الوتر بجماعة في غير رمضان بإجماع المسلمين قال تاج الشريعة لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لم يجتمعوا على الوتر بغير جماعة كما اجتمعوا على التراويح، وقال الأترازي: ولهذا لم يصل الوتر أحد بجماعة في سائر الأمصار من لدن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قلت: ذكر في الحواشي أنه يجوز عند بعض المشايخ. فروع: كيفية النية في التراويح، أن ينوي التراويح أو السنة أو سنة الوقت أو قيام الليل. وقال الشهيد: أو قيام الليل في الشهر، ويقال: أو ينوي قيام رمضان. وفي " المبسوط " نية مطلق الصلاة لا تجزئ عنها، وفي " فتاوى الشهيد " لو نوى صلاة مطلقة أو تطوعا فحسن، اختلف المشايخ فيه ذكر بعض المتقدمين أنه لا يجوز، وذكر أكثر المتأخرين أن التراويح وسائر السنن تتأدى بمطلق النية لأنها نافلة، ولكن الاحتياط أن ينوي التراويح أو سنة الوقت أو قيام الليل في شهر رمضان وفي سائر السنن ينوي السنة أو الصلاة متابعا لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ولو صلاها قاعدا من غير عذر قيل لا ينوب عن التراويح كركعتي الفجر، قال السرخسي وعليه الاعتماد، والصحيح الجواز، واتفقوا أنه لا يستحب لمخالفة السلف، وقال الحسام الشهيد: الكلام فيه في موضعين في الجواز والاستحباب منهم من قال يجوز عندهما ولا يجوز عند محمد اعتبارا بالفرض، وقيل يجوز عندهم جميعا وهذا هو الصحيح، وأما الكلام في الاستحباب فعندهما مستحب أن يقوم القوم إلا لعذر، إذ القيام أفضل. وعند محمد المستحب أن يقوموا أيضا، وذكر أبو سليمان عن محمد لو أن رجلا أم قوما جالسا في رمضان قال يقومون عند أبي حنيفة وأبي يوسف قيل: إنما خص قولهما لأنه لا يجوز عنده وقيل: إنما خص لأنه لا يستحب عنده وهو الصحيح. وإن صلاها قاعدا بغير عذر فالكلام في موضعين أيضا للجواز والاستحباب. أما الجواز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فقد قيل لا يجوز، وقيل يجوز وهو الصحيح. وأما الاستحباب فالصحيح أنه لا يستحب، وفي " جوامع الفقه " صلى الإمام قاعدا بغير عذر يستحب للقوم القيام عندهما والقعود عنده، وإن زاد على ركعتين بتسليمة واحدة إن قعد على رأس الركعتين الأصح الجواز عن التسليمتين، وفي " الذخيرة " وقال بعض المتقدمين لا يجزئه إلا عن تسليمة واحدة، وإن صلى ستا أو ثمانيا أو عشرا وقعد على كل شفع قال المتقدمون يقع على العدد المستحب وهو الأربع عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وعلى قول أبي حنيفة يقع على العدد الجائز وهو ست وثمان على ما عرف عنده والعشر عن التسليمات الخمس في رواية شاذة عنه، وفي رواية الجامع أربع ركعات بتسليمة واحدة، وفي " الذخيرة " لا يجزئه إلا عن ركعتين في قول بعض المتقدمين. وقال بعضهم حتى صلى عددا بتسليمة واحدة وهو مستحب في صلاة الليل فكلا الركعتين يجزئ عن تسليمة، فإن كان بعضها غير مستحب إنما يجزئ عن المستحب، وما كان في استحبابه اختلاف فكان في هذا أيضا اختلاف. ولو لم يقعد على رأس الشفع الأول القياس أنه لا يجوز وبه أخذ محمد وزفر ورواية عن أبي حنيفة، وفي " الاستحسان ": يجوز وهو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وهو قول أبي يوسف، وإذا جاز هل يجوز عن تسليمة واحدة أم تسليمتين الأصح جوازه عن تسليمة واحدة، وهو اختيار أبي بكر محمد بن الفضل والفقيه أبي جعفر وأبي علي النسفي والصدر الشهيد، وقيل: عند أبي حنيفة عن تسليمتين، وعند أبي يوسف عن تسليمة واحدة ذكره في " الذخيرة ". وقال النووي: لو صلى أربعا لم يصح، قال ذكره حسين في " فتاويه ". ولو صلى ثلاثا بقعدة واحدة لم يجز عند محمد وزفر، واختلفوا على قولهما قيل لا يجزئه لأنه لا أصل لها في النوافل، وقيل يجزئه عن تسليمة واحدة كالمغرب، ثم على قول من يقول لا يجزئه عن تسليمة واحدة لا شك أنه يلزمه قضاء الشفع الأول، وهل يلزمه قضاء الشفع الثاني، عند أبي حنيفة لا يلزمه سواء شرع في الشفع الثاني عامدا أو ساهيا، وعند أبي يوسف ينظر إن شرع عامدا يجب، وإن شرع ساهيا لا يجب بالاتفاق بين أبي حنيفة وأبي يوسف لأن الشفع الأول لو صح شروعه في الشفع الثاني صح إكماله، حتى لو صلى التراويح عن تسليمات في كل تسليمة ثلاث ركعات بقعدة واحدة جاز وتسقط عنه التراويح، وعند محمد وزفر لا تسقط. ولو صلى الكل بتسليمة واحدة وقعدة عند كل ركعتين الأصح أنه يجزئه عن الترويحات أجمع. قال السغناقي: وهو المختار، وإن لم يقعد اختلفت فيه الأقوال على قول أبي حنيفة وأبي يوسف والأصح أنه يجزئه عن تسليمة واحدة. وفي " الذخيرة " إذا صلاها ثلاثا ولم يقعد في الثانية فصلاته باطلة في القياس وهو قول محمد وزفر ورواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف وعليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قضاء ركعتين. وفي " الاستحسان ": هو قولهما اختلف المشايخ، فقد قيل: يجوز عن تسليمة وقيل: لا يجوز أصلا وكذا الخلاف في غير التراويح إذا انتفل بثلاث ولم يقعد في الثانية إذا شرع في شفع من التراويح ثم أفسده ثم قضاه فلا شيء عليه. وإذا وقع الشك في أن الإمام هل صلى عشرا أو صلى تسعا فالصحيح من المذهب أن يصلوا ركعتين فرادى فرادى فتصير عشرا بيقين ولا يؤديها جماعة بفصل بعض التسليمتين عن البعض جاز من غير كراهة والأفضل التسوية. وأما تطويل الثانية على الأولى في الركعتين إن كان بآية طويلة أو آيتين لا يكره، وإذا زاد كره، ولو قرأ في الثانية سورة آياتها أكثر مما قرأ في الأولى ويزيد على ثلاث آيات إن كان آياتها قصارا وآيات مما قرأ في الأولى طوالا ويحصل القرب بينهما في الكلمات والحروف فلا بأس به. ولو اقتدى بمن يصلي مكتوبة أو وترا أو نافلة غير التراويح قال في " المحيط " قيل يجوز والأصح أنه لا يجوز، كذا في " الذخيرة "، وعلى هذا إذا بناها على السنة بعد العشاء فالصحيح أنها لا تصح إذا فاتته ترويحة أو ترويحتان، وقام الإمام إلى الوتر هل يأتي بالترويحات الفائتة أو يتابع إمامه في الوتر، ذكر في " الواقعات " الناطفي عن أبي عبد الله الزعفراني أنه يوتر معه ثم يقضي ما فاته من الترويحات، وذكر في " مختصر البحر " عن الكرابيسي إذا لم يصل الفرض معه لا يتبعه في التراويح ولا في الوتر، وكذا إذا لم يتبعه في التراويح لا يتبعه في الوتر مع الإمام، ولو ترك الجماعة في الفرض؛ فليس له أن يصلي التراويح في جماعة لأنها تبع للجماعة، ولو لم يصل التراويح مع الجماعة فله أن يصلي الوتر معه إذا صلى الترويحة الواحدة إمامان كل واحد بتسليمة قيل لا بأس به، والصحيح أنه لا يستحب ذلك، ولكن كل ترويحة يؤديها إمام واحد ولا بأس بالتراويح في مسجدين لكن يوتر في الثاني، واختلفوا في الإمام والصحيح أنه لا يكره. وفي " المحيط " و " الواقعات ": إذا صلى الإمام في مسجدين في كل واحد منهما على الكمال لا يجوز لأن السنن لا تتكرر في وقت واحد، فإن صلوها مرة ثانية يصلونها فرادى. وفي " الفتاوى ": إذا لم يختم إمام مسجده هل يذهب إلى مسجد آخر يختم فيه قيل لا، والصلاة في مسجد نفسه أولى، ولو قال الإمام بعد السلام صليت ركعتين، وقال القوم ثلاثا، قال أبو يوسف: يعمل بقوله، وقال محمد: يعمل بقولهم، ولو شك وأخبره عدلان يأخذ بقولهما، ولو شكوا أنه صلى عشر تسليمات أو تسعا قيل: يوترون وقيل: يصلون بجماعة تسليمة، والأصح أداؤها فرادى، ولو افتتحها أو الوتر فتابعه ثم ظهر أنه صلى التراويح قال النسفي: إنه أجزأه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ويجوز اقتداء من يصلي التسليمة الأولى بغيرها. وقال النسفي: أيضا إذا كان إمامه لحانا أو غيره أحق قراءة وأحسن صوتا فلا بأس أن يترك مسجده، إمام صلى العشاء بغير وضوء ولم يعلم ثم صلى بهم إمام آخر التراويح ثم علموا فعليهم إعادة العشاء والتراويح؛ لأن وقتها بعد العشاء وهو المختار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 باب إدراك الفريضة ومن صلى ركعة من الظهر ثم أقيمت يصلي أخرى صيانة للمؤدى عن البطلان   [البناية] [باب إدراك الفريضة] [حكم من أقيمت عليه الصلاة وهو في صلاة نفل] م: (باب إدراك الفريضة) ش: أي هذا باب في بيان حكم إدراك الفريضة، وجه المناسبة بين البابين من حيث إن الباب الأول في النوافل التي هي إكمال الفرائض، وهذا الباب أيضا في إدراك الفرائض الذي هو الأداء الكامل، وهو الأداء بالجماعة، ومسائل هذا الباب من " الجامع الصغير " , م: (ومن صلى ركعة من الظهر) ش: أراد أنه شرع في صلاة الظهر ركعة منه م: (ثم أقيمت) ش: أي ثم أقيمت الصلاة، وأراد بالإقامة شروع الإمام فيهالا إقامة المؤذن، فإن لو أخذ المؤذن في الإقامة والرجل قيد الركعة الأولى بالسجدة فإنه يتم ركعتين بلا خلاف بين أصحابنا، كذا قاله الحلواني، وفي رواية تقام الصلاة مقام أقيمت ولهذا قال في رواية أقام المؤذن حتى لو صلى في البيت ركعة ثم أقيمت لا يقطع وإن كان فيه أجر وثواب الجماعة؛ لأنه لا يوجد مخالفة الجماعة عيانا فلا يقطع، ومذهب الشافعي فيما إذا صلى ركعة من الظهر ثم أقيمت ما ذكره في تتمتهم، قال الشافعي: أحب إلي أن يكمل ركعتين ويسلم ويكونان نافلتين. وقال النووي: إذا دخل في فرض الوقت منفردا ثم أقيمت الجماعة استحب له أن يتمها ركعتين ويسلم ويكونان نافلة، ثم يدخل مع الجماعة فعنده في الفرض قولان أحدهما في الجديد هي الأولى، والثاني: الفرض أحدهما لا يعينه يحتسب الله تعالى بأيتهما شاء. وقال أبو إسحاق: وليس بشيء. لأنه لا أصل له في الشرح، وهو قوله القديم. وقال النووي في أحد الوجهين كلاهما فرض ثم في النفل لا يقطعه لأن القطع فيه ليس للإكمال وبه قال مالك. وقال الشافعي: إن دخل الإمام قطعه، وقال إسماعيل المتكلم وسيف الدين البابلي: لو ظن أن في الوقت سعة فشرع في النفل. ثم علم أنه إن أتمه خرج وقت الفرض لا يقطعه كما لو شرع في النفل ثم خرج الخطيب للخطبة، وعن أحمد المنفرد إذا نوى اتباع الجماعة بعدما صلى ركعتين جاز في رواية عنه، فإذا صلى ركعتين سلم، والأولى أن يقطع ويدخل مع الإمام والذي صلى وحده نافلة. م: (ويصلي ركعة أخرى صيانة للمؤدى عن البطلان) ش: أي لأجل الصيانة أي الحفظ للمؤدى بفتح الدال وهو الركعة التي صلاها، وذلك أن البتيراء منهي عنها. فإن قلت: كيف يجوز إبطال صفة الفرضية لإقامة السنة. قلت: ليس هذا النقض لإقامة السنة بل لإقامة الفرض على وجه أكمل، لأن النقض للإكمال وهذا كهدم المسجد، فإنه حرام، فإذا كان لإحكام بنائه أو للتوسعة فإنه يجوز، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 ثم يدخل مع القوم إحرازا لفضيلة الجماعة، وإن لم يقيد الأولى بالسجدة يقطع ويشرع مع الإمام هو الصحيح، لأنه بمحل الرفض والقطع للإكمال   [البناية] والحاصل أن نقض الصلاة بغير عذر حرام لأنه إبطال العمل لا سيما صلاة الفرض إلا أن النقض إذا كان للإكمال يجوز لأنه وإن كان نقضا صورة إكمال معنى فإن صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة بالحديث الصحيح. فإن قلت: كيف يستقيم هذا على أصل محمد فإن عنده إذا بطلت صفة الفرضية بطل أصل الصلاة فلم يكون مؤدى مصونا عن البطلان عند الفرضية. قلت: هذا ليس مذهبه في جميع المواضع إنما هو مذهبه فيما إذا لم يتمكن من إخراج نفسه عن العهدة بالمضي إليها كما إذا قيد الخامسة بالسجدة وهو لم يقعد في الرابعة وهاهنا يتمكن من ذلك بالمضي فيها، والفرق بينهما أن إبطال صفة الفرضية لإحراز فضل الجماعة بإطلاق من الشرع وإبطال صفة الفرضية هناك ليس بإطلاق من جهة فجاز أن يتنفل نفلا هاهنا وصار كالمكلف بالصوم إذا آيس في خلال الصوم. م: (ثم يدخل مع القوم إحرازا لفضيلة الجماعة) ش: كما لو شرع في الظهر ثم أقيمت الجماعة ألا ترى أنه يجوز قطعها لحطام الدنيا، فإن المرأة إذا كانت يفور قدرها جاز لها القطع، وكذا المسافر إذا بدت دابته أو خاف فوت شيء من ماله يقطع لأجل الدرهم، فإذا جاز لحطام الدنيا فلأن يجوز لإحراز فضيلة الجماعة أولى. م: (وإن لم يقيد الأولى) ش: أي الركعة الأولى من الظهر الذي شرع فيه وحده م: (بالسجدة يقطع صلاته) ش: وهي الركعة الأولى التي ما قيدت بسجدة م: (ويشرع مع الإمام) ش: يعني يدخل في صلاة الإمام، وهذا اختلفوا فيه هل يجوز القطع أم لا؟ فعند بعض المشايخ لا يقطع إذا كان قائما في الركعة الأولى، وإن لم يقيدها بالسجدة قال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ": كانت تختلف فتوى الشيخ الإمام محمد بن إبراهيم الميداني في هذا والأشبه أنه يقطع وإليه أشار المصنف بقوله: م: (هو الصحيح) ش: أي القطع والشروع مع الإمام هو الصحيح، واحترز به عن قول الميداني المذكور وإبراهيم بن المنذر وبعض المشايخ قالوا: يصلي ركعتين ثم يقطع وإليه مال شمس الأئمة لأنه يمكنه الجمع بين الفضيلتين. وعلل المصنف ما ذهب إليه بقوله: م: (لأنه) ش: أي لأن ما دون الركعة م: (محل الفرض) ش: يعني له ولاية الرفض ما لم يقيده بالسجدة لأنه ليس له حكم فعل الصلاة، ولهذا لو حلف لا يصلي لا يحنث بهذا القدر م: (والقطع للإكمال) ش: والقطع لإكمال الفرض والقطع للإكمال، هذا جواب عما يقال: إنما نوى به قربة سلمت إلى مستحقها فلا يجوز إبطالها، ألا ترى أنه لو شرع في التطوع ثم أقيمت الظهر لم يقطع التطوع مع أن الفرض أولى، وتقرير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 بخلاف ما إذا كان في النفل لأنه ليس للإكمال، ولو كان في السنة قبل الظهر والجمعة فأقام أو خطب يقطع على رأس الركعتين، يروى ذلك عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقد قيل: يتمها وإن كان قد صلى ثلاثا من الظهر يتمها لأن للأكثر حكم الكل فلا يحتمل النقض بخلاف ما إذا كان في الثالثة بعد ولم يقيدها بالسجدة حيث يقطعها؛ لأنه بمحل الرفض ويتخير إن شاء عاد فقعد وسلم   [البناية] الجواب أن القطع المذكور لإكمال الفرض والقطع للإكمال يجوز كهدم المسجد للبناء على الوجه الأكمل، فإنه يجوز م: (بخلاف ما إذا كان في النفل) ش: أي لأن القطع في النفل ليس للإكمال فلا يقطع. م: (ولو كان) ش: أي المصلي م: (في السنة قبل الظهر) ش: أي ولو كان شرع في السنة التي قبل صلاة الظهر م: (أو الجمعة) ش: أي أو كان في السنة التي قبل صلاة الجمعة م: (فأقيم) ش: أي صلاة الفرض م: (أو خطب) ش: أي أو خطب الإمام للجمعة وهو لف ونشر مستقيم م: (يقطع) أي ما شرع فيه م: (على رأس الركعتين) ش: إحرازا لفضيلة الجمعة م: (يروى ذلك عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي القطع على رأس الركعتين، روي عن أبي يوسف " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " فإذا قطع قضى ركعتين عند أبي حنيفة ومحمد وعلى قياس ما روي عن أبي يوسف أنه يقضي أربعا في كل تطوع فيقضي هاهنا أربعا م: (وقد قيل: يتمها) ش: أي سنة الظهر الذي كان شرع فيه، وقال فخر الإسلام: وكان الشيخ الإمام محمد بن الفضل البخاري يفتي بأنه يقضي أربعا لأنها بمنزلة صلاة واحدة واجبة. م: (وإن كان قد صلى ثلاثا) ش: أي وإن كان المصلي قد صلى ثلاث ركعات م: (من الظهر يتمها) ش: أي الظهر م: (لأن للأكثر حكم الكل) ش: حيث يثبت به جهة الفراغ ولم يثبت حقيقته فلم يحتمل النقض، فكذا إذا ثبت شبهه م: (فلا يحتمل النقض) ش: نتيجة قوله لأن للأكثر حكم الكل م: (بخلاف ما إذا كان في الثالثة أبعد) ش: بخلاف ما إذا كان هذا المصلي في الركعة الثالثة بعد أن شرع فيه م: (ولم يقيدها بالسجدة) ش: أي والحال أنه لم يقيد الركعة الثالثة بالمسجد م: (حيث يقطعها لأنه محل الرفض) ش: وقد مر أن له ولاية الرفض ما لم يقيد بالسجدة. وفي " الفتاوى الكبرى " عن محمد أنه يأتي بالركعة الرابعة قاعدا لتقلب نفلا، لأن الفرض لا يتأدى قاعدا مع القدرة على القيام ثم يأتي بالجماعة ليجمع بين الثوابين ثواب النفل وثواب الجماعة. م: (ويتخير) ش: يعني إذا أراد القطع فهو بالخيار م: (إن شاء عاد) ش: إلى التشهد م: (وقعد وسلم) ش: لأنه أراد الخروج من صلاته خروجا معتدا به والخروج عن هذا لم يشرع إلا بالقعدة فتكون صلاته على الوجه المشروع، ثم إذا عاد إلى القعدة قال يتشهد ويسلم. قال بعضهم: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 وإن شاء كبر قائما ينوي الدخول في صلاة الإمام، وإذا أتمها يدخل مع القوم، والذي يصلي معهم نافلة؛ لأن الفرض لا يتكرر في وقت واحد،   [البناية] يتشهد ويسلم ثانيا لأن القعدة الأولى لم تكن قعدة ختم، وقال بعضهم يكفيه ذلك التشهد لأن العود إلى القعدة ينقض القيام، وجعله كأن لم يكن أصلا فكانت هذه القعدة الأولى ثم يسلم تسليمتين عند البعض لأنه المعهود في التحلل، وعند البعض تسليمة واحدة، لأن التسليمة الثانية للتحلل وهذا قطع من وجه ولا يسلم قائما لأنه لم يشرع في القيام. م: (وإن شاء كبر قائما ينوي الدخول في صلاة الإمام) ش: وفي المحيط يقطعها قائما بتسليمة واحدة وهو الأصح لأنه قطع وليس بتحلل، وإن شاء رفع وإن شاء لم يرفع كذا قاله الإمام حميد الدين الضرير في " شرحه ". وعن شمس الأئمة الحلواني أنه لو لم يعد إلى التشهد تفسد صلاته ونقله عن النوادر. م: (وإذا أتمها) ش: عطف على قوله يتمها، أي وإذا أتم صلاة الظهر التي كان شرع فيها م: (يدخل مع القوم) ش: يعني لا ينقض صلاته، ولكن ليس بلازم لأن الذي يصلي معهم نافلة ولا إلزام فيها، ولكن الأفضل الدخول؛ لأنه في وقت مشروع ويندفع عنه تهمة بأنه ممن لا يرى الجماعة م: (والذي يصلي معهم نافلة) ش: أي والذي يشرع فيه ليصلي مع القوم نافلة لأنه لا إلزام فيها، قال الأترازي: إنما أنث الضمير بتأويل النفل. قلت: الخبر على حاله، وإنما ذكر المبتدأ لأن المعنى والصلاة التي يصليها مع القوم نافلة، وإنما ذكره باعتبار فعل الصلاة. فإن قلت: يلزم أداء النفل بجماعة خارج رمضان وهو مكروه. قلت: إنما تكون الكراهة إذا كان الإمام والقوم متنفلين، وأما إذا كان الإمام مفترضا فلا كراهة بما روي في حديث يزيد بن الأسود، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للرجلين «إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكم نافلة» ، ورواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وفي حديث أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال في الأئمة الذين يؤخرون الصلاة: «صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم نافلة» رواه مسلم من طرق. م: (لأن الفرض لا يتكرر في وقت واحد) ش: لأن الله تعالى لم يوجب على أحد ظهرين أو عصرين في يوم واحد. وقال النووي في أحد الوجهين كلاهما فرض، واعتبروها بصلاة الجنازة على مذهبهم إذا صلى عليها طائفة ثم صلت طائفة أخرى بعدهم وكانوا مقيمين بالفرض، وبه قال الشعبي والأوزاعي. قلنا: هذا تمجه العقول وهو مدفوع [ .... ] وعلى هذا يلزم أن تفرض الصلاة كل يوم عشر مرات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 فإن صلى من الفجر ركعة ثم أقيمت يقطع ويدخل معهم؛ لأنه لو أضاف إليها أخرى تفوته الجماعة كذا إذا قام إلى الثانية قبل أن يقيدها بالسجدة وبعد الإتمام لا يشرع في صلاة الإمام؛ لكراهية التنفل بعد الفجر، وكذا العصر لما قلنا، وكذا بعد المغرب في ظاهر الرواية. لأن التنفل بالثلاث مكروه، وفي جعلها أربعا مخالفة لإمامه.   [البناية] م: (فإن صلى من الفجر ركعة) ش: يعني فإن شرع في صلاة الفجر وحده ثم صلى منه ركعة م: (ثم أقيمت) ش: أي ثم أقيمت صلاة الفجر م: (يقطع) صلاة نفسه م: (أو يدخل معهم) ش: أي مع القوم م: (لأنه لو أضاف إليها) ش: أي إلى الركعة الأولى م: (ركعة أخرى تفوته الجماعة) ش: لإتيانه بالأكثر م: (وكذا إذا قام إلى الثانية) ش: أي وكذا تقطع صلاته إذا قام إلى الركعة الثانية من صلاة الفجر ولكن ذلك م: (قبل أن يقيدها) ش: أي قبل أن يقيد الركعة الثانية م: (بالسجدة) ش: لأنه ما لم يقيدها بالسجدة فهو محل الرفض، بخلاف ما إذا قيدها بها كما ذكرنا. م: (وبعد الإتمام لا يشرع مع الإمام) ش: أي بعد إتمام صلاة الفجر التي شرع فيها وحده لا يشرع مع الإمام م: (لكراهة التنفل بعد الفجر) ش: أي بعد أداء صلاة الفجر م: (وكذا بعد العصر) ش: أي وكذا لا يشرع مع الإمام بعد أن صلى صلاة العصر وحده م: (لما قلنا) ش: من كراهة النفل بعد صلاة العصر، وعند الشافعي ومالك يعيدها لعدم الكراهة في النفل بعدها عندهما، وعند أحمد يعيدها مع إمام الحي م: (وكذا بعد المغرب) ش: أي وكذا لا يشرع مع الإمام إذا أتم صلاة المغرب وحده م: (في ظاهر الرواية) ش: وبه قال مالك وقيد به لأنه روي عن أبي يوسف الأحسن أن يدخل مع الإمام ويصلي أربع ركعات ثلاث مع الإمام وأتم الرابعة بعد فراغ الإمام، وبه قال الشافعي وأحمد، لأن بالقيام إلى الثالثة صار ملتزما للركعتين إذ الركعة الواحدة لا تكون صلاة للنهي عن المبتدأ، وعن أبي يوسف في رواية يدخل معه ويسلم على رأس الثالثة مع الإمام وبه قال السرخسي. م: (لأن التنفل بالثلاث مكروه) ش: أي بثلاث ركعات لأن فيه مخالفة السنة لورود النهي عن البتيراء، وقال قاضي خان التنفل بالثلاث حرام. قلت الوتر ثلاث وهو نفل عندهما، وذلك مشروع فكيف يكون مثله حراما م: (وفي جعله أربعا مخالفة لإمامه) ش: أي وفي جعل المصلي أربع ركعات مخالفة إمامه لأنه يصلي ثلاثا، ومع هذا إذا شرع قال فخر الإسلام أتمها أربعا، لأن هذا الوجه أحوط لما فيه من زيادة الركعة، وفي الوتر لو سلم مع الإمام على الثلاث فسدت صلاته وعليه قضاء أربع ركعات لأنه التزم بالاقتداء ثلاث ركعات تطوعا فلزمه أربع كالنذر بها. وفي قاضي خان وقيل إنما يكره التنفل بعد المغرب بثلاث ركعات إذا كان عن اختيار، فأما عن اضطرار فلا. فإن قلت: المخالفة للإمام إنما تكون قبل فراغه وهذه مخالفة بعد فراغه من صلاته، وهذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 الليالي ثم تركها، وبين العذر في تركه المواظبة وهو خشية أن تكتب علينا والسنة فيها الجماعة ومن دخل مسجدا قد أذن فيه يكره له أن يخرج حتى يصلي؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يخرج من المسجد بعد النداء إلا منافق أو رجل يخرج لحاجة يريد الرجوع» .   [البناية] ليس به بأس كالمقيم إذا اقتدى بالمسافر وكان مسبوقا فإنهما يقومان بعد فراغ الإمام. قلت: الفرق ظاهر، أما صلاة المسافر فعلى فرضية أن يصلي أربعا وكذلك صلاة المغرب. وأما المسبوق فقد عرف قضاؤه بالسنة في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ما فاتكم فاقضوا» م: (ومن دخل مسجدا قد أذن فيه) ش: أي قد أدني فيه على صيغة المجهول جملة في محل النصب، لأنها صفة لقوله مسجدا، وأما نصب مسجد فعلى التوسع وإسقاط الخافض لا على الظرفية، والتقدير ومن دخل في مسجد ونظيره دخلت الدار، فإن تعدي الفعل في نحو الدار والمسجد لا يطرد ويجوز أن يكون مسجدا منصوبا على أنه مفعول به على رأي الأخفش لأنه دخل عنده تارة يتعدى بنفسه وتارة بحرف الجر م: (يكره له أن يخرج) ش: أي يكره لهذا الداخل خروجه من المسجد م: (حتى يصلي) ش: يعني إن لم يكن قد صلى، لأن المؤذن قد دعاه ولورود الوعيد فيه م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا يخرج من المسجد بعد النداء إلا منافق أو رجل يخرج لحاجة يريد الرجوع» ش: لم يذكر أحد من الشراح هذا الحديث في كتابه ولا التفت إلى ما كان حاله هل هو يصلح للاحتجاج أم لا. أما السغناقي فإنه لم يذكره أصلا. وأما الأكمل فإنه ذكر في المسألة تفصيلا ثم قال وهو واضح وما عرفنا من أين جاءه الوضوح، وأما صاحب الدراية فإنه اكتفى بالمنقولات في هذه المسألة. أما الأترازي فإنه استدل بما روي عن أبي هريرة أنه قال حين خرج رجل من المسجد بعدما أذن فيه أما هذا فقد عصى أبا القاسم، رواه مسلم والأربعة، وهذا موقوف وقال أبو عمر: إنه مسند ولذلك نظائره نحو حديث أبي هريرة «من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم» وقال لا يختلفون في ذلك رواه إسحاق بن راهويه في مسنده، وزاد فيه «أمرنا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا أذن المؤذن فلا تخرجوا حتى تصلوا» . وأما الذي ذكره المصنف فقد قال سبط بن الجوزي رواه النسائي. قلت: روى ابن ماجه في " سننه " بمعناه عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنه قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أدرك الأذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجوع فهو منافق» . وأخرج أبو داود في المراسيل عن سعيد بن المسيب أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا يخرج من المسجد أحد بعد النداء إلا منافق إلا أحدا أخرجته حاجته وهو يريد الرجوع» . ورواه أيضا عبد الرزاق في " مصنفه "، ورواه أحمد في " مسنده " عن أبي هريرة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا كنتم في المسجد فنودي للصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 قال: إلا إذا كان ممن ينتظم به أمر جماعة لأنه ترك صورة تكميل معنى وإن كان قد صلى وكانت الظهر أو العشاء فلا بأس بأن يخرج؛ لأنه أجاب داعي الله مرة إلا إذا أخذ المؤذن في الإقامة؛ لأنه يتهم بمخالفة الجماعة عيانا، وإن كانت العصر أو المغرب أو الفجر خرج، وإن أخذ المؤذن فيها؛ لكراهة التنفل بعدها،   [البناية] م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إلا إذا كان ينتظم به أمر جماعة) ش: هذا استثناء من قوله يكره له أن يخرج، أراد أن يدخل في مسجد أذن فيه إذا كان ينتظم به أي يستقيم به أمر جماعته بأن كان مؤذنا أو إمام مسجد تتفرق جماعة بسبب غيبته فإنه يخرج ولا يدخل تحت الوعيد م: (لأنه) ش: أي لأن خروجه م: (ترك صورة) ش: أي ترك للجماعة من حيث الصورة م: (تكميل معنى) ش: أي تكميل للجماعة معنى، والاعتبار للمعنى، ولو دخل مسجدا لم يكن مسجد حيه فإن كانوا صلوا في مسجده فلا يخرج لأنه صار من أهل هذا المسجد، وإن لم يكن صلوا إن خرج ليصلي في مسجد حيه لا بأس به، لأن الواجب عليه أن يصلي في مسجد حيه، وإن صلى في هذا المسجد لا بأس به أيضا إلا أنه صار من أهل هذا المسجد، والأفضل أن لا يخرج لكيلا يتهم أنه ممن لا يرى الجماعةِ. وفي [ ..... ] فاتته الجماعة في مسجد حيه، فأتى مسجدا آخر يرجو فيه الجماعة فحسن، وإن صلى في مسجد حيه فحسن أيضا أي الحسن أفضل، فالشعبي اختار طلب الجماعة، والنخعي اختار مسجد حيه. وقال الحسن البصري: كان الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إذا دخلوا مسجد حيهم صلوا فرادى بغير أذان وإقامة ثم لمنفعة جماعة أستاذه لأجل درسه أو لسماع الأخبار ولسماع مجلس العامة أفضل بالاتفاق لتحصيل الثوابين ولو فاتته ركعة أو ركعتان فالأفضل أن يصلي في مسجد حيه. م: (وإن كان قد صلى) ش: أي وإن كان الداخل مسجدا أذن فيه قد صلى فرضه م: (وكانت) ش: أي الصلاة التي صلاها م: (الظهر أو العشاء فلا بأس بأن يخرج لأنه أجاب داعي الله مرة) ش: وهو المؤذن م: (إلا إذا أخذ المؤذن في الإقامة) ش: هذا استثناء من قوله فلا بأس بأن يخرج أراد أن المؤذن إذا شرع في الإقامة فإنه لا يخرج حينئذ م: (لأنه يتهم بمخالفة الجماعة عيانا) ش: أي معاينة، وانتصابه على الحال من مخالفة. م: (ولو كانت العصر) ش: أي ولو كانت الصلاة التي صلاها وحده صلاة العصر م (أو المغرب أو الفجر) ش: أي أو كانت المغرب أو كانت الفجر أي صلاة الفجر م: (خرج) ش: أي من المسجد م: (وإن أخذ فيها) ش: أي إن أخذ المؤذن أي شرع في واحدة من هذه الصلوات م: (لكراهة التنفل بعدها) ش: أي بعد العصر والمغرب والفجر، وعند الشافعي لا بأس بالشروع في هذه الصلوات لما روي عن زيد بن أبي الأسود قال «شهدت مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلاة الصبح في مسجد الخيف، فلما قضى صلاته إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصلياها معه فقال: علي بهما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 ومن انتهى إلى الإمام في صلاة الفجر؛ وهو لم يصل ركعتي الفجر إن خشي أن تفوته ركعة ويدرك الأخرى يصلي ركعتي الفجر عند باب المسجد ثم يدخل لأنه أمكنه الجمع بين الفضيلتين.   [البناية] فأتي بهما ترعد فرائصهما قال ما منعكما أن تصليا معنا، قال: يا رسول الله إنا كنا صلينا في رحالنا قال فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة» رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح واستدل الأترازي للشافعي بحديث السبحة وهو ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه فإنها له نافلة» ثم يجاب عنه بقوله، ونحن نحمله على غير هذه الصلوات كيلا يلزم التعارض بينه وبين حديث النهي عن الصلوات بعد الفجر والعصر وحديث التيسير. قلت: كيف نحمله على غير هذه الصلوات، وقد صرح في حديث يزيد بن الأسود المذكور آنفا بصلاة الصبح، والجواب عنه أنه قد روي هذا في صلاة الظهر فتعارضت روايتا فعله فأخذنا بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس» ثم إذا صلى العصر أو الفجر فعندنا فرضه الأول، وبه قال الشافعي في الجديد وأحمد، لأن الخطاب سقط عنه بالأولى، وقال في القديم فالفرض أكملها وقال بعض أصحابه والشعبي والأوزاعي فالفرض كلاهما وقد مر الكلام فيهما مرة. [حكم من انتهى إلى الإمام في صلاة الفجر وهو لم يصل ركعتي الفجر] م: (ومن انتهى إلى الإمام في صلاة الفجر وهو لم يصل ركعتي الفجر) ش: أي والحال أن هذا المنتهي لم يكن صلى سنة الفجر فلا يخلو حاله عن أمرين الأول: م: (إن خشي أن تفوته ركعة) ش: من صلاة الفجر لاشتغاله بالسنة م: (ويدرك الأخرى) أي الركعة الأخرى وهي الثانية، وتخصيص الركعة لما أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جعل أداء الركعة مع الإمام عند العذر بمنزلة أداء الكل في إدراك ثواب الجمعة حتى تتم صلاة الخوف ركعة ركعة م: (يصلي ركعتي الفجر عند باب المسجد ثم يدخل) ش: أي يدخل المسجد م: (لأنه أمكنه الجمع بين الفضيلتين) ش: فضيلة السنة وفضيلة الجماعة، وإنما قيد عند باب المسجد لأنه لو صلاهما في المسجد كان مشتغلا فيه مع اشتغال الإمام بالفرض وأنه مكروه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» وخصت سنة الفجر بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل» رواه أبو داود وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد مر فيما مضى هذا إذا كان عند باب المسجد موضع لذلك، فإن لم يكن يصليهما في المسجد خلف سارية من سواريه خلف الصفوف. وذكر فخر الإسلام وأشدها كراهة أن يصلي مخالطا للصف مخالفا للجماعة والذي يصلي خلف الصف من غير حائل بينه وبين الصف. وفي " الذخيرة " السنة في ركعتي الفجر أن يأتي بهما في بيته، فإذا لم يفعل فعند باب المسجد إذا كان الإمام يصلي فيه، فإن لم يمكنه ففي المسجد الخارج إذا كان الإمام في المسجد الداخل، وفي الداخل إذا كان الإمام في الخارج. وفي " المحيط ": وقيل: يكره ذلك كله، لأن ذلك بمنزلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 وإن خشي فوتها دخل مع الإمام ولم يصل؛ لأن ثواب الجماعة أعظم والوعيد بالترك ألزم بخلاف سنة الظهر حيث يتركها في الحالين لأنه يمكنه أداؤها في الوقت بعد الفرض هو الصحيح.   [البناية] مسجد واحد. وفي قاضي خان إن كان الإمام في الصيفي يصليهما في الشتوي وإن كان في الشتوي يصليهما في الصيفي، وإن كان الصيفي والشتوي واحدا يقوم خلف الصف وعند سارية أو خلف أسطوانة أو نحوهما. وقال الثوري: إن خشي فوت ركعة دخل مع الإمام ولم يصليهما وإلا صلاهما في المسجد، وقول مالك مثله إلا أنه قال يصليهما خارج المسجد في غير الأفنية اللاصفة به. وعن شمس الأئمة يحكي عن الفقيه إسماعيل الزاهد أنه كان يقول ينبغي أن يفتح ركعتي الفجر ثم يقطعهما ويدخل مع الإمام حتى يلزمه بالشروع فيتمكن من القضاء بعد الفجر ولكن هذا ليس بقوي، فإن ما وجب بالشروع لا يكون أقوى مما يجب بالنذر، وقد نص في الزيادات الزيادة أن المنذورة لا تؤدى بعد الفجر قبل طلوع الشمس. الحال الثاني: أن يخاف فوت الفرض كله وأشار إليه بقوله م: (وإن خشي فوتهما) أي فوت ركعتي الفجر م: (دخل مع الإمام ولم يصل) أي لم يصل السنة يعني بتركها لأن ثواب الجماعة أعظم من ثواب السنة لما روى مسلم في " صحيحه " عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة» م: (والوعيد بالترك ألزم) الوعيد منصوب لأنه عطف على اسم إن، وألزم مرفوع على الخبرية، والوعيد هو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لقد هممت أن آمر رجلا [يصلي بالناس، ثم آمر فتية] أن يجمعوا حزما من حطب، ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرقها عليهم» رواه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة، قوله: هممت أي قصدت، والفتية جمع فتى، قوله أن يجمعوا وفي رواية: تجمعوا قوله ثم آتي بالنصف عطف على قوله أن آمر، واستدل بهذا الحديث من قال: إن الجماعة فرض عين، وقد مر الكلام فيه في باب الإمامة. فإن قلت: إذا أدرك الإمام في التشهد ماذا يفعل؟ قلت: ظاهر كلام المصنف ترك على أنه يدخل مع الإمام لأنه قال: إن خاف أن تفوته الركعتان دخل مع الإمام، كذا قال شمس الأئمة السرخسي في " شرح الجامع الصغير " ثم قال: وكان الفقيه أبو جعفر يقول: يصلي سنة الفجر ثم يشرع مع الإمام عندهما وعند محمد يترك السنة، وهذا فرع اختلافهم في المدرك في التشهد في صلاة الجمعة م: (بخلاف سنة الظهر حيث يتركها في الحالتين) أي في حال خشية الفوات، وحال عدمها م: (لأنه يمكنه أداؤها في الوقت) أي لأن الشأن يمكنه أداء سنة الظهر في وقت الظهر م: (بعد الفرض) أي بعد أداء فرض الظهر م: (هو الصحيح) أي أداء بعض الظهر بعد الفرض في الوقت هو الصحيح واحترز به عن قول بعض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 وإنما الاختلاف بين أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تقديمها على الركعتين وتأخيرها عنهما، ولا كذلك سنة الفجر على ما نبين إن شاء الله تعالى، والتقييد بالأداء   [البناية] المشايخ أن سنة الظهر لا تقضى إذا فاتت لأن في سنة الفجر ورد الشرع بالقضاء غداة ليلة التعريس، ولم يرد مثل ذلك في سنة الظهر، وهذا القول غير صحيح، لأن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - روت «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فاتته الأربع قبل الظهر فقضاها بعده» . وقال الأترازي: وهذا القول غير صحيح، يعني قول بعض المشايخ أن سنة الظهر لا تقضى، وورد الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد في أنه هل يقدم الأربع أو الركعتين، قال أبو يوسف: يقدم الركعتين ثم يقضي الأربع، وقال محمد: يقدم الأربع، ثم يقضي الركعتين، كذا ذكر اختلافها في " الجامع الصغير " الحسامي، وفي " الجامع الصغير " العتابي، و " المنظومة "، و " شروحها " ذكر الاختلاف على العكس، ويحتمل أن يكون عن كل واحد من الاثنين روايتان. انتهى. قلت: اختلافهما في التقديم والتأخير في القضاء لا يدل على أن سنة الظهر تقضى في الفرض بعد ولا يدل على ذلك إلا الحديث الذي ذكرناه، والعجب من الأترازي أنه يستدل باختلاف الإمامين في التقديم والتأخير على قضاء سنة الظهر في الوقت، ثم اختلفوا هل تكون الأربع التي يقضيها بعد الظهر في الوقت سنة أو نفلا. قلت: قال في " الذخيرة ": وعن أبي حنيفة أن يكون نفلا، وهو قول بعضهم، وقيل يكون سنة، وهو قول صاحبيه، وهو الأظهر، وهل ينوي القضاء؟، فعندهما ينوي القضاء لحديث عائشة المذكور آنفا، وعند أبي حنيفة لا ينوي القضاء لأن ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يكون قضاء لأنه إذا وجب على الشيء كتب عليه، وفعل غيره يكون تطوعا مبتدأ، فلا حاجة إلى نية القضاء م: (وإنما الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد رحمهما الله في تقديمها) أي في تقديم الأربع م: (وتأخيرها عنهما) أي عن الركعتين فالتقديم عند أبي يوسف ومحمد والتأخير عند محمد، وفي " المحيط " ذكر أبو حنيفة مع أبي يوسف، في " فتاوى السغناقي " قول أبي يوسف هو المختار، وفي " مبسوط شيخ الإسلام " هو الأصح لحديث عائشة المذكور فإن أبا يوسف يعتبر المحل، ومحمد يعتبر ما يقع فيه فالركعتان في محلهما فيقدمان، ولمحمد أن الأربع قبل الركعتين لتقدمها على الأربع الفرض المتقدم عليهما، وقد تعذر التقديم على الظهر ولم يتعذر على السنة، وفي " الخلاصة " ولو صلى سنة الفجر أو الأربع قبل الظهر ثم اشتغل بالبيع والشراء والأكل، فإنه يعيد السنة أما بأكل لقمة أو شربة لا تبطل السنة، وذكر في " جامع التمرتاشي " قيل لا يعيد ولكن ثوابه أنقص من ثوابه قبل التكلم، قال الجلالي: الظاهر أنه لا يعيد. م: (ولا كذلك سنة الفجر على ما نبين إن شاء الله تعالى) ش: يعني ليس سنة الفجر مثل سنة الظهر، لأن سنة الفجر لا يمكن أداؤها بعد الفرض فحصل الفرق بين السنتين م: (والتقييد بالأداء) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 عند باب المسجد يدل على الكراهة في المسجد إذا كان الإمام في الصلاة، والأفضل في عامة السنن والنوافل المنزل هو المروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: وإذا فاتته ركعتا الفجر لا يقضيهما قبل طلوع الشمس، لأنه يبقى نفلا مطلقا وهو مكروه بعد الصبح،   [البناية] ش: أي تقييد محمد بن الحسن بأداء ركعتي الفجر م: (عند باب المسجد يدل على الكراهة في المسجد) ش: أي على كراهة أدائه إياهما م: (في المسجد إذا كان الإمام في الصلاة) ش: لمخالفة الإمام عيانا. م: (والأفضل في عامة السنن والنوافل المنزل) ش: أي الأفضل في أكثر السنن والنوافل إقامتها في المنزل، وإنما قدرنا هكذا لأن لفظ المنزل لا يصح أن يقع خبرا لقوله الأفضل، وإنما قال في عامة السنن تنبيها على أن بعض المشايخ قالوا يصلي الركعتين بعد الظهر والركعتين بعد المغرب في المسجد وما سواهما في البيت. قال في " المحيط " م: (والمروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي روى البخاري ومسلم عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «احتجز رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حجرة.. الحديث، وفي آخره فعليكم بالصلاة في بيوتكم إلا المكتوبة فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي مختصرا ولفظ أبي داود: «صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة» به قال. فإن قلت: يعارض هذا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» . قلت: يحتمل هذا على الفرض أي صلاة مفروضة في مسجدي هذا يدل على لفظ أبي داود «صلاة المرء» .. الحديث، وفي " الذخيرة " والسنن بعد الفرائض لا بأس بإتيانها في المسجد في مكان الصلاة، والأولى أن يتنحى عنه خطوة أو خطوتين والإمام يتنحى عن المكان الذي يصلي فيه الفريضة لا محالة، وفي " الجامع الصغير ": إذا صلى الرجل المغرب في المسجد وخاف أن يرجع إلى بيته أن يشتغل عن السنة صلاها في المسجد، والأخير صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة، وفي " شرح الآثار للطحاوي " يأتي بالركعتين بعد الظهر وركعتين عند المغرب في المسجد وما سواهما لا ينبغي أن يصلي في المسجد وهو قول البعض، والبعض يقول التطوع في المسجد حسن وفي البيت أحسن، وذكر الحلواني: أن من فرغ من الظهر والمغرب والعشاء وإن شاء صلى السنة في المسجد وإن شاء في بيته. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإذا فاتته ركعتا الفجر لا يقضيهما قبل طلوع الشمس؛ لأنه يبقى نفلا مطلقا وهو مكروه وبعد صلاة الفجر) ش: أي التنفل مكروه بعد أن يصلي فرض الفجر لما مر بيانه. وقال النووي في " شرح المهذب " في قضاء السنة الراتبة قولان أحدهما وهو القديم لا يقضي كالكسوف والاستسقاء وتحية المسجد، والثاني وهو الجديد يقضي أبدا، وفي قول حكاه الخراسانيون إن فاتت في النهار يقضي ما لم تغرب الشمس، وإن فاتت في الليل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 قال: ولا بعد ارتفاعها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أحب إلي أن يقضيهما إلى وقت الزوال؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قضاهما بعد ارتفاع الشمس غداة ليلة التعريس،   [البناية] يقضي ما لم يطلع الفجر. قال: والصحيح استحسان قضاء الجميع أبدا. وفي " المغني " قال ابن حامد يقضي ركعتا الفجر وغيرهما من السنن في الأوقات كلها ما خلا أوقات النهي وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وعنه أنه قال ركعتا الفجر تقضى إلى وقت الضحى. قال ابن قدامة: والأول أصح. م: (قال) ش: أي المصنف م: (ولا بعد ارتفاعها) ش: أي ولا يقضي أيضا بعد ارتفاع الشمس م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد أحب إلي أن يقضيهما إلى وقت الزوال) ش: قال الحلواني والفضلي ومن تابعهما لا خلاف بينهم، فإن محمدا يقول: أحب إلي أن يقضي وإن لم يفعل فلا شيء عليه، وهما يقولان ليس عليه أن يقضي، وإن فعل فلا بأس به. ومن المشايخ من حقق الخلاف، وقال الخلاف في أنه لو قضى يكون نفلا مبتدأ أو سنة كذا في " المحيط " م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قضاهما بعد ارتفاع الشمس غداة ليلة التعريس) ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة أبو قتادة وذو مخمر وعمران بن حصين وجبير بن مطعم وبلال وأنس وابن مسعود وعمرو بن أمية الضمري وابن عباس ومالك بن ربيعة السلولي وأبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فحديث أبي قتادة عند مسلم، وحديث ذي مخمر الحبشي عند أبي داود في " سننه "، وحديث عمران بن حصين عند أبي داود أيضا والحاكم وابن خزيمة، وحديث جبير بن مطعم عند النسائي، وحديث بلال عند الطبراني في " معجمه " والبزار في " مسنده "، وحديث أنس عند البزار أيضا وحديث ابن مسعود عند البيهقي في كتاب " الأسماء والصفات " وحديث عمرو بن أمية وحديث ابن عباس عند البزار، وحديث مالك بن ربيعة عند النسائي، وحديث أبي هريرة عند مسلم عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: «عرسنا مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس فقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " ليأخذ كل إنسان برأس راحلته، فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان "، قال: ففعلنا، ثم دعا بالماء فتوضأ ثم صلى سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 ولهما أن الأصل في السنة أن لا تقضى لاختصاص القضاء بالواجب، والحديث ورد في قضائهما تبعا للفرض فبقي ما رواه على الأصل، وإنما تقضى تبعا له، وهو يصلي بالجماعة أو وحده إلى وقت الزوال، وفيما بعده اختلاف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وأما سائر السنن سواها فلا تقضى بعد الوقت وحدها، واختلف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في قضائها تبعا للفرض،   [البناية] والتعريس في آخر الليل» ، وليلة التعريس كانت حين قفل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من غزوة خيبر. قوله ثم صلى سجدتين أي ركعتي الفجر. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أن الأصل في السنة أن لا تقضى لاختصاص القضاء بالواجب) ش: لأن القضاء تسليم مثل الواجب بالأمر م: (والحديث ورد في قضائهما تبعا للفرض) ش: ش: هذا جواب عن حديث ليلة التعريس تقديره أنه لما ورد بقضائها تبعا قلنا بقضائها م: (فبقي ما رواه على الأصل) ش: وهو عدم وجوب الزوال بالاتفاق م: (وإنما تقضى) ش: أي السنة م: (تبعا له) ش: أي للفرض م: (وهو يصلي بالجماعة) ش: أي والحال أنه يصلي بالجماعة م: (أو وحده) ش: أي أو يصلي وحده م: (إلى وقت الزوال) ش: أراد انتهاء وقت القضاء مع الجماعة أو كان منفردا إلى وقت زوال الشمس، توضيحه أن سنة الفجر تقضى تبعا للفرض سواء كان قضى الفرض بالجماعة أو قضاه وحده. وقال الأكمل هاهنا وكلامه واضح، قلت من أين يجيء الوضوح إن لم يشرح كلام المصنف كما هو المقصود؟ م: (وفيما بعده) ش: أي وفيما بعد الزوال م: (اختلاف المشايخ) ش: أي مشايخ ما وراء النهر، فاختلفوا في أنه هل تقضى سنة الفجر تبعا للفرض، فقال بعضهم تقضى تبعا وبه قال الشافعي في قول، وقال بعضهم لا تقضى إلا تبعا ولا مقصودة. وفي " المحيط " لا تقضى السنة بعد الزوال وإن تذكر مع الفرض من غير ذكر خلاف، وفي " جامع بدر الدين الورسكي " لا يقضى بعد الزوال، لأن السنة جاءت بالقضاء في وقت مجمل فلا يقاس عليه آخر. م: (وأما سائر السنن سواها) ش: أي سوى سنة الفجر، وفي بعض النسخ سواهما بضمير التثنية أي سوى ركعتي الفجر م: (فلا تقضى بعد الوقت وحدها) ش: أي إذا كانت بدون الفرضية. م: (واختلف المشايخ في قضائها) ش: أي في قضاء السنن م: (تبعا للفرض) ش: فقال بعضهم يقضيها تبعا لأنه كم من شيء يثبت ضمنا ولا يثبت قصدا. وقال بعضهم لا يقضيها تبعا كما لا يقضيها مقصودة وهو الأصح، لاختصاص القضاء بالواجب. وفي " مختصر البحر " ما سوى ركعتي الفجر من السنن إذا فاتت وحدها لا يقضى عندنا وإذا فاتت مع الفرض يقضي عند العراقيين كالأذان والإقامة، وعند الخراسانيين لا يقضي، ثم قيل لا بأس بترك سنة الفجر والظهر إذا صلى وحده لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يأت بها إلا إذا صلى بالجماعة وبدونها لا يكون سنة، وقيل لا يجوز تركها بكل حال، لأن السنة المذكورة كالواجبة، وللشافعي قولان في قول لا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 ومن أدرك من الظهر ركعة ولم يدرك الثلاث فإنه لم يصل الظهر بجماعة، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قد أدرك فضل الجماعة؛ لأن من أدرك آخر الشيء فقد أدركه فصار محرزا ثواب الجماعة لكنه لم يصلها بالجماعة حقيقة، ولهذا يحنث به في يمينه لا يدرك الجماعة ولا يحنث في يمينه لا يصلي الظهر بالجماعة.   [البناية] يقضي وبه قال مالك وأحمد في رواية، وفي قول يقضي كالفرائض هو اختيار المزني ورواية عن أحمد. م: (ومن أدرك من الظهر ركعة) ش: أي من أدرك من صلاة الظهر التي يصليها الإمام ركعة واحدة م: (ولم يدرك الثلاث) ش: أي ثلاث ركعات م: (فإنه) ش: أي فإن هذا المدرك م: (لم يصل الظهر في جماعة) ش: ذكر هذه المسألة لبيان الحكم في مسألة أخرى ذكرها في " الجامع الكبير " رجل قال: إن صليت الظهر مع الإمام فعبدي حر، فأدرك ركعة مع الإمام فقط لا يحنث، لأن شرط حنثه أن يكون صلى الظهر مع الإمام وقد صلى ثلاثا من الظهر منفردا، لأن المسبوق فيما يقضي منفرد فلم يوجد شرط الحنث وهذا لأن المسمى يعتبر معدوما بفوات الحر وفي مقام الإثبات، وعلى هذا لو أدرك ثلاثا مع الإمام وفاتته الواحدة لم يحنث أيضا لفوات بعض المسمى وهو الصحيح، ولو قال عبده حر إن أدرك الظهر مع الإمام يحنث بإدراك الواحدة معه وبإدراك القعدة أيضا، لأن إدراك الشيء هو الوصول إلى آخر جزء منه يتحقق بإدراك القعدة فضلا عن الركعة إدراك الظهر بالجماعة يؤيده قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من أدرك ركعة من الفجر فقد أدرك الفجر» . م: (وقال محمد: ومن أدرك فضل الجماعة) ش: إنما خص قول محمد بإدراك فضل الجماعة وإن كان يدرك ثواب الجماعة، عند صاحبيه أيضا لأن الشبهة وردت على قول أن مدرك الإمام في التشهد في صلاة الجمعة لا يكون مدركا للجماعة فيتمها أربعا فكان مقتضى قوله أن لا يدرك فضيلة الجماعة في هذه المسألة لأنه مدرك للأقل كما في الجمعة فأزال ذلك الوهم بقوله قال محمد قد أدرك فضل الجماعة، وأصل هذه المسألة مسألة " الجامع الكبير " وقد ذكرناها آنفا. وقال السغناقي: فإن قلت: الاختلاف إنما يكون عند اتحاد الموضوع ثم ذكر هنا قولهما في صلاة الظهر أي في جماعة، وقول محمد في إدراك فضل الجماعة وهما متغايران في الوضع فلا يتحقق الاختلاف بذلك، وحاصل الجواب أن تخصيص ذكر محمد لا لبيان الاختلاف فيما بينهم فإنهم اتفقوا في الموضعين وهو أنه لم يصل الظهر في جماعة وأنه أدرك فضل الجماعة، وإنما خص قول محمد بشبهة ترد على قوله وقد ذكرناه تحرزا. م (لأن من أدرك آخر الشيء فقد أدركه فصار محرزا ثواب الجماعةِ، لكنه لم يصلها بالجماعة حقيقة) ش: عدم صلاته بالجماعة ظاهر لكنه يحصل له ثواب الجماعة م: (ولهذا) ش: يعد مع على ذلك بالاتفاق م: (يحنث به في يمينه لا يدرك الجماعة ولا يحنث في يمينه لا يدرك الظهر بالجماعة) ش: الضمير في به يرجع إلى إدراك الذي يدل عليه قوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 ومن أتى مسجدا قد صلى فيه فلا بأس بأن يتطوع قبل المكتوبة ما بدا له ما دام في الوقت، ومراده إذا كان في الوقت سعة، وإن كان فيه ضيق تركه، وقيل: هذا في غير سنة الظهر والفجر؛ لأن لهما زيادة مزية، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: في سنة الفجر «صلوهما ولو طردتكم الخيل» ،   [البناية] أدرك، وهما صورتان قد بيناهما عن قريب، ومذهب الشافعي في الظاهر كمذهبنا أنه إذا أدرك الإمام في التشهد ينال فضل الجماعة، وعند بعض أصحابه لا ينال إذا أدركه فيما دون الركعة. م: (ومن أتى مسجدا قد صلي فيه) ش: أي صلى أهله فيه بالجماعة وكان الرجل فاتته الجماعة م: (فلا بأس بأن يتطوع قبل المكتوبة ما بدا له) ش: أي ما ظهر يعني ما أراد من التطوع م: (ما دام في الوقت) ش: أي في وقت هذه الصلاة م: (ومراده) ش: أي مراد محمد بن الحسن بقوله في " الجامع الصغير " لا بأس بأن يتطوع قبل المكتوبة م: (إذا كان في الوقت سعة) ش: بفتح السين والعين يعني اتساع م " (وإن كان فيه) ش: أي في الوقت م: (ضيق تركه) ش: أي ترك التطوع، وروي عن الثوري والحسن البصري أنه لا يتطوع قبل المكتوبة لما أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ما اشتغل به إذا صلى بالجماعة. م: (قيل: هذا في غير سنة الظهر والفجر) ش: أشار بهذا إلى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا بأس. قال بعض المشايخ قول محمد لا بأس بأن يتطوع التطوع قبل العصر والعشاء دون التطوع قبل الفجر والظهر م: (لأن لهما) ش: أي لسنة الظهر ولسنة الفجر م: (زيادة مزية) أي زيادة خصوصية بالفضل، وزيادة الأجر وبين ذلك بقوله م: (قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في سنة الفجر «صلوهما وإن طردتكم الخيل» ش: أخرج هذا الحديث أبو داود في " سننه " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: «لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل» . وأخرج مسلم عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشد معاهدة منه على الركعتين قبل الفجر» . وأخرج الطبراني عنها: «لم أره ترك الركعتين قبل صلاة الفجر في سفر ولا حضر ولا صحة ولا سقم» . وأخرج أبو يعلى الموصلي في " مسنده " عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: «لا تتركوا ركعتي الفجر فإن فيهما الرغائب " والمراد من الخيل حبس العدو» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 وقال في الأخرى: «من ترك الأربع قبل الظهر لم تنله شفاعتي» . وقيل: هذا في الجميع؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - واظب عليها عند أداء المكتوبات بالجماعة، ولا سنة دون المواظبة،   [البناية] م: (وقال في الأخرى) ش: أي قال النبي في سنة الظهر م «من ترك الأربع قبل الظهر لم تنله شفاعتي» ش: هذا ليس له أصل، والعجب من الشراح ذكروا هذا ولم يتعرضوا إلى بيان حاله وسكتوا عنه. وقال الأكمل: وهذا وعيد عظيم، ودلالته على وكادة الأربع أقوى من الأول قلت: نعم يكون أقوى من الأول، إذا صح عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والذي لم يثبت كيف يكون أقوى من الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، وروى أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أم حبيبة زوجة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرم على النار» ، وروى أبو داود أيضا عن أبي أيوب عن النبي عيه السلام قالِ: «أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء» . م: (وقيل هذا) ش: أي قول محمد لا بأس بأن يتطوع وهذا القول اختيار أبي الليث في " جامعه " م: (في الجميع) ش: أي عام في جميع السنن، وللمصلي الخيار بين أن يتطوع وبين أن لا يتطوع لأن السنة لا تثبت إلا بمواظبة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على السنن قبل المكتوبة عند أداء المكتوبات بالجماعة، وأشار إلى هذا بقوله: م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - واظب عليها) ش: أي على السنن م: (عند أداء المكتوبات بالجماعة) ش: وهاهنا في مسألتنا الجماعة متبقية لأن التقدير فيمن أتى مسجدا قد صلي فيه فلا يكون في حقه إتيان السنة سنة، فبقي نفلا مطلقا فيكون في خيرة من إتيانه وتركه، وأشار إلى هذا بقوله م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - واظب عليها) ش: أي على السنن م: (لا سنة دون المواظبة) ش: هذا معروف من الأحاديث، ولم يرو أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ترك شيئا من الرواية المذكورة في النوافل إلا الركعتين بعد الظهر وقضاهما بعد العصر وركعتي الفجر وقضاهما مع الفرض بعد طلوع الشمس. وقال قاضي خان: إن محمدا لم يذكر السنن في الكتاب، وإنما ذكر التطوع والإنسان إذا صلى وحده إن شاء أتى بالسنن وإن شاء تكرها، وهو قول أبي الحسن الكرخي، والأول أصح، والأخذ به أحوط فلا يتركها في الأحوال كلها إذ السنة بعد المكتوبة شرعت لجبر نقصان يمكن في الفرض وقبلها يقطع طمع الشيطان عن المصلي لأنه يقول: إذا لم يطعني في ترك ما لم يكتب عليه فكيف يطيعني في ترك ما كتب عليه والمنفرد إلى ذلك أحوج، إلا إذا خاف فوت الوقت، لأن أداء الفرض في وقته واجب. وفي " الحواشي " لو لم يرد جواز ترك الجميع لا يتبقى لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى فيه فائدة، لأن الاختيار بين الترك والإثبات كسنة العصر والعشاء ثابت سواء صلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 والأولى أن لا يتركها في الأحوال كلها أي لكونها مكملات للفرائض إلا إذا خاف فوت الوقت، ومن انتهى إلى الإمام في ركوعه فكبر ووقف حتى رفع الإمام رأسه لا يصير مدركا لتلك الركعة خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو يقول: أدرك الإمام فيما له حكم القيام، ولنا أن الشرط هو المشاركة في أفعال الصلاة ولم يوجد لا في القيام ولا في الركوع   [البناية] بالجماعة أو منفردا. وأما إذا أريد بهذا في الجميع جاز ترك سنة الفجر والظهر حالة الانفراد ولم يثبت اختيار الترك عند أدائها بالجماعة فحينئذ تظهر فائدة قوله قد صلى فيه. م: (والأولى أن لا يتركها في الأحوال كلها) ش: هذا اختيار المصنف أي الأولى أن لا يترك السنن الرواتب كلها في جميع الأحوال كلها، سواء كان مؤديا بالجماعة أو منفردا أو مقيما أو مسافرا م: (أي لكونها مكملات للفرائض) ش: أي لكون السنن الراتبة مكملات لما نقص من الفرائض وجبر النقصان يقع فيها، خصوصا في حق المنفرد، لأنه أحوج إليها لافتقاره إلى تكميل الثواب م: (إلا) ش: استثناء من قوله والأولى يعني الأولى أن يتركها م " (إذا خاف فوت الوقت) ش: فإنه إذا اشتغل بالسنة يفوته الوقت لضيقه. م: (ومن انتهى إلى الإمام في ركوعه) ش: أي وصل إليه حال كون الإمام راكعا م: (فكبر) ش: للافتتاح م: (ووقف) ش: ولم يركع سواء تمكن من الركوع أو لا م: (حتى رفع الإمام رأسه لا يصير مدركا لتلك الركعة) ش: قيد بالركوع لأنه إذا انتهى إليه وهو قائم يكبر ولم يركع معه حتى رفع الإمام رأسه من الركوع ثم ركع أنه يدرك الركعة بالإجماع. وإذا انتهى إلى القومة بعد الركوع لا يكون مدركا لتلك الركعة بالإجماع، وبما قلنا قال الشافعي. م: (خلافا لزفر) ش: فإنه يقول يصير مدركا لتلك الركعة، وبه قال الثوري وابن أبي ليلي وعبد الله بن المبارك م: (وهو) ش: أي زفر م: (يقول أدرك الإمام فيما له حكم القيام) وهو الركوع، وهذا لأن الركوع يشبه القيام لوجود استواء النصف الأسفل الذي به يمتاز القائم من القاعد، لأن استواء النصف الأعلى موجود في القاعد أيضا، ولهذا لو شاركه في الركوع صار مدركا. م: (ولنا أن الشرط هو المشاركة في أفعال الصلاة) ش: لأن الاقتداء شركة، ولا شركة في الإحرام، وإنما الشركة في الفعل م: (ولم يوجد لا في القيام) ش: لأنه ليس من جنس الركوع م: (ولا في الركوع) ش: لأنه ليس من جنس القيام فلا يصير مدركا لتلك الركعة. فإن قلت: جاء في الحديث «من أدرك الإمام في الركوع فقد أدركه» ولهذا يأتي بتكبيرات العيد في الركوع، مع أنه يؤتى بها في حقيقة القيام. قلت: روى أبو داود أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة» . وظاهره أنه إذا أتى بالركوع وهذا لم يأت به. وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: إذا أدركت الإمام راكعا فركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت الركعة، وإن رفع قبل أن تركع فقد فاتتك تلك الركعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 ولو ركع المقتدي قبل إمامه فأدركه الإمام فيه جاز، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجزئه لأن ما أتى به قبل الإمام غير معتد به فكذا ما يبنيه عليه، ولنا أن الشرط هو المشاركة في جزء واحد كما في الطرف الأول. والله أعلم.   [البناية] والجواب عن الحديث على تقدير صحته أن معناه أنه أدرك في تلك الصلاة لا في تلك الركعة، وفي المتشهد به وحديث المشاركة في القيام فافترقا، وفي " الخلاصة " أدرك الإمام في الركوع فقال الله أكبر، إلا أن قوله الله أكبر كان في قيامه، وأكبر وقع في ركوعه لا يكون شارعا في الصلاة. وقال المحبوبي دخل المسجد والإمام راكع فقال بعض مشايخنا ومالك ينبغي أن يكبر ويركع ثم يمشي حتى يلتحق بالصف لئلا يفوته الركوع، كما فعله أبو بكرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «زادك الله حرصا ولا تعد» . وقال شمس الأئمة وأكثر مشايخنا على أنه لا يكبر لكيلا يكون محتاجا إلى المشي في الصلاة، وبه قال الشافعي. وقال أحمد: إن علم بالنهي ومشى بطلت صلاته، وعندنا لو مشى ثلاث خطوات متواليات تبطل، فمن اختار القول الأول قال: يعني قوله " لا تعد " لا تؤخر المجيء إلى هذه الحالة، ومن اختار القول الثاني، قال معناه لا تعد إلى مثل هذا الصنع، وهو التكبير قبل الاتصال بالصف والمشي في الركوع، وإنما لم يأمره بالإعادة لأن ذلك كان في وقت كان العمل في الصلاة مباحا. وفي " جامع التمرتاشي " ذكر الخلابي في صلاته، أدرك الإمام في الركوع قائما ثم ركع، أو شرع في الانحطاط وشرع الإمام في الرفع اعتد بها، وقيل: لو شاركه في الرفع قيل إن كان ِإلى القيام أقرب لا يعتد، والأصح أنه يعتد إذا وجدت المشاركة قبل أن يستقيم قائما وإن قل. وعن أبي يوسف قام شرعا فلم يتم القيام حتى كبر لم يجزه، وفي " النوازل " إن كان إلى القيام أقرب جاز، وإن كان إلى الركوع أقرب لا يجوز [وإن] أدرك الإمام في الركوع وهو يعلم أنه لو اشتغل بالثناء لا يفوته الركوع يثني، وإن علم أنه يفوته قال بعضهم: يثني لأن الركوع يفوت إلى خلف وهو القضاء، وإن شاء يفوته أصلا. وقال بعضهم: لا يثني وإذا أدرك الإمام في غير الركوع يكبر للافتتاح ويثني ثم يتابع الإمام في أي حالة كان. م: (ولو ركع المقتدي قبل الإمام فأدركه الإمام فيه أي في الركوع جاز) ش: وبه قال الثلاثة م: (وقال زفر: لا يجزئه) ش: أي الصلاة إن لم يعد للركوع م: (لأن ما أتى به قبل الإمام غير معتد به) ش: لكونه سريعا عنه، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه» م: (فكذا ما يبنيه عليه) ش: لأن البناء على الفاسد فاسد. م: (ولنا أن الشرط هو المشاركة في جزء واحد) ش: وقد وجد فجعل مبتدئا لا بانيا عليه م: (كما في الطرف الأول والله أعلم) ش: يعني صار كما في الطرف الأول، وهو أنه يركع معه ويرفع رأسه قبل الإمام، وهذا لأن الركوع طرفين والشركة في أحديهما كافية، بخلاف ما لو رفع رأسه من هذا الركوع قبل ركوع الإمام، لأنه لم يوجد للمشاركة في شيء من الطرفين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فروع: لو أطال الإمام السجود فرفع المقتدي رأسه يظن أنه سجد ثانيا فسجد معه إن نوى الأول أو لم يكن له نية يكون عن الأول، وكذا إن نوى الثانية والمتابعة لرجحان المتابعة وتلغى نية الثانية للمخالفة وإن نوى الثانية لا غير كانت عن الثانية، فإن شاركه الإمام فيها جاز، وفيه خلاف زفر، وروي عن أبي حنيفة أنه لو سجد المقتدي قبل رفع الإمام رأسه من الركوع ثم أدرك الإمام فيها لا يجزئه، وعن أبي يوسف أنه يجزئه، وإن أطال المؤتم سجوده فسجد الإمام الثانية فرفع رأسه وظن أن الإمام في السجدة الأولى سجد ثانيا يكون عن الثانية، وإن نوى الأولى لا غير. وفي " الذخيرة " للقرافي إن رفع المأموم، قبل أن يطمئن الإمام راكعا أو ساجدا فسدت صلاته، ويرجع ولا ينتظر رفع الإمام وعنه وعن أشهب لا يرجع؛ لأن الركوع أو السجود قد تم، فتكراره زيادة في الصلاة. وقال سحنون يرجع وبقي بعد الإمام بقدر ما يقوم الإمام، في " شرح المهذب " للنووي إن تقدم الإمام بركوع أو سجود، ولحقه الإمام قبل أن يرفع رأسه لا تبطل صلاته عمدا كان أو سهوا، وفي وجه شاذ ضعيف تبطل إن تعمده، وهل يعود فيه ثلاثة أوجه الصحيح استحباب عوده لقول أصحابنا، ثم يركع معه الثاني لزومه، للثالث حرمة العود، فإن تعمده بطلت صلاته وإن سبق بركعتين بطلت صلاته إن تعمد عالما بتحريمه، وإن كان جاهلا أو ساهيا لم تبطل، لكن لا يعتد بتلك الركعة فيأتي بها بعد سلام الإمام، وإن رفع والإمام بعد في القيام فتوقف حتى ركع الإمام ثم رفع من الركوع فاجتمعا في الاعتداد ففيه وجهان، أحدهما تبطل صلاته، والثاني أن التقدم بركن لا تبطل [ .... ] ، وهو الصحيح المنصوص. والحاصل أن المخلف بركن واحد لا تبطل على الصحيح، وفيه وجه للخراسانيين أنه تبطل، وإن تخلف بركنين بطلت، يكره عندنا تكرار الجماعة في مسجد واحد، كذا في " الذخيرة " و " الوبري " وغيرهما وبه قال مسلم وأبو قلابة وابن عوف وعثمان البتي والأوزاعي والثوري وأيوب والليث ومالك والشافعي. وقال النووي: إذا لم يكن إمام راتب للمسجد فلا كراهة للجماعة الثانية والثالثة بالإجماع، وأما إذا لم يكن راتب وليس المسجد مطروقا فمذهبنا كراهة الجماعة الثانية بغير إذنه ويصلون فيه أفرادا خلافا لأحمد وهو قول ابن مسعود وعطاء والحسن والنخعي والظاهرية، واختاره ابن المنذر. وفي " المبسوط " وغيره جعل مذهب الشافعي مثل قول أحمد، وفي " الذخيرة " عن أبي يوسف أنه يكره ذلك إذا كان القوم كثيرا أما إذا صلى واحدا باثنين بعدما صلى فيه أهله فلا بأس به، وعن محمد أنه لم ير بأسا بالتكرار إذا صلوا في رواية في المسجد على سبيل الخفية لا التداعي والاجتماع، وقال القدوري في كتابه: إذا كان المسجد على قارعة الطريق يوم وليس له إمام معين فلا بأس بتكرار الجماعة فيه، ولو صلى فيه غير أهله جماعة فلأهله الإعادة إذا لم يؤدوا حقه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن صلى فيه بعض أهله فليس لبقية أهله أو لغيرهم أن يصلوا جماعة، وفي " المبسوط " صلى فيه أهله أو أكثرهم، قال أبو يوسف: لا بأس بأن يصلوا جماعة في غير الموضع الذي صلى فيه الجماعة بغير أذان وإقامة، ذكره عن الوبري وغيره وإن فاتته الجماعة في مسجد، ويمكن أن يدركها في مسجد آخر إن شاء صلى في مسجده وحده، وإن شاء ذهب إلى غيره فصلى بجماعة فراعى حق المسجد وفضل الجماعة، وقيل: يذهب فيصلي بالجماعة لزيادة فضلها. وقال الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان أصحابه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا فاتتهم الصلاة بالجماعة صلوا فرادى في المسجد، وقال مالك لو صلى إمام المسجد وحده صلوا فرادى بعده، ولو غاب الإمام وصلوا بغيره إن كان بإذنه لا تعاد وإلا أعيدت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 باب قضاء الفوائت ومن فاتته صلاة قضاها إذا ذكرها   [البناية] [باب قضاء الفوائت] [كيفية قضاء الفوائت] م: (باب قضاء الفوائت) ش: أي هذا باب في بيان حكم قضاء الصلوات الفوائت وهو جمع فائتة من فات يفوت، والقضاء أصله قضاي، لأنه من قضيت وقعت الياء بعد ألف زائدة فقلبت همزة كما عرف في التصريف. وهو مستعمل على وجه بمعنى الحكم، ومنه: {وَقَضَى رَبُّكَ} [الإسراء: 23] (الإسراء: الآية 23) ، وفرغ ومنه قضى حاجته والقتل، ومنه ضربه: {فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: 15] (القصص: الآية 19) ، واسم قاض أي قاتل والموت، ومنه قضى نحبه، أي مات، والإنهاء ومنه {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ} [الحجر: 66] والمعنى، ومنه {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ} [يونس: 71] ، والصنع والتقدير ومنه: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12] (فصلت: الآية 12) ومنه القضاء والقدر والصلح، ومنه في حديث الحديبية قاضاهم على أن يؤدوا، أي صالحهم، والطلب ومنه اقتضى دينه وتقاضاه، والأداء ومنه: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10] (الجمعة: الآية 10) . وأما معناه الشرعي فالقضاء إسقاط الواجب بمثل من عند المأمور وهو حقه، والأداء تسليم عين الواجب بسببه إلى مستحقه، هذا اختيار شمس الأئمة السرخسي، وعبارة فخر الإسلام البزدوي اسم لتسليم نفس الواجب بالأمر، والقضاء اسم لتسلم مثل الواجب به، ثم القضاء يجب بالسبب الذي يجب به الأداء، ولهذا يجهر الإمام بالقراءة إذا قضاها في الإقامة، ويصلي صلاة الإقامة أربعا إذا قضاها في السفر، وقيل: يجب بسبب جديد، وقد عرف في موضع، ولما كان المأمور به على نوعين أداء وقضاء، وقد فرغ من الأداء وشرع في القضاء كذا قاله الشراح. قلت: معنى صلاة الجمعة والعيدين وصلاة الجنازة، وأما المناسبة بين البابين فمن حيث وجود معنى الإدراك فيهما. م: (ومن فاتته صلاة) ش: فيه رعاية الأدب حيث لم يقل: من تركها؛ لأن ترك الصلاة لا يليق بحال لمسلم [ ... ] تحسينا للظن به، وحملا لأمره على الصلاح لذلك في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من نام عن صلاة أو نسيها» فإن الحكم غير مقتصر على النوم والنسيان، لأنه إذا ترك فسقا أو مجانة يجب القضاء أيضا بالإجماع، لكن أخرجه صاحب الشرع مخرج العبارة والظن بالخير م: (قضاها إذا ذكرها) ش: سواء كان فوتها ناسيا أو بغير عذر النسيان أو عامدا وبه قال مالك والشافعي، وقال أحمد وابن حبيب: لا يقضي المتعمد في الترك، لأن تاركها مرتد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 وقدمها على فرض الوقت، والأصل فيه أن الترتيب بين الفوائت وبين فرض الوقت عندنا مستحق، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مستحب. لأن كل فرض أصل بنفسه فلا يكون شرطًا لغيره،   [البناية] ولنا ما رواه مسلم عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها» فإن الله عز وجل يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] ، قوله: لذكري أي لذكر صلاتي من مجاز الحذف أو من مجاز الملازمة، لأنه إذا قام إليها فقد ذكر الله فيها، وإنما خصص الشارع النائم والغافل بالذكر لذهاب الإثم في حقهما الذي هو من لوازم الوجوب فتوهم انتفاء القضاء لانتفاء الوجوب، فأمر الشارع بالقضاء من باب التبيين بالأدنى على الإعلام الذي هو المعتمد. م: (وقدمها على فرض الوقت) ش: أي قدم الفائتة على الوقتية لوجوب الترتيب على ما يأتي الآن م: (والأصل فيه) ش: في هذا الباب م: (أن الترتيب بين الفوائت وبين فرض الوقت مستحق) ش: أي واجب م: (عندنا) ش: وبه قال النخعي والزهري وربيعة ويحيى الأنصاري والليث ومالك وأحمد وإسحاق، وعن ابن عمر ما يدل عليه م: (وعند الشافعي مستحب) ش: أي الترتيب مستحب غير واجب، وهو قول طاوس وأبي ثور ومذهب ابن القاسم وسحنون أن الترتيب غير واجب ولا شرط. وفي " الذخيرة " وظاهر " المدونة " الوجوب والشرطية لقضائه تعاد الحاضرة. ومذهب الظاهرية عدم وجوب الترتيب واعتبروه مضافا، ومذهب مالك أن الترتيب واجب كما قلنا ولكنه لا يسقط بالنسيان ولا بضيق الوقت ولا يكره الفوائت، كذا في " شرح الإرشاد "، وفي " شرح المجمع " والصحيح المعتمد عليه من مذهب مالك سقوط الترتيب بالنسيان كما نطقت به كتب مذهبه، وعند أحمد لو تذكر الفائتة في الوقتية يتمها ثم يصلي الفائتة ثم يعيد الوقتية، وذكر بعض أصحابه، أنها تكون نافلة وهذا يفيد وجوب الترتيب، ولو اجتمعت الفوائت وجب عليه الترتيب مع الذكر، ولا فرق بين قليلها وكثيرها إلا أن يضيق الوقت فعنه روايتان كذا في " الحلية ". م: (لأن كل فرض أصل بنفسه فلا يكون شرطا لغيره) ش: فإذا كان الترتيب فرضا يلزم أن يكون إذا الفائت شرطا لصحة الوقتية فلا يجوز لأن شرط الشيء تبع لذلك الشيء وكل صلاة أصل بنفسها وبين كون الشيء أصلا وتبعا ينافي ذلك كالصيامات المتروكة والمدلولات وسائر العبادات، فإن صوم اليوم الأول لا يتوقف على صحة اليوم الثاني فإن قلت: يرد على ما ذكرته الإيمان؛ فإنه أصل جميع العبادات، وهو شرط لصحتها، والصوم فرض مستقل، وهو شرط الاعتكاف الواجب بالاتفاق. قلت: الأصل هذا وهو أن الشيء إذا كان مقصودا بنفسه لا يكون شرطا لغيره، ولكن إذا قام دليل على أنه شرط لغيره يصح أن يكون شرطا لغيره مع بقائه مقصودا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من نام عن صلاة أو نسيها فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل التي هو فيها ثم ليصل التي ذكرها ثم ليعد التي صلى مع الإمام» .   [البناية] في نفسه، وما ذكره من المنافاة لا يلزم عند اختلاف الجهة فالله تعالى جعل الإيمان شرطا لصحة سائر العبادات في قوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء: 94] (الأنبياء: الآية 94) ، وكذلك نفي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صحة الاعتكاف بدون الصوم في قوله: «لا اعتكاف إلا بصوم» ، فصار كل واحد منهما شرطا لغيره، وهذين النصين مقام الدليل وأما ما لم يقم الدليل على تعيينه فهو على حقيقته أن لا يصير شرطا لغيره وفي " الجنازية " و " الكافي " سائر العبادات فرع الإيمان والفرع لا يوجد بدون الأصل، فيكون الأفعال على نوعين: افتقار المشروط إلى الشرط، وافتقار الفرع إلى الأصل، وفيما نحن فيه لا يجوز الافتقار بنوعيه فلا يكون شرطا لغيره ولا فرعا له، لأن كل واحد له أصل بنفسه. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من نام عن صلاة أو نسيها فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل التي هو فيها ثم ليصل التي ذكرها ثم ليصل التي صلاها مع الإمام» ش: هذا الحديث أخرجه الدارقطني ثم البيهقي في " سننيهما " عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليتم صلاته، فإذا فرغ من صلاته فليعد التي نسي ثم ليعد التي صلاها مع الإمام» ، وقال الدارقطني: الصحيح أنه من قول ابن عمر كذا رواه مالك عن ابن عمر من قوله، وقال عبد الحق: وقد وقفه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ووقفه يحيى بن معين. قلت: وأخرجه أيضا أبو حفص بن شاهين مرفوعا. فإن قلت: روى الدارقطني عن ابن عباس، أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا نسي أحدكم صلاة فذكرها، وهو في صلاة مكتوبة فليبدأ بالتي هو فيها، فإذا فرغ صلى التي نسيها» . قلت: هو مقطوع ضعيف يرويه بقية بن الوليد عن عمر بن أبي عمر عن مكحول عن ابن عباس، ودلالة حديث الكتاب على وجوب الترتيب ظاهرة حيث أمر بإعادة ما هو فيها عند التذكير. وقال الأكمل: وفيه من أوجه. قلت: ذكر أربعة أوجه أخذه من كلام السغناقي وغيره ولم يعب التلخيص [ ..... ] الأول أنه متروك للظاهر لأنه يدل على وجوب القضاء على النائم والناسي لا غير. والوجوب ثابت على من فوت الصلاة عمدا أيضا بالإجماع، ومتروك الظاهر لا يكون حجة خصوصا في إفادة الفريضة. وأجيب بأنه يدل على ذلك بدلالته لأنه لما وجب على المعذور فعلى غيره أولى. فقال الأكمل: يروه أن هذا إنما يستقيم إن لو كان قضاء الفائتة عقوبة، وليس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] كذلك بل هو رحمة ولا يلزم من استحقاق المعذور ذلك استحقاق غيره العاصي وفيه نظر، لأن المفوت عاص والعاصي مستحق العقوبة وإن كان رحمة الله نعمة وعبرة. والثاني: أن هذا خبر واحد وهو لا يوجب العلم فكيف يثبت به الفرض. وأجاب الأترازي عن هذا بقوله. قلت: لما ورد بيانا لمجمل الكتاب فالتحق به فصار كأن فرض الترتيب يثبت بالكتاب وفيه نظر، لأن دعوى الإجمال غير مسلمة. وقال الأكمل في هذا الوجه: إن هذا خبر واحد لا يعارض المشهور فإن الجواز يثبت به كما زالت الشمس مثلا. فلو كان الترتيب فرضا بما رويتم بطل بما تثبت بالمشهور ثم أجاب عنه بقوله: بأنا ما أبطلنا به العمل بالمشهور، بل أخرناه عملا بالحديث الآخر احتياطا، أو كان ذلك أهون من إعمال العمل بخبر الواحد أصلا على أنهم قالوا: إنه ليس خبر واحد بل هو مشهور تلقته الأمة بالقبول، فإنهم اجتمعوا على وجوب القضاء الثابت به. قلت: هذان جوابان. الأول: مذكور في " مبسوط شيخ الإسلام ". والثاني: وهو قوله عليه أنهم قالوا إلخ جواب في التعيين، وقد قال في الجواب الأول: هذا استدلال ذهب إليه العراقيون من مشايخنا، وهو فاسد؛ لأن فيه معارضة الخبر الواحد الكتاب، فإن للكتاب يقتضي الجواز، والخبر يقتضي عدمه والصحيح أن يقال: إن هذا حديث مشهور وهو موجب للعمل الاستدلالي المضاهي للعلم الضروري، ولهذا يضلل جاحده، فجاز أن يعارض الكتاب. قلت: قول الأكمل فإنهم أجمعوا على وجوب القضاء الثابت به فيه نظر؛ لأن إجماعهم على وجوب القضاء به لا يستلزم وجوب الترتيب، وذكروا هنا ثلاثة أجوبة أخرى كلها لا تخلو عن التأويل الأول: قال الخبازي لا نسلم أن الكتاب يقتضي جواز الوقتية فرضا كما زالت الشمس فإنه يقع نفلا عند أهل العلم، فلم يكن الكتاب متعرضا لجوازه فرضا لمكان الاختلاف. الثاني: ذكره النسفي، والترتيب ثابت بالنص فإن الكتاب يقتضي أن أداء الفجر قبل أداء الظهر والعصر بحكم الأداء فيلزم القضاء كما يلزم الأداء. والثالث: ذكره الشيخ عبد العزيز موجب الدليل القطعي الجواز في الوقت بلا تعيين جزء منه له، وهو الموجب الأصلي له، والجواز قبل الفائتة ليس بحكم أصلي؛ لأنه يجوز تفويته بترك الأداء بلا ضرورة ولا إثم، لإمكان تحصيله في الأجزاء الباقية والعمل بخبر الواحد عند. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] التسعة لا يفوت بالموجب الأصلي ولكن يفوت الجواز الذي يباح بالترك، ومثل هذا التفويت لا يمنع العمل بخبر الواحد لأن تفويته لما جاز، فالاستقبال بالعمل بخبر الواحد جاز بالطريق الأولى بخلاف العمل بخبر الواحد في الطواف والتعديل والقراءة ونحوها لأنه يفوت العمل بموجب الدليل القطعي الذي هو الإطلاق وهو الموجب الأصلي فيها فلا يجوز تركه. الوجه الثالث: إنكم عملتم بهذا الحديث ولم تعملوا بخبر الواحد وهما خبر واحد فكان تناقضا، وقال الأكمل في جوابه: إن العمل بخبر الفاتحة على وجه يلزم فساد الصلاة بتركها موجب النسخ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) وذلك لا يجوز بخلاف صورة النزاع فإن فيها العمل بالكتاب والخبر جميعا وذلك لأن قَوْله تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] (الإسراء: الآية 78) يدل على أن هذا الوقت وقت الظهر، ولا يتعرض بتقديم الفائتة عليه لا بنفي ولا إثبات، وخبر الترتيب يدل على التقديم فعملنا بهما انتهى قلت: توضيح هذا الوجه الذي ذكره هو أن الحال ما علمتم بخبر الفاتحة مثلما علمتم بخبر وجوب الترتيب حيث قلتم بفساد الصلاة عند ترك الترتيب، وما قلتم بفساد الصلاة عند ترك الفاتحة مع أن كلا منهما ثبت بخبر الواحد، وتوضيح الجواب أن القراءة ركن في الصلاة ولا يجوز إثبات الركن بمثل هذا الخبر، والترتيب شرط فجاز إثبات الشرط به، وجوب آخر أن صيغة قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لا صلاة، يستعمل استعمالا ظاهرا لنفي الكمال، كما في قوله لا فتى إلا علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فيمكن أن يحمل على نفي الكمال، وحديث الترتيب ورد في وجوبه، ففيه بيان النهاية ولا يحتمل غيره. الوجه الرابع: أن الترتيب يسقط بالنسيان وضيق الوقت وكثرة الفوائت وشرط الصلاة لا يسقط بشيء من ذلك كالطهارة واستقبال القبلةِ. قلت: هذا الوجه ذكره صاحب " المحيط " من جهة الشافعي توضيحه أن كل واحد من الفرضين ليس بشرط للآخر في حق الجواز، ولهذا يسقط الترتيب عند النسيان وضيق الوقت وكثرة الفوائت، وشرائط الصلاة لا تسقط بعذر النسيان وضيق الوقت كالطهارة واستقبال القبلة ولا يلزمني وجوب الترتيب بين الصلوات حالة الأداء لأنه في هذه الصورة في أوقاتها وذلك لا يوجد في الفوائت لأنها صارت مرسلة عن الوقت ثابتة في الذمة، وأجاب عنه السغناقي بما ذكره صاحب " المبسوط " و " المحيط " بأن حالة النسيان ليست بوقت للفائتة، لأن وقت الفائتة وقت التذكر وهو ناس فلا يكون وقتا لها فكان وقت الفرائض الوقت، وأما حال ضيق الوقت لأنه ثبت بخبر الواحد وهو لا يعارض الكتاب والمتواتر وكثرة الفوائت بمعنى ضيق الوقت وأما قوله لأنها صارت مرسلة عن الوقت فغير مسلم بهذا الحديث، وذكر شمس الأئمة السرخسي في " الجامع الصغير " في تعليل وجوب الترتيب مراعاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 ولو خاف فوت الوقت يقدم الوقتية ثم يقضيها؛ لأن الترتيب يسقط بضيق الوقت.   [البناية] الترتيب بين الصلوات ثابتة وقتا وفعلا، أما وقتا فظاهر. وأما فعلا فلأن الظهر والعصر بعرفات اجتمعا في حق الحاج في وقت واحد، ثم لو بدأ بالعصر قبل الظهر لا يجوز فكذلك هاهنا كما أنه لو فاتته مراعاة الترتيب وقتا يلزمه فعلا لأن وقت التذكر وقت للفائتة وقد فاتته وقتا فيلزمه إعادته فعلا كما في الصورة المتقدمة. فإن قلت: كون الترتيب يسقط مع النسيان يوجب أن يسقط مع الذكر كما إذا فاته يومان من رمضان. قلت: هذا القياس غير صحيح. لأن النسيان عذر والذكر لا، فقياس ما ليس بعذر على ما هو عذر باطل. وأما قضاء رمضان فإنه فرض مكرر ولا كلام لنا في المتكرر. لأن الصلاة إذا تكررت لفظة الترتيب فيها أيضا. فإن قلت: لو كان وقت التكرار وقتا لفائتة لجازت الفائتة بنية الوقتية ولجاز أداء الفائتة عند احمرار الشمس لأنه وقت التذكر كما جاز أداء عصر يومه. قلت: اسم الوقتي مطلقا ينصرف إلى ما هو الوقتي بصفة الكمال وهو ما ثبت وقته بالكتاب والخبر المتواتر، والذي قلنا وجوب الترتيب بخبر الواحد ما قلنا إلا للاحتياط في العمل، وأما عدم جواز قضاء الفائتة عند احمرار الشمس فلوجوبها في ذمته بصفة الكمال فلا يؤدي في الوقت الناقص للاحتياط بخلاف عصر يومه لنقصان السبب في حقه. م: (ولو خاف فوت الوقت يقدم الوقتية ثم يقضيها) ش: أي ولو كانت عليه فائتة وأراد أن يقضيها في وقت من أوقات الصلاة، فخاف خروج هذا الوقت يقدم الصلاة الوقتية، لأن الحكمة لا تقتضي إضافة الموجود في طلب المفقود م: (لأن الترتيب يسقط بضيق الوقت) ش: وإنما يسقط به لئلا يلزم ترك العمل بكتاب الله، ولأن فرض الوقت آكد من فرض الترتيب، وفي " المحيط " اختلف المشايخ فيما بينهم. أن العبرة لأصل الوقت أم للوقت المستحب الذي لا كراهية فيه، قال بعضهم: العبرة للوقت المستحب، وقال الطحاوي: على قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف، العبرة لأصل الوقت، وعلى قياس قول محمد: العبرة للوقت المستحب. بيانه إذا شرع في العصر وهو ناس للظهر ثم تذكر الظهر في وقت أو اشتغل بالظهر يقع العصر في وقت مكروه، فعلى قول من قال العبرة لأصل الوقت، يقطع العصر ويصلي الظهر بعد غروب الشمس وفي " المنتقى " وفي " نوادر الصلاة ": إذا افتتح العصر في أول وقتها وهو ناس للظهر ثم احمرت الشمس، ثم ذكر الظهر يمضي في العصر، وهذا نص على أن العبرة للوقت المستحب، وفي " جامع قاضي خان " يعتبر ضيق الوقت عند الشروع حتى لو شرع مع تذكر الفائتة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 وكذا بالنسيان بكثرة الفوائت كيلا يؤدي إلى تفويت الوقتية؛ لأن النهي عن تقديمها لمعنى في غيرها   [البناية] في أول الوقت وأطال القراءة حتى ضاق الوقت لا يجوز إلا أن يقطع فشرع عند الضيق. م: (وكذا بالنسيان) ش: أي وكذا يسقط بالنسيان، وقال شيخ الإسلام: من جهل فرضية الترتيب لا يفترض عليه كالناسي. رواه مسلم عن أبي حنيفة وهو قول جماعة من أئمة بلخ. م: (بكثرة الفوائت) ش: أي وكذا يسقط بكثرة الفوائت م: (كيلا يؤدي إلى تفويت الوقتية) ش: أما في النسيان فلأن الحديث شرط الذكر وأما بكثرة الفوائت فلأنه إذا اشتغل بها تفوته صلاة الوقت وهي أيضا في معنى ضيق الوقت، وعند زفر لا يسقط الترتيب إلى شهر حتى إذا تركه فسدت صلاة الشهر كلها وهو المذكور في " شرح الطحاوي " و " المنظومة " و " المختلف "، وفي " شرح الأقطع " قال زفر: لا يسقط الترتيب أبدا. وفي " المحيط " قال زفر: الترتيب لا يسقط بكثرة الفوائت إذا كان الوقت يتسع لها، وللوقتية، وإن كانت الفوائت عشرا أو أكثر. فيفهم من ذلك أن يكون عند زفر ثلاث روايات كما ترى، وعند ابن أبي ليلى: لا يسقط الترتيب إلى سنة، وعند بشر بن غياث: لا يسقط في جميع عمره. م: (ولو قدم الفائتة جاز) ش: عطف على قوله ولو خاف فوت الوقت فقدم الوقتية يعني الواجب عليه تقديم الوقتية ولو قدم الفائتة عليها عند ضيق الوقت جاز أيضا م: (لأن النهي عن تقديمها) ش: أي عن تقديم الفائتة م (لمعنى في غيره) ش: أي لمعنى في غير الفرض الفائت وهو أداء الوقتية في وقتها لهذا التأويل ذكر الضمير في غيره مع أنه راجع إلى الفائتة يعني حتى إنه أثبت في قوله عن تقديم والنهي بمعنى في غيره لا بعدم المشروعية كما في الصلاة في الأرض المغصوبة. وفي " المبسوط ": لو بدأ بالفائتة عند ضيق الوقت يجوز بخلاف ما لو بدأ بالوقتية عند سعة الوقت حيث لم تجز؛ لأن النهي عن بداية فرض الوقت لمعنى في عينه، وهو كونه مؤدى قبل وقته الثابت بالخبر فتقدم مشروعيته كالنهي عن بيع الخمر والنهي عن البداءة بالفائتة عند لبس لمعنى في عينها بل لما فيه من تفويت فرض الوقت، والنهي متى لم يكن في غير المنهي عنه لا يمنع جوازه. فإن قلت: ضده، أين مورد النهي عن الفائتة عند ضيق الوقت. قلت: المراد من النهي قَوْله تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] (الإسراء: الآية 78) لأن الأمر نهي عن ضده، وفيه كلام بين في الأصول وقيل المراد به الإجماع لا نهي الشارع. فإن الإجماع منعقد على تقديم الوقتية عند ضيق الوقت وهو الأصح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 بخلاف ما إذا كان في الوقت سعة وقدم الوقتية حيث لا يجوز لأنه أداها قبل وقتها الثابت بالحديث. ولو فاتته صلوات رتبها في القضاء كما وجبت في الأصل؛   [البناية] م: (بخلاف ما إذا كان في الوقت سعة وقدم الوقتية حيث لا يجوز) ش: قد بينا الفرق بين هذه المسألة وبين التي قبلها، ناقلا عن " المبسوط " وعلل المصنف لهذا بقوله م: (لأنه أداها) ش: أي لأن المصلي أدى الوقتية م: (قبل وقتها) ش: الفائت م (الثابت بالحديث) ش: أي قبل وقت الوقتية الذي ثبت ذلك الوقت بها بالحديث المذكور وهو واجب العمل. ثم اعلم أن المصنف ذكر الأعذار التي يسقط بها الترتيب: الأول: الظن المعتبر ذكره في " الجامع "، فيمن توضأ للظهر والدم سائل ثم انقطع فصلى الظهر ودخل وقت العصر فتوضأ وصلى العصر ودخل وقت المغرب فسال الدم أو لم يسل. فإنه يعيد الظهر لأنه صلاها بالطهارة دون الأعذار [ .... ] ، ولا يعيد العصر لأنه حين صلاها لم يتحقق بفساد الظهر فهو مظن صحته. الثاني: بخلاف في فسادها ووجوب إعادتها مسألة صلى الفجر بغير وضوء ثم صلى الظهر وهو ذاكر للفجر. ويرى أنه يجزيه فإنه يعيد الفجر ويرى أنه يجزيه فإنه يعيد الفجر والظهر، ولو أعاد الفجر ولم يعد الظهر حتى صلى العصر، فإن العصر يجزئه، إذ في جواز الظهر اختلاف ويعيد الظهر، لأنه صلاها وعليه الفجر ذاكرا لها، والاختلاف في إعادتها ذكره الأسبيجابي. وفي " جوامع الفقه " لأن الظهر ليس عليه التعيين بخلاف الفجر، قيل هذا قول أبي حنيفة، وأما على قول زفر والحسن ورواية عن أبي يوسف إن كان عنده أن تلك وقعت جائزة يجوز الوقتية وإلا فلا، قال في ظاهر الرواية يجوز مطلقا. الثالث: اختلف المشايخ فيه ذكره في " مختصر البحر المحيط " امرأة تركت الظهر ثم حاضت في العصر ثم طهرت سقط الترتيب، وكذا لو فاتها ثلاث أو أربع قبل الحيض، وقال المرغيناني لا يسقط قيل هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ورواية عن محمد وفي رواية محمد أنه لا تصح الوقتية، وقال محسن هذا بناء على أن الاعتبار في الكثرة بالمدة عندهما، وعند محمد بالصلاة ذكرها محسن: فيمن نسي فائتة، ثم ذكرها بعد شهر، وإذا أضفنا إلى هذه الستة ما نقله شيخ الإسلام عن الحسن عن أبي حنيفة أن الجاهل بالترتيب كالناسي يكون الأعذار التي يسقط بها الترتيب سبعة. م: (ولو فاتته صلوات رتبها في القضاء كما وجبت في الأصل) ش: أراد بهذا أن بيان الترتيب كما أنه فرض بين الوقتية والفائتة فكذلك بين الفوائت نفسها، إلا أن يزيد على ست كما يأتي بيانه إن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 «لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن مرتبا، ثم قال: " صلوا كما رأيتموني أصلي» .   [البناية] شاء الله تعالى، قوله كما وجبت أي كوجوبها في ابتداء الفرض مرتبة م: (لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن مرتبا، ثم قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ش: هذا الحديث روي عن ابن مسعود وأبي سعيد الخدري وجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فحديث ابن مسعود أخرجه الترمذي والنسائي عن أبي عبيدة عن أبيه عن عبد الله بن مسعود، قال: قال ابن مسعود: «إن المشركين شغلوا رسول الله عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء» رواه أحمد في " مسنده ". وقال الترمذي: ليس بإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، ووهم الشيخ علاء الدين مقلدا لغيره، فنقل كلام الترمذي إلا أن أبا عبيدة لم يدرك أباه، والترمذي لم يقل ذلك في جميع كتابه، وإنما قال لم يسمع منه، ذكره في خمس مواضع من كتابه، وكذلك قال النسائي في " سننه الكبرى " في باب صف القدمين وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه. وقال أبو داود: توفي عبد الله بن مسعود ولولده أبي عبيدة سبع سنين، واسم أبي عبيدة عامر. وحديث أبي سعيد رواه النسائي من حديث عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه، قال: «حبسنا يوم الخندق عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى كفينا ذلك، فأنزل الله تعالى {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [الأحزاب: 25] (الأحزاب: الآية 25) فقال رسول الله فأمر بلالا فأقام ثم صلى الظهر كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام فصلى العصر كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام فصلى المغرب كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام للعشاء، فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك، وذلك قبل أن ينزل {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] (البقرة: الآية 239) » ورواه ابن حبان في " صحيحه ". وحديث جابر أخرجه البزار في " مسنده " عن مجاهد عن جابر بن عبد الله «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شغل يوم الخندق عن صلاة الظهر، والعصر والمغرب والعشاء، حتى ذهبت ساعة من الليل، فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى الظهر ثم أمره فأذن وأقام يصلي العصر، ثم أمره فأذن وأقام وصلى المغرب، ثم أمره فأذن وأقام وصلى العشاء، ثم قال: " ما على ظهر الأرض قوم يذكرون الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] في هذه الساعة غيركم» ، وفيه عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف، قوله يوم الخندق، أي يوم حفر الخندق بالمدينة، وكان في سنة خمس من الهجرة، وذكر السغناقي في هذا الموضوع روي أنه شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن من بعد يؤدي من الليل مرتبا، ثم قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» فوقع التشبيه على أصله ووصفه، فدل أن أداءها بوصف الترتيب شرط ثم قيل ولم يقل النبي كما صليت، بل قال: «كما رأيتموني أصلي» ، لأنه لا يمكن لأحد أن يصلي مثل صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكره الأكمل مختصرا، ولم يبين من هو الراوي لهذا الحديث. وقال الأكمل: أمر بالتشبيه مطلقا، والكامل منه ما يقع على كنهه وكيفيته فدل على أن الأداء بوصف الترتيب شرط، وإنما لم يقل كما صليت لذا، انتهى. وذكر صاحب " الدراية " كما ذكره السغناقي غير أنه قال في آخره رواه أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثم قال: وعن الإمام العلامة الكردري في قوله «كما رأيتموني أصلي» ولم يقل كما رأيتموني صليت، لأنه ليس في وسع أحد أن يصلي مثل صلاته، وهؤلاء كلهم ذهلوا عن بيان حقيقة هذا الحديث، ولو وقفوا على حقيقته لشبهوا على قوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي» فإنه ليس في هذا الحديث وهو في حديث مالك بن الحويرث أخرجه البخاري في الأذان عن أبي قلابة حدثنا مالك بن الحويرث [ .... ] وفيه: «صلوا كما رأيتموني أصلي» . والمصنف أيضا ما تنبه على هذا، ولو قال: وقال: «وصلوا كما رأيتموني أصلي» بواو العطف لا بكلمة ثم لكان أجود وأصوب، وأيضا متن الحديث الذي ذكره صاحب " الدراية " ليس لأبي سعيد وإنما هو لعبد الله بن مسعود والذي ذكره السغناقي في توجيه معنى قوله «صلوا كما رأيتموني أصلي» - غير سديد، بل الذي يقال فيه أنه تشبيه، والتشبيه لا عموم له، وأما الأكمل فإنه لم يظهر السر الذي أخفاه. فإن قلت: قوله فقضاهن الضمير فيه يرجع إلى قوله عن أربع صلوات - وذكر منها العشاء والعشاء ما فاتته فظاهر يدل على أن العشاء أيضا من الفوائت وليس كذلك. قلت: نعم صلاها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في وقتها ولكن لما أخرها عن وقتها المعتاد لها سماها الراوي فائتة مجازا، والدليل على ذلك أن ابن حبان روى هذا الحديث في " صحيحه "، ولم يذكر فيه العشاء وهذا يوضح أن العشاء لا تعد من الفوائت إلا مجازا فافهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 إلا أن تزيد الفوائت على ست صلوات؛   [البناية] م: (إلا أن تزيد الفوائت على ست صلوات) ش: استثناء من قوله ومنها في القضاء والمعنى الذي يراد به هاهنا إلا أن تصير الفوائت ستا، ولأجل عدم إفادة ظاهر التركيب المقصود منه اختلف الشراح فيه، فقال السغناقي: ظاهر هذا الكلام يقتضي أن تصير الفوائت تسعا، لأنه ذكر الفوائت بلفظ الجمع والزيادة غير المزيد عليه والمزيد عليه ست فيصير المجموع تسعة، لكن معناه أن لا تصير الفوائت في نفسها زائدة على ست صلوات، والمراد من الصلوات أوقاتها، فإن فوت الصلاة السابعة ليس بشرط بالإجماع ورواه الأكمل بقوله فإنه يقتضي أن تزيد الفوائت على ستة أوقات، وذلك إنما يكون السابعة وليس بمراد. قلت: هذا يراد من كلام الأترازي لأنه قال وقال بعض الشارحين المراد بست صلوات الأوقات ثم قال وفيه نظر عندي وذكره وأراد ببعض الشارحين السغناقي. وقال الأكمل: وقيل أراد أوقات الفوائت بحذف المضاف، ورد بأنه يستدعي زيادة الأوقات على ست صلوات، وذلك إنما يكون بفوات وقت السابعة وليس بمراد. قلت: هذا أيضا من كلام الأترازي وهذا نقله عن تاج الشريعة. قلت: هذا الرد ليس له وجه، لأنه إذا مضى جزء من وقت الصلاة السابعة فقد زاد الوقت على السبعة، وبدخول جزء منه لا تكون السابعة فائتة، ثم إطلاق اسم الفائتة عليه يكون تغليبا. وقال الأكمل أيضا: وقيل: أراد بالفوائت الأوقات، ومعناه إلا أن تزيد الأوقات على ست صلوات، ورد برد يشتمل على ما تقدم عليه من الوجهين وهو أن الزيادة لا بد أن تكون من جنس المزيد عليه، وذلك معدوم في هذه التأويلات كلها كما ترى. قلت: قائل هذا القول بعضهم، نقله صاحب " الدراية " عنه يوضح كلامه أنه لا شك أن المزيد يكون غير المزيد عليه، وأن يكون من جنسه، والوقت ليس من جنس الصلاة، والفوائت جمع فائتة أقله ثلاثة فيقتضي التركيب أن تكون الفوائت سبعا حتى يسقط الترتيب وليس كذلك، ونحن نقول: إن المراد من مثل هذا التركيب أن يكون في نفسه أكثر من العدد المذكور، لأن المزيد والمزيد عليه كلاهما مرادان جميعا، كقولهم هذه الدراهم تزيد على مائة معناه عددها يزيد على عدد المائة لا أن تكون الدراهم مع المائة مرادا به. ومنه قَوْله تَعَالَى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] (الصافات: الآية 147) ، فإذا كان كذلك لم يشترط لصحة الكلام أكثر من واحد، لأن الأكثرية على المذكور يحصل به فيقتضي اشتراط السبع دون التسع، وقيل دخلت اللام في الجمع والمراد الجنس فلا يشترط الثلاثة، وهذا أحسن مما قاله الأكمل وإسحاق أن يقدر مضافان وتقديره إلا أن يزيد أوقات الفوائت على أوقات ست صلوات بحسب دخول الأوقات دون خروجه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 لأن الفوائت قد كثرت فتسقط الترتيب فيما بين الفوائت نفسها كما سقط بينها وبين الوقتية، وحد الكثرة أن تصير الفوائت ستا لخروج وقت الصلاة السادسة، وهو المراد بالمذكور في " الجامع الصغير " وهو قوله: وإن فاتته أكثر من صلاة يوم وليلة أجزأته التي بدأ بها؛ لأنه إذا زاد على يوم وليلة تصير ستا، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه اعتبر دخول وقت السادسة والأول هو الصحيح؛ لأن الكثرة بالدخول في حد التكرار، وذلك في الأول. ولو اجتمعت الفوائت القديمة والحديثة.   [البناية] م: (لأن الفوائت قد كثرت فيسقط الترتيب فيما بين الفوائت نفسها كما سقط بينها وبين الوقتية) ش: لأن كثرة الفوائت لما كانت مسقطة للترتيب في اعتبارها كانت مسقطة له في نفسها بالطريق الأولى، لأن العلة إذا كان لها أثر في غير محلها فلأن يكون لها أثر في محلها أولى، والحاصل أن العلة إذا قامت بشيء يوجب الحكم في ذلك الشيء لا غيره فإذا أثر في غيره فأولى أن يؤثر في نفسه. م: (وحد الكثرة أن تصير الفوائت ستا) ش: أي ست صلوات م: (لخروج وقت الصلاة السادسة) ش: المستلزمة لدخول وقت السابعة في الأغلب، وفي " المجتبى " إلا أن تزيد الفوائت على خمس صلوات، لأن كثرة الفوائت في معنى ضيق الوقت والكثرة بالست للتكرار، فإذا دخل وقت السابعة سقط الترتيب عندهما، وعند محمد إذا دخل وقت السادسة، وفي " مبسوط شيخ الإسلام " عن أصحابنا أنه يسقط الترتيب بالخمس لأنها كل الجنس م: (وهو المراد بالمذكور في " الجامع الصغير ") ش: أي الفوائت ستا بخروج وقت السادسة وهو المراد بالمذكور في " الجامع الصغير " م: (وهو) ش: أي المذكور هو م: (قوله) ش: أي قول محمد في " الجامع الصغير ". م: (وإن فاتته أكثر من صلاة يوم وليلة أجزأته التي بدأ بها) ش: أي أجزأته الصلاة التي بدأ بها م: (لأنه إذا زاد على يوم وليلة تصير ستا) ش: فيدخل وقت السابعة. م: (وعن محمد أنه اعتبر دخول وقت السادسة) ش: لأن بدخول وقت السادسة يصير عدد الفوائت خمسا، والكثير من كل جنس ما يستغرق جنسه وجنس المكتوبة الخمس م: (والأول هو الصحيح) ش: أي المذكور من " الجامع الصغير " هو الصحيح م: (لأن الكثرة بالدخول في حد التكرار، وذلك في الأول) ش: معناه أن الشيء إنما يستحق اسم الكثرة بالتكرار كالكثرة في المقدم لا يظهر إلا بالزيادة من أحد القسمين على الآخر، وأدنى مدة التكرار في حق خروج وقت السادسة، لأن به تصير الفوائت ستا والواحدة من الصلوات تتكرر بوصف الكثرة يثبت لها قوله وذلك إشارة إلى قوله لأن الكثرة بالدخول في حد التكرار. وقوله في الأول أراد به المذكور في " الجامع الصغير "، فافهم م: (ولو اجتمعت الفوائت القديمة والحديثة) ش: صورة الفوائت القديمة أن يترك الشخص صلاة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 قيل: تجوز الوقتية مع تذكر الحديثة لكثرة الفوائت. وقيل: لا تجوز ويجعل الماضي كأن لم يكن زجرا له عن التهاون، ولو قضى بعض الفوائت حتى قل ما بقي عاد الترتيب عند البعض وهو الأظهر، فإنه روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيمن ترك صلاة يوم وليلة وجعل يقضي من الغد مع كل وقتية فائتة   [البناية] شهر أو سنة مجانة وفسقا، ثم يقبل على الصلاة ندما على سوء صنيعه، ثم يترك أقل من صلاة يوم وليلة فهل يجوز له الوقتية مع تذكر ما فات أقل من يوم وليلة. اختلفوا فيه إشارة إليه بقوله. م: (قيل: تجوز الوقتية مع تذكر الحديثة لكثرة الفوائت) ش: الجواز هو القياس، لأن الحديثة ليس أداؤها بأحق من القديمة فتحقق كثرة الفوائت وهي مسقطة للترتيب م: (وقيل: لا تجوز) ش: أي الوقتية بذكر الحديثة، وهو الاستحسان م: (ويجعل الماضي) ش: وهو القديمة م: (كأن لم يكن) ش: يعني كأن لم يفت م: (زجرا له عن التهاون) ش: أي لأجل الزجر لهذا المصلي عن الكسل والتهاون في إقامة الصلاة في وقتها وإلى الجواز، قال أبو جعفر الكبير وعليه الفتوى. وفي " المحيط " القول الأصح هو الأول، وفي " المجتبى " الثاني هو الأصح، والقول الأول هو الأحوط. وقيل: يجب الترتيب لأن المعصية لا تصير سببا للتخفيف، وفي " الذخيرة " لا يجب الترتيب عند أبي حنيفة خلافا لهما. م: (ولو قضى بعض الفوائت حتى قل ما بقي عاد الترتيب) ش: صورته أن يترك الرجل صلاة شهر ثم قضاها إلا صلاة أو صلاتين، ثم صلى صلاة دخل وقتها وهو ذاكر لما بقي عليه هل تجوز الوقتية، أو لم يجز، عن محمد فيه روايتان، في رواية يجوز، واختارها شمس الأئمة السرخسي وفخر الإسلام علي البزدوي، فإنهم قالا متى سقط الترتيب لم يعد في أصح الروايتين، ولهذا أخذ أيضا أبو حفص الكبير، وفي رواية لا يجوز، وإليها مال بعض المشايخ، إشارة إليه بقوله م: (عند البعض) ش: أي عند بعض المشايخ، منهم أبو علي الدقاق والفقيه أبو جعفر، واختاره المصنف أشار إليه بقوله م: (وهو الأظهر) ش: أي عود الترتيب هو الأظهر، وجه ذلك من وجهين، الأول من وجه الدراية، وهو أن علة السقوط الكثرة المفضية إلى الحرج ولم يبق بالعود إلى القلة والحكم ينتهي بانتهاء علته، فكان كحق الحضانة بالزوج، ثم ارتفعت الزوجية فإن الحق يعود. الثاني: من وجه الرواية، أشار إلى هذا الوجه بقوله م: (فإنه روي عن محمد فيمن ترك صلاة يوم وليلة وجعل يقضي من الغد مع كل وقتية فائتة) ش: يعني يقضي الفجر بالفجر، والظهر بالظهر، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 فالفوائت جائزة على كل حال، والوقتيات فاسدة إن قدمها لدخول الفوائت في حد القلة، وإن أخرها فكذلك، إلا العشاء الأخيرة لأنه لا فائتة عليه في ظنه حال أدائها. ومن صلى العصر وهو ذاكر أنه لم يصل الظهر فهي فاسدة إلا إذا كان في آخر الوقت،   [البناية] والعصر بالعصر، على هذا الترتيب م: (فالفوائت جائزة على كل حال) ش: يعني سواء قدمها على الوقتين أو أخر عنها م: (والوقتيات فاسدة إن قدمها لدخول الفوائت في حد القلة) ش: لأنه متى أدى شيئا منها صارت سادسة المتروكات إلا أنه إذا قضى متروكة بعدها عادت خمسا ثم لا يزال كذلك فلا يعود إلى الجواز. م: (وإن أخرها) ش: أي وإن أخر الوقتيات كلها م: (فكذلك) ش: أي فكذلك تفسد كلها م: (إلا العشاء الأخيرة) ش: لأنه صلاها وقد صلى ما عليه عنده فصار كالناسي، وقد علل المصنف بعدم فساد العشاء الأخيرة بقوله م: (لأنه لا فائتة عليه في ظنه حال أدائها) ش: أي حال أداء العشاء الأخيرة الوقتية، والظن متى لاقى فصلى مجتهدا فيه وقع معتبرا وإن كان خطأ، والشافعي لا يوجب الترتيب فكان ظنه موافقا لرأيه، وصار كما إذا عفى أحد من له القصاص وظن صاحبه أن عفو صاحبه غير مؤثر في حقه، فقتل ذلك القاتل لا يقتص منه، ومعلوم أن هذا قتل بغير حق، لكن لما كان متأولا يجتهد في ذلك صار ذلك الظن مانعا وجوب القصاص. فإن قلت: يشكل هذا بما إذا صلى الظهر على غير وضوء ناسيا ثم صلى العصر على وضوء ذاكرا للظهر وهو يحسب أنه يجزئه فعليه أن يعيدهما جميعا، وعلى قياس ما ذكر هاهنا أنه لا فائتة عليه في ظنه حال أدائها كان ينبغي أن لا يجب عليه قضاء العصر. ثانيا: لما أنه قضى الظهر قد وقع في ظنه أنه قضى جميع ما عليه ولم يبق عليه شيء من الفائتة، والترتيب غير واجب على مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فكان يمكنه هاهنا أيضا موافقا لمذهبه كما ذكر. ثم قلت: فساد الصلاة بترك الطهارة فساد قوي مجمع عليه، فظهر أثره فيما يؤدى بعده، وأما فسادها بسبب ترك الترتيب فضعيف مختلف فيه، فلا تتعدى حكمه إلى صلاة أخرى. م: (ومن صلى العصر وهو ذاكر) ش: أي والحال أنه ذاكر م: (أنه لم يصل الظهر فهي فاسدة) ش: أي العصر فاسدة م: (إلا أن يكون في آخر الوقت) ش: أي في آخر وقت العصر فإنه يجوز العصر حينئذ بضيق الوقت. فإن قلت: قد بين المصنف فيما مضى الحكم في هذه المسألة في جنس الصلوات، فلم أعاده هاهنا؟. قلت: لفائدة وهي الإشارة إلى الاختلاف في آخر وقت العصر، وهو أن الاعتبار في ضيق الوقت لأصل الوقت أو للوقت المستحب، حكي عن الفقيه أبي جعفر الهندواني - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله الاعتبار بأصل الوقت، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 وهي مسألة الترتيب   [البناية] بالوقت المستحب، وعلى هذا فيما نحن فيه من المسألة إن يمكنه أداء الظهر والعصر قبل غروب الشمس فعليه مراعاة الترتيب، وإن كان لا يمكنه أداء الصلاتين قبل غروب الشمس سقط الترتيب، وعليه أداء العصر، وإن أمكنه أداء الظهر قبل تغيرها ويقع العصر أو بعضها بعد تغيرها فعليه مراعاة الترتيب عندهما خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن معنى الكراهة تسقط الترتيب لخوف فوات أصل الوقت. وإن لم يمكنه أداء الظهر قبل تغيرها يسقط الترتيب، لأن أداء شيء من الظهر بعد تغير الشمس لا يجوز بالاتفاق، لأن ذلك الوقت وقت عصر اليوم ليس إلا. م: (وهي مسألة الترتيب) ش: أي المسألة المذكورة هي مسألة مراعاة الترتيب فيها. وقد ذكرنا وجه الإعادة. 1 - فروع: راع في الفيافي يصبح في كل يوم فيصلي صلوات ذلك اليوم في وقت الفجر تفريعا لعلة، فالفجر الأول جائز، وفي اليوم الثاني لا يجوز لبقاء الترتيب، وقيل: على قول زفر والحسن إن لم يعلم أن المتروكة مانعة من الجواز يجوز الفجر الثاني كما ذكر عنهما في " المبسوط "، والفجر الثالث وما تعدها يجوز بسقوط الترتيب، وفي " جوامع الفقه " مسافر صلى المغرب شهرا ركعتين قصرا، فالمغارب كلها باطلة ويفسد المغرب الأول وتجوز العشاء والفجر والظهر والعصر، فصارت يجوز ما بعدها جميعا إلا المغرب. وفي " المنتقى ": إذا غربت الشمس في خلال العصر ثم تذكر الظهر مضى، ولو افتتحها ذاكرا ثم احمرت استقبل نسي صلاة ولم يعرفها يصلي خمس صلوات وهو قول مالك والشافعي رحمهما الله قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " جوامع الفقه ": وهو المختار، وقيل: يصلي أربع ركعات بثلاث قعدات ينوي ما عليه، وهو قول بشر بن غياث، وفي " المهذب " وهو قول المزني، ومثله عن النووي، وقال بعض مشايخ بلخ: يصلي الفجر بتحريمة والمغرب بتحريمة ثم يصلي أربعا ينوي ما عليه من صلاة يوم وليلة، وقال الأوزاعي: يصلي أربع ركعات لا يقعد إلا في الثانية والرابعة ويسجد للسهو وينوي في ابتدائها ما عليه في علم الله تعالى. قال ابن حزم: وبهذا نأخذ، وإن لم يدر الفائتة أمن سفر هي أم من حضر؟ يصلي ثمان صلوات، وإن نسي صلاتين من يومين يعيد صلاة يومين، رواه ابن سماعة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن نسي ثلاث صلوات من ثلاثة أيام ولياليهن يعيد صلاة ثلاثة أيام. وفي " المحيط " ولو ترك ثلاث صلوات الظهر من يوم والعصر من يوم والمغرب من يوم، ولا يدري أيتها الأولى قيل يسقط الترتيب فيصلي كيف شاء، قال في " المحيط " وهو الأصح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وفي " جوامع الفقه " وهو المختار، وقيل لا يجزئ لأن الفوائت تعتبر أن يكون في نفسها ستا لسقوط الترتيب فيصلي سبع صلوات الظهر ثم العصر ثم الظهر ثم المغرب ثم الظهر ثم العصر ثم الظهر. وإن فاتته أربع صلوات يعني العشاء مع ما قبلها من أربعة أيام يصلي سبع صلوات ثم العشاء ثم يصلي سبع صلوات، وعلى هذا القياس تخريج جنس هذه المسائل كذا في " الإيضاح " و " مبسوط شيخ الإسلام ". وفي " الواقعات " يصلي إحدى وثلاثين صلاة، لأن في الأربع يصلي خمس عشرة ثم يصلي خمس عشرة ثم يصلي الفجر فيعتبر ست عشرة صلاة، ثم يفعل كما كان يفعل قبل الفجر، وذلك خمس عشرة صلاة فتصير الجملة إحدى وثلاثين صلاة. وفي " المفيد " إذا نسي صلاة أو ركنا منها ولا يدري ذلك يعيد صلاة يوم وليلة بلا خلاف بين أصحابنا، ظهر فات من يومين فنوى أحدهما لا بعينه قيل يجوز لاتحاد الجنس والمذهب أنه لا يجزئه، لأن اختلاف الأوقات يجعلها كالفرائض المختلفة. وفي " الذخيرة " رجل لم يصل الفجر شهرا وصلى غيرها، قيل لا تجزئه الصلوات الأربع في اليوم الأول، وتجزئه في اليوم الثاني لسقوط الترتيب ولا يجزئه في اليوم الثالث، ومن كل عشر ست فاسدة وأربع جائزة، وقيل يجزئه خمس عشرة فجرا ولا يجزئه غيرها، وقيل يجزئه كل فجر إلا الفجر الثاني لأنه صلاة وعليه أربع صلوات فلم يجز وبعدها كثرت الفوائت. وفي " التحفة " ولو ترك صلاة ثم صلى شهرا وهو ذاكر للفائتة فعند أبي حنيفة يعيد الفائتة لا غيرِ، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعيدها وخمسا بعدها، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعيدها وأربعا بعدها من بعض صلاة عمره من غير أن يكون فاته شيء، فإن كان لأجل نقصان دخل في صلاته أو لكراهة فحسن، وإن لم يكن كذلك لا يفعل. وفي " جوامع الفقه " إذا لم يتم ركوعه ولا سجوده يؤمر بالإعادة في الوقت لا بعده. وفي " مختصر البحر " القضاء أولى في الحالين، وفيه شافعي ترك صلاة سنة ثم صار حنفيا يقضيها على مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الجحدري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: على أي مذهب قضاها جاز. وفي " مختصر البحر " لو قضى فوائت ولم ينو صلوات نفي يجهل بها ثم علم فعليه إعادة ما قضاه بدون هذه النية. وقال المرغيناني: الأصح أنه ينوي الظهر والعصر وغيرهما، وليس عليه أن ينوي أنها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 وإذا فسدت الفرضية لا يبطل أصل الصلاة عند أبي حنيفة، وأبي يوسف رحمهما الله. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تبطل؛ لأن التحريمة عقدت للفرض، فإذا بطلت الفرضية بطلت التحريمة أصلا، ولهما أنها عقدت لأصل الصلاة بوصف الفرضية، فلم يكن من ضرورة بطلان الوصف بطلان الأصل، ثم العصر يفسد فسادا موقوفا   [البناية] الأولى. م: (وإذا فسدت الفرضية لا يبطل أصل الصلاة) ش: يعني لو صلى العصر مثلا ذاكرا أنه لم يصل الظهر فسدت تنقلب نفلا م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: لكن عند أبي حنيفة بسبيل الوقف حتى لو أدى ست صلوات انقلب الكل فرضا وعند أبي يوسف يكون عصرا بعدما فسدت نفلا بسبيل الثبات م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تبطل) ش: أصلا، وبه قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفائدة الخلاف أنه قهقه قبل أن يخرج من الصلاة أو عمل عملا منافيا ينتقض طهارته عندهما لبقاء التحريمة، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا ينتقض م: (لأن التحريمة عقدت للفرض، فإذا بطلت الفرضية بطلت التحريمة أصلا) ش: يعني لانتفاء الفرض للفرض ولا نفل، لأن التحريمة وسيلة إلى تحصيله، فإذا بطل المقصود بطلت الوسيلة. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله م: (أنها) أي أن التحريمة م: (عقدت لأصل الصلاة بوصف الفرضية) ش: يعني التحريمة انعقدت الصلاة موصوفة بصفة الفرضية م: (فلم يكن من ضرورة بطلان الوصف بطلان الأصل) ش: لأن العارض ينافي صفة الفرضية لا أصل الصلاة فلا يلزم من انتفاء صفة الفرضية انتفاء الصلاة. فإن قلت: يجوز أن يكون الوصف متحصلا لأصله فيكون كالفعل المتبوع فيبطل الأصل ببطلانه. قلت: لا نسلم جواز أن يكون الوصف متحصلا لأن المحصل يجب تقدمه، والوصف لا يقدم على الموصوف. فإن قلت: وصف الفرضية لم يدخل فيما انعقدت التحريمة لأجله فكان جزاء والكل ينتفي بانتفاء جزئه. قلت: بلى له مدخل لذلك لكن من حيث تحصيله حتى يكون جزءا بل من حيث نفي غيره مما يزاحمه في الوقت، فإذا كان كذلك لم يلزم من انتفائه انتفاء الكل، ثم إن بعض أهل نظر من أصحابنا لم يبينوا هذا الاختلاف لأنهم لما اجتمعوا أن من شرع في صوم الكفارة ثم أفسد فيه يبقى نفلا كان على حكم الصلاة كذلك، وعلى الأول عامة المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (ثم العصر) ش: يعني في المسألة المذكورة م: (يفسد موقوفا) ش: يعني على سبيل التوقف م: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 حتى لو صلى ست صلوات، ولم يعد الظهر انقلب الكل جائزة، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما يفسد فسادا باتا لا جواز لها بحال، وقد عرف ذلك في موضعه،   [البناية] (حتى لو صلى ست صلوات ولم يعد الظهر) ش: أي الظهر التي كان تركها وصلى العصر ذاكرا لها م: (انقلب الكل) ش: أي الصلوات م: (جائزا) ش: ولو أعاد الظهر لانقلب جائزا م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو استحسان، وفي " المبسوط " تفسيره لو صلى المتروكة قبل السادسة فيه الخمس عنده. قال شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذه هي التي يقال لها واحدة تفسد خمسا وواحدة تصحح خمسا، فالواحدة المصححة الخمس في السادسة قبل قضاء المتروكة، والواحدة المفسدة للخمس هي المتروكة يقضي قبل السادسة، وجه الاستحسان أن الكثرة صفة لهذه الجملة من الصلوات، فإذا ثبتت صفة استندت إلى أولها بحكمها وهو سقوط الترتيب، فسقط الترتيب في آحادها كما سقط في أغيارها، وهذا كمرض الموت لما ثبت له هذا الوصف بإيصاله بالموت أسند إلى أوله بحكمه م: (وعندهما يفسد) ش: أي العصر م: (فسادا باتا) ش: بتشديد المثناة من فوق أي قطعا، وفسره بقوله (لا جواز له بحال) ش: من الأحوال وهذا هو القياس، ووجهه أن سقوط الترتيب حكم الكثرة وكل ما هو حكم العلة يتأخر عن علة سقوط الترتيب إنما يكون مما يقع من الصلوات بعد الكثرة لا فيما قبلها. فإذا ما قلت: وجه الاستحسان حصل لك الجواب عن وجه القياس على أن وجه قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن وجه نص التنزيل يقتضي جواز الوقتية في الوقت، والحديث يمنع الجواز ليتوقف الجواز على زوال المانع، ووقف الجواز على سنن أمر في الموقف غير متكفر في الشرع، كما قلنا في مغرب صلاها بعرفات يتوقف حكمها إن أفاض إلى المزدلفة في وقت العشاء انقلبت نفلا ولزمته إعادتها مع العشاء في المزدلفة، وإن لم يأت وأتى مكة من طريق آخر وأتى المزدلفة بعد الإصباح يقع المغرب فرضا وكذا ظهر من صلاها يوم الجمعة في منزله، وكذلك صاحبة العادة إذا انقطعت عادتها فما دون عادتها وصلت صلوات ثم عاودها الدم تبين أن الصلوات لم تكن صحيحة وإن لم يعاودها كانت صحيحة، وكذلك إذا زاد على أيام عادتها، فإذا انقطع لتمام العشرة وطهرت بعد ذلك خمسة عشر يوما تبين أن الكل حيض وليس عليها قضاء الصلوات، وإن جاوز كان عليها قضاء الصلوات، فعلم أن توقف الصلوات على أمر في المستقبل مشروع يستعمل فيما بحرفه. م: (وقد عرف ذلك في موضعه) ش: أي في كتاب الصلوات في " المبسوط "، صورته ترك صلاة ثم صلى بعدها واحدة وثانية وثالثة ورابعة وخامسة فسدت الخمس كلها عندهما، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - هي موقوفة قد ذكرناها عن قريب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 ولو صلى الفجر وهو ذاكر أنه لم يوتر فهي فاسدة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما، وهذا بناء على أن الوتر واجب عنده سنة عندهما ولا ترتيب فيما بين الفرائض والسنن، وعلى هذا إذا صلى العشاء ثم توضأ وصلى السنة والوتر ثم تبين أنه صلى العشاء بغير طهارة فعنده يعيد العشاء والسنة دون الوتر؛ لأن الوتر فرض على حدة عنده، وعندهما يعيد الوتر أيضا لكونه تبعا للعشاء والله أعلم.   [البناية] م: (ولو صلى الفجر وهو ذاكر أنه لم يوتر) ش: أي ولو صلى صلاة الفجر والحال أنه ذاكر أنه لم يصل الوتر: م: (فهي) ش: أي الفجر م: (فاسدة عند أبي حنيفة) ش: لأن الوتر فرض عملا عنده فيجب مراعاة الترتيب م: (خلافا لهما) ش: لأن الوتر سنة عندهما، وأشار إلى ذلك بقوله م: (وهذا) ش: أي هذا الخلاف م: (بناء) ش: أي يبني م: (على أن الوتر واجب عنده) ش: أي فرض عملا م: (سنة عندهما) ش: فلا يجب مراعاة الترتيب بين الفرض والسنة، وأشار إلى ذلك بقوله م: (ولا ترتيب فيما بين الفرائض والسنن) ش: أو لا ترتيب بواجب بين الفرائض والسنن وإنما يجب الترتيب بين فرض وفرض، فلما ثبت هذا اختلاف وهو أن الوتر واجب عنده سنة عندهما جاز أداء الفجر مع تذكر الوتر، لأنه سنة عندهما م: (وعلى هذا أي على الخلاف وهو أن الوتر واجب عنده سنة عندهما إذا صلى العشاء ثم توضأ وصلى السنة والوتر ثم تبين أنه صلى العشاء بغير طهارة فعنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (يعيد العشاء والسنة) ش: أما العشاء فلوقوعها بغير طهارة، وأما إعادة السنة فلكونها تبعا للعشاء م: (دون الوتر لأن الوتر فرض على حدة عنده) ش: يعني يعيد الوتر لأنه صار كأنه صلى فرضا بنية فرض آخر. م: (وعندهما يعيد الوتر أيضا لكونه تبعا للعشاء) ش: لأنه وإن كان سنة ولكن أداه قبل دخول وقته، ووقته بعد العشاء على وجه الصحة ولم يوجد فكان مصليا قبل وقته، ولو صلى الوتر في وقت العشاء قبل أن يصلي العشاء وهو ذاكر لذلك لم يجزه بالاتفاق م: (والله أعلم) ش: بالصواب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 باب سجود السهو يسجد للسهو في الزيادة والنقصان سجدتين بعد السلام   [البناية] [باب سجود السهو] [كيفية سجود السهو] م: (باب سجود السهو) ش: أي هذا باب في بيان أحكام سجود السهو، ولما فرغ من بيان الأداء والقضاء، شرع في بيان جابر لنقصان يقع فيهما، ولكن المناسبة بين البابين من حيث إن الباب الأول في بيان قضاء الفوائت وقضاؤها جبر لها عن تأخيره عن وقتها، وهذا الباب أيضا في بيان جبر لها لترك واجب أو لتأخير ركن أو لزيادة في غير محلها، والإضافة في سجود السهو إضافة الحكم إلى السبب وهي الأصل في الإضافات، لأن الإضافة للاختصاص، وأقوى وجوه الاختصاصات إضافة المسبب إلى السبب. قلت: علم من هذا أن سجود السهو يجب بنفس السهو، ولهذا لا يجب في العمد وبعض المالكية يقولون: سببه الزيادة والنقصان، ذكره ابن رشد المالكي في " قواعده ". وعن الشافعي يسجد في العمد بطريق الأولى. وفي " الينابيع ": لا يجب سجود السهو إلا في مسألتين: أحديهما: إذا أخر إحدى سجدتي الركعة الأولى إلى آخر الصلاة، والثانية: إذا ترك القعدة الأولى فإنه يسجد للسهو فيهما سواء كان عامدا أو ناسيا، قال صاحب " الينابيع ": ذكرهما في " أجناس الناطفي " ولم أقف في غيره من كتب أصحابنا. م: (يسجد للسهو للزيادة) ش: من جنس الصلاة كزيادة ركوع أو سجود، والزيادة من غير جنسه تبطل الصلاة، واللام في الزيادة لإثبات معنى السببية، لِقَوْلِهِ تَعَالَى " {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] (الإسراء: الآية 78) . م: (والنقصان) ش: أي يجب للنقصان أيضا، وفيه نفي لقول مالك، فإن عنده إذا كان عن نقصان سجد قبل السلام، وإن كان عن زيادة فبعد السلام، ويأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى م: (سجدتين بعد السلام) ش: اختلفوا فيه على أقوال خمسة: مذهبنا بعد السلام كما ذكره، وهو مذهب علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وأنس بن مالك، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ومن التابعين: الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وابن أبي ليلى، والثوري، والحسن بن صالح، وعمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. ومذهب الشافعي: قبل السلام على الأصح عندهم، وهو قول أبي هريرة، ومكحول، والزهري، وربيعة، والليث، ومذهب مالك [ .... ] إن كان للنقصان فقبل السلام، وإن كان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 ثم يتشهد ثم يسلم، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يسجد قبل السلام لما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سجد للسهو قبل السلام» ، ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لكل سهو سجدتان بعد السلام» ،   [البناية] للزيادة فبعد السلام وهو قول للشافعية. ومذهب الحنابلة: أنه يسجد قبل السلام في المواضع التي سجد فيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل السلام، وبعد السلام في المواضع التي سجد فيها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد السلام، وما كان من السجود في غير تلك المواضع يسجد له قبل السلام أبدا. ومذهب الظاهرية: لا يسجد للسهو إلا في المواضع التي سجد فيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقط، وغير ذلك إن كان فرضا أتى به، وإن كان ندبا فليس عليه شيء. والمواضع التي صلى فيها رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خمسة. أحدها: قام على اثنين على ما جاء في حديث ابن بحينة. والثاني: سلم من اثنين كما جاء في حديث ذي اليدين. والثالث: سلم من ثلاث كما جاء في حديث عمران بن حصين. والرابع: أنه صلى خمسا كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود. والخامس: السجود على الشك كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري. وسيأتي بيان أحاديثهم مفصلا إن شاء الله تعالى. م: (ثم يتشهد ثم يسلم) ش: أي بعد أن يتشهد في آخر صلاته يسجد سجدتين ثم يتشهد أيضا ثم يسلم، وبه قال ابن مسعود والشعبي والثوري وقتادة والحكم وحماد والليث ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال ابن سيرين وسعد وحماد وابن أبي ليلى: يسلم ولا يتشهد، قال أنس والحسين وعطاء وطاوس: ليس في سجدتي السهو تشهد ولا سلام. م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يسجد قبل السلام لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سجد للسهو قبل السلام) ش: هذا الحديث رواه عبد الله بن مالك بن بحينة، أخرجه الأئمة الستة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - واللفظ للبخاري «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى الظهر فقام عن الركعتين الأوليين ولم يجلس، وقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة انتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم» . م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لكل سهو سجدتان بعد السلام» ش: روي هذا الحديث عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 وروي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سجد سجدتي السهو بعد السلام»   [البناية] ثوبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. أخرجه أبو داود وابن ماجه عنه عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «لكل سهو سجدتان بعدما يسلم» ورواه أحمد في " مسنده "، وعبد الرزاق في " مصنفه "، والطبراني في " معجمه ". م: (وروي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سجد سجدتي السهو بعد السلام) ش: هذا الحديث رواه أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه البخاري ومسلم عنه، قال: «صلى بنا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فسلم في ركعتين، فقال ذو اليدين، فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ إلى أن قال: فأتم الرسول ما بقي من الصلاة، ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم» وفي هذا الباب عن عمران بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه مسلم عنه: «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات فقام رجل يقال له الخرباق فذكر له صنيعه فقال: " أصدق هذا؟ " قالوا: نعم، فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم» ؟ وعن المغيرة بن شعبة أخرجه أبو داود والترمذي عن زياد بن علاقة «كان يصلي بنا المغيرة بن شعبة فنهض في الركعتين فسبح به من خلفه، فأشار إليهم أن قوموا، فلما فرغ من صلاته وسلم وسجد سجدتي السهو، فلما انصرف قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصنع كما صنعت» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. عن أنس بن مالك، أخرجه الطبراني عن محمد بن صالح عن علي بن عبد الله بن عباس قال: «صليت خلف أنس بن مالك صلاة فسهى فيها فسجد بعد السلام ثم التفت إلينا وقال: أما إني لم أصنع إلا كما رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصنع» . وعن عبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرج ابن سعد في الطبقات عن عطاء بن أبي رباح قال: «صليت مع عبد الله بن الزبير المغرب فسلم في الركعتين ثم قام: فسبح به القوم فصلى بهم الركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين، قال: فأتيت ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - من فوري فأخبرته، فقال: لله أبوك ما فات عنه سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . قال النووي في " الخلاصة ": وروى الحاكم في " المستدرك " من حديث سعد بن أبي وقاص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 فتعارضت روايتا فعله فبقي التمسك بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -   [البناية] وعقبة نحوه، قال: وحديثهما صحيح على شرط الشيخين. م: (فتعارضت روايتا فعله) ش: أي فعل الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بيان المعارضة بين الفعلين بين الحديثين اللذين ذكرهما الشافعي، ولنا الظاهر، لأن حديث الشافعي يدل على أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجد قبل السلام، وحديثنا يدل على أنه سجد بعد السلام، قال بعض الشراح منهم السغناقي والأترازي: لما تعارض الفعلان عنه تركناهما جانبا، فعملنا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للسلامة عن المعارض وهو معنى قول المصنف م: (فبقي التمسك بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لكل سهو سجدتان» . قلت: فيه نظر، لأن الأحاديث قد وردت في السجود قبل السلام من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه مسلم عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أو أربعا فليطرح الشك وليبن على ما يتيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم» . ومنها حديث أبي هريرة أخرجه الأئمة الستة عنه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه حتى لم يدر كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالس» ، زاد فيه أبو داود وابن ماجه: «وهو جالس قبل التسليم» ، وفي لفظ: " قبل أن يسلم ثم يسلم ". ومنها حديث عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الترمذي وابن ماجه عنه قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إذا انتهى أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أو اثنتين فليبن على واحدة، فإن لم يدر ثنتين صلى أو ثلاثا فليبن على اثنتين، فإن لم يدر صلى ثلاثا أو أربعا فليبن على الثلاث وليسجد سجدتين قبل أن يسلم» ، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال البيهقي في " المعرفة ": روي عن الزهري أنه ادعى نسخ السجود بعد السلام، وأسنده الشافعي عنه ثم أكده بحديث معاوية أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجدهما قبل السلام، رواه النسائي في " سننه "، وقال: وصحبة معاوية متأخرة. قلت: قال بعضهم إن قول الزهري منقطع. وهو غير حجة عندهم، وقال الطرطوسي: هذا لا يصح عن الزهري، وفي إسناده أيضا مطرف بن مازن، قال البيهقي: هو غير قوي. قلت: قال يحيى: كذاب، وقال النسائي: غير قوي، وقال ابن حبان: لا تجوز الرواية عنه إلا [ .... ] ، ولم يذكر البيهقي ذلك لموافقته رواية مذهبه، وأحاديث السجود قبل وبعد ثابتة قولا وفعلا، وتقدم بعضها على بعض غير معلوم برواية صحيحة والأولى جعل الأحاديث على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 ولأن سجود السهو مما لا يتكرر فيؤخر عن السلام   [البناية] التوسع، وجواز الأمرين. فإن قلت: قالوا: المراد بالسلام في الأحاديث التي جاءت بالسجود بعد السلام هو السلام على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد، ويكون تأخيرها على سبيل السهو. قلت: هذا بعيد مع أنه معارض بمثله، وهو أن يقال: حديثهم قبل السلام يكون على سبيل السهو، ويحمل حديثهم قبل السلام على السلام المعهود الذي يخرج به من الصلاة وهو سلام التحلل، ويبطل أيضا حملهم على السلام الذي في التشهد، إن سجود السهو لا يكون إلا بعد التسليم اتفاقا. وقال الأكمل: في هذا الموضع اعترض عليه بوجهين.. إلخ، قلت: أخذ هذا من كلام السغناقي في تقدير الاعتراض الأول أن المعارضة بين الحجتين إنما يصار إلى ما بعدهما من الحجة لا إلى ما فوقهما، والقول فوق الفعل لأن القول موجب، والفعل لا، وكيف صير إلى القول عند معارضة الفعل، والاعتراض الثاني أنه يلزم من هذا الذي ذكره الترجيح بكثرة الأدلة، وهو غير جائز إذ كل ما يصلح علة لا يصلح حجة، وقول الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أقوى العلل، فكيف لا يصلح حجة. أجيب عن الأول: بأن المعارضة تقتضي المساواة وليس المعارضة بين القول والفعل لقوة القول وضعف الفعل، ولما ثبتت المعارضة بين الفعلين لتساويهما في القوة، أخذنا بالقول، لأنه يشهد لنا فعملنا به. وقولهم: إن المعارضة إذا وقعت بين الحجتين يصار إلى ما بعدها، إنما يكون ذلك عند انعدام الحجة فيما فوقهما، وإن كانت الحجة فوقهما فلا تحتاج حينئذ إلى المعارضة، وهنا كذلك، وإن أنكروا ثبوته بنقل العدل. وأجيب عن الثاني: بأن ما قلتم إنما يلزم أن لو قلنا بترجيح الفعل بالقول، ولا نقول به، بل نقول لما تعارض فعله رجعنا إلى ما هو الحجة في الباب، وهو حديث القول. قلت: فيه نظر لأن بين قوله أيضا تعارض كما ذكرنا، والأوجه في الجواب ما ذكرناه من جعل الأحاديث على جواز الأمرين، وأيضا حديث ذي اليدين منسوخ، وفي " الأنوار ": تأويل ما رواه الشافعي أن الراوي دخل في صلاته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في سجدتي السهو، وعاين السلام بعدهما، فروي كذلك أو كان منه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لبيان الجواز قبل السلام لا لبيان المسنون. م: (ولأن سجود السهو مما لا يتكرر فيؤخر عن السلام) ش: هذا دليل عقلي على كون سجود السهو بعد السلام تقديره أن القياس كان يقتضي أن لا يتأخر سجود السهو عن زمان سجود العلة، وهي السهو، إلا أنه لما كان مما لا يتكرر أخر عن السلام، وأما كونه لا يتكرر فلأنه إذا سجد زمان وجود السهو، ثم إذا سهى فلا يخلو إما أن يسجد ثانيا أو لا، فإن لم يسجد بقي بعض لازم لا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 حتى لو سهى عن السلام يجبر به، وهذا الخلاف في الأولوية ويأتي بتسليمتين هو الصحيح.   [البناية] جبر له، وإن سجد يلزم التكرار، فلذلك أخر عن زمان العلة، فلهذا المعنى أخر عن السلام أيضا حتى لو سهى عن السلام بأن قام إلى الخامسة مثلا ساهيا يلزمه سجود السهو لتأخير السلام، ولو سهى بعد السلام لا يلزمه السجود لأنه يؤدي إلى ما لا يتناهى. وقال الأترازي: سجود السهو ليس يتكرر بالإجماع، قلت: ليس كذلك، لأن مذهب ابن أبي ليلى أن السجود يتكرر بعد السهو. وقال الأوزاعي: إذا سهى سهوين يسجد أربع سجدات، ذكره النووي. ولو سهى في سجدتي السهو لم يسجد وهو قول الحسن والنخعي ومغيرة والشعبي ومنصور بن زاذان والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وهذا إجماع. م: (حتى لو سهى عن السلام يجبر به) ش: هذا توضيح فيؤخر عن السلام وسهوه عن السلام يكون بالقيام إلى الخامسة، فإن سهى يجبر السلام بالسجود، ولأجل النقص م: (وهذا الخلاف في الأولوية) ش: أي الخلاف المذكور بيننا وبين الشافعي في الأولوية لا في الجواز، أراد أن الأولى عندنا أن يسجد للسهو بعد السلام، ويجوز عندنا ولو سجد قبل السلام يجوز أيضا والأولى عنده قبل السلام وبعد السلام يجوز أيضا هذا الذي ذكره المصنف، هذا جواب ظاهر الرواية، وقد ذكر في " النوادر " أنه إذا سجد للسهو قبل السلام لا تجبر به، لأنه أتى به في غير محله. وفي " الذخيرة " لو سجد للسهو قبل السلام جاز عندنا. قال القدوري: هذا في رواية الأصول، قال: وروي عنهم أنه لا يجبر به. وقال صاحب " الحاوي " من الشافعية: لا خلاف بين الفقهاء أن سجود السهو جائز قبل السلام وبعده، وإنما الخلاف في الأولى، وفي قول التقديم والتأخير سواء في الفضيلة لصحة الأخبار في التقديم والتأخير قاله إمام الحرمين، وفي قول عنهم: إذا أخره لا يعتد به. قال النووي: وهو الصحيح. م: (ويأتي بتسليمتين) ش: أي يأتي من عليه سجود السهو بتسليمتين عن يمينه وعن شماله، وبه قال الثوري وأحمد. وفي " المفيد ": يسلم عن يمينه ويساره كالمعهودتين م: (هو الصحيح) ش: أي الإتيان بتسليمتين هو الصحيح احترز به عما نقل عن فخر الإسلام من المذهب وفي " الينابيع " التسليمتان أصح و [ ..... ] هو الصحيح وهو التسليم واحدة من تلقاء وجهه. وفي " المحيط ": ينبغي أن يسلم تسليمة واحدة عن يمينه، وهو قول الكرخي، وهو الأصوب وبه قال النخعي. وفي " المفيد " و " المرغيناني " و " البدائع ": يسلم تلقاء وجهه عند البعض، لأن التسليمة الأولى للتحليل والثانية للتحية ولا تحية في الأولى فكان ضمها إلى الأولى عبثا، وينبغي أن لا ينحرف فيه لأنه للتحية دون التحليل، وقد سقط معنى التحية هنا أيضا، واختار فخر الإسلام وشيخ الإسلام وصاحب " الإيضاح " أيضا أن يسلم تسليمة واحدة ثم اختار فخر الإسلام أن تكون تلك التسليمة من تلقاء وجهه. ولا ينحرف عن القبلة. وقال شيخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 صرفا للسلام المذكور إلى ما هو المعهود ويأتي بالصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والدعاء في قعدة السهو هو الصحيح،   [البناية] الإسلام: ولو سلم بتسليمتين لا يأتي بسجود السهو بعد ذلك، لأنه كالكلام، ونسب أبو اليسر القائل بالتسليمة الواحدة إلى البدعة. فإن قلت: ما فائدة قولهم: أن التسليمة الأولى تحليل وتحية، والثانية: تحية. قلت: فائدة هذا أنه لا يصح الاقتداء بعد الأولى ولو قهقه بعد الأولى ولا تنتقض طهارته، وقيل عند أبي حنيفة وأبي يوسف يسلم تسليمتين. م: (صرفا للسلام المذكور إلى ما هو المعهود) ش: صرفا بالفتح نصب على أنه مفعول مطلق، كذا قيل، والصحيح أنه نصب على التعليل أي لأجل الصرف للسلام المذكور في قوله وفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث المذكور بعد السلام إلى ما هو المعهود في الصلاة وهو التسليمتان. م: (ويأتي بالصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والدعاء في قعدة السهو) ش: أي يأتي من عليه سجود السهو بالصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قعدته الأخير وهي قعدة السهو أي سجود السهو. وفي " الذخيرة ": اختلفوا في الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي الدعوات أنها في قعدة الصلاة أم في سجدتي السهو، ذكر أبو جعفر الأسروشتي أن ذلك كله قبل سلام السهو، وذكر الكرخي في " مختصره " أنها في قعدة سجدتي السهو، لأنها هي القعدة الأخيرة، واختار فخر الإسلام في " المصنف " وقال: م: (هو الصحيح) ش: أي الإتيان بالصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والدعاء في قعدة السهو هو الصحيح. وقال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ": فمن مشايخنا من اختار الدعاء قبل السلام وبعده، ثم قال: وهو الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن كل واحد من التشهدين في آخر الصلاة. وفي " المحيط " اختلفوا في الصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وفي الدعوات قال الطحاوي: كل قعدة فيها سلام فيها صلاة، فعلى هذا يصلي في القعدتين جميعا عنده. وفي " فتاوى الظهيرية ": الأحوط أن يصلي في القعدتين، وقيل عند أبي حنيفة وأبي يوسف يصلي ويدعو في الأولى دون الثانية بناء على أن سلام الإمام أو من عليه السهو يخرجه عن الصلاة عندهما وعند محمد في الأخيرة خاصة، لأن السلام لا يخرجه عنده، وقال الأكمل: وفيه نظر، لأن الأصل المذكور متقرر، فلو كانت هذه المسألة مبنية على ذلك لكان الصحيح مذهبهما. قلت: هذا النظر غير بين، لأنه لا يلزم من كون الأصل المذكور متقررا عدم جواز بناء المسألة المذكورة عليه، وقوله: لكان الصحيح مذهبهما، يرده ما ذكره في " المفيد " أنه هو الصحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 607 لأن الدعاء موضعه آخر الصلاة. قال: ويلزمه السهو إذا زاد في صلاته فعلا من جنسها ليس منها، وهذا يدل على أن سجدة السهو واجبة هو الصحيح؛ لأنها تجب لجبر نقص تمكن في العبادة، فتكون واجبة كالدماء في الحج،   [البناية] م: (لأن الدعاء موضعه آخر الصلاة) ش: هذا التعليل ما اختاره المصنف بقوله هو الصحيح، ومعناه أن الدعاء مشروع بعد الفراغ من الأداء أو الفراغ قبل الخبر. قلت: لقائل أن يقول: آخر الصلاة حقيقة هو قعدة الصلاة الأخيرة، وسجدة السهو ليست من نفس الصلاة وقعدتها كذلك. [متى يلزم سجود السهو] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويلزمه السهو) ش: هذا البيان ما ذكر في أول الباب بقوله يسجد للسهو للزيادة والنقصان لأنه لم يعلم من ذلك أنه، أي زيادة أو نقصان موجب ذلك، ففسر هناك بقوله ويلزمه السهو، أي يلزم الساهي في صلاته سجود السهو م: (إذا زاد في صلاته فعلا من جنسها) ش: أي من جنس الصلاة م (ليس منها) ش: أي والحال أن الذي زاد ليس من جنس الصلاة، كما إذا ركع ركوعين أو سجد ثلاث سجدات ساهيا، لأن الركوع الزائد والسجود الزائد من جنس الصلوات من حيث إنهما ركوع وسجود، ولكنهما ليسا من الصلاة لكونهما زيادة. م: (وهذا) ش: أي قول القدوري ويلزمه السهو م: (يدل على أن سجدة السهو واجبة) ش: لأن لفظ اللزوم ينبئ عن ذلك، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا سهى الإمام وجب على المؤتم أن يسجد يدل عليه قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم» ومطلق الأمر للوجوب، م: (وهو الصحيح) ش: أي كون سجود السهو واجبا هو الصحيح من المذهب، ذكره في " المحيط " و " المبسوط " و " الذخيرة " و " البدائع "، وبه قال مالك وأحمد في " فتاوى المرغيناني "، غير الكرخي من أصحابنا بقوله أنه سنة. وفي " التحفة " و " المفيد " قال القدوري: هو سنة، وقول الشافعي لأنه يجب بترك بعض السنن والخلف لا يكون فوق الأصل، كذا في " المحيط ". م: (لأنها) ش: تعليل الوجوب، أي لأن سجود السهو م: (تجب لجبر نقص تمكن في العبادة، فتكون واجبة كالدماء في الحج) ش: عند وقوع الجناية. فإن قلت: جبر النقصان في الصلاة بالسجدة، وفي باب الحج بالدم فما وجه تشبيه ذلك بهذا. قلت: الأصل أن الجبر من جبر الكسر، وللمال مدخل في باب الحج فيجبر نقصانه بالدم ولا مدخل للمال في باب الصلاة، فجبر النقصان بالسجدة، ووجه التشبيه في كون كل منهما جبرا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 608 وإن كان واجبا لا يجب إلا بترك واجب أو تأخيره، أو تأخير ركن ساهيا   [البناية] م: (وإذا كان) ش: أي سجدتا السهو: (واجبا لا يجب إلا بترك واجب) ش: نحو ما إذا ترك القعدة الأولى أو القراءة فيها وقام إلى الثالثة ساهيا، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علق إيجابها بالسهو بقوله لكل سهو سجدتان، وإنما تضاف إلى الشروع في السهو إضافة لازمة، فلو أوجبنا ذلك في العمل لما لزمها الإضافة في السهو. وقال الشافعي: إن العمل إذا تعمد الخطأ فيما تجب فيه السجدة تجب سجدة السهو، لأنها تجبر النقصان، والنقصان يحصل فيها حالة العمد، كما يحصل حالة السهو، وفي " المجتبى " وفي العمد لا يجب السهو خلافا للشافعي إلا في مسألتين ذكرهما البديع، فلو ترك القعدة الأولى عمدا أو شك في بعض أفعال الصلاة فتفكر عمدا حتى شغله ذلك عن ركن يجب السجدة، فقلت له كيف يجب سجدة السهو بالعمد؟، قال: ذلك سجود العذر لا سجود السهو: (أو تأخيره) ش: أي تأخير واجب نحو ما إذا قام إلى الخامسة ساهيا، لأن إصابة لفظ السلام واجبة، أو بقي قاعدا على ظن أنه سلم ثم تبين أنه لم يسلم يجب عليه سجود السهو م: (أو تأخير ركن) ش: نحو ما إذا أتى بثلاث سجدات أو وعى في القعدة الأولى، لأن القيام ركن يتأخر بزيادة السجدة أو الدعاء م: (ساهيا) ش: نصب على الحال، وذو الحال محذوف تقديره يجب بترك المصلي الواجب حال كونه ساهيا، وكذلك مقدر في قوله أو تأخيره أو تأخير الركن فهذه ثلاث أشياء ذكرها المصنف. وفي " الذخيرة " وتكلم الشيخ في هذا وأكثرهم على أنه يجب بستة أشياء بترك الترتيب فيما شرع مكررا كالسجدة وتقديم الركن وتأخيره وتكراره وترك الواجب وتغييره. وفي " المحيط " و " التحفة " و " القنية " يجب بترك الواجب الأصلي. قال في " التحفة " هو الذي يجب بسبب التحريمة، أما لو ترك واجبا ليس بأصلي في الصلاة كما لو وجب عليه سجدة التلاوة فذكرها في آخر الصلاة لا يجب عليه السهو لتأخيرها، وكذا لو سلم ساهيا ولم يتذكرها لا يسجد للسهو بتأخيرها. وذكر الأسبيجابي أنه يسجد للسهو بتأخير سجدة التلاوة عن موضعها. ومثله في " المحيط ". وفي رواية " النوادر " لا يلزمه، وفي " الذخيرة " أما تقديم الركن قبل أن يركع وقبل أن يقرأ أو يسجد قبل أن يركع، وتأخير الركن أن يترك سجدة صلاتية سهوا فيذكرها في الركعة الثانية أو في آخر الصلاة أو تأخير القيام إلى الثالثة بالزيادة على التشهد. وتكرار الركن أن يركع ركوعين، أو يسجد ثلاث سجدات، وترك الواجب أن يترك القعدة الأولى في الفرائض. وفي " المرغيناني " في الفرائض أو التطوع وتغيير الواجب أن يجهر الإمام فيما يخافت أو يخافت فيما يجهر. وفي " التحفة " و " الذخيرة " في رواية الأصل سوى بين الجهر والمخافتة وفي " النوادر " أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 609 هذا هو الأصل، وإنما وجبت بالزيادة؛ لأنها لا تعرى عن تأخير ركن أو ترك واجب. قال: ويلزمه إذا ترك فعلا مسنونا كأنه أراد به فعلا واجبا إلا أنه أراد بتسميته سنة أي وجوبها ثبت بالسنة. قال: أو ترك قراءة الفاتحة.   [البناية] يجهر فيما يخافت فعليه السهو قل أو كثر، وإن خافت فيما يجهر إن كان بفاتحة الكتاب أو أكثر فعليه السهو وإلا فلا، وفي غير الفاتحة إن خافت في ثلاث آيات قصار أو آية طويلة عند الكل أو قصيرة عنده فعليه السهو وإلا فلا، وعن ابن سماعة عن محمد إن جهر بأكثر من الفاتحة سجد ثم رجع إلى مقدار ما يجوز به الصلاة. وعن أبي يوسف إن جهر بحرف واحد فسجد والصحيح مقدار ما تجوز به الصلاة، والفاتحة وغيرها سواء، والمنفرد للسهو عليه ذكره في الأصل، وذكر الناطفي رواية مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة في المنفرد إذا جهر في المخافتة أن عليه السهو وفي ظاهر الرواية لا سهو عليه. وفي " المحيط " في رواية النوادر عليه السهو، وذكر الحلواني أن المنفرد لو كان عنده رجل يصلي وحده فعليه السهو. وفي " نوادر أبي سليمان " لو نسي حاله وظن أنه قام فجهر سجد للسهو. م: (هذا هو الأصل) ش: يعني أن الأصل في وجوب سجدة السهو ترك الواجب أو تأخير الواجب أو تأخير الركن سهوا، فإن وجد واحدا منها يتحقق سبب الوجوب فيجب سجود السهو م: (وإنما وجب بالزيادة) ش: هذا جواب ما يقال لا يجب بالزيادة أيضا ولا ترك هناك ولا تأخير، فأجاب عن ذلك بقوله، م: (لأنها) ش: أي لأن الزيادة م: (لا تعرى عن تأخير ركن) ش: كما في زيادة السجود م: (أو ترك واجب) ش: أي الزيادة لا تعرى عن تأخير واجب كما في تأخير القيام بأن قام إلى الخامسة ساهيا، لأنه حينئذ يلزم بترك الواجب وهو إصابة لفظ السلام. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويلزمه) ش: أي ويلزم الساهي سجود السهو م: (إذا ترك فعلا مسنونا) ش: معناه ظاهرا فعلا ثابتا بالسنة، ولكن فسره بقوله م: (كأنه) ش: أي كأن محمدا م: (أراد به) ش: أي بقوله فعلا مسنونا م: (فعلا واجبا، إلا أنه أراد بتسميته سنة) ش: أي تسمية الواجب سنة، م: (أي وجوبها ثبت بالسنة) ش: يعني ثبوت وجوبها بالسنة من إطلاق اسم السبب على المسبب، وإنما أنث الضمير مع أنه يرجع إلى الفعل على تأويل القعدة لأنها واجبة بالسنة أو على تأويل سنة الفعل، وقيل أراد بقوله مسنونا ما ذكره صاحب " المحيط " وبترك سنة مضافة إلى جميع الصلاة. م: (قال) ش: أي القدوري م: (أو ترك قراءة الفاتحة) ش: هذا البيان أنه كما يجب سجود السهو بترك الأفعال يجب لترك الفاتحة، وإن ترك أقلها فلا سهو عليه فكأنه قرأ كلها ذكره في " المحيط "، وإن قرأ الفاتحة مرتين في إحدى الأوليين فعليه السهو لتأخير الواجب، وهو السورة، ولو قرأ الفاتحة وسورة ثم أعاد الفاتحة فلا سهو عليه، وروى إبراهيم عن محمد إذا قرأ الفاتحة في الأوليين في ركعة مرتين فعليه السهو من غير فصل، وفي الأخيرتين لا سهو عليه، وفي " جمع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 610 لأنها واجبة، أو القنوت، أو التشهد أو تكبيرات العيدين؛ لأنها واجبات، فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: واظب عليها من غير تركها مرة، وهي أمارة الوجوب؛ ولأنها تضاف إلى جميع   [البناية] التفاريق " كذلك في تكرار التشهد يعني إن كرره في القعدة الأولى فعليه السهو، وإن كرره في الثانية فلا سهو عليه، وفي " العيون " إذا تشهد مرتين فلا سهو عليه، ومثله في " المحيط ". ولو قرأ الفاتحة وآية قصيرة فعليه السهو، وإن أخر الفاتحة عن السورة فعليه السهو. وفي " الذخيرة " و " العيون ": لو قرأ آية في ركوعه أو سجوده أو القومة أو القعود فعليه سجدتا السهو ولو تشهد في ركوعه أو سجوده أو القومة فلا سهو عليه. وذكر الناطفي في " أجناسه " عن محمد لو تشهد في قيامه قبل قراءة الفاتحة لا سهو عليه، وبعدها يلزمه وهو الأصح، وفي " المحيط " و " العيون " لو تشهد في ركوعه أو سجوده يلزمه السهو. م: (أو القنوت) ش: أي ترك القنوت، ولو تذكره بعدما سجد عليه السهو، وكذا بعدما رفع رأسه من الركوع ويمضي ولا يقنت، ولو تذكر في الركوع ففي عوده إلى القنوت روايتان، ذكره في " المبسوط " وفي " الذخيرة "، وفي " الينابيع " وسجد للسهو فيهما أو التشهد أي ترك لو قعد قدر التشهد في الركعة الأخيرة، ولم يتشهد فعن أبي يوسف روايتان في سجود السهو، ولو ترك بعض التشهد يجب السهو، وفي " الفتاوى الظهيرية " قرأ التشهد قائما إن كان في الركعة الأولى لا يلزمه شيء، وإن كان في الثانية اختلف المشايخ فيه، والأصح أنه لا يجب م: (أو تكبيرات العيد) ش: أي أو ترك تكبيرات العيد. وفي " التحفة " والعيد لا يجب السهو بترك الأذكار. قال " الأسبيجابي " كالثناء والتعوذ وتكبيرات الركوع والسجود لمجاريها إلا في أربعة وهي القراءة والقنوت والتشهد الأخير وتكبيرات العيدين. وفي " الأسبيجابي " إلا في خمسة وزاد تأخير السلام، وأطلق التشهد ولم يقيده بالآخر، ثم قال ويجب بتركه فيهما. وفي " التجريد و " مختصر البحر " لو ترك تكبيرة الركوع من صلاة العيد يجب السهو. قال " صاحب المحيط " والظاهر أنه أراد تكبيرة به الركوع الثاني، لأنه تبع لتكبيرات العيد، وفي " البدائع " لو زاد في تكبيرات العيدين يسجد، رواه الحسن عن أبي حنيفة. م: (لأنها) ش: أي لأن القنوت والتشهد وتكبيرات العيدين م: (واجبات فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - واظب عليها) ش: أي على هذه الأشياء م: (من غير تركها مرة) ش: ومواظبة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عليها معروفة، ولم ينقل الترك، وفي " المبسوط " ترك التشهد في القعدة الأولى أو قنوت الوتر أو تكبيرات العيدين الفائتة لا يسجد للسهو، لأن هذه الأركان سنة وبتركها لا يكون كثير من النقصان، كما إذا ترك الثناء والتعوذ، وفي الاستحسان يجب كما ذكره المصنف. م: (وهي) ش: أي مواظبة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (أمارة الوجوب) ش: بفتح الهمزة، أي علامة للوجوب م: (ولأنها) ش: أي ولأن القنوت والتشهد وتكبيرات العيد م: (تضاف إلى جميع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 611 الصلاة فدل على أنها من خصائصها وذلك بالوجوب، ثم ذكر التشهد يحتمل القعدة الأولى، والثانية، والقراءة فيها، وكل ذلك واجب.   [البناية] الصلاة فقال: قنوت الوتر وتشهد الصلاة وتكبيرات صلاة العيد فدل) ش: أي الإضافة م: (أنها) ش: أي أن هذه الأشياء م: (من خصائصها) ش: أي من خصائص الصلاة، لأن الإضافة دليل الاختصاص م: (وذلك) ش: أي الاختصاص إنما يكون م: (بالوجوب) ش: لأن اختصاص الشيء بالشيء يقتضي وجوده معه، والوجوب طريق للوجود، والخصائص جمع خصيصة تأنيث الخصيص بمعنى الخاص، كالشريك والنديم بمعنى المشارك والمنادم م: (ثم ذكر التشهد) ش: أي ذكر القدوري التشهد في " مختصره " بقوله أو ترك فاتحة الكتاب أو القنوت أو التشهد م: (يحتمل القعدة الأولى والثانية والقراءة فيهما) ش: أي في الأولى والثانية وذلك لأن التشهد يطلق على الدعاء الذي فيه ذكر الشهادتين وتطلق على القعدتين م: (وكل ذلك واجب) ش: أي كل المذكور من القعدتين الأولى والثانية والقراءة فيهما واجب، وقد استشكل هاهنا من أربعة أوجه: الأول: أن القعدة الثانية فرض، وذكر أنها واجبة. والثاني: أن قراءة التشهد في القعدة الأولى عنده سنة، وذكر أنه واجب. والثالث: فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز، إذ التشهد للقراءة فيهما حقيقة وللقعدة مجاز، إطلاقا لاسم الحال على المحل. الرابع: أنه لو كان القعدة مرادة لزم التكرار، لأنه ذكر قبله إذا ترك فعلا مسنونا أي واجبا بالسنة. فالجواب عن الأول: أنه أراد بقوله كل ذلك واجب غير القعدة الثانية، إذ التخصيص شائع، فإن ذكره سابقا أنها فرض دليل على أنها غير مرادة، وهو كقوله تعالى {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23] (النمل: الآية 23) ، مع نفي أنها لم تؤت كثيرا من الأشياء، فلهذا ذكره صاحب " الدراية " وفيه نظر، لأن ظاهره يناقض، ولأجل هذا حمله بعضهم على السهو من المصنف، وتشبيهه بقوله {وَأُوتِيَتْ} [النمل: 23] ليس بملائم، لأن التخصيص فيه بالحسن على أن قوما زعموا أن التخصيص لا يجري في الخبر كالنسخ. وأجاب الأترازي لأنه أراد وجوبها أنه إذا سهى عنها بأن قام إلى الخامسة ثم عاد إلى التشهد يلزمه سجود السهو لترك الواجب، لأنه كان يجب عليه أن لا يؤخر الركن وهو القعدة الأخيرة، فلما سهى عنها ترك الواجب. قلت: فيه نظر أيضا، لأنه لا يدل شيء على ما ذكره من ظاهر لفظ المصنف ولا قامت قرينة تدل على ذلك، والأوجه أن يقال نعم القعدة الأخيرة فرض، ولكنها فرض ذاتا، وقد أشار إليه فيما سبق وأوجبه محلا وموضعا، ألا ترى أنه إذا قام إلى الخامسة يعود إلى القعدة ما لم يقيدها بالسجدة ويسجد للسهو ولا يعيد صلاته، فعلم أن اتصالها بالركعة الأخيرة واجب، وقد أشار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 612 وفيها سجدة السهو، وهو الصحيح   [البناية] إليه هاهنا فلا يندفع الإشكال إلا بهذا، ويحمل كلامه على السهو والخطأ فحمل كلامه على هذا الذي قررناه أحسن من حمله على السهو، وفي " النهاية " والأوجه فيه أن يحمل كلامه على رواية الحسن عن أبي حنيفة بأنه يجوز الصلاة بدون القعدة الأخيرة، وذكره في " الأسرار ". قلت: هذا إنما يتمشى إذا كان المصنف ذهب إليه لظاهر المذهب خلاف ذلك، ويبعد عنه أن يكون هذا مذهبه. وقال الأكمل: وأجيب بأن المراد بتركها تأخيرها بالقيام إلى الخامسة، فإن في التأخير نوع ترك، وتأخير الركن يوجب السجدة. قلت: هذا جواب بعضهم نقله صاحب " النهاية "، ونقل عنه الأكمل ثم ينظر فيه بما حاصله أنه أراد حقيقة الترك في غيرها، ولو أريد به التأخير فيها لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز، وهذا النظر أيضا لغيره، ومع هذا فلقائل أن يقول بجواز الجمع بينهما عند اختلاف المحل عند بعضهم فافهم. الجواب عن الثاني: أن قراءة التشهد في القعدة الأولى فيها اختلاف، هل هي سنة أم واجبة، فالمصنف وإن كان يراها سنة وإنما ذكر أنها هاهنا واجبة على قول من يذهب إلى الوجوب. وعن الثالث: أن المستحيل اجتماعها مرادين وهو مما يعارض للإرادة، إلا أن يقول القرء يحتمل الحيض والطهر وهو الجواب عن الرابع. م: (وفيها سجدة) ش: أي في ترك قراءة الفاتحة والقنوت والتشهد وتكبيرات العيدين م: (سجدة السهو وهو الصحيح) ش: أي وجوب سجدتي السهو في هذه الأشياء هو الصحيح، واحترز به عن جواب القياس في هذه الأشياء حيث لا يجب فيها شيء، كما لو ترك الثناء والتعوذ. وقال الأكمل: قوله وهو الصحيح احترازا عما قبل قراءة التشهد في القعدة الأولى سنة، وقال الأترازي: إنما قيد بالصحيح احترازا عما قال القاضي الإمام أبو جعفر الأستروشني - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إن قراءة التشهد في القعدة الأولى سنة. وقال صاحب " الدراية ": هو الصحيح احترازا عن جواب القياس في التشهد، وكذا قال السغناقي ثم قال ولكن جواب الاستحسان أنه واجب. قلت: الكل متفقون على ما ليس بمراد المصنف، فالأوجه الاستدلال الذي ذكرته على ما لا يخفى على المصنف. وفي " المحيط " قال الكرخي والطحاوي وبعض المتأخرين: القعدة الأولى واجبة وقراءة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 613 ولو جهر الإمام فيما يخافت، أو خافت فيما يجهر تلزمه سجدتا السهو؛ لأن الجهر في موضعه، والمخافتة في موضعها من الواجبات. واختلفت الرواية في المقدار، والأصح قدر ما تجوز به الصلاة في الفصلين، لأن اليسير من الجهر والإخفاء لا يمكن الاحتراز عنه. وعن الكثير ممكن، وما تصح به الصلاة كثير غير أن ذلك عنده.   [البناية] التشهد فيها سنة عند بعض المشايخ وهو الأقيس، وعند بعضهم واجبة وهو الأصح، وقراءة التشهد في القعدة الأخيرة واجبة بالاتفاق. وقال السغناقي: وفيه احتراز أيضا عن إحدى الروايتين عن أبي يوسف في ترك قراءة التشهد في القعدة الثانية أنه لا يجب السهو في رواية عنه، وكذا في " جامع قاضي خان ". م: (ولو جهر الإمام فيما يخافت) ش: يخافت على صيغة المجهول نحو صلاة الظهر والعصر م: (أو خافت فيما يجهر) ش: يجهر أيضا على صيغة المجهول، نحو صلاة المغرب والعشاء والصبح م: (يلزمه سجدتا السهو) ش: أي يلزمه سجود السهو م: (لأن الجهر في موضعه، والمخافتة في موضعها من الواجبات) ش: لمواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهما فبتركهما يلزم السهو. وقال الشافعي: لا يجب السهو بترك الجهر والمخافتة لأنه لم يترك المقصود في المحل، وإنما ترك صفته، وقال مالك وأحمد: إن جهر في موضع الإسرار يسجد للسهو بعد السلام، وإن أسر في موضع الجهر سجد قبل السلام، وعن أحمد إن سجد فحسن، وإن ترك فلا بأس. م: (واختلفت الرواية في المقدار) ش: وفي بعض النسخ، واختلفت بالواو وهذه أحسن، أي اختلفت الرواية عن أصحابنا في مقدار ما يتعلق به السهو من الجهر فيما يخفى، والإخفاء فيما يجهر، فذكر الحاكم الخليل عن ابن سماعة عن محمد أنه قال: إذا جهر بأكثر الفاتحة يسجد ثم رجع فقال إذا جهر مقدار ما يجوز به الصلاة تجب وإلا فلا. وروى أبو سليمان عن محمد إن جهر بأكثر الفاتحة سجد، وإن جهر بغير الفاتحة بآية طويلة، وقد مر الكلام فيه مستقصى عن قريب. م: (والأصح قدر ما يصح به الصلاة) ش: أي الأصح في المقدار الجهر الذي يجب به السهو القراءة قدر ما تصح به الصلاة وهو ثلاث آيات أو آية طويلة بالاتفاق أو آية قصيرة على مذهب أبي حنيفة، واحترز بقوله والأصح عما ذكره شمس الأئمة السرخسي أنه يجب سجدتا السهو، وإن كان ذلك كلمة م) في الفصلين) ش: أرد بهما جهر الإمام فيما يخفى والإخفاء فيما يجهر م: (لأن اليسير من الجهر والإخفاء لا يمكن الاحتراز عنه، وعن الكثير يمكن) ش: أراد بالإمكان وعدمه من حيث العادة م: (وما تصح به الصلاة كثير) ش: أي الذي تصح به الصلاة من القراءة يعد كثيرا، وما لا يصلح به الصلاة يعد يسيرا م: (غير أن ذلك) ش: أي الكثرة الذي تصح به الصلاة م: (عنده) ش: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 614 آية واحدة، وعندهما: ثلاث آيات وهذا في حق الإمام دون المنفرد؛ لأن الجهر والمخافتة من خصائص الجماعة.   [البناية] أي عند أبي حنيفة م: (آية واحدة، وعندهما ثلاث آيات) ش: على ما عرف في موضعه. فإن قلت: روى البخاري ومسلم وأبو داود واللفظ له عن أبي قتادة قال: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يصلي بنا يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، يسمعنا الآية أحيانا» ... الحديث. فدل على أن الإخفاء لم يكن واجبا كما ذهب إليه الشافعي. قلت: هذا محمول على أنه أراد به بيان جواز الجهر في القراءة السرية، وإن الإسرار ليس بشرط لصحة الصلاة بل هو سنة، ويحتمل أن الجهر بالآية كان يحصل سبق اللسان للاستغراق في التدبر. م: (وهذا) ش: أي وجوب السجدة في الفصلين م: (في الإمام) ش: أي في حق الإمام م: (دون المنفرد، لأن الجهر والمخافتة من خصائص الجماعة) ش: أي وجوبهما من خصائص الجماعة. فإن قلت: هذا الجواب في حق المنفرد في حق الصلاة التي يجهر فيها صحيح، لأنه لا يجب الجهر على المنفرد، بل من مخير بين الجهر والمخافتة في حق الصلاة يخافت فيها ينبغي أن يجب سجدة السهو بالجهر فيها، لأن المخافتة على المنفرد واجبة فيها كالإمام. قلت: هذا الذي ذكره جواب ظاهر الرواية. وأما جواب رواية " النوادر " فإنه يجب عليه سجدة السهو، وكذا ذكر الناطفي في " واقعاته " رواية أبي مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة في المنفرد، وإذا جهر فيما يخافت أن عليه السهو. وفي " نوادر الظهيرية " روى أبو سليمان أن المنفرد إذا ظن أنه إمام فجهر كما يجهر الإمام يلزمه سجود السهو وفي " المجتبى " سها الإمام فخافت بالفاتحة، ثم ذكر فجهر بالسورة لا يعيد الفاتحة، وقال شرف الدين العقيلي: لا خلاف أنه إذا جهر بأكثر الفاتحة، ثم ذكرها يتمها مخافتة ولو خافت بأكثر الفاتحة فيما يجهر، قيل يتمها ولا يعيد الفاتحة، وقال شمس الأئمة: وقياس مسائل " الجامع الصغير " أن يؤمر بالإعادة جهرا، وفي ترك الأولى في القراءة سهوا اختلاف بين أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد سهى عن قراءة البسملة في أول ركعة، فعن أبي يوسف يلزمه السهو، وفي " المنتقى " و " غريب الرواية " لو أم في النفل يجهر، فإن خافت فعليه السهو. وفي " المحيط " زاد في التشهد الأول حرفا يجب السهو عندنا. وقال أبو شجاع: إنما يجب إذا قال اللهم صل على محمد، وقال الشيخ أبو منصور الماتريدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما يجب إذا قال معه، وعلى آل محمد، وقال المرغيناني: المعتبر قدر ما يؤدي فيه ركنا، وعن أبي يوسف ومحمد لا سهو عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 615 قال: وسهو الإمام يوجب على المؤتم السجود لتقرر السبب الموجب في حق الأصل، ولهذا يلزمه حكم الإقامة بنية الإمام، فإن لم يسجد الإمام لم يسجد المؤتم؛ لأنه يصير مخالفا لإمامه.   [البناية] وقال الشافعي لو ترك الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد الأول سجد للسهو. م: (وسهو الإمام يوجب على المؤتم السجود) ش: السجود منصوب لأنه مفعول يوجب م: (لتقرر السبب الموجب في حق الأصل) ش: أراد بالسببية السهو، وبالأصل الإمام، فلما وجب عليه وجب على من خلفه، لأن النقصان المتمكن في صلاته متمكن في صلاة القوم، لأن صلاتهم متعلقة بصلاته صحة وفسادا، فوجب عليهم السجود م: (ولهذا) ش: أي ولأجل تقرر السبب الموجب في حق الأصل م: (يلزمه) ش: أي يلزم المؤتم م: (حكم الإقامة بنية الإمام) ش: يعني إذا نوى الإمام في وسط صلاته الإقامة يصير فرضهم أربعا، وإن لم يوجد من القوم النية. م: (فإن لم يسجد الإمام لم يسجد المؤتم) ش: يعني لا يجب عليه أن يسجد م: (لأنه) ش: أي لأن المؤتم م: (يصير مخالفا لإمامه) ش: إذا سجد بدون أن يسجد الإمام، وبه قال المزني والبويطي من أصحاب الشافعي وأحمد في رواية، وعند الشافعي، ومالك وأحمد في رواية يسجد المأموم، ومذهبنا قول عطاء والحسن والنخعي والثوري والقاسم وحماد بن أبي سليمان. وفي حديث ابن عمر «فإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه السهو» ذكر هذا الحديث ابن تيمية في " شرحه "، وكلمة على للوجوب. فإن قلت: هاهنا إشكالان: الأول: يشكل على هذه المسائل التسع التي ذكرت في " الخلاصة " و " الخزانة " أنها إذا لم يفعلها الإمام يفعلها القوم، وهي إذا لم يرفع الإمام يديه عند تكبيرة الافتتاح يرفع القوم. وإذا لم يبن فالمقتدي يبني، وإذا ترك تكبيرة الركوع وتسبيحته وتسميته وتكبيرة الانحطاط وقراءة التشهد والتسليم، يأتي بذلك كله المقتدي والتاسع تكبيرة التشريق. قلت: هذه الأحكام لا تثبت في ضمن شيء باشره الإمام بل يثبت ابتداء على كل واحد من الإمام والمقتدي، ولا تجزئ فيه النيابة، بخلاف سجدة السهو، فإنها إنما تثبت في ضمن ما باشره الإمام، فلما لم يأت به لم يجب على غيره الإشكال. الثاني: يرد على قوله لأنه يصير مخالفا وهو ما إذا قام المسبوق لقضاء ما سبق بعد فراغ الإمام والمقيم المقتدي بالمسافر يتم ركعتين بعد فراغ الإمام. قلت: المخالفة بعد فراغ لا تعد مخالفة، وليس في المسألتين تعلق بصلاة الإمام فلا تكون مخالفة لا صورة ولا معنى. وفي " مبسوط أبي اليسر ": ويسجد المسبوق مع الإمام للسهو سواء أدركه في القعدة أو في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 616 وما التزم الأداء إلا متابعا، فإن سها المؤتم لم يلزم الإمام ولا المؤتم السجود؛ لأنه لو سجد وحده كان مخالفا لإمامه، ولو تابعه الإمام ينقلب الأصل تبعا، ومن سها عن القعدة الأولى، ثم تذكر وهو إلى حالة القعود أقرب   [البناية] وسط الصلاة، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فلا تختلفوا عليه» ولو لم يسجد معه وقام إلى قضاء ما سبق ثم سلم الإمام لا يلزمه سجدتا السهو بالقياس لأنه خرج عن صلاة الإمام، وفي " الاستحسان " يلزمه لأن هذه الصلاة كلها واحدة من حيث التحريمة يجب الإتيان بالكل. وقال الشافعي: لو سها الإمام فيما أدركه بعد فسجد مع الإمام إذا سجد قبل السلام. وعن ابن سيرين أنه لا يتابعه، وإن سجد الإمام بعد السلام لم يتابعه فيه وعندنا يتابعه، ولو سجد مع الإمام قبل السلام وقضى ما عليه يعيد سجود السهو في آخر صلاته في قوله الجديد، وفي القديم لا يعيد، ولو سها الإمام فيما لم يدركه المسبوق يلزمه حكم سهو إمامه، وقيل لا يلزمه، ولو قام المسبوق في قضاء ما سبق ولم يسجد آتيا للسهو فعليه أن يسجد ثلاثا. م: (وما التزم الأداء إلا متابعا) ش: وما التزم المقتدي أداء الصلاة إلا حال كونه متابعا لإمامه، فلما لم يسجد إمامه لم يسجد هو أيضا تحقيقا للمتابعة. م: (فإن سها المؤتم لم يلزم الإمام ولا المؤتم السجود) ش: السجود مرفوع لأنه فاعل لقوله لم يلزم م: (لأنه) ش: أي لأن المؤتم م: (لو سجد وحده) ش: أي بدون الإمام م: (كان مخالفا لإمامه) ش: قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ولا تختلفوا على المتكلم "، ولأنه لم يجز أن ينفرد بسهو نفسه فكذلك لم يجز أن ينفرد بسهو إمامه م: (لو تابعه الإمام) ش: أي لو تابع المقتدي إمامه في سجود السهو الذي سهاه المتقدي م: (ينقلب الأصل) ش: وهو الإمام م: (تبعا) ش: فلا يجوز لأنه متبوع، وهذا قلب الموضوع. فإن قلت: سجود السهو يؤتى به في آخر الصلاة بعد السلام، فلم لا يصير إلى أن يسلم الإمام فيخرج عن متابعته ثم يسجد. قلت: لا يمكن ذلك، لأن السنة أن يسلم الإمام والمأموم عقبه، فإذا سجد يقع سجوده بعد خروجه من الصلاة، لأنه يخرج بسلام الإمام. م: (ومن سها عن القعدة الأولى) ش: أي في الفرائض الثلاثية والرباعية م: (ثم تذكر) ش: أي القعدة الأولى التي تركها م: (وهو إلى حالة القعود أقرب) ش: أي والحال أنه أقرب إلى القعود من القيام، وفي " الكافي " يعتبر ذلك بالنصف الأسفل، فإذا كان النصف الأسفل مستويا كان إلى القيام أقرب وإلا لا، وفي " الجنازية " وعلامة القرب بأن لم يرفع ركبتيه من الأرض. وفي " المحيط ": ولو رفع أليتيه من الأرض وركبتاه عليها بعد ولم يرفعهما قعد ولا سهو عليه، وفي " البدائع " إذا كان إلى القيام أقرب فلوجود القيام وهو انتصاب النصف الأعلى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 617 عاد وقعد وتشهد؛ لأن ما يقرب إلى الشيء يأخذ حكمه، ثم قيل: يسجد للسهو للتأخير، والأصح أنه لا يسجد كما إذا لم يقم ولو كان إلى القيام أقرب لم يعد؛ لأنه كالقائم معنى ويسجد للسهو؛ لأنه ترك الواجب،   [البناية] والنصف الأسفل جميعا وما بقي من الانحناء غير معتبر م: (عاد) ش: إلى القعود م: (وقعد وتشهد؛ لأن ما يقرب إلى الشيء يأخذ حكمه) ش: كفناء المصر له حق المصر في صلاة العيد والجمعة. وحريم البئر له حكم البئر، وما يقرب إلى العامر له حكم العامر في المنع من الإحياء. م: (ثم قيل: يسجد للسهو) ش: أشار بهذا أن المشايخ اختلفوا في الصورة المذكورة، هل يلزمه سجود السهو، أم لا؟ فقال الولوالجي وأبو نصر السرخسي وغيرهما والشافعي وأحمد يسجد وهو معنى قوله ثم قيل يسجد للسهو م: (للتأخير) ش: أي لتأخير القعدة التي هي واجبة لأنه بهذا المقدار من القيام صار مؤخرا واجبا عن وقته م: (والأصح أنه لا يسجد) ش: وهو اختيار أبي بكر محمد بن الفضل وبعض أصحاب الشافعي م: (كما إذا لم يقم) ش: يعني لو لم يقم ما كان يلزمه السهو، فكذا هاهنا، لأن كأنه لم يقم، لا إنه إذا كان إلى القعود أقرب كان له حكم القاعد فينتفي عنه إطلاق القيام عليه. م: (ولو كان إلى القيام أقرب) ش: بأن رفع ركبتيه من الأرض م: (لم يعد إليه) ش: أي إلى القعود م: (لأنه كالقائم) ش: يعني ولو كان حقيقة القيام لما عاد إلى القعدة بالاتفاق، فكذا هاهنا لأنه أخذ حكمه بقربه منه، ثم إنما لا يعود عنه في حقيقة القيام كما أن القيام فرض والقعدة الأولى واجبة، فلا يترك الفرض لأجل الواجب م: (ويسجد للسهو لأنه ترك الواجب) ش: هذا خلاف بيننا وبين الشافعي، وأما عندنا فلأنه ترك للواجب وهو القعدة الأولى، وأما عند الشافعي فلأن عنده لا يتعلق السهو بترك السنة سوى التشهد الأول والقنوت والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد الأول. فإن قلت: يشكل على هذا ما لو قرأ آية السجدة في القيام، إن كان يترك القيام قصدا وهو فرض لأجل سجدة التلاوة وهي واجبة. قلت: قال شيخ الإسلام: القياس هاهنا أن لا يترك القيام إلا أنه يجوز ذلك بالأثر، فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يسجدون ويتركون القيام لأجلها فترك القياس به. وفي " المجتبى " قال الحسن: لو عاد بعد الانتصاب قيل يتشهد لنقضه القيام، والصحيح، أنه لا يتشهد ويقوم وينتقض قيامه بقعوده لم يؤمر به كمن قرأ الفاتحة والسورة، وركع لا ينتقض الركوع بسورة أخرى ينتقض ركوعه، ولو سها عن بعض التشهد فعليه السهو عند أبي حنيفة وأبي يوسف، ولو ذكر في ركوع الثالثة أنه لم يسجد في الثانية يعود فيسجد ويتشهد ثم يصلي الثالثة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 618 وإن سها عن القعدة الأخيرة حتى قام إلى الخامسة، رجع إلى القعدة ما لم يسجد؛ لأن فيه إصلاح صلاته وأمكنه ذلك؛ لأن ما دون الركعة بمحل الرفض. قال: وألغى الخامسة لأنه رجع إلى شيء محله قبله فيرتفض، وسجد للسهو لأنه أخر واجبا، وإن قيد الخامسة بسجدة بطل فرضه عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه استحكم شروعه في النافلة قبل إكمال أركان المكتوبة؛ لأن ما دون الركعة،   [البناية] بركوعها ولو ذكر بعد السجود يقضي السجدة ويتشهد ولا يعيد الركوع. وفي " شرح الوجيز " إن عاد عمدا وهو عالم بأنه لا يجوز العود بطلت صلاته، وإن عاد ناسيا لم تبطل وعليه أن يقوم إذا تذكر، وإن عاد جاهلا ففي عدم الجواز وجهان ذكره في " التهذيب ". أحدهما أنه لا يعيد وتبطل صلاته لتقصيره بترك التعليم، وأصحهما أنه لا يعيد ولا تبطل صلاته كالناسي. م: (وإن سها عن القعدة الأخيرة) ش: في ذوات الأربع كالظهر والعصر والعشاء فقام إلى الخامسة، أو في ذوات الثلاث كالمغرب والوتر فقام إلى الرابعة أو في ذوات الاثنين كالفجر فقام إلى الثالثة. م: (حتى قام إلى الخامسة رجع إلى القعدة ما لم يسجد، لأن فيه) ش: أي لأن في رجوعه إلى القعدة م: (إصلاح صلاته وأمكنه ذلك) ش: أي إصلاح صلاته. م: (لأن ما دون الركعة بمحل الرفض) ش: لأنه ليس من تمام الصلاة، ولهذا لا يحنث به في يمينه لا يصلي. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وألغى الخامسة) ش: أي الركعة الخامسة التي قام إليها م: (لأنه رجع إلى شيء محله قبله) ش: أي رجع إلى القعود الذي محله قبل القيام إلى الخامسة م: (فيرتفض) ش: أي قيامه إلى الخامسة ليكون إتيانه القعود في محله م: (ويسجد للسهو لأنه أخر واجبا) ش: لأن الواجب عليه أن يأتي بالقعدة الأخيرة قبل القيام إلى الخامسة. وفي " الكافي ": أراد بالواجب الواجب القطعي وهو الفرض وهو القعدة الأخيرة، لأن بتأخيره الفرض يجب السهو م: (وإن قيد الخامسة) ش: أي الركعة الخامسة التي قام إليها م: (بسجدة) ش: أي بأن سجد للخامسة م: (بطل فرضه عندنا) ش: لأن الركعة الواحدة بسجدة صلاة حقيقة وحكما حتى يحنث في يمينه لا يصلي م: (خلافا للشافعي) ش: ومالك وأحمد، فعندهم لا يبطل فرضه ويرجع ويقعد ويتشهد ويسلم لما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى الظهر خمسا فقيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: " وما ذاك؟ " قالوا: صليت خمسا. فسجد سجدتين بعدها» م: (لأنه) ش: دليلنا العقلي أي لأن الشأن م: (استحكم شروعه في النافلة قبل إكمال أركان المكتوبة) ش: والشروع في النافلة قبل إكمال الفرض يفسد له، كما لو صلى ركعتين بخلاف ما إذا لم يقيد الخامسة بسجدة م: (لأن ما دون الركعة) ش: ليس لها حكم الصلاة بدليل مسألة اليمين، وتأويل الحديث أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قعد على الرابعة بدليل أنه قال: " صلى الظهر خمسا " والظهر اسم لجميع الأركان، ومنها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 619 ومن ضرورته خروجه عن الفرض، وهذا لأن الركعة بسجدة واحدة صلاة حقيقة، حتى يحنث بها في يمينه لا يصلي، وتحولت صلاته نفلا عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما مر فيضم إليها ركعة سادسة، ولو لم يضم لا شيء عليه؛ لأنه مظنون،   [البناية] القعدة، وإنما قام إلى الخامسة على ظن أن هذه القعدة الأولى حملا لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ما هو أقرب إلى الصواب م: (ومن ضرورته) ش: أي ومن ضرورة الشرع م: (خروجه عن الفرض) ش: لأن بينهما منافاة. م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرنا من الركعة بلا سجدة لا تبطل صلاته، وإن كانت سجدة تبطل م: (لأن الركعة بسجدة واحدة صلاة حقيقة) ش: لأن الصلاة عبارة عن القراءة والقيام والركوع والسجود، وقد وجدت حكما م: (حتى يحنث بها في يمينه لا يصلي) ش: نتيجة ما قبله وقد مر الكلام فيه عن قريب م: (وتحولت صلاته نفلا) ش: أي الذي لم يقعد في الرابعة قدر التشهد، وقيد الخامسة بالسجدة تحولت، أي صارت تلك الصلاة التي صلاها نفلا م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد على ما مر) ش: أشار به إلى ما ذكره في باب قضاء الفوائت أن بطلان الوصف لا يوجب بطلان الأصل عندهما خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فيضم إليها ركعة سادسة) ش: يعني عندهما، لأن النفل شرع شفعا لا وترا للنهي عن النبي، وهل يجب عليه سجدة السهو لم يذكره، واختلفوا فيه، والأصح أنه لا يسجد، لأن النقصان بالفساد لا يجبر بالسجدة. م: (ولو لم يضم لا شيء عليه) ش: يعني لا قضاء عليه م: (لأنه مظنون) ش: أي لأن الذي شرع فيه مظنون، والمظنون غير مضمون، لأنه قام على ظن أنها ثالثة، وهذا عند علمائنا الثلاثة، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإن اقتدى به إنسان في الخامسة أو السادسة ثم أفسدها يلزمه قضاء ست ركعات في قول أبي يوسف لبقاء التحريمة ذكره في " قاضي خان ". وفي " المحيط " إن اقتدى به إنسان في الخامسة ثم أفسدها بأن عاد الإمام إلى القعدة يقضي أربعا، وإن قضى يقضي ستا عندهما. وعند محمد لا يتصور القضاء لبطلان أصل الصلاة، قالوا: أخبر أبو يوسف بجواب محمد، فقال: زه صلاة فسدت يصلحها، الحديث، وهذا معنى ما يسأله العامة إنه صلاة يصلحها، الحديث، ففسد هذه الصلاة على قول محمد، وإنما قال أبو يوسف هذا لغيظ لحقه من محمد وهو أنه روي أن محمدا أمر بمسجد خراب قد راعت فيه الدواب وبالت فيه الكلاب فقال: هذا مسجد أبي يوسف، لأن مثل هذا يبقى مسجدا، إلى أن تقوم الساعة عنده، وعند محمد يعود إلى ملك الواقف أو إلى ورثته بعد وفاته. قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: زه، كلمة استعجاب عند أهل العراق، وإنما قالها أبو يوسف تهكما، وقيل الصواب: زه بالضم، والزاي ليست بخالصة كذا قال صاحب " المغرب "، وفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 620 ثم إنما يبطل فرضه بوضع الجبهة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه سجود كامل، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرفعه؛ لأن تمام الشيء بآخره وهو الرفع، ولم يصح مع الحدث، وثمرة الاختلاف فيما إذا سبقه الحدث في السجود بنى عند محمد خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولو قعد في الرابعة، ثم قام ولم يسلم عاد إلى القعدة ما لم يسجد للخامسة وسلم؛ لأن التسليم في حالة القيام غير مشروع، وأمكنه الإقامة.   [البناية] " الفوائد الظهيرية ": زه بزاي مكسورة منقوطة من فوقها. قلت: الصواب الكسر تقولها العجم عند إعجابهم بشيء فافهم. م: (ثم إنما يبطل فرضه بوضع الجبهة عند أبي يوسف) ش: هذا بيان خلاف آخر بين أبي يوسف ومحمد، والأصل فيه أن الانتقال من الفرض إلى النفل لا يتحقق ما لم يسجد في الخامسة، ثم هذا الانتقال هل يحصل بمجرد وضع الجبهة أم لا؟، فعند أبي يوسف يحصل، لأن وجود السجدة بوضع الجبهة على الأرض لا بالرفع م: (لأنه) ش: أي لأن وضع الجبهة على الأرض م: (سجود كامل) ش: لكون السجود حقيقة في وضع الجبهة م: (وعند محمد يرفعه) ش: أي يرفع المصلي جبهته عن الأرض م: (لأن تمام الشيء بآخره وهو الرفع) ش: أي آخر السجود رفع الجبهة م: (ولم يصح مع الحدث) ش: أي لم يصح السجود مع الحدث بالاتفاق، إنما ذكر هذا لأن محمدا لما قال تمام الشيء بآخره وهو الفرع، قال لا خلاف بيننا أن الرفع لم يصح مع الحدث فلم يتم السجود. ثم أشار المصنف إلى ثمرة هذا الخلاف بقوله م: (وثمرة الاختلاف فيما إذا سبقه الحدث في السجود) ش: يعني إذا سبقه الحدث في هذا السجود، فذهب ليتوضأ ثم تذكر أنه لم يقعد في الرابعة يتوضأ ويعود إلى القعدة ويبني على صلاته م: (وعند محمد) ش: يعني يتمها بالتشهد والسلام م: (خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فعنده لا يبني، لأن صلاته فسدت بوضع الجبهة، ولا بناء على الفاسد، قال فخر الإسلام: المختار للفتوى قول محمد لأنه أوفق وأقيس، لأن السجود لو تم قبل الرفع وجعل دوامه لتكراره لم ينقضه الحدث، يعني بالاتفاق أن الحدث ينقض كل ركن وجد هو فيه، حتى لو قضى وبنى على صلاته وجب عليه إعادة ذلك الركن الذي وجد فيه الحدث، ولو تم السجود بوضع الجبهة لما احتاج إلى إعادته كما لو وجد الحدث بعد الرفع. م: (ولو قعد في الرابعة ثم قام ولم يسلم) ش: أي ولو قعد المصلي في آخر الركعة الرابعة ثم قام إلى الخامسة والحال أنه لم يسلم على ظن أنها القعدة الأولى م: (عاد إلى القعدة ما لم يسجد للخامسة وسلم) ش: يعني ما لم يقيد الركعة الخامسة بالسجدة، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام إلى الخامسة فسبح به فعاد وسلم وسجد سجدتي السهو م: (لأن التسليم في حالة القيام غير مشروع، وأمكنه الإقامة) ش: أي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 621 على وجهه بالقعود؛ لأن ما دون الركعة بمحل الرفض. وإن قيد الخامسة بالسجدة ثم تذكر ضم إليها ركعة أخرى، وتم فرضه؛   [البناية] أمكنه إقامة السلام م: (على وجهه) ش: أي على الوجه المسنون م: (بالقعود) ش: يعني بالعود إلى القعود م: (لأن ما دون الركعة محل الرفض) ش: كما لو أقام المؤذن وهو في الركعة الأولى، ولا يقيدها بالسجدة فإنه يرفضها. فإن قلت: إذا سلم قائما ماذا حكمه؟. قلت: لا تفسد صلاته، كذا في " الخلاصة " وغيرها، ثم في هذه المسألة إذا عاد لا يعيد التشهد، وكذا لو قام عامدا. وقال الناطفي: يعيد، ثم قيل: القوم يتبعونه، فإن عاد عادوا معه، وإن مضى في النافلة اتبعوه لأن صلاتهم تمت بالقعدة، والصحيح ما ذكره البلخي عن علمائنا أنهم لا يتبعونه، لأنه لا اتباع في البدعة، لكن ينتظرونه قعودا، فإن عاد قبل تقيد الخامسة بالسجدة اتبعوه بالسلام، فإن قيد سلموا في الحال، كذا في " المحيط " و " التمرتاشي ". م: (وإن قيد الخامسة بالسجدة ثم تذكر) ش: أنه زاد ركعة خامسة، وأنه ترك السلام م: (ضم إليها) ش: أي إلى الخامسة م: (ركعة أخرى) ش: لفظ ضم وفي " المبسوط " ما يدل على الوجوب، فإنه قال: وعليه أن يضيف، وكلمة على للإيجاب. وعند الشافعي: لا يضم لأن الركعة الواحدة مشروعة عنده م: (وتم فرضه) ش: لكن في الظهر والعصر والعشاء يضيف إليها السادسة لتكون الأربع الأول فرضا، والآخران نفلا، وعند الشافعي: يعود إلى القعدة ولا يضيف السادسة فإن أضافها فسدت صلاته لأنه انتقل إلى صلاة أخرى وعليه ركن، لأن إضافة لفظ السلام ركن عنده، وعندنا لا تفسد ظهره، لأنه انتقل إلى صلاة أخرى وليس عليه ركن لأن إصابة لفظ السلام ليس بركن عندنا، وإضافة السادسة للاحتراز عن البتيراء المنهية. فإن قلت: النهي يدل على المشروعية عندكم كما عرف في الأصول. قلت: يذكر النهي ويراد به المنفي كالفسخ يراد به النسخ يدل عليه قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما أخرت ركعة قط ولا يضيف السادسة في العصر، لأن التنفل بعد العصر مكروه، وعن هشام عن محمد أنه لا بأس به لأن التنفل بعد العصر إنما يكره إذا قصده أما إذا وقع فيه لا يقصده فلا يكره، لأنه لا يخصان إلا عن اختيار، كذا ذكر الصدر الشهيد في شرح " الجامع الصغير ". قال الصدر الشهيد: الفتوى على قول محمد. وقال قتادة والأوزاعي فيمن صلى المغرب أربعا تضيف إليها ركعة أخرى فتكون الركعتان له نافلة قال: وإن لم يضم إليها ركعة أخرى فلا شيء عليه لأنه مظنون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 622 لأن الباقي إصابة لفظ السلام وهي واجبة. وإنما يضم إليها أخرى لتصير الركعتان نفلا؛ لأن الركعة الواحدة لا تجزئه لنهيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن البتيراء، ثم لا تنوبان عن سنة الظهر وهو الصحيح؛ لأن المواظبة عليها بتحريمة مبتدأة، ويسجد للسهو استحسانا   [البناية] م: (لأن الباقي) ش: من صلاته م: (إصابة لفظ السلام وهي) ش: أي إصابة لفظ السلام م: (واجبة) ش: وترك الواجب لا يفسد الصلاة، ولكن يوجب سجدتي السهو م: (وإنما يضم إليها أخرى لتصير الركعتان) ش: الزائدتان على الأربع نفلا م: (لأن الركعة الواحدة لا تجزئه لنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن البتيراء) ش: قد مر الكلام في حديث البتيراء في باب الوتر. م: (ثم لا تنوبان) ش: أي هاتان الركعتان الزائدتان لا ينوبان، يعني لا تقومان ولا يجزئان م: (عن سنة الظهر) ش: وهي الركعتان المسنونتان بعده م: (وهو الصحيح) ش: يعني عدم إنابة هاتين الركعتين عن سنة الظهر هو الصحيح، واحترز بقوله عن قول بعض المشايخ أنهما ينوبان عن سنة الظهر وهي رواية ابن سماعة عن محمد. وقيل: هو قول أبي يوسف ومحمد لأنه أتى بالركعتين في موضع السنة فيقومان عنها، كما قال شمس الأئمة الحلواني فيمن صلى آخر الليل ركعتين بنية التطوع على ظن أن الفجر لم يطلع فظهر أنه كان قد طلع عند افتتاحها لفظ هذا الجواب أنهما يجزئانه عن ركعتي الفجر، كذلك هنا، وإلى عدم جواز الإنابة ذهب فخر الإسلام البزدوي وأبو عبد الله الخير وشمس الأئمة وقاضي خان وجماعة من مشايخ بخارى، وقيل: هو قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (لأن المواظبة عليها بتحريمة مبتدأة) ش: أي لأن مواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على سنة الظهر كانت بتحريمة مبتدأة أي مستقلة لا مبنية على غيرها، لأن السنة عبارة عن طريقة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو كان يتطوع بتحريمة مبتدأة قصدا، ولأن المشروع صلاة كاملة على صفة السنة فلا يتأدى بما هو مظنون ناقصا غير مضمون. م: (ويسجد للسهو استحسانا) ش: أي من حيث الاستحسان، والقياس يقتضي أن لا يسجد للسهو، لأن السهو وإن تمكن في الفريضة فقد أدى بعدها صلاة أخرى ولزم من صحة الشروع فيها الانقطاع عن الفريضة، ومن سهى في صلاته لا يسجد في صلاة أخرى. وجه الاستحسان وإن انتقل من الفرض إلى التنفل بناء على التحريمة فيجعل في حق وجوب السهو، فإنهما صلاة واحدة، وهذا كمن صلى ست ركعات تطوعا بتسليمة واحدة وسهى في الشفع الأول يسجد للسهو في آخر الصلاة، وإن كان كل شفع صلاة على حدة لكن كلها في حق التحريمة صلاة واحدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 623 لتمكن النقصان في الفرض بالخروج لا على الوجه المسنون، وفي النفل بالدخول لا على الوجه المسنون، ولو قطعها لم يلزمه القضاء؛ لأنه مظنون، ولو اقتدى به إنسان فيهما يصلي ستا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه المؤدى بهذه التحريمة، وعندهما ركعتين لأنه استحكم خروجه عن الفرض، ولو أفسده المقتدي فلا قضاء عليه عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا بالإمام،   [البناية] ثم اختلف في هذه السجدة هل هي لنقص في النفل أو لنقص في الفرض؟، فقال أبو يوسف لنقص في النفل، وقال محمد لنقص في الفرض، وأشار المصنف إلى قوليهما من غير تصريح باسمهما بقوله م: (لتمكن النقصان في الفرض) ش: أشار هنا إلى قول محمد أراد أن النقصان تمكن في الفرض م: (بالخروج) ش: عنه م: (لا على الوجه المسنون) ش: هو خروجه بإصابة لفظ السلام بعد أربع ركعات، وقد ترك ذلك فيكون نقصانا في الفرض. وقوله: م: (وفي النفل) ش: وهو الركعتان إشارة إلى قول أبي يوسف وهو تمكن النقصان في النفل م: (بالدخول) ش: أي بدخوله م: (لا على الوجه المسنون) ش: وهو كونه بلا تحريمة مبتدأة، وإنما قدم قول محمد على قول أبي يوسف لأنه هو المختار والمعتمد للفتوى، وذكره فخر الإسلام في " الجامع الصغير ". م: (ولو قطعها) ش: أي ولو قطع الخامسة بأن لم يضف إليها سادسة م: (لا يلزمه القضاء) ش: عندنا خلافا لزفر م: (لأنه مظنون) ش: والمشروع من الصلاة أو الصوم على وجه الظن غير ملزم عندنا خلافا له م: (ولو اقتدى به) ش: أي بالمصلي المذكور م: (إنسان فيهما) ش: أي الركعتين المضمومتين م: (يصلي ستا) ش: أي ست ركعات م: (عند محمد لأنه هو المؤدى) ش: بفتح الدال م: (بهذه التحريمة) . م: (وعندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف م: (ركعتين) ش: أي يصلي ركعتين م: (لأنه استحكم خروجه من الفرض) ش: فلا يلزمه غير هذا الشفع، وذكر صاحب " خلاصة الفتاوى " الخلاف بين محمد وصاحبه كما ذكر صاحب " الهداية " ولكن المذكور في " شرح الجامع الصغير " للصدر الشهيد و " شرح الطحاوي " و " المنظومة " و " شروحها " أنه يصلي ستا عند محمد وركعتين عند أبي يوسف، ولم يذكر قول أبي حنيفة وهو الصحيح، لأنه ذكر الناطفي في " الأجناس " قول أبي يوسف عن النوادر المعلي وعن قول محمد عن نوادر ابن سماعة، ولم يذكر قول أبي حنيفة في كتب المتقدمين. م: (ولو أفسده المقتدي) ش: أي لو أفسده المقتدي أي الواحد المقتدي ما شرع فيه م: (فلا قضاء عليه عند محمد اعتبارا بالإمام) ش: يعني اعتبر محمدا اعتبار الحال الإمام، فإن هذه الصلاة المظنونة غير مضمونة في حق الإمام، فلو صارت في حق المقتدي مضمونة لصار بمنزلة اقتداء المفترض بالمنتفل وهو باطل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 624 وعند أبي يوسف يقضي ركعتين؛ لأن السقوط بعارض يخص الإمام. وقال: ومن صلى ركعتين تطوعا فسها فيهما وسجد للسهو، ثم أراد أن يصلي أخريين لم يبن لأن السجود يبطل لوقوعه في وسط الصلاة بخلاف المسافر إذا سجد للسهو، ثم نوى الإقامة حيث يبني؛   [البناية] م: (وعند أبي يوسف يقضي ركعتين لأن السقوط) ش: أي سقوط وصف الضمان م: (بعارض) ش: أي بسبب عارض م: (يخص الإمام) ش: وهو شروعه ساهيا على عزم أداء الواجب، ولم يوجد هذا العارض في حق المقتدي فيلزمه القضاء دون الإمام، لكن يقضي ركعتين لانقطاع إحرام الفرض عند أبي يوسف، والأصل فيه ما ذكر فخر الإسلام ناقلا عن " النوادر " أنه إذا شرع في صلاة مظنونة هل تكون هي مضمونة هل تكون هي مضمونة في حق المقتدي أم لا. قال أبو يوسف هي مضمونة وقال محمد: غير مضمونة، وأما نقص الصلاة فهي مضمونة في الأصل لأن ابتداء النفل بلا ضمان غير مشروع إذا كان قصدا كاملا، بخلاف الصبي والمعتوه، فإن شروعهما ليس بملزم لقصور قصدهما فلو قصد قصر هذا الحصر بسبب شروعه ساهيا التحق بهما، بخلاف المقتدي فإنه شرع عامدا فلم يجز إلحاقه بهما وفتوى فخر الإسلام هنا على قول أبي يوسف، وفرق أبو يوسف بين هذا وبين ما إذا لم يقعد على الرابعة بأن هناك بطل فرضه، ولأن الإحرام في الابتداء منعقد بست ركعات، فإذا اقتضى به إنسان لزمه موجب تلك التحريمة، وأما هاهنا فقد تم فرضه لما ذكرنا، وشرع في النفل والمقتدي اقتدى به النفل فلا يلزمه غير ركعتين. والحاصل أن هناك صلاة واحدة فيلزم الجميع، وهاهنا صلاتان فتلزم الأخرى. وقال الأكمل: قيل فرق الكلام عند أبي حنيفة وأبي يوسف. قلت: قائل هذا هو السغناقي فإن قال ذلك بدليل ما تقدم في قوله، وعندهما ركعتان بدليل ما ذكر في " الجامع الصغير " لقاضي خان، وعندهما يقضي الركعتين. م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن صلى ركعتين تطوعا فسها فيهما وسجد للسهو، ثم أراد أن يصلي أخريين لم يبن) ش: يعني ليس ذلك م: (لأن السجود) ش: أي سجود السهو م: (يبطل لوقوعه في وسط الصلاة) ش: لأن سجود السهو لم يرع إلا في آخر الصلاة، ومع هذا لو بنى صح بناؤه لبقاء التحريمة وغير المذكور في ظاهر الرواية، كذا قال خواهر زادة في " مبسوطه "، ثم قال: وينبغي أن يعيد سجدتي السهو ثانيا لأن سجود السهو في وسط الصلاة لا يعيدها. قال المرغيناني: ولو بنى جاز نص عليه في " الاعتصام "، وفي " المحيط " لو بنى جاز، وفي إعادة السجود اختلف المشايخ والمختار يعيد م: (بخلاف المسافر إذا سجد للسهو ثم نوى الإقامة) ش: يعني المسافر إذا سهى فسجد لسهوه ثم نوى الإقامة يتم، وإن كان يلزم إبطال سجود السهو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 625 لأنه لو لم يبن تبطل جميع الصلاة، ومع هذا لو أدى صح لبقاء التحريمة ويبطل سجود السهو هو الصحيح، ومن سلم وعليه سجدتا السهو فدخل رجل في صلاته بعد التسليم، فإن سجد الإمام كان داخلا وإلا فلا، وهذا عند أبي حنيفة، وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو داخل سجد الإمام أو لم يسجد؛ لأن عنده سلام من عليه السهو لا يخرجه عن الصلاة أصلا؛ لأنها وجبت جبرا للنقصان، فلا بد من أن يكون في إحرام الصلاة، وعندهما يخرجه على سبيل التوقف؛ لأنه   [البناية] م: (لأنه لو لم يبن تبطل جميع الصلاة) ش: أي صلاته أصلا، لأنه صار فرضه أربعا بنية الإقامة، وأبطل السجود في إبطال الصلاة، فلأجل هذه الضرورة، قلنا بمشروعية البنائية في حق المسافر دون المتطوع، حيث لا ضرورة في بنائه. وفي " المبسوط " لأن ذلك بعذر شرعي قد يكون بغير صنعه كالجند يصيرون مقيمين بنية الإمام والمرأة بنية زوجها والعبد بنية سيده، وهنا بالمباشرة وقصده، وفي " المرغيناني ": لو نوى الإقامة بعد الصلاة قيل لم تصح صلاته بنية في هذه الصلاة، وقيل معناه مع كونه لم يبن ويسقط عنه سجود السهو. م: (ومع هذا) ش: أي ومع وقوع سجود السهو في وسط الصلاة م: (لو أدى صح لبقاء التحريمة) ش: في حق التطوع، وذكرنا أن الاختلاف في إعادة سجود السهو عند البناء. م: (ومن سلم وعليه سجدتا السهو) ش: أي ومن سلم في آخر صلاته، والحال أنه عليه سجدتا السهو م: (فدخل رجل في صلاته بعد التسليم) ش: أي فاقتدى به رجل في الصلاة هذا الإدخال يفصل فإن سجد الإمام كان داخلا يعني فإن عاد الإمام إلى سجود السهو كان الرجل داخلا لكون الإمام في حرمة الصلاة بعوده إلى السجود م: (وإلا فلا) ش: يعني وإن لم يعد الإمام إلى السجود، فلا يكون الرجل داخلا م: (وهذا) ش: أي هذا الحكم بالقصد المذكور. م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: وأصل هذه المسألة أن سلام من عليه السهو لا يخرجه عن حرمة الصلاة، وإلا فلا، وأشار إلى هذا الأصل والتعليل من الجانبين بقوله م: (وقال محمد هو) ش: أي الرجل م: (داخل) ش: أي في صلاة الإمام م: (سجد الإمام أو لم يسجد، لأن عنده) ش: أي عند محمد. م: (سلام من عليه السهو لا يخرجه عن الصلاة أصلا) ش: يعني لا خروجا موقوفا ولا باتا م: (لأنها) ش: أي لأن سجدة السهو م: (وجبت جبرا للنقصان) ش: المتمكن في الصلاة م: (فلا بد من أن يكون في إحرام الصلاة) ش: أي فلا بد أن يكون الجابر للنقصان في إحرام الصلاة فحينئذ يسقط معنى التحليل على السلام، ولهذا لو سجد سقط معنى التحليل بالاتفاق. م: (وعندهما) ش: أي وعند أبي حنيفة وأبي يوسف م: (يخرجه) ش: أي يخرج سلام الإمام إياه عن الصلاة م: (على سبيل التوقف) ش: على العود فإن عاد كان الرجل داخلا وإلا فلا م: (لأنه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 626 محلل في نفسه، وإنما لا يعمل لحاجته إلى أداء السجدة فلا يظهر دونها ولا حاجة على اعتبار عدم العود ويظهر الاختلاف في هذا وفي انتقاض الطهارة بالقهقهة، وتغير الفرض بنية الإقامة   [البناية] ش: أي لأن السلام م: (محلل في نفسه) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تحليلها التسليم» ، وبالإجماع أيضا م: (وإنما لا يعمل) ش: أي السلام لا يعمل عمله هاهنا م: (لحاجته) ش: أي لحاجة المصلي وضرورته م: (إلى أداء السجدة فلا يظهر) ش: أي عمله م: (دونها) ش: أي دون الحاجة م: (ولا حاجة إلى اعتبار) ش: إعادتها م: (عدم العود) ش: فيعمل عمله حينئذ لتحقق المقتضى وزوال المانع. فإن قلت: ينبغي أن لا يصح الاقتداء، وإن عاد إليها، لأن التحريمة عندهما يعود ضرورة يمكنه من السجود، فينبغي أن لا يظهر في حق غيره. قلت: العود وإن ثبت بطريق الضرورة، لكن لما ثبت ثبت مع ما هو من لوازمه وضروراته وصحة الاقتداء من ضروراته، وهذا كما هو في حرة تحت عبد قالت لمولاه: أعتق عبدك عني بألف درهم، وقع العتق عنها وثبت الملك لها بطريق الضرورة، وجاء فساد النكاح وثبت الولاء لها، لأن الفساد من لوازم الملك والولاء من لوازم العتق، والشيء ثبت بلوازمه. ولما بين الأصل والتعليل من الحديثين شرع في بيان ثمرة الاختلاف المذكور بقوله م: (ويظهر الاختلاف في هذا) ش: أي تظهر فائدة الاختلاف المذكور بين سجدة في المذكور من المسألة، وهو ما إذا دخل رجل في صلاة رجل، وعليهما السهو هل يكون داخلا أم لا؟ فعند محمد يكون داخلا سواء سجد للسهو أو لا، وعندهما إن سجد يكون داخلا وإلا فلا، ثم إذا سجد الإمام حتى صار الرجل داخلا في صلاته، فلو سجد مع الإمام ثم قام يقضي ما عليه لم يكن عليه أن يعيد السهو، وإن كان ذلك للسهو في وسط الصلاة، لأن هذا آخر صلاة الإمام حقيقة، فتكون آخر صلاته حكما تحقيقا للمتابعة، فإن سها الرجل فيما يقضي فعليه أن يسجد للسهو، وسجود الأول مع الإمام لا يجزئه مع سهوه، لأن المسبوق فيما يقضي منفردا فسجوده مع الإمام لا يجزئه عن سهوه في حالة انفراده. م: (وفي انتقاض الطهارة بالقهقهة) ش: أي وتظهر فائدة الاختلاف المذكور يعني إن ضحك الذي سلم، وعليه سجود السهو تنقض طهارته عند محمد وزفر، لأنه ضحك في حرمة الصلاة، وعندهما لا تنقض، وكذلك لو ضحك المقتدي في هذه الحالة م: (وتغير الفرض بنية الإقامة) ش: أي وتظهر أيضا فائدة الخلاف المذكور في تغير الفرض بنية الإقامة يعني المسافر إذا نوى الإقامة في هذه الحالة قبل سجود السهو، فعند محمد وزفر يتغير فرضه أربعا كما نوى قبل السلام، وعندهما لا يتغير فرضه سواء سجد للسهو أو لا، والصورة التي ذكرها المصنف ثلاثة، والصورة الرابعة: فمن اقتدى به بنية التطوع ثم تكلم هذا المقتدي قبل أن يسجد الإمام للسهو لا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 627 في هذه الحالة، ومن سلم يريد به قطع الصلاة، وعليه السهو فعليه أن يسجد لسهوه؛   [البناية] قضاء على المقتدي عندهما، وعند محمد يلزمه قضاء ما سهى الإمام، كذا في " الجامع الصغير " لقاضي خان. وسئل تاج الشريعة عن مسألة القهقهة بقوله: فإن قلت: لما كان أمر الخروج موقوفا لم يحكم بتمامه، فكان ينبغي أن يلزمه الوضوء لصلاة أخرى. قلت: وإن كان يتوقف فإن حرمة الصلاة هاهنا واقعة بالإضافة إلى حرمة الصلاة القائمة قطعا، فلا يساوي هتكها في إيجاب الزاجر وهو تجديد الوضوء هتك لهذه الحرمة، فأشبه هتك حرمة الصلاة على الجنازة. وقال الأكمل: فإن قيل: إذا كان الخروج موقوفا كان خارجا من وجه دون وجه، وذلك يستدعي أن يكون حكم هذه المسائل عندهما فحكمها عنده احتياطا. أجيب: بأنه ليس معناه الخروج من وجه دون وجه، بل معناه الخروج من كل وجه يمكن تعرضه العود. قلت: سئل هذا الكلام من كلام السغناقي حيث قال: قلت: وهذا يعرف إن عندهما من سلم للسهو يخرج عن حرمة الصلاة من كل وجه، لا أن يكون معنى التوقف إن ثبت الخروج من وجه دون وجه، ثم بالسجود يدخل في حرمة الصلاة لأن لو كان في حرمة الصلاة من وجه لكانت الأحكام على حكمها عندهما أيضا، كما هو مذهب محمد من انتقاض الطهارة بالقهقهة، ولزوم الأداء بالاقتداء ولزوم الأربع عند غير الإقامة عملا بالاحتياط. قلت: هذا لا يخلو عن نظر، لأنهم فسروا قوله سلام من عليه السهو لا يخرجه عن الصلاة أصلا بقولهم، لا خروجا موقوفا ولا باتا يعني عند محمد وعندهما يخرجه خروجا موقوفا، فافهم. م: (في هذه الحالة) ش: قيد الصور الثلاثة يعني بعد السلام قبل سجود السهو. م: (ومن سلم يريد قطع الصلاة) ش: يعني في عزمه أن لا يسجد للسهو، ومع هذا عليه السهو وهو معنى قوله م: (وعليه السهو) ش: أي والحال أن عليه السهو هاهنا حالان: الأول: جملة فعليه مضارعة بدون الواو. الثاني: جملة اسمية بالواو وعلى الأصل. م: (فعليه أن يسجد لسهوه) ش: أي ما يوجب عليه أن يسجد لأجل سهوه، وهذا كما تراه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 628 لأن هذا السلام غير قاطع، ونيته تغيير المشروع فلغت لا تصح نيته   [البناية] مطلق، ولكن قيده في الأصل حيث قال إنه يسجد للسهو قبل أن يقوم أو يتكلم، وفي رواية قبل أن يتكلم أو يخرج من المسجد. فالأول يدل على أنه متى قام عن مجلسه فاستدبر القبلة لا يأتي بسجود السهو، وإن لم يخرج من المسجد، والثاني يدل على أنه يأتي به قبل أن يتكلم ويخرج من المسجد، وأن يمشي وانحرف عن القبلة وهو قول بعض المشايخ من أصحابنا. م: (لأن هذا السلام) ش: أي لأن السلام الذي أراد به قطع الصلاة م: (غير قاطع) ش: لحرمة الصلاة، أما عند محمد فظاهر، لأنه لا يخرجه عن حرمة الصلاة أصلا. وأما عندهما فلا يخرجه [ ... ] ، فلا ينقطع الإحرام به مطلقا م: (ونيته) ش: أي إرادته بذلك السلام قطع الصلاة م: (تغيير المشروع) ش: لأن السلام غير قاطع شرعا، فجعله قاطعا بالنية تغيير المشروع وهو لا يتغير بالقصد والعزائم. م: (فلغت) ش: أي بنية قطع الصلاة بالسلام، كما إذا نوى الإبانة بصريح الطلاق م: (لا تصح نيته) ش: فيكون رجعيا، أو كما لو نوى الظهر ستا أو نوى المسافر أربعا تلغو نيته، كذا في " المبسوط ". فإن قلت: لو سلم وهو ذاكر بسجدة صلاتية أو سجدة تلاوية أو التشهد فسدت صلاته، كذا في " المحيط "، وهذه النية تغيير للمشروع، فلم تلغ. قلت: تلك الأشياء يؤتى بها في حقيقة الصلاة وقد بطلت بالسلام العمد وسجود السهو يؤتى بها في حرمتها وهي باقية إذا كان عليه سجود السهو. فإن قلت: نية الكفر تبطل الإيمان، ولم تلغه وإن كانت بغير المشروع. قلت: نية الكفر كفر، ومتى ثبت الكفر ارتفع الإيمان، لأنهما لا يجتمعان. فإن قلت: السلام وحده يخرج عن حرمة الصلاة عندهما، فكيف لا يكون مخرجا مع نية القطع، وهذا تناقض. قلت: هذان وإن كانا مختلفين صورة لكنهما متفقان معنى فلا تناقض، لأن سلام من عليه السهو يخرج عن إحرام الصلاة، لكن على عرضه العود إليه بالسجود من غير فصل بين أن ينوي العود أو ينوي عدمه أو لم ينو شيئا فلا عبرة لنيته، فكان الأول لبيان الإطلاق، والثاني لبيان التقييد فافهم. واستشكل بأن النية هنا لم توجد مجردة عن العمل إذا لم يكن ذلك العمل المقرون به النية مستحقا على زمان اقتران النية والسلام زمان اقتران النية به تستحق عليه، لأنه يوجب عليه أن يسلم حتى يتمكن من أن يسجد للسهو فلا تعمل النية، فكانت النية مجردة عن العمل على هذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 629 ومن شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا، وذلك أول ما عرض له استأنف؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا شك أحدكم في صلاته أنه كم صلى فليستقبل الصلاة» .   [البناية] التقدير. [حكم الشك في عدد ركعات الصلاة] م: (ومن شك في صلاته) ش: الشك في اللغة خلاف اليقين، وقد شككت في كذا ربت م: (فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا) ش: ذكره بالفاء تنبيها على معنى الشك بأنه عبارة عن تساوي الطرفين فإن عدم دراية صلاته بثلاث ركعات مثل عدم درايته بأربع ركعات فالطرفان متساويان وإلا فالتركيب كان يقتضي بواو الحال والهمزة فيه للتسوية لأنها خرجت عن الاستفهام الحقيقي، فعند ذلك ترد لمعان كثيرة منها التسوية وانتصاب ثلاثا بقوله صلى م: (وذلك) ش: أي الشك م: (أول ما عرض له) ش: اختلفوا في معناه، وقال صاحب " الأجناس " معناه أول ما سها في عمره، وقال شمس الأئمة السرخسي: معناه أن السهو ليس بعادة له لا أنه لم يشتبه في عمره، قال الفقيه: أول ما سها في هذه الصلاة، وقيل: أول السهو وقع له ولم يكن سها في صلاته قط من حين بلغ. م: (استأنف) ش: أي استقبل الصلاة، وهذه الجملة وقعت جوابا م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا شك أحدكم في صلاته أنه كم صلى فليستقبل الصلاة» ش: هذا بهذا اللفظ غريب ولم يبين أحد من الشراح حال هذا الحديث، فهذا عجيب منهم، وأعجب من ذلك ما قاله الأترازي ولنا ما روى خواهر زاده وغيره في " المبسوط " عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال «إذا شك أحدكم» .. إلخ، وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " من حديث ابن سيرين عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: أما أنا فإذا لم أدر كم صليت فإني أعيد، وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عمر في الذي لا يدري ثلاثا صلى أو أربعا قال: يعيد حتى يحفظ، وعن جرير عن منصور قال: سألت ابن جبير عن الشك في الصلاة، فقال: أما أنا فإذا كنت في المكتوبة فإني أعيد، وعن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: يعيد. وكان شريح يقول يعيد، وعن ليث وعن طاوس قال: إذا صليت فلم تدر كم صليت فأعدها مرة، فإن التبست عليك مرة أخرى فلا تعدها، وقال عطاء: يعيد مرة، وروي ذلك عنه عن مالك وعبد الملك. ومذهب الشافعي أنه يبني على الأقل وبه قال مالك في الأحوال كلها وبه قال أحمد في المنفرد، وعن أحمد في الإمام روايتان أحدهما أنه يبني على الأقل، والثانية أنه يبني على غالب الظن ويسجد للسهو، واحتج الشافعي بما رواه أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليلق الشك وليبن على اليقين» ، رواه مسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجه أمر بالبناء على اليقين ولم يفصل، ونحن نقول: إن إلقاء الشك كما يكون بالبناء على الأقل يكون بالاستئناف بل الاستئناف أولى، لأنه أبعد من الشك، لكونه خروجا عن العهدة بيقين، والعجب أن أكثر الشراح يحتجون للشافعي بحديث أبي سعيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 630 وإن كان يعرض له كثيرا   [البناية] المذكور، ثم يحتجون لهم بما ذكره المصنف، فما أبعد هذا من القواعد! أقول: قال القدوري: قال أصحابنا: الشك يتحرى ولم يفصلوا وهذه رواية الأصول، ووجهه حديث ابن مسعود مرفوعا: «وإذا شك أحدكم فليتحر الصواب فليتم عليه» ، أخرجه البخاري ومسلم، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه يبني على اليقين كما في حديث أبي سعيد الخدري الذي احتج به الشافعي، ووفق أصحابنا بين الأحاديث، وحملوا حديث الاستقبال على الشك في أول أمره، لأنه لا حرج عليه فيه وحملوا حديث ابن مسعود على ما إذا كان يعرض له الشك كثيرا، أوله رأي لأن في الاستئناف في كل مرة حرجا بينا، وفي البناء على اليقين احتمال خلط النافلة بالفرض قبل تمامه، وحملوا حديث أبي سعيد على من تكرر له الشك وليس له ظن وترجيح. وقال النووي: قال أبو حنيفة: إن حصل له الشك أول مرة بطلت صلاته، وإن صار عادة له اجتهد وعمل بغالب ظنه، وإن لم يظن شيئا عمل بالأقل، ثم قال: قال أبو حامد: قال الشافعي في القديم: ما رأيت قولا أقبح من قول أبي حنيفة هذا، ولا أبعد من السنة. قلت: قد ذكر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كل واحدة من الأحوال الثلاث حديث، فكيف يقبح الشافعي القول المؤيد بالحديث ويقول: ولا أبعد من السنة، مع كونه قول ابن عمر كما ذكرنا عن قريب، فذكرنا قوله أيضا عن جماعة من السلف الصالحين أئمة الهدى ممن بعده أبا حنيفة، فحينئذ ليس في تخصيصه قول أبي حنيفة بالتقبيح والتبعيد عن السنة معنى، وليس هذا من دأب أهل العلم. ونقل النووي وابن قدامة وغيرهما من المخالفين لنا عن أبي حنيفة أنه قال إن حصل له الشك أول مرة بطلت صلاته ليس بصحيح، ولا يوجد هذا في أمهات كتب أصحابنا المشهورة، بل المشهور فيها أنهم قالوا استقبل لتقع صلاته على وصف الصحة بيقين. وقال أبو نصر البغدادي المعروف بالأقطع: الاستئناف أولى لأنه يسقط به الشك بيقين، وفي " الذخيرة " عطف على مسألة الكتاب بقوله أو هل أحدث أم لا؟، أو هل أصاب ثوبه نجاسة؟ إن كان ذلك أول مرة استقبل ولا شك أن صلاته لا تبطل بالشك. م: (وإن كان) ش: الشك م: (يعرض له كثيرا) ش: أي غالب أحواله ذلك، وقال القدوري في " شرح مختصر الكرخي " كان أبو الحسن يقول معناه إن الشك يعتاده حتى يصير غالب حاله كلما أعاد شك ولا يتوصل إلى أداء فرضه باليقين إلا بمشقة، فجاز أن يرجع إلى الاجتهاد، وقال شيخ الإسلام: معناه أن السهو في صلاة واحدة مرتين، وقيل مرتين في عمره، وقيل: مرتين في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 631 بنى على أكبر رأيه؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من شك في صلاته فليتحر الصواب» . وإن لم يكن له رأي بنى على اليقين   [البناية] سنة م: (بنى على أكثر رأيه) ش: إن كان له رأي، وعند الشافعي ومالك بنى على الأقل كما ذكرناه م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من شك في صلاته فليتحر الصواب» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا، ولفظهما «إذا شك أحدكم فليتحر الصواب فيتم عليه» . فإن قلت: قال البيهقي في " المعرفة " حديث ابن مسعود هذا رواه الحاكم بن عتيبة والأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله دون لفظ التحري، ورواه إبراهيم بن سويد عن علقمة عن عبد الله دون لفظ التحري، فأشبه أن يكون من جهة ابن مسعود أو من دونه فأدرج في الحديث. قلت: تمام الحديث عن عبد الله بن مسعود «صلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فزاد أو نقص فلما سلم قيل يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟، قال: وما ذاك؟، قالوا صليت كذا وكذا، قال فثنى رجليه واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: " إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به، ولكني أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين» ، هذا لفظ البخاري في أوائل كتاب الصلاة في باب التوجه إلى القبلة حيث كان ولم يذكر مسلم السلام، ولفظه: " فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين "، وأخرجه أبو داود بلفظ البخاري، ولفظ ابن ماجه فيه بالواو، ولفظه: «ويسلم، ويسجد سجدتين» وأما النسائي فلم يذكر فيه وإذا شك أحدكم.. إلخ. وقد رأيت لفظ التحري مضافا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد رواه جماعة من الحفاظ كمسعود والثوري وشعبة ووهب بن خالد وفضيل بن عياض وجرير وغيرهم، والزيادة من الثقة مقبولة إذا لم يكن فيها خلاف الجماعة، والتحري طلب ما هو الأحرى وهو الصواب، هكذا فسره الأترازي والأكمل. قلت: هذا من باب التفعل فلا يدل على الطلب المطلق، وإنما هو تكلف وإظهار التجلد فيه، ومعنى التحري تكلف ما هو الأحرى، والأحرى هو ما يكون أكثر رأيه عليه، وكيفيته إذا شك وهو قائم أو راكع أو ساجد يتم تلك الركعة ثم يقعد لاحتمال الرابعة والقعدة فيها فرض، ثم يصلي ركعة أخرى لاحتمال أنها كانت الثالثة فيحتاج إلى الرابعة ثم يتشهد ويسلم ويسجد للسهو. م: (فإن لم يكن له رأي بنى على اليقين) ش: أي على الأقل لأنه هو المتيقن صورته إذا وقع له الشك بين الركعة والركعتين يجعلها ركعة، وإن وقع بين الركعتين والثلاث يجعلها ركعتين، وإن وقع بين الثلاث والأربع يجعلها ثلاثا فيتم صلاته على ذلك هكذا رواه البيهقي من حديث عبد الرحمن بن عوف في " سننه الكبرى "، وفي " المنتقى " رواه أحمد وابن ماجه والترمذي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 632 لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا بنى على الأقل» . والاستقبال بالسلام أولى؛ لأنه عرف محللا دون الكلام.   [البناية] وصححه وعليه أن يتشهد عقيب الركعة التي يقع الشك أنها آخر صلاته احتياطا، ثم يقوم ويضيف إليها ركعة أخرى ولو شك بعد الفراغ منها فلا إعادة عليه، ويجعل كأنه صلى أربعا أو خمسا، وإن شك أنه صلى فردا أو اثنتين أو ثلاثا، وفي الأربع أنه صلى أربعا أو خمسا، فإن كان قائما يقعد بجواز أن تكون هذه آخر صلاته، ثم يصلي ركعة أخرى احتياطا، وإن كان قاعدا فإن رأى أنها ثانية تجزئه، وإن لم يكن له رأي تفسد لجواز أنه ترك القعدة في الثانية فيحتمل الفساد ليفسد احتياطا ذكر هذا كلها في " المحيط ". وفي " المجتبى " بنى على الأقل، أي يأخذ بالأقل لكن يقعد حتما في كل موضع يوهم أنه آخر صلاته، وفي القعدة الأولى اختلاف المشايخ حتى إن من شك في قيام ذوات الأربع أنها الثالثة أو الرابعة يأتي بركعتين بقعدتين، فلو شك أنها الثانية أو الثالثة أو الرابعة فثلاث ركعات بثلاث قعدات، وإن شك أنها الأولى أم الثانية أم الثالثة أم الرابعة فأربع ركعات بأربع قعدات، ولو شك في الخامسة يجلس بعد الركوع فيتشهد ثم يسجد سجدتين ثم يتشهد ثم يتم ثلاث ركعات بثلاث قعدات، ولو كان الشك في الخامسة بعد السجود فسدت، وكذا في الرابعة والخامسة، إلا أنه إذا ذكر أنه ترك سجدتين من ركعة وركوعا. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا بنى على الأقل» ش: هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه عن عبد الرحمن بن عوف، قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أو اثنتين فليبن على واحدة، فإن لم يدر ثنتين صلى أم ثلاثا فليبن على ثنتين، فإن لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا فليبن على ثلاث ويسجد سجدتين من قبل أن يسلم» هذا لفظ الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ولفظ ابن ماجه: «إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أم اثنتين فليجعلها واحدة، وإذا شك في اثنتين أو ثلاث فليجعلها اثنتين وإذا شك في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثا ثم ليتم ما بقي من صلاته حتى يكون الوهم في الزيادة ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم» ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ولفظه: «فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليتم، فإن الزيادة خير من النقصان» ، وقال صحيح على شرط الشيخين، وتعقبه الذهبي في " مختصره "، فإن فيه عمار بن مطرز الرهاوي، وقد تركوه. قلت: عمار ليس في " السنن ". م: (والاستقبال بالسلام أولى) ش: هذا متعلق بقوله: استأنف يعني إذا استأنف الصلاة وفيها إذا عرض له السهو أول مرة استأنف بالسلام وهو أولى م: (لأنه) ش: أي لأن السلام م: (عرف محللا دون الكلام) ش: لأن السلام عرف محللا للصلاة شرعا، ولم يعلم ذلك بأن الكلام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 633 ومجرد النية لغو، وعند البناء على الأقل يقعد في كل موضع يتوهم آخر صلاته، كيلا يصير تاركا فرض القعدة، والله أعلم.   [البناية] موضع السلام شرعا، وإنما ذكر الكلام لدفع شبهة، فإنه عسى أن يهم الوهم بأن هذا لما كان قطعا للصلاة لاستقبال الصلاة من الابتداء لا يتفاوت الحكم من السلام والكلام، إذ كل منهما قاطع للصلاة، فإن استأنف بالكلام أيضا يجوز، لأنه أيضا قاطع كالسلام م: (ومجرد النية تلغو) ش: أي نفس النية بقطع الصلاة من غير اقتران السلام بها ليست بكافية للقطع، لأن النية بوصف التجرد لا تأثير لها في الشيء الذي يتوقف تحققه على النية، وعمل الجوارح وقطع الصلاة من هذا فلا يثبت بمجرد النية. م: (وعند البناء على الأقل يقعد في كل موضع يتوهم آخر صلاته كيلا يصير تاركا فرض القعدة) ش: هذا متعلق بقوله شك في صلاته.. إلخ، وقد بيناه مفصلا عن قريب. فروع: شك في صلاته أنه صلاها أم لا، فإن كان في الوقت يعيد، ولو شك خارج الوقت لا يعيدها شك في الركوع والسجود، وإن كان بعدما يأتي بهما وبعد الخروج منها، فالظاهر أنه لم يتركها، شك في الحدث وأيقن بالطهارة فهو متطهر وبالعكس فحدث شك في بعض وضوئه وهو أول ما عرض له غسل ذلك الموضع، وإن كان يعرض له كثيرا لا يلتفت إليه، وكذا لو شك أنه كبر للافتتاح، فإن كان أول ما عرض له استقبل، وإن كثر وقوعه يمضي، صلى يقوم شهرا ثم قال لهم صليت على غير وضوء لا يصدق، ولو عرض وغلب على ظنهم صدقه يجب عليهم القضاء قام المسبوق في قضاء ما سبق ثم تذكر الإمام أن عليه سجدة التلاوة، فعاد فسجدها، فإن عاد المسبوق إلى متابعته فسدت صلاته، وإن مضى على صلاته ففي فسادها روايتان. وفي " الروضة " فالواجب على المسبوق بعد سلام الإمام القعود ولا يقوم إلى قضاء ما سبق، حتى يوجد من الإمام ما يفسد صلاته من الانحراف والكلام والشروع في صلاة أخرى، قال أبو شجاع: إذا قال في القعدة الأولى: اللهم صل على محمد يلزمه السهو، وعن أبي حنيفة إذا زاد حرفا يجب سجود السهو، وقال الإمام أبو منصور الماتريدي: لا يجب ما لم يقل وعلى آل محمد وعن الصفار: لا سهو عليه في هذا، وعن محمد أنه استقبح إن أوجب سجود السهو بالصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولو قرأ فاتحة الكتاب قبل التشهد يلزمه السهو وبعده لا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 634 باب صلاة المريض إذا عجز المريض عن القيام   [البناية] [باب صلاة المريض] [كيفية صلاة المريض] م: (باب صلاة المريض) ش: أي هذا باب في بيان أحكام صلاة المريض، وهو فعيل بمعنى فاعل من باب علم يعلم، قال الجوهري: المرض القسم، قلت: هو ضعف القوى، وترادف الآلام. وفي " البدرية " الإضافة في صلاة المريض من باب إضافة الفعل إلى فاعله أو إلى محله، كتحريك الخشبة. وأنه شائع كقولهم: جرح زيد لا يندمل، وقال السغناقي: قولهم: جرح زيد لا يندمل يجمعها. قلت: ينبغي أن يتعين المعنى الأول، لأن المعنى الصلاة الصادرة من المريض، فالمريض فاعلها وموجدها، بخلاف جرح زيد لأن زيدا المجروح فلا يكون نظيره، لأن المريض بمعنى المارض كما ذكرنا، ثم المناسبة بين البابين من حيث إن كلا منهما مشتمل على نوع من العوارض السماوية، لكن قدم باب السهو لكثرة وقوعه وشدة سائر الحاجة إلى بيانه، أو لأن في كل منهما صلاة مع قصور ولها جابر، ففي الأول سجدتا السهو، وفي هذا قدر الإمكان. م: (إذا عجز المريض عن القيام) ش: بأن يلحقه بالقيام ضرر، ولم يرو هذا العجز أصلا، بحيث لا يمكنه القيام بأن يصير مقعدا بل بحيث لا يقدر على القيام، إلا أنه يضعفه ضعفا شديدا أو يجد وجعا، كذا في " المحيط "، وقيل: بحيث لو قام سقط عن ضعف أو دوران رأس. وقيل: بحيث أن يصير صاحب فراش، وقيل: بحيث يبيح ما يسمح الإفطار به، وقيل لا يبيح التيمم به، وقيل ما يعجزه عن القيام بحوائجه. وأصح الأقاويل ما ذكرناه أولا، وهو أن يلحقه بالقيام ضرر كذا ذكره التمرتاشي، وفي " فتاوى الظهيرية " وعليه الفتوى. وعن أبي جعفر الطحاوي: ولو قدر على بعض القيام ولو قدر آية أو تكبيرة يقوم ذلك القدر وإن عجز عن ذلك قعد، وإن لم يفعل ذلك خفت أن تفسد صلاته، هذا هو المذهب، ولا يروى عن أصحابنا خلافه، وكذا إذا عجز عن القعود وقدر على الاتكاء أو الاستناد إلى إنسان أو حائط أو وسادة لا يجزئه إلا كذلك. ولو استلقى لا يجزئه خصوصا على قولهما فإنهما يجعلان قدرته على الوضوء بغيره كقدرته بنفسه، فكذلك في " مبسوط شيخ الإسلام "، الفرق بين هذا وبين الصوم أن المريض إذا كان قادرا على الصوم في بعض اليوم ثم عجز فإنه لا يصوم أصلا، وهاهنا يصلي قائما بقدر ما رأته لنا أفطر في آخر اليوم لم يكن فعله معتدا به في أول اليوم فلا ينتقل به، وفي الصلاة قيامه في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 635 صلى قاعدا يركع ويسجد؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعمران بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى الجنب تومئ إيماء» ، ولأن الطاعة بحسب الطاقة. قال: فإن لم تستطع الركوع والسجود أومئ إيماء، يعني قاعدا؛   [البناية] أولها يبقى معتدا به، وإن قعد في آخرها، وفي " المحيط " و " المجتبى " لو تكلف المريض إلى الجماعة فعجز عن القيام. قيل: لا يخرج مخافة فوت الركن، والأصح أن يخرج، لأن الفرض القدرة على الاقتداء. وفي " الخلاصة " وعليه الفتوى. م: (صلى قاعدا يركع ويسجد) ش: قاعدا نصب على الحال من المريض، ويركع ويسجد أيضا حالان متداخلان أو مترادفان م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمران بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى الجنب تومئ إيماء» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا مسلما. عن «عمران بن حصين قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة، فقال: " صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب» وزاد النسائي: «فإن لم تستطع فمستلقيا، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها» . وفي رواية أبي داود عن «عمران بن حصين قال: كان بي الناصور، فسألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -.. الحديث، الناصور بالنون والصاد المهملة، ويقال: الناسور بالسين، وهي علة تحدث في مآقي العين تبقى فلا تقطع، وقد تحدث أيضا في أحوال المقعدة وهو المراد هاهنا، وقد تحدث أيضا في اللبة وهو معرب. والباسور بالباء الموحدة علة تحدث في المقعدة وفي داخل الأنف أيضا، ويجمع على بواسير، وفي لفظ مبسورا، وقيل بالنون، وقيل: لا يسمى باسورا إلا إذا خرج وفتحت أفواه عروقه من داخل المخرج. وفي " المغرب " الباصور فرجة غائرة فلا تندمل. م: (ولأن الطاعة بحسب الطاقة) ش: أي بحسب القدرة، قال الله تعالى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] (البقرة: الآية 286) . م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فإن لم تستطع الركوع والسجود أومئ إيماء) ش: أومأ أصله بالهمزة ولكنها تلين م: (يعني قاعدا) ش: هذا تفسير كلام القدوري، فإن قال: فإن لم تستطع الركوع والسجود أومئ إيماء، وجعل السجود أخفض من الركوع، ولم يتعرض أنه يومئ قائما أو قاعدا، فقال المصنف مراده يومئ قاعدا. فإن قلت: إذا قدر على القيام ولم يقدر على الركوع أو السجود ينبغي أن لا يسقط عنه فرض القيام، ويصلي قائما بالركوع والسجود، وهو قول الشافعي لحديث عمران بن حصين: «فإن لم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 636 لأنه وسع مثله وجعل سجوده أخفض من ركوعه؛ لأنه قام مقامهما، فأخذ حكمهما ولا يرفع إلى وجهه شيء يسجد عليه؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن قدرت أن تسجد على الأرض فاسجد، وإلا فأومئ برأسك» ،   [البناية] تستطع فقاعدا» حيث نقل الحكم من القيام إلى القعود بشرط العجز عن القيام. قلت: أجاب السغناقي محالا على " مبسوط شيخ الإسلام " بقوله ذلك محمول على ما إذا كان قادرا على الركوع والسجود حال القيام، بدليل أنه ذكر الإيماء حال ما يصلي على الجنب، فدل أن المراد بحال القيام القدرة على الأركان. قلت: في أي طريق من طرق حديث عمران بن حصين ذكر الإيماء حتى يقول بدليل أنه ذكر الإيماء إلى آخره. فإن قلت: لم يبين صفة القعود كيف هي. قلت: قال صاحب " الدراية " و " التحفة ": اختلفت الروايات عن أصحابنا في أنه كيف يقعد، فروى محمد عن أبي حنيفة أنه يجلس كيفما شاء. وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه إذا افتتح الصلاة يتربع، وإذا ركع يفترش رجله اليسرى ويجلس عليها، وعن أبي يوسف أنه يتربع في جميع صلاته، وعن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يفترش رجله اليسرى في جميع صلواته، والصحيح رواية محمد، لأن عذر المرض يسقط عنه الأركان، فلأن تسقط عنه الهيئات أولى. م: (لأنه وسع مثله) ش: أي لأن الإيماء بالركوع والسجود قاعدا وسع مثل هذا الرجل، هذا الذي لا يقدر على القيام والركوع والسجود م: (وجعل سجوده أخفض من ركوعه) ش: أي أوطأ م: (لأنه) ش: أي لأن الإيماء م: (قائم مقامهما) ش: أي مقام الركوع والسجود م: (فأخذ حكمهما) ش: أي فأخذ الإيماء حكم الركوع والسجود، وهو أن السجود يكون أخفض من الركوع. فكذا في الإيماء. م: (ولا يرفع إلى وجهه شيء يسجد عليه) ش: لا يرفع على صيغة المجهول، وقوله شيء مفعول قائم مقام الفاعل. وقوله: يسجد عليه جملة في محل الرفع لأنها صفة لقوله شيء م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن قدرت أن تسجد على الأرض فاسجد وإلا فأومئ برأسك» ش: هذا الحديث رواه جابر وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فحديث جابر أخرجه البزار في " مسنده " والبيهقي في " المعرفة " عن أبي بكر الحنفي حدثنا سفيان الثوري حدثنا أبو الزبير عن جابر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عاد مريضا فرآه يصلي على وسادة، فأخذها فرمى بها فأخذ عودا ليصلي عليه فرمى به، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن استطعت وإلا فأومئ إيماء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 637 وإن فعل ذلك وهو يخفض رأسه أجزأه لوجود الإيماء. وإن وضع ذلك على جبهته   [البناية] واجعل سجودك أخفض من ركوعك» . وقال البزار: لا نعلم أحدا رواه عن الثوري إلا أبو بكر الحنفي، قال البيهقي: هذا بعيد من أفراد أبي بكر الحنفي وقد تابعه عبد الوهاب بن عطاء عن الثوري به، وهذا لا يحتمل أن يكون في وسادة مرفوعة إلى جبهته، ويحتمل أن تكون موضوعة على الأرض. وحديث ابن عمر أخرجه الطبراني في " معجمه " عن طارق بن شهاب عن ابن عمر قال: «عاد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلا من أصحابه مريضا» .. فذكره. م: (وإن فعل ذلك) ش: أي إن رفع إلى وجهه شيئا يسجد عليه م: (وهو يخفض رأسه) ش: أي والحال أنه يخفض رأسه م: (أجزأه لوجود الإيماء) ش: الذي هو الفرض، يعني الإيماء في حقه، وفي الأصل يكره للمومئ أن يرفع عودا أو وسادة يسجد عليها. وفي " الينابيع " يكون شيئا وتجوز صلاته إن وجد فيه تحريك رأسه، وإن لم يوجد لا يجوز. ثم اختلفوا هل يعد هذا سجودا أو إيماء؟، قيل: هو إيماء وهو الأصح، وفي " المبسوط " جازت صلاته بالإيماء لا بوضع الرأس، وقيل: هو سجود، فإن كانت الوسادة موضوعة على الأرض وسجد عليها جازت لما روى الحسن عن أمه قالت: رأيت أم سلمة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسجد على وسادة من أدم من رمد بها، رواه البيهقي بإسناده، وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه رخص في السجود على الوسادة والمخدة ذكره البيهقي، وكذا ذكر في " سننه " عن أبي إسحاق قال: رأيت عدي بن حاتم يسجد على جدار في المسجد ارتفاعه قدر ذراع، وذكره أيضا ابن أبي شيبة في " مصنفه "، وذكر ابن أبي شيبة عن أبي أنس أنه كان يسجد على مرفقه، وعن أبي العالية أنه كان مريضا وكانت المرفقة سكنى له فيسجد عليها، وكره ذلك ابن عمر وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يكره أن يسجد الرجل على العود، ومثله عن ابن مسعود والحسن، ذكره ابن أبي شيبة في " مصنفه ". وفي " المحيط ": لو كان على جبهته عذر دون الأنف لم يجزه الإيماء ويسجد على أنفه، لأنه كالجبهة. وقال أبو بكر: إذا كان بجبهته أو أنفه عذر يصلي بالإيماء ولا يلزمه تقريب الجبهة إلى الأرض بأقصى ما يمكنه. وفي " المجتبى ": كيفية الإيماء بالركوع والسجود شبيهة على أنه هل يكفي بعض الانحناء أم أقصى ما يمكنه؟ فظفرت على الرواية، فإنه ذكر شيخ الإسلام المومئ إذا اخفض رأسه للركوع شيئا ثم للسجود جاز، ولو وضع بين يديه وسائد وألصق جبهته فإن وجد جاز وإلا فلا. م: (وإن وضع ذلك) ش: أي وإن وضع ذلك الشيء بأن وضعه م: (على جبهته) ش: أي على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 638 لا يجزئه لانعدامه، وإن لم يستطع القعود استلقى على ظهره وجعل رجليه إلى القبلة، وأومأ بالركوع والسجود؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يصلي المريض قائما فإن لم يستطع فقاعدا، فإن لم يستطع فعلى قفاه يومئ إيماء، فإن لم يستطع فالله تعالى أحق بقبول العذر منه»   [البناية] جبهة المريض م: (لا يجزئه لانعدامه) ش: أي لانعدام الإيماء م: (وإن لم يستطع القعود استلقى على ظهره وجعل رجليه إلى القبلة وأومأ بالركوع والسجود) ش: قال الشيخ حميد الدين بن الضرير وغيره: توضع وسادة تحت رأسه حتى يكون شبه القاعد، ليتمكن من الإيماء للركوع والسجود، إذ حقيقة الاستلقاء تمنع الأصحاء عن الإيماء، فيكف في المرضى؟ ثم اختلفت الروايات عن أصحابنا في كيفية الاستلقاء، ففي ظاهر الرواية يصلي مستلقيا على قفاه ورجلاه إلى القبلة، وروى ابن كاس عنهم أنه يصلي على جنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة، فإن عجز عن ذلك استلقى على قفاه، وهو قول الشافعي وقول مالك وأحمد كظاهر الرواية المذكورة م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يصلي المريض قائما، فإن لم يستطع فقاعدا، فإن لم يستطع فعلى قفاه يومئ إيماء، فإن لم يستطع فالله أحق بقبول العذر منه» ش: هذا حديث غريب رواه أصحابنا في كتبهم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يبينوا رواته ولا حاله. وإنما ذكر صاحب " المبسوط " فقال: «دخل رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على عمران بن حصين يعوده في مرضه، فقال: كيف أصلي؟، قال: " صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى الجنب تومئ إيماء، فإن لم تستطع فالله تعالى أولى بالعذر» ، أي بقبول العذر منك. وقد روى الدارقطني في " سننه " من حديث علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يصلي المريض قائما، فإن لم يستطع صلى قاعدا، فإن لم يستطع أن يسجد أومأ وجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن لم يستطع أن يصلي قاعدا صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع صلى مستلقيا ورجلاه مما يلي القبلة» . وفيه [الحسن بن] الحسين العرني قال عبد الحق: كان من رؤساء الشيعة ولم يكن عندهم بصدوق، ووافقه ابن القطان وفيه الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. قال ابن عدي: أنا أرجو أن لا بأس به إلا أني وجدت في بعض حديثه نكرة، وقال السغناقي: قوله فإن لم يستطع فالله أحق بقبول العذر منه، هذا من تتمة الحديث، ولفظ " المبسوطين " و " الأسرار " أولى فكان أحق معناه على قول من يقول لا يسقط القضاء عنه وإن لم يقدر على الإيماء أي أحق بقبول عذر التأخير لا عذر الإسقاط، وعلى قول من يقول بعدم القضاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 639 قال: وإن استلقى على جنبه ووجهه إلى القبلة فأومأ جاز؛ لما روينا من قبل، إلا أن الأولى هو الأولى عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن إشارة المستلقي تقع إلى هواء الكعبة،   [البناية] وهو الأصح أي أحق بقبول عذر الإسقاط. قلت: هذا كلام حسن إذا ثبت أنه حديث. م: (وإن استلقى على جنبه ووجهه إلى القبلة فأومأ جاز) ش: أطلق ذكر الجنب ليتناول الأيمن والأيسر وهو مذهب الشافعي، ولكنه قال على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع استلقى على ظهره ويستقبل القبلة برجليه لحديث عمران بن حصين ولأنه لو اضطجع على جنبه يكون وجهه إلى القبلة فهو أولى كما إذا احتضر وجهه إلى القبلة على شقه الأيمن، وكذا في القبر، وسنجيب عن هذا عن قريب. ثم اعلم أن الاضطجاع المشروع ستة: أحدها: في الصلاة على الخلاف. الثاني: المحتضر عند الموت يوضع على شقه عرضا ووجهه إلى القبلة، ولكن المتأخرين اختاروا الاضطجاع مستلقيا، وزعموا أنه أسهل لخروج الروح وهو الثالث. الرابع: الميت إذا وضع على التخت لغسله، ولا رواية فيه لأصحابنا، لكن تعارفوا اضطجاعه على قفاه. الخامس: الاضطجاع في حالة الصلاة يكون مستلقيا على قفاه كما هو المعهود بين الناس. السادس: الاضطجاع في اللحد يضطجع على جنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة. م: (لما روينا من قبل) ش: أراد به حديث عمران بن حصين الذي ذكره في أول الباب م: (إلا أن الأولى هو الأولى عندنا) ش: الأولى بفتح الهمزة بمعنى الأحرى والأجدر، والأولى الثاني بضم الهمزة تأنيث الأول، وأراد به الاستلقاء على الظهر. فإن قلت: كيف وجه التأنيث، والمذكور من الاستلقاء على الظهر مذكر؟ قلت: لما كان هذه هيئة وحالة ذكر بالتأنيث على تأويل الهيئة، ويجوز أن يكون على تأويل الرواية الأولى، وجعله السغناقي من باب المزاوجة خطأ فلا حاجة إلى ذلك، والتأويل المذكور أحسن، وفي بعض النسخ الأولى بالضم يقدم على الأولى بالفتح، وعلى هذا فسره الأكمل. م: (خلافا للشافعي) ش: فإن عنده هو الثاني كما ذكرنا م: (لأن إشارة المستلقي تقع إلى هواء الكعبة) ش: هذه إشارة إلى أوجه المعقول، أراد أن المستلقي على قفاه إذا أومأ يقع إيماؤه إلى هواء الكعبة، وقد علم أن شرط المصلي أن يصلي إلى القبلة، والصلاة بالإيماء ما له فعل غير الإيماء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 640 وإشارة المضطجع على جنبه إلى جانب قدميه، وبه تتأدى الصلاة، فإن لم يستطع الإيماء برأسه أخرت الصلاة عنه،   [البناية] والإيماء أن يقع إلى الكعبة بما قلنا، ألا ترى أنه لو حققه لذلك سجودًا كان إلى القبلة. وعلى ما قاله الخصم لو حققه لكن إلى يسار الكعبة م: (وإشارة المضطجع على جنبه إلى جانب قدميه) ش: فيكون توجه البدن إلى الكعبة والشرط أداء الصلاة إلى الكعبة لا البدن، بدون الأداء، فالخصم مال إلى ظاهر التوجه ببدنه، كما في الميت، ونحن إلى التوجه مصليًا، وهذا أولى، وقال الأكمل في هذا الموضع: ولنا تعارض حديث عمران بن حصين، وحديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وفي حالة العذر جاز العمل بكل منهما، إلا أن ما ذكرنا أولى، لأن المعقول معنا، فإن إشارة المستلقي .... إلخ. قلت: لم يبين هو حديث ابن عمر أصلًا ولا ذكره، وكيف قال ولما تعارض حديث عمران وحديث ابن عمر؟ أقول حديث ابن عمر رواه البيهقي عن نافع عن ابن عمر قال: «يصلي المريض مستلقيًا» ولا يسلم المعارضة بينهما، فإن في حديث عمران أيضًا «فإن لم يستطع فمستلقيًا» رواه النسائي كما ذكرنا. وقال صاحب " الدراية ": وحديث عمران محتمل، وما رويناه أعني حديث ابن عمر محكم، والعمل بالمحكم أولى. قلت: هذه الدعوى إنما تصح إذا لم يكن في حديث عمران ذكر الاستلقاء على القفا، والحال انه قد ذكر فيه، فحينئذ كلاهما يتساويان فلا تصح دعوى كل واحد من الأكمل وصاحب " الدراية "، على أن أصحابنا احتجوا بأول حديث عمران بن حصين وهو قوله: «صل قائما فإن لم تستطع فقاعدًا» فعلى هذا ذكر المصنف، واحتج الشافعي بتمامه لأن آخر الحديث: «فإن لم تستطع فعلى الجنب» . ثم أجاب أصحابنا عن هذا أن معنى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعلى الجنب أي ساقطًا على الأرض، والمستلقي على الأرض ساقط. قلت: هذا ليس بسديد، لأنه يلزم منه التكرار في الحديث بلا فائدة، فافهم. والكلام الموجه فيه أن يقال إن كل واحد من الحديثين يدل على جواز ما قالوا وما قلنا: غاية ما في الباب أن أصحابنا رجحوا صورة الاستلقاء على القفا لمساعدة العقول إياه كما ذكرنا، وما في الباب يرجح غير هذا. م: (وبه تتأدى الصلاة) ش: أي بوقوع الإشارة إلى هواء الكعبة تتأدى الصلاة. م: (فإن لم يستطع الإيماء برأسه أخرت الصلاة عنه) ش: أي أخرت الصلاة عن هذا المريض عند الجزء: 2 ¦ الصفحة: 641 ولا يومئ بعينيه ولا بقلبه ولا بحاجبيه، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما روينا من قبل؛ ولأن نصب الإبدال بالرأي ممتنع، ولا قياس على الرأس لأنه يتأدى به ركن الصلاة.   [البناية] عدم الاستطاعة على الإيماء برأسه وسيجيء الكلام فيه مفصلًا م: (ولا يومئ بعينيه ولا بقلبه) ش: وفي " التحفة " و" القنية " عند الحسن يومئ بقبله وبحاجبيه ويعيد م: (ولا بحاجبيه) ش: أي ولا يومئ أيضًا بحاجبيه م: (خلافًا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فعنده يومئ بعينيه وحاجبيه وقلبه. واعلم أن المريض إذا عجز عن الإيماء بالرأس هل يلزمه الإيماء بالعينين والحاجبين أم لا؟، ولم يذكر هذا في ظاهر الرواية، روي عن أبي حنيفة في غير رواية الأصول أنه قال لا يومئ المريض بحاجبيه ولا بعينيه ولا بقلبه في الصلاة، وهكذا روي عن أبي يوسف أيضا، وروي عن محمد بن الحسن أنه قال لا يومئ بقلبه ولم يذكر الحاجبين والعينين. وعن زفر أنه يومئ بالحاجبين لقربه من الرأس، فإن عجز فبالعينين، فإن عجز فبقلبه، وقال الحسن بن زياد: يومئ بعينيه وبحاجبيه ولا يومئ بقلبه، كذا ذكر شيخ الإسلام خواهر زاده في "مبسوطه " خلافهم. وقال القدوري وصاحب " التحفة ": قال الحسن بن زياد: يومئ بحاجبيه وبقلبه ويعيد متى قدر على الأركان. وفي " الحاوي " يومئ بعينيه وبحاجبيه وقلبه عند زفر وأبي يوسف، ولم يجزه أبو حنيفة. وقال محمد: لا أشك أن الإيماء بالرأس يجوز، ولا شك أنه بالقلب لا يجوز وأشك في العينين، ذكره في " الذخيرة ". وقاضي خان وفي "الحاوي " عن محمد الإيماء بالقلب لا يجوز عند أبي يوسف، ولست أحفظ قوله في الإيماء بالعينين والحاجبين. وعند زفر بعينيه وحاجبيه، وإذا صح أعاد. وقال الشافعي: إذا عجز عن الإيماء برأسه أومأ بطرفه، فإن عجز أجرى أفعال الصلاة على قلبه، وكذا القراءة والأذكار يجريها على قلبه عند العجز، وما دام عاقلًا لا تسقط الصلاة، وفي " الدراية " وقال الشافعي ومالك يومئ بعينيه، فإن عجز فبقلبه لأنه وسع مثله. م: (لما روينا من قبل) ش: أشار به إلى «قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إن قدرت أن تسجد على الأرض فاسجد وإلا فأومئ برأسك:» م: (ولأن نصب الإبدال بالرأي ممتنع) ش: هذا دليل عقلي تقديره أن الشارع اقتصر على الرأس في الحديث المذكور في موضع البيان، ولو جاز غيره لبينه فحينئذ لا يجوز نصب البدل عن الإيماء بالرأس بالرأي م: (ولا قياس على الرأس) ش: جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال هذا ليس من باب نصب الإبدال بالرأي بل بالقياس على الرأس، وتقدير الجواب أن القياس على الرأس لا يصح م: (لأنه يتأدى به ركن الصلاة) ش: أي لأن الشأن يتأدى بالرأس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 642 دون العين وأختيها. وقوله: أخرت عنه إشارة إلى أنه لا تسقط الصلاة عنه، وإن كان العجز أكثر من يوم وليلة إذا كان مفيقا وهو الصحيح لأنه يفهم مضمون الخطاب، بخلاف المغمى عليه، قال: وإن قدر على القيام ولم يقدر على الركوع والسجود لم يلزم القيام.   [البناية] ركن الصلاة وهو السجود م: (دون العين وأختيها) ش: أراد بالأختية الحاجبين والقلب، وذلك لأنه لا يتأدى بهما ركن من أركان الصلاة، فالقياس مع وجود الفارق باطل. م: (وقوله: أخرت عنه) ش: أي قول القدوري في "مختصره"، فإن لم يستطع الإيماء برأسه أخرت عنه، أي أخرت الصلاة عن هذا المريض، ولكن غالب عادة المحتضر، فإن لم يستطع الإيماء برأسه أخر الصلاة، والمعنى واحد. م: (إشارة إلى أنه لا تسقط الصلاة) ش: إشارة بالرفع خبر المبتدأ، أعني قوله والضمير في أنه للسان والشرط في عدم السقوط، وإن كان أكثر من يوم وليلة أن يكون مفيقًا أشار إليه بكلمة "إن" الواصلة بقوله: م: (وإن كان العجز أكثر من يوم وليلة إذا كان مفيقًا) ش: لوجود فهم الخطاب، وسبب الوجوب صلاحية الذمة، وهو الذي ذكره الكرخي في "مختصره"، واختاره المصنف فلذلك نبه عليه بقوله: م: (هو الصحيح) ش: واحترز به عن قول شيخ الإسلام وفخر الإسلام وقاضي خان وآخرين، فإنهم قالوا الصحيح أنه يسقط، وبه قال مالك، وفي "فتاوى الظهيرية" وهو ظاهر الرواية وعليه الفتوى لأن مجرد العقل لا يكفي لتوجه الخطاب. قال محمد: قال في " النوادر " من قطعت يداه من المرفقين ورجلاه إلى الساقين لا صلاة عليه، فعلم أن مجرد الفعل لا يكفي لتوجه الخطاب. وفي " المحيط " قال بعض المشايخ: إذا كانت الفوائت أكثر من يوم وليلة لا يجب عليه القضاء، وإن كان أقل من ذلك فعليه القضاء كالجنون والإغماء وهو الصحيح، وللشافعية وجه حكاه صاحب " العدة " والبيان أنه إذا عجز عن الإيماء بالرأس سقطت عنه، وفي "منية المفتي " إن دام العجز أكثر من يوم وليلة سقطت في الأصح. وقال بعضهم: لا يسقط، وإن دام أكثر من يوم وليلة حتى إذا برئ لزمه القضاء، ولو مات قضى عنه ورثته. قال في " النافع ": هو الصحيح، وقال بعضهم: يسقط مطلقًا من غير تفصيل، واختاره السرخسي. م: (لأنه أي لأن هذا المريض يفهم مضمون الخطاب) ش: لوجود عقله م: (بخلاف المغمى عليه) ش: لعجزه عن فهم الخطاب م: (وإن قدر على القيام ولم يقدر على الركوع والسجود لم يلزمه القيام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 643 ويصلي قاعدا يومئ إيماء؛ لأن ركنية القيام للترسل به إلى السجدة لما فيها من نهاية التعظيم، فإذا كان لا يتعقبه السجود لا يكون ركنا فيتخير، والأفضل هو الإيماء قاعدا؛ لأنه أشبه بالسجود، وإن صلى الصحيح بعض صلاته قائما ثم حدث به مرض أتمها قاعدا يركع ويسجد أو يومئ إن لم يقدر أو مستلقيا إن لم يقدر لأنه بنى الأدنى على الأعلى فصار كالاقتداء.   [البناية] ويصلي قاعدًا يومئ إيماء) ش: وقال زفر والشافعي لم يسقط عنه القيام في هذه الحالة، لأن ركن فلا يسقط بالعجز عن إدراك ركن آخر م: (لأن ركنية القيام للترسل به إلى السجدة لما فيها) ش: أي في السجدة م: (من نهاية التعظيم، فإذا كان لا يتعقبه السجود) ش: أي فإذا كان لا يتعقبه السجود يعني إذا سقطت عنه السجدة وهي الأصل سقط عنه القيام وهو الوسيلة، كمن سقطت عنه الصلاة سقطت عنه الطهارة حينئذ م: (لا يكون ركنًا فيتخير) ش: أي المريض المصلي بين أن يصلي قائمًا بالإيماء، وبين أن يصلي قاعدًا بالإيماء. م: (والأفضل هو الإيماء قاعدًا لأنه أشبه بالسجود) ش: لكون القعود أقرب إلى السجود من القيام. فإن قلت: فقد جاء أفضل الصلاة طول القنوت أي القيام. قلت: إنما كان كذلك لانضمام قراءة القرآن إليه، فيكون فضله لأجل الجمع بين الركنين وهو يحصل في القعود، ولا ترد صلاة الجنازة حيث لم يلزم ثمة سقوط القيام بسبب سقوط السجود، لأنها ليست بصلاة حقيقة بل هي دعاء. م: (وإن صلى الصحيح بعض صلاته قائمًا وحدث به مرض يتمها قاعدًا يركع ويسجد أو يومئ إن لم يقدر) ش: أي على الركوع والسجود، وفي " فتاوى قاضي خان " ما يخالف هذا حيث قال: تفسد صلاته عند أبي حنيفة في هذه الصورة، وهذه رواية [ .... ] ابن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة، لأن تحريمته انعقدت للركوع والسجود فلا يجوز بدونها م: (أو مستلقيًا إن لم يقدر) ش: أي أو يصلي حال كونه مستلقيًا على قفاه إن لم يقدر على القعود، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يستقبل. م: (لأنه بنى الأدنى على الأعلى) ش: أي في الصور الثلاث وهو الإيماء قاعدًا بالركوع والسجود عند عدم القدرة على القيام والإيماء قاعدًا عند عدم القدرة على الركوع والسجود والإيماء ومستلقيًا عند عدم القدرة على الإيماء قاعدًا. م: (فصار كالاقتداء) ش: أي فصار بناء المريض على أول صلاته كالاقتداء أي يجوز كما يجوز ذاك، فإنه يصح اقتداء القاعد بالقائم والمومئ بالراكع والساجد، والأصل في المسألة أن كل موضع يصح الاقتداء يصح البناء وإلا فلا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 644 ومن صلى قاعدا يركع ويسجد لمرض، ثم صح بنى على صلاته قائما عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يستقبل بناء على اختلافهم في الاقتداء وقد تقدم بيانه وإن صلى بعض صلاته بإيماء ثم قدر على الركوع والسجود استأنف عندهم جميعا، لأنه لا يجوز اقتداء الراكع بالمومئ، فكذا البناء، ومن افتتح التطوع قائما ثم أعيا لا بأس بأن يتوكأ على عصا أو حائط أو يقعد؛ لأن هذا عذر، وإن كان الاتكاء بغير عذر يكره؛ لأنه إساءة في الأدب، وقيل: لا يكره عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه لو قعد عنده يجوز من غير عذر، فكذا لا يكره الاتكاء،   [البناية] م: (ومن صلى قاعدًا يركع ويسجد لمرض ثم صح بنى على صلاته قائمًا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد يستقبل بناء على اختلافهم في الاقتداء) ش: أي بنوا بناء على صلاتهم، أراد به اختلاف الثلاثة المذكورين في الاقتداء يعني أن كل فصل جوز الاقتداء فيه جوز بناء آخر الصلاة على أولها وإلا فلا. ثم عند محمد لا يقتدي القائم بالقاعد، فكذا لا يبني في حق نفسه وعند القائم يقتدي بالقاعد، فكذا يبني في حق نفسه. فإن قلت: يرد على هذا ما إذا افتتح الصحيح التطوع قاعدًا وأدى بعض صلاته قاعدًا ثم له أن يقوم فقام وصلى الباقي قائمًا أجزأه بالإجماع، وهذا الأصل المذكور يقتضي أن لا يجوز على قول محمد. قلت: تحريمة المريض لم ينعقد لقيام لقدرته عنده، فجاز بقاؤه عليه. م: (وقد تقدم بيانه) ش: أي بيان اختلافهم في الاقتداء في باب الإمامة. م: (وإن صلى بعض صلاته بإيماء ثم قدر على الركوع والسجود استأنف) ش: أي صلاته م: (عندهم جميعًا) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وعند زفر والشافعي ومالك وأحمد يبني محافظة على عمله م: (لأنه لا يجوز اقتداء الراكع بالمومئ، فكذا البناء) ش: لأنه يصير بناء القوي على الضعيف. م: (ومن افتتح التطوع قائمًا ثم أعيا) ش: أي تعب، يقال: أعيا الرجل في المشي، إذا تعب وأعياه الله لازم ومتعد. وقال الجوهري: أعيي فهو معي، فلا يقال عيان، وأعي علة الأمر ونقيا ونقايا بمعنى م: (لا بأس أن يتوكأ على عصا أو حائط أو يقعد) ش: أي أو أن يقعد م: (لأن هذا عذر) ش: ففي الاتكاء بعض القيام، وفي القعود بدله م: (وإن كان الاتكاء بغير عذر يكره لأنه إساءة في الأدب) ش: قال البزدوي: الاتكاء بغير عذر يكره، بخلاف القعود، فإن مشروع ابتداء إذ صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم كما ورد في الحديث به بخلاف الاتكاء م: (وقيل: لا يكره عند أبي حنيفة، لأنه لو قعد عنده) ش: أي لأن المصلي لو قعد عند أبي حنيفة م: (يجوز من غير عذر) ش: مع أنه ينافي القيام م: (فكان لا يكره الاتكاء) ش: لأنه ليس أدنى حال من القعود، لأنه لا ينافي في القيام، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 645 وعندهما يكره؛ لأنه لا يجوز القعود عندهما، فيكره الاتكاء، وإن قعد بغير عذر يكره بالاتفاق، وتجوز الصلاة عنده، ولا تجوز عندهما   [البناية] فلما كان القيام بغير عذر جائزًا مكروهًا عنده كان الاتكاء غير مكروه م: (وعندهما يكره) ش: أي الاتكاء. م: (لأنه لا يجوز القعود عندهما) ش: يعني بغير عذر م: (فيكره الاتكاء) ش: بغير عذر، لأن القعود بغير عذر يقطع الصلاة عندهما. والإيماء برأسه دون القعود باعتبار أنه لا يتأتى في القيام فكان مكروهًا لكونه إساءة في الأدب، وبعضهم قالوا على قول أبي حنيفة يجب أن يكره الاتكاء بخلاف القعود، فإنه إذا قعد بعدما افتتح قائمًا لا يكره عنده، ووجه ذلك أنه في الابتداء مخير بين أن يفتتح التطوع قائمًا وبين أن يفتتحه قاعدًا، فيبقى هذا الخيار في الانتهاء من غير كراهة، وأما في حق الاتكاء فهو غير مخير في الابتداء بين أن يصلي متكئًا وبين أن يصلي غير متكئ، بل يكره له ذلك لما فيه من الأدب وإظهار التخير، وكذلك في الانتهاء. م: (وإن قعد بغير عذر يكره بالاتفاق) ش: أي وإن قعد في صلاة التطوع بغير عذر بعدما شرع قائمًا يكره بالاتفاق بين الثلاثة، لكن هل تجوز الصلاة أم لا؟، فعند أبي حنيفة يجوز، وعندهما لا يجوز، أشار إليه بقوله م: (وتجوز الصلاة عنده، ولا تجوز عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد، وقال الأكمل: وفي كلامه تسامح، لأن ما لا يجوز لا يوصف بالكل إذًا، وقد قال: يكره بالاتفاق. وقال صاحب " الدراية ": بعد أن قال ثم عندهما لا يجوز، فكيف يوصف بالكراهة عند العلامة حميد الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -، يجوز أن يراد به أنه صلى ركعة قائما، ثم قعد في الثانية ليقرأ لإعياء به ثم قام فأتم الثانية، فإن هذه الصلاة جائزة مع الكراهة. وقال الأكمل: وفيه نظر لأن قعوده إذا كان الإعياء به فكذلك قعود بعذر، والكلام ليس فيه، بل يجب أن يكون مكروها. قلت: هما لا يقولان بالكراهة في فصل عدم الجواز، وإنما يقولان بعدم الجواز فيما إذا قعد ثم قام وأتم الصلاة قاعدًا أو بالجواز مع الكراهة فيما إذا قعد ثم قام وأتم الصلاة قائمًا، ومجرد القعود لا يعدم وصف الجواز، وهو نظير ما إذا قرأ القرآن بالفارسية من عذر لا يجوز عندهما فيما إذا لم يعد القراءة بالعربية أما إذا أعاده فيجوز مع الكراهة. في " الجنازية" و" الكافي " قوله يكره بالاتفاق يخالف ما ذكر قبل هذا بقوله: ولو قعد عنده يجوز ويجاب عن هذا ذكر في " مبسوط فخر الإسلام " لو قعد في النفل لا يكره عنده في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 646 وقد مر في باب النوافل، ومن صلى في السفينة قاعدا من غير علة أجزأه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والقيام أفضل. وقالا: لا يجزئه إلا من عذر، لأن القيام مقدور عليه فلا يترك إلا لعلة، وله أن الغالب فيها دوران الرأس، وهو كالمتحقق،   [البناية] الصحيح، لأن الابتداء على هذا الوجه مشروع بلا كراهة، فالبناء أولى، لأن حكم البناء أسهل من حكم الابتداء، إلا ترى أن الحديث يمنع ابتداء الصلاة، ولا يمنع بقاءها. فقوله في الصحيح يدل على أن ثمة غير صحيح كذا في باب النوافل يكون على الصحيح. وقول هاهنا بالاتفاق وقع سهوًا من الكاتب م: (وقد مر في باب النوافل) ش: أي قال الأترازي: فيه نظر، لأنه لم يذكر في باب النوافل. قلت: ذكره في فصل القراءة من باب النوافل فصدق عليه أنه مذكور في باب النوافل لعجب منه أن ينظر في مثل هذا. م: (ومن صلى في السفينة قاعدًا من غير علة) ش: أي من دوران رأسه ونحوه م: (أجزأه عند أي حنيفة) ش: قال في " المحيط ": قيل: هذا إذا كانت السفينة جارية، وإن كانت راسية لا يجزئه اتفاقًا، ثم إنه قيد بالسفينة لأنه لو صلى على العجلة على الدابة لا يجوز، أما لو كانت على الأرض يجوز، وقيد بقوله: قاعدًا لأنه صلى مسافرًا فيها بالإيماء لا يجوز سواء كانت مكتوبة أو نافلة، لأن يمكنه أن يسجد فيها ولا يقدر، والإيماء شرع عند العجز. وقيد بقوله: من غير علة لأن عند العلة يجوز بالاتفاق، وينبغي للمصلي فيها أن يتوجه إلى القبلة كيفما دارت السفينة، لأن التوجه إلى القبلة فرض بالنص عند القدرة، وهذا قادر بخلاف راكب الدابة لأنه عاجز عن استقبال القبلة حتى إذا ركب الدابة إن كان به نحو القبلة فأعرض عنها لم تجز صلاته، كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي م: (والقيام أفضل) ش: يعني الصلاة قائمًا أفضل، لأن أكمل. م: (وقالا: لا يجزئه إلا من عذر) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد م: (لان القيام مقدور عليه فلا يترك إلا لعلة) ش: كما لو كان على الأرض بحيث لا يجوز له ترك القيام مع القدرة عليه. م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة م: (أن الغالب فيها) ش: أي في السفينة م: (دوران الرأس وهو كالمتحقق) ش: أي الغالب كالمتحقق، كما في السفر لما كان الغالب فيه المشقة جعلت المشقة كالمتحققة، بخلاف ما لو كان على الأرض، لأن الغالب أن لا يدور الرأس ولا يجلو الأعين. فإن قلت: روي عن ابن عباس قال: «لما بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعفرًا إلى الحبشة قال يا رسول الله كيف أصلي في السفينة؟ قال: "صلي قائما، إلا أن تخاف الغرق» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 647 إلا أن القيام أفضل؛ لأنه أبعد عن شبهة الخلاف، والخروج أفضل ما أمكنه؛ لأنه أسكن لقلبه. والخلاف في غير المربوطة، والمربوطة كالشط هو الصحيح.   [البناية] قلت: في إسناده حسين بن علوان، قال أبو حاتم والدارقطني: متروك، وقال ابن معين: كذاب، وقال ابن عدي: يضع الحديث، وذكر ابن حزم في " المحلى " من حديث ابن سيرين قال صلى بنا في السفينة ونحن قعود، ولو شئنا لخرجنا. وقال مجاهد: صلينا مع جنادة بن أبي أمية قعودًا في السفينة، ولو شئنا لقمنا، ذكره في " المحيط " والحددة التي ذكره في " جامع الغرائب "، والحد بالضم وتشديد الدال شاطئ النهر. م: (إلا أن القيام أفضل، لأنه أبعد عن شبهة الخلاف والخروج) ش: أي من السفينة إلى البر. م: (أفضل إن أمكنه، لأنه أسكن لقلبه) ش: لأن القلب تعلق في الماء، وقيد بقوله إن أمكنه أي الخروج منها، لأنه إذا لم يمكنه الخروج إلى الشط يصلي فيها. م: (والخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (في غير المربوطة) ش: أي في غير السفينة المشدودة بشيء في الشط م: (والمربوطة) ش: أي السفينة المربوطة م: (كالشط) ش: حكمها حكم الشط، فلا تجوز الصلاة فيها قاعدًا مع القدرة على القيام م: (هو الصحيح) ش: احترز به عن قول عامة المشايخ أن على قول أبي حنيفة تجوز الصلاة فيها قاعدًا مع القدرة على القيام قاعدًا في السفينة جارية كانت أو راسية لإطلاق ما ذكره في " المبسوط " و" الجامع الصغير " والصحيح أن الخلاف في الجارية لا في الراسية، كما قال بعض مشايخنا. وفي " الدراية " هو الصحيح احترازًا عن قول بعض المشايخ، حيث قالوا: تجوز الصلاة فيها قاعدًا. وإن كانت مربوطة تفتح ساعة بساعة أو تفتح بهيجان الريح، فكان في الخروج خطر عظيم. ولكن الصحيح على قولهم أنه لا يجوز لأن دوران الرأس غالبًا حالة الجري مع أنه يمكن الخروج، لأن المربوطة على الشط كالمستقرة على الأرض لإمكان الخروج فلا تجوز كالصلاة على الدابة. وقال التمرتاشي: هذا إذا كانت مربوطة على الشط، فإن كانت موثقة باللجة في لجة البحر وهي تضطرب. قيل: يحتمل وجهين والأصح أنه إن كان الريح يحركها تحريكًا شديدًا فيهي كالسائرة، وإن حركها قليلا فهي كالواقفة. وفي " المجتبى ": والخلاف في السائرة وقيل في الساكنة أيضا. أما في المربوطة لا يجوز إلا قائما بالإجماع، وعند الدوران يجوز قاعدًا بالإجماع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 648 ومن أغمي عليه خمس صلوات، أو دونها قضى، وإن أكثر من ذلك لم يقض،   [البناية] وفي " المحيط " لا تجوز الفرائض والنوافل فيها بالإيماء إلا بعذر وإن قدر على الخروج، فالمستحب أن يخرج وإلا فلا، وتجوز الجماعة فيها، وكذا في السفينتين المقرونتين والدابة والدابتين المربوطتين، وكذا لو اقتدى في الحددة بإمام في السفينة أو على العكس، وليس بينهما طريق أو طائفة من النهر جاز وإلا فلا. ومن اقتدى بالإظلال بالإمام في أسفل السفينة صح، إلا أن يكون أمام الإمام، لأنها بمنزلة البيت ولو انقلبت السفينة صح إلا أن يكون أمام الإمام لأنها بمنزلة البيت، ولو انقلبت السفينة وهو يصلي بالحددة ويخاف بغرقها أو سرقة مال أو فوت شيء من متاعه أو انفلتت دابته أو خاف الراعي على غنمه من سبع أو عدو أو رأى أعمى على شفير بئر فله القطع، وأكثر المشايخ قدروا ذلك المال بدرهم فصاعدًا، لكن ذكر في " الكفاية " الحبس بالدانق يجوز، فقطع الصلاة أولى. وفي " شرح الجامع الصغير ": يكره هذا في مال غيره، أما في مال نفسه لا يقطع، والأصح جواز القطع فيها، ولو شد السفينة أو الدابة أو أخذ المتاع بعمل يسير لم تفسد صلاته. وفي " المبسوط ": رجلان في محل اقتدى أحدهما بالآخر في التطوع يجوز لعدم ما يمنع الاقتداء. وعن محمد أنه استحسن بجواز الاقتداء إذا كانت دوابهم بالقرب من دابة الإمام على وجه لا تكون الفرجة بينهم وبين الإمام إلا بقدر الصف، بالقياس على الصلاة على الأرض. [حكم من أغمي عليه خمس صلوات أو دونها] م: (ومن أغمي عليه خمس صلوات أو دونها قضى) ش: تفسير الإغماء قد مر في فصل نواقض الوضوء في كتاب الطهارة. قوله: -أو دونها- أي أغمي عليه دون خمس صلوات. قوله: قضى جواب المسألتين م: (وإن كان) ش: أي وإن كان أغمي عليه أو كان الإغماء دل عليه قوله أغمي م: (أكثر من ذلك) ش: أي من خمس صلوات، فتذكر اسم الإشارة باعتبار المذكور م: (لم يقض) ش: جواب إن، أي لم يقض تلك الصلوات التي هي أكثر من خمس صلوات. وقال بشر: عليه القضاء وإن طال، وقال الشافعي إن استوعبت الوقت فلا قضاء عليه، وعند أحمد الإغماء لا يمنع وجوب القضاء بحال، لأنه كالنوم، وفي " الحلية " وعند الشافعي إذا كان بمعصية لا يمنع وجوب القضاء، وإن كان بغير معصية واستوعب وقت الصلاة يمنع وجوب القضاء، وبه قال مالك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 649 وهذا استحسان، والقياس أن لا قضاء عليه إذا استوعب الإغماء وقت صلاة كامل لتحقق العجز، فأشبه الجنون، وجه الاستحسان أن المدة إذا طالت كثرت الفوائت، فيتحرج في الأداء، وإذا قصرت قلت فلا حرج، والكثير أن يزيد على يوم وليلة؛ لأنه يدخل في حد التكرار،   [البناية] وفي " البدائع ": إذا زال عقله بالمرض حتى فاتته ست صلوات لا يجب عليه القضاء، وإن كان أقل من ذلك يجب عليه القضاء. وفي " النافع " الأعذار أنواع منه ممتد جدًّا كالصبا يمنع وجوب العبادات، وقاصر جدًّا كالنوم لا يسقط شيئًا من العبادات، وما يكون بين الأمرين كالجنون والإغماء إن امتد ألحق بالممتد جدًّا حتى سقط عنه القضاء، وإن قصر ألحق بالنوم حتى يجب عليه القضاء وامتداده أن يزيد على يوم وليلة لدخوله في حد التكرار على ما يجيء الآن إن شاء الله تعالى. م: (وهذا) ش: أي الذي ذكرناه من وجوب القضاء بالإغماء خمس صلوات أو دونها م: (استحسان) ش: ولحديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أغمي عليه في أربع صلوات فقضاهن. وعمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنما أغمي عليه يومًا وليلة فقضاهن. وابن عمر أغمي عليه يومان وقيل: ثلاثة أيام فلم يقض، والقياس أن لا قضاء عليه إذا استوعب الإغماء وقت صلاة كاملًا لتحقق العجز فأشبه الجنون في تحقيق العجز، وفي بعض الروايات: الجنون إذا استوعب وقت صلاة كاملًا يسقط القضاء، بخلاف الإغماء لأن بالجنون يزول العقل الذي هو أصلة الأهلية وبالإغماء لا، ولهذا لا يجوز وصف الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - بالجنون، وواصفهم به كافر، وجاز وصفهم بالإغماء فكان المصنف يسوي بينهما في وجه القياس معتمدًا على هذه الرواية، ثم فرق بينهما في وجه الاستحسان، والأصح أنه لا فرق بينهما في الصلاة في اشتراط الامتداد للسقوط، لأن بالجنون لا تزول الأهلية كما لا تزول بالإغماء، والسقوط مبني على الخروج وذلك لا يحصل بدون الامتداد. وفي " المحيط " لو زال عقله بالخمر أكثر من يوم وليلة يلزمه القضاء، وكذا بالبنج عند أبي حنيفة، لأن الأثر في [ .... ] . وعند محمد يسقط كالمرض وإن أغمي عليه بفزع من سبع أو آدمي لا يلزمه القضاء اتفاقا. م: (وجه الاستحسان أن المدة إذا طالت كثرت الفوائت فيتحرج في الأداء وإذا قصرت) ش: أي المدة م: (قلت) ش: أي الفوائت م: (فلا حرج) ش: حينئذ، لأن في الأولى شق عليه القضاء. وفي الثاني: لا يشق عليه، ألا ترى أن الحائض تقضي الصوم، لأنه لا مشقة فيه ولا تقضي الصلاة لأنه تلحقها مشقة م: (والكثير أن يزيد) ش: أي الإغماء م: (على يوم وليلة، لأنه يدخل في حد التكرار) ش: أراد أن الفرق بين الطويل والقصير بالزيادة على يوم وليلة ليدخل بها الصلاة في حد التكرار، وهو ظاهر، لأن الصلوات إذا صارت ستة تكون فيها مكررة، فدخل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 650 والجنون كالإغماء، كذا ذكره أبو سليمان - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بخلاف النوم؛ لأن امتداده نادر فيلحق بالقاصر، ثم الزيادة تعتبر من حيث الأوقات عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن التكرار يتحقق به، وعندهما من حيث الساعات   [البناية] في حد التكرار م: (والجنون كالإغماء) ش: جواب عن قياس الإغماء على الجنون على زعم أن الجنون إذا استغرق وقتًا كاملًا أسقط القضاء، ووجهه أن الجنون كالإغماء إن كان أكثر من يوم وليلة سقط القضاء وإلا فلا م: (كذا ذكره أبو سليمان) ش: اسمه موسى بن سليمان الجوزجاني صاحب الإمام محمد بن الحسن ومن تابعه في " السير الصغير " وكتاب الصلاة وكتاب الرهن، وكان أبو سليمان نص عليه في " النوادر ". م: (بخلاف النوم) ش: يتعلق بقوله وإن كان أكثر من ذلك يقض يعني أن النوم وإن زاد على يوم وليلة لا يسقط القضاء م: (لان امتداده) ش: أي لأن امتداد النوم م: (نادر فيلحق بالقاصر) ش: أي لأن يلحق الممتد منه بالقاصر. م: (ثم الزيادة) ش: أي على يوم وليلة م: (تعتبر من حيث الأوقات) ش: أي تعتبر من حيث أوقات الصلوات م: (عند محمد، لأن التكرار يتحقق به) ش: أي بالاعتبار من حيث الأوقات حتى لا يسقط عند القضاء، ما لم تصر الفوائت ستًّا، وإن زادت الساعات على يوم وليلة كما إذا أغمي عليه قبل الزوال، ثم أفاق في اليوم الثاني وقت الظهر يجب عليه القضاء عند محمد م: (وعندهما من حيث الساعات) ش: حتى لا يجب عليه القضاء في الصورة المذكورة. ثم اعلم أن الخلاف في " مبسوط خواهر زاده " وفي " أصول فخر الإسلام البزدوي " في الأمور المعترضة على الأهلية كما ذكر صاحب " الهداية " بين أبي حنيفة وأبي يوسف، وبين محمد والفقيه أبو الليث - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - جعل اعتبار الساعات رواية عن أبي حنيفة. وذكر شمس الأئمة السرخسي أيضًا أن اعتبار الساعات رواية عن أبي حنيفة، والصحيح أن العبرة بعدد الصلوات، كذا قال في " شرح الكافي " و" المنظومة " و" المختلف " و" شرح الطحاوي " ذكر الخلاف بين أبي حنيفة ومحمد، ولم يذكر قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا الذي ذكرنا إذا دام الإغماء فلم يفق إلى تمام يوم وليلة. فإن كان يفيق ساعة ثم يعاوده الإغماء لم يذكر محمد في الكتاب وأنه على وجهين، إن كان لإفاقته وقت معلوم، نحو أن يخف مرضه عند الصبح فهو إفاقة معتبرة تبطل حكم ما قبلها من الإغماء إن كان أقل من يوم وليلة. وأما إذا لم يكن لإفاقته وقت معلوم، لكنه يفيق بغتة يتكلم بكلام الأصحاء ثم يغمى عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 651 هو المأثور عن علي وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والله أعلم بالصواب.   [البناية] فهذه الإفاقة غير معتبرة، ألا ترى أن المجنون قد يتكلم في جنونه بكلام الأصحاء فلا يعد ذلك منه إفاقة كذا في " المحيط ". م: (هو المأثور عن علي وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: قال الأكمل: أي الاعتبار من حيث الساعات هو المأثور. قلت: الذي قاله لا يجدي ولا يشفي حيث لم يبين كيفية المأثور عن علي وابن عمر. وقال الأترازي: ولهما، أي لأبي حنيفة وأبي يوسف ما روي عن ابن عمر أنه أغمي عليه أكثر من يوم وليلة، فلم يقض الصلوات. قلت: هو أيضًا لم يبين من ذكر هذا الأثر من أصحاب السنن، والمصنف أسند الأثر إلى اثنين علي وعبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والمأثور عن علي غريب، وذكره أصحابنا في كتبهم أن عليًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أغمي عليه في أربع صلوات فقضاهن، والمأثور عن عبد الله بن عمر ذكره ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن نافع قال: أغمي على عبد الله بن عمر يوما وليلة، فأفاق فلم يقض ما فاته واستقبل. وروى محمد بن الحسن في كتابه " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن ابن عمر أنه قال في الذي يغمى عليه يومًا وليلة قال: يقضي. فإن قلت: ما تقول في حديث أخرجه الدارقطني عن الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي أن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق حدثه «أن عائشة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الرجل يغمى عليه فيترك الصلاة، فقال ليس لشيء من ذلك قضاء، إلا أن يغمى عليه في وقت صلاة، فيفيق فيه يصليه.» واحتج به الشافعي على سقوط الصلاة بالإغماء. قلت: هذا حديث لا يساوي شيئًا، فإن أحمد قال في الحكم بن سعد الأيلي: أحاديثه موضوعة. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات. وقال ابن معين: ليس بثقة ولا مأمون، وكذبه الجوزجاني وأبو حاتم، وتركه النسائي، وبقية السند كله باطل. 1 - فروع: إذا كان يغمى عليه ويفيق ساعة فساعة تلزمه الصلوات، وإن دام أيامًا. مريض راكب لا يقدر على من ينزله تجزئه المكتوبة راكبًا، وإن قدر لم يجز. عبد مريض لا يستطيع أن يتوضأ يجب على مولاه أن يوضئه، بخلاف المرأة المريضة حيث لا يجب على الزوج أن يوضئها. مريض في رمضان صلى قاعدًا، وإن أفطر صلى قائمًا [ ..... ] مريض تحته ثياب نجسة، إن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 652 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] كان بحال لا يبسط تحته شيء إلا وتنجس من ساعته يصلي على حاله، وكذا إن لم يتنجس ولكن يزاد مرضه ويلحقه مشقة بالتحويل. مريض عجز عن الإيماء فحرك رأسه عن أبي حنيفة تجوز صلاته، وعن الفضل لا تجوز لأنه لم يوجد منه الفعل. مريض لا يستطيع التوجه إلى القبلة ولم يجد أحدًا يحوله إليها فصلى إلى غير القبلة لا يعتد في ظاهر الرواية. وعن محمد أنه يعتد. مريض صلى قاعدًا فلما رفع رأسه من السجدة الأخيرة من الركعة الرابعة ظن أنها ثالثة فقرأ وركع وسجد بالإيماء فسدت صلاته، وهو اختيار الولوالجي. مريض صلى جالسا، فلما قعد في الثالثة قرأ وركع قبل التشهد يمضي، لأن هذا بمنزلة القيام لو صلى قائمًا لسلس بوله أو لا يقدر على القراءة، وإن [ ..... ] صلى قاعدًا بركوع وسجود ولو كان يسجد فينفلت بوله يصلي بالإيماء، ولو كان قام أو قعد سال بوله، وإن استلقى لم يسل يصلي قائمًا أو قاعدًا ولا يصلي مستلقيًا. وعن ابن رستم عن محمد يصلي مستلقيًا [ ...... ] بحلقه جرح لا يقدر على السجود ويقدر على القيام والركوع صلى قاعدًا بالإيماء. شرب الخمر فذهب عقله أكثر من يوم وليلة لا يسقط عنه القضاء يقضي المريض فوائت الصحة كصلاة المريض، وقيل يؤخرها إن رجي بصحة، والنادر بالصلاة يؤخر إن رجي حتمًا له أن يصلي قاعدًا في الخباء ولكن إذا لم يستطع القيام وكان خارجه طين أو مطر أو خوف سبع صلى ركعة بقيام وركوع وسجود ثم مرض وصار إلى حالة الإيماء فسدت صلاته عند أبي حنفية ويستقبلها، وكذا لو صلى ركعة بقيام وقراءة ثم نسيها فإنه يستقبلها عنده، وعندهما يتمها. صلى أمي ركعة ثم تعلم سورة فإنه يستقبلها بالإجماع. به وجع أسنان إذا أمسك في فمه ماء باردًا أو دواء بين أسنانه يسكن وقد ضاق الوقت فيقتدي بغيره؛ فإن لم يجد يصلي بغير قراءة، وكذا في تكبيرة الافتتاح، ولو كبر يسيل جرحه يشرع فيها بغير تكبيرة، وكذا من يلحن في قراءته لحنًا مفسدًا يصلي بغير قراءة كالأمي، بكر لو ثنت فرجها تذهب عذرتها، وإن لم تثن يسيل منه الدم، قال ركن الدين الصيادي: تصلي مع الدم لأنه ذهاب عذرتها ذهاب حرمتها. عريان معه ثوب ديباج وثوب كرباس فيه نجاسة أكثر من قدر الدراهم يصلي في الديباج. مريض لو صلى قائمًا يعجز عن سنة القراءة، وإن صلى قاعدًا يقدر عليها فالأصح أنه يقعد، وقال ابن مقاتل: لو علم أنه يقدر على قوله: الحمد لله رب العالمين، وإن قعد يقدر على الفاتحة والسورة ففي قياس قول أبي حنيفة تحريمه قائمًا، وقال محمد: لا يجزئه إلا جالسًا بناء على قدر فرض القراءة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 653 باب سجود التلاوة قال: سجود التلاوة في القرآن أربعة عشر سجدة، في آخر الأعراف وفي الرعد، والنحل،   [البناية] [باب سجود التلاوة] [عدد سجدات القرآن] م: (باب سجود التلاوة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام سجود التلاوة، والإضافة فيه من قبيل إضافة المسبب إلى السبب كخيار العيب وخيار الرؤية وصلاة الظهر وحج البيت، وأقوى وجوه الاختصاص اختصاص المسبب بالسبب. فإن قلت: التلاوة سبب في حق التالي والسماع سبب في حق السامع، فكان ينبغي أن يقول: باب في سجود التلاوة والسماع. قلت: لا خلاف في كون التلاوة سببًا. واختلفوا: في سببية السماع، فقال بعضهم: ليس السماع سببًا، وكذلك اقتصرت إضافة السجدة إلى التلاوة دون السماع، أو يقول: إن التلاوة أصل في الباب، لأنها إذا لم توجد لم يوجد السماع، فكان ذكرها مشتملًا على السماع من وجه، فاكتفي به. فإن قلت: ما وجه المناسبة بين البابين. قلت: من حيث وجود الرخصة في كل منهما، فالرخصة في الأول وفي الأركان وفي هذين التداخل وذلك للخروج منهما. وقول الشراح كان من حق هذا الباب أن يقترن بسجود السهو، لأن كلًّا منهما سجدة، لكن لما كان صلاة المريض بعارض سماوي كالسهو ألحقها بها، فتأخر سجود التلاوة ضرورة غير سديدة، لأن كون كل منهما سجدة لا يكفي للمناسبة ولأنه لا ضرورة في تأخيره على ما لا يخفى. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (سجود التلاوة في القرآن أربعة عشر) ش: أي موضعًا. وفي بعض النسخ كذلك م: (في آخر الأعراف) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206] (الأعراف: الآية 206) والرعد عند قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الرعد: 15] (الرعد: الآية 15) . م: (وفي الرعد) ش: م: (وفي النحل) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [النحل: 49] {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50] (النحل: الآيتان 49، 50) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 654 وبني إسرائيل، ومريم، والأولى في الحج، والفرقان، والنمل، والم تنزيل، وص، وحم السجدة،   [البناية] م: (وبني إسرائيل) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109] (الإسراء: الآية 109) . م: (ومريم) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] (مريم: الآية 58) . م: (والأولى في الحج) ش: أي السجدة الأولى في الحج عند قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] (الحج: الآية 18) ، وسنذكر خلاف الشافعي فيه إن شاء الله. م: (والفرقان) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60] (الفرقان: الآية 60) . م: (والنمل) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: 25] (النمل: الآية 25) ، على قراءة العامة، وقال الشافعي ومالك عند قوله: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] (النمل: الآية 26) ، ونقل عن الزجاج والفراء أن السجدة على قراءة الكسائي ألا يسجدوا المخففة. وأما على قراءة الأكثرين ألا المشددة، فلا ينبغي أن تكون سجدة لأنها تتمة خبر الهدهد عن حال بلقيس وقومها بخلاف المخففة، فإنها أمر مستأنف من الله بالسجود والتقدير ألا يا قوم اسجدوا. وهذا ليس بصحيح، إذ المشدد هي قراءة السواد الأعظم وفيها ذم على تركه، كسجدة الفرقان والانشقاق، ويجوز أن يكون كلتا القراءتين حكاية عن خبر الهدهد ولا يمنع ذلك من أن يكون سجدة. م: (وألم تنزيل) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] (السجدة: الآية 15) . م: (وص) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] (ص: الآية 24) . وبه قال الشافعي ومالك، وروي عنه قوله: {وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25] . م: (وحم السجدة) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] (فصلت: الآية 38) ، وبه قال الشافعي في الجديد وأحمد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 655 والنجم، وإذا السماء انشقت، واقرأ باسم ربك،   [البناية] وقال في القديم عند قَوْله تَعَالَى {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] وبه قال مالك. م: (والنجم) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62] (النجم: الآية 62) . وعند مالك ليس فيه سجدة م: (وإذا السماء انشقت) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق: 20] {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] (الانشقاق: الآيتان 20، 21) . وقال ابن حبيب المالكي: في آخر السورة، وعند مالك ليس فيه سجدة. م: (واقر باسم ربك) س: عند قوله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] (العلق: الآية 19) . وفي " مختصر البحر " لو قرأ واسجد وسكت ولن يقل: واقترب تلزمه السجدة، واعلم أن العلماء اختلفوا في عدد سجود القرآن على اثني عشر قولًا: الأول: مذهبنا وقد ذكرناه. الثاني: إحدى عشرة، بإسقاط الثلاثة من المفصل، وبه قال الحسن وابن المسيب وابن جبير وعكرمة، ومجاهد وعطاء وطاوس ومالك في ظاهر الرواية والشافعي في القديم. الثالث: خمس عشرة، وبه قال المدنيون عن مالك تكملتها بآية الحج وهو مذهب عمر وابنه عبد الله والليث وإسحاق، ورواية عن أحمد وابن المنذر واختاره المروزي وابن شريح. الرابع: أربع عشرة، بإسقاط ص وهو أصح قولي الشافعي وأحمد. والخامس: أربع عشرة بإسقاط سجدة النجم، وهو قول أبي ثور. السادس: اثنتا عشرة بإسقاط ثانية الحج وص والانشقاق، وهو قول مسروق. السابع: ثلاث عشرة بإسقاط ثانية الحج والانشقاق، وهو قول عطاء الخراساني. الثامن: إن عزائم السجود خمس؛ الأعراف وبنو إسرائيل والنجم والانشقاق واقرأ باسم ربك، وهو قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. التاسع: عزائمه أربع، ألم تنزيل، والنجم، واقرأ باسم ربك، وهو مروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. والعاشرة: عزائم السجود ثلاث، قاله سفيان بن جبير، وهي ألم تنزيل، والنجم، واقرأ باسم ربك. الحادي عشر: عزائم السجود ألم تنزيل، والأعراف، وحم تنزيل، وبنو إسرائيل، وهو مذهب عبيد بن عمير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 656 كذا كتب في مصحف عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو المعتمد،   [البناية] والثاني عشر: عشر سجدات، قال به جماعة. م: (كذا كتب في مصحف عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو المعتمد عليه) ش: أي أراد أن المكتوب في مصحف عثمان أربعة عشر سجدة، كما ذهبنا إليه، والعمدة على ما كتب فيه. ثم اعلم أن الآيات المعدودة أربعة عشر كما ذكرنا، وكذلك عند الشافعي أربعة عشر أيضا، لكن في الحج سجدتان وليس في ص سجدة. واحتج الشافعي كون السجدتين في الحج بما رواه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن لهيعة ثنا «مشرح بن هاعان سمعت عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: قلت: يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟، قال: " نعم، فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما» ورواه أحمد في " مسنده " والحاكم قي " مستدركه ". والجواب عنه: أن الترمذي قال: ليس إسناده بالقوي وقال الحاكم: لم يثبت مسندًا إلا من هذا الوجه، وعبد الله بن لهيعة أحد الأئمة، وإنما نقم عليه اختلاطه في آخر عمره. وقال المنذري في " مختصر السنن ": عبد الله بن لهيعة ومشرح بن هاعان لا يحتج بحديثهما، وذكر أبو الفرج بن لهيعة في الضعفاء والمتروكين. وقال يحيى بن سعيد: قال لي بشر بن السري: لو رأيت ابن لهيعة لم تحمل عنه حرفًا واحدًا، وكان يحيى بن سعيد: لا يراه شيئًا. وقال يحيى بن معين: هو ضعيف قبل احتراق كتبه وبعده. وقال عمرو بن علي الفلاس: هو ضعيف الحديث. وقال أبو زرعة: ليس ممن يحتج به وفي " المبسوط ": وتأويله مع ضعفه فصلت سجدتين إحداهما سجدة التلاوة والأخرى سجدة الصلاة، ويدل عليه ذم تاركهما، وعند المخالف لنا هي مستحبة والذم لا يستحق بترك المستحب فلا يستقيم ذلك على أصله. وفي " الذخيرة " هو محمول على النسخ لإجماع قراء المدينة وفقهائها على ترك ذلك مع تكرار القراءة ليلًا ونهارًا. واحتج الشافعي أيضًا بحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه عن الحارث بن سعيد العتقي عن عبد الله بن منين «عن عمرو بن العاص أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقرأه خمس عشر سجدة في القرآن، منها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 657 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ثلاث عشرة في المفصل وفي سورة الحج سجدتان» . والجواب: بأن عبد الله بن منين فيه جهالة. وقال عبد الحق في "أحكامه" عبد الله بن منين لا يحتج به، ولئن سلمنا فالمراد بإحدى السجدتين سجدة التلاوة وبالأخرى سجدة الصلاة. فإن قلت: أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" عند عبد الله بن ثعلبة قال: صلى بنا عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الصبح فيما أعلم فقرأ فيها بالحج فسجد فيها سجدتين، ورواه الطحاوي أيضًا بإسناد صحيح والبيهقي وأخرج الطحاوي والبيهقي أيضًا عن صفوان بن محرز أن أبا موسى الأشعري سجد فيها سجدتين، وأخرجه أيضا عن جبير بن عفير أنه رأى أبا الدرداء يسجد في الحج بسجدتين، وأخرج الحاكم عن عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وعبد الله بن عباس أنهم سجدوا في الحج سجدتين. قلت: هذه الآثار لا يحتج بها الخصم على قاعدته. وأما جوابها عندنا فهو أنها لا تدل على أن السجدتين كلتيهما سجدة التلاوة، والدليل على ذلك ما رواه الطحاوي عن ابن عباس أنه قال في سجود الحج: الأولى عزيمة، والأخرى تعليم وإسناده صحيح. فإن قلت: كيف تقول: صحيح وفيه عبد الأعلى الثعلبي؟ وعن أحمد أنه ضعيف، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، قلت: وثقه يحيى بن معين والطحاوي، وروى له الأربعة، قال الطحاوي: وبقول ابن عباس نأخذ. واحتج الشافعي أيضًا في قوله: سجدة ص ليست بسجدة تلاوة ولكنها سجدة شكر. واحتج أيضًا بما رواه النسائي «عن ابن عباس أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجد في ص وقال: "سجدها داود - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توبة ونحن نسجدها شكرًا» ، وبحديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال «قرأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو على المنبر ص فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنما هي توبة نبي، ولكني رأيتكم تشزنتم للسجود" فنزل فسجد وسجدوا.» رواه أبو داود والحاكم في " المستدرك " وقال: صحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 658 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] والجواب: أن هذا حجة لنا، لأنا نقول: سجدها داود - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توبة ونحن نسجدها شكرًا لما أنعم الله على داود بالغفران والوعد بالزلفى وحسن المآب، ولهذا لا نسجد عندنا. قوله: وأناب بل عقيب قوله مآب، وهذا نعمة عظيمة في حقنا، فكانت سجدة تلاوة، لأن سجدة التلاوة ما كان سبب وجوبها إلا التلاوة، وسبب وجوب هذه السجدة تلاوة هذه الآية التي فيها الإخبار عن هذه النعم على داود - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإطماعنا في نيل مثله، وكذا سجدة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجمعة الأولى وترك الخطبة لأجلها تدل على أنها سجدة تلاوة، وأما تركه في الجمعة الثانية حين القراءة فلا يدل على أنها ليست بسجدة التلاوة، بل كان يريد التأخير وهي لا تجب على الفور عندنا، على أنه سجدها أيضًا وسجد الناس معه لما تشزنونه. وقوله تشزن الناس معناه هبوا للسجود وتهيؤوا له، ومادته شين وزاي معجمتان ونون. واحتج: من لم ير السجود في المفصل وهو من سورة محمد إلى آخر القرآن منهم مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - بحديث رواه أبو داود «عن ابن عباس أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة» ولما رواه أبو داود أيضًا من حديث «زيد بن ثابت قال: قرأت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النجم فلم يسجد فيها» وبما رواه ابن ماجه في "سننه " عن «أبي الدرداء قال: سجدت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحدى عشرة سجدة ليس فيها شيء من المفصل» الحديث. والجواب: عنها أما حديث ابن عباس فإسناده ليس بالقوي قال عبد الحق: ويروى مرسلا والصحيح حديث أبي هريرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] وإسلامه متأخر قدم على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في السنة السابعة من الهجرة» وقال ابن عبد البر: هذا حديث منكر، وفي إسناده أبو قدامة الحارث بن عبيد الإيادي ليس بشيء، وضعفه ابن معين، وفيه أيضًا مطر الوراق كان سيئ الحفظ، وقد عيب على مسلم إخراج حديثه. وأما حديث زيد بن ثابت، فالجواب عنه: أنه محمول على بيان جواز ترك السجود عند من يقول: إنه سنة وليس بواجب، وأما الذين يقولون بوجوبه، فأجابوا عنه بأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يسجد على الفور ولا يلزم منه أنه ليس فيه سجدة ولا فيه نفي الوجوب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 659 والسجدة الثانية في الحج للصلاة عندنا، وموضع السجدة في حم السجدة عند قوله: {لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] في قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو المأخوذ للاحتياط، والسجدة واجبة في هذه المواضع   [البناية] وأما حديث أبي الدرداء ففي إسناده عثمان بن فائد، قال فيه ابن حبان: لا يحتج به ووهاه ابن عدي وقال أبو داود في "سننه" وروي «عن أبي الدرداء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحدى عشرة سجدة.» وإسناده واه. م: (والسجدة الثانية في الحج) ش: وهي قَوْله تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] م: (للصلاة عندنا) ش: يعني لأجل الصلاة عندنا، لأنها مقرونة بالركوع، وهي سجدة الصلاة لأنه يجمع بينهما في الصلاة، واحترز بقوله عندنا عن مذهب الشافعي، فإن عنده في الحج سجدتان وقد ذكرناه مفصلًا م: (وموضع السجود في حم السجدة عند قوله: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] ش: يعني إذا قرأ آية السجدة في حم السجدة وهي قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] (فصلت: الآيتان 37، 38) ، فموضع السجود عندنا قوله وهم لا يسأمون وهو مذهب ابن عباس وابن مسعود وبه قال النخعي وابن المسيب وابن سيرين وأبو وائل والثوري وطلحة بن مصرف والشافعي في الصحيح وأحمد وإسحاق. وقال الشافعي: في القديم عند قوله {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] وبه قال مالك، وحكى ابن المنذر عن عمر والحسن البصري والنخعي والليث م: (في قول عمر رضي الله عنه) ش: هذا وهم وليس قول عمر، وإنما هو قول ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عنه أنه كان يسجد في آخر الآيتين في حم السجدة عند قوله {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] ، وزاد في لفظ وأنه رأى رجلا سجد عند قوله: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] فقال بعد عجلت، وإنما قال ذلك لأنه لا يجوز التعجيل قبل السبب، ويجوز التأخير بعده لأن وقت أدائها موسع، فمتى أتى بها يكون مؤديًا لا قاضيًا، ذكره في " الفتاوى الظهيرية ". م: (وهو المأخوذ) ش: أي قول عمر الذي يؤخذ به م: (للاحتياط) ش: أي لأجل الاحتياط، وذلك لأنه لا يخلو إما أن يكون موضع السجود في الواقع عند قوله: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] أو عند قوله: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] فإن كان عند الأول يجوز أداء السجدة عند الشافعي، لأنه لا يضره التأخير، وإن كان عند الثاني فلا يجوز أداؤها عند الأول، لأنه يلزم تقديم المسبب على السبب وهو فاسد، ولأن تمام الكلام يقع بما قلنا، والسجود عند تمام الكلام أولى. [من تلزمه سجدة التلاوة] م: (والسجدة واجبة في هذه المواضع) ش: الأربعة عشر المذكورة في الدراية، والسجدة واجبة أي عندنا، وعند الشافعي ومالك وأحمد، وعند جماعة سنة، وقال النووي قال مالك فيما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 660 على التالي، والسامع سواء قصد سماع القرآن أو لم يقصد، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «السجدة على من سمعها، وعلى من تلاها» ،   [البناية] حكاه القاضي أبو محمد: هي فضيلة. وقال الأترازي: سجدة التلاوة واجبة عند علمائنا. وقال الشافعي: إنها سنة، وذكر النووي في "المهذب " أنها سنة للقارئ والمستمع بلا خلاف عند الشافعية. وفي " المبسوط" سنة مؤكدة. قلت: هذا مذهبنا على ما اختاره البعض في حد الواجب م: (على التالي والسامع سواء قصد) ش: أي السامع م: (سماع القرآن أو لم يقصد) . ش: وقال الأكمل: وإنما قيل بهذا لأن في بعض لفظ الآثار السجدة على من جلس لها، وفيه إيهام أن من لم يجلس له فليست عليه فقيل بذلك دفعًا لذلك. قلت: هذا أخذه من السغناقي، وتبعه أيضًا صاحب الدراية وليس كل منهم بين راوي الأثر ولا من أخرجه، وهل هو صحيح أم لا وليس هذا دأب من يتصدى لشرح كتاب أو لبيان مذهب. وقال الوبري: سبب وجوب سجدة التلاوة ثلاثة التلاوة والسماع والاقتداء بالإمام، وإن لم يسمعها ولم يقرأها، وللشافعية أوجه: الأول: أنه في حق السامع من غير فصل يستحب وهو الصحيح المنصوص في البويطي وغيره، ولا يتأكد في حقه. والوجه الثاني: هو كالمستمع. والثالث: لا يسن له، وبه قطع أبو حامد والمنبجي، وعند أحمد هي سنة في حق القارئ والمستمع دون السامع، وعنه إذا قرأ شيئًا في الصلاة يجب أن لا يدع السجود وهو في الصلاة أوكد. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السجدة على من سمعها وعلى من تلاها» ش: هذا غريب لم يثبت، وإنما روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال السجدة على من سمعها. وفي البخاري قال عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن السجود على من استمع، وهذا التعليق رواه عبد الرزاق في "مصنفه" أنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن عثمان مر بقارئ فقرأ سجدة ليسجد معه عثمان، فقال عثمان: إنما السجود على من استمع ثم مضى ولم يسجد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 661 وهي كلمة إيجاب وهو غير مقيد بالقصد.   [البناية] وفي "المبسوط" و" الأسرار " و" المحيط " و" شروح الجامع الصغير " جعل هذا الذي رفعه المصنف إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ألفاظ الصحابة لا من الحديث، فقال في " المبسوط ": وعن عثمان وعلي وابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم قالوا: السجدة على من تلاها وعلى من سمعها وعلى من جلس لها، اختلفت ألفاظهم في هذه، وكذا في غيره، وقد غمز الأكمل هاهنا على السغناقي في قوله من أقوال الصحابة، لأمن الحديث، ثم قال، ولولا أنه ثبت عنده أنه من الحديث لما نعده حديثًا. قلت: كلامه هذا صادق من غير تأمل، فإن غيره أيضًا ادعى أنه ليس بحديث. غاية ما في الباب أن المصنف قلد غيره، وإلا فر من التقليد له. م: (وهي كلمة إيجاب) ش: أي لفظه على كلمة إيجاب، يعني يدل على الوجوب م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (غير مقيد بالقصد) ش: يعني أن الإيجاب مطلق عن قيد القصد يجب على كل سامع سواء كان قاصدًا للسماع أو لم يكن. وقال الأكمل: اعترض بأنها لو كانت واجبة ... إلخ أخذه من السغناقي فإنه جعله سؤالًا وجوابًا وما كان ينبغي إيراده على هذا الوجه، لأن السؤال حاصل دلائل من يذهب إلى أن سجدة التلاوة غير واجبة. والجواب: حاصل ما قاله أئمتنا في الرد عليهم، فبقول الخصم استدل على ما ذهب إليه أولًا بحديث زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: «قرأ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والنجم فلم يسجد فيها» أخرجه البخاري ومسلم، وبحديث الأعرابي: «هل على غيرها؟ قال: "لا إلا أن تتطوع» أخرجه البخاري ومسلم، وبما روي عن عمر أنه قرأ سورة النحل وفيه في الجمعة القابلة قرأ آية السجدة، وفي الموطأ عن عمر فيه أن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء، وبما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن قال: دخل سلمان الفارسي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المسجد وفيه قوم يقرؤون فقرؤوا السجدة فسجدوا، فقال له صاحبه يا أبا عبد الله لولا أثنيت هؤلاء القوم، فقال ما لهذا غدونا، وأخرجه البخاري والطحاوي أيضًا. واستدلوا: إثباتًا بالمعقول من وجوه: الأول: أنها لو كانت واجبة لما جازت بالركوع كالصلاتية. الثاني: أنها لو كانت واجبة لما تداخلت. الثالث: ما أديت بالإيماء من راكب يقدر على النزول. الرابع: أنها تجوز على الراحلة، فصار كالتأمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 662 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الخامس: لو كانت واجبة بطلت الصلاة بتركها كالصلاتية. الجواب: عن حديث زيد بن ثابت قد مر فيما مضى، وعن حديث الأعرابي أنه في الفرائض ونحن ندعي أن سجدة التلاوة فرض. وعن حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنه موقوف وهو ليس بحجة عندهم، وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفعله أولى. وعن حديث سلمان كذلك. والجواب: عن دليلهم العقلي: أما عن الأول: فإن أداءها في ضمن شيء لا يتأتى وجوبها في نفسها كالسعي إلى الجمعة يتأتى بالسعي إلى التجارة. وعن الثاني: إنما جاز التداخل لأن المقصود منها إظهار الخضوع والخشوع، وذلك يحصل بمرة واحدة. وعن الثالث: لأنه أداها كما وجبت، فإن تلاوتها على الدابة مشروعة، فكان كالشروع على الدابة في التطوع. وعن الرابع: لأن تلاوتها على الراحلة مشروعة، فلا ينافي الوجوب. وعن الخامس: أن القياس على الصلاتية فاسدة لأنها جزء الصلاة، والسجدة ليست بجزء الصلاة. وأما دليلنا على الوجوب فقوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق: 20] {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] (الانشقاق: الآية 21) ، فذمهم على ترك السجود، وإنما يستحق الذم بترك الواجب وقوله تعالى في سورة النجم: {فَاسْجُدُوا} [النجم: 62] وقوله تعالى في سورة اقرأ: {وَاسْجُدْ} [العلق: 19] ومطلق الأمر للوجوب، ولأن في بعض آي السجدة ذكر طاعة الأنبياء عليهم السلام والأولياء وفي بعضها ذكر استنكاف الكفار وموافقة الأنبياء والأولياء واجبة؛ لقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] (الأنعام: الآية 90) ، وكذا مخالفة الأعداء، ولأنها لو لم تكن واجبة لما جاز أداؤها في الصلاة لأن أداء زيادة سجدة وهي تطوع توجب الفساد، وعند الخصم إذا كان عمدًا، وعندنا يكره، ولأنه ركن مفرد عن أركان الصلاة الأصلية شرعت قربة خارج الصلاة، فوجب أن تكون واجبة قياسًا على القيام في صلاة الجنازة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه «قال: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول يا ويله» وروي: «يا ويلتي أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 663 وإذا تلا الإمام آية السجدة سجدها وسجدها المأموم معه لالتزامه متابعته، وإذا تلا المأموم لم يسجد الإمام، ولا المأموم في الصلاة، ولا بعد الفراغ عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] بالسجود فأبيت فلي النار» . ورواه مسلم وأحمد وابن ماجه، ووجه التمسك به أنه قال: أمر ابن آدم والأمر للوجوب. ووجه آخر أنه قربة فالسجدة التي أمر بها وتلك كانت واجبة فكذا هذه. فإن قلت: هذا حكاية قول إبليس وهو ليس بحجة كما في قوله: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12] (الأعراف: الآية 12) . قلت: قد أخبر بذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه، ولم ينكره، بل قرره واستصوبه، فكان ما قاله صوابًا وحقًّا، وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجد، في النجم سجد معه المسلمون والمشركون والجن الإنس» رواه البخاري والترمذي وصححه. وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ والنجم وسجد فيها، وسجد من كان معه غير أن شيخًا من قريش أخذ كفا من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته قال: يكفيني هذا، قال عبد الله فلقد رأيته بعدا أن قتل كافرًا» متفق عليه، والشيخ قبل الوليد بن المغيرة. ولأن آيات السجدة كلها دالة على الوجوب لأنها ثلاث أقسام، قسم هو أمر صريح مثل التي في النجم، وفي اقرأ باسم ربك، والأمر للوجوب. وقسم فيه ذكر طاعة الأنبياء كما قلنا. وقسم فيه استنكار الكفار عن السجود ومخالفتهم في ذلك واجبة. فإن قلت: لا يجب الاقتداء فيما فعلوه على وجه الاستحباب. قلت: جهة الاستحباب غير معلومة، فيجب الاقتداء مطلقًا. م: (وإذا تلا الإمام آية السجدة سجدها) ش: وفي بعض النسخ وإذا تلا الإمام السجدة أي آية السجدة على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه سجدها أي سجدها الإمام م: (وسجدها المأموم معه لالتزامه متابعته) ش: لأنه إذا لم يسجد معه يلزم المخالفة بين الأصل والتبع، فلا يجوز، وفي حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «قال كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ علينا القرآن، فإذا قرأ سجدة سجد وسجدنا معه.» رواه البخاري ومسلم. م: (وإذا تلا المأموم) ش: يعني المقتدي إذا قرأ آية السجد وسمعها الإمام والقوم م: (لم يسجد الإمام ولا المأموم في الصلاة) ش: هذا بالاتفاق م: (ولا بعد الفراغ) ش: أي لا يسجد الإمام والمأموم أيضًا بعد فراغهم من الصلاة م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، وقال مجد الدين بن تيمية الحراني: وهذا إجماع إلا عند محمد بن الحسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 664 وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يسجدونها إذا فرغوا؛ لأن السبب قد تقرر، ولا مانع بخلاف حالة الصلاة؛ لأنه يؤدي إلى خلاف وضع الإمامة، أو التلاوة. ولهما أن المقتدي محجور عن القراءة لنفاذ تصرف الإمام عليه، وتصرف المحجور لا حكم له، بخلاف الجنب والحائض؛ لأنهما منهيان عن القراءة إلا أنه لا يجب على الحائض بتلاوتها   [البناية] م: (وقال محمد: يسجدونها إذا فرغوا) ش: من الصلاة م: (لأن السبب قد تقرر) ش: أي سبب وجوب السجدة وهو التلاوة أو السماع قد تقرر ووجب م: (ولا مانع) ش: معناه زال المانع، وهو كونهم في الصلاة كما لو سمع من غيره وهو في الصلاة. وفي " الدراية" وقال الشافعي: حيث قال: ويستحب أن يسجد بعد الفراغ من الصلاة م: (بخلاف حالة الصلاة، لأنه يؤدي إلى خلاف موضوع الإمامة) ش: أن يسجد التالي وتابعة الإمام، وذا لا يجوز بتقلب المتبوع تبعًا م: (أو التلاوة) ش: أي يؤدي إلى خلاف موضوع التلاوة إن سجد الإمام وتابعه الباقي فلا يجوز. لحديث رواه الشافعي وأبو بكر بن أبي داود من حديث أبي هريرة أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قال لرجل قرأ آية السجدة عنده: "إنك كنت إمامنا لو سجدت لسجدنا» . قلت: هذا مرسل، ورفعه أبو بكر بن أبي داود من حديث أبي هريرة، وفي سنده إسماعيل بن عياش وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وهما ضعيفان، وإن سجد التالي وحده فلا يجوز أيضًا، لأنه يصير منفردًا بأداء سجدة في موضع الاقتداء، وتحريمته انعقدت على أن يؤدي مع الإمام، فلا يجوز أن ينفرد بشيء. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن المقتدي محجور عن القراءة) ش: وراء الإمام شرعًا م: (لنفاذ تصرف الإمام عليه) ش: أي على المقتدي في حق القراءة، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له» م: (وتصرف المحجور لا حكم له) ش: لأنه لا ينعقد مقيدًا لحكمه كما عرف في موضعه. م: (بخلاف الجنب والحائض) ش: جواب عما يقال المقتدي في كونه ممنوعًا عن القراءة، كالحائض والجنب والسجدة تجب على من سمعها، فكذا على من سمع المقتدي، وتقرير الجواب قوله م: (لأنهما) ش: أي لأن الجنب والحائض م: (منهيان عن القراءة) ش: وتصرف النهي له حكم كالملك بالبيع الفاسد بعد القبض، فأثر الحجر في تعطيل السبب، وأثر النهي في حرمة الفعل دون التعطيل. م: (إلا أنه) ش: استثناء من قوله لأنهما منهيان أشار بهذا إلى بيان الفرق بين الجنب والحائض، أي إلا أن البيان م: (لا يجب على الحائض بتلاوتها) ش: أي لا يجب السجدة عليها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 665 كما لا يجب بسماعها لانعدام أهلية الصلاة بخلاف الجنب، ولو سمعها رجل خارج الصلاة سجدها هو الصحيح؛ لأن الحجر ثبت في حقهم فلا يعدوهم، وإن سمعوا وهم في الصلاة سجدة من رجل ليس معهم في الصلاة لم يسجدوها في الصلاة؛ لأنها ليست بصلاتية؛   [البناية] بسبب تلاوتها. م: (كما لا يجب بسماعها) ش: أي كما لا تجب السجدة بسماعها من غيرها م: (لانعدام أهلية الصلاة) ش: في حقها، لأن السجدة ركن من أركان الصلاة والحائض لا تلزمها الصلاة مع تعذر السبب، فلا تلزمها السجدة أيضًا م: (بخلاف الجنب) ش: لأن الصلاة تلزمه، فكذلك السجدة. وقال تاج الشريعة: على أنا نقول: الجنب والحائض ليسا بممنوعين عن قراءة ما دون الآية على ما ذكره الطحاوي، وما دون الآية يوجب السجدة، ذكره شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح الصلاة، وهو ظاهر المذهب، أما المقتدي فلما حجر عليه في قراءة الآية فما دونها حجر عليه في قراءة ما دونها، فجاز أن يختص قراءتها بإيجاب السجدة. م: (ولو سمعها رجل) ش: ولو سمع آية السجدة رجل حال كونه م: (خارج الصلاة سجدها) ش: يعني بالاتفاق م: (هو الصحيح) ش: احترز به عن قول بعض المشايخ الذين قالوا بعدم الوجوب. وفي " الدارية ": احترز عن قول بعض المشايخ حيث قالوا: لا يسجدها على قولهما، خلافًا لمحمد. وقال الأترازي: وهذا الذي قاله صاحب " الهداية " ضعيف، لأنه لما سلم أن هذا الشخص محجوب وجب عليه أن يقول بعدم وجوب السجدة على السامع خارج الصلاة، لأن قد ثبت من أصولنا أن تصرف المحجور لا حكم له، قلت: هذا المحجور بالنسبة إلى وجه في حق من عليه الحجر، وغير محجور أولى. فالأول: مستلزم شمول العدل. والثاني: شمول الوجوب فافهم. م: (لأن الحجر ثبت في حقهم) ش: هذا تعليل الصحيح، أي في حق المقتدين والإمام، وهو أن علة الحجر هي الاقتداء، وهو مختص بهم فلا يعدوهم، أي فلا يتجاوز الحجر غيرهم، فلا جرم يجب السجود بقراءة المقتدي على من هو خارج الصلاة. م: (وإن سمعوا وهم) ش: أي والحال أنهم م: (في الصلاة سجدة من رجل ليس معهم) ش: يعني المقتدي إذا سمعوا آية السجدة من رجل خارج الصلاة م: (لم يسجدوها في الصلاة لأنها) ش: أي لأن هذه السجدة م: (ليست بصلاتية) ش: يعني ليس من أفعال هذه الصلاة، لأن أفعال الصلاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 666 لأن سماعهم هذه السجدة ليس من أفعال الصلاة، وسجدوها بعدها لتحقق سببها، ولو سجدوها في الصلاة لم يجزئهم؛ لأنه ناقص لمكان النهي فلا يتأدى به الكامل. قال: وأعادوها لتقرر سببها ولم يعيدوا الصلاة؛ لأن مجرد السجدة لا ينافي إحرام الصلاة. وفي " النوادر " أنها تفسد؛ لأنهم زادوا فيها ما ليس منها، وقيل: هو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] إما واجب أو فرض، وسماعها ليس بواجب ولا فرض فلا يؤتى بها في الصلاة م: (وسجدوها بعدها) ش: أي بعد الصلاة يعني بعد فراغها لتحقق سببها وهو السماع ممن ليس بمحجور م: (ولو سجدوها في الصلاة لم يجزئهم لأنه) ش: أي لأن السجود م: (ناقض لمكان النهي) ش: لأنه نهي عن إدخال ما ليس من الصلاة فيها، وقد وجبت السجدة كاملة، فإذا فعلها وقعت ناقصة م: (فلا يتأدى به) ش: أي بالناقص م: (الكامل) ش: لأن ما وجب كاملًا لا يتأدى ناقصًا. م: (قال: وأعادوها) ش: أي قال المصنف، وأعادوا السجدة التي سجدوها في الصلاة م: (لتقرر سببها) ش: وهو السماع من غير محجور م: (ولم يعيدوا الصلاة، لأن مجرد السجدة لا ينافي إحرام الصلاة) ش: لأن سجدة التلاوة عبادة والصلاة لا تنافيها، فصار كمن أتى سجدة زائدة متطوعًا فلا تفسد الصلاة م: (وفي: " النوادر " أنها تفسد) ش: أي ذكر في " النوادر "، رواه ابن سماعة عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه، أي أن السجود يفسد الصلاة. وقوله: - يفسد - بضم الياء من الإفساد م: (لأنهم زادوا فيها) ش: أي في الصلاة م: (وما ليس منها) ش: وذلك أنهم اشتغلوا في صلاتهم بشيء حكمه أن يقعدوا بعد الصلاة فصاروا ناقضين صلاتهم، كمن صلى النفل في حال الفرض. م: (وقيل: هو قول محمد) ش: أي قال بعضهم الذي ذكر في " النوادر " هو قول محمد، وفي "مبسوط خواهر زاده " ذكر الفساد على قول محمد، ثم قال: والصحيح أن لا تفسد الصلاة عند الكل، ثم قال: هكذا قال على العمى، ويقال: قول محمد هو جواب القياس، وما ذكر هنا وهو وقولهم جواب الاستحسان بناء على أن زيادة ما دون الركعة لا يفسدها عندهما، وعلى قوله: زيادة السجدة يفسدها. وهذا الاختلاف بناء على اختلافهم في سجدة الشكر، فعند محمد السجدة الواحدة عبادة مقصودة، لهذا حكم بأن سجدة الشكر مسنونة، فتفسد لشروعه في واجب قبل إكمال الفرض. وعند أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أبي يوسف أنها غير مسنونة، والسجدة الواحدة بمنزلة الركعة، وفي كونها ركنًا من أركان الصلاة غير مستقلة عبادة. وفي " المختلف " و" ملتقى البحار " قول أبي يوسف مع محمد في مشروعية سجدة الشكر، وفي "قاضي خان " عن أبي يوسف روايتان فيها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 667 فإن قرأها الإمام، وسمعها رجل ليس معه في الصلاة، فدخل معه بعدما سجدها الإمام، لم يكن عليه أن يسجدها؛ لأنه صار مدركا لها بإدراك الركعة، وإن دخل معه قبل أن يسجدها سجدها معه؛ لأنه لو لم يسمعها سجدها معه، فهاهنا أولى، وإن لم يدخل معه سجدها وحده، لتحقق السبب   [البناية] م: (فإن قرأها الإمام وسمعها رجل ليس معه في الصلاة فدخل معه بعدما سجدها الإمام، لم يكن عليه أن يسجدها، لأنه صار مدركًا لها بإدراك تلك الركعة) ش: أي صار الرجل المذكور مدركًا للسجدة، بإدراك الركعة التي قرأها الإمام فيها، لأنه لما صار مدركًا للقراءة بإدراكه في تلك الركعة صار مدركًا لما تعلق بالقراءة. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده: ذكر في " زيادات الزيادات " أنه لا يسقط عنه ما لزمه بالسماع، ويسجد بعد الفراغ، ثم قال وذلك قياس ما ذكر في " نوادر الصلاة " لأبي سليمان، ثم هذا الذي ذكرنا فيما إذا أدرك الإمام في تلك الركعة، كما ذكرنا، أما إذا أدركه في الركعة الأخرى قيل ينبغي أن يسجدها خارج الصلاة، وقال الإمام العتابي، وأشار في بعض النسخ إلى أنها تسقط عنه لأنها صارت صلاتية. فإن قلت: يشكل على هذا لو أدرك الإمام في الركوع في صلاة العيدين حيث لم يصر مدركًا لتلك الركعة، ويأتي بالتكبيرات في حال الركوع خلافًا لأبي يوسف. قلت: الأصل في جنس هذه أن كل ما لا يمكن أن يؤدى به في الركوع أو الركعة فبإدراك الإمام في الركوع يصير مدركًا لتلك الركعة وما يتعلق بها، وكلما يمكن له أن يؤتى به فيها فبإدراك الإمام في الركوع لا يصير مدركًا له إليه وهاهنا الإدراك ممكن. فإن قلت: السجدة من أفعال الصلاة ولا يجزي فيها النيابة. قلت: لا نسلم ذلك، لأن الفعل إذا وجب لسبب يجري فيه النيابة، والسبب هو القراءة. م: (وإن دخل معه قبل أن يسجدها) ش: أي وإن دخل مع الإمام قبل أن يسجد الإمام سجدة تلاوة م: (سجدها معه) ش: أي مع الإمام: م (لأنه) ش: أي لأن هذا الداخل م: (لو لم يسمعها) ش: أي سجدة التلاوة من الإمام م: (سجدها معه) ش: أي كان عليه أن يسجدها معه لوجوب السبب. م: (فهاهنا أولى) ش: أي في هذه الصورة قد سمعها من الإمام، فأولى أن يسجد م: (وإن لم يدخل معه سجدها) ش: أي لم يدخل الرجل مع الإمام في صلاته سجدها هو خارج الصلاة م: (لتحقق السبب) ش: وهو التلاوة الصحيحة والسماع للتلاوة الصحيحة على اختلاف المشايخ. وقال مالك: لا يسجد لأن السماع بناء على التلاوة وهي وجدت في الصلاة، فكانت صلاتية، فلا تؤدى خارجها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 668 وكل سجدة وجبت في الصلاة فلم يسجدها فيها لم تقض خارج الصلاة، لأنها صلاتية.   [البناية] قلنا السماع وإن كان مبناه على التلاوة، ولكن الوجوب بالسماع. فإن قلت: الصحيح أن التلاوة سبب في حق السامع، وكانت في الصلاة فكانت السجدة صلاتية فلا يقضي خارجها. قلت: لما اختلفوا في أن السماع سبب في حقه أو التلاوة، فقلنا بأدائها خارج الصلاة احتياطًا. فإن قلت: ينبغي أن لا يتابع الإمام فيما إذا لم يسجد حين شرع، لأن ما وجب لصلاتية. قلت: صارت صلاتية بالاقتداء أو للاقتداء تأثير في جعل غير الواجب واجبًا، وفي جعل الواجب غير واجب فإن القعدة على رأس الركعتين واجبة للمسافر، وباقتدائه بالمقيم لم تبق واجبة، وكذا لو يحرم للأربع نفلًا يلزمه ركعتان، ولو اقتدى بمصلي الظهر لزمه الأربع، حتى لو قضى يقضي الأربع. وذكر ابن الساعاتي في "شرحه للمجمع " ليس الخلاف في ذلك راجعًا إلى كونها صلاتية بل الخلاف في ذلك راجع إلى أن مطلق السماع هو يوجب السجود، فالصحيح أنه إذا قصد الاستماع سجد، وإلا فلا، فكذلك أورد المسألة في " المجمع " بصيغة لا تفيد خلافًا. [قضاء سجدة التلاوة] م: (وكل سجدة وجبت في الصلاة فلم يسجدها فيها لم تقض) ش: أي لم تؤد، والقضاء يأتي بمعنى الأداء كما في قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ} [النساء: 103] (النساء: الآية 103) ، أي فإذا أديتم م: (خارج الصلاة لأنها صلاتية) ش: لأنها منسوبة إلى الصلاة، واعترض عليه بأن هذا خطأ، لأن تاء التأنيث لا تثبت في النسب، والصواب أن يقال: صلاته كما يقال في النسب إلى الزكاة: زكاته. وأجاب صاحب "الدراية " عن هذا بأن هذا خطأ مستعمل، فيكون خيرًا من صواب [غير] مستعمل، ورضي الأكمل بمثله هذا، فأجاب بمثله. قلت: كيف يكون الخطأ خيرًا من الصواب؟، وهذا لا يقول به أحد. والصواب: أن يقال في جوابه أن الفقهاء قصدهم المعاني، وكثيرًا ما يتساهلون في صور الألفاظ، لأن جل قصدهم المعنى. فإن قلت: هذا الكل منقوض بما إذا سمعوا وهم في الصلاة ممن ليس معهم في الصلاة فإنها سجدة وجبت في الصلاة ويسجدونها بعدها كما ذكره المصنف: بقوله: وإن سمعوا وهم في الصلاة إلى أن قال وسجدوها بعدها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 669 ولها مزية الصلاة فلا تتأدى بالناقص. ومن تلا سجدة فلم يسجدها حتى دخل في صلاة فأعادها وسجد أجزأته السجدة عن التلاوتين؛   [البناية] قلت: قال صاحب " الدراية ": المراد من قوله وكل سجدة أي سجدة صلاتية، ولا بد من هذا القيد حتى لا يرد النقض المذكور، ولكنه ترك هذا بعد ظهوره. وقال الأكمل: وفيه نظر، لأن قوله وجبت في الصلاة إما أن تكون صفة موضحة أو صفة ما يتميز عنها، لأن كل سجدة صلاتية واجبة في الصلاة أو صفة كاشفة، وعاد السؤال أو غيرهما من التأكيد والمدح والذم والمقام لا يقتضيه. فالصواب: أن يقال تقديره وكل سجدة عن تلاوة وجبت في الصلاة، أي ثبتت. قلت: هذا الذي قاله إنما ينتهي إذا جعلنا قوله وجبت في الصلاة حالًا عن تلاوة، وأما إذا جعلناها صفة فالإشكال على حاله. فإن قلت: ذو الحال لا يكون نكرة. قلت: ذو الحال هاهنا قرب من المعرفة بالوصف، فافهم. فإن قلت: فلم يسجدها فيها غير مقصود، لأنها تؤدى سجدة الصلاة إذا سجد على الفور، أما إذا أخرها فلا، لأنها تصير دينًا عليه بفوات وقتها فلا يتأدى في ضمن الغير، قال قلت: وقتها موسع، فمتى سجد كان أداء لا قضاء. قلت: هذا عند محمد [وعند أبي يوسف] ورواية عن أبي حنيفة أن وجوبها على الفور لا على التراخي، فيجوز أن يكون المصنف اختار ذلك. م: (ولها) ش: أي للسجدة م: (مزية الصلاة) ش: قال قاضي خان: إن الصلاتية أقوى؛ لأنها وجبت بتلاوة يتعلق بها جواز الصلاة، ألا ترى أنه لو ضحك في سجدة التلاوة في الصلاة تنتقض طهارته، ولو ضحك فيها خارج الصلاة لا تنتقض فيكون لها مزية م: (فلا تتأدى بالناقص) ش: لأن الكامل لا يجوز أداؤه بالناقص. م: (ومن تلا سجدة فلم يسجدها حتى دخل في صلاة) ش: أي في مكان واحد. فإن قلت: مجلس التلاوة غير مجلس الصلاة. قلت: بل واحد حقيقة وحكمًا. أما حقيقة فظاهر، وأما حكمًا فلأن مجلس التلاوة مجلس العبادة فكان من جنس مجلس الصلاة م: (وأعادها) ش: أي في الصلاة تلك الآية التي قرأها خارج الصلاة، م: (وسجد أجزائه السجدة عن التلاوتين) ش: أي التلاوة التي وقعت خارج الصلاة، والتلاوة التي وقعت في الصلاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 670 لأن الثانية أقوى؛ لكونها صلاتية فاستتبعت الأولى. وفي " النوادر ": يسجد أخرى بعد الفراغ؛ لأن للأولى قوة السبق، فاستويا، قلنا: للثانية قوة اتصال المقصود، فترجحت بها. وإن تلاها فسجد ثم دخل في الصلاة فتلاها سجد لها، لأن الثانية هي المستتبعة، ولا وجه إلى إلحاقها بالأولى؛ لأنه يؤدي إلى سبق الحكم على السبب.   [البناية] م: (لأن الثانية) ش: أي السجدة الثانية م: (أقوى لأنها صلاتية فاستتبعت الأولى) ش: أي جعلت السجدة الثانية السجدة الأولى تابعة لها، لأن المتلوة في الصلاة أفضل من الصلاة بغيرها، هذا على رواية " الجامع الكبير " و" المبسوط " و" نوادر الصلاة " التي رواها أبو حفص. م: (وفي " النوادر ") ش: أي أراد به " نوادر الصلاة " التي رواها أبو سليمان لا تستتبع إحداهما، فإذا كان كذلك م: (سجد أخرى بعد الفراغ، أي من الصلاة، لأن للأولى قوة السبق فاستويا) ش:، أي في الوجوب فلا تستتبع إحداهما الأخرى م: (قلنا: للثانية) ش: أي السجدة الثانية التي هي الصلاتية م: (قوة اتصال المقصود) ش: وهو أداء السجدة، لأن المقصود من وجوب السجدة أداؤها. م: (فترجحت بها) ش: أي فترجحت الثانية بقوة الاتصال بالمقصود، لأن الأصل اتصال السبب بالمسبب. فإن قلت: هذه المسألة لبيان التداخل وإلحاق الأولى بالثانية خلاف موضوع التداخل، لأن السابق قد مضى واضحًا فكيف يكون ملحقًا باللاحق. قلت: السابق قد يكون تبعًا إذا كان اللاحق أقوى كالسنة قبل الفريضة، ولأن التكرار قائم بهما، فكان إلحاق الأولى بالثانية ممكنًا. م: (وإن تلاها) ش: أي وإن تلا آية السجدة رجل وكان خارج الصلاة م: (فسجد لتلاوته ثم دخل في الصلاة فتلاها) ش: أي تلك الآية م: (سجد لها) ش: يعني يجب عليه أن يسجد لها م: (لأن الثانية) ش: أي السجدة الثانية م: (هي المستتبعة) ش: أي أراد أن المتلوة في الصلاة هي المستتبعة لقوتها للمتلوة في غير الصلاة لضعفها، فلو قلنا بعدم تعدد الوجوب بإلحاق الثانية بالأولى يلزم استتباع التابع متبوعه، فلا يجوز م: (ولا وجه إلى إلحاقها بالأولى) . ش: قال الأكمل: أي لا وجه لإلحاق السجدة المفعولة بالأولى، أي بالتلاوة الأولى، لأنها إن ألحقت بها وهي تابعة للثانية كانت السجدة ملحقة بالتلاوة الثانية، وذلك م: (لأنه يؤدي إلى سبق الحكم قبل السبب) ش: فتبين أن التداخل في هذه الصورة متعذر فتجب سجدة ثانية للتلاوة الثانية، ثم قال: وإياك أن ترد ضمير إلحاقها إلى التلاوة الثانية كما فعله بعض الشارحين. واعترض على المصنف، فإنه فاسد قلت: أراد ببعض الشارحين الأترازي، فإنه قال في هذا الموضع بيانه أنا لو ألحقنا المتلوة في الصلاة بالمتلوة في غيرها. بأن قلنا: السجدة المفعولة خارج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 671 ومن كرر تلاوة سجدة واحدة في مجلس واحد أجزأته سجدة واحدة، فإن قرأها في مجلسه فسجدها ثم ذهب ورجع، فقرأها سجد ثانية وإن لم يكن سجد للأولى فعليه سجدتان، فالأصل أن مبنى السجدة على التداخل دفعا للحرج،   [البناية] الصلاة تجري في التلاوتين جميعًا يلزم تقدم الحكم وهو السجدة على السبب وهو التلاوة، وتقديمه عليه لا يجوز، ثم قال: وفي هذا التعليل نظر عندي، لأنا لا نسلم تقدم الحكم على السبب، لأن مبنى السجدة على التداخل في السبب، فعلى تقدير إلحاق الثانية بالأولى لا يلزم ما قال، لأنه يكون السبب هو الأولى وحدها وقد تقدم السبب، فتلاه بحكمه، انتهى كلامه. قلت: الصواب كما قاله الأكمل والأصوب من كلامهما أن تقول: لما لم يمكن القول بالتداخل هاهنا وجبت لكل تلاوة سجدة على حدة، على أن في بعض النسخ ولا وجه إلى كونها مستتبعة للأولى، فافهم. [تكرار تلاوة سجدة التلاوة في المجلس الواحد] م: (ومن كرر تلاوة سجدة واحدة في مجلس واحد أجزأته سجدة واحدة) ش: قيد بقوله: سجدة واحدة، لأنه إذا كرر سجدات مختلفة يجب لكل واحدة سجدة، وبقوله: في مجلس واحد؛ لأنه إذا كان في مجالس مختلفة تعدد السجود على ما سيجيء بيانه إن شاء الله تعالى. وقال النووي: إن لم يسجد للأولى كفته سجدة واحدة، وإن سجد لها ثلاثة أوجه: أصحها: يسجد، وبه قال مالك وأحمد. والثاني: يكفيه الأولى، قال ابن شريح: ورجحه صاحب " العدة "، وقطع به أبو حامد. الثالث: إن طال الفصل قرأها فسجد ثم ذهب يعني أنه مشى ثلاث خطوات، ورجع فقرأها وسجد ثانيًا، وإن لم يسجد للأولى فعليه سجدتان. م: (فإن قرأها في مجلسه فسجدها فذهب ورجع فقرأها سجد ثانية) ش: لتعدد السبب. م: (وإن لم يكن سجد للأولى فعليه سجدتان) ش: أراد أنه ذهب عن مجلسه بعد قراءته ولم يسجد لها ثم رجع إليه فقرأها ثانيًا، فعليه أن يسجد لكل تلاوة سجدة م: (والأصل) ش: في هذا م: (أن مبنى السجدة على التداخل) ش: يعني في الاستحسان والقياس أن يجب لكل تلاوة سجدة، سواء كانت في مجلس واحد أو لم تكن، لأن للسجدة حكم التلاوة، والحكم يتكرر بتكرر السبب. وأما وجه الاستحسان فهو قوله: م: (دفعًا للحرج) ش: وذلك أن المسلمين يحتاجون إلى تعليم القرآن وتعلمه، وذلك يحتاج إلى التكرار غالبًا، فإلزام التكرار في السجدة يفضي إلى الحرج لا محالة، والحرج مدفوع ويؤيد هذا ما روي أن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقرأ على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 672 وهو تداخل في السبب دون الحكم وهو أليق بالعبادات، والثاني بالعقوبات   [البناية] النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ويقرأ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أصحابه ويسجد مرة واحدة. وقال الأكمل: وقد صح أن جبريل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان ينزل بآية السجدة على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكرر عليه، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسجد لها مرة واحدة تعليمًا لجواز التداخل. قلت: نزول جبريل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بآية السجدة وغيرها من القرآن على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صحيح لا شك فيه، ولكن صحة بقية القضية من أين؟، ولم يتعرض إليه فاكتفي بمجرد النقل، وكان أبو موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يلقن الناس القرآن في مسجد البصرة وتكرر السجدة مرة واحدة. وروي عن أبي عبد الرحمن السلمي وهو معلم الحسن والحسين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه كان يعلم الآية الواحدة مرارًا ولا يزيد على سجدة واحدة، وقد أخذ التلاوة عن الصحابة، فالظاهر أنه أخذ حكمها عنهم. م: (وهو تداخل في السبب دون الحكم) ش: أي التداخل الذي عليه مبنى السجدة هو تداخل في السبب وهو التلاوة دون الحكم، وهو وجوب السجدة، وهو أن يجعل التلاوات الموجودة في المجلس تلاوة واحدة، فلم تكن الثانية والثالثة، سببًا للوجوب، إذا السبب إذا تحقق لا يجوز ترك حكمه في العبادات احتياطًا. وضعف السرخسي التداخل، وقال: الصحيح أن سبب الوجوب حرمة المتلوة، فالثانية تكرار محض فلم تكن سببًا، فلا يجب بها شيء. وقال الماتريدي: سبب وجوبها تلاوة مقصودة، ولم يوجد في الثانية لأنها تبع للأولى وتكرير للحفظ والتفكر وذلك وسيلة. م: (وهذا) ش: أي التداخل في السبب م: (أليق بالعبادات) ش: لأنه لو حكم بتعدد الأسباب يلزمه ترك الاحتياط في أمر العبادة، لأنه يلزم الإسقاط بعد وجوب سبب الإثبات، فلا يجوز لأن العبادة يحتاط في إثباتها لا في إسقاطها. م (والثاني بالعقوبات) ش: أي التداخل في الحكم دون السبب أليق بالعقوبات، لأنها ليست مما يحتاط فيها بل في درئها فيجعل التداخل في الحكم ليكون عدم الحكم مع وجود الموجب مضافًا إلى عفو الله وكرمه، فإنه هو الموصوف بسبوغ العفو وكمال الكرم. وثمرة هذين الفصلين تظهر في: الأول: فيما إذا تلا آية سجدة فسجد، ثم قرأ تلك الآية في ذلك المجلس مرات تكفيه تلك السجدة عن التلاوة التي توجد بعدها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 673 وإمكان التداخل عند اتحاد المجلس لكونه جامعا للمتفرقات، فإذا اختلف عاد الحكم إلى الأصل، ولا يختلف بمجرد القيام بخلاف المخيرة؛ لأنه دليل الإعراض وهو المبطل هناك،   [البناية] في الثاني: إذا زنى فجلد ثم زنى ثانيًا يجلد ثانيًا، وكذلك ثالثًا ورابعًا بعدم التداخل في الأسباب، بخلاف ما إذا زنى ولم يحد ثم زنى يحد مرة واحدة لتداخل الحكم والعقوبة. م: (وإمكان التداخل) ش: أراد به الإمكان الشرعي م: (عند اتحاد المجلس لكونه جامعًا للمتفرقات) ش: أي ألا ترى أن شطري العقد يجمعهما المجلس وإن تفرقا بالأقوال، واتحاد المجلس له أثر في جميع المقدورات كما في الإيجاب والقبول والأقادير، ألا ترى أن من أقر بالزنا أربع مرات في مجلس واحد يجعل مقرا مرة واحدة، وفي المجالس المختلفة يجعل مقرا أربع مرات، فكذا هاهنا م: (فإذا اختلف) ش: أي المجلس م: (عاد الحكم إلى الأصل) ش: وهو وجوب التكرار لعدم الجامع. فإن قلت: لم لا يجمع الجامع بين الآيات في المجلس كما جمع بين المرات فيه؟. قلت: لعدم الحرج، فإن آية السجدة محصورة، والغالب عدم تلاوة الجميع في المجلس، بخلاف التكرار للتعليم، فإنه ليس بمحصور. م: (ولا يختلف) ش: أي المجلس م: (بمجرد القيام) ش: ولهذا لو باع وهو قاعد وقام ثم قبل المشتري صح قبوله. كذا في " الكافي "، ولو قرأها وهو قاعد ثم قام فقرأها لا يجب إلا سجدة واحدة م: (بخلاف المخيرة) ش: وهي التي قال لها زوجها اختاري، فقامت فقالت اخترت نفسي لا يقع الطلاق م: (لأنه) ش: أي لأن قيام المخيرة م: (دليل الإعراض) ش: لأن المجلس تبدل حقيقة م: (وهو) ش: أي الإعراض م: (يبطل هناك) ش: أي في المخيرة، ثم المجلس إنما يختلف إذا ذهب عن ذلك المجلس بعيدًا، فإن كان قريبًا لا يختلف، فالفاصل بينهما ما ذكر في " المحيط " إذا مشى خطوتين أو ثلاثًا فهو قريب، وإن كان أكثر من ذلك فهو بعيد. وفي " المبسوط " في رواية ابن رستم عن محمد قال محمد نحو عرض المسجد أو طوله فهو قريب. وفي " المبسوط " فإن نام قاعدًا أو أكل لقمة أو شرب شربة أو عمل عملًا يسيرًا ثم قرأ فليس عليه أخرى، لأن هذا القدر لا يبدل المجلس وفي الروضة بالأكل لا يختلف المجلس حتى يشبع، وبالشرب حتى يروى، وبالكلام والعمل يكثر استحسانًا. وفي " شرح المجمع " الأمكنة التي تتحد حكمها كالمجسد والجامع والبيت والسفينة سائرة كانت أو واقفة والحوض والغدير والنهر الواسع والدابة السائرة وراكبها في الصلاة قال: في هذه الأماكن إذا كرر التلاوة لا يلزمه إلا سجدة واحدة وهو مخير إن شاء سجدها عند التلاوة الأولى، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 674 وفي تسدية الثوب يتكرر الوجوب، وفي المنتقل من غصن إلى غصن كذلك في الأصل، وكذا في الدياسة للاحتياط،   [البناية] وإن شاء سجدها عند الأخيرة، والأمكنة التي يختلف حكمها ويتعدد الوجوب كالدابة السائرة وراكبها ليس في الصلاة، والماشي في الصحراء، أو السباح في البحر والنهر العظيم. م: (وفي تسدية الثوب يتكرر الوجوب) ش: قال شيخ الإسلام خواهر زاده: في "مبسوطه" إن كان يسدي الكرباس ويقرأ آية واحدة مرارًا اختلف المشايخ، قال بعضهم: يكفيه سجدة واحدة، لأن المجلس واحد من حيث الاسم. وقال بعضهم: يلزمه بكل تلاوة سجدة، لأن المجلس تبدل حقيقة بتبدل المكان، ولا يعتبر اتحاد العمل كما في سير الدابة وهو الأصح. م: (وفي المنتقل من غصن إلى غصن كذلك في الأصل) ش: أي يتكرر الوجوب في الأصح يرجع إلى المذكورين تسدية الثوب والمنتقل م: (وكذا في الدياسة) ش: وقال الأترازي: واختلف في تسدية الثوب والدياسة، والذي يدور حول الرحى والذي يسبح في الحوض أو النهر، والذي علا على غصن ثم انتقل إلى غصن آخر والأصح هو الإيجاب م: (للاحتياط) ش: أي بالنظر إلى اتحاد العمل واتحاد والمجلس لا يتبدل المجلس، فلا يتكرر الوجوب بالنظر إلى حقيقة اختلاف المكان يتكرر الوجوب فقلنا بالتكرار احتياطًا. وفي " الدراية " وفي لفظ الكتاب إشارة إلى أنه لا خلاف في التسدية لأنه قطعها بالجواب من غير تردد، ويدل على أن اختلاف المشايخ في المنتقل من غصن إلى غصن وفي الدياسة وفي النهاية وهذا اللفظ أشار به إلى التسدية والمنتقل كما ترى يدل على أن اختلاف المشايخ في المنتقل من غصن إلى غصن وفي الدياسة لا في تسدية الثوب، لأنه قطعها بالجواب من غير تردد، ثم شبه الجواب الثاني بذكر الأصح، ولكن ذكر الاختلاف في " شروح الجامع الصغير " في المسائل الثلاث كلها. وقال الأكمل: وقال صاحب " الدراية " وذكره ...... إلخ ما ذكره ثم قال: وليس بواضح جواز أن يكون قوله في الأصح متعلقًا بالمسلمين جميعًا. وقوله: للاحتياط يجوز أن يكون وجه الأصح في الصور الثلاث المذكورة. قلت: الظاهر أن قوله في الأصح متعلق بمسألة المنتقل من غصن إلى غصن. وقوله: للاحتياط متعلق بمسألة الدياسة، وقطع صاحب " الهداية " بالجواب في مسألة بنفي أو إثبات لا يستلزم نفي كون الخلاف فيه في الحقيقة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 675 ولو تبدل مجلس السامع دون التالي يتكرر الوجوب على السامع؛ لأن السبب في حقه السماع، وكذا إذا تبدل مجلس التالي دون السامع على ما قيل، والأصح أنه لا يتكرر الوجوب على السامع لما قلنا، ومن أراد السجود كبر، ولم يرفع يديه، وسجد ثم كبر ورفع رأسه اعتبارا بسجدة الصلاة،   [البناية] م: (ولو تبدل مجلس السامع دون التالي يتكرر الوجوب على السامع) ش: باتفاق المشايخ، وبه صرح الإمام الزاهد السغناقي، فعلى قول من يقول السبب في حق السامع السماع فظاهر، وعلى قول من يقول السبب في حقه التلاوة فكذلك الظاهر، لأن الشرع أبطل تعدد التلاوة المتكررة في حق التالي حكمًا لاتحاد مجلسه لا حقيقة، فلم يظهر ذلك في حق السامع، فاعتبرت حقيقة التعدد فكرر الوجوب عليه م: (لأن السبب) ش: أي سبب وجوب السجدة م: (في حقه) ش: أي في حق السامع م: (السماع) ش: فتكرر السبب بتكرار الوجوب م: (وكذا) ش: يتكرر الوجوب. م: (إذا تبدل مجلس التالي دون السامع على ما قلنا) ش: على قول بعض المشايخ، وهو قول فخر الإسلام أيضًا. م: (والأصح أن لا يتكرر الوجوب على السامع لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله لأن السبب في حقه السماع، ومكان السماع متحد فلا يتكرر الوجوب، وهذا قول القاضي الأسبيجابي صاحب " شرح الطحاوي ". م: (ومن أراد السجود) ش: أي سجود التلاوة م: (كبر ولم يرفع يديه وسجد ثم كبر ورفع رأسه اعتبارًا بسجدة الصلاة) ش: يعني اعتبروه اعتبارًا بسجدة الصلاة. وقوله: كبر إشارة إلى أن التكبير فيها سنة كما في المسببة به. وقال الأسبيجابي: ويرفع صوته، وفيه إشارة إلى التكبير ليس بواجب بل هو سنة لما ذكرنا، وأيد ذلك ما ذكره في " المحيط "، فقال: ورى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يكبر عند الانحطاط، لأن تكبير الانتقال من الركن، وعند الانحطاط، وهاهنا لا ينتقل، وهي رواية الحسن عن أبي يوسف. وفي " الذخيرة ": وقيل: يكبر في الابتداء ولا يكبر في الانتهاء، وهي رواية الحسن عن أبي حنيفة، وقيل: يكبر في الابتداء بلا خلاف، وفي الانتهاء خلاف بين أبي يوسف ومحمد على قول أبي يوسف لا يكبر، وعلى قول محمد يكبر. وعند جمهور الشافعية يكبر للهوي إلى السجود، وعند رفعه. وقال ابن أبي هريرة: منهم من لا يكبر فيهما وفي غير الصلاة يكبر للافتتاح ثم للهوي ثم للرفع، وهو قول أحمد وهو شرط في المشهور، وفي وجه يستحب، وفي الثالث لا يشرع أصلًا وهو قول أبي جعفر منهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 676 وهو المروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا تشهد عليه ولا سلام؛   [البناية] وقوله: ولم يرفع يديه احترازا عن قول الشافعي، فإن عنده حقها أن يسجد سجدة واحدة فيكبر رافعًا يديه ناويًا، ثم يكبر للسجود ولا يرفع يديه ثم يكبر للرفع ويسلم، وأقلها وضع الجبهة على الأرض بلا شروع ولا سلام، كذا في " الخلاصة الغزالية ". وقال القاضي من الحنابلة: وقياس المذهب أن لا يرفع يديه [ .... ] لم يرد به الشروع، وفي حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «كان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لا يقعد في السجود حتى لا يرفع يديه» وهو حديث متفق عليه، وبقولنا قال إبراهيم والحسن وأبو قلابة وابن سيرين وأبو عبد الرحمن وعامر، ذكر ذلك كله ابن أبي شيبة. م: (وهو المروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: يعني المذكور من صفة سجدة التلاوة هو مروي عن عبد الله بن مسعود، وهذا غريب لم يثبت، وإنما روي عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا» رواه أبو داود. م: (ولا تشهد عليه) ش: أي على من يسجد للتلاوة، وبه قال مالك، وعن الشافعي فيه قولان، وقال البويطي: لا يتشهد. وقال خواهر زاده: قال الشافعي في كتابه: ليس فيها تسليم ولا تشهد، وبه أخذ بعض أصحابه، ومن أصحابه من لم يأخذ بما قال الشافعي: لكن قال: فيها تشهد وتسليم، وكان ابن شريح يقول فيها تسليم، ولكن لا يحتاج فيها إلى تشهد. وفي " التنبيه " قيل: يتشهد ويسلم، وقيل: يسلم ولا يتشهد، والمنصوص أنه لا يتشهد ولا يسلم. واعترض على صاحب " التنبيه " فيه بشيئين: أحدهما: أنه صرح بنص الشافعي أنه لا يسلم وأنه ليس له نص غيره، وليس الأمر كذلك بل القولان مشهوران في اشتراط السلام. الثاني: أنه صرح بأن الراجح في المذهب أنه لا يسلم. وليس كذلك، بل الصحيح عند الأصحاب على ما حكاه النووي اشتراط السلام، قال: وممن صححه أبو حامد وأبو الطيب في تعليقهما والرافعي وآخرون، ولا يتشهد عند الحنابلة، نص عليه في رواية الأثرم. م: (ولا سلام) ش: أي ولا سلام عليه أيضًا، وبه قال النخعي والحسن وسعيد ويحيى ابن وثاب ومالك وعطاء وأبو صالح، وقال ابن المنذر: قال أحمد أما التسليم فلا أدري ما هو، وعنه أنه فرض ويجزئه تسليمة، وعنه تسليمتان ولا يسلم في البويطي، وقال المزني: يسلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 677 لأن ذلك للتحلل وهو يستدعي سبق التحريمة وهي منعدمة، قال: ويكره أن يقرأ السورة في الصلاة أو غيرها، ويدع آية السجدة؛ لأنه يشبه الاستنكاف عنها، ولا بأس بأن يقرأ آية السجدة ويدع ما سواها؛ لأنه مبادرة إليها، قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أحب إليّ أن يقرأ قبلها آية، أو آيتين دفعا لوهم التفضيل، واستحسنوا إخفاءها شفقة على السامعين، والله أعلم.   [البناية] م: (لأن ذلك) ش: أي السلام م: (للتحلل وهو) ش: أي التحليل م: (يستدعي) ش: أي يقتضي م: (سبق التحريمة) ش: لأنها معتبرة بسجود الصلاة وسجود الصلاة لا يقتضي التسليم م: (وهي) ش: أي التحريمة م: (منعدمة) ش: هذا اللفظ خطأ عند أهل التصريف، وصوابه معدومة. فإن قلت: كيف يكون معدومة وقد ذكر من أراد السجود كبر، والتكبير للتحريمة كما في الشروع في الصلاة. قلت: ذاك التبكير لا للتحريمة بل للمشابهة بينهما وبين سجدة الصلاة، والتكبير لها ليس للتحريمة بل للانتقال إلى السجود فكذا هاهنا. م: (وقال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ويكره أن يقرأ السورة في الصلاة أو غيرها أو يدع) ش: أي يترك، ولم يستعمل معنى هذه اللفظة إلا في قراءة: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضحى: 3] (الضحى: الآية 3) ، بالتخفيف، وهي شاذة ويدع م: (آية السجدة لأنه يشبه الاستنكاف عنها) ش: أي الإعراض عن السجدة، وليس ذلك من أخلاق المؤمنين، وهو يؤدي أيضًا إلى هجران بعض القرآن. وقال الشافعي: يكره قراءة آية السجدة في الصلاة، سواء كانت صلاة السر أو الجهر. وقال مالك: يكره قراءتها في جميع الصلوات، وعندنا يكره فيما يسر دون ما يجهر، وبه قال أحمد. م: (ولا بأس بأن يقرأ آية السجدة ويدع ما سواها، لأنه مبادرة) ش: أي مسارعة م: (إليها) ش: أي إلى السجدة م: (قال) ش: أي قال محمد: في كتاب الصلاة م: (وأحب إلي أن يقرأ قبلها آية أو آيتين دفعًا لوهم التفضيل) ش: أي تفضيل بعض الآيات على البعض م: (واستحسنوا) ش: أي استحسن المشايخ. م: (إخفاءها) ش: أي إخفاء آية السجدة م: (شفقة) ش: أي لأجل الشفقة م: (على السامعين) ش: لأن السامع ربما لا يؤديها في الحال لمانع فلا يؤديها بعد ذلك بسبب النسيان فيبقى عليه الواجب فيأثم. وفي " المحيط ": إذا كان التالي وحده يقرأ كيف شاء جهر أو أخفى، وإن كان معه جماعة، قال مشايخنا: إن كان القوم مهيئين للسجود، ووقع في قبله أنه لا يشق عليهم أداؤها ينبغي أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 678 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] يجهر حتى يسجد القوم معه، وإن كانوا محدثين ويظن أنهم لا يسجدون أو يشق عليهم أداؤها ينبغي أن يقرأها في نفسه ولا يجهر تحرزًا عن إتيانهم بالسلام. 1 - فروع: يختلف المجلس بالنوم مضطجعًا. وقاعدًا لا يختلف ذكره في " المحيط ". وفي "جوامع الفقه " القيام والقعود والاتكاء والركوب والنزول لا يوجب اختلاف المجلس، وكذا الانتقال في البيت والمسجد من زاوية إلى زاوية، أو من جانب طولًا أو عرضًا. وقيل: إن كان البيت كبيرًا أو المسجد كثيرًا كالمسجد الجامع تختلف. وفي " المنتقى " عن محمد في المسجد الجامع لا يتكرر من غير تفصيل. وفي " جوامع الفقه " سئل أبو بكر عمن قرأ القرآن كله وسجد لكل سجدة ثم قرأ ثانيًا يجب ثانيًا. وفي " المرغيناني " لو تلاها ثم سبح أو هلل كثيرًا ثم تلاها يكفيه سجدة، وفيه ولا يجوز أداؤها في الأوقات المكروهة، إلا يقرأها فيها، فإن قرأها في وقت مكروه سجدها في وقت غير مكروه. قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز، وقيل: إن قرأها عند الطلوع وسجدها عند الغروب يجوز ولا يجوز العكس. وفي الأصل إذ قرأ سجدة في آخر السورة في صلاته إن كان بعدها آية أو آيتان إلى آخر السورة إن شاء ركع وإن شاء سجد، يعني إن شاء ركع لها ركوعًا على حدة، وإن شاء سجد لها سجدة على حدة والسجدة أفضل، وإن سجد يعود إلى القيام، لأنه يحتاج إلى الركوع ويقرأ بنفسه السورة ثم يركع وإن شاء ضم إليها آية من السورة الأخرى حتى يصير ثلاث آيات، ويكره لو لم يقم بعدها شيئًا إلى الركوع يحتاج إلى النية لمخالفة بينهما، وفي السجدة لا يحتاج إليها. وقيل: إن شاء أقام ركوع الصلاة مقام سجدة التلاوة، نقله عن أبي حنيفة وأبي يوسف. وروى الحسن عن أبي حنيفة ما يدل على أن سجدة الركعة تنوب عن سجدة التلاوة، وقد روي عنه إذا كانت السجدة في آخر السورة كالأعراف والنجم أو قريبًا منه كبني إسرائيل وانشقت، فركع حين فرغ من السورة أجزأته سجدة الركعة عن التلاوة. واختلف المشايخ فيما إذا ركع وسجد للصلاة دون التلاوة فالركوع ينوب عنها أو سجدة الصلاة قبل الركوع لقربه منها، ثم اتفقوا على أن الركوع لا ينوب عن السجدة بدون النية، واختلفوا في السجود. قال ابن سماعة وجماعة من أئمة بلخ: لا ينوب ما لم ينوب في ركوعه أو بعد استوائه قائمًا إذا سجد لصلاته وتلاوته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 679 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقال غيرهم: إن النية فيها ليست بشرط، والصلاتية أقوى فتنوب عنهما، كذا في " الذخيرة " وفي " المحيط " لو لم ينو في السجود لم يجزه، نص عليه في " النوادر "، لأن الصلاتية تخالفها حكمًا فلا ينوب عنها شيئًا إلا بالنية. وقيل: يجوز بدون النية، وروى الحسن عن أبي حنيفة أن السجود ينوب دون الركوع وفي المبسوط الأصح أن سجدة الصلاة تنوب عنها دون الركوع. وفي قاضي خان وقال عامة المشايخ: لا يحتاج إلى النية، وتصير مؤادة بالصلاتية لأنها أقوى، إلا إذا انقطع العود فيحتاج إلى النية، وإن كان بعدها ثلاث آيات إلى آخر السورة، أو كانت في آخر السورة، أو كانت في وسط السورة فالحكم في هذا كله ما ذكرناه. فلو أنه لم يركع لها ولم يسجد لها في هذه الوجوه على الفور، ولكن قرأ ربعًا من السورة أو خرج إلى سورة أخرى فقرأ منها شيئًا إن قرأ بعدها ثلاث آيات، أو كانت السجدة في وسط السورة لم يجزئه الركوع وسجدة الصلاة عن التلاوة، لأنها صارت دينًا عليه لفوات محلها، وفي الأصل والبحر أن الآيات الثلاث إنما تصير فاصلة ومانعة وقوع الركوع والسجود عن التلاوة، وإذا كانت في وسط السورة ولا تصير مانعة في آخرها. وفي "المرغيناني " عن شيخ الإسلام إذا قرأ ثلاث آيات بعدها سقط العود ولا ينوب الركوع عن التلاوة، وقال الحلواني: لا ينقطع ما لم يقرأ أكثر من ثلاث آيات، وكذا في قاضي خان. وفي " جوامع الفقه ": ينوي بها عند الركوع، ولو قرأها في الركوع اختلفوا فيه وبعدما رفع رأسه لا يجوز إلا رواية عن أبي حنيفة، ولا ينبغي للإمام أن يقرأ سجدة في صلاة لا يجهر بها، لأنه إذا لم يسجد يصير تاركًا للواجب، وإن سجد يظن القوم أنها صلاتية يأتي بها قبل الركوع فلا يتابعونه. يشترط في السجد الطهارة من الأحداث والأنجاس بدنًا ومكانًا وثيابًا، وستر العورة واستقبال القبلة والنية، وكل ما يفسد الصلاة يفسدها. وفي " المفيد " المحاذاة لا يفسدها. وفي رواية ابن السكن عن ابن عمر أنه كان يسجد على غير وضوء. وعن الشعبي مثله، وفي " مصنف ابن أبي شيبة " عن عثمان بن عفان وابن المسيب أن الحائض تومئ برأسها. قال ابن المسيب ويقول اللهم لك سجدت، هذا خلاف ما عليه الجمهور من أصحاب المذاهب الأربعة. وعن النخعي في رواية يتمم ثم يسجد كما في الجنازة، وذكر ابن بطال عن ابن عباس وأبي عبد الرحمن أنه يشترط فيها استقبال القبلة، وقال ابن المنذر: وقد روينا عن الشعبي أنه كان يسجد حيث كان وجهه ذكره في "الأشراف "، وفي " خزانة الأكمل " لو سجدها بغير القبلة جهلًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 680 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] جازت، وذكر ابن تيمية الحنبلي أن القارئ إذا كان محدثًا، لم يسجد ولم يقضها إذا توضأ، وكذا المستمع، وكذا المتطهر إذا طال الفصل، وقال الثوري: إن لم يسجد وطال الفصل لم يسجد، ويروى ذلك عن النخعي والأوزاعي، وعندنا يسجد إذا توضأ، وبه قال مكحول والثوري وإسحاق وجماعة. وفي " مختصر البحر " يستحب تقدم التالي في السجود على السامعين، ويصطف السامعون خلفه ولا يرفعون رؤوسهم قبله، فإذا سجد التالي يسجدون معه حيث كانوا، وفي "جوامع الفقه " خلفه أو قدامه ولا يرون تسوية الصف خلفه. وفي خزانة الأكمل: لا يرفع السامع رأسه قبل التالي استحسانًا ومثله في " المبسوط " وذكره النووي أنه لا ينوي الاقتداء به والرفع قبله ولو ذهب التالي ولم يسجد سجد السامع، وبه قال الشافعي، ولو قرأ على المنبر إن شاء سجد عليه، وإن شاء نزل وسجد على الأرض، وفي الأصل إمام صلى وقرأ سجدة ونسي أن يسجد بها فتذكر ذلك وهو راكع يخر ساجدًا لها ثم يقوم فيعود في ركوعه ويمضي في صلاته، وعليه سجدتا السهو. وفي " الذخيرة " عن السعدي أن المصلي إذا تلا آية السجدة ونسي أن يسجدها فليس عليه سهو، وفيه رأى الأبكم والأصم [ .... ] يسجد والتلاوة لا يجب عليه أن يسجدها. مسألة غريبة: ذكرها في " عدة المفتي " رجل صلى الفجر بعشرين سجدة كيف هذا، قال الشهيد: هذا رجل أدرك الإمام في السجدة في الركعة الثانية، وعلى الإمام سهو فسجد سجدتين، ثم تذكر الإمام أنه ترك سجدة تلاوة فسجد لها ثم تشهد وسجد للسهو ثم أقام المسبوق وقرأ آية السجدة، ونسي أن يسجد لها وسجد سجدتي الركعة الثانية، ثم تذكر أنه قعد بين الركعتين ناسيًا فسجد سجدتين ثم تذكر سجدة التلاوة، فسجد لها ثم تشهد وسلم وسجد للسهو سجدتين والله أعلم. ولو سبقه الحدث فيها توضأ وأعاد، قيل: هذا قول محمد، وعند أبي يوسف لا يعيدها لتمامها بالوضع عنده، ولو قرأها على الدابة يومئ لها، قال الحلواني: هذا في خارج المصر، فإن كان في المصر فأولى لتلاوته لا يجزئه في قول أبي حنيفة، ولو تلاها المصلي للراكب مرارًا في ركعة، والدابة تسير ورجل يسوقها فعلى التالي واحدة، وعلى السائق لكل تلاوة سجدة. وفي "المنتقى ": لو كان كل واحد منهما على دابة يصلي فقرأها كل واحد مرارًا يصلي كل واحد منهما بتلاوته سجدة، وتلاوة صاحبه بعدد قراءتها على الدابة، ولو ضحك في سجدة التلاوة يكون حدثًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 681 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وفي " المجتبى " يعيدها ولا يعيد الوضوء وأداؤها في الصلاة على الفور، وكذا خارجها عند أبي يوسف وعند محمد والكرخي على التراخي، ثم على رواية الفور مثل مباح الاشتغال بالحوائج، ولا يباح التأخير عند النزاع والاستطاعة، والصحيح خلافه، وذكر الطحاوي أن تأخيرها مكروه مطلقًا، والمرأة تصلح إمامًا للرجل فيها. وفي " المبسوط " لم يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ماذا يقول في سجوده، والأصح أن يقول في سجوده من التسبيح ما يقول في سجود الصلاة وبه قال الشافعي، واستحسنوا أن يقوم فيسجد، لأن الخرور سقوط من القيام، والقرآن ورد به، وإن لم يفعل فلا يضر به. وفي " المجتبى " وإن أتى بغير تسبيح الصلاة جاز، وذكر أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول في سجود القرآن: "سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته» ، وعن ابن عمر أنه كان يقول في "سجوده اللهم لك سجد سوادي ربك آمن فؤادي، اللهم ارزقني علما ينفعني، وعملا يرفعني"، وعن قتادة أنه كان يقول إذا قرأ السجدة: سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولًا، سبحان الله وبحمده ثلاثًا، وعن عبد الله أنه كان يقول في سجوده: لبيك وسعديك والخير في يديك، وعن داود - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه كان يقول: سجد وجهي مستغفرًا في التراب خالقي، وحق له. تم المجلد الثاني من تجزئة المحقق يليه المجلد الثالث أوله: "باب صلاة المسافر" ` الجزء: 2 ¦ الصفحة: 682 باب صلاة المسافر السفر الذي يتغير به الأحكام أن يقصد الإنسان مسيرة ثلاثة أيام ولياليها سير الإبل ومشي الأقدام   [البناية] [باب صلاة المسافر] م: (باب صلاة المسافر) ش: أي: هذا باب في بيان أحكام صلاة المسافر، والإضافة فيه إضافة المفعول إلى فاعله، والمسافر في باب المفاعلة في السفر، وهو الكشف، إذ الطريق تكشف للمسافر، والأصل في المفاعلة أن يكون الفعل بين اثنين، وقد يستعمل في حق الواحد أيضا، وهو من هذا القبيل، كما في قَوْله تَعَالَى: {وَسَارِعُوا} [آل عمران: 133] بمعنى أسرعوا، وجه المناسبة بين البابين من حيث وجود النقص فيهما، وهو ظاهر، والذي ذكره الشراح هاهنا بمعزل من الوجه على ما لا يخفى. [السفر الذي يتغير به الأحكام] م: (السفر الذي يتغير به الأحكام أن يقصد الإنسان مسيرة ثلاثة أيام، ولياليها) ش: السفر في اللغة: قطع المسافة، وليس بمراد هاهنا، بل المراد قطع خاص، وهو الذي قاله بقوله - الذي يتغير به الأحكام- أراد بتغير الأحكام قصر الصلاة، والإفطار، والمسح ثلاثة أيام ولياليها، وسقوط الجمعة، والعيدين، وسقوط الأضحية، وحرمة الخروج على الحرة بغير محرم. وكلمة - أن- في أن يقصد مصدرية في محل الرفع؛ لأنه خبر المبتدأ، أعني السفر، والقصد هو الإرادة الحادثة المقارنة لما عزم، وقيد به لأنه لو طاف جميع العالم بلا قصد سيرا بالأقدام لا يكون مسافرا، ولو قصد ولم يظهر ذلك بالنية فكذلك، فكان المعتبر في حق تغير الأحكام اجتماعهما. فإن قلت: الإقامة تثبت بمجرد النية، فما بال السفر، وهو لم يجعل بمجردها، وقال الأترازي: إذا جاوز بيوت المصر غير قاصد لمدة السفر لا يكون مسافرا، كذا إذا جاوزها وهو يقصد ما دون مدة السفر، وكذا إذا قصد مدة السفر ولم يجاوز بيوت المصر لا يكون مسافرا، لأن مجرد العزم لا يعتبر ما لم يتصل الفعل به، فمن هذا عرفت أن صاحب " الهداية ": تسامح حيث لم يذكر فيه مجاوزة بيوت المصر. قلت: المصنف في صدد تعريف السفر، والذي ذكر شرط لغيره، وسيجيء إن شاء الله تعالى. م: (سير الإبل) ش: بالنصب على أنه بدل من قوله على أنه مسيرة، أو على عطف البيان، وقد عظم السغناقي في إعراب هذا الموضع، حيث قال بالنصب في سير الإبل، هكذا سمعت من الشيخ، ووجدته مقيدا بخطه. قلت: يجوز أن يكون منصوبا بتقدير أعني سير الإبل، ويجوز أن يكون مرفوعا على أنه خبر المبتدأ المحذوف، تقديره هي سير الإبل. م: (ومشي الأقدام) ش: بالنصب أيضا عطفا على ما قبله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ويجوز الوجهان المذكوران أيضا، ولا يراد بالسير السير ليلا ونهارا، وإنما المراد السير نهارا؛ لأن الليل للاستراحة، وليس الشرط ذهابه من الفجر إلى الفجر. لأن الآدمي لا يطيق ذلك، وكذا الدابة لا تطيق المشي في بعض النهار، ونزوله للاستراحة ملحق بالسير في حق تكميل مدة السفر. وفي هذا الموضع اختلاف كثير، فقال أصحابنا والكوفيون: أقل مسافة يقصر فيها الصلاة مسيرة ثلاثة أيام، ولياليهن بسير الإبل، ومشي الأقدام في أقصر أيام الشتاء أو على سير البريد، وإبطاؤه العجل، والوسط هو المذكور، وهو سير القافلة. وفي " التحفة ": هذا جواب ظاهر الرواية. وفي " المفيد ": لو سلك طريق هي ميسرة ثلاثة أيام، وأمكنه أن يصل في يوم من طريق آخر قصر، وقدر أبو يوسف بيومين وأكثر الثلاث، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة، ورواية ابن سماعة عن محمد، وفي " المحيط " و" التحفة ": وهو رواية عن أبي يوسف، ومحمد، وأكثر اليوم الثالث أن يبلغ مقصده بعد الزوال في اليوم الثالث، وذكره الأسبيجابي. وقال المرغيناني: وعامة المشايخ قدروها بالفراسخ، فقيل: أحد وعشرون فرسخا، وقيل: ثمانية عشر فرسخا، قال المرغيناني: وعليه الفتوى، وفي " جوامع الفقه ": وهو المختار، وقيل: خمسة عشر فرسخا، وما ذكره المصنف هو مذهب عثمان، وابن مسعود، وسويد بن غفلة، وفي " التمهيد ": وحذيفة اليماني، وأبي قلابة، شريك بن عبد الله، وابن جبير، وابن سيرين، والشعبي، والنخعي، والثوري، والحسن بن حي، وحكى صاحب " المبسوط " عن ابن عباس، وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مثل مذهبنا، والصحيح عن ابن عباس، وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - غير ذلك، وروى البخاري أن ابن عباس، وابن عمر كانا يقصران في أربعة من وجوه: الأول: أن ذلك ليس حديثا عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما هو فعلهما، والشافعي لا يرى فعل أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حجة، فكيف يعمل به؟ الثاني: أن غيرهما من الصحابة. الثالث: أنه قد اختلف عنهما في ذلك أشد اختلاف، روى أيوب، وحميد بن جريج، عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه لا يقصر في أقل من ستة وتسعين ميلا. الرابع: أنه لم يذكر أنه منع في أقل من أربعة برد، وروي عن حفص بن عاصم وهو أولى من نافع أنه قصر في ثمانية عشر ميلا، ذكر ذلك الحافظ أبو جعفر، والجواب عن الحديث أنه يروونه عن إسماعيل بن عياش، وهو ضعيف عن عبد الوهاب بن مجاهد، وعبد الوهاب أشد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يمسح المقيم كمال يوم وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها» عمت الرخصة الجنس   [البناية] ضعفا منه، قال يحيى، وأحمد: ليس بشيء، وقال الثوري: كذاب، وقال النسائي: متروك الحديث. وقال النووي: قال أبو حامد، وصاحبا المسائل، والبيان وغيرهم: للشافعي سبعة نصوص في مسافة القصر، قال في موضع: ثمانية وأربعون ميلا، وقال في موضع: ستة وأربعون ميلا، وفي موضع: أكثر من أربعين ميلا، وفي موضع: أربعون ميلا، وفي موضع: يومان، وفي موضع: ليلتان، وفي موضع: يوم وليلة، وأصحابه ركبوا الشطط في التوفيق بين الأقوال، واستحب الشافعي أن لا يقصر في أقل من ثلاثة أيام ولياليهن لأجل مذهب أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حتى يخرج من الخلاف. ولفظ " المحلى " في " مختصر المزني ": فأما أنا فأحب أن لا أقصر في أقل من ثلاثة أيام احتياطا على نفسي. قال أبو الطيب: وهذا كقوله في الصلاة خلف المريض قائما، والأفضل أن يستخلف صحيحا يصلي بهم حتى يخرج من الخلاف، وكقوله إذا حلف الأفضل أن لا يكفر بالمال لا بعد الحنث لتخرج من الخلاف، وقال الأوزاعي: يقصر في يوم تام، قال ابن المنذر في " الأشراف ": وبه أقول. وحكى ابن حزم في " المحلى ": عن أبي وائل شقيق بن سلمة أنه سئل عن القصر من الكوفة إلى واسط، فقال: لا يقصر الصلاة في ذلك، وبينهما مائة وخمسون ميلا، وعن الحسن بن حي في رواية: لا قصر في أقل من اثنين وثمانين ميلا، كما من الكوفة وبغداد. وذكر في " التمهيد ": عن داود الظاهري أنه يقصر في طول السفر وقصره، وقال أبو حامد: حتى لو خرج إلى بستان له خارج البلد قصر. وفي "المبسوط "، قال: فمناط القياس لا تقدير فيه، بل العمل بإطلاق القرآن. وفي " المحلى ": أنه لا يقصر في أقل من ميل عند الظاهرية وهو منهم، فإطلاق أبي عمر في " التمهيد "، وإطلاق أبي حامد، وشمس الأئمة غير صحيح، فإن ابن حزم أخبر بمذهبه من غير أهل مذهبه. م: «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يمسح المقيم كمال يوم وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها) » ش: الحديث صحيح وقد مر الكلام عليه مستوفى في باب المسح على الخفين، وأما وجه الاستدلال به فهو قوله. م: (عمت الرخصة الجنس) ش: عمت رخصة المسح ثلاثة أيام ولياليها الجنس، وهو جميع المسافرين، وقوله الرخصة مرفوع بإسناده إلى "عم"، والجنس منصوب لأنه مفعول، بيان ذلك أن الألف واللام في قوله - والمسافر- لا يخلو إما أن يكون المراد المعهود أو الجنس والمعهود منتف، فتعين الجنس، وهو أن يكون المسافر شاملا لجميع المسافرين فلا يكون القاصد لما دون ثلاثة أيام ولياليها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 ومن ضرورته عموم التقدير، وقدره أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيومين وأكثر اليوم الثالث،   [البناية] مسافرا، ولو كان مسافرا يلزم أن لا تكون اللام للجنس وهو فاسد، فإذا كان للجنس لعدم المعهود تكون الرخصة عمت بالنسبة إلى من هو من هذا الجنس، وذلك يستلزم أن يكون التقدير بثلاثة أيام أيضا عمت بالنسبة إلى ذلك، وإلا لكان نقيضه صادقا وهو بعض من هو مسافر لا يمسح ثلاثة أيام ويلزم الكذب المحال على الشارع إن كانت الجملة خبرية أو عدم الامتثال لأمره إن كانت طلبية، وذلك لا يجوز لما ثبت أن اللام للجنس ثبت من ضرورته. وهو معنى قوله م: (ومن ضرورته عموم التقدير) ش: أي: ومن ضرورة الجنس التقدير بثلاثة أيام في حق كل مسافر لما ذكرنا، ويقال: إن النص يقتضي أن كل من صدق عليه أنه مسافر يشرع له مسح ثلاثة أيام، كما أن كل من صدق عليه أنه مقيم يشرع مسح يوم وليلة بمقتضى اللام، ويقال: إن قوله: المسافر يقتضي، أن السفر هو العلة للقصر، فكلما تحقق السفر تحقق المسح ثلاثة أيام، ولياليهن، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] (النور: الآية 2) . فإن قلت: عموم التقدير في المدة إنما يلزم من عموم الرخصة الجنس إذا كان قوله: ثلاثة أيام ظرفا بقوله: يمسح لا للمسافر. قلت: لو جاز في قوله يوما، وليلة أن يقع ظرفا لقوله للمقيم لا لقوله يمسح، لأنه إلى نسق واحد، فحينئذ يفسد المعنى لأنه يكون معناه المقيم يوما، وليلة يمسح وغيره لا كما إذا قال ما قام شهرا، أو سنة، أو سنتين مثلا، فإذا كان كذلك، قلنا: الحرف للفعل لا للفاعل في الوجهين. فإن قلت: هب أن الظرفية للفاعل، ولا يلزم ما ذكرتم؛ لأنا نجد دليلا، يجوز مسح المسافر يوما، وليلة، أو أقل، وهو ما روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يا أهل مكة: لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكة إلى غطفان» . قلت: قد ذكرنا هذا الحديث، وفيه ما يرده. فإن قلت: هذا متروك الظاهر؛ لأن ظاهره يقتضي استيفاء مدة ثلاثة أيام ولياليها، وذلك ليس بشرط بالاتفاق. قلت: المتروك للاستراحة ملحق بالسير في حق تكميل مدة السفر تيسيرا على ما ذكرناه. م: (وقدره أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قدر أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الحد في مدة السفر، وفي أكثر النسخ، وقدر بلا ضمير منصوب، والتقدير: وقدر أبو يوسف مدة السفر. م: (بيومين، وأكثر اليوم الثالث) ش: وهو رواية المعلى، عن أبي يوسف، ووجهه: أن الإنسان قد يسافر مسيرة ثلاثة أيام، فيعجل السير فيبلغ قبل الوقت بساعة، لا بعد بذلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيوم وليلة في قول، وكفى بالسنة حجة عليهما، والسير المذكور هو الوسط، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - التقدير بالمراحل وهو قريب من الأول   [البناية] م: (والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيوم وليلة في قول) ش: أي وقدر الشافعي مدة السفر بيوم وليلة في أحد أقواله، وقد ذكرنا أن له أقوالا سبعة. وقال الأكمل: وربما يستدل على ذلك بحديث عبد الوهاب. قلت: نسبة هذا الاستدلال إلى الشافعي لا وجه له؛ لأن في حديث عبد الوهاب بن مجاهد أربعة برد، وهو يومان. م: (وكفى بالسنة حجة عليهما) ش: الباء زائدة، أي: كفى بالسنة حجة على أبي يوسف، والشافعي، وأراد بالسنة الحديث المذكور، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يمسح المقيم يوما وليلة» ... " الحديث، وكون هذا الحديث حجة عليهما غير ظاهر. وأما أبو يوسف، فإن حكم ما قاله أبو يوسف ثلاثة أيام، على أن هذه رواية عنده، وأما الشافعي فإن له أقوالا في هذا كما ذكرنا، وقوله: المضمر عليه يومان. م: (والسير المذكور هو الوسط) ش: لأن أعجل السير سير بريد، وأبطأه سير العجلة، وخير الأمور أوسطها، وفسره في " الجامع الصغير ": بمشي الأقدام، وسير الإبل، لأنه الأوسط. وفي " المبسوط ": مسيرة ثلاثة أيام مع الاستراحات التي يتخللها من أقصر أيام السنة، وهذا مذهب ابن عباس، وأحد الروايتين عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وذلك لأنهم لم يريدوا من مسيرة ثلاثة أيام ولياليها أن يكون ليلا ونهارا على ما ذكرناه عن قريب. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - التقدير بالمراحل) ش: يعني روي عن أبي حنيفة أن مدة السفر تعتبر بثلاث مراحل، وهو جمع مرحلة. م: (وهو قريب من الأول) ش: أي التقدير بالمراحل قريب من التقدير بثلاثة أيام ولياليها، لأن المعتاد في كل يوم من السير مرحلة واحدة، خصوصا في أقصر أيام السنة. فإن قلت: يشكل مسألة ذكرها في " المحيط " على اشتراط مسيرة ثلاثة أيام، وثلاث مراحل تمسكا بالحديث المذكور، وهو أن المسافر إذا بكر في اليوم الأول، ومشى إلى وقت الزوال حتى بلغ المرحلة، فنزل فيها للاستراحة، وبات فيها، ثم بكر في اليوم الثاني، ومشى إلى ما بعد الزوال، ونزل فيها للاستراحة، وبات فيها، ثم بكر في اليوم الثالث، ومشى إلى وقت الزوال، فبلغ إلى المقصود. وقال شمس الأئمة: الصحيح أنه يصير مسافرا عند النية، ومعلوم أنه لا يتمكن من استيفاء مسح ثلاثة أيام في هذه المسألة؛ لأنها ليست بثلاثة أيام كاملة، ومع ذلك إنه مسافر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 ولا معتبر بالفراسخ هو الصحيح، ولا يعتبر السير في الماء، معناه لا يعتبر به السير في البر،   [البناية] قلت: إنه لم يتمكن حقيقة فقد تمكن منه تقديرا؛ لأن النزول للاستراحة محلق بالسير في حق تكميل مدة السفر. م: (ولا معتبر بالفراسخ) ش: أراد أنه لا عبرة في تقدير المدة بالفراسخ، واحترز بقوله: م: (هو الصحيح) ش: عن قول بعض المشايخ، فإنهم قدروها بالفراسخ، ثم اختلفوا فيما بينهم، فقيل: أحد وعشرون فرسخا، وقيل: ثمانية عشر، وقيل: خمسة عشر، وفي " الدراية ": والفتوى على ثمانية عشر، لأنها أوسع الأعداد. وفي " جوامع الفقه ": هو المختار. وفي " المجتبى ": وفتوى أكثر أئمة خوارزم على خمسة عشر، وفي " الأربعين " للبقالي: السفر اثنا عشر فرسخا. وفي " جوامع التاجري ": قريب من هذا. وقال المرغيناني: وعامة المشايخ قدروها بالفراسخ، وهو جمع فرسخ، وهو فارسي معرب، وهو اثنا عشر ألف خطوة، وستة وثلاثون ألف قدم، والخطوة ذراع ونصف بذراع العامة، وذلك أربعة وعشرون أصبعا بعدد حروف "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، والميل ثلاث فراسخ، وفي " الذخيرة " للقرافي: الميل في الأرض منتهى مد البصر، لأن البصر يميل فيه على وجه الأرض حتى يقع إدراكه، وفيه سبعة مذاهب. وقال صاحب " التنبيهات ": هو عشر غلاء، والغلوة طلق الفرس، وهو مائتا ذراع، فيكون الميل ألف ذراع، وفي " المغرب ": الغلوة ثلاثمائة ذراع. الثالث: ثلاثة آلاف ذراع، نقله صاحب " البيان ". الرابع: أربعة آلاف ذراع. الخامس: مد البصر ذكره الجوهري. السادس: ألف خطوة بخطوة الجمل. السابع: أن ينظر إلى الشخص، فلا يعلم، أهو آت أم ذاهب، أرجل هو أم امرأة. م: (ولا يعتبر السير في الماء) ش: هذا كلام القدوري، وفسره المصنف بقوله: م: (معناه لا يعتبر به السير في البر) ش: الضمير في "به" يرجع إلى السير في الماء، يعني: لا يعتبر سير البر بسير الماء، بيانه فيما إذا قصد إلى موضع له طريقان، أحدهما من البر، والآخر من البحر، ومن طريق البر، مسيرة ثلاثة أيام، ومن طريق البحر، أقل من ذلك، فلو سلك من طريق البر، يترخص ترخص المسافرين، ولو سلك طريق البحر، لا يترخص ولا يعتبر أحدهما بالآخر، والمعتبر في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 فأما المعتبر في البحر فما يليق بحاله كما في الجبل. قال: وفرض المسافر في الرباعية ركعتان لا يزيد عليهما. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فرضه الأربع والقصر رخصة   [البناية] البحر ما يليق بحاله، وهو معنى قوله: م: (فأما المعتبر في البحر فما يليق بحاله) ش: يعني يعتبر السير فيه ثلاثة أيام ولياليها، بعد أن كانت الريح مستوية لا ساكنة ولا عالية. م: (كما في الجبل) ش: فإنه يعتبر فيه ثلاثة أيام. [فرض المسافر في الرباعية] م: (قال) . ش: أي القدوري. م: (وفرض المسافر في الرباعية ركعتان) ش: قيد الفرض احترازا عن السنن؛ إذ لا يتصف فيها، وقيد الرباعية احترازا عن الفجر، والمغرب، والوتر، فإنها لا تصف. م: لا يزيد عليهما) ش: أي على الركعتين، وقال عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الصلاة في السفر ركعتان لا يصح غيرهما. وقال الأوزاعي: إن قام إلى الثالثة فإنه يكفيها، ويسجد سجدتي السهو، وقال الحسن بن حي: إذا صلى أربعا متعمدا أعادها، إذا كان ذلك منه الشيء اليسير، فإن طال ذلك منه، وكثر سفره لم يعد، وقال ابن أبي سليمان: إن صلى أربعا متعمدا يعيد، وإن كان ساهيا لا يعيد. ومذهبنا القصر وهو فرض المسافر المتعين، وبه قال عمر، وعلي، وابن مسعود، وجابر، وابن عباس، وابن عمر، والثوري، وحماد بن أبي سليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال الأثرم: قلت: لأحمد للرجل أن يصلي أربعا في السفر. قال: لا، ما يعجبني. وحكى ابن المنذر في " الأشراف ": أن أحمد قال: أنا أحب العافية عن هذه المسألة، وقال البغوي: هذا قول أكثر العلماء. وقال الخطابي: الأولى القصر ليخرج من الخلاف. وقال الترمذي: العمل على ما فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وهو القصر، وهو قول محمد بن سحنون، وقد اختاره القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي، وهو رواية عن مالك وأحمد، حكاهما ابن المنذر. م: (وقال الشافعي: فرضه الأربع) ش: أي فرض المسافر أربع ركعات، وبه قال مالك، وأحمد في رواية. م: (والقصر رخصة) ش: أي قصر المسافر صلاته رخصة، وهي في اللغة عبارة عن الإطلاق، والسهولة، وفي الشريعة: ما يكون ثابتا ابتداء على أعذار العباد تيسيرا، وعنه: القصر عزيمة، وهي في اللغة عبارة عن الإرادة المدركة، دل على ذلك قَوْله تَعَالَى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] [طه: الآية: 115] ، أي قصدا بليغا، وفي الشريعة: ما يكون ثابتا غير متصل بعارض، فسمي عزيمة. وقال صاحب "المجمع ": ونرى القصر عزيمة لا رخصة. وفي " المبسوط ": القصر عزيمة في حق المسافر عندنا. وقال الأترازي: فيه اختلاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 اعتبارا بالصوم   [البناية] المشايخ، رفعا منهم على أنه رخصة. وقال صاحب " التحفة ": هو عزيمة. والأكمل مكروه، وقال الشافعي: إنه مخير بين القصر، والإتمام، لكن الإتمام أفضل، وفائدة الخلاف تظهر في افتراض القعدة على رأس الركعتين من الرباعية حتى لو قام إلى الثالثة من غير قصده فسدت صلاته عندنا، ولو أتم صلاته فقد أساء لتأخير السلام. احتج الشافعي، ومن قال بمذهبه بقوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101] (النساء: الآية 101) ، وأنه شرع القصر بلفظ: فليس عليكم جناح، وهو يذكر للإباحة لا للوجوب، كما قال تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 236] (البقرة: الآية 236) ، فدل أن القصر مباح، ولما كان مباحا كان المسافر فيه بالخيار، وبما روه مسلم والأربعة «عن يعلى بن أمية. قال: قلت لعمر بن الخطاب: قال الله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101] (النساء: الآية 101) ، فإن خفتم فقد أمن الناس، قال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» فقد علق القصر بالقبول، وسماه صدقة، والمتصدق عليه مخير في قبول الصدقة، فلا يلزمه القبول حتما، وبما «روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: سافرت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما رجعت قال: يا عائشة ما صنعت في سفرك، ما أتممت الذي قصرت، وصمت الذي أفطرت، فقال: "أحسنت» ولأن هذا رخصة شرعت للمسافر فيتخير فيه. م: (اعتبارا بالصوم) ش: فإن الصيام يتخير فيه في السفر، ولأنه لو اقتدى بالمقيم يصير فرضه أربعا، ولو كان فرضه ركعتين لا يتغير بالاقتداء بالمقيم كما في الفجر، ولنا أحاديث، منها حديث عائشة، قالت: «فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأقصرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر» رواه البخاري ومسلم. ومنها حديث «ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربع ركعات، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة» . ورواه الطبراني في "معجمه " بلفظ: «افترض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتين في السفر، كما افترض في الحضر أربعا» . ومنها حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «صلاة السفر ركعتان، وصلاة الضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، تمام غير قصر على لسان محمد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] رواه النسائي، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه ". ومنها «حديث ابن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتانا ونحن ضلال، فعلمنا، فكان فيما علمنا أن الله - عز وجل- أمرنا أن نصلي ركعتين في السفر» رواه النسائي. ومنها: حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المتمم الصلاة في السفر كالمقصر في الحضر» رواه الدارقطني في "سننه". والجواب عن تعلقه بالآية أن المراد من القصر المذكور فيها هو القصر في الأوصاف من ترك القيام إلى القعود أو ترك الركوع أو السجود إلى الإيماء لخوف العدو، بدليل أنه علق ذلك بالخوف، إذ قصر الصلاة غير متعلق بالخوف بالإجماع، بل متعلق بالسفر، وعندنا قصر الأوصاف عند الخوف مباح، لا واجب، مع أن رفع الجناح في النص لدفع توهم النقصان، فرفع ذلك عنهم في صلاتهم بسبب روايتهم على الإتمام في الحضر، وذلك مظنة توهم النقصان، فرفع ذلك عنهم. والجواب عن حديث يعلى بن أمية أنه دليلنا لأنه أمرنا بالقبول، والأمر للوجوب، ولأن هذه صدقة واجبة في الذمة، فليس له حكم المالي، فيكون إسقاطا محضا ولا يرتد بالرد كالصدقة بالقصاص، والطلاق، والعتاق، يكون إسقاطا لا ترتد بالرد. فإن قلت: خياره في قبول الصدقة بمنزلة رجل له قبل آخر أربعة دراهم فتصدق عليه بدرهمين، فإن المتصدق عليه إن شاء قبل الصدقة، فيبقى عليه درهمان، وإن شاء رد الصدقة، فيكون عليه الأربع، فكذا هذا. قلت: هذا يكون نصب شريعة مفروضا إلى رأي العبد، كأن الله تعالى قال: اقصروا إن شئتم، وهذا لا نظير له، وأوامر الله من ندب وإباحة ووجوب نافذة بنفسها غير متعلقة برأي العبد. والجواب عن حديث عائشة: أن الروايات متعارضة عنها، فالتعلق بها غير مستقيم، وقيل: هو محمول على إتمام الأركان، وكذا كل ما جاء في الأخبار من الإتمام، بدليل ما روي في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] حديث مشهور «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الظهر بأهل مكة عام حجة الوداع ركعتين، ثم أمر مناديا ينادي بأهل مكة: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر» . ولو كن فرض المسافر أربعا لم يخير منهم فضيلة الجماعة معه. وأما اعتبارنا بالصوم فسيأتي جوابه عن قريب إن شاء الله تعالى. وأما قوله: ولأنه لو اقتدى بالمقيم .... إلخ، فينقض بظهر المقيم، فإن فرضه بدون المقيم أربع، وسبب القوم وهو الجماعة يصير ركعتين وهو الجمعة، كذا ذكره شيخ الإسلام. فإن قلت: في " صحيح البخاري ": صلى عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بمنى أربع ركعات. قلت: لما «قيل ذلك لعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فاسترجع ثم قال صليت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمنى ركعتين وصليت مع أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ركعتين وصليت مع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» قال أبو بكر الرازي: اعتمد عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إتمامه بأنه من أهل مكة، وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه إنما أتم؛ لأنه نوى الإقامة بمكة بعد الحج. وقيل: فعل ذلك من أجل الأعراب الذين حضروا معه لئلا يظنوا أن فرض الصلاة ركعتين ابتداء حضرا وسفرا، وقيل: لأنه كان إمام المؤمنين فكأنه في منزله. قلت: في كل ذلك نظر. أما الأول: فلأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سافر بأزواجه وقصروا. وأما الثاني: فلأن الإقامة بمكة حرام على المهاجر فوق ثلاث. وأما الثالث: فإن هذا المعنى كان موجودا في زمان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بل انتهى أمر الصلاة في زمان عثمان أكثر مما كان. وأما الرابع: فلأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أولى بذلك من عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكذلك أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وأحسن ما يقال في ذلك أنه رأى القصر جائزا والإتمام جائزا، فأخذ بأحد الجائزين، وكذلك يقال فيما فعلت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - من الإتمام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 ولنا أن الشفع الثاني لا يقضى ولا يؤثم على تركه، وهذا آية النافلة بخلاف الصوم لأنه يقضى،   [البناية] م: (ولنا أن الشفع الثاني لا يقضى) ش: أراد أن المسافر إذا لم يصل الشفع الثاني لا يَقْضي، قد يدل على أن الفرض ركعتان، إذ لو كان أربعا كان يجب عليه أن يقضي ركعتين. م: (ولا يؤثم على تركه) ش: أي ولا ينسب إلى الإثم على ترك الشفع كالنفل، ولا يؤثم على صيغة المجهول بالتشديد. م: (وهذا) ش: إشارة إلى كل واحد من عدم القضاء، وعدم التأثيم. م: (آية النافلة) ش: أي علامة النافلة. فإن قلت: يشكل هذا بالزائد على قرابة آية، أو ثلاث، فإنه لو أتى به يثاب ويقع فرضا، وكذا من لا استطاعة له على الحج لو تركه لا يعاقب، ولا أتى به يثاب ويقع فرضا. قلت: وقوع الفرض في الصورتين بعد الإتيان به بدليل آخر وهو تناول الأمر لمطلق الزيارة، وأما في الحج فلأنه أتى مكة صار مستطيعا فيفرض عيه، حتى لو تركه يأثم. م: (بخلاف الصوم) ش: هذا جواب عن قياس الشافعي بالصوم حيث قال: اعتبارا بالصوم. وتقدير الجواب أن رخصة الصوم معناها سقوط وجوب الأداء في الحال على وجه يترتب عليه القضاء؛ ولهذا إذا لم يصم في السفر فإنه يقضي في الحضر، وهو معنى قوله: م: (لأنه يقضي) ش: أي لأن الصوم يُقضى إذا تركه. بخلاف الشفع فإنه لا يُقضى، فالقياس حينئذ باطل. وقد قال الأكمل: وفيه بحث من وجهين: الأول: أن هذا تعليل في مقابلة النص؛ لأن الله تعالى قال: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101] (النساء: الآية 101) ، ولفظ: لا جناح، يذكر للإباحة دون الواجب، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سماه صدقة، والمتصدق عليه بالخيار في القبول، وعدمه. الثاني: أن الفقير لو لم يحج ليس عليه قضاء، ولا إثم، وإذا حج كان فرضا فلم يكن ما ذكرتم آية للنافلة. قلت: الجواب عنهما، ما قصر عبادة وأحسنها، أما عن الأول: فإن القصر المذكور في الآية معقود بشرط الخوف بالاتفاق، إذ الخائف وغيره سواء في قصر السفر، أو نقول: ليس المراد منه قصر أعداد الركعات، بل المراد هو القصر في أوصاف الصلاة كما في الإيماء، أو لإباحة الاختلاف أو المشي في صلاة الخوف. لأن مثله في غيرها يفسد الصلاة، فسماه قصرا، وأباح الصلاة معه، والتصدق بماله يحتمل التمليك من غير معترض الطاعة، والطاعة إسقاط لا يرتد بالرد، فلأن يكون من معترض الطاعة أولى. وأما الجواب عن الثاني: ما ذكرناه عن قريب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 وإن صلى أربعا وقعد في الثانية قدر التشهد أجزأته الأوليان عن الفرض، والأخريان له نافلة اعتبارا بالفجر، ويصير مسيئا لتأخير السلام، وإن لم يقعد في الثانية قدرها بطلت لاختلاط النافلة بها قبل إكمال أركانها، وإذا فارق المسافر بيوت المصر صلى ركعتين   [البناية] م: (وإن صلى) أي المسافر م: (أربعا) ش: أي أربع ركعات في الرباعية م: (وقعد في الثانية) ش: أي في الركعة الثانية م: (قدر التشهد أجزأته الأوليان عن الفرض) ش: يعني تجوز صلاته م: (والأخريان) ش: أي الركعتان الأخريان اللتان زادهما م: (له نافلة) ش: لأن فرضه ركعتان، وقد تم فرضه بالقعود، عقيب الشفع الأول، وبناء النفل على تحريمه الفرض يجوز، فصح، إلا أنه كره لترك التسليم م: (اعتبارا بالفجر) ش: يعني إذا صلى الفجر أربعا بعد القعدة الأولى تجزئه صلاته، وإلا فلا م: (ويصير مسيئا لتأخير السلام) ش: لأن إصابة السلام في آخر الصلاة واجب، فإذا تركها يأثم. م: (وإن لم يقعد في الثانية قدرها) ش: أي قدر قعدة التشهد م: (بطلت) ش: أي صلاته، وعند الشافعي، ومالك، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لا تبطل لما تقدم أن عندهم رخصة ترقيته م: (لاختلاط النافلة بها) ش: أي بصلاته التي شرع فيها م: (قبل إكمال أركانها) ش: لأن القعدة الأخيرة ركن وقد تركها. فإن قلت: المسافر كما يحتاج إلى القعدة يحتاج إلى القراءة، فإذا لم يقرأ في الركعتين، وقام إلى الثالثة، ونوى الإقامة وقرأ في الأخريين جازت صلاته عندهما خلافا لمحمد فكيف يبطل بترك القعدة. قلت: الكلام فيما إذا لم يقعد في الأولى، وأتم أربعا من غير نية الإقامة بخلاف ما إذا نوى الإقامة فإنه يصير فرضه أربعا، وتغني قراءته في الأخريين عن القراءة في الأوليين ولم تبق القعدة الأولى فرضا، وفي " المفيد" و" التحفة ": لو صلى أربعا وترك القراءة في الأوليين أو في أحدهما تفسد صلاته عندنا، وعند الشافعي لا تفسد، قلت: هذا لا يستقيم عند الشافعي؛ لأن القراءة ركن عنده في جميع الركعات. م: (وإذا فارق المسافر بيوت المصر صلى ركعتين) ش: أي بيوت مصر صلى ركعتين من الرباعية. وفي " المبسوط ": يقصر حتى يخلف عمران المصر. وفي " الذخيرة " والمرغيناني: إن كانت له محلة مبتدأة من المصر، وكانت قبل ذلك متصلة بها، فإنه لا يقصر ما لم يجاوزها ويخلف دونها، بخلاف القرية التي تكون بعد المصر، فإنه يقصر، وإن لم يجاوزها. وقال محمد في الأصل: ولا يصل المسافر ركعتين حتى يخلف المصر. وعن الحسن عن أبي حنيفة: من خرج من الكوفة يريد سفرا، فإذا جاوز الفرات وهو يريد بغداد قصر، وإن كان يريد مكة فحين يجاوز الأبيات، وإن كان في سفينة فحين يركبها إلا أن يكون في وسط المصر فيعتبر أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] يجاوز البيوت. وفي " جوامع الفقه ": إذا جاوز حيطان المصر قصر على ظاهر المذهب. وعن الحسن: فمن خرج مسافرا، وبقرب المصر قرية، فإن كان بينهما طول سكة لا يقصر ما لم يجاوز القرية، وإن كان أكثر قصر حين يخرج من العمران، وعلى هذا إذا كانت قرى متصلة ربض المصر لا يقصر ما لم يجاوزها، وإن كانت فراسخ، وعن بعضهم إذا جاوز الربض قصر. وفي " المفيد "، و" التحفة ": المقيم إذا نوى السفر ومشى أو ركب لا يصير مسافرا ما لم يخرج عن عمران المصر؛ لأن بنية العمل لا يصير عاملا ما لم يعمل، كالصائم إذا نوى الفطر لا يصير مفطرا. وفي " المحيط ": والصحيح أنه يصير مفطرا، ويعتبر مجاوزة عمران المصر، إلا إذا كان ثم قرية أو قرى متصلة بأرض المصر، فإنه حينئذ يعتبر مجاوزة القرى، وذكر الإمام التمرتاشي، والأشبه أن يكون الانفصال عن المصر قدر غلوة فحينئذ يقصر. فإن قلت: يشكل بصلاة الجمعة، والعيدين، فإنه يجوز إقامتهما في هذا المقدار، والجمعة لا تقام إلا في المصر. قلت: فناء المصر إنما ألحق به فيما كان من حوائج أهله، والجمعة، وصلاة العيدين من حوائج أهله وقصر الصلاة ليس منها، واختلفوا في تقدير الفناء، فقدرها بعضهم بفرسخين، وبعضهم بثلاثة فراسخ، ذكره في " المحيط "، وقال شمس الأئمة السرخسي، والإمام خواهر زاده: والصحيح أن الفناء مقدر بالغلوة. وقال الشافعي: في البلد يشترط مجاوزة السور لا مجاوزة الأبنية بالسور خارجه، وحكى الرافعي وجهين: المعتبر مجاوزة الدور، ورجح الرافعي هذا الوجه في " المجرد "، والأول في " الشرح "، وإن لم يكن في جهة خروجه سور، وكان في قرية يشترط مفارقة العمران. وفي " المغني " لابن قدامة: ليس لمن نوى السفر القصر، حتى يخرج من بيوت مصره أو قريته، ويخلفها وراء ظهره، قال: وبه قال مالك والأوزاعي وأحمد والشافعي وإسحاق وأبو ثور، - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على هذا، وعن عطاء، وسليمان بن موسى، أنهما كانا يبيحان القصر في البلد لمن نوى السفر، وعن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرا فصلى بالجماعة في منزله ركعتين، وفيهم الأسود بين يزيد، وغير واحد من أصحاب عبد الله، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وفي " الدراية ": والشرط عند الشافعي، ومالك، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أن لا يحاذيه عن يمينه، أو يساره شيء من البنيان، وفي رواية: أن يكون في المصر ثلاثة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 لأن الإقامة تتعلق بدخولها فيتعلق السفر بالخروج عنها، وفيه الأثر عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لو جاوزنا هذا الخص لقصرنا   [البناية] أميال، وحكي عن عطاء أنه قال: إذا دخل عليه وقت صلاة بعد خروجه من منزله قبل أن يفارق بيوت المصر يباح له القصر. وقال مجاهد: إذا ابتدأ السفر بالنهار لا يقصر حتى يدخل الليل، وإن ابتدأ بالليل لا يقصر حتى يدخل النهار. وفي " المجتبى ": الدستاني: إذا سافر يقصر إذا جاوز بيوت القرية وحيطانها، وإن لم يكن قرية فالبيوت، وعند الشافعي: القروي إذا جاوز البابين والمزارع المحوطة يقصر، والبدوي إذا انفصل عن المحلة إذ المحلة كالحي، ويعتبر مع ذلك مجاوزة مواضعها كالمطرح المزاد، وملعب الصبيان ومعاطن الإبل. م: (لأن الإقامة تتعلق بدخولها) ش: أي الإقامة من السفر تتعلق بدخول بيوت المصر م: (فيتعلق السفر بالخروج عنها) ش: أي عن بيوت المصر، لأن الشيء إذا تعلق بالشيء تعلق ضده بضده، وحكم الإقامة وهو الإتمام، لما تعلق هذا الموضع تعلق حكم السفر بالمجاوزة عنه، والمعتبر بالجانب الذي يخرج منه لا الجانب الذي بحذائه حتى لو خلف الأبنية التي في طريقه قصر، وإن كان بحذائه أبنية أخرى من جانب آخر من المصر. وقيل: يعتبر مجاوزته بفناء المصر، فإذا كان بينها وبين فنائها أقل من غلوة، ولو يكن بينهما مزرعة يعتبر مجاوزة الفناء وإلا لا يعتبر الفناء، بل يعتبر مجاوزة عمران المصر، وإن كانت قرية متصلة بربض المصر يعتبر مجاوزتها هو الصحيح، وإن كانت متصلة بفنائها لا بربضها يعتبر الفناء دون القرية. م: (وفيه الأثر) ش: أي فيما ذكرنا من أن حكم السفر بمفارقة بيوت المصر، الأثر عن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، قال السغناقي: وهو المأثور عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتبعه الأكمل وغيره في هذا. قلت: رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" حدثنا عباد بن العوام عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خرج من السفر فصلى الظهر أربعا، ثم قال: إنا لو جاوزنا هذا الخص لصلينا ركعتين، ورواه عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا سفيان الثوري عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما خرج من البصرة، فأتى خصا، فقال: لو جاوزنا هذا الخص لصلينا ركعتين، فقلت: وما الخص؟ قال: بيت من قصب. قلت: هو بضم الخاء المعجمة وتشديد الصاد المهملة. م: (لو جاوزنا هذا الخص لقصرنا) ش: هذا بيان قوله وفيه الأثر، قائله هو علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كما ذكرنا، وفيه حديث أخرجه البخاري ومسلم «عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: صليت الظهر مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين» . والعجب من السغناقي أنه ذكر هذا الحديث ثم قال: كذا في " المصابيح "، وهذا يدل على عدم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 ولا يزال على حكم السفر حتى ينوي الإقامة في بلدة أو قرية خمسة عشر يوما أو أكثر. وإن نوى أقل من ذلك قصر؛ لأنه لا بد من اعتباره مدة، لأن السفر يجامعه اللبث فقدرناها بمدة الطهر لأنهما   [البناية] اطلاعه في كتب الأحاديث الأمهات. م: (ولا يزال) ش: أي المسافر، م: (على حكم السفر) ش: من القصر والإفطار والمسح على الخفين ثلاثة أيام وغير ذلك مما ذكرنا في أول الباب، م: (حتى ينوي الإقامة) ش: يعني بعد أن سار ثلاثة أيام إذا نوى الإقامة قبل أن يسير ثلاثة أيام، وعزم الرجوع إلى وطنه فإنه يكون مقيما وإن كان في المفازة، وبه صرح في شرح " الطحاوي " للأسبيجابي. م: (في بلدة أو قرية خمسة عشر يوما) ش: فيه ثمانية عشر قولا. عن أبي حنيفة إذا وضعت رجلك بأرض فأتم، وعن ربيعة إقامة يوم وليلة، وعن ابن المسيب ثلاثة أيام، وعن الشافعي ومالك وأحمد في رواية أربعة أيام، وعن أحمد خمسة أيام، وعنه أنه ينوي اثنين وعشرين صلاة ذكره في " المغني " وجعله مذهبا. وعن الحسن بن صالح ومحمد بن علي عشرة أيام، وهو قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وعن ابن عمر اثنا عشر يوما، وعن الأوزاعي ثلاثة عشر يوما، وفي رواية ستة عشر يوما، وعن الشافعي في قوله سبعة عشر يوما، وعنه ثمانية عشر يوما وصححوه. وعن إسحاق تسعة عشر يوما، وعن الحسن البصري يقصر حتى يأتي مصرا من الأمصار، وعن بعضهم عشرون يوما، وعن أحمد ذكره ابن المنذر، وعنه إحدى وعشرون صلاة. والقول السابع عشر يقصر أبدا. والقول الثامن عشر: هو قول أصحابنا، وقول الثوري، والليث في رواية. وهو المروي، عن ابن عباس، وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وهو اختيار المزني. م: (أو أكثر) ش: أي إذا كثر عن خمسة عشر يوما. وقال الأكمل: هذا زائد. قلت: أراد أنه لا حاجة إلى ذكر لفظ أكثر، لأن الحكم إذا ثبت في خمسة عشر يوما ففيما وراءها بطريق الأولى، ولكن المقدرات الشرعية ما يمنع الأقل لا الأكثر كنصاب الشهادة والسرقة والزكاة، فربما يظن ظان أن نية الإقامة في محلها بخمسة عشر يوما يمنع من القصر ولا يمنع أكثر من ذلك، فقال: وإذا كثر دفعا للظن بذلك. م: (وإن نوى أقل من ذلك) ش: أي من خمسة عشر يوما. م: (قصر) ش: صلاته. م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن. م: (لا بد من اعتبار مدة، لأن السفر يجامعه اللبث) ش: يعني أن المسافر، ربما يلبث في بعض المواضع لمصلحة له كانتظار الرفقة أو شراء السلعة فلا يعتبر ذلك، فلا بد من أن يقدر اللبث مدة. م: (فقدرناها) ش: أي المدة. م: (بمدة الطهر لأنهما) ش: أي لأن مدة الإقامة ومدة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 مدتان موجبتان، وهو مأثور عن ابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -   [البناية] الطهر م: (مدتان موجبتان) ش: فإن مدة الطهر توجب إعادة ما سقط من الصوم والصلاة بحكم الحيض ومدة الإقامة يوجب ما سقط بحكم السفر حكما متعذرا أدنى مدة الطهر بخمسة عشر يوما، فكذلك أدنى مدة الإقامة، ولهذا قدرنا أدنى مدة الحيض والسفر بثلاثة أيام لكونهما يسقطان. م: (وهو) ش: أي التقدير بمدة الطهر م: (مأثور عن ابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: هذا أخرجه الطحاوي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالا: إذا قدمت بلدة وأنت مسافر، وفي نفسك أن تقوم خمسة عشر يوما فأكمل الصلاة بها، وإن كنت لا تدري متى تظعن فأقصرها. وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه"، حدثنا وكيع، ثنا عمر بن ذر، عن مجاهد: أن ابن عمر كان إذ اجتمع على إقامة خمسة عشر يوما أتم الصلاة. أخرجه محمد بن الحسن في كتاب " الآثار". أخبرنا أبو حنيفة، ثنا موسى بن مسلم، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر، قال: إذا كنت مسافرا فوطنت نفسك على إقامة خمسة عشر فأتمم الصلاة، وإن كنت لا تدري فأقصر. وقال الشافعي: إذا نوى إقامة أربعة أيام صار مقيما لا يباح له القصر، وفي قول: إذا أقام أكثر من أربعة أيام كان مقيما، وإن لم ينو الإقامة، واحتج الأول بظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101] (النساء الآية 101) . علق القصر بالضرب في الأرض، ومن نوى الإقامة فقد قول الضرب، والمعلق بالشرط معدوم عند عدمه، إلا إنما بيناها ما دون ذلك بدليل الإجماع. والثاني: ما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قصر للمهاجرين للمقام بمكة بعد قضاء المناسك ثلاثة أيام» فهو دليل على أن بالزيادة على ذلك يثبت حكم الإقامة، وروي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مثل مذهبه، ولما اختلفت الصحابة كان الأخذ بقول عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أولى للاحتياط. وروي أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما أجلى اليهود والنصارى من جزيرة العرب، ثم ضرب لمن يقدم تاجرا أن يقيم ثلاثة أيام مدة السفر، فإذا زاد على ذلك صار مقيما. ولنا لما ترك ظاهر الآية بالإجماع كان الأخذ بما قلنا أولى لما روي عن إبراهيم وإبراهيم أنهما قالا: أقل مدة الإقامة خمسة عشر يوما، وسبيل ذلك التوقيف فينزل منزلة المنصوص، وروى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل مكة صبيحة اليوم الرابع من ذي الحجة، وخرج إلى منى يوم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] التروية، وكان يقصر الصلاة، وقد أقام أكثر من ثلاثة أيام» . فإن قلت: الحديث محمول على ما إذا لم ينو الإقامة، وبدون النية لا يصير مقيما بأربعة أيام عنده. قلت: لا يصح هذا لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل مكة للحج، ولا بد أنه ينوي الإقامة حتى يقضي حجه، وقضى حجه فيما ذكرنا كان أكثر من أربعة أيام، وقع ذلك كأن يقصر، وأما الحديث فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما قدر هذا لأنه علم أن حوائجهم كانت ترفع في هذه المدة لا لتقدير أدنى مدة الإقامة. وما روي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - معارض بما روي عنه أنها تقدر بخمسة عشر يوما، فدل على رجوعه. وأما دعوى الاحتياط فإنه يشكل بما لو نوى الإقامة ثلاثة أيام أو أقل لا يصير مقيما، وإن كان الاحتياط فيه، وقال الطحاوي: ما قال الشافعي خلاف الإجماع؛ لأنه لم ينقل عن أحد قبله بأنه يصير مقيما بنية الإقامة أربعة أيام. فإن قلت: روي عن ابن المسيب أنه قال: من أجمع على أربع وساعة أتم صلاته. قلت: يعارضه ما روي عن هشيم عن داود بن أبي هند عن ابن المسيب أنه قال: إذا أقام المسافر خمسة عشر أتم الصلاة، وما كان دون ذلك فليقصر، ومع هذا لا يجوز أن يعارض قول ابن عباس، وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وعن يحيى بن أبي إسحاق الرأي فيه، فالظاهر أن الصحابي رواه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والخبر موجب فكان الأثر كذلك. فإن قلت: كيف مع أنه قال فيه معنى معقول أصله بالأثر، لا أن يثبت أصلها بدليل المعقول، فكان هذا من قبيل ترجيح أحد الأمرين بالقياس، ثم اعلم أنا قلنا إنما يصير مقيما بنية الإقامة إذا سار ثلاثة أيام، فأما إذا لم يسر ثلاثة أيام فعزم على الرجوع ونوى الإقامة يصير مقيما، وإن كان في المفازة كذا ذكر فخر الإسلام، وفي " المجتبى ": لا يبطل السفر إلا بنية الإقامة، أو دخول الوطن أو الرجوع إليه قبل الثلاثة، وبه قال الشافعي في الظهر، ونية الإقامة إنما تؤثر بخمس شرائط. أحدها: ترك الإقامة أو تحريره لم تصح، واتحاد الوضع، والمدة، والاستقلال بالرأي حتى لو نوى من كان تبعا لغيره لا يعتبر كالحربي، والزوجة، والرقيق، والأجير، والتلميذ مع أستاذه، والغريم المفلس مع صاحب الدين إلا إذا نوى متبوعه، ولو نوى المتبوع الإقامة، ولم يعلم بها التابع فهو مسافر حتى يعلم كالوكيل، إذا عزل وهو الأصح، وعن بعض أصحابنا يصيرون مقيمين، ويعيدون ما أدوا في مدة عدم العلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 والأثر في مثله كالخبر، والتقييد بالبلدة والقرية يشير إلى أنه لا تصح نية الإقامة في المفازة، وهو الظاهر، ولو دخل مصرا على عزم أن يخرج غدا أو بعد غد ولم ينو مدة الإقامة حتى بقي على ذلك سنين قصر؛ لأن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أقام بأذربيجان ستة أشهر وكان يقصر   [البناية] م: (والتقييد) ش: أي تقييد محمد بن الحسن صحة نية الإقامة. م: (بالبلدة والقرية يشير إلى أنه لا تصح نية الإقامة في المفازة) ش: لأن شماله يبطل عن يمينه. م: (وهو الظاهر) ش: من الروايات، واحترز به عما روى عنه أبو يوسف: أن الرعاة إذا تركوا موضعا كثير الكلأ والماء، ونووا الإقامة خمسة عشر يوما، والماء والكلأ يكفيهم بتلك المدة يصيرون مقيمين، وكذا التراكمة والأعراب والأكراد، في ظاهر الرواية لا تصح نية الإقامة إلا في موضعها وهو العمران، والبيوت المتخذة من الحجر والمدر، لا الخيام، والأخبية من الوبر، كذا في " فتاوى قاضي خان ". م: (ولو دخل مصرا على عزم أن يخرج غدا أو بعد غد) ش: أي ولو دخل المسافر مصرا من الأمصار على نية أن يخرج منه غدا أو يخرج بعد غد. م: (ولم ينو) ش: أي والحال أنه لم ينو. م: (مدة الإقامة حتى بقي) ش: في ذلك المصر. م: (على ذلك) ش: العزم. م: (سنين) ش: عديدة. م: (قصر) ش: وعند الشافعي إذا أقام ستة عشر يوما أتم، وإن لم ينو الإقامة، وعنه إذا أقام أكثر من أربعة أيام أتم، وعنه: إذا أقام ثمانية عشر يوما أتم، وأخذ الشافعي بما أقامه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة سبعة عشر يوما، أو ثمانية عشر يوما. فمن أقام أكثر من ذلك يتم ما زاد على الأصل، إذ القصر عارض فلم يثبت إلا بقدر ما زاد. قلت: ما رواه يؤيدنا؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقصر عند عدم النية، والإقامة، وأما قوله: بقي ما زاد على الأصل فنقول: ترك ذلك بإجماع الصحابة. وقال الترمذي: أجمع أهل العلم على أن للمسافر أن يقصر ما لم يجمع الإقامة، وإن أتى عليه سنون، وقال ابن المنذر مثله. م: (لأن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أقام بأذربيجان ستة أشهر، وكان يقصر) ش: هذا الأثر رواه عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أنه أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة، أخرجه البيهقي في " المعرفة " عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 وعن جامعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مثل ذلك وإذا دخل العسكر أرض الحرب فنووا الإقامة بها قصروا،   [البناية] عمر، أنه قال: أرتج علينا الثلج، ونحن بأذربيجان ستة أشهر في غزاة، فكنا نصلي ركعتين، قال الترمذي: وهذا سند على شرط الشيخين. قلت: فلذلك خالف المزني الشافعي في ذلك، ووافق الجماعة. وأذربيجان بفتح الهمزة مقصورا. وضبطه الأصيلي والمهلب بمدة. قال صاحب " المشارق الأنوار ": ضبطناه عن الأسدي بكسر الباء، وضبطناه عن أبي عبد الله بن سليمان وغيره بفتحها، وحكى فيه ابن مكي بفتح الذال وسكون الراء، وقال ابن الأحداني: كلام العرب به سكون الذال وفتح الراء. وضبط عن المهلب أذربيجان بكسر الراء، وتقديم الياء آخر الحروف على الباء الموحدة، وهو اسم لبلاد تبرز، وتبريز من أجمل مدنها، والنسبة إليها أذري وأذربي. م: (وعن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مثل ذلك) ش: أي مثل ما روي عن ابن عمر رواه مسلم في "صحيحه" أقامت الصحابة برامهرمز من تسعة أشهر يقصرون الصلاة، وروى البيهقي وغيره أن أنسا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أقام بالشام مع عبد الملك بن مروان شهرين يصلي صلاة المسافر، وأقام سعد بن أبي وقاص بالشرع خمسين ليلة ومعه المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود حتى دخل رمضان فصام المسور وعبد الرحمن وأفطر سعد بن أبي وقاص، فقيل: يا سعد أنت صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وشهدت بدرا والمسور يصوم وعبد الرحمن وأنت تفطر؟ قال سعد: أنا أفقه منهم، رواه البيهقي في "سننه الكبرى". وفي " المحلى " لابن حزم عن أبي وائل قال: كنا مع مسروق بمليلة سنتين وهو عامل عليها فصلى بنا ركعتين ركعتين، حتى انصرف، وعن أبي منهال العنزي قال: قلت لابن عباس: إني أقيم بالمدينة حولا لا أشد على سير، قال: صلى ركعتين. وروى عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا القاسم بن حبان عن الحسن، قال: كنا مع عبد الرحمن بن سمرة ببعض بلادنا فارس سنين فكان لا يجمع ولا يزيد على ركعتين. وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه": حدثنا وكيع، ثنا المثنى بن سعيد، عن أبي حمزة نصر بن عمران، قال: قلت لابن عباس: إنا نطيل القيام بخراسان، فكيف تهدي؟ فقال: صل ركعتين وإن أقمت عشر سنين. [دخل العسكر أرض الحرب فنووا الإقامة بها هل يقصروا] م: (وإذا دخل العسكر أرض الحرب فنووا الإقامة بها قصروا) ش: الرباعية، وبه قال مالك وأحمد، وقال زفر: يتمون، وهو رواية عن أبي يوسف، وقال الشافعي في الجديد: إذا نووا إقامة أربعة أيام، وقال في القديم كقولنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 وكذا إذا حاصروا فيها مدينة أو حصنًا، لأن الداخل بين أن يهزم فيفر، وبين أن يهزم فيفر، فلم تكن دار إقامة. وكذا إذا حاصروا أهل البغي في دار الإسلام في غير مصر أو حاصروهم في البحر؛ لأن حالهم مبطل عزيمتهم   [البناية] وقال النووي: المحارب إذا نوى إقامة أربعة أيام يصير مقيما في أصح القولين م: (وكذا) ش: يقصرون م: (إذا حاصروا فيها) ش: أي في أرض الحرب م: (مدينة أو حصنا؛ لأن الداخل) ش: في أرض الحرب م: (بين أن يهزم فيفر) ش: كلمة أن مصدرية، ويهزم على صيغة المعلوم، وقوله فيفر أيضا على صيغة المعلوم. م: (وبين أن يهزم يفر) ش: وكلمة أن مصدرية، ويهزم على صيغة المجهول، وقول فيفر على صيغة المعلوم بالفاء من الفرار، والحاصل أن أمر هذا الداخل يلي أمرين متناقضين فلا يعمل فيه نية الإقامة م: (فلم تكن دار إقامة) ش: لأنها ليست بموضع إقامة المسلمين لمكان الحرب فلم تصح النية كما في المفازة. م: (وكذا) ش: الحكم م: (إذا حاصروا أهل البغي في دار السلام، في غير مصر) ش: يعني في مفازة وأهل البغي هم الذين خرجوا على السلطان م: (أو حاصروهم في البحر) ش: أي أو حاصر أهل العدل البغي حال كونهم في البحر. فإن قلت: حكم هذه المسألة علم مما قبلها. فما فائدة ذكرها؟ قلت: لدفع شبهة وهو أن يقال إنما لا تجوز نية الإقامة في دار الحرب، لأنها منقطعة، فصارت كالمفازة، والأرض التي عليها أهل البغي ومدينتهم في يد أهل الإسلام فيجب أن تصح نية الإقامة. فأجاب عن ذلك بقوله: م: (لأن حالهم مبطل عزيمتهم) ش: لأنهم إنما أقاموا لغرض، فإذا حصل ذلك انزعجوا، فلا تكون عزيمتهم مستقرة كنية العسكر في دار الحرب، وقال الأكمل: وهذا التعليل يعني قوله لأن حالهم مبطل عزيمتهم يدل على أن قوله: في غير مصر، وقوله: في البحر، ليس بقيد، حتى لو نزلوا مدينة أهل البغي، وحاصروهم في الحصن لم تصح نيتهم أيضا، لأن مدينتهم كالمفازة عند حصول المصور المقيمون فيها، فليس الأمر كما ذكره، لأنه ربما كان يتوهم المتوهم أن حكم المفازة، والبحر ليس بحكم المدينة والحصن، باعتبار أن البحر والمفازة ليس عليها يدهم وشوكتهم، مثل ما هي على مدينتهم، وحصنهم، وهذا ظاهر، فكذلك ذكر قوله: في غير مصر، وفي البحر. وفي " جوامع الفقه ": إن نووا الإقامة في موضع وظن فيه أهل الحرب صاروا مقيمين، وفي "الإملاء " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن نزلوا بساتينهم وأكنافهم وللمسلمين منعة صحت إقامتهم، ولا يصح إذا نزلوا عليهم في جناحهم. وفي " الذخيرة " إن غلبوا على مدينة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصح في الوجهين إذا كانت الشوكة لهم للتمكن من القرار ظاهرا. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصح إذا كانوا في بيوت المدر، لأنه موضع إقامة، ونية الإقامة من أهل الكلأ وهم أهل الأخبية، قيل: لا تصح،   [البناية] واتخذوها دارا صارت دار الإسلام، يتمون فيها الصلاة، وإن لم يتخذوها دارا، ولكن أرادوا الإقامة فيها شهرا قصروا. وقال زفر: إن كان الشوكة لهم صاروا مقيمين لتمكنهم من القرار، وظاهرا على ما يذكره المصنف، والملاح وصاحب السفينة لا يصير مقيما بنية الإقامة في السفينة لأنها ليست موضع إقامة عادة، إلا أن يكون قريبة من وطنه، ذكره في "المحيط ". م: (وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصح في الوجهين) ش: أي فيما إذا دخل العسكر أرض الحرب فنووا الإقامة وفيما إذا حاصروا أهل البغي في دار الإسلام في غير مصر. م: (إذا كانت الشوكة لهم) ش: أي العسكر المسلمين م: (للتمكن من القرار ظاهرا) ش: أي لأجل تمكنهم من القرار، وهناك يعتبر ظاهر الحال. م: (وعند أبي يوسف يصح) ش: أي نية الإقامة م: (إذا كانوا في بيوت المدر لأنه) ش: أي لأن المذكور هو بيوت المدر م: (موضع إقامة) ش: وقرار، بخلاف الصبح، فلو حاصروا أهل الأخبية والفساطيط لم يصيروا مقيمين بنية الإقامة، وسواء نزلوا بساحتهم أو في أخبيتهم بالإجماع، لأن هذا لا يعد للإقامة، ألا ترى أنهم حملوها على الدواب حيثما قصدوا واستحقوا يوم ظعنهم ويوم إقامتهم، فإذا هي حمولة ليست بمنازل. وقال الحلواني: وهكذا إذا قصد العسكر المسلمين موضعا، ومعهم أخبيتهم وفساطيطهم وعزموا فيها على إقامة خمسة عشر يوما لم يصيروا مقيمين، لأنها حمولة وليست بمساكن، كذا في " المحيط ". [حكم نية إقامة المسافر من أهل الكلأ] م: (ونية الإقامة من أهل الكلأ) ش: بفتح الكاف، واللام، وبالهمزة في آخره بغير مد هو العشب، وقد كَلِئَت الأرض والجنان فهي أرض مكلئة وكلئة، أي ذات كلأ ورطبة. م: (وهم) ش: أي أهل الكلأ هم م: (أهل الأخبية) ش: الأخبية جمع خبايا بالكسر والمد، وهو من وبر، أو صوف، ولا يكون من شعر وهو على عمودين، أو ثلاثة، وما فوق ذلك. م: (قيل: لا تصح) ش: هذه جملة خبر المبتدأ، أعني قوله: ونية الإقامة، ولكن بالتأويل، تقديره: ونية إقامة المسافر من أهل الكلأ يشك فيها لا تصح، وإنما قدرنا هكذا، لأن الخبر إذا كان جملة لا بد أن يكون فيه ضمير عائد إلى المبتدأ، وهو الذي سمي رابطة الخبر بالمبتدأ كما عرف في موضعه، ووجه هذا القول أنهم ليسوا في موضع الإقامة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 والأصح أنهم مقيمون، يروى ذلك عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الإقامة أصل فلا تبطل بالانتقال من مرعى إلى مرعى، وإن اقتدى المسافر بالمقيم في الوقت أتم أربعا لأنه يتغير فرضه إلى أربع للتبعية   [البناية] فإن قلت: من أهل الأخبية. قلت: الأعراب والترك والكرد الذين يسكنون في المفازة. م: (والأصح أنهم) ش: أي أهل الأخبية م: (مقيمون، يروى ذلك عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وفي " المحيط " وعليه الفتوى، وفي " التحفة ": الأعراب والأكراد والتراكمة والرعاة الذين يسكنون في بيوت شعر والصوف مقيمون، لأن مقامهم المفازة عادة، وبه قال الشافعي، وأما إذا ارتحلوا عن موضع إقامتهم في الصيف وقصدوا موضعا آخر للإقامة في الشتاء، وبين الموضعين مسيرة ثلاثة أيام، فإنهم يصيرون مسافرين في الطريق عند أبي حنيفة، كذا في "المحيط ". وفي " المجتبى " ذكر البقال والملاح مسافر، وإن كان أهله وعياله في السفينة، وبه قال الشافعي: السفينة ليست بوطن له، وعند الحسن وأحمد وفي " الذخيرة " عن أبي يوسف إذا كانوا يطوفون في المفاوز ينتقلون من مرعى إلى مرعى ومعهم ثقلهم أنهم مسافرون، إلا إذا نزلوا مرعى كثير الكلأ وأخذوا المخابز، وكان الكلأ يكفيهم مدة الإقامة صحت نيتهم. م: (لأن الإقامة أصل فلا تبطل بالانتقال من مرعى إلى مرعى) ش: لأن الانتقال عارض والأصل لا يبطل بالعارض ولأجل حالهم على الأصل أولى. م: (وإن اقتدى المسافر بالمقيم في الوقت) ش: قيد بقوله: في الوقت لأنه لا يقتدي المسافر بالمقيم خارج الوقت للزوم اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة، لأن القعدة الأولى فرض في حقه نفل في حق الإمام كذا في " المبسوط " م: (أتم أربعا) ش: أي أربع ركعات وسواء في ذلك اقتدى به في جزء من صلاته أو كلها، وبه قال الشافعي وأحمد وداود، وقال مالك: إن أدرك من صلاة المقيم ركعة يلزمه الإتمام، وإن كان دون ذلك لا يلزمه قياسا على الجمعة، وقال إسحاق بن راهويه: يجوز للمسافر القصر خلف المقيم. وحكى ابن المنذر عن ابن عمر عن ابن عباس والأوزاعي والثوري والشافعي وأبي ثور وأحمد مثل مذهبنا، وحكي عن الحسن والزهري مثل مذهب مالك، وقال طاووس والشعبي: إن أدرك معه ركعتين أجزأتاه، وقول الظاهرية مثل قول إسحاق ثم إنه إنما يتمها أربعا إذا لم يفسد الإمام صلاته، لأنه إذا أفسدها فعلى المسافر أن يصلي ركعتين عندنا، وعند الشافعي، وزفر ومالك، وأحمد يقضي أربعا، لأنه ألزم صلاة الإمام. م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (يتغير فرضه إلى أربع للتبعية) ش: أي لالتزامه المتابعة للإمام، لكنه لو أفسد صلاته بعد الاقتداء صلى ركعتين لأنه مسافر على حاله، بخلاف ما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 كما يتغير بنية الإقامة لاتصال المغير بالسبب وهو الوقت   [البناية] اقتدى بنية النفل ثم أفسد، فإنه يلزمه قضاء أربع ركعات، لأنه بشروعه صار ملزما صلاة الإمام، وصلاة الإمام أربع. فإن قلت: يشكل على هذا ما إذا اقتدى المقيم بالمسافر ثم أحدث الإمام فاستخلف المقيم، فإنه لا يتغير فرضه إلى الأربع مع أن الإمام الأول صار بمنزلة المقتدي للخليفة المقيم. قلت: لما كان المقيم خليفة عن المسافر صار كأن المسافر هو الإمام فيأخذ الخليفة صفة الإمام الأول. م: (كما يتغير) ش: أي فرضه إلى أربع م: (بنية الإقامة لاتصال المغير بالسبب وهو الوقت) ش: أراد أن سبب وجوب الصلاة هو الجزء القائم من الوقت، فإذا وجد المغير، وهو الاقتداء بالمقيم في الوقت، عمل عمله في السبب، فإذا عمل في السبب عمل في الحكم، لكون الحكم تابعا للسبب، فيصير فرضه أربعا، فإن القول بصحة الاقتداء، فأما بعد خروج الوقت لم يعمل المغير في السبب لتقرر السبب وتأكده، فلا يعمل بحكم، فيبقى فرضه ركعتين، فلا يمكن القول بصحة الاقتداء، لأنه يؤدي إلى اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة إن اقتدى به في الشفع الأول، والقراءة إن اقتدى به في الشفع الثاني، لأن قراءة الإمام نفل، والقراءة له فرض. فإن قلت: ما ذكرتم من المعنى يشكل بما لو نسي المقيم القراءة في الشفع الأول، فاقتدى المسافر به في الشفع الثاني، وكان ذلك خارج الوقت لا يصح اقتداؤه، وكان ينبغي أن يجوز، لأن القراءة فرض عليهما في هذه الحالة. قلت: لا يصح الأول تعين محلا للقراءة وجوبا، والقراءة في الثاني معا فيلتحق بمحلها، فصار كأنها وجدت في الشفع الأول فتخلو الركعات من القراءة، فكان فيه بناء الموجود على المعدوم. فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن لا يصح اقتداء المتنفل بالمفترض في الشفع الثاني فإن القراءة فيه نفل عن الإمام فرض على المقتدي، والحال أنه جائز. قلت: صلاة المتنفل تأخذ حكم الفرض بالاقتداء تبعا لصلاة الإمام، ولهذا لو قرأ المتنفل صلاته بعد الاقتداء يجب قضاؤها أربعا، كذا في "الجامع الكبير " للصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الأكمل: فإن قيل: علل بغير فرضه بالتبعية بقوله: للتبعية فكيف يستقيم تعليله بعد ذلك بقوله: لاتصال المغير بالسبب وهو الوقت: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 وإن دخل معه في فائتة لم يجزه؛ لأنه لا يتغير بعد الوقت لانقضاء السبب كما لا يتغير بنية الإقامة فيكون اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة أو القراءة، وإن صلى المسافر بالمقيمين ركعتين سلم وأتم المقيمون صلاتهم، لأن المقتدي التزم الموافقة في الركعتين.   [البناية] قلت: ذلك تعليل للمقيس عليه، ومعناه أن الجامع موجود وهو اتصال المغير بالسبب فإن المغير في الأول هو الاقتداء وقد يتصل بالسبب وهو الوقت كما أن المغير في الثاني هو نية الإقامة، وقد اتصل بالسبب، وإن اقتدى به في غيره لم يجزه لعدم اتصال المغير، كما إذا نوى الإقامة بعد الوقت، انتهى. قلت: هذا السؤال غير وارد من الأول فلم تكن الحاجة إلى التطويل، لأنه ذكر حكمين، وعلل كل واحد منهما بعلة، فقاس الأول على الثاني بعلاقة التشبيه لوجود وجه الشبه الذي هو جامع بين المقيس والمقيس عليه. م: (وإن دخل معه في فائتة لم يجزه) ش: أي وإن دخل المسافر مع المقيم في صلاة فائتة لم يجزه الاقتداء، وإنما قال: وإن دخل معه في فائتة، ولم يقل: وإن اقتدى به، في غير الوقت لئلا يرد عليه ما إذا دخل المسافر في صلاة المقيم في الوقت ثم ذهب الوقت، فإنها لا تفسد، وقد وجد الاقتداء بعده، لأن الإتمام لزم بالشروع مع الإمام في الوقت فالتحق الوقت بغيره من المقيمين م: (لأنه) ش: أي لأن الفرض م: (لا يتغير) ش: عن قصر إلى الكمال م: (بعد الوقت لانقضاء السبب) ش: وهو الوقت. م: (كما لا يتغير) ش: فرضه م: (بنية الإقامة) ش: بعد خروج الوقت، فلما لم يتغير فرضه لم يجز اقتداؤه، لأنه لو جاز لا يخلو، إما أن يقتدي في الشفع الأول، أو في الشفع الآخر. ففي الأول: يلزم اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة، لأن القعدة الأولى فرض في حق المسافر نفل في حق المقيم. وفي الثاني: يلزم اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القراءة لأن القراءة فرض في حق المقتدي دون الإمام، فاقتداء المفترض بالمتنفل لا يجوز عندنا، خلافا للشافعي، وإلى هذا أشار المصنف بفاء النتيجة بقوله: م: (فيكون اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة أو القراءة) ش: إذا كان اقتداؤه في الشفع الثاني، وكلمة - أو- هنا مانعة الخلو لا مانعة الجمع لجواز اجتماعهما وهو أيضا يفسد. م: (وإن صلى المسافر بالمقيمين ركعتين سلم) ش: أي المسافر الذي هو الإمام يسلم آخر الركعتين اللتين هما صلاته م: (وأتم المقيمون) ش: المقتدون م: (صلاتهم) ش: وهي أربع ركعات م: (لأن المقتدي التزم الموافقة) ش: للإمام م: (في الركعتين) ش: اللتين للمسافر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 فينفرد في الباقي كالمسبوق، إلا أنه لا يقرأ في الأصح لأنه مقتد تحريمة لا فعلا، والفرض صار مؤدى فيتركها احتياطا بخلاف المسبوق؛ لأنه أدرك القراءة نافلة فلم يتأد الفرض، فكأن الإتيان أولى.   [البناية] م: (فينفرد بالباقي) ش: من الصلاة وهو ركعتان م: (كالمسبوق) ش: فإنه ينفرد فيما فاته من صلاته مع الإمام م: (إلا أنه) ش: استثناء من قوله: فينفرد، أي: إلا أن المقتدي المذكور م: (لا يقرأ) ش: فيما بقي من صلاته لأن فرض الصلاة صار مؤدى بخلاف المسبوق الذي أدرك في الشفع الثاني، حيث يأتي بالقراءة لأنه أدرك قراءة نافلة. م: (في الأصح) ش: احترز به عن قول بعض المشايخ من وجوب القراءة فيما يتمون لأنهم ينفردون فيه، ولهذا يلزمهم سجود السهو إذا سهوا فيه، فأشبهوا المسبوقين، وأشار إلى وجه الأصح بقوله م: (لأنه مقتد تحريمة لا فعلا) ش: أي من حيث التحريمة لا من حيث الفعل، أما أنه مقتد تحريمة، فإنه التزم الأداء معه في أول التحريمة، وأما أنه ليس مقتديا فعلا، فلأن فعل الإمام فرغ بالسلام على رأس الركعتين، وكل من كان كذلك فهو لاحق، ولا قراءة على اللاحق، لأنه بالنظر إلى كونه مقتد بالتحريمة حرم عليه القراءة، وبالنظر إلى كونه مقتديا فعلا يتسحب القراءة فيتركها احتياطا لأن المحرم والمبيح إذا اجتمعا فالغلبة للمحرم. وإلى هذا أشار بقوله: م: (والفرض) ش: أي فرض القراءة م: (صار مؤدى) ش: لقراءة الإمام وقراءته قراءة المقتدي وهو ممنوع من القراءة، فإذا كان كذلك. م: (فيتركها) ش: أي فيترك القراءة. م: (احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط لما ذكرنا. م: (بخلاف المسبوق لأنه أدرك القراءة نافلة) ش: وهي قراءة الإمام في الشفع الثاني. م: (فلم يتأد الفرض) ش: بتلك القراءة النافلة. م: (فكان الإتيان) أي إتيان القراءة. م: (أولى) ش: أي من تركها. فإن قلت: لما أدرك المسبوق قراءة النافلة ولم يتأد به الفرض، فكان الإتيان به واجبا فكيف قال، فكان الإتيان به أولى. قلت: الأولوية لا تنافي الوجوب، كما أن الإباحة والندب لا ينافيه، والمراد بالأولوية ترجيح جانب الوجود على العدم، وهذا موجود في الوجوب وزيادة. وفي " الجنازية ": أن قوله: فكان به أولى، للمطابقة بينه وبين قوله فيتركها احتياطا، لكن مراده إن جعله منفردا أولى من جعله مقتديا حتى تلزمه القراءة، ولو تركها فسدت صلاته. ونقل هذا صاحب " الدراية" ثم قال: وفيه تعقب، ونقله الأكمل، وقال: وفيه نظر، وكلاهما لم يبينا وجه ما ذكرنا، والتحقيق فيه أن المعنى: فكان الإتيان بجهته كون المسبوق مقتديا أولى من الإتيان بجهة كون المقيم مقتديا لا أن تكون القراءة سنة أولى أو قراءة المسبوق فرض لا تجوز الصلاة بدونها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 قال: ويستحب للإمام المسافر إذا سلم أن يقول أتموا صلاتكم، فإنا قوم سفر؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال حين صلى بأهل مكة وهو مسافر   [البناية] [ما يستحب للإمام المسافر] م: (ويستحب للإمام المسافر إذا سلم) ش: على رأس الركعتين م: (أن يقول: أتموا صلاتكم، فإنا قوم سفر) ش: بفتح السين وسكون الفاء جمع مسافر، هذا يدل على أن العلم بحال الإمام يكون مقيما أو مسافرا ليس بشرط، لأنهم إن علموا أنه مسافر، فقوله هذا عبث، وإن علموا أنه مقيم كان كذبا، فدل على أن المراد به إذا لم يعلموا حاله وهو مخالف لما ذكر في "فتاوى قاضي خان " وغيره أن من اقتدى بإمام لا يدري أنه مقيم أو مسافر لا يصح اقتداؤه. فإن قلت: ما وجه التوفيق بين الروايتين. قلت: تلك الرواية محمولة على ما إذا بنوا أمر الإمام على ظاهر حال الإقامة، والحال أنه ليس بمقيم وسلم على رأس الركعتين، وانصرفوا على ذلك لاعتقادهم فساد صلاة الإمام، وأما إذا علموا بعد الصلاة بحال الإمام جازت صلاتهم، وإن لم يعلموا حاله وقت الاقتداء. فإن قلت: فعلى هذا التقدير يجب أن يكون هذا القول واجبا على الإمام، لأن صلاح صلاة القوم يحصل به، وما يحصل به ذلك فهو واجب على الإمام، فكيف قال: ويستحب؟ قلت: صلاح صلاتهم ليس يتوقف على هذا القول البتة، بل إذا سلم على رأس الركعتين، وعلم عدم سهوه، فالظاهر من حاله أنه مسافر حملا لأمره على الصلاح. فإن قوله: بعد ذلك زيادة إعلام بأنه مسافر، فكان أمرا مستحبا لا واجبا. وفي " شرح الإرشاد ": وينبغي أن يخبر إمام القوم قبل شروعه أنه مسافر، فإذا لم يخبر أخبر بعد السلام. م: (لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: حين صلى بأهل مكة وهو مسافر) ش: هذا أخرجه أبو داود والترمذي عن علي بن زيد عن أبي نضرة «عن عمران بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: غزوت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشهدت معه الفتح، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين يقول: "يا أهل مكة، أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه الطبراني في "معجمه"، وابن أبي شيبة في "مصنفه " وإسحاق بن راهويه وأبو داود الطيالسي والبزار في "مسانيدهم". «ولفظه قال: ما سافرت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سفرا قط إلا صلى ركعتين، ثم حججت معه واعتمرت فصلى ركعتين، قال: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر، ثم حججت مع أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واعتمرت فصلى ركعتين، ثم قال: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر، ثم حججت مع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واعتمرت فصلى ركعتين ثم قال: أتموا صلاتكم فإنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 وإذا دخل المسافر في مصره أتم الصلاة وإن لم ينو المقام فيه لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - كانوا يسافرون ويعودون إلى أوطانهم مقيمين من غير عزم جديد   [البناية] قوم سفر، ثم حججت مع عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واعتمرت فصلى ركعتين ثم إن عثمان أتم انتهى. وزاد فيه ابن أبي شيبة: وشهدت معه الفتح، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين، وقال فيه: وحججت مع عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سبع سنين من إمارته فكان لا يصلي إلا ركعتين ثم صلاها يعني أربعا.» وروى مالك في " الموطأ " عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان إذا قدم مكة صلى بهم ركعتين ثم يقول: يا أهل مكة أتموا صلاتكم، فإنا قوم سفر، ورواه عبد الرزاق أيضا في "مصنفه" نحوه. [الحكم إذا دخل المسافر بلده] م: (وإذا دخل مسافر في مصره أتم الصلاة) ش: سواء دخل مصره مجازا أو لقضاء حاجة حدث مع نية الخروج أو بدا له أن يترك السفر، وهذا في مسافر استكمل سير ثلاثة أيام. وفي " المحيط ": وإن كان خرج من مصره مسافرا ثم بدا له أن يرجع إلى مصره لحاجة قبل أن يتم ثلاثة أيام صلى صلاة المقيم في انصرافه بخلاف ما إذا استكمل ثلاثة أيام سيره، ثم قرب من مصره وعزم على الدخول وهو على سفره ما لم يدخل، وإذا خرج من مصره مسافرا فحضرته الصلاة فافتتحها ثم أخذت فانتقل ليأتي مصره، ثم علم أن أمامه ما فاته يتوضأ ويصلي صلاة المقيم، فإن تكلم على صلاة المسافر، وكذلك المسافر إذا كان راكبا سفينة وهو يصلي الظهر فجرت به السفينة حتى دخل مصره ثم صلاه أربعا، ولو افتتحها في مصره في سفينة فجرت به حتى خرجت إلى المفازة وهو على عزم السفر لا يصير مسافرا، فإذا تكلم وهو متوجه أمامه على عزم السفر صار مسافرا. م: (وإن لم ينو المقام فيه) ش: المقام بالضم بمعنى الإقامة م: (لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه كانوا يسافرون ويعودون إلى أوطانهم مقيمين من غير عزم جديد) ش: هذا ليس له شاهد، ولا ندري من أين أخذه المصنف ولا اشتغل به أكثر الشراح ولا ذكره، وإنما ذكره الأترازي فقال: لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسافر فيقصر، فإذا عاد إلى المدينة كان يتم بلا عزم جديد، انتهى. ولم يبين مخرجه ولا حاله ولا من أي كتاب نقله، وذكره الأكمل برمته ثم قال: وفيه نظر، لأن العزم فعل القلب، وهو أمر باطن، وليس له سبب ظاهر يقوم مقامه، بل الظاهر من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 ومن كان له وطن فانتقل منه واستوطن غيره ثم سافر ودخل وطنه الأول قصر؛ لأنه لم يبق وطنا له إيضاح، ألا ترى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الهجرة عد نفسه بمكة من المسافرين،   [البناية] حالة المسافر العائد إلى وطنه أن يكون في عزمه المقام فيه، ولعل المراد عزم جديد لمدة الإقامة خمسة عشر يوما، فإن الظاهر عدمه. والاستدلال بالمعقول أظهر، وفيه أن نية الإقامة إنما تعتبر بصيرورة المسافر مقيما في غير مصره، لكون مثله في حيز التردد بين أن يكون بالمسير وبين أن يكون بالإقامة فاحتيج إلى النية، فأما في مصره فهو متعين للإقامة كما كان قبل السير. قلت: إيضاح النظر بقوله لأن العزم فعل القلب ... إلخ غير محرز، لأن العزم كما هو فعل القلب، فكذلك النية فعل القلب غير أن العزم نية مع تصميم. وقوله: فأما في مصره فهو متعين للإقامة كما كان قبل المسير غير سديد، لأنا نسلم أنه كان قبل المسير غير متردد، أما بعد المسير وعوده فلا نسلم عدم التردد على ما لا يخفى. [حكم من كان له وطن فانتقل عنه واستوطن غيره ثم سافر] م: (ومن كان له وطن فانتقل عنه) ش: أي بالكلية حتى لو انتقل بنفسه وأخذ وطنا في بلدة أخرى يصير كل واحد منهما وطنا أصليا م: (واستوطن غيره ثم سافر ودخل وطنه الأول قصر، لأنه) ش: أي لأن وطنه الأول الذي انتقل منه م: (لم يبق وطنا له) ش: لأنه انتقل بالكلية فخرج عن كونه وطنا له. م: (ألا ترى) ش: توضيح لما ذكره م: (أنه) ش: أي أن النبي م: (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الهجرة) ش: من مكة إلى المدينة م: (عد نفسه بمكة من المسافرين) ش: يشهد لهذا ما ذكرناه عن قريب من حديث عمران بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وحديث «أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سافرت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومع أبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كلهم صلى حين خرج من المدينة إلى أن رجع إليها ركعتين في المسير والمقام بمكة،» رواه أبو يعلى في "مسنده". وحديث «أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خرجنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، قيل: كم أقمتم بمكة؟ قال: أقمنا بها عشرا» رواه البخاري ومسلم ولو لم يعد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نفسه في مكة من المسافرين لما صلى ركعتين، وكذلك أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 وهذا لأن الأصل أن الوطن الأصلي يبطل بمثله دون السفر، ووطن الإقامة يبطل بمثله، وبالسفر، وبالأصلي.   [البناية] م: (وهذا) ش: أي وهذا الذي ذكرنا من بطلان الوطن الأول بالوطن الثاني م: (لأن الأصل) ش: أي في هذا الباب م: (أن الوطن الأصلي) ش: وهو ما يكون بالتوطن بالأهل أو بالمولد، وسمي أيضا وطن القرار م: (يبطل بمثله) ش: وهو الذي انتقل إليه بأهله، وصورته رجل وطنه بالكوفة وخرج إلى مكة فاستوطنها، ثم بدا له أن ينتقل باستيطانه بمكة واتخاذها دارا، فلو أنه لم يتوطن بمكة ثم بدا له أن يرجع ويتخذ خراسان دارا فمر بالكوفة يصلي بها أربعا م: (دون السفر) ش: يعني الوطن الأصلي لا تبطل بالسفر، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يخرج مع أصحابه إلى الغزوات من المدينة ولا ينتقل وطنه من المدينة ولم يجدد نيته بعد رجوعه. [وطن الإقامة للمسافر يبطل بمثله] م: (ووطن الإقامة) ش: هو أن ينوي المسافر الإقامة في بلد خمسة عشر يوما فصاعدا، ويسمى أيضا الوطن الحادث والوطن المستعار م: (يبطل بمثله) ش: أي بمثل وطن الإقامة، وصورته خراساني قدم الكوفة فأقام بها وأتم الصلاة، ثم خرج إلى الحيرة، فوطن نفسه على الإقامة خمسة عشر يوما فأقام بالحيرة أياما على تلك النية ثم يريد خراسان ومر بالكوفة فإنه يقصر الصلاة؛ لأنه انتقض وطنه الحادث بالكوفة بوطنه الحادث بالحيرة، فإن لم ينو المقام بالحيرة خمسة عشر يوما إلا أنه كان بها يتم الصلاة، ثم خرج إلى خراسان فمر بالكوفة، فإنه يتم الصلاة، لأن وطن الإقامة لا يبطل بوطن السكنى. م: (وبالسفر) ش: أي يبطل وطن الإقامة بالسفر، يعني بإنشائه، لأن السفر ضده م: (وبالأصلي) ش: أي يبطل وطن الإقامة بالوطن الأصلي لأنه أقوى منه، ثم اعلم أن عامة المشايخ قالوا: الأوطان ثلاثة: وطن أصلي، ووطن إقامة، ووطن السكنى، وهو ما إذا نوى أن يقيم المسافر أقل من خمسة عشر يوما، وسمي وطن سفر أيضا، واختيار المحققين أن الوطن وطنان: وطن أصلي ووطن مستعار، وهو وطن الإقامة، ولم يعتبروا وطن السكنى. لأنه لا يثبت فيه حكم الإقامة، بل حكم السفر فيه باق، ولهذا لم يذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم إن وطن السكنى ينتقض بالكل، صورته رجل خرج من النيل وهو سواد الكوفة وبينهما أقل من مسيرة ثلاثة أيام ونزل بالكوفة نقلة، ثم خرج من الكوفة إلى القادسية يطلب غريمه، ثم خرج من القادسية يريد الشام، ويريد أن يمر بالكوفة، فإنه يصلي بالكوفة ركعتين، لأن وطن سكناه بالقادسية أبطل وطن سكناه بالكوفة بتركه متاعه فيها، فإن نوى بالقادسية أن يقيم بها خمسة عشر يوما بطل سكناه بالكوفة، لأن وطن السكنى يبطل بوطن الإقامة، وكذلك إذا انتقل إلى القادسية بأهله ومتاعه يصلي بالكوفة ركعتين، لأن وطن السكنى يبطل بالوطن الأصلي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 وإذا نوى المسافر يقيم بمكة وبمنى خمسة عشر يوما لم يتم الصلاة لأن اعتبار النية في موضعين يقتضي اعتبارها في مواضع وهو ممتنع لأن السفر لا يعرى عنه إلا إذا نوى المسافر أن يقيم بالليل في أحدهما فيصير مقيما بدخوله فيه، لأن إقامة المرء مضافة إلى مبيته   [البناية] [اعتبار نية السفر في موضعين وحكم من فاتته صلاة في السفر] م: (وإذا نوى المسافر أن يقيم بمكة وبمنى خمسة عشر يوما لم يتم الصلاة) ش: لأنه لم ينو الإقامة في كل واحد منهما خمسة عشر يوما، وإن نوى أقل من ذلك، وبه لا يصير مقيما. م: (لأن اعتبار النية في موضعين يقتضي اعتبارها في مواضع وهو ممتنع) ش: أي اعتبار النية في مواضع ممتنع، والحاصل أنه لا يعتبر نية الإقامة خمسة عشر في موضعين لا يجمعهما مصر واحد أو قرية واحدة. لأنه حينئذ يلزم اعتبارها في ثلاثة أمصار أو أربعة أمصار إلى خمسة عشر، فيؤدي إلى أن يكون الشخص مقيما بنفس النزول وذلك فاسد. م: (لأن السفر لا يعرى عنه) ش: أي قليل اللبث، قال السغناقي: هذا مدلول معنى، وليس مذكور لفظا، ووجه هذا ما ذكره في " المبسوط ". وقال: لأن نية الإقامة ما يكون في موضع واحد، فإن الإقامة ضد السفر، والانتقال من الأرض إلى الأرض يكون ضربا في الأرض، ولا يكون إقامة، ولو جوزنا نية الإقامة في موضعين جوزنا فيما زاد على ذلك، فيؤدي إلى القول بأن السفر لا يتحقق، لأنك إذا جمعت إقامة المسافر في المراحل، ربما يزيد ذلك على خمسة عشر يوما، لأن إقامة المرء يضاف إلى مبيته، ألا ترى أنك إذا قلت للسوقي: أين تسكن؟ يقول في محلة كذا وهو بالنهار يكون في السوق. م: (إلا إذا نوى المسافر أن يقيم بالليل في أحدهما فيصير مقيما بدخوله فيه) ش: أي في أحد الموضعين. م: (لأن إقامة المرء مضافة إلى مبيته) ش: أي موضع بيتوتته كما ذكرنا الآن، وفي " المبسوط ": إلا بينهما تفاوت، فإنه لو دخل الموضع الذي عزم على المقام فيه بالنهار أولا لا يصير مقيما، لأن موضع إقامة المرء حيث يبيت فيه. وفي " المفيد " و" التحفة ": هذا إذا كان كل واحد منهما أصلا كمكة ومنى، أو كالكوفة والحيرة، فإذا كان أحدهما تبعا للآخر بأن نوى الإقامة في المصر، وفي موضع آخر تبع لها، وهو ما يلزم سكانيه حضور الجمعة يصير مقيما؛ لأنهما مكان واحد، إلا أن ينوي أن يقيم في إحداهما ليلا، وفي الآخر نهارا، فيصير مقيما بدخول الذي نوى أن يقيم فيه ليلا، ولا يصير مقيما بدخول الذي نوى أن يقيم فيه نهارا. وفي [ .... ] : فإذا دخل الذي نوى الإقامة فيه ليلا صار مقيما حتى يرحل، وكذا إذا دخل الآخر بعده فهو مقيم، لأنه ليس بينهما مسيرة سفر، وفي " جوامع الفقه " بعضهم اعتبر الأكثر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 ومن فاتته صلاة في السفر قضاها في الحضر ركعتين، ومن فاتته في الحضر قضاها في السفر أربعا، لأن القضاء بحسب الأداء والمعتبر في ذلك آخر الوقت، لأنه هو المعتبر في السببية عند عدم الأداء في الوقت   [البناية] م: (ومن فاتته صلاة في السفر قضاها في الحضر ركعتين، ومن فاتته في الحضر قضاها في السفر أربعا) ش: أما قضاء الفائتة في السفر فهو ركعتان في الحضر، وهو أيضا قول مالك والشافعي في القديم. وقال في الجديد: لا يقصر في الحضر، واختاره المزني، وبه قال أحمد وداود؛ لأن المرخص هو السفر وقد زال، فيزول القصر، وأما قضاء الفائتة في الحضر وهو أربع في السفر بالإجماع، وقال: لا أعرف فيه خلافا إلا ما حكي عن الحسن البصري، وروى الأشعث عنه أن الاعتبار بحال الفعل فتقصر. وفي " المبسوط ": إن خرج بعد دخول وقت الصلاة يصلي صلاة المسافر. وقال ابن شجاع: يصلي صلاة المقيم. وفي " شرح المهذب " للنووي: إن سافر في أثناء الوقت وقد تمكن من أدائها فله قصرها عند الشافعي، ومالك والجمهور، واختاره ابن المنذر. وقال زفر: إن كان قد بقي من الوقت مقدار ما يؤدي فيه ركعتين يصلي صلاة المسافر، وإن كان دون ذلك يصلي أربعا. م: (لأن القضاء بحسب الأداء) ش: يعني كل من وجب عليه أداء أربع قضى أربعا، ومن وجب عليه أداء ركعتين قضى ركعتين م: (والمعتبر في ذلك) ش: أي في وجوب القضاء م: (آخر الوقت لأنه) ش: أي لأن آخر الوقت م: (هو المعتبر في السببية عند عدم الأداء في الوقت) ش: قد تقرر في الأصول أن السبب عندنا هو الجزء القائم من الوقت. ولكن أصحابنا اختلفوا في الوجوب الذي يتعلق بآخر الوقت، فقال أكثرهم: الوجوب متعلق بمقدار التحريمة من آخر الوقت، وهو مختار الكرخي والمحققين من أصحابنا والقاضي أبي زيد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال زفر: متعلق بجزء يؤدي الصلاة فيه، وهو اختيار القدوري، وثمرة الخلاف تظهر في الحائض إذا طهرت في آخر الوقت، والصبي يبلغ، والكافر يسلم، والمجنون والمغمى عليه يفيقان، والمسافر إذا نوى الإقامة، والمقيم إذا نوى السفر، فعند أكثر أصحابنا يجب ويتغير الفرض إذا بقي من الوقت مقدار ما يوجد فيه التحريمة. وعند زفر ومن تابعه من أصحابنا لا يجب، ولا يتغير الفرض، إلا إذا أدرك من الوقت ما يمكن الأداء فيه. وقال بعض أصحاب الشافعي: إذا مضى من الوقت ما يتمكن من أداء الأربع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإنه يجب عليه الإتمام، وإذا مضى من الوقت ما لم يسع إلا أربع ركعات فإنه يقصر. وهذا بناء على أن الصلاة تجب في أول الوقت. وهاهنا اعتراضات ثلاثة: الأول: أن الأصوليين قالوا: إن الوجوب يضاف إلى كل وقت عند عدم الأداء فيه لا إلى آخره، فكيف قال المصنف: المعتبر في السببية آخر الوقت عند عدم الأداء. قلت: قال الأكمل: أجيب: بأن بعض المشايخ يقررون السببية على الجزء الأخير، وإن فات الوقت، فجاز أن يكون المصنف قد اختار ذلك، انتهى. والأحسن أن يقال: أن الذي قاله المصنف هو الصواب، لأن الوجوب يضاف إلى الجزء الذي يتصل به الأداء إذا وجد الأداء، فإذا لم يوجد الأداء تنتقل السببية جزءا فجزءا إلى آخر الأجزاء، فيكون الآخر معتبرا في السببية. فإن قلت: فعلى هذا كان ينبغي أن يجوز قضاء العصر إلا بصبي إذا أسلم في ذلك الجزء، وإذا قضاها في الجزء الآخر من هذا اليوم. قلت: إنما لم يجز باعتبار أنه إذا لم يؤد فيه وجبت كاملة خالية عن الفساد، فلم يجز قضاؤها في الوقت الناقص. الاعتراض الثاني: أن قوله: القضاء يجب الأداء، ينتقض بما إذا دخل المسافر في صلاة المقيم ثم ذهب الوقت ثم أفسد الإمام والمقتدي صلاته على نفسه، فإنه يقضي ركعتين صلاة السفر، وقد وجب عليه أداء الصلاة أربعا. الجواب: عنه، أن الأربع إنما لزمه متابعة الإمام وقد زال ذلك الإفساد فعاد إلى أصله، ألا ترى أنه لو أفسد الاقتداء في الوقت كان عليه أن يصلي صلاة السفر، فكذلك هاهنا. الاعتراض الثالث: أنكم اعتبرتم حال الأداء دون القضاء فيرد عليكم ما إذا فاتته صلاة في المرض حيث يقضيها في الصحة قائما بركوع وسجود، وإذا فاتته في الصحة يقضيها في المرض بالإيماء فاعتبرتم حال القضاء دون الأداء. الجواب عنه أن المرض لا تأثير له في أصل الصلاة، بل له أثر في الوصف حتى يقع الأداء بحسب القدرة، وللسفر تأثير في أصل الصلاة حيث يتغير الحكم من الإكمال إلى القصر، فلما تحقق القصر في آخر الجزء صار ذلك دينا لم يتغير بعد ذلك، ولهذا لا يجوز اقتداء المسافر بالمقيم في القضاء، فافهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 والمطيع والعاصي في سفره في الرخصة سواء. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سفر المعصية لا يفيد الرخصة، لأنها تثبت تخفيفا فلا تتعلق بما يوجب التغليظ، ولنا إطلاق النصوص ولأن نفس السفر ليس بمعصية، وإنما المعصية ما يكون بعده أو يجاوره فصلح متعلق الرخصة والله أعلم.   [البناية] [ترخص العاصي] م: " والمطيع " ش: هو الذي يخرج للحج، أو الجهاد م: (والعاصي) ش: هو الذي يخرج لقطع الطريق، أو الإباق م: (في سفره في الرخصة سواء) ش: وفي بعض النسخ في سفرهما. م: (وقال الشافعي: سفر المعصية لا يفيد الرخصة) ش: وبه قال مالك، وأحمد م: (لأنها) ش: أي لأن الرخصة م: (تثبت تخفيفا) ش: أي لأجل التخفيف على المكلف م: (فلا يتعلق بما يوجب التغليظ) ش: أي الذي يوجب التغليظ هو المعصية، المعنى: أن الحكم تنجيز السبب، والمعصية سبب التغليظ فكيف يثبت بها التخفيف؟ م: (ولنا إطلاق النصوص) ش: منها قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: 184] (البقرة: آية 184) . ومنها قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فرض المسافر ركعتان» ، كل ذلك مطلقة فيقتضي ثبوت الأحكام في كل مسافر م: (ولأن نفس السفر ليس بمعصية) ش: لأنه عبارة عن خروج بريد، وهو يقوي المعصية لإمكان المفارقة بينهما م: (وإنما المعصية ما يكون بعده) ش: أي بعدما صار مسافرا كما في قطع الطريق م: (أو يجاوره) ش: أي ويجاور السفر كما في الإباق وعقوق الوالدين م: (فصلح) أي السفر م: (متعلق) ش: أي سبب م: (الرخصة والله أعلم) ش: لأن القبح المجاوز لا يتقدم المشروعية، كالصلاة في أرض مغصوبة، والبيع وقت النداء. اعلم: أن السفر خمسة: واجب، ومندوب، ومباح، ومكروه، وحرام. فالواجب: سفر الحج. ومندوب: مثل حج النفل، وطلب العلم، وزيارة قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مسجده، والصلاة في المسجد الأقصى، وزيارة الوالدين. والمباح: سفر التجارة، والتنزه، والمكروه: السفر من بلد إلى بلد، لا لغرض صحيح. والحرام: السفر لقطع الطريق، أو الإباق، ونحوهما. فعندنا يقصر في كل سفر، وفرقت المالكية بين العاصي بسفره، فجوزوا الرخص للثاني دون الأول، وبقولنا قال الأوزاعي، والثوري، وداود، وأصحابه والمزني، وبعض المالكية، وعن زياد بن عبد الرحمن إلا أنه نسي أن العاصي بسفر يقصر ويفطر، لكن المشهور عن مالك المنع بسفر المعصية، وهو قول الشافعي، وأحمد. وقال النووي: وما يلحق بسفر المعصية أن يتعب نفسه ويعذب دابته بالركض بغير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] غرض، ولو انتقل من بلد إلى بلد لغير غرض صحيح، لم يترخص، والسفر لمجرد رؤية البلاد ليس بغرض صحيح فلا يترخص. وعن مالك: لا يقصر الصائد المتلذذ، وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يقصر إلا في السفر الواجب كالحج والجهاد، وقال عطاء: أرى أن لا يقصر إلا في سبيل من سبل الخير، ومنهم من قال: لا يقصر إلا في الخوف، وكان الأدنى من الشافعية يقول: إن العاصي بسفره لا يأكل الميتة، فإذا قيل له في المنع: قتل نفسه وهو حرام، قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] (النساء: آية 29) ، يقول: لكن توبة مظهر الانقطاع. قال أبو بكر الرازي: لا يجوز له قتل نفسه وإن لم يتب، لأن ترك التوبة لا يبيح له قتل نفسه إذ فيه جمع بين معصيتين. وقال أبو بكر الرازي [ ..... ] : إن العاصي في سفره يأكل الأطعمة المباحة من غير منع، ويتوصل به إلى غرضه المحرم ويتقوى عليه بذلك، وقال ابن العربي: عجبا ممن يبيح ذلك مع التمادي على المعصية، وما أظن أحدا يقوله، فإن قاله فهو مخطئ، قال القرطبي: هذا تحامل، والصحيح خلاف هذا، فإن إتلاف المرء نفسه في سفر المعصية أشد معصية كما هو فيه، ولعله يتوب في أثناء الحال فتمحو التوبة عنه ما كان منه، وليس أكل الميتة رخصة في حال المخمصة، بل هو عزيمة واجبة حتى لو امتنع من أكلها كان عاصيا. فروع: الخليفة إذا سافر يصلي صلاة المسافرين كغيره، وقيل: إذا طاف في ولايته لا يصير مسافرا، ذكره في " الذخيرة "، وفي " المنتقى " حمل كل رجل فذهب به ولا يدري أين يذهب به، قال: يتم حتى يسير ثلاثا فيقصر، واعلم أن للباقي بعدها شيئا يسيرا، ولو كان صلى ركعتين من جملة أجزأته، فإن سار به أقل من ثلاث أعاد ما صلى. وفي " المبسوط ": ولو ترك القراءة فيهما فلا تنقلب صحيحة، ولو ترك القعدة الأولى ثم نوى الإقامة تجوز صلاته، لأنها سنة في الفرائض، ذكره الزهري في "شرحه" يصح سفر الكافر، وكذا الصبي عند أبي إبراهيم، وعند أبي سهيل لا يصح، ولا يصح السفر منهما عند محمد من القصر، ولا يصح من الحائض في الصحيح. قال السرخسي في " المبسوط " والمرغيناني: لا يقصر في السنن، وتكلموا في الأفضل في حالة الزوال والترك في حالة السير. قال هشام: رأيت محمدا كثيرا لا يتطوع في السفر قبل الظهر، ولا بعدها ولا يدع ركعتي الفجر والمغرب وما رأيته تطوع قبل العصر ولا قبل العشاء ويصلي العشاء ثم يوتر. في " قنية المنية ": تزوج المسافر في بلد لا يصير مقيما به وهو قول الشافعي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وفي " فتاوى خواهر زاده ": يصير به مقيما، ولو كان له أهل ببلدتين فأتاها دخلها صار مقيما فيما ذكر في "جوامع الفقه ". وفي " المحيط ": فإن ماتت زوجته في إحداهما وبقي له فيها دور وعقار قيل: لا يبقى وطنا له إذ المعتبر الأهل دون الدار كما لو تأهل ببلدة واستوت سكنا له وليس له فيها دار، وقيل يبقى كما إذا حلف لا يسكن هذه الدار، وانتقل عنها بأهله وبقي فيها ثقله، والمسافرة تصير مقيمة بنفس التزوج. مسافر ومقيم اشتريا عبدا يصلي العبد صلاة المقيم قاله علاء الدين أبو الحسن الضاري وظهير الدين المرغيناني. وقال علاء الدين الحمالي: الأصح أنه يصلي المسافر، قيل: إن كانت بينهما مهاباة في الخدمة يعتبر حالة بهما فيتم عند المقيم ويقصر عند المسافر، ذكره المرغيناني، المعتبر في الإقامة نية الأصل دون التبع كنية الخليفة والأمير دون الجند، ونية الزوج مع الزوجة والمولى مع عبده، ورب الدين مع مديونه إن كان معسرا، ذكره في " التحفة "، وكذا المحمول مع حامله والأجير مع مستأجره، والتلميذ مع أستاذه، ذكره في " الذخيرة ". وفي " المحيط ": قيل: إن كانت استوفت مهرها، وفي " قنية المنية ": السفر والإقامة إلى الزوج إن استوفت مهرها وإلا فإليها، وكذا بعد الدخول في حق المعجل وكذا الجندي إن كان يرزق من الأمير وإلا فلا. وفي " المحيط ": جعله قوله - وكذا الغريم مع مديونه إن كان مفلسا - لأنه يحبسه أو يلازمه، وكذا لو انحصر غيره ظلما لأنه عاد عليه، وكذا الميتة إلى الأعمى إذا قاده أحد وإلا فلا، وفي "الذخيرة ": المطاوع بالجهاد لا يكون تبعا للمولى فيكون حقا على حاله. قلت: الأليق الوالي بخلاف العبد والمرأة. وفي " المحيط ": مسافر دخل مصر الجند عزيمة، إن كان معسرا يقصر لأنه لم ينو الإقامة وإن كان موسرا وعزم أن يقضي دينه أو لم يعزم شيئا قصر، وإن عزم أن لا يقضي دينه أتم، فكأنه نوى الإقامة. وفي " الذخيرة ": ذكر ابن سماعة عن أبي يوسف إذا حبس المسافر بالدين وهو معسر يتم الصلاة، وكذا إن كان موسرا إلا أن يكون وطن نفسه على أدائه فيقصر. وفي " المنتقى ": مسلم أسره العدو وإن كان مقصده ثلاثة أيام قصر، وإن لم يعلم سأله كأن لم يخبره. وكان العدو مقيما أتم، وإن كان مسافرا يقصر لأنه تحت قهره كالعبد مع سيده فإنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] يسأله، فإن لم يخبره أتم. وفي " الذخيرة ": إن انفلت الأسير من العدو فوطن نفسه على إقامة شهر اختيارا أو نحوه قصر، لأنه محارب العدو، وكذا إذا أسلم فهرب منهم وطلبوه ليقتلوه فخرج هاربا مسيرة السفر، ثم إذا لم يعلم التابع نية المتبوع للإقامة لا يلزم الإتمام حتى يعلم كما في توجه الخطاب، وهو الأصح، وقيل: يلزمه الإتمام لأنه ضمني كعزل الوكيل والمكره بالسفر كالأسير يقصر، وبه قال مالك وأحمد، وقال الشافعي: لا يقصر لعدم النية. صبي وكافر سافرا، ثم أسلم الكافر وبلغ الصبي، فإن بقي إلى مقصدهما مسيرة سفر قصرا وإن لم يبق فالكافر يقصر دون الصبي، لأن نيته صحيحة، لأنه من أهله، بخلاف الصبي، وقال الفضلي: حكمهما حكم المقيم، وقال بعض المشايخ: حكمهما حكم المسافر، والمختار الأول. ولو طهرت الحائض في السفر، وبينهما وبين المقصد أقل من مسيرة سفر تتم، هو الصحيح، ارتد في السفر ثم أسلم من ساعته، وبينه وبين المقصد أقل من مسيرة سفر يقصر، وكذا المرأة لو طلقها زوجها بائنا، أو رجعيا، وانقضت عدتها وبينها وبين المقصد أقل من مدة السفر، فأما قبل انقضاء العدة فحكمها في الرخصة حكم الزوج. ولا يكره الخروج للسفر يوم الجمعة قبل الزوال وبعده. وقال الشافعي: يكره قبل الجمعة. وقبل الزوال له قولان، أصحهما أنه يكره وهو قول أحمد، وقال في " القديم ": لا يكره وهو قول مالك، ولو سافر في رمضان لا يكره من دخل دار الحرب مستأمنا ونوى الإقامة في دارهم في موضع الإقامة صحت نيته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 باب صلاة الجمعة   [البناية] [باب صلاة الجمعة] م: (باب صلاة الجمعة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام صلاة الجمعة، ووجه المناسبة بين البابين من حيث إن في كل منهما سقوط شطر الصلاة، فالأول: بواسطة السفر، والثاني: بواسطة الخطبة. إلا أن الأول شامل من كل ذوات الأربع، والثاني: خاص في الظهر والخاص بعد العام وجود الآن، التخصيص لا يكون إلا بعد التعميم، واشتقاقها من الاجتماع كالفرقة من الافتراق. وهي بضم الجيم والميم وبفتح الميم مع ضم الجيم، قال الزمخشري: قرئ بينهما بهن جميعا، فالسكون كالصحلة للمصحول منه، ويفتح للوقت الجامع كالصحلة من اللقبة، والضم ثقيل، كالعسر ويسر، وحكاهن الواحدي عن الفراء، والأكثرون أن الإسكان تخفيف كالعتيق، والفتح لغة بني عقيل، وجمعها جمعات، وجمع، سميت بذلك لاجتماع الناس فيها، وقيل: لكثرة ما جمع الله فيها من خصائل الخير وهي اسم شرعي، وقيل: سميت بذلك لأن آدم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع فيه خلقه، ويروى ذلك عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقيل: لأن المخلوقات تمت فيها واجتمعت، وعن ابن سيرين أن أهل المدينة سموها الجمعة، وجمعوا قبل أن يقدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ونزلت سورة الجمعة، ولم تكن بعد فرضت. وقيل: أول من سمى الجمعة كعب بن لؤي، وكان اسمه في الجاهلية عروبة من الإعراب الذي هو التحسين لمكان تزين الناس فيه. وفضيلتها عظيمة عن أبي هريرة، قال الله تعالى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج: 3] (البروج: الآية3) ، الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، رواه البيهقي في "سننه الكبرى ". وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة وفيه أهبط منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة" رواه مسلم في "صحيحه"، وزاد مالك، وأبو داود: "وفيه تيب عليه، وفيه مات، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حين تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس"، وزاد الترمذي: "وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه إياه".» وفي ساعة الإجابة ثلاثة عشر قولا: عن أبي هريرة: هي من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، الترمذي: بعد صلاة عصر الجمعة إلى غروب الشمس، الحسن وأبو العالية: عند زوال الشمس، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: عند أذان الجمعة. مسلم في "صحيحه ": إذ قعد الإمام على المنبر حتى يفرغ، أبو بردة: الساعة التي اختار الله فيها الصلاة، أبو داود عن أبي ذر: هي ما بين الساتر ارتفع شبرا إلى ذراع، طاووس وعبد الله بن سلام: بين العصر إلى غروب الشمس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] كعب: لو قسم جمعة في جمع إلا على تلك الساعة. أبو داود: من حين تقام الصلاة إلى حين الانصراف، أبو هريرة: التمسوها في ثلاثة مواطن: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وما بين نزول الإمام إلى أن يكبر، وما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس. ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن طلب ساعة يوم سير قرأها أنها أخفيت في اليوم. وحكى ابن المنذر إجماع المسلمين على وجوبها. وقال الخطابي، وأكثر الفقهاء على أنها من فروض الكافية، قالوا: هذا غلط، وقال النووي: هي فرض على كل مكلف غير أصحاب الأعذار، وحكى أبو الطيب عن بعض أصحاب الشافعي غلط من قال إنها فرض كفاية، وقال ابن العربي: لا نطلب على فرضية الجمعة دليلا؛ لأن الإجماع من أعظم الأدلة، وروى ابن وهب عن مالك أنه قال: سموها سنة، وتكلموا فيه، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «الجمعة على من سمع النداء» رواه أبو داود، والدارقطني، وعن حفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «رواح الجمعة يجب على كل محتلم» رواه النسائي بإسناد على شرط مسلم، قاله النووي. وفي " الدراية ": صلاة الجمعة فريضة، حكم جاحدها كافر بالإجماع، وهي فرض عين إلا عند ابن كج من أصحاب الشافعية، فإنه يقول: فرض كفاية وهو غلط، ذكره في " الحلية "، و" شرح الوجيز ". وفرضيتها بالكتاب، والسنة، والإجماع، ونوع من المعنى. أما الكتاب، فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] (الجمعة: الآية 9) ، والمراد من الذكر في الآية الخطبة باتفاق المفسرين، والأمر للوجوب، فإذا فرض السعي إلى الخطبة التي هي شرط جواز الصلاة فإلى أصل الصلاة كان أوجب، ثم أكد الوجوب بقوله: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] يحرم البيع بعد النداء، وتحريم المباح لا يكون من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 لا تصح الجمعة إلا في مصر جامع   [البناية] أجل واجب. وأما السنة: فحديث جابر، وأبي سعيد، قالا: «خطبنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .... . الحديث، وفيه: اعلموا أن الله تعالى فرض عليكم صلاة الجمعة» ..... الحديث، رواه البيهقي، وقال: وفيه عبد الله بن محمد العدوي وهو منكر الحديث لا يتابع في حديثه، وقال: قاله محمد بن إسماعيل البخاري، وذكر في " المبسوط " أكثر هذا الحديث بمعناه، وبعضه ذكر " صاحب المهذب ". وأما الإجماع، فأجمعت الأمة على ذلك من لدن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا على فرضيتها من غير إنكار أحد، لكن اختلفوا في أصل الفرض في هذا الوقت، فقال الشافعي في الجديد، وزفر، ومالك، وأحمد، ومحمد في رواية: فرض الوقت الجمعة، والظهر بدل عنها. وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف، والشافعي في القديم: الفرض هو الظهر، وإنما أمر غير المعذور بإسقاط أداء الجمعة، وقال محمد في رواية: فرض إحداهما غير عين، والتعيين إليه، ولكن رخص في أداء الظهر. وفائدة الخلاف تظهر في حر مقيم، إذ الظهر في أول الوقت يجوز مطلقا، حتى لو خرج بعد أداء الظهر إليها أو لم يخرج إليها لم يبطل فرضه، وعندهم لا يجوز الظهر سواء أدرك الجمعة أو لا، خرج إليها أو لا. وأما المعنى فلأنا أمرنا بترك الظهر لإقامة الجمعة، والظهر فريضة، ولا يجوز ترك الفرض إلا لفرض هو آكد منه وأولى، فدل أن الجمعة آكد من الظهر في الفريضة. [شروط صحة الجمعة] [المكان الذي تصح فيه الجمعة] م: (لا تصح الجمعة إلا في مصر جامع) ش: شرائط لزوم الجمعة اثنا عشر، ستة في نفس المصلي، وهي: الحرية، والذكورة، والإقامة، والصحة، وسلامة الرجلين، والبصر، وقال: يجب على الأعمى إذا وجد قائدا، وستة في غير نفس المصلي وهي: المصر الجامع، والسلطان، والجماعة، والخطبة، والوقت، والإظهار، حتى إن الوالي لو أتى على باب المصر، وجمع فيه بحشمه، ولم يأذن للناس فيه بالدخول لم يجز. كذا ذكره التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذكر محمد في " نوادر الصلاة ": أن أميرا لو جمع جنوده في الحصن، وأغلق الأبواب، وصلى بهم الجمعة، فإنه لا يجزئهم، وأشار المصنف إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 أو في مصلى المصر   [البناية] الشرط الأول بقوله: لا تصح الجمعة إلا في مصر جامع، وسيأتي حد المصر الجامع. م: (أو في مصلى المصر) ش: نحو مصلى العيد، وفي " الأسبيجابي " و" المفيد ": لا تجب الجمعة عندنا إلا في مصر أو مما هو في حكمه كمصلى العيد، وفي " جوامع الفقه " وأرباض المصر كالمصر، وفي " الينابيع ": لو كان منزله خارج المصر لا يجب عليه، قال: وهذا أصح ما قيل فيه. وفي قاضي خان عن أبي يوسف هو رواية عنه، وعنه من ثلاثة فراسخ، وعنه إذا شهد الجمعة، فإن أمكنه المبيت بأهله يجب الجمعة، واختاره كثير من مشايخنا، قال ابن المنذر: روي ذلك عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وأبي هريرة ونافع مولى ابن عمر والحسن، وبه قال عكرمة والحكم وعطاء والأوزاعي وأبو ثور لحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الجمعة على من آواه الليل إلى أهله» وضعفه الترمذي والبيهقي. وعن أبي حنيفة: تجب إذا كن يجيء خراجها مع المصر، وفي " الذخيرة ": في ظاهر رواية أصحابنا لا يجب شهود الجمعة إلا على من سكن المصر والأرباض دون السفر، وسواء كان قريبا من المصر أو بعيدا عنها. وعن محمد: إذا كان بينه وبين المصر ميل أو ميلان أو ثلاثة أميال فعليه الجمعة، وهو قول مالك والليث. وفي " منية المفتي ": على أهل السواد الجمعة إذا كانوا على قدر فرسخ، هو المختار، وعنه إذا كان أقل من فرسخين تجب، وفي الأكثر لا، وفي رواية: كل موضع لو خرج الإمام إليه صلى الجمعة تجب، وعن معاذ بن جبل: يجب الحضور في خمسة عشر فرسخا. وفي " المرغيناني ": يجوز في فناء المصر، وهو الذي أعد لمصالح المصر متصلا به، وقدره بعض المشايخ بالغلوة، وبعضهم بفرسخين، واختاره السرخسي وخواهر زاده، وروي ذلك عن الزهري، وعن أبي يوسف: لو خرج الإمام مع أهل المصر ميلا أو ميلين جاز له أن يصلي بهم الجمعة، لأن فناء المصر كهي. قال أبو الليث: وبه نأخذ. وفي " الذخيرة": قيل: الجواز بفناء المصر قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد: لا يجوز بناء على اختلافهم في مقداره، وقيل: إنما يجوز في فناء المصر إذا لم يكن بين المصر وبينه مزارع ومراع، وهكذا في " المرغيناني " من غير خلاف، فعلى هذا القول لا تجوز إقامة الجمعة في مصلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 ولا تجوز الجمعة في القرى   [البناية] العيد، لأن بينهما مزارع. قال في " الذخيرة ": وقد وقعت مرة فأفتى بعض مشايخ زماننا بعدم الجواز، ولكن هذا ليس بصواب، فإن أحدا لم ينكر جواز صلاة العيد فيه لا من المتقدمين ولا من المتأخرين والمصر وفناؤها شرط جواز صلاة العيد والجمعة، وفي المرغيناني: وإن كان بين المصر وبينه مزارع وفرجة فلا جمعة عليهم، وإن كان النداء يبلغهم قال: والغلوة والميل والميلان ليس بشيء، وهو اختيار الحلواني. وفي " جوامع الفقه " وعن إبراهيم: يجب على كل من كان دون المكان الذي يقصر المسافر إذا وصل إليه. وقال ابن العربي: الوجوب على من سمع النداء عند الشافعي، قال: وعلقه النسفي على سماع النداء، ويسقط عمن كان في المصر الكبير إذا لم يسمعه. قال ابن المنذر: الوجوب على من سمع النداء، يروى ذلك عن ابن عمر وابن المسيب وعمرو بن شعيب، وبه قال أحمد وإسحاق. وقال ابن المنذر: يجب عند محمد بن المنكدر والزهري وربيعة من أربعة أميال، وقول "المصنف" لا تصح الجمعة إلا في مصر جامع أو في مصلى العيد قول علي بن أبي طالب وحذيفة وعطاء والحسن وإبراهيم النخعي ومجاهد وابن سيرين والثوري وعبيد الله بن الحسن وسحنون المالكي. [صلاة الجمعة في القرى] م: (ولا تجوز الجمعة في القرى) ش: إنما قال: لا يجوز في القرى مع أنه مستعار من قوله: لا تصح الجمعة إلا في مصر جامع نفيا لمذهب الشافعي، فإنه لا يشترط المصر بل يجوزها في كل موضع إقامة سكنه أربعون رجلا أحرارا لا يظعنون منه شتاء ولا صيفا، وبه قال أحمد. وقال مالك: تقام بأقل من أربعين، واحتجوا بحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مسجد عبد القيس، بجواثا من البحرين، رواه البخاري، وفي لفظ أبي داود: بجواثا قرية من قرى البحرين، وبقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الجمعة على من سمع النداء» . روى أبو داود وابن ماجه عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وكان قائد أبيه بعدما ذهب بصره عن أبيه كعب بن مالك أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة يترحم على أسعد بن زرارة، فقلت له: إذا سمعت النداء ترحمت على أسعد بن زرارة قال: لأنه أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يعرف بنقيع الخضمان. وفي " سنن البيهقي ": فإن أسعد أول من جمع بالمدينة قبل مقدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت له: كم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلا، وكتب أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى عمر - رضي الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع» ،   [البناية] عنه- يسأله عن الجمعة [ .... ... ] فكتب إليه: أن جمع بها حيثما كنت. ولنا ما ذكره "المصنف" من الحديث على ما نبينه إن شاء الله تعالى، ولا حجة لهم في قصة أسعد بن زرارة، لأنه كان قبل مقدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما رواه البيهقي في "سننه الكبرى" وأيضا نحن نقول بجوازها بالأربعين، ولا يدل ذلك على عدم الجواز بدون الأربعين، وقال المزني: لا ينسخ ما احتج به الشافعي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع بالأربعين حين قدم المدينة، لأن المسلمين كانوا قد تكاثروا وقالوا أيضا إنه كان أكثر عددا. فإن قلت: روي عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: «مضت السنة أن في كل ثلاثة إماما، وفي أربعين فما فوق ذلك جمعة وأضحى وفطر» قال ابن قدامة: إذا قال الصحابي مضت تنصرف إلى سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: قال في " شرح المهذب ": حديث جابر هذا ضعيف، رواه البيهقي ثم قال: هو حديث لا يحتج به. وأما جواثا فقد قال الجوهري وابن الأثير: هي اسم لحصن في البحرين. وفي " المبسوط " هي مدينة، والمدينة تسمى قرية كما قال الله تعالى: {أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} [النساء: 75] (النساء: الآية 75) وقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: حيثما كنتم. أي من مثل جواثا من الأمصار، وهي بضم الجيم وبالثاء المثلثة. قوله - في هزم النبيت - بضم الهاء وفتح الزاي المعجمة وهو موضع بالمدينة، وقال ابن الأثير: هزم، بني بياضة موضع بالمدينة وضبطها بفتح الهاء وسكون الزاي ونقيع الخضمات قرية لبني بياضة، والنقيع بالنون، والخضمات بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين، وهي أودية يدفع سلبها إلى المدينة، والحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء من بين جبلين ذوات حجارة سود. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع") » ش: قال الزيلعي: هذا مرفوع غريب، وإنما وجدناه موقوفا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه عبد الرزاق في "مصنفه"، أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: «لا جمعة ولا تشريق ولا صلاة فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع أو مدينة عظيمة» ، وأخرجه عبد الرزاق أيضا، والبيهقي في "المعرفة" عن شعبة عن زبيد الأيامي به، ثم قال: وكذلك رواه الثوري عن زبيد به، وهذا إنما يروى عن علي موقوفا، فأما النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنه لا يروى عنه في ذلك شيء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 والمصر الجامع: كل موضع له أمير وقاض ينفذ الأحكام ويقيم الحدود.   [البناية] وقال ابن حزم في " المحلى ": وذلك عن علي. وعن حذيفة: ليس على أهل القرى جمعة، إنما الجمع على أهل الأمصار مثل المدائن. قلت: قول الزيلعي: وجدناه موقوفا، وقول البيهقي لم يرو عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يستلزم عدم وقوف غيره على كونه مرفوعا، والإثبات مقدم على النفي، وقد ذكر الإمام خواهر زاده في "مبسوطه" أن أبا يوسف ذكره في " الإملاء " مسندا مرفوعا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأبو يوسف إمام في الحديث حجة، ولم يثبت عنده كونه مرفوعا لما قال: إنه مسند مرفوع، ولئن سلمنا أنه موقوف فهو موقوف صحيح، وهو محمول على السماع، لأنه لا يدرك بالعقل وهو مقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حجة. م: (والمصر الجامع كل موضع له أمير وقاض ينفذ الأحكام ويقيم الحدود) ش: هذا تفسير المصر الجامع، وقد اختلفوا فيه، فعن أبي حنيفة: هو ما يجتمع فيه مرافق أهله دنيا ودينا. وعن أبي يوسف: كل موضع فيه أمير وقاض ينفذ الأحكام ويقيم الحدود فهو مصر تجب على أهله الجمعة، وهكذا روى الحسن عن أبي حنيفة في كتاب صلاته وفيه أيضا، قال سفيان الثوري: المصر الجامع: ما يعده الناس مصرا عند ذكر الأمصار المطلقة كبخارى وسمرقند. وقال الكرخي: المصر الجامع ما أقيمت فيه الحدود، ونفذت فيه الأحكام، وهو اختيار الزمخشري، وعن أبي عبد الله البلخي أنه قال: أحسن ما سمعت إذا اجتمعوا في أكبر مساجدهم فلم يسعهم فهو مصر جامع، وعن أبي حنيفة: هو بلدة كبيرة فيها سكك وأسواق ولها رساتيق، ويرجع الناس إليه فيما وقعت لهم من الحوادث، وهو اختيار صاحب " التحفة ". وقال أبو يوسف في " نوادر ابن شجاع ": إذا كان في القرية عشرة آلاف فهو مصر، وعن بعض أصحابنا: المصر ما يعيش فيه كل صانع بصناعته ولا يحتاج إلى التحول إلى صنعة أخرى. وفي " المستصفى ": أحسن ما قيل فيه إذا وجدت فيه حوائج الدين وهو القاضي والمفتي والسلطان فهو مصر جامع، وعن أبي حنيفة: المصر كل بلدة فيها سكك وأسواق ووال ينصف المظلوم من ظالمه وعالم يرجع إليه في الحوادث وهو الأصح. ذكره في " المفيد " و" التحفة "، وعن محمد: كل موضع مصره الإمام فهو مصر حتى إنه لو بعث إلى قرية نائبا إلى إقامة الحدود والقصاص يصير مصرا، فإذا عزله ودعاه تلحق بالقرى، ويؤيد قول محمد هذا ما صح أنه كان لعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أسود أنزله على الربذة يصلي خلفه أبو ذر وغيره من الصحابة الجمعة وغيرها، ذكره ابن حزم في " المحلى "، وقال قاضي خان: والاعتماد على ما روي عن أبي حنيفة في " المحلى ": كل موضع بلغت أبنيته أبنية منى، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 وهذا عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعنه أنهم إذا اجتمعوا في أكبر مساجدهم لم يسعهم، والأول اختيار الكرخي وهو الظاهر، والثاني اختيار الثلجي، والحكم غير مقصور على المصلى   [البناية] وفيها مفت وقاض يقيم الحدود وينفذ الأحكام فهو مصر جامع، وقيل: الجامع أن يوجد فيه عشرة آلاف مقاتل، وقيل: أن يكون بحال لو قصدهم عدو غلبهم دفعه، ذكرهما في " الينابيع ". وفي " الدراية ": ظاهر المذهب ما حده "المصنف" بقوله له أمير، المراد من الأمير الوالي الذي يقدر على إنصاف المظلوم من الظالم، وإنما قال: ويقيم الحدود بعد قوله وينفذ الأحكام، لأن تنفيذ الأحكام لا يستلزم إقامة الحدود، فإن المرأة إذا كانت قاضية تنفذ الأحكام وليس لها إقامة الحدود، وكذلك حكم نفي ذكر الحدود عن القصاص، لأنهما يقترنان في عامة الأحكام، فذكر أحدهما كان مغنيا عن ذكر الآخر. م: (وهذا عند أبي يوسف) ش: إشارة إلى قوله - والمصر الجامع كل موضع ..... إلخ. م: (وعنه) وعن أبي يوسف. م: (أنهم) ش: أي أن من تجب عليهم الجمعة من الرجال البالغين الأحرار، لا من يكون هناك من الصبيان والنساء والعبيد. م: (إذا اجتمعوا في أكبر مساجدهم لم يسعهم) ش: فإذا كان كذلك يكون مصرا جامعا. م: (والأول) ش: وهو قوله: والجامع كل موضع له أمير إلى آخره. م: (اختيار الكرخي) ش: كرخ سامرى وكرخ بغداد وكرخ حدان وكرخ البصرة. انتهت إليه رياسة الأصحاب بعد أبي حازم وأبي سعيد البردعي، وعنه أخذ أبو بكر الرازي وأبو عبد الله الدامغاني وأبو علي الشامي وأبو حفص بن شاهين وآخرون. وتوفي ليلة النصف من شعبان سنة أربعين وثلاثمائة. م: (وهو الظاهر) ش: أي الذي اختاره الكرخي، وهو ظاهر المذهب. م: (والثاني) ش: وهو الذي روي عن أبي يوسف أنهم إذا اجتمعوا إلى آخره. م: (اختيار الثلجي) ش: وهو الإمام محمد بن شجاع أحد أصحاب أبي حنيفة، ونسبته إلى ثلج بالثاء المثلثة ابن عمر بن مالك بن عبد مناف، وليس هو منسوبا إلى بيع الثلج، وذكر في كتاب " الطبقات "، ويقال له ابن الثلجي، وهو من أصحاب الحسن بن زياد اللؤلئي حدث عن وكيع وأبي أسامة والواقدي وغيرهم، وله تصانيف كثيرة، قال السغناقي: مات فجأة في صلاة العصر، وهو ساجد في سنة ست وستين ومائتين. م: (والحكم غير مقصور على المصلى) ش: يعني جواز إقامة الجمعة ليس بمنحصر في المصلى - بفتح اللام- وهو الموضع الذي فيه يصلى العيد لا الموضع الذي يصلى فيه الجمعة، وفي الجوامع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 بل يجوز في جميع أفنية المصر؛ لأنها بمنزلته في حوائج أهله ويجوز بمنى إن كان الأمير أمير الحجاز أو كان الخليفة مسافرا   [البناية] التي في المصر. م: (بل يجوز في جميع أفنية المصر) ش: الأفنية جمع فناء بكسر الفاء، وفناء الدار سعة أمامها. وكذلك فناء البيت، وفي " الفتاوى الصغرى ": يجوز صلاة الجمعة والعيدين في فناء المصر، وهو أن يكون على قدر غلوة متصلا بربض المصر كما هو المعتاد في صلاة العيد، لكن إذا خرج رجل من المصر بنية السفر يصلي في هذا الموضع صلاة المسافرين، وكذا لو انتهى المسافر في هذا الموضع نقله في آخر باب الجمعة من " نوادر شمس الأئمة الحلواني ". م: (لأنها) ش: أي لأن الأفنية م: (بمنزلته) ش: أي بمنزلة المصر م: (في حوائج أهله) ش: أي أهل المصر، لأنه أعد لحوائجهم، وقال شمس الأئمة الحلواني في "نوادره": اختلفوا في فناء المصر وتقدير الحد فيه، فقدره محمد هاهنا بغلوة، وبعضهم بفرسخ، وبعضهم بفرسخين، وبعضهم بمنتهى حد صوت مؤذنهم إذا أذن، كذا في " تتمة الفتاوى ". وفي "شرح الطحاوي " عن أبي يوسف أن الإمام إذا خرج يوم الجمعة مقدار ميل أو ميلين وحضرته الصلاة فصلى جاز. وقال بعضهم: لا يجوز الجمعة خارج المصر منقطعا عن العمران. وقال بعضهم: يجوز على قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: لا يجوز، كما اختلفوا في منى، وقد مر الكلام في هذا الفصل مستقصى عن قريب. م: (ويجوز بمنى) ش: أي يجوز إقامة الجمعة في منى وهي قرية بين مكة وعرفات، يذبح بها الهدايا والضحايا، سمي ذلك الموضع بمنى لوقوع الأقذار فيه على الهدايا، من منى كمني منيا، أي قذر، ومنه المنية، لأنها مقدرة على [ ..... ] وهي منصرفة إذا جعلت علما لموضع، وتمنع من الصرف إذا جعلت علما للبقعة، فتوجد علتان العلمية والتأنيث. م: (إن كان الأمير أمير الحجاز) ش: الحجاز بين تهامة ونجد، سمي حجازا، لأنه يحجز بينهما، والتهامة الناحية الجنوبية من الحجاز، وما وراء ذلك إلى مكة، وحده تهامة، وفي " شرح الطحاوي ": إن كان الأمير أمير الحجاز أو أمير العراق أو أميرا لمكة أو الخليفة معهم مقيمين كانوا أو مسافرين جاز إقامة الجمعة عندهما، وإن كان أمير الموسم إن كان مقيما جاز وإن كان مسافرا لم يجز. وذكر فخر الإسلام أن أمير الموسم ليس له حق إقامة الجمعة إنما له نيابة الحجاج. وقال في " المختلف ": أمير الحجاج ليس له ولاية إقامة الجمعة إلا إذا ولاه الخليفة أو من له ذلك وهو مقيم. م: (أو كان الخليفة مسافرا) ش: قيد به، إما للتنبيه على أنه لو كان مقيما كان الجواز بالطريق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا جمعة بمنى لأنها من القرى حتى لا يعيد بها، ولهما لأنها تتمصر في أيام الموسم وعدم التعييد للتخفف، ولا جمعة بعرفات في قولهم جميعا   [البناية] الأولى، وإنما تبقى شبهة وهي أن الخليفة إذا كان مسافرا لا يقيم الجمعة، كما إذا كان أمير الموسم مسافرا، فذكره ليعلم أن حكم الخليفة على خلاف حكم أمير الموسم، وفي هذا دليل على أن الخليفة أو السلطان إذا كان يطوف في ولايته كان عليه الجمعة في كل مصر يكون فيه يوم الجمعة، لأن إقامة غيره بأمره يجوز، فإقامته أولى، وإن كان مسافرا، كذا في " الفوائد الظهيرية " و" الجامع الصغير " لقاضي خان. م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-) ش: متعلق بقوله ويجوز بمنى. [الجمعة بمنى وعرفات] م: (وقال محمد: لا جمعة بمنى) ش: وبه قال الشافعي وأحمد، وهو قول عطاء ومجاهد. م: (لأنها) ش: أي لأن منى، والتأنيث على تأويل القرية أو البقعة. م: (من القرى) ش: ولا جمعة في القرية، وهو منزل من منازل الحاج كعرفات م: (حتى لا يعيد بها) ش: نتيجة قوله: لا جمعة بمنى، لأنها من القرى، حتى لا يصلي فيها صلاة العيد فلا يصلي فيها الجمعة. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف. م: (لأنها) ش: أي لأن منى. م: (تتمصر) ش: أي تصير مصرا. م: (في أيام الموسم) ش: لما يكون فيها أسواق وفيها سلطان أو نائبه وقاض في أيام الموسم، فتصير كسائر الأمصار. م: (وعدم التعييد للتخفيف) ش: هذا جواب عن قول محمد لا يعيد بها. وتقرير الجواب: إنما لا يعيد فيها يعني لا يصلي صلاة العيد لأجل التخفيف على الناس، لأنهم مشتغلون بأمور المناسك، ولأن منى من أفنية مكة وتوابعها، لأنها في الحرم وتوابع الشيء يقوم مقام ذلك الشيء. وأما عرفات فإنها من الحل وليست من فناء مكة، وبينها وبين مكة أربعة فراسخ. م: (ولا جمعة بعرفات في قولهم جميعا) ش: أي في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق، وهو قول الزهري، وزعم ابن حزم أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى الجمعة بعرفات، قال: ولا خلاف أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خطب وصلى ركعتين، وهذه صفة صلاة الجمعة، قال: وما روى أحد أنه ما جهر فيها، والقاطع بذلك كاذب على الله، وعلى رسوله، ولو صح أنه ما جهر لم يكن لهم به تعلق، لأنه ليس بفرض، قال: ولجاء بعضهم إلى دعوى الإجماع على ذلك، وهذا مكان تبين فيه الكذب على مدعيه. قلت: هذا رجل قد سل لسانه على الأئمة الثلاثة الأجلاء أبي حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم وكلامه متناقض لا يلتفت إليه، حتى يوجب الجمعة على العبد والمسافر ويجيز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 لأنها فضاء وبمنى أبنية، والتقييد بالخليفة وأمير الحجاز؛ لأن الولاية لهما، أما أمير الموسم فيلي أمور الحج لا غير، ولا يجوز إقامتها إلا للسلطان أو لمن أمره السلطان، لأنها تقام بجمع عظيم، وقد تقع المنازعة في التقدم والتقديم، وقد تقع في غيره فلا بد منه تتميما لأمره.   [البناية] إقامتهما في البراري والقفار باستدلالات باطلة. م: (لأنها) ش: أي لأن عرفات. م: (فضاء) ش: لا أبنية فيها. م: (وبمنى أبنية) ش: تقام فيها الأسواق خصوصا في أيام الموسم، يكون فيها نائب السلطان والقاضي كما ذكرنا. م: (والتقييد بالخليفة وأمير الحجاز، لأن الولاية لهما) ش: أراد بالتقييد تقييد جواز الجمعة بمنى عند أبي حنيفة وأبي يوسف بالخليفة وأمير الحجاز، لأن الولاية لهما في إقامة الجمعة. م: (أما أمير الموسم) ش: أي أمير الحاج. م: (فيلي أمور الحاج لا غير) ش: يعني ليس له ولاية غير الحاج، وليس له إقامة الجمعة إلا إذا كان الخليفة كما ذكرنا. م: (ولا يجوز إقامتها) ش: أي إقامة الجمعة. م: (إلا للسلطان) ش: أراد بالسلطان الخليفة، لأنه أراد به الوالي الذي ليس فوقه وال وهو الخليفة. م: (أو لمن أمره السلطان) ش: يعني إن لم يكن السلطان يكون إقامتها لمن أمره السلطان وهو الأمير أو القاضي أو الخطباء. م: (لأنها) ش: أي لأن الجمعة. م: (تقام بجمع عظيم) ش: من الناس. م: (وقد تقع المنازعة في التقدم) ش: تشديد الدال المضمومة من باب التفعل بأن يقول واحد: أنا أصلي بالناس، ويقول آخر: أنا أصلي بهم. م: (والتقديم) ش: بأن تقول طائفة: يصلي بالناس فلان، ويقول الآخرون: ويصلي بهم فلان الآخر فتقع الخصومة بينهم. م: (وقد تقع) ش: أي المنازعة. م: (في غيره) ش: أي في غير ما ذكر من التقدم والتقديم، بأن تقول طائفة: يصلي في مسجدنا، ويقول الآخرون: يصلي في مسجدنا فتكثر الخصومة والنزاع. م: (فلا بد منه) ش: أي إذا كان الأمر كذلك، فلا بد من السلطان أو من أمره السلطان. م: (تتميما لأمره) ش: أي لأمر الجمعة، وتذكير الضمير باعتبار المذكور، وانتصاب تتميما على التعليل، وكذلك اللام في لأمره. ومن التتميم أمر السلطان لقطع المنازعة وحسم مادة الخلاف، وعند الشافعي: السلطان يؤم ليس بشرط لصحة الجمعة، ولكن السنة أن لا تقام إلا بإذن السلطان، وبه قال مالك وأحمد في رواية. وعن أحمد أنه شرط كمذهبنا، واحتجوا في ذلك بما روي أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين كان محصرا بالمدينة صلى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الجمعة بالناس، ولم يرو أنه صلى بأمر عثمان وكان الأمر بيده، فلا يشترط لإقامتها السلطان كسائر الصلوات. قال الأترازي: ولنا ما روي عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "واعلموا أن الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] كتب عليكم الجمعة في يومي هذا في مقامي هذا في شهري هذا، فريضة واجبة إلى يوم القيامة، فمن تركها جحودا لها واستخفافا بحقها في حياتي أو بعد موتي وله إمام عادل أو جائر، فلا جمع الله شمله ولا أتم له أمره، ألا لا صلاة له، ألا لا زكاة له، ألا لا صوم له، إلا أن يتوب، ومن تاب تاب الله عليه» . قلت: لم يبين ما حال هذا الحديث، ومن رواه عن جابر، وذكر في " شرح الأقطع " عن سعيد بن المسيب عن جابر، ورواه ابن ماجه في "سننه"، وقال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا الوليد بن بكير، حدثني عبد الله بن محمد العدوي عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب «عن جابر بن عبد الله، قال: خطبنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "يا أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له وكثرة الصدقة في السر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتجبروا، واعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا، في يومي هذا، في شهري هذا، في عامي هذا إلى يوم القيامة، فمن تركها في حياتي أو بعدي، وله إمام عادل أو جائر استخفافا بها أو جحودا لها فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره، ألا ولا صلاة له ولا زكاة له ولا حج له ولا صوم له ولا بر له حتى يتوب. فمن تاب تاب الله عليه، ألا لا تؤم امرأة رجلا، ولا يؤم أعرابي مهاجرا، ألا ولا يؤم فاجر مؤمنا إلا أن يقهره السلطان يخاف سيفه وسوطه» . وأخرجه البزار من وجه آخر، وروى الطبراني في " الأوسط " من حديث ابن عمر نحوه. فإن قلت: في سند ابن ماجه عن عبد الله بن محمد قالوا: إنه واهي الحديث، و [في] سند البزار علي بن زيد بن جدعان، قال الدارقطني: كلاهما غير ثابت، وقال ابن عبد البر: هذا الحديث واهي الإسناد. قلت: هذا الحديث روي من طرق ووجوه مختلفة، فحصل له بذلك قوة فلا تمنع من الاحتجاج به، واحتجاجهم بما روي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ساقط، لأنه يحتمل أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعل ذلك بأمره أو لم يتوصل إلى عثمان، وعندنا إذا لم يتوصل إلى إذن الإمام، فللناس أن يجتمعوا ويقدموا من يصلي بهم، كذا ذكره الشيخ أبو نصر البغدادي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فمن أين يعلم أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعل ذلك بلا إذن عثمان وهو حيث يتوصل إلى إذنه؟ وفي " الأجناس " عن " نوادر ابن سماعة " عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو غلب على مصر متغلب فصلى بهم الجمعة جاز، فكذلك إذا أجمع جميع الناس على رجل يصلي بهم الجمعة جازت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 ومن شرائطها الوقت، فتصح في وقت الظهر ولا تصح بعده.   [البناية] قلت: فبالنظر إلى ذلك كانت صلاة علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أولى وأحق بالجواز، ونقل ذلك عن الحسن البصري، لأن الصحابة صلوا وراء علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ورضوا به، سواء كان معه إذن أو لم يكن. وفي " فتاوى الكردي ": صلاة الجمعة خلف المتغلب الذي لا منشور له من الخليفة يجوز إن كانت سيرته سيرة الأمراء. وفي " فتاوى العتابي ": لكن الأنكحة لا تجوز بتزويجه، وفيه اجتماع الناس على رجل يجمع لهم بغير أمر القاضي وصاحب الشرط لا يجوز. وفي " المجتبى " قال أبو بكر: لا يعرف جواز الجمعة خلف المتغلب عن أصحابنا، وإنما هو شيء ذكره الطحاوي، لكن السلطان إذا كان فاسقا جاز أن يجتمعوا على رجل واحد يجمع لهم بعد موته. وقال أصحابنا: لو مات سلطان بلدة فولَّى أهلها أميرا ينفذ الأحكام والحدود جاز، أو كان قاضيا حكم وصار سلطانا وقاضيا في جماعتهم، ولو غلب عليه الخوارج فولوا رجلا من أهل العدل للقضاء جازت أحكامه. وفي " الفتاوى الظهيرية ": الإمام إذا منع أهل المصر أن يجمعوا لم يجمعوا، قال الهندواني: هذا إذا منع لسبب من الأسباب، أما إذا منعهم تعنتا أو إضرارا بهم يجوز أن يجتمعوا على رجل يصلي بهم الجمعة، وقياسهم على سائر الصلوات فاسد، لأن الجمعة يشترط لها ما لم يشترط لغيرها من الصلوات مثل الخطبة والجماعة. فإن قلت: هذا عبادة على البدن فلا يكون السلطان شرطا فيها كما في الحج والصوم. قلت: هذا مبطل بإقامة الحد وانفراد الواحد بالحج لا يفوت على غيره، وانفراد طائفة بإقامة الجمعة يفوت [على] الباقين فافهم. [دخول الوقت من شرائط الجمعة] م: (ومن شرائطها) ش: أي ومن شرائط الجمعة. م: (الوقت، فتصح في وقت الظهر ولا تصح بعده) ش: أي بعد وقت الظهر، وكان مالك يقول: يجوز إقامتها في وقت العصر، بناء على تداخل الوقتين على مذهبه. وعند أحمد: يجوز إقامتها قبل الزوال. وقال بعض أصحابه: أول وقتها وقت صلاة العيد. وقال بعضهم: يجوز في الساعة السادسة لما روى ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أقام الجمعة ضحى. وقال أبو بكر بن العربي: اتفق العلماء عن بكرة أبيهم على أن الجمعة لا تجب حتى تزول الشمس، ولا يجزئه قبل الزوال إلا ما روي عن ابن حنبل أنه يجوز قبل الزوال ونقله ابن المنذر عن عطاء وإسحاق والماوردي عن ابن عباس في السادسة، احتج ابن حنبل بحديث جابر، قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حتى تزول الشمس» رواه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا مالت الشمس فصل بالناس الجمعة»   [البناية] مسلم. قال البيهقي: يعني النواضح. «وعن سلمة بن الأكوع قال: كنا نصلي مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل به» رواه البخاري ومسلم. «وعن سهل بن سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة على عهده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.» وقال أبو سهل: إنا كنا نرجع فنقيل قائلة الضحى، ولأنها عيد لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قد اجتمع في يومكم هذا عيدان» ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن هذا يوم جعله الله عيدا للمسلمين» فصار كالفطر والأضحى. واتفق أصحابنا أن وقتها وقت الظهر، وهو قول جمهور الصحابة والتابعين، وبه قال الشافعي. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا مالت الشمس فصل بالناس الجمعة» ش: واحتجوا في ذلك بحديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس» رواه البخاري، «وعن سلمة بن الأكوع قال: كنا نجمع مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء» متفق عليه. فإن قلت: روي عن عبد الله بن سيدان أنه قال: شهدت الخطبة مع أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار، وشهدتها مع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول قد انتصف النهار، ومثله عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فما رأيت أحدا عاب ذلك. قلت: قال ابن بطال: لا يثبت هذا، وعبد الله بن سيدان لا يعرف. قلت: روى هذا الحديث الدارقطني وغيره وهو حديث ضعيف. وقال النووي في " الخلاصة ": اتفقوا على ضعف ابن سيدان، وقد قال الشافعي: وقد صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر وعثمان والأئمة بعدهم كل جمعة بعد الزوال، فدل على أنه لا اعتبار بهذا. قلت: والجواب عن حديث جابر: أنه إخبار عن أن الصلاة والرواح إلى جمالهم كانا حين الزوال وبدايته، وحديث سلمة حجة عليهم، لأن معناه ليس للحيطان فيء كثير بحيث يستظل به المار، وأصح منه الرواية الأخرى نتتبع الفيء، وهو تصريح بوجوده، لكنه قليل، ومعلوم أن حيطان المدينة كانت قصيرة والشمس فوقها فلا يظهر الفيء الذي يستظل به هنالك عند الزوال إلا بعد زمان طويل. ومعنى حديث سهل: أنهم كانوا يؤخرون القيلولة والغداء في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة، لأنهم ندبوا في هذا اليوم إلى التبكير إليها، والاشتغال بغيره كان يفوته، لقوله -عليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 ولو خرج الوقت وهو فيها استقبل الظهر ولا يبنيه عليها لاختلافهما،   [البناية] السلام-: «إذا مالت الشمس فصل بالناس الجمعة» . قال السروجي: لم أجد هذا في كتب الحديث، وقال الزيلعي: غريب، وقال السغناقي: لما روي «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لما بعث مصعب بن عمير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى المدينة قبل هجرته، قال له: "إذا مالت الشمس فصل بالناس الجمعة» وتبعه الأكمل ونقله من شرحه، وكذا نقله صاحب " الدراية ". ثم قال: قيل: هذا الحديث ما وجد في كتب الحديث، ثم قال: وأجيب عن وجدانه في كتب الحديث ليس بشرط، ويجوز النقل بالمعنى. قلت: سبحان الله، هذا كلام عجيب يصدر من هؤلاء، فأي حديث أصله حتى نقل عنه بالمعنى، وأصل الحديث ما رواه الدارقطني عن ابن عباس «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى مصعب بن عمير يأمره بإقامة الجمعة» وفي إسناده غرابة، وقد روى البيهقي عن ابن إسحاق أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما بعث مصعبا حين كتب الأنصار إليه أن يبعث إليهم، قال: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أنه كان يصلي بهم، وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤم بعضا، وكان قدوم وفود الأنصار في السنة الثانية عشرة من النبوة، ولما قدموا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذه السنة رجعوا إلى قومهم فدعوهم إلى الإسلام وأرسلوا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معاذ بن عفراء ورافع بن مالك أن ابعث إلينا رجلا يفقهنا، فبعث إليهم مصعب بن عمير، فنزل على أسعد بن زرارة وكان الذين قدموا في هذه السنة ثمانية، وفيهم معاذ بن عفراء، ورافع بن مالك وأسعد بن زرارة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقال أهل السير والتواريخ: قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى نزل بقباء على بني عمرو بن عوف وذلك يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين اشتد الضحى، فأقام - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بقباء يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وأسس مسجدهم ثم خرج يوم الجمعة عامدا المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتخذ القوم في ذلك الموضع مسجدا، وكانت هذه الجمعة أول جمعة جمعها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الإسلام فخطب في هذه الجمعة وهي أول خطبة خطبها بالمدينة فما قبلها وبعدها أول جمعة جمعت في الإسلام بقرية يقال لها جواثا من قرى البحرين. م: (ولو خرج الوقت) ش: أي وقت الظهر. م: (وهو فيها) ش: أي والحال أنها، أي أن الإمام في صلاة الجمعة. م: (استقبل الظهر) ش: أي صلاة الظهر. م: (ولا يبني عليها) ش: أي على الجمعة. م: (لاختلافهما) ش: أي لاختلاف الظهر والجمعة من حيث الكمية والشرائط، وهذا لأن الظهر أربعة، والجمعة ركعتان، ويخص الجمعة بشروط لا تشترط للظهر، والظهر يخفى فيه، والجمعة يجهر فيها، واسم أحدهما الظهر واسم الآخر جمعة فيثبت اختلافهما قدرا وحالا واسما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 ومنها الخطبة: لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما صلاها بدون الخطبة في عمره وهي قبل الصلاة بعد الزوال، به وردت السنة.   [البناية] وقال السغناقي: لأنهما يختلفان بدليل تخير العبد إذا أذن له مولاه بأن يصلي الجمعة بين أن يصلي الظهر والجمعة مع تعين الوقت في الجمعة بالعلة، ولو لم يكونا مختلفين لما خير العبد كما في جناية المدبر حيث يجب الأقل على مولاه من الأرش، والقيمة من غير خيار لاتحادهما في المالية، ثم إنه لو دخل وقت العصر وهو في الجمعة وقد تشهد يجزئه الجمعة عند أبي يوسف وأحمد ومحمد، وتبطل جمعته عند أبي حنيفة، ويستقبل قضاء الظهر، وعند الشافعي يصليها ظهرا. وقال ابن القاسم: يصليها جمعة ما لم تغب الشمس بناء على أن وقت الظهر والعصر واحد، وفي " الواقعات ": لو قام المؤتم ولم ينتبه حتى خرج وقت الظهر فسدت الجمعة، لأنه لو أتمها صار قاضيا في غير وقتها، وإن انتبه قبل خروج الوقت جازت صلاته، وعند الشافعية لو سلم الإمام والقوم في الوقت ثم خرج الوقت وعلى المسبوق ركعة ففي أحد الوجهين لا تصح جمعته لوقوع بعض صلاته خارج الوقت، والثاني تصح تبعا للإمام. [الخطبة من شرائط الجمعة] [شروط الخطبة وسننها] م: (ومنها الخطبة) ش: أي من شرائط الجمعة الخطبة، وهو مذهب عطاء والنخعي وقتادة والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قصرت الصلاة لأجل الخطبة، وعن عائشة مثله، وعن سعيد بن جبير قال: كانت الجمعة أربعا فجعلت الخطبة، فكان ركعتين، وقال ابن قدامة: لا نعلم في هذا مخالفا إلا الحسن البصري، فإنه قال: يجزئهم جمعتهم خطب الإمام أو لم يخطب. وذكر النووي معه داود وعبد الملك المالكي. وقال القاضي عياض: وروي ذلك عن مالك، وقال ابن حزم في " المحلى ": الخطبة ليست بفرض، تجوز الجمعة بدونها. م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما صلاها بدون الخطبة في عمره) ش: ذكره البيهقي، وذكر أيضا عن الزهري أنه قال: بلغنا أنه قال: "لا جمعة إلا بخطبة "، واستدل أيضا بحديث ابن عمر: «كان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يخطب يوم الجمعة خطبتين بينهما جلسة» . قلت: هذا استدل بمجرد الفعل فلا يتم إلا إذا ضم إليه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ، رواه البخاري، فلو لم تكن واجبة لتركها مرة تعليما للجواز. م: (وهي) ش: أي الخطبة. م: (قبل الصلاة بعد الزوال) ش: لأنها شرط فتقدم كسائر الشروط، بخلاف العيد فإنه لو لم يخطب فيه أصلا يجوز، ولو خطب فيه يجوز. م: (وبه وردت السنة) ش: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 ويخطب خطبتين يفصل بينهما بقعدة وبه جرى التوارث.   [البناية] أي بكون الخطبة قبل الصلاة وردت السنة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يمكن أخذ هذا في حديثين، أحدهما حديث السائب بن زيد، رواه البخاري عنه قال: «كان الأذان على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يوم الجمعة حين يجلس الإمام، فلما كان عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكثر الناس أمر بالأذان الثاني على الزوراء،» ووجهه أن الأذان لا يكون إلا قبل الصلاة، فإذا كان حين يجلس الإمام على المنبر للخطبة دل على أن الصلاة بعد الخطبة. والآخر «حديث أبي موسى الأشعري أخرجه مسلم عنه قال لي ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شأن ساعة الجمعة، قال: قلت: نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن يقضي الصلاة» ، قال أبو بردة: يعني على المنبر. م: (ويخطب خطبتين يفصل بينهما بقعدة) ش: مقدار ثلاث في ظاهر الرواية، وقال الطحاوي مقدار ما سمي موضع جلوسه على المنبر. م: (وبه جرى التوارث) ش: أي بالفصل بين الخطبتين بقعدة جرى التوارث، يعني هكذا فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والأئمة من بعده إلى يومنا هذا، ولفظ التوارث إنما يستعمل في أمر له خطر وشرف، يقال توارث المجد كابرا عن كابر، أي كبيرا عن كبير في القدر والشرف، وقيل: هي حكاية العدل عن العدل، فإن القيام فيها، والفصل بين الخطبتين بقعدة متوارث. وقال ابن المنذر: اختلفوا فيه، «وكان عطاء بن أبي رباح يقول: ما جلس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المنبر حتى مات، وما كان يخطب إلا قائما» وأول من جلس عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في آخر عمر زمانه حين كبر، فكان يجلس هنيهة ثم يقوم، وكان المغيرة بن شعبة إذا فرغ المؤذن قام فخطب ولا يجلس حتى ينزل. قال: والذي عليه عمل الناس ما تفعله الأئمة اليوم، ثم هذه القعدة عندنا للاستراحة وليست بشرط، وقال الشافعي: إنها شرط. وقال شمس الأئمة السرخسي: الدليل على أنها للاستراحة لا للشرط حديث جابر بن سمرة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخطب قائما خطبة واحدة، فلما أسن جعلها خطبتين بينهما جلسة» ففي هذا دليل على أنها للاستراحة لا للشرط. قلت: هذا الحديث غريب، وهو عن ابن عباس برواية الحسن بن عمارة، وقال ابن العربي: وهو ضعيف. ثم الخطبة الواحدة تجوز عندنا وهو مذهب عطاء ومالك والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور. وقال ابن المنذر: أرجو أن تجزئه خطبة واحدة، وقال أحمد: لا تكون الخطبة إلا كما خطب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 ويخطب قائما على طهارة؛ لأن القيام فيهما متوارث ثم هي شرط الصلاة فيستحب فيها الطهارة كالأذان،   [البناية] وقال الشافعي: يجب أن يخطب خطبتين قائما يجلس بينهما مع القدرة عليها، وحكى الرافعي وجها آخر أنه لو خطب قائما كفاه الفصل بسكتة من غير جلوس. قال النووي: وهذا شاذ مردود، وقال النووي: القيام والجلوس بينهما سنة عند جمهور العلماء، حتى إن الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: لم يقل أحد باشتراط الجلوس بينهما غير الشافعي. م: (ويخطب قائما على طهارة) ش: أي ويخطب الإمام حال كونه قائما وحال كونه على الطهارة، أما القيام فإنه سنة عندنا، وعند الشافعي لا تصح الخطبة قاعدا، وبه قال مالك في رواية، وعنه كقولهما، وبه قال أحمد، وأما الطهارة سنة عندنا لا شرط، خلافا لأبي يوسف والشافعي، حتى إذا خطب على غير طهارة يجوز عندنا ويكره، وعندهما لا يجوز، وقال الشافعي في القديم كقولهما، وبه قال مالك وأحمد. م: (لأن القيام فيها) ش: أي الخطبة. م: (متوارث) ش: أي من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن الأئمة بعده إلى يومنا هذا، والجواب عما يقال إنه إذا كان كذلك ينبغي أن يكون فرضا، كما قال الشافعي: وهو قول المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ثم هي) ش: أي الخطبة. م: (شرط الصلاة فيستحب فيها) ش: أي في الخطبة. م: (الطهارة) ش: أي عن الجنابة والحدث. م: (كالأذان) ش: وجه التشبيه بالأذان أن الخطبة ذكرها شبه بالصلاة من حيث إنها أقيمت مقام شطرها. وتقام بعد دخول الوقت والأذان أيضا مقام بعد دخول الوقت، لا يقال ليس بينهما مشابهة، بل بينهما مخالفة، فإذا أذن الجنب تستحب فيها الإعادة طاهرا ولم يذكر خطبة الجمعة هاهنا، لأنا نقول لا فرق بينهما في الحقيقة، غير أن الأذان لا يتعلق به حكم الجواز، فذكر استحباب الإعادة، والخطبة يتعلق بها حكم الجواز فذكر الجواز هاهنا، واستحباب الإعادة هاهنا كهو في الأذان. ولم يذكر المصنف أنه هل يعيد الخطبة أو لا، فذكر في "نوادر أبي يوسف " أنه يعيدها وإن لم يعدها جاز، لأنه ليس من شرط استقبال القبلة بخلاف الأذان، فإنه يعيد، لأن الأذان أشبه بالصلاة من الخطبة، ألا ترى أنه شرع استقبال القبلة بخلاف الخطبة، ولكن يكون مسيئا إذا تعمد ذلك، لأنها الصلاة حتى أقيمت مقام الشفع في الظهر، ولأن فيه دخول المسجد جنبا، وهو مكروه. وقال الأترازي: قوله "كالأذان" فيه نظر، لأنه يفهم من هذا التركيب أن الأذان شرط الصلاة وليس كذلك، لأنه سنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 ولو خطب قاعدا أو على غير طهارة جاز، لحصول المقصود، إلا أنه يكره لمخالفته التوارث، وللفصل بينهما وبين الصلاة   [البناية] قلت: لا نسلم بذلك، لأن قوله: "كالأذان" يتعلق بقوله تستحب فيها الطهارة ولا بقوله هي شرط الصلاة. م: (ولو خطب قاعدا أو على غير طهارة جاز لحصول المقصود) ش: وهو الذكر والوعظ، وفي " المحيط " و" المبسوطين " الخطبة ذكر والمحدث والجنب يمنعان ما خلا قراءة القرآن في حق الجنب، وليست الخطبة كالصلاة ولا كشطرها، بدليل أنها تؤدى غير مستقبل القبلة ولا يفسدها الكلام. م: (إلا أنه يكره) ش: استثناء من قوله "جاز" والضمير في أنه يرجع إلى كل واحد من الخطبة قاعدا ومن الخطبة على غير الطهارة، ويذكر الضمير باعتبار المذكور. م: (لمخالفته التوارث) ش: يتعلق بقوله: "ولو خطب قاعدا" أو أراد بالتوارث ما نقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن الأئمة بعده من القيام في الخطبة. م: (وللفصل بينهما وبين الصلاة) ش: متعلق بقوله: " أو على غير طهارة" وأراد أن الطهارة في الخطبة على غير طهارة لأجل وقوع الفصل بين الخطبة وبين الصلاة، فإنه إذا خطب على غير طهارة يحتاج إلى وضوء لأجل الصلاة، فوضوءه يكون فصلا بينهما. فروع: لو خطب نفر الناس وجاء آخرون أجزأهم، لأنه خطب والقوم حضور، وصلى والقوم حضور، وكبر للجمعة والناس لم يكبروا حتى ركع، ثم كبر والقوم معه، يجزئهم، ولو رفع رأسه قبل أن يركعوا لا يجزئهم، ولو كبروا معه ثم خرجوا من المسجد ثم جاءوا وكبروا قبل رفع الإمام رأسه من الركوع أجزأهم، كذا في " المحيط ". وفي المرغيناني: كبر الإمام والقوم حضور لم يشرعوا إن كان شروعهم قبل رفع الإمام من الركوع صحت الجمعة وإلا استقبلها، قيل: هذا قول محمد، وعن أبي حنيفة: إن شرعوا قبل أن يقرأ آية قصيرة جازت، وإلا استقبلها، وقال أبو يوسف: إن كبروا قبل أن يقرأ ثلاث آيات أو آية طويلة صحت وإلا استقبلها. وفي " الواقعات ": أحدث الإمام وقال لواحد: اخطب ولا يصلي بهم أجزأه أن يخطب ويصلي بهم، وفي الأصل قدم وإن بعد ما خطب الأول وصلى بهم القادم لا يجوز إلا أن يعيد الخطبة، وكذا إذا أمر الثاني الأول أن يصلي بهم، فإن الأول مستأنف ثم أمر من يصلي بهم جاز، ولو خطب وحده لا يجوز، وإن كان بحضرة النساء، وعن أبي حنيفة يجوز، والصحيح الأول عن أبي يوسف لو خطب ولم يسمع الرجال جاز ولا يضر تباعدهم، ولو خطب والقوم نيام أو صم جازت. ذكره في " الذخيرة ". ولو خطب بحضرة الإمام بغير إذنه لم يجز والإذن بالخطبة إذن بالصلاة، وكذا الإذن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 فإن اقتصر على ذكر الله جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] بالصلاة إذن بالخطبة أو شهدها جاز، وإن تقدم من غير أن يقدمه الإمام إن كان بعد الشروع يجوز. وقيل: لا يجوز إلا إذا كان قاضيا أو صاحب شرط أو ذا سلطان، ولو خطب ثم ذهب فتوضأ في منزله ثم جاء فصلى جاز، ولو تغدى فيه أو جامع فاغتسل فاستقبل الخطبة، ذكره في " الواقعات " و" منية المفتي ". وفي المرغيناني: لو رجع إلى منزله فتغدى أجزأه، ولو خطب وهو جنب فاغتسل استقبل. وفي " قنية المنية ": خطب وفي يده منشور الوالي وصلى بالناس بالغ جاز. وقال القاضي عبد الجبار ومجد الأئمة الترجماني: لا يجوز ولا تصح صلاتهم بالبالغ، وفي صلاة الجلاتي: ويشترط في الخطبة أهلية الإمام في الجمعة، وعند الشافعي في المحدث والجنب قولان، الجديد اشتراط الطهارة، وكذا طهارة البدن والثوب والمكان وستر العورة، ولم يشترط الطهارة، وأحمد وداود في " الواقعات " لو أحدث الإمام وأمر من لم يحضر الخطبة أن يجمع بهم لم تصح جمعتهم، وإن أمر من حضر الخطبة أو بعضها فجمع بهم جاز. وفي الأصل: لا يجوز، بخلاف ما لو شرع في الصلاة ثم استخلف من لم يشهدها جاز، ولو أحدث الإمام بعدما خطب قبل الشروع في الجمعة وأمر رجلا لم يشهد الخطبة أن يصلي بهم فأمر المأمور من شهد الخطبة من أهل الصلاة أن يصلي بهم جاز، وذكر الحاكم في "مختصره" أنه لا يجوز، ولو كان المأمور الأول ذميا ولم يعلم به الآمر فأمر الذمي مسلما لم يجز، لأنه ليس من أهل الصلاة. وكذا لو كان مريضا يصلي بالإيماء أو أخرس أو أميا أو صبيا فأمروا غيرهم لم يجز، ولو أسلم الذمي وبرئ المريض وتكلم الأخرس وتعلم الأمي فصلى بهم أو أمر غيرهم جاز، ولو أمر نصرانيا أو صبيا فأسلم النصراني وبلغ الصبي لا يصليان حتى يؤمران بعد ذلك إذا استقضاه، ولو قال للنصراني: إذا أسلمت فصل بالناس أو اقض جاز، وكذا الصبي. م: (فإن اقتصر على ذكر الله جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: إطلاق كلامه يقتضي أن يجوز بمجرد قول الله من غير أن يقرن به شيئا كالحمد وسبحان الله، لأنه ذكر الله، ولكن الرواية في " المبسوط " وغيره أنه إذا خطب بتسبيحة واحدة أو بتهليل أو بتحميد أجزأه في قوله. وفي " المحيط ": ويجزئ في الخطبة قليل الذكر نحو قوله - الحمد لله- ونحو قوله "سبحان الله" وقال ابن المنذر: روينا عن الشعبي أنه قال: يخطب بما قل أو كثر، وفي "قاضي خان " التسبيحة الواحدة تجزئ في قول أبي حنيفة. وهو قول أبي يوسف الأول، وكان القول أولا لا يجزئ، وهو قول محمد وقول أبي يوسف الآخر إلا أنه يكون مسيئا بغير عذر كترك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 وقالا لا بد من ذكر طويل يسمى خطبة لأن الخطبة هي الواجبة والتسبيحة أو التحميدة لا تسمى خطبة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجوز حتى يخطب خطبتين اعتبارا للمتعارف.   [البناية] السنة. وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يخطب خطبة خفيفة يحمد الله ويثني عليه ويتشهد ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويعظ الناس ويذكرهم، ويقرأ سورة، ذكره المرغيناني، وقال مالك: الخطبة كل كلام ذي بال، وروى مطرف عنه في " مختصر ابن عبد الحكم ": أو سبح أو هلل أو صلى على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا إعادة عليه، ثم اشترط عند أبي حنيفة أن يكون قوله الحمد لله على قصد الخطبة، حتى لو قال يريد الحمد لله على إعطائه لا ينوب عن الخطبة. وقيل: ينوب، والأول أصح، ونظيره التسمية على الذبيحة إنما تحل إذا كان قاصدا للذبح. وفي " الكافي": التكرار شرط في الحمد لله لتسمى خطبة. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد. م: (لا بد من ذكر طويل يسمى خطبة) ش: وبه قال عامة العلماء. وقال الإمام أبو بكر: أقل ما سمي خطبة عندنا مقدار التشهد من قوله التحيات لله إلى قوله عبده ورسوله. وفي "التجنيس " مقدار الجلوس بين الخطبتين، وعند الطحاوي مقدار ما يمس موضع جلوسه المنبر، وفي ظاهر الرواية مقدار ثلاث آيات، وعند الشافعي تجب، وبه قال أحمد ومالك في رواية. وفي " الخلاصة الغزالية ": في الخطبة الأولى أربع فرائض: التحميد، والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والوصية بتقوى الله تعالى، وقراءة الآية، وكذا في الخطبة الثانية، إلا أن الدعاء للمؤمنين والمؤمنات في الثانية يدل على أن قراءة الآية في الأولى. وفي " الحلية " قيل: تجب القراءة في الخطبتين، قيل: ولا تجب فيهما، وقيل: تجب في إحداهما في أيتهما قرأ جاز، والقراءة في الثانية مستحبة، وقيل: واجبة وبقول أحمد أخذ. م: (لأن الخطبة هي الواجبة) ش: يعني بالإجماع. م: (والتسبيحة) ش: الواحدة. م: (أو التحميدة) ش: الوحدة. م: (لا تسمى خطبة) ش: فوجب ما يسمى خطبة. م: (وقال الشافعي: لا تجوز حتى يخطب خطبتين؛ اعتبارا للمتعارف) ش: أي للعادة، لأن الذي يخطب بأقل من ذلك لا يسمى خطبة في عادة الناس، ولا يخطب بها خطيبا، وصورة الخطبتين عنده: ما قد ذكرناه الآن، وعلل الأترازي للشافعي بقوله: "إن ذكر الله مجمل" لا يدري أي ذكر هو، وقد فسره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخطبتين، بفعله صار بيانا للكتاب. ثم أجاب عن ذلك بقوله: لا نسلم أن ذكر الله مجمل، لأن المجمل ما لا يمكن العمل به إلا ببيان من المجمل، والعمل بالآية قبل البيان، لأن ما سمي ذكر الله معلوم عند الناس وفعل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 وله قَوْله تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] (الجمعة: الآية 9) ، من غير فصل.   [البناية] النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لبيان السنة، ولا نسلم أن الجواز معلق بالخطبة، بل الجواز معلق بذكر الله، وقد حصل، ولئن سلمنا لكن لا نسلم أن القدر القليل لا يسمى خطبة، وكيف لا يسمى خطبة والخطبة موجودة في ذلك القدر؟ قلت: قوله: "لا نسلم أن الجواز معلق بالخطبة" فيه نظر، وكيف لا يعلق بالخطبة؟ والمراد من ذكر الله في قوله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] (الجمعة: الآية9) ، هو الخطبة، فإذا كان المراد بالذكر الخطبة ما هو مضاد الخطأ، ولم يجز لهم عادوا بالقدر القليل، وقوله وحقيقة الخطبة موجودة في ذلك القدر غير مسلم، لأن المراد هو الخطبة الشرعية التي جرى عليها التوارث، وليس المراد الحقيقة اللغوية. ثم سأل الأترازي بقوله: فإن قلت: ذكر رأيت يقدم على الصلاة فوجب أن لا يقصر على الكلمة الواحدة كالأذان؟ قلت: لا نسلم أن القياس صحيح، لأن المقصود من الأذان الإعلام وهو لا يحصل بكلمة واحدة، بخلاف الخطبة، فإن المقصود منها ذكر الله وهو يحصل بكل ما يسمى ذكر الله. قلت: وفيها أيضا إعلام بأن هذا يوم فيه قامت الخطبة مقام الركعتين، على ما روي عن عمر وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنهما قالا: إنما قصرت الصلاة لمكان الخطبة، ومعلوم أن قصر الصلاة لا يكون بما يسمى ذكر الله. م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (قَوْله تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] (الجمعة: الآية 9)) . م: (من غير فصل) ش: يعني بين قليل الذكر وكثيره، والمراد بذكر الله الخطبة باتفاق المفسرين وقد أمر الله تعالى بالسعي إلى ذكره مطلقا، من غير قيد بذكر طويل ولا بخطبتين، فاشتراطه زيادة على النص بالفعل المنقول بخبر الواحد، فيحمل ذلك على السنة وكمال الذكر، وأصل الذكر حاصل بقولنا الحمد لله وسبحان الله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ونحو ذلك، فما زاد على ذلك فهو شرط الكمال. ثم قوله: "الحمد لله أو سبحان الله" كلام وخبر وتحته معان جليلة جمة، فالمتكلم بهذا اللفظ الوجيز كالذاكر لتلك المعاني الكثيرة بلفظ وجيز، فتكون خطبة وجيزة قصيرة، وقصر الخطبة مندوب إليه، وروي «طول الصلاة وقصر الخطبة مئنة من فقه الرجل» . فإن قلت: ما حال هذا الحديث؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 وعن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال الحمد لله فارتج عيه فنزل وصلى.   [البناية] قلت: قال ابن العربي: خرج في الصحيح، ولكن المشهور أنه من قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومعنى مئنة أي علامة على تفهمه، وجعل الجوهري الميم أصلية، وقيل هي فعلية، ونقل الأزهري عن أبي عبيد أن وزنها مفعلة فتكون الميم زائدة. وقال ابن الأثير: وحقيقتها أنها مفعلة، من معنى أن التي للتخفيف والتأكيد غير مشتقة من لفظها، لأن الحروف لا تشتق منها، وإنما ضمت حروفها؛ دلالة على أن معناها فيها، ولو قيل: إنها اشتقت من لفظها بعدما جعلت اسما، لكان قولا، ومن أغرب ما قيل فيها: إن الهمزة بدل من الطاء في الخطبة، والميم في ذلك كلمة زائدة. م: (وعن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: الحمد لله فأرتج عليه فنزل وصلى) ش: هذا غريب ولكن اشتهر في كتب الفقه أن عثمان قال على المنبر الحمد لله فأرتج عليه، فقال: إن أبا بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كان يعدان لهذا المقام مقالا، وإنكم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قوال، وسيأتي في الخطبة بعد هذا والسلام. وذكره الإمام القاسم بن ثابت السرقسطي في كتاب " غريب الحديث " من غير سند، فقال: روي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه صعد المنبر فأرتج المنبر عليه، فقال: الحمد لله إن أول كل مركب صعب وإن أبا بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كانا يعدان لهذا المقام مقالا، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قائل، وإن أعش تأتكم الخطبة على وجهها، ويعلم الله إن شاء الله، انتهى. قال السراج: فنزل وصلى الجمعة ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، فدل أنه يكتفي بهذا القدر، ومراده من قوله وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قوال، أن الخطباء الذين يأتون بعد الخلفاء الراشدين يكونون على كثرة المقال مع قبح الفعال، وإن لم أكن مثلهم فأنا على الخير دون الشر، فأما أن يريد بهذه المقالة تفضيل نفسه على الشيخين فلا، كذا في " المحيط ". وروي أن الحجاج لما أتى العراق وصعد المنبر أرتج عليه، فقال: "يا أيها الناس قد هالني كبر رءوسكم وإحداقكم إلي بأعينكم، وإني لا أجمع عليكم بين الشيخ والصبي في نعماء بني فلان، فإذا قضيتم الصلاة فانتهبوها فنزل، وصلى معه أنس بن مالك وغيره من الصحابة، كذا في " المبسوط ". وقال تاج الشريعة: وصلى معه ابن عمر وأنس والحسن وغيرهم من علماء التابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وقال السروجي: وروي عنه أنه كتب إلى الوليد بن عبد الملك يشكو إليه الحصر في الخطبة وقلة شهوة الأكل وضعف شهوة الجماع، فكتب إليه الوليد أنك إذا خطبت انظر إلى أخريات الناس ولا تنظر إلى من يكون تقرب منك، وأكثر ألوان الأطعمة، فإنك لو أكلت من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] كل لون شيئا يسيرا كفيت، وأكثر السراري فإن لكل جديد لذة. قوله " فأرتج عليه": بضم الهمزة وسكون الراء وكسر التاء المثناة من فوق وتخفيف الجيم. وقال الجوهري: أرتج على القارئ على ما لم يسم فاعله إذا لم يقدر على القراء وأرتج الرجل في منطقة إذا استغلق عليه الكلام، وأرتجت الباب أي أغلقته. وفي " النهاية" لابن الأثير: أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإرتاج الباب أي بإغلاقه. وفي " مجمع الغرائب ": يقال للرجل الذي لم يحضره منطق قد أرتج عليه كأنه قد أغلق عليه باب النطق. وقال المريد: قول العامة أرتج إليه بالتشديد ليس بشيء. وفي " المغرب ": الكلام العربي بالتخفيف. فإن قلت: روي عن أبي عبيدة أنه قال: يقال أرتج يعني بالتشديد، ومعناه وقع في وجه أي اختلاط. قلت: هذا المعنى بعيد جدا. فروع: الخطبة تشتمل على فروض وسنن، أما الفرض فشيئان الوقت وهو ما بعد الزوال وقبل الصلاة، حتى لو خطب قبل الزوال أو بعد الصلاة لا يجوز. وأما السنن فخمسة عشر: الطهارة حتى كره من الجنب والمحدث. وقال أبو يوسف والشافعي: لا يجوز منهما. والقيام واستقبال القوم بوجهه، والقعود قبل الخطبتين، قال أبو يوسف: والبداية بالحمد لله والثناء عليه بما هو أهله، وكلمتا الشهادة والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والموعظة والتذكرة وقراءة القرآن، وتاركها مسيء، وقال الشافعي: لا يجوز، وقدرها ثلاث آيات والجلوس بين الخطبتين، وإعادة التحميد والثناء على الله تعالى في الخطبة الثانية؛ وزيادة الدعاء للمسلمين والمسلمات في الثانية وتخفيف الخطبتين بقدر سورة من طوال المفصل. وأما الخطيب فمن السنة فيه طهارته واستقباله بوجهه إلى القوم وترك السلام من وقت خروجه إلى دخوله في الصلاة وترك الكلام، وبه قال مالك. وقال الشافعي وأحمد: السنة إذا صعد المنبر أن يسلم على القوم إذا استقبلهم بوجهه، وكذا روى ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: هذا الحديث أورده ابن عدي من حديث ابن عمر في ترجمة عيسى بن عبد الله الأنصاري وضعفه، وكذا ضعفه ابن حبان. وقال الأثرم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو أسامة، عن مجالد، عن الشعبي قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس فقال: "السلام عليكم" ... » الحديث، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 ومن شرائطها الجماعة لأن الجمعة مشتقة منها،   [البناية] وهو مرسل فلا يحتج به عنده. وقال عبد الحق في " الأحكام الكبرى ": هو مرسل. وإن أسنده أحمد من حديث عبد الله بن لهيعة فهو معروف بالضعف فلا يحتج به. وقال البيهقي: ليس بقوي، يعني الحديث. وفي " الدراية ": والحجة عليه أي على الشافعي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام» . وما رواه يحتمل أن يكون قبل هذا القول. وفي "المبسوط ": يستحب للقوم أن يستقبلوا الإمام عند الخطبة، وبه قال مالك والشافعي وأحمد، وقال ابن المنذر: وهذا كالإجماع. وقال النووي: يكره في الخطبة أن يفعل الخطيب ما يفعله الجهال من الخطباء من الدق بسيف على درج المنبر، وكذا المجازفة في أوصاف السلاطين في الدعاء لهم، انتهى. ويستحب أن يتوكأ الخطيب في خطبته على نحو قوس وغيره، «وروى أبو داود عن رجل له صحبة في حديث طويل أنه قال: شهدنا الخطبة مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقام يتوكأ على عصا أو قوس.» وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن ابن حبان عن يزيد بن عبد البر عن أبيه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطبهم يوم عيد وفي يده قوس أو عصا» . وعن طلحة بن يحيى قال: رأيت عمر بن عبد العزيز يخطب وبيده قضيب، وذكر البقالي: يخطب بالسيف في بلدة فتحت بالسيف. [الجماعة من شرائط الجمعة] [العدد الذي تصح به صلاة الجمعة] م: (ومن شرائطها) ش: أي ومن شرائط الجمعة. م: (الجماعة، لأن الجمعة مشتقة منها) ش: فلا يتحقق بدونها، كالضارب لما كان مشتقا من الضرب لم يتحقق بدونه، وكذا في سائر المشتقات، واجتمعت الأمة على أنها لا تصح من المنفرد إلا ما ذكره ابن حزم في " المحلى " عن بعض الناس أن الفذ يصلي الجمعة كالظهر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 وأقلهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثلاثة سوى الإمام، وقالا اثنان سواه   [البناية] م: (وأقلهم) ش: أي أقل الجماعة في انعقاد الجمعة. م: (عند أبي حنيفة ثلاثة) ش: أي ثلاثة رجال. م: (سوى الإمام) ش: وبه قال زفر والليث بن سعد، وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي وأبي ثور والثوري في قول واختاره المزني. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد. م: (اثنان سواه) ش: أي سوى الإمام، وبه قال أبو ثور وأحمد في رواية والثوري في رواية، وهو قول الحسن البصري، واعلم أن في العدد الذي تصح به الجمعة أربعة عشر قولا، الأول والثاني ذكرناهما الآن. والثالث: إنما تنعقد بواحد سوى الإمام، وهو قول النخعي والحسن بن حي وأبي سليمان وجميع الظاهرية. والرابع: بسبعة رجال، وهو مروي عن عكرمة. والخامس: بتسعة. والسادس: باثني عشر رجلا. وهو قول ربيعة. والسابع: بثلاثة عشر رجلا، ذكره في " المحلى ". والثامن: بعشرين. والتاسع: بثلاثين، رواه ابن حبيب، ذكره في " المحلى ". والعاشر: بأربعين سواك، ذكره ابن شداد عن عمر بن عبد العزيز. والحادي عشر: بأربعين رجلا أحرارا بالغين عقلاء مقيمين لا يظعنون صيفا ولا شتاء إلا ظعن حاجة. وهو قول الشافعي، وظاهر قول أحمد ولم يوافقه على جميع شروطه. والثاني عشر: بخمسين رجلا، حكاه في " المحلى " عن عمر بن عبد العزيز، ورواه عن أحمد. والثالث عشر: ثمانين، ذكره المازري. والرابع عشر: بغير تحديد. واحتج الشافعي بقصة أسعد بن زرارة، رواها أبو داود عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه كعب بن مالك أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة: قلت له: إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة قال: لأنه أول من جمع بنا في هزم النبيت في حرة بني بياضة في نقيع يقال له نقيع الخضمات، قلت: كم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون، رواه ابن ماجه والبيهقي أيضا. وقد ذكرناه في أول الكتاب مشروحا، ولا حجة له فيه بوجهين: أحدهما: أنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] كان قبل أن يقدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما رواه البيهقي في "سننه الكبرى". والثاني: أنه يجوز مع الأربعين ولا يدل على عدم الجواز بدون الأربعين، ونحن نجوزه بدون الأربعين وبأقل من الأربعين وبأكثر منها. واحتج الشافعي أيضا بما روي عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة» . وبما روي عن أبي هريرة أنه أقام الجمعة بجواثا بإذن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفيها أربعون رجلا، وبما روي عن أبي أمامة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا جمعة إلا بأربعين» . وبما روي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «إذا اجتمع أربعون فعليهم الجمعة» وأيضا لم ينقل على عهد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والخلفاء بعده الجمعة بأقل من أربعين رجلا. والجواب عما روى جابر: إن قلت: إنه لا يدل على نفي الجواز بما دون الأربعين. قلت: في قول الصحابة: مضت السنة، خلافا بين العلماء، وقال النووي: حديث جابر هذا ضعيف، رواه البيهقي وغيره بإسناد ضعيف، وقال: هو حديث لا يحتج بمثله. والجواب عن حديث أبي هريرة: كالجواب عن حديث جابر. والجواب عن حديث أبي أمامة: أنه لا أصل له، والجواب عما روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا اجتمع أربعون فعليهم الجمعة» أن صاحب الوجه ذكره ولم يثبت عند أهل النقل. والجواب عن قولهم ينقل على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .... إلخ: أنه يرده ما رواه البخاري ومسلم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - من حديث جابر قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب قائما يوم الجمعة فقدم عير من الشام فنفر الناس وبقي معه اثنا عشر رجلا فأنزل الله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] (الجمعة: الآية 11) » ، قال أبو بكر الرازي: ومعلوم أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يترك الجمعة منذ قام بالمدينة، ولم يذكر رجوع القوم، فوجب أن يكون قد صلى باثني عشر رجلا، فبطل اشتراط الأربعين كما قال الشافعي وابن حنبل رحمهما الله، ولأن أول جمعة كانت بالمدينة صلاها مصعب بن عمير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باثني عشر رجلا قبل الهجرة، فبطل بذلك اشتراط الأربعين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والأصح أن هذا قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وحده له أن في المثنى معنى الاجتماع، وهي منبئة عنه، ولهما أن الجمع الصحيح إنما هو الثلاث؛ لأنه جمع تسمية ومعنى، والجماعة شرط على حدة، وكذا الإمام فلا يعتبر منهم،   [البناية] فإن قلت: روى البيهقي والدارقطني أنهم انفضوا فلم يبق إلا الأربعون. قلت: هذا ليس بصحيح، والصحيح ما رواه الشيخان. فإن قلت: انفضوا في الخطبة أم في الصلاة؟ قلت: في روايات مسلم أنهم انفضوا في الخطبة، وفي رواية البخاري في الصلاة. م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (والأصح أن هذا قول أبي يوسف وحده - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي الأصح أن كون الاثنين سوى الإمام شرطا لانعقاد الجمعة، هو قول أبي يوسف وحده - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد مع أبي حنيفة - رحمهما الله-، والمذكور في عامة نسخ " المختصر " أن محمدا مع أبي يوسف، واحترز المصنف بقوله والأصح أن هذا. م: (له) ش: لأبي يوسف. م: (أن في المثنى معنى الاجتماع) ش: لأن فيه اجتماع واحد مع آخر. م: (وهي) ش: أي الجمعة. م: (منبئة) ش: أي مخبرة. م: (عنه) ش: أي عن الاجتماع لما ذكر أن الجمعة مشتقة من الجماعة وفي الجماعة اجتماع لا محالة. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله-. م: (أن الجمع الصحيح) ش: يعني لغة ومعنى. م: (إنما هو الثلاث) ش: ولهذا يقال رجال ثلاثة، ولا يقال رجال اثنان. م: (لأنه) ش: أي لأن الثلاث. م: (جمعة تسمية) ش: أي من حيث التسمية في اللغة. م: (ومعنى) ش: أي ومن حيث المعنى أيضا، ولهذا صح تقسيم أهل الصنعة بين المفرد والمثنى والمجموع ونفي الجمع عن التثنية في قول القائل، هذا مثنى وليس بمجموع. وهذا تثنية وليس بجمع، فإذا صح أن الجماعة مشروطة في الجمع وجب حملها على الجمع المطلق وهو الثلاث فما فوقها، حتى يقوم الدليل على إرادة الاثنين، كما في قَوْله تَعَالَى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نكاح إلا بشهود» ولما قال القائل فيما قاله أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - كذلك لأنه يقبل مع الإمام ثلاثة، أجاب المصنف بقوله. م: (والجماعة شرط على حده) ش: أي وحدها دون الإمام. م: (وكذا الإمام) ش: شرط على حدة. م: (فلا يعتبر منهم) ش: أي من الجماعة، لأن الله تعالى قال: {فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9] وهو يقتضي ثلاثة، لأنها أقل الجمع وقوله: {إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] يقتضي ذاكرا، فذلك أربعة، ومن وجه خمسة، لأن قوله: {إِذَا نُودِيَ} [الجمعة: 9] يقتضي المنادي، وهو المؤذن، وقوله: {فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9] يقتضي ثلاثة، لأنها أقل الجمع، وقوله: {إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] يقتضي الذاكر، وهو الإمام، وعلى كل حال يجب أن يكون لهم من يصلح إماما، حتى إذا كان صبيا أو مجنونا لا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 وإن نفر الناس قبل أن يركع الإمام ويسجد، ولم يبق إلا النساء والصبيان استقبل الظهر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا إذا نفروا عنه بعدما افتتح الصلاة صلى الجمعة، فإن نفروا عنه بعدما ركع وسجد سجدة بنى على الجمعة في قولهم جميعا خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] يجوز. م: (وإن نفر الناس) ش: يعني إذا اقتدى الناس بالإمام في صلاة الجمعة، ثم عرض للناس عارض إذا هم إلى النفور فنفروا وبقي الإمام وحده إن كان ذلك. م: (قبل أن يركع الإمام ويسجد) ش: يعني بعد الشروع، لأنهم إن نفروا قبل شروعهم مع الإمام لا يصلي الجمعة بلا خلاف، والخلاف في النفور بعد الشروع قبل الركوع والسجود لما نذكره، وقوله. م: (ولم يبق إلا النساء والصبيان) ش: يعني لم ينفروا فلا يعتبر لبقائهم، لما يجيء عن قريب. م: (استقبل الظهر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ولو بقي معه رجلان أو صبيان أو نساء. وقال الثوري: إن بقي معه رجلان صلى الجمعة، وبه قال أبو ثور، وإن بقي معه واحد يصلي الجمعة. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله-. م: (إذا نفروا عنه) ش: أي عن الإمام. م: (بعدما افتتح الصلاة صلى الجمعة) ش: وإن بقي وحده. وبه قال المزني في قول. م: (فإن نفروا عنه) ش: أي عن الإمام. م: (بعدما ركع وسجد سجدة بنى على الجمعة في قولهم جميعا) ش: أي في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (خلافا لزفر) ش: فعنده يصلي الظهر، وعند مالك إن انفضوا بعد الإحرام ويسر رجوعهم بنى على إحرامه أربعا وإلا جعلها نافلة وانتظرهم، وإن انفضوا بعد ركعة، قال أشهب وعبد الوهاب - رحمهما الله: يتمها جمعة، وهو اختيار المزني، وقال سحنون: هو كما بعد الإحرام فيشترط إلى الانتهاء. وقال إسحاق: إن بقي معه اثنا عشر صلى الجمعة. وظاهر كلام أحمد استدامة الأربعين. وقال النووي: لو أحرم بالأربعين المشروطة ثم انفضوا فعنه خمسة أقوال، أصحها يتمها ظهرا كالابتداء، وللمزني تخريجان: أحدهما: يتمها جمعة واحدة كقولهما. والثاني: إن صلى ركعة سجد فيها أتمها جمعة، وقيل: إن بقي معه واحدة أتمها جمعة، ونص عليه في القديم، وذكر ابن المنذر إن بقي معه اثنان لا يتمها جمعة وهو رواية البويطي. وقال صاحب " التقريب ": يحتمل أن يكتفي بالعبد والمسافر، وأقام الماوردي الصبي والمرأة مقامهما، فالحاصل بقاء الأربعين في كل الصلاة، هل هو شرط أم لا؟ قولان. فإن قلنا: لا، فهل شرط بقاء عدد أم لا؟ قولان، فإن قلنا، فهل يفصل بين الركعة الأولى والثانية أم لا؟ قولان. فإن قلنا: نعم. فلم يشترط؟ قولان: أحدهما ثلاثة والآخر اثنان، فإذا أردت اختصار ذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 وهو يقول إنها شرط فلا بد من دوامها كالوقت، ولهما أن الجماعة شرط الانعقاد فلا يشترط دوامها كالخطبة،   [البناية] قلت: في المسألة خمسة أقوال: أحدها: يتمها ظهرا كيفما كان وهو الصحيح. والثاني: جمعة كيفما كان. والثالث: إن بقي معه اثنان أتمها جمعة وهو الأظهر. والرابع: إن بقي معه واحد أتمها جمعة. والخامس: إن انفضوا أو بعضهم بعد تمام الركعة يسجد فيها أتم جمعة، وإلا أتمها ظهرا. م: (وهو يقول) ش: أي يقول زفر فيما ذهب إليه. م: (إنها) ش: أي إن الجمعة عنه. م: (شرط فلا بد من دوامها) ش: كما في سائر الشروط. م: (كالوقت) ش: فإن دوامه شرط لصحة الجمعة، فكذلك دوام الجماعة. م: (ولهما) ش: أي ولأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله-. م: (أن الجماعة شرط الانعقاد) ش: أي انعقاد الجمعة لا شرط الأداء. م: (فلا يشترط دوامها) ش: والدليل على ذلك أن المقتدي إذا أدرك ركعة من الجمعة يقضي الجمعة بالاتفاق، وكذا إذا أدرك التشهد عندهما، خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم حاجة المقتدي إلى الإمام فوق حاجة الإمام إلى المقتدي، لأن الإمام أصل، والمقتدي تبع، ودوام الإمام لم يحصل شرطا لصحة صلاة المقتدي حتى صح صلاة المسبوق في الجمعة، مع أن حاجة المقتدي أكبر، فلأن لا يجعل دوام المقتدي شرطا لصحة الإمام أولى. م: (كالخطبة) ش: وجه التشبيه هو كون كل واحد من الجماعة والخطبة شرطا لانعقاد الجمعة، ولكن دوام الخطبة ليس بشرط. فكذلك دوام الجماعة، ألا ترى أن الإمام بعدما كبر وسبقه الحدث فاستخلف من لم يشهد الخطبة أتم الجمعة، فكان استخلافه إياه بعد التكبير كاستخلافه بعد أداء ركعة، فهذا مثله، وفي " التجنيس ": خطب وفرغ منها فذهب القوم كلهم وجاء آخرون وصلى بهم أجزأه، لأنه خطب والقوم حضور، وصلى والقوم حضور فتحقق شرط جواز الخطبة. وعند الشافعي: يجب استئناف الخطبة ولو عاد بعد ذلك القوم ولم يطل الفصل لم يجب استئنافها، ولو طال الفصل ففيه خلاف بين أصحابه، قيل: يجب، وقيل: لا يجب، كذا في " شرح الوجيز " وفي " الأجناس ": لو خطب وحده أو بحضرة النساء لم يجز، وبه قال الشافعي، وعن أبي حنيفة - رحمهما الله: يجوز، والصحيح الأول، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو خطب ولم يسمع الرجال جاز، ولا يضر تباعدهم، ولو خطب والقوم نيام أو صم جازت، ذكره في " الذخيرة "، ولو خطب بحضرة الإمام بغير إذنه لم يجز، والإذن بالخطبة إذن بالصلاة، وكذا الإذن بالصلاة إذن بالخطبة وقد سبق هذا ونظائره فيما سبق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الانعقاد بالشروع في الصلاة، ولا يتم ذلك إلا بتمام الركعة، لأن ما دونها ليس بصلاة، فلا بد من دوامها إليها بخلاف الخطبة لأنها تنافي الصلاة فلا يشترط دوامها، ولا معتبر في بقاء النسوان وكذا الصبيان لأنه لا تنعقد بهم الجمعة فلا تتم بهم الجماعة، ولا تجب الجمعة على مسافر ولا امرأة ولا مريض ولا عبد ولا أعمى.   [البناية] م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الانعقاد بالشروع في الصلاة) ش: تقديره: أن أبا حنيفة يقول: المقدمة الأولى صحيحة، وهي كون الجماعة شرط الانعقاد، والانعقاد إنما هو بالشروع في الصلاة. م: (ولا يتم ذلك) ش: أي الشروع في الصلاة. م: (إلا بتمام الركعة، لأن ما دونها ليس بصلاة) ش: لكونه في محل الرفض، لأن ما دون الركعة معتبر من وجه دون وجه، فالأول فيما إذا يحرم ثم قطع يلزمه القضاء. والثاني: فيما إذا أدرك الإمام في السجود لا يصير مدركا للركعة، وصلاة الجمعة تغيرت من الظهر إلى الجمعة، فلا تغير إلا بتعين ولا تعين إلا بوجود الركعة، والذي يأتي بركعة يأتي بأركان الصلاة ولا يبقى عليه إلا الركن المكرر، والمصلي ما لم يقيد بالسجدة مستفتح لكل ركن، مكان ذهاب الجماعة، قيل: قيدها بالسجدة كذهابهم قبل التكبير، بخلاف ما بعد تقييدها بالسجدة، فإنه مقيد للأركان لا يفتتح، فافهم، فإنه موضع دقيق. م: (فلا بد من دوامها إليها) ش: أي فلا بد من دوام الجماعة إلى الركعة أي إلى تمام الركعة، والفاء فيه نتيجة قوله: لأن ما دونها ليس بصلاة، وفي الحقيقة الفاء جواب شرط محذوف، تقديره: إن لم يكن ما دون الركعة صلاة فلا بد من دوام الجماعة إلى تمام الركعة. م: (بخلاف الخطبة) ش: جواب عن سؤال مقدر تقديره بأن يقال: سلمنا أن الجماعة شرط دوام الخطبة إلى تلك الغاية، وتقدير الجواب هو قوله. م: (لأنها) ش: أي لأن الخطبة. م: (تنافي الصلاة) ش: لأنه حين توجد الخطبة لا توجد الصلاة، وحين توجد الصلاة لا توجد الخطبة، والمنافاة بين الشيئين عبارة عن عدم الاجتماع بينهما في محل واحد، في زمان واحد. م: (فلا يشترط دوامها) ش: أي دوام الخطبة إلى الركعة، والفاء فيه مثل الفاء فيما قبلها. م: (ولا معتبر في بقاء النسوان) ش: لأنه لا ينعقد بهن الجماعة، وهو متعلق بقوله إلا النساء والصبيان، بخلاف بقاء المسافرين وأصحاب الأعذار، ومن لم يشهد الخطبة. م: (وكذا الصبيان) ش: وكذا لا يعتبر بقاء الصبيان، وقد علل هذين الصنفين بقوله. م: (لأنه لا تنعقد بهم الجمعة فلا تم بهم الجماعة) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد، بخلاف ما إذا بقي خلفه من العبيد والمسافرين ثلاثة، حيث يصلي بهم الجمعة عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد، فعندهما يصلي الإمام الظهر، لأنهما يشترطان أربعين رجلا أحرارا مقيمين كما ذكرنا. [من لا تجب عليه الجمعة] م: (ولا تجب الجمعة على مسافر ولا امرأة ولا مريض ولا عبد ولا أعمى) ش: أما المسافر فلما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] روى البيهقي من حديث جابر، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة إلا على امرأة أو مسافر أو عبد أو مريض» وفي إسناده ضعف، ولكن له شواهد ذكرها البيهقي وغيره. وروى الحافظ في "سننه " عن تميم الدارمي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «الجمعة واجبة إلا على خمسة: امرأة أو صبي أو مسافر أو عبد» . وقال ابن المنذر: وفي صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظهر بعرفة، وكان يوم الجمعة دليل على أن لا جمعة على مسافر. قلت: هذا وهم منه، فإن عرفات مفازة، ولا تقام الجمعة في المفازة عند الأئمة الأربعة خلافا للظاهرية ولا يعتد بخلافهم، وحكي عن النخعي والزهري الوجوب على المسافر، وهو قول الظاهرية، وأما المرأة فلما روى أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "سننه" من حديث طارق بن شهاب - رحمهما الله- عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض» ، وقال أبو داود: وطارق بن شهاب - رحمهما الله - قد رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يسمع منه شيئا. قلت: هذا غير قادح في صحة الحديث فإنه يكون مرسل صحابي وهو حجة، وكذا قال النووي في " الخلاصة "، والحديث قال على شرط الشيخين، انتهى. ورواه الحاكم في "مستدركه " عن هريم بن سفيان به، عن طارق بن شهاب عن أبي موسى مرفوعا، فقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد احتجا بهريم بن سفيان، ورواه ابن عيينة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر فلم يذكر فيه أبا موسى، وطارق بن شهاب يعد في الصحابة، وذكر الذهبي في "تجريد الصحابة ": وطارق بن شهاب البجلي الأحمسي له رؤية ورواية، وقد صرح ابن الأثير في "جامع الأصول " بسماعه من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وفي " التهذيب " عن الزهري أنه صحابي أدرك الجاهلية، وصحب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعقد له المزني في أطراف "سننه ". وذكر له عدة أحاديث. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 لأن المسافر يحرج في الحضور، وكذا المريض والأعمى   [البناية] وأما المريض والعبد فللأحاديث المذكورة، وقال ابن المنذر: وجمهور أهل العلم على أنه لا جمعة على مسافر ولا عبد، وهو قول الحسن وعطاء وعمر بن عبد العزيز والشعبي والثوري وأهل المدينة والشافعي وأحمد - رحمهما الله- في إحدى الروايتين في العبد وإسحاق بن راهويه وأبي ثور. وعن الحسن أنها تجب على العبد الذي يؤدي الضريبة، وقال في " الذخيرة ": في رواية ابن سفيان الوجوب على العبد عند مالك، وقال صاحب " الذخيرة ": وهي مردودة بالحديث. وأما الأعمى فلا تجب عليه الجمعة، سواء وجد قائدا أو لا، وكذا على المقعد والعاجز عن الوضوء والتوجه مع مساعد، وعندهما يجب عليهم مع وجود القائد والمساعد، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وذكر المرغيناني: العبد لو أذن له مولاه في الجمعة مخير، وفي " منية المفتي ": يجب عليه، وفي " المرغيناني ": في العبد الذي حضر باب الجامع مع مولاه يحفظ الدابة خلاف، والأصح أنه يصلي إذا لم يخل بحفظ دابته، والمكاتب يجب عليه، وقيل: لا يجب عليه، ومعتق البعض في حال سعايته، كذلك في " جوامع الفقه " والأجير يوما لا يذهب إلى الجمعة والجماعة إلا بإذن المستأجر، وكذا قاله أبو حفص الكبير. وقال أبو علي الدقاق: ليس له منعه في المصر عن حضور الجماعة، لكن يسقط الأجر بقسطه. وفي " المجتبى ": ولا تجب الجمعة على الأجير إلا بإذن المستأجر، أما العبد لو أذن له مولاه، فهو مخير بين الجمعة والظهر، والمختفي من السلطان الظالم يباح له أن لا يخرج إلى الجمعة والجماعة، وتسقط بعذر المطر والوحل. وفي " الذخيرة ": للمولى منع عبده من الجمعة والعيدين. م: (لأن المسافر يحرج في الحضور) ش: هذا إلى قوله: "فإن حضروا" - تعليل عقلي، ولم يذكر المصنف شيئا من الحجج النقلية، قوله: يحرج، من حرج يحرج، من باب علم يعلم، فقال: حرج فلان في أمره إذا استدل عليه، ويقال حرج أيضا إذا ضاق صدره، ويقال: مكان حرج بكسر الراء وفتحها أي ضيق كثير الشجر لا تصل إليه الراعية، والحرج بفتح الراء أيضا الإثم، وقال ابن الأثير: الحرج في الأصل الضيق، ويقع على الإثم والحرام، وقيل: الحرج أضيق الضيق، والحرج الذي يلحق المسافر، إما عدم وجدان أجير يحفظ رحله إذا ذهب إلى الجمعة أو خوف انقطاعه عن رفقته. م: (وكذا المريض والأعمى) ش: وكذا يحرج الأعمى والمريض في الحضور إلى الجمعة، والحرج مرفوع شرعا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 والعبد مشغول بخدمة المولى، والمرأة بخدمة الزوج، فعذروا دفعا للحرج والضرر، فإن حضروا وصلوا مع الناس أجزأهم عن فرض الوقت؛ لأنهم تحملوه فصاروا كالمسافر إذا صام، ويجوز للمسافر والعبد والمريض أن يؤم في الجمعة   [البناية] وفي " قنية المنية ": إن وجد المريض ما يركبه فهو كالأعمى على الخلاف إذا وجد قائدا، وقيل: لا يجب عليه اتفاقا كالمقعد، وقيل: وهو كالقادر على المشي، فيجب في قولهم، وهو الصحيح. قلت: ينبغي أن يكون الصحيح عدم الوجوب، لأن في إلزامه الركوب والذهاب إلى الجمعة زيادة المرض فلا يلزم بالحضور، والممرض قيل كالمريض والأصح أنه أن يبقى ضائقا بخروجه فهو عذر. م: (والعبد مشغول بخدمة المولى) ش: فإذا ألزم الحضور يحصل الضرر لمولاه بترك الخدمة، فصار كالحج والجهاد، بخلاف الصلاة المفروضة لأنه يؤديها بنفسه في زمان يسير فلا يلزم الضرر بالمولى، وكذا الصوم لأنه قادر على الجمع بينه، وبين خدمة المولى. م: (والمرأة بخدمة الزوج) ش: أي والمرأة مشغولة بخدمة الزوج، فإذا ألزمت بالحضور حصل الضرر. م: (فعذروا) ش: أي إذا كان كذلك فهم عذروا وهو على صيغة المجهول المبني للمفعول، والضمير فيه يرجع إلى المسافر والمرأة والمريض والعبد والأعمى. م: (دفعا للحرج والضرر) ش: أي لدفع المشقة، وهو نصب على التعليل. قوله: والضرر، يجوز أن يكون تفسيرا للحرج أو يكون الحرج في بعض هؤلاء، والضرر في بعضهم. م: (فإن حضروا) ش: أي فإن حضر هؤلاء المذكورين في يوم الجمعة إلى الصلاة. م: (وصلوا مع الناس أجزأهم عن فرض الوقت) ش: أي أجزأتهم الجمعة عن الظهر. وقال ابن قدامة: لا نعلم في هذا خلافا. وقال ابن المنذر: أجمع من يحفظ عنه من أهل العلم على أن النساء لو صلين الجمعة يجزئهن عن الظهر، مع إجماعهم على أن لا جمعة عليهن، انتهى. وعن الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كان نساء المهاجرين يصلين الجمعة مع رسول الله يحتسبن بها من الظهر، ولأن هؤلاء من أهل الفرض والرخصة لهم في ترك السعي للعذر، فلما حضروا زال العذر وسقط الفرض. م: (لأنهم) ش: أي لأن هؤلاء المذكورين. م: (تحملوه) ش: أي الحرج. م: (فصاروا كالمسافر إذا صام) ش: في رمضان يسقط عنه الفرض، فكذا هؤلاء يسقط عنهم الفرض بحضورهم وصلاتهم الجمعة. [إمامة المسافر والعبد والمريض في الجمعة] م: (ويجوز للمسافر والعبد والمريض أن يؤم في الجمعة) ش: أي لكل واحد أن يؤم، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أصح قوليه، وفي قول: إن كان صاحب العذر أحدا من أربعين رجلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجزئه؛ لأنه لا فرض عليه، فأشبه الصبي والمرأة. ولنا أن هذه رخصة، فإذا حضروا يقع فرضا على ما بيناه، أما الصبي فمسلوب الأهلية، والمرأة لا تصلح لإمامة الرجال. وتنعقد بهم الجمعة، لأنهم صلحوا للإمامة فيصلحون للاقتداء بطريق الأولى، ومن صلى الظهر في منزله يوم الجمعة قبل صلاة الإمام ولا عذر له كره له ذلك وجازت صلاته. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجزئه.   [البناية] لا يجوز. وقال مالك: لا تصح إمامة العبد. وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز خلف العبد والمسافر، وفي الحل منع ذلك من جواز إمامة المسافر في الجمعة، قيل: هو خطأ. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجزئه) ش: أي لا يجزئ كل واحد منهم أن يؤم. م: (لأنه لا فرض عليه) ش: أي فرض صلاة الجمعة. م: (فأشبه الصبي والمرأة) ش: في عدم جواز إمامتهما. وفي " جوامع الفقه " روى عن أبي يوسف مثل قول زفر. م: (ولنا أن هذه رخصة) ش: أي سقوط الجمعة عن المذكورين رخصة، وتأنيث الإشارة باعتبار الخبر، وإنما كان السقوط رخصة لهم دفعا للحرج. م: (فإن حضروا يقع فرضا) ش: يعني إذا تركوا الرخصة وحضورا وصلوا يقع ما صلوا عن فرض الوقت، لأن الإسقاط عنهم لدفع الحرج، والقول بعدم الجواز يؤدي إلى الحرج، وفيه فساد الوضع. م: (على ما بيناه) ش: أشار به إلى قوله: لأنهم تحملوه. م: (أما الصبي فمسلوب الأهلية) ش: جواب عن قول زفر: فأشبه الصبي، وتقريره: أن الصبي لا أهلية له لعدم البلوغ، فالقياس عليه لا يجوز. م: (والمرأة لا تصلح لإمامة الرجال) ش: هذا أيضا جواب عن قول زفر: فأشبه المرأة، وهو ظاهر. م: (وتنعقد بهم الجمعة) ش: هذه مسألة متبرأة، أي تنعقد بالمسافر والعبد والمريض الجمعة. م: (لأنهم صلحوا للإمامة فيصلحون للاقتداء بطريق الأولى) ش: لأن من جازت إمامته في الجمعة يعتد به في العدد، وفيه إشارة إلى رد قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن هؤلاء لا تصلح إمامتهم، فلا يعتد بهم في العدد الذي تنعقد بهم الجمعة. م: (ومن صلى الظهر في منزله يوم الجمعة قبل صلاة الإمام) ش: أي قبل أن يصلي الإمام الجمعة، قيد به لأنه إذا صلى الظهر في منزله بعدما صلى الإمام الجمعة جاز بالاتفاق. م: (ولا عذر له) ش: أي والحال أنه لا عذر له، قيد به لأن المعذور إذا صلى الظهر قبل صلاة إمام الجمعة يجوز بالاتفاق، والمعذور مثل المسافر والعبد والمريض والمرأة. م: (كره له ذلك) ش: أي ما فعله من صلاته في منزله قبل صلاة إمام الجمعة، وجه الكراهة مخالفة إمام الجمعة. م: (وجازت صلاته) ش: عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وأبي ثور وابن نافع والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في القديم. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجزئه) ش: وبه قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 لأن عنده الجمعة هي الفريضة أصالة، والظهر كالبدل عنها، ولا مصير إلى البدل مع القدرة على الأصل. ولنا أن أصل الفرض هو الظهر في حق الكافة، هذا هو الظاهر. إلا أنه مأمور بإسقاطه بأداء الجمعة، وهذا لأنه متمكن من أداء الظهر بنفسه دون الجمعة لتوقفها على شرائط لا تتم به وحده، وعلى التمكن يدور التكليف،   [البناية] في الجديد، وقال ابن المنذر: والفرض هو الذي في بيته إذا كان الإمام يؤخر الجمعة، وقال الحكم بن عيينة: يصلي معهم ويصنع الله ما يشاء. م: (لأن عنده) ش: أي لأن عند زفر. م: (الجمعة هي الفريضة أصالة) ش: أي من حيث الأصالة، لأنه مأمور بالسعي إليها منهي عن الاشتغال بالظهر ما لم يتحقق فوت الجمعة، وهذا صورة الأصل. م: (والظهر كالبدل عنها) ش: أي عن الجمعة. م: (ولا مصير إلى البدل مع القدرة على الأصل) ش: كالتيمم مع القدرة على الماء، وإنما قال: والظهر كالبدل عنها، ولم يقل: والظهر بدل عنها؛ لأن الأربع لا تكون بدلا عن الركعتين حقيقة. م: (ولنا أن أصل الفرض هو الظهر، في حق الكافة) ش: أي في حق الناس كافة. م: (هذا هو الظاهر) ش: أي كون أصل الفرض هو الظهر، ظاهر المذهب عند أصحابنا الثلاثة، وأشار به إلى أن في هذا اختلاف الرواية، ففي " الذخيرة ": فرض الوقت الظهر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأول، وفي قوله الآخر: الفرض أحدهما غير معين، وإنما يتعين بالفعل إلا أن الجمعة آكد من الظهر، وفي " الينابيع ": وقيل: الفرض أحدهما أو فرضها الجمعة، حتى لو صلاهما فالفرض هو الجمعة تقدمت أو تأخرت. وفي " المرغيناني " و" الولوالجي ": وقيل: الواجب كلاهما، ويسقطان بأداء الجمعة، وفي " المفيد " قال أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله-: فرض الوقت الظهر، لكن أمر غير المعذور بإسقاطه بالجمعة حتما والمعذور رخصة. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فرض الوقت الجمعة، لكن رخص له بإسقاطها بالظهر، ومثله في " المحيط "، وفي " الينابيع ": هو أصح أقواله، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: لا أعلم فرض الوقت ما هو، وإنما الفرض ما استقر عليه فعله. م: (إلا أنه مأمور بإسقاطه) ش: أي إسقاط الظهر. م: (بأداء الجمعة) ش: عند وجود شرائطها. م: (وهذا) ش: أي ما ذكرنا من كون الظهر هو الأصل وكونه مأمورا بإسقاطه بأداء الجمعة. م: (لأنه) ش: أي لأن المكلف. م: (متمكن من أداء الظهر بنفسه) ش: أي وحده. م: (دون الجمعة) ش: أي غير متمكن من أداء الجمعة. م: (لتوقفها على شرائط) ش: خارجة عن قدرته؛ هي الإمام والخطبة والجماعة والمصر. م: (لا تتم) ش: تلك الشرائط. م: (به) ش: أي بالمكلف. م: (وحده) ش: من عدم قدرته عليهما. م: (وعلى التمكن يدور التكليف) ش: لأن مدار التكليف على الوسع بالنص، فدل ذلك أن الظهر هو فرض الوقت، لكن عليه إسقاطه بالجمعة عند وجود شرائطها كما ذكرنا، ألا ترى أن الجمعة إذا لم تصل حتى خرج الوقت يُقضى الظهر لا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 فإن بدا له أن يحضرها فتوجه إليها والإمام فيها بطل ظهره عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالسعي.   [البناية] الجمعة، فلو لم يكن فرض الوقت الظهر لم يقض الظهر بل الجمعة. وثمرة الخلاف بين محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه على غير ظاهر الرواية، فظهر فيمن تذكر أن عليه فجر يومه يخاف فوت الجمعة إن اشتغل بالفجر فعندهما لا تجزئه الجمعة، لأن فرض الوقت هو الظهر، فإذا ترك الجمعة أمكنه فعل الظهر من غير فوات، وعند محمد يصلي الجمعة لأن فرض الوقت هي الجمعة، فصار كالذي يذكر فجر يومه في آخر وقت الظهر، حيث يصلي الظهر لئلا يفوت فرض الوقت. م: (فإن بدا له أن يحضرها) ش: أي فات ظهر لهذا الذي صلى الظهر في منزله يوم الجمعة قبل صلاة الإمام ولا عذر له أن يحضر للجمعة. م: (فتوجه إليها) ش: إلى الجمعة. م: (والإمام فيها) ش: أي والحال أن الإمام في صلاة الجمعة لم يفرغ منها. م: (بطل ظهره) ش: الذي صلاه في منزله. م: (عند أبي حنيفة بالسعي) ش: أي بمجرد سعيه، سواء أدرك الإمام أو لا. وهاهنا قيدان: الأول: قوله: فإن بدا له أن يحضرها؛ لأنه إذا خرج لا يريد الجمعة لا يرتفض ظهره بالاتفاق. الثاني: قوله: فتوجه والإمام فيها لأنه إذا توجه بعد فراغ الإمام لا يرتفض ظهره بالاتفاق، وقد اختلفت عبارات كتب أصحابنا في هذا الباب. ففي " المحيط " لو توجه إليها والإمام لم يؤدها إلا أنه لا يُرْجَى إدراكها لبعد المسافة لم يبطل ظهره في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عند العراقيين، ويبطل عند البلخيين، وهو الصحيح. ولو توجه إليها ولم يصلها الإمام بعذر أو بغير عذر، اختلفوا في بطلان ظهره، والصحيح أنه لا يبطل، وعن الحلواني لو لم يخرج من البيت ولكن أداها قبل الخروج إذا كان البيت واسعا لم يبطل ما لم يجاوز العتبة، وقيل: يبطل إذا خطا خطوتين، وفي " التحفة ": هو على وجهين: الأولى: إن صلى معه أو أدركه في الصلاة بعدما فاته يبطل ظهره بلا خلاف. والثاني: حين سعى كان الإمام في الجمعة، لكن عند حضوره كان قد فرغ منها، فكذلك عنده، وعندهما لم ينقض ما لم يشرع معه. وفي " الأسبيجابي ": لو صلى الظهر في بيته ثم خرج إلى الجمعة وقد فرغ الإمام لا يرتفض الظهر في قولهم، ولو أنه حين خرج كان الإمام فيها، فلما انتهى إليه فرغ منها يرتفض عنده، خلافا لهما. وفي " المحيط " ذكر الطحاوي أنه إذا كان خروجه وفراغ الإمام معا لم ينقض ظهره، وفي " الينابيع": إذا توجه والإمام فيها أو لم يشرع بعد بطل ظهره. وفي " المبسوط ": يعتبر سعيه بعد انفصاله من داره. وفي " قنية المنية ": يرتفض الظهر عنده بأداء بعض الجمعة، وعندهما لا يرتفض ما لم يؤدها، هكذا روى الحسن، ومثله في " المحيط". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 وقالا: لا يبطل حتى يدخل مع الإمام؛ لأن السعي دون الظهر فلا ينقضه بعد تمامه، والجمعة فوقها فينقضها، وصار كما إذا توجه بعد فراغ الإمام، وله أن السعي إلى الجمعة من خصائص الجمعة   [البناية] وفي " التحفة " و "المختلف ": لو صلى المعذور الظهر ثم أدرك الجمعة لا يبطل ظهره عند زفر، لأنه قدر على الأصل بعد حصول المقصود بالبدل، وعندنا ينقض لأنه إذا أدى الجمعة كانت هي الفرض عليه فلا يبقى الظهر ضرورة للتنافي. وفي " خزانة الأكمل " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - صلى بقوم الظهر يوم الجمعة ثم دخل مع الإمام في صلاة الجمعة فصلى بعضها ثم أفسدها أجزأته الظهر في منزله، ولو أتمها مع الإمام انقلبت ظهره تطوعا وبقي للقوم فريضة، وكذا في " المحيط ". م: (وقالا: لا يبطل حتى يدخل مع الإمام) ش: كذا ذكروا قولهما في شرح " الجامع الصغير " وكذا ذكر أبو بكر الرازي، والأسبيجابي في شرحيهما " لمختصر الطحاوي "، وكذا ذكر القدوري في شرح " مختصر الكرخي " حيث قال: وقالا: يبطل الظهر حتى يكبر للجمعة، وهذا كله يدل على أن الظهر ينقض عندهما بمجرد الشروع مع الإمام، وذكر خواهر زاده في "مبسوطه" أن قولهما لا يرتفض الظهر ما لم يؤد الجمعة كلها، حتى إذا شرع في الجمعة مع الإمام ثم إنه تكلم قبل أن يتم الجمعة، فإنه يرتفض عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما لا يرتفض، ثم قال: هكذا ذكر الحسن في كتاب صلاته. م: (لأن السعي دون الظهر) ش: لأنه ليس مقصود بنفسه والظهر مقصود بنفسه. م: (فلا ينقضه بعد تمامه) ش: أي فلا ينقض السعي الظهر بعد تمام الظهر لأن الأعلى لا ينتقض بالأدنى. م: (والجمعة فوقها) ش: أي فوق الظهر، وإنما أنث الظهر باعتبار الصلاة. م: (فينقضها) ش: أي إذا كانت الجمعة فوق صلاة الظهر فتنقض صلاة الظهر، لأنا أمرنا بإسقاط الظهر بالجمعة فجاز أن ينقضه. م: (وصار) ش: أي هذا الذي بدا له أي يتوجه والإمام فيها ولم يدخل معه. م: (كما إذا توجه بعد فراغ الإمام) ش: من صلاة الجمعة فإنه لا يبطل ظهره بالاتفاق. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (أن السعي إلى الجمعة من خصائص الجمعة) ش: لأنه من الفروض المختصة بالجمعة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] (9: الجمعة) ، وقد نُهِيَ عن السعي في سائر الصلوات، لما روي عن أبي هريرة أنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وائتوها تمشون، عليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» ، رواه الأئمة الستة وغيرهم. وذكر في " الأسرار " أن وجه كون السعي من خصائص الجمعة هو أن صلاة الجمعة صلاة خصت بمكان، لا يمكن الإقامة إلا بالسعي إليها، فصار السعي مخصوصا به دون سائر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 فينزل منزلتها في حق ارتفاض الظهر احتياطا، بخلاف ما بعد الفراغ منها لأنه ليس بسعي إليها. ويكره أن يصلي المعذورون الظهر بجماعة يوم الجمعة في المصر،   [البناية] الصلوات، فإنه يصح أداؤها في كل مكان، فإذا صار من خصائص الجمعة شرعا أشبه الاشتغال به الاشتغال بركن منها، والشخص إذا تشاغل بالجمعة بطل الظهر. فإن قلت: كيف لا يبطل الظهر إذا توضأ يريد الجمعة والطهارة من فروضها. قلت: سلمنا أنها من فروضها ولكن ليست من الفروض المختصة بها، واعترض على أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بمسألة القارن، فإنه إذا وقف بعرفات قبل أن يطوف بعمرته يصير رافضا لها، ولو سعى إلى عرفات لا يصير به رافضا للعمرة. وأجيب بأن في العمرة روايتان ذكرهما أبو بكر الرازي: أحدهما: رافضا لعمرته بمجرد التوجه كما في السعي إلى الجمعة فلا يرد الاعتراض، والأخرى: أنه لا يكون رافضا لعمرته حتى يقف بها وهي الرواية المشهورة، ووجه الفرق أن الأمر وارد برفض الظهر بخلاف رفض العمرة، فإنه حرام، فلم تجز إقامة التوجه مقام الوقوف. فإن قلت: الظهر قوي؛ لأنه حسن لمعنى في نفسه، والسعي ضعيف؛ لأنه بمعنى في غيره، فلا ينقض الضعيف القوي. قلت: لما قام السعي مقام الجمعة اعتبر فيه صفة الجمعة لا صفة نفسه، كالتراب لما قام مقام الماء اعتبر فيه صفة الماء لا صفة نفسه، فلما قام مقام القوي صار هو قويا في نفسه. فإن قلت: السعي الموصل إلى الجمعة مأمور به، والسعي الذي لا يدرك به الجمعة غير موصل فيجب أن لا تبطل به الظهر. قلت: الحكم به دائر بين الإمكان لكون الإمام في الجمعة، والإدراك ممكن في الجمعة بإنذار أهل إياه بالإدراك. م: (فينزل منزلتها) ش: أي فإذا كان الأمر كذلك فنزل السعي منزلة الجمعة. م: (في حق ارتفاض الظهر احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط، إذ الأقوى يحتاط في إثباته، ما لا يحتاط في إثبات الأضعف. م: (بخلاف ما بعد الفراغ منها) ش: هذا جواب عن قياسهما، أي بخلاف إدراكه بعد فراغ الإمام من الجمعة. م: (لأنه ليس بسعي إليها) ش: أي إلى الجمعة فلا يبطل الظهر، وما قيل أن السعي المذكور في النص نفس الشيء لا المشي بصفة العدو والإسراع لا يخلو عن نظر، وهو موضع التأمل. وفي " العتبية ": سرعة المشي والعدو غير واجب عندنا وعامة الفقهاء، واختلف في استحبابه، والأصح أن يمشي على السكينة والوقار. [صلاة المعذورين الظهر بجماعة يوم الجمعة في المصر] م: (ويكره أن يصلي المعذورون الظهر بجماعة يوم الجمعة في المصر) ش: وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكره لهم ذلك، بل هو أفضل كما في سائر الأيام، ولكنهم يخفونها حتى إن من رآهم لا يظنهم راغبين عن الإمام. وفي " الحلية " قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المستحب لأصحاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 وكذا أهل السجن، لما فيه من الإخلال بالجمعة، إذ هي جامعة للجماعات، والمعذور قد يقتدي به غيره بخلاف أهل السواد؛ لأنه لا جمعة عليهم،   [البناية] الأعذار أن يؤخروا الظهر بجماعة إلى فوات الجمعة ثم يصلونها، ولكن يجب عليهم إخفاؤها لئلا يتهموا بالرغبة عن صلاة الإمام. وفي " شرح الوجيز " فيه وجهان: أحدهما: لا يستحب، لأن الجماعة في هذا اليوم الجمعة، وهو قول مالك وأبي حنيفة -رحمهما الله- وأصحهما أنه يستحب، وبه قال أحمد والثوري، ولو صلى المعذور ظهره في بيته ثم حضر وصلى الجمعة فجمعته تطوع في الجديد، وبه قال زفر. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم: يحتسب الله تعالى بأيتها شاء. وفي " الغاية ": ولو صلى المعذورون الظهر أجزأهم، وكرهه الحسن وأبو قلابة كقولنا، وقال قوم: يصلون جماعة، روي ذلك عن ابن مسعود. وقال الثوري: وربما فعلته أنا والأعمش، وبه قال إياس بن معاوية وأحمد وإسحاق. م: (وكذا أهل السجن) ش: أي وكذا يكره لأهل السجن إذا صلوا الظهر يوم الجمعة بجماعة، ورخص مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأهل السجن والمسافرين والمرضى أن يجمعوا، واختلف قوله في القديم: تفوتهم الجمعة، فحكى ابن القاسم عنه أنهم يصلون أفرادا أربعا. وفي " جوامع الفقه ": أصحاب الأعذار، ومن لا تجب عليه الجمعة إذا صلوا الظهر بلا أذان ولا إقامة فرادى من غير جماعة كان أحسن. وفي " خزانة الأكمل ": يصلي المعذور بأذان وإقامة في بيته. وفي " الولوالجي ": لا يؤذن ولا يقيم في السجن وغيره كصلاة الظهر. وفي " المبسوط ": لو صلى الإمام الظهر بأهل المصر جازت صلاتهم وقد أساءوا. وفي " المرغيناني ": إذا منع الإمام أهل المصر أن يجمعوا لا يجمعون، وقال أبو جعفر: هذا إذا منعهم باجتهاد، وأراد أن يخرج تلك البقعة أن تكون مصرا، فأما إذا نهاهم تعنتا أو إضرارا بهم، فلهم أن يجمعوا على من يصلي بهم، وزعم أبو إسحاق المروزي من الشافعية - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أنها تصح على كلا القولين ولم يوافقوا عليه. م: (لما فيه) ش: أي لما في الفعل المذكور وهو صلاة المعذورين الظهر بجماعة، وصلاة أهل السجن كذلك. م: (من الإخلال بالجمعة إذ هي جامعة للجماعات) ش: كلمة إذ للتعليل، وهي ترجع إلى الجمعة. م: (والمعذور قد يقتدي به غيره) ش: أي غير المعذور فلا يذهب إلى الجمعة فيخل بالجمعة. م: (بخلاف أهل السواد) ش: وهم أهل القرى. م: (لأنه لا جمعة عليهم) ش: وكذا أهل المفاوز الذين يسقط عنهم شهود الجمعة، لأن يوم الجمعة في حقهم كسائر الأيام، وَيَعْرَى صُنْعُهُمْ عَنْ شُبَهِ مخالفة الإمام والسواد الأعظم. م: (وإن فعلوا ذلك) ش: أي وإن فعل المعذورون الصلاة بالجماعة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 ولو صلى قوم أجزأهم لاستجماع شرائطه. ومن أدرك الإمام يوم الجمعة صلى معه ما أدركه وبنى عليها الجمعة، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا» ، وإن كان أدركه في التشهد أو في سجود السهو بنى عليها الجمعة عندهما.   [البناية] م: (ولو صلى قوم أجزأهم) ش: فعليهم ذلك. م: (لاستجماع شرائطه) ش: الضمير في شرائطه يرجع إلى الفعل الذي دل عليه قوله- فإن فعلوا - المراد بالفعل هو صلاتهم بالجماعة. [حكم المسبوق في صلاة الجمعة] م: (ومن أدرك الإمام يوم الجمعة صلى معه ما أدركه) ش: سواء أدركه في الركعة الأولى أو في الثانية. م: (وبنى عليها الجمعة) ش: أي على ما أدركه كسائر الصلوات. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا» ش: هذا الحديث رواه الأئمة الستة في كتبهم عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وائتوها تمشون عليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا"، ولفظ الجميع فيه "فأتموا» ، ولفظ المصنف أخرجه أحمد في (مسنده) وابن حبان في (صحيحه) عن سفيان بن عيينة عن الزهري وغيره، وقال أبو داود: قال فيه ابن عيينة وحده: فاقضوا، وقال البيهقي: لا أعلم أحدا روى عن الزهري "فاقضوا" إلا ابن عيينة وحده وأخطأ. قلت: في كل ما قالوا نظر، فقد رواه أحمد في (مسنده) عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري به، وقال: فاقضوا، ورواه البخاري في كتابه المفرد في الأدب من حديث الليث عن الزهري به، وقال: فاقضوا، ومن حديث سليمان عن الزهري به نحوه، ومن حديث الليث عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد، وعن أبي هريرة كذلك، ورواه أبو نعيم في " المستخرج " عن أبي داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب عن الزهري به نحوه، فقد تابع ابن عيينة جماعة. فإن قلت: هل فرق بين "أتموا" وبين "فاقضوا" في الاستدلال. قلت: استدل ب "أتموا" من قال: إن الذي يدركه المأموم هو أول صلاته، واستدل ب "فاقضوا" من قال: إن الذي يدركه هو آخر صلاته. وقال صاحب " التنقيح ": والصواب عدم الفرق، فإن القضاء هو الإتمام في عرف الشارع، قال الله تعالى {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200] [البقرة الآية: 200] ، وقال: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} [الجمعة: 10] . م: (وإن كان أدركه في التشهد) ش: أي وإن أدرك الإمام حال كونه في التشهد. م: (أو في سجود السهو) ش: أي إذا أدرك الإمام حال كونه في سجود السهو. م: (بنى عليها الجمعة) ش: أي بنى على صلاة الإمام الجمعة، معناه يصلي ركعتين. م: (عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- وقال ابن المنذر: وهو قول النخعي، والحكم بن عتيبة وحماد وداود. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن أدرك معه أكثر الركعة الثانية بنى عليها الجمعة وإن أدرك أقلها بنى عليها الظهر؛ لأنه جمعة من وجه، ظهر من وجه، لفوات بعض الشرائط في حقه، فيصلي أربعا اعتبارا للظهر،   [البناية] م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن أدرك معه) ش: أي مع الإمام. م: (أكثر الركعة الثانية) ش: أراد بأكثر الركعة الثانية، أدرك في الركوع. م: (بنى عليها الجمعة) ش: أي على صلاة الإمام الجمعة، يعني يصلي ركعتين. م: (وإن أدرك أقلها) ش: أي أقل الركعة الثانية بأن أدرك بعد ركوع الثانية. م: (بنى عليها الظهر) ش: يعني بنى على الجمعة التي صلاها الإمام صلاة الظهر، يعني يصلي أربع ركعات، وبقول محمد قال الزهري وزفر والشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وجعل النووي قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - معهم، وهو غلط. وقال النووي في "شرح المهذب ": وإن أدركه بعدما رفع الإمام رأسه لم يدرك الجمعة بلا خلاف عندهم، وفي كيفية نيته وجهان، أحدهما ينوي الظهر لأنه الذي يؤديه به وأصحهما، وبه قطع الروياني في " الحلية " ينوي الجمعة موافقة للإمام. قلت: يبعد أن يصلي الظهر بنية الجمعة، وهذا لو نوى الظهر في الابتداء لا يصح، وعند أحمد على ما اختاره الحربي ينوي ظهرا، ولو نوى الجمعة لا يجزئه. وقيل: ينوي جمعة حتى يخالف الإمام. فإن قلت: ذكر في المنافع والحواشي أنه ينوي الجمعة بالإجماع. قلت: هو محمول على اتفاق أصحابنا، فكيف يكون إجماعا، وفيه خلاف للشافعية والحنابلة. فإن قلت: كيف جعل الركوع أكثر الركعة الثانية؟ قلت: لأن الأصل في الصلاة الأفعال وأكثرها هو الركوع والسجود. فإن قلت: لم يقل المصنف وإن أدرك معه الركعة الثانية. قلت: لئلا يتوهم أنه إذا أدرك القيام يبني عليه الجمعة، وإلا فلا، فيكون هذا بيانا لثلاث مسائل، وهي إدراكه في القيام قبل القراءة، وفيه بعد القراءة، وفي الركوع وبيان أنه لو أدركه في القومة لا يبني على الجمعة لعدم إدراك الأكثر، والسجود الذي يأتي به مع الإمام لا يعتد به. م: (لأنه جمعة من وجه، ظهر من وجه) ش: أما كونه جمعة من وجه فباعتبار ما وجد من شرائط الجمعة فيما أدرك التحريمة والجماعة والإمام، وأما كونه ظهرا من وجه فباعتبار ما عدم من الشرائط فيما يقضى كالجماعة والإمام. م: (لفوات بعض الشرائط في حقه) ش: أي في حق هذا الذي أدرك أقل الجمعة وهو الجماعة، والإمام كما ذكرنا. م: (فيصلي أربعا) ش: أي إذا كان كذلك يصلي أربع ركعات. م: (اعتبارا للظهر) ش: أي يعتبر اعتبارا لجانب الظهر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 ويقعد لا محالة على رأس الركعتين اعتبارا للجمعة، ويقرأ في الأخريين لاحتمال النفلية، ولهما أنه مدرك للجمعة في هذه الحالة، حتى يشترط نية الجمعة وهي ركعتان، ولا وجه لما ذكره؛ لأنهما مختلفان فلا يبنى أحدهما على تحريمة الأخرى.   [البناية] م: (ويقعد لا محالة) ش: بفتح الميم، معناه هنا لا بد، والميم زائدة، فعلى هذا يجوز أن يكون المحيلة وهو الحيلة وأن يكون الحول وهو القوة والحركة، وعلى كل حال وزنها مفعلة. م: (على رأس الركعتين) ش: وهما اللتان الكاملتان للإمام. م: (اعتبارا للجمعة) ش: أي نظرا لجانب الجمعة، والحاصل أنه يعمل بالشبهين ولزوم القعدة الأولى، رواه الطحاوي عن محمد كما هو لازم للإمام، وفي رواية المعلى عنه لا تلزمه القعدة الأولى لأنها ظاهر من وجه فلا تكون القعدة الأولى واجبة. وقيل وجوبها للاحتياط. قلت: فقال السرخسي: هذا الاحتياط لا معنى له، فإنه إن كان ظهرا فلا يمكنه بناؤها على تحريمة عقدها للجمعة، ولهذا لو دخل وقت العصر وهو في الجمعة يستقبل الظهر، ولا يبنيه على تحريمة الجمعة، وإن كان جمعة فالجمعة لا تكون أربعا، وفي " المرغيناني " روي عن الشيخ الإمام الزاهد أبي حفص الكبير أنه قال لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصير مؤديا للظهر بتحريمة الجمعة وقد جاءت به الآثار. وفي " المنتقى " مسافر أدرك الإمام يوم الجمعة في التشهد صلى أربعا بالتكبير الذي دخل معه ولم يجده خلافا، وقالت طائفة: من لم يدرك الخطبة صلى أربعا، روي هذا القول عن عطاء وطاووس ومكحول ومجاهد، محكي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لفوات الشرط وهو الخطبة في حقه، قيل لابن سيرين: إن من لم يدرك الخطبة صلى أربعا وهو قول أهل مكة، فقال: ليس لهذا معنى. م: (ويقرأ في الأخريين) ش: أي ويقرأ ما تجوز به الصلاة في الركعتين الأخريين اللتين يصليهما هذا المسبوق للاحتياط. م: (لاحتمال النفلية) ش: أي لاحتمال كون ما بين الركعتين نفلا؛ لأنا ذكرنا أن فيه شبهين، فكان في ذلك إعمال الدليلين، وهو أولى من إهمال أحدهما. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله. م: (أنه) ش: أي أن هذا المدرك لأقل الركعة الثانية. م: (مدرك للجمعة في هذه الحالة) ش: وهي الحالة التي أدرك الإمام فيها. م: (حتى يشترط نية الجمعة) ش: حتى لو نوى غيرها لا يصح. م: (وهي ركعتان ولا وجه لما ذكره) ش: أي لا وجه لما ذكره محمد من قوله؛ لأنه جمعة من وجه ظهر من وجه ... إلى آخره. م: (لأنهما) ش: أي لأن الجمعة والظهر. م: (مختلفان) ش: حقيقة وحكما، لأن الجمعة ركعتان، فيشترط فيها ما لا يشترط في الظهر، والظهر أربع ركعات، فالأربع خلاف الاثنين، فإذا كان كذلك. م: (فلا يُبنى أحدهما على تحريمة الأخرى) ش: للاختلاف بينهما. فإن قلت: فيما ذكراه تحريمة الجمعة مع عدم شرطها، وذلك فاسد. قلت: وجوده في حق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الإمام جعل وجودها في حق المسبوق، كما في القراءة. فإن قلت: ذكر المصنف قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا» . قلت: وهو حديث صحيح في معرض الاستدلال لأبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- فما وجه قوله بعد ذلك، ولهما أنه مدرك للجمعة إلخ. قلت: لا مانع من ذلك؛ لأنه يجوز الاستدلال على مطلوب واحد بالمنقول والمعقول، بل هو أقوى، أو نقول: كان الأول استدلالا على ما إذا كان الذي أدركه أكثر، وذلك متفق عليه، فحينئذ ليس الاستدلال لهما فقط بل لهم جميعا، وكون الحديث يدل على المطلوب الثاني لهما أيضا لا ينافيه. وهاهنا بحث ذكره الشراح، فقال السغناقي: واحتج من خالف، أراد من خالف أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبا يوسف في المسألة المذكورة بما روي عن الزهري بإسناده عن أبي هريرة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى، فإن أدركهم جلوسا صلى أربعا» . وقال الأترازي: قال الشيخ أبو نصر البغدادي: ذكر الدارقطني أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أدرك الإمام جلوسا قبل أن يسلم فقد أدرك الصلاة» . وقال صاحب " الدراية ": لهم -أي: لمحمد ومن تبعه- في المسألة المذكورة ما روى الزهري بإسناده عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها ركعة أخرى، وإن أدركهم جلوسا صلى أربعا» . وقال الأكمل أيضا: يعني ما ذكره صاحب " الدراية "، ثم أجاب السغناقي بقوله، قلنا: لا يصح التعليق بهذا الحديث، لأن لفظ الجمعة مع قوله وإن أدركهم جلوسا صلى أربعا، إنما نقله ضعفاء أصحاب الزهري، هكذا قاله الحاكم الشهيد، وأما الثقات من أصحابه كمعمر والأوزاعي، ومالك روى عن الزهري: من أدرك ركعة من صلاة فقد أدركها، فأما إذا أدرك ما دونها، فما حكمه؟ فهو مسكوت عنه، فكان موقوفا على قيام الدليل، وقد قام، وهو ما روي من قوله- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ما أدركتم فصلوا» ... " الحديث. وأجاب الأترازي بما قاله السغناقي وزاد قوله والحديث مذكور في السير هكذا، وقال معمر عن الزهري: ما أرى الجمعة إلا من الصلاة، إن أدرك منها ركعة فقد أدركها، وإن أدرك ما دونها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] صلى أربعا، ولو كان عنده نص في الجمعة لم يحتج إلى الرأي، ولئن صح عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قوله: «وإن أدركهم جلوسا» فمعناه أدركهم جلوسا بعد الصلاة قبل الانصراف، لأنه لم يقل في الصلاة، وأجاب الأكمل وصاحب " الدراية " أيضا بما ذكره السغناقي، وكل منهم لم يحرر الحديث، وقلد بعضهم بعضا، وليس هذا دأب شراح الكتب الموضوعة على الأحاديث النبوية، فنقول وبالله التوفيق: هذا الحديث له طرق: منها ما رواه الدارقطني من حديث ياسين بن معاذ عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك الركوع من الركعة الأخيرة يوم الجمعة فليضف إليها أخرى، ومن لم يدرك الركوع من الركعة الأخيرة فليصل الظهر أربعا» ، وياسين ضعيف متروك. ومنها ما رواه الدارقطني أيضا من حديث سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ: «إذا أدرك أحدكم الركعتين يوم الجمعة فقد أدرك، فإذا أدرك ركعة فليركع إليها أخرى، وإن لم يدرك ركعة فليصل أربع ركعات» ، وهذا أيضا من رواية ياسين. ومنها ما رواه الدارقطني أيضا من حديث سليمان بن أبي داود الحراني عن الزهري عن سعيد وحده مثل اللفظ الأول، وسليمان متروك. ومنها ما رواه الدارقطني أيضا من حديث صالح بن أبي الأخضر عن أبي سلمة وحده نحو الأول، وصالح ضعيف. ومنها ما رواه ابن ماجه: حدثنا محمد بن الصباح، أنبأنا عمر بن حبيب، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى» ، وعمر بن حبيب متروك، ورواه الدارقطني أيضا من رواية الحجاج بن أرطاة، وعبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة كذلك، ولم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 وإذا خرج الإمام يوم الجمعة ترك الناس الصلاة والكلام حتى يفرغ من خطبته. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] يذكروا كلهم الزيادة التي فيه من قوله «ومن لم يدرك الركعة الأخيرة فليصل الظهر أربعا» إلا لبدئه بإدراك الركوع، وأحسن طرق هذا الحديث رواية الأوزاعي على ما فيها من تدليس الوليد. وقد قال ابن حبان في "صحيحه": إنها كلها معلولة، وقال ابن أبي حاتم في " العلل " عن أبيه: لا أصل لهذا الحديث وله طرق أخرى من غير طريق الزهري، رواه الدارقطني من حديث داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، وفيه يحيى بن راشد البراء وهو ضعيف. وقال الدارقطني في " العلل ": حديثه غير محفوظ. وقد روي عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه بلغه عن سعيد بن المسيب، قوله: وهو أشبه بالصواب، وفي هذا الباب عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رواه النسائي وابن ماجه والدارقطني من حديث شعبة، حدثني يونس بن الزبير عن الزهري، وأما قوله «من صلاة الجمعة» فوهم، وذكر الأترازي وقال: وروى خواهر زاده في "مبسوطه" عن أبي الدرداء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من أدرك الإمام في التشهد يوم الجمعة فقد أدرك الجمعة» ، انتهى قلت: هذا ليس له أصل ولا ذكره أحد من أئمة الحديث، والعجب من الأترازي أن هذا طريق مظلم كيف يمشي عليه. م: (وإذا خرج الإمام يوم الجمعة) ش: يعني إذا خرج من منزله أو من بيت الخطابة لأجل الخطبة، ويقال: المراد بخروجه صعوده على المنبر. م: (ترك الناس الصلاة والكلام حتى يفرغ من خطبته) ش: وبه قال مالك، وقيد بالكلام لأن الصلاة في هذين الوقتين تكره بالإجماع أي صلاة التطوع. م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قال "المصنف": إذا خرج الإمام، إلى هنا من كلام القدوري، وأشار "المصنف" بأن هذا قول أبي حنيفة، وقال. م: (وهذا) ش: القول. م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي وهذا الذي ذكره من كراهة الصلاة والكلام وقت خروج الإمام عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - واختلفوا على قوله، فقال بعضهم: يكره كلام الناس، أما التسبيح وأشباهه فلا يكره. وقال بعضهم: يكره ذلك، والأول أصح، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصلي تحية المسجد في حال الخطبة، وبه قال أحمد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 وقالا: لا بأس بالكلام إذا خرج الإمام قبل أن يخطب، وإذا نزل قبل أن يكبر؛ لأن الكراهة للإخلال بفرض الاستماع، ولا استماع هنا، بخلاف الصلاة، لأنها قد تمتد. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام» .   [البناية] وقال ابن المنذر: اختلفوا فيمن دخل المسجد والإمام يخطب، فقال الحسن: يصلي ركعتين، وبه قال مكحول وابن عيينة والمغيرة والشافعي وابن حنبل - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وإسحاق وأبو ثور وطائفة من المحدثين، وعندنا يجلس ولا يصلي. قال ابن المنذر: وبه قال عطاء وصالح وعروة وقتادة والنخعي، وقال ابن حنبل - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إن شئت ركعت، وإن شئت جلست. وقال الأوزاعي: إن كان ركعها في بيته ثم دخل المسجد والإمام يخطب قعد ولم يركع، وإن لم يكن، ركعها إذا دخل المسجد. وقال ابن بطال في " شرح البخاري ": والمنع قول الجمهور من أهل العلم، وذكره ابن أبي شيبة عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (وقالا: لا بأس بالكلام إذا خرج الإمام قبل أن يخطب) ش: وبه قال الشافعي وأحمد -رحمهما الله- وفي "جوامع الفقه " عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يباح الكلام عند جلوسه إذا مكث، وعند محمد لا يباح، وقوله: "قبل أن يخطب" يتعلق بقوله: "لا بأس بالكلام"، لا بقوله: "خرج" لفساد المعنى. م: (وإذا نزل قبل أن يكبر) ش: أي ولا بأس بالكلام أيضا إذا نزل الخطيب من المنبر قبل أن يكبر للصلاة. م: (لأن الكراهة للإخلال بفرض الاستماع) ش: أي لأن كراهة الكلام لأجل الإخلال بفرض استماع الخطبة، وعند خروجه قبل الشروع في الخطبة، وعند نزوله قبل شروعه في الصلاة لا يلزم ذلك. م: (ولا استماع هنا) ش: أي ولا استماع للخطبة في الحالتين المذكورتين. م: (بخلاف الصلاة لأنها قد تمتد) ش: أي قد تطول فيفضي إلى الإخلال ولا يمكن قطعها بخلاف الكلام، لأنه يمكن قطعه متى شاء. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله- عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام» ش: لم يتعرض أحد من الشراح لحال هذا الحديث غير أن الأترازي قال: روى خواهر زاده في "مبسوطه" عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام» . " قلت: هذا غريب مرفوعا، ولهذا قال البيهقي: رفعه وَهْمٌ فاحش، إنما هو من كلام الزهري، رواه مالك في " الموطأ " عن الزهري، قال: خروجه يقطع الصلاة وكلامه يقطع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الكلام، وعن مالك رواه محمد بن الحسن في "موطئه". وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن علي وابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم كانوا يكرهون الصلاة والكلام بعد خروج الإمام. وأخرج عن عروة قال: إذا قعد الإمام على المنبر فلا صلاة. وعن الزهري قال في الرجل يجيء يوم الجمعة والإمام يخطب يجلس ولا يصلي. وقال في " المبسوط ": استدل أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المساجد يكتبون القوم الأول فالأول، إلى أن قال: فإذا خرج الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر، وإنما يطوون الصحف إذا طوى الناس الكلام، فأما إذا كانوا يتكلمون فهم يكتبون، قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] [سورة ق، الآية: 18] » انتهى. وروى الطحاوي من حديث عوف بن قيس «عن أبي الدرداء أنه قال: "جلس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في يوم الجمعة على المنبر يخطب الناس، فتلا آية وإلى جنبي أبي بن كعب - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقلت له: يا أبي متى أنزلت هذه الآية؟ فأبى أن يكلمني حتى نزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المنبر، قال: ما لك من جمعتك إلا ما لغوت، ثم انصرف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجئته فأخبرته، فقلت: يا رسول الله إنك تلوت آية وإلى جنبي أبي بن كعب، فسألته: متى نزلت هذه الآية؟ فأبى أن يكلمني حتى إذا نزلت زعم أنه ليس لي من جمعتي إلا ما لغوت، فقال: صدق، فإذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى ينصرف» . وأخرجه أحمد أيضا في "مسنده" نحوه، غير أن في لفظه «فأنصت حتى يفرغ".» وأخرج البيهقي من حديث عطاء بن يسار «عن أبي ذر، قال: "دخلت المسجد يوم الجمعة والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب فجلست قريبا من أبي بن كعب فقرأ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سورة براءة، فقلت لأبي: متى نزلت هذه السورة؟ فحصر ولم يكلمني، فلما صلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاته، قلت لأبي: إني سألتك فنجهتني ولم تكلمني، فقال أبي: ما لك من صلاتك إلا ما لغوت، فذهبت إلى النبي، فقلت: يا نبي الله كنت بجنب أبي وأنت تقرأ براءة، فسألته: متى أنزلت هذه السورة؟ فنجهني ولم يكلمني ثم قال: ما لك من صلاتك إلا ما لغوت، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صدق أبي» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ثم قال البيهقي: ورواه عبد الله بن جعفر عن شريك عن عطاء عن أبي الدرداء عن أبي بن كعب، وجعل القصة بينهما، ورواه حرب بن قيس عن أبي الدرداء وجعل القصة بينه وبين أبي، ورواه عيسى بن جارية عن جابر بن عبد الله، فذكر معناها بين ابن مسعود وبين أبي بن كعب، ورواه الحكم عن أبان عن عكرمة عن ابن عباس، فجعل معنى هذه القصة بين رجل غير مسمى وبين ابن مسعود، انتهى. قلت: هذا مرسل؛ لأن عطاء بن يسار لم يدرك أبا ذر، وأخرجه ابن ماجه بوجه آخر من حديث عطاء بن يسار «عن أبي بن كعب أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ يوم الجمعة تبارك وهو قائم فذكر بأيام الله، وأبو الدرداء وأبو ذر يغمزني، فقال: متى أنزلت هذه السورة، إني لم أسمع بها إلا الآن، فأشار إليه أن اسكت، فلما انصرفوا، قال: سألتك متى أنزلت هذه السورة فلم تخبرني، فقال أبي: ليس لك من صلاتك اليوم إلا ما لغوت، فذهب إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر له ذلك وأخبره بالذي قال أبي، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صدق أبي» . وأخرج الطحاوي من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخطب يوم الجمعة فقرأ سورة، فقال أبو ذر لأبي بن كعب: متى نزلت هذه السورة؟ فأعرض عنه، فلما قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاته قال أبي لأبي ذر: ما لك من صلاتك إلا ما لغوت، فدخل أبو ذر على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره بذلك، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صدق أبي» . وأخرجه الطيالسي في "مسنده" والبيهقي في "سننه" من طريقه، وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" من حديث الشعبي «أن أبا ذر والزبير بن العوام سمع أحدهما من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه يقرأ وهو على المنبر يوم الجمعة، قال: فقال لصاحبه: متى أنزلت هذه الآية؟ قال: فلما قضى صلاته قال له عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا جمعة لك، فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر ذلك له فقال: "صدق عمر ". - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.» فإن قلت: يشكل على مسألة الصلاة حديث سليك الغطفاني، أخرجه الأئمة الستة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله «أن رجلا جاء يوم الجمعة والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب، فقال: أصليت يا فلان؟ قال: لا، قال: صل ركعتين وتجوز فيهما، وزاد فيه مسلم وقال: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، والإمام يخطب فليركع ركعتين، ويتجوز فيهما، وزاد فيه ابن حبان في "صحيحه "، وقال له: لا تعذر لمثل ذلك» قال ابن حبان: يريد الإبطاء لا الصلاة، بدليل أنه جاز في الجمعة الثانية نحوه، فأمره بركعتين مثلهما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: أجيب عنه بأجوبة: أحدهما: أن حديث سليك هذا محمول على ما قبل النهي عن الكلام في الخطبة، وكان الكلام مباحا في الصلاة والخطبة أيضا. والثاني: أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان إماما وخطيبا، فلا بأس له أن يتكلم، لأنه يخطب والخطبة من أولها إلى آخرها كلام. الثالث: أنه كان قبل الأمر بالاستماع والإنصات المأمورين. الرابع: يحتمل أنه كان أمره بذلك بعد قطع الخطبة لإرادة تعليمه الناس كيف يفعلون إذا دخلوا المسجد، ثم استأنف خطبته بعد ذلك. فإن قلت: روى أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه كان إذا نزل عن المنبر يسأل الناس عن حوائجهم وعن أسعار السوق ثم يصلي» وعن عمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنهما كانا إذا صعدا المنبر يسألان الناس عن أسعار السوق. قلت: حديث أنس كان في ابتداء الإسلام حين كان الكلام مباحا في الصلاة، وأما حديث عمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فمعارض بحديث ابن عمر وابن عباس أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": حدثنا نمير عن حجاج عن عطاء عن ابن عباس وابن عمر أنهما كانا يكرهان الكلام والصلاة يوم الجمعة بعد خروج الإمام، وقال ابن عبد البر: كان ابن عباس وابن عمر يكرهان الكلام والصلاة بعد خروج الإمام، ولا مخالف لهما. فإن قلت: جاء في الحديث أن الدعاء يستجاب وقت الإقامة في يوم الجمعة، فكيف يسكت عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: يقرأ الدعاء بقلبه لا بلسانه، ثم إذا اشتغل الإمام بالخطبة ينبغي للمستمع أن يجتنب بما يجتنب في الصلاة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] [الأعراف، الآية: 204] وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت» وهذا الحديث رواه أبو هريرة وأخرجه عنه الأئمة الستة ما خلا الترمذي، فإذا كان كذلك يكره له رد السلام وتشميت العاطس، إلا في القول الجديد للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يرد ويشمت، قال شيخ الإسلام: والأصح أنه يشمت، والاستماع من أول الخطبة إلى آخرها وإن كان فيها ذكر الولاة والديوان من الإمام. وفي "المجتبى": قيل: وجوب الاستماع مخصوص بزمان الوحي، وقيل: في الخطبة الأولى دون الثانية لما فيها من مدح الظلمة. وعن أبي حنيفة: إذا سلم عليه يرد بقلبه، وعن أبي يوسف: يرد السلام ويشمت العاطس فيها، وعن محمد: يرد ويشمت بعد الخطبة، وقيل: الإشارة بيده ورأسه عند رؤية المنكر يكره، والأصح أنه لا بأس به، ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند ذكره- عَلَيْهِ السَّلَامُ - في قلبه. واختلف المتأخرون فيمن كان بعيدا لا يسمع الخطبة، فقال محمد بن سلمة: المختار السكوت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 من غير فصل، ولأن الكلام قد يمتد طبعا فأشبه الصلاة، وإذا أذن المؤذنون الأذان الأول ترك الناس البيع والشراء وتوجهوا إلى الجمعة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] (الجمعة: الآية 9)   [البناية] وهو الأفضل، وبه قال بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال نصر بن يحيى: يسبح ويقرأ القرآن، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأجمعوا على أنه لا يتكلم، وقيل: الاشتغال بالذكر وقراءة القرآن أفضل من السكوت، وأما رواية الفقه والنظر في كتب الفقه وكتابته، فقيل: يكره، وقيل: لا بأس به. وقال شيخ الإسلام: الاستماع إلى خطبة النكاح والختم وسائر الخطب واجب، وفي " الكامل ": ويقضي الفجر إذا ذكره في الخطبة، ولو تغدى بعد الخطبة أو جامع فاغتسل بعد الخطبة، وفي الوضوء في بيته لا يعيد، ولو صلى ركعتين فالأحسن أن يعيدهما، ويستحب ذكر الخلفاء الراشدين. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يستقبل الإمام فإذا استقبل بالخطبة انحرف إليه واستقبله، ويستحب أن يقعد فيها كما يقعد في الصلاة لقيامها مقام ركعتين، ولا بأس بأن يقعد محتبيا لأنه ينتظر الصلاة، وقيل يقعد كيف شاء، والنوم مكروه فيها إلا إذا غلبت عيناه. م: (من غير فصل) ش: أي بين أن يكون ترك الصلاة والكلام إذا خرج قبل أن يخطب وبين أن يكون تركهما بعد أن يخطب. م: (ولأن الكلام قد يمتد طبعا) ش: هذا دليل من جهة العقل، وجواب عما قالا إن الصلاة قد تمتد والكلام لا يمتد لأنه يمكن قطعه، وتقريره أن الكلام قد يمتد من حيث طبيعة الإنسان وإن كان في نفس الأمر يقدر على قطعه. م: (فأشبه الصلاة) ش: يعني عند امتداده طبعا يشبه امتداد الصلاة شرعا فصار في المنع سواء. [البيع والشراء بعد أذان الجمعة الأول] م: (وإذا أذن المؤذنون الأذان الأول) ش: ذكر المؤذنين بلفظ الجمع، وإن كان لا يحتاج إليه إخراجا للكلام مخرج العادة، فإن المتوارث اجتماع المؤذنين لتبليغ أصواتهم إلى أطراف المصر الجامع، وأراد بالأذان الأول الأذان الذي يؤذن على المئذنة، وهو الأذان الذي أحدث على الزوراء في عهد عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولم ينكره أحد من المسلمين، وفي " المحيط ": الزوراء المئذنة، وفي " البدائع ": اسم المنارة، قال: وقيل: اسم موضع بالمدينة. وقال ابن بطال: الزوراء حجر كبير عند باب المسجد. وقال البخاري: الزوراء موضع بالسوق في المدينة، وفي " المغرب ": الأزور من الرجال الذي مال أحد شقي صدره وبمؤنثه سميت دار عثمان بالمدينة، ومنه قولهم: حديث الأذان بالزوراء. م: (ترك الناس البيع والشراء، وتوجهوا إلى الجمعة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] [الجمعة الآية: 9] ) ش: في " تفسير المنتقى ". {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] فامضوا إليه واعملوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 وإذا صعد الإمام المنبر جلس وأذن المؤذنون بين يدي المنبر، بذلك جرى التوارث ولم يكن على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا هذا الأذان،   [البناية] له وروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سمعت عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقرأ: "فامضوا إلى ذكر الله"، وعنه: ما سمعت عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قط يقرأها إلا "فامضوا إلى ذكر الله"، وروى الأعمش عن إبراهيم: كان عبد الله يقرأها: "فامضوا إلى ذكر الله"، ويقول: لو قرأتها فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي وهي قرابة أبي العالية، وعن الحسن ليس السعي على الأقدام، ولقد نهوا أن يأتوا المسجد إلا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنية والخشوع. وعن قتادة أن تسعى بقلبك وعملك وهي المشي إليها. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: السعي في هذا الموضع هو العمل، قال الله تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4] [الليل، الآية: 4] وقال الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] [النجم، الآية: 39] ، وقَوْله تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] [الجمعة، الآية: 9] ، إلى موعظة الإمام، وقيل: إلى الخطبة والصلاة. قوله {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] [الجمعة، الآية: 9] ، يعني البيع والشراء، لأن البيع يتناول المعنيين، وإنما خص البيع من بين ما يذهل عن ذكر الله من سوى على الدنيا، لأن يوم الجمعة تهبط الناس فيه من قراهم وبواديهم وينصبون إلى المصر من كل أوب فيوقت هبوطهم واجتماعهم واعتضاض الأسواق بهم إذا انفتح النهار وتعالى الضحى وفي وقت الظهيرة، وحينئذ تجر التجارة، ويتكاثر البيع والشراء، فلما كان ذلك الوقت يبطله الذهول بالبيع عن ذكر الله والمضي إلى مسجد الله، قيل لهم أدوا تجارة الآخرة، واتركوا تجارة الدنيا، واسعوا إلى ذكر الله لا شيء أنفع منه وأربح وذروا البيع الذي نفعه يسير وربحه مقارب، قوله "ذروا" من يذر الدعوى من يدع، وأما ثور يذر ويدع إلا ما جاء في قراءة شاذة "وما ودعك ربك" بالتخفيف. م: (وإذا صعد الإمام المنبر جلس) ش: بكسر الميم من المنبر وهو الارتفاع، والقياس فيه فتح الميم على ما عرف في موضعه. م: (وأذن المؤذنون بين يدي المنبر) ش: هذا هو الأذان الأصلي الذي كان في زمان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - من بعده، ثم حدث الأذان الآخر وهو الأذان الأول في عهد عثمان كما ذكرنا. م: (بذلك) ش: أي بالأذان بين يدي المنبر بعد الأذان الأول على المنارة. م: (جرى التوارث) ش: من زمن عثمان بن عفان إلى يومنا هذا. م: (ولم يكن على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا هذا الأذان) ش: أي الأذان الذي يؤذن بين يدي المنبر حين صعد الإمام المنبر، لما روى البخاري من حديث السائب بن يزيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال «: كان البداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فلما أن كان عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكثر الناس زاد النداء على الزوراء» كما ذكرناه، وعن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو أذان المنارة؛ لأنه لو اشترطوا الأذان عند المنبر يفوته أداء السنة وسماع الخطبة، وربما يفوته أداء الجمعة إذا كان المصر بعيد الأطراف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 ولهذا قيل هو المعتبر في وجوب السعي وحرمة البيع، والأصح أن المعتبر هو الأول إذا كان ذلك بعد الزوال لحصول الإعلام به، والله أعلم. وإذا فرغوا من خطبته أقاموا   [البناية] م: (ولهذا قيل: هو المعتبر في وجوب السعي وحرمة البيع) ش: أي ولكن الأذان الأصلي الذي كان على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين يدي المنبر، قال بعضهم - وهو الطحاوي - هو المعتبر في وجوب السعي إلى الجمعة على المكلف، وفي حرمة البيع والشراء، وفي " فتاوى العتابي " هو المختار، وبه قال الشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وأكثر فقهاء الأمصار، ونص في المرغيناني و" جوامع الفقه " أنه هو الصحيح. وقال ابن عمر: الأذان الأول بدعة، ذكر ابن أبي شيبة في "سننه" عنه، وقال الأترازي: قوله في وجوب السعي وحرمة البيع فيه نظر، لأن البيع وقت الأذان جائز لكنه يكره، وبه صرح في " شرح الطحاوية "، وهذا لأن النهي في معنى لغيره لا يعدم المشروعية. قلت: فيه اختلاف العلماء، فقال أبو حنيفة، وأبو يوسف ومحمد وزفر والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يجوز البيع مع الكراهة، وهو قول الجمهور، وقال مالك وأحمد والظاهرية - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - البيع باطل. وفي " المحلى " يصح البيع إلا أن .... الصلاة ولا يصح بخروج الوقت، ولو كان بين كافرين ولا يحرم نكاح ولا إجارة ولا سلم، وقال مالك: كذلك في البيع الذي فيه سلم، وكذا في النكاح والإجارة والسلم، وأباح الهبة والقرض والصدقة، وروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لا يصح البيع يوم الجمعة حين ينادى للصلاة، وفي بقية العقود غير البيع وجهان عند الحنابلة. وذكر أبو بكر الرازي عن مسروق والضحاك ومسلم بن يسار أن البيع يحرم بزوال الشمس، قال مجاهد والزهري بالنداء، واعتبار الوقت أولى إذ يجب عليهم الحضور بدخول الوقت فلا يسقط عنهم تأخير النداء، ولهذا لم يكن للنداء قبل الزوال معنى. وقال السروجي: ينبغي أن يحرم البيع والشراء قبل الزوال أيضا إذا كان منزله بعيدا عن الجامع بحيث تفوت عليه صلاة الجمعة. م: (والأصح أن المعتبر هو الأول) ش: أي الأذان الأول. م: (إذا كان ذلك بعد الزوال لحصول الإعلام به) ش: أي بالأذان الأول، وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي وإسحاق بن زياد، وفي " المبسوط ": الأصح أن كل أذان يكون قبل الزوال فذلك غير معتبر، والمعتبر أول الأذان بعد زوال الشمس، سواء كان على المنبر أو على النور. قلت: هذا الذي ذكره موافق رواية "الهداية "، وهذا أوفق وأحوط. م: (وإذا فرغ من خطبته أقاموا) ش: أي فإذا فرغ الإمام من خطبته أقاموا الصلاة كسائر الصلوات المفروضة، ولو سمع النداء قبل العشاء إذا خاف فوت الجمعة يتركه بخروج وقت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] المكتوبة بخلاف الجماعة في سائر الصلوات. فروع: لو خطب واحد وصلى غيره جاز عندنا، وهو قول مالك وأحمد -رحمهما الله- وأحد قولي الشافعي وأحمد -رحمهما الله- وصلى غيره جاز عندنا، وعندهما لا يصح، لو استدبروا الإمام في الخطبة صح، وقد أساءوا. لا يصح في أحد الوجهين للحنابلة، وكذا لو كان عكس كلمات الخطبة بأن صلى على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثم وعظ ثم حمد وأثنى على الله في أحد الوجهين عندهم. وفي " المبسوط " يستحب للقوم أن يستقبلوا الإمام عند الخطبة، وعن أبي حنيفة أنه كان إذا فرغ المؤذن من أذانه أدار وجهه إلى الإمام وكان ابن عمر وأنس يستقبلان الإمام إذا خطب وهو قول شريح وعطاء وبه قال مالك والأوزاعي والثوري وسعيد بن جبير والشافعي وأحمد وإسحاق، قال ابن المنذر: وهذا كالإجماع. قلت: لكن اليوم يستقبلون القبلة للحرج في تسوية الصفوف لكثرة الزحام، وقال النووي: يكره في الخطبة ما يفعله الخطباء من الدق بالسيف على درج المنبر في صعوده، فإنه بدعة لا أصل له، وكذا الدعاء على المنبر قبل جلوسه، وكذا المجازفة في السلاطين والدعاء لهم، وكذا كذبهم في قولهم السلطان العالم العادل. وأجمعوا أن القراءة بالحمد في الجمعة، وفي " التحفة " وغيرها: لا يقرأ فيها قدر ما يقرؤه في الظهر؛ لأنها بدل منه، وإن قرأ في الجمعة " {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1] " كان حسنا تبركا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمواظبة عليها مكروهة لهجران باقي القرآن وإيهام العامة أن ذلك بطريق الحتم والوجوب. وفي " الواقعات " والمرغيناني: لا بأس بالتخطي والدنو من الإمام إذا لم يضر الناس، وقال الفقيه أبو جعفر: لا بأس به إذا لم يأخذ الإمام في الخطبة، ويكره إذا أخذ فيها وهو قول مالك. وقال قتادة: يتخطاهم إلى مجلسه، وقال الأوزاعي: يتخطاهم إلى البعيد، وقال الشافعي: الخطى إليها بواحد أو اثنين لا بأس به، وأكره الكثير إلا أن لا يجد السبيل إلى المصلى إلا بالتخطي فيسعه، ومنهم من أباحه بإذنهم. وقال ابن المنذر: لا يجوز شيء من ذلك؛ لأن الثقيل من الأذى والكثير مكروه، وكره ذلك أبو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] هريرة وابن المسيب وعطاء، واختلفوا في الدنو من الإمام أفضل أو التباعد، قيل: التباعد أفضل لئلا يسمع الظلمة والدعاء لهم، قال الحلواني: الصحيح أن الدنو منه أفضل، اختلفوا في الصف الأول، كان أصحاب ابن مسعود يرون أن الصف الأول ما يلي المقصورة؛ لأنهم كانوا يمنعون العامة من دخول المقصورة، فكان في ذلك احتراز فضيلة الصف الأول في حق العامة، أما في زماننا فلا يمنع، ومن الصف الذي يلي الإمام ذكره في " خزانة الأكمل " وغيره. اختلفوا فيمن لم يقدر على السجود على الأرض من الزحام، فكان عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: يسجد على ظهر أخيه، رواه البيهقي بإسناد صحيح، وبه قال أصحابنا والثوري والشافعي، وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وقال عطاء والزهري: يمسك عن السجود، فإذا رفعوا سجد، وعندنا لو فعله جاز، وعند الشافعية سجوده على ظهر أخيه واجب في الصحيح. ونقله النووي عن أبي حنيفة وهو وهم، وقال مالك: تفسد الصلاة إن فعل ذلك، وقال نافع: يومئ إيماء، وفي المرغيناني: ينظر حتى يقوم الناس، فإذا وجد فرجة سجد، ولو سجد على ظهر رجل ساجد على ظهر رجل ساجد آخر لم يجز، وكذا لو وجد فرجة، ومع هذا سجد على ظهر رجل لم يجز، ولو ركع ركوعين مع الإمام فيها ولم يسجد بكثرة الزحام حتى فرغ الإمام. قال أبو حنيفة: يسجد سجدتين للركعة الأولى ويلغي الثانية ويقضيها، وإن نواها عن الثانية بطلت نيته وكانت للركعة الأولى. قال أبو جعفر: على أحد الروايتين عن علمائنا، وعلى الرواية الأخرى تكون السجدتان للثانية. وقال أبو جعفر: إن ركع مع الإمام في الأولى ولم يسجد وركع معه في الثانية وسجد، فالثانية تامة ويقضي الأولى ركوعا وسجودا. اختلفوا فيمن زحم في الجمعة عن الركوع والسجود متى فرغ الإمام، فعندنا يصلي ركعتين؛ لأنه أدرك أول الصلاة فهو الأحق، كما لو نام خلفه وهو قول الحسن البصري والأوزاعي والنخعي وأحمد، وقال قتادة وأيوب السجستاني والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وأبو ثور: يصلي أربعا. وقال مالك: أحب إلي أن يصلي أربعا. وفي " المبسوط ": الصحيح عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد جواز الجمعة في مصر واحد في موضعين وأكثر، وفي "جوامع الفقه " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان، والأظهر عنه عدم الجواز في الموضعين، فإن فعلوا فالجمعة للأوليين، وإن وقعتا معا أو جهلت فسدتا. وفي " قنية المنية ": لما ابتلي أهل مرو بإقامة الجمعتين بها مع اختلاف العلماء في جوازهما أمر .... بأداء الأربع بعد الجمعة احتياطا. واختلفوا في نيتها، قيل: ينوي ظهر يومه، وقيل: آخر ظهر عليه، والأحسن وقيل الأحوط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أن يقول نويت آخر ظهر أدركت وقته ولم أصله بعد، وقال الحسن: اختياري أن يصلي الظهر بهذه النية ثم يصلي أربعا بنية السنة. ثم اختلفوا في القراءة، قيل: يقرأ الفاتحة والسورة في الأربع، وقيل: في الأوليين كالظهر. اختلفوا في سبق الجمعة بما إذا يعتبر إذا اجتمعتا في مصر واحد، فقيل بالشروع، وقيل بالفراغ، وقيل بهما، والأول أصح، وعند المالكية والحنابلة قيل بالإحرام، وقيل بالسلام، ذكرهما في " الذخيرة " و" شرح الهداية " لأبي البقاء، وقال: فإذا بطلتا يندب إلى أن يجتمعوا في مكان واحد فصلوا الجمعة، قال: وقيل الظهر وهو ضعيف ويكره بعد الزوال يوم الجمعة ولا يكره قبله، وفي " شرح الأقطع ": لا يكره قبله وبعده، وفي " النوادر " أن يسافر يوم الجمعة قبل الصلاة من غير فصل، وفي " المبسوط ": لا يجوز السفر بعد الزوال يوم الجمعة عند الشافعية، وكذا عند المالكية ذكره في " الذخيرة" للقرافي. قال أبو مطيع: لا يحل للرجل أن يعطي سؤال المسجد، وفي " فتاوى قاضي خان " قال أبو نصر: من أخرجهم من المسجد أرجو أن يغفر له، وقال بعض العلماء: من تصدق بفلس في المسجد ثم تصدق بعد ذلك بأربعين، قلنا لم يكن كفارة لذلك الفلس، وعن خلف بن أيوب أنه قال: لو كنت قاضيا لا أقبل شهادة من تصدق على هؤلاء في المسجد الجامع، وعن أبي بكر بن إسماعيل أنه قال: هذا فلس يحتاج إلى سبعين مثله كفارة له، ولكن تصدقوا قبل أن تدخلوا المسجد أو بعد الخروج منه. وعن ابن المبارك قال: يعجبني أن السائل إذا سأل لوجه الله تعالى لا يعطى له شيئا؛ لأن الدنيا ومتاعها حقير فإذا سأل بوجه الله فقد عظم ما حقره فلا يعطى له زجرا، وقال الصدر الشهيد: إن السائل إذا كان لا يمر بين يدي المصلي ولا يتخطى رقابا ولا يسأل إلحافا ولا يسأل لأمره لا بد له منه فلا بأس بالسؤال والإعطاء خير. وفي "المجتبى": يستحب لمن حضر الجمعة أن يغتسل ويدهن ويمس طيبا إن وجده، ويلبس أحسن ثيابه إن كان له، ويستحب الثياب البيض، وكره الغزالي وأبو طالب المكي لبس السواد، وخالفهما الماوردي «لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خطب وعليه عمامة سوداء.» «ودخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء» وعلى علي بن أبي طالب وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عمامة سوداء يوم قتل عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأحدث بنو العباس لبس السواد شعارا لهم لأن الراية التي عقدت للعباس يوم الفتح ويوم خيبر كانت سوداء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 باب صلاة العيدين قال: وتجب صلاة العيدين على كل من تجب عليه صلاة الجمعة،   [البناية] [باب صلاة العيدين] [حكم صلاة العيدين وعلى من تجب] م: (باب صلاة العيدين) ش: أي هذا باب في بيان صلاة العيدين الفطر والأضحى، وفي بعض النسخ باب العيدين على حذف المضاف لعدم اللبس، ووجه المناسبة بين البابين من حيث إنهما يصليان بجمع عظيم يجهر فيهما بالقراءة، ويشترط لأحدهما ما يشترط للآخر سوى الخطبة فإنها شرط في الجمعة لا تجوز الصلاة بدونها مستحبة في العيد تجوز صلاة العيد بدونها، لكن تنسب إلى الإساءة بتركها السنة، وأيضا خطبة الجمعة تقدم على الصلاة وتؤخر خطبة العيد عنها، فلو قدمت جاز ولا تعاد بعد الصلاة، وأيضا ليس في العيدين أذان ولا إقامة، ويشتركان في حق التكليف، فإن صلاة العيد تجب على من تجب عليه صلاة الجمعة. وأما وجه تقديم الجمعة على العيد فظاهر وهو قوله الجمعة في نفسها بالفريضة، وكثرة وقوعها، ثم أصل العيد عود، لأنه مشتق من عاد يعود عودا، وهو الرجوع. قلبت الواو ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها كالميزان والميقات من الوزن والوقت، ويجمع على أعياد، وكان من حقه أن يجمع على أعواد؛ لأنه من العود كما ذكرنا، ولكن جمع بالياء للزومها في الواحد، أو جمع بالياء للفرق بينه وبين أعواد الخشبة، وسميا عيدين لكثرة عوائد الله فيهما، وقيل: لأنهم يعودون إليه مرة بعد أخرى، وهو من الأسماء الغالبة على يوم الفطر والأضحى. والأصل فيه حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قدمت عليكم ولكم يومان تلعبون فيهما في الجاهلية، وقد أبدلكم الله خيرا منهما يوم النحر ويوم الفطر» رواه أبو داود والنسائي والبيهقي، قال البغوي: حديث صحيح، وأول عيد صلاه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة، وفيها فرض زكاة الفطر، ونزلت فريضة رمضان في شعبان وحولت القبلة وبنى بعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في شوال وتزوج علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بفاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. م: (وتجب صلاة العيدين على كل من تجب عليه صلاة الجمعة) ش: أشار بهذا إلى أن صلاة العيد واجبة، كما رواه الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر هذه الرواية في " المبسوط " وذكر الكرخي أنها تجب على من تجب عليه الجمعة، وفي " العتبية " هي واجبة في أصح الروايات عن أصحابنا، قال قاضي خان: هو الصحيح، وفي " المحيط ": الأصح أنها واجبة، وفي المرغيناني كذلك، وفي " جوامع الفقه " و" منية المفتي " أنها واجبة، وفي " المفيد " هي واجبة. وفي " البدائع " هو الصحيح، وفي " مختصر أبي موسى الضرير " هي فرض كفاية، وفي " الغزنوي " قيل هي فرض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 وفي " الجامع الصغير " عيدان اجتمعا في يوم واحد، فالأول سنة والثاني فريضة   [البناية] كفاية. وفي " العتبية " قيل هي فرض، وأطلق، وقال مالك والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - هي سنة مؤكدة، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا تجب صلاة العيد على كل من تجب عليه الجمعة، وهذا منه يقتضي أن تكون فرض عين، لأن الفرض والواجب عنده في غير الحج واحد، وهو خلاف الإجماع ولهذا تكلموا فيه، وقال ابن العربي في المعارضة: لا أعلم أحدا قال إنها فرض كفاية إلا الإصطخري من الشافعية. قلت: ظاهر مذهب أحمد أنها فرض كفاية، ذكر عنه في " المغني "، وقال في " جوامع الفقه " هو قول ابن أبي ليلى، وقال إمام الحرمين قال به طائفة مع الإصطخري، قوله- على من تجب عليه الجمعة - مشير إلى أنها لا تجب على العبد والمسافر والمريض كالجمعة. فإن قلت: ينبغي أن تجب عليه الجمعة مع إذن مولاه لقيام الظهر مقام الجمعة، وهاهنا ليس كذلك. قلت: نعم، كذلك إلا أنها لا تجب عليه مع الإذن أيضا، لأن المنافع بالإذن لا تصير مملوكة للعبد، فبقي الحال في الإذن كهي قبله، كما في الحج، فإنه لا يقع من حجة الإسلام، وإن حج بإذن مولاه، وكذلك العبد إذا حنث في يمينه يكفر بالمال بإذن مولاه فإنه لا يجوز، لأنه لم يملكه بالإذن. وقال الشافعي: لا يشترط لها ما يشترط للجمعة، حتى يجوز أن يصلي العبد العيد والمسافر والمرأة والمنفرد حيث شاء، وأهل القرى لأنها نافلة، فأشبهت صلاة الاستسقاء والخسوف، وقال في القديم وهو رواية عن أحمد كقولنا. وفي " الجامع الصغير " عيدان اجتمعا في يوم واحد فالأول سنة والثاني فريضة ولا يترك واحد منهما لما ذكر "المصنف" - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن صلاة العيدين واجبة أراد به بلفظ الجامع الصغير ليدل على أنها سنة عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قال شمس الأئمة السرخسي: اشتبه المذهب فيها هل هي واجبة أم سنة، فالمذكور. م: (في الجامع الصغير) ش: أنها سنة لأنه قال. م: (عيدان اجتمعا في يوم واحد فلأول سنة والثاني فريضة) ش: وهو تنصيص على السنة. قال: والأظهر أنها سنة ولكنها من معالم الدين إقامتها هدى وتركها ضلالة، وقال شيخ الإسلام: والصحيح أنها سنة مؤكدة. وقال السغناقي: كل موضع فيه نوع مخالفة بين روايتي القدوري و" الجامع الصغير "، ويفيد لفظ " الجامع الصغير "، ومخالفته هنا ظاهرة وهي إطلاق الواجب على صلاة العيد في لفظ القدوري وإطلاق السنة في " الجامع الصغير "، وتبعه في هذا الكلام صاحب " الدراية " ثم الأكمل كذلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 ولا يترك بواحد منهما   [البناية] قلت: لم يتعرض القدوري في "مختصره" إلى الوجوب ولا إلى السنة، وإنما قال ويصلي الإمام بالناس ركعتين يكبر في الأولى تكبيرة الافتتاح وليس ذكر لفظ " الجامع الصغير " إلا لما ذكرنا، ثم المراد من اجتماع العيدين هاهنا اتفاق كون يوم الفطر أو يوم الأضحى في يوم الجمعة، وتغلب لفظ العيد على لفظ الجمعة، إما لعلة الحروف كما في العمرين، أو التغليب المذكور كما في القمرين، أو لأن يوم الجمعة عيد المؤمنين باعتبار ما لهم من وعد المغفرة والكفارة. قوله: م: (ولا يترك بواحد منهما) ش: أي من العيد والجمعة، أما الجمعة فلأنها فريضة، وأما العيد فلأن تركها بدعة وضلال، وقال فخر الإسلام: ومن الناس من قال: بأنه إذا شهد الأولى منهما لم يلزمه شهود الأخرى؛ لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال في يوم عيد وجمعة «إنكم يا أهل العوالي شهدتم معي العيد وإنما مجمعون فمن شاء فليرجع» وفي " المحلى " و" الأشراف ": صلى عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - العيد ثم خطب فقال: إنه قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظر، ومن أحب أن يرجع إلى أهله فليرجع فقد أذنت له. قوله- وإنما مجمعون - دليل على أن تركها لا يجوز، وإنما أطلق لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخيرهم عثمان، لأنهم كانوا أهل أبعد قرى المدينة، وإذا رجع أهل القرى قبل صلاة الجمعة لا بأس به. فإن قلت: كيف قال محمد ولا يترك واحد منها، ومعلوم أن صلاة الجمعة فرض عين، وفرائض الأعيان لا تترك. قلت: احترز به عن قول بعض العلماء فإنه روي عن عطاء أنه يجزئ لصلاة العيد عن الجمعة ومثله عن علي وابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وعنه يجزئ أحدهما عن الأخرى. وقال ابن عبد البر: سقوط الجمعة والظهر بصلاة العيد متروك مهجور، ولا يقول عليه وتأويل ذلك في حق أهل البادية ومن لا يجب عليه الجمعة، ويستحب تأخير صلاة العيد في الفطر، وتعجيلها في النحر لتعجيل الأضاحي وخروج الوقت في أثنائها يفسدها كالجمعة. وفي " قنية المنية " يقدم صلاة العيد على صلاة الجنازة وصلاة الجنازة على الخطبة، ولو أفسدها قضاها ركعتين عندهما، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا قضاء عليه، وفي " منية المفتي ": لا قضاء عليه ولم يجد خلافا، وقال أبو حفص الكبير: يقضي ركعتين لا يكبر فيهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 قال: وهذا تنصيص على السنة، والأول على الوجوب وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجه الأول: مواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليها من غير ترك. ووجه الثاني: «قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث الأعرابي عقيب سؤاله قال: هل علي غيرهن؟ فقال: لا إلا أن تطوع»   [البناية] وإقامتها في الرساتيق يكره كراهة تحريم. قال شرف الأئمة والقاضي عبد الجبار، وقال الكرابيسي فسخ وكان يغضب لذلك غضبا شديدا. م: (قال) ش: أي "المصنف". م: (وهذا) ش: أي قوله عند أبي حنيفة.. إلخ. م: (تنصيص على السنة) ش: لأنه صرح بها. م: (والأول على الوجوب) ش: أراد بالأول قوله- وتجب صلاة العيد - أي الأول تنصيص على وجوب صلاة العيد. م: (وهو رواية) ش: أي الوجوب رواية. م: (عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه عنه الحسن كما ذكرناه. م: (وجه الأول) ش: أي الوجوب. م: (مواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليها) ش: أي على صلاة العيد. م: (من غير ترك) ش: ومواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير ترك يدل على الوجوب، ولأنها صلاة تختص بجماعة وضع لها خطبة فكانت واجبة كالجمعة. فإن قلت: يلزم عليه الأذان والإقامة والجماعة في سائر الصلوات فإنها من الشعائر وتقام على سبيل الإجهار مع أنها سنة. قلت: صلاة العيد شعار شرعت مقصودة بنفسها، وهذه الأشياء شرعت تبعا لغيرها وهو الصلاة، فانحطت درجتها عن درجة صلاة العيد، كذا ذكر شيخ الإسلام. واستدل شيخ الإسلام على وجوبها بقوله تعالى {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [الحج: 37] [البقرة: 185] قيل المراد صلاة العيد والأمر للوجوب، وفي " الفوائد الظهيرية " الأمر باللام إنما يكون للغائب، وهذا مخاطب، لكن روي في قراءة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فبذلك فلتفرحوا"، بالخطاب فيحمل هذا على ذلك أو جعل الأخبار من الأمر مجازا، لأنه مستأنف، ومعنى الوجوب من الأخبار أيضا، وفيه تأمل، لأنه روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن المراد تكبيرة ليلة الفطر بدليل عطفه على إكمال رمضان. وقيل: المراد بالآية التعليم، وقيل: المراد تكبيرات صلاة العيد، وقيل في قَوْله تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] [الكوثر، الآية: 2] المراد صلاة عيد النحر فيجب بالأمر. م: (ووجه الثاني) ش: وهو كونه سنة. م: (قوله- عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حديث الأعرابي عقيب سؤاله هل علي غيرهن، فقال: لا، إلا أن تطوع) ش: حديث الأعرابي أخرجه البخاري ومسلم في الإيمان عن طلحة بن عبيد الله قال: «جاء رجل إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال له: هل علي غيرهن؟ قال: لا، إلا أن تطوع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 والأول أصح، وتسميته سنة لوجوبه بالسنة، ويستحب في يوم الفطر أن يطعم الإنسان قبل الخروج إلى المصلى ويغتسل   [البناية] وصيام شهر رمضان، قال: هل علي غيره؟ قال: لا إلا أن تطوع، وذكر له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزكاة، قال: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع، قال: فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أفلح إن صدق.» قوله- عقيب سؤاله- أي عقيب سؤال الأعرابي. قوله- إلا أن تطوع - بتشديد الطاء والواو كلتيهما، لأن أصله تتطوع بتائين، فأدغمت أحد التائين في الطاء. م: (والأول أصح) ش: أراد بالأول وجوب صلاة العيد، وأشار هذا إلى أنه أيضا ممن يقول بالوجوب. م: (وتسميته سنة لوجوبه بالسنة) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال إذا كانت صلاة العيد واجبة فكيف تقول إنها سنة، وتقرير الجواب أن تسمية محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - صلاة العيد سنة مع كونها واجبة لأجل أنها تثبت بالسنة وهي مواظبته- عَلَيْهِ السَّلَامُ - عليها من غير ترك، وفي " المحيط " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها سنة واجبة أي وجوبها طريقة مستقيمة. [ما يسن للمصلي في يوم الفطر] م: (ويستحب في يوم الفطر أن يطعم الإنسان قبل أن يخرج إلى المصلى) ش: وبه قال مالك والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لما روى البخاري في -صحيحه- عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تغدوا يوم الفطر حتى تأكلوا تمرات» ، وقال أنس قيل «ما خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الفطر حتى يأكل تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل أو أكثر بعد أن يكون وترا» وهو قول فقهاء الأمصار، وكان ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يأكل يوم الفطر حتى يغدو. وقال ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إن شاء أكل وإن شاء لم يأكل ومثله عن النخعي، وقال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «من السنة أن يأكل يوم الفطر قبل أن يخرج إلى المصلى» وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يجب عليه. وعن سعيد بن المسيب: كان الناس يؤمرون بالأكل قبل الغدو في يوم الفطر. م: (ويغتسل) ش: بنصب اللام، أي يستحب في يوم الفطر أن يغتسل، وبه قال عطاء وعلقمة وعروة والنخعي والشعبي وإبراهيم التيمي وقتادة، ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر، وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه سنة كالجمعة ذكره في " المهذب " و" نهاية المطلب "، وفي " المدونة " غسل العيدين مطلوب دون غسل الجمعة. وفي " الذخيرة " لما كان العيد منخفض عن الجمعة في الوجوب وهو في وقت البرودة وعدم انتشار روائح الأعراف انحط غسله عن غسلها، وفي " الجواهر " يغتسل بعد الفجر، فإن فعل قبله أجزأه. فإن قلت: جعل المصنف الاغتسال هاهنا مستحبا، وفي الطهارة سنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 ويستاك ويتطيب، لما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يطعم في يوم الفطر قبل أن يخرج إلى المصلى» وكان يغتسل في العيدين ولأنه يوم اجتماع فيسن فيه الغسل والتطيب كما في الجمعة ويلبس أحسن ثيابه؛ «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان له جبة فنك أو صوف يلبسها في الأعياد»   [البناية] قلت: اختلفت عبارات المشايخ، ففي بعضها جعله مستحبا، وفي بعضها سنة والصحيح أنه سنة، وسماه مستحبا لاشتمال السنة على المستحب. م: (ويستاك) ش: بالنصب أيضا، لأن العلة التي لأجلها ندب الاغتسال والسواك والتطيب في الجمعة في صلاة العيد، وفي " السنن "عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الغسل يوم الجمعة على كل محتلم والسواك، ويمس من الطيب ما قدر له".» م: (ويتطيب) ش: بالنصب أيضا، أي يستحب في يوم الفطر أن يتطيب بطيب له رائحة ولا لون له كالبخور والمسك حلال للرجل، وقد غلط من قال بنجاسته. م: (لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كان يطعم في يوم الفطر قبل أن يخرج إلى المصلى» ش: هذا دليل لقوله ويستحب في الفطر أن يطعم قبل أن يخرج إلى المصلى، وقد رويناه عن البخاري من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات» وقد ذكرناه عن قريب. م: «وكان يغتسل في العيدين» ش: هذا حديث آخر دليل لقوله ويغتسل، رواه ابن ماجه من حديث الفاكه بن سعد، وكانت له صحبة: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يغتسل يوم الفطر ويوم النحر» والفاكه بن سعد يأمر أهله بالغسل في هذه الأيام، ولا يعرف لفاكه بن سعد غير هذا الحديث، وروى ابن ماجه أيضا من حديث ابن عباس قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى» . م: (ولأنه) ش: أي ولأن يوم العيد. م: (يوم اجتماع، فيسن فيه الغسل والتطيب كما في الجمعة) ش: أي كما سن في يوم الجمعة. م: (ويلبس) ش: بالنصب أيضا، أي: ويستحب له أن يلبس. م: (أحسن ثيابه) ش: جديدا كان أو غسيلا. م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كانت له جبة فنك أو صوف يلبسها في الأعياد» ش: هذا الحديث غريب، لكن روى البيهقي من طريق الشافعي: أخبرنا إبراهيم بن محمد الأسلمي، أخبرني جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يلبس برد حبرة في كل عيد» . وروى البيهقي من حديث جابر بن عبد الله، قال: «كان للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - برد أحمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 ويؤدي صدقة الفطر إغناء للفقير ليتفرغ قلبه للصلاة   [البناية] يلبسه في العيدين والجمعة» . قوله - جبة فنك- بالإضافة، ويجوز أن يكون بالصفة، وكذا الكلام في برد حبرة، والفنك بفتح الفاء والنون: حيوان يتخذ من جلده الفراء السنجاب، والحبرة بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة برد يمان، والجمع حبر، ويقال برد حبر وحبرة بالإضافة، والصفة عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه خرج في يوم الفطر أو أضحى في ثوب قطن يمشي. م: (ويؤدي صدقة الفطر) ش: بالنصب أيضا عطفا على قوله: أن يطعم. م: (إغناء للفقير) ش: أي لأجل إغنائه، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم» ، ويروى عن الطلب، رواه الدارقطني والبيهقي من رواية أبي عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وفي رواية البيهقي: «أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم» . وروى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من «حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الفطر أن نؤديها قبل خروج الناس إلى الصلاة.» م: (ليتفرغ قلبه للصلاة) ش: أي لصلاة العيد، لأن الفقير يشتغل بالسؤال ويطوف ويشتغل قلبه بالتحصيل، فإذا أعطي شيئا من ذلك يفرغ قلبه لأجل الصلاة. ثم إن "المصنف "- رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر هاهنا استحباب ستة أشياء وهي قوله - في يوم الفطر - إلى قوله - ويتوجه إلى المصلى - وفي " قنية المنية " يستحب يوم الفطر للرجل اثني عشر شيئا: الغسل، والسواك، ولبس أحسن الثياب المباحة والتطيب والتختم والتبكير وهو سرعة الانتباه والابتكار وهو المسارعة إلى المصلى، والإفطار على حلو قبل الصلاة، وأداء صدقة الفطر قبلها، وصلاة الغداة في مسجد حيه، والخروج إلى المصلى ماشيا، والرجوع من طريق أخرى، والأضحى كالفطر غير أنه يترك الأكل حتى يصلي العيد، وهو سنة، قال: وكانت الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يمنعون صبيانهم من الأكل وأطفالهم من الرضاع إلى أن يصلوا. وقال بعضهم: هذه سنة لمن أراد أن يضحي بعد الأضحى حتى يكون أول أكله من لحم الأضحية، فأما من لم يضح فقبل الصلاة وبعدها في حقه سواء، ثم الخروج للجبانة سنة، وهي المصلى في طرف البلد، وإن كان يسعهم المسجد الجامع، وعليه عامة المشايخ، وقيل: ليس بسنة، وإنما يفعل لضيق الجامع، والصحيح هو الأول، وقال ابن المنذر: قد ثبت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج يوم الفطر ويوم الأضحى إلى المصلى، والسنة ذلك، فإن ضعف يوم عنه أمر الإمام من يصلي بهم في المسجد، وهو الأفضل، روي ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واستحسنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الأوزاعي، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي ثور. والمستحب أن يجيء ماشيا لما ذكرنا عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «من السنة أن يأتي العيد ماشيا» . رواه الترمذي وابن المنذر. وبه قال عمر بن عبد العزيز، وكره النخعي الركوب، واستحب المشي الثوري، والشافعي - رحمهما الله- وأحمد كقولنا، وهو أقرب إلى التواضع وموافقة السنة، والركوب مباح، وفي المرغيناني: لا بأس بالركوب في الجمعة والعيدين، والمشي أفضل، ومثله في " الذخيرة، «وكان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول عند خروجه: اللهم إني خرجت إليك مخرج العبد الذليل» . فإن قلت: ما أصل اختلاف الطريق يوم العيد عند الخروج إلى المصلى. قلت: روي عن عمر «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ يوم العيد في طريق، ثم رجع في طريق آخر» رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم، وروى البخاري من حديث جابر أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كان يعدو يوم الفطر والأضحى في طريق ويرجع الأخرى.» فإن قلت: ما الحكم فيه قلت ذكر فيه وجوه الأول أنه إنما فعل ذلك ليكون للطريق الآخر حظا من العبادة والثاني لأن الناس يسألون عن الشرائع وما كانوا يقدرون على الوقوف له في طريق واحد الثالث أن كل واحد الثالث أن كل واحد كان يتمنى النظر إلى وجهه ولا يتيسر له في طريق واحد. الرابع: ليبين أن ذلك كله حسن مختار. الخامس: أنه كان يفعله احتياطا وتحرزا عن كيد الكفار. السادس: أن ذلك لكثرة الزحمة، يروى عن ابن عمر السابع: لأجل الغبار. الثامن: للتسوية بين أهل الطريقين في التبرك به. التاسع: لتعم الصدقة مساكين الطريقين، العاشر: لإظهار كثرة أهل الإسلام وانتشارهم. وفي "التجنيس" الحكمة في ذلك أن مكان القربة يشهد لصاحبها، ففي اختلاف الطريقين كثرة الشهود. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 ويتوجه إلى المصلى ولا يكبر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في طريق المصلى ويكبر عندهما اعتبارا بالأضحى، وله أن الأصل في الثناء الإخفاء.   [البناية] م: (ويتوجه إلى المصلى) ش: بالرفع لا بالنصب أي يتوجه من يريد صلاة العيد إلى مصلى العيد. م: (ولا يكبر) ش: يجوز أن تكون الواو للعطف، ويجوز أن تكون للحال، يعني ولا يكبر جهرا. م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في طريق المصلى) ش: إنما قيدنا بالجهر، لأن التكبير خير موضوع، لا خلاف في جوازه بصفة الإخفاء، وذكر الطحاوي أنه يغدو إلى الصلاة جاهرا بالتكبير في العيدين، ولم يذكر الخلاف. وقال أبو بكر الرازي في شرح " مختصر الطحاوي " ويحكى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يكبر في الأضحى دون الفطر وعليه مشايخنا بما وراء النهر، وفي عامة الكتب الخلاف في الجهرية في طريق المصلى لا في نفس التكبير، ومعنى قوله - ولا يكبر - أي جهرا به عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما ذكرنا، ويأتي به سرا كما في سائر الأيام، وهو رواية المعلى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره المرغيناني. وقال الأسبيجابي مثلما قال الطحاوي ثم إنه يقطع التكبير إذا انتهى إلى المصلى، وفي رواية: لا يقطعها ما لم يفتتح الإمام صلاة العيد، ذكره في " المحيط ". واختلف أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في انقطاع هذا التكبير، فقال المزني: يكبرون حتى يخرج الإمام، وقال البويطي: حتى يفتتح الصلاة، وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم: حتى ينصرف من الصلاة، ومثله في الأضحى، ويجهر به في الطريق إجماعا. وكان ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يرفع صوته بالتكبير في العيدين، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأبي أمامة الباهلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (ويكبر عندهما) ش: أي يكبر جهرا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد في عيد الفطر. م: (اعتبارا بالأضحى) ش: أي قياسا على عيد الأضحى، فإنه يكبر فيه جهرا بلا خلاف، وبه قال النخعي؛ وسعيد بن جبير وابن أبي ليلى، وابن عبد العزيز وأبان بن عثمان، والحكم وحماد ومالك والشافعي ومحمد وإسحاق وأبو ثور - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - واحتجوا بقوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] [البقرة، الآية: 185] وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - هذا ورد في عيد الفطر بدليل عطفه على قوله: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} [البقرة: 185] والمراد بإكمال العدة إكمال صوم رمضان. م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (أن الأصل في الثناء الإخفاء) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [الأعراف: 205] [الأعراف: 205] ، وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خير الذكر الخفي» ، ولأنه أقرب من الأدب والتطوع، وأبعد من الرياء وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 والشرع ورد به في الأضحى لأنه يوم تكبير ولا كذلك يوم الفطر ولا يتنفل في المصلى قبل صلاة العيد،   [البناية] «خير الذكر الخفي، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا» ، وذكر ابن المنذر عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنه سمع الناس يكبرون، فقال: أيكبر الإمام؟ قيل: لا، قال: مجانين الناس، وفي " الحاوي ": سئل النخعي عن ذلك، قال: ذاك تكبير الحاكم. قلت: هذا خلاف ما مر عنه آنفا أنه يكبر، وقال أبو جعفر: والذي عندنا أنه لا ينبغي أن يمنع العامة من ذلك لقلة رغبتهم في الخيرات، وقال: وبه نأخذ. م: (والشرع ورد به) ش: أي بالجهر بالتكبير. م: (في الأضحى) ش: أي في عيد الأضحى. م: (لأنه) ش: أي لأن عيد الأضحى. م: (يوم تكبير) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] [البقرة: 203] جاء في التفسير: المراد به التكبير في هذه الأيام. م: (ولا كذلك يوم الفطر) ش: لأنه لم يرد به الشرع، وليس في معناه أيضا لأن عيد الأضحى اختص بركن من أركان الحج، والتكبير شرع علما على وقت أفعال الحج، وليس في شوال ذلك. فإن قلت: لا نسلم أن الشرع لم يرد به، فإن الله تعالى قال: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} [البقرة: 185] [البقرة: 185] وقد ذكرنا عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما قاله فيه. قلت: المراد بما في الآية التكبير في صلاة العيد، والمعنى صلوا صلاة العيد، وكبروا الله فيها. فإن قلت: روى نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج يوم الفطر ويوم الأضحى رافعا صوته بالتكبير حتى يأتي المصلى» رواه الحاكم والبيهقي. قلت: في إسناده الوليد بن محمد وهو متروك الحديث أيضا، وصحح البيهقي رفعه، ورواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا موقوفا. فروع: قال أبو بكر الرازي، قال مشايخنا: التكبير جهرا في غير هذه الأيام لا يسن إلا بإزاء العدو واللصوص معينا له، وقيل: وكذا في الحريق والمخاوف كلها، وفي جمع النوازل ويكبر كلما لقي جمعا أو هبط واديا كالتلبية. [التنفل في المصلى قبل صلاة العيد] م: (ولا يتنفل في المصلى قبل صلاة العيد) ش: وفي بعض النسخ قبل العيد، أي قبل صلاة العيد، وفي " الذخيرة ": ليس قبل صلاة العيدين صلاة، كذا ذكر محمد في الأصل، وإن شاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يفعل ذلك مع حرصه على الصلاة، ثم قيل: الكراهة في المصلى خاصة،   [البناية] تطوع بعد الفراغ من الخطبة. وقال أبو بكر الرازي: معناه ليس قبلها صلاة مسنونة لا أنها تكره، إلا أن الكرخي نص على الكراهة قبل العيد حيث قال: يكره لمن حضر المصلى التنفل قبل صلاة العيد. وفي " التجريد": إن شاء تطوع بعد الفراغ، من الخطبة ولم يذكر أنه تطوع في الجبانة أو في بيته، فإنه قال: لأنه يشبه السنة، فلو أراد أن يفعل ذلك فليفعله في منزله، وكان محمد بن مقاتل الرازي يقول: لا بأس بصلاة الضحى قبل الخروج إلى المصلى، وإنما يكره في الجبانة. وعامة المشايخ على الكراهة مطلقا، وعن علي وابن مسعود وجابر وابن أبي أوفى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم كانوا لا يرونها قبلها ولا بعدها، وهو قول ابن عمر ومسروق والشعبي والضحاك والقاسم وسالم والزهري ومعمر وابن جريج ومالك وأحمد. وقال أنس والحسن وعروة والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يصلي قبلها وبعدها، وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير الإمام. وقال أبو مسعود البزدوي: لا يصلي قبلها ويصلي بعدها، وبه قال علقمة، والأسود، ومجاهد، والثوري، والنخعي، والأوزاعي وابن أبي ليلى، وفي "الجواهر " للمالكية: لا يتنفل قبلها ولا بعدها في هذا اليوم، حكى ذلك عن ابن حبيب المالكي، وهو مردود بالإجماع، وعند أشهب لا يتنفل قبلها في المسجد ويتنفل بعدها، وفي " المغني ": قال أحمد: أهل الكوفة لا يتطوعون قبلها ولا بعدها. م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يفعل ذلك مع حرصه على الصلاة) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يصل قبل العيد مع حرصه على فعل الصلاة، وقد روى الأئمة الستة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج فصلى بهم العيد ولم يصل قبلها ولا بعدها.» وروى ابن ماجه في "سننه " من حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يصلي قبل العيد شيئا، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين» . م: (ثم قيل الكراهة في المصلى خاصة) ش: قائله محمد بن مقاتل الرازي، وأشار بقوله خاصة إلى أنه لا يكره في غير المصلى، وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه رأى في المصلى أقواما يصلون قبل الإمام، فقال: ما هذه الصلاة؟ لم نكن نعرفها على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقيل له: ألا تنهاهم؟ فقال: أكره أن أكون من الذي قال الله تعالى في حقهم: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى - عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق: 9 - 10] وقال واحد منهم: إني أعلم أن الله لا يعذب عبدا على الصلاة، قال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنا أعلم أن الله لا يثيب على مخالفة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قوله "خاصة" منصوب على الحال من الكراهة، والعامل فيه "قيل"، وكذلك الكلام في عامة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 وقيل فيه وفي غيره عامة؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يفعله، وإذا حلت الصلاة بارتفاع الشمس دخل وقتها إلى الزوال، فإذا زالت الشمس خرج وقتها؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي العيد والشمس على قيد رمح أو رمحين،   [البناية] م: (وقيل فيه وفي غيره عامة) ش: أي قيل الكراهة في المصلى وغير المصلى، وهو قول عامة المشايخ، كما ذكر، ثم إذا أراد أن يصلي بعدها صلى أربعا، وفي "زاد الفقهاء ": إن أحب أن يصلي بعدها صلى أربعا، إلا أن مشايخنا قالوا: المستحب أن يصلي أربعا بعد الرجوع إلى منزله، كيلا يظن ظان أنه هو السنة المتوارثة، ولكن ذكر في " فتاوى" قاضي خان جواز التطوع في الجبانة بغير كراهة إذا كان بعد صلاة العيد من غير ذكر عدم الاستحباب، وكذلك أطلق الجواز في " التحفة "، فقال: أما لو فعل بعد الفراغ من الخطبة فلا بأس به. م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يفعله) ش: أي لم يفعل الصلاة، أي لم يصل في المصلى قبل صلاة العيد ولا بعدها، وعدم فعله دليل الكراهة، وفي فتاوى الكردي والولوالجي وعليه الفتوى وفي " الصحيحين " عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أنه خرج يوم الأضحى فصلى ركعتين ولم يصل قبلهما، ولا بعدهما، وقال أبو داود: ويوم الفطر» . م: (وإذا حلت الصلاة) ش: قال السغناقي: من الحل لا من الحلول، لأن الصلاة قبل ارتفاع الشمس كانت حراما، كما جاء في الحديث: ثلاث أوقات نهانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... الحديث، وقال تاج الشريعة: يحتمل أن يكون من الحلول يعنى الوجوب، ويحتمل أن يكون من الحل؛ لأن قبل ارتفاع الشمس لا تحل الصلاة. قلت: الصواب ما قاله على ما لا يخفي. م: (بارتفاع الشمس) ش: ارتفاعها عند ابيضاضها، وذكر في " المحيط " أن أول وقتها حين تبيض الشمس، وآخر وقتها حين نزولها. وفي " الينابيع " فإذا صليت الصلاة بارتفاع الشمس يريد به إذا حل الوقت بالمباح للصلاة وذلك إذا ارتفعت الشمس وابيضت، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله- وأكثر أهل العلم. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أول وقتها طلوع الشمس، ويستحب تأخيرها قدر رمح. م: (دخل وقتها إلى الزوال) ش: أي إلى زوال الشمس عن كبد السماء. [وقت صلاة العيدين] م: (وإذا زالت الشمس خرج وقتها؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان يصلي العيد والشمس على قيد رمح أو رمحين» ش: قال الزيلعي: هذا حديث غريب، وقال السروجي: قال شمس الدين سبط بن الجوزي: متفق عليه. وروى أبو داود، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا أبو المغيرة، ثنا صفوان، ثنا يزيد بن خمير الرحبي، قال: «خرج عبد الله بن بسر صاحب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام، وقال: إن كنا قد فرغنا ساعتنا هذه، وذلك حين التسبيح» أي وقت جواز التسبيح أي صلاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 ولما شهدوا بالهلال بعد الزوال أمر بالخروج إلى المصلى من الغد، ويصلي الإمام بالناس ركعتين يكبر في الأولى للافتتاح وثلاثا بعدها، ثم يقرأ الفاتحة وسورة ويكبر تكبيرة يركع بها،   [البناية] الجمعة وهي صلاة الضحى، قوله: على قيد رمح بكسر القاف وسكون الياء يقال بينهما قيد رمح وقاد رمح، أي قدره. م: (ولما شهدوا بالهلال بعد الزوال أمر بالخروج إلى المصلى من الغد) ش: هذا دليل خروج وقت صلاة العيد بزوال الشمس، بيانه أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر بالخروج إلى المصلى من الغد بعد شهادة الشهود، ولو جاز الأداء بعد الزوال لم يكن للتأخير معنى، إذ لا يجوز تأخيرها بدون العذر السماوي، ولا عذر هاهنا يجوز التأخير سوى أنه خرج الوقت، والضمير في - شهدوا - يرجع إلى الركب الذين جاءوا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشهدوا برؤية الهلال في اليوم المكمل للثلاثين من رمضان بعد الزوال، فعند ذلك أمر - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالخروج من الغد.. إلى آخر ما ذكرناه الآن. وأصل الحديث ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه واللفظ لابن ماجه من حديث أبي بشر جعفر بن وحشية «عن أبي عمير بن أنس: حدثني عمومتي من الأنصار من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا: أغمي علينا هلال شوال، فأصبحنا صياما، فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يفطروا وأن يخرجوا إلى عيدهم من الغد» وبهذه اللفظة رواه الدارقطني في " سننه "، وقال: إسناده حسن، ولفظ أبي داود والنسائي «أن ركبا جاءوا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا يغدوا إلى مصلاهم» [كيفية صلاة العيدين] م: (ويصلي الإمام بالناس ركعتين) ش: أي يصلي الإمام صلاة العيد بالناس ركعتين. م: (يكبر في الأولى للافتتاح) ش: أي يكبر في الركعة الأولى لأجل الافتتاح، وهي تكبيرة الإحرام. م: (وثلاثا بعدها) ش: أي يكبر ثلاث تكبيرات بعد تكبيرة الافتتاح، ولكن بعد الثناء والتعوذ ويرفع يديه في كل تكبيرة. م: (ثم يقرأ الفاتحة) ش: أي بعد الفراغ من التكبيرات الثلاث يقرأ فاتحة الكتاب. م: (وسورة معها) ش: أي ويقرأ سورة مع الفاتحة أو آية طويلة أو ثلاث آيات قصيرة. م: (ويكبر تكبيرة) ش: أي بعد الفراغ من القراءة يكبر تكبيرة واحدة لأجل الركوع وهو معنى قوله. م: (يركع بها) ش: أي بهذه التكبيرة وهذه الجملة في محل النصب، لأنها صفة لقوله - تكبيرة - فتكون التكبيرات الزوائد في هذه الركعة ثلاث تكبيرات قبل القراءة، ومع تكبيرات الافتتاح وتكبيرة الركوع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 ثم يبتدئ في الركعة الثانية بالقراءة، ثم يكبر ثلاثا بعدها ويكبر رابعة يركع بها، وهذا قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو مذهبنا. وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يكبر في الأولى للافتتاح وخمسا بعدها، وفي الثانية يكبر خمسا ثم يقرأ.   [البناية] خمسة. م: (ثم يبتدئ في الركعة الثانية بالقراءة) ش: كما في سائر الصلوات. م: (ثم يكبر ثلاثا بعدها) ش: أي ثم يكبر ثلاث تكبيرات بعد الصلاة. م: (ويكبر الرابعة) ش: أي يكبر تكبيرة رابعة بعد التكبيرات الثلاث لأجل الركوع، وهو معنى قوله. م: (يركع بها) ش: أي بهذه التكبيرة الرابعة في الركعة الثانية أيضا الزوائد ثلاث تكبيرات كما في الأولى، فالجملة ست تكبيرات زوائد ولا يرفع يديه في تكبير الركوع. م: (وهذه قول عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي وهذا الذي ذكرنا بالكيفية المذكورة قول عبد الله بن مسعود، وبقوله قال أبو موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان وعقبة بن عامر وابن الزبير وأبو مسعود البدري، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين والثوري وعلماء الكوفة، وهو رواية عن أحمد وهو رواية عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وهو قول ابن مسعود، هذا رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ثنا هشيم ثنا مجالد عن الشعبي عن مسروق قال: كان عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يعلمنا التكبير في العيدين تسع تكبيرات خمس في الأولى وأربع في الآخرة ويوالي بين القراءتين في الأولى تكبيرة الافتتاح والتكبيرات الزوائد وتكبيرة الركوع والأربع في الركعة الأخيرة؛ التكبيرات الثلاث الزوائد وتكبيرة الركوع. وروى محمد بن الحسن في كتاب " الآثار " أنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان قاعدا في مسجد الكوفة ومعه حذيفة بن اليمان وأبو موسى الأشعري فخرج عليه الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو أمير الكوفة يومئذ، فقال: إن غدا عيدكم فكيف أصنع؟ فقال: أخبره يا أبا عبد الرحمن، فأمره عبد الله بن الزبير أن يصلي بغير أذان ولا إقامة وأن يكبر في الأولى خمسا وفي الثانية أربعا وأن يوالي بين القراءتين وأن يخطب بعد الصلاة على راحلته. م: (وهو مذهبنا) ش: أي قول ابن مسعود مذهبنا، وهو مذهب جماعة من الصحابة والتابعين على ما ذكرناه آنفا. م: (وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يكبر في الأولى للافتتاح) ش: أي يكبر في الركعة الأولى لأجل الافتتاح، وهي تكبيرة الإحرام (وخمسا بعدها) أي يكبر خمس تكبيرات أخرى بعد تكبيرة الافتتاح. م: (وفي الثانية يكبر خمسا) ش: أي يكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات. م: (ثم يقرأ) ش: أي بعد التكبيرات الخمس يشرع في قراءة القرآن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 وفي رواية يكبر أربعا   [البناية] فتكون الجملة ثلاثة عشر تكبيرات، سبعة في الأولى الزوائد خمسة، والثنتان تكبيرة الافتتاح والركوع، وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات زوائد، واحدة أصلية، فالجملة ثلاث عشرة، ثلاث أصليات وعشر زوائد، فالخلاف بين قول ابن مسعود، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في موضعين: أحدهما: في عدد التكبيرات الزوائد، فعند ابن مسعود: ست، وعند ابن عباس: عشر، والآخر: أن التكبيرات الزوائد عند ابن مسعود بعد القراءة، وعند ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قبلها. وهذه الرواية عن ابن عباس، رواها ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا يزيد بن هارون ثنا حميد عن عمار بن أبي عمار أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة، سبعا في الأولى وخمسا في الثانية. م: (وفي رواية يكبر أربعا) ش: أي في رواية أخرى عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه يكبر أربع تكبيرات في الركعة الثانية فتكون الجملة اثنتي عشرة تكبيرة، منها سبع في الأولى وهي تكبيرة الإحرام، وخمس بعدها الزوائد وتكبيرة الركوع وأربع في الركعة الأخرى زوائد وواحدة أصلية، فالجملة ثنتي عشرة. وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في رواية أخرى يكبر في العيدين تسعا تسعا ويروى ذلك عن المغيرة وأنس وسعيد بن المسيب والنخعي، وعن ابن عباس أيضا أنه يكبر في عيد الفطر ثلاث عشرة تكبيرة، سبع في الأولى منهن تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع، وست في الثانية، منهن تكبيرة الركوع قبل القراءة وواحدة بعدها، وعن ابن عباس أيضا في رواية أخرى أنه تسع يوم الفطر ويوم الأضحى، وإحدى عشرة وثلاث عشرة. وعنه أيضا كمذهبنا رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا هشيم أبو خالد الحداد عن عبد الله بن الحارث قال: صلى ابن عباس يوم عيد فكبر تسع تكبيرات، خمسا في الأولى وأربعا في الآخرة، ووالى بين القراءتين، ورواه عبد الرزاق أيضا في " مصنفه "، وزاد فيه: ونقل المغيرة بن شعبة مثل ذلك. وهاهنا مسائل أخرى: الأولى: يكبر في الأولى ستا وفي الثانية خمسا ويقرأ فيهما بعد التكبير، وهو مذهب الزهري والأوزاعي ومالك وأبي ثور وأحمد، في ظاهر قوله. الثانية: يكبر في الأولى خمسا وفي الثانية ثلاثا سوى تكبيرتي الركوع، قاله الحسن البصري. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الثالثة: يكبر في الأولى أربعا غير تكبيرة الصلاة، وفي الثانية ثلاثا بعد القراءة، سوى تكبيرة الركوع، وهو مذهب جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. الرابعة: يكبر ثلاثا في الأولى سوى تكبيرة الافتتاح ثم يقرأ في الثانية بعد القراءة ثم يكبر في الركوع وهو رواية عن الحسن البصري. الخامسة: التفرقة بين الفطر والأضحى، وهي أن يكبر في الفطر تكبيرة الافتتاح ثم يقرأ ثم يكبر خمسا يركع بآخرهن ثم يقوم فيقرأ ثم يكبر خمسا ثم يركع بآخرهن وتقدم القراءة على التكبيرات، وفي الأضحى يكبر خمسا غير تكبيرة الافتتاح، ثم يقرأ ثم يكبر ثنتين يركع بإحداهما ثم يقوم فيقرأ ثم يكبر ثنتين يركع بإحداهما، وهو مذهب علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وبه قال شريك بن عبد الله وابن جني. السادسة: عن علي أيضا في رواية يكبر إحدى عشرة تكبيرة في الفطر والأضحى جمعا ثلاث أصليات وثمان زوائد ثلاث في الأولى واثنتان في الأخرى. الثامنة: يكبر تكبيرتين ثم يقرأ، وكذا في الثانية وفي الفطر كقول أصحابنا، وهو مذهب يحيى بن أحمد. التاسعة: ليس فيه شيء مؤقت، وهو مذهب حماد بن أبي سليمان، شيخ أبي حنيفة. العاشرة: يأخذ بأي هذه التكبيرات شاء وهو مذهب ابن أبي ليلى، ورواية عن أبي يوسف. الحادية عشرة: يكبر خمس عشرة تكبيرة، ثلاث أصليات واثنتا عشرة تكبيرة زائدة في ركعة، ست منها وهو مذهب أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. الثانية عشرة: عن أبي بكر أيضا يكبر ست عشرة تكبيرة، ثلاث أصليات، وثلاث عشرة زوائد، سبع في الأولى وست في الثانية. وقد ذكرنا عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ست روايات فتصير الجملة ثمانية عشر قولا، ومع قول أصحابنا تسعة عشر قولا، ثم الاختلاف محمول على أن كل ذلك فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الأحوال المختلفة، لأن القياس لما لم يدل عليه حمل على أن كل واحد من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - روى قوله عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكل واحد من التابعين روى قوله عن صحابي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا أن أصحابنا رجحوا قول ابن مسعود لوجوه: الأول: هو كون جماعة من الصحابة مع ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيما ذهب إليه على ما ذكرناه. الثاني: لما روى أبو داود في " سننه " مسندا إلى مكحول، قال: أخبرني أبو عائشة جليس لأبي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] هريرة «أن سعيد بن العاص سأل أبو موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان: كيف كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكبر في الأضحى والفطر؟ فقال أبو موسى: كان يكبر أربع تكبيرات على الجنائز، فقال حذيفة: صدق، فقال أبو موسى: كذلك كنت أكبر في البصرة حيث كنت عليهم، وقال أبو عائشة: وأنا حاضر سعيد بن العاص» . ورواه أحمد أيضا في " مسنده ". قوله: تكبيره على الجنائز، أي كتكبيره على الجنائز، واستدل به ابن الجوزي في " التحقيق " لأصحابنا ثم أعله بعبد الرحمن بن ثوبان الذي في سنده فقال: قال ابن معين: وهو ضعيف، وقال أحمد: لم يكن بالقوى، وأحاديثه مناكير. وفي " التنقيح ": عبد الرحمن بن ثوبان وثقه غير واحد. وقال ابن معين: ليس به بأس، ولكن أبو عائشة قال ابن حزم فيه: مجهول، وقال ابن القطان: لا نعرف حاله. قلت: أبو داود أخرج له وسكت عنه، وأدنى المرتبة أن يكون حديثه حسنا. فإن قلت: قال البيهقي: خولف، وإنه في موضعين رفعه، وفي جواب أبي موسى والمشهور أنهم أسندوه إلى ابن مسعود فأفتاهم بذلك، ولم يسنده إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قلت: سكوت أبي داود يدل على أنه مرفوع، لأن مذهب المحققين أن الحكم للرافع لأنه زاد، وأما جواب أبي موسى فيحتمل أنه قارب مع ابن مسعود فأسند الأمر إليه مرة، وكان عنده حديث فيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكره مرة أخرى. وقال أبو بكر الرازي: حديث الطحاوي مسند إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه صلى يوم عيد وكبر أربعا، أقبل بوجهه حين انصرف، فقال: لا تشبهوا بتكبير الجنائز، وأشار بأصابعه، وقبض إبهامه» وفيه قبول وفعل وإشارة إلى أصل وتأكيد، والأخذ به أولى، وأراد بالأربع أربع تكبيرات متوالية. فإن قلت: ما تقول فيما أخرجه الترمذي وابن ماجه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده عمرو بن عوف المزني «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة، وفي الآخرة خمسا قبل القراءة.» قال الترمذي: حديث حسن، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب. وقال في " علله الكبرى ": سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: ليس في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] هذا الباب شيء أصح منه، وبه أقول. قلت: قال ابن القطان في كتابه: هذا ليس بصريح في الصحيح، فقوله: ليس في هذا الباب شيء أصح منه، يعني أقل ضعفا، وقوله: وبه أقول، يحتمل أن يكون من كلام الترمذي، أي: أنا أقول، أنا محمد، الحديث أحسن ما في الباب، قال: ونحن وإن خرجنا عن ظاهر اللفظ، ولكن كثير بن عبد الله: متروك، قال أحمد: لا يساوي شيئا وضرب على حديثه في المسند ولم يحدث به، وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وقال الشافعي: هو ركن من أركان الكذب. وقال ابن حبان: يروي عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب إلا على سبيل التعجب. وقال ابن ماجه في كتابه " العلم المشهور ": وقد حسن الترمذي في كتابه من أحاديث موضوعة وأسانيد واهية منها هذا الحديث، فإن الحسن عندهم ما نزل عن درجة الصحيح ولم يرد عليه إلا من كلامه، فإنه قال في علله التي في كتابه " الجامع ": والحديث الحسن عندنا ما روي من غير وجه، ولم يكن شاذا ولا في إسناده من يتهم بالكذب. الوجه الثالث: أن قول ابن مسعود لم يضطرب وقد ساعده جماعة من الصحابة الذين ذكرناهم، وفي قول غيره اضطراب، فصار الأخذ بقوله أولى، على أنه قد نقل عن أحمد أنه ليس يروى في التكبير في العيدين حديث صحيح، قال أبو بكر بن المولى: لم يثبت في التكبير شيء يصح. فإن قلت: ذكر البيهقي في " سننه " أحاديث محتجا بها لمذهب إمامه وصحح بعضها، ولم يتعرض للتضعيف. منها: حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. قالت: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكبر في العيدين في الأولى بسبع تكبيرات، وفي الثانية بخمس قبل القراءة سوى تكبيرتي الركوع» رواه أبو داود وابن ماجه. ومنها: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الثانية والقراءة بعد كلتيهما» رواه أبو داود وابن ماجه والدارقطني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ومنها: حديث عمرو بن عوف المزني وقد ذكرناه الآن. ومنها: حديث عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد مؤذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كان يكبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة، وفي الثانية خمسا قبل القراءة» رواه ابن ماجه. ومنها: حديث عبد الله بن محمد بن عمار عن أبيه عن جده، قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكبر في العيدين في الأولى سبع تكبيرات وفي الأخرى خمسا» رواه الدارقطني. ومنها: حديث عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التكبير في العيدين في الأولى سبع تكبيرات وفي الأخرى خمس تكبيرات» ، رواه الدارقطني أيضا. قلت: حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: في سنده عبد الله بن لهيعة وأمره ظاهر. وقال الدارقطني في " علله ": فيه اضطراب، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص ضعفه جماعة، منهم ابن معين. فإن قلت: صححه البخاري والنووي. قلت: فيه عبيد الله بن عبد الرحمن الطائفي، وقد ضعفه أحمد، وضعفه ابن الجوزي أيضا، وذكره في الضعفاء والمتروكين مع كونه موافقا لمذهبه، وحديث عمرو بن عوف ذكرنا حاله عن قريب. وحديث مؤذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحديث عبد الله بن محمد بن عمار، ضعفه أحمد به، وقال ابن معين: ليس بشيء. وحديث عبد الله بن عمر فيه الفرج بن فضالة، قال البخاري: وهو ذاهب الحديث. الوجه الرابع: في قول ابن مسعود، فرجح، لأنه أثبت ولا تردد فيه ولا اضطراب، ولأن قوله يُبقي الزيادة وأقوال غيره. قلت: والنفي موافق القياس، إذ القياس على غيرها من الصلوات ينفي إدخال زيادة الأذكار فيها، والإثبات يخالفه، وإذا ترجح قوله في العدد ترجح في الموضع إذ الرواية واحدة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 وظهر عمل العامة اليوم بقول عبد الله بن عباس لأمر بينه الخلفاء، فأما المذهب فالقول الأول لأن التكبير ورفع الأيدي خلاف المعهود، فكان الأخذ بالأقل أولى، ثم التكبيرات من أعلام الدين حتى يجهر بها فكان الأصل فيه الجمع، وفي الركعة الأولى يجب إلحاقها بتكبيرة الافتتاح لقوتها من حيث الفرضية والسبق، وفي الثانية لم يوجد إلا تكبيرة الركوع فوجب الضم إليها، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخذ بقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا أنه حمل المروي كله على الزوائد فصارت التكبيرات عنده خمس عشرة أو ست عشرة.   [البناية] م: (وظهر عمل العامة اليوم بقول عبد الله بن عباس لأمر بينه الخلفاء) ش: أي ظهر عمل الناس كافة بقول ابن عباس لأجل أن بينه الخلفاء لما انتقلت إليهم الخلافة أمروا الناس بالعمل في التكبيرات بقول جدهم وليتولى مناشيرهم ذلك. وعن هذا صلى أبو يوسف بالناس حين قدم بغداد صلاة العيد وكبر تكبير ابن عباس، فإنه صلى خلفه هارون الرشيد وأمره بذلك، وكذلك روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذلك لأن المسألة مجتهد فيها وطاعة الإمام فيها ليس فيه معصية واجبة، وهذا ليس بمعصية، لأنه قول بعض الصحابة. م: (فأما المذهب فالقول الأول) ش: أي فأما مذهب أصحابنا فالقول الأول، وهو قول عبد الله بن مسعود وهو مذهب جماعة من الصحابة والتابعين على ما ذكرنا. م: (لأن التكبير) ش: غير تكبير الافتتاح والتكبيرات التي يتخلل في الصلاة. م: (ورفع الأيدي) ش: في الصلاة. م: (خلاف المعهود، فكان الأخذ بالأقل أولى) ش: أي بأقل التكبيرات وهي الست الزوائد أولى، لأن الأخبار تواترت فيه، فيكون ثبوته بيقين. م: (ثم التكبيرات من أعلام الدين حتى يجهر بها) ش: فكان كتكبيرة الافتتاح، وإنما أنث الضمير بتأويل التكبير. م: (فكان الأصل فيه الجمع) ش: أي فكان الأصل في التكبير الزوائد الجمع مع التكبير الأصلي لأن الجنسية علة الضم. م: (وفي الركعة الأولى يجب إلحاقها بتكبيرة الافتتاح لقوتها من حيث الفرضية والسبق) ش: تقريره أن تكبيرات العيد لم تؤخر في الركعة الأولى عن القراءة إلحاقا لها بتكبيرة الركوع، كما هو قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بل قدمت على القراءة إلحاقا لها بتكبيرة الافتتاح، لأن تكبيرة الافتتاح أقوى من حيث إنها فرض، ومن حيث إنها سابقة. م: (وفي الثانية) ش: أي وفي الركعة الثانية. م: (لم يوجد إلا تكبيرة الركوع فوجب الضم إليها) ش: لوجود الجنسية. م: (والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخذ بقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وهو الأكثر احتياطا. م: (إلا أنه حمل) ش: التكبير. م: (المروي كله على الزوائد) ش: إلا أن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حمل التكبير المروي كله على التكبيرات الزوائد. م: (فصارت التكبيرات عنده خمس عشرة أو ست عشرة) . ش: لأن الزوائد لما كانت عنده ثلاث عشرة أو ثنتي عشرة، وضمت إلى الأصليات وهي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 قال: ويرفع يديه في تكبيرات العيدين   [البناية] ثلاثة، تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع في الركعتين تصير الكل ست عشرة، والمراد بالمروي هو الذي روي عن ابن عباس؛ لأنه روي عنه سبع أو خمس فهي مع تكبيرة الافتتاح وتكبير في الركوع ست عشرة تكبيرة، واعترض على المصنف بأن المراد بالمروي إن كان ما ذكره فيما مضى من قوله. وقال ابن عباس: يكبر في الأولى للافتتاح إلى آخره لا تجيء التكبيرات هذا المقدار، لأن الزوائد فيه عشرة أو تسعة، وبالأصليات يكون ثلاث عشرة أو ثنتي عشرة، وإن كان غير ما ذكره يكون في كلامه القياس، وتعقيد يعلو قدره عن ذلك. وأجيب عنه: بأن ابن عباس روي عنه روايتان: أحدهما: أنه يكبر في العيدين ثلاث عشرة تكبيرة، والأخرى: أنه يكبر بثنتي عشرة تكبيرة، ففسر علماؤنا روايته بأن ذلك إنما هو بإضافة الأصليات لأنها ثلاثة، تكبيرة الافتتاح وتكبير في الركوع في الركعتين، فإذا أضيفت إلى خمسة وخمسة كانت ثلاثة عشرة، وإذا أضيفت إلى خمسة وأربعة كانت ثنتي عشرة. قلت: ظهر من تفسير علمائنا روايتي ابن عباس أن عمل اليوم وقع عليه لا على تفسير الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعلى هذا قول من قال: العمل اليوم في التكبيرات على مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - غير مستقيم، ولهذا قال المصنف: وظهر عمل العامة اليوم بقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وفي " المحيط ": ثم اعملوا برواية الزيادة في عيد الفطر، وبرواية النقصان في عيد الأضحى ليكون عملا بالروايتين، وإنما اختاروا النقصان في عيد الأضحى لاستعجال الناس بالقرابين فيه، وفي " المبسوط " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه سكت بين كل تكبيرتين بقدر ثلاث تسبيحات، لأن صلاة العيد تقام بجمع عظيم، فهو والى بين التكبيرات يشبه على من كان ناويا عن الإمام، والاشتباه يزول بهذا القدر من الكسب، ثم قال: هذا القدر ليس بلازم، بل يختلف ذلك بكثرة الزحام وقلته. [رفع اليدين في تكبيرات العيدين] م: (قال: ويرفع يديه في تكبيرات العيدين) ش: وبه قال الشافعي وأحمد وهو مذهب عطاء والأوزاعي، وقال الثوري وابن أبي ليلى ومالك: لا يرفع، وهو مذهب الظاهرية أيضا. وقال الإمام حميد الدين الضرير: روي عن أبي يوسف رواية شاذة أنه لا يرفع يديه في تكبيرات العيد. قلت: هذه ليست برواية شاذة، فإن الكرخي قال في " مختصره ": قال أبو حنيفة ومحمد: يرفع يديه في التكبيرات الزوائد في العيدين، وقال ابن أبي ليلى: لا يرفع يديه، وهو قول أبي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 يريد به ما سوى التكبير في الركوع لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن» وذكر من جملتها تكبيرات الأعياد، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يرفع، والحجة عليه ما رويناه.   [البناية] يوسف، وكذا ذكر القدوري في " شرح مختصر الكرخي " وأبو بكر الرازي وأبو نصر البغدادي وصاحب " التحفة " والحاكم الشهيد في " مختصر الكافي " عن أبي يوسف كذلك، ومع نقل هذه الأئمة الثقات عن أبي يوسف عدم رفع اليدين فيها كيف تكون شاذة. م: (ويريد به ما سوى التكبير في الركوع) ش: أي يريد القدوري برفع اليدين فيما سوى تكبيرتي الركوع، لأن تكبير الركوع لا ترفع فيه الأيدي عندنا. فإن قلت: قد قلتم إن تكبيرة الركوع في الركعة الثانية واجبة إلحاقا لها بأخواتها، فهلا قلتم ترفع اليد إلحاقا لها بتكبيرات العيدين. قلت: القول بوجوب تكبيرة الركوع نوع احتياط، بخلاف القول بالرفع، فإنه عمل على خلاف القياس فلا يتحقق بها. م: «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن» ش: تقدم الكلام في هذا الحديث في باب صفة الصلاة مستوفى، وإنما قال في سبعة مواطن بتأويل البقاع. م: (وذكر من جملتها تكبيرات الأعياد) ش: أي ذكر في الحديث من جملة السبعة المواطن تكبيرات العيدين. م: (وعن أبي يوسف أنه لا يرفع) ش: أي روي عن أبي يوسف أنه لا ترفع اليد في تكبيرات العيد، رواها عنه أبو عصمة. م: (والحجة عليه ما رويناه) ش: أي الحجة على أبي يوسف ما رويناه، وهو الحديث المذكور. فإن قلت: استدل أبو يوسف ومن ذهب إلى ما ذهب إليه بعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال: «أراكم رافعي أيديكم كأذناب خيل شمس، اسكنوا في الصلاة» وبحديث البراء «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رفع يديه عند الافتتاح ثم لا يرفع» ولأن السنة رفع يديه عند الافتتاح، وهذه التكبيرات ما لا يفتتح بها، ألا ترى أن تكبيرة الركوع فيها ولا رفع إليها وهي أصلية، ففي الزوائد أولى. قلت: القياس متروك بالأثر، والحديث ليس على عمومه بالاتفاق، وحديث البراء يحتمل عدم الرفع في غير صلاة العيد، والحديث محكم، فكان أولى لا خلاف أنه يأتي بالثناء بعد الافتتاح قبل القراءة، فيقدم على الزوائد. وقال محمد وأبو حنيفة - رحمهما الله- في رواية الشافعي وأحمد رحمهما الله: يأتي به بعد الزوائد عند افتتاح القراءة، وعند مالك لا يعود، ولا يرد في " المبسوط "، لا ذكر بين التكبيرات مسنون ولا مستحب؛ لأنه لم ينقل، وبه قال الكرخي التسبيح أولى، ذكره في " القنية ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 وقال: ويخطب بعد الصلاة خطبتين،   [البناية] وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " يحمد ويهلل بين كل تكبيرتين مقدار آية لا طويلة ولا قصيرة، ولو قال الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا فحسن، وقد روي عن ابن مسعود نحوه: أدرك الإمام وقد كبر بعض التكبيرات يتابعه فيما أدرك ويقضي ما فاته في الحال ثم تابع إمامه، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم ومالك وأحمد. وقال في الجديد: لا يقضي ما فاته، ولو أدرك بعد الفراغ من التكبيرات لا يأتي في الجديد، وفي القديم يأتي بها ثم يفعل بالقراءة كذلك في تتمتهم، ولو أدركه في القراءة كبر على رأي نفسه، وكذا لو أدركه في الركوع ولم يخف فوته يأتي بها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد خلافا لأبي يوسف والشافعي - رحمهما الله- وأحمد. ولو كبر بعد الفاتحة قبل السورة يعيد الفاتحة والمسبوق بركعة يكبر فيما مضى على رأي نفسه كالمنفرد واللاحق يتبع رأي الإمام فيها، ولو قرأ " {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] " والغاشية تبركا بقراءة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحسن كذا في " المبسوط " وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يستحب أن يقرأ في زمان الأولى سورة " ن " وفي الثانية " {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر: 1] ". وقال مالك وأحمد: يقرأ بسبح والغاشية، وتكبيرات العيد واجبة حتى يجب السهو بتركها، وعند الشافعي لا سهو عليه، يتابع الإمام في التكبير من الإمام، فإن كان يسمع من المنادي فلا ينبغي أن يدع شيئا وإن كثرت. [الخطبة بعد الصلاة في العيدين] م: (قال: ويخطب بعد الصلاة خطبتين) ش: كما في الجمعة، لكنها تخالف خطبة الجمعة من وجهين، أحدهما أن الجمعة لا تجوز بلا خطبة، بخلاف العيد، والثاني أنها في الجمعة متقدمة على الصلاة، بخلاف العيد، ولو قدمها في العيد أيضا جاز، ولا تعاد الخطبة بعد الصلاة. وبتقديم الصلاة على الخطبة قال أبو بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي والمغيرة وابن عباس وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وهو قول الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبي ثور وإسحاق وجمهور أهل العلم، وعن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لما كثر الناس خطب قبل الصلاة، ومثله عن ابن الزبير ومروان بن الحكم، ذكر ذلك ابن المنذر في " الإشراق "، قال أبو بكر بن العربي: هذا غلط من عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وفي " المفيد " عن الزهري: أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة معاوية. وفي " المحيط ": والخطبة فيها سنة، وهي بعد الصلاة. وفي " الذخيرة ": يجوز تركها ويغيرها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 فبذلك ورد النقل المستفيض،   [البناية] عن محلها، ويجوز قاعدا كما فعله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ناقته العضباء والراكب قاعد، وذكر ركن الدين الصيادي أن الكلام لا يكره عند هذه الخطبة. وفي " السامع " فيشترط بصلاة العيد ما يشترط للجمعة الخطبة، فإنها سنة فيها. وفي " الولوالجي ": شروط العيد مثل شروط الجمعة في المصر، والقوم والسلطان والوقت إلا الخطبة، وعن عطاء عن عبد الله بن السائب قال: «لما قضى رسول الله الصلاة، قال: إنا نخطب، فمن أحب أن يذهب فليذهب» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وهذا دليل على أن الخطبة فيها سنة، ولو كانت واجبة لوجب الجلوس لها وإسماعها. وفي " الذخيرة ": ولا يخرج المنبر يوم العيد، وذكر شيخ الإسلام في شرحه أن في زماننا لا بأس بإخراجه، قال: وكره بعضهم بناءه في الجبانة، وهذا إنكاره بقول يخطب الإمام قائما على الأرض أو على دابته، ولم يكرهه آخرون. وفي " جمع النوازل " يبدأ بالتحميد في خطبة الجمعة والاستسقاء والنكاح، وبالتكبيرات في خطبة العيدين، ويستحب أن يفتتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات وفي الثانية سبع، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " النتف ": التوارث في الخطبة افتتاحها بالتكبير ويكبر من حين أن ينزل من المنبر أربع عشرة، وإذا صعد المنبر لا يجلس عندنا، وعند بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وفي رواية عن مالك: أن الجلوس لانتظار المؤذن أن يفرغ من الأذان، والأذان غير مشروع في العيد فلا حاجة إلى الجلوس، وقال بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك في رواية يجلس كما في الجمعة. م: (فبذلك ورد النقل المستفيض) ش: أي بخطبتين بعد الصلاة ورد النقل الشائع، فروى البخاري عن نافع عن ابن عمر قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يصلون العيد قبل الخطبة» وأخرج الطحاوي ومسلم أيضا عن عطاء هو ابن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال: «قام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الفطر فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم خطب .... » الحديث. رواه البخاري ومسلم أيضا قال: «شهدت العيد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فإنهم كانوا يصلون العيد قبل الخطبة» . وأخرج الجماعة إلا البخاري عن طارق بن شهاب عن أبي سعيد الخدري «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة ... الحديث» وأخرج ابن ماجه عن جابر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 ويعلم الناس فيها صدقة الفطر وأحكامها، لأنها شرعت لأجله، ومن فاتته صلاة العيد مع الإمام لم يقضها.   [البناية] قال: «خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم فطر أو أضحى فخطب قائما ثم قعد قعدة ثم قام» . وقال النووي في " الخلاصة ": وروي عن ابن مسعود أنه قال: «السنة أن يخطب في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس خفيف غير متصل» ولم يثبت في تكرير الخطبة شيء، ولكن المعتمد فيه القياس على الجمعة. م: (ويعلم الناس فيها) ش: أي ويعلم الخطيب في خطبة عيد الفطر. م: (صدقة الفطر) ش: أنها واجبة. م: (وأحكامها) ش: أي ويعلم أيضا أحكام صدقة الفطر كيف يخرج، ومن أي شيء يخرج، وكم يخرج، وفي أي وقت يخرج، وغير ذلك مما يتعلق بها. م: (لأنها شرعت لأجله) ش: أي لأن خطبة صلاة عيد الفطر شرعت لأجل تعليم أحكام صدقة الفطر، والضمير في "لأجله" يرجع إلى التعليم الذي يدل عليه، قوله: يعلم الناس، كما في قَوْله تَعَالَى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] (المائدة: الآية 8) أي العدل. [حكم من فاتته صلاة العيد مع الإمام] م: (ومن فاتته صلاة العيد مع الإمام لم يقضها) ش: كلمة مع متعلقة بالصلاة لا بقوله فاتته، أي فاتت الصلاة عنه بالجماعة، وليس معناه فاتت الصلاة عنه وعن الإمام، حاصله أدى الإمام صلاة العيد ولم يؤدها هو، وأما إذا فاتت الإمام أيضا فائتة يصليها مع الجماعة في اليوم الثاني إذا كان الفوات بعذر. وفي " جوامع الفقه " و " قاضي خان " إذا تركها بغير عذر لا يقضيها أصلا، وبعذر يقضيها في اليوم الثاني في وقتها، وبه قال الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق، وقال ابن المنذر: وبه أقول، وفي " جوامع الفقه ": العذر مثل أن يظهر أنهم صلوها بعد الزوال في يوم غيم، وعلى قول ابن شجاع: لا يجوز في اليوم الثاني، وبه قال مالك، فإن تركها في اليوم الثاني بعذر أو بغير عذر لا يصليها. وقال الشافعي: من فاتته صلاة العيد يصلي وحده كما يصلي مع الإمام، وهذا بناء على أن المنفرد هل يصلي صلاة العيد، عندنا لا يصلي، وعنده يصلي. وقال السروجي: وللشافعي قولان الأصح قضاؤها، فإن أمكن جمعهم في يوم صلى بهم، وإلا صلاها من الغد، وهو فرض قضاء النوافل عنده، وعلى القول الآخر هي الجمعة يشترط الجماعة والأربعين ودار الإقامة، وفعله من الغد إن قلنا إذا لا يصليها في بقية اليوم، وإلا صلاها في نفسه وهو الصحيح عندهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 لأن الصلاة بهذه الصفة لم تعرف قربة إلا بشرائط لا تتم بالمنفرد، فإن غم الهلال وشهدوا عند الإمام برؤية الهلال بعد الزوال صلى العيد من الغد،   [البناية] وتأخيرها عنه قيل لا يسقط أنه لو قيل إلى آخر الشهر، وقال السروجي في الذي تفوته صلاة العيد مع الإمام: لكنه إن أحب أن يصلي إن شاء صلى ركعتين وإن شاء أربعا كصلاة الضحى كسائر الأيام، ومثله في البدائع، وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يصلي أربعا، وبه قال أحمد، لكن إن شاء بتسليمة واحدة، وإن شاء بتسليمتين، واستحبه الثوري، وعند الأوزاعي يصلي ركعتين ولا يجهر فيهما بالقراءة ولا يكبر تكبير الإمام. وقال إسحاق: إن يصلي في الجبانة صلاها ركعتين وإلا صلاها أربعا. وقال السغناقي: فإن أحب أن يصلي فالأفضل أن يصلي أربع ركعات لما روي عن ابن مسعود أنه قال: من فاتته صلاة العيد صلى أربع ركعات يقرأ في الركعة الأولى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] (الأعلى: الآية 1) وفي الثانية {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] (الشمس: الآية 1) وفي الثالثة {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] (الليل: الآية 1) وفي الرابعة {وَالضُّحَى} [الضحى: 1] (الضحى: الآية 1) وروي في ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعدا جميلا وثوابا جزيلا، كذا في " المحيط ". قلت: قال ابن المنذر: لا يصح فيه حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (لأن الصلاة بهذه الصفة) ش: أراد بها التكبيرات المخصوصة بها. م: (لم تعرف قربة إلا بشرائط لا تتم بالمنفرد) ش: أراد بالشرائط هي الشرائط المخصوصة بها، نحو الجماعة والسلطان والمصر والمنفرد عاجز عن ذلك، فلا يجب عليه صلاتها. وفي " نهاية المطلب " تصح صلاة العيد من المنفرد والمسافر والنساء في الدور وراء الخدور كالنوافل، غير أن الجماعة فيها مستحبة، وقال ابن المنذر: يصليها المسافر ومن لا تجب عليه الجمعة والمرأة في بيتها والعبد، وهو قول الحسن البصري. وقال الأوزاعي: ليس على المسافر صلاة الأضحى ولا الفطر، وبه قال مالك وإسحاق، وهو قول على بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [الحكم لو غم هلال شوال وشهدوا برؤيته عند الإمام بعد الزوال] م: (فإن غم الهلال) ش: بضم الغين المعجمة على ما لم يسم فاعله، معناه إذا ستره عنهم غيم أو غيره فلم ير. م: (وشهدوا عند الإمام برؤية الهلال) ش: من الأمس. م: (بعد الزوال صلى العيد من الغد) ش: أي صلى الإمام العيد من الغد، ذكر الطحاوي في شرح " الآثار " أن هذا قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو أصح قولي الشافعي وأحمد رحمهما الله. وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا فات في اليوم الأول لم يقض، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 لأن هذا تأخير بعذر وقد ورد فيه الحديث، فإن حدث عذر يمنع من الصلاة في اليوم الثاني لم يصلها بعده، لأن الأصل فيها أن لا تقضى كالجمعة إلا أنا تركناه بالحديث وقد ورد بالتأخير إلى اليوم الثاني عند العذر، ويستحب في يوم الأضحى أن يغتسل ويستاك ويتطيب لما ذكرناه، ويؤخر الأكل حتى يفرغ من الصلاة لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان لا يطعم في يوم النحر حتى يرجع فيأكل من أضحيته» ويتوجه إلى المصلى   [البناية] م: (لأن هذا تأخير بعذر) ش: لأن تركهم الصلاة كان لعدم رؤية الهلال وهو عذر. م: (وقد ورد فيه الحديث) ش: أي والحال أنه قد ورد في الصلاة من الغد، الحديث المذكور عند قوله ولما شهدوا بالهلال ..... إلخ، والقياس في صلاة العيد أن لا يقضي، لأنها صلاة تختص بجماعة كالجمعة إلا أن القياس ترك فيما إذا تركت بعذر للحديث المذكور، بخلاف القياس فبقي ما ترك بلا عذر على أهل القياس فلم يجز قضاؤها في اليوم الثاني إذا تركت. م: (فإن حدث عذر يمنع من الصلاة في اليوم الثاني) ش: الذي هو وقتها عند العذر. م: (لم يصلها بعده، لأن الأصل فيها) ش: أي في صلاة العيد. م: (أن لا تُقضى كالجمعة) ش: فإنه إذا فات وقتها لا يَقضي وينقلب إلى الظهر. م: (إلا أنا تركناه) ش: أي إلا أنا تركنا الأصل الذي هو القياس. م: (بالحديث) ش: وهو الحديث المذكور. م: (وقد ورد) ش: أي الحديث المذكور. م: (بالتأخير) ش: أي بتأخير صلاة العيد. م: (إلى اليوم الثاني عند العذر) ش: وعند عدم العذر يقتصر على القياس. [ما يسن للمصلي يوم الأضحى] م: (ويستحب في يوم الأضحى أن يغتسل ويستاك ويتطيب لما ذكرناه) ش: أراد به عند قوله: وكان يغتسل في العيدين، أي كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (ويؤخر الأكل) ش: بالنصب عطف على ما قبله، أي يستحب أيضا أن يؤخر أكله. م: (حتى يفرغ من الصلاة) ش: أي من صلاة العيد. م: (لما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان لا يطعم في يوم النحر حتى يرجع فيأكل من أضحيته» . ش: هذا الحديث رواه عبد الله بن بريدة عن يزيد، قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يرجع» رواه ابن ماجه والترمذي وابن حبان في "صحيحه" والحاكم في " مستدركه " وزاد الدارقطني وأحمد في " مسنده " «فيأكل من أضحيته» وصحح هذه الرواية ابن القطان في كتابه. والناس في هذا اليوم أضياف الله يستحب أن يكون أول تناولهم من لحوم الأضاحي التي هي ضيافة الله، فاستحب تأخير الأكل إلى ما بعد الصلاة، وهذا في حق المصري، أما القروي فإنه يذوق من حين أصبح ولا يمسك كما في عيد الفطر، لأن الأضاحي تذبح في القرى من الإصباح، بخلاف المصر، حيث لا يذبح فيه إلا بعد الفراغ من الصلاة. م: (ويتوجه إلى المصلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 وهو يكبر، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يكبر في الطريق، ويصلي ركعتين كالفطر، كذلك نقل، ويخطب بعدها خطبتين، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذلك فعل، ويعلم الناس فيها الأضحية وتكبير التشريق؛ لأنه مشروع الوقت والخطبة ما شرعت إلا لتعليمه، فإن كان عذر يمنع من الصلاة في يوم الأضحى صلاها من الغد وبعد الغد، ولا يصليها بعد ذلك؛ لأن الصلاة مؤقتة بوقت الأضحية فيتقيد بأيامها لكنه مسيء في التأخير من غير عذر لمخالفة المنقول.   [البناية] وهو يكبر) ش: أي والحال أنه يكبر طول الطريق بلا توقف، فإذا انتهى إليه يترك كذا في " التحفة " وفي " الكافي " لا يقطعه حتى يشرع الإمام في الصلاة. فرع: ولو قال يوم العيد تقبل الله منا ومنك، في " القنية " اختلف الناس فيه ولم يذكروا الكراهة عن أصحابنا، قال مالك: يكره لأنه من فعل الأعاجم. وقال أحمد: لا بأس به، لأن أبا أمامة الباهلي وواثلة بن الأسقع كانا يقولان ذلك. وقال الأوزاعي: بدعة، وقال الحسن: حديث، وقال أحمد: حديث أبي أمامة جيد، وروي مثله عن ليث بن سعد. م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يكبر في الطريق) ش: هذا غريب، ولم يتعرض إليه أحد من الشراح ولكن روى البخاري في " الصحيح " وقال: كان ابن عمر وأبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما. م: (ويصلي ركعتين كالفطر كذلك نقل) ش: أي جماعة من الصحابة، وهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وأبو موسى الأشعري وحذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وآخرون، وقد ذكرنا فيما مضى أحاديث في ذلك عن ابن عمر وجابر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (ويخطب بعدها خطبتين، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذلك فعل ويعلم الناس فيها الأضحية) ش: من كونها واجبة أو سنة وما يتعلق بها من أحكامها. م: (وتكبير التشريق) ش: أي ويعلم أيضا كيف يكبر التشريق. م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الأضحية وتكبير التشريق أيام الأضحية. م: (مشروع الوقت والخطبة ما شرعت إلا لتعليمه) ش: أي ليعلم مشروع الوقت، ومعنى مشروع الوقت أن كلا من الأضحية وتكبير التشريق ما يشرع إلا في أيام الأضحى. م: (فإن كان عذر يمنع من الصلاة في يوم الأضحى صلاها من الغد وبعد الغد) ش: يعني ثلاثة أيام. م: (ولا يصليها بعد ذلك) ش: يعني في اليوم الرابع وما بعده. م: (لأن الصلاة مؤقتة بوقت الأضحية) ش: ووقت الأضحية هو ثلاثة أيام. م: (فيتقيد بأيامها لكنه مسيء في التأخير من غير عذر لمخالفة المنقول) ش: أراد بالمنقول أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى عيد الأضحى في اليوم العاشر من ذي الحجة، ولم يرد غير ذلك، وقوله لمخالفة المنقول يصح أن يكون جوابا عن سؤال مقدر، وهو أن يقول: لما كانت الصلاة مؤقتة بوقت، فلو أخرها بغير عذر فكيف يكون مسيئا، فأجاب بقوله: لكنه مسيء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 والتعريف الذي يصنعه الناس ليس بشيء.   [البناية] لمخالفة ما نقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (والتعريف الذي يصنعه الناس ليس بشيء) ش: التعريف مصدر مبتدأ، وخبره قوله: " ليس بشيء "، وإنما قيد بقوله: " الذي يصنعه الناس " لأن التعريف يجيء لمعان: للإعلام وللتطيب من العرف وهو الريح، وإنشاد الضالة والوقوف بعرفات والوقوف بغيرها شبها بأهلها، وهذا المعنى هو المراد هاهنا على ما يجيء الآن، وفي " المغرب " التعريف المحدث هو التشبه بأهل عرفة في غير عرفة، وهو أن يخرجوا إلى الصحراء فيدعوا ويتضرعوا، وقال الأترازي: التعريف في اللغة الوقوف بعرفات. قال الفرزدق: إذا ما التقينا بالمحصب من منى ... صبيحة يوم النحر من حيث عرفوا قلت: ليس معنى هذا اللفظ الوقوف بعرفات فقط، وإنما هو مستعمل في اللغة لمعان كثيرة كما ذكرنا الآن. قوله: م: (ليس بشيء) ش: أي ليس بشيء في حكم الوقوف كقول محمد في الأصل: دم السمك ليس بشيء، أي ليس بشيء في حكم الدماء، وهذا لأنه شيء حقيقة لكونه موجودا، إلا أنه لما لم يكن معتبرا نفى عنه اسم الشيء، ويقال: ليس بشيء معتبر، يعني غير مسنون ولا مستحب يتعلق به الثواب، وسئل مالك عن ذلك، قال: وإنما مفاتيح هذه الأشياء البدع. وفي " المحيط ": ولم يرد به محمد نفي مشروعيته أصلا، لأنه دعاء وتسبيح، بل أراد نفي وجوبه كما قيل في سجدة الشكر عند أبي حنيفة. وعن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله- في غير رواية الأصول: لا يكره، وبه قال أحمد؛ لما روي أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه فعل ذلك بالبصرة. قلنا: ذلك محمول على أنه ما كان للتشبيه بل كان للدعاء والتضرع، وهذا لو طاف حول مسجد سوى الكعبة يخشى عليه الكفر، حتى لو اجتمعوا لشرف ذلك اليوم لا للتشبيه جاز، كذا في " جامع قاضي خان " والتمرتاشي وفي " جمع التفاريق " عن أبي يوسف: يكره أن يجتمع قوم فيعتزلون في موضع يعبدون الله - عز وجل - ويفرغون أنفسهم لذلك، وأهل كان معهم أهلوهم. وفي " الكافي ": قيل: يستحب ذلك؛ لأنه سبب لأهل الطاعة، فيكون لهم ثوابهم، ولهذا فعله ابن عباس، وخروجهم إلى الجبانة سنة وإن وسعهم الجامع. وقال السروجي: روي عن عمرو بن حريث وثابت ومحمد بن واسع ويحيى بن معين مثل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 وهو أن يجتمع الناس يوم عرفة في بعض المواضع تشبها بالواقفين بعرفة؛ لأن الوقوف عرف عبادة مختصة بمكان مخصوص، فلا يكون عبادة دونه كسائر المناسك.   [البناية] ما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصول أنه لا يكره، وعن أحمد لا بأس به، وقيل له: أنت تفعل ذلك؟ قال: أما أنا فلا، وقال عطاء الخراساني: إن استطعت أن تخلو بنفسك عشية عرفة فافعل. وقال شمس الأئمة السرخسي: ولو فعلوا ذلك، أي التعريف تشبها بالواقفين لزمهم أن يكشفوا رءوسهم أيضا، تشبها بالمحرمين، وهذا لا يقول به أحد، لأنه تشبه بالنصارى في كنائسهم ومتعبداتهم. قال: ولو فعلوا ذلك لطافوا أيضا حول مساجدهم أو بنوا بيتا آخر يطوفون حوله تشبها بالطائفين حول البيت ويسعون في أسواقهم تشبها بالساعين بين الصفا والمروة. قلت: والملازمة في الوجهين ممنوعة، لأن التشبه لا يستدعي العموم. م: (وهو) ش: أي التعريف المذكور. م: (أن يجتمع الناس يوم عرفة في بعض المواضع تشبها بالواقفين بعرفة) ش: وهذا تعريف التعريف الذي يصنعه الناس، وهو الذي عليه أنه ليس بشيء، وقال الأترازي: وحقه أن يقال بعرفات، لأن عرفة اسم اليوم، وعرفات اسم المكان. قلت: معناه بالواقفين يوم عرفة والواقفين بعرفات، وأدى بحقه على أنه يقال جبل عرفة، كما يقال جبل عرفات، وذلك شائع في ألسنة الناس. م: (لأن الوقوف) ش: هذا تعليل لقوله: ليس بشيء؛ أي لأن الوقوف بعرفات. م: (عرف عبادة مختصة بمكان مخصوص) ش: أي بعرفات. م: (فلا يكون عبادة دونه) ش: أي لا يكون الوقوف عبادة دون الوقوف، وفي بعض النسخ دونها، أي دون عرفات. م: (كسائر المناسك) ش: أي كيفية مناسك الحج مثل الطواف والسعي بين الصفا والمروة، فإن الناس لا يسعون في الأسواق مكشوفي الرأس تشبها بالساعين في هذه الأيام بين الصفا والمروة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 فصل في تكبيرات التشريق ويبدأ بتكبير التشريق بعد صلاة الفجر من يوم عرفة ويختم عقيب العصر من يوم النحر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يختم عقيب صلاة العصر من آخر أيام التشريق.   [البناية] [فصل في تكبيرات التشريق] م: (فصل في تكبيرات التشريق) ش: أي هذا فصل في بيان تكبيرات التشريق، ولما فرغ من بيان صلاتي العيد وإحداهما صلاة الأضحى شرع في بيان التكبيرات التي هي مختصة بأيامها، فلذلك أفردها بالفصل، والتشريق مصدر من شرق اللحم إذا بسطه في الشمس ليجف، وسميت بذلك أيام التشريق، لأن لحم الأضاحي كانت تشرق فيها بمنى، وقيل: سميت به، لأن الهدي والضحايا لا تنحر حتى تشرق الشمس، أي تطلع، وكان المشركون يقولون أشرق ثبير كيما نغير، ثبير بفتح الثاء المثلثة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره راء، جبل بمنى، أي ادخل أيها الجبل في الشروق، وهو ضوء الشمس، كيما نغير أي ندفع للنحر. وذكر بعضهم أن أيام التشريق سميت بذلك، وقيل: التشريق صلاة العيد، لأنها تؤدى عند إشراق الشمس وارتفاعها، كما جاء في الحديث «لا جمعة ولا تشريق» ، وفي حديث آخر «لا ذبح إلا بعد التشريق» ، والمراد بالتشريق فيهما صلاة العيد، كذا في " المبسوط ". وفي " الخلاصة ": أيام النحر ثلاثة وأيام التشريق ثلاثة، ويمضي ذلك في أربعة أيام، فإن العاشر من ذي الحجة نحر خاص، والثالث عشر تشريق خاص، واليومان فيما بينهما للنحر والتشريق، وقال العلامة شمس الأئمة الكردري: هذه الإضافة -يعني إضافة التكبير إلى التشريق- مستقيم على قولهما، لأن بعض التكبيرات يقع في أيام التشريق عندهما، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقع شيء منهما في أيام التشريق، ولكن أدنى الملابسة كاف للإضافة. م: (ويبدأ) ش: أي المصلي. م: (بتكبير التشريق بعد صلاة الفجر من يوم عرفة ويختم) ش: التكبير. م: (عقيب العصر) ش: أي صلاة العصر. م: (من يوم النحر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو قول عبد الله بن مسعود وعلقمة والأسود والنخعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد رحمهما الله. م: (يختم عقيب صلاة العصر من آخر أيام التشريق) ش: وهو قول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وبه قال سفيان الثوري وسفيان بن عيينة وأبو ثور وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في قول. وفي " التحرير " ذكر عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - معهم. وفي " المفيد " وأبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعليه الفتوى، ذكره في " الكامل " و " التحرير " وهاهنا تسعة أقوال، وقد ذكرنا القولين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 والمسألة مختلفة بين الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فأخذا بقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخذا بالأكثر؛ إذ هو الاحتياط في العبادات،   [البناية] الثالث: يختم بعد ظهر يوم النحر، وروي ذلك عن ابن مسعود فعلى هذا يكبر في سبع صلوات، وعلى قولهما في ثلاث وعشرين صلاة. الرابع: يكبر في ظهر يوم النحر ويختم في صبح آخر أيام التشريق وهو قول مالك والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المشهور ويحيى الأنصاري، وروي ذلك عن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وهو رواية عن أبي يوسف رجع إليه، حكاه في " المبسوط " و " شرح الأقطع ". الخامس: من ظهر عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، حكي ذلك عن ابن عباس وسعيد بن جبير. السادس: يبدأ من ظهر يوم النحر إلى ظهر يوم النحر الأول، وهو قول بعض أهل العلم. والسابع: حكاه ابن المنذر عن ابن عيينة، واستحسنه أحمد أن أهل منى يبتدئون من ظهر يوم النحر، وأهل الأمصار من صبح يوم عرفة، وإليه مال أبو ثور. والثامن: من ظهر عرفة إلى ظهر يوم النحر، حكاه ابن المنذر. والتاسع: من مغرب ليلة النحر عند بعضهم، قاله قاضي خان وغيره. م: (والمسألة) ش: أي مسألة تكبيرات التشريق. م: (مختلفة بين الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: وهم الشيوخ منهم والصبيان، فالشيوخ عمر وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والشباب عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وعائشة أم المؤمنين. م: (فأخذا) ش: أي أبو يوسف ومحمد رحمهما الله. م: (بقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخذا بالأكثر، إذ هو الاحتياط) ش: أي الأخذ بالأكثر هو الاحتياط. م: (في العبادات) ش: والأكثر هو تكبيرات علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو أكثر من تكبيرات ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والعبادات يحتاط فيها بالأكثر، واحتجا أيضا بقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] (البقرة: الآية 203) ، والمراد منها أيام التشريق بالنقل عن أئمة التفسير. فإن قلت: فعلى هذا يلزمهما تكبيرات العيد؟ قلت: لا نسلم، لأنه ثمة دلت شواهد الأصول على ترجيح قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بخلاف تكبيرات التشريق، فإن الترجيح لما لم يكن لاتفاق مذهب الصحابة في الثبوت والرواية عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ بالأكثر احتياطًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 وأخذ بقول ابن مسعود أخذا بالأقل؛ لأن الجهر بالتكبير بدعة.   [البناية] م: (وأخذ بقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي أخذ أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقول عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (أخذا بالأقل) ش: أخذا على أنه مفعول مطلق لقوله أخذ. م: (لأن الجهر بالتكبير بدعة) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] (الأعراف: الآية 55) . واحتج أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا بقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] (البقرة: الآية 203) ، والمراد منه أيام التشريق بالنقل عن أهل التفسير، فكان ينبغي أن يكون التكبير واجبا في جميع أيام العشر إلا أن ما قبل يوم عرفة خص بالإجماع من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وفيما بعد يوم الأضحى لا نص ولا إجماع فكان الاقتصار على تكبير ابن مسعود أولى. فإن قلت: لا نسلم عدم النص في أيام التشريق، ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] ؟ قلت: لا نسلم أن المراد منه الذكر المفعول عقيب الصلوات، بل المراد منه الذكر عند رمي الجمار بدليل سياق الآية {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] لأن ذلك الحكم يختص برمي الجمار. وقالت الشافعية: الأخذ بالأكثر أولى احتياطا، لأن هذا باب لا يعرف بالرأي والزيادة في الأخبار عن الثقات مقبولة، ولأن هذه التكبيرات منسوبة إلى أيام التشريق واتفقنا أنه يكبر في غير أيام التشريق، وهو يوم عرفة والنحر، فلأن يكبر في أيام التشريق أولى. وفي " شرح الوجيز ": أما تكبير الأضحى فالناس فيه قسمان حاج وغيرهم، فالحاج يبدءون به عقيب ظهر يوم النحر، ويختمون عقيب الصبح آخر أيام التشريق، وأما غيرهم ففيه طريقان أصحهما على ثلاثة أقوال أظهرها أنهم كالحاج، والثاني أنهم يبدءون عقيب عرفة من الصبح ويختمون عقيب العصر من آخر أيام التشريق، وقال الصيدلاني وغيره: وعليه العمل في الأمصار والطريق الثاني القطع بالقول الأول، إذ هو الاحتياط. وفي " شرح المهذب " للنووي: الحاج يبدأ به من ظهر يوم النحر ويختم في صبح آخر أيام التشريق بلا خلاف، وأما غير الحاج فللشافعي فيه نصوص ثلاثة، أحدها: كالحاج وهو المشهور، ونصه في " مختصر المزني والبويطي والإمام والقديم "، قال الحاوي: نصه في " القديم " و " الجديد ". وقال صاحب " الشامل ": هو نصه في أكثر كتبه. الثاني: يبدأ به خلف المغرب ليلة النحر كليلة الفطر على أصله. الثالث: من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، كقولهما فالقول الأول خمس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عشرة صلاة، والقول الثاني ثماني عشرة صلاة. وقال أبو إسحاق المروزي: لا خلاف في المذهب أنه يكبر من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وإنما ذكره ليلة النحر للقياس على ليلة الفطر وظهر يوم النحر على قياس الحجيج، واختارته طائفة منهم كابن شريح والمزني والروياني والبيهقي. قال النووي: هو الذي اختاره وقرره بما روي عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكبر من يوم عرفة من صلاة الغداة إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق» . قال البيهقي: يرويه عمرو بن شمر عن جابر الجعفي، ولا يحتج بهما، وروى الحاكم في " المستدرك «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يجهر ب " {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] " ويقنت في صلاة الفجر ويكبر يوم عرفة من صلاة الصبح، ويقطعها صلاة العصر آخر أيام التشريق» قال: هذا حديث صحيح لا أعلم في رواته منسوبا إلى الجرح. قلت: روى البيهقي هذا الحديث بإسناد الحاكم، ثم قال: هذا الحديث مشهور بعمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي الطفيل، وكلا الإسنادين ضعيف، وقال النووي: والبيهقي أشد تحريا من نسخة الحاكم وأتقن. قلت: هذا الذي هو أشد تحريا يروي عن الضعفاء، وتكلف في التصحيح إذا وافق مذهبه، وإذا كان حديثهم عليه ضعفه، وذكر من تكلم فيهم، فإذا كان دأب التحري فما ترى ظنك بغيره كالحاكم وأمثاله من المتحرين الشافعية. وفي " جامع الأسبيجابي " و " المجتبى " و " فتاوى العتابي " و " التحرير " و " الخلاصة " الفتوى على قولهما، أي على قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله- وعليه عمل الأمصار في أغلب الأعصار. وعن الفقيه أبي جعفر أن مشايخنا يرون التكبير في الأسواق في الأيام العشر، كذا في " الفتاوى الظهيرية ". وفي " جامع التفاريق " قيل لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينبغي لأهل الكوفة وغيرها أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 والتكبير أن يقول مرة واحدة: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد،   [البناية] يكبروا أيام التشريق في الأسواق والمساجد؟ قال: نعم، قال أبو الليث: وكان إبراهيم بن يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يغني بالتكبير في الأسواق في الأيام العشر. وقال الهندواني: وعندي أنه لا ينبغي أن يمنع العامة من ذلك لقلة رغبتهم في الخير، وبه نأخذ؛ كذا في " المجتبى ". [صيغة التكبير] م: (والتكبير أن يقول مرة واحدة: " الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد ") ش: وهو قول عمر بن الخطاب وابن مسعود، وبه قال الثوري وأحمد وإسحاق، وفيه أقوال أخر، الأول قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يكبر ثلاثا معا، وهو قول ابن جبير والحسن. وفي " المحيط " قال الشافعي: التكبير أن يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثلاث مرات أو خمسا أو سبعا أو تسعا، لأن التنصيص عليه في القرآن التكبير، قال الله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] (الحج: الآية 37) ، والتكبير قوله: " الله أكبر "، وأما قوله: " لا إله إلا الله " فتهليل، وقوله: " الحمد لله " تحميد فمن شرط هذا فقد زاد على الكتاب. قال صاحب " الدراية ": فعلم أن قول المصنف والتكبير .... إلخ احترازا عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في موضعين وفي المدة وتعيين الكلام. الثاني: قول لمالك أنه يقف على الثانية ثم يقطع فيقول الله أكبر لا إله إلا الله، حكاه الثعلبي عنه. الثالث: عن ابن عباس: الله أكبر الله أكبر أجل الله أكبر ولله الحمد. الرابع: هو: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. الخامس: عن ابن عباس: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الحي القيوم يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. السادس: عن ابن عباس عن عبد الرحمن: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الحمد لله، ذكره في " المحلى ". السابع: أنه ليس فيه شيء موقت، قاله الحاكم وحماد. وقول أصحابنا أولى، لأن عليه جماعة من الصحابة والتابعين. قوله: م: (مرة واحدة) ش: وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول ثلاثا معا، وهو قوله في " الجديد "، وفي " القديم " يكبر مرتين، وقال مالك: إن شاء يكبر ثلاثا، وإن شاء مرتين، وقولنا هو مذهب عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وهو قول الثوري وإسحاق وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 وهذا هو المأثور عن إبراهيم الخليل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو عقيب الصلوات المفروضات على المقيمين في الأمصار في الجماعات المستحبة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] م: (وهذا هو المأثور عن إبراهيم الخليل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي هذا الذي ذكرناه من كيفية التكبير هو المأثور عن إبراهيم الخليل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال الزيلعي: لم أجده مأثورا عن الخليل، ولكنه مأثور عن ابن مسعود، رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " بسند جيد، حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن الأسود قال: كان عبد الله يكبر في صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر يقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. وقال أيضا: حدثنا يزيد بن هارون ثنا شريك قال: قلت لأبي إسحاق: كيف كان يكبر علي وعبد الله؟ قال: كانا يقولان الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد. وذكر في " المفيد " هو المأثور عن الخليل وإسماعيل وجبريل - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فإنه لما تله للجبين وتناول المدية باليمين، وجاء جبريل بالفداء، ونادى في الهواء الله أكبر الله أكبر فسمعه الخليل فقال: لا إله إلا الله والله أكبر فسمعه إسماعيل أو إسحاق حسبما اختلفوا في الذبيح، فقال: الله أكبر ولله الحمد. وفي " المبسوط " و " قاضي خان " أصله أن إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لما اشتغل بمقدمات ذبح ولده وجاء جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالفداء من السماء خاف العجلة فنادى الله أكبر الله أكبر، فلما سمع إبراهيم ذلك رفع رأسه إلى السماء فعلم أنه جاء بالفداء فقال: لا إله إلا الله والله أكبر فسمعه الذبيح، فقال الله أكبر ولله الحمد، فصار ذلك سنة إلى يوم القيامة. م: (وهو) ش: أي التكبير م: (عقيب الصلوات المفروضات على المقيمين في الأمصار في الجماعات المستحبة عند أبي حنيفة) ش: وهو مذهب ابن مسعود، وكان ابن عمر إذا صلى وحده لا يكبر، وبه قال الثوري، وهو المشهور عن أحمد. وقوله: م: (عقيب الصلوات) ش: إشارة إلى أنه لا يجوز أن يخلل ما يقطع به حرمة الصلاة حتى لو قام وخرج من المسجد أو تكلم لم يكبر، وإنما قيد بالمفروضات ليخرج الوتر وصلاة العيدين والسنن والنوافل، وقيد بالمقيمين ليخرج المسافرين، وقيد في الأمصار ليخرج المقيمين بالقرى، وقيد بالجماعة ليخرج المنفرد، وقيد بالمستحب ليخرج جماعة النساء وحدهن. وفي " المبسوط " و " جوامع الفقه " و " العدنوي " و " شرح أبي نصر " لا يكبر بعد الوتر وصلاة العيدين والجنائز والسنن والنوافل ويكبر بعد الجمعة، لأنها مكتوبة، وقال مالك وأحمد وسائر الفقهاء لا يكبر عقيب النوافل خلافا للشافعي فإنه عنده يكبر في النوافل والجنائز على الأصح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 وليس على جماعة النساء إذا لم يكن معهن رجل ولا على جماعة المسافرين إذا لم يكن معهم مقيم، وقالا: هو على كل من صلى المكتوبة، لأنه تبع للمكتوبة. وله ما روينا من قبل،   [البناية] وفي " الدراية " وللشافعي خلف النوافل طريقان أحدهما أنه يكره قولا واحدا، والثاني فيه قولان. وفي " الحاوي " طريقة ثالثة أنه لا يكبر خلفها قولا واحدا. وقيل: ما سن له الجماعة من النوافل يكبر له وما لا فلا يكبر خلفه. واختلف المشايخ على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه هل يشترط للإقامة الحرية أم لا؟ والأصح أنها ليست بشرط عنده، والسلطان ليس بشرط عنده، وقول المصنف على المقيمين يدل على وجوب هذه التكبيرات، وكذا قولهما على كل من صلى المكتوبة. ونص في " المفيد " و " المزيد " و " قاضي خان " و " جوامع الفقه " على وجوبها، وذكر في " فتاوى المرغيناني " في [ .... ..] أنها سنة، وبه قال مالك والشافعي رحمهما الله - وأحمد، والصحيح الوجوب، لأنها من الشعائر كتكبيرات العيدين. [التكبير للنساء والمسافرين] م: (وليس على جماعة النساء إذا لم يكن معهن رجل) ش: يعني إذا لم يكن إمامهن رجلا، فإذا كان يجب عليهن بطريق التبعية م: (ولا على جماعة المسافرين إذا لم يكن معهم مقيم) ش: أي وليس التكبير على جماعة المسافرين إذا لم يكن إمامهم مقيما، وإذا صلى المسافرون جماعة في مصر فيه روايتان، الأصح أنه لا يجب عليهم. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (هو) ش: أي التكبير م: (على كل من صلى المكتوبة) ش: وبه قال مالك والشافعي - رحمهما الله - والأوزاعي، والمشهور عن أحمد أن المنفرد لا يكبر كقول أبي حنيفة، وقوله: م: (كل من صلى المكتوبة) ش: أي الفرض سواء كان مصريا أو مقيما أو مسافرا جماعة أو منفردا. م: (لأنه تبع للمكتوبة) . ش: أي لأن التكبير تبع للمفروضة يكبر كل من صلاها. قلنا: التبعية عرفت شرعا بخلاف القياس، لأنه لم يشرع في غير هذه الأيام فتراعى لهذه التبعية جميع ما ورد به النص، والنص جعل من إحدى شرائطه المصر فوجب أن يشترط القوم الخاص والجماعة، كما في الجمعة والعيد والمسلمون يكبرون عقيب صلاة العيد، لأنها تؤدى بالجماعة فأشبهت الجمعة، وعند غيرهم لا يكبرون، لأن صلاة العيد في الأصل غير مكتوبة. م: (وله) ، ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ما روينا من قبل) ش: وهو الذي ذكره في أول باب صلاة الجمعة ولا تشريق ولا فطر إلا في مصر جامع. فإن قلت: هذه التكبيرات شرعت تبعا للمكتوبات، فكيف يشترط لها ما لم يشترط للمتبوع؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 والتشريق هو التكبير، كذا نقل عن الخليل بن أحمد   [البناية] قلت: النص على خلاف القياس. واختلف المشايخ في اشتراط الحرية على قوله فمنهم من شرطها قياسا على الجمعة والعيد ومنهم من لم يشترطها قياسا على سائر الصلاة، وفائدته تظهر فيما إذا أم العبد صلاة المكتوبة في هذه الأيام، فمن شرطها لم يوجب التكبير، ومن لم يشترط أوجبه. م: (والتشريق هو التكبير) . ش: أشار بهذا إلى أن المراد من قوله في الحديث المذكور آنفا لا جمعة ولا تشريق، أي ولا يكبر، وإن كان متعددا كما ذكرناه في أول الفصل، وأشار إلى صحة مجيء التشريق بمعنى التكبير بقوله، م: (كذا نقل عن الخليل بن أحمد) ، ش: وهو من أئمة اللغة، وكذا نقل عن النصر بن سهيل. وقال تاج الشريعة: فإن صح النقل عنهما فظاهر وإلا فلا بد من التحمل لقول الفقهاء، فيقول: إن التشريق في اللغة تقديد اللحم في الشمس، والمطلق من الشرع لصلاة العيد مأخوذ من شروق الشمس، أي طلوعها أو إشراقها أي إضاءتها، لأن ذلك وقتها، وتسمية أيام التشريق، إما أنها توابع ليوم النحر، أو لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها. إذا عرفت ذلك نقول التكبير يصح مرادا بالتشريق مجازا فيحمل النص عليه، وإنما قلنا إنه يصح مرادا، لأنه وصلاة العيد مشتركان في الوقت، ويكون كل واحد منهما شعارا يجهر به من شعائر الإسلام وملازمته بينهما من حيث إنهم يجهرون بالتكبير في الخروج إلى المصلى وهو مسنون في عيد الأضحى بلا خلاف، وفي عيد الفطر في رواية، وإطلاق اسم أحد الملزمين أو المتلازمين على الآخر مجازا شقص صحيح كإطلاق الأسد على الجريء والصلاة غير معينة به في الحديث، لأن حكمها قد أفيد بقوله: " لا فطر ولا أضحى "، فإن المراد بها صلاة العيدين وهو ظاهر، أو بقول التشريق، وإن كان على حقيقته فإنه أراد بقوله: " ولا تشريق " ولا تكبير تشريق فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. انتهى. قلت: ولهذا يجاب لمن قال: إذا كان التشريق هو التكبير بقوله: كأنه قال: تكبير التكبير، وهذا ممتنع، لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه فافهم. واعلم أن الخليل بن أحمد بن عمرو بن حتم الفراهيدي، ويقال الفرهودي الأزدي التحمدي كان إماما في علم النحو واللغة، وله تصانيف فيهما، وسيبويه أخذ عنه علوم الأدب، مات في سنة خمس وسبعين ومائة، وقيل: عاش أربعا وسبعين سنة، ومن تلامذته النضر بن شميل بن خرشة التميمي المازني النحوي البصري وله تصانيف، مات في سلخ ذي الحجة سنة أربع ومائتين بمدنية مرو من بلاد خراسان وبها ولد، ونشأ في البصرة فكذلك نسب إليها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 ولأن الجهر بالتكبير خلاف السنة، والشرع ورد به عند استجماع هذه الشرائط إلا أنه يجب على النساء إذا اقتدين بالرجال، وعلى المسافرين عند اقتدائهم بالمقيم بطريق التبعية، قال يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صليت بهم المغرب يوم عرفة فسهوت أن أكبر فكبر أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، دل أن الإمام وإن ترك التكبير لا يتركه المقتدي وهذا لأنه لا يؤدى في حرمة الصلاة، فلم يكن الإمام فيه حتما وإنما هو مستحب.   [البناية] م: (ولأن الجهر بالتكبير خلاف السنة) ، ش: لأن الأصل في الدعاء الإخفاء، فلا تكون سنة إلا في موضع النص أو الإجماع ولم يوجدا فيما ذكرناه. م: (والشرع ورد به) ، ش: أي بالجهر. م: (عند استجماع هذه الشرائط) ، ش: أشار به إلى الفرض والإقامة والمصر والجماعة والذكورية. م: (إلا أنه) ، ش: أي إلا أن التكبير. م: (يجب على النساء إذا اقتدين بالرجال وعلى المسافرين) ، ش: أي ويجب أيضا على المسافرين. م: (عند اقتدائهم بالمقيم بطريق التبعية) ، ش: أي الإمام، وفي النحر غير أن المسافر يكبر جهرا والمرأة لا تكبر جهرا. م: (قال يعقوب) ، ش: أي أبو يوسف، م: (صليت بهم المغرب) ، ش: أي بالمسافرين، م: (يوم عرفة) ، ش: هذا مجاز لقرب المغرب من النهار، أو لأن ليلة النحر ملحقة باليوم الذي قبلها في حكم الوقت، لأن مدركها مدرك الحج، م: (فسهوت أن أكبر) ، ش: أي عن التكبير فكلمة أن مصدرية، م: (فكبر أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - دل) ، ش: أي تكبير أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (أن الإمام وإن ترك التكبير لا يتركه المقتدي) ، ش: كالذي يتلو آية السجدة إذا تركها وهو إمام السامعين لا يترك السامعون. م: (وهذا) ، ش: توضيح لما قبله، م: (لأنه) ، ش: أي لأن التكبير، م: (لا يؤدى في حرمة الصلاة) ، ش: بل يؤدى في أثرها، م: (فلم يكن الإمام فيه حتما) ، ش: أي واجبا، بخلاف سجود السهو إذا تركها الإمام يتركه المقتدي أيضا، م: (وإنما هو) ، ش: أي الإمام، م: (مستحب) ، ش: أي وجوده في التكبير فيكبر إذا تركه إمامه، ولكن إنما يكبر قبله إذا وقع إلباس عن تكبير إمامه بأن قام، وفي ذكر هذه المسألة فوائد. منها: بيان منزلة أبي يوسف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث قدمه واقتدى به، ومنها بيان حشمة أستاذه حيث ذكره بسهوه فكبر ليتذكر هو ويكبر. ومنها: أن الأستاذ إذا تفرس في بعض أصحابه الخير يقدمه ويعظمه عند الناس حتى يعظموه كما فعل أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ومنها: أن التلميذ لا ينبغي أن ينسى حرمة أستاذه وإن قدمه أستاذه وعلمه، ألا ترى أن أبا يوسف شغله ذلك حتى سها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فروع: فاتته صلاة في غير أيام التشريق فقضاها في أيام التشريق أو على العكس أو قضاها في أيام التشريق من العام القابل لا يكبر، ولو قضاها في أيام التشريق من العام من هذه السنة يكبر. اختلفوا في المسبوق متى يكبر، قال الجمهور: يقضي ما فاته ثم يكبر عقيب سلامة برأيه. وقال الحسن البصري: يكبر ثم يقضي. وعن مكحول ومجاهد: يكبر ثم يقضي [ .... ..] ، قال ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - محل هذا التكبير دبر كل صلاة ما لم يتخلل قاطع من حديث عمل أو قهقهة أو كلام أو خروج من المسجد، فمن نسيه فتذكر قبل وجود القاطع كبر وبعده لا يكبر. وقال الشافعي: لا يكبر ليلة عيد الفطر عند الجمهور، وإنما يكبر عند الغدو إلى صلاة العيد، وعن سعيد بن المسيب وعروة وداود: وجوب التكبير في عيد الفطر، ووقته غروب الشمس ليلة العيد عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومذهب الجمهور قول علي وابن عمر وأبي أمامة وآخرين من الصحابة. وبه قال عبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جبير والنخعي وأبو الزناد وعمر بن عبد العزيز وأبو بكر بن محمد وحماد والحكم ومالك وإسحاق وأبو ثور. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 باب صلاة الكسوف   [البناية] [باب صلاة الكسوف] [عدد ركعات صلاة الكسوف وكيفيتها] م: (باب صلاة الكسوف) ش: أي هذا باب في بيان صلاة الكسوف، وجه المناسبة بين البابين من حيث إنهما يؤديان بالجماعة في النهار بغير أذان ولا إقامة، وآخرها من العيد، لأن صلاة العيد واجبة على الأصح كما ذكرناه فيما مضى، والتناسب بين هذه الأبواب الثلاثة أعني باب صلاة العيد والكسوف والاستسقاء ظاهر وأوردها حسب رتبها، وقدم العيد لكثرة وقوعها، وكذلك قدم الكسوف على الاستسقاء لهذا، ولأن للإنسان حالتين حالة السرور والفرح، وحالة الحزن والفزع، فقدم حالة السرور على حالة الفزع. يقال: كسفت الشمس والقمر، بفتح السين فيهما، وكسفا على ما لم يسم فاعله، وانكسفا الكسوف اللازم، والكسف المتعدي، وأخسفا وانخسفا فهي ست لغات في الشمس والقمر وقيل الكسوف أوله والخسوف آخره فيهما، لأنه يقال انخسفت الأرض إذا ساحت ما عليها، وهو أقوى من الكسف. قال النووي: وقد جاءت اللغات الست في " الصحيحين " والأشهر في سنة الفقهاء تخصيص الكسوف بالشمس والخسوف بالقمر وهو الأفصح، وقيل: لا يقال في الشمس إلا خسف، وفي القمر إلا كسف، والقرآن يرده، وقيل الخسوف في الكل، والكسوف في القمر فقط، وقال الليث: الخسوف فيهما والكسوف في الشمس فقط، وقال ابن دريد: خسف القمر وانكسفت الشمس، وقال الفراء في " الأجود ": كسفت الشمس وخسف القمر، وقيل العكس، وقيل: هما سواء، وقيل: الكسوف تغير لونها والخسوف تغيبها في السواد. وأصل الكسوف التغير، ومنه كسف البال أي تغير الحال، والخسوف الذهاب بالكلية، ومنه قَوْله تَعَالَى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص: 81] ، ولما كان القمر يذهب ضوؤه كان أولى بالخسف. قال شمس الأئمة السرخسي في " المبسوط ": عاب أهل الأدب على محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في لفظه كسوف على القمر، وقالوا: إنما يقال خسوف القمر، كقوله وخسف القمر، قال: قلنا الكسوف ذهاب دائرته، والخسوف ذهاب دون دائرته، وقيل: الكسوف والخسوف تغيره والخسوف ذهاب لونه. قلت: قد مر أن الكسوف والخسوف فيهما لا يعاب عليه، وقال السغناقي: كسفت الشمس كسوفا ويكسفها الله كسفا يتعدى ولا يتعدى، قال الشاعر: الشمس طالعة ليست بكاسفة ... تبكي عليك نجوم الليل والقمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 قال: وإذا انكسفت الشمس صلى الإمام بالناس ركعتين   [البناية] أي ليست تكسف ضوء النجوم مع طلوعها، ولكن لقلة ضوئها وبكائها عليك لم يظهر لها نور، وكذلك كسف القمر، إلا أن الأجود فيه أن يقال خسف القمر، وذكر الإمام جمال الدين الأديب في شرح الأبيات يرثي جريرة هذا عمر بن عبد العزيز، ومعنى قوله " تبكي ": أي تغلبت النجوم في البكاء، يقال بكيته فبكيته، أي غلبته في البكاء، وروي " النجوم " بالرفع والنصب، فعلى تقدير الرفع كان الواو في والقمر بمعنى مع والألف للإشباع. م: (قال: وإذا انكسفت الشمس صلى الإمام بالناس ركعتين) ، ش: أصل مشروعية صلاة الكسوف بالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] (الإسراء: الآية 59) ، والكسوف آية من الآيات المخوفة، والله تعالى يخوف عباده ليتركوا المعاصي ويرجعوا إلى الطاعة التي فيها فوزهم. وأما السنة فقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا رأيتم شيئا من هذا الإفزاع فافزعوا إلى الصلاة» . وأما الإجماع فإن الأمة قد اجتمعت عليها من غير إنكار أحد ثم يحتاج بعد هذا إلى معرفة ستة أشياء، سبب شرعيتها وهو الكسوف، لأنها تضاف إليه ويتكرر بتكرره وشرط جوازها ما اشترط لسائر الصلاة. وصفتها وهي سنة وليست بواجبة على الأصح، وقال بعض مشايخنا إنها واجبة للأمر بها، ونص في " الأسرار " على وجوبها وكيفية أدائها بالجماعة، ولكن اختلفوا فيها كما سيجيء بيانه إن شاء الله تعالى. وموضع صلاته أنه يصلي في المسجد الجامع أو في مصلى العيد ووقتها هو الوقت الذي يستحب فيه سائر الصلاة دون الأوقات المكروهة، وبه قال مالك. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكره في الأوقات المكروهة، فقوله ركعتين. وفي " المحيط " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن شاءوا صلوا ركعتين، وإن شاءوا صلوا أربعا. وفي " البدائع " و " المفيد " و " التحفة " و " العتيبة ": إن شاءوا صلوها ركعتين وإن شاءوا أربعا، وإن شاءوا أكثر من ذلك، هكذا روى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - والجماعة فيها أفضل، فلذلك قال: يصلي الإمام بالناس، ويجوز فرادى، ذكره في " المحيط "، وفي " الذخيرة " الجماعة فيها سنة ويصلي بهم الإمام الذي يصلي الجمعة والعيدين. وفي المرغيناني: يؤمهم فيها إمام حيهم بإذن السلطان، لأن اجتماع الناس ربما أوجب فتنة وضلالا ولا يصلون في مساجدهم بل يصلون جماعة واحدة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 كهيئة النافلة في كل ركعة ركوع واحد. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ركوعان، له رواية عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -   [البناية] م: (كهيئة النافلة) ش: بغير أذان ولا إقامة، م: (في كل ركعة ركوع واحد) ، ش: مثل صلاة الفجر والجمعة، وبه قال النخعي والثوري وابن أبي ليلى، وهو مذهب عبد الله بن الزبير، رواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس. م: (وقال الشافعي: ركوعان) ، ش: أي في كل ركعة ركوعان، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وعن أحمد وإسحاق يركع في كل ركعة ثلاث ركوعات، وحكى ابن المنذر عن حذيفة وابن عباس في كل ركعة ثلاث ركوعات. وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خمس ركوعات، وعن إسحاق يجوز في كل ركعة ركوعات ثلاثة وأربعة، لأنه ثبت ذلك كله عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال العلاء بن زياد: لا يزال يركع ويقوم ويراقب الشمس حتى تنجلي. وفي " البدائع " قال أبو منصور: اختلاف الروايات محمول على النسخ دون التخيير لاختلاف الأئمة، ولو كان على التخيير لما اختلفوا. م: (له) ، ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (رواية عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) ، ش: حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «خسفت الشمس على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المسجد فقام فكبر فصف الناس وراءه فقرأ قراءة طويلة ثم ركع فركع ركوعا طويلا، ثم رفع رأسه، فقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم قام فقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى ثم كبر فركع ركوعا طويلا هو أدنى من الأول، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك فاستكمل أربع ركعات وأربع تحيات فانجلت الشمس قبل أن ينصرف، ثم قام فخطب الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة» . وأخرج البخاري ومسلم أيضا عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: «انكسفت الشمس على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» - فذكر نحو حديث عائشة، وأخرجا أيضا نحوه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. وحديث الثلاث ركعات في كل ركعة أخرجه مسلم عن عطاء عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كسفت الشمس على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلى ست ركعات بأربع سجدات» وأخرجه أيضا عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وعن ابن عباس بنحوه. وحديث الأربع ركعات في كل ركعة، أخرجه مسلم عن طاووس «عن ابن عباس أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى في الكسوف فقرأ ثم ركع ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع ثم سجد» . وعن علي مثل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ذلك. وحديث الخمس ركعات في كل ركعة، أخرجه أبو داود في " سننه " من حديث أبي بن كعب أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بهم في كسوف الشمس، فقرأ سورة من الطوال وركع خمس ركعات وسد سجدتين وفعل في الثانية مثل ذلك، ثم جلس يدعو حتى ينجلي كسوفها» وفي إسناده أبو جعفر الرازي، واسمه عيسى بن عبد الله بن هامان فيه مقال، وذكر أبو عمر وابن حزم عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى في كسوف عشر ركعات في أربع سجدات، وروى أبو داود «عشر ركعات في كل ركعة» . ثم صورة هذه الصلاة عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما ذكره في " شرح الوجيز " أقل هذه الصلاة أن يحرم بنية صلاة الكسوف ويقرأ الفاتحة ويركع ثم يرفع رأسه ويقرأ الفاتحة ثم يركع ثم يسجد ثم يفعل كذلك في الركعة الثانية، وكلاهما أن يقرأ في القيام الأول بعد الفاتحة سورة البقرة أو بقدرها ثم يركع ويسبح بقدر مائة آية ثم يرفع رأسه ويقرأ في القيام الثاني مقدار مائتي آية من سورة البقرة، ثم يركع ويسبح بقدر ثمانين آية، ثم يرفع رأسه ويقرأ ويسجد كما يسجدها في غيرها. وقال ابن شريح: يطيل السجود على حسب ما قبله من الركوع، وقال غيره: لا يطيل بل هو كالسجود في سائر الصلاة والأول أصح ثم يقرأ في الركعة الثانية بعد الفاتحة مائة وخمسين آية، ثم يركع ويسبح بقدر سبعين آية ثم يرفع رأسه ويقرأ بعد الفاتحة بقدر مائة آية ثم يركع ويسبح بقدر خمسين آية، ثم يركع ويسجد، وهذا اختيار المزني وقول صاحب " الحلية ". وقال السغناقي: في صورة صلاة الكسوف عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يقوم في الركعة الأولى ويقرأ فيها بفاتحة الكتاب وسورة البقرة إن كان يحفظها، وإن كان لا يحفظها يقرأ غير ذلك مما بعدها، ثم يركع ويمكث في ركوعه مثلما يمكث في قيامه، ثم يرفع رأسه ويقوم ويقرأ سورة آل عمران إن كان يحفظها، وإن كان لا يحفظها يقرأ غير ذلك مما بعدها ثم يركع ثانيا ويمكث في ركوعه مثلما يمكث في قيامه هذا، ثم يرفع رأسه ثم يسجد سجدتين ثم يقوم فيمكث في قيامه ويقرأ فيه ما يقرأ في القيام الثاني في الركعة الأولى فيمكث في ركوعه مثلما يمكث في هذا القيام ثم يقوم ويمكث في مقامه مثلما يمكث في الركوع ثم يرفع رأسه ويقوم مثل ثلثي قيامه في القيام الأول من هذه الركعة الثانية، ثم يسجد سجدتين وتتم الصلاة، كذا في " المحيط ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 ولنا رواية سمرة وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -   [البناية] وذكر في " الخلاصة الغزالية ": فإذا كسفت الشمس في وقت مكروه أو غير مكروه يؤدي الصلاة جماعة وصلى الإمام بالناس في المسجد ركعتين وركع في كل ركعة ركوعين أوائلها أطول من أواخرها، ثم ذكر قراءة الطوال الأربع، ثم قال: وسبح في الركوع الأول قدر مائة آية، وفي الثانية قدر ثمانين، وفي الثالثة قدر سبعين، وفي الرابع قدر خمسين آية. م: (ولنا رواية سمرة وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ، ش: في أكثر النسخ، ولنا رواية ابن عمر ولم يذكر سمرة - أما حديث سمرة بن جندب، فما أخرجه أبو داود حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا الأسود بن قيس حدثني ثعلبة بن عباد العبدي ثم من أهل البصرة أنه شهد خطبة يوما لسمرة بن جندب قال: «قال سمرة بن جندب: بينما أنا وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا حتى إذا كانت الشمس قيد رمح أو رمحين أو ثلاثة في عين الناظر من الأفق اسودت حتى آضت كأنها تَنُّومَة، فقال أحدنا لصاحبه انطلق بنا إلى المسجد، فوالله ليحدثن شأن هذه الشمس لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أمته حدثا قال: فدفعنا فإذا هو بارز فاستقدم فصلى فقام بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتا. قال: ثم ركع بنا كأطول ما ركع بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتا، ثم سجد بنا كأطول ما سجد بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتا، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، قال: فوافق تجلي الشمس جلوسه في الركعة الثانية، قال: ثم سلم ثم قام فحمد الله وأثنى عليه وشهد أن لا إله إلا الله وشهد أنه عبده ورسوله» ثم ساق أحمد بن يونس خطبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأخرجه النسائي أيضا مطولا ومختصرا. وأخرجه ابن ماجه والترمذي مختصرا. وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا والطحاوي، وفي لفظهما نرمي غرضا لنا. قوله: غرضين مثنى غرض بفتح الغين والراء وهو الهدف. قوله " قيد رمحين " بكسر القاف أي قدر رمحين. آضت: أي رجعت، من آض يئيض أيضا، قوله " تنومة " بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد النون وضمها بعدها واو ساكنة ثم ميم مفتوحة وفي آخره هاء، وهو نوع من نبات الأرض، فيه وفي ثمره سواد قليل، ويقال هو شجر له ثمر كمد اللون، قوله " فإذا هو بارز " من البروز وهو الظهور، وقال الخطابي: هذا تصحيف من الراوي [ .... ..... ] بهم لكثرتهم. وأما حديث ابن عمر بدون الواو في عمر لم نجده، وإنما المروي حديث ابن عمرو، هو: عبد الله بن عمرو بن العاص، ولعل الخطأ من الناسخ، وحديث ابن عمرو أخرجه أبو داود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] والنسائي والترمذي في " الشمائل " عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: «انكسفت الشمس على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يكد يركع ثم ركع فلم يكد يرفع، ثم رفع فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع، ثم رفع فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع، ثم رفع وفعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، ثم نفخ في آخر سجوده، فقال أف أف، ثم قال رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم، ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون، ففرغ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من صلاته وقد أمحصت الشمس» . وأخرجه الحاكم أيضا وقال: صحيح ولم يخرجاه من أجل عطاء بن السائب. قلت: قد أخرج البخاري عن عطاء حديثا مقرونا لأبي بشر، وقال أيوب ثقة، ولنا حديث أخرجه النسائي، عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا خسفت الشمس والقمر فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة» ورواه أحمد في " مسنده " والحاكم في " مستدركه "، وقال على شرطهما، ورواه أبو داود ولفظه «كسفت الشمس على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجعل يصلي ركعتين ركعتين ويسأل عنها حتى انجلت» . وأخرجه ابن ماجه أيضا، وقال البيهقي: هذا مرسل، أبو قلابة لم يسمع من النعمان. قلت: صرح في الكمال بسماعه من النعمان، وقال ابن حزم: وأبو قلابة أدرك النعمان وروى هذا الخبر عنه، وصرح ابن عبد البر بصحة هذا الحديث، وقال من أحسن حديث ذهب إليه الكوفيون حديث أبي قلابة عن النعمان يظهر من البيهقي دعوى بلا دليل، والعجب من النووي حكمه بصحة هذا الحديث، ثم قال إلا أنه روي بزيادة رجل بين أبي قلابة والنعمان، ثم اختلف في ذلك الرجل، واسم أبي قلابة عبد الله بن زيد الحربي. ومنها حديث أخرجه أبو داود عن قبيصة الهلالي قال: «كسفت الشمس على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فخرج فزعا يجر ثوبه وأنا معه يومئذ بالمدينة فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام، ثم انصرف وانجلت فقال: إنما هذه الآيات يخوف الله بها، فإذا رأيتموها فصلوا، كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 والحال أكشف على الرجال لقربهم   [البناية] وأخرجه النسائي أيضا والحاكم في " المستدرك " وقال: حديث صحيح على شرائط الشيخين ولم يخرجاه، ورواه البيهقي أيضا، ثم قال: يسقط بين أبي قلابة وقبيصة رجل وهو هلال بن عامر. وقال النووي في " الخلاصة ": وهذا لايقدح في صحة الحديث. ومنها حديث أخرجه البخاري في " صحيحه " عن الحسن عن أبي بكر قال «خسفت الشمس على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فخرج يجر رداءه حتى انتهى إلى المسجد وبادر الناس فصلى بهم ركعتين مثل صلاتكم» ووهم النووي في " الخلاصة " فعزا هذا الحديث للصحيحين، وإنما انفرد به البخاري. ومنها حديث أخرجه مسلم عن عبد الرحمن بن سمرة وفيه فصلى ركعتين، فظاهر هذا الحديث والحديث الذي قبله: أن الركعتين بركوع واحد، وقد اختلفوا في الجواب عنهما لأجل أنهما عليهم، فقال النووي: قوله: " صلى ركعتين " يعني في كل ركعة قيامان وركوعان. وقال القرطبي: يحتمل أنه إنما أخبر عن حكم ركعة واحدة وسكت عن الأخرى. قلت: في هذين الجوابين إخراج اللفظ عن ظاهره، فلا يجوز إلا بدليل. وأيضا فلفظ النسائي كما تصلون، وابن حبان مثل صلاتكم يرد ذلك، وفي " العارضة " روى الكسوف عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبعة عشرة رجلا. م: (والحال أكشف على الرجال لقربهم) ، ش: هذا جواب عن حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الذي احتج به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما ذهب إليه أن حال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي الهيئة التي كان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عليها في صلاة الكسوف أكشف على الرجال من النساء بقرب الرجال منه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لأنهم يقومون قبل صف النساء. ومن هذا أخذ محمد بن الحسن في " الآثار " فقال: يحتمل أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أطال الركوع زيادة على قدر ركوع سائر الصلوات فرفع أهل الصف الأول رؤوسهم ظنا منهم أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رفع رأسه من الركوع من خلفهم ورفعوا رؤوسهم، فلما رأى أهل الصف الأول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - راكعا ركعوا ثمة خلفهم ركعة، فلما رفع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأسه من الركوع رفع القوم رؤوسهم ومن خلف الصف الأول ظنوا أنه ركع ركوعين، فرووه على حسب ما رفع عندهم. ومثل هذا الاشتباه قد يقع لمن كان آخر الصفوف وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كانت واقعة في صف النساء، وابن عباس في صف الصبيان في ذلك الوقت، فنقلا كما وقع عندهم فيحمل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] على هذا توفيقا بين الروايتين. قلت: هذا الاحتمال لا يجدي شيئا، لأنا وإن سلمنا هذا في ركوعين، فماذا يقال في ثلاث ركوعات في رواية وأربع ركوعات في أخرى كما ذكرنا. وقال الأترازي في قوله: " والحال أكشف على الرجال ": فيه نظر، لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يتمسك بما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وحدها حتى يلزم ترجيح رواية الرجال على رواية النساء، بل يتمسك بروايتها ورواية ابن عباس فلا يتأتى الترجيح إلا بما قلنا من القياس. قلت: ابن عباس في ذلك الوقت كان في صف الصبيان، فتكون روايته ورواية عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - على السواء على هذا. قال الأكمل: فإن قيل روى حديثها من الرجل ابن عباس، وقد كان في صفهم. أجيب: بأنه كان في صف الصبيان في ذلك الوقت. قلت: هذا أيضا لا يجوز، وكل منهما حام حول الحمى فلم ينجيا، لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يتعلق بحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وحده، في الاحتجاج لمذهبه، بل يتعلق به وبحديث جابر وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهما، بل الصواب ها هنا أن يقال اختلفوا في صلاة الكسوف، بل يقال تحروا الكل، وكل واحد منهم تعلق بحديث، ورآه أولى من غيره بحسب ما أدى اجتهاده إليه في صحته وموافقته للأصل المعهود في أبواب الصلاة. وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - تعلق بأحاديث موافقة للقياس في أبواب الصلاة، لأن في سائر الصلوات من المكتوبات والتطوع مع كل ركعة سجدتان، فكذلك ينبغي أن تكون صلاة الكسوف كذلك. وقال أبو إسحاق المروزي وأبو الطيب وغيرهما: تحمل أحاديثنا على الاستحباب وأحاديثهم على الجواز، وقال السروجي: فلم ينقل ذلك بالمدينة إلا مرة واحدة، فإذا حصل هذا الاضطراب الكثير من الركوع واحد إلى عشرة ركوعات يعمل بما له أصل في الشرع، انتهى. قلت: فيه نظر، لأن بعضهم قالوا: صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الكسوف غير مرة، وفي غير سنة فروى كل واحد ما شاء هذه من صلاته وضبطه من فعله. وذكر النووي في " شرح المهذب " أن عند الشافعية - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لا تجوز الزيادة على ركوعين، وبه قطع جمهورهم، قال: وهو ظاهر نصوصه. قلت: الزيادة من العدل مقبولة عندهم، وقد صحت الزيادة على الركوعين ولم يعلموا بها، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 فكان الترجيح لروايته، ويطول القراءة فيهما   [البناية] فكل جواب لهم عن الزيادة على الركوعين، فهو جواب لنا عما زاد على ركوع واحد. وقال السرخسي: وتأويل الركوعين فيما زاد أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - طول الركوع فيها، لأنه عرض عليه الجنة والنار فمل بعض القوم وظنوا أنه رفع رأسه فرفعوا رءوسهم إلى آخر ما ذكرنا عن محمد عن قريب فيه ما قيد ما ذكرنا، وقيل رفع رأسه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[ليتحقق] حال الشمس هل انجلت أم لا؟ وهكذا قيل في كل ركوع وفيه نظر أيضا. وقد قال مناظر محمد بن الحسن ألم يعلم أن الحديث إذا جاء من وجهين، واختلفا وكانت فيه زيادة كان الأخذ بالزيادة أولى، لأن الآتي بها أثبت من الذي يقص الحديث؟ قال: نعم، قال المناظر: ففي حديث من الزيادة ما ينبغي أن يرجع إليه، قال محمد: فالنعمان بن بشير لا يذكر في كل ركعة ركوعين، قال المناظر: قلت: فالنعمان يزعم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى ركعتين ثم نظر فلم تنجل الشمس، فقام: فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين أفتأخذ به؟ قال: لا، قلت: فأنت إذا تخالف قول النعمان وحديثه، انتهى. قلت: لقائل أن يقول له كما قال لمحمد سواء أنت تأخذ بحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وجابر وابن عباس، فإن قال: نعم قيل له قد صح عنهم ما ذكر من ثلاث ركعات في كل ركعة ست ركعات، فهذه زيادة أتأخذ بها؟ فإن قال: لا، قيل له: فأنت إذا تخالف ما ذكرت، لأنك اعتمدته وتخالف أيضا ويخالفه أيضا ما ذهبنا إليه بحجتنا [ .... ... ] . وأما حديث أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حدثنا فيه زيادة، رواه الحاكم من حديث أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال: «انكسفت الشمس فصلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقرأ سورة من الطوال وركع خمس ركعات وسجد سجدتين» . وهذا الحديث فيه ألفاظ زائدة، ورواته صادقون وصححه أيضا أبو محمد الأصيلي، وأقره الحافظان ابن القطان وابن [ ..] فكان ينبغي أن يعمل بها لأن خبر الزيادة من الثقة. م: (فكان الترجيح لروايته) ، ش: الفاء فيه جواب شرط محذوف، أي إذا كان الحال أكشف للرجال من النساء يؤمهم من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان الترجيح لرواية ابن عمرو بن العاص، وقد ذكرنا أنه وقع في الكتاب ابن عمر بدون الواو وليس كذلك كما بينا. [القراءة في صلاة الكسوف] م: (ويطول القراءة فيهما) ، ش: أي ويطول الإمام القراءة في ركعتي الكسوف لما مر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام في الأولى مقدار البقرة، وفي الثانية بقدر آل عمران، وفي " المرغيناني " يقرأ فيهما بما أحب كالمكتوبة، ولو طول القراءة خفف الدعاء أو على العكس، وروى الحسن بن زياد عن أبي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 ويخفي عند أبي حنيفة، وقالا: يجهر. وعن محمد مثل قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. أما التطويل في القراءة فبيان الأفضل ويخفف إن شاء؛ لأن المسنون استيعاب الوقت بالصلاة والدعاء، فإذا خفف أحدهما طول الآخر، وأما الإخفاء والجهر فلهما رواية عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جهر فيها، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية ابن عباس وسمرة بن جندب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -،   [البناية] حنيفة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في كسوف الشمس أنهم إن شاؤوا صلوا ركعتين وإن شاؤوا أربعا، وإن شاؤوا أكثر من ذلك، وإن شاؤوا سلموا في كل ركعتين، وإن شاؤوا في كل أربعة؛ لأنها نافلة. م: (ويخفي) ، ش: أي القراءة. م: (عند أبي حنيفة) ، ش: وبه قال الشافعي ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (وقالا) ، ش: أي قال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (يجهر) ، ش: بالقراءة، وبه قال أحمد ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. م: (وعن محمد مثل قول أبي حنيفة) ش: أي روي عن محمد أنه لا يجهر بالقراءة كمثل قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي " التحفة " عن محمد روايتان فيه. وفي " البدائع " وفي عامة الرواية مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (أما التطويل في القراءة فبيان الأفضل) ، ش: لا بيان الوجوب، لأن قوله: " ويطول القراءة فيهما " قول القدوري، وروي في " مختصره " وهو يحتمل الوجوب وغيره. فأشار بقوله أما التطويل إلى آخره إلى أن التطويل غير واجب، ولو قال: وأما التطويل في القراءة فبيان السنة لكان أولى على ما لا يخفى. م: (ويخفف) ، ش: القراءة. م: (إن شاء، لأن المسنون استيعاب الوقت) ، ش: أي استغراقه. م: (بالصلاة والدعاء فإذا خفف أحدهما طول الآخر) ، ش: يعني إذا خفف الصلاة طول الدعاء وهو بالخيار في هذا الدعاء إن شاء جلس فدعا ويستقبل القبلة، وإن شاء قام ودعا واستقبل الناس بوجهه. م: (وأما الإخفاء والجهر فلهما) ، ش: أي فلأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -. م: (رواية عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جهر فيها) ، ش: حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه البخاري ومسلم عن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «جهر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاة الخسوف بقراءته» الحديث. والمراد بالخسوف كسوف الشمس والدليل عليه ما رواه البخاري أيضا من حديث أسماء بنت أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «جهر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاة الكسوف» ورواه أبو داود، ولفظه: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ قراءة طويلة فجهر بها يعني في صلاة الكسوف» ورواه الترمذي، ولفظه: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى صلاة الكسوف فجهر فيها بالقراءة» وحسنه، ورواه ابن حبان أيضا في " صحيحه " قالوا: وفي هذه الألفاظ ما يدفع قول من فسر لفظ " الصحيحين " بخسوف القمر. م: (ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواية ابن عباس وسمرة بن جندب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 والترجيح قد مر من قبل، كيف وأنها صلاة النهار، وهي عجماء، ويدعو بعدها حتى تنجلي؛ الشمس لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا رأيتم من هذه الأفزاع شيئا فارغبوا إلى الله بالدعاء»   [البناية] ش: حديث ابن عباس روه أحمد في " مسنده " عن عكرمة عن ابن عباس قال: «صليت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الكسوف فلم أستمع منه فيها حرفا من القراءة» ورواه أبو يعلى الموصلي أيضا في " مسنده " وأبو نعيم في " الحلية " والطبراني في " معجمه " والبيهقي في " المعرفة ". وحديث سمرة بن جندب، رواه الأربعة عن ثعلبة بن عباد العبدي قال: «قال سمرة بن جندب: بينما أنا وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا.. الحديث وفيه: " صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الكسوف لا نسمع له صوتا» وقد مر هذا الحديث في هذا الباب بتمامه. م: (والترجيح قد مر من قبل) ، ش: أراد به قوله: " والحال أكشف على الرجال لقربهم "، م: (كيف وأنها صلاة النهار وهي عجماء) ، ش: كيف اسم، وعن سيبويه أنه ظرف، ومعناه كيف يجهر بالقراءة في صلاة الكسوف والحال أنها صلاة النهار عجماء، أي ليس فيها قراءة مسموعة، أخذ من العجماء التي هي البهيمة، سميت به لأنها لا تتكلم، وكل من لا يقدر على الكلام فهو أعجم. م: (ويدعو بعدها) ، ش: أي ويدعو الإمام بعد صلاة الكسوف. م: (حتى تنجلي الشمس) ، ش: أي حتى تنكشف، لأن الصلاة كانت الدعاء، فإذا فرغوا من الصلاة يجب أن يدعوا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخطب خطبتين بعد كما في العيدين، وبه قال أحمد، واحتجا بما روى البخاري ومسلم عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انصرف وقد انجلت الشمس فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا..» الحديث. ولنا أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب خطبتين أمر بالصلاة ولم يأمر بالخطبة ولو كانت مسنونة فيهما لبينهما ولم ينقل عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه خطب خطبتين، فليس عليهما دليل ولا القياس، وحديث ابن مسعود وابن عمر وعائشة في " الصحيحين " ولم يذكر الخطبة. والجواب عن الحديث المذكور أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب ليردهم عن قولهم: إن الشمس كسفت لموت إبراهيم بن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «إن الشمس والقمر ... » الحديث هو محمول على الدعاء. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا رأيتم من هذه الأفزاع شيئا فارغبوا إلى الله بالدعاء» ، ش: هذا اللفظ غريب وهو في " الصحيحين " من حديث المغيرة بن شعبة: «فإذا رأيتموها فارغبوا إلى ذكر الله» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 والسنة في الأدعية تأخيرها عن الصلاة، ويصلي بهم الإمام الذي يصلي بهم الجمعة، فإن لم يحضر صلى الناس فرادى   [البناية] وأخرجه أيضا عن عائشة: «فإذا رأيتموها فكبروا وادعوا» ، وروى أبو سليمان في كتاب الصلاة قريبا من لفظ المصنف عن محمد عن أبي يوسف عن أبان عن ابن أبي عباس عن الحسن البصري عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا رأيتم من هذه الأفزاع شيئا فافزعوا إلى الصلاة» . قلت: هذا مرسل وهو حجة عندنا، قوله: " فافزعوا " بالزاي المعجمة، أي التجئوا إليه، يقال فزع إليه، أي التجأ، والمفزع الملجأ. [الدعاء في صلاة الكسوف] م: (والسنة في الأدعية تأخيرها عن الصلاة) ، ش: لما روى الترمذي في " جامعه " في كتاب الدعوات والنسائي في كتاب اليوم والليلة عن عبد الرحمن بن سابط «عن أبي أمامة قيل: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي الدعاء أسمع؟ قال: " جوف الليل الأخير، ودبر الصلاة المكتوبة» قال الترمذي: حديث حسن، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه "، وقال ابن القطان: وعبد الرحمن بن سابط لم يسمع من أبي أمامة. وروى أبو داود والنسائي «عن معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: " يا معاذ والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ لا تدع عن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» . واحتج البخاري في " تاريخه الأوسط " عن المغيرة بن شعبة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه كان يدعو دبر كل صلاة» . م: (ويصلي بهم الإمام الذي يصلي بهم الجمعة) ، ش: يعني يصلي صلاة الكسوف بالقوم الإمام الذي يصلي بهم الجمعة والعيدين، وفي " التحفة " أو غيره بإذن الإمام، كما في الجمعة والعيدين، وفي " المرغيناني " ويؤمهم فيها إمام حيهم بإذن السلطان في مساجدهم بل يصلون جماعة واحدة، ولو لم يقمها الإمام صلى الناس فرادى. وفي " مبسوط بكر " عن أبي حنيفة في غير رواية الأصول لكل إمام مسجد أن يصلي بجماعته في مسجده. وذكر في " المحيط " وقال الأسبيجابي: يمكن بإذن الإمام الأعظم. م: (فإن لم يحضر) ، ش: أي الإمام الذي يصلي بهم الجمعة. م: (صلى الناس فرادى) ، ش: أي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 تحرزا عن الفتنة، وليس في كسوف القمر جماعة لتعذر الاجتماع في الليل أو لخوف الفتنة، وإنما يصلي كل واحد بنفسه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا رأيتم شيئا من هذه الأهوال فافزعوا إلى الصلاة» وليس في الكسوف؛ خطبة لأنه لم ينقل.   [البناية] منفردين، وانتصابه على الحال. م: (تحرزا عن الفتنة) ، ش: في التقديم والتقدم. [الصلاة لكسوف القمر جماعة] م: (وليس في كسوف القمر جماعة) ، ش: هذا لفظ محمد في " المبسوط "، وقد عيب عليه بأن لفظ الكسوف لا يستعمل إلا في الشمس، ورد بأن كلا من لفظ الكسوف والخسوف مستعمل في كل واحد من الشمس والقمر، وقد حققنا الكلام فيه في أول الباب، ووقع في بعض النسخ وليس في خسوف القمر جماعة، والأول أصح، وقيل الجماعة جائزة لكنها ليست بسنة. م: (لتعذر الاجتماع بالليل) ، ش: أي لتعذر اجتماع الناس بالليل، وكان في زمان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كسوف القمر كما كان كسوف الشمس، فلو كان فيه جماعة كما في كسوف الشمس لنقل، وأما نفس الصلاة فبالأحاديث المذكورة عن قريب. م: (أو لخوف الفتنة) ، ش: لأن اجتماع الناس بالليل من أطراف البلد لا يكاد يسلم عن وقوع فتنة منهم، إما من جهة وقوع الزحام وإما من جهة اختيار الإمام. م: (وإنما يصلي كل واحد بنفسه) ، ش: يعني منفردين، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصلي صلاة الخسوف بالجماعة كما في الكسوف، وقال مالك: لا صلاة فيه. وفي " المغني " لابن قدامة، وعن مالك: ليس في كسوف القمر سنة ولا صلاة، وانفرد به من بين أهل العلم. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصليها جماعة بركوعين وبالجهر بالقراءة وبخطبتين بينهما جلسة ككسوف الشمس، وهو قول أحمد وإسحاق إلا في الخطبة. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا رأيتم شيئا من هذه الأهوال فافزعوا إلى الصلاة» ، ش: في هذا الموضع نظر من وجهين: الأول: أن هذا الحديث بهذا اللفظ غريب، وإنما الذي صح ما رواه البخاري ومسلم وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة» . والثاني: أن هذا الحديث لا يطابق مرآه، يظهر ذلك بالتأمل ولا ينكر ذلك إلا المعاند. م: (وليس في الكسوف خطبة) ، ش: وقال الأكمل: أي في كسوف الشمس والقمر خطبة. قلت: ليس في خسوف القمر جماعة فضلا عن الخطبة فلا يحتاج إلى ذكر القمر، وإنما عرفوا قول السغناقي من قول المصنف، وليس في الكسوف خطبة، هذا راجع إلى كسوف الشمس والقمر وليس كذلك، لأن المعنى كسوف الشمس خاصة كما ذكرنا، لأن الخسوف فيه جماعة، فكيف يكون فيه الخطبة حتى ينفي. م: (لأنه لم ينقل) ش: أي لأن كون الخطبة في كسوف الشمس لم ينقل، وهذا غير صحيح، لما روى البخاري ومسلم من حديث أسماء: «ثم انصرف بعد أن انجلت الشمس والقمر فقام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن يخوف الله بهما عباده، ما من شيء كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار. ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل وقريبا من فتنة الدجال..» الحديث. وأخرجا أيضا من حديث ابن عباس فقال: «إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرا قط» الحديث. وأخرجا أيضا «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " يا أمة محمد؛ ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته..» الحديث. وأخرج مسلم عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «ولقد جيء بالنار وذلكم حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها ... » الحديث. وأخرج أحمد من حديث سمرة بن جندب «فحمد الله وأثنى عليه وشهد أنه عبد الله ورسوله ثم قال: " يا أيها الناس أنشدكم الله إن كنتم تعلمون أني قصرت في شيء من تبليغ رسالات ربي ... » الحديث بطوله، وأخرجه الحاكم أيضا في " مستدركه "، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأخرج ابن حبان في " صحيحه " من حديث عمرو بن العاص: «فقام فحمد الله وأثنى عليه .» الحديث. وقال الأكمل: ولنا أنه لم ينقل، وذلك دليل على أنه يفعل. وقال صاحب " الدراية " ولنا ما روي من الحديث في المتن وعدم النقل. وقال السغناقي: معنى قوله " لأنه لم ينقل " أي بطريق الشهرة. قلت: أما كلام الأكمل فإنه غير وارد على منهج الصواب؛ لأن قوله " لم ينقل " غير صحيح؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد فعله، وكذلك قوله وذلك دليل على أنه لم يفعله غير صحيح؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد فعله، وأما كلام صاحب " الدراية " ففيه نظر من وجهين: الأول: أن قوله ولنا ما روي من الحديث في المتن غير سديد، ولا يوجد، لأن الحديث الذي في المتن لا يدل على نفي الخطبة في الكسوف. الثاني: أن قوله: " وعدم النقل " غير صحيح لما ذكرنا. وأما قول السغناقي: " أي بطريق الشهرة ": فإقرار منه أن النقل موجود، وأما قوله: " أي بطريق الشهرة ": فغير صحيح، وكيف لا يكون مشهورا، وقد رواه غير واحد من الصحابة، وكما ذكرناه الآن؟ ثم أجاب الأكمل بعد اعترافهم بالنقل بأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقصد الخطبة، وإنما قال ذلك دفعا لقول من قال: إن الشمس انكسفت لموت إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وإخبارا عما رآه من الجنة والنار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: سبحان الله. كيف لا يكون خطبة، ومقاصد الخطبة لا تنحصر في شيء معين، ولا سيما ورد أنه صعد المنبر وبدأ بما هو المقصود من الخطبة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر فضل الخطبة وغير ذلك، وصعود المنبر رواه النسائي وأحمد في " مسنده " وابن حبان في " صحيحه "، ولفظهم «ثم انصرف بعد أن انجلت الشمس، فقام وصعد المنبر فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: " إن الشمس والقمر ... » الحديث. فروع: لو طلعت مكسوفة لم يصل حتى تحل النافلة، وبه قال مالك وأحمد وآخرون، وقال ابن المنذر وبه أقول، خلافا للشافعي. ووقتها الوقت المستحب كسائر الصلوات. وفي " المبسوط ": ولا يصلي الكسوف وفي الأوقات الثلاثة، وبه قال الحسن وعطاء بن أبي رباح وعكرمة وعمرو بن شعيب وقتادة وأيوب وإسماعيل بن علية وأحمد. وقال إسحاق: يصلون بعد العصر ما لم تصفر الشمس وبعد صلاة الصبح ولو كسفت في الغروب لم يصل إجماعا من جنس الكسوف مثل الريح الشديد والظلمة الهائلة بالنهار والثلج والأمطار الدائمة والصواعق والزلازل وانتشار الكواكب والضوء الهائل بالليل وعموم الأمراض وغير ذلك من النوازل والأهوال والأفزاع، إذا وقعت صلوا وحدانا، واسألوا وتضرعوا، وكذا في الخوف الغالب من العدو، وعند الشافعي كذلك. ولا يصلي عنده جماعة في غير الكسوفين، وروى الشافعي أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صلى في زلزلة جماعة، قال: إن صح هذا الحديث قلت به. وقال النووي: هذا الأمر لم يثبت عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وفي " الجواهر " لا يصلى للزلازل وغيرها من الآيات عند مالك، وحكى اللخمي عن أشهب الصلاة، واختاره. وعند أحمد يصلي للزلزلة ولا يصلي للرجفة والريح الشديدة وغيرهما كما ذكرناه الآن، وقال الآمدي: منهم من يصلي لجميع ما ذكرناه حكاه عن ابن أبي موسى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 باب الاستسقاء قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس في الاستسقاء صلاة مسنونة في جماعة، فإن صلى الناس وحدانا جاز،   [البناية] [باب الاستسقاء] [عدد وكعات صلاة الاستسقاء وكيفيتها] م: (باب الاستسقاء) ش: أي هذا باب في بيان حكم الاستسقاء، والمناسبة بين البابين من حيث إن كلا منهما يؤدى بجمع عظيم، إلا أن صلاة الكسوف أقوى لكونها تؤدى بجماعة بلا خلاف، وفي أداء الاستسقاء بالجماعة خلاف. والاستسقاء على وزن استفعال، وهو طلب السقيا، بضم السين وهو المطر يقال سقى الله عباده الغيث وأسقاهم واستقيت فلانا إذا طلبت منه أن يسقيك، وفي " المطالع " يقال سقى وأسقى بمعنى واحد، وقرئ: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا} [المؤمنون: 21] بالوجهين، وكذا ذكر الخليل سقى الله الأرض وأسقاها. وقال آخرون: سقيته ناولته ليشرب، وأسقيته جعلت له سقيا يشرب منه، ويقال سقيته بشفة وأسقيته لما سقيته لماشيته وأرضه، والاسم السقي بالكسر. م: (قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس في الاستسقاء صلاة مسنونة في جماعة) ، ش: وبه قال إبراهيم النخعي وأبو يوسف في رواية. وقال النووي: لم يقل أحد غير أبي حنيفة هذا القول. قلت: هذا ليس بصحيح، وقد روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " بسند صحيح وقال: حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم أنه خرج مع المغيرة بن عبد الله السقفي ليستسقي قال فصلى المغيرة فرجع إبراهيم حيث رآه يصلي، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال ابن أبي شيبة: ثنا وكيع عن عيسى بن حفص بن عاصم عن عطاء بن أبي مروان الأسلمي عن أبيه قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ليستسقي فما زاد على الاستغفار. وقد تجرأ بعض المتعصبين بمن لا يبالي بما لا يترتب عليه في تعصبه بالباطل فقال: قال أبو حنيفة: إن صلاة الاستسقاء بدعة لما قال: ليست بسنة، ولا يلزم من نفي السنة إثبات البدعة؛ لأن عدم السنة يحتمل الجواز، ويحتمل الاستحباب، وفي المنافع مطلق الفعل لا يدل على كونه سنة. م: (فإن صلى الناس وحدانا) ش: بضم الواو جمع واحد، كركبان جمع راكب، وانتصابه على الحال، أي منفردين، م: (جاز) ، ش: يعني لا يمنع، وفي " شرح مختصر الكرخي "، قال أبو حنيفة: إن صلوا وحدانا فلا بأس بها، وقال صاحب " الروضة ": يصلون وحدانا عنده، وفي " البدائع ": في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة لا صلاة بجماعة في الاستسقاء. وقال أبو يوسف: سألت أبا حنيفة عن الاستسقاء هل فيه صلاة بجماعة ودعاء مؤقت وخطبة، فقال: أما الصلاة بجماعة فلا، ولكن فيها الدعاء والاستغفار فإن صلوا وحدانا فلا بأس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 وإنما الاستسقاء والدعاء والاستغفار   [البناية] وفي " مختصر الكرخي ": السنة عند تأخر الغيث الاستغفار والصلاة في جماعة عنده ليست بمسنونة، ولو لم يخرج الإمام وأمر الناس بالخروج فلهم أن يخرجوا ولا يصلون جماعة إلا أن يأمر من يصلي بهم في جماعة، ذكره في " التحفة "، وإن خرجوا بغير إذنه جاز، لأنه لطلب الرزق والمنفعة فلا يتوقف على الإذن، إلا أنهم لا يصلون جماعة. م: (وإنما الاستسقاء والدعاء والاستغفار) ، ش: الدعاء التضرع إلى الله تعالى والطلب منه، والاستغفار طلب المغفرة، وليس فيه دعاء مؤقت، وإنما روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «جاء أعرابي إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله .... . ثم قال: " اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا طبقا غدقا عاجلا غير رائث "، ثم ترك فما يأتيه أحد من الوجوه إلا قالوا قد أحيينا» رواه ابن ماجه، وذكره الشافعي في " الأم ". وروى ابن عيينة بإسناده في غريب الحديث عن أنس «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج للاستسقاء فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما وقرأ ما كان يقرأ في العيدين والاستسقاء في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] ، وفي الثانية بفاتحة الكتاب و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] فلما قضى صلاته استقبل القوم بوجهه وقلب رداءه، ورفع يديه وكبر تكبيرة قبل أن يستسقي، ثم قال: " اللهم اسقنا وأغثنا غيثا مغيثا وسقيا جدا طبقا غدقا مغدقا موسقا هنيئا مريئا مريعا سائلا مسيلا مجللا دائما دررا نافعا غير ضار عاجلا غير رائث، اللهم لتحيي به البلاد وتسقي به العباد وتجعله بلاغا للحاضر منا والباد، اللهم أنزل في أرضنا زينتها وأنزل علينا في أرضنا سكنها، اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهورا فأحيي به بلدة ميتا واسقه مما خلقت إنسا وأنعاما وأناسي كثيرا» . فقوله: " غيثا " أي مطرا. قوله: " مغيثا " بضم الميم من الإغاثة، وهي الإعانة. قوله: " هنيئا " هو الذي لا ضرر فيه. قوله: " مريئا " بالهمزة، وهو المحمود العاقبة المسمن للحيوان والمسمن له. قوله: " مريعا " بفتح الميم وكسر الراء من المراعاة، وهي الخصب، وروي " مربعا " بضم الميم وسكون الراء وكسر الباء الموحدة من الربيع، وروي " مرتعا " بالتاء المثناة من فوق من ماء يرتع فيه الإبل، ويروى بالثاء المثلثة بمعنى الأول. قوله " طبقا " بفتح الطاء والباء الموحدة. قال الأزهري: هو الذي طبق الأرض والبلاد مطره كالطبق عليها. قوله: " غدقا " بفتح الدال. قال الأزهري: هو كثير الماء والخير. قوله: " غير رائث " أي غير بطيء. قوله: " حيا مقطورا " المطر العام، وكذلك " الجد " بالجيم وتخفيف الدال، والسابل بالباء الموحدة المطر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] (نوح: الآية 10) ، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استسقى ولم ترو عنه الصلاة. وقالا يصلي الإمام ركعتين   [البناية] م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11] (نوح: الآية 10، 11) ، ش: علق نزول الغيث بالاستغفار لا بالصلاة، فكان الأصل فيه الدعاء والتضرع دون الصلاة. ولما روى البخاري ومسلم من طرق عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: «دخل المسجد يوم الجمعة رجل من باب كان نحو دار القضاء، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قائم يخطب فاستقبله ثم قال: يا رسول الله هلكت المواشي والأموال وانقطعت السبل فادع الله يغثنا، قال: فرفع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يديه، ثم قال: " اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا " قال أنس: فلا والله ما نرى من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، قال أنس: فلا والله ما رأينا الشمس سبعا، ثم دخل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قائم يخطب فاستقبله قائما، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا فرفع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يديه ثم قال: " اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر " قال: فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس» قال شريك: فسألت أنس بن مالك أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري، فقد استسقى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يصل له، وهو معنى قوله: م: (ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استسقى ولم يرو عنه الصلاة) ش: يعني في هذا الحديث الذي ذكرناه، ونبه عليه بقوله: " ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استسقى ولا يظن أن قوله ولم يرو عنه الصلاة على الإطلاق، فإنه رويت أحاديث كثيرة بأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى صلاة الاستسقاء على ما نذكره إن شاء الله تعالى في قوله نحو دار القضاء سميت دار القضاء لأنها بيعت في قضاء ابن عمر الذي كتبه على نفسه كبيت مال المسلمين، وهي ثمانية وعشرون ألفا من معاوية، وهي داره. وإن قوله في هذا الحديث " لا قزعة " بفتح القاف والزاي قطعة من السحاب، و " السلع " بفتح السين المهملة وسكون اللام وبالعين المهملة جبل بالمدينة. قوله " حوالينا " أي اجعله حوالينا، يقال: رأيت الناس حوله وحواليه. و " الآكام " جمع أكمة وهو الرابية، وقيل المرتفع من الأرض، و " الظراب " بكسر الظاء المعجمة جمع الظرب، وهي الروابي والجبال الصغار. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد، م: (يصلي الإمام ركعتين) ش: وبه قال مالك والشافعي وأحمد، إلا أن عندهما ومالك يكبر، وعن أحمد لا يكبر، وعند الشافعي وأحمد في رواية يكبر كما في الجمعة والعيد، ثم إنه لم يذكر في ظاهر الرواية قول أبي يوسف مع محمد، وذكر عن محمد يصلي الإمام أو نائبه فيه ركعتين بجماعة، كما في العيد، وذكر في مواضع قول أبي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى فيه ركعتين كصلاة العيد، رواه ابن عباس   [البناية] يوسف مع أبي حنيفة، وكذا ذكره في " المبسوط "، وذكر في رواية بشر بن غياث مع محمد، وكذا ذكره الطحاوي مع محمد، وهو الأصح، والمرغيناني قال أبو حنيفة: ليس في الاستسقاء صلاة، وهو قول أبي يوسف. قال علاء الدين الكاشاني معناه بجماعة. قال الولوالجي: فإن صلى عندهما لا يجهر بالقراءة، وعند محمد يجهر كصلاة الجمعة والعيدين وعن محمد في رواية لا يجهر، ذكرها في " القنية ". وفي " البدائع " و " التحفة ": الأفضل أن يقرأ فيهما ب {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] في الأولى و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] في الثانية، كما ورد في العيدين ولا يكبر فيهما زوائد العيد في المشهور، ويكبر في رواية ابن كاس عن محمد، ذكرها القدوري في " شرحه "، وقال الشافعي: يكبر خمسا في الأولى وخمسا في الثانية. وقال النووي: والحديث فيه ضعيف. م: (كصلاة العيدين) ش: يعني من حيث إنه يصلي بالنهار بالجمع ويجهر فيهما بالقراءة، ومن حيث إنه يصلي بلا أذان ولا إقامة، ولكن لا يكبر فيه التكبيرات الزوائد في العيد، ثم الاستسقاء لا يختص بوقت صلاة العيدين ولا بغيره ولا بيوم، وفي " تهذيب زوائد الروضة " قال أبو حامد والمحاملي: يختص بوقت صلاة العيد، قال: والصحيح أنه لا يختص بوقت كما لا يختص بيوم، وفي " المدونة " يصلي ركعتين ضحوة فقط، ولو اقتصر المصنف على قوله يصلي الإمام ركعتين ولم يذكر كصلاة العيد لكان أولى، لأن الشافعي احتج بقوله كصلاة العيد على أنه يكبر فيها تكبيرات التشريق، لأنه جاء مصرحا عن ابن عباس. ورواه الحاكم والدارقطني والبيهقي «عن طلحة قال: أرسلني مروان إلى ابن عباس أسأله عن سنة الاستسقاء، فقال: سنة الاستسقاء سنة الصلاة في العيدين، إلا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلب رداءه فجعل يمينه على يساره، ويساره على يمينه وصلى ركعتين، كبر في الأولى سبع تكبيرات، وقرأ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] وقرأ في الثانية {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] وكبر فيها خمس تكبيرات» قال الحاكم: هذا صحيح الإسناد. وأجيب عنه: بأنه ضعيف، فإن فيه محمد بن عبد العزيز بن عمر، قال البخاري فيه: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث، ويقال: إنه معارض بحديث روي عن أنس، أخرجه الطبراني في " الأوسط «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استسقى فخطب قبل الصلاة واستقبل القبلة، وحول رداءه، ثم نزل فصلى ركعتين لم يكبر فيهما إلا تكبيرة» . م: (رواه ابن عباس) ، ش: أخرج الأئمة الأربعة رواية ابن عباس عن عبد الله بن كنانة قال: «أرسلني الوليد بن عقبة وكان أمير المدينة إلى ابن عباس أسأله عن استسقاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مبتذلا متواضعا متضرعا حتى أتى المصلى فلم يخطب خطبتكم هذه، لكن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 قلنا فعله مرة وتركه أخرى فلم يكن سنة   [البناية] لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد» وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وأخرجه الحاكم في " مستدركه " وسكت عنه. م: (قلنا: فعله مرة وتركه أخرى لم يكن سنة) ، ش: هذا جواب عن أبي حنيفة عن رواية ابن عباس التي احتجا بها، أي فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما ذكره من الصلاة في الاستسقاء مرة واحدة وترك مرة أخرى. وقال الأكمل: قلنا: إن ثبت ذلك دل على الجواز، ونحن لا نمنعه، وإنما الكلام في أنها سنة أم لا، والسنة مواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وها هنا فعله مرة وتركه أخرى فلم يكن فعله أكثر من تركه حتى يكون مواظبة، فلا يكون سنة. انتهى. قلت: فيه نظر من وجوه، الأول: قوله " إن ثبت ذلك " غير سديد، لأنه ثبت، نص عليه الترمذي كما ذكرنا عنه الآن. والثاني: قوله " والسنة ما واظب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " ليس كذلك، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا واظب على شيء يكون واجبا. والثالث: وارد عليه وعلى المصنف أيضا، وهو قوله: فعله مرة، وتركه أخرى، فلم يكن فعله أكثر من تركه حتى يكون مواظبة، لأنه لم يدل الدليل على أنه فعله مرة. وقال الأترازي في الجواب فيما ذهب إليه الشافعي في أنه يكبر في الاستسقاء كتكبيرات الزوائد من صلاة العيد أنه لم ينقل عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها التكبيرات كما نقلت في العيد. قلت: هذا أيضا غير سديد، لأن ما ذكر الآن أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبر كتكبيرات العيد في صلاة الاستسقاء، ولو اطلع عليه كأن يقول لأنه نقل، ولكنه ضعيف. وقال الأكمل: فإن قيل كلام المصنف متناقض، لأنه قال أولا ولم يرو عنه الصلاة، ثم قال لما روي عنه فالجواب أن المروي لما كان شاذا فيما تعم به البلوى جعله كأنه غير مروي. قلت: لا نسلم أن المروي شاذ، لأن الشاذ عند أكثر المحدثين أن يروي الراوي ما لا يرويه الثقات سواء خالفهم أو لا، والمروي رواه غير واحد من الصحابة منهم عم عباد بن تميم، قال: «خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستسقي وصلى ركعتين .... » الحديث، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي، وعم عباد بن تميم هو عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري المازني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 وقد ذكر في الأصل قول محمد وحده ويجهر فيهما بالقراءة اعتبارا بصلاة العيد، ثم يخطب لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب ثم هي كخطبة العيد عند محمد. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خطبة واحدة، ولا خطبة عند أبي حنيفة؛ لأنها تبع للجماعة ولا جماعة عنده.   [البناية] ومنهم عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «شكى الناس إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قحوط المطر ... الحديث، وفيه فصلى ركعتين» رواه أبو داود. ومنهم ابن عباس وقد مضى حديثه عن قريب. ومنهم أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستسقي فصلى ركعتين » الحديث، أخرجه ابن ماجه والطحاوي. م: (وقد ذكر في الأصل) ، ش: أي في " المبسوط ". م: (قول محمد وحده) ، ش: أشار بهذا إلى أن الخلاف المذكور في صلاة الاستسقاء بين محمد وبين أبي حنيفة وبين أبي يوسف، كذا ذكره في " المبسوط " و " المحيط "، وذكر في " الأسرار " و " التحفة " أن محمدا مع أبي يوسف فيه، وأبو حنيفة وحده. م: (ويجهر فيهما بالقراءة) ، ش: أي في ركعتي صلاة الاستسقاء م: (اعتبارا بصلاة العيد) ، ش: والجمعة، وعند محمد للجهر، ذكرها في " القنية " م: (ثم يخطب) ، ش: أي بعد الصلاة يخطب الإمام، م: (لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خطب) ، ش: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوما فاستسقى فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة، ثم خطبنا ودعا الله وحول وجهه نحو القبلة رافعا يديه، ثم قلب رداءه، فجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن» ورواه البيهقي في " سننه "، وقال: تفرد به النعمان بن راشد عن الزهري. قال البخاري: هو صدوق، لكن في حديثه وهم كثير. م: (ثم هي) ، ش: أي خطبة الاستسقاء، م: (كخطبة العيد عند محمد) ش: يعني يطمئن بخطبتين يفصل بينهما بجلسة، وبه قال الشافعي، م: (وعند أبي يوسف خطبة واحدة) ، ش: لأن المقصود منها الدعاء، فلا يقطعها بالجلسة، وفي " التحفة " بالجلوس بينهما روايتان عن أبي يوسف، م: (ولا خطبة عند أبي حنيفة، لأنها تبع للجماعة) ، ش: أي لأن الخطبة والتكبير باعتبار المذكور. وفي غالب النسخ لأنها على الأصل، م: (ولا جماعة عنده) ش: أي عند أبي حنيفة، به قال مالك وأحمد، وفي " الحلية " لم يذكر أحمد الخطبة لعدم النقل. قلت: فيه نظر، لأن النقل موجود، وقال ابن عبد البر، وعلى الخطبة جماعة الفقهاء، وفيه أربع روايات، والرواية المشهورة أن فيها الخطبة. والثانية: يخطب قبل الصلاة، روي ذلك عن عمر وابن الزبير وأبان بن عثمان وهشام بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 ويستقبل القبلة بالدعاء لما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استقبل القبلة وحول رداءه»   [البناية] إسماعيل وأبي بكر محمد بن عمر بن مخزوم، وذهب إليه الليث بن سعد وابن المنذر. والثالثة: أنه سجدتان [و] الخطبة قبل الصلاة وبعدها. والرابعة: أنه لا يخطب وإنما يدعو ويتضرع. [الدعاء في صلاة الاستسقاء] م: (ويستقبل القبلة بالدعاء لما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استقبل القبلة) ش: لما روى أبو داود عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد أخبره «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج إلى المصلى يستسقي وأنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة، ثم يحول رداءه» . وفي " المبسوط " و " المحيط " عن أبي يوسف إن شاء رفع يديه بالدعاء وإن شاء أشار بإصبعيه، لأن رفع اليد بالدعاء سنة، فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يدعو بعرفات باسطا يديه كالمستطعم المسكين. وفي " النهاية " علم بهذا أن رفع اليدين في الأدعية كلها جائز سوى المواضع السبعة، لأن الاستسقاء غيرها، ولو أشار بظهر كفه إلى السماء يجوز، لما روى أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استسقى وأشار بظهر كفه» . وفي " شرح الوجيز " قال العلماء: وهذه السنة لمن دعا لدفع البلاء، وإذا سأل شيئا من الله يجعل باطن كفه إلى السماء، وكذا في " المبسوط ". م: (وحول رداءه) ، ش: وفي بعض النسخ ويقلب رداءه، والتحويل أعم من التقليب وصفة ما قاله في " المبسوط " إن كان مربعا جعل أعلاه أسفله، وإن كان مدورا جعل الجانب الأيمن على الأيسر. وفي " المحيط ": ما يمكن أن يجعل أعلاه أسفل جعل، وإلا جعل يمينه على يساره عند أبي يوسف. وفي الأسبيجابي، و " التحفة ": فإن كان أعلاه وأسفله واحدا كالطيلسان والخميصة حول يمينه على شماله، وشماله على يمينه. وروى محمد بن الحكم عن مالك أنه قال: جعل ما على ظهره منه على شماله يلي السماء، وما كان يلي السماء على ظهره، وبه قال أحمد وأبو ثور. وفي " الذخيرة " للمالكية: والتحويل أن يأخذ يمينه ما على عاتقه الأيسر، ويمر من ورائه على الأيمن، وما على الأيمن على الأيسر. وفي " المحيط " إنما قلب - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رداءه ليكون أثبت على عمامته عند رفع يديه في الدعاء أو عرف بالوحي تغير الحال من الجدب إلى الخصب عند تغير الرداء، قلت: جاء ذلك مصرحا في " مستدرك " الحاكم من حديث جابر وصححه، وقيل وحول رداءه ليتحول القحط؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 ويقلب رداءه لما روينا. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا قول محمد أما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلا يقلب رداءه لأنه دعاء فيعتبر بسائر الأدعية وما رواه كان تفاؤلا   [البناية] وكذلك رواه الدارقطني في " سننه "، وفي " السؤالات " للطبراني من حديث أنس وقلب رداءه لكي يقلب القحط إلى الخصب، وفي " مسند " إسحاق بن راهويه لتتحول السنة من الجدب إلى الخصب، وذكره من قول وكيع. م: (لما روينا) ، ش: أراد به قوله روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - استقبل القبلة وحول رداءه» - م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ، ش: أي قال المصنف، م: (وهذا قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ، ش: أي قلب الرداء قول محمد، وبه قال مالك والشافعي وأحمد والأكثرون، م: (أما عند أبي حنيفة فلا يقلب رداءه لأنه) ، ش: أي لأن الاستسقاء، م: (دعاء فيعتبر بسائر الأدعية) ، ش: وسائر الأدعية لا يقلب فيها الرداء فكذلك الاستسقاء ولم يذكر قول أبي يوسف، ونقله في " منتقى البخاري شرح المنظومة "، وفي " المبسوط " إذا مضى صدر خطبته قلب رداءه، ولم يحك خلافا في المرغيناني، ذكر قوله مع أبي حنيفة، وهكذا ذكره الحاكم، وذكر الكرخي مع محمد والطحاوي ذكره مع أبي حنيفة في موضع، ومع محمد في موضع. وقال في " الذخيرة ": اختلف المتأخرون على قول أبي يوسف، وفي " جوامع الفقه " لم يذكر قلب الرداء إلا على قول أبي يوسف. وفي " المحيط " و " البدائع " و " التحفة " و " الفقيه " ذكر قوله مع محمد وفي " مبسوط " شيخ الإسلام ثم إذا دعي لا يقلب رداءه عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي: يقلب رداءه. واحتجوا بما روي من حديث عبد الله بن زيد، وقد مر عن قريب ووقت إليه بسبب عندنا عند مضي صدر الخطبة، وبه قال ابن الماجشون من المالكية، وفي رواية ابن القاسم بعد تمامها، وقيل قبل تمامها عند أصبغ، وقيل بين الخطبتين، وهذه الثلاثة عن مالك والمشهور عنه بعد تمامها، وبه قال الشافعي. م: (وما رواه كان تفاؤلا) ، ش: أي وما رواه محمد من الحديث الذي احتج به كان لأجل التفاؤل ليقلب حالهم من الجدب إلى الخصب، فلم يكن لبيان السنة، وفي " المبسوط "، ولا تأويل لما رواه سوى أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يتفاءل بتغير الهيئة ليغير الهواء يعني ما كان عليه فغير اللهم الحال. وفي الجنازية يحتمل أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يحول رداءه فأصلحه فظن الراوي أنه قلبه وفيه وجهان آخران ذكرناهما عن قريب، قيل في كلام المصنف نظر من وجهين، الأول: أنه تعليل في مقابلة النص وهو غير جائز. والثاني: أنه كان ينبغي أن يتأسى بالنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إن كان فعله تفاؤلا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 ولا يقلب القوم أرديتهم، لأنه لم ينقل أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرهم بذلك   [البناية] وأجيب عن الأول أنا لا نسلم أنه تعليل في مقابلة النص، بل هو من باب العمل بالقياس لتعارض النصين بالنفي والإثبات وذلك لأن ما احتج به محمد مثبت، وما احتج به أبو حنيفة ناف، وهو حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رجلا شكى إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هلاك المال وجهد العيال، فدعا الله واستسقى» قال البخاري: ولم يذكر أنه حول رداءه، وفيه نظر لأن المصنف لم يذكر ما احتج به أبو حنيفة من الحديث، وإنما ذكر ما احتج به من القياس، ووجه النظر أنه عمل بالقياس مع وجود الحديث الصحيح. وأجيب عن الثاني بأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يجوز أن يكون علم بالوحي أن الحال ينقلب إلى الخصب من قلب الرداء، وهذا مما لا يتأتى من غيره، فلا فائدة في التأسي ظاهرا فيما ينفيه القياس، وفيه نظر، لأنه لا يلزم أن يعلم الحكمة فيما فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، حتى يأتي به فيه، وكيف يقال لا فائدة في التأسي ظاهرا، ومجرد التأسي عين الفائدة لوجود صورة الاتباع به - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولو كان في أمر غير واجب التأسي بفعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كيف يترك بالقياس، وهو في الدرجة الرابعة. م: (ولا يقلب القوم أرديتهم) ، ش: لا يقلب بالتشديد، لأنه للتكثير بخلاف قوله - ويقلب رداءه - فإنه بالتخفيف والأردية جمع رداء، وعدم تقليبهم أرديتهم نحو قولنا قول سعيد بن المسيب وعروة والثوري والليث بن سعد وابن عبد الحكم وابن وهب من المالكية وعند مالك والشافعي وأحمد القوم كالإمام فيه، م: (لأنه لم ينقل أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمرهم بذلك) ، ش: أي لأن الشأن لم ينقل أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر أصحابه بذلك، أي بتقليب الأردية حين كانوا معه في صلاة الاستسقاء. قيل فيه نظر، لأنه استدلال بالمنع وهو غير جائز، لأنه احتجاج بلا دليل، وأجيب بأن الاستدلال بالنفي إنما لا يجوز إذا لم تكن العلة متعينة، أما إذا كانت فلا بأس به، لأن انتفاء العلة الشخصية تستلزم انتفاء الحكم، ألا ترى إلى قول محمد في ولد المغصوب أنه لا يضمن، لأن اسم المغصوب لم يرد عليه. فإن قيل: إن القوم قلبوا أرديتهم حين قلب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رداءه، ولم ينكر عليهم أجيب بأن قلبهم هذا كخلعهم النعل حتى رأوه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خلع نعليه، في صلاة الجنازة، فلم يكن ذلك حجة، فكذا هذا. قلت: لقائل أن يقول لم ينقل عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه عرف ذلك منهم. بل الظاهر أنه لم يعرفهم، لأنه كان مستدبرا لهم، فإذا كان كذلك فلا يصح قياس ذلك على خلع النعال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 ولا يحضر أهل الذمة الاستسقاء، لأنه لاستنزال الرحمة، وإنما تنزل عليهم اللعنة.   [البناية] [حضور أهل الذمة الاستسقاء] م: (ولا يحضر أهل الذمة الاستسقاء لأنه) ، ش: أي لأن الاستسقاء، م: (لاستنزال الرحمة) ، ش: أي لطلب نزول الرحمة، م: (وإنما تنزل عليهم اللعنة) ، ش: فلا يستجاب دعاؤهم، أي لطلب نزول الرحمة، قال تعالى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [الرعد: 14] [الرعد: 14] ، وهم أهل السخط واللعنة المطلوب ذلك، وهذا لا خلاف فيه بين أصحابنا ومنع أصبغ خروجهم دفعا للعنة عن شفعاء المسلمين، وبه قال الزهري والشافعي، ولم ير مكحول بخروجهم بأسا. وقال إسحاق: ولا يؤمرون به ولا ينهون عنه، وجوز القاضي من المالكية والظاهرية والشافعي خروجهم منفردين إخفاء لشعارهم، ومنعه ابن حبيب كيلا يحصل السقي في يومهم فيفتن الناس، ولو خرجوا مع أنفسهم إلى بيعهم أو كنائسهم أو إلى الصحراء لم يمنعوا من ذلك، وفي " المرغيناني " يخرجون ثلاثة أيام، وفي " المحيط " و " البدائع " و " التحفة " متتابعات مشاة في ثياب خلق أو مرقعة أو غسيلة متذللين متواضعين منه ناكسي رءوسهم ويقدمون الصدقة في كل يوم قبل خروجهم. وذكر النووي أنهم يصومون ثلاثة أيام ويدعون في يومهم الرابع، وفي " تهذيب زوائد الروضة " إذا تأخرت الإجابة، هل يخرجون من الغد؟ نقل المزني الجواز، وفي القديم الاستحباب، وفي خزانة الأكمل عن أبي يوسف أنه قال أحسن سماعنا فيه أن يصلي الإمام ركعتين جاهرا بالقراءة مستقبلا القبلة بوجهه قائما على الأرض دون المنبر متكئا على قوس يخطب بعد الصلاة بخطبتين، فإن خطب خطبة واحدة فحسن، فإذا مضى صدر خطبته حول رداءه، وفي " منية المفتي " إن اتكأ على عصى أو قوس كان حسنا، وفي الأسبيجابي: متنكبا قوسه، معناه يجعلها على منكبيه، قال وذكر الكرخي أنه يعتمد على قوسه، وفي " مختصر الكرخي " يعتمد على قوس أو سيف أو عصى، لأنه يعينه على طول القيام. وفي " الذخيرة " للمالكية لا يخرج المنبر، ولكن يتوكأ على عصى، وأول من أحدث المنبر من طين عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وفي " البدائع " ولا يصعد المنبر ولو كان في موضع الدعاء، وفي " الجواهر " يستحب أن يأمرهم الإمام قبلها بالقربة ورد المظالم وتحليل الناس بعضهم من بعض، لأن الذنوب سبب المصائب، وفي " الدراية " والمستحب أن يصلي صلاة الاستسقاء في مصلى العيد، ويستحب إخراج الأطفال، والشيوخ الكبار، والعجائز اللاتي لا هيئة لهن. وفي " المحيط " لا يخرج المنبر، بل يقوم الإمام والناس قعود، وإن أخرج لاستسقاء الإمام جاز. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 باب صلاة الخوف إذا اشتد الخوف جعل الإمام الناس طائفتين: طائفة إلى وجه العدو، وطائفة خلفه، فيصلي بهذه الطائفة ركعة وسجدتين،   [البناية] [باب صلاة الخوف] [مشروعية صلاة الخوف وكيفيتها] م: (باب صلاة الخوف) ش: أي هذا باب في بيان صلاة الخوف، والمناسبة بين البابين من حيث إنهما شرعا بالعارض لكن قدم الاستسقاء لأن العارض فيه سماوي وهو انقطاع المياه، وهاهنا اختياري وهو الجهاد الذي بسبب كفر الكافر. م: (إذا اشتد الخوف جعل الإمام الناس طائفتين) ، ش: هذه العبارة للقدوري، والمصنف تبعه واشتداد الخوف ليس بشرط عند عامة العلماء من أصحابنا، فإنه جعل في " التحفة " و " المبسوط " و " المحيط " سبب جوازها نفس قرب العدو من غير ذكر الاشتداد، وفي " مبسوط شيخ الإسلام " المراد بالخوف حضرة العدو لا حقيقة الخوف، لأن حضرة العدو أقيم مقام الخوف، كما في تعلق الرخص بنفس السفر، فعلى هذا إذا رأوا سوادا فظنوا أنه العدو وصلوا صلاة الخوف، فإن بين أنه العدو فصلاتهم جائزة، وإن بين أنه سواد إبل أو بقر أو غنم فصلاتهم غير جائزة. قوله - جعل الإمام الناس طائفتين - هذا إنما يحتاج إليه إذا تنازع القوم في الصلاة خلف إمام واحد، أما إذا لم يتنازعوا فالأفضل للإمام أن يجعل القوم طائفتين، فيصلي كل طائفة بإمام، فطائفة يقومون بإزاء العدو، وطائفة يصلي بهم إمامهم تمام صلاتهم ثم يقومون بإزاء العدو، ويصلي رجل من الطائفة التي كانوا بإزاء العدو صلاتهم تمامها. م: (طائفة إلى وجه العدو) ، ش: ويجوز في طائفة النصب والرفع، أما النصب فعلى تقدير جعل طائفة، وأما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير أحدهما طائفة إلى وجه العدو، م: (وطائفة خلفه) ، ش: بالوجهين أيضا نحوه. م: (فيصلي) ، ش: أي الإمام، م: (بهذه الطائفة) ، ش: وهم الذين جعلهم خلفه، م: (ركعة وسجدتين) ، ش: قيد بهذا احترازا عن قول بعض العلماء أنه إذا سجد سجدة واحدة سجد معه الصف الأول، ويحرسهم الصف الثاني من العدو، ثم يتأخر هذا الصف، ويتقدم الصف الثاني فيسجد بهم السجدة الثانية، ويحرسهم الصف الأول من العدو، ثم يصلي الركعة الثانية على هذا الوجه ويتشهد ويسلم بهم وتمسكوا بظاهر قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} [النساء: 102] [النساء: 102] قلنا: السجدة المطلقة تنصرف إلى الكامل المعهود وهو السجدتان. فإن قلت: قوله - ركعة - كان يكفي، لأن الركعة يتم سجدة، ولم يحتج إلى ذكر السجدتين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية مضت هذه الطائفة إلى وجه العدو وجاءت تلك الطائفة فيصلي بهم الإمام ركعة وسجدتين وتشهد وسلم، ولم يسلموا وذهبوا إلى وجه العدو، وجاءت الطائفة الأولى فصلوا ركعة وسجدتين وحدانا بغير قراءة؛ لأنهم لاحقون وتشهدوا وسلموا ومضوا إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الأخرى وصلوا ركعة وسجدتين بقراءة لأنهم مسبوقون وتشهدوا وسلموا   [البناية] قلت: ذكر سجدتين تأكيدا لرفع هذا الاحتمال. م: (فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية مضت هذه الطائفة) ، ش: وهم الذين صلى بهم ركعة وسجدتين، م: (إلى وجه العدو) ، ش: بحيث لا يلحقهم سهام العدو، م: (وجاءت تلك الطائفة) ، ش: وهم الذين كانوا واقفين تجاه العدو، م: (فيصلي بهم الإمام ركعة وسجدتين وتشهد وسلم ولم يسلموا) ، ش: لأنه بقيت عليهم ركعة وسجدتان، م: (وذهبوا إلى وجه العدو) ، ش: ويقفون تجاههم. م: (وجاءت الطائفة الأولى) ، ش: وهم الذين صلى بهم أولا ركعة وسجدتين، م: (وصلوا ركعة وسجدتين وحدانا) ، ش: يعني منفردين، وانتصابه على الحال، م: (بغير قراءة) ، ش: يعني لا يقرءون، م: (لأنهم لاحقون) ، ش: واللاحق ليس عليه قراءة، م: (وتشهدوا وسلموا ومضوا إلى وجه العدو) ، ش: ويقفون تجاههم، م: (وجاءت الطائفة الأخرى وصلوا ركعة وسجدتين بقراءة؛ لأنهم مسبوقون) ، ش: وللمسبوق عليه القراءة، لأنه في حكم المنفرد فيما عليه من الصلاة. م: (وتشهدوا وسلموا) ، ش: فتمت صلاة الطائفتين بهذا الوجه. وقال مالك: إذا صلى بالطائفة الأولى ركعة وسجدتين وقف حتى تتم هذه الطائفة صلاتها ويسلموا قبل إمامهم ويذهبون إلى وجه العدو، وتأتي تلك الطائفة التي لم تصل فيصلي بهم الإمام الثانية وتسلم وتذهب إلى وجه العدو. وقول الشافعي وأحمد مثله، إلا أنه لا يسلم الإمام عندهما، بل يقف منتظرا حتى تتم الطائفة الثانية صلاتها فيسلم بهم. وقال النووي: ثم إذا قام الإمام إلى الثانية يقرأ ويطيل القراءة حتى تأتي الطائفة الثانية ولا يعتد بهذه القراءة الطويلة، حتى إذا جاءت الطائفة الثانية يقرأ معها الفاتحة وسورة قصيرة في أحد القولين، وهو في " الإملاء "، وقال في إمام لا يقرأ بل يسبح ويذكر الله حتى تأتي الطائفة الثانية، والطائفة الثانية إذا صلى بهم الركعة الثانية فارقوه ليتموا الركعة الباقية عليهم ولا ينوون مفارقته. واتفقوا على أن الطائفة الأولى إذا صلت الركعة الأولى مع الإمام تنوي مفارقة الإمام وتمت صلاتها وتذهب إلى وجه العدو، وفي " المستصفى " للشافعية ثلاثة أقوال في قول مثل قولنا، وفي قول يصلي بالطائفة التي معه تمام الصلاة ثم تجيء الطائفة الأخرى فصلى بهم مرة أخرى، فإن عنده اقتداء المفترض بالمتنفل جائز، وفي قول وهو المشهور منه يصلي بالطائفة الأولى ركعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 والأصل فيه رواية ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى صلاة الخوف على الصفة التي قلنا   [البناية] فيقوم ويقف ولا يقرأ، ويمد القيام في انتظار الطائفة الأخرى كذا ذكره المزني، ويصلي بهذه الطائفة تمام صلاتهم، لكن ينبغي أن ينووا مفارقته ويسلمون حتى تجيء الطائفة الأخرى، فيصلي بهم ركعة ولا يسلم، بل يمكث جالسا حتى تصلي هذه الطائفة تمام صلاتهم من غير نية المفارقة، ثم يسلم الإمام ويسلمون معه، كذا في خلاصتهم والوجيز. وقال أبو بكر بن العربي في " العارضة ": قد رويت عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في صلاة الخوف روايات كثيرة، أصحها ست عشرة رواية مختلفة، وفي " القبس شرح الموطأ "، صلاها رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أربعا وعشرين مرة، وذكر بعضهم أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -[صلاها] في عشرة مواضع. والذي استقر عند أهل السير والمغازي أربعة مواضع؛ ذات الرقاع عند البخاري ومسلم، عن سهل بن حثمة، وبطن نخلة عند النسائي عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعسفان عن أبي داود والنسائي عن جابر أيضا. وذي قرد عن النسائي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وروى الواقدي في " المغازي " حديث سعيد بن عثمان عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله قال: أول ما صلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الخوف [في] غزوة ذات الرقاع، ثم صلاها بعد بعسفان بينهما أربع سنين، قال الواقدي: وهذا عندنا أثبت من غيره، قيل وأغربها ما رواه مسلم عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى بكل طائفة ركعتين، فكانت للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أربعا ولهم ركعتان ركعتان. ومن أغربها ما رواه أبو داود عن حذيفة بن اليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى بكل طائفة ركعة ثم يسلم ولم يقضوا» . وروي عن ابن عباس والحسن وإسحاق بن راهويه أن صلاة الخوف ركعة، ونقل عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وطاوس والضحاك مثله، لكن نقل أبو حامد عن هؤلاء أن الفرض على الإمام ركعتان، وعلى المأمومين ركعة والذي نقله الجمهور عنهم أن الواجب على الكل ركعة. قال النووي: مذهب العلماء كافة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن الخوف لا يوجب القصر، وقال الأسبيجابي: الخوف لا يوجب قصر الصلاة، ويجوز المشي والانتقال، وقال الحسن البصري: يصلي الإمام المغرب ستا والقوم ثلاثا. م: (والأصل فيه) ش: أي في هذا الباب م: (رواية ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى صلاة الخوف» على الصفة التي قلنا) ش: يعني أنه جعل الناس طائفتين، طائفة خلفه وطائفة في وجه العدو إلى آخر ما ذكرناه، وحديث ابن مسعود رواه أبو داود، وحدثنا عمران الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ابن مسيرة، ثنا ابن فضيل، ثنا خصيف عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود، قال: «صلى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلاة الخوف فقاموا صفا خلف رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وصفا يستقبل العدو، فيصلي بهم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ثم جاء الآخرون فقاموا مقامهم واستقبل هؤلاء العدو فصلى بهم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ركعة، ثم سلم فقام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا ثم ذهبوا فقاموا مقام أولئك مستقبل العدو، ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا» . وروى البيهقي أيضا، وقال أبو عبيدة: لم يسمع من أبيه، وخصيف ليس بالقوي. قلت: أبو عبيدة اسمه عامر بن عبد الله ثقة، أخرج له البخاري محتجا به في غير موضع. وروى له مسلم وغيره، وخصيف بضم الخاء المعجمة ابن عبد الرحمن وثقه أبو زرعة، وابن مغيرة وابن سعد. وقال النسائي: صالح. وفي " المبسوط " روى سالم عن ابن عمر «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى بالطائفتين» كما روى ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قلت: حديث ابن عمر أخرجه الأئمة الستة في كتبهم، واللفظ للبخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، قال: «غزوت مع رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قبل نجد فوازينا العدو فصاففنا لهم فقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بنا فقامت طائفة معه، فصلى وأقبلت طائفة على العدو وركع رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بمن معه وسجد سجدتين ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل، فجاءوا فركع رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بهم ركعتين وسجد سجدتين ثم سلم، فقام كل واحد منهم فركع لنفسه وسجد سجدتين» وقال القرطبي في شرح مسلم: والفرق بين حديث ابن عمر وحديث ابن مسعود أن في حديث ابن عمر كان قضاؤهم، في حالة واحدة، ويبقى الإمام كالحارس وحده. وفي حديث ابن مسعود كان قضاؤهم متفرقا عل صيغة صلاتهم. واستدل السروجي لأصحابنا بحديث ابن عمر هذا، وفي حديث ابن عمر لم يذكر كيفية قضائهم، فحمل على تفسير ابن مسعود، فإنه نص في الكيفية، وهكذا نص أشهب من المالكية على تفسيره، واختاره موافقا لمذهبهم، وقال ابن حبيب: قضوا معا، وهو باطل. واحتج الشافعي وأحمد بحديث صالح بن خوات بن جبير عن سهل بن أبي حثمة «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلاهما» كمذهبهما، في غزوة ذات الرقاع في صحيحي البخاري ومسلم، ورواه مالك مرفوعا، ورجح موقوفه على سهل بن أبي حثمة على مرفوعه، [ .... ..] ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 وأبو يوسف وإن أنكر شرعيتها في زماننا فهو محجوج عليه بما روينا   [البناية] وقال النووي: صالح تابعي، وخوات صحابي، وذات الرقاع بكسر الراء موضع قبل نجد من أرض غطفان، وقيل سميت باسم شجر هناك، وقيل اسم جبل فيه بياض وحمرة وسواد، وقيل: الرقاع كانت في ألويتهم. وقال النووي: ولو فعل [ .... ..] رواية ابن عمر، ففي صحته قولان، والصحيح المشهور صحته، وقال الغزالي: قال بعض أصحابنا بعيد. وقال النووي أيضا: وغلط في شيئين، أحدهما نسبته إلى بعض الأصحاب، بل نص عليه الشافعي في الجديد وفي الرسالة، والثاني تضعيفه. قلت: هم يقولون قال الشافعي إذا صح الحديث فهو مذهبي، وأي شيء يكون أصح من حديث ابن عمر، وقد خرجته الجماعة. وقال الغزالي في " الوسيط ": له رواية خوات بن جبير وهو غلط، وإنما الراوي ابنه صالح عن سهل حيثما خرجه الشيخان. وجعل المازري حديث ابن عمر قول الشافعي وأشهب، وحديث جابر قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هكذا في العلم وهو سهو فيهما، ثم قال: ولا معنى للأخذ به إلا إذا كان العدو بينهم وبين القبلة. قلت: بل أخذ أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأصحابه وأشهب برواية ابن عمر والشافعي برواية سهل بن أبي حثمة. وقال القدوري في " شرح مختصر الكرخي " وأبو نصر البغدادي في " شرح مختصر القدوري " الكل جائز، وإنما الخلاف في الأولى، ثم الركوب في حالة الذهاب والمجيء، إذا كانوا نزولا، ولا يجوز بأن كان قريبا من العدو. وفي " التحفة " فإن انصرفوا ركبانا لا تصح صلاتهم سواء كانوا من القبلة إلى العدو أو من العدو إلى القبلة، وهو جواب ظاهر الرواية عن أصحابنا. وفي " المرغيناني " إن ركب واحد منهم عند انصرافه إلى العدو فسدت صلاته، وفي " المبسوط " من ركب منهم عند انصرافه إلى وجه العدو فسدت صلاته، لأن الركوب عمل كثير، بخلاف المشي إلى العدو للضرورة. م: (وأبو يوسف وإن أنكر شرعيتها في زماننا فهو محجوج عليه بما روينا) ش: الكلام هنا في موضعين. الأول: في معنى التركيب، وهو أن قوله وأبو يوسف..إلخ جملة معطوفة على ما قبلها، لأن قوله أبو يوسف مبتدأ وخبره الجملة، أعني قوله فهو محجوج عليه بما روينا ودخول الفاء فيها لتعلق الجملة الشرطية بالمتبدأ، والواو في قوله وإن أنكر عطف على مقدر تقدير الكلام: وأبو يوسف لم ينكر شرعية صلاة الخوف وإن أنكر فهو محجوج عليه بما روينا، ولكن كلامه لا يخلو عن نظر، لأن أبا يوسف لم ينكر مشروعية صلاة الخوف في زمان الرسول حتى يكون حديث ابن مسعود حجة عليه، لأن مراده بما روينا هو حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذي قال والأصل فيه رواية ابن مسعود بل يمكن أن يقال هو محجوج عليه بأحاديث مذكورة في غير هذا الموضع: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] منها: حديث سعيد بن العاص، رواه أبو يعلى وأبو داود [ .... ..] ثنا يحيى عن سفيان حدثني الأشعث بن سليم عن الأسود بن هلال «عن ثعلبة بن زهدم، قال: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقام فقال: أيكم صلى مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا وأخرجه أيضا النسائي،» وسعيد بن العاص كان عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - استعمله على الكوفة وغزا بالناس بطبرستان ففتحها، وهي بلاد كثيرة المياه والأشجار شرقي كيلان. ومنها: ما رواه أبو داود وغيره عن عبد الرحمن بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا عبد الصمد بن حبيب قال: أخبرني أبي أنهم غزوا مع عبد الرحمن بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كابل، فصلى بنا صلاة الخوف، وكابل بضم الباء الموحدة ناحية من ثغور طخارستان متاخم للهند. ومنها: ما رواه البيهقي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه صلاها بصفين وغيرها، وقال: ويذكر جعفر بن محمد بن أبيه أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صلى المغرب صلاة الخوف ليلة الهرير. ومنها: ما رواه أيضا من طريق قتادة عن أبي العالية عن أبي يوسف أنه صلى صلاة الخوف، فهؤلاء الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أقاموها بعد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من غير إنكار أحد، فحل محل الإجماع. 1 - الموضع الثاني: أن العلماء اختلفوا في مشروعية صلاة الخوف بعد رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فالجمهور على مشروعيتها، وذهب الحسن بن زياد اللؤلؤي والمزني وأبو يوسف في رواية أنها غير مشروعة الآن، أما الحسن فالحجة عليه ما ذكرنا من حديث حذيفة مع سعيد بن العاص، وأما المزني فعلل بالنسخ في زمان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حيث أخرها يوم الخندق، وهو مردود بما روي عن هؤلاء الصحابة ويوم الخندق متقدم على المشهور، فكيف ينسخ المتأخر، ذكره النووي وغيره. وأما أبو يوسف فإنه علل بقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} [النساء: 102] [النساء: 102] ، فقد شرط كونه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيهم لإقامتها، ولأن الناس كانوا يرغبون في الصلاة خلفه ما لا يرغبون خلف غيره، فشرعت بصفة الذهاب والمجيء على خلاف القياس، لينال كل فريق فضيلة الصلاة خلفه، وقد ارتفع هذا المعنى بعده، فلا يجوز أداؤها بصفة الذهاب والمجيء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 فإن كان الإمام مقيما صلى بالطائفة الأولى ركعتين وبالطائفة الثانية ركعتين   [البناية] وأجاب الجمهور في الرد عليه بما فعله الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بعده - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأن سببها الخوف، وهو يتحقق بعده - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كما في حياته، ولم يكن ذلك دليلا لنيله فضيلة الصلاة خلفهن لأن ترك المشي وترك الاستدبار فريضة، والصلاة خلفه فضيلة فلا يجوز ترك الفريضة لإحراز الفضيلة، ثم الآن يحتاجون إلى فضيلة تكثير الجماعة، فإنها كلما كانت أكثر كانت أفضل. ومعنى قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102] ... إلخ، أنت أو من يقوم مقامك في الإقامة، كما في قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] [التوبة: 103] ، وقد يكون الخطاب للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا يختص به كما هو في قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] (الطلاق: الآية1) كذا في " المحيط "، و " المبسوط " مع أن الأصل عندنا أن تعليق الحكم بالشرط لا يوجب عدمه عند عدم الشرط، بل هو موقوف على قيام الدليل، وقد قام الدليل، وهو فعل الصحابة بعد وفاته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على وجود الحكم، أو نقول لما جاز للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعذر فجاز لغيره بذلك العذر، كصلاة المريض. ثم اختلف الأصحاب في نقل هذا القول عن أبي يوسف فقال في " المبسوط "، و " ملتقى البحار " إنه قوله الثاني وقد رجع إليه، وفي " المحيط " و " زيادات الشهيد "، وفي " المرغيناني " أطلقت الرواية عنه من غير تعرض إلى كونه قوله الأول والثاني، وفي " المفيد " و " المزيد " و " شرح مختصر الكرخي " و " شرح مختصر القدوري " لأبي نصر البغدادي أن هذا قوله الأول وقد رجع عنه، ثم اعلم أن الخوف لا يؤثر في نقصان عدد الركعات إلا عند ابن عباس والحسن البصري وطاوس، حيث قالوا: إنها ركعة، وقد ذكرناه. م: (فإن كان الإمام مقيما صلى بالطائفة الأولى ركعتين، وبالطائفة الثانية ركعتين) ش: وإنما اختص الإمام لأنه لو كان مقيما تصير صلاة من اقتدى به أربعا، ولأن الإمام هو الخليفة أو السلطان، وفي الأداء يعبتر نيته لا نية الجند، وبقولنا قال الشافعي وأحمد ومالك في المشهور، وعن مالك لا تجوز صلاة الخوف في الحضر، وقال أصحابه يجوز، خلافا لابن الماجشون، فإنه قال: لا يجوز. ونقل النووي عن مالك عدم جوازها في الحضر على الإطلاق غير صحيح، فإن المشهور عنده الجواز كما ذكرنا، وقال ابن حزم: يصلي في الحضر بكل طائفة أربع ركعات، وفي المغرب يصلي بكل طائفة ثلاثا. والثانية للإمام تطوع، ولو جعلهم في العصر أربع طوائف يصلي بكل طائفة ركعة فسدت صلاة الطائفة الأولى والثانية، لأنها انصرفت في غير أوان الانصراف، فلا مرخص لها فيه، وصحت صلاة الثالثة، والرابعة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 لما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الظهر بالطائفتين ركعتين ركعتين»   [البناية] أما الثالثة: فلأنها من الطائفة الأولى لإدراكها الشفع الأول، فقد انصرفت في أوانه. وأما الرابعة: فلأنها من الطائفة الثانية لأنها أدركت الشفع الثاني فقد انصرفت أيضا في أوانه. [ما يفعل المسبوق في صلاة الخوف] 1 ومن صلى صلاته ثم قام يقضي ما فاته خلف الإمام يقرأ فيما سبق، لأنه منفرد فلا يقرأ فيما لحق، لأنه خلف الإمام حكما، وتقدم ما لحق على ما سبق، وإذا لم يقرأ اللاحق يقف بقدر قراءة الإمام، وإن وقف أقل أو أكثر فلا بأس به، وفي " المنافع " يقوم بقدر ما يطلق عليه اسم القيام. وقال النووي في " شرح المهذب ": إذا صلى بكل فرقة ركعة وانتظر فراغها، ويجيء التي بعدها، ففي جوازها قولان، ويبنى عليها صحة صلاة الإمام، ووجه البطلان زيادة الانتظار. وفي " المغني " لابن قدامة: لا تصح صلاة الأولى والثانية، لأنهما فارقتاه بعذر، وبطلت صلاة الثالثة والرابعة إذا علمنا ببطلان صلاتهما، وفي " المرغيناني ": لو كان الإمام مسافرا والقوم مقيمين، صلى بالطائفة الأولى التي معه ركعة، فانصرفوا إلى جهة العدو، وصلى بالطائفة الثانية ركعة وسلم، ثم جاءت الطائفة الأولى، فصلى ثلاث ركعات بغير قراءة، أما الركعة الثانية فلا شك في أنهم لا يقرءون فيهما لأنهم خلف الإمام حكما، وفي الآخرتين منفردين فيهما، وذكر الحسن في " المجرد " أنهم يقرءون فيهما. وذكر السرخسي بأن المقيم خلف المسافر لا تلزمه القراءة فيما يقضي رواية واحدة، وإن كان القوم فيهم مسافرا أيضا يصلي بالأولى ركعة، فمن كان مسافرا بقي له ركعة، ومن كان مقيما بقي له ثلاث ركعات، ثم ينصرفون إلى جهة العدو وترجع الطائفة الأولى إلى مكان الإمام، فمن كان منهم مسافرا يصلي ركعة بغير قراءة، ومن كان مقيما يصلي ثلاثا بغير قراءة في ظاهر الراوية وفي رواية الحسن يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب، ولا يقرأ في الأولى، فإذا أتمت الطائفة الأولى صلاتها ذهبت إلى وجه العدو، وتجيء الثانية إلى مكان صلاتها، فمن كان منهم مسافرا يصلي ركعة بقراءة، ومن كان مقيما يصلي ثلاث ركعات، الأولى بفاتحة الكتاب وسورة والأخريين بفاتحة الكتاب على الروايات كلها. م: (لما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى الظهر بالطائفتين ركعتين ركعتين» ش: هذا الحديث رواه مسلم «عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: أقبلنا على رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حتى إذا كنا بذات الرقاع.. الحديث وفيه: ثم نودي بالصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، قال: فكانت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربع ركعات، وللقوم ركعتان، وليس فيه ذكر الظهر» وهو عند أبي داود وأخرجه بسند صحيح عن الحسن عن أبي بكر. قال: «صلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في خوف الظهر، فصلى بعضهم خلفه، وبعضهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 ويصلي بالطائفة الأولى من المغرب ركعتين وبالثانية ركعة واحدة،   [البناية] بإزاء العدو، فصلى ركعتين، ثم سلم فانطلق الذين صلوا معه فوقفوا موقف أصحابهم، ثم جاء أولئك فصلوا خلفه، فصلى بهم ركعتين ثم سلم، فكانت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعا، ولأصحابه ركعتين ركعتين» . واعلم أن هذا الحديث صريح في أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سلم في ركعتين، وحديث جابر ليس صريحا فلذلك حمله بعضهم على حديث أبي بكرة، ومنهم النووي، ومنهم من لم يحمله عليه، ومنهم القرطبي، وقال المنذري في " مختصره ": قال بعضهم: كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في بعض سفر غير حكم سفر وهم مسافرون. وقال بعضهم: هذا خاص بالنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لفضيلة الصلاة خلفه، وقيل: فيه دليل على جواز اقتداء المفترض بالمتنفل واعترض بأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لم يسلم في الفرض كما في حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقيل: إنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان مخيرا بين القصر والإتمام في السفر، فاختار الإتمام واختار لمن خلفه القصر. وقال بعضهم: كان في حضر ببطن نخلة على باب المدينة، وكان خائفا فخرج منه محترسا. وقيل قد يتقوى هذا بحديث أخرجه البيهقي في " المعرفة " من طريق الشافعي: أخبرنا الفقيه ابن علية أو غيره عن يونس عن الحسن عن جابر «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصلي بالناس صلاة الظهر في الخوف ببطن نخلة فصلى بطائفة ركعتين، ثم سلم. ثم جاءت طائفة أخرى فصلى بهم ركعتين ثم سلم» . وأخرج الدارقطني عن عتيبة عن الحسن عن جابر «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان محاصرا يحارب فنودي بالصلاة، فذكره نحوه» والأول أصح إلا أن فيه شائبة الانقطاع، قال: شيخ الشافعي مجهول. وأما الثانية ففيه عيينة بن سعيد القطان الواسطي ضعفه غير واحد وقيل لم يحفظ عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه صلى صلاة الخوف قط في حضر، ولم يكن له حرب قط في حضر إلا يوم الخندق، ولم تكن آية الخوف نزلت بعد، ولما ذكر الطحاوي حديث أبي بكرة المذكور، قال محمد: إن يكن ذلك كان وقت كانت الفريضة تصلى مرتين، فإن ذلك كان يفعل أول الإسلام، حتى نهي عنه، ثم ذكر حديث ابن عمر «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى أن يصلى فريضة في يوم مرتين» قال: والنهي لا يكون إلا بعد الإباحة. م: (ويصلي بالطائفة الأولى، ركعتين من المغرب، وبالثانية ركعة واحدة) ش: وهذا قول عامة أهل العلم. وقال الثوري: يصلي بالطائفة الأولى ركعة، وبالثانية ركعتين، وهو أحد قولي الشافعي، وأصحهما الأول، وصلاها هكذا علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليلة الهرير، بفتح الهاء وكسر الراء من ليالي صفين، سميت بذلك لأنهم كانت لهم هرير عند حمل بعضهم على بعض، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 لأن تنصيف الركعة الواحدة غير ممكن فجعلها في الأولى أولى بحكم السبق، ولا يقاتلون في حال الصلاة، فإن فعلوا بطلت صلاتهم؛   [البناية] وذكر شيخ الإسلام، وقال الشافعي: الإمام في المغرب بالخيار إن شاء صلى مثل مذهبنا، وإن شاء صلى مثل مذهب الثوري، فلو أخطأ الإمام فصلى الأولى ركعة، وبالثانية ركعتين جازت صلاة الإمام، لأنه لم يبرح مكانه. وقال سحنون: فسدت صلاته، لأنه ترك سنتها، وهو قول الشافعي، وفسدت صلاة الطائفتين، أما الطائفة الأولى فلأنهم انصرفوا في غير أوان انصرافهم وهو مفسد لوجود المشي من غير حاجة، وأما الطائفة الثانية فلأنهم في الأولى لإدراكهم الشطر الأول وقد انصرفوا بعد الثالثة وهو أوان عودهم إليها، فانصرافهم مفسد للإعراض عن العبادة من غير حاجة وعودهم إليها لا يفسد للإقبال على الطاعة، ولو جعلهم ثلاث طوائف، فصلى بالأولى ركعة فانصرفوا، وبالثانية الثانية فانصرفوا، وبالثالثة الثالثة فصلاة الطائفة الأولى فاسدة وصلاة الثانية جائزة ويقضون ركعتين بقراءة والثالثة بغير قراءة لأنه لا حق فيها، والأولى بقراءة لأنه مسبوق فيها، ولو أنه صلى بثلاث طوائف بكل طائفة ركعة، فصلاة الإمام تامة، وصلاة الطائفة الأولى فاسدة، وصلاة الطائفة الثانية والثالثة صحيحة. م: (لأن تنصيف الركعة الواحدة غير ممكن) ش: تعليل لما قبله، وتقرير هذا أن الأصل إن صلى الإمام بكل طائفة شطر الصلاة وشطر المغرب ركعة ونصف، فيثبت حق الطائفة الأولى في نصف ركعة وتنصيفها غير ممكن، لأنها لا تتجزأ، فيثبت حقهم في كلها م: (فجعلها في الأولى أولى بحكم السبق) ش: هذا كأنه جواب عن سؤال مقدر، تقديره أن يقال إذا كان الأمر كذلك فما وجه تخصيص الطائفة الأولى بركعتين، فأجاب بقوله فجعلها، أي جعل الركعة الواحدة التي هي الركعة الثانية في الأولى، أي في الطائفة الأولى أحق بحكم السبق، وفيه مدرك آخر وهو أن الركعة الثانية أعطيت حكم الركعة الأولى في وجوب القراءةوضم السورة والجهر بالقراءة دون الركعة الثالثة، والطائفة الأولى هي المختصة بالركعة الأولى دون الطائفة الثانية. م: (ولا يقاتلون في حال الصلاة) ش: وبه قال ابن أبي ليلى، وقال الشافعي: يقاتلون وعليهم الإعادة. وقال ابن سريج: لا إعادة عليهم، وفي " الغاية " وللشافعية ثلاثة أوجه: الأول: تبطل، رجحه صاحب المهذب والبندنيجي، ووافقهما في الترجيح كثير من العراقيين. الثاني: لا تبطل، الثالث: إن كرر في شخص تبطل. وقراءة الحاضر في " اشتراط الجواهر " للمالكية في صلاة المسابقة خوف فوات الوقت وجوازها مع القتال والمطاردة، واختاره ابن المنذر. م: (فإن فعلوا) ش: أي فإن فعلوا القتال في الصلاة م: (بطلت صلاتهم) ش: وقال الشافعي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شغل عن أربع صلوات يوم الخندق، ولو جاز الأداء مع القتال لما تركها   [البناية] ومالك: ولا تبطل لظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] [102 النساء] ، والأمر بأخذ السلاح لا يكون إلا للقتال، ولهذا يجب أخذ السلاح في صلاة الخوف عند الشافعي في قول إن كان في وضعه خطر، وإن كان الظاهر السلامة يستحب، وبه قال أحمد وداود. واحتج المصنف لأصحابنا بقوله م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شغل عن أربع صلوات يوم الأحزاب ولو جاز الأداء مع القتال لما تركها) ش: أي لما ترك أربع صلوات مع القتال، وفيه نظر، لأن صلاة الخوف ما شرعت بعد يوم الأحزاب. فإن قلت: روي عن ابن إسحاق والواقدي أن غزوة ذات الرقاع كانت قبل غزوة الخندق، وقد صلى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع، وقال الأترازي: فثبت أن صلاة الخوف كانت شرعت قبل الخندق، فلما ترك رسول الله عليه الصلاة السلام يوم الخندق لأجل القتال، دل أن القتال يمنع الصلاة. قلت: قال البيهقي: لا حجة لهم، لأن صلاة الخوف إنما شرعت بعد الخندق، وقد جاء التصريح في طريق الحديث، بأن صلاة يوم الأحزاب كانت قبل نزول صلاة الخوف، رواه النسائي في سننه وابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مصنفيهما، والبيهقي في سننه والشافعي وأبو يعلى والدارمي في مسانيدهم كلهم عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري «عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال: جئنا يوم الخندق، فذكره إلى أن قال: وذلك قبل أن ينزل {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] [البقرة: 239] » . 1 - وقال القاضي عياض في " الشفاء ": والصحيح أن حديث الخندق كان قبل نزول الآية فهي ناسخة، ويمكن أن يعتذر عن المصنف في احتجاجه بالحديث المذكور بأنه اعتد ما روي عن الواقدي، لأن هذا مختلف فيه، فعن هذا قال النووي: قيل إنها أي أن صلاة الخوف شرعت في غزوة ذات الرقاع، وهي سنة خمس من الهجرة. وقيل: إنها شرعت في غزوة بني النضير، والحديث المذكور تقدم في باب قضاء الفوائت ويوم الأحزاب هو يوم حفر الخندق في المدينة، والأحزاب هم الذين ذكرهم الله في قوله: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [الأحزاب: 10] [الأحزاب: الآية10] وذلك أن أهل مكة جمعوا الأعراب وأتوا المدينة من فوق الوادي من قبل المشرق بنو غطفان، ومن أسفل الوادي من قبل المغرب قريش فتحزبوا وقالوا: سنكون جملة واحدة حتى نناضل محمدا، فأرسل الله عليهم ريح الصبا في ليلة شاتية فسفت التراب في وجوههم وقلعت الملائكة الأوتاد وقطعت الأطناب، وأطفئت النيران وأكفئت القدور، وماجت الخيل بعضها في بعض، وقذف في قلوبهم الرعب، وكبرت الملائكة في جوانب عدتهم فانهزموا من غير قتال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 فإن اشتد الخوف صلوا ركبانا فرادى يومئون بالركوع والسجود إلى أي جهة شاؤوا إذا لم يقدروا على التوجه إلى القبلة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] (البقرة: الآية 239] ، وسقط التوجه للضرورة. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنهم يصلون بجماعة، وليس بصحيح لانعدام الاتحاد في المكان   [البناية] وحين سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإقبالهم ضرب الخندق على المدينة - أشار عليه بذلك سلمان الفارسي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واشتد الخوف، وظن المؤمنون كل الظن، وقال بعض المنافقين كان محمد يعدنا كنوز كسرى وقيصر، ولا يقدر أن يذهب إلى الغائط، وكانوا ثم قريبا من شهر حتى أنزل الله النصر، وذلك قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا} [الأحزاب: 9] أي ريح الصبا {وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9] أي جنود الملائكة، إلى قَوْله تَعَالَى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [الأحزاب: 25] [الأحزاب: 25] أي بالريح والملائكة، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور» . م: (فإن اشتد الخوف) ش: يعني إذاكان الخوف أشد من الأول، بحيث لا يتهيأ لهم النزول عن الدابة لأجل هجوم العدو عليهم م: (صلوا ركبانا) ش: أي حال كونهم راكبين م: (فرادى) ش: أي منفردين م: (يومئون بالركوع والسجود إلى أي جهة شاؤوا) ش: ويجعلون السجود أخفض من الركوع م: (إذا لم يقدروا على التوجه إلى القبلة) ش: هذا قيد إلى قوله إلى أي جهة شاؤوا. وفي " الذخيرة ": إذا اشتد الخوف صلوا رجالا قياما على أقدامهم، أو ركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبيلها، وقال القاضي عياض في " الإكمال ": لا يجوز ترك استقبال القبلة فيها عند أبي حنيفة، وهو غلط منه، ولا يجوز في جماعة عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وبه قال ابن أبي ليلى. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] (البقرة: 239) ش: أي فإن كان بكم خوف من عدو فصلوا رجالا، أي راجلين، وهو جمع راجل، وهو الماشي لا جمع رجل، قوله {أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] يجوز بالإيماء م: (وسقط التوجه) ش: أي إلى القبلة م: (للضرورة) ش: أي لأجل الضرورة م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أنهم) ش: أي أن الركبان م: (يصلون بجماعة) ش: يعني عند محمد يجوز، وبه قال الشافعي م: (وليس بصحيح) ش: أي ما قاله محمد ها هنا، بخلاف ظاهر الراوية وهو غير صحيح م: (لانعدام الاتحاد في المكان) ش: أي في مكان الصلاة، وهذا لا يلزم الفصل بين المقتدي وبين الإمام بما ليس بمكان للصلاة، فلا يجوز كما لو كان بينهما نهر أو طريق أو حائط. وإن صلوا ركبانا والدابة تسير تجوز، والأصل أن كل صلاة تجوز راكبا تجوز مع السير كالنفل، وفي " المحيط " ولأن السير فعل الدابة حقيقة، وإنما أضيف إليه بمعنى فإذا جاء العدو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] انقطعت الإضافة إليه، بخلاف ما إذا صلى وهو يمشي حيث تفسد صلاته، لأن المشي فعل حقيقة، وهو مناف، بخلاف الذاهب إلى وجه العدو، لأنه ليس بمصل في تلك الحال، بل هو في حرمة الصلاة. وفي " زيادات الشهيد ": لا تجوز بالإيماء في المصر عند أبي حنيفة، وعن أبي يوسف تجوز في حالة المشي بالإيماء، وبه قال مالك والشافعي، ويصلون ركبانا ومشاة في جماعة، والخوف من العدو والسبع سواء، فالخائف من السبع إذا لم يستطع النزول عن دابته يصلي بالإيماء، كالخائف من العدو، وكذلك السابح في البحر، لأن فعلهما ينافي الصلاة فصار كالأكل. والراكب لا يصلي في حال السير إذا كان طالبا، لعدم الضرورة، وإن كان مطلوبا يصلي للضرورة، وإذا رأوا سوادا ظنوا أنه عدو فصلوا صلاة الخوف فإذا هو إبل أو بقر أو غنم فعليهم الإعادة، وبه قال الشافعي في قول أحمد. واختاره المزني، وفي قول لا يجب عليهم الإعادة، وبه قال مالك. ولو كان ماشيا هاربا من العدو فحضرته الصلاة ولم يمكنه الوقوف لا يصلي ماشيا، وعند الشافعي يصلي بالإيماء في تلك الحالة ثم يعيد. والفرض على الدابة بعذر المطر واللص، وفي البادية تجوز إذا لم يقدروا على صلاة الخوف على ما وصفن آخرها، ولا يصلون صلاة غير مشروعة، وعن مجاهد وطاوس والحكم والحسن وقتادة والضحاك يصلون صلاة الخوف لركعة واحدة يومئون إيماء. وروي هذا عن جابر أيضا، وقال الضحاك: فإن لم يقدروا يكبرون تكبيرتين، حيث كان وجههم، وقال إسحاق: إن لم يقدروا فتكبيرة واحدة. أخذ الأسلحة ليس بواجب، وأخذها لا يفسد صلاته بالنص، وبه قال مالك وأحمد وداود، وعند الشافعي في وجوب أخذ السلاح قولان، والأصح استحبابه وعدم وجوبه، وفي " الوسيط " وكيف ما كان لا تبطل الصلاة بتركه. ذهب فقهاء الأمصار إلى أن صلاة الخوف تصح بثلاثة أنفس، إمام ومأموم وآخر تجاه العدو. ونقل أبو بكر بن أبي داود عن الشافعي أن كل طائفة أن كل طائفة بثلاثة، ونقل عنه القرافي مثله، وفي " المغني " للحنابلة كل طائفة ثلاثة، وقال ابن حزم: يصليها من خاف من كافر أو مسلم باغ أو سبع أو سيل أو نار أو مجنون، أو حيوان عاد أو خوف عطش أو فوت رفقة أو متاع أو ضلال طريق. قال النووي: هي جائزة في كل قتال ليس بحرام واجبا كقتال الكفار، والبغاة وقطاع الطريق، وكذا الصائل على الإنسان إذا أوجبنا الدفع أو كان مباحا كقتال من قصد أخذ ماله أو مال غيره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ولا يجوز في الحرم كقتال أهل العدل، وقتال أهل الأموال لأخذها، وقتال القبائل عصبية، ويجوز للمنهزمين إذا زاد الكفار على الضعف أو كانوا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة، وإلا فلا. ولو كان عليه القصاص يرجو العفو إذا سكن غضبه فهرب يصلي صلاة الخوف، واستبعده إمام الحرمين، وهذا عند شدة الخوف، وعند مالك وأحمد لا يترخص في كل قتال هو حرام. وفي " فتاوي المرغيناني " في صلاة الخوف ليست مشروعة في حق العاصي في السفر. وفي " الزيادات ": لا يجوز الانحراف بعد ذهاب العدو، ولزوال سبب الرخصة، ولو شرعوا فيها ثم حضر العدو جاز الانحراف في أوانه، ولو انحرفوا على ظن العدو، ثم بان أنه إبل بنوا ما لم يجاوزوا الصفوف استحسانا، وفي " المبسوط " لو سها الإمام في صلاة الخوف سجد للسهو وتابعه الطائفة الأولى يسجدون في إتمام صلاتهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 باب الجنائز إذا احتضر الرجل وجه إلى القبلة على شقه الأيمن   [البناية] [باب الجنائز] [ما يفعل بالمحتضر] م: (باب الجنائز) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الجنازة. وجه المناسبة بين البابين من حيث إن السابق في بيان حالة الخوف، وهذا الباب في أمور الموت والخوف قد يفضي إلى الموت أو الباب السابق في بيان حالة صلاة الحياة، وهذا في صلاة حالة الموت. وأما تأخير هذا الباب عن الأبواب السابقة في بيان الصلوات المطلقة أي الكاملة، وهذا الباب في الصلاة المعدة والأبواب السابقة في الصلوات التي هي حسن بمعنى في نفسها وهذا الباب في صلاة حسن بمعنى في غيرها، فالأول مقدم على الثاني. والجنائز جمع جنازة، وهي بفتح الجيم، اسم للميت المحمول، وبكسرها اسم للنعش الذي يحمل عليه الميت، ويقال عكس ذلك، حكاه صاحب المطالع. ويقال الجنازة بكسر الجيم وفتحها، والكسر أفصح، واشتقاقها من جنزه، إذا ستره، ذكره ابن فارس وغيره، ومضارعه يجنز بكسر النون. م: (إذا احتضر الرجل) ش: بضم التاء وكسر الضاد المعجمة. قال في " المغرب ": احتضر الرجل: مات لأن الوفاة حضرته أو ملائكة الموت. ويقال فلان يحتضر، أي قريب من الموت. قال: ومنه إذا احتضر الرجل. وفي " النهاية " حضر الرجل واحتضر على ما لم يسم فاعله إذا دنا موته، وروي بالخاء المعجمة، وقيل تصحيف. وفي " المحيط " احتضر الرجل، أي دنا موته، وعلاماته أن يسترخي قدماء فلا ينتصبان، ويتعوج أنفه ويتخسف صدغاه، وتمتد جلدة الخصية؛ لأن الخصبة تنشمر بالموت وتدلى جلدتها. م: (وجه إلى القبلة على شقه الأيمن) ش: وعليه نص الشافعي وأكثر أصحابه، وبه قال مالك وأحمد، وكرهه مالك وفي رواية ابن القاسم، لأن سعيد بن المسيب أنكر على من فعل ذلك. وللجمهور ما رواه البيهقي «عن أبي قتادة أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين قدم المدينة سأل عن البراء بن معرور - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقالوا: توفي وأوصى بثلثه لك يا رسول الله وأوصي أن يوجه إلى القبلة لما احتضر، فقال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " أصاب الفطرة، وقد رددت ثلثه على ولده " ثم ذهب فصلى عليه، وقال: " اللهم اغفر له وارحمه وأدخله جنتك وقد فعلت» . وقال الحاكم: هذا الحديث صحيح، ولا أعلم في توجيه المحتضر إلى القبلة غيره. قلت: هذا ليس بمساعد له على الصفة المذكورة، وإنما فيه مجرد الإيصاء بالتوجيه إلى القبلة، وأما مجرد التوجيه ففيه حديث عمر بن قتادة، وكانت له صحبة «أن رجلا سأل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ما الكبائر، قال هي تسع، الشرك بالله والسحر، وقتل النفس التي حرم الله، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وعقوق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 اعتبارا بحال الوضع في القبر لأنه أشرف عليه، والمختار في بلادنا الاستلقاء، لأنه أيسر لخروج الروح،   [البناية] الوالدين المسلمين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا» . أخرجه أبو داود في الوصايا، والنسائي في المحاربة وذكر أبوحفص بن شاهين في كتاب الجنائز له بابا في توجيه المحتضر، ولم يذكر فيه غير أثر عن إبراهيم النخعي قال: يستقبل بالميت القبلة. وعن عطاء بن أبي رباح نحوه بزيادة على شقه الأيمن، ما علمت أحدا تركه في سنته م: (اعتبارا بحال الوضع في القبر) ش: يعني يعتبر توجيه من أشرف على الموت إلى القبلة على شقه الأيمن اعتبارا بحال وضع الميت في قبره فإنه في قبره يوجه إلى القبلة على شقه الأيمن. وقال الأترازي لأنه السنة، ولم يبين السنة كيف هي! وقال السغناقي الاضطجاع على ستة أنواع: اضطجاع في حالة المرض، فإنه يضطجع على شقه الأيمن عرضا للقبلة. واضطجاع في حالة صلاة المريض، وقد ذكر اضطجاعه في حالة النزع، فإنه يوضع كما يوضع في حالة المرض. واضطجاع في حالة الغسل بعدما قضى نحبه فلا رواية فيه عن أصحابنا كيف يوضع على التخت، إلا أن العرف فيه يضطجع مستلقيا على قفاه طولا نحو القبلة كما في حالة الصلاة. واضطجاع في حالة الصلاة عليه، فإنه يضطجع معترضا للقبلة على قفاه. واضطجاع في حالة الوضع في اللحد، فإنه يوضع على شقه الأيمن، كما في حالة المرض. قلت: هذا كله بالعرف والقياس، ولم يذكر فيه أثرا، ولا حديثا، مع أن المصنف قاس اضطجاع من أشرف على الموت على اضطجاع الميت في قبره، وهذا الشارح ذكر عكس هذا. وذكر صاحب الدراية هنا حديث البراء بن معرور المذكور آنفا، وقد استوفى الكلام فيه. م: (لأنه أشرف عليه) ش: هذا تعليل قوله: اعتبارا بحال الوضع في القبر؛ أي لأن المحتر أشرف على القبر، والإشراف على الشيء الدنو منه وما قرب من الشيء يأخذ حكمه م: (والمختار في بلادنا) ش: أراد بها ما وراء النهر م: (الاستلقاء) ش: أي استلقاء المحتضر على قفاه م: (لأنه الأيسر لخروج الروح) ش: أي لأن الاستلقاء أيسر لخروج الروح، وبه قال الشافعي في قول، وفي " شرح الوجيز ": ويلقى على قفاه. وفي " المحيط " و " الأسبيجابي " وغيرهما أن العرف أنه يوضع مستلقيا على قفاه وقدماه إلى القبلة، قالوا هو أيسر لخروج الروح، ولم يذكروا وجه ذلك، ولا يمكن معرفته بالتجربة، وهو أسهل لتغميضه وشد لحييه عقيب الموت، وأمنع لتقوس أعضائه ويرفع رأيه قليلا ليصير وجهه إلى القبلة دون السماء، وبه قطع الجوسي والغزالي من الشافعية، قال إمام الحرمين: وعليه عمل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 والأول هو السنة، ولقن الشهادة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لقنوا مواتكم شهادة أن لا إله إلا الله» والمراد الذي قرب من الموت.   [البناية] الناس. وقال أبو بكر الرازي: هذا إذا لم يشق عليه، فإن شق ترك على حاله، والمرجوم لا يوجه. م: (والأول هو السنة) ش: أي توجيهه إلى القبلة على شقه الأيمن هو السنة، ولم يبين السنة ما هي م: (ولقن الشهادة) ش: كذا بالإفراد، ولفظ القدوري ولقن الشهادتين بالتثنية، وقال السغناقي: لقن الشهادة، ولفظ " المختصر " ولقن الشهادتين، وهوالمراد أيضا هنا. وفي نسخة الأترازي بخطه، ولقن الشهادتين، ثم فسره بقوله لا إله إلا الله، وقوله أشهد أن محمدا رسول الله. وذكر السروجي بلفظ الإفراد، ثم قال: ومثله في " المحيط " و " البدائع "، و " الأسبيجابي "، و " شرح مختصر الكرخي " و " التجريد " و " جوامع الفقه " و " خير مطلوب " و " القنية ". وفي " المفيد " و " المزيد " و " التحفة " و " الينابيع " و " المنافع " ولقن الشهادتين، وهو الصواب. واكتفي فيما تقدم بشهادة التوحيد، لأن الشهادة بالرسالة تبع لها، ولا يقبل دون الشهادة الثانية، ولهذا لم يذكر الثانية في الحديث الذي يأتي بعده، وكذا اختلفت كتب الشافعية، وفي " الذخيرة " للمالكية و " المغني " للحنابلة: لقن قوله لا إله إلا الله ووجههم أنه موجه، ويلزم من اعترافه بالتوحيد اعترافه بالشهادة الأخرى. قلت: فيه نظر لا يخفى، وعلم من هذا كله أن نسخة المصنف بالإفراد، والأترازي أصلح وأثبته بالتثنية، فافهم. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله» ش: هذا الحديث روي عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة وجابر بن عبد الله وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عمر وواثلة بن الأسقع وابن عباس ومسعود وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وحديث الخدري عند الجماعة ما خلا البخاري. وحديث أبي هريرة عند مسلم نحوه سواء. وحديث جابر عند الطبراني في كتاب الدعاء له مرفوعا نحوه. ورواه العقيلي في الضعفاء، وأعله بعبد الوهاب بن مجاهد. وحديث عبد الله بن جعفر عند البزار في " مسنده "، وحديث عبد الله بن عمر عند ابن شاهين في كتاب الجنائز ل وحديث واثلة بن الأسقع عند أبي نعيم في " الحلية " وحديث ابن مسعود وابن عباس عند الطبراني، وحديث عائشة عند الطبراني أيضا مرفوعا، وعند النسائي أيضا، «لقنوا هلكاكم» بدل موتاكم. م: (والمراد به الذي قرب من الموت) ش: بطريق المجاز، باعتبار ما يؤول إليه، وذلك لأن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] التلقين حقيقة، ما يطاوعه التلقن، وحصول ذلك من الميت محال، فالأمر به حقيقة يكون أمرا للعاجز عنه، والعقل يأباه فوجب حمله على هذا المعنى. فإن قلت: عند أهل السنة، هذا على حقيقته لأن الله تعالى يحييه على ما جاءت به الآثار فلم يحمله على المجاز. قلت: لأن المقصود من ذلك أن يكون آخر كلام الميت كلمة الشهادة، فالتلقين في قبره لا يساعده المقصود، وقد قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من كان آخر كلامه قول لا إله إلا الله دخل الجنة» رواه أبو هريرة وأخرجه ابن حبان، وعزاه ابن الجوزي للبخاري، وليس كذلك، فإنه ليس فيه وجعله المحب الطبري من المتفق عليه، وليس كذلك، ومعنى التلقين أن تذكر بين يديه، وإذا قال مرة لا تعاد عليه إلا أن يتكلم، ولا يقال له قل. وفي شرح " الوجيز " ولا يلح عليه ولا يواجهه، بل يذكر بين يديه، وهذا التلقين مستحب بالإجماع. وأما التلقين بعد الموت فلا يلقن عندنا في ظاهر الرواية، وعند الشافعي يستحب أن يلقن بعد الدفن، فيقال يا عبد الله أو يا أمة الله اذكر ما خرجت عليه من الدنيا من شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الجنة حق، والنار حق والبعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأنك رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نبيا ورسولا، وبالقرآن إماما، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانا، لظاهر قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لقنوا موتاكم» كذا في " شرح الوجيز ". قلت: روى الطبراني «عن أبي أمامة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن نصنع بموتانا، أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: " إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره، ثم ليقل يا فلان بن فلان، فإنه يسمعه ولا يجيبه، ثم يقول: يا فلان بن فلان، فإنه يستوي قاعدا ثم يقول يا فلان بن فلان فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله ولكن لا تشعرون فليقل اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا، وبالقرآن إماما، فإن منكرا ونكيرا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه، ويقول انطلق بنا ما يقعدنا عند من لقن حجته. قال: فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف أبيه قال ينسبه إلى أمه حواء - عَلَيْهَا السَّلَامُ - يا فلان بن حواء» إسناده صحيح، وقد قواه الضياء في أحكامه، كذا قيل، ولكن الراوي عن أبي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 فإذا مات شد لحياه وغمض عيناه، بذلك جرى التوارث ثم فيه تحسينه فيستحسن   [البناية] أمامة سعيد الأزدي وقد بيض له ابن أبي حاتم. وفي " خيرة الفقهاء "، و " فتاوى الظهيرية " جوز بعض المشايخ التلقين بعد الدفن، ولا أراه يفعل. قلت: وكيف لا يفعل! وقد روي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أنه أمر بالتلقين بعد الدفن، فيقول يا فلان بن فلان، أو يا فلانة بنت فلانة دينك الذي كنت عليه» إلى آخر ما ذكرناه في " شرح الوجيز ". وقال الحلواني: لا نهي ولا يؤمر به: قال قاضي خان: إن كان التلقين لا ينفع لا يضر أيضا فيجوز، وحكي عن ظهير الدين المرغيناني أنه لقن بعض الأئمة من السلف بعد دفنه، وأوصى أن يلقن هو أيضا بعد دفنه، كذا في " عباب المفتي ". [ما يفعل بالميت عقب موته] م: (فإذا مات) ش: أي المحتضر م: (شد لحياه) ش: بفتح اللام تثنية لحي، وهو الحنك م: (وغمض عيناه) ش: يعني أطبق جفناه م: (بذلك) ش: أي شد اللحيين وتغميض العينين م: (جرى التوارث) ش: من الأئمة على ذلك، وفي تغميض البصر أحاديث: منها ما أخرجه مسلم في صحيحه «عن أم سلمة قالت: دخل رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ... » الحديث. ومنها ما رواه ابن ماجه في " سننه " عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر، فإن البصر يتبع الروح، وقولوا خيرا، فإن الملائكة تؤمن على ما يقول أهل الميت» ، ورواه أحمد في " مسنده "، وأعله ابن حبان بقزعة بن سويد، أحد رواته، «ويقول مغمضه بسم الله وعلى ملة رسول الله، وروي وعلى وفاة رسول الله، اللهم يسر عليه أمره وسهل عليه ما بعده وأسعده بلقائك، واجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج عنه» . م: (ثم فيه تحسينه فيستحسن) ش: أي فيما ذكر من شد اللحيين وتغميض العينين تحسين صورة الميت، لأنه إذا ترك التغميض يبقى فظيع المنظر في أعين الناس، وفي ترك شد اللحيين كاف من دخول الهوام في جوفه، والماء عند غسله، ويشد بعصابة عريضة من فوق رأسه. وفي " المنتقى " يصنع بالميت عشرة أشياء: يوجه إلى القبلة على قفاه أو على يمينه، ويمد أعضاءه، ويغمض عيناه، ويقرأ سورة يس عنده، ويوضع عنده من الطيب، ويلقن كلمة الشهادة، ويخرج من عنده الحائض والنفساء والجنب، ويوضع على بطنه سيف أو مرآة لئلا ينتفخ، ويقرأ عنده القرآن إلى أن يرفع، وهكذا في كتب أصحاب الشافعي. وكره مالك قراءة القرآن عنده، وأصحابنا كرهوا القراءة بعد موته حتى يغسل، ويجعل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] على سرير أو لوح، حتى لا تغيره نداوة الأرض. وفي " فتاوى قاضي خان ": ولا بأس بجلوس الحائض والجنب عند موته، ثم المستحب أن يعجل في جهازه ولا يؤخر، ويستحب أن يلي المريض أرفق أهله به، وأعلمهم بسياسته وأتقاهم، ويذكره بالتوبة من المعاصي والمظالم، وبالوصية، وإذا رآه قد نزل به [ .... ] بل حلقه بأن يقطر في فيه ماء أو شرابا، ويندى بفيه بقطنة ونحوها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 فصل في الغسل   [البناية] [فصل في غسل الميت] [كيفية غسل الميت] م: (فصل في الغسل) ش: أي هذا فصل في بيان غسل الميت، وهو بفتح الغين، وفي بعض النسخ فصل في غسل الميت، ولما بين ما يفعل بالمحتضر وقت احتضاره، شرع يبين ما يفعل به بعد موته، فبدأ بالغسل، لأنه أول ما يفعل بالميت، ثم ذكر فصل التلقين ثم فصل الصلاة، ثم فصل حمله، ثم فصل الدفن على الترتيب الخارجي، ليوافق الترتيب الوضعي. وقال الشيخ أبو نصر البغدادي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الأصل في وجوب غسل الميت أن الملائكة - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - غسلوا آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وقالوا لولده: هذه سنة موتاكم، وغسل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين مات، وفعل ذلك المسلمون بعده، وقال صاحب الدراية: هو واجب على الأحياء بالسنة وإجماع الأمة، وتفرغ من المعنى. أما السنة: فما روي عن أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال «إن آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لما حضرته الوفاة نزلت الملائكة بحنوطه وكفنه من الجنة، فلما مات غسلوه بالماء والسدر ثلاثا، وكفنوه في وتر من الثياب، وصلوا عليه عند البيت، وأمهم جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقال هذه سنة ولد آدم من بعده» . وما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قال لأم عطية حين توفيت ابنته رقية اغسلنها وترا ثلاثا أو خمسا أو أكثر إن رأيتن ذلك، وقال بماء وسدر» وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «للمسلم على المسلم ستة حقوق، وذكر منها إذا مات أن يغسله» وأجمعت الأمة على هذا. وأما المعنى أن الميت في الصلاة بمنزلة الإمام، حتى لا تجوز الصلاة بدونه، وهذا شرط تقديمه على القوم، وطهارة الإمام شرط لصلاة القوم، ولأن ما بعد الموت حال العرض على الرب والرجوع عليه، فوجب تطهيره بالغسل تعظيما للرب، وفي " شرح الوجيز " الغسل والتلقين والصلاة فرض الكفاية بالإجماع. انتهى. قلت: حديث أبي بن كعب رواه عبد الله بن أحمد في " المسند " ولفظه «أن آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غسلته الملائكة ولقنوه وحنطوه وحفروا له وألحدوا وصلوا عليه، ثم دخلوا قبره فوضعوه فيه ووضعوا عيه اللبن، ثم خرجوا من قبره، ثم حثوا عليه التراب، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم» رواه البيهقي بمعناه. وحديث أم عطية أخرجه البخاري ومسلم، واختلف المشايخ في سبب وجوب غسل الميت، قال بعضهم هو الحدث، فإن الموت سبب لاسترخاء مفاصله، والنهي عن غسل الأعضاء الأربعة في الحياة لتكرر سببه، والموت لا يتكرر، وقال الشيخ أبو عبد الله الجرجاني وغيره من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 وإذا أرادوا غسله وضعوه على سرير لينصب الماء عنه، وجعلوا على عورته خرقة إقامة لواجب الستر ويكتفى بستر العورة الغليظة هو الصحيح تيسيرا   [البناية] مشايخ العراق: يقولون إنما وجب لنجاسة الموت، إذ الآدمي له دم مسفوح كسائر الحيوانات، ولهذا تنجس البئر بموته فيها. وفي " المحيط " و " البدائع ": لو دفع فيها بعد غسله لا يتنجس، ولو حمل ميتا وصلى به قبل غسله لا تصح صلاته، بخلاف المحدث، وفي " البدائع " عن محمد بن شجاع البلخي، أن الآدمي لا ينجس بالموت كرامة له، لأنه لو نجس لما حكم بطهارته بالغسل كسائر الحيوانات التي حكم بنجاستها بالموت، وقول أبي عبيد الله هو قول العامة وهو الأظهر، وعند كل واحد من مالك والشافعي وأحمد، خلاف في تنجس المؤمن بالموت، وقال بعض الحنابلة: يتنجس بالموت ولا يظهر بالغسل، ويتنجس الثوب الذي ينشف به كسائر الميتات، وهذا باطل بلا شك. م: (وإذا أرادوا غسله) ش: بفتح الغين، أي غسل الميت م: (وضعوه على سرير لينصب الماء عنه) ش: أي لينزل الماء عنه إلى أسفل، واختلف في كيفية الوضع. قال الأسبيجابي وصاحب شرح الطحاوي: يوضع مستلقيا على قفاه نحو القبلة كالمحتضر، ومثله قال بعض أئمة خراسان، واختاره بعض أصحابنا أنه يوضع مستلقيا عرضا، كما يوضع في القبر، وقال شمس الأئمة: الأصح أنه يوضع كما تيسر، وفي " التحفة " يوضع على شقه الأيسر حتى يبدأ بشقه الأيمن في الغسل، ثم على الأيمن، وقال الأسبيجابي: لا رواية عن أصحابنا في ذلك، والعرف أن يوضع على التخت على قفاه طولا نحو القبلة. م: (وجعلوا على عورته خرقة) ش: لأن ستر العورة واجب على كل حال، والآدمي محترم حيا وميتا، ألا ترى أنه لا يحل للرجال غسل النساء، ولا للنساء غسل الرجال الأجانب بعد الوفاة، وقد عرف فيما مضى حد العورة أنها من السرة إلى الركبة والركبة عورة عندنا، وهذا هو الأصل. ولكن ظاهر الرواية خلاف هذا، أشار إليه بقوله: م: (ويكتفى بستر العورة الغليظة) ش: وهي القبل والدبر، وعليه الفتوى أشار إليه بقوله: م: (هو الصحيح) ش: من المذهب، وبه قال مالك أيضا، ذكره أيضا في " المدونة "، واحترز به عن رواية النوادر، فإنه قال فيه ويوضع على عورته خرقة من السرة إلى الركبة. وفي " المبسوط " وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يؤزر بإزار سابغ، كما يفعله بحياته إذا أراد الاغتسال، وفي ظاهر الراوية قال يشق عليهم غسل ما تحت الإزار فيكتفى ستر العورة الغليظة بخرقة، م: (تيسيرا) ش: أي لأجل التيسير على الغاسل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 ونزعوا ثيابه ليمكنهم التنظيف   [البناية] وفي " البدائع " يغسل عورته تحت الخرقة بعد أن يلف على يده خرقة وينجى عند أبي حنيفة، كما كان يفعله في حال حياته، وعندهما لا ينجى، وفي " المحيط " و " الروضة " لا ينجى عند أبي يوسف ويغسل سرته بخرقة يلقها على يده، وقيل يجعل الغاسل عل إصبعه خرقة يمسح أسنانه ولهاته ولبته ويدخلها في منخريه أيضا. م: (ونزعوا ثيابه ليمكنهم التنظيف) ش: أي تنظيف الميت، وعن مالك مثله، وهو ظاهر قول أحمد وقول ابن سيرين. وقال الشافعي وأحمد في رواية: المستحب أن يغسل في قميص واسع الكمين، وإن كان ضيق الكمين خرقهما، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غسل في قميص فما كان سنة في حقه فهو سنة في حقنا. قلت: نص الشافعي أنه يستحب أن يغسل الميت في قميص يلبس عند إرادة غسله، وصرح به المسعودي والرافعي، ويدخل الغاسل يده في كمه، ويصب الماء من فوق القميص ويغسل من تحته، واستدل على ذلك بحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غسلوه وعليه قميصه يصبون الماء عليه ويدلكونه من فوق القميص» رواه أبو داود، وقال النووي: إسناده صحيح. قلت: قيل إنه ضعيف، ولئن سلمنا صحته فنقول كان ذلك من خصائصه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، يدل على ذلك ما رواه أبو داود «عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: سمعت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تقول: لما أرادوا غسل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من ثيابه كما نجرد موتانا، أو نغسله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم، حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو، اغسلوا رسول الله وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فغسلوه وعليه قميص، يصبون الماء فوق القميص دون أيديهم» . وكانت «عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه» يعني لو علمنا أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يغسل بعد الوفاة، ما غسله إلا نحن، وهذا يدل على أن عادتهم كانت تجرد موتاهم، كان في زمان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عند غسلهم، وخص من ذلك النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لأجل احترامه وتعظيمه، ولأنه إذا غسل في قميصه ينجس القميص بما يخرج منه، وقد لا يطهر بصب الماء عليه، فيتنجس الميت به، بخلاف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنه كان مأمونا في حقه؛ لأنه كان طيبا حيا وميتا، على أن مذهبهم خلاف ما فعل رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فإنه لم يلبس قميصا عند غسله، بل غسل في قميصه الذي مات فيه إن صح الحديث به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 ووضؤوه من غير مضمضة واستنشاق، لأن الوضوء سنة الاغتسال، غير أن إخراج الماء منه متعذر فيتركان، ثم يفيضون الماء عليه اعتبارا بحال الحياة، ويجمر سريره وترا   [البناية] [وضوء الميت من غير مضمضة واستنشاق] م: (ووضؤوه من غير مضمضة واستنشاق) ش: بتشديد الضاد من وضأ بالتشديد، وفي " المبسوط " ويبدأ بالميامن في وضوئه. وقال صاحب " المغني ": ولا يدخل الماء فاه ولا منخريه. وفي قول أكثر أهل العلم وهو قول سعيد بن جبير والنخعي والثوري وأحمد، وقال الشافعي: يمضمض ويستنشق كما يفعله الحي. قلنا: المضمضمة إدارة الماء في داخل الفم، والاستنشاق إدخال الماء في الأنف وجذبه إلى الخياشيم، وهذا كله متعذر، وقال النووي: المضمضة جعل الماء في فيه. قلت: هذا خلاف ما قاله أهل اللغة. وقال الجوهري: المضمضة تحريك الماء في الفم، وإمام الحرمين لم يصوب [ .... .] . وفي " المحيط " و " الروضة " فرق بين الميت والجنب في الغسل في خمسة أشياء: لا يمضمض بخلاف الجنب، والميت لا يستنشق بخلاف الجنب، والميت يبدأ بغسل وجهه، والجنب يغسل يديه، وفيه خلاف الثلاث، والميت لا يمسح برأسه. هكذا روي عن محمد في " النوادر "، ومثله في " الإيضاح ". وقال خواهر زاده في " شرح المبسوط ": الصحيح أن الميت كالجنب في مسح الرأس، والميت لا يؤخر غسل رجليه، بخلاف الجنب. وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": الصحيح أن الجواب في غسل الرجلين واحد. وقال الحلواني: هذا الذي ذكر في حق البالغ والصبي العاقل، أما في الصبي الغير عاقل لا يوضأ وضوء الصلاة. لأنه كان في حياته لا يصلي. م: (لأن الوضوء سنة الاغتسال، غير أن إخراج الماء منه) ش: من الفم والأنف م: (متعذر فيتركان) ش: أي المضمضة والاستنشاق م: (ثم يفيضون الماء عليه اعتبارا بحال الحياة) ش: أي يفيضون الماء على الميت ثلاث مرات كما في حالة الحياة م: (ويجمر سريره وترا) ش: أي ويبخر. وفي " المغرب ": جمر ثوبه وأجمره إذا بخره وفي طلبه فيطيب بعود إذا، وفي تجميره يفعل هذا عند إرادة غسله، إخفاء للرائحة وإكراما للميت، وقيل: المراد من التجمير إدارة المجمر حول السرير وترا، يعني واحدة أو ثلاثا أو خمسا. وقال الأسبيجابي: لا يزاد عليها، وتعيين الوتر لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الله وتر يحب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 لما فيه من تعظيم الميت، وإنما يوتر لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إن الله وتر يحب الوتر» ، ويغلي الماء بالسدر   [البناية] الوتر» رواه البزار في " مسنده " من حديث نافع عن ابن عمر مرفوعا وسكت عنه وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسو الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدة، من أحصاها دخل الجنة، إنه وتر يحب الوتر» . وروى الأربعة وأحمد عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر» . قال الترمذي: حديث حسن، ورواه ابن خزيمة في " صحيحه "، وروى البزار عن أبي سعيد الخدري نحو روايته عن ابن عمر. فإن قلت: ما المراد من السرير. قلت: ذكر في " المجتبى " أن المراد من السرير الجنازة، فيجمر السرير والكفن، وقد ترك الناس التجمير على الجنازة في ديارنا، وبقي التجمير مقصورا على الكفن. وفي " الكافي " معنى قوله: ويجمر [ .... .... ] وقال صاحب " الدراية ": وسياق كلام المصنف يدل على أن المراد من السرير التخت الذي يغسل عليه الميت، وقد صرح في " المجمع " بقوله: وغسل على سرير مجمر. م: (لما فيه) ش: أي في التجمير، دل عليه قوله: ويجمر م: (من تعظيم الميت) ش: وإكرامه بالرائحة الطيبة ولدفع الرائحة الكريهة م: (وإنما يوتر) ش: يعني وإنما يجمر وترا م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إن الله وتر يحب الوتر» ش: وقد مر الكلام فيه آنفا. م: (ويغلي الماء بالسدر) ش: يغلي من الإغلاء لا من الغلي والغليان، لأنه لازم، والسدر ورق شجر النبق، وهو عود، وكرهت الشافعية وبعض الحنابلة الماء المسخن وخيره مالك ذكره في " الجواهر " وفي " المحلى " من كتب الشافعية قيل: المسخن أولى بكل حال، وهو قول إسحاق - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي " الدراية " وعند الشافعي وأحمد - رحمهما الله - الماء البارد أفضل إلا أن يكون عليه وسخ أو نجاسة لا تزول إلا بالماء الحار، أو يكون البرد شديدا، إلا أن البارد يشد البدن والحار يرخيه، والميت استرخى، فلو غسل بالماء الحار ازداد استرخاؤه فيفضي إلى النجس فتتنجس الأكفان، فكان البارد أولى. قلت: الحار أولى؛ لأن المقصود منه غاية التطهير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 أو بالحرض مبالغة في التنظيف، فإن لم يكن فالماء القراح لحصول أصل المقصود، ويغسل رأسه ولحيته بالخطمي ليكون أنظف له، ثم يضجع على شقه الأيسر فيغسل بالماء والسدر حتى يرى أن الماء قد وصل إلى ما يلي التخت منه،   [البناية] م: (أو بالحرض) ش: بضم الحاء المهملة وسكون الراء بعدها الضاد المعجمة وهو الأشنان م: (مبالغة في التنظيف) ش: أي لأجل المبالغة في تنظيف الميت م: (فإن لم يكن) ش: أي السدر والأشنان م: (فالماء القراح) ش: بفتح القاف وهو الخالص. وقوله الماء مبتدأ والقراح صفته، والخبر محذوف، أي فالماء القراح متعين م: (لحصول أصل المقصود) ش: وهو التطهير، لأن الماء هو الأصل في باب التطهير، وهذا الترتيب الذي ذكره يوافق مبسوط شمس الأئمة ولا يوافق مبسوط فخر الإسلام و " المحيط " لأنه ذكر فيها أولا بالماء القراح، ثم بالماء الذي يطرح فيه السدر، ثم في الثالثة يجعل الكافور في الماء ويغسل في المرة الأولى، والثانية بالماء القراح، والثالثة بالسدر، وقال الشافعي: يختص السدر بالأولى، وبه قال ابن الخطاب من الحنابلة. وعن أحمد: يستعمل السدر في الثلاث كلها، وهو قول عطاء والنخعي وإسحاق وسليمان بن حرب - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. [غسل رأس الميت ولحيته بالخطمي] م: (يغسل رأسه ولحيته بالخطمي) ش: بكسر الخاء المعجمة، وهو خطمي العراق، لأنه مثل الصابون في التنظيف، وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في استعمال السدر والخطمي في غسل لحيته ورأسه وجهان. وقال أبو إسحاق المروزي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المقصود من الغسل التنظيف، فيجب أن يستعان بما يزيد فيه التطهير، وأظهرهما أنه لا استعمال بهما، لأنهما سالبان للطهورية. قلت: لا نسلم ذلك بل يزيد في التطهير، وبقولنا قال أحمد، وكره ابن سيرين الخطمي، إلا أن لا يجد سدرا. م: (ليكون أنظف له) ش: أي ليكون غسل رأسه ولحيته بالخطمي أنظف له، أي للميت م: (لم يضجع على شقه الأيسر) ش: أي على جانبه الأيسر، وذلك ليكون بداية الغسل من الميمنة، لأنها هي السنة م: (فيغسل بالماء والسدر حتى يرى أن الماء قد وصل إلى ما يلي التخت منه) ش: بالخاء المعجمة، لأن بالمهملة توهم أن غسل ما يلي التخت يجب في الجانب لا الجانب المتصل بالتخت أما بالمعجمة يفهم الجانب المتصل منه، أي من الميت. وقال ابن سيرين: يغسل شق وجهه الأيمن ثم الأيسر ثم منكبه الأيمن ثم الأيسر، ثم جنبه الأمين ثم الأيسر، ثم فخذه اليمنى، ثم اليسرى، ثم الساقان كذلك، ولو فعل كذلك أجزأه. ولا يكب الميت على وجهه فيغسل ظهره، وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في غير رواية الأصول أنه يقعده ويمسح بطنه أولا، وهو قول الشافعي ثم يغسله بعد ذلك، وفي " الذخيرة " للمالكية: يغسل جنبه الأيمن، والأيسر غسلة واحدة، فيغسل مثله ثلاثا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 ثم يضجع على شقه الأيمن فيغسل حتى يرى أن الماء قد وصل إلى ما يلي التخت منه، لأن السنة هو البداية بالميامن ثم يجسله ويسنده إليه ويمسح بطنه مسحا رفيقا تحرزا عن تلويث الكفن، فإن خرج منه شيء غسله ولا يعيد غسله ولا وضوءه،   [البناية] م: (ثم يضطجع على شقه الأيمن فيغسل حتى يرى أن الماء قد وصل إلى ما يلي التخت منه، لأن السنة هي البداية بالميامن) ش: فيه حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعجبه التيمن في كل شيء حتى تنعله وترجله» رواه الجماعة، وحديث أم عطية رواه الجماعة أيضا، واللفظ للبخاري، قالت: «لما غسلنا ابنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لنا ونحن نغسلها: " ابدأوا بميامنها ومواضع الوضوء منها» " وهذه الأبنة هي زينب زوج ابن أبي العاص، وهي أكبر بناته، وصرح به في رواية مسلم عن أم عطية قالت: «لما ماتت زينب ابنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " اغسلنها وترا ... » الحديث. وقد جاء في " سنن أبي داود " و " مسند أحمد " و " تاريخ البخاري الأوسط " أنها أم كلثوم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجوه عن ابن إسحاق وقال المنذري في " مختصره " فيه محمد بن إسحاق وفيه من ليس بمشهور. والصحيح أن هذه القصة في زينب، لأن أم كلثوم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - توفيت ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غائب ببدر والله أعلم. م: (ثم يجلسه) ش: أي ثم يجلس الغاسل الميت م: (ويسنده إليه ويمسح بطنه مسحا رفيقا) ش: بالفاء من رفق به، أي مسحا لينا بغير عنف م: (تحرزا عن تلويث الكفن) ش: أي احترازا عن تلويث الكفن إذا مسح بالعنف. قال أبوبكر الرازي: ويمسح بطنه في الثانية مسحا خفيفا، وفي " البدائع " ويمسح بطنه بعد غسله مرتين، وروي أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مسح بطن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فلم يخرج منه شيء، فقال: طبت حيا وميتا. وفي " المبسوط ": عزاه إلى العباس، وروي أنه لما مسح بطنه فاح من رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ريح المسك في البيت. وفي " المبسوط ": لم يذكر في ظاهر الرواية سوى مسحه، وفي " المحيط " ذكر مسحه وغسله. م: (وإن خرج منه شيء غسله) ش: أي غسل ذلك الخارج م: (ولا يعيد غسله ووضوءه) ش: وبه قال الثوري ومالك والمزني، وللشافعية ثلاثة أوجه، أصحها كقولنا، لأن الميت خرج بالموت من التكليف ينقض الطهارة، وضعف المحاملي وآخرون إعادة غسله، ونقل صاحب " البيان " تضعيفه عن أبي حامد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وصحح المحاملي والرافعي وآخرون عدم وجوب إعادة غسله ووضوئه، وأجمعوا على أنه لو خرج منه شيء بعد إدراجه في الكفن لا يجب غسله ولا وضوؤه بلا خلاف، وصرح به المحاملي في " التجريد "، وأبو الطيب في " المجرد "، والسرخسي في " الأمالي " وصاحب " العدة "، وجزموا بالاكتفاء بغسل النجاسة بعد الإدراج، وذكر في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 لأن الغسل عرفناه بالنص وقد حصل مرة، ثم ينشفه بثوب كيلا تبتل أكفانه، ويجعله في أكفانه، ويجعل الحنوط على رأسه ولحيته   [البناية] " الروضة " لا يغسل منه شيء بعده عندنا، الوجه الثاني يعاد الوضوء، والثالث يعاد الغسل. ثم الغسل المسنون ثلاث مرات. هكذا في " المبسوط " و " المحيط "، وفي " البدائع " الواجب فيه مرة واحدة وما زاد سنة، ومثله في " المفيد " وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك مع الدلك. وقال ابن حزم في " المحلى ": وغسله ثلاثا فرض. وقال ابن المسيب والحسن البصري والنخعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: يغسل ثلاثا، وكذا غمسه في الماء يكفي، ولو غرق في الماء أو أصابه المطر بعد موته لا يجزئه، لأن الواجب فعلنا. وفي " البدائع ": إن كان المخرج حركة في الماء كما يحرك الشيء بقصد تطهيره سقط غسله، وفي " المحيط " عن أبي يوسف: يجزئه مرة في الماء ويغسل مرتين، وإن مات في سفينة غسل وكفن ثم يرمى في البحر. وذكره البيهقي عن الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن غرق وتفيح في الماء صب عليه الماء، وكذا إن احترق، ذكره في " الروضة "، والنية ليست بشرط عندنا، وفي " الينابيع " يحركه في الماء فيكون ذلك غسلا له، ولم يشترط النية. م: (لأن الغسل) ش: بضم الغين وفتحها، وقال السغناقي: كذا وجدته مقيدا بخط شيخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: الفرق بينهما ظاهر، وكل واحد منهما يصلح ها هنا، ولا يحتاج إلى الرواية م: (عرفناه بالنص وقد حصل مرة) ش: أي وقد حصل الغسل مرة، فلا يحتاج إلى الإعادة. [تنشيف الميت بعد الغسل] م: (ثم ينشفه بثوب) ش: أي يأخذ ما عليه من بلل، وهو من باب علم يعلم، كذا في " الدستور ". وقال السغناقي: أي يأخذ ما عليه من بلل بثوب حتى يجف من الماء، أخذه بخرقة من باب ضرب يضرب، الأصح ما ذكره في " الدستور "، وقال ابن الأثير: يقال نشفت الأرض الماء تنشفه نشفا شربته، ونشف الثوب العرق وتنشف م: (كيلا تبتل أكفانه) ش: لأنها إذا ابتلت تصير كالمثلة. م: (ويجعله في أكفانه) ش: أي بعد الفراغ من الغسل والتنشف يدرج في أكفانه م: (ويجعل الحنوط على رأسه ولحيته) ش: والحنوط ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى ولأجسامهم خاصة. ومنه الحديث أن ثمود لما استيقنوا بالعذاب تكفنوا بالأنطاع، وتحنطوا بالصبر لئلا يجيفوا وينتنوا. وفي " المحيط ": لا بأس بسائر الطيب في الحنوط غير الزعفران والورس في حق الرجال، ولا بأس بهما في حق النساء، فيدخل فيه المسك، وأجازه أكثر العلماء وأمر به علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، واستعمله أنس وابن عمر وابن المسيب، وبه قال مالك والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 والكافور على مساجده، لأن التطيب سنة، والمساجد أولى   [البناية] وإسحاق، وكرهه عطاء والحسن، ومجاهد، وقالوا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إنه سنة، واستعماله في حنوط النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حجة عليهم، وفي " الروضة " ولا بأس بأن يجعل المسك في الحنوط، وفي " الصحاح ": الحنوط ذريرة، وهو طيب الميت. [وضع الكافور على مساجد الميت] م: (والكافور على مساجده) ش: أي ويجعل الكافور على مساجده، وهو جمع مسجد، بفتح الجيم وهي الجبهة والأنف واليدان والركبتان والقدمان، رواه البيهقي عن ابن مسعود، وهو قول النخعي، والمساجد أولى لهذه الكرامة، وعن زفر: يذره على عينيه وأنفه وفمه إبعادا للدود عنها، وقال إمام الحرمين: وذراعيه على الجملة لطرد الهوام، وبالكافور يجعل طيب الرائحة، ويندفع مكروهها عن المصلين عليه، وفيه تبريك وتخفيف وحفظ للميت من إسراع التغير والفساد وتعويقه ويزيد الإمساك ومنع الهوام، وكرهه أحمد، وقال: يتلف العضو، وما سمعناه إلا في المساجد، وقال النخعي: يوضع الحنوط على الجبهة والراحتين والركبتين والقدمين، وفي " المفيد " وإن لم يفعل لم يضر. قال ابن الجوزي والقرافي: يستحب في المرة الثالثة شيء من الكافور، قالا: وقال أبو حنيفة: لا يستحب. قلت: نقلهما ذلك عنه خطأ. م: (لأن التطيب سنة) ش: أي تطيب الميت أو التطيب مطلقا سنة، والأول هو الأظهر هنا، والسنة هنا حديث أم عطية المخرج في الكتاب والسنة، قال لهن - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اغسلنها ثلاثا أو خمسا، واجعلن في الآخرة كافورا» . وفي حديث عبد الله بن مغفل: " «إذا أنا مت فاجعلوا في آخر غسلي كافورا وكفنوني في ثوبين وقميص» . أخرجه الحاكم وسكت عنه. وفيه حديث أبي بن كعب المتقدم في قصة آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه " عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان عنده مسك، فأوصى أن يحنط به، وقال: هو فضل حنوط رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ورواه الحاكم أيضا وسكت عنه. والمساجد أولى بزيادة الكرامة، هذا كأنه جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال لما كان الطيب سنة فما بال تخصيص المساجد دون سائر البدن؟. فأجاب عنه بقوله م: (والمساجد أولى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 بزيادة الكرامة، ولا يسرح شعر ميت ولا لحيته ولا يقص ظفره ولا شعره لقول عائشة رضي الله عنها علام تنصون ميتكم   [البناية] ش: يعني من غيرها م: (بزيادة الكرامة) ش: لأنها الأعضاء التي عليها قوام البدن. وفي " الروضة ": ولا بأس بأن يحشى مخارقه كأنفه وفمه ومسامعه بالقطن، وأن يجعل القطن على وجهه، وجوز الشافعي ذلك في دبره واستقبحه مشايخنا. وفي " الأسبيجابي " عن أبي حنيفة: لا بأس بأن يحشى مخارقه كالدبر والقبل والأذنين والفم. وفي " المرغيناني ": قال بعضهم: ولا بأس بأن يجعل القطن في صماخ أذنيه. [تسريح شعر الميت ولحيته] م: (ولا يسرح شعر الميت ولا لحيته) ش: التسريح تخليص بعض الشعر عن بعض، وقيل تخليله بالمشط. وقال الشافعي: سرح شعره ولحيته بمشط واسع إذا كان ملبدا م: ولا يقص ظفره ولا شعره) ش: ولا تحلق عانته ولا ينتف إبطه ولا يختن، وبه قال محمد بن سيرين ومالك. وقال ابن المنذر: هذا أحب إلي. وقال الأوزاعي: يقص الأظفار إذا طالت ولا يمس غير ذلك، وفيها خلاف الشافعي، وذكر في " البيان " في ختانه ثلاثة أوجه: أحدها: لا يختن، الثاني: يختن، والثالث: يختن الكبير لا الصغير، وله قولان في غير الختان، القديم كقولنا، والجديد يفعل ذلك. وقال الرافعي: لا خلاف أن هذه الأمور لا تستحب، وإنما القولان في الكراهة ورد عليه، وصححوا الكراهة. قال النووي: وهو المختار نقله البندنيجي عن بعض الشافعية. وفي " مختصر المزني ": قال الشافعي: تركه أعجب إلي. م: (لقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - علام تنصون ميتكم) ش: أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه "، أخبرنا سفيان الثوري عن حماد عن إبراهيم عن عائشة " رأيت امرأة تكدون رأسها بمشط. فقالت: علام تنصون ميتكم "، ورواه محمد بن الحسن في كتاب الآثار عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي به. ورواه أبو عبيد القاسم بن سلام وإبراهيم الحربي في كتابيهما وفي غريب الحديث. وقال أبو عبيد: هو مأخوذ من نصوت الرجل أنصوه نصوا إذا مددت ناصيته. فأرادت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن الميت لا يحتاج إلى تسريح الرأس، وذلك بمنزلة الأخذ بالناصية. وفي " المغرب " وجعل اشتقاقه من منصت العروس خطأ، قوله: م: (علام) ش: أم أصله على ما دخل حرف الجر على ما الاستفهامية فأسقط ألفها للتخفيف، كما في قَوْله تَعَالَى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1] . فإن قلت: ذكر الرافعي في كتابه، وروي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «افعلوا بميتكم ما تفعلون بعروسكم» وذكره الغزالي في " الوسيط " أيضا، ولفظه: «افعلوا بموتاكم ما تفعلون بأحيائكم» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 ولأن هذه الأشياء للزينة، وقد استغنى الميت عنها. وفي الحي كان تنظيفا لاجتماع الوسخ تحته، وصار كالختان   [البناية] قلت: قال ابن الصلاح: بحثت عنه فلم أجده ثابتا. وقال أبو حامد في كتاب السواك: هذا الحديث غير معروف. م: (ولأن هذه الأشياء للزينة، وقد استغنى الميت عنها) ش: لأنه فارقها وفارق أهلها، ولأن من حكم الميت أن يدفن بجميع أجزائه، فلا معنى لفصل بعض أجزائه ثم دفنه معه م: (وفي الحي كان تنظيفا لاجتماع الوسخ تحته) ش: قال صاحب " الدراية ". هذا جواب قول الشافعي أنه تنظيف له كالحي. وقال السغناقي: هذا جواب إشكال، أي لا يشكل علينا الحي، حيث يسرح شعره ويقص ظفره، لأنه يخرج إلى الزينة، ولا يعتبر في حقه زوال الجزء، بخلاف الميت فإنه لا يسن فيه إزالة الجزء. قلت: الذي ذكره السغناقي هو الصواب، لأن خلاف الشافعي لم يذكر في الكتاب حتى يجاب عنه، والضمير في كان يرجع إلى كل واحد من قص الظفر والشعر، وكذلك الضمير في قوله تحته، أي تحت كل واحد من قص الظفر والشعر. قلت: هذا ليس معنى هذا التركيب، وهو ظاهر، فإذا علم مرجع الضمير في صار يحل التركيب كما ينبغي، والضمير يرجع إلى مقدر تقديره وصار الفرق أو الحكم بين الميت والحي في إزالة الجزء من حيث إنه لا يعتبر في حق الحي، لأنه يحتاج إلى الزينة، كما في الختان، ويعتبر في حق الميت فلا يسن في حقه إزالة الجزء، كما في الختان فإنه لا يختن بالاتفاق. فروع: يغسل الرجال الرجال، والنساء النساء، إلا أن يكون الميت صغيرا لا يشتهى، أو صغيرة لا تشتهى فلا بأس أن يغسلها الرجال والنساء. وقال ابن المنذر حكاية عنه تغتسل المرأة الصغير ما لم يتكلم، والرجل الصغيرة ما لم تتكلم. قلت: ذكره في " المبسوط " والصحيح الأول. وقال الحسن: يغسله النساء إذا كان فطيما أو فوقه بشيء يسير. وقال الأوزاعي وإسحاق: إذا كان ابن أربع أو خمس. وقال مالك وأحمد: ابن سبع، وهو قريب من قول أصحابنا، وكذا الجارية في حق الرجل وفيمن قال تغسل المراة الصغيرة، ويغسل الرجل الصغيرة الحسن وابن سيرين والأوزاعي وأحمد وإسحاق - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، ونقل ابن المنذر في كتاب " الإجماع " [ .... .... ] الإجماع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] على جواز غسل المرأة زوجها. وعن أحمد منفردا في رواية ذكرها عنه النووي، وأما غسله زوجته فغير جائز عندنا، وهو قوله، وهو قول الثوري والأوزاعي وكرهه الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك وأحمد وآخرون - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يجوز، قال النووي: احتجوا بحديث «عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قلت: وارأساه لصداع في رأسي، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " بل أنا وارأساه يا عائشة ما ضرك لومت قبلي فغسلتك وكفنتك..» الحديث رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني والدارمي والبيهقي بإسناد ضعيف، وفيه محمد بن إسحاق كذبه مالك وغيره. وقال ابن الجوزي: رواه البخاري ومسلم ولم يقل غسلتك، إلا ابن إسحاق، واحتجوا أيضا بما رواه البيهقي وابن الجوزي عن فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت لأسماء بنت عميس يا أسماء إذا مت فاغسليني أنت وعلي بن أبي طالب، فغسلاها. قال ابن الجوزي: في إسناده عبد الله بن نافع. قال يحيى: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك، والبيهقي رواه في " سننه الكبرى " ولم يتكلم عليه، وظن أنه يخفى. وقال صاحب " المبسوط " و " المحيط " و " البدائع " وجماعة غيره أن ابن مسعود أنكر على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذلك، فقال له إنها زوجته في الدنيا والآخرة، يعنون أن الزوجية باقية بينهما لم تنقطع. قلت: وفيه نظر، لأنه لو بقيت الزوجية بينهما لما تزوج أمامة بنت زينب بعد موت فاطمة وقد مات عن أربع حرائر، ولو مات الرجل في السفر ومعه نساء إن كانت فيهن امرأته غسلته وكفنته وصلين عليه، وتقوم إمامهن وسطهن. وعند مالك والشافعي النساء وحدهن يصلين عليه منفردات ثم يدفنه، وإن لم يكن فيهن امرأته ومعهن كافر يعلمنه الغسل والتكفين ثم يخلين بينهما ثم يصلي عليه النساء ويدفنه، ويروى جواز غسل الكافر للمسلم عن مكحول وسفيان وعلقمة وغيرهم. وإن لم يكن معهن كافر، وكانت معهن صبية لا تشتهي وتطيق غسله، عليها الغسل والتكفين، ثم يصلي عليه النساء ويدفنه، وإن لم يكن ييممنه وإن ماتت ولي سمعه مسلمات ومعها رجل كافر أو كافرة أو صبي لم يبلغ حد الشهوة فالرجل يعلمها كما تقدم، وكذا المرأة تيمم عندنا، وبه قال ابن المسيب والنخعي وحماد بن أبي سليمان ومالك وأحمد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقال الحسن البصري وقتادة والزهري وإسحاق - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يصب عليها الماء من فوق ثيابها. وعن ابن عمر ونافع تغمس في ثيابها. وقال الأوزاعي: تدفن كما هي ولا تيمم. وقال ابن المنذر: بالتيمم أقول. وعند الشافعية في أحد الوجهين تغسل الأجنبية بخرقة وتستر بثوب. وقال القاضي حسين: وتصح بغير خرقة بلا خلاف. وييمم المحرم بغير خرقة، وغير المحرم بخرة، وكذا الأمة تيمم الرجل، والرجل ييمم الأمة بغير خرقة، ذكره في " البدائع ". وقال أبو قلابة: يغسل الرجل ابنته. وقال مالك: لا بأس بأن يغسل أمه وأخته عند الضرورة، وقال الأوزاعي: يصب عليها الماء، وأنكر أحمد فعل أبي قلابة، وينظر إلى وجهها دون ذراعيها. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الرجل ييممها إلى الكوعين، والمرأة إلى المرفقين. ولو كانت زوجته حاملا فوضعت لا تغسله، خلافا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ولو بانت منه قبل موته وارتدت قبله أو بعده أو قتلت ابنه أو أباه أو وطئت بشبهة، قال في " المحيط " في رواية الحسن عنه، وهي الأصح يحرم عليه غسله، خلافا لزفر، والمطلقة الرجعية تغسله، وبه قال أحمد، وعند الشافعي: لا يغسل أحدهما الآخر كالبائن والفسخ، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الرجعي كالمذهبين. وفي " المبسوط " و " المحيط ": لو كانت مجوسية وهو مسلم لا تغسله إلا أن تسلم، ولو ارتدت ثم أسلمت لا تغسله، ولو وطئت بشبهة ثممات وانقضت عدتها من ذلك الوطء لا تغسله خلافا لأبي يوسف، ولو طلق إحد امرأتيه ثلاثا وقد دخل بها لم تغسله واحدة منهما. وفي " المحيط ": إذا ظاهر منهما ثم مات الأصح أنها تغسله، ولا تغسله أمته، لأنه مثل الغير، ولا مديرته ولا أم ولده. وفي " البدائع " في أم الولد روايتان، في رواية تغسله لقول زفر ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - والثانية لا تغسله. وقال النووي: الأصح أنه ليس لأم الولد أن تغسل سيدها، وله غسلها. وقال المرغيناني: الخنثى ييمم، وقيل: يغسل في ثيابه. وقال الحلواني: يجعل في كوارة ويغسل. وعند الشافعية يغسل المحرم وإن لم يكن، قيل يغسل من فوق بثوب، وقيل ييمم. لا غسل على من غسل ميتا، وهو قول عامة أهل العلم كابن عباس وابن عمر وعائشة والحسن البصري والنخعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وحكاه أبو بكر ابن المنذر وقال: لا شيء عليه، وليس فيه حديث يثبت. وعن علي وأبي هريرة أنهما قالا من غسل ميتا فليغتسل، وبه قال ابن المسيب وابن سيرين والزهري. وقال النخعي وأحمد وإسحاق - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يتوضأ. وقال مالك: أحب له الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الغسل، واستحبه الشافعي. وقال في " البويطي ": إن صح الحديث قلت بوجوبه. والأول أصح. وروى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من غسل ميتا فليغتسل» رواه أبو داود وغيره. وقال البيهقي: الصحيح أنه موقوف على أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال الترمذي عن البخاري أنه قال: إن أحمد وعلي بن المديني قالا: لا يصح في الباب شيء، وكذا قال محمد بن يحيى شيخ البخاري، ورواه البيهقي أيضا من رواية حذيفة مرفوعا، وإسناده ساقط. وأما «حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه غسل أباه أبا طالب فأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يغتسل» ورواه البيهقي من طريق فهو حديث باطل. وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يغتسل من الجنابة ويوم الجمعة ومن الحجامة وغسل الميت» رواه أبو داود وغيره بإسناد ضعيف، وهكذا الحديث في الوضوء من حمل الميت ضعيف. وروى أبو داود والترمذي عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ» وقال الترمذي: حديث حسن، قال النووي: بل عليه قوله حسن بل هو ضعيف، بين ضعفه البيهقي وغيره. وقال المزني: هذا الغسل غير مشروع، وكذا الوضوء من مس الميت وحمله، لأنه لم يصح فيها شيء. وقال في " المختصر ": لو مس خنزيرا فليس عليه شيء من الوضوء ولا الغسل، فالمؤمن أولى. قال النووي: هذا قوي. وقال أصحابنا: هذا إذا ثبت محمول على غسل ما أصابه من غسالة الميت. والوصي إذا حمله ليصلي عليه، والمحرم وغير المحرم فيه سواء عندنا. وقال مالك مثله. وقال الشافعي وأحمد وعطاء وداود لا يغطى رأسه، وإن كان امرأة لا يغطى وجهها، ولا يلبس المخيط ولا يقرب الطيب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ولنا عموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «غطوا رؤوس موتاكم ولا تشبهوا باليهود» ، ويستحب أن يكون الغاسل أقرب الناس إلى الميت، فإن لم يكن أو كان لا يعلم الغسل يغسله أهل الأمانة والورع. ولو كان الغاسل جنبا أو حائضا أو كافرا جاز، ولكن يكره. ولو اختلط موتى المسلمين بموتى الكافرين يغسلون إن كان المسلمون أكثر. وقال مالك والشافعي - رحمهما الله -: يصلى عليهم بالتحري، ومن لا يدري أنه مسلم أوكافر إن كان عليه شبه المسلمين، أو في متاع دار الإسلام يغسل، وإلا فلا. ولو سبي صبي مع أحد أبويه ثم مات لا يغسل حتى يقر بالإسلام أو يعقل. وفي الكل اختلاف. ولو سبي وحده غسل وصلي عليه تبعا للدار. ولو وجدت أكثر الميت أو نصفه مع الرأس غسل وصلي عليه وإلا فلا، وبه قال مالك. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: يغسل القليل أيضا ويصلى عليه. وقال ابن جبير: لا غسل إلا على البدن الكامل، والأفضل أن يغسل الميت مجانا، ولو طلب الغاسل الأجر فإن كان في البلدة غيره يجوز له أخذ الأجرة، وإن لم يكن لا يجوز، وأما أجرة خائطة الكفن وأجرة الحامل والدفان من رأس المال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 فصل في التكفين السنة أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب، إزار وقميص ولفافة، لما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية»   [البناية] [فصل في التكفين] [ما يجزئ في الكفن بالنسبة للرجل] م: (فصل في التكفين) ش: أي هذا فصل في بيان أمور التكفين. ولما فرغ من بيان غسل الميت، شرع في بيان كفنه على الترتيب. والتكفين مصدر من كفن بالتشديد. وقال الجوهري: الكفن غزل الصوف. يقال: كفن يكفن يعني من باب نصر ينصر، ثم قال: والكفن معروف، يقال: كفنت الميت تكفينا. م: (السنة أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب) ش: ذكر لفظ السنة هنا لبيان كيفية التكفين لا في أصله، لأن أصل التكفين واجب بدليل أنه يقدم على الدين والوصية والإرث، وبدليل أن الميت إذا لم يترك شيئا، أو لم يكن له من يجب عليه نفقته يفترض على الناس أن يكفنوه إن قدروا عليه، وإلا سألوا الناس. وأما قول صاحب " التحفة " عن تكفين الميت بعد الغسل، لأنه سنة ففيه تسامح، وقد نص في " البدائع " وغيره على أنه واجب وقيل فرض كفاية كالصلاة والغسل. م: (إزار وقميص ولفافة) ش: يجوز جر هذه الأشياء ورفعها، أما الجر فعلى أنها بدل من أثواب، وأما الرفع فعلى أنها خبر مبتدأ محذوف أي هي إزار وقميص ولفافة، وسيأتي بيانها عن قريب م: (لما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية» ش: هذا الحديث رواه الأئمة الستة في كتبهم من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كفن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة» . وفي رواية أبي داود «ثلاثة أثواب يمانية بيض» . وفي رواية النسائي فذكر لعائشة قولهم في ثوبين وبرد حبرة، فقالت: قد أتى بالبرد، ولكنهم ردوه. وفي رواية لمسلم: «أما الحلة فإنها شبه على الناس فيها أنها اشتريت له ليكفن فيها فتركت الحلة» . قيل: استدلال المصنف بهذا الحديث لا يتم، لأنه حجة عليه في عدة القميص. قلت: استدلاله لا يتم إلا بحديث جابر بن سمرة فإنه قال: «كفن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ثلاثة أثواب قميص وإزار ولفافة» رواه ابن عدي في " الكامل ". وهذا هو المناسب في الاستدلال وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يناسب، لأنه صرح فيه بعدم القميص، والشافعي أخذه بظاهره واحتج به على أن الميت يكفن في ثلاث لفائف، وبه قال أحمد. وقال النووي: في إ زار ولفافتين ليس فيها قميص، والإزار من السرة، واستحب مالك القميص كقولنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقال النووي: إن شاء كفنه بقميص ولفافتين، وإن شاء بثلاثة لفائف. وقال ابن المنذر: وممن قال يكفن في ثلاثة أثواب طاوس والأوزاعي، ومالك يجيز اثنين إذا لم يوجد غيرهما، قال: وقال النعمان: ويكفن الرجل في ثوبين. قلت: السنة عنده ثلاثة كما هو مذكور في كتب أصحابنا، ونقله عنه خطأ، ولكن يجزئه ثوبان. وفي " المحيط " و " جوامع الفقه " ثلاثة أثواب قميص وإزار ورداء، فذكر الرداء موضع اللفافة. فإن قلت: إذا لم يتم الاستدلال بالحديث المذكور، فما دليل أصحابنا أن الثلاثة فيها قميص، والحديث ليس فيها قميص؟ قلت: أكثر أصحابنا احتجوا بالحديث المذكور بناء على أن نقلهم بعض الحديث الذي يوافق لما ذهبوا إليه غير أن صاحب " الدراية " قال: ولنا حديث ابن عباس «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كفن في ثلاثة أثواب فيها قميص» . وروى عبد الله بن مغفل «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كفن في قميصه الذي مات فيه» . وروى البخاري ومسلم «أن عبد الله بن أبي بن سلول سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يعطيه قميصه ليكفن فيه أباه، فكفن فيه» . وروى البزار «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كفن في سبعة أثواب» يعني ثلاثة سحولية وقميصه وعمامته وسراويله وقطيفته التي جعلت تحته. قلت: هذا الشارح نقل هذه الأحاديث نقلا مجردا من غير تعرض لحالها. وأما حديث ابن عباس، فرواه أبو داود، وأحمد بن حنبل وعثمان بن أبي شيبة قالا: ثنا ابن إدريس عن يزيد يعني ابن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس قال: «كفن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ثلاثة أثواب نجرانية الحلة ثوبان، وقميصه الذي مات فيه» . قال عثمان: «في ثلاثة أثواب، حلة حمراء وقميصه الذي مات فيه» . وأما حديث عبد الله بن مغفل، وأما حديث البزار فرواه عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ورواه أحمد وابن أبي شيبة أيضا. فإن قلت: في سند حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 ولأنه أكثر ما يلبسه عادة في حياته، فكذا بعد مماته   [البناية] ولا يحتجون بحديثه. قلت: لا نسلم ذلك، فإن مسلما قد أخرج له في المتابعات، وفي " الكمال " روى له مسلم وأبو داود والترمذي، ولما أخرج أبو داود حديثه هذا سكت عنه، وذلك دليل رضاه بصحته. فإن قلت: في سند حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو سيء الحفظ. قلت: قالوا إن حديثه يصلح للمتابعات، وإذا انفرد فحسن، وإذا خالف فلا يقبل، وروى الحاكم من حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما يعضد رواية ابن عقيل هذه. ولنا في هذا الباب حديث آخر، رواه ابن عدي في " الكامل " عن ناصح بن عبد الله الكوفي عن سماك عن جابر بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كفن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ثلاثة أثواب، قميص وإزار ولفافة» . وروى محمد بن الحسن في كتاب " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن حماد ابن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كفن في حلة يمانية وقميص» . وأخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " وأخرج عن الحسن نحوه. قوله: " ثلاثة أثواب " الأثواب جمع ثوب. وقوله: " بيض " بكسر الباء جمع أبيض. وقوله: " سحولية " بفتح السين ثياب منسوبة إلى السحول، وهو القشر، لأنه يسحلها أي يقشرها، أو سحول قرية باليمن، وبالضم جمع سحل، وهو الثوب الأبيض من القطن، وعلى هذا ذكرها مع البيض للتأكيد، وفيه شذوذ من حيث نسبتها إلى الجمع، وتجمع على سحل أيضا، وقيل بالضم أيضا اسم القرية. وفي " المغرب " الفتح هو المشهور. وقال الهروي: بفتح السين وهي ثياب منسوبة إلى قرية باليمن، وعن الأزهري بالضم. وجاء في رواية " ثلاثة أثواب سحول " بالضم، بدل من الأثواب جمع سحل أو وصف معناه بيض. م: (ولأنه أكثر ما يلبسه عادة في حياته، فكذا بعد مماته) ش: هذا دليل عقلي، أي ولأن الميت أكثر ما يلبس الثياب الثلاث عادة في حياته فكذلك ينبغي أن يكون كفنه ثلاثة أثواب بعد مماته اعتبارا بحال الحياة. وفي " المبسوط " وغيره: لأنه كان يخرج في ثلاثة أثواب في العادة قميص وسراويل وعمامة، وفيه نظر، لأن عادة الخارج من بيته أن يكون في أربعة أثواب يلبس فوق القميص قباء أو جبة أو نحوهما، ثم الزيادة على الثلاثة فقد ذكر في " الذخيرة " في كتاب الحي لو صام يكفن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 فإن اقتصروا عل ثوبين جاز. والثوبان إزار ولفافة، وهذا كفن الكفاية لقول أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اغسلوا ثوبي هذين وكفنوني فيهما   [البناية] الرجل زيادة على الثلاثة إلى خمسة أثواب، مثل كفن النساء فلا يكره، ولا بأس به. وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال مالك: يستحب إلى الخمسة للرجال والنساء، وإلى التسعة مباحة، وما زاد فسرف، ذكره في " الذخيرة " للمالكية، وكره أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الزيادة على الثلاثة والنقص عنها، عنه رواية أخرى كقولنا. ولنا أن ابن عمر كفن ابنه واقدا في خمسة أثواب، قميص وعمامة وثلاث لفائف وأدار العمامة غل تحت حنكه، رواه سعيد بن منصور، وأوصى أنس إلى ابن سيرين - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يغسله فغسله وكفنه في خمسة أثواب، أحدها العمامة وطلاه بالمسك من فوقه إلى قدمه، رواه ابن حرب في " مسائله ". وفي " المبسوط ": وكره بعض مشايخنا العمامة، لأنه يصير شغفا، واستحسنه بعض المشايخ لحديث ابن عمر المذكور، وكان يعمم الميت، ويجعل دفنها على الوجه، بخلاف الحي، لأنه للزينة في الحي. وفي " المرغيناني ": قال بعض المشايخ: إن كن عالما معروفا أو من الأشراف يعمم، وإن كان من الأوساط لا يعمم. م: (فإن اقتصروا على ثوبين جاز، والثوبان إزار ولفافة) ش: أي الثوبان اللذان اقتصروا عليهما إزار ولفافة، وهذا ذكر في " المفيد " و " المزيد " و " التحفة " والدليل عليه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المحرم الذي وقصته دابته «اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين» رواه البخاري وغيره في السنة من حديث ابن عباس م: (وهذا كفن الكفاية) ش: أي الاقتصار على الثوبين كفن الكفاية، لأن الأكفان على ثلاثة أقسام كفن السنة، وكفن الكفاية، وكفن الضرورة، وقد ذكر كفن السنة في حق الرجل، وهذا كفن الكفاية، وسيأتي بيان كفن الضرورة عن قريب. م: (لقول أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: اغسلوا ثوبي هذين وكفنوني فيهما) ش: هذا أخرجه أحمد في كتابه " الزهد ": ثنا يزيد بن هارون أنا إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله التيمي مولى الزبير بن العوام عن عائشة بأطول منه، وفيه: انظروا ثوبي هذين فاغسلوهما ثم كفنوني فيهما، فإن الحي أحوج إلى الجديد منهما. وروى ابنه عبد الله بن أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في كتاب " الزهد " أيضا ثنا هارون بن معروف ثنا حمزة عن جابر بن أبي سلمة عن عباد بن نسي قال: لما حضرت أبا بكر والوفاة قال لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: اغسلوا ثوبي هذين ثم كفنوني فيهما، فإنما أكون أحد رجلين إما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] مكسو أحسن الكسوة أو مسلوب أسوأ السلب. وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قال أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لثوبيه الذي كان مرض فيهما: اغسلوهما وكفنوني فيهما، فقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: ألا نشتري لك جديدا؟ قال: لا، إن الحي أحوج إلى الجديد من الميت. وروي أيضا عن جريج عن عطاء، قال: سمعت عبيد بن عمير يقول: أمر أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إما عائشة وإما أسماء بنت عميس بأن يغسل ثوبين كان مرض فيهما ويكفن فيهما، فقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أو ثيابا جددا؟ قال: الأحياء أحق بذلك. ورواه ابن سعد في " الطبقات " أنا الفضل بن دكين أنا سيف بن أبي سليمان، قال: سمعت القاسم بن محمد قال: قال أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين حضره الموت: كفنوني في ثوبي هذين اللذين كنت أصلي فيهما واغسلوهما فإنها للمهل والتراب. ورواه أيضا عن الواقدي عن معمر بسند عبد الرزاق ومتنه، وذكره محمد بن الحسن في كتاب " الآثار " بلاغا، فقال: بلغنا عن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: اغسلوا ثوبي هذين وكفنوني فيهما. قلت: العجب من السروجي كيف يقول في الكتاب لقول أبي بكر الصديق اغسلوا ثوبي هذين وكفنوني فيهما لا أصل له. نعم روى البخاري خلاف هذا أخرج عن عائشة أن أبا بكر قال لها: في كم كفن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالت: في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة، قال: في أي يوم توفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قلت: يوم الاثنين، قال: فأي يوم هذا؟ قال: يوم الاثنين، قال: أرجو فيما بيني وبين الليل فنظر إلى ثوب كان مرض فيه به ردع من زعفران، فقال: اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين، فكفنوني فيهما، قالت: إن هذا أخلق، قال: إن الحي أحق بالجديد من الميت، إنما هو للمهلة، فلم يتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء ودفن قبل أن يصبح، انتهى. الردع بفتح الراء اللطخ والأثر، والمهلة بضم الميم وكسرها وفتحها هي دم الميت وصديده. والجواب عن قولها ليس فيها قميص أن معناه لم يتخذ قميص جديد أو قميص كامل له كمان ودخاريص، ويقال معناه لم يكن فيها قميص الأحياء، وأيضا حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - معارض بما روي عن عبد الله بن المغفل وابن عباس، والأولى أن يعمل بروايتهما، لأنهما حضرا تكفين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعائشة لم تحضر، والحال أكشف على الرجال، لأنهم هم المباشرون، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 ولأنه أدنى لباس الأحياء، والإزار من القرن إلى القدم، واللفافة كذلك، والقميص من أصل العنق إلى القدم، وإذا أرادوا لف الكفن ابتدؤوا بجانبه الأيسر فلفوه عليه ثم بالأيمن كما في حال الحياة وبسطه أن يبسط اللفافة أولا ثم يبسط عليها الإزار ثم يقمص الميت ويوضع على الإزار ثم يعطف الإزار من قبل اليسار ثم من قبل اليمين، ثم اللفافة كذلك،   [البناية] ومع ذلك الميت أولى من الباقي. م: (ولأنه أدنى لباس الأحياء) ش: هذا دليل عقلي، والضمير في لأنه يرجع إلى الاقتصار الذي يدل عليه قوله: " فإن اقتصروا على ثوبين " أي لأن الاقتصار على ثوبين أدنى لباس الأحياء، فيقتصر أيضا في التكفين على ثوبين، لأنهما كسوته بعد الوفاة، فيعتبر بكسوته في الحياة، ولهذا تجوز صلاته فيهما بلا كراهة. م: (والإزار من القرن إلى القدم) ش: هذا دليل حد الإزار الذي هو أحد الثياب الثلاثة، وأراد بالقرن الرأس، يقال الأول ما تطلع الشمس قرن الشمس وقرنا الرأس، أي ناحيتاه. وقال الأترازي: القرن ها هنا بمعنى الشعر. قلت: كل ضفيرة من ضفائر الشعر تسمى قرنا. والقرن يأتي لمعان كثيرة م: (واللفافة كذلك) ش: أي من القرن إلى القدم. م: (والقميص من أصل العنق إلى القدم) ش: لكن بلا جيب ولا دخريص وفي " مغني الحنابلة " يلبس القميص ويكون مثل قميص الحي له كمان ودخاريص وأزارر [ ...... ] . قلنا: الحي يحتاج إلى هذه الأشياء ليتمكن له المشي فيه، بخلاف الميت. م: (وإذا أرادوا لف الكفن ابتدؤا بجانبه الأيسر، فلفوه ثم بالأيمن) ش: هذه صفة لف الكفن على الميت، وإنما يقدم الابتداء بالجانب الأيسر، لأن لليمين فضلا على اليسار، فإذا أخر لف اليمين فوق اليسار، أشار إليه بقوله " ثم بالأيمن " أي ثم ابتدأوا بالجانب بالجانب الأيمن ليكون على الأيسر م: (كما في حال الحياة) ش: أي كما يبتدأ في حالة الحياة في لبس القباء بالجانب الأيسر، ليكون الجانب الأيمن عليه، وحالة الموت تعتبر بحالة الحياة. م: (وبسطه) ش: أي وبسط الكفن، وهو مبتدأ وخبره قوله: م: (أن بسط اللفافة أولا) ش: يعني بغير شيء. م: (ثم يبسط عليها الإزار) ش: أي على اللفافة، فيكون الإزار بين اللفافة والقميص م: (ثم يقمص الميت) ش: أي ثم يلبس الميت قميصه م: (ويوضع على الإزار ثم يعطف الإزار من قبل اليسار، ثم من قبل اليمين) ش: وذلك كما ذكرنا ليكون الجانب الأيمن على الأيسر م: (ثم اللفافة كذلك) ش: أي ثم يعطف اللفافة كما يعطف الإزار في الابتداء من الجانب الأيسر، ليكون الأيمن فوقه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 وإن خافوا أن ينتشر الكفن عنه عقدوه بخرقة صيانة عن الكشف، وتكفن المرأة في خمسة أثواب درع وإزار وخمار ولفافة وخرقة تربط فوق ثدييها   [البناية] [ما يجزئ في الكفن بالنسبة للمرأة] م: (وإن خافوا أن ينتشر الكفن عقدوه بخرقة صيانة) ش: أي لأجل صيانة الميت م: (عن الكشف) ش: ولا سيما في المرأة م: (وتكفن المرأة في خمسة أثواب) ش: هذا كفن السنة في حقها على ما يأتي عن قريب م: (درع وإزار وخمار ولفافة تربط فوق ثدييها) ش: يجوز في درع وما بعده الجر على البدلية والرفع على أنه خبر مبتدأ، أي درع .... إلخ، ويجوز النصب أيضا على تقدير أعني درعا وإزارا وخمارا ولفافة وخرقة، وقوله تربط فوق ثدييها في محل الرفع أو الجر أو النصب على أنه صفة لخرقة. وقال ابن المنذر في " الأشراف " كل من يحفظ عنه يرى أن تكفن المرأة في خمسة أثواب كالشعبي والنخعي والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وعن ابن سيرين: تكفن المرأة في خمسة أثواب درع وخمار ولفافتين وخرقة. وعن النخعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تكفن في خمسة، درع وخمار ولفافة ومبطن ورداء وعن الحسن: في خمسة، درع وخمار وثلاثة لفائف. وعن عطاء: تكفن في ثلاثة أثواب درع وثوب تحته وثوب فوقه. وقال سليمان بن موسى الأشدق الدمشقي: تكفن في درع وخمار ولفافة تدرج فيها. وقال الشافعي: تكفن في خمسة: ثلاث لفائف وإزار وخمار، وفي " القديم " قميص ولفافتان وهو الأصح، واختاره المزني: وقال أحمد: تكفن في قميص ومئزر ولفافة ومقنعة وخامة تشد بها فخذها. وفي " المنافع ": الخرقة ثوب واحد من بين ركبتيها إلى صدرها، وتكون فوق الأكفان على الثديين والبطن حتى لا يشد الكفن عنها. وفي " المبسوط " و " المجتبى " والخرقة تشد فوق الأكفان على القدمين والمبطن لئلا ينتشر الكفن. وقيل: على الثديين إن عظمتا وإلا على البطن. وعند زفر: على فخذها كيلا يضطرب إذا حملت على السرير، والصبي المراهق كالبالغ، والمراهقة كالبالغة، وأدنى ما يكفن به الصبي الصغير ثوب واحد، والصغيرة ثوبان، وفي " المبسوط " والطفل الذي لم يتكلم إن كفن في خرقتين إزار ورداء فحسن، ويجوز في إزار واحد، والسقط والمولود ميتا يلف في خرقة. وقال ابن المسيب: يكفن الصبي في ثوب. وقال النووي: يجزئه ثوب. وقال أحمد وإسحاق: يكفن في خرقة، وإن كفنوه في ثلاثة فلا بأس. وعن الحسن يكفن في ثوبين. وقال الشافعي: وأقله ما يستر العورة، وعنهم ثوب يعم البدن، وأكثرهم صحح الأول، وإمام الحرمين والغزالي والبغوي والسرخسي من الشافعية قطع بالثاني وحسين صححه، وحكى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 لحديث أم عطية «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى اللوائي غسلن ابنته خمسة أثواب»   [البناية] البندنيجي وجها ثالثا، وهو وجوب الثلاثة. وقال النووي: وهو شاذ مردود، ثم المستحب في الكفن البياض جديدا كان أو غسيلا. وفي " البدائع " هما سواه إن كان خلقا، وقال حسين والبغوي من الشافعية: الغسيل أفضل من الجديد. وفي " الروضة " ويكفن في القطن والكتان والبرود إن كان لها أعلام ما لم يكن فيها تماثيل. وفي " شرح المهذب " للنووي: ويجوز بالكتان والقطن والصوف والوبر والشعر على لبسه عادة، ويكره للرجال المزعفر والمعصفر، والحرير، والإبريسم، ذكرها في " المحيط " و " الإيضاح " وغيرهما، ولا يكره للنساء. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكره تكفينها في الحرير والمعصفر والمزعفر، ومن يكره تكفين الموتى في الحرير الحسن البصري وابن المبارك وإسحاق. وقال ابن قدامة في تكفين المرأة في الحرير احتمالان، أقيسهما الجواز، وكره مالك المعصفر في " المدونة "، ومنع الحرير فيه للرجال والنساء، وروي جوازه للرجال والنساء، وكره في " الذخيرة " وجوزه ابن حبيب للنساء خاصة، وذكره مالك الخز لأن سداه حرير. ولنا أن حالها بعد موتها في حق الكفن معتبرة بحال الحياة، والمرأة لا يكره في حقها في حال حياتها ذلك فكذا بعد موتها بخلاف الرجل، وإن لم يوجد إلى حرير يجوز الكفن به ولا يزاد على ثوب واحد. 1 - م: (لحديث أم عطية أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى اللوائي غسلن ابنته خمسة أثواب» ش: اسم أم عطية نسيبة بنت الحارث، وقيل بنت كعب الغاسلة، وحديثها بهذا اللفظ غريب، وبغير هذا اللفظ أخرجه الجماعة، ولفظ البخاري قالت: «لما غسلنا ابنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هي زينب زوج أبي العاص،» وهي أكبر بناته -، ومصرح به في لفظ مسلم: عن أم عطية قالت: «لما ماتت زينب بنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لنا ونحن نغسلها: اغسلنها وترا .... » الحديث. وفي " سنن أبي داود " و " مسند أحمد " و " تاريخ البخاري الأوسط " أنها أم كلثوم أخرجوه عن ابن إسحاق حدثني نوح بن حكيم الثقفي وكان قارئا للقرآن عن رجل من بني عروة بن مسعود يقال له داود قد ولدته أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عن ليلى بنت قانف الثقفية قالت: كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند وفاتها، فكان أول ما أعطانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحقاء ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر، قالت: ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالس عند الباب ومعه كفنها يناولناها ثوبا ثوبا» . وقال المنذري في " مختصره " فيه محمد بن إسحاق، وفيه من ليس بمشهور، والصحيح أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 ولأنها تخرج فيها حالة الحياة، فكذا بعد الممات. هذا كفن السنة. وإن اقتصر على ثلاثة أثواب جاز وهي ثوبان وخمار وهو كفن الكفاية، ويكره أقل من ذلك، وفي الرجل يكره الاقتصار على ثوب واحد إلا في حالة الضرورة، لأن مصعب بن عمير حين استشهد كفن في ثوب واحد، وهذا كفن الضرورة.   [البناية] هذه القضية في زينب. لأن أم كلثوم توفيت ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غائب ببدر، قوله " الحقاء " بكسر الحاء هو الحقو بالفتح والكسر، وهو المئزر، و " قانف " بالنون. م: (ولأنها تخرج فيها حالة الحياة، فكذا بعد الممات) ش: أي ولأن المرأة تخرج من بيتها في خمسة أثواب، درع وخمار وإزار وملاءة ونقاب، فكذا يكون بعد موتها، وفي " المبسوط " ويجوز لها أن تخرج فيها وتصلي، فكذا بعد الموت. م: (هذا كفن السنة) ش: أشار بهذا إلى أن ما ذكره في خمسة أثواب في كفن المرأة، هو كفن السنة، للحديث المذكور، م: (وإن اقتصر) ش: على صيغة المجهول م: (على ثلاثة أثواب جاز، وهي ثوبان وخمار) ش: المراد من الثوبين: (الإزار واللفافة، صرح بذلك في " الينابيع ". م: (وهو كفن الكفاية) ش: أي الاقتصار على الثلاثة هو كفن الكفاية في حق المرأة م: (ويكره أقل من ذلك) ش: أي يكره الاقتصار على أقل من الثلاثة في حق المرأة إذا كان بغير عذر. م: (وفي الرجل يكره الاقتصار على ثوب واحد) ش: لأنه لا يستركما ينبغي، ولهذا أجمعوا على أنه لا يكفن في ثوب يصف ما تحته ولا يستر، وقال ابن تيمية: ولا يجزئ ستر العورة وحدها، خلافا للشافعي م: (إلا في حالة الضرورة) ش: أي حالة الضرورة مستثناة في الشرع م: (لأن «مصعب بن عمير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين استشهد كفن في ثوب واحد» ش: هذا أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه «عن خباب بن الأرت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: هاجرنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نريد وجه الله. فوقع أجرنا على الله فمنا من مضى لم يأخذ من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد وترك نمرة، فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا بها رجليه بدت رأسه، فأمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه شيئا من الإذخر» أخرجه الترمذي في " المناقب " والباقي في الجنائز. «وكفن حمزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في ثوب واحد، وأمرنا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بتغطية رجليه بالإذخر» دليل ذلك على أن ستر العورة وحدها لا تجزئ، خلافا للشافعي. والنمرة بفتح النون وكسر الميم كساء ملون، والإذخر على مثال الإثمد نبت بمكة، كذا قاله الأترازي وليس بمخصوص بمكة. م: (وهذا كفن الضرورة) ش: أي الثوب الواحد كفن الضرورة. وفي " المبسوط " ولو كفنوه في ثوب واحد فقد أساؤوا، لأن في حياته تجوز صلاته في إزار واحد مع الكراهة، فكذا بعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 وتلبس المرأة الدرع أولا، ثم يجعل شعرها ضفيرتين على صدرها فوق الدرع، ثم الخمار فوق ذلك ثم الإزار تحت اللفافة، وتجمر الأكفان قبل أن يدرج فيها الميت وترا؛ «لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بإجمار أكفان ابنته وترا» والإجمار هو التطيب،   [البناية] الموت إلا عند الضرورة بأن لم يوجد غيره. م: (وتلبس المرأة الدرع أولا ثم يجعل شعرها ضفيرتين على صدرها فوق الدرع) ش: وقال الشافعي: يسرح شعرها ويجعل ثلاثة ضفائر، ويجعل خلف ظهرها، لأن التي غسلت ابنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعلت كذلك، والظاهر أنها فعلت ذلك بأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلنا: هذا للزينة، والميت مستغن عنها، وما رواه يحتمل والحكم لا يثبت به. م: (ثم الخمار فوق ذلك) ش: أي ثم تلبس الخمار فوق الدرع تحت الإزار م: (ثم الإزار) ش: أي تلبس الإزار م: (تحت اللفافة) ش: يعني تبسط اللفافة، ثم يبسط الإزار فتوضع المرأة في الإزار، ويكون الخمار تحت الإزار واللفافة، وتربط فوق عند الصدر، وقد ذكرنا الروايات فيه. م: (وتجمر الأكفان قبل أن يدرج فيها الميت وترا) ش: أي قبل أن يدرج الميت في الأكفان وانتصاب وترا على أنه صفة للتجمير الذي يدل عليه قوله أي تجميرا وترا، يعني مرة أو ثلاثا أو خمسا، ولا يزاد على ذلك، وفي " الإمام " عن أبي يعلى الموصلي عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا جمرتم الميت فأوتروا» والتجمير هو إحراق عود في المجمرة لتبخر به الأكفان، وفي " المجتبى " قيل: يحتمل بالتجمير جمع الأكفان وترا ها هنا قبل الغسل، يقال أجمر كذا إذا جمعه، والأول هو الأظهر. وفي " الذخيرة " للمالكية: وللتجمير أربع أحوال عند خروج روحه كرهه مالك، واستحسنه ابن حبيب، وعند غسله يستحب بقطع الروائح كتجمير ثيابه، وهو متفق عليه، وخلف الجنازة متفق على كراهته، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار» رواه أبو داود، ولما فيه من التشاؤم بالنار: وفي " المبسوط " يكره الإجمار في القبر واتباع الميت بها. قال النخعي: أكره أن يكون آخر زاده من الدنيا نارا. م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر بإجمار أكفان ابنته وترا) ش: هذا غريب لم يرد هذا الوجه، ولكن روى ابن حبان في " صحيحه " من حديث جابر مثلما ذكر عن أبي يعلى آنفا، ولكن لفظه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا» وفي لفظ له «فأوتروا» وفي لفظ للبيهقي «جمروا كفن الميت ثلاثا» قال النووي: وسنده صحيح. م: (والإجمار هو التطيب) ش: يقال: ثوب مجمر، أي مبخر بالطيب، ويقال من باب التفعل، ومن باب الإفعال يعني مجمر ومجمر، وجمرت الثوب، وأجمرته، والذي يتولى ذلك يقال له مجمر من التجمير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 فإذا فرغوا عنه صلوا عليه، لأنها فريضة   [البناية] م: (فإذا فرغوا عنه) ش: أي عن تكفين الميت م: (صلوا عليه، لأنها) ش: أي لأن الصلاة على الميت م: (فريضة) ش: أراد به فرض الكفاية، وهذا مجمع عليه. وقال أصبغ من المالكية: هي سنة، قاله ابن القاسم في المجموعة، وقال مسند صاحب " الطراز " وهو المشهور، بل قال مالك: هي أخفض من السنة والجلوس في المسجد والنافلة أفضل منها إلا جنازة من ترجى بركته أوله حق قرابة أو غيرها، واستدلوا بانتقاله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لصلاة الكسوف عن الصلاة على ولده، ولو كانت واجبة لقدمت. قال النووي: هذا قول مردود لا يلتفت إليه. قلت: لا تعلق لهم به، فإنه أخرها حتى يجهز فأمكن الجمع بينهما. وفي " البدائع " و " التحفة ": هي فريضة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا على كل بر وفاجر» ، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا على من قال لا إله إلا الله» رواه الدارقطني، وهو ضعيف. وقال صاحب " المحيط ": وهي فرض كفاية كالجهاد لكي لا ينبغي الاجتماع على الترك كالجهاد. فروع: تكفين الميت واجب، وقيل: سنة، والأول هو الصحيح، نص على وجوبه في " البدائع " وغيره، وعلى ورثته أن يكفنوه من جميع ماله قبل الدين والوصية والميراث، ويستثنى منه ما إذا كانت التركة عبدا جانيا أو كانت مرهونة، فإنهما يقدمان على التكفين، وفي " المحلى " والدين مقدم على الكفن، وتكفينه حينئذ واجب على من حضر من المسلمين من غريم وغيره، انتهى. وقال خلاس بن عمرو: التكفين من الثلث، وقال طاوس: إن كان ماله كثيرا فمن رأس ماله، وإلا فمن ثلثه، ولو أوصى بزيادة على كفن المثل يعتبر من ثلث ماله ويقدم على وصاياه، وتبطل بالدين [ .... ... ] فإن لم يكن له مال يجب على من تجب عليه نفقته في حياته من أقاربه إلا الزوجة، فإنه يجب على زوجها عند أبي يوسف، وعليه الفتوى، وهكذا في الملتقطات و " منية المفتي " وعامة كتب الفقه. وفي " شرح الفرائض السراجية " لمصنفها جعله قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وهو الأصح في قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وبه قال مالك. وقال محمد: الزوج كالأجنبي وهو قول الشعبي وأحمد. وفي " جوامع الفقه ": ويجب على ولدها عند محمد، ثم قال: الأقارب فالأقرب فالأقرب، ثم على بيت المال. وفي " الجوامع " أيضا: فإن لم يكن شيء من ذلك سألوا من الناس بما يواريه، وإن لم يوجد غسل ودفن، وجعل [ ... ] على قبره. ولا يجب على الزوجة كفن الزوج بالإجماع لنفقته. وقال ابن الماجشون: كفنها عليه، إن كان لها مال، وهو رواية عن مالك. وفي " المرغيناني " و " الروضة " وغيرهما: يجب الكفن على قدر المواريث، كما إذا ترك أبا أو ابنا فعلى الأب السدس وعلى الابن خمسة الأسداس، فإن ترك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بنتا وأختا لأب فعليهما نصفان، ولو كانت له خالة موسرة ومولاه الذي أعتقه قال محمد: كفنه على خالته. ومن لا يجب عليه نفقته لا يجب عليه الكفن وإن كان وارثا كابن العم، ذكره المرغيناني. ولو كفنه من يرثه يرجع به في تركته، ون كفنه من أقاربه لا يرجع به في التركة، سواء أشهد بالرجوع أو لا، نص عليه في " الهارونيات ". وفي " جوامع الفقه ". ليس لصاحب الدين أن يمنع من كفن السنة، وهو ثلاثة أثواب في الرجل، وخمسة في المرأة مثل ثيابهما في العيدين والجمعة. وقال الفقيه أبو جعفر: كفن المثل يعتبر بما يلبسه غالبا، ومثل ثيابه. وفي " المرغيناني ": لو كان في المال كثرة وفي الورثة قلة فكفن السنة أولى، وإن كان على العكس فكفن الكفاية أولى، ويجوز كفن السنة مع وجود الأيتام ولا يمنعه تحسين الكفن. وفي " الذخيرة " للمالكية: ليس للغرماء منع الورثة من ثلاثة، وإن استغرقت الدين. وقال النووي في " شرح المهذب " عند الدين المستغرق يكفن في ثوب واحد في أصح الوجهين، وفي الوجه الثاني في ثلاثة كالمفلس يترك له الثياب اللائقة. 1 - وإن نبش قبره يكفن ثانيا من رأس المال وبعد قسمة التركة ووفاء الديون تجب على الورثة دون الغرماء وأصحاب الوصايا، وإن نبش بعدما يفتح يلف في خرقة، ولو كفنه أجنبي ثم أكله سبع أو غيره فالكفن للأجنبي، لأنه لم يخرج عن ملكه بعدم التمليك، إذ الميت ليس من أهله. وفي " الذخيرة " جعله قول أبي يوسف ومحمد. ولو وهبه لوارثه ليكفنه به فهو له، ولو جمعت دارهم تكفنه ثم فضلت فضلة ردت على أصحابها إن علموا وإن لم يعلم معطيها صرفت إلى كفن ميت آخر، فإن تعذر تصدق بها، وهو قول الحنابلة، ذكره ابن تيمية. حي عريان وميت وبينهما ثوب أو ثوب [ .... ..] ، فالحي أولى به، وإن كان الحي وارثا. فإن كان الميت كفن وبحضرته مضطر إليه لبرد أو ثلج أو سبب آخر يخشى منه التلف يقدم الحي على الميت، كما لو كان للميت ماء وهناك مضطر إليه لعطش، قدم به على غسله. بخلاف ما لو كان حاجة الحي إلى السترة للصلاة أو إلى الماء للطهارة، فإن الميت يستر به وبمائه أحق، لأنه باق على ملكه، والحي يمكنه أن يصلي عريانا أو متيمما لوجود العذر، وقالت الشافعية والحنابلة. ويجمع بين الاثنين والثلاثة في كفن واحد عند الضرورة، وعندنا لا يجمع بينهما في كفن واحد فلا ساتر عورة أحدهما عورة الآخر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وفي " قاضي خان " اشترى الوصي من التركة تابوتا وثوبا عليه، وأعطى القراء والشعراء والنوائح الحضار في التعزية، وبنى في القبر بناء منكرا، أو حظيرة، أو مقبرة لا يجوز، ويضمن جميع ذلك إلا التابوت، ولو اشترى بعض الورثة من التركة تابوتا للميت من غير إذن البقية، والأرض يقبر فيها بغير تابوت، يجب عليه دونهم. مات رجل وله أثواب هو لابسها، وعليه ديون يكفن فيها ولا يباع ثوباه للدين، كما في حال الحياة. مات في السفر وأخذ صاحبه ماله وأنفقه في التجهيز والتكفين لا يضمن استحسانا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 فصل في الصلاة على الميت وأولى الناس بالصلاة على الميت السلطان إن حضر، لأن في التقدم عليه ازدراء به، فإن لم يحضر فالقاضي، لأنه صاحب ولاية، فإن لم يحضر فيستحب تقديم إمام الحي لأنه رضيه في حال حياته   [البناية] [فصل في الصلاة على الميت] [حكم الصلاة على الميت وأولى الناس بالصلاة عليه] م: (فصل في الصلاة على الميت) ش: أي هذا فصل في بيان الصلاة على الميت، ولما فرغ من بيان تكفينه شرع في بيان الصلاة عليه على الترتيب. م: (وأولى الناس بالصلاة على الميت) ش: أي بإقامة الصلاة على الميت م: (السلطان إن حضر، لأن في التقدم عليه ازدراء به) ش: أي استخفافا به، والواجب تعظيمه وتوقيره م: (فإن لم يحضر السلطان فالقاضي) ش: أي فإن لم يحضر السلطان فالقاضي أولى الناس بالصلاة عليه م: (لأنه صاحب ولاية) ش: فيكون أولى من غيره. م: (فإن لم يحضر) ش: أي القاضي م: (فيستحب تقديم إمام الحي، لأنه رضيه في حال حياته) ش: أي لأن الميت رضيه إماما في حال حياته، فكذا بعد مماته، وهذا الذي ذكره ترتيب القدوري، وروى الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في كتاب الصلاة عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الإمام الأعظم وهو الخليفة أولى بالصلاة عليه إن حضر، فإن لم يحضر فإمام المصر، وهو سلطانها، لأنه في معنى الخليفة، وبعده القاضي، وبعده صاحب الشرط، وبعده خليفة الوالي، وبعده خليفة القاضي، وبعده هو إمام الحي، فإن لم يحضروا فالأقرب من ذوي قرابته، وبهذه الرواية أخذ كثير من المشايخ. وفي " الذخيرة " ذكر محمد في كتاب الصلاة أن إمام الحي أولى بالصلاة على الميت. وفي " البدائع " ذكر في الأصل أن إمام الحي أولى بالصلاة عليه. وفي " الذخيرة " وإنما قدم إمام الحي في كتاب الصلاة، لأن الخليفة والسلطان لا يوجدان في كل بلد ولا يحضران في الجنائز. وقال الكرخي في كتابه: وتقديم إمام الحي ليس بواجب، ولكنه أصل، أما تقديم الإمام الأعظم والسلطان فواجب. وقال تاج الشريعة: أولى الناس بالإمامة السلطان الأعظم إن حضر، فإن لم يحضر فسلطان كل مصر، فإن لم يحضر فإمام المصر أو القاضي، فإن لم يحضر أحدهما فإمام الحي. وفي " الخلاصة ": ولو حضر والي المصر والقاضي فالوالي أولى، فإن لم يحضر الوالي لكن حضر خليفته فخليفته أحق من القاضي وصاحب الشرط. والمختار أن الإمام الأعظم أولى، فإن لم يحضر فسلطان المصر، وإن لم يكن فإمام المصر أو القاضي، فإن لم يكن فإمام الحي، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 قال: ثم الولي والأولياء على الترتيب المذكور في النكاح   [البناية] وقال الإمام العتابي: إمام مسجد الجامع أولى من إمام مسجد المحلة. م: (قال: ثم الولي) ش: أي قال القدوري: ثم الولي أحق بالصلاة عليه. وقال النووي في " شرح المهذب " إن اجتمع الوالي والولي فقولان مشهوران، القديم: الوالي ثم إمام المسجد ثم الولي. والجديد: والولي مقدم. ومثله عن الضحاك، وبالأول قال علي وابن مسعود وأبو هريرة وزيد بن ثابت والحسن والحسين وعلقمة والأسود والحسن البصري وسويد بن غفلة ومالك وأحمد وإسحاق - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. قال ابن المنذر: وهو قول أكثر أهل العلم، قال: وبه أقول. وجه قوله الجديد قَوْله تَعَالَى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] (الأنفال: الآية 75) ، مطلقا من غير فصل بين الحياة والممات، والاعتبار بولاية النكاح، ولأن معظم الفرض هاهنا الدعاء للميت، فمن يختص بالشفقة فدعاؤه أقرب إلى الإجابة، بخلاف سائر الصلوات. وأما ما روي أن الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لما مات خرج الحسين والناس معه لصلاة الجنازة فقدم الحسين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سعيد بن العاص، وكان أميرا على المدينة من قبل معاوية، فأبي سعيد أن يتقدم، فقال له الحسين تقدم وصل، ولولا السنة ما قدمتك، ولأن هذه صلاة تقام بالجماعة غالبا، فيكون السلطان أولى، ولأن الوالي نائب الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو الذي كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فينوب نائبه منابه في التقدم، ولأن ولايته وولاية القاضي عامة، والآية محمولة على المواريث وعلى ولاية الإنكاح، وليس ولاية الإمامة كولاية الإنكاح، ولأن ولاية الإنكاح مما لا يتصل بالجماعة، فكان القريب أولى كالتكفين والغسل. وأما قوله دعاء القريب أولى بالإجابة، فقلنا: لا بل دعاء الإمام أقرب لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «ثلاثة لا يحجب دعاؤهم " وعد منهم الإمام» كذا في " مبسوط شيخ الإسلام " و " المحيط ". م: (والأولياء على الترتيب المذكور في النكاح) ش: أي الترتيب المذكور في النكاح كالترتيب في الإرث والأبعد محجوب بالأقرب، وها هنا كذلك يعتبر الأقرب فالأقرب من ذوي الأنساب، فإن تساويا في القرابة فأسنهما أولى مثل ولدين أو أخوين لأب وأم أو عمين هما متساويان في القرابة وأحدهما أكبر سنا من الآخر، ولو اجتمع الأب والابن ذكر في كتاب الصلاة أن الأب أولى، ومن مشايخنا من قال: هذا قول محمد، وأما على قول أبي حنيفة الابن أولى، وبه قال مالك. وقال أبو يوسف: الولاية لهما لكن الابن يقدم تعظيما له، كما في النكاح. وقيل: لا بل الأب أولى، وبه قال الشافعي وأحمد، وفي " المحيط " وهو الأصح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ولو اجتمع أخوان لأب وأم أو لأب فأكبرهما سنا أولى كما ذكرنا، وبه قال الشافعي في قول. ولو أراد الأسن أن يقدم الأجنبي ليس له ذلك إلا برضى الآخر، لأن الحق لهما، لكن قدمناه بالسنة ولا سنة في تقديم من قدمه. وفي قول للشافعي الأتقى مقدم، لأنه أولى. وفي فتاوى العتابي الزوج كالأجنبي، وبه قال الشافعي ومالك. وعن أصحابنا أن الزوج أولى من الأجنبي، وكذا الجار. وفي " المحيط " ابن عم المرأة أولى من زوجها إذا لم يكن لها ابن من الزوج، وإذ كان للزوج من ولد فالزوج أولى، خلافا للشافعي ومالك، وقال القدوري: سائر القرابات أولى من الزوج، وكذا مولى العتاقة وابنه لأنهما عصبته. وقال الشافعي: الزوج أولى منهما. وحكى ابن المنذر في " الأشراف " عن أبي بكر الصديق وابن عباس والشعبي وعطاء وعمر بن عبد العزيز وإسحاق وأحمد، أن الزوج أولى بالصلاة على زوجته من الولي. وقال عمر بن الخطاب وسعيد بن المسيب والزهري وبكير بن الأشج والحكم، وقتادة وأصحابنا ومالك والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لا ولاية للزوج لانقطاع الزوجية بالموت. قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في امرأته أنتم أحق بها بعد موتها. وقال الأوزاعي والحسن البصري: الأب أحق، ثم الزوج ثم الابن ثم الأخ، وعند الشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يقدم الأب على الابن، وكذا الجد وعند الشافعي. وعند مالك الابن أولى، وعن محمد أبو الميتة أولى من ابنها إن كان من غير زوجها، فإن كان منه فالأب أولى ثم الزوج، وفي " شرح الأسبيجابي " ابن ابنها أولى من أبيها، لأنه عصبة لكن يقدم الجد وهو أبو الميتة، ولا يقدم أباه وهو زوجها إلى برضى الجد ثم الأب يقدم على الجد، لكن يقدم أباه، وكذا المكاتب إذا مات ابنه أو عبده فالولاية للمكاتب، وله أن يقدم سيده. وإن مات المكاتب من غير وفاء وله أب أو ابن وهما حران فالمولى أحق، فإن ترك وفاء فأديت كتابته أو كان المال حاضرا لا يخاف التوى، فالأب أحق، عبد مات فاختصم في الصلاة عليه المولى وابن العبد وأبوه وهما حران، فالمولى أحق، وقيل أبوه الحر أوأخوه الحر أولى لانقطاع الملك بالموت، والفتوى على الأول ذكره في " الملتقطات ". وفي المجنونة: الأب أحق من الابن عند الكل، هكذا قاله بعض المشايخ، ونص هشام، عن محمد، عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " النوادر ": أن الأب أولى، ولو تشاجر الوليان فتقدم أجنبي، إن صلى الأولياء خلفه جازت، وإلا تعاد، وإلا للولي إعادتها، وإن دفن أعاد على قبره، ولا يعيد من صلى مع الأجنبي من غير الأولياء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 فإن صلى غير الولي أو السلطان أعاد الولي، يعني إن شاء لما ذكرنا أن الحق للأولياء، وإن صلى الولي لم يجز لأحد أن يصلي بعده لأن الفرض يتأدى بالأولى والتنفل بها غير مشروع، ولهذا   [البناية] م: (فإن صلى غير الولي أو السلطان أعاد الولي) ش: قيد بالسلطان لأنه لو صلى السلطان فلا إعادة لأحد، لأنه هو المقدم على الولين ثم هو ليس بمنحصر على السلطان، بل كان من كان مقدما على الولي في ترتيب الإمامة في صلاة الجنازة فصلى هو لا يعيد الولي ثانيا، كذا في " فتاوى الولوالجي ". وفي " الظهيرية ": وكذا لو صلى إمام مسجد الجامع لا تعاد. وفي " التجنيس ": للقوم الإعادة ولو اقتدى بعض الأولياء مع رجل وصلى ليس للباقين الإعادة. م: (يعني إن شاء) ش: أي الولي، وإنما قيد به لأنه لو لم يقيد كان يفهم الوجوب، ولما كان الحق له إن شاء أجاز فعله، وإن شاء لم يجز م: (لما ذكرنا أن الحق للأولياء) ش: فيكون لهم الخيار في ذلك. م: (وإن صلى الولي لم يجز لأحد أن يصلي بعده) ش: وبه قال النخعي والثوري والليث والحسن بن حي ومالك. وقال الشافعي والأوزاعي يصلي عليه، وعند أحمد إلى شهر. وقال النووي: فيه أربعة أوجه، أصحها باتفاق الأصحاب لا تستحب الإعادة بل المستحب تركها، وفي وجه يكره إعادتها، وبه قطع الفوراني وصاحب " العدة " وغيرهما، وعند الحنابلة فيها وجهان، واستدلوا بصلاة الصحابة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفرادا. قال ابن عبد البر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " مجمع عليه عند أهل السير والنقل. وقال ابن دحية: أنا أستعجب من قوله مع اتساع علمه، فإن الخلاف منصوص عليه هل صلوا عليه صلاتنا على موتانا أم لا؟ حكى ابن القصار قولين، وهل صلوا عليه أفرادا أو جماعة؟ على الاختلاف. واختلف فيمن أم، قيل: أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ذكره ابن القصار ولا يصح لضعف روايته، وحكى البزار والطبراني أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أول من صلى علي رب العزة» وهو موضوع، قاله الأزدي والبزار. وقيل صلوا عليه بصلاة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وهو معلول، والصحيح أنهم صلوا أفرادا لا يؤمهم أحد، وهذا مخصوص به. وروي أنه أوصى بذلك، ذكره البزار والطبري، وفي حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «انتهى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى قبر رطب وصفوا خلفه فكبر أربعا» متفق عليه. وحجتنا ما أشار إليها المصنف بقوله: م: (لأن الفرض يتأدى بالأولى) ش: أي فرض الصلاة على الميت يتأدى بالصلاة الأولى، لأنها فرض كفاية ولا معنى للثانية م: (والتنفل بها غير مشروع) ش: هذا كأنه جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: لم لا يجوز أن يصلي ثانية وكانت نافلة كما في غيرها من الفرائض، فأجاب عن ذلك بقوله " والتنفل بها " أي بالصلاة على الميت غير مشروع، يعني لم يرد به الشرع، ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ولهذا) ش: أي ولعدم مشروعية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 رأينا الناس تركوا عن آخرهم الصلاة على قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو اليوم كما وضع   [البناية] النفل بالصلاة على الميت م: (رأينا الناس تركوا عن آخرهم الصلاة على قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو اليوم) ش: أي والحال أنه اليوم م: (كما وضع) ش: لأن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -. 1 - فإن قلت: الاقتصار على صلاة غير الولي جائز، وذلك دليل على سقوط الفرض، ومع هذا لو أعاد الولي جاز فعلم أن التنفل بها مشروع. قلت: صلاة غير الولي إنما تعتبر عند عدم تعرض الولي، فإذا تعرض بالإعادة زال حكم صلاة غيره، فكان للميت بغير صلاة عليه، فإذا صلى الولي يكون ما صلاه هو الفرض، فإذا كان هو الفرض فكيف يكون نفلا. فإن قلت: ترك الناس الصلاة على قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما كان خوفا من أن يتخذ قبره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسجدا أو لم يكن ذلك لأجل عدم مشروعية التنفل بها. قلت: لا يلزم من الصلاة على قبره اتخاذه مسجدا، ألا ترى أنهم جوزوا أن يصلى عند قبور أهل العلم والأولياء مع مزيد اعتقاد العامة في التعظيم لهم الخارج عن الشرع. فإن قلت: حق الميت وإن كان مقضيا بالصلاة مرة فلا يوجب سقوطه أولا، لأن الصلاة في الحقيقة دعاء، وهو باق كالوضوء، شرع لإقامة الفرض، والفرض يسقط بواحد، لكن لو أعاده لكل صلاة كان حسنا. قلت: الأصل أن الميت لا ينتفع بالصلاة عليه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] (النجم: الآية 39) ، ولكن عرف هذا شرعا بخلاف القياس، فإذا كان كذلك سقط بالمرة الواحدة فلم يتصور الثاني قضاء من عندنا بلا توقيف، بخلاف الدعاء فإن التوقيف فيه باق كما بقي بالأمر بالصلاة على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. هذه على سبيل الدعاء. فإن قلت: صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على حمزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سبعين مرة، وكان الفرض قد تأدى بالأولى؟ قلت: أجيب عنه بجوابين: الأول: أنه كان موضوعا بين يديه فيؤتى بواحد واحد من الذين استشهدوا وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي على كل واحد صلاة، فظن الراوي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى على حمزة في كل مرة، فقال: صلى على حمزة سبعين مرة. الثاني: يجوز أن يكون المراد من قول الراوي صلى على حمزة سبعين مرة للمعنى اللغوي، وهو الدعاء، أي دعا سبعين مرة. فإن قلت: قد صلى كل واحد من الصحابة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة منفردة، فدل على جواز التكرار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 وإن دفن الميت ولم يصل عليه صلي على قبره، لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى على قبر امرأة من الأنصار»   [البناية] قلت: يحتمل أن الصلاة كانت فرض عين على الصحابة لتعظيم حقه كالدعاء اليوم على المسلمين مرة واحدة لقوله صلوا، وكانت تكرار الصلاة عليه من كل أحد لأداء الفرض عليه. وأما الجواب عن حديث ابن عباس فلأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان هو الولي، قال الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] (الأحزاب: الآية6) ، ومن العلماء من جعل الصلاة على القبر من خصائص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بدليل ما روي من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وإني أنورها بصلاتي عليهم» . فإن قلت: ابن حبان يتبع هذا الوجه، فقال: ليس الأمر كما توهموه، بدليل أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى الناس خلفه، فلو كان من خصائصه لزجرهم عن ذلك. قلت: يجوز أن يكون صفهم خلفه لأجل أن يدعو لا للصلاة حقيقة. [الحكم لو دفن الميت ولم يصل عليه] م: (وإن دفن الميت ولم يصل عليه صلي على قبره) ش: ولا يخرج منه لأنه قد سلم إلى الله تعالى، وفي إخراجه انكشافه، ويصلى عليه ما لم يعلم أنه تمزق، هكذا في " المبسوط "، وهذا يشير إلى أنه إذا شك في تفرقة وتفسخه يصلى عليه، وقد نص الأصحاب على أنه لا يصلى عليه مع الشك في ذلك، ذكره في " المزيد " و " المفيد " و " جوامع الفقه " وعامة الكتب وبقولنا قال الشافعي وأحمد وهو قول ابن عمر وأبي موسى وعائشة وابن سيرين والأوزاعي، ثم هل يشترط في جواز الصلاة على قبره كونه مدفونا بعد الغسل، فالصحيح أنه يشترط. وروى ابن سماعة عن محمد أنه لا يشترط. م: (لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صلى على قبره امرأة من الأنصار» ش: أخرج ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من حديث خارجة بن زيد بن ثابت «عن عمه زيد بن ثابت - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وكان أكبر من يزيد، قال: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر، فسأل عنه فقالوا: فلانة، فعرفها، فقال: ألا آذنتموني بها، قالوا كنت قائلا صائما..» الحديث، ثم أتى القبر فصففنا خلفه وكبر عليه أربعا. وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة «أن رجلا أسود كان يقم المسجد، فمات فسأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه فقالوا: مات، قال: أفلا آذنتموني به، دلوني على قبره، فأتى قبره فصلى عليه» . قوله: يقم المسجد بضم القاف وتشديد الميم أن يكنسه ويخرج منه القمامة، وهي الكناسة. فإن قلت: كيف يصلي عليه وهو غائب عن أعين الناس بالتراب؟ قلت: نعم، ولكن هذا لا يمنع جواز الصلاة، ألا ترى أنه قبل الدفن كان غائبا بالكفن، ولم يمنع ذلك عن جواز الصلاة، وهذا إذا دفن بعد الغسل قبل الصلاة عليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 ويصلى عليه قبل أن يتفسخ والمعتبر، في معرفة ذلك أكبر الرأي في الصحيح لاختلاف الحال والزمان والمكان   [البناية] وإذا دفنوه بعد الصلاة عليه ثم تذكروا أنهم لم يغسلوه، فإن لم يهل التراب عليه يخرج ويغسل، ويصلى عليه، وإن هالوا التراب عليه لم يخرج، وهل يصلى عليه ثانيا في القبر، ذكر الكرخي أنه يصلى عليه، وفي " النوادر " عن محمد: القياس أن لا يصلى عليه. وفي " الأسبيجابي ": أن يصلى عليه، لأن تلك الصلاة لم يعتد بها لترك الطهارة مع الإمكان، والآن زال الإمكان وسقطت فريضة الغسل، فيصلى عليه في قبره. وأما إذا صلى عليه قبل الغسل وهو لم يدفن بعد فإنه يغسل وتعاد الصلاة عليه بعد الغسل، وكذا لو غسلوه وبقي عضو من أعضائه أو قدر لمعة، كذا في " المبسوط " و " المحيط "، وفي المحيط أيضا لو صلى عليه من لا ولاية له عليه يصلى على قبره. م: (ويصلى عليه قبل أن يتفسخ) ش: يعني إنما تجوز الصلاة على الميت في قبره أن يتفسخ الميت ويتمزق، ثم أشار إلى معرفة الطريق فيه بقوله: م: (والمعتبر في معرفة ذلك) ش: أي في كونه قبل التفسخ م: (أكبر الرأي) ش: أي غالب الظن، فإن كان غالب الظن أنه يتفسخ لا يصلى عليه، وإن كان غالب الظن أنه لم يتفسخ فيصلى عليه، وإذا شك لا يصلى عليه، رواه ابن رستم عن محمد م: (في الصحيح) ش: احترز به عما روي عن أبي يوسف أنه يصلى عليه إلى ثلاثة أيام وبعدها لا يصلى عليه، وهذا رواية ابن رستم في " نوادره " عن محمد عن أبي حنيفة، لأن الصحابة كانوا يصلون على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى ثلاثة أيام. وللشافعية ستة أوجه، أولها: إلى ثلاثة أيام، لقول أبي يوسف: إنه يصلى عليه إلى ثلاثة أيام. ثانيها: إلى شهر، كقول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ثالثها: ما لم يبل جسده. رابعها: يصلي عليه من كان من أهل الصلاة عليه يوم موته. خامسها: يصلي عليه من كان من أهل فرض الصلاة عليه يوم موته. واتفقوا على تضعيفه، وممن صرح به: الماوردي، والمحاملي، والفوراني، والبغوي، وإمام الحرمين، والغزالي، وقال إسحاق - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصلي القادم من السفر إلى شهر، والحاضر إلى ثلاثة أيام، وقال سحنون من المالكية: لا يصلى على القبر؛ سدا للذريعة في الصلاة على القبور. م: (لاختلاف الحال) ش: أي لأجل اختلاف حال الميت بالسمن والهزال، فإنه إذا كان سمينا ينفسخ عن قريب، وإن كان مهزولا يبطئ في التفسخ م: (والزمان) ش: أي ولاختلاف الزمان، فإنه يتفسخ في الشتاء عن قريب لحرارة ما تحت الأرض في الشتاء، وفي الصيف يبطئ فيه لبرودة ما تحت الأرض م: (والمكان) ش: أي ولاختلاف المكان، فإنه يبقى في الأرض الصلبة أكثر مما يبقى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 والصلاة أن يكبر تكبيرة ...... إلخ   [البناية] في الأرض الرخوة، فلما اختلفت هذه الأشياء فوض الأمر إلى رأي المبتلى به. فإن قلت: روى البخاري عن عقبة بن عامر «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى على قتلى أحد بعد ثماني سنين» . قلت: أجاب السرخسي في " المبسوط " وغيره أن ذلك محمول على الدعاء، ولكنه غير سديد، لأن الطحاوي روى عن عقبة بن عامر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج يوما فصلى على قتلى أحد صلاته على الميت» . والجواب السديد: أن أجساده لم تبل، ولما أراد معاوية أن يجري العين التي تؤخذ عند قبور الشهداء أصابت المسحاة إصبع حمزة سيد الشهداء فانفطرت دما، ولما سقط حائط قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في زمن الوليد أخذوا في بنائه فثبت لهم قدم ففزعوا، وقالوا: هذه قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال عروة: لا والله هذه قدم عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولم تبل بعد ثمانين سنة والمدينة سبخة تأكل الميت الملح ونفسه السبخي وتحيله إلى نفسها، وشرف عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فما ظنك به، ذكره ابن دحية في العلم المشهور. وفي " الموطأ ": أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين كان السيل قد حفر قبرهما وهما ممن شهد أحدا، فوجدا لم يتغيرا، كأنهما ماتا بالأمس، وكفنهما ستة وأربعون سنة. [كيفية صلاة الجنازة] م: (والصلاة أن يكبر تكبيرة) ش: وهذا شروع في بيان كيفية الصلاة على الميت، وبينها بقوله: م: (والصلاة) ش: أي الصلاة على الميت م: (أن يكبر تكبيرة ... إلخ) ش: ولم يبين كيف ينوي، وهي أن يقول نويت أن أصلي لله وأدعو لهذا الميت، ذكره في " منية المفتي " وغيره، وذكر في " البدائع " وغيره أنه يقول سبحانك اللهم وبحمدك إلخ، بعد التكبير. وفي " المحيط " جعله رواية الحسن عن أبي حنيفة، وذكر في " البدائع " ذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا استفتاح فيه، كما يستفتحون في سائر الصلوات، وفي " الروضة " يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله الذي يحيي الخلائق ويميتهم، وهو حي قيوم، أبدي لا يزول أبدا، سبحان رب الأرباب، ومسبب الأسباب، ومالك الرقاب، الغني عن خلقه الذي لا إله إلا هو. وإن قرأ الفاتحة على نية الدعاء جاز، وليس في صلاة الجنازة قراءة القرآن عندنا: قال ابن بطال: وممن كان لا يقرأ في الصلاة على الجنازة وينكر عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عمر وأبو هريرة ومن التابعين عطاء وطاوس وسعيد بن المسيب وابن سيرين وابن جبير والشعبي والحكم. وقال ابن المنذر ومجاهد وحماد وبه قال الثوري، وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 ويحمد الله عقيبها، ثم يكبر تكبيرة ويصلي فيها على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم يكبر تكبيرة يدعو فيها لنفسه وللميت وللمسلمين   [البناية] قراءة الفاتحة ليست معمولا بها في بلدنا في صلاة الجنازة، وعند مكحول وعطاء والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يقرأ الفاتحة في الأولى. وقال ابن حزم: يقرأها في كل تكبيرة عند الشافعي، وهذا النقل عنه غلط. وقال الحسن بن علي: يقرأها ثلاث مرات. وقال الحسن البصري: يقرأها في كل تكبيرة، وهو قول شهر ابن حوشب، وعن المسور بن مخرمة: يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وسور قصيرة. م: (ويحمد الله عقبيها) ش: أي عقيب التكبيرة الأولى، قال الأترازي: يعني يقول: سبحانك اللهم وبحمدك..إلخ. قلت: الحمد لله أعم من قراءة سبحانك اللهم وغيرها، ولكن قال شمس الأئمة السرخسي: اختلف المشايخ فيه، فقال بعضهم يحمد الله كما في ظاهر الرواية، وقال بعضهم يقرأ سبحانك اللهم إلى آخره، كما في الصلوات كلها، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة. وفي دعاء الاستفتاح للشافعي قولان، أحدهما: يسن كسائر الصلوات. والثاني لا يسن. وقراءة الفاتحة واجبة عنده، وهو قول أحمد لما روى جابر «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ فيها بأم القرآن.» وقرأ ابن عباس الفاتحة وجهر، ثم قال: عمدا فعلت ليعلم أنه سنة. قلنا: كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ على سبيل الثناء لا على وجه القراءة، وقال الترمذي: حديث جابر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إسناده ليس بقوي. م: (ثم يكبر تكبيرة) ش: ثانية م: (ويصلي فيها على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: الصلاة المعروفة في التشهد، وقيل: يقول في الثانية: اللهم صل على النبي الأمي البشير النذير عبدك ورسولك، سيد الأنبياء والمرسلين وخير الخلائق أجمعين، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم اجعل نوامي صلاتك وفواضل بركاتك، وتحيتك ورحمتك ورأفتك على عبدك ونبيك الأمي وسلم تسليما كثيرا. م: (ثم يكبر تكبيرة) ش: ثالثة م: (يدعو فيها لنفسه وللميت وللمسلمين) ش: الدعاء فيها أن يقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا، صغيرنا وكبيرنا، ذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان. رواه أبو داود، وأحمد. وخصص هذا الميت بالروح والراحة والرحمة والمغفرة والرضوان، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ووفه الندى والكرامة والزلفى برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأ حياء منهم والأموات، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 ثم يكبر الرابعة ويسلم   [البناية] وتابع بيننا وبينهم بالخيرات. إنك مجيب الدعوات، منزل البركات، ورافع السيئات، مقيل العثرات، إنك على كل شيء قدير. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] (آل عمران: الآية 7) . وزاد في بعض شروح القدوري: اللهم اجعل قلوبنا قلوب أخيارنا، اللهم آنس وحدته، وارحم غربته، وبرد مضجعه، ولقنه حجته، ووسع مدخله وأكرم منزله، وتقبل حسنته، وامح بعفوك سيئاته، اللهم كن له بعد الأحباب حبيبا، وبعد الأهل والأقارب قريبا، ولدعاء من دعا له سميعا مجيبا، اللهم إنه نزل بك وأنت خير منزول به فإنه يفتقر إلى عفوك وغفرانك وجودك وإحسانك وأنت غني عن عذابه، اللهم اقبل شفاعتنا فيه وارحمنا ببركته يا أرحم الراحمين. وفي " صحيح مسلم " عن عوف بن مالك «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى على جنازة رجل فقال: اللهم عافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله واغسله بالثلج والماء والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، ومن عذاب النار يا أرحم الراحمين» . م: (ثم يكبر الرابعة) ش: أي التكبيرة الرابعة ولا يدعوا بعدها. وفي " البدائع ": ليس في ظاهر المذهب بعد التكبيرة الرابعة دعاء سوى السلام، وهو قول مالك وأحمد - رحمهما الله - وقد اختار بعض مشايخنا ما يختم به سائر الصلوات وهو: " اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ". زاد في " المبسوط ": وقنا برحتمك عذاب النار وعذاب القبر وسوء الحساب. وقال النووي: اتفقوا على أنه يجب الذكر بعد الرابعة، واستحب في أحد الوجهين، والوجه الثاني إن شاء قاله وإن شاء تركه، والذي يقوله: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده. وزاد المحاملي وصاحب " التنبيه ": واغفر لنا وله. وفي " المجتبى ": قيل: هو مخير بين الدعاء والسكوت، وقيل: يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة .... إلخ، وقيل: يقول: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: 8] (آل عمران: الآية 8) ، وقيل: يقول: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ} [الصافات: 180] (الصافات: الآية 180) إلخ. م: (ويسلم) ش: عن يمينه وعن يساره. والمشهور عن الشافعي أيضا تسليمتان. قال الفوراني هو أيضا في " الجامع الكبير ". ومن الناس من قال: تسليمة واحدة، وبه قال أحمد وآخرون، لأن مبناها على التخفيف. وهل يرفع صوته بالتسليم؟ قال في " البدائع ": لم يتعرض له في ظاهر الرواية، وذكر الحسن بن زياد أنه لا يرفع صوته، لأن رفعه للإعلام، فلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 «لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبر أربعا في آخر صلاة صلاها» فنسخت ما قبلها   [البناية] حاجة إليه بالتسليم عقيب الرابعة، لأنه مشروع، والأفضل عقيب التكبير. قال: ولكن العمل في زماننا يخالف ما ذكره الحسن. وفي " المحيط ": ويسلم تسليمتين ويخافت في الكل إلا في التكبير. وفي " المرغيناني " لا ينوي الإمام الميت فيهما، بل ينوي من عن يمينه في الأولى ومن عن يساره في الثانية. وفي " الأسبيجابي " وينوي الميت في التسليمة الأولى لا غير، ومن عن يساره في الثانية. وفي " الذخيرة ": من مشايخ بلخ يقولون: السنة أن يسمع الصف الثاني من الصف الأول، والثالث من الثاني. وعن أبي يوسف لا يجهرون كل الجهر ولا يسرون كل الإسرار. م: «لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبر أربعا في آخر صلاة صلاها» فنسخت ما قبلها) ش: لما ذكر أن التكبيرات على الجنازة أربع، استدل في ذلك بقوله «لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبر أربعا» هذا روي عن ابن عباس وعمر بن الخطاب وابن أبي خيثمة وأنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أما حديث ابن عباس فله طرق. الأول: عند الحاكم في " المستدرك " والدارقطني في " سننه " عن الفرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن عبد الله بن عباس - رضي اله عنهم - قال: «آخر ما كبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الجنائز أربع تكبيرات، وكبر عمر على أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أربعا، وكبر ابن عمر على عمر أربعا، وكبر الحسن بن علي على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أربعا، وكبر الحسين بن علي على الحسن أربعا، وكبرت الملائكة على آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أربعا» وسكت الحاكم عنه. وقال الدارقطني: الفرات بن السائب متروك. الطريق الثاني: عند البيهقي في " سننه " والطبراني في " معجمه " عن النضر أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس قال: «آخر جنازة صلى عليها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبر عليها أربعا» . قال البيهقي: تفرد به النضر بن عبد الرحمن أبو عمر الخزاز عن عكرمة، وهو ضعيف، وقد روي هذا من وجوه أخر، كلها ضعيفة إلا أن إجماع أكثر الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - على أربع كالدليل على ذلك الطريق. الثالث: عند أبي نعيم الأصبهاني عنه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يكبر على أهل بدر سبع تكبيرات وعلى بني هاشم سبع تكبيرات، ثم كان آخر صلاته أربع تكبيرات إلى أن خرج من الدنيا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.» الطريق الرابع: عند ابن حبان في كتاب " الضعفاء " من حديث محمد بن معاوية أبي علي النيسابوري عن أبي المليح بن مهران عن ابن عباس، وأعله بمحمد بن معاوية وقال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] إنه يأتي عن الثقات بما لا يتابع عليه، فاستحق الترك إلا فيما وافق الثقات، فإنه كان صاحب حفظ وإتقان قبل أن يظهر منه ما ظهر. وأما حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعند الدارقطني من حديث يحيى بن أبي أنيسة عن جابر عن الشعبي عن مسروق قال: «صلى عمر على بعض أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسمعته يقول: لأصلين عليها مثل آخر صلاة صلاها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على مثلها، فكبر عليها أربعا ... » ويحيى وجابر الجعفي ضعيفان. وأما حديث ابن أبي حثمة فرواه أبو عمر في " الاستذكار " قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكبر على الجنائز أربعا وخمسا وسبعا فثمانيا، حتى جاء موت النجاشي فخرج إلى المصلى فصف الناس وراءه وكبر عليه أربعا، ثم ثبت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أربع حتى توفاه الله عز وجل» . وأبو حثمة هذا ابن حذيفة بن غانم القرشي العدوي، والد سليمان وأخو أبي جهم، ذكره الذهبي هكذا في " تجريد الصحابة "، ثم قال: له رواية بلا رواية، ولم يذكر له اسم، ومنهم أبو حثمة آخر واسمه عبد الله، وقيل عامر بن ساعدة الأوسي الحارثي والد سهل. وأما حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فرواه الحارث بن أبي سلمة [ .... ] قال «آخر: ما كبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكر بلفظ حديث ابن عباس، وزاد: وكبر على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يزيد بن المكفف أربعا، وكبر ابن الحنفية على ابن عباس بالطائف أربعا» . وأما حديث أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعند الحازمي في كتاب " الناسخ والمنسوخ «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبر على أهل بدر سبع تكبيرات وعلى بني هاشم سبع تكبيرات، وكان آخر صلاة صلاها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعا حتى خرج من الدنيا» ثم قال: وإسناده واه. قوله: م: (فنسخت ما قبلها) ش: أي نسخت تكبيراته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأربع التكبيرات التي كبرها خمسا أو ستا أو سبعا أو ثمانيا قبل ذلك. ويؤيد ما قاله المصنف قول أبي عمر بن عبد البر - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - انعقد الإجماع على الأربع، ولا نعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال خمسا إلا ابن أبي ليلى. وقال صاحب " المبسوط " وغيره من الأصحاب: قد ثبت ما زاد على الأربع بفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أما قول أبي عمر ففيه نظر، لأن ابن المنذر ذكر في " الأشراف " أن الخمس قول ابن مسعود وزيد بن أرقم. وأما قول صاحب " المبسوط " فيه نظر: لأنه يمكن أن يحمل الكل على الجواز مع أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قد فعلوا ذلك بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وروى ابن حزم عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بإسناد صحيح أنه كان يكبر على الجنازة ثلاثا، وكذا روي عن أنس. وقال ابن سيرين: إنما كانت التكبيرات ثلاثا فزادوا واحدة. وعن جابر بن زيد أنه أمر يزيد بن المهلب أن يكبر على الجنازة ثلاثا، قال: هي أسانيد في غاية الصحة، وكبر زيد بن أرقم على الجنازة خمسا بعد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كبر على سهل بن حنيف ستا ثم التفت إلينا وقال: إنه بدري، وذكر ابن بطال عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يكبر على البدري ستا وعلى سائر الصحابة خمسا وعلى غيرهم أربعا، وكبر علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على قتادة سبعا، ولكن ما رواه محمد بن الحسن في كتاب " الآثار " في كفاية الاحتجاج على استقرار الأمر على الأربع. قال أبو حنيفة: عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - «أن الناس كانوا يصلون على الجنائز خمسا وستا وأربعا حتى قبض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم كبروا كذلك في ولاية أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثم ولي عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ففعلوا ذلك، فقال لهم عمر: إنكم معشر أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متى تختلفون تختلف الناس بعدكم والناس حديث عهد بالجاهلية فأجمعوا على شيء يجمع عليه من بعدكم، فأجمع رأي أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ينظروا آخر جنازة كبر عليها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى قبض فيأخذونها ويرفعون ما سواها، فنظروا فوجدوا آخر جنازة كبر عليها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعا» . قلت: فيه انقطاع بين إبراهيم وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وصح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن «آخر صلاة صلاها على النجاشي كبر أربعا، وثبت عليها حتى توفي» . وذكر ابن بطال عن همام بن الحارث أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جمع الناس على الأربع إلا أهل بدر، فإنهم كانوا يكبرون عليهم خمسا وستا وسبعا. وقال ابن حزم في " المحلى ": كبر عمر أربعا وعلي أربعا وزيد بن ثابت كبر أربعا على أمه، وعبد الله بن أبي أوفى كبر أربعا على ابنته، وزيد بن أرقم كبر أربعا، وكذا البراء بن عازب وابن عمر وأبو هريرة وعقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وصح أن أبا بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 ولو كبر الإمام خمسا لم يتابعه المؤتم، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه منسوخ لما روينا، وينتظر تسليمة الإمام في رواية،   [البناية] صلى على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكبر أربعا، وصلى صهيب على عمر فكبر أربعا، وصلى الحسن على علي فكبر أربعا، وصلى عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على خباب فكبر أربعا. [الحكم لو كبر الإمام خمسا في صلاة الجنازة] م: (ولو كبر الإمام خمسا لم يتابعه المؤتم خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يقول زفر: قال أحمد وابن أبي ليلى والظاهرية والشيعة، وفي " المجتبى " قال أبو يوسف: يتابعه. وفي " النهاية ": وهو رواية عن أبي يوسف. وحكى أحمد عن الشافعي قولا فقال: إذا كبر خمسا يتابعه المأموم، ولا تبطل بها الصلاة عندنا وعند الشافعي في الأظهر، وعند أصحابه وجد أنها تبطل، وعن أصحاب أحمد كذلك. وفي " الذخيرة " لو زاد الإمام خامسة صحت صلاته، وروى ابن القاسم عن مالك لا يتبع فيها، لأنها من شعار الشيعة، وينظر تسليم الإمام، وهو المختار. وفي " المحيط " وهو الأصح. وفي رواية عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يسلم ولا ينتظره، وهو قول الثوري ومالك في رواية ابن المنذر وابن القاسم. وفي " الذخيرة " قال ابن القاسم: يسلمون بسلامه، وجه قول زفر ومن معه أنه مجتهد فيه كما قلنا فيتابعه المقتدي كما في تكبيرات العيد. ووجه قول أبي حنيفة وأصحابه ما أشار إليه المصنف بقوله: م: (لأنه منسوخ) ش: أي لأن الزائد على أربع تكبيرات منسوخ، ولا متابعة في المنسوخ. وقال الأكمل: قلنا: ثبت أن الصحابة تشاوروا، فرجعوا إلى آخر صلاة صلاها، صار ذلك منسوخا بإجماعهم. قلت: فيه نظر، لأنا قد ذكرنا عن جماعة من الصحابة والتابعين، أنهم كبروا أكثر من أربع بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكيف يكون إجماعا؟ وكيف يكون النسخ بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟. وقال الأترازي: لم يجز الاقتداء في التكبير الزائد على الأربع، كما لم يجز الاقتداء في تكبيرات العيد إذا زاد الإمام خارجا عن أقاويل الصحابة. قلت: إذا زاد الإمام على الأربع في الجنازة، فعلى كلامه ينبغي أن يتابعه المقتدي ما لم يجاوز عن فعل الصحابة، وقد ذكرنا عن جماعة منهم أنهم كبروا أكثر من أربع بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (لما روينا) ش: وهو قوله لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبر أربعا م: (وينتظر تسليمة الإمام في رواية) ش: أشار بهذا إلى أنه إذا لم يتابعه المقتدي في الزيادة ماذا يصنع، فقال: ينتظر تسليم الإمام، يعني لا يتابعه في الزيادة، ولكنه ينتظر تسليم الإمام فيسلم معه ليصير متابعه فيما وجب المتابعة فيه. وفي " الواقعات " وعليه الفتوى. وبه قال مالك في رواية، وفي " الحلية " في الانتظار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 وهو المختار، والإتيان بالدعوات استغفار للميت، والبداية بالثناء ثم بالصلاة سنة الدعاء   [البناية] وجهان. وفي " روضة الزيدوسي " لم يتابعه إذا كان يسمع من الإمام، أما إذا كان يسمع من المنادي يكبر كما في تكبيرات العيد م: (وهو المختار) ش: أي انتظار تسليم الإمام في الزيادة، وهو المختار في رواية عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا ينتظر تحقيقا للمخالفة. م: (والإتيان بالدعوات استغفار للميت والبداية بالثناء ثم بالصلاة سنة الدعاء) ش: أشار بهذا إلى بيان المقصود من إتيان الدعوات للميت بعد التكبيرة الثالثة، وهو أن المقصود من ذلك استغفار للميت، أي طلب المغفرة له، ولكن هذا الدعاء هل سنة يعمل بها حتى يستجيب الله تعالى هذا الدعاء منه، وهو أن يبدأ أولا بالثناء ثم بالصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد التكبيرة الثانية، ثم يأتي بالدعاء بعد التكبيرة الثالثة، وذلك لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أراد أحدكم أن يدعو فليحمد الله وليصلي على النبي ثم يدعو» كذا ذكره صاحب " الدراية " ولم يبين من حاله شيئا. قلت: هذا الحديث، رواه أبو داود والترمذي والنسائي وحديث فضالة بن عبيد قال: «سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلا يدعو لم يحمد الله ولم يصل على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " عجل هذا " ثم دعاه فقال له: " إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم يصلي عل النبي ثم يدعو بعد بما شاء» قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه ابن حبان في " صححيه "، والحاكم في " المستدرك " واعتبر ذلك بالتشهد في الصلاة. وفي " التجنيس " ولا يجهر بشيء من الحمد والثناء والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والدعاء للميت، لأن هذه الأفعال ذكر كلها، والذكر فيه الإخفاء أولى. وقال بعض المشايخ أن السنة أن يسمع الصف الثاني ذكر الصف الأول، ويسمع الثالث ذكر الصف الثاني. وعن أبي يوسف أنهم لا يجهرون كل الجهر، ولا يسرون كل الإسرار، وينبغي أن يكون بين ذلك. وقال الكرخي: وليس مما ذكر من الثناء على الله تعالى ولا في الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا في الدعاء للميت شيء موقت يقرأ من ذلك ما حضره وتيسر عليه، وذلك لما روى عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: ما وقت لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاة الجنازة قولا ولا قراءة، كبر ما كبر الإمام، واختر من أطيب الكلام ما شئت. وقد بسطنا الكلام فيه فيما مضى عن قريب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 ولا يستغفر للصبي، ولكن يقول اللهم اجعله فرطا واجعله لنا أجرا وذخرا واجعله لنا شافعا ومشفعا. ولو كبر الإمام تكبيرة أو تكبيرتين لا يكبر الآتي حتى يكبر الإمام أخرى بعد حضوره عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكبر حين يحضر لأن الأولى للافتتاح والمسبوق يأتي به. ولهما أن كل تكبيرة قائمة مقام ركعة،   [البناية] [الاستغفار للصبي في صلاة الجنازة] م: (ولا يستغفر للصبي، ولكن يقول: اللهم اجعله لنا فرطا، واجعله لنا أجرا وذخرا واجعله لنا شافعا ومشفعا) ش: لأن الصبي مرفوع القلم عنه، ولا ذنب له فلا حاجة إلى الاستغفار. وفي " البدائع ": إذا كان الميت صبيا يقول: اللهم اجعله فرطا وذخرا وشفعه فينا، كذا روي عن أبي حنيفة، وهو مروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وفي " المحيط " إذا كان الميت صبيا أو مجنونا يقول: اللهم اجعله لنا فرطا، اللهم اجعله لنا ذخرا، اللهم اجعله لنا شافعا ومشفعا. وفي " المفيد " ويدعو لوالديه وللمؤمنين. وقيل: يقول اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما، اللهم اجعله في كفالة إبراهيم، وألحقه بصالح المؤمنين، وأبدله دارًا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، اللهم اغفر لسلفنا وفرطنا ومن سبقنا بالإيمان. قوله " فرطا " بفتح الفاء والراء، قال الأصمعي: الفرط والفارط المتقدم في طلب الماء، والمراد هاهنا المتقدم في أمر الآخرة، ومنه قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أنا فرطكم على الحوض» أي متقدمكم. قوله: ذخرا بضم الذال المعجمة، أي خيرا باقيا مدخرا. قوله: شافعا من شفع له. قوله: مشفعا بتشديد الفاء المفتوحة، أي مقبول الشفاعة. م: (ولو كبر الإمام تكبيرة أو تكبيرتين لا يكبر الآتي حتى يكبر الإمام أخرى) ش: أي تكبيرة أخرى م: (بعد حضوره) ش: أي حضور الثاني م: (عند أبي حنيفة ومحمد) ش: ثم إذا كبر الإمام يكبر معه، فإذا فرغ الإمام كبر هذا الآتي ما فاته قبل أن ترفع الجنازة. وهذا الحكم، سواء أدرك الإمام بعد التكبيرة الأولى أو الثانية أوالثالثة. قال ابن المنذر: وهو قول الحارث بن يزيد والثوري ومالك وإسحاق وأحمد في رواية. م: (وقال أبو يوسف: يكبر حين يحضر، لأن الأولى) ش: أي التكبيرة الأولى م: (للافتتاح) ش: أي افتتاح الصلاة، كما في سائر الصلوات م: (والمسبوق يأتي به) ش: أي بتكبير الافتتاح بل انتظار، كما في غير صلاة الجنازة، وبقوله قال الشافعي وأحمد في رواية، وعن أحمد أنه يكبر. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أن كل تكبيرة) ش: من التكبيرات الأربع م: (قائمة مقام ركعة) ش: فلا يجوز للمسبوق أن يقضي الفائت قبل أن يشرع مع الإمام، والدليل على أن كل تكبيرة قائمة مقام ركعة أنه لو ترك واحدة منها لا تجوز صلاته، كما لو ترك ركعة، ولهذا قيل أربع كأربع الظهر، ثم إن عندهما يقضيها بعد السلام ما لم ترفع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 والمسبوق لا يبتدئ بما فاته إذ هو منسوخ، ولو كان حاضرا مع الإمام فلم يكبر مع الإمام لا ينتظر الثانية بالاتفاق؛ لأنه بمنزلة المدرك، ويقوم الذي يصلي على الرجل أو المرأة بحذاء الصدر لأنه موضع القلب، وفيه نور الإيمان، فيكون القيام عنده إشارة إلى الشفاعة لإيمانه. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقوم من الرجل بحذاء رأسه، ومن المرأة بحذاء وسطها   [البناية] الجنازة، ولو رفعت بالأيدي ولم توضع على الأكتاف يكبر في ظاهر الرواية، وعن محمد: إن كانت إلى الأرض أقرب يكبر، وإن كانت إلى الأكتاف أقرب لا يكبر، وقيل: لا يقطع حتى يتباعد. وعند الشافعي قولان، وقد أشار الشافعي إلى ترجيح التكبيرات معا بغير دعاء في " البويطي ". وفي " الأشراف ": قال ابن المسيب وعطاء والنخعي والزهري وابن سيرين والثوري وقتادة ومالك وأحمد في رواية، وإسحاق والشافعي: المسبوق يقضي ما فاته متتابعا قبل أن ترتفع الجنازة، فإذا ارتفعت سلم وانصرف كقول أصحابنا، قال ابن المنذر: وبه أقوال، وقال ابن عمر: لا يقضي ما فاته من التكبير، وبه قال الحسن البصري والسختياني والأوزاعي وأحمد، ولو جاء وكبر الإمام أربعا ولم يسلم لم يدخل معه، وفاتته الصلاة. وعند أبي يوسف والشافعي - رحمهما الله - دخل معه ويأتي بالتكبيرات معا إن خاف رفع الجنازة. وفي " المحيط ": وعليه الفتوى. وعند الشافعي: يقرأ الفاتحة أيضا، سواء صار مسبوقا بأربع أو أقل، وظاهر مذهبه أنه أتم الصلاة بالصفة المشروعة وإن رفعت الجنازة. [أحكام المسبوق في صلاة الجنازة] م: (والمسبوق لا يبتدئ بما فاته إذ هو منسوخ) ش: هذا جواب عن قول أبي يوسف والمسبوق يأتي به، وتقريره أن المسبوق ليس له أن يبتدئ أولا بما فاته من الإدراك مع الإمام، لأنه إذا ابتدأ به يقع في قضاء ما فاته قبل أداء ما أدركه مع الإمام، وأنه منسوخ كان ذلك في صدر الإسلام، ثم نسخ، وكلمة إذ في قوله: إذ هو للتعليل، يعني أن الابتداء بما فاته منسوخ. م: (ولوكان) ش: أي الرجل الذي يريد الصلاة وقد فاتته التكبيرة الأولى م: (حاضرا مع الإمام فلم يكبر مع الإمام لا ينتظر الثانية) ش: أي التكبيرة الثانية م: (بالاتفاق) ش: بين الأئمة الثلاثة م: (لأنه بمنزلة المدرك) ش: لتلك التكبيرة ضرورة العجز عن المفارق م: (ويقول الذي يصلي على الرجل أو المرأة بحذاء الصدر) ش: أي بحذاء صدر المرأة م: (لأنه) ش: أي لأن الصدر م: (موضع القلب وفيه نور الإيمان) ش: قال الله تعالى: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} [المجادلة: 22] (المجادلة: الآية 22) ، م: (فيكون القيام عنده) ش: أي عند الصدر م: (إشارة إلى الشفاعة لإيمانه) ش: يعني إشارة إلى أن يشفع لإيمانه. وقال في " المبسوط ": وأحسن مواقف الإمام من الميت بحذاء الصدر. قال في " جوامع الفقه ": هو المختار، واختاره الطحاوي. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقوم في الرجل بحذاء رأسه ومن المرأة بحذاء وسطها) ش: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وبه قال ابن أبي ليلى، وهو قول النخعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي " البدائع " وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب الصلاة أنه يقوم بحذاء وسط الرجل وعند رأس المرأة، وفي " المبسوط " الصدر هو الوسط، فإن فوقه يديه ورأسه، وتحته بطنه ورجلاه. قال صاحب " النهاية ": الوسط بسكون السين لأنه اسم مبهم لداخل الشيء، يعني ما بين طرفي الشيء، وليس بمراد، هكذا نقل الأكمل عن صاحب النهاية وهو السغناقي. وقال صاحب " الدراية ": وضبطها بسكون السين هكذا كان معربا بخط شيخ شيخي العلامة، لأنه بالسكون اسم لداخل الشيء، والمتحرك اسم لما بين طرفيه، والمراد بالوسط في الحديث الوسط المعنوي لا اللغوي، والوسط المعنوي هو الصدر، فإن فوقه الرأس مع اليدين، وتحته البطن مع الرجلين. وهذه قسمة عادلة كما ترى. وأورد بالحديث ما رواه الأئمة الستة في كتبهم من حديث «سمرة بن جندب، قال: صليت وراء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على امرأة ماتت في نفاسها فقام عليها للصلاة وسطها.» وأما الأترازي فإنه ضبط بخطه الوسط بتحريك السين في مواضع عديدة، ومن عادته ضبط الألفاظ في تصانيفه بخطه، وهو يحتاط فيه. قلت: الصواب معه من وجه، لأن الوسط بالسكون، يقال فيما كان متفرق الأجزاء غير متصل كالناس والدواب وغير ذلك، فإذا كان متصل الأجزاء كالدار والرأس، فهو بالفتح، فعلى هذا هنا بالفتح، ويقال: كل منهما يرفع الأجزاء، فعلى هذا يجوز فيه الوجهان، وعلى الصواب الفريقان. ونقل القاضي عياض عن أبي يحيى وغيره سكون السين في الحديث المذكور، وكذا ضبطه الجبائي. وأجاز ابن دينار الوجهين، وذكر عن بعضهم فتحها. وفي " التحفة " و " المفيد ": المشهور من الروايات عن أصحابنا في الأصل وغيره أن يقوم من الرجل والمرأة بحذاء الصدر، وعن الحسن بحذاء الوسط منهما إلا أنه يكون في المرأة إلى رأسها أقرب، وعن أبي يوسف أنه يقوم بحذاء الوسط من المرأة، وبحذاء الرأس من الرجل. ذكره في " المفيد "، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره في " المحيط ". وفي ظاهر الرواية يقوم منها بحذاء صدرها، وقال مالك: يقوم في الرجل عند وسطه، ومن المرأة عند منكبيها. وقال أبو علي الطبري من الشافعية يقوم الإمام عند صدره، واختاره إمام الحرمين والغزالي، وقطع به السرخسي، قال الصيدلاني: وهو اختيار أئمتنا، وقال الماوردي: قال أصحابنا البصريون يقوم عند صدره، وهو قول الثوري. وقال البغداديون عند رأسه وقالوا ليس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 لأن أنسا فعل كذلك، وقال هو السنة   [البناية] في ذلك نص، وممن قاله المحاملي في " المجموع " و " التحرير " وصاحب " الحاوي " والقاضي حسين وإمام الحرمين. وفي " المغني " لا يختلف المذهب في أن السنة أن يقوم الإمام في صلاة الجنازة عند صدر الرجل وعند عجيزة المرأة، وروى حرب عن أحمد كقول أبي حنيفة. م: (لأن أنسا فعل كذلك) ش: أي قام من المرأة بحذاء وسطها م: (وقال هو السنة) ش: أي قال أنس: القيام من المرأة بحذاء وسطها وهو السنة. وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه «عن نافع أبي غالب قال: كنت في سكة المريد فمرت جنازة معها ناس كثير، قالوا: جنازة عبد الله بن عمير فتبعتها، فإذا أنا برجل عليه كساء رقيق على رأسه خرقة تقيه من الشمس فقلت: من هذا الدهقان؟ فقالوا: هذا أنس بن مالك، قال: فلما وضعت الجنازة قام أنس فصلى عليها وأنا خلفه لا يحول بيني وبينه شيء، فقام عند رأسه فكبر أربع تكبيرات لم يطل ولم يسرع ثم ذهب يقعد، فقالوا: يا أبا حمزة المرأة الأنصارية فقربوها وعليها نعش أخضر، فقام عند عجيزتها فصلى عليها نحو صلاته على الرجل ثم جلس فقال العلاء بن زياد: يا أبا حمزة هكذا كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي علىالجنازة كصلاتك يكبر عليها أربعا ويقوم عند رأس الرجل، وعجيزة المرأة؟ قال: نعم، إلى أن قال أبو غالب: فسألت عن صنيع أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قيامه على المرأة عند عجيزتها، فحدثوني أنه إنما كان لأنه لم تكن النعوش، فكان يقوم الإمام حيال عجيزتها يسترها من القوم» هذا لفظ أبي داود. ولفظ الترمذي «عن أبي غالب قال: صليت مع أنس بن مالك على جنازة رجل فقام حيال رأسه، ثم جاءوا بجنازة امرأة من قريش، فقال: يا أبا حمزة صل عليها، فقام حيال وسط السرير، فقال العلاء بن زياد: يا أبا حمزة، صل عليها، فقام حيال وسط السرير، فقال العلاء بن زياد: يا أبا حمزة، هكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الجنازة مقامك منها ومن الرجل مقامك منه، قال: نعم، فلما فرغ قال: احفظوا» . ولفظ ابن ماجه «عن أبي غالب قال: رأيت أنس بن مالك صلى على رجل، فقام حيال رأسه فجيء بجنازة أخرى، فقالوا: يا أبا حمزة صل عليها، فقام حيال وسط السرير، فقال العلاء بن زياد: يا أبا حمزة هكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام في الجنازة مقامك من الرجل وقام من المرأة مقامك من المرأة، قال: نعم، فقام، فأقبل علينا العلاء بن زياد، فقالوا: احفظوا» وهذا اللفظ رواه أحمد وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم " وأبو غالب اسمه نافع، وقيل: رافع الباهلي الخياط البصري، قال يحيى بن معين: صالح، وقال أبو حاتم: شيخ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 قلنا تأويله أن جنازتها لم تكن منعوشة، فحال بينها وبينهم فإن صلوا على جنازة ركبانا أجزأهم في القياس لأنها دعاء، وفي " الأسبيجابي " لا تجزئهم، لأنها صلاة من وجه لوجود التحريمة، فلا يجوز تركه   [البناية] قوله: " المربد " بكسر الميم وسكون الراء وفتح الباء الموحدة وهو الموضع الذي يحبس في الإبل والغنم، وبه سمي مربد المدينة والبصرة، والمربد أيضا الموضع الذي يجعل فيه التمر لينشف، والسكة الطريقة المصطفة من النخل، ومنها قيل: للأزقة السكة، لاصطفاف الدور فيها. قوله " تقيه " أي تحفظه من وقى يقي، والدهقان بكسر الدال وفتحها رئيس القرية ومقدم الساسة وأصحاب الزراعة، وهو معرب، ونونه أصلية، وقيل زائدة، وأبو حمزة كنية أنس. قوله: " المرأة الأنصارية " وفي رواية الترمذي " امرأة من قريش " قال النووي: لعلها كانت من قريش وبالحلف من الأنصار، وعكسه. قوله: " عليها نعش أخضر " النعش بفتح النون وسكون العين المهملة، وفي آخره شين معجمة، وهو مثل المحفة توضع على السرير، وتغطى بثوب يسرتها عن أعين الناس، وهي كالقبة على السرير. م (قلنا: تأويله أن جنازتها لم تكن منعوشة، فحال بينها وبينهم) ش: هذا التأويل غير صحيح، لأن في رواية أبي داود فقربوها وعليها نعش أخضر، فيكف يقال إن جنازتها لم تكن منعوشة. فإن قلت: الماوردي يكون قد اعتمد على رواية الترمذي، فإنها لم يذكر فيها النعش. قلت: الحديث واحد في قضية واحدة، والراوي عن أنس هو أبو غالب فيحتمل أن الراوي عن أبي غالب قد اقتصر فيه عن ذكر النعش، ولكن يمكن أن يقال: إن المرأة التي صلى عليها أنس كانت جنازتها منعوشة ولا يلزم من ذلك أن يكون النساء اللاتي صلى عليهن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جنائزهن منعوشات، فيصح التأويل. قوله: (فحال بينها وبينهم) أي بين المرأة التي صلى عليها أنس وبين القوم الذين كانوا صلوا معه ليسترها من القوم. والعجب من الشراح مع نفض أياديهم لم يحوموا حول هذا المكان، ولم يتعرضوا لتحقيقه بالاتفاق، وخصوصا الأترازي يقول: قيل في تأويله لأنه حيث لم تكن النعوش وكان يقوم الإمام حيال عجيزتها، لأنه يسترها من القوم. قلت: كيف يقال لأنه لم تكن النعوش، وقد حكى البندنيجي أن أول ما اتخذ لزينب بنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنه أمر بذلك. [الحكم لو صلوا على الجنازة ركبانا] م (فإن صلوا على جنازة ركبانا أجزأهم في القياس لأنها دعاء) ش: ولا يشترط فيها القيام، فلهذا تجوز بلا ركوع وسجود ولا قراءة، والقهقهة فيها ليست بحدث، وبه قال بعض المالكية م: (وفي " الأسبيجابي " لا يجزئهم، لأنه صلاة من وجه لوجود التحريمة، فلا يجوز تركه) ش: أي ترك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 من غير عذر احتياطا، ولا بأس بالإذن في صلاة الجنازة، لأن التقدم حق الولي، فيملك إبطاله بتقديم غيره. وفي بعض النسخ لا بأس بالأذان أي الإعلام وهو أن يعلم بعضهم بعضا ليقضوا حقه،   [البناية] القيام م: (من غير عذر احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط، وبه قال الشافعي، وأحمد وأشهب وآخرون، وقال ابن قدامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا أعلم فيه خلافا، وأراد بالتحريمة التكبيرة الأولى، فإنها ركن فيها، وكذلك يشترط فيها استقبال القبلة والطهارة وسترة العورة وإزالة النجاسة. م: (ولا بأس بالإذن في صلاة الجنازة) ش: أي لا بأس بإذن الولي لغيره بالإمامة إذا أحسن ظنه شخص في تقديمه من به خير وثواب وشفاعة أرجى له م: (لأن التقدم حق الولي) ش: أي لأن التقدم على الغير في الصلاة على الميت حق الولي م: (فيملك إبطاله) ش: أي يملك الولي إبطال حقه، أي تركه بغيره م: (بتقديم غيره) ش: في الصلاة عليه، وقيل أراد به أن يأذن الأقرب للأبعد أن يقدم في الصلاة عليه. وقيل أراد به إذن أولياء الميت للمصلين في الانصراف قبل دفن الميت فإنه لا ينبغي لهم أن ينصرفوا قبل دفنه إلا بإذنهم لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «أميران، وليسا بأميرين: ولي الميت قبل الدفن، والمرأة تكون في الركب» . وعن أبي هريرة: قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن كان له قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: مل الجبلين العظيمين» متفق عليه. وفي مسلم «حتى توضع في اللحد " ويورى القيراط مثل أحد» . م: (وفي بعض النسخ) ش: أي نسخ الجامع الصغير م: (لا بأس بالاذان، أي الإعلام، وهو أن يعلم) ش: الناس م: (بعضهم بعضا ليقضوا حقه) ش: أي ليؤدوا حق الميت، لما روي عن أبي هريرة أنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس» أخرجه البخاري ومسلم. وفي " المحيط " وكره بعض المشايخ النداء في الأسواق لأنه سنة عن الجاهلية، والأصح أنه لا بأس به، لأن فيه تكثير الجماعة من المصلين عليه والمستغفرين له. وفي " البدائع " و " جوامع الفقه " يكره النداء في المحال والأسواق، وفي " قاضي خان " وقد استحسن بعض المتأخرين النداء في الأسواق للجنازة إلى ترغيب الناس في الصلاة عليها، ذكر بعضهم ذلك، والأول أصح. وفي " الذخيرة " ذكر بعض مشايخ بلخ ذلك، وذكر الكرخي عن أبي حنيفة أنه لا ينبغي أن يؤذن بها إلا أهلها وجيرانها، وكثير من مشايخ بخارى لم يروا به بأسا، كالنداء الخاص. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 ولا يصلى على ميت في مسجد جماعة لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من صلى على جنازة في المسجد فلا أجر له»   [البناية] [صلاة الجنازة في المسجد] م: (ولا يصلى على ميت في مسجد جماعة) ش: احترز به عن المسجد الذي بني لأجلها، وبه قال مالك وابن أبي ذئب، وقال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور: لا بأس بها إذا لم يخف تلويثه، واحتجوا بما روي «أن سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما توفي أمرت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بإدخال جنازته المسجد حتى صلى عليها أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم قالت لبعض من حولها: هل عاب الناس علينا ما فعلنا؟ فقيل لها نعم، فقالت: ما أسرع ما صلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على جنازة سهيل بن البيضاء إلا في المسجد» رواه مسلم. وأشار إلى دليلنا بقوله م: (لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من صلى على جنازة في المسجد فلا أجر له» ش: هذا الحديث رواه أبو داود وابن ماجه من حديث ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صلى على ميت في المسجد فلا شيء له» ، هذا لفظ أبي داود، ولفظ ابن ماجه «فليس له شيء» . وقال الخطيب: المحفوظ، «فلا شيء له» وروي «فلا أجر له» . وقال ابن عبد البر: رواية «فلا أجر له» خطأ فاحش، والصحيح «فلا شيء له» ورواه ابن أبي شيبة في مصفنه بلفظ «فلا صلاة له» . فإن قلت: روى ابن عدي في " الكامل " هذا الحديث وعده من منكرات صالح، ثم أسند إلى شعبة أنه كان لا يروي عنه، وينهى عنه، وإلى مالك لا يأخذوا عنه شيئا فإنه ليس بثقة، وإلى النسائي أنه قال فيه ضعف. وقال ابن حبان في كتاب " الضعفاء "، واختلط بآخره ولم يتميز حديث حديثه من قديمه فاستحق الترك، ثم ذكر له هذا الحديث، وقال البيهقي: صالح مختلف في عدالته كان مالك يجرحه. وقال النووي: أجيب عن هذا بأجوبة أحدها: أنه ضعيف لا يصح الاحتجاج به، قال أحمد بن حنبل: هذا حديث ضعيف تفرد به صالح مولى التوأمة، وهو ضعيف. والثاني: أن الذي في النسخ المشهورة المسموعة من سنن أبي داود «فلا شيء عليه» فلا حجة فيه. والثالث: أن اللام فيه بمعنى على لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] [الإسراء: 7] أي فعليها، جمعا بين الأحاديث. قلت: الجواب عما قالوه من وجه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الأول: أن أبا داود روى هذا الحديث وسكت عنه، فهذا دليل رضاه به، وأنه صحيح عنده. الثاني: أن يحيى بن معين الذي هو فيصل في هذا الباب، قال: صالح ثقة، إلا انه اختلط قبل موته، فمن سمع منه قبل ذلك فهو ثبت حجة، ومن سمع منه قبل الاختلاط ابن أبي ذئب، وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث وأسكت ابن أبي ذئب. الثالث: قال ابن عبد البر: منهم من يقبل عن صالح ما رواه عنه ابن أبي ذئب خاصة. الرابع: أن غالب ما ذكر منه تحامل، من ذلك قول النووي أن الذي في النسخ المشهورة والمسموعة من سنن أبي داود «فلا شيء عليه» فإنه يرده قول الخطيب المحفوظ فلا شيء له، وقول السروجي وفي " الأسرار " فلا صلاة له، وفي " المرغيناني " فلا وجه له، ولم يذكر ذلك في كتب الحديث، يرده ما ذكرناه من رواية ابن أبي شيبة في مصنفه «فلا صلاة له» وقال الخطيب: وروي «فلا أجر له» فلعدم اطلاعه في هذا الموضع جازف فيه. ومن تحاملهم جعل اللام بمعنى على بالتحكم من غير دليل ولا داع إلى ذلك. ولا سيما أن المجاز عندهم ضروري لا يصار إليه إلا عند الضرورة، ولا ضرورة ها هنا، وأقوى ما يرد كلامه هذا رواية ابن أبي شيبة، وهي «فلا صلاة له» فلا يمكن له أن يقول ها هنا اللام بمعنى على لفساد المعنى. الخامس: أن قول ابن حبان هذا باطل جرأة منه على تعطيل الصواب، فكيف هذا القول، وقد رواه أبو داود وسكت، فأقل الأمر أنه يدل على حسنه عنده، وأنه رضي به، وحاشى منه أن يرضى بالباطل. السادس: ما قاله الجهبذ النقاد الإمام أبو جعفر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ملخصا، وهوأن الروايات لما اختلفت عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا الحديث يحتاج إلى إلى الكشف ليعلم المتأخر منها فيجعل ناسخا لما تقدم، فحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إخبار عن فعل رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الذي تقدم على الإباحة، فصار ناسخا لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وإنكار الصحابة عليها مما يؤيد ذلك. فإن قلت: من أي قبيل يكون هذا النسخ؟ قلت: من قبيل النسخ بدلالة التاريخ، وهو أن يكون أحد النصين موجبا للخطر، والآخر موجبا للإباحة، والحظر طارئ عليها، فيكون متأخرا. فإن قلت: لما لا يجعل بالعكس؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 ولأنه بني لأداء المكتوبات، وفيما إذا كان الميت خارج المسجد اختلاف المشايخ،   [البناية] قلت: لئلا يلزم النسخ مرتين، وهذا ظاهر. فإن قلت: ليس بين الحديثين منافاة، فلا تعارض فلا حاجة إلى التوفيق. قلت: ظهر لك صحة حديث أبي هريرة بالوجوه التي ذكرناها، فثبت التعارض. فإن قلت: مسلم أخرج حديث عائشة ولم يخرج حديث أبي هريرة. قلت: لا يلزم من ترك مسلم تخريجه عدم صحته، لأنه لم يلزم إخراج كل ما صح عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وكذلك البخاري، ولئن سلمنا ذلك فإن حديث أبي هريرة لا يخلو من كلام، فكذلك حديث عائشة لا يخلو من كلام، لأن جماعة من الحفاظ مثل الدارقطني وغيره عابوا على مسلم تخريجه إياه سندا، لأن الصحي أنه مرسل كما رواه مالك والماجشون عن أبي النضر عن عائشة مرسلا، والمرسل ليس بحجة عند الخصم، وقد أول بعضهم حديث عائشة بأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنما صلى في المسجد بعذر المطر، وقيل بعذر الاعتكاف، وعلى كل تقدير الصلاة على الجنازة خارج المسجد أولى وأفضل، بل أوجب للخروج عن الخلاف لا سيما في باب العبادات. م: (ولأنه بني لأداء المكتوبات) ش: أي ولأن المسجد بني لإقامة الصلوات المكتوبات، فيكون غيرها في خارج المسجد أولى وأفضل م (ولأنه يحتمل تلويث المسجد) ش: أي ولأن فعل صلاة الجنازة في المسجد يحتمل تلويثه، وقد أمرنا بتنظيفه، وقد قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم» فإذا أمروا أن يجبنوا الصبيان والمجانين المساجد فالميت أولى لأنه لا [ ...... ] له، فلا يؤمن منه تلويث المسجد. م: (وفيما إذا كان الميت خارج المسجد اختلاف المشايخ) ش: قوله اختلاف المشايخ مبتدأ وخبره قوله فيما إذا كان الميت وانتصاب خارج المسجد على التوسع، يعني في خارج المسجد، وذكر في تتمة الفتاوى ناقلا عن فتاوى الإمام نجم الدين إذا كانت الجنازة والقوم والإمام في المسجد فالصلاة مكروهة باتفاق أصحابنا، وإذا كانت الجنازة والإمام وبعض القوم خارج المسجد وباقي القوم في المسجد فالصلاة غير مكروهة بالاتفاق. وإن كانت الجنازة وحدها خارج المسجد فقد اختلف المشايخ فيه، بعضهم قالوا يكره، منهم السيد الإمام أبو شجاع لما أن المسجد بني لأداء المكتوبات، وقال بعضهم لا يكره، لأن المعنى الموجب للكراهة وهو احتمال تلويث المسجد مفقود، ولا يقال يلزم على ما ذهب إليه السيد الإمام أبو شجاع أن لا يجوز التطوع في المسجد، لأنا نقول أن التطوع تبع للمكتوبة، فألحق بها، بخلاف صلاة الجنازة لأنها جنس آخر. وقال إسماعيل المتكلم: الصلاة عليه في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 ومن استهل بعد الولادة سمي وغسل وصلي عليه   [البناية] المسجد مكروهة كراهة تحريم، وقال شرف الأئمة العقيلي كراهة تنزيه، ذكره في " قنية المنية ". [حكم الصلاة على من استهل بعد الولادة ثم مات] م: (ومن استهل بعد الولادة سمي وغسل وصلي عليه) ش: - استهل - بفتح التاء على بناء الفاعل، لأن المراد ها هنا رفع الصوت لا الإبصار، ففي " المغرب " أهلوا الهلال، استهلوا رفعوا أصواتهم عند رؤيته وأهل واستهل على بناء المفعول إذا أبصر، والمراد رفع الصوت بالبكاء عند ولادته، وفي " الإيضاح " الاستهلال أن يكون منه ما يدل على حياته من بكار أو تحريك عضو وأن يطرف بعينه، وبه قال الشافعي وأحمد، وقال مالك: لا يصلى عليه إلا أن يطول ذلك فيتحقق حياته. وعن مالك وأحمد في رواية الاستهلال أن يستهل صارخا. وفي " شرح مختصر الكرخي " ومن ولد حيا ثم مات فعلوا به ذلك كله، يعني التسمية والغسل والصلاة، وكذا إذا استهل، وفي " التحفة " وغيرها إذا لم يستهل لا يغسل ولا يورث ولا يسمى، لأن هذه الأمور من أحكام الأحياء. وروى الطحاوي أن الجنين الميت يغسل، ولم يحك خلافه، وعن محمد في سقط استبان خلقه يغسل ويكفن ويحنط ولا يصلى عليه، وقال النووي: إذا استهل يصلى عليه لحديث ابن عباس أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا استهل السقط صلي عليه وورث» وهو غريب، ومن رواية جابر. رواه الترمذي والحاكم والبيهقي وإسناده ضعيف. ونقل ابن المنذر الإجماع على وجوب الصلاة على الطفل، وعن أبي حنيفة لا يصلى عليه حتى يبلغ. وخالف العلماء كافة، وحكى العبدري عن بعض العلماء أنه إن صلى صلي عليه، وهو مردود شاذ، وعن المغيرة بن شعبة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها، والطفل يصلى عليه» رواه النسائي والترمذي وأحمد، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. ومن لا ذنب له يصلى عليه كالنبي والكافر إذا أسلم ومات عقيب إسلامه قبل أن يحدث ذنبا والمجنون الذي استمر جنونه من حين البلوغ حتى مات. وعن ابن عمر يصلى عليه وإن لم يستهل، وبه قال ابن سيرين وإسحاق، وقال أحمد وداود: يصلى عليه إذا كان له أربعة أشهر. وفي " المحيط " قال أبو حنيفة: إذا خرج أكثر الولد وهو يتحرك صلي عليه، وإن خرج أقله لا يصلى عليه. وقال ابن حزم في " المحلى ": يستحب أن يصلى عليه استهل أو لم يستهل، ولا يجب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] واستدل بحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يصل على ولده إبراهيم وهو ابن ثمانية عشر شهرا. وقد جاء حديثان مرسلان. قلت: أخرج أبو داود في " سننه " من طريق ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة قالت: «مات إبراهيم ابن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وهو ابن ثمانية عشر شهرا فلم يصل عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -، ورواه أيضا أحمد والبزار وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم "، وأما الحديثان المرسلان فرواهما أبو داود أيضا. الأول: قال حدثنا هناد بن السري ثنا محمد بن عبيد عن وائل بن داود قال: سمعت البهي قال: «لما مات إبراهيم ابن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المقاعد» . الثاني: قال قرأت على سعيد بن يعقوب الطالقاني حدثكم ابن المبارك عن يعقوب بن القعقاع عن عطاء «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى على ابنه إبراهيم، وهو ابن سبعين ليلة.» وقال الخطابي إن مرسل عطاء أولى الأمرين، وإن كان حديث عائشة أحسن اتصالا، واعتل هو وغيره ممن سلم ترك الصلاة عليه بعلل ضعيفة منها نقل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن الصلاة صلاة الكسوف ومنها أنه استغنى بفضيلة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن الصلاة كما استغنى الشهداء بفضيلة الشهادة، ومنها أنه لا يصلى على نبي وقد جاز أنه لو عاش لكان نبيا، ومنها أنه لم يصل عليه هو بنفسه وصلى عليه غيره. قلت: قد جاء في صلاته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على إبراهيم عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وهم ابن عباس والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري، فحديث ابن عباس عند ابن ماجه قال: «لما مات إبراهيم ابن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى عليه رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقال: إن له مرضعا في الجنة، ولو عاش لكان صديقا نبيا، ولو عاش لعتقت أخواله القبط وما استرق قبطي» . وحديث البراء عند أحمد في " مسنده «قال: صلى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على ابنه إبراهيم ومات وهو ابن ستة عشر شهرا» . وحديث أنس عند أبي يعلى الموصلي «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى على ابنه إبراهيم وكبر أربعا» ورواه ابن سعد في " الطبقات ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا استهل المولود صلي عليه، وإن لم يستهل لم يصل عليه»   [البناية] وحديث الخدري عند البزار في " مسنده " بلفظ أبي يعلى الموصلي، وقال البيهقي: وكونه صلى عليه وهو أشبه بالأحاديث الصحيحة. قلت: الصلاة عليه مستحبة، ولا يظن به - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ترك المستحب مع أن الإثبات مقدم على النفي، وقال النووي: رواية الإثبات أصح من رواية النفي. قوله البهي بفتح الباء الموحدة وكسر الهاء وتشدد الياء اسمه عبد الله بن يسار مولى مصعب بن الزبير تابعي يعد في الكوفيين. قوله في المقاعد هي مواضع قعود الناس من الأسواق وغيرها. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا استهل المولود صلي عليه، وإن لم يستهل لم يصل عليه» ش: روي هذا عن جابر وعلي وابن عباس والمغيرة بن شعبة وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فحديث جابر رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الطفل لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل» هذا لفظ الترمذي. قال: وقد اضطرب الناس فيه فرواه بعضهم عن أبي الزبير مرفوعا، وبعضهم موقوفا، وكأنه أصح، وسنده رواه الحاكم في " المستدرك " وسكت عنه. ولفظ النسائي: «إذا استهل الصبي صلي عليه وورث» ، ولفظ ابن ماجه كلفظ النسائي. «وحديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه ابن عدي في " الكامل " قال: سمعت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول في السقط: لا يصلى عليه حتى يستهل، فإذا استهل صلي عليه وعقل وورث، وإن لم يستهل لم يصل عليه ولم يورث ولم يعقل» وحديث ابن عباس أخرجه ابن عدي أيضا عنه عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا استهل الصبي صلي عليه وورث» . وحديث المغيرة بن شعبة أخرجه الترمذي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة» وقال حديث حسن صحيح وحديث أبي هريرة عند ابن ماجه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا على أطفالكم، فإنهم من أفراطكم» ، وضعفه الدارقطني، وتحمل الأطفال ها هنا والسقط في حديث المغيرة على من استهل، والإفراط جمع فرط بتحريك الراء وهو الذي يتقدم لتهيئة التركة، والسقط مثلث السين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 ولأن الاستهلال دلالة الحياة فيتحقق في حقه سنة الموتى ومن لم يستهل أدرج في خرقة كرامة لبني آدم ولم يصل عليه لما روينا، ويغسل في ظاهر الرواية، لأنه نفس من وجه، وهو المختار، وإذا سبي صبي مع أحد أبويه ومات لم يصل عليه لأنه تبع لهما، إلا أن يقر بالإسلام وهو يعقل،   [البناية] م: (ولأن الاستهلال دلالة الحياة فيتحقق في حقه سنة الموتى) ش: أي إكراما لبني آدم، وانتصابه على التعليل م: (ولم يصل عليه لما روينا) ش: إشارة إلى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا استهل المولود ... » الحديث. م: (ويغسل في ظاهر الرواية) ش: وهي رواية عن أبي يوسف ومحمد أنه فيه يغسل، وبه أخذ الطحاوي م: (لأنه نفس من وجه) ش: بدليل ثبوت الاستيلاد به وانقضاء العدة به، ولا يلزم من سقوط الصلاة سقوط الغسل كما في الكافر م: (وهو المختار) ش: أي غيرظاهر الرواية وهو المختار. وعن محمد لا يغسل ولا يصلى عليه، وهو ظاهر الرواية، وبه أخذ الكرخي، وعند الشافعي لو لم تظهر فيه علامة الحياة ولم يكن له أربعة أشهر لف في خرقة ودفن بلا غسل، وإن كن قد بلغ أربعة أشهر ففيه قولان، القديم يغسل ويصلى عليه، وفي الحديث لا يغسل ولا يصلى عليه. م: (وإذا سبي صبي مع أحد أبويه فمات لم يصل عليه، لأنه تبع لهما) ش: أي للأبوين، وفي بعض النسخ تبع له، أي لأحد أبويه فمات لم يصل عليه الذي سبي الصبي معه، وإنما لا يتبع دار الإسلام لأن تبعية أحد الأبوين أولى، لأن الولد جزؤه، والتبعية على مراتب. أقواها تبعية الأبوين أو أحدهما، ثم الدار إن لم يكن معه أحد أبويه يكون مسلما تبعا للدار لأن للدار تأثيرا في الاستتباع كما في لقيط يوجد في الدار حيث يجعل على دين أهل الدار ثم بعد الدار تعتبر اليد، حتى لو وضع في الغنيمة صبي في سهم رجل في دار الحرب فمات يصلى عليه ويجعل مسلما تبعا لصاحب اليد. وفي " المغني ": لا يصلى على أطفال المشركين إلا أن يسلم أحد أبويه أو يموت مشركا فيكون ولده مسلما أو يسبى منفردا مع أحد أبويه، فإنه يصلى عليه، وقال أبو ثور: إذا سبي مع أحد أبويه لا يصلى عليه إلا أن يسلم. وفي " الأشراف " وقال أبو ثور: إذا سبي مع أبويه أو أحدهما أو وحده ثم مات قبل أن يجاوز الإسلام يصلى عليه. م: (إلا أن يقر بالإسلام وهو يعقل) ش: الاستثناء من قوله لم يصل عليه؛ يعني إذا أقر بالإسلام، والحال أن يعقل صفة الإسلام وصفة الإسلام هي التي ذكرت في حديث جبريل - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 لأنه صح إسلامه استحسانا أو يسلم أحد أبويه لأنه يتبع خير الأبوين دينا، وإن لم يسب معه أحد أبويه صلي عليه   [البناية] - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله، وقيل: معناه يعقل المنافع والمضار وأن الإسلام هدى، واتباعه خير، والكفر ضلالة واتباعه شر، وكذا لو اشترى جارية واستوصفها صفة الإسلام فلم تعلم لا تكون بذلك مؤمنة، وإنما يصلى عليه عند الإقرار بالإسلام. م: (لأنه صح إسلامه استحسانا) ش: وبه قال بعض أصحاب الشافعي، وفي القياس لا يصح إسلامه، وهو ظاهر مذهب الشافعي م: (أو يسلم أحد أبويه) ش: ينصب الميم عطف على قوله أن يقر؛ يعني يصلي عليه إذا أسلم أحد أبويه وإن لم يقر الصبي بالإسلام م: (لأنه) ش: أي لأن الصبي م: (يتبع خير الأبوين دينا) ش: أي من حيث الدين حتى إن الصبي إذا كان بين اليهودية والنصرانية يتبع النصرانية، لأن اليهودي شر من النصراني وكذلك بالعكس. م: (وإن لم يسب معه أحد أبويه صلي عليه) ش: وبه قال بعض أصحاب الشافعي تبعا للسابي حتى لو مات في دار الحرب بعدما وقع في يد مسلم يصلى عليه. وقال بعضهم هو على حكم الكفر وهو ظاهر مذهب الشافعي، وبه قال مالك، وكذا لو دخل دارنا، ولكن بعض مشايخنا جعل تبعية الدار بعد تبعية السابي وجعل تبعية اليد مقدما على تبعية الدار كما في اللقيط، يعني لو وجد في دار يجعل تبعا لأهل تلك الدار كما يجيء إن شاء الله تعالى. قلت: ذكر في " المحيط " عند انعدام أحد الأبوين يكون تبعا لصاحب اليد، وعند انعدام صاحب اليد يكون تبعا للدار، جعل الإمام قاضي خان تبعية الدار مقدمة على تبعية صاحب اليد. وفي جامع أبي اليسر: أولاد المسلمين إذا ماتوا حال صغرهم قبل أن يعقلوا يكونون في الجنة، فإن فيهم أحاديث كثيرة، روي عن أبي حنيفة الوقف فيهم، وهذه الرواية غير صحيحه، وإنما وقف أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أولاد الكفار إذا ماتوا في صغرهم قبل أن يعقلوا ووكل أمرهم إلى الله، واختلف أهل السنة في هذا فعن محمد أنه قال: أعرف أن الله لا يعذب بغير ذنب، وقال بعضهم: يكونون خداما للمسلمين في الجنة، وقال بعضهم: إن كان قال يوم أخذ الميثاق بلى عن اعتقاد، يكون في الجنة، وإن كان قال من غير اعتقاد يكون في النار. وفي " الفتاوى الظهيرية " يحشر السقط، وعن أبي جعفر الكبير إذا نفخ فيه الروح يحشر وإلا فلا، والذي يقتضيه مذهب علمائنا أنه يحشر إذا استبان بعض خلقه، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن سيرين، وفي " الإحياء " وينبغي أن يسمى السقط. قال عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية بلغني أن السقط وراء أبيه يوم القيامة يقول ضيعتني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 لأنه ظهرت تبعيته للدار فيحكم بإسلامه كما في اللقيط، وإذا مات الكافر وله ولي مسلم فإنه يغسله ويكفنه ويدفنه، بذلك أمر علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في حق أبيه أبي طالب   [البناية] وأنت تركتني لا اسم لي اليوم! فقال عمر بن عبد العزيز: كيف ولا ندري أغلام هو أم جارية؟ فقال عبد الرحمن: من الأسماء ما يجمعهما كحمزة وعمارة وطلحة. [تغسيل وتكفين القريب الكافر] م: (لأنه ظهرت تبعيته للدار) ش: بعدم سبيه مع أحد أبويه م: (فيحكم بإسلامه) ش: بتبعية الدار م: (كما في اللقيط) ش: يوجد في الدار يكون تبعا لأهل الدار م: (وإن مات الكافر وله ولي مسلم) ش: أي قريب مسلم لأن حقيقة الولاية منفية. وإطلاق الولي شارك كل قريب له من ذوي الفروض والعصبات وذوي الأرحام، وهذا الإطلاق لفظ الجامع الصغير، وذكر في الأصل كافر مات وله ابن مسلم ويغسله ويكفنه ويدفنه إذا لم يكن هناك من أقربائه الكفار من يتولى أمره، فإن كان ثمة أحد منهم فالأولى أن يخلي المسلم بينه وبينهم ليصنعوا به ما يصنعون بموتاهم. م: (فإنه يغسله ويكفنه ويدفنه بذلك أمر علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في حق أبيه أبي طالب) ش: أخرج ابن سعد حديث علي هذا في الطبقات مطابقا لما في المتن، فقال: أخبرنا محمد ابن عمر الواقدي حدثني معاوية بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما أخبرت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بموت أبي طالب بكى ثم قال لي: اذهب فاغسله وكفنه وواره، قال: ففعلت ثم أتيته فقال لي: اذهب فاغتسل، قال: وجعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستغفر له أياما ولا يخرج من بيته حتى نزل عليه جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بهذه الآية: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] الآية (التوبة: 113) .» وأخرج أبو داود والنسائي عن سفيان عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب «عن علي لما مات أبوه أبو طالب قال: انطلقت إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقلت له: إن عمك الشيخ الضال قد مات، قال اذهب فوار أباك ثم لا تحدثن شيئا حتى تأتيني، فذهبت فواريته فأمرني فاغتسلت ودعا. لي» . ورواه أحمد وإسحاق بن راهويه وابن أبي شيبة وأبو يعلى والبزار في مسانيدهم وليس فيه التعرض إلى الغسل والتكفين. واستدل به البيهقي وغيره من الشافعية على الاغتسال من غسل الميت، مع أن البيهقي روى هذا الحديث في " سننه " من طرق، ثم قال إنه حديث باطل، وأسانيده كلها ضعيفة وبعضها منكرا، واستدل ابن الجوزي بهذا الحديث لمن يرى بجواز غسل قريبه الكافر إذا مات وتكفينه ومواراته، ثم أجاب بأنه كان في ابتداء الإسلام، وهذا ممنوع ليس عليه دليل. واعلم أن أبا طالب وخديجة بنت خويلد زوج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ماتا في عام واحد، قاله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 لكن يغسل غسل الثوب النجس ويلف في خرقة وتحفر له حفيرة من غير مراعاة سنة التكفين واللحد ولا يوضع فيه، بل يلقى.   [البناية] ابن إسحاق، وقال البيهقي: بلغني أن خديجة توفيت بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام، وزعم الواقدي أنهما ماتا قبل الهجرة بثلاث سنين عام خرجوا من الشعب، وأن خديجة توفيت قبل موت أبي طالب بخمس وثلاثين ليلة، وقال بعضهم: الصحيح أن أبا طالب توفي في شوال سنة عشر من النبوة بعد خروج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من الحضر بثمانية أشهر وإحدى وعشرين يوما، وكان عمره بضعا وثمانين سنة، ثم توفيت خديجة بعد أبي طالب بثلاثة أيام وكان موتها قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين، وقال ابن كثير: مرادهم قبل أن تفرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء. وأبو طالب اسمه عبد مناف، وهو أخو عبد الله لأمه، وكان له من الولد: طالب مات كافرا وجعفر وعلي وأم هانئ اسمها فاختة، وقيل هند، وقيل فاطمة، وهو الذي كفل رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعد وفاة جده عبد المطلب، وذهب بعض الشيعة إلى أنه مات مسلما، والذي صح في البخاري يخالفه. م: (لكن يغسل غسل الثوب النجس ويلف في خرقة) ش: بإفاضة الماء عليه وبغير الوضوء، وغير البداية بالميامن، وغير التثليث، ويلف في خرقة من غير مراعاة اعتبار التكفين من اعتبار عدد وغير حنوط وكافور م: (وتحفر له حفيرة) ش: من غير مراعاة ترتيب القبر، وأشار إلى ذلك كله بقوله: م: (من غير مراعاة سنة التكفين واللحد) ش: وهذا يتعلق بالمسألتين، مسألة اللف في الخرقة، ومسألة حفر القبر م: (ولا يوضع فيه) ش: أي في اللحد، يعني لا يجعل له لحد حتى يوضع فيه م: (بل يلقى) ش: في الحفيرة كما تلقى الجيفة، وبقولنا قال الشافعي. وقال مالك وأحمد: ليس لولي الكافر غسله ولا دفنه، ولكن قال مالك بل لو مواراته، ولم يبين في الكتاب أن ابن المسلم إذا مات وله أب كافر هل يمكن أبوه من القيام بغسله وتجهيزه؟ ينبغي أن لا يمكن من ذلك، بل يفعله المسلمون لأن «ابن اليهودي لما آمن برسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عند موته قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصحابه: ادفنوه» كذا في " المبسوط " و " الذخيرة "، ولم يحل بينه وبين والده اليهودي. ويكره أن يدخل الكافر في قبر قريب المسلم ليدفنه، لأن موضع الكافر موضع اللعن، والمسلم يحتاج إلى نزول الرحمة، فيستنزه قبره من ذلك، كذا في " المبسوط " و " المحيط "، وذكر التمرتاشي لو كان هناك من يقوم بذلك من أقاربه الكفرة فالأولى للمسلم أن يدع ذلك لهم، ولكن يتبع الجنازة إن شاء، إلا إذا كان معها كفار ينبغي أن يمشي على ناحية منهم أو أمام الجنازة، ليكون معتزلا عنهم وذكر الإمام الكسائي والمحبوبي أن الكافر إنما يغسل لأنه سنة في عامة بني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] آدم ولأنه حال رجوعه إلى الله تعالى يكون ذلك حجة عليه لا تطهيرا، حتى لو وقع الماء أفسده، بخلاف المسلم إذا غسل ثم وقع فيه فإنه لا يفسده. وقيل الغسل يفسده. وكذا لو صلى وهو حامل ميت مسلم إن كان قبل الغسل لا تجوز صلاته، وبعد الغسل يجوز، بخلاف الكافر حيث لا يجوز قبل الغسل وبعده، غير أن الكافر لا ينجس في حال حياته لحمله أمانة الله تعالى ولاحتمال الإسلام، فلما ختم له بالشقاوة صار شرا من الخنزير. وفي " الخلاصة " وأما المرتد إذا قتل يحفر له حفيرة ويلقى فيها كالكلب ولا يدفع إلى من انتقل إلى دينهم ليدفنوه، بخلاف اليهودي والنصراني، وذكر في " النوازل " أنه يدفع إلى من يدين بدينهم، وقال أبو يوسف لا يدفع كما ذكرناه إذا اختلط موتى المسلمين وموتى المشركين إن وجدت علامة المسلمين وسيماهم، وهي أربع: الختان، والخضاب، وحلق العانة، ولبس السواد يصلى عليهم، هكذا ذكر في " البدائع " وغيرها. قلت: في الختان نظر لأن اليهود وبعض النصارى يختتنون. وإن لم يوجد، وكان المسلمون أكثر غسلوا كلهم وكفنوا وصلي عليهم وينوى بها المسلمون، وإن كان الكفار أكثر غسلوا ولا يصلى عليهم، وقال الشافعي: يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم وإن كان موتى الكفار أكثر يعينون بالصلاة المسلمين، وبه قال مالك وأحمد، وألزمنا ابن قدامة في " المغني " بما اختلطت الميتة بالذكيات أو ذكية بالميتات حيث لا اعتبار بالأكثر، وهو إلزام باطل، فإن الميتة إذا كانت أكثر فإنه لا يتحرى، وحكم الكل حكم الميتات، وإن كانت الذكية أكثر يتحرى، وأما إذا اختلطت أخته بالأجنبيات فالتحري إنما يكون فيها مباحا عند الضرورة، والبضع لا يستباح إلا بالضرورة فلا يجوز التحري، وإن كانوا سواء يغسلون. وهل يصلى عليهم؟ قيل: لا يصلى عليهم، وقيل: يصلى عليهم وينوي بالصلاة، الدعاء للمسلمين، وأما الدفن فلا رواية فيه في " المبسوط "، وذكر الحاكم الجليل في " مختصره " أنهم يدفنون في مقابر المشركين، وقيل في مقابر المسلمين، وقيل يتخذ لهم مقبرة على حدة وتسوى قبورهم، ولا تسنم، وهو قول أبي جعفر الهندواني. وأصل الاختلاف في كتابية تحت مسلم ماتت حبلى لا يصلى عليها بالإجماع، لكنها تغسل وتكفن، واختلف الصحابة في دفنها، قال بعضهم: تدفن في مقابر المسلمين ترجيحا للولد المسلم، وقيل: في مقابر المشركين، وقال عقبة بن عامر وواثلة بن الأسقع: يتخذ لها قبر على حدة، وهذا أحوط، وفي بعض كتب المالكية: يجعل ظهرها إلى القبلة لأن وجه الجنين إلى ظهرها، وهو حسن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فروع أخرى: وجد قتيل في دار الإسلام إن كان عليه سيما المسلمين يغسل ويكفن ويصلى عليه وإن لم يكن ففيه روايتان، والصحيح أنه مسلم بحكم الدار، وإن وجد في دار الحرب، فإن كان عليه سيما المسلمين فكذلك بالإجماع، وإن لم يكن ففيه روايتان والصحيح أنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عيه ولا يدفن في مقابر المسلمين، ويعمل بالسيما وحدها بالإجماع، وفي الدار وحدها روايتان، والصحيح العمل بها بغلبة الظن. وفي " القنية ": حضرت صلاة في وقت صلاة المغرب قيل تقدم على سنة المغرب، وقيل تقدم السنة عليها، ولا خلاف في تقديم صلاة المغرب عليها، وتقدم صلاة العيد عليها، وتقدم هي على الخطبة ولو جهز الميت صبيحة يوم الجمعة، يكره تأخير الصلاة عليه ودفنه إلى وقت صلاة الجمعة، ولو خافوا فوات وقت الجمعة بسبب دفنه أخروا دفنه. اتباع الجنائز أفضل من النوافل إذا كانوا بجوار أو قرابة أو صلاح مشهور وإلا فالنوافل أفضل، يكره الصلاة على الجنازة قبل طلوع الشمس وزوالها وغروبها، وإن صلوا فيها جازت، وكرهها في هذه الأوقات عطاء والنخعي والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق، ورخص فيه مالك بعد العصر ما لم تصفر، وبعد الصبح ما لم يسفر، وقال الشافعي: يصلى عليها في أي ساعة كانت من ليل أو نهار. وفي " مختصر الزعفراني " تعاد الصلاة عليها في وقت آخر، وفي الأصل لا تعاد ولا تكره بعد صلاة الفجر قبل طلوع الشمس ولا بعد صلاة العصر قبل تغير الشمس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 فصل في حمل الجنازة / 50 وإذا حملوا الميت على سريره أخذوا بقوائمه الأربع بذلك وردت السنة، وفيه تكثير الجماعة وزيادة الإكرام والصيانة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: السنة أن يحملها رجلان يضعها السابق على أصل عنقه والثاني على صدره   [البناية] [فصل في حمل الجنازة] [كيفية حمل الجنازة] م: (فصل في حمل الجنازة) ش: أي هذا فصل في بيان حمل الجنازة يعني في بيان كيفية حملها، ولما فرغ من بيان كيفية الصلاة عليها شرع في بيان كيفة حملها على الترتيب. م: (وإذا حملوا الميت على سريره أخذوا بقوائمه الأربع) ش: معناه يرفعونه أخذا باليد لا وضعا على العنق كما تحمل الأثقال، كذا قال الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير ". وقال السغناقي: ولأن عمل الناس اشتهر بهذه الصفة، وهو أيسر عل الحاملين المتداولين بينهم، وأبعد عن تشبيه حمل الجنازة بحمل الأثقال، وقد أمرنا بذلك، ولهذا كره حملها على الظهر أو على الدابة م: (بذلك وردت السنة) ش: أي بأخذها بقوائم السرير الأربع جاءت السنة، وهو ما رواه أبو داود والطيالسي وابن ماجه والبيهقي من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: «من اتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها، فإنها من السنة، ثم إن شاء فليبطئ، وإن شاء فليسرع» هذا لفظ ابن ماجه. وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن أبي الدرداء نحوه، وفي " العلل " لابن الجوزي مرفوعا عن ثوبان وأنس نحوه، وإسنادهما ضعيف. وروى الطبراني في " الأوسط " عن أنس مرفوعا «من حمل جوانب السرير الأربع كفر الله عنه أربعين كبيرة» . وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " وعبد الرزاق أيضا من طريق الأزدي قال: رأيت ابن عمر في جنازة يحمل بجوانب السرير الأربع. وروى عبد الرزاق من طريق ابن المهزم عن أبي هريرة من حمل الجنازة بجوانبها الأربع فقد مضى الذي عليه. م: (وفيه تكثير الجماعة) ش: أي وفي الأخذ بقوائمه الأربع تكثير الجماعة حتى لو لم يتبعها أحد كان هؤلاء جماعة م: (وزيادة الإكرام) ش: حيث لم يحمل مثلما يحمل الأثقال م: (والصيانة) ش: أي وصيانة الميت عن السقوط والانقلاب. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: السنة أن يحملها رجلان يضعها السابق على أصل عنقه والثاني) ش: أي الذي يتلو السابق م: (على صدره) ش: فتكون محمولة على رجلين، وقال النووي التربيع جائز، وفي الأفضل ثلاثة أوجه، والصحيح الذي قطع به أكثرهم الحمل بين العمودين، والثاني التربيع أفضل حكاه إمام الحرمين، وقال وهو ضعيف لا أصل له، والثالث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 لأن جنازة سعد بن معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هكذا حملت. قلنا: كان ذلك لازدحام الملائكة عليه   [البناية] هما سواء في الفضيلة، حكاه الرافعي، والأفضل مطلقا الجمع بين الوجهين، وهو أن يحملها خمسة واحد بين العمودين، وأربعة من جوانبها، وقيل: أن تحمل تارة بين العمودين وتارة بالتربيع، ولا يحصل بين العمودين إلا بالثلاثة في الصحيح، وقال الدارمي وأبو إسحاق المروزي: يحصل باثنين. وقال النووي: وهذا ضعيف شاذ مردود، وحملها بين العمودين هو أن يجعل الحامل رأسه بين عمودي مقدمة النعش، ويجعلها على كاهله، ويحمل مؤخرة النعش رجلان أحدهما من الجانب الأيمن والآخر من الجانب الأيسر، ولا يتوسط المؤخرتين أحد، لأنه لا يرى ما بين قدميه، بخلاف المقدمين، وفي " الحلية " الحمل بين العمودين أفضل، وقال أحمد: التربيع أفضل، وقال النخعي: يكره الحمل بين العمودين، وهو قول أبي حنيفة. وقال في " المغني ": التربيع أخذهما بجوانب السرير الأربعة، وهو سنة في حمل الجنازة، وقال في " ذخيرة المالكية ": هو أفضل من حملها بين العمودين، قال: وبه قال أكثرهم كالحسن والنخعي والثوري وأحمد وإسحاق - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: وكرهوا حملها بين العمودين، وهو قول ابن مسعود وابن عمر وابن جبير، وعن أحمد روايتان. وفي " شرح مختصر الكرخي " يكره أن يحمل بين عمودي السرير من مقدمه أو مؤخره، لأن السنة فيه التربيع، وفي " الذخيرة " قال محمد رأيت أبا حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعل هكذا، وذلك دليل قوله ضعه. وقال في " قاضي خان " قال يعقوب: رأيت أبا حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعل ذلك لتواضعه. قلت: أو لزيادة الأجر، والحاصل أن السنة عندنا أن يحملها أربعة من جوانبها الأربعة، وقالوا: ينبغي أن يحملها الإنسان من كل جانب عشر خطوات، لما روي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «من حمل الجنازة أربعين خطوة كفرت عنه أربعين كبيرة» رواه أبو بكر النجاد. م: (لأن جنازة سعد بن معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هكذا حملت) ش: يعني بين العمودين، رواه الشافعي عن بعض الصحابة «عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين» ورواية ابن سعد عن الواقدي عن ابن أبي حبيبة عن شيوخ من بني عبد الأشهل وسعد ابن معاذ بن النعمان أبو عمرو الأنصاري الأزدي سيد الأوس شهد بدرا والمشاهد ورمي يوم الخندق بسهم فعاش شهرا، ثم انتقض جرحه ومات، رماه حبان بن العرقة العامري. م: (قلنا كان ذلك لازدحام الملائكة عليه) ش: هذا جواب عما رواه الشافعي بطريق التسليم، وتقريره أنه كان ذلك بسبب الطريق بازدحام الملائكة، حتى كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 ويمشون به مسرعين دون الخبب لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين سئل عنه قال: ما دون الخبب.   [البناية] يمشي على رؤوس وصدور قدميه، وعندنا في حالة الضرورة، لضيق الطريق أو لقلة الحاملين لا بأس بأن يحمل الجنازة رجلان. وأما الجواب بطريق المنع فهو أي الذي رواه الشافعي ضعيف لا يصلح للحجة ضعفه البيهقي وغيره، حتى قال النووي: ليس في حمل الجنازة بين العمودين نص ثابت عن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وقال الشافعي: الحمل عبادة، وما قلنا أوثق على الندب فكان أفضل، والجواب عما ذكر أن ما قلنا راجع إلى أصل العبادة، وما قاله راجع إلى وصف العبادة فكانت الصيانة أولى من الاكتساب زيادة المشقة، كذا ذكره شيخ الإسلام والمحبوبي. [الإسراع بالجنازة] م: (ويمشون به مسرعين) ش: أي الذين يحملون الميت يمشون به حال كونهم مسرعين، لما روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخبر تقدمونها، وإن يك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم» ولما كان الإسراع يتناول الخبب وما دونه قيده بقوله: م: (دون الخبب) ش: بفتح الخاء المعجمة، والباء الموحدة وهو ضرب من العدو، يقول خبب الفرس يخبب بالضم خب خبا وخببا وخبيبا، قاله الجوهري، وفي " المغرب ": الخبب ضرب من العدو دون العنق، والعنق خطو مع سرعة. وفي " المغني " لا خلاف بين الأئمة في استحباب الإسراع بها، وقال بعض الحنابلة يخب ويرمل، وروي عن النخعي: بطئوا بها ولا تدبوا دبيب اليهود والنصارى. وفي " المبسوط " ليس في المشي بالجنازة شيء مؤقت غير أن العجلة أحب إلي من الإبطاء، وفي " التحفة " الإسراع بالميت سنة ويكون دون الخبب. وفي " البدائع " و " جوامع الفقه " يسرع بالميت لا يضطرب على الجنازة، وهو قول جمهور العلماء. م: (لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حين سئل عنه قال: ما دون الخبب» ش: أي سئل عن المشي بالجنازة فقال ما دون الخبب، رواه أبو داود والترمذي «عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: سألنا نبينا عن المشي بالجنازة، فقال ما دون الخبب إن يكن خيرا تعجل إليه، وإن يكن غير ذلك فبعدا لأهل النار» وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث عبد الله بن مسعود إلا من هذا الوجه، وقال: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يضعف حديث ابن ماجه هذا. وقال البيهقي: هذا حديث ضعيف. قلت: راوي هذا الحديث عن ابن مسعود هو أبو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 وإذا بلغوا إلى قبره يكره للناس أن يجلسوا قبل أن يوضع عن أعناق الرجال لأنه قد تقع الحاجة إلى التعاون والقيام أمكن منه   [البناية] ماجدة الحنفي ويقال العجلي، قال الحميدي عن ابن عيينة قلت ليحيى بن عبد الله الجابر: الذي روى هذا الحديث أبو ماجدة من أبو ماجدة؟ قال: شيخ طرأ علينا، وهو منكر الحديث. وقال الدارقطني: مجهول متروك، وقال الترمذي: مجهول. وقال أبو أحمد الكرابيسي: حديثه ليس بالقائم. فإن قلت: روى البخاري ومسلم من رواية عطاء قال: حضرن مع ابن عباس جنازة ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بسرف، فقال ابن عباس: هذه ميمونة إذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوه، ولا تزلزلوه، وارفقوا. وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن محمد بن فضيل عن بنت أبي بردة عن أبي موسى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال «مر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بجنازة وهي تمحض كما يمحض البرق، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عليكم بالفضل في جنائزكم» وهذا يدل على استحباب الرفق في الجنازة، وترك الإسراع، فكيف الجمع بين ذلك وبين ما تقدم من الحديث؟ قلت: أما قول ابن عباس فإنه أراد بالرفق في كيفية الحمل لا في كيفية المشي، فإنه خشي أن يسقط أو ينشكف النعش عنها أو نحو ذلك، أو أن هذا رأي لابن عباس، والحديث المرفوع أولى بالاتباع. وأما حديث أبي موسى، فإنه منقطع بين بنت أبي بردة وبين أبي موسى، ومع ذلك فظاهره أنه كان يفرط في الإسراع بها. [الجلوس قبل وضع الجنازة عن الأعناق] م (وإذا بلغوا إلي قبره يكره للناس أن يجلسوا قبل أن يوضع عن أعناق الرجال، لأنه قد تقع الحاجة إلى التعاون) ش: في الحمل لأن فيه إظهار العناية لأمر الميت. وكره الجلوس قبل وضعها الحسن بن علي وأبو هريرة وابن الزبير وابن عمر والنخعي والشعبي، والأوزاعي وأحمد وإسحاق، وقال مالك والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لا بأس بالجلوس قبل أن يوضع، وقال ابن شعبان: لا ينزل الراكب حتى يوضع. ولنا ما روى أبو داود، ثنا أحمد بن يونس ثنا زهير ثنا سهيل بن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا تبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع» قال أبو داود: وروى الثوري هذا الحديث عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: «حتى توضع بالأرض» . ورواه أبو معاوية عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة «حتى توضع في اللحد» وسفيان أحفظ من أبي معاوية واسمه محمد بن حازم الضرير. م: (والقيام أمكن منه) ش: أي من الجلوس، يعني أن التعاون في حال القيام أمكن من التعاون في حال الجلوس، فلا جرم كره الجلوس قبل وضع الجنازة عن أعناق الرجال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 قال: وكيفية الحمل أن تضع مقدم الجنازة على يمينك، ثم مؤخرها على يمينك ثم مقدمها على يسارك، ثم مؤخرها على يسارك إيثارا للتيامن، وهذا في حالة التناوب.   [البناية] م: (قال وكيفية الحمل أن تضع مقدم الجنازة على يمينك ثم مقدمها على يسارك ثم مؤخرها على يسارك إيثارا للتيامن) ش: هذا لفظ " الجامع الصغير " بلفظ الخطاب خاطب به أبو حنيفة أبا يوسف - رحمهما الله -، قال في " الذخيرة ": مقدم الجنازة على يمينك ثم مؤخرها على يمينك نحو ما في المتن، ثم قال: هو السنة عند كثرة الحاملين إذا تناوبوا في حملها، وإليه أشار بقوله: م: (وهذا في حالة التناوب) ش: يعني حملها على الوجه المذكور إذا تناوب الحاملون، وإنما بدأ بالمقدم لأن المقدم بالأولى، والابتداء بالأول أولى، وإنما بدأ بالميامن لأن الله يحب التيامن. وفي " الفتاوى الصغرى " ويبدأ في حمل الجنازة بالميامن، والمراد بالميامن يمين الميت لا يمين الجنازة، لأن يمين الميت على يسار الجنازة، ويساره على يمين الجنازة، وفي " النهاية " ثم اعلم أن في حمل الجنازة سنن، هذا بعد السنة وكمالها، أما نفس السنة هي أن تؤخذ الجنازة بقوائمها الأربع على طريق التعاقب، بأن تحمل في كل جانب عشر خطوات، جاء في الحديث: «من حمل جنازة أربعين خطوة كفرت له أربعين كبيرة» . قلت: قد ذكرنا فيما مضى أن الطبراني أخرج هذا عن أنس مرفوعا قال: وهذا يتحقق في حق الجميع، وأما كمال السنة فلا يتحقق إلا في حق الواحد فلذلك لا تكون البداية بها إلا للواحد، فافهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 فصل في الدفن ويحفر القبر ويلحد لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللحد لنا والشق لغيرنا»   [البناية] [فصل في الدفن] [المفاضلة بين اللحد والشق] م: (فصل في الدفن) ش: أي هذا فصل في بيان دفن الميت، ولما فرغ من بيان حمل الميت شرع في بيان دفنه على الترتيب المقصود منه ستر سوءة الميت، وإليه الإشارة في قَوْله تَعَالَى: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ} [المائدة: 31] [المائدة: 31] ، وهو واجب إجماعا. م: (ويحفر القبر ويلحد) ش: كلاهما مجهولان لكن يلحد يحتمل أن يكون مجهول الثلاثي المجرد وهو لحد، ويحتمل أن يكون من المزيد فيه وهو ألحد وكلاهما متعد، يقال لحد القبر وألحده وقبر ملحود وملحد، وألحد الميت وألحد له لحدا، ولحد الميت وألحده جعله في اللحد. وذكر النووي أن اللحد بفتح اللام وضمها وصفة اللحد أن تحفر حفيرة في القبر في جانب القبلة، ويوضع الميت فيها، ويقال اللحد طول الإنسان أو أكثر قليلا في جانب القبر من جهة القبلة. واختلفوا في عمق القبر ففي " الروضة " عمقه قدر نصف قامة، وفي " الذخيرة " إلى صدر الرجل وسط القامة قال: فإن زاد فهو أفضل، وإن عمقوا مقدار قامة هو أحسن، وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: يعمق القبر إلى صدر الرجل، ذكره في " الذخيرة "، وبه قال الحسن وابن سيرين، وعن عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لما مات ابنه إبراهيم أوصى أن يحفروا قبره إلى السرة، ولا يعمقوا قال: ما على ظهر الأرض أفضل مما أسفل منها، وعنه احفروا ولا تعمقوا، فإن خير الأرض أعلاها وشرها أسفلها، ذكره في " الذخيرة " للمالكية، وفي " المغني " يحفر إلى صدر الرجل والمرأة سواء. وقال مالك: ليس بمحدد [ .... ... ] ، وقال الشافعي: قامة. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اللحد لنا والشق لغيرنا» ش: هذا الحديث روي عن ابن عباس وجرير بن عبد الله البجلي وعائشة وابن عمر وجابر، فحديث ابن عباس رواه الأئمة الأربعة حدثنا أبو داود عن إسحاق بن إسماعيل، والترمذي عن أبي كريب وغيره، والنسائي عن عبد الله بن محمد الأذرمي، وابن ماجه عن محمد بن عبد الله بن نمير كلهم عن حكام بن سلم عن علي بن عبد الأعلى عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اللحد لنا والشق لغيرنا» ، وقال الترمذي: حديث ابن عباس حديث حسن غريب من هذا الوجه. وحديث جرير عند ابن ماجه وحديث عائشة وابن عمر عند ابن أبي شيبة في " مصنفه " وحديث جابر عند أبي حفص بن شاهين، وورد في اللحد للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن جماعة من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الصحابة، وهم سعد بن أبي وقاص وأنس بن مالك وأبو طلحة، وبريدة بن الحصيب والمغيرة بن شعبة وابن عباس، «فحديث سعد عن مسلم والنسائي، وابن ماجه عنه قال في مرضه الذي هلك فيه ألحدوا لي لحدا، وأنصبوا علي اللبن نصبا كما فعل برسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» -. وحديث أنس عند ابن ماجه من رواية مبارك بن فضالة عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: «لما توفي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان في المدينة رجل يلحد، وآخر يضرح، فقالوا نستخير ربنا، ونبعث إليهما، فأيهما سبق تركناه، فأرسل إليهما فسبق صاحب اللحد، فلحدوا للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» -. وحديث أبي طلحة عند ابن سعد في " الطبقات "، قال: أنا محمد بن عمر قال: ثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة «عن أبي طلحة، قال: اختلفوا في الشق واللحد للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فقال المهاجرون: شقوا كما تحفر أهل مكة، وقالت الأنصار: ألحدوا كما نحفر بأرضنا، فلما اختلفوا في ذلك قالوا: اللهم خره لنبيك، ابعثوا إلى أبي عبيدة، وإلى أبي طلحة فأيهما جاء قبل الآخر فيعمل عمله، قال: فجاء أبو طلحة فقال: والله إني لأرجو أن يكون الله قد جاز لنبيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه كان يرى اللحد فيعجبه» . وحديث بريدة عند البيهقي من حديث علقمة بن يزيد عن بريدة عن أبيه قال: «أدخل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قبل القبلة، وألحد له لحدا، ونصب عليه اللبن نصبا» قال البيهقي وأبو بردة، هذا هو عمرو بن يزيد التميمي الكوفي، وهوضعيف في الحديث، ضعفه يحيى بن معين وغيره. وحديث المغيرة عند ابن أبي شيبة في " مصنفه " قال: لحدنا النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وحديث ابن عباس عند ابن ماجه قال: «لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعثوا إلى أبي عبيدة ابن الجراح وكان يضرح بضريح أهل مكة، وبعثوا إلى أبي طلحة وكان هو الذي يحفر لأهل المدينة وكان يلحد، فبعثوا إليهما رسولين، فقالوا: اللهم خره لرسولك، فوجدوا أبا طلحة، فجيء به ولم يوجد أبو عبيدة، فلحد لرسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» -. قوله اللحد لنا يعني لأجل أموات المسلمين والشق لهم، يعني لأجل أموات الكفار، ولو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 ويدخل الميت مما يلي القبلة خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن عنده يسل سلا لما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سل سلا.   [البناية] شقوا لمسلم يكون تركا للسنة، اللهم إلا إذا كانت الأرض رخوة لا تحمل اللحد، فإن الشق حينئذ يتعين، والشق أن يحفر حفرة في وسط القبر ويوضع فيها الميت. وفي " المبسوط ": وصفة الشق أن يحفر حفيرة كالنهر في وسط القبر ويبنى جانباه باللبن أو غيره، ويوضع الميت فيه، وقال فخر الإسلام في " الجامع الصغير ": وإن تعذر اللحد فلا بأس بتابوت يتخذ للميت، لكن السنة أن يفرش فيه التراب، واللحد أفضل عند الأئمة الأربعة من الشق، وقال صاحب " المبسوط " و " المحيط " و " البدائع " وغيرهم عن الشافعي أن الشق أفضل عنده، وهكذا نقله القرافي في " الذخيرة " عنه، وقال النووي في " شرح المهذب ": أجمع العلماء على أن اللحد والشق جائزان، لكن إن كانت الأرض صلبة لا ينهار ترابها، فاللحد أفضل، وإن كانت رخوة ينهار فالشق أفضل. قلت: ينبغي أن يتعين الشق حينئذ. وقال صاحب " المنافع " اختاروا الشق في ديارنا لرخاوة الأرض فيتعذ اللحد فيها حتى أجازوا الآجر ودفون الخشب واتخاذ التابوت ولو كان من حديد، ومثله في " المبسوط "، ويكون التابوت من رأس المال إذا كانت الأرض رخوة أو ندية منع كون التابوت في غيرها مكروها في قول العلماء قاطبة، وقال أحمد: إن كانت الأرض رخوة جعل له من الحجارة شبه اللحد، قال: ولا أحب الشق، وفي " قاضي خان " ينبغي أن يفرش فيه التراب ويطين الطبقة العليا مما يلي الميت، ويجعل اللبن الخفيف على يمين الميت ويساره ليصير مثل اللحد وفي " المحيط " واستحسن مشايخنا اتخاذ التابوت للنساء، فإنه أقرب إلى الستر والحرز عند الوضع في القبر. [كيفية الدفن] م: (ويدخل الميت مما يلي القبلة) ش: يعني موضع الجنازة في جانب القبلة من القبر، ويحمل منه الميت فيوضع في اللحد وهو مذهب علي بن أبي طالب ومحمد بن الحنفية وإسحاق بن راهوية وإبراهيم التيمي وابن حبيب م: (خلافا للشافعي) ش: يعني خالفنا في ذلك خلافا للشافعي، وانتصاب خلافا بالفعل الذي ذكرناه م: (فإن عنده يسل سلا) ش: أي فعند الشافعي يسل الميت سلا، وهو أن يوضع رأس الميت عند رجل القبر وهو طرفه الذي يكون فيه رجل الميت ثم سل من قبل رأسه سلا، والسل إخراج الشيء من الشيء بجذب، وأريد هنا إخراج الميت من الجنازة إلى القبر، ومنه سل سيفه إذا نزعه من غمده، وبقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال أحمد: لا بأس بذلك كله، ومالك خير بين ذلك، وبه قالت الظاهرية. م: (لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سل سلا) ش: روى الشافعي في " مسنده " أنا الثقة عن عمر ابن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس قال: «سل رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قبل رأسه» أنا مسلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 ولنا أن جانب القبلة معظم فيستحب الإدخال منه   [البناية] بن خالد الزنجي وغيره عن ابن جريج عن عمران بن موسى «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سل من قبل رأسه، والناس بعد ذلك» أنا بعض أصحابنا عن أبي الزناد وربيعة وأبي النضر لا خلاف بينهم في ذلك أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «سل من قبل رأسه» وكذلك أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ومن طريق الشافعي رواها البيهقي وقال: هذا هو المشهور فيما بين أهل الحجاز. م: (ولنا أن جانب القبلة معظم فيستحب الإدخال به) ش: هذا دليل عقلي، ولم يذكر دليلا نقليا، غير أن أجاب عن احتجاج الشافعي في السل فيقول رويت أحاديث، وأشار بذلك على ما ذهب إليه أصحابنا، فمن الأحاديث ما رواه ابن ماجه في " سننه " حدثنا هارون بن إسحاق ثنا المحاربي عن عمرو بن قيس عن عطية عن أبي سعيد أن «رسول الله أخذ من قبل القبلة واستقبل استقبالا» . ومنها ما رواه الترمذي حدثنا أبو كريب ومحمد بن عمرو السواق قالا: حدثنا يحيى بن اليمان عن المنهال بن خليفة عن الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن ابن عباس «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج، فأخذه من قبل القبلة، وقال: رحمك الله إن كنت لأواها تلاء للقرآن " وكبر عليه أربعا» وقال: حديث حسن. ومنه ما رواه الجلال في " جامعه " عن عبد الله بن مسعود أنه سمع رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو في قبر عبد الله ذي البجادين، [ ..... ] وهو يقول أدنيا مني أخاكما حتى أسنده في لحده وأخذه من قبل القبلة، ومن الآثار ما رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن عمر بن سعد أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كبر على يزيد بن المكفف أربعا وأدخله من قبل القبلة. وأخرج أيضا عن ابن الحنفية أنه ولي أمر ابن عباس فكبر عليه أربعا وأدخله من قبل القبلة، وأخرج عن إبراهيم النخعي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أدخل من قبل القبلة وقال أخبرني من رأى أهل المدينة يأخذون بالميت من القبلة ثم رجعوا على السل لضعف أرضهم: قوله جانب القبلة معظم، لأن جهتها أشرف الجهات فكانت أفضل فحينئذ المستحب إدخال الميت من جانب القبلة. فإن قلت روى أبو داود عن عبد الله بن زيد الخطمي الأنصاري الصحابي أنه صلى على الجنازة ثم أدخله القبر من قبل رأسه وقال إنه من السنة، وقال البيهقي: إسناده صحيح. قلت: ما روينا من الآثار يعارض هذا، فلا يتم به الاستدلال على أن إبراهيم التيمي أنكر السل، وقال ابن حزم في " المحلى ": حديث السل لا يصح، فإن صح ففيه أجوبة على ما نذكرها عن قريب إن شاء الله تعالى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 واضطربت الروايات في إدخال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإذا وضع في لحده يقول واضعه بسم الله وعلى ملة رسول الله، كذا قاله رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: حين وضع أبا دجانة في القبر   [البناية] م: (واضطربت الروايت في إدخال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: إضافة إدخال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من إضافة المصدر إلى المفعول أي في إدخال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قبره، ووجه الاضطراب ما روي «أنه سل سلا» وما روي «أنه أدخل من قبل القبلة» فلما تعارضت الروايات لا يكون المحتمل حجة للخصم، على أنا نقول أحاديث السل غير صحيحة، ولئن سلمنا فالجواب عنها من وجوه. الأول: أن ما رواه الخصم ما فعل الصحابة أو قوله: وما رويناه فعل رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وليس لأحد كلام معه: الثاني: أنه يحتمل ما رواه فعل خوفا فمن إقامتها لرخاوة الأرض. الثالث: لم يكن من جهة القبلة ما يسع فيه وضع الجنازة لقرب الحائط. وفي " الدراية ": وإن صح ما رواه قائما كان ذلك لأجل الضرورة، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مات في حجرة عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - من قبل الحائط، وكانت السنة في دفن الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - أن يدفنوا في الموضع الذي قبضوا فيه، فلم يتمكنوا من وضع السرير قبل القبلة لأجل الحائط فلهذا سل، ولا يدخل الميت من جانب القبلة لما روي عن ابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إن الميت يدخل من قبله القبلة» وفي " الإيضاح " روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «شهد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على جنازة رجل وقال: يا علي استقبل به القبلة استقبالا وقولوا جميعا بسم الله وعلى ملة رسول الله، وضعوه لجنبه ولا تكبوه بوجهه، ولا تلقوه بظهره» . م: (فإذا وضع) ش: أي الميت م: (في لحده يقول واضعه: بسم الله على ملة رسول الله) ش: أي بسم الله وضعناك، وعلى ملة رسول الله سلمناك، وروى الحسن عن أبي حنيفة بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله. م: (كذا قاله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين وضع أبا دجانة في القبر) ش: هذا وهم فاحش، فإن أبا دجانة قتل شهيدا يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة في خلافة أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذكره ابن أبي خيثمة في " تاريخه ". وفي " معجم الطبراني " ترجمة أبي دجانة استدعى محمد بن إسحاق قال في تسمية من استشهد يوم اليمامة من الأنصار أبو دجانة واسمه سماك بكسر السين المهملة ابن خرشة بفتح الخاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] المعجمة والراء والشين المعجمة. واليمامة بفتح الياء آخر الحروف مدينة بالبادية، يعني مقام مسيلمة الكذاب، وهي بلاد بني حنيفة وهي أكثر نخلا من سائر الحجاز، ولما تنبأ بها أرسل إليه أبو بكر خالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ووقع بينه، وبين قومه قتال طويل. وآخر الأمر تقدم إليه وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم قاتل حمزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فرماه بحربة فأصابته وخرجت من الآخر وسارع إليه أبو دجانة فضربه بالسيف فسقط واستشهد أبو دجانة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأقر هذا الوهم التقليد، فإن شيخ الإسلام ذكر هكذا في " المبسوط ". وكذا ذكره صاحب " البدائع " والذي وضعه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في قبره هو ذو البجادين واسمه عبد الله، وكان اسمه عبد العزى، فسماه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عبد الله، ولما أسلم عند قومه جردوه وألبسوه بجادا وهو الكساء الغليظ فهرب منهم، مات في غزوة تبوك، والبجاد بكسر الباء الموحدة وبالجيم. قال ابن الأثير: لما أراد المصير إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قطعت أمه بجادا لها فقيل: فارتدى إحداهما واتزر بالأخرى. وقد روي في هذا الباب حديث ابن عمر من طريق فروى ابن ماجه من حديث الحجاج بن أرطاة عن نافع عن ابن عمر قال: كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا دخل الميت القبر قال: " بسم الله وعلى ملة رسول الله» ، ورواه الترمذي، وزاد لفظ «بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله» وقال: حسن غريب من هذا الوجه. ورواه أبو داود في " سننه " من حديث همام عن قتادة عن أبي الصديق الناجي عن ابن عمر نحوه بلفظ «بسم الله وعلى سنة رسول الله» وبهذا الإسناد رواه ابن حبان في " صحيحه ". ورواه الحاكم في " المستدرك " بلفظ: «إذا وضعتم موتاكم في قبوركم فقولوا: بسم الله، وعلى ملة رسول الله» ، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وهمام بن يحيى ثبت مأمون إذا أسند مثل هذا الحديث لا يعلل بأحد إذا أوقفه شعبة، ورواه البيهقي، وقال: تفرد برفعه همام بن يحيى بهذا الإسناد وهو ثبت إلا أن شعبة وهشاما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الدستوري روياه عن قتادة موقوفا على ابن عمر، وقال الدارقطني في الموقوف هو المحفوظ. قلت: روه ابن حبان في " صحيحه " من حديث شعبة عن قتادة به مرفوعا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا وضع الميت في قبره قال: «بسم الله وعلى ملة رسول الله» ، روى الطبراني في " الأوسط " من حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا بلفظ الحاكم. وروى الطبراني أيضا من «حديث عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه قال: قال لي أبو اللجلاج بن خالد يا بني إذا أنا مت فالحد لي، فإذا وضعتني في اللحد فقل بسم الله وعلى ملة رسول الله، ثم سن على التراب سنا ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمها فإني سمعت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول ذلك» . قلت: الحلاج أبو العلاء العامري صحابي نزل دمشق روى عنه ابناه العلاء وخالد. 1 - فروع: إذا انتهوا بالميت إلى قبره فلا يضر وتر دخله أو شفع، لأن المعتبر حصول الكفاية. وفي " الذخيرة " وقد صح أنه دخل قبره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أربع علي والعباس وابنه الفضل، واختلفوا في الرابع. ذكر شمس الأئمة الحلواني: أن الرابع صالح مولى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وذكر شيخ الإسلام خواهر زاده: أن الرابع صهيب، وذكر شمس الأئمة السرخسي: أن الرابع المغيرة بن شعبة، أو أبو رافع، وفي رواية أبي داود «دخل قبره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علي، والفضل، وأسامة، وابن عبد الرحمن بن عوف معهم، فصاروا أربعة» . وفي بعض روايات البيهقي، «عن علي، ولي دفنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أربع علي والعباس والفضل، وصالح مولى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» - كما ذكره الحلواني، وعن ابن عباس، أنهم كانوا أربعة، علي، والفضل، وقثم بن عباس، وشقران مولى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وهو بضم الشين لقب صالح مولاه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وفي " المعارضة ": وقد أدخل قبره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أربعة رجال كبراء علي والفضل ابنا عمه وعبد الرحمن بن عوف وأسامة مولاه، وقال الشافعي: يستحب في ذلك الوتر، فإن تعذر فواحد، وإلا فثلاثة، والحجة عليه ما ذكرناه، وذو الرحم المحرم أولى بوضع المرأة في القبر، وفي " الواقعات ": فأهل الصلاح من جوانبها تلي دفنها وإن لم يكن لها محرم يضعها الأجانب. ذكر في " المحيط " أو المحرم من غير رحم ولا يدخل القبر امرأة ولا كافر وإن كانا قريبين ذكره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 /   [البناية] القدوري في " شرحه "، والعتابي في " جوامع الفقه "، وقال مالك كذلك، إلا أن يوجد من قواعد النساء، من تطيق ذلك من غير كلفة، والأصح من قول أحمد لا يباشرها فيها النساء. وفي " شرح المهذب " للنووي الأولى أن يتولى الدفن الرجال، سواء كان الميت رجلا أو امرأة، وهذا لا خلاف فيه، وقال " صاحب البيان " قال الصيدلاني: ويتولى النساء حمل المرأة من المغتسل إلى الجنازة وتسلمها إلى رجل في القبر. قال صاحب " البيان " ولم أر هذا لغير الصيدلاني، قالوا: وقد نص الشافعي على مثلما قاله الصيدلاني في " الأم ". وفي " الينابيع ": السنة أن يفرش في القبر التراب، وفي كتب الشافعية والحنابلة يجعل تحت رأسه لبنة أو حجر، قال السروجي: ولم أقف عليه عن أصحابنا، وفي " المبسوط " و " البدائع " وغيرهما: لو وضع في قبره لغير القبلة أو على شقه الأيسر أو جعل رأسه في موضع رجليه وهيل عليه التراب لا ينبش قبره لخروجه من أيديهم، فإن وضع اللبن ولم يهل التراب عليه نزع اللبن، وتراعى السنة في وضعه ويغسل إن لم يكن غسل، وقول أشهب، ورواه ابن نافع عن مالك. وقال الشافعي: يجوز نبشه إذا وضع لغير القبلة، وإن وقع متاع القوم في القبر لا ينبش بل يحفر من جهة المتاع ويخرج، كذا في " المبسوط ". وفي " جوامع الفقه ": لا بأس بنبشه وإخراجه، وعن المغيرة بن شعبة أنه سقط خاتمه في قبره - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فما زال بالصحابة حتى رفع اللبن وأخذ خاتمه وقبله بين عينيه، وكان يفتخر بذلك ويقول: أنا آخر عهدا برسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولو بلي الميت وصار ترابا يجوز دفن غيره في قبره وزرعه والبناء فيه وسائر الانتفاعات به، وكره أن يكون تحت رأس الميت في القبر مخدة ونحوها، هكذا ذكره " المرغيناني "، وكره ابن عباس أن يلقى تحت الميت شيء في قبره، رواه الترمذي. وعن ابن موسى: لا يجعل بينه وبين الأرض شيء، وقد جعل في قبره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قطيفة حمراء، قال: قال شقران: طرحت القطيفة تحت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في القبر، رواه الترمذي ولم يكن ذلك عن اتفاق، وقيل إنما جعلت القطيفة تحته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لأن المدينة سبخة. وقال في " المعارضة ": قد روي أن العباس وعليا تنازعوا في القطيفة فبسطها شقران تحته ليرفع الخلاف وينقطع التنازع في الميراث، قاله ابن أبي حنيفة، وقال عياض: كان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يلبسها ويفرشها، فقال شقران: والله لا يلبسك أحد بعده أبدا فألقاها في القبر، ويسند الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 ويوجه إلى القبلة، بذلك أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتحل العقدة لوقوع الأمن من الانتشار ويسوى اللبن على اللحد لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل على قبره اللبن   [البناية] الميت بالتراب أو نحوه حتى لا ينقلب ويسوى اللبن على اللحد، أي يسند اللحد من جهة القبر ويقام اللبن فيه. وفي " البدائع " ذكر شريح: وهو الإقامة، وفي " المفيد " وينصب سدا حاميا كيلا ينزل التراب على الميت، واستعمال اللبن فيه بإجماع، وقال ابن حبيب من المالكية أفضل ما يسند به اللبن ثم اللوح ثم القرامد ثم الآجر ثم الحجارة ثم القصب، وكل ذلك أفضل من التراب، والتراب أفضل من التابوت. م: (ويوجه إلى القبلة) ش: أي ويوجه الميت واضعه إلى جهة القبلة م: (بذلك أمر رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي بتوجيه الميت إلى القبلة، أمر رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وورود الأمر بذلك من رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يثبت. ولكن يستأنس له بحديث رواه أبو داود والنسائي عن عبد الحميد بن شيبان عن عبيد بن عمير بن قتادة الكتبي عن أبيه وكانت له صحبة «أن رجلا قال: يا رسول الله ما الكبائر، قال: هي التسع، فذكرها [ ..... ] البيت الحرام، ثم قال قبلتكم أحياء وأمواتا» وروى ابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخذ من قبل القبلة وأسند به القبلة، وقد ذكرناه. م: (وتحل العقدة) ش: أي ويحل واضع الميت في قبره العقدة التي كان عقدها عند التكفين خوفا من الانتشار م: (لوقوع الأمن من الانتشار) ش: بوضعه في القبر م: (ويسوى اللبن عليه، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جعل على قبره اللبن) . ش: هذا الحديث رواه ابن حبان في صحيحه عن جابر «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ألحد ونصبنا عليه اللبن نصبا ورفع قبره من الأرض نحو شبر» وأخرج أيضا عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كفن في ثلاثة أثواب سحولية وألحد له ونصب عليه اللبن» . وأخرج الحاكم في " مستدركه «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: غسلت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى أن قال: وألحد لرسول الله عيه السلام لحدا، ونصب عليه اللبن نصبا» وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه منه غير اللحد. قلت: هو وهم منه، فقد أخرج مسلم نصب اللبن أيضا «عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال في مرضه الذي مات فيه: ألحدوا إلي لحدا، وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع برسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» -: وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن الشعبي «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جعل على قبره طنا من قصب» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 ويسجى قبر المرأة بثوب حتى يجعل اللبن على اللحد ولا يسجى قبر الرجل، لأن مبنى حالهن على الستر، ومبنى حال الرجال على الانكشاف، ويكره الآجر   [البناية] م: (ويسجى قبر المرأة بثوب حتى يجعل اللبن على اللحد) ش: أي يغطى قبر المرأة بثوب إلى أن يجعل اللبن على لحدها. يقال سجى يسجي تسجية، أي غطى تغطية، والمسجى المغطى، وثلاثيه سجى، يقال سجى الليل، إذا أظلم، قال الله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى: 2] [الضحى: 2] وذكر في تفسير النسفي إذا أقبل بظلامه، وعن الضحاك غطى كل شيء، وعن قتادة إذا سكن بالخلق واستقر ظلامه، وقال الجوهري: سجى يسجو سجوا سكن ودام، وقَوْله تَعَالَى: {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى: 2] إذا دام وسكن، ومنه البحر الساجي، وسجيت الميت تسجية إذا مددت عليه ثوبا. م: (ولا يسجى قبر الرجل) ش: وبه قال مالك وأحمد، والمشهور من مذهب الشافعي أن يسجى قبر الرجل والمرأة آكد، وتعلق بحديث ضعيف، وهو ما رواه البيهقي من حديث ابن عباس قال: «جلل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبر سعد بثوبه» ثم قال: لا أحفظه إلا من حديث يحيى بن عقبة بن أبي عيزار وهو ضعيف، وحكى الرافعي وجها في اختصاصه بالمرأة، واختاره أبو الفضل، وحكى ابن المنذر عن عبد الله بن زيد وشريح كراهة ذلك للرجل. وروى عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أتاهم وقد دفنوا ميتا وبسطوا على قبره ثوبا فجذبه، وقال: إنما يصنع هذا بالنساء. وشهد أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دفن أبي زيد الأنصاري فخمر القبر بثوب فقال عبد الله بن أنس: ارفعوا الثوب، إنما يخمر النساء وأنس شاهد على شفير القبر ولا ينكر، ولأن فيه تشبها بالنساء ولهذا لا تنعش جنازته، والمرأة عورة مستورة حتى زيد في كفنها والستر يليق بالنساء إلا لضرورة، وهي الحر الشديد والمطر والثلج على الداخلين في القبر، وقد أول بعضهم حديث سعد إنما سجي لأن كفنه لم يكن ستر بدنه فسجي حتى لا يقع اطلاع أحد على شيء من أعضائه وفيه تأمل. م: (لأن مبنى حالهن) ش: أي حال النساء م: (على الستر) ش: لأنهن عورة مستورة م: (ومبنى حال الرجال على الانكشاف) ش: ولهذا إذا انشكف رأس الرجل وهو في الصلاة، أو ظهره، أو بطنه لا تبطل صلاته، بخلاف المرأة فكذلك اختصت المرأة بالنعش على جنازتها، وقد صح أن قبر فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سجي بثوب ونعش على جنازتها وأوصت قبل موتها أن تستر جنازتها واتخذوا لها نعشا من جريد النخل فبقي سنة في حق النساء. م: (ويكره الآجر) ش: بضم الجيم وتشديد الراء، قال الجوهري: الآجر الذي يبنى به فارسي معرب، ويقال أيضا آجور على فاعول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 والخشب، لأنهما لإحكام البناء، والقبر موضع البلى ثم بالآجر أثر النار يكره تفاؤلا ولا بأس بالقصب، وفي " الجامع الصغير " ويستحب اللبن والقصب.   [البناية] قلت: الآجر هوالطوب المسوى بالنار، وقال له الغرسد بالدال المهملة، وقال الجوهري الغرسد الآجر، والجمع الغراسد م: (والخشب) ش: يعني كره الآجر والخشب واللحد. م: (لأنهما) ش: أي لأن الآجر والخشب م: (لإحكام البناء والقبر موضع البلى) ش: بكسر الباء الموحدة من بلى الثوب يبلى بلى بالكسر، فإن فتحت الباء مددته. وقال الأترازي: وعند الشافعي لا يكره الآجر، ولنا أن الآجر لإحكام البناء ويقصد به البقاء، والقبر ليس بموضع البقاء، وعند بعض مشايخنا إذا جعل الآجر خلف اللبن على اللحد لا بأس به. وفي " المغني " ذكر الإمام أحمد الخشب، وقال إبراهيم النخعي: كانوا يتسحبون اللبن ويكرهون الخشب ولا يستحبون الدفن في التابوت، لأنه لم ينقل عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولا عن أصحابه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (ثم بالآجر أثر النار فيكره تفاؤلا) ش: أي لأجل التفاؤل، وهذا إشارة إلى أن بعضهم قد فرق بين الآجر والخشب في التعليل، فكره الآجر لمناسبة النار دون الخشب لعدم الجامع فيه، ورده بعضه بأن مساس النار لا تصلح عليه الكراهة، فإن السنة أن يغسل الميت بالماء الحار وقد مسته النار، وأجيب عنه بجوابين، الأول: أن الماء الحار مست الحاجة إليه لزيادة النظافة، ولهذا استحب الإجمار بالنار عند غسل النجاسة إلى دفع الروائح الكريهة. الثاني: أن المكروه إدخال ما مسته النار في القبر للتفاؤل بالنار، والقبر محل الجنة والعذاب بالنار وأول منزل من منازل الآخرة، ولهذا يكره الإجمار بالنار عند القبر واتباع الجنائز بها، وقال شمس الأئمة السرخسي: التعليل بإحكام البناء أوجب لأنه جمع في كتاب الصلاة بين استعمال الآجر [ .... ] ولا يوجد معنى النار فيها، وقال التمرتاشي: هذا إذا كان حول الميت، فإن كان فوقه لا يكره لأنه يكون عصمة من السبع، وهذا كما اعتادوا التسنيم باللبن صيانة عن النبش ورأوا ذلك حسنا. م: (ولا بأس بالقصب) ش: أي في اللحد، ويستحب اللبن والقصب في اللحد، وذلك لأن القصب لا يقصد به البقاء وهو سريع الذهاب. م: (وفي " الجامع الصغير " ويستحب اللبن والقصب) ش: إنما صرح بلفظ " الجامع الصغير " لمخالفة روايته رواية القدوري لأن رواية القدوري لا تدل على الاستحباب، بل على نفي المدة لا غير، حيث قال ولا بأس بالقصب، ورواية " الجامع الصغير " تدل عليه، ولأن رواية القدوري لا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل على قبره طن قصب، ثم يهال التراب ويسنم القبر.   [البناية] تدل على جواز الجمع بينهما، ورواية " الجامع الصغير " تدل، كذا قاله الأكمل. قلت: ما ادعاه إنما يصح إذا كان لفظ " الجامع الصغير " ويستحب اللبن والقصب بواو العطف، وأما إذا كان بلفظ أو كما في الأصل، فلا يدل على ذلك، ثم قال: الأكمل بعد قوله ورواية الجامع الصغير تدل؛ «لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جعل على قبره طن قصب» . قلت: إن أوقع الحديث دليلا على جواز الجمع بينهما فلا يدل على ذلك أصلا على ما لا يخفى. م: «لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل على قبره طن قصب» ش: هذا رواه الشعبي مرسلا، أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " حدثنا مروان بن معاوية عن عثمان بن الحارث عن الشعبي «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جعل على قبره طن قصب» . وفي " المغرب " الطن بالضم الحزمة من القصب، وحكي عن شمس الأئمة الحلوائي أنه قال: هذا في قصب لم يعمل، وأما القصب المعمول فقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: لا يكره؛ لأنه قصب كله، وقال بعضهم: يكره لأنه لم يرد السنة بالمعمول. م: (ثم يهال التراب) ش: أي يصب التراب عليه بعد تسوية اللبن، يقال: أهلت الدقيق في الجراب صببته من غير كيل، وكل شيء أرسلته إرسالا من رمل أو تراب أو طعام ونحوه. قلت: هلته أهيله هيلا وإيهالا، أي جرى وانصب. ومنه يهال التراب، أي يصب، وفي [ .... ... ] هال التراب، وأهاله: إذا صبه، ثم إذا صب التراب على اللبن لا يزاد على التراب الذي خرج من القبر، وفي " التحفة " يكره الزيادة، وعن محمد لا بأس بأن يزاد على تراب القبر. والأول رواية الحسن عن أبي حنيفة، ذكره في " المحيط "، ولا ينقل تراب قبر إلى قبر آخر، وفي استحباب حثي التراب عليه رواية أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى على جنازة، ثم أتى القبر فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثا» رواه ابن ماجه. وفي " شرح الوجيز " روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حثى على قبر ثلاث حثيات» وهو المستحب [ .... .... ] ، وفي " التتمة " ويستحب أن يقول مع الأولى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: 55] وفي الثانية: {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55] وفي الثالثة: {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55] [طه: 55] . [تسنيم القبر] م: (ويسنم القبر) ش: من التسنيم، وتسنيم القبر رفعه من الأرض مقدار شبر أو أكثر قليلا. وفي " ديوان الأدب " يقال: قبر مسنم أي غير مسطح، وبه قال موسى بن طلحة وزيد بن أبي حبيب، والثوري، والليث، ومالك، وأحمد. وفي " المغني ". واختار التسنيم أبو علي الطبري، وأبو علي بن أبي هريرة والجويني والغزالي والروياني والسرخسي، وذكر القاضي حسين اتفاقهم عليه، وخالفوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 ولا يسطح أي لا يربع   [البناية] الشافعي في ذلك، فإن عنده يسطح على ما يجيء. وقال القاضي عياض في " الإكمال ": واختار أكثر العلماء التسنيم وجماعة أصحابنا وأبي حنيفة والشافعي، وفي " المحيط ": وتسنيم القبر قدر أربع أصابع أو شبر. وفي " قاضي خان " قدر شبر، وفي " المهذب ": يشخص القبر بقدر شبر. م: (ولا يسطح أي لا يربع) ش: وقال الشافعي يسطح، ومثله عن مالك، واحتج بما رواه عن إبراهيم بن محمد عن أبيه عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «سطح قبر ابنه إبراهيم ووضع عليه الحصى» وبما رواه الترمذي عن أبي الفتاح الأسدي واسمه حبان، قال لي علي: «ألا بعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته ولا تمثالا إلى طمسته» . وبما رواه أبو داود عن القاسم بن محمد قال: دخلت على عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقلت: يا أماه اكشفي لي عن قبر رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا طن مسطوح ببطحاء العرصة الحمراء، فرأيت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مقدما وأبا بكر رأسه بين كتفي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وعمر رأسه عند رجل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. ولنا ما أخرجه البخاري " في صحيحه " عن أبي بكر بن أبي عياش أن سفيان التمار حدثه أنه رأى قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسنما. وهو من مراسيل البخاري، ولم يرو البخاري عن ابن دينار ولا التمار هذا وقد وثقه ابن معين وغيره. ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه " ولفظه عن سفيان قال: دخلت البيت الذي فيه قبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فرأيت قبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وقبر أبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مسنما. والجواب: عما رواه الشافعي أنه ضعيف ومرسل، وهولا يحتج بالمرسل، وعما رواه الترمذي أن المراد من المشرفة المذكورة فيه هي المبنية التي تطلب بها المباهاة، وعما رواه أبو داود أن رواية البخاري تعارضها. فإن قلت: قال البيهقي والبغوي رواية القاسم بن محمد أصح وأولى أن تكون محفوظة. قلت: قال صاحب " اللباب ": هذه كبوة منهما من عارمة، وفيه من باب التعصب والعناد، ولا أحد يرجح رواية أبي داود على رواية البخاري في صحيحه. وقال صاحب " المغني " رواية البخاري أصح وأولى، وأسند البخاري عن النخعي أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سنم قبره، وعن محمد بن علي أن قبر رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مسنم، وعن الشعبي قال: رأيت قبور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 «لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن تربيع القبور» ومن شاهد قبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخبر أنه مسنم..   [البناية] وقال شمس الأئمة السرخسي: التربيع من شعار الرافضة. وقال ابن قدامة: التسطيح هو شعار أهل البدع، فكان مكروها. م: (لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن تربيع القبور) . ش: هذا النهي رواه محمد بن الحسن في " كتاب الآثار " قال: أخبرنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: حدثنا شيخ لنا يرفعه إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أنه نهى عن تربيع القبور وتجصيصها» . وقال السروجي: قوله في الكتاب أنه نهى عن تربيع القبور لا أصل له. قلت: العجب منه كيف يقول هذا الكلام، وقد رواه مثل الإمام محمد، عن أبي حنيفة، وأعجب منه أمر الشراح، حيث لم يتعرض أحد منهم، إلى هذا النهي، م: (ومن شاهد قبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخبر أنه مسنم) ش: كلمة - من - موصولة في محل الرفع على الابتداء، وخبره قوله: أخبر بالنظر إلى لفظ المبتدأ. وروى أبو حفص بن شاهين في كتاب " الجنائز " بإسناده إلى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سألت ثلاثة كلهم له أب في قبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، سألت أبا جعفر محمد بن علي، وسألت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وسألت سالم بن عبد الله. قلت: أخبروني عن قبور آبائكم في بيت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فكلهم قالوا: إنها مسنمة، وقد مر مرسل البخاري في هذا. [تجصيص القبر وتطيينه] 1 فروع: في " المحيط ": لا يجص القبر ولا يطين، في رواية الكرخي، وكره التجصيص الحسن والنخعي، والثوري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأباح أحمد التطيين. وفي " منية المفتي ": المختار أنه لا يكره، وكره أبو حنيفة أن يبنى على القبر أو يوطأ عليه، أو يجلس عليه، أو ينام عليه، أو يقضى عليه حاجة الإنسان من بول أو غائط، أو يعلم بعلامة، أو يصلى إليه، أو يصلى بين القبور. وحمل الطحاوي الجلوس المنهي عنه على الجلوس لقضاء الحاجة وكره أبو يوسف أن يكتب عليه. وفي " قاضي خان " ولا بأس بكتابة شيء، أو بوضع الأحجار؛ ليكون علامة. وفي " الميحط ": لا بأس بالكتابة عند العذر. ولا بأس برش الماء عليه حفظا للتراب على القبر حتى لا يندرس، وكرهه أبو يوسف؛ لأنه يجري مجرى التطيين ولا بأس بحجر أو آجر يضعه عليه، وعن الحسن عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يزال الميت يسمع الأذان، ما لم يطين قبره» . ذكره في " المغني ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ويكره أن يدفن رجلان في قبر واحد، وقال القدوري في شرحه، والسرخسي في " المبسوط "، والمرغيناني في " الذخيرة ": إن وقعت الحاجة إلى الزيادة فلا بأس بأن يدفن الاثنان، والثلاثة في قبر واحد. وفي " المرغيناني " أو خمسة، وهو إجماع. وفي " البدائع ": ويقدم أفضلهما ويجعل بين كل اثنين حاجر من التراب فيكون في حكم قبرين، ويقدم الرجل في اللحد، وفي صلاة الجنازة، تقدم المرأة على الرجل إلى القبلة، ويكون الرجل إلى الرجل أقرب، والمرأة عنه أبعد. وفي " الميحط ": ويجعل الرجل مما يلي القبلة ثم خلفه الغلام ثم المرأة ثم الصبية. وفي " الوبري ": ولا بأس بتعزية أهل الميت وترغيبهم على الصبر، وعلى المعزى الرضى بقضاء الله عز وجل؛ لينال ثواب الصابرين، والدعاء للميت بالرحمة والمغفرة. وفي " المرغيناني " التعزية لصاحب المصيبة حسن فلا بأس بأن يجلسوا في البيت أو المسجد والناس يأتونهم ويعزونهم، ويكره الجلوس على باب الدار، وما يصنع في بلادهم العجم من فرش البسط، والقيام على قوارع الطرق من أقبح القبائح. أما التعزية فقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من عزى مصابا فله مثل أجره» رواه الترمذي وابن ماجه عن ابن مسعود. قال النووي: إسناده ضعيف. وعن أبي بردة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من عزى ثكلى كسي بردا في الجنة» ، رواه الترمذي وضعفه. ويقول للمعزى: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك. وأكثرهم أنه يعزى إلى ثلاثة أيام، ثم يترك كيلا يتجدد عليه الحزن، ولا يدفن الميت في داره، وإن كان صغيرا، بل يدفن في مقابر المسلمين، كما كان يفعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأصحابه، وخصت الأنبياء بذلك، وخص أبو بكر وعمر من ذلك بشرف جوار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا يسع إخراج الميت من القبر بعد الدفن إلا إذا كان بعذر، قلت المدة أو كثرت، والعذر: مثل أن يظهر للأرض مستحق أو أخذ الشفيع له بالشفعة، ذكرها في " الواقعات " وغيرها. وفي " جوامع الفقه ": امرأة مات ولدها في القرية ودفن هناك، والأم لا تصير عنه لا ينبش ولا ينقل إلى بلدها، وعليها أن تصبر. ويستحب أن يدفن حيث مات في مقابرهم، وإن حمل ميلا أو ميلين فلا بأس به. وقيل: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ما دون السفر، وقيل: لا يكره السفر أيضا، وعن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أمر بقبور كانت عند المسجد أن تحول إلى البقيع، وقال: توسعوا في مساجدكم. وقيل: لا بأس في مثله. وعن محمد أنه إثم ومعصية. وقال المارزي: ظاهر مذهبنا جواز نقل الميت من بلد إلى آخر، وقد مات سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بالعقيق ودفنا بالمدينة، وفي " الحاوي " قال الشافعي: لا أحب نقله إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس، فأختار أن ينقل إليها لفضل الدفن فيها. وقال البغوي، والبندنيجي: يكره نقله. وقال القاضي حسين، والدارمي: يحرم نقله. قال النووي: هذا هو الأصح، ولم ير أحمد بأسا أن يحول الميت من قبره إلى غيره. قال: قد نبش معاذ امرأته، وحول طلحة. وخالف الجماعة في ذلك. [الدفن ليلا] 1 ولا يكره الدفن ليلا، والمستحب النهار، وهو قول أهل العلم من فقهاء الأمصار، منهم عقبة بن عامر، وسعيد بن المسيب، وشريح، وعطاء، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وكرهه الحسن البصري والظاهرية، لحديث جابر قال: «زجر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك» رواه مسلم. ولما روى جابر بن عبد الله قال: «رأى ناس نارا في القبر فأتوها، فإذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في القبر، وإذا هو يقول: ناولوني صاحبكم وهو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر» رواه أبو داود على شرط البخاري ومسلم. ودفنت عائشة، وفاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وغيرهما من الصحابة ليلا. والنهي في حديث جابر عن دفنه قبل الصلاة عليه والمشي بالنعلين لا بأس به في القبور إذا لم يدركها كالماشي وهو المشهور من مذهب الشافعي، وكره النعلين أحمد ومنع ابن حزم النعال السبتية دون غيرها. ويكره للنساء زيارة القبور، وهو قول الجمهور؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لعن الله زوارات القبور» رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، ورواه ابن ماجه، وأحمد. وفي " القنية "، قال أبو الليث: لا نعرف وضع اليد على القبور سنة، ولا مستحبا، ولا نرى به بأسا. وقال علاء الدين التاجري: هكذا وجدناه، من غير نكير من السلف. وقال شرف الأئمة: بدعة، قال: [ .... .... .... ] ينكرون ذلك، ويقولون: إنه عادة أهل الكتاب. وفي [ .... .] : هو عادة النصارى. وقال أبو موسى الحافظ الأصبهاني قال: الفقهاء الخراسانيون: لا يمسح القبر، ولا يقبله، ولا يمسه، فإن كل ذلك من عادة النصارى، قال: وما ذكروه صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 .. .... .... .... ..   [البناية] وقال الزعفراني: لا يستلم القبر بيده ولا يقبله، قال: وعلى هذا مضت السنة، وما يفعله العوام الآن من البدع المنكرة شرعا. وفي " جوامع الفقه ": يزار القبر من بعد، ولا يقعد الزائر، وعند الدعاء للميت يستقبل القبلة، وكذا عند قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو اختيار الزعفراني من الشافعية أيضا. [قلع الحشيش الرطب من القبور] ويكره قلع الحشيش الرطب من القبور؛ لأنها تسبح، وربما يستأنس به الميت، ولا بأس باليابس منه، وعن هذا قالوا: قلع الحشيش الرطب من غير حاجة لا يستحب. وفي " القنية " يكره أن يتخذ لنفسه تابوتا قبل موته، وتكره الصلاة فيه. ماتت وفي بطنها ولد حي يشق بطنها ويخرج، وبه أفتى أبو حنيفة في زمانه، ولو علم بعد الدفن نبش وشق بطنها، ويخرج. وبه قال ابن شريح من أصحاب الشافعي. وقال بعض أصحابه: لا يشق، ولكن القابلة تمس بطنها فربما يخرج. وقال أحمد: تعطاه للقوابل فإن خرج، وإلا ترك حتى يموت ثم يدفن. والسؤال في القبر، فإن مات ولم يدفن أياما بأن جعل في تابوت ليحمل من مصر إلى مصر، فمن لم يدفن لا يسأل، والسؤال لكل ذي روح حتى إن الرضيع يسأل ويلقنه الملك، ويلهمه الله تعالى. وهل الأنبياء يسألون في القبر؟ قال الإمام الزاهد الصفار: ليس في هذا نص ولا خبر. وقال غيره: يسألون. والسؤال لا يختص بهذه الأمة في قول عامة العلماء. وقال الشيخ الحكيم الترمذي: يختص بهذه الأمة. وفي " فتاوى الظهيرية ": وهل يعذب الميت ببكاء أهله؟ قال عامة العلماء: لا يعذب، والحديث محمول على الوصية. ويكره نقل الطعام إلى المقبرة في الأعياد وإسراج السرج وغيرها، واتخاذ الدعوة لقراءة القرآن وختم القرآن، وقراءة سورة الأنعام وسورة الإخلاص ألف مرة، وجمع الصبيان والصلحاء لذلك. وكذا صياح أهل الفطر لستة أيام بعد رمضان، ولا بأس بقراءة القرآن عند القبور، ولكن لا يجلس على القبر، ولا يدخل في المقبرة للقعود ويدخل لقراءة القرآن. وفي " الخلاصة ": ولا يكسر عظم اليهود إذا وجدوا في قبورهم. وفي " جمع العلوم ": لا يجوز النظر إلى عظام النساء في المقابر. قال بعض مشايخنا لا ينظر إلى عظم ما لاحتمال أنه للمرأة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 باب الشهيد الشهيد من قتله المشركون أو وجد في المعركة وبه أثر أو قتله المسلمون ظلما   [البناية] [باب الشهيد] [تعريف الشهيد] م: (باب الشهيد) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الشهيد، وإنما أفرد هذا الباب عما قبله وإن كان الكل في حكم الموتى؛ لأن حكم الشهيد يخالف حكم غيره من الموتى في حق التكفين، والغسل. وقال " صاحب المنافع ": لما كان المقتول ميتا بأجله يليق ذكر باب الشهيد عقيب باب الجنائز، ويحتمل وجها آخر، وهو أنه لما فرغ من بيان حال من يموت حتف أنفه، أعقبه بباب من يموت بسبب من جهة العباد. وقال الأكمل: إنما بوب للشهيد بحياله لاختصاصه بالفضيلة. وكان إخراجه من باب الجنائز بباب على حدة، كإخراج جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من الملائكة. وفيه تأمل لا يخفى واختلفوا في تسميته بالشهيد، فقيل: لأن الملائكة يشهدون موته فكان مشهودا. وقيل: مشهود بالجنة، فعلى هذا يكون على وزن فعيل بمعنى مفعول. وقيل: لأنه حي عند الله حاضر، ويشهد حضرة القدس ويحضرها، وقيل: لأنه شهد ما أعد الله له من الكرامة، وقيل: لأنه ممن يستشهد مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يوم القيامة على سائر الأمم المكذبين، فعلى هذه المعاني الشهيد بمعنى فاعل. م: (الشهيد) ش: مبتدأ، وقوله م: (من قتله المشركون) ش: جملة في محل الرفع على أنها خبر، والشهداء على ما ذكره ثلاثة أنواع. الأول: هذا. والثاني: قوله: م: (أو وجد في المعركة) ش: وهو موضع القتال م: (وبه أثر) ش: جملة وقعت حالا، أي والحال أنه وجد به أثر جراحة ظاهرة أو باطنة، وسيجيء تفسيره من المصنف عن قريب. م: (أو قتله المسلمون) ش: هذا النوع الثالث، وكذلك لو قتله أهل الذمة أو المستأمنون، وإنما قيد بقوله م: (ظلما) ش: احترازا به عما قتله المسلمون رجما أو قصاصا؛ وانتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف، أي قتلا ظلما، ويجوز أن يكون تمييزا، أي من حيث الظلم. وفي " المحيط ": أو قتل مدافعا عن نفسه أو أهله أو ماله أو عن المسلمين أو أهل الذمة بأي آلة قتل؛ بحديد، أو نحاس، أو صفر، أو رصاص، أو حجر، أو خشب. وفي " البدائع ": لو قتل في المصر نهارا بزجاجة، أو ليطة قصب، أو طعنة برمح لازج له، أو رماه بنشابة لا نصل لها، أو أحرقه بالنار أو بكل شيء يعمل عمل الحديد من جرح أو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 ولم يجب بقتله دية فيكفن ويصلى عليه، ولا يغسل   [البناية] بضع أو طعن لا يغسل. وإن قتل فيها بغير سلاح كالحجر الكبير، والخشبة الكبيرة، أو بحدقة القصار، أو بخنق، أو بغريق، أو إلقاء من جبل، يغسل عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لأنه شبه العمد، وبالحجر الصغير والخشبة الصغيرة، يغسل اتفاقا؛ لوجوب الدية، أو مات بوكزة، أو لكزة، أو وجد مقتولا في محلة، ولم يعرف قاتله، أو افترسه سبع، أو تردى من جبل، أو سقط عليه حائط، وكذا المبطون، والمطعون، والغريق، والحريق، وصاحب ذات الجنب، وصاحب الهدم، والمرأة تموت بجمع الذين عدهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الشهداء فهم شهداء في الآخرة، وأحكام الآخرة. وفي " المحيط ": وإن وجد غريقا، أو حريقا في المعركة، ولا يدري كيف حاله لا يغسل، وإن لم يكن كذلك فهو ميت حتف أنفه فيغسل، كذلك النازل من رأسه. وعند الشافعي لا يغسل من مات في قتال أهل الحرب فهو شهيد سواء كان به أثر أو لا، ومن قتل ظلما في غير قتل الكفار، أو خرج في قتالهم، ومات بعد انفصال القتال، وكان بحيث يقطع ثوبه ففيه قولان: في قول: لم يكن شهيدا، وبه قال مالك وأحمد. وفي " المغني ": إذا مات في المعترك فإنه لا يغسل رواية واحدة، وهو قول أكثر أهل العلم، ولا يعلم فيه خلافا إلا عن الحسن وابن المسيب، فإنهما قالا: يغسل الشهيد، ولا يعمل به. [الشهيد يكفن ويصلى عليه ولا يغسل] م: (ولم يجب بقتله دية فيكفن ويصلى عليه ولا يغسل) ش: يعني أن قتله لم يكن موجبا للدية حال المباشرة، واحترز به عن شبه العمد والخطأ صورة الخطأ ما إذا قصد مباحا فأصاب محظورا. وصورة شبه العمد ما إذا قتله بعصا صغيرة، أو سوط، أو وكزه بيده، أو لكزه برجله فمات، ولو سقط القصاص بعارض الأبوة ووجبت الدية كان شهيدا، والقصاص ليس بعوض عن المحل، بل عقوبة يوجبها الله تعالى جزاء للقتل، ولهذا تجري بين الصغير والكبير، والحر والعبد، والذكر والأنثى، والدية عوض مالي. والصلح على الدية بعد القتل لا يخرجه عن الشهادة، وكذلك قتل الأب ابنه لا يخرجه عن الشهادة، وكذا لو قتلت زوجها ولها منه ولد؛ لأن الواجب الأصلي وجوب القصاص فكيفن ويصلى عليه، ولا يغسل. هذا حكم الشهيد المذكور في الفصول الثلاثة، وفي هذا أيضا ثلاثة أشياء. الأول: التكفين، وليس فيه خلاف على ما سيجيء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 لأنه في معنى «شهداء أحد، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيهم: زملوهم بكلومهم ودمائهم ولا تغسلوهم»   [البناية] الثاني: الصلاة عليه، وفيه خلاف، وسيجيء أيضا. الثالث: الغسل، وليس فيه خلاف معتبر إلا ما روي عن الحسن وابن المسيب على ما ذكرناه. م: (لأنه) ش: أي لأن الشهيد الموصوف المذكور م: (في معنى شهداء أحد) ش: وشهداء أحد قتلوا ظلما، ولم يرتثوا ولم يجب بقتلهم دية، فمن كان على صفتهم فهو شهيد، ومن لا فلا. وفي " الذخيرة ": الشهيد كل مسلم مكلف طاهر قتل ظلما في قتال ثلاثة: مع أهل الحرب، أو البغي، أو قطاع الطريق بأي آلة قتل. ولم يحمل حيا للتمريض ولم يأكل ولم يشرب ولم يعش في المصرع يوما أو ليلة، ولم يجب عن دمه عوض مالي حتى لو حمل للتمريض ومات في أثنائه، أو على أيدي الناس يغسل، وإن حمل كيلا يطأه الخيل، لا للتمريض، فهو شهيد، انتهى. ويوم أحد كان يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من شوال سنة ثلاث للهجرة، وأحد جبل على باب المدينة، دون الفرسخ، ويقال له: ذو عبتين، وكانت عدة المشركين فيه ثلاثة آلاف، وعدة الخيل مائتا فرس، وقتل منهم اثنان وعشرون رجلا، وعدة المسلمين ألفا، وانحرف عبد الله بن أبي المنافق بثلث العسكر فرجع إلى المدينة. م: (وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيهم: «زملوهم بكلومهم ودمائهم ولا تغسلوهم» ش: قال الزيلعي: هذا حديث غريب. قلت: أخرج أحمد في مسنده، عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشرف على قتلى أحد. فقال: إني شهيد على هؤلاء زملوهم بكلومهم ودمائهم» ، وأخرجه النسائي، عن معمر عن الزهري، قال عبد الله بن ثعلبة: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «زملوهم بدمائهم» ، الحديث. وأخرج البخاري في صحيحه، وأصحاب السنن الأربعة، عن الليث بن سعد، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد، ويقول: أيهما أكثر أخذا للقرآن، فإذا شهد له إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلهم» ، وزاد البخاري، والترمذي: «ولم يصل عليهم» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 فكل من قتل بالحديدة ظلما وهو طاهر بالغ ولم يجب به عوض مالي فهو في معناهم   [البناية] وأخرج أبو داود في سننه عن ابن عباس قال: «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم» . وأخرج أيضا عن جابر قال: «رمي رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات، وأدرج في ثيابه كما هو، ونحن مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قال النووي: سنده على شرط مسلم. قوله: زملوهم أي لفوهم فيها، يقال: تزمل بثوبه، إذا التف فيه. [كل من يدخل في معنى الشهيد] م: (وكل من قتل بالحديدة ظلما وهو طاهر بالغ ولم يجب به عوض مالي فهو في معناهم) ش: أي في معنى شهداء أحد، وهاهنا قيود. الأول: أن يكون القتل ظلما، احترازا عن القتل بحق على ما ذكرناه. والثاني: القتل بالحديدة، وإنما يشترط هذا القيد إذا كان القتل من المسلمين، وأما من أهل الحرب والبغي وقطاع الطريق، فليس بشرط فبقتلهم شهيد بأي شيء قتل، لا يقال احترز بالحديدة عن القتل بالمثقل على قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لأن الاحتراز عنه يحصل بقوله ولم يجب به عوض مالي؛ لأن على قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يجب العوض المالي في القتل بالمثقل، فلا حاجة إلى قيد الحديدة. والقيد الثالث: أن يكون طاهرا فلا يكون جنبا وحائضا. والقيد الرابع: أن يكون بالغا ولا يكون صبيا، وفي هذين خلاف بين أبي حنيفة وصاحبه على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى. والقيد الخامس: أن لا يجب بقتله عوض مالي احترز به عن شبه العمد والخطأ، فإن الواجب فيهما المال، والشرط فيه أن يكون ذلك حالة القتل، فإن القصاص إذا وجب ثم انقلب مالا بالصلح فإنه لا يمنع الشهادة، وكذلك الحكم في قتل الوالد ولده، فإنه يجب بالمال فيه حالة القتل، ولا يمنع الشهادة كما ذكرناه. وهاهنا قيدان آخران، لم يذكرهما المصنف. الأول: أن يكون مسلما. والثاني: أن يكون غير مرتث. وما ذكره في " الذخيرة ": الذي ذكرناه عن قريب هو الجامع الأحسن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 فيلحق بهم، والمراد بالأثر الجراحة؛ لأنه دلالة القتل، وكذا خروج الدم من موضع غير معتاد كالعين ونحوها، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا في الصلاة، ويقول: السيف محاء للذنوب فأغنى عن الشفاعة   [البناية] م: (فليحق بهم) ش: أي بشهداء أحد، ومن لم يكن بمعناهم فلا يلحق بهم م: (والمراد بالأثر الجراحة) ش: أي المراد من قوله: أو وجد في المعركة وبه أثر، هو الجراحة. وعبارة القدوري: وبه أثر الجراحة. وفي " الينابيع " يريد بالأثر علامة تدل على قتله كالذبح والطعن والجرح والرض وسيلان الدم من عينه أو أذنه، ولا يكون ذلك إلا بجرح في الباطن، وإن كان يسيل من دبره أو ذكره أو أنفه لا يكون شهيدا؛ لأن الدم يخرج من هذه المخاريق من غير ضرب في العادة، إذ صاحب الباسور يخرج الدم من دبره؛ والجبان يبول دما من الخوف، وتسيل الأسنان بالرعاف، وكذا إذا وجد ميتا وليس به أثر؛ إذ الجبان يبول دما من الخوف وقد يموت من الفزع، وكونه في المعركة ليس بسبب لقتله، بدون الإصابة، فإن القتل لا يكون إلا بالأثر. م: (لأنه دلالة القتل) ش: أي لأن الأثر الذي هو الجراحة دلالة القتل؛ لأن الحكم يضاف إليه في الظاهر م: (وكذا خروج الدم من موضع غير معتاد) ش: أي وكذا دلالة القتل خروج الدم منه ليس في العادة خروج الدم منه م: (كالعين ونحوها) ش: مثل الأذن والسرة. وفي " الزيادات ": دلالة القتل جراحة توجد أو دم يخرج من عينه، أو أذنه، أو يصعد من جوفه إلى فيه، فأما ما يخرج من أنفه أو دبره أو ذكره أو ينزل من رأسه شيء من دمه فلا يصلح دليلا على القتل؛ لأنه قد يوجد ذلك من غير ضرب عادة. م: (والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا في الصلاة) ش: ويقول: لا يصلى على الشهيد وبه قال مالك وإسحاق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وهو قول أهل المدينة. وقال النووي في " شرح المهذب ": المذهب الجزم بتحريم الصلاة عليه. وقال ابن حزم في " المحلى ": إن شاءوا صلوا عليه، وإن شاءوا تركوها، ومذهبنا هو قول ابن عباس وابن الزبير، وعقبة بن عامر، وعكرمة، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، ومكحول، والثوري، والأوزاعي، والمزني، وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في رواية. واختاره الخلال، وقال في موضع آخر يصلى عليه، وفي رواية المروزي الصلاة عليه أجود. م: (ويقول) ش: أي قال الشافعي م: (السيف محاء للذنوب فأغنى عن الشفاعة) ش: تقريره إذا كان السيف محاء للذنوب لا يبقى للشهيد ذنب فيستغنى عن الشفاعة التي كانت الصلاة لأجلها، وقوله: محاء على وزن فعال، مبالغة ماحي من محا يمحو محوا، ومحى يمحيه محيا. ومحا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 ونحن نقول: الصلاة على الميت لإظهار كرامته، والشهيد أولى بها، والطاهر من الذنوب لا يستغني عن الدعاء كالنبي والصبي   [البناية] يمحاه أيضا فهو ممحو وممحي، صارت الواو بالكسرة ما قبلها فأدغمت في الياء التي هي لام الفعل. م: (ونحن نقول: الصلاة على الميت لإظهار كرامته والشهيد أولى بها) ش: أي بهذه الكرامة، ولهذا اختص المسلمون بهذه الكرامة، والشهيد من جملة أموات المسلمين والصلاة عليهم فرض من فروض الكفاية عليهم فلا يسقط من غير فعل أحد بالتعارض، بخلاف غسله؛ إذ النص في سقوطه لا معارض له. م: (والطاهر من الذنوب لا يستغني عن الدعاء) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - السيف محاء للذنوب، وتقريره أن العبد وإن تطهر من الذنوب لم يبلغ درجة عن الاستغناء عن الدعاء م: (كالنبي والصبي) ش: فإن النبي مطهر من الذنوب مع أنه صلي عليه، ومع هذا لا يبلغ أحد درجة الأنبياء، وكذلك الصبي مطهر من الذنوب، وقد صلي عليه. فإن قلت: روى البخاري عن جابر «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يصل على قتلى أحد،» وروى أبو داود عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم» . قلت: روى البخاري أيضا عن أبي الخير عن عقبة بن عامر الجهني «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج يوما فصلى على شهداء أحد صلاته على الميت، ثم انصرف، قال عقبة: فكانت آخر ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المنبر» وزاد ابن حبان: «ثم دخل بيته فلم يخرج حتى قبضه الله عز وجل» . والميت أولى في باب التراجيح، على أن جابرا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يومئذ مشغولا، فقد قتل أبوه وأخوه وخاله في ذلك، فرجع إلى المدينة ليدبر حالهم، وكيف يحملهم فلم يكن حاضرا حتى صلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على شهداء أحد، وقد روى ما روى. وذكر الواقدي أيضا في غزوة أحد قال جابر بن عبد الله: «كان أول قتيل قتل من المسلمين يوم أحد، قتله سفيان بن عبد شمس فصلى عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل الهزيمة» . وروى النسائي عن شداد بن الهاد «أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .... .» الحديث، وفيه أنه استشهد فصلى عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وروى البخاري في "صحيحه «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى على شهداء أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات» وعن أبي مالك الغفاري قال: «كان يجاء بقتلى أحد تسعة وحمزة عاشرهم فيصلي عليهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيدفنون التسعة ويدعون حمزة، ثم يجاء بتسعة وحمزة عاشرهم فيصلي عليهم فيدفنون التسعة ويدعون حمزة،» رواه الطحاوي والدارقطني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وروى الطحاوي عن ابن عباس وابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على شهداء أحد مع حمزة، وكان يؤتى بتسعة لتسعة، وحمزة عاشرهم فيصلي عليهم، وكبر يومئذ سبع تكبيرات» . قال: وقد صلى على غيرهم، كما روى بشير بن الهاد «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى أعرابيا أسلم نصيبه، وقال: قسمته لك، فقال: ما على هذا اتبعتك، ولكن ابتعتك على أن أرمى هاهنا - وأشار إلى حلقه - بسهم فأموت فأدخل الجنة، ثم أتي بالرجل قد أصابه سهم حيث أشار فكفن في جبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلى عليه، فكان من صلاته أن هذا عبد خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا، أنا أشهد عليه فلم يغسله وصلى عليه» ورواه النسائي أيضا. وأخرج الطحاوي هذا الحديث لمعنيين أحدهما: لأنه شاهد لما ذكره من الدلائل في إثبات الصلاة على الشهيد. والثاني: ردا على من زعم أنه لم ينقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه صلى على أحد ممن قتل في المعركة في غير غزوة أحد. فإن قلت: لم لا يجوز أن تحمل الصلاة في الأحاديث التي ورد فيها الصلاة على الدعاء؟ وممن قال ذلك ابن حبان والبيهقي. قلت: يدفع هذا قوله في الحديث الذي رواه عقبة بن عامر المذكور صلاته على الميت. فإن قلت: أنتم لا ترون الصلاة على القبر بعد ثلاثة أيام، فكيف يحملون عليه على معنى الصلاة العرفية، وقد كانت واقعة أحد في سنة ثلاث من الهجرة، وصلاته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على شهداء أحد حين خروجه من الدنيا بعد وقعة أحد في سبع سنين. قلت: المذهب عندنا الصلاة على القبر يجوز ما لم يتفسخ، والشهداء لا يلحقهم تفسخ، أحياء عند الله؛ فإذا لا يجوز حمل الصلاة عليهم على معنى الدعاء، وكيف يجوز هذا وقد أكد قوله صلاته على الميت لنفي احتمال المحال. فإن قلت: قال ابن قدامة: حديث عقبة مخصوص بشهداء أحد، فإنه صلى عليهم في القبور وهم لا يرون الصلاة على القبر أصلا، ونحن فيما بعد الشهر. قلت: إذا ثبت أنه صلى على شهداء أحد صحت الصلاة عليهم بعدم القائل بالفرق، وقوله: "وهم لا يرون الصلاة على القبر" غير صحيح، فإذا دفن الميت ولم يصل عليه صلى على قبره ما لم يتغير كما ذكرناه. فإن قلت: الصلاة على الميت لا تصح بلا غسل فما لم يغسل الشهيد لا تصح الصلاة عليه. قلت: وكذا لا يدفن بلا غسل، فلما دفن الشهيد بلا غسل دل على أنه في حكم المغسولين، فكانت الصلاة عليه صلاة على المغسول حكما، وهو مغسول بصب رحمة الله تعالى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: الشهداء أحياء عند الله، والصلاة إنما شرعت على الموتى. قلت: هم أحياء في حكم الآخرة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] (آل عمران: 169) ، لا في أحكام الدنيا والصلاة عليهم من أحكام الدنيا كسائر الموتى، ولهذا يقسم ميراثهم بين ورثتهم ويتزوج نساؤهم وتحل ديونهم المؤجلة ويعتق أمهات الأولاد ومدبروهم وينفذ وصاياهم، ثم هم يدفنون، فدل ذلك كله أن الحياة لهم عند الله بعد الموت. فإذا قلت: قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لعل ترك الصلاة لاستغنائهم مع التخفيف على من بقي من المسلمين. قلت: هذا التعليل لا يقبل؛ لأن الصلاة على الميت دعاء له، ولا يستغني أحد عن الدعاء كما ذكرناه، وكذلك التعليل بالتخفيف، فإنهم يتممون إلقاءهم ويحضرون قبروهم ويكلفون دفنهم. فإن قلت: الصلاة على الميت من باب الشفاعة، والشهداء يشفعون للناس ولا يحتاجون إلى من يشفع لهم. قلت: الصلاة عليهم زيادة كرامة لهم، وقضاء لحق الميت، وقد أشار المصنف إلى هذا المعنى بقوله: والصلاة على الميت لإظهار كرامته، وقد استوفينا الكلام هناك، وقد ظهر من هذا أن ما ذهبنا إليه أرجح من وجوه عديدة؛ الأول: أن الخبر المثبت في هذا أولى من النافي. الثاني: أن أحاديثنا أكثر فكانت أولى، قال محمد في " السير الكبير ": أخذنا بما أجمع عليه أهل العراق دون ما انفرد به أهل المدينة، فرجح بالكثرة. فإن قلت: هذا خلاف ظاهر مذهبكم، فإن الترجيح بالكثرة لا يعتبر عندكم. قلت: قد ذكر بعض مشايخنا الترجيح بكثرة الرواة؛ إذ الظن بصدق خبر الاثنين أقوى منه بخبر الواحد. الثالث: أن الصلاة على الموتى أصل في الدنيا وفرض من فروض الكفاية على المسلمين، فلا يسقط من غير فصل أحد. الرابع: لو كانت الصلاة عليهم غير مشروعة، كما في عموم تنبيهه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على عدم مشروعيتها، وعلة سقوطها كما نبه على علة سقوط غسلهم. الخامس: يجوز أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يصل عليهم، وصلى عليهم غيره لما كان به من الجراحات، وكسور رباعيته وما أصابه يومئذ من المشركين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 ومن قتله أهل الحرب أو أهل البغي أو قطاع الطريق فبأي شيء قتلوه لم يغسل؛ لأن شهداء أحد ما كان كلهم قتيل السيف والسلاح، وإذا استشهد الجنب غسل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يغسل؛ لأن ما وجب بالجنابة سقط بالموت، والثاني: لم يجب للشهادة. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الشهادة عرفت مانعة غير رافعة،   [البناية] السادس: إن لم يكن صلى عليهم في ذلك اليوم صلى عليهم في يوم آخر؛ لأنه لا يعتبر عليهم بمرور السن كما ذكرناه. السابع: قد ثبت أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى على غيرهم من الشهداء، ويقولون: لا تشرع الصلاة على شهيدنا. الثامن: أن الذي ذهبنا إليه أحوط في الدين، وفيه تحصيل الأجر والثواب العظيم، وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من صلى على ميت فله قيراط» ، ولم يفصل بين ميت وميت. م: (ومن قتله أهل الحرب أو أهل البغي أو قطاع الطريق فبأي شيء قتلوه لم يغسل) ش: عندنا، خلافا للشافعي ومالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في غير أهل الحرب وقالت الشافعية: قتيل أهل البغي يغسل ويصلى عليه في أصح القولين. وفي قتيل قطاع الطريق طريقان، وكذا في قتيل اللصوص طريقان. ولو أمر الكافر مسلما وقتلوه صبرا ففي غسله والصلاة عليه وجهان: أصحهما أنه ليس بشهيد، وعندنا شهيد، وبه قال مالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ولما كان في قتال أهل الحرب ليتمم الآلة، فكذا في قتال أهل البغي وقطاع الطريق؛ لأنهم في حكم القتال كأهل الحرب حتى لا يضمنون ما أتلفوا. م: (لأن شهداء أحد ما كان كلهم قتيل السيف والسلاح) ش: لأن منهم من دفع بالحجر، ومنهم من قتل بالعصا، وغير ذلك، وعمم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حق ترك غسلهم. [تغسيل الشهيد الجنب] م: (وإذا استشهد الجنب غسل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد وسحنون. ومن المالكية ابن شريح وابن أبي هريرة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - من الشافعية، وهو قول الأوزاعي. م: (وقالا: لا يغسل) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد: لا يغسل، وبه قال الشافعي وأشهب م: (لأن ما وجب بالجنابة) ش: الذي هو الغسل م: (سقط بالموت) ش: للعجز عنه م: (والثاني) ش: أي الغسل الثاني م: (لم يجب للشهادة) ش: أي لأجل كونه شهيدا، إذا للشهادة تمنعه؛ لأن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «زملوهم بكلومهم ودمائهم» لا يفصل بين الشهيد الجنب وغيره. م: (ولأبي حنيفة أن الشهادة عرفت مانعة) ش: وجوب غسل الميت م: (غير رافعة) ش: لقد وجب عليه قبل موته، ألا ترى أنه لو كان في ثوب الشهيد نجاسة تغسل تلك النجاسة ولا يغسل عنه الدم؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 فلا ترفع الجنابة، وقد صح أن حنظلة لما استشهد جنبا غسلته الملائكة،   [البناية] فإن قلت: لو لم يكن رافعا لوضوء الحدث إذا استشهد، واللازم باطل، فكذا الملزوم، قلت: لا يلزم من أن لا يكون رافعا للأعلى أن يكون رافعا للأدنى. م: (وقد صح أن حنظلة لما استشهد جنبا غسلته الملائكة) ش: روي هذا من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه الطبراني في "معجمه " عنه، قال: أصيب حمزة بن عبد المطلب، وحنظلة بن الراهب وهما جنبان، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إني رأيت الملائكة تغسلهما ". وحديث ابن الزبير رواه ابن حبان في "صحيحه " والحاكم في " المستدرك " من حديث يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عبد الله عن جده قال: «سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد قتل حنظلة بن عامر الثقفي أن صاحبكم حنظلة غسلته الملائكة، فسألوا صاحبته، فقالت: خرج وهو جنب لما سمع الهاتفة، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لذلك غسلته الملائكة» . قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم وليس عنده فاسألوا صاحبته. قال السهيلي في " الروض الأنف ": وصاحبته هي زوجته جميلة بنت أبي ابن سلول أخت عبد الله بن أبي، وكان قد بنى بها تلك الليلة فرأت في منامها كأن بابا من السماء فتح فدخل وأغلق دونه، فعرفت أنه مقتول من الغد، فلما أصبحت دعت برجال من قومها وأشهدتهم أنه دخل بها خشية أن يقع في ذلك نزاع، ذكره الواقدي، وذكر غيره أنه وجد بين قتلى يقطر رأسه ماء؛ تصديقا لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال ابن سعد في " الطبقات ": قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض بماء نزل في صحاف الفضة» . وحديث محمود بن لبيد رواه ابن إسحاق في " المغازي " أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن صاحبكم - يعني حنظلة بن أبي عامر - لتغسله الملائكة " فسألوا أهله ما شأنه؟ فقالت: إنه خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة» بالتاء المثناة من فوق والفاء، ويقال: الهايعة بالتاء آخر الحروف وبالعين المهملة، والهيعة الصوت الشديد عند الفزع. وحنظلة بن أبي عامر عمرو بن صيفي بن زيد الأنصاري الأوسي، يعرف أبوه بالراهب في الجاهلية، فسماه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الفاسق؛ لأنه يروح من المدينة إلى مكة، ثم قدم قريش يوم أحد محاربا، وكان بمكة إلى أن فتحت، فهرب إلى هرقل فمات هناك كافرا سنة تسع أو عشر، وأولاد حنظلة يسمون أولاد غسيل الملائكة. فإن قلت: الواجب غسل بني آدم دون الملائكة، ولو كان ذلك واجبا لأمر - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بإعادة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 وعلى هذا الخلاف الحائض والنفساء إذا طهرتا، وكذا قبل الانقطاع في الصحيح من الرواية، وعلى هذا الخلاف الصبي. لهما أن الصبي أحق بهذه الكرامة. وله أن السيف كفى عن الغسل في حق شهداء أحد بوصف كونه طهرة عن الذنوب، ولا ذنب على الصبي فلم يكن في معناهم   [البناية] غسله. قلت: الواجب هو الغسل، وأما الغاسل فيجوز كائنا من كان، ألا ترى أن الملائكة لما غسلوا آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فأدي به الواجب ولم يعد أولاده غسله. م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (الحائض والنفساء إذا طهرتا) ش: عندهما لا يغسلان؛ لأن الغسل الأول سقط بالموت، والثاني أنه لم يجب بالشهادة، وعنده يغسلان؛ لأن الشهادة عرفت مانعة غير رافعة م: (وكذا قبل الانقطاع) ش: أي وكذا يغسلان إذا قتلتا قبل انقطاع الدم م: (في الصحيح من الرواية) ش: عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهي رواية الحسن عنه، واحترز به عن رواية المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنهما لا يغسلان؛ لأنه لم يكن الغسل واجبا حالة الحياة قبل الانقطاع، فلم يجب بالموت غسل آخر. وجه الصحيح من الرواية أن حكم الحيض انقطع بالموت، فصار كأن انقطاع الحيض قبل الموت. وعندهما لا يغسلان بكل حال. وفي الجنازية هذا الحديث في النفساء يجري على إطلاقه؛ لأن أقل النفساء لا حد له. أما الحائض فتصور فيه فيما إذا استمر بها الدم ثلاثة أيام، ثم قتلت قبل الانقطاع، أما لو رأت يوما أو يومين، ثم قتلت لا تغسل بالإجماع، ذكره التمرتاشي بعدم كونها حائضا. م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور م: (الصبي) ش: إذا استهل يغسل عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خلافا لهما وللشافعي أيضا م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن الصبي أحق بهذه الكرامة) ش: وهي سقوط الغسل؛ لأن سقوط الغسل لإبقاء أثر مظلوميته في الغسل وكان إكراما له، والمظلومية في حق الصبي أشد، فكان أحق بهذه الكرامة. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن السيف كفى عن الغسل في حق شهداء أحد بوصف كونه طهرة عن الذنوب، ولا ذنب على الصبي، فلم يكن في معناهم) ش: أي في معنى شهداء أحد، فإذا لم يكن في معناهم يغسل، وكذلك الخلاف في المجنون إذا استشهد. وفي " المبسوط ": الصبي غير مكلف ولا يخاصم بنفسه في حقوقه، والخصم عنه في حقوقه في الآخرة هو الله تعالى، فلا حاجة إلى بقاء أثر الشهادة لعلهم يدلونه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 ولا يغسل عن الشهيد دمه، ولا ينزع عنه ثيابه، لما روينا وينزع عنه الفرو والحشو والقلنسوة والسلاح والخف؛ لأنها ليست من جنس الكفن، ويزيدون وينقصون ما شاءوا إتماما للكفن.   [البناية] فإن قلت: ذكر ابن قدامة في " المغني " أن حارثة بن النعمان، وعمير بن أبي وقاص أخا سعد كانا من شهداء أحد وهما صغيران. قلت: هذا غلط؛ لأن عمير بن أبي وقاص قتل يوم بدر قبل أحد، وهو ابن ست عشرة ذكره ابن سعد في " الطبقات ". وأما حارثة بن النعمان فتوفي في خلافة معاوية وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها، وأما حارثة المستشهد غلاما هو حارثة بن الربيع الأنصاري قتل يوم بدر، كذا في "الصحيحين" وغيرهما، وليس في قتلى أحد من اسمه جارية، قال: ذكر ذلك تميمة في " شرح الهداية ". [كيفية تغسيل الشهيد] م: (ولا يغسل عن الشهيد دمه، ولا ينزع عنه ثيابه لما روينا) ش: وأشار به إلى ما ذكره من قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «زملوهم بكلومهم ودمائهم ولا تغسلوهم» وهذا يدل على عدم غسل الدم عن الشهيد، ولكن لا يدل على عدم نزع الثياب، وإنما الدليل على ذلك ما روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتلى أحد أن تنزع عنهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم» . أخرجه أبو داود وابن ماجه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. م: (وينزع عنه الفرو والحشو) ش: أريد بالحشو الثوب المحشو بالقطن وهو بحسب اصطلاح الناس لا بحسب اللغة م: (والقلنسوة) ش: أريد بها القبع، وفي تفسيره أقوال م: (والسلاح والخف؛ لأنها) ش: أي لأن هذه الأشياء م: (ليست من جنس الكفن) ش: وفي " المبسوط " وكفن الشهيد ثيابه وينزع عنه ما ليس من جنس الكفن كالفرو والسلاح والجلود والحشو والخفين والقلنسوة. وفي " الذخيرة " والسراويل. وقال الشافعي: ينزع ما ليس من غالب لباس الناس كالجلود والفرو والخفاف والدرع والبنصر والجبة والمحشوة، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال مالك: لا تنزع الفرو والجلود والقلنسوة، وقال مطرف: لا ينزع المنطقة ولا الخاتم إلا أن يكثر ثمنها. وفي الأسبيجابي: ويكره أني ينزع عنهم جميع ثيابهم ويجدد لهم الكفن. وفي " التحفة ": ولا يكفن ابتداء في ثياب أخر دون ثيابه التي كانت عليه عند قتله. م: (ويزيدون وينقصون ما شاءوا) ش: إذا كان ناقصا عن عدد المسنون، والضمير في يزيدون وينقصون يرجع إلى أولياء القتيل، لدلالة القرينة عليه، ولا اشتباه فيه حتى يقال: إنه إضمار قبل الذكر، قيل: وقد استدلوا بهذه اللفظة على أن عدد الثلاثة ليس بلازم، وأكثرهم على مراعاة الوتر والكفن. قلت: ما ذكرنا أو في التعليل الذي ذكره في الكتاب م: (إتماما للكفن) ش: أي لأجل إتمام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 قال: ومن ارتث غسل. وهو من صار خلقا في حكم الشهادة لنيل مرافق الحياة؛ لأن بذلك يخف أثر الظلم فلم يكن في معنى شهداء أحد، والارتثاث: أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يداوى، أو ينقل من المعركة حيا؛ لأنه نال بعض مرافق الحياة، وشهداء أحد ماتوا عطاشا، والكأس تدار عليهم، فلم يقبلوا خوفا من نقصان الشهادة.   [البناية] الكفن، قيل: هو يرجع إلى قوله يزيدون. قلت: لا مانع من أن يرجع إلى اللفظين معا؛ لأنه إذا نقص من الزائد على العدد المسنون يكون إتماما للكفن المسنون. فإذا لم ينقص لا يسمى كفن السنة. وأشار في " المبسوط " في نزع الأشياء المذكورة إلى أن هذه الأشياء كانت لدفع بأس العدو، وقد استغني عن ذلك، ولأن هذه عادة أهل الجاهلية؛ لأنهم كانوا يدفنون أبطالهم بما عليهم من الأسلحة، وقد نهينا عن التشبه بهم. م: (ومن ارتث غسل) ش: على صيغة المجهول، بالتاء المثناة من فوق المضومة، ثم الثاء المثلثة، وهو من قولهم: ثوب رث أي خلق. وفي " المغرب ": ارتث الجريح إذا حمل من المعركة وبه رمق؛ لأنه حينئذ يكون ملقى كرثة المتاع، وقال الجوهري: اترث فلان على ما لم يسم فاعله، أي حمل من المعركة رثبة، أي جريحا وبه رمق. ومراد الفقهاء من ذلك مما أشار إليه المصنف بقوله م: (وهو) ش: أي المرتث دل عليه قوله: "ارتث" كما في قَوْله تَعَالَى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] (المائدة: الآية 8) ؛ م: (من صار خلقا) ش: بفتح اللام، يقال: ثوب خلق أي بلي، يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ لأنه في الأصل مصدر من خلق يخلق. قال الجوهري: وقد خلق الثوب بالضم خلوقه أي بلي إذا خلق الثوب، مثله وأخلقه إنما متعد ولا يتعدى م: في حكم الشهادة لنيل مرافق الحياة) ش: وهي راحة الحياة. م: (لأن بذلك) ش: أي بذلك النيل م: (يخف أثر الظلم، فلم يكن في معنى شهداء أحد) ش: لأنهم ماتوا على الحالة التي وقعت فيها الجراحة، ولم ينالوا من مرافق الحياة شيئا م: (والارتثاث) ش: الذي يوجب غسل القتيل م: (أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يداوى أو ينقل من المعركة حيا) ش: أو يصلي أو يتكلم بكلمة في رواية ابن سماعة عن أبي يوسف. وفي رواية عنه أنه يزيد على كلمة. وفي " البدائع " أو باع أو ابتاع أو تكلم بكلام طويل، وذكر ابن سماعة أن إكثار الكلام بمنزلة الأكل م: (لأنه نال بعض مرافق الحياة) ش: بمباشرة شيء من الأشياء المذكورة. م: (وشهداء أحد ماتوا عطاشا والكأس) ش: أي كأس الماء م: (تدار عليهم فلم يقبلوا) ش: قال الجوهري: والكأس كل إناء فيه شراب وهي مؤنثة م: (خوفا من نقصان الشهادة) ش: شرب الماء الذي هو من لوازم الأحياء حتى لا ينالوا من مرافق الدنيا. وفي " شرح المصطفى " لعبد الملك بن محمد النيسابوري عن خارجة بن زيد عن أبيه «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أحد أرسلني إلى سعد بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 إلا إذا حمل من مصرعه كيلا تطأه الخيول؛ لأنه ما نال شيئا من الراحة، ولو آواه فسطاطا أو خيمة كان مرتثا لما بينا   [البناية] الربيع، وقال: إن رأيته أقرئه السلام: وقل له: يقول لك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كيف تجدك؟ " قال: جعلت أطوف بين القتلى حاصبة، وهو في آخر رمق وبه سبعون ضربة بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم، فقلت له: يا سعد: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ عليك السلام، ويقول لك: أخبرني كيف تجدك؟ قال: على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليك السلام، قل له: يا رسول الله أجد رائحة الجنة. وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم إن وصل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيكم عين تطرف، وفاضت عيناه» . وقال العلامة الكردري في قوله: "خوفا من نقصان الشهادة": قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة: 111] (التوبة: الآية 111) ، أخذ الشهيد بعض مرافقه للحياة، فكان هذا تصرفا في البيع قبل التسليم لتحقق النقصان في تسليم المبيع كما لو تصرف البائع في المبيع قبل التسليم، فإنه يسقط بعض الثمن أو يثبت للمشتري الخيار، ولهذا لو استشهد الصبي يغسل؛ لعدم أهليته للبيع عنه، وروى البيهقي في " شعب الإيمان " عن أبي جهيم بن حذيفة العدوي، قال: انقطعت يوم الرسول ابن عمي ومعي سقية ماء، فقلت: إن كان به رمق سقيته من الماء فوجدته ومسحت وجهه، فإذا به ينشع، فقلت: أسقيك؟ فأشار إلى جانبه فنظرت فإذا رجل يقول: آه، فأشار هشام ابن عمي أن انطلق إليه فإذا هو هشام بن العاص، فأتيته فقلت: أسقيك؟ فسمع آخر يقول: آه، فأشار هشام أن انطلق به إليه فجئته فإذا هو قد مات، فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات. م: (إلا إذا حمل من مصرعه كيلا تطأه الخيول؛ لأنه ما نال شيئا من الراحة) ش: الاستثناء من قوله بمن ارتث غسل، يعني لا يغسل في هذه الصورة فهو شهيد: قال الأترازي: فيه نظر؛ لأنا لا نسلم أن الحمل من المصراع ليس بنيل راحة. قلت في نظره نظر؛ لأن الحمل من المصراع إنما يكون نيل راحة إذا كان لصرم القتال، ألا ترى إلى ما قال في " الذخيرة " ولو كانوا في معمعة القتال، فوجدوا جريحا فحملوه والقوم في القتال ثم مات فهو شهيد. قال الحاكم الشهيد: ومجرد حمله ورفعه من المعركة والقتال على حاله بعد لا يجعله مرتثا وإنما ارتثاثه بذلك بعدم تصرم القتال، وفي " التحفة " وفي " المحيط " و" المفيد " أو بقي يوما وليلة في المعركة. م: (ولو آواه) ش: بالمد، أي لو ضمه، م: (فسطاط) ش: وهي الخيمة الكبيرة فيه ست لغات، ضم الفاء وكسره، وبالباء مكان الطاء الأولى، وتشديد السين بغير الطاء والباء مع ضم الفاء وكسرها، ذكرها ابن قتيبة م: (أو خيمة كان مرتثا) ش: فيغسل م: (لما بينا) ش: أراد به قوله؛ لأنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 ولو بقي حيا حتى مضى عليه وقت صلاة وهو يعقل فهو مرتث؛ لأن تلك الصلاة صارت دينا في ذمته وهو من أحكام الأحياء، قال: وهذا مروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولو أوصى بشيء من أمور الآخرة كان ارتثاثا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه ارتفاق، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يكون؛ لأنه من أحكام الأموات   [البناية] نال مرافق الحياة. م: (لو بقي حيا حتى مضى عليه وقت صلاة وهو يعقل فهو مرتث) ش: أي والحال أنه يعقل، واحترز به. أما إذا بقي مغمى عليه؛ لأنه لا يكون مرتثا، كذا روي عن أبي يوسف. وفي " الذخيرة ": ذكر ابن سماعة أو مضى عليه وقت صلاة كاملة. وفي " التحفة " أو مضى عليه وقت صلاة وهو يعقل، ويقدر على أدائها بالإيماء، حتى يجب القضاء بتركها. وفي " المجتبى " والمراد بوقت الصلاة قدر ما تجب عليه الصلاة وتصير دينا في ذمته، وهو رواية عن أبي يوسف. وعندنا يوم وليلة، ولو كان مغمى عليه يوما وليلة لم يكن مرتثا. وعن محمد لو بقي في المعركة حيا يوما وليلة فهو مرتث وإن لم يعقل. وفي " نواد بشر " عن أبي يوسف إذا مكث الجريح في المعركة أكثر من يوم حيا والقوم في القتال وهو يعقل أو لا يعقل، فهو بمنزلة الشهيد. قال الأترازي: إنه لو تأمل اليوم كله ثم خر ميتا من جراحه أصابته في أول النهار كان شهيدا، وإن تصرم القتال بينهم فهو جريح في المعركة فمكث وقت صلاة لا يكون شهيدا، وذكر الكرخي في "مختصره ": إن عاش في مكانه وهو لا يعقل لا يغسل، وإن زاد على يوم وليلة؛ لأنه لا ينتفع بحياته فكان كالميت. م: (لأن تلك الصلاة صارت دينا في ذمته وهو) ش: أي كون الدين في ذمته م: (من أحكام الأحياء) ش: فيكون مرتثا فيغسل. م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا مروي عن أبي يوسف) ش: وروي عن محمد مثل قول أبي يوسف، إلا أنه قال: إن عاش في مكانه يوما كان مرتثا، سواء كان عاقلا أو لم يكن، وإن كان أقل من ذلك، لم يكن مرتثا م: (ولو أوصى بشيء من أمور الآخرة كان ارتثاثا عنده) ش: أي عند أبي يوسف م: (لأنه ارتفاق) ش: بحصول الثواب. م: (وعند محمد لا يكون ارتثاثا؛ لأنه من أحكام الأموات) ش: أي لا يعبأ بشيء من الأمور الآخرة من أحكام الأموات، وقال الصدر الشهيد في " الجامع الصغير ": قيل: الاختلاف فيما إذا أوصى بشيء من أمور الآخرة، أما إذا أوصى بشيء من أمور الدنيا كان ارتثاثا بالإجماع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 ومن وجد قتيلا في المصر غسل؛ لأن الواجب فيه القسامة والدية فخف أثر الظلم إلا إذا علم أنه قتل بحديدة ظلما؛ لأن الواجب فيه القصاص وهو عقوبة، والقاتل لا يتخلص عنها ظاهرا إما في الدنيا وإما في العقبى، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما لا يلبث بمنزلة السيف   [البناية] وقال في " شرح الطحاوي ": قيل: إنه لا اختلاف فيما بينهما في الحقيقة. فجواب أبي يوسف خرج في الذي أوصى بأمور الدنيا. وجواب محمد خرج في الذي أوصى بأمور الآخرة، وقال أبو بكر الرازي: وإن كان أكثر من كلامه في وصيته، فطال غسل؛ لأن الوصية شيء من أمور الموت، فإذا طالت أشبهت أمور الدنيا. م: (ومن وجد قتيلا في المصر غسل) ش: قيد بالمصر؛ لأنه لو وجد في مفازة ليس بقربها عمران لا يجب فيه قسامة ولا دية ولا يغسل لو وجد به أثر القتل م: (لأن الواجب فيه القسامة والدية فخف أثر الظلم) ش: فلم يكن في معنى شهداء أحد فيغسل م: (إلا إذا علم أنه قتل بحديدة ظلما) ش: هذا الاستثناء من قوله "غسل" يعني لا يغسل القتيل في المصر إذا علم أنه قتل بحديدة ظلما مظلوما، ولكن هذا فيما إذا علم قاتله لوجوب القصاص. أما إذا لم يعلم قاتله فيغسل، وإن قتل بحديدة؛ لأنه ليس فيه معنى شهداء أحد، لأنه إذا لم يعمل قاتله يجب القسامة والدية. وعند الشافعي: يغسل القتيل في المصر، وإن قتل بحديدة وإن عرف قاتله لوجوب القصاص، وهو بدل الدم كالدية وكذا ما قاله المصنف بقوله: م: (لأن الواجب فيه القصاص وهو عقوبة) ش: إما في الدنيا إن وجد، وإما في الآخرة إن لم يوجد م: (والقاتل لا يتخلص عنها) ش: أي عن العقوبة م: (ظاهرا) ش: من حيث ظاهر الأمر م: (إما في الدنيا) ش: إن وجد م: (وإما في العقبى) ش: إن لم يوجد كما ذكرنا، والقصاص عقوبة وليس بعوض حتى يخفف أثر الظلم، وإن كان عوضها لكن نفعه يعود إلى الورثة لا له فلم ينتفع الميت به، بخلاف الدية، فإن نفعها يعود إليه حتى يقضي منها ديته وينفذ وصاياه، كذا في " مبسوط فخر الإسلام "، والسر فيه أن وجوب المال دون القصاص دليل صفة الحياة، بدلالة أن المال يثبت بالشبهة، والقصاص دليل صفة الجناية؛ لأن المال يثبت بالشبهة والقصاص يجب الشبهة. م: (وعنده أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - ما لا يلبث بمنزلة السيف) ش: أراد بهذا أنه لا يشترط في القتيل وجد في المصر أن يقتل بالحديد عندهما، بل ما لا يلبث في الباب مثل الثقل من الحجر، والخشب مثل السيف عندهما؛ حتى لا يغسل القتيل ظلما في المصر إذا علم قاتله، وعلم أنه قتل بالمثقل لوجوب القصاص عندهما، وعند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يجب القصاص في القتل بالمثقل؛ لأنه لو وجب فلا يخلو إما أن يستوفي دما أو جرحا فلا يجوز الأول؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إلا بالسيف» ولا يجوز المال في اللزوم لزيادة، والقصاص مبناه على المماثلة م: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 ويعرف في الجنايات إن شاء الله تعالى، ومن قتل في حد أو قصاص غسل وصلي عليه؛ لأنه باذل نفسه لإيفاء حق مستحق عليه، وشهداء أحد بذلوا أنفسهم لابتغاء مرضاة الله تعالى فلا يلحق بهم. ومن قتل من البغاة أو قطاع الطريق لم يصل عليه،   [البناية] (ويعرف ذلك في الجنايات إن شاء الله تعالى) ش: أي يعرف حكم عدم القصاص عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خلافا لهما في كتاب الجنايات على ما يأتي إن شاء الله تعالى. [تغسيل من قتل في حد أو قصاص] م: (ومن قتل في حد أو قصاص غسل وصلي عليه) ش: هذا بالإجماع، إلا أن مالكا يقول: لم يصل الإمام على المرجوم والمقتول قصاصا، وصلى على غيره؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يصل على عاص وصلى عليه غيره. وقال الزهري: لا يصلى على المرجوم أصلا م: (لأنه) ش: أي لأن المقتول في الحد أو القصاص م: (باذل نفسه لإيفاء حق مستحق عليه) ش: أي واجب عليه م: (وشهداء أحد بذلوا أنفسهم لابتغاء مرضاة الله تعالى) ش: أي بطلب رضى الله من غير أن يكون عليهم حق م: (فلا يلحق بهم) ش: أي بشهداء أحد في ترك الغسل، وأما ماعز ففي رواية البخاري أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى عليه، وفي " الصحيح " أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى على المرجومة في الزنا، ومن قتل في تعزيز، أو عدا على قوم فقتلوه يغسل؛ لأنه ظلم نفسه فلا يكون شهيدا. [تغسيل من مات من البغاة] م: (ومن قتل من البغاة) ش: بضم الباء الموحدة جمع باغ كقضاة جمع قاض، وهو الذي يخرج عن طاعة الإمام، وأصل البغي مجاوزة حد م: (أو قطاع الطريق لم يصل عليه) ش: وفي " الذخيرة " عن محمد قاطع الطريق لا يصلى عليه سواء قتل في الحرب أو قتله الإمام حدا، وفي " الملتقطات ": أو قتلوه بعد ما وضعت الحرب أوزارها صلي عليهم، يعني البغاة، وكذا قطاع الطريق إذا قتلوا بعد ثبوت يد الإمام عليهم. وإنما لا يصلى عليهم إذا قتلوا في حال المحاربة والحرب. وفي " الذخيرة " ذكر الصدر الشهيد في " الواقعات " إن قتلوا في الحرب لا يصلى عليهم، وإن قتلوا بعدما وضعت الحرب أوزارها صلي عليهم، وكذا قطاع الطريق مثلما ذكر في " الملتقطات ". قال أبو الليث: وبه نأخذ، ولم يذكر أنهم هل يغسلون. وذكر نجم الدين النسفي اختلاف المشايخ قيل: يغسلون للفرق بينهم وبين الشهداء. وحكم المقتول بالمعصية حكم الباغي ومن قتل أبويه لا يصلى عليه؛ إهانة له، ذكره في " جوامع الفقه ". ومن قتل نفسه خطأ بأن قصد رجلا من العدو ليضربه بالسيف فأخطأ، وأصاب نفسه يغسل ويصلى عليه بلا خلاف. ومن قتل نفسه بحديدة ظلما ذكر الصدر الشهيد في " الجامع الصغير " أنه يغسل ويصلى عليه عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومحمد بخلاف الباغي. وفي " شرح السير " أن فيه اختلاف المشايخ، قال شمس الأئمة الحلوائي: الأصح أنه يصلى عليه. وقال القاضي أبو الحسن السعدي: إنه لا يصلى عليه؛ لأنه باغ على نفسه، وذكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 لأن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يصل على البغاة.   [البناية] السروجي ومن قتل نفسه أو قتل من المغنم يغسل ويصلى عليه. وقال مالك والشافعي وداود وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لا يصلي عليه الإمام؛ لأنه باغ على نفسه، وذكر السروجي ويصلي عليه بقية الناس. وقال الأوزاعي وعمر بن عبد العزيز: لا يصلى عليه، وهو رواية عن أصحابنا ويغسل، وكذا الزنا ويصلى عليه عند جميع أهل العلم خلافا لقتادة وأهل البغاة، فعند الشافعي يغسلون ويصلى عليهم. واختلف أصحاب أحمد في ذلك، ودليلنا فيه ما أشار إليه المصنف بقوله م: (لأن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يصل على البغاة) ش: ذكر ابن سعد في " الطبقات " قضية أهل النهروان وليس فيها ذكر الصلاة، ولفظه قال: لما كان بين علي ومعاوية ما كان وقع بصفين في صفر سنة سبع وثلاثين، ورجع علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى الكوفة خرجت عليه الخوارج عن أصحابه بحروراء؛ لذلك سموا الحرورية، فأرسل إليهم عبد الله بن عباس فخاصمهم وحاجهم فرجع منهم كثير، وثبت آخرون على رأيهم، وساروا إلى نهروان، وقتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت فسار إليهم علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقاتلهم بالنهراون، وقتل ذا الثدية، وذلك سنة ثمان وثلاثين، ثم رجع علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى الكوفة فلم يزالوا يخافون عليه من الخوارج حتى قتل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال السروجي: ولنا أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يغسل أهل النهروان ولم يصل عليهم فقيل له أكفار هم؟ فقال: لا؛ إخواننا بغوا عينا فقاتلناهم، ذلك عقوبة لهم ليكون زجرا لغيرهم كالمصلوب يتحرك على خشبة عقوبة له وزجرا لغيره. 1 - فروع: إذا قتل الباغي في المعركة للكافر لا يغسل ولا يصلى عليه. وكذا الذي يقتل بالحتف عليه، رواه أبو يوسف عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وفي " الخلاصة ": حكم من قتل بالبغي في الأرض بالفساد، كالمكابرين، والخناق الذي خنق غيره مرة، والمقتولين بالمعصية حكم أهل البغي وقطاع الطريق، وحكم من قتل مسمى لا يوصف بالظلم، كما إذا افترسه السبع أو سقط عليه البناء، أو سقط من شاهق جبل، أو سال عليه الوادي وغرق في الماء حكم المقتول برجم أو قصاص، ومن قتل في المصر ليلا بسلاح أو غير سلاح نهارا، أو خارج المصر بسلاح أو غيره ولم يجب دية فيكون شهيدا عندنا، وإلا فلا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 باب الصلاة في الكعبة الصلاة في الكعبة جائزة فرضها ونفلها، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيهما.   [البناية] [باب الصلاة في الكعبة] [حكم الصلاة في الكعبة] م: (باب الصلاة في الكعبة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الصلاة في الكعبة، وهي اسم للبيت الحرام، وسمي البيت الحرام بذلك لتربعه من قولهم: برد مكعب إذا كان فيه شيء مربع. ولما كانت الصلاة فيها مخالفة لسائر الصلوات من حيث جواز الصلاة فيها بالتوجه إلى الجهات الأربع قصدا، بخلاف غيرها، وصارت كأنها جنس آخر أجزأها عنهما، كذلك لقلة دورها بالنسبة إلى غيرها، ولكون مساس الحاجة إلى غيرها أكثر. وأما وجه المناسبة في ذكرها عقيب باب الجنائز هو أن البيت ضامن الأمن من دخله بالنص، فكذلك القبر ضامن الميت. م: (الصلاة في الكعبة جائزة فرضها ونفلها) ش: ارتفاع فرضها ونفلها بالبدلية من الصلاة بدل الاشتمال، وبقولنا: قال جماعة من السلف: منهم الثوري والشافعي أيضا، وقول المصنف م: (خلافا للشافعي فيهما) ش: أي في الفرض والنفل ليس كما ينبغي. قال السغناقي: كأن هذا اللفظ وقع سهوا من الكاتب، فإن الشافعي يرى جواز الصلاة في الكعبة فرضها ونفلها، كذا أورده أصحابه في كتبهم عن " الوجيز " و" الخلاصة " ," والذخيرة " وغيرها، ولم يرد أحد من علمائنا أيضا هذا الخلاف فيما عندي من الكتب " كالمبسوط " و" الأسرار " و" الإيضاح " و" المحيط " و" شروح الجامع الصغير " وغيرها ما خلا أنه يشترط السترة المتصلة بالأرض اتصال قرار إذا كان المصلي في عرصة الكعبة كالحجر والشجر. قلت: ذكر في " الوجيز " لو انهدمت الكعبة -والعياذ بالله- تصح صلاته خارج الكعبة متوجها إليها كمن صلى على جبل أبي قبيس والكعبة تحته، ولو صلى فيها لم يجز إلا أن يكون بين يديه شجرة أو يقيه حائط، والواقف على سطحها كالواقف في العرصة، فلو وضع شيئا لا يجزئه، ولو غرز خشبة فيه وجهان وفي " الخلاصة " للغزالي: تجوز الصلاة في الكعبة إلى بعض ثباتها. وقال الإمام برهان السمرقندي في جواب ما قاله السغناقي: بأن تزاد أصحاب الشافعي في كتبهم جواز الصلاة فيها لا يدل على أن عدم الجواز ليس قوله كما في كثير من المسائل، وعدم إيراد أصحابنا علمائنا لا يدل على ذلك أيضا، ومن له أدنى مسكة من العقل إذا تأمل ذلك لاح له بلا ريب بطلان قول هذا القائل. وقال الشيخ الإمام عبد العزيز في الرد عليه: الصحيح ما ذكره السغناقي؛ فإن اتفاق أصحابه على إيراد الجواز في كتبهم وتعريفاتهم، واتفاق أصحابنا على عدم إيراد الخلاف في كتبنا يدل على عدم الخلاف مع اجتهاد كل فريق في بيان الخلاف، وجهدهم في بيان الأقوال لدفع شبهة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 ولمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الفرض؛ «لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى في جوف الكعبة يوم الفتح»   [البناية] الخصوم بقدر الإمكان. وقال السروجي نصرة للمنصف: وما ذكر في الكتاب عن الشافعي محمول على ما إذا توجه إلى الباب وهو مفتوح، فإن كان الباب مردودا أو له عتبة قدر ثلثي ذراع يجوز. قال النووي: هذا هو الصحيح. وفي وجه يقدر بذراع. وقيل: كفى بحوجها. وقيل: يشترط قدر ما قامته طولا وعرضا، ولو وضع بين يديه متاعا واستقبله لم يجز، وأخذ الأكمل من كلامه فقال: وأجيب بأن مراده إذا توجه إلى الباب وهو مفتوح وليست العتبة مرتفعة قدر مؤخرة الرحل، وهو خير من الحمل على السهو. قلت: كل هذا لا يخلو من تأمل ونظر [ .... ..... ] عليه البيت. م: (ولمالك في الفرض) ش: يعني خلافا لمالك في صلاة الفرض، فإنها لا تجوز في الكعبة، ويجوز النفل. وفي " الذخيرة " القرافية؛ فإن مالكا لا يصلي في البيت والحجر فريضة ولا ركعتا الطواف الواجبتان ولا الوتر ولا ركعتا الفجر، وذكر القرطبي في تفسره عن مالك أنه لا يصلي فيها الفرض ولا السنن، ويصلي التطوع، فإن صلى فيها مكتوبة أعاد في الوقت كمن صلى إلى القبلة بالاجتهاد. وعن ابن حبيب، وأصبغ يعيد أبدا، ويقول مالك: قال أحمد: وقال أبو عبد الحكم: لا يصلي فيه ومنع محمد بن جرير الطبري الجميع فيها. وجه قول مالك أن المصلي فيها مستدبر ومستقبل بوجه. فاجتمع ما يوجب الجواز وما يوجب عدمه، فعملنا على ما يوجب عدم الجواز في الفرض وعلى ما يوجب في النفل احتياطا وهو القياس في النفل أيضا، لأن بابه أوسع، ولهذا يجوز قاعدا وراكبا بلا عذر؛ ولأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: " إن الطواف في جوفها لا يصح " فكذا الصلاة. ولنا ما أشار إليه المصنف بقوله م: (لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى في جوف الكعبة يوم الفتح) ش: أخرجه البخاري ومسلم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: «لما قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الفتح بمكة ونزل بفناء الكعبة وأرسل إلى عثمان بن طلحة، فجاء بالمفتاح ففتح الباب، قال: ثم دخل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبلال، وأسامة بن زيد، وعثمان بن طلحة، وأمر بالباب فأغلق عليه فلبثوا فيه مليا» وللبخاري «فمكثوا فيه نهارا طويلا، ثم فتح الباب قال عبد الله: فبادرت الباب فنفلت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خارجا، وبلال على أثره، قلت لبلال: وهل صلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه؟ قال: صلى فيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قلت: أين؟ قال: بين العمودين تلقاء وجهه، ونسيت أن أسأله كم صلى» . وأخرجه عن سالم عن ابن عمر قال: «أخبرني بلال أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى في جوف الكعبة بين العمودين اليمانيين» وأخرج البخاري «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل الكعبة قال ابن عمر فأقبلت والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد خرج، ووجد بلالا قائما بين البابين فسألت بلالا. قلت: هل صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الكعبة، قال: نعم ركعتين بين الساريتين على يساره إذا دخلت ثم خرج من الكعبة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فصلى في وجه الكعبة ركعتين» . فإن قلت: أخرج البخاري ومسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دخل الكعبة قام عند سارية ودعا ولم يصل» وبه عن ابن عباس أخبرني أسامة بن زيد «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما دخل البيت دعا فيه حتى خرج، فلما خرج ركع في قبل البيت ركعتين، وقال: هذه القبلة» . قلت: أخذ الناس بحديث بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنه ثبت، وقدموه على حديث ابن عباس؛ لأنه نُفي، وإنما يؤخذ بشهادة المثبت ومن تأول قول بلال أنه صلى، أي دعا فليس بشيء؛ لأن في حديث ابن عمر أنه صلى ركعتين. رواه البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ولكن رواية بلال ورواية ابن عباس صحيحتان، ووجهها أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخلها يوم النحر فلم يصل، ودخلها من الغد، وذلك في حجة الوداع، وهو حديث مروي عن ابن عمر، أخرجه الدارقطني في "سننه " بإسناد حسن عن يحيى بن جعدة عن ابن عمر قال: «دخل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - البيت ثم خرج وبلال خلفه، فقلت لبلال: هل صلى؟ قال: لا. فلما كان من الغد دخل، فسألت بلالا: هل صلى؟ قال: نعم. صلى ركعتين» . وأخرج الدارقطني أيضا، والطبراني في "معجمه " عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: «دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - البيت فصلى بين الساريتين ركعتين، ثم خرج فصلى بين الباب والحجر ركعتين، ثم قال: هذه القبلة ثم دخل مرة أخرى، فقام فدعا ثم خرج ولم يصل» . وأما حديث أسامة بن زيد فروى عنه خلافه أحمد في "مسنده "، وابن حبان في "صحيحه "، عن ابن عمر أخبرني أسامة بن زيد «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى في الكعبة بين الساريتين» . قلت: حاصل الكلام في هذا الباب أن المخلص بين هذه الروايات المختلفة ما ذكرناه أولا. مع أنه روي عن ابن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن السائب أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى في الكعبة، فحديث عمر رواه أبو داود في "سننه " من حديث مجاهد، عن عبد الرحمن بن صفوان، قال: «قلت لعمر بن الخطاب: كيف صنع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين دخل الكعبة؟ قال: صلى ركعتين» . وفي إسناده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 ولأنها صلاة استجمعت شرائطها لوجود استقبال القبلة؛ لأن استيعابها ليس بشرط، فإن صلى الإمام بجماعة فيها، فجعل بعضهم ظهره إلى ظهر الإمام جاز   [البناية] يزيد بن أبي زياد، وفيه مقال، قاله الخصم. قلت: روى له مسلم مقرونا بغيره، واحتجت له الأربعة والطحاوي، وحديث عبد الله بن السائب رواه ابن حبان في "صحيحه " قال: «حضرت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الفتح وقد صلى في الكعبة، فخلع نعليه فوضعها على يساره، ثم افتتح سورة المؤمنون، فلما بلغ ذكر موسى وعيسى أخذته سعلة، فركع» . وأما الجواب عن قول مالك فنقول: إنه استقبل شطر المسجد الحرام وهو المأمور، قال: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] (البقرة: الآية 144) ، فيجزئه قياسا على ما لو صلى خارجها، فإنه حينئذ لا يتوجه إلى الكل، واستدبار البعض مع استقبال البعض لا يضر؛ لأنه ما أمر بالتوجه إلى الكل في حالة واحدة؛ لأنه غير ممكن، وإلا ينصرف إلى ما في الوسع، وفي وسعه توجه البعض، فيكون مأمورا بذلك لا غير، وليست الصلاة كالطواف؛ لأن الطواف بالبيت مأمور فيه، والطواف بالكل ممكن، فيجب الطواف خارج البيت؛ ليقع الكل، ألا ترى أن الطواف خارج المسجد الحرام لا يجوز، بخلاف الصلاة والاستدبار خارج البيت مفسد؛ لعدم استقبال ما هو مأمور لا الاستبدار، فوقع الفرق بين الاستدبارين، كذا في " المبسوط " و" الأسرار ". م: (ولأنها صلاة) ش: دليل عقلي، أي ولأن الصلاة في الكعبة صلاة م: (استجمعت شرائطها) ش: من الطهارة عن الحدثين، وطهارة الثوب والمكان والنية م: (لوجود استقبال القبلة) ش: لأنه استقبل جزءا من الكعبة، واستقبال الكل ليس بممكن، ولا هو شرط، وهو معنى قوله م: (لأن استيعابها ليس بشرط) ش: أي استيعاب أجزاء الكعبة. م: فإن صلى الإمام بجماعة فيها) ش: أي في الكعبة م: (فجعل بعضهم) ش: أي بعض الجماعة م: (ظهره إلى ظهر الإمام جاز) ش: أي جاز فعله ذلك يعني صلاته. وفي " المرغيناني " و" جوامع الفقه " لو صلوا فيها بجماعة جازت صلاتهم، سواء كان المقتدي وجهه إلى ظهر الإمام أو إلى وجهه أو إلى جنبه أو ظهره أو إلى ظهره إلى جنبه، لكن يكره إذا كان وجهه إلى وجه الإمام، لاستقبال الصورة إلا بحائل، ولا يجوز صلاة ثلاثة من كان ظهره إلى وجه الإمام والثاني من كان وجهه إلى الجهة التي وجه الإمام إليها وهو عن يمينه. ويقدم عليه بأن كان أقرب إلى الحائط من الإمام، والثالث: عن يساره مثله لتقدمه على الإمام بذلك أو لم يعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 لأنه متوجه إلى القبلة، ولا يعتقد إمامه على الخطأ، بخلاف مسألة التحري، ومن جعل منهم ظهره إلى وجه الإمام لم تجز صلاته؛ لتقدمه على إمامه، وإذا صلى الإمام في المسجد الحرام فتحلق الناس حول الكعبة، وصلوا بصلاة الإمام، فمن كان منهم أقرب إلى الكعبة من الإمام جازت صلاته إذا لم يكن في جانب الإمام؛ لأن التقدم والتأخر إنما يظهر عند اتحاد الجانب، ومن صلى على ظهر الكعبة جازت صلاته،   [البناية] م: (لأنه متوجه إلى القبلة، ولا يعتقد إمامه على الخطأ) ش: أي والحال أن لا يعتقد على الخطأ قال الأترازي: هذا التعليل ليس بكاف؛ لجواز صلاة من جعل ظهره إلى ظهر الإمام. لأن هذه العلة وهي توجه القبلة وعدم الاعتقاد خطأ الإمام. حاصله فيما إذا جعل ظهره إلى وجه الإمام، ومع هذا صلاته فاسدة، وكان ينبغي أن يزاد فيه قيد آخر بأن يقال: لأنه متوجه إلى القبلة غير متقدم على إمامه ولا يعتقد إمامه على الخطأ، وأجاب عنه الأكمل بأنه لما علل عدم الجواز في الوجه الرابع بالتقدم على الإمام، دل على أنه مانع، فاقتصر عن ذكره في الأول اعتمادا على أنه يفهم من الثاني: " بخلاف مسألة التحري) ش: يعني إذا صلوا في ليلة مظلمة، فجعل بعضهم ظهره إلى ظهر الإمام وقد علم حال إمامه لا تجوز صلاته؛ لأنه اعتقد إمامه على الخطأ. م: (ومن جعل منهم) ش: أي من القوم م: (ظهره إلى وجه الإمام لم تجز صلاته لتقدمه على إمامه) ش: قيد به؛ لأنه إذا كان وجهه إلى وجه الإمام جازت صلاته كما ذكرنا، وفي " الإيضاح " ينبغي لمن يواجه الإمام أن يجعل بينه وبين الإمام سترة؛ احترازا بالتشبيه بعابد الصورة. [الحكم لو صلى الإمام في المسجد الحرام فتحلق المأمومون حول الكعبة] م: (وإذا صلى الإمام بالمسجد الحرام فتحلق الناس حول الكعبة وصلوا بصلاة الإمام) ش: لفظ تحلق الناس جملة وقعت حالا. والجملة الفعلية الماضية إذا وقعت حالا يجوز إثبات الواو وحذفه، ولكن لا بد من قد ظاهرة أو مقدرة، والعجب من الأكمل حيث قال: فقال بعضهم أن يحلق حال بتقدير قد. فكأنه استغرب هذا، وأسنده إلى البعض مع أن معنى التركيب على هذا، وليست بجواب إذا. وجواب إذا هو قوله م: (فمن كان منهم) ش: أي من القوم م: (أقرب إلى الكعبة من الإمام جازت صلاته إذا لم يكن في جانب الإمام) ش: لأنه مستقبل الجزء من الكعبة وليس بمتقدم على إمامه، فصار كمن صلى خلفه وهذا م: (لأن التقدم والتأخر إنما يظهر عند اتحاد الجانب) ش: لأنهما من الأسماء الإضافية فلا يظهر إلا عند اتحاد الجهة، بخلاف ما إذا كان من جهة الإمام؛ لأنه حينئذ يكون مستدبر الكعبة متقدما عليه في ذلك يخرجه من حكم الاقتداء. م: (ومن صلى على ظهر الكعبة) ش: أي على سطحها، ولعل اختيار لفظ الظهر لورود الحديث به م: (جازت صلاته) ش: ولكن يكره، وكذا على جدارها إذا كان متوجها إلى ظهرها الذي هو سطحها، وإن حمل السطح إلى ظهرها لا تصح صلاته، ذكره في " جوامع الفقه "، وقال مالك: لو صلى على ظهر الكعبة يعيد أبدا. وقال أشهب: يعيد في الوقت. وقال ابن عبد الحكم لا يعيد. وقال صاحب " الجلاب ": تكره المكتوبة على ظهر الكعبة، وفيها وفي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الكعبة هي العرصة والهواء إلى عنان السماء عندنا دون البناء؛ لأنه ينقل، ألا ترى أنه لو صلى على جبل أبي قبيس جاز، ولا بناء يبن يديه. إلا أنه يكره لما فيه من ترك التعظيم وقد ورد النهي عنه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [البناية] الحجر م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه لم يجوزها على سطح الكعبة، إلا إذا كان بين يديه سترة متصلة، وإن كان بين يديه عصا مغروزة غير مبنية ولا مستمرة فوجهان، ولو جمع تراب السطح أو العرصة وحفر حفرة فوقف فيها أو استقبل شجرة نابتة، ولو استقبل حشيشا نابتا أو خشبة فوجهان، وقال ابن شريح: يصح في الكل، وإن وقف على طرف سطح الكعبة واستدبرها لا يجوز بلا خلاف. م: (لأن الكعبة هي العرصة) ش: بسكون الراء م: (والهواء إلى عنان السماء) ش: بفتح العين، وفي " ديوان الأدب " العنان السحاب م: (عندنا دون البناء؛ لأنه ينقل) ش: وفي " المحيط " و" الوبري " وغيرهما القبلة هي موضع الكعبة، والعرصة مع الهواء إلى عنان السماء؛ لأن الجدران مؤلفة من الحجارة والطين والجير ونحوها، وكل ذلك مما ينقل ويحول م: (ألا ترى أنه لو صلى على جبل أبي قبيس جاز ولا بناء بين يديه) ش: وكذا لو صلى على غيره من المواضع العالية، وفي " شرح المهذب " لو انهدمت الكعبة - والعياذ بالله - فوقف خارج العرصة واستقبلها في صلاته جازت بلا خلاف، أما إذا توقف على وسط العرصة وليس بين يديه شيء شاخص لم تصح صلاته على المنصوص، وقال ابن شريح تصح صلاته. م: (إلا أنه يكره) ش: استثناء من قوله: جازت صلته ويتذكر الضمير في أنه تأويل فعل الصلاة أو أدائها م: (لما فيه) ش: أي في المصلي على ظهر الكعبة م: (من ترك التعظيم وقد ورد النهي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي عن ترك التعظيم، وقيل: عن أداء الصلاة على ظهرها وجب النهي، رواه ابن عمر، وأخرجه الترمذي وابن ماجه عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نهى أن يصلى في سبعة مواطن: في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، ومعاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله» قال الترمذي: حديث حسن ليس إسناده بالقوي. 1 - فروع: امرأة وقعت بحذاء الإمام وقد نوى إمامة النساء فاستقبلت الجهة التي استقبلها الإمام فسدت صلاة الكل، وإن استقبلت جهة أخرى لا تفسد، ذكره المرغيناني. وقال القرافي في " الذخيرة ": هل المشروط في الاستقبال بعض هوائها أو بعض بنائها أو جميع بنائها، فالأول: قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. والثاني: قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والثالث: قول مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وعليه توكلي ورجائي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 كتاب الزكاة   [البناية] [كتاب الزكاة] م: (كتاب الزكاة) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الزكاة وقرنها بالصلاة تناسيا وإقتداء بما ذكر الله تعالى في آي من القرآن في قَوْله تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] (البقرة: الآية 43) . وكذلك في السنة: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة .... » . وأما تقدم الصلاة عليها فلأنها جنس لمعنى في نفسها بدون الواسطة، والزكاة ملحقة بها في أنها جنس لمعنى في نفسها لكن بالواسطة، فكانت هي أحط رتبة من الصلاة، ويقال: وجه مقارنتها بالصلاة: هو أن سبب وجوب العبادة نعم الله تعالى، والنعمة بدنية ومالية، والنعمة البدنية أعظهما وأتمها فكان صرف عناية المكلف إلى تعميمها أحق، والعبادة المالية بذريعة المال، ولهذا سمى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصلاة عماد الدين، والزكاة فطرة الإسلام، فاقتضت حكمة الله تعالى تقديم الصلاة على الزكاة، وجعلت الزكاة ثانية الصلاة للآية المذكورة. ثم لفظ الزكاة اسم المصدر - أعني التزكية - يقال: زكى ماله تزكية إذا أدى عنه زكاته، وأصل مادته يأتي لمعان بمعنى الطهارة، قال الله تعالى: {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً} [مريم: 13] (مريم: الآية 13) ، أي طهارة، وقال الله تعالى: {وَتُزَكِّيهِمْ} [التوبة: 103] (التوبة: الآية 103) أي تطهرهم، وبمعنى النماء يقال: زكى الزرع إذا نمى، وقال الجوهري: زكى الزرع يزكو زكاة ممدودة أي نما، وأزكاه الله تعالى. وبمعني النعم، قال الأموي: زكى الرجل يزكو زكا زكوا إذا تنعم وكان في خصب. وبمعنى آخر يقال: هذا الأمر لا يزكو بفلان، أي لا يليق به، وبمعنى آخر يقال: تزكى الرجل أي تصدق، وبمعنى هذا المدح يقال: زكى نفسه، قال الله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] (النجم: 32) ، وبمعنى الثناء الجميل ومنه زكى الثناء فمخرج الزكاة يحصل للثناء الجميل، وزكاة الناقة بولدها إذا أدبرت به بين رجليها، وسميت صدقة؛ لدلالتها على صدق العبد في العبودية إذا أداها لأنها على النفس أشق. وأما معناه الشرعي فقد قال الشيخ قوام الدين الكاكي: وشرعا عند المحققين من أصحابنا إيتاء جزء مقدر من النصاب الحولي إلى الفقير لله تعالى. قلت: هذا يحتاج إلى قيد آخر وهو أن يقال: إلى الفقير غير الهاشمي، وقيل: الزكاة اسم للمال المؤدى؛ لأنه تعالى أمرنا بإيتاء الزكاة، والمراد بالإيتاء إخراجها من العدم إلى الوجود. وقال السغناقي: قال المحققون من أصحابنا: إن الزكاة في عرف الشرع اسم لفعل الأداء بدليل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 الزكاة واجبة   [البناية] قولنا: الزكاة واجبة، والوجوب من صفات الأفعال لا من صفات الأعيان. كذا في " المبسوط ". ثم قال: يجوز أن يقال: إن الزكاة في اصطلاح الشرع عبارة: عن إخراج الحر البالغ المسلم العاقل إذا ملك نصابا ملكا تاما طائفة من المال إلى المصرف؛ لرضا الله تعالى لإسقاط الفرض عن وجه ينقطع نفع المؤدى من المؤدي. وقال تاج الشريعة: الزكاة في الشرع عبارة عن إيتاء جزء من النصاب الحولي إلى الفقير؛ لأنها توصف بالموجود الذي هو من صفات الفعل، ثم أطلقت على القدر المخرج إلى الفقير مجازا؛ إما لأنه يوصف بطهر المخرج من الذنوب، أو لأنه ينمي ماله ويبارك له ويقع مدفعا لتلف أصل المال المذكور في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما خالطت الصدقة مالا إلا أهلكته» . والأحسن في هذا: ما قاله الشيخ حافظ الدين النسفي: الزكاة تمليك المال من فقير مسلم غير هاشمي ولا مولاه، بشرط قطع المنفعة عن المالك من كل وجه لله تعالى. قلت: ولو قال: تمليك جزء من المال لكان حسنا. وبقي الكلام في صفتها وسبب وجوبها وشروطها وحكمها. أما صفتها: فهي فريضة محكمة يجب تكفير جاحدها على ما يجيء بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى، وفي السنة الثانية من الهجرة فرضت الزكاة. وأما سبب وجوبها فالمال، ولهذا تضاف إلى المال، فيقال: زكاة المال والواجبات تضاف إلى أسبابها، ولكن المال سبب باعتبار غنى المالك، والغنى لا يحصل إلا بمال مقدر وهو النصاب، وأما شروطها فسبعة: أربعة في المالك: وهو أن يكون حرا بالغا عاقلا مسلما وليس عليه دين، وثلاثة في الملوك: وهو أن يكون النصاب كاملا، حوليا، ومساما أو منجزا تعلقه أو نفلا. وأما حكمها فالخروج عن عهدة التكليف في الدنيا، والنجاة عن العقاب، ووصول الثواب في الآخرة، كذا في " المبسوط ". [حكم الزكاة وشروط وجوبها] م: (الزكاة واجبة) ش: قال الكاكي: أراد بالوجوب الفرض، وفي " الكافي " و" البدرية " وصفت بالوجوب مع أنها فريضة؛ لأنه أريد به الثبوت والإلزام، فيكون واجبا قطعا، أو لأن أصلها ثبت بالدليل القطعي، ولكن مقدارها ثبت بأخبار الآحاد، فإن قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] (البقرة: الآية 43) ، مجمل في حق المقدار، ولعل صاحب الكتاب نظر إلى هذا وعدل عن لفظ الفرض، والواجب والفرض يلتقيان في حق العمل، فيصح إطلاق أحدهما على الآخر مجازا. وقال السغناقي: وفي عكسه والوتر فرض، وبدأ بذكره كما أن الأصح من مذهب أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الوتر واجب، والأولى أن يقال فيه: أراد بالوجوب اللزوم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 على الحر العاقل البالغ المسلم إذا ملك نصابا كاملا ملكا تاما، وحال عليه الحول، أما الوجوب فلقوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] (البقرة: الآية 43) ؛ ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أدوا زكاة أموالكم» .   [البناية] والثبوت؛ لأنه ينبني عنه لغة. وقال السروجي: وفي " البدائع " و" التحفة " وغيرها: إنهما فريضة، ثم أراد بالوجوب التحقق والثبوت، وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "وجبت" أي ثبتت وتحققت، أو لأنه لو قال: فرضا لتبادر الذهن إلى الفرض الذي هو التقدير، وهو الغالب في باب الزكاة؛ لأنها جزء مقدر في جميع أصناف الأموال. م: (على الحر العاقل البالغ المسلم) ش: الجار والمجرور يتعلقان بقوله: واجبة، ذكر أربعة أشياء. الأول: الحرية فلا تجب على العبد. والثاني: العقل فلا تجب على المجنون. والثالث: البلوغ، فلا تجب على الصبي. والرابع: الإسلام فلا تجب على الكافر. وسيجيء بيان كل واحد منها عن قريب؛ لأن هذا الكتاب شرح القدوري في نفس الأمر. م: (إذا ملك نصابا كاملا ملكا تاما وحال عليه الحول) ش: الملك بالاختصاص المطلق الحاجز، وقيل: هو القدرة على التصرف على وجه لا يتعلق بذلك تبعة في الدنيا ولا غرامة في الآخرة. والنصاب الأصل، وهو كل مال لا تجب فيما دونه الزكاة، والملك التام الذي يكمل جميع آثار الملك، واحترز به عن مال المديون، والمكاتب، ومال الضمان، وبدل الخلع، والمهر قبل القبض. وقال السغناقي: صاحب الدين يستحقه عليه ويأخذه من غير قضاء ولا رضا، وذلك لأنه عدم الملك كما في الوديعة والمغصوب، قال: ولا يلزم على هذا الواهب فيما وهب، حيث كان له الرجوع في هبته، وهو لم يمنع تمام الملك للموهوب له حتى تجب عليه الزكاة، لأنا نقول: إنه لا يتملكها عليه إلا بقضاء أو رضا. وأما الصداق قبل القبض، فإن بالعقد يحصل أصل الملك، وتمام المقصود لا يحصل إلا بالقبض، وصيرورته نصابا للزكاة بناء على تمام المقصود، لا على حصول أصل الملك، حتى لا تجب الزكاة في مال الضمان، وإن وجد أصل الملك وكذا في " المبسوط ". وقيل: يحتمل أن يكون قوله: "ملكا تاما"، احترازا عن البيع قبل القبض حيث لا زكاة فيه؛ لأن ملكه لم يتم، ولهذا لا يجوز تصرفه فيه، والملك: عبارة عن مطلق التصرف فيكون الملك فيه ناقصا، فلا يلزم عليه مال ابن السبيل؛ لأن يده ثابتة. م: (أما الوجوب فلقوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] ، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أدوا زكاة أموالكم» ش: أي أما وجوب الزكاة فلقوله عز وجل: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] (البقرة: الآية 43) ، وقد أمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 وعليه إجماع الأمة   [البناية] الله تعالى بإيتاء الزكاة، والأمر المطلق للوجوب على المختار عند الأصوليين والفقهاء. وقال المروزي وغيره من الشافعية: الآية مجملة. قال البندنيجي: هو المذهب وبينتها السنة لكن أصل الوجوب ثابت بها. وقال بعضهم: ليست مجملة بل كل ما يتناول اسم الزكاة. فالآية تقتضي وجوبه والزيادة عليه تعرف بالسنة، والأمر المطلق موقوف على البيان عند بعض الشافعية ذكره السرخسي. قوله: "وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أدوا زكاة أموالكم» . أي ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.. إلخ، وهذا جزء من حديث أخرجه الترمذي في آخر أبواب الصلاة عن سليم بن عامر قال: سمعت أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب في حجة الوداع فقال: «اتقوا الله ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم» . وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ورواه ابن حبان في "صحيحه "، والحاكم في "مستدركه "، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ولا نعرف له علة ولم يخرجاه. وقد احتج مسلم بأحاديث سليم بن عامر وسائر رواته متفق عليهم، وروي هذا أيضا عن أبي الدرداء رواه الطبراني في كتاب " مسند الشاميين " أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أخلصوا عبادة ربكم، وصلوا خمسكم، وأدوا زكاة أموالكم، وصوموا شهركم، وحجوا بيت ربكم، تدخلوا جنة ربكم» وفيه قصة. م: (وعليه إجماع الأمة) ش: أي على وجوب الزكاة إجماع أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الصدر الأول إلى زماننا حتى كفروا جاحدها، وفسقوا تاركها، وكذا في " شرح المبسوط ". وقال الكاساني في " البدائع ": الدليل على فرضية الزكاة الكتاب والسنة والإجماع والمعقول. واعترض عليه بأن السنة لا يثبت بها الفرض، إلا أن تكون متواترة أو مشهورة لا سيما فرضا يكفر جاحده، والزكاة جاحدها يكفر، والسنة الواردة فيها أخبار آحاد صحاح وبها يثبت الوجوب دون الفرض، والعقل لا يثبت به وجوب الزكاة والصلاة وغيرها من الأحكام الشرعية، وإن أراد بالمعقول المقاييس المستنبطة لا يثبت بها الفرضية. وقال الكاساني: أما المعقول فمن وجوه ثلاثة: الأول أنه من باب إعانة الضعيف وتقويته على أداء ما فرض الله تعالى عليه من التوحيد والعبادة، والوسيلة إلى أداء المفروض مفروض. ورد بأنه يمكن حصول التوحيد وغيره بغير هذه الوسيلة فلا يكون فرضا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 والمراد بالواجب الفرض لأنه لا شبهة فيه، واشتراط الحرية؛ لأن كمال الملك بها   [البناية] قال: الثاني: إنها تطهير نفس المؤدي وتزكية أخلاقه، والتخلق بالجود والكرم، ورد بأنه أبعد. قال: والثالث: فيه شكر نعمة المال، وشكر المنعم فرضٌ عقلا، ورد بأنه لا يخفى. [حكم مانع الزكاة] 1 فروع: إذا امتنع من أداء الزكاة ولم يجحد وجوبها أخذت وعزر ولا يأخذ زيادة على الواجب، وهذا قول أكثر أهل العلم مثل مالك والشافعي - رحمهما الله - وأظهر قولي أحمد بن حنبل وأصحابه. وقال إسحاق وعبد العزيز وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية، والشافعي في قوله "القديم": يأخذها الإمام وينظر ما له، وهي رواية عن إسحاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - يؤخذ معها مثلها. فإن قلت: روى أبو داود والنسائي - رحمهما الله - من حديث بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: «في كل سائمة إبل في كل أربعين بنت لبون، من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها شيء» . قلت: كان ذلك في ابتداء الإسلام حيث كانت العقوبات بالمال ثم نسخ. م: (والمراد بالواجب الفرض؛ لأنه لا شبهة فيه) ش: أي المراد من قولنا في أول الكتاب: الزكاة واجبة، الفرض؛ لأنه ثبت بدليل لا شبهة فيه وهو الكتاب والسنة المتواترة، وإجماع الأمة، وقد مضى الكلام فيه هناك. م: (واشتراط الحرية) ش: مرفوع بالابتداء وخبره محذوف أي اشتراط الحرية في وجوب الزكاة م: (لأن كمال الملك بها) ش: أي بالحرية إذ العبد قد يملك البيع والتصرف بالكتابة والإذن، وقد قال الكاكي: قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس في مال المكاتب زكاة حتى يعتق» ، فلما لم تجب في مال المكاتب مع أنه حر من وجه، وقن من وجه، ففي غير المكاتب أولى؛ لأنه قن من كل وجه، والزكاة وظيفة مالية ولا مال للعبد، فشرطت الحرية بالإجماع. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنما شرطت الحرية لما ذكر الشيخ أبو بكر الجصاص الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الطحاوي " بإسناده إلى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس في مال المكاتب زكاة حتى يعتق» . وقال السروجي: العبد المأذون له إن كان عليه دين يحيط كسبه فلا ملك لسيده عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما يستحق الصرف إلى غير ماله، وإن لم يكن عليه دين تجب الزكاة فيه على مولاة، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا تجب الزكاة في مال العبد لا عليه ولا على سيده. قال ابن المنذر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول ابن عمر، وجابر، والزهري، وقتادة، وأبي عبيدة، وأحمد - رضي الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 والعقل والبلوغ لما نذكره والإسلام؛ لأن الزكاة عبادة فلا تتحقق من الكافر، ولا بد من ملك مقدار النصاب؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدر السبب به، ولا بد من الحول؛ لأنه لا بد من مدة يتحقق فيها النماء وقدرها الشارع بالحول.   [البناية] عنهم -، وقال ابن المنذر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا: وأوجبها طائفة على العبد وجوزوا له أخذ الصدقة مع حرمتها على الغني وهو قول عطاء وأبي ثور وداود - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (والبلوغ والعقل لما نذكره) ش: أي واشتراط البلوغ والعقل لما نذكره عن قريب وهو قوله: وليس على الصبي والمجنون زكاة م: (والإسلام) ش: أي واشتراط الإسلام في وجوب الزكاة م: (لأن الزكاة عبادة فلا تتحقق من الكافر) ش: لأن الأمر بأداء العبادات لينال به المؤدي الثواب في الآخرة، والكافر ليس بأهل الثواب للعبادة عقوبة له على كفره حكما من الله تعالى. وبدون الأهلية لا يثبت وجوب الأداء ووجوب العقوبات عليهم للزجر، وهو أليق بهم بخلاف الجنب والمحدث؛ لأن أهليتهما غير معدومة بسبب الجنابة والحدث؛ لأنهما مباحان، لكن الطهارة منهما شرط صحة الأداء وبعدم الشرط لا تعدم الأهلية. م: (ولا بد من ملك مقدار النصاب؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدر السبب به) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدر سبب وجوب الزكاة بالنصاب، وهو ما ذكر في " صحيح" البخاري عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، وليس فيما دون خمسة أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمسة ذود من الإبل صدقة» . م: (ولا بد من الحول) ش: أي ولا بد في وجوب الزكاة من حولان الحول. وقال الجوهري: وقولهم: لا بد من كذا كأنه قال: لا فرار منه. قلت: هذا من الأسماء المبنية على الفتح، وأصله من البدو وهو للتفريق، ومعناه لا مفارقة من هذا، ونحوه لا محالة. م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لا بد من مدة يتحقق فيها النماء) ش: أي نماء المال من نمى المال وغيره نماء، وربما قالوا: ينمو نموا وأنماه الله إنماء، وحكى أبو عبيدة نما ينمو وينمي. م: (وقدرها الشارع بالحول) ش: أي قدر المدة المذكورة الشارع بحولان الحول، قال شهاب الدين القرافي: سمي الحول حولا؛ لأن الأحوال تحول فيه، كما تسمى سنة لتسنية الأشياء فيها، والتسنية: التغير، وتسمى عاما؛ لأن الشمس عامت حتى قطعت جملة الفلك؛ لأنها تقطع الفلك كله في السنة مرة، وتقطع من كل شهر برجا من البروج الاثني عشر، فلذلك قال الله تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40] (يس: الآية 40) ، وفي " المغرب ": حال الحول دار ومضى، وحالت النخلة حملت عاما وعاما لا، وأحالت لغة، وحال الشيء تغير عن حاله، ومنه قال أستاذنا: وقد جعل حول الزكاة من الدوران والمضي، لا من التغير، فالأول مردود، وفي " الصحاح ": الحول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول»   [البناية] السنة، والحيلة القوة. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا يقال إنه إضمار قبل الذكر؛ لأن القرائن تدل عليه، والحديث رواه علي وابن عمر وأنس وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أما حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "سننه " من رواية الحارث الأعور - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيه عاصم بن ضمرة والحارث الأعور وعاصم، وثقه ابن معين وابن المديني والنسائي، وتكلم فيه ابن حبان وابن عدي، فالحديث حسن قال النووي في " الخلاصة ": حديث صحيح أو حسن لا يقدح فيه، ضعف الحارث لمتابعة عاصم له. وأما حديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فرواه الدارقطني عن إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: «ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول» ، وإسماعيل بن عياش - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضعيف. وفي رواية عن نمير بن معين قال الدارقطني: ورواه معمر وغيره عن عبيد الله موقوفا، قال: والصواب أنه موقوف وله طرق أخرى. وأما حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا في "سننه" عن حسان بن سياه عن ثابت عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا، ورواه ابن عدي في " الكامل " وأعله بحسان بن سياه، وقال: لا أعلم أنه يرويه عن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غيره. وقال ابن حبان: حسان بن سياه منكر الحديث جدا، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. وأما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فرواه ابن ماجه في "سننه " عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» ، وحارثة هذا ضعيف، وقال ابن حبان: تركه أحمد ويحيى - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 ولأنه المتمكن به من الاستنماء؛ لاشتماله على الفصول المختلفة، والغالب تفاوت الأسعار فيها فأدير الحكم عليه، ثم قيل: هي واجبة على الفور،   [البناية] رحمهما الله - م: (ولأنه المتمكن به من الاستنماء) ش: أي ولأن الحول هو الممكن على وزن اسم الفاعل من التمكين، والاستنماء طلب النماء. م: (لاشتماله على الفصول المختلفة) ش: أي لاشتمال الحول على الفصول المختلفة، وهي: الربيع، والصيف، والخريف، والشتاء، فإن التجارات ما يتهيأ الاسترباح فيها في الصيف دون الشتاء، وقد يكون على العكس وكذلك في الربيع والخريف؛ فلذلك علق الاستنماء بحولان الحول، ثم لما أقيم حولان الحول مقام الاستنماء فبعد ذلك لم يعتبر حقيقة الاستنماء حتى إذا ظهر النماء أو لم يظهر يجب الزكاة كالسفر لما أقيم مقام المشقة لم يعتبر حينئذ وجود المشقة فكذلك هاهنا. م: (والغالب تفاوت الأسعار فيها فأدير الحكم عليه) ش: هذا كله جواب عن سؤال مقدر، وهو أن يقال: لم اعتبر اشتمال الحول على الفصول المختلفة؟ فأجاب بقوله: إن الغالب تفاوت الأسعار أي أسعار الأشياء فيها، أي في الفصول، فأدير الحكم عليه أي على الغالب، وشرط حولان الحول شرط الوجوب في الحجرين، وأموال التجارة والسوائم بخلاف زكاة الزرع. والسرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - جعل الحول وصفا للسبب ولم يجعله شرطا، وقال: وكلمة حتى في قوله: حتى يحول عليه الحول ليست للشرط. وقال مالك والشافعي - رحمهما الله - إذا تم النصاب بالربح عند آخر الحول تجب الزكاة، وإن لم يكن نصابا في أوله، فسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. [وجوب الزكاة على الفور أم التراخي] م: (ثم قيل هي واجبة على الفور) ش: قائله هو الكرخي، فإنه قال: هو واجب أي أداء الزكاة واجب على الفور، والمراد به أن يجب الفعل في أول أوقات الإمكان أي على الحال، كذا قال في ": المغرب " وهو في الأصل مصدر: فارت القدر إذا غلت، فاستعير للسرعة، ثم سميت به الحالة التي لا ريب فيها ولا لبث، فقيل: جاء فلان وخرج من فوره أي من ساعته، قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - المراد به أن يجب الفعل في أول أوقات الإمكان وهو أيضا قول عامة أهل الحديث. وكذا روي عن محمد، ففي " المنتقى " عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا كان له مائتا درهم فحال عليها حولان ولم يزك فقد أساء، لا يحل له ما صنع، وعليه زكاة حول واحد، وعنه إن لم يؤد زكاته لا تقبل شهادته، وأن التأخير لا يجوز ذكره في المحيط، ومن اختار من أصحابنا أن مطلق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 لأنه مقتضى مطلق الأمر، وقيل: على التراخي؛ لأن جميع العمر وقت الأداء، ولهذا لا تضمن بهلاك النصاب بعد التفريط، وليس على الصبي والمجنون زكاة،   [البناية] الأمر على الفور، الإمام أبو منصور الماتريدي، وفي" الميزان " عنه لا يعتقد فيه الفور ولا التراخي إلا بدليل زائد وراء الأمر، وفي " الوتري " لم يذكر في ظاهر الرواية هل يجب وجوبا موسعا أو مضيقا؟ م: (لأنه مقتضى مطلق الأمر) ش: أي لأن الفور مقتضى مطلق الأمر؛ لأن الأمر لحاجة تأخيره وهو دفع حاجة الفقير، والدليل عليه أنه إذا أدي في أول أوقات الإمكان يخرج من العهدة. م: (وقيل على التراخي) ش: القائل هو محمد بن شجاع البلخي، وكذا روي أيضا عن أبي بكر الجصاص الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وروى هشام عن أبي يوسف أنه يسعه التأخير وفرق بينها وبين الحج أن الحج يختص بوقت يأتي في السنة مرة. وفي التأخير تفويت وليس ذلك في الزكاة، وفي " الوتري ": لو منع السائمة عن المصدق قيل: يضمن بالهلاك كبيع الوديعة والعارية، وقيل: لا يضمن وهو الصحيح. ويمنع الزكاة على الفقير لا يضمن؛ لعدم تعينه فإن له أن يدفعها إلى غيره، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على الفور ويضمن بالتأخير بعد التمكن وبإتلافه قبل التمكن وفي إتلاف الأجنبي قولان. م: (لأن جميع العمر وقت الأداء) ش: أي وقت أداء الزكاة فلا يجوز تقييده بأول أوقات إمكان الأداء. م: (ولهذا لا يضمن بهلاك النصاب بعد التفريط) ش: أي ولكون جميع العمر وقت الأداء لا يضمن المزكى بهلاك النصاب، أي نصاب كان بعد التفريط، أي التقصير بعدم الأداء في وقت التمكن. وقال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يضمن كما في الاستهلاك؛ لأنه صار دينا في ذمته. قلنا: الواجب جزء من النصاب فلا يتصور بقاء الجزء بعد هلاك النصاب بخلاف ما إذا استهلكه؛ لأنه دخل في ضمانه فيبقى دينا في ذمته. م: (وليس على الصبي والمجنون زكاة) ش: وبه قال أبو وائل، وسعيد بن جبير، والنخعي، والشعبي، والثوري، والحسن البصري - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وحكي عنه أنه إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وقال سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا تجب الزكاة إلا على من وجبت عليه الصلاة والصيام. وذكر حميد بن زنجويه النسائي أنه مذهب ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفي " المبسوط ": الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] وهو قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضا، وعن جعفر بن محمد عن أبيه مثله، وبه قال ابن شريح - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره النسائي، وقال سائر أهل العراق: لا يرون الزكاة على الصبي ولا على وصيه، وقالوا: لا تجب الزكاة إلا على من وجبت عليه الصلاة، وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: إذا بلغ إن شاء زكى وإن شاء ترك. وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز: تجب الزكاة في ماله ولا يخرجها الوصي، ولكن يحصيها، فإذا بلغ أعلمه حتى يزكيه بنفسه، وقال ابن أبي ليلى: الزكاة في ماله، فإن أداها الوصي ضمن، وقال ابن شبرمة: لا أزكي الذهب والفضة، ولكن أزكي الإبل والبقر والغنم وما ظهر وما غاب لم أطلبه، ذكره ابن المنذر في " الأشراف ". م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: انتصاب خلافا على أنه مصدر فعل محذوف والتقدير: خالفنا خلافا كائنا للشافعي، وبقوله قال مالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فقالوا: تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، ويطالب الوصي والولي بالأداء، ويأثم بالترك وإن لم يخرج الولي وجب عليهما بعد البلوغ والإقامة إخراجها لما مضى من السنين. قال السروجي: وعبارة الشافعية: لا تجب الزكاة عليهما بل تجب في مالهما. وعند الحنابلة الوجوب عليهما، ذكره في" المغني " واحتجوا في ذلك بما رواه الترمذي عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب الناس فقال: «من ولي يتيما له مال فليتجر فيه، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة» . قال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنما يروى هذا الحديث من هذا الوجه وفي إسناده مقال؛ لأن المثنى يضعف في الحديث. وقال صاحب " التنقيح ": قال مهنى: سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: ليس بصحيح وله طريق آخر أخرجه الدارقطني في "سننه " عن عبيد الله بن إسحاق حدثنا مندل، عن أبي إسحاق الشيباني، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه. قال الدارقطني: الصحيح أنه من كلام ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. طريق آخر أخرجه الدارقطني عن محمد بن عبيد الله العرزمي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 فإنه يقول: هي غرامة مالية فتعتبر بسائر المؤن، كنفقة الزوجات وصار كالعشر والخراج.   [البناية] عن جده - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في "مال اليتيم زكاة» . قال الدارقطني: العرزمي ضعيف، وعبيد الله بن إسحاق أيضا ضعيف، وقال صاحب " التنقيح ": هذه الطرق الثلاثة ضعيفة، واحتجوا أيضا بحديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة» . أخرجه الطبراني في " الأوسط "، حدثنا علي بن سعيد الرازي، حدثنا الفرات بن محمد القيرواني، حدثنا شجرة بن عيسى المغافري، عن محمد بن عبد الملك بن أبي كريمة، عن عمارة بن غزية يحيى بن سعيد عن أنس، وقال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن أنس إلا بهذا الإسناد. وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وأجاب شمس الأئمة وغيره من الأصحاب عن أحاديثهم مع أنها غير ثابتة أن المراد من الصدقة النفقة ويؤيده أنه أضاف الأكل إلى جميع المال والنفقة هي التي تأكل جميع المال. وقال ركن الدين إمام زاده: معني فليترك ماله بالتمييز في التجارة؛ لأن الزكاة هي الزيادة وهي الثمرة، والصدقة هي النفقة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نفقة المرء على عياله صدقة» . وكذلك المراد من الزكاة زكاة الفطر ثم هو منقوض بمال الجنين فإنه لا تجب الزكاة فيه على المذهب عندهم، ذكره النووي في " شرح المهذب " فصار كالحرية والعقل فإنه لا يجب على الصبي. م: (فإنه يقول: هي غرامة فتعتبر بسائر المؤن) ش: أي فإن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: هي أي الزكاة، غرامة مالية، أي حق وجب بسبب المال، والصغر لا يمنع وجوبه فيعتبر بسائر المؤن. وقال السغناقي: غرامة مالية أي وجوب شيء مالي، استعار لفظ الغرامة إلى الوجوب لما أن حقيقة الغرامة هي أن يلتزم الإنسان ما ليس عليه. م: (كنفقة الزوجات) ش: هذا من شأن المؤن، المعنى أن الزكاة لما كانت مؤنة مالية تجب عليهما كما تجب سائر المؤن، كنفقة الأبوين ونفقة الزوجات والغرامات المالية م: (وصار كالعشر والخراج) ش: أي وصار وجوب الزكاة عليهما كوجوب العشر والخراج فإنهما يؤخذان من مالهما. فإن قلت: الزكاة واجبة فاستوى فيها الصغير والكبير كصدقة الفطر. قلت: صدقة الفطر أجريت مجرى حقوق الآدميين، ولهذا تلزم الإنسان عن غيره وحقوق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 ولنا أنها عبادة فلا تتأدى إلا بالاختيار تحقيقا لمعنى الابتلاء، ولا اختيار لهما لعدم العقل، بخلاف الخراج؛ لأنه مؤنة الأرض، وكذلك الغالب في العشر معنى المؤنة، ومعنى العبادة تابع ولو أفاق في بعض السنة، فهو بمنزلة إفاقته في بعض الشهر في الصوم.   [البناية] الآدميين يجوز أن تلزم الصبي، ولأن الفطرة تجب على رقبة الحر لا على طريق البدل فجاز اعتبارها في حق الصبي، والزكاة حق مالي لا يجب على رقبة الحر، فإن افتقر إلى النية فلا تجب على الصبي كالحج. م: (ولنا أنها عبادة مالية فلا تتأدى إلا بالاختيار تحقيقا لمعنى الابتلاء) ش: أي الحجة لنا أن الزكاة عبادة مالية؛ لأن الإسلام بني عليها، كما ورد في الحديث، قوله: فلا تتأدى، أي فلا تتحقق العبادة إلا باختيار صحيح أو باختيار ثابت يثبت ثباته عن اختيار صحيح؛ ليتحقق معنى الابتلاء، يعني أنا ابتلينا بالعقل ليظهر المطيع من العاصي، وذلك لا يكون إلا بفعل على سبيل الاختيار دون الجبر. م: (ولا اختيار لهما لعدم العقل) ش: أي ولا اختيار للصبي والمجنون لعدم عقلهما، ولا صحة لاختيار الصبي العاقل فلا تجب عليهما الزكاة، ولهذا لو أدى الصبي العاقل بنفسه لا يصح عند الخصم، فعلم أن اختياره غير صحيح. فإن قلت: الزكاة عبادة تجزئ فيها النيابة، فلم لا يجوز أداء الولي عنهما بسبيل النيابة؟ قلت: النيابة تثبت باختيار المنوب عنه، أو بإقامة الشرع النائب مقام المنوب عنه جبرا ولم يوجد. أما صدقة الفطر فالقياس أن لا تجب وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي الاستحسان تجب وهو قولهما؛ لأنها مؤنة، ومعنى العبادة فيها وكذا العشر، والأمر في الخراج أظهر لأنه مؤنة فيها معنى العقوبة. م: (بخلاف الخراج لأنه مؤنة الأرض) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصار كالعشر والخراج، أراد أن القياس عليه لا يصح؛ لأن الخراج مؤنة الأرض، لأن سبب وجوبه الأرض النامية لا الخارج فباعتبار الأصل فهو الأرض النامية مؤنة. م: (وكذلك الغالب في العشر معنى المؤنة ومعنى العبادة تابع) ش: هذا أيضا جواب عن قول الشافعي، وصار كالعشر - يعني القياس عليه غير صحيح-؛ لأن الغالب في العشر معنى المؤنة، ولهذا لا يشترط النصاب والحول ولا يسقط بالدين قوله: ومعنى العبادة تابع؛ لأن العشر يثبت إلى الأرض لأنها أصله، ومعنى العبادة باعتبار المصرف وكون الواجب جزءا من النماء. م: (ولو أفاق في بعض السنة، فهو بمنزلة إفاقته في بعض الشهر في الصوم) ش: أي لو أفاق المجنون في بعض الشهر، معنى هذا إذا كان مفيقا في جزء من السنة بعد ملك النصاب في أولها أو في آخرها قل ذلك أو كثر تلزمه الزكاة، كما لو أفاق في جزء من شهر رمضان في يوم أو ليلة يلزمه صوم الشهر كله. ثم الجنون على نوعين: أصلي: وهو أن يدرك مجنونا، فحكمه حكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر أكثر الحول، ولا فرق بين الأصلي والعارضي وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا بلغ مجنونا يعتبر الحول من وقت الإفاقة بمنزلة الصبي إذا بلغ. وليس على المكاتب زكاة؛ لأنه ليس بمالك من كل وجه لوجود المنافي وهو الرق، ولهذا لم يكن من أهل أن يعتق عبده.   [البناية] الصبي، ويعتبر ابتداء الحول من حين الإفاقة؛ لأن التكليف لم يسبق هذه الحالة، فصارت الإفاقة كالبلوغ، وعارض: وهو أن يدرك مفيقا ثم يجن فحكمه أنه إذا أفاق في شيء من السنة، وإن قلت: تجب الزكاة لتلك السنة، كذا ذكره محمد في نوادر الزكاة؛ لأن المعتبر أول الحول لكونه وقت الانعقاد وآخره؛ لأنه وقت الوجوب، فكان مكلفا فيهما ولا يضره زوال العقل فيما بين ذلك. - م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر أكثر الحول ولا فرق بين الأصلي والعارضي) ش: هذا رواه هشام عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر الإفاقة في أكثر الحول، وإن كان مفيقا في أكثر الحول تجب وإلا فلا؛ لأن الأكثر يقوم مقام الجميع، فإن كان مفيقا في الأكثر فقد غلب الصحة الجنون، فصار كجنون ساعة، فوجبت الزكاة، فإذا كان مجنونا في الأكثر صار كأنه جن في جميع الحول. وقال الكرخي: والذي يجن ويفيق بمنزلة الصحيح؛ لأن هذا الجنون لا يستحق به الحجر فهو كالنوم. وأما المغمى عليه فهو كالصحيح، وفي" الأسرار ": عند زفر والشافعي إذا جن وقت صلاة أو يوما في رمضان لا تلزمه صلاة ذلك الوقت ولا صوم ذلك اليوم. قوله- ولا فرق بين الأصلي- أي بين الجنون الأصلي والجنون العارضي، يعني في ظاهر الرواية، يعني تجب الزكاة إذا أفاق في بعض السنة، ولا يعتبر ابتداء أول الحول من حين الإفاقة؛ لأن الحول مدة العبادة فإذا أفاق في جزء منه تعلق به الوجوب كما في رمضان. وأما على غير ظاهر الرواية فبين الأصلي والعارضي فرق، وقد ذكرناه. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا بلغ مجنونا يعتبر الحول من حين الإفاقة بمنزلة الصبي إذا بلغ) ش: هذا يوهم أنه رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وليس كذلك، بل هو مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه قال: إذا بلغ الصبي مجنونا يعتبر الحول من حين إفاقته عن الجنون بمنزلة الصبي إذا بلغ حيث يعتبر التكليف عليه من حين البلوغ. [زكاة مال المكاتب] م: (وليس على المكاتب زكاة؛ لأنه ليس بمالك من كل وجه) ش: لأنه مالك يدا لا رقبة؛ لأن رقبة للمولى م: (لوجود المنافي وهو الرق) ش: المنافي هو كونه مالكا من كل وجه وهو الرق؛ لأنه عبد ما بقي عليه درهم بالحديث على ما يأتي في بابه. م: (ولهذا) ش: أي ولكونه غير مالك من كل وجه م: (لم يكن من أهل أن يعتق عبده) ش: لأن ملكه ناقص وهو يمنع وجوب الزكاة. وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 ومن كان عليه دين يحيط بماله فلا زكاة عليه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب لتحقق السبب وهو ملك نصاب كامل تام، ولنا أنه مشغول بحاجته الأصلية   [البناية] العلم على أن الزكاة في مال المكاتب حتى يعتق وهو قول جابر بن عبد الله، وابن عمرو، وعطاء، ومسروق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، والثوري، ومالك، والشافعي، وابن حنبل - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال أبو ثور وأبو عبيد وابن حزم من الظاهرية: تجب الزكاة في مال المكاتب انتهى. وأما العبد المأذون فإن كان عليه دين يحيط بكسبه فلا زكاة فيه على أحد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المولى يملك كسبه، وعندهما إن كان يملك فهو مشغول بالدين، والمال المشغول بالدين لا يكون نصابا بالزكاة، وإن لم يكن عليه دين فكسبه لمولاه، وعلى المولى فيه الزكاة إذا تم الحول كذا في " المبسوط ". [زكاة المدين] م: (ومن كان عليه دين يحيط بماله فلا زكاة عليه) ش: هو قول عثمان بن عفان، وابن عباس، وابن عمر، وطاوس، وعطاء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، والحسن، وإبراهيم، وسليمان ابن يسار، والزهري، وابن سيرين، والثوري، والليث بن سعد، وأحمد بن حنبل - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يمنع وجوب الزكاة في الذهب والفضة لا في الماشية. م: (وقال الشافعي: تجب) ش: أي الزكاة وللشافعية ثلاثة أقوال أصحها عنده: عدم المنع وهو نصه في معظم كتبه الجديدة قاله النووي في " شرح المهذب ". والثاني: أنه يمنع وهو نصه في القديم وفي اختلاف العراقيين من كتبه الجديدة. والثالث: يمنع في الأموال الباطنة كالذهب والفضة والعروض، ولا يمنعها في الأموال الظاهرة، وهي المواشي والزروع والثمار والمعادن، وسواء كان الدين حالا أو مؤجلا، ويستوي دين الآدميين ودين الله في ذلك. م: (لتحقق السبب) ش: أي سبب وجوب الزكاة م: (وهو ملك نصاب كامل تام) ش: لأن المديون مالك لماله، فإن دين الحر الصحيح تجب في ذمته ولا تعلق له بمال، ولهذا يملك التصرف فيه كيف شاء، ثم الدين مع الزكاة حقان اختلفا محلا وسببا ومستحقا فوجوب أحدهما لا يمنع وجوب الآخر كالدين مع العشر. م: (ولنا أنه) ش: أي أن المال م: (مشغول بحاجته الأصلية) ش: لأنه صاحبه يحتاج إليه لأجل قضاء الدين، وقضاؤه لا يكون إلا من المال العين والحاجة وإن كانت صفة محض غير أنها. تستدعي محتاجا إليه وهو المال، فاستقام وصف المال به، وفي " المنافع ": مال المديون مستحق لحاجته وهي دفع المطالبة والملازمة والحبس في الدنيا والعذاب في الآخرة، وقد تعين هذا المال لقضاء هذه الحاجة فأشبه ثياب البذلة والمهنة وعبيد الخدمة ودور السكنى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 فاعتبر معدوما كالماء المستحق بالعطش وثياب البذلة والمهنة، وإن كان ماله أكثر من دينه زكى الفاضل إذا بلغ نصابا؛ لفراغه عن الحاجة والمراد به دين له مطالب من جهة العباد   [البناية] م: (فاعتبر معدوما) ش: يعني إذا كان الأمر كذلك فاعتبر هذا المال في حكم العدم فلا تجب فيه الزكاة م: (كالماء المستحق بالعطش) ش: أي لأجل نفسه ولأجل دابته، فإنه يعد معدوما حتى يجوز التيمم مع وجوده م: (وثياب البذلة والمهنة) ش: أي وكثياب البذلة، بكسر الباء الموحدة. قال الجوهري: البذلة ما يمتهن من الثياب أي ما يستخدم، وابتذال الثوب امتهانه. وقال ابن الأثير: التبذل ترك التزين على جهة التواضع، والمهنة بكسر الميم وفتحها الخدمة. وقال تاج الشريعة: وكأنهما أي البذلة والمهنة لفظان مترادفان، ورأيت في بعض الحواشي أن ثياب البذلة ما يلبس في أيام الجمع والأعياد، وثياب المهنة ما يلبسها في كل يوم ولم أعتمد عليه. م: (وإن كان ماله أكثر من دينه زكى الفاضل) ش: أي عن الدين م: (إذا بلغ نصابا لفراغه عن الحاجة) ش: أي عن الحاجة المذكورة؛ لأن ملكه فيه قام ويتحقق فيه معنى الغنى، والزكاة إنما تجب على الغني. م: (والمراد به) ش: أي المراد من قولنا ومن كان عليه دين يحيط بماله فلا زكاة عليه م: (دين له مطالب) ش: ارتفع دين على أنه خبر المبتدأ وهو قوله: والمراد، وقوله: -له مطالب- جملة من المبتدأ والخبر وقعت صفة لقوله دين، والمطالب بكسر اللام م: (من جهة العباد) ش: حال من المطالب مثل ثمن البيع والأجرة والقروض وضمان الاستهلاك ونفقة الزوجة بعد القضاء ونفقة المحارم بعد القضاء؛ إذ نفقة المحارم تصير دينا بالقضاء. وذكر في كتاب النكاح أن نفقتهم لا تصير دينا بالقضاء حتى تسقط بمضي المدة للاستغناء عنها وقدروها بالشهر، وفي " جوامع الفقه ": الشهر طويل. وفي " الحاوي ": نفقة الصغير لا تسقط بالتأخير بعد القضاء بخلاف الكبير. وفي" المحيط " مهر المرأة يمنع مؤجلا كان أو معجلا، وقيل: المؤجل لا يمنع، وقيل: إن كان الزوج على عدم قضائه يمنع وإلا فلا؛ إذ لا يعد دينا في زعمه. ودين العشر والخراج يمنع وغير العشر لا يمنع، ودين الزكاة مانع حال قيام النصاب وكذا بعد الاستهلاك خلافا لزفر فيهما، ولأبي يوسف في الاستهلاك، قال المرغيناني: هذا الخلاف في الأموال الباطنة، وأما الأموال الظاهرة فعينها ودينها مانعان. وفي " التجريد ": دين الزكاة وعينها سواء في الأموال الباطنة لا يمنع وجوب الزكاة، بخلاف زكاة الأموال الظاهرة حكاه عن زفر ويمنع العشر أيضا في رواية عبد الله بن المبارك، عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي ظاهر الرواية لا يمنعه وضمان الدرك قبل الاستحقاق، وضمان الغصب الأول لرجوعه على الثاني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 حتى لا يمنع دين النذر والكفارة ودين الزكاة مانع حال بقاء النصاب؛ لأنه ينتقص به النصاب، وكذا بعد الاستهلاك خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيهما. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الثاني على ما روي عنه   [البناية] م: (حتى لا يمنع دين النذر والكفارة) ش: لأنه لا مطالب له من جهة العباد، وكذا صدقة الفطر ووجوب الحج، وهدي المتعة والأضحية. وفي " الجامع ": دين النذر لا يمنع، ومتى استحق من جهة الزكاة بطل النذر فيه، بيانه: له مائتا درهم نذر أن يتصدق بمائة منها وحال الحول سقط النذر بقدر درهمين ونصف؛ لأن في كل مائة استحق لجهة الزكاة درهمان ونصف، ويتصدق للنذر بسبعة وتسعين ونصف، ولو تصدق بمائة منها للنذر يقع درهمان ونصف عن الزكاة؛ لأنه متعين بتعيين الله، فلا تبطل بتعيينه ولو نذر بمائة مطلقة لزمته؛ لأن محل المنذور به الذمة، فلو تصدق بمائة منها للنذر يقع درهمان ونصف للزكاة، ويتصدق بمثلها عن النذر لأنه ينقص به النصاب. م: (ودين الزكاة مانع حال بقاء النصاب) ش: قال تاج الشريعة: لكن الزكاة تمنع الوجوب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد في الأموال الظاهرة والباطنة سواء كان في العين أو في الذمة باستهلاك النصاب. وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تمنع. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن كان في العين يمنع وإن كان في الذمة لا يمنع، وصورته: رجل له ألف دينار أبقاه بعد حولان الحول حتى وجبت عليه خمسة وعشرون دينارا زكاة، ثم حصل له أربعون دينارا وحال عليه الحول فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - زكاة الألف المستهلك لا تمنع الوجوب في بقية الأربعين. وعندهما [ ... ] زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إن هذه عبادة محضة فظهر أثر الوجوب في أحكام الآخرة فصار كالنذور والكفارات، وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: دين زكاة النصاب المستهلك لا يطالب هو به فلا يمنع بخلاف دين النصاب القائم لجواز أن يمر على العاشر فيطالبه بحق. م: (وكذا بعد الاستهلاك) ش: أي وكذا مانع بعد استهلاك النصاب، وذلك مثل أن تجب عليه الزكاة في النصاب ثم استهلكه ثم ملك نصابا آخرا لا تجب الزكاة في ذلك النصاب م: (خلافا لزفر فيهما) ش: أي في دين الزكاة والاستهلاك أراد أن دين الزكاة ودين الاستهلاك لا يمنع وجوب الزكاة عند زفر. م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الثاني) ش: أي في المال والذي وجب فيه دين الاستهلاك أراد أن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا في دين الاستهلاك دون دين الزكاة، حيث يقول: إن دين الزكاة يمنع الزكاة، ودين الاستهلاك لا يمنع، وقد مر عن قريب. م: (على ما روي عنه) ش: أي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولما لم يكن هذا جواب ظاهر الرواية لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: على ما روي عنه، وكلمة على هاهنا تصلح أن تكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 لأن له مطالبا وهو الإمام في السوائم ونائبه في أموال التجارة، فإن الملاك نوابه، وليس في دور السكنى، وثياب البدن، وأثاث المنازل، ودواب الركوب، وعبيد الخدمة، وسلاح الاستعمال زكاة؛ لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية، وليست بنامية أيضا، وعلى هذا كتب العلم لأهلها   [البناية] للتعليل نحو {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] (البقرة: الآية 185) ، أي لهدايته إياكم، والمعنى هاهنا لما روي عنه. م: (لأن له) ش: أي للنصاب القائم م: (مطالبا) ش: من جهة العباد م: (وهو الإمام) ش: أي الذي له أخذ الزكاة م: (في السوائم) ش: لأنه يجوز أن يمر به فيطالبه حينئذ؛ لأن له ولاية المطالبة م: (ونائبه) ش: أي ونائب الإمام له المطالبة م: (في أموال التجارة) ش: ولكن لما أقيمت الملاك مقام النواب عن الإمام في مطالبة الزكاة عمن وجبت عليه قاموا مقام الإمام أشار إليه بقوله م: (فإن الملاك نوابه) ش: أي نواب الإمام. وأصل هذا أن ظاهر قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] (التوبة: الآية 103) ، يثبت للإمام حق الأخذ من كل مال، ولم يفرق في الحكم بين الدينين، فلذلك كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والخليفتان من بعده كانوا يأخذون إلى أن فرض عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في خلافته أداء الزكاة عن الأموال الباطنة إلى أرباب الأموال لمصلحة، فرآها في ذلك وهي أن النقد مطمع كل طامع فكره تفتيش السعاة على التجار مستور أموالهم، ففرض الأداء إليهم. [الزكاة دور السكنى والثياب وأثاث المنازل ونحوها] م: (وليس في دور السكنى، وثياب البدن، وأثاث المنازل، ودواب الركوب، وعبيد الخدمة، وسلاح الاستعمال زكاة؛ لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية) ش: الحاجة الأصلية ما يدفع الهلاك عن الإنسان تحقيقا أو تقديرا كالنفقة والثياب التي يحتاج إليها لدفع الحر والبرد، وكذا إطعام أهله وما يتجمل به من الأواني إذا لم تكن من الذهب والفضة، وكذا الجواهر واللؤلؤ والياقوت والبلخش والزمرد ونحوها إذا لم تكن للتجارة، وكذا لو اشترى فلوسا للنفقة ذكره في " المبسوط ". م: (وليست بنامية أيضا) ش أي وليست هذه الأشياء المذكورة بنامية أيضا، والنماء على نوعين: خلقي كالذهب والفضة، وفعلي: بإعداده للتجارة وكلاهما معدوم في الأشياء المذكورة. وبقولنا قال الشافعي وأحمد وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. [زكاة كتب العلم وآلات الحرفيين] م: (وعلى هذا كتب العلم لأهلها) ش: أي وعلى ما ذكرنا من عدم وجوب الزكاة حكم كتب العلم لأهلها، قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنما قيد بقوله - لأهلها - لأنها إذا كانت للبيع تكون فيها الزكاة لوجود النماء بالتجارة. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله لأهلها قيد غير مفيد؛ لما أنه لو لم يكن من أهلها وليست هي للتجارة لا تجب فيها الزكاة أيضا وإن كثرت؛ لعدم النماء، وإنما يفيد ذكر الأهل في حق مصرف الزكاة؛ لأنه إذا كانت له كتب تبلغ النصاب وهو محتاج إليها للتدريس وغيره يجوز له أخذ الزكاة، أما إذا بلغت النصاب ولم يكن محتاجا إليها لا يجوز صرف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 وآلات المحترفين لما قلنا، ومن له على آخر دين فجحده سنين ثم قامت له بينة، لم يزكه لما مضى، معناه صارت له بينة بأن أقر عند الناس وهي مسألة مال الضمار   [البناية] الزكاة إليه كذا في " النهاية ". م: (وآلات المحترفين لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله: لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية وليست بنامية، وآلات المحترفين مثل قدور الطباخين والصباغين وقوارير العطارين. وآلات النجارين، وظروف الأمتعة، وفي" الذخيرة " لو اشترى جوالق بعشرة آلاف درهم يؤجرها فلا زكاة فيها، ولو أن نحاسا اشترى دواب ليبيعها فاشترى جلالا ومقاور وبراقع ونحوها فلا زكاة فيها إلا أن تكون في نيته أن يبيعها معها. وإن كان من نية أن يبيعها آخر فلا عبرة بهذه النية، والآخر إذا اشترى أعيانا لا يبقى لها أثر في المعمول كالصابون والقلى والأشنان والعفص لا تجب فيها الزكاة؛ لأن ما يأخذه الأجير هو بإزاء عمله لا بإزاء تلك الأعيان، وكذا الخباز إذا اشترى حطبا وملحا للخبز فلا زكاة فيها، ولا زكاة في الشحوم والأدهان التي يدبغ بها. وفي " المحيط ": يدهن بها، وإن كان يبقى أثرها في المعمول كالعصفر والزعفران والصبغ ففيه الزكاة، وكذا لو اشترى الخباز سمسما يجعله على وجه الخبز ففيه الزكاة، قال أبو نصر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الأصل في هذا أن ما سوى الأثمان من الأموال لا تجب فيه الزكاة حتى ينضم إلى الملك طلب النماء بالتجارة أو بالسوم. [زكاة المال المضمار والمفقود والمغصوب] م: (ومن له على آخر دين فجحده سنين ثم قامت له بينة لم يزكه لما مضى) ش: أي لما مضى له السنين ومعنى قوله: -ثم قامت به بينة- أي بالدين بينة ما كانت له بينة أولا، ثم صارت م: (بأن أقر) ش: المديون م: (عند الناس) ش: أو كان شهوده غائبين فحضروا بعد سنين، أو تذكروا بعد ما نسوا وإنما قيد بقوله: -ثم قامت به بينة- لأنه إذا كانت له بينة تجب عليه الزكاة. وفي مبسوط شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولو كانت له بينة عادلة تجب الزكاة فيما مضى؛ لأنه لا يعد ناويا لما أن حجة البينة فوق حجة الإقرار، وهذه رواية هشام عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي رواية أخرى عنه قال: لا يلزمه الزكاة لما مضى وإن كان يعلم أن له بينة؛ إذ ليس كل شاهد يعدل ولا كل قاض يعدل. م: (وهي) ش: أي هذه المسألة م: (مسألة مال الضمار) ش: المال الضمار المال الغائب الذي لا يرجى، فإذا رجي فليس بضمار عند أبي عبيد، وأصله من الضمار وهو التغييب والإخفاء، ومنه أضمر في قلبه شيئا، واشتقاقه من الضمير الضمائر. وقال ابن الأثير: الضمار: على وزن الفعال بمعنى فاعل أو مفعل، وفي " الفوائد الظهيرية ": وقيل الضمار: ما يكون الأسير عينه قائما ولكن لا يكون منتفعا به، مشتق من قولهم: بغيره ضامر وهو الذي يكون فيه أصل الحياة ولكن لا ينتفع به الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 وفيه خلاف زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومن جملته المال المفقود، والآبق، ، والضال والمغصوب إذا لم يكن عليه بينة، والمال الساقط في البحر، والمدفون في المفازة إذا نسي مكانه، والذي أخذه السلطان مصادرة ووجوب صدقة الفطر بسبب الآبق والضال   [البناية] لشدة هزله. م: (وفيه) ش: أي وفي الضمار م: (خلاف زفر والشافعي -رحمهما الله-) ش: فعند زفر والشافعي -رحمهما الله- في الجديد وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية يجب عليه إخراج ما مضى من السنين. وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تجب عليه زكاة حول واحد؛ لأن في الزيادة ضررا عليه. م: (ومن جملته) ش: أي ومن جملة الضمار م: (المال المفقود) ش: لأنه كالهالك لعدم قدرته عليه م: (والآبق) ش: أي والعبد الآبق أي الهارب؛ لأنه صار كالناوي لهذا لا تجب صدقة الفطر عنه. فإن قلت: لو أعتق الآبق عن كفارة يجوز، ولو كان كالناوي لما جاز كالأعمى والزمن. قلت: يجوز إعتاق المكاتب مع نية الملك يدا لما أن التحرير محل الرق دون اليد، والرق لا ينتقض بالإباق ولا بالكتابة. م: (والمغصوب إذا لم يكن عليه بينة) ش: فإن كانت عليه بينة تجب، وفي" المحيط ": عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا زكاة في المغضوب والمجحود وإن كانت له بينة، إذ ليس كل شاهد يعدل وقد يفسق العدل، وفي " عدة المغني ": وإن أقر به الغاصب، وفي المرغيناني، إلا في السائمة واستبعد الرافعي وجوب الزكاة على الغاصب لعدم ملكه. قال: والجاري على القياس أن تجب على المالك ثم يغرم له الغاصب. م: (والمال الساقط في البحر) ش: لأنه في حكم العدم م: (والمدفون في المفازة إذا نسي مكانه) ش: قيد بالمفازة احترازا عن المدفون في أرض له أو كرم أو غيط أو بيت. وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والمدفون في البيت نصاب عند الكل، وإن كان في أرض أو كرم اختلف المشايخ فيه وكذا في الدار الكبيرة ذكره في " البدائع ". وفي" خزانة الأكمل ": ما دفنه في غير حرزه فهو ضمار بخلاف المدفون في الحرز. وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا ينتقص بالدار الكبيرة لإمكان الوصول إليه. [زكاة المال الذي صادره السلطان] م: (والذي أخذه السلطان مصادرة) ش: هذا عطف على قوله المال المفقود، قال في " ديوان الأدب ": صادره على ماله أي فارقه، وانتصاب مصادرة على التمييز أي من حيث المصادرة. م: (ووجوب صدقة الفطر) ش: هذا مبتدأ م: (بسبب الآبق) ش: أي بسبب العبد الآبق م: (والضال) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 والمغصوب على هذا الخلاف، لهما أن السبب قد تحقق وفوات اليد غير مخل بالوجوب كمال ابن السبيل. ولنا قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا زكاة في المال الضمار ولأن السبب هو المال النامي ولا نماء إلا بالقدرة على التصرف، ولا قدرة عليه، وابن السبيل بقدر بنائبه، والمدفون في البيت نصاب لتيسير الوصول إليه.   [البناية] ش: أي وسبب الضال، أي التائه وهو يشمل الضال من العبيد ومن الحيوان الذي تجب فيه الزكاة م (المغصوب) ش: أي وسبب المغصوب م: (على هذا الخلاف) ش: خبر المبتدأ أي على هذا الخلاف المذكور، يعني لا تجب عندنا خلافا لزفر والشافعي -رحمهما الله- م: (لهما) ش: أي لزفر والشافعي -رحمهما الله- م: (أن السبب قد تحقق) ش: أي سبب الوجوب وهو ملك النصاب النامي، وقد تحقق م: (وفوات اليد) ش: أي فوات يد المالك م: (غير مخل بالوجوب) ش: أي بوجوب الزكاة (كمال ابن السبيل) ش: لقيام ملكه وفوات يده لا يخرجه عن ملكه. م: (ولنا قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا زكاة في المال الضمار) ش: قال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: روي هذا موقوفا ومرفوعا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنقل الأصحاب، كصاحب " المبسوط " و" المحيط " و" البدائع " وغيرهم - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال الزيلعي: هذا غريب. قلت: أراد أنه لم يثبت مطلقا، ثم قال: وروى أبو عبيد في كتاب " الأموال " في باب الصدقة، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا هشام بن حسان، عن الحسن البصري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إذا حضر الوقت الذي يؤدي الرجل فيه زكاته أدى عن كل مال وعن كل دين إلا ما كان منه ضمارا لا يرجوه. م: (ولأن السبب هو المال النامي) ش: أي سبب وجوب الزكاة هو المال النامي، أي ملك النصاب النامي م: (ولا نماء إلا بالقدرة على التصرف ولا قدرة عليه) ش: أي على التصرف فلا زكاة، وذلك لأن النماء شرط لوجوب الزكاة، وقد يكون النماء تحقيقا، كما في عروض التجارة، أو تقديرا كما في التقدير والمال الذي لا يرجى عوده لا يتصور تحقق الاستنماء فيه، فلا يقدر الاستنماء أيضا كذلك. م: (وابن السبيل يقدر بنائبه) ش: هذا جواب عن قول زفر والشافعي، حيث قاسا المال الضمار على ابن السبيل، وتوجيه السؤال أن ابن السبيل يقدر على الانتفاع به بنائبه بدليل تمكنه من بيعه وجواز بيعه دليل القدرة على التسليم. م: (والمدفون في البيت نصاب) ش: يعني ينعقد نصابا وقيد البيت اتفاقي؛ لأن المدفون في الحرز إذا نسي مكانه، ثم علم بعد الحول تجب فيه الزكاة سواء كان مدفونا في البيت أو في الدار هو ونحوها م: (لتيسير الوصول إليه) ش: لثبوت القدرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 وفي المدفون في أرض أو كرم اختلاف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ولو كان الدين على مقر مليء أو معسر تجب الزكاة؛ لإمكان الوصول إليه ابتداء أو بواسطة التحصيل، وكذا لو كان على جاحد وعليه بينة أو علم به القاضي لما قلنا   [البناية] عليه بواسطة حفر جميع البيت م: (وفي المدفون في أرض أو كرم اختلاف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: أي مشايخ بخارى - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وأراد بالأرض المملوكة؛ لأن حكم المدفون في المغارة قد علم قبل هذا. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وجه من قال بالوجوب أن حفر جميع الأرض ممكن فلا يتعذر الوصول إليه فيصير بمنزلة البيت والدار. ووجه من قال بعدم الوجوب أن حفر جميعها إن لم يتعذر يتعسر ويخرج، والحرج منفي حتى لو كانت دارا عظيمة والمدفون فيها ضمار فلا ينعقد نصابا. م: (ولو كان الدين على مقر مليء) ش: أي غني مقتدر، كذا في " المغرب " وقال ابن الأثير: المليء بالهمزة: الثقة الغني، وقد ملي فهو مليء بين الملا والملأ بالمد، وقد أوقع الناس فيه بترك الهمزة وتشديد الياء. قلت: هو من باب فعل يفعل بالضم فيهما. م: (أو معسر) ش: أي أو كان على معسر من أعسر إذا افتقر م: (تجب الزكاة لإمكان الوصول ابتداء) ش: أي لإمكان الوصول إلى الدين ابتداء بلا واسطة؛ لوجود الغنى م: (أو بواسطة التحصيل) ش: يعني في المعسر الكسب، ولأنه يمكن أن يرث مالا في الحال أو يهبه آخر. وقال الحسن بن زياد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإن كان الدين على معسر مقر به، فمضى عليه حول، ثم قبضه فلا زكاة فيه؛ لأنه لا يمكن الانتفاع به فهو كالناوي. م: (وكذا لو كان على حاجد وعليه بينة) ش: أي وكذا تجب الزكاة لو كان الدين على جاحد، أي منكر، والحال أن عليه بينة لإمكان الوصول. وروى هشام عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الدين المجحود إذا كان لصاحبه بينة فلم يقمها حتى مضى الحول فلا زكاة فيه. وقال في " تحفة الملوك ": والصحيح رواية هشام - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن البينة قد تقبل وقد لا تقبل، فلم يمتنع ذلك من نوى المال. م: (أو علم به القاضي) ش: أي أو علم بالدين القاضي فإنه تجب الزكاة؛ لأن القاضي يقضي بعلمه في الأموال فصاحبه قصر في الاسترداد فلا يعذر م: (لما قلنا) ش: وهو إمكان الوصول. وروى المعلى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الغريم إذا كان يقر في السر ويجحد في العلانية فلا زكاة في الدين؛ لعدم الانتفاع به. وروى ابن رستم عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيمن أودع رجلا لا يعرفه مالا فنسيه سنتين، ثم تذكره ففيه الزكاة قال القدوري: هذا صحيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 ولو كان على مقر مفلس فهو نصاب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن تفليس القاضي لا يصح عنده وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تجب لتحقق الإفلاس عنده بالتفليس وأبو يوسف مع محمد -رحمهما الله- في تحقق الإفلاس ومع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في حكم الزكاة رعاية لجانب الفقراء،   [البناية] م: (ولو كان على مقر مفلس) ش: أي ولو كان الدين على رجل معترف بالدين مفلس بضم الميم وفتح الفاء وفتح اللام المشددة، قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هكذا الرواية وهو الذي فلسه الحاكم، أي ناداه بإفلاسه. قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في بعض النسخ: مفلس من الإفلاس، يعني بسكون الفاء وكسر اللام الخفيفة، قال: والمعنى والحكم مختلفان باختلاف اللفظ، أما المعنى فيقال: أفلس الرجل صار مفلسا أي صارت دراهمه فلوسا كما يقال: أخبث الرجل إذا صار أصحابه خبثا، وأما أفلسه القاضي، أي نادى عليه أنه أفلس، وأما الحكم فقال بعض المشايخ -رحمة الله عليهم-: الخلاف في التفليس لا في الإفلاس؛ فإن في الإفلاس الدين عليه نصاب بالاتفاق فيزكيها إذا قبض، وأما بعد التفليس فنصاب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما هو أصله. وتعليل الكتاب بقوله: لأن تفليس القاضي يدل على أن اللفظ بالتشديد. م: (فهو نصاب عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: يعني تجب الزكاة فيه قبل القبض م: (لأن تفليس القاضي لا يصح عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأن المال غاد ورائح، فذمته بعد التفليس صحيحة كما هي قبله. م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجب) ش: أي الزكاة م: (لتحقق الإفلاس عنده بالتفليس) ش: أي عند تفليس القاضي؛ لأنه يصير بمنزلة المال الناوي، والمحجود بمنزلة ما ضاع من ماله بحيث لا يقدر عليه، كذا ذكره الجصاص - رَحِمَهُ اللَّهُ - وغيره م: (وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع محمد في تحقق الإفلاس) ش: حتى تسقط المطالبة إلى وقت اليسار م: (ومع أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في حكم الزكاة) ش: يعني تجب الزكاة لما مضى عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- م: (رعاية لجانب الفقراء) ش: أي لأجل رعاية جانبهم. وذكر أبو اليسر - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول أبي يوسف، مع قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في عدم الوجوب مطلقا من غير اختلاف الرواية بناء على اختلافهم في تحقق الإفلاس. وفي " جامع الكردري ": وهذا في المفلس الذي فلسه القاضي؛ لأن عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يتحقق الإفلاس خلافا لهما، وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترك أصله احتياطا لأمر الزكاة ورعاية لجانب الفقراء. وقال الكاكي: وعلى هذا الخلاف وجوب صدقة الفطر بسبب العبد الآبق والضال والمفقود والمغصوب إذا لم يكن للمالك بذلك بينة وحلف. وذكر التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 ومن اشترى جارية للتجارة ونواها للخدمة بطلت عنها الزكاة؛ لاتصال النية بالعمل وهو ترك التجارة، وإن نواها للتجارة بعد ذلك لم تكن للتجارة حتى يبيعها؛ فيكون في ثمنها زكاة؛ لأن النية لم تتصل بالعمل إذ هو لم يتجر فلم تعتبر، ولهذا يصير المسافر مقيما بمجرد النية ولا يصير المقيم مسافرا إلا بالسفر   [البناية] يذكر وجوب الأضحية على قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وينبغي أن لا يجب؛ لأن نفس الملك لا يدفع إمكان الوصول، لا يكفي لوجوب الأضحية كما في ابن السبيل بخلاف الزكاة، فإن الملك مع إمكان الوصول يكفي لوجوبها. [حكم من اشترى جارية أو شيئا للتجارة ثم نواه للخدمة أو القنية] م: (ومن اشترى جارية للتجارة ونواها للخدمة بطلت عنها الزكاة لاتصال النية بالعمل وهو ترك التجارة) ش: لأن النية إذا كانت مقرونة بالعمل كانت واجبة الاعتبار؛ لأن النية لتمييز ما اختلف من أنواع الفعل فلا تتصور مع عدم الفعل، والتجارة عمل مخصوص، والاستخدام ترك ذلك العمل، ولما نواها للخدمة وترك التجارة فيها اتصل المنوي بالعمل الذي هو إمساك الاستخدام فيعتبر فتبطل الزكاة. وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تصير للخدمة بمجرد النية [وقال السغناقي بعد قوله: وإن اشترى جارية إلى آخره: ولو ورث مالا فنوى به التجارة لا يكون للتجارة بالإجماع على ما يأتي. وفي " شرح المهذب " للنووي: وإن ملكه بعقد فيه عوض كالبيع والإجارة والخلع، ولم ينو عند العقد أن يكون للتجارة لم يكن للتجارة، وإن نوى التجارة عنده صار للتجارة، وإن زوج أمته به أو ملكته الحرة بالنكاح ففي أصح الوجهين يكون للتجارة بالنية، وإن ملكه بإرث أو وصية بغير عوض لا يصير للتجارة بالنية كذا في الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد والرد بالعيب] . م: (وإن نواها للتجارة بعد ذلك) ش: أي بعد أن نواها للخدمة، م: (لم تكن للتجارة حتى يبيعها فيكون في ثمنها زكاة؛ لأن النية) ش: أي لأن النية للتجارة م: (لم تتصل بالعمل إذ هو لم يتجر فلم تعتبر) ش: أي لأن نيته التجارة؛ لأن التجارة تصرف فلا يحصل إلا بالفعل، بخلاف الخدمة فإنها ترك التصرف فيحصل بمجرد النية. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل اعتبار النية عند اتصالها بالعمل وعدم انفصالها عن العمل م: (يصير المسافر مقيما بمجرد النية ولا يصير المقيم مسافرا إلا بالسفر) ش: لأن الإقامة ترك السفر فيوجد ذلك بمجرد النية، والصائم لا يكون مفطرا بمجرد النية للإفطار، ويصير صائما بمجرد النية في وقته، والمسلم يصير كافرا بنية الكفر إذا اعتقده، والكافر لا يصير مسلما بمجرد النية ما لم يسلم بلسانه، والعلوفة لا تصير سائمة بمجرد نية الإسامة، بخلاف ما لو كانت سائمة فنوى أن تكون علوفة. وفي " المبسوط ": لو نوى أن تكون سائمة علوفة أو عوامل فمضى عليها الحول تجب فيها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 وإن اشترى شيئا ونواه للتجارة كان للتجارة؛ لاتصال النية بالعمل، بخلاف ما إذا ورث ونوى التجارة لأنه لا عمل منه، ولو ملكه بالهبة أو بالوصية أو النكاح أو الخلع أو الصلح عن القود ونواه للتجارة   [البناية] الزكاة؛ لأن نيته لم تتصل بالعمل كنية التجارة والسفر وهي نية بالسفر ولا كذلك نية الخدمة. م: (وإن اشترى شيئا ونواه للتجارة كان للتجارة لاتصال النية بالعمل) ش: وهو الشراء بنية التجارة قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذكره مطلقا ولم يقيده بشيء، وهو ليس بمجرد على إطلاقه بل هو في الشيء الذي تصح فيه التجارة، وأما إذا اشترى شيئا لم تصح فيه نية التجارة لا يصير للتجارة، بأن اشترى أرضا عشرية أو خراجية بنية التجارة فإنه لا يجب فيها زكاة التجارة؛ لأن نية التجارة لا تصح فيها، لأنها لو صحت يلزم فيها اجتماع الحقين بسبب واحد وهو الأرض، وهذا لا يجوز، فإذا لم يصح بقيت الأرض على ما كانت، وكذا لو اشترى بذورا للتجارة وزرعه في أرض عشرية استأجرها كان فيه العشر لا غير، كذا في " مبسوط شيخ الإسلام " " وفتاوى قاضي خان " - رحمهما الله - انتهى. وقال النووي: لو نوى التجارة بعد العقد لم يصيره للتجارة، وقال الكاربيسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من الشافعية تصير للتجارة، وهو مذهب أحمد وإسحاق وابن راهويه - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وفي " الذخيرة ": للمالكية لو اشترى عرضا فنوى به القنية سقطت الزكاة عنه. وقال أشهب: لا تبطل التجارة بنية القنية إذا اشترى للتجارة أقوى من القنية. وفي " الجلابي ": لو اشترى عرضا للقنية ثم نوى به التجارة لا يصير للتجارة بل يستقبل حولا بعد البيع، كقول أبي حنيفة والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. م: (بخلاف ما إذا ورث ونوى التجارة؛ لأنه لا عمل منه) ش: يعني لا يكون للتجارة بالإجماع؛ لأن النية تجردت عن العمل، وهو معنى قوله -لا عمل- لأن الميراث يدخل في ملكه بغير عمله وصنعه، حتى إن الجنين يرث وإن لم يكن له فعل، وكذا إذا ورث الرجل قريبه ونوى به عن كفارة يمينه لا تجوز إجماعا. م: (ولو ملكه) ش: أي ولو ملك الشيء م: (بالهبة) ش: بأن وهبه له شخص م: (أو بالوصية) ش: أي أو ملكه بالوصية بأن أوصى شخص له به م: (أو بالنكاح) ش: أو ملكه بالنكاح، والمراد به المهر الذي كان دينا. فإذا كانت المرأة تملك منه ما فرض الله له م: (أو بالخلع) ش: أي أو ملكه بالخلع بأن خالع امرأة على شيء م: (أو بالصلح عن القود) ش: أي أو ملكه بالصلح عن القصاص. م: (ونواه للتجارة) ش: أي ونوى ذلك الشيء الذي ملكه في الصور المذكورة للتجارة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 كان للتجارة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لاقترانها بالعمل، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يصير للتجارة؛ لأنها لم تقارن عمل التجارة وقيل الاختلاف على عكسه، ولا يجوز أداء الزكاة إلا بنية مقارنة للأداء أو مقارنة لعزل مقدار الواجب   [البناية] م: (كان للتجارة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لاقترانها بالعمل) ش: أي لاقتران النية بالعمل، لأن التجارة عقد اكتساب المال فيما لا يدخل في ملكه إلا بقوله فهو كسبه فصح اقتران النية به فكان للتجارة كالمشتراة. م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصير للتجارة لأنها) ش: أي لأن النية م: (لم تقارن عمل التجارة) ش: لأن هذه العقود ليست من عقود التجارة، ألا ترى أن الإذن في التجارة، لا يتضمن هذه العقود ولا يملكها المضارب ولا العبد المأذون وهما يملكان التصرف في عقود التجارات. م: (وقيل: الاختلاف) ش: أي الاختلاف المذكور بين أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (على عكسه) ش: أي على عكس الاختلاف المذكور وهو ما نقله الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الطحاوي " عن القاضي الشهيد أنه ذكر في المختلفة هذا الاختلاف على عكس هذا وهو أن عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمة الله عليهما- لا يكون للتجارة وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكون للتجارة، والاختلاف المذكور أولا هو الذي ذكره الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكون للتجارة وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يكون كالموروثة. [اشتراط النية في الزكاة] م: (ولا يجوز أداء الزكاة إلا بنية مقارنة للأداء) ش: اشتراط النية بالإجماع إلا الأوزاعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: لا يفتقر إخراج الزكاة إلى النية، كالعتق والوقف والوصية للفقراء مع أنها عبادة وقلنا: إن الزكاة فرض مقصود لعينه فلا بد من النية كالصلاة والصوم، ثم إذا وجدت النية مقارنة للأداء فلا إشكال؛ لأنه هو الأصل لأن العبادة لا تمتاز بالنية المقارنة إلا أنه اكتفى بوجود النية عند العزل أشار إليه بقوله: م: (أو مقارنة لعزل مقدار الواجب) ش: لأن اشتراط النية مع تفريق الدفع في كل مرة فيه حرج وذلك مدفوع شرعا، واكتفى بالنية عند العزل. فإن قلت: يرد على هذا ما ذكره الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن من امتنع عن أدائها فأخذها الإمام منه كرها، فوضعها في أهلها أجزأت عنه، وفي هذه الصورة لم توجد النية. قلت: للإمام ولاية أخذ الصدقات فقام دفعه مقام دفع المالك كالأب يعطي صدقة الفطر جائز مع عدم نية الصغير لوجود نية من له ولاية الإعطاء. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله - مقارنة للأداء عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 لأن الزكاة عبادة، فكان من شرطها النية، والأصل فيها الاقتران إلا أن الدفع يتفرق فاكتفى بوجودها حالة العزل تيسيرا كتقديم النية في الصوم، ومن تصدق بجميع ماله لا ينوي الزكاة سقط فرضها عنه استحسانا، لأن الواجب جزء منه فكان متعينا فيه فلا حاجة إلي التعيين، ولو أدى بعض النصاب سقط زكاة المؤدى عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن   [البناية] مقارنة للعزل عن محمد - وللشافعي فيما إذا عزل مقدار الواجب بالنية ثم دفعه للفقير بلا نية وجهان أظهرهما أنه يجوز. وفي " الإيضاح ": لو نوى أن يؤدي الزكاة فجعل يؤدي إلي آخر السنة ولا تحضره النية لا يجوز لأن النية لم تقترن بالعزل، وفي " المجرد " عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو قال: تصدقت إلى آخر السنة فقد نويته من الزكاة، فجعل يتصدق بدون النية أرجو أن يجزئه. وفي " العيون ": وعنه خلاف هذا. وعند مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يشترط قران النية بالأداء وعند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يستحب ويجوز التقديم بزمان يسير، وفي " منية المفني ": قال أبو جعفر الهندواني: لا تجوز الزكاة إلا بنية مخالطة لإخراجها، وعن محمد بن سلمة البلخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا تصدق ولم تحضره النية ينظر إن كان وقت التصدق بحال لو سئل عما يتصدق أمكنه الجواب من غير فكرة تجزيه ويكون ذلك نية منه. م: (لأن الزكاة عبادة) ش: مستقلة بذاتها م: (فكان من شرطها النية) ش: لأن الأعمال بالنية م: (والأصل فيها) ش: أي في النية م: (الاقتران) ش: أي اقترانها بالأداء م: (إلا أن الدفع) ش: أي دفع الزكاة م: (يتفرق) ش: لأنه ربما لا يؤديها دفعة واحدة ويدفع شيئا بعد شيء م: (فاكتفى بوجودها) ش: أي بوجود النية م: (حالة العزل) ش: أي حال عزل المقدار الواجب م: (تيسيرا) ش: أي لأجل التيسير للمزكي لدفع الحرج م: (كتقديم النية في الصوم) ش: فإنه يجوز للفجر عن اقتران النية بأول الصبح. [حكم من تصدق بمال لا ينوي به الزكاة] م: (ومن تصدق بجميع ماله لا ينوي الزكاة) ش: أي حال كونه لم ينو الزكاة م: (سقط فرضها عنه) ش: أي سقط فرض الزكاة عنه يعني ليس عليه زكاة بعد ذلك م: (استحسانا) ش: لا قياسا لأن القياس عدم السقوط وهو قول زفر ومالك والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ورواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن النفل والفرض كلاهما مشروعان فلا بد من نية التعيين وجه الاستحسان وهو قوله. م: (لأن الواجب جزء منه) ش: أي من جميع المال م: (فكان) ش: أي الجزء منه م: (متعينا فيه فلا حاجة إلى التعيين) ش: لأن التعيين إنما شرط لمزاحمة سائر الأجزاء، فلما أدى الجميع على وجه القربة زالت المزاحمة فسقط الفرض لوجود أداء الجزاء الواجب ضرورة، وهذا كالصوم في رمضان لأنه نصاب بمطلق الاسم لتعيينه فلا يحتاج إلى التعيين. م: (ولو أدى بعض النصاب سقط زكاة المؤدى) ش: بفتح الدال م: (عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 الواجب شائع في الكل، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تسقط لأن البعض غير متعين لكون الباقي محلا للواجب بخلاف الأول والله أعلم بالصواب   [البناية] الواجب شائع في الكل) ش: فلو تصدق بالجميع أجزأه عن زكاته، وكذا إذا تصدق بالبعض أجزأه عن قدره وعن أبي حنيفة كقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يسقط لأن البعض غير متعين لكون الباقي محلا للواجب) ش: أي لواجب الزكاة لمزاحمة سائر الأجزاء م: (بخلاف الأول) ش: وهو التصدق بالجميع لعدم المزاحمة فيه. [فروع في اشتراط النية في الزكاة] 1 فروع: في " الإيضاح "، تصدق بخمسة ونوى بها الزكاة بالتطوع يقع عن الزكاة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الفرض أقوى، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كفت نيته وبه قال مالك والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وفي " الروضة ": دفع إلى فقير بلا نية ثم نواه عن الزكاة، إن كان قائما في يد الفقير أجزأه وإلا فلا، ولو أعطى رجلا مالا ليتصدق تطوعا فلم يتصدق المأمور حتى نوى الأمر عن الزكاة ولم يقل شيئا ثم تصدق به المأمور يقع عن الزكاة، وكذا لو قال له تصدق عن كفارة يمين ثم نواه عن الزكاة، ولو دفع زكاته إلى رجل ليدفعها إلى المصدق عن نصاب الشاة، ثم حول منه إلى الإبل فهو على الأول بخلاف أموال التجارة، فإنها عن الزكاة، ولو خلط الوكيل دراهم المزكي ثم تصدق بها عن زكاتهم فهو ضامن. وفي " المحيط ": وهب دينه مائتي درهم ممن عليه بعد الحول والمديون غني لم تسقط الزكاة وضمنها. وفي النوادر: لا يضمن ولو كان فقيرا ولم ينو الزكاة أجزأه عن زكاة هذا الدين استحسانا، ولو تصدق به أجزأه قياسا واستحسانا، وقيل: هما سواء. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن زكاته ولو وهب كل الدين ممن عليه الدين وهو فقير بنية الزكاة عين أو دين آخر على غيره لا يجزئه قياسا واستحسانا ونية زكاة هذا الدين يجزئه استحسانا لا قياسا. وقال السروجي: أداء العين عن الدين يجوز لأن العين خير من الدين وأداء الدين عن العين لا يجوز وهو أن يكون له على رجل مائتا درهم وحال عليها الحول وله على آخر خمسة دراهم جعلها من المائتين لا يجوز. وفي " المغني ": أداء الدين عن العين في الزكاة لا يجوز لأنه إسقاط والواجب فيها التمليك وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولو دفع دراهم إلى وكيله ليتصدق بها تطوعا ثم نوى عن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] زكاة ماله فتصدق بها المأمور جاز، ذكره في " منية المفتي " ومثله في " شرح المهذب "، ولو أدى الزكاة عن مال غيره فأجاز المالك وهو قائم في يد الفقير يجوز وإلا فلا. ولو أدى زكاة غيره من مال نفسه بغير أمره فأجازه لا يجوز وبأمره يجوز. له مائة دين، ومائة عين تجب فيها الزكاة ذكر هذه المسائل في " منية المفتي "، وتعتبر نية الموكل في الزكاة دون الوكيل، ولو لم يعلم المسكين أنه زكاة يجزئه؛ لأن النية للمزكي قاله شيخ الإسلام، وفي جميع العلوم عن أصحابنا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن من أعطى مالا بنية الصدقة والمتصدق عليه لا يعلم أنه يعطيه صدقة لم يكن صدقة، ولم يجزئه عن الزكاة. نوى الزكاة بما يدفع لصبيان أقاربه في العيدين، أو لمن يأتي بالبشارة، أو لمن يأتي بالباكورة أجزأه عن الزكاة؛ لأن شيئا من ذلك ليس بواجب. ولو نوى المعلم الزكاة بما يدفع إلى خليفته ولم يستأجره إن كان الخليفة بحال لو لم يدفعه يعلم الصبيان أجزأه وإلا فلا، وكذا ما يدفع إلى الخدم من الرجال والنساء الذين لم يستأجرهم في الأعياد وغيرها بنية الزكاة كذا في " المجتبى ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 باب صدقة السوائم   [البناية] [باب صدقة السوائم] [حكم صدقة السوائم] م: (باب صدقة السوائم) ش: أي هذا باب في بيان حكم صدقة السوائم، وأراد بالصدقة الزكاة كما في قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] (التوبة: آية 60) ، والسوائم: جمع سائمة وهي المال الراعي، كذا قال صاحب " الديوان " - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قولهم: سامت الماشية إذا رعت، وأسامها صاحبها إسامة، وعن الأصمعي: كل إبل ترعى ولا تعتلف في الأهل فهي سائمة كذا في " المغرب ". وفي " التحفة ": السائمة: هي التي تسام في البراري لقصد الدر والنسل لا لقصد الحمل والركوب والبيع، وفي التي تسام لقصد البيع زكاة تجارة، ثم الشرط أن تسام في غالب السنة لا في جميع السنة، وإنما اعتبر السوم ليتحقق النماء، والنماء يحصل بالزيادة فيها سمنا أو بالتوالد، وإنما يعد زيادة إذا خفت المؤنة، فإذا تراكمت عليه المؤنة بالعلف لا يحصل معنى، وإذا اعتبر السوم اعتبر الأعم والأغلب؛ لأن الحكم للغالب. فإن قلت: ما وجه البداءة بصدقة المواشي، ثم البداءة بذكر الإبل؟ قلت: لأن قاعدة هذا الأمر كانت في العرب وهم أرباب المواشي، والبداءة بذكر الإبل؛ لأن كتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي كتبه لأبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكتبه أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان هكذا. وفي " المبسوط ": بدأ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كتاب الزكاة بذكر زكاة المواشي إقتداء بكتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنه بدأ فيها بزكاة المواشي، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لأن زكاة الماشية السائمة مجمع عليها خصوصا في حق الإبل، فإن الأحاديث اتفقت إلى مائة وعشرين، وعليه اجتمعت الأمة إلا ما شذ عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه قال: في خمس وعشرين خمس شياه، وفي ست وعشرين بنت مخاض. قال سفيان الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا غلط وقع من رجال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأما علي فإنه أفقه من أن يقول هكذا؛ لأن هذا موالاة بين الواجبين لا وقص بينهما، وهو خلاف أصول الزكاة، فإن مبنى الزكوات على أن الوقصة يتلو الوجوب، وسيجيء مزيد الكلام فيه إن شاء الله تعالى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 فصل في الإبل   [البناية] [فصل في زكاة الإبل] [نصاب زكاة الإبل والقدر الواجب فيها] م: (فصل في الإبل) ش: أي هذا فصل في بيان زكاة الإبل، وقد علم أن الكتاب يجمع الأبواب، والباب يجمع الفصول، والفصل منها وصل ينون ومنها قطع لا ينون؛ لأن الإعراب لا يكون في المفردات والإبل بكسر الهمزة والباء ويجوز تسكين الباء تخففا وهو فعل، ومثله في الصفات البلز: وهي المرأة القصيرة العظيمة الجثة. وقال ابن الحاجب - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا ثالث لهما، وذكر الميداني - رَحِمَهُ اللَّهُ - أربعة وزاد علها أطلا: وهو الحاضر، وأبدا للوحشية من الحيوان التي تلد كل عام، وقال الجوهري: الإبل على وزن الإبل المولود من أمه أو أتان. وقال ابن عصفور في المقنع فيما زعم سيبويه - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لم يأت فعل، والإبل الإبلز لا حجة فيه؛ لأن الأشهر فيه بلز بالتشديد، فيمكن أن يكون تخفيفا ولا حجة في أطل؛ لأنه لم يأت إلا في الشعر نحو قول امرئ القيس في - شعر-: له أطل ظبي وساق نعامة فيجوز أن يكون فيما التقت الطاء والهمزة للضرورة، وجاونة: لغة في الوتد، وجه للفلج عن الأسنان، وأبط، وحلج، وحلب. والإبل: جنس يقع على الذكور والإناث ولفظهما مؤنث تقول: إبل سائمة، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع ": الإبل الجمل والبعير والجزور أجناس، والناقة للأنثى، وفي " الصحاح ": الإبل اسم جمع لا واحد لها من لفظها ولكن مؤنثة، ولا تدخلها أنثاه إلا في التصغير، والجمل زوج الناقة والبعير بمنزلة الإنسان، ويقال للجمل: بعير وللناقة بعير، وشربت من لبن بعيري، ولا يقال له بعير إلا إذا أجزع، ولا جمل إلا إذا أربع، والجزور يقع على الذكر والأنثى وهي مؤنثة. وقال النووي: يقول أهل اللغة: يقال لولد الناقة إذا وضعته ربع بضم الراء، وفتح الباء الموحدة، والأنثى ربعة ثم هيع وهيعة. وفي " الصحاح ": الربع الفصيل ينتج في الربيع وهو أول النتاج، فإذا أنتج في آخره هيع وهيعة، وناقة مربع تنتج في الربيع فهي مرباع أيضا. وفي " الذخيرة ": الهيع الذي يولد لغير حينه، فإذا فصل عن أمه فهو فصيل، وهو في جميع السنة حوار. وقيل: أول ما يخرج يسمى سليلا، ثم حوارا إلى أن يفصل، ثم فصيلا إلى تمام الحول، فإذا دخل في السنة الثانية فهو مخاض، والأنثى بنت مخاض مضافا إلى النكرة، وقد يضاف إلى المعرفة يسمى بذلك؛ لأن أمه حملت بعده وهي ماخض. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ليس في أقل من خمس ذود صدقة   [البناية] يقال: مخضت الحامل مخاضا أي أخذها وجع الولادة، ومنه قَوْله تَعَالَى: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: 23] (مريم: آية 23) ، أو لأنها ألحقت بالمخاض من النوق، والمخاض أيضا النوق الحامل، واحدتها خلفة، فإذا دخل في السنة الثالثة فهو ابن لبون والأنثى ابنة لبون. سمي بذلك؛ لأن أمه وضعت غيره فصارت ذات لبن بالباء غالبا، وإذا دخل في الرابعة فهو حق، والأنثى حقة؛ لأنه استحق أن يحمل، ويركب، واستحقت ضراب الفحل، وتحمل منه إذا كانت أنثى، ولهذا جاء في الحديث طروقة الفحل وطروقة الحمل؛ يعني مطروقة كحلوبة، وركوبة ثم إذا طعن في الخامسة فهو جذع بفتح الذال المعجمة، والأنثى جذعة، وهي آخر الأسنان المنصوص عليها في كتاب الزكاة وما فوقها من الكرائم. وإذا طعن في السادسة فهو ثني والأنثى ثنية، سمي بذلك لإلقائه ثنيتيه وهو أول الأسنان المجزئة في الأضحية من الإبل. وفي السابعة رباع ورباعية، قال المطرزي: بفتح الراء والباء. وقال النووي: رباع بضم الراء ولا يزال رباعا أو رباعية حتى تدخل السنة الثامنة فهو سدس، فإذا دخل في التاسعة فهو بازل الذكر والأنثى؛ لأنه بذل نابه أي طلع، وفي العاشرة مخلف للذكر والأنثى، فإذا كبر فهو عود والأنثى عودة، ومنه وافق العود بالعود يهرم، فإذا هرم فهو قحم بفتح القاف وكسر الحاء المهملة، والاثنان ناب وشارف. وقال الأزهري: الشارف: المسنة الهرم، والبكر: الصغير من ذكور الإبل، والمهاري الإبل منسوبة إلى مهرة بن حيدان قوم من أهل اليمن، والأرحبية من إبل اليمن، وكذا النجدية والفصلية بها صلابة الكرام بلغ الواحد منها مائة دينار والقونلية إبل الترك، والعرايج فحول سندية ترسل في الضراب فتنتج البخت، والواحد بختي، كروم ورومي وتركي، [ .... ... ] والفالج قيل: هو الجمل الضخم ذو سنامين. م: (قال: ليس في أقل من خمس ذود من الإبل السائمة صدقة) ش: إضافة الخمس إلى الذود من قبيل إضافة العدد إلى تمييزه، كما في قَوْله تَعَالَى {تِسْعَةُ رَهْطٍ} [النمل: 48] والذود بفتح الذال المعجمة وسكون الواو من الإبل من الثالثة إلى العشرة، وقيل: من اثنين إلى تسعة وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها. قوله: صدقة أي زكاة، كما في قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] (التوبة: آية 60) . وفي " المبسوط ": إنما وجبت الزكاة في الخمس من الإبل؛ لأنها مال كثير لا يمكن إخلاؤه من الواجب، ولا إيجاب واحد منها للإجحاف بالملاك ولا إيجاب جزئها؛ لأن الشركة في العين عيب، فكان إيجاب الشاة فيها كإيجاب الخمسة في المائتين؛ لأن الغالب أن بنت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 فإذا بلغت خمسا سائمة، وحال عليها الحول ففيها شاة إلى تسع، فإذا كانت عشرا ففيها شاتان إلى أربع عشرة، فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه إلى تسع عشرة. فإذا كانت عشرين ففيها أربع شياه إلى أربع وعشرين، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض وهي التي طعنت في الثانية إلى خمس وثلاثين، فإذا كانت ستا وثلاثين ففيها بنت لبون وهي التي طعنت في الثالثة إلى خمس وأربعين، فإذا كانت ستا وأربعين ففيها حقة، وهي التي طعنت في الرابعة إلى ستين، فإذا كانت إحدى وستين ففيها جذعة، وهي التي طعنت في الخامسة إلى خمس وسبعين، فإذا كانت ستا وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا كانت إحدى وتسعين ففيها حقتان إلى مائة وعشرين، بهذا اشتهرت كتب الصدقات من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.   [البناية] المخاض قيمتها أربعون درهما، والمأمور به ربع العشر؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هاتوا ربع عشر أموالكم» ، والشاة تقرب ربع عشر الإبل، فإن الشاة كانت تقوم بخمسة دراهم هناك. م: (فإذا بلغت خمسا سائمة وحال عليها الحول ففيها شاة إلى تسع، فإذا كانت عشرا ففيها شاتان إلى أربع عشرة، فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه إلى تسع عشرة، فإذا كانت عشرين ففيها أربع شياه إلى أربع وعشرين، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض) ش: على هذا اتفقت الآثار وأجمع العلماء، إلا ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: في خمس وعشرين خمس شياه، وفي ست وعشرين بنت مخاض. وروي ذلك عن الشعبي وشريك بن عبد الله، ذكره السغناقي في " شرح البخاري " عنه، وبه قال ابن أبي مطيع البلخي وقد مر الكلام في أوائل الباب م: (وهي التي طعنت في الثانية) ش: أي ابنة المخاض هي التي دخلت في السنة الثانية م: (إلى خمس وثلاثين، فإذا كانت ستا وثلاثين ففيها بنت لبون، وهي التي طعنت في الثالثة إلى خمس وأربعين، فإذا كانت ستا وأربعين ففيها حقة، وهي التي طعنت في الرابعة إلى ستين، فإذا كانت إحدى وستين ففيها جذعة، وهي التي طعنت في الخامسة إلى خمس وسبعين، فإذا كانت ستا وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا كانت إحدى وتسعين ففيها حقتان إلى مائة وعشرين) . ش: اعلم أن الشرع جعل الواجب في نصاب الإبل الإبلَ الصغار دون الكبار، بدليل أن الأضحية لا تجوز بها وإنما تجوز بالثني فصاعدا من السدس، والبازل، وإنما اختار ذلك تيسيرا لأرباب المواشي، وجعل الواجب أيضا من الإناث لا الذكور حتى لا يجوز الذكر إلا بالقيمة، ولهذا لم يجز الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخذ ابن المخاض؛ لأنه لا يجوز دفع القيمة، بل قال: يؤخذ مكان بنت مخاض ابن لبون؛ لأن الأنوثة تعد فضلا في الإبل، وقد جاءت السنة بتعيين الوسط، فلم يعين الأنوثة في البقر والغنم؛ لأن الأنوثة فيهما لا تعد فضلا. م: (بهذا اشتهرت كتب الصدقات عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي بما ذكر القدوري من كيفية زكاة الإبل اشتهرت، أي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بلغت إلى الشهرة حتى عدت من الأخبار المشاهير التي هي قسم من المتواتر، فيها كتاب أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، رواه البخاري في "صحيحه "، وفرقه في ثلاثة أبواب متوالية، عن ثمامة أن أنسا حدثه أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كتب له هذا الكتاب لما أرسله إلى البحرين: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المسلمين، والتي أمر الله تعالى بها رسوله، فمن سئلها من المسلمين فليعطها على وجهها، ومن سئل فوقه فلا يعطي: في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها جذعة، فإذا بلغت هي ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنة لبون، وفي كل خمسين حقه، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيه صدقة إلا أن يشاء بها، فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة. وجاءنا كتاب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، واللفظ للترمذي، عن سفيان بن حصين، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض، فقرنه بسيفه، فلما قبض عمل به أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حتى قبض، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حتى قبض. وكتابه فيه: في خمس من الإبل شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت ففيها بنت لبون إلى تسعين، فإذا زادت ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون» . الحديث. وهو مرسل، ورفعه سفيان بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال المنذري: سفيان بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج له مسلم في مقدمة كتابه، واستشهد به البخاري، إلا أن حديثه عن الزهري فيه مقال. وقد تابع سفيان بن حصين على رفعة سليمان بن كثير - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه، وقال الترمذي في كتاب " العلل ": سألت محمد بن إسماعيل - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن هذا الحديث فقال: أرجو أن يكون محفوظا، وسفيان بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صدوق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ورواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مسنده" والحاكم في "مستدركه "، وقال: سفيان بن حسين وثقة يحيى بن معين - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو أحد أئمة الحديث، إلا أن الشيخين لم يخرجا له، وله شاهد صحيح، وإن كان فيه إرسال. وقال ابن عدي: وقد وافق سفيان بن حسين على رفعه: سليمان بن كثير، أخو محمد بن كثير: حدثناه ابن صاعد، عن يعقوب الدورقي، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سليمان بن كثير - رَحِمَهُ اللَّهُ - بذلك، وقد رواه جماعة عن الزهري عن سالم، عن أبيه فوقفوه، وسفيان بن حسين، وسليمان بن كثير -رحمهما الله- رفعاه. ومنها كتاب عمرو بن حزم - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخرجه النسائي في الديات، وأبو داود في " مراسيله " عن سليمان بن أرقم، عن الزهري، عن أبي بكر محمد بن الفضل، عن عمرو بن حزم، عن أبيه عن جده، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والسنن والديات، وبعث به مع عمرو بن حزم فقرئت على أهل اليمن وهذه نسختها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من محمد النبي إلى شرحبيل بن عبد كلال، [ونعيم بن عبد كلال، والحارث بن عبد كلال] » ، قيل: ذي رعين ومعافر وهمدان ... الحديث، وفيه طول ويناسب هذا مذهبنا، وقال النسائي: سليمان بن أرقم متروك. قلت: رواه عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا معمر عن عبد الله بن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وعن عبد الرزاق أخرجه الدارقطني في "سننه "، ورواه الدارقطني أيضا عن إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر به، ورواه كذلك ابن حبان في "صحيحه "، والحاكم في "مستدركه " كلاهما عن سليمان بن داود، وحدثنا الزهري به قال الحاكم: إسناده صحيح، وهو من قواعد الإسلام. وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": قال أحمد بن حنبل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كتاب عمرو بن حزم في الصدقات صحيح. قال بعض الحفاظ من المتأخرين: نسخة كتاب عمرو بن حزم تلقاها الأئمة بالقبول وهي متواترة. وقال يعقوب بن سفيان الفسوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا أعلم في جميع الكتب المنقولة أصح منه، كان أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والتابعون يرجعون إليه ويدعون آراءهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 ثم إذا زادت على مائة وعشرين تستأنف الفريضة فيكون في الخمس شاة مع الحقتين، وفي العشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض إلى مائة وخمسين فيكون فيها ثلاث حقاق، ثم تستأنف الفريضة فيكون في الخمس شاة وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بنت مخاض، وفي ست وثلاثين بنت لبون، فإذا بلغت مائة وستا وتسعين ففيها أربع حقاق إلى مائتين، ثم تستأنف الفريضة أبدا كما تستأنف في الخمسين التي بعد المائة والخمسين.   [البناية] م: (ثم إذا زادت على مائة وعشرين تستأنف الفريضة) ش: أي عند أصحابنا، وتفسير الاستئناف أن لا يجب على ما زاد على مائة وعشرين حتى تبلغ الزيادة خمسا فإذا بلغت خمسا م: (فيكون في الخمس شاة مع الحقتين، وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه) ش: أي مع الحقتين. م: (وفي العشرين أربع شياه) ش: أي مع الحقتين م: (وفي خمس وعشرين بنت مخاض) ش: أي مع الحقتين (إلى مائة وخمسين فيكون فيها ثلاث حقاق ثم تستأنف الفريضة) ش: أي بعد المائة والخمسين م: (فيكون في الخمس شاة وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض) ش: أي مع ثلاث حقاق، م: (وفي ست وثلاثين بنت لبون) ش: أي مع ثلاث حقاق. م: (فإذا بلغت مائة وستا وتسعين ففيها أربع حقاق إلى مائتين) ش: وفي " المبسوط "، و" قاضي خان ": ثم هو مخير إن شاء أدى فيها أربع حقاق من كل خمسين حقة، وإن شاء أدى بنات لبون من كل أربعين بنت لبون. فإن قلت: هذا الذي ذكرته إنما يصح إذا بلغ النصاب إلى مائتين أربع حقاق. قلت: إن لم يصح فيها قبل المائتين فيصح في المائتين. م: (فله الخيار) ش: في تأخير الزكاة إلى أن تبلغ الإبل مائتين فله الخيار في أربع حقاق أو خمس بنات لبون م: (ثم تستأنف الفريضة أبدا كما تستأنف في الخمسين التي بعد المائة والخمسين) ش: قيل بهذا الاحتراز عن الاستئناف الذي بعد المائة والعشرين فإن في ذلك الاستئناف ليس عليه إيجاب بنت لبون، ولا إيجاب أربع حقاق لانعدام وجوب نصابها؛ لأنه لما زاد خمس وعشرون على المائة والعشرين صار كل النصاب مائة وخمسة وأربعين فهو نصاب بنت المخاض مع الحقتين، فلما زاد عليها خمس صارت مائة وخمسين فوجب ثلاث حقاق؛ لأن في الاستئناف الأول تغير الواجب من الخمس إلى الخمس إلى أن بلغ النصاب إلى مائة وخمسين، ثم استؤنفت الفريضة وفي الاستئناف الثاني تغير الواجب من خمس وعشرين إلى ست وثلاثين، أي من مائة وخمس وسبعين إلى مائة وست وثمانين فيكون العفو في الاستئناف الأول خمسة، والثاني عشرة، ثم تغير الواجب في الاستئناف الثاني من ست وثلاثين إلى مائة وست وتسعين، وليس هو الاستئناف الأول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 وهذا عندنا، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا زادت على مائة وعشرين واحدة ففيها ثلاث بنات لبون، فإذا صارت مائة وثلاثين ففيها حقة وبنتا لبون، ثم يدار الحساب على الأربعينات والخمسينات، فتجب في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة؛ لما روي «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كتب: إذا زادت الإبل على مائة وعشرين ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون من غير شرط عود ما دونها»   [البناية] م: (وهذا عندنا) ش: أي هذا المذكور في الصورة المذكورة هو مذهب أصحابنا وهو قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضا، وحكي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أيضا، وبه قال إبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، وأهل العراق - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا زادت على مائة وعشرين واحدة ففيها ثلاث بنات لبون) ش: لأنها أربعينتان وخمسون، م: (فإذا صارت مائة وثلاثين ففيها حقة وبنتا لبون، ثم يدار الحساب على الأربعينات والخمسينات فيجب في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة) ش: فالشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يوافقنا إلى مائة وعشرين، فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين يدور الحكم عنده على الأربعينات والخمسينات، وبه قال الأوزاعي، وأبو ثور، وإسحاق، وأحمد في رواية. وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية أخرى: لا يتغير الفرض بالزيادة على مائة وعشرين حتى يبلغ عشرا فتجب فيها حقة وبنتا لبون، وعنه في رواية ثالثة: لو زادت واحدة على المائة والعشرين يتغير الفرض ويتخير الساعي بين حقتين وثلاث بنات لبون، والأصح عن أحمد مثل مذهب الشافعي. وقالت الظاهرية وأبو سعيد الإصطخري: إذا زادت على عشرين ومائة ربع بعير، أو ثمنه، أو عشره ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون. وقال السروجي: هذا قول باطل بلا شبهة، إذ لم يرد الشرع بجعل السائمة نصابا بربع بعير، أو ثمنه، أو عشرة وتعلقوا بقوله: - فإن زادت- وقالوا: الزيادة تحصل بالثمن والربع. م: (لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كتب إذا زادت الإبل على مائة وعشرين، ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون من غير شرط عود ما دونهما) ش: قال السغناقي: أي ما دون الأربعينات والخمسينات وما دون ذلك شاة، أو بنت مخاض، يعني أوجب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة من غير أن يوجب في الخمس شاة، ومن غير أن يوجب في خمس وعشرين بنت مخاض. وقال تاج الشريعة: قوله - ما دونها- ذكره بتوحيد الضمير، ثم قال: أي ما دون بنت لبون فإنها هي المذكورة من قبل، وكذا قال الأترازي لكنه ثم قال: وأرد بما دونها الشاة وبنت المخاض. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 ولنا «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كتب في آخر ذلك في كتاب عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فما كان أقل من ذلك ففي كل خمس ذود شاة» فنعمل بالزيادة، والبخت والعراب سواء في وجوب الزكاة؛ لأن مطلق الاسم يتناولهما، والله أعلم بالصواب   [البناية] ثم الذي استدل به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو في حديث أبي بكر المذكور، ونحن نعلم به أيضا، ألا ترى أن في تسعين ومائة تجب ثلاث حقاق وبنت لبون، لكن علل الغنم بحديث عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأشار إليه بقوله م: (ولنا أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كتب في آخر ذلك) ش: أشار به إلى آخر قوله في الحديث المذكور إذا زادت الإبل ... إلخ. م: (في كتاب عمرو بن حزم) ش: بن زيد بن لوذان الخزرجي الأنصاري من بني مالك ابن النجار لم يشهد بدرا، وأول مشاهده الخندق، واستعمله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على نجران، وهم بنو الحارث بن كعب، وهو ابن سبع عشرة سنة؛ ليفقههم في الدين، ويعلمهم القرآن، ويأخذ صدقاتهم وذلك سنة عشر بعد أن بعث إليهم خالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأسلموا، وكتب له كتابا، وهو الذي مضى في حديثه، مات بالمدينة سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة أربع وخمسين. م: (فما كان أقل من ذلك) ش: أي من خمس وعشرين م: (ففي كل خمس ذود شاة فنعمل بالزيادة) ش: وهو ما كتب في آخر كتاب عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما رواه الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نحن نعمل به وقائلون به؛ لأنا نوجب في الأربعين بنت لبون؛ لأن الواجب فيها ما هو الواجب في ستة وثلاثين، وفي الخمسين حقه، وهذا الحديث لا يتعرض لنفي الواجب عما دونه، وإنما هو عمل مفهوم بالنص، ونحن عملنا بالنص، وأعرضنا عن مفهومه؛ لما روينا وهو نقله في " الإيضاح ". م: (والبخت) ش: بضم الباء الموحدة وسكون الخاء المعجمة جمع بختي، وهو الذي يولد من العربي والعجمي، وقد مر مرة م: (والعراب) ش: بكسر العين المهملة جمع عربي نسبة إلى العرب، وهم الذين استوطنوا المدن والقرى، والأعراب أهل البادية، واختلف في نسبهم، والأصح أنهم نسبوا إلى عربة بفتحتين وهي تهامة؛ لأن أباهم إسماعيل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يسمى بها، كذا في " المغرب ". م: (سواء في وجوب الزكاة) ش: مرفوع على الخبرية وإنما كان سواء م: (لأن مطلق الاسم) ش: المذكور في الحديث م: (يتناولهما) ش: واختلافهما في النوع لا يخرجهما من الجنس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 فصل في زكاة البقر وليس في أقل من ثلاثين من البقر السائمة صدقة   [البناية] [فصل في زكاة البقر] [حكم زكاة البقر] م: (فصل في زكاة البقر) ش: أي هذا فصل في بيان حكم زكاة البقر، قدم فصل البقر على فصل الغنم؛ لقربها من الإبل في الضخامة والقيمة. وذكر صاحب كتاب " الزينة " أن لفظ البقر من البقر، وهو الشق لأنه يبقر الأرض أي يشقها، والبقر جنس، وأنواعه الجاموس، والعراب، والدراسة، وهي التي يحمل عليها. وفي " الصحاح ": البقرة للذكر والأنثى، والهاء للإفراد كالتمر والتمرة، والبيقور والبقر، والياء والواو زائدتان، وأهل اليمن يسمون البقرة الباقورة، والباقر: اسم جمع للبقر مع رعاته، كالجامل لجماعة الجمال، وفي " شرح النووي ": البقر جنس وأنواعه: بقرة وباقورة، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: البقرة للأنثى. [نصاب زكاة البقر والقدر الواجب فيها] م: (وليس في أقل من ثلاثين من البقر السائمة صدقة) ش: قال الأترازي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا خلاف بين الأمة في هذا. قلت: فيه خلاف بين الأمة، فقالت الظاهرية: لا زكاة في أقل من خمسين من البقر، فإذا ملك خمسين بقرة عاما قمريا متصلا ففيها بقرة، وفي المائة بقرتان، ثم في كل خمسين بقرة بقرة، ولا شيء في الزيادة حتى تبلغ خمسين. وقال آخرون: في خمس من البقر شاة، وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بقرة إلى خمس وسبعين، فإذا زادت واحدة ففيها بقرتان إلى مائة وعشرين، فإذا زادت واحدة ففي كل أربعين بقرة مسنة. قال ابن حزم، وابن المنذر - رحمهما الله-: هذا قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وحكمه، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وسعيد بن المسيب، وعمر بن عبد الرحمن بن خلدة، وقتادة، والزهري، وفقهاء المدينة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقال ابن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فلزم مالكا اتباعهم على أصله، وما يروى فيه من الأمر موقوف ومنقطع، واعتبروه بالإبل كما في الأضحية، إذ كل منهما يجزئه عن سبعة، ويرد عليهم أن خمسا من الإبل بخمس وثلاثين من الغنم، ولا يجب فيها ما يجب في خمس من الإبل. وعن مصدق أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أخذ من كل عشر بقرات بقرة. ومذهبنا قول علي بن أبي طالب، وأبي سعيد الخدري، والشعبي، وطاوس، وشهر بن حوشب، وعمر بن عبد العزيز، والحكم بن عيينة، وسليمان بن موسى الدمشقي، والحسن، ومالك، والشافعي، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 فإذا كانت ثلاثين سائمة وحال عليها الحول، ففيها تبيع أو تبيعة، وهي التي طعنت في الثانية، وفي أربعين مسن أو مسنة   [البناية] وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وحكى ابن المنذر، عن أبي قلابة في خمس وعشرين خمس شياه، وفي ثلاثين تبيع. م: (فإذا كانت) ش: أي البقر م: (ثلاثين سائمة، وحال عليها الحول ففيها تبيع أو تبيعة، وهي التي طعنت في الثانية) ش: لحديث معاذ: قال: «بعثني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى اليمن، فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة، ومن كل حالم دينارا أو عدل معافر» رواه الترمذي من حديث مسروق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال: هذا حديث حسن، ورواه أيضا بقية الأربعة. وروى عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى أهل اليمن بكتاب» ... الحديث، وفيه: «في كل ثلاثين باقورة تبيع جذع أو جذعة، وكل أربعين باقورة بقرة» . واختلفوا في صحة هذا الحديث، فصححه ابن حبان والحاكم -رحمهما الله- واختلف النقل فيه عن أحمد. وروى أبو داود من حديث الحارث الأعور عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «هاتوا ربع العشر» .... الحديث، وفيه «وفي البقر في كل ثلاثين تبيع» . م: (وفي أربعين مسن أو مسنة) ش: وليس على العوامل شيء، وفي الباب عن أنس، وأبي ذر، وأبي هريرة، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قوله: - معافر - وهي ثياب باليمن منسوبة إلى معافر قبيلة، واستدل به ابن العربي على أن البقر لا يؤخذ منها إلا مسنة أنثى، وإن كانت ذكورا كلها كلف رب المال أن يأتي بأنثى. وقال بعض الشافعية: يجزئه. وقال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن كانت كلها إناثا جاز فيها مسن ذكر. وقال شيخنا زين الدين العراقي في هذا الحديث: لو أخرج عن الأربعين تبيعين لم يجزئه، وهو اختيار البغوي، كما لو أخرج عن ست وثلاثين بنتي مخاض لا يجوز، وقال: الذي اختاره البغوي حكاه الرافعي وجها، وقال أيضا: استدل بعموم ذكر البقر فيه على أن بقر الوحش إذا ملك تجب فيه الزكاة كغيرها. وعن أحمد روايتان: أحدهما الوجوب، والأخرى المنع، وهو قول مالك والجمهور. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 وهي التي طعنت في الثالثة، بهذا أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معاذا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإذا زادت على أربعين وجب في الزيادة بقدر ذلك إلى ستين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ففي الواحدة الزائدة ربع عشر مسنة، وفي الاثنتين نصف عشر مسنة، وفي الثلاثة ثلاثة أرباع عشر مسنة.   [البناية] م: (وهي التي طعنت في الثالثة) ش: أي التبيعة هي التي دخلت في السنة الثالثة، سمي التبيع تبيعا؛ لأنه يتبع أمه. وقيل: لأن قرنه يتبعان أذنيه، وسمي المسن والمسنة بذلك لزيادة سنهما، وقال الخطابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن العجل ما دام يتبع أمه فهو تبيع إلى تمام سنة، ثم هو جذع، ثم ثني، ثم رباع، ثم سديس، ثم ضالع وهو المسن، وفسرت الشافعية التبيع والمسنة مثل ما فسر أصحابها، وشذ الجرجاني حيث قال في " البحرين ": التبيع: ما له دون سنة، وقيل: ما له سنة، والمسنة: ما لها سنة، وقيل: سنتان، وكذا قول الفورابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الإبانة ": التبيع ما استكمل سنة، وقيل: الذي يتبع أمه وإن كان له دون سنة. وقال الرافعي: إن جماعة حكوا في التبيع ما له ستة أشهر، وفي المسنة: ما لها سنة، ولم ير الأصحاب هذا الخلاف معدودا من المذهب. وقال ابن حزم - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن التبيع والتبيعة ما له سنتان، وأن المسنة ما لها أربع سنين وهو المشهور عند المالكية. م: (بهذا أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معاذا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي بهذا الذي ذكرنا كيفية صدقة البقر أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين وجهه إلى اليمن، وقد ذكرناه الآن. م: فإذا زادت) ش: أي البقر م: (على أربعين وجب) ش: أي الأداء م: (في الزيادة بقدر ذلك إلى ستين عند أبي حنيفة) ش: وبه قال إبراهيم وحماد، ومكحول م: (ففي الواحدة الزائدة ربع عشر مسنة، وفي الاثنتين نصف عشر مسنة، وفي الثلاثة ثلاثة أرباع عشر مسنة) ش: الفاء تفسيرية تفسيرها حكم الزائد على الأربعين وهو ربع عشر مسنة: وهو جزء من أربعين جزءا من مسن أو مسنة أو جزء من ثلاثين جزءا من تبيع أو تبيعة، وهو ثلث عشرها مع المسنة، وهو الثنتين الزائدتين على الأربعين جزآن من أربعين جزءا من مسن أو مسنة، وهما نصف عشرها، أو جزآن من ثلاثين جزءا من تبيع أو تبيعة، وهما ثلثا عشر تبيع أو تبيعة، وفي الثلاث الزوائد على الأربعين ثلاثة أجزاء من أربعين جزءا من مسن أو مسنة، وهي ثلاثة أرباع عشرها أو ثلاثة أجزاء من تبيع أو تبيعة، وهي عشر تبيع أو تبيعة. وفي الأربعة الزائدة على الأربعين أربعة أجزاء من أربعين جزءا من مسن أو مسنة، وهي عشرها أو أربعة أجزاء من ثلاثين جزءا من تبيع أو ببيعة، وهي عشر تبيعة، وثلث عشرها، وفي الخمسة الزائدة على الأربعين خمسة أجزاء من أربعين جزءا من مسن أو مسنة أو خمسة أجزاء من ثلاثين جزءا من تبيع أو تبيعة، وهي سدس تبيع أو تبيعة، وهكذا زيد الواجب على حسب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 وهذه رواية الأصل؛ لأن العفو ثبت نصا بخلاف القياس، ولا نص هنا، وروى الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنه أنه لا يجب في الزيادة شيء حتى تبلغ خمسين، ثم فيها مسنة وربع مسنة أو ثلث تبيع؛ لأن مبنى هذا النصاب على أن يكون بين كل عقدين وقص، وفي كل عقد واجب. وقال أبو يوسف، ومحمد -رحمهما الله-: لا شيء في الزيادة حتى تبلغ ستين   [البناية] الزيادة إلى الستين. م: (وهذا رواية الأصل) ش: أي هذا المذكور هو رواية الأصل أي " المبسوط " رواها أبو يوسف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - هكذا ذكره أبو بكر الجصاص الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو ظاهر الرواية. م: (لأن العفو) ش: أي عدم الوجوب م: (ثبت نصا) ش: أي من جهة النص م: (بخلاف القياس) ش: لما فيه من إخلاء المال عن الواجب مع قيام أهلية الوجوب وهو الغنى م: (ولا نص هنا) ش: في العفو، فلا يثبت نصب النصاب بالرأي لا يكون، وإما طريق معرفته النص، ولا نص فيما بين الأربعين إلى الستين، فإذا تعذر اعتبار النصاب فيه أوجبنا الزكاة في قليله وكثيره بحسب ما سبق. م: (وروى الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنه) ش: أي وروى الحسن بن زياد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أنه لا يجب في الزيادة شيء حتى تبلغ خمسين ثم فيها مسنة وربع مسنة أو ثلث تبيع) ش: لأن الزيادة على الأربعين عشرة وهي ثلاث وثلاثين، وربع أربعين، فيخير بين إعطاء ربع المسنة، وبين إعطاء ثلث التبيع إلى ستين، قال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن ابن شجاع: هي أصح الروايات. م: (لأن مبنى هذا النصاب) ش: أشار به إلى نصاب البقر م: (على أن يكون بين كل عقدين وقص) ش: بفتح الواو وفتح القاف، وبالصاد المهملة ما بين الفريضتين في الماشية، وفتح القاف أشهر عند أهل اللغة، وصنف ابن بري جزءا في تخطئة الفقهاء ولحنهم في إسكان القاف، وليس كما قال. وجاء فيه الوقس بالسين المهملة، والنسق مثله بفتح النون، ويقال: الوقص في البقر خاصة، والنسق في الإبل خاصة، والعفو في الغنم، وقيل: الوقص يطلق على ما لا تجب فيه الزكاة، ويجمع على أوقاص كجمل وأجمال، وقيل: ولو كانت القاف ساكنة بجمع أفعل نحو فلس وأفلس، ولا يرد حول وأحوال وهول وأهوال؛ لأن معتل العين بالواو يجمع هكذا. م: (وفي كل عقد واجب) ش: غير عفو كما قبل الأربعين وبعد الستين م: (وقال أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله- لا شيء في الزيادة) ش: أي على الأربعين م: (حتى تبلغ ستين) ش: فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان، وبه قال مالك والشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وفي " المحيط ": وهو أوفق الروايات عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " جوامع الفقه " وهو المختار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لا تأخذ من أوقاص البقر شيئا» وفسروه بما بين أربعين إلى ستين، قلنا: قد قيل: إن المراد منها هاهنا الصغار،   [البناية] م: (وهو) ش: أي قولهما م: (رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو رواية أسد بن عمرو، فصار عن أبي حنيفة ثلاث روايات م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «لا تأخذ من أوقاص البقر شيئا» ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ حين وجهه إلى اليمن. قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذكر الشيخ أبو يحيى القدوري في شرح " الكرخي " أن معاذا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سئل عما بين الأربعين والستين، فقال: تلك أوقاص لا شيء فيها، انتهى. قلت: العجب منه مع دعواه كيف ذكر الموقوف من حديث معاذ، وترك المرفوع الذي دل عليه كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد روى الطبراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "معجمه " حديث عثمان بن عمر الضبي: حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن رجل، عن معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس في الأوقاص شيء» . ورواه ابن شيبة موقوفا حدثنا عبد الله بن إدريس عن ليث، عن طاوس، عن معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «ليس في الأوقاص شيء» . وروى أبو عبيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " كتاب الأموال " من حديث سلمة بن أسامة أن معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «بعثني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصدق أهل اليمن» .... الحديث، وفيه أن الأوقاص لا فريضة فيها. م: (وفسروه بما بين أربعين إلى ستين) ش: أي فسر أهل اللغة: الوقص بالذي يكون بين الأربعين من البقر إلى الستين، وقيل: فسره الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (قلنا: قد قيل: إن المراد منها هاهنا الصغار) ش: أي المراد من الأوقاص الصغار من البقر، وهي العجاجيل، وبه نقول: إنه لا شيء فيها، أي والمراد بها إن أريد به العفو فله العدد في الابتداء، وأن الوقص في الحقيقة اسم لما لم يبلغ نصابا، وذلك في الابتداء كذا في " المبسوط ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 ثم في الستين تبيعان أو تبيعتان، وفي سبعين مسنة وتبيع، وفي ثمانين مسنتان، وفي تسعين ثلاثة أتبعة، وفي المائة تبيعان ومسنة، وعلى هذا يتغير الفرض في كل عشر من تبيع إلى مسنة ومن مسنة إلى تبيع؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسن أو مسنة» والجواميس والبقر سواء؛ لأن اسم البقر يتناولهما إذ هو نوع منه، إلا أن أوهام الناس لا تسبق إليه في ديارنا لقلته، فلذلك لا يحنث به في يمينه لا يأكل لحم بقر، والله أعلم.   [البناية] م: (ثم في الستين تبيعان أو تبيعتان) ش: أي ثم الواجب في ستين من البقر تبيعان أو تبيعتان م: (وفي سبعين مسنة وتبيع، وفي ثمانين مسنتان، وفي تسعين ثلاثة أتبعة) ش: الأتبعة جمع تبيع، وفي تسعين ثلاثة أتبعة في كل ثلاثين تبيع م: (وفي المائة تبيعان ومسنة) ش: أي الواجب في المائة من البقر تبيعان ومسنة، وفي الستين تبيعان، وفي الأربعين مسنة. م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الوجه المذكور م: (يتغير الفرض في كل عشر من تبيع إلى مسنة) ش: ففي مائة وعشرة تبيع ومسنتان، وفي المائة والعشرين إن شاء المالك دفع ثلاث مسنات، وإن شاء أربعة أتبعة، والخيار للمالك عندنا وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعند مالك وبعض الشافعية الخيار للمصدق، وعلى هذا حكم ما زاد على ذلك. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسن أو مسنة» ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد مر هذا في حديث معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الطبراني، وفي حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [الجواميس والبقر سواء في الزكاة] م: (الجواميس والبقر سواء) ش: يعني في وجوب الزكاة، في كل واحد منهما، وفي ضم أحدهما إلى الآخر ليكمل النصاب، والجواميس جمع جاموس، وهو معرب: كوميس، وهو نوع من أنواع البقر، واسم البقر يطلق عليهما، إلا أن الجاموس أخص. وفي " المحيط ": والجاموس كالبقر إلا أنه بقر حقيقة حتى لو حلف أنه لا يشتري بقرا يحنث بشراء الجاموس، وأنكروا على القدوري في قوله- والجواميس والبقر سواء- فجعلهما نوعين للبقر، فكيف يكون أحد نوعي البقر، ثم صوابه- والجواميس والعراب سواء. م: (لأن اسم البقر يتناولهما إذ هو نوع منه) ش: أي الجاموس نوع لصحة إطلاق اسم البقر عليهما م: (إلا أن أوهام الناس لا تسبق إليه) ش: يعني إلى الجاموس في ذكر البقر م: (في ديارنا) ش: هي إقليم مرغينان من العجم م: (لقلته) ش: أي لقلة الجواميس م: (فلذلك لا يحنث به) ش: أي يأكل لحم الجاموس م: (في يمينه لا يأكل لحم بقر) ش: لعدم العرف؛ لأن مبنى اليمين على العرف حتى لو تكرر في موضع ينبغي أن يحنث كذا في " المبسوط ". فإن قلت: اسم البقر يتناول الوحشي، ولا تجب فيها زكاة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: الجاموس أهلي وذلك وحشي، والوحشيات من البقر والغنم وغيرهما لا يعتد به في النصاب، وكذا المتولد بين أهلي ووحشي، كذا قاله الكاكي، وفي " مغني الحنابلة ": تجب الزكاة في بقر الوحش ولم يقل به أحد، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تجب مطلقا، وبه قال داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندنا إن كانت الأم أهلية تجب، وإن كانت وحشية لا تجب، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 فصل في صدقة الغنم ليس في أقل من أربعين من الغنم السائمة صدقة، فإذا كانت أربعين سائمة وحال عليها الحول ففيها شاة إلى مائة وعشرين، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه، فإذا بلغت أربعمائة ففيها أربع شياه، ثم في كل مائة شاة شاة   [البناية] [فصل في صدقة الغنم] [نصاب زكاة الغنم والقدر الواجب فيها] م: (فصل في صدقة الغنم) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام صدقة الغنم، والغنم اسم جنس لا واحد له من لفظه، وهي مؤنثة ولهذا يقال في التصغير: غنيمة وكأنه مأخوذ من الغنيمة. وقال الجوهري: الغنم اسم مؤنث موضوع للجنس يقع على الذكور والإناث وعليهما جميعا، فإذا صغرتها لحقتها الهاء. قلت: غنيمة لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين فالتأنيث لها لازم، فيقال: لها خمس من الغنم ذكور فيؤنث العدد، وإن عنيت الكباش إذا كان ثلاثة من الغنم؛ لأن العدد يجري في تذكيره وتأنيثه على اللفظ لا على المعنى. م: (ليس في أقل من أربعين من الغنم السائمة صدقة) ش: أي زكاة، قد مر وجه هذا في أول الكتاب م: (فإذا كانت أربعين سائمة وحال عليها الحول ففيها شاة) ش: الشاة من الغنم تذكر وتؤنث، وفلان كثير الشاة والبقر، وهي في معنى الجمع؛ لأن الألف واللام للجنس، وأصل الشاة شاهه؛ لأن تصغيرها شويهة، والجمع: شياه بالهاء في العدد تقول: ثلاث شياه إلى العشر، فإذا جاوزت فبالتاء م: (إلى مائة وعشرين، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه، فإذا بلغت أربعمائة ففيها أربع شياه، ثم في كل مائة شاة شاة) ش: أي في كل مائة بعد أربعمائة شاة، وهذا قول جمهور أهل العلم منهم مالك والشافعي، وأحمد وإسحاق - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وهو قول الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا. وقال النخعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والحسن بن صالح - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن زادت الغنم على ثلاثمائة واحدة وجب فيها أربع شياه إلى أربعمائة، فإذا زادت واحدة تجب فيها خمس شياه، وهو رواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وروى الشعبي عن معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الغنم إذا بلغت مائتين لم يغيرها حتى تبلغ أربعين ومائتين، فيؤخذ منها ثلاث شياه، فإذا بلغت ثلاثمائة ولم يغيرها حتى تبلغ أربعين وثلاثمائة فيؤخذ منها أربع شياه. وفي " المغنى " رواية عن أحمد: إذا زادت على ثلاثمائة واحدة ففيها أربع شياه، ثم لا يتغير الفرض حتى تبلغ خمسمائة فيكون في كل مائة شاة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 هكذا ورد البيان في كتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي كتاب أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعليه انعقد الإجماع، والضأن والمعز سواء؛ لأن لفظة الغنم شاملة للكل   [البناية] وفي " شرح الهدية " لأبي الخطاب: في أربعمائة وواحدة خمس شياه، وفي خمس مائة وواحد ست شياه، وهكذا حتى تنتهي. وقال أبو بكر في " العارضة " هذا مصادمة للحديث لفظا ومجازفة بغير معنى فلا يعتبر به. م: (هكذا ورد البيان في كتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي كتاب أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي مثل المذكور في كيفية صدقة الغنم ورد البيان في كتابه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. أما كتاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرواه الترمذي من حديث الزهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن سالم، عن أبيه «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب كتاب الصدقة إلى عماله، فلم يخرجه حتى قبض فقرنه بسيفه، فلما قبض عمل به أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حتى قبض، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حتى قبض» وقد مر قريب ومر الكلام فيه. وأما كتاب أبي بكر لأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه البخاري وقد مر أيضا. واحتج شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المبسوط " برواية أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن أبا بكر كتب له كتاب الصدقات .... الحديث، وكذلك احتج به المصنف. وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أصحابنا لم يعلموا بجميع ما في كتاب أنس، والعمل ببعض ما فيه وترك باقيه ليس بصواب، وكان الاستدلال في هذا بكتاب عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو الأوجه. م: (وعليه انعقد الإجماع) ش: أي وعلى وجوب صدقة الغنم على الوجه المذكور انعقد الإجماع. [الضأن والمعز سواء في الزكاة] م: (والضأن والمعز سواء) ش: الضأن مهموز، ويجوز تخفيفه بالإسكان كما في رأس وهو جمع ضأنة بهمزة قبل النون كراكب وركب، ويقال أيضا: ضأن بفتح الهمزة في الجمع، كحارس وحرس، ويجمع أيضا على ضؤون كعار وعري، وقيل: هذه كلها ليست بجمع على الأصح، بل هي كلها اسم جمع. والمعز بفتح العين وإسكانها: اسم جنس، والضأن والمعز نوعان، ويضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب. وهذا لا خلاف فيه والواحد ماعز، ومعزة، والمعيز بفتح الميم، والأمعوز بضم الهمزة: بمعنى المعز قوله سواء أي في تكميل النصاب لا في أداء الواجب فإن ذكره يأتي بعده. م: (لأن لفظة الغنم شاملة للكل) ش: لأن لفظ الغنم جنس، والضأن والمعز نوعان، ويضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب وهذا لا خلاف فيه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 والنص ورد به، ويؤخذ الثني في زكاتها، ولا يؤخذ الجذع من الضأن إلا في رواية الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - والثني منها ما تمت له سنة والجذع ما أتى عليه أكثرها، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قولهما: إنه يؤخذ الجذع   [البناية] م: (والنص ورد به) ش: أي بلفظ الغنم وهو ما كتب في كتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله: «في أربعين من الغنم شاة» م: (ويؤخذ الثني في زكاتها) ش: أي في زكاة الغنم م: (ولا يؤخذ الجذع من الضأن إلا في رواية الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: بفتحتين والذال المعجمة، قال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أول ولد الغنم سخلة، قال ابن قدامة في " المغني ": بفتح السن وكسرها ذكرا كان أو أنثى من الضأن أو المعز، ثم بهيمة الذكر والأنثى، فإذا بلغ أربعة أشهر فصل عن أمه، فولد المعز جفرة وجمعها جفار بالكسر. وإذا أرعى وقوي فهو عريض وعتود، وهو في ذلك كله جدي، والأنثى عناق وجمعها عنوق على غير قياس، وأعنق ما لم يأت الحول عليه، فإذا أتى الحول عليه فالذكر تيس، والأنثى عنز، وفي الثانية: الذكر جذع، والأنثى جذعة، وفي الثالثة: ثني والأنثى ثنية، وفي الرابعة: رباع، وفي الخامسة: سديس، وفي السادسة: ضالع ولا يوجد له بعد ذلك اسم. م: (والثني منها ما تمت له سنة) ش: أي الثني من الغنم ما قد أتى عليه سنة م: (والجذع ما أتى عليه أكثرها) ش: أي أكثر السنة، وفي " المبسوط ": الجذعة التي تمت لها سنة وطعنت في الثانية، والثني الذي تمت له سنتان وطعن في الثالثة. وذكر النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في الضأن والمعز، وكذا في الصحاح. وفي" مجمع الغرائب ": الجذع التي تمت له سنة ودخل في الثانية وهو الذي يجزئ في الأضحية. قال الحربي: إنما يجزئ في الأضحية؛ لأن الجذع من الضأن ينزو فيلقح، والمعز لا يلقح حتى يصير ثنيا. وفي " البدائع " و" الأسبيجابي " و" الوتري " و" جوامع الفقه "، وغيرها من كتب الفقه: الجذع ما أتى عليه ستة أشهر، وفي بعضها أكثر السنة مثل ما ذكر هاهنا، والثني ما تم له سنة ودخل في الثانية. وفي " الذخيرة " للمالكية: الجذع ابن سنة. وقيل: ابن عشرة أشهر، وقيل: ابن نصف سنة، وجمع الثني: ثنايا وثنيان، وجمع الثنية ثنيات، وجمع الجذع جذعان وجذاع، وجمع الجذعة جذعات، ويقال لولد الشاة في السنة الثانية: جذع، ولولد البقرة في الحافر السنة الثالثة، وللإبل في السنة الخامسة. م: (وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو قولهما أنه يؤخذ الجذع) ش: روى الحسن بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنما حقنا الجذعة والثني» ولأنه يتأدى به الأضحية فكذا الزكاة، وجه الظاهر حديث علي - رَحِمَهُ اللَّهُ - موقوفا ومرفوعا لا يؤخذ في الزكاة إلا الثني فصاعدا،   [البناية] زياد عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه يؤخذ الجذع من الضأن وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال مالك: الجذع من الضأن والمعز ما تم له سنة يجوز لإطلاق النص. وقال الشافعي وأحمد -رحمهما الله-: الجذع من المعز لا يجوز. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنما حقنا الجذعة والثني» ش: لم يتعرض إليه أحد من الشراح وهو غريب لا يعرف من رواه ولا من أخرجه، وقال السروجي: هذا في حق الإبل بعيد؛ لأن الجذعة من الإبل لا يؤخذ في الزكاة إذ الذكر لا يجزئ فيها، والثني من الإبل لا يؤخذ؛ لأنه لا يجاوز الجذعة من الإبل. وقال صاحب التخريج: وبمعناه أخرجه أبو داود وابن ماجه في الضحايا عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: كنا مع رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقال له: مجاشع من بني سليم فعزت الغنم فأمر مناديا ينادي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إن الجذع يوفى مما يوفى منه للثني» . ورواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مسنده"، حدثنا محمد بن جعفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - حدثنا شعبة عن عاصم بن كليب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبيه، عن جده عن رجل من مزينة أو جهينة قال: كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان قبل الأضحى بيوم أو بيومين أعطوا جذعين وأخذوا ثنيا، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن الجذعة تجزئ فيما يجزئ عنه الثنية» ، وعاصم بن كليب أخرج له مسلم. م: (ولأنه يتأدى به الأضحية فكذا الزكاة) ش: وفي " الإيضاح ": باب الأضحية أضيق، ألا ترى أن التضحية بالتبيع والتبيعة لا يجوز، ويجوز أحدهما في الزكاة، فإذا كان للجذع مدخل في باب التضحية، ففي الزكاة أولى. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد أن قال: ذكره الشيخ أبو الحسين القدوري عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لا يجزئ في الزكاة إلا الثني فصاعدا على ما يجيء الآن في كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وتأويل الحديث، أي الحديث الذي ذكره المصنف الجذع من الإبل توفيقا بينه وبين ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قلت: الحديثان المذكوران كلاهما لم يصح فلا يحتاج إلى التوفيق. م: (وجه الظاهر حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - موقوفا ومرفوعا لا يؤخذ في الزكاة إلا الثني فصاعدا) ش: أي وجه ظاهر الرواية حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهذا الحديث لم يثبت لا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 ولأن الواجب هو الوسط وهذا من الصغار ولهذا لا يجوز فيها الجذع من المعز، وجواز التضحية به عرف نصا، والمراد بما روي الجذعة من الإبل ويؤخذ في زكاة الغنم الذكور والإناث؛ لأن اسم الشاة ينتظمهما، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «في أربعين شاة شاة» والله أعلم.   [البناية] مرفوعا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا موقوفا على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، والعجب من صاحب " التحفة " أنه قال: لم يرو عن غير علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خلافه، فكان كالإجماع. وروى إبراهيم الحربي في كتابه " غريب الحديث "، عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: لا يجزئ في الضحايا إلا الثني فصاعدا. م: (ولأن الواجب هو الوسط وهذا من الصغار ولهذا لا يجوز فيها الجذع من المعز) ش: أي ولأن الواجب في الأخذ هو الوسط بالنص كما يجيء، قوله: وهذا أي الجذع من الضأن من الصغار ولهذا لا يجوز الصغار. قوله: م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونه من الصغار م: (لا يجوز فيها) ش: أي في الأخذ في الزكاة م: (الجذع من المعز) ش: بالاتفاق م: (وجواز التضحية به عرف نصا) ش: هذا جواب عن قوله: ولأنه تتأدى به الأضحية، فكذا الزكاة ففيه نظر، ولأن جواز التضحية بالجذع من الضأن نصا لا يمنع قياس جواز الزكاة عليه قوله: به أي بالجذع قوله: نصا، أي من جهة النص، وقال الكاكي: النص هو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «نعمت الأضحية الجذع من الضأن» . قلت: أحسن الأوجه: أن يقال النص هو ما رواه مسلم، عن أبي الزبير، عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن» . وأما الحديث الذي ذكره الكاكي: فرواه الترمذي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال: حديث غريب. م: (والمراد بما روي الجذعة من الإبل) ش: هذا جواب عن قوله: «إنما حقنا الجذع والثني» وقد مر الكلام فيه عن قريب. م: (ويؤخذ في زكاة الغنم الذكور والإناث لأن اسم الشاة ينتظمهما) ش: أي يتناولهما، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا تجوز الزكاة، إلا إذا كانت كلها ذكورا، كذا ذكر في " شرح مختصر الكرخي "، وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يؤخذ الثني من الضأن، الذكر، والأنثى فيه سواء، وفي المعز يؤخذ الأنثى، وقال الشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تجوز الجذعة من الضأن والثنية من المعز، وعند مالك يجزئ الجذعة منهما. م: (وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في كل أربعين شاة شاة» ش: ذكر هذا الحديث؛ لأن المذكور فيه الشاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وهي تعم الذكور والإناث، وروى هذا الحديث أبو داود والترمذي من رواية سالم عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ورواه الطبراني في " الأوسط " من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى عماله في سنة الصدقات: «في كل أربعين شاة شاة» . ورواه كذلك أبو داود، عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. والشاة الأولى نصبت على التمييز، والثانية مرفوعة على أنه مبتدأ تقدم خبره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 فصل في صدقة الخيل إذا كانت الخيل سائمة ذكورا وإناثا فصاحبها بالخيار، إن شاء أعطى عن كل فرس دينارا، وإن شاء قومها وأعطى عن كل مائتين خمسة دراهم، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول زفر وقالا: لا زكاة في الخيل   [البناية] [فصل في صدقة الخيل] [كيفية إخراج زكاة الخيل] م: (فصل في صدقة الخيل) ش: أي هذا الفصل في بيان أحكام صدقة الخيل، وهو اسم جمع للعراب والبرازيين؛ ذكروها وإناثها، كالركب ولا واحد لها من لفظها، وواحدها فرس، وقال الجوهري: يذكر ويؤنث ويصغر بغير تاء، وهو شاذ والخيل الفرسان، قال الله تعلى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ} [الإسراء: 64] (الإسراء: آية 46) ، والخيل أيضا الخيول. والثاني: جمع اسم الجمع كالقوم والأقوام، والخيالة: أصحاب الخيل، وقال ابن الأثير في " النهاية ": "يا خيل الله اركبي" أي يا فرسان خيل الله اركبي، بحذف المضاف. قيل: لا حاجة إلى حذف المضاف؛ لأن الخيل هي الفرسان كما قال الجوهري، ويدل عليه قوله: اركبي، وإنما ذكر فصل الخيل إلحاقا بفصل السوائم؛ إذ هي سائمة أيضا، وأخره عن الفصول الثلاثة؛ لأن الاحتياج إليها أكثر من فصل الخيل، وتقدم الخلاف فيها بخلاف فصل الخيل. م: (إذا كانت الخيل سائمة ذكورها وإناثها فصاحبها بالخيار إن شاء أعطى عن كل فرس دينارا، إن شاء قومها وأعطى عن كل مائتي درهم خمسة دراهم) ش: إنما قال: صاحبها بالخيار احترازا عن قول الطحاوي فإنه جعل الخيار إلى العامل في كل ما يحتاج إلى حماية السلطان، ولم يذكر نصاب الخيل كم هو، ولا ذكره في أكثر كتب الأصحاب غير أن صاحب " تحفة الملوك " قال: إن نصاب الخيل قيل: اثنان، وقيل ثلاثة. وعن الطحاوي: خمسة، هذا على قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والأصح أن لا تقدير لعدم النقل به. م: (وهذا) ش: أي هذا المذكور هو م: (عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) ش: وبه قال حماد بن أبي سليمان، واسمه سليم، وهو شيخ أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وبه قال النخعي: حكاه عنه في " الروضة " وهو قول زيد بن ثابت من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ذكره شمس الأئمة السرخسي كما ذكره في الكتاب م: (وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قول زفر بن الهذيل هو قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (لا زكاة في الخيل) ش: وبه قال عطاء بن أبي رباح ومالك والشافعي وأحمد، ويروى ذلك عن عمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة» وله قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «في كل فرس سائمة دينارا أو عشرة دراهم»   [البناية] واختاره الطحاوي، وقال الخطابي: اختلف الناس في زكاة الخيل، وذكر عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لا زكاة فيها، وقال ابن المنذر وابن قدامة من الحنابلة: الخلفاء الراشدون لم يكونوا يأخذون منها صدقة. وقال السروجي: هذا باطل ذكر أبو عمر بن عبد البر بإسناده أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال ليعلى بن أمية: تأخذ من كل أربعين شاة شاة، ألا تأخذ من الخيل شيئا، خذ من كل فرس دينارا، فضرب على الخيل دينارا دينارا، فقرر علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الخيل دينار دينارا. وقال أبو عمر: الخبر في صدقة الخيل عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صحيح من حديث الزهري عن السائب بن زيد أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أمر أن يؤخذ عن الفرس شاتان أو عشرون درهما، وقال ابن رشد المالكي في " القواعد ": قد صح عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يأخذ الصدقة عن الخيل. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وليس على المسلم في عبده، ولا في فرسه صدقة» ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذا الذي أخرجه الأئمة الستة في كتبهم، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة» . وأخرجه ابن حبان أيضا في "صحيحه " وزاد فيه: إلا صدقة الفطر، وهذه الزيادة عند مسلم أيضا، وقال ابن حبان: ففيه دليل على أن العبد لا يملك؛ إذ لو ملك لوجبت عليه صدقة الفطر، وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه روايات ستأتي، وقال الأترازي: والمشهور عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لا يجب فيها شيء. وفي " فتاوى قاضي خان " و" الخلاصة " والفتوى على قولهما، ورجح في الأسرار قولهما فقال: لا يجب في عينهما شيء، ومبنى زكاة السائمة على أن الواجب جزء من العين وللإمام فيه حق الأخذ، ولا يأخذ الإمام صدقة الخيل بالإجماع. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: في كل فرس سائمة دينارا أو عشرة دراهم) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هذا الحديث أخرجه الدارقطني ثم البيهقي في "سننهما" عن الليث بن حماد الإصطخري: حدثنا أبو يوسف عن غورك بن الحصرم أبي عبد الله، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الخيل السائمة: «في كل فرس دينار» ، وقال الدارقطني: تفرد به غورك وهو ضعيف جدا ومن دونه ضعفاء، وقال البيهقي: ولو كان هذا الحديث صحيحا عند أبي يوسف لم يخالف، وقال ابن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 وتأويل ما رويناه فرس الغازي وهو المنقول عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -   [البناية] القطان في كتابه: وأبو يوسف هذا هو أبو يوسف يعقوب القاضي وهو مجهول عندهم. قلت: غورك معروف؛ مولى جعفر بن محمد، يعرفه أهل المعرفة بالرجال، وقول ابن القطان لم يصدر عن عاقل، وهل يقال في مثل أبي يوسف مجهول؟ وهو أول من سمي بقاضي القضاة، وعلمه شاع في ربع الدنيا الذي هو محل الإسلام، وهو إمام ثقة حجة، ونحن نترك الاستدلال بالحديث المذكور عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ونستدل بما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر الخيل فقال: «رجل ربطها تغنيا تعففا، ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا في ظهورها، فهي لذلك ستر» . فإن قلت: قالوا: حقها إعارتها، وحمل المنقطعين عليها إذا كان واجبا، ثم نسخ بدليل قوله: «قد عفوت لكم عن صدقة الخيل» ؛ إذ العفو لا يكون إلا عن شيء لازم. قلت: ثبت أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ولم ينس حق الله في رقابها» ، وهي الزكاة؛ لأنهم اتفقوا على سقوط سائر الحقوق غير الزكاة، وأنه لا حق في المال غير الزكاة، وما ورد فيها من إطراق فحولها، وإعارة ذكورها وغيرهما، منسوخ بالزكاة عند الجمهور، وقد ذكرنا عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما يساند قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (وتأويل ما رويناه فرس الغازي وهو المنقول عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: هذا جواب من جهة أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن الحديث الذي رواه أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله- من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث المذكور ولا فرسه، وأن تأويله أن المراد منه فرس الغازي؛ لأن الخيل كانت عزيزة في ذلك الوقت لقلتها وما كانت إلا معدة للجهاد، ثم كثرت بعد ذلك، ولا سيما في غير بلاد العرب خصوصا في بلاد الدشت، فإن الخيل عند أهلها سائمة في البراري ترعى ولا يعرفون العلف، فمنهم من يملك منها ألف رأس وأقل وأكثر، فصارت كالإبل والبقر والغنم؛ لأن الرقيق إذا كان للتجارة تجب فيه الزكاة، فكذلك الخيل إذا كانت سائمة؛ لأن التجارة والإسامة يؤثران في معنى النماء، وسبب وجوب الزكاة هو المال النامي، وأيضا لما قرن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الفرس بالعبد كان ذلك قرينة على أن المراد عبد الخدمة وفرس الركوب، فإنهما إذا كانا للتجارة تجب فيهما الزكاة بالإجماع. وفي " المبسوط ": نص على أنه لا يؤخذ من عينها؛ لأن مقصود الفقير لا يحصل بذلك لأن عينها غير مأكول اللحم عنده، ولم يثبت أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - للإمام ولاية الأخذ؛ لأن الخيل مطمع كل واحد من أهل الطمع فإنها سلاح، والظاهر أن الأئمة إذا علموا به لا يتركوه، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 والتخيير بين الدينار والتقويم مأثور عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وليس في ذكورها منفردة زكاة؛ لأنها لا تتناسل وكذا في الإناث المنفردات في رواية وعنه الوجوب فيها؛ لأنها تتناسل بالفحل المستعار، بخلاف الذكور   [البناية] لصاحبه. قوله: هو المنقول عن زيد بن ثابت الصحابي وهذا غريب، وقد ذكره أبو زيد الدبوسي في كتاب " الأسرار " فقال: إن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما بلغه حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: صدق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما هذا فرس الغازي، ومثل هذا لا يعرف بالرأي، [بل] إنه مرفوع. وروى أحمد بن زنجويه في كتاب " الأموال " حدثنا علي بن الحسن، حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه، أنه قال: سألت ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَوَفِيهَا صدقة؟ فقال: ليس على فرس الغازي في سبيل الله صدقة. م: (والتخيير بين الدينار والتقويم مأثور، عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: هذا الأثر غريب، وأخرجه الدارقطني في "سننه "، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، قال: جاء ناس من أهل الشام إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقالوا: إنا أصبنا أموالا: خيلا ورقيقا، وإنا نحب أن نزكيها فقال: ما فعله صاحباي قبلي فأفعله أنا، ثم استشار أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالوا: حسن، وسكت علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فسأله فقال: هو حسن لو لم يكن جزية راتبة يؤخذ بها بعدك، فأخذ عن الفرس عشرة دراهم ثم أعاده قريبا منه بالسند المذكور والقصة، وقال فيه: يوضع على كل فرس دينار، وقيل: هذا في أفراس العرب؛ لتفاوت قيمتها، وأما في أفراسنا فالتقويم والأداء عن كل مائتي درهم خمسة دراهم. م: (وليس في ذكورها منفردة) ش: أي وليس في ذكور الخيل حال كونها منفردة م: (زكاة لأنها لا تتناسل) ش: هذا على الرواية المشهورة وذلك لعدم النماء بالتناسل والتوالد. وفي " المبسوط ": لا تجب في الذكور، إلا في رواية شاذة، وفي " المحيط ": المشهور عدم الوجوب. م: (وكذا في الإناث المنفردات في رواية) ش: أي وكذا لا تجب الزكاة في الخيل الإناث المنفردات في رواية عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لعدم النماء بالتوالد. م: (وعنه الوجوب فيها) ش: أي وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الوجوب للزكاة في الإناث المنفردات م: (لأنها تتناسل بالفحل المستعار) ش: أي لأنها يوجد فيها النماء بالفحل المستعار، فيكون النماء لصاحبها م: (بخلاف الذكور) ش: المنفردة، لعدم التناسل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 وعنه أنها تجب في الذكور المنفردة أيضا، ولا شيء في البغال والحمير لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم ينزل علي فيهما شيء والمقادير تثبت سماعا إلا أن تكون للتجارة   [البناية] م: (وعنه أنها) ش: أي عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الزكاة م: (تجب في الذكور المنفردة أيضا) ش: لإطلاق الحديث، وفي " الإيضاح ": باعتبار أنها سائمة م: (ولا شيء في البغال والحمير لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لم ينزل علي فيهما شيء» ش: أي في البغال والحمير. والحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولكن ليس فيه ذكر البغال، ولفظ الحديث طويل فأوله: الخيل ثلاثة، وفي آخره فسئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الحمر فقال: «ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ - وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8] » (الزلزلة: آية 7، 8) . قوله: الفاذة بتشديد الذال المعجمة أي المنفردة في معناها، والفذ الواحد، وقد أفذ الرجل عن أصحابه إذا شذ عنهم وبقى منفردا. وقيل: معناه جامعة لاشتمال اسم الخير على أنواع الطاعات والشر على أنواع المعاصي، ودلالة الآية على الجواب من حيث إن سؤالهم كان الحمار له حكم الفرس أم لا؟ فأجاب: بأنه إن كان بخير فلا بد أن يرى خيره وإلا فبالعكس، والدليل الصريح في عدم وجوب الزكاة في الحمير ما رواه البيهقي من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عفوت لكم عن صدقة الجبهة والكسعة والنخة» . قال بقية أحد رواته: الجبهة الخيل، والكسعة البغال والحمير، والنخة المربيات في البيوت. والحديث ضعيف؛ لأن فيه سليمان بن أرقم، هو متروك الحديث، لا يحتج به، قاله البيهقي، وقال في " ديوان الأدب ": الجبهة: الخيل، والكسعة: الحمير، والنخة: البقر العوامل. قلت: الكسعة بضم الكاف، وسكون السين المهملة، وقال ابن الأثير: النخة بفتح النون وضمها هي الرقيق، وقيل: الحمير، وقيل: البقر العوامل، وقيل: هي كل دابة استعملت، وقيل: البقر العوامل بالضم وغيرها بالفتح، وقال الفراء: النخة أن يأخذ المصدق دينارا بعد فراغه من الصدقة. م: (والمقادير تثبت سماعا) ش: كان ينبغي أن يقال والمقدرات تثبت من جهة السماع؛ لأن القياس لا دخل له في جهة المقدرات الشرعية م: (إلا أن تكون للتجارة) ش: استثناء من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 لأن الزكاة حينئذ تتعلق بالمالية كسائر أموال التجارة، والله أعلم.   [البناية] قوله: ولا شيء في البغال والحمير، يعني إذا كانت للتجارة يجب فيها الزكاة. م: (لأن الزكاة حينئذ) ش: أي حين كونها للتجارة م: (تتعلق بالمالية كسائر أموال التجارة) ش: لوجود النماء بالتجارة كما في عروض التجارة، وغير ذلك من الأحكام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 فصل وليس في الفصلان والحملان، والعجاجيل صدقة عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يكون معها كبار، وهذا آخر أقواله، وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكان يقول: أو لا يجب فيها ما يجب في المسان، وهو قول زفر ومالك - رحمهما الله - ثم رجع وقال: فيها واحدة منها، وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] [فصل وليس في الفصلان والحملان والعجاجيل صدقة] م: (فصل) ش: هاهنا فصل ينون وإذا وصل لا ينون. م: (وليس في الفصلان والحملان والعجاجيل صدقة عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: لما فرغ من بيان أحكام الكبار، شرع في بيان أحكام صغار الفصلان، بضم الفاء جمع فصل، وكذا الناقة: من فصل الرضيع عن أمه والحملان بضم الحاء وفي " مهذب الديوان ": بكسرها جمع الحمل بفتحتين. قال الجوهري في باب اللام: الحمل البرق، وقال في باب القاف: البرق الحمل فارسي معرب، وفي " المغرب " الحمل بفتحتين ولد الضأنة في السنة الأولى والجمع الحملان، والعجاجيل: جمع عجول بمعنى عجل، كأبابيل: جمع أبول، كذا حكي عن الكسائي، وفي " المغرب ": العجل من أولاد البقر حين تضعه أمه إلى شهر والجمع العجلة، وأما العجال في جمعه فلم أسمعه، والعجول مثله والعجاجيل الجمع، قوله: صدقة أي زكاة عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (وهذا آخر أقواله) ش: أي آخر أقوال أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (وهو قول محمد) ش: وبه قال الثوري والشعبي، وأبو سليمان، وداود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (وكان يقول أولا: يجب فيها ما يجب في المسان) ش: أي كان أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول في أول الأمر: يجب في الفصلان، والحملان، والعجاجيل ما يجب في المسان، وهو جمع مسنة وهي ذات السن من الجذع، والثنية م: (وهو قول زفر ومالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: وبه قال داود وأبو بكر من الحنابلة م: (ثم رجع، وقال: فيها واحدة منها) ش: أي، ثم رجع أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن هذا القول وقال: تجب فيها واحدة منها وهذا قوله الثالث. م: (وهو قول أبي يوسف والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: في الجديد وبه قال الأوزاعي وإسحاق وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اختلاف العلماء عن أبي يوسف، قال دخلت على أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فقلت: ما تقول فيمن ملك أربعين حملا؟ فقال: فيها شاة مسنة، فقلت: ربما تأتي قيمة الشاة على أكثرها أو جميعها؟ فتأمل ساعة ثم قال: لا ولكن تؤخذ واحدة منها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فقلت: أَوَيُؤْخَذ الحمل في الزكاة؟ فتأمل ساعة، ثم قال: لا، إذا لا يجب فيها شيء وأخذ بقوله الأول زفر، وبقوله الثاني أبو يوسف، وبقوله الثالث محمد، وعد هذا من مناقبه حيث تكلم في مسألة في مجلس ثلاثة أقاويل فلم يضع شيئا من أقاويله كذا في " المبسوط "، وقال محمد بن شجاع: لو قال قولا رابعا لأخذت به، انتهى. قلت: وجاء فيه قول رابع: وهو أن يأخذ المصدق مسنة ويرد على صاحب المال فضل ما بين المسنة والصغيرة التي هي في ماشيته وهو رواية عن الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ووجه للحنابلة وجاء فيه قول خامس، وهو ضعيف جدا لم ينقل عن غير الحنابلة أنه يجب في خمس وعشرين من الفصلان واحدة منها، وفي ست وثلاثين واحدة منها سنها كسن واحدة منها مرتين، وفي ست وأربعين منها واحدة مثل سن واحدة منها ثلاث مرات، وفي إحدى وستين واحدة مثل سنها أربع مرات. والحاصل عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هنا ثلاث روايات كما ظهر من كلام الطحاوي، ومن المشايخ من رد هذا وقال: إن مثل هذا من الصبيان محال فما ظنك بأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؟ وقال بعضهم: لا معنى لرده فإنه مشهور مستفيض، لكن يجب أن يوجه على ما يليق بحال أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقيل: إنه استجس أبا يوسف هل يهتدي إلى طريق المناظرة، فلما عرف أنه يهتدي إليه قال قولا يعول عليه، كذا في " الفوائد الظهيرية ". وقال صاحب " التحفة ": تكلم الفقهاء في صورة المسألة فإنها مشكلة؛ لأن الزكاة لا تجب بدون مضي الحول، وبعد الحول لم يبق اسم الحملان والفصلان والعجاجيل. وقال بعضهم: الخلاف في هذا؛ لأن الحول هل ينعقد على هذه أم لا؟ ويعتبر انعقاد الحول من حين الكبر. وقال بعضهم: الخلاف فيمن كانت له أمهات فمضت ستة أشهر فولدت أولادا، ثم ماتت الأمهات وبقيت الأولاد، ثم تم الحول وهي صغار وعلى هذا إذا استفاد صغارا في وسط الحول، ثم هلكت المسنات، وفي " الجامع الصغير ": هلكت الأمهات بعد عشرة أشهر وبقيت الأولاد. وقيل: كان له نصاب هو مسنات فاستفاد قبل حوله صغارا بشراء أو هبة أو نحوهما ثم هلك المسان وبقي المستفاد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 وجه قوله الأول أن الاسم المذكور في الخطاب ينتظم الصغار والكبار. ووجه الثاني: تحقيق النظر من الجانبين كما يجب في المهازيل واحد منها، ووجه الأخير أن المقادير لا يدخلها القياس فإذا امتنع إيجاب ما ورد به الشرع امتنع أصلا، وإذا كان فيها واحدة من المسان جعل الكل تبعا له في انعقادها نصابا دون تأدية الزكاة منها   [البناية] م: (وجه قوله الأول: إن الاسم المذكور) ش: من اسم الشاة والإبل والبقر م: (في الخطاب) ش: يعني في النص في قوله: خذ من الإبل م: (ينتظم الصغار والكبار) ش: ولهذا لو حلف لا يأكل لحم الإبل فأكل فصيلا يحنث. م: (ووجه الثاني) ش: أي في القول الثاني وهو قوله: فيها واحدة منها م: (تحقيق النظر من الجانبين) ش: أي من جانب الفقير والغني، وهذا لأن في إيجاب الكبير إضرارا بالغني، وفي عدم إيجاب شيء إضرار بالفقير فوجب واحدة من الصغار. م: (كما يجب في المهازيل واحد منها) ش: المهازيل جمع: مهزول من الهزال وهو خلاف السمن، وجه التشبيه هو وجوب الواحد من نصاب الإبل أو البقر أو الغنم المهزولة تحقيقا للنظر من الجانبين، وفي " الأسرار " اختار قول أبي يوسف؛ لأنه أعدل فإنا رأينا النقصان بالهزال رد الوجوب الأصلي إلى واحد منها، ولم يبطل أصلا فكذلك النقصان بالسمن مع قيام الإسامة واسم الإبل، وفي " النهاية ": ونقصان الوصف لا يسقط الزكاة أصلا حتى إن في العجاف والمهازيل تجب الزكاة بحبسها فكذلك نقصان السن. م: (ووجه الأخير) ش: أي القول الأخير، وفي بعض النسخ الآخر وهو قوله: ليس في الحملان والفصلان والعجاجيل دقة وقوله -ووجه الأخير- مبتدأ وقوله م: (أن المقادير لا يدخلها القياس) ش: خبره م: (فإذا امتنع إيجاب ما ورد به الشرع) ش: وهو بنت مخاض في خمس وعشرين من الإبل والثني من الغنم م: (امتنع أصلا) ش: أي امتنع الوجوب بالكلية؛ لأن أخذه من الصغار أخذ خيار المال وذلك لا يجوز. م: (وإذا كان فيها) ش: أي في الصغار م: (واحدة من المسان جعل الكل تبعا له) ش: أي الكل من الصغار تبعا للواحد من المسان م: (في انعقادها نصابا) ش: أي في انعقاد الصغار يعني ينعقد النصاب بالصغار م: (دون تأدية الزكاة منها) ش: أي من الصغار، حتى إذا دفع واحدا منها لا يجوز بل يجب ما ورد به الشرع حتى لو هلك المسان بعد حولان الحول سقطت الزكاة عن الكل عند أبي حنيفة ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - هذا نتيجة كون الصغار تبعا لواحد من المسان. صورته: رجل له تسعة وثلاثون حملا ومسنة واحدة، فإذا كانت المسنة وسطا أخذت، وإن كانت جيدة لم تؤخذ ويؤدي صاحب المال شاة وسطا، وإن كان دون الوسط لم تجب إلا هذه؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 لأن الواجب يتعلق بالمال وقد فات وعند أبي يوسف لا يجب في الباقي، ثم عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجب فيما دون الأربعين من الحملان وفيما دون الثلاثين من العجاجيل شيء، ويجب في خمس وعشرين من الفصلان واحد، ثم لا يجب شيء حتى تبلغ مبلغا لو كانت مسان يثنى الواجب، ثم لا يجب فيها شيء حتى تبلغ مبلغا لو كانت مسان، يثلث الواجب ولا يجب فيما دون خمس وعشرين في رواية وعنه أنه يجب في الخمس   [البناية] وإن هلكت الكبيرة بعد الحول بطل الواجب كله عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-. م: (لأن الواجب) ش: أي وجوب الزكاة م: (يتعلق بالمال وقد فات) ش: بالهلاك. م: (وعند أبي يوسف لا يجب في الباقي) ش: في تسعة وثلاثين جزءا من أربعين جزءا من حمل؛ لأن الفصيل على الحمل إنما وجب باعتبار الكبيرة فبطل بهلاكها، وإذا هلكت الكل إلا الكبيرة فإن فيها جزءا من أربعين جزءا من شاة مسنة، لأن كل الواجب لم يكن فيها بل كان فيها وفي الصغار تبعا، فكانت الصغار كأنها كبار، فإذا هلكت الصغار بقيت الكبيرة بقسطها. م: (ثم عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجب فيما دون الأربعين من الحملان وفيما دون الثلاثين من العجاجيل، ويجب في خمس وعشرين من الفصلان واحد) ش: اختلفت الرواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كيفية أداء الزكاة عن الفصلان، ففي رواية بشر بن إسماعيل، قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا بلغ الفصلان عددا وهو خمس وعشرون يجب فيها فصيل واحد منها م: (ثم لا يجب فيها شيء حتى تبلغ مبلغا لو كانت مسان يثنى الواجب) ش: يعني لا يجب شيء حتى تبلغ مبلغا لو كانت كبارا يثنى الواجب فيه وهو ستة وسبعون إذ فيها يجب بنتا لبون. م: (ثم لا يجب فيها شيء حتى تبلغ مبلغا لو كانت مسان يثلث الواجب) ش: أي ثم لا يجب شيء آخر حتى تبلغ مبلغا أي عددا وهو مائة وخمسة وأربعون لو كانت كبارا يثلث الواجب ويثلث على صيغة المجهول من التثليث. ومعنى يثلث الواجب هو أن يجب فيها ثلاثة من الفصلان؛ لأنه مبلغ يثلث به الواجب من الكبار حيث تجب حقتان وبنت مخاض. وقد اعترض محمد على أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقال: إنما أوجب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جنس الإبل بصفة مخصوصة، وهي وجوب الزكاة من خمسة إلى خمسة وعشرين، ومن خمسة وعشرين إلى ستة وسبعين وما لا يجب في هذين الموضعين كذلك في غيره وجب من جهة أو الفرض يتغير بالسن والعدد في الإبل ولا سن في الفصلان فوجب اعتبار التغيير بالعدد. م: (ولا يجب فيما دون خمسة وعشرين في رواية) ش: أي في رواية عن أبي يوسف رواها عنه الحسن بن مالك م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية رواها ابن شجاع عنه م: (أنه) ش: أي أن الشأن م: (يجب في الخمس) ش: بفتح الخاء يعني في خمس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 خمس فصيل، وفي العشر خمسا فصيل على هذا الاعتبار، وعنه أنه ينظر إلى قيمة خمس فصيل وفي الخمس، وإلى قيمة شاة وسط فيجب أقلهما، وفي العشر إلى قيمة شاتين وإلى قيمة خمسي فصيل على هذا الاعتبار. قال: ومن وجب عليه مسن فلم توجد أخذ المصدق أعلى منها، ورد الفضل أو أخذ دونها أو أخذ الفضل، وهذا   [البناية] فصلان م: (خمس فصيل) ش: بضم الخاء م: (وفي العشر خمسا فصيل) ش: أي ويجب في العشرة من الفصلان خمسان من فصيل م: (على هذا الاعتبار) ش: يعني يجري على هذا القياس إلى خمس وعشرين فيجب فيها واحدة منها فكأنه اعتبر البعض بالكل. م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه ينظر إلى قيمة خمس فصيل) ش: بضم الخاء م: (وفي الخمس) ش: بفتح الخاء أي في الخمسة من الفصلان ش: (وإلى قيمة شاة وسط فيجب أقلهما) ش: أي أقل القيمتين: قيمة خمس الفصيل، وقيمة الشاة، وذلك لأن الأقل متيقن. م: (وفي العشر إلى قيمة شاتين وإلى قيمة خمسي فصيل) ش: أي ينظر في العشرة من الفصلان إلى القيمتين من قيمة شاتين وقيمة خمسين من الفصيل م: (على هذا الاعتبار) ش: أي يجري على هذا القياس فينظر، وفي خمسة عشرة إلى قيمة ثلاث شياه وقيمة ثلاث أخماس فصيل، وفي العشرين إلى قيمة أربع شياه وأربعة أخماس فصيل، وفي الخمس والعشرين تجب واحدة منها، ثم لا شيء حتى تبلغ عددا يثلث الواجب فيه في الكبار فيجب ثلاثة فصلان وقد مر بيان ذلك. م: (قال: ومن وجب عليه مسن) ش: أي ذات سن على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أو سمي بها كما سمي المسنة من النوق بالتاء؛ لأن المسن مما استدل به على المسن من الدواب م: (فلم توجد أخذ المصدق) ش: بكسر الدال المشددة، وهو عامل الزكاة التي يستوفيها من أربابها، يقال: صدقهم يصدقهم فهو متصدق م: (أعلى منها) ش: أي أعلى من المسن. م: (ورد الفضل) ش: أي فضل القيمة مثلا، إذا كانت قيمة المسن المتعينة للوجوب ثلاثين درهما، وقيمة الأعلى منها أربعون درهما، أخذ المصدق الأعلى، ويرد عشرة دراهم لصاحب المال م: (أو أخذ دونها) ش: أي دون المسن م: (أو أخذ الفضل) ش: مثلا، إذا كانت قيمة المسن ثلاثين، وقيمة الذي أخذه عشرون يأخذ من رب المال عشرة دراهم. وقال أبو يوسف: إذا وجبت بنت مخاض، ولم توجد أخذ ابن لبون، وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وعندهما لا يجوز ذلك إلا بطريق القيمة. م: (وهذا) ش: أي وهذا المذكور من أخذ الأعلى ورد الفضل أو أخذ الأدنى واسترداد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 مبني على أن أخذ القيمة في باب الزكاة جائز عندنا، على ما نذكره إن شاء الله تعالى، إلا أن في الوجه الأول له أن لا يأخذ ويطالب بعين الواجب أو بقيمته؛ لأنه شراء، وفي الوجه الثاني يجبر؛ لأنه لا بيع فيه بل هو إعطاء بالقيمة، ويجوز دفع القيمة في الزكاة عندنا   [البناية] الفضل م: (مبني على أن أخذ القيمة في باب الزكاة جائز عندنا على ما نذكره إن شاء الله تعالى) ش: وأصل ذلك ما رواه البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله أَنَا أبي، حدثنا ثمامة أن أنسا، حدثه أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كتب له فريضة الصدقة التي أمر الله رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة، وليست عنده جذعة، وعنده حقه فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة، ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين .... » الحديث، ثم المعتبر ما بين القيمتين في الرد والاسترداد أي شيء كان؛ لأن القيمة تتفاوت باختلاف الرخص من الغلاء، وتقدير العشرين في الحديث ليس بلازم؛ لأنه كان بحسب الغالب في ذلك الزمان. م: (إلا أن في الوجه الأول) ش: وهو قوله: أخذ المصدق أعلاها ورد الفضل م: (له) ش: أي للمصدق م: (أن لا يأخذ) ش: أي الأعلى م: (ويطالب صاحب المال بعين الواجب أو بقيمته؛ لأنه شراء) ش: ولا شراء في الشراء. قال الأترازي: وفيه نظر عندي؛ لأنهم قالوا: الخيار لصاحب المال حتى يكون رفقا به؛ لأن الزكاة وجبت بطريق اليسر، فإذا كان للمصدق ولاية الامتناع من قبول الأعلى لزم العشر وفيه عود على الموضوع بالنقص فلا يجوز. قلت: قيل: إن الخيار للمصدق ذكره صاحب " التجريد ". م: (وفي الوجه الثاني) ش: هو قوله أو أخذ دونها م: (يجبر) ش: أي المصدق م: (لأنه لا بيع فيه بل هو إعطاء بالقيمة) ش: فإذا امتنع يجبر؛ لأن دفع القيمة جائز. [إخراج القيمة في الزكاة والكفارات ونحوها] م: (ويجوز دفع القيمة في الزكاة عندنا) ش: وهو قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابنه، وابن مسعود، وابن عباس، ومعاذ، وطاوس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقال الثوري: يجوز إخراج العروض في الزكاة إذا كانت بقيمتها وهو مذهب البخاري، وإحدى الروايتين عند أحمد، ولو أعطى عرضا عن ذهب وفضة، وقال أشهب: يجزئه، وقال الطرطوسي: هذا قول بين في جواز إخراج القيم في الزكاة. قال: وأجمع أصحابنا على أنه لو أعطى فضة عن ذهب أجزأه، وكذلك إذا أعطى ذهبا عن فضة عند مالك، وقال سحنون: لا يجزئه، وهو وجه للشافعية، واختار ابن حبيب دفع القيمة إذا رآه أحسن للمساكين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 وكذا في الكفارات، وصدقة الفطر، والعشر، والنذر، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز اتباعا للمنصوص كما في الهدايا والضحايا، ولنا أن الأمر بالأداء إلى الفقير إيصال للرزق الموعود إليه   [البناية] م: (وكذا في الكفارة وصدقة الفطر والعشر والنذر) ش: أي وكذا يجوز دفع القيمة في الكفارة، وأراد بالكفارة المالية وإذا أدى نصف قفيز تمر جيد عن قفيز تمر رديء، وقل في النذر فإنه يجوز عند محمد وزفر، ولا يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-. وفي صدقة الفطر لو أدى نصف صاع من تمر عن صاع من شعير بطريق القيمة لا يجوز، وإذا غير المنصوص عن المنصوص يجوز في غير الربويات ذكره في " الجامع "، وكذا يجوز الاستبدال بالثمن والمنذور ولو عينه. م (وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يجوز) ش: وبه قال داود، وأحمد، وبه قال مالك، إلا أنه قال: يجوز إخراج الذهب عن الفضة، والفضة عن الذهب. م: (اتباعا للمنصوص) ش: يعني اتبع الشافعي اتباعا لعين النصوص وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في خمس من الإبل شاة» ، في أربعين شاة شاة، وهذا بيان لما هو مجمل في الكتاب، فإن الإيتاء منصوص عليه والمأتي غير مذكور فيه، فالتحق الحديث بيانا لمجمل الكتاب، وكأنه قال: وآتوا الزكاة في أربعين شاة شاة، ولا يجوز التعليل لإبطال حق الفقير في العين؛ لأن الحق المستحق مراعى بصورته ومعناه، كما في حقوق العباد م: (كما في الهدايا والضحايا) ش: أي كما يتبع المنصوص في الهدايا والضحايا؛ لأنها مقدرة بأعيان معلومة شرعا فلا تتأدى بالقيمة. م: (ولنا أن الأمر بالأداء إلى الفقير) ش: أي الأمر بأداء الزكاة إلى الفقير م: (إيصال) ش: أي لأجل الإيصال م: (للرزق الموعود إليه) ش: أي إلى الفقير؛ لقوله عز وجل: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] (سورة هود: الآية: 6) . ولما أمر الغني بأدائها وهو حق الله إلى الفقير الذي هي حقه بحكم الوعد علم أن المقصود من الأمر بأدائها إيصال لذلك الرزق الموعود وكفاءته للفقير، فكما يحصل رزق الفقير وكفاءته بعين الشاة، يحصل بقيمتها بل هي أولى؛ لأنه يتوصل بعين الشاة إلى نوع من الكفاية وهو الأكل، وبقيمتها يتوصل إلى أنواع من الكفاية. قلت: هكذا ذكر الشراح خصوصا الأترازي، فإنه أطنب في هذا الموضع، فللخصم أن يقول: في أخذ عين الشاة تحصل كفاية الأكل، وبيعها بعد الأخذ يحصل كل الأنواع بالكفاية، والأحسن أن يقول: إن التقييد على الكتاب بخبر الواحد لا يجوز بالاتفاق، ألا ترى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «في خمس من الإبل شاة» وكلمة في حقيقة الظرف وعين الشاة لا توجد في الإبل فعرف أن المراد قدره من المال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 فيكون إبطالا لقيد الشاة فصار كالجزية، بخلاف الهدايا؛ لأن القربة فيها إراقة الدم وهو لا يعقل، ووجه القربة في المتنازع فيه سد خلة المحتاج وهو معقول، وليس في العوامل، والحوامل والعلوفة صدقة   [البناية] م: (فيكون إبطالا لقيد الشاة) ش: أي فيكون الأمر بإيصال الرزق إبطالا لقيد الشاة المنصوص عليه، لا يقال ما قلتم فيه تقييد الشاة المنصوص عليها بالتعليل؛ لأنا نقول: لا نسلم ذلك، وإنما أراد بالنص القطعي الذي يوجبه أداء الرزق الموعود له بالآية المذكورة. م: (وصار كالجزية) ش: أي وصار الحكم كما ذكرنا كأداء القيمة في الجزية، فإنه يجوز بالاتفاق؛ لأنه أدى مالا متقوما عن الواجب فكذا تجوز القيمة في الزكاة لهذا المعنى. م: (بخلاف الهدايا؛ لأن القربة فيها إراقة الدم) ش: هذا جواب عن قياس الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عدم جواز أخذ القيمة في الزكاة عنده على عدم جواز أخذ القيمة في الهدايا والضحايا فإنه متفق عليه. والجواب أن معنى القربة في الهدايا والضحايا فإنه إراقة الدم وهي لا تتقوم، فلا يقم شيء آخر مقام ذلك م: (وهو لا يعقل) ش: أي إراقة الدم غير معقولة ولا متقومة، فالمستحق إراقة الدم حتى لو هلك بعد الذبح قبل التصدق به لا يلزمه شيء. م: (ووجه القربة في المتنازع فيه) ش: وهو حكم أخذ القيمة في الزكاة م: (سد خلة المحتاج) ش: يعني سد احتياج الفقير م: (وهو معقول) ش: أي يدرك بالعقل فيتأتى فيه الضرر بالقيمة؛ لأن المقصود كفاءة الفقير. فإن قلت: لا نسلم ذلك، ولهذا لا يجوز أداؤها إلى الفقير الكافر وإلى الوالدين والولد، وإن كانوا فقراء. قلت: الشرع لم يأمر بالأداء إليهم. فإن قلت: المراد بكفاية الفقير كفاية العمر أو كفاية الحال وكل منهما ممنوع أما الأول فظاهر، وأما الثاني فأداؤها يجوز إلى من له كفاية الحال، كمن له خادم ودار ومائتا درهم إلا درهم. قلت: المقصود الكفاية الحاصلة بقدر الزكاة لا ذاك ولا ذاك فافهم. م: (وليس في العوامل والحوامل والعلوفة صدقة) ش: أي زكاة الحوامل جمع حامل: وهي التي أعدت لحمل الأثقال كذا قاله الكاكي، وقال تاج الشريعة: جمع عاملة قال في " الطلبة ": العوامل المعدة للأعمال، والمعلوفة: بفتح العين ما يعلف من الغنم وغيرها، فالواحد والجمع سواء، والمعلوفة بالضم: جمع علف كذا قاله المطرزي يقال: علفت الدابة ولا يقال علفتها، والدابة معلوفة وعليف، كذا في " الجمهرة "، وعدم الزكاة في هذه المذكورات في مذهبنا، وهو قول عطاء، والحسن، وإبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، وسعيد بن جبير، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور، وأبي عبيد، وابن المنذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ويروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره في " الإمام "، وقال قتادة ومكحول ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: تجب الزكاة في المعلوفة والنواضح، واحتج بالعمومات وهي مذهب معاذ وجابر بن عبد الله وسعيد بن عبد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 خلافا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - له ظواهر النصوص، ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس في الحوامل والعوامل ولا في البقرة المثيرة صدقة» ولأن السبب هو المال النامي، ودليله   [البناية] العزيز، والحسن بن صالح - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (خلافا لمالك) ش: فإنه أوجب الزكاة فيها لما ذكرنا م: (له) ش: أي لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ظواهر النصوص) ش: لأن ظاهر قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] (التوبة: الآية 103) ، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في كل خمس ذود شاة» يقتضي وجوب الزكاة. م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس في الحوامل والعوامل ولا في البقرة المثيرة صدقة» ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا الحديث بهذا اللفظ غريب، وفي العوامل أحاديث منها ما رواه أبو داود من حديث زهير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حدثنا أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة، والحارث عن علي قال زهير: وأحسبه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «هاتوا زكاة ربع العشر» الحديث، وقال فيه «وليس على العوامل شيء» ورواه الدارقطني مجزوما، قال: ليس فيه: قال زهير: وأحسبه. وقال ابن القطان: هذا سند صحيح وكل من فيه ثقة معروف. ورواه عبد الرزاق في "مصنفه " موقوفا فقال: قال أخبرنا الثوري، ومعمر، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «ليس في العوامل البقر صدقة» . ومنها ما رواه الدارقطني من حديث طاوس عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا: «ليس في البقر العوامل صدقة» وفي إسناده سوار بن مصعب نقل ابن عدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تضعيفه عن البخاري والنسائي وابن معين ووافقهم، وقال: عامة ما يرويه غير محفوظ. ومنها رواه الدارقطني أيضا، عن غالب بن عبيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرفوعا نحوه، وغالب لا يعتمد عليه. قال يحيى: ليس بثقة، وقال الرارزي: متروك. وأما حديث المغيرة فرواه الدارقطني من حديث أبي الزبير أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس في المثيرة صدقة» قال البيهقي: إسناده ضعيف والصحيح أنه موقوف، ورواه عبد الرزاق في "مصنفه " عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر موقوفا، وقد مضى تفسير الحوامل والعوامل. وأما البقرة المثيرة فهي التي تثار بها الأرض أي تحرث، من الإثارة وهي التحريك والرفع. م: (ولأن السبب) ش: أي سبب وجوب الزكاة م: (هو المال النامي ودليله) ش: أي دليل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 الإسامة أو الإعداد للتجارة، ولم يوجد ولأن في العلوفة تتراكم المؤنة فينعدم النماء، معنى ثم السائمة: هي التي تكتفي بالرعي في أكثر الحول حتى لو علفها نصف الحول أو أكثر كانت علوفة؛ لأن القليل تابع للأكثر ولا يأخذ المصدق خيار المال ولا رذالته، ويأخذ الوسط.   [البناية] المال النامي م: (الإسامة) ش: بكسر الهمزة يقال: أسمت الماشية فسامت أي رعيتها فرعت، وبالإسامة تزداد الماشية سمنا، ولهذا أجل السوم بالحول؛ لأن النمو إنما يتحقق ذكرا ونسلا بالحول م: (أو الإعداد للتجارة) ش: بكسر الهمزة من أعددت الشيء، إذا هيأته، والمعنى أو دليله يهيأ المال للتجارة للأرباح م: (ولم يوجد) ش: أي واحد من الإسامة والإعداد للتجارة، فلم تجب الزكاة؛ لأن الحكم يدار على الدليل وهو معدوم. م: (ولأن في العلوفة) ش: بفتح العين كما ذكرنا عن قريب م: (تتراكم المؤنة) ش: أي تتكاثر م: (فينعدم النماء معنى) ش: فلا تجب الزكاة، وفي " البدائع ": إن أسيمت للحمل أو للركوب أو اللحم فلا زكاة فيها، وإن أسيمت للتجارة ففيها زكاة التجارة، حتى لو كانت أربعا من الإبل أو أقل تساوي مائتي درهم تجب فيها خمسة، وإن كانت خمسة لا تساوي مائتي درهم لا تجب فيها الزكاة. وإن أسيمت للدر والنسل ففيها زكاة السائمة. وفي " الذخيرة ": اشترى إبلا سائمة بنية التجارة وحال عليها الحول، تجب فيها زكاة التجارة دون زكاة السائمة، وأجمعوا على أنه لا يجمع بين زكاة السائمة وزكاة التجارة وهو قول الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (ثم السائمة هي التي تكتفي بالرعي في أكثر الحول حتى لو علفها نصف الحول أو أكثر كانت علوفة؛ لأن القليل تابع للأكثر) ش: لأن أصحاب السوائم لا يجدون بدا من أن يعلفوا سوائمهم في البرد والثلج، فجعل الأقل تابعا للأكثر، ولا خلاف أن السائمة في جميع الحول تجب فيها الزكاة، والعلوفة في جميع السنة لا تجب فيها الزكاة، وإنما الخلاف في الإسامة في أكثر الحول، فعندنا وأحمد وبعض أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: لو علفت في نصف السنة أو أكثر كانت علوفة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح: إن السوم شرط في جميع السنة، حتى لو ترك الإسامة في زمان لو لم يعلف فيه الحيوان يموت ينقطع السوم، وإذا ترك العلف في يوم أو يومين هل ينقطع أم لا؟ اختلف أصحابه فيه، فمنهم من قال: لا ينقطع لقلة المدة، ومنهم من قال: ينقطع كيفما يوجد العلف، ومنهم من قال: لو قصد العلف وقطع الإسامة ينقطع الحول، ولو كان العلف ساعة واحدة. م: (ولا يأخذ المصدق) ش: وهو آخذ الزكاة م: (خيار المال ولا رذالته) ش: الرذالة: بضم الراء وتخفيف الذال المعجمة اسم جمع لرذل، وهو الدون من كل شيء م: (ويأخذ الوسط) ش: هذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تأخذوا من حرزات أموال الناس، أي كرائمها، وخذوا من حواشي أموالهم» أي أوساطها ولأن فيه نظرا من الجانبين. قال: ومن كان له نصاب فاستفاد في أثناء الحول من جنسه ضمه إليه وزكاه به.   [البناية] مجمع عليه من أهل العلم، فقال الزهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا جاء المصدق قسم المال أثلاثا: ثلث خيار، وثلث أوساط، وثلث شرار، ويأخذ المصدق من الوسط رواه أبو داود، قوله -الشاة- جمع شياه، والمراد من الشرار المهازيل المغيرة، ومن الخيار السمان الجياد. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا تأخذوا من حرزات أموال الناس أي كرائمها، وخذوا من حواشي أموالهم، أي أوساطها) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هذا الحديث بهذا اللفظ غريب، وروى البيهقي بعضه مرسلا عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لمصدقه: "لا «تأخذ من حرزات أموال الناس شيئا، خذ الشارف والبكر وذوات العيب» ، ورواه ابن أبي شيبة عن حفص عن هشام به. ورواه أبو داود في " المراسيل ": حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد عن هشام به. قوله: من حرزات أموال الناس جمع حرزة بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي وبالراء، وهي خيار مال الرجل سميت حرزة؛ لأن صاحب المال يحرزها في نفسه، سميت به المرأة الواحدة من الحرز ولهذا أضيفت إلى النفس في حديث البيهقي. قوله: الشارف، هي الهرمة، والبكر: بالفتح هو الصغير من الإبل بمنزلة الغلام من الناس. قوله: أوساطها، جمع وسط، وفي " المنتقى ": الأوساط على الأدون، وأدون الأعلى، وقيل: إذا كان عشرون من الضأن وعشرون من المعز أخذ الوسط، ومعرفته أن يقوم الوسط من المعز والضأن فتؤخذ شاة تساوي قيمة نصف كل واحد منهما، مثلا الوسط من المعز يساوي عشرة دراهم، والوسط من الضأن يساوي عشرين فتؤخذ شاة قيمتها خمسة عشر، ولو لم يكن فيها إلا واحدة وسط يجب فيها ما يجب في الأوساط، وإن لم يكن فيها وسط يعتبر أفضلها فيكون الواجب بقدره، وفي " الجامع الكبير ": ولو أخذ شاة سمينة تبلغ قيمتها شاتين وسطين يجوز؛ لأن الجودة في الحيوان مسقوطة، المنصوص عليه هو الوسط. وفي " المجتبى ": لو كان في السوائم العمياء والعرجاء والعجاف تعد من النصاب لإطلاق الاسم، ولكن لا تؤخذ في الصدقة إلا أن تكون قيمة المعيب مثل قيمة الصحيح. م: (ولأن فيه نظرا من الجانبين) ش: أي ولأن في أخذ الوسط نظرا لجانبي الفقير وصاحب المال. [كيفية زكاة المال المستفاد أثناء الحول] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن كان له نصاب فاستفاد في أثناء الحول من جنسه ضمه إليه) ش: أي ضم الذي استفاده إلى النصاب الذي معه م: (وزكاه به) ش: أي زكى الذي استفاده بالنصاب الذي معه والمستفاد على نوعين؛ الأول: أن يكون من جنسه كما إذا كانت له إبل فاستفاد إبلا في أثناء الحول يضم المستفاد إلى الذي عنده فيزكي عن الجميع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يضم؛ لأنه أصل في حق الملك فكذا في وظيفته، بخلاف الأولاد والأرباح، لأنها تابعة في الملك حتى ملكت بملك الأصل.   [البناية] والثاني: أن يكون من غير جنسه كما إذا كان له إبل واستفاد بقرا أو غنما في أثناء الحول لا يضم إلى الذي عنده بالاتفاق بل يستأنف له نوع آخر. والنوع الأول على نوعين أيضا، أحدهما: أن يكون المستفاد من الأصل كالأولاد والأرباح فإنه يضم بالإجماع. والثاني: أن يكون مستفادا بسبب مقصود كالموروث والمشترى والموهوب ونحوها فإنه يضم عندنا. م: (وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يضم) ش: وبه قال أحمد، وقال النووي في " شرح المهذب ": إن المستفاد في أثناء الحول بشراء أو هبة أو إرث أو نحوها مما يستفاد لا يضم إلى ما عنده في الحول بلا خلاف، ويضم إليه في النصاب على المذهب. وفيه وجه أنه لا يضم كالحول، وإذا كان المستفاد دون النصاب ولا يبلغ النصاب الثاني ما تعلق به الزكاة وإن كان دون نصاب وبلغ النصاب الثاني، بأن ملكت ثلاثين بقرة ستة أشهر ثم اشترى عشرا فعليه بعد تمام الحول في الثلاثين تبيع، وعند تمام حول العشرة ربع مسنة. وعند ابن شريح: لا ينعقد حول العشرة حتى يتم حول الثلاثين ثم يستأنف حول الجميع انتهى. وقال مالك: إذا كمل النصاب بالأولاد قبل مجيء الساعي زكى، والوجوب عنده بمجيء الساعي لا بحولان الحول، وخالفه الأئمة، وإن استفاد من غير الأمهات لا يضم، وقال ابن حزم: لا حكم للشافعي في الوجوب ردا على مالك وأبي ثور. ونص الشافعي في " الأم " والقديم، قال: ثم تناقضوا قالوا: إن أبطأ عاما أو عامين لم يسقط الفرض ووجب أخذها لكل عام، وحكى العبدري عن الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ - والنخعي أن السخال لا تضم إلى الأمهات، بل حولها من وقتها لولادتها، وقال الشعبي وداود: لا زكاة في السخال، ولا ينعقد عليها الحول. م: (لأنه أصل في حق الملك) ش: أي ولأن المستفاد أصل لأنه ملك بغير السبب الذي ملك النصاب الآتي م: (فكذا وظيفته) ش: وهي وجوب الزكاة م: (بخلاف الأولاد والأرباح) ش: يعني تضم الأولاد والأرباح؛ (لأنها تابعة في الملك حتى ملكت بملك الأصل) ، وملكت على صيغة المجهول، والأصل هو الأمهات والمال الذي حصل منه الربح. فإن قلت: ما تقول في الحديث الذي استدل به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواه الترمذي وقال: حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا هارون بن صالح الطلحي المديني، حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من استفاد مالا فلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 ولنا أن المجانسة هي العلة في الأولاد والأرباح؛ لأن عندها يتعسر التمييز فيتعسر اعتبار الحول لكل مستفاد وما شرط الحول إلا للتيسير   [البناية] زكاة عليه حتى يحول عليه الحول» . وفي الحديث الذي رواه ابن ماجه من حديث عمرة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» . قلت: أما حديث ابن عمر فإنه ضعيف؛ لأن فيه عبد الرحمن بن زيد، قال الترمذي: وهو ضعيف في الحديث ضعفه أحمد بن حنبل - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعلي بن المديني وغيرهما من أهل الحديث وهو كثير الغلط. وقال الترمذي أيضا: وروى أيوب وعبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وغير واحد عن نافع عن ابن عمر موقوفا. قلت: انفرد الترمذي بإخراج هذا الحديث، وانفرد أيضا بالموقوف. وأما حديث ابن ماجه ففيه حارثة بن محمد، وقال أحمد: ليس بشيء، وقال يحيى: ثقة ولو ثبت لما كان مخالفا لمذهبنا؛ لأن حول الأصل حول الزيادة حكما. قالوا: في الأولاد والأرباح والزيادة في البدن بالسمن. م: (ولنا أن المجانسة هي العلة في الأولاد والأرباح) ش: يعني في الضم وهو موضع الإجماع م: (ولأن عندها) ش: أي عند المجانسة م: (يتعسر التمييز فيتعسر اعتبار الحول لكل مستفاد، وما شرط الحول إلا للتيسير) ش: لأن المستفاد مما يكثر وجوده ولا يمكن مراعاة الحول عند كل مستفاد إلا بعد ضبط أحوال ذلك في الكمية والكيفية والزمان، وفي ضبط هذه الجملة عند الكثرة حرج؛ خصوصا إذا كان النصاب دراهم وهو صاحب غلة يستفيد كل يوم درهما أو درهمين أو غير ذلك، كذا في " مبسوط شيخ الإسلام ". وفي " المستصفى ": اعتبار الحول في المستفاد يؤدي إلى العسر فيعود على موضوعه بالنقص واستدل الأترازي لأصحابنا بقوله: قلنا إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوجب في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون ولم يفصل بين الزيادة في أول الحول أو في أثنائه وأطال الكلام فيه. قلت: الذي يتصدى لشرح كتاب ينبغي أن يتتبع متن هذا الكتاب كله كلمة كلمة حتى يستفيد الناظر في هذا الشرح، وإلا لا يستفيد شيئا أصلا، ويحير؛ لأن المتن في ناحية والشرح في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 قال: والزكاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- في النصاب دون العفو، وقال محمد وزفر -رحمهما الله- فيهما حتى لو هلك العفو، وبقي النصاب بقي كل الواجب عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-، وعند محمد وزفر -رحمهما الله- يسقط بقدره.   [البناية] ناحية. ثم قال الأترازي: فإن قلت: قد صح في الحديث وقد ذكر الحديث الذي ذكرناه عن ابن عمر وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ثم طوى الكلام من تعرض لمتن الكتاب فسبحان الله كيف قال: قد صح، والحال أنه لم يصح كما ذكرناه. واحتج السروجي بقوله: ولنا ما رواه الترمذي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن من السنة شهرا تؤدون فيه زكاة أموالكم، فما حدث بعد ذلك فلا زكاة فيه حتى يجيء رأس الشهر» ، ثم قال: وقال سبط ابن الجوزي: رواه الترمذي بمعناه، وقيل: إنه موقوف على عثمان. وقال الكاكي: أيضا ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اعلموا أن من السنة شهرا تؤدون فيه زكاة أموالكم» الحديث، ثم قال: رواه الترمذي، وجزم بذلك ولم أره في الترمذي، والعجب من هؤلاء يستدلون بحديث فيما يتعلق بالمذهب، ولا يذكرون غالبا من رواه من الصحابة ولا يكشفون حاله، ولا من أخرجه مع دعاوي بعضهم علم الحديث. ثم اعلم أن مذهبنا في هذا الباب هو قول عثمان وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، والحسن البصري، والثوري، والحسن بن صالح، قال في " المغني ": وهو قول مالك في السائمة. م: (قال) ش: أي القدوري م: (والزكاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- في النصاب دون العفو) ش: يعني إذا اجتمع في المال نصاب وعفو يتعلق الوجوب بالنصاب دون العفو عندهما، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الجديد ومالك وأحمد، واختاره المزني. م: (وقال محمد وزفر فيها) ش: أي الزكاة في النصاب والعفو جميعا، وبه قال الشافعي في القديم م: (حتى لو هلك العفو وبقي النصاب بقي كل الواجب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هذا نتيجة قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وكان ينبغي أن يذكر هذا قبل قوله - وقال محمد وزفر فيهما-: والعفو هو الذي يزيد بين نصاب ونصاب؛ لأنه لا يخلو عن الوجوب. م: (وعند محمد وزفر يسقط بقدره) ش: أي بقدر العفو، صورته: رجل له ثمانون شاة، فحال الحول عليها، فهلك أربعون بقيت الشاة الواجبة عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- صرفا للهلاك إلى العفو، وعند محمد وزفر -رحمهما الله- يبقى نصف الواجب صرفا للهلاك إلى الكل شائعا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 لمحمد وزفر -رحمهما الله- أن الزكاة وجبت شكرا لنعمة المال والكل نعمة، ولهما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «في خمس من الإبل السائمة شاة وليس في الزيادة شيء حتى تبلغ عشرا» وهكذا قال في كل نصاب، ونفي الوجوب عن العفو، ولأن العفو تبع للنصاب فيصرف الهلاك أولا إلى التبع، كالربح في مال المضاربة   [البناية] م: (لمحمد وزفر أن الزكاة وجبت شكرا لنعمة المال والكل نعمة) ش: فيتعلق الوجوب بالكل؛ لأن الشارع أخبر في قوله: في خمس من الإبل شاة إلى تسع أن الواجب في الكل؛ لأنه حد الوجوب إلى التسع. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- م: (قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في خمس من الإبل السائمة شاة وليس في الزيادة شيء حتى تبلغ عشرا» ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد تقدم في كتاب عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب كتاب الصدقة، وكان فيه: «في خمس من الإبل شاة» ، أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وتقدم في كتاب أنس عند البخاري: «في خمس ذود شاة» . قوله- وليس في الزيادة شيء حتى تبلع عشرا- ليس من الحديث المذكور، وإنما روى معناه أبو عبيد القاسم بن سلام، حدثنا يزيد بن هارون، عن حبيب، عن عمرو بن حزم، عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري أن في كتاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكتاب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الصدقات أن الإبل إذا زادت على عشرين ومائة فليس فيما دون العشرين شيء، يعني حتى تبلغ ثلاثين ومائة. م: (وهكذا قال في كل نصاب) ش: لم يثبت هذا من الحديث المذكور، ولا من غيره، وهذا إنما ذكره جمال الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تخريجه ببعض موضعه م: (ونفي الوجوب عن العفو) ش: أي نفى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجوب الزكاة عن العفو وهو الوقص. وفي " الذخيرة ": الوقص لا شيء فيه، وذكر سنده في الطبراني لمالك والشافعي في تعلق الزكاة بالوقص قولان، والأصح عند الشافعية والمالكية تعلقها بالنصاب دون الوقص، وهذا نصه في القديم وأكثر كتبه الجديدة. وقال البويطي من كتبه الجديدة: يتعلق بالجميع، وقال في " مغني الحنابلة ": يتعلق بالنصاب دون الوقص عند أصحابنا م: (ولأن العفو تبع للنصاب فيصرف الهلاك أولا إلى التبع) . ش: ولأن العفو زائد على النصاب وتبع له، والأصل هو النصاب فيصرف الهالك فيه إلى التبع الزائد م: (كالربح في مال المضاربة) ش: فإن الهالك منه أولا يصرف إلى الربح، ثم إلى رأس المال، ووجه الشبه كون النصاب ومال المضاربة أصلين وإلا العفو والربح تبعان، فصرف الهالك إلى التابع أولى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 ولهذا قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصرف الهلاك بعد العفو إلى النصاب الأخير، ثم إلى الذي يليه إلى أن ينتهي؛ لأن الأصل هو النصاب الأول، وما زاد عليه تابع. وعند أبي يوسف يصرف إلى العفو أولا، ثم إلى النصاب شائعا   [البناية] م: (ولهذا قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي ولكون النصاب أصلا والعفو الذي هو الوقص تبعا م: (يصرف الهلاك بعد العفو إلى النصاب الأخير، ثم إلى الذي يليه إلى أن ينتهي) ش: أي النصاب الأول، وثمرة الخلاف تظهر فيمن ملك تسعا من الإبل فحال عليها الحول، فهلك منها أربع تجب شاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- ويصرف الهلاك إلى الأربع والوقص. وعند محمد وزفر -رحمهما الله-: تجب خمسة أتساع الشاة الواجبة، ويسقط أربعة أتساعها، وهكذا فرضت الشافعية والمالكية والحنابلة في كتبهم، وفيه تفصيل عندهم فإن هلكت خمس فعندهما سقط خمس شياه، وعند محمد وزفر تسقط خمسة أتساع شاة، ولو حال على ثمانين شاة فهلك منها أربعون تجب شاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد وزفر تجب نصف شاة. ولو كانت مائة وعشرين فهلك منها ثمانون تجب شاة عند أبي حنيفة، وأبي يوسف، كأن الحول حال على ما بقي، وعند محمد، وزفر تجب ثلث شاة، ويسقط ثلثاها بهلاك الثمانين، ولو كانت مائة وإحدى وعشرين شاة فهلكت الأربعين تجب شاة عند أبي حنيفة، وأبي يوسف، ويصرف الهلاك إلى النصاب الأخير، ثم وثمَّ حتى ينتهي إلى النصاب الأول، كذا ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولم يذكر قول نفسه ولا قول زفر، وقياس قولهما أن يجب أربعون جزءا من مائة وإحدى وعشرين جزءا من شاتين. وذكر أبو يوسف قول نفسه في الأمالي مثل قول محمد وزفر، ومن مشايخنا من ذكر قول أبي يوسف مع قول أبي حنيفة في هذه المسألة كما ذكره في الجامع، والأول أصح، وإليه مال الكرخي، والقاضي، وأبو حازم. م: (لأن الأصل هو النصاب الأول وما زاد عليه تابع) ش: أي لأن الأصل في وجوب الزكاة هو النصاب الأول، ولهذا لو عجل الزكاة عن نصب كثيرة، وفي ملكه نصاب واحد جاز، فثبت أن النصاب الأول هو الأصل فيصرف الهالك إلى التابع. م: (وعند أبي يوسف يصرف إلى العفو أولا، ثم إلى النصاب شائعا) ش: أي ثم يصرف إلى النصب من حيث الشيوع، أما الصرف إلى العفو أولا فلصيانة الواجب عن السقوط. وأما الصرف إلى النصب شائعا؛ لأن الملك سبب، وليس في صرف الهلاك إلى البعض صيانة الواجب بيانه: أن من له خمسة وثلاثين من الإبل حال عليها الحول فهلك منها خمسة فعند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الباقي أربع شياه، وما هلك صار كأن لم يكن، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 وإذا أخذ الخوارج الخراج وصدقة السوائم لا يثني عليهم؛ لأن الإمام لم يحمهم والجناية بالحماية، وأفتوا بأن يعيدوها دون الخراج فيما بينهم وبين الله عز وجل؛ لأنهم مصارف الخراج لكونهم مقاتلة. والزكاة مصرفها الفقراء فلا يصرفونها إليهم، وقيل: إذا نوى بالدفع التصدق عليهم سقطت عنه، وكذا ما دفع   [البناية] الباقي أربعة أخماس ابنة مخاض، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الباقي أربعة أسباع ابنة مخاض؛ لشيوع الواجب في الكل. [الحكم لو أخذ الخوارج الخراج وصدقة السوائم] م: (وإذا أخذ الخوارج الخراج) ش: هم قوم مسلمون خرجوا عن طاعة الإمام العدل، بحيث يستحلون قتل غير العادل وماله بتأويل القرآن ودانوا ذلك، وقالوا: من أذنب صغيرة أو كبيرة فقد كفر بالله عز وجل وحل قتله إلا أن يتوب، وتمسكوا بظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} [الجن: 23] الآية (سورة الجن الآية: 23) ، كذا في " الفوائد الظهيرية ". م: (وصدقة السوائم) ش: أي وأخذوا زكاة السوائم من الإبل والبقر والغنم م: (لا يثني عليهم) ش: أي لا يؤخذ منهم ثانيا م: (لأن الإمام لم يحمهم) ش: لأنها يؤخذ، باعتبار الحمأة. ولهذا قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - للساعي: إن كنت لم تحمهم فلا تجبهم، وقد ضيعهم الإمام حيث لم يحمهم عن أهل البغي فلا تؤخذ منهم ثانيا م: (والجباية بالحماية) ش: أي جباية السعاة بسبب حمايتهم أي حفظهم، والجباية من جبي المال أي جمعه ومنه سمي جباية الأوقاف، وهذا الذي ذكره في حق أصحاب السوائم، وأما التاجر إذا مر على عاشر من أهل البغي فعشره، ثم مر على عاشر أهل العدل فعشره ثانيا؛ لأن صاحب المال هو الذي عرض ماله عليه فلم يعذر. م: (وأفتوا) ش: على صيغة المجهول، وأصله أفتيوا من الإفتاء استثقلت الضمة على الياء، فنقلت إلى ما قبلها بعد سلب حركة ما قبلها، فالتقى ساكنان: الياء والواو فحذفت الياء لدلالة الواو على الجمع والمعنى المفتي، يقول لهم م: (بأن يعيدوها) كلمة أن مصدرية أي بإعادتها م: (فيما بينهم وبين الله عز وجل) ش: لأنهم لا يصرفونها مصارف الصدقات م: (دون الخراج) ش: يعني لا يفتون بإعادة الخراج م: (لأنهم) ش: أي لأن الخوارج م: (مصارف الخراج لكونهم مقاتلة) ش: لأنهم يقاتلون أهل الحرب. م: (والزكاة مصرفها الفقراء) ش: هذا كأنه جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: ما معنى تعين لهم بإعادة الزكاة دون الخراج؟ فأجاب بقوله: والزكاة مصرفها الفقراء م: (فلا يصرفونها إليهم) أي إلى الفقراء. م: (وقيل) ش: قائله الفقيه أبو جعفر فإنه قال م: (إذا نوى بالدفع التصدق عليهم سقطت عنه) ش: أي سقطت الزكاة عن الدافع م: (وكذا ما دفع) ش: وكذا الحكم في دفع الزكاة بالسقوط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 إلى كل جائر لأنهم بما عليهم من التبعات فقراء والأول أحوط، وليس على الصبي من بني تغلب في سائم شيء   [البناية] م: (إلى كل جائر) ش: أي ظالم من الملوك وأصحاب الشوكة م: (لأنهم بما عليهم من التبعات) ش: أي المظالم والحقوق التي عليهم كالديون والغصب ونحوها، جمع تبعة بفتح التاء وكسر الباء. م: (فقراء) ش: لأن ما في أيديهم أموال الناس، ولو ردوا ما عليهم إلى أربابها لم يبق في أيديهم شيء فهم بمنزلة الفقراء حتى قال محمد بن سلمة: يجوز أخذ الصدقة لعلي بن عيسى بن يوسف بن هامان والي خراسان، وكان أمير بلخ وجبت عليه كفارة يمين، فسأل الفقهاء عما يكفر به، فأفتوا له بالصيام ثلاثة أيام. م: (والأول أحوط) ش: أي القول الأول وهو إعادة الصدقة دون الخراج هو الأحوط؛ لما أن فيه الخروج عن العهدة بيقين، وكذلك كلما يؤخذ من الجبايات إذا نوى عند الدفع من عشره وزكاته جاز. وفي " الجامع الصغير " لقاضي خان: وكذا السلطان إذا صادر رجلا وأخذ منه أموالا فنوى صاحب المال الزكاة عند الدفع سقطت عنه الزكاة، وكذلك إذا أوصى بثلث ماله للفقراء فدفع للسلطان الظالم جاز. وقال الشهيد: هذا في صدقات الأموال الظاهرة. وأما إذا صادره السلطان ونوى مراد الزكاة إليه فعلى قول طائفة يجوز، والصحيح أنه لا يجوز؛ لأنه ليس للظالم ولاية أخذ زكاة الأموال الباطنة. [بني تغلب هل تلزمهم الزكاة] م: (وليس على الصبي من بني تغلب في سائم شيء) ش: قيد بقوله في سائمة؛ لأن العشر يؤخذ منهم مضاعفا. وتغلب بفتح التاء المثناة من فوق، وسكون الغين المعجمة، وكسر اللام، وبني تغلب من نصارى العرب بقرب الروم فلما أراد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يوظف عليهم الجزية، قالوا: نحن من العرب نأنف أداء الجزية، فإن وظفت علينا الجزية لحقنا بأعدائك من الروم، وإن رأيت أن تأخذ شيئا مما يأخذ بعضكم من بعض فضعفه علينا. فشاور عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الصحابة، وكان الذي بينه وبينهم كردوس التغلبي، فقال: يا أمير المؤمنين صالحهم، فصالحهم عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على ذلك وقال: هذه جزية فسموها ما شئتم فوقع الصلح على ضعف ما يؤخذ من المسلمين، ولم يتعرض لهذا الصلح بعده عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلزم أول الأمة وآخرها. وقال محمد في " النوادر ": وكان صلحه ضعيفا ولكن بابه كالإجماع، وبقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا إن ملكا ينطق على لسان عمر» - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أينما دار عمر الحق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 وعلى المرأة منهم ما على الرجل؛ لأن الصلح قد جرى على ضعف ما يؤخذ من المسلمين، ويؤخذ من نساء المسلمين دون صبيانهم، وإن هلك المال بعد وجوب الزكاة سقطت الزكاة، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن إذا هلك بعد التمكن من الأداء؛ لأنه الواجب في الذمة فصار كصدقة الفطر، ولأنه منعه بعد الطلب فصار كالاستهلاك، ولنا أن الواجب جزء من النصاب؛ تحقيقا للتيسير   [البناية] معه يدور» ثم إن الصبي التغلبي إذا كانت له سائمة من الإبل والبقر والغنم لا يجب عليه فيها شيء؛ لأنها من جملة العهد، على أن يضعف عليهم ما يؤخذ من المسلمين، فالصبيان من المسلمين لا تؤخذ منهم زكاة، فكذلك لا تؤخذ من صبيانهم. م: (وعلى المرأة منهم ما على الرجل) ش: أي يجب على المرأة من الزكاة بالضعف مما على الرجل منهم م: (لأن الصلح قد جرى على ضعف ما يؤخذ من المسلمين ويؤخذ من نساء المسلمين دون صبيانهم) ش: وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لا يؤخذ من نسائهم، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وزفر وهو قول الثوري أيضا. وقال الكرخي: وهو الأقيس؛ لأنها بدل الجزية ولا جزية على النساء. وقال أبو بكر الرازي: لا يحفظ عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيهم شيء، ويجب العشر مضاعفا على صبيانهم؛ لأنه مؤنة. م: (وإن هلك المال بعد وجوب الزكاة سقطت الزكاة) ش: وبه قال الثوري، وأبو ثور، وداود، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية إذا لم يمنعها. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن إذا هلك بعد التمكن من الأداء؛ لأنه الواجب في الذمة فصار كصدقة الفطر) ش: لأنه إذا تمكن يتقرر الوجوب عليه، فإذا تلف فقد عجز عن الأداء، فبقي عليه كما في ديون العباد وصدقة الفطر م: (لأنه منعه بعد الطلب) ش: لأنه مطالب شرعا. م: (فصار كالاستهلاك) ش: لأنه لما كان مطلوبا ومنعه فصار كأنه استهلكه. م: (ولنا أن الواجب) ش: أي الواجب عليه في الزكاة م: (جزء من النصاب) ش: أي يتعلق الوجوب بعين النصاب لا بالذمة، وهذا بناء على أن الزكاة تجب في العين أو في الذمة، فعندنا تجب في العين وهو المشهور من مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي قوله الآخر: تجب في الذمة والعين مرتهنة بها. م: (تحقيقا للتيسير) ش: أي لأجل تحقيق التيسير بأن يكون الواجب من غير النصاب؛ إذ الإنسان إنما يخاطب بما يقدر عليه وهو قادر على أداء الزكاة عن النصاب لا عن مال مطلق؛ لجواز أن لا يكون له غير ذلك لا سيما أرباب المواشي، فإنهم يسكنون في المفاوز ولا يقدرون على تحصيل الذهب والفضة؛ لبعدهم عن البلاد ونزوحهم عن الأسواق، وإذا كان الواجب جزءا من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 فيسقط بهلاك محله كدفع العبد الجاني بالجناية يسقط بهلاكه، والمستحق فقير يعينه المالك ولم يتحقق منه الطلب، وبعد طلب الساعي قيل: يضمن وقيل: لا يضمن لانعدام التفويت   [البناية] النصاب فيسقط بهلاك النصاب؛ لفوات الجزاء بفوات العمل. م: (فيسقط بهلاك محله) ش: لأن المأمور به إخراج الجزء فلا يتصور بدون محله وهو النصاب م: (كدفع العبد الجاني بجنايته يسقط بهلاكه) ش: هذا تمثيل لسقوط الحق بفوات محله، كما إذا جنى عبد جناية فقبل دفع مولاه إياه فمات العبد يسقط حق ولي الجناية لموت العبد لفوات محله. وكذلك العبد المديون إذا جنى، والشقص الذي فيه الشفعة، ولو صار بحرا بطل حق الشفيع وتثبت البراءة عندنا، لا لعجز المأمور به عن الأداء ولكن لفوات المحل الذي أضيف إليه فلا يبقى بدونه فلا يضمن. م: (والمستحق فقير) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ولأنه منعه بعد الطلب يعني المستحق للزكاة فقير؛ لأنه من المصارف لكنه هو الفقير الذي يعينه المالك م: (للدفع) ش: يعني ليس المستحق كل فقير، وإنما يتعين بتعيين المالك م: (ولم يتحقق منه الطلب) ش: أي من الفقير الذي يعينه ولم يكن الهلاك بعد طلب المستحق فلا يكون تعديا، فلا يضمن بخلاف ما إذا استهلكه؛ لأنه دخل في ضمانه فصار دينا في ذمته فلا يسقط. م: (وبعد طلب الساعي قيل يضمن) ش: يعني إذا هلك النصاب بعد طلب الساعي قيل: يضمن الزكاة، والقائل به هو الشيخ أبو الحسن الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه أمانة عنده وقد هلكت بعد طلب من يملكه المطالبة فيضمن، كما إذا طلب صاحب الوديعة فمنعها المودع مع إمكان الأداء. م: (وقيل لا يضمن) ش: القائل بعدم الضمان أبو طاهر الدباس وأبو سهل الزجاجي، وفي " المبسوط " مشايخنا يقولون: لا يضمن وهو الأصح. وفي " المفيد والمزيد ": هو الصحيح، وفي " البدائع " ومشايخ ما وراء النهر قالوا: لا يضمن وهو الأصح. وجه عدم الضمان هو قوله م: (لانعدام التفويت) ش: لأن المالك كان مخيرا في إعطاء العين أو قيمتها فله أن يؤخر الدفع لتحصيل الفرض. وفي " المبسوط " إذا حبس سائمة بعدما وجبت الزكاة حتى ماتت لم يضمنها، وليس مراده بهذا الحبس أن يمنعها العلف والماء فإن ذلك استهلاك وبه يصير ضامنا، إنما مراده أنه حبسها ليؤدي من محل آخر؛ لأنه مخير بين الأداء من السائمة أو من غيرها فلا يصير ضامنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 وفي الاستهلاك وجه التعدي، وفي هلاك البعض يسقط بقدره اعتبارا له بالكل، وإن قدم الزكاة على الحول وهو مالك للنصاب جاز؛ لأنه أدى بعد سبب الوجوب فيجوز كما إذا كفر بعد الجرح، وفيه خلاف مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] م: (وفي الاستهلاك وجه التعدي) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فصار كالاستهلاك أراد أن قياسه الهلاك على الاستهلاك غير صحيح؛ لأنه في الاستهلاك متعد بخلاف الهلاك م: (وفي هلاك) ش: أي وفي هلاك القدر م: (البعض يسقط بقدر) ش:. أي وفي هلاك بعض النصاب يسقط من الزكاة بقدر الهالك م: (اعتبارا له بالكل) ش: يعني اعتبار الهالك الجزء بهلاك الكل، أراد أنه إذا هلك كل النصاب كأن يسقط كل الواجب فكذلك إذا هلك بعض النصاب يسقط بعض الواجب اعتبارا للبعض بالكل. ولو أزال النصاب بغير عوض كالهبة أو بعوض ليس بمال كالأمهار، وبدل الصلح عن دم العمد، والخلع، ونحوها صار مستهلكا ضامنا. بقي العوض في يده أولا، ولو رجع في الهبة بقضاء زال الضمان وكذا بغير قضاء على الأصح، ولو اشترى بالمال الحولي عبدا للخدمة، ثم رده بالعيب بقضاء أو بغير قضاء، واسترده لا يزول الضمان. [حكم تقديم الزكاة على الحول] م: (وإن قدم الزكاة على الحول وهو مالك للنصاب جاز) ش: بأن قدم المالك الزكاة قبل حولان الحول والحال أنه مالك لقدر النصاب جاز تقديمه م: (لأنه أدى بعد سبب الوجوب فيجوز) ش: سبب الوجوب هو النصاب ولأنه حق يؤجل كالدين المؤجل، وبقولنا: قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وهو قول الحسن البصري، والنخعي، والزهري، والثوري، والشعبي، ومجاهد، والحاكم، وابن أبي ليلى، وسعيد بن جبير، والحسن بن حي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (كما إذا كفر بعد الجرح) ش: قيد الموت لوجود السبب وهو الجرح. م: (وفيه خلاف مالك) ش: أي وفي تقديم الزكاة قبل حولان الحول خلاف لمالك، فإن عنده لا يجوز، وبه قال ربيعة وداود وابن المنذر والليث بن سعد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وحكي عن محمد بن سيرين، والحسن البصري، وعند المالكية قول آخر، وهو التعجيل به على السنة فعن بعضهم يجوز التعجيل بيومين، وعن ابن حبيب بعشرة أيام. وعن ابن القاسم - رَحِمَهُ اللَّهُ - بشهر، وقيل: بخمسة عشر يوما؛ لأن الأداء إسقاط الواجب ولا يتصور الإسقاط قبل الوجود، كأداء الظهر قبل وقته، وبهذا استدل الشراح لأصحابنا، فقال الأترازي: لنا ما روى الشيخ أبو الحسين القدوري أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: استسلف من العامل زكاة عامين. وقال الكاكي: ولنا ما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - استسلف من العباس زكاة سنتين، وهو ما روى الترمذي، وأبو داود، عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن العباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سأل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن تعجيل زكاته قبل أن يحول الحول مسارعة إلى الخير، فأذن له في ذلك» وقال السغناقي: ولنا ما روي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه استسلف من العباس صدقة العامين. قلت: أما الأترازي فإنه أحال الأحاديث على القدوري، ولم يذكر شيئا غير ذلك. وأما الكاكي فإنه ذكر الحديث ونسبه إلى الترمذي وأبي داود ولفظهما ليس كذلك. أما لفظ الترمذي فإنه قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن قال: أنا سعيد بن منصور قال: حدثنا إسماعيل بن زكريا عن الحجاج بن دينار، عن الحكم بن عيينة، عن عبيد بن عدي، عن علي «أن العباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك.» وروي أيضا بإسناد آخر عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام» . وأما لفظ أبي داود فكلفظ الترمذي. وأما الذي ذكره السغناقي فأخرجه البزار والطبراني في " الكبير والأوسط " بإسناده عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تعجل من العباس صدقة سنتين» وفي إسناده محمد بن ذكوان ضعفه البخاري والنسائي والدارقطني، وقواه ابن حبان، وقال السغناقي: عندنا يجوز التعجيل ولكن بين الأداء معجلا وبين الأداء في آخر الحول فرق، وهو أن في المعجل يشترط أن لا ينقص النصاب في آخر الحول وفي الأداء، في آخر الحول لا يشترط بيانه أنه إذا عجل شاة من أربعين فحال عليها الحول وعنده تسعة وثلاثون فلا زكاة عليه حتى إنه إذا كان صرف للفقراء وقعت نفلا. وإن كانت قائمة في يد الإمام أو الساعي أخذها، وإن باعها الإمام ضمنها، وأما إذا كان أدركه في آخر الحول فتقع عن الزكاة وإن انتقص النصاب بأدائه، وفي " الإيضاح ": لو انتقص النصاب في آخر الحول فلصاحب المال أن يأخذها من الساعي إن كان قائما، وكذا إن باعه الساعي إن كان قائما وإن أداه إلى الفقير يقع نفلا، وكذا في " الزيادات " وفيه لو باعه للفقراء ثم لم يتصدق بثمنه ورد عليه الثمن، ولو دفعه الإمام إلى فقير فأيسر قبل الحول أو مات أو ارتد جاز عن الزكاة. وقال الشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: يسترجع ما أدى من الساعي إن كان باقيا وإن كان هالكا لطالبه بقيمته ولو دفعه الساعي إلى الفقير استرجع من الفقير إن كان باقيا وإن كان هالكا لزم الساعي قيمته يوم الدفع في أظهر الوجهين وهو قول أحمد، وفي وجه لزمته قيمته يوم التلف، ولو عجل الزكاة بنفسه إلى فقير فمات الفقير أو ارتد قبل تمام الحول لم يجز عن الزكاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 ويجوز التعجيل لأكثر من سنة لوجود السبب، ويجوز لنصب إذا كان في ملكه نصاب واحد، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن النصاب الأول هو الأصل في السببية، والزائد عليه تابع له والله أعلم.   [البناية] ويسترجع ما دفع إليه ولو استغنى الفقير من جهة الزكاة قبل الحول يسترجع. وإن استغنى من جهة الزكاة لا يسترجع كذا في " الحلية "، وفي " الزيادات ": لو كان عنده دراهم ودنانير وعروض فجعل زكاة جنس منها سنين فهلك جاز التعجيل عن الباقين؛ لأن الجميع جنس واحد، ولهذا يكمل نصاب أحدهما بالآخر، وأما في السوائم المختلفة لا يقع عن الآخر، وعن أبي يوسف جاز تعجيل العشر بعد الزراعة، وهو قول علي بن أبي هريرة من أصحاب الشافعي، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز حتى ينبت. م: (ويجوز التعجيل لأكثر من سنة) ش: وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في وجه، وفي وجه لا يجوز. وقال صاحب الوجيز: والوجه الأول أصح م: (لوجود السبب) ش: وهو النصاب وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز أكثر من سنتين وفي السنتين عنه روايتان. م: (ويجوز) ش: أي التعجيل م: (لنصب) ش: بضمتين وهو جمع نصاب يعني إذا عجل عن نصب كثيرة يجوز عندنا م: (إذا كان في ملكه نصاب واحد خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبقوله قال الشافعي وأحمد -رحمهما الله. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز التعجيل إلا عن النصاب الموجود في ملكه حتى إذا كان له خمس من الإبل فعجل أربع شياه ثم تم الحول وفي ملكه عشرون من الإبل عندنا يجوز التعجيل عن الكل، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز إلا عن زكاة الخمس؛ لأنه عجل زكاة ما ليس في ملكه فلا يجوز. م: (لأن النصاب الأول هو الأصل في السببية والزائد عليه تابع له) ش: أي النصاب الأول فيكون حكم التابع كحكم المتبوع؛ لأن الأداء بعد تقرر الوجوب جائز كالمسافر إذا صام رمضان والرجل إذا صلى في أول الوقت جائز لوجود سبب الوجوب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 باب زكاة المال   [البناية] [باب حكم زكاة المال] م: (باب حكم زكاة المال) ش: أي هذا باب في حكم زكاة المال، ولما فرغ من الكلام على زكاة الماشية، شرع في بيان زكاة المال وقدم الناطق لفضله على الصامت، وإنما قال: باب زكاة المال؛ لأنه نوع من أنواع كتاب "الزكاة" والكتاب يجمع الأبواب، وأراد بالمال مال التجارة، كالنقدين، وعروض التجارة، وعقار التجارة وغيرها من أموال التجارة، وإن كان اسم المال يشمل السوائم وغيرها، وقد روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المال كل ما يمتلكه الإنسان من دراهم أو دنانير أو ذهب أو فضة أو حنطة أو خبز أو حيوان أو ثياب أو سلاح أو غير ذلك. وعن الثوري المال: النصاب، وعن الليث مال أهل البادية النعم كذا ذكره مطرزي. والمال في اصطلاح أهل الجبر والمقابلة: ما يجتمع في ضرب عدد في مثله كالتسعة هي مضروبة الثلاثة في الثلاثة، وهم يسمون الثلاثة أشياء إذا كان مجهولا، وأصحاب المساحة يسمون الثلاثة ضلعا، والتسعة مربعا، وسائر الحساب يسمون الثلاثة جدارا والتسعة مجدورا، وفي " المغرب ": المال العين المضروب وغيره من الذهب والفضة، وسمي المموه والمصفر والبيضاء والصامت مثله، وذكره في الأجوف الواوي وقال: ماله يمول ويمال وتمول بمعنى إذا صار ذا مال، ويقال: تمول الشيء إذا اتخذه مالا لنفسه. قلت: المال عبارة عما يتمول به، يطلق على القليل والكثير حتى لو أقر رجل وقال: لفلان علي مال يقبل قوله في القليل والكثير. وقال صاحب " الهداية ": لا يصدق في أقل من درهم؛ لأن ما دونه من المال من الكسور لا يطلق عليه اسم المال عادة ويجمع على أموال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 فصل في الفضة ليس فيما دون مائتي درهم صدقة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ليس فيما دون خمس أواق صدقة» والأوقية: أربعون درهما، فإذا كانت مائتي درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم؛ «لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن خذ من كل مائتي درهم خمسة دراهم، ومن كل عشرين مثقالا من ذهب نصف مثقال»   [البناية] [فصل في الفضة] [نصاب الزكاة في الفضة ومقدار الواجب] م: (فصل في الفضة) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الفضة في باب الزكاة وقدم فصلها؛ لأنها أكثر من الذهب وأروج وأكثر نفعا، ألا ترى أن المهر ونصاب السرقة والجزية التي يبتدئ الإمام وضعها منها دون الذهب، والفضة تتناول المضروب وغيره. م: (ليس فيما دون مائتي درهم صدقة) ش: أي زكاة م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ليس فيما دون خمس أواق صدقة» ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الحديث رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، ولا فيما دون خمسة ذود صدقة، ولا فيما دون خمس أواق صدقة» ، والأواقي جمع أوقية. م: (والأوقية أربعون درهما) ش: الأوقية بضم الهمزة وتشديد الياء، وجمعها أواقي بتشديد الياء وتخفيفها، وحكى اللحياني أنه يقال: وقية ويجمع على وقايا، كركيه وركايا، وأنكر غير واحد أن يقال: وقية بفتح الواو، ووزن الأوقية: أفعولة من الوقاية؛ لأنها تقي صاحبها من الضرر، وقيل: هي فعيلة من الأوق الفعل، ووزن الجمع بالتشديد أفاعل كالأضاحي والأضحية. وفي التخفيف أفاعل، وفي " الذخيرة " للمالكية: كانت الأوقية في زمنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعين درهما، والنواة خمسة دراهم، والقص نصف درهم بفتح الهاء وكسرها، والأول المشهور، ويقال: درهام، حكاهن أبو عمرو الزاهد في "شرحه "، وقال جمال الدين المخرج قوله في "الكتاب": والأوقية أربعون درهما، يحتمل أن يكون من تمام الحديث، ويحتمل أن يكون من كلام المصنف، فإن كان من تمام الحديث فشاهده ما أخرجه الدارقطني في "سننه " عن يزيد بن سنان عن زيد بن أبي أنيسة، عن أبي الزبير، عن جابر قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يقول «لا زكاة في شيء من الفضة حتى تبلغ خمس أوراق، والأوقية أربعون درهما» انتهى. قلت: احتمال كونه من المرسل بعيد والحديث ضعيف، قال يحيى: يزيد بن سنان ليس بشيء. م: (فإذا كانت) ش: أي الفضة ش: (مائتي درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم؛ لأنه «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كتب إلى معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن خذ من كل مائتي درهم خمسة دراهم، ومن كل عشرين مثقالا من ذهب نصف مثقال» ش: أي لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى معاذ بن جبل -رضي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الله عنه- حين وجهه إلى اليمن أن يأخذ من كل أربعين دينارا ومن كل مائتي درهم خمسة دراهم» الحديث، وهو معلول بعبد الله بن شبيب في إسناده فإنه يقلب الأخبار ويسرقها، فلا يجوز الاحتجاج به، واكتفى السغناقي في الاستدلال بهذا الحديث. وروى أبو داود من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم» ، اعلم أن الدراهم كانت مختلفة في زمن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكانت على ثلاثة أصناف على ما ذكر في " الفتاوى الصغرى "، صنف منها كل عشرة عشرة مثاقيل، كل درهم عشرون قيراطا، وصنف منها كل عشرة ستة مثاقيل، كل درهم اثنا عشرة قيراطا، وهو ثلاثة أخماس مثقال، وصنف منها كل عشرة خمسة مثاقيل كل درهم نصف مثقال، وهو عشرة قراريط، وكان المثقال نوعا واحدا وهو عشرون قيراطا، وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يطالب الناس في استيفاء الخراج بأكبر الدراهم ويشق ذلك عليهم، فالتمسوا منه التخفيف، فشاور عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاجتمع رأيهم على أن يأخذ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من كل نوع ثلاثة، فأخذ عمر، فصار الدرهم بوزن أربعة عشر قيراطا، فاستقر الأمر عليه في ديوان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتعلقت الأحكام به كالزكاة والخراج ونصاب السرقة وتقدير الديات ومهر النكاح. وفي " المرغيناني ": كان الدرهم شبه النواة، فصار مدورا على عهد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فكتبوا عليه وعلى الدينار لا إله إلا الله محمد رسول الله، وزاد ناصر الدولة ابن حمدان " - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فكانت سنة لآله. وفي " المجتبى " و" جمع النوازل " و" العيون " يعتبر دراهم كل بلدة ودنانيرها. وفي " الخلاصة " عن العقيلي: أنه كان يوجب في كل مائتي بخارية، وهي الغطارفية خمسة منها وبه أخذ الإمام السرخسي؛ إذ المعتبر في كل زمان عادة أهله، ألا ترى أن في زمان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وزن خمسة، وفي زمان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وزن ستة، وفي زماننا وزن سبعة. وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كان أهل المدينة يتعاملون عددا بالدراهم وقت قدوم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأرشدهم إلى الوزن، وجعل المعيار وزن أهل مكة. وذكر في " قنية المنية " و" جوامع الفقه ": أن المعتبر في الزكاة وزن أهل مكة، وفي الكيل كيل أهل المدينة، يدل عليه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المكيال على مكيال أهل المدينة، والوزن على وزن أهل مكة» . رواه أبو داود والنسائي وهو على غير شرط البخاري ومسلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 قال: ولا شيء في الزيادة حتى تبلغ أربعين درهما، فيكون فيها درهم، ثم في كل أربعين درهما درهم، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: ما زاد على المائتين فزكاته بحسابه وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] وقال الخطابي: قال بعضهم: لم تزل الدراهم على هذا المعيار في الجاهلية والإسلام، وإنما غيروا الشكل ونقشوها، وقام الإسلام والأوقية أربعون درهما. وقال الماوردي في " الأحكام السلطانية ": استقر من الأحكام في الإسلام وزن الدرهم ستة، ووافق كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل. وقال السروجي: الدرهم المصري أربعة وستون حبة وهي أكبر من درهم الزكاة، فإن سقطت الزائد كان النصاب من دراهم مصر مائة وثمانين درهما وحبتين فقط، ذكره الشيخ شهاب الدين في "ذخيرته ". واعلم أن الدراهم لا تخلو عن قليل عشرة، وتخلو عن الكثير، وقد يكون العشر فيه خلقيا، كالرديء من الفضة وهذا ظاهر مكشوف، فإن من أخذ الفضة الخالصة الطلغم فضربها دراهم لم يضف إليها صفرا يغرم أجرة الضراب والنقاش إذا لم ينقص قط بالعيار، ولهذا جعل في كل مائة درهم سلطانية وزن درهمين من الصفر؛ ليقوم ذلك بأجرة الصياغ. م: (ولا شيء في الزيادة حتى تبلغ أربعين درهما فيكون فيها درهم) ش: أي ولا شيء بواجب في الزيادة على المائتين حتى تبلغ الزيادة أربعين درهما فيكون فيها درهم واحد. م: (ثم في كل أربعين درهما درهم) ش: أي ثم يجب في كل أربعين درهما التي تزيد على المائتين درهما م: (وهذا) ش: أي هذا المذكور م: (عند أبي حنيفة) ش: وبه قال الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومكحول، وعطاء، وطاوس في رواية، وعمرو بن دينار، والزهري، والأوزاعي، والشعبي، وسعيد بن المسيب، وهو مذهب عمر بن الخطاب، وأبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رواه عنهما الحسن البصري. م: (وقال صاحباه) ش: أي صاحبا أبي حنيفة، وهما أبو يوسف، ومحمد -رحمهما الله- م: (ما زاد على المائتين فزكاته بحسابه) ش: أي بحساب ما زاد، وفي بعض النسخ: بحسابهما، وكتب بعضهم بحسبه، أي بحساب المائتين حتى إذا كانت الزيادة درهما تجب الزيادة بحسب جزء من أربعين جزءا من درهم، وبقولهما: قال مالك، والشافعي، وأحمد، والنخعي، وداود، وهو قول علي وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وقال طاوس: إذا زادت الدراهم على المائتين لا يجب شيء حتى تبلغ أربعمائة ففيها عشرة دراهم، وفي ستمائة خمسة عشر درهما م: (وهو قول الشافعي) ش: أي قول صاحبي أبي حنيفة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وما زاد على المائتين فبحسابه» ولأن الزكاة وجبت شكرا لنعمة المال واشتراط النصاب في الابتداء لتحقق الغنى بعد النصاب في السوائم؛ تحرزا عن التشقيص، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا تأخذ من الكسور شيئا   [البناية] قول الشافعي كما ذكرنا. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في حديث علي: «وما زاد على المائتين فبحسابه» ش: وقال الأترازي: حديث علي فما زاد فعليه حساب ذلك، وتبعه الأكمل في هذا القدر. قلت: هذا الحديث رواه أبو داود، عن ابن وهب أخبرني جرير بن حازم، وشخص آخر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة، والحارث عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن كانت لك مائتا درهم، وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم .... » الحديث، وفي آخره: «فما زاد فبحساب ذلك» ، قال: ولا أدري أعلي يقول فبحساب ذلك أم رفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال أبو داود: رواه شعبة، وسفيان، وغيرهما عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي ولم يرفعوه. م: (ولأن الزكاة وجبت شكرا لنعمة المال) ش: والكل نعمة فيجب فيه الزكاة م: (واشتراط النصاب في الابتداء لتحقق الغنى) ش: هذا جواب من قال: النصاب يشترط في الابتداء فكذا بعد النصاب الأول، فأجاب بقوله: فاشتراط النصاب في الابتداء لتحقق الغنى؛ ليصير المكلف به أهلا للإغناء م: (وبعد النصاب في السوائم تحرزا عن التشقيص) ش: هذا جواب من قال: لو كان اشتراطه كذلك لما شرطه في السوائم في الانتهاء، كما شرطه في الابتداء، فأجاب بقوله: "وبعد النصاب" أي واشتراط النصاب بعد النصاب الأول في السوائم لأجل التحرز عن التشقيص؛ لأن فيه ضرر الشركة على المالك. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في حديث معاذ: «لا تأخذ من الكسور شيئا» ش: قال الأترازي: رواه أبو بكر الرازي في شرحه " لمختصر الطحاوي " مسندا إلى معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره حين وجهه إلى اليمن أن لا يأخذ من الكسور شيئا، وكذا قاله الأكمل في شرحه والكاكي كذلك. قلت: هذا الحديث رواه الدارقطني في "سننه " من طريق ابن إسحاق، عن المنهال بن الجراح، عن حبيب بن أبي نجيح، عن عبادة بن قيس، عن معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره حين وجهه إلى اليمن أن لا يأخذ من الكسور شيئا ..... » الحديث، وهو ضعيف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 وقوله في حديث عمرو بن حزم: «وليس فيما دون الأربعين صدقة» ولأن الحرج مدفوع، وفي إيجاب الكسور ذلك لتعذر الوقوف، والمعتبر في الدراهم وزن سبعة مثاقيل، وهو أن تكون العشرة منها وزن سبعة مثاقيل   [البناية] قال الدارقطني: المنهال بن الجراح هو أبو العطوف متروك الحديث، وعبادة بن قيس لم يسمع من معاذ. وقال ابن حبان: كان يكذب، وقال عبد الحق في "أحكامه ": كذاب. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: متروك الحديث واهيه لا يكتب حديثه. وقال أبو محمد الدارمي في "مسنده ": «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب مع عمرو بن حزم إلى شرحبيل بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال أن في كل خمس أواق من الورق خمسة دراهم فما زاد ففي كل أربعين درهما درهم» . وكلال بضم الكاف وتخفيف اللام. وقال الأكمل: معنى الحديث: لا تأخذ من الشيء الذي يكون المأخوذ منه كسورا فسماه كسورا باعتبار ما يجب فيه، قلت: أخذه عن شيخه الكاكي، وقال الكاكي: وقيل: "من" فيه زائدة وفيه نوع تأمل. م: (وقوله في حديث عمرو بن حزم: ليس فيما دون الأربعين صدقة) ش: أي وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذا الحديث قد مر في باب صدقة السوائم م: (ولأن الحرج مدفوع) ش: شرعا فلا يجب فيما زاد على المائتين شيء إلى الأربعين م: (وفي إيجاب الكسور ذلك) ش: أي الحرج م: (لتعذر الوقوف) ش: عليه، وفي بعض النسخ لفظ عليه موجود، أي على الكسور، ألا ترى أن من كان له مائتا درهم وسبعة دراهم يجب عليه في السنة الأولى خمسة دراهم وسبعة أجزاء من أربعين جزءا من درهم على قولهما وفي السنة الثانية تجب خمسة دراهم وجزء من واحد من أربعين جزءا من درهم صحيح، وجزء آخر من أربعين جزءا من ثلاثة وثلاثين جزءا من أربعين جزءا من درهم، وهذا لا يفهمه كثير من الفقهاء فكيف بالعامي الذي لا خبرة له أصلا، كذا ذكره الأترازي، وقد أخذه من " مبسوط أبي اليسر ". م: (والمعتبر في الدراهم) ش: التي تخرج في الزكاة م: (وزن سبعة مثاقيل) ش: وقد فسره بقوله: م: (وهو أن تكون العشرة منها) ش: أي من الدراهم م: (وزن سبعة مثاقيل) ش: والمثاقيل جمع مثقال، قال ابن الأثير: المثقال في الأصل مقدار في الوزن أي شيء كان من قليل أو كثير، والناس يطلقونه في العرف على الدينار خاصة وليس كذلك، وقال الجوهري: والمثقال واحد مثاقيل الذهب. قلت: عشرون قيراطا من الذهب هو مثقال وهو الدينار الواحد، والدينار الواحد ستة دوانق، والدوانق: جمع دانق، والدانق: بكسر النون وفتحها وهو قيراطان، قاله في " المغرب " وفيه أيضا: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 بذلك جرى التقدير في ديوان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، واستقر الأمر عليه   [البناية] أن أول من أحدث الدانق الحجاج. وقال أبو عبيد: الدانق سدس درهم، فعلت ذلك بنو أمية فاجتمعت الأمة عليه، والقيراط: نصف دانق قاله الجوهري. وقال سراج الدين أبو طاهر محمد بن عبد الرشيد السجاوندي في تصنيف له في قسمة التركات، فقال: اعلم أن الدينار ستة دوانق، والدانق أربع طسوجات، والطسوج حبتان، والحبة شعيرتان، والشعيرة ستة خرادل، والخردل اثني عشر فلسا، والفلس ست فتيلات، والفتيلة ست نقيرات، والنقيرة ثماني قطميرات، والقطميرة اثنا عشر ذرة، وذكر فيها الدينار بحساب أهل الحجاز عشرون قيراطا، والقيراط خمس شعيرات والدينار عندهم طسوجا وخمسة. وفي " المنافع ": الدينار مائة شعيرة عند أهل الحجاز وعند أهل سمرقند ستة وتسعون شعيرة، والقيراط خمس شعيرات وهو طسوجتان، والطسوج حبتان، والحبة سدس ثمن درهم وهو جزء من ثمانية وأربعين جزءا من درهم، والدرهم سبعة أعشار المثقال، فوزن الدرهم المكي سبع وخمسون حبة، وهو ستة أعشار حبة، وعشر عشر حبة وهو درهم الزكاة. قال القاضي عياض: وزعم بعضهم أن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمن عبد الملك بن مروان وأنه جمعها برأي العلماء وجعل كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، ووزن الدرهم ستة دوانق، وهذا لا يصح ولا يجوز أن تكون الدراهم مجهولة، والأوقية مجهولة، وهو تجب الزكاة في أعداد منها وتقع بها البياعات والأنكحة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة. قال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا هو الصواب الذي يجب اعتقاده وإنما كانت مجموعات من ضرب فارس والروم، وصغارا وكبارا، وقطع فضة غير مضروبة ولا منقوشة ويمنية ومغربية، فجمعوا أصغرها وأكبرها فضربوها على وزنهم، ولم يتغير المثقال في الجاهلية ولا في الإسلام، وأجمع أهل العصر الأول فمن بعدهم إلى يومنا هذا عليه، وقيل: إن أول من ضربها عبد الملك بن مروان بالعراق في سنة أربع وسبعين، حكاه سعيد بن المسيب ثم أمر بضربها في النواحي سنة ست وسبعين. وقيل: أول من ضربها مصعب بن الزبير بأمر أخيه عبد الله بن الزبير سنة سبعين على ضرب الأكاسرة، ثم غيرها الحجاج، وقيل: أول من ضرب الدراهم والدنانير آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وقال: أولادي لا تندفع حوائجهم إلا بها وقد مر الكلام فيه أيضا في هذا الفصل. م: (بذلك جرى التقدير) ش: أي بالمذكور وهو قوله والمعتبر.. إلى آخره م: (في ديوان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: الديوان هي الجريدة التي يكتب فيها ما يتعلق بأمور المسلمين، وهي قطع من القراطيس مجموعة من دون الكتب إذا جمعها، ويروى أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أول من دون الدواوين، أي رتب الجرائد للولاة والقضاة م: (واستقر الأمر عليه) ش: أي على الذي قدره عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 وإذا كان الغالب على الورق الفضة فهو في حكم الفضة، وإذا كان الغالب عليها الغش فهو في حكم العروض يعتبر أن تبلغ قيمته نصابا؛ لأن الدراهم لا تخلو عن قليل غش لأنها لا تنطبع إلا به، وتخلو عن الكثير فجعلنا الغلبة فاصلة، وهو أن يزيد على النصف اعتبارا للحقيقة، وسنذكره في الصرف إن شاء الله تعالى، إلا أن في غالب الغش لا بد من نية التجارة كما في سائر العروض، إلا إذا كان تخلص منها فضة تبلغ نصابا   [البناية] م: (إذا كان الغالب على الورق الفضة) ش: الورق بفتح الواو وكسر الراء، وهو المضروب من الفضة، وقد تسكن الراء، وكذا الورقة بكسر الراء وفتح القاف المخففة، وقيل: الورق الدراهم خاصة، ونقل صاحب " البيان " من الشافعية أن الرقة هي الذهب والفضة، قال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو غلط فاحش. وفي " الذخيرة " للقرافي: الرقة الدراهم المصكوكة، ولا يقال لغيرها، والورق المصكوك وغيره، وقيل هما المصكوك، وفي " المنافع ": الفضة تتناول المضروب وغيره، والرقة تختص بالمضروب م: (فهو في حكم الفضة) ش: لأن الغش إذا كان قليلا لا يعتبر به؛ لأن الفضة لا تنطبع إلا بقليل الغش، فجعل القليل عفوا دون الكثير، فالفاصل بينهما بالغلبة فأيهما كان أغلب يعتبر به. م: (وإذا كان الغالب عليها الغش فهو في حكم العروض) ش: جمع عرض بفتح العين وسكون الراء وهو ما ليس بنقد، وقيل: هو المتاع م: (يعتبر أن تبلغ قيمته نصابا) ش: يعني تجب فيها الزكاة م: (لأن الدراهم لا تخلو عن قليل غش لأنها) ش: أي لأن الفضة م: (لا تنطبع) ش: أي لا تطاوع الضرب ولا تلين لأجل تفاسها في العمل والصياغة م: (إلا به) ش: أي بالغش اليسير م: (وتخلو عن الكثير، فجعلنا الغلبة فاصلة) ش: بين القليل والكثير م: (وهو) ش: أي الكثير م: (أن يزيد على النصف اعتبارا للحقيقة) ش: أي لحقيقة الأمر بين القليل والكثير لأنهما لا يتحققان إلا بالزيادة على النصف؛ لأن الكثير ما يقابله قليل، والقليل ما يقابله كثير م: (وسنذكره) ش: أي وسنذكر هذا البحث أو هذا المذكور م: (في الصرف إن شاء الله تعالى إلا أن في غالب الغش لا بد من نية التجارة كما في سائر العروض) ش: لوجوب الزكاة. م: (إلا إذا كان يخلص منهما فضة تبلغ نصابا) ش: الاستثناء من قوله -لا بد من نية التجارة-؛ لأن الفضة لا يشترط فيها نية التجارة،، قال الأترازي: والظاهر أن خلوص الفضة من الدراهم ليس بشرط بل المعتبر أن تكون في الدراهم فضة بقدر النصاب، انتهى. قلت: لا سبيل إلى معرفة كون الفضة فيها قدر النصاب إلا بالخلوص ولا خلوص إلا بالنار. وقال صاحب " الينابيع ": قوله -وإذا كان الغالب عليها الغش فهي في حكم العروض-، يريد به إذا كانت الفضة لا تخلص بالنار، وإن كان شيء يخلص منها لا يكون حكمها حكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 لأنه لا يعتبر في عين الفضة القيمة ولا نية التجارة، والله أعلم   [البناية] العروض، بل يجمع ما فيها من الفضة ويضمه إلى ما عنده من ذهب أو فضة أو مال تجارة ويزكي الكل، وإن كانت الفضة والغش سواء تجب فيها احتياطا ذكره أبو نصر في " شرح القدوري ". وقيل: لا تجب، وقيل: تجب فيها درهمان ونصف، وفي " المحيط " و" البدائع " و" التحفة ": والغش: لا يعتبر في الذهب والفضة صفة زائدة على كونهما فضة أو ذهبا فتجب في المضروبة والنقرة والحلي والتبر والمصوغ وحلية السيف والسكين والمنطقة واللجام والسرج والأواني والمسامير المركبة في المصحف والكواكب فيها إذا خلصت بالإذابة والخواتيم والأسورة وغيرها ويجمع بين ذلك، فإذا بلغت نصابا تجب فيها الزكاة، ولو كان وزنها دون المائتين ونصفها وبغشها تساوي المائتين لا تجب، وفي " الينابيع ": إذا كانت المائتان في العدد ونقصت في الوزن لا تجب وإن قل النقص. وفي " البدائع ": لو نقصت المائتان حبة في ميزان وكانت تامة لا تجب الزكاة للشك، وللشافعية وجهان أصحهما وبه قطع المحاملي والبندنيجي والماوردي وآخرون لا تجب، قال الصيدلاني: وسفع إمام الحرمين، وبالغ وعند مالك لو نقصت المائتان ثلاثة دراهم تجب، وعنه لا تمنع الحبة الحبتان، وعنه لو نقصت دانقا أو دانقين تجب الزكاة وبه قال أحمد. م: (لأنه لا يعتبر في عين الفضة القيمة ولا نية التجارة) ش: أي ولا تعتبر أيضا نية التجارة بخلاف العروض، وقال الأترازي: فيه نظر؛ لأنه لا حاجة إلى ذكر القيمة، وكان ينبغي أن يقول: لا يعتبر في عين الفضة نية التجارة، انتهى. قلت: في نظره نظر؛ لأنه لا مانع من ذكر القيمة وهذا من صفتها الكاشفة فلا يجوز، فلا محظور في ذكرها فلا مجال للنظر فيه فافهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 فصل في الذهب ليس فيما دون عشرين مثقالا من الذهب صدقة، فإذا كانت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال؛ لما روينا، والمثقال ما يكون كل سبعة منها وزن عشرة دراهم وهو المعروف   [البناية] [فصل في الذهب] [نصاب الزكاة في الذهب ومقدار الواجب] م: (فصل في الذهب) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الذهب، ووجه تأخيره عن الفضة قد مر في أول فصل الفضة. م: (ليس فيما دون عشرين مثقالا من الذهب صدقة) ش: وقال الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس في أقل من أربعين دينارا صدقة، وهو شاذ، وذهبت طائفة أن الذهب إذا بلغت قيمته مائتي درهم ففيه الزكاة، وإن لم تكن عشرين مثقالا، وهو قول عطاء وطاوس والزهري وأبو أيوب السختياني وسليمان بن حرب، وكذا لا زكاة في العشرين حتى تبلغ قيمتها مائتي درهم. م: (فإذا كانت عشرين مثقالا) ش: وحال عليها الحول م: (ففيها نصف مثقال لما روينا) ش: نعني لما روينا في فصل الفضة وهو حديث معاذ م: (والمثقال ما يكون كل سبعة منها) ش: الضمير في قوله منها، راجع إلى قوله ما يكون أو المثقال على تأويل المثاقيل فإن سبعة مثاقيل اشترطت في التعريف فكان المثقال أو ما يكون في معنى سبعة مثاقيل، قال السغناقي: وأخذ منه الكاكي فقال هذا مختصرا م: (وزن عشرة دراهم) ش: ارتفاع وزن على الخبرية عن قوله -والمثقال وزن عشرة دراهم- وقال الشراح كلهم: إن هذا دور فإنه عرف في فصل الفضة، والمعتبر في الدراهم وزن سبعة، وهو أن تكون العشرة منها وزن سبعة مثاقيل والدور باطل، لتوقف كل منهما على الآخر. وأجاب الأكمل: أنه ما عرف الدرهم بالمثقال في فصل الفضة وإنما قال: المعتبر من أصنافها ما يكون وزن سبعة مثاقيل فكان ذلك معروفا فيما بينهم، ثم قال هاهنا: والمثقال ما يكون كل سبعة منها وزن عشرة دراهم. ثم قال م: (وهو المعروف) ش: المراد بالمثقال هاهنا هو المعروف فيما بين الناس الذي عرف به وزن الدراهم، ولا دور في ذلك، انتهى كلامه. وقال الأترازي: وقوله -وهو المعروف- ليس بعذر عن التشنيع، فلو قال: والمثقال هو المعروف لكان هان الأمر هونا، ولكن البيان للدرهم والدينار، ثم قال: وذكر بعضهم في "شرحه" في هذا الموضع ما يكون عن التحقيق بعيدا ألف فرسخ، انتهى. قلت: غرضه بهذا التشنيع على السغناقي، فإنه قال: نعم فيه دور إلا أنه دفع تلك الشبهة بقوله وهو المعروف: فإن الشيئين إذا كانا معروفين في أنفسهما، ولكن الجهالة إذا وقعت في نسبة كل منهما إلى الآخر يجوز أن يعرف نسبة ذلك بهذا أو نسبة هذا بذاك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 ثم في كل أربعة مثاقيل قيراطان؛ لأن الواجب ربع عشر وذلك فيما قلنا إذ كل مثقال عشرون قيراطا، وليس فيما دون أربعة مثاقيل صدقة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما تجب بحساب ذلك وهي مسألة الكسور   [البناية] بيانه أنك إذا عرفت زيدا وعمرا بعينهما ولكنك لا تعرف نسبة كل منهما إلى الآخر بأي طريق فتقول: من زيد فيجيبك؟ المسئول عنه بأنه ابن عمرو، ثم مضى زمان، ثم غفلت عما عرفه فطريق الضمن فتسأله فتقول من عمرو؟ فيقول لك: أبو زيد فتحصل لك معرفة نسبة كل واحد منهما إلى الآخر بالتصريح، وإن وقع الاستغناء للمتيقظ بالتعريف الأول ولكن كان ذلك التعريف بطريقة الضم لا بالتصريح ولا يستبعده أحد. وكذلك هاهنا ذكر تعريف المثقال، وإن كان وقع الاستغناء وقع بما ذكر هناك لكن لم يكن ذلك بطريق التصريح مع إظهار عذره بقوله -وهو المعروف-، انتهى، وكذلك الكاكي أجاب بهذا، وفيه كفاية يعرف بها البعد عن التحقيق بينه وبين ما قاله الأترازي أكثر من ألف فرسخ. م: (ثم في كل أربعة مثاقيل قيراطان) ش: أي ثم الواجب بعد عشرين مثقالا في كل أربعة مثاقيل قيراطان؛ لأن الأربعة مثاقيل ثمانون قيراطا فكان القيراطان ربع عشرها وهو عشر مثقال؛ لأن المثقال كان زمانهم عشرة دراهم، وفي " الصحاح ": القيراط نصف دانق، وأصله قراط بتشديد الراء يدل عليه جمعه على قراريط بتضعيف الراء، فأبدلت من أحد حرفي التضعيف ياء، وكذلك دينار أصله دنار بتشديد النون. وقول الجوهري: القيراط نصف دانق غير صحيح؛ لأن الدانق سدس الدرهم، والقيراط نصف سبع، وكل دانق قيراطان وثلث، وفي " المغرب ": الدانق قيراطان كما في " الصحاح "، إلا أن يدعي أن الدرهم كانت اثني عشر قيراطا، وقد كان من الدراهم ما هو كذلك على عهد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أو عبد الملك، ثم صار الدرهم أربعة عشر قيراطا، وكان كذلك في أيام الجوهري والمطرزي، وفي " الحواشي ": القيراطان نصف دانق وشعيرة وثلاث أخماس شعيرة. م: (لأن الواجب ربع العشر) ش: أي الواجب في الزكاة ربع العشر م: (وذلك فيما قلنا) ش: أي ربع العشر فيما قلنا وهو أن في كل أربعة مثاقيل قيراطين، والقيراطان من كل أربعة مثاقيل ربع العشر م: (إذ كل مثقال عشرون قيراطا) ش: فتكون أربعة مثاقيل ثمانين قيراطا، وعشر الثمانين ثمانية وربع الثمانية اثنان، فيكون القيراطان ربع عشر أربعة مثاقيل. م: (وليس فيما دون أربعة مثاقيل صدقة عند أبي حنيفة وعندهما تجب بحساب ذلك) ش: أي عن أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- تجب فيما دون أربعة مثاقيل بحساب ما زاد. وقال في " الجامع " وهي رواية عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (وهي مسألة الكسور) ش: أي هذه المسألة وهي وجوب الزكاة فيما دون أربعة مثاقيل عندهما، وعدم وجوبها فيه عند أبي حنيفة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 وكل دينار عشرة دراهم في الشرع، فيكون أربعة مثاقيل في هذا كأربعين درهما. قال: وفي تبر الذهب والفضة وحليهما وأوانيهما الزكاة، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تجب الزكاة في حلي النساء وخاتم الفضة للرجال؛ لأنه مبتذل في مباح فشابه ثياب البذلة   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - مسألة الكسر، يعني أن الكسور لا زكاة فيها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما تجب بحساب ذلك، وقد مر الكلام في فصل الفضة من الجانبين، والخلاف في الموضعين واحد. م: (وكل دينار عشرة دراهم في الشرع) ش: قال الأترازي: فيه نظر؛ لأنه أراد بهذا التقرير أن الدينار والمثقال سواء، وقد قرر قبل هذا أن عشرة دراهم وزن سبعة مثاقيل لا وزن دينار واحد، فيكون الدينار مثل عشرة دراهم، انتهى. قلت: الذي قاله قبل هذا كان في ابتداء الأمر، وتقرر بعد ذلك كل دينار بعشرة دراهم، ألا ترى أن الدية قد قررت من الذهب بألف دينار، ومن الورق بعشرة آلاف درهم، وفي السرقة لا قطع في أقل من دينار أو عشرة دراهم م: (فيكون أربعة مثاقيل في هذا) ش: أي في الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وبين صاحبيه -رحمهما الله- م: (كأربعين درهما) ش: في مسألة المائتين عند زيادة الأربعين درهما عليهما؛ لأن الزيادة في كل واحد منهما خمس النصاب. [الزكاة في تبر الذهب والفضة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (في تبر الذهب والفضة) ش: التبر بكسر التاء المثناة من فوق وسكون الباء الموحدة، لما كان غير مضروب من الذهب والفضة م: (وحليهما) ش: بضم الحاء وكسر اللام، أي جمع حلي بفتح الحاء وسكون اللام وهو ما تحلى به المرأة من ذهب أو فضة، وقيل: أو جوهر، والحلية: الزينة من الذهب والفضة م: (وأوانيهما) ش: أي الأواني المعمولة من الذهب والفضة م: (الزكاة) ش: مرفوع بالابتداء وخبره هو قوله مقدما - وفي تبر الذهب والفضة. م: (وقال الشافعي: لا تجب الزكاة في حلي النساء وخاتم الفضة للرجال) ش: وبه قال مالك وأحمد وفي رواية إسحاق، وقد كان الشافعي يقول هذا في العراق وتوقف بمصر، وقال: هذا مما أستخير الله فيه، وقال الليث: ما كان من حلي يلبس ويعار فلا زكاة فيه، وإن اتخذ للتحرز عن الزكاة ففيه الزكاة. وقال أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يزكي عاما واحدا لا غير. وقال الحسن البصري، وعبد الله بن عتبة، وقتادة، وأحمد مرة: زكاته عاريته، ويروى ذلك عن ابن عمر وجابر إذا زكاه مرة ذكره النسائي م: (لأنه) ش: أي لأن الحلي م: (مبتذل في مباح) ش: وهو الحلي الذي يباح استعماله، وكل ما كان كذلك فلا زكاة فيه م: (فشابه) ش: أي الحلي يباح استعماله ثيابه م: (ثياب البذلة) ش: وهي ثياب المهنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 ولنا أن السبب مال نام، ودليل النماء موجود وهو الإعداد للتجارة خلقة، والدليل هو المعتبر بخلاف الثياب   [البناية] م: (ولنا أن السبب) ش: أي سبب وجوب الزكاة م: (مال نام) ش: أي أصله نامي كقاض، وأصله قاضي: فاعل إعلاله م: (ودليل النماء موجود) ش: كأنه جواب عن سؤال مقدر وهو أن يقال: فمن أين النماء فيه؟ فأجاب بقوله: -ودليل النماء موجود- م: (وهو الإعداد للتجارة خلقة) ش: أي من حيث الخلقة فلا تبطل بهذا الوصف بإعداده للاستعمال م: (والدليل هو المعتبر) ش: أي الدليل الذي يدل على أنه معد للتجارة من حيث الخلقة هو المعتبر لا نفس النماء م: (بخلاف الثياب) ش: هذا جواب عن قوله - فشابه ثياب البذلة- لأنه لا إعداد فيها لا من العرف ولا من الشرع، وقولنا مذهب عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن العباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي موسى الأشعري، وابن حبيب، وابن جبير، وعبد الله بن شداد، وعطاء، وطاوس، وميمون بن مهران، وأيوب، وابن سيرين، ومجاهد، والضحاك، وجابر بن زيد، وعلقمة، والأسود، وعمر بن عبد العزيز، والثوري، والزهري، وذر الهمداني، والأوزاعي، وابن شبرمة، والحسن بن حي، والحسن بن جني واستحبه الحسن، قال الزهري: نصت السنة أن في الحلي الزكاة، وهو قول عائشة، وأم سلمة وفاطمة بنت قيس، ذكره عبد الحق في " الأحكام الصغرى ". فإن قلت: ما سند أصحابنا في الأحاديث؟ قلت: روى أبو داود والنسائي عن خالد بن الحارث عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن امرأة أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: "أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: "أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من النار" فخلعتهما، وألقتهما إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقالت: هما لله ولرسوله» والمسكتان: تثنية مسكة بالفتحات؛ السوار. وروى أبو داود أيضا في "سننه ": حدثنا محمد بن إدريس الرازي، حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق، حدثنا يحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي جعفر أن محمد بن عمر بن عطاء أخبره عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: دخلنا على «عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: دخل علي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرأى في يدي فتخات من ورق فقال: "ما هذا يا عائشة؟ "، فقلت صنعتهن أتزين لك بهن يا رسول الله، قال: "أتؤدين زكاتهن؟ ". قلت: لا، قال: " هن حسبك من النار» انتهى. والفتخات: جمع فتخة بالفاء وسكون التاء المثناة من فوق وبالخاء المعجمة وهي الخاتم الذي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] لا فص لها. وروى أحمد في "مسنده ": حدثنا علي بن عاصم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن شهر بن حوشب، «عن أسماء بنت يزيد قالت: دخلت أنا وخالتي على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلينا أسورة من الذهب فقال لنا: "أتعطيان زكاتها؟ " فقلنا: لا، فقال: "أما تخافان أن يسوركما الله أسورة من نار أديا زكاته» . وروى الدارقطني في سننه عن نصر بن مزاحم عن أبي بكر الهذلي حدثنا شعيب بن الحبحاب عن الشعبي قال: سمعت فاطمة بنت قيس تقول: «أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بطوق فيه سبعون مثقالا من ذهب فقلت: يا رسول الله خذ منه الفريضة فأخذ منه مثقالا وثلاثة أرباع مثقال» . وروى الدارقطني أيضا عن يحيى بن أبي الليث عن حماد بن إبراهيم عن علقمة «عن عبد الله بن مسعود قال: قلت للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن لامرأتي حليا من ذهب عشرون مثقالا، قال: "فأد زكاته نصف مثقال» . وروى أيضا عن قبيصة عن علقمة عن عبد الله «أن امرأة أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: إن لي حليا وإن لي بني أخ وإن زوجي خفيف اليد فتجزئ عني أن أجعل زكاة الحلي فيهم؟، قال: "نعم» . وروى الدارقطني أيضا عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن للحلي زكاة. وروى أبو داود من حديث أم سلمة قالت: «كنت ألبس أوضاحا من ذهب، فقلت يا رسول الله: أكنز هو؟ فقال: ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز» انتهى، والأوضاح: جمع وضح وهو الحلي. فإن قلت: روى الترمذي حديث عمرو بن شعيب المذكور عن قتيبة عن ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب.. الحديث، ثم قال: ابن لهيعة ضعيف، ولا يصح في هذا الباب شيء، انتهى. قلت: ما علينا من هذا الباب والطريق الذي رواه أبو داود صحيح، وقال ابن القطان في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] كتابه: إسناده صحيح، قال المنذري: إسناده لا مقال فيه، وخالد بن الحارث إمام فقيه احتج به البخاري ومسلم، وكذلك احتجا بحسين المعلم، وقول الترمذي: ولا يصح في هذا الباب شيء، قال فيه المنذري: لعله قصد الطريقين اللذين ذكرهما هو، فإن حديث أبي داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا مقال فيه، وعمرو بن شعيب وإن كان تكلم فيه بعضهم فقد قال شيخنا زين الدين وحكى البخاري توقفه فيما حكاه الترمذي عنه قال: رأيت أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعلي بن المديني وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ما تركه أحد من المسلمين فمن الناس بعدهم؟ فإن قلت: في حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - محمد بن عمر، قال الدارقطني هو مجهول. قلت: قال البيهقي في " المعرفة ": هو محمد بن عمر بن عطاء لكنه نسبه إلى جده فظن أنه مجهول، وليس كذلك وتبع الدارقطني في تجهيله عبد الحق، وقال ابن القطان: خفي عليه كما خفي على الدارقطني وهو من الثقات، ويحيى بن أيوب أخرجه له مسلم، وعبيد الله بن أبي جعفر من رجال الصحيحين، وكذلك عبد الله بن شداد، والحديث على شرط مسلم وأخرجه الحاكم في مستدركه عن محمد بن عمر بن عطاء، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. فإن قلت: في حديث إسماعيل بن عاصم رواه يزيد بن هارون بالكذب وعبد الله بن خيثم، قال ابن معين: أحاديثه ليست بالقوية، وشهر بن حوشب قال ابن عدي: لا يحتج بحديثه. قلت: علي بن عاصم بن صهيب بن سنان الواسطي وثقه أحمد، وروى عنه وقال يحيى بن زكريا صدوق، وروى له أبو داود والترمذي وابن ماجه وعبد الله بن خيثم، وهو عبد الله بن عثمان بن خيثم القارئ من القراء المكي، قال يحيى بن معين: هو ثقة حجة، ووثقه العجلي وأبو حاتم والنسائي، روى له مسلم والأربعة، وشهر بن حوشب الأشعري الشامي الحمصي، ويقال الدمشقي وثقه يحيى، وعنه ثبت، وعن أحمد: ما أحسن حديثه ووثقه، وروى له مسلم مقرونا بغيره وروى له الأربعة. فإن قلت: في حديث فاطمة بنت قيس نصر بن مزاحم قال أبو خيثمة: كان كذابا، وقال ابن معين: حديثه ليس بشيء، وأبو بكر الهندواني قال الدارقطني: متروك، وقال ابن الجوزي قال غندر: هو كذاب، وقال ابن معين وابن المديني: ليس بشيء، قلت: أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في " تاريخ أصبهان " في حرف الشين عن شيبان بن زكريا عن عباد بن كثير عن شعيب بن الحبحاب به سواء. فإن قلت: حديث عبد الله بن مسعود، قال الدارقطني: هو مرسل موقوف، قلت: فليكن يحسن فيعمل به، وحديثه الآخر عن قبيصة عن عقبة أحد مشايخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] البخاري، وأكثر منه في الصحيح، ولا يلفت إلى ما قاله ابن القطان أنه يخطئ كثيرا. فإن قلت: حديث أم سلمة فيه ثابت بن عجلان، قال البيهقي: تفرد به ثابت. قلت: لا يضر، فإن البخاري أخرج له وأخرجه الحاكم في "مستدركه " عن محمد بن مهاجر عن ثابت به وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، ومحمد بن مهاجر قال ابن حبان: يضع الحديث عن الثقات، وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": وهذا وهم قبيح، فإن محمد بن مهاجر الكذاب ليس هذا، فإن الذي يروي عن ثابت بن عجلان ثقة شامي، وأخرج له مسلم في "صحيحه "، وأما محمد بن مهاجر الكذاب فإنه متأخر عنه. وأما أحاديث الخصوم، فمنها ما رواه ابن الجوزي في " التحقيق " بسنده عن عافية بن أيوب عن الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس في الحلي زكاة» قال البيهقي: والذي يروى عن جابر، عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ليس في الحلي زكاة» لا أصل له، وفيه عافية بن أيوب مجهول، فمن احتج به مرفوعا، كان مقرا بذنبه داخلا فيما يعيب به، من يحتج بالكذابين. وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا غريب من البيهقي مع تعقبة الشافعي، وقال ابن الجوزي: هو ضعيف مع أنه موقوف على جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ومنها ما رواه مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يحلي نساءه وجواريه الذهب ثم لا يخرج من حليهن الزكاة. ومنها ما رواه الدارقطني عن شريك عن علي بن سليمان قال: سألت أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن الحلي قال: ليس فيه زكاة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 فصل في العروض الزكاة واجبة في عروض التجارة كائنة ما كانت إذا بلغت قيمتها نصابا من الورق أو الذهب   [البناية] [فصل في العروض] [زكاة العروض حكمها وشروط وجوبها] م: (فصل في العروض) ش: أي هذا فصل في بيان حكم الزكاة في العروض. العروض بضم العين جمع عرض وهو المتاع القيمي، وقيل: هو ما ليس بنقد، والعرض بفتحتين حطام الدنيا، كذا في " المغرب " و" الصحاح "، وفيه العرض بسكون الراء: المتاع وكل شيء فهو عرض سوى الدراهم والدنانير، قال أبو عبيد: الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن، ولا يكون حيوانا، ولا عقارا، وقال السغناقي: فعلى هذا جعل العروض هاهنا جمع عرض بسكون الراء أولى، بل هو واجب؛ لأنه في بيان حكم الأموال التي هي غير الدراهم والدنانير والحيوانات والعرض بالضم الجانب، ومنه أوصى بعرض ماله، أي بجانب منه بلا تعيين، والعرض: بالكسر ما يحمد الرجل ويذم عند وجوده وعدمه، وإنما أخر هذا الفصل للاختلاف فيها، أو لأنها تقوم بالنقدين فيكون بناء عليهما. م: (الزكاة واجبة في عروض التجارة) ش: قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على وجوب الزكاة في العروض، ورويناه عن ابن عمر، وابن عباس والفقهاء السبعة: ابن المسيب والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبو بكر عبد الرحمن بن الحارث وخارجة بن زيد، وعبيد الله بن عبد الله بن عقبة وسليمان بن يسار وطاوس والحسن البصري وإبراهيم النخعي والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم. وقال ربيعة ومالك: لا زكاة في عروض التجارة ما لم تنض وتصير دراهم أو دنانير فحينئذ تلزمه زكاة عام واحد، وقال في " المبسوط ": وإن مضى عليها أحوال، وقالت الظاهرية: لا زكاة في العروض للتجارة، وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كذلك. م: (كائنة ما كانت) ش: كلمة - ما- مصدرية، وكانت تامة، وكائنة نصب على الحال، والتقدير: الزكاة واجبة حال كائن كونهما من أي شيء كان من جنس ما تجب فيه الزكاة، كالسوائم، أو من جنس ما لا تجب فيه الزكاة كالثياب والبغال والحمر، م: (إذا بلغت قيمتها) ش: أي قيمة العروض م: (نصابا) ش: لأن المعتبر فيها الغناء بقيمتها، وذلك موجود في جميع الأشياء م: (من الورق) ش: بكسر الراء أي الفضة المضروبة م: (أو الذهب) ش: المضروب. وفي " الذخيرة " و" المرغيناني ": يعتبر في تقويم العروض بالتجارة بالدراهم المضروبة حتى إن من اشترى عبدا للتجارة بنقرة فضة وزنها مائتان، ولا تساوي مائتي درهم مضروبة لا تجب فيه الزكاة، وإن وجبت في رأس ماله؛ لأن عين الذهب والفضة لا يعتبر فيها الضرب ولا التقويم له إنما جعل نصابها أخذ قيمتها؛ لأنه لا نصاب لها في نفسها، والمقصود منها ليست أعيانها، وإنما المقصود هو التمول بمعانيها، فجعل نصابها من مقصودها وهي القيمة، ثم الزكاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها: «يقومها فيؤدي من كل مائتي درهم خمسة دراهم»   [البناية] تجب في العروض في عينها حتى إذا هلكت بعد الحول سقطت الزكاة. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: في قيمتها. فإن قلت: كل مال اعتبر فيه النصاب تعلق الوجوب به، أصله الأعيان الماشية. قلت نصابها عندنا من أعيانها، وإنما يعتبر التقويم ليعلم أن العين قد بلغت مقدارا معلوما كما يتعين الوزن والعدد ليبلغ وزنا معلوما وعددا معلوما. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها: «يقومها فيؤدي من كل مائتي درهم خمسة دراهم» ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عروض التجارة يقومها إلى آخره، وهذا حديث غريب لا يعرف من رواه من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ومن رواه منهم، وفي هذا الباب أحاديث مرفوعة وموقوفة، فمن المرفوعة: ما رواه أبو داود في "سننه "، حدثنا محمد بن داود بن سفيان، حدثني يحيى بن حسان، حدثنا سليمان بن موسى أبو داود، حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب، حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان، عن سمرة بن جندب، قال: أما بعد فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع وسكت عنه، فيدل على أنه صحيح عنده وكذلك المنذري بعده. وقال أبو عمر بن عبد البر: هذا الحديث رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن. ومنها ما رواه الحاكم في "مستدركه " بإسناده إلى أبي ذر قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البر صدقته، ومن دفع دنانير أو دراهم، أو تبرا، أو فضة لا يعدها لغريم، ولا ينفقها في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة» ، وصححه الحاكم، وقال: على شرط الشيخين. ومنها ما رواه الطبراني في "معجمه " بإسناده عن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا بالرقيق؛ الرجل أو المرأة الذين هم تلاد له، وهم عملة لا يريد بيعهم، فكان يأمرنا أن لا نخرج عنهم صدقة، وكان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي يعد للبيع» ورواه الدارقطني أيضا. ومن الموقوفة: ما رواه أحمد في "مسنده " وعبد الرزاق في "مصنفه " والدارقطني في "سننه " حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبي سلمة عن أبي عمرو بن حماس عن أبيه أنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 ولأنها معدة للاستنماء بإعداد العبد فأشبه المعد بإعداد الشرع، وتشترط نية التجارة؛ ليثبت الإعداد، ثم قال: يقومها بما هو أنفع للمساكين؛ احتياطا لحق الفقراء.   [البناية] قال: كنت أبيع الأدم والجعاب فمر بي عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال لي: أد صدقة مالك فقلت: يا أمير المؤمنين إنما هو الأدم والجعاب قال: قومها وأد زكاتها. ومنها ما رواه عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه كان يقول: في كل مال يدار في عبيد أو تجارة أو دواب أو بز للتجارة تدار الزكاة فيه كل عام. ومنها ما رواه البيهقي من طريق أحمد بن حنبل: ثنا حفص بن غياث، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: ليس في العروض زكاة إلا إذا كان للتجارة. ومنها: ما رواه عبد الرزاق عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب والقاسم قالوا: في العروض تدار الزكاة كل عام لا تؤخذ منها الزكاة حتى لا يأتي ذلك الشهر من عام قابل. م: (ولأنها) ش: أي ولأن العروض م: (معدة) ش: أي مهيأة م: (للاستنماء) ش: أي لطلب النماء م: (بإعداد العبد فأشبه المعد بإعداد الشرع) ش: المعد بضم الميم وفتح العين وتشديد الدال وهو الذهب والفضة م: (ويشترط فيه نية التجارة ليثبت الإعداد) ش: أي حالة الشراع، أما إذا كانت النية بعد الملك فلا بد من اقتران عمل التجارة بنيته؛ لأن مجرد النية لا يعمل فلا يصير حتى يبيعه بالإجماع إلا عند الكرابيسي من أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأحمد في رواية فإنه يصير للتجارة بمجرد النية في " جوامع الفقه " السالمة إذا نوى أنه إن وجد ربحا يبيعها لا يبطل السوم، ولو نوى أنه يجعلها علوفة أو يعمل عليها لا تبطل السوم ما لم يفعل، بخلاف عروض التجارة إذا نواها للقنية حيث تبطل التجارة، وكذا العبد إذا نواه للخدمة، وعن محمد إذا نوى أن يستخدمه فاستخدمه لا تبطل التجارة ما لم يجعله للخدمة، ولو اشترى الجلاب شياها، والقصاب اللحم فهي للتجارة، وإن رعاها في المفازة لم يبطل كونها للتجارة؛ لأن المرعى للتخفيف في المؤنة. م: (ثم قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي القدوري أو محمد -رحمهما الله- م: (يقومها بما هو أنفع للمساكين احتياطا لحق الفقراء) ش: أي يقوم العروض التي للتجارة بالذي هو أنفع للفقراء، وهو أن يقومها بأنفع النقدين، وبه قال أحمد؛ لأن المال في يد المالك في زمان طويل وهو المنتفع فلا بد من اعتبار منفعة للفقراء عند التقويم، ولا بد أن يقوم بما يبلغه نصابا حتى إذا قومت بالدراهم تبلغ نصابا، وإذا قومت الذهب لا تبلغ نصابا تقوم بالدراهم وبالعكس كذلك. فإن قلت: في خلافه نظر للمالك وحقه يعتبر، ألا ترى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن أخذ كرائم الأموال في الزكاة واشترط الحول فيها. قلت: المالك أسقط حقه بالاستنماء مدة الحول فيوفر حظ الفقراء بالتقويم بالأنفع مراعاة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي الأصل خيره، لأن الثمنين في تقدير قيم الأشياء بهما سواء، وتفسير الأنفع أن يقومها بما يبلغ نصابا. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقومها بما اشترى إن كان الثمن من النقود، لأنه أبلغ في معرفة المالية، وإن اشتراها بغير النقود بأن اشتراها بالعروض قومها بالنقد الغالب. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقومها بالنقد الغالب على كل حال كما في المغصوب والمستهلك،   [البناية] للحقين بقدر الإمكان. م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرناه بالتقويم بما هو أنفع للمساكين م: (رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: في التقويم أربعة أقوال، أحدهما هذا المذكور عن أبي حنيفة وكذا ذكر في " الأمالي " يقومها بأنفع النقدين للفقراء، وفي " التحفة " و" القنية ": يقومها بأوفر القيمتين وأنظرهما وأكثرهما زكاة. م: (وفي الأصل) ش: أي " المبسوط " م: (خيره) ش: أي خير أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - المالك في التقويم بما شاء من النقدين، وهذا هو القول الثاني م: (لأن الثمنين في تقدير قيم الأشياء بهما سواء) ش: لأن التقويم لمعرفة مقدار المالية والنقدان في ذلك سواء. م: (وتفسير الأنفع أن يقومها بما يبلغ نصابا) ش: هذا كأنه جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: ما المراد من قوله في القول الأول - يقومها بما يبلغ نصابا الأنفع- فإن الأنفع الذي هو الأفضل يحتمل أن يكون من جهة إيصال النفع للفقراء مطلقا. فأجاب بقوله: وتفسير الأنفع يعني المراد بالأنفع من هذه الحيثية يعني كون التقويم بما يبلغ نصابا هو الأنفع لهم لا مطلق النفع. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقومها بما اشترى) ش: وبه قال الشافعي، وهذا هو القول الثالث، يعني يقوم العروض بالثمن الذي اشتراها م: (إن كان الثمن من النقود) ش: أي من الدراهم أو الدنانير م: (لأنه أبلغ في معرفة المالية) ش: لأنه ظهر قيمتها مرة بهذا النقد الذي وقع به الشراء والظاهر إن اشتراها بقيمتها فكان هذا النقد أكثر تعريفا لقيمتها من نقد آخر. م: (وإن اشتراها بغير النقود بأن اشتراها بالعروض قومها بالنقد الغالب) ش: في نقود البلد فإنه لو اشتراها بعروض فإنه لا يصح تقويمها للأشياء، وكذا لو ورثه فوجب التقويم بغالب نقد البلد، وإن كان مسافرا يقومها في البلد الذي يصير إليه. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقومها بالنقد الغالب على كل حال) ش: هذا هو القول الرابع، وبه قال الشافعي في وجه قوله -على كل حال- يعني سواء اشتراها بأحد النقدين أو بغيره لأن كل ما يحتاج فيه إلى التقويم يعتبر فيه النقد الغالب م: (كما في المغصوب والمستهلك) ش: أي كما يقوم بالنقد الغالب وقت الحاجة إلى تقويم المغصوب والذي استهلكه بغصب فلا يقوم إلا بالنقد الغالب وقت الحاجة في البلد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 وإذا كان النصاب كاملا في طرفي الحول فنقصانه فيما بين ذلك لا يسقط الزكاة لأنه يشق اعتبار الكمال في أثنائه أما لا بد منه في ابتدائه للانعقاد وتحقق الغنى بالنصاب وفي انتهائه للوجوب، ولا كذلك فيما بين ذلك   [البناية] وفي " المجتبى ": الوجوب بالعروض عندنا باعتبار قيمتها حتى يخير بين أداء ربع عشر قيمتها أو ربع عشر عينها وهو أحد قولي الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: فيه ثلاثة أقوال: في قول: يخرج ربع عشر القيمة وهو نصه في " الأم " وعليه الفتوى، وفي قول ربع عشر العرض، وهو قول أبي يوسف ومحمد، وفي قول: يتخير بينهما وهو قول أبي حنيفة كذا في " الحلية ". م: (وإذا كان النصاب كاملا في طرفي الحول فنقصانه فيما بين ذلك) ش: أي فيما بين طرفي الحول م: (لا يسقط الزكاة) ش: وإنما قيدنا بالنقصان احترازا عن هلاك كل النصاب، فإنه ينقطع الحول به بالاتفاق، وذكر النصاب مطلقا ليتناول كل مال تجب فيه الزكاة كالنقدين والسوائم، وقال زفر: يشترط كمال النصاب من أوله إلى آخره، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه أربعة أقوال: أحدهما: أنه لو تلف بعض النصاب أو أتلفه ينقطع الحول. وقال مالك وأحمد -رحمهما الله-: إن أتلفه لقصد الفرار عن الزكاة لا ينقطع الحول وإلا ينقطع. والثاني: مثل مذهبنا. والثالث: يعتبر في آخر الحول. والرابع: أنه يعتبر بعض التنقيص دون بعض الكساد، وفي السوائم والنقدين يشترط كمال النصاب في جميع الحول عنده وفي " المحيط ": اشترى عصيرا للتجارة ثم تخمر ثم تخلل فهو للتجارة، وكذا شاة التجارة إذا ماتت فدبغ جلدها فهو للتجارة وعبد التجارة إذا قتل خطأ فدفع بدله، والثاني للتجارة بخلاف العمد لو صالحه الولي على عبد أو غيره لم يكن للتجارة ويبطل بالكتابة، وإذا عجز لا يعود للتجارة، ولو باع مال التجارة في الحول بجنسها أو بغير جنسها لا ينقطع الحول، وفي " المجتبى ": الدين في خلال الحول لا يقطع حكم الحول وإن كان مستغرقا وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ينقطع. م: (لأنه يشق اعتبار الكمال في أثنائه) ش: أي يشق اعتبار كمال النصب في أثناء الحول لأنه قد يزيد وقد ينقص، واعتبار الزيادة والنقصان في كل ساعة يفضي إلى الحرج وذلك مدفوع شرعا م: (أما لا بد منه) ش: أي من كمال النصاب م: (في ابتدائه) ش: أي في ابتداء الحول م: (للانعقاد) ش: أي لانعقاد السبب م: (وتحقق الغنى في انتهائه) ش: أي انتهاء الحول م: (للوجوب) ش: أي لوجوب الزكاة م: (ولا كذلك) ش: أي وليس الحكم كما ذكرنا م: (فيما بين ذلك) ش: أي فيما بين الابتداء والانتهاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 لأنه حالة البقاء، بخلاف ما لو هلك الكل حيث يبطل حكم الحول، ولا تجب الزكاة لانعدام النصاب في الجملة ولا كذلك في المسألة الأولى، لأن بعض النصاب باق فيبقى الانعقاد. قال: وتضم قيمة العروض إلى الذهب والفضة حتى يتم النصاب، لأن الوجوب في الكل باعتبار التجارة وإن افترقت جهة الإعداد ويضم الذهب إلى الفضة للمجانسة من حيث الثمنية، ومن هذا الوجه صار سببا،   [البناية] م: (لأنه حالة البقاء بخلاف ما لو هلك الكل حيث يبطل حكم الحول، ولا تجب الزكاة لانعدام النصاب في الجملة ولا كذلك في المسألة الأولى، لأن بعض النصاب باق فيبقى الانعقاد) ش: أي بقاء شيء من النصاب فيضم المستفاد إليه وهو خاتم فضة، وذلك لتمكن القول ببقاء الانعقاد حتى لو هلك جميع النصاب في أثناء الحول لعدم النصاب، والانعقاد جميعا لعدم المحل. م: (قال: وتضم قيمة العروض إلى الذهب والفضة حتى يتم النصاب) ش: هذا بالإجماع م: (لأن الوجوب) ش: أي وجوب الزكاة م: (في الكل) ش: أي في قيمة العروض والذهب والفضة م: (باعتبار التجارة) ش: أي تجب باعتبار التجارة م: (وإن اختلفت جهة الإعداد) ش: أي التهيئة للتجارة، لأن الإعداد في العروض جهة العباد لا إعداد التجارة، وفي الذهب والفضة من الله -عز وجل- حيث خلقهما للتجارة. م: (ويضم الذهب إلى الفضة) ش: عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لكن أصحابه الثلاثة اختلفوا في كيفية الضم على ما يجيء الآن، وقال الشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في رواية، وأبو ثور، وداود: لا تضم له م: (للمجانسة من حيث الثمنية) ش: أي علة الضم المجانسة بين الذهب والفضة، باعتبار الثمنية لأن كل واحد منهما ثمن فإذا كان ما هو يعد في المجانسة علة للضم، وهو العروض، فلأن يكون في الأقرب أولى م: (ومن هذا الوجه صار سببا) ش: أي من حيث الثمنية صار كل واحد من الذهب والفضة سببا لوجوب الزكاة، ودليل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -أنهما جنسان مختلفان فلا يضم أحدهما إلى الآخر لتكميل النصاب بل يعتبر كمال النصاب من كل واحد منهما كالسوائم. قلنا: هذا ينتقض بضم العروض إلى العروض، وفي الدراهم، ولا يرد السوائم لأن علة الضم هي المجانسة هي ظاهرة بين الذهب، والفضة، لأنهما يقوم بهما الأشياء، وكذا بين عروض التجارة والذهب والفضة، لأن الكل للتجارة بخلاف السوائم لأنه لا مجانسة بينها عند اختلاف الجنس فلا يضم بعضها إلى بعض، وكذا لا مجانسة بينها وبين الذهب والفضة، لأنها ليست للتجارة، ولنا أيضا ما روي عن بكير بن عبد الله الأشج أنه قال: من السنة أن يضم الذهب إلى الفضة لإيجاب الزكاة، والسنة إذا أطلقت يراد بها سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ذكره صاحب " المبسوط "، و" البدائع " وغيرهما، وبكير بن عبد الله بن الأشح القرشي روى له الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 ثم تضم القيمة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما بالأجزاء وهو رواية عنه، حتى إن من كان له مائة درهم وخمسة مثاقيل ذهب، وتبلغ قيمتها مائة درهم فعليه الزكاة عنده خلافا لهما،   [البناية] الجماعة. م: (ثم تضم القيمة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: إن شاء قوم العروض، ويضمها على الدراهم والدنانير، وإن شاء قوم الدراهم والدنانير فيضم قيمتها إلى قيمة العروض، وبه قال الأوزاعي، والثوري، وأحمد في رواية م: (وعندهما بالأجزاء) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد: الضم بالأجزاء، وبه قال مالك، وأحمد في رواية، ولا يرى الشافعي الضم، وبه قال أحمد في رواية، وأبو ثور، وأبو داود، وذهب آخرون إلى أن الضم إنما يكون إذا كمل النصاب من أحدهما، بيان ذلك: إذا كان أحدهما ثلثا النصاب فلا بد أن يكون الآخر ثلثي النصاب وكذلك النصف وغيره، ولو كانت عشرة دنانير، ومائة درهم، وقيمة الدنانير ما يجب الضم بالاتفاق، على اختلاف التخريج عنده باعتبار القيمة وعندهما باعتبار الأجزاء، ولو كانت مائة درهم، وخمسة دنانير قيمتها خمسون لا يضم بالاتفاق كذا في " التحفة "، ولو كانت مائة وخمسين درهما، وخمسة دنانير وقيمة الدنانير لا تساوي خمسين درهما تجب الزكاة على قولهما. واختلف المشايخ على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قال بعضهم: لا تجب عنده لأن الضم عنده باعتبار القيمة وبضم الأقل إلى الأكثر، لأن الأقل تابع للأكثر فلا يكمل النصاب. وقال الفقيه أبو جعفر: يجب على قوله، وهو الصحيح أن يضم الأكثر إلى الأقل كذا في " المختلفات ". وذكر البزدوي: تضم بالقيمة، وبالأجزاء عنده، وعندهما بالأجزاء فقط، وفي الأسبيجابي وغيره: معنى الضم بالأجزاء أن يكون من كل واحد منهما نصف نصاب من غير نظر إلى قيمتها أو من أحدهما نصف وربع، ومن الآخر ربع، أو من أحدهما نصف، وربع، وثمن، ومن الآخر ثمن. وفي " المحيط ": لو زاد على النصابين أقل من أربعين درهما، أو أقل من أربعة مثاقيل من الذهب تضم إحدى الزيادتين إلى الأخرى ليتم النصاب أربعين درهما، أو أربعة مثاقيل عنده، وعندهما لا يضم، لأن الزكاة تجب في الكسور عندهما، والنصف ليس بشرط فيهما. م: (وهو رواية عنه) ش: أي الضم بالأجزاء إنما هو مذهب صاحبيه رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواها هشام عنه، وفي " المفيد ": رواها الحسن عنه. م: (حتى إن من كان له مائة درهم وخمسة مثاقيل ذهب، وتبلغ قيمتها مائة درهم فعليه الزكاة عنده خلافا لهما) ش: هذا بيان نتيجة الخلاف بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه في كيفية ضم الذهب إلى غيره من الفضة وهو ظاهر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 هما يقولان المعتبر فيهما القدر دون القيمة حتى لا تجب الزكاة في مصوغ وزنه أقل من مائتين وقيمته فوقها، هو يقول: إن الضم للمجانسة وهو يتحقق باعتبار القيمة دون الصورة فيضم بها والله أعلم.   [البناية] م: (هما يقولان) ش: أي أبو يوسف، ومحمد يقولان: م: (إن المعتبر فيهما القدر دون القيمة) ش أي الاعتبار في الذهب، والفضة القدر يعني عينهما لا قيمتهما م: (حتى لا تجب الزكاة في مصوغ وزنه أقل من مائتين وقيمته فوقها) ش: في مصوغ نحو إبريق، أو كأس، أو نحوهما إذا كان وزنه أقل من مائتي درهم قيمته مائتا درهم لا تجب الزكاة فيها بالاتفاق، لأن القيمة ساقطة الاعتبار فيهما كما في سائر حقوق العباد. م: (هو يقول) ش: أي أبو حنيفة يقول: م: (إن الضم للمجانسة) ش: أي ضم الذهب إلى الفضة للمجانسة بينهما في الثمنية م: (وهو) ش: أي المجانسة م: (يتحقق باعتبار القيمة دون الصورة) ش: لأن في اعتبار الأجزاء اعتبار الصورة، ومسألة المصوغ ليست فيما نحن فيه، إذ ليس فيها ضم شيء إلى آخر حتى تعتبر القيمة، فإن القيمة في النقود إنما تظهر شرعا عند مقابلة أحدهما بالآخر وهاهنا ليس كذلك م: (فيضم بها) ش: أي فيضم الذهب إلى الفضة يعني باعتبارها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 باب فيمن يمر على العاشر إذا مر على العاشر بمال فقال: أصبته منذ أشهر   [البناية] [باب فيمن يمر على العاشر] [الخلاف بين المزكي والعاشر] م: (باب فيمن يمر على العاشر) ش: أي: هذا باب في بيان حكم من يمر على العاشر، وألحق هذا الباب بكتاب الزكاة اتباعا " للمبسوط "، و" شرح الجامع الصغير ". ووجه المناسبة فيه ظاهرة، لأن العشر المأخوذ من المسلم المار على العاشر هو الزكاة بعينها، إلا أن العاشر كما يأخذ من المسلم يأخذ من الذمي والمستأمن، وليس المأخوذ منهما زكاة، فقدم الزكاة على هذا الباب على ما بعده، لأن الزكاة إحدى أركان الدين، وأما تقديم الصلاة عليها فظاهر. ولفظ العاشر اسم فاعل من عشرت القوم أَعشُرهم عُشرا بالضم إذا أخذت منهم عُشر أموالهم، فعلى هذا فتسمية العاشر الذي يأخذ العشر إنما يستقيم على أخذه من الحربي لا من المسلم والذمي، لأنه يأخذ من المسلم ربع العشر، وفي " الصحاح ": عشرت القوم أعشُرهم، بضم الشين عُشرا بضم الشين عشر العين إذا أخذت عُشر أموالهم، ومنهم العاشر، والعشّار بتشديد وعشِرت غيرهم بالكسر عَشرا بالفتح إذا صرتَ عَاشِرَهم، وعَاشِر العشرة أحدهم، وعاشر التسعة مُصيِّر التسعة عشرة بنفسه، والعاشر من نصبه الإمام لأخذ الصدقات من التجارة من المال الذي تجب فيه الزكاة ويأمن التجارة ببقائه في المفاوز من قطاع الطريق، واللصوص. فإن قلت: روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه لعن العاشرين وذمهم. قلت: " هذا محمول على من يأخذ أموال الناس ظلما وهم القوم المكاسون الذين يأخذون من التجار في مصر والشام وحلب، في أكثر من عشرة مواضع ظلما وعدوانا، ويقولون: نأخذ الزكاة ويكفرون بسبب ذلك، وهم الذين لعنهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: «لا يدخل الجنة صاحب مكس» . م: (إذا مر على العاشر بمال) ش: أي إذا مر شخص على العاشر بمال من الأموال الباطنة، وإنما قلت كذا لأن في الأموال الظاهرة وهي السوائم لا يحتاج العاشر إلى مرور صاحبها أي صاحب المال عليه في ثبوت ولاية الأخذ له، فإن له أن يأخذ عشر الأموال الظاهرة منه، وإن لم يمر صاحب المال عليه، أما في الأموال الباطلة الأداء لصاحب المال لكونه غير محتاج إلى الحماية، فإذا أخرجها إلى المفاوز احتاج إليها فصارت كالسوائم م: (فقال: أصبته منذ أشهر) ش: أي فقال صاحب المال: أصبت هذا المال يعني لم يحل عليه الحول فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول. فإن قلت: قوله: منذ أشهر، كيف يراد به ما دون الحول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 أو علي دين وحلف صدق، والعاشر من نصبه الإمام على الطريق ليأخذ الصدقات من التجار، فمن أنكر منهم تمام الحول أو الفراغ من الدين كان منكرا للوجوب، والقول قول المنكر مع اليمين، وكذا إذا قال أديتها إلى عاشر آخر ومراده إذا كان في تلك السنة عاشر آخر، لأنه ادعى وضع الأمانة موضعها، بخلاف   [البناية] قلت: الأشهر جمع قلة يقع على العشرة فما دونها، فلا بد أن يراد بها ما دون الستة. هذا الطريق، ورأيت بخط الأترازي منذ شهر بالإفراد، والظاهر أنه سهو منه، لأن النسخ كلها بلفظ أشهر، وكذا الشراح مشوا عليه. م: (أو علي دين) ش: أي أو قال: علي دين يرد به دينا محيطا بماله والمراد بالدين دين العباد الذي عليه المطالبة من جهتهم والذي لا يطالب من جهتهم لا يمنع الزكاة، وهذا أيضا إذا لم يكن في يده مال آخر من جنس النصاب فقد حال عليه الحول، فإذا كان في يده شيء من ذلك لا يلتفت العاشر إلى قوله: ويأخذ من المال الذي لم يحل عليه الحول، لأن المستفاد عندنا يضم إلى ما عنده من النصاب، إلا أن يكون من إبل الزكاة فحينئذ لا يأخذ باعتبار نصاب آخر عنده حال عليه الحول، وكذا لا يأخذ إذا كان المال للصبي أو المجنون. م: (وحلف صدق) ش: لأن القول للمنكر مع يمينه، وكذا لا يأخذ إذا تصدق مع يمينه إذا قال: المال لي وأنا أجير فيه، أو هو وديعة عندي أو بضاعة أو ليس للتجارة، أو قال: أنا مضارب أو مكاتب أو عبد مأذون له، وفي " خزانة الأكمل ": إذا كان رب المال معه فإنه يعشره، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - " لا يمين عليه في هذه الوجوه كلها لأنها عبادة ولا يمين في عبادات كالصوم والصلاة والحج، ووجه ظاهر الرواية أنه لا مكذب له في العبادات وهنا يكذبه العاشر، وبهذا يحصل الجواب عن سؤال السغناقي بقوله: الزكاة عبادة لله تعالى كالصوم والصلاة فلا يشترط التحليف. فإن قلت: يرد عليه حد القذف فإنه لا يستحلف فيه، مع أن فيه حق العبد. قلت: شرعت اليمين للنكول، والقضاء بالنكول متعذر في الحدود. م: (والعاشر من نصبه الإمام على الطريق) ش: أي الطريق الذي يمر عليه أصحاب الأموال م: (ليأخذ الصدقات من التجار) ش: أي الزكاة. م: (فمن أنكر منهم) ش: أي من التجار م: (تمام الحول) ش: أي قال: ما حال الحول م: (أو الفراغ من الدين) ش: بأن قال: علي دين محيط بمالي م: (كان منكرا للوجوب) ش: أي لوجوب الزكاة م: (والقول قول المنكر مع يمينه) ، وكذا إذا قال: أديتها إلى عاشر آخر) ش: أي غير هذا العاشر م: (ومراده إذا كان في تلك السنة عاشر آخر لأنه ادعى وضع الأمانة) ش: أي الزكاة م: (موضعها بخلاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 ما إذا لم يكن عاشر آخر في تلك السنة لأنه ظهر كذبه بيقين، وكذا إذا قال: أديتها أنا يعني إلى الفقراء في المصر، لأن الأداء كان مفوضا إليه فيه وولاية الأخذ بالمرور لدخوله تحت الحماية، وكذا الجواب في صدقة السوائم في ثلاثة فصول، وفي الفصل الرابع وهو ما إذا قال: أديت بنفسي إلى الفقراء في المصر لا يصدق وإن حلف. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصدق لأنه أوصل الحق إلى المستحق، ولنا أن حق الأخذ للسلطان، فلا يملك إبطاله بخلاف الأموال الباطنة، ثم قيل الزكاة في الأول والثاني سياسة،   [البناية] ما إذا لم يكن عاشر آخر) ش: أي غير هذا العاشر فإنه لا يصدق م: (لأنه ظهر كذبه بيقين وكذلك) ش: وكذا إذا القول، قوله: فيصدق مع يمينه م: (إذا قال: أديتها أنا يعني إلى الفقراء في المصر لأن الأداء كان مفوضا إليه) ش: أي إلى المالك م: (وفيه) ش: أي في المصر م: (وولاية الأخذ) ش: للساعي إنما تكون م: (بالمرور) ش: أي بمرور المالك على الساعي م: (لدخوله تحت الحماية) ش: بالمرور عليه. م: (وكذا الجواب في صدقة السوائم) ش: إذا قال العاشر في الإبل والبقر والغنم م: (في ثلاثة فصول) ش: أولها: قوله أصبتها منذ أشهر، والثاني قوله: أو علي دين، والثالث قوله: أديت إلى عاشر آخر، وفي تلك السنة عاشر آخر ففي هذه الفصول الثلاثة إذا حلف صدق فيكون القول قوله. م: (وفي الفصل الرابع وهو ما إذا قال: أديت بنفسي إلى الفقراء لا يصدق وإن حلف، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصدق) ش: فيكون القول قوله، وهذا قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجديد. وقال في القديم: لا يصدق وبه قال مالك وأحمد، وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح المهذب ": أما الأموال الظاهرة على الزروع والثمار والمواشي والمعادن ففي أصح القولين وهو الجديد جواز تفريقه بنفسه، وفي القديم منعه، فإن دفعها بنفسه فعليه دفع ثان إلى الإمام أو نائبه، وسواء كان الإمام عادلا أو جائرا م: (لأنه أوصل الحق إلى المستحق) ش: وهو الفقير، وأسقطوا المؤنة عن الساعي. م: (ولنا أن حق الأخذ للسلطان فلا يملك المالك إبطاله) ش: أي إبطال حق السلطان م: (بخلاف الأموال الباطنة) ش: لأنها مفوضة إليه. م: (ثم قيل) ش: أشار به إلى أن في الفصل الرابع لما لم يصدق في قوله، وأخذ منه الساعي ثانيا ماذا يكون حكمه وهو أن فيه الخلاف، فقال بعضه: م: (الزكاة في الأول) ش: يعني تقع الزكاة في دفعه بنفسه، لأنه أوصل الحق إلى مستحقه م: (والثاني) ش: وهو أخذ الساعي ثانيا يكون م: (سياسة) ش: زجرا له حتى لا يفعل ذلك مرة أخرى، وزجرا لغيره عن الإقدام على ما ليس له، والسياسة القيام على الشيء بما يصلحه وهو في الأجوف الواوي، وفي " المغرب ": يقال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 وقيل: هي فيه الثاني والأول ينقلب نفلا وهو الصحيح، ثم فيما يصدق في السوائم وأموال التجارة لم يشترط إخراج البراءة في " الجامع الصغير " وشرطه في الأصل وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه ادعى ولصدق دعواه علامة فيجب إبرازها، وجه الأول أن الخط يشبه الخط فلا يعتبر علامة.   [البناية] للرجل: يسوس الدواب إذا قام عليها وساسها، ومنه الوالي يسوس الرعية سياسة أي يلي أمرهم. م: (وقيل: هي) ش: أي الزكاة م: (وفي الثاني) ش: يعني في أخذ الساعي لأن الزكاة حق الله تعالى، وإنما يستوفيه من انتصب ثانيا في استيفاء حقوقه، فلا تبرأ ذمته إلا بالصرف إليه م: (والأول ينقلب نفلا) ش: هذا كأنه جواب عن سؤال مقدر، تقديره أن يقال: الزكاة إذا كانت في أخذ العاشر، فماذا يكون حكم الذي دفعه المالك إلى الفقير، فأجاب عنه بأن الأول وهو دفع المالك الزكاة إلى الفقير يقع نفلا، كمن صلى في منزله الظهر ثم سعى إلى الجمعة ينقلب ظهره نفلا م: (وهو الصحيح) ش: أي القول الثاني هو الصحيح، واحترز به عن القول الأول، وجه الصحة أنه لما ثبت ولاية الأخذ للسلطان شرعا في الأموال الظاهرة كان أداء رب المال فرضا لغوا كما لو أدى الجزية إلى المقاتلة بنفسه. م: (ثم فيما يصدق) ش: أي ثم في الذي يصدق رب المال م: (في السوائم وأموال التجارة لم يشترط) ش: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إخراج البراءة) ش: أي خط البراءة أراد به العلامة، وفي " المغرب " البراءة اسم لخط الإبراء من برئ من الدين والعيب براءة والجمع براءات، والبراءات لغة العامة م: (في الجامع الصغير) ش: وهو الذي صنفه الإمام محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وشرطه) ش: أي شرط محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إخراج البراءة م: (في الأصل) ش: أي " المبسوط ". م: (وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي شرط محمد إخراج البراءة وهو رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة م: (لأنه ادعى) ش: أي لأن رب المال ادعى الدفع. م: (ولصدق دعواه علامة فيجب إبرازها) ش: أي إظهارها، لأن العادة أن العاشر إذا أخذ كتب بذلك براءة، فإذا لم يكن معه براءة فالظاهر يكذبه فلم يقبل قوله من غير براءة، كالمرأة إذا أخبرت بالولادة، فإن شهدت القابلة قبلت وإلا فلا، ثم على قول من يشترط إخراج البراءة هل يشترط اليمين معها؟ فقد اختلف فيه، وفي " المحيط " و" جامع التمرتاشي ": إذا لم يحلف لم يصدق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يصدق لشهادة الظاهر له. م: (وجه الأول) ش: أي وجه القول الأول وهو عدم اشتراط إخراج البراءة م (أن الخط يشبه الخط) ش: لأن التزوير يدخله فلا يمكن جعله حكما م: (فلا يعتبر علامة) ش: وقال الأترازي فيها: وقال صاحب الهداية في قوله: فيما يصدق في السوائم وأموال التجارة نظر، لأن ما يصدق في السوائم الفصول الثلاثة المذكورة، لأنه إذا قال: علي دين أو غوصبت منذ أشهر أو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 قال: وما صدق فيه المسلم صدق فيه الذمي، لأن ما يؤخذ منه ضعف ما يؤخذ من المسلم، فتراعى تلك الشرائط تحقيقا للتضعيف، ولا يصدق الحربي إلا في الجواري يقول: هن أمهات أولادي أو غلمان معه يقول: هم أولادي لأن الأخذ منه بطريق الحماية وما في يده من المال يحتاج إليها   [البناية] أديتها إلى الفقير في المصر فمن يأتي بخطوط براءة العاشر ولا يصدق ذلك إلا في صورة واحدة، وهو أن يقول: أديته إلى عاشر آخر وفي تلك السنة عاشر آخر، فأجاب الأكمل عن ذلك بأنه ذكر العام وأراد به الخاص أي الصورة المذكورة مجازا، انتهى. قلت: كأنه أخذ الجواب من كلام الأترازي لأنه لما اعترض بالمذكور أجاب هكذا ولا يخلو عن تأمل فافهم. م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وما صدق فيه المسلم) ش: أي كل ما صدق فيه المسلم من قوله: علي دين، أو لم يحل عليه الحول، أو أديته إلى عاشر آخر، أو هو ليس للتجارة أو هو بضاعة عندي م: (صدق فيه الذمي) ش: إذا حلف م: (لأن ما يؤخذ منه) ش: أي من الذمي م: (ضعف ما يؤخذ من المسلم) ش: لأنه يؤخذ منه نصف العشر م (فتراعى تلك الشرائط) ش: وهي النصاب وحولان الحول والفراغ من الدين م: (تحقيقا للتضعيف) ش: أي لأجل تحقيق التضعيف، وهو أخذ نصف العشر ضعف ما يؤخذ من المسلم وهو ربع العشر، لأن تضعيف الشيء إنما يكون إن كان للضعف على أوصاف المضعف عليه، وإلا يلزم أن يكون تبديلا فيراعى فيه الشروط المذكورة. م: (ولا يصدق الحربي إلا في الجواري، يقول: هن أمهات أولادي) ش: أي لا يصدق الحربي الذي دخل دارنا بأمان ومر على العاشر في الفصول المذكورة كلها إلا في الجواري إذا قال: هن أمهات أولادي م: (أو غلمان معه يقول: هم أولادي لأن الأخذ منه بطريق الحماية وما في يده من المال يحتاج إليها) ش: أي إلى الحماية، إذ لو لم تكن لحماية الأمان لكان سببا مع أمواله، وإنما لم يصدق في شيء من الفصول لعدم الفائدة في تصديقه لأنه لو قال: لم يتم الحول فلا اعتبار إليه لأن اعتباره لتحصيل النماء والحماية له تمت بنفس الأمان، وكذا لو قال: علي دين، لأن الدين الذي وجب عليه في دار الحرب لا يطالب به في دارنا، وفيه نظر، لأنه يجوز أن يكون الدين المدعى وجب في دار الإسلام قبل مروره على العاشر، وفي "الولوالجي": لأنهم لا يصدقون تجارنا في دعوى ذلك، فنحن لا نصدقهم أيضا، حتى لو علم أنهم يصدقونهم نصدقهم نحن أيضا. وكذا لو قال: المال بضاعة لأنه لا حرمة لصاحبها ولا أمان، وكذا لو قال: ليس للتجارة، لأن الظاهر يكذبه، لأنه لا يتكلف إلى نقله إلى غير داره ما لم يكن لها، وكذا لو قال: أديتها إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 غير أن إقراره بنسب من في يده صحيح، فكذا بأمومية الولد لأنها تبتنى عليه فانعدمت صفة المالية فيهن، فلا يؤخذ إلا من المال. قال: ويؤخذ من المسلم ربع العشر ومن الذمي نصف العشر ومن الحربي العشر،   [البناية] عاشر آخر - لأن المأخوذ أجرة الحماية، وقد وجدت بنفس الأمان هكذا قالوا، وفيه نظر، لأنه لا يتكرر الأخذ منه من غير تجدد الأمان، وهو غير مشروع، وكذا لو قال أديتها أنا لا يصدق، لأن اعتقاده يكذبه. م: (غير أن إقراره بنسب من في يده صحيح) ش: هذا بيان استثناء في قوله: إلا في الجواري، لأن كونه حربيا لا ينافي الاستيلاد والنسب كما يثبت في دار الإسلام يثبت في دار الحرب، وبه يخرج من أن يكون مالا، والأخذ لا يكون إلا من المال الممرور به. م: (فكذا بأمومية الولد) ش: أي فكذا يصح إقراره بأن هذه أم ولدي م: (لأنها) ش: أي لأن أمية الولد م: (تبتنى عليه) ش: أي على النسب، وفي بعض النسخ لأنه ينبني عليه. قال الأترازي: أي لأن الشأن يبني أمية الولد على النسب م: (فانعدمت صفة المالية فيهن) ش: أي في أمهات الأولاد، لأنهن لم يبقين إلا بإقراره م: (فلا يؤخذ إلا من المال) ش: وكذا لو قال: هم أولادي لهذا المعنى، وإن قال: هم مدبرون لا يلتفت إليه، لأن التدبير منه لا يصح في دار الحرب، كذا في " جامع المحبوبي "، وكذا لو قال: كنت أعتقتهم في دار الحرب لا يصدق، لأن عتقه فيها لا يصح كتدبيره م: (والأخذ لا يجب إلا من المال) ش: أي أخذ العاشر لا يجب إلا من المال الممرور به. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ويؤخذ من المسلم ربع العشر ومن الذمي نصف العشر، ومن الحربي العشر) ش: أي الذي يؤخذ من المسلم الزكاة، لأنه لما أخرج ماله إلى البراري احتاج إلى حماية الإمام، فثبت له ولاية أخذ الزكاة منه كما في السوائم، والذمي أحوج إلى الحماية إذ أطماع اللصوص والسراق إلى أموال أهل الذمة أشد وأكثر، فلذلك وجب الأخذ بضعف ما يؤخذ من المسلم، ولتحقيق الذل بالكفر، وأما الحربي فإنه يؤخذ منه العشر، لأنه لما ثبت الضعف في الذمي ثبت ضعف ذلك في الحربي تحقيقا لقصد الذل. وما يؤخذ من المسلم زكاة توضع موضع الزكاة وتسقط عنه زكاة تلك السنة، وما يؤخذ من الذمي ليس بزكاة لكن يؤخذ بشرائط الزكاة، وتصرف في مصرف الجزية والخراج، لا تسقط عنهم جزية رءوسهم في تلك السنة، وكذا ما يؤخذ من الحربي يصرف إلى مصارف الجزية، وكيفية الأخذ المذكور هي مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأصحابه. وبه قال ابن أبي ليلى والشافعي والثوري وأبو عبيد. وقال مالك: يؤخذ من تجار أهل الذمة العشر إذا اتجروا إلى غير بلادهم مما قل أو كثر إذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 هكذا أمر عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سعاته، وإن مر حربي على عاشر بخمسين درهما لم يؤخذ منه شيء إلا أن يكونوا يأخذون منا من مثلها، لأن الأخذ منهم بطريق المجازاة بخلاف المسلم والذمي، لأن المأخوذ زكاة أو ضعفها فلا بد من النصاب، وهذا في " الجامع الصغير "، وفي كتاب الزكاة: لا نأخذ من القليل، وإن كانوا يأخذون منا منه، لأن القليل لم يزل عفوا، ولأنه لا يحتاج إلى الحماية.   [البناية] باعوا ويؤخذ منهم في سفره كذلك، ولو مرارا في السنة، وإن اتجروا في بلادهم لا يؤخذ منهم شيء، ويؤخذ من الحربي كذلك إلا فيما حملوا إلى المدينة من الحنطة والزيت خاصة، فإنه يؤخذ منهم نصف العشر فقط وهذا عجيب جدا. م: (وهكذا أمر عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سعاته) ش: يعنى مثل المذكور أمر عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سعاته بضم السين جمع ساع وهو عامل الزكاة، رواه عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا هشام بن حسان عن أنس وابن سيرين قال: بعثني أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على الأيلة فأخرج لي كتابا من عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يؤخذ من المسلمين من كل أربعين درهما درهم، ومن أهل الذمة من كل عشرين درهما درهم، وممن لا ذمة له من كل عشرة دراهم درهم. وروى الشيخ أبو الحسن القدوري في شرحه لمختصر " الكرخي " أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نصب العشار، وقال لهم: خذوا من المسلم ربع العشر، ومن الذمي نصف العشر، ومن الحربي العشر، وكان هذا بمحضر الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من غير خلاف فكان إجماعا. م: (وإن مر حربي على عاشر بخمسين درهما لم يؤخذ منه شيء إلا أن يكونوا يأخذون منا من مثلها) ش: أي من مثل خمسين م: (لأن الأخذ منهم بطريق المجازاة بخلاف المسلم والذمي لأن المأخوذ زكاة) ش: يعني من المسلم م: (أو ضعفها) ش: أي والمأخوذ من الحربي ضعف الزكاة وهو نصف العشر، فإذا كان كذلك م: (فلا بد من النصاب) ش: لأنه شرط في الأصل فكذا في المضاعف م: (وهذا في الجامع الصغير) ش: أي الذي ذكرنا كذا ذكر في " الجامع الصغير " لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وفي كتاب الزكاة) ش: يعني المذكور في كتاب الزكاة المذكور في الأصل وهو " المبسوط " لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا م: (ولا يؤخذ) ش: أي العشر م: (من القليل وإن كانوا يأخذون منه) ش: أي من القليل م: (لأن القليل لم يزل عفوا) ش: لنفقته عادة فأخذهم القليل ظلم، ولا متابعة في الظلم، ألا ترى أنهم لو يأخذون جميع الأموال من التجار لا يؤخذ منهم الجميع لأنه غرر هكذا في " المبسوط " وغيره. وفي " المحيط ": إن أخذوا منا الجميع يؤخذ منهم الجميع إلا قدر ما يبلغهم إلى مأمنهم م: (ولأنه) ش: أي ولأن القليل م: (لا يحتاج إلى الحماية) ش: لأنه لا يلتفت إليه غالبا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 قال وإن مر حربي بمائتي درهم ولا يعلم كم يأخذون منا نأخذ منه العشر لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإن أعياكم فالعشر، وإن علم أنهم يأخذون منا ربع عشر أو نصف عشر يأخذ بقدره، وإن كانوا يأخذون الكل لا يأخذ الكل لأنه غدر، وإن كانوا لا يأخذون أصلا لا نأخذ ليتركوا الأخذ من تجارنا، ولأنا أحق بمكارم الأخلاق. قال وإن مر الحربي على عاشر فعشره، ثم مر مرة أخرى لم يعشره حتى يحول عليه الحول   [البناية] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن مر حربي بمائتي درهم ولا يعلم كم يأخذون منا نأخذ منه العشر لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فإن أعياكم فالعشر) ش: قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذا غريب لم يدر معناه، فإن عجزتم عن معرفة ما يأخذون منكم فيؤخذ العشر يقال: عييت بأمر إذا لم يهتد لجهته وأعياني هو: عجزني، وقيل: هو مأخوذ من العي وهو الجهل، فالمعنى فإن جهلكم يعنى إذا اشتبه الحال عليكم، لأن لم يعلم العاشر ما يأخذونه من تجارنا يؤخذ منهم العشر. م: (وإن علم أنهم يأخذون منا ربع عشر أو نصف عشر يأخذ بقدره، وإن كانوا يأخذون الكل لا يأخذ الكل لأنه غرر) ش: لوقوعه بعد الحماية، والغرر حرام ولأنه أمارة عدم الأمان، وفي " مبسوط" شيخ الإسلام: يؤخذ الكل، لأن ما يؤخذ منهم بطريق المجازاة فيجازيهم بمثل صنعهم حتى ينزجروا م: (وإن كانوا لا يأخذون أصلا) ش: أي وإن كان أهل الحرب لا يأخذون من تجارنا أصلا م: (لا نأخذ) ش: منهم م: (ليتركوا الأخذ من تجارنا ولأنا أحق بمكارم الأخلاق) ش: لأن عدم أخذهم من تجارنا يدل على الكرم منهم، ونحن أولى بذلك. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن مر الحربي على عاشر فعشره) ش: أي فأخذ منه العشر م: (ثم مر مرة أخرى) ش: بعد دخوله دار الحرب قبل حولان الحول م: (لم يعشره حتى يحول عليه الحول) ش: قيل: فيه تناقض، لأنه قال: حتى يحول عليه الحول، ثم قال: لأنه لا يمكن من المقام إلا حولا، وقال الأترازي: وقد تكلم بعضهم في تصحيح هذا اللفظ. وقال: المراد منه إلى أن يحول عليه الحول، وهذا تكلف بعيد خارج عن العربية، فلعل السهو وقع من الكاتب لأنه لا يجوز أن يكون كلام صاحب " الهداية " لأنه لا يمكن من المقام حولا بدون حرف الاستثناء قبل قوله حولا، أو تجوز لأنه يمكن من المقام إلا حولا بدون حرف النفي قبل قوله يمكن انتهى. قلت: كأنه أراد بقوله -وقد تكلف بعضهم- بعض من كتب حاشية في هذا الموضع على هذا الوجه. وقال السغناقي في قوله: لا يمكن من المقام إلا حولا: أي إلا قريبا من الحول، وكذا أوله الكاكي، ورأيت في بعض النسخ كلمة إلا مكشوطة فكأنهم كشطوها حتى لا يرد على المصنف بشيء وليس هذا بصحيح، فإن الشراح كلهم ذكروا كلمة إلا وأجاب كل واحد بجواب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 لأن الأخذ في كل مرة استئصال المال، وحق الأخذ لحفظه ولأن حكم الأمان الأول باق وبعد الحول يتجدد الأمان، لأنه لا يمكن من المقام إلا حولا، والأخذ بعده لا يستأصل المال، وإن عشره فرجع إلى دار الحرب ثم خرج من يومه ذلك عشره أيضا، لأنه رجع بأمان جديد، وكذا الأخذ بعده لا يفضي إلى الاستئصال. وإن مر ذمي بخمر أو خنزير عشر الخمر دون الخنزير، وقوله عشر الخمر، أي من قيمتها. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يعشرهما لأنه لا قيمة لهما. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعشرهما لاستوائهما في المالية عندهم وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعشرهما إذا مر بهما جملة، كأنه جعل الخنزير تبعا للخمر،   [البناية] م: (لأن الأخذ في كل مرة استئصال المال) ش: أي استهلاك للمال م: (وحق الأخذ لحفظه) ش: أي لحفظ المال، أراد الأخذ من الحربي لحفظ ماله لا لاستئصاله م: (ولأن حكم الأمان الأول باق) ش: ما لم يحل الحول أو لم يرجع إلى دار الحرب م: (وبعد الحول يتجدد الأمان لأنه لا يمكن من المقام إلا حولا) ش: قد مر الكلام فيه آنفا م: (والأخذ بعده) ش: أي بعد الحول م: (لا يستأصل المال) ش: لإمكان حصول الربح. م: (وإن عشره) ش: أي وإن أخذ العاشر عشر الحربي م: (فرجع إلى دار الحرب ثم رجع من يومه ذلك عشره أيضا) ش: أي يأخذ عشره ثانيا وثالثا، ولو كان في يوم واحد لتجدد الأمان، وبه قال إسحاق وأبو ثور وأبو عبيد، عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لا يكرر في السنة، وقال أبو عبيد: هذا إذا كان المال الذي مر به بعينه في المرة الأولى، وإن كان غيره أخذ منه م: (لأنه رجع بأمان جديد) ش: إذ العصمة تنقطع بالرجوع إلى دارهم، وبالعود إلينا تثبت عصمة جديدة، فصار كالمال المتجدد فيؤخذ منه ثانية كذا في "الإيضاح". م: (وكذا الأخذ بعده) ش: أي بعد الرجوع م: (لا يفضي إلى الاستئصال) ش: لاحتمال حصول الربح في سفره فأقيم نفس السفر مقامه. م: (فإن مر ذمي بخمر أو خنزير) ش: أي مر بهما بنية التجارة وهما يساويان مائتي درهم م: (عشر الخمر دون الخنزير) ش: أي لا يعشر الخنزير م: (وقوله) ش: أي وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (عشر الخمر أي من قيمتها) ش: أي من قيمة الخمر، إنما فسر بهذا احترازا عن قول مسروق، فإنه يقول: يأخذ من عين الخمر. م: (وقال الشافعي: لا يعشرهما، لأنه لا قيمة لهما) ش: أي للخمر والخنزير م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعشرهما لاستوائهما في المالية عندهم) ش: وكذا في التقويم في حق أهل الذمة، ولهذا يجب الضمان على متلف خنزير الذمي كما يجب على متلف خمره فيعشرهما. م: (وقال أبو يوسف: يعشرهما إذا مر بهما جملة كأنه) ش: أي كأن أبا يوسف م: (جعل الخنزير تبعا للخمر) ش: لأن مالية الخمر أظهر، بدليل أن المسلم يرث الخمر، ولو أخرجت من دار الحرب تدخل في الغنيمة ويملكها المسلم حتى لو تخللت تصير ملكا له، والمكاتب لو عجز وله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 فإن مر بكل واحد على الانفراد عشر الخمر دون الخنزير. ووجه الفرق على الظاهر أن القيمة في ذوات القيم لها حكم العين والخنزير منها، وذوات الأمثال ليس لها هذا الحكم والخمر منها، ولأن حق الأخذ للحماية والمسلم يحمي خمر نفسه للتخليل، وكذا يحميها على غيره ولا يحمي خنزير نفسه بل يجب تسييبه بالإسلام، فكذا لا يحميه على غيره،   [البناية] خمر يصير ملكا للمولى بخلاف الخنزير فجعله تبعا للخمر أولى. م: (فإن مر بكل واحد على الانفراد عشر الخمر دون الخنزير) ش: لعدم التبعية، كما أن أبا حنيفة لا يقسم العبيد، فإذا انضمت إلى سائر الأموال يقسمها تبعا (ووجه الفرق على الظاهر) أي على ظاهر الرواية أن الخنزير لا يعشر عندهما سواء مر بهما أو على الانفراد م: (أن القيمة في ذوات القيم) ش: احترز به عن ذوات الأمثال م: (لها حكم العين والخنزير منها) ش: ولهذا لو تزوج ذمي ذمية على خنزير فأتاها بالقيمة أجبرت على القبول كما لو أتاها بالعين. م: (وفي ذوات الأمثال ليس لها هذا الحكم) ش: أي لا يكون في معنى المثلين لأن ما يكون من ذوات الأمثال يجب أن يكون بدله مثلا له اعتبارا بما ضمنه المغصوب، وإذا لم يكن مثلا لها لا يكون أخذها كأخذها ولا كذلك الخنزير، لأنه من ذوات الأمثال وأخذ القيمة فيما لا يكون من ذوات الأمثال ينزل منزلة أخذ العين، والدليل على ذلك أنه لو تزوجها على خمر فأتاها بالقيمة لم تجبر على القبول. فإن قيل: لا نسلم أن القيمة لها حكم العين في ذوات القيم، ألا ترى أن الذمي إذا باع داره بخنزير وشفيعها مسلم يأخذها بقيمة الخنزير، فلو كان لها حكم العين لما أخذ القيمة كما لا يأخذ عين الخنزير، وأجيب بأن القيمة إنما أقيمت مقام العين حكما لا حقيقة فصار لها شبهة العين وهذه الشبهة لم تعتبر في حق العباد لاحتياجهم بخلاف العشر وهو حق الله عز وجل، حيث اعتبرت بهذه الشبهة لاستغنائه تعالى. فإن قيل: ينتقض ما ذكرتم بذمي أخذ قيمة خنزير له استهلكه ذمي آخر وقضى بها دينا عليه لمسلم فإنه جائز، ولو كان أخذ القيمة كأخذ العين لم جاز القضاء؟ وأجيب بأنه لما قضى بها دينا عليه وقعت المعاوضة بينه وبين صاحب الدين، وعند ذلك يختلف السبب، واختلاف الأسباب ينزل منزلة اختلاف الأعيان. م: (والخمر منها) ش: أي من ذوات الأمثال م: (ولأن حق الأخذ للحماية والمسلم يحمي خمر نفسه للتخليل وكذا يحميها على غيره ولا يحمي خنزير نفسه بل يجب تسييبه بالإسلام، فكذا لا يحميه على غيره) ش: هذا لأن الأصل في الولايات ولاية المرء على نفسه ثم تعدى إلى غيره عند وجود سبب التعدي وللمسلم ولاية خمور نفسه، حتى إن الذمي إذا أسلم وله خمور كان له أن يحفظها أو يحفظها غيره لتخللها، أو تتخلل بنفسها، فيكون له ولاية حماية خمور غيره عند وجود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 ولو مر صبي أو امرأة من بني تغلب بمال فليس على الصبي شيء، وعلى المرأة ما على الرجل لما ذكرنا في السوائم ومن مر على عاشر بمائة درهم وأخبره أن له في منزله مائة أخرى قد حال عليها الحول لم يزك المائة التي مر بها لقلتها وما في بيته لم يدخل تحت حمايته، فلو مر بمائتي درهم بضاعة لم يعشرها، لأنه غير مأذون بأداء زكاتها. قال: وكذا المضاربة، يعني إذا مر المضارب به على العاشر، وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول أولا: يعشرها   [البناية] سبب التعدي وهو السلطنة، وليس للمسلم حماية خنزير نفسه حتى إن الذمي إذا أسلم وجب عليه أن يسيبها ولا يحل له أن يحفظها، ولا يكون له ولاية حماية خنزير غيره عند وجود سبب التعدي. وقال الكاكي: قوله: ولا يحميه على غيره عند وجود سبب التعدي، فإن قيل: المسلم أو الذمي إذا غصب خنزير ذمي وتحاكما إلى القاضي فالقاضي يأمره بالرد والتسليم والأمر بها حماية، قلنا: إذا لم يكن له حماية خنزير نفسه لا يكون له ولاية حماية خنزير غيره، وهاهنا لو حماه حماه لغرض يستوفيه ولا كذلك القضاء فافترقا. م: (ولو مر صبي أو امرأة من بني تغلب بمال) ش: إنما قيده ببني تغلب لأن الصبي من أهل الحرب المار على العاشر يظن أنها مال التجارة يؤخذ منه العشر، لأن المأخوذ من بني تغلب له حكم الزكاة، والمأخوذ من الحربي على وجه المجازاة لأنه عوض الحماية، والظاهر أنهم يأخذون من صبياننا حتى لو علم أنهم لا يأخذون من صبياننا لا نأخذ من صبيانهم أيضا م: (فليس على الصبي شيء وعلى المرأة ما على الرجل لما ذكرنا في السوائم) ش: أي المأخوذ منهم في حكم الزكاة فيؤخذ من النساء دون الصبيان، لما أن صاحب مال التجارة لما مر على العاشر صار بمنزلة السوائم في الحاجة إلى الحماية. م: (ومن مر على عاشر بمائة درهم) ش: سواء كان المار مسلما أو ذميا، م: (وأخبره أن له في منزله مائة أخرى قد حال عليها الحول لم يزك المائة التي مر بها، لقلتها) ش: لأن أدنى ما يستحق بحماية شيء هو النصاب م: (وما في بيته لم يدخل تحت حمايته) ش: فلا يضم بما مر به إلى ما في بيته فلا يعشر. م: (فلو مر بمائتي درهم بضاعة) ش: قال الأترازي: قوله: بضاعة، بالجر على أنها صفة لما قبلها، وقيل: يحتمل أن تكون حالا، وفيه نظر، والبضاعة طائفة من المال تدفع للرجل ليتجر فيه لنفسه م: (لم يعشرها لأنه غير مأذون له بأداء زكاتها) ش: أي زكاة المائتين بضاعة، بل هو مأذون في التجارة، فلو أخذ غير الزكاة وليس له أخذ شيء سوى الزكاة. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وكذا المضاربة يعني إذا مر المضارب به على العاشر) ش: أي بمال المضاربة م: (وكان أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول أولا: يعشرها) ش: أي المضارب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 لقوة حق المضارب حتى لا يملك رب المال نهيه عن التصرف فيه بعدما صار عروضا فنزل منزلة المالك ثم رجع إلى ما ذكره في الكتاب وهو قولهما، لأنه ليس بمالك ولا نائب عنه في أداء الزكاة، إلا أن يكون في المال ربح يبلغ نصيبه نصابا فيؤخذ منه لأنه مالك له، ولو مر عبد مأذون له بمائتي درهم وليس عليه دين عشره. قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا أدري أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رجع عن هذا أم لا؟ وقياس قوله الثاني في المضاربة وهو قولهما إنه لا يعشره، لأن الملك فيما في يده للمولى وله التصرف، فصار كالمضارب، وقيل في الفرق بينهما أن العبد يتصرف لنفسه حتى لا يرجع بالعهدة على المولى   [البناية] أي مالها م: (لقوة حق المضارب) ش: لأنه صار بمنزلة المالك م (حتى لا يملك رب المال نهيه) ش: أي نهي المضارب م: (عن التصرف فيه بعدما صار عروضا) ش: أي بعدما صار مال المضاربة عروضا، أي له أمتعة بالبيع والشراء. م: (فنزل منزلة المالك) ش: بتصرفه المطلق م: (ثم رجع) ش: أي أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (إلى ما ذكر في الكتاب) ش: وهو " الجامع الصغير " وهو أن المضارب إذا مر بمائتي درهم لم يعشرها م: (وهو قولهما) ش: أي الذي رجع إليه هو قول أبي يوسف ومحمد م: (لأنه) ش: أي لأن المضارب م: (ليس بمالك) ش: وهو ظاهر م: (ولا نائب عنه) ش: أي عن المالك م: (في أداء الزكاة) ش: بل هو نائب في حق التجارة لا غير، والنائب يقتصر ولايته على ما فوض إليه، فكان بمنزلة المستبضع. م: (إلا أن يكون في المال ربح يبلغ نصيبه نصابا) ش: أي لأن المضارب بلغ نصابا. م: (فيؤخذ منه) ش: أي العشر من نصيبه م: (لأنه مالك له) ش: أي لأن المضارب مالك للنصاب الذي هو حقه في الربح. م: (ولو مر عبد مأذون له بمائتي درهم وليس عليه دين عشره) ش: أي عشر العاشر العبد المأذون له في التجارة م: (وقال أبو يوسف: لا أدري أن أبا حنيفة رجع عن هذا أم لا) ش: قال الكاكي: والصحيح أن رجوعه في المضارب رجوع في العبد المأذون. م: (قلت: وكذا ذكر في " المفيد " و" المريد " و" شرح مختصر الكرخي ". وقياس قوله الثاني في المضاربة وهو قولهما أنه لا يعشره لأن الملك وما في يده للمولى وله التصرف م: (لأن الإذن إطلاق وفك عن الحجر فصار كالمضارب) ش: أي فصار العبد المأذون كالمضارب في أنه ليس بمالك ولا نائب عن مولاه. م: (وقيل في الفرق بينهما) ش: أي بين العبد المأذون له والمضارب م: (أن العبد يتصرف لنفسه حتى لا يرجع بالعهدة) ش: عند ظهور المستحق أي م: (على المولى) ش: بل يباع فيها، وما زاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 فكان هو المحتاج إلى الحماية، والمضارب يتصرف بحكم النيابة حتى يرجع بالعهدة على رب المال فكان رب المال هو المحتاج إلى الحماية، فلا يكون الرجوع في المضارب رجوعا منه في العبد وإن كان مولاه معه يؤخذ منه، لأن الملك له إلا إذا كان على العبد دين يحيط بماله لانعدام الملك أو للشغل وقال: ومن مر على عاشر الخوارج في أرض قد غلبوا عليها فعشره يثني عليه الصدقة، معناه إذا مر على عاشر أهل العدل لأن التقصير جاء من قبله من حيث إنه مر عليه   [البناية] فيطالب به بعد العتق م: (فكان هو المحتاج إلى الحماية، والمضارب يتصرف بحكم النيابة حتى يرجع بالعهدة على رب المال، فكان رب المال هو المحتاج إلى الحماية فلا يكون الرجوع في المضارب رجوعا منه في العبد، وإن كان مولاه معه) ش: أي وإن كان مولى العبد المأذون معه م: (يؤخذ منه) ش: أي من المولى م: (لأن الملك له) ش: أي للمولى م: (إلا إذا كان على العبد دين يحيط بماله) ش: فحينئذ لا يؤخذ من المولى أيضا بالاتفاق م: (لانعدام الملك) ش: على أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لان المولى لا يملك ما في يده، ولهذا إذا أعتق عبده المأذون لا يصح عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أو للشغل) ش: بفتح الشين يعنى العبد مشغولا بالدين عندهما، والحاصل أن عندهما أيضا لا يؤخذ وإن كان يملك المولى ما في يده على أصلهما، لكن كونه مشغولا بالدين يمنع عن الأخذ. فقوله: لانعدام الملك، يرجع إلى أبي حنيفة على أصله وقوله -أو للشغل- يرجع إلى أبي يوسف ومحمد على أصلهما. م: (قال) ش أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن مر على عاشر الخوارج في الأرض قد غلبوا عليها فعشره) ش: أي فعشر عاشر الخوارج هذا المال عليه، أي أخذ منه العشر م: (يثني عليه الصدقة) ش: أي تؤخذ منه ثانيا م: (معناه إذا مر على عاشر أهل العدل، لأن التقصير جاء من قبله) ش: أي من قبل المار م: (من حيث إنه مر عليه) ش: أي على عاشر الخوارج، وأما إذا غلب أهل البغي فأخذوا العشر لا يؤخذ ثانيا، لأن التقصير ما جاء من قبله بل جاء من قبل السلطان حيث ضيعهم فلم يحمهم والأخذ بالحماية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 باب في المعادن والركاز قال: معدن ذهب أو فضة أو حديد أو رصاص أو صفر وجد فيه أرض خراج أو عشر ففيه الخمس عندنا.   [البناية] [باب في المعادن والركاز] [حكم زكاة المعدن والركاز ومقدار الواجب فيه] م: (باب في المعادن والركاز) ش: أي هذا باب في بيان أحكام المعادن والركاز وإنما أخر باب المعادن عن باب العاشر لأن العشر أكثر وجودا من الخمس الذي يؤخذ من المعادن، فكان بيانه أحوج لكثرة وقوعه لأن العشر أقل من الخمس والقليل يقدم على الكثير ذاتا، فقدم بيانه، والمعادن جمع معدِن بكسر الدال في عدَن يعدِن من باب ضرب يضرب عدونا إذا أقام، ومنه جنات عدن، ومعدن كل شيء ومركزه واحد، والمعدن خاص لما يكون في باطن الأرض خلقة، والكنز خاص لما يكون موضوعا، والركاز يصلح لهما في " جمع الغرائب "، قيل: الركاز المعادن، وقيل: هو كنوز الجاهلية، والأصل فيه من ركز رمحه في الأرض إذا ثبت أصله، والكنز يركز في الأرض كما يركز الرمح، وقال ابن الأثير: الركاز: كنوز الأرض الجاهلية المدفونة في الأرض، وهي المطالب في العرف عند أهل الحجاز، وهي المعادن عند أهل العراق والقولان يحتملهما اللغة، قال: والمعدن والركاز واحد، وقال أبو خيثمة اللغوي: أركز الرجل إذا أصاب قطعا من الذهب تخرج من المعادن، قال ابن بطال: وهو قول صاحب " العين " وأبي عبيد وقال النووي: الركاز بمعنى المركوز كالكتاب بمعنى المكتوب، وفي " شرح الطحاوي " المال المستخرج من الأرض له أسماء كثيرة كنز ومعدن وركاز، فالكنز اسم لما دفنه بنو آدم. والمعدن اسم لما خلقه الله في الأرض يوم خلقها. والركاز اسم لهما جميعا، فقد يذكر ويراد به الكنز، ويذكر ويراد به المعدن. ثم المراد من الركاز في الباب الكنز، لأن الباب يشتمل على بيان المعدن والكنز، فلو أريد به المعدن يلزم محض التكرار بلا فائدة، ولهذا لقب الباب التمرتاشي باب في بيان المعدن والركاز. وقال تاج الشريعة: الجواهر المستخرجة من الأرض تتنوع إلى مخلوق الله تعالى وإلى مدفون الناس ويعرف النوعان بأسماء ثلاثة وبالمعدن والكنز والركاز. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (معدن ذهب أو فضة أو رصاص أو حديد أو صفر) ش: بضم الصاد. قال الجوهري: هو الذي تعمل منه الأواني، وفي " ديوان الأدب ": هو النحاس والحديد، وعن أبي عبيد جاء فيه كسر الصاد م: (وجد في أرض خراج أو عشر) ش: قيد بأرض خراج أو عشر، لأنه لو وجد في أرض مملوكة أو دار لا يجب فيه الخمس عند أبي حنيفة كما يجيء، وسواء كان الواجد مسلما أو ذميا أو صبيا أو امرأة أو عبدا أو مكاتبا م: (ففيه الخمس عندنا) ش: يعني يؤخذ الخمس من الواجد والباقي له، وبه قال الأوزاعي والثوري وأبو عبيد واختاره الزهري، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء عليه فيه، لأنه مباح سبقت يده إليه كالصيد إلا إذا كان المستخرج ذهبا أو فضة فيجب فيه الزكاة، فلا يشترط الحول في قول لأنه نماء كله والحول للتنمية.   [البناية] ويبنى على هذا مسائل وهي أن من حفر معدنا بإذن الإمام يخرج منه الخمس وباقيه له، وإن حفر فلم يصل إليه شيء، وجاء آخر فحفر ووصل إلى المعادن فهو له، لأنه الواجد، وإن اشتركا في الحفر فوجد أحدهما دون الآخر فهو للواجد، ومن تقبل من السلطان معدنا فاستأجر آخر واستخرجوا المعدن وتجب فيه الخمس والباقي للمتقبل، وإن عملوا بغير إذن المتقبل فأربعة أخماس لهم دون المتقبل، ولو باع الركاز فالخمس على المشتري ويرجع على الواجد البائع بخمس الثمن. م: (وقال الشافعي: لا شيء عليه فيه) ش: وبه قال مالك م: (لأنه مباح سبقت يده إليه كالصيد) ش: فهو لمن أخذه م: (إلا إذا كان المستخرج) ش: بفتح الراء م: (ذهبا أو فضة فيجب فيه الزكاة) ش: وبه قال أحمد، لكن عند الشافعي في الوجوب في الذهب والفضة ثلاثة أقوال: أصحها أن الواجب فيه ربع العشر، وبه قال أحمد ومالك في رواية. والثاني: أن الواجب فيهما الخمس مثل قولنا، وهو قول المزني. والثالث: ما ناله بلا تعب ومؤنة ففيه العشر وما ناله بتعب ومؤنة كالمعالجة بالنار ونحوها ففيه ربع العشر، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وعن أحمد يجب في المعدن وفي كل ما يستخرج من الأرض حتى القير والكحل. م: (فلا يشترط الحول في قول) ش: للشافعي وهذا هو الصحيح من مذهبه، وبه قال مالك وفي قول آخر: يشترط الحول لأنه كالزكاة، وفي "تتمتهم": إن قبلنا أن الواجب فيه الخمس لا يعتبر الحول قولا واحدا، وإن قلنا: إن الواجب فيه العشر فيه وجهان: أحدهما: أنه يعتبر لأنه حق يتعلق بالذهب والفضة فيعتبر فيه الحول كالزكاة. والثاني وهو الصحيح: لا يعتبر لأنه من أموال الأرض فلا يعتبر فيه الحول كما في الحبوب المعشورة. م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الذهب والفضة م: (نماء كله) ش: يعني النماء م: (والحول للتنمية) ش: يعني شرع الحول للتنمية، فالنماء عين النقدين فلا يجب اشتراط الحول. فإن قلت: ذكر في جانب الشافعي عدم اشتراط الحول، ولم يذكر في جانبنا مع أن عندنا كذلك. قلت: لأن الشافعي قائل بالزكاة، وكان عليه أن يشترط الحول فنفاه بما ذكر من الدليل، ونحن نقول بالخمس فلا يشترط فيه الحول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وفي الركاز الخمس»   [البناية] م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «وفي الركاز الخمس» ش: هذا رواه الأئمة الستة في كتبهم من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس» . أخرجه مطولا ومختصرا، والركاز يطلق على المعدن وعلى المدفون كما ذكرنا. وجه التمسك به أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سئل عما يوجد في الطريق المار أو الخراب البادي فقال فيه: «وفي الركاز الخمس» ، فعطف الركاز على المدفون، فعلم أن المراد منه المدفون، وفي رواية أبي هريرة «سئل ما الركاز يا رسول الله؟، قال: " الذهب الذي خلقه الله في الأرض» . فإن قلت: لو كان الموجود في المعدن ما دون النصاب، والواجد فقير ينبغي أن لا يجب الخمس، لما أن مصرف الخمس الفقير وهو فقير كما في اللقطة، وكذلك لو كان الموجود نصابا والواجد مديونا. قلت: الحديث عام يتناول الفقير والمديون. فإن قلت: لو كان الواجد ذميا ينبغي أن يؤخذ منه الكل كما لو كان حربيا لأنهما في الكفر سواء لا استحقاق لهما في الغنيمة. قلت: لا بل للذمي حق في الغنيمة، فإن أهل الذمة لو قاتلوا أهل الحرب فإنه يرضخ لهم في الغنيمة، فجاز أن يكون لهم حظ فيما له حكم الغنيمة. أما الحربي فلا حظ له فيها سواء قاتل بإذن الإمام أو بغير إذنه، فلا يعطى له من الغنيمة شيء. فإن قلت: الجنس التي لا تجب الزكاة في عينه كالحديد ونحوه، لا يجب حق المعدن كالفيروزج. قلت: القياس ليس بصحيح لوجود الفارق وهو أن الفيروزج لا ينطبع. فإن قلت: احتج الشافعي لربع العشر بأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أقطع لبلال بن الحارث المعادن القَبَلية وهي مواضع بناحية المدينة وأخذ فيها الزكاة ربع العشر، فيؤخذ منها ربع العشر إلى يوم القيامة، رواه مالك وأبو داود، والقَبَلية بفتح القاف والباء الموحدة، وقال البكري: هي من ناحية الفُرُع بضم الفاء والراء من أعمال المدينة، والصفراء قالوا: أعمالها من الفرع ومضافة إليها. قلت: قال ابن عبد البر: هذا منقطع، وقال أبو عبيدة: ومع انقطاعه ليس فيه أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أمر بذلك، وإنما قال: يؤخذ منه. وقال النووي في شرح "المهذب ": قال الشافعي: ليس هذا مما يثبته أهل الحديث ولو أثبتوه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 وهو من الركز فأطلق على المعدن، ولأنها كانت في أيدي الكفرة حوتها أيدينا غلبة فكانت غنيمة، وفي الغنائم الخمس بخلاف الصيد لأنه لم يكن في يد أحد، إلا أن للغانمين يدا حكمية لثبوتها على الظاهر، وأما الحقيقية فللواجد فاعتبرنا   [البناية] لم يكن فيه رواية عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا انقطاعه، فإن الزكاة في المعدن دون الخمس ليست مروية عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال البيهقي: هو كما قال الشافعي في رواية مالك، قيل: قد اعترف الشافعي أنه لا حجة فيه ولم يثبت رفعه عنده لذكره محتجا به، فكيف له أن يجعله مذهبه بعد إقراره بذلك بغير دليل. فإن قلت: رواه الدراوردي عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه أخذ من المعادن القبلية الصدقة» موصولا. أخرجه البيهقي. قلت: كثير مجتمع على ضعفه، لا يحتج بمثله، ذكره البزار وانفرد به أبو أشبرة، ولم يتابع على إسناده. وقال يحيى بن معين: كثير ليس بشيء، وعن أحمد مثله، وعنه لا يساوي شيئا. وقال النسائي: متروك الحديث. م: (وهو من الركز) ش: أي الركاز مشتق من الركز، وهو الإنبات، وهذا المعنى حقيقة في المعدن، ولأنه خلق فيها مركبا وفي الكنز مجاز للمجاوزة م: (فأطلق على المعدن) ش: لما ذكرنا فكانت إرادة المعدن من الركاز أحق للحقيقة. م: (ولأنها) ش: أي ولأن أراضي المعدن م: (كانت في أيدي الكفرة حوتها) ش: بالحاء المهملة أي جمعتها وجازتها م: (أيدينا غلبة) ش: أي من حيث الغلبة م: (فكانت غنيمة وفي الغنائم الخمس) ش: أي الواجب أيضا في الغنائم الخمس بالنص م: (بخلاف الصيد) ش: جواب عما قاله الشافعي: أنه مال مباح سبقت يده إليه كالصيد م: (لأنه لم يكن في يد أحد) ش: أي لأن الصيد لم يكن في يد أحد فلم يدل على عدم الوجوب في الصيد على عدم الوجود في المعدن، وقياسه على الصيد قياس بالفارق وهو غير صحيح. م: (إلا أن للغانمين يدا حكمية) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر وارد على قوله كانت غنيمة تقديره أن يقال: لو كانت هذه غنيمة عنده حتى يجب فيها الخمس كانت أربعة أخماسه للغانمين لأن الحكم في الغنيمة هكذا، فأجاب بقوله: إلا أن للغانمين يدا حكمية لا حقيقية م: (لثبوتها على الظاهر) ش: أي لثبوت اليد الحكمية على ظاهر الأرض. م: (وأما الحقيقية فللواجد) ش: أي وأما اليد الحقيقية فللواجد، وهذا ظاهر م: (فاعتبرنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 الحكمية في حق الخمس، والحقيقية في حق الأربعة الأخماس حتى كانت للواجد. ولو وجد في داره معدنا فليس فيه شيء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا فيه الخمس لإطلاق ما روينا. وله أنه من أجزاء الأرض مركب فيها ولا مؤنة في سائر الأجزاء، فكذا في هذا الجزء، لأن الجزء لا يخالف الجملة بخلاف الكنز فإنه غير مركب فيها. قال: وإن وجده في أرضه. فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه روايتان،   [البناية] الحكمية) ش: أي اليد الحكمية م: (في حق الخمس والحقيقية) ش: أي اليد الحقيقية م: (في حق الأربعة الأخماس حتى كانت) ش: أي الأربعة الأخماس- م: (للواجد) ش: إنما عملوا هكذا دون العكس، لأن الحقيقية أقوى من الحكمية ولأنهم اعتبروا اليد الحقيقية في حق الخمس مع أنه عبادة يحتاط في إثباتها يلزمنا العمل بها في حق الغانمين، وبتعطيل العمل بالشبهين حينئذ. [حكم من وجد في داره معدنا هل عليه زكاة] م: (ولو وجد في داره معدنا فليس فيه شيء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد وسواء كان الواجد مسلما أو ذميا. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله- م: (فيه الخمس) ش: للحال، وعند مالك والشافعي تجب الزكاة في الحال م: (لإطلاق ما روينا) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وفي الركاز الخمس» ولم يفصل بين الدار والأرض والحانوت والمنزل كالدار. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) ش: أي أن المعدن م: (من أجزاء الأرض مركب فيها ولا مؤنة في سائر الأجزاء فكذا) ش: لا مؤنة م: (في هذا الجزء لأن الجزء لا يخالف الجملة) . ش: فإن قلت: لو كان المعدن من أجزاء الأرض ينبغي أن نجوز به التيمم. قلت: إنه جزء من [من الأرض] ولكنه ليس من جنس الأرض كالخشب وقال الأكمل: يجوز التيمم بما هو من جنسها لا من أجزائها خلقة، وهذا ليس من جنسها. قلت: فيه تأمل لا يخفى. م: (بخلاف الكنز فإنه غير مركب فيها) ش: كما عرفت، أي لأن اتصالها اتصال مجاورة، ألا ترى أنه لا يملكه أحد بالشراء ولم يجب عن الحديث، والجواب عنه أنه عام مخصوص منه الأحجار فخص المتنازع فيه. وقيل إن الإمام لما خصه بهذه الدار فكانت نقل بها وللإمام هذه الولاية. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإن وجده) ش: أي المعدن م: (في أرضه فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان) ش: في رواية الأصل: لا شيء فيه، وفي رواية " الجامع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 ووجه الفرق على إحداهما وهو رواية الجامع الصغير أن الدار ملكت خالية عن المؤن دون الأرض، ولهذا وجب العشر والخراج في الأرض دون الدار، فكذا هذه المؤنة، وإن وجد ركازا أي كنزا وجب فيه الخمس عندهم لما روينا، واسم الركاز يطلق على الكنز لمعنى الركز وهو الإثبات ثم إن كان على ضرب أهل الإسلام كالمكتوب عليه كلمة الشهادة فهو بمنزلة اللقطة، وقد عرف حكمها في موضعه، وإن كان على ضرب أهل الجاهلية كالمنقوش عليه الصنم   [البناية] الصغير " فيه الخمس م: (ووجه الفرق على إحداهما) ش: أي على إحدى الروايتين م: (وهي رواية " الجامع الصغير " أن الدار ملكت خالية عن المؤن فلم يخمس دون الأرض) ش: أي بخلاف الأرض، فإن فيها مؤنة العشر والخراج فتخمس م: (ولهذا) ش: أي ولكون المؤنة فيها م: (وجب العشر والخراج في الأرض دون الدار) ش: تقرير هذا الفرق أن الإمام وإن اصطفى الأرض له لكن ما أخلاها عن المؤن حتى أوجب العشر أو الخراج فيها م: (فكذا هذه المؤنة) ش: أما الدار فقد أصفاها له عن الحقوق فكذا في حكم المعدن. م: (وإن وجد ركازا) ش: أي كنزا إنما فسر بهذا لأن الركاز اسم مشترك بين المعدن والكنز، وقد فرغ من بيان المعدن وأراد به الكنز م: (وجب فيه الخمس عندهم) ش: أي عندنا وعند الشافعي أيضا م: (لما روينا) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «في الركاز الخمس» فإن قلت: في هذا التمسك يلزم تعميم المشترك وهو لا عموم له، لأنه استدل بهذا الحديث على وجوب الخمس في المعدن، واستدل به أيضا على وجوب الخمس في الكنز، ولفظ الركاز مشترك بين المعدن والكنز، كما قال أيضا هنا بقوله. م: (واسم الركاز يطلق على الكنز لمعنى الركز فيه) ش: أي في الركاز م: (وهو الإثبات) ش: وفي المعدن هذا المعنى أيضا، والجواب عن السؤال المذكور أن هذا مشترك معنوي، فإن الركز لغة الإثبات، والركز تثبت فيتناول المعدن والكنز بالمعنى العام، فكان كل واحد من أنواع العام لا من أنواع المشترك، ونظير هذا قوله عز وجل: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] (سورة الجمعة: الآية: 9) فإنه يتناول البيع والشراء وكلاهما مراد المعنى العام وهو مبادلة المال بالمال. فإن قلت: المراد بالركاز المعدن بدليل العطف في الحديث الذي مضى، قلت: العطف لا يمنع دخول الكنز فيه لجواز أن يكونه تعميما بعد التخصيص كما في قَوْله تَعَالَى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [نوح: 28] (سورة نوح: الآية: 28) . م: (ثم إن كان) ش: أي الكنز م: (على ضرب أهل الإسلام كالمكتوب عليه كلمة الشهادة فهو بمنزلة اللقطة) ش: في الحكم م: (وقد عرف حكمها) ش: أي حكم اللقطة م: (في موضعه) ش: في كتاب اللقطة م: (وإن كان على ضرب أهل الجاهلية كالمنقوش عليه الصنم) ش: وهو ما كان له جسم أو صورة، فإن لم يكن له جسم ولا صورة فهو وثن، وقال ابن الأثير: الصنم ما اتخذ إلها من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 ففيه الخمس على كل حال لما بينا. ثم إن وجده في أرض مباحة فأربعة أخماسه للواجد لأنه تم الإحراز منه إذ لا علم به للغانمين فيختص هو به، وإن وجده في أرض مملوكة فكذا الحكم عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الاستحقاق بتمام الحيازة وهي منه. وعند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله- هو للمختط له وهو الذي ملكه الإمام هذه البقعة أول الفتح، لأنه سبقت يده إليه وهي يد الخصوص فيملك به ما في الباطن، وإن كانت على الظاهر،   [البناية] دون الله تعالى م: (ففيه الخمس على كل حال) ش: يعني كان الموجود ذهبا أو فضة أو رصاصا أو غيرها، وسواء كان الواجد صغيرا أو كبيرا أو عبدا مسلما أو ذميا ذكرا كان أو أنثى، وسواء وجده في دار أو أرض أو موات إلا إذا كان الواجد حربيا أو مستأمنا فيؤخذ منه، إلا إذا كان الإمام أقطعه إياه لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلمون عند شروطهم» ، غير أنه إن وجده في أرض مملوكة اختلف أصحابنا فيمن يستحق أربعة الأخماس فإنه لا خلاف في وجوب الخمس م: (لما بينا) ش: أي لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وفي الركاز الخمس» . م: (ثم إن وجده) ش: أي الكنز م: (في أرض مباحة) ش: كالمفاوز والجبال وغيرها م: (فأربعة أخماسه للواجد، لأنه تم الإحراز منه) ش: من أحرزت الشيء أُحرزه إحرازا إذا حفظه وضمه إليه وصانه عن الأخذ م: (إذ لا علم به للغانمين) ش: هذا الدليل لقوله: لأنه تم الإحراز منه أي من الواجد المذكور. قوله: به أي بإحراز الواجد، فإذا كان كذلك م: (فيختص هو به) ش: أي فيختص الواجد بالذي أحرزه، والأصل فيه أن الغانمين لهم الاستيلاء، والإحراز به، ولكن هذا الواجد سبقهم بالإحراز فاختص بما بقي من الخمس وهو أربعة أخماس. فإن قلت: إحراز هذا المحرز ليس بموجود فكيف وجب فيه الخمس. قلت: ابتداء الأخذ جهارا، فالواجب كذلك. م: (وإن وجده في أرض مملوكة فكذا الحكم) ش: أي فكالمذكور من الحكم هنا، يعني: يؤخذ منه الخمس، والباقي له م: (عند أبي يوسف، لأن الاستحقاق بتمام الحيازة) ش: من حازه يحوزه إذا قبضه، وملكه واستبد به م: (وهي منه) ش: أي الحيازة الناشئة من الواجد. م: (وعند أبي حنيفة، ومحمد -رحمهما الله- هو للمختط له) ش: أي الذي اختط له، وفسره بقوله: م: (وهو الذي ملكه الإمام هذه البقعة أول الفتح) ش: يعني يوم الفتح، وذلك أن الإمام إذا فتح بلدة يجعل لكل واحد من الغانمين ناحية، ويجعل تلك الناحية له، ويجعل عليها علامة يخط عليها خطا ليعلم أنه قد احتازها ومنه سميت خطط البصرة، والكوفة وهي جمع خطة بالكسر م: (لأنه سبقت يده إليه) ش: أي إلى الذي أخذه م: (وهي يد الخصوص) ش: يعني اختصت يده به لسبقه إليه م: (فيملك به) ش: أي بالخصوص م: (ما في الباطن) . م: (وإن كانت) ش: يده م: (على الظاهر) ش: كلمة إن للوصل، أي يد الخصوص هذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 كمن اصطاد سمكة في بطنها درة ملك الدرة ثم بالبيع لم تخرج عن ملكه لأنه مودع فيها بخلاف المعدن، لأنه من أجزائها فينتقل إلى المشتري، وإن لم يعرف المختط له يصرف إلى أقصى مالك يعرف في الإسلام   [البناية] المجموع لدفع شبهة أوردها شيخ الإسلام في "مبسوطه "، وملخصها أن يد المختط له ثابتة من وجه من حيث إن اليد على الظاهر تدل على الباطن تقديرا، واليد الحكمية لا تثبت الملك كما في حق الغانمين، فإن لهم يدا ثابتة على ما في الباطن، ومع هذا لم يصر ملكا لهم، والجواب أن يد المختط له يد خاصة، واليد الحكمية إذا كانت بهذه المثابة يثبت الملك في المباح كما في المعدن، ألا ترى أن تصرف الغازي بعد القسمة نافذ، وقبلها غير نافذ لثبوت اليد الحكمية على الخصوص. م: (كمن اصطاد سمكة في بطنها درة ملك الدرة ثم بالبيع) ش: أي بيع السمكة م: (لم تخرج الدرة عن ملكه لأنه مودع فيها) ش: أي في السمكة هكذا فسر الأترازي هذا الموضع، حيث قال: كمن اصطاد سمكة في بطنها درة فباع السمكة لا تخرج الدرة عن ملك الصياد، بخلاف المعدن كما ذكره في المتن، قال السغناقي: ثم بالبيع أي بيع الأرض التي تحتها كنز لم يخرج عن ملكه بلفظ التذكير، أي لم يخرج الكنز عن ملكه بدلالة قوله لأنه بالتذكير ولم يقل: "لأنها" حتى ترجع إلى الدرة، لأنه مودع فيها، أي لأن الكنز مودع في الأرض، وكذا فسره الكاكي تبعا له، وهو الصواب. ثم ذكر شيخ الإسلام في مسألة الدرة فقال في ظاهر الرواية لم يفصل بين كون الدرة مثقوبة أو لا، وقيل: إن كانت مثقوبة لم تدخل في ملك المشتري لأنها بمنزلة الكنز، وإن كانت غير مثقوبة تدخل كمن اصطاد سمكة فوجد في بطنها عنبرا، لأنه حشيش يأكله السمك فيكون تبعا له. وفي " المحيط ": إن كانت الدرة في الصدف فهي للمشتري، لأن السمك يأكل الصدف، وكل ما يأكله بالسمك فهو للمشتري، ولو اشترى جملا فوجد في بطنه دينارا لم يكن له لأنه لا يأكله عادة. م: (بخلاف المعدن لأنه من أجزائها فينتقل إلى المشتري) ش: يعني بانتقال الأرض إليه لأنه من عروق الأرض. م: (وإن لم يعرف المختط له يصرف إلى أقصى مالك يعرف له في الإسلام) ش: يعني لم يعرف المختط له ولا دراية يصرف إلى آخره، وهو اختيار السرخسي، وذكر أبو اليسر يوضع في بيت المال، كذا ذكره التمرتاشي هذا إذا لم يقل مالك الأرض: أنا وضعته، فإن ادعاها فالقول قوله بالاتفاق، وإن تصادقا أنه كنز فيه خلاف أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المالك أولى إذا ادعاه، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن نازعه غيره كان المالك أولى، لأن الظاهر أن ما ملكه له، ولو لم يدعه ولم يعرف عامرها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 على ما قالوا، ولو اشتبه الضرب يجعل جاهليا في ظاهر المذهب لأنه أصل. وقيل: يجعل إسلاميا في زماننا لتقادم العهد، ومن دخل دار الحرب بأمان فوجد في دار بعضهم ركازا رده عليهم تحرزا عن الغدر، لأن ما في الدار في يد صاحبها خصوصا،   [البناية] ظاهر الذهب أنه يجعل لقطة يعرفه سنة، ويمتلكه، وعن القفال أنه مال ضائع يدفعه إلى الإمام ليضعه في بيت المال، ولو كانت الأراضي في يده بإعارة أو إباحة، وادعى أن المال له فهو أولى، ولو نازعه منازع، فالقول له مع اليمين بشرط الإمكان، لأنه صاحب اليد، وقال المزني: المالك أولى، لأن الدفين تابع للأرض، وفي اعتبار النصاب قولان: أحدهما: لا يعتبر كقولنا لعموم الحديث وفي الجديد: يعتبر ذكره في " الأم "، وكذا في " الحلية " م: (على ما قالوا) ش: أي المتأخرون. م: (ولو اشتبه الضرب) ش: بأن لم يعرف هل هو ضرب الإسلام أو ضرب الجاهلية م: (يجعل جاهليا في ظاهر المذهب، لأنه الأصل) ش: أي لأن الجاهلي هو الأصل يقدم م: (وقيل: يجعل إسلاميا) ش: أي يجعل إسلاميا م: (في زماننا لتقادم العهد) ش: أي في الإسلام، فالظاهر أنه ليس بمدفون الكفار، حتى لو علم أنه مدفونهم يخمس، والباقي للواجد، أي من كان فيها، لأن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعل كذلك، إلا أن يكون حربيا، وقال الشافعي: لقطة ما يعرفها سنة. [حكم من دخل دار الحرب بأمان فوجد في دار بعضهم ركازا] م: (ومن دخل دار الحرب بأمان فوجد في دار بعضهم ركازا) ش: وفي " المحيط ": وضع محمد هذه المسألة في " الجامع " في الركاز، قال شيخ الإسلام: أراد بالركاز معدنا لا الكنز، والقدوري وضعها في الكنز فهذا أبين لك أن الكنز والمعدن في هذه الصورة سواء. وقال الأترازي: هاهنا اعلم أن الداخل في دار الحرب إذا وجد ركازا أو معدنا أو كنزا فإن وجده في الصحراء فهو له بلا خمس، سواء دخل بأمان أو بغير أمان، انتهى. قلت: المصنف قيد بقوله: إذا وجد في دار أحدهم، لأنه إذا وجد في الصحراء في غير ملك أحدهم، فهو له، ولا يخمس، دخل بأمان أو بغير أمان وبه قال ابن الماجشون من المالكية، وفي " القنية ": إن دخلها بأمان وأخرجه ملكه، ولا يطيب له، وقال الشافعي: إن وجد في دار الحرب في موات لا يدبرون عنه ففيه الخمس، والباقي له، وكذا إذا كانوا يدبون عنه في الصحيح، وقال مالك: هو بين الجيش، وقال الأوزاعي: هو بين الجيش بعد إخراج الخمس. م: (رده عليهم) ش: أي على أهل الحرب م: (تحرزا عن الغدر) ش: أي لأجل الاحتراز عن الغدر الذي هو حرام لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة» م: (لأن ما في الدار في يد صاحبها خصوصا) ش: أي من حيث الخصوص يعني مختص به ليس لغيره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 وإن وجده في الصحراء فهو له لأنه ليس في يد أحد على الخصوص فلا يعد غدرا ولا شيء فيه، لأنه بمنزلة متلصص غير مجاهر. قال: وليس في الفيروزج الذي يوجد في الجبال خمس لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا خمس في الحجر»   [البناية] م: (وإن وجده في الصحراء) ش: أراد به المفازة وموضعها لا ملك لأحد فيه م: (فهو له) ش: أي كله له ولا يخمس وعند الشافعي يخمس م: (لأنه ليس في يد أحد على الخصوص فلا يعد غدرا) ش: فإن قيل: يدهم ثابتة على الصحراء، فإن المستأمن لو وجد شيئا من ذلك في دارنا في الصحراء لا حق له فيه لثبوت يدنا عليه حكما. فيجب أن يكون كذلك وما وجد المستأمن هنا في دارهم قلنا: اليد على ما في الصحراء ثبتت حكما لا حقيقة، وأجيب بأن دارنا دار أحكام فتعتبر اليد الحكمية فيها بخلاف دارهم فإنها دار قهر لا حكم فتعتبر فيها اليد الحقيقية لا الحكمية وذلك لم يوجد على ما في الصحراء كذا في " جامع شمس الأئمة ". وفي " شرح الطحاوي ": وأما إن أصاب الأسير في دار الحرب المسلم والذمي الذي لم يهاجر إلينا من كنز أو معدن فهو كالمستأمن إلا فيما أصابا في ملك الحربي فهو لهما بلا عشر ولا خمس، وإذا أخرجاه فلا بأس للمستأمن أن يتخلص ما في أيديهم بوجه ما في حر مسلم أو ذمي أو مكاتب أو مدبر أو أم ولد المسلم ويقاتلهم حتى يستنقذهم، وإن أتى ذلك على قتل بعضهم لأن هؤلاء لا يجزئ عليهم. لهذا لو أسلموا كانوا ظالمين في إمساكهم. م: (ولا شيء فيه) ش: أي لا خمس فيه م: (لأنه بمنزلة متلصص غير مجاهر) ش: أي لأن هذا الواجد في الصحراء والمتلصص الذي يتلصص أي مباشرا للصوص خفية من غير استيلاء وهو معنى قوله غير مجاهر. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وليس في الفيروزج الذي يوجد في الجبال خمس) ش: إنما قيد بقوله- في الجبال- احترازا عما يوجد هنا أو غيره مما ذكره بعد من الزئبق واللؤلؤ في خزائن الكفار قهرا فإنه يخمس بالاتفاق لأن مال الغنيمة كسائر الأموال م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا خمس في الحجر» . هذا رواه ابن عدي في " الكامل " عن عمر بن أبي عمر الكلاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا زكاة في الحجر» وضعف ابن عدي عُمَرَ بنَ أبي عمر وقال: إنه مجهول لا أعلم من حدث عنه غير بقية فأحاديثه منكرة وغير محفوظة، وأخرجه أيضا عن محمد بن عبد الله العرزمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ونقل تضعيف العرزمي عن البخاري وابن معين والنسائي والفلاس ووافقهم فيه وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه " عن عكرمة قال: «ليس في حجر اللؤلؤ ولا حجر الزمرد زكاة إلا أن يكون للتجارة، فإن كان للتجارة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 وفي الزئبق الخمس في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخرا، وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لأبي يوسف ولا خمس في اللؤلؤ والعنبر عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-   [البناية] ففيه الزكاة.» وقال السغناقي: لا خمس في الحجر، والفيروزج حجر لأنه لا ينطبع ويجوز التيمم به إلا أن بعض الأحجار أضوأ من بعض، وذكر في " المبسوط ": لا زكاة في الحجر وهو معرب - بيروزة. [حكم الزكاة في الزئبق ومقدارها] م: (وفي الزئبق الخمس) ش: أي إن الزئبق يجب فيه الخمس وهو فارسي معرب وقد عرب بالهمزة وبفتح الباء الموحدة، ومنهم من يقول بكسر الباء بعد الهمزة م: (في قول أبي حنيفة آخرا وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لأبي يوسف) ش:. كان أبو حنيفة يقول أولا: لا شيء فيه، وفي قوله الأول كان يقول أولا: لا شيء فيه وحكي عن أبي يوسف أن أبا حنيفة كان يقول أولا: لا شيء فيه، وكنت أقول: فيه الخمس فلم أزل أناظره وأقول يلزماه كالرصاص حتى قال: فيه الخمس، ثم رأيت أن لا شيء فيه ثم رأيت الحاصل أن على قول أبي حنيفة الآخر وهو قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد فيه الخمس، وعلى قول أبي يوسف الآخر وهو قول أبي حنيفة الأول لا شيء فيه لأنه ينبع من عينه ولا ينطبع بنفسه فهو كالقير والنفط. وقال التمرتاشي: قال أبو يوسف: لا يخمس وهو معين بدليل أنه يستسقي بالدلاء فصار كالنفط، ولهما أنه جوهر أذابته حرارة الأرض ومعدنه فصار كما لو أذيب بالنار. م: (ولا خمس في اللؤلؤ والعنبر عند أبي حنيفة ومحمد) ش: اللؤلؤ بهمزتين وبواوين واللام، والثانية بالواو والأولى بالهمزة، وبالعكس، قال: في اللؤلؤ أربع لغات قيل: لا يقال بتخفيف الهمزة لغة، واللؤلؤ مطر الربيع يقع في الصدف فيصير لؤلؤا، فعلى هذا أصله ماء ولا شيء في الماء. وقيل: إن الصدف حيوان يخلق فيه اللؤلؤ والعنبر، قيل: إنه ينبت في البحر بمنزلة الحشيش في البر: هكذا رواه ابن رستم عن محمد، وقيل: إنه شجيرة تنكسر فيلقيها الموج إلى الساحل وليس في الأشجار شيء، وقيل: إنه خثي دابة، وليس في أخثاء الدواب شيء، ذكر ذلك كله في " المبسوط "، وقيل: يخرج من عين في البحر، وقيل: العنبر نبت يكون في قعر البحر فربما يبتلعه الحوت فإذا استقر في بطنه لفظه لمرارته وما لم يبتلعه الحوت فهو الجيد، وقيل: إنه زبد البحر، وقالوا: إن البحر إذا تلاطمت فيه الأمواج صار منها الزبد فلا يزال يضرب الريح بعضها على بعض حتى يمكث ما صفي في الزبد فينعقد عنبرا ثم يتجمد فيقذفه إلى الساحل ويذهب ما لا ينتفع به من الزبد جفاء، وإليه أشار الله تعالى في كتابه {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيهما وفي كل حلية تخرج من البحر خمس، لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخذ الخمس من العنبر، ولهما أن قعر البحر لم يرد عليه القهر فلا يكون المأخوذ منه غنيمة، وإن كان المأخوذ ذهبا أو فضة. والمروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيما دسره البحر وبه نقول   [البناية] (الرعد: الآية 17) ، ولا خمس في الماء والزبد منه. م: (وقال أبو يوسف: فيهما) ش: أي يجب الخمس فيهما أي في اللؤلؤ والعنبر م: (وفي كل حلية) ش: أي يجب الخمس أيضا في كل حلية م: (تخرج من البحر خمس) ش: الحلية على وزن فعلة بالكسر وهي ما يزين به من الذهب والفضة وغيرهما، وفي " المبسوط " قال مشايخنا: لو وجد الذهب والفضة في قعر البحر لم يجب فيه شيء، لأن ما في البحر ليس في يد أحد قط لأن قعر البحر يمنع قهر غيره م: (لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخذ الخمس من العنبر) ش: هذا غريب عن عمر بن الخطاب وإنما هو عن عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا معمر عن سماك بن الفضل أن عمر بن العزيز أخذ الخمس، ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" حدثنا وكيع عن سفيان عن ليث أن عمر بن عبد العزيز خمس العنبر. فإن قلت: روى أبو عبيد في " كتاب الأموال " أخبرنا نعيم بن حماد عن عبد العزيز بن محمد عن رجاء بن روح عن رجل قد سماه عبد العزيز عن ابن عباس عن يعلى بن أمية قال: كتب إلي عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن آخذ من العنبر العشر. قلت: قال أبو عبيدة: هذا إسناده ضعيف، وقول أبي يوسف هو قول الحسن البصري والزهري وعمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أن قعر البحر لم يرد عليه القهر) ش: يعني بالاستيلاء لعدم القدرة م: (فلا يكون المأخوذ منه غنيمة) ش: ولا شيء فيه م: (وإن كان المأخوذ ذهبا أو فضة) ش: واصل بما قبله. م: (والمروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: هذا جواب عن استدلال أبي يوسف لقوله لأن عمر أخذ الخمس في العنبر وهو دون الذي روي عن عمر م: (فيما دسره البحر) ش: أي دفعه ورماه إلى البر م: (وبه نقول) ش: أي بوجوب الخمس في العنبر الذي دسره البحر نقول، فلم يبق حينئذ حجة لأبي يوسف في حديث عمر. وقال السغناقي: لكن لا يتم دفع قول أبي يوسف بمطلق ما ذكر في " الكتاب " من دسر البحر الذي يجب فيه الخمس، فإن في حديث ابن عباس كان العنبر مما دسره البحر أيضا على ما ذكره في " المبسوط "، ونفى الخمس عنه فلا بد من زيادة القيد الذي يوجب الخمس ليفيد دخول دسر البحر في حديث عمر وهو أن يقال: والمروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيما دسره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 متاع وجد ركازا   [البناية] البحر الذي من دار الحرب فدخل الجيش دار الحرب فوجدوه على ساحل بحر دار الحرب فأخذوه فكان غنيمة فيجب الخمس. وأما حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ففيما دسره البحر الذي في دار الإسلام وأخذه واحد من الناس أو فيما دسره البحر الذي في دار الحرب ولكن أخذه واحد من المسلمين فلا خمس فيه لأنه بمنزلة المتلصص لا كالمجاهد، فليس فيما أخذ المتلصص خمس، انتهى. قلت: هذا التطويل لا يفيد. أما الأثر عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلم يثبت كما ذكرنا، بل روي عنه خلافه كما مر. وأما أثر ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإن أبا عبيد روى عن ابن أبي مريم عن داود بن عبد الرحمن العطار سمعت عمرو بن دينار يحدث عن ابن عباس قال: ليس في العنبر خمس، وروى عنه خلافه، رواه عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أن إبراهيم بن سعد -وكان عاملا بعدن - سأل ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن العنبر فقال: إن كان فيه شيء فالخمس، واستدل الأترازي لأبي يوسف بقوله: ما روي أن يعلي بن أمية كتب إلى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في عنبرة وجدت على ساحل البحر فكتب إليه: ذلك سيب من سيب الله يؤتيه من يشاء، فيها وفيما دسره البحر الخمس، انتهى. قلت: لم يبين من روى هذا من أهل الحديث وهل هو حديث صحيح أو ضعيف مع أن له دعوى عريضة في هذا الباب ولم يبن السبب ما هو ووضع نقطة واحدة بعد السين تحت الباء فيكون الناظر فيه أنه سبب بباءين موحدتين وليس هو إلا سيب بفتح السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة. وقال الزمخشري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: السيوب جمع سيب يريد به المال المدفون في الجاهلية أو المعدن، وقال ابن الأثير: السيوب في الأصل م: (الركاز) ش: وقيل: السيوب عروق من الذهب والفضة تسيب في المعدن أي يكون فيه ويظهر، انتهى. قلت: ذكر الأترازي هذا الأثر حجة لأبي يوسف غير مناسب لأنه لا يطابق قول أبي يوسف في أخذ الخمس في العنبر على ما لا يخفى على المتأمل. م: (متاع وجد ركازا) ش: متاع مبتدأ نكرة تخصص بالصفة، وقوله -ركازا- نصب على الحال أي وجد المتاع حال كونه ركازا لا حال كونه لقطة ولا حال كونه موضوعا في البيت وغيرهما من النقدين والاسم بمنزلة المصدر في باب الحال كما تقول: هذا بسرا أطيب منه رطبا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 فهو للذي وجده وفيه الخمس، معناه إذا وجد في أرض لا مالك لها لأنها غنيمة بمنزلة الذهب والفضة والله أعلم.   [البناية] وأبهم الركاز ولم يفسره كما فسره فيما قبل. وفسره الأترازي بقوله -متاع وجد ركازا- أي كنزا، يعني إذا وجد كنز متاع في أرض غير مملوكة يجب فيه الخمس، وقال تاج الشريعة: ألفاظ المشايخ في تفسير المتاع مختلفة لكن الصحيح أنه - رَحِمَهُ اللَّهُ - أراد كل ما يتمتع به ثيابا أو أثاثا أو طعاما أو آنية ذهبا أو فضة أو رصاصا أو حديدا. وقال السغناقي: المتاع ما يتمتع به في البيت من الرصاص ونحوه، وقيل: المراد به الثياب، قال: وتفسيرهم بالذهب والفضة مما لا يكاد يصح، لأنه يقع تكرارا محضا من غير فائدة في حق الذهب والفضة، وإن لفظ الكتاب وهو قوله- لأنه غنيمة بمنزلة الذهب والفضة يقتضي أن يكون المراد بالمتاع الذهب والفضة. قلت: روي في " الإمام " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الركاز الذهب الذي ينبت بالأرض» ، ورواه البيهقي في " المعرفة " وفيه أبو يعلى جبار بن علي العنزي، قال يحيى: صدوق وقال أبو زرعة: لين، ورواه البيهقي أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في الركاز الخمس" قيل: وما الركاز يا رسول الله؟ قال: "الذهب الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت» . وذكره في " الإمام " أيضا ولم يتكلم عليه فدل على صحته. م: (فهو للذي وجده) ش: خبر المبتدأ م: (وفيه الخمس) ش: أي يجب فيه الخمس م: (معناه إذا وجد في أرض مالك لها) ش: قيد بقوله: لا مالك لها لأنه إذا كان لها مالك فالحكم فيه ما ذكر في الذهب والفضة م: (لأنها غنيمة بمنزلة الذهب والفضة) ش: يدل عليه حديث أبي هريرة المذكور آنفا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 باب زكاة الزروع والثمار قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في قليل ما أخرجته الأرض وكثيره العشر سواء سقي سيحا أو سقته السماء   [البناية] [باب زكاة الزروع والثمار] [حكم زكاة الزروع والثمار] [نصاب زكاة الزروع والثمار والمقدار الواجب فيه] م: (باب زكاة الزروع والثمار) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الزروع والثمار لما فرغ من بيان العبادات المالية المطلقة شرع في بيان العبادة المالية المقيدة وهذا العشر عبادة فيها معنى المؤنة على ما عرف فيكون مقيدا، وإطلاق اسم الزكاة عليه -أي العشر- يصرف مصارف الزكاة. وقال الإمام بدر الدين الكردري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فتسمية الزكاة هاهنا خرجت على قولهما لأنهما يشترطان النصاب والبقاء فكان هو فرع زكاة، ولم يقدم صدقة الفطر على العشر لأن مناسبة العشر بالزكاة أقوى لكون كل واحد منهما بناء على القدرة الميسرة ولاتحاد سببها وهو الملك، بخلاف صدقة الفطر، لأن سببها الرأس والأصل في وجوب العشر قَوْله تَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267] (البقرة: الآية 267) . قال المفسرون الإنفاق من المكسوب إخراج الزكاة والإنفاق من المخرج من الأرض إخراج العشر، وقَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] (الأنعام: الآية 141) وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما رواه البخاري من حديث الزهري عن سالم عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر» . وأخرج مسلم من حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فيما سقته السماء والأنهار والعيون العشر وفيما سقي بالسانية نصف العشر» . م: (قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: في قليل ما أخرجته الأرض وكثيره العشر) ش: الأصل عشره أن كل ما تسبب في الحبان ويقصد به استيفاء اشتغال الأرض ففيه العشر الحبوب والبقول والرطاب والرياحين والوسمة والزعفران والورد والورس، وهو مذهب إبراهيم النخعي ومجاهد وحماد وزفر وبه قال عمر بن عبد العزيز ذكره أبو عمر، ويروى عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وقال ابن المنذر: لا نعلم أحدا قاله غير النعمان، قال السروجي: لقد كذب في ذلك فإنه لا يخفى عنه من قاله غيره، وإنما تعصبه حمله على أن قال مثله. م: (سواء سقي سيحا) ش: السيح الماء الجاري من ساح الماء سيحا إذا جرى على وجه الأرض، وانتصابه على أنه مفعول ثان لسقي كما في قَوْله تَعَالَى {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا} [محمد: 15] (محمد: الآية 15) ، م: (أو سقته السماء) ش: أي المطر قال الله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا} [الأنعام: 6] فإن قلت: كان حقه أن يقول: العشر ونصف العشر لأن الواجب أحد هذين على ما جاء في الحديث الذي مضى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 إلا القصب والحطب والحشيش، وقالا: لا يجب العشر إلا فيما له ثمرة باقية   [البناية] قلت: هذا من تسمية الشيء بأغلب الاسمين، لأن وجوب العشر في بلاد المسلمين أكثر، أو الأراضي التي تستقي من الأنهار أو من المطر أكثرهما يسقى بالدوالي ونظيره العمران في أبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لأن خلافة عمر كانت أمد من ولاية أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيكون عدل عمر أكثر فكذا هذا. م: (إلا القصب والحطب والحشيش) ش: وكذلك يستثنى التين والسعف، وذكر في " المبسوط ": الطرفاء عوض الحطب، والسعف روق جريد النخل الذي يصنع منه المراوح وغيرها والمراد بالقصب الفارسي وهو الذي يدخل في الأبنية ويتخذ منه الأقلام، قيل هذا إذا كان القصب ينبت في الأرض والجبال، أما لو غرز الأرض بقصبه فإنه يجب فيه العشر، ذكر الأسبيجابي والمرغيناني والوبري وتجب في قصب السكر والذريرة، وروى أصحاب الإملاء عن أبي يوسف أنه لا شيء في قصب الذريرة وهي رواية عن أبي حنيفة، وفي مضغه حراقه ومسحوقه عطر يضرب إلى البياض بصفرة يجلب من الهند ويجعل في الأروية وسمي ذريرة لأنه يدق ذرة ذرة، وسيجيء الكلام فيه في الكتاب. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله- م: (لا يجب العشر غلا فيما له ثمرة باقية) ش: كالحنطة والشعير والذرة والجوز واللوز والفستق والبندق والعدس والحمص والباقلاء والجلبان والماعن واللوبيا ونحوهما وهو قول الشافعي وفي " المبسوط " وأوجبا في الجوز واللوز وفي الفستق على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعلى قول محمد لا تجب، وفي " المرغيناني " عن محمد أنه لا عشر في التين والفستق والجوز واللوز والنبق والتوت والموز والخرنوب، وعنه يجب في التين والفستق. قال الكرخي: وهو الصحيح عنه ولا في الأهليلجة وسائر الأدوية والسدر والأشنان، ويجب فيما يجيء منه ما يبقى سنة مثل العنب والرطب وغيرهما، وعن محمد إن كان العنب لا يجيء منه الزيت لرقته لا يجب فيه العشر ولا يجب في الصفر والصنوبر والحلبة، وعن أبي يوسف أنه أوجب العشر في الحناء، قال محمد: لا شيء فيه كالرياحين، وفي " المبسوط " عن محمد في التين والأجاص والعناب روايتان وفي الثوم والبصل روايتان. وذكر في " العيون " التين الذي ييبس يجب فيه العشر ولا عشر في التفاح والخوخ الذي يسقى وييبس ولا شيء في بذر البطيخ والقثاء والخيار والرطب، وكل يذر لا يصلح إلا للزراعة ذكره القدوري، ويجب في بذر العنب دون عيدانه، ويجب في الكمون والكراوية والخردل لأن ذلك من جملة الحبوب. ولا زكاة عند الشافعية في التين والسفرجل والرمان والخوخ والجوز واللوز وسائر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 إذا بلغ خمسة أوسق والوسق ستون صاعا بصاع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليس في الخضروات عندهما عشر   [البناية] الثمار سوى الرطب والعنب ولا في الزيتون في الجديد وفي الورس في الجديد، وأوجبها في القديم من غير شرط النصاب في قليله وكثيره ولا يجب في الترمس في الجديد، وقول مالك مثل قول الشافعي وزاد عليه وجوب العشر في الترمس والسمسم والزيتون، والوجوب في الزيتون قول الزهري والأوزاعي والثوري والليث ورواية عن أحمد وهو مذهب ابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقال أحمد: يجب فيما به البقاء واليبس والكيل من الحبوب والثمار سواء كان قواما كالحنطة والشعير والسلق وهو نوع من الشعير، وفي " المغرب " نوع من الشعير لا قشر له يكون بالغور والحجاز والعلس وهو نوع من الحنطة يزعم أهله أنه إذا خرج من قشره لا يبقى بقاء غيره من الحنطة ويكون منه حبتان وثلاث في كمام واحد وهو طعام اأهل صنعاء. وفي " المغرب " هو بفتحتين حبة سوداء إذا أجدب الناس خلطوها وأكلوها. م: (إذا بلغ خمسة أوسق) ش: ذكرت ثلاثة قيود في مذهب الصاحبين الأول: الثمرة احترازا عن غير الثمرة، والثمرة اسم لشيء متفرع من أصل يصلح للآكل. الثاني: البقاء وحده أن يبقى سنة في الغالب من غير معالجة كثيرة كالحنطة والشعير وغيرهما، واحترز به من الورد والآس والوسمة. الثالث: أن يبلغ خمسة أوسق، والوسق ستون صاعا بصاع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الوسق بقتح الواو، وروي بكسرها أيضا ذكره القاضي عياض وهو ستون صاعا، قال الخليل: هو حمل البعير، والوقر حمل البغل والحمار، والوسق عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أربعمائة رطل وثمانون رطلا بالبغدادي وخمسة آلاف رطل وأربعمائة رطل، وعند أبي يوسف ألف وستمائة رطل وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، والوسق ثلاثمائة رطل وعشرون رطلا بالبغدادي عندهم. وقال السغناقي: م: (والوسق ستون صاعا بصاع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: فخمسة أوسق ألف ومائتا مَنٍّ، لأن كل صاع أربعة. وقال شمس الأئمة: هذا قول أهل الكوفة، وقال أهل البصرة: الوسق ثلاثمائة مَنٍّ. [الزكاة في الخضروات] م: (وليس في الخضروات عندهما عشر) ش: والخضروات بفتح الخاء لا غير نحو الفواكه كالتفاح والكمثرى وغيرهما، والبقول كالكراث والكرفس، واستشكل ابن الأثير في " النهاية " جمع الخضراء على الخضروات. قال: وقياس ما كان على هذا الوزن من الصفات لا يجمع على هذا الجمع إنما يجمع به ما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 فالخلاف في موضعين في اشتراط النصاب وفي اشتراط البقاء لهما في الأول قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» ولأنه صدقة فيشترط النصاب فيه لتحقق الغنى، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أخرجت الأرض ففيه العشر» من غير فصل،   [البناية] كان اسما لا صفة نحو صحراء وخنفساء قال وإنما جمع هذا الجمع لأنه قد صار اسما لهذه البقول لا صفة م: (فالخلاف) ش: يعني بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (في موضعين) ش: أحدهما م: (في اشتراط النصاب) ش: والآخر قوله: م: (وفي اشتراط البقاء) ش: فأبو حنيفة لم يشترطهما وهما شرطاهما. م: (لهما في الأول) ش: أي لأبي يوسف ومحمد في الأول وهو اشتراط النصاب م: (قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» ش: هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من حديث يحيى بن عمارة عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس فيما دون خمسة ذود صدقة، وليس فيما دون خمسة أواق صدقة» . و «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» . وفي لفظ لمسلم: «ليس في حب ولا عنب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق» ، وزاد أبو داود فيه: «والوسق ستون مختوما» وزاد ابن ماجه «والوسق ستون صاعا» . والمراد من الصدقة العشر لأن زكاة التجارة تجب فيما دون خمسة أوسق إذا بلغت قيمته مائتي درهم. م: (ولأنه صدقة فيشترط النصاب فيه لتحقق الغنى) ش: هذا دليل عقلي أي ولأن العشر صدقة كالزكاة يتعلق بها أداء المال أو بدليل على أنه لا يجب على الكافر ابتداء ويصرف مصارف الصدقات وقيمة خمسة أوسق مائتا درهم فيشترط فيه النصاب لأجل تحقق الغنى. م: (ولأبي حنيفة قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (ما أخرجته الأرض ففيه العشر، من غير فصل) ش: هذا الحديث غريب بهذا اللفظ، ومعناه ما أخرجه البخاري عن الزهري عن سالم عن ابن عمر.. الحديث، وقد ذكرناه في أول الباب وليس فيه إشارة إلى النصاب لأنه عام يتناول القليل والكثير فيدل على الوجوب من غير قيد. وإخراج لبعض الخارج عن الوجوب وإخلائه عن حقوق الفقراء، وقال أبو بكر بن العربي في " عارضة الأحوذي " وأقوى المذاهب في المسألة مذهب أبي حنيفة دليلا وأحوطها للمساكين وأولاها قياما شكرا للنعمة وعليه يدل عموم الآية والحديث. فإن قلت: العشر يشبه الزكاة من حيث أن يصرف إلى أهل السهمين المذكورين في الآية فيجب أن يكون لماليته عفو ونصاب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 وتأويل ما روياه زكاة التجارة لأنهم كانوا يتبايعون بالأوساق وقيمة الوسق أربعون درهما ولا معتبر بالمالك فيه فكيف بصفته وهو الغنى، ولهذا لا يشترط الحول لأنه للاستنماء وهو كله نماء، ولهما في الثاني قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ليس في الخضروات صدقة»   [البناية] قلت: العشر كالخمس حتى إذا أخذ مرة لا يؤخذ ثانيا، وإن تكرر السنون فيبقى الباقي لرب المال، والعشر يجب على الفقراء فيجب أن لا يتعلق بقدر معين لما أنه يجب تحقق الأرض فيجب في القليل والكثير. قوله -من غير فصل- ليس من الحديث، يعني من غير فرق بين القليل والكثير. م: (وتأويل ما روياه زكاة التجارة) ش: هذا جواب عن حديثهما المذكور أي بتأويل ما رواه أبو يوسف ومحمد أنه محمول على زكاة التجارة م: (لأنهم كانوا يتبايعون بالأوساق، وقيمة الوسق أربعون درهما) ش: فيكون قيمة خمسة أوسق مائتي درهم، وكان كذلك في ذلك الوقت غالبا فأدير الحكم على ذلك إذ الكيل كان أيسر عليهم. م: (ولا معتبر بالمالك فيه فكيف بصفته وهو الغنى) ش: هذا جواب عن قوله لتحقق الغنى أي لا اعتبار بالمالك في العشر، ولهذا يجب العشر في الأرض الموقوفة وأرض المكاتب، فإذا لم يعتبر المكاتب فكيف يعتبر بصفة وهو الغنى الحاصل بالنصاب، وذكر في " المبسوط ": إن كانت الأرض لمكاتب أو لصبي أو مجنون وجب العشر في الخارج منها عندنا. وقال الشافعي: لا شيء في الخارج من أرض المكاتب والعشر عنده قياس الزكاة فلا يجب إلا باعتبار المالك، أما عندنا فالعشر مؤنة الأرض النامية كالخراج، فالمكاتب والحر فيه سواء، وكذلك الخارج من الأرض الموقوفة على الرباطات والمساجد يجب فيه العشر عندنا وعند الشافعي لا تجب إلا في الموقوفة على أقوام بأعيانهم فإنهم كالملاك. م: (ولهذا لا يشترط الحول) ش: والأصل عدم اشتراط غنى المالك بالنصاب لا يشترط الحول في العشر م: (لأنه) ش: أي لأن الحول يشترط م: (للاستنماء) ش: أي لطالب النماء م: (وهو) ش: أي الذي يجب فيه العشر م: (كله نماء) ش: لأن وجوبه يتعلق بالأرض النامية والخراج يجب في قليل الخارج فكذا العشر. م: (ولهما في الثاني) ش: أي ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد في اشتراط البقاء م: (قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «ليس في الخضروات صدقة» ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وهم معاذ وطلحة وعلي ومحمد بن عبد الله بن جحش وأنس وعائشة وعبد الله بن عمر وخالد بن عبد الله وأبو موسى الأشعري وعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أما حديث معاذ بن جبل فرواه الترمذي، حدثنا علي بن حزم أنا عيسى بن يونس عن الحسن بن عمارة عن محمد بن عبد الرحمن بن عبيد عن عيسى بن طلحة «عن معاذ أنه كتب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسأله عن الخضروات وهي البقول فقال: "ليس فيها شيء» ، قال أبو عيسى: إسناد هذا الحديث ليس بصحيح وليس يصح في هذا الباب شيء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وإنما يروى هذا عن موسى بن طلحة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلا، والحسن بن عمارة ضعفه شعبة وغيره وتركه عبد الله بن المبارك. وقال شيخنا زين الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - حديث معاذ تفرد بإخراجه الترمذي. وأما حديث طلحة بن عبيد الله فأخرجه الطبراني في "الأوسط " من حديث موسى بن طلحة عن أبيه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس في الخضروات صدقة» ، وهو ضعيف، وأما حديث علي فأخرجه الدارقطني والبيهقي من رواية الصعب بن حبيب قال: سمعت أبا رجاء العطاردي يحدث عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس في الخضروات صدقة، ولا في العرايا صدقة» ، الحديث قال ابن حبان: الصعب بن حبيب يأتي عن الثقات بالمقلوبات، وقال صاحب " الميزان ": ولا يكاد يعرف. وأما حديث محمد بن عبد الله بن جحش فأخرجه الدارقطني بإسناده «عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أمر معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن أن يأخذ من كل أربعين دينارا دينارا.» الحديث، وفي آخره: «وليس في الخضروات صدقة» ، وفي إسناده عبد الله بن شبيب فإنه ضعيف، قال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث. وأما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فأخرجه الدارقطني أيضا ومن طريقه البيهقي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «جرت السنة من لدن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس فيما دون خمسة أوسق زكاة» الحديث، وفي آخره: «وليس فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة» ، وفي إسناده صالح بن موسى الطلحي وهو ضعيف. وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بشيء، وقال النسائي: متروك. وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الدارقطني أيضا من رواية أشعث بن عطاف ثنا العرزمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: «سئل عبد الله بن عمرو عن الجوهر والدر والفصوص» .. الحديث وفيه «وليس في البقول زكاة» وقال شيخنا زين الدين: لم يتكلم الدارقطني في إسناده وهو ضعيف. فإن العزرمي الذي لم يسم فيه هو محمد بن عبد الله العزرمي قال أحمد: ترك الناس حديثه، وقال ابن معين: لا يكتب حديثه، وقال الفلاس: متروك وقال النسائي: ليس بثقة، وقال صاحب " الميزان ": هو من شيوخ شعبة المجمع على ضعفهم ولكن كان من عباد الله الصالحين. وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه الدارقطني من رواية عدي بن الفضل عن أيوب عن عمرو بن دينار عن جابر قال: لم يكن المقاثي فيما جاء به معاذ إنما أخذ الصدقة من البر والشعير والتمر والزبيب، وليس في المقاثي شيء، وقد كانت تكون عندنا المقثاة تخرج عشرة آلاف فلا يكون فيها شيء، ولم يتكلم الدارقطني في إسناده، وهو ضعيف، فإن عدي بن الفضل متروك الحديث قاله ابن معين وأبو حاتم. وأما حديث أبي موسى الأشعري فأخرجه الطبراني والحاكم في "مستدركه " ومن طريقهما البيهقي من رواية طلحة بن يحيى عن أبي هريرة «عن أبي موسى ومعاذ بن جبل حين بعثهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى اليمن يعلمان الناس من أمر دينهم لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة، الشعير والحنطة والزبيب والتمر» قال الحاكم: إن إسناده صحيح أورده شاهد الحديث عن موسى بن طلحة عن معاذ مرفوعا «فيما سقت السماء والبعل والسيل» وفي آخره: فأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب فقد عفا عنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وأما حديث عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه الدارقطني في سننه من رواية عبد العزيز بن أبان عن محمد بن عبد الله عن الحكم عن موسى بن طلحة عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «إنما سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزكاة في هذه الأربعة، الحنطة والشعير والزبيب والتمر» وعبد العزيز بن أبان القرشي قاضي واسط ضعيف جدا منسوب بوضع الحديث. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 والزكاة غير منفية فتعين العشر. وله ما روينا ومرويهما محمول على صدقة يأخذها العاشر وبه أخذ أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه، ولأن الأرض قد تستنمى بما لا يبقى والسبب هي الأرض النامية ولهذا يجب فيها الخراج، أما الحطب والقصب والحشيش لا تستنبت في الجنان عادة بل تنقى عنها حتى لو اتخذها مقصبة أو مشجرة أو منبتا للحشيش يجب فيها العشر،   [البناية] م: (والزكاة غير منفية فتعين العشر) ش: يعني في الحديث ليس فيه ما يدل على نفي الزكاة فتعين نفي العشر. وقال تاج الشريعة: يعني لو كان نصابه في بعض الحول رطبا لا ينقطع عنه حكم الحول بل تجب الزكاة عند الحول. م: (وله ما روينا) ش: أي ولأبي حنيفة ما روينا وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أخرجت الأرض ففيه العشر» م: (وما روياه محمول على صدقة يأخذها العاشر) ش: أي ما رواه أبو يوسف ومحمد محمول على صدقة يأخذها العاشر لأجل الفقراء عند إباء المالك عن دفع القيمة م: (وبه أخذ أبو حنيفة) ش: أي وبهذا المحمل المذكور أخذ أبو حنيفة م: (فيه) ش: أي في الحديث الذي روياه وهو قوله: «ليس في الخضروات صدقة» فيكون عاملا بالحديثين. م: (ولأن الأرض قد تستنمى بما يبقى) ش: أي قد يطلب النماء من الأرض بما لا يبقى كالخضروات، والاستنماء بها فوق الاستنماء بما يبقى كالحنطة والشعير لأن نفع الخضروات أنفع، ألا ترى أن محمدا وضع الخراج على الكرم أكثر مما وضع على الزرع لأن نفعه أبلغ م: (والسبب هي الأرض النامية) ش: الواو فيه للحال والعامل فيها يستنمى أي والحال أن السبب هي الأرض النامية وهي موجودة، فلم يجب العشر فيما لا يبقى يلزم إخلاء السبب عن الحكم في موضع يحتاط في إثبات ذلك الحكم هو لا يجوز. م: (ولهذا يجب فيها الخراج) ش: أي ولأجل كون السبب هو الأرض النامية يجب فيها الخراج، وفي بعض النسخ يجب فيه الخراج على تأويل المكان. م: (وأما الحطب والقصب والحشيش لا يستنبت في الجنان عادة) ش: لما ذكر هذه الأشياء في أول الباب على وجه الاستثناء ولم يبين وجهه ذكر هنا تعليل عدم الوجوب فيها بقوله -أما- التقصيلية قوله -لا يستنبت- أي لا يطلب إنباتها في الجنان أي في البساتين عادة م: (بل ينقى عنها) ش: أي بل ينقى الجنان عن هذه الأشياء، وينقى من التقنية م: (حتى لو اتخذها) ش: أي لو اتخذ الجنان م: (مقصبة) ش: أي موضعا للقصب لأجل الاستغلال م: (أو مشجرة) ش: أي أو موضعا للأشجار يغرسها لأجل الحطب م: (أو منبتا للحشيش) ش: أو اتخذها موضعا لنبات الحشيش م: (يجب فيها العشر) ش: والمراد بالمذكور أي يجب في كل واحد من هذه الأشياء العشر لأنها تصير غلة فيجب فيها العشر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 والمراد بالمذكور القصب الفارسي، أما قصب السكر وقصب الزريرة ففيهما العشر لأنه يقصد بهما استغلال الأرض بخلاف السعف والتبن لأن المقصود الحب والتمر دونهما. قال: وما سقي بغرب أو دالية أو سانية ففيه نصف العشر على القولين. وما سقي بغرب أو دالية أو سانية ففيه نصف العشر على القولين   [البناية] م: (والمراد بالمذكور ش: يعني في قوله -والقصب- في أول الباب م: (القصب الفارسي) ش: وهو الذي يتخذ منه الأقلام ويدخل في الأبنية وقد مر بيانه م: (أما قصب السكر وقصب الزريرة ففيهما العشر) ش: هذا رجوع إلى بيان ما قاله في أول الباب -إلا الحطب والقصب- لأن هناك لم يبين التفصيل الذي فيه، لأنه ذكر القصب مطلقا، وهنا بين أن المراد من القصب المذكور هناك هو القصب الفارسي. أما قصب السكر وقصب الزريرة فيجب فيهما العشر، وقال شيخ الإسلام في "مبسوطه ": وقصب السكر إن كان يخرج منه العسل يجب فيه العشر وإلا فلا، وقد مر الكلام هناك مستوفى م: (لأنهما يقصد بهما استغلال الأرض) ش: أي لأن قصب السكر وقصب الزريرة يقصد بهما الاستغلال فيجب فيهما العشر. م: (بخلاف السعف والتبن، لأن المقصود الحب والتمر) ش: والسعف بفتح المهملتين وبالفاء، وهو غصون النخل، ومنه قول بعضهم: لو أسف الغراب الذئب في كل صيده ما صارت الغربان في سعف النخل. أراد أن العشر لا يجب فيهما م: (لأن المقصود بالغرس والزراعة التمر والحب دونهما) ش: أي دون السعف والتبن. فإن قلت: ينبغي أن يجب العشر في التبن لأنه كان واجبا وقت كون الزرع فصيلا، ثم التبن هو الفصيل ذاته إلا أنه زادت فيها اليبوسة وبها لا يتغير الواجب. قلت: إنما لا يجب العشر في التبن لأن العشر كان واجبا قبل إدراك الزرع في الساق حتى لو فصله يجب العشر في الفصيل، فإذا أدرك تحول العشر في الساق إلى الحب. م: (وما سقي بغرب) ش: بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وبالباء الموحدة وهو الدلو العظيم م: (أو دالية) ش: وهو المنجنون يديرها البقرة والناعورة لجذع الماء من دلوت الدلو نزعتها كذا في " الصحاح "، وفي " المهذب ": الدالية جذوع طويلة تركب مراكيب مدات الأرز في رأسه مفرقة كبيرة يسقى بها م: (أو سانية) ش: وهي الساقية التي يسقى عليها والجمع السواقي م: (ففيه نصف العشر على القولين) ش: أي على اعتبار القولين قول أبي حنيفة، وقول صاحبيه، لأن عند أبي حنيفة يجب نصف العشر من غير شرط النصاب والبقاء على أصله وعندهما كذلك، لكن بشرط النصاب والبقاء على أصلهما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 لأن المؤنة تكثر فيه وتقل فيما سقي بالسماء أو سيحا، وإن سقي سيحا أو بدالية فالمعتبر أكثر السنة كما هو في السائمة. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما لا يوسق كالزعفران والقطن يجب فيه العشر إذا بلغت قيمته خمسة أوسق من أدنى ما يوسق كالذرة في زماننا لأنه لا يمكن التقدير الشرعي فيه، فاعتبرت قيمته كما في عروض التجارة، وقال محمد: يجب العشر إذا بلغ الخارج خمسة أعداد من أعلى ما يقدر به نوعه فاعتبر في القطن خمسة أحمال كل حمل ثلاثمائة من،   [البناية] م: (لأن المؤنة) ش: هي الكلفة م: (تكثر فيه) ش: أي في الذي يسقى بالغرب والدالية والسانية م: (وتقل) ش: أي المؤنة م: (فيما يسقى بماء السماء) ش: أي المطر م: (أو سيحا) ش: أو سقي سيحا وهو الماء الجاري، وانتصابه على أنه مفعول ثان كما تقول: سقي ماء فيتعدى إلى مفعولين م: (وإن سقي سيحا أو بدالية فالمعتبر أكثر السنة) . ش: إنما ذكر المعطوف بالفاء دون المعطوف عليه، لما أن السيح اسم للماء دون الدالية، فإن الدالية آلة الاستقاء فلا يصح أن يقال وإن سقي بدالية، لأن الدالية غير منتفية بل هي آلة السقي، فلذلك ذكرها بالفاء م: (كما مر في السائمة) ش: أي المعتبر في السائمة أكثر السنة في الرعي، وبه قال عطاء والثوري ومالك وأحمد وهو أحد قولي الشافعي اعتبارا للغالب، وإن سقى نصفها بكلفة ونصفها بغير كلفة فعند مالك والشافعي وأحمد يجب ثلاثة أرباع العشر، فيؤخذ نصف كل واحد من الوظيفتين. م: (وقال أبو يوسف فيما لا يوسق) ش: أي فيما لا يدخل تحت الوسق م: (كالزعفران) ش: فإنه بالإمناء م: (والقطن) ش: فإنه بالأحمال م: (يجب فيها العشر إذا بلغت قيمته خمسة أوسق من أدنى ما يوسق كالذرة) ش: بضم الذال المعجمة وبفتح الراء، وفي الوبري: من أراد أن يعشرها لا يوسق كالدخن والذرة م: (في زماننا) ش: وفي بعض النسخ في ديارنا. م: (لأنه لا يمكن التقدير الشرعي فيه فاعتبرت قيمته) ش: أي لا يمكن التقدير الشرعي كالوسق. قوله -فيه- أي فيما لا يوسق فاعتبرت القيمة، فإذا بلغت قيمة ما لا يوسق فيه أدنى شيء يدخل في الوسق كالذرة يجب فيه العشر وإلا فلا م: (كما في عروض التجارة) ش: أي كما مر ذلك في نصاب الدراهم في العروض التي هي للتجارة. م: (وقال محمد: يجب فيه العشر) ش: أي يجب العشر فيما لا يوسق م: (إذا بلغ الخارج خمسة أعداد من أعلى ما يقدر به نوعه، فاعتبر في القطن خمسة أحمال كل حمل) ش: بكسر الحاء، كذا في " المغرب " م: (ثلاثمائة من) ش: بالعراقي كذا قال أبو بكر الجصاص الرازي: وهي ستمائة رطل، والجملة ثلاثة آلاف رطل بالبغدادي، لأنك تقول: عندي أوقية ورطل ومن وقنطار، وحمل من القطن فالحمل أعلى مقاديره، قيل: كان ينبغي له أن يقدر بالقناطير. لأن القنطار أعلى ما يتعلق به التحامل والأوقارير فيه، ولا اعتبار بالحمل فيهما م: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 وفي الزعفران خمسة أمناء لأن التقدير بالوسق كان لاعتبار أنه أعلى ما يقدر به وفي العسل العشر إذا أخذ من أرض العشر. وقال الشافعي لا يجب لأنه متولد من الحيوان فأشبه الإبريسم، ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في العسل العشر»   [البناية] (وفي الزعفران) ش: أي اعتبر في الزعفران م: (خمسة أمناء) ش: إنما قال أمناء لأن مفردها منى قال الجوهري: المنى مقصور الذي يوزن به، والتثنية منوان والجمع أمناء وهو أفصح من المن، وتثنية المن منان والجمع أمنان. م: (لأن التقدير بالوسق كان باعتبار أنه أعلى ما يقدر به) ش: أراد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتبر الوسق وهو في زمانه كان باعتبار أنه أعلى ما يقدر به المكيلات فوجب على هذا أن يعتبر في كل نوع أعلى ما يقدر به، ثم أقصى ما يقدر به القطن الحمل، فإنه يقدر أولا بالأساتير ثم بالأمناء ثم بالحمل ثم ما بعده تضعيف الحمل، وأما الزعفران فإنه يقدر أولا بالأوقية ثم بالرطل ثم بالمن ثم ما بعده تضعيف المن. وعند مالك والشافعي وأحمد لا شيء في الزعفران والقطن، وإنما أخذ أبو يوسف في التقدير بالأدنى، لأن الغالب عنده في العشر معنى العادة، واستدل عليه بصرفه من مصارف الزكاة فكان الاحتياط في ذلك الأخذ بالأدنى، وإنما أخذ محمد بالأعلى لأن الغالب فيه عنده معنى المؤنة، واستدل عليه بوجوبه في مال الصبي والمجنون والمكاتب والمأذون المديون وأراضي الوقف فلا تبنى على الاحتياط فلا يقدر بالأدنى بالشك، والأصل براءة الذمة. [زكاة العسل] م: (وفي العسل العشر إذا أخذ من أرض العشر) ش: أي يجب في العسل العشر، وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز والأوزاعي والزهري وربيعة ومكحول ويحيى بن سعيد وابن وهب من المالكية وسليمان بن موسى الفقيه الأحدب الدمشقي وإسحاق وأبي عبيد وأحمد وإنما قال: إذا أخذ من أرض العشر لأنه إذا كان في أرض الخراج فلا شيء فيه، وأرض العرب كلها عشرية وهي من أول العدين والقادسية إلى آخر حجر باليمن بمهرة طولا. ومن بيرين والدهناء ورمل عالج إلى مشارف الشام عرضا. وأما أرض الخراج فسواد العراق كلها خراجية وهي ما بين العدين إلى عقبة حلوان عرضا، ومن العلت إلى عبادان طولا، وكل أرض فتحت عنوة وقهرا أو تركت على أيادي أهلها ومنَّ عليهم الإمام فإنه يضع الجزية على أعناقهم إذا لم يسلموا، والخراج على أراضيهم أسلموا أو لم يسلموا. م: (وقال الشافعي: لا يجب) ش: فيه العشر وهو قول ابن أبي ليلى والحسن بن صالح ومالك م: (لأنه متولد) ش: أي لأن العسل متولد م: (من الحيوان فأشبه الإبريسم) ش: أي الذي يكون في دود القز وهو بكسر الهمزة وكسر الراء وفتح السين. قال الجوهري: هو معرب م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «في العسل العشر» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ش: هذا الحديث بهذا اللفظ رواه العقيلي في كتاب " الضعفاء " من طريق عبد الرزاق أخبرنا عبد الله بن محرر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «في العسل العشر» وليس في " مصنف عبد الرزاق " بهذا اللفظ، وإنما لفظه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى أهل اليمن أن يؤخذ من أهل العسل العشر» . وبهذا اللفظ رواه البيهقي من طريق عبد الرزاق، والحديث معلول بعبد الله بن محرر قال ابن حبان في كتاب " الضعفاء ": وكان من خيار عباد الله تعالى إلا أنه كان يكذب ولا يعلم ويقلب الأخبار ولا يفهم، وعبد الله بن محرر بتشديد الراء المفتوحة وتكرارها. وقال الفلاس والنسائي: متروك، وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال الأترازي في هذا الباب: ولنا ما روى الشيخ أبو الحسين القدوري والشيخ أبو نصر البغدادي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن بني شبابة كانوا يؤدون إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العشر من عسل النحل كان نحلهم من كل عشر قرب قربة وكان يحمي واديين لهم» . ولما كان زمان عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استعمل على تلك الناحية سفيان بن عبد الله الثقفي فأبوا أن يؤدوا إليه منها وقالوا: إنا كنا نؤدي إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكتب سفيان إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فكتب إليه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنما النحل ذباب غيث يسوقه الله تعالى رزقا إلى من يشاء فإن أدوا إليك ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاحم لهم واديهم وإلا فخل بينهم وبين الناس. فأدوا إليه ذلك وحمى لهم واديهم، ثم قال الأترازي: وذكر الحديث في السنن أيضا. قلت: ليس الحديث في السنن هكذا، وإنما هذا الذي ذكره في " معجم الطبراني " قال: حدثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف المصري حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن بني شبابة بطن من فهر كانوا يؤدون إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن نحل كان لهم العشر من كل عشر قرب قربة، وكان يحمي واديين لهم. فلما كان عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استعمل على ما هناك سفيان بن عبد الله الثقفي فأبوا أن يؤدوا إليه شيئا وقالوا: إنما كنا نؤديه إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكتب سفيان إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فكتب إليه عمر: إنما النحل ذباب غيث يسوقه الله عز وجل رزقا إلى من يشاء، فإن أدوا إليك، ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاحم لهم أوديتهم وإلا فخل بينهم وبين الناس، فأدوا إليه ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحمى لهم أوديتهم.» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 ولأن النحل يتناول من الأنوار والثمار، وفيهما العشر فكذا فيما يتولد منها بخلاف دود القز، لأنه يتناول الأوراق ولا عشر فيها. ثم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب فيه العشر قل أو كثر لأنه لا يعتبر النصاب، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر فيه قيمة خمسة أوسق كما هو أصله، وعنه أنه لا شيء فيه حتى يبلغ عشر قرب لحديث بني شبابة أنهم كانوا يؤدون إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذلك   [البناية] م: (ولأن النحل يتناول من الأنوار والثمار) ش: أي الأنوار جمع نور بفتح النون وهو الزهر م: (وفيهما العشر) ش: أي في كل واحد من الثمار والأنوار العشر م: (فكذا فيما يتولد منهما) ش: أي فكذا يجب فيما يتولد من الثمار والأزهار م: (بخلاف دود القز) ش: أي الذي يتولد منه الإبريسم، وهذا جواب عما قاله الشافعي فأشبه الإبريسم، وحاصله أن يقال: لا نسلم أن القياس صحيح لأن النحل تأكل الثمر والزهر وفيهما العشر فكذا فيما يتولد منه بخلاف دود القز م: (لأنه يتناول الأوراق) ش: أي أوراق شجر التوت م: (ولا عشر فيها) ش: أي في الأوراق وكذا فيما يتولد منها وهو الإبريسم. م: (ثم عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يجب فيه) ش: أي في العسل م: (العشر قل أو كثر، لأنه لا يعتبر النصاب) ش: لإطلاق الحديث المذكور الذي رواه أبو هريرة وهو حديث الكتاب. م: (وعن أبي يوسف أنه يعتبر فيه قيمة خمسة أوسق) ش: يعني إذا بلغ العسل قيمة خمسة أوسق ففيه العشر، وهذا ظاهر الرواية عنه، كذا قاله الإمام الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كما هو أصله) ش: أي كما هو اعتبار القيمة في أصله في قيمة خمسة أوسق من أدنى ما يوسق م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف م: (أنه لا شيء فيه) ش: أي أن العسل لا شيء فيه، أي لا يجب فيه شيء م: (حتى يبلغ عشر قرب) ش: بكسر القاف جمع قربة كل قربة خمسون منا كذا في " شرح الطحاوي ". م: (لحديث بني شبابة أنهم كانوا يؤدون إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذلك) ش: أي عشر قرب، ثم إنه وقع في بعض النسخ هكذا الحديث بني سيارة بفتح السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبعد الألف راء، وهذا تصحيف، وكذا وقع سبابة بالسين المهملة والباء الموحدة بعد الألف وهو أيضا تصحيف والصحيح بني شبابة بفتح الشين المعجمة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف تاء أخرى، وفي " المغرب " ذكره في باب الشين المعجمة مع الباء الموحدة فقال: بنو شبابة قوم بالطائف من خثعم كانوا يتخذون النحل حتى نسب إليهم العسل فقيل: عسل شبابي وسبابة تصحيف يعني بالمهملة، وقال ابن ماكولا: شبابة بفتح الشين المعجمة وباء موحدة مكررة بطن من فهر، سيابة بسين مهملة بعدها ياء معجمة باثنين من تحتها وبعد الألف باء معجمة بواحدة فهو شبابة بن عاصم سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول «أنا ابن العواتك من سليم.» فقال الجوهري في فصل السين: بنو سبابة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 وعنه خمسة أمناء، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خمسة أفراق كل فرق ستة وثلاثون رطلا لأنه أقصى ما يقدر به، وكذا في قصب السكر   [البناية] قوم بالطائف وذكر في فصل السين المهملة والسبابة السائمة الثلخة وبه سمي الرجل، وذكر في باب الراء في فصل السين المهملة الساير القافل وقولهم أصح من عير أبي سيارة وهو أبو سيارة العدواني كان يدفع بالناس من جمع أربعين سنة على حماره. م: (وعنه خمسة أمناء) ش: أي وعن أبي يوسف في رواية أخرى يجب إذا بلغ خمسة أمناء وهي رواية الأمالي. م: (وعن محمد خمسة أفراق كل فرق ستة وثلاثون رطلا) ش: قال الأترازي: فيه نظر لأنه لم يذكر سائر أقوال محمد قبل هذا في المتن حتى يقول عن محمد وكان من حق الكلام أن يقول: وقال محمد: انتهى. قلت: في هذا النظر نظر، لأنه إنما قال: وعن محمد ليشير به إلى أن لمحمد أيضا أقوالا، فذكر عنه قولا واحدا ولم يلتزم أن يذكر الجميع، وفي " السروجي ": وعن محمد أيضا ثلاث روايات أحدها خمس قرب والقربة خمسون منا، ذكره في " الينابيع "، وفي " المغني ": القربة مائة رطل والثانية خمسة أمناء والثالثة خمسة أفراق، قال السروجي وهي أربعون منا، والفرق ستة وثلاثون رطلا والفرق بفتحتين، قال الأزهري: النحويون على السكون وكلام العرب على التحريك. وفي " التكملة ": وفرق بينهما في " المغني " فقال: الفرق بسكون الراء من الأواني والمقادير ستة عشر رطلا وبالفتح مكيال يأخذ ثلاثين رطلا وقيل بالسكون مائة وعشرون رطلا، وقيل بالسكون أربعة أرطال، وذكر النسفي أنه ستة وثلاثون رطلا، ومثله عن القاضي من الحنابلة. وفي " الصحاح ": الفرق بالسكون وقد يحرك والأفراق هو الذي يجمع فرق يدل على تحريك الراء في المفرد، لأن الفرق بالسكون يجمع على أفرق وفروق م: (لأنه أقصى ما يقدر به) ش: أي لأن الفرق أعلى ما يقدر به في هذا الموضع وعند أحمد نصاب العسل عشر أواق وهو قول الزهري ويروى عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (لأنه أقصى ما يقدر به) ش: أي لأن الفرق أعلى ما يقدر به في هذا الموضع. م: (وكذا في قصب السكر) ش: قال الأترازي: يعني أن في السكر يعتبر خمسة أمناء عند محمد، وعند أبي يوسف خمسة أوسق كما في الزعفران كذا ذكره الحاكم الشهيد والجصاص والإمام والأسبيجابي وغيرهم مذهب أبي يوسف ومحمد في السكر قال: وهو على هذا البيان عطف على قوله - كالزعفران والقطن- أي حكم بين أبي يوسف ومحمد في قصب السكر كما في الزعفران والقطن انتهى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 وما يوجد في الجبال من العسل والثمار ففيه العشر. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجب لانعدام السبب وهي الأرض النامية، وجه الظاهر أن المقصود حاصل وهو الخارج، قال: وكل شيء أخرجته الأرض مما فيه العشر لا يحتسب فيه أجر العمال ونفقة البقر   [البناية] قلت: عطفه على الأقرب هو الأصل، والمعنى: وكذا أقصى ما يقدر به في السكر الذي هو ستة وثلاثون رطلا. م: (وما يوجد في الجبال من العسل والثمار ففيه العشر) ش: ذكره محمد في كتاب الزكاة وهي رواية أسد بن عمرو م: (وعن أبي يوسف أنه لا يجب) ش: كذا ذكره في الإملاء وبه قال الحسن بن زياد م: (لانعدام السبب) ش: أي سبب الوجوب م: (وهي الأرض النامية) ش: الأولى أن يقال السبب ملك الأرض ولم يوجد. م: (وجه الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية وهو الوجوب م: (أن المقصود حاصل وهو الخارج) ش: مجرد الخارج لا يكفي للوجوب لأنه مباح كالصيد والحشيش. [احتساب أجرة العمال في زكاة ما تخرجه الأرض] م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (وكل شيء أخرجته الأرض مما فيه العشر لا يحتسب فيه أجر العمال) ش: بضم العين وتشديد الميم جمع عامل م: (ونفقة البقر) ش: وغيرها مثل كري الأنهار وإصلاح الأرض، وبه قال الشافعي. قال في الوبري وغيره لا يعتد بصاحب الأرض لما أنفق على الغلة من سقي ولا عمارة ولا أجرة حافظ ولا أجرة عامل ولا نفقة البقر، ويجب العشر أو نصفه في جميع الخارج، وأجمعوا على أن ما تلف أو سرق أو ذهب بغير صنعة لا غرم عليه في ذلك، وقال مالك: لو أتلفت الجائحة جميع الخارج فلا ضمان عليه، وفي " المحيط " و" جوامع الفقه " والمرغيناني لا يأكل شيئا من طعام العشر حتى يؤدي عشره، ولو أكل ضمن عشره، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يضمن لكن يكيل به النصاب، وعنه يترك له ما يكفيه وعياله. وفي " خزانة الأكمل ": لا يجب على صاحب الأرض ما أطعم عياله، وجيرانه وهداياه، وما بقي ففيه العشر إن بلغ خمسة أوسق وفي " شرح مختصر الكرخي "، وروى الفضل بن غانم عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ما أكل وأطعم بالمعروف اعتد به في تكميل الأوسق لم يلزمه عشره، وعن محمد يعتبر ذلك من تسعة أعشاره. قال الشافعي: لا يجوز للمالك أن يتصرف في الثمار قبل الخرص بأكل ولا بيع، فإن أكل غرم وعزر مع العلم وإلا غرم. وقال أحمد: يجوز له الأكل بقدر الثلث أو الربع، ولو خرصه الخارص ترك ذلك، وفي " ذخيرة المالكية ": ولا يجب المأكول من الثمرة في الخرص. وفي " شرح الموطأ " للقرطبي: أنه مذهب مالك وزفر كمذهب أبي حنيفة أن ما يأكله من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حكم بتفاوت الواجب بتفاوت المؤنة فلا معنى لرفعها. قال: تغلبي له أرض عشر فعليه العشر مضاعفا، عرف ذلك بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.   [البناية] الثمرة والزرع محسوب عليه، وأن مذهب الشافعي كذلك كمذهب أحمد وهو قول الليث. وفي المرغيناني و" جوامع الفقه ": أن مؤنة حمل العشر على السلطان دون رب الأرض ولا يخرص الرطب والعنب وغيرهما من الثمار والزروع عندنا. وقال الشعبي والثوري: الخرص بدعة. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هو سنة في الرطب والعنب ولا خرص في الزرع وهو قول مالك وأحمد، وقال أبو عمر بن عبد البر: ذكر أصحاب الإملاء عن محمد بن الحسن أنه يخرص الرطب تمرا والعنب زبيبا، وقال السروجي: لم يذكر أصحابنا هذا القول عن محمد فيما علمته. قلت: يمكن أن يكونوا ذكروه فيما علم غيره، والخروص عند بدء صلاح الثمار يقول الخارص: خرصها كذا وكذا رطبا أي حزرها، ويجيء منه كذا وكذا ثم ذكره النووي، ويكتفى بخارص واحد عندهم بمنزلة الحاكم. وفي قول الشافعي لا بد من عدلين كالحكمين المقومين في المتلفات. م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حكم بتفاوت الواجب بتفاوت المؤنة) ش: يعني أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين يتفاوت الواجب وهو العشر تتفاوت المؤنة وهو العشر في قوله ما سقته السماء ... الحديث، ولو أحسبه الأجرة والنفقة لدخل التفاوت في خبر الارتفاع، وكان في ذلك تجويزا لنفي ما أثبت الشرع وأنه ممتنع م: (فلا معنى لرفعها) ش: أي لرفع المؤنة لأنها إذا رفعت يبقى الواجب متفقا لا متفاوتا وهو خلاف الخبر. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (تغلبي) ش: أي شخص تغلبي بكسر اللام منسوب إلى بني تغلب قال الأترازي: أما في حال النسبة يجوز فتح لامها وكسرها، والأفصح الكسر، وقد عرف في علم التصريف، انتهى. قلت: إذا كان الحرف الثاني من الاسم الذي ينسب إليه ساكنا الأفصح هنا الكسرة كما في تغلب، فإنه يجوز فيه الفتح، لأن الساكن فيه كالمعدوم فصار كتمر يقال فيه: تمري بالفتح، وقد ذكرنا أن بني تغلب قوم من النصارى بقرب الروم م: (له أرض عشر فعليه العشر مضاعفا) ش: أي حال كونه مضاعفا. م: (عرف ذلك بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: وهو إجماع سكوتي وذلك أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أقرهم على التضعيف حيث قالوا: يلحقنا العار بأداء الجزية، وكان ذلك بمحضر من الصحابة فاستقر الأمر عليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن فيما اشتراه التغلبي من المسلم عشرا واحدا لأن الوظيفة عنده لا تتغير بتغير المالك، فإن اشتراها منه ذمي فهي على حالها عندهم لجواز التضعيف عليه في الجملة كما إذا مر على العاشر وكذا إذا اشتراها منه مسلم أو أسلم التغلبي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - سواء كان التضعيف أصليا أو حادثا لأن التضعيف صار وظيفة لها فتنتقل إلى المسلم بما فيها كالخراج. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعود إلى عشر واحد لزوال الداعي إلى التضعيف. قال في الكتاب: وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما صح عنه.   [البناية] م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن فيما اشتراه التغلبي من المسلم عشرا واحدا) ش: انتصاب عشرا على أنه اسم أن وخبره مقدما وهو قوله -فيما اشتراه- م: (لأن الوظيفة عنده) ش: أي لأن وظيفة الأرض عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لا تتغير بتغير المالك) ش: كالخراج في الأرض الخراجية إذا اشتراها مسلم، وهذه رواية عنه. وفي بعض الكتب أنه يضاعف عليه العشر كما هو مذهبهما. م: (فإن اشتراها منه) ش: أي من التغلبي م: (ذمي فهي على حالها) ش: أي الأرض على حالها من التضعيف م: (عندهم) ش: أي عند أصحابنا الثلاثة م: (لجواز التضعيف عليه، في الجملة) ش: أي على الذمي أي يجوز التضعيف على ذمي غير تغلبي في الجملة م: (كما إذا مر على العاشر) ش: فإنه يؤخذ منه نصف العشر، ومن المسلم ربع العشر، والنصف ضعف الربع. م: (وكذا إن اشتراها منه) ش: أي من التغلبي م: (مسلم) ش: فالأرض العشرية على حالها من التضعيف م: (أو أسلم التغلبي) ش: يعني الأرض على حالها من التضعيف م: (عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سواء كان التضعيف أصليا) ش: بأن ورثها التغلبي عن آبائه كذا أو تداولته الأيدي من الشراء كذلك. م: (أو حادثا) ش: يعني عارضا، بأن اشتراها من المسلم م: (لأن التضعيف صار وظيفة لها) ش: أي للأرض م: (فتنتقل إلى المسلم بما فيها كالخراج) ش: وإن كان فيه معنى العقوبة، لأن الإسلام لا ينافي العقوبة كالحدود، وذكر أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أحكام القرآن " عن عمر وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخذ الخراج ممن أسلم وقام على أرضه. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعود إلى عشر واحد لزوال الداعي إلى التضعيف) ش: وهو الكفر أي لأن التضعيف كان بسبب الكفر وقد زال. م: (قال في الكتاب) ش: أي قال شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب الزكاة في " المبسوط " م: (وهو) ش: أي العشر الواحد م: (قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما صح عنه) ش: أي في القول الصحيح عنه، أي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن التضعيف الحادث لا يتصور عنده، فإن التغلبي إذا اشترى من مسلم يجب عشرا واحدا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اختلفت النسخ في بيان قوله. والأصح أنه مع أبي حنيفة في بقاء التضعيف إلا أن قوله لا يتأتى إلا في الأصلي، لأن التضعيف الحادث لا يتحقق عنده لعدم تغير الوظيفة، ولو كانت الأرض لمسلم باعها من نصراني يريد به ذميا غير تغلبي وقبضها فعليه الخراج عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه أليق بحال الكافر وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عليه العشر مضاعفا ويصرف مصارف الخراج اعتبارا بالتغلبي وهذا أهون من التبديل. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هي عشرية على حالها، لأنه صار مؤنة   [البناية] م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (اختلفت النسخ) ش: أي نسخ " المبسوط " أو " الجامع " م: (في بيان قوله) ش: أي قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ففي " مبسوط شمس الأئمة " ذكر قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثم قال: وذكر في رواية أبي سليمان المسألة بعد هذا وذكر قول محمد مع أبي يوسف. م: (والأصح أنه مع أبي حنيفة في بقاء التضعيف) ش: أي تضعيف العشر م: (إلا أن قوله) ش: أي قول محمد م: (لا يتأتى إلا في الأصلي) ش: أي في التضعيف الأصلي م: (لأن التضعيف الحادث لا يتحقق عنده) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لعدم تغير الوظيفة) ش: أي لأن الوظيفة إذا استقرت في شيء لا تتغير من وصف إلى وصف وهو اختيار الكرخي وهو الأصح. م: (ولو كانت الأرض) ش: أي الأرض العشرية م: لمسلم باعها من نصراني يريد به ذميا غير تغلبي وقبضها) ش: أي قبض النصراني الأرض يبطل العشر، فإذا بطل م: (فعليه الخراج عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه) ش: أي لأن الخراج م: (أليق بحال الكافر) ش: لأن الكفر ينافي أداء العبادة بخلاف الخراج، لأن الإسلام لا ينافي العقوبة. م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عليه العشر) ش: حال كونه م: (مضاعفا) ش: لأنه أهل للتضعيف م: (ويصرف) ش: أي العشر المضاعف م: (مصارف الخراج) ش: أي إلى أرزاق المقاتلة ورصد الطريق ونحو ذلك على ما يجيء في باب العشر والخراج إن شاء الله تعالى، وذلك لأنه إنما يصرف ما كان لله تعالى بطريق العبادة ومال الكافر لا يصح لذلك فيوضع موضع الخراج. م: (اعتبارا بالتغلبي) ش: لأن التضعيف وظيفة فلا يتغير م: (وهذا) ش: أي التضعيف م: (أهون من التبديل) ش: لأنه في الوصف والخراج واجب آخر عند الشافعي بالإخراج عليه، لأنه لم يكن من الأرض ولا عشر أيضا لعدم أهليته، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يصح البيع. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هي عشرية على حالها م: (لأنه صار مؤنة لها) ش: أي لأن العشر صار مؤنة للأرض، لأن العشر مؤنة فيها شبه العبادة فلا تجب على الكافر ابتداء ولا تبطل عند الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 لها فلا تتبدل كالخراج ثم في رواية يصرف مصارف الصدقات، وفي رواية مصارف الخراج، فإن أخذها منه مسلم بالشفعة أو ردت على البائع لفساد البيع فهي عشرية كما كانت، أما الأول فلتحول الصفقة إلى الشفيع كأنه اشتراها من المسلم، وأما الثاني فلأنه بالرد والفسخ بحكم الفساد جعل البيع كأن لم يكن، ولأن حق المسلم لم ينقطع بهذا الشراء لكونه مستحق الرد. قال: وإذا كانت لمسلم دار خطة فجعلها بستانا   [البناية] بقاء وهو معنى قوله م: (فلا تتبدل كالخراج) ش: على المسلم م: (ثم في رواية) ش: على قول محمد وهي رواية السير الكبير م: (يصرف) ش: أي هذا العشر م: (مصارف الصدقات) ش: لتعلق حق الفقراء به كتعلق حق المقاتلة بالأراضي الخراجية. م: (وفي رواية) ش: عن محمد هي رواية ابن سماعة عنه م: (يصرف مصارف الخراج) ش: لأنه إنما يصرف إلى الفقراء ما كان لله تعالى بطريق العبادة، ومال الكافر لا يصلح لذلك فيوضع موضع الخراج كمال أخذه العاشر من أهل الذمة كذا في " الإيضاح ". م: (فإن أخذها منه مسلم) ش: أي وإن أخذ الأرض العشرية مسلم من النصراني الذي اشتراها من مسلم م: (بالشفعة) ش: أي بسبب الشفعة بأن باع هذا النصراني هذه الأرض العشرية وأخذها مسلم منه بحق الشفعة م: (أو ردت) ش: تلك الأرض م: (على البائع) ش: وهو مسلم م: (لفساد البيع) ش: فهي عشرية كما كانت أولا وبطل الخراج أو التضعيف. م: (أما الأول) ش: وهو صورة الأخذ بالشفعة م: (فلتحول الصفقة) ش: أي العقد م: (من المشتري النصراني) ش: إلى الشفيع م: (وهو المسلم كأنه اشتراها من المسلم) ش: أي المسلم اشتراها ابتداء. م: (وأما الثاني) ش: وهو صورة الرد بالفساد (فلأنه بالرد) ش: أي برد البيع م: (والفسخ) ش: أي وفسخه م: (بحكم الفساد جعل البيع كأن لم يكن) ش: في الأولى م: (ولأن حق المسلم) ش: وهو البائع م: (لم ينقطع بهذا الشراء لكونه مستحق الرد) ش: لوقوعه فاسدا فلا خراج ولا تضعيف إذن. وذكر التمرتاشي كذا لو رد على البائع بخيار، وكذا إذا كان الرد بالعيب بقضاء فإنها تعود كما كانت لزوال المانع قبل تقرره، ولو كان الرد بلا قضاء أو باعها من مسلم أو أسلم بقيت خراجية لأن الإسلام لا يدفع الخراج. م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا كان لمسلم دار خطة) ش: فإضافة الدار إلى الخطة للبيان، كما في قولك خاتم فضة. قال السغناقي: كذا كان مقيدا بخط شيخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ويجوز نصب خطة بالتمييز عن اسم تام بالتنوين كما في عندي راقود خلا، انتهى كلامه. والخطة بالكسر هو المكان الذي اختط البناء دارا وغير ذلك من العمائر م: (فجعلها بستانا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 فعليه العشر، معناه إذا سقاه بماء العشر، أما إذا كانت تسقى بماء الخراج ففيها الخراج، لأن المؤنة في هذا تدور مع الماء وليس على المجوسي في داره شيء، لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جعل المساكن عفوا   [البناية] ش: البستان كل أرض يحوطها حائط، وفيها نخيل متفرقة وأشجار م: (فعليه العشر معناه إذا سقاه بماء العشر، وأما إذا كانت تسقى بماء الخراج) ش: كأنهار الأعاجم م: (ففيها الخراج لأن المؤنة) ش: أي الكلفة م: (في مثل هذا تدور مع الماء) . ش: لأن النماء يحصل به. قال الإمام الزاهد العتابي: هذا مشكل لأن هذا إيجاب الخراج على المسلم ابتداء، وذكر الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي في " الجامع الصغير ": أن عليه العشر بكل حال وهو الأظهر، فإن سقاه مرة من ماء العشر ومرة من ماء الخراج ففيه العشر، لأنه أحق بالعشر من الخراج وإن سقى بسيحون أو جيحون أو دجلة أو الفرات فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خراجي، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عشري. وقال الأترازي: الجواب عن الإشكال المذكور أن وضع الخراج على المسلم ابتداء بطريق الجبر لا يجوز، أما إذا كان اختاره المسلم فيجوز ذلك، وقد اختاره حيث سقاه بماء الخراج، ألا ترى أن المسلم إذا أحيا أرضا ميتة بإذن الإمام وسقاها بماء الخراج يجب عليه الخراج، كذا هذا. قلت: هذا الجواب ليس لشمس الأئمة. م: (وليس على المجوسي في داره شيء) ش: إنما خص المجوسي بالذكر، وإن كان الحكم في اليهودي، والنصراني كذلك، لأن المجوسي أبعد عن الإسلام بسبب حرمة نكاح نسائهم وذبائحهم، فإذا لم يجب في دار المجوسي والحالة هذه فأولى أن لا يجب في دارهما كذا في " الفوائد الظهيرية " م: (لأن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جعل المساكن عفوا) ش: هذا غريب، لكن ذكر أبو عبيد في " كتاب الأموال " أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جعل الخراج على الأرضين التي تعمل من ذوات الحب الثمار التي تصلح للغلة وعطل من ذلك المساكن والدور التي هي منازلهم، ولم يجعل فيها شيئا ذكره بغير سند. وقال شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنما خص المجوسي بالذكر، لأنه قيل لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إن المجوسي كثير بالسواء، فقال: أعياني أمراء المجوس وفي القوم عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم» فلما سمع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بذلك أمر عماله، أن تمسح أراضيهم ويوظفوا عليها الخراج بقدر الطاقة، وعفا عن رقاب دورهم وعن رقاب الأشجار فيها فلما ثبت العفو في حقهم مع كونهم أبعد عن الإسلام ثبت في حقهما بالطريق الأولى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 وإن جعلها بستانا فعليه الخراج. وإن سقاها بماء العشر لتعذر إيجاب العشر إذ فيه معنى القربة فتعين الخراج وهو عقوبة تليق بحاله وعلى قياس قولهما يجب العشر في الماء العشري إلا أن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عشر واحد، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عشران وقد مر الوجه فيه، ثم الماء العشري ماء السماء والآبار والعيون والبحار التي لا تدخل تحت ولاية أحد،   [البناية] م: (وإن جعلها بستانا) ش: أي وإن جعل المجوسي دار خطة بستانا م: (فعليه الخراج) ش: لأنها صارت نامية كما لو جعل العلوفة سائمة، ثم عليه الخراج سواء سقاها بماء الخراج أو بماء العشر، لأن الكفر منافي العبادة بخلاف المسلم إذا جعل داره بستانا يعتبر الماء، لأن الإسلام لا ينافي العقوبة فاستقام توظيف الخراج عليه م: (وإن سقاها بماء العشر) ش: واصل بما قبله، وقد ذكرنا الآن سواء سقاها بماء العشر أو بماء الخراج م: (لتعذر إيجاب العشر إذ فيه معنى القربة) ش: أي لأن في العشر معنى القربة وإذا كان كذلك. م: (فتعين الخراج وهو عقوبة تليق بحاله) ش: أي بحال المجوسي وقيد بقوله جعل داره بستانا، فإنه إذا لم يجعلها بستانا ولكن فيها أشجارا تخرج أكرارا من التمر فهي في حكم الدار، وليس فيها شيء كذلك في " المبسوط "، وفي " فتاوى قاضي خان " وعليه إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (وعلى قياس قولهما) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد وهو جواز إيجاب العشر على الكافر في الأرض العشرية م: (يجب العشر في الماء العشري) ش: يعني الماء الذي يسقى به الأرض العشرية م: (إلا أن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عشر واحد) ش: أي يجب عشر واحد. م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عشران) ش: أي يجب عشران م: (وقد مر الوجه فيه) ش: أي وجه هذا من الجانبين قد مر وهو الذمي إذا اشترى من مسلم أرضا عشرية وجب عند أبي يوسف عشران وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عشر واحد، وقد مرت روايتان أيضا في المصرف في رواية يصرف إلى مصارف الخراج، وفي رواية يصرف في مصارف العشر. م: (ثم الماء العشري ماء السماء، والآبار، والأنهار، والعيون، والبحار التي لا تدخل تحت ولاية أحد) ش: هذا بيان للمياه أنها على نوعين، مياه عشرية، ومياه خراجية، فقوله: -ثم الماء العشري- إلى قوله: -ولاية أحد- بيان للمياه العشرية، فالماء تابع للأرض، فإن كانت الأرض عشرية فالماء الخارج منها عشري وإن كان خراجية فالماء الخارج منها خراجي بقوله -ماء السماء- وهو المطر، فإن كل ماء ينزل على الأرض العشرية يعد من المياه العشرية، وإن كان ينزل على الأرض الخراجية يعد من المياه الخراجية. قوله -والآبار- أي الآبار التي حفرت في الأراضي العشرية، والعيون التي ظهرت في الأراضي العشرية، وفي " المحيط ": بئر حفرت في الأرض العشري وعين ظهرت في أرض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 والماء الخراجي ماء الأنهار التي شقها الأعاجم وماء جيحون   [البناية] العشر كان الماء فيها عشريا تابعا للأرض، وفي الأرض الخراجية كذلك يتبع الأراضي. م: (والماء الخراجي ماء الأنهار التي شقها الأعاجم) ش: هي الأنهار الصغار التي في بلاد العجم مثل نهر المالك ونهر يزدجرد ونهر مرو لأن مثل هذه الأنهار ماء الخراجي فصار ماؤها خراجيا وصارت الأرض خراجية تبعا للماء كذا في " مبسوط فخر الإسلام ". ثم اعلم أن الأراضي العشرية ستة: الأولى: أرض العرب كالحجاز واليمن ونحوهما. الثانية: أرض أسلم أهلها على ذلك طوعا. الثالثة: أرض فتحت عنوة وقسمت بين الغانمين. الرابعة: أرض أحييت وسقيت بماء العشر. الخامسة: الأرض الخراجية انقطع عنها ماء الخراج فسقيت بماء عشري. السادسة: جعل داره بستانا وسقاها بماء العشر. والأرض الخراجية ثمان. الأولى: الأرض التي فتحت عنوة وتركت في أيديهم بالخراج المصروف عليها كما فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في أرض سواد العراق ومصر. والثانية: أرض أحياها كافر ذمي بإذن الإمام، أو قاتل فرضخ له الإمام ذكره وفي " التحفة ". والثالثة: جعل داره بستانا وقد سقاها بماء العشر. والرابعة: طلب بعض الكفار من الإمام أن يضرب على أراضيهم خراجا من غير قهر. والخامسة: أرض أحييت بماء الخراج. والسادسة: أرض اشتراها مسلم من كافر. والسابعة: الأرض العشر إذا انقطع عنها ماء العشر فسقيت بماء الخراج. الثامنة: لمسلم دار فجعلها بستانا وسقاها بماء الخراج وقد تقدم ذكر ذلك كله في " الولوالجي " وغيره. م: (وماء جيحون) ش: قال الأترازي: ماء جيحون اسم لنهر بلخ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 وسيحون ودجلة   [البناية] وقال السغناقي: نهر ترمذ بكسر التاء والذال المعجمة وتبعه الأكمل في ذلك. قلت: قال صاحب " المرآة ": هو نهر بلخ ومنبعه من عيون من بلاد التبت، نهر بلخ وترمذ وأسوان ويمضي حي يصب في بحر جرجان، ومقدار جريانه، على الأرض ثلاثمائة فرسخ. وقال الإصطخري في كتابه: إن نهر جيحون يخرج عن حدود بدخسان ثم ينضم إليه أنهار كثيرة في حدود الجبل ووحش فيصير نهرا عظيما ثم يمر على بلاد كثيرة حتى يصل إلى خوارزم ولا ينتفع به شيء من البلاد إلا خوارزم ثم يصب في بحيرة خوارزم التي بينها وبين خوارزم ستة أيام، وتقويم البلد أن جيحون يقال: لها جيهان، وتسمية العامة جاهان، فأصلها من بلاد الروم، ويسير في بلاد سيس من الشمال إلى الجنوب، وهو مقارب الفرات في القدر ثم يجتمع هو وسيحون وعدادية فيصبان في بحر الروم. م: (وسيحون) ش: قال الأترازي: سيحون اسم نهر الترك، قال السغناقي: هو نهر خجند. وقال الجوهري: ويقال له سيحان وسياحين فسيحون اسم لنهر بالهند، وسيحان نهر بالشام وسياحين نهر بالبصرة، وقال غيره: يخرج سيحون من جبال باسيدان وينتهي إلى بلاد الملتان ومسيره بروح الذهب ثم ينتهي إلى البصرة، ثم يصب في البحر الشرقي، مقدار جريانه على وجه الأرض ستمائة فرسخ، والتماسيح في خلجانه على ما ذكره الجاحظ، وفي تقديم البلدان أن سيحون أوله من بلاد الروم يجري من الشمال والغرب إلى الجنوب والشرق، وهو غربي، ونهر جيحون دونه في القدر وهو ببلاد الأرمن التي تعرف اليوم ببلاد سيس، ثم يجتمع سيحون وجيحون عند أرمن فيصيران نهرا واحدا ثم يصبان في بحر الروم بين إياس وطرسوس. وروينا حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سيحان وجيحان والنيل والفرات كل من أنهار الجنة» . م: (ودجلة) ش: قال الأترازي: دجلة اسم لنهر بغداد، وكذا قال غيره. قلت: مخرجه من أصل جبل بقرب أمد عند حصن ذي القرنين، وكلما امتد يضم إليه مياه جبال ديار بكر وأن يخاض فيه بالدواب ثم يمتد إلى فارقين ثم إلى حصن كيفا ثم إلى جزيرة ابن عمر ثم إلى الموصل وينصب فيه الزابان، وهما نهران يسمى كل منهما الزاب، ومنهما يعظم ثم إلى بغداد ثم إلى واسط ثم إلى البصرة ثم ينصب في بحر فارس، ويحمل من دجلة عدة أنهار، منها القاطول ثم الدجيل ونهر الدين ونهر سيرين ونهر الأيلة ونهر معقل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 والفرات عشري عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا يحميها أحد كالبحار وخراجي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنها يتخذ عليها القناطر من السفن وهذا يدل عليها. وفي أرض الصبي والمرأة التغلبيين ما في أرض الرجل التغلبي يعني العشر المضاعف في العشرية والخراج الواحد في الخراجية، لأن الصلح قد جرى على تضعيف الصدقة دون المؤنة المحضة،   [البناية] م: (والفرات) ش: وهو نهر مشهور يخرج من جبل ببلاد الروم يقال له: أقروخس بينه وبين باقلا مسيرة يوم وقيل: يخرج من أطراف أرمينة ثم يمر بأرض ملطية على مسيرة ميلين منها ثم يمر على سمياط وقلعة الروم والبيرة وجزمنلج وقلعة جعبر والرقبة والرجة وبحر مليسيا وبحامة والحديبية وبتيب والأنباط ثم يمر بالطفوف ثم بحلب ثم بالكوفة وينتهي إلى البطائح وينصب إلى البحر الشرقي، وقالوا: مقدار جريانه على وجه الأرض أربعمائة فرسخ، وهذه الأنهار لم تعمل فيها الأيدي، وقيل: إن دانيال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حفر الفرات ودجلة. م: (عشري) ش: مرفوع لأنه خبر المبتدأ وهو قوله - وماء جيحون - م: (عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا يحميها أحد كالبحار) ش: ومياه العيون والأمطار م: (وخراجي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنها يتخذ عليها القناطر من السفن وهذا يدل عليها) ش: أي إثبات يد عليها وولاية وخلافهما مبني على أنه هل تقع عليها الأيدي؟ وهل تدخل تحت ولاية أحد؟ فعند أبي يوسف نعم وعند محمد لا. م: (وفي أرض الصبي والمرأة التغلبيين ما في أرض الرجل التغلبي) ش: يعني يجب في أرض الصبي التغلبي والمرأة التغلبية ما يجب في أرض الرجل، ثم أوضح معنى قوله -ما في أرض الرجل- بقوله م: (يعنى العشر المضاعف في العشرية) ش: يعني في الأرض العشرية م: (والخراج) ش: بالنصب يعني الخراج الواجب م: (في الخراجية) ش: يعني في الأرض الخراجية. م: (لأن الصلح) ش: أي صلح عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على ما سئل م: (قد جرى على تضعيف الصدقة) ش: أي على تضعيف ما يجب على المسلمين من العبادة أو ما فيه معناها م: (دون المؤنة المحضة) ش: أي الخالية عن معنى العبادة وأراد بها الخراج لأنها مؤنة ليس فيها معنى العبادة وذلك أن صلح عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقع مع بني تغلب في تضعيف الصدقة دون الخراج، فلهذا يؤخذ من صبيانهم ونسائهم صدقة مضاعفة وخراج واحد. فإن قيل: الصبي التغلبي والمرأة التغلبية إذا مرا على العاشر يأخذ من المرأة دون الصبي فكيف يؤخذ من الصبي التغلبي في أرضه صدقة مضاعفة؟ قيل له: لا تعتبر الأهلية للمالك في العشر والخراج حتى يجب في الأراضي الموقوفة، وأراضي الصبيان والمجانين بخلاف الزكاة. حيث يعتبر فيها الأهلية للمالك والعاشر يأخذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 ثم على الصبي والمرأة إذا كانا من المسلمين العشر فيضعف ذلك إذا كانا منهم. قال وليس في عين القير والنفط في أرض العشر شيء لأنه ليس من إنزال الأرض، وإنما هو عين فوارة كعين الماء، وعليه في أرض الخراج خراج، وهذا إذا كان حريمه صالحا للزراعة، لأن الخراج يتعلق بالتمكن من الزراعة.   [البناية] الزكاة ولا زكاة على الصبي م: (ثم على الصبي والمرأة إذا كانا من المسلمين العشر) ش: أي يجب العشر م: (فيضعف ذلك) ش: أي العشر م: (إذا كانا منهم) ش: أي من بني تغلب. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وليس في عين القير) ش: بكسر القاف وهو الزفت، ويقال له القار أيضا م: (والنفط) ش: بفتح النون وكسرها، وهو الأصح وهو دهن يكون على وجه الماء في العين وفي " المبسوط ": لا شيء في القير والنفط والملح لأنها فوارة كالماء. م: (في أرض العشر شيء لأنه ليس من إنزال الأرض) ش: هو جمع نزل بضم النون وسكون الراء، ونزل الأرض ريعها وهو ما يحصل منها وعين بها الأرزاق كالحنطة ونحوها، والنفط عين تفور كعين الماء ولا عشر في الماء فكذا في القير والنفط وهو معنى قوله م: (وإنما هو) ش: أي النفط م: (عين فوارة) ش: من فارت القدر وهي صيغة مبالغة وشبه فورانها بفوران الماء الذي يخرج من العين وهو معنى قوله م: (كعين الماء) ش: الذي يفور حتى يخرج منها م: (وعليه في أرض الخراج خراج) ش: الضمير في عليه يحتمل مرجعه وجهين. أحدهما: أن يرجع إلى النفط يعني عين النفط والقير بأن يمسح موضع القير والنفط حريمة صالحة للزراعة لأن الخراج يتعلق بالتمكن من الزراعة فيكون موضع النفط والقير تابعا للأرض، وهو اختيار بعض المشايخ. والآخر: أن يرجع إلى الرجل الذي تدل عليه القرينة، أي وعلى الرجل في عين النفط والقير في أرض الخراج خراج. م: (وهذا الذي ذكرناه إذا كان حريمه) ش: أي حريمه عين النفط والقير م: (صالحا للزراعة لأن الخراج يتعلق بالتمكن من الزراعة) ش: وروى ابن سماعة، عن محمد لا يمسح موضع العين، لأنه لا يصلح للزراعة وهو مختار أبي بكر الرازي، ومنهم من قال: لا خراج فيها وعلى ما حولها، لأنها كالأرض السبخة فلا تصلح للزراعة فلا شيء فيه، والله أعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 باب من يجوز دفع الصدقات إليه ومن لا يجوز قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] (التوبة: الآية 60) فهذه ثمانية أصناف   [البناية] [باب من يجوز دفع الصدقات إليه ومن لا يجوز] [الفقير والمسكين من مصارف الزكاة] [الفرق بين الفقير والمسكين] م: (باب من يجوز دفع الصدقات إليه ومن لا يجوز) ش: أي هذا باب في بيان من يجوز دفع الزكاة إليه ومن لا يجوز دفعها إليه، لما فرغ من بيان أنواع الزكاة وبيان المعدن والركاز، شرع في بيان مصارفها ممن هو منها وممن ليس منها. وقال تاج الشريعة: لما فرغ من بيان السبب وقدر الواجب والنصاب المطلق والمقيد شرع في بيان مصارفها، ولم يقدم صدقة الفطر للتفاوت في مصرفها، فإن صدقة الفطر يجوز دفعها إلى الذمي. م: (الأصل فيه) ش: أي من يجوز الصرف إليه م: (قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الآية (التوبة: آية60)) ش: يجوز في الآية الرفع والنصب، أما الرفع فعلى الابتداء وخبره محذوف، وتقديره الآية بتمامها، وأما النصب فعلى المفعولية، والتقدير اقرأ الآية. قوله: إنما، كلمة حصر وقصر، والقصر تخصيص أحد الأمرين بالآخر وحصره فيه، قال علماء المعاني والبيان: إنما لحصر الشيء في الحكم كقولك إنما زيد منطلق، أو لحصر الحكم في الشيء، كقولك إنما المنطلق زيد، لأن كلمة إن للإثبات، وما للنفي ليقتضي إثبات المذكور ونفي ما عداه، ومعنى الآية، والله أعلم: الصدقات للأصناف المذكورة لا لغيرهم، كقولك: إنما الخلافة لقريش أي لهم لا لغيرهم، ثم ذكر الأربعة الأولى باللام والأربعة الأخيرة بفي للأبدان بأنه أرجح في استحقاق التصدق عليهم بمن استحق ذكره لأن في الرعاية على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات، وذلك لما في فك الرقاب من الكتابة أو الرق أو الأسر. قلت: وفي الغارمين من الغرم من التخليص والإبعاد، جمع الغارم الفقير والمنقطع في الحج بين الفقر والعبادة، وكذلك ابن السبيل فيه فضل وترجيح لهذين على الرقاب، والغارمين. م: (فهذه ثمانية أصناف) ش: أي المذكورون في الآية الكريمة ثمانية أصناف، وهو جمع صنف بكسر الصاد. قال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الصنف النوع والضرب. والصنف بالفتح لغة فيه. فإن قلت: الصدقات جمع قلة والفقراء والمساكين جمع كثرة فكيف يناسب قسمة القليل على الكثير. قلت: جمع القلة إذا دخله لام التعريف كان للكثرة والاستغراق، وأيضا جمع القلة يستعمل للكثرة وبالعكس قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ} [لقمان: 27] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 وقد سقط منها المؤلفة قلوبهم   [البناية] وقوله: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] م: (وقد سقط منها) ش: أي من الثمانية أصناف، م: (المؤلفة قلوبهم) ش: وهم ثلاثة عشر رجلا ذكرهم الحافظ أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني في "أماليه" عند ذكر عدي بن قيس، وهم: أبو سفيان بن حرب من بني أمية، والحارث بن أبي هشام، وعبد الرحمن بن يربوع من بني مخزوم، وحكيم بن حزام بن خويلد من بني أسد بن عبد العزى، وصفوان بن أمية من بني جمح، وعدي بن قيس من بني سهم، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى بن عامر بن لؤي، والعلاء بن جارية من ثقيف، والعباس بن مرداس من بني سليم، وعيينة بن حصن من بني بدر من فزارة، ومالك بن عوف من بني حنظلة، والأقرع بن حابس فأعطاهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة مائة من الإبل إلا حويطب بن عبد العزى وعبد الرحمن بن يربوع أعطاهما خمسين خمسين من الإبل. وذكر فخر الإسلام: زيد الخير، وعلقمة بن علاثة منهم، وفي الكامل للمبرد: أنه جيء من اليمن بذهب فقسمه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرباعا أعطى ربعا الأقرع بن حابس المجاشعي وربعا زيد الخير الطائي وربعا علقمة بن علاثة، وربعا عيينة بن حصن الفزاري وكانوا من المؤلفة، ومنهم أبو سفيان واسمه صخر بن حرب وصفوان بن أمية، وأعطى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزبرقان بن بدر بن امرئ القيس، وكان يقال له: قمر نجد لحسنه وجماله أسلم سنة تسع، فولاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صدقة قومه، وأقره عليها أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. ومنهم عدي بن حاتم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ومنهم عباس بن مرداس السلمي وأعطى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا سفيان وصفوان والأقرع وعيينة وعباسا كل واحد منهم مائة من الإبل. وقال صفوان بن أمية: «لقد أعطاني ما أعطاني، وهو أبغض الناس إلي، فما زال يعطيني حتى كان - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أحب الناس إلي» رواه مسلم، قال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هؤلاء كلهم صحابة. وفي " المحيط " و" المبسوط ": كان - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يعطيهم سهما من الصدقة يتألفهم على الإسلام. وقيل: كانوا قد أسلموا، وقيل: كانوا وعدوا بالإسلام، وقيل: قوما يرجى خيرهم وينتصر بهم على غيرهم من الكفار، وضرب منهم يخاف شره، وفي " المنافع ": المؤلفة قلوبهم أصناف ثلاثة: صنف كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتألفهم ليسلموا أو يسلم قومهم بإسلامهم. وصنف أسلموا وفي إسلامهم ضعف فيريد بذلك تقريرهم على الإسلام، وصنف يعطيهم لدفع شرهم. فإن قيل: ما وجه إعطائه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إياهم خوفا من شرهم والأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - لا يخافون أحدا سوى الله عز وجل؟ قيل لهم: ما كان ذلك للخوف منهم بل كان خشية أن يكبهم الله عز وجل على وجوههم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 لأن الله أعز الإسلام وأغنى عنهم وعلى ذلك انعقد الإجماع.   [البناية] في نار جهنم. فإن قلت: من أي المال كان يعطيهم؟ قلت: كان يعطي المؤلفة من الزكاة، والذي كان أعطى عدي بن حاتم والزبرقان من خمس الخمس، والذي أعطى من كان أقعدهم عن الجهاد الضعف من سهم الغزاة، وقيل: من سهم المؤلفة، والذي أعطى من كان يؤخذ منهم الزكاة، ويحمل إليه من الزكاة، وقيل: من سهم الغنيمة. م: (لأن الله تعالى أعز الإسلام وأغنى عنهم) ش: أي عن المؤلفة بالقهر وقوة الإسلام، وكان سقوط ما كان يعطي للمؤلفة في خلافة أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال الإمام الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الطحاوي " كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعطيهم ليؤلفهم على الإسلام، فلما قبض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاءوا إلى أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فاستبدلوا منه حظا لسهامهم فبدل لهم الحظ، ثم جاءوا إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخبروه بذلك فأخذ الحظ من يدهم ومزقه وقال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يعطيكم ليؤلفكم على الإسلام، فأما اليوم فقد أعز الله دينه، فليس بيننا وبينكم إلا السيف أو الإسلام، فانصرفوا إلى أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقالوا: أنت الخليفة أم هو؟ قال: هو إن شاء الله، ولم ينكر عليه، بطل حقهم من ذلك اليوم، وبقى سبعة. وعن أبي عبيدة أنه قال: جاء عيينة بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقالا: يا خليفة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن عندنا أرضا سبخة ليس فيها كلأ ولا منفعة، فإن رأيت أن تعطيناها فأقطعها إيانا وأشهد عمر فكتب لهما عليها كتابا وليس عمر في القوم، فانطلقا إليه، فلما سمع ما في الكتاب تناوله من أيديهما فتفل فيه فمحاه، فندموا وقالوا مقالة سيئة، فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتألفكم والإسلام يومئذ قليل، وإن الله قد أعز الإسلام، اذهبا واجهدا جهدكما لا أدعو الله عليكما. وروى أنهما ذكرا ذلك لأبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقالا له: أنت الخليفة أم عمر؟ فقال: هو إن شاء الله ولم ينازعه، ولم ينكر أبو بكر ذلك من عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وكان اتفاقا منهما على قطع ذلك وبقي للمستوجبين الاقتداء بهما حجة، وتابعهما الصحابة في ذلك، فكان إجماعا. وأشار المصنف إلى ذلك بقوله: م: (وعلى ذلك) ش: أي على سقوط سهم المؤلفة م: (انعقد الإجماع) ش: أي إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - السكوتي حتى لا يرد عليه قول الحسن البصري والزهري ومحمد بن علي وأبي عبيد وأحمد والشافعي في قول أن سهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] المؤلفة لم يسقط، وبه قالت الظاهرية. فإن قلت: كيف تصرف الزكاة لهم وهم كفار: قلت: الجهاد واجب على فقراء المسلمين، وأغنيائهم لدفع شرهم، فكان يدفع إليهم سهم من سهام الفقراء فكان ذلك قائما مقام الجهاد في ذلك الوقت لعجز الفقراء عنه، ثم سقط لعدم الحاجة إلى جهاد الفقراء لكثرة أولي القوة والنجدة من المسلمين. فإن قلت: لا يجوز النسخ بالإجماع بل لا يتصور، لأن حجية الإجماع بعد وفاته - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وروي عن عكرمة أن الصدقات كانت تفرق على الأصناف الثمانية، وكيف انتسخت المؤلفة بالإجماع. قلت: فيه أجوبة: الأول: يجوز أن يكون في ذلك نص علمه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. الثاني: أنه ليس من باب النسخ بل من انتهاء العلة الداعية إليه، وقد كانوا يعرفون الداعي إلى الحكم، فلما زال الداعي على خلاف ذلك الحكم زال الحكم. الثالث: أنه إنما كان يدفع إليهم ذلك لقلة عدد المسلمين وكثرة عدد الكفار دفعا للصغار عن بيضة الإسلام، فلما وقع الأمن من شرهم كان الدفع ذلا وصغارا، فيعود الأمر على موضعه بالنقض، وهذا في الحقيقة هو الجواب. الرابع: ذكر شمس الأئمة، وفخر الإسلام، أن بعض المشايخ يجوز النسخ بالإجماع، لأنه موجب على اليقين كالنص، فيجوز النسخ به، والإجماع أقوى من الخبر المشهور، فإذا جاز النسخ بالمتواتر والمشهور، فبالإجماع أولى، وما شرطوا حياة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لجواز النسخ، فإن النسخ بالمتواتر والمشهور يجوز، ولا يتصور هذا إلا بعد وفاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فإن قلت: ما وجه ما يعمل بسهمهم الذي سقط. قلت: أما عندنا فينضم إلى سهام البقية من الثمانية ولا يعطى مشرك بحال من الأحوال، وهو قول عمر وعلي وعثمان والحسن والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في قول، وفي قول عنه يعطى كفارهم من غير الزكاة من الصفي فكان نصيب كفارهم ساقطا عنده من الزكاة قولا واحدا، وأما مسلموهم فأربعة أصناف قوم شرفاء قومهم وقوم بنيتهم ضعيفة ففيهما له قولان. أحدهما: أنهم لا يعطون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 والفقير من له أدنى شيء، والمسكين من لا شيء له، وهذا مروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] والثاني: أنهم لا يعطون، ومن أي شيء يعطون فيه قولان، أحدهما من الصدقات، والثاني من خمس الغنيمة، وقوم بإزاء الكفار، ولهم قوة وشوكة إن أعطوا قاتلوهم، وقوم على طرف دار الإسلام، ويقرب منهم قوم من المسلمين لا يؤدون الزكاة إلا خوفا من جيرانهم ففيهم له أربعة أقوال: أحدها: أنهم يعطون سهما من المصالح. والثاني: أنهم يعطون من سهم المؤلفة من الزكاة. والثالث: من سهم الغزاة. والرابع: من سهم الغزاة ومن سهم المؤلفة، كذا في "تتمتهم". وفي " التحفة ": اختلف أصحابه في سهم المؤلفة، قال بعضهم: منسوخ، وقال بعضهم: يصرف سهمهم إلى من كان حديث عهد بالإسلام، ممن هو في مثل حالهم من الشوكة والقوة، لئلا يكون ذلك حائلا لأمثالهم عن الدخول في الإسلام. م: (والفقير من له أدنى شيء) ش: شرع في تفسير الأصناف المذكورة في الآية الكريمة، فبدأ بالفقير اتباعا لما في الآية الكريمة، وفسره بقوله: الفقير من له أدنى شيء. م: (والمسكين من لا شيء له وهذا مروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال مالك وأبو إسحاق المروزي من أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وبه قال من أصحاب اللغة الأخفش وثعلب والفراء، وفي " الكامل ": عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة الفقير الذي لا يسأل، والمسكين الذي يسأل، وقيل: الفقير الزمن المحتاج والمسكين الصحيح المحتاج وللشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيهما قولان في قول يشترط في الفقراء الزمانة وعدم السؤال، وفي قول: لا يشترط كلاهما بل من له حاجة قوية وفي المسكين قولان في القديم: المسكين هو السائل أو من له حرفة، وفي الجديد: السؤال ليس بشرط، المعتبر فيه وجود شيء من المال والقدرة على تحصيله كذا في "تتمتهم". وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الفقير الذي يسأل ويظهر الفقارة وحاجته إلى الناس، والمسكين هو الذي يسأل ولا يعطى وبه زمانة، قال تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] (البلد: آية 16) ، أي لاصق بالتراب من الجوع والعري. وفي " الينابيع ": قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الفقير المذكور في الآية هو المحتاج الذي لا يسأل ولا يطوف على الأبواب، والمسكين الذي يسأل، وفي المرغيناني: الفقير والمسكين الذي لا يملك نصابا غير أن المسكين يسأل والفقير لا يسأل، وروى ابن سماعة -رحمه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 وقد قيل على العكس   [البناية] الله- عن محمد عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الفقير أسوأ حالا من المسكين، ذكره المرغيناني. وقيل: تفسير الفقير الذي في الآية فقراء المهاجرين، والمساكين الذين لم يهاجروا، قاله الضحاك، وقيل: الفقير من به زمانة والمسكين الصحيح المحتاج وهو قول قتادة، وقيل: الفقير من لا مال له يقع منه موقعا، ولا يغنيه سائلا كان أو غير سائل. وقال ابن المنذر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعزى هذا إلى الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقيل: المسكين الذي يخشع ويتمسكن وإن لم يسأل، والفقير يتحمد ويتقبل الشيء سرا ولا يخشع وهذا قول عبد الله بن الحسن البصري. وقال محمد بن سلمة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الفقير الذي له مسكن يسكنه، والخادم والمسكين الذي لا ملك له وفي " طلبة الطالب ": المسكين الذي أسكنه العجز عن الطواف للسؤال، والفقير المحتاج وقيل: الفقراء من المسلمين والمساكين من أهل الذمة، يروى عن عكرمة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقيل: الفقير الذي ليس له مال وهو بين أظهر عشيرته، والمسكين الذي ليس له مال ولا عشيرة. م: (وقد قيل: على العكس) ش: يعني أن المسكين من له أدنى شيء، والفقير من لا شيء له، وبه قال الشافعي والطحاوي والأصمعي من أهل اللغة، وابن الأنباري، واستدل الأصمعي وابن الأنباري بقول الشاعر: هل لك من أجر عظيم تؤجره ... تغيث مسكينا كثيرا عسكره عشر شياه سمعه وبصره وقال الله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: 79] (الكهف: آية 79) ، فأثبت لهم سفينة، وروت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين، وأعوذ بالله من الفقر» رواه البخاري ومسلم: «وأحيني مسكينا وأمتني مسكينا» رواه الترمذي والبيهقي وإسناده ضعيف. فدل على أن الفقر أشد، لأن الفقير بمعنى المفقور، وهو المكسور الفقار، ولأن الله تعالى قدمهم على المساكين، والتقديم يدل على الاهتمام بهم، دون غيرهم. وللجمهور: قَوْله تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 273] (البقرة: آية 273) سماهم فقراء، ووصفهم بالتعفف، وترك المسألة، ولأن الجاهل لا يحسب غنيا، إلا وله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 ولكل وجه. ثم هما صنفان أو صنف واحد وسنذكره في كتاب الوصايا إن شاء الله تعالى.   [البناية] ظاهر جميل وهيئة حسنة، فدل على أن ملكه للقليل لا يسلبه صفة الفقر، وأنشد عن ابن الأعرابي يمدح عبد الملك بن مروان ويشكر سعايته. أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال ولم يترك له سبده سماه فقيرا مع وجود الحلوبة وهي الناقة التي تحلب، ويقال ما له سبد ولا لبد أي شيء، وقال الجوهري: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا قليل ولا كثير، والجواب عن الشعر الذي احتج به ابن الأنباري أن قائله مجهول، ولأن لم يرو أن له عشر شياه، بل لو حصل له عشر شياه لكانت سمعه وبصره. والجواب: عن الآية إنما سماهم مساكين ترحما واستضعافا، كما يقال لمن امتحن بنكبة وبلية مسكين، وفي الحديث مساكين أهل النار، وقيل: لا نسلم أن إضافة السفينة إليهم بسبيل الحقيقة بأن كانت ملكا لهم فلم لا يجوز أن يضاف إليهم بسبيل المجاز لكونها في أيديهم عارية أو إجارة. والجواب عن الحديث أنه لم يرد به معنى الفقر، وإنما أراد بقوله: «أحيني مسكينا» أي محسنا متواضعا لله تعالى غير متكبر ولا جبار. أما قوله: فلأن الفقير بمعنى المفقور، وهو المكسور الفقار ممنوع، فإن الأخفش قال: الفقير من قولهم فقرت له فقرة يعني أعطيته، فيكون الفقير من له قطعة من المال لا تغنيه. وأما توجيه: تقديم الفقراء فلأنهم لا يسألون، أو قدموا لكثرتهم وتيسير وجودهم على صاحب الزكاة بخلاف المساكين. وحاصل المذهب عندنا، أن المسكين أشد حالا من الفقير، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على العكس، والأول: قول ابن عباس وجابر بن زيد، ومجاهد وعكرمة والزهري والحسن ومالك، ومثله عن ابن زيد وأبي عبيد ويونس وابن السكيت وابن عيينة والعتبي والأخفش وثعلب، وقال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو قول أهل اللغة جميعا. م: (ولكل وجه) ش: أي ولكل واحد من المهاجرين وجه، وفائدة الخلاف لا تظهر في الزكاة بل تظهر في الوصايا والأوقاف والنذور. م: (ثم هما صنفان أو صنف واحد) ش: أي الفقير والمسكين صنفان أو صنف واحد، لم يبين ذلك وأحال البيان إلى كتاب الوصايا بقوله: م: (وسنذكره في كتاب الوصايا إن شاء الله تعالى) ش: قال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ": وعن أبي يوسف أنهما صنف واحد حتى قال فيمن أوصى بثلث ماله لفلان وللفقراء والمساكين أن لفلان نصف الثلث، وللفريقين جميعا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 والعامل يدفع الإمام إليه إن عمل بقدر عمله فيعطيه ما يسعه وأعوانه.   [البناية] نصف الثلث لأنهما صنف واحد، وقال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لفلان ثلث الثلث فجعلهما نصفين. قال الأترازي: أقول هذا هو الصحيح، لأن العطف للمغايرة، وقد عطف أحدهما على الآخر في الآية. قلت: لا يحتاج أن يثبت الأترازي الصحة لقوله، فإن هذا الذي ذكره فخر الإسلام بعينه. [العاملون عليها من مصارف الزكاة] [قدر ما يعطى العامل من الزكاة] م: (والعامل) ش: هذا المصرف الثالث، ذكر بعد المسكين كما في الآية، وهو مرفوع على أنه مبتدأ، وقوله: م: (يدفع الإمام إليه) ش: خبره وهو الذي يبعثه الإمام بجباية الصدقات وهو الذي يسمى الساعي م: (إن عمل) ش: قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله: إن عمل لنفي الجار عن العامل باعتبار ما كان م: (بقدر عمله فيعطيه ما يسعه) ش: أي بقدر ما يكفيه. م: (وأعوانه) ش: بالنصب أي ويقدر ما يسع أعوانه، والأعوان جمع عون، وهو الظهير أي المساعد. وفي " فتاوى قاضي خان " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعطي الإمام كفايته ثمنا كان أو أقل، وفي " المفيد " فيعطيهم ما يكفيهم وعيالهم وأعوانهم مدة ذهابهم وإيابهم، لأنه فرغ نفسه لهذا العمل وكل من فرغ نفسه لعمل من أمور المسلمين يستحق على ذلك رزقا كالقضاة، وليس ذلك على وجه الإجارة لأنها لا تكون إلا على عمل معلوم أو مدة معلومة، وأجرة معلومة. وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويعطي العاشر وهو الذي يجمع أرباب الأموال، والعريف وهو الذي يعرف الساعي أهل الصدقات، كالنقيب للقبيلة والجانب، والقاسم، والكاتب كلهم يأخذون من سهم العامل ولا يزاحمونه في أجرة عمله وتزداد في عدد هؤلاء بقدر الكفاية، وأما الإمام والقاضي فلا يصرف إليهما من الزكاة. وفي " الذخيرة ": وروى مالك السابق والداعي وهو شاذ، وفي " الذخيرة " لو أخذ عمالته من غير الزكاة فلا بأس به، وإن حمله إلى الإمام بنفسه لا يستحق العامل من تلك الصدقة. وفي " جوامع الفقه ": لو كان كفاية العامل تستغرق الزكاة كلها أخذ نصفها أو أخذ النصف من الأنصاف، ولو ضاع المال من يده سقطت عمالته وأحرزه المؤدي، كالمضارب إذا هلك مال المضاربة في يده بعد التصرف كذا في " المبسوط " و" الإيضاح ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 غير مقدر بالثمن خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن استحقاقه بطريق الكفاية، ولهذا يأخذ وإن كان غنيا، إلا أن فيه شبهة الصدقة فلا يأخذها العامل الهاشمي تنزيها لقرابة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن شبهة الوسخ   [البناية] م: (وغير مقدر بالثمن خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: غير مقدر نصب على الحال من قوله ما يسعه أي حال كونه ما يسعه غير مقدر بالثمن. قال تاج الشريعة: وإنما قال بالثمن نظرا إلى الأصناف الثمانية، والمراد السبع بسقوط المؤلفة قلوبهم. وقال الكاكي: فإن قيل: كيف يستقيم قوله: غير مقدر بالثمن على قول الشافعي، فإن المؤلفة سقطت بالإجماع، فينبغي أن يقول غير مقدر بالسبع. قلنا: المؤلفة صنفان كفار ومسلمون، فإن عنده سقط صنف الكفار فقط فيبقى مقدرا بالثمن. م: (لأن استحقاقه) ش: أي لأن استحقاق العامل م: (بطريق الكفاية) ش: لأن ما يأخذه أجرة من وجه لأجل عمله، وصدقة من وجه لأنه عامل لله تعالى، فصار مصرفا للصدقة، والصدقة لا توجب التقدير، والأجرة توجب التقدير بالكفاية فوجب رزقه على حسب الكفاية، ثم في الكفاية يعتبر الوسط لا الشهوة لأنها حرام لكونها إسرافا محضا. وعلى الإمام أن يبعث من يزكي بالوسط من غير إسراف ولا تقتير م: (ولهذا يأخذ وإن كان غنيا) ش: أي ولأجل استحقاقه بطريق الكفاية لأجل عمله يأخذ العامل، وإن كان غنينا لأن ما يأخذه هو عوض عن عمله والزكاة لا تجوز أن تدفع عوضا عن شيء. وإن قلت: العامل صنف منصوص عليه فصار كسائر الأصناف. قلت: سائر الأصناف يستحقون الدفع إليهم بكل حال، والعامل لا يستحق إلا بالعمل. م: (إلا أن فيه شبهة الصدقة فلا يأخذها العامل الهاشمي تنزيها لقرابة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن شبهة الوسخ) ش: هذا استثناء في الحقيقة من قوله لأن الاستحقاق بطريق الكفاية، حاصله أن ما أخذه بطريق الكفاية، وإن كان أجرة، ولكن فيه شبهة الصدقة لكونه عاملا لله تعالى كما ذكرنا، وإذا كان فيه شبهة الصدقة فلا يأخذها العامل إذا كان هاشميا لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن هذا الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد» ، رواه مسلم، وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «نحن أهل البيت لا تحل لنا الصدقة» ، رواه البخاري. والهاشمي منسوب إلى بني هاشم وهم آل علي وآل عباس وآل جعفر وآل الحارث بن عبد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 والغني لا يوازيه في استحقاق الكرامة، فلم تعتبر الشبهة في حقه . قال وفي الرقاب أن يعان المكاتبون منها في فك رقابهم.   [البناية] المطلب. قوله: تنزيها، أي لأجل التنزيه لقرابة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومذهب مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كمذهبنا، وقيل: هو مذهب الشافعي أيضا في الصحيح، ويحرم على بني عبد المطلب أيضا، وفي " النهاية ": الأصح جواز صرفها على العامل منهم، فإن بعض المالكية يجوز أن يستأجر بعض بني هاشم على حراستها وسوقها. قال ابن العربي: ولا يحوز لأن حراستها وسوقها كجمعها وضمها. وفي " الذخيرة ": أجاز محمد بن نصر أن يكون العامل هاشميا أو عبدا أو ذميا بالقياس على العامل، يعني قلنا أوساخ الناس لا ينافي الغني وينافي الهاشمي لشرفه والعبد لعجزه والكافر لعدم ولايته على المسلم. فإن قلت: ما تقول في استدلال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بعث عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى اليمن مصدقا وفرض له، فإن الظاهر أنه فوض له فيما يأخذه؟ قلت: ليس فيه أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فرض له في الصدقات، وقد كان - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فوض إليه أمر الحرب، والظاهر أنه فرض له من الفيء لا من الصدقات. م: (والغني لا يوازيه من استحقاق الكرامة فلم تعتبر الشبهة في حقه) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر من جهة الخصم، تقديره أن يقال: إذا كان المانع من جواز استعمال عامل هاشمي وجود معنى الصدقة فيما يأخذه، فالغني كذلك ينبغي أن يمنع من العمل، لأن غناه يمنع أخذ الصدقة. فأجاب بقوله: والغني لا يوازيه أي لا يوازي الهاشمي في استحقاق الكرامة فلم تعتبر شبهة الصدقة فيه، لان فيه شبهة الأجرة أيضا، والهاشمي يمتنع لأن فيه حقيقة الصدقة، فافهم. [وفي الرقاب من مصارف الزكاة] م: (وفي الرقاب) ش: هو الرابع من المصارف أي توضع الزكاة في فك الرقاب وهو جمع رقبة م: (أن يعان المكاتبون منها) ش: أي من الزكاة م: (في فك رقابهم) ش: أي من الزكاة م: (في فك رقابهم) ش: هذا تفسير لقوله: {وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177] المذكور في الآية أي يعانون على أداء بدل الكتابة، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في رواية. وهو قول أكثر العلماء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقال مالك وأحمد في رواية المراد به أن يشتري بخير مال الصدقة عبدا فيعتقه، وهو المروي عن ابن عباس والحسن البصري وأكثر العلماء منهم الحسن البصري وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والزهري والليث بن سعد وهو قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 وهو المنقول.   [البناية] وقال ابن تيمية: إن كان معه وفاء لكتابته لم يعط لأجل فقره، لأنه عبد، وإن لم يكن معه شيء أعطي الجميع، وإن كان معه بعضه يتمم سواء كان قبل حلول النجم أو بعده، كيلا يحل النجم وليس معه شيء فتنفسخ الكتابة، ويأخذ مع كونه قويا مكتسبا، ويجوز دفعها إلى سيدهن لأنه أعجل بعتقه، وعند الشافعية إن لم يحل عليه نجم ففي صرفه إليه وجهان، وإن دفعه إليه فأعتقه المولى، أو أبرأه من بدل الكتابة، أو عجز نفسه، والمال في يد المكاتب رجع فيه، قال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو المذهب. وفي " المغني ": إن انفسخت الكتابة فما في يده لسيده، وهو قول عطاء وأبي حنيفة وأصحابه، ورواية البزدوي والكوسج عن أحمد كسائر أكسابه، فإن ادعى أنه مكاتب كلف البينة ويقبل فيها الاستفاضة، وإن صدقه سيده أنه تقبل، إذ من تلك الأشياء ملك الأخبار، وتصرف إلى المكاتب بغير إذن سيده ولا تصرف إلى سيده إلا بإذنه، ولا تصرف إلى مكاتبه وهو المذهب، وجوزه أبو يعلى بن حيران قال: وهو ضعيف. قلت: اشتراط إذن المكاتب في الدفع إلى سيده بعيد جدا لأنه قضاء دين المكاتب بغير إذنه، وقضاء الديون من الأجانب لا يتوقف على إذن المديون. وفي " المحيط ": وقد قالوا: لا يدفع إلى مكاتب الهاشمي بخلاف مكاتب الغني. وفي " الجواهر ": يشتري بها الإمام الرقاب فيعتقها عن المسلمين، والولاء لجميعهم. م: (وهو المنقول) ش: أي عون المكاتبين من الزكاة هو المنقولمن ب عن أئمة التفسير، كذا قال الأترازي، وقال السغناقي: هو المنقول عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكذا قال الأكمل، ثم قال فإنه روي «أن رجلا قال: يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة، قال: "فك الرقبة أو أعتق النسمة، قال: أوليسا سواء يا رسول الله؟ قال: "فك الرقبة أن تعين في عتقه» . قلت: هذا الحديث أخرجه ابن حبان والحاكم عن البراء بن عازب قال: «جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار، قال: "أعتق النسمة وفك الرقبة"، قال: أوليسا واحدا، قال: "لا، أعتق النسمة أن تفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين على ثمنها» انتهى. هذا ليس فيه المقصود، فإن مراد المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تفسير الآية لا تفسير الفك، نعم الحديث يفيد في معرفة الفرق بين العتق والفك. فمن هذا عرفت أن الصواب مع الأترازي. وروى الطبري في "تفسيره " من طريق محمد بن إسحاق عن الحسن بن دينار عن الحسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 والغارم من لزمه دين ولا يملك نصابا فاضلا عن دينه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من تحمل غرامة في إصلاح ذات البين وإطفاء النائرة بين القبيلتين   [البناية] البصري أن مكاتبا قام إلى أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو يخطب الناس يوم الجمعة، فقال: أيها الأمير حث الناس على ما يحث عليه أبو موسى الأشعري، فألقى الناس عليه، هذا يلقي عمامة وهذا يلقي ملاءة، وهذا يلقي خاتما، حتى ألقى الناس عليه سوادا كثيرا، فلما رأى أبو موسى ما ألقي عليه قال اجمعوه، ثم أمر به فبيع وأعطى المكاتب كتابته، ثم أعطى الفضل في الرقاب نحو ذلك ولم يرده على الناس، وقال: إن هذا الذي أعطوه في الرقاب. م: (والغارم من لزمه دين ولا يملك نصابا فاضلا عن دينه) ش: هذا هو الخامس من المصارف يعني يصرف للغارم أيضا، قوله: من لزمه دين، إلى آخره تفسير الغارم، وهو من الغرم، وهو من الخسران، وكان الغارم هو الذي خسر ماله، والخسران النقصان. وقال أبو نصر البغدادي: الغارم من لزمه دين وإن كان في يده مال، لأنه يستحق بالدين فصار كمن لا مال له، وفي الذخيرة: الغارم أن يكون ماله قدر دينه أو كان له مال على الناس لا يمكنه أخذه فهو غني على الظاهر وتحمل له الصدقة. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الغارم: هو الذي له مال غائب وديون لا يأخذ من الصدقة إلا قدر حاجته، بخلاف الفقير حيث يأخذ فوق حاجته. م: (وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: من تحمل غرامة في إصلاح ذات البين) ش: أي الغارم من تحمل الغرامة، أصل الغرامة اللزوم، ومنه قَوْله تَعَالَى {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] (الفرقان: آية 65) ، ويطلق الغريم على المديون، وصاحب الدين. وقال الأزهري: معنى إصلاح ذات البين إصلاح حال الرجل بعد المبانية، والبين يكون وصلا ويكون فرقة. وقال تاج الشريعة: قوله إصلاح ذات البين يعني الأحوال التي بينهم، وإصلاحها بالإحسان والإنفاق حتى تصير أحوال الاختلاف ائتلافا وإرفاقا بعد أن كانت أحوال اختلاف وتفارق، ولما كانت الأحوال ملابسة للتبين وصفت به، فقيل: ذات البين، كما قيل للأسرار ذات الصدور كذلك. م: (وإطفاء النائرة بين القبيلتين) ش: النائرة العداوة كأنها فاعلة من النار، وإطفاؤها عبارة عن تسكين الفتنة. وفي " الحلية ": والغارم ضربان ضرب لإصلاح ذات البين، بأن يحمل مالا أتلف في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 وفي سبيل الله منقطع الغزاة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه هو المتفاهم عند الإطلاق، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - منقطع الحاج   [البناية] حرب لتسكين فتنة فيه وجهان. أحدهما: أنه يعطى مع الغني خلافا لأبي حنيفة لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة» وذكر من جملتها الغارم، والغارم الذي يعطى مع الغني الذي تحمل الحمالة، وضرب الغرم لمصلحة نفسه من الدين في غير معصية، فهل يعطى مع الغنى، فيه قولان، قال في الأم: يعطى مع الغني لعموم الآية. الثاني: لا يعطى مع الغني وهو الصحيح، ولو عزم المعصية ثم تاب عنها فهل يعطى مع الفقر؟ فيه وجهان. أحدهما: أنه يعطى لأنه فقير. والثاني: لا يعطى لأنا لو قضينا دينه بعد التوبة لا يؤمن من أن يظهر التوبة حتى يأخذ المال ثم يعود إلى الفسق. [وفي سبيل الله من مصارف الزكاة] [المقصود بسبيل الله] م: (وفي سبيل الله) ش: هو السادس أي وموضع الزكاة أيضا في سبيل الله، وفي تفسيره خلاف على ما نذكره الآن م: (منقطع الغزاة) ش: أي في سبيل هو منقطع الغزاة م: (عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه) ش: أي لأن قوله "في سبيل الله" م: (هو المتفاهم عند الإطلاق) ش: لأن سبيل الله عبارة عن جميع القرب لكن عند الإطلاق يصرف إلى الجهاد. م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - منقطع الحاج) ش: وفي " المبسوط ": في سبيل الله منقطع الحاج، وفقراؤهم فقراء الغزاة عند أبي يوسف، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقراء الحاج. وقال السروجي بعد أن عد جملة من كتب أصحابنا: لم يذكر أحد منهم قول أبي حنيفة، ثم قال فكشفت عن ذلك من نحو ثلاثين مصنفا، فكيف لا يتكلم الإمام في معرفة سبيل الله مع وقوع الحاجة إلى ذلك، وفي الوبري: هم الحاج والغزاة المنقطعون عن أموالهم، وفي الأسبيجابي أراد به الفقراء من أهل الجهاد، ولم يحكيا فيه خلافا فيجوز أن يكون ذلك قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الكاكي: منقطع الغزاة، وهو المراد من قَوْله تَعَالَى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] (التوبة: آية 60) ، عند أبي حنيفة وأبي يوسف والشافعي ومالك، وعند محمد وأحمد منقطع الحاج. قلت: لم يبين في أي كتاب رأي أن أبا حنيفة مع أبي يوسف، ولكن يحتمل أنه اطلع عليه في موضع خفي ذكره معه، وقال ابن المنذر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف ومحمد: (في سبيل الله) هو الغازي غير الغني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 لما روي «أن رجلا جعل بعيرا له في سبيل الله، فأمره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يحمل عليه الحاج»   [البناية] وحكى أبو ثور عن أبي حنيفة أنه الغازي دون الحاج، وذكر ابن بطال في " شرح البخاري " أنه قول أبي حنيفة ومالك والشافعي، ونقله النووي في شرحه، وقال السروجي: فهؤلاء نقلوا قول أبي حنيفة، ثم وجدت في " خزانة الأكمل " ما يوافق نقل هؤلاء الجماعة، فقال: في سبيل الله فقراء الغزاة عندنا، وعند محمد منقطع الحاج، فهذا يدل على أن ذلك رواية عن محمد وهي قول ابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وبه قال أحمد في رواية وإسحاق واختاره البخاري. وقال ابن عبد الحكم: يدخل في شراء المساحي والحبال والمراكب، وكراء النواتية للغزو، وتدفع للجواسيس النصارى. وقال النووي في شرح "المهذب " هم الغزاة المنقطعون الذي لا حق لهم في الديوان، وفي المرغيناني، وقيل: في سبيل الله طلبة العلم، وقال: النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مدينة العلم أرسل ليبين للناس ما ترك إليهم، وغالب من اتبعه في أول الإسلام فقراء منقطعون لأخذ العلم عنه كأبي هريرة وغيره، وكأنه عبر عنهم بعبارة يفهمها أهل الزمان الآن، والله أعلم، وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا بعيد، فإن الآية نزلت وليس هناك قوم يقال لهم: طلبة العلم. م: (لما «روي أن رجلا جعل بعيرا له في سبيل الله فأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يحمل عليه الحاج» ش: هذا الحديث له أصل في سنن أبي داود، والنسائي، والحاكم، والطبراني، والبزار، وليس بهذه العبارة، فروى أبو داود، عن إبراهيم بن مهاجر، عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال: «أخبرني رسول مروان الذي أرسل إلى أم معقل قالت: كان أبو معقل حاجا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما قدم قالت أم معقل: قد علمت أن علي حجة، فانطلقا يمشيان حتى دخلا عليه فقالت: يا رسول الله إن علي حجة، وإن لأبي معقل بكرا فقال أبو معقل: صدقت جعلته في سبيل الله، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أعطها فلتحج عليه فإنه في سبيل الله" فأعطاها البكر فقالت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إني إمرأة قد كبرت وسقمت فهل من عمل يجزئ عني من حجتي، فقال: "عمرة في رمضان تجزئ حجة» ، ورواه أحمد في "مسنده"، ورواه أبو داود أيضا، من غير هذا الطريق. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وجه قول محمد، ما روى البخاري في "الصحيح "، عن أبي لاس، قال: «حملنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على إبل الصدقة للحج» قال: يعلم من ذلك أن سبيل الله، منقطع الحاج، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صرف الصدقة إليه. قلت: فيه تأمل لا يخفى، ثم قال: وجه قول أبي يوسف ما روى البخاري أيضا في " الصحيح " أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن خالدا احتبس أدراعه في سبيل الله» ، ولا شك أن الدرع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 ولا تصرف إلى أغنياء الغزاة عندنا، لأن المصرف هو الفقراء   [البناية] للحرب لا للحج، فعلم بذلك أن المراد الجهاد لا الحج. قلت: فيه نظر أيضا لا يخفى. فإن قلت: قوله: في سبيل الله مكرر سواء كان منقطع الغزاة أو منقطع الحاج، لأنه إما أن يكون له مال في وطنه أو لا، فإن كان فهو ابن السبيل، وإن لم يكن فهو الفقير، فمن أين يكون العدد سبعة؟ قلت: هو فقير إلا أنه زاد فيه شيئا آخر سوى الفقر، وهو الانقطاع في عبادة الله من الجهاد، أو الحج، فلذلك يغاير الفقير المطلق بذلك، فإن المقيد يغاير المطلق، لا محالة. م: (ولا تصرف إلى أغنياء الغزاة عندنا) ش: أي ولا تصرف الزكاة إلى أغنياء الغزاة عندنا م: (لأن المصرف هو الفقراء) ش: أي لأن مصرف الزكاة هو الفقراء، وأشار بقوله -عندنا- إلى خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإن عنده يجوز أن تدفع إلى الغازي مع الغناء، وبه قال مالك. قال الكاكي: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تحل الصدقة إلا لخمسة» ، وذكر من جملتها الغزاة في سبيل الله، ثم قال وذكر في " التجنيس " الغازي في سبيل الله والعامل عليها ورجل اشترى الصدقة بماله، ورجلا تصدق بها على المسكين فأهداها المسكين إليه، وفي رواية " المصابيح " ابن السبيل، انتهى. قلت: هذا عجز حيث أحال بيان الخمسة على " التجنيس "، والحديث رواه أبو داود مرسلا ومسندا، فقال: حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة، لغاز في سبيل الله أو العامل عليها أو لغارم أو لرجل اشتراها بماله أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني» ، هذا مرسل، وقال: حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمعناه وهذا مسند. وأجاب الأترازي: عن هذا بقوله: معناه الغني بكسبه، أي المستغني بكسبه عن السؤال، لأنه أي المستغني بالكسب لا يحل له طلب الصدقة، إلا إذا كان غازيا فيحل له لاشتغاله بالجهاد عن الكسب، وقال الكاكي: المراد بالغنى قوة البدن، والقدرة على الكسب إنما تكون بقدرة البدن لا بملك المال، فإن الغازي إذا اشتغل بالكسب يقعده عن الجهاد، فجاز له الأخذ، والدليل عليه ما روي في حديث آخر، وردها في فقرائهم، كذا في " المبسوط "، وقال: وفيه نوع تأمل، لأن القدر على الكسب غير مالك النصاب يحل له أخذ الزكاة عندنا، خلافا لمالك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 وابن السبيل من كان له مال في وطنه وهو في مكان آخر لا شيء له فيه.   [البناية] إلا أن يعلل على جهة الإلزام. وقال الرازي في " أحكام القرآن ": قد يكون الرجل غنيا في أهل بلده بالدار والأثاث والخادم والفرس وله فضل مال تجب عليه الزكاة فيه، ولا تحل له الصدقة، فإذا عزم على الخروج للغزو واحتاج إلى آلات السفر وسلاح الغزو أو العدة فيجوز له أخذ الصدقة إذ قد أنفق الفضل فيما يحتاج إليه من السلاح والعدة، ولولا سفره للغزو لكان غنيا، إذ لا يحتاج في إقامته إلى إنفاق الفضل، فإذا قصد الغزو جاز له أخذ الصدقة وهو غني في هذا الوجه، فهذا معنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصدقة تحل للغازي الغني» ، انتهى. قيل: حديثهم يفيد الحصر في الخمسة المذكورة بين النفي والإثبات، وبذكر العدد الخمسة، قد جوزوا الدفع إلى أغنياء المؤلفة وليسوا من الخمسة، فوجب تأويل حديثهم. وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولعلمائنا ومن قال بقولهم حديث معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له «أعلمهم أن الله تعالى فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم» ، متفق عليه ولا يعارضه حديثهم لأنه لم يصح، ولو صح لا يبلغ درجة الحديث الثابت في " الصحيحين ". [ابن السبيل من مصارف الزكاة] [المقصود بابن السبيل] م: (وابن السبيل) ش: هذا هو المصرف السابع، أي توضع الزكاة في ابن السبيل م: (من كان له مال في وطنه وهو في مكان آخر لا شيء له فيه) ش: أي ابن السبيل من كان له مال في وطنه والحال أنه في مكان لا شيء له فيه، وسمي المسافر ابن السبيل لكثرة ملازمته السبل، لأنه لما حصل له كثرة الملازمة صار كأنه ولد الطريق، ومنه قولهم للصوفي ابن الوقت كذا قاله الأترازي، وفيه نظر، لأن من سافر في عمرة مرة وجرى له هذا يطلق عليه ابن السبيل، ويحل له أخذ الزكاة، ولو كانت ملازمته السبيل شرطا لما جاز لهذا أن يأخذ الزكاة فافهم. وقال السروجي: يجوز أن يقال ابن السبيل لما دفعته من بلد إلى بلد كما تدفع الآدمي الأرحام، سمي ابن السبيل، والسبيل يذكر ويؤنث. وفي " البدائع ": ابن السبيل هو المختار في مصر قد قطع به، أو الحاج أراد الانصراف إلى أهله ولم يجد ما يتحمل به. وفي " جوامع الفقه ": هو الغريب الذي ليس في يده شيء وإن كان له مال في بلده ومن له ديون على الناس ولا يقدر على أخذها لغيبتهم أو لعدم البينة أو لإعسارهم أو لتأجيله يحل له أخذها. وقال بعضهم: ابن السبيل، هو من عزم على السفر، وليس معه ما يتحمل به، وقيل: هذا خطأ لأن السبيل هو الطريق، فمن لم يحصل في الطريق لا يكون ابن سبيل، وكذا لا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 قال: فهذه جهات الزكاة، وللمالك أن يدفع إلى كل واحد منهم، وله أن يقتصر على صنف واحد. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز إلا أن يصرف إلى ثلاثة من كل صنف، لأن الإضافة بحرف اللام للاستحقاق.   [البناية] يصير ابن سبيل بالعزم على السفر، وابن السبيل كعابر السبيل. وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] (النساء: آية 43) ، هم المسافرون لا يجدون الماء فيتيممون، فكذا ابن السبيل هو المسافر لا من عزم على السفر. وفي " الينابيع ": ابن السبيل منقطع الغزاة. وفي كتاب علي بن صالح الجرجاني: ابن السبيل، هو الذي لا يقدر على ماله في سفره وهو غني ويقدر أن يستقرض فالقرض خير له من قبول الصدقة، وإن قبلها أجزأ عمن يعطيه ولا يلزمه استقراض، لاحتمال عجزه عن الأداء. وفي " خزانة الأكمل ": لا يجب على ابن السبيل أداء زكاته حتى يرجع إلى ماله، ولو تصدق غيره بغير أمره فبلغه فرضي به، لم يجز وبأمره يجوز، وقيل: إذا كانت قائمة في يد الفقير ينبغي أن يجوز، لأن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة على ما عرف. م: (قال) ش أي صاحب الكتاب م: (فهذه جهات الزكاة) ش: أي هذه التي ذكرناها من الأصناف هي جهات الزكاة، أي مصارفها لا مستحقوها عندنا م: (وللمالك أن يدفع إلى كل واحد منهم) ش: أي من الأصناف السبعة المذكورة. م: (وله أن يقتصر على صنف واحد) ش: من السبعة، وهو قول عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس وحذيفة بن اليمان ومعاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وبه قال سعيد بن جبير، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وعمر بن عبد العزيز، وأبو العالية، وعطاء بن أبي رباح، وإليه ذهب الثوري، ومالك، وأحمد في ظاهر الرواية، وأبو ثور، وأبو عبيد، وعن النخعي: إن كان المال، كثيرا يحتمل قسمته على الأصناف قسمة عليهم، وإن كان قليلا صرف إلى صنف واحد. م: (وقال الشافعي: لا يجوز إلا أن يصرف إلى ثلاثة من كل صنف) ش: فيكون واحدا وعشرين نفسا، وكذا صدقة الفطر وخمس الزكاة. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إلا العاملين عليها، فإنه يجوز أن يكون العامل واحدا، فإن فرق زكاته بنفسه، أو بوكيله سقط نصيب العامل، فيفرق الباقي على سبعة أصناف، أحد وعشرين نفسا إن وجدوا، حتى لو ترك واحد منهم ضمن نصيبه، وهو قول عكرمة، وداود الظاهري. وقال الإصطخري: تصرف صدقة الفطر إلى ثلاثة من الفقراء لقلتها واختاره الروياني في " الحلية " م: (لأن الإضافة بحرف اللام للاستحقاق) ش: أي لأن إضافة الصدقات إليهم بحرف اللام تقتضي الملك إذا أضيف به إلى من يصح له الملك كقولك المال لزيد، فإن أوصى بثلث ماله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 ولنا أن الإضافة لبيان أنهم مصارف لا لإثبات الاستحقاق. وهذا لما عرف أن الزكاة حق الله تعالى، وبعلة الفقر صاروا مصارف فلا يبالى باختلاف جهاته،   [البناية] لهؤلاء الأصناف لم يجز حرمان بعضهم، فكذلك في أمر الشرع. م: (ولنا أن الإضافة) ش: أي إضافة الصدقات إليهم م: (لبيان أنهم مصارف) ش: وأن تصير العاقبة لهم م: (لا لإثبات الاستحقاق) ش: لأن المجهول لا يصلح مستحقا، واللام للاختصاص لا للملك، كما يقال: الجل للفرس ولا ملك له، فكان المراد اختصاصهم بالصرف إليهم، ومعاني اللام ترتقي إلى أكثر من عشرة، ولكن أصلها للاختصاص. ولم يذكر الزمخشري في المفصل غير الاختصاص لعمومه، فقال اللام للاختصاص، كقولك المال لزيد والسرج للدابة، واللام في الآية للاختصاص، يعني أنهم مختصون بالزكاة ولا تكون لغيرهم كقولهم الخلافة لقريش أو السقاية لبني هاشم أي لا يوجد ذلك في غيرهم، ولا يلزم أن تكون مملوكة لهم، فتكون اللام لبيان محل صرفها، وأيضا الفقراء والمساكين لا يحصون لكثرتهم فكانوا مجهولين، والتمليك من المجهول محال. ولهذا قال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو كان في أكثر من ثلاثة من الصنف لا يثبت ملكهم ولا ينتقل إلى ورثتهم بموتهم، فدل على عدم الملك فبطل دعواهم أن اللام للملك بخلاف الثلاثة عندهم وأيضا قَوْله تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] (التوبة: آية 60) ، كاللام فيهما، فإذا حمل على الاختصاص استقام الجميع ولا يستقيم الملك في الطرق، وهذا بين مكشوف وأيضا أنهم قالوا يجوز للإمام أن يدفع صدقة الرجل الواحد وأكثر إلى فقير واحد، والإمام يقوم مقام رب المال في التفريق، فأبطلوا لام الملك والعدد ولم يستوعبوا آحاد الصنف الواحد أيضا. قال الشيخ شهاب الدين القرافي: وهذه الصورة هي مذهبه في الملك. وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - المراد في الآية في بيان المصارف قال: أينما صرفت إلى أحد من الأفراد أجزأت، كما أن الله تعالى أمرنا باستقبال القبلة في الصلاة، فإذا استقبلت جزءا منها كنت ممتثلا للأمر. م: (وهذا) ش: أي ما ذكرنا أن الإضافة لبيان أنهم مصارف لا لإثبات الاستحقاق م: (لما عرف أن الزكاة حق الله تعالى) ش: لأنها عبادة ولا يستحقها إلا الله تعالى م: (وبعلة الفقر صاروا مصارف) ش: أي بعلة الفقر والاحتجاج صارت الأصناف المذكورة مصارف للزكاة، لأن الله تعالى ذكرهم بأوصاف تنبئ عن الحاجة. م: (فلا يبالى) ش: على صيغة المجهول، أي فلا يلتفت ولا يحمل لهم م: (باختلاف جهاته) ش: أي بسبب اختلاف جهات المصرف، وإنما ذكر الضمير لأنه يرجع إلى المصرف الذي يدل عليه لفظ المصارف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 والذي ذهبنا إليه مروي عن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -   [البناية] م: (والذي ذهبنا إليه) ش: أي من الاقتصار على صنف واحد في دفع الصدقات م: (مروي عن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أما المروي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه الطبري في "تفسيره " من حديث الليث عن عطاء أنه قال {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] (التوبة: آية 60) قال: أيما صنف أعطيته من هذا أجزأ عنك، وأخرجه، عن حفص، عن الليث عن عطاء، عن عمر، أنه كان يأخذ الفرض في الصدقة، ويجعله في صنف واحد. وأما المروي عن ابن عباس فأخرجه الطبري أيضا عن عمر بن عيينة عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] (التوبة: آية 60) ، قال في أي صنف وضعته أجزأك، وقال الإمام الأسبيجابي في شرحه " لمختصر الطحاوي ": جملة ما يجيء في بيت المال في الأموال أربعة أنواع، منها الصدقات، وهي زكاة السوائم والعشور، وما أخذه العاشر من المسلمين الذين يمرون عليه من التجارة. ونوع آخر ما أخذ من خمس الغنائم والمعدن والركاز، ويصرف في هذين النوعين الأصناف التي ذكرها الله تعالى في كتابه، وهو قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] (التوبة: آية 60) ، وهو قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] (الأنفال: آية 41) ، ففي الآية الأولى بيان مصرف السبعة، وفي الآية الثانية ما ذكره الله تعالى، فيها سهم الله تعالى ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وذكر اسمه تعالى للتبرك، وسهم الرسول سقط بموته، وسهم ذوي القربى ساقط عندنا وهم قرابة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيصرف اليوم إلى ثلاثة أصناف، اليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سهم ذوي القربى ثابت. والنوع الثالث: هو الخراج والجزية وما صولح عليه مع بني نجران من الحلل، ومع بني تغلب من الصدقة المضاعفة، وما أخذ العاشر من المستأمن من أهل الحرب، وما أخذ من تجار أهل الذمة، تصرف هذه في عمارة الرباطات والقناطر والجسور وسد الثغور وكري الأنهار العظام التي لا ملك لأحد فيها كجيحون والفرات ودجلة، ويصرف إلى أرزاق القضاة وأرزاق الولاة والمحتسبين والمعلمين والمقاتلة وأرزاق المقاتلة ويصرف إلى رصد الطريق في دار الإسلام عن اللصوص وقطاع الطريق. والنوع الرابع: ما أخذ من تركة الميت الذي مات ولم يترك وارثا، أو ترك زوجا أو زوجة، فمصرف هذا نفقة المرضى في أدويتهم وعلاجهم وهم فقراء، وكفن الموتى الذين لا مال لهم ونفقة اللقيط، وعقل جنايته، ونفقة من هو عاجز عن الكسب وليس له من يقضي عليه في نفقته وما أشبه ذلك، فيجب على الأئمة والسلاطين والولاة إيصال الحقوق إلى أربابها، وأن لا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 ولا يجوز أن تدفع الزكاة إلى ذمي، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم» . قال: ويدفع إليه ما سوى ذلك من الصدقة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يدفع وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] يحبسوها عنهم على ما يرون من تفضيل وتسوية من غير ميل في ذلك إلى هوى، ولا يحل لهم منها إلا مقدار ما يكفيهم ويكفي أعوانهم بالمعروف وإن قصروا في ذلك عليهم صاروا ظلمة مفسدين. [دفع الزكاة إلى الذمي] م: (ولا يجوز أن تدفع الزكاة إلى ذمي) ش: وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الإسلام ليس بشرط في صرف الزكاة وغيرها، وقال الزهري وابن شبرمة: يجوز دفعها إلى الذمي م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (لمعاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «خذها من أغنيائهم وردها إلى فقرائهم» ش: أي خذ الزكاة، والخطاب لمعاذ بن جبل، وأخرج الأئمة الستة حديث معاذ من حديث ابن عباس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث معاذا إلى اليمن .... الحديث مشهور، وفيه أنه افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم. قوله: خذها من أغنيائهم، أي من أغنياء المسلمين، هذا بالإجماع، لأن الزكاة لا تجب على الكافر، وكذا الضمير في فقرائهم يرجع إلى المسلمين لئلا يحل لهم العطب. وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى ذمي، يجوز صرف صدقة الفطر والنذور والكفارات إليهم. وجوز دفع صدقة الفطر إلى الرهبان، عمر بن شرحبيل ومرة الهمداني. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثلاث روايات فيها، والأصح أنه لا يجوز دفع الصدقة إليهم إلا التطوع، وبالمنع قال مالك والشافعي، وأما الحربي فلا يجوز دفع صدقة ما إليه بالإجماع حتى التطوع، وفي " خزانة" الأكمل يجوز صرف صدقة الفطر وصدقة النذر إلى أهل الذمة، وأما الكفارات فلا. م: (قال: ويدفع إليه) ش: أي إلى الذمي م: (ما سوى ذلك من الصدقة) ش: أراد به صدقة الفطر والنذور والكفارات كما ذكرنا. فإن قلت: لم لا يجوز دفع الزكاة إلى الذمي كما ذهب إليه زفر لعموم النص، ولا يجوز الزيادة عليه بخبر الواحد. قلت: هذا خبر مشهور تلقته الأمة بالقبول، فجاز الزيادة عليه بخبر الواحد. قلت: هذا خبر مشهور تلقته الأمة بالقبول فجاز الزيادة به. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يدفع) ش: أي ما سوى ذلك من الصدقة إلى الذمي م: (وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قول الشافعي بالمنع رواية عن أبي يوسف م: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 اعتبارا بالزكاة. ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تصدقوا على أهل الأديان كلها» . ولولا حديث معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لقلنا بالجواز في الزكاة ولا يبني بها مسجد ولا يكفن بها ميت لانعدام التمليك وهو الركن،   [البناية] (اعتبارا بالزكاة) ش: بأن يقال هذه صدقة واجبة، فلا يجوز دفعها إلى الذمي كالزكاة. م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «تصدقوا على أهل الأديان كلها» ش: هذا حديث مرسل. رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه ": حدثنا جرير بن عبد الحميد عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تصدقوا إلا على أهل دينكم" فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} [البقرة: 272] إلى قوله: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} [البقرة: 272] (البقرة: الآية 272) ، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تصدقوا على أهل الأديان» والحربي والمستأمن خرجا منه، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ} [الممتحنة: 9] (الممتحنة: الآية 9) ، وبالإجماع، فبقي أهل الذمة داخلا فيه. فإن قلت: هذا الحديث لا يقبل التخصيص لقطع الاحتمال بلفظ الكل. قلت: لفظ الكل تأكيد للأديان لا للأهل، فبقي فيه احتمال فيجوز تخصيصه. م: (ولولا حديث معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لقلنا بالجواز في الزكاة) ش: لإطلاق الآية، كما قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فلولا حديث معاذ جواب عن الثاني ولم يجب عن الأول، وجوابه ما ذكرناه، لأنه مخصوص في حق الحربي والمستأمن بقوله {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ} [الممتحنة: 9] .... الآية قيل فيه نظر، لأنه لحقه بيان التقرير وهو يمنع الخصوص، وأجيب بما ذكرنا أن كلمة كل لتأكيد الأديان، لا لتأكيد الأهل، قيل فيه غموض، ولئن سلمناه، ولكن يقتضي أن يكون التخصيص مقارنا عندنا وليس بثابت، على أن في الآية النهي عن التولي لا عن البر، فلا يكون التعلق بالصدقة، قيل في صدر الجواب نحن أمرنا بقتالهم بآيات القتال، فإن كان شيء منها متأخرا عن هذا الحديث كان ناسخا في حقهم، وإلا لم يبق الحديث معمولا به في حقهم لأن التصدق عليهم رحمة لهم ومواساة، وهي منافية لمقتضى الآية وليس في مرتبتها، وسقط العمل في حقهم، وبقي معمولا به في حق أهل الذمة عملا بالدليل بقدر الإمكان. م: (ولا يبنى بها مسجد) ش: أي لا يبنى بالزكاة مسجد، لأن الركن في الزكاة التمليك من الفقير ولم يوجد م: (ولا يكفن بها ميت لانعدام التمليك) ش: من الميت م: (وهو الركن) ش: وكذا لا تبنى بها القناطر والسقايات، ولا يحفر بها الآبار، ولا تصرف في إصلاح الطرقات وسد الثغور والحج والجهاد ونحو ذلك مما لا يملك فيه. فإن قلت: روى أنس والحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ما أعطيت من الجسور والطريق صدقة ماضية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 ولا يقضى بها دين ميت، لأن قضاء دين الغير لا يقتضي التمليك منه لا سيما من الميت ولا يشتري بها رقبة تعتق، خلافا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث ذهب إليه في تأويل قَوْله تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177] .   [البناية] قلت: هذا وهم عليهما، وليس مرادهما عمارة الجسور والطريق، بل معناه إعطاء الزكاة لمن يبني الجسور والطريق من العشار الذين يقيمهم السلطان لأخذهم الزكاة والعشور، وأن ذلك يسقط الغرض، ووجه الوهم أنما قال: ما أعطيت من الجسور والطريق، ولم يقولا في الجسور. كذا في كتاب أبي عبيد، وقد أصلحه بعض من نظر فيه فضرب على من والحق في ليستقيم الكلام على المعنى الذي توهمه، ولم يعلم أن الرواية صواب، وإنما الوهم في معناهما. م: (ولا يقضى بها دين ميت لأن قضاء دين الغير لا يقتضي التمليك منه) ش: أي من الغير، بدليل أن الدائن والمديون إذا تصرفا على أن لا دين بينهما، وللمؤدي أن يسترد المقبوض من القابض فلم يصر هو ملكا للقابض، وإنما قيده بقوله دين ميت، فإنه لو قضى بها دين حي بأمره يجوز، وتقع الزكاة كأنه تصدق على المديون، والقابض وكيل في قبض الصدقة كذا في " شرح الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذا الولوالجي لو أمر فقيرا بقبض دين له من زكاة ماله جاز، لأنه قبض عينا والعين تجوز عن العين والدين جميعا، أما لو تصدق بمال على الذي هو له عليه دين وهو فقير جاز عن ذلك، ولم يجز عن العين، لأن في الوجه الأول أدى المال الناقص عن الناقص فيجوز، وفي الوجه الثاني أدى الناقص عن الكامل فلا يجوز. وقال أبو ثور وابن حبيب من المالكية: يقضي بها دين الميت، وجعلاه من الغانمين، والصحيح ما ذكرناه. وبه قال الثوري ومالك والشافعي وأحمد م: (لا سيما من الميت) ش: كان في نسخة الأترازي وقع سيما بدون لا، فقال: هذا على خلاف استعمال العرب، لأن قياس كلامهم أن يقال لا سيما وهي من كلمات الاستثناء، قال صاحب " المقتصد ": أما لا سيما فله وجهان، أحدهما أن يقول كما في القوم لا سيما زائدة فيجر وتجعل ما زائدة، كأنك قلت: لا سي زيد بمنزلة لا مثل زيد. والوجه الثاني: أن تقول: لا سيما زيد فتجعل ما بمعنى الذي، وزيد خبر مبتدأ محذوف كأنك قلت لا سي الذي هو زيد، وقيل الجر بعد لا سيما كثير والرفع قليل، وقد يجوز النصب وهو الأقل، انتهى. وقال الميداني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " الهادي للساري ": إن لا سيما كلمة تخصيص، أي أخص ما يذكر بعده إذا قلت: أكرمني الناس، لا سيما زيد أي خاصة زيد. م: (ولا يشتري بها) ش: أي بالزكاة م: (رقبة تعتق، خلافا لمالك حيث ذهب إليه) ش: أي إلى جواز شراء العبد بالزكاة لأن يعتق، وبه قال إسحاق وأبو ثور وعبد الله بن الحسن العنبري، ورواه البخاري عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (في تأويل قَوْله تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177] ش: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 ولنا أن الإعتاق إسقاط الملك وليس بتمليك. ولا تدفع إلى غني   [البناية] أو لأنه قال يشتري مملوكا فيعتق، لأن لفظ الرقاب يقتضي ذلك. م: (ولنا أن الإعتاق إسقاط وليس بتمليك) ش: لأن التمليك ركن، لأنه الأصل في دفع الزكاة. فإن قلت: أنتم جعلتم اللام في الآية للعاقبة ودعوى التمليك بدلالة اللام فلم تبق إلا دعوى مجردة. قلت: معنى جعل اللام للعاقبة أن المقبوض يصير ملكا لهم في العاقبة ثم يحصل لهم الملك بدلالة اللام فلم تبق دعوى مجردة. م: (ولا تدفع) ش: أي الزكاة م: إلى غني) ش: أي الذي يملك النصاب، لأن الغنى ثلاثة أنواع. أحدهما: الغنى الذي يتعلق به وجوب الزكاة وهو أن يملك نصابا من المال النامي الفاضل عن حاجته. الثاني: الغنى الذي تحرم له الصدقة وتجب به الفطرة والأضحية وهو أن يملك ما يساوي مائتي درهم فاضلا عن ثيابه وثياب أهل بيته وخادمه ومسكنه وفرسه وسلاحه. والثالث: الغنى الذي يحرم له السؤال وعليه العامة، وفي " العين " عن أحمد روايتان في الغنى المانع من أخذ الزكاة، أظهرهما مالك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب، وإن لم يقل بكفايته. وفي " شرح الهداية " لأبي الخطاب روي ذلك عن علي وابن مسعود وسعد بن أبي وقاص والنخعي والثوري وابن المبارك وابن جني وابن راهويه. والرواية الثانية: والغنى المحرم لأخذ الزكاة ما يحصل به كفاية الإنسان حتى لو كان محتاجا حلت له الصدقة وإن كان يملك نصابا، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي رواية عن مالك وعندنا ملك النصاب الذي يصير به غنيا على ما ذكرته، وهو قول ابن شبرمة ورواية المغيرة عن مالك، والتقدير بالحاجة مع ملك النصاب ضعيف، إذ لا ضابط للحاجة ولم يرد به شرع، والنصاب ضابط شرعي لأن الغني دافع لا آخذ. وقال الحسن البصري وأبو عبيد: الغني من ملك أوقية وهي أربعون درهما، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو كان للرجل دار تساوي عشرة آلاف درهم ليس فيها من فضل على سكناه يحل له أخذ الزكاة، وإن فضل فيها عن ذلك ما يساوي مائتي درهم لا تحل، ولو كانت له ضيعة غلتها لا تفضل عنه وعن عياله لا تحل له الزكاة عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تحل له لأنها مشغولة بحاجة ويشق عليه بيعها، ولو كان له فيها [ ..... ] لا تحل له الزكاة عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تحل لأنه تبع للضيعة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تحل الصدقة لغني»   [البناية] وفي " فتاوى" الفضلي قيل لرجل: كيف حالك؟ قال: أنا غني عند أبي يوسف فقير عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، هذا رجل ملك دارا وحوانيت تساوي ألوفا، لكن لا تكفي غلتها لقوته وقوت عياله، عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - غني لا تحل له الصدقة، وعند محمد فقير تحل له الصدقة، وعن الحسن البصري قال: كانت الصدقة تحل للرجل وله دار وخادم وسلاح يساوي عشرة آلاف درهم. وفي المرغيناني لو كان له كسوة ثيابا لا يحتاج إليها في الصيف لا تحل له الزكاة عند أبي يوسف، وقياس هذا لا تحل له الزكاة عند أبي يوسف إذا كان له طعام سنة يبلغ نصابا، وهو خلاف المشهور، وفي " المحيط وجوامع الفقه " لو زاد على طعام شهر يبلغ مائتي درهم لا تحل له الصدقة، وذلك وفي " الذخيرة " هذا قول المشايخ، واختاره الصدر الشهيد، وبعض المشايخ اعتبر ما زاد على السنة. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا تحل الصدقة لغني» ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فعن عبد الله بن عمرو أخرجه أبو داود والترمذي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي» ، وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه النسائي وابن ماجه قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي» ، وأخرجه ابن حبان أيضا، وعن حبشي بن جنادة قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع وهو واقف بعرفة .... الحديث، وفيه: «أن المسألة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي إلا لذي فقر مدقع أو غرم» ، وانفرد به الترمذي. وعن جابر أخرجه الطبراني في "الأوسط" أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «من سأل وهو غني عن المسألة يحشر يوم القيامة وهي خموش في وجهه» وعن الوازع بن نافع عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله: «قال جاءت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صدقة فركبه الناس، فقال: "إنها لا تصلح لغني ولا لصحيح سوي ولا لعامل قوي» ، وقال ابن حبان: الوازع بن نافع يروي الموضوعات عن الثقات على قلة روايته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وعن طلحة بن عبد الله أخرجه أبو يعلى الموصلي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي» ، ضعيف، وعن عبد الرحمن بن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الطبراني في "معجمه" نحو حديث طلحة، وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه ابن عدي في " الكامل " نحوه وهو ضعيف، وعن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه أبو داود وابن ماجه «أن رجلا من الأنصار أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسأله فقال: "أما في بيتك شيء؟ " قال: بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه الماء .... » الحديث، وفيه: «إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة، لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع» . وعن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه تمام في "فوائده " من حديث مسروق قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من سأل الناس ليروا ماله فإنما هو رضف من النار يلتقمه، فمن شاء فليفعل، ومن شاء فليكثر» ، وفيه يحيى بن السلمي ضعيف صالح مرره، وعن عمران بن حصين أخرجه أحمد والدارمي من رواية الحسن عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مسألة الغني شين في وجهه يوم القيامة» ، وعن ثوبان أخرجه أحمد والبزار والطبراني من رواية معدان بن أبي طلحة عن ثوبان عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من سأل مسألة وهو عنها غني كانت شينا في وجهه يوم القيامة» وإسناده صحيح، وعن مسعود بن عمر أخرجه البزار والطبراني في "الكبير " بإسنادهما عنه قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يزال العبد يسأل وهو غني حتى يخلق وجهه فلا يكون له عند الله وجه» . وعن رجل من بني هلال رواه أحمد من رواية أبي زميل، قال حدثني رجل من بني هلال قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا تحل المسألة لغني ولا لذي مرة سوي» . وعن رجلين غير مسميين أخرجه أبو داود والنسائي من رواية عبيد الله بن عدي بن الخيار قال: «أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة. فسألاه منها فرفع فينا البصر وخففه فرآنا جلدين، فقال: "إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب» ، انتهى. المرة بكسر الميم القوة والشدة ومنه قَوْله تَعَالَى في وصف جبريل - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم: 6] (النجم: الآية 6) ، والسوي الصحيح الأعضاء، ومدقع بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر القاف وبعين مهملة هو الشديد وهو من الدقع وهو التراب، ومعناه يفضي لصاحبه إلى الدقعاء، والغرم شيء لازم له، ومفظع بضم الميم وكسر الظاء المعجمة وهو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 وهو بإطلاقه حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غني الغزاة، وكذا حديث معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على ما روينا. قال: ولا يدفع المزكي زكاته إلى أبيه وجده وإن علا ولا إلى ولده وولد ولده وإن سفل، لأن منافع الأملاك بينهم متصلة فلا يتحقق التمليك على الكمال ولا إلى امرأته للاشتراك في المنافع عادة   [البناية] الشديد الشنيع. قوله -لذي دم، بالدال المهملة وتخفيف، وموجع، بكسر الجيم، وهو ما وجب على العاقلة تحمله من الدية. م: (وهو بإطلاق حجة على الشافعي في غني الغزاة) ش: فإنه يجوز دفع الزكاة إلى الغازي وإن كان غنيا. فإن قلت: خص منه العامل الغني حيث يحل له أخذ الصدقة، وابن السبيل الذي له مال كثير في بيته. قلت: لا نسلم التخصيص لأن الذي يأخذه العامل أجرة عمله لا باعتبار أنه صدقة، وأن الذي يأخذه ابن السبيل باعتبار أنه فقير في هذه الحالة. فإن قلت: جاء في حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل الله أو ابن السبيل أو جار فقير يتصدق عليه فيهدي لك أو يدعوك» فهذا يدل على ما قاله. قلت: معنى الغني بكسبه، أي المستغني بكسبه عن السؤال، فإنه إن استغنى بالكسب لا تحل له الصدقة إلا إذا كان غازيا فتحل له لاشتغاله بالجهاد عن الكسب. م: (وكذا حديث معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على ما روينا) ش: أي وكذا حديث معاذ بن جبل حجة عليه وقد مر. [دفع الزكاة للآباء والأبناء والزوجة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا يدفع المزكي زكاته إلى أبيه وجده وإن علا، ولا إلى ولده وولد ولده وإن سفل) ش: وكذا لا يدفع إليهم عشره وسائر واجباته، بخلاف الركاز إذا وجده له أن يعطي خمسه من هو من أهل الحاجة منهم، ولو بقي شيء لولده لم يعطه، وكذا المخلوق من مائه بالزنا م: (لأن منافع الأملاك بينهم متصلة) ش: حتى ينتفع أحدهما بمال الآخر ولهذا لم تقبل شهادة البعض للبعض، فكان الصرف إليهم صرفا إلى نفسه من وجه م: (فلا يتحقق التمليك على الكمال) ش. فالشرط التمليك الكامل م: (ولا إلى امرأته) ش: أي ولا يدفع المزكي زكاته إلى امرأته م: (للاشتراك في المنافع عادة) ش: قال الله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] (الضحى: الآية 8) ، قيل أي بمال خديجة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وسواء كانت امرأته في عدة رجعي أو بائن بواحدة أو بثلاث، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 ولا تدفع المرأة إلى زوجها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما ذكرنا. وقالا: تدفع إليه لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لك أجران أجر الصدقة وأجر الصلة» قاله لامرأة ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -   [البناية] ولو تزوجت امرأة الغائب فولدت أولادا قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الأولاد من الغائب، ومع هذا يجوز دفع الزكاة إليهم، وتجوز شهادة الأولاد له، ذكره الإمام التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي " المبسوط " وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجزئه إذا دفعها إلى امرأته لأنه لا حرمة بينهما، وتجوز شهادته له عنده، وفي " المجتبى " وهذا قول مسند، والمشهور عن الشافعي أنه لا يجوز. وفي " الأسبيجابي " وأما الأخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأولادهم فلا بأس بدفع الزكاة إليهم، وذكر الزندويسني أن الأفضل في مصرف الزكاة المال إلى هؤلاء السبعة، أخوته وأخواته الفقراء، ثم أولادهم ثم أعمامه وعماته الفقراء، ثم أخواله وخالاته الفقراء، ثم ذوو أرحامهم ثم جيرانه ثم أهل سكنه ثم أهل مصره. م: (ولا تدفع المرأة) ش: أي الزكاة م: (إلى زوجها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم ذكرنا) ش: أي للاشتراك في المنافع، وبه قال مالك وأحمد، واختاره الحربي وأبو بكر من الحنابلة م: (وقالا تدفع إليه) ش: أي وقال أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله-: تدفع المرأة زكاتها إلى زوجها وبه قال الشافعي وأشهب من المالكية، وقال القرافي كرهه الشافعي وأشهب. قلت: حكى الثوري أن زوجها أفضل عند الشافعي م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «لك أجران أجر الصدقة وأجر الصلة» قاله لامرأة ابن مسعود) ش: هذا الحديث أخرجه مسلم وأخرجه الجماعة إلا أبا داود عند زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن"، قالت فرجعت إلى عبد الله فقلت إنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أمرنا بالصدقة، فأته فاسأله فإن كان ذلك يجزئ عني وإلا صرفتها إلى غيركم، قالت: فقال لي عبد الله: بل ائتيه أنت. فانطلقت فإدا امرأة من الأنصار بباب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حاجتي حاجتها، قالت: وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد ألقيت عليه المهابة، قالت: فخرج بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقلنا له: أخبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن امرأتين بالباب يسألونك أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما؟ ولا تخبر من نحن. قالت: فدخل بلال فسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "من هما؟ " فقال: امرأة من الأنصار وزينب، قال: "أي الزيانب" قال: امرأة عبد الله بن مسعود، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لهما أجران أجر القرابة وأجر الصلة» واسم امرأة ابن مسعود زينب وهي بنت عبد الله بن معاوية الثقفية، ويقال اسمها رايطة، ويقال ريطة، ويقال اسمها زينب وريطة لقت لها، وقيل ريطة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 وقد سألته عن التصدق عليه قلنا هو محمول على النافلة. قال: ولا يدفع إلى مكاتبه وأم ولده ومدبره لفقدان التمليك إذ كسب المملوك لسيده، وله حق في كسب مكاتبه فلم يتم التمليك، ولا إلى عبد قد أعتق بعضه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه بمنزلة المكاتب عنده،   [البناية] زوجة أخرى لابن مسعود وهي أم ولده، ذكرها ابن الأثير في الصحابيات. وقال الطحاوي: ورايطة هذه هي زينب امرأة عبد الله، ولا نعلم أن عبد الله كانت له امرأة غيرها في زمن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (وقد سألته عن الصدقة على زوجها) ش: أي والحال أن امرأة ابن مسعود سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن التصدق على ابن مسعود م: (قلنا هو محمول على النافلة) ش: هذا جواب عن حديث زينب، وهو أنه محمول على صدقة التطوع، ألا ترى أنها سألت عما كانت تنفق على عبد الله وأيتام لها في حجرها، ومعلوم أن صدقة الشخص إذا كانت فريضة فلا يحوز صرفها في ولده، فعلم بذلك أنها كانت نافلة. م: (قال ولا يدفع إلى مكاتبه) ش: أي ولا يدفع زكاته إلى أي وبه قال الثوري والشافعي وجمهور العلماء، لأن كسب المكاتب موقوف على سيده، فلم يوجد الإخراج الصحيح، وإذا دفع إلى مكاتب غيره وإن كان مولاه غنيا، لأن أداء الزكاة إلى الغني يجوز في الجملة كالعامل الغني وابن السبيل إذا كان له مال في وطنه م: (وأم ولده) ش: لقيام الملك فيها، ولهذا يحل وطؤها وإنما يحرم بيعها. م: (ومدبره) ش: سواء كان مقيدا أو مطلقا لقيام الملك فيه، ولهذا يجوز عتقه، وهذا التعليل يرجع إلى الكل م: (لفقدان التمليك أو كسب المملوك لسيده، وله حق في كسب مكاتبه فلم يتم التمليك) ش: وهذا التعليل يرجع إلى الكل. م: (ولا إلى عبد قد أعتق بعضه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه بمنزلة المكاتب عنده) ش: إن كانت الرواية بضم الهمزة على ما لم يسم فاعله، فصورته إذا رهن عبد ثم أعتقه الراهن وهو معسر فهذا العبد يسعى والمستسعى عنده كالمكاتب، فلو أدى الرهان زكاته إليه لا يجوز عنده، لأنه أدى إلى مكاتبه، وهو محمول على ما إذا أعسر بعد وجوب الزكاة عليه، وقال السروجي: يؤخذ على صاحب الحواشي حكمان فيه، الأول: كون المستسعى عنده كالمكاتب ليس على الإطلاق، فتارة يكون حكمه حكم المكاتب عنده، إلا أنه لا يرد إلى الرق للعجز، وتارة يكون حرا وهو يسعى بالإنفاق، وهذا في مسائل ذكرها في زيادات قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -. منها إذا قال المولى لأمته: أعتقتك على أن تزوجيني نفسك، فقبلت عتقت، فإن أبت تسعى في قيمتها وهي حرة بالإنفاق، وفيما إذا أعتق الراهن العبد المرهون وهو معسر يسعى في قيمته وهو حر بالاتفاق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 وقالا: يدفع إليه لأنه حر مديون عندهما، ولا يدفع إلى مملوك غني، لأن الملك واقع لمولاه ولا إلى ولد غني إذا كان صغيرا، لأنه يعد غنيا بمال أبيه، بخلاف ما إذا كان كبيرا فقيرا، لأنه لا يعد غنيا بيسار أبيه وإن كانت نفقته عليه، بخلاف امرأة الغني لأنها وإن كانت فقيرة لا تعد غنية بيسار زوجها وبقدر النفقة لا تكون موسرة.   [البناية] والحكم الثاني: وهو قوله: إذا أعتق الراهن العبد المرهون يسعى وهو عنده كالمكاتب عنده، بل هذا غلط بل يسعى وهو حر. م: (وقالا: يدفع إليه لأنه حر مديون عندهما) ش: وفي " الكافي ": هذا لا يستقيم على قولهما، لأنه لو أعتق نصف عبده يعتق كله بلا سعاية، وإنما يستقيم على قولهما إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه وهو معسر فحينئذ عندهما حر مديون، قيل في جوابه: هذا بعد عرضة كونه مديونا لأنه خرج عن الرق، وليس له شيء ولا يتهيأ له كسب في الحال، فلا بد من لحوق الدين غالبا وهو غير قوي. م: (ولا يدفع إلى مملوك غني) ش: بإضافة المملوك إلى الغني، أي مملوك رجل غني م: (لأن الملك واقع لمولاه) ش: لأن العبد لا يملك شيئا، ولا بد من قيد إلى مملوك غني غير مكاتبه، وفي " التحفة " لا يجوز إلى مملوكه إذا لم يكن عليه دين كدين الاستهلاك أو دين التجارة، وإن كان مستغرقا به ينبغي أن يجوز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا يملك كسبه عنده، وكذا لا يجوز دفها إلى مدبر غني وأم ولده إذا لم يكن عليهما دين مستغرق. وفي " الذخيرة " إذا كان العبد زمنا وليس في عيال مولاه ولا يجد شيئا يجوز، وكذا إذا كان مولاه غائبا، وإن كان غنيا، يروى عن أبي يوسف. م: (ولا إلى ولد غني إذا كان صغيرا، لأنه يعد غنيا بمال أبيه) ش: لأنه تجب ولاية الأب ومؤنته. وفي " فنية المنية ": إذا لم يكن للصغير أب وله أم غنية يجوز الدفع إليه، وفي " الذخيرة "، وذكر في بعض " شروح الجامع الصغير " إن على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز الدفع إلى ولد الغني صغيرا كان أو كبيرا، وقال صاحباه: يجوز في " الكبير " دون الصغير م: (بخلاف ما إذا كان كبيرا فقيرا، لأنه لا يعد غنيا بيسار أبيه وإن كانت نفقته عليه) ش: كلمة إن واصلة بما قبلها، أي كانت نفقة الولد الكبير على الأب بأن كان زمنا أو أعمى أو أنثى. م: (وبخلاف امرأة الغني لأنها إذا كانت فقيرة لا تعد غنية بيسار زوجها وبقدر النفقة لا تكون موسرة) ش: لأن مقدار النفقة لا يغنيها، وفي " التحفة ": يجوز الدفع إلى امرأة الغني إذا كانت فقيرة، وكذلك إلى البنت الكبيرة فقيرة، يعني وهو إحدى الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن الزوج لا يدفع حوائج الزوجية والبنت الكبيرة. وفي " الينابيع ": يجوز دفع الزكاة إلى امرأة الغني عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 ولا تدفع إلى بني هاشم، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يا بني هاشم! إن الله تعالى حرم عليكم غسالة الناس وأوساخهم وعوضكم منها بخمس الخمس» .   [البناية] وقالا: إن فرض القاضي النفقة على الزوج لا يجوز، وقيل: قول محمد مع أبي حنيفة وهو الأصح، وإن لم يفرض القاضي النفقة لها جاز بالإجماع، وإنما شرط القضاء بالنفقة على قول أبي يوسف لأن الاستغناء به يتأكد، لأن قبل القضاء لا يصير دينا، كذا في " الإيضاح ". ولو دفع إلى صبي غير عاقل فدفعه هو إلى وصيه أبو أبيه لا يجزئه من الزكاة، ويجوز قبض الصغير بنفسه إذا عقل ذلك. ولو دفع إلى المعتوه جاز بخلاف المجنون. [حكم إعطاء الزكاة والصدقة لبني هاشم ومواليهم] م: (ولا تدفع إلى بني هاشم) ش: أي ولا تدفع الزكاة إلى بني هاشم. وفي " الإيضاح" الصدقات الواجبات كلها عليهم لا تجوز لإجماع الأئمة الأربعة، وروى أبو عصمة عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز دفع الزكاة إلى الهاشمي، وإنما كان لا يجوز في ذلك الوقت لسقوط خمس الخمس، ويجوز النقل بالإجماع. وروى ابن سماعة عن أبي يوسف أنه قال: لا بأس بصدقة بني هاشم بعضهم على بعض، ولا أرى الصدقة عليهم ولا على مواليهم من غيرهم. وفي " شرح الآثار ": عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا بأس بالصدقات كلها على بني هاشم والحرمة للعوض، وهو خمس الخمس، فلما سقط ذلك بموته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حلت لهم الصدقة. قال الطحاوي: وبه نأخذ، في السفر يجوز الصرف إلى بني هاشم في قوله خلافا لهما، وفي " المبسوط " يجوز دفع صدقة التطوع والأوقاف إلى بني هاشم، وروي عن أبي يوسف ومحمد في " النوادر " وفي " شرح مختصر الكرخي " و" الأسبيجابي " و" المفيد " إذا سموا في الوقف، وفي " الكرخي " إذا أطلق الوقف لا يجوز، لأن حكمهم حكم الأغنياء. وفي " الذخيرة ": الوقف على أقرباء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جائز، وإن كانت الصدقة لا تحل لهم، وفي " النسفي " عن أبي يوسف: يجوز صرف صدقات الأوقاف إلى الهاشمي إذا سمي في الوقف. وفي " شرح التجريد " للكردي: الصدقة على بني هاشم بطريق الصلة والتبرع، قال بعض أصحابنا تحل، وقال بعضهم: لا تحل. وفي " شرح القدوري ": الصدقة الواجبة كالزكاة والعشر والنذر والكفارات لا تجوز لهم. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «يا بني هاشم! إن الله تعالى حرم عليكم غسالة الناس وأوساخهم، وعوضكم منها بخمس الخمس» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ غريب، وروى الطبراني في "معجمه " من حديث عكرمة، وروى مسلم في حديث طويل من رواية عبد المطلب وربيعة مرفوعا أن «هذا الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد.» وروى الطبراني في "معجمه " من حديث عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنه لا يحل لكم أهل البيت من الصدقات شيء، إنما هي غسالة الأيدي وإن لكم في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 بخلاف التطوع، لأن المال ها هنا كالماء يتدنس بإسقاط الفرض، أما التطوع فبمنزلة التبرد بالماء. قال: وهم آل علي وآل عباس وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث بن عبد المطلب ومواليهم،   [البناية] خمس الخمس لم يعنيكم» . وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «أخذ الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تمرا من تمر الصدقات، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كخ كخ ارم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة» ، متفق عليه. وكخ كلمة لزجر الصبيان والودع. قال الداودي: هي كلمة عجمية عربتها العرب، ويروى بفتح الكاف والتنوين، وفي رواية أبي ذر بكسر الكف وسكون الخاء ويروى بتشديد الخاء أيضا. م: (بخلاف التطوع) ش: أي يجوز صرف صدقة التطوع إلى بني هاشم م: (لأن المال ها هنا كالماء يتدنس بإسقاط الفرض) ش: أراد أن حكم المال في هذا الباب كحكم الماء، فإنه يصير مستعملا بإسقاط الفرض م: (أما التطوع) ش: أي ما صدقة التطوع م: (فبمنزلة التبرد بالماء) ش: حيث لا يتدنس المؤدي به بمنزلة الماء المستعمل، وفي النفل يتبرع بما ليس عليه فلا يتدنس به المؤدى كمن تبرد بالماء، أو نقول: الماء في التطهير فوق المال، لأن المال يطهر حكما، والماء حقيقة وحكما، فيكون المال مطهرا من وجه دن وجه. فجعله متدنسا في الفرض دون النفل عملا بالشبهين، وأجيب بالوجه الثاني عن اعتراض من يقول بأن التشبيه بالوضوء على الوضوء كان السبب باعتبار وجود القربة بهما. م: (قال: وهم) ش: أي بنو هاشم م: (آل علي وآل العباس وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث ابن عبد المطلب ومواليهم) ش: أي موالي هؤلاء، اعلم أن العباس والحارث عمان للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وجعفر وعقيل أخوان لعلي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فكلهم ينتسبون إلى هاشم بن عبد مناف، لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وولده أبو طالب عم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابن عبد المطلب طالبا ولا عقب له، وجعفرا ذا الجناحين قتل يوم مؤتة وعقيلا وعليا، وأمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وكان بين طالب وعقيل عشر سنين، وبين عقيل وجعفر عشر سنين، وبين جعفر وعلي عشر سنين. قال أبو نصر البغدادي: وما عدا المذكورين لا تحرم عليهم الزكاة، ويقويه قول الأسبيجابي في " شرح القدوري ": أنهم كانوا ينسبون إلى هاشم بن عبد مناف إلا من أبطل النص قرابته وهم بنو أبي لهب. وعن أحمد روايتان في بني عبد المطلب، وقال أصبغ: هم عشيرة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأقربون الذين أمروا بإنذارهم إلى قصي. وقيل قريش كلها. وفي " الكمال ": كل من ينسب إلى فهر ليس بقرشي، وإن من تقدم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 أما هؤلاء فلأنهم ينسبون إلى هاشم بن عبد مناف، ونسبة القبيلة إليه. وأما مواليهم فلما روي «أن مولى لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سأله أتحل لي الصدقة؟ فقال: لا أنت مولانا»   [البناية] هذا فلا يقال إنه قرشي، وفهر أبو قريش، وقال محمد بن إسحاق: قريش هو النضر، وتابعه عليه أبو عبيد وأكثر الناس. وحكى الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " معاني القرآن " أن ولد المطلب منهم، قال: ولم أجد ذلك رواية عنهم، وجعل بني أبي لهب من أهل البيت، فمقتضى هذا أن تحرم الصدقة عليهم، وهذا خلاف ما ذكره أبو نصر والأسبيجابي. م: (أما هؤلاء) ش: أشار به إلى قوله وهم آل علي إلى آخره. م: (فلأنهم ينسبون إلى هاشم بن عبد مناف) ش: اسم هاشم عمرو، وإنما سمي هاشما لأنه هشم الئريد لقومه، واسم عبد مناف المغيرة م: (ونسبه القبيلة إليه) ش: أي نسبة قبيلة بني هاشم إلى هاشم بن عبد مناف، ذكر الزبير بن بكار أن العرب ستة طبقات شعب وقبيلة وعمارة وبطن وفخذ وفصيلة، قالوا: كنانة بن خزيمة قبيلة. وقريش هو النضر بن كنانة عمارة، وقصي بطن، وهاشم فخذ، والعباس فصيلة، والشعب فوق الكل بجميع القبائل، والقبيلة تجمع العمائر، والعمارة تجمع البطون، والبطن تجمع الأفخاذ، والفخذ يجمع الفصائل، والشعب مثل مضر وربيعة وحمير ومذحج. م: (وأما مواليهم) ش: جمع مولى أي وأما وجه دخول موالي بني هاشم في حكم بني هاشم في حرمة أخذ الصدقات م: (فلما روي أن مولى «رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سأله أتحل لي الصدقة؟ فقال: لا أنت مولانا» ش: هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن ابن أبي رافع مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة، فقال لأبي رافع: اصحبني، فلك نصيب منها، فقال: لا حتى آتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأسأله، فأتاه فسأله فقال: "مولي القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة» . وقال الترمذي: هذا حديث صحيح، وأخرجه أحمد في "مسنده" والحاكم في "مستدركه "، واسم ابن أبي رافع عبد الله واسم أبي رافع أسلم وقيل: إبراهيم، وقيل: ثابت، وقيل: هرمز، وكان كاتب علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قوله رجلا من بني مخزوم هو الأرقم بن أبي الأرقم القرشي المخزومي بين ذلك النسائي والخطيب، كان من المهاجرين الأولين، وكنيته أبو عبد الله، وهو الذي استخفى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في داره بمكة في أسفل الصفا حتى كملوا أربعين رجلا آخرهم عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهي الدار التي تعرف بالخيزران. قوله: أتحل لنا الصدقة، الهمزة فيه للاستفهام على وجه الاستخبار، والمراد بالصدقة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 بخلاف ما إذا أعتق القرشي عبدا نصرانيا حيث تؤخذ منه الجزية ويعتبر حال المعتق، القياس والإلحاق بالمولى بالنص وقد خص الصدقة قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا دفع الزكاة إلى رجل يظنه فقيرا ثم بان أنه غني أو هاشمي كافر، أو دفع في ظلمة فبان أنه أبوه أو ابنه فلا إعادة عليه.   [البناية] الزكاة، وللشافعي في الموالي وجهان أحدهما مثل مذهبنا، وفي وجه لا تدفع. م: (بخلاف ما إذا أعتق القرشي عبد نصرانيا حيث تؤخذ منه الجزية، ويعتبر حال المعتق) ش: بفتح التاء، هذا جواب عن سؤال مقدر، بيانه أن يقال: كيف ألحق موالي بني هاشم بهم في حرمة الصدقة؟ ولم يلحق مولى القرشي في منع أخذ الجزية؟ إذ لا يجوز وضع الجزية على القرشي، ويجوز وضعها على عبده النصراني إذا أعتقه، فقال في جوابه بخلاف ما إذا أعتق.. إلخ، وحاصله أن القياس أن يعتبر حال المعتق بفتح التاء، ولا يلحق بالمعتق بكسر التاء في حال ما، لأن كل واحد منهما أصل بنفسه من حيث البلوغ والعقل والحرية، وخطاب الشرع م: (لأن القياس والإلحاق) ش: أي إلحاق المعتق م: (بالمولى) ش: إنما كان م: (بالنص وقد خص) ش: أي النص م: (الصدقة) ش: يعني ورد النص خاصا بالصدقة، فاقتصر على مورد النص لوروده على خلاف القياس فلا يتعداه، ولهذا يؤخذ من مولى التغلبي الجزية دون الصدقة المضاعفة. [الحكم لو دفع الزكاة لغير مستحقيها وهو لا يعلم] م: (قال أبو حنيفة ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إذا دفع الزكاة إلى رجل يظنه فقيرا) ش: أي حال كون الدافع يظن الرجل الذي دفع إليه الزكاة فقيرا م: (ثم بان) ش: أي ظهر م: (أنه غني أو هاشمي أو كافر، أو دفع زكاته في ظلمة فبان أنه أبوه أو ابنه فلا إعادة عليه) ش: أي لا يجب عليه إعادة الزكاة، وهو قول الحسن البصري وأبي عبيد، وبه قال مالك والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في قول، هذا من المغني عنده، وأما في الكافر فأظهر القولين الإعادة وبه قال مالك وأحمد. وكذا لو بان هاشميا أو أحد أبويه أو ابنه فإنه يعيدها عندهم، وفي طريق آخر إن كان الدفع من جهة الإمام فيه قولان، وإن كان من جهة رب المال فعليه الإعادة قولا واحدا. قوله: أو كافر، أراد به الذمي، وقد صرح أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح مختصر الطحاوي ". وقال صاحب " التحفة ": وأجمعوا أنه إذا ظهر أنه حربي أو مستأمن لا يجوز. وفي " التحفة " أيضا إذا دفعها إلى المذكورين فهذا على ثلاثة أوجه. الأول: دفعها بنية الزكاة، ولم يخطر بباله أنه غني أو فقير أو مسلم أو ذمي فهو على الجواز، إلا إذا تبين من يمنعه. الثاني: دفعها على وجه الشك، ولم يتحر أو تحرى بقلبه ولم يفهم دليل الفقر، فالأصل الفساد إلا إذا تبين أنه فقير فيجوز. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه الإعادة لظهور خطأه بيقين، وإمكان الوقوف على هذه الأشياء وصار كالأواني والثياب. ولهما حديث معن بن يزيد فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فيه: «يا يزيد لك ما نويت ويا معن لك ما أخذت» وقد دفع إليه وكيل أبيه صدقته،   [البناية] الثالث: إذا تحرى وطلب، وفي " المبسوط " فسأله فأخبره أنه فقير أو كان جالسا مع الفقراء أو كان عليه زي الفقر. وفي " المفيد ": وكان يصنع صنعهم من مد اليد، أو كان ضريرا ومعه عصي فظهر خلافه، فلا إعادة عليه عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-. م: (وقال أبو يوسف: عليه الإعادة) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول الثوري وابن حي وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لظهور خطئه بيقين وإمكان الوقوف على هذه الأشياء) ش: فيكون مقصرا فعليه الإعادة ثانيا ولا تقع الأولى عن الزكاة، فليس معناه أنه يجب استرداد ما أدى لأنه يرد بالاتفاق، وهل يطيب المقبوض للقابض، ذكر الحلواني - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه رواية فيه واختلفوا فيه. فعلى قول من لا يطيب ماذا يصنع بها؟ قيل يتصدق به، وقيل يرد للمعطى على وجه التمليك ليعيد الأداء م: (وصار كالأواني والثياب) ش: أي صار الحكم في هذه المسألة كالحكم في الأواني والثياب، يعني إذا توضأ من إناء نجس على اجتهاده أنه طاهر، أو صلى في ثوب نجس على اجتهاده أنه طاهر ثم تبين أنه نجس تلزمه الإعادة، والأواني الطاهرة إذا اختلطت بالنجسة، فإن غلبت الطهارة مثل أن يكون إناءان طاهرين أو واحدا نجسا فإنه لا يجوز له أن يترك التحري. فإذا تحرى وتوضأ ثم ظهر الخطأ يعيد الوضوء، وأما إذا غلبت الطهارة أو تساويا يتيمم ولا يتحرى. أما الثياب الطاهرة إذا اختلطت بالنجسة وليس ثمة علامة يعرف بها فإنه يتحرى مطلقا، فإذا صلى بثوب بها بالتحري ثم طهر خطؤه أعاد الصلاة. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله- م: (حديث معن بن يزيد فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فيه: «يا يزيد لك ما نويت، ويا معن لك ما أخذت» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري عن معن بن يزيد قال: «بايعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا وأبي وجدي وخطب على فأنكحنى وخاصمت له، وكان أبي أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فأخذتها، فقال: والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن» ، وجوز ذلك ولم يستفسر أن الصدقة كانت فريضة أو تطوعا، وذلك يدل على أن الحال لا يختلف، أو لأن مطلق الصدقة ينصرف إلى الفريضة. م: (وقد دفع إليه) ش: أي إلى معن م: (وكيل أبيه صدقته) ش: هذا بيان صورة الواقعة، وبينها في متن الحديث، ولكن ليس في الحديث أن وكيل أبيه دفعه أليه، وإنما فيه هو الذي أخذه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 ولأن الوقوف على هذه الأشياء بالاجتهاد دون القطع فيبني الأمر فيها على ما يقع عنده كما إذا اشتبهت عليه القبلة، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير الغني أنه لا يجزئه، والظاهر هو الأول، وهذا إذا تحرى ودفع، وفي أكبر رأيه أنه مصرف، أما إذا شك ولم يتحر أو تحرى فدفع وفي أكبر رأيه أنه ليس بمصرف لا يجزئه غلا إذا علم أنه فقير فتجزئه هو الصحيح. ولو دفع إلى شخص ثم علم أنه عبده أو مكاتبه لا يجزئه لانعدام التمليك لعدم أهلية الملك وهو الركن على ما مر، ولا يحوز دفع الزكاة إلى من يملك نصابا من أي مال كان، لأن الغنى الشرعي مقدر به الشرط أن يكون فاضلا من الحاجة الأصلية.   [البناية] ولم يدفعه إليه وكيل أبيه م: (ولأن الوقوف على هذه الأشياء بالاجتهاد دون القطع) ش: أي هذا جواب عن قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإن كان الوقوف على هذه الأشياء، يعنى سلمنا أن الوقوف على هذه الأشياء ممكن، لكنه بالاجتهاد دون القطع، وإذا كان كذلك م: (فيبنى الأمر فيها على ما يقع عنده) ش: لأن العلم بحقيقة الفقر والغنى غير ممكن، فإن الإنسان قد لا يعرف أحوال نفسه فيهما فكيف يعرف أحوال نفسه في غيرهما، والتكليف بحسب الوسع، ووسعه الاجتهاد دون القطع م: (كما إذا اشتبهت عليه القبلة) ش: فإنه يتحرى بحسب وسعه فيصلي بما يقع على تحريه. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير الغني أنه لا يجزئه) ش: يعني إذا بان أنه هاشمي أو كافر أو أنه أبوه أو ابنه فإنه يعيده م: (والظاهر هو الأول) ش: أي ظاهر الرواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو الإجزاء في الكل م: (وهذا) ش: أي عدم الإعادة م: (إذا تحرى ودفع وفي أكبر رأيه أنه) ش: أي والحال أن في أكبر رأيه م: (مصرف) ش: أي للزكاة م: (أما إذا شك فلم يتحر أو تحرى ودفع وفي أكبر رأيه أنه ليس بمصرف لا يجزئه إلا إذا علم أنه فقير فتجزئه هو الصحيح) ش: احترز به عن قول بعض مشايخنا أنه لا يجزئه عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-. م: (ولو دفع إلى شخص ثم علم أنه مكاتبه لا يجزئه) ش: وكذا إذا ظهر أنه مدبره أو أم ولده، وبه صرح في " شرح الطحاوي " م: (لانعدام التمليك) ش: لأنه لم يوجد الإخراج عن ملكه م: (لعدم أهلية الملك وهو الركن) ش: أي والحال أن التمليك وهو الركن في الزكاة ولم يوجد، لأن العبد وما في يده لمولاه، والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم. م: (على ما مر) ش: إشارة إلى قوله: لفقدان التمليك، إذ كسب المملوك لسيده، وله حق في كسب المكاتب فلم يتم التمليك. م: (ولا يجوز دفع الزكاة إلى من ملك نصابا من أي مال كان) ش: يعني سواء كان من النقدين أو من العروض أو من السوائم م: (لأن الغنى الشرعي مقدر به) ش: أي بالنصاب م: (والشرط أن يكون فاضلا عن الحاجة الأصلية) ش: أي شرط عدم جواز دفع الزكاة إليه أن يكون النصاب فاضلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 وإنما النماء شرط الوجوب ويجوز دفعها إلى من يملك أقل من ذلك   [البناية] عن الحاجة الأصلية، لأنه إذا كان غير فاضل عن حاجته الأصلية يجوز الدفع إليه، والحاجة الأصلية في حق الدراهم والدنانير أن يكون الدين مشغولا بها، وفي غيرها احتياجه إليه في الاستعمال وأحوال المعاش. وعن هذا ذكر في " المبسوط ": لو كان له ألف درهم وعليه ألف درهم وله دار وخادم لغير الحاجة قيمته عشرة آلاف درهم فلا زكاة عليه، لأن الدين مصروف إلى المال الذي في يده، وأما الدار والخادم فمشغولان بالحاجة الأصلية فلا يصرف الدين إليه، وعلى هذا قال مشايخنا: إن الفقيه إذا ملك من الكتب ما يساوي مالا عظيما ولكنه يحتاج إليها يحل له أخذ الصدقات إلا أن يملك فاضلا عن حاجته ما يساوي مائتي درهم. وذكر المرغيناني: من كانت عنده كتب فقه أو حديث أو أدب يحتاج إلى دراستها يجوز دفع الزكاة إليه وكذا المصاحف. وفي " جوامع الفقه ": الزائد على مصحف والكتب التي لا يحتاج إليها إذا بلغت قيمتها مائتي درهم يمنع جواز الدفع إلى مالكها، وعن الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ - تعطى الزكاة لمن له عشرة آلاف درهم من الفرس والسلاح والأثاث والثياب والخادم والدار، كذا في " الإيضاح ". م: (وإنما النماء شرط الوجوب) ش: يعني الشرط في عدم جواز الدفع ملك النصاب الفاضل عن الحاجة الأصلية ناميا كان أو غير نام، والنماء شرط وجوب الزكاة، لا كلام فيه، فلا يشترط لحرمان الصدقة، لأن الحرمان بالغناء وهو يحصل بالنامي وغير النامي، ولهذا تجب عليه صدقة الفطر والأضحية م: (ويجوز دفعها) ش: أي دفع الزكاة، م: (إلى من يملك أقل من ذلك) ش: أي من النصاب. وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز دفعها إلى من ملك خمسين درهما لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من سأل الناس وعنده ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خدوش) قالوا: وما يغنيه يا رسول الله؟ قال: "خمسون درهما أو قيمتها من الذهب» . ذكر الكاكي هذا الحديث ولم يبين من أخرجه ولا أجاب عنه. قلت: هذا الحديث أخرجه الترمذي عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قوله: خدوش، وفي رواية الترمذي خموش أو كدوح، الخموش هي الخموش وهو جمع خدش وهو قشر الجلد، والكدوح جمع كدح وهو كل أثر من خدش أو عض، وبهذا الحديث استدل الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق أن من كان عنده خمسون درهما لم تحل له الصدقة، وخالفهم في ذلك أبو حنيفة ومالك والشافعي فلم يرو الحديث المذكور حجة لضعفه، وهو إن حسنه الترمذي فقد ضعفه ابن معين والنسائي والدارقطني وغيرهم، لأن في إسناده حكيم بن جبير. قال الترمذي: وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل هذا الحديث، وقال شيخنا زين الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "شرحه": وسئل شعبة عن حكيم بن جبير؟ فقال: أخاف النار، وقد كان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 وإن كان صحيحا مكتسبا، لأنه فقير، والفقراء هم المصارف، ولأن حقيقة الحاجة لا يوقف عليها فأدير الحكم على دليلها وهو فقد النصاب. ويكره أن يدفع إلى واحد مائتي درهم فصاعدا، وإن دفع جاز. وقال زفر لا يجوز، لأن الغنى قارن الأداء فحصل الأداء إلى الغني. ولنا أن للغناء حكم الأداء فيتعقبه   [البناية] يروى عنه قديما، وقد ضعفه جماعة. م: (وإن كان صحيحا مكتسبا لأنه فقير، والفقراء هم المصارف) ش: هذا واصل بما قبله أي وإن كان هذا الذي يملك أقل من النصاب صحيحا غير زمن ولا أعمى قادرا على الاكتساب، واحترز به عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن عنده لا يجوز الدفع حقيقة الفقر والغنى لا يعلمها إلا الله -عز وجل- إذ رب شخص عليه آثار الفقر وهو أغنى القوم، ورب شخص عليه آثار الغنى وهو أفقر القوم في نفس الأمر لا يملك شيئا. م: (فأدير الحكم على دليلها) ش: أي على دليل الحاجة م: (وهو) أي دليل الحاجة م: (فقد النصاب) ش: أي عدم النصاب وهو دليل ظاهر، فيقام مقام حقيقة الحاجة كما في الإخبار عن المحبة فيما إذا قال: إن كنت تحبيني فأنت طالق، فقالت: أحبك، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز دفعها إلى الفقير الكسوب، وقد ذكرناه. وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح المهذب ": القوي من أهل البيوعات لم تجر عادته بالتكسب بالبدن له أخذ الزكاة، ولو اشتغل بالعلم وترك التكسب، ويرجى له النفع حلت له الزكاة. م: (ويكره أن يدفع إلى واحد مائتي درهم فصاعدا) ش: قال في " المبسوط ": الكراهة فيما إذا لم يكن عليه دين أو لم يكن صاحب عيال، أما إذا كان مديونا يجوز له أن يعطى قدر دينه وزيادة على دينه دون المائتين، وكذا إذا كان صاحب عيال يحتاج إلى نفقتهم وكسوتهم. قوله: فصاعدا، نصابا م: (وإن دفع جاز) ش: أي وإن دفع أكثر من مائتي درهم جاز. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز الغنى قارن الأداء) ش: لأنه كما يحصل الأداء يحصل الغنى، إذ الحكم يقارن العلة م: (فحصل الأداء إلى الغنى) ش: وبه قال الحسن بن زياد. م: (ولنا أن للغنى حكم الأداء) ش: يعني يحصل الغنى بعد الأداء حكما له فلا يكون الغنى اللاحق له مانعا من جواز الأداء، لأن المانع يكون سابقا لا لاحقا، وهو معنى قوله: م: (فيتعقبه) ش: أي فيتعقب الأداء، قيل فيه نظر، لأن حكم العلة مقارن فلا يتأخر عنها كما في العلة الحقيقية، فإن الاستطاعة مع الفعل. عند أهل السنة فكيف يصح قوله: فيتعقبه. وأجيب بأن الكل وإن قارب التمليك، لكن الغنى يثبت بحقيقة الأداء، لأن الغنى يقع ثم يقع الاستغناء به، والاستغناء إنما يثبت بالتمكن والاقتدار على التصرفات وذلك بما يقتضيه ولا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 لكنه يكره لقرب منه كمن صلى وبقربه نجاسة. قال: وأن يغنى بها إنسانا أحب إلي معناه الإغناء عن السؤال يومه ذلك، لأن الإغناء مطلقا مكروه. ويكره نقل الزكاة من بلد إلى بلد، وإنما تفرق صدقة كل فريق فيهم لما روينا من حديث معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفيه رعاية حق الجوار،   [البناية] يقترن به، وقال فخر الإسلام: الأداء بلا في الفقر، وإنما يثبت الغنى بحكمه، وحكم الشيء لا يصلح مانعا، لأن المانع ما يسبقه لا ما يلحقه، والجواز لا يحتمل البطلان لأن بالبقاء يستغنى عن الفقر م: (لكنه) ش: أي لكن دفع المائتي درهم إلى واحد م: (يكره لقرب الغنى منه) ش: أي من دفع المائتين م: (كمن صلى وبقربه نجاسة) ش: فإن صلاته جائزة مع الكراهة. م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وأن يغنى به إنسانا أحب إلي) ش: قال الأترازي: قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إغناؤك واحد وأحب إلي من إنفاقها إلى الكثير. وقال السغناقي وتبعه الكاكي والأكمل: هذا خطاب يخاطب به أبا حنيفة وأبا يوسف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قلت: الذي قال الأترازي أقرب إلى الصواب على ما لا يخفى، فيكون الخطاب من محمد إلى دافع الزكاة، وإنما كان أحب إليه لأن المراد منه الإغناء عن السؤال بأداء قوت يومه، وإليه أشار بقوله م: (معناه) ش: أي معنى كونه أحب م: (الإغناء عن السؤال) ش: في يومه ذلك، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم» م: (لأن الإغناء مطلقا مكروه) ش: بأن يجعله غنيا مالكا بالنصاب للنصاب. وقال فخر الإسلام: من أراد أن يتصدق بدرهم فاشترى به فلوسا يفرقها فقد قصر في الصدقة، لأن الجمع كان أولى من التفريق، وفي " قاضي خان " إذا أراد أن يتصدق بدرهم فالصدقة على واحد أولى من أن يشترى به فلوسا ويتصدق بها على جماعة من الفقراء، وفي " الحاوي ": دفع زكاته إلى فقير واحد أفضل من تفريقه على جماعة لحصول الغناء للواحد دون الجماعة. [حكم نقل الزكاة] م: (ويكره نقل الزكاة من بلد إلى بلد) ش: وفي بعض النسخ قال، أي القدوري: ويكره أي أخذ الزكاة، قال محمد: م: (وإنما تفرق صدقة كل فريق فيهم لما روينا من حديث معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم» م: (وفيه) ش: أي في ترك النقل إلى بلد آخر م: (رعاية حق الجوار) ش: لأن رعاية حق الجوار مما يجبن ومهما كانت المجاورة بقدر كانت رعايتها أوجب، ولو نقل على غيريهم أجزأه، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول، وبعض المالكية لأن الصدقات في عهده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت تنقل إليه من القرى والقبائل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 إلا أن ينقله الإنسان إلى قرابته أو إلى قوم أحوج من أهل بلده، لما فيه من الصلة أو زيادة دفع الحاجة، ولو نقل إلى غيرهم أجزأه وإن كان مكروها، لأن المصرف مطلق الفقراء بالنص. والله أعلم.   [البناية] وفي أصح قولي الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يجوز النقل إلا إذا فقد جميع المستحقين. وقال السروجي: ومذهب الشافعي يصعب، والأصح حرمة النقل وعدم الإجزاء، وفي قول: لا يحرم ويجزئ، وفي قوله يحرم ويجزئ. ولا فرق في الأصح بين المسافة القصيرة وغيرها ومع النقل أوصى أحمد ولم يفرق بين المسافة القصيرة وغيرها وبين الأحوج والقرابة وغيرهما، وفي " المغني ": فإن خالف ونقلها أجزأ عند أهل العلم. واختاره أبو الخطاب، وهو قول الليث ومالك، وجوز النقل في رواية، إلا البقر وهو قول الحسن وعبد الرحمن بن مهدي، ومنع النقل سعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (إلا أن ينقله الإنسان إلى قرابته) ش: هذا الاستثناء من قوله: ويكره نقل الزكاة، لأن فيه أجر الزكاة وأجر الصلة م: (أو إلى قوم) ش: أي أو ينقله إلى قوم م: (أحوج من أهل بلده) ش: لأن المقصود سد خلة الفقير، فمن كان أحوج كان أولى م: (لما فيه من الصلة) ش: في النقل إلى قرابته وغيرهم أحوج من أهل بلده، ووجه الجواز أن مطلق الفقراء م: (أو زيادة دفع الحاجة، ولو نقل إلى غيرهم أجزأه وإن كان مكروها) ش: واصل بما قبله، وجه الكراهة ما في حديث معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد مر م: (لأن المصرف) ش: أي مصرف الزكاة م: (مطلق الفقراء بالنص) ش: في قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] ولم يقصد النص بشيء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 باب صدقة الفطر قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صدقة الفطر واجبة على الحر المسلم إذا كان مالكا لمقدار النصاب فاضلا عن مسكنه   [البناية] [باب صدقة الفطر] [تعريف زكاة الفطر وحكمها وعلى من تجب] م: (باب صدقة الفطر) ش: أي هذا باب في بيان أحكام صدقة الفطر، وجه مناسبتها إلى الزكاة ظاهر، لأن كلا منهما من الوظائف المالية، وأوردها في " المبسوط " بعد الصوم بالنظر إلى الترتيب الوجودي، وأوردها المصنف ها هنا رعاية لجانب الصدقة، وكان حق هذا الباب أن يقدم على العشر، لأن العشر مؤنة فيها يعني في العبادة. وهذه عبادة فيها معنى المؤنة، لكن العشر ثبت بالكتاب، وهي تثبت بخبر الواحد. ووضع الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا الباب في "مختصره" قبل باب مصارف الصدقات، وهذا هو الأنسب، لأن وجود الصدقة مقدم على الصرف، وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صدقة الفطر لفظة مؤكدة لا عربية ولا معربة، بل هي اصطلاحية للفقهاء من الفطرة التي هي النفوس والخلقة، أي زكاة الخلقة. قلت: ولو قال لفظة إسلامية لكان أولى، لأنها ما عرفت إلا في الإسلام، وقال أبو بكر بن العربي: وأتمها على لسان صاحب الشرع، وهذا يؤيد ما ذكرته، ويقال لها صدقة الفطر، وزكاة الفطر، وزكاة رمضان، وزكاة الصوم. ومعناها شرعا اسم لما يعطى من المال بطريق الصلة والعبادة ترحما مقدرا، بخلاف الهبة لأنها تعطى صلة تكرما لا ترحما، ذكره في " المحيط "، والصدقة هي العطية التي يراد بها التقرب عند الله تعالى، وسميت بها لأنها تظهر صدق الرجل. م: (قال: صدقة الفطر واجبة على الحر المسلم) ش: وعند الشافعي ومالك وأحمد فرض، وروي عن إسماعيل بن علية وأبي بكر بن الأصم وابن اللبان من الشافعية، وحكى ابن عبد البر عن بعض المالكية المتأخرون والداودية، وذكر في " الذخيرة " عن مالك في رواية أنها سنة وليست بواجبة، واستدلوا بحديث أبي عمار عريب بن حميد، «عن وقيس بن سعد بن عبادة قال: أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا، ونحن نفعله» ورواه النسائي وابن ماجه والحاكم في "مستدركه "، والجواب أن نزول فرض لا يوجب سقوط فرض آخر، والجواب هنا على معناه الاصطلاحي وهو ما ثبت بدليل فيه شبهة. م: (إذا كان مالكا لمقدار النصاب) ش: من أي مال كان حال كون النصاب م: (فاضلا عن مسكنه) ش: حتى لو كان له داران، دار يسكنها، والدار الأخرى لا يسكنها يؤاجرها أو لا يؤاجراها، تعتبر قيمتها حتى لو كانت قيمتها مائتي درهم تجب عليه صدقة الفطر، وكذلك لو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 وثيابه وأثاثه وفرسه وسلاحه وعبيده. أما وجوبها فلقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خطبته: «أدوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير» .   [البناية] كانت له دار واحد يسكنها ويفضل عن سكناه شيء فتعتبر قيمة الفاضل م: (وثيابه وأثاثه وفرسه وسلاحه وعبيده) ش: كذلك في هذه الأشياء إن فضل عنه شيء تعتبر قيمة الفاضل. وفي " شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن العيون إن أن له متاع بيت وهو عنه مستغن وقيمته مائتا درهم وجب عليه صدقة الفطر، ولم تحل له الصدقة ولو كانت له دور وحوانيت للغلة وهي لا تكفي عياله فهو من الفقراء عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وتحل له الصدقة، خلافا لأبي يوسف، وعلى هذا الكرم والأراضي إذا كانت غلتها لا تكفي، وإذا كانت له كتب العلم وقيمتها تساوي مائتي درهم وهو يحتاج إليها في الحفظ والدراسة والتصحيح. ذكر في " خلاصة الفتاوى " أنه لا يكون نصابا وحل له أخذ الصدقة فقها كان أو حديثا أو أدبا كثياب المنة والبذلة والمصحف على هذا، وإن كان زائدا على قدر الحاجة لا يحل له أخذ الصدقة. وإن كانت له نسختان من كتاب النكاح أو الطلاق، فإن كان كلاهما من تصنيف مصنف واحد، فأحدهما يكون نصابا يعني نصاب حرمان الصدقة ووجوب الفطرة، وإن كان كل واحد من تصنيف مصنف الزكاة فيها، والمراد من العبيد عبيد الخدمة، لأن في عبيد التجارة لا تجب صدقة الفطر عندنا، بل تجب فيها الزكاة. م: (أما وجوبها) ش: أي أما وجوب صدقة الفطر م: (فلقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي فلقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في خطبته: «أدوا كل حر وعبد صغير أو كبير نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاع من شعير» ش: قوله: أدوا فعل أمر يدل على الوجوب، وعند الشافعي فريضة على أصله، أي لا فرق بين الواجب والفرض، لكن هذا نزاع لفظي، لأن الفريضة عنده نوعان: مقطوع حتى يكفر جاحده، وغير مقطوع حتى لا يكفر جاحده، ومن جحد صدقة الفطر لا يكفر بالإجماع، ولهذا لا يكفر من قال: إنها مستحبة، وقد ذكرناه عن قريب، وذكر في " المستصفى " للغزالي: هذا اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح، وفي " المجرد ": أنها سنة فمعناه ثبت وجوبها بالسنة. قوله: صغير أو كبير، بدون الواو لكونها صفة للذي يجب لأجله، ويجوز أن يكون هما صفتين لعبد، وهذا واضح فلا يجوز أن يكونا راجعين إلى الحر والعبد، لأنه لا يجب عليه صدقة الفطر عن ولده الكبير، ويحتمل أن يرجع الصغير إلى الحر والكبير إلى العبد، ويجب الأداء عن العبد الصغير بدلالة النص. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 رواه ثعلبة بن صعير العدوي وبمثله يثبت الوجوب لعدم القطع وشرط الحرية لتحقق التمليك والإسلام ليقع قربة   [البناية] لأنه لما وجب عليه بسبب عبده الكبير فلأن يجب عليه بسبب عبده الصغير أولى. قوله: نصف صاع من بر، هذا مذهب أصحابنا، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - صاع من بر أيضا، وسيجيء الكلام فيه إن شاء الله تعالى. م: (رواه ثعلبة بن صعير العدوي) ش: أي روى الحديث المذكور ثعلبة بالثاء المثلثة، ابن صعير بضم الصاد وفتح العين المهملتين وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء، والمذكور في " سنن" أبي داود ثعلبة بن أبي صعير بالكنية، وفي كتب الفقه ذكروه بلا كنية، وقال ابن معين: ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير، وفي " الكمال " ذكره في ترجمة ابنه عبد الله فقال: عبد الله بن ثعلبة بن صعير ويقال ابن أبي صعير بن عمرو بن زيد بن سنان بن المهتجن بن سلامان بن عدي بن صعير بن حراز بن كاهل بن عذرة الشاعر العذري حليف بني زهرة. وعذرة هو ابن سعد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، وقال المزني: عبد الله بن صعير مسح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجهه ورأسه زمن الفتح، ودعا له، وروى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قيل: إنه ولد قبل الهجرة بأربع سنين، وقيل: ولد بعد الهجرة، وأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توفي، وهو ابن أربع سنين، وتوفي سنة سبع وثمانين وهو ابن ثلاث وتسعين، وقيل: توفي ابن ثلاثة وثمانين. وقال الأترازي: قال حميد الدين الضرير: العذري أصح منسوب إلى بني عذرة اسم قبيلة، والعدوي منسوب إلى عدي وهو جده. قلت: قال الرساطي: العدوي في قبائل ثم عدها، والعذري بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة بالراء، والكلام في هذا الحديث كثير، روى من وجوه كثيرة. فإن قلت: كيف استدل المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بهذا الحديث، وقد تكلموا فيه وأثبتوا فيه عللا، وادعى بعضهم إرساله؟ قلت: ما استدل به إلا على أصل وجوب صدقة الفطر لا على مقدار الواجب، واستدل على المقدار بحديث أبي سعيد، وسيأتي في فصل مقدار الواجب إن شاء الله تعالى، ولهذا قال: م: (وبمثله يثبت الوجوب لعدم القطع) ش: أي وبمثل هذا الحديث الذي هو خبر الواحد يثبت الوجوب لا الفرض لأنه ليس بدليل قطعي. م: (وشرط الحرية لتحقق التمليك) ش: فاعل شرط الإمام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي شرط الحرية في قوله صدقة الفطر واجبة على الحر المسلم ليتحقق التمليك، لأن العبد لا يملك المال فكيف يملك غيره؟ م: (والإسلام) ش: أي شرط الإسلام م: (ليقع قربة) ش: لأن الصدقة قربة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 واليسار لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صدقة إلا عن ظهر غنى» وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله يجب على من يملك زيادة على قوت يومه لنفسه وعياله، وقدر اليسار بالنصاب لتقدر الغناء في الشرع به فاضلا عما ذكر من الأشياء، لأنها مستحقة بالحاجة الأصلية والمستحق بالحاجة الأصلية كالمعدوم ولا يشترط فيه النمو   [البناية] وفي فعل الكافر لا يقع قربة م: (واليسار) ش: أي وشرط اليسار بقوله: إذا كان مالكا لهذا النصاب. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا صدقة إلا عن ظهر غنى» ش: هذا الحديث رواه أحمد في "مسنده " حدثنا يعلى بن عبيد أخبرنا عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صدقة إلا عن ظهر غنى» ، وذكر الأترازي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذي أخرجه البخاري بإسناده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى» ، هذا الحديث رواه أحمد في "مسنده " وفيه «وابدأ بمن تعول» ، وهذا غير مناسب لا لفظا ولا معنى، وهو غير ظاهر، قوله: عن ظهر غنى، أي صادرة عن غنى ولفظ الظهر معجم م: (وهو حجة على الشافعي) ش: أي هذا الحديث حجة على الشافعي م: (في قوله تجب على من يملك زيادة على قوت يومه لنفسه وعياله) ش: لأنه ذكر في آخر حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غني أو فقير. ولأنه وجب طهرة للصائم لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيستوي فيه الفقير والغني.. إلخ، قلنا: حديث ابن عمر محمول إما على ما كان في الابتداء ثم انتسخ لقوله: «لا صدقة إلا عن ظهر غنى» ، وإما على الندب فإنه قال في آخره: أما غنيكم فيزكيه الله، وأما فقيركم فيعطيه الله أفضل مما أعطى. م: (وقدر اليسار بالنصاب) ش: قدر على صيغة المجهول، واليسار مفعول به م: (لتقدر الغناء في الشرع به) ش: أي بالنصاب حال كونه م: (فاضلا عما ذكر من الأشياء) ش: التي هي مسكنه وثيابه وأثاثه وفرسه وسلاحه وعبد الخدمة م: (لأنها) ش: أي لأن هذه الأشياء م: (مستحقة بالحاجة الأصلية) ش: وهي يكون قيامه بها م: (والمستحق بالحاجة الأصلية) ش: كالماء الذي يحتاج إليه في الشرب حيث جعل م: (كالمعدوم) . ش: في حق جواز التيمم م: (ولا يشترط فيه النمو) ش: أي لا يشترط في هذا النصاب أن يكون ناميا لوجوب صدقة الفطر لأنها تجب بالقدرة الممكنة لا الميسرة، ألا ترى أنها تجب على من ملك نصابا من ثياب البذلة ما يساوي مائتي درهم فاضلا عن حاجته الأصلية، فلا يتحقق النماء بثياب البذلة، ولهذا لا تسقط عنه الفطرة إذ المال بعد الوجوب، بخلاف الفطرة، فإن وجوبها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 ويتعلق بها النصاب حرمان الصدقة ووجوب الأضحية والفطرة. قال: يخرج ذلك عن نفسه لحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «فرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زكاة الفطر على الذكر والأنثى» .... الحديث ويخرج عن أولاده الصغار، لأن السبب رأس يمونه ويلي عليه، لأنها تضاف إليه، يقال: زكاة الرأس وهي أمارة السببية   [البناية] بالقدرة والميسرة فيشترط في النصاب النماء لتحقق اليسر، ولهذا إذا ملك المال بعد الوجوب سقط عنه الزكاة. م: (ويتعلق بهذا النصاب) ش: أي الفاضل عن الحاجة الأصلية بدون شرط النماء فيه م: (حرمان الصدقة) ش: يعني لوجود هذا النصاب يحرم عليه أخذ الصدقة م: (ووجوب الأضحية) ش: يعني يتعلق بهذا النصاب وجوب الأضحية م: (والفطر) ش: أي يتعلق به أيضا وجوب صدقة الفطر، ويتعلق به أيضا وجوب نفقة المحارم عليه. [يخرج زكاة الفطر عن نفسه وعمن تلزمه نفقته] م: (قال: يخرج ذلك عن نفسه) ش: أي يخرج المقدار المشار إليه المذكور عن نفسه، أي لأجل نفسه، ويخرج من الإخراج، وفاعله مضمر فيه، يعود إلى الذي وجب عليه صدقة الفطر م: (لحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وهو ما رواه الأئمة الستة في "كتبهم" من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «فرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صدقة الفطر صاعا من شعير أو صاعا من تمر على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين» م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: «فرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زكاة الفطر على الذكر والأنثى ... الحديث» ش: يجوز في لفظ الحديث الرفع على تقدير الحديث بتمامه، ويجوز النصب على تقدير اقرأ الحديث أو أتمه، وتمامه والحر والمملوك صاعا من تمر أو صاعا من شعير، فعدل الناس نصف صاع من بر. م: (ويخرج عن أولاده الصغار لأن السبب) ش: أي سبب وجوب صدقة الفطر م: (رأس يمونه) ش: أي يقوته من مانه إذا قاته، وعن أبي عبيد. قلت: الرجل أمونه أي قمت بكفايته واحتملت مؤنته أي ثقله م: (ويلي عيله) ش: أن مستحق الولاية عليه بنفسه كالولد الصغير والعبد، ولهذا لا يلزم على الجد عن أن يؤدي عن ابن ابنه، لأنه لا يستحق الولاية عليه بنفسه، بل من جهة الابن فصار كالوصي، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن عليه أن يؤدي عن ابن ابنه إذا لم يكن لابنه مال، قال: لأنه كالميت م: (لأنها) ش: أي لأن صدقة الفطر م: (تضاف إليه) ش: أي إلى الرأس م: (ويقال: زكاة الرأس وهي أمارة السببية) ش: أي لأن علامة كون الرأس سببا، والأمارة بفتح الهمزة، وهذا لأن الإضافة إلى الاختصاص، وأقوى وجوه الاختصاص إضافة السبب إلى مسببه، كقولك: كسب فلان وعمل فلان وقال فلان إلى غير ذلك. وفي " الجوهرة ": كل من وجبت نفقته بملك أو قرابة أو نكاح تجب صدقة الفطر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 والإضافة إلى الفطر باعتبار أنه وقته، ولهذا تتعدد بتعدد الرأس مع اتحاد اليوم والأصل في الوجوب رأسه وهو يمونه ويلي عليه فيلحق به ما هو في معناه كأولاده الصغار، لأنه يمونهم ويلي عليهم، وممالكه لقيام المؤنة والولاية،   [البناية] وقال القرافي في " الذخيرة ": وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبر الولاية التامة، قال: ووصف الولاية طردا وعكسا، لأن المجنون والفاسق لا ولاية لهما مع وجوبها في مالها، والحاكم له ولاية ولا وجوب عليه، انتهى. قال السروجي: نقله خطأ وغلط، بل السبب عندنا الولاية التامة والمؤنة التامة، فالحاكم لا مؤنة عليه فلم يوجد المجموع في حقه ولا في حق المجنون المؤنة، وكذا ولاية الأب ولايته للعجز عن النظر لنفسه ومذهبه فاسد، واعتبار النفقة وحدها باطل طردا وعكسا، إلا أن العبد الموصى به لإنسان وخدمته لآخر يجب صدقة فطره على صاحب الرقبة على المذهب عندنا، ونفقته على صاحب الخدمة، وعبده الكافر وزوجته النصرانية واليهودية نفقتهم عليه، ولا تجب عليه صدقة الفطر عنهم، وكذا الأجير بنفقته تجب عليه نفقته ولا تجب صدقته عليه، وتجب صدقة عبده الهارب ومكاتبه عليه عنده ولا تجب نفقته عليه فبطل قوله. م: (والإضافة إلى الفطر باعتبار أنه وقته) ش: هذا الجواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: لو كانت الأمارة أمارة السببية لكان الفطر سببا لإضافتها إليه، فقال: صدقة الفطر وليس كذلك عندكم. فأجاب بقوله: والإضافة، أي إضافة الصدقة إلى الفطر باعتبار أنه وقته أي وقت الوجوب فكانت إضافة مجازية م: (وهذا يتعدد بتعدد الرأس مع اتحاد اليوم) ش: أي لأجل تعدد الصدقة بتعدد الرأس إن لم يتعدد الفطر، فعلم أن الرأس هو السبب في اليوم. فإن قيل: يتكرر بتكرر الوقت في السنة الثانية والثالثة وهلم جرا مع اتحاد الرأس، ولو كان الرأس سببا لكان الوجوب متكررا مع اتحاده. أجيب: بأن الرأس إنما جعل سببا بوصف المؤنة، وهي تتكرر بمضي الزمان، فصار الرأس باعتبار تكرر وصفه، كالتكرر بنفسه حكما، فكان السبب وهو التكرر حكما. م: (والأصل في الوجوب) ش: أي في وجوب صدق الفطر م: (رأسه) ش: أي رأس الذي وجب عليه م: (وهو يمونه، ويلي عليه، فيلحق به ما هو في معناه) ش: أي في المؤنة، والولاية م: (كأولاده الصغار، لأنه يمونهم، ويلي عليهم) ش: أي يتولى أمورهم م: (ومماليكه) ش: بالجر عطفا على قوله: من أولاده الصغار م: (لقيام المؤنة، والولاية) ش: أي في المماليك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 وهذا إذا كانوا للخدمة، ولا مال للصغار، فإن كان لهم مال تؤدى من مالهم عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الشرع أجراه مجرى المؤنة فأشبه النفقة، ولا يؤدي عن زوجته   [البناية] م: (وهذا) ش: أي الذي ذكرناه من الوجوب م: (إذا كانوا) ش: أي الماليك م: (للخدمة) ش: لأنهم إذا كانوا للتجارة تجب عليه الزكاة م: (ولا مال للصغار) ش: أي هذا الذي ذكرنا من وجوب صدقة الفطر عن أولاده الصغار حال كونهم لا مال لهم. م: (فإن كان لهم مال تؤدى من مالهم عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-) ش: يخرجها عنهم أبوهم أو وصى أبيهم أو وصى أو جدهم أو وصى وصية أو وصى نصبه القاضي، ومثله في الأضحية ذكره الأسبيجابي، ولا تجب على الوصي باتفاق الروايات، والمجنون على هذا الخلاف م: (خلافا لمحمد) ش: فعنده لا يجب عليه شيء وبه قال زفر والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وابن المنذر، والظاهرية، لأن الصدقة عبادة فلا تجب على الصغير. ولو أدى من مال الصغير ضمن، لأنها زكاة في الشريعة كزكاة المال، فلا تجب على الصغير م: (لأن الشرع أجراه) ش: أي أجرى وجوب صدقة الفطر م: (مجرى المؤنة) ش: لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أدوا عمن تمونون» م: (فأشبه النفقة) ش: حيث تلزم الأب إذا كان الصغير لا مال له، فإذا كان له مال يلزمه في ماله. م: (ولا يؤدي) ش: أي صدقة الفطر م: (عن زوجته) ش: وبه قال الثوري، والظاهرية، وابن المنذر، وابن سيرين - رَحِمَهُ اللَّهُ - من المالكية، وخالفا مالكا فيه. وقال مالك، وأحمد، والشافعي، والليث، وإسحاق - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: تجب على الزوج، وكذا عن خادمها. وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم قاطبة على أن المرأة تجب فطرتها على نفسها قبل أن تنكح، وثبت أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «صدقة الفطر على كل ذكر وأنثى» ، ولم يصح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يخالف هذا الخبر، وليس فيه إجماع يتبع، فلا يجوز إسقاطها عنها، وأصحابنا على غيرها بغير دليل. وقال ابن حزم: في هذا عجب عجيب وهو أو الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يقول بالمرسل، ثم أخذ هنا بأمر مرسل في العلم، وهو رواية إبراهيم بن يحيى الكذاب عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صدقة الفطر على كل حر وعبد ذكر وأنثى ممن تمونون» . وأجاب الأترازي عن هذا بقوله: معنى الخبر -إن صح- يمونون الولاية، بدليل أن الفطرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 لقصور الولاية والمؤنة فإنه لا يليها في غير حقوق النكاح، ولا يمونها في غير الرواتب كالمداواة ولا عن أولاده الكبار وإن كانوا في عياله لانعدام الولاية   [البناية] لا تلزمه عن أخيه، وذوي قرابته، والأجانب إذا أسابهم م: (لقصور الولاية والمؤنة فإنه) ش: أي فإن الزوج م: (لا يليها) ش: أي لا يلي زوجته م: (في غير حقوق النكاح) ش: يعني ولايته عليها مقصودة غير شاملة مقيدة بالنكاح. م: (ولا يمونها) ش: أي ولا تلزمه مؤنتها م: (في غير الرواتب) ش: من النفقة والكسوة والسكنى، والرواتب جمع راتبة أي ثابتة أي من رتب إذا ثبت م: (كالمداواة) ش: إذا مرضت فإنها لا تلزمه كغير الرواتب م: (ولا عن أولاده الكبار) ش: أي لا تجب عليه عن أولاده الكبار، لأنه لا يستحق عليهم ولايته فصار كالأجانب م: (وإن كانوا في عياله لانعدام الولاية) ش: واصل بما قبله بأن كانوا فقراء زمنا، والعيال جمع عيل كجياد جمع جيد، وفي " المجمل " عال الرجل عياله، إذا مانهم، وفي " الفائق ": هو من عال يعول، إذا احتاج، وفي " المحيط ": إذا كان الأب فقيرا مجنونا تجب على الابن الولاية والمؤنة، ولا تجب على حفدته الصغار إن كانوا في عياله، ذكره في " التحفة ". وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها تجب عليه، وهو قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وفي " الينابيع ": على الأب إذا كانوا فقراء. وفي " الحلية " روايتان عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في رواية الحسن تجب، وفي ظاهر الرواية لا تجب، وأجمعوا على أنه لا تجب على الأب فطرة عبيدهم. وفي " المجرد " عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تجب على الأب صدقة فطر ولده الكبير الذي أدرك، معناها، وإن كان عاقلا ثم جن لا يجب. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو جن في صغره فلم يزل مجنونا حتى ولد له لم تجب عليه صدقة الفطر عن ولده، وعن جن جنونا مطبقا في حال صغره فهو بمنزلة الصبي تجب على أبيه، ولو كان له أبوان تجب على كل واحد منهما صدقة كاملة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وحكى الزعفراني في قوله: في " الأسبيجابي " قول أبي حنيفة مع أبي يوسف، وعند محمد عليهما صدقة واحدة، وإن مات أحدهما فهو ابن الثاني منهما في ميراثه وصدقته لزوال المزاحمة. وفي " التحفة ": لا تجب على الغني صدقة إخوته الصغار الفقراء. وفي رواية الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب على الحمل عند عدم الأب، وإن كان الأب فقيرا لا تجب عليه باتفاق الروايات، وتجب عليه نفقته ولا تجب على الجنين عند الجمهور، واستحبه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولم يوجبه. وفي رواية أوجبه، وهو مذهب داود، وأصحابه، وروي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 ولو أدى عنهم أو عن زوجته بغير أمرهم أجزأهم استحسانا لثبوت الإذن عادة ولا يخرج عن مكاتبه لعدم الولاية ولا المكاتب عن نفسه لفقره، وفي المدبر وأم الولد ولاية المولى ثابتة فيخرج عنهما ولا يخرج عن مماليكه للتجارة خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن عنده وجوبها على العبد، ووجوب الزكاة على المولى فلا تنافي، وعندنا وجوبها على المولى بسببه كالزكاة فيؤدي إلى الثنى   [البناية] كان يعطي صدقة رمضان عن الخيل، وقال أبو قلابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كانوا يعطون حتى عن الخيل، وفي " الوتري ": لا تجب عن فرسه، ولا عن غيره من سائر الحيوانات، [ولا] عن الرقيق، وما روي عن عثمان وغيره، محمول على التطوع. م: (ولو أدى عنهم) ش: أي عن أولاده الكبار م: (أو عن زوجته) ش: أي أو أدى عن زوجته م: (بغير أمرهم أجزأ استحسان لثبوت الإذن عادة) ش: والقياس أن لا يصح كما إذا أدى الزكاة بغير إذنها، وفي العادة أن الزوج هو الذي يؤدي عنها، وكان الإذن ثابتا عادة، بخلاف الزكاة، لأنها عبادة محضة لا تصح بدون الإذن صريحا، والاستحسان أربعة أنواع، ما ثبت بالأمر كالسلم، وبالإجماع [ ..... ] وبالضروة كتطهير الحياض والآبار والأواني، وبالقياس الخفي وهو كثير النظر في الفقه، كما إذا اختلفا في الثمن قبل قبض المبيع لا يجب والثمن على البائع لأنه المدعي لا المنكر، ويجب استحسانا لأنه ينكر وجوب التسليم بما ادعاه المشتري من الثمن وهنا المراد النوع الثاني لا يجوز عندنا وعند الشافعي. م: (ولا يخرج عن مكاتبة لعدم الولاية) ش: وفي " التحفة ": المكاتب والمدبر والمستثنى لا تجب عليه صدقة فطرهم لأنه لا تجب في نفقتهم ولا يجب عليهم أيضا لأنهم لا ملك لهم م: (ولا المكاتب عن نفسه لفقره) ش: أي ولا يخرج المكاتب صدقة الفطر عن نفسه لأنه فقير، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الجديد وأحمد. ويقال في القديم: ثم يؤدي المولى عنه وهو قول عطاء. م: (وفي المدبر وأم الولد ولاية المولى ثابتة) ش: لأنها لا تنعدم بالتدبير والاسيتلاد، وإنما يختل بالمالية ولا عبرة به ها هنا، فإن كان كذلك م: (فيخرج عنهما) ش: بضم الياء من الإخراج. م: (ولا يخرج عن ممالكه للتجارة خلافا للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وبقوله، قال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (فإن عنده وجوبها) ش: أي وجوب الفطرة م: (على العبد ووجوب الزكاة على المولى) ش: لا منافي بين الوجوبين لأنهما حقان مختلفان م: (فلا يتدخلان) ش: فتجب الفطرة في وقتها، وزكاة التجارة بعد تمام الحول م: (وعندنا وجوبها على المولى بسببه) ش: أي بسبب العبد، يعني كان أولا على المولى وجوب صدقة الفطر م: (كالزكاة) ش: يعني كوجوب الزكاة عليه بسبب أيضا لأجل التجارة م: (فيؤدي إلى الثنى) ش: بكسر الثاء المثلثة وبقصر النون يعني يؤدي إلى التثنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 والعبد بين الشريكين لا فطرة على واحد منهما لقصور الولاية والمؤنة في كل واحد منهما، وكذا العبيد بين اثنين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا على كل منهما ما يخصه من الرءوس دون الأشقاص بناء على أنه لا يرى قسمة الرقيق وهما يريانها، وقيل هو بالإجماع لأنه لا يجتمع النصيب قبل القسمة فلم تتم الرقبة لكل واحد منهما، ويؤدي المسلم الفطرة عن عبده الكافر   [البناية] وهو لا يجوز لإطلاق قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يثني في الصدقة» أي لا يؤخذ في السنة مرتين. فإن قلت: سبب الزكاة فيهم المالية، وسبب الصدقة مؤنة رءوسهم، ومحل الزكاة بعض النصاب، ومحل الصدقة الذمة، فأداءهما حقان مختلفان سببا ومحلا، فلا شيء فيه. قلت: مبني الصدقة على المؤنة، والعبد هنا معد للتجارة لا للمؤنة والنفقة لطلب الزيادة فيسقط اعتبارها بحكم القصد، فإنه السقوط حقيقة كما في الإباق، والعصب، فحينئذ لا تجب الصدقة لزوال سبب الوجوب، وهو المؤنة لا المنافي بين الواجبين فافهم. م: (والعبد بين الشريكين) ش: أي العبد الكائن بين الشريكين للخدمة لا للتجارة، وبه صرح في " المبسوط " م: (لا فطرة على واحد منهما لقصور الولاية، والمؤنة في حق كل واحد منهما) ش: لأن الولاية والمؤنة الكاملين سبب ولم يوجد، قال الشافعي، ومالك، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: على كل واحد منهما بقدر نصيبه م: (وكذا العبيد بين اثنين) ش: أي وكذلك العبيد إن كانوا بين اثنين لا فطرة فيهم أصلا م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: كما لا فطرة في العبد الواحد بينهما بالاتفاق. م: (وقالا: على كل واحد منهما ما يخصه من الرءوس دون الأشقاص) ش: أي دون الأيصاء وهو جمع شقص وهو النصيب، يعنى لو كان بينهما خمسة أعبد مثلا يجب على كل واحد منهما في الثاني لقصور الولاية، والحاصل أنه يجب في الزوج دون الفرد كالثلاثة والخمسة والسبعة فلا يجب في الثالث والخامس والسابع اتفاقا، ويجب في اثنين وأربعة وستة عندهما م: (بناء على أنه لا يرى قسمة الرقيق) ش: أي قال أبو حنيفة: هذه المسألة بناء على أنه لا يرى قسمة الرقيق للتفاوت الفحش، فلا يحصل لكل واحد من الشريكين ولاية كاملة في كل عبد م: (وهما يريانها) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يريان القسمة قياسا على البقر والغنم والإبل، ثم قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي بعض كتب أصحابنا وفي بعضها مثل قول أبي حنيفة وهو الأصح. م: (وقيل: هو بالإجماع) ش: أي عدم وجوب الفطرة في العبيد بين اثنين بإجماع بين علمائنا الثلاثة، وهو قول الحسن البصري والثوري وعكرمة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لأنه لا يجتمع النصيب بعد القسمة فلا تتم الرقبة لكل واحد منهما) ش: لأن اجتماع النصيب بالقسمة ولم يوجد فلم يتم ملك الرقبة الكاملة لكل واحد من الشريكين. م: (ويؤدي المسلم الفطرة عن عبده الكافر) ش: أي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 لإطلاق ما روينا، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أدوا عن كل حر وعبد يهودي أو نصراني أو مجوسي» ... " الحديث، ولأن السبب قد تحقق والمولى من أهله وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الوجوب عنده على العبد وهو ليس من أهله، ولو كان على العكس فلا وجوب بالاتفاق،   [البناية] صدقة الفطر وهو قول أبي هريرة وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز والنخعي والثوري وإسحاق وداود - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (لإطلاق ما روينا) ش: أراد ما تقدم من حديث ثعلبة في أول الباب وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أدوا عن كل حر وعبد» م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (في حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أدوا عن كل حر وعبد يهودي أو نصراني أو مجوسي .... الحديث» ش: هذا اللفظ أخرجه الدارقطني في "سننه " وليس فيه ذكر المجوسي، عن سلام الطويل عن زيد العمي عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أدوا صدقة الفطر عن كل صغير أو كبير ذكر أو أنثى يهودي أو نصراني حر أو مملوك نصف صاع من بر أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو من شعير» وقال: لم يسنده عنه غير سلام الطويل وهو متروك، ومن طريق الدارقطني رواه ابن الجوزي في " الموضوعات "، وغلظ القول في سلام عن النسائي وابن معين وابن حبان، وقال: يروي عن الثقات الموضوعات كأنه كان كالمتعمد لها ولم يذكر أكثر الشراح هذا الحديث. م: (ولأن السبب قد تحقق) ش: وهو رأس يمونه بولائه عليه م: (والمولى من أهله) ش: أي من أهل الوجوب وليس هو بإضمار قبل الذكر لأن الشهرة قائمة مقام الذكر م: (وفيه خلاف الشافعي) ش: أي في الحكم المذكور خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبقوله قال مالك وأحمد وعن بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قولنا، للاختلاف بينهم أن الوجوب على العبد ويحمل عنه المولى، أو على المولى ابتداء بلا محل فيه قولان م: (لأن الوجوب عنده) ش: أي عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (على العبد وهو) ش: أي العبد م: (ليس من أهله) ش: أي من أهل الوجوب هو مستدل لإثبات هذا الأصل بحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرض صدقة الفطر على كل حر وعبد» فإن كلمة على للإيجاب، ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أدوا عمن تمونون» والوجوب لمن خوطب بالأداء وهو المولى، كلمة -على- في حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بمعنى عن كما في قَوْله تَعَالَى: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: 2] م: (المطففين: الآية2) ، أي عن الناس م: (ولو كان على العكس) ش: أي لو كان الأمر على عكس المذكور بأن كان المولى كافرا والعبد مسلما م: (فلا وجوب بالاتفاق) ش: أي بيننا وبين الشافعي -رضي الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 قال: ومن باع عبدا وأحدهما بالخيار ففطرته على من يصير له معناه إذا مر يوم الفطر والخيار باق. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: على من له الخيار، لأن الولاية له. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: على من له الملك لأنه من وظائفه كالنفقة.   [البناية] عنه -أما عندنا فلأن الصدقة عبادة والكافر ليس من أهلها فلا تجب عليه، وأما عنده فلأن المخاطب وهو المولى وإن كان الوجوب على العبد عنده والكافر ليس مخاطبا بأداء العبادة. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن باع عبدا وأحدهما بالخيار) ش: والحال أن أحد المتعاقدين بالخيار م: (ففطرته) ش: أي فطرة العبد م: (على من يصير له العبد) ش: أعنى هذا تفسير فخر الإسلام، وفي شرح " الجامع الصغير " فسر قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فطرته على من له الخيار بمعنى إذا تم البيع فعلى المشتري، وإن انتقض فعلى البائع م: (معناه) ش: أي معنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا الكلام من المصنف يفسر كلام محمد الذي قاله في " الجامع الصغير " يعني معناه م: (إذا مر يوم الفطر) ش: يعني في مدة الخيار م: (والخيار باق) ش: قال الإمام حميد الدين الضرير في "شرحه ": هذا من قبيل إطلاق اسم الكل وإرادة البعض، لأن مضي كل يوم فطر ليس بشرط. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: على من له الخيار) ش: أي صدقة الفطر على من له الخيار إن كان للبائع فعلى البائع، وإن كان للمشتري فعلى المشتري، وإن كان الخيار لهما جميعا أو شرط البائع فعلى البائع أيضا، سواء تم البيع أو انفسخ م: (لأن الولاية له) ش: أي لمن له الخيار، ولهذا إذا جاز البيع تم، فإن فسخ انفسخ والفطرة تجب بالولاية والمؤنة فوجبت الفطرة على من له الخيار. م: (وقال الشافعي: على من له الملك) ش: أي الفطرة على من له الملك يومئذ م: (لأنه) ش: أي لأن صدقة الفطر، وذكر الضمير باعتبار التصدق م: (من وظائفه) ش: أي من وظائف الملك م: (كالنفقة) ش: وهي مدة الخيار على من له الملك يومئذ، فكذا الفطرة، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذكروا في شرح " الجامع الصغير " قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما ذكر صاحب " الهداية " قول الشافعي، قالوا: والقياس أن تكون الفطرة على من يكون له الملك يومئذ ثم قالوا وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الكاكي: الخلاف المذكور بين الشافعي وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - موافق لما في " المبسوط " و" شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ - مخالف لما في " الأسرار " و" فتاوى قاضي خان "، فإن المذكور فيهما عكس ما ذكر في الكتاب من الخلاف حيث ذكر فيهما: اعتبر زفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الملك، والشافعي الخيار، وفي " المحيط " قال زفر والحسن والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فطرته على من له الملك أن الخيار للبائع فعليه وإن كان للمشتري فعليه، وعند الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 ولنا أن الملك موقوف، لأنه لو رده يعود إلى قديم ملك البائع، ولو أجيز يثبت الملك للمشتري من وقت العقد فيتوقف ما يبتنى عليه بخلاف النفقة، لأنها للحاجة الناجزة فلا تقبل التوقف، وزكاة التجارة على هذا الخلاف.   [البناية] مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - على البائع بكل حال، ولكن ما ذكر في كتبهم من " التتمة " و" التعليق " موافق لما ذكر في الكتاب فقالوا في "تتمتهم": لو اشترى عبدا فاشترط الخيار، وفي " التعليق " أو باع بشرط الخيار فأهل الهلال زمان الخيار ففطرته على من له الملك، إن قلنا الملك للبائع فالفطرة عليه، وإن قلنا للمشتري فالفطرة عليه، وإن قلنا الملك موقوف فالفطرة كذلك فتصير على من له الملك. م: (ولنا أن الملك موقوف) ش: أي على ما يبنى عليه، أي لأن كل ما كان موقوفا فالمبني عليه كذلك، لأن التردد في الأصل يستلزم التردد في الفرع م: (لأنه لو رده يعود إلى قديم ملك البائع، ولو أجيز يثبت الملك للمشتري من وقت العقد فيتوقف على ما يبتنى عليه، بخلاف النفقة) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كالنفقة م: (لأنها للحاجة الناجزة) ش: أي الواقعة في الحال، من نجز الشيء بالكسر إذا تم بما يقضى م: (فلا تقبل التوقف) ش: على شيء فيبطل قياس ما يقبل التوقف على ما لا يقبل. م: (وزكاة التجارة على هذا الخلاف) ش: صورته رجل له عبد للتجارة فباعه بعروض التجارة بشرط الخيار ثم تم الحول في مدة الخيار فزكاته على الخلاف المذكور على من يصير له الملك، أو على من له الخيار أو على من له الملك يومئذ. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو باع عبدا للتجارة فحال الحول في مدة الخيار فالمشتري للتجارة بشرط الخيار من وقت البيع في حق من ثبت له الملك. وقيل: صورته لأحدهما عشرون دينارا ولآخر عرض يساويه في القيمة، ومبدأ حولهما على السواء، ففي آخر الحول باع صاحب العروض من عرضه من الآخر بشرط الخيار له أو للمشتري فازدادت قيمة العروض في مدة الخيار قبل تمام الحول ثم تم الحول فإن تقرر الملك للبائع يجب عليه بحصة الزيادة شيء، وإن تقرر للمشتري يجب عليه ذلك أيضا عندنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 فصل في مقدار الواجب ووقته الفطرة نصف صاع من بر أو دقيق أو سويق أو زبيب أو صاع من تمر شعير وقالا: الزبيب بمنزلة الشعير وهو رواية عن أبي حنيفة، والأول رواية " الجامع الصغير ".   [البناية] [فصل في مقدار الواجب في زكاة الفطر] م: (فصل في مقدار الواجب ووقته) ش: أي هذا فصل في بيان مقدار الواجب في صدقة الفطر وفي بيان وقته. م: (الفطرة نصف صاع) ش: أي صدقة الفطر نصف صاع م: (من بر أو دقيق أو سويق) ش: السويق البر المقلي م: (أو زبيب أو صاع من تمر أو شعير) ش: وذكر هذا الأشياء إليه، وقد اختلف أهل العلم فيها اختلافا شديدا على ما نذكره، منها البر هو الحنطة فلم يخالف فيه إلا داود الظاهري، فإن عنده لا تجب إلا من التمر والشعير، ولا يجوز عنده قمح ولا دقيقه ولا دقيق شعير ولا سويق ولا خبز ولا زبيب ولا غير ذلك، فإنه ذكر في حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - التمر والشعير فلم يذكر غيره اتفاقا عليه. ومنها الدقيق فقد ذكر في " الذخيرة القرافية ": منع مالك الدقيق. وفي " المدونة " لا يجزئ دقيق ولا سويق. وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجزئ من تسعة وهو القمح والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والتمر والزبيب والأقط، وزاد ابن حبيب العلس فصارت عشرة. وقال ابن حزم في " المحلى ": العجب كل العجب ما أجازه مالك من إخراج الدقيق. ومنها السويق نص بعض الحنابلة لم يجز السويق لفوات بعض المنافع، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضا: لا يجوز الدقيق والسويق في الفطرة على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى. ومنها الزبيب وفيه خلاف الظاهرية كما ذكر، وكذلك خلافهم في غير التمر والشعير، وقال أبو بكر بن العربي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يخرج من عيش كل قوم من اللبن لبنا، ومن اللحم لحما، ويخرج اللوبيا وغير ذلك، وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويجزئ في المذهب الحمص والعدس لأنه قوت، وفي الجبن واللبن عندهم خلاف. م: (وقال أبو يوسف -رحمهما الله-: الزبيب بمنزلة الشعير) ش: يعني لا يخرج منه إلا صاعا مثلما يخرج صاعا من الشعير م: (وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قوليهما في الزبيب رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواها أسد بن عمرو والحسن بن زياد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والأول رواية الجامع الصغير) ش: يعنى الزبيب مثل البر نصف صاع، كذا روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من جميع ذلك صاع، لحديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنا نخرج ذلك على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.   [البناية] م: (وقال الشافعي عن جميع ذلك صاع) ش: أشار به إلى المذكور في قوله -من بر إلخ، يعنى لا يخرج من هذه الأشياء إلا صاع كامل م: (لحديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قال كنا نخرج ذلك على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ش: حديث أبي سعيد هذا أخرجه الأئمة الستة عنه مختصرا ومطولا، قال: «كما نخرج إذا كان فينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زكاة الفطر عن كل صغير وكبير، حر أو مملوك صاعا من طعام أو صاعا من أقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب، فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حاجا أو معتمرا فكلم الناس على المنبر، فكان فيما كلم فيه الناس فقال: إني أرى أن مدين من تمر الشام تعدل صاعا من تمر، فأخذ الناس بذلك» . قال أبو سعيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أما أنا فإني لا أزال أخرجه أبدا ما عشت، وحجة الشافعي من هذا الحديث في قوله صاعا من طعام، قالوا: والطعام في العرف هو الحنطة، سيما وقد وقع في رواية للحاكم صاعا من حنطة، ومن الشافعية من جعل هذا الحديث حجة لنا من جهة أن معاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جعل نصف صاع من الحنطة بدل صاع من التمر والزبيب. وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا الحديث معتمد أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم أجاب عنه بأنه فعل صحابي، وقد خالفه أبو سعيد وغيره من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ممن هو أطول صحبة منه. قلنا: إن قولهم الطعام في العرف هو الحنطة ممنوع، بل الطعام يطلق على كل ما مأكول، وهنا أريد به أشياء ليست الحنطة بدليل ما ساقه عند البخاري عن أبي سعيد قال «كما نخرج في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الفطر صاعا من الطعام» قال أبو سعيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر» . وقول النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنه فعل صحابي، قلنا: قد وافقه غيره من الصحابة الجم الغفير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بدليل قوله في الحديث: فأخذ الناس بذلك، ولفظ الناس العموم فكان إجماعا، فكذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «فرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعا من تمر أو صاعا من شعير» فعدل الناس به مدين من حنطة، ولا تصير مخالفة أبي سعيد لذلك بقوله: أما أنا فلا أزال أخرجه، لأنه لا يقدح في الإجماع، سيما إذا كان فيه الخلفاء الأربعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أو نقول: أراد بالزيادة على قدر الواجب تطوعا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 ولنا ما روينا وهو مذهب جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وفيهم الخلفاء الراشدون - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، وما رواه   [البناية] م: (ولنا ما روينا) ش: أراد به حديث ثعلبة الذي مضى في أول الباب، وفيه التصريح بأن الفطرة من البر نصف صاع م: (وهو مذهب جماعة) ش: أي نصف صاع من البر مذهب جماعة م: (من الصحابة وفيهم الخلفاء الراشدون - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أما الجماعة من الصحابة فهم: عبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله وأبو هريرة وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس ومعاوية وأسماء بنت أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فأما الخلفاء الراشدون فهم: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، وهو مذهب جماعة من التابعين وغيرهم، وهم سعيد بن المسيب وعطاء ابن أبي رباح ومجاهد وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز وطاوس وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي وعلقمة والأسود وعروة وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وأبو قلابة عبد الله وعبد الملك بن محمد وعبد الرحمن الأوزاعي، وسفيان الثوري وعبد الله بن شداد ومصعب بن سعد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو قول القاسم وسالم وعبد الرحمن بن القاسم والحكم وحماد، وهو مروي عن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذكرها في " الذخيرة ". أما حديث أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه البيهقي، ورواه عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا معمر عن عاصم عن أبي قلابة عن أبي بكر أنه أخرج زكاة الفطر مدين من حنطة وإن رجلا أدى إليه صاعا بين اثنين، قال البيهقي: هذا منقطع. وأما حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه أبو داود والنسائي عن عبد العزيز بن أبي زياد عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صاعا من شعير أو تمر أو سلت أو زبيب، فقال عبد الله: فلما كان عمر كثرت الحنطة جعل البر نصف صاع من حنطة مكان صاع من تلك الأشياء» . وأما حديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه أنه قال في خطبته: «أدوا زكاة الفطر مدين من حنطة» قال البيهقي: وهو موصول عنه. وأما حديث علي فأخرجه عبد الرزاق عنه قال: «على من جرى عليه نفقتك نصف صاع من بر أو صاع من شعير أو تمر» . م: (وما رواه) ش: أي وما رواه الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من حديث أبي سعيد -رضي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 محمول على الزيادة تطوعا، ولهما في الزبيب أنه والتمر يتقاربان في المقصود، وله أنه والبر يتقاربان في المعنى لأنه يؤكل كل واحد منهما بجميع أجزائه، بخلاف الشعير والتمر لأن كل واحد منهما يؤكل ويلقى من التمر ومن الشعير النخالة، ولهذا ظهر التفاوت بين البر والتمر، ومراده من الدقيق والسويق ما يتخذ من البر. أما دقيق الشعير كالسعير والأولى أن يراعي فيهما القدر والقيمة احتياطا،   [البناية] الله عنه- م: (محمول على الزيادة تطوعا) ش: أي على الزيادة على قدر الواجب من حيث التطوع بدليل أنه قال: كنا أو كنت، ولم يقل أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان الناس في ذلك الزمان حرصا على التطوعات، فكرهوا أداء الشقص وليس البر كالتمر والشعير، فإن التمر والشعير مشتمل بما ليس بمأكول، وهو النواة والنخالة، وعلى ما هو مأكول. وأما البر فلكله مأكول فإن الفقير يأكل دقيق الحنطة بنخالته بخلاف الشعير فلا يمكن قياس البر عليها. م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- م: (في الزبيب أنه والتمر يتقاربان في المقصود) ش: وهو التفكه والاستحلاء، فالزبيب يشبه التمر من حيث أنه حلو مأكول وله عجم كما للتمر نواة. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أنه) ش: أي الزبيب م: (والبر يتقاربان في المعنى) ش: هو الأكل م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (يؤكل كل واحد منهما بجميع أجزائه) ش: أما الزبيب فإنه لا يرمى منه شيء ولا يرمى نواه إلا من يتأنق في المأكول، وأما البر فإن الفقراء لا يرمون منه شيئا م: (ويلقى من التمر النواة ومن الشعير النخالة) ش: هذا جواب عن قولهما إن الزبيب بمنزلة الشعير، وأن الزبيب والتمر يتقاربان. فأجاب: بأن الزبيب ليس بمتقارب من التمر يلقى منه النواة، ولا هو بمنزلة الشعير والشعير يلقى منه النخالة م: (ولهذا) ش: أي ولكون البر مأكول كله، ولكون التمر يلقى منه النواة م: (ظهر التفاوت بين التمر والبر) ش: فوجبت الفطرة من التمر صاعا ومن البر نصف صاع م: (ومراده) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الكاكي: والشيخ أبو الحسن القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (من الدقيق والسويق ما يتخذ من البر) ش: يعني دقيق الحنطة وسويقها. م: (أما دقيق الشعير كالشعير) ش: يعني مثل عين الشعير، وذكر في " المبسوط ": دقيق الحنطة كالحنطة، ودقيق الشعير كعينه عندنا، وبه قال الأنماطي من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقد مر عن الشافعي أنه لا يجوز الدقيق والسويق في الفطرة م: (والأولى أن يراعى فيهما) ش: أي في الدقيق والسويق م: (القدر والقيمة احتياطا) ش: حتى إذا كان منصوصا عليهما يتأدى باعتبار القدر. وإن لم يكونا باعتبار القيمة، وتفسيره أن يؤدي نصف صاع من دقيق البر، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 وإن نص على الدقيق في بعض الأخبار ولم يبين ذلك في الكتاب اعتبارا للغالب، والخبز تعتبر فيه القيمة هو الصحيح، ثم يعتبر نصف صاع من بر وزنا فيما يروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر كيلا،   [البناية] تبلغ قيمته قيمة نصف صاع من بر أو أدى نصف صاع من دقيق البر ولكن لا تبلغ قيمته قيمة نصف صاع من بر لا يكون عاملا بالاحتياط، وفي " جامع البرهاني ": قال بعض مشايخنا: يجوز باعتبار العين لأنه منصوص عليه، وقال بعضهم: يجوز باعتبار القيمة لأن الدقيق يزيد على الحنطة غالبا حتى لو انتقض لا يجوز م: (وإن نص على الدقيق في بعض الأخبار) ش: هذا واصل بما قبله، وأراد ببعض الأخبار ما روي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال «أدوا قبل خروجكم زكاة فطركم، فإن على كل مسلم مدين من قمح ودقيقه» . قال في " النهاية ": كذا في " المبسوط " وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وذكر الشيخ أبو نصر حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فذكر هذا الحديث. وذكر الأكمل هكذا. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولنا ما روي عنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فذكره، ولم يبين واحد منهم من خرج هذا الحديث وما حاله، ولقد أمعنت النظر في كتب كثيرة من كتب الحديث فما وقفت عليه، غير أن النسائي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - روى عن أبي سعيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «لم نخرج في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من دقيق.» والحديث. ولم يبين ذلك في الكتاب أي لم يبين محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذلك، أشار به إلى الرعاية بين القدر والقيمة، وأراد بالكتاب " الجامع الصغير " م: (اعتبارا للغالب) ش: فإن الغالب أن قيمة نصف الصاع من التمر يساوي نصف صاع من البر م: (والخبز) ش: مبتدأ وقوله م: (يعتبر فيه القيمة) ش: خبره، يعني إذا أدى منوين من خبز الحنطة باعتبار القيمة لا يجوز. قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لأنه لم يرد الخبز في شيء من النصوص وكان بمنزلة الذرة، ولأن الخبز نظير الحنطة في معنى القوت، لكن ليس بمعناه في القدر، فإن الحنطة مكيلة والخبز موزون، فلا يجوز إلا باعتبار القيمة م: (وهو الصحيح) ش: يعني كونه باعتبار القيمة، واحترز به عن قول بعض المتأخرين حيث قالوا: يجوز بلا اعتبار القيمة، فإذا أدى منوين من خبز الحنطة يجوز، لأنه لا جاز من الدقيق والسويق باعتبار العين فمن الخبز يجوز، لأنه انفع للفقراء. م: (ثم يعتبر نصف صاع من بر وزنا فيما يروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن العلماء - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لما اختلفوا في مقدار الصاع أنه ثمانية أرطال أو خمسة أرطال وثلث رطل فقد اتفقوا على التقدير بما يعدل بالوزن، وذلك دليل على اعتبار الوزن قيد م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر كيلا) ش: رواه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 والدقيق أولى من البر، والدراهم أولى من الدقيق فيما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو اختيار الفقيه أبي جعفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنه أدفع للحاجة وأعجل به، وعن أبي بكر الأعمش - رَحِمَهُ اللَّهُ - تفضيل الحنطة لأنه أبعد من الخلاف. إذ في الدقيق والقيمة خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: والصاع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثمانية أرطال بالعراقي   [البناية] ابن رستم - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه يعتبر كيلا، حتى قال: قلت له: لو وزن الرجل منوين من الحنطة وأعطاهما لفقير هل يجوز عن صدقته؟، قال: لا فقد تكون الحنطة ثقيلة الوزن، وقد تكون خفيفة الوزن، فإنما يعتبر نصف الصاع كيلا. م: (والدقيق أولى من البر والدراهم أولى من الدقيق فيما يروى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أما أولوية الدقيق من البر، فلأنه أعجل بالنفقة، أما أولوية الدراهم من الدقيق فلأن الدراهم يقتضي بها أشياء كثيرة، وهذا ظاهر بين. وفي " جامع" المحبوبي قال محمد بن سليمان - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان في زمن الشدة، فالأداء من الحنطة أو دقيقه أفضل من الدراهم، وفي زمن السعة الدراهم أفضل م: (وهو اختيار الفقيه أبي جعفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي كون الدقيق أولى من البر، وكون الدراهم أولى من الدقيق، كما روي عن أبي يوسف، وهو اختيار الفقيه أبي جعفر. وقال الأترازي: هذا الذي ذكره في " الهداية " خلاف ما ذكره الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "نوادره "، حيث قال: وكان الفقيه أبو جعفر يقول: دفع الحنطة أفضل في الأحوال كلها ولأن فيه موافقة السنة وإظهار الشريعة م: (لأنه أدفع للحاجة وأعجل به) ش: أي بدفع الحاجة. م: (وعن أبي بكر الأعمش - رَحِمَهُ اللَّهُ - تفضيل الحنطة) ش: أي وعن أبي بكر الأعمش أن الحنطة أفضل م: (لأنه أبعد من الخلاف) ش: لأنه الحنطة تجوز بالاتفاق ولا يجوز الدقيق، والقيمة عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو معنى قوله: م: (إذ في الدقيق والقيمة خلاف الشافعي) ش: كلمة إذ هنا للتعليل، أي لأجل خلاف الشافعي في جواز الدقيق في الفطرة وجواز القيمة. م: (والصاع عند أبي حنيفة ومحمد ثمانية أرطال بالعراقي) ش: أي بالرطل العراقي وهو عشرون أستارا والأستار ستة دراهم ودانقان وأربعة مثاقيل، والصاع العراقي أربعة أمداد كذا ذكر فخر الإسلام، وقيل: ثمانية أرطال بالبغدادي، والرطل البغدادي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، وقيل: مائة وثمانية وعشرون درهما. وقيل: مائة وثلاثون درهما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خمسة أرطال وثلث رطل، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صاعنا أصغر الصيعان»   [البناية] قال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والأول أصح. وقول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هو قول جماع من أهل العراق وقول إبراهيم النخعي، وهو قول زفر أيضا فيما قاله أبو بكر الخصاف م: (وقال أبو يوسف: خمسة أرطال وثلث رطل) ش: أي الصاع خمسة أرطال وثلث رطل م: (وهو قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش:. وقول مالك وأحمد أيضا م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صاعنا أصغر الصيعان» ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صاعنا أصغر الصيعان» وهذا غريب. وروى ابن حبان في "صحيحه " عن ابن خزيمة عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قيل له: يا رسول الله صاعنا أصغر الصيعان ومدنا أكثر الأمداد، فقال: "اللهم بارك لنا في صاعنا وبارك لنا في قليلنا وكثيرنا واجعل لنا مع البركة بركتين» ، انتهى. قال ابن حبان: وفي ترك المصطفى الإنكار عليهم، حيث قالوا: صاعنا أصغر الصيعان، بيان واضح أن صاع المدينة أصغر الصيعان، ولم يجر بين أهل العلم إلى يومنا هذا خلاف في هذا الصاع، إلا ما قاله الحجازيون والعراقيون، فزعم الحجازيون أن الصاع خمسة أرطال وثلث، وزعم العراقيون أنه ثمانية أرطال من غير دليل ثبت على صحته. فإن قلت: روى الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "سننه" عن عمران بن موسى الطائي حدثنا إسماعيل بن سعد الخراساني حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي قال: قلت لمالك بن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يا أبا عبد الله كم وزن صاع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال خمسة أرطال وثلث بالعراقي أنا حزرته. قلت: يا أبا عبد الله خالف شيخ القوم، فقال: من هو؟ قلت: أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول ثمانية أرطال، قال: فغضب غضبا شديدا، وقال: قاتله الله ما أجرأه على الله، ثم قال لبعض جلسائه: يا فلان هات صاع جدك، يا فلان هات صاع عمك، يا فلان هات صاع جدتك، فاجتمعت أصوع، فقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ما تحفظون في هذا؟ فقال بعضهم: حدثني أبي عن أبيه أنه كان يؤدي هذا الصاع إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال الآخر: حدثني أبي عن أخيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنا حزرت هذه فوجدتها خمسة أرطال وثلث. قلت: يا أبا عبد الله أحدثك بأعجب من هذا أنه يزعم أن صدقة الفطر نصف صاع والصاع ثمانية أرطال، فقال: هذا أعجب من الأول، بل صاع تمام عن كل إنسان، هكذا أدركنا علماءنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 ولنا ما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتوضأ بالمد رطلين يغتسل بالصاع ثمانية أرطال»   [البناية] ببلدنا هذا. قلت: هذا صاحب " التنقيح ": إسناده مظلم، وبعض رجاله غير مشهورين، المشهور ما أخرجه البيهقي عن الحسين بن الوليد القرشي وهو ثقة قال: قدم علينا أبو يوسف من الحج، فقال: إني أريد أن أفتح عليكم بابا من العلم بشيء تفحصت عنه، فقدمت المدينة فسألت عن الصاع، فقالوا: صاعنا هذا صاع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنظرت فإذا هي سواء، فقال فعيرته فإذا هو خمسة أرطال وثلث ينقصان يسير، فرأيت أمرا قويا فتركت قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الصاع وأخذت بقول أهل المدينة، هذا هو المشهور من قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الاترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وجه قول أبي يوسف قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صاعنا أصغر الصيعان» . قلت: قد علمت بما ذكرناه الآن أن هذا ليس لفظ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكيف ينسبه الأترازي إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع دعواه أن له يدا في الحديث، وكذلك الكاكي والأكمل وآخرون على هذا المنوال. م: (ولنا ما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتوضأ بالمد رطلين ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال» ش: هذا إنما قال: ولنا، ولم يقل: ولهما، لأنه صرح بذكر الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هنا أنه مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلذلك قال: ولنا، وهذا الحديث أخرجه الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "سننه" عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في ثلاث طرق منها «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتوضأ بمد رطلين ويغتسل بصاع ثمانية أرطال» . وضعف البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذه الطرق كلها، والذي صح وثبت عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليس فيه الوزن، وما روي في " الصحيحين " فيه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع» واستدل الطحاوي لأبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بما رواه عن ابن عمران بإسناده إلى مجاهد، قال: «دخلنا على عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فاستسقى بعضنا بعضا فقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يغتسل بمثل هذا، فقال مجاهد: فحزرته ثمانية أرطال، تسعة أرطال عشرة أرطال» فلم يشك مجاهد في الثمانية وإنما شك فيما فوقها، وذكر الطحاوي أيضا بإسناده إلى إبراهيم عن علقمة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يغتسل بالصاع» . وروى أيضا عن ربيع المؤذن بإسناده إلى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ بما يسع رطلين، ويغتسل بالصاع» ثم قال: وجه الاستدلال بهذا حديث الآثار على أن الصاع ثمانية أرطال، أن نقول: قد ثبت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يغتسل بالصاع لكن كان مقداره غير معلوم، فعلم ذلك من حديث مجاهد عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حيث قدره بثمانية أرطال، ولأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتوضأ بالمد فعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 وهكذا كان صاع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو أصغر من الهاشمي وكانوا يستعملون الهاشمي. قال: ووجوب الفطرة يتعلق بطلوع الفجر من يوم الفطر.   [البناية] من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن مقدار المد رطلان، فإن ثبت أن المد رطلان يلزم أن يكون صاع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعة أمداد، وهي ثمانية أرطال، لأن المد ربع صاع باتفاق. م: (وهكذا كان صاع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: يعني ثمانية أرطال م: (وهو أصغر من الهاشمي) ش: أي صاع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أصغر من الصاع الهاشمي، لأن الصاع الهاشمي اثنان وثلاثون رطلا م: (وكانوا يستعملون الهاشمي) ش: وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعمل العراقي وهو أصغر بالنسبة إلى الهاشمي وهو صاع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال فخر الإسلام: صاع العراق صاع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وذكر الطحاوي بإسناده إلى موسى بن طلحة وإبراهيم قالا: عايرنا الصاع فوجدناه حجاجيا، والحجاجي ثمانية أرطال بالبغدادي. وقال فخر الإسلامي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صاع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -[ ..... ] فأخرجه الحجاج، وكان يمن على أهل العراق، ويقول في خطبته: يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق ألم أخرج لكم صاع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فلذلك سمي صاعا حجاجيا. وقيل: لا خلاف لأن الرطل كان في زمن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عشرين أستارا والأستار ستة دراهم ونصفا، فإذا ما كايلت ثمانية أرطال على هذا الحساب خمسة أرطال وثلث تجد طل واحد منهما ألفا وأربعين درهما، نبه على ذلك كله صاحب " الينابيع "، وقوله فيه غير سديد، والصحيح أن اختلافا بينهم في الحقيقة، لأن الكل اعتبر الرطل العراقي فإنه ذكر في " المبسوط " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب العشر والخراج خمسة أرطال كل رطل ثلاثون أستارا وثلث رطل بالعراقي. وفي " الأسرار ": خمسة أرطال كل رطل ثلاثون أستارا أو ثمانية أرطال وكل رطل عشرون أستارا سواء، وفي " المستصفى " وقيل: الاختلاف بينهم في الرطل لا في الصاع. وفي " شرح الإرشاد " الاختلاف بينهم في المد، فإن المد عندنا رطلان، وعندهم رطل وثلث، ولا خلاف أن الصاع أربعة أمداد، ثم التقدير بالأرطال دون الأمناء لعبرة الطعام عندهم. [وقت وجوب زكاة الفطر] م: (قال: ووجوب الفطرة يتعلق بطلوع الفجر من يوم الفطر) ش: وفي أكثر النسخ قال: وجوب الفطرة أي قال القدوري: يعني وقت وجوب صدقة الفطر تثبت بطلوع الفجر الثاني من يوم الفطر، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم يعني في القديم، وأحمد في رواية، ومالك في رواية، وهو المشهور عند المالكية، وهو قول ابن القاسم وابن مطرف وابن الماجشون وابن وهب، وبه قال الليث، وأبو ثور، وآخرون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بغروب الشمس في اليوم الأخير من رمضان، حتى إن من أسلم أو ولد ليلة الفطر تجب فطرته عندنا وعنده لا تجب، وعلى عكسه من مات فيها من مماليكه أو ولده، له أن يختص بالفطر وهذا وقته، ولنا أن الإضافة للاختصاص، واختصاص الفطر باليوم دون الليل، والمستحب أن يخرج الناس الفطرة يوم الفطر قبل الخروج إلى المصلى، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج   [البناية] م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بغروب الشمس في اليوم الأخير من رمضان) ش: وبه قال إسحاق وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وهو قول الثوري أيضا، ومنهم من قال: تجب بطلوع الشمس كصلاة العيد. وقال ابن العربي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا وجه له م: (حتى إن من أسلم أو ولد ليلة الفطر تجب فطرته عندنا) ش: هذا بيان ثمرة الخلاف في المسألة المذكورة فتجب الفطرة عندنا في هذه الصورة م: (وعنده لا تجب) ش: أي وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تجب. الأصل في هذا أن وجوب الفطرة متعلق بطلوع الفجر من يوم الفطر، تعلق وجوب الأداء بالشرط لا تعلق وجوب الأداء بالسبب، إذ الفطرة شرط وجوب الأداء لا سببه، وتظهر ثمرة ذلك في مسألتين: أحدهما: أن الرجل إ ذا قال لعبده: إذا جاء يوم الفطر فأنت حر، فجاء يوم الفطر عتق العبد، ويجب على العبد صدقة الفطر قبل العتق لا بعد. والثانية: أن العبد إذا كان للتجارة تجب على المولى زكاة التجارة إذا تم الحول بانفجار الفجر من يوم الفطر. وقال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هاتان المسألتان شاهدتان على الأصل المعهود وهو أن المعلول يقارن العلة في الوجود، والمشروط يتعقب عن المشروط، والمشروط يتعقب عن الشرط في الوجود. م: (وعلى عكسه من مات فيها من مماليكه أو ولده) ش: أي على عكس الحكم المذكور، يعنى لا تجب عندنا لعدم تحقق شرط وجوب الأداء وهو طلوع الفجر من يوم الفطر، ويجب عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لتحقق شرط وجوب الأداء وهو غروب الشمس في اليوم الأخير من رمضان وهو حي، ومن مات بعد طلوع الفجر يجب الفطرة عنه بالاتفاق م: (له) ش: أي للشافعي م: (أنه) ش: أي أن وجوب الفطرة م: (يختص بالفطر، وهذا وقته) ش: أي غروب الشمس في اليوم الأخير من رمضان. م: (ولنا أن الإضافة) ش: أي إضافة الصدقة إلى الفطر م: (للاختصاص، واختصاص الفطر باليوم دون الليل) ش: إذ المراد فطر يضاد الصوم، وهو في اليوم لأن الصوم فيه حرام، ألا ترى أن الفطر كان يوجد في كل ليلة من رمضان، ولا يتعلق الوجوب به، فدل على أن المراد به ما يضاد الصوم. م: (والمستحب أن يخرج الناس الفطرة يوم الفطر قبل الخروج إلى المصلى، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 قبل أن يخرج، ولأن الأمر بالإغناء كيلا يتشاغل الفقير بالمسألة عن الصلاة، وذلك بالتقديم، فإن قدموها على يوم الفطر جاز،   [البناية] ش: بضم الياء من الإخراج، أي كان يخرج صدقة الفطر م: (قبل أن يخرج) ش: بفتح الياء، أي قبل أن يخرج إلى المصلى. قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: المستحب أن يخرج الناس الفطرة قبل الخروج إلى المصلى، وهذا المروي في " السنن " عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بزكاة الفطر أن تؤدي قبل خروج الناس إلى الصلاة وقد روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج الفطرة قبل الخروج إلى المصلى» انتهى. قلت: هذا الذي صنفه غير مرتب، لأن صاحب الكتاب لما ذكر قوله: -والمستحب- إلى أخره استدل عليه بقوله - لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج- فلا شك أن الدليل والمدلول في حكم شيء واحد، فجاء الأترازي فكر بينهما، وذكر حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - دليلا لمدلول المصنف. وسبب قوله - لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج- ثم ذكر قوله وري بصيغة التمريض من غير تعرض لبيان من أخرجه، وما حاله وهذا ليس بصنع من يدعي أن له يدا في الحديث، وها هنا الذي ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مذكور في حديث رواه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في كتابه " علوم الحديث "، وهو مجلد كامل في باب الأحاديث التي انفرد بزيادة فيها راو واحد حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن الجهم السمري قال: حدثنا أبو معشر عن نافع عن ابن عمر قال: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نخرج صدقة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو عبد صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من شعير أو صاعا من قمح، وكان يأمرنا أن نخرجها قبل الصلاة، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسمها قبل أن ينصرف إلى المصلى، ويقول: "أغنوهم من الطواف في هذا اليوم» . م: (ولأن الأمر بالإغناء) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم» م: (كيلا يتشاغل الفقير بالمسألة عن الصلاة) ش: أي عن صلاة العيد م: (وذلك) ش: أي الإغناء م: (بالتقديم) ش: أي بتقديم صدقة الفطر م: (فإن قدموها على يوم الفطر جاز) ش: وللشافعة ثلاثة أوجه. أولها: يجوز تعجيلها في رمضان ولا يجوز قبله. ثانيها: يجوز قبل طلوع الفجر الثاني من اليوم الأول من رمضان ولا يجوز قبله. إنما يجوز في جميع السنة، وعند الحنابلة يجوز يوم أو يومين، وقيل بنصف الشهر. وقال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 لأنه أدى بعد تقرر السبب، فأشبه التعجيل في الزكاة، ولا تفصيل بين مدة ومدة هو الصحيح، وإن أخروها عن يوم الفطر لم تسقط، وكان عليهم إخراجها، لأن وجه القربة فيها معقول، فلا يتقدر وقت الأداء فيها، بخلاف الأضحية. والله أعلم.   [البناية] الحسن بن زياد ومالك -رحمهما الله-: لا يجوز تعجيلها قبل وقت وجوبها م: (لأنه أدى بعد تقرر السبب) ش: وهو رأس يمونه ويلي غلته م: (فأشبه التعجيل في الزكاة) ش: بعد تقرر سببها وهو ملك المال، وقيل: وقت الوجوب وهو حولان الحول. م: (ولا تفصيل بين مدة مدة) ش: أي لا تفصيل في جواز تقديم صدقة الفطرة بين مدة ومدة، بل يجوز التقديم مطلقا م: (هو الصحيح) ش: احترز به عن قول خلف بن أيوب ونوح بن أبي مريم - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - حيث قال خلف: يجوز تقديمها بعد دخول شهر رمضان لا قبله، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال نوح بن أبي مريم - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز تعجيلها في العشر الأخير. وعن الكرخي بيوم وبيومين، وبه قال أحمد، وروى إبراهيم بن رستم في " النوادر " عن محمد قال: لو أعطى صدقة الفطر قبل الوقت بسنتين جاز، وهو راوية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال في " الخلاصة ": وذكر السنة والسنتين وقع اتفاقان بل يجوز مطلقا لو أدى عشر سنين أو أكثر. م: (وإن أخروها عن يوم الفطر لا تسقط) ش: وبه قال الحسن البصري والحسن بن زياد ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وتسقط بتأخيرها عن يوم الفطر كالأضحية، فإنها تسقط بمضي أيام النحر م: (وكان عليهم إخراجها، لأن وجه القربة فيها معقول) ش: وجه القربة كونها صدقة مالية، والإغناء عن المسألة م: (فلا يتقدر وقت الأداء) ش: أي لا يتقدر وقت الأداء م: (فيها) ش: بل وجوز أن يتعدى إلى غيره، فلا تسقط بعد الوجوب إلا بالأداء كالزكاة م: (بخلاف الأضحية) ش: فإنها تسقط بمضي أيام النحر، لأن القربة فيها إراقة الدم وهي لم تعقل قربة، ولهذا لم تكن قربة في غير هذه الأيام فيقتصر على مورد النص، ولا تسقط بتأخير الأداء وإن افتقر، لأنها متعلقة بالذمة دون المال، كذا في " فتاوى الولوالجي " و" القاضي خان ". انتهى المجلد الثالث يليه المجلد الرابع أوله: "كتاب الصوم" الجزء: 3 ¦ الصفحة: 505 كتاب الصوم قال - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصوم ضربان واجب ونفل   [البناية] [كتاب الصوم] [تعريف الصوم] أي هذا كتاب في بيان أحكام الصوم، ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الكبير " كتاب الصوم عقيب كتاب الصلاة، لكون كل منهما عبادة بدنية، ولكن الزكاة ذكرت مقرونة بالصلاة في الكتاب والسنة، فلذلك ذكرت عقيب الصلاة، وقدمت على الصوم وغيره. والصوم في اللغة عبارة عن الإمساك أي إمساك كان، قال الله تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] (مريم: الآية 26) ، أي صمتاً وسكوتاً، وكان مشروعاً عندهم. وقال النابغة: خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما أي قائمة على غير علف قاله الجوهري وقال ابن الفارس - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ممسكة عن السير [وصام النهار إذا قام غير قائم الظهيرة وقال أبو عبيد: كل ممسك عن طعام أو كلام] أو سير صائم، والصوم ركود الريح والصوم السعة، والصوم ذرق الحمام وسلخ النعامة، والصوم اسم شجر في لغة هذيل، والصيام مصدر كالصوم، وفي الشرع الصوم هو الإمساك عن المفطرات الثلاثة نهاراً مع النية. اختلف أي صوم وجب في الإسلام أولاً، قيل صوم عاشوراء، وقيل ثلاثة أيام من كل شهر «لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما قدم المدينة جعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام» رواه البيهقي، ولما فرض رمضان خير بينه وبين الإطعام، وفرض صوم شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة قبل وقعة بدر، وقيل في شعبان منها فصام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسع رمضانات، وفيها حولت القبلة وأمر بزكاة الفطر، وسببه شهود الشهر، لأن الصوم مضاف إليه، يقال صوم شهر رمضان وشرطه الوقت والنية والطهارة، [وركنه الكف عن المفطرات، وحكمه الثواب وسقوط الواجب عن الذمة] . م: (قال: الصوم ضربان) ش: أي نوعان، وفي البدرية جرت العادة بين أهل التحقيق الابتداء بالتحديد ليسهل أمر التقسيم، وقد بدأ بالتقسيم ليسهل أمر التحديد، وصاحب الكتاب بدأ بالتقسيم. فإن قلت: الصوم واحد باعتبار القربة وقهر النفس، فكيف يتنوع. قلت: تنوعه باعتبار أن هذا الصوم له أو عليه م: (واجب ونفل) ش: أي أحدهما واجب والآخر نفل واختار لفظ الواجب ليشمل الواجب بإيجاب الله تعالى أو الواجب بإيجاب العبد، كذا في المستصفى، وقيل أراد بالواجب الفرض، وقيل معناه الثابت علينا. 1 - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 والواجب ضربان: منه ما يتعلق بزمان بعينه كصوم رمضان والنذر المعين فيجوز الصوم بنية من الليل، وإن لم ينو حتى أصبح أجزأته النية ما بينه وبين الزوال.   [البناية] م: (والواجب ضربان) ش: أي نوعان م: (منه) ش: أي من الواجب الذي هو ضربان م: (ما يتعلق بزمان بعينه) ش: أي الذي يتعلق بزمان معين م: (كصوم رمضان) ش: أي كصوم شهر رمضان وهو غير منصرف للعلمية ووجود الألف والنون المزيدتين المضارعتين، لألفي التأنيث، واشتقاقه من رمض الشيء بكسر الميم يرمض بفتحها إذا كثر حره، وقيل من الرمضاء وهي الحجارة الحارة لأنه قد يأتي في وقت الحر. وقال الفراء: رمضان يجمع على رماضين كسلاطين وسراجين، وقال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - على أرمضاء ورمضانات. وقال ابن الأنباري - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجمع على رماض م: (والنذر المعين) ش: أي وكان الصوم المنذور المعين بشهر أو بيوم م: (فيجوز) ش: أي فيجوز م: (الصوم) ش: في هذا النوع، وهو صوم رمضان وصوم النذر المعين م: (بنية من الليل) ش: أي من بعد غروب الشمس، وكلمة من لابتداء الغاية، وهو الأصل فيها غير أن باقية معناه لا تخلو عنها. م: (وإن لم ينو حتى أصبح أجزأته النية ما بينه وبين الزوال) ش: يعني وإن لم ينو في هذين الصوم حتى أصبح أجزأته النية ما بين الصبح وبين الزوال، وعبارة حافظ الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - أحسن من هذا، حيث قال وصح صوم رمضان والنذر المعين والنفل بنية من الليل إلى ما قبل نصف النهار، لأن النية إنما تصح إذا وقعت في الليل أو في أكثر النهار، لأن للأكثر حكم [الكل] . لأن على قول المصنف الذي هو قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تقع النية في أكثر النهار، لأن للأكثر حكم الكل، لأن على قوله - لأن نصف اليوم من طلوع الفجر الصادق إلى الضحوة الكبرى - لا وقت الزوال وسيجيء كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذا، وقولنا هو قول سعيد بن المسيب والأوزاعي وإسحاق وعبد الملك وابن العدل - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - من المالكية وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصح صوم رمضان في حق المقيم الصحيح بغير نية، وهو مذهب عطاء ومجاهد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قال ابن جرير مع الظاهرية في المحلى: إن من نسي أن ينوي من الليل ففي أي وقت نواه من النهار التالي لتلك الليلة صح صومه، سواء أكل أو شرب أو وطئ أو جمع بين الثلاثة أو لم يفعل شيئا من ذلك ويجزئه صومه ذلك ولا قضاء عليه، ولو لم ينو من النهار إلا مقدار ما ينوي فيه الصوم وإن لم ينوه لا صوم له ولا قضاء عليه. وكذا من جاءه خبر هلال رمضان بعدما أكل أو شرب أو جامع فنوى الصوم قبل الغروب يجزئه صومه، وإن لم ينوه فلا صوم له ولا قضاء عليه، وإن لم يذكر حتى غربت الشمس فلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يجزيه. اعلم أن صوم رمضان فريضة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] (البقرة: الآية 183) وعلى فرضيته انعقد الإجماع، ولهذا يكفر جاحده. والمنذور واجب لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] (الحج: الآية 29) .   [البناية] قضاء عليه، وعند ابن شريح والطبري وابن زيد الرومي من الشافعية فصح النفل بعد هذه الأشياء المنافية للصوم وهو في غاية الضعف. م: (وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يجزيه) ش: لأن به تعيين نية الرمضانية والتبييت لها من الليل شرط عنده، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال مالك وجابر وابن زيد والمزني وداود ويحيى البلخي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لا يجوز الفرض والنفل إلا بنية من الليل. [صوم رمضان] م: (اعلم أن صوم رمضان فريضة) ش: كان من حسن الترتيب أن يذكر هذا في أول الباب ثم يذكر تنوع الصوم مع الإشارة إلى الخلافيات م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] (البقرة: 183) ش: أي فرض عليكم [الصوم كما كتب على الذين من قبلكم، يعني على الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - والأمم من لدن آدم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلى عهدكم، قال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أولهم آدم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، والصوم عبادة قديمة [ .... .] . وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] (البقرة: الآية 183) يدل على فرضيته م: (وعلى فرضيته انعقد الإجماع، ولهذا يكفر جاحده) ش: أي منكره، قوله - يكفر - بضم الياء وفتح الفاء من غير تشديد، يعني من الإكفار لا من التفكير، معناه حكم يكفر جاحده، والأمة اجتمعت من لدن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا من غير نكير أحد. م: (والمنذور واجب لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] (الحج: الآية 29) ش: بناء على أن الأمر للوجوب. فإن قلت: كان ينبغي أن يكون فرضاً لكونه ثابتاً بالكتاب، كصوم رمضان. قلت: هذا عام خص منه النذر بالمعصية، والنذر بالطهارة، وعيادة المرضى، وصلاة الجنازة، فيثبت به واجب غير قطعي، كالواجب بخبر الواحد، بخلاف قوله {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] فإنه غير مخصوص، فثبت به واجب قطعي. فإن قلت: قد خص منها أيضاً المجانين والصبيان وأصحاب الأعذار ومع هذا تثبت الفرضية. قلت: هذا المخصص بالدليل العقلي، وهو لا يخرج النص عن القطعي لأن العقل دل على اعتبار [عدم] دخول هؤلاء فلا يكون تخصيصاً، وقد يقال إن الأمر لتفريغ الذمة عما وجب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 وسبب الأول الشهر، ولهذا يضاف إليه ويتكرر بتكرره وكل يوم سبب وجود صومه، وسبب الثاني النذر والنية من شرطه، وسنبينه ونفسره إن شاء الله تعالى. وجه قوله: في الخلافية قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا صيام لمن لم ينو الصيام من الليل» ، ولأنه لما فسد الجزء الأول لفقد النية   [البناية] عليه بالسبب، فإن كان من الشارع كشهود الشهر في رمضان يكون الثابت به فرضاً، وإن كان من العبد يكون واجباً كما في النذر فرقاً بين إيجاب الرب وإيجاب العبد. [سبب فرضية شهر رمضان] م: (وسبب الأول) ش: معنى فرض م: (الشهر) ش: يعني حضوره م: (ولهذا) ش: أي ولكون الشهر سبب فرض الشهر م: (يضاف إليه) ش: والإضافة دليل السبب ( [ويتكرر بتكرره،] وكل يوم سبب وجود صومه) ش: أي صوم ذلك اليوم، لأن صوم رمضان بمنزلة عبادات متفرقة لأنه يتخلل بين يومين زمان لا يصلح للصوم أداء ولا قضاء وهو الليالي، فصار كالصلاة، كذا اختاره صاحب الأسرار وفخر الإسلام. وقال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الليالي كأول الأيام سبب في السببية. م: (وسبب الثاني النذر) ش: أي سبب المنذور المعين النذر م: (والنية من شرطه) ش: أي من شرط الصوم، لأن الأعمال بالنيات م: (وسنبينه) ش: أي سنبين شرط الصوم، أراد به ما يذكره بعد هذا عند قوله - ولأنه صوم يوم فيتوقف الإمساك في أوله على النية المتأخرة المعتبرة وتفسيره إن شاء الله أراد به ما يذكره بقوله والنية - لتعينه لله تعالى، لأن النية عبارة عن تعين بعض المحتملات، فكان ما ذكره تفسير النية. م: (وجه قوله في الخلافية) ش: أي وجه قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المسألة الخلافية وهو أن النية قبل الزوال يجزئه عندنا خلافاً له م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا صيام لمن لم ينو الصيام من الليل» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ وقع في رواية ابن أبي حاتم قال سألت أبي عن حديث رواه إسحاق بن حازم عن عبد الله بن أبي بكر عن سالم عن أبيه عن حفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مرفوعاً: «لا صيام لمن لم ينو من الليل» ورواه يحيى بن أيوب عن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 فسد الثاني ضرورة أنه لا يتجزأ بخلاف النفل لأنه متجزئ عنده   [البناية] عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن حفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مرفوعاً. قلت: أيما أصح قال لا أدري، لأن عبد الله بن أبي بكر أدرك سالماً، وروى عنه فلا أدري أسمع هذا الحديث منه أو سمعه من الزهري عن سالم، وقد روي هذا عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن حفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قولها وهو عندي أشبه. ورواه أيضاً الأربعة من حديث عبد الله بن عمر عن أخته حفصة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له» هذا لفظ أبي داود والترمذي ولفظ ابن ماجه «لا صيام لمن لم يفرضه من الليل» وجمع النسائي بين اللفظين، ورواه أبو داود مرفوعاً وموقوفاً. ورواه الترمذي عن عيسى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر قال: هذا حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه، وقد روي عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قوله وهو أصح، ورواه النسائي من طريقين، قال الصواب عندي موقوف، ولم يصح رفعه، لأن يحيى بن أيوب ليس بذاك القوي، ثم أخرجه عن مالك عن الزهري عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وحفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - موقوفاً، ورواه مالك أيضاً عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قوله وروى الدارقطني في سننه من حديث يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له» ، ثم قال ورجاله كلهم ثقات " وأقره البيهقي على ذلك في سننه وفي خلافياته. قلت: في رجاله عبد الله بن عباد غير مشهور، وقال ابن حبان هو يقلب الأخبار، وفيهم يحيى بن أيوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليس بالقوي كما مر. فإن قلت: أخرج الدارقطني أيضاً عن الواقدي بإسناده إلى ميمونة بنت سعد تقول سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول «من أجمع الصوم من الليل فليصم، ومن أصبح ولم يجمعه فلا يصم» . قلت: أعله ابن الجوزي في " التحقيق " والواقدي. قوله - ولم يجمع - قال ابن الأثير من الإجماع وهو إحكام النية والعزيمة، وقال غيره بالتشديد والتخفيف يعني من التجميع والإجماع، ومعنى قوله - لم يفرضه من الليل - أي لم يقطعه ولم يجزمه ويروى [ ..... ] . م: (ولأنه لما فسد الجزء الأول لفقد النية فسد الباقي ضرورة أنه لا يتجزأ) ش: أي لأن الشأن لما فسد الجزء الأول من اليوم لعدم النية فيه، فسد الباقي لأن الصوم مساو لجميع اليوم لأنه لا يتجزأ م: (بخلاف النفل لأنه متجزئ عنده) ش: أي لأن النفل يتجزأ عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 ولنا «قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدما شهد الأعرابي برؤية الهلال: " ألا من أكل فلا يأكلن بقية يومه، ومن لم يأكل فيلصم» .   [البناية] وفي " الوجيز وشرحه " والتتمة يجوز النفل بنيته في النهار قبل الزوال، وفي النية بعد الزوال قولان، ثم إذا نوى قبل الزوال وبعده وما دناه فهو صائم من أول النهار في الأصح. وقيل من وقت النية وهو اختيار القفال، ثم على القول الأصح شرط خلو أول اليوم عن الأكل والشرب والجماع، فيه وجهان، أحدهما لا يشترط وهو قول ابن شريح، لأن الصوم محسوب له من وقت النية، فكان ما مضى بمنزلة جزء من الليل، والأصح أنه يشترط وإلا بطل مقصود الصوم، وكذا اشتراط الخلو أول اليوم عن الكفر والجنون والحيض قولان، في قول لا يشترط لما ذكرنا، وفي قول يشترط وهو الأصح، انتهى. قلت: قول المصنف لأنه متجزئ لا يصح إلا على قول ابن شريح، فافهم. م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (بعدما شهد الأعرابي برؤية الهلال: «ألا من أكل فلا يأكلن بقية يومه، ومن لم يأكل فليصم» ش: هذا حديث غريب، ذكره ابن الجوزي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " التحقيق ". وقال إن هذا الحديث لا يعرف، وإنما المعروف إنه شهد عنده برؤية الهلال، فأمر أن ينادي بالناس أن يصوموا غداً، وقد رواه الدارقطني بلفظ صريح أن أعرابياً جاء ليلة شهر رمضان.. فذكر الحديث، واستدل أبو نصر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأصحابنا في " شرحه " للقدوري. فقال: ولنا ما وري «أن الهلال غم على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما أصبحوا جاء أعرابي فشهد برؤية الهلال، فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منادياً فنادى ألا من أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يأكل فيصم» واستدل صاحب " النهاية " بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] (البقرة: الآية 185) أي الشهر لتحصيل الإمساك لله تعالى فيه بالنسبة في أكثر النهار. فصار لله تعالى كما في شهر رمضان، فلا تثبت الزيادة لأنه نسخ. وفي حديث مشهور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصبحوا يوم الشك مفطرين متلومين، أي غير عازمين للصوم ولا آكلين، فإنه بعد الأكل يتعين الفطر، فلا يبقى بعده متلوم وإفطار وإما تحقق التلوم مع الإمساك بلا نية، حتى إن تبين أنه في شعبان أكل، وإن تبين أنه في رمضان فلا حرج، ولو كان الصوم لا يصح بنيته في النهار في الفرض لم يكن للتلوم معنى. وفي حديث مشهور «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال في يوم عاشوراء ألا من أكل فلا يأكلن بقية يومه، ومن لم يأكل فيلصم» . أمرهم بالصوم من النهار، فثبت أنه جائز، وتبعه الكاكي، فذكر جميع ما قاله. وقال في الحديث الذي احتج به المصنف لا يعرف، وإن المروي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بلالاً أن أذن في الناس [أن من أكل] فليصم بقية يومه فليصوموا» فقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قلت: الحديث المشهور هو الذي رواه البخاري ومسلم عن سلمة بن الأكوع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر رجلاً من أسلم أن أذن في الناس أن من أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يأكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء» وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه دليل على من أن تعين عليه صوم يوم ولم ينوه ليلاً أنه يجوز بها قبل الزوال. فإن قلت: قال ابن الجوزي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التحقيق لم يكن صوم يوم عاشوراء واجباً فله حكم النافلة يدل عليه ما أخرجاه في الصحيحين «عن معاوية سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول هذا يوم عاشوراء لم يفرض علينا صيامه فمن شاء منكم أن يصوم فليصم، فإني صائم، فصام الناس» . قال وفيه دليل أنه لم يأمر من أكل بالقضاء. قلت: معنى حديث معاوية ليس مكتوباً عليكم الآن ولم يكتب عليكم بعد أن فرض رمضان، وهذا ظاهر، فإن معاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من مسلمة الفتح وهو إنما سمعه من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ما أسلم في سنة تسع أو عشر بعد أن نسخ صوم عاشوراء برمضان، ورمضان فرض في السنة الثانية. «وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان [يوم] عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، ولما فرض رمضان قال من شاء صامه، ومن شاء تركه» متفق عليه. وعن عائشة وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وجابر بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن صوم عاشوراء كان فرضاً قبل أن يفرض رمضان، فلما فرض رمضان فمن شاء صام، ومن شاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 وما رواه محمول على نفي الفضيلة والكمال، أو معناه لم ينو أنه صوم من الليل، ولأنه يوم صوم فيتوقف الإمساك في أوله على النية المتأخرة المقترنة بأكثره كالنفل، وهذا لأن الصوم ركن واحد ممتد والنية لتعيينه لله تعالى فتترجح بالكثرة جنبة الوجود.   [البناية] ترك، ذكره ابن شداد في أحكامه، وما ترك الأمر بالقضاء، فإن من لم يدرك اليوم كاملاً لا يلزمه قضاؤه كما قيل فيمن بلغ أو أسلم في أثناء يوم من رمضان. فإن قلت: أخرج أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - في سننه عن سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة عن عبد الرحمن بن مسلمة «عن محمد بن أسلم أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال صمتم يومكم هذا، قالوا لا قال: فأتموا بقية يومكم فاقضوه» قال أبو داود يعني عاشوراء. قلت: هذا حديث مختلف فيه، فقال البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عبد الرحمن هذا مجهول مختلف في اسم أبيه، فلا يدرى من محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال المنذري عبد الرحمن بن مسلم كما ذكره أبو داود، وقيل عبد الرحمن بن سلمة، وقيل ابن المنهال بن سلمة، والحديث رواه النسائي وليس في روايته فاقضوه، وقال عبد الحق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأحكام الكبرى ولا يصح هذا الحديث في القضاء. م: (وما رواه) ش: أي وما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا صيام لمن لم ينو الصيام من الليل» وقد أجاب عنه بقوله - وما رواه - م: (محمول على نفي الفضيلة والكمال [أو معناه لم ينو أنه صوم من الليل] كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» . وقال تاج الشريعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ولئن قال ما ذكرناه حقيقة قلنا نعم، ولكن فيه عمل بعموم النص، وفي معنى الجواز تركه. لن صوم النفل يجوز قبل الزوال: ولأنه يوم صوم) ش: هذا دليل معقول، وهو أن يقال سلمنا ما رواه ليس بمحمول على شيء مما ذكرناه، فيكون معارضاً لما رويناه فيصار لما بعده من الحجة وهو القياس، وهو معنى - لأنه يوم صوم - لأن الصوم فيه فرض، وكل ما هو صوم يوم. م: (فيتوقف الإمساك في أوله على النية المتأخرة المقترنة بأكثره كالنفل) ش: لأنه وقت واحد، فبالنية في أوله يترجح جهة الوجوب كما في النفل م: (وهذا) ش: أي توقف الإمساك على ما ذكرناه م: (لأن الصوم ركن واحد ممتد) ش: يحتمل العادة والعبادة وكلما [كان] كذلك يحتاج إلى ما يعينه للعبادة، فلا بد من ذلك وهو معنى قوله. م: (والنية لتعيينه) ش: أي لتعيين الصوم م: (لله تعالى) ش: فنظر أن وجدت النية من أوله فلا كلام [له] وإلا م: (فتترجح بالكثرة (ش: أي بجودها في أكثر اليوم م: (جنبة الوجود) ش: أي جانب الوجود، لأن الأكثر يقوم مقام الكل في كثير من المواضع، وإذا كان كذلك لم يكن اقتران النية بالشروع شرطاً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 بخلاف الصلاة والحج، لأنهما أركان فيشترط قرانها بالعقد على أدائهما بخلاف القضاء، لأنه يتوقف على صوم ذلك اليوم وهو النفل، وبخلاف ما بعد الزوال، لأنه لم يوجد اقترانها بالأكثر، فترجحت جنبة الفوات. ثم قال في المختصر ما بينه وبين الزوال وفي " الجامع الصغير " قبل نصف النهار وهو الأصح، لأنه لا بد من وجود النية في أكثر النهار، ونصفه من وقت طلوع الفجر إلى وقت الضحوة الكبرى لا إلى وقت الزوال، فتشترط النية قبلها ليتحقق في الأكثر. ولا   [البناية] م: (بخلاف الصلاة والحج) ش: حيث يشترط اقتران النية بحال الشروع فيهما، ولا يجعل الأكثر كالكل م: (لأنهما أركان) ش: مختلفة كالركوع والسجود والوقوف والطواف م: (فيشترط قرانها) ش: أي قران النية م: (بالعقد) ش: أي بحال الشروع م: (على أدائهما) ش: لئلا تخلو بعض الأركان عن النية م: (بخلاف القضاء) ش: هذا جواب عما يقال، لو كان الصوم ركناً واحداً ممتداً والنية المتأخرة فيه جائزة كذلك، لم يكن في القضاء اشتراط النية من الليل، فأجاب عنه بقوله - بخلاف القضاء -. م: (لأنه) ش: أي لأن الإمساك م: (يتوقف على صوم ذلك اليوم وهو النفل) ش: يعني يصوم ذلك اليوم ما تعلقت شرعيته بمجيء اليوم لا لسبب آخر من نحو القضاء والكفارة، فيكون الصوم قد وقع عنه فلا يمكن جعله من القضاء إلا قبل أن يقع كون الصوم منه، وذلك إنما يكون بنية من الليل. م: (بخلاف ما بعد الزوال) ش: هذا جواب عما يقال إذا كان ركناً واحدا ًممتداً ينبغي أن يكون اقترانها بالقليل والكثير سواء، فأجاب عنه بقوله م: (لأنه لم يوجد اقترانها) ش: أي اقتران النية م: (بالأكثر) ش: أي بأكثر النهار م: (فترجحت جنبة الفوات) ش: لأنه لم يوجد الأكثر الذي يقوم مقام الكل بعد الزوال. م: (ثم قال في المختصر) ش: أي ثم قال القدوري في " مختصره " المنسوب إليه م: (ما بينه وبين الزوال) ش: هو قوله فيه إذا لم ينو حتى أصبح أجزأته النية ما بينه وبين الزوال م: (وفي الجامع الصغير) ش: أي قال في " الجامع الصغير " أجزأته النية م: (قبل نصف النهار) ش: أي النهار الشرعي، وهو من طلوع الفجر إلى الغروب، ونصف النهار من ذلك وقت الضحوة الكبرى م: (وهو) ش: أي الذي ذكره في الجامع. م: (الأصح لأنه لا بد من وجود النية في أكثر النهار، ونصفه من وقت طلوع الفجر إلى وقت الضحوة [الكبرى] ، فتشترط النية قبلها) ش: أي قبل الضحوة الكبرى م: (ليتحقق) ش: أي النية م: (في الأكثر) ش: أي في أكثر النهار، وقد مر الكلام فيه في أوائل الباب. م: (ولا فرق بين المسافر والمقيم) ش: يعني في جواز النية قبل نصف النهار م: (خلافاً لزفر - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 فرق بين المسافر والمقيم، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا تفصيل فيما ذكرنا من الدليل وهذا الضرب من الصوم يتأدى بمطلق النية وبنية النفل وبنية واجب آخر. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في نية النفل عابث، وفي مطلقها له قولان، لأنه بنية النفل معرض عن الفرض.   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه يقول إمساك المسافر في أول النهار لم يكن مستحقاً لصوم الفرض، فلا يتوقف على وجود النية، بخلاف إمساك المقيم. وفي " المبسوط " ولو نوى المسافر وقد قدم مصراً ولم يكن أكل جاز صومه عن الفرض عندنا، خلافاً لزفر، فإن عنده لا يجوز للمسافر إلا بنية من الليل، لأن إمساك المسافر في أول النهار لم يمكن مستحقاً لصوم الفرض، فلا يتوقف على وجود النية، بخلاف إمساك المقيم. وفي الصحيح المقيم لا تشترط النية عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال مالك والليث وابن المبارك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية تكفي نية واحدة في كل رمضان م: (لأنه لا تفصيل فيما ذكرنا من الدليل) ش: يعني المعنى الذي لأجله جوز في حق المقيم وهو إقامة النية في الأكثر معها كما [مقامها] في الجميع موجود في حق المسار أيضاً، لأن الوقت في حق المسافر والمقيم في هذا سواء، وإنما يفارق المقيم في حق الترخص بالفطر، ولم يرخص به، وفي الولوالجي صام المسافر تبيتاً قبل الزوال جاز، لأنه كالمقيم إذ الاختيار تعجيل الواجب. م: (وهذا الضرب) ش: أي ما يتعلق بزمان معين م: (من الصوم يتأدى بمطلق النية) ش: بأن يقول نويت الصوم م: (وبنية النفل) ش: [أي ويصح نية النفل] بأن يقول نويت أن أصوم تطوعاً م: (وبنية واجب آخر) ش: بأن ينوي كفارة أو غيرها قبل. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله بنية واجب آخر مستقيم في صوم [شهر] رمضان، فأما في النذر المعين فلا، لأنه يقع عما نوى من الواجب إذا كانت النية من الليل، ذكره في أصول شمس الأئمة وغيره، فحينئذ قول المصنف، وهذا الضرب لا يبقى على الإطلاق، ثم قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قاله شيخي العلامة. قلت: هو الشيخ عبد العزيز يمكن أن يقال موجب كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يتأدى المجموع بالمجموع والبعض بالبعض والبعض بالكل لأن كل فرض يتأدى بالمجموع فيظهر لكلامه وجه الصحة. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في نية النفل عابث) ش: من العبث أي لا يكون صائماً لا فرضاً ولا نفلا ً م: (وفي مطلقهما) ش: أي في مطلق النية م: (له) ش: أي للشافعي م: (قولان) ش: في قول يقع عن فرض الوقت، وفي قول لا يقع، والأصح أنه لا يجوز، وبه قال مالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه بنية النفل معرض عن الفرض) ش: لما بينهما من المغايرة م: (فلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 فلا يكون له الفرض. ولنا أن الفرض متعين فيه، فيصاب بأصل النية كالمتوحد في الدار يصاب باسم جنسه، وإذا نوى النفل أو واجبا آخر فقد نوي أصل الصوم وزيادة جهة وقد لغت الجهة فبقي الأصل، وهو كاف ولا فرق بين المسافر والمقيم، والصحيح والسقيم عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - لأن الرخصة كيلا تلزم المعذور مشقة، فإذا تحملها التحق بغير المعذور، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا صام المريض أو المسافر بنية واجب آخر يقع عنه، لأنه شغل الوقت بالأهم لتحتمه في الحال وتخيره في صوم رمضان إلى إدراك العشرة، وعنه في نية التطوع   [البناية] يكون له الفرض) ش: لإعراضه بترك النية، ومن هذا يظهر وجه قوله الآخر، لأنه لم يصر معرضاً فيه يجوز. م: (ولنا أن الفرض متعين فيه) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا انسلخ شعبان فلا صوم إلا رمضان» م: (فيصام بأصل النية) ش: أي فيدرك بأصل النية، وفي " المغرب " الإصابة الإدراك م: (كالمتوحد [في الدار يصاب باسم جنسه) ش: بأن يقال ما حيوان كما يصاب باسم نوعه] بأن يقول عند عدم المزاحمة إذا كان موجوداً، أشار إليه أما إذا كان غائباً فلا، والصوم ها هنا ليس بموجود. قلت: إنه موجود من حيث الشرعية، وهذا الموجود من حيث الشرعية واحد فيتناوله مطلق الاسم م: (وإذا نوى النفل أو واجباً آخر) ش: أي أو نوى [واجباً آخر] م: (أو نوى واجباً آخر فقد نوى أصل الصوم) ش: وهو جنس النية م: (وزيادة جهة) ش: أي مع زيادة جهة أو نية النفل مع نية واجب آخر. م: (فقد لغت الجهة) ش: وهو كونه نفلاً أو واجباً آخر، لأن الوقت لا بعد هذه الجهة م: (فبقي الأصل) ش: إذ ليس من ضرورة بطلان الوصف بطلان الأصل. م: (وهو كاف) ش: أي [ها] هنا الأصل كاف لما شرع فيه من أصل الصوم المستحق م: (ولا فرق) ش: أي في المسألة المذكورة م: (بين المسافر والمقيم والصحيح والسقيم عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن الرخصة كيلا تلزم المعذور مشقة) ش: أي لأن الرخصة إنما شرعت كيلا يلحق المعذور مشقة م: (فإذا تحملها) ش: أي المشقة م: (التحق بغير المعذور) ش: فصار كالصحيح الذي لم يرخص له ذلك. م: (وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا صام المريض أو المسافر بنية واجب آخر يقع عنه) ش: أي عن واجب آخر م: (لأنه شغل الوقت بالأهم) ش: وهو إسقاط الفرض عنه م: (لتحتمه في الحال) ش: لأن القضاء لازم في الحال فيؤخذ به م: (وتخيره في صوم رمضان إلى إدراك العشرة) ش: في أيام أخر حتى إذا مات قبل إدراك عدة من أيام أخر ليس عليه شيء. م: (وعنه) ش: أي وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في نية التطوع روايتان) ش: في رواية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 روايتان. والفرق على أحدهما أنه ما صرف الوقت إلى الأهم قال: والضرب الثاني ما ثبت في الذمة كقضاء شهر رمضان وصوم الكفارة، فلا يجوز إلا بنية من الليل، لأنه غير متعين، ولا بد من التعيين من الابتداء، والنفل كله يجوز بنية قبل الزوال، خلافا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يتمسك بإطلاق ما روينا. ولنا «قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدما كان يصبح غير صائم " إني إذا لصائم» ، ولأن المشروع خارج رمضان هو النفل فيتوقف الإمساك في   [البناية] ابن سماعة يقع عن الفرض، وفي رواية الحسن يقع عما نوى من النفل، لأن رمضان في حقه كشعبان في حق المقيم ونيته في شعبان تقع عما نوى نفلاً كان أو واجباً، فكذا هذا. م: (والفرق على أحدهما) ش: أي على إحدى الروايتين م: (أنه ما صرف الوقت إلى الأهم) ش: و [هو] إسقاط الفرض عن ذمته، فإنما قصد تحصيل الثواب والثواب في الفرض أكثر. م: (قال: والضرب الثاني) ش: هو القسم الثاني من قوله في أول الباب الواجب ضربان، وقد مر الضرب الأول، وشرع هنا في بيان الضرب الثاني م: (وهو ما ثبت في الذمة) ش: المراد من الثبوت في الذمة كونه مستحقاً فيها من غير اتصال له بالوقت [على ما] قبل العزم على ضرب ما له إلى ما عليه. م: (كقضاء شهر] رمضان وصوم الكفارة) ش: هو كفارة اليمين والظهار وكفارة قتل الصيد والحلف والمتعة وكفارة رمضان م: (فلا يجوز إلا بنية من الليل، لأنه غير متعين ولا بد من التعيين في الابتداء) ش: لأن صوم القضاء وجب في زمان يوصف تحريم الأكل [فلا يجوز] وإن لم ينو من الليل. وعلى هذا النذر أيضاً النذر الذي ليس بمعين لا يجوز إلا بنية من الليل وصورته أن يقول لله علي صوم يوم أو صوم شهر م: (والنفل كله) ش: يعني سواء كان من الصحيح أو السقيم أو المقيم أو المسافر م: (يجوز بنية قبل الزوال خلافاً لمالك رحمه لله، فإنه يتمسك بإطلاق ما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا صيام لمن لم ينو الصيام من الليل» . م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (بعد ما كان يصبح غير صائم: إني إذا صائم) ش: قوله - إني إذا صائم - هو مقول القول والحديث رواه مسلم عن عائشة بنت طلحة «عن عائشة أم المؤمنين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: دخل علي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلت لا، فقال إني إذا صائم، ثم أتاني يوماً آخر فقلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهدي لنا حيس فقال: أدنيه فلقد أصبحت صائماً فأكل» . م: (ولأن المشروع) ش: أي الصوم المشروع م: (خارج رمضان هو النفل فيتوقف الإمساك في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 أول اليوم على صيرورته صوما بالنية على ما ذكرنا، ولو نوى بعد الزوال لا يجوز. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز ويصير صائما من حين نوى، إذ هو متجزئ عنده لكونه مبنيا على النشاط ولعله ينشط بعد الزوال إلا أن من شرطه الإمساك في أول النهار. وعندنا يصير صائما من أول النهار، لأنه عبادة قهر النفس، وهي إنما تتحقق بإمساك مقدر فيعتبر قران النية بأكثره.   [البناية] أول اليوم على صيرورته صوماً بالنية على ما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله ولأنه صوم يوم فيتوقف الإمساك في أوله على النية المتأخرة المقترنة بالكثرة كالنفل م: (ولو نوى بعد الزوال لا يجوز) ش: أي ولو نوى الصوم تطوعاً بعد زوال الشمس عن كبد السماء لا يجوز، لأن ما لا يكون محلا لنية صوم الفرض لا يكون محلا لنية صوم النفل. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جاز ويصير صائماً من حين نوى إذ هو متجزئ عنده لكونه مبنياً على النشاط، ولعله ينشط بعد الزوال إلا أن من شرطه الإمساك في أول النهار) ش: وهذا على الأصح من مذهبه، وفي تتمتهم إذا جوزناه بعد الزوال فهو صائم في أول النهار في الأصح، وقيل: من وقت النية، وهو اختيار القفال، وقد ذكرناه. م: (وعندنا يصير صائماً من أول النهار لأنه عبادة قهر النفس وهي إنما تتحقق بإمساك مقدر فيعتبر قران النية بأكثره) ش: أي بأكثر النهار، وقد مر أن الأكثر يقوم مقام الكل في مواضع كثيرة. وفي المرغيناني لو نوى الإفطار بعد شروعه في الصوم لم يفطر حتى يأكل، وكذا لو نوى الرجوع عنه لا يكون رجوعاً، وكذا لو نوى الكلام في الصلاة لا تفسد حتى يتكلم. وقال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لو نوى الإفطار فقد أفطر، وفي الليل لو نوى الإفطار من الغد بعد نيته يكون رجوعاً ولو أكل أو شرب أو جامع أو نام لا يكون رجوعاً إلا عند المروزي من الشافعية. وقال الإصطخري - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا خرق للإجماع، وإن نوى أن يصوم غداً، إن شاء الله تعالى صحت نيته، لأن النية عمل القلب دون اللسان، فلا يعمل فيه الاستثناء. وقال الحلواني: لا رواية لهذه المسألة، وفي القياس لا يصير صائماً كالطلاق والعتاق والبيع، وفي الاستحسان يصير صائماً لأنه لا يراد به الإبطال، بل هو استعانة وطلب التوفيق من الله تعالى: قال المرغيناني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو الصحيح وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 فصل في رؤية الهلال قال: وينبغي للناس أن يلتمسوا الهلال في اليوم التاسع والعشرين من شعبان، فإن رأوه صاموا، وإن غم عليهم أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما، ثم صاموا لقوله: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم الهلال فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما» ولأن الأصل بقاء الشهر فلا ينقل عنه إلا بدليل ولم يوجد   [البناية] [فصل في رؤية الهلال] (فصل في رؤية الهلال) م: (وينبغي للناس أن يلتمسوا الهلال) ش: أي هلال رمضان م: (في اليوم التاسع والعشرين من شعبان) ش: لأن الشهر قد يكون تسعة وعشرين يوماً، والالتماس يكون عشية اليوم التاسع والعشرين، لأن اليوم التاسع من طلوع الفجر، والتماسه يكون عند الغروب م: (فإن رأوه صاموا لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صوموا لرؤيته» ..، وإن غم بضم الغين المعجمة وتشديد الميم أي وإن [ستر] وغطي عليهم أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً، ثم صاموا) ش: وصوم يوم تمام الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال مع الصحو إجماعاً من الأئمة أنه لا يجب بل هو منهي عنه. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم» ش: عليكم الهلال م: (فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً) ش: هذا الحديث أخرجه البخاري و [مسلم] عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واللفظ للبخاري، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا رأيتم الهلال فصوموا. وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين، وفي لفظ لهما فعدوا ثلاثين، وفي لفظ فأكملوا العدة، وفي لفظ فصوموا ثلاثين يوماً» والمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - احتج بهذا الحديث على أن اليوم الثلاثين من شعبان يوم شك إذا غم هلال رمضان، فإنه لا يجوز صومه إلا تطوعاً. م: (ولأن الأصل بقاء الشهر فلا ينقل عنه إلا بدليل، ولم يوجد) ش: قال الكاكي: قوله - فإن غم عليكم الهلال - من تتمة الحديث، وروي أنه قال «فإن] حال بينكم وبين منظره سحاب أو قترة فعدوا ثلاثين [يوماً» . قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرفوعاً «لا تصوموا قبل رمضان صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحاب فكملوا العدة ثلاثين ولا تستقبلوا الشهر استقبالاً» وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حديث حسن صحيح ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، ورواه أبو داود الطيالسي حدثنا أبو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 ولا يصومون يوم الشك إلا تطوعا. لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يصام اليوم الذي يشك فيه أنه من رمضان إلا تطوعا» ، وهذه المسألة على وجوه: أحدها: أن ينوي صوم رمضان، وهو مكروه لما روينا، ولأنه تشبه بأهل الكتاب، لأنهم زادوا في مدة صومهم.   [البناية] عوانة. عن سماك عن عكرمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه غمامة أو ضبابة فكملوا شهر شعبان ثلاثين ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان» ولا يعتبر قول المنجمين بالإجماع، ومن رجع إلى قولهم فقد خالف الشرع، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من أتى كاهناً أو منجماً وصدقه فيما قال فقد كفر بما أنزل على محمد» . [صوم يوم الشك وحكم من رأى هلال رمضان وحده] م: (ولا يصومون يوم الشك إلا تطوعاً) ش: قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يوم الشك هو الأخير من شعبان الذي يحتمل أنه من أول رمضان أو آخر شعبان. وفي " المبسوط " الشك إنما يقع من جهتين إما بأن غم هلال شعبان فوقع الشك أنه اليوم الثلاثون منه أو الحادي والثلاثون أو غم هلال رمضان فوقع الشك في يوم الثلاثين من شعبان أم من رمضان. وفي الفوائد الظهيرية يوم الشك هو اليوم الذي يتم به الثلاثون في المستهل، ولم يهل الهلال ليلاً لاستتار السماء بالغمام. وفي المجتبى إذا لم ير علامة ليلة الثلاثين والسماء متغيثة يقع الشك، أما لو كانت السماء مضحية فلم ير الهلال فليس يوم الشك، ولا يجوز الصوم ابتداء لا فرضاً ولا نفلاً. وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يوم الشك بأن تباعد الناس في طلب الهلال أو شهد برؤيته من يرد الحاكم شهادته، ونقل هذا القول عن جماعة من الصحابة والتابعين. وفي تتمة الشافعية صورة الشك أن يشهد برؤية الهلال من لا تقبل شهادته كالعبد والمرأة والصبي وأهل الذمة أو يقع في لسان القوم أن الهلال قد رؤي. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا يصام اليوم الذي يشك فيه أنه من رمضان إلا تطوعاً» ش: هذا غريب جداً، والشراح كلهم نقوله على أنه حديث ولم يبين أحد منهم ما حاله م: (وهذه المسألة على وجوه) ش: أي مسألة صوم يوم الشك على وجوه وهي خمسة على ما نذكره م: (أحدها) ش: أي أحد الوجوه الخمسة م: (أن ينوي صوم رمضان وهو مكروه لما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو «لا يصام اليوم الذي يشك فيه أنه من رمضان إلا تطوعاً» . م: (ولأنه تشبه بأهل الكتاب لأنهم زادوا في مدة صومهم) ش: وذلك لأجل مجيء صومهم في أيام الحر أخروه، وزادوا فيه، فإذا نوى في صومه يوم الشك إنه من رمضان يكره، وفيه خلاف أبي هريرة وعمر ومعاوية وعائشة وأسماء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فإن عندهم يجب صوم هذا اليوم مطلقاً ذكره ابن المنذر في الأشراف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 ثم إن ظهر أن اليوم من رمضان يجزئه لأنه شهد الشهر وصامه، وإن ظهر أنه من شعبان كان تطوعا، وإن أفطر لم يقضه لأنه في معنى المظنون. والثاني: أن ينوي عن واجب آخر وهو مكروه أيضا لما روينا، إلا أن هذا دون الأول في الكراهة. ثم إن ظهر أنه من رمضان يجزئه لوجود أصل النية، وإن ظهر أنه من شعبان فقد قيل يكون تطوعا لأنه منهي عنه فلا يتأدى به الواجب وقيل يجزئه عن الذي نواه وهو الأصح، لأن المنهي عنه وهو التقدم على رمضان   [البناية] وقال أحمد وطائفة قليلة يجب صومه في الغيم يوم الصحو، وقال قوم إن الناس تبع للإمام إن صام صاموا وإن أفطر أفطروا وهو قول الحسن وابن سيرين وسوار العنبري والشعبي في رواية أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وذكر الطحاوي ينبغي أن يصبح يوم الشك مفطراً متلوماً غير آكل ولا عازم على الصوم حتى إذا تبين أنه من رمضان قبل الزوال نوى، وإلا أفطر، وكذلك ذكره النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " خزانة الأكمل " وعليه الفتوى. م: (ثم إن ظهر أن اليوم من رمضان يجزئه) ش: أي إن ظهر يوم الشك الذي صام فيه إنه من رمضان يجزئه عن رمضان، وبه قال الثوري، والأوزاعي م: (لأنه شهد الشهر) ش: أي شهر رمضان م: (وصامه، وإن ظهر أنه من شعبان كان) ش: أي صومه م: (تطوعاً وإن أفطر) ش: أي في ذلك اليوم. م: (لم يقضه؛ لأنه في معنى المظنون) ش: ولم يقل؛ لأنه مظنون، لأن حقيقة الظنون أن يثبت به الظن بعد رجوعه بيقين، والحال أنه [قد] أداه فشرع فيه على ظن، أنه لم يؤده، ثم علم أنه أداه، وأما ها هنا فلم يثبت، وجوبه بيقين، فلم يكن مظنوناً حقيقة. م: (والثاني) ش: أي من الوجوه الخمسة م: (أن ينوي) ش: يعني في يوم الشك م: (عن واجب آخر وهو مكروه أيضاً لما روينا) ش: يعني من قوله لا يصام اليوم الذي شك فيه إنه من رمضان إلا تطوعاً م: (إلا أن هذا دون الأول في الكراهة) ش: أي إلا أن هذا الوجه دون الأول في الكراهة لأن الأول يستلزم التشبه بأهل الكتاب دون هذا. م: (ثم إن ظهر أنه) ش: أي أن هذا اليوم م: (من رمضان يجزئه لوجود أصل النية، وإن ظهر أنه من شعبان، فقد قيل يكون [تطوعاً] ) ش: يعني صوم هذا اليوم تطوعاً م: (لأنه منهي عنه فلا يتأدى به الواجب) ش: أي الواجب الكامل فلا يتأدى بالناقص فيقع تطوعاً م: (وقيل يجزئه عن الذي نواه) ش: من الواجب م: (وهو الأصح) ش: أي هذا القول هو الأصح، وكان المقتضى أن يقول وهو الصحيح كما قال في " المحيط " وهو الصحيح. م: (لأن المنهي عنه وهو التقدم على رمضان) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تتقدموا على رمضان بصوم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 بصوم رمضان لا يقوم بكل صوم، بخلاف يوم العيد لأن المنهي عنه وهو ترك الإجابة يلازم كل صوم، والكراهة هنا لصورة النهي. والثالث: أن ينوي التطوع وهو غير مكروه لما روينا، وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: يكره على سبيل الابتداء، والمراد بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا   [البناية] يوم ولا بصوم يومين» ، رواه الأئمة الستة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (بصوم رمضان لا يقوم بكل صوم) ش: [قوله - لا يقوم بكل صوم -] خبر لقوله لأن المنهي عنه، وقوله - وهو التقدم على رمضان بصوم رمضان - عليه معترضة، وقوله - لا يقوم بكل صوم - لا يوجد بكل صوم بل يوجد بصوم رمضان، هذا والمراد من القيام الوجود تقديره ما ذكرناه في " الجامع البرهاني " غير الصوم ليس بمنهي عنه، لأن الوقت وقت الصوم والإنسان لا ينهى عن الصوم في وقته، فالنهي أحد الشيئين، أما أداء صوم رمضان أو الزيادة على ما شرع، وهذا لا يوجد بكل صوم، وإنما يوجد بصوم رمضان. وكان ينبغي أن لا يكره واجب آخر، لأنا أثبتنا نوع الكراهة لأنه مثل رمضان في الفرضية، أو لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يصام اليوم.. الحديث. فلا يؤثر في نفس الصوم بالنقصان، فيصلح لإسقاط [ما وجب عليه كالصلاة في الأرض المغصوبة، فإنه لا يؤثر كراهيتها في إسقاط القضاء] . م: (بخلاف يوم العيد) ش: أي بخلاف صوم يوم العيد، فإن الصوم فيه مكروه بأي صوم كان، وهو معنى قوله م: (لأن المنهي عنه وهو ترك الإجابة) ش: إلى دعوة الله تعالى م: (يلازم كل صوم) ش: أي يحصل بكل صوم من صوم التطوع أو القضاء أو الكفارة م: (والكراهة هنا لصورة النهي) ش: هذا جواب عما يقال، فعلى هذا كان الواجب أن يكون صوم واجب آخر مكروهاً فأجاب بقوله والكراهة هنا صورة النهي، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يصام اليوم الذي يشك فيه» .. الحديث م: (والثالث) ش: أي الوجه الثالث من الوجوه الخمسة م: (أن ينوي التطوع) ش: أي يصوم في يوم الشك م: (وهو غير مكروه لما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا تطوعاً، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: يكره على سبيل الابتداء) ش: يعني بأن لا يكون له عادة صوم يوم الخميس مثلاً، ما [إذا] اتفق يوم الخميس كونه يوم الشك، فيكره صومه حينئذ، وأما إذا وافق عادة له فلا يكره. واستدل على ذلك بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا بصوم يومين إلا أن يكون صوم يصومه رجل فليصم ذلك اليوم» . وهذا نص على الجواز، وأجاب المصنف عن هذا بقوله م: (والمراد بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا بصوم يومين» الحديث) ش: يعني أتم الحديث وتمامه ما ذكرناه الآن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 تتقدموا رمضان بصوم يوم ولا بصوم يومين» ، الحديث التقدم بصوم رمضان لأنه يؤديه قبل أوانه، ثم إن وافق صوما كان يصومه فالصوم أفضل بالإجماع، وكذا إذا صام ثلاثة أيام من آخر الشهر فصاعدا.   [البناية] وقوله - والمراد - مبتدأ، وقوله المقدم بصوم رمضان - خبره م: ( [التقدم بصوم رمضان] لأنه يؤديه قبل أوانه) ش: أي قبل وقته، لأن فيه تقديم الحكم على السبب وهو باطل، والدليل على ذلك، أن ما قبل الشهر وقت التطوع لا لصوم الشهر فلا يتصور التقدم بالتطوع. فإن قلت: صوم رمضان هو ما يقع فيه فكيف يتصور التقدم فيه أجيب بأن معناه أن ينوي الفرض قبل الشهر، وهذا كما يقال مثلاً قدم صلاة الظهر على وقته، فإن معناها نواها قبل دخول وقتها. وقال مخرج أحاديث الهداية بعد ذكر الحديث المذكور وآخر الحديث به تأويل صاحب الكتاب يعني الهداية، فإنه أسند للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ثم إن وافق صوماً كان يصومه) ش: على سبيل العادة، بأن كان اعتاد يوم الخميس مثلاً فوافق يوم الشك يوم الخميس م: (فالصوم أفضل بالإجماع، وكذا إذا صام ثلاثة أيام من آخر الشهر) ش: أي شهر شعبان م: (فصاعداً) ش: أي أكثر من ثلاثة أيام، وانتصابه على الحال. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكره التطوع إذا انتصف شعبان، لحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا» رواه أبو داود والترمذي والنسائي. قلت: يعارضه حديث عمران بن حصين «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لرجل هل صمت من شهر شعبان شيئاً؟ قال لا، قال فإذا أفطرت فصم» ، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، قال المنذري الصحيح أن سرار الشهر آخره، سمي بذلك لاستتار القمر فيه، وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - حديث أبي هريرة الذي ذكره الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليس بمحفوظ. قال: وسألنا عبد الرحمن بن مهدي فلم يحدثني به قال وكان يتوفاه فأنكره من حديث العلاء، وفي رواية حرب عن أحمد هذا حديث منكر، وقال الحافظ أبو جعفر هذا على وجه الإشفاق على صوم رمضان لا لكراهته في صومه حتى لو علمنا أنه يحصل له ضعف في صومه منعناه. قلت: وكيف وقد عارضه أحاديث عديدة صحاح، منها ما رواه البخاري عن أبي هريرة «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم شعبان كله وعنه كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصومه إلا قليلاً» رواه مسلم. ومنها ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أم سلمة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 وإن أفرده فقد قيل الفطر أفضل احترازا عن ظاهر النهي، وقد قيل الصوم أفضل اقتداء بعلي وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فإنهما كانا يصومانه. والمختار أن يصوم المفتي بنفسه احتياطا، ويفتي العامة بالتلوم   [البناية] يكن يصوم من السنة شهراً كاملاً إلا شعبان ورمضان» . ومنها ما رواه الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أسامة قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هو شهر يغفل الناس عن صيامه، فدل على أن الصوم فيه أفضل من الصوم في غيره» . م: (وإن أفرده) ش: يعني لم يوافق صوماً صومه م: (فقد قيل الفطر أفضل) ش: وهو قول محمد بن سلمة م: (احترازاً عن ظاهر النهي) ش: وهو قوله لا يصام اليوم الذي شك فيه الحديث. م: (وقيل: الصوم أفضل) ش: وهو قول نصير بن يحيى م: (اقتداء بعائشة وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فإنهما كانا يصومانه) ش: قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي يصومان يوم الشك من شعبان، وكانا يقولان لأن الصوم يوماً من شعبان أحب إلينا من أن نفطر يوماً من رمضان، وكذا ذكره الأكمل، وغيره. وقال مخرج الأحاديث هذا غريب، يعني لم يثبت على هذا الوجه، وفي التحقيق لابن الجوزي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مذهب علي وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه يجب صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دونه غيم ونحوه، قال: وهو أصح الروايتين عن أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال وعلى هذه الرواية لا يسمى يوم الشك بل هو من رمضان حكماً. وقال السروجي: وقد صح عن أكثر الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وأكثر التابعين ومن بعدهم كراهة صوم يوم الشك أنه من رمضان، منهم عمر، وعلي، وابن مسعود، وحذيفة، وابن عباس، وأبو هريرة، وأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وأبو وائل وابن المسيب وعكرمة، [والنخعي والأوزاعي والثوري والأئمة الأربعة وأبو عبيد] وأبو ثور وأبو إسحاق وجاء ما يدل على الجواز عن جماعة من الصحابة، وعن أبي مريم يقول: سمعت أبا هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: لأن أعجل في صوم رمضان يوما أحب إلي أن أتأخر لأني إذا تعجلت لم يفتني، وإذا تأخرت فاتني، ومثله عن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعن معاوية، لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوماً من رمضان ويروى مثله عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وأسماء بنت أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (والمختار أن يصوم المفتي بنفسه) ش: يعني خاصة دون أن يأمر غيره بالصوم وفي " جامع الكردري " والمختار أن يفتي الخواص بالصوم والعوام بالتلوم، والفرق بين الخاصة والعامة وهو كل من يعلم نية يوم الشك هو من الخواص وإلا فهو من العوام م: (احتياطاً) ش: أي لأجل الاحتياط عن وقوع الفطر في رمضان م: (ويفتي العامة بالتلوم) ش: أي بالانتظار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 إلى وقت الزوال ثم بالإفطار نفيا للتهمة. والرابع: أن يضجع في أصل النية   [البناية] م: (إلى وقت الزوال) ش: أي إلى وقت زوال الشمس من كبد السماء، أي لم يفت بالإفطار م: (ثم بالإفطار نفياً للتهمة) ش: قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم [الكاكي] أي تهمة الروافض، وفي الفوائد الظهيرية لا خلاف بين أهل السنة أنه لا يصام يوم الشك بنية رمضان. وقال الروافض: يجب صومه. وقال الكاكي: أو [نفياً] لتهم الزيادة في رمضان، لأنه لو أفتى للعوام ربما يقع في صلاتهم توهم جواز الزيادة على رمضان؛ لأنهم لا يميزون بين رمضان وغيره، وذكر الإمام الكاشاني: أنه لو أفتى العوام بأداء النفل فيه عسى أن يقع عندهم أنه خالف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: حيث نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صوم يوم الشك، أو يقع عندهم لما جاز النفل يجوز الفرض أولى، لأنه أهم، ولا ينبغي لهم أن يصوموا لذلك نفياً للاتهام. وذكر فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في هذا حكاية أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو ما روى أسد بن عمرو أنه قال: أتيت باب الرشيد، فأقبل أبو يوسف القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعليه عمامة سوداء وخف أسود وهو راكب فرس أسود عليها سرج أسود ولبد أسود، وما عليه شيء من البياض إلا لحيته البيضاء وهو يوم الشك، فأفتى الناس بالفطر، فقلت له أو مفطر أنت؟ فقال: ادن إلي قال لي: إني إذن صائم، وإنما يفتى بالفطر بعد التلوم، زماناً لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «أصبحوا يوم الشك مفطرين متلومين» .. " انتهى. وفي بعض نسخ " الهداية " نفيا للتهمة، يعني تهمة العصيان الذي دل عليه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم» ، انتهى. ولا أدري هذا من المتن الذي ألفه المصنف أو كان حاشية فألحقها بعض النساخ بالمتن ولكن في [كلام مخرج الأحاديث ما يدل على أنه من المتن، حيث ذكر هذا الحديث] من جملة الأحاديث التي ذكرها في هذا الباب، ثم قال هذا غريب، والمعروف هذا من قول عمار بن ياسر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. أخرجه أصحاب السنن الأربعة في كتبهم عن أبي خالد الأصم عن عمرو بن عيسى الملائي، عن أبي إسحاق عن جبلة بن زفر قال كنا عند عمار في اليوم الذي شك فيه، فأتى بشاة صلية، فتنحى بعض القوم، فقال عمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (والرابع) ش: أي الوجه الرابع م: (أن يضجع) ش: أي أن متردد من التضجيع بالضاد المعجمة والعين المهملة، يقال ضجع في الأمر [إذا] وهن وقصر، فأصله من الضجوع، وهو الضعف كذا ذكره المطرزي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن فارس، وفي المغرب [الضجع] في الأمر التردد فيه. م: (في الأصل النية بأن ينوي أن يصوم غداً إن كان من رمضان، ولا يصومه إن كان من شعبان، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 بأن ينوي أن يصوم غداً إن كان رمضان، ولا يصومه إن كان شعبان، وفي هذا الوجه لا يصير صائماً لأنه لم يقطع عزيمته، فصار كما إذا نوى أنه إن وجد غداً غذاء يفطر وإن لم يجد يصوم. والخامس: أن يضجع في وصف النية بأن ينوي إن كان غداً من رمضان يصوم عنه، وإن كان من شعبان فعن واجب آخر، وهذا مكروه، لتردده بين أمرين مكروهين، ثم إن ظهر أنه من رمضان أجزأه لعدم التردد في أصل النية، وإن ظهر أنه من شعبان لا يجزئه عن واجب آخر لأن الجهة لم تثبت للتردد فيها، وأصل النية لا يكفيه، لكنه يكون تطوعاً غير مضمون بالقضاء لشروعه فيه مسقطاً لا ملزماً. والسادس: وإن نوى عن رمضان إن كان غداً منه وعن التطوع إن كان غداً من شعبان يكره، لأنه ناو للفرض من وجه، ثم إن ظهر أنه من رمضان أجزأه عنه لما مر، وإن ظهر أنه من شعبان جاز عن نفله.   [البناية] وفي هذا الوجه يصير صائماً؛ لأنه لم يقطع عزيمته) ش: أي لم يجزم بنيته م: (فصار) ش: أي صار حكم هذا م: (كما إذا نوى، أنه إن وجد غداً) ش: يعني في غد م: (غذاء يفطر، وإن لم يجد يصوم) ش: وكذا إن قال: إن وجدت سحوراً صمت، وإلا لا أصوم، فإنه لا يكون ناوياً. م: (والخامس) ش: أي الوجه الخامس م: (أن يضجع في نصف النية بأن ينوي إن كان غداً من رمضان يوم عنه، وإن كان من شعبان فعن واجب آخر، وهذا مكروه، لتردده بين أمرين مكروهين) ش: وهما صوم رمضان وصوم واجب آخر م: (ثم إن ظهر أنه من رمضان أجزأه) ش: أي عن رمضان. م: (لعدم التردد في أصل النية) ش: لأن التردد كان في وصفها، ومن المشايخ من قال إذا ظهر أنه من رمضان لا يكون صائماً عن رمضان، روي ذلك عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن ظهر [أنه] من شعبان لا يجزئه عن واجب آخر، لأن الجهة لم تثبت) ش: أي جهة واجب آخر لم تثبت م: (للتردد فيها، وأصل النية لا يكفيه) ش: لعدم التعيين [دونه] ، ولا بد منه م: (لكنه) ش: أي لكون صومه م: (يكون تطوعا) ش: موصوفاً بكونه م: (غير مضمون بالقضاء) ش: يعني إذا أفسده لم يلزمه القضاء م: (لشروعه فيه) ش: أي في هذا الصوم حال كونه م: (مسقطاً) ش: أحد الوجهين م: (لا ملزماً) ش: أي لا لشروعه حال كونه ملزماً، لأنه نوى عن رمضان أو عن واجب آخر على ظن أنه يسقط عن ذمته. م: (والسادس) ش: أي الوجه السادس م: (إن نوى عن رمضان إن كان غداً منه وعن التطوع) ش: أي ونوى عن التطوع م: (إن كان غداً من شعبان يكره، لأنه ناو للفرض من وجه، ثم إن ظهر أنه من رمضان أجزأه عنه) ش: أي عن رمضان م: (لما مر) ش: أي من قوله لعدم التردد في أصل النية م: (وإن ظهر أنه من شعبان جاز عن نفله لأنه) ش: أي لأن النفل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 لأنه يتأدى بأصل النية، ولو أفسده يجب أن لا يقضيه لدخول الإسقاط في عزيمته من وجه. ومن رأى هلال رمضان وحده صام وإن لم يقبل الإمام شهادته لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» وقد رأى ظاهرا. وإن أفطر فعليه القضاء دون الكفارة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه الكفارة إن أفطر بالوقاع لأنه أفطر في رمضان حقيقة تيقنه به   [البناية] م: (يتأدى بأصل النية) ش: لأن أصل النية كاف للجواز م: (ولو أفسده يجب أن لا يقضيه لدخول الإسقاط في عزيمته من وجه) ش: لأن القضاء إنما يجب إذا جزم نفسه وهنا لم يجزم به وذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هنا ستة وجوه وبقي وجه آخر وهو أن ينوي الفطر فيه ثم تبين قبل الزوال أنه من رمضان، فنوى الصوم فإنه يجزئه. وفي شرح " المهذب للنووي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا قال: أصوم غداً من رمضان إن كان منه، وإلا فأنا مفطر أو متطوع لم يجزئه عن رمضان إذا بان أنه منه. وقال المزني: يجزئه عن رمضان. م: (ومن رأى هلال رمضان وحده) ش: أي حال كونه وحده م: (صام وإن لم يقبل الإمام شهادته لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صوموا لرؤيته» ش: [و] هذا قطعة من حديث أخرجه البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومسلم عن أبي هريرة وقد مر م: (وقد رأى ظاهراً) ش: لأنه يفيد العلم في حقه، وقال الحسن البصري وابن سيرين وعطاء وعثمان البتي وإسحاق بن راهويه وأبو ثور لا يصوم إلا مع الإمام، ولم يذكر هل الإمام تقبل شهادته أم لا؟ قال في " التحفة ": يجب على الإمام رد شهادته لتهمة الفسق إن كان بالسماء علة، والتفرد إن لم يكن بها علة، وإن كان عدلاً. وفي " البدائع " إذا رأى الهلال وحده ورد الإمام شهادته. قال المحققون من مشايخنا لا رواية في وجوب الصوم عليه، وإنما الرواية أنه يصوم، وهو محمول على الندب احتياطاً، وفي " التحفة ": يجب عليه. وفي " المبسوط ": عليه صومه وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقبل الإمام شهادته لأنه اجتمع في شهادته ما يوجب القبول وهو العدالة والإسلام وما يوجب الرد وهو مخالفة الظاهر فيترجح ما يوجب القبول احتياطاً لأنه إذا صام يوماً من شعبان كان خيراً من أن يفطر من رمضان وفي " المبسوط ": إنما يرد الإمام شهادته إذا كانت السماء مصحية وهو من أهل المصر، وأما إذا كانت مغيمة أو جاء من خارج المصر من مكان مرتفع تقبل شهادته م: (فإن أفطر فعليه القضاء دون الكفارة) ش: [سواء كان إفطاره بالأكل والشرب والجماع. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه الكفارة) إن أفطر بالوقاع) ش: أي الجماع، وبه قال مالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - م: (لأنه أفطر في رمضان حقيقة لتيقنه [به] ) ش: أي برمضان إذ لا طريق لليقين أقوى من الرؤية وشك غيره لا يعتبر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 وحكما لوجوب الصوم عليه. ولنا أن القاضي رد شهادته بدليل شرعي وهو تهمة الغلط فأورث شبهة، وهذه الكفارة تندرئ بالشبهات، ولو أدى قبل أن يرد الإمام شهادته اختلف المشايخ فيه ولو أكمل من الرجل ثلاثين يوما لم يفطر إلا مع الإمام، لأن الوجوب عليه للاحتياط، والاحتياط بعد ذلك تأخير الإفطار، ولو أفطر لا كفارة عليه اعتبارا للحقيقة التي عنده. قال: وإذا كان بالسماء علة قبل الإمام شهادة الواحد العدل في رؤية الهلال رجلا كان أو امرأة حرا   [البناية] م: (وحكماً) ش: أي وأفطر أيضاً من حيث الحكم وذلك م: (لوجوب الصوم عليه) ش: لأن وجوب الصوم عليه بينه وبين ربه فكذلك وجوب الكفارة لأنه عبادة. م: (ولنا أن القاضي رد شهادته بدليل شرعي، وهو تهمة الغلط) ش: فإنها مطلق القضاء يردها شرعاً كما في شهادة الفاسق، وهي هاهنا ركنه لأنه [لما] ينادي غيره في النظر ظاهراً والنظر وحدة البصر ودقة المرقي وبعد المسافة، فالظاهر عدم اختصاصه للرؤية من بين سائر الناس فيكون غالطاً م: (فأورث شبهة وهذه الكفارة تندرئ بالشبهات) ش: واحترز بقوله وهذه الكفارة يعني كفارة الفطر عن كفارة اليمين و [كفارة] الظهار، وإنما يندرئ بالشبهات بدليل عدم وجوبها على المعذور والمخطئ، كذا في " المبسوط ". م: (ولو أدى قبل أن يرد الإمام شهادته اختلف المشايخ فيه) ش: أي في وجوب الكفارة، والصحيح أنه لا تجب الكفارة كذا في " فتاوى قاضي خان " - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولو أكمل من الرجل) ش: وهو الذي رد الإمام شهادته م: (ثلاثين يوماً لم يفطر إلا مع الإمام، لأن الوجوب عليه للاحتياط) ش: أي لأن وجوب الصوم عليه بعد رد الإمام شهادته كان لأجل الاحتياط لكونه قد رأى. م: (والاحتياط بعد ذلك) ش: أي بعد وجوب الصوم عليه م: (تأخير الإفطار) ش: إذ أصل الغلط وقع له، كما روي في حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أمر الذي قال رأيت الهلال أن يمسح حاجبه بالماء، ثم قال أين الهلال؟ فقال فقدته، فقال شعرة قامت من حاجبك فحسبتها هلالاً. م: (ولو أفطر لا كفارة عليه اعتباراً للحقيقة التي عنده) ش: وهي صوم ثلاثين يوماً بالرواية، وبقوله قال الليث، ومالك، وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يفطر سراً، وكذا روي عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [الحكم لو كان بالسماء علة وشهد برؤية الهلال واحد] م: (قال: وإذا كان بالسماء علة قبل الإمام شهادة الواحد العدل في رؤية الهلال رجلاً كان أو امرأة، حراً كان أو عبداً لأنه أمر ديني) ش: يعني إذا أخبر عن أمر ديني وهو وجوب أداء الصوم على الناس، فيقبل خبره إذا لم يكذبه، لأنه إنما شق الغيم من موضع القمر فاتفقت رؤيته له دون غيره بخلاف ما إذا كانت السماء مصحية، لأن الظاهر يكذبه م: (فأشبه رواية الأخبار) ش: أي رواية الأحاديث وقول الواحد العدل في الديانات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 كان أو عبدا، لأنه أمر ديني فأشبه رواية الأخبار ولهذا لا يختص لفظ الشهادة، وتشترط العدالة لأن قول الفاسق في الديانات غير مقبول، وتأويل قول الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عدلا كان أو غير عدل أن يكون مستورا، والعلة غيم أو غبار.   [البناية] م: (ولهذا) ش: أي ولكونه خبراً عن أمر ديني م: (لا يختص بلفظ الشهادة) ش: لأنها ملزمة لغيره بخلاف الأخبار لإلزامه بها نفسه، م: (وتشترط العدالة، لأن قول الفاسق في الديانات غير مقبول) ش: إذا لم يقبل مردود، لأن حكمه التوقف، قال الله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] (الحجرات: الآية 6) ، ولم يلزم منه الرد. م: (وتأويل قول الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عدلاً أو غير عدل) ش: هذا كأنه جواب عن إيراد على قوله قبل الإمام شهادة الواحد العدل، فأجاب بقوله وقول الطحاوي عدلاً أو غير عدل م: (أن يكون مستوراً) ش: يعني غير معروف العدالة في الباطن. وفي " المجتبى ": قال بعض المشايخ: قول الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عدلاً أو غير عدل لا يصح. وفي " المحيط " و " الذخيرة ": هو غير ظاهر الرواية والمستور لا يقبل في ظاهر الرواية. وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لا يقبل وهو الصحيح. وفي التحفة تكفي العدالة الظاهرة. وفي " الذخيرة ": وإن كان فاسقاً قبل، هذا أبعد لأن الصوم من باب الديانات لا من باب المعاملات. وفي " جوامع الفقه " قال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: معناه العدل بحكم الإسلام، وقيل لو كان معناه ذلك لم يحتج إلى اشتراطها م: (والعلة غيم أو غبار) ش: كما شرط في قبول خبر الواحد العدل أن يكون في السماء علة فسرها بقوله والعلة غيم أو غبار في المطلع م: (أو نحوه) ش: نحو الدخان والضباب. وفي " الذخيرة ": عن أبي جعفر الفقيه قبول خبر الواحد في رمضان سواء كان بالسماء علة أو لا. وعن الحسن أنه قال يحتاج إلى شهادة رجلين أو رجل وامرأتين سواء كان في السماء علة أو لاً، وذكر القدوري أنه تقبل شهادة الواحد للصوم والسماء مصحية عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خلافاً لهما. وفي " الذخيرة ": بين كيفية التفسير عن أبي بكر محمد بن الفضل، قال إذا كانت السماء مصحية إنما تقبل شهادة الواحد إذا فسر وقال رأيت الهلال خارج البلدة في الصحراء أو يقول رأيته في البلدة بين خلل السحاب في وقت يدخل في السحاب ثم يتخلل، أما بدون التفسير فلا يقبل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 أو نحوه، وفي إطلاق جواب الكتاب يدخل المحدود في القذف بعد ما تاب، وهو ظاهر الرواية لأنه خبر ديني. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها لا تقبل لأنها شهادة من وجه، وكان الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أحد قوليه يشترط المثنى والحجة عليه ما ذكرنا، وقد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل شهادة الواحد في رؤية هلال رمضان.   [البناية] لمكان التهمة. وفي " المحيط ": ويكتفي أن يفسر جهة الرؤية، فإن احتمل رؤيته يقبل وإلا فلا. م: (وفي إطلاق جواب الكتاب) ش: أي القدوري وهو قوله قبل الإمام شهادة الواحد العدل م: (يدخل المحدود في القذف بعدما تاب) ش: لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قبلوا شهادة أبي بكرة في بعد ما حد في القذف كذا في " المبسوط " م: (وهو ظاهر الرواية لأنه خبر ديني) ش: أي عن أمر ديني وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها لا تقبل لأنها شهادة من وجه من حيث إنه يجب العمل به بعد القضاء، ومن حيث إنه يخص مجلس القاضي أو من حيث إنه يسقط العدالة فلا يقبل قوله، وإن تاب كسائر الحقوق. م: (وكان الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أحد قوليه يشترط المثنى) ش: أي شهادة الاثنين، وبه قال مالك، والأوزاعي، وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: في رواية وأصح قولي الشافعي وقول أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من قولنا. وفي " السروجي " المذهب عند الشافعية ثبوته بعدل واحد، ولا فرق بين الغيم وعدمه عندهم لا يقبل قول العبد والمرأة في الأصح، ويقبل قول المستور في الأًصح، وشرط عطاء وعمر بن عبد العزيز المثنى م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ما ذكرناه) ش: وهو قوله لأنه أمر ديني. م: (وقد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل شهادة الواحد في رؤية هلال رمضان) ش: هذا الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة، عن زائدة بن قدامة، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قال: «جاء أعرابي إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فقال: إني رأيت الهلال، قال: أتشهد أن لا إله إلا الله، قال: نعم، قال: أتشهد أن محمداً رسول الله، قال: نعم. قال يا بلال أذن في الناس فليصوموا» رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم في " المستدرك "، وقال على شرط الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 ثم إذا قبل الإمام شهادة الواحد وصاموا ثلاثين يوما لا يفطرون فيما روى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - للاحتياط، ولأن الفطر لا يثبت بشهادة الواحد. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنهم يفطرون   [البناية] مسلم أنه احتج بسماك، والبخاري احتج بعكرمة، ولفظ، ابن خزيمة وابن حبان وابن ماجه قال يا رسول الله إني رأيت الهلال الليلة وعند الدارقطني ليلة رمضان، وفي لفظ لأبي داود رأيت الهلال يعني هلال رمضان. وقال الترمذي: حديث ابن عباس فيه اختلاف، روى سفيان الثوري وغيره، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، [عن] النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مرسلاً. وقال شيخنا زين الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قول الترمذي إن سفيان وغيره رووه عن سماك، عن عكرمة مرسلاً فيه نظر من حيث إنه اختلف فيه على الثوري فرواه الفضل بن موسى الشيباني وأبو عاصم عن الثوري فذكر فيه ابن عباس وكذلك قوله وأكثر أصحاب مالك يروونه عن عكرمة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فيه نظر من حيث إنه رواه عن سماك موصولاً وزائدة والوليد بن أبي ثور وجابر بن إبراهيم الحلبي وحماد بن سلمة. فحديث زائدة في " السنن الأربعة " و " صحيح ابن حبان " و " المستدرك "، وحديث الوليد عند أبي داود والترمذي [وحديث حازم عند أبي على الطوسي في الحكاية والدارقطني في سننه] وحديث حماد بن سلمة عند ابن عبد البر في " الاستذكار "، وفي هذا الباب حديث «عن ابن عمر أخرجه أبو داود، [و] قال يرى الناس الهلال فأخبرت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه» . فإن قلت: أخرج الدارقطني عن حفص بن عمرو الأيلي حدثنا مسعر بن كدام وأبو عوانة، عن عبد الملك بن ميسرة «عن طاووس قال شهدت المدينة وبها ابن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فجاء رجل واليها فشهد عنده برؤية هلال رمضان فسئل ابن عمر وابن عباس عن شهادته فأمره أن يجيزه، وقالا: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يجيز شهادة الإفطار إلا بشهادة رجلين» . قلت: قال الدارقطني تفرد به حفص بن عمر الأيلي وهو ضعيف. م: (ثم إذا قبل الإمام شهادة الواحد وصاموا ثلاثين يوماً لا يفطرون) ش: يعني إذا لم يروا الهلال، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -[في] " الأم " م: (فيما روى الحسن عن أبي حنيفة للاحتياط) ش: لجواز أنه خيال لا هلال م: (ولأن الفطر لا يثبت بشهادة الواحد) ش: هذا ظاهر م: (وعن محمد) ش: فيما رواه ابن سماعة عنه م: (أنهم يفطرون) ش: وبه قال بعض أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 ويثبت الفطر بناء على ثبوت الرمضانية بشهادة الواحد، وإن كان لا يثبت بها ابتداء كاستحقاق الإرث بناء على النسب الثابت بشهادة القابلة قال: وإذا لم تكن بالسماء علة لم تقبل الشهادة حتى يراه جمع كثير يقع العلم بخبرهم، لأن التفرد بالرؤية في مثل هذه الحالة يوهم الغلط فيجب التوقف حتى يكون جمعا كثيرا. بخلاف ما إذا كان بالسماء علة لأنه قد ينشق الغيم عن   [البناية] وفي " السروجي ": وهو المذهب عند الشافعية، وقال الحلواني هذا إذا كانت السماء مصحية وإن كانت مغيمة يفطرون بلا خلاف، وبالاثنين يفطرون إذا كانت مغيمة بالاتفاق، وكذلك إذا كانت مصحية، وفي " الفوائد " ولد الإسلام [ ..... ] لا يفطرون والأول أصح وفي " البدائع " بلا خلاف. (ويثبت الفطر بناء على ثبوت الرمضانية بشهادة الواحد، وإن كان لا يثبت بها ابتداء) ش: هذا جواب عن اعتراض ابن سماعة على محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث قال له هذا فطر بقول الواحد وأنت لا ترى بذلك. والجواب عنه بأن الفطر يثبت بناء على ثبوت الرمضانية، والحكم بشهادة الواحد تبعاً ومقتضى لا مقصود، وإن كان لا يثبت بها أي هذه الشهادة ابتداء في ابتداء الأمر لأنه يجوز أن يثبت الشيء في ضمن غيره، وإن كان لا يثبت أصلا بنفسه. م: (كاستحقاق الإرث، بناء على النسب الثابت بشهادة القابلة) ش: فإن الإرث لا يثبت بشهادة القابلة ابتداء ويثبت النسب بشهادتها ثم يثبت النسب بناء عليه وكوقف المنقول لا يجوز في ضمن وقف العقار وإن كان لا يجوز ابتداء وكبيع الشرب والطريق فيصحان في ضمن بيع الأرض، وإن لم يصحا ابتداءً وقياسه على شهادة القابلة إنما تصح على قولهما دون قول أبي حنيفة، كذا ذكره في " الإيضاح ". م: (قال: وإذا لم تكن بالسماء علة لم تقبل الشهادة حتى يراه جمع كثير يقع العلم بخبرهم) ش: يعني في هلال رمضان، فكذا في هلال الفطر عند العلة بالسماء، وأراد بالعلم الشرعي وهو غلبة الظن لا العلم القطعي، قيل هو نظير قوله في الزيادات إذا كان مع رفيقه ماء وهو في الصلاة وعلم أنه يعطيه أو غلب على ظنه وأراد بالعلم طمأنينة القلب أو حقيقة العلم لا تتصور فيه. م: (لأن التفرد بالرؤية في مثل هذه الحالة) ش: وهي حالة كون العلة بالسماء م: (يوهم الغلط فيجب التوقف فيه) ش: وفي " المحيط " إن تفرد الواحد والاثنين يورث الرؤية فيه الغلط والكذب والتخيل، والمطالع لا تختلف إلا بالمسافة البعيدة الفاحشة م: (حتى يكون جمعاً كثيراً) ش: وكان القياس أن يقال حتى يكون جمع كثير، ولقد رجعت إلى نسخ الكل، جمعاً كثيراً يحتاج إلى تقدير وهو أن يقال حتى يكون القوم من الرائين جمعاً كثيراً، ويقدر نحو ذلك. م: (بخلاف ما إذا كان بالسماء علة لأنه قد ينشق الغيم عن موضع القمر فيتفق للبعض من الناس النظر) ش: وفي المنافع قصد به أي صاحب الهداية السجع باعتبار ما يؤول إليه وإلا لا يسمى قمراً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 موضع القمر فيتفق للبعض من الناس النظر، ثم قيل في حد الكثير أهل المحلة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خمسون رجلا اعتبارا بالقسامة ولا فرق بين أهل المصر، ومن ورد من خارج المصر، وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه تقبل شهادة الواحد إذا جاء من خارج المصر لقلة الموانع، وإليه الإشارة في كتاب الأسبيجابي، وكذا إذا كان على مكان مرتفع في المصر. قال:   [البناية] إلا بعد ليلتين. وفي " الصحاح " يسمى هلالاً إلى الثلاث م: (ثم قيل في حد الكثير أهل المحلة) ش: وأشار بهذا إلى بيان حد الكثير، الذي قاله حتى يراه جمع كثير، فقال حد الكثير أهل المحلة، ولا يكون أهل المحلة غالباً إلا جمع كثير. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خمسون رجلاً) ش: أي حد الجمع الكثير خمسون رجلاً م: (اعتباراً بالقسامة) ش: أي هو اعتبار بالقسامة، ويروى اعتبار بالقسامة بالنصب وهو الظاهر، وقيل مائة ذكرها في " خزانة الأكمل "، وعن أبي حفص الكبير أنه يعتبر ألوفاً، وقيل أربعة آلاف ببخارى، قيل وقيل خمسمائة ببلخ، قيل روي ذلك عن خلف، وكذا في هلال شوال، وذي الحجة كرمضان ذكره في الخزانة، وقيل يفوض ذلك إلى رأي الإمام أو القاضي، فإن استقر ذلك في قلبه قبل، وإلا فلا، وقيل هذا قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قلت ما أشبه هذا بقول أبي حنيفة في تفويضه إلى رأي المسلمين به، وما أبعد قول من اشترط أربعة آلاف، أو ألوفاً من الصواب، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتواتر الخبر من كل جانب يحصل العلم به، وهذا روي عن أبي يوسف وعن أبي يوسف جماعة لا يتصور اجتماعهم على الكذب. وفي " الخلاصة " مقدار القلة والكثرة مفوض إلى رأي الإمام. وفي " البدائع " قيل ينبغي أن يكون من كل مسجد واحد أو اثنان. وقيل من كل جماعة رجل أو رجلان م: (ولا فرق) ش: أي [في] عدم القول م: (بين أهل المصر، ومن ورد من خارج المصر) ش: إذا لم تكن بالسماء علة. م: (وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه تقبل شهادة الواحد إذا جاء من خارج المصر لقلة الموانع) ش: وهي الغبار والدخان ونحوهما، لأن المطالع تختلف فيه بصفاء الهواء خارج المصر، وكذا كونه في مكان مرتفع في المصر م: (وإليه الإشارة في كتاب الأسبيجابي) ش: أي إلى ما ذكره [الطحاوي، وإليه] الإشارة في كتاب الأسبيجابي ولفظه: فإذا كان الذي يشهد بذلك في المصر ولا علة في السماء لم تقبل شهادته. ووجه الإشارة اليقين في الرواية يدل على نفي ما عداه، فكان تخصيصه بالمصر ونفي العلة في عدم قبول الشهادة دليلاً على قبولها إذا كان شاهد خارج المصر، أو كان في السماء علة م: (وكذا) ش: أي وكذا تقبل م: (إذا كان على مكان مرتفع في المصر. قال) ش: لعدم الموانع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 ومن رأى هلال الفطر وحده لم يفطر احتياطا، وفي الصوم الاحتياط في الإيجاب. قال: وإذا كان بالسماء علة لم تقبل في هلال الفطر إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين لأنه تعلق به نفع العبد وهو الفطر فأشبه سائر حقوقه. والأضحى كالفطر في هذا في ظاهر الرواية وهو الأصح، خلافا لما روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه كهلال رمضان لأنه تعلق به نفع العباد وهو التوسع بلحوم الأضاحي. وإن لم يكن بالسماء علة لم تقبل إلا شهادة جماعة يقع العلم بخبرهم كما ذكرنا.   [البناية] م: (ومن رأى هلال الفطر وحده لم يفطر احتياطاً) ش: لاحتمال كون ذلك اليوم من رمضان وتفرده بالنظر لا يخلو عن علة م: (وفي الصوم الاحتياط في الإيجاب) ش: أي الاحتياط في إيجاب الصوم عليه، وفي " خزانه الأكمل " وفي هلال شوال وحده لا يأكل ولا يروى أيضاً، وفي " المرغيناني " رأى هلال شوال وحده لا يفطر لمكان الاشتباه، وقيل الكل سواء كما قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولو أفطر لا خلاف أن لا كفارة عليه. وفي " المحيط " ذكر شمس الأئمة [السرخسي] من رأى هلال الفطر وحده ولم يقبل القاضي شهادته ماذا يفعل، قال محمد بن سلمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يمسك يومه ولا ينوي صومه، وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحل أكله وقيل إن [ .... ] أفطر ويأكل سراً. م: (وإذا كان بالسماء علة لم تقبل في هلال الفطر إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين لأنه تعلق به نفع العبد وهو الفطر، فأشبه سائر حقوقه) ش: ويشترط في الرجلين الحرية وينبغي أن يشترط لفظ العبادة لنفع العبد كسائر حقوقه، وأما الدعوى فينبغي أن لا يشترط كما في عتق الأمة وطلاق الحرة عند الكل وعتق العبد عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -. وأما على قياس قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فينبغي أن تشترط الدعوى كما في عتق العبد عنده، ولا تقبل شهادة المحدود في القذف، وإن تاب وكذا العبد والأمة وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اعتبار لفظ الشهادة وجهان، وعند الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقبل قول الاثنين سواء كانت السماء مصحية أو مغيمة في الفطر لأنه حجة شرعية تثبت بها الحقوق. م: (والأضحى كالفطر في هذا) ش: أي في أنه لا يقبل إلا شهادة رجلين، كما لا يقبل على هلال شوال م: (في ظاهر الرواية وهو الأصح) ش: أي ظاهر الرواية هو الأصح م: (خلافاً لما روي عن أبي حنيفة أنه كهلال رمضان) ش: أي في قبول شهادة الواحد العدل كما في هلال رمضان. م: (لأنه تعلق به نفع العباد، وهو التوسع بلحوم الأضاحي) ش: هذا التعليل لظاهر الرواية الذي هو الأصح م: (وإن لم يكن بالسماء علة) ش: يعني في هلال الفطر م: (لم تقبل إلا شهادة جماعة يقع العلم بخبرهم كما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله لأن التفرد بالرؤية في مثل هذه الحالة إلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 قال: ووقت الصوم من حين طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187]   [البناية] آخره. [تعريف الصوم ووقته] م: (قال: ووقت الصوم من حين طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] إلى أن قال: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] (البقرة: الآية 187) والخيطان بياض النهار وسواد الليل) ش: هذا قول فقهاء الأمصار وقد كان وقت الصوم في الابتداء من حين يصلي العشاء أو ينام، وهذا كان في شريعة من قبلنا، فخفف الله عن هذه الأمة وجعل أول وقته من حين طلوع الفجر بقوله تعالى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: 187] (سورة البقرة: الآية 187) وكان الأعمش - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول أول وقت الصوم إذا طلعت الشمس ونسخ الأكل والشرب بعد طلوع الشمس. وفي " الدراية " هذا غلط فاحش لا يعتد بخلافه، وذلك لأنه مخالف لنص القرآن، وقال ابن قدامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يخرج أحد على قوله: وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قد نقل عن جماعة من السلف بموافقته، «وعن زر قلت لحذيفة أي ساعة تسحرت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال هي النهار إلا أن الشمس لم تطلع» رواه النسائي، وعن حذيفة أنه لما طلع الفجر [تسحر، وعن ابن مسعود مثله، وقال مسروق لم يكونوا يعدون الفجر] فجركم، وإنما كانوا يعدون الفجر إلي يملاً البيوت والطريق قوله من حين طلوع الفجر، قال صاحب " المنافع "، حين بكسر النون لأنه معرب، وإضافته إلى الفرد لا يجوز بناؤه بخلاف قول النابغة الزبياني: على حين عانيت السبب على الصبي فإن المختار فيه بناؤه على الفتح لإضافته إلى الجملة، انتهى. والظرف المضاف إلى الجملة يجوز بناؤه على الفتح والمضاف إلى الفعل المضارع لا يجوز بناؤه عند البصريين وإن كان جملة لأنه معرب بخلاف المضاف إلى الفعل الماضي، وإنما ذلك مذهب الكوفيين والفتحة في قَوْله تَعَالَى: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة: 119] (سورة المائدة: الآية 119) ، فتحه إعراب عندهم وهو نصب على الظرفية ولا يجوز أن يكون مبنياً على الفتح ذكره الزمخشري في " الكشاف " بخلاف {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ} [الانفطار: 19] لإضافته إلى الحرف. وقال ابن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه وجهان، فإن أضيف إلى الجملة الاسمية يعرب. وقال ابن جني: يبنى قوله والخيطان تثنية خيط وهما بياض النهار وسواد الليل وقوله: {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] هو الذي بين أنها بياض النهار وسواد الليل لأنه نزل بعد «قوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] (سورة البقرة الآية: 187) ، وهذا لما سمع عدي بن حاتم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 إلى أن قال: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] (البقرة: الآية 187) ، والخيطان بياض النهار وسواد الليل والصوم هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع نهارا مع النية، لأنه في حقيقة اللغة: هو الإمساك لورود الاستعمال فيه إلا أنه زيد عليه النية في الشرع لتتميز بها العبادة من العادة، واختص بالنهار لما تلونا، ولأنه لما تعذر الوصال كان تعيين النهار أولى ليكون على خلاف العادة، وعليه مبنى العبادة والطهارة عن الحيض والنفاس شرط لتحقق الأداء في حق النساء.   [البناية] هذه الآية علق خيطين أحدهما أبيض والآخر أسود، وكان يأكل حتى يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود ففعل ذلك يوماً، فإذا الشمس طالعة فجاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره بذلك فتبسم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وقال إنك لعريض القفا، وفي رواية إن وسادتك لعريضة أي منامك طويل، وقال إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل» . وفي " المجتبى " في مبسوط بكر اختلف المشايخ في أن العبرة لأول طلوع الفجر الثاني أم لاستطارته. قال الحلواني: الأول أحوط والثاني أوسع، وفي " شرح الإرشاد " والباقي أصح والأول أحوط. م: (والصوم هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع نهاراً مع النية) ش: قيل هذا منقوض طرداً وعكساً، أما عكساً فبأكل الناسي فإن صومه باق والإمساك فائت، وأما طرداً فمن أكل قبل طلوع الشمس بعد طلوع الفجر كما أن النهار [هو] اسم لزمان هو مع الشمس، وكذلك في الحائض النفساء فإن هذا المجموع موجود والصوم فائت، وأجيب عن الأول يمنع فوت الإمساك، لأن المراد بالإمساك الشرعي وهو موجود. وعن الثاني فإن المراد من النهار، النهار الشرعي وهو اليوم بالنص. وعن الثالث بأن بالحيض خرجت عن أهلية الأداء شرعاً، قلت هذا السؤال والجواب للشيخ الإمام العالم بدر الدين الكردري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه) ش: أي لأن الصوم م: (في حقيقة اللغة هو: الإمساك لورود الاستعمال) ش: في معنى الإمساك وقد مضى الكلام م: (فيه) ش: في أول الكتاب م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن الإمساك م: (زيد عليه النية في [الشرع] لتتميز بها العبادة من العادة) ش: لأن النية هي الأصل في العبادة م: (واختص) ش: أي الصوم م: (بالنهار لما تلونا) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] (البقرة: الآية 187) . م: (ولأنه) ش: دليل عقلي م: (لما تعذر الوصال) ش: وهو وصل النهار بالليل في الصوم م: (كان تعيين النهار أولى ليكون على خلاف العادة) ش: لأن العادة في النهار الأكل والشرب م: (وعليه) ش: أي على خلاف العادة م: (مبنى العبادة) ش: لأن العبادة في نفسها مسألة وإتعاب النفس ليحصل الأجر، فلو كانت على العادة ما كان لها من ذلك شيء. [الطهارة عن الحيض والنفاس من شروط الصوم] م: (والطهارة عن الحيض والنفاس شرط لتحقق الأداء في حق النساء) ش: أي لتحقق أداء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الصوم لأن الحيض والنفاس منافيان للصوم لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إحداكن تقعد شطر عمرها لا تصوم ولا تصلي» فلو كان الصوم مشروعاً معه لما قعدت بخلاف الجنابة حيث لا تمنع الصوم وهو قول عامة أهل العلم منهم علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وأبو الدرداء وأبو ذر وابن عمر وابن عباس وعامر وأم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وبه قال أصحابنا والثوري وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أهل العراق والشافعي ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أهل الحجاز والأوزاعي في أهل الشام والليث بن سعد في أهل المصر وداود في اأهل الظاهر وإسحاق وأبو عبيد في أهل الحديث، وكان أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: لا صوم له ويروى عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من أصبح جنباً فلا صوم له ثم رجع عنه» وقال سعيد بن المسيب: رجع أبو عبيدة عن فتواه بذلك، وحكي عن الحسن وسالم بن عبد الله أنه يتم صومه ويقضي. وعن النخعي: يقضي الفرض دون النفل. وعن عروة وطاووس: إن علم بجنابته في رمضان ولم يغتسل فهو مفطر وإن لم يعلم فهو صائم. وقال الخطابي: حديث أبي هريرة منسوخ، والله أعلم، وبالله التوفيق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 باب ما يوجب القضاء والكفارة قال: وإذا أكل الصائم أو شرب أو جامع نهارا ناسيا لم يفطر، والقياس أن يفطر، وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لوجود ما يضاد الصوم فصار كالكلام ناسيا في الصلاة   [البناية] [باب ما يوجب القضاء والكفارة] [الحكم لو أكل الصائم أو شرب أو جامع ناسياً] م: (باب ما يوجب القضاء والكفارة) ش: أي هذا باب في بيان ما يوجب القضاء والكفارة على الصائم على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى، ولما فرغ من بيان الصوم وأنواعه شرع في بيان ما يجب عند إبطاله لأنه أمر عارض على الصوم فناسب أن يذكر مؤخراً. م: (قال: وإذا أكل الصائم أو شرب أو جامع ناسياً) ش: أي حال كونه ناسياً م: (لم يفطر) ش: قال الكاكي لم يفطر بالتشديد والتخفيف، فعلى الأول يكون مسندا إلى الأكل [ .... ] ، قلت: فيه تعسف لأنه يقال حينئذ الضمير في لم يفطر يرجع إلى الآكل الذي دل عليه أكل وكذا ينبغي أن يرجع إلى الشرب الذي دل عليه أو شرب والجماع الذي يدل عليه أو جامع فحينئذ ينبغي أن يقال لم يفطرن بنون الجمع، وهذا كله تكلف، والأحسن أن يكون الضمير في - لم يفطر - راجعاً إلى الصائم أي لم يفطر الصائم بالأشياء المذكورة في الأكل والشرب ناسياً لا يفطر عند جماعة من الصحابة والتابعين وغيرهم وهم علي بن أبي طالب وأبو هريرة وابن عمر وعطاء وطاووس ومجاهد والحسن البصري والحسن بن صالح وعبد الله بن الحسن وإبراهيم النخعي وأبو ثور وابن أبي ذئب والأوزاعي والثوري والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإسحاق وأبو ثور وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والنخعي وابن المنذر. وأما في الجماع ناسيا فهو مذهبنا. وهو قول مجاهد وإسحاق البصري والثوري والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وقال عطاء والأوزاعي والليث: عليه القضاء وقال أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عليه القضاء والكفارة. م: (والقياس أن يفطر وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وربيعة وابن علية وسعيد بن عبد العزيز م: (لوجود ما يضاد الصوم) ش: ووجود ما يضاد الشيء يقدم له الاستحالة وجود الضدين معا م: (فصار كالكلام ناسيا في الصلاة) ش: حيث تفسد صلاته. م: (ووجه الاستحسان قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (للذي أكل وشرب ناسيا: تم على صومك، فإنما أطعمك الله وسقاك) ش: هذا الحديث رواه الأئمة الستة في كتبهم من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واللفظ لأبي داود، قال) ش: «جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فقال يا رسول الله إني أكلت وشربت ناسياً وأنا صائم، فقال الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 ووجه الاستحسان «قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - للذي أكل وشرب ناسيا: " تم على صومك فإنما أطعمك الله وسقاك» وإذا ثبت هذا في حق الأكل والشرب ثبت في الوقاع للاستواء في الركنية، بخلاف الصلاة، لأن هيئة الصلاة مذكرة فلا يغلب النسيان، ولا مذكر في الصوم   [البناية] أطعمك وسقاك» انتهى. وهو أقرب إلى لفظ المصنف ولفظ الباقين من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه. ورواه ابن حبان والدارقطني [في " سننه «أن رجلاً سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فقال إني كنت صائماً فأكلت وشربت ناسياً فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أتمم صومك فإن الله أطعمك وسقاك» . وزاد الدارقطني] فيه فلا قضاء عليه ولا كفارة. قوله: تم على صومك بكسر التاء المثناة من فوق وتشديد الميم المفتوحة أمر من تم يتم معناه أتمه وامض عليه واستتم، ويقال تم على أمره أمضاه، وتم على أمرك أمضه. فإن قلت: هذا الحديث يعارض الكتاب وهو قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] (سورة البقرة: الآية 187) فإن الصيام إمساك وقد فات، فالآية تدل على بطلانه، [و] لأن انتفاء ركن الشيء يستلزم إمضاه لا محالة، والحديث يدل على بقائه كما كان فيجب تركه، قلت هذا السؤال مع جوابه للإمام حميد الدين الضرير. وأجاب بأن في الكتاب دلالة على أن النسيان معفو عنه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] م: (سورة البقرة: الآية: 286) فكان الحديث موافقاً للكتاب فعمل، ويحتمل قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] على حالة انتفاء الإتمام عمدا؛ لأن الإتمام فعل اختياري فيكون عمدة الفوات له لذلك والنسيان ليس باختياري فلا يفوته. وقال تاج الشريعة: هذا الخبر مشهور قبله السلف حتى قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عقب هذه المسألة حاكياً عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لو قال الناس لقلت يقتضي معنى لو قول الأئمة وروايتهم هذا الحديث لقلت بالقضاء، فإن قال السائل سلمنا ذلك لكن النص ورد في الأكل والشرب على خلاف القياس، فكيف تعدى إلى الجماع؟. فأجاب بقوله: م: (وإذا ثبت هذا) ش: أي بقاء الصوم م: (في حق الأكل والشرب ثبت في الوقاع للاستواء في الركنية) ش: لأن كلا منهما نظير الأخرى في كون الكف عن كل منهما ركنا في الآخر، فيكون الثبوت بالدلالة لا بالقياس م: (بخلاف الصلاة لأن هيئة الصلاة مذكرة) ش: هيئة الصلاة القيام والركوع والسجود والانتقال من واحد إلى واحد، وكل هذه الأفعال تذكر المصلي. م: (فلا يغلب النسيان) ش: ولا يستلزم غلبة النسيان عدم نفي هيئات ما م: (ولا مذكر) ش: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 فيغلب، ولا فرق بين الفرض والنفل، لأن النص لم يفصل، ولو كان مخطئا أو مكرها فعليه القضاء خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يعتبر بالناسي. ولنا أنه لا يغلب وجوده وعذر النسيان غالب، ولأن النسيان من قبل من له الحق، والإكراه من قبل غيره فيفترقان   [البناية] أي ولا شي مذكر م: (في الصوم فيغلب) ش: لأن هيئة الصائم وغير الصائم سواء لأن الصوم أمر مبطن فغلب عليه النسيان م: (ولا فرق) ش: أي لا وفرق في المسألة المذكورة م: (بين النفل والفرض) ش: لأن بين صوم النفل وصوم الفرض. م: (لأن النص) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تم على صومك مطلق. م: (لم يفصل) ش: بين النفل والفرض، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن أبي ليلى ومحمد بن مقاتل الرازي في الفرض يقضي وهو القياس، كذا ذكره الإمام المحبوبي. م: (ولو كان) ش: أي الأكل والشرب م: مخطئاً أو مكرهاً) ش: بفتح الراء: (فعليه القضاء) ش: الفرق بين النسيان والخطأ أن الناسي قاصد للفعل ناس الصوم، والمخطئ ذاكر للصوم غير قاصد للفعل، صورة المخطئ إذا تمضمض فسبق الماء حلقه، وصورة المكره صب الماء في حلق الصائم كرهاً. وفي " المحيط " لو جامع ناسياً فنزع مع التذكر فصومه تام، وعند زفر عليه القضاء والكفارة. ولو أكل ناسياً فقيل أنت صائم فلم يتذكر وأكل بعده أفطر في قول أبي حنيفة، وقال زفر والحسن لا يفطر، ذكره في " المحيط " وفي " الخزانة " فسد صومه عند أبي حنيفة ولا كفارة عليه، وفي المرغيناني إن أكل ناسياً قبل النية ثم نوى الصوم ذكره في المغازي أنه لا يجزي صومه، وفي " البقالي " النسيان قبل النية أو بعدها. وذكر أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " نوازله " أن رجلاً نظر إلى غيره يأكل ناسياً يكره له أن لا يذكره إذا كان قوياً على صومه، وإن كان يضعف بالصوم لا يكره لأن ما يفعله ليس بمعصية عند العلماء. وفي [فتاوى] قاضي خان إن كان شاباً يخبره، وإذا كان شيخاً ضعيفاً لا يخبره. وفي " الخزانة " لو تقيأ ناسيا ًأكل فيه لا يفسد صومه، ولو ابتلع ماء في المضمضة خطأ يفسد صومه، وهو قول أكثر العلماء وقال عطاء وإسحاق وقتادة وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يفسده، وقال إبراهيم النخعي لا يفسده في الفرض ويفسده في النفل. م: (خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يعتبر بالناسي) ش: أي يقيسه على الناسي والجامع الفصل، وقال الكاكي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قولان أحدهما يفطر كقولنا، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - واختاره المزني، والثاني أنه لا يفطر وهو الأصح عنه، وبه قال أحمد وأبو ثور - رَحِمَهُ اللَّهُ - واختلف أصحابه، فمنهم من أطلق القولين من غير فصل وإن لا يبالغ ومنهم من قال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 كالمقيد والمريض في قضاء الصلاة. قال: فإن نام فاحتلم لم يفطر لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثلاث لا يفطرن الصائم: القيء والحجامة والاحتلام» .   [البناية] كذلك على الحالين إن بالغ بطل صومه، وإن لم يبالغ فقولان: أحدهما لا تبطل وهو الصحيح. م: (ولنا أنه) ش: أي أن كل واحد من الخطأ [والنسيان] والإكراه م: (لا يغلب وجوده وعذر النسيان [غالب] ) ش: فيكون اعتباره فاسداً، لأنه على خلاف القياس م: (ولأن النسيان) ش: إشارة إلى فرق آخر، وهو أن النسيان م: (من قبل من له الحق) ش: والحق لله تعالى م: (والإكراه من قبل غيره) ش: أي من قبل غير من له الحق، فإذا كان كذلك م: (فيفترقان) ش: فلا يصح أن يجعلا على السواء، ثم ذكر له نظيراً بقوله. م: (كالمقيد والمريض في [قضاء] الصلاة) ش: فإن المقيد الذي قيده أحد إذا صلى قاعداً بعذر القيد يقضي، والمريض إذا صلى لا يقضي، لأن المقيد من قبل ليس له الحق، بخلاف المريض، فإن مرضه من قبل من له الحق. [احتلام الصائم] م: (فإن نام فاحتلم) ش: أي أنزل م: (لم يفطر) ش: بإجماع الأئمة الأربعة لم يفطر م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «ثلاث لا يفطرن الصائم القيء والحجامة والاحتلام» ش: هذا الحديث أخرجه الترمذي حدثنا محمد بن عبيد المحاربي حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: [ثلاث] لا يفطرن الصائم الحجامة والقيء والاحتلام» وقال أبو عيسى حديث أبي سعيد الخدري حديث غير محفوظ، وقد روي عن عبد الله بن زيد بن أسلم وعبد العزيز وغير واحد من أهل الحديث عن زيد بن أسلم ولم يذكروا فيه عن أبي سعيد وعبد الرحمن بن أسلم ضعيف في الحديث. وقال الشراح: ذكروا هذا الحديث في معرض الاستدلال، ولم يذكره الأترازي واستدل هنا بقوله، وهذا لما روى صاحب السنن مرفوعاً إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال «لا يفطر من قاء ولا من احتلم ولا من احتجم» ولم يذكر من هو صاحب السنن ولا ما اسم الصحابي الذي رواه عن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 ولأنه لم توجد صورة الجماع ولا معناه وهو الإنزال عن شهوة بالمباشرة وكذا إذا نظر إلى امرأة فأمنى كما بينا وصار كالمفتكر إذا أمنى، وكالمستمني بالكف على ما قالوا   [البناية] النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: هذا الحديث أخرجه الطبراني في " الأوسط " عن ثوبان عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأخرجه البزار عن ابن عباس عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا يوافق متن حديث المصنف إلا لفظ الترمذي. م: (ولأنه لم توجد صورة الجماع) ش: وهو إيلاج الفرج م: (ولا معناه) ش: أي ولا معنى الجماع م: (وهو الإنزال عن شهوة بالمباشرة) ش: يعني مس الرجل والمرأة. م: (وكذا) ش: أي لا يفطر م: (إذا نظر إلى المرأة فأمنى) ش: أي أنزل المني م: (كما بينا) ش: وهو قوله - لأنه لم يوجد صورة الجماع ولا معناه - ثم إنه سواء إذا نظر إلى وجهها وفرجها بخلاف حرمة المصاهرة فإنها تثبت بالنظر إلى فرجها، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن نظرت مرة وكذلك وإن نظرت مرتين فسدت، وفي السروجي بالنظر لا تفسد الصوم وإن تكرر، وكذا بإنزال معه من غير تكرر، وهو قول جابر بن زيد والثوري والشافعي وأبي ثور واختيار ابن المنذر، وقال مالك يفسد وإن صرف وجهه عنها، وهو رواية حنبل عن ابن حنبل ولا كفارة فيه عندهم. م: (وصار كالمتفكر إذا أمنى) ش: إذا تفكر في امرأة حسناء فأنزل المني لا يفطر، ولأصحاب مالك في التفكر روايتان، وخالف فيه بعض الحنابلة م: (وكالمستمني بالكف) ش: يعني أن الصائم إذا عالج ذكره فأمنى أو عالج امرأته لم يفطر م: (على ما قالوا) ش: أي المشايخ وهو قول أبي بكر الإسكاف وأبي القسام لعدم الجماع صورة، وعامتهم قالوا يفسد صومه وعليه القضاء، وهو قول محمد بن سلمة وهو اختيار الفقيه أبي الليث في النوازل. وقال المصنف في التجنيس الصائم إذا عالج ذكره حتى أمنى يجب عليه القضاء وهو المختار لأنه وجد الجماع معنى، وقيل فيه نظر، لأن معنى الجماع يعتمد المباشرة على ما قلنا ولم يوجد. وأجيب بأن معناه وجد، وهو المقصود من الجماع وهو قضاء الشهوة وهل يحل له أن يفعل ذلك إن أراد الشهوة لا يحل لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ناكح اليد ملعون» وإن أراد به تسكين ما به من الشهوة أرجو أن لا يكون عليه وبال. وقال الأترازي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - قيل لأبي بكر الإسكاف أيحل للرجل أن يفعل ذلك قال مثل ما ذكرنا، ثم قال في آخره وهو مأجور فيه، قال الفقيه أبو الليث روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال ما يكفيه أن يتجوز رأساً برأس. وقال الأترازي: والأصح عندي قول أبي بكر، لأن الجماع لم يوجد لا صورة ولا معنى لعدم الإيلاج والإنزال باليد إلا أنا نكرهه احتياطاً، ونظم فيه شيخنا جلال الدين النهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - من جملة نظمه ما في قاضي خان: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 ولو ادهن لم يفطر لعدم المنافي، وكذا إذا احتجم لهذا ولما روينا.   [البناية] وجائز للعازب المسكين ... إمناؤه باليد للتسكين وعن أحمد والشافعي - رحمهما الله - في القديم يرخص فيه وفي الجديد يحرم، ولو عملت المرأتان عمل الرجال إن أنزلتا عليهما القضاء وإلا لا قضاء ولا كفارة ولا غسل عليهما. [ما لا يفطر الصائم] [دهن الشعر أو الشارب في الصيام] م: (ولو ادهن لم يفطر لعدم المنافي) ش: يعني إذا دهن شعره أو شاربه ليس بمناف لصومه فلا يفطر، لأن المنافي للصوم المفطرات الثلاث ولم يوجد واحد منها م: (وكذا) ش: أي لا يفطر م: (إذا احتجم لهذا) ش: أي لعدم المنافي وهو الداخل: ولما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثلاث لا يفطرن الصائم: الحجامة والقيء والاحتلام» ولكن يكره الحجامة ولا يفسد صومه، وبه قال مالك والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وداود. وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يفطر الحاجم والمحجوم، وفي وجوب الكفارة فيها روايتان عن أحمد، وحديث «أفطر الحاجم والمحجوم» روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -. [منهم] رافع بن خديج رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وعلي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه النسائي واختلف في رفعه ووقفه وسعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه ابن عدي في " الكامل " وفيه داود بن الزبير فإنه متروك، وشداد بن أوس أخرج حديثه أبو داود والنسائي. وثوبان مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأسامة بن زيد أخرج حديثه النسائي وفي سنده اختلاف، وعائشة أم المؤمنين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرج حديثها النسائي، واختلف في رفعه ووقفه، ومعقل بن يسار أخرج حديثه النسائي أيضاً وأبو هريرة أخرج حديثه النسائي أيضاً مرفوعاً وموقفاً، وابن عباس أخرجه النسائي أيضاً مرفوعاً وموقوفا، وأبو موسى أخرج حديثه النسائي أيضاً مرفوعاً وموقوفاً. وبلال أخرج حديثه النسائي أيضاً وفي سنده اختلاف، وأنس بن مالك أخرج حديثه البزار أيضاً، وأبو زيد الأنصاري أخرج حديثه ابن عدي وفيه ضعف، وأبو الدرداء أخرج حديثه الوليد بن مسلم وفيه ضعف. وقال شيخنا زين الدين في " شرح الترمذي " وقد ذهب أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أن الحجامة لا تفطر، وبه قال من الصحابة سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وابن عباس وزيد بن أرقم والحسن بن علي وأبو هريرة وأنس وعائشة وأم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 وإن اكتحل لم يفطر لأنه ليس بين العين والدماغ منفذ والدمع يترشح كالعرق والداخل من المسام لا ينافي   [البناية] ومن التابعين الشعبي وعروة والقاسم وعطاء بن يسار وزيد بن أسلم وعكرمة وأبو العالية وإبراهيم النخعي، ومن الأئمة سفيان الثوري ومالك وأبو حنيفة والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال ابن عبد البر: الأحاديث متدافعة متناقضة في إفساد صوم من احتجم فأقل أحوالها أن يسقط الاحتجاج بها، والأصل بأن الصائم لا يقضي فإنه قال وصح النسخ فيها. قلت: لأن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أفطر الحاجم والمحجوم» كان في ثمان عشرة من رمضان عام الفتح، والفتح كان في السنة الثامنة واحتجامه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان في السنة العاشرة ذكره جماعة. [اكتحال الصائم] م: (وإن اكتحل لم يفطر) ش: هذا على إطلاقه قول عطاء والحسن وإبراهيم النخعي والأوزاعي والشافعي وأبي ثور ومذهب أنس بن مالك وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وإن لم يصل إلى جوفه لم يبطل بلا خلاف، وإن وصل [ .... ] أو طاهراً يفسد صومه عند مالك وأحمد وهو قول ابن أبي ليلى وسليمان التيمي ومنصور بن المعتمر وابن شبرمة وإسحاق. وفي " شرح مختصر الطحاوي " لا بأس بالكحل سواء وجد طعمه أو لم يوجد، وكذا في " المحيط " كما لو أخذ حنطة في فيه فوجد مرارته في حلقه، أو ماء فوجد عذوبته أو ندواته في حلقه، وكذا لو صب لبناً في عينه أو دواء فوجد طعمه أو مرارته في حلقه لا يفسد صومه، ولو بزق بعد الاكتحال فوجد الكحل من حيث اللون، قيل يفسده ذكره في " جوامع الفقه " م: (لأنه ليس بين العين والدماغ منفذ) ش: فما وجد في حلقه من طعمه إنما [هو] أثره لا عينه. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وليس بين العين والجوف منفذ فلا يصل من الكحل من العين إلى الجوف، وإنما وصل إليه أثر الكحل وهو الطعم، فقد وصل إليه من المسام فلا يعتد به كما لو اغتسل بالماء البارد فوجد برودته في الباطن، انتهى. قلت: هذا الكلام غير سديد، والصواب ما قاله المصنف ليس بين العين والدماغ منفذ، وذكر الجوف ليس له صحة على ما لا يخفى، وقوله أيضاً، وإنما وصل إليه أثر الكحل وهو المفطر غير صحيح، والطعم الذي هو أثر الكحل كيف يوجد في الجوف ولا يوجد إلا في الحلق ينفذ إليه من الدماغ. م: (والدمع يترشح كالعرق) ش: جواب عن سؤال مقدر، وهو أن يقال لو لم يكن بين العين والدماغ منفذ لما خرج الدمع، فأجاب بقوله والدمع يترشح أي ينزل من الدماغ شيئاً فشيئاً كما يترشح العرق من مسام الجلد م: (والداخل [من] المسام لا ينافي) ش: هو من جملة الجواب. قال الكاكي: المسام المنافذ مأخوذ من سم الإبرة، وإن لم يسمع إلا من الأطباء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 كما لو اغتسل بالماء البارد   [البناية] قلت: ذكره الأزهري، والمراد به مسام العرق، لأن المنافذ التي هي المخارق المعتادة م: (كما لو اغتسل بالماء البارد) ش: ذكر هذا نظير المناسبة، فإنه لا ينافي الصوم مع أنه يجد برودة الماء في باطنه. فإن قيل هذا تعليل في مقابلة النص وهو باطل، وذلك لما روى معبد بن هودة الأنصاري «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال عليكم بالإثمد المروح وقت النوم وليتقه الصائم» أجيب بأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ندب إلى الصوم يوم عاشوراء والاكتحال فيه، وقد أجمعت الأئمة على الاكتحال يوم عاشوراء فهو راجح على الأول، انتهى. قلت: هذا الحديث رواه أبو داود من رواية عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هودة عن أبيه عن جده «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم، وقال ليتقه الصائم» ورواه البخاري في " تاريخه ". 1 - وقال قال أبو نعيم «حدثنا عبد الرحمن بن النعمان الأنصاري عن أبيه عن جده وكان أتى به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمسح رأسه وقال لا تكتحل وأنت صائم، اكتحل ليلاً، الإثمد يجلو البصر وينبت الشعر» انتهى. [قلت] : الإثمد بكسرة الهمزة بالفارسية ترمذ، وذكره الجوهري في باب ثمد فدل على [أن] الألف فيه زائدة، وقال الإثمد: حجر يكتحل بها. المروح بضم الميم وفتح الراء وتشديد الواو المفتوحة وبالحاء المهملة أي المطيب بالمسك كأنه جعل الرائحة تفوح بعد أن لم تكن له رائحة. وقال الأكمل قد اجتمعت الأمة على الاكتحال يوم عاشوراء فيه نظر يحتاج إلى الدليل على هذا. وإيراده السؤال بحديث معبد غير موجه لأن يحيى بن معين قال حديث معبد منكر لا يحتج به، وعبد الرحمن ضعيف، فإذا كان الأمر كذلك فكيف يقول الأكمل هذا تعليل في مقابلة النص، وهو باطل، ثم يجيب بقوله أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ندب إلى الصوم يوم عاشوراء، والاكتحال فيه، ومع هذا لم يبين كيف ندب ومتى ندب. فإن قال ندب في حديث حميد، قلنا قد سمعت حال هذا الحديث، وإن قال روى البيهقي في " شعب الإيمان " من رواية حسين بن بشر عن محمد بن الصلت عن جرير عن الضحاك عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من اكحتل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبداً» قال: قال البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد أن رواه إسناده ضعيف، وجرير ضعيف والضحاك لم يلق ابن عباس. وقال الأترازي في معرض الاستدلال بأن الاكتحال لم يفطر. ولنا ما روى أبو بكر الجصاص الرازي في " شرحه لمختصر الطحاوي " عن عبد الباقي بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قانع عن عبد الرحمن بن أحمد عن محمد بن سليمان عن حبان بن علي عن محمد بن عبد الله ابن أبي رافع عن أبيه عن جده «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يكحتل بالإثمد وهو صائم» . وقال الشيخ أبو الحسين القدوري في " شرح مختصر الكرخي ". «قال ابن مسعود خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رمضان وعيناه مملوءتان من الكحل كحلته أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -» - انتهى. قلت: الذي يتصدى لشرح كتاب يذكر فيه أحاديث في معرض الاستدلال ينبغي أن لا يكتفي بهذا المقدار، لأن الخصم لا يرضى به. أما حديث أبي رافع فقد أخرجه ابن عدي في " الكامل " بإسناده نحوه وهو حديث منكر. قال البخاري: محمد بن عبد الله منكر الحديث. وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء. وأما حديث ابن مسعود الذي ذكره فليس بصحيح من وجهين، أحدهما أن الحديث ليس لابن مسعود وإنما هو لابن عمر رواه ابن عدي في " الكامل "، قال أخبرنا أبو يعلى قال أنا عمار بن ياسر قال حدثنا سعيد بن زيد هو أخو حماد بن زيد حدثنا عمرو بن خالد القرشي عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر، وعن محمد بن علي عن ابن عمر قال «خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بيت حفصة وقد اكتحل بالإثمد في رمضان» . وقال ابن عدي هذه الأحاديث التي يرويها عمرو بن خالد عن حبيب بن أبي ثابت ليست [هي] المحفوظة، ولا يرويها غيره أو هو المفهم فيها. وقال شيخنا زين الدين عمرو بن خالد الهمداني الواسطي، وقال أبو طاهر: وقوله القرشي (بدليله) كيلا يعرض لأنه كذاب. الثاني من الوجهين إنه حديث لا يحتج به. فإن قلت: هذا روي عن علي بن أبي طالب أيضاً، رواه الحارث بن أبي أسامة، قال: حدثنا أبو زكريا حدثنا سعيد بن زيد، عن عمرو بن خالد، عن محمد بن علي، عن أبيه، عن جده، «عن علي بن أبي طالب، وعن حبيب بن ثابت، عن نافع عن ابن عمر قال انتظرنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يخرج في رمضان، فخرج من بيت أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كحلته وملأت عينيه كحلاً» انتهى. قلت: قد وقفت على حال عمرو بن خالد، وقال شيخنا زين الدين وهذان الحديثان ليسا صريحين في الكحل للصائم، إنما ذكر فيهما رمضان فقط، ولعله كان في رمضان. فإن قلت: روى ابن الجوزي في كتاب " فضائل الشهور " من رواية شريح بن يونس عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في حديث طويل فيه صيام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 ولو قبل امرأته لا يفسد صومه يريد به إذا لم ينزل لعدم المنافي صورة ومعنى   [البناية] عاشوراء والاكتحال فيه. قلت: رواه في " الموضوعات " بهذا الإسناد، ثم قال هذا حديث لا يشك عاقل في وضعه. فإن قلت: روى الطبراني في " الأوسط «عن بريرة، قالت: رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكتحل بالإثمد وهو صائم» . قلت: قال شيخنا زين الدين وفي إسناده غير واحد يحتاج إلى الكشف عنهم. [التقبيل والمباشرة للصائم] م: (ولو قبل امرأته لا يفسد صومه يريد به إذا لم ينزل) ش: أي يريد القدوري أو محمد في " الجامع الصغير " بقوله - ولو قبل امرأة لا يفسد صومه - إنه إذا لم ينزل المني (لعدم المنافي صورة ومعنى) أي لعدم ما ينافي الصوم من حيث الصورة وهو إيلاج الفرج في الفرج ومن حيث المعنى وهو الإنزال بالمس عن شهوة، وقد روى البخاري ومسلم «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقبل ويباشر بعض نسائه وهو صائم وكان أملككم لإربه» . قوله - لإربه - بكسر الهمزة وسكون الراء، قال ابن الأثير أي لحاجة يعني أنه كان غالباً لهواه، وقال: أكثر المحدثين يرويه بفتح الهمزة والراء يعنون الحاجة، وبعضهم يرويه بكسر الهمزة وسكون الراء، وله تأويلات أحدها [أرادت به] الحاجة ويقال فيها الإربة والمأربة، والثاني أرادت به العضو وعنت به من الأعضاء الذكر خاصة. فإن قلت: روى ابن ماجه من رواية زيد بن جبير عن أبي يزيد بن الضبي عن ميمونة مولاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: «سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن رجل قبل امرأته وهما صائمان، قال قد أفطرا جميعاً» ثم قال فينبغي أن لا تجوز القبلة للصائم أصلاً، ثم قال قلت المراد منه إذا أنزل بالقبلة توفيقا بين الحديثين، انتهى. قلت: هذا الحديث ليس بشيء، لأنه إنما يصح هذا الجواب إذا كان الحديثان متساويين في الصحة وحديث ميمونة هذا لا يساوي حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لأن في إسناده أبا يزيد الضبي لا يعرف اسمه، وهو مجهول، وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " العلل المفرد " سألت محمداً عن هذا الحديث فقال هذا حديث منكر لا أحدث به. واختلف العلماء في القبلة للصائم على أربعة مذاهب: أحدها: إباحتها مطلقا، وهو قول عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وبه قال عطاء والشعبي والحسن البصري، وهو قول أحمد وإسحاق وداود، واختاره ابن عبد البر. والثاني: كراهتها مطلقاً للصائم، وهو قول ابن مسعود وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 خلاف الرجعة والمصاهرة، لأن الحكم هنالك أدير على السبب على ما يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى. ولو أنزل بقبلة أو لمس فعليه القضاء دون الكفارة لوجود معنى الجماع   [البناية] وقال أبو عمر: عن [ابن] المسيب وابن شبرمة ومحمد بن الحنفية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن من قبل فعليه قضاء ذلك اليوم. والثالث، الفرق بين الشيخ والشاب، وعبر بعضهم عنه بقوله بالتفرقة بين من تحرك القبلة شهوته وبين من لا تحرك، وهو قول ابن عباس وقول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأصحابه وسفيان الثوري والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. والرابع: التفرقة بين صيام الفرض وصيام النفل تكره في الفرض ولا تكره في النفل وهي رواية ابن وهب عن مالك. فإن قلت: حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كان يقبل في شهر الصوم الذي رواه الترمذي ومسلم كما مر الآن لا يلزم منه أن يكون نهاراً، لأن ليل الصوم من شهر الصوم. قلت: في الذي رواه البخاري ومسلم وهو صائم كما مر الآن. فإن قلت: لا يلزم منه أن يكون في رمضان. قلت: في رواية أبي بكر السهيلي عند مسلم كان يقبل في رمضان وهو صائم. فإن قلت: الصائم منهي عن الجماع فينبغي أن يمنع من القبلة أيضاً لأنها من دواعيه. قلت: هذا غير وارد، لأن المحرم ممنوع عن الطيب وهو من دواعيه، والصائم ليس بممنوع عنه، وفي جوامع الفقه يكره مس فرجها ولا بأس بالقبلة والمعانقة إذا أمن على نفسه، أو كان شيخاً كبيراً. وعن أبي حنيفة تكره المعانقة والمصافحة، وعنه تكره المباشرة الفاحشة لا بثوب وذلك أن المعانقة وهما متجردان ويمس فرجه ظاهر فرجها والتقبيل الفاحش مكروه، وهو أن يمضغ شفتيها. م: (بخلاف الرجعة والمصاهرة) ش: يعني أنهما يثبتان بالقبلة بالشهوة وكذا بالمس وإن لم ينزل م: (لأن الحكم هنالك) ش: أي في الرجعة والمصاهرة م: (أدير على السبب) ش: إذ حرمة المصاهرة تبتني على الاحتياط، وأما ها هنا فالفساد تعلق بالمواقعة ولم توجد صورتها ولا معناها، ولهذا لا يفسد الصوم بعقد النكاح م: (على ما يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى) ش: يعني في باب الرجعة. م: (وإن أنزل بقبلة أو مس فعليه القضاء) ش: لأنه يجب بمجرد الإفساد م: (دون الكفارة) ش: لأنها لا تجب إلا بكمال الجناية، لأنها تسقط بالشبهات لكونها دائرة بين العبادة والعقوبة وعدم صورة الجماع صار شبهة فلم تجب الكفارة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 ووجود المنافي صورة أو معنى يكفي لإيجاب القضاء احتياطا، أما الكفارة فتفتقر إلى كمال الجناية لأنها تندرئ بالشبهات كالحدود، ولا بأس بالقبلة إذا أمن على نفسه أي الجماع أو الإنزال ويكره إذا لم يأمن لأن عينه ليس بمفطر، وربما يصير فطرا بعاقبته، فإن أمن يعتبر عينه وأبيح له، وإن لم يأمن تعتبر عاقبته، وكره له. والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أطلق فيه في الحالين والحجة عليه ما ذكرنا.   [البناية] فإن قيل لا نسلم أن كمال الجناية شرط لوجوب الكفارة ألا ترى أنها تجب بنفس الإيلاج وإن لم يحصل الإنزال الأكمل إلا به أجيب بأن الكمال يحصل بنفس الإيلاج، ولهذا يجب الغسل أنزل أو لم ينزل، أما الإنزال فأمر زائد على الجماع، ولهذا لا يشترط في تحليل الزوج الثاني لأنه شبع ومبالغة فيه. م: (لوجود معنى الجماع) ش: وهو قضاء الشهوة بالمباشرة م: (ووجود المنافي) ش: للصوم م: (صورة) ش: أي من حيث الصورة م: (أو معنى) ش: أي أو من حيث المعنى م: (يكفي لإيجاب القضاء احتياطاً) ش: أي لأجل الاحتياط: (أما الكفارة فتفتقر إلى كمال الجناية لأنها تندرئ) ش: أي تندفع م: (بالشبهات) ش: وهنا الشبهة عدم صورة الجماع كما ذكرنا م: (كالحدود) ش: يعني مثل الحدود فإنها تندرئ بالشبهات. م: (ولا بأس بالقبلة إذا أمن على نفسه أي الجماع أو الإنزال) ش: قال السغناقي: صحت الرواية بكلمة أو، وقال الكاكي الرواية في النسخ المقروءة على المشايخ كلمة أو، وقال الأترازي: صحت الرواية عن مشايخنا بما وراء بكلمة أو، والوجه عندي أن يذكر الواو، ولأن الأمان عن أحدهما ليس بكاف لعدم الكراهة، بل الأمان منها شرط لعدم الكراهة حتى إذا أمن الجماع ولم يأمن الإنزال تكره له القبلة لتعريض الصوم على الفساد، وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله أي الجماع أو الإنزال إنما ذكر هكذا لأن المشايخ اختلفوا على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا أمن على نفسه قال بعضهم أراد بالأمن عن الوقوع في الوقاع، وقال بعضهم أراد به الأمن من خروج المني. م: (ويكره إذا لم يأمن) ش: يعني إذا لم يأمن الإنزال أو الجماع م: (لأن عينه) ش: أي عين القبلة ذكر الضمير باعتبار التقبيل، والمراد من عين القبلة نفسها م: (ليس بمفطر) ش: وهذا ظاهر م: (وإنما يصير فطراً بعاقبته) ش: يعني باعتبار المال بوجود الجماع أو الإنزال م: (فإن أمن يعتبر عينه) ش: أي نفس القبلة م: (وأبيح له) ش: أي القبلة لأنها ليست بنفسها مفطرة م: (وإن لم يأمن) ش: أي الجماع أو الإنزال م: (تعتبر عاقبته) ش: أي مآله م: (وكره له) ش: حينئذ م: (والشافعي أطلق له في الحالين) ش: أي جوز له القبلة فيما إذا أمن على نفسه أو لم يأمن، وفيه نظر، لأنه ذكر في " وجيزهم " وتكره القبلة للشاب الذي لا يملك إربه م: (والحجة عليه ما ذكرناه) ش: أي الحجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما ذكرنا، وهو قوله لأن عينه ليس بمفطر ... إلخ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 والمباشرة الفاحشة مثل التقبيل في ظاهر الرواية. وعن محمد أنه كره المباشرة الفاحشة لأنها قلما تخلو عن الفتنة. ولو دخل حلقه ذباب وهو ذاكر لصومه لم يفطر، وفي القياس يفسد صومه لوصول المفطر إلى جوفه وإن كان لا يتغذى به كالتراب والحصاة، ووجه الاستحسان أنه لا يستطاع الاحتراز عنه فأشبه الغبار والدخان، واختلفوا في المطر والثلج، والأصح أنه يفسد لإمكان الامتناع عنه إذا آواه خيمة أو سقف ولو أكل لحما بين أسنانه فإن كان قليلا لم يفطر، وإن كان كثيرا يفطر. وقال زفر: يفطره في الوجهين؛ لأن الفم له حكم الظاهر حتى لا يفسد صومه   [البناية] م: (والمباشرة الفاحشة) ش: وهو أن يعانقها مجردين ويمس فرجه ظاهر فرجها م: (مثل التقبيل في ظاهر الرواية) ش: يكره إذا لم يأمن ولا يكره إذا أمن م: (وعن محمد أنه كره المباشرة الفاحشة لأنها قلما تخلو عن الفتنة) ش: عن الوقوع في الجماع. وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولو دخل حلقه ذباب وهو ذاكر لصومه لم يفطر) ش: لأنه مغلوب فيه كما في الغبار والدخان م: (وفي القياس أنه يفسد صومه لوصول المفطر إلى جوفه، وإن كان لا يتغذى به) ش: كلمة إن واصلة بما قبلها، ولا فرق بين المأكول وغيره م: (كالتراب والحصاة) ش: م: (ووجه الاستحسان أنه لا يستطاع الامتناع منه، فأشبه الغبار والدخان) ش: فإنه لا يستطاع دفعهما، وإن وصل الذباب إلى جوفه ثم خرج حياً لم يفطر، ذكره في " الحاوي " وهو قول سحنون من المالكية. وفي " خزانة الأكمل "، ولو دخل جوفه وهو كاره له لم يفطره. م: (واختلفوا في المطر والثلج) ش: يعني اختلف المشايخ في المطر، فقال بعضهم المطر يفسد والثلج لا يفسد. وقال بعضهم على العكس. وقال عامتهم بإفسادهما م: (والأصح أنه يفسد) ش: لحصول الفطر معنى م: (لإمكان الامتناع عنه إذا أواه) ش: أي ضمه م: (خيمة أو سقف) ش: قلت: إذا كان في البرية وليس عنده خيمة ولا شيء يمنع المطر عنه، فالقياس أن لا يفسده، ولو خاض الماء فدخل أذنه لا يفطره، بخلاف الدهن، وإن كان بغير صيغة لوجود إصلاح بدنه، لو صب الماء في أذنه، فالصحيح أنه لا يفطره لفقده إصلاح البدن، لأن [الماء] يضر بالدماغ، وفي " الخزانة " لو دخل حلقه من دموعه أو عرق جبينه قطرتان أو نحوهما لا يضره والكثير الذي يجد ملوحته في حلقه يفسد صومه [ .... ] ، ولو نزل المخاط، من أنفه في حلقه على تعمد منه فلا شيء عليه، ولو بلع بزاق غيره أفسد صومه ولا كفارة عليه، كذا في " المحيط ". وفي " البدائع " لو ابتلع ريق حبيبته أو [صديقه] ، قال الحلواني عليه كفارة، لأنه لا يعافه بل يلتذ به، وقيل لا كفارة فيه، ولو جمع ريقه في فيه ثم ابتلعه لم يفطر ويكره، ذكره المرغيناني. م: (ولو أكل لحماً بين أسنانه فإن كان قليلاً لم يفطر) ش: يعني إذا كان قليلاً م: (وإن كان كثيراً يفطره. وقال زفر: يفطره في الوجهين) ش: يعني في القليل والكثير م: (لأن الفم له حكم الظاهر حتى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 بالمضمضة. ولنا أن القليل تابع لأسنانه بمنزلة ريقه بخلاف الكثير لأنه لا يبقى فيما بين الأسنان. والفاصل مقدار الحمصة وما دونها قليل. وإن أخرجه وأخذه بيده ثم أكله ينبغي أن يفسد صومه لما روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الصائم إذا ابتلع سمسمة بين أسنانه لا يفسد صومه، ولو أكلها ابتداء يفسد صومه. ولو مضغها لا يفسد لأنها تتلاشى   [البناية] لا يفسد صومه بالمضمضة) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد، وفي " تتمتهم " إن قدر على إخراجه فابتلعه يفطر وإلا لا. وفي " شرح الإرشاد " إن كان مما يجري به الريق لا يفطر عنده، وإن كان لا مما يجري يفطر. [ابتلاع الصائم الشيء اليسير] م: (ولنا أن القليل تابع لأسنانه بمنزلة ريقه، بخلاف الكثير لأنه لا يبقى فيما بين الأسنان) ش: فكان الاحتراز عنه ممكناً. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " أنه إذا ابتلعه، فأما إذا استخرجه فأخذه بيده ثم ابتلعه يجب أن يفسد [صومه. ومنهم من قال لا يفسد صومه] سواء قصد ابتلاعه أو لم يقصد. ألا ترى ما قال محمد في " الجامع الصغير " [عن] محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الصائم يكون في أسنانه اللحم فأكله متعمداً فقال: ليس عليه قضاء ولا كفارة م: (والفاصل) ش: أي بين القليل والكثير م: (مقدار الحمصة) ش: فهو كثير والحمصة بتشديد الميم المفتوحة، قال ثعلب هو المختار، وقال المبرد بكسرها م: (وما دونها) ش:. أي [وما] دون الحمصة فهو م: (قليل) ش: ولم يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المبسوط والجامع الصغير "، وذكر في " شرح زفر ويعقوب " لابن شجاع أبي عبد الله البلخي قال: أخبرني ابن أبي مالك عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما كان بين أسنانه في قدر الحمصة فطره أجعل قدر الحمصة كثيراً لأنه لا تبقى بين الأسنان غالباً وما دونه يبقى وقال الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الحمصة فصاعداً كثيراً وما دون ذلك قليل، قال أبو نصر الدبوسي إذا أراد أن يبتلعه بغير ريق فهو كثير وإن لم يمكنه ذلك بغير استعانة بالبزاق فهو قليل. م: (فإن أخرجه) ش: أي فإن أخرج الذي بين أسنانه م: (وأخذه بيده ثم أكله ينبغي أن يفسد صومه) ش: لإمكان الاحتراز عنه م: (لما روي عن محمد) ش: أي بالقياس على ما روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن الصائم إذا ابتلع سمسمة) ش: كائنة م: (بين أسنانه لا يفسد صومه) ش: لأنه قليل، وبه قال زفر والشافعي - رحمهما الله - وأحمد. وفي " الخلاصة " يجب أن يفسد صومه، وعلى هذا لو أخذ لقمة من الخبز وهو ناس لصومه فلما مضغها ذكر أنه صائم فابتلعها وهو ذاكر، إن ابتلعها قبل الإخراج من فيه عليه الكفارة، وإن أخرجها ثم أعادها لا كفارة عليه، وبه أخذ الفقيه. م: (فلو أكلها ابتداء) ش: أي لو أكل سمسمة من الخارج م: (يفسد صومه) ش: لأنها من جنس ما يؤكل ويتغذى به، كذا في " فتاوى الولوالجي "، هذا إذا لم يمضغها م: (ولو مضغها إلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 وفي مقدار الحمصة عليه القضاء دون الكفارة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - عليه الكفارة أيضا لأنه طعام متغير ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعافه الطبع، فإن ذرعه القيء لم يفطر لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قاء فلا قضاء عليه ومن استقاء عامدا فعليه القضاء» ويستوي فيه   [البناية] يفسد صومه لأنها تتلاشى) ش: وكذا لو مضغ حبة حنطة لا يفسد صومه، لأنها تلتزق بأسنانه فلا تصل إلى جوفه، لأنه يصير تابعاً لريقه، ولو ابتلع ريقه لا يفسد بإجماع الأمة. ولو استشم مخاطه فأخرجه من فيه لا يفسد كريقه. ولا تجب الكفارة [ .... ] الدم في الظاهر، وفي رواية تجب، ولو عمل عمل الإبريسم فأدخل الإبريسم في فمه فخرجت فيه خضرة الصبغ أو صفرته أو حمرته فاختلط بالريق فصار الريق أحمر أو أخضر، فابتلع الريق وهو ذاكر لصومه يفسد، كذا في " الخلاصة ". م: (وفي مقدار الحمصة عليه القضاء دون الكفارة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - عليه الكفارة أيضاً) ش: أي مع القضاء م: (لأنه طعام متغير) ش: فلا يمنع ذلك وجوب الكفارة، كما إذا أكل اللحم المنتن. م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعافه الطبع) ش: أي يكرهه، يقال أعاف الماء عيافة كرهه، وذلك لأنه لما بقي بين الأسنان دخل في معنى الغذاء نقصان، ولهذا إذا تخلل يرميه وربما تكون له رائحة كريهة يكرهها الطبع، فلما دخل في معنى الغذاء نقصان قصرت الجناية، ومع قصورها لا تجب الكفارة. م: (فإن ذرعه القيء) ش: أي سبق إلى فيه وغلبه فخرج منه، ذكره في " المغرب "، وقيل غشيه من غير تعمد من باب منع وهو بالذال المعجمة م: (لم يفطر به) ش: وبه قال علي بن أبي طالب: وابن عمر وزيد بن أرقم والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وإسحاق. قال ابن المنذر وهو قول كل من يحفظ عنه [العلم، قال وبه أخذ. قال وعن الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان في الفطر،] وقال الصدر نقل عن ابن مسعود وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن لا فطر في القيء مطلقاً. وعند المالكية خلاف في فطر من ذرعه القيء، وعن أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يفطر في الفاحش. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من قاء فلا قضاء عليه، ومن استقاء عامدا فعليه القضاء» ش: هذا الحديث رواه الأئمة الأربعة عن عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " من قاء.. الحديث " وقال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 ملء الفم وما دونه فلو عاد وكان ملء الفم فسد عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه خارج حتى انتقض به الطهارة وقد دخل وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يفسد لأنه لم توجد صورة الفطر وهو الابتلاع وكذا معناه لأنه لا يتغذى به عادة وإن أعاده فسد بالإجماع لوجود الإدخال بعد الخروج فتتحقق صورة الفطر، وإن كان أقل من ملء الفم فعاد لم يفسد صومه لأنه غير خارج ولا صنع له في الإدخال.   [البناية] الترمذي حسن غريب، وقال محمد يعني البخاري لا أراه محفوظاً، ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواته كلهم ثقات. قوله - استقاء - بالمد استفعل من قاء يقيء يعني طلب القيء وكذلك تقيأ، ولا قضاء عليه في القيء، لأن كل ما يخرج من البدن لا يفسد الصوم، كالبول والغائط ونحوهما، فكذا القيء، وكان هذا هو القياس في الاستقاء، إلا أنا تركناه بالحديث. فإن قيل: روى الطحاوي عن أبي الدرداء «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاء فأفطر» ينبغي أن يكون القيء مفطراً، كما هو مذهب البعض، أجيب بأن معناه قاء فضعف فأفطر توفيقاً بين الحديثين. [حكم القيء بالنسبة للصائم] م: (ويستوي فيه) ش: أي في القيء الذي ذرعه م: (ملء الفم وما دونه) ش: يعني إذا ذرعه القيء لا يفطر، سواء ملء الفم أو أقل منه م: (فلو عاد) ش: أي القيء الذي ذرعه م: (وكان ملء الفم) ش: أي والحال أنه كان ملء الفم م: (فسد عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه خارج) ش: حقيقة م: (حتى انتقض به الطهارة وقد دخل) ش: أي الخارج فيفسد الصوم. م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يفسد لأنه لم توجد صورة الفطر وهو الابتلاع وكذا معناه) ش: أي معنى صورة الفطر م: (لأنه لا يتغذى به عادة) ش: لأن الاعتبار بحصول التغذي أو التردي إلى الجوف، قيل لا نسلم عدم حصول الفطر معنى، ألا ترى أن بالقيء تندفع الصفراء أو البلغم، وفيه صلاح البدن، وأجيب بأن صلاح البدن إذا كان الخارج لا يؤثر في نقض الصوم، ولهذا لا يفسد الصوم بالفصد، وفيه صلاح البدن أيضاً، ولهذا يسميه الأطباء الاستفراغ الكلي. م: (وإن أعاده) ش: أي وإن أعاد الذي قاء فيه فما إذا ذرعه ملء الفم م: (فسد) ش: أي صومه م: (بالإجماع لوجود الإدخال بعد الخروج فتتحقق صورة الفطر) ش: بدخول الخارج في الجوف بنفسه. م: (وإن كان) ش: أي القيء الذي ذرعه م: (أقل من ملء الفم فعاد) ش: يعني بنفسه إلى الجوف م: (لم يفسد صومه لأنه غير خارج ولا صنع له في الإدخال) ش: لأن الدخول يترتب على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 إن أعاد فكذلك عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لعدم الخروج. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يفسد صومه لوجود الصنع منه في الإدخال، فإن استقاء عمدا ملء فيه فعليه القضاء لما روينا، والقياس متروك به ولا كفارة عليه لعدم الصورة، وإن كان أقل من ملء الفم فكذلك عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لإطلاق الحديث، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يفسد لعدم الخروج حكما ثم إن عاد لم يفسد عنده، لعدم سبق الخروج، وإن أعاده فعنه أنه لا يفسد لما ذكرنا، وعنه أنه يفسد فألحقه بملء الفم لكثرة الصنع. قال: ومن ابتلع الحصاة أو الحديد أفطر لوجود صورة الفطر، ولا كفارة عليه لعدم المعنى.   [البناية] الخروج ولم يوجد الخروج م: (فإن أعاد) ش: أي فإن أعاده الذي تقيأ م: (فكذلك) ش: أي لا تفسد م: (عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لعدم الخروج) ش: فلا يوجد الخروج م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يفسد صومه لوجود الصنع منه في الإدخال) ش: وهو فعله، والنقض أثر الفعل. م: (فإن استقاء عمدا ملء فيه فعليه القضاء) ش: ذكر العمد تأكيدا ًلأن الاستقاء استفعال من القيء، وهو التكليف فيه، ولا يكون التكلف إلا بالعمد، كذا قاله الأترازي. وقال الكاكي: قوله: عمداً: إشارة إلى أنه لو استقاء ناسياً لصومه لا يفسد صومه. قلت: هذا أوجه من الأول م: (لما روينا) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من استقاء عمداً فعليه القضاء» م: (والقياس متروك به) ش: أي بالحديث المذكور؛ لأن القياس أن لا يفطر إلا بالدخول، ألا ترى أنه لا يفسد بالبول وغيره، ولكن ترك القياس بالحديث، وكذلك إن غلبه م: (ولا كفارة عليه لعدم الصورة) ش: وهذا الدخول. م: (وإن كان أقل من ملء الفم فكذلك عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي يفسد م: (لإطلاق الحديث) ش: لأنه لم يفصل بين القليل، والكثير م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يفسد لعدم الخروج حكما) ش: أي من حيث الحكم، ولهذا لا ينتقض به الطهارة. م: (ثم إن عاد) ش: إلى جوفه بنفسه فيما إذا استقاء أقل من ملء الفم م: (لم يفسد عنده) ش: أي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لعدم سبق الخروج، وإن أعاده) ش: أي أعاد ما صنعه م: (فعنه) ش: أي فعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه لا يفسد) ش: في رواية م: (لما ذكرنا) ش: يريد به عدم سبق الخروج م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية أخرى م: (أنه يفسد فألحقه بملء الفم لكثرة الصنع) ش: وهو صنع الاستقاء وصنع الإعادة. م: (قال: ومن ابتلع الحصاة أو النواة أو الحديد) ش: إنما قال: ابتلع، ولم يقل أكل؛ لأن الأكل هو المضغ والابتلاع جميعاً، والمضغ لا يحصل في الحصاة ونحوها، بخلاف الابتلاع، فإنه يحصل لأنه عبارة عن إدخال الشيء في الحلق م: (أفطر) ش: إلا على قول من لا يعتمد على قوله، وهو الحسن بن صالح، فإنه يقول: الفطر بإقضاء الشهوة، وهو قول بعض أصحاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] مالك م: (لوجود صورة الفطر) ش: بإيصال الشيء إلى باطنه م: (ولا كفارة عليه لعدم المعنى) ش: أي لعدم معنى الفطر، وهو التغذي، والتروي إلى البدن. وقال مالك: تجب عليه لأنه مفطر غير معذور، وكل من هو كذلك يجب عليه عنده، كذا قاله الأكمل، وهو خلاف ما نقله في " الذخيرة " [ .... ] ، ولو ابتلع حصاة أو نواة، أو ما لا يتغذى به، قال مالك: يقضي، ولا يكفر عنهم، قال سحنون من أصحابه: عليه الكفارة إن تعمده وإلا فالقضاء. وقال ابن القاسم: لا شيء في سهوه، وفي عمده الكفارة، وذكر في " الجواهر ": وهو من كتب المالكية عن بعض المتأخرين من المالكية: لا يفطر، ومشهور مذهبه الفطر، وعدم الكفارة. وفي " البدائع ": لو ابتلع ما لا يؤكل عادة كالحجر، والمدر، والجوهر، والذهب، والفضة أفطر ولا كفارة عليه، وكذا لو ابتلع حصاة أو حشيشاً أو جوزة رطبة أو يابسة وابتلعها كفر. وقيل: إن وصل القشر إلى حلقه أو لا لم يكفر، وإن مضغ فستقة مشقوقة يجب الكفارة، وإن لم تكن مشقوقة لا تجب إلا إذا مضغها، وفي الأرز والعجين لا تلزمه الكفارة، وكذا في دقيق الحنطة، والشعير إلا عند محمد، وفي دقيق الأرز قالوا: يلزمه، وفي " الذخيرة ": قيل: إن لته بسمن، أو دهن، تجب الكفارة بأكله، وفي الملح وحده لا تلزمه الكفارة إلا إذا اعتاد ذلك. وفي " الذخيرة ": قيل في قليله دون كثيره، لأنه مضر، وقيل: يجب مطلقاً، وإذا ابتلع حبة حنطة تلزمه الكفارة بخلاف حبة الشعير إلا إذا كانت مغلوة، ولو أكل لحماً غير مطبوخ تلزمه الكفارة بخلاف الشحم، وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والأصح عندي في الشحم لزومها، وفي الشحم، واللحم، والقديد: تجب الكفارة، لأنهما يؤكلان بذلك عادة، ولو أكل لحم الميتة وهي منتنة قد تدودت لا كفارة عليه، وإلا فعليه الكفارة. وفي " المحيط ": لو ابتلع سمسمة فطره قيل لا تلزمه الكفارة، لعدم التيقن بوصولها إلى الجوف، وقيل: يجب الكفارة نروي ذلك عن أبي حنيفة نصاً، وهو الأصح، وبه قال محمد بن مقاتل الرازي، والأول قول الصفار، وإن مضغها لا يفطر، لأنها تتلاشى، وتبقى بين أسنانه، وفي " خزانة الأكمل ": في التفاحة والخوخة الكفارة، وإن ابتلع رمانة صحيحة فلا كفارة عليه، وفي كتاب الصيام للحسن بن زياد في قشر رمانة رطبة، وجوزة رطبة، ولوزة رطبة [فعليه] كفارة، ولا كفارة في اليابسة، ومنها: ولو ابتلع بلوطة، أو عفصة منزوعة القشر كفر، وفي ابتلاع مسك أو زعفران الكفارة، وفي " الخزانة ": لو أكل طيناً فعليه القضاء دون الكفارة إلا في الطين الأرمني عليه الكفارة إلا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه كسائر الأطيان عنده. وقال محمد: هو بمنزلة الغاريقون يتداوى به، وفي ابتلاع الهليلجة روايتان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 ومن جامع في أحد السبيلين عامدا فعليه القضاء استدراكا للمصلحة الفائتة والكفارة، لتكامل الجناية. ولا يشترط الإنزال في المحلين اعتبارا بالاغتسال، وهذا لأن قضاء الشهوة يتحقق دونه وإنما ذلك شبع.   [البناية] [جماع الصائم عامدا] م: (ومن جامع في أحد السبيلين عامدا) ش: هما القبل والدبر، وقيد بقوله - عامداً - لأنه إذا كان ناسياً لا يجب عليه شيء أصلاً م: (فعليه القضاء) ش: وعليه جمهور العلماء، وقال الأوزاعي وبعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إن كفر بالصوم لا يجب عليه القضاء لأنه من جنسه، وإن كفر بغيره وجب، وحكي قول عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا كفر لا قضاء عليه، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين للأعرابي الكفارة ولم يبين حكم القضاء، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أفطر متعمداً فعليه ما على المظاهر وليس على المظاهر سوى الكفارة شيء» ، ولنا أنه وجب عليه الصوم بشهود الشهر، وقد انعدم فلزمه القضاء، كما لو كان معذوراً فلم يؤده فيضمنه ما عنده، كما في حقوق العباد، وإنما أراد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله فعليه ما على المظاهر بسبب الفطر، وبه نقول، لكن وجوب القضاء عند تفويت الأداء غير مشكل كذا في " المبسوط ". م: (استدراكا للمصلحة الفائتة) ش: يعني لأجل الاستدراك للمصلحة التي فاتت بإفساد الصوم، لأن الشارع حكيم لا يأمر بالإمساك إلا لحكمة، فإذا فوت هذه الحكمة والمصلحة بالإفساد يجب القضاء ليدركها. قلت: هذه الحكمة لمصلحة قهر النفس الأمارة بالسوء، فبالجماع يفوت قهر النفس للتنافي بينهما فيجب القضاء للاستدراك، والقضاء يجب على المعذور وعلى غير المعذور أولى. م: (والكفارة) ش: أي وعليه الكفارة أيضاً م: (لتكامل الجناية) ش: صورة ومعنى وهي إيلاج الفرج في الفرج، وهو قول الجمهور وقال الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير: لا كفارة عليه، وهو قول الزهري وابن سيرين أيضاً وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية الحسن عنه لا تجب الكفارة في الوطء في الدبر في الذكر والأنثى. قال في " المحيط ": تجب فيه الكفارة بالجماع [و] هو الصحيح، بخلاف الحد عنده لأنه متعلق بالزنا ولم يوجد. م: (ولا يشترط الإنزال في المحلين) ش: أي في القبل والدبر م: (اعتبارا بالاغتسال) ش: يعني إذا أدخل فنزع وجب عليه الغسل، فكذلك الكفارة، وقيل: الكفارة تندرئ بالشبهات، وأيضاً معنى الجماع وهو قضاء الشهوة فدرئت الشبهة، والغسل يجب بالاحتياط، فقياس أحدهما على الآخر غير صحيح، وأجيب بمنع معنى الجماع م: (لأن قضاء الشهوة يتحقق [دونه] ) ش: أي بدون الإنزال والإنزال شبع وليس بشرط، ألا ترى أن من أكل لقمة وجبت عليه الكفارة، وإن لم يوجد الشبع، وإليه أشار بقوله م: (وهذا) ش: أي قولنا الإنزال م: (وإنما ذلك شبع) ش: هذا جواب عن سؤال ذكر في " المبسوط " فإن قيل: تكامل الجناية شرط لإيجاب الكفارة وذلك لا يحصل بدون الإنزال. قلنا انقضاء شهوة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا تجب الكفارة بالجماع في الموضع المكروه اعتبارا بالحد عنده، والأصح أنها تجب لأن الجناية متكاملة لقضاء الشهوة، ولو جامع ميتة أو بهيمة فلا كفارة أنزل أو لم ينزل خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الجناية تكاملها بقضاء الشهوة في محل مشتهى ولم يوجد، ثم عندنا كما تجب الكفارة بالوقاع على الرجل تجب على المرأة. وقال الشافعي - رحمه   [البناية] المحل يتم بالإيلاج والإنزال شبع، ولا يعتبر به في تكميل الجناية. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا تجب الكفارة بالجماع في الموضع المكروه) ش: وهو الدبر م: (اعتبارا بالحد عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإنه لم يجعل هذا الفعل جناية كاملة في إيجاب العقوبة التي تندرئ بالشبهات، وهذه عقوبة تندرئ بالشبهات كالحدود في جانب المفعول ليس لقضاء الشهوة، وبه قال بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (والأصح أنها تجب) ش: أي الكفارة. رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن الجناية متكاملة لقضاء الشهوة) ش: في محله، والسبب قد تم وهو الفطر بهذه الجناية، وبه قال أبو يوسف ومحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وقال مالك وأحمد عليهما الغسل، وقال ابن قدامة قال أبو حنيفة في أشهر الروايتين عنه لا كفارة في الوطء في الدبر. قلت: هذا غير صحيح، والأصح ما ذكرناه. م: (ولو جامع ميتة أو بهيمة فلا كفارة أنزل أو لم ينزل خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فالصحيح عنه أنه تجب الكفارة. وفي " شرح المهذب " للنووي أولج في قبل بهيمة أو دبرها بطل صومه أنزل أو لم ينزل، وفيما دون الفرج لا يبطل إلا بالإنزال، ولا كفارة فيه، كقولنا، وتجب الكفارة في البهيمة في أصح الطريقين أنزل أم لا، واختلف الحنابلة في وجوب الكفارة في وطء البهيمة والميتة م: (لأن الجناية تكاملها بقضاء الشهوة في محل مشتهى ولم يوجد) ش: تكاملها بالرفع لأنه خبر إن والأولى أن يكون بالنصب بدلاً من الجناية، وقوله في قضاء الشهوة يكون خبر إن، والتقدير أن تكامل الجناية في قضاء الشهوة، حاصل المعنى أن الكفارة تعتمل الجناية الكاملة، وتكاملها لا يكون إلا بقضاء الشهوة في محل مشتهى، ولم ويوجد، ألا ترى أن الطباع السليمة تنفر عنها، فإن حصل به قضاء الشهوة فذلك لغلبة الشهوة والشبق أو لفرط السفه. [كفارة المفطر عمدا بجماع أو غيره] م: (ثم عندنا كما تجب الكفارة بالوقاع على الرجل تجب على المرأة) ش: هذا إذا طاوعته المرأة، أما إذا غلبها على نفسها فعليها القضاء دون الكفارة، وبه قال مالك وأبو ثور وابن المنذر وأحمد في أصح الروايات، قال الخطابي: هو قول أكثر العلماء. م: (وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول: لا تجب عليها) ش: أي الكفارة وهو أظهر أقوال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو رواية عن محمد، وفي قول: تجب كفارة واحدة على الواطئ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 الله - في قول: لا تجب عليها لأنها متعلقة بالجماع وهو فعله، وإنما هي محل الفعل، وفي قول تجب ويتحمل الرجل عنها اعتبارا بماء الاغتسال.   [البناية] عنهما ويتحمل عنها، وهو قول الأوزاعي، وله قول ثالث كقولنا م: (لأنها متعلقة بالجماع) ش: أي لأن الكفارة متعلقة بالجماع يعني بسبب فعل الجماع م: (وهو) ش: أي الجماع م: (فعله) ش: أي فعل الرجل، م: (وإنما هي محل الفعل، فلا تجب عليها، وفي قول) ش: للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (تجب ويتحمل الرجل عنها) ش: لأنه أوقعها في هذه المؤنة هذا إذا كان موسراً، وأما إذا كان معسراً فلا يتحملها كالتكفير بالصوم م: (اعتبارا بماء الاغتسال) ش: يعني قياساً على ماء الاغتسال، فإنه عليه، لأنه أوقعها فيه والحق التعلق بالجماع ينقسم إلى بدني ومالي، فما كان مالياً، فعلى الزوج، وما كان بدنياً فعليهما كثمن ماء الاغتسال فإنه عليه والاغتسال عليها، وفي تتمتهم فيه تسعة فروع. أحدها: إذا كانا جميعاً من أهل الإطعام أو العتق يحمل ويتداخلان لأنهما جنس واحد والسبب واحد. الثاني: إذا كانا جميعاً من أهل الصوم، فعلى كل واحد أن يصوم ولا يتحمل عنها، لأنها عبادة بدنية ولا يجزئ فيها التحمل. الثالث: إذا كان الرجل من أهل الإعتاق، وهي من أهل الصوم فيه وجهان، أحدهما: عليه الصوم لعدم التحمل فيه، والثاني: يسقط عنها لعتق الرجل. الرابع: إذا كان هو من أهل العتق وهي من أهل الإطعام يتحمل عنها، وهما يتداخلان؟ فيه وجهان، أحدهما: لا يتداخلان لأنهما جنسان مختلفان، ولا تداخل مع الاختلاف. والثاني: تدخل فيه. الخامس: لو كان هو من أهل الصوم، وهي من أهل العتق [فوجهان، أحدهما: لا يتحمل عنها، لأنه عاجز، والثاني: يتحمل فتبقى] في ذمته إلى أن يقدر. والسادس: لو كان هو من أهل الإطعام وهي من أهل الصوم لا يتحمل عنها، لأنه [بدني فلا يتحمل فيه. السابع: لو زنى بامرأة لا يتحمل عنها، لأن] التحمل بسبب الزوجية ولم يوجد، ولهذا لا يلزمه ثمن ماء الاغتسال. الثامن: إذا كان نائماً فاستدخلت ذكره فعليها الكفارة، لأن الرجل لم يجعلها مفطرة. التاسع: إذا قدم الرجل من سفر مفطراً فجامعها، فإن ظن أنها مفطرة فلا يتحمل ولو جامعها مع العلم بصومها فيه وجهان، أحدهما: لا يتحمل، والثاني يتحمل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أفطر في رمضان فعليه ما على المظاهر» وكلمة "من" تنتظم الذكور والإناث، ولأن السبب جناية الإفساد لا نفس الوقاع وقد شاركته فيها ولا يتحمل لأنها عبادة أو عقوبة ولا يجري فيهما التحمل، ولو أكل أو شرب ما يتغذى به أو ما يتداوى به فعليه القضاء.   [البناية] م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من أفطر في رمضان فعليه ما على المظاهر» ش: قال الأترازي: هذا ما رواه أصحابنا في كتبهم وذكره السغناقي ثم تبعه الأكمل مجرداً من غير بيان في حاله ولا نسبه إلى أحد. وقال الكاكي وفي " المبسوط "، واحتج علماؤنا بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من أفطر في رمضان فعليه ما على المظاهر» ، رواه أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقال مخرج أحاديثه: هذا حديث غريب لم أجده، واستدل ابن الجوزي في التحقيق لمذهبنا ومذهبه بما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر رجلاً أفطر في رمضان أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكيناً» انتهى قال: ووجهه أنه علق التكفير بالإفطار وهو معنى حسن صحيح. وقال الكاكي: وما رواه في المتن رواه الدارقطني بمعناه، قلت: روى الدارقطني في " سننه " عن يحيى الحماني حدثنا هشيم عن إسماعيل بن سالم عن مجاهد عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر الذي أفطر يوماً في رمضان بكفارة الظهار» . م: (وكلمة من تنتظم الذكور والإناث) ش: قال الله تعالى {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ} [الأحزاب: 31] [الأحزاب: 31] وفي بعض النسخ تنتظم الذكور والإناث، م: (ولأن السبب) ش: أي سبب الكفارة م: (جناية الإفساد) ش: أي إفساد الصوم م: (لا نفس الوقاع) ش: ولهذا إذا حصل الوقاع ولم يوجد الإفساد لا تجب الكفارة، كما في الوقاع في ليالي رمضان. م: (وقد شاركته فيها) ش: أي في جناية الفساد فشاركته في الكفارة فتجب عليها كما تجب عليه، وهذا جواب عن قول الشافعي أعني عن قوله الأول. م: (ولا يتحمل لأنها) ش: أي لأن الكفارة م: (عبادة أو عقوبة) ش: وأيا ما كانت لا تلزمه م: (ولا يجري فيهما) ش: أي في العبادة والعقوبة م: (التحمل) ش: لأن العبادة فعل اختياري، فلو جاز التحمل لحصل الجبر واللازم منتف فينتفي الملزوم، وأما العقوبة فقد شرعت زجراً على الجاني لا على غيره، وهذا جواب عن قوله الثاني. م: (ولو أكل) ش: أي الصائم م: (أو شرب ما يتغذى به أو ما يداوى به) ش: في نهار رمضان وكان عمداً م: (فعليه القضاء) ش: أي قضاء ذلك اليوم، وقال الأوزاعي: ليس عليه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 والكفارة وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا كفارة عليه لأنها شرعت في الوقاع بخلاف القياس لارتفاع الذنب بالتوبة، فلا يقاس عليه غيره. ولنا أن الكفارة تعلقت بجناية الإفطار في رمضان على وجه الكمال لا بنفس الوقاع   [البناية] القضاء، واستدل بحديث الأعرابي، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين حكم الكفارة، ولم يبين حكم القضاء. قلنا: إنه وجب عليه الصوم بشهود الشهر، وقد انعدم الأداء عنه فيلزمه القضاء، وإنما بين للأعرابي ما كان مشكلاً. م: (والكفارة) ش: أي مع القضاء هو قول جمهور العلماء منهم الشعبي والزهري والثوري والحسن البصري وعطاء ومالك وإسحاق وأبو ثور ومحمد بن جرير الطبري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وكان سعيد بن جبير يقول: لا كفارة على المفطر في رمضان، أي مفطر كان، لأن في آخر حديث الأعرابي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كلها أنت وعيالك» فانتسخ بهذا حكم الكفارة، ولنا ما يأتي عن قريب. وقال سعيد بن المسيب: عليه صوم شهر، وقال عطاء: عليه تحرير رقبة، فإن لم يجد فبدنة أو بقرة أو عشرون صاعاً من طعام على أربعين مسكيناً، وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: عليه أن يصوم اثني عشر يوماً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36] [التوبة: 36] ، وعند إبراهيم النخعي عليه أن يصوم ثلاثة آلاف يوم، رواه عنه حماد بن أبي سليمان وقال أبو عمر بن عبد البر، هذا لا وجه له إلا أن يكون كلامه قد خرج على وجه التغليظ والغضب، وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عليه عتق رقبة أو صوم شهر أو إطعام ثلاثين مسكيناً، وعن ابن سيرين يقضي يوماً، وهو رواية عن الشعبي ومذهب ابن جبير، ورواه القاضي بكار عن النخعي، وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقضي يوماً ويطعم مسكيناً واحداً. وعن الحسن البصري أنه سئل عن رجل أفطر أربعة أيام يأكل ويشرب وينكح. قال: يعتق أربع رقاب، فإن لم يجد فأربعة من البدن فإن لم يجد فعشرون صاعاً من التمر لكل يوم، فإن لم يجد صام لكل يوم يومين، وروي مثله مرسلاً من طريق بن المسيب، وعن علي وابن مسعود رضي عنهما - أنهما قالا: لا يقضيه أبداً، وإن صام الدهر كله، ورفعه أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال أبو عمر: وهو ضعيف. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا كفارة عليه) ش: ولكن يعزره السلطان ويجب عليه إمساك بقية يومه، وبه قال أحمد وداود م: (لأنها) ش: أي لأن الكفارة م: (شرعت في الوقاع) ش: أي الجماع بخلاف القياس لارتفاع الذنب بالتوبة فلا يقاس عليه غيره) ش: بيانه أن الأعرابي جاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تائباً نادماً، والتوبة رافعة للذنب بالنص، ومع ذلك أوجب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الكفارة فعلم أنها تثبت على خلاف القياس، وما كان كذلك لا يقاس عليه غيره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 وقد تحققت. وبإيجاب الإعتاق تكفيرا عرف أن التوبة غير مكفرة لهذه الجناية.   [البناية] م: (ولنا أن الكفارة تعلقت بجناية الإفطار) ش: أي أن وجوب الكفارة في الوقاع تعلق بجناية الإفساد للصوم م: (في رمضان على وجه الكمال لا بنفس الوقاع وقد تحققت) ش: أي الجناية في الأكل والشرب فوجب القول بوجوب الكفارة بطريق الأولى، لأن الكفارة وردت زجراً، والزجر إنما يكون في إتيان حرام تدعو إليه النفس، وداعية النفس في الصوم إلى الأكل والشرب أكثر منها إلى الجماع، فلما وجب في الجماع الزجر، فلأن تجب الكفارة في الأكل والشرب أولى وأحرى، قيل: لا نسلم عدم تعلق الكفارة بنفس الوقاع لأنه حرام في الصوم. وأجيب بأن وقاع الزوجة من حيث هو ليس بحرام بالنص، فعلم أن الكفارة تعلقت بإفساد الصوم فقيل: لا نسلم تعلقها بإفساد الصوم والفساد حاصل في الإطار بالحصاة والنواة فأجيب نعم لكن لا على وجه الكمال فيما ذكر لعدم فوت معنى الصوم وهو قهر النفس بالتجويع. م: (وبإيجاب الإعتاق تكفيرا عرف أن التوبة غير مكفرة لهذه الجناية) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الكفارة شرعت في الوقاع بخلاف القياس لارتفاع الذنب بالتوبة، وبيانه أن يقال لا نسلم أن هذه الجناية [ترفع بالتوبة، فإن الشرع لما أوجب الإعتاق كفارة هذه الجناية] ، علم أنها غير مفكرة لها كجناية السرقة والزنا حيث لا يرتفعان بمجرد التوبة بل بالحد، والباقي بإيجاب العتق تتعلق بقوله - عرف - والتقدير عرف بإيجاب الشارع الإعتاق أن التوبة غير مكفرة، وقوله - تكفيراً - نصب على التعليل أي لأجل التكفير. فإن قال الخصم للجماع مزية في استدعاء الزاجر لغلظه في الجناية ولا يثبت الحكم في غير من زجره، الأول: أن الجماع يوجب الفطر من [الحكم] فكان أشد بخلاف الأكل والشرب. والثاني: أن الإحرام يفسد بسبب الجماع، ولا يفسد بسائر محظورات الإحرام. والثالث: أن الشارع أوجب في الوقاع عند عدم الملك ولم يشرع في الأكل عند عدم الملك، فكان أشد. والرابع: أن تمام الجوع يبيح الفطر عند الضرورة، فكان نقيضه يوجب شبهة الإباحة والكفارة لا تجب بالشبهة، بخلاف الوقاع فإنه لا يباح أصلاً في حق الصائم. والخامس: أن الوقاع بالمرأة له داعيان من النظر بخلاف الأكل فكان أشد. وأجيب عن الأول بأنه لا فرق بين جماع الصغير، والكبير والمكرهة والبهيمة على أصله وليس فطراً، ومع ذلك وجبت الكفارة. وعن الثاني خوف الجماع في الحج أقوى حتى لا يرتفع بالحلق إلى أن يطوف طواف الزيارة بخلاف سائر المحظورات حتى ترتفع بالحلق، وهنا كلها سواء. وعن الثالث التسوية بين الأكل والوقاع في الركنية حرمة وإباحة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 ثم قال: والكفارة مثل كفارة الظهار لما روينا، ولحديث الأعرابي فإنه قال: «يا رسول الله هلكت وأهلكت، فقال: ماذا صنعت؟، قال: واقعت امرأتي في نهار رمضان متعمدا، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أعتق رقبة، فقال: لا أملك إلا رقبتي هذه، فقال: صم شهرين متتابعين، فقال: وهل جاءني ما جاءني إلا من الصوم؟ فقال: أطعم ستين مسكينا، فقال: لا أجد، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن يؤتى بفرق من تمر "ويروى" بعرق فيه خمسة عشر صاعا، وقال: فرقها على المساكين: فقال: والله ليس ما بين لابتي المدينة أحد أحوج مني ومن عيالي، فقال: كل أنت وعيالك يجزيك ولا يجزي أحدا بعدك»   [البناية] وعن الرابع: أن تمام الجوع لا يبيح الفطر عند الضرورة، لأن الضرورة عبارة عن خلو المعدة لخوف الهلاك على نفسه بسبب من الجوع، لأن الجوع عبارة عن الاستشهاء ووقوع الحاجة إلى الأكل، وهذا لا يباح بحال، والضرورة عبارة عن خلو المعدة التي يتعلق بها بقاء الطبيعة، وذلك الخلو لا يتصور بعضه ببعض الزاد إذا بقي، ولا يخلو دخول الجوف عما فيه لا يتصور بعضه، وعن الخامس فهو الجواب عن الأول. [صفة كفارة المفطر عمدا في رمضان] م: ( [ثم قال] والكفارة مثل كفارة الظهار) ش: أي الكفارة التي تجب بالواقع، مثل كفارة الظهار، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً لكل مسكين نصف صاع من بر أو صاع من تمر م: (لما روينا) ش: أراد به قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من أفطر في رمضان فعليه ما على المظاهر» . م: «ولحديث الأعرابي فإنه قال: يا رسول الله هلكت وأهلكت، فقال: ماذا صنعت؟، قال: واقعت امرأتي في نهار رمضان متعمداً، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أعتق رقبة، فقال: لا أملك إلا رقبتي هذه، فقال: صم شهرين متتابعين، فقال: وهل جاءني ما جاءني إلا من الصوم؟ فقال: أطعم ستين مسكينا، فقال: لا أجد، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يؤتى بفرق من تمر "ويروى" بعرق من تمر فيه خمسة عشر صاعا، وقال: فرقها على المساكين: فقال: والله ليس بين لابتي المدينة أحد أحوج مني ومن عيالي، فقال: كل أنت وعيالك يجزيك ولا يجزي أحدا بعدك» ش: الكلام في هذا الحديث على أنواع: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الأول: أن هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة من حديث أبي هريرة فقال البخاري: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني حميد بن عبد الرحمن «حدثنا أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: بينما نحن جلوس عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: ما لك، قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هل تجد من رقبة تعتقها؟ قال لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال لا، قال فمكث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فبينما نحن كذلك أتي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بفرق فيها تمر، والفرق المكيل، قال: أين السائل؟ فقال أنا، فقال خذها فتصدق بها، فقال الرجل: أعلى [وجه الأرض] أفقر مني يا رسول الله، فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بدت أسنانه، قال: أطعمه أهلك» . وقال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن نمير كلهم عن ابن عيينة، قال يحيى أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: هلكت يا رسول الله فقال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال هل تجد ما تعتق رقبة قال لا، قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال: لا قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال لا، ثم جلس فأتي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعرق فيه تمر، فقال: تصدق بهذا فقال أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بدت أسنانه، ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك» . وقال أبو داود: حدثنا مسدد ومحمد بن عيسى المعنى قالا: حدثنا سفيان، قال مسدد حدثنا الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: «أتى رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال هلكت، فقال: ما شأنك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال لا، قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال لا، قال اجلس فأتي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعرق فيه تمر، فقال: تصدق به، فقال: يا رسول الله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا، فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بدت ثناياه وقال: أطعمهم إياه» . وقال الترمذي: حدثنا نصر بن علي الجهضمي وأبو عمار الضبي وأحمد واللفظ لفظ أبي عمار، قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن «عن أبي هريرة ... قال أتاه رجل فقال يا رسول الله هلكت، فقال: ما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال هل تستطيع أن تعتق رقبة؟ قال لا، قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال لا، فأجلس؟ فجلس فأتي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بفرق فيه تمر، والفرق المكتل الضخم، قال: فتصدق به، قال: ما بين لابتيها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أحد أفقر منا، فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بدت ثناياه، قال: خذه فأطعمه أهلك» . وقال النسائي: أخبرنا محمد بن نصر النيسابوري ومحمد بن إسماعيل الترمذي، قالا حدثنا أيوب بن سليمان قال حدثني أبو بكر وهو ابن أبي أويس عن سليمان قال يحيى بن سعيد وأخبرني ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة أخبره «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر رجلاً أفطر في رمضان أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً، قال الرجل: يا رسول الله ما أجده، فأتي بفرق من تمر فقال: خذ هذا فتصدق به، قال: ما أحد أحوج يا رسول الله مني فضحك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بدت أنيابه ثم قال: كله» . ورواه من طريق أخرى. وقال ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: «أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل فقال: هلكت فقال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعتق رقبة قال: لا أجدها قال صم شهرين متتابعين قال: لا أطيق قال أطعم ستين مسكيناً، قال: لا أجد، قال: اجلس فجلس فبينما هو كذلك إذ أتي بمكتل يدعى الفرق، قال: اذهب فتصدق به فقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، قال: فانطلق فأطعمه عيالك» . النوع الثاني: في معناه قوله - بينما - أصله بين فأشبعت فتحة النون فصارت بينا، ثم زيدت فيه الميم فصارت بينما، وتضاف إلى جملة اسمية وفعلية، وتحتاج إلى جواب يتم به المعنى، وجوابه هنا هو قوله - إذ جاء رجل - زعم ابن بشكوال أن هذا الرجل هو سلمة بن صخر البياضي فيما ذكره ابن أبي شيبة في مسنده، وعن ابن الجارود سليمان بن صخر. وفي جامع الترمذي سلمة بن صخر، وهذا في المتن لحديث الأعرابي، والأعرابي نسبة إلى الأعراب، والأعراب ساكنو البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلونها إلا لحاجة. والعرب اسم لهذا الجيل من الناس سواء أقاموا بالبادية أو المدن، والنسبة إليه عربي. قوله - هلكت - في رواية البخاري وكذا في رواية البقية، وفي متن حديث الباب - هلكت وأهلكت - وليس في الكتب الستة لفظ وأهلكت، وقال الخطابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذه اللفظة غير محفوظة، وأصحاب سفيان لم يرووها عنه، إنما ذكروا قوله - هلكت - فقط غير أن بعض أصحابنا حدثني أن المعلى بن منصور روى هذا الحديث عن سفيان فذكر هذا الحرف فيه وهو غير محفوظ، والمعلى ليس بذاك القوي في الحفظ والإتقان، انتهى. قلت: أخرجه الدارقطني في " سننه " عن أبي ثور حدثنا المعلى بن منصور حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري به، وفيه هلكت وأهلكت، وفي رواية البيهقي في " سننه " أيضاً جاءه رجل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله يخير لأن مقتضاه الترتيب   [البناية] وهو ينتف شعره ويدق صدره، ويقول هلكت ألا بعد وأهلكت، [وفي رواية ويدعو بالويل، وفي رواية ويلطم وجهه، وفي رواية الحجاج بن أرطاة ويدعو ويله، وفي مرسل سعيد بن المسيب عن الدارقطني ويحثي على رأسه التراب. قوله - قال مالك - وفي رواية مسلم - وما أهلكك - وكذا في رواية الترمذي وابن ماجه] ، وفي رواية أبي داود - وما شأنك؟ - وفي متن حديث الكتاب ماذا صنعت؟. قوله - بفرق - بفتح الفاء والراء مكيال لستة عشر رطلاً، والعرق بفتح العين والراء، وقال أبو عبيد فتح الراء وهو الصواب عند أهل اللغة، قال وأكثرهم يروونه بسكون الراء. وفي ديوان الأدب - العرق - الزنبيل، وقال أبو عمر - العرق - أكبر من المكتل، والمكتل أكبر من الفرق، والعرقة زنبيل، وفي المحكم الفرق واحدته فرقة. قوله - لابتي المدينة - تثنية اللابة، قال الأصمعي اللابة الحرة وهي الأراضي التي قد ألبتها حجارة سود، جمعها لابات ولوب. قوله - يجزيك لا يجزي أحداً بعدك - لم يرد في كتاب من كتب الحديث. النوع الثالث: أن هذا الحديث يدل على بيان كفارة من أفطر في رمضان عمداً على الترتيب المذكور فيه، وفيه كلام كثير لا يحتمل هذا الموضع بيانه، فمن أراد ذلك فعليه بشرحنا للبخاري والذي سميناه عمدة القاري في شرح البخاري. م: (وهو) ش: أي حديث الأعرابي م: (حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله يخير) ش: أي يخير من عليه الكفارة بين الإعتاق والصوم والإطعام مطلقاً، فأيهما أدى خرج عن العهدة. وقال الكاكي قوله - وهو حجة على الشافعي في قوله يخير - وقع سهواً من الكاتب، فإن الشافعي لا يقول بالتخيير، بل يقول مثل مذهبنا بالترتيب، وبه قال أحمد في أصح الروايتين. وقال في شرح الموطأ وابن المنذر في الأشراف قالوا هذا مذهب أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأصحابه والأوزاعي، والثوري والحسن بن حي والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وأحمد وأبي ثور، وقال السغناقي: والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقول بالتخيير بل يقول بالترتيب المذكور في حق المظاهر كما هو قولنا، وهو منصوص في كتبهم في الوجيز والخلاصة المسنوبان للغزالي، وكذلك في كتبنا في مبسوط شمس الأئمة وفخر الإسلام. م: (لأن مقتضاه) ش: أي مقتضى الحديث وجوب م: (الترتيب) ش: ودلالة الحديث على الترتيب ظاهرة، والذي ذهب إلى التخيير استدل بحديث سعد بن أبي وقاص «أن رجلاً سأل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 وعلى مالك في نفي التتابع للنص عليه. ومن جامع فيما دون الفرج فأنزل فعليه القضاء لوجود الجماع معنى، ولا كفارة عليه لانعدام الصورة. وليس في إفساد الصوم في غير رمضان كفارة، لأن الإفطار في رمضان أبلغ في الجناية ولا يلحق غيره به. ومن احتقن أو استعط أو أقطر في   [البناية] رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إني أفطرت في رمضان، فقال: أعتق رقبة أو صم شهرين [متتابعين] أو أطعم ستين مسكيناً» . أجيب بأن حديث الأعرابي مشهور لا يعارضه هذا الحديث، فيحمل على أن المراد به بيان ما تتأدى به الكفارة في الجملة لا التخيير، قلت حديث سعد بن أبي وقاص رواه الدارقطني في " سننه ". م: (وعلى مالك) ش: أي وحجة أيضاً على مالك م: (وفي نفي التتابع) ش: فإنه يجوز الصوم مطلقاً تابع أو فرق، هذا على ما ذكره المصنف، ولكن نسبته إلى مالك سهو أيضاً، فإن القائل بنفي التتابع هو ابن أبي ليلى ومالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يقول إلا بالتتابع كقولنا، وفي " الذخيرة " للمالكية يجب صوم شهرين متتابعين عند مالك، وقال ابن قدامة في المغني لا اختلاف بين من أوجب الصوم أنه شهران متتابعان، وفي السروجي عند ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شهر واحد، وعند ابن أبي ليلى شهرين ولم يوجب فيهما التتابع، ذكره القرطبي وغيره م: (للنص عليه) ش: أي لنص الحديث على التتابع، حيث قال صم شهرين متتابعين، وكل صيام لم يذكره الله في القرآن متتابعاً فالصائم بالخيار إن شاء تابع وإن شاء فرق وكل صوم ذكر في القرآن متتابعاً فعليه التتابع والصيامات المذكورة في القرآن ثمانية، أربعة منها متتابعة، صوم رمضان وكفارة القتل وكفارة الظهار وكفارة اليمين عندنا، وأربعة منها صاحبها بالخيار قضاء رمضان، وصوم المتعة، وصوم كفارة الحلق، وكفارة [جزاء] الصيد، وفي المبسوطين من مشايخنا من قال كل كفارة شرع فيها عتق فصاحبها بالخيار، فحينئذ يدخل فيه كفارة الفطر م: (ومن جامع فيما دون الفرج) ش: أي أراد به الاستعمال في فخذ المرأة، أو في بطنها ولم يرد به اللواطة فإنه فيها تجب الكفارة م: (فأنزل فعليه القضاء لوجود الجماع معنى) ش: وهو الإنزال عن المس بشهوة م: (ولا كفارة عليه) ش: وبه قال الشافعي، وقال مالك وأحمد وأبو ثور تجب الكفارة لوجود هتك حرمة الصوم، ولهذا يجب عليه القضاء بالإجماع م: (لانعدام الصورة) ش: أي صورة الجماع، وهو إيلاج الفرج في الفرج. [الحقنة والقطرة للصائم] م: (وليس في إفساد صوم في غير رمضان كفارة) ش: حكي عن قتادة أن الكفارة تجب بإفساد قضاء رمضان اعتباراً بأدائه م: (لأن الإفطار في رمضان أبلغ في الجناية) ش: لأن فيه هتك حرمة الشهر م: (ولا يلحق غيره به) ش: أي غير رمضان برمضان، وهذا بخلاف الكفارة في الحج، حيث يستوي فيه الفرض والنفل، لأن وجوبها لحرمة العبادة، وفي رمضان لحرمة الأمان لا لنفس العبادة، فافترق صوم رمضان وغيره. م: (ومن احتقن) ش: أي وضع الحقنة في الدبر، والحقن بفتح الحاء كذا في " المغرب " وقال ابن الأثير: الحقنة أن يعطى المريض الدواء من أسفله وهي معروفة عند الأطباء، وفي الحديث أنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 أذنه أفطر لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الفطر مما دخل.   [البناية] كره الحقنة، وقال أصحابنا لا بأس بالاحتقان حال الضرورة، وهو قول النخعي، وقال مجاهد والشعبي يكره م: (أو استعط) ش: بفتح التاء أيضاً أي صب السعوط في الأنف، وهو بفتح السين اسم دواء يصب في أنف المريض، واستعطه إياه، ولا يقال استعط على بناء المجهول، والوجور دواء يصب في وسط الفم م: (أو أقطر في أذنه) ش: وقطره مثله، وأقطره، وقطر، وقطر بنفسه قطراً سال. م: (أفطر) ش: بالفاء جواب من، أي أفطر الصائم بالاحتقان والاستعاط والإقطار في الأذن عند عامة العلماء إلا عند الحسن بن صالح وداود، فإنهما قالا لا يفطر، وقال مالك والأوزاعي في السعوط إن نزل إلى حلقه يفطر وإلا لا، ولمالك في الحقنة، روايتان، وفي " الأجناس " توجب الفطر ولا يقع بها الرضاع، ونقله عن " نوادر هشام "، لأن الرضاع إنما يثبت باللبن الذي يشربه الصغار بمعنى النشء والنمو والتغذية، ألا ترى أنه في حال الكبر لا يوجب والحقنة مفارقة للشرب في هذا المعنى. م: «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[الفطر مما دخل» ش: هذا الحديث] رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " حدثنا أحمد بن منيع حدثنا مروان بن معاوية «عن رزين البكري قال حدثتنا مولاة لنا يقال لها سلمى بنت بكر بن وائل أنها سمعت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تقول دخل علي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا عائشة هل من كسرة، فآتيته بقرص فوضعه على فيه، فقال يا عائشة هل دخل بطني منه شيء، كذلك قبلة الصائم، إنما الإفطار مما دخل وليس مما خرج» . وروى عبد الرزاق في " مصنفه " هذا موقوفاً على ابن مسعود فقال أخبرنا الثوري عن وائل ابن داود عن أبي هريرة عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال إنما الوضوء مما خرج وليس مما دخل والفطر في الصوم مما دخل وليس مما خرج ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الطبراني في " معجمه "، ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " موقوفاً على ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فقال حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال الفطر مما دخل وليس مما خرج. وكذلك رواه البيهقي وقال: وروي من قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا يثبت، وذكره البخاري في " صحيحه " تعليقاً، وقال ابن عباس وعكرمة: الصوم مما دخل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 ولوجود معنى الفطر وهو وصول ما فيه صلاح البدن إلى الجوف ولا كفارة عليه لانعدام الصورة، ولو أقطر في أذنيه الماء أو دخله لا يفسد صومه لانعدام المعنى والصورة بخلاف ما إذا دخله الدهن. ولو داوى جائفة أو آمة بدواء فوصل إلى جوفه أو دماغه أفطر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - والذي يصل هو الرطب   [البناية] وليس مما خرج، ولوجود معنى الفطر م: (وهو وصول ما فيه صلاح البدن إلى الجوف) ش أي إلى جوف الرأس أو البطن م: (ولا كفارة عليه) ش: لانعدام الصورة أي صورة الفطر، وهو الوصول إلى الجوف من المنفذ المعهود، وهو الفم م: (ولو أقطر في أذنيه الماء أو دخله) ش: أي أو دخل الماء أذنه بنفسه م: (لا يفسد صومه لانعدام المعنى والصورة) ش: أراد بالمعنى صلاح البدن وهو معدوم، لأن الماء الذي يدخل في الأذن يضر ولا ينفع، وأراد بالصورة الوصول إلى الجوف من المنفذ المعهود وهو الفم. وعند الشافعية لو قطر في أذنه ماء أو دهناً فوصل إلى دماغه فطره في أصح الوجهين. وقال القاضي حسين والقوزاني والسنجي: لا يفطره، وصححه القرافي، ولو اغتسل فدخل الماء أذنه فلا شيء عليه ولو صبه فيها فعليه القضاء، والمختار لا شيء عليه فيهما، وهو قول مالك والأوزاعي وداود، وفي " خزانة الأكمل " لو صب الماء في أذنه لا يفطره، هكذا عند بعض مشايخنا بخلاف الدهن يفعله فعليه القضاء، وفي " السليمانية ": من تبخر بالدواء فوجد طعم الدخان في حلقه يقضي الصوم، وفي " الخزانة " عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيمن استنشق فوصل الماء دماغه لزمه القضاء م: (بخلاف ما إذا دخله الدهن) ش: يعني أفطره إذا أدخل في أذنه الدهن لوجود صلاح البدن. م: (ولو داوى جائفة) ش: وهي الطعنة التي تبلغ الجوف م: (أو آمة) ش: بمد الهمزة وبالتشديد وهي الشجة التي تبلغ أم الرأس وأمه يؤمه من آمته إذا ضربته بالعصا إذا ضربت أم رأسه وهي الجلدة التي تجمع الدماغ، وإنما قيل للشجة: آمة على معنى ذات أم كعيشة راضية. م: (بدواء يصل إلى جوفه) ش: يرجع إلى الجائفة م: (أو دماغه) ش: يرجع إلى الآمة م: (أفطر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - م: (والذي يصل هو الرطب) ش: أشار بهذا إلى أن المراد من قوله: يصل إلى جوفه هو الدواء الرطب، لأن الخلاف فيه، وأما إذا كان يابساً لا يفسد صومه بالإجماع، كذا في " المبسوط " و " تحفة الفقهاء " وغيرهما، وهو ظاهر الرواية. قال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فرق في ظاهر الرواية بين الرطب واليابس، وأكثر مشايخنا على أن العبرة للوصول حتى إذا علم أن اليابس وصل إلى جوفه فسد صومه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 وقالا: لا يفطر لعدم التيقن بالوصول لانضمام المنفذ مرة واتساعه أخرى كما في اليابس من الدواء. وله أن رطوبة الدواء تلاقي رطوبة الجراحة فيزداد ميلا إلى الأسفل فيصل إلى الجوف، بخلاف اليابس، لأنه ينشف رطوبة الجراحة فينسد فمها، ولو أقطر في إحليله لم يفطر عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يفطر. وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مضطرب فيه   [البناية] وإذا علم أن الرطب لم يصل لا يفسد، وفي " الأجناس " لا فرق بين الرطب و [اليابس] إذا وصلا إلى الجوف فطر، أو إذا لم يصلا إلى الجوف لم يفطراه، ثم قال: هكذا فسره محمد بن شجاع في " تفسير المجدد "، وما ذكره في الأصل مطلقا في الرطب أنه يفطره فهو بناء على الغالب، لأنه يصل إلى الجوف غالباً، ثم قال: روى: ابن أبي مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إن كان الرطب يصل إلى جوفه ولم يفرق القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - بين الرطب واليابس في كتاب التقريب، بل حقق الخلاف فيهما جميعاً بين أبي حنيفة وصاحبيه. م: (وقالا: لا يفطر لعدم التيقن بالوصول) ش: أي المنفذ الأصلي والمنافي للصوم هو الواصل إلى الجوف من المخارق المعتادة التي خلقها الله تعالى في البدن م: (لانضمام المنفذ مرة واتساعه أخرى) ش: إذا ظهر أن المنفذ إذا انضم وانزوى لا يصل منه شيء إلى الباطن، وإذا اتسع يصل فلا يتيقن ذلك ولا يصل إلى الجوف فلا يفسد الصوم م: (كما في اليابس من الدواء) ش: أي كما لا يفصد في تداويه بدواء يابس لأنه يستمسك، فلا يصل إلى الباطن، وبقولهما قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وله) ش: لأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أن رطوبة الدواء تلاقي رطوبة الجراحة فيزداد ميلا إلى الأسفل) ش: لأن ما كان مبطناً في نفسه وله سبب ظاهر يدار الحكم على السبب الظاهر، والوصول إلى الجوف هو الموجب للفطر، إلا أنه مبطن لا يوقف عليه وله سبب ظاهر وهو كون الدواء مائعاً سائلاً، لأن كل مائع طبعه التحدر والتسفل، وإذا كان الدواء رطباً يصير مائعاً بانضمام رطوبة الجراحة إليه فينحدر إلى الأسفل م: (فيصل إلى الجوف) ش: بانحداره وتسفله. م: (بخلاف اليابس لأنه ينشف رطوبة الجراحة فينسد فمها) ش: أي من الجراحة فلا ينفذ إلى أسفل. م: (ولو أقطر في إحليله) ش: وهو مخرج البول من الذكر م: (لم يفطر عند أبي حنيفة) ش: وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور وداود وبعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وقال أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يفطر) ش: وبه قال الشافعي م: (وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مضطرب فيه) ش: أي غير مستقر على وجه، فلذلك ذكر قوله في الأصل مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذكر الطحاوي في " مختصره " مع أبي يوسف أنه شك في وجود المنفذ من الإحليل إلى الجوف فتوقف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 فكأنه وقع عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن بينه وبين الجوف منفذا، ولهذا يخرج منه البول، ووقع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المثانة بينهما حائل والبول يترشح منه، وهذا ليس من باب الفقه. ومن ذاق شيئا بفمه لم يفطر لعدم الفطر صورة ومعنى، ويكره له ذلك لما فيه من تعريض الصوم للفساد، ويكره للمرأة أن تمضغ لصبيها الطعام إذا كان لها منه بد   [البناية] وروى ابن سماعة عن محمد أنه توقف في آخر عمره فيه م: (وكأنه وقع عند أبي يوسف أن بينه) ش: أي بين الإحليل م: (وبين الجوف منفذا) ش: هذا إشارة إلى أن الخلاف بين أبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهذه المسألة تبتنى على أنه هل بين المثانة والجوف منفذ، والمثانة حائلة بين الجوف وقصبة الذكر أم لا، فأبو حنيفة يقول: لا منفذ بينهما، وإنما ينزل البول إلى المثانة بالترشيح كالجوف [ .... ] ، وأبو يوسف يقول: بينهما منفذ م: (ولهذا) ش: أي لكون المنفذ بينهما م: (يخرج منه البول) ش: من المنفذ. [ذوق الطعام ومضغ العلك للصائم] م: (ووقع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المثانة بينهما حائل) ش: أي بين الإحليل والمنفذ م: (والبول يترشح منه) ش: أي من المنفذ م: (وهذا ليس من باب الفقه) ش: يعني ليس هذا الخلاف لهذه الصورة متعلقاً بباب الفقه، بل هو متعلق باصطلاح أهل تشريح الأبدان من الحكماء، فلذلك توقف محمد لأنه أشكل عليه أمره فاضطرب قوله فيه. م: (ومن ذاق شيئا بفمه لم يفطر) ش: الذوق معرفة الشيء بفمه من غير إدخال عينه في حلقه، وإنما قيد الذوق بالفم لأنه ليس بمخصوص به، فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا حتى تذوقي عسيلته» م: (لعدم الفطر صورة ومعنى) ش: أما صورة فلأنه لم يصل إلى الجوف شيء من المنفذ المعهود، وأما معنى فلأنه لم يصل إلى البدن ما يصلحه م: (ويكره له) ش: أي للصائم م: (ذلك) ش: أي ذوق الشيء بالفم م: (لما فيه) ش: أي في الذوق م: (من تعريض الصوم للفساد) ش: لأنه لا يؤمن أن يصل إلى جوفه. وفي " المحيط " لا بأس بذوق العسل أو الطعام [ليعلم] جيده ورديئه كيلا يغبن متى لم يذقه، وكرهه في " فتاوى سمرقند "، وقال الحسن بن حي، وابن حنبل وابن إدريس: لا بأس، وفي فتاوى قاضي خان قال بعضهم: إن كان الزوج سيئ الخلق لا بأس للمرأة أن تذوق المرقة بلسانها، وقيل: الكراهة في صوم الفرض دون النفل. م: (ويكره للمرأة أن تمضغ لصبيها الطعام إذا كان لها منه بد) ش: أي إذا كان للمرأة من المضغ بد، أي عدم احتياج، بأن وجدت حليباً ونحو ذلك، وقال ابن المنذر: وروينا عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: لا بأس أن تمضغ الصائمة لصبيها الطعام، وكره الأوزاعي، ومالك ذوق الطعام حتى للطباخ ولمن يشتري، ومضغه للطفل، وكذا أطلق الثوري الكراهة. وفي " الذخيرة " للمالكية يكره ذوق الطعام ووضع الدواء في الفم [ .... ] إن وجد طعمه في حلقه ولم يتيقن بالابتلاع فظاهر المذهب إفطاره خلافاً للجماعة، وفي " المغني " إن وجد طعمه في حلقه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 لما بينا ولا بأس إذا لم تجد منه بدا صيانة للولد؛ ألا ترى أن لها أن تفطر إذا خافت على ولدها، ومضغ العلك لا يفطر الصائم؛ لأنه لا يصل إلى جوفه، وقيل: إذا لم يكن ملتئما يفسد؛ لأنه يصل إليه بعض أجزائه وقيل: إذا كان أسود يفسد، وإن كان ملتئما لأنه يتفتت، إلا أنه يكره للصائم لما فيه من تعريض الصوم للفساد، ولأنه يتهم بالإفطار. ولا يكره للمرأة إذا لم تكن صائمة لقيامه مقام السواك في حقهن   [البناية] أفطر م: (لما بينا) ش: أشار إلى قوله، لما فيه من تعريض الصوم على الفساد. م: (ولا بأس إذا لم تجد منه بدا صيانة للولد) ش: لأنه يباح لها الإفطار عند الضرورة، فالمضغ أولى، ولأن حق الصبي يفوت لا إلى بدل وحق الله يفوت إلى بدل، وهو القضاء لأن حق العبد مقدم، والله عز وجل مستغن عن الحاجة م: (ألا ترى أن لها أن تفطر إذا خافت على ولدها) ش: هذا توضيح لقوله ولا بأس .... إلخ، فإن كان لها الإفطار عند خوفها على الولد إذا صامت فالمضغ أولى كما قلنا. م: (ومضغ العلك) ش: بكسر العين الذي يمضغ، وأما بالفتح فهو مصدر علك يعلك علكاً إذا لاك م: (لا يفطر الصائم؛ لأنه لا يصل إلى جوفه) ش: وبه قال الشافعي لأنه لا يدور في الفم ولا يصل إلى الجوف م: (وقيل: إذا لم يكن ملتئما) ش: أي مصلحاً [ .... ] ، فإن مضغه غيره حتى انضمت أجزاؤه م: (يفسد؛ لأنه يصل إليه) ش: أي إلى جوفه م: (بعض أجزائه) ش: لأنه إذا لم يكن ملتئماً تفتت فيدخل في حلقه من ذلك شيء فيفسد صومه. م: (وقيل: إذا كان) ش: أي العلك م: (أسود يفسده) ش: لأن الأسود يذوب ويصل إلى جوفه منه شيء، وإذا كان أبيض ملتئماً لا يفطره م: (وإن كان ملتئماً) ش: واصل بما قبله، أي الأسود يفسد ولو كان ملتئماً م: (لأنه يتفتت) ش: فيدخل منه شيء إلى الحلق. م: (إلا أنه يكره للصائم) ش: هذا استثناء من قوله: ومن مضغ العلك لا يفطر م: (لما فيه من التعريض للفساد) ش: لأنه يتوهم وصول شيء منه إلى الباطن، فيكون معرضاً لصومه أي على الفساد م: (ولأنه يتهم بالإفطار) ش: وفي بعض النسخ - ولأنه يوهم الإفطار- لأن من رآه من بعيد يظن أنه مفطر، وقال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إياك وما سبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أكرهه لأنه يجفف الفم ويعطش، ذكره في " التهذيب " عنه، لكن يدبغ المعدة ويهضم الطعام ويشتهي الأكل، ذكره في " المبسوط "، وأشار في " الجامع الصغير " إلى أنه لا يكره العلك لغير الصائم، ولكن يستحب للرجال تركه إلا من عذر مثل أن يكون في فمه بخر. م: (ولا يكره للمرأة إذا لم تكن صائمة لقيامه) ش: أي لقيام العلك م: (مقام السواك في حقهن) ش: لضعف أسنانهن ومضغه ينقي الأسنان ويشد اللثة كالسواك، وقال الكاكي: وإنما قال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 ويكره للرجال على ما قيل إذا لم يكن من علة، وقيل: لا يستحب لما فيه من التشبه بالنساء، ولا بأس بالكحل ودهن الشارب لأنه نوع ارتفاق، وهو ليس من محظورات الصوم، وقد ندب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الاكتحال يوم عاشوراء   [البناية] ولا يكره، وإن لم يكن موضع التشبه لأن مضغ العلك يورث هزال الجنين م: (ويكره) ش: أي العلك م: (للرجال على ما قيل) ش: ذكره فخر الإسلام م: (إذا لم يكن) ش: أي العلك م: (من علة) ش: أي من أجل علة في فمه، لأن الاشتغال به عند عدم العلة اشتغال بما لا يفيد م: (وقيل: لا يستحب) ش: أي العلك للرجال م: (لما فيه من التشبه بالنساء) ش: وقد ورد النهي عن تشبه الرجال بالنساء. فإن قلت: قد ذكر قبله، ويكره فقوله ولا يستحب تكرار. قلت: قال بعضهم لا فرق بينهما، وليس كذلك بل بينهما فرق لأنه يجوز أن يكون الشيء غير مستحب وغير مكروه كالمباحات في المشي والقيام والقعود في الأمر المباح. [الاكتحال و السواك للصائم] م: (ولا بأس بالكحل) ش: بفتح الكاف مصدر من كحل يكحل كحلاً مثل نصر ينصر نصراً ويجوز أن يكون بالضم فيكون اسما بمعنى الاكتحال، والأول أولى م: (ودهن الشارب) ش: كذلك يجوز فيه الوجهان وفتح الدال أولى، فيكون بمعنى الادهان م: (لأنه) ش: أي كل واحد من الكحل والدهن [ليس] من ممنوعات الصوم، فإذا لم يمنعا الصوم فلا بأس بهما لأنه نوع ارتفاق [وهو ليس من محظورات الصوم] ، وقد ندب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الاكتحال يوم عاشوراء) ش: لم يتعرض أكثر الشراح إلى ذكر حديث الاكتحال يوم عاشوراء غير أن السروجي قال في " شرحه ": الندب إلى صوم عاشوراء قد صح ولم يرد الندب إلى الاكتحال فيه في ما علمت من كتب الحديث، ثم قال: روى شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج يوم عاشوراء من بيت أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وعيناه مملوءتان كحلاً كحلته أم سلمة،» انتهى. قلت: روى البيهقي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " شعب الإيمان " من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبداً» ، ثم قال: إسناده ضعيف فجويبر ضعيف والضحاك لم يلق ابن عباس، ومن طريقه، روى ابن الجوزي في " الموضوعات "، ونقل عن الحاكم فيه حديثاً موضوعاً وضعه قتلة الحسين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - انتهى. وجويبر، قال فيه ابن معين: ليس بشيء، وقال أحمد: متروك، وأما الضحاك لم يلق ابن عباس فروى ابن أبي شيبة في " مصنفه "، حدثنا أبو داود عن شعبة عن عبد الملك بن ميسرة، قال لم يلق الضحاك ابن عباس إنما لقي سعيد بن جبير فأخذ عنه التفسير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 وإلى الصوم فيه.   [البناية] وروى ابن أبي شيبة أيضاً عن أبي داود عن شعبة قال: أخبرني ناس قال: سألت الضحاك هل رأيت ابن عباس، قال: لا. وروى ابن الجوزي في " الموضوعات " من طريق ابن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من اكتحل يوم عاشوراء لم ترمد عينه تلك السنة كلها» وقال: وفي رجاله من ينسب إلى تفضيل [ .... ] عليه في أحاديث الثقات. وأما الحديث الذي رواه شمس الأئمة عن ابن مسعود الذي ذكرناه الآن فما رأيت أحدا من أهل هذا الشأن ذكره عن ابن مسعود وإنما الحديث رواه الحارث بن أبي أسامة حدثنا سعيد بن زيد عن عمرو بن خالد عن محمد بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن حديث ابن أبي ثابت عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «انتظرنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يخرج في رمضان إلينا فخرج من بيت أم سلمة وقد كحلته وملأت عينه كحلاً» قال شيخنا زين الدين: هذا ليس بصريح في الكحل للصائم إنما ذكر في رمضان فقط، ولعله كان في رمضان في الليل. وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " باب ما جاء في الكحل للصائم " حدثنا عبد الأعلى بن واصل حدثنا الحسن بن عطية حدثنا أبو عاتكة عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: اشتكت عيني فأكتحل وأنا صائم؟ قال: " نعم» ثم قال الترمذي: حديث [أنس] ليس إسناده بالقوي ولا يصح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا الباب شيء، وأبو عاتكة يضعف، قال البخاري فيه منكر الحديث، وقال أبو حاتم الرازي: ذاهب الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، واسم أبي عاتكة طريف بن سلمان وقيل: سليمان، وقيل سلمان بن طريف، وروى ابن عدي في " الكامل " والبيهقي من طريقه والطبراني في الكبير من رواية حبان بن علي عن محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يكتحل بالإثمد وهو صائم» ومحمد هذا، قال البخاري فيه: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء. وروى ابن ماجه من رواية بقية الزبيدي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «اكتحل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو صائم» والزبيدي هذا هو سعيد بن [أبي سعد] الزبيدي قال الترمذي: هو من مجاهيل شيوخ بقية ينفرد بما لا يتابع عليه. وقال شيخنا زين الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس بمجهول بل مشهور بالضعف، ضعفه ابن عدي والدارقطني والخطيب. م: (وإلى الصوم فيه) ش: أي وندب أيضاً إلى الصوم في يوم عاشوراء لما روى البخاري ومسلم عن سلمة بن الأكوع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً من أسلم يوم عاشوراء فأمره أن يؤذن في الناس: " من كان لم يصم فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 ولا بأس بالاكتحال للرجال إذا قصد به التداوي دون الزينة ويستحسن دهن الشارب إذا لم يكن من قصده الزينة   [البناية] فإن اليوم يوم عاشوراء» " وروى مسلم عن جابر بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا بصيام يوم عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده» ... الحديث وروي فيه أحاديث كثيرة. م: (ولا بأس بالاكتحال للرجال إذا قصد به التداوي دون الزينة) ش: لأن الزينة للنساء، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعني اكتحال الرجل بالكحل الأسود مباح إذا قصد به التداوي، فأما الزينة فلا. قلت: لم أدر ما فائدة قيد الكحل بالأسود، وليس الكحل إلا الأسود، وقال السروجي: ولا بأس بالاكتحال للرجال في الصوم وغيره لقصد التداوي دون الزينة. قلت: اختلفوا فيه فذهب الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق إلى كراهة الكحل للصائم، وحكى ابن المنذر عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في جوازه بلا كراهة وأنه لا يفطر به، سواء وجد طعمه في حلقه أم لا، وقال شيخنا زين الدين: وكذا روي عن عطاء والحسن البصري والنخعي والأوزاعي وأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأبي ثور - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وحكي عن مالك وأحمد أنه إذا وجد طعمه في الحلق أفطر، وحكي أيضاً عن سليمان التيمي وسليمان بن المعتمر وابن شبرمة وابن أبي ليلى أنهم قالوا: يبطل به صومه، وقال قتادة: يجوز بالإثمد ويكره بالصبر. وقال الثوري وإسحاق: يكره، وفي " سنن " أبي داود عن الأعمش قال: ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصائم، وفي المجتبى لو وجد طعم الكحل في حلقه أو دماغه لا بأس به لدخول رائحة المسك والعود والثوم ورائحة الغذاء ودخان النار فإنها غير معتبرة بالإجماع، ولو بزق ورأى أثر الكحل، ولونه في بزاقه لا يفسد عند الأكثر. فإن قلت: قد ذكر الاكتحال مرة في هذا الباب فما فائدة ذكره ثانياً بعد هذا. قلت: قال الكاكي أخذاً من " النهاية "، قلنا لكل موضع فائدة، فإنه يستفاد من الأول عدم الفطر به، ولا يلزم منه عدم الكراهة بل يجوز أن يكون الشيء مكروهاً للصائم، وهو غير مفطر كما إذا ذاق شيئا ًبلسانه، وهذه المسألة يعلم أنه مكروه، ثم قد يختلف حكمه بين الرجال والنساء كما في العلك، فعلم [المسألة بالمسألة الثانية أنهما لا يفترقان إذا قصد الرجل شيئاً غير الزينة، مع أن هذا من خواص " الجامع الصغير "، وذلك من مسائل القدوري، والثالث من مسائل الفتاوى. م: (ويستحسن دهن الشارب) ش: هكذا بفتح الدال قطعاً مصدر من دهن رأسه أو جسده إذا طلاه بالدهن بضم الدال م: (إذا لم يكن من قصده الزينة) ش: قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - أصل ذلك أن الصوم كف عن الشهوة، وليس في دهن الشارب شهوة لا صورة ولا معنى فلم يكن محظوراً بالصوم وليس يحرم بالصوم الارتفاق ولا يجب به الشعث بخلاف الإحرام، فإنه يحرم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 لأنه يعمل عمل الخضاب، ولا يفعل لتطويل اللحية إذا كانت بقدر المسنون وهو القبضة   [البناية] به دهن الشارب، وقال الأترازي وقد دل هذا على أنه يستحسن دهن شعر الوجه وبذلك جاءت السنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنه يعمل عمل الخضاب انتهى. قلت: السنة التي جاءت باستحسان دهن شعر الوجه رواه الترمذي، حدثنا يحيى بن موسى قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كلوا الزيت وادهنوا به، فإنه من شجرة مباركة» ". وقوله: " ادهنوا به " يشمل دهن شعر الوجه وغيره من أعضائه، والسنة التي جاءت بالخضاب ما رواه الترمذي أيضاً، قال حدثنا أحمد بن منيع قال حدثنا حماد بن خالد الخياط قال حدثنا فايد مولى لآل أبي رافع «عن علي بن عبيد الله عن جدته وكانت تخدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: ما كان يكون لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرحة ولا نكبة إلا أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أضع عليها الحناء» . م: (لأنه يعمل عمل الخضاب) ش: أي لأن دهن شعر الشارب يعمل عمل الخضاب وبالخضاب جاءت السنة ولكن إذا لم يكن لقصد الزينة بل لحاجة أخرى يدل عليه ما رويناه عن الترمذي، وفي " المبسوط " لا بأس بالخضاب لأجل النساء ولأجل الحرب. قلت خضابه لأجل النساء لا يخلو عن الزينة على ما لا يخفى. م: (ولا يفعل) ش: أي الدهن م: (لتطويل اللحية إذا كانت) ش: أي اللحية م: (بقدر المسنون وهو القبضة) ش: بضم القاف، وقال الكاكي: طول اللحية بقدر القبضة عندنا، وما زاد على ذلك يجب قطعه هكذا روي «عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يأخذ من طولها» أورده أبو عيسى في " جامعه ". قلت: لفظ الترمذي كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها أخرجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأخذ ... الحديث، وقال: هذا حديث غريب. قلت: هذا لا يدل على أن الذي كان يأخذه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القبضة، نعم جاء أثران فيه أحدهما: عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رواه أبو داود والنسائي من حديث مروان بن سالم المقنع. قال: رأيت ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف، وذكره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 ولا بأس بالسواك الرطب بالغداة والعشي للصائم   [البناية] البخاري تعليقاً، فقال: وكان ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه، وجهل من قال رواه البخاري، وإنما يقال في مثل هذا ذكره، ولا يقال رواه. والآخر: عن أبي هريرة أخرجه ابن أبي شيبة من حديث أبي زرعة قال: كان أبو هريرة يقبض على لحيته فيأخذ ما فضل عن القبضة، ولكن يعارض هذا حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «احفوا الشارب وأعفوا اللحى» ، أخرجه البخاري ومسلم ويمكن أن يجاب عنه أن المراد بإعفاء [اللحى أن لا تحلق كلها كما يفعله المجوس، والدليل عليه ما جاء في رواية مسلم من] رواية أبي هريرة، قال قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جزوا الشوارب واعفو اللحى، خالفوا المجوس» فإن المجوس كانوا يحلقون لحاهم ويتركون شواربهم ولا يأخذون منها شيئاً أصلاً ". وفي " المحيط " اختلف في إعفاء اللحية قال بعضهم: يتركها حتى تكثف وتكبر، والقص سنة فما زاد على قبضة قطعها، ولا بأس بنتف الشيب وأخذ أطراف اللحية إذا طالت، ولا بأس بالأخذ من حاجبه وشعر وجهه ما لم يشبه المخنثين. [السواك للصائم] م: (ولا بأس بالسواك الرطب) ش: أي لا بأس للصائم استعمال السواك م: (بالغداة والعشي للصائم) ش: يعني في أول النهار وآخره، وإذا كان بالرطب فلا بأس به فباليابس أولى، وكذلك إذا كان مبلولاً بالماء أو غير مبلول، ولفظ " الجامع الصغير " لا بأس بالرطب بالماء للصائم، في الفريضة بالغداة والعشي] . وقال الكاكي: اعلم أن محمداً ذكر في الأصول أنه لا بأس أن يستاك بالسواك الرطب، ولم يذكر أن رطوبته بالماء أو بالرطوبة الأصلية التي تكون في الأشجار، ولا ذكر أنه بريقه أو بالماء فلولا رواية " الجامع " لكان لقائل أن يقول: إذا كان رطباً بالريق لا بأس به، أما إذا كان بالماء فيكره لما فيه من الحوم حول الحمى، ولما نص ها هنا بالماء أو لأن ذلك إشكال ولا يعتبر بما قاله أبو يوسف وهو أنه يكره بالمبلول لما فيه من إدخال الماء في الفم، لأن ما يبقى من الرطوبة بعد المضمضة أكثر مما يبقى بعد السواك. وقد روي «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يأمر عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ببل السواك بريقها ثم يغسله ويتوضأ» كذا في " الفوائد الظهيرية "، وقال شيخ الإسلام: شرط محمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الكتاب الفريضة قيل مراده إذا توضأ للمكتوبة وإلا فيكره، وقيل: أراد الصوم الفرض إبطالاً لقول من زعم أنه يكره في الفرض، وهو المروي عن مالك فإنه قال يكره السواك في الفرض بعد الزوال دون النفل، لأن المستحب في النوافل الإخفاء، ولو ترك السواك لا يؤمن أن تظهر رائحة [من] فمه فيظهر للناس أنه صائم، وقيل أراد الوضوء الفرض وعندنا لا بأس في الأحوال كلها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقال أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يكره بعد الزوال في النفل، ويكره في الفرض، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكره السواك الرطب بالغداة والعشي لما فيه من تعريض الصوم على الفساد وبسبب دخول الرطوبة، ولكن ذكر في " شرح الوجيز " عن مالك لا يكره في المشهور عنه، وعندنا يكره بعد الزوال وهو رواية عن أحمد لما روى حبان أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " قال «إذا صمتم فاستاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعشي، فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه إلا كانتا نوراً بين عينيه يوم القيامة» ، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعاً مثل ذلك، إلى هنا كلام الكاكي. وقوله: وقد روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأمر ... إلى آخره، وحديث حبان رواه الطبراني والدارقطني والبيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من طريقه في حديث كيسان أبي عمر القصار عن عمرو بن عبد الرحمن عن حبان عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلخ، وكيسان أبو عمر ضعفه ابن معين والساجي وقال الدارقطني: ليس بالقوي. وقال شيخنا في " شرح الترمذي ": اختلف العلماء في حكم السواك للصائم على ستة أقوال: الأول: أنه لا بأس به للصائم مطلقاً قبل الزوال وبعده بيابس أو رطب، وهو قول إبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين وأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأصحابه والثوري والأوزاعي وابن علية، ويروى عن علي وابن عمر أنه لا بأس بالسواك الرطب للصائم، وروي ذلك أيضاً عن مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء. الثاني: كراهته للصائم بعد الزوال واستحبابه قبله برطب أو يابس، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أصح قوليه وأبي ثور، وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كراهة السواك بعد الزوال، رواه الطبراني. الثالث: كراهته بعد العصر فقط، يروى عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. الرابع: التفرقة بين صوم الفرض وصوم النفل، فيكره في الفرائض بعد الزوال، ولا يكره في النفل لأنه أبعد عن الرياء، حكاه المسعودي وغيره من أصحابنا عن أحمد بن حنبل، وحكاه صاحب " المعتمد " من الشافعية - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن القاضي حسين. الخامس: أنه يكره للصائم بالسواك الرطب دون غيره سواء أول النهار أو آخره وهو قول مالك وأصحابه. السادس: كراهته للصائم بعد الزوال مطلقاً وكراهة الرطب مطلقاً، وهو قول أحمد وإسحاق بن راهويه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خير خلال الصائم السواك» من غير فصل. وقال الشافعي: يكره بالعشي لما فيه من إزالة الأثر المحمود وهو الخلوف فشابه دم الشهيد. قلنا: هو أثر العبادة، والأليق به الإخفاء، بخلاف دم الشهيد لأنه أثر الظلم، ولا فرق بين الرطب الأخضر وبين المبلول بالماء لما روينا.   [البناية] م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «خير خلال الصائم السواك» ش: هذا الحديث رواه ابن ماجه في " سننه " من حديث مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من خير خلال الصائم السواك» والخلال بكسر الخاء المعجمة جمع خلة بالفتح وهي الخصلة، وقال الجوهري: م: (من غير فصل) ش: يعني الحديث مطلقاً لم يفصل فيه بين حال وحال وينتفي به ما قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الرطب بالماء مكروه. م: (وقال الشافعي: يكره بالعشي) ش: أي يكره السواك للصائم بالعشي وهو بعد الزوال م: (لأن فيه) ش: أي لأن السواك بالعشي م: (من إزالة الأثر المحمود وهو الخلوف) ش: والخلوف: بضم الخاء المعجمة، قال الأترازي بالضم لا غير، قال الخطابي في " شرح غريب الحديث ": إن أصحاب الحديث يقولون بفتح الخاء، وإنما هو ظرف بضم الخاء مصدر خلف فيه يخلف خلوفاً إذا تغير، فأما الخلوف بفتح الخاء فهو الذي بعدهم الخلف، وقال السروجي: فتح الخاء خطأ، قلت: وقال السغناقي: هما لغتان م: (فشابه دم الشهيد) ش: أي فشابه الخلوف دم الشهداء فإن كل واحد منهما أثر عبادة وصف بالطيب، أما في الخلوف ففي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك» . وأما دم الشهيد فقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللون لون الدم والريح ريح المسك» . وما يكون محموداً عند الله فسبيله الاستبقاء كما في دم الشهيد، حيث قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «زملوهم بكلومهم ودمائهم» . م: (قلنا: هو أثر العبادة) ش: أي خلوف فم الصائم أثر العبادة م: (واللائق به الإخفاء) ش: أي اللائق بأثر العبادة الإخفاء فراراً عن الرياء م: (بخلاف دم الشهيد لأنه أثر الظلم) ش: فيبقى عليه ليكون شهيداً له على خصمه يوم القيامة، فأما الصوم فبينه وبين ربه فلا حاجة إلى الشاهد. م: (ولا فرق بين الرطب الأخضر وبين المبلول بالماء) ش: هذا نفي لقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث قال يكره إذا كان مبلولاً بالماء م: (لما روينا) ش: أراد به قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «خير خلال الصائم السواك» ، وقد مر عن قريب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 فصل ومن كان مريضا في رمضان، فخاف إن صام ازداد مرضه أفطر   [البناية] [فصل أحكام المريض والمسافر في الصيام] [المفاضلة بين صوم المريض والمسافر وفطرهما] م: (فصل) ش: أي هذا فصل، ولا يعرف إلا إذا قدرنا هكذا، لأن الإعراب لا يكون إلا في الجزء المركب، ولما فرغ من مسائل الصوم شرع في هذا الفصل الموجود في بيان وجوه الأعذار المبيحة للفطر في الصوم. م: (ومن كان مريضا في رمضان) ش: أي في شهر رمضان، والمرض معنى يزول به ويحلو له في بدن الحي اعتذار الطباع الأربع. فإن قلت: م: (أهذه الواو في قوله - ومن كان مريضاً. قلت سمعت من الأساتذة الكبار أن هذه الواو التي تذكر في أول الكلام الذي لم يذكر شيء قبله تسمى واو الاستفتاح، ولم يذكر النحاة هذا م: (فخاف إن صام ازداد مرضه أفطر) ش: هذا يشير إلى أن مجرد المرض لا يبيح الإفطار، وقال فخر الإسلام إن المرض لا يوجب إباحة الإفطار بنفسه، بل لعلة المشقة بإجماع عامة العلماء. وقال أو يوجب الإباحة بنفسه لظاهر الآية. وحكي عن ابن سيرين هكذا، قلنا الآية محمولة على مرض يوجب المشقة بالصوم، بدليل قَوْله تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] [البقرة: 185] أما السفر فإنه يوجب الإباحة لأنه لا يخلو عن مشقة بخلاف المرض، فإنه نوعان: ما يوجب المشقة، وما لا يوجبها فوجب الفصل، فقلنا كل مرض يضره الصوم يوجب الإباحة، وما لا فلا، وكان خوف ازدياد المرض مرخصاً للفطر كخوف الهلاك. وذكر الإمام المحبوبي طريق معرفة ذلك إما باجتهاده أو بقول طبيب حاذق، وقال القاضي: إسلام الطبيب شرط، ثم المرض على أقسام سبعة: فخفيف لا يشق معه الصوم وينعقد، وخفيف لا يشق منه ولا ينعقد، وشاق لا يزيد بالصوم، وشاق يزيد به، وشاق لا يزيد به، ولكن يحدث مع الصوم علة أخرى، وشاق يخشى طوله، وصحيح يخشى المرض به، فالأول والثاني كالصحيح الذي لا يضره الصوم فلا يفطر، والثالث يتخير، والرابع والخامس والسادس يفطر، وإن صاموا أجزأهم على الصحيح الذي يخشى المرض به كالمرض الذي تخشى زيادته، وهذا الفرع الأخير في " المغني " للحنابلة. وفي " المرغيناني " لا يعتبر خوف المرض، وفي " الذخيرة " المرض الذي يبيح الفطر ما يخاف منه الموت أو زيادة المرض. وفي " المحيط " و " البدائع خوف ازدياد المرض كاف، وإليه وقعت الإشارة في " الجامع الصغير " إن لم يفطر يزداد وجعاً وعناء أو حمى شديدة أفطر، وعن أبي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 وقضى وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يفطر. وهو يعتبر خوف الهلاك أو فوات العضو كما يعتبر في التيمم. ونحن نقول: إن زيادة المرض وامتداده قد يفضي إلى الهلاك فيجب الاحتراز عنه وإن كان مسافرا لا يستضر بالصوم فصومه أفضل.   [البناية] حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا كان يجوز له الأداء قاعداً يجوز له الإفطار. م: (وقضى) ش: لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] [البقرة: 184] . وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يفطر) ش: يعني عند خوف ازدياد المرض م: (وهو) ش: أي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يعتبر خوف الهلاك أو فوات العضو) ش: أي يخاف فوات عضو من أعضائه م: (كما يعتبر في التيمم) ش: يعني لا يجوز عنده ترك استعمال الماء للمريض إلا إذا خاف على نفسه أو عضو منه، فحينئذ يجوز له التيمم وعندنا يجوز له التيمم بمجرد زيادة المرض. م: (ونحن نقول: إن زيادة المرض وامتداده قد يفضي إلى الهلاك فيجب الاحتراز عنه) ش: أي عن الإفضاء إلى الهلاك، فلو برئ من المرض لكن الضعف باق هل يفطر فسئل القاضي الإمام فقال لا، والمبيح المرض لا الضعف، فلو خاف أن يعود المرض لو صام، قال الخوف ليس بشيء وذكر الإمام التمرتاشي الأمة إذا ضعفت في الطبخ والخبز والغسل فخافت أفطرت وقضت، وفي النصاب وكذا الذي ذهب به موكل السلطان للعمارة فاشتد الحر وضعف فأكل لم يكفر، ولو خاف إن صام يضعف فيصلي قاعداً عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصوم ويصلي قاعداً. وعن نجم الأئمة البخاري من اشتد مرضه كره صومه ولو خاف نقصان العقل أو زيادة الوجع يفطر، ولو أتعب نفسه في عمل حتى أجهده العطش فأفطر كفر، لأنه ليس بمريض ولا مسافر، وقيل بخلافه وبه قال البقالي، وقال مالك في " الموطأ ": من أجهده الصوم أفطر وقضى ولا كفارة عليه، ولو علم الغازي يقيناً أنه يقاتل العدو وخاف الضعف يفطر قبل الحرب. م: (وإن كان مسافرا لا يستضر بالصوم فصومه أفضل) ش: وبه قال مالك والشافعي رحمهما الله على ما ذكر في كتبهم. وقال النووي: هو المذهب ولكن نقلت هذه المسألة من كتب أصحابنا على خلاف ما وقعت في كتبهم فإن الغزالي ذكر أن الصوم أحب من الإفطار في السفر لتبرأ ذمته وهو مذهب أنس وعثمان بن أبي العاص الثقفي، وحذيفة وابن عباس وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وبه قال عروة بن الزبير وعمرو بن ميمون وأبو بكر بن عبد الرحمن وطاووس والفضيل بن عياض وابن المبارك وأبو ثور، وأبو وائل والأسود بن يزيد والثوري والنخعي ومجاهد، وعن ابن عمر وابن المسيب والشعبي والأوزاعي وإسحاق: الفطر أفضل في حقه، وعند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصوم في السفر مكروه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 وإن أفطر جاز؛ لأن السفر لا يعرى عن المشقة فجعل نفسه، عذرا، بخلاف المرض فإنه قد يخف بالصوم، فشرط كونه مفضيا إلى الحرج، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: "الفطر أفضل"، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ليس من البر الصيام في السفر» ولنا أن رمضان أفضل الوقتين، فكان الأداء فيه أولى، وما رواه محمول على حالة الجهد   [البناية] وذكر في " المغني " عن عمر وأبي هريرة لا يصح الصوم في السفر وعن عبد الرحمن بن عوف الصوم في السفر كالفطر فيه سواء ذكره المنذري في " شرح مختصر سنن أبي داود " وقال أبو عمر بن عبد البر: هو قول ابن علية والشافعي في قول وعنه قال الصوم أحب إلي. م: (وإن أفطر) ش: أي المسافر م: (جاز) ش: للنص الوارد فيه م: (لأن السفر لا يعرى عن المشقة) ش: لأنه مظنة المشقة بكل حال فأدير الحكم فيه على أصل السفر م: (فجعل نفسه) ش: أي نفس السفر م: (عذرا بخلاف المرض فإنه قد يخف بالصوم) ش: كالهيضة ونحوها م: (فشرط كونه) ش: أي المرض م: (مفضيا إلى الحرج) ش: ولهذا لا يجوز الإفطار بمجرد المرض كما ذكرنا. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: "الفطر أفضل) ش: أي من الصوم م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «ليس من البر الصيام في السفر» ش: هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من حديث جابر قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر فرأى زحاماً ورجل قد ظلل عليه فقال: " ما هذا؟ " قالوا صائم فقال: " ليس من البر الصوم في السفر» . وزاد مسلم في لفظ: «وعليكم برخصة الله التي رخص لكم» ، وروي «ليس من امبر امصيام في امسفر» وهي لغة بعض العرب، رواه عبد الرزاق في " مصنفه " وقد ذكرنا أن هذا القول من الشافعي لم يصح ولا حكي عنه، ولكن مذهب أحمد هكذا نقله عنه ابن الجوزي واستدل له بهذا الحديث. م: (ولنا أن رمضان أفضل الوقتين) ش: أراد بهما خارج رمضان وفي " مبسوط فخر الإسلام " لا شك أن رمضان أفضل الوقتين، ألا ترى أن عدة من أيام أخر كالخلف من رمضان، والخلف لا يساوي الأصل بحال والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اختار لنفسه الصوم ثم ذكر الرخصة عند شكواهم الجهد كما روينا من حديث أبي هريرة، فدل أن الصوم أفضل وهو معنى قوله: م: (فكان الأداء فيه) ش: أي في رمضان أولى وفي " المبسوط " الصوم عزيمة والفطر رخصة والأخذ بالعزيمة م: (أولى، وما رواه) ش: هذا جواب عن الحديث المذكور وهو ما رواه الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: (محمول على حالة الجهد) ش: بفتح الجيم أي المشقة ونحن نقول به ولهذا يكره الصوم في السفر لمن أجهده بالإجماع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 وإذا مات المريض أو المسافر وهما على حالهما لم يلزمهما القضاء؛ لأنهما لم يدركا عدة من أيام أخر، ولو صح المريض وأقام المسافر ثم ماتا لزمهما القضاء بقدر الصحة والإقامة؛ لوجود الإدراك بهذا المقدار، وفائدته وجوب الوصية بالإطعام، وذكر الطحاوي خلافا فيه بين أبي حنيفة وأبي يوسف - يرحمهما الله -، وبين محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وليس بصحيح، وإنما الخلاف في النذر   [البناية] [موت المسافر والمريض المفطران في رمضان] م: (وإذا مات المريض أو المسافر) ش: أي أو مات المسافر م: (وهما على حالهما) ش: أي والحال أنهما على حالهما يعني مات المريض في مرضه والمسافر في سفره م: (لم يلزمهما القضاء؛ لأنهما لم يدركا عدة من أيام أخر) ش: لأن شرط وجوب إدراك عدة الأيام الأخر بالنص فلم يحصل الإدراك فلم يلزم القضاء. م: (ولو صح المريض وأقام المسافر ثم ماتا لزمهما القضاء بقدر الصحة) ش: في المرض م: (والإقامة) ش: أي بقدر الإقامة في المسافر م: (لوجود الإدراك) ش: إلى أيام أخر م: (بهذا المقدار، وفائدته) ش: أي وفائدته لزوم القضاء م: (وجوب الوصية بالإطعام) ش: يعني يجب عليه أن يوصي بأن يطعم عنه من ثلث ماله لكل يوم مسكيناً بقدر ما يجب في صدقة الفطر وإن لم يوص وتبرعت الورثة جاز فإن لم يتبرعوا لا يلزمهم الأداء بل يسقط في حكم الدنيا عندنا خلافاً للشافعي على ما يجيء. م: (وذكر الطحاوي خلافا فيه) ش: أي في المذكور في هذه المسألة وفي وجوب الوصية بالإطعام عن الباقي م: (خلافاً بين أبي حنيفة، وأبي يوسف؛ وبين محمد - رحمهما الله -) ش: فقال عندهما إذا صح يوماً يلزمه قضاء الجميع فتلزمه الوصية عما لم يصح، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تلزمه الوصية بالإطعام عما لم يصح وما قدر على قضائه تجب الوصية بالإطعام عنه إن لم يصح بالاتفاق. م: (وليس بصحيح) ش: أي هذا الخلاف ليس بصحيح، وقال أبو بكر الجصاص الرازي: هذا الخلاف الذي نقله الطحاوي ولا نعرفه عنهم، بل المشهور من قولهم جميعا ًأنه لا يلزم إلا قضاء ما أدرك، وقال صاحب " التحفة ": ذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذه المسألة على الخلاف ثم قال: وهذا غلط، وقال صاحب " الإيضاح ": والصحيح أن لا خلاف هاهنا، وقال المصنف: وليس بصحيح. م: (وإنما الخلاف في النذر) ش: فإن المريض إذا قال لله علي أن أصوم شهراً فمات قبل أن يصح لم يلزمه وإن صح يوماً واحداً لزمه أن يوصي بجميع الشهر في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يلزمه بقدر ما صح لأن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى فصار كقضاء رمضان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 والفرق بينهما، أن النذر سبب فيظهر الوجوب في حق الخلف، وفي هذه المسألة السبب إدراك العدة فيتقدر بقدر ما أدرك وقضاء رمضان إن شاء فرقه، وإن شاء تابعه   [البناية] م: (والفرق بينهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بين قضاء رمضان والنذر م: (أن النذر سبب) ش: وقد وجد المانع وهو عدم صحة الذمة في التزام أدائه قد زال بالبرء وإذا وجد السبب المقتضي وزال المانع م: (فيظهر الوجوب) ش: لا محالة، وصار كصحيح نذر فمات قبل الأداء، وإذا ظهر الوجوب ولم يتحقق بكماله بل بعضها يتحقق م: ( [في حق الخلف، وفي هذه المسالة السبب إدراك العدة] فيتقدر بقدر ما أدرك) ش: لأن وجوب القضاء مشروط بشرط إدراك العدة فوجب بقدر الإدراك. وقيل: تعصب إن أرى الطحاوي بأنه لا يهتم في غزارة علمه واجتهاده وورعه وتقدمه ثم ذكر مولده ووفاته ثم مدح كتابه " معاني الآثار " وقال: هل ترى له نظيرا ًفي سائر المذاهب فضلاً عن مذهبنا. وقال: قد نشأ جماعة بعده بكثير من الزمان، باعتبار أن الخلاف لم يبلغهم، فذلك ليس بحجة لهم عليه، لأن جهل الإنسان لا يعتبر حجة على غيره، وفي آخر كلامه فما أصدق من قال: قد تبين الصبح لذي عينين. وهذا كله لا يفيد في تعصبه لأن كل من نشأ بعد الطحاوي فقد اعترف بفضله من علماء مذهبه ومذهب غيره، حتى قال حافظ المغرب أبو عمر بن عبد البر: كان الطحاوي كوفي المذهب فكان عالماً بجميع مذاهب العلماء، وقال السمعاني: كان الطحاوي ثقة ثبتاً. وقال ابن الجوزي في ترجمته في كتاب " المنتظم "، كان الطحاوي ثقة ثبتاً فهماً فقيهاً عاقلاً، واتفقوا على فضله وصدقه وزهده وورعه. وقال ابن كثير في " البداية والنهاية ": وهو أحد الثقات الأثبات والحفاظ الجهابذة، فهو كما ترى إمام عظيم ثبت ثقة حجة كالبخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب " السنن " و " الصحاح " يدل على ذلك اتساع روايته ومشاركته إياهم بل هو أثبت منهم في استنباط الأحكام من القرآن والسنة وأفقه منهم من الفقه، يصدق ذلك من ينظر في كلامه وكلامهم، ولا بينة للأترازي فيما ذكره في حق الطحاوي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنه مثل الذي يمدح الشمس بقوة النور ويذكره المحاق بقوة الظلمة وما كانت [ .... ] إلا في ترجيح كلامه هنا على من رد عليه وتحقيق كلامه بالرد عليهم ولم يفعل شيئاً. م: (وقضاء رمضان) ش: أي وقضاء صوم شهر رمضان عند فوات الأداء م: (إن شاء فرقه) ش: أي صوم متفرقاً م: (وإن شاء تابعه) ش: أي يصوم متوالياً هذا قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وأبي عبيدة بن الجراح - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومعاذ بن جبل وعمرو بن العاص ورافع بن خديج وسعيد بن جبير وابن محيريز وأبي قلابة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 لإطلاق النص، لكن المستحب المتابعة مسارعة إلى إسقاط الواجب، وإن أخره حتى دخل رمضان آخر صام الثاني؛ لأنه في وقته. وقضى الأول بعده لأنه وقت القضاء.   [البناية] ومجاهد والحسن وابن سيرين وابن المسيب وعبد الله بن عتبة وطاووس وعطاء وعبيد بن عمير والأوزاعي وابن حي والثوري ومالك والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد وإسحاق وقال أبو عمر كلهم يستحبون التتابع ولا يوجبون وحكي وجوبه عن علي وابن عمر والنخعي والشعبي وعروة بن الزبير. وقال داود بن علي: يجب ولا يشترط م: (لإطلاق النص) ش: وقَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وهو مطلق غير مقيد بالتتابع فجاز التتابع والتفريق بحكم الإطلاق. فإن قلت: وروي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: نزلت فعدة من أيام أخر متتابعات. قلت: قالوا لم تثبت صحة هذه الرواية ولو ثبتت كانت منسوخة لفظاً وحكماً، ولهذا لم يقرأ بها أحد من الشواذ. وفي " المنافع " قرأ بها أبي ولم تشتهر فكانت كخبر الواحد غير مشهور فلا تجوز الزيادة على الكتاب بمثله، بخلاف قراءة ابن مسعود في كفارة اليمين فإنها مشهورة غير متواترة والقراءات السبع متواترة عند الأئمة الأربعة وجميع أهل السنة خلافاً للمعتزلة فإنها [ ... ] عندهم. فإن قلت: روى ابن المنذر بإسناده عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «من كان عليه صوم رمضان فليسرده ولا يقطعه» . قلت: في صحته نظر ولئن ثبت فهو خبر واحد فلا يزاد به على النص. م: (لكن [المستحب المتابعة مسارعة إلى إسقاط الواجب، وإن أخره) ش: أي وإن أخر قضاء رمضان م: (حتى دخل رمضان آخر صام الثاني) ش: أي رمضان الثاني م: (لأنه في وقته) ش: فيصومه م: (وقضى الأول) ش: أي رمضان الأول م: (بعده) ش: أي بعد رمضان الثاني م: (لأنه وقت القضاء) ش: فلا بد من إسقاطه كما في سائر العبادات، وسواء في ذلك التأخير بعذر أو بغير عذر وهو قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والحسن البصري وطاووس وإبراهيم النخعي والشعبي وحماد وداود وأصحابه وفي " المحيط ": ومن أفطر بعذر وقدر على القضاء فعليه القضاء. وفي " البدائع " أيضاً على التراخي عند عامة مشايخنا ويضيق عليه عند آخر عمره وعند الكرخي على الفور، وحكاه عن أصحابنا، والصحيح الأول، وحكى الكرخي أيضاً عن الأصحاب أنه موقوف بما بين الرمضانين وهو غير سديد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 ولا فدية عليه؛ لأن وجوب القضاء على التراخي حتى كان له أن يتطوع والحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما، أو ولديهما أفطرتا   [البناية] م: (ولا فدية عليه) ش: فقال الشافعي عليه الفدية، وبه قال مالك وأحمد قالوا عليه لكل يوم مد من الطعام ولو أخر القضاء إلى الرمضان الثاني أثم عندهم، ومذهبهم يروى عن ابن عمر وأبي هريرة وابن عباس مرفوعاً، ومذهبنا عن علي وابن مسعود، وبقولنا قال المزني. م: (لأن وجوب القضاء على التراخي حتى كان له أن يتطوع) ش: لأنه لو لم يكن وجوب القضاء على التأخير لما كان له أن يتطوع لأن تأخير الواجب عن وقته المضيق بالنفل لا يجوز. فإن قلت: روى الدارقطني من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «من أدرك رمضان ثم أفطر لمرض ثم صح ولم يقضه حتى دخل رمضان آخر صام الذي أدركه ثم يقضي الذي عليه ثم يطعم عن كل يوم مسكيناً» قلت: في إسناده عمر بن موسى وهو ضعيف جداً، والراوي عنه إبراهيم بن نافع وهو أيضاً ضعيف. م: (والحامل والمرضع) ش: الواو بمعنى أو لأن الحكم في كل واحد منهما ثابت على الانفراد بدليل ما ذكر في " المبسوط "، إذا خافت الحامل والمرضع على نفسهما أو ولدهما، والحامل التي في بطنها ولد، والمرضع التي لها لبن ولا يدخل في آخرهما التاء كما في حائض وطالق، لأن ذلك صار من الصفة الثابتة لا الحادثة، فصار كالاسم، فقال الخليل: هذا معنى النسب كلابن وتامر بمعنى ذات حمل وذات إرضاع وذات حيض وذات طلاق. وقال سيبويه: إنسان أو أنثى حامل ومرضع إذا أريد به الحدوث يجوز إدخال التاء يقال: حائضة الآن أو غدا ًوفي " الذخيرة " المراد من المرضع الظئر لأنها إذا كانت أم ولد وللمولودات لا تفطر الأم لأن الصوم واجب عليها والإرضاع غير واجب، قال الكاكي: قال شيخي العلامة: ينبغي أن يشترط أن يكون الأب موسراً ويأخذ الولد ضرع غيرها، أما إذا كان الأب معسراً أو الولد لا يأخذ ضرع غير أمه فحينئذ يجب على أمه الإرضاع. م: (إذا خافتا على أنفسهما، أو ولديهما أفطرتا) ش: بإجماع أهل العلم م: (وقضتا) ش: وهو قول علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وأنس وابن عمر وعكرمة ومجاهد وعطاء وسعيد بن المسيب وأبي الزناد والزهري ويحيى بن سعيد وأحمد وإسحاق وسعيد بن جبير وطاووس والأوزاعي والثوري. وقال مالك: لا يجب عليه شيء، ويروى ذلك عن ربيعة وخالد بن دريد وأبي ثور وداود بن علي الظاهري واختاره الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن المنذر، ويحكى ذلك عن القاسم وسالم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 وقضتا، دفعا للحرج، ولا كفارة عليهما؛ لأنه إفطار بعذر، ولا فدية عليهما، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا خافت على الولد، هو يعتبره بالشيخ الفاني. ولنا: أن الفدية بخلاف القياس في الشيخ الفاني، والفطر بسبب الولد ليس في معناه؛ لأنه عاجز بعد الوجوب، والولد لا وجوب عليه أصلا، والشيخ الفاني الذي لا يقدر على الصيام يفطر، ويطعم لكل يوم مسكينا   [البناية] ومكحول وسعيد بن عبد العزيز لأنه عاجز عن الصوم فأشبه المريض إذا مات قبل البرء والمسافر إذا مات قبل الإقامة والصبي والمجنون. وللشافعي قولان أحدهما، لا تجب الفدية عليهما لعدم وجوب الصوم عليهما، والثاني تجب الفدية لكل يوم مد من طعام وهو الصحيح، وعدم وجوب الفدية هو القديم والوجوب هو الجديد، وقال البويطي: هي مستحبة. م: (دفعا للحرج) ش: أي لدفع الحرج عنهما في الصوم. قال الله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] م: (ولا كفارة عليهما) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر بأن يقال، ينبغي أن تجب عليهما الكفارة على قياس مذهبكم، لأنكم توجبون الكفارة في الأكل والشرب عمداً فأجاب بقوله م: (لأنه إفطار بعذر) ش: ووجوب الكفارة عند عدم العذر فأشبهت المريض والمسافر. م: (ولا فدية عليهما خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا خافت على الولد) ش: يعني إذا خافت الحامل أو المرضع على ولدهما وأما إذا خافتا على نفسهما لا تجب الفدية. م: (هو يعتبره بالشيخ الفاني) ش: أي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر الفطر بفطر الشيخ الفاني أي يقيس عليه وجه الاعتبار أن الفطر حصل بسبب نفس عاجزة عن الصوم خلقة لا علة، فيوجب الفدية كفطر الشيخ الفاني الذي قارب الفناء أو الذي فنيت قوته. م: (ولنا أن الفدية بخلاف القياس في الشيخ الفاني) ش: لأن الفدية في الشيخ الفاني تشبيع والصوم تجويع (والفطر بسبب الولد ليس في معناه) ش: أي في معنى الشيخ الفاني م: (لأنه) ش: أي لأن الشيخ الفاني م: (عاجز بعد الوجوب) ش: أي بعد وجوب الصوم عليه لتوجه الخطاب عليه فصار إلى حقه وهو الفدية. م: (والولد لا وجوب عليه أصلاً) ش: فكيف يصار إلى الخلف بدون الأصل فيكون قياساً ضعيفاً لوجود الفارق م: (والشيخ الفاني الذي لا يقدر على الصيام) ش: وفي جامع البرهاني " تفسيره أن يعجز عن الأداء أو لا يرجى له عود القوة، ويكون مآله الموت بسبب الهرم. م: (يفطر ويطعم لكل يوم مسكينا) ش: وعن مالك والشافعي - رحمهما الله - في قول وأبي ثور ولا تجب عليه الفدية وعن مالك أنها مستحبة وفي وجوبها عنه روايتان م: (كما يطعم في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 كما يطعم في الكفارات، والأصل فيه قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] [البقرة: الآية 184] قيل: معناه لا يطيقونه، ولو قدر على الصوم يبطل حكم الفداء، لأن شرط الخلفية استمرار العجز.   [البناية] الكفارت) ش: نصف صاع وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الفدية مقدرة بالمد من الطعام وعن أحمد مدان من البر من الشعير والتمر صاع م: (والأصل فيه) ش: أي في هذا الحكم م: (قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] [البقرة: الآية 184] ) ش: نزلت في الشيخ الفاني. وقال في " الإيضاح " و " شرح الأقطع ": السلف على أن المراد بالآية الشيخ الفاني، وقال الأترازي: وفي دعوى الإجماع نظر عندي وطول الكلام فيه وهذا ما هو مخصوص به حتى يقول: عندي؛ لأن غيره قال في كلام " الإيضاح " نظر لأنه روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، أن الآية في حق الحامل والمرضع. فإن قلت: روي عن الشعبي أنه قال: لما نزل قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [البقرة: 184] كان الأغنياء يفطرون [ويطعمون] والفقراء يصومون، على أن في بدء الإسلام كان الرجل مخبراً بين الصوم والفدية ثم نسخت بعد ذلك بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] والمنسوخ لا يصح الاستدلال به. قلت: أجيب بأن الآية وإن وردت في الشيخ الفاني كما ذهب إليه بعض السلف فظاهر، وإن وردت في التخيير فكذلك لأن النسخ إنما يثبت في حق العاجز عن الصوم، فيبقى الشيخ الفاني على حاله، كما كان. م: (قيل: معناه لا يطيقونه) ش: جاء حذف لا كثيراً قال الله تعالى {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176] أي أن لا تضلوا، وقال: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: 15] أي أن لا تميد بكم وعادة العرب الاختصار إذا كان المحذوف مما لا يخفى، وقرأ ابن عباس وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [البقرة: 184] فلا يطيقونه معناه يكلفون الصوم ولا يطيقونه. [حكم الشيخ الفاني في رمضان] م: (ولو قدر) ش: يعني لو قدر الشيخ الفاني م: على الصوم) ش: بعدما أدى الفدية م: (يبطل حكم الفداء) ش: ويجب عليه القضاء كالآيسة إذا اعتدت بالأشهر ثم حاضت بطل حكم اعتدادها بالشهور م: (لأن شرط الخلفية استمرار العجز) ش: أي لأن شرط كون الفدية خلفاً عن الصوم في حق الشيخ الفاني، دوام العجز، فلما قدر على الصوم انتفى شرط الخليفة، ومثل هذا لا يفعل في التيمم لئلا يلزم الحرج بتضاعف الصلاة. فإن قلت: يلزم الحرج أيضاً في الشيخ الفاني لأنه إذا أطعم لكل يوم مسكيناً نصف صاع ثم قدر على الصوم فأمر بقضاء الصوم وبطلان الفدية يلزم الحرج لأنه تضييع ماله بلا فائدة وهو حرج. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 ومن مات وعليه قضاء رمضان، فأوصى به أطعم عنه وليه لكل يوم مسكينا نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر أو شعير؛ لأنه عجز عن الأداء في آخر عمره فصار كالشيخ الفاني، ثم لا بد من الإيصاء عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعلى هذا الزكاة. هو يعتبره بديون العباد؛ إذ كل ذلك حق مالي تجزئ فيه النيابة. ولنا أنه عبادة، ولا بد فيه من الاختيار، وذلك في الإيصاء دون الوراثة لأنها جبرية ثم هو تبرع ابتداء حتى يعتبر من الثلث.   [البناية] قلت: المعنى فيه: إن الشيخ الفاني قدر على الأصل قبل حصول المقصد بالتخلف وهو استمرار العجز فبطل حكم الخلف هناك قدر على الأصل بعد حصول المقصد بالخلف. فلا يبطل حكم الخلف كمن كفر بالصوم ثم وجد ما يعتق، فإن الوجود لا يظهر في حق ما حصل الفراغ منه. [حكم من مات وعليه قضاء رمضان فأوصى به] م: (ومن مات وعليه قضاء رمضان فأوصى به) ش: معناه قرب من الموت فأوصى [بقضاء] رمضان، لأن الإيصاء بعد الموت لا يتصور م: (أطعم عنه وليه لكل مسكينا نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير) ش: روى كذلك سليمان التيمي عن عمر بن الخطاب وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (لأنه عجز عن الأداء في آخر عمره فصار كالشيخ الفاني) ش: في جواز الفدية عنه بسبب العجز الكامل. م: (ثم لا بد من الإيصاء عندنا) ش: يعني إذا أوصى يلزم الإطعام عنه على الولي من ثلث ماله وبه قال مالك فيجزئه إن شاء الله، وإن لم يوص لا يلزم على الولي الإطعام، ومع هذا لو أطعم جاز إن شاء الله. م: (خلافا للشافعي) ش: فعنده لا حاجة إلى الإيصاء بل يلزم الولي أن يطعم عنه أوصى أو لم يوص وبه قال أحمد م: (وعلى هذا الزكاة) ش: أي وعلى هذا الخلاف الزكاة وصدقة الفطر، يعني أن الميت إذا أوصى بذلك يلزم على الولي إخراجها عن التركة وإلا فلا، ولكن إذا تبرع الوصي بإخراج الزكاة وصدقة الفطر جاز، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يجب الإخراج وإن لم يوص. م: (هو يعتبره) ش: أي الشافعي يعتبر هذا الدين م: (بديون العباد إذ كل ذلك حق مالي تجزئ فيه النيابة) ش: وكما أن ديون العباد تخرج من جميع المال وإن لم يوص فكذلك هذا م: (ولنا أنه) ش: أي أن الإطعام الذي دل عليه قوله أطعم عنه وليه م: (عبادة، ولا بد فيه من الاختيار) ش: ولم يبق الاختيار بعد الموت. م: (وذلك) ش: أي الاختيار م: (في الإيصاء دون الوراثة؛ لأنها) ش: أي لأن الوراثة م: (جبرية) ش: لا اختيار فيها م: (ثم هو) ش: أي الإيصاء م: (تبرع ابتداء حتى يعتبر من الثلث) ش: أي من ثلث المال للميت، وعند الشافعي، وأحمد من جميع المال بدون الإيصاء، وقول مالك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 والصلاة كالصوم باستحسان المشايخ، وكل صلاة تعتبر بصوم يوم هو الصحيح. ولا يصوم عنه الولي ولا يصلي لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد»   [البناية] كقولنا، ولما كان الموت مسقطاً للعبادة في أحكام الدنيا، واشتراط الإيصاء فجاز من الثلث. م: (والصلاة كالصوم) ش: يعني حكم الصلاة كحكم الصوم في جواز الإطعام عنها م: (باستحسان المشايخ) ش: لأن القياس عدم الجواز لأن الصلاة لا تؤدى بالمال حال الحياة فكذا بعد الممات إلا أن المشايخ استحسنوا في التجويز لما أنها تشبه الصوم من حيث كونها عبادة بدنية. م: (وكل صلاة تعتبر بصوم يوم هو الصحيح) . م: (ولا يصوم عنه الولي ولا يصلي) ش: احترز به عن قول محمد بن مقاتل فإنه قال يجب بصلاة يوم نصف صاع على قياس الصوم ثم رجع فقال كل صلاة فرض على حدة بمنزلة صوم يوم. وعن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يطعم عن كل صلاة مد، وفي النوازل روي عن محمد بن الحسن أنه قال يتصدق لكل صلاة مدين من حنطة، وبه قال الشافعي في القديم يصوم ويصلي عنه الولي يعني لو فعل يجوز وهو قول الزهري، وأبي ثور ومالك وداود. وهو قول طاووس وقتادة والحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضاً وعند أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يصوم الولي عنه صوم النذر وهو مذهب ابن عباس، ويطعم عنه في يوم رمضان ورواه الأثرم. واختار ابن عقيل أن صوم النذر كرمضان لا يصام عنه وقال أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذا يختص بالولي، بل كل من يصوم عنه يجزئه. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد» ش: هذا غريب مرفوعاً روي موقوفاً عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رواه النسائي في سننه الكبرى في الصوم من رواية عطاء بن أبي رباح - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: " لا يصلي أحد من أحد ولا يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مد من حنطة ". وحديث ابن عمر رواه عبد الرزاق في مصنفه في كتاب الوصايا عن ابن عمر قال: " لا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 ومن دخل في صلاة التطوع، أو في صوم التطوع ثم أفسده قضاه   [البناية] يصلين أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد " واستدل أصحابنا في هذا الباب بما روى الترمذي عن أشعث بن سوار عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رجل مات وعليه صيام: " يطعم عنه كل يوم مسكيناً» قلت: وقال الترمذي ولا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه والصحيح عن ابن عمر أنه موقوف وضعفه عبد الحق في " أحكامه ". حدثنا شعيب وابن أبي ليلى وقال البيهقي: لا يصح هذا الحديث قال: محمد بن أبي ليلى كثير الوهم، وروى أصحاب نافع عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قوله. وروى أبو بكر الرازي في شرحه لمختصر الطحاوي قال حدثنا ابن نافع قال حدثنا محمد بن بشير عن محمد بن عبد الله بن سعيد المستملي عن إسحاق الأزرق عن شريك عن ابن أبي ليلى، عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من مات وعليه رمضان فليطعم عنه مكان كل يوم نصف صاع لمسكين» ". فإن قلت: روى البخاري من حديث عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «من مات وعليه صوم صام عنه وليه» وروى أيضاً بإسناده إلى مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال «جاء رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: " نعم فدين الله أحق أن يقضى» ". قلت: المراد من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الإطعام الذي يقوم مقام الصوم مجازاً، بدليل حديث ابن عمر. وأما حديث ابن عباس ففي متنه اضطراب لأنه في رواية عطاء ومجاهد عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «قالت امرأة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن أختي ماتت» كذا في الصحيح وفي رواية الحكم عن سعيد عن ابن عباس «قالت امرأة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن أمي ماتت وعليها صوم نذر» كذا في الصحيح أيضاً، ولا يصح الاحتجاج به على أنا نقول إنما ذكر فيه القضاء وذلك يحصل بالإطعام فلا يراد الصيام. فإن قلت: يرد عليكم الحج حيث يقضي عن الميت. قلت: لا إيراد لأن كلامنا في العبادة البدنية خالصة والحج عبادة تتعلق بالبدن والمال جميعاً. [الحكم فيمن دخل في صوم التطوع أو صلاة التطوع ثم أفسده] م: (ومن دخل في صوم التطوع) ش: يعني شرع فيه م: (أو في صلاة التطوع) ش: أي شرع في صلاة التطوع م: (ثم أفسدها قضاه) ش: وهو قول أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن عباس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - له: أنه تبرع بالمؤدى فلا يلزمه ما لم يتبرع به. ولنا: أن المؤدى قربة وعمل فتجب صيانته بالمضي عن الإبطال   [البناية] - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وإبراهيم النخعي والحسن البصري ومكحول وداود وإسماعيل بن علية م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ش: وبقوله قال أحمد، وقال مالك يلزمه الإتمام لكن لو أفسدها لعذر كالسفر لا يلزمه القضاء في أحد الروايتين عنه وبه قال أبو ثور م: (له) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه تبرع بالمؤدى) ش: بفتح الدال المشددة م: (فلا يلزمه ما لم يتبرع به) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] وهو محسن فيما يفعل، فلو وجب عليه القضاء يكون عليه سبيل هذا كمن أخرج درهمين، ليتصدق بهما فتصدق بأحدهما، لا يلزمه التصدق بالآخر. م: (ولنا: أن المؤدى قربة وعمل فتجب صيانته بالمضي عن الإبطال) ش: قال الله تعالى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] والنهي عن الإبطال يوجب الإتمام فإذا ترك الإتمام الواجب عليه يجب عليه القضاء كالنذر. فإن قلت: إبطال العمل غير متصور لأنه قبل العمل عدم وبعده متلاش لأنه عرض وحال الموجود غير الموجود على التمام، وأيضاً الإبطال إذا طرأ على الموجود برفعه وإذا قارنه يمنعه، والمنع في الموجود لا يسمى إبطالاً. قلت: لو لم يتصور إبطال العمل لم يرد به النهي كما في الآية المذكورة، والنهي لا يقتضي التصور لا محالة ومطلقه للتحريم والترديد المذكور غير وارد لأن البطلان في اللغة هو الذهاب والتلاشي فإذا أضيف إلى العمل لا يراد به ذهاب ذاته وتلاشيه بل يراد به فوات الفرض المتعلق [به] ، وهو الثواب هنا. فإن قلت: روى أبو داود والترمذي والنسائي حديث أم هانئ مرفوعاً «الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر» وقال الأترازي وفي بعض الروايات «إن شئت فاقضه وإن شئت فلا» ثم قال ذلك محمول على عدم وجوب القضاء على الفور. قلت: قوله وفي بعض الروايات إلخ ليس بمذكور في رواية المذكورين ويكفي هنا أن يقول هذا الحديث مختلف في لفظه وتكلم عليه البيهقي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقال النسائي وفيه سماك بن حرب وقد اختلف عليه وليس هو ممن يعتمد عليه إذا انفرد في الحديث. فإن قلت: روى البخاري عن أبي جحيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال «آخى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين سلمان وأبي الدرداء، الحديث، وفيه فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً فقال: كل فإني صائم فقال: ما أنا بآكل حتى تأكل وفيه فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر له ذلك فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: صدق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] سلمان وجعله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -[ .... ] بقوله صدق سلمان ولم يأمره بالقضاء» . قلت: كان الفطر لعذر الضيافة وقد أمر بالقضاء في غيره من الأحاديث. وقال الكاكي: وروي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وحفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالتا: " كنا صائمتين متطوعتين فأهدي لنا طعام فأفطرنا فدخل علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسألته حفصة عن ذلك فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اقضيا يوماً مكانه» ، ذكره في " الموطأ "، والترمذي، والنسائي انتهى. قلت: لم أره في الترمذي، ولا النسائي وإنما رواه البزار، والطبراني في " الأوسط "، وفي إسناده حماد بن الوليد. قال فيه أبو حاتم: شيخ، وضعفه الجمهور. وفي الطبراني أيضاً، عن أبي هريرة «أهديت لعائشة وحفصة هدية، وهما صائمتان فأكلتا منها فذكرتا ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " اقضيا يوماً مكانه ولا تعودان» ، وفي إسناده محمد بن أبي سلمة المكي ذكره العقيلي في " الضعفاء "، وقال: لا يتابع على حديثه. وروى ابن حزم هذا الحديث، عن جرير بن حازم، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمر، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، ثم قال: وقد صح القضاء بالإفطار في ذلك. ويروى في " الموطأ ": من عدة طرق مرسلاً، وقال الدارقطني: فيه فرج وجرير فخالفهما حماد بن زيد، وعباد بن العوام، ويحيى بن أيوب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فرووه عن يحيى بن سعيد على وهم من وصله من العدول الثقات، وقال ابن الحصار أيضاً: هذا سند صحيح، ورجاله رجال الصحيحين، ولا يضره الإرسال، وقال أبو الفرج: لا يقبل طعن الدارقطني، إذا انفرد به لما عرف من عصبيته. فإن قلت: أخرج مسلم «عن عائشة أم المؤمنين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: " دخل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم فقال هل عندكم شيء؟ قالت: لا قال: إني إذا صائم " ثم أتى يوماً آخر فقلنا يا رسول الله أهدي لنا حيس فقال أرنيه فلقد أصبحت صائماً فأكل» فعلم أنه غير لازم. قلت: زاد النسائي فيه ولكن يصوم يوماً مكانه وصحح هذه الزيادة أبو محمد بن عبد الحق. فإن قلت: روى الدارقطني عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كان يصبح صائماً وهو يريد الصوم فيقول أعندكم شيء فنقول لعله يصبح صائماً فيقول بلى» ، ولكن لا بأس إن أفطر ما لم يكن نذراً أو قضاء من رمضان. قلت: في سنده محمد بن عبد الله العذري ولا يحتج به. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 وإذا وجب المضي وجب القضاء بتركه. ثم عندنا لا يباح الإفطار فيه بغير عذر في إحدى الروايتين لما بينا، ويباح بعذر، والضيافة عذر لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أفطر، واقض يوما مكانه»   [البناية] فإن قلت: روى أبو أحمد من حديث جعفر بن الزبير عن القاسم، عن أبي أسامة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من صام تطوعاً فهو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار» . قلت: جعفر بن الزبير متروك، وكان رجلا صالحا ذكره القرطبي، فلو كان ثابتا لكان بيانا لصحة الشروع في الصوم؛ لأنه لا يصح شروعه بعد نصف النهار. م: (وإذا وجب المضي وجب القضاء بتركه) ش: لأنه لو لم يلزم القضاء يلزم إبطال العمل واللازم منتف بقوله تعالى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] ، فينتفي الملزوم، وهو عدم لزوم القضاء. م: (ثم عندنا لا يباح الإفطار [فيه) ش: أي في الصوم وكان هذا بيان لمبنى الاختلاف وهو أن] الإفطار بعد الشروع ليس بمباح. م: (بغير عذر في إحدى الروايتين لما بينا، ويباح بعذر) ش: وذكر الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عن الأًصحاب أنه لا يباح له الفطر إلا بعذر. م: (والضيافة عذر) ش: أي على الأظهر وفي " المبسوط " و " المجتبى " والأظهر عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الضيافة عذر، وهو رواية هشام عن محمد وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا تكون عذراً، وفي " المرغيناني " الصحيح من المذهب أن صاحب الدعوة إذا كان يرضى بمجرد حضوره لا يفطر ومسألة اليمين على هذا التفصيل. وفي " المحيط ": إن حلف بطلاق امرأته يفطر في التطوع دون الفرض وهو قول أبي الليث وقال في " الدراية " واختلف المشايخ فيمن حلف بطلاق امرأته أن يطلق قال أبو الليث: الأولى: أن يفطر وقال نصير وخلف بن أيوب لا يفطر ودعه يحنث وهذا كله قبل الزوال وبعده لا يفطر إلا إذا كان في تركه عقوق الوالدين أو أحدهما، وفي الفرض والواجب لا يفطر إلا بعذر والضيافة ليست بعذر وكذا السفر الذي أنشأه فيه وعذر فيما عداه، والمرض عذر في الأيام كلها ذكر ذلك في " الذخيرة " وروى بشر عن أبي يوسف إذا كان صائماً في ظهار أو نذر أو قضاء رمضان [لا يفطر] وإن أفطر يصوم يوماً مكانه. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «أفطر، واقض يوما مكانه» ش: قال الأترازي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 وإذا بلغ الصبي، أو أسلم الكافر في رمضان، أمسكا بقية يومهما قضاء لحق الوقت بالتشبه، ولو أفطرا فيه لا قضاء عليهما؛ لأن الصوم غير واجب فيه.   [البناية] هذا ليس بحديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بل هو من كلام الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قلت: هذا وهم فاحش فقد رواه أبو داود الطيالسي في " مسنده " من حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال «صنع رجل طعاماً ودعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحاباً له، فلما أتي بالطعام تنحى أحدهم، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مالك؟ " قال: إني صائم، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أخوك تكلف وصنع لك طعاماً أفطر واقض يوماً مكانه» وروى نحوه الدارقطني من حديث محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وفي آخره يقول «إني صائم كل وصم يوماً مكانه» . [الحكم لو بلغ الصبي أو أسلم الكافر في نهار رمضان] م: (وإذا بلغ الصبي، أو أسلم الكافر في رمضان) ش: أي في يوم من أيام رمضان م: (أمسكا بقية يومهما) ش: وكذلك الحائض إذا طهرت والنفساء والمجنون إذا أفاق والمريض إذا برئ والمسافر إذا أقام فحكم هؤلاء في الإمساك عن المفطرات سواء، وهكذا كل معذور زال عذره بعد طلوع الفجر، أما لو زال قبل طلوع الفجر لزمه الصوم. وبقولنا قال أحمد في أصح الروايتين وبعض أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأبو ثور وهو قول الأوزاعي، والحسن بن حي وإسحاق، وابن الماجشون وقال الشافعي، ومالك وداود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: يستحب الإمساك ولا يلزم لأن هذا شخص لا يلزمه الصوم لا ظاهراً ولا باطناً، فلا يلزمه الإمساك كما في حالة العذر. م: (قضاء لحق الوقت بالتشبه) ش: يعني لقضاء حق الوقت بالتشبه بالصائمين، ولئلا يعرض نفسه للتهمة، وفي " النهاية ": اختلفوا في إمساك بقية اليوم، أنه على طريق الاستحباب، [لأنه مفطر فكيف يجب عليه الكف عن المفطرات. وقال الشيخ الإمام الزاهد الصفار - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الصحيح أن ذلك على طريق الاستحباب] ، انتهى. وعلى قول ابن شجاع لا خلاف بيننا وبين الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن معه م: (ولو أفطرا) ش: أي الصبي الذي بلغ والكافر الذي أسلم م: (فيه) ش: أي في اليوم الذي بلغ فيه الصبي وأسلم الكافر م: (لا قضاء عليهما؛ لأن الصوم غير واجب فيه) ش:، وقال زفر وإسحاق وأحمد في رواية: يجب القضاء قياساً على الصلاة وإذا بلغ الصبي قبل الزوال يكون صائماً نفلاً إذا نوى الصوم في ظاهر الرواية، لأنه أهل للنفل بخلاف الكافر، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز صومه عن الفرض بخلاف الكافر وقيل الكافر كذلك عنده، ولو أسلم في غير رمضان ونوى قبل الزوال كان صائماً حتى لو أفطر يلزمه قضاؤه. وفي " الخزانة ": لا يصح نفلاً ولا فرضاً بخلاف خروج رمضان حيث يكون نفلاً في حق الصبي ولا يتعلق به اللزوم، وفي " المحيط ": إذا أسلم بعد الطلوع لا يصح صومه لا فرضاً ولا نفلاً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 وصاما ما بعده لتحقق السبب، والأهلية، ولم يقضيا يومهما ولا ما مضى لعدم الخطاب، وهذا بخلاف الصلاة، لأن السبب فيها الجزء المتصل بالأداء، فوجدت الأهلية عنده، وفي صوم الجزء الأول، والأهلية منعدمة عنده، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا زال الكفر، أو الصبا قبل الزوال فعليه القضاء؛ لأنه أدرك وقت النية. وجه الظاهر أن الصوم لا يتجزأ وجوبا، وأهلية الوجوب منعدمة في أوله.   [البناية] وقيل: يصح نفلاً، وفي ظاهر الرواية لا يصح، وإذا قدم المسافر من سفره قبل الزوال وكان قد نوى الإفطار فنوى الصوم أجزأه، وإن كان في رمضان وجب عليه الصوم لزوال المرض في وقت النية، وكذا لو كان مقيماً في أول الوقت فسافر لا يباح له الفطر، ولو أفطر فيهما لا تجب الكفارة. م: (وصاما ما بعده لتحقق السبب) ش: وهو شهود الشهر م: (والأهلية) ش: الإسلام والبلوغ م: (ولم يقضيا يومهما) ش: الذي بلغ فيه الصبي وأسلم الكافر م: (ولا ما مضى) ش: من الأيام م: (لعدم الخطاب) ش: لأن الخطاب إنما يكون عند الأهلية وكانت منتقية. فإن قلت: انتفاء الأهلية في أول النهار لا يمنع وجوب القضاء، فإن المجنون إذا أفاق في يوم رمضان قبل الزوال، والأكل ونوى الصوم يقع عن الفرض، ولو أفطر يجب عليه القضاء، مع أن الصوم لم يكن واجباً عليه في ذلك وقت طلوع الفجر. قلت: لا نسلم أن الوجوب لم يكن ثابتاً عليه في ذلك الوقت بل الوجوب في حقه كان ثابتاً إلا أنه لم يظهر أثره عند الاستغراق، فإذا لم يستغرق ظهر أثر الوجوب. م: (وهذا بخلاف الصلاة) ش: أي هذا الحكم الذي ذكرنا، وهو عدم وجوب قضاء صوم ذلك اليوم الذي بلغ فيه الصبي أو أسلم الكافر، بخلاف الصلاة يجب قضاؤها إذا بلغ أو أسلم في بعض الوقت م: (لأن السبب) ش: أي السبب في وجوب الصلاة م: (فيها) ش: أي في الصلاة م: (الجزء [المتصل بالأداء، فوجدت الأهلية عنده، وفي صوم الجزء] الأول، والأهلية منعدمة عنده) ش: أي عند الجزء الأول. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا زال الكفر) ش: عن الكافر م: (أو الصبا) ش: أي وإذا زال الصبا عن الصبي م: (قبل الزوال فعليه القضاء؛ لأنه أدرك وقت النية) ش: وهذا كمن أصبح ناوياً للفطر ثم نوى قبل الزوال أن الصوم أجزأه، ولا شك أن نية الفطر منافية للصوم لكنها منافية حكماً لا حقيقة، فلا تمنع نية الصوم قبل الزوال، وكذلك الكفر مناف للصوم حكماً لا حقيقة لا تمنع نية الصوم قبل الزوال م: (وجه الظاهر) ش: أي وجه ظاهر الرواية م: (أن الصوم لا يتجزأ وجوبا) ش: أي من حيث الوجوب م: (وأهلية الوجوب منعدمة في أوله) ش: أي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 إلا أن للصبي أن ينوي التطوع في هذه الصورة دون الكافر على ما قالوا لأن الكافر ليس من أهل التطوع أيضا، والصبي أهل له. وإذا نوى المسافر الإفطار ثم قدم المصر قبل الزوال فنوى الصوم أجزأه لأن السفر لا ينافي أهلية الوجوب، ولا صحة الشروع، وإن كان في رمضان   [البناية] في أول اليوم، بيانه أن الصوم لما لم يجب عليه في أول اليوم لعدم أهلية الوجوب في البقية؛ لأن الصوم الواجب، [ ... ] لا يتجزأ فلا يجب القضاء. م: (إلا أن للصبي أن ينوي التطوع في هذه الصورة) ش: أشار بهذا الاستثناء إلى الفرق بين حكم الصبي وحكم الكافر في هذه الصورة، وهي ما إذا بلغ الصبي قبل الزوال أو أسلم الكافر قبل الزوال وبيان الفرق بينهما أن الصبي إذا نوى التطوع يصح لأنه أهل له قبل البلوغ. والكافر الذي أسلم ونوى التطوع لا يصح، وهو معنى قوله م: (دون الكافر) ش: لعدم الأهلية م: (على ما قالوا) ش: أشار إلى الاختلاف بين المشايخ فعامة المشايخ على ما ذكر من الفرق، أن الكافر إذا نوى التطوع بعدما أسلم قبل الزوال لا يصح، وأن الصبي إذا نوى كذلك يصح، وذكر في " الجامع الصغير "، الصغير يبلغ والكافر يسلم قال: هما سواء. وفي " المنتقى ": عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه سوى بينهما، وقال: يكون تطوعاً منهما جميعاً م: (لأن الكافر ليس من أهل التطوع أيضا، والصبي أهل له) ش: هذا التعليل كقول عامة المشايخ الذين فرقوا بينهما، ولا ترد مسألة المجنون؛ لأنه لو أفاق في نهار رمضان، ولم يكن أكل شيئاً فنوى الصوم حيث يقع صومه عن الفرض؛ لأن المجنون إذا لم يستوعب لا ينافي أهلية الوجوب. أما الصبا، والكفر فينافيان أهلية الوجوب. م: (وإذا نوى المسافر الإفطار) ش: يعني في غير رمضان بدليل قوله فيما بعده: وإن كان في رمضان م: (ثم قدم المصر) ش: أي مصره م: (قبل الزوال فنوى الصوم أجزأه لأن السفر لا ينافي أهلية الوجوب) ش: أي وجوب الصوم، ولهذا يصح أداؤه في السفر م: (ولا صحة الشروع) ش: لأنه لو صام صح م: (وإن كان في رمضان) ش: أي وإن كان المسافر الذي نوى الإفطار وقدم مصره قبل الزوال في رمضان، قال الأترازي: هذا تكرار من المصنف؛ لأن ما قبله أيضاً في مسافر قدم المصر قبل الزوال في رمضان بدلالة التعليل بقوله؛ لأن السفر لا ينافي أهلية الوجوب، ومثل هذا الكلام، لا يستعمل في النفل. قلت: قال السغناقي: إن المراد من قوله وإن نوى المسافر الإفطار في غير رمضان كما ذكرنا عن قريب فهذا أولى من حمل كلام المصنف على التكرار. وكذا قال الأكمل؛ أن الأولى في غير رمضان والثانية في رمضان؛ فلا [يلزم] تكرار، وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: وإذا نوى المسافر الإفطار ثم قدم المصر قبل الزوال فنوى الصوم إن كان مراده من هذا الصوم تطوعاً، فيكون المراد من الوجوب في قوله لا ينافي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 فعليه أن يصوم لزوال المرخص في وقت النية. ألا ترى أنه لو كان مقيما في أول اليوم ثم سافر لا يباح له الفطر ترجيحا لجانب الإقامة فهذا أولى، إلا أنه إذا أفطر في المسألتين لا تلزمه الكفارة لقيام شبهة المبيح. ومن أغمي عليه في رمضان لم يقض اليوم الذي حدث فيه الإغماء لوجود الصوم فيه وهو الإمساك المقرون بالنية، إذ الظاهر وجودها منه وقضى ما بعده لانعدام النية، وإن أغمي عليه أول ليلة منه قضاه كله غير يوم تلك الليلة لما قلنا. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقضي ما بعده؛ لأن صوم رمضان عنده يتأدى بنية واحدة بمنزلة الاعتكاف.   [البناية] أهلية الوجوب [الثبوت، وإن كان نذراً معيناً فالمراد الوجوب] الاصطلاحي، وإنما قلت كذلك لأنه ذكر بعده وإن كان في رمضان، انتهى. قلت: يمكن الرد بالشق الأول على تعليل الأترازي في دعواه التكرار في كلام المصنف فليتأمل م: (فعليه أن يصوم لزوال المرخص) ش: وهو السفر م: (في وقت النية. ألا ترى أنه لو كان مقيما [في] أول اليوم ثم سافر لا يباح له الفطر ترجيحا لجانب الإقامة) ش: على جانب السفر لعروضه على الإقامة التي هي الأصل م: (فهذا أولى) ش: يعني ترجيح الإقامة أولى وجه الأولوية أن المرخص وهو السفر قائم في وقت الإفطار في تلك المسألة ومع ذلك لم يبح له الإفطار فلا يباح في هذه المسألة وهو ليس بقائم فيه أولى. م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن الرجل المذكور م: (إذا أفطر في المسألتين) ش: يعني في مسألة المسافر الذي أقام ومسألة المقيم الذي سافر م: (لا تلزمه الكفارة لقيام شبهة المبيح) ش: وهو السفر؛ لأنه في الأصل مبيح للفطر؛ فإذا اقترن بالسبب الموجب للكفارة يكون مورثا ًبشبهة مسقطة للكفارة، وإن لم يصر الفطر مباحاً له بمنزلة النكاح الفاسد يكون مسقطاً للحد وإن لم يكن مبيحاً للوطء. [أحكام المغمى عليه والمجنون في رمضان] م: (ومن أغمي عليه في رمضان لم يقض اليوم الذي حدث فيه الإغماء لوجود الصوم فيه وهو الإمساك المقرون بالنية، إذ الظاهر وجودها) ش: أي وجود النية م: (منه وقضى ما بعده لانعدام النية) ش: أي قضى ما بعد ذلك اليوم الذي حدث فيه الإغماء لعدم النية فيه؛ لأن الإغماء يمنع وجود النية ولا يصح الصوم بدونها، ولو كان الرجل الذي أغمي عليه في رمضان منتهكاً قد اعتاد الفطر في رمضان أو كان مسافراً فيه يقضي الكل لعدم النية في الكل، م: (وإن أغمي عليه أول ليلة منه قضاه كله غير يوم تلك الليلة لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: لوجود الصوم فيه وهو الإمساك المقرون بالنية. م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقضي ما بعده؛ لأن صوم رمضان عنده يتأدى بنية واحدة بمنزلة الاعتكاف) ش: لأن الله تعالى أوجب الصوم باسم الشهر وأنه شيء واحد وإنما رخص له الفطر بالليالي ليتمكن من الأداء فاعتبر الشهود في حق الشهر النية شيئاً واحداً كالاعتكاف لا يحتاج فيه نية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 وعندنا لا بد من النية لكل يوم؛ لأنها عبادات متفرقة لأنه يتخلل بين كل يومين ما ليس بزمان لهذه العبادة بخلاف الاعتكاف، ومن أغمي عليه في رمضان كله قضاه؛ لأنه نوع مرض يضعف القوى ولا يزيل الحجى فيصير عذرا في التأخير لا في الإسقاط، ومن جن في رمضان كله لم   [البناية] لكل يوم. م: (وعندنا لا بد من النية لكل يوم؛ لأنها) ش: أي لأن صيام الشهر م: (عبادات متفرقة) ش: أي صوم كل يوم عبادة وحدها، ألا ترى أن الفساد في الأصل لا يمنع صحة الباقي، فكانت كصلاة مختلفة فيستدعي لكل نية واحدة م: (لأنه يتخلل بين كل يومين ما ليس بزمان هذه العبادة) ش: وهو الليالي فيبقى صوم كل يوم عبادة طول الشهر فيحتاج إلى تعداد النية بتعداد الأيام ولا عبادة إلا بالنية. م: (بخلاف الاعتكاف) ش: لأنه لم يتخلل بين كل يومين فيه ما ليس بزمان العبادة، إذ الليل أيضاً وقت الاعتكاف؛ ولهذا يفسد بوجود المفسد في الليل، فكان شيئاً واحداً، فيكفيه نية واحدة. م: (ومن أغمي عليه في رمضان كله قضاه) ش: أي قضى كل رمضان هذا بالإجماع، إلا ما روي عن الحسن البصري وابن شريح من أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيما إذا استوعب لا قضاء عليه كما في المجنون؛ لأن سبب وجوب الأداء وهو شهود الشهر لم يتحقق موجباً في حقه لعدم الفهم، ووجوب القضاء يبنى عليه م: (لأنه نوع مرض) ش: أي لأن الإغماء نوع مرض م: (يضعف القوى ولا يزيل الحجى) ش: بكسر الحاء المهملة وفتح الجيم مقصوراً وهو العقل، ألا ترى أن الأنبياء - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - كانوا يثبتون بالإغماء دون الجنون لأنه منفي عنهم، والفرق بينهما أن العقل يكون في الإغماء مغلوباً وفي الجنون مسلوباً م: (فيصير) ش: أي الإغماء م: (عذرا في التأخير) ش: أي في تأخير الصوم إلى وقت زوال الإغماء م: (لا في الإسقاط) ش: أي لا يكون عذراً في إسقاط بالكلية. م: (ومن جن في رمضان كله لم يقضه) ش: أي إذا جن قبل غروب الشمس من أول الليلة؛ لأنه لو كان مفيقاً في أول الليلة ثم جن رمضان كله إلى آخر الشهر قضى صوم الشهر كله بالاتفاق غير يوم تلك الليلة. ذكر شمس الأئمة في أصوله، وفي جامع النوازل إذا أفاق أول ليلة من رمضان ثم أصبح مجنوناً واستوعب الشهر اختلف فيه أئمة بخارى، والفتوى على أنه لا يلزمه القضاء لأن الليلة لا يصام فيها وكذا لو أفاق في ليلة من وسطه أو في آخر يوم من رمضان بعد الزوال كما في " المجتبى ". وقال الحلواني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المراد من قوله كله مقدار ما يمكنه ابتداء الصوم، حتى لو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 يقضه خلافا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، هو يعتبره بالإغماء. ولنا أن المسقط هو الحرج، والإغماء لا يستوعب الشهر عادة فلا حرج والجنون يستوعبه فيتحقق الحرج، وإن أفاق المجنون في بعضه قضى ما مضى من الشهر خلافا لزفر والشافعي - رحمهما الله -، هما يقولان: لم يجب عليه الأداء لانعدام الأهلية، والقضاء يترتب عليه، وصار كالمستوعب، ولنا أن السبب قد وجد، وهو الشهر والأهلية بالذمة   [البناية] أفاق بعد الزوال من اليوم الآخر، من رمضان لا يلزمه القضاء؛ لأنه لا يصح فيه كالليل هو الصحيح، كذا في " فتاوى قاضي خان ". م: (خلافاً لمالك) ش: فإن عنده يقضيه، وبه قال أحمد في رواية وابن شريح من أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (هو) ش: أي مالك م: (يعتبره) ش: أي يعتبر حكم هذا م: (بالإغماء) ش: لأن الجنون المستوعب لا ينافي أهلية الوجوب قياساً على الإغماء إذا استوعب، فلا يمنع الوجوب كغير المستوعب. م: (ولنا أن المسقط) ش: أي للوجوب م: (هو الحرج، والإغماء لا يستوعب الشهر) ش: لأن المغمى عليه لا يأكل ولا يشرب وصومه إلى شهر بلا أكل وشرب نادر، فإذا كان كذلك م: (فلا حرج) ش: لندرته م: (والجنون يستوعبه) ش: أي يستوعب الشهر م: (فيتحقق الحرج) ش: والإسقاط يتعلق بالحرج. [الحكم لو أفاق المجنون في بعض رمضان] م: (وإن أفاق المجنون في بعضه) ش: أي في بعض شهر رمضان م: (قضى ما مضى من الشهر خلافا لزفر والشافعي) ش: في الجديد وأحمد، وأبي ثور م: (هما يقولان) ش: أي زفر، والشافعي - رحمهما الله - يقولان: م: (لم يجب عليه الأداء لانعدام الأهلية، والقضاء يترتب عليه) ش: أي الأداء، والأداء لا يجب عليه بالاتفاق فكذلك القضاء قياساً عليه كذا، ذكر الإمام علاء الدين السمرقندي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، في طريقة الخلاف أن مذهبهما قياساً ومذهبنا استحساناً م: (وصار كالمستوعب) ش: يعني في إسقاط كل اعتبار للبعض بالكل. وقوله: بالذمة خبره وهو جواب عن سؤال مقدر تقديره، أن يقال: يجوز أن يمنع من ذلك مانع وهو عدم الأهلية فيما مضى، فأجاب بأن الأهلية للوجوب بالذمة وهي كونه أهلاً للإيجاب، وهي موجودة؛ لأنه بالذمة، والذمة في الأصل العهدة، ولهذا سمي قابل الجزية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 في الوجوب فائدة، وهو صيرورته مطلوبا على وجه لا يحرج في أدائه بخلاف المستوعب؛ لأنه يحرج في الأداء فلا فائدة، / وتمامه في الخلافيات، ثم لا فرق بين الأصلي والعارض، قيل: هذا في ظاهر الرواية، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه فرق بينهما؛ لأنه إذا بلغ مجنونا، التحق بالصبي فانعدم الخطاب، بخلاف ما إذا بلغ عاقلا ثم جن وهذا مختار بعض المتأخرين.   [البناية] ذمياً لكونه معاهداً، وسمي محل التزام العهد وهو الرقبة بالذمة مجازاً إطلاقاً لاسم الحال على المحل. ثم قال: هكذا لقائل أن يقول: لو كان ما ذكرتم صحيحاً، لوجب على المستغرق أيضاً فأجاب بقوله: م: (وفي الوجوب فائدة، وهو) ش: أي الفائدة ذكرها باعتبار المذكور. وفي بعض النسخ: وهي على الأصل م: (صيرورته مطلوباً على وجه لا يحرج في أدائة بخلاف المستوعب؛ لأنه يحرج في الأداء فلا فائدة) ش: ولهذا قلنا في النائم، والمغمى عليه: يجب عليهما القضاء إن استوعب النوم، والإغماء شهراً لعدم الحرج. فإن قلت: زفر والشافعي استدلاً أيضاً بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يحتلم، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق» . قلت: المراد منه رفع تكليف الأداء لا نفي أصل الوجوب، ولهذا يجب على النائم القضاء. م: (وتمامه في الخلافيات) ش: أي تمام البحث المذكور مذكور في الكتب المتعلقة بذكر الخلافيات م: (ثم لا فرق بين الأصلي) ش: أي بين المجنون الأصلي، وهو أن يدرك مجنوناً. م: (والعارض) ش: أي الجنون العارض وهو أن يدرك مفيقاً ثم جن يعني لا فرق بينهما حيث يلزمه قضاء ما مضى ثم م: (قيل: هذا) ش: أي عدم الفرق بين الجنونين. م: (في ظاهر الرواية، وعن محمد أنه فرق بينهما) ش: أي بين الجنونين م: (لأنه) ش: أي لأن الصبي م: (إذا بلغ مجنونا، التحق بالصبي فانعدم الخطاب) ش: في حقه إذا أفاق في بعض الشهر ليس عليه قضاء ما مضى لأن ابتداء الخطاب وجه إليه الآن فكان كصبي [ثم] بلغ. وروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: القياس هكذا إلا أني أستحسن بأن يقضي ما مضى في الجنون الأصلي إذا أفاق في بعض الشهر كما في الجنون العارض. م: (بخلاف ما إذا بلغ عاقلا ثم جن) ش: يعني لا يلحق بالصبي، فلزمه قضاء ما مضى. م: (وهذا) ش: أي المروي عن محمد م: (مختار بعض المتأخرين) ش: منهم الإمام أبو عبد الله - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجرجاني والإمام الربيعي والإمام الزاهد الصفار، وفي " المبسوط " المحفوظ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 ومن لم ينو في رمضان كله لا صوما ولا فطرا فعليه قضاؤه وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتأدى صوم رمضان بدون النية في حق الصحيح المقيم؛ لأن الإمساك مستحق عليه فعلى أي وجه يؤديه يقع عنه، كما إذا وهب كل النصاب من الفقير. ولنا: أن المستحق الإمساك بجهة العبادة، ولا عبادة إلا بالنية، وفي هبة النصاب وجد نية القربة على ما مر في الزكاة   [البناية] عن محمد أنه لا يقضي ما مضى في الأصل كالصبي ولا رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - واختلف فيه المتأخرون على قياس مذهبه، والأصح أنه ليس عليه قضاء ما مضى وبه قال ابن الماجشون المالكي. وفي " البدائع ": الجنون العارض، إذا أفاق في أوله، أو في وسطه، أو في آخره قضى جميعه، وفي الأصلي روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه سوى بينهما. [حكم اشتراط النية في صوم رمضان] م: (ومن لم ينو في رمضان كله لا صوما ولا فطرا فعليه قضاؤه) ش: هذه المسألة من خواص " الجامع الصغير "، ثم لا بد من التأويل لهذه المسألة لما أن دلالة حال المسلم كافية لوجود النية، ألا ترى أن من أغمي عليه بعدما غربت الشمس من الليلة الأولى من رمضان أنه يصير صائماً في يومها ولم يعرف منه نية الصوم ولا الفطر لما أنا حملنا أمره على النية على ظاهر حاله. قال السغناقي: ثم قال مشايخنا تأويل هذه المسألة أن يكون مريضاً أو مسافراً أو منتهكاً اعتاد الفطر في رمضان حتى لا يصلح حاله دليلاً على العزيمة ونية الصوم، ذكره فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتأدى صوم رمضان بدون النية في حق الصحيح المقيم) ش: أبو شجاع هو الذي روى هذا القول عن زفر، وروي هكذا عن عطاء ومجاهد واستبعدوا هذا من زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكان الكرخي ينكر أن يكون هذا مذهبه عنه ويقول مذهبه أنه يتأدى كله بنية واحدة، وهو قول مالك وإسحاق ورواية عن أحمد وإنما قيد بالصحيح والمقيم؛ لأن المريض والمسافر لا بد لهما من النية بالاتفاق م: (لأن الإمساك مستحق عليه فعلى أي وجه يؤديه يقع عنه) ش: لأنه متعين بأصله ووصفه بتعيين الله عز وجل، فلما لم يلزم تعيين الوصف لم يلزمه تعيين الأصل لتبعيته م: (كما إذا وهب كل النصاب من الفقير) ش: فإنه تسقط عنه الزكاة. م: (ولنا: أن المستحق الإمساك بجهة العبادة، ولا عبادة إلا بالنية) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الأعمال بالنيات» م: (وفي نية النصاب وجد نية القربة على ما مر في الزكاة) ش: باختيار المحل ووجد معنى القربة لحاجة المحل، ألا ترى أن من وهب لفقير شيئاً لا يملك الرجوع لحصول الثواب له. فإن قلت: إعطاء النصاب لفقير واحد للزكاة باطل عند زفر فكيف ذكر الجواز ها هنا على مذهبه؟. قلت: قالوا: جاز أن يكون المراد منه أي على مذهبكم، وقيل: تأويله أن يكون الفقير مديوناً فعند ذلك يجوز أداء النصاب زكاة بالاتفاق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 ومن أصبح غير ناو للصوم فأكل لا كفارة عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه الكفارة؛ لأنه يتأدى بغير النية عنده، وقال أبو يوسف، ومحمد - رحمهما الله - إذا أكل قبل الزوال تجب الكفارة؛ لأنه فوت إمكان التحصيل، فصار كغاصب الغاصب. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الكفارة تعلقت بالإفساد، وهذا امتناع إذ لا صوم إلا بالنية. وإذا حاضت المرأة، أو نفست أفطرت وقضت، بخلاف الصلاة؛ لأنها تحرج في قضائها، وقد مر في الصلاة، وإذا قدم المسافر، أو طهرت الحائض في بعض النهار، أمسكا بقية   [البناية] [حكم أصبح غير ناو للصوم فأكل] م: (ومن أصبح غير ناو) ش: أي حال كونه غير ناو م: (للصوم فأكل لا كفارة عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: سواء أكل قبل الزوال أو بعده وكذا لو جامع، وبقول أبي حنيفة قال مالك والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (وقال زفر: عليه الكفارة؛ لأنه يتأدى عنده بدون النية) ش: يعني النية ليست بشرط م: (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف، ومحمد - رحمهما الله - م: (إذا أكل قبل الزوال تجب الكفارة؛ لأنه فوت إمكان التحصيل) ش: أي تحصيل الصوم؛ لأن قبل الزوال يجب حكم الإمساك موقوفاً على أن يصير صوماً قبل نصف النهار، فصار بأكله مفوتاً لإمكان تحصيل الصوم، أما بعد الزوال فإمساكه غير موقوف على ذلك فلا يصير مفوتاً، فلا كفارة عليه. وقال أبو بكر الرازي في " شرحه لمختصر الطحاوي ": المشهور عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فصار كغاصب الغاصب) ش: فإن المغصوب كما يضمن الغاصب الأول لتفويت الأصل يضمن غاصب الغاصب لتفويت إمكان الرد. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الكفارة تعلقت بالإفساد) ش: أي بإفساد الصوم م: (وهذا امتناع) ش: أي عن الصوم لا إفساد له م: (إذ لا صوم إلا بالنية) ش: فلا كفارة عليه لأنه غير صائم. م: (وإذا حاضت المرأة أو نفست) ش: بضم النون أي صارت نفساء م: (أفطرت وقضت) ش: أي الصوم م: (بخلاف الصلاة) ش: لا تقضي الصلاة م: (لأنها تحرج) ش: يقع فيها الحرج م: (في قضائها) ش: لكثرتها م: (وقد مر في الصلاة) ش: أي بيان الفرق بين الصوم والصلاة في وجوب قضاء الصوم دون الصلاة في باب الحيض. فإن قلت: هذه المسألة مكررة لأنه ذكرها في باب الحيض. قلت: ذكر في باب الحيض أن الحائض لا تصوم لكن لم تذكر أن الصائمة إذا حاضت أفطرت. م: (وإذا قدم المسافر) ش: أي مصره م: (أو طهرت الحائض في بعض النهار، أمسكا بقية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 يومهما وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب الإمساك، وعلى هذا الخلاف كل من صار أهلا للزوم، ولم يكن كذلك في أول اليوم، وهو يقول: التشبيه خلف، فلا يجب إلا على من يتحقق الأصل في حقه كالمفطر متعمدا، أو مخطئا. ولنا أنه وجب قضاء لحق الوقت أصلا لا خلفا لأنه وقت معظم، بخلاف الحائض والنفساء والمريض والمسافر، حيث لا يجب عليهم حال قيام هذه الأعذار لتحقق المانع عن التشبه   [البناية] يومهما) ش: عن كل ما يمسك عنه الصائم تعظيماً للوقت م: (وقال الشافعي: لا يجب الإمساك) ش: يعني في بقية يومهما م: (وعلى هذا الخلاف) ش: يعني بيننا وبين الشافعي م: (كل من صار أهلا للزوم) أي للزوم الإمساك م: (ولم يكن كذلك) ش: أي والحال أنه لم يكن أهلاً للزوم الإمساك م: (في أول اليوم) ش: مثل الكافر يسلم والصبي يبلغ والمجنون يفيق في بعض النهار فإنهم يؤمرون بالإمساك بقية يومهم خلافاً للشافعي. م: (وهو) ش: أي الشافعي م: (يقول: التشبه خلف) ش: أي عن الصوم م: (فلا يجب إلا على من يتحقق الأصل) ش: وهو الصوم م: (في حقه كالمفطر متعمداً) ش: أي كالذي أفطر عمداً م: (أو مخطئاً) ش: أي كالذي أفطر حال كونه مخطئاً كالذي أكل يوم الشك، ثم ظهر أنه من رمضان أو تسحر على ظن أنه ليل وكان الفجر طالعاً، أو كالذي أخطأ في المضمضة ونزل الماء في جوفه لا يفطر عنده. وفي " الكافي ": الأصل عنده، من كان له الأصل مباحاً في أول اليوم، ظاهراً أو باطناً لا يلزمه الإمساك في بقية يومه ففي الفطر عمداً أو خطأ يلزمه الإمساك إجماعاً وفي الحائض والنفساء لا يجب إجماعاً. فإن قيل: ما وجه قوله أو مخطئاً وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يتحقق الفطر بالخطأ قلنا: المراد بالمخطئ من لم يصح صومه اليوم عنده لعدم قصده في إفساد صومه كمن أكل يوم الشك ثم ظهر أنه من رمضان فإنه يتحقق منه الإفطار، وها هنا يجب التشبه بالاتفاق. م: (ولنا أنه) ش: أي أن التشبيه م: (وجب قضاء لحق الوقت أصلاً) ش: أي من حيث الأصل م: (لا خلفا) ش: أي لا من حيث الخلفية م: (لأنه وقت معظم) ش: ولهذا وجبت الكفارة على المفطر فيه عمدا ًدون غيره وإذا كان معظماً وجب قضاء حقه بالصوم، إن كان أهلاً وبالإمساك، إن لم يكن خلفاً م: (بخلاف الحائض والنفساء والمريض والمسافر، حيث لا يجب) ش: أي الإمساك م: (عليهم حال قيام هذه الأعذار) ش: وهي الحيض، والنفاس، والمرض والسفر. م: (لتحقق المانع عن التشبه) ش: أما في الحائض والنفساء فإن الصوم عليهما حرام والتشبه بالحرام حرام وما في المريض والمسافر فلأن الرخصة في حقهما باعتبار الحرج، فلو ألزمنا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 حسب تحققه عن الصوم قال: وإذا تسحر وهو يرى أن الفجر لم يطلع فإذا هو قد طلع، أو أفطر وهو يرى أن الشمس قد غربت فإذا هي لم تغرب أمسك بقية يومه قضاء لحق الوقت بالقدر الممكن، أو نفيا للتهمة، وعليه القضاء لأنه حق مضمون بالمثل، كما في المريض، والمسافر ولا كفارة عليه؛ لأن الجناية قاصرة لعدم القصد. وفيه قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ما تجانفنا لإثم قضاء يوم علينا يسير   [البناية] التشبيه عاد على موضوعتها له م: (حسب تحققه عن الصوم) ش: أي مثل تحقق المانع عن الصوم أراد أن المانع من التشبيه متحقق كما أن المانع من الصوم متحقق، وذلك لأن ما كان حراماً كان ما يشبهه حراماً كعبادة الصنم فإنها حرام، والصلاة بين يديه أيضاً مكروه لمشابهته عبادة الصنم. م: (قال: وإذا تسحر) ش: في أكثر النسخ قال: وإذا تسحر أي قال القدوري م: (وهو يرى) ش: بضم الياء وفتح الراء أي والحال أنه يظن وفي بعض النسخ وهو يظن، والمراد من الظن غلبة الظن حتى لو كان شاكاً تجب الكفارة، كذا ذكره الإمام حميد الدين الضرير وحافظ الدين النسفي في " مستصفاه ". قال الأترازي: وذلك لا يصح على إطلاقه، لأن الرواية في أكل المتسحر الشاك بخلاف ذلك، ألا ترى إلى ما ذكره في شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لو شك في طلوع الفجر فالأفضل له أن لا يتسحر فإن تسحر مع الشك لم يفسد صومه ولا قضاء عليه، لأنه في يقين من الليل وشك في النهار، والأصل أن اليقين لا يزول بالشك إلا إذا تسحر وأكبر رأيه أن الفجر طالع وقت السحر وأحب إلينا أن يقضي، ثم قال: كذا ذكر في كتاب الصوم. [حكم من شك في طلوع الفجر أو غروب الشمس فأكل] م: (أن الفجر لم يطلع فإذا هو قد طلع، أو أفطر وهو يرى أن الشمس قد غربت فإذا هي لم تغرب أمسك بقية يومه قضاء لحق الوقت بالقدر الممكن، أو نفيا) ش: أي لأجل النفي م: (للتهمة) ش: فإنه إذا أكل ولا عذر به اتهمه الناس بالفسق والتحرز عن مواضع التهمة واجب بالحديث م: (وعليه القضاء) ش: خلافاً لابن أبي ليلى وعطاء والحسن ومجاهد وإسحاق بن راهويه وداود والمزني فإن عندهم لا يجب عليه القضاء، لأن صومه لا يفسد م: (لأنه) ش: أي لأن فوت الأداء م: (حق مضمون بالمثل) ش: شرعاً فإذا فوته قضاه م: (كما في المريض، والمسافر) ش: أي كما يقضي المريض والمسافر بقدر مرضه والمسافر بقدر قدومه مصره. م: (ولا كفارة عليه، لأن الجناية قاصرة لعدم القصد) ش: خلافاً لبعضهم حيث أوجبوا الكفارة م: (وفيه) ش: أي مثل ما قلنا م: (قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما تجانفنا لإثم قضاء يوم علينا يسير) ش: وقال الأترازي في " شرحه ": هذا ما رواه أبو عبيد في كتاب " غريب الحديث " الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عن أبي معاوية عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه أفطر في رمضان وهو يرى أن الشمس قد غربت ثم نظر فإذا الشمس طالعة فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا نقضيه، ما تجانفنا لإثم أي مايلنا إليه ولا تعديناه ونحن نعلمه وكل مائل فهو متجانف جنف، قال تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا} [البقرة: 182] أي ميلاً. أما قوله: لا نقضيه فتأويله قال له قائل كأن الشمس طالعة وقد أثمنا فقال رداً عليه: لا أي ليس الأمر كما ظننت أي نقضي ما ليس مكان يوم ليس علينا غيره، ومثله قَوْله تَعَالَى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة: 1] (القيامة: الآية 1) ، فأراد من أنكره البعث ومثله قَوْله تَعَالَى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} [النساء: 65] وهذا الذي ذكرنا عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو الصحيح من الرواية عند الثقات، وما ورد في بعض نسخ الهداية " بعثناك داعياً لا راعياً " فقال: ليس بصحيح. وقد أورد بعضهم في " شرح الهداية " أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين أفطر مع أصحابه يوماً صعد المؤذن المئذنة وقال: الشمس يا أمير المؤمنين قال: بعثناك داعياً لا راعياً للأذان وإعلام الناس ولا حافظاً للأحوال، ثم قال ما تجانفنا لإثم من الموضوعات فلا ملتفت إليه. إلى هنا كله كلام الأترازي وفيه نظر من وجوه: الأول: تأويله في قوله لا نقضيه فيما أوله تكلف جداً، لأن ابن أبي شيبة روى في " مصنفه ": حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن ابن زيد بن وهب قال: خرج عباس من بيت حفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وعلى السماء سحاب فنظر أن الشمس قد غابت فأفطروا ولم يلبثوا أن تجلى السحاب فإذا الشمس طالعة فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " ما تجانفنا من إثم ". حدثنا علي بن شهر عن الشيباني عن خالد بن سحيم عن علي بن حنظلة عن أبيه قال: شهدت عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في رمضان وقرب إليه شراب فشرب بعض القوم وهم يرون الشمس قد غربت ثم ارتقى المؤذن فقال: والله يا أمير المؤمنين إن الشمس طالعة لم تغرب فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من كان أفطر فليصم يوماً مكانه ومن لم يكن أفطر فليتم حتى تغرب الشمس وادعاه من طريق آخر فزاد فيه فقال له: إنما بعثناك داعياً ولم نبعث راعياً وقد اجتهدنا وقضاء يوم يسير انتهى. وروى محمد بن الحسن في كتاب " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن حماد ابن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال: أفطر عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأصحابه في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 والمراد بالفجر الفجر الثاني، وقد بيناه في الصلاة. ثم التسحر مستحب لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تسحروا فإن في السحور بركة» والمستحب تأخيره.   [البناية] يوم غيم ظنوا أن الشمس غابت قال: فطلعت الشمس فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما تعرضنا لجنف نتم هذا اليوم ثم نقضي يوماً مكانه. الثاني: أن هذا الأثر الذي ذكره عن أبي عبيد هو بالإسناد الذي رواه ابن أبي شيبة والاختلاف في المتن والأخذ بالمتن الذي رواه ابن أبي شيبة أولى وأجدر من المتن الذي رواه أبو عبيد، على ما يخفى وإن كان أبو عبيد أيضاً إماماً كبيراً، ولكن ابن أبي شيبة من مشايخ البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه وأحمد بن حنبل وآخرين وكثيرين من الأئمة وأبو عبيد لم يرو له البخاري وذكره في كتاب " القراءة خلف الإمام " وحكى عنه أيضاً في كتاب " أفعال العباد ". الثالث: أن قوله الذي ذكرنا عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هو الصحيح مجرد دعوى ولم يبرهن عليها، بل الصحيح الذي ذكره غيره وقوله أورده بعضهم في " شرح الهداية " أراد به السغناقي فإنه هو الذي ذكره في " النهاية " وتبعه الكاكي على ذلك ثم الأكمل. الرابع: أن قوله بعثناك داعياً لا راعياً فذاك ليس بصحيح [ .... ] يظهر لك ما ذكرنا عن ابن أبي شيبة. الخامس: قوله في آخر كلامه من الموضوعات احتراز قوي حيث ينسب الأئمة المذكورين إلى الوضع وكأنه لم يطلع على " مصنف ابن أبي شيبة " وأوسع كلامه على عادته في غير تأمل ولا نظر كلام المصنف. م: (والمراد بالفجر) ش: يعني في قوله أن الفجر لم يطلع م: (الفجر الثاني) ش: وهو الفجر الصادق وهو المعتبر في الصلاة والصوم لا الفجر الكاذب م: (وقد بيناه في الصلاة) ش: في باب المواقيت م: (ثم التسحر مستحب) ش: التسحر أكل السحور بفتح السين وهو ما يؤكل وقت السحر وأشار إلى استحبابه بقوله م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «تسحروا فإن في السحور بركة» ش: أي في أكل السحور بركة، وقيل: المراد من البركة زيادة القوة في أداء الصوم بدليل قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «استعينوا بقائلة النهار - أي بقيلولته - على قيام الليل. وبأكل السحور على صيام النهار» ، وجاز أن يكون بها نيل الثواب لاستنانه بسنن المرسلين وعلمه بما هو مخصوص بأهل الإسلام، فإنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «فرق ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكل السحور» . م: (والمستحب تأخيره) ش: أي تأخير السحور فيكون مستحباً في مستحب لما أن نفس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 لقوله - عليه الصلاة السلام -: «ثلاث من أخلاق المرسلين: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، والسواك» .   [البناية] السحور وهو أكل السحور مستحب وتأخيره إلى آخر الليل مستحب أيضاً فيكون مستحباً أيضاً في مستحب م: (لقوله عليه الصلاة السلام) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «ثلاث من أخلاق المرسلين تعجيل الإفطار وتأخير السحور والسواك» ش: هذا الحديث أخرجه الطبراني في معجمه، حدثنا جعفر بن محمد بن حرب، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن علي بن أبي العالية، عن مورق العجلي، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثلاث من أخلاق المرسلين تعجيل الفطر وتأخير السحور، والسواك، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة» ، وذكره ابن أبي شيبة في " مصنفه " موقوفاً. والدارقطني رواه في الأفراد من حديث حذيفة مرفوعاً بنحو حديث أبي الدرداء قال الأترازي: روي عن الحسن البصري أنه قال: «ثلاث من أخلاق المرسلين تعجيل الإفطار وتأخير السحور ووضع اليمين على الشمال في الصلاة» . ولم يتكلم أحد من الشراح في حال هذا الحديث غير أن كلاً منهم قال: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وهذا الأترازي نسبه إلى البصري وقال السغناقي بعد أن ذكر الحديث مجرداً وفي " المنافع " ذكر وضع اليمين على الشمال في الصلاة مكان السواك ولكن ما ذكر هنا موافق لما ذكر في " المبسوط ". وروى البيهقي من رواية ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إنا معشر الأنبياء أمرنا أن نعجل إفطارنا ونؤخر سحورنا ونضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة» . ورواه أيضاً هكذا من رواية ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وفي رواية أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثم قال: كلها ضعيفة. 1 - فإن قلت: على تقدير صحته يدل على أن تأخير السحور واجب وإذا كان تأخيره واجباً يكون السحور أيضاً واجباً. قلت: الحديث الذي في المتن يدل على أنه مستحب أو سنة والعمل بهذا الحديث، وفي " المحيط ": السحور مندوب إليه وفي " البدائع " سنة فإذا كان نفس السحور مستحباً أو سنة يكون تأخيره كذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 إلا أنه إذا شك في الفجر، ومعناه تساوي الظنين الأفضل أن يدع الأكل تحرزا عن المحرم، ولا يجب عليه ذلك، ولو أكل   [البناية] فإن قلت: ما حد تأخيره؟ قلت: آخر الليل وعن الليث هو سدسه الآخر، وقال ابن عباس وعطاء والأوزاعي يأكل حتى يبيض الفجر. وقال السروجي: وهو قول الجمهور وقال النووي: لو شك في طلوع الفجر جاز له الأكل والشرب والجماع حتى يتحقق الفجر قال: ولم يقل أحد بتحريمه إلا مالك فإنه حرمه، وأوجب عليه القضاء، وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «كان لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مؤذنان بلال وابن أم مكتوم، قال: ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا» . رواه البخاري، ومسلم. وعن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «تسحرنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قمنا إلى الصلاة. قلت: كم كان قدر ما بينهما؟ قال خمسين آية» . رواه البخاري ومسلم. 1 - فإن قيل: ما وجه تأخير السحور من أخلاق المرسلين وهو مخصوص بأهل الإسلام، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب بأكل السحور. أجيب بجوابين آخرين أيضاً: أحدهما: أن يقال: لا نسلم أنه لم يكن من علتهم لجواز أن يكون ونحن لا نعلم والآخر أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: ثلاث من سنن المرسلين أي ثلاث خصال لهم فلا يلزم منه أن يكون لكل واحد منهم ثلاث خصال لجواز أن يكون كل واحد منهم مخصوصاً بخصلة كما يقال للعلماء خصال حميدة في البحث، والمناظرة، والتصنيف، فلا يلزم أن تكون الكل مجتمعة في واحد ورأيت حاشية نسبت إلى شيخنا علاء الدين السيراجي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي أنه قال: الأشبه في الجواب أن يقال اللام في المرسلين للجنس إذ لا عهد فيكون من أخلاق نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأن الجنس يصدق على الواحد أو يكون ذلك من خواصهم والله أعلم. م: (إلا أنه إذ شك في الفجر) ش: فحينئذ ترك التسحر هو المستحب للاحتراز عن الوقوع في الحرام، ومع هذا لا يجب عليه ذلك كما يجيء الآن م: (ومعناه) ش: أي معنى الشك م: (تساوي الظنين الأفضل أن يدع الأكل تحرزا عن المحرم) ش:. قيل: هذه العبارة فيها مسامحة لأن الظن رجحان الاعتقاد فكيف يكون بقاء الليل عنده راجحاً على طلوع الفجر، وطلوع الفجر راجحاً على بقاء الليل والظن هو راجح، والمرجوح وهم، وإذ يساويان، ومراده بذلك تساوي الأمارتين، فالأفضل أن يدع الأكل، والشرب. م: (ولا يجب عليه ذلك) ش: أي ترك السحور وروى الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجب عليه ذلك احتياطاً في أمر الدين م: (ولو أكل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 فصومه تام، لأن الأصل هو الليل. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان في موضع لا يستبين الفجر، أو كانت الليلة مقمرة، أو متغيمة، أو كان ببصره علة، وهو يشك لا يأكل، ولو أكل فقد أساء؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» وإن كان أكبر رأيه أنه أكل، والفجر طالع، فعليه قضاؤه عملا بغالب الرأي، وفيه الاحتياط، وعلى ظاهر الرواية لا قضاء عليه؛ لأن اليقين لا يزال إلا بمثله، ولو ظهر أن الفجر طالع لا كفارة عليه   [البناية] فصومه تام لأن الأصل هو الليل) ش: أي في رواية عن مالك يبطل صومه في الفرض إذا استبان الفجر قد طلع. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان في وضع لا يستبين الفجر، أو كانت الليلة مقمرة، أو متغيمة، أو كان ببصره علة، وهو يشك لا يأكل، ولو أكل فقد أساء) ش: رواه الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» ش: قال السغناقي وتبعه الكاكي وعليه «فإن الكذب ريبة وإن الصدق طمأنينة» ولم يذكر من رواه من الصحابة ولا من خرجه من الأئمة، وأما الأترازي، والأكمل فإنهما لم يذكراه أصلاً وليس هذا من دأب الشراح وليس ذلك إلا من العجز. قلت: هذا الحديث رواه الترمذي في كتاب الطب، والنسائي في كتاب الأشربة، عن أبي الجون السعدي، قال: قلت للحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ما حفظت من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: حفظت منه «دع ما يريبك إلا ما لا يريبك زاد الترمذي: فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة» وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. ورواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه "، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ورواه الطبراني في الصغير بإسناده إلى عبد الله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الحلال بين والحرام بين، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك» . انتهى قوله ما يريبك من رابه ريباً شككه، والريبة الشك والتهمة أي دع ما يشكك ويحصل فيك الريبة وهي في الأصل قلق النفس [ ...... ] سكنت واطمأنت. م: (وإن كان أكبر رأيه أنه أكل والفجر) ش: أي والحال أن الفجر م: (طالع، فعليه قضاؤه) ش: أي قضاء ذلك اليوم م: (عملا بغالب الرأي، وفيه الاحتياط) ش: لأن قضاء ما ليس عليه أولى من قضاء ما عليه. م: (وعلى ظاهر الرواية لا قضاء عليه) ش: وفي " الإيضاح ": هو الصحيح. م: (لأن اليقين لا يزال إلا بمثله) ش: لأن الليل هو الأصل فلا ينقل عنه إلا بيقين، وكذا روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وجعل هذا في الكتاب ظاهر الرواية م: (ولو ظهر أن الفجر طالع لا كفارة عليه) ش: أي لو ظهر طلوع الفجر فيما إذا أكل وفي أكبر رأيه أن الفجر طالع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 لأنه بنى الأمر على الأصل فلا تتحقق العمدية. ولو شك في غروب الشمس لا يحل له الفطر؛ لأن الأصل هو النهار، ولو أكل فعليه القضاء عملا بالأصل، وإن كان أكبر رأيه أنه أكل قبل الغروب فعليه القضاء رواية واحدة؛ لأن النهار هو الأصل، ولو كان شاكا فيه وتبين أنها لم تغرب، ينبغي أن تجب الكفارة؛ نظرا إلى ما هو الأصل وهو النهار   [البناية] لا تجب عليه الكفارة م: (لأنه بنى الأمر على الأصل) ش: لأن الليل هو الأصل. م: (فلا تتحقق العمدية) ش: أي لا يتحقق القصد على الإفطار في رمضان بظهور طلوع الفجر، فلا تجب الكفارة، وفي بعض النسخ: العمدية بفتح العين، وسكون الميم، وكسر الدال، وتشديد الياء، والأصح العمدية بضم الدال، وبه الجار والمجرور. م: (ولو شك في غروب الشمس لا يحل له الفطر؛ لأن الأصل هو النهار، ولو أكل فعليه القضاء عملا بالأصل) ش: وهو النهار م: (وإن كان أكبر رأيه أنه أكل قبل الغروب فعليه القضاء رواية واحدة) ش: إنما قيد بقوله رواية واحدة احترازاً عما إذا كان أكل وفي أكبر رأيه أن الفجر طالع لأن في وجوب القضاء روايتين ولم يتعرض المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -[إلى] وجوب الكفارة في هذا فقال صاحب " التحفة " ليس عليه الكفارة لاحتمال قيام الغروب فتكفي شبهة خلافاً لما قال بعض الفقهاء أنه تجب عليه الكفارة لأنه متيقن بالنهار. م: (لأن النهار هو الأصل) ش: فيجب عليه القضاء م: (ولو كان شاكاً فيه) ش: أي في غروب الشمس م: (وتبين أنها لم تغرب) ش: أي ظهر أن الشمس لم تغرب م: (ينبغي أن تجب الكفارة) ش: إنما قال: ينبغي؛ لأن في وجوب الكفارة اختلاف المشايخ. وفي " الخلاصة ": يلزمه القضاء بالاتفاق، وفي وجوب الكفارة اختلاف، في جامع شمس الأئمة تلزمه الكفارة وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكفر. م: (نظرا إلى ما هو الأصل هو النهار) ش: يعني بالنظر إلى ما هو الأصل وبالاعتبارية. وفي " النهاية ": يشكل على هذا ما إذا شهد اثنان أن الشمس قد غابت وشهد آخران أنها لم تغب فأفطر، ثم ظهر أنها لم تغب عليه القضاء دون الكفارة بالاتفاق، مع أن تعارض الشهادتين يورث الشك لا محالة فلا تجب الكفارة هناك بالاتفاق مع أن الشك فيه موجود فكيف وجبت هنا بالشك، والجواب: أنه لم يثبت التعارض لأن الشهادة بعدم الغروب ليست بشهادة لكونها على النفي فبقيت الشهادة بالغروب خالية عن المعارضة فتقبل فلم تجب الكفارة. وفي " المحيط " أمر إنساناً ليطالع الفجر فأخبره بالطلوع فإن كان عدلا ًلا يجوز له الأكل حراً كان أو مملوكاً، ذكراً كان أو أنثى، وإن كان صبياً عاقلاً إن غلب على ظنه لا يأكل ولو أخبره عدل بالطلوع وعدل بعدمه حرية كانا أو عبدين أو أحدهما يتحرى ويأخذ بقول عدلين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 ومن أكل في رمضان ناسيا، وظن أن ذلك يفطره فأكل بعد ذلك متعمدا عليه القضاء دون الكفارة؛ لأن الاشتباه استند إلى القياس الشبهة، وإن بلغه الحديث وعلمه فكذلك فيظاهر الرواية. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها تجب، وكذا عنهما؛ لأنه لا اشتباه فلا شبهة. وجه الأول: قيام الشبهة الحكمية بالنظر إلى القياس   [البناية] إذا عارضه الحران العدلان والعبدان يأخذ بقولين العدلين وإن كان يأكل فأخبره عدل واحد بالطلوع فأتم الأكل، وكذا في الجماع لا كفارة عليه عندنا خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ولو كان ممسكاً فأكل بعده أو استدام الجماع كفر بالإجماع، وقال شمس الأئمة: لا بأس بالتسحر باكراً لرأي إذا لم يخف على مثله وإلا فيدع الأكل والتسحر بضرب طول المسحر إن كان من جوانب البلد، أو أحد يعتمد عدالته يجوز وإن عرف فسقه لا يعتمد عليه، وإن لم يعرف حاله يحتاط واختلف في صياح الديك. م: (ومن أكل في رمضان) ش: حال كونه م: (ناسيا، وظن أن ذلك يفطره) ش: أي والحال أنه قد ظن أن الأكل ناسياً يفطره بضم الياء وتشديد الطاء م: (فأكل بعد ذلك متعمدا) ش: أي حال كونه قاصداً الأكل م: (فعليه القضاء دون الكفارة؛ لأن الاشتباه استند إلى القياس) ش: والقياس الصحيح يقتضي أن لا يبقى الصوم بانتفاء ركنه بالأكل ناسياً، فإذا أكل بعده لم يلاق فعله الصوم فلا تجب عليه الكفارة لتحقق الشبهة وهو معنى قوله م: (الشبهة) ش: لاستنادها إلى القياس. م: (وإن بلغه الحديث) ش: وهو ما روي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا نسي أحدكم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه» م: (وعلمه) ش: أي وعلم معنى الحديث وهو أنه لا يفسده. م: (فكذلك) ش: في رواية، أي فكذلك لا تجب عليه الكفارة في رواية عن أبي حنيفة، وهي رواية الحسن عنه - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في ظاهر الرواية. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها) ش: أي الكفارة م: (تجب، وكذا عنهما) ش: وكذا روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد أن الكفارة تجب م: (لأنه لا اشتباه) ش: أي في معنى الحديث لأنه لما علم معنى الحديث علم أن القياس متروك به فلم يشتبه عليه الحال م: (فلا شبهة) ش: أي لا يبقى شبهة، وبين الشبهة المؤثرة في إسقاط الكفارة، لأن ظنه مدفوع بالحديث. م: (وجه الأول) ش: أي وجه المذكور الأول وهو عدم وجوب الكفارة م: (قيام الشبهة الحكمية بالنظر إلى القياس) ش: أي الشرعية وهي شبهة المحل وهو الصوم لأن الشيء لا يبقى مع فوات ركنه، فتساوى في هذا الأصل العالم وغير العالم، فلا تجب الكفارة خصوصاً إذا تأيدت تلك الشبهة باختلاف العلماء، فإن عند مالك وربيعة الرأي وابن أبي ليلى يفسد صومه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 فلا ينتفي بالعلم كوطء الأب جارية ابنه، ولو احتجم وظن أن ذلك يفطره ثم أكل متعمدا، عليه القضاء والكفارة؛ لأن الظن ما استند إلى دليل شرعي إلا إذا أفتاه فقيه بالفساد؛ لأن الفتوى دليل شرعي في حقه، ولو بلغه الحديث فاعتمده، فكذلك عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] بالأكل ناسياً، وهو اختيار محمد بن مقاتل الرازي من أصحابنا، واختلاف العلماء يورث الشبهة. وقال المحبوبي: لا تلزمه الكفارة وإن كان عالماً لأن الشبهة تمكنت في المحل باعتبار انعدام ركن الصوم حقيقة، وفي مثل هذه الشبهة العالم يساوي الجاهل كالأب إذا وطئ جارية ابنه لا يلزمه الحد سواء علم حرمتها أو ظن أنها تحل له وهو معنى قوله: م: (فلا ينتفي بالعلم كوطء الأب جارية ابنه) ش: يجوز فيما لا ينتفي التذكير باعتبار عود الضمير الذي فيه إلى القياس، ويجوز التأنيث باعتبار عوده إلى الشبهة والتحقيق في سقوط الحد عن الأب في الصورة المذكورة أن قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أنت ومالك لأبيك» يقتضي أن يكون مال الابن ملكاً للأب، لكن انتفى ذلك بدليل آخر فبقيت الإضافة مورثة للشبهة وهي شبهة المحل، فاستوى فيها العلم وعدمه فلم يجب الحد لاستناد الشبهة إلى الأصل. م: (ولو احتجم وظن أن ذلك) ش: أي الاحتجام م: (يفطره ثم أكل متعمدا) ش: أي قصداً م: (عليه القضاء والكفارة لأن الظن ما استند إلى دليل شرعي) ش: أي لأن ظن المحتجم ما استند إلى دليل شرعي حتى تسقط عنه الكفارة، فإن الحجامة كالفصد في خروج الدم من العرق والفصد لا يفسد وكذا الحجامة وقد صح في البخاري أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم فدل هذا على أن الحجامة لا تفطر الصائم. م: (إلا إذا أفتاه فقيه بالفساد) ش: استثناء من قوله والكفارة يعني لا تجب الكفارة على المحتجم إذا أكل بعدما أفتاه فقيه بفساد صومه بالحجامة. وقال الكاكي: فقيه من الحنابلة لأن عندهم يفطر الحاجم والمحجوم لظاهر قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أفطر الحاجم والمحجوم» . وقال المحبوبي: يشترط أن يكون المفتي ممن تؤخذ عنه الفتوى ويعتمد على فتواه في البلدة، ولا يعتبر بغيره، هكذا روى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن رستم عن محمد وبشر بن الوليد عن أبي يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (لأن الفتوى دليل شرعي في حقه) ش: لأن العامي يلزمه الرجوع إلى فتوى الفقيه وقد أفتاه بما اختلف الفقهاء فيه فصار ذلك عذراً في الشبهة م: (ولو بلغه الحديث) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفطر الحاجم والمحجوم» م: (فاعتمده) ش: أي الحديث م: (فكذلك عند محمد) ش: أي لا تجب الكفارة م: (لأن قول الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: [بيان] م: (لا ينزل عن قول المفتي) ش: بيان هذا أن قول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 لأن قول الرسول- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لا ينزل عن قول المفتي، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلاف ذلك لأن على العامي الاقتداء بالفقهاء لعدم الاهتداء في حقه إلى معرفة الأحاديث. وإن عرف تأويله تجب الكفارة؛ لانتفاء الشبهة، وقول الأوزاعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يورث الشبهة، لمخالفته القياس   [البناية] المفتي بالفطر بالحجامة يكون عذراً في سقوط الكفارة، فقول الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي هو فرق كل قول أولى بأن يكون عذراً في عدم وجوب الكفارة. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلاف ذلك) ش: أي خلاف المذكور عن محمد، وهو ما روى ابن سماعة وبشر عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا أفطر المحتجم. الحديث عليه القضاء والكفارة م: (لأن على العامي الاقتداء بالفقهاء لعدم الاهتداء في حقه إلى معرفة الأحاديث) ش: يعني العامي إذا سمع حديثاً ليس له أن يأخذ بظاهره، لأنه لا يهتدي إلى معرفة أحواله، لأنه قد يكون منسوخاً أو متروكاً أو مصروفاً عن ظاهره. م: (وإن عرف تأويله) ش: أي تأويل الحديث م: (تجب الكفارة لانتفاء الشبة) ش: حاصل المعنى أن العامي إذا بلغه الحديث وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفطر الحاجم والمحجوم» وعرف تأويله ولم يعتمده فأكل بعد ذلك عمداً تجب الكفارة لعدم الشبهة، وتأويله بما ذكر الطحاوي في " شرح الآثار " بإسناده إلى أبي الأشعث الصنعاني، قال: إنما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفطر الحاجم والمحجوم» لأنهما كانا يغتابان حتى حبط أجرهما بالغيبة فصارا كالمفطرين لا أنهما أفطرا حقيقة، والمحجوم هو معقل بن سنان، قيل: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر به وجماعة معه وهما يغتابان آخر، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفطر الحاجم والمحجوم» [أي فطره بما صنع به فوقع عند الراوي أنه قال: أفطر الحاجم المحجوم] بغير الواو على أن المحجوم مفعول فاعتمده، وهذه رواية، والرواية المشهورة بالواو على أن المحجوم عطف على الحاجم. م: (وقول الأوزاعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يورث الشبهة، لمخالفته القياس) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر بأن يقال: لا نسلم أن منشأ الشبهة ذلك وحده، بل قول الأوزاعي بذلك منشأ لها أيضاً، وقوله: إن الحجامة تفطر الصائم، وبه قال أحمد أيضاً، فأجاب بأن قول الأوزاعي لا يورث الشبهة في سقوط الكفارة لمخالفته القياس، فإن الفطر مما يدخل لا مما يخرج، لا يقال في عبارته تناقض، لأنه قال: إلا إذا أفتاه فقيه، وفتواه لا يكون إلا بقوله ثم قال، وقال الأوزاعي: لا يورث الشبهة، [وأيضاً في هذا الباب لا يكون إلا مخالفاً للقياس، فكيف تكون شبهة] من غير الأوزاعي دونه، لأنا نقول ذلك بالنسبة إلى العامي، وهذا بالنسبة إلى من عرف التأويل. واسم الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - من الأوزاع وهم بطن من همدان، وقال الواقدي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كان يسكن بيروت وأهله باليمامة ومات ببيروت سنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 ولو أكل بعد ما اغتاب متعمدا فعليه القضاء والكفارة كيفما كان؛ لأن الفطر يخالف القياس، والحديث مؤول بالإجماع وإذا جومعت النائمة، أو المجنونة وهي صائمة عليها القضاء دون الكفارة.   [البناية] سبع وخمسين ومائة وهو يومئذ ابن اثنين وسبعين سنة. م: (ولو أكل بعد ما اغتاب متعمدا فعليه القضاء والكفارة كيفما كان) ش: يعني سواء ظن أن الغيبة فطرته أو استفتى فقيهاً فأفتاه بفساد صومه بالغيبة أو تأول الحديث بأنها تفطره فأكل بعد ذلك عمداً يجب عليه القضاء والكفارة. م: (لأن الفطر) ش: يعني بالغيبة م: (يخالف القياس) ش: لأن القياس يأبى ذلك م: (والحديث) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الغيبة تفطر الصائم» كذا قاله الأترازي، وقال الكاكي: هو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ثلاث يفطرن الصائم وتنقض الوضوء ويهدمن العقل، الغيبة والنميمة والنظر إلى محاسن المرأة " ولنبين الآن حال هذين الحديثين م: (مؤول بالإجماع) ش: تأويله بأن المراد به ذهاب الثواب، فلم يوجد الدليل النافي للحرمة في ذاته فلا يكون شبهة، بخلاف حديث الحجامة، فإن بعض العلماء أخذ بظاهره من غير تأويل. وذكر شيخنا زين الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الترمذي " قد اختلف العلماء في الحجامة والفصد للصائم، فذهب من الصحابة أبو موسى الأشعري وعلي بن أبي طالب، ومن العلماء عطاء والأوزاعي وابن المبارك وأحمد وإسحاق وعبد الرحمن بن مهدي وابن المنذر وابن خزيمة من الشافعية وداود الظاهري إلى أنه تفطر الصائم. قلت: وردت أحاديث في كون الغيبة مفطرة للصائم كلها مدخولة، فإن الحديث الأول أخرجه إسحاق بن راهويه في " مسنده " من حديث يزيد بن أبان الرقاشي عن أنس بن مالك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا اغتاب الصائم فقد أفطر» " والحديث الثاني رواه ابن الجوزي عن أنس أيضاً مرفوعاً، ولفظه: «خمس يفطرن الصائم وينقضن الوضوء الكذب والنميمة والغيبة والنظر بشهوة واليمين الكاذبة» ، ثم قال: هذا حديث موضوع. م: (وإذا جومعت النائمة، أو المجنونة وهي صائمة عليها القضاء دون الكفارة) ش: أما صوم النائمة فظاهر، وأما صوم المجنونة فقد تكلموا في صحته، لأنها لا تجامع المجنون. وحكي عن أبي سليمان الجوزجاني أنه قال: لما قرأت هذه المسألة على محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: كيف تكون المجنونة صائمة، فقال لي: دع هذه، فإنها انتشرت في الآفاق. ومن المشايخ من قال: كأنه كانت في الأصل مجبورة فظن الكاتب أنها مجنونة ولهذا قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا قضاء عليهما اعتبارا بالناسي، والعذر هنا أبلغ لعدم القصد. ولنا أن النسيان يغلب وجوده، وهذا نادر، ولا تجب الكفارة لانعدام الجناية.   [البناية] وأكثر المشايخ: قالوا: تأويله أن العاقلة نوت الصوم ثم جنت في بعض النهار ونامت ثم جامعها ثم أفاقت بعد ذلك واستيقظت وعلمت بفعل الزوج فعليها القضاء والكفارة، كذا في " جامع الأسبيجابي والمحبوبي "، وفي " الفوائد الظهيرية " عن يحيى بن أبان أنه قال: قلت لمحمد هذه مجنونة فقال: لا بل مجبورة، أي المكرهة، فقلت: إلا تجعلها مجبورة، فقال: بلى ثم قال: وكيف وقد سارت بها الركبان؟ دعوها، وبقولنا قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أحمد: لو جومعت المجبورة يبطل صومه وتجب الكفارة، ولو أكره بالأكل لا يبطل صومه. م: (وقال زفر والشافعي لا قضاء عليهما) ش: أي على النائمة والمجنونة المذكورتين م: (اعتبارا بالناسي) ش: أي يعتبران اعتبار الناسي م: (والعذر هنا أبلغ) ش: أي العذر في النوم والجنون أبلغ من العذر في النسيان، لأن الناسي قاصد للأكل والنائمة والمجنونة لا قصد منهما أصلاً وهو معنى قوله: م: (لعدم القصد) ش: فيهما لأن الجماع في قصد الناسي بغفلة بخلاف النائمة والمجنونة. م: (ولنا أن النسيان يغلب وجوده) ش: فيفضي إلى الحرج ولا يصح الجماع بالناسي م: (وهذا) ش: أي جماع النائمة والمجنونة م: (نادر) ش: فالقضاء لا يفضي إلى الحرج م: (ولا تجب الكفارة لانعدام الجناية) ش: لعدم القصد، وبقول زفر والشافعي - رحمهما الله - قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وأبو ثور، وعلى هذا الخلاف إذا صب الماء [في] حلق الصائم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 فصل فيما يوجبه على نفسه وإذا قال: لله علي صوم يوم النحر أفطر، وقضى، فهذا النذر صحيح عندنا خلافا لزفر والشافعي - رحمهما الله - هما يقولان: إنه نذر بما هو معصية؛ لورود النهي عن صوم هذه الأيام   [البناية] [فصل فيما يوجبه على نفسه من الصيام] [حكم نذر صيام يوم النحر] م: (فصل فيما يوجبه على نفسه) ش: أي هذا فصل في بيان حكم ما يوجبه الشخص على نفسه، ولما فرغ من بيان ما يوجبه الله تعالى شرع في بيان ما يوجبه العباد على أنفسهم، إذ إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى، وفي " النهاية " و " الأصل " ما ذكره شيخي أن النذر لا يصح إلا بثلاث شرائط في الأصل إلا إذا قام الدليل على خلافه، أحدها: أن يكون الواجب من جنس ما أوجبه الله تعالى. والثاني: أن يكون مقصوداً لا وسيلة، والثالث: أن لا يكون واجبا عليه في الحال أو بيان الحال، فلذلك لا يصح النذر بعيادة المريض لانعدام الشرط الأول، ولا بالضوء وسجدة التلاوة لانعدام الشرط الثاني، ولا بصلاة الظهر وغيرها من المفروضات لانعدام الشرط الثالث. فإن قلت: يشكل على هذا النذر بالحج ماشياً. والاعتكاف وإعتاق الرقبة حيث تجب هذه الأشياء بالنذر، مع أن الحج بصفة المشي غير واجب شرعاً، وكذلك نفس الاعتكاف من غير مباشرة بسبب يوجب الاعتكاف غير واجب وكذلك الإعتاق. قلت: هذه الصور من المستثنى الذي قام الدليل على وجوبه، بخلاف القياس. م: (وإذا قال: لله علي صوم يوم النحر أفطر) ش: لأن الصوم فيه منهي عنه م: (وقضى) ش: لأن مشروعية الصوم لا تفصل بين صوم وصوم، فالصوم في ذاته عبادة، لأن فيه إظهار الخضوع لله عز وجل وتعظيمه، ولكن تعلق بصوم هذا اليوم نهي يجب امتثاله م: (فهذا النذر صحيح عندنا) ش: لكونه نذراً بما هو مشروع فيجب القضاء صيانة له م: (خلافا لزفر والشافعي - رحمهما الله -) ش: ومالك وأحمد وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية ابن المبارك عنه، وقال مالك لو نذر صوم يوم قدوم فلان، فقدم يوم العيد، قال ابن عبد الملك يقضيه وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرة. م: (هما) ش: أي زفر والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - م: (يقولان إنه نذر) ش: أي هذا نذر م: (بما هو معصية لورود النهي عن صوم هذه الأيام) ش: وهو يوم العيدين وأيام التشريق، وأشار بهذا إلى حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه البخاري ومسلم «عن عبيد قال: شهدت العيد مع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم قال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن صيام هذين اليومين، وأما يوم الأضحى فتأكلون من لحم نسككم، وأما يوم الفطر ففطركم من صيامكم» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 ولنا: أنه نذر بصوم مشروع، والنهي لغيره؛ وهو ترك إجابة دعوة الله تعالى فيصح نذره، لكنه يفطر احترازا عن المعصية المجاورة، ثم يقضي إسقاطا للواجب، وإن صام فيه يخرج عن العهدة؛ لأنه أداه كما التزمه. وإن نوى يمينا فعليه كفارة يمين، يعني إذا أفطر. وهذه المسألة على وجوه ستة: إن لم ينو شيئا. أو نوى النذر لا غير. أو نوى النذر ونوى أن لا يكون يمينا يكون نذرا؛ لأنه نذر بصيغته، كيف وقد قرره بعزيمته. وإن نوى اليمين، ونوى أن لا يكون نذرا يكون يمينا؛ لأن اليمين محتمل كلامه   [البناية] م: (ولنا: أنه نذر بصوم مشروع) ش: بالنظر إلى نفس الصوم، ولكن اقترن به النهي م: (والنهي لغيره) ش: أي لمعنى في غيره م: (وهو ترك إجابة دعوة الله تعالى) ش: لأن الناس أضياف الله تعالى في هذه الأيام م: (فيصح نذره) ش: لأن النهي لغيره لا يمنع صحة من حيث ذاته م: (لكنه يفطر احترازا عن المعصية المجاورة) ش: وهي النهي المذكور م: (ثم يقضي إسقاطا للواجب) ش: أي لأجل إسقاط الواجب وهو النذر. م: (وإن صام فيه) ش: أي في يوم النحر م: (يخرج عن العهدة) ش: أي عهدة النذر م: (لأنه أداه كما التزمه) ش: كما أنه إذا نذر أن يصلي عند طلوع الشمس فله أن يصلي في وقت آخر، فإذا صلى في ذلك الوقت خرج عن عهدته لأنه أداه كما التزمه. م: (وإن نوى يميناً) ش: يعني إن نوى يميناً في قوله لله علي صوم يوم النحر م: (فعليه كفارة يمين يعني إذا أفطر) ش: الفرق بين النذر واليمين أن في النذر يلزمه القضاء دون الكفارة، وفي اليمين تجب الكفارة دون القضاء م: (وهذه المسألة على وجوه ستة) ش: الأول: هو قوله م: (إن لم ينو شيئا) ش: يعني قال لله علي صوم يوم النحر ولم ينو لا نذراً ولا يميناً. م: (أو نوى النذر لا غير) ش: يعني لم ينو اليمين، هذا هو الثاني من الوجوه الستة. م: (أو نوى النذر ونوى أن لا يكون يمينا) ش: هذا هو الثالث م: (يكون نذرا) ش: يعني في هذه الوجوه الثلاثة م: (لأنه نذر بصيغته) ش: فتعين النذر في الوجه الأول بلا نية لكونه حقيقة كلام. وفي الوجه الثاني تعين بطريق الأولى، لأنه قد أدى النذر بعزيمة. وفي الثالث أولى وأحرى لكونه مراداً، لأنه قدر النذر بعزيمته، وبقي غيره أن يكون مراداً م: (كيف وقد قرره بعزيمته) ش: أي وكيف لا يكون نذراً والحال أنه قد قرر كلامه بعزيمته أي بنيته. [م: (وإن نوى اليمين، ونوى أن لا يكون نذرا يكون يمينا) ش: هذا هو] م: (لأن اليمين محتمل كلامه) ش: لأن اللام تجيء بمعنى الباء كقوله تعالى: {آمنتم له} [طه: 71] أي به، ألا ترى إلى قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - دخل آدم الجنة، فلله ما غربت الشمس حتى خرج أي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 وقد عينه، ونفى غيره. وإن نواهما يكون نذرا ويمينا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكون نذرا. ولو نوى اليمين فكذلك عندهما، وعنده يكون يمينا. لأبي يوسف أن النذر فيه حقيقة، واليمين مجاز حتى لا يتوقف الأول على النية، ويتوقف الثاني فلا ينتظمهما، ثم المجاز يتعين بنيته، وعند نيتهما تترجح الحقيقة، ولهما أنه لا تنافي بين الجهتين؛ لأنهما يقتضيان الوجوب إلا أن النذر يقتضيه لعينه واليمين لغيره   [البناية] فبالله م: (وقد عينه) ش: أي وقد عين المحتمل بنيته ونفى غيره فصار المحتمل هو المراد م: (ونفى غيره) ش: فلم يلزمه حيث نفاه. م: (وإن نواهما) ش: هذا هو الوجه الخامس، أي وإن نوى النذر واليمين م: (يكون نذرا ويمينا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش: حتى لو لم يصم يجب القضاء والكفارة، القضاء باعتبار النذر، والكفارة باعتبار اليمين م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكون نذرا) ش: كما يجيء دليله فيه. م: (ولو نوى اليمين) ش: هو الوجه السادس، أي ولو نوى اليمين فقط في المسألة المذكورة م: (فكذلك) ش: أي فكذلك يكون نذراً ويميناً كما في الوجه الخامس م: (عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. م: (وعنده) ش: أي وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يكون يمينا. لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن النذر فيه) ش: أي في قوله " لله علي صوم يوم النحر " يراد به م: (حقيقة) ش: لعدم توقفه على النية م: (واليمين) ش: أي وأراد اليمين م: (مجاز حتى لا يتوقف الأول) ش: أي النذر م: (على النية، ويتوقف الثاني) ش: أي اليمين م: (على النية فلا ينتظمها) ش: أي فلا ينتظم كلامه النذر واليمين معاً، لأنه يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز بلفظ واحد وهو لا يجوز، وذلك كما في قوله لامرأته أنت علي حرام، إن ونوى به الطلاق كان طلاقاً، وإن نوى به اليمين كان يميناً فلا يجتمعان. م: (ثم المجاز يتعين بنيته) ش: أراد أنه إذا أراد المجاز بتعيين بنيته وتبطل الحقيقة حينئذ لامتناع الجمع بينهما م: (وعند نيتهما) ش: أي وعند نية النذر واليمين معاً م: (تترجح الحقيقة) ش: وهذا النذر فلا يكون المجاز مراداً، فإذا نوى اليمين تعين المجاز بنيته فلا تكون الحقيقة مراده. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أنه لا تنافي بين الجهتين) ش: أي بين جهة النذر وجهة اليمين م: (لأنهما) ش: أي لأن الجهتين م: (يقتضيان الوجوب) ش: أراد أن كلاً منهما يقتضي الوجوب في ذاته، لكن يختلف من حيث الجهة أشار إليه بقوله: م: (إلا أن النذر يقتضيه) ش: أي يقتضي الوجوب م: (لعينه) ش: ولهذا يجب القضاء بتركه م: (واليمين لغيره) ش: أي يقتضي اليمين الوجوب لغيره وهو صيانة اسم الله عز وجل عن الهتك، ولهذا لا يجب القضاء بل تجب الكفارة، ويجوز أن يكون الشيء واجباً لعينه وواجباً لغيره، كما إذا حلف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 فجمعنا بينهما عملا بالدليلين، كما جمعنا بين جهتي التبرع والمعاوضة في الهبة بشرط العوض. ولو قال: لله علي صوم هذه السنة أفطر يوم الفطر، ويوم النحر، وأيام التشريق وقضاها؛ لأن النذر بالسنة المعينة نذر بهذه الأيام، وكذا إذا لم يعين لكنه شرط التتابع؛ لأن المتابعة لا تعرى عنها لكن يقضيها في هذا الفصل موصولا تحقيقا للتتابع بقدر الإمكان، ويتأتى في هذا خلاف زفر، والشافعي - رحمهما الله - للنهي عن الصوم فيها، وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ألا لا   [البناية] لأصلين ظهر هذا اليوم في الوقت فيجب أداء الظهر لعينه ولغيره، حتى يجب القضاء باعتبار وجوب عينه. والكفارة باعتبار وجوب غيره، ولا يسمى هذا مجازاً، ولكل واحد من هذا دليل شرعي يجب العمل به إذا أمكن، والعمل هنا يمكن لعدم التنافي بينهما. م: (فجمعنا بينهما) ش: أي بين النذر واليمين م: (عملا بالدليلين) ش: اللذين نشأ أحدهما من النذر والآخر من اليمين، يعني نشأ من جهتهما م: (كما جمعنا بين جهتي التبرع والمعاوضة في الهبة بشرط العوض) ش: حيث جعل هبة في الابتداء للفظ الهبة وبيعاً في الانتهاء لدلالة المعاوضة ولهذا يصح الرجوع قبل القبض اعتبارا ًللتبرع وثبتت الشفعة بعد القبض اعتباراً بالبيع، فلم يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز لاختلاف الجهة، فكذا فيما نحن فيه. م: (ولو قال: لله علي صوم هذه السنة أفطر يوم الفطر، ويوم النحر، وأيام التشريق) ش: وهي ثلاثة أيام بعد عيد النحر م: (وقضاها) ش: أي الأيام الخمسة م: (لأن النذر بالسنة المعينة نذر بهذه الأيام) ش: أي لأن السنة لا تخلو عن هذه الأيام، وصار نذراً لسنة معينة نذراً لهذه الأيام، والنذر بالأيام المنهية صحيح عندنا، لأن النهي لا يعدم المشروعية ولم يجب قضاء رمضان، لأن صومه لم يجب بهذا النذر. م: (وكذا) ش: أي وكذا يفطر الأيام الخمسة وقضاها م: (إذا لم يعين) ش: السنة يعني لم يقل هذه السنة، بل قال لله علي صوم سنة م: (لكنه شرط) ش: أي لكن الناذر شرط م: (التتابع) ش: بأن قال: صوم سنة متتابعة م: (لأن المتابعة لا تعرى عنها) ش: أي عن الأيام الخمسة المذكورة م: (لكن يقضيها) ش: أي لكن يقضي هذه السنة المذكورة م: (في هذا الفصل موصولاً) ش: أي قضاء موصولاً بانتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف م: (تحقيقا للتتابع بقدر الإمكان) ش: أي لأجل تحقيق التتابع، وإن لم يشترط التتابع لم يجزه صوم هذه الأيام ويقضي خمسة وثلاثين يوماً، خمسة للأيام الخمسة، وثلاثين لرمضان، ومبنى جواز هذه الأيام وعدم جوازه إنما وجب كاملاً لا يتأدى ناقصاً وما وجب ناقصاً جاز أن يتأدى ناقصاً. م: (ويتأتى) ش: [ويتأدى] م: (في هذا) ش: أي في قضاء صوم هذه الأيام م: (خلاف زفر، والشافعي - رحمهما الله -) ش: يعني لا تقضى عندهما م: (للنهي عن الصوم فيها، وهو) ش: أي النهي هو م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «ألا لا تصوموا في هذه الأيام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 تصوموا في هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب، وبعال» وقد بينا الوجه فيه، والعذر عنه ولو لم يشترط التتابع لم يجزه صوم هذه الأيام؛ لأن الأصل فيما   [البناية] فإنها أيام أكل وشرب وبعال» ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رواه الطبراني في " معجمه " عن عكرمة عنه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أرسل أيام منى صائحاً يصيح: ألا لا تصوموا هذه الأيام، فإنها أيام أكل وشرب وبعال» والبعال وقاع النساء. وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه الدارقطني في " سننه " في الضحايا عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج منى ألا إن الذكاة في الحلق واللبة. ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق وأيام منى أيام أكل وشرب وبعال» . وفي سنده سعيد بن سلام رماه أحمد بالكذب. وعن عبد الله بن حذافة أخرجه الدارقطني أيضاً بسند الواقدي «قال ابن حذافة بعثني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على راحلته أيام منى أنادي أيها الناس إنها أيام أكل وشرب وبعال» . وقال الدارقطني: الواقدي ضعيف. قلت: لا يلتفت إليه في هذا. وعن أم خلدة الأنصارية رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده «عن عمر بن خلدة عن أمه قالت بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علينا مناديا ينادي أيام منى إنها أيام أكل وشرب وبعال، يعني النكاح» . وعن زيد بن خالد الجهني رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " بإسناده عنه قال: «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً فنادى أيام التشريق ألا إن هذه الأيام أيام أكل وشرب ونكاح» . وعن نبيشة الهذلي رواه مسلم في " صحيحه " عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيام التشريق أيام أكل وشرب» ، زاد في طريق: " وذكر الله ". وقال المنذري: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة مع كثرة طرقها منها ما هو مقصور على الأكل والشرب، ومنها ما هو فيه وذكر الله، ومنها ما فيه وصلاة، وليس في شيء منها وبعال، وهو لفظ غريب. م: (وقد بينا الوجه فيه) ش: أي في قوله " لله علي صوم يوم النحر " م: (والعذر عنه) ش: أي وبينا العذر عنه، أي عن وجه النهي، وهو ما ذكره في أول الفصل بقوله " ولنا أنه نذر بصوم مشروع والنهي لغيره " وأراد بالعذر الجواب عنه. م: (ولو لم يشترط التتابع) ش: أي ولو لم يشترط الناذر التتابع في قوله " لله علي صوم سنة " ولم يذكر متابعة م: (لم يجزه صوم هذه الأيام) ش: يعني الأيام الخمسة المذكورة م: (لأن الأصل فيما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 يلتزمه الكمال، والمؤدى ناقض لمكان النهي، بخلاف ما إذا عينها؛ لأنه التزم بوصف النقصان، فيكون الأداء بالوصف الملتزم. قال: وعليه كفارة يمين، إن أراد به يمينا، وقد سبقت وجوهه. ومن أصبح يوم النحر صائما ثم أفطر لا شيء عليه، وعن أبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - في " النوادر ": أن عليه القضاء؛ لأن الشروع ملزم كالنذر، وصار كالشروع في الصلاة في الوقت المكروه، والفرق لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو ظاهر الرواية أن بنفس الشروع في الصوم يسمى صائما، حتى يحنث به الحالف على الصوم فيصير مرتكبا للنهي، فيجب إبطاله،   [البناية] يلتزمه الكمال) ش: فلا يتأدى بالنقص لأن ما وجب كاملاً لا يتأدى بالناقص م: (والمؤدى) ش: بفتح الدال م: (ناقض لمكان النهي) ش: فيه بالحديث المذكور. م: (بخلاف ما إذا عينها) ش: متصل بقوله " لم يجزه صوم هذه الأيام " يعني بخلاف ما إذا عين السنة بأن قال لله علي صوم هذه السنة حيث يجوز صوم هذه الأيام فيه م: (لأنه التزم بوصف النقصان فيكون الأداء بالوصف الملتزم) ش: بفتح الزاي، لأن ما وجب ناقصاً يتأدى بناقص. م: (قال: وعليه) ش: أي على الناذر المذكور م: (كفارة يمين، إن أراد به يمينا) ش: لأن كلامه يحتمله وقد سبق وجهه أي وجه هذا عند قوله " لله علي صوم يوم النحر " وفي بعض النسخ وقد سبق وجهه من قبل، وفي بعضها م: (وقد سبقت وجوهه) ش: وكذا هو في نسخة الأترازي، وفسره بقوله أي وجوه ما إذا قال لله علي صوم هذه السنة عند قوله " لله علي صوم يوم النحر " وأراد بها الوجوه الستة المذكورة. م: (ومن أصبح يوم النحر صائما ثم أفطر لا شيء عليه) ش: أي لا قضاء عليه، لأن القضاء إنما يبنى على سلامة الموجب عن شائبة الحرمة، والصوم في يوم النحر حرام، فلا يجب شيء. م: (وعن أبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - في " النوادر ": أن عليه القضاء؛ لأن الشروع لزوم كالنذر) ش: يعني قياساً على النذر بصوم هذه الأيام م: (وصار) ش: أي حكم هذا م: (كالشروع في الصلاة في الوقت المكروه) ش: مثل وقت طلوع الشمس ووقت الزوال ووقت الغروب حيث يجب القضاء فيها إذا أفسدها. م: (والفرق لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني بين النذر بصوم يوم النحر، وبين الشروع في الوقت المكروه في الأوقات المكروهة م: (وهو ظاهر الرواية) ش: أي عن أصحابنا، كذا قال الأترازي: والأولى أن يقال وهو ظاهر الرواية عن أبي يوسف، ومحمد، وهذه جملة معترضة بين المبتدأ والخبر، أعني قوله: - والفرق - مبتدأ وخبره هو قوله م: (أن بنفس الشروع في الصوم يسمى صائما) ش: يعني يصح إطلاق اسم الصائم عليه م: (حتى يحنث به الحالف على الصوم) ش: فيما إذا حلف أنه لا يصوم، فصام يوم النحر م: (فيصير مرتكبا للنهي) ش: يبقى النذر الوارد فيه م: (فيجب إبطاله) ش: لأجل النهي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 فلا تجب صيانته، ووجوب القضاء يبتني عليه ولا يصير مرتكبا للنهي بنفس النذر، وهو الموجب ولا بنفس الشروع في الصلاة حتى يتم ركعة، ولهذا لا يحنث به الحالف على الصلاة فتجب صيانة المؤدى، ويكون مضمونا بالقضاء، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجب القضاء في فصل الصلاة أيضا، والأظهر هو الأول، والله أعلم بالصواب.   [البناية] م: (فلا تجب صيانته) ش: لكونه معصية. م: (ووجوب القضاء يبتني عليه) ش: أي على وجوب صيانة المؤدي م: (ولا يصير مرتكبا للنهي بنفس النذر، وهو الموجب) ش: أي النذر هو الموجب لأنه إيجاب في الذمة، وهو أمر عقلي وجاز للعقل أن مجرد الأصل عن الوصف فلم يكن مرتكباً للنهي م: (ولا بنفس الشروع) ش: أي ولا يصير أيضاً مرتكباً بنفس الشروع م: (في الصلاة حتى يتم ركعة) ش: لأن الشروع في الصلاة ليس بصلاة، لأن تمامها بالركوع والسجود. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون نفس الشروع لا يسمى صلاة م: (لا يحنث به الحالف على الصلاة) ش: أي لا يحنث الحالف بالشروع إذا حلف على أن لا يصلي ما لم يركع ويسجد، فإذا ركع وسجد صارت ركعة فيحنث بها حينئذ م: (فتجب صيانة المؤدى) ش: يعني لما كان شروع فيها صحيحاً يجب عليه صون المؤدى م: (ويكون مضمونا بالقضاء) ش: هذا هو المشهور عن أصحابنا. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجب القضاء في فصل الصلاة أيضاً) ش: يعني إذا دخل في الصلاة عند الزوال ثم أفسدها لا يجب عليه القضاء لأنه ممنوع عن الدخول، وما بعدها مبني عليه م: (والأظهر) ش: أي الأظهر والأشهر من الرواية عن أصحابنا م: (هو الأول) ش: أي المذكور الأول، وهو وجوب القضاء بالشروع في الصلاة في الأوقات الثلاثة إذا أفسدها. واعلم أن في الوقت لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجوهاً أخرى غير الذي ذكر المصنف. الأول: أن الشروع في الصلاة بالتكبير للافتتاح وهي ليست من الصلاة عندنا فحصل الشروع بها ولا نهي بخلاف الصوم. الثاني: أن الصلاة وجوبها بالقول كالنذر بخلاف الشروع في الصوم، فإنه بالنية. الثالث: أن الصلاة لزومها بالقول والنية بإيجاب الصوم بالنية وحدها، فكان الأول أقوى فلا يلزم من ضمان الأقوى ضمان الأضعف. الرابع: أن الصوم لا يمكنه فعله إلا على وجه المعصية، والصلاة يمكن أداؤها على غير وجه المعصية، بأن يصبر حتى يخرج وقت الكراهة فيؤديها، على وجه الاستحسان، وكذا لا يكون مرتكباً للنهي بنفس النذر، مع أن النذر ممنوع في رواية أبي يوسف وعبد الله بن المبارك عن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ذكرها في " البدائع " وغيره. وفي " شرح التكملة ": شرع في صوم يوم النحر ثم أفسده لم يقضه. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه القضاء، ولم يذكر خلافاً لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي " العيون " جعل قول محمد مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والخلاف لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: يجوز التطوع بالصوم ممن عليه صوم رمضان، وبه قال أهل العلم، وقال أحمد: لا يجوز ممن عليه صوم يوم فرض لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من صام تطوعاً وعليه شيء من رمضان لم يقضه، فإنه لا يقبل منه حتى يصومه» . وفي سنده ابن لهيعة [ ... ] الحال. وعن أحمد: أنه يجوز مثل قول الجمهور لا بأس بقضاء رمضان في أيام العشر غير يوم العيد، وهو قول سعيد بن المسيب، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وروي استحبابه، عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ورويت كراهته، عن علي، والحسن والزهري، وهو رواية عن أحمد. وفي " المبسوط ": تبع جوازه علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أراد أن يقول لله علي صوم يوم، فجرى على لسانه شهر لزمه شهر، ولو قال لله علي صوم آخر يوم من أول الشهر وأول يوم من آخره يلزمه الخامس عشر والسادس عشر، ولو نذر صوم يوم غد أو نوى كل ما دار الغد لا تصح نيته. ولو قال: صوم يوم ونوى صوم كل ما دار يوم صحت، ذكره في " جوامع الفقه ": ولو قال صوم الجمعة يلزمه صوم يوم الجمعة لا غير، إلا إذا نوى أيام الأسبوع. وإن نكر الجمعة لزمه الأسبوع كله. ولو قال لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم ليلاً لا يلزمه شيء، لأن اليوم اسم للبياض، وكذا إن قدم بعد الأكل نهاراً أو الحيض، وعن أبي يوسف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقضيه، وإن قدم بعد الزوال فلا رواية فيه. وقال السرخسي: الأظهر التسوية بينهما وإن قدم قبل الزوال صامه لبقاء وقت النية. وفي " الواقعات ": قال: لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان شكراً لله تعالى، وأراد به اليمين فقدم في يوم رمضان عليه كفارة يمين، ولا قضاء عليه، ولو قال: لله علي أن أصوم الأبد فضعف عن الصوم، لأجل اشتغاله بالمعيشة له أن يفطر، ويطعم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 باب الاعتكاف قال: الاعتكاف مستحب والصحيح أنه سنة مؤكدة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واظب عليه في العشر الأواخر من رمضان   [البناية] [باب الاعتكاف] [حكم الاعتكاف] [أركان الاعتكاف وشروطه] م: (باب الاعتكاف) ش: أي هذا باب في بيان كذا أخره عن الصوم، لأنه شرطه والشرط مقدم طبعاً فيقدم وضعاً، والاعتكاف افتعال من عكف، وهو متعد، فمصدره العكف ولازم فمصدره العكوف والمتعدي بمعنى الحبس والمنع، ومنه قَوْله تَعَالَى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} [الفتح: 25] [الفتح: آية 25] ومنه الاعتكاف في المسجد؛ لأنه حبس النفس ومنه اللازم الإقبال على الشيء بطريق المواظبة ومنه قَوْله تَعَالَى: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] [الأعراف: آية 138] ، وهو من ضرب ومن باب طلب، يعني يجوز في مضارعه كسر عين الفعل، وضمها. وفي الشرع: الاعتكاف هو اللبث في المسجد مع النية، وفي " النهاية " تفسيره شريعة هو اللبث والقرار في المسجد مع نية الاعتكاف، فكان الشرعي مبنياً على التقدير اللغوي مع زيادة اشتراط المسجد وصفته أنه سنة، وركنه هو تفسيره شريعة، وشرطه الصوم ومسجد الجماعة، ومنه الاعتكاف في حق الرجال، وإن كان يجوز للمرأة أن تعتكف في مسجد الجماعة والأفضل لها مسجد بيتها. وسببه إن كان واجباً فالنذر، وإن كان تطوعاً فالنشاط الداعي إلى طلب الثواب. وحكمه إن كان واجباً ما هو حكم سائر الواجبات وإن كان نفلاً ما هو حكم سائر النوافل، ونقيضه الخروج من المسجد إلا لحاجة لازمة طبعاً أو شرعاً. ومحظوراته الجماع، ودواعيه، وآدابه أن لا يتكلم إلا بخير، وأن يلازم الاعتكاف عشرين رمضان وأن يختار أفضل المساجد كالمسجد الحرام، والمسجد الجامع. م: (الاعتكاف مستحب) ش: وفي " المبسوط " قربة مشروعة، وعن بعض المالكية هو جائز. وقال أبو بكر - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " عارضة الأحوذي ": قول أصحابنا جائز جهل منهم يعني المالكية م: (والصحيح أنه سنة مؤكدة) ش: وكذا ذكره في " المحيط "، و " البدائع "، و " التحفة " وقوله: والصحيح احتراز، عن قول القدوري أنه مستحب. م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واظب عليه في العشر الأواخر من رمضان) ش: هذا أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يعتكف العشر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 والمواظبة دليل السنة قال: وهو اللبث في المسجد مع الصوم، ونية الاعتكاف، أما اللبث فركنه؛ لأنه ينبئ عنه، فكان وجوده به، والصوم من شرطه عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والنية شرط في سائر العبادات.   [البناية] الأواخر من رمضان، حتى قبضه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده» . إلا ابن ماجه، فإنه أخرجه عن أبي بن كعب قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعتكف الشعر الأواخر من رمضان فسافر عاماً، فلما كان في العام القابل اعتكف عشرين يوماً» . وأخرجه أبو داود والنسائي أيضاً، ولفظهما ولم يعتكف عاماً م: (والمواظبة دليل السنة) ش: قيل: المواظبة دليل الوجوب. وأجيب: بأن المواظبة دليل السنة المؤكدة، وهي في قوة الوجوب، والأحسن أن يقال بأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لم ينكر على من تركه، ولو كان واجباً لأنكر، وكأن المواظبة بلا ترك معارضة بترك الإنكار، وذكر في " المبسوط "، و " البدائع " أن الزهري قال: عجباً من الناس كيف تركوا الاعتكاف ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعل الشيء ويتركه، [ .... ] الاعتكاف حتى قبض - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، قيل في جوابه إن أكثر الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لم يعتكفوا. قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لم يبلغني أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن المسيب ولا أحدا من سلف هذه الأمة اعتكف إلا أبا بكر بن عبد الرحمن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وأراهم تركوه لشدته، لأن ليله ونهاره سواء. وقال في " المجموعة ": تركوه لأنه مكروه في حقهم إذ هو كالوصال المنهي عنه. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وهو اللبث في المسجد مع الصوم، ونية الاعتكاف، أمما اللبث فركنه؛ لأنه ينبئ عنه) ش: أي لأن الاعتكاف يخبر عن اللبث م: (فكان وجوده به) ش: أي فكان وجود الاعتكاف باللبث م: (والصوم من شرطه عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي الصوم الواجب من شرطه، وهو مذهب علي، وابن عمر، وابن عباس، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي ومجاهد والقاسم بن محمد ونافع وابن المسيب والأوزاعي والزهري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وبه قال مالك، والثوري، والحسن بن حي والشافعي في " القديم ". وقال الشافعي وأحمد: ليس بشرط، وبه قال داود وأبو ثور، لا في الواجب ولا في النفل، وهو قول عبد الله بن مسعود وطاووس وعمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (والنية شرط في سائر العبادات) ش: يعني في كل العبادات لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 هو يقول: إن الصوم عبادة، وهو أصل بنفسه، فلا يكون شرطا لغيره. ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا اعتكاف إلا بالصوم» . والقياس في مقابلة النص المنقول غير مقبول.   [البناية] «الأعمال بالنيات» م: (هو) ش: أي الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (يقول: إن الصوم عبادة، وهو أصل بنفسه، فلا يكون شرطا لغيره) ش: وبه قال أحمد في رواية، وهو مذهب ابن مسعود، كما قلنا، فالقياس مع الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لأن كونه شرطاً يقتضي أن يكون تبعاً، وبين الأصل والتبع منافاة، ولكنا تركنا القياس استحساناً بالحديث الذي أشار إليه بقوله: م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا اعتكاف إلا بالصوم» ش: هذا الحديث رواه الدارقطني ثم البيهقي من حديث عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا اعتكاف إلا بالصوم» ، وفيه سويد بن عبد العزيز. قال الدارقطني: تفرد به وقال البيهقي: وسويد ضعيف لا يقبل ما تفرد به، وقد روي عن عطاء، عن عائشة موقوفاً. قلت: روى أبو داود في " سننه " عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري، عن عروة عن عائشة قالت: السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا ما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع.. وقال المنذري في " مختصره ": وعبد الرحمن بن إسحاق أخرج له مسلم، ووثقه ابن معين وغيره، ورواه البيهقي في " شعب الإيمان "، عن الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب به، وفيه قالت: السنة في المعتكف أن يصوم، وقال: أخرجاه في " الصحيح " وروى قوله: - والسنة في المعتكف ... إلخ، فقد قيل: إنه من قول عروة. وروى أبو داود والنسائي عن عبد الله بن بديل عن عمرو بن دينار عن ابن عمر «أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلة أو يوماً عند الكعبة، فسأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اعتكف وصم» ". م: (والقياس في مقابلة النص المنقول غير مقبول) ش: هذا ظاهر، ولكن فيه بحث من وجهين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 ثم الصوم شرط لصحة الواجب منه رواية واحدة، ولصحة التطوع فيما روى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لظاهر ما روينا، وعلى هذه الرواية لا يكون أقل من يوم، وفي رواية الأصل وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أقله ساعة، فيكون من غير صوم لأن مبنى النفل على المساهلة،   [البناية] أحدهما: أن الله تعالى شرع الاعتكاف مطلقاً بقوله: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] [البقرة: آية 187] ، فاشتراط الصوم زيادة عليه بخبر الواحد وهو نسخ لا يجوز. والثاني: الاعتكاف يتحقق في الليالي، والصوم فيها غير مشروع، وفي ذلك تحقق المشروط دون الشرط وهو باطل، فدل أنه ليس بشرط. والجواب عن الأول: بأن الإمساك عن الجماع ثبت شرطاً لصحة الاعتكاف بهذا النص القطعي، وهو أحد ركني الصوم فألحق به، والركن الآخر وهو الإمساك عن شهوة البطن بالدلالة لاستوائهما في الحظر والإباحة، كما ألحق الجماع بالأكل والشرب ناسياً في حق بقاء الصوم بالدلالة لهذا المعنى، ثم لما ثبت وجوب الإمساك على المعتكف عن الشهوتين لله تعالى كان صوماً. والثاني: بأن الشرط إنما يثبت بحسب الإمكان فإن المرأة عليها صوم الشهر متتابعاً ثم ينقطع التتابع بعذر الحيض، والصوم في الليالي غير ممكن. م: (ثم الصوم شرط) ش: يعني عندنا م: (لصحة الواجب منه) ش: أي من الاعتكاف، والواجب أن يقول: لله علي أن أعتكف يوماً أو شهراً أو يعلقه بشرط فيقول إن شفى الله مريضي، والاعتكاف النفل أن يشرع فيه من غير إجابة بالنذر م: (رواية واحدة) ش: أي ليس فيه اختلاف الروايات، فمعناه في جميع الروايات م: (ولصحة التطوع) ش: أي الصوم شرط أيضاً لصحة الاعتكاف التطوع م: (فيما روى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لظاهر ما روينا، وهو قوله: الاعتكاف بصوم لأنه يشمل الواجب والنفل وعلى هذه الرواية لا يكون) ش: وعلى هذه الرواية أي رواية الحسن عن أبي حنيفة لا يكون أي الاعتكاف م: (أقل من يوم) ش: لأن الصوم مقدر باليوم. م: (وفي رواية الأصل) ش: أي " المبسوط " م: (وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أقله ساعة) لأن الاعتكاف لبث في مكان فلا يقدر بوقت كالوقوف بعرفة، فإذا لم يقدر بوقت يكون معتكفاً بقدر ما دام، وله ثواب المعتكفين ما دام في المسجد بنية الاعتكاف. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قدر أقل الاعتكاف انتقل بأكثر اليوم إقامة للأكثر مقام الكل م: (فيكون من غير صوم) ش: يعني إذا كان أقله ساعة فلا يكون فيه صوم م: (لأن مبنى النفي على المساهلة، ألا ترى أنه يقعد في صلاة النفل مع القدرة على القيام) ش: لأن باب النفل أوسع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 ألا ترى أنه يقعد في صلاة النفل مع القدرة على القيام. ولو شرع فيه ثم قطعه لا يلزمه القضاء في رواية الأصل؛ لأنه غير مقدر، فلم يكن القطع إبطالا، وفي رواية الحسن يلزمه؛ لأنه مقدر باليوم كالصوم، ثم الاعتكاف لا يصح إلا في مسجد الجماعة؛ لقول حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة. وعن أبي حنيفة: أنه لا يصح إلا في مسجد يصلى فيه الصلوات الخمس؛ لأنه عبادة انتظار الصلاة فيختص بمكان تؤدى فيه.   [البناية] م: (ولو شرع فيه) ش: أي في الاعتكاف النفل م: (ثم قطعه لا يلزمه القضاء في رواية الأصل؛ لأنه غير مقدر) ش: لشيء يكون زائداً على ما أتى به الشرع م: (فلم يكن القطع إبطالا) ش: لكون إتمامه غير لازم. م: (وفي رواة الحسن يلزمه) ش: أي القضاء م: (لأنه مقدر باليوم كالصوم) ش: لضرورة لزوم القضاء في شرطه وهو الصوم. [مكان الاعتكاف] م: (ثم الاعتكاف لا يصح إلا في مسجد الجماعة) ش: أراد به مسجداً تصلى فيه جماعة بعض الصلوات كمساجد الأسواق م: (لقول حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة) ش: هذا رواه الطبراني في " معجمه " حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا أبو عوانة عن مغيرة عن إبراهيم النخعي أن حذيفة قال لابن مسعود: ألا تعجب من قوم بين دارك ودار أبي موسى يزعمون أنهم معتكفون، قال: فلعلهم أصابوا، وأخطأت أو حفظوا ونسيت، قال: أما أنا فقد علمت أنه لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة. م: (وعن أبي حنيفة) ش: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أنه لا يصح إلا في مسجد) ش: جماعة م: (تصلى فيه الصلوات الخمس؛ لأنه عبادة انتظار الصلاة فيختص بمكان تؤدى فيه) ش: الصلاة. هذه رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لا يجوز إلا في مسجد له إمام ومؤذن وتصلى فيه الصلوات كلها. وفي " الفتاوى ": يجوز الاعتكاف في الجامع وإن لم يصلوا فيه بالجماعة، أما إذا كان يصلى فيه الصلوات الخمس بالجماعة فالاعتكاف فيه أفضل. وقال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": أفضل الاعتكاف أن يكون في المسجد الحرام ثم في مسجد المدينة وهو مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم في مسجد بيت المقدس ثم في المساجد العظام التي كثر أهلها. وفي " المنتقى ": عن أبي يوسف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الاعتكاف الواجب لا يجوز أداؤه في غير مسجد الجماعة. وفي " البدائع ": الاعتكاف الواجب، والنفل لا يصحان إلا في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 أما المرأة تعتكف في مسجد بيتها؛ لأنه هو الموضع لصلاتها فيتحقق انتظارها فيه، ولو لم يكن لها في البيت مسجد تجعل موضعا فيه فتعتكف فيه. ولا يخرج من المسجد إلا لحاجة الإنسان، أو الجمعة أما الحاجة فلحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «وكان النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لا يخرج من معتكفه إلا لحاجة الإنسان» ؛ ولأنه معلوم وقوعها، ولا بد من الخروج في تقضيتها   [البناية] المسجد، وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصح في كل مسجد. وقال الأترازي: والصحيح عندي أنه يصح في كل مسجد. قلت: هذا قول الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ونسبه إلى نفسه. [مكان الاعتكاف بالنسبة للمرأة] م: (أما المرأة فتعتكف في مسجد بيتها) ش: المراد من مسجد بيتها هو المكان المتعين للصلاة م: (لأنه هو الموضع لصلاتها فيتحقق انتظارها فيه) ش: أي انتظارها للصلاة، أي في الموضع الذي تصلي فيه، وبه قال النخعي والثوري وابن علية. وفي السروجي: ولا تعتكف في مسجد جماعة ذكره في الأصل. وفي " منية المفتي ": لو اعتكفت في المسجد جاز. وفي " المحيط ": روى الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جوازه، وكراهته في المسجد، وفي " البدائع ": وليس لها أن تعتكف في بيتها في غير مسجد بيتها وهو الموضع المعد لصلاتها. وفي المرغيناني: لا يجوز في بيت لا مسجد فيه. وقال ابن بطال: قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - معتكف المرأة، والعبد، والمسافر حيث شاءوا، وقال النووي: المذهب أن المرأة لا يصح اعتكافها إلا في المسجد كالرجل. م: (ولو لم يكن لها في البيت مسجد تجعل موضعاً فيه فتعتكف فيه) ش: وفي " المجتبى ": لو لم يكن في مسجد بيتها موضع تجعل فيه مسجدا ًفتعتكف فيه، ولو اعتكفت في مسجد بيتها فليس لزوجها أن يأتيها ولا أن يمنعها من الاعتكاف، لكن لا ينبغي لها أن تعتكف بغير إذن زوجها، وكذا العبد لا يعتكف بغير إذن مولاه، ولو أذن لهما ثم إن منعهما صح [ويلزم] ويأثم، وبه قال الشافعي، وقال مالك: ليس له أن يمنعهما، والمكاتب لو اعتكف بغير إذنه يصح وليس له منعه. وقال مالك: له منعه، ولو طلقت المعتكفة في المسجد أو توفي عنها زوجها جاز لها الرجوع إلى بيتها لتعتد فيه ثم ترجع إلى المسجد على اعتكافها، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - تتم اعتكافها في المسجد. م: (ولا يخرج) ش: أي المعتكف م: (من المسجد إلا لحاجة الإنسان) ش: وهو التغوط وإراقة البول م: (أو الجمعة) ش: أي أو الجمعة أي يخرج لها. م: (أما الحاجة فلحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يخرج من معتكفه إلا لحاجة الإنسان» ش: هذا الحديث غريب بهذا اللفظ وأخرج الأئمة الستة في كتبهم عن عائشة - رضي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 فيصير الخروج لها مستثنى، ولا يمكث بعد فراغه؛ من الطهور لأن ما ثبت بالضرورة يتقدر بقدرها. وأما الجمعة فلأنها من أهم حوائجه، وهي معلوم وقوعها. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الخروج إليها مفسد؛ لأنه يمكنه الاعتكاف في الجامع.   [البناية] الله عنها - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان» م: (ولأنه معلوم وقوعها) ش: أي وقوع الحاجة م: (فلا بد من الخروج في تقضيتها فصير الخروج لها مستثنًى) ش: لأن الضرورات تبيح المحظورات، ثم في خروجه لقضاء الحاجة لا تفاوت بين أن يدخل تحت سقف غير سقف المسجد أو لا فإنه جائز، وكان مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: إذا خرج للحاجة لا ينبغي أن يدخل تحت سقف، فإن أواه سقف غير سقف المسجد فسد اعتكافه لعدم الضرورة فيه، وهذا ليس بشيء، فإنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان يدخل حجرته إذا خرج لحاجته كذا في " المبسوط ". م: (ولا يمكث بعد فراغه؛ من الطهور) ش: بفتح الطاء مصدر، وقال المبرد خمسة من المصادر على مفعول بفتح الفاء؛ الطهور، والوضوء، والقبول، والودوع، والركوع، وفي " المغرب ": الطهور بالفتح مصدر بمعنى التطهر، ومنه مفتاح الصلاة الطهور، وقال ابن الأثير الطهور بالضم وبالفتح الماء الذي يتطهر به كالوضوء، والوضوء والسحور والسحور، قال: سيبويه: الطهور بالفتح يقع على الماء والمصدر معاً م: (لأن ما ثبت بالضرورة يتقدر بقدرها) ش: أي بقدر الضرورة. م: (وأما الجمعة فلأنها من أهم حوائجه) ش: لأنها حاجة دينية ولا يمكن من إقامتها إلا بالخروج م: (وهي معلومٌ وقوعها) ش: أي الجمعة معلوم وقوعها، فيكون الخروج إليها مستثنى. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الخروج إليها) ش: أي إلى الجمعة م: (مفسدٌ) ش: للاعتكاف م: (لأنه يمكنه الاعتكاف في الجامع) ش: وبه قال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وفي " الذخيرة " للمالكية: يبطل بالخروج للجمعة على المشهور، وروي عنه كقولنا، وقال ابن العربي: إذا خرج للجمعة لا يفسد في الصحيح، وبقولنا قال سعيد بن جبير، والحسن البصري، والنخعي، وأحمد، وعبد الملك، وابن المنذر، وفي " الإكمال ": ومن تلزمه الجمعة لا يعتكف إلا في الجامع، وهو المشهور من مذهب مالك، وهو قول الشافعي، والكوفيين، وقال السروجي: قوله الكوفيين غير صحيح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 ونحن نقول: الاعتكاف في كل مسجد مشروع، وإذا صح الشروع فالضرورة مطلقة في الخروج، ويخرج حين تزول الشمس؛ لأن الخطاب يتوجه بعده، وإن كان منزله بعيدا عنه يخرج في وقت يمكنه إدراكها، ويصلي قبلها أربعا، وفي رواية ستا، الأربع سنة، والركعتان تحية المسجد، وبعدها أربعا أو ستا على حسب الاختلاف في سنة الجمعة، وسننها توابع لها فألحقت بها، ولو أقام في مسجد الجامع أكثر من ذلك، لا يفسد اعتكافه؛ لأنه موضع اعتكاف إلا أنه لا يستحب؛ لأنه التزم أداءه في مسجد واحد، فلا يتمه في مسجدين من غير ضرورة. ولو خرج من المسجد ساعة بغير عذر فسد اعتكافه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] م: (ونحن نقول: الاعتكاف في كل مسجد مشروع، فإذا صح الشروع) ش: أي في مسجد غير جامع م: (فالضرورة مطلقةٌ) ش: بضم الميم وسكون الطاء وكسر اللام أي مجوزة على الإطلاق م: في الخروج) ش: إلى الجمعة م: (ويخرج حين تزول الشمس؛ لأن الخطاب يتوجه بعده) ش: أي بعد زوال الشمس عن كبد السماء م: (وإن كان منزله بعيدًا عنه) ش: أي عن الجامع م: (يخرج في وقت يمكنه إدراكها) ش: أي إدراك الجمعة م: (ويصلي قبلها) ش: أي قبل الجمعة م: (أربعًا) ش: أي يصلي أربع ركعات. م: (وفي رواية ستا، الأربع سنةٌ، والركعتان تحية المسجد، وبعدها أربعًا أو ستا) ش: أي، أو يصلي ست ركعات م: (على حسب الاختلاف في سنة الجمعة) ش: فإن عند أبي حنيفة، ومحمد يصلي أربعاً وعند أبي يوسف يصلي ستا م: (وسننها توابع لها فألحقت بها) ش: كأذكارها. م: (ولو أقام في مسجد الجامع أكثر من ذلك) ش: أي أكثر من صلاة الجمعة وسنتها م: (لا يفسد اعتكافه؛ لأنه موضع اعتكاف) ش: فلا يضره ذلك م: (إلا أنه لا يستحب) ش: استثناء من قوله: لا يفسد اعتكافه، أي لا يفسد اعتكافه بإقامة المعتكف في الجامع أكثر من صلاة وسنتها، إلا أن يثبت فيه بعد الفراغ لا يستحب بل يكره له ذلك م: (لأنه التزم أداءه في مسجد واحد، فلا يتمه في مسجدين من غير ضرورة) ش: رعاية للمسجد الذي اعتكف فيه بقدر الإمكان. [خروج المعتكف من المسجد بدون عذر] م: (ولو خرج من المسجد ساعةً بغير عذر فسد اعتكافه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: العذر الخروج لغائط أو بول أو جمعة لأنه لا بد منه، وكذا إذا انهدم المسجد، وفي السقف يجوز له أن يتحول إلى مسجد آخر في خمسة أشياء. أحدها: أن ينهدم مسجده. الثاني: أن يتفرق أهله فلا يجتمعون فيه. الثالث: أن يخرجه منه سلطان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 لوجود المنافي وهو القياس، وقالا: لا يفسد حتى يكون أكثر من نصف يوم وهو الاستحسان؛ لأن في القليل ضرورة. قال وأما الأكل، والشرب، والنوم يكون في معتكفه؛ لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لم يكن له مأوى إلا المسجد.   [البناية] الرابع: أن يأخذه ظالم. الخامس: أن يخاف على نفسه وماله من المكابرين. وفي المرغيناني: إن خرج لمرض يبطل اعتكافه، لأن وقت المرض غير معلوم فلم يكن مستثنى، وقال الحاكم في " الكافي ": وكذا يبطل لو أخذه غريم فحبسه ساعة. قوله في المتن - ساعة - يعني وإن كان قليلاً، وسواء كان عامداً أو ناسياً، وفي " المبسوط " و " التحفة " قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أقيس. م: (لوجود المنافي) ش: للبث م: (وهو) ش: أي قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو م: (القياس) ش: وبه قال مالك والشافعي، وأحمد، إلا أن عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخرج لعيادة أبويه ولا يخرج لجنازتهما. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (لا يفسد حتى يكون) ش: أي الخروج م: (أكثر من نصف يوم) ش: لأن للأكثر منه حكم الكل والأقل منه عفو، وإن كان بغير عذر ولهذا إذا خرج لحاجة الإنسان فتأنى في المشي لا يفسد اعتكافه، وإن كان لا يحتاج إلى التأني في المشي لأنه في حكم اليسير. وفي " الذخيرة ": الاختلاف في الاعتكاف الواجب، أما في النفل فلا بأس بأن يخرج بغير عذر لأن التطوع غير مقدر في ظاهر الرواية، وهو أي قولهما م: (الاستحسان؛ لأن في القليل ضرورةً) ش: والضرورة مستثناة م: (وأما الأكل، والشرب، والنوم يكون في معتكفه) ش: أي في موضع الاعتكاف م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن له مأوى إلا في المسجد) ش: يعني في حال كونه معتكفاً، وهذا معلوم في الأحاديث والنصوص المتطابقة ويقال في غالب أحواله لم يتخذ مأوى إلا المسجد فكان أكله متحققاً فيه فلا ضرورة إلى الخروج، وبه قال مالك وابن شريح من أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو الأظهر عند صاحب " التهذيب ". وقال المزني وأكثر أصحابه: له الخروج للأكل والشرب لأن في تكلفه الأكل في المسجد مشقة ونوعاً من ترك المروءة أيضاً، فإنه قد يختار أن لا يعرف جنس طعامه لفقره أو لتورعه، فلو كلفناه الأكل يفوت غرضه، وأيضاً قد يكون في المسجد غيره فيشق عليه الأكل دونه، ولو أكل معه لم يكفهما الطعام فجعلنا ذلك عذرا في إباحة الأكل في المنزل، كذا في تتمتهم، وفي " شرح الوجيز ": لو عطش ولم يجد في المسجد ماء يخرج، وإن وجد فيه فوجهان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 ولأنه يمكن قضاء هذه الحاجة في المسجد فلا ضرورة إلى الخروج. ولا بأس بأن يبيع ويبتاع في المسجد من غير أن يحضر السلعة لأنه قد يحتاج إلى ذلك بأن لا يجد من يقوم بحاجته، إلا أنهم   [البناية] أصحهما لا يخرج. م: (ولأنه يمكن قضاء هذه الحاجة) ش: أي حاجة الأكل والشرب م: (في المسجد فلا ضرورة إلى الخروج) ش: قيد بقوله؛ لأنه يمكن لأنه إذا لم يمكن يخرج، وفي " البدائع ": لا يخرج لأكل وشرب، ونوم، ولا عيادة مريض، ولا صلاة جنازة، فإن خرج فسد اعتكافه عامداً أو ناسيا، بخلاف ما لو خرج مكرهاً، وفي " شرح الإرشاد ": لا يخرج لأداء شهادة وإن تعين لأدائها، لأن هذا لا يقع إلا نادراً، فلا عبرة للنادر، وبه قال مالك. وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لو تعين أداؤها عليه لا تبطل بالخروج، وإن لم يتعين تبطل، وفي " الذخيرة " للمالكية: يؤديها في المسجد ولا يخرج. [ما يجوز للمعتكف] م: (ولا بأس بأن يبيع) ش: أي المعتكف م: (ويبتاع) ش: أي أو يشتري م: (في المسجد من غير أن يحضر السلعة) ش: وفي " التنجيس " هذا إذا باع أو اشترى لحاجته الأصلية لا للتجارة، فإنه للتجارة مكروه. لأن المسجد بني للصلاة لا للتجارة. وفي " الذخيرة ": له أن يبيع ويشتري في المسجد الطعام، وما لا بد منه، وإذا أراد أن يتخذ ذلك متجراً يكره له. وقال الكرخي: قوله - من غير أن يحضر السلعة - دليل على أنه لا بأس به مطلقاً، سواء كان له منه بد أو لم يكن. وقال الشافعي: يبيع ويشتري ولا يكره منه، وقطع الماوردي بكراهة البيع والشراء وعمل الصنائع. وقال في البويطي: أكره البيع والشراء في المسجد، ومثله عن أبي حامد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قال النووي في " شرح التهذيب ": وهو الأصح وكرهه عطاء والزهري، وكان مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: يخرج لشراء الطعام ثم يرجع، وفي " جوامع الفقه ": للمتعكف أن يبيع ويشتري في المسجد من غير إحضار السلعة ويتزوج ويراجع ويحرم بحج وعمرة ويتطيب ويتردد في نواحي المسجد ويصعد المنارة، وبه قال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والشافعي. وقال معمر: لا يتطيب المعتكف، وقال عطاء: لا يتطيب المعتكف وفي " الخزانة " كره التحرز للمعتكف ومنع سحنون من المالكية إمامة المعتكف في أحد قوليه في الفرض والنفل وكذا أذانه في غير المنارة، وفي المنارة منعه مالك مرة وأجازه أخرى مع العلماء. م: (لأنه) ش: أي لأن المعتكف م: (قد يحتاج إلى ذلك) ش: أي إلى البيع والشراء م: (بأن لا يجد من يقوم بحاجته، إلا أنهم قالوا) ش: استثناء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 قالوا: يكره إحضار السلعة للبيع، والشراء؛ لأن المسجد متحرز عن حقوق العباد، وفيه شغله بها، ويكره لغير المعتكف البيع والشراء فيه؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «جنبوا مساجدكم صبيانكم - إلى أن قال -: وبيعكم، وشراءكم» .   [البناية] م: (يكره إحضار السلعة للبيع والشراء؛ لأن المسجد متحرز) ش: على بناء المجهول من التحريز بالحاء المهملة، معناه أن بقعة المسجد قد تحرزت م: (عن حقوق العباد) ش: فصارت حقاً لله تعالى م: (وفيه شغله بها) ش: أي وفي إحضار السلعة شغل المسجد بفتح الشين بها أي بالسلعة فيكره شغله بالسلع للتجارة. م: (ويكره لغير المعتكف البيع والشراء فيه) ش: أي في المسجد م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «جنبوا مساجدكم صبيانكم - إلى أن قال -: وبيعكم، وشراءكم» ش: هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ واثلة بن الأسقع، روى حديثه ابن ماجه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «جنبوا مساجدكم صبيانكم، ومجانينكم، وشراءكم، وبيعكم، وخصوماتكم، ورفع أصواتكم، وإقامة حدودكم، وسل سيوفكم، واتخذوا على أبوابها المطاهر، وجمروها في الجمع» ، ورواه الطبراني في " معجمه " عن العلاء بن كثير عن مكحول عن أبي الدرداء وأبي أمامة وواثلة، قالوا سمعنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول، فذكره وسنده ضعيف. ومعاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - روى حديثه عبد الرزاق في " مصنفه " من حديث مكحول عنه، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «جنبوا مساجدكم» ... الحديث، باللفظ المذكور، وروى النسائي، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك» . م: (قال: ولا يتكلم إلا بخير) ش: قال الله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53] [الإسراء: آية 53] ، أي قل للمؤمنين يقولوا للمشركين الكلمة التي هي أحسن وألين، ولا تحاشوهم فالنص يقتضي أن لا يتلكم خارج المسجد إلا بخير، فالمسجد أولى، وله قراءة القرآن والحديث، والعلم، والتدريس، وكتابة أمور الدين، وسماع العلم. وقال القاضي عياض وأبو بكر بن العربي: منعه مالك من ذلك وهو قول بن حنبل، واعتباره بالطواف والصلاة، وقال أبو الطيب في " المجرد " قال الشافعي في " الأم " و " الجامع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 قال: ولا يتكلم إلا بخير، ويكره له الصمت؛ لأن صوم الصمت ليس بقربة في شريعتنا لكنه يتجانب ما يكون مأثما. ويحرم على المعتكف الوطء؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد} [البقرة: 187] [البقرة: الآية 187]   [البناية] الكبير ": لا بأس أن يقص في المسجد، لأن القصص وعظ وتذكير. وقال النووي: ما قاله الشافعي محمول على الأحاديث المشهورة والمغازي والرقائق مما ليس فيه وضع ولا ما تحمله عقول العوام ولا ما يذكره أهل التواريخ والقصص من قصص الأنبياء - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وحكاياتهم أن بعض الأنبياء جرى له كذا من فتنة أو نحوها، فإن كل هذا يمنع منه انتهى. قلت: يمنع من ذلك من كان غير معتكف، ويمنع الطرقية الذين يعملون المواعيد في المساجد ويوردون الأحاديث الموضوعة والأخبار التي ليست لها صحة، وفي " جوامع الفقه ": يكره التعليم فيه بأجر، وكذا كتابة المصحف بأجر والخياطة، وقيل: إن كان الخياط يحفظ المسجد فلا بأس بأن يخيط فيه ولا يستطرقه إلا لعذر، ويكره على سطحه ما يكره فيه. م: (ويكره له الصمت) ش: أي ترك التحدث مع الناس، قال الإمام حميد الدين الضرير: إنما يكره الصمت إذا اعتقده قربة، أما إذا لم يعتقده قربة فلا يكره لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من صمت نجا» رواه عبد الله بن عمر- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وقال الكاكي: قيل معنى الصمت النذر بأن لا يتكلم أصلا كما كان في شريعة من قبلنا وقيل: أن يسكت ولا يتكلم أصلا، قاله الإمام بدر الدين خواهر زاده. م: (لأن صوم الصمت ليس بقربة في شريعتنا) ش: قالوا: إن صوم الصمت من فعل المجوس وروى أبو حنيفة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن صوم الوصال وصوم الصمت» وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أمر رجلاً نذر أن يقوم في الشمس ولا يتكلم ولا يستظل ويصوم، أن يجلس ويستظل ويتكلم» رواه البخاري. وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا يتم بعد احتلام ولا صمات يوم إلى الليل» . رواه أبو داود، وفي " المغني ": الصمت عن الكلام ليس من شريعة الإسلام، وأجازه أبو ثور وابن المنذر. م: (لكنه يتجانب ما يكون مأثما) ش: متصل بقوله: يكره له الصمت، يعني يتحدث بما شاء بعد أن لا يكون في كلامه مأثم، والمأثم بمعنى الإثم. [ما يحرم على المعتكف] م: (ويحرم على المعتكف الوطء؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] [البقرة: الآية 187] ) ش: قيل: كيف [ ..... ] للمعتكف الوطء، أجيب بأنه يجوز له الخروج للحاجة، فعند ذلك أيضاً يحرم الوطء عليه لما أن اسم المعتكف لا يزول عنه بذلك الخروج، وفي " شرح النازلات " كانوا يخرجون ويقضون حاجتهم في الجماع ثم يغتسلون فيرجعون إلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 وكذا اللمس، والقبلة، لأنه من دواعيه، فيحرم عليه؛ إذ هو محظوره كما في الإحرام بخلاف الصوم، لأن الكف ركنه لا محظوره، فلم يتعد إلى دواعيه.   [البناية] معتكفهم فنزل {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ} [البقرة: 187] .... الآية وسواء كان الوطء بالليل أو بالنهار عامداً كان أو ناسيا، وبه قال مالك وأحمد وسواء كان في المسجد أو خارجه. وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن كان ناسياً لاعتكافه أو جاهلاً بتحريمه لم تبطل على المذهب، وبه قال داود، ونقل المزني عن الشافعي أن الاعتكاف لا يفسده الوطء؛ إلا ما يوجب الحد، وقال إمام الحرمين: يقتضي هذا أن لا يفسد بالوطء في الدبر ووطء البهيمة إذ لم يوجب فيهما الحدود، وعلى إمام الحرمين فقال النووي: المذهب المشهور أن الاعتكاف يفسد بكل وطء سواء فيه المرأة أو البهيمة أو اللواط وغيره. م: (وكذا اللمس والقبلة) ش: أي وكذا يحرم لمس زوجته وقبلته إياها، وفي بعض النسخ ويكره له المس. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا كان اللمس بغير شهوة لا يمنع. وفي " خزانة الأكمل ": اللمس والقبلة إن كان معهما إنزال يفسد اعتكافه، وبدون الإنزال لا يفسد، وإن نظر فأنزل أو تفكر فأنزل أو احتلم لا يفسد. وفي " المحيط " و " البدائع " و " التحفة " و " المنافع " قالوا: يحرم عليه اللمس والقبلة إن كان معهما إنزال، ولم يشترطوا فيهما الشهوة، وفي العبد إن نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى لا يفسد بل يغتسل ويعود إلى معتكفه. وفي المرغيناني: يكره للمعتكف المباشرة الفاحشة، وإن أمن على نفسه. ولا يكره للصائم إذا أمن، وهذا يدل على أن اللمس من غير شهوة لا يحرم على المعتكف، وإن أطلقوا الحرمة في الكتب المشهورة، وعن ابن سماعة أنه ذكر عن بعض أصحابنا أن جماع الناسي لا يفسد الاعتكاف، لأنه فرع الصوم. م: (لأنه) ش: أي لأن في اللمس والقبلة م: (من دواعيه) ش: أي من دواعي الوطء م: (فيحرم عليه إذ هو محظوره) ش: أي إذ الوطء محظور الاعتكاف م: (كما في الإحرام) ش: أي كما هو محظور في حالة الإحرام، والحظر في اللغة المنع، وكثيراً ما يراد به الحرام، يقال حظرت الشيء إذا حرمته م: (بخلاف الصوم) ش: جواب عن سؤال مقدر بأن يقال: الجماع يفسد الصوم، كما أنه يفسد الاعتكاف فأجاب بقوله - بخلاف الصوم -. م: (لأن الكف) ش: أي عن الجماع م: (ركنه) ش: أي ركن الصوم م: (لا محظوره، فلم يتعد إلى دواعيه) ش: أي فلم يتعد حكم الحرمة من الوطء إلى دواعي الوطء، تقدير هذا الموضع أن الجماع محظور في الاعتكاف بالنص، بخلاف الصوم، فإن التقبيل واللمس لا يحرم بالصوم، لأن الجماع ليس بحرام في الصوم، لكن الكف عن الجماع ركن فيه، وحرمة الجماع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 فإن جامع ليلا، أو نهارا عامدا، أو ناسيا بطل اعتكافه لأن الليل محل الاعتكاف بخلاف الصوم، وحالة العاكفين مذكرة فلا يعذر بالنسيان. ولو جامع فيما دون الفرج فأنزل، أو قبل، أو لمس فأنزل بطل اعتكافه؛ لأنه في معنى الجماع حتى يفسد به الصوم   [البناية] إنما ثبت لفوات الركن ضرورة وجوب الكف، فلم تتعد الحرمة إلى دواعيه إلا إذا خاف الوقوع في الجماع، وفي " الأم " اعتكاف الركن هو اللبث لا الكف عن الجماع فكان الجماع من محظورات اللبث، بدليل أن الحرمة تثبت النهي. بقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] [البقرة: 187] ، وموجب النهي الحرمة أي دواعيه لأنه من توابع المحظورات كما في الإحرام. م: (فإن جامع) ش: أي المعتكف م: (ليلا، أو نهارا) ش: أي في الليل أو النهار حالة كونه م: (عامدا) ش: أي قاصداً م: (أو ناسيا) ش: أي أو جامع حال كونه ناسياً م: (بطل اعتكافه) ش: وبه قال مالك وأحمد، وسواء فيه أنزل أو لم ينزل. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا جامع ناسياً لا يبطل اعتكافه، روى ابن سماعة عن أصحابنا مثله. م: (لأن الليل محل الاعتكاف بخلاف الصوم) ش: أراد بهذا بيان أن كل ما كان من محظورات الاعتكاف لا يختلف فيه حكم السهو والعمد، والليل والنهار، ولهذا إذا جامع يفسد اعتكافه سواء جامع ليلاً أو نهاراً أو ناسيا، ولكل ما كان من محظورات الصوم مختلف فيه حكم السهو والعمد، والليل والنهار، ولهذا إذا أكل أو شرب ليلاً عامدا أو ناسيا لا يضره، ولو أكل في النهار ناسيا لا يضره، وكذا لو جامع في النهار ناسيا لا يفسد صومه، وإن أفسد الاعتكاف، ولو أكل في النهار عامدا يفسد الاعتكاف بفساد صومه. م: (وحالة العاكفين مذكرة فلا يعذر بالنسيان) ش: أشار بهذا الكلام إلى الفرق بين الصوم والاعتكاف، وهو أن المعتكف اقترن به ما يذكره وهو حالة العكوف فلا ينسى بالنسيان عادة، ولا يعذر بالنسيان، والصائم لم تقترن به حالة تذكره فيعذر بالنسيان، وهو أيضاً جواب عن سؤال مقدر، يقال: الاعتكاف فرع على الصوم، والفرع ملحق بالأصل في حكمه فلو جامع ناسياً في رمضان لم يفسد الصوم، فكيف يفسد الاعتكاف، فأجاب بقوله: وحالة العاكفين مذكرة. م: (ولو جامع) ش: أي المعتكف م: (فيما دون الفرج) ش: مثل البطن والفخذ م: (فأنزل، أو قبل، أو لمس فأنزل بطل اعتكافه؛ لأنه في معنى الجماع حتى يفسد به الصوم) ش: لأنه إنزال بمباشرة فصار كالإنزال بالوطء من حيث قضاء الشهوة، وللشافعي فيه ثلاثة أقوال. أحدها: أنه لا يفسد اعتكافه وإن أنزل، كما لا يفسد الإحرام بها وإن أنزل، فإنهما متقاربان في المعنى؛ لأن كل واحد منهما يدوم الليل، والنهار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 ولو لم ينزل لا يفسد، وإن كان محرما؛ لأنه ليس في معنى الجماع، وهو المفسد، ولهذا لا يفسد به الصوم. قال: ومن أوجب على نفسه اعتكاف أيام لزمه اعتكافها بلياليها؛ لأن ذكر الأيام على سبيل الجمع يتناول ما بإزائها من الليالي، يقال: ما رأيتك منذ أيام، والمراد بلياليها، وكانت متتابعة، وإن لم يشترط التتابع؛ لأن مبنى الاعتكاف على التتابع، لأن الأوقات كلها قابلة له بخلاف الصوم؛ لأن مبناه على التفرق، لأن الليالي غير قابلة للصوم فيجب على التفرق حتى ينص على التتابع، وإن نوى الأيام خاصة، صحت نيته لأنه نوى الحقيقة.   [البناية] والثاني: أن يفسد بها الاعتكاف وإن لم ينزل، وبه قال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. والثالث: مثل قولنا، وبه قال المزني وأصحاب أحمد. م: (ولو لم ينزل لا يفسد، وإن كان محرما؛ لأنه ليس في معنى الجماع، وهو المفسد) ش: أي الجماع هو المفسد م: (ولهذا لا يفسد به الصوم) ش: أي ولأجل أن التقبيل أو اللمس من غير إنزال لا يفسد به الصوم، لأنه ليس في معنى الجماع. [حكم من أوجب على نفسه اعتكاف يومين أو أيام] م: (ومن أوجب على نفسه اعتكاف أيام) ش: نحو أن يقول: لله علي أن أعتكف ثلاثة أيام م: (لزمه اعتكافها بلياليها؛ لأن ذكر الأيام على سبيل الجمع يتناول ما بإزائها من الليالي، يقال: ما رأيتك منذ أيام، والمراد بلياليها) ش: لأن ذكر أحد العددين على طريق الجمع ينتظم ما بإزائه من العدد، ألا ترى إلى قصة زكريا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، حيث قال: {أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} [آل عمران: 41] [آل عمران: آية 41] ، وقال: {أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] [مريم: آية 10] ، والقصة كانت واحدة. م: (وكانت) ش: أي الأيام م: (متتابعة، وإن لم يشترط التتابع؛ لأن مبنى الاعتكاف على التتابع) ش: لوجوده في اليوم والليلة م: (لأن الأوقات كلها قابلة له) ش: أي للاعتكاف قوله: - كلها - بالنصب لأنه توكيد الأوقات، وخبر أن قوله - قابلة - وبقولنا قال: مالك وأحمد، ولأحمد في نذر الصوم المطلق روايتان في وجوب التتابع. وقال زفر والشافعي: هو بالخيار إن شاء تابع وإن شاء فرق كالنذر بالصوم. م: (بخلاف الصوم؛ لأن مبناه على التفرق، لأن الليالي غير قابلة للصوم فيجب على التفرق حتى ينص على التتابع) ش: نحو أن يقول: لله علي أن أصوم شهراً متتابعاً يلزمه التتابع، وإذا قال لله عليه أن أصوم شهراً يكون له الخيار إن شاء تابع وإن شاء فرق، لأن التفريق فيه أصل لوجوده في النهار خاصة. م: (وإن نوى الأيام خاصة صحت نيته؛ لأنه نوى الحقيقة) ش: أي حقيقة كلامه إذ اليوم اسم لبياض النهار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 ومن أوجب على نفسه اعتكاف يومين يلزمه بلياليهما. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تدخل الليلة الأولى؛ لأن المثنى غير الجمع، وفي المتوسطة ضرورة الاتصال.   [البناية] فإن قيل: الحقيقة منصرف اللفظ بدون قرينة ونية، فما وجه قوله: لأنه نوى الحقيقة؟ أجيب: كأنه اختار ما ذهب إليه بعضهم أن اليوم مشترك بين بياض النهار، ومطلق الوقت واحد، ومعنى المشترك يحتاج إلى ذلك لتعيين الدلالة لا لنفس الدلالة، وعلى تقدير أن يكون مختاره ما عليه الأكثرون، وهو أنه مجاز في مطلق الوقت، فجوابه أن ذكر الأيام على سبيل الجمع صارف له عن الحقيقة فيحتاج إلى النية دفعاً للصارف عن الحقيقة لا للدلالة. م: (ومن أوجب على نفسه اعتكاف يومين يلزمه بلياليهما) ش: هذا ظاهر الرواية؛ لأن الليلتين تتناولان يومهما عرفاً، يقال: أرك منذ ليلتين، فيدخل الغروب في اليوم الثاني، ولو نذر اعتكاف [ليلة لا يصح لأنه لا يتناول يومها، والليلة ليست بمحل للصوم، وإذا نذر اعتكاف] يوم صح. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تدخل الليلة الأولى؛ لأن المثنى غير الجمع) ش: كون المثنى غير الجمع ظاهر، ولما كان كذلك كان لفظ المثنى ولفظ المفرد سواء، ولو قال: علي أن أعتكف يوماً لم تدخل ليلته بالاتفاق، فكذا في التثنية. م: (وفي المتوسطة) ش: أي في الليلة المتوسطة وهي الليلة الوسطى م: (ضرورة الاتصال) ش: يعني اتصال البعض الآخر بالبعض، وهذه الضرورة لم توجد في الليلة الأولى قيل: إن أبا يوسف ترك أصله لأن المثنى له حكم الجمع عنده كما في مسألة الطريق ومحاذاة النساء، وجوابه يحتمل أن يكون روايتان في أن المثنى له حكم الجمع أم لا. وقال الأكمل: فإن قيل: لما كان المثنى غير الجمع وجب أن لا يكتفى في الجمعة بالاثنين سوى الإمام، وقد اكتفي بالاثنين كما تقدم في باب الجمعة. أجيب: بأن الأصل ما ذكرت ها هنا بأن العمل فيه بأوضاع الوحدان والجمع، إلا أني وجدت في الجمعة معنى لم يوجد في غيرها، وهو أنه إنما سميت جمعة لمعنى الاجتماع، وفي الجماعة والتثنية ذلك، فإن كانت التثنية في تحقيق معنى الاجتماع كالجمع، فاكتفيت بها، انتهى. قلت: كلامه بهذه العبارة يوهم أنه هو القائل بما قاله حيث أسنده إلى نفسه وليس كذلك، فإن القائل لهذا هو أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث قال في " النهاية ": وأما أبو يوسف فيقول كان من حق حكم التثنية أن يغاير حكم الجمع في كل موضع، لأن فيه عملاً بالأوضاع وهو وحدان وتثنية وجمع، إلا أني قد وجدت في الجمعة، فذكره إلى آخر ما ذكره الأكمل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 وجه الظاهر: أن في المثنى معنى الجمع، فيلحق به احتياطا لأمر العبادة، والله أعلم.   [البناية] وقال صاحب " النهاية ": قوله: قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تدخل الليلة الأولى كان من حقه أن يقال: عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما هو المذكور بلفظ عن في نسخ شروح " المبسوط " و " الجامع الكبير ". م: (وجه الظاهر) ش: أشار به إلى أن ما ذكره أبو يوسف خلاف الظاهر م: (أن في المثنى معنى الجمع، فيلحق به) ش: أي بالجمع (احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط م: (لأمر العبادة) ش: أي لأجل أمر العبادة، وفيه إشارة إلى أن أبا حنيفة ومحمدا لم يلحقا المثنى بالجمع في الجمعة لعدم الاحتياط في ذلك؛ لأن الاحتياط في الخروج عن عهدة ما عليه يتعين، وذلك في الإلحاق غير معين لأن الجماعة شرط على حدة بالاتفاق، وفي كون التثنية بمعنى الجمع تردد لتجاذب المفرد والجمع، إذ هي بينهما في اشتراط الجمع لا تردد في الخروج، فكان شرطاً، وأما في الاعتكاف ففي إلحاقه بالجمع خروج عنهما بيقين، لأن إيجاب ليلتين مع يومين أحوط من إيجاب يومين بليلة فافهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 كتاب الحج الحج واجب على الأحرار البالغين العقلاء الأصحاء إذا قدروا على الزاد والراحلة فاضلا عن المسكن، وما لا بد منه، وعن نفقة عياله إلى حين عوده، وكان الطريق آمنا.   [البناية] [كتاب الحج] [حكم الحج] م: (كتاب الحج) ش: أي هذه كتاب في بيان أحكام الحج، وإنما ذكره آخراً رعاية للترتيب بين العبادات الأربعة، أما الصلاة فإنها عماد الدين، وهي عبادة متكررة فذكرت أولاً وأما الزكاة فلأنها تالية للصلاة، أما الصوم فلأنه عبادة بدنية خاصة كالصلاة، وأما الحج فلأنه عبادة مركبة من البدن والمال، وأخر عن الصوم، لأن الفرد قبل المركب، ولأن الصوم يتكرر دون الحج، والاحتياج إليه أكثر، وذكر الأترازي ها هنا ما ذكره الناس، ثم قال: هذا ما أملاه خاطري في وجه المناسبة في هذا المقام، ونسبة الشخص شيئاً لنفسه مع كونه مسبوقاً به لا يحتج به، والحج في اللغة: القصد بفتح الحاء وكسرها. وفي الشريعة: عبارة عن قصد مخصوص إلى مكان مخصوص على وجه التعظيم في أوان مخصوص، وذكر بعض العلماء كتاب المناسك عوض الحج؛ منهم الطحاوي والكرخي وصاحب " الإيضاح "، والمناسك جمع منسك بفتح السين بمعنى النسك، وهو كل ما يتقرب به إلى الله تعالى لكنه اختص في العرف بأفعال الحج والعمرة، والحج من الشرائع القديمة. وروي أن آدم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لما حج تلقته الملائكة، وقالت: بر حجك فإننا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام. وقال تعالى لإبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] الآية م: (الحج: الآية: 27) . وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كانت الأنبياء، - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يحجون مشاة حفاة، وإبراهيم وإسماعيل - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حجا ماشيين، وعنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كان النبي من الأنبياء إذا هلك قومه لحق مكة يعبد الله تعالى حتى يموت» ، وكذا من معه فمات فيها نوح وهود وصالح وشعيب - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وقبورهم بين زمزم والحجر، ونوح - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حج قبل الطوفان أيضاً، وكل نبي، بعد إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قد حج. قال م: (الحج واجب على الأحرار البالغين العقلاء الأصحاء إذا قدروا على الزاد والراحلة فاضلا عن المسكن، وما لا بد منه، وعن نفقة عياله إلى حين عوده، وكان الطريق آمنا) ش: هذا كله عبارة القدوري بعينها ذكرها المصنف ثم شرحها كلمة كلمة، وذكر الشراح كلهم أن المصنف ذكرها بلفظ الجمع، فقال: على الأحرار البالغين العقلاء الأصحاء، وذكر في الزكاة بلفظ الواحد، فقال: الزكاة واجبة على الحر العاقل المسلم، ثم أجابوا عن ذلك بناء على عادات الناس أنهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 وصفه بالوجوب وهو فريضة محكمة ثبتت فرضيتها بالكتاب وهو قَوْله تَعَالَى: {ولله على النّاس حجّ البيت} [البقرة: 97] [الآية 97 آل عمران] .   [البناية] يؤدون الحج في الغالب بجمع عظيم، وأما الزكاة واجبة فلأن كل واحد يؤدي زكاة ماله بلا اجتماع. قلت: هذا الجواب والسؤال في عبارة القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - نقل عبارته على هذا الوجه ولم يقل من عنده. وجواب آخر في عبارة القدوري أن الألف واللام إذا دخلا على الجمع يبطل معنى الجمع، ويراد به الجنس. م: (وصفه بالوجوب) ش: أي وصف القدوري الحج بلفظ الوجوب والضمير المرفوع في وصفه يرجع إلى القدوري، والمفهوم من كلام الشراح أنه يرجع إلى المصنف، وليس كذلك، وقال وصفه بالوجوب وسكت اكتفاء بما ذكره في أول كتاب الزكاة بقوله - والمراد بالواجب الفرض لأنه لا شبهة فيه - على أنه أشار إلى هذا أيضاً بقوله م: (وهو فريضة محكمة ثبتت فرضيتها بالكتاب) ش: لأن قوله - ثبتت - فيه تلميح إلى أن معنى الوجوب الثبوت بالكتاب، ولا يكون الثابت بالكتاب إلا الفرض. م: (وهو) ش: أي الكتاب م: (قَوْله تَعَالَى: {ولله على الناس حج البيت} [البقرة: 97] [آل عمران: الآية: 97] ) ش: فيه وجوه من التأكيد منها قوله: على الناس، وكلمة على الإلزام، أي حق واجب في رقاب الناس، ومنها أنه ذكر الناس ثم أبدل من استطاع إليه سبيلاً بدون تكرير العامل، وفي هذا الإبدال من التأكيد، أحدهما: أن الإبدال تنبيه على المراد، والثاني: أنه إيضاح بعد الإبهام، وتفصيل بعد الإجمال. ومنها قوله {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} [البقرة: 97] : م: (آل عمران: الآية: 97) ، فكان قوله ومن لم يحج - تغليظاً على تارك الحج، وكذلك قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من مات ولم يحج» .... الحديث كذا قاله الكاكي. فإن قلت: روى الترمذي من حديث علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعاً: «من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج، فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً» . وقال الترمذي: غريب، وفي إسناده مقال، وقد روي عن علي موقوفاً. ومنها ذكر الاستغناء، وذلك مما يدل على المقت والسخط والخذلان. ومنها قوله: {فإن الله غني عن العالمين} [البقرة: 97] م: (آل عمران: الآية: 97) ولم يقل عنه لأنه إذا استغنى عن العالمين تناوله الاستغناء لا محالة، وقيل: إنما قال على الناس ولم يقل على المؤمنين، لأن هذا الحج غير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 ولا يجب في العمر إلا مرة واحدة؛ «لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قيل له: الحج في كل عام أم مرة واحدة؟ فقال: " لا بل مرة فما زاد فهو تطوع» ؛ ولأن سببه البيت، ولأنه لا يتعدد فلا يتكرر الوجوب.   [البناية] واجب على الملائكة مع شمول اسم المؤمنين لهم، وليدل على عدم اختصاصه بهذه الأمة بحسب الظاهر. م: (ولا يجب في العمر إلا مرة واحدة؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (قيل له: الحج في كل عام أو مرة واحدة؟ فقال: " لا بل مرة واحدة فما زاد فهو تطوع) ش: هذا الحديث رواه أبو داود وابن ماجه في سننهما " عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي سفيان يزيد بن أمية عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن الأقرع بن حابس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فقال يا رسول الله الحج في كل سنة أو مرة واحدة فقال لا بل مرة واحدة، فمن زاد فهو تطوع» . ورواه الحاكم في " مستدركه "، وقال حديث صحيح الإسناد، إلا أنهما لم يخرجاه لسفيان ابن حسين وهو من الثقات. م: (ولأن سببه) ش: أي سبب الحج م: (البيت) ش: أي الكعبة م: (ولأنه لا يتعدد فلا يتكرر الوجوب) ش: وقد علم أن السبب إذا لم يتكرر لا يتكرر المسبب، وإنما كان سببه البيت لإضافته إليه يقال حج البيت والإضافة دليل السببية، وقال الكرماني في " مناسكه " وعن بعض الناس يجب في كل سنة، وهو مردود. وقال ابن العربي في " العارضة " يجب في العمر مرة واحدة بإجماع الأمة إلا من شذ، فقال يجب في كل خمسة أعوام ومتعلقه ماروي عنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه قال: «على كل مسلم في خمسة أعوام أن يأتي بيت الله الحرام» . قال ابن العربي: قلنا رواية هذا الحديث حرام فكيف العمل به، وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ورد ما يدل على استحباب ذلك دون وجوبه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال: «قال الله عز وجل: إن من صححته ووسعت عليه ولم يزرني من كل خمسة أعوام عاماً لمحروم» أخرجه أبو ذر الهروي وأبو بكر بن أبي شيبة وسعيد بن منصور، ويروى أربعة أعوام أيضاً من حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولفظه «أن الله تعالى يقول: إن عبداً أصححت له جسمه وأوسعت عليه في المعيشة تمضي عليه أربعة أعوام لا يعود إلي لمحروم» وقال ابن وضاح: يريد في الحج. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 ثم هو واجب على الفور عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما يدل عليه. وعند محمد والشافعي - رحمهما الله - على التراخي؛ لأنه وظيفة العمر، فكان العمر فيه كالوقت في الصلاة. وجه الأول: أنه يختص بوقت خاص، والموت في سنة واحدة غير نادر فيضيق احتياطا.   [البناية] [شروط وجوب الحج] [البلوغ والحرية من شروط وجوب الحج] [حج العبد والصبي] م: (ثم هو) ش: أي الحج م: (واجب على الفور عند أبي يوسف) ش: وبه قال أحمد، وفي " البدائع " و " التحفة " عن الكرخي أنه على الفور، والإمام أبو منصور الماتريدي يحمل الأمر المطلق على الفور. ومعنى يجب على الفور يعني عند استجماع شرائط الوجوب يتعين العام الأول عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى يأثم بالتأخير عنه، والمراد من الفور أن يلزم المأمور فعل المأمور به في أول أوقات الإمكان مستعار للسرعة من فارت القدر فوراً إذا غلت. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما يدل عليه) ش: أي وروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما يدل على أنه على الفور مثل قول أبي يوسف، وهو ما قاله ابن شجاع كان أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: من كان عنده ما يحج به وكان يريد التزوج فإنه يبدأ بالحج: لأنه فريضة، وهذا يدل أنه على الفور، وفي " المحيط " و " المرغيناني " و " الكرماني " أن أصح الروايتين عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه على الفور، وفي " قنية المنية " يجب مضيقاً على المختار، وفي الأداء يرتفع الإثم. م: (وعند محمد والشافعي - رحمهما الله - على التراخي) ش: وبه قال أبو حنيفة في رواية، وذكر الإمام علي بن موسى العمي أنه على التراخي، ولم يعزه إلى أحد وهو من عظماء أصحابنا، وله تصنيف في نقض مذهب الشافعي، وذكر أبو عبد الله البلخي أنه قال على التراخي عن أصحابنا جميعاً، وفائدة الخلاف أنه يأثم بالتأخير عند أبي يوسف ولا يأثم بالتأخير عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومعنى قول محمد على التراخي أن العام الأول يتعين، لكن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يسعه التأخير بشرط أنه لا يفوته بالموت، وإذا مات عنه أثم، وعند الشافعي لا يأثم، وقال بعض أصحابه يأثم بالتأخير عن السنة الأولى إذا مات فيها. وقال بعضهم: يأثم بالتأخير عن السنة التي مات فيها. م: (لأنه) ش: أي لأن الحج م: (وظيفة العمر) ش: ألا ترى أنه لو أداه في السنة الثانية كان مؤدياً لا قاضياً م: (فكان العمر فيه كالوقت في الصلاة) ش: لأنه إذا أخر الصلاة إلى آخر الوقت يجوز، وكذا إذا أخر الحج إلى آخر العمر بشرط أن لا يفوته. م: (وجه الأول) ش: وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه يختص بوقت خاص) ش: وهو أشهر الحج من كل عام، وكل ما اختص بوقت خاص، وقد فات عن وقته لا يدرك إلا بإدراك الوقت بعينه وإلا لا يكون مختصاً به، وذلك مدة طويلة تستوي فيه الحياة م: (والموت في سنة واحدة) ش: مشتملة على الفصول الأربعة [ .... ] م: (غير نادر فيضيق احتياطا) ش: لا تحقيقاً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 ولهذا كان التعجيل أفضل، بخلاف وقت الصلاة؛ لأن الموت في مثله نادر، وإنما شرط الحرية والبلوغ؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أيما عبد حج، ولو عشر حجج، ثم أعتق فعليه حجة الإسلام، وأيما صبي حج عشر حجج ثم بلغ فعليه حجة الإسلام» . ولأنه عبادة، والعبادات   [البناية] م: (ولهذا) ش: أي ولأجل الاحتياط م: (كان التعجيل أفضل) ش: اتفاقاً. م: (بخلاف وقت الصلاة) ش: جواب عن قوله: كالوقت في الصلاة م: (لأن الموت في مثله نادر) ش: يعني لأن الموت في مثل وقت الصلاة فجأة نادر م: (وإنما شرط البلوغ والحرية؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «أيما عبد حج، ولو عشر حجج، ثم أعتق فعليه حجة الإسلام وأيما صبي حج ولو عشر حجج ثم بلغ فعليه حجة الإسلام» ش: هذا الحديث رواه الحاكم في " مستدركه " من حديث محمد بن المنهال، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا شعبة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما صبي حج ثم بلغ الحدث فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما أعرابي حج ثم هاجر فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه حجة أخرى» وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. فإن قلت: رواه البيهقي في " سننه " ثم قال: الصواب وقفه، تفرد برفعه محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع عن شعبة، ورواه غيره عن شعبة موقوفاً. قلت: قال الشيخ: رواه الإسماعيلي في جمعه لحديث سليمان الأعمش عن الحارث بن شريح أبي عمر، ويقال: الخوارزمي عن يزيد بن زريع به مرفوعاً فزال التفرد، وليس في رواية الحاكم عشر حجج، وذكر هذا فيه لبيان الكثرة؛ لأن العشر منتهى الآحاد، لا لبيان انحصار الحكم عليها. وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم إلا من لا يعتد بخلافه أن الصبي والعبد لا يعتبر حجهما في حجة الإسلام، فإذا بلغ الصبي، وأعتق العبد ووجد إليه سبيلاً يجب عليهما، هكذا قاله ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وعطاء، والنخعي، والثوري، ومالك، والشافعي، وابن حنبل، وأبو ثور، والأعرابي محمول على أنه حج قبل إسلامه ثم أسلم وهاجر وحج بعده، وإنما أوجب عليه الإعادة لأنه كان جاهلا بأحكام الحج وكانوا يحجون في ذي القعدة ولا يعتد به. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الحج م: (عبادة، والعبادات بأسرها موضوعة عن الصبيان) ش: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 بأسرها موضوعة عن الصبيان، والعقل شرط لصحة التكليف، وكذا صحة الجوارح؛ لأن العجز دونها لازم، والأعمى إذا وجد من يكفيه مؤنة سفره ووجد زادا وراحلة لا يجب عليه الحج عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما، وقد مر في كتاب الصلاة، وأما المقعد، فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجب عليه   [البناية] لارتفاع القلم عنهم إلى وقت البلوغ، وأما العبد فإنه يجب عليه الصلاة والصوم، ولا يجب الحج لأن الحج لا يتأدى بدون المال غالباً، ولا يملك العبد شيئا وإن ملك، وفي الصلاة والصوم نفي عن أصل الحرية م: (والعقل شرط لصحة التكليف) ش: هذا لبيان قوله العقلاء، وقوله: م: (وكذا صحة الجوارح) ش: لبيان قوله: الأصحاء، أي: وكذا صحة الجوارح شرط؛ لأنه لا تكليف بدون الوسع، ولهذا لا يجب على من لا صحة له في جوارحه كما بينته الآن مفصلاً م: (لأن العجز دونها لازم) ش: أي دون الصحة؛ لازم والعاجز لا يجب عليه إلا في ماله إذا كان له مال مقدار ما يحج به وعنه غيره. [حكم حج الأعمى والمقعد] م: (والأعمى إذا وجد من يكفيه مؤنة سفره ووجد زادا وراحلة لا يجب عليه الحج عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وبه قال مالك، وأراد بمؤنة سفره: من يقوده إلى الحج، وأراد بالزاد الذي يكفيه ذهاباً وإياباً، وبالراحلة النجيب أو النجيبة من الإبل، ولا يشترط الراحلة في أهل مكة ومن حولها، وقيل: يشترط لأن المشي إلى عرفة أربعة فراسخ، وفيه: حرج ولا يجب عليه الحج في قوله المشهور، وذكر الحاكم الشهيد في " المنتقى " أنه يلزمه، وفي " فتاوى قاضي خان "، و " الذخيرة "، أما لو وجد الأعمى زاداً وراحلة، ولم يجد قائداً لا يلزمه الحج بنفسه في قولهم، وهل يجب الإحجاج عنه بالمال عند أبي حنيفة لا يجب وعندهما يجب. م: (خلافا لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد فإنه يجب عليه عندهما، وذكر شيخ الإسلام يلزمه قياساً على الجمعة، وبقولهما قال الشافعي، وأحمد م: (وقد مر في كتاب الصلاة) ش: أي وقد مر الكلام في هذه المسألة في كتاب الصلاة في باب الجمعة. م: (وأما المقعد، فعن أبي حنيفة أنه) ش: أي الحج م: (يجب عليه) ش: وبه قال الشافعي، وأحمد، وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، والمشهور عنه خلاف ذلك، وفي " المفيد ": لا يجب على الصبي، والعبد، والمجنون، والكافر، والمقعد، والزمن، والأعمى، والمريض، والمحبوس، ومن لا يملك الزاد والراحلة، فإن وجد الأعمى قائداً، أو المقعد، والزمن من يحمله إما بملك أو إعارة، أو إجارة لا يجب عليه عند أبي حنيفة، وعندهما يجب على الأعمى دون المقعد والزمن، وفي " مناسك الكرماني ": لا يجب على المعضوب بالعين المهملة، والضاد المعجمة وهو الذي لا يستمسك على الراحلة إلا بمشقة وكلفة عظيمة من كبر سن، أو ضعف بين، أو معللة الشلل والفالج، أو مقطوع اليدين أو الرجلين، أو كان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 لأنه يستطيع بغيره، فأشبه المستطيع بالراحلة، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجب لأنه غير قادر على الأداء بنفسه، بخلاف الأعمى لأنه لو هدي يؤدي بنفسه فأشبه الضال عنه، ولا بد من القدرة على الزاد والراحلة، وهو قدر ما يكتري به شق محمل، أو رأس زاملة، وقدر النفقة ذاهبا وجائيا؛ «لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سئل عن السبيل إليه، فقال: الزاد والراحلة» .   [البناية] محبوساً آيساً من الخلاص، وتجب في أموالهم دون أبدانهم. وفي الوبري: لو أحج صاحب العلة غيره ثم زالت يقع تطوعاً، وإن أحج غيره ثم عجز، ومات، لا يجزئه عن حجة الإسلام، ولو حج الفقير [ ..... ] ماشياً سقط عنه حجة الإسلام، حتى لو استغنى بعد ذلك لا يلزمه ثانيا، ولو أحج غيره لا يسقط عنه، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يجوز، وعن أحمد روايتان. م: (لأنه يستطيع بغيره، فأشبه المستطيع بالراحلة) ش: أي لأن المقعد يستطيع أن يؤدي أفعال الحج، بأن يحمله شخص فيؤدي المناسك به، فيصير حينئذ كالمستطيع بالراحلة. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجب لأنه غير قادر على الأداء بنفسه، بخلاف الأعمى لأنه) ش: أي لأن الأعمى م: (لو هدي) ش: على صيغة المجهول، أي لو أرشد م: (يؤدي بنفسه فأشبه الضال عنه) ش: أي فأشبه الأعمى الضال، أي التائه عن الطريق والتهدي إلى المشاعر والمواقيت والمطاف، فإنه يجب الحج عليه؛ لأنه قادر لسلامته لكنه يحتاج إلى مرشد، وكذلك الأعمى حاصله لا يسقط عنه، كما لا يسقط عن الضال. [الاستطاعة من شروط وجوب الحج] [ما تتحقق به الاستطاعة في الحج] م: (ولا بد من القدرة على الزاد والراحلة) ش: هذا شرح قوله في أول الكتاب إذا قدر على الزاد والراحلة، ثم فسر الزاد، والراحلة بقوله: م: (وهو قدر ما يكتري به شق محمل) ش: بفتح الميم الأولى، وكسر الثانية، أي جانبيه؛ لأن له جانبين، ويكفي للراكب أحد جانبيه م: (أو رأس زاملة) ش: الزاملة البعير الذي يحمل عليه المسافر متاعه وطعامه، ومن زمل الشيء إذا حمله، يقال لها: بالفارسية - شبد ماري -. م: (وقدر النفقة) ش: أي ولا بد من قدر النفقة حال كونه م: (ذاهبا وجائيا) ش: يعني ذاهباً إلى مكة وجائياً إلى وطنه حال كونه م: (راكباً) ش: وفي " شرح الطحاوي "، و " روضة الناطفي "، وذاهبا وجائياً وراكباً لا ماشيا بنفقة وسط بلا إسراف ولا تقتير م: (لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «سئل عن السبيل إليه، فقال: الزاد والراحلة» ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، روى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 وإن أمكنه أن يكتري عقبة فلا شيء عليه، لأنهما إذا كانا يتعاقبان لم توجد الراحلة في جميع السفر. ويشترط أن يكون فاضلا عن المسكن.   [البناية] حديثه الترمذي، وابن ماجه عن إبراهيم بن يزيد الخوزي عن محمد بن عباد بن جعفر المخزومي عن ابن عمر قال: «قام رجل فقال: يا رسول الله من الحاج، فقال: " الشعث التفل "، فقام آخر: فقال: أي الحج أفضل؟ فقال: " العج والثج " فقام آخر فقال: ما السبيل يا رسول الله؟. قال: " الزاد والراحلة» ، قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن يزيد الخوزي، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه انتهى. قال في " الإمام ": وقال النسائي: متروك، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال مرة: ليس بثقة، وقال الدارقطني: متروك الحديث، وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - روى حديثه ابن ماجه من حديث عكرمة عنه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الزاد والراحلة، يعني قوله: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [البقرة: 97] » . وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى عن ابن عباس قال: «قيل: يا رسول الله الحج كل عام؟ قال: " لا " قيل: فما السبيل إليه؟ قال: " الزاد والراحلة» وعن أنس روى حديثه الحاكم في " مستدركه " عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس «في قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [البقرة: 97] (آل عمران: 97) ، قيل: يا رسول الله ما السبيل؟ قال: " الزاد والراحلة» قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - روى حديثها الدارقطني، قالت: «سأل رجل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [البقرة: 97] ... الآية، قال: " السبيل: الزاد والراحلة» . وعن جابر روى حديثه الدارقطني أيضاً، من حديث عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله بلفظ حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - روى حديثه الدارقطني أيضاً من رواية إبراهيم عن حماد بن أبي سليمان، قال: إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود بنحوه، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص بنحوه. م: (وإن أمكنه أن يكتري عقبة فلا شيء عليه) ش: أي إن أمكن من يريد الحج أن يكتري عقبة، أي ركوبة، وأكثر العقبة أن يكتري رجلان بعيراً واحداً يتعاقبان عليه في الركوب يركب كل واحد مرحلة ويمشي مرحلة، قوله: فلا شيء عليه، أي فلا حج عليه. م: (لأنهما) ش: أي لأن الرجلين اللذين يريدان الحج م: (إذا كانا يتعاقبان لم توجد الراحلة في جميع السفر) ش: والشرط أن تكون الراحلة في جميع السفر م: (ويشترط أن يكون فاضلا عن المسكن) ش: هذا بيان لقوله في أول الكتاب: إذا قدروا على الزاد والراحلة، فاضلاً عن المسكن، أي يشترط أن يكون ما قدروا به من الزاد والراحلة فاضلاً عن مسكنه الذي يسكن فيه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 وعما لا بد منه كالخادم، وأثاث البيت، وثيابه؛ لأن هذه الأشياء مشغولة بالحاجة الأصلية، ويشترط أن يكون فاضلا عن نفقة عياله إلى حين عوده   [البناية] وقال الأكمل: وهو هناك منصوب على الحال من الزاد والراحلة، انتهى. قلت: أخذ الأكمل هذا من كلام صاحب " النهاية "، ولكن ما كمل كلامه، فإنه قال هناك في أول الكلام: فاضلاً عن المسكن حال من الزاد والراحلة سواء، وكان حقه أن يقال: فاضلين لكن أفرده على تأويل كل واحد منهما، انتهى. قلت: الأحسن أن يكون فاضلاً هناك منصوباً على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره إذا قدروا على الزاد والراحلة أن يكون بطريق الملك أو الاستئجار على وجه يفضل قدر ذلك الملك، والاستئجار عن حاجته الأصلية، فإن المال المشغول بالحاجة الأصلية في حكم العدم، فلا يكون به مستطيعاً. وفي " التحفة ": وهذا إذا قدر عليهما، أي على الزاد، والراحلة بطريق الملك لا بطريق الإباحة والعارية، سواء كانت الإباحة من جهته لا منة له، كالوالدين، والمولودين، أو من جهة المنة كالأجانب، وبه قال أحمد، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إن كانت من جهة لا منة له يجب عليه، وإن كان من جهة الأجنبي فله فيه قولان، أما لو وهبه إنسان مالاً ليحج به لا يجب عليه القبول عندنا، وبه قال أحمد والشافعي فيه قولان في " الإيضاح ": ذكر ابن شجاع إذا كان له داراً لا يسكنها، وعبد لا يستخدمه، وما أشبه ذلك يجب عليه أن يبيعه ويحج به ويحرم عليه الزكاة إذا بلغ نصاباً، انتهى. قلت: فكذلك قيد بقوله: فاضلاً عن المسكن. م: (وعما لا بد منه) ش: أي يشترط أيضاً أن يكون الزاد والراحلة فاضلتين عما لا بد منه م: (كالخادم، وأثاث البيت) ش: قال الجوهري: الأثاث متاع البيت كالفرش والبسط وآلات الطبخ ونحو ذلك م: (وثيابه) ش: أي الثياب التي يلبسها هو م: (لأن هذه الأشياء مشغولة بالحاجة الأصلية) ش: والمشغول بالحاجة الأصلية في حكم العدم، وذكر في " فتاوى قاضي خان " فاضلاً عن فرسه وسلاحه، وقال بعض العلماء: إن كان الرجل تاجراً يملك ما لو وقع منه الزاد والراحلة لذهابه وإيابه ونفقة أولاده وعياله من وقت خروجه إلى وقت رجوعه ويبقى بعد رجوعه رأس مال التجارة التي كان يتجر بها كان عليه الحج وإلا فلا. وإن كان حراثاً يملك ما يكفي الزاد والراحلة وتبقى له آلات الحراثين من البقر ونحو ذلك كان عليه الحج، وإلا فلا، هذا كله إذا كان آفاقياً، وأما إن كان مكياً، أو ساكناً بقرب مكة كان عليه الحج، وإن كان فقيرا لا يملك الزاد، والراحلة. م: (ويشترط أن يكون فاضلا عن نفقة عياله) ش: هذا أيضاً بيان لقوله في أول الكتاب، وعن نفقة عياله م: (إلى حين عوده) ش: العيال جمع عيل، كجياد وجيد، كذا في " المغرب "، وذكره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 لأن النفقة حق مستحق للمرأة. وحق العبد مقدم على حق الشرع بأمره. وليس من شرط الوجوب على أهل مكة ومن حولهم الراحلة؛ لأنهم لا تلحقهم مشقة زائدة في الأداء فأشبه السعي إلى الجمعة، ولا بد من أمن الطريق؛ لأن الاستطاعة لا تثبت دونه. ثم قيل: هو شرط الوجوب   [البناية] في باب الواو، فيدل على أنه أجوف واوي، يقال: عيال عال عياله عالهم وأنفق عليهم، وعيال الرجل من عليه نفقته، ولكن قول المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فاضلاً عن نفقة عياله، ثم تعليله بقوله م: (لأن النفقة حق مستحق للمرأة) ش: يدل على أن المراد من عياله هو امرأته. وأيضاً قال: م: (وحق العبد مقدم على حق الشرع بأمره) ش: يدل على ذلك، ولكن ليس المراد من العيال المرأة وحدها، وقد قال قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فاضلاً عن نفقة عياله، وأولاده الصغار، وإنما كان حق المرأة مقدما على حق الشرع يعني على حق الله تعالى في أحكام الدنيا لحاجة العبد، وغنى الله - عز وجل - قوله: بأمره، أي بأمر الشرع، والباء تتعلق بقوله: مقدم ولم يقدر النفقة بمدة معلومة؛ لأن مدة السفر تختلف باختلاف المواضع فقدروا ذلك مطلقاً قدر مضيه وعوده. وقال الكاكي: ثم قدر النفقة مرة شهراً، ومرة سنة على حسب اختلاف المسافة، وعن أبي يوسف: ونفقة شهر بعد عوده، قال المرغيناني: ليستريح شهراً عن التكسب، وفي " المحيط ": عن أبي عبد الله، ونفقة يوم بعد رجوعه إلى وطنه؛ لأنه يتعذر عليه التكسب في يوم قدومه، وقال الكرماني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويحسب نفقة الحقارة. م: (وليس من شرط الوجوب على أهل مكة ومن حولهم الراحلة؛ لأنهم) ش: أي لأن أهل مكة، وأهل من كانوا حولها م: (لا تلحقهم مشقة زائدة في الأداء فأشبه السعي إلى الجمعة) ش: في عدم اشتراط الراحلة م: (ولا بد من أمن الطريق؛ لأن الاستطاعة لا تثبت دونه) ش: هذا بيان قوله في صدر الكتاب، إذا كان الطريق آمناً، والمراد من أمن الطريق أن يكون الغالب فيه السلامة، ولو كان بينه وبين مكة بحر يلزمه الحج عندنا، ولا يلزمه عند أبي يوسف، والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال عامة أصحابنا: لا يلزمه ذكره في قاضي خان وغيره، وقيل: إن كان التجارة هو الغالب يجب، وبه قال أحمد، وإسحاق، والإصطخري من أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: والصحيح أنه لا يجب بكل حال، وبه قال بعض أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لأن كل أحد لا يقدر على ركوب البحر والفرات والدجلة، وسيحون، وجيحون أنهار، وليست ببحار، وقال بعض أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إن كان الرجل ممن يعتاد ركوب البحر كالملاحين وأهل الجزائر لا يمنع الوجوب، وإلا يمنع لصعوبته عليه، وفي " الحلية ": نص في " الأم " أن البحر مانع من الوجوب. م: (ثم قيل: هو) ش: أي الأمن م: (شرط الوجوب) ش: عند البعض، وهو رواية أبي شجاع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 حتى لا يجب عليه الإيصاء، وهو مروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقيل: هو شرط الأداء دون الوجوب، لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة لا غير.   [البناية] عن أبي حنيفة أنه شرط الوجوب عند البعض، وهو رواية. وقال الشافعي، والكرخي، وأبو حفص الكبير من أصحابنا م: (حتى لا يجب عليه الإيصاء، وهو مروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هذا ثمرة هذا القول، يعني لما كان أمن الطريق شرط الوجوب لا تجب عليه الوصية بالحج؛ لأنه لم يجب عليه الحج لعدم الشرط وهو الأمن. م: (وقيل: هو) ش: أي أمن الطريق م: (شرط الأداء دون الوجوب) ش: وبه قال أحمد، وهو الصحيح م: (لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة لا غير) ش: يعني لمن يذكر أمن الطريق، فلو كان شرطاً لبينه؛ لأن تأخير البيان عن الحاجة لا يجوز. وفي " الإيضاح ": ثم الفرق بين الزاد والراحلة يتحقق، فإذا عدما لم يثبت الاستطاعة، وأما خوف الطريق فيعجزه عن الأداء بمانع ومعارض، فلا تنعدم الاستطاعة به، واعتبر هذا بالمحبوس، فإن المقيد الممنوع عن الشيء لا يكون نظير المريض لا يقدر وعلى هذا القول يجب عليه الإيصاء. وفي " القنية " و " المجتبى ": قال الوبري: للقادر على الحج أن يمتنع من المكس الذي يؤخذ من القافلة، وبه قال الشافعي ومالك، إن كان يسيراً لزمه، وكذلك لو كان في الطريق خفارة، وقال غير الوبري: يجب الحج، وإن علم أنه يأخذ منه المكس. قال " صاحب القنية "، و " المجتبى ": وعليه الاعتماد، وفي " منية المفتي ": لو قتل بعض الحاج فهو عذر في تركه، وقال نجم الأئمة الحليمي، وأبو الليث: إن كان الغالب في الطريق السلامة تجب، وإن كان خلاف ذلك لا يجب عليه الاعتماد، ذكره في " القنية "، وفي " مناسك الكرماني " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان الغالب الانهزام، والخوف، وقطع الطريق لا يجب. وفي " البدائع " إن كان بينه وبين مكة بحر حاجز، ولا سفينة ثمة، أو عدو حائل لا يجب. وفي " شرح المهذب " للنووي: شرط الأمن في ثلاثة أشياء، النفس، والمال، والصبغ في حق النساء، ولا يشترط أن يكون كأمن الحضر، بل يشترط أمن يليق بالبادية، ويكره بذل المال للمرصدين في المراصد، ولا يجب الحج مع ذلك، وإن استأجروا من يحضرهم في الطريق وجهان في وجوب الحج. ويخرج للحج بغير إذن والديه إذا كان الطريق آمناً، وفي ركوب البحر لا يخرج إلا بإذنهما، وبإذن أحدهما لا يخرج، وإذا كانا كافرين، أو أحدهما مسلم وكرها خروجه، أو الكافر منهما إن لم يخف الضياع عليه، فإن خافه لا يخرج، وعند عدم الأبوين: الإذن إلى الجدين من قبل أبويه، والجدة من قبل أمه. وسئل الكرخي عمن وجب عليه الحج إلا أنه لا يخرج إلا أن القرامطة تدل على الناس بالبادية، فقال: ما سلمت البادية عن أحد، يعني أن ذلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 قال: ويعتبر في المرأة أن يكون لها محرم تحج به، أو زوج، ولا يجوز لها أن تحج بغيرهما، إذا كان بينها وبين مكة مسيرة ثلاثة أيام   [البناية] ليس بعذر، والبادية لا تخلو عن الآفات كقلة الماء، وشدة الحر، وهيجان ريح السموم، وبه أفتى بعض أصحابنا. وقال أبو القاسم الصفار - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا أشك في سقوط الحج عن النساء في زماننا، وإنما أشك في سقوطه عن الرجال، والبادية عندي دار الحرب، وعند أبي حنيفة، وأبي عبد الله البلخي: ليس على أهل خراسان حج، وقال أبو بكر الإسكاف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا أقول الحج فريضة في زماننا، قاله سنة ست وعشرين وثلاثمائة، وأفتى أبو بكر الرازي ببغداد، قيل: سقط الحج عن الرجال أيضاً في هذا الزمان، وبه قال الوبري، والبرهان الصغير بخوارزم وأبو الفضل الكرماني بخراسان، وعن الشيخ أبي بكر الوراق أنه خرج حاجاً، فلما سافر مرحلة قال لأصحابه: ردوني أرتكب سبعمائة كبيرة في مرحلة واحدة، فردوه. [اشتراط الزوج أو المحرم للمرأة في الحج] م: (قال: ويعتبر في المرأة أن يكون لها محرم تحج به، أو زوج) ش: وفي أكثر النسخ، قال: ويعتبر، أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويعتبر في المرأة.. إلخ، وسواء كانت المرأة شابة، أو عجوزة، قاله في قاضي خان، والولوالجي، وصفة المحرم كل من لا تجوز مناكحتها على التأبيد بأي وجه كانت الحرمة بقرابة أو رضاع أو صهرية؛ لأن الحرمة تزيل التهمة، والعبد والحر والذمي فيه سواء، إلا أن يكون مجوسياً يفسد نكاحها فلا يسافر بها معه، ولا يجب عليها أن تتزوج ليحج معها، كما لا يجب على الفقير اكتساب المال لأجل الحج. وقال محب الدين الطبري: وافق أبو حنيفة في اشتراط المحرم، أو الزوج أصحاب الحديث، وهو قول النخعي، والحسن البصري، وسفيان الثوري، وأبي ثور، وابن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأحد قولي الشافعي، وقال ابن المنذر: والمحرم لها من السبيل، وقال البغوي من الشافعية: المنقول باشتراط المحرم أولى، واتفقوا على أنها لا تخرج بغير محرم في غير الفرض، وقال ابن سيرين: تخرج مع رجل من المسلمين، وقال حماد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس أن تسافر مع قوم صالحين بغير محرم. م: (ولا يجوز لها أن تحج بغيرهما) ش: أي بغير المحرم والزوج يعني بغير واحد منهما، ولا يشترط كونهما معاً م: (إذا كان بينها وبين مكة مسيرة ثلاثة أيام) ش: وقيل أقل من ذلك يجوز على ما يجيء عن قريب. قيل: لما سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن السبيل فسره بالزاد والراحلة، ولم يذكر المحرم، فلو كان شرطاً لذكره. وأجيب: بأن السائل كان رجلا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز لها الحج إذا خرجت في رفقة، ومعها نساء ثقات لحصول الأمن بالمرافقة. ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تحجن امرأة إلا ومعها محرم»   [البناية] وقيل: جاء في الحديث: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» . وأجيب: بأن المراد به حضور الجماعة، ولم يرد الحج، بدليل سياق الخبر، وبيوتهن خير لهن. وقيل: جازت لها الهجرة إلى دار الإسلام بلا محرم، فينبغي أن يجوز الحج. وأجيب: بأن خوفها في القيام في دار الحرب أكثر من خوف الطريق. م: (وقال الشافعي: يجوز لها الحج إذا خرجت في رفقة، ومعها نساء ثقات لحصول الأمن بالمرافقة) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي " شرح الوجيز ": هل يشترط أن يكون مع واحدة منهن محرم، فيه وجهان، نعم وبه قال القفال، وأصحهما: لا، وإن لم تجد نساء ثقات لم يكن لها الحج، هذا ظاهر المذهب، ورواه قولان: أحدهما: أن تخرج مع المرأة الواحدة، ذكره في " الإملاء "، واختار جماعة من الأئمة أن عليها أن تخرج وحدها إذا كان آمنا، وحكي هذا عن الكرابيسي، وهو قول الأوزاعي. وأما في حج النفل فالأصح أن لا تخرج مع النساء وحدها، وفي السروجي: وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول تخرج مع نساء ثقات ولا تخرج مع واحدة وإن أمنت. وفي قول: تخرج مع واحدة، وفي قول: تخرج وحدها، وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " المدونة ": تخرج بلا محرم مع رجال مؤتمنين، وفي المرأة الواحدة المأمونة لا يشترط المحرم، ولا الزوج. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا تحجن امرأة إلا ومعها محرم» ش: هذا الحديث رواه البزار في " مسنده "، حدثنا عمرو بن علي، حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج، أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع معبداً مولى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تحج امرأة إلا ومعها محرم " فقال رجل: يا نبي الله إني اكتتبت في غزوة كذا، وامرأتي حاجة، قال: " ارجع فحج معها» ورواه الدارقطني في سننه " عن حجاج عن ابن جريج به، ولفظه: قال: «لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 ولأنها بدون المحرم يخاف عليها الفتنة، وتزداد بانضمام غيرها إليها   [البناية] وروى الطبراني من حديث أبي أمامة الباهلي، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا يحل لامرأة أن تحج إلا مع زوجها أو محرم» ، وأخرج البخاري ومسلم عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تسافر امرأة ثلاثاً إلا ومعها زوج أو ذو محرم» وأخرجا عن أبي هريرة مرفوعا: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله، واليوم الآخر أن تسافر يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم منها» وفي لفظ لمسلم: " ثلاثاً "، وفي لفظ له: " فوق ثلاث "، وفي لفظ له: " ثلاثة أيام فصاعداً "، وأخرجا عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرفوعاً: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم» ولم يوقت فيه شيئاً. وقال المنذري: ليس في هذه الروايات تباين، ولا اختلاف، فإنه يحتمل أن يكون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالها في مواطن مختلفة بحسب الأسئلة، ويحتمل أن يكون ذلك كله تمثيلاً لأقل الأعداد، واليوم الواحد أول العدد، وأقله الاثنان أول الكثير، والثلاث أول الجمع، وكأنه أشار أن مثل هذا في كل الزمن لا يحل لها السفر فيه مع غير محرم، فكيف بما زاد؟ وقد أورد الأترازي بحديث أبي هريرة المذكور سؤالاً وهو: أنه يدل على أن خروجها إلى السفر بغير محرم لا يجوز، ثم أجاب بما تلخيصه بأن الأحاديث إن كانت مؤخرة التزمه نسخ ما دون الثلاث، وإن كانت مقدمة يبقى العمل أيضاً إلى آخر ما ذكر. قلت: دعوى النسخ لا تصح لعدم العلم بالتاريخ، والجواب ما ذكرناه. م: (ولأنها بدون المحرم يخاف عليها الفتنة، وتزداد بانضمام غيرها إليها) ش: فإن المبتوتة إذا اعتدت في بيت الزوج بحيلولة جاز لم يكن انضمامها إليها فتنة، أجيب بأن انضمام المرأة إليها يعينها على ما يراد بمباشرتها وتعليمها ما عسى تعجز عنه بفكرها، وإنما لم يكن في المعتدة كذلك؛ لأن الإقامة موضع أمن، وقدرة على دفع الفتنة. وقال الأكمل: وفيه نظر؛ لأن مثلها لا يعد ثقة، والكلام فيها؛ ولأن جواب المسند يناقض جواب المنع، والأولى أن يقال: من ناقصات دين وعقل لا يؤمن أن تنخدع فيكون عليها في الإفساد، ويتوسط في التطمين، والتمكين فتعجز عن دفعها في السفر، وهذا المعنى معدوم في الحضر لإمكان الاستعانة. وأورد الكاكي إشكالاً في قوله: يخاف عليها أي الفتنة، وهو أنه يشكل على هذا سفر المهاجرة؛ لأن لها الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام بغير محرم، مع أن الهجرة ليست من أركان الدين والحج منها، فينبغي أن يجوز لها الحج بغير محرم بالطريق الأولى. قلت: قد مر جوابه عن قريب مختصراً، ونعيده هنا فنقول: المهاجرة لا [ .... ] السفر، ولكنها تقصد النجاة، ألا ترى أنها إذا وصلت إلى حي من المسلمين من دار الحرب صارت آمنة ليس لها بعد ذلك أن تسافر بغير محرم؛ ولأنها مضطرة هناك لخوفها على نفسها، ألا ترى أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 ولهذا تحرم الخلوة بالأجنبية، وإن كان معها غيرها، بخلاف ما إذا كان بينها وبين مكة أقل من ثلاثة أيام؛ لأنه يباح لها الخروج إلى ما دون السفر بغير محرم.   [البناية] العدة لا تمنعها من الخروج هناك لو كانت معتدة لم يكن لها أن تخرج للحج، وتأثير فقد المحرم في المنع من السفر كتأثير العدة، فإذا منعت من الخروج لسفر الحج بسبب العدة فكذلك بسبب فقدان المحرم. م: (ولهذا تحرم الخلوة) ش: أي ولأجل زيادة الفتنة بانضمام المرأة إليها تحرم الخلوة على الزوج م: (بالأجنبية) ش: أي بالمرأة الأجنبية م: (وإن كان معها غيرها) ش: أي مع الأجنبية غير الأجنبية. فإن قلت: إذا شهد على الزوج بطلاق امرأته ثلاثا، قلتم يحال بينها وبينه بامرأة ثقة حتى تزكي الشهود، وكذا قلتم بالحيلولة بثقة في الطلقات الثلاث إذا اعتدت في بيت الزوج فما جعلتم انضمام المرأة إلى المرأة فتنة؟ أجيب بأن الإقامة بموضع أحسن من الأمنية تقدره على دفعه في مثله، بخلاف السفر فإنه مظنة العجز عن الدفع مع أن النص فرق بينهما. م: (بخلاف ما إذا كان بينها وبين مكة أقل من ثلاثة أيام) ش: هذا متصل بقوله: ولا يجوز لها أن تخرج بغيرهما، يعني يباح لها الخروج بدونهما، أي بدون الزوج والمحرم م: (لأنه يباح لها الخروج إلى ما دون السفر بغير محرم) ش: فإن قلت: ما تقول في حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور عن قريب. أجاب الأترازي: بأن الخبر الذي يكون معمولاً به بوجهين أولى بالأخذ من الخبر الذي يكون معمولاً به من وجه، أراد أن الخبر الذي فيه الثلاث معمول به بالوجهين، يعني في الثلاث وفيما دونه معمول به من وجه، وقيل: فيما دون مسافة القصر اضطراب كثير. وقال المرغيناني: اختلف فيما دون مسافة القصر، قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أكره لها أن تسافر يوماً، وهكذا عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فإن قلت: روى البخاري من حديث عدي بن حاتم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا محرم معها، لا تخاف إلا الله " قال عدي: رأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالبيت لا تخاف إلا الله، ولم يذكر لها محرماً ولا زوجاً» والحيرة بكسر الحاء المهملة قرية بقرب الكوفة، والنسبة إليها حيري، وحاري على غير قياس، والجو بضم الجيم، وكسرها الذمام. قلت: حديث عدي هذا يدل على الوقوع، ولا يدل على الجواز بوجه من وجوه الدلالة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 وإذا وجدت محرما لم يكن للزوج منعها، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له أن يمنعها؛ لأن في الخروج تفويت حقه. ولنا أن حق الزوج لا يظهر في حق الفرائض، والحج منها، حتى لو كان الحج نفلا له أن يمنعها   [البناية] بمطابقته، ولا بالتزامه؛ لأنه ورد في معرض الثناء على الزمان بالأمن والعدل، وذكر خروج المرأة على ذلك بلا خفير لبيان الاستدلال عليه، ولا يقال: تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز؛ لأنا نقول: ما أخره بل بين حرمة خروجها في عدة أحاديث صحيحة ثابتة؛ ولأن الظعينة هي المودع، والمرأة الراكبة، والغالب أنها لا تسافر في هذا السفر البعيد مع هودجها، وحملها إلا ومعها من يحملها على جملها، ويركبها هودجها، ويخدمها ويخدم جملها، والغالب كالمتحقق. فإن قلت: احتج الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بما روي عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت: سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فأخبرت أن أبا سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يخبر عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا يحل لامرأة أن تسافر ثلاثة أيام إلا ومعها محرم» فالتفتت إلينا عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقالت: ما كلهن لها محرم، وعن ابن عمر أنه سافر مع مولاة ليس هو بمحرم لها، ولا لها محرم، وما ورد من الخبر في نهي المرأة عن السفر محمول على الأسفار المباحة، فإنه لا يجوز السفر المباح لها عندنا بلا محرم في وجه، وفي وجه سفر الحج، والأول أصح عند الراويين من أصحابه. قلت: قال الكاكي وغيره: والعجب من الشافعي أنه لم يعمل بالأحاديث الصحاح المشهورة، ويعمل بأثر عائشة وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مع شذوذهما، وعدم دلالتهما على عدم اشتراط المحرم، مع أن الأثر غير حجة عنده، وأثر عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يدل على تعجبها، وأثر ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يحتمل أن يكون قبل بلوغ الخبر إليه، وحملهم الحديث على الأسفار المباحة بعيد، لما روي من قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " انطلق حج مع امرأتك ". م: (وإذا وجدت محرما لم يكن للزوج منعها) ش: وبه قال أحمد بن حنبل، وأبو ثور، وإسحاق، وهو قول إبراهيم النخعي، وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يمنعها على القول بالفور، وفي القول بالتراخي قولان. وقال ابن المنذر في " الأشراف ": لا نعلم أنهم يختلفون أنه ليس له منعها. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له أن يمنعها) ش: في أظهر القولين م: (لأن في الخروج) ش: أي في خروج المرأة إلى سفرها م: (تفويت حقه) ش: أي حق الزوج. م: (ولنا أن حق الزوج لا يظهر في حق الفرائض) ش: ألا ترى أنه لا يمنعها من صيام رمضان، والصلوات م: (والحج منها) ش: أي من الفرائض م: (حتى لو كان الحج نفلا له أن يمنعها) ش: ولهذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 ولو كان المحرم فاسقا، قالوا: لا يجب عليها؛ لأن المقصود لا يحصل به ولها أن تخرج مع كل محرم إلا أن يكون مجوسيا؛ لأنه يعتقد إباحة مناكحتها، ولا عبرة بالصبي والمجنون؛ لأنه لا تتأتى منهما الصيانة. والصبية التي بلغت حد الشهوة بمنزلة البالغة، حتى لا يسافر بها من غير محرم، ونفقة المحرم عليها؛ لأنها تتوسل به إلى أداء الحج. واختلفوا في أن المحرم شرط الوجوب، أو شرط الأداء على حسب اختلافهم في أمن الطريق.   [البناية] كان له أن يحللها من ساعته، ولكن لا يؤخر تحليلها إلى ذبح الهدي، ويحللها من ساعته، وعليها هدي لتعجيل الإحلال، وعمرة، وحجة لصحة الشروع، بخلاف حجة الإسلام فإنه هناك لا يتحلل إلا بالهدي، وتحليله لها إن سماها، ويصنع بها ما يحرم عليها في الإحرام من قص ظفرها، ولا يكون التحلل بالنهي، ولا بقوله: حللتك. م: (ولو كان المحرم فاسقا، قالوا) ش: أي علماؤنا م: (لا يجب عليها) ش: أي لا يجب الحج على المرأة م: (لأن المقصود) ش: حفظها عن الوقوع في سوء، وهو م: (لا يحصل به) ش: أي بالفاسق لاحتمال الفتنة منه م: (ولها) ش: أي للمرأة م: (أن تخرج مع كل محرم) ش: يعني سواء كان حراً أو عبداً، مسلماً أو ذمياً، لأن الذمي يحفظ محارمه، وإن كن مسلمات م: (إلا أن يكون) ش: أي المحرم م: (مجوسيا؛ لأنه يعتقد إباحة مناكحتها) ش: ولا يؤمن عليها. م: (ولا عبرة بالصبي ولا بالمجنون؛ لأنه لا تتأتى منهما الصيانة) ش: لأنهما لا يصونان أنفسهما، فكيف يصونان غيرهما م: (والصبية التي بلغت حد الشهوة) ش: احترز به عن الصبية التي لا يشتهى مثلها؛ لأنها تسافر بها من غير محرم م: (بمنزلة البالغة، حتى لا يسافر بها من غير محرم) ش: لأنه يطمع فيها، ولا يؤمن من وقوع الفساد عليها. م: (ونفقة المحرم عليها) ش: أي على المرأة م: (لأنها تتوسل به) ش: أي بالمحرم م: (إلى أداء الحج) ش: وبه قال أحمد، وقال صاحب " التحفة ": إذا لم يخرج المحرم إلا بنفقة منها هل تجب عليها نفقته، ذكر في شرح القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما تجب عليها نفقته؛ لأنها لا تتمكن من الحج إلا بالمحرم، كما لا تتمكن إلا بالزاد والراحلة، وذكر في " شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما يجب عليها نفقته، ولا يجب عليها الحج. وفي " التجريد ": قال أبو حفص - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب عليها الحج حين يخرج المحرم بمال نفسه، وفي القدوري: تنفق على محرمها للحج بها، وفي المرغيناني: لا تجب نفقة المحرم، أو الزوج عليها، وفي " المبسوط ": عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تجب نفقة المحرم عليها، وفي " القنية ": كل من قال: المحرم يمنع الوجوب، هو الصحيح لقوله: لا تجب نفقة المحرم عليها، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يجب الحج عليها حتى تجد رفيقاً محرماً أو نسوة ثقات، ولو بأجرة على الأظهر. م: (واختلفوا في أن المحرم شرط الوجوب، أو شرط الأداء على حسب اختلافهم في أمن الطريق) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 وإذا بلغ الصبي بعدما أحرم، أو أعتق العبد فمضيا لم يجزهما عن حجة الإسلام؛ لأن إحرامهما انعقد لأداء النفل فلا ينقلب لأداء الفرض. ولو جدد الصبي الإحرام قبل الوقوف، ونوى حجة الإسلام جاز، والعبد لو فعل ذلك لم يجزئه؛ لأن إحرام الصبي غير لازم لعدم الأهلية.   [البناية] ش: أي اختلف العلماء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فيه، فقال: وجود المحرم، أو الزوج شرط الأداء، فعليها أن تتزوج، ونفقة المحرم عليها، وكذا قال القاضي أبو حازم عبد الحميد: هو شرط الأداء في رواية أبي شجاع عن أبي حفص الكبير، والكرخي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - شرط الوجوب، ذكره في " المحيط "، وفائدة الخلاف تظهر في وجوب الوصية، ومن شرائط وجوب الحج عليها خلوها عن العدة، أي عدة كانت، وعند أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا تخرج في عدتها عن وفاة درجتين، وتخرج في الطلاق البائن. [حكم بلوغ الصبي وعتق العبد بعد شروعهما في الحج] م: (وإذا بلغ الصبي بعدما أحرم، أو أعتق العبد فمضيا) ش: على حجهما م: (لم يجزهما عن حجة الإسلام؛ لأن إحرامهما انعقد لأداء النفل فلا ينقلب لأداء الفرض) . ش: فإن قيل: الإحرام شرط عندنا بمنزلة الوضوء للصلاة والصبي إذا توضأ قبل البلوغ ثم بلغ بالسن تجوز به الصلاة. قلنا: الإحرام يشبه الوضوء من حيث إنه مفتاح الحج، كما أن الوضوء مفتاح الصلاة، ونية سائر أعمال الحج من حيث إنه يفعل في أعمال الحج فيكون من هذه الوجوه ركنا، والأخذ في العبادات بالاحتياط أصل، كذا في " جامع شمس الأئمة ". وفي " المبسوط ": لو بلغ بعد الإحرام قبل الوقوف، أو الطواف لم يجزئه عن حجة الإسلام عندنا، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يجزئه، وكذا بناء على ما مضى في كتاب الصلاة، إذا صلى في أول الوقت ثم بلغ في آخره يجزئه عنه، وجعله كأنه بلغ قبل أدائها، وهاهنا أيضاً نجعله كأنه بلغ قبل مباشرة الإحرام فتجزئه عن الفرض. م: (ولو جدد الصبي الإحرام قبل الوقوف ونوى حجة الإسلام جاز) ش: يعني لو جدد إحرامه بعد البلوغ قبل الوقوف، ونوى حجة الإسلام جاز عن حجة الإسلام م: (والعبد لو فعل ذلك) ش: أي تجديد الإحرام بعد العتق قبل الوقوف م: (لم يجزئه) ش: أي عن حجة الإسلام م: (لأن إحرام الصبي غير لازم لعدم الأهلية) ش: ولهذا لو أحصر لا يلزمه قضاء، ولا دم، ولو تناول شيئاً من محظوراته لا يلزمه شيء، فإذا كان إحرامه غير لازم انفسخ بتجديد الإحرام للفرض لكونه محتملاً للفسخ، كمن باع عبداً بألف ومائة تنفسخ الأولى ضرورة لا محالة، وتجديد الثاني لأن البيع كان محتملاً للفسخ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 أما إحرام العبد لازم فلا يمكنه الخروج منه بالشروع في غيره، والله أعلم.   [البناية] م: (أما إحرام العبد لازم) ش: لأنه من أهل اللزوم لكامل الأهلية فلا يقبل إحرامه لفضل الانفساخ م: (فلا يمكنه الخروج منه بالشروع في غيره) ش: للزوم أجزائه، ولهذا لو أصاب صيداً لزمه الصيام لكونه جانياً على إحرامه، فإذا كان كذلك لا يتمكن من بعد العتق من فسخ ذلك الإحرام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 فصل والمواقيت التي لا يجوز أن يجاوزها الإنسان إلا محرما خمسة: لأهل المدينة ذو الحليفة ولأهل   [البناية] [فصل المواقيت المكانية للحج] [دخول الآفاقي مكة بدون إحرام] م: (فصل) ش: أي: هذا فصل لا يعرب إلا بهذا التقدير؛ لأن الإعراب لا يكون إلا في الركب، ولما فرغ من ذكر من يجب عليه الحج، وذكر شرط الوجوب، وما يتبعها، شرع في بيان أول ما يبدأ به من أفعال الحج، وهي المواقيت التي لا يجوز أن يتجاوزها الإنسان إلا محرماً. م: (والمواقيت التي لا يجوز أن يجاوزها الإنسان إلا محرما خمسة) ش: الواو في أول المواقيت واو الاستفتاح، وقد ذكرنا مرة، والمواقيت مرفوع بالابتداء، وخبره خمسة أي خمسة مواضع، وهو جمع ميقات أصله موقات، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها كالموازين جمع ميزان أصله موزان ففعل به ما ذكرناه، والميقات على وزن مفعال وهو الوقت المحدود، فاستعير للمكان، قال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الميقات موضع الإحرام. م: (لأهل المدينة) ش: ويجوز أن يكون التقدير الميقات لأهل المدينة النبوية م: (ذو الحليفة) ش: فيكون ذو الحليفة جزءا وعلى كلا التقديرين لأهل المدينة ظرف مستقر، وقال البكري م: (ذو الحليفة) ش: تصغير حلفة، وهي ما بين بني جشم بن بكر بن هوازن وبين بني خفاجة القبلتين بينه وبين المدينة من ستة أميال وقيل: سبعة، وهو كان منزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا خرج من المدينة أو عمره، وكان ينزل تحت شجرة في موضع المسجد الذي بذي الحليفة اليوم، قال ابن حزم: على أميال من المدينة، وقال عياض: في الأميال على سبعة، وقال النووي: نحو ستة أميال، وقال الصباغ: ميل، وقال محب الدين الطبري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا خطأ ظاهر. قلت: وذكر الرافعي بينها، وبين المدينة ميل، وهو أيضاً خطأ؛ لأن الحس يرد ذلك، وقال شيخنا في " شرح الترمذي ": بينه وبين مكة عشرة مراحل، وقيل: عشرة أيام بينه وبين المدينة فرسخان ستة أميال، هذا هو الصواب، والميل ثلث فرسخ، والفرسخ اثنتي عشرة ألف خطوة، وقال السروجي: الميل أربعة آلاف ذراع بذراع محمد بن فرح الشاشي، قلت: العوام يسمون ذا الحليفة آبار علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 العراق ذات عرق   [البناية] م: (ولأهل العراق ذات عرق) ش: بكسر العين، والكلام فيه كالكلام في ذي الحليفة لأهل المدينة، وهذا هو الثاني من المواقيت، وهو ما بين المشرق والشمال من مكة، قال الكرماني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هي ميقات جميع أهل المشرق، بينها وبين مكة اثنان وأربعون ميلاً وقال غيره بينهما مرحلتان، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الأصل في حقهم، أي في حق أهل المشرق الإحرام من العقيق اسم لذات عرق، وهو سهو منه، وبينهما مرحلة، وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لما فتح هذان المصران أتوا عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حد لأهل نجد قرناً، فإنه جوز عن طريقنا، وإن أردنا أن نأتي قرناً شق علينا، قال: فانظروا حذوها من طريقكم، قال: فحد لهم ذات عرق، رواه البخاري. وقال الشيخ تقي الدين في " الإمام ": المصران البصرة، والكوفة، وغيرهما ما يقرب منهما، قال: وهذا الحديث يدل على أن ذات عرق مجتهد فيها لا منصوصة. قلت: أنكر ذلك عليه، وقد أخرج مسلم في " صحيحه ": من حديث أبي الزبير عن جابر قال: سمعت أحسبه رفع الحديث إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «مهل أهل المدينة من ذي الحليفة، والطريق الآخر الجحفة، ومهل أهل العراق من ذات عرق، ومهل أهل نجد من قرن، ومهل أهل اليمن من يلملم» . فإن قلت: شك الراوي في رفعه. قلت: أخرجه ابن ماجه من حديث أبي الزبير عن جابر قال: «خطبنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " مهل أهل الشرق من ذات عرق " ثم أقبل بوجهه إلى الأفق فقال: " اللهم أقبل بقلوبهم» وهذه الرواية ليس فيها شك من الراوي. فإن قلت: في سنده إبراهيم بن يزيد الخوزي لا يحتج به. قلت: روى أبو داود في " سننه " عن أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقت لأهل العراق ذات عرق،» ورواه النسائي أيضاً. فإن قلت: كان أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ينكر هذا الحديث عن أفلح بن حميد، قاله ابن عدي. قلت: روى عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن مالك عن نافع عن ابن عمر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقت لأهل العراق ذات عرق» . فإن قلت: كان الدارقطني يقول: عبد الرزاق لم يتابع على ذلك، ورواه أصحاب مالك عنه ولم يذكروا فيه ميقات أهل العراق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن   [البناية] قلت: روى البزار في " مسنده " عن مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: «وقت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأهل المشرق ذات عرق،» ورواه الشافعي، أخبرنا سعيد بن سالم أخبرني ابن جريج أخبرني عطاء «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقت لأهل المشرق ذات عرق،» رواه الشافعي، فذكره مرسلاً بتمامه، فلم يتوجه الإنكار على الشيخ تقي الدين فيما قاله؛ لأن الصواب معه. وقال الأترازي: فإن قلت: كيف وقت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات عرق لأهل العراق، ولم يفتح العراق إلا بعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ ثم أجاب بأنه مثلما وقت لأهل الشام الجحفة ولم تفتح الشام إلا بعده - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وقد كان يعلم بطريق الوحي أن العراق ستكون دار الإسلام، كان يعلم أن الشام كذلك. م: (ولأهل الشام الجحفة) ش: الكلام فيه مثل الكلام على ما قبله، وهذا هو الثالث من المواقيت، وهي ميقات أهل مصر، والمغرب، والشام، من طريق تبوك، وهي قرية بين الغرب، والشمال من مكة بينها، وبين مكة اثنان وثمانون ميلاً، وقال النووي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: بينهما ثلاث مراحل، أو أكثر، أو أقل. وقيل: أربع مراحل، وقال الغزالي في بسطه: خمسون فرسخاً. وقال في " المشارق ": بينها وبين البحر ستة أميال، وبينها وبين المدينة ثمان مراحل، ويقال لها: مهيعة بكسر الهاء على وزن معيشة، وضبطت في رواية أبي ذر بإسكان الهاء، وفتح الياء على وزن مفعلة، والأول الصحيح، وإنما سميت الجحفة لأن العماليق أخرجوا إخوة عاد من يثرب فنزلوا مهيعة، فجاء السيل فأجحفهم، أي استأصلهم من قولهم: أجحف بهم الذئب إذا استأصلهم، وقد ذكرت في شرح " الكنز "، أن الجحفة موضع بالقرب من رابغ وهو رسم خال لا يسكن به والعوام يقولون: جحفة هي الرابغ، وليس كذلك، بل هي مثل ما ذكرنا. م: (ولأهل نجد قرن) ش: هذا هو الرابع من المواقيت، وهو بفتح القاف، وسكون الراء بلا خلاف، ويقال له: قرن المنازل، وقرن الثعالب، وقال الجوهري: القرن بفتح الراء موضع، وهو ميقات أهل نجد، ومنه أويس القرني، قال السروجي: هو مأخوذ عليه من مكانين فيه وفي تحريك الراء، ونسبة أويس إلى قرن بطن مراد، وغلط القاضي وغيره. وفي " الإكمال "، قيل: هو بالسكون اسم الجبل الشرق على الموضع، وبالفتح مفترق الطرق. ونجد بفتح النون، قال صاحب " المطالع ": هي من عمل اليمامة، وفي " مناسك الطبري ": قرن ميقات نجد اليمن، ونجد الحجاز، ونجد تهامة، ونجد الطائف، وقرن شرقي مكة، بينهما اثنان وأربعون ميلاً، وكانت فيه وقعة الطعان على بني عامر، يقال له: يوم قرن. وفي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 ولأهل اليمن يلملم هكذا وقت رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هذه المواقيت لهؤلاء.   [البناية] " الإمام ": هو تلقاء مكة على يوم وليلة منها. م: (ولأهل اليمن يلملم) ش: وهذا هو الخامس من المواقيت ويقال له: ألملم بالهمزة موضع الياء، وقال ابن السيد: أرمرم بالراء أيضاً، وهو جنوب مكة وبينه وبين مكة ثلاثون ميلاً، وفي " الإمام ": هو جبل من جبال تهامة على ليلتين من مكة، وهو ميقات المتوجهين من تهامة وبعض اليمن؛ لأن اليمن نجد وتهامة. وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز صرفه وتركه، قلت: على تأويل المكان والبقعة، وأنشد بعضهم يقول: عرق العراق ويلملم اليمن ... بذي الحليفة يحرم المدني والشام جحفة إن مررت بها ... ولأهل نجد قرن فاستبن والآخر، ذكره تاج الشريعة: قرن يلملم ذو الحليفة جحفة ... بل ذات عرق كلها ميقات نجد تهامة والمدينة مغرب ... شرق وهي إلى الذي مر قات وقال الأترازي في " شرحه ": ومما قلته في المواقيت ... ذات عرق عراقي يلملم ليماني ... وذو الحليفة مدني وجحفة للشامي داني ... ثم نظر قرن لأهل نجد منه للإحرام باني ... قلدوا للموت واتبوا بخراب م: (هكذا وقت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذه المواقيت لهؤلاء) ش: أي المواقيت الخمسة المذكورة، قوله: هؤلاء، أي للمذكورين من أهل ذي الحليفة، وأهل العراق، وأهل الشام، وأهل نجد، وأهل اليمن، والأصل فيه ما رواه البخاري، ومسلم من حديث طاووس عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن ولمن أتى عليهن، من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة» ، ومن كان دون ذلك، فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة، وليس فيه ذكر ذات عرق، وإنما ذكر هذا في حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقت لأهل العراق ذات عرق،» وقد مر الكلام فيه آنفاً مستقصى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 وفائدة التأقيت المنع عن تأخير الإحرام عنها؛ لأنه يجوز التقديم عليها بالاتفاق، ثم الآفاقي إذا   [البناية] م: (وفائدة التأقيت) ش: بسكون الهمزة لغة في التوقيت م: (المنع عن تأخير الإحرام عنها) ش: أي عن هذه المواقيت، قيد بالتأخير لأن التقديم ليس بممنوع عندنا، لكن إذا قدم الإحرام قبل أشهر الحج يكون مسيئاً عندنا، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يجوز، كذا صرح به في " شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قلت: تقديم الإحرام على هذه المواقيت جائز بالإجماع. وقال داود الظاهري: إذا أحرم قبل هذه المواقيت فلا حج له ولا عمرة، والأفضل عندنا تقديم الإحرام عن هذه المواقيت، والتأخير إليها رخصة من الله تعالى، ورفق بالناس وكره التقديم مالك وأحمد وإسحاق، قيل: والشافعي، وليس بصحيح؛ لأن النووي ذكر في " المنهاج " الأفضل أن يحرم من دويرة أهله، وفي قول من الميقات، وهو الأظهر، وقال إبراهيم النخعي: كانوا يستحبون لمن لم يحج أن يحرم من بيته، ونقل القرطبي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: إتمام الحج، والعمرة أن يحرم بهما من دويرة أهله، وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مثله، أخرجه البيهقي. وقال القرطبي في " شرح الموطأ " بإسناده أن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أهل من بيت المقدس وقال أبو عمر بن عبد البر: أحرم ابن عمر من بيت المقدس عام الحكمين، وذكر أنه شكر التحكيم بدومة الجندل، فلما اتفق عمرو بن العاص وأبو موسى من غير اتفاق نهض إلى بيت المقدس فأحرم منه، رواه مالك، وسعيد، ويدل على صحة ذلك أن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعمران بن الحصين، وابن عمر، وابن عباس، وعبد الله بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أحرموا من المواضع البعيدة قبل المواقيت، وهم فقهاء الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وقد شهدوا إحرام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلموا أن إحرامه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - من ميقاته كان تيسيراً على أصحابه ورخصة لهم، وابن عمر كان أشد الناس اتباعاً لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال القرطبي: كان إحرام ابن عمر، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - من الشام، وكان إحرام عمران بن الحصين من البصرة، وابن مسعود من القادسية، وكان إحرام علقمة والأسود، وعبد الرحمن بن يزيد الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من بيوتهم، وإحرام سعيد بن جبير من الكوفة على بغلة، رواه سعيد بن منصور - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهو قول الثوري، والحسن بن حي، وقال إسماعيل القاضي: والذين أحرموا قبل الميقات من الصحابة، والتابعين كثير. م: (لأنه يجوز التقديم عليها بالاتفاق) ش: أي لأن الشأن أنه يجوز له تقديم الإحرام على المواقيت بلا خلاف، وقد مر الآن الكلام فيه. م: (ثم الآفاقي) ش: هو من كان خارج المواقيت، قيل: الصواب يبقى نسبة إلى المفرد، وهو الأفق، والآفاقي واحد، فإن السماء، والأرض وهي نواحيها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 انتهى إليها على قصد دخول مكة عليه أن يحرم قصد الحج، والعمرة أو لم يقصد عندنا؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يجاوز أحد الميقات إلا محرما» . ولأن وجوب الإحرام لتعظيم هذه البقعة الشريفة فيستوي فيه التاجر والمقيم وغيرهما.   [البناية] م: (إذا انتهى إليها) ش: أي إلى هذه المواقيت م: (على قصد دخول مكة عليه أن يحرم قصد الحج، أو العمرة أو لم يقصد عندنا) ش: وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز له مجاوزة الإحرام إذا لم يرد النسك، وفي " النهاية ": وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنما يجب الإحرام عند الميقات على من أراد دخول مكة للحج والعمرة، فأما من أراد دخولها لقتال فليس عليه الإحرام عنده قولاً واحداً؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخلها يوم الفتح بغير إحرام، فإن أراد دخولها للتجارة أو طلب غريم له فيه قولان. وفي " المنهاج " للنووي: من قصد مكة غير محرم لا شك أنه يستحب له أن يحرم بحج أو عمرة، وفي قول: يجب إلا أن يتكرر دخولها كحطاب، وصياد، وقال مالك: من دخل مكة غير محرم متعمداً أو جاهلاً فقد أساء، ولا شيء عليه، وفي " النوادر ": يحرم على غير المترددين دخولها، وإن لم يرد نسكاً، وفي " المغني ": قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يدخلها أحد بغير إحرام، وعنه ما يدل على أن الإحرام مستحب. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يجاوز أحد الميقات إلا محرما» ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا الحديث رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه "، حدثنا عبد السلام بن حرب عن حصين عن سعيد عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تجاوزوا الوقت إلا بإحرام» ورواه الطبراني في " معجمه ". م: (ولأن وجوب الإحرام لتعظيم هذه البقعة الشريفة فيستوي فيه التاجر والمقيم وغيرهما) ش: أي غير التاجر، والمقيم مثل طلب غريم له في الحرم، أو هارب من أحد، أو طالت حاجته، ونحو ذلك؛ لأن المقصود من الإحرام عند الميقان تعظيم مكة شرفها الله تعالى، والمكي بالاستيطان لها، أو لما حولها جعل نفسه تبعاً لها، فلم يتصور منه القدوم عليها، فلا يلزمه ما يجب بحق القدوم على الآفاقي، فإنهم كالحراس حول الحصن. وقال أبو بكر - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " العارضة ": الدخول بغير إحرام لأجل القتال حلال أبداً، بل واجب حتى لو يغلب فيها كفاراً يجب قتالهم فيها بالإجماع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 ومن كان داخل الميقات له أن يدخل مكة بغير إحرام لحاجته؛ لأنه يكثر دخوله مكة وفي إيجاب الإحرام في كل مرة حرج بين فصاروا كأهل مكة حيث يباح لهم الخروج منها، ثم دخولها بغير إحرام لحاجتهم، بخلاف ما إذا قصد أداء النسك؛ لأنه يتحقق أحيانا فلا حرج، فإن قدم الإحرام على هذه المواقيت جاز؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وأتمّوا الحجّ والعمرة لله} [البقرة: 196] [196 البقرة] وإتمامها أن يحرم بهما من دويرة أهله، كذا قاله علي، وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.   [البناية] م: (ومن كان داخل الميقات) ش: أي ومن كان وطنه بين الميقات ومكة م: (له أن يدخل مكة بغير إحرام لحاجته) ش: أي لأجل حاجته م: (لأنه يكثر دخوله مكة، وفي إيجاب الإحرام في كل مرة حرج بين) ش: أي ظاهر، والحرج مدفوع شرعاً م: (فصاروا كأهل مكة، حيث يباح لهم الخروج منها، ثم دخولها بغير إحرام لحاجتهم) ش: روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رخص للحطابين أن يدخلوها بغير إحرام» والظاهر أنهم لا يجاوزون الميقات، فدل أنه من كان داخل الميقات. م: (بخلاف ما إذا قصد أداء النسك) ش: أي الحج والعمرة، حيث لا يجوز دخوله بلا إحرام ولا مجاوزة الميقات بالإحرام إن خرج عن الميقات م: (لأنه يتحقق أحيانا) ش: أي لأن قصد من كان داخل الميقات أن النسك متحقق في بعض الأحيان م: (فلا حرج) ش: حينئذ بخلاف قصده غير، وذلك ليس بحطب وبحشيش وحاجة ونحوها، فإنه يكثر، وفي إيجاب الإحرام حرج. م: (فإن قدم الإحرام على هذه المواقيت) ش: أي المواقيت المذكورة م: (جاز) ش: وهذا إجماع خلافاً لداود الظاهري، فإنه يجوزه ولا حج له م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] [البقرة: الآية 196] ش: وإتمامها أن يحرم بهما) ش: أي بالحج والعمرة م: (من دويرة أهله، كذا قاله علي، وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه الحاكم في " المستدرك "، في المعتبر من حديث آدم بن أبي إياس، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن أبي سلمة المرادي، قال: سئل علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن قول الله - عز وجل -: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) ، قال: أن تحرم من دويرة أهلك، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه البيهقي في " سننه "، وقال: وروي من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعاً وفيه نظر، وحديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غريب. وقال الأترازي: روي ذلك عن علي، وابن عباس وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولم يبين حال تخريجه، قال في " النهاية ": كان شيخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كثيراً ما يقول: إن ذكر الدار ها هنا بلفظ التصغير بمقابلة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 والأفضل التقديم عليها؛ لأن إتمام الحج مفسر به، والمشقة فيه أكثر، والتعظيم له أوفر، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما يكون أفضل إذا كان يملك نفسه أن لا يقع في محظور. ومن كان داخل الميقات فوقته الحل، معناه الحل الذي بين المواقيت وبين الحرم لأنه يجوز إحرامه من دويرة أهله   [البناية] تعظيم بيت الله تعالى، يعني أن بيت الله يعظم، وغيره من البيوت يصغر. م: (والأفضل التقديم عليها) ش: أي الأفضل تقديم الإحرام على المواقيت م: (لأن إتمام الحج مفسر به، والمشقة فيه أكثر، والتعظيم أوفر) ش: وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الإحرام من الميقات هو الأفضل؛ لأن الإحرام عنده من الأداء، وبه قال مالك، وأحمد، وهو اختيار المزني، والبويطي، وعن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كقولنا، وفي " شرح الوجيز ": وهو الأظهر، وعن أم سلمة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «من أحرم من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام بحج أو عمرة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ووجبت له الجنة» وفي رواية: «وإن كانت أكثر من زبد البحر» رواه أبو داود، وأحمد، وابن ماجه، والدارقطني. فإن قلت: ما حاله؟ قلت: أبو داود إذا أخرج حديثا، ولم يتكلم في رجاله كان حجة لأن فيه مسارعة إلى الطاعة. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما يكون) ش: أي التقديم م: (أفضل إذا كان) ش: أي الذي يحرم قبل المواقيت م: (يملك نفسه أن لا يقع في محظور) ش: من محظورات الإحرام، وفي " المجتبى ": قال أصحابنا: وكلما قدم الإحرام عليها فهو أفضل إذا ملك نفسه، وعن بعض أصحاب الشافعي: يستحب التقديم عنده قولاً واحداً. فإن قلت: كيف يكون التقديم أفضل، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحرم من الميقات؟ قلت: كان ذلك لبيان الجواز لمن لا يأمن على نفسه ارتكاب محظور الإحرام، وشفقته على الضعفاء. م: (ومن كان داخل الميقات فوقته الحل) ش: أي موضع إحرامه الحل، وقد فسره بقوله: م: (معناه الحل الذي بين المواقيت وبين الحرم؛ لأنه يجوز إحرامه من دويرة أهله) ش: وهذا دليل لما ادعاه في معنى الحل، يعني المراد به الحل الذي بين المواقيت، وبين الحرم لا مطلق الحل، أن لو كان مراده المطلق، فحينئذ يصير هو كالآفاقي، ولما جاز له أن يحرم من دويرة أهله، وحيث جاز له ذلك جاز له أن يحرم من دويرة أهله جاز من أي المواضع شاء من أصل، ومثاله إذا كان من أهل بستان بني عامر، أو نخلة، أو عسفان أو خليص، فالأفضل أن يكون إحرامه من منزله، ويجوز عندنا تأخيره إلى الحرم، ولا معنى لذكر الحل الذي هو قبل منزله إلى المواقيت، ومثله في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 وما وراء الميقات إلى الحرم مكان واحد. ومن كان مكة فوقته في الحج الحرم، وفي العمرة الحل؛ لأن «النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أمر أصحابه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن يحرموا بالحج من جوف مكة وأمر أخا عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن يعمرها من التنعيم وهو في الحل» ولأن أداء الحج   [البناية] المواقيت إلى آخر الأرض. وفي " المحيط "، و " البدائع ": من كان داخل الميقات كأهل بستان بني عامر فميقاته في الحج والعمرة من داره إلى الحرم، ومن داره أفضل، وكذا الآفاقي إذا حل في البستان، والمكي إذا أخرج إليه من الحرم يكون حكمه حكم أهل البستان. م: (وما وراء الميقات إلى الحرم مكان واحد) ش: في حقه بدليل حل الاصطياد والاحتطاب في هذه الأماكن م: (ومن كان بمكة) ش: أي ومن كان وطنه بمكة م: (فوقته) ش: أي فموضع إحرامه م: (في الحج) ش: يعني في قصده في الحج م: (الحرم) ش: يعني يحرم منه م: (وفي العمرة) ش: أي في قصد العمرة م: (الحل) ش: أي خارج الحرم م: (لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أمر أصحابه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن يحرموا بالحج من جوف مكة) ش: هذا الحديث أخرجه مسلم عن أبي الزبير عن جابر قال: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نحرم إذا توجهنا إلى منى، قال: فأهللنا من الأبطح» وذكره البخاري تعليقاً، فقال: وقال أبو الزبير: عن جابر: أهللنا من البطحاء. م: (وأمر أخا عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن يعمرها من التنعيم) ش: أي وأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخا عائشة هو عبد الرحمن بن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وهذا الحديث أخرجه البخاري، ومسلم عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - موافقين لذي الحجة، فلما كان بذي الحليفة إلى أن قالت: فلما كان ليلة الصدر أمر يعني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبد الرحمن فذهب بها إلى التنعيم، فأهلت بعمرة مكان عمرتها، فطافت بالبيت فقضى الله عمرتها وحجتها» . م: (وهو) ش: أي التنعيم م: (في الحل) ش: وهو موضع قريب من مكة عند مسجد عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وسمي تنعيماً؛ لأن عن يمينه جبلاً يقال له نعيم، وعن شماله جبل يقال له: ناعم. م: (ولأن أداء الحج في عرفة) ش: يعني المحرم للحج من مكة يكره أداؤه في عرفة يعني بوقوفه م: (وهي في الحل) ش: أي والحال أن عرفة في الحل، قال الأترازي: قوله: عرفة وهي في الحل، وفيه نظر؛ لأن اسم الموقف عرفات، سمي بجمع إذا درع، كذا في " الكشاف "، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 في عرفة وهي في الحل فيكون الإحرام من الحرم ليتحقق نوع سفره، وأداء العمرة في الحرم، فيكون الإحرام من الحل لهذا، إلا أن التنعيم أفضل لورود الأثر به، والله أعلم.   [البناية] وعرفة اسم اليوم التاسع من ذي الحجة، والذي في الحل فهو الموقف لا اليوم، انتهى. قلت: نظره ليس بوارد؛ لأنه اغتر بكلام الزمخشري - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن اسم الموقف ... إلخ، أن إطلاق عرفة مفرداً لا يجوز إطلاقه على الموقف، وليس كذلك فإنه يطلق عليه عرفات أيضاً، قال " صاحب المغرب ": عرفات علم للموقف يقال لها: عرفة أيضاً فافهم؛ لأنها خارجة عن حد الحرم. م: (فيكون الإحرام من الحرم ليتحقق نوع سفره) ش: لأن الحج عبارة عن سفره م: (وأداء العمرة في الحرم، فيكون الإحرام من الحل لهذا) ش: ليتحقق نوع سفره م: (إلا أن التنعيم أفضل) ش: هذا إشارة من قوله: وفي العمرة الحل، يعني أن إحرام المكي في العمرة الحل، ويجوز له أن يحرم من حيث شاء من الحل، إلا أن إحرامه من التنعيم أفضل م: (لورود الأثر) ش: وهو الخبر الذي مضى م: (به) ش: أي بالإحرام من التنعيم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 باب الإحرام قال: وإذا أراد الإحرام اغتسل، أو توضأ، والغسل أفضل لما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اغتسل لإحرامه إلا أنه للتنظيف، حتى تؤمر به الحائض   [البناية] [باب الإحرام] [تعريف الإحرام وسننه] م: (باب الإحرام) ش: أي: هذا باب في بيان صفة الإحرام، ولما فرغ من ذكر المواقيت شرع في بيان أن الإحرام كيف يفعل عندها، والإحرام مصدر من أحرم الرجل إذا دخل في حرمة لا تهتك، كما تقول: أشتى إذا دخل في الشتاء، وفي عرف الفقهاء: أن يحرم المباحات على نفسه لأداء هذه العبادة، فإن من العبادات ما لها تحريم وتحليل كالصلاة والحج، ومنها ما ليس لها ذلك كالصوم والزكاة، وفيه من الأمور ما لا يهتدي إليه العقل كلبس غير المخيط، وترك التطيب، وترك النظافة، ورمي الحصيات المعدودة، وهي كلها تشبه بالأموات، وكأن الإشارة إلى أنه مات في سبيل الله. م: (قال: وإذا أراد الإحرام) ش: الواو فيه للاستفتاح كما سمعته من مشايخي الكبار، أي إذا أراد من قصد الحج م: (اغتسل، أو توضأ، والغسل أفضل لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغتسل لإحرامه» ش: هذا الحديث رواه الترمذي، عن عبد الله بن يعقوب المدني، عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه زيد بن ثابت أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه لإهلاله واغتسل، قال: حديث حسن غريب، وأخرجه الطبراني في " معجمه "، والدارقطني في سننه "، ولفظهما: اغتسل لإحرامه، وقد ذكر الأترازي هنا أحاديث في غسل من أراد الإحرام، ولكن كلها أحاديث القول، وليس منه حديث يطابق متن الكتاب، والذي رويناه عن الترمذي هو المطابق. م: (إلا أنه للتنظيف) ش: أي إلا أن هذا الاغتسال لزيادة تنظيف البدن، وأشار إلى أنه غير واجب خلافاً لداود الظاهري، فإنه واجب عنده، ونقل عن بعض أهل المدينة أن الدم يجب بتركه، وعن الحسن البصري: إذا تركه ناسياً يغتسل إذا تذكره، والجمهور على أن هذا الغسل مستحب للإحرام م: (حتى تؤمر به الحائض) ش: والأمر أمر استحباب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 وإن لم يقع فرضا عنها فيقوم الوضوء مقامه كما في الجمعة والعيدين، لكن الغسل أفضل؛ لأن معنى النظافة فيه أتم، ولأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اختاره. قال: ولبس ثوبين جديدين، أو غسيلين إزارا ورداء   [البناية] م: (وإن لم يقع فرضا عنها) ش: أي عن الحائض؛ لأن اغتسالها قبل الطهر لا يخرجها عن الحدث، وإنما هو لقطع الرائحة، ولتنظيف [البدن] وحرمة الإحرام والميقات، وكذا النفساء م: (فيقوم الوضوء مقامه) ش: أي في حق إقامة السنة لا في حق الأفضلية م: (كما في الجمعة والعيدين، لكن الغسل أفضل؛ لأن معنى النظافة فيه أتم) ش: لأنه يشمل البدن، فتعم النظافة ولا يعتبر التيمم عند العجز عن الماء [كالجمعة والعيدين، وبه قال مالك، وأحمد، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ليس التيمم عند العجز عن الماء] ، وفي " جوامع الفقه ": السنة أن يغتسل قبل إحرامه، فإن أحدث بعده ثم توضأ لم ينل فضل الغسل للإحرام كالجمعة. م: (ولأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اختاره) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اختار الغسل، كما مر في حديث الترمذي، وروى الطبراني في " معجمه الأوسط " من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا خرج إلى مكة اغتسل حين يريد أن يحرم» . م: (قال: ولبس ثوبين جديدين، أو غسيلين) ش: أي ولبس ثوبين غسيلين، وقال الشيخ أبو بكر الرازي في " شرحه لمختصر الطحاوي ": إنما ذكر جديدين أو غسيلين؛ لأنه روي عن بعض السلف كراهة لبس الجديد عند الإحرام. قلت: المفهوم هنا أنه إذا لم يجد جديدين يكونا عتيقين غسيلين م: (إزارا ورداء) ش: كلاهما منصوبان على التمييز؛ لأن في قوله: - لبس ثوبين - أعم من أن يكون الملبوس مخيطاً أو غير مخيط. وقوله: إزاراً أو رداء، بأن المراد من اللبس أن يكون غير مخيط؛ لأن المحرم ممنوع من لبسه، ويرجع المعنى إلى تقدير يلبس ثوباً كالإزار في وسطه، وثوباً آخر يتردى به، والإزار من السترة والرداء كالميت يستتر بالكفن، ولهذا ليس له لبس المخيط؛ لأن لبس المخيط من الزينة. وهيئة الارتداء أنه يدخله تحت يمينه ويلقيه على كتفه الأيسر، ويبقى كتفه الأيمن مكشوفاً، ولا يزره ولا يحلله بحلال ولا يمسكه ولا يشد إزاره بحبل على نفسه، ولا يعقد الرداء على عاتقه، ولو فعل ذلك يكون مسيئاً ولا شيء عليه. وقال الدارقطني: وهو مذهب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضاً، وعند مالك: عليه الفدية، ولا بأس بالطيلسان إذا لم يزره، وهو قول ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وقال ابن أبي ليلى: لا بأس به، وإن زره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اتزر، وارتدى عند إحرامه؛ ولأنه ممنوع عن لبس المخيط، ولا بد من ستر العورة، ودفع الحر، والبرد، وذلك فيما عيناه، والجديد أفضل؛ لأنه أقرب إلى الطهارة. قال: ومس طيبا إن كان له.   [البناية] وفي " البدائع ": وهو قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ لأنه ليس بمخيط، وعن الحكم بن عتبة أنه كان لا يرى بأسا أن يتوسخ المحرم بثوبه ويعقده على قفاه، ذكره ابن منصور عنه، وهو قول ابن المسيب أباحه إمام الحرمين والغزالي والمتولي كالإزار وغيره، وعن أبي نصر العراقي أنكر أنه يكره ولا شيء عليه، وبه قال أبو ثور، وابن المنذر، وقال النووي: هو شاذ مردود، ولا معتبر به؛ لأن الأئمة على خلافه، ورأى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - محرماً قد عقد ثوبه، فقال: انزع الحبل ويلك، لكن لم يأمره بالفدية، وقال: إن يتزر في رواية إزاره وقال في " المبسوط "، و " البدائع ": ولا بأس أن يتحرم بعمامته يشتمل بها، ولا يعقدها. م: (لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اتزر، وارتدى عند إحرامه) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتزر بالهمزة افتعل من الاتزار، لأن أصله ائتزر بهمزتين، وقال في " المغرب ": اتزر بالتشديد يعني لبس الإزار، وألقى على كتفه الرداء، والحديث أخرجه البخاري في " صحيحه " عن كريب، «عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، قال: انطلق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المدينة بعدما ترجل وادهن، ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه ... » الحديث بطوله. م: (ولأنه) ش: أي ولأن المحرم م: (ممنوع عن لبس المخيط، ولا بد من ستر العورة، ودفع الحر، والبرد، وذلك) ش: أي ستر العورة ودفع الحر والبرد م: (فيما عيناه) ش: أراد به الإزار والرداء م: (والجديد أفضل؛ لأنه أقرب إلى الطهارة) ش: وفي الكفن الجديد والخلق سواء ويستحب أن يكون الإزار والرداء أبيضين، لحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم» وأخرجه الترمذي من حديث سمرة بن جندب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البسوا البياض فإنه أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم» وقال: حديث صحيح. وفي " المبسوط ": يلبس الحر، والبرد إذا لم يكن مصبوغاً بالزعفران والعصفر والورس ولا مخيطاً، وفي " خزانة الأكمل ": يلبس الحر، والبرد العروي، والمروي، وفي " البدائع ": والصوف، والبرد الملون كالعدني، وإن اقتصر على ثوب واحد جاز لحصول ستر العورة به. م: (قال: ومس طيبا إن كان له) ش: أي إن وجده، وعبارته تشعر بأنه لا يطلب من غيره إن لم يكن عنده شيء من ذلك، واستحباب الطيب عند الإحرام مذهب جمهور أهل العلم من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يكره إذا تطيب بما تبقى عينه بعد الإحرام، وهو قول مالك، والشافعي - رحمهما الله -، لأنه منتفع بالطيب بعد الإحرام، ووجه المشهور حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: كنت أطيب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لإحرامه قبل أن يحرم؛ ولأن الممنوع عنه عند التطيب بعد الإحرام، والباقي كالتابع له لاتصاله به بخلاف الثوب؛ لأنه   [البناية] السلف والخلف الفقهاء، وأهل العلم، وأهل الحديث، منهم سعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وابن الزبير، والبراء بن عازب، وعبد الله بن جعفر، ومعاوية، وعائشة، وأم حبيبة، ومحمد بن الحنفية، وعروة، والقاسم، وإبراهيم، وابن جريج والشعبي، وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر، وداود، وأصحابه، والخطابي، وكرهه عطاء، والزهري، ومالك، ومحمد بن الحسن، وزفر، فيما تبقى عينه بعد الإحرام كالغالية، والمسك. ويجب به الدم عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وزفر، وفي " الوبري ": لا شيء عليه إذا فعل ذلك في قولهم جميعا، وفي ظاهر المذهب: لا فرق بين ما تبقى عينه وما لا تبقى، ويستوي فيه الرجل والمرأة، وكذا يتبخر بالعود والعنبر، ويتطيب أصناف الطيب من البان والزريرة والكافور والصندل والزعفران والورس، ذكرهما النووي، والريحان والنسرين والمرزنجوش، وكذا يدهن بالأدهان الطيبة كدهن البان، والورد، والبنفسج. م: (وعن محمد أنه) ش: أي عن مس الطيب م: (يكره إذا تطيب بما تبقى عينه بعد الإحرام) ش: أي بما تبقى عينه على بدنه بعد أن أحرم م: (وهو قول مالك، والشافعي) ش: وقول زفر أيضاً م: (لأنه منتفع بالطيب بعد الإحرام) ش: وهو ممنوع من ذلك؛ لأن للبقاء حكم الابتداء وعن مالك منع الطيب مطلقاً. م: (ووجه المشهور) ش: أي عن أصحابنا م: «حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: كنت أطيب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لإحرامه قبل أن يحرم» ش:، وفي لفظ: «كأني أنظر وبيض الطيب في مفرق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو محرم» . م: (ولأن الممنوع عنه) ش: أي من الطيب م: (عند التطيب بعد الإحرام) ش: يعني ابتداء م: (والباقي) ش: في أثره م: (كالتابع له لاتصاله به) ش: ولا حكم للتابع، فيكون بمنزلة المعدوم م: (بخلاف الثوب) ش: يعني بخلاف ما إذا لبس ثوباً قبل الإحرام وبقي على ذلك الإحرام، حيث يمنع عنه لأنه لم يجعل تبعاً م: (لأنه مباين عنه) ش: أي عن بدنه، ومن هذا إذا حلف لا يتطيب فدام على طيب كان بجسده لا يحنث، وإذا حلف لا يلبس هذا الثوب فدام على لبسه حنث. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 مباين عنه. قال: وصلى ركعتين لما روى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صلى بذي الحليفة ركعتين عند إحرامه.» قال: وقال: «اللهم إني أريد الحج، فيسره لي، وتقبله   [البناية] فإن قلت: استدل محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بما رواه الطحاوي بإسناده إلى صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه عن جده «أن رجلاً أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجعرانة وعليه جبة وهو يصفر لحيته، ورأسه، فقال: يا رسول الله إني أحرمت وأنا كما ترى، فقال: " انزع عنك الجبة، واغسل عنك الصفرة» ورواه أحمد أيضاً. واستدل أحمد أيضاً بما رواه مالك في " الموطأ " عن نافع عن أسلم أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وجد ريح طيب، فقال: ممن ريح هذا الطيب، فقال معاوية: مني يا أمير المؤمنين، فقال: منك لعمري، فقال معاوية: إن أم حبيبة طيبتني يا أمير المؤمنين، فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: عزمت عليك فلترجع فلتغسله. قلت: الجواب عن حديث يعلى أن الطيب كان خلوقاً وهو مكروه للرجل لا للإحرام، وعن حديث معاوية أنه أمره بالغسل قطعاً لوهم الحاصل أنه فعله بعد الإحرام، وفي " الذخيرة ": يكره للمحرم شم الريحان، والطيب، والثمار الطيبة، ولا شيء عليه عند مالك، ولا يكره عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وصلى ركعتين) ش: أي في غير الأوقات المكروهة، وفي بعض النسخ: ويصلي ركعتين بلفظ المضارع، وكذا في متن القدوري، وليس في بعض النسخ لفظ: قال وفي الرواية: يستحب أن يصلي. وفي " السروجي ": هذه سنة وتجزئه المكتوبة كالتحية م: (لما روى جابر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بذي الحليفة ركعتين عند إحرامه) ش: نسبة هذا الحديث إلى جابر لم تصح، والذي في حديث جابر بغير تعيين عدد على ما رواه جابر في حديث طويل أنه صلى في مسجد ذي الحليفة ولم يذكر عدداً، نعم روى أبو داود عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حاجاً فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتين أوجب في مجلسه ... الحديث» . م: (قال) ش: أي قال القدوري: م: (وقال) ش: الذي يريد الحج، وقال الأكمل: وقال الذي يريد الحج، وفي " النهاية ": في بعض النسخ لم يذكر، قال الأول: وألحقه بحديثه جابر، أي صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذي الحليفة، وقال: أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصحيح الأول؛ لأنه هو المثبت في الكتب المقروءة على الأساتذة. م: (اللهم إني أريد الحج، فيسره لي وتقبله مني؛ لأن أداءها) ش: أي لأن هذه العبادة، وهو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 مني» ؛ لأن أداءها في أزمنة متفرقة، وأماكن متباينة، فلا يعرى عن المشقة عادة فيسأل التيسير، وفي الصلاة لم يذكر مثل هذا الدعاء؛ لأن مدتها يسيرة، وأداءها عادة متيسر. قال: ثم يلبي عقيب صلاته لما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لبى في دبر صلاته. وإن لبى بعدما استوت به راحلته جاز، ولكن الأول أفضل لما روينا. وإن كان مفردا بالحج ينوي بتلبيته الحج؛ لأنه عبادة   [البناية] تعليل لسؤال التيسير؛ لأنه عبادة عظيمة تحصل بأفعال م: (في أزمنة متفرقة، وأماكن متباينة، فلا يعرى عن المشقة عادة فيسأل التيسير) ش: لأنه عبادة عظيمة تحصل بأفعال شاقة فاستحب طلب التيسير، والتسهيل من الله تعالى. م: (وفي الصلاة لم يذكر مثل هذا الدعاء؛ لأن مدتها يسيرة وأداءها عادة متيسر) ش: وفي " التحفة "، و " القنية " وغيرهما، قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في الصلاة يجب أن يقول: اللهم إني أريد صلاة كذا فيسرها لي، وتقبلها مني، كما في الحج فلا فرق. [حكم التلبية للمحرم ولفظها] [رفع الصوت بالتلبية] م: (قال: ثم يلبي عقيب صلاته لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لبى في دبر صلاته) ش: وبه قال مالك، وأحمد، والشافعي في القديم، وهو قول الترمذي، والنسائي عن عبد السلام بن حرب، حدثنا خصيف عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل في دبر صلاته» وقال: حديث حسن غريب. م: (وإن لبى بعدما استوت به راحلته) ش: قال في " المغرب ": أي قامت مستوية على قوائمها، والراحلة هو النجيب، والنجيبة من الإبل م: (جاز) ش: وبه قال الشافعي في الأصح، وهو قول ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - م: (ولكن الأول أفضل لما روينا) ش: أشار به إلى قوله - لبى في دبر كل صلاة - وجه الأفضلية أنه أكثر عملاً؛ لأن من يلبي عقب صلاته يلبي إذا استوى على راحلته، وإذا علا شرف البيداء دون العكس، والأحاديث اختلفت في تلبية رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال بعضهم: أهل حين صلى، وقال بعضهم: أهل حين استوت به راحلته، وقال بعضهم: حين ارتفع على البيداء. وبين وجه الاختلاف في " شرح الآثار " مسنداً إلى سعيد بن جبير، قال: قيل لابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: كيف اختلف الناس في إهلال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: سأخبركم عن ذلك، «إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل في صلاته فشهده قوم فأخذوا بذلك، فلما استوت به راحلته أهل فشهده قوم، فقالوا: أهل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الساعة، وإنما كان إهلال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مصلاه فشهده قوم فأخبروا بذلك» . م: (وإن كان مفردا بالحج ينوي بتلبيته الحج؛ لأنه) ش: أي لأن الحج م: (عبادة، والأعمال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 والأعمال بالنيات، والتلبية أن يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة لك والملك، لا شريك لك. وقوله " إن الحمد " والنعمة لك بكسر الألف لا بفتحها، ليكون ابتداء لا بناء؛ إذ الفتحة صفة الأولى، وهو إجابة لدعاء الخليل صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه، على ما هو المعروف في القصة.   [البناية] بالنيات) ش: هو لفظ الحديث في رواية م: (والتلبية أن يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة لك والملك، لا شريك لك) ش: لبيك لبيك من المصادر التي يجب حذف فعلها لوقوعه مثنى، واختلفوا في معناه، فقيل: مشتق من ألب الرجل إذا أقام في مكان، فمعنى لبيك: أقيم على عبادتك إقامة بعد إقامة؛ لأن التثنية هناك للتكرير والتكثير، ويقال: معنى لبيك: أنا أقيم على طاعتك، منصوب على المصدر من قولهم: لب بالمكان، وألب إذا أقام به، ولزم، وكان حقه أن يقال: لباً لك، كقولك: حمدا لله. ولكن ثني للتأكيد، أي لباً لك بعد إلباب، وقيل: مشتق من قولهم: امرأة لبة أي محبة لزوجها فمعناه إخلاص لك من قولهم: لباب، أي خالص، ومنه لب الطعام، وقال الحربي: الألباب القرب، وقيل: خضوعاً لك من قولهم أنا ملب بين يديك، أي خاضع ذكر ذلك في " الإمام ". م: (وقوله " إن الحمد " والنعمة لك بكسر الألف لا بفتحها، ليكون ابتداء) ش: أي ليكون ابتداء الكلام غير متعلق بما قبله م: (لا بناء) ش: أي لا يكون بناء على ما قبله، فيكون المعنى أثني عليك؛ لأن الحمد لك، ففيه معنى التخصيص، بخلاف الكسرة لأن فيها معنى التعميم، فهذا أولى م: (إذ الفتحة) ش: أي فتحة الألف م: (صفة الأولى) ش: أي كلمة الأولى، وهي قوله: لبيك، ولم يرد به الصفة النحوية، بل أراد به الصفة الحقيقية، وهي القائم بالذات، معناه التعليل معنى؛ لأن الحمد لك، وابتداء الثناء أولى. وفي " شرح الإرشاد " م: (وهو) ش: أي الكسر اختيار جماعة من أهل اللغة والفقه، وفي " المحيط ": لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كسرها، قلت: لا يعرف ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (إجابة لدعاء الخليل - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -) ش: أي ذكر التلبية، إجابة إبراهيم الخليل - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - م: (على ما هو المعروف في القصة) ش: أي في قصة إبراهيم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لما فرغ من بناء الكعبة أمر بأن يدعو الناس إلى الحج، فصعد أبا قبيس، وقال: إن الله تعالى أمر ببناء البيت له، وقد بني ألا فحجوا، فبلغ الله تعالى صوته الناس في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، فمنهم من أجاب مرة، ومنهم من أجاب مرتين، وأكثروا على حسب جوابهم يحجون. وبيان هذا في قَوْله تَعَالَى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] الآية (الحج: الآية 27) ، فالتلبية إجابة الداعي بلا خلاف، ولكن الخلاف في الداعي أشار المصنف إلى أن الداعي هو الخليل عليه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 ولا ينبغي أن يخل بشيء من هذه الكلمات؛ لأنه هو المنقول باتفاق الرواة، فلا ينقص عنه، ولو زاد فيها جاز؛ خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] الصلاة والسلام، وقيل: الداعي هو الله تعالى، كما قال تعالى: {يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [إبراهيم: 10] (إبراهيم: الآية 10) ، وقيل: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما قال: «إن سيدا بنى دارا واتخذ فيها مأدبة، وبعث داعياً» وأراد بالداعي نفسه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. م: (ولا ينبغي أن يخل بشيء من هذه الكلمات) ش: لبيك اللهم لبيك ... إلخ، قوله: يخل بضم الياء - من الإخلال، وفاعله هو المحرم، ويجوز أن يكون على صيغة المجهول أيضاً م: (لأنه هو المنقول) ش: أي ذكر التلبية على الهيئة المذكورة هو المنقول م: (باتفاق الرواة) ش: فيه نظر إذ ليس ما ذكره منقولاً باتفاق الروايات، فقد روي حديث التلبية عن عائشة، وعبد الله بن مسعود، وليس فيه: والملك لا شريك لك، فحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه البخاري في " صحيحه " عن أبي عطية عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «إني لأعلم كيف كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يلبي: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك لبيك» . وحديث ابن مسعود أخرجه النسائي في " سننه " عن حماد بن زيد عن أبان بن ثعلب عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن زيد عن عبد الله، قال: «كانت تلبية رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك» ، ولم يتعرض الشراح لهذا، وسكتوا عنه غير أن الأترازي تبع المصنف على هذا، حيث قال في تفسير قوله: ولا ينبغي أن يخل بشيء من هذه الكلمات أي لا ينقص من التلبية المذكورة المشهورة باتفاق الرواة عليها. وأخرج مسلم عن ابن عمر قال: «وكان عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يهل بإهلال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من هؤلاء الكلمات ويقول: لبيك اللهم لبيك، وسعديك والخير في يديك لبيك، ورغبتي إليك والعمل» . وروى إسحاق بن راهويه في " مسنده ": أخبرنا وهب بن جرير بن حازم قال: سمعت أبي يحدث عن أبي إسحاق الهمداني عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: حججنا في إمارة عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن عبد الله بن مسعود، فذكر حديثاً فيه طول، وفي آخره وزاد ابن مسعود في تلبيته فقال لبيك وعدد التراب، وما سمعته قبل ذلك ولا بعده، وروى النسائي وابن ماجه عن الأعرج عن أبي هريرة، قال كان من تلبية النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لبيك إله الحق لبيك. م: (فلا ينقص عنه) ش: أي عن ذكر التلبية المذكورة، وفي الأسبيجابي إن زاد عليها أو نقص أجزأه ولا يضره شيء م: (ولو زاد فيها) ش: أي في التلبية المذكورة م: (جاز خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 في رواية الربيع - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه هو اعتبره بالأذان والتشهد من حيث إنه ذكر منظوم. ولنا أن أجلاء الصحابة كابن مسعود، وابن عمر، وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - زادوا على المأثور؛   [البناية] في رواية الربيع عنه) ش: أي عن الشافعي في رواية الربيع، والربيع هو ابن سليمان بن الخباز البصري مولاهم المصري المؤذن راوي كتب الأمهات عن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو أحد مشايخ أبي جعفر الطحاوي وأبي داود والنسائي وابن ماجه، وذكره ابن حبان في " الثقات "، مات سنة سبعين ومائتين. قال الطحاوي وكان مؤذن الجامع بفسطاط مصر، وآخر يقال له الربيع بن سليمان الجيزي المصري الأعرج ممن روى عن الشافعي وروى عنه الطحاوي أيضاً، وثقه ابن يونس وقال مات سنة ست وخمسين ومائتين، روى المزني عن الشافعي جواز الزيادة. وفي " شرح الوجيز " لا تستحب الزيادة على تلبية رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بل يكررها وبه قال أحمد، وقال أبو حامد ذكر أهل العراق عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ذكر الزيادة على ذلك، وقال هو غلط لا يكره ولا يستحب، بل يكررها واختاره ابن المنذر. م: (هو) ش: أي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (اعتبره بالأذان والتشهد) ش: أي اعتبر ذلك التلبية بالأذان والتشهد في الصلاة، م: (من حيث إنه ذكر منظوم) ش: يعني مرتب بألفاظ مخصوصة لا يجوز التغيير فيها كما لا يجوز في الأذان والتشهد. م: (ولنا أن أجلاء الصحابة) ش: أي أجلائهم وأكابرهم م: (كابن مسعود، وابن عمر، وأبي هريرة) ش: وابن مسعود، وهو عبد الله وكذلك ابن عمر عبد الله، وفي اسم أبي هريرة اختلاف كثير، والأكثر على أن اسمه عبد الرحمن بن صخر الدوسي اليماني. وقال الهيثم بن عدي كان اسمه في الجاهلية عبد شمس. وقال أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فسماني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبد الرحمن، وإنما كنيت بأبي هريرة لأني وجدت هرة فحملتها في كمي، فقيل لي أنت أبو هريرة، وقيل رآه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي كمه هرة، فقال يا أبا هريرة. م: (زادوا على المأثور) ش: يعني في التلبية، أما زيادة ابن عمر ففي الحديث الذي أخرجه الستة عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن تلبية رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لبيك اللهم لبيك» .. إلخ كما هو المذكور المشهور، ثم قال وكان عبد الله بن عمر يزيد في تلبية لبيك لبيك والخير بيديك والرغبة إليك والعمل، وأخرج مسلم أيضاً هذه الزيادة من قول عمر أيضاً، وقد ذكرناه عن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 ولأن المقصود الثناء، وإظهار العبودية فلا يمنع من الزيادة عليه. قال: وإذا لبى فقد أحرم، يعني إذا نوى؛ لأن العبادة لا تتأدى إلا بالنية.   [البناية] قريب، وعن ابن مسعود أنه لبى غداة جمع، فقال رجل ومن هذا الأعرابي، فقال عبد الله لبيك عدد الحصى والتراب، فقيل له ابن مسعود فانساب الرجل في الناس، رواه سعيد بن منصور، وذكره في " الأسرار " والمبسوط ". وفي " جامع المحبوبي " أجهل الناس أم طال العهد لبيك عدد التراب، وأراد بالعهد عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي رواية لبيك حقاً حقاً تعبدا ورقا، لبيك عدد التراب، لبيك ذا المعارج، لبيك لبيك إله الخلق، لبيك لبيك والرغبة إليك، من عبد آبق لبيك، وأما زيادة أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على التلبية المشهورة فقد ذكرناها عن قريب. م: (ولأن المقصود به الثناء، وإظهار العبودية فلا يمنع من الزيادة عليه) ش: لأنه كلما زاد من ذلك كان أفضل، أما الأذان فلأنه للإعلام بدخول الوقت، فإذا زاد على المشهور يعتقد أنه ذكر الثناء على الله لا للإعلام بدخول الوقت، وأما التشهد فإنه يدعو في الثاني بما شاء، والزيادة على التشهد الأول إخلال بنظم الصلاة. فإن قلت: هل ورد أن الأنبياء كانوا يلبون إذا حجوا. قلت: ذلك ذكر في " مناسك الطبري " عن الأزرقي بتلبية الأنبياء - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مثنى، منهم يونس بن متى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يقول لبيك فراج الكرب، وكان موسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول لبيك أنا عبدك لديك، لبيك لبيك. وتلبية عيسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لبيك أنا عبدك وابن أمتك. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا لبى فقد أحرم) ش: يعني دخل في الإحرام م: (يعني إذا نوى) ش: لا يصير محرماً بمجرد التلبية فلا بد من النية م: (لأن العبادة لا تتأدى إلا بالنية) ش: للحديث المشهور، وقال الأترازي: والعجب من صاحب الهداية مع جلالة قدره تكلم في هذا الموضع بلا تفكر، حيث فسر قول القدوري بقوله يعني إذا نوى - وطول كلامه فيه، ثم قال: ولقد صدقوا في قولهم لكل جواد كبوة. حاصل كلامه أن القدوري أشار إلى النية فيما تقدم بقوله - يعني إذا نوى، فإن كان الفرد بالحج نوى بتلبية الحج وصوم بالنية، ومع التصريح كيف يجوز أن يقال لم يذكر النية، وكيف يحتاج من له تمييز إلى تفسير ذلك بقوله يعني إذا نوى. قلت: سبحان الله هذا كلام لا طعم له؛ فإنه ما ارتكب شيئاً يوجب الإنكار عليه، غاية ما في هذا الباب زيادة إيضاح وتنبيه إلى لزوم النية من كل بد، وربما لا يطلع أحد على قوله فيما مضى واطلع على هذا الموضع وليس فيه الإشارة إلى أن يتوهم أن النية ليست بشرط، فأراد ذلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 إلا أنه لم يذكرها لتقدم الإشارة إليها في قوله: " اللهم إني أريد الحج ". ولا يصير شارعا في الإحرام بمجرد النية ما لم يأت بالتلبية، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه عقد على الأداء، فلا بد من ذكر كما في تحريمة الصلاة، ويصير شارعا بذكر يقصد به التعظيم سوى التلبية فارسية كانت أو عربية، هذا هو المشهور عن أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -   [البناية] المقصود بقوله - يعني إذا نوى - ولقد اغتر المصنف في ذكره بقوله - يعني إذا نوى - بقوله لأن العبادة لا تتأدى إلا بالنية. م: (إلا أنه) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لم يذكرها) ش: يعني النية هنا م: (لتقدم الإشارة إليها في قوله: " اللهم إني أريد الحج) ش: حاصل هذا أن الذي فعله القدوري من باب الاكتفاء والذي فعله المصنف من باب الإيضاح والتأكيد ولا سيما هو في طبقة الشراح. م: (ولا يصير شارعا في الإحرام بمجرد النية ما لم يأت بالتلبية) ش: بدون النية وفي " المحيط " لو أراد الإحرام ينوي بنية الحج والعمرة، ويلبي. وفي " الإيضاح " لا يصير داخلاً في الإحرام بمجرد النية حتى يضم إليها سوق الهدي أو التلبية م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده يصير محرماً بمجرد النية لبى أو لم يلب، وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف في رواية، وروى أبو عوانة البصري عنه أن قوله كمذهبنا، وهو اختيار ابن جبير أن ابن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والزبير من أصحابه. م: (لأنه) ش: أي لأن الحج م: (عقد على الأداء) ش: أي على عبادة تشتمل على أركان مختلفة، وكلما كان كذلك م: (فلا بد من ذكر) ش: يقصد به التعظيم م: (كما في تحريمة الصلاة) ش: حيث اشترط الذكر في الابتداء وهو التكبير م: (ويصير شارعا بذكر يقصد به التعظيم سوى التلبية فارسية كانت أو عربية) ش: ويحتمل أن يكون الضمير فيما كانت راجعاً إلى التلبية. حاصل الكلام أن كل ذكر فيه تعظيم يصح به الشروع سواء كانت تلبية أو غيرها، عربيا أو فارسياً، وكذا إذا لبى بالفارسية. م: (هذا هو المشهور عن أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: يعني أنه يصير شارعاً بما يقصد به التعظيم. قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرحه " هو المشهور عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، رواه ابن أبي مالك وبشر ومعلى، وروى الحسن بن زياد عنه أنه لا يكون محرماً إلا بالتلبية، وقال في " التحفة ": لو ذكر التهليل أو التسبيح أو التحميد ونوى الإحرام يصير محرماً، سواء كان يحسن التلبية أو لا، وكذلك إذا نوى، أي بلسان آخر سواء كان يحسن العربية أو لا يحسنها، هذا جواب ظاهر الرواية. وروى الحسن عن أبي يوسف إن كان لا يحسن التلبية جاز وإلا فلا، كما في الصلاة. أما أبو حنيفة فإنه مر على أصله، وهو أن الذكر الموضوع في ابتداء العبادة لا يختص عنده بعبارة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 والفرق بينه وبين الصلاة على أصلهما أن باب الحج أوسع من باب الصلاة، حتى يقام غير الذكر مقام الذكر، كتقليد البدن، فكذا غير التلبية، وغير العربية. قال: ويتقي ما نهى الله تعالى عنه من الرفث، والفسوق، والجدال، والأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] (197 البقرة) ، فهذا نهي بصيغة النفي، والرفث الجماع، أو الكلام الفاحش، أو ذكر الجماع بحضرة النساء، والفسوق: المعاصي، وهو في حال الإحرام أشد حرمة. والجدال: أن يجادل رفيقه، وقيل: مجادلة   [البناية] بعينها ولا يلقه، كتكبيرات الصلاة، وأما أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقد فرق بين الإحرام والصلاة على ما هو المشهور منها، وهو أن غير الذكر يقوم مقام الذكر، وهو التقليد، فكذلك غير العربية بخلاف الصلاة. م: (والفرق بينه) ش: أي بين الإحرام م: (وبين الصلاة على أصلهما) ش: أي على أصل أبي يوسف ومحمد م: (أن باب الحج أوسع من باب الصلاة) ش: ألا ترى أنه يصير شارعاً بسوق الهدي م: (حتى يقام غير الذكر مقام الذكر، وكتقليد البدن) ش: أو سوقهما م: (فكذا غير التلبية، وغير العربية) ش: أي فكذا غير التلبية تقوم مقامها غير العربية، كذلك إذا كان بذكر يقصد به التعظيم، ويتقي أي المحرم، أي يجتنب، وفي بعض النسخ [محظورات الإحرام] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويتقي ما نهى الله تعالى عنه من الرفث، والفسوق، والجدال، والأصل فيه) ش: أي في وجوب الاتقاء عن هذه الأشياء م: (قَوْله تَعَالَى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] ش: (البقرة: الآية 197) قرأ ابن كثير وأبو عمرو - فلا رفث ولا فسوق - بالرفع والتنوين، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر، وحمزة والكسائي - فلا رفث ولا فسوق - بالفتح بدون التنوين، وكلهم اتفقوا على فتح اللام في - ولا جدال - بدون تنوين م: (فهذا نهي بصيغة النفي) ش: وهذا أبلغ في الترك، والمعنى فلا ترفثوا ولا تجادلوا. م: (والرفث الجماع) ش: هكذا فسره ابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وعطاء ابن أبي رباح وعطاء بن السائب ومجاهد والحسن البصري والزهري والنخعي وقتادة م: (أو الكلام الفاحش) ش: أي الرفث الكلام الفاحش، هكذا فسره أبو عبيد م: (أو ذكر الجماع بحضرة النساء) ش: أي الرفث ذكر الجماع بحضرتهن، وقيل مطلقاً. م: (والفسوق: المعاصي) ش: وهو الخروج عن طاعة الله تعالى م: (وهو) ش: حرام مطلقاً وهي م: (في حال الإحرام أشد حرمة) ش: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] (التوبة: الآية 36) . م: (والجدال أن يجادل رفيقه) ش: وهي حالة الإحرام، أي يخاصم معه م: (وقيل: مجادلة المشركين في تقديم وقت الحج وتأخيره) ش: وقال الزمخشري: إن قريشاً كانت تخالف سائر العرب، فتقف بالمشعر الحرام، وسائر العرب يقفون بعرفة، وكانوا يقدمون الحج سنة وهو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 المشركين في تقديم وقت الحج وتأخيره، ولا يقتل صيدا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] (95 المائدة) ، ولا يشير إليه ولا يدل عليه، لحديث «أبي قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أصاب حمار وحش وهو حلال، وأصحابه محرمون، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صحح لأصحابه: " هل أشرتم؟ هل دللتم؟ هل أعنتم؟ " فقالوا: لا، فقال: " إذا فكلوا» .   [البناية] النسيء فرده الله إلى وقت واحد، والوقوف إلى عرفة فأخبر الله تعالى أنه قد ارتفع الخلاف في الحج. م: (ولا يقتل صيدا) ش: أي لا يقتل المحرم صيداً. قال الأترازي: أي لا يذبح ولا يقتل لأن القتل يستعمل في الحرام غالباً. وذبح المحرم الصيد حرام. قلت: لا يحتاج إلى هذا التفسير، لأن القتل حرام، فإن القتل أعم، وفي القرآن أيضاً مذكور بلفظ القتل لا بلفظ الذبح، قوله: - صيدا - يراد به الصيود لا المصدر، إذ لو أريد به المصدر وهو الاصطياد لما صح إسناد الفعل إليه، والمراد صيد البر. ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] (المائدة: الآية 96) والحرم جمع حرام يعني محرمون، والصيد هو الحيوان المتوحش الممتنع في أصل الخلقة، وصيد البحر حلال للمحرم، وهو ما كان تولده ومثواه في البحر. وصيد البر ما كان تولده ومثواه في البر، أما الذي يكون في البحر ويتولد في البر فهو من صيد البر، والذي يتولد في البحر ويكون في البر فهو من صيد البحر كالضفدع؛ لأن الأصل هو التوالد، والكينونة عارض فتعين الأصل دون العارض. م: (ولا يشير إليه) ش: أي إلى الصيد م: (ولا يدل عليه) ش: أي على الصيد، الإشارة أن يشير إلى الصيد باليد، والدلالة أن يقول: إن في مكان كذا صيدا، والإشارة تكون في الحضور والدلالة تكون في الغيبة م: (لحديث أبي قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه أصاب حمار وحش وهو حلال، وأصحابه محرمون، فقال النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لأصحابه: " هل أشرتم؟ هل دللتم؟ هل أعنتم؟ " فقالوا: لا، فقال: " إذا فكلوا.» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن أبي قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: " إذا فكلوا ". هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم «عن أبي قتادة أنهم كانوا في سفر لهم، بعضهم محرم وبعضهم ليس بمحرم، قال: فرأيت حماراً وحشياً فركبت فرسي وأخذت الرمح فاستعنتهم، فأبوا أن يعينوني، فاختلست سوطاً من بعضهم وشددت على الحمار فأصبته، فأكلوا منه، فاستبقوا قال: فسألوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار:؟ " فقالوا لا، قال: " فكلوا ما بقي منها.» وفي لفظ مسلم والنسائي: «هل أشرتم؟ هل أعنتم "، قالوا لا، قال: " فكلوا» ". واسم أبي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 ولأنه إزالة الأمن عن الصيد؛ لأنه أمن بتوحشه، وبعده عن الأعين. قال: ولا يلبس قميصا ولا سراويل، ولا عمامة ولا قلنسوة   [البناية] قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري، وجه التمسك به أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علق الإباحة بعدم الإشارة والدلالة، فدل على أنها من محظورات الإحرام، ولهذا لو أعطاه سكيناً ليذبحه به، وليس معه سكين أو أراه موضع سكين وموضع السهم ليرميه به، كان ذلك داخلاً تحت الإعانة والإشارة وقيل الإعانة والإشارة من المحرم محرمة، فإن علم المحرم مكانه وكذا أن لو أعطاه سكيناً أو معه سكين، لإطلاق الحديث، قلنا: إذا كان عالماً بمكانه فالموجود من الحلال لغو، فلا اعتبار به، وكذا السكين والسهم، وفي " المبسوط " قال السروجي الأصح عندي أنه لا شيء على معير السكين من الضمان. م: (ولأنه) ش: أي ولأن المذكور من الإشارة والدلالة والإعانة م: (إزالة الأمن عن الصيد؛ لأنه أمن بتوحشه، وبعده عن الأعين) ش: لأن إزالة الأمن ربما يتطرق بها إلى القتل، وفي " الذخيرة " لا ضمان على الدال سواء كان محرماً أو حلالاً في صيد الحرم. م: (قال) ش: أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن بالدلالة، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يضمن بالدلالة لأنه لا يلزم حفظه م: (ولا يلبس) ش: أي المحرم م: (قميصاً) ش: ولو كان من جلد م: (ولا سراويل) ش: قيل إنه عجمي نكرة مفرد غير منصرف، لأنه وافق بناؤه بناء ما لا ينصرف من العربي نحو قناديل. قلت: هذا قول سيبويه، وقيل: إنه جمع سروالة في التقدير، وليس فيه عجمة بل هو عربي، وقيل بل هو جمع محقق. قال الشاعر: عليه من العدم سروالة ... فليس يرق المستضعف فعلى هذا لا كلام في منع الصرف، ولو لبس السراويل عند عدم الإزار لزمه دم، إلا أن يشقها نصفين ويتزر بهما لتصير بمنزلة الإزار، ولا يشقها ولا شيء عليه. م: (ولا عمامة ولا قلنسوة) ش: قال صاحب المطالع القلنسوة معروفة إذا فتحت القاف ضمت السين، وكان بالواو، وإن ضمت القاف كسرت السين، وكان بالباء، وهي مشتقة من قلس الشيء إذا أعطاه، النون الزائدة، قاله ابن دريد: وقال ابن الأنباري فيها تسع لغات بلا واو، قلينسه وقلنيسة وقلنسة كلها بالتصغير، وقلنساه وقلساة، وقال في " دستور اللغة " القلسوة - هلاه - يعني بالفارسية وبالعربية القبع، وطول الجوهري فيه الكلام. حاصله أن جمعه قلانس وقلانيس وقلاسي، وأصله قلنسو، فحذف منه الواو لأنه ليس في الأسماء اسم آخره حرف علة، وقبلها ضمة، يقال قلسه يقلس وقلس يقلس، أي لبست الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 ولا قباء، ولا خفين إلا أن لا يجد نعلين فيقطعهما أسفل من الكعبين، لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يلبس المحرم هذه الأشياء، وقال في آخره: «ولا خفين إلا أن يجد نعلين فليقطعهما أسفل الكعبين» .   [البناية] القلنسوة فيهما. م: (ولا قباء) ش: أي ولا يلبس قباء، المراد به اللبس المعتاد، حتى قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحرم لبس القباء على المحرم إلا إذا أدخل يديه في كمه، وبه قال النووي وأبو ثور والحربي من الحنابلة، وعند الشافعية والمالكية والحنابلة لا يتوقف تحريم لبسه على إدخال اليدين في كميه. م: (ولا خفين) ش: أي ولا يلبس خفين م: (إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما أسفل من الكعبين) ش: وقال عطاء وأحمد بن حنبل لا يقطعهما استدلالاً «بحديث ابن عباس، قال سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب بعرفات من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل» ولم يذكر القطع. ولنا حديث الكتاب وهو قوله م: (لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يلبس المحرم هذه الأشياء، وقال في آخره: ولا خفين إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما أسفل من الكعبين) ش: أراد بهذه الأشياء القميص والسراويل والعمامة والقلنسوة والخفين، والحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، «قال رجل: يا رسول الله ما تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام، قال: لا يلبس القميص ولا السراويلات ولا العمائم ولا البرانس ولا الخفاف، إلا أن يكون أحد ليس له نعلان فيلبس الخفين، وليقطع أسفل الكعبين .... » الحديث. والعمل بحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أولى من العمل بحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لأنه لم ينقل عنه صفة لبس الخفين، ونقلها ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ولأن من زاد حفظ ما لم يحفظه الذي اختصر، والعجب من الأخصام أنهم يحملون المطلق على المقيد ولا سيما في حادثة واحدة، وهذا لو أمن ذلك. فإن قلت: زعمت الحنابلة أن حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - منسوخ بحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لأنه بعرفات، وحديث ابن عمر كان بالمدينة، وكذا ذكره الدارقطني أجيب بأن هذا جهل بأصول الفقه، لأن المطلق والمقيد لا يتناسخان عندهم، مع أن حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رواه أيوب والثوري وابن عيينة وحماد بن زيد وابن جريج وهشام وشعبة كلهم من حديث عمرو بن دينار عن جابر بن زيد، ولم يقل أحد منهم بعرفات غير شعبة وانفراد الواحد عن الثقات يوجب الضرر، فيما انفرد به عندهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 والكعب هنا المفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشراك دون الناتئ فيما روى هشام عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: ولا يغطي وجهه ولا رأسه وقال الشافعي: يجوز للرجل تغطية الوجه   [البناية] فإن قلت: ذكر الشيخ تقي الدين في شرح العمدة أن ذلك من رواية جعفر بن برقان وقد وهم في موضعين، أحدهما أنه قال نافع ويقطع الخف أسفل من الكعبين، والثاني أنه قال فيه فمن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل، وليس هذا في حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وأخذ به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن حنبل، وأنكره مالك في الموطأ، وقال أبو عبد الله لا سبيل انفراد حديث السراويل عن جابر بن زيد عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وهو رجل من أهل البصرة لا يعرف. قلت: غلط أي غلط من يقدح في رواية الحفاظ الذين رفعوا القطع إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فإن قلت: قال عطاء: في قطعهما فساد، والله لا يحب المفسدين. قلت: قد ثبت الأمر من صاحب الشرع بقطعهما، وهو [ .... ] على الشارع بحكمه، ولأن حكم الفعل فساد، إنما يعرف من جهة الشرع، وقال: أمر به وهو لا يأمر بالفساد، والأمر بقطعهما مع ما فيه من إتلاف المالية يدل على خلاف ما قالوا، فالشافعي معنا في الخفين، ومع ابن حنبل في السراويل، ومالك وافقنا فيهما، وإذا لبس الخفين من غير قطع تلزمه الفدية. وقال ابن بطال في " شرح البخاري " والطبري في " مناسكه " أن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب الفدية مع قطعهما. قلت: هذا النقل عنه غير صحيح لا أصل له، ولا تجب الفدية به عندنا مع القطع، وإن وجد النعلين فلبس الخفين مقطوعين فلا شيء عليه عندنا كالمدارس ونحوه، وعند مالك وأحمد يفدى، وللشافعي قولان. م: (والكعب هنا المفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشراك) ش: إنما قال: هنا يعني في باب الحج، احترازاً عن الكعب المذكور في باب الوضوء، فإن الكعب هنا هو الذي نفاه بقوله - م: (دون الناتئ) ش: بالنون والتاء المثناة من فوق النتوء وهو الارتفاع م: (فيما روى هشام عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هشام بن عبد الله الراوي، فإنه روى عن محمد في الحج أن الكعب هو الناتئ، قالوا: إن ذلك وهم من هشام في نقله عن محمد، لأن محمداً قال ذلك في مسألة الوضوء، وقد مر الكلام فيه هناك. م: (ولا يغطي رأسه ولا وجهه) ش: وبه قال مالك وأحمد في رواية، وفي بعض النسخ ولا يغطي رأسه ولا وجهه، والأول أصوب على ما لا يخفى. م: (وقال الشافعي: يجوز للرجل تغطية الوجه) ش: وبه قال مالك وأحمد في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها» . ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تخمروا وجهه، ولا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا» قاله في محرم توفي   [البناية] المشهور عنه م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها) ش: هذا الحديث رواه الدارقطني في " سننه " عن هشام بن حسان عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها قال هذه قسمة تقطع الشركة. م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تخمروا وجهه، ولا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا» قاله في محرم توفي) ش: هذا الحديث رواه مسلم والنسائي وابن ماجه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن «رجلاً أوقصته راحلته فمات، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " غسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه طيباً ولا تخمروا رأسه ولا وجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً» ورواه الباقون ولم يذكروا فيها وجهاً. فإن قلت: قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري ذكر الوجه في هذا الحديث تصحيفاً من الرواة لإجماع الثقات الأثبات من أصحاب عمرو بن دينار ولا تغطوا رأسه، وهو المحفوظ. قلت: المرجوع في ذلك إلى مسلم لا إلى الحاكم، فإنه كثير الأوهام، وأيضا في التصحيف إنما يكون في الحروف المتشابهة، وأي مشابهة بين الرأس والوجه في الحروف، ومثل هذا بعيد عن التصحيف. فإن قلت: كيف يستدل أصحابنا بمثل هذا الحديث في مذهبنا على خلاف حكم هذا الحديث في محرم يموت حيث يصنع به ما يصنع بالحلال من تغطية رأسه ووجهه باللبس عندنا، خلافاً للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهو يتمثل هناك بمثل هذا الحديث. قلت: أجيب بأن الحديث فيه دلالة على أن للإحرام تأثيراً في ترك تغطية الرأس والوجه، فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علل ترك التغطية بأنه يبعث ملبيا، أي محرماً. ثم الحجة لنا في تغطية رأس المحرم ووجهه إذا مات ما روي عن عطاء أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن محرم مات فقال خمروا رأسه ووجهه ولا تشبهوه باليهود» . وحديث الأعرابي الذي أوقصته راحلته تأويله أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عرف بطريق الوحي خصوصية ببقاء إحرامه بعد موته، وقد كان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 ولأن المرأة لا تغطي وجهها مع أن في الكشف فتنة، فالرجل بطريق الأولى. وفائدة ما روي الفرق في تغطية الرأس.   [البناية] رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخص بعض أصحابه بأشياء. قلت: الشراح ذكروا هذا هكذا، وقالوا: عن عطاء أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى آخره، فهذا يدل بظاهره أنه مرسل، وليس كذلك، فإنه متصل أخرجه الدارقطني عن عبد الرحمن بن صالح الأزدي، حدثنا حفص بن غياث عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خمروا وجوه موتاكم ولا تشبهوا باليهود» . والعجب من الأترازي أنه ذكر هنا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في جواز تغطية الوجه ما رواه البخاري عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن رجلاً كان مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقصته راحلته ... الحديث، وهو الحديث الذي ذكرناه عن مسلم في الاستدلال الذي استدل به المصنف، فذكره الأترازي لاستدلال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وذكر لنا حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين» . قلت: هذا رواه أبو داود عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قال الأترازي: فإذا لم يجز للمرأة تغطية وجهها، مع أن كشف وجهها موجب للفتنة فأولى أن لا يجوز للرجل تغطية الوجه، لأن الإحرام في الرجل آكد منه في المرأة انتهى. ولقد أنصف في هذا حيث قال في حيث ذكرت حديث البخاري للشافعي، وليس فيه ذكر الوجه، ولا يذكر الوجه إلا في رواية مسلم، كما ذكرنا، وترك الحديث الذي ذكره المصنف لاستدلال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في خلافه في وجه الرجل م: (ولأن المرأة لا تغطي وجهها مع أن في الكشف فتنة، فالرجل بالطريق الأولى) ش: يعني أن لا يغطي وجهه م: (وفائدة ما روي الفرق في تغطية الرأس) ش: أي وفائدة ما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها» الفرق في تغطية الرأس، يعني يجوز للمرأة أن تغطي وجهها، ولا يجوز للرجل أن يغطي وجهه في الإحرام. قلت: ذكر في " روضة الشافعية " يغطي أذنيه ولحيته ما دون ذقنه ولا يمسك أنفه بثوب. ولا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 قال: ولا يمس طيبا؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الحاج الشعث التفل» ، وكذا لا يدهن   [البناية] بأس في إمساكه بيده ولا يغطي فمه ولا العارضين. وقال أحمد: يغطي وجهه ولا يغطي أذنيه لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الأذنان من الرأس» ، وبه قال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولو غطى بطيب أو طائبة أو حائبة أو خشب أو حجر أو زجاج أثلل، وهو العفة أو عدل أو جوانق حنطة فلا شيء عليه وبغيره بأجر أو بغير أجر فعليه الفداء. وفي " شرح المهذب " للنووي لو وضع على رأسه زنبيلاً أو حملاً يجوز في أصح الطريقين وعن عطاء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا بأس بالمكيل على رأسه، ويكره أن يمكن وجهه على مخدة بخلاف خديه، وله أن يضع يديه على رأسه، وكذا يد غيره وينغمس في الماء، ولو غطى رأسه بالطين فشده بالحناء فعليه الفدية، وعند الشافعي وأحمد - رحمهما الله - الحناء ليس بطيب، وفي " المجانسة " تسدل على وجهها ثوباً أن أرادت ولا من طيب. وفي أكثر النسخ م: (قال: ولا يمس طيبا) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والطيب ما رائحته طيبة. وفي " الحلية " الطيب ما يتطيب به، يتخذ منه الطيب كالمسك والزعفران والعنبر والصندل والورد والياسمين والكافور. وفي الريحان الفارسي قولان، وكذا المرزجوش النيلوفر والنرجس عند بعض أصحابنا، وفي تتمتهم التفاح على المحرم شيء من الرياحين. وفي " المحيط " ما له رائحة مستلذة كالزعفران والبنفسج ونحوهما والحناء طيب خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والوسمة ليست بطيب، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هي الحناء والخطمي طيب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، خلافاً لهما، وقيل الخلاف في خطمي العراق. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «الحاج الشعث التفل» ش: هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه عن إبراهيم بن يزيد عن محمد بن عباد بن جعفر عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «قام رجل فقال يا رسول الله من الحاج؟ فقال الشعث التفل» ". الشعث بفتح الشين المعجمة وكسر العين المهملة، وبالثاء المثلثة، وهو مغبر الرأس، وأصله من الشعث، وهو إنشاء الغبر وتغبره لقلة العهد، ومنه يقال رجل أشعث وامرأة شعثاء. والتفل بفتح التاء المثناة وكسر الفاء تارك الطيب، وأصله من التفل، وهو الريح الكريهة. م: (وكذا لا يدهن) ش: أي كما لا يمس طيباً لا يدهن أيضاً، وبه قال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وابن حبيب. وفي " شرح المهذب " الزيت والشيرج والسمن ونحوهما من الأدهان لا يحرم استعمالها على المحرم في بدنه إذا لم تكن مطيبة، وتحرم في الرأس، والمطيب منه يمنع في جميع البدن، واستدلوا على الإباحة بحديث فرقد السبخي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 لما روينا. ولا يحلق رأسه، ولا شعر بدنه؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196] (196 البقرة) الآية. ولا يقص من لحيته؛ لأنه في معنى الحلق؛ ولأن فيه إزالة الشعث، وقضاء التفث، قال: ولا يلبس ثوبا مصبوغا بورس، ولا زعفران، ولا عصفر؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يلبس المحرم ثوبا مسه زعفران، ولا ورس إلا أن يكون غسيلا   [البناية] الزاهد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ادهن بزيت غير مقتت وهو محرم» رواه البيهقي، قال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو ضعيف، وقال: فرقد ليس بشيء، وقال ابن حبان كانت فيه غفلة، وزاده خطأ، وكان يرفع المسند ويسند الموقوف من حيث لا يفهم، فبطل الاحتجاج به، وضعفه يحيى بن معين قوله: غير مقتت أي غير مطيب. م: (لما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحاج الشعث التفل» م: (ولا يحلق رأسه، ولا شعر بدنه) ش: مثل شعر إبطه وعانته، وكذا حلق لحيته وأخذ شاربه م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) فيدل بعبارته على النهي لحلق الرأس وبدلالة النهي عن حلق شعر البدن، لأن شعر الرأس استحق الأمن عن الإزالة لكونه نامياً يحصل الارتفاق بإزالته، وهذا المعنى في شعر البدن فتلحق به دلالته. م: (ولا يقص من لحيته؛ لأن في معنى الحلق) ش: من حيث الارتفاق به م: (ولأن فيه) ش: أي في القص من اللحية م: (إزالة الشعث) ش: قد مر تفسيره عن قريب م: (وقضاء التفث) ش: بفتح التاء المثناة من فوق، والفاء وبالمثلثة، وقال المطرزي: هو الوسخ، والمراد قضاء إزالة التفث وقيل هو فسخ الإحرام وقضاؤه بحلق الرأس والاغتسال، وقال الكاكي: قضاء التفث إزالة بقص الشارب، وقلم الأظافر، ونتف الإبط والاستحداد، وبقولنا قال الشافعي وأحمد ومالك في رواية، وقال أصحاب الظاهر، لا يجب شيء في غير شعر الرأس وبه قال مالك في رواية. م: (قال: ولا يلبس ثوبا مصبوغا بورس) ش: الورس بفتح الواو وسكون الراء وبالسين المهملة وهو نبت طيب الرائحة، وفي " القاموس ": شيء أحمر، فإنه يشبه نحو الزعفران مجلوب من اليمن، وفي " الصحاح ": الورس نبت أصفر يكون باليمن، وفي " الديوان " صبغ أصفر م: (ولا زعفران) ش: أي ولا ثوباً مصبوغاً بزعفران م: (ولا عصفر) ش: أي ولا ثوباً مصبوغاً بعصفر. قال الجوهري: العصفر صبغ ولم يزد عليه. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا يلبس المحرم ثوبا مسه زعفران، ولا ورس إلا أن يكون غسيلاً» ش: هذا الحديث رواه الحافظ أبو جعفر الطحاوي، قال: حدثنا ابن أبي عمران، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 لا ينفض» ؛ لأن المنع للطيب لا للون. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بلبس المعصفر؛ لأنه لون لا طيب له، ولنا أن له رائحة طيبة. قال: ولا بأس بأن يغتسل، ويدخل الحمام   [البناية] حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي، حدثنا أبو معاوية عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تلبسوا ثوباً مسه ورس أو زعفران إلا أن يكون غسيلاً» ، يعني في الإحرام، قوله: - إلا أن يكون غسيلاً - وقع في حديث ابن عمر في رواية الطحاوي م: (لا ينفض) ش: أي لا يوجد منه رائحة العصفر والزعفران، كذا في " فتاوى قاضي خان "، وعن محمد، أي أن لا يتعدى أثر الصبغ إلى غيره أي لا يخرج منه رائحة طيبة إلى غيره، وقيل النفض التناثر، وهذا لا يصح لأن العبرة للطيب لا للتناثر. م: (لأن المنع للطيب لا للون) ش: أشار بهذا التعليل إلى أن معنى قوله - لا ينفض - لا يخرج منه رائحة طيبة، لأن المنع لكونه طيباً، أي لأجل كونه طيباً، اعترض على القدوري بسبب قوله: - إلا أن يكون غسيلاً لا ينفض - حيث ذكر على البناء للفاعل، لأنه يقال نفضت الثوب أنفضه نفضاً، إذا حركته ليسقط ما عليه، والثوب منفوض فليس بنافض، هذا خطأ، وإنما هو ينفض على صيغة المجهول. قلت: هذا اعتراض ساقط لا وجه له، لأن القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما قال: لا ينفض ضبط على بناء الفاعل حتى يتوجه إليه الاعتراض واللفظ يحتمل الوجهين، ولئن سلمنا أنه نقل عنه على بناء المجهول، فله وجه بطريق الإسناد المجازي، وهذا باب واسع. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بلبس المعصفر؛ لأنه لون لا طيب له) ش: عرفاً، ولهذا لا يباع في سوق القطر، وبه قال أحمد. م: (ولنا أن له رائحة طيبة) ش: فيكون ممنوعا منها كالورس والزعفران، وصحح في " الموطأ " إنكار عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على طلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في لبس المعصفر حالة الإحرام. [ما يباح للمحرم] م: (وقال: ولا بأس بأن يغتسل) ش: لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغتسل م: (وهو محرم) ش: رواه مسلم، ولأن ابن عمر رخص فيه، وحكى أبو أيوب الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «اغتسال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو محرم» متفق عليه، وأجمع أهل العلم أن المحرم يغتسل من الجنابة، ورخص جابر وابن عمر وسعيد بن جبير والشافعي وأحمد وأبو ثور، وكره مالك أن يغيب رأسه في الماء لتوهم التغطية، فإن فعل أطعم م: (ويدخل الحمام) ش: لأنه يصب الماء عليه، وروى الشافعي والبيهقي بإسنادهما عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه دخل حماماً بالجحفة وهو محرم، وقال مالك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اغتسل وهو محرم، ولا بأس بأن يستظل بالبيت والمحمل. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكره أن يستظل بالفسطاط، وما أشبه ذلك، لأنه يشبه تغطية الرأس. ولنا أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يضرب له فسطاط في إحرامه؛ ولأنه لا يمس بدنه فأشبه البيت. ولو دخل تحت أستار الكعبة حتى غطته إن كان لا يصيب رأسه ولا وجهه فلا بأس به؛ لأنه استظلال، ولا بأس بأن يشد وسطه بالهميان. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكره إذا كان فيه نفقة غيره؛ لأنه لا ضرورة. ولنا أنه ليس في معنى لبس المخيط فاستوت فيه الحالتان.   [البناية] ولو دخل الحمام وتدلك افتدى. م: (لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اغتسل وهو محرم) ش: رواه مالك في " الموطأ " مطولاً م: (ولا بأس بأن يستظل بالبيت والمحمل) ش: بفتح الميم الأولى وكسر الثانية، وفي " المغرب " بالعكس أيضاً وهو الهودج الكبير، وعن مالك وأحمد لو استظل بالمحمل راكباً افتدى، ولو استظل نازلاً لا شيء عليه. م: (وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يكره أن يستظل بالفسطاط) ش: وهو الخيمة الكبيرة، وبه قال أحمد، حتى لو فعل تجب الفدية في إحدى الروايتين عن أحمد م: (وما أشبه ذلك) ش: نحو أن يرفع ثوباً على عود أو يقيم ثلاثة أعواد مربوطة رأسها ويضع عليها ثوبا ونحو ذلك م: (لأنه يشبه تغطية الرأس) ش: وإن لم يمس رأسه فيكره. م: (ولنا أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يضرب له فسطاط في إحرامه) ش: روى ابن أبي شيبة في " مصنفه "، حدثنا وكيع حدثنا الصلت عن قتيبة بن طهمان، قال: رأيت عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بالأبطح في فسطاط مضروب وسيفه معلق بالشجرة، ذكره في باب المحرم يحمل السلاح م: (ولأنه) ش: أي ولأن الفسطاط م: (لا يمس بدنه فأشبه البيت) ش: فلا يكره، لأن الاستظلال في البيت بالسقف. م: (ولو دخل تحت أستار الكعبة حتى غطته إن كان لا يصيب رأسه ولا وجهه فلا بأس به؛ لأنه استظلال) ش: فيكون الاستظلال بالثوب، وفي " المغني " يكره ذلك. م: (ولا بأس بأن يشد وسطه بالهميان) ش: وهو ما يوضع فيه الدراهم والدنانير م: (وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يكره إذا كان فيه نفقة غيره؛ لأنه لا ضرورة) ش: له في ذلك وإن كان فيه نفقته فلا بأس به. م: (ولنا أنه) ش: أي شد الهميان في وسطه م: (ليس في معنى لبس المخيط فاستوت به الحالتان) ش: يعني نفقته ونفقة غيره، وقال ابن المنذر، ورخص في الهميان والمنطقة للمحرم ابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء وطاووس ومجاهد والقاسم والنخعي والشافعي وأحمد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 ولا يغسل رأسه، ولا لحيته بالخطمي لأنه نوع طيب، ولأنه يقتل هوام الرأس. قال: ويكثر من التلبية عقيب الصلوات وكلما علا شرفا، أو هبط واديا، أو لقي ركبانا وبالأسحار لأن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانوا يلبون في هذه الأحوال.   [البناية] وإسحاق وأبو ثور - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -، غير أن إسحاق قال ليس له أن يعقد بل يدخل بسور بعضها في بعض. وقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في المنطقة للمحرم أو سويق عليك نفسك، ذكره محب الدين الطبري. م: (ولا يغسل رأسه، ولا لحيته بالخطمي) ش: بكسر الخاء. وفي " المحيط "، وكذا جسده، وبه قال مالك، وفي " شرح الوجيز " في الجديد لا يكره بالخطمي قال: والسدر، وفي القديم يكره، ولكن لا فدية عليه، وبه قال أحمد م: (لأنه) ش: أي لأن الغسل بالخطمي م: (نوع طيب) ش: هذا في خطمي العراق، لأن له رائحة طيبة م: (ولأنه يقتل هوام الرأس) ش: بتشديد الميم، جمع هامة، وأريد بها القمل ها هنا، ثم إذا غسل رأسه ولحيته بالخطمي يجب عليه الدم عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال تجب عليه الصدقة، وعن أبي يوسف روايتان أخريان أحدهما: أنه لا شيء عليه جملة بمنزلة الأشنان، والثانية: يجب عليه دمان، دم لأنه طيب ودم لأنه يقتل هوام الرأس، وأجمعوا لو غسله بالحرض أو بالصابون أو بالماء القراح لا شيء عليه. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ويكثر من التلبية عقيب الصلاة) ش: وفي بعض النسخ الصلوات، وفي " المحيط " عقيب المكتوبات دون الفائتات، وهو الأفضل في ظاهر الرواية، وعليه الإجماع إلا عند مالك وأحمد قال: لا يلبي عند اصطدام الرفاق م: (وكلما علا شرفا) ش: أي صعد مكاناً مرتفعاً م: (أو هبط واديا، أو لقي ركبانا) ش: بفتح الراء وسكون الكاف، وهم أصحاب الإبل في السفر م: (وبالأسحار) ش: عطف على قوله - عقيب الصلاة - أي يكثر من التلبية، أي أيضاً بالأسحار جمع سحر. م: (لأن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانوا يلبون في هذه الأحوال) ش: هذا غريب، وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه "، حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن جريج عن ساباط قال: كان السلف يستحبون التلبية في أربعة مواضع: في دبر الصلاة، وإذا هبطوا وادياً أو علوه وعند التقاء الرفاق. وعن أبي معاوية عن الأعمش عن خيثمة قال كانوا يستحبون التلبية عند دبر الصلاة، وإذا استقبلت بالرجل راحلته وإذا صعد شرفاً أو هبط وادياً وإذا لقي بعضهم بعضاً. وفي " الإمام «كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يلبي إذا لقي راكباً، أو صعد، أو هبط واديا، وفي أدبار المكتوبة، وفي آخر الليل» . وقال النخعي كان السلف يستحبون التلبية في هذه الأحوال وهو قول الشافعي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 والتلبية في الإحرام على مثال التكبير في الصلاة، فيؤتى بها عند الانتقال من حال إلى حال. ويرفع صوته بالتلبية؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أفضل الحج العج والثج» فالعج: رفع الصوت بالتلبية، والثج إسالة الدم. قال: فإذا دخل مكة ابتدأ بالمسجد لما روي «أن النبي عليه الصلاة   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجديد، وقال مالك وابن حنبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: لا يلبي عند اصطدام الرفاق. م: (والتلبية في الإحرام على مثال التكبير في الصلاة) ش: أولها شرط وآخرها سنة م: (فيؤتى بها عند الانتقال من حال إلى حال ويرفع صوته بالتلبية؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «أفضل الحج العج والثج» ش: هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، منهم ابن عمر، وروى حديثه الترمذي وابن ماجه عن إبراهيم بن يزيد الخوزي قال: سمعت محمد بن عباد بن جعفر يحدث عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «قام رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال يا رسول الله من الحاج؟ فقال الشعث التفل، فقام آخر فقال، أي الحج أفضل؟ فقال العج والثج» وقد مر الكلام فيه عند قول المصنف: «روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن السبيل إلى الحج، فقال: " الزاد والراحلة.» م: (والعج: رفع الصوت بالتلبية) ش: قال الجوهري: العج رفع الصوت، وقد عج يعج عجيجاً وعجج إذا صوت، ومضاعفته دليل على التكرير، م: (والثج: إراقة الدم) ش: من ثجت الماء والدم ثجه ثجاً إذا أسلمته، وأتانا الوادي بثجيجه أي بسبيله، ومطر ثجاج إذا انصب جداً، والثج سيلان دم الهدي، وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يرفع صوته في مساجد الجماعات، لأنها لم تبن لها إلا في المسجد الحرام ومسجد منى وخالف الجماعة، وقد لبى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مسجد ذي الحليفة في دبر صلاته. [آداب دخول مكة] م: (قال: فإذا دخل مكة ابتدأ بالمسجد) ش: أي إذا دخل المحرم مكة ابتدأ بالمسجد الحرام، يعني لا يشتغل بعمل آخر قبل أن يدخل المسجد الحرام، لأن المقصود زيارة البيت، أي الكعبة في المسجد م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما دخل مكة دخل المسجد الحرام) ش: الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أول شيء بدأ به حين دخل مكة توضأ ثم طاف بالبيت، ويستحب أن يدخله من باب بني شيبة بالإجماع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 والسلام لما دخل مكة دخل المسجد الحرام» ولأن المقصود زيارة البيت وهو فيه، ولا يضره ليلا دخلها أو نهارا؛ لأنه دخول بلدة فلا يختص بأحدهما. وإذا عاين البيت كبر وهلل، وكان ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يقول: إذا لقي البيت باسم الله، والله أكبر. ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يعين في الأصل لمشاهد الحج من الدعوات؛ لأن التوقيت يذهب بالرقة، وإن تبرك بالمنقول منها فحسن. قال: ثم ابتدأ بالحجر الأسود فاستقبله، وكبر وهلل؛ لما روي «أن النبي عليه   [البناية] م: (ولأن المقصود زيارة البيت وهو فيه) ش: أي البيت في المسجد م: (ولا يضره ليلاً دخلها أو نهاراً) ش: أي ولا يضر الحاج دخل مكة في الليل أو في النهار م: (لأنه دخول بلدة فلا يختص بأحدهما) ش: أي بأحد الليل والنهار، وفي " مبسوط شيخ الإسلام " قال بعض الناس دخولها بالنهار أفضل، لما روي أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا يكرهون دخولها ليلاً. قلنا كانوا يكرهون ذلك مخافة السرقة. م: (وإذا عاين البيت كبر وهلل) ش: أي قال الله أكبر، أي أجل من هذه الكعبة المعظمة وهلل، أي قال لا إله إلا الله، ومعناه التبري عن توهم عبادة البيت، وقد قيل إن الدعاء مستجاب عند رؤية البيت فلا يغفل م: (وكان ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يقول إذا لقي البيت: بسم الله والله أكبر) ش: هذا غريب، والذي رواه البيهقي عنه أنه كان يقول ذلك عند استلام الحجر الأسود. م: (ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يعين في الأصل) ش: أي في " المبسوط " م: (لمشاهد الحج شيئاً) ش: بفتح الميم. أي لأماكن الحج، وهو جمع مشهد م: (من الدعوات، لأن التوقيت يذهب بالرقة) ش: لأنه يصير بمنزلة من يكون على محفوظة م: (وإن تبرك بالمنقول منها) ش: أي من الدعوات م: (فحسن) ش: منها أن يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام، ذكره هشيم عن يحيى بن سعيد عن محمد بن سعيد بن المسيب عن أبيه أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان إذا نظر إلى البيت قال ذلك. وروى الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا نظر البيت رفع بصره وقال: اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيما وتكريماً ومهابة، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفاً وتعظيماً وتكريماً» . قلت: هذا مفضل، وعن عطاء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا لقي البيت قال: أعوذ برب البيت من الدين والفقر وضيق الصدر وعذاب القبر» . قلت: هذا أيضاً مفضل. [طواف القدوم] [حكم طواف القدوم] م: (قال: ثم ابتدأ بالحجر الأسود فاستقبله وكبر وهلل لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل المسجد فابتدأ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 الصلاة والسلام دخل المسجد فابتدأ بالحجر فاستقبله وكبر، وهلل؛» قال: ويرفع يديه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن " وذكر من جملتها استلام الحجر» . قال: واستلمه وقبله إن استطاع من غير أن يؤذي مسلما؛ لما روي «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قبل الحجر الأسود، ووضع شفتيه عليه   [البناية] بالحجر فاستقبله وكبر وهلل) ش: الحجر الأسود في الركن الذي يلي باب البيت من جانب الشر، ويسمى الركن الأسود والركن العراقي عند من يسمي الذي يليه في طواف الركن الشامي والذي بعده الركن العراقي، وارتفاعه من الأرض ثلاثة أذرع إلا سبع أصابع، ويقف بحياله ويستقبله بوجهه، وقوله - كبر - أي قال الله أكبر وهلل، أي قال لا إله إلا الله. م: (قال: ويرفع يديه) ش: كما يرفع عند افتتاح الصلاة، كذا في المجتبى. وفي التحفة يرفعهما كما في الصلاة ثم يرسلهما ثم يسلم. وفي " البدائع " و " الينابيع " و " الأسبيجابي " يرفع يديه، كما في الصلاة لكن حذو منكبية وهو الصحيح، وفي " الكرماني " حذو أذنيه م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن» وذكر من جملتها استلام الحجر) ش: قد مر الكلام فيه مستقصى في صفة الصلاة، وليس فيه استلام الحجر. وذكر في " شرح الآثار " مسنداً إلى إبراهيم النخعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: ترفع الأيدي في سبعة مواضع في افتتاح الصلاة وفي التكبير للقنوت في الوتر، وفي العيدين وعند استلام الحجر على الصفا والمروة وبجمع وعرفات وعند المقامين وعند الجمرتين. وفي " المجتبى " في كتاب الخصال ترفع الأيدي في سبعة مواطن أربعة منها افتتاح الصلاة والقنوت وتكبيرات العيدين واستفتاح الطواف والخمس الباقيات عند الصفا والمروة وعند الجمرتين والموقفين. م: (قال: واستلمه) ش: أي الحجر واستلامه تناوله باليدين أو القبلة أو مسحه بالكف من السلمة بفتح السين وكسر اللام، وهي الحجر والاستلام طلبه، وعند الفقهاء الاستلام أن يضع كفيه على الحجر ويقبله بفمه. وقال الأزهري: استلام الحجر من السلام وهو التحية، ولذلك أهل اليمن يسمون الركن الأسود المجتبى، ومعناه أن الناس يجتبونه افتعال من السلام. وقال في " المغني " هو افتعال من السلام بكسر السين، وهي الحجارة، تقول استلمت الحجر إذا لمسته بفم أو يد. وقال ابن الأعرابي: هو مهموز، تركت همزته مأخوذ من المسالمة وهي الموافقة. م: (وقبله إن استطاع من غير أن يؤذي مسلما، لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل الحجر الأسود ووضع شفتيه عليه) ش: هذا الحديث رواه بهذا اللفظ ابن ماجه في " سننه " عن محمد بن عون عن نافع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 وقال لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " إنك رجل أيد تؤذي الضعيف، فلا تزاحم الناس على الحجر، ولكن إن وجدت فرضة فاستلمه، وإلا فاستقبله وهلل، وكبر.» .   [البناية] عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «استقبل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحجر ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلاً ثم التفت فإذا هو بعمر بن الخطاب يبكي، فقال: " يا عمر ها هنا تسكب العبرات» ورواه الحاكم في " مستدركه " وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ولم يتعقبه الذهبي في " مختصره "، ولكنه في " ميزانه " علله بمحمد بن عون، ونقل عن البخاري أنه قال: هو منكر الحديث. وقال ابن حبان في كتاب " الضعفاء ": هو قليل الرواية فلا يحتج به إلا إذا وافق الثقات وقال في " الإمام ": ومحمد بن عون، هذا هو الخراساني، قال ابن سفيان: هو ليس بشيء، وقال النسائي والأزدي: متروك الحديث. قلت: الحديث رواه الأئمة الخمسة، وليس فيه ذكر الشفتين أخرجه عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه جاء إلى الحجر فقبله وقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبلك ما قبلتك.» وأخرج البخاري عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أنه سئل عن استلام الحجر، فقال رأيته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستلمه ويقبله» وتقبيل الحجر مجمع عليه، وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجد على الحجر» رواه الدارقطني. وعن ابن عباس أنه قبل الركن وسجد عليه ثلاث مرات وعن الشافعي «وقبله عمر وسجد عليه، ثم قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل هكذا» أخرجه البيهقي، وكره مالك وحده السجود على الحجر، وقال: إنه بدعة. وقال: جمهور أهل العلم على استحبابه ويجمع بين التقبيل والاستلام والسجود إن أمكن وإلا يقبل ويستلم أو استلم إن تعذر التقبيل عليه أو يمس الحجر شيئا من محجن أو عصى على ما يأتي الآن. م: (وقال لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: م: (إنك رجل أيد تؤذي الضعيف فلا تزاحم الناس على الحجر، ولكن إن وجدت فرضة) ش: ويروى فرجة. أي انفراجاً، أي انكشافاً م: (فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر) ش: هذا الحديث رواه أحمد والشافعي وإسحاق بن راهوية وأبو يعلى الموصلي كلهم عن سفيان عن أبي يعقوب العبدي واسمه وقدان، قال: سمعت إمارة الحجاج يحدث «عن عمر بن الخطاب أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: " إنك رجل قوي لا تزاحم الناس على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وكبر وهلل.» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 ولأن الاستلام سنة والتحرز عن أذى المسلم واجب. قال: وإن أمكنه أن يمس الحجر بشيء في يده كالعرجون، وغيره ثم قبل ذلك فعل لما روي «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طاف على راحلته، واستلم الأركان بمحجنه» وإن لم يستطع شيئا من ذلك استقبله، وكبر وهلل، وحمد الله، وصلى على النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، قال: ثم أخذ عن يمينه مما يلي الباب   [البناية] قال الدارقطني: ذكروا أن هذا الشيخ هو عبد الرحمن بن نافع بن عبد الحارث قوله - أيد - بفتح الهمزة وتشديد الياء المكسورة وبالدال المهملة، أي قوي وهو صفة مشبهة من الأيد، وهو القوة. م: (ولأن الاستلام سنة، والتحرز عن أذى المسلم واجب) ش: أي ولأن استلام الحجر سنة، حاصل المعنى لا يأتي بالسنة على وجه يخل بالواجب. م: (قال: وإن أمكنه أن يمس الحجر بشيء في يده كالعرجون) ش: أي وإن أمكن الطائف إمساس الحجر بشيء كان في يده كالعرجون، بضم العين المهملة، وهو العذق الذي يرجع ويقطع منه الشماريخ فيبقى على النخل يابساً. وقال الزجاج: هو فعلون من الانعراج أي الانعطاف، والعذق [ ... ] عنقود النخل م: (وغيره) ش: مثل المحجن بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الجيم وبالنون، وهو عود معوج الرأس كالصولجان. م: (ثم قبل ذلك) ش: إلى الشيء الذي في يده نحو العرجون م: (فعل) ش: جواب الشرط م: (لما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (طاف على راحلته واستلم الأركان بمحجنه) ش: هذا الحديث رواه البخاري في " الصحيح " عن ابن عباس قال: «طاف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع يستلم الركن بمحجن» وروى مسلم وأبو داود من حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «طاف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه» .. الحديث، وقد مر تفسير المحجن آنفاً، قوله: - يستلم الأركان - أراد بالأركان الحجر الأسود والركن اليماني، وإنما جمعه باعتبار تكرر الأشواط. م: (وإن لم يستطع شيئاً من ذلك) ش: أي من الاستلام للحجر أو إمساس العرجون وغيره م: (استقبله) ش: هذا الاستقبال مستحب غير واجب، لما روى الترمذي من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " يحشر الحجر الأسود وله عينان يبصران ولسان ينطق به فيشهد لمن استلمه أو استقبله.» وهيئة الاستقبال أن يستقبل الحجر ويجعل باطن كفيه نحو الحجر لا إلى السماء ويكون ظهرهما إليه. م: (وكبر وهلل وحمد الله) ش: تعالى م: (وصلى على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ثم أخذ عين يمينه مما يلي الباب) ش: الضمير في يمينه يرجع إلى الآخذ الطائف دون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 وقد اضطبع رداءه قبل ذلك فيطوف بالبيت سبعة أشواط، لما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - استلم الحجر، ثم أخذ عن يمينه مما يلي الباب فطاف سبعة أشواط» . والاضطباع أن يجعل رداءه تحت إبطه الأيمن، ويلقيه على كتفه الأيسر، وهو سنة، وقد نقل ذلك عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.   [البناية] الحجر، وقيد به لأنه لو أخذه عن يساره يكون الطواف منكوساً، فإذا طاف منكوساً يعيد به عندنا ما دام بمكة، فإذا رجع قبل الإعادة فعليه دم كذا في " الذخيرة "، وفي " مبسوط " شيخ الإسلام وقال الشافعي وأحمد ومالك: لا يعتد به وفي " المبسوط " لو افتتح الطواف من غير الحجر فلم يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا الفصل في الأصل، وقد اختلف المتأخرون فيه، فقيل: لا يجوز، وقيل: يجوز. م: (وقد اضطبع رداءه) ش: الصواب بردائه، وهذا سهو منه، وهذه جملة وقعت حالاً بكلمة قد. لأن الجملة الفعلية الماضية إذا وقعت حالا لا بد فيها من كلمة - قد - ظاهرة أو مقد، نحو قَوْله تَعَالَى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] [النساء: الآية 90] ، أي قد حصرت صدورهم، واشتقاق الضبع من اضطبع وهو العضد، وهو افتعال منه، قلبت تاؤه طاء لأجل الضاد. م: (فيطوف بالبيت سبعة أشواط) ش: أي سبع مرات، وهو جمع شوط يقال عدا شوطاً أي طلقاً بفتحتين، وهو الثناء، وهو الغاية م: (لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استلم الحجر ثم أخذ عن يمينه مما يلي الباب ثم طاف سبعة أشواط» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم عن جعفر عن ابن محمد عن أبيه عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: «لما قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة بدأ بالحجر الأسود فاستلمه ثم مضى على يمينه فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً» . م: (والاضطباع أن يجعل رداءه تحت إبطه الأيمن ويلقيه على كتفه الأيسر) ش: أي يبدي كتفه الأيمن ويغطي الأيسر م: (وهو سنة) ش: أي الاضطباع سنة، وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا أعرف الاضطباع وما رأيت أحداً فعله، وعن أحمد يستحب الاضطباع، ولو ترك الاضطباع والرمل لا شيء عليه عند الجمهور، وعليه الإجماع، وعن الحسن البصري والنووي وابن الماجشون عليه دم ولا يضطبع عند السعي عند الجمهور، وعن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يضطبع قياساً على الطواف. م: (وقد نقل ذلك) ش: أي الاضطباع م: (عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: هذا رواه أبو داود في " سننه " من حديث ابن جريج عن ابن يعلى عن يعلى قال: «طاف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مضطبعاً» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 قال: ويجعل طوافه من وراء الحطيم وهو اسم لموضع فيه الميزاب، يسمى به؛ لأنه حطم من البيت، أي كسر وسمي حجرا؛ لأنه حجر منه: أي منع، وهو من البيت لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «فإن الحطيم من البيت» فلهذا يجعل الطواف من ورائه، حتى لو دخل الفرجة التي بينه وبين البيت لا يجوز،   [البناية] م: (قال: ويجعل طوافه من وراء الحطيم) ش: (أي من خارج الحطيم م: (وهو) ش: أي الحطيم م: (اسم لموضع فيه الميزاب؛ يسمى به لأنه حطم من البيت أي: كسر) ش: على صيغة المجهول، وكذلك حطم وهو من الحطم وهو الكسر، وهو على وزن فعيل بمعنى مفعول، أي محطوم؛ لأن البيت رفع وترك وهو محطوما، وقيل: فعيل بمعنى فاعل، أي حاطم، لأن العرب كانت تطرح فيه ما طاقت به من الباب، فبقي حتى تحطم لطول الزمان. قال المصنف: الحطيم اسم موضع فيه الميزاب أي ميزاب الرحمة، وقال صاحب " النهاية ": الحطيم: اسم لموضع بينه وبين البيت فرجة. م: (وسمي حجرا) ش: أي وسمي الحطيم حجرا بكسر الحاء وسكون الجيم وبالراء م: (لأنه حجر منه) ش: أي من البيت. وقال تاج الشريعة: هو فعيل بمعنى مفعول من حجره إذا منعه؛ لأنه موضع محجور، وسمي الحجر بالحطيم، وعلى العكس توسع. قال ابن دريد في " الجمهرة ": وفيه قبر هاجر وإسماعيل - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، م: (وهو من البيت) ش: أي الحطيم من جملة البيت م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: فإن الحطيم من البيت) . ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم قالت: «سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمن البيت هو؟ قال: " نعم "، قالت: فما بالهم لا يدخلوه في البيت، قال: " إن قومك قصرت بهم النفقة " قلت: فما شأن بابه مرتفعا، قال: " فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاؤوا، ويمنعوا من شاؤوا، ولولا أن قومك حديثو عهد بكفر، وأخاف أن تنكر قلوبهم لنظر ذلك أدخل الجدار في البيت وألزق بابه بالأرض» . وروى أبو داود والترمذي عن علقمة عن أمه «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: " كنت أحب أن أدخل البيت وأصلي فيه، فأخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدي فأدخلني في الحجر فقال: " صلي في الحجر إذا أردت دخول البيت، فإنما هو قطعة من البيت، فإن قومك اقتصروا حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت» انتهى. محوط مدور على صورة نصف دائرة خارج عن جدار البيت من جهة الشام وليس كله من البيت بل مقدار ستة أزرع منه من البيت؛ لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في صحيح مسلم عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ستة أزرع من الحجر من البيت وما زاد ليس من البيت» . م: (فلهذا يجعل الطواف من ورائه) ش: أي فلكون الحطيم من البيت يجعل الطواف من ورائه أي من خارجه م: (حتى لو دخل) ش: أي الطائف م: (الفرجة التي بينه وبين البيت لا يجوز) ش: أي بين الحطيم وبين البيت لا يجوز، وكان الاحتياط في الطواف أن يكون من وراءه أي يكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 إلا أنه إذا استقبل الحطيم وحده لا تجزيه الصلاة؛ لأن فرضية التوجه ثبتت بنص الكتاب، فلا تتأدى بما ثبت بخبر الواحد احتياطا، والاحتياط في الطواف أن يكون وراءه، قال: ويرمل في الثلاثة الأول من الأشواط، والرمل: أن يهز في مشيته الكتفين كالمبارز يتبختر بين الصفين، وذلك مع الاضطباع   [البناية] الحطيم من البيت م: (إلا أنه إذا استقبل الحطيم وحده لا تجزيه الصلاة) ش: هذا استثناء من قوله: - وهو من البيت - جواب سؤال مقدر بأن يقال: لو كان الحطيم من البيت لجازت الصلاة إذا توجه المصلي إليه، أجاب بأن الصلاة لا تجزئه إذا توجه إليه دون البيت. م: (لأن فرضية التوجه إلى البيت ثبتت بنص الكتاب) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] [البقرة: الآية 144] ، م: (فلا يتأدى بما ثبت) ش: بالنص القطعي فلا يتأدى بما ثبت م: (بخبر الواحد احتياطاً) ش: لأن فيه شبهة م: (والاحتياط في الطواف أن يكون وراءه) ش: أي وراء الحطيم ليستغرق أطراف البيت. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ويرمل في الثلاثة الأولى من الأشواط، والرمل) ش: بفتح الميم، والرملان كذا الهرولة، أشار إليها بقوله م: (أن يهز) ش: أي أن يحول م: (في مشيته الكتفين كالمبارز يتبختر بين الصفين وذلك مع الاضطباع) ش: أي مع كونه مضطبعاً في هذه الحالة وقوله: في مشيته بكسر الميم على وزن فعلة بكسر الفاء، لأن الفعلة للحالة والفعلة بالفتح للمرة، وقال بعضهم: لا رمل اليوم على أهل الآفاق. وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لا رمل في الطواف، وإنما فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إظهار الجلادة للمشركين على ما روي في عمرة القضاء أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما قدم مكة للعمرة عام الحديبية صده المشركون عن البيت، فصالحهم على أن ينصرف ثم يأتي في العام الثاني ويدخل مكة بغير سلاح فيعتمر ويخرج، فلما قدم في العام الثاني أخلوا له البيت ثلاثة أيام وصعدوا الجبل، فطاف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع أصحابه فسمع بعض المشركين يقول لبعض أصنامهم حمى يثرب، أي المدينة، فاضطبع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بردائه ورمل، وقال لأصحابه: «رحم الله امرءاً أظهر من نفسه جلداً» فإذا كان الرمل لإظهار الجلد يومئذ، وقد زال ذلك المعنى الآن فلا معنى للرمل. قلنا: إنه سنة لحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طاف يوم النحر في حجة الوداع فرمل في الثلاثة الأولى ولم يبق المشركون يومئذ بمكة» . وروي أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما أراد الرمل في طوافه فقال: يا غلام أمر كتفي وليس هنا أحد يراه، ولكني مع الحكم مستغن عن بقاء السبب كما في رمي الجمار سببه طرد الشيطان عن إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثم بقي ذلك الحكم وإن زال السبب، وقيل: الحكمة في الرمل اليوم إراءة القوة والجلادة في الطاعة فإنه حسن في الطاعة يتحمل فيها المشاق، وقيل: إنما يرى الشيطان بأن السفر ما أضناه حتى ينقطع طمعه في وسوستنا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 وكان سببه إظهار الجلد للمشركين حيث قالوا: أضناهم حمى يثرب ثم بقي الحكم بعد زوال السبب في زمن النبي لله وبعده. قال: ويمشي في الباقي على هنية على ذلك اتفق رواة نسك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والرمل من الحجر إلى الحجر هو المنقول من رمل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن زحمه الناس في الرمل قام   [البناية] في المناسك. وقال سعيد بن جبير وعطاء وطاوس ومجاهد: لا يرمل فيهما بين الركن اليماني والحجر وإنما يرمل من الجانب الآخر، ويرده ما رواه الطحاوي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مسنداً إلى أبي الطفيل قال: «رمل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الحجر إلى الحجر» . م: (وكان سببه) ش: أي سبب الرمل م: (إظهار الجلد للمشركين) ش: أي مشركي مكة م: (حيث قالوا: أضناهم) ش: أي أثقلهم وأوهنهم م: (حمى يثرب) ش: أي المدينة م: (ثم بقي الحكم) ش: أي حكم الرمل م: (بعد زوال السبب في زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبعده) ش: أي وبعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما ذكرناه. م: (قال: ويمشي في الباقي) ش: أي من الأشواط م: (على هنية) ش: بكسر الهاء أي على السكينة، والوقار تعظيماً وتواضعاً لله تعالى م: (على ذلك) ش: أي على ما ذكرناه م: (اتفق رواة نسك) ش: أي حج م: (رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثا ومشى أربعاً. رواه البخاري ومسلم، ومنهم جابر قال في حديث طويل «حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً» رواه مسلم، ومنهم عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وروى حديثه أبو داود وابن ماجه عن هشام بن سعد بن زيد بن أسلم عن أبيه، قال: سمعت «عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: يتم الرمل وكشف المناكب، وقد أعز الله الإسلام، ونفى الكفر وأهله، ومع ذلك فلا ندع شيئاً كنا نفعله مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . م: (والرمل من الحجر إلى الحجر) ش: أي من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، وخالف فيه سعيد بن جبير وعطاء وطاوس ومجاهد، وقد ذكرناه الآن وروينا عليهم م: (هو المنقول) ش: أي الرمل من الحجر إلى الحجر هو المنقول م: (من رمل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: وروى مسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجه عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «رمل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الحجر» وفي لفظ لمسلم «أن ابن عمر رمل من الحجر إلى الحجر، ذكر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعله» . م: (فإن زحمه الناس في الرمل قام) ش: يعني وقف إلى أن يجد فرصة للرمل، وإنما قال: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 فإذا وجد مسلكا رمل؛ لأنه لا بد له، فيقف قائما حتى يقيمه على وجه السنة، بخلاف الاستلام؛ لأن الاستقبال بدل له. قال: ويستلم الحجر كلما مر إن استطاع؛ لأن أشواط الطواف كركعات الصلاة، فكما يفتتح كل ركعة بالتكبير يفتتح كل شوط باستلام الحجر. وإن لم يستطع الاستلام استقبل، وكبر، وهلل على ما ذكرنا، ويستلم الركن اليماني وهو حسن في ظاهر الرواية، وعن محمد أنه سنة، ولا يستلم غيرهما فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يستلم هذين الركنين،   [البناية] قام ولم يقل وقف، يشير إلى أنه لا يقعد بل يقف قائماً، وفي " المجتبى " حائنا، فإن وجد فرجة رمل، فإن رمل في كله لا شيء عليه م: (فإذا وجد مسلكاً) ش: يعني فرجة م: (رمل به لأنه لا بد له فيقف قائماً حتى يقيمه على وجه السنة) ش: وهو أن لا يطوف بدون الرمل في تلك الثلاث م: (بخلاف الاستلام) ش: أي استلام الحجر إذا تعذر، لأنه لا يقف إذا ازدحم م: (لأن الاستقبال بدل له) ش: أي للاستلام، وإذا تعذر الاستلام يكتفي بالاستقبال. م: (قال: ويستلم الحجر كلما مر به إن استطاع، لأن أشواط الطواف كركعات الصلاة " ش: لأنه في كل شوط يفتتح الطواف م: (فكما يفتتح المصلي كل ركعة بالتكبير، كذلك يفتتح الطائف كل شوط باستلام الحجر؛ وإن لم يستطع الاستلام استقبل) ش: وجه السبب هو الافتتاح، فافهم. وإن لم يستطع الاستلام للزحام أو لغيره استقبل الحجر م: (وكبر وهلل على ما ذكرنا) ش: عند قوله: واستلمه إن استطاع من غير أن يؤذي مسلماً. م: (ويستلم الركن اليماني) ش: وهو خلاف الشامي لأنها بلاد على يمين الكعبة، والنسبة إليه اليماني بالتحقيق على تعويض الألف من إحدى ياء النسبة، والنسبة إليه في الأصل بتشديد الياء م: (وهو) ش: أي استلام الركن اليماني م: (حسن في ظاهر الرواية) ش: قال أبو بكر الرازي في " شرحه لمختصر الطحاوي ": أما الركن اليماني فإن استلمه فحسن، وإن تركه يضره في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. م: (وعن محمد أنه سنة) ش: لما روى أبو داود في " سننه " عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوافه» م: (ولا يستلم غيرهما) ش: أي غير الركن الذي فيه الحجر الأسود والركن اليماني، وذلك لأن الركنين الآخرين ليسا من أركان البيت، لأن بعض الحطيم من البيت، فيكون هذان الركنان إذا من وسط البيت وليسا بركنين على الحقيقة، ولهذا يجعل الطواف من وراء الحطيم، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يستلم اليماني بيده ويقبلها ويقبل الركن، وقال: مالك يستلمه بيده، ولا يقبل يديه وبضعها على فيه، وعن أحمد يقبل الركن. م: (فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يستلم هذين الركنين ولم يستلم غيرهما) ش: أي غير الركن اليماني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 ولا يستلم غيرهما، ويختم الطواف بالاستلام - يعني استلام الحجر -. قال: ثم يأتي المقام فيصلي عنده ركعتين، أو حيث تيسر من المسجد، وهي واجبة عندنا، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سنة لانعدام دليل الوجوب. ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وليصل الطائف لكل أسبوع ركعتين» ؛   [البناية] والركن الذي فيه الحجر، وهذا الحديث أخرجه الجماعة إلا الترمذي عن ابن عمر بلفظ مسلم «كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني» م: (ويختم الطواف بالاستلام، يعني استلام الحجر) ش: لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل كذلك في حجة الوداع. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ثم يأتي المقام) ش: يعني بعد فراغه من سبعة الأشواط يأتي مقام إبراهيم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - م: (فيصلي عنده ركعتين، أو حيث تيسر من المسجد) ش: مقام إبراهيم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الحجر الذي فيه أثر قدميه والموضع الذي كان فيه الحجر حين وضع قدميه م: (وهي) ش: أي الركعتان المذكورتان م: (واجبة عندنا) ش: وبه قال الشافعي في قوله وبه قال مالك إلا أن عند مالك اتصالهما بالطواف شرط ويجب بتركهما الدم. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سنة لانعدام الدليل على وجوبها) ش: وفي بعض النسخ لانعدام دليل الوجوب. م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليصل الطائف لكل أسبوع ركعتين) ش: هذا الحديث غريب وقيل لا أصل له، واستدل بعضهم لهذا بما رواه البخاري ومسلم عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فطاف بالبيت سبعاً ثم صلى خلف المقام ركعتين..» الحديث، وهذا لا يدل على الوجوب، على أن الحافظ الراوي أبا القاسم تمام بن محمد الرازي روى في " فوائده " بإسناده إلى نافع عن ابن عمر قال: «سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لكل أسبوع ركعتين» واستدل الأترازي على الوجوب بقوله: ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] [البقرة: الآية 125] ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم والكسائي بكسر الخاء على صيغة الأمر ومطلقه الوجوب، انتهى. قلت: هذا أجنبي من كلام المصنف لأن الاستدلال على وجوب الركعتين بهذا الحديث فينبغي أن يكون الكلام فيه. فإن قلت: ذكر صاحب " الإيضاح " لما فرغ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الطواف صلى ركعتين عند المقام وتلا قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] [البقرة: الآية 125] ، رواه الترمذي وغيره وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نسي ركعتي الطواف فقضاهما بذي طوى فدل الأمر والقضاء على الوجوب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 والأمر للوجوب، ثم يعود إلى الحجر فيستلمه، لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما صلى ركعتين عاد إلى الحجر، والأصل أن كل طواف بعده سعي يعود إلى الحجر؛ لأن الطواف لما كان يفتتح بالاستلام فكذا السعي يفتتح به، بخلاف ما إذا لم يكن بعده سعي، قال: وهذا الطواف طواف القدوم،   [البناية] قلت: قال بعضهم: الأمر في الآية باتخاذ البقعة مصلى وليس فيها الأمر بالصلاة ورد عليه بأن حمل الآية على ذلك لا يصح، لأنه كان لا يصلي قبله، ولأن اتخاذ البقعة ليس إلينا، إنما إلينا فعل الصلاة فلا يجوز حمله عليه. وقال أصحابنا في حديث جابر في " الصحيح " أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى ركعتين بعد طوافه، وتلا هذه الآية فنبه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن صلاته كانت امتثالاً لأمر الله تعالى وأمره للوجوب. وقال السدي: وقتادة أمروا أن يصلوا عند المقام، وقال أبو طاهر: الأظهر وجوبها في الطواف الواجب بالدخول في التطوع، قال: ولا خلاف بين أرباب المذاهب أنهما ليسا ركناً، والمذهب أنهما واجبتان يجبران بالدم. قال: وقال به أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: لا يجبران عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأصحابه بالدم، بل يصليهما في أي مكان شاء، ولو بعد رجوعه إلى أهله، وهو قول الشافعي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعند الثوري: يصليهما ما دام في الحرم، وليستا شرطاً لصحة الطواف عند الأئمة الثلاثة مع أصحابهم ولا دم في تركهما عندهم. وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قولان في وجوبهما، وأصحهما أنهما سنة مؤكدة، وعند أحمد سنة مؤكدة، وهو معنى الوجوب عندنا، وتدخلها النيابة فيهما عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإن الأخير يصليهما عن المتأخر عنده، وعندنا لا مدخل للنيابة في الصلاة، وهو قول مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولو طاف وصلى ركعتين ففي وقوعهما عن الصبي وجهان. م: (والأمر للوجوب) ش: لأن الأمر المطلق المجرد عن القرائن يدل على الوجوب م: (ثم يعود إلى الحجر) ش: أي بعد فراغه من الصلاة يعود إلى الحجر الأسود م: (فيستلمه لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما صلى ركعتين عاد إلى الحجر» والأصل أن كل طواف بعده سعي يعود إلى الحجر لأن الطواف لما كان يفتتح بالاستلام، فكذا السعي يفتتح به) ش: أي باستلام الحجر. وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن السعي للطواف، لأنه يتصل بأشواطه والسنة أن يستلم الحجر بين الشوطين، وكذا بين الطواف والسعي م: (بخلاف ما إذا لم يكن بعده) ش: أي بعد الطواف م: (سعي) ش: لأنه قدم فراغه من الركعتين فلا معنى للعود لما بدأ به الطواف. م: (قال وهذا الطواف) ش: أي الطواف الذي ذكرنا م: (طواف القدوم ويسمى طواف التحية) ش: ويسمى أيضاً طواف اللقاء وطواف إحداث العهد بالبيت م: (وهو) ش: أي طواف القدوم م: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 ويسمى طواف التحية، وهو سنة، وليس بواجب. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه واجب؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أتى البيت فليحيه بالطواف» . ولنا أن الله تعالى أمر بالطواف، والأمر المطلق لا يقتضي التكرار به، وقد تعين طواف الزيارة بالإجماع، وفيما رواه سماه تحية، وهو دليل الاستحباب   [البناية] (سنة وليس بواجب) ش: أي طواف القدوم ليس بواجب عندنا، وبه قال الشافعي وأحمد. م: (وقال مالك: إنه واجب) ش: وبه قال أبو ثور م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من أتى البيت فليحيه بالطواف» ش: ومطلق الأمر للوجوب، فإذا كان واجبا يجب الدم بتركه عنده، وفي " الحلية ": وقال مالك: إن تركه تعجلاً فلا شيء عليه، وإن تركه مطيقاً فعليه الدم، وهذا الحديث غريب. م: (ولنا أن الله تعالى أمر بالطواف) ش: في قَوْله تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] [الحج: الآية 29] ، م: (والأمر المطلق لا يقتضي التكرار به) ش: ولا يراد به إلا الواحد م: (وقد تعين) ش: بالأمر م: (طواف الزيارة بالإجماع) ش: فلما يبقى غيره مراداً ولا يلزم التكرار، فلا يجوز. وقال الأترازي: هذا الاستدلال ضعيف، لأن لقائل أن يقول سلمنا أن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار، وسلمنا أيضاً أن طواف الزيارة هو المراد بقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا} [الحج: 29] لكن لا نسلم أن طواف السنة واجباً بدليل آخر توجبه الزيارة للأمر، فالدليل الآخر من غير الكتاب الذي يوجبه، لأن غيره لا يعلم به لأنه ينافي ما ثبت بالدليل القطعي فلا يعمل به، وقوله: ولهذا قلنا ... إلى آخره - وأراد لأنه يؤتى به بعد تمام التحلل، فلو جعلناه واجباً لا يؤدي إلى تكرار الواجب في الإحرام. وأما الجواب عن بنيه فقد أشار إليه المصنف بقوله م: (وفيما رواه) ش: أي في الحديث الذي رواه مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (سماه) ش: أي سمى الطواف م: (تحية، وهو دليل الاستحباب) ش: لأن التحية في اللغة اسم الإكرام مبتدأ به على سبيل التبرع فلا يدل على الوجوب، وإن كان على صيغة الأمر كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أكرموا الشهود» . فإن قلت: يشكل هذا بقوله تعالى: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} [النساء: 86] (النساء: الآية 86) ، وجواب السلام واجب، وإن كان بلفظ التحية. قلت: الجواب المقيد بالأحسن غير واجب فكانت التحية بمعنى الأحسن، فإن لفظ التحية هنا مخرج على طريق المطابقة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} [النساء: 86] فلا يدل على عدم الوجوب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 وليس على أهل مكة طواف القدوم؛ لانعدام القدوم في حقهم. قال: ثم يخرج إلى الصفا فيصعد عليه، وليستقبل البيت، ويكبر، ويهلل، ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويرفع يديه، ويدعو الله لحاجته؛ لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صعد الصفا حتى إذا نظر إلى البيت قام مستقبل القبلة يدعو الله؛» لأن الثناء والصلاة يقدمان على الدعاء تقريبا إلى الإجابة كما في غيره من الدعوات، والرفع سنة   [البناية] م: (وليس على أهل مكة طواف القدوم؛ لانعدام القدوم في حقهم) ش: لأنهم حاضرون. [السعي بين الصفا والمروة] [حكم السعي بين الصفا والمروة وكيفيته] م: (قال: ثم يخرج إلى الصفا) ش: من باب بني مخزوم، ويسمى باب الصفا، ولا يتعين، بل هو مستحب، وهو أقرب الأبواب إلى الصفا، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - جعل الخروج منه سنة، والصحيح أنه مستحب، وبه قال مالك. ويقدم رجله اليسرى في الخروج، ويقول بسم الله والسلام على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللهم افتح لي أبواب رحمتك وأدخلني فيها وأعذني من الشيطان الرجيم م: (فيصعد عليه) ش: بقدر ما يرى البيت. والصعود على الصفا مستحب، وقيل سنة، وهو المشهور عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعنه أنه ركن، ذكره الطبري في مناسكه، وعن أحمد: إن لم يصعد عليه فلا شيء عليه، وعن مالك م: (وليستقبل البيت، ويكبر، ويهلل، ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويرفع يديه) ش: وكفيه نحو السماء من أول ما يكبر ويهلل م: (ويدعو الله تعالى بحوائجه) ش: من حوائج الدنيا والآخرة م: (لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صعد الصفا حتى إذا نظر إلى البيت قام مستقبل القبلة يدعو الله تعالى» ش: هذا في حديث جابر أخرجه مسلم مطولاً وهو مشهور. م: (ولأن الثناء) ش: على الله تعالى م: (والصلاة) ش: على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (يقدمان على الدعاء تقريبا إلى الإجابة) ش: أراد بهذا أن الدعاء بحوائجه بعد الثناء على الله والصلاة على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه عقبهما أقرب إلى الإجابة لأنهما وسيلة إليها فلا جرم أنهما يقدمان م: (كما في غيره من الدعوات) ش: أي كما يقدم الدعاء والصلاة في غير هذين الوقتين، ألا ترى أن الدعاء في الصلاة يكون بعد قراءة التشهد والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكذا في كل موضع يدعو الشخص بحوائجه بعد أن يثني على الله تعالى ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وأما ذكر الدعاء ها هنا ولم يذكر عند استلام الحجر وفي الطواف لأن حالة الاستلام حالة ابتداء العبادة والطواف يشبه الصلاة والدعاء يؤتى به بعد الفراغ من العبادة، والسعي تتمة ذلك، فأشبه آخر الصلاة فاستقام الدعاء للحاجة فيه. م: (والرفع سنة الدعاء) ش: أي رفع اليدين سنة. وروي فيه أحاديث، منها ما أخرجه أبو داود في " سننه " في الدعاء من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما، والإشعار أن تشير بإصبع واحدة، والإهلال أن تمد يديك» ، ثم أخرجه عن ابن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 الدعاء، وإنما يصعد الصفا بقدر ما يصير البيت بمرأى منه؛ لأن الاستقبال هو المقصود بالصعود، ويخرج إلى الصفا من أي باب شاء. وإنما خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من باب بني مخزوم، وهو الذي يسمى   [البناية] عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أيضاً موقوفاً، ومنها ما رواه أبو داود أيضاً من حديث السائب بن يزيد عن أبيه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا دعا رفع يديه فمسح وجهه بيديه» وفي سنده ابن لهيعة وهو معلول به. ومنها ما رواه أبو داود أيضاً من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم» . وقال أبو داود روي هذا الحديث من غير وجه كلها واهية، وهذه الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضاً، ومنها ما رواه الترمذي، في الدعوات من حديث سليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله حيي كريم يستحي من عبده أن يرفع يديه فيردهما صفراً خائبتين» . وقال الترمذي حسن غريب، وبعضهم لم يرفعه. ومنها ما رواه الترمذي أيضاً من حديث سالم عن أبيه عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما ثم يمسح بهما وجهه» وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن عيسى، وقد تفرد به، وقال ابن حبان: في كتاب " الضعفاء ": حماد بن عيسى الجعفي يروي المعلولات التي يظن أنها معمولة، لا يجوز الاحتجاج به. وقال النووي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد ثبت أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رفع يديه في الدعاء، ذكرت من ذلك نحو عشرين حديثاً في " شرح المهذب ". م: (وإنما يصعد الصفا بقدر ما يصير البيت بمرأى منه) ش: أي بمنظر من الحاج الصاعد م: (لأن الاستقبال) ش: إلى البيت م: (هو المقصود بالصعود، ويخرج إلى الصفا من أي باب شاء) ش: من أبواب المسجد م: (وإنما خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من باب بني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 باب الصفا لأنه كان أقرب الأبواب إلى الصفا لأنه سنة. قال: ثم ينحط نحو المروة ويمشي على هنيته، فإذا بلغ بطن الوادي يسعى بين الميلين الأخضرين سعيا، ثم يمشي على هنيته حتى يأتي المروة ويصعد عليها ويفعل كما فعل على الصفا لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نزل من الصفا وجعل يمشي نحو المروة وسعى في بطن الوادي، حتى إذا خرج من بطن الوادي مشى حتى صعد المروة وطاف بينهما سبعة أشواط» وهذا شوط واحد فيطوف   [البناية] مخزوم وهو الذي يسمى باب الصفا، لأنه كان أقرب الأبواب إلى الصفا) ش: روى الطبراني في " الكبير " من حديث نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج من المسجد إلى الصفا من باب بني مخزوم» م: (لأنه سنة) . ش: وإنما كان قربه من الصفا دون سائر الأبواب. م: (وقال: ثم ينحط) ش: أي ينزل من الصفا عامداً م: (نحو المروة) ش: في بعض النسخ قال: ثم ينحط أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثم ينحط م: (ويمشي على هنيته) ش: أي على سكونه ووقاره م: (فإذا بلغ بطن الوادي) ش: قيل: لم يبق اليوم بطن الوادي لأن السوال سنة ولم يبق له أثر إلا أنه جعل له ميلان أخضر وأصفر ليعلم أنه بطن الوادي فيسعى الحاج بين الميلين، كذا في " المبسوط " م: (يسعى بين الميلين الأخضرين سعيا) ش: إنما ذكر الأخضرين بطريق التغليب، لأن أحدهما أخضر والآخر أصفر كما ذكرنا. وقال المطرزي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الميلان علامتان لموضع الهرولة من بطن الوادي، وقال العلامة حافظ الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هما علامتان قد ركزا في حائط المسجد الحرام. وفي " شرح الوجيز " ثم ينزل من الصفا ويمشي على هنيته حتى يبقى بينه وبين الميل الأخضر الملصق ببنيان المسجد وركنه قدر ستة أذرع ويمشي ويسرع ويسعى سعياً شديداً، وكان ذلك الميل موضوعاً على متن الطريق في الموضع الذي يبتدأ منه السعي إعلاماً فكان السيل يهدمه، فرفعوه إلى أعلى ركن المسجد، ولهذا معلقاً، فرفع متأخراً عن مبدأ السعي ستة أذرع، لأنه لم يكن موضع أليق منه، وهذا على يسار الساعي، والميل الثاني متصل بدار العباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال الروياني وغيره: هذه الأسامي. م: (ثم يمشي على هنيته حتى يأتي المروة فيصعد عليها ويفعل كما فعل على الصفا) ش: من استقبال القبلة ورفع اليدين والدعاء لحاجته م: (لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نزل من الصفا، وجعل يمشي نحو المروة، وسعى في بطن الوادي، حتى إذا خرج من بطن الوادي مشى حتى صعد المروة، وطاف بينهما سبعة أشواط» ش: هذا أخرجه البخاري ومسلم عن عمرو بن دينار عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة فطاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين وطاف بين الصفا والمروة سبعاً» م: (وهذا شوط واحد) ش: أي وهذا الذي ذكرناه شوط واحد. م: (فيطوف) ش: ورجوعه منها إلى الصفا شوط آخر، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 سبعة أشواط يبدأ بالصفا ويختم بالمروة ويسعى في بطن الوادي في كل شوط لما روينا، وإنما يبدأ بالصفا   [البناية] ومالك وأحمد وأكثر أهل العلم، وذكر الطحاوي أنه يطوف سبعة أشواط من الصفا إلى الصفا ولا يعتبر الرجوع من المروة إلى الصفا، وبه قال ابن جرير الطبري والصيرفي من أصحاب الشافعي، فقال أبو بكر الرازي: هذا غلط لأنه يصير أربعة عشر شوطاً، وإنما عليه م: (سبعة أشواط) ش: لأن رواة نسك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتفقوا على أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طاف بينهما سبعة أشواط لا أربعة عشر، وهي ما قال م: (يبدأ بالصفا) ش: في كتاب بدأ بالصفا. م: (ويختم بالمروة) ش: أي يبدأ الشوط الأول من الصفا ويختم الشوط السابع بالمروة، ولو كان الأمر كما قاله الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقال: يبتدئ لكل شوط بالصفا، كذا في " المبسوط " وفي " المجتبى " إنما قال: يبدأ بالصفا ويختم بالمروة حتى لا يظن أن كل شوط يبدأ بالصفا ويختم به شوط واحد، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقد ضعفوا قول الطحاوي في عامة كتب أصحابنا بعضهم قالوا: ذلك غلط وبعضهم: ليس بصحيح، وعندي لما قال الطحاوي وجه لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما رقى على الصفا قال: " نبدأ بما بدأ الله به "، وأراد به قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] [البقرة: الآية 158] ، فيفهم منه أن يبدأ بالصفا في كل شوط، لأن الحديث مطلق فيه يبدأ به كل شوط فإن كان البداءة في كل شوط من الصفا يكون المضي من الصفا إلى المروة، والعود من المروة إلى الصفا شوطاً واحداً لا محالة. إنا نقول: إن أهل الحديث أوردوه في عامة كتبهم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سعى بين الصفا والمروة سبعاً ولم يذكروا أن البداءة من الصفا شوط والعود من المروة شوط، ويحتمل أن طواف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ما قال الطحاوي يحتمل أن يكون على ما قاله، أو نقول في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نبدأ محذوف والمفعول إذا كان محذوفاً يقدر أعم الأشياء لا أخصها، لعدم الألوية، فيكون حينئذ تقدير الكلام نبدأ كل شوط من الأشواط بما بدأ الله به، أي بالصفا، فيكون الأمر على ما قاله الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - انتهى. قلت: فيه نظر، لأنا لا نسلم أن المفعول فيه محذوف، لأن قوله: بما بدأ الله به، هو المفعول في الحقيقة، لأن كلمة (ما) مصدرية، فالتقدير يبدأ بابتداء الله تعالى، أو موصولة، فالتقدير نبدأ بالذي بدأ الله به وهو الصفا، فمن أين يأتي ما ذكره. م: (ويسعى في بطن الوادي في كل شوط) ش: المراد من السعي الهرولة م: (لما روينا) ش: أشار به إلى قوله أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نزل من الصفا وجعل يمشي ويسعى في بطن الوادي م: (وإنما يبدأ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه: «ابدأ بما بدأ الله تعالى به» ، ثم السعي بين الصفا والمروة واجب، وليس بركن. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنه ركن لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله تعالى كتب عليكم السعي فاسعوا» .   [البناية] بالصفا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي في البداية بالصفا م: «ابدأ بما بدأ الله تعالى به» ش: هذا الحديث روي بصيغة الأمر، كما قاله المصنف، وهذه رواية النسائي والدارقطني ثم البيهقي في تتمتهم، وأما في رواية مسلم من حديث جابر الطويل بصيغة الخبر وهي ابتدأ بما بدأ الله به، وبنون الجمع في رواية أبي داود والترمذي وابن ماجه ومالك في الموطأ. وقد عزا بعض الفقهاء لفظ الأمر لمسلم وهو وهم منه، فسعى بل تجب النية ها هنا، ولو بدأ بالمروة لا يعتد به بالإجماع، وشذ عطاء بن أبي رباح فقال: إن بدأ فيه بالمروة أجزأ. م: (ثم السعي بين الصفا والمروة واجب، وليس بركن) ش: وهو قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وعبد الله بن الزبير وأنس وعروة بن الزبير والحسن البصري، وعطاء ومحمد بن سيرين ومجاهد، ونقل المروزي والميموني عن ابن حنبل أنه مستحب، واختار القاضي من الحنابلة أنه واجب فيجبر بالدم كقولنا. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنه ركن) ش: وبه قال مالك وأحمد في رواية. ويروى عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وإذا كان ركنا لا يصح بدونه م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «إن الله تعالى كتب عليكم السعي فاسعوا» ش: هذا الحديث رواه الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخبرنا عبد الله بن المؤمل العابدي عن عمر بن عبد الرحمن بن محيصن عن عطاء بن أبي رباح عن صفية بنت شيبة «عن حبيبة بنت أبي تجرأ إحدى نساء بني عبد الدار قالت: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي وهو يقول: " اسعوا، فإن الله كتب عليكم السعي» . وقال ابن القطان: عبد الله بن المؤمل سيء الحفظ، وفي حديثه اضطراب كبير، وعن يحيى بن معين والنسائي والدارقطني: هو ضعيف، وقال ابن حبان: هو لا يجوز الاحتجاج بحديثه إذا انفرد، وذكره ابن الجوزي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الضعفاء والمتروكين ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 ولنا قَوْله تَعَالَى: {فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما} [البقرة: 158] (158 البقرة) ، ومثله أن يستعمل للإباحة فينفي الركنية والإيجاب إلا أنا عدلنا عنه في الإيجاب ولأن الركنية لا تثبت إلا بدليل مقطوع به ولم يوجد، ثم معنى ما روي كتب استحبابا كما في قَوْله تَعَالَى {كتب عليكم إذا حضر أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة: 180] [180 البقرة: الآية] ،   [البناية] قلت: ولهذا رواه الحاكم في " مستدركه " وسكت عنه، وقال السروجي: وقد رواه البيهقي عن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ولم يتعرض له بضعف مع علمه بضعفه، [ ..... ] نظراً إلى عصبيته وعدم إنصافه، وهذا لا يليق بالإنسان في أمر الدين، وتراهم يقولون: الجرح مقدم على التعديل مع وجود التعديل، فكيف مع عدمه. قوله: حبيبة بنت تجرأ بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الجيم وفتح الراء والهمزة. وقال الذهبي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حبيبة بنت تجرأ العبدرية، ويقال حبيبة بالتشديد روت عنها صفية بنت شيبة. م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] (البقرة: الآية 158) ش: أي بالصفا والمروة وجه الاستدلال به هو قوله م: (ومثله) ش: أي مثل هذا الكلام وهو لفظ لا جناح م: (يستعمل للإباحة) ش: كما في قَوْله تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] [البقرة: الآية 215] ، فإذا كان يستعمل للإباحة م: (فينفي الركنية والإيجاب إلا أنا عدلنا عنه) ش: أي عن ظاهر الآية م: (في الإيجاب) ش: أي في نفي الإيجاب، قال الكاكي: وفي بمعنى إلى لأن: حروف الجر ينوب بعضها عن بعض، أي عدلنا عن النفي المطلق إلى الإيجاب الثابت بالخبر. قلت: إن أراد بالخبر ما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلا يصح، لأن الخبر ضعيف منكر كما ذكرناه، ولم يذكر ما وجب العدول، واختلف فيه الشارحون، فمنهم من قال عملاً بما رواه لأنه خبر واحد يوجب الإيجاب، ومنهم من قال بأول الآية، وهو قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] [البقرة: الآية 158] ، فإن الشعائر جمع شعيرة، وهي العلامة وذلك يكون فرضاً، فأول الآية يدل على الفرضية وآخرها على الإباحة فعلمنا بهما، وقلنا بالوجوب لأنه ليس بفرض علماً وهو فرض عملاً فكان فيه نوع من كل واحد من الفرض والاستحباب وقيل بالإجماع. قلت: الذي قال عملاً بما رواه لم يقف على حال الحديث، وكيف يعمل به وهو حديث ضعيف، حتى قال أحمد: أحاديث رواة هذا الحديث منكرة، وقال ابن حبان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لا يجوز الاحتجاج بخبره. م: (ولأن الركنية لا تثبت إلا بدليل مقطوع به ولم يوجد) ش: يعني فيما رواه الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (ثم معنى ما روي) ش: أي الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (كتب استحبابا كما في قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة: 180] [البقرة: الآية 180] ش: قيل فيه نظر، لأن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 ثم يقيم بمكة حراما؛ لأنه محرم بالحج فلا يتحلل قبل الإتيان بأفعاله. ويطوف بالبيت كلما بدا له؛ لأنه يشبه الصلاة، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطواف بالبيت صلاة»   [البناية] الوصية للوالدين والأقربين كانت فرضاً ثم نسخت فكان كتب دلالة على الفرضية، قالوا وإن ذلك ليس بمجمع عليه، بل قال بعضهم ليست بمنسوخة بل يجمع للوارث من الوصية والميراث، والمانع يكفيه ذلك. م: (ثم يقيم بمكة حراما) ش: أي ثم بعد فراغه من الطواف والسعي يقيم بمكة محرماً لا يحلق ولا يقصر م: (لأنه محرم بالحج فلا يتحلل قبل الإتيان بأفعاله) ش: أي بأفعال الحج فيقيم محرماً أي يوم النحر، وهو وقت التحلل. قال الكاكي: قوله: ثم يقيم بمكة حراماً، احترازاً عن قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فإنه قال: يحلق أو يقصر ويحل، لما روي عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حجة الوداع فمنا من أهل بحجة، ومنا من أهل بعمرة وكنت فيمن أهل بعمرة فدخلنا مكة صبيحة أربعة ذي الحجة، فلما طفنا وسعينا أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أهل بحجة بالإحلال فأحللنا وواقعنا النساء» . والجواب عنه أنه منسوخ لأنه كان ذلك في الابتداء حين كان الناس يعدون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور فأمرهم أن يحلوا ويجعلوها عمرة تقريراً للحكم الشرعي ودرءاً للحكم الجاهلي في نسخ ذلك. وإذا فرغ من السعي وهو مفرد بعمرة حلق أو قصر وكذا المتمتع الذي لم يسق الهدي، وبه قال أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وعند مالك والشافعي هما سواء، ويمكث بمكة حلالاً إلى يوم التروية، ثم يحرم بالحج يوم التروية من ميقات أهل مكة وإن قدم إحرامه كان أفضل، وإن كان مفرداً بالحج أو متمتعاً ساق الهدي لا يتحلل بل يبقى محرماً ويؤدي أفعاله إلى أوان التحلل. م: (ويطوف بالبيت كلما بدا له) ش: أي كلما ظهر له أن يطوف م: (لأنه) ش: أي لأن الطواف م: (يشبه الصلاة) ش: يعني في الثواب دون الحكم، ألا ترى أن الإنحراف والشر فيه لا يفسده. م: (قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطواف بالبيت صلاة» ش: هذا الحديث رواه ابن حبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " صحيحه " من حديث طاوس عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله تعالى قد أحل فيه المنطق فمن نطق فيه فلا ينطق إلا بخير» ، وأخرجه الحاكم أيضاً وسكت عنه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 والصلاة خير موضوع، فكذا الطواف إلا أنه لا يسعى عقيب هذه الأطوفة في هذه المدة؛ لأن السعي لا يجب فيه إلا مرة، والتنفل بالسعي غير مشروع، ويصلي لكل أسبوع ركعتين، وهي ركعتا الطواف على ما بينا   [البناية] ومعنى قوله صلاة، يعني يشبه الصلاة لأنه ليس بصلاة حقيقة، ولهذا يجوز الكلام فيه، وقد رواه الترمذي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بلفظ الطواف حول البيت مثل الصلاة، ثم قال: وقد روي هذا موقوفاً على ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. م: (والصلاة خير موضوع، فكذلك الطواف) ش: خير موضوع، وفي " شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ - الطواف للغرباء أفضل، والصلاة لأهل مكة أفضل، وهو مذهب عامة أهل العلم، لأن الغرباء يفوتهم الطواف، وأهل مكة لا يفوتهم الأمران، وعند الاجتماع الصلاة أفضل بعينها، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [البقرة: 125] [الحج: الآية 125] ، قيل: الغرباء م: (إلا أنه لا يسعى عقيب هذه الأطوفة في هذه المدة) ش: هذا الاستثناء من قوله: ويطوف بالبيت كلما بدا له يعني لا يسعى بين الصفا والمروة عقيب هذه الأطوفة التي يأتي بها في مدة إقامته بمكة إلى أوان التحلل. م: (لأن السعي لا يجب فيه) ش: أي في المفرد بالحج الموصوف من عند قوله - وإن كان مفرداً بالحج - إلى هنا م: (إلا مرة واحدة، والتنفل بالسعي غير مشروع) ش: لعدم ورود النص به. فإن قلت: السعي تبع الطواف، ولهذا لا يجوز قبله والتنفل بمتبوعه مشروع فيجب أن يكون التنفل بالسعي أيضاً مشروعاً تبعاً للطواف. قلت: السعي إنما ثبت كونه عبادة بالنص، بخلاف القياس فيقتصر على النص، والنص ورد بالإتيان مرة فلا يشرع ثانياً بالقياس لأنه لا محل له. م: (ويصلي لكل أسبوع) ش: أي لكل سبعة أشواط وهو طواف واحد م: (ركعتين) ش: وفيه خلاف أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإن عنده يجوز أن يجمع بين أسبوعين فصاعداً قبل أن يصلي ركعتي الطواف، وبه قال أحمد، ولكن عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينصرف عن وتر ثلاثة أو خمسة أو سبعة وعند أبي حنيفة ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يكره الجمع بين الأسبوعين وبه قال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الأفضل الفصل بين كل أسبوعين بركعتين. م: (وهي ركعتا الطواف على ما بينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يصلي الطائف لكل أسبوع ركعتين» ، ذكره عند قوله: ثم يأتي المقام فيصلي ركعتين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 قال: فإذا كان قبل يوم التروية بيوم خطب الإمام خطبة يعلم فيها الناس الخروج إلى منى والصلاة بعرفات والوقوف، والإفاضة، والحاصل أن في الحج ثلاث خطب، أولها ما ذكرنا، والثانية بعرفات يوم عرفة، والثالثة بمنى في اليوم الحادي عشر   [البناية] [خطب الإمام في الحج] [النفر إلى منى والمبيت بها ليلة التاسع] م: (قال: فإذا كان قبل يوم التروية بيوم) ش: وهو اليوم السابع من ذي الحجة، لأن يوم التروية الثامن منه، كذا في " المغرب " وإنما سمي يوم التروية بذلك، لأن إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى ليلة الثامن كأن قائلاً يقول له: إن الله تعالى يأمرك بذبح ابنك، فلما أصبح رؤي، أي افتكر في ذلك من الصباح إلى الرواح أمن الله هذا، أم من الشيطان؟ فمن ذلك سمي يوم التروية، فلما أمسى رأى مثل ذلك فعرف أنه من الله تعالى، فمن ثم سمي يوم عرفة ثم رأى مثله في الليلة الثالثة فهم بنحره، فسمي اليوم العاشر يوم النحر. وقال أبو بكر الأنباري: في كتاب الزهد إنما سميت التروية لأن الناس يروون من الماء العطش في هذا اليوم، ويحملون الماء بالروايا إلى عرفة ومنى، وإنما سمي يوم عرفة لأن جبريل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علم إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المناسك كلها يوم عرفة، فقال: أعرفت في أي موضع تطوف؟ وفي أي موضع تسعى؟ وفي أي موضع تقف؟ وفي أي موضع تنحر وترمي؟ فقال: عرفت فسمي يوم عرفة، وسمي يوم الأضحية، لأن الناس يضحون فيه بقربانهم، وقيل: إن آدم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لما هبط بالأرض وقع بالهند، وامرأته حواء - عَلَيْهَا السَّلَامُ - وقعت بالسند، فلم يلتقيا إلا عشية عرفة، فسمي يوم عرفة، لمعرفة كل منهما الآخر. م: (خطب الإمام خطبة) ش: أي خطبة واحدة من غير جلسة بين الخطبتين بعد صلاة الظهر م: (يعلم الناس فيها الخروج إلى منى) ش: وهي قرية فيها ثلاث سكك بينها وبين مكة فرسخ، وهي في الحرم، لأنها منحر، والمنحر يكون في الحرم، والغالب على منى التذكير والصرف، وقد تكتب بالألف، وسميت بمنى لأن الحيوانات تساق إلى مناياها، وهو جمع منية وهي الموت وقيل لما تمنى من الدماء أي تراق، وقيل: إن جبرائيل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أراد أن يفارق آدم قال له: ماذا تتمنى فقال آدم: الجنة فسمي ذلك الموضع منى. م: (والصلاة بعرفات) ش: أي يعلم الصلاة بجبل عرفات م: (والوقوف بها والإضافة) ش:. م: (والحاصل أن في الحج ثلاث خطب أولها ما ذكرناه) ش: وهو الذي ذكر أن الإمام يخطب بمكة يوم التروية م: (والثانية) ش: أي الخطبة الثانية م: (بعرفات يوم عرفة) ش: قبل صلاة الظهر، وهي خطبتان يجلس بينهما جلسة خفيفة، قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يبتدئ الخطبة إذا فرغ المؤذنون من الأذان بين يديه كخطبة الجمعة، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يخطب الإمام قبل الأذان، فإذا مضى صدر من خطبته أذن المؤذنون. م: (والثالثة) ش: أي الخطبة الثالثة م: (بمنى في اليوم الحادي عشر) ش: يعلم الناس فيها النفر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 فيفصل بين كل خطبتين بيوم. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخطب في ثلاثة أيام متوالية، أولها يوم التروية، لأنها أيام الموسم ومجتمع الحاج. ولنا أن المقصود منها التعليم ويوم التروية، ويوم النحر يوم اشتغال، فكان ما ذكرناه أنفع، وفي القلوب أنجع، فإذا صلى الفجر يوم التروية بمكة خرج إلى منى فيقيم بها حتى يصلي الفجر من يوم عرفة؛ لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الفجر يوم التروية»   [البناية] وطواف الصدر، ولا يحتاج يوم النحر إلى خطبة، لأنهم قد علموا ما يحتاجون إليه في خطبة يوم عرفة، وما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب يوم النحر، فإنها لم تكن خطبة من خطب الحج، وإنما كانت من خطب الوداع علمهم الأحكام لما علم أنه لا يتحقق مثله بعدها من الاجتماع والكثرة. م: (يفصل بين كل خطبتين بيوم) ش: أي يفصل الخطيب الذي هو الإمام بين كل خطبتين من الخطب الثلاثة بيوم، وذلك كما ذكره أن الأولى قبل يوم التروية بمكة، والثانية يوم عرفة وبينهما يوم، وهو يوم التروية الثامن من الشهر، والثالثة في يوم الحادي عشر، وبينهما يوم وهو يوم العيد العاشر من شهره. م: (وقال زفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يخطب في ثلاثة أيام متواليات) ش: أي متتابعات م: (أولها يوم التروية، لأنها أيام الموسم) ش: أي لأن هذه الأيام الثلاثة أيام الموسم، وفي " المغرب " موسم الحاج سوقهم ومجتمعهم مشتق من الوسم وهو العلامة م: (ومجتمع الحاج) ش: أي موضع اجتماعهم م: (وذلك أن المقصود تعليمهم ما يقع في هذه الأيام) ش: فيجب أن تكون الخطب فيها. م: (ويوم التروية، ويوم النحر يوم اشتغال) ش: جمع شغل، أما يوم التروية فيوم حاجتهم إلى الخروج إلى منى، وأما يوم النحر فلاشتغالهم بالحلق والرمي والطواف فلا تفيد الخطبة فيها، وبقولنا قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يخطب في اليوم السابع م: (فكان ما ذكرناه) ش: أي من التفريق بين كل خطبتين م: (أنفع) ش: مما قاله زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي القلوب أنجع) ش: من نجع الوعظ إذا أثر. م: (فإذا صلى الفجر يوم التروية بمكة خرج إلى منى) ش: يعني بعد طلوع الشمس، وعند عمر ابن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إلى منى قبل الزوال، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويستحب أن ينزل عند مسجد الخيف م: (فيقيم بها) ش: أي بمنى م: (حتى يصلي الفجر من يوم عرفة) ش: أي إلى أن يصلي الفجر الذي صبيحة يوم عرفة، وقال الرغيناني: يصلي الفجر بمنى بغلس، وفي مناسك الكرماني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يصلي في وقته، وفي " الوتري " يصلي في وقته المعروف، فإذا طلعت الشمس على ثبير وهو أعلى جبل بمنى راح إلى عرفة مع الناس وعليه السكينة والوقار، وفي خزانة الأكمل يذهب إلى عرفة بعد صلاة الغداة. م: (لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الفجر يوم التروية بمكة، فلما طلعت الشمس راح إلى منى فصلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 «بمكة فلما طلعت الشمس راح إلى منى فصلى بمنى الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر ثم راح إلى عرفات» ولو بات بمكة ليلة عرفات، وصلى بها الفجر ثم غدا إلى عرفات ومر بمنى أجزأه؛ لأنه لا يتعلق بمنى في هذا اليوم إقامة نسك، ولكنه أساء بتركه الاقتداء برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال: ثم يتوجه إلى عرفات فيقيم بها لما روينا، وهذا بيان الأولوية، أما لو دفع قبله جاز   [البناية] بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم راح إلى عرفات» ش: هذه قطعة من حديث جابر الذي رواه مسلم مطولاً، وروى الترمذي وابن ماجه عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم غدا إلى عرفات» وقال الترمذي: وإسماعيل بن مسلم تكلموا فيه. م: (ولو بات بمكة ليلة عرفة ثم صلى بها الفجر ثم غدا) ش: بالغين المعجمة والدال المهملة من الغد، وهو الذهاب أول النهار م: (إلى عرفات ومر بمنى) ش: يعني جازها ولم ينزل بها م: (أجزأه) ش: ولا شيء عليه خلافاً للظاهرية م: (لأنه لا يتعلق بمنى في هذا اليوم إقامة نسك ولكنه أساء بتركه الاقتداء برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: إساءة الأدب في تركه اتباعه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي ترك العمل بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو أيضاً قوله: «خذوا عني مناسككم» . [الدفع من منى إلى عرفة] [الجمع بين الصلاتين بعرفة وخطبة الإمام بها] م: (ثم يتوجه إلى عرفات) ش: هذا عطف على قوله فيقيم بها حتى يصلي الفجر من يوم عرفة م: (فيقيم بها) ش: أي بعرفات م: (لما روينا) ش: إشارة إلى قوله لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الفجر إلى آخره م: (وهذا) ش: أي الذهاب والتوجه إلى عرفات بعد طلوع الشمس م: (بيان الأولوية) ش: يعني أولى من الذهاب قبل طلوع الشمس، وذكر هذا القيد، أعني طلوع الشمس [ .... ] . وقال تاج الشريعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ينبغي هذا القيد هنا، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كان هذا القيد تركه سهواً من الكاتب، وقال الأكمل: قال بعض الشارحين ترك هذا القيد من الكاتب. قلت: أراد به الأترازي، فإنه هكذا ذكره كما ذكرنا. م: (أما لو دفع قبله جاز) ش: أي قبل طلوع الشمس إلى عرفات، وقال الأكمل: هذا إضمار قبل الذكر، وكان من حق الكلام أن يقول ثم يتوجه إلى عرفات بعد طلوع الشمس حتى يصبح بناء على قوله - أما لو دفع قبله عليه - وقال الكاكي مثله، ثم قال ولكن اتبع لفظ الإيضاح، فإنه ذكر هنا الضمير بعد طلوع الشمس، حيث قال - وإذا طلعت الشمس إلى أن قال: وإن دفع قبله جاز - انتهى. قلت: هذا الجواب بطريق الاعتذار لا يحسن على ما لا يخفى، ولكن يمكن أن يقال الإضمار قبل الذكر يقع كثيراً من الكلام إذا دلت عليه قرينة لفظية أو حالية، وها هنا قد مضى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 لأنه لا يتعلق بهذا المقام حكم، قال في الأصل: وينزل بها مع الناس لأن الانتباذ تجبر، والحال حال تضرع، والإجابة في الجمع أرجى، وقيل: مراده أن لا ينزل على الطريق كي لا يضيق على المارة. قال: وإذا زالت الشمس يصلي الإمام بالناس الظهر والعصر فيبتدئ بالخطبة، فيخطب خطبة يعلم فيها الناس الوقوف بعرفة والمزدلفة ورمي الجمار والنحر والحلق وطواف الزيارة، ويخطب خطبتين يفصل بينهما بجلسة كما في الجمعة   [البناية] قوله فيما قبل هذا تعليل، فلما طلعت الشمس راح إلى منى، فيكون الضمير في قوله - قبله - يرجع إلى الطلوع الذي يدل عليه لفظ طلعت، كما في قوله سبحانه وتعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ} [المائدة: 8] [المائدة: الآية 8] ، فالضمير يرجع إلى العدل الذي يدل عليه اعدلوا. م: (لأنه لا يتعلق بهذا المقام حكم، قال في الأصل) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المبسوط " م: (وينزل بها) ش: أي في عرفات م: (مع الناس لأن الانتباذ) ش: أي الانفراد والعزلة م: (تجبر) ش: لأنه لا يرى أحد مجاورة من تجبر وتكبر م: (والحال) ش: أي حال الحاج في هذا الوقت م: (حال تضرع) ش: وسكينة م: (والإجابة في الجمع أرجى) ش: لأنه قد يكون فيه من لا ترد دعوته. م: (وقيل مراده) ش: أي مراد محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - من قوله - وينزل مع الناس - م: (أي لا ينزل على الطريق كيلا يضيق على المارة) ش: بتشديد الراء، أي الناس الذين يمرون في الطريق، وفي " فتاوى الظهيرية " وينزل بعرفات في أي موضع شاء، إلا أنه لا ينزل على الطريق، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قوله والنزول بقرب جبل الرحمة أفضل. وقال مالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ينزل ببطن نمرة، والنزول فيه أفضل، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول، قالوا نزل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه، قلنا نمرة بعرنة، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ارتفعوا عن بطن عرنة» ، ونزوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه لم يكن عن قصد. م: (وإذا زالت الشمس) ش: أي شمس يوم عرفة، وفي " الإيضاح " وإذا زالت الشمس اغتسل إن أحب، وهو سنة وليس بواجب، كما في الجمعة والعيدين م: (ويصلي الإمام بالناس الظهر والعصر فيبتدئ بالخطبة) ش: أي قبل الصلاة م: (فيخطب خطبة يعلم فيها الناس الوقوف بعرفة، والمزدلفة) ش: هي المشعر الحرام، وقال في " المطالع " من الازدلاف، ولأنها منزلة من الله وقربة وقال الهروي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سميت بها لاجتماع الناس في زلفى الليل، وقيل لازدلاف حواء وآدم فيها، أي لاجتماعهما ويسمى الجمع أيضاً لاجتماع الناس فيها. ومزدلفة فوق منى من الجانب الشرقي، وعرفات فوق مزدلفة من الجانب الشرقي أيضاً بميل إلى الجنوب، ومن مزدلفة إلى مسجد عرفات ثلاثة أميال وإلى منى ثلاثة أميال. م: (ورمي الجمار والنحر والحلق وطواف الزيارة، ويخطب خطبتين يفصل بينهما بجلسة كما في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 هكذا فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يخطب بعد الصلاة، لأنها خطبة وعظ وتذكير، فأشبه خطبة العيد ولنا ما روينا، ولأن المقصود منها تعليم المناسك والجمع منها، وفي ظاهر المذهب إذا صعد الإمام المنبر فجلس أذن المؤذنون كما في الجمعة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يؤذن قبل خروج الإمام، وعنه أنه يؤذن بعد الخطبة، والصحيح ما ذكرنا، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما خرج واستوى على ناقته أذن المؤذنون بين يديه   [البناية] الجمعة، هكذا فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: يعني في حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب بعرفة قبل صلاة الظهر» وصفة الخطبة كما ذكره الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي أن الإمام يحمد الله تعالى ويثني عليه ويهلل ويكبر ويعظ الناس ويأمرهم بما يجب عليهم، وينهاهم عما نهاهم الله تعالى عنه ويخبر الناس معالم حجهم وتلبيتهم، ثم يدعو الله تعالى بحاجته ثم ينزل، وفي " الذخيرة " ويبدأ بالتكبير كخطبة العيد. م: (وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يخطب بعد الصلاة، لأنها خطبة وعظ وتذكير، فأشبه خطبة العيد. ولنا ما رويناه) ش: أشار به إلى قوله - هكذا فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (ولأن المقصود منها) ش: أي من الخطبة م: (تعليم المناسك) ش: من الوقوف بعرفة والمزدلفة ورمي الجمار. م: (والجمع منها) ش: أي الجمع بين الصلاتين من المناسك م: (وفي ظاهر المذهب: إذا صعد الإمام المنبر فجلس أذن المؤذنون كما في الجمعة) ش: إنما قال كما في الجمعة، لأن رواية جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تقتضي الأذان بعد الخطبة، ورواية أخرى تقتضي قبلها، فتعارضت، يصير إلى القياس على الجمعة. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يؤذن قبل خروج الإمام) ش: لأن هذا الأذان لأداء الظهر كما في سائر الأيام م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه يؤذن بعد الخطبة) ش: وبه قال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وفي " البدائع " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثلاث روايات، وظاهر الرواية كقولهما وقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا فرغ من الخطبة الأولى يجلس جلسة خفيفة ثم يقوم ويفتتح الخطبة الثانية، والمؤذنون يأخذون في الأذان معه، ويخفف بحيث يكون فراغه من فراغ المؤذنين من الأذان. م: (والصحيح ما ذكرنا) ش: أي الصحيح من المذهب ما ذكرنا وهو ظاهر المذهب. قال الأكمل: وقال بعض الشارحين: ورواية أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يؤذن بعد الخطبة أصح عندي وإن كان على خلاف ظاهر الرواية لما صح من حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن بلالاً أذن بعد الخطبة ثم أقام. قلت بعض الشارحين هو الأترازي، فإنه قال هذه المقالة. م: (ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما خرج واستوى على ناقته أذن المؤذنون بين يديه) ش: هذا الحديث غريب جداً، والذي صح من الحديث ما رواه أبو داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " سننه " «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فركب حتى أتى بطن الوادي فخطب الناس، ثم أذن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 ويقيم المؤذن بعد الفراغ من الخطبة؛ لأنه أوان الشروع في الصلاة فأشبه الجمعة. قال: ويصلي بهم الظهر، والعصر في وقت الظهر بأذان وإقامتين، وقد ورد النقل المستفيض باتفاق الرواة بالجمع بين الصلاتين، وفيما روى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاهما بأذان وإقامتين، ثم بيانه أنه يؤذن للظهر، ويقيم للظهر، ثم يقيم للعصر؛ لأن العصر يؤدى قبل وقته المعهود، فيفرد بالإقامة إعلاما للناس   [البناية] بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثم أقام، فصلى» الحديث رواه عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (ويقيم المؤذن بعد الفراغ) ش: أي بعد فراغ الإمام م: (من الخطبة؛ لأنه أوان الشروع في الصلاة فأشبه الجمعة. قال: ويصلي بهم الظهر والعصر في وقت الظهر بأذان وإقامتين) ش: ويخفي الإمام القراءة فيهما، لأنهما ظهر وعصر، كما في سائر الأيام. وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن شاء صلى بإقامة من غير أذن، وبقولنا قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبو ثور والثوري وأبو عبيد والطبري وابن الماجشون، وهو اختيار الأثرم وأبو حامد من الحنابلة. وقال ابن قدامة وهو أول حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الصحيح أنه صلى صلاتين بأذان وإقامتين، وهو حجة على مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في اعتبار الأذانين، وفي هذه المسألة ستة أقوال. الأول: مذهبنا الذي ذكرنا الذي بأذان وإقامتين، وبه قال عطاء والظاهرية والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في قول وأحمد، واختاره الطحاوي، وبه قال زفر وأبو ثور. والثالث: بأذانين وإقامتين، روي ذلك عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومحمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين وهل بنية وهو رواية ابن مسعود. والرابع: بإقامتين فقط، وروي ذلك عن عمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وسالم بن عبد الله وهو أحد قولي الثوري وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. والخامس: بإقامة واحدة من غير أذان، وبه قال الثوري وأبو بكر بن داود، ورواية مقطع عن أحمد والسادس: بغير أذان ولا إقامة، روي ذلك عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. م: (وقد ورد النقل المستفيض) ش: أي الشائع م: (باتفاق الرواة) ش: أي رواة الحديث م: (بالجمع بين الصلاتين) ش: أي الظهر والعصر م: (وفيما روى جابر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاهما بأذان وإقامتين) ش: كذا في " صحيح مسلم " كما ذكر الآن م: (ثم بيانه أنه) ش: أي أن المؤذن م: (يؤذن للظهر) ش: أي لأجل صلاة الظهر ثم م: (يقيم للظهر، ثم يقيم للعصر؛ لأن العصر يؤدى قبل وقته المعهود) ش: لأنه يصلى في وقت الظهر م: (فيفرد بالإقامة إعلاما للناس) ش: أي لأجل إعلام الناس من أنه يصلي العصر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 ولا يتطوع بين الصلاتين تحصيلا لمقصود الوقوف، ولهذا قدم العصر على وقته، فلو أنه فعل مكروها، وأعاد الأذان للعصر في ظاهر الرواية، خلافا لما روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الاشتغال بالتطوع، أو بعمل آخر يقطع فور الأذان الأول، فيعيده للعصر، فإن صلى بغير خطبة أجزأه؛ لأن هذه الخطبة ليست بفريضة. قال: ومن صلى الظهر في رحله وحده، صلى العصر في وقته، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يجمع بينهما المنفرد؛ لأن جواز الجمع للحاجة   [البناية] م: (ولا يتطوع) ش: أي الإمام، وكذا القوم لا يتطوعون م: (بين الصلاتين) ش: أي الظهر والعصر م: (تحصيلا لمقصود الوقوف) ش: أي بعرفة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل تحصيل المقصود بالوقوف م: (قدم العصر على وقته) ش: وقال النووي يصلي السنن الراتبة، فيصلي أولاً سنة الظهر التي قبلها ثم يصلي الظهر ثم العصر ثم سنة الظهر التي بعدها، ثم سنة العصر، ولا يتنفلون بعد الصلاتين، ولم يسبح بهما ولا بعد واحدة منها، متفق عليه ولا فرق بين جمع عرفة. م: (فلو أنه فعل) ش: أي فلو أن الإمام تطوع ذلك اليوم م: (فعل مكروهاً، وأعاد الأذان للعصر في ظاهر الرواية) ش: وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (خلافا لما روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه ابن سماعة عنه أنه لا يعيد الأذان وتجزئه الإقامة، لأن الوقت قد جمعهما فيكتفي بأذان كما في العشاء مع الوتر. م: (لأن الاشتغال) ش: هذا تعليل وجه ظاهر الرواية، لأن اشتغال الإمام م: (بالتطوع، أو بعمل آخر يقطع فور الأذان الأول) ش: أي اتصال الأذان، يقال فلان فعل ذلك من فوره إذا أوصل الفعل بالآخر لا لبث بينهما م: (فيعيده للعصر) ش: أي لأجل صلاة العصر م: (فإن صلى بغير خطبة أجزأه؛ لأن هذه الخطبة ليست بفريضة) ش: إذ هي ليست تخلف عن ركن بخلاف خطبة الجمعة، فإنها خلف عن الركعتين. م: (قال: ومن صلى الظهر) ش: وفي أكثر النسخ قال: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومن صلى الظهر م: (في رحله) ش: أي في منزله حال كونه م: (وحده صلى العصر في وقته) ش: يعني لا يجمع العصر مع الظهر م: (وهذا) ش: أي هذا المذكور م: (قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال إبراهيم النخعي والثوري. م: (وقالا: يجمع بينهما المنفرد) ش: كما يجمع بينهما الإمام، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وهو مروي عن ابن عمر وعائشة - رحمهما الله -، وإليه ذهب عطاء وإسحاق وأبو ثور، وقال ابن حزم لو فاتته مع الإمام يفرض عليه أن يجمع بينهما واحد م: (لأن جواز الجمع للحاجة إلى امتداد الوقوف والمنفرد محتاج إليه) ش: لأن حال الوقوف حال تضرع واشتغال بالدعاء، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 إلى امتداد الوقوف، والمنفرد محتاج إليه؛ ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المحافظة على الوقت فرض بالنصوص فلا يجوز تركه إلا فيما ورد الشرع به، وهو الجمع بالجماعة مع الإمام، والتقديم لصيانة الجماعة؛ لأنه يعسر عليهم الاجتماع للعصر بعد ما تفرقوا في الموقف لا لما ذكراه إذ لا منافاة، ثم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الإمام شرط في الصلاتين جميعا. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في العصر خاصة؛ لأنه هو المغير عن وقته، وعلى هذا الخلاف الإحرام بالحج.   [البناية] فيحتاج إلى الامتداد مع ذلك المنفرد أيضاً محتاج إليه. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المحافظة على الوقت) ش: أي على وقت الصلاة م: (فرض بالنصوص) ش: قال الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] [البقرة: الآية 238] وقال {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] [النساء: الآية 103] أي فرضا موقتاً م: (فلا يجوز تركه) ش: أي ترك الفرض الموقت م: (إلا فيما ورد الشرع به) ش: أي بالترك م: (وهو الجمع بالجماعة مع الإمام) ش: أي ما ورد الشرع به هو الجماعة مع الإمام م: (والتقديم لصيانة الجماعة) ش: هذا جواب عن قولهما، تقريره لا نسلم أن جواز الجمع بالتقديم لامتداد الوقوف، بل لصيانة الجماعة. م: (لأنه يعسر عليهم الاجتماع للعصر بعد ما تفرقوا في الموقف) ش: لأن الموقف موضع واسع ذو طول وعرض، ولا يمكنهم إقامة الجماعة إلا بالاجتماع، وأنه متعذر في العادة فيجعل العصر لئلا تفوتهم فضيلة الصلاة بالجماعة لحق الوقوف، لأن الجماعة تفوت لا إلى خلف، وحق الوقوف ينادي قبل وبعد م: (لا لما ذكره) ش: أي التقديم لأجل الصيانة لا لأجل ما ذكر أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -، وهو الحاجة إلى امتداد الوقوف م: (إذ لا منافاة) ش: أي لأنه لا منافاة بين الصلاة والوقوف، لأن الوقوف لا ينقطع بالاشتغال بالصلاة، كما لا ينقطع بالأكل والشرب والتوضي وغير ذلك. م: (ثم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الإمام شرط في الصلاتين جميعا. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في العصر خاصة) ش: أي الإمام شرط في العصر خاصة، ولم يذكر قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - لأن عندهما الإمام ليس بشرط أصلاً م: (لأنه هو المغير عن وقته) ش: أي لأن العصر هو الذي غير عن وقته حيث قدم قبل وقته، بخلاف الظهر فإنه في وقته، فجاز له أن يصلي العصر مع الإمام، وأن يصلي الظهر في منزله. م: (وعلى هذا الخلاف الإحرام بالحج) ش: أي الخلاف الذي قلنا في الإمام أنه شرط في الصلاتين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وشرط عند زفر في العصر وحده الإحرام بالحج، قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الإحرام بالحج شرط فيهما جميعا حتى إذا صلى الظهر مع الإمام وهو حلال من أهل مكة ثم أحرم للحج فإنه يصلي العصر لوقته، ولا يجوز كقول زفر، كذا في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن التقديم ورد على خلاف القياس عرفت شرعيته فيما إذا كان العصر مرتبة على ظهر مؤدى بالجماعة مع الإمام في حالة الإحرام بالحج فيقتصر عليه، ثم لا بد من الإحرام بالحج قبل الزوال في رواية تقديما للإحرام على وقت الجمع، وفي أخرى يكتفي بالتقديم على الصلاة؛ لأن المقصود هو الصلاة. قال: ثم يتوجه إلى الموقف فيقف بقرب الجبل، والقوم معه عقيب انصرافهم من الصلاة؛ لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - راح إلى الموقف عقيب   [البناية] " شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولأبي حنيفة أن التقديم) ش: أي تقديم العصر قبل وقته م: (ورد على خلاف القياس عرفت شرعيته) ش: أي عرفت مشروعيته، وفي بعض النسخ عرفنا شرعيته م: (فيما إذا كان العصر مرتبة على ظهر مؤدى بالجماعة مع الإمام في حالة الإحرام بالحج فيقتصر عليه) ش: أي على مورد النص، وإنما قيد الإحرام بالحج لما روى محمد عن أبي حنيفة - رحمهما الله - أنه كان حين صلى الظهر مع الإمام محرماً بالعمرة ثم أحرم بالحج قبل العصر لم يجزئه، لأن إحرام العمرة لا تأثير له في جواز الجمع، فوجوده وعدمه سواء. م: (ثم لا بد من الإحرام بالحج قبل الزوال) ش: أي لا بد في جواز الجمع بين الصلاتين بأن يكون محرماً من قبل الزوال، لأن الإحرام شرط جواز الجمع، وشرط الشيء يسبقه، ولهذا لا يجوز الجمع قبل الزوال، م: (في رواية تقديما) ش: أي لأجل التقديم م: (للإحرام على وقت الجمع) ش: تحقيق وجه هذه الرواية أن بالزوال يدخل وقت الجمع، ويختص بهذا الجمع المحرم بالحج، فيشترط تقديم الإحرام على الحج قبل الزوال. م: (وفي أخرى) ش: أي وفي رواية أخرى م: (يكتفي بالتقديم) ش: أي بتقديم الإحرام م: (على الصلاة لأن المقصود هو الصلاة) ش: أي لأن المصنف اشترط الإحرام هو لأجل الصلاة لا لأجل الوقت، حتى إن الحلال لو صلى الظهر مع الإمام ثم أحرم فصلى العصر أو المحرم بالعمرة صلى مع الإمام ثم أحرم بالحج فصلى العصر معه لم تجز العصر إلا في وقتها. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ثم يتوجه) ش: أي الإمام م: (إلى الموقف) ش: بكسر القاف م: (فيقف بقرب الجبل) ش: أي الجبل الذي يسمى جبل الرحمة، وهو الجبل الذي بوسط عرفات، يقال له ألال على وزن هلال، والجوهري فتح همزته. وقال النووي المعروف كسرها، وذهب ابن جرير والماوردي إلى أنه يستحب الوقوف على جبل الرحمة الذي هو بوسط عرفات، ويقال له جبل الدعاء، قيل هو موقف الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -. وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا أصل له إذ لم يرد به حديث صحيح ولا ضعيف، والصواب الاعتناء بموقف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (والقوم معه) ش: أي يتوجه القوم مع الإمام م: (عقيب انصرافهم من الصلاة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - راح إلى الموقف عقيب الصلاة) ش: كما في حديث جابر الذي رواه مسلم مطولاً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 الصلاة، والجبل يسمى جبل الرحمة، والموقف للموقف الأعظم. قال: وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عرفات كلها موقف، وارتفعوا عن بطن عرنة والمزدلفة كلها موقف، وارتفعوا عن وادي محسر» .   [البناية] م: (والجبل يسمى جبل الرحمة والموقف) ش: أي ويسمى الموقف م: (للموقف الأعظم) ش: [حدود عرفة] م: (قال: وعرفات كلها موقف) ش: أي موضع منها وقف جاز م: (إلا بطن عرنة) ش: بضم العين المهملة وفتح الراء والنون. قال في " ديوان الأدب " عرنة واد في عرفات، وعامة أهل العلم على هذا الاستثناء، وشذ مالك فجوز الوقوف ببطن عرنة ووجب معه ما قال عياض، روى ابن المنذر عنه أنه لم يثبته في حديث جابر الطويل كما لو أثبت الاستثناء في حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وهو الذي ذكره المصنف بقوله - إلا بطن عرنة - م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «عرفات كلها موقف، وارتفعوا عن بطن عرنة، والمزدلفة كلها موقف، وارتفعوا عن وادي محسر» ش: هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وهم ابن عباس وجابر وجبير بن مطعم وابن عمرو وأبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فحديث ابن عباس أخرجه الطبراني في " معجمه " من حديث ابن أبي مليكة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرفوعاً نحو ما ذكر في الكتاب. وحديث جابر عند ابن ماجه ولفظه قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كل عرفة موقف وارتفعوا عن بطن عرنة، وكل المزدلفة موقف وارتفعوا عن بطن محسر، وكل منى منحر إلا ما وراء العقبة» . وفي سنده القاسم بن عبد الله بن عمر العمري متروك. وحديث جبير بن مطعم عند أحمد ولفظه كل عرفات موقف وارتفعوا عن عرنة، وكل مزدلفة موقف وارتفعوا عن وادي محسر، وكل فجاج منى منحر، وكل أيام التشريق ذبح. وحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عند ابن عدي في " الكامل " بلفظ حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وحديث أبي هريرة عنده أيضاً، وفي سنده يزيد بن عبد الملك النوفلي، وعن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 قال: وينبغي للإمام أن يقف بعرفات على راحلته؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف على ناقته، وإن وقف على قدميه جاز، والأول أفضل لما بينا. وينبغي أن يقف مستقبل القبلة) لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وقف كذلك، وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خير المواقف ما استقبلت به القبلة»   [البناية] النسائي أنه متروك. ومحسر بكسر السين المهملة المشددة، هو بين مكة وعرفات عن يسار الموقف، وقيل رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشيطان في بطن عرنة، فنهى عن الوقوف فيه، فكان هذا نظير النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة الثلاث. وقال بعضهم كانوا ينكرون وينزلون منزلين عن الناس في بطن عرنة وبطن محسر. [آداب وسنن الوقوف بعرفة] م: (قال: وينبغي للإمام أن يقف بعرفة على راحلته) ش: وهي من الإبل والبعير القوي على الأٍسفار والأحمال، الذكر والأنثى فيه سواء والهاء فيه للمبالغة وهي التي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة وتمام الخلق وحسن المنظر، فإذا كان في جماعة الإبل عرفت م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف على ناقته) ش: هذا من حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «ثم ركب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخيرات، وجعل خيل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة» .. الحديث. يقال ناقة قصوءا إذا قطع طرف أذنها، ولا يقال جمل أقصى، إنما يقال جمل قصوى على خلاف القياس، وقال ابن دريد في " الجمهرة " القصواء اسم ناقة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (وإن وقف) ش: أي الإمام م: (على قدميه جاز) ش: لحصول المقصود م: (والأول أفضل) ش: أي للوقوف على الراحلة أفضل م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله - لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف على ناقته - م: (وينبغي أن يقف مستقبل القبلة لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف كذلك) ش: هذا أيضاً في حديث جابر الطويل. م: (وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خير المواقف ما استقبلت» ش: هذا حديث غريب بهذا اللفظ، وأخرج الحاكم في " مستدركه " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن لكل شيء شرفاً، وإن أشرف المجالس ما استقبل» م: (به القبلة) ش: الحديث بطوله وسكت عنه الحاكم وفي سنده هشام بن زياد قال الذهبي في " مختصره " هو متروك، وروى أبو يعلى الموصلي في " مسنده " والطبراني في " معجمه الأوسط " من حديث حمزة بن أبي حمزة النصيبي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 ويدعو، ويعلم الناس المناسك، لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يدعو يوم عرفة مادا يديه، كالمستطعم المسكين» ويدعو بما شاء، وإن وردت الآثار ببعض الدعوات، وقد أوردنا تفاصيلها في كتابنا المترجم " بعدة الناسك في عدة من المناسك " بتوفيق الله تعالى.   [البناية] عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أكرم المجالس ما استقبل به القبلة» ، ورواه ابن عدي في " الكامل "، وأعله بحمزة النصيبي، وقال إنه يقف الحديث. ورواه أبو نعيم الأصبهاني في " تاريخ أصبهان " في باب العين المهملة من حديث ابن الصلت عن ابن شهاب عن نافع مرفوعاً «خير المجالس ما استقبل به القبلة» . م: (ويدعو) ش: وهو بالنصب عطف على قوله - أن يقف - أي يدعو الإمام م: (ويعلم الناس المناسك) ش: بنصب يعلم أيضاً عطفا على المنصوب الذي قبله م: (لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يدعو يوم عرفة مادا يديه، كالمستطعم المسكين» ش: هذا الحديث رواه البيهقي في " سننه «عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رأيته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعو بعرفة مادا يديه كالمستطعم المسكين» ورواه البزار في " مسنده " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن «الفضل رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واقفاً بعرفة ماداً يديه كالمستطعم، أو كلمة نحو المستطعم» وفي تقديم المستطعم الذي هو صفة فائدة، وفي المبالغة في تحقق المد، فإن الشبهة حينئذ إنما تحصل بحالة الاستطعام، وهي حال الاحتياج. م: (ويدعو بما شاء) ش: من الأدعية بحسب ما تيسر له ويكثر من الدعاء في هذا اليوم إلى أن تغرب الشمس ويلبي ساعة فساعة في أثناء الدعاء ويدعو الله بحاجته الدينية والدنيوية فإنه مستجاب غير مردود ويجتهد أن تقطر من عينه قطرات من الدمع، فإنه دليل القبول والإجابة، ويدعو لأبويه ولأهله ولإخوانه ولأصحابه ومعارفه وجيرانه، ويلح في الدعاء مع قوة الرجاء للإجابة ولا يقتصر فيه. م: (وإن وردت الآثار ببعض الدعوات) ش: كلمة إن واصلة بما قبلها، ذلك لأن كل الناس ما يقدرون على حفظ الدعوات، وهذا الدعاء مبناه على اليسير، ومن الأدعية المأثورة في هذا اليوم ما رواه الترمذي في " جامعه " مسندا إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» م: (وقد أوردنا تفاصيلها) ش: أي تفاصيل الدعوات م: (في كتابنا المترجم) ش: أي المسمى م: (بعدة الناسك) ش: بضم العين، الناسك السلاح م: (في عدة) ش: بكسر العين من العدد م: (المناسك بتوفيق الله عز وجل) ش: بين العدة والعدة وبين الناسك والمناسك جناس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 قال: وينبغي للناس أن يقفوا بقرب الإمام؛ لأنه يدعو، ويعلم، فيعوا، ويسمعوا، وينبغي أن يقف الحاج وراء الإمام ليكون مستقبل القبلة، وهذا بيان الأفضلية لأن عرفة كلها موقف على ما ذكرنا. قال: ويستحب أن يغتسل قبل الوقوف بعرفة ويجتهد في الدعاء. أما الاغتسال فهو سنة، وليس بواجب، ولو اكتفى بالوضوء جاز كما في الجمعة والعيدين، وعند الإحرام. وأما الاجتهاد فلأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجتهد في الدعاء في هذا الموقف لأمته فاستجيب له إلا في الدماء والمظالم   [البناية] م: (قال: وينبغي للناس أن يقفوا بقرب الإمام؛ لأنه يدعو، ويعلم، فيعوا) ش: أي فيحفظوا من الوعي، أصله يوعيوا، حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة، واستثقلت الضمة على الياء، فحذفت بعد سلب حركتها إلى ما قبلها م: (ويسمعوا) ش: حذفت النون منه ومن قوله - فيعوا - علامة للنصب، لأنهما معطوفان على قوله - أن يقفوا - الذي سقط منه النون لأجل الناصب. م: (وينبغي أن يقف وراء الإمام ليكون مستقبل القبلة) ش: لأن وجه الإمام إلى القبلة، فشكل من يقف وراءه أن يكون مستقبل القبلة م: (وهذا) ش: أي وقوف الحاج وراء الإمام م: (بيان الأفضلية لأن عرفة كلها موقف) ش: ففي أي موضع من عرفة وقف جاز م: (على ما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عرفة كلها موقف إلى آخره. م: (قال: ويستحب أن يغتسل قبل الوقوف ويجتهد في الدعاء. أما الاغتسال فإنه سنة، وليس بواجب) ش: إنما قال أولاً ويستحب أن يغتسل، ثم قال أما الاغتسال فهو سنة، لأنه في صدد الشرح لكلام القدوري، فإنه قال يستحب أن يغتسل فنقله ثم قال: إنه سنة وكل سنة مستحبة من غير عكس، وقيد بقوله - وليس بواجب - لدفع وهم من يتوهم أن الاغتسال سنة مؤكدة، وهي كالواجب في القوة، وما رأيت أحداً من الشراح نبه لمثل هذا الدعاء. م: (ولو اكتفى بالوضوء جاز كما في الجمعة والعيدين، وعند الإحرام. وأما الاجتهاد فلأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (اجتهد في الدعاء في هذا الموقف لأمته فاستجيب له إلا في الدماء والمظالم) ش: هذا أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن عبد القاهر بن السري عن عبد الله بن كنانة بن عباس بن مرداس عن أبيه كنانة عن أبيه عباس بن مرداس «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا لأمته عشية عرفة بالمغفرة، فأجيب أني قد غفرت لهم ما خلا المظالم، فإني آخذ للمظالم، قال رب إن شئت أعطيت المظلوم الجنة وغفرت للظالم، فلم يجبه، عشيته، فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء، فأجيب بما سأل، فضحك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو قال فتبسم فقال أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بأبي أنت وأمي إن هذه ساعة ما كنت تضحك فيها، فما الذي أضحكك أضحك الله سنك، قال: " إن عدو الله إبليس لما علم أن الله قد استجاب دعائي وغفر لأمتي أخذ التراب فجعل يحثو على رأسه ويدعو بالويل والثبور فأضحكني ما رأيت من جزعه» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 ويلبي في موقفه ساعة بعد ساعة   [البناية] ورواه الطبراني في " معجمه " عن ابن أحمد بن حنبل في مسند أبيه وأبي يعلى الموصلي في " مسنده "، ورواه ابن عدي في " الكامل " وأعله بكنانة، وأسند عن البخاري أنه قال: كنانة روى عنه ابنه أنه لم يصح، وقال ابن حبان في كتاب " الضعفاء " كنانة بن العباس بن مرداس السلمي يروي عن أبيه، وروي عنه أنه منكر الحديث جدا، ولا أدري التخليط في حديثه منه أو من أبيه أو من أيهما كان فهو ساقط الاحتجاج بما روى، وذلك لعظم ما أتى من المناكير عن المشاهير. وروى ابن الجوزي في " الموضوعات " من طريق الطبراني حدثنا إسحاق بن إبراهيم المدبري حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عمن سمع عن قتادة يقول: حدثنا خلاس بن عمرو عن عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم عرفة: " أيها الناس إن الله تطول عليكم في هذا اليوم فغفر لكم إلا التبعات فيما بينكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى لمحسنكم ما سأل فارفعوا بسم الله، وإبليس وجنوده واقف على جبال عرفات ينظرون ما يصنع الله بهم، فإذا نزلت المغفرة دعا هو وجنوده بالويل والثبور» ثم قال هذا حديث لا يصح، والراوي عن قتادة مجهول. وخلاس ليس بشيء، قال أيوب لا يروى عنه فإنه ضعيف، قوله - إلا في الدماء - جمع دم، والمظالم جمع ملظمة وهو الظلم المتعلق بحق العباد بها، أما في حق الدم الذي وجب قصاصاً فلعجز صاحبه عن الاستغفار. وأما في حق المظالم التي وجبت لبعضهم على بعض فلعجز صاحبه عن الانتصاب وقيل توقف دعاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعرفة في الدماء والمظالم إلى المزدلفة فاستجيب له فيها في الدماء والمظالم أيضا. وفي الروحي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله تطول على أهل عرفة فباهى بأهل عرفة يوم عرفة فيقول انظروا يا ملائكتي أي انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً أقبلوا يضربون إلي من كل فج عميق فاشهدوا أني قد غفرت لهم إلا التبعات التي بينهم "، قال ثم إن القوم أفاضوا من عرفات إلى جمع قال يا ملائكتي انظروا إلى عبادي وقفوا وعادوا في الطلب والرغبة والمسألة اشهدوا أني قد وهبت مسيئهم لمحسنهم وتحملت عنهم التبعات التي بينهم» رواه أبو ذر عن ابن أحمد الهروي في " منسكه ". م: (ويلبي في موقفه ساعة بعد ساعة) ش: قال الأكمل يعني يستديم ذلك إلى أن يرمي أول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يقطع التلبية كما يقف بعرفة لأن الإجابة باللسان قبل الاشتغال بالأركان. ولنا: ما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما زال يلبي حتى رمى جمرة العقبة؛» ولأن التلبية فيه كالتكبير في الصلاة فيأتي بها إلى آخر جزء من الإحرام.   [البناية] حصاة من العقبة. قلت: ليس المراد أن يستمر على التلبية وحدها، بل يلبي ويكبر ويهلل، ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكون التلبية في أثناء ذلك من غير انقطاع، وذلك لأن التلبية في الإحرام كالتكبير في الصلاة، ولهذا يؤتى في الانتقالات واختلاف الأحوال، كما في التكبير في الصلاة كما يتخلل بين التكبيرات في الصلاة بأشياء، فكذلك ينبغي أن يتخلل بين التلبية بالتكبير والتهليل والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيؤتى بالتلبية إلى آخر جزء من الإحرام، وروى الفضل بن عباس «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة» متفق عليه. م: (وقال مالك: يقطع التلبية كما يقف بعرفة؛ لأن الإجابة باللسان قبل الاشتغال بالأركان) ش: مبنى هذا الكلام أن التلبية إجابة اللسان، والإجابة باللسان قبل الاشتغال بالأركان كتكبيرة الافتتاح في الصلاة. م: (ولنا: ما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما زال يلبي حتى رمى جمرة العقبة» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن الفضل بن عباس وقد ذكرناه الآن، وهو قول ابن مسعود وابن عباس وعطاء وطاووس والنخعي وابن أبي ليلى والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وقالوا يلبي حتى يرمي جمرة العقبة، ويقطعها مع أول حصاة يرميها. وعند أحمد وإسحاق والظاهرية يقطعها إذا رمى الحصيات السبع بأسرها. وعن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يقطعها إذا زاغت الشمس من يوم عرفة. م: (ولأن التلبية فيه) ش: أي في الحج م: (كالتكبير في الصلاة فيأتي بها) ش: أي بالتلبية م: (إلى آخر جزء من الإحرام) ش: وهو يكون عند رمي جمرة العقبة، وكان القياس أن تكون التلبية إلى آخر الحج، إلا أن القياس ترك فيما بعد الرمي بعد الإجماع، فبقي ما رواءه على أصل القياس، والقارن مثل المفرد بالحج في قطعه التلبية. وقال الكرخي: يقطع التلبية في أول حصاة في حجه الفاسد، وأما المحرم بالعمرة فإنه يقطع التلبية حين يستلم الحجر الأسود عندنا، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا رأى البيت. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والذي يفوته الحج يتحلل بعمرة ويقطع التلبية حين يأخذ في الطواف الذي يتحلل به، ويقطع المحصر التلبية إذا ذبح هديه، لأنه أبيح له التحلل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 قال: وإذا غربت الشمس أفاض الإمام، والناس معه على هينتهم حتى يأتوا المزدلفة لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دفع بعد غروب الشمس   [البناية] وقال القدوري في " شرحه " فإن حلق الحاج قبل أن يرمي جمرة العقبة قطع التلبية لأنه تحلل من الإحرام، والتلبية لا تثبت بعد التحلل، قال: فإن زالت الشمس قبل أن يرمي أو يذبح أو يحلق قطع التلبية في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - رواه هشام. وروى محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: يلبي ما لم يحلق، أو تزول الشمس من يوم النحر، وروى ابن سماعة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن من لم يرم قطع التلبية إذا غربت الشمس يوم النحر. أما إذا ذبح قبل أن يرمي فقد ذكر الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن هشاما روى عن أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - أنه يقطع التلبية لأنه تحلل بالذبح، وروى ابن سماعة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يقطعها ما لم يرم أو يحلق، وقال الحسن عن أبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقطع التلبية لأنه تحلل بالذبح إنما يقطع التلبية بالذبح، القارن والمتمتع، وأما إذا ضحى المفرد لم يقطعها، لأن تحلله لم يقف على ذبحه. [الإفاضة من عرفات بعد غروب الشمس] م: (قال: وإذا غربت الشمس) ش: أي يوم عرفة م: (أفاض الإمام) ش: أي رجع، وإنما قال أفاض اتباعاً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة: 198] [البقرة: الآية 198) م: (والناس معه على هينتهم) ش: أي غير مسرعين، بل على السكينة والوقار، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس البر في إيجاف الخيل ولا في إيضاع الإبل، فعليكم بالسكينة والوقار» . الإيجاف بالجيم نوع من سير الخيل والإيضاع انشراح الخيل في السير، وفي " المبسوط " زعم بعض الناس أن الإيضاع سنة، وإنا نقول به، وتأويل ما روي أن راحلته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت في ذلك الموضع فنخسها فانبعثت كعادة الدواب لا أنه قصد الإيضاع. م: (حتى يأتوا المزدلفة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دفع بعد غروب الشمس) ش: هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «وقف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعرفة، فقال: " هذه عرفة وعرفة كلها موقف "، ثم أفاض حين غربت الشمس» .. الحديث. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، «وفي حديث جابر الطويل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، إلى أن قال ودفع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد سبق القصواء» .. الحديث. وفي حديث أسامة رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل «كنت ردف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما وقعت الشمس دفع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 ولأن فيه إظهار مخالفة المشركين. وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمشي على راحلته في الطريق على هينته، فإن خاف الزحام فدفع قبل الإمام، ولم يجاوز حدود عرفة أجزأه؛ لأنه لم يفض من عرفة والأفضل أن يقف في مقامه كيلا يكون آخذا في الأداء قبل وقتها، فلو مكث قليلا بعد غروب   [البناية] م: (ولأن فيه) ش: أي في الدفع بعد غروب الشمس م: (إظهار مخالفة المشركين) ش: فإنهم كانوا يدفعون من عرفة قبل طلوع الشمس، وقال الأترازي «روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشية يوم عرفة قال: أما بعد فإن هذا يوم الحج الأكبر، وإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون في هذا اليوم قبل غروب الشمس حين يقوم بها رؤوس الجبال، كأنها عام الرحال في وجوههم وإنا ندفع فلا تعجلوا، فدفع بعد غروب الشمس» انتهى. قلت: هذا الحديث رواه الحاكم في " المستدرك " من حديث المسور بن مخرمة قال: «خطبنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعرفات» .. الحديث، ثم قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، قال فقد صح بهذا سماع المسور بن مخرمة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا كما يتوهمه رعاع أصحابنا أن له رواية بلا سماع، وهذا رواه الشافعي والبيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضاً، والعجب من الأترازي مع دعواه الفريضة كيف يذكر الحديث بصيغة التمريض. م: (وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمشي على راحلته في الطريق على هينته) ش: - في الطريق - أي في طريق المزدلفة. وفي حديث جابر الطويل قال: «دفع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد شق للقصواء الزمام، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله وهو يقول بيده اليمنى: أيها الناس السكينة» ... الحديث. م: (فإن خاف الزحام) ش: أي وإن خاف الحاج إلحاق الزحام، أي زحمة الناس م: (فدفع قبل الإمام، ولم يجاوز حدود عرفة أجزأه) ش: كذا إذا كان به علة فدفع قبل الإمام م: (لأنه لم يفض من عرفة) ش: بضم الياء وكسر الفاء من الإفاضة، وهو الدفع من عرفات، م: (والأفضل أن يقف في مقامه كيلا يكون آخذا في الأداء قبل وقتها) ش: أي قبل وقت الإفاضة وفيه إشارة إلى أنه إن جاوز عرفة قبل الإمام وقبل غروب الشمس وجب عليه الدم، ولكن إن عاد إلى عرفة قبل الغروب ثم دفع مع الإمام منها بعد الغروب سقط عنه الدم. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يسقط، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يسقط صححه الكرخي، وبه قال مالك والشافعي وأحمد، وإن عاد بعد غروب الشمس لم يسقط بالاتفاق، ولو ند بعيره فتبعه حتى خرج من عرفات إذا أخرجه بعيره فعليه دم، ولا يسقط بالعود، كذا في " المحيط " و " خزانة الأكمل "، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا أحفظ فيه شيئاً عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولو مكث قليلا بعد غروب الشمس وإفاضة الإمام لخوف الزحام فلا بأس به) ش: وكذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 الشمس، وإفاضة الإمام لخوف الزحام فلا بأس به؛ لما روي أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بعد إفاضة الإمام دعت بشراب فأفطرت ثم أفاضت. قال: وإذا أتى مزدلفة فالمستحب، أن يقف بقرب الجبل الذي عليه الميقدة يقال له: قزح لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف عند هذا الجبل، وكذا عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ويتحرز في النزول عن الطريق كيلا يضر بالمارة فينزل عن يمينه أو يساره، ويستحب أن يقف وراء الإمام لما بينا في الوقوف بعرفة.   [البناية] الخوف علة من العلل م: (لما روي أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بعد إفاضة الإمام دعت بشراب فأفطرت ثم أفاضت) ش: هذا رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه "، حدثنا أبو خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها كانت تدعو بشراب تفطر ثم تفيض. [المبيت بالمزدلفة] [جمع المغرب والعشاء بمزدلفة] م: (وإذا أتى مزدلفة فالمستحب أن يقف بقرب الجبل الذي عليه الميقدة) ش: بكسر الميم، موضع كان أهل الجاهلية يوقدون عليه النار، يقال لذلك الجبل قزح، بضم القاف كذا في " المغرب "، وقيل إنها كانون آدم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (يقال له: قزح) ش: أي يقال لذلك الجبل قزح، بضم القاف وفتح الزاي وبالحاء المهملة، وهو غير منصرف للعدل والعلمية، كذا قاله الكاكي. قلت: هو عدل تقديري، كأنه معدول عن قازح كزفر عن زافر، وفي الحديث لا يقول قوس قزح من أسماء الشياطين، قيل سمي بقزح لتسويله الناس بحثه إلى المعاصي من القزح وهو الجنين، وقيل من القزح وهو الطريق والألوان التي في القوس الواحدة قزحة، ويمكن هذا أيضاً يسمى الجبل به لكونه ذات طرائق وألوان. م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف عند هذا الجبل) ش: يعني جبل قزح رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - واللفظ للترمذي قال: «وقف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعرفة ... » الحديث، فلما أصبح أتى قزح فوقف عليه، وروى الحاكم في المستدرك عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: حين وقف بعرفة هذا الموقف، وكل عرفة موقف» وقيل حين وقف على قزح قال هذا الموقف، وكل المزدلفة موقف. م: (وكذا عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي وكذا وقف عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على قزح، وهذا غريب يعني ليس له أصل. م: (ويتحرز في النزول عن الطريق كيلا يضر بالمارة فينزل عن يمينه أو يساره) ش: وقال الكرخي: وإذا جاء الإمام المزدلفة، وهي المشعر الحرام، وهي التي أقصيت من وادي عرفات إلى بطن محسر فانزل بها حيث شئت عن يمين الطريق وعن يساره، ولا تنزل على جادة الطريق فتؤذي الناس، وذلك لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مزدلفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن محسر» وأما النزول على الطريق فهو ممنوع بالمزدلفة وغيرها، لأنه يقطع الناس عن الاجتياز. م: (ويستحب أن يقف) ش: أي الحاج م: (وراء الإمام لما بينا في الوقوف بعرفة) ش: أشار به الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 قال: ويصلي الإمام بالناس المغرب والعشاء بأذان وإقامة واحدة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بأذان وإقامتين اعتبارا بالجمع بعرفة. ولنا رواية جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جمع بينهما بأذان، وإقامة واحدة؛» ولأن العشاء في وقته فلا يفرد بالإقامة إعلاما، بخلاف العصر بعرفة لأنه مقدم على وقته، فأفرد بها لزيادة الإعلام.   [البناية] إلى قوله - لأنه يدعو ويعلم فيعوا ويسمعوا - م: (قال: ويصلي الإمام بالناس المغرب والعشاء بأذان وإقامة واحدة) ش: وفي أكثر النسخ قال: ويصلي الإمام، أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مختصره. م: (وقال زفر: بأذان وإقامتين اعتبارا بالجمع بعرفة) ش: أي قياساً عليه، واختاره الطحاوي وبه قال الشافعي في قول وأبو ثور وابن الماجشون المالكي، وفي قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بإقامتين دون الأذان. م: (ولنا رواية جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع بينهما بأذان وإقامة واحدة) ش: أي جمع بين المغرب والعشاء بأذان وإقامة واحدة، يعني في المزدلفة، وهذا رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا حاتم بن إسماعيل عن محمد بن جعفر بن محمد عن جابر بن عبد الله قال: «صلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المغرب والعشاء يجمع بأذان واحد وإقامة واحدة ولم يسبح بينهما» وهذا حديث غريب، فإن الذي في حديث جابر الطويل عند مسلم أنه صلاهما بأذان وإقامتين وبلفظه «ثم أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً» .. الحديث. وعند البخاري أيضاً عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال «جمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين المغرب والعشاء، يجمع كل واحد بينهما بإقامة ولم يسبح بينهما ولا على أثر واحدة بينهما» وهذا مخالف لرواية ابن أبي شيبة. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والترجيح لقولنا بأن نقول إن حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مضطرب كما ترى، لأنه حدث في رواية بأذان وإقامتين، وفي رواية بأذان وإقامة. قلت: إنما يصح الحكم بالاضطراب لو كانت زيادة روايته مخرجتين في " الصحيح "، والرواية التي تخبر بأذان واحد وإقامة واحدة ليست في " الصحيح ". م: (ولأن العشاء في وقته) ش: أي مؤداة في وقته م: (فلا يفرد بالإقامة إعلاما) ش: أي لأجل الإعلام، لأنه معلوم في جميع أهل الموقف م: (بخلاف العصر بعرفة؛ لأنه) ش: أي لأن العصر م: (مقدم على وقته فأفرد بها) ش: أي بالإقامة م: (لزيادة الإعلام) ش: فإن قلت: يرد عليكم الفوائت لأنه إن شاء أذن وأقام لكل صلاة، وإن شاء اقتصر على الإقامة، فينبغي أن يكون هذا كذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 ولا يتطوع بينهما؛ لأنه يخل بالجمع، ولو تطوع، أو تشاغل بشيء أعاد الإقامة لوقوع الفصل، وكان ينبغي أن يعيد الأذان أيضا كما في الجمع الأول بعرفة إلا أنا اكتفينا بإعادة الإقامة، لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى المغرب بمزدلفة ثم تعشى ثم أفرد الإقامة للعشاء» ولا تشترط الجماعة لهذا الجمع   [البناية] قلت: الفوائت كل واحد منها صلاة على حدة فينفرد كل منهما بالإقامة، بخلاف الصلاتين بالمزدلفة، فإنهما صارتا كصلاة واحدة، بدليل أنه لا يجوز التطوع بهما، فلأجل هذا أفرد كل واحدة بالإقامة. م: (ولا يتطوع بينهما) ش: أي بين المغرب والعشاء بالمزدلفة م: (لأنه يخل بالجمع) ش: ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يتطوع بينهما م: (ولو تطوع) ش: أي بينهما م: (أو تشاغل بشيء) ش: مثل التعشي وافتقار النية ونحو ذلك م: (أعاد الإقامة لوقوع الفصل) ش: فيحتاج إلى إعلام آخر. قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال شيخي العلامة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يسوي بين التطوع والتعشي والتشاغل بشيء آخر في إعادة الإقامة، وهو يوافق ما ذكر في " المبسوط "، ولكن اشترط في " المبسوط " الأسبيجابي، الذي اختصره في " مبسوط " البزدوي إلى إعادة الإقامة، وإلى إعادة الأذان والإقامة في النفس وغيره. م: (وكان ينبغي أن يعيد الأذان أيضا) ش: لقول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كما في الجمع الأول) ش: أي كما يعيد الأذان أيضاً في الجمع الأول، وهو الجمع بين الظهر والعصر بعرفة م: (إلا أنا اكتفينا بإعادة الإقامة، لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى المغرب بمزدلفة ثم تعشى) ش: أي أكل العشاء م: (ثم أفرد الإقامة بالعشاء) ش: أي بصلاة العشاء، وهذا الحديث غريب، وتمثيله بفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مشكل لأنه قد ذكر أولاً قبل هذا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع بأذان وإقامة واحدة، واحتج به على زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - في إفراد الإقامة، وكان ذلك هو الثابت الصحيح عنده ضرورة، وبعد ثبوته لا يمكنه التمثيل بما ذكره بعد، لأنه لم يصح ولم يثبت، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يحج إلا مرة واحدة، فكيف يستدل به؟! فإن قلت: هذه صورة التعارض فيحمل كل واحد على حالته. قلت: لا يمكن هذا هاهنا لأنا ننفي صحة الحديث الذي ذكره، فمن أين يأتي التعارض حتى يوفق بينهما بذلك. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا ترجحت، أعني الرواية المروية في " الصحيح " انتفت الأخرى، وحملت على سهو الراوي فلا يصح التمسك به انتهى. قلت: فلأجل ذلك اختار الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مذهب زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لصحة دليله وترك الرواية الأخرى. م: (ولا تشترط الجماعة لهذا الجمع) ش: أي الجمع الذي في المزدلفة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المغرب مؤخرة عن وقتها، بخلاف الجمع بعرفة لأن العصر مقدم على وقته. قال: ومن صلى المغرب في الطريق لم تجزئه عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، وعليه إعادتها ما لم يطلع الفجر. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجزيه، وقد أساء، وعلى هذا الخلاف إذا صلى بعرفات. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أداها في وقتها فلا تجب عليه إعادتها كما بعد طلوع الفجر، إلا أن التأخير من السنة فيصير مسيئا بتركه. ولهما ما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأسامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في طريق المزدلفة: " الصلاة أمامك»   [البناية] م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن المغرب) ش: أي صلاة المغرب م: (مؤخرة عن وقتها، بخلاف الجمع بعرفة؛ لأن العصر مقدم على وقته) ش: فروعي منه جمع ما ورد به النص وهو الأداء مع الإمام في حالة الإحرام، وأما الجمع بمزدلفة فلم يخالف القياس، لأن المغرب مؤخرة عن وقتها، وقضاء الصلاة بعد وقتها أمر معقول لوجود المسبب بعد وجود السبب فلم يشترط فيه مراعاة ما ورد به النص وهو الإمام، ولكن الأفضل أن يصلي مع الإمام بالجماعة، لأن الأداء بالجماعة أولى، كذا في " الإيضاح "، وقال الإمام المحبوبي: لا يشترط الإحرام والسلطان أيضاً. م: (قال: ومن صلى المغرب) ش: أي صلاة المغرب م: (في الطريق) ش: قبل أن يأتي إلى المزدلفة م: (لم يجزئه عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، وعليه إعادتها ما لم يطلع الفجر) ش: وبه قال زفر والحسن بن زياد - رحمهما الله تعالى - م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجزئه، وقد أساء) ش: لمخالفة السنة، وبه قال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي بين أبي حنيفة ومحد وبين أبي يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (إذا صلى) ش: أي المغرب م: (بعرفات) ش: فعندهما لا يجزئه، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجزئه، وفي " الإيضاح " وكذا لو صلى العشاء الآخرة بعد دخول وقتها في الطريق، لأنها مرتبة على المغرب فإذا لم تجز المغرب فما رتب عليه أولى بتركه. م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أداها في وقتها فلا تجب إعادتها كما في بعد الطلوع) ش: أي كما إذا صلى بعد طلوع الفجر م: (إلا أن التأخير) ش: أي تأخير المغرب ليلة المزدلفة م: (من السنة فيصير مسيئا بتركه) ش: أي بترك التأخير. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: «ما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأسامة في طريق المزدلفة: الصلاة أمامك» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد بن حارثة مولى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان يسمى حب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال أسامة «دفع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال ثم توضأ ولم يسبغ الوضوء، فقلت له الصلاة فقال الصلاة أمامك» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 معناه: وقت الصلاة، وهذا إشارة إلى أن التأخير واجب، وإنما وجب ليمكنه الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة فكان عليه الإعادة ما لم يطلع الفجر ليصير جامعا بينهما. وإذا طلع الفجر لا يمكنه الجمع فسقطت الإعادة   [البناية] .. الحديث، م: (معناه) ش: أي معنى قوله أمامك م: (وقت الصلاة) ش: ومكان الصلاة، لأن الصلاة فعل المصلي، وفعله لا يتصور أن يكون أمامه، فإذا أداها في الطريق فقد أداها قبل الوقت الثابت بهذا الخبر فوجبت الإعادة كما إذا صلى الظهر في منزله يوم الجمعة، فإنه يؤمر بالقضاء حتى يأتي على هذا الوجه الأكمل. م: (وهذا) ش: أي قوله الصلاة أمامك م: (إشارة إلى أن التأخير) ش: أي تأخير صلاة المغرب م: (واجب، وإنما وجب ليمكنه الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة) ش: ما دام وقت العشاء باقياً م: (فكان عليه الإعادة ما لم يطلع الفجر ليصير جامعا بينهما) ش: أي بين الصلاتين م: (وإذا طلع الفجر لا يمكنه الجمع فسقطت الإعادة) ش: وقال القدوري: إذا كان يخشى أن يطلع الفجر قبل أن يصلي إلى المزدلفة صلى المغرب لأنه إذا طلع الفجر فات وقت الجمع، وكذلك إن صلى العشاء الأخيرة في الطريق بعد دخول وقتها لم تجزئه إلا على تقدير خوف طلوع الفجر. فإن قلت: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام عن الصلاة.. الحديث خبر واحد يوجب الترتيب، وتجب عليه الإعادة وإن ذهب، وها هنا لم تجب الوقت. قلت بأن وجوب الإعادة هناك لوجوب الترتيب، وهو قائم ما لم يدخل الأكثر، وها هنا وجوب الإعادة لرعاية الجمع فيفوت إن كان الجمع بفوات وقت العشاء. فإن قلت: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» لا تجب الإعادة لو صلى بدون فاتحة الكتاب ناسياً أو عامداً، وها هنا وجبت ما دام الوقت باقيا. قلت خبر الواحد يوجب العمل على وجه لا يؤدي إلى إبطال الكتاب، ثم ها هنا الإعادة من باب العلم ما دام الوقت باقياً لما أنه صلى قبل الوقت الثابت بخبر الواحد، وقبل الوقت لا يجوز فتجب الإعادة كما في مسألة الترتيب، وأما خبر الفاتحة فقد علمنا به كما يليق بحاله حيث قلنا يوجب صلاة السهو إذا تركها ساهياً، وبالإثم إذا تركها عامداً، أما لو قلنا بالإعادة كان خبر الواحد مبطلاً لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) ، وذلك لا يجوز. فإن قلت: ففي حديث أسامة أيضاً القول بوجوب الإعادة في الوقت فوجب الإبطال. قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] [النساء: الآية 13] . قلت: قالوا: الإعادة فيه لنوع فساد اقتضاء خبر الواحد لا لفساد قوي، فلو قلنا بالإعادة بعد الوقت، لكنا قائلين بالفساد لتؤدي فحينئذ كنا مبطلين وجوب قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 قال: وإذا طلع الفجر يصلي الإمام بالناس الفجر بغلس لرواية ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاها يومئذ بغلس "   [البناية] ولا نقول به. فإن قلت: خبر أسامة خبر واحد فلا يجوز تأخير المغرب عن وقته، لأن محافظة الوقت واجبة بالدلائل القطعية، ولو كان من المشاهير تجب الإعادة على الإطلاق، لأنه مؤدي للمغرب قبل الوقت الثابت بالحديث المشهور. قلت: قال الشيخ الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وجوب التأخير ثبت الجمع بمزدلفة وهو من المشاهير تجوز للزيادة به على الكتاب فصار للعصر بعرفات وللمغرب بمزدلفة وقتان، أحدهما ثابت بالدليل القطعي، والثاني ثابت بالسنة المشهورة إلا أنه مأمور بالأداء في الوقت الثابت بالسنة، فإذا أداها في الوقت الثابت بالكتاب ثبت لها أصل الجواز، وكان مثبتاً لمخالفة السنة المشهورة فيؤمر بالإعادة تحقيقاً للجمع، فإذا فات وقت الجمع فلا فائدة في الأمر بالإعادة بعدما ثبت جواز الأداء والله أعلم. وأشكل عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأن صلاة المغرب التي صلاها في الطريق، إما إن وقعت صحيحة أو لا، فإن كان الأول فلا تجب الإعادة إلا في الوقت ولا بعده، وإن كان الثاني وجبت فيه وبعده لأنها وقعت فاسدة، فلا تنقلب صحيحة بمضي الوقت. وأجيب بأن الفساد موقوف لظهور أثره في ثاني الحال، كما مر في مسألة الترتيب. [صلاة الفجر بغلس في المزدلفة والوقوف بها] م: (قال: وإذا طلع الفجر) ش: أي في يوم النحر م: (يصلي الإمام بالناس الفجر) ش: أي صلاة الفجر م: (بغلس) ش: بفتحتين، وهو آخر ظلمة الليل، قاله الأترازي ثم قال كذا في الديوان وقال الأكمل الغلس: ظلمة آخر الليل، وفي بعض الشروح ناقلاً عن الديوان آخر ظلمة الليل، وقد وافق على ما نحن فيه على ما سيظهر، انتهى. قلت: أراد ببعض الشروح شرح الأترازي م: (لرواية ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاها يومئذ بغلس» ش: هذا رواه البخاري، ومسلم عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود قال: «ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى صلاة إلا لميقاتها إلا صلاتين، صلاة المغرب والعشاء بجمع وصلاة الفجر يومئذ قبل ميقاتها.» قوله - قبل ميقاتها - معناه المعهود المعتاد في كل يوم، لا أنه صلاها قبل الفجر ولكنه غلس بها كثيرا بينه لفظ البخاري، وصلى الفجر حين طلع الفجر، وفي لفظ لمسلم «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع الصلاتين جميعاً، وصلى الفجر حين طلع الفجر» وقائل يقول لم يطلع الفجر، ولهذا يندفع قول من يقول أن الدليل غير مطابق للمدلول، لأن الدليل يدل على أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاها بغلس، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 ولأن في التغليس دفع حاجة الوقوف فيجوز كتقديم العصر بعرفة. ثم وقف - أي ووقف معه الناس، فدعا لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف في هذا الموضع يدعو حتى روي في حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فاستجيب له دعاؤه لأمته حتى الدماء والمظالم   [البناية] والمدلول قوله - وإذا طلع الفجر يصلي الإمام بالناس الفجر بغلس. م: (ولأن في التغليس دفع حاجة الوقوف فيجوز) ش: أي التغليس م: (كتقديم العصر بعرفة) ش: أي كما يجوز تقديم العصر بعرفة قبل وقتها لدفع حاجة الوقوف بها، واعترض عليه أن هذا الدليل العقلي لا يطابق المدلول، بيانه أن تقريره في التغليس دفع حاجة الوقوف، ودفع الحاجة يجوز التقديم للعصر بعرفة، وتقديم العصر كان على وقته، فيكون ها هنا تصحيحاً للتشبيه، وهو خلال المطلوب، وأجيب بأن معناه لما جاز تعجيل العصر على وقتها للحاجة إلى الوقوف بعدها، فلا يجوز التغليس بالفجر وهو في وقتها أولى. م: (ثم وقف) ش: أي ثم وقف الإمام بعد أن غلس بصلاة الفجر م: (أي ووقف معه الناس، فدعا) ش: بما شاء من الأدعية ويرفع يديه ويستقبل بهما وجهه سبطاً. وفي النوازل ويدعو بالمزدلفة نحو ما دعا بعرفة «اللهم حرم لحمي وشعري ودمي وعظمي وجميع جوارحي من النار يا أرحم الراحمين» . م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف في هذا الموضع يدعو حتى روي في حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فاستجيب له دعاؤه لأمته حتى الدماء والمظالم) ش: فيه حديثان، أحدهما قوله لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف في هذا الموضع، وأشار به إلى المشعر الحرام الذي هو الجبل الذي يقال له قزح، ويدعو لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] (البقرة: الآية 198) ، وهذا في حديث جابر الطويل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حيث قال: «ثم ركب أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس» . الحديث الثاني: هو حديث عباس بن مرداس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وليس هو حديث ابن عباس الذي هو عبد الله وقول المصنف في حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهم، ولم ينبه على هذا أحد من الشراح، واعتذر بعضهم بأن المصنف إنما أراد بابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كنانة بن عباس بن مرداس وهذا خطأ من وجهين: أحدهما: أن ابن عباس إذا أطلق لا يراد به إلا عبد الله بن عباس، فلو أراد كنانة لقيده. والثاني: أن المصنف ليس من عادته أن يذكر الشافعي دون الصحابي عند ذكر الحديث، فلا يليق به ذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 ثم هذا الوقوف واجب عندنا، وليس بركن حتى لو تركه بغير عذر يلزمه الدم. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنه ركن   [البناية] وأما حديث ابن عباس بن مرداس فقد ذكرناه عند قوله وأما الاجتهاد فلأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجتهد في الدعاء في هذا الموقف لأمته فاستجيب له، إلا في الدماء والمظالم، وها هنا استجيب له دعاؤه لأمته، حتى الدماء والمظالم بالرفع فيهما، والمظالم جمع مظلمة، وهو الظلم أو اسم مأخوذ ظلماً يعني حتى استجيب له دعاؤه في الدماء والمظالم، والأصل أن تبقى حقوق العباد لكن قالوا إن الله تعالى يرضي الخصوم بالأزدياد في بيوتهم حتى تركوا خصوماتهم في الدنيا والمظالم واستوجبوا المغفرة. فإن قلت: هذا خاص بالذي يحج أول عام أو لا. قلت: لا بل هو عام لجميع أمته ولا قرينة للتخصيص، ثم الكلام في إعراب حتى الدماء والمظالم، فقد ذكرنا أنه بالرفع فيهما لأن حتى للعطف كما في قولهم قدم الحاج حتى المشاة، ويجوز الجر فيهما على أن تكون حتى جارة كما في قولك أكلت السمكة حتى رأسها، وها هنا قيل حتى ظهرها قبلها، لأن الرأس داخل في أكله السمكة، وتقدير الكلام استجيب له دعاؤه ولأمته في ذنوبهم حتى الدماء والمظالم. فإن قلت: الشرط في الرفع أن يكون ما بعدها مجازاً لما قبلها، وفيه الدعاء والمظالم ليس من عين الدعاء. قلت: لا بد من التأويل، وهو أن قال إن معناه استجيب له كل ذنب لأمته حتى استجيب له في الدماء والمظالم. م: (ثم هذا الوقوف) ش: أي الوقوف بالمزدلفة م: (واجب عندنا، وليس بركن، حتى لو تركه بغير عذر يلزمه الدم) ش: وإن تركه بعذر لازدحام أو تعجيل السير إلى منى فلا شيء عليه، قاله في " المحيط "، والمبيت بمزدلفة سنة وبه قال مجاهد وعطاء وقتادة والزهري والثوري وإسحاق وأبو ثور. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنه ركن) ش: أي أن الوقوف بالمزدلفة ركن، ونسبة هذا القول إلى الشافعي غير صحيحة، لأنه ذكر في " وجيزهم " أن الوقوف بالمزدلفة سنة، قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن صاحب " الهداية " وجد نقلاً صحيحاً عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ذكر. وقال الشافعي وقال الكاكي - رحمهما الله -: نسبته لهذا القول إلى الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقع سهواً من الكاتب لما أنه ذكر في كتبهم أنه سنة، وذكر في " المبسوط " الليث بن سعد مكان الشافعي، وفي " الأسرار " علقمة، وفي " فتاوى قاضي خان " - رَحِمَهُ اللَّهُ - مالكاً مكانه، وذكر في " المحيط " مالكاً والشعبي وعلقمة، ونسبة هذا أيضاً إلى مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سهو، لأن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] [198 البقرة] ، وبمثله تثبت الركنية، ولنا ما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قدم ضعفة أهله بالليل، ولو كان ركنا لما فعل ذلك، والمذكور فيما تلا الذكر وهو ليس بركن بالإجماع، وإنما عرفنا الوجوب بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من وقف معنا هذا الموقف وقد كان أفاض قبل ذلك من عرفات فقد تم   [البناية] الصحيح من مذهبه أن الوقوف بها سنة، والنزول بها واجب، وكذا الوقوف مع الإمام سنة عنده. وذهب علقمة بن قيس والشعبي والنخعي والحسن البصري والأوزاعي وحماد بن أبي سليمان إلى أن الحج يفوت بفوات الوقوف بالمزدلفة، ويروى عن ابن عباس والزبير. وفي " المبسوط " وعلى قول الليث بن سعد هذا الوقوف ركن. وقالت الظاهرية: من لم يدرك مع الإمام صلاة الصبح بالمزدلفة بطل حجه إن كان رجلاً، ولو دفع عن عرفة قبل غروب الشمس فلا شيء عليه وحجه تام م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] [البقرة: الآية 198] ، وبمثله) ش: أي وبمثل هذا الأمر الذي في الآية الكريمة م: (تثبت الركنية) ش: لأنه نص قطعي، فأمر بالذكر عند المشعر الحرام والذكر يكون مع الوقوف فيكون فرضاً. م: (ولنا ما روي «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قدم ضعفة أهله بالليل» ش: هذا الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن عطاء عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقدم ضعفة أهله بغلس ويأمرهم لا يرمون الجمرة حتى تطلع الشمس» وروى البخاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومسلم عن سالم عن أبيه عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كان يقدم ضعفة أهله ... الحديث، والضعفة على وزن فعلة، جمع ضعيف ويجمع على ضعفاء أيضا وأراد به النساء والولدان والخدام. م: (ولو كان) ش: أي الوقوف بمزدلفة م: (ركنا لما فعل ذلك) ش: أي تقديم الضعفة، لأن ما كان ركناً لا يجوز تركه للعود، وفي " الإيضاح " الركن لا يثبت إلا بدليل مقطوع به، وقد أجمعت الأمة أن الوقوف بعرفة وطواف الزيارة من جملة الأركان، وفي الوقوف بمزدلفة لم ينعقد الإجماع بل الحديث ورد به م: (والمذكور فيما تلا الذكر) ش: هذا جواب عن استدلال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالآية، وتقديره أن المأمور به في الآية هو الذكر. م: (وهو ليس بركن بالإجماع) ش: فكذا ما كان وسيلة إليه، وهو الحضور في الوقوف م: (وإنما عرفنا الوجوب) ش: جواب عن سؤال مقدر ما يقال إذا نفيتم الركنية عن الوقوف بالمزدلفة، فمن أين يقولون بوجوبه، فقال وإنما عرفنا الوجوب، أي وجوب الوقوف بمزدلفة م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من وقف معنا هذا الموقف وقد كان أفاض قبل ذلك من عرفات، فقد تم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 حجه» علق به تمام الحج، وهذا يصلح أمارة للوجوب، غير أنه إذا تركه بعذر بأن يكون به ضعف، أو علة، أو كانت امرأة تخاف الزحام لا شيء عليه لما روينا. قال: والمزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر لما روينا من قبل. قال: فإذا طلعت الشمس أفاض الإمام والناس معه   [البناية] حجة» هذا الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن عروة بن نصير، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى يدفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك، ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه» وأخرجه ابن حبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه " وقال: وهو الصحيح على شرط كافة أئمة الحديث. قوله - هذا الموقف - أشار به إلى موقف المزدلفة، والواو في - وقد كان - للحال قوله - أفاض - أي رجع ووقع. م: (علق) ش: أي علق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (به) ش: أي بالوقوف بالمزدلفة م: (تمام الحج، وهذا) ش: أي تعليق تمام الحج بالوقوف م: (يصلح أمارة للوجوب) ش: بفتح الهمزة، أي علامة وجوب الوقوف م: (غير أنه إذا تركه) ش: إشارة من قوله - وهذا يصلح أمارة الوجوب - يعني الوقوف بمزدلفة واجب، إلا أنه إذا تركه، أي الوقوف م: (بعذر كأن) ش: أي بسبب عذر مثل الخوف من الزحام أو عروض علة من العلل، أشار إليه بقوله م: (بأن يكون به ضعف، أو علة، أو كانت امرأة تخاف الزحام لا شيء عليه لما روينا) ش: أراد به أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قدم ضعفه أهله بالليل. [المزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والمزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر لما روينا من قبل) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ومزدلفة كلها موقف، وارتفعوا عن وادي محسر وفي " المحيط " وقت الوقوف بمزدلفة بعد طلوع الفجر من يوم النحر، إلا إن أسفر جداً. وفي " الأسبيجابي " لو جاوز حد المزدلفة قبل طلوع الفجر، فعليه دم إلا لعلة أو ضعف، فخاف الزحمة فدفع منها ليلا أو مر بها من غير أن يقف جاز كالوقوف بعرفة، وفي " التحفة " لو مر في حريم آخر المزدلفة جاز، ومحسر بكسر السين المشددة فاعل من حسر بالتشديد، لأن فيه أصحاب حسر فيه، [ .... ] ، وقيل: من السير وهو واد بين منى والمزدلفة، وسمي وادي النار، يقال: إن رجلاً اصطاد فيه فنزلت نار فأحرقته، وقيل لأنه يحسر سالكيه رؤوسهم، ذكره المنذري، وحد المزدلفة ما بين ماري عرفة، وقرن بمحسر يمينا وشمالا من الشعاب والجبال، ذكره النووي - رحمهما الله - وحكم الإسراع فيه مخالفة النصارى لأنه موقفهم. م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإذا طلعت الشمس أفاض الإمام والناس معه) ش: على هينهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 حتى يأتوا منى قال العبد الضعيف - عصمه الله تعالى -: هكذا وقع في نسخ المختصر، وهذا غلط، والصحيح: أنه إذا أسفر أفاض الإمام والناس؛ لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دفع قبل طلوع الشمس.   [البناية] م: (حتى يأتوا منى. قال العبد الضعيف - عصمه الله تعالى -) ش: أي المصنف م: (هكذا وقع في نسخ المختصر، وهذا غلط، والصحيح: أنه إذا أسفر أفاض الإمام والناس) ش: معه. وقال الأترازي: هذا الذي قاله صاحب " الهداية " - رَحِمَهُ اللَّهُ - صحيح، لكن الغلط وقع من الكاتب لا من القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ففسره الأترازي أن الشيخ أبا النصر البغدادي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو من تلامذة الشيخ أبي الحسن القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذا الموضع في الشرح بقوله، قال ثم يفيض الإمام من مزدلفة قبل طلوع الشمس والناس معه حتى يأتي منى. وأثبت الإمام أبو الحسن القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصر الكرخي " مثل هذا، فقال ويفيض الإمام قبل طلوع الشمس فيأتي منى فعلم أن ذكر صاحب " الهداية " منقول في " مختصر " القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فذلك سهو من الكاتب لا من القدوري، والشيخ أبو الحسن القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أجل نصاً من أن تزل قدمه في هذا القدر وهو بحر جار في الفقه، وغيث مدرار في الحديث، وناهيك من دليل على غزارة علمه شرحه لمختصر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإذا طالعته عرفت أن محله في الفقه كان عند العيوب ولا تناله يد كل أحد ويرجع طرف الناظر إلى منزلته من كلال ورمد، انتهى. قلت: هذا كله لا ينافي وقوع السهو منه لأن تعرض له كبوة، والعالم له زلة، وقد وقع من أكابر العلماء ممن تقدموا من السهو والخطأ، ومع هذا وقوع السهو لا ينافي جلالة قدره وغزارة علمه، ولكن سمعت من أستاذه الكبير يقول إن القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما فرغ من تصنيف مختصره المنسوب إليه حج، وأخذ المختصر معه، ولما فرغ من طوافه سأل الله سبحانه أن يوقفه على خطأ فيه وسهو منه عن قلم. ثم إنه فتح المختصر وتصفحه ورقة ورقة إلى آخره فوجد فيه خمسة مواضع أو ستة مواضع ممحوة، وهذا يعد من كرامته، وهذا مما يؤيد أن وقوع هذا الغلط من الكاتب لا منه والله أعلم، ومختصر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - الذي عنده يقرؤه أبي وجدي وقرئ على شيخ المشايخ هكذا، والمزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر، ثم أفاض الإمام والناس قبل طلوع الشمس حتى يأتوا منى. قوله والصحيح إذا أسفر ذكره في " المحيط " محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الإسفار يقال إذا لم يبق من طلوع إلا مقدار ما يصلي فيه ركعتان. م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دفع قبل طلوع الشمس) ش: هذا الحديث رواه الجماعة إلا سلمان عن «عمرو بن ميمون قال: شهدت عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صلى بجمع الصبح ثم وقف فقال: إن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 قال: فيبتدئ بجمرة العقبة فيرميها من بطن الوادي بسبع حصيات مثل حصى الخذف؛ «لأن   [البناية] المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ويقولون أشرق ثبير، وأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خالفهم ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس» و - ثبير - بفتح الثاء وكسر الباء الموحدة اسم جبل، وكانوا يقولون أشرف نهر كما يغير من الإغارة بالغين المعجمة وهو الإسراع. [رمي الجمرات] [عدد الجمرات وصفاتها] م: (قال: فيبتدئ بجمرة العقبة) ش: وفي بعض النسخ م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيبتدئ بجمرة العقبة - الجمرة - الحجر الصغير، وجمعها الجمار، وبها سمي المواضع التي يرمي جمار أو حجار أو حجرات لما بينهما من الملابسة. وقيل لجمع ما هنالك من الحصى من تجمر القوم إذا اجتمعوا، وسميت جمرة العقبة لأنها جبل في طريق منى كذا في " مبسوط " البكري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذكر في " مبسوط " شيخ الإسلام إنما سميت جمرة لأن إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أمر بذبح الولد جاء الشيطان يوسوسه فكان إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يرمي إليه الأحجار طرداً له، وكان بجمع بين يديه أي يسرع في المشي. م: (فيرميها من بطن الوادي) ش: أي فيرمي الجمرة من أسفل الوادي إلى أعلاه، هكذا رواه ابن عمر وابن مسعود في " الصحيحين " والترمذي عن ابن مسعود أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لما رمى جمرة العقبة جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه» وفي رواية أنه أسطن، وقال ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة، وإنما خص بسورة البقرة لأن معظم مناسك الحج فيها، ولو رماها من أعلاها جاز، والأول السنة، فإن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رماها من أعلاها للزحام. وفي " البدائع " و " التحفة " يأخذ الجمار من المزدلفة أو من الطريق، وفي " المحيط " يأخذ من الطريق، وفي " مناسك " جمال الدين الحضرمي قد جرى التواتر بحمل الحصى من جبل على الطريق، فيحمل سبعين حصاة، وفي " مناسك " الكرماني - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرفع من المزدلفة سبع حصاة، لحديث الفضل هو السنة، وقال قوم يأخذ منها سبعين حصاة، ويكره كسر الحجارة إلا عن عذر، ويستحب التقاطها من الطريق والأمر في ذلك واسع لسبع حصيات مثل حصيات الخذف بالخاء والذال المعجمتين الرمي برؤوس الأصابع والحذف بالحاء المهملة الرمي بالقبض. وقال الحسن البصري في " مناسكه " حصى الحذف مثل النواة وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكون أصغر من الأنملة طولاً وعرضاً، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أتى منى لم يعرج على شيء حتى رمى جمرة العقبة، هذا في حديث جابر الطويل - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فدفع قبل أن تطلع الشمس حتى وصل إلى بطن محسر، فحرك قليلاً ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها. م: (بسبع حصيات مثل حصى الخذف؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أتى منى لم يعرج على شيء حتى رمى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لما أتى منى لم يعرج على شيء حتى رمى جمرة العقبة» وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عليكم بحصى الخذف، لا يؤذي بعضكم بعضا» ولو رمى بأكبر منه جاز لحصول الرمي، غير أنه لا يرمي بالكبار من الأحجار كيلا يتأذى به غيره. ولو رماها من فوق العقبة أجزأه؛ لأن ما حولها موضع النسك، والأفضل أن يكون من بطن الوادي لما روينا، ويكبر مع كل   [البناية] جمرة العقبة) ش: فقوله لم يعرج على شيء، أي لم يقف عنده، يقال مررت به فأعرجت عليه، أي ما وقفت وعرجت بالقاف، م: (وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عليكم بحصى الخذف، لا يؤذي بعضكم بعضا» ش: هذا الحديث رواه الطبراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " معجمه الأوسط " من حديث نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لما أتى محسراً: " عليكم بحصى الخذف» . وفي رواية ابن ماجه من حديث سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه قالت: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرمي الجمرة من بطن الوادي.. الحديث، وفي آخره وإذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذف.» م: (ولو رمى بأكبر منه) ش: أي بحجر أكبر من حصى الخذف م: (جاز لحصول الرمي، غير أنه لا يرمي بالكبار من الأحجار كيلا يتأذى به غيره) ش: وفي " المحيط " لا يستحب الكبار، وعند أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لو رمى بحجر كبير لا تجزئه، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه يستحب أن يكون أكبر من حصى الخذف، وأنكر القرطبي والشافعي - رحمهما الله -، وقالا بعدما صح من قول الشارع أنه مثل حصى الخذف لا معنى لأكبر من ذلك. م: (ولو رماها من فوق العقبة أجزأه) ش: جاز لحصول الرمي، غير أنه لا يرمي بالكبار كيلا يتأذى به غيره أجزأه م: (لأن ما حولها موضع النسك) ش: لأن بعض الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا يرمونها من فوق العقبة، ألا ترى أن عبد الرحمن بن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إن الناس يرمونها من فوقها، وأراد بالناس الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (والأفضل أن يكون من بطن الوادي لما روينا) ش: وهو أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رمى هكذا. م: (ويكبر مع كل حصاة) ش: من الحصيات السبع، قال الناطقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " الأجناس " - ذكر في مناسك الحسن بن دينار - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يقول عند كل حصاة يرميها بسم الله والله أكبر، ويرمي بيد واحدة بيده اليمنى. وقال في " النوازل " يكبر مع كل حصاة، ويقول اللهم اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً. وقال أبو عمر بن عبد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 حصاة، كذا روي ابن مسعود، وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. ولو سبح مكان التكبير أجزأه) لحصول الذكر، وهو من آداب الرمي، ولا يقف عندها؛ لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لم يقف عندها. ويقطع التلبية مع أول حصاة؛ لما روينا عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -   [البناية] البر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تأقيت في دعاء الرمي عند الفقهاء، وإنما هو ذكر ودعاء، وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه إذا كان يرمي يقول بسم الله اللهم لك الحمد والشكر، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يقول كلما رمى حصاة اللهم اهدني بالهدى، وقوني بالتقوى، واجعل الآخرة خيراً لي من الأولى، والمعروف عندنا أن يقول عند كل حصاة بسم الله والله أكبر، رغماً للشيطان وحزبه ويقوم التسبيح والتهليل مقامه. م: (كذا روي ابن مسعود، وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أما حديث ابن مسعود فأخرجه البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن زيد قال عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة الحديث. وأما حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فأخرجه البخاري عن الزهري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سمعت سالماً يحدث عن أبيه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا رمى الجمرة رماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة» .. الحديث. م: (ولو سبح مكان التكبير أجزأه لحصول الذكر) ش: أي ذكر الله تعالى م: (وهو من آداب الرمي) ش: أي التكبير من آداب الرمي ولهذا لو سبح مكان التكبير جاز لحصول المقصود وهو الذكر م: (ولا يقف عندها) ش: أي عند جمرة العقبة م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقف عندها) ش: كان إذا رمى الجمرة ... الحديث، وفيه: ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات يكبر كلما رماها بحصاة، ثم ينصرف ولا يقف عندها. م: (ويقطع التلبية مع أول حصاة؛ لما روينا عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أشار به إلى قوله فيما مضى، ولنا ما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما زال يلبي حتى أتى جمرة العقبة» هكذا قال الأترازي، وقال مخرج الأحاديث: كأن المصنف ذهل، فإنه لم يذكر هذا عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وأما ما ذكر عند التكبير مع كل حصاة إلا أن يكون مفهوماً، فإنه قوله: يكبر مع كل حصاة، يدل على أنه قطع التلبية مع أول كل حصاة، وصرح به البيهقي في " المعرفة "، فإنه قال بعد أن ذكره من جهة مسلم: وفيه دلالة على أنه قطع التلبية بأول حصاة ثم كان يكبر مع كل حصاة، انتهى، ورمى جمرة العقبة بأول حصاة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 وروى جابر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قطع التلبية عند أول حصاة رمى بها جمرة العقبة. ثم كيفية الرمي أن يضع الحصاة على ظهر إبهامه اليمنى، ويستعين بالمسبحة ومقدار الرمي أن يكون بين الرامي، وبين موضع السقوط خمسة أذرع فصاعدا، كذا روى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن ما دون ذلك يكون طرحا، ولو طرحها طرحا أجزأه لأنه رمى إلى قدميه، إلا أنه مسيء لمخالفته السنة. ولو وضعها وضعا لم يجزئه؛ لأنه ليس برمي، ولو رماها فوقعت قريبا من الجمرة يكفيه؛ لأن هذا القدر مما لا يمكن الاحتراز عنه، ولو وقعت بعيدا منها لا يجزئه؛ لأنه لم يعرف قربة إلا في مكان مخصوص.   [البناية] م: (وروى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قطع التلبية عند أول حصاة رمى بها جمرة العقبة» ش: هذا الحديث لم يتعرض إليه أحد من الشراح، وهذا مفهوم ما جاء في حديث جابر الطويل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة» ... الحديث. [كيفية رمي الجمرات ومقداره] م: (ثم كيفية الرمي أن يضع الحصاة على ظهر إبهامه اليمنى، ويستعين بالمسبحة) ش: أي بالسبابة وهي التي تلي الإبهام. قيل: إن المسبحة اسم جاهلي، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - اختلف المشايخ في كيفية الرمي، قال بعضهم يضع الحصاة على ظهر إبهامه ويستعين بالمسبحة كأنه عاقد سبعين. وقيل يأخذها بطرف إبهامه وسبابته كأنه عاقداً ثلاثين ويرميها، وقال بعضهم يحلق سبابته ويضعها على مفصل إبهامه كأنه عاقد عشرة ويرميها وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وفي " الفتاوي الظهيرية " قال مشايخ بخارى كيفما رمى فهو جائز، والأول أصح، كذا في " المحيط " وقيل يضع رأس الإبهام عند وسط السبابة ويرمي بظفر الإبهام، وفي " البدائع «عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه وضع إحدى سبابتيه على الأخرى كأنه يحذف وكيفما رمى جاز» . م: (ومقدار الرمي أن يكون بين الرامي، وبين موضع السقوط خمسة أذرع فصاعدا، كذا روى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن ما دون ذلك يكون طرحا) ش: فيكون مسبباً لمخالفة السنة م: (ولو طرحها طرحا أجزأه لأنه رمى إلى قدميه، إلا أنه مسيء لمخالفته السنة. ولو وضعها وضعا لم يجزئه؛ لأنه ليس برمي) ش: حكى القاضي عياض - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن المالكية أن الطرح والوضع لا يجزئ، قال: وقال أصحاب الرأي يجزئ الطرح ولا يجزئ الوضع. قال: ووافقنا أبو ثور إلا أنه قال: إن كان يسمى الطرح رمياً أجزأه. وحكى إمام الحرمين عن بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يكفي الوضع. م: (ولو رماها فوقعت قريبا من الجمرة يكفيه؛ لأن هذا القدر مما لا يمكن الاحتراز عنه، ولو وقعت بعيدا منها لا يجزئه؛ لأنه) ش: أي لأن الرمي م: (لم يعرف قربة إلا في مكان مخصوص) ش: وهو الجمرة، لأن نفس الرمي ليس بقربة فلا يقع قربة إلا في المكان المخصوص الذي عينه الشارع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 ولو رمى بسبع حصيات جملة، فهذه الجملة واحدة؛ لأن المنصوص عليه تفرق الأفعال، ويأخذ الحصاة من أي موضع شاء، إلا من عند الجمرة فإن ذلك يكره؛ لأن ما عندها من الحصى مردود، هكذا جاء في الأثر فيتشاءم به   [البناية] م: (ولو رمى بسبع حصيات جملة، فهذه واحدة) ش: أي رمية واحدة فعليه أن يأتي بالبقية م: (لأن المنصوص عليه تفرق الأفعال) ش: أي لأن المنصوص هو فعل الرمي بسبع حصيات متفرقات لا عين الحصيات. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": وإن رماها بأكثر من سبع لم تضره تلك الزيادة م: (ويأخذ الحصى من أي موضع شاء، إلا من عند الجمرة، فإن ذلك يكره) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن شعبان المالكي لا يجوز. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي " فإن رماها بحصاة أخذها من عند الجمرة أجزأه، وقد أساؤوا. وقال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرحه "، فإن رمى بحجر من الجمرة جاز، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز. لنا أن الرمي لا يغير صفة الحجر، فجاز الرمي كما جاز في الابتداء بخلاف الماء المستعمل عندنا حيث لا يجوز استعماله ثانياً لأنه انتقلت النجاسة إليه بالاستعمال، وقال القدوري: والعجب من مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث جوز الوضوء بالماء المستعمل وإن كان الاستعمال يغير اسم الماء ومنع الرمي بالحجر وإن كان الرمي لا يغير صفته، انتهى. قلت: ذكر الكاكي مالكاً والشافعي - رحمهما الله - ينافي هذه المسألة. م: (لأن ما عندها من الحصى مردود) ش: أي لأن ما عند الجمرة من الحصى مردود لم يقبل الله من راميه م: (هكذا جاء في الأثر) ش: أي بكونه مردوداً جاء الحديث م: (فيتشاءم به) ش: أي فيعد مشئوماً مانعاً إلا به، والأثر أخرجه أبو نعيم في " دلائل النبوة " عن عبد الله بن خراش عن العوام عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما قبل حج امرئ إلا رفع حصاه» ، ورواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال في حصى الجمار ما قبل منه رفع وما لا يقبل منه ترك، وروى ابن أبي شيبة أيضاً نحوه موقوفاً. وروى الحاكم في " مستدركه " والدارقطني في " سننه " عن يزيد بن سنان عن زيد بن أبي شيبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبي سعيد الخدري قال: «قلنا يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذه الجمار التي يرمى بها كل عام فنحسب أنها تنقص فقال إن ما قبل منها رفع ولولا ذلك لرأيتها أمثال الجبال» قال الحاكم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حديث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 ومع هذا لو فعل أجزأه، لوجود فعل الرمي، ويجوز الرمي بكل ما كان من أجزاء الأرض عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ويزيد بن سنان ليس بالمتروك. وأعله الشيخ في " الإمام " بأن يزيد بن سنان فيه مقال. وقال صاحب " التنقيح " هذا حديث لا يثبت، فإن أبا فروة يزيد بن سنان ضعفه الإمام أحمد والدارقطني - رحمهما الله - وغيرهما، وتركه النسائي وغيره. ورواه ابن أبي شيبة في " منصفه " موقوفاً على أبي سعيد، وقال ما تقبل من حصى الجمار رفع، والكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر هنا عند قوله، هكذا جاء الأثر قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من قبلت حجته رفعت جمرته» وعن سعيد بن جبير - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: قلت لابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ما بال الجمار ترمى من وقت الخليل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[ ..... ] لسد الأفق، فقال أما علمت أن من تقبل حجته ترفع حصاه، ومن لم تقبل حجته ترك حصاه. قال مجاهد لما سمعت هذا منه جعلت على حصياتي علامة، ثم توسطت الجمرة من كل جانب فلم أجدها، كذا في " المبسوط " وقال الأترازي هنا: ولا يأخذ من الجمار التي رميت عند الجمرة لما قيل إنها حصى من لم تقبل حجته، فإن من قبلت حجته رفعت جمرته، وقال: وقد روي عن سعيد بن جبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال لابن عباس، فذكر مثل ما ذكره الكاكي إلى قوله [ ] ، وقال ابن عباس: أما علمت أن من قبل حجته رفع حصاه، انتهى. قلت: كل هذا من عدم اطلاعهم على كتب الحديث وما آفة ذاك إلا من التقليد. م: (ومع هذا) ش: أي وعلى ما ذكرنا من أن أخذه الحصى من عند الجمرة مكروه م: (لو فعل) ش: أي لو أخذ من موضع الجمرة م: (أجزأه لوجود فعل الرمي) ش: لأن المقصود التشبه بإبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في إهانة الشيطان وإنه حاصل. م: (ويجوز الرمي بكل ما كان من أجزاء الأرض عندنا) ش: سواء كان مدراً أو طيناً أو يابساً أو قبضة تراب، وفي السروجي وكذا المغرة والنورة والزرنيخ والأحجار النفيسة كالياقوت والزمرد والبلخش ونحوها والملح الحيلي والكحل والزبرجد والبلور والعقيق والفيروز، بخلاف الحشيش والعنبر واللؤلؤ والذهب والفضة والجواهر وهي كبار اللؤلؤ فإنها ليست من أجزاء الأرض، وبقولنا قال الثوري. م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه عنده لا يجوز إلا بالحجر، وفي " السروجي " وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - المرمر والدام، والكران وحجر النورة قبل أن يطبخ، وحجر الحديد على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 لأن المقصود فعل الرمي، وذلك يحصل بالطين كما يحصل بالحجر، بخلاف ما إذا رمى بالذهب أو الفضة فإنه لا يجوز، لأنه يسمى نثارا لا رميا. قال: ثم يذبح إن أحب ثم يحلق أو يقصر لما روي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نرمي ثم نذبح، ثم   [البناية] المذهب الصحيح، ومما يتخذ منه الفصوص كالفيروزج والياقوت والعقيق والبلور والزبرجد في أصح الوجهين، وهو قول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - و [ ..... ] مع أنه نوع من الحجر. وبقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال مالك: وقال القاضي من الحنابلة لا يجوز بالدام والحام والكران، وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز الحجر الكبير، وذهب أبو داود إلى أنه يجوز بكل شيء حتى البعرة والعصفور الميت، وقال ابن المنذر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز إلا بالحصى، ذكره القرطبي. م: (لأن المقصود فعل الرمي) ش: هذا تعللينا، ولم يذكر تعليل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، هو يقول أن المأثور هو الحجر م: (وذلك) ش: أي المقصود من الرمي م: (يحصل بالطين كما يحصل بالحجر) ش: والمقصود هو إهانة الشيطان وهو يحصل بكل ما كان مهاناً في نفسه من أجزاء الأرض، هكذا ذكره الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال الكاكي: المقصود التشبه بإبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في إهانة الشيطان، انتهى. قلت: في كلام كل منهما نظر، أما كلام الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه قال بكل ما كان مهانا في نفسه، فالياقوت والزمرد والبلخش والزبرجد والبلور والعقيق والفيروزج عزيزة في أنفسها غير مهانة، فعلى تعليله ينبغي أن لا يجوز الرمي بهذه الأشياء، وأما كلام الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه قال: المقصود التشبه بإبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ففي الرمي بهذه الأشياء لا يوجد التشبه. م: (بخلاف ما إذا رمى بالذهب أو الفضة، فإنه لا يجوز، لأنه يسمى نثارا لا رميا) ش: فيه نظر، لأن فيه الرمي حقيقة، بل قوله - لأنه يسمى نثاراً - صحيح، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه نثار لا رمي، فلم يدل على الإهانة، بل على الإعزاز، وفيه أيضاً نظر، لأن الإعزاز في الياقوت ونحوه مما ذكرنا أقوى وأشد وأظهر فعلى كلامه ينبغي أن لا يجوز ومع هذا يجوز. [ذبح الهدي والحلق والتقصير للحاج] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ثم يذبح) ش: بعد رمي جمرة العقبة م: (إن أحب) ش: أي الذبح، يعني إن شاء، وأما على المحبة باعتبار الدم على المفرد مستحب لا واجب، والكلام في المفرد لا في القارن والمتمتع، فإن الدم واجب عليهما م: (ثم يحلق أو يقصر) ش: إنما تردد بين الحلق والتقصير، لأن أحدهما واجب، سواء كان مفرداً أو قارناً أو متمتعاً، لكن الحلق أفضل، وفي " المبسوط " أنه خير بين الحلق والتقصير إذا لم يكن شعره ملبداً أو معقوصاً أو مصفراً، فإن كان لا يتخير بل يلزمه الحلق، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم وأحمد وقال في الجديد يجوز القصر. م: (لما روي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نرمي، ثم نذبح ثم نحلق ") ش: هذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 نحلق» ولأن: الحلق من أسباب التحلل، وكذا الذبح حتى يتحلل به المحصر، فيقدم الرمي عليهما، ثم الحلق من محظورات الإحرام فيقدم عليه الذبح، وإنما علق الذبح بالمحبة لأن الدم الذي يأتي به المفرد تطوع، والكلام في المفرد، والحلق أفضل؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رحم الله المحلقين» قاله ثلاثا ... الحديث ظاهر بالترحم عليهم   [البناية] غريب، وأخرجه الجماعة إلا ابن ماجه عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى منى وأتى الجمرة ورماها ثم أتى منزله منى فنحر ثم قال للحلاق خذ، وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس» . م: (ولأن: الحلق من أسباب التحلل، وكذا الذبح حتى يتحلل به المحصر) ش: أي الذبح أيضاً من أسباب التحلل كالحلق، وهكذا يتحلل به المحصر، وليس عليه حلق أو تقصير في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - على ما يجيء بيانه في باب الإحصار م: (فيقدم الرمي عليهما) ش: أي على الذبح م: (ثم الحلق من محظورات الإحرام) ش: أي من ممنوعاته م: (فيقدم عليه الذبح) ش: أي على الحلق، فأخر لذلك م: (وإنما علق الذبح بالمحبة) ش: أي إنما علق القدوري الذبح بقوله إن أحب. م: (لأن الدم الذي يأتي به المفرد تطوع) ش: لأنه مسافر م: (والكلام) ش: يعني في هذا الباب م: (في المفرد) ش: يعني في الحاج المفرد وقد ذكرنا هذا عن قريب م: (والحلق أفضل) ش: أي من التقصير م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رحم الله المحلقين، قاله ثلاثاً» ... الحديث) ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «رحم الله المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله» . وفي رواية البخاري «لما كان الرابعة قال: و " المقصرين» قوله الحديث - بالنصب، أي آخر الحديث إلخ، ويجوز رفعه على أنه مبتدأ محذوف الخبر م: (ظاهر بالترحم عليهم) ش: أي ظاهر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالترحم على المحلقين. قال الأكمل: أي كرر الترحم عليهم، وقال الكاكي: المراد به ها هنا التلفظ به مراراً، يعني كرر لفظ رحم الله، وهو قريب من الأول، قال تاج الشريعة حيث قال: ثلاث مرات حيث قال رحم الله المحلقين من ظاهر بين الثوبين، إذ ليس أحدهما فوق الآخر. قلت: ظاهر من باب المفاعلة وأصله للمشاركة بين اثنين، وها هنا ليس كذلك، بل هو بمعنى فعل كما في قَوْله تَعَالَى {وَسَارِعُوا} [آل عمران: 133] أي أسرعوا، وفي الحديث ظاهر بين درعين، أي ظهر بينهما معناه ليس أحدهما فوق الآخر، ومنه بارز علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يوم بدر، أي نصر وأعان، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله ظاهر الحديث بالترحم عليهم، ورفع لفظ الحديث، فيدل على أن لفظ الحديث هو فاعل، وظاهر فعله، وبالترحم في محل المفعول وليس كذلك، بل فاعل ظاهر هو النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما ذكرنا فافهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 ولأن الحلق أكمل في قضاء التفث وهو المقصود، وفي التقصير بعض التقصير، فأشبه الاغتسال مع الوضوء، ويكتفى في الحلق بربع الرأس اعتبارا بالمسح، وحلق الكل أولى اقتداء برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي التقصير أن يأخذ من رؤوس شعره مقدار الأنملة.   [البناية] م: (لأن الحلق أكمل في قضاء التفث) ش: أي في إزالة الوسخ، لأن قضاء التفث قص الشارب والأظفار ونتف الإبط وحلق العانة، والتفث بالفتحات الوسخ، ومادته بالمثناة من فوق وفاء وتاء مثلثة، وكون الحلق أكمل إجماع، واختلف فيمن وجب عليه الحلق، وليس على رأسه شعر، قيل يجب عليه إمرار الموسى على رأسه، وبه قال مالك وبعض أصحاب الشافعي - رحمهما الله -، لأن الواجب عليه إمرار الموسى على رأسه وإزالة الشعر، إلا أنه عجز عن أحدهما وقدر على الآخر، فما قدر عليه بقي وما عجز عنه سقط، وقال بعضهم يستحب وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - م: (وهو المقصود) ش: أي إزالة التفث هو المقصود. م: (وفي التقصير بعض التقصير) ش: أي في تقصير شعر رأسه بعض التقصير في إقامة السنة وإنما قيد بالبعض لأن كلاً من الحلق والتقصير جائز، ولكن الحلق أفضل من التقصير، وفيه نوع قصور م: (فأشبه الاغتسال مع الوضوء) ش: فإن المغتسل إذا ترك الوضوء واكتفى بغسله فإنه يجوز، ولكن الأفضل أن يتوضأ أولاً ثم يغتسل، فإن في ترك الوضوء نوع قصور. م: (ويكتفي في الحلق بربع الرأس اعتبارا بالمسح) ش: في الوضوء، لأن الربع يقوم مقام الكل م: (وحلق الكل أولى اقتداء برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي أفضل، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعنده أقل ما يجزئ ثلاث شعرات أو يقصر بها، وقال مالك وأحمد - رحمهما الله - بحلق الكل أو الأكثر بناء على مسح الرأس، وفي حمل النوازل حلق كله مسنون. م: (وفي التقصير أن يأخذ من رؤوس شعره مقدار الأنملة) ش: وهذا التقدير مروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وعليه إجماع الأمة والمرأة فيه كالرجل. وفي " الولوالجي " تقصر ربع رأسها مقدار الأنملة - وكذا الرجل تأخذ من كل قرن بقدر الأنملة، ولو تنور حتى زال شعره فهو كالحلق، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومن لا شعر له لو أمر موسى لا يأخذ من لحيته أو شاربه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يأخذ استحباباً، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - لأن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فعل ذلك. قلنا: فعل ذلك اتفاقاً لا قصداً، والحلق من يمين الحالق، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من يمين المحلوق، فاعتبرنا يمين المحلوق، وقال الكرماني ذكره بعض أصحابنا ولم يعزه إلى أحد، بل الأولى اتباع السنة، فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بدأ بيمينه. وقال الكاكي: وقد أخذ أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقول الحجام حين قال أذن الشق الأيمن من رأسه وفيه حكاية معروفة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 وقد حل له كل شيء إلا النساء. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإلا الطيب أيضا؛ لأنه من دواعي الجماع. ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه: «حل له كل شيء إلا النساء»   [البناية] قلت: الحكاية هي ما روي عن وكيع قال: قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أخطأت في ستة أبواب من المناسك علمنيها حجام، وذلك حين أردت أن أحلق رأسي وقفت على حجام، فقلت له بكم تحلق رأسي؟ فقال لي: أعرابي أنت، فقلت: نعم، قال النسك لا يشترط عليه، اجلس، فجلست منحرفاً عن القبلة، فقال لي حول وجهك إلى القبلة، فحولت وأردت أن يحلق رأسي من الجانب الأيسر، فقال لي أدر الشق الأيمن من رأسك، فأدرته، فجعل يلحق وأنا ساكت، فقال لي كبر، فجعلت أكبر حتى قمت لأذهب، فقال: رأيت عطاء بن أبي رباح يفعل هذا، أخرجه أبو الفرج في مسير القوم الساكن إلى أشرف الأماكن اقتداء برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أخرج الجماعة إلا ابن ماجه عن ابن سيرين عن أنس بن مالك قال: «لما رمى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجمرة ونحر نسكه وحلق ناول الحالق شقه الأيمن، فحلقه ثم دعا أبا طلحة الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأعطاه ثم ناوله الآخر، فقال احلق فحلقه أبو طلحة، فقال: " اقسمه بين الناس» ، والتقصير أن يأخذ من رؤوس شعره مقدار الأنملة وقد مر الآن. [التحلل الأصغر والأكبر للحاج] م: (وقد حل له) ش: أي لهذا الحاج المفرد م: (كل شيء) ش: من محظورات الإحرام م: (إلا النساء) ش: قال الأترازي: الرواية بنصب - النساء - لأنه مستثنى من الموجب. م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإلا الطيب أيضاً) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله وقال الليث إلا النساء والصيد، كذا في " شرح مختصر الكرخي " م: (لأنه) ش: أي الطيب م: (من دواعي الجماع) ش: كالمس والقبلة، ولهذا حرم الطيب على المعتدة وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لا يحل الطيب. م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (فيه) ش: أي فيمن رمى وحلق وذبح م: (حل له كل شيء إلا النساء) ش: هذا أخرجه الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الآثار " بإسناده إلى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء» . وروى أبو داود عن حجاج بن أرطاة عن الزهري عن عمرة عن عائشة قالت، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء» ، قال أبو داود: هذا الحديث ضعيف، والحجاج بن أرطاة لم ير الزهري ولم يسمع منه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 وهو مقدم على القياس. ولا يحل له الجماع فيما دون الفرج عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه قضاء الشهوة بالنساء فيؤخر إلى تمام الإحلال. ثم الرمي ليس من أسباب التحلل عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو يقول: إنه يتوقت بيوم النحر كالحلق فيكون بمنزلته في التحليل. ولنا أن ما يكون محللا يكون جناية في غير أوانه كالحلق، والرمي ليس بجناية في غير أوانه، بخلاف الطواف؛ لأن التحلل بالحلق السابق لا به.   [البناية] م: (وهو مقدم على القياس) ش: أي الحديث مقدم على القياس الذي قاسه مالك، حيث لم يجوز الطيب بالقياس، وقال الجماع لا يحل له بعد الحلق قبل الطواف، فكذا الطيب. لأنه من دواعي الجماع، وجوابه هو قوله - وهو مقدم على القياس - حاصله لا نسلم بأن الطيب من دواعي الجماع، ولئن سلمنا لكن نقول العمل بخبر الواحد أولى من العمل بالقياس، لأن الشبهة في القياس في أصله وفي خبر الواحد في نقله لا في أصله. م: (ولا يحل له الجماع فيما دون الفرج عندنا) ش: كالبطن ونحوه م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده في أحد قوليه يحل الجماع فيما دون الفرج والمباشرة م: (لأنه) ش: أي لأن الجماع فيما دون الفرج م: (قضاء الشهوة بالنساء فيؤخر إلى تمام الإحلال) ش: وهو بعد الطواف. م: (ثم الرمي) ش: أي رمي جمرة العقبة م: (ليس من أسباب التحلل عندنا) ش: وقبل الحلق م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فعنده يتحلل بعد الرمي، ويحل له كل شيء إلا النساء م: (هو) ش: أي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يقول: إنه) ش: أي إن التحلل م: (يتوقت بيوم النحر كالحلق) ش: فإنه يحل له بعد الرمي، وهو من محظورات الإحرام م: (فيكون) ش: أي الرمي م: (بمنزلته) ش: أي بمنزلة الحلق م: (في التحليل) ش: لأن كل ما هو يتوقت بيوم النحر فهو محلل كالحلق. م: (ولنا أن ما يكون محللا يكون جناية في غير أوانه) ش: لأن كل ما هو يتوقت بيوم النحر فهو محلل، لأن قبل أوانه فيه صفة الحظر كالسلام في الصلاة فإنه في غير أوانه جناية م: (كالحلق والرمي ليس بجناية في غير أوانه) ش: فإن قلت: يشكل على هذا دم الإحصار فإنه للتحلل وهو ليس محظور الإحرام. قلت: قال في " النهاية ": الأصل فيما شرع هو الذي ذكر في الكتاب، وهو أن يكون محظور الإحرام، وأما دم الإحصار فهو ليس بأصل في التحلل، وإنما صير إليه لضرورة المنع. م: (بخلاف الطواف) ش: هذا جواب عما يقال الطواف محلل في حق النساء وليس بمحظور الإحرام، وتقديره هو قوله م: (لأن التحلل) ش: في حق النساء إنما وقع م: (بالحلق السابق لا به) ش: أي لا بالطواف، إلا أن الحلق قد يراعى بعض حكمه، وذلك في حق النساء يكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 قال: ثم يأتي مكة من يومه ذلك، أو من الغد، أو من بعد الغد، فيطوف بالبيت طواف الزيارة سبعة أشواط، لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما حلق أفاض إلى مكة فطاف بالبيت ثم عاد إلى منى وصلى الظهر بمنى. ووقته أيام النحر؛ لأن الله تعالى عطف الطواف على الذبح قال: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 28] (28 الحج) ، ثم قال {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]   [البناية] الطواف مؤدى في الإحرام ليظهر كونه ركناً. فإن قلت: روي في السنن عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء» . قلت: قد مر هذا الحديث مع جوابه. [طواف الزيارة] م: (ثم يأتي مكة من يومه ذلك) ش: وفي بعض النسخ م: (قال: ثم يأتي مكة) ش: قال: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم يأتي الحاج المفرد مكة من يومه ذلك، يعني يوم النحر م: (أو من الغد) ش: أي أو يأتي من يوم الغد، وهو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة م: (أو من بعد الغد) ش: وهو اليوم الثاني عشر من ذي الحجة م: (فيطوف بالبيت طواف الزيارة سبعة أشواط، لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما حلق أفاض إلى مكة، فطاف بالبيت ثم عاد إلى منى، وصلى الظهر بمنى» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى.» فإن قلت: في حديث جابر الطويل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه صلى يوم النحر بمكة ولفظه قال ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثم ركب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر ... الحديث. قلت: قال ابن حزم - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحد الخبرين وهم، إلا أن الغالب أنه صلى الظهر بمكة لوجود ذكرها، وقال غيره يحتمل أنه أعادها لبيان الجواز. وقال أبو الفتح اليعمري في " سيرته ": وقع في رواية ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجع في يومه إلى منى فصلى الظهر» وقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صلى الظهر ثم اليوم بمكة، ولا شك أن أحد الخبرين وهم ولا ندري أيهما لصحة الطريق في ذلك. م: (ووقته) ش: أي وقت طواف الزيارة م: (أيام النحر) ش: وهي ثلاثة أيام العاشر والحادي عشر، والثاني عشر م: (لأن الله تعالى عطف الطواف على الذبح قال: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 28] (الحج: الآية 28) ش:، ثم قال {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] ش: أي قال الله عز وجل {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 فكان وقتهما واحدا، وأول وقته بعد طلوع الفجر من يوم النحر؛ لأن ما قبله من الليل وقت الوقوف بعرفة والطواف مرتب عليه، وأفضل هذه الأيام أولها كما في التضحية   [البناية] {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] (الحج: الآية 28) ، والمراد بالذكر والله أعلم التسمية على ما ينحر لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28] قوله: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 28] ليس بأمر لازم، إن شاء أكل من أضحيته، وإن شاء لم يأكل، وهذا الأمر كما في قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] (المائدة: الآية 2) ، فإن مثل هذا الأمر للإباحة سعة لنا، وإذا قلنا بالوجوب يعود علينا. قوله - البائس - هو الذي له بؤس، وهو شدة الفقر، يقال بئس الرجل، وبئس إذا صار ذا بؤس. قوله تفثهم التفث الأخذ من الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة والأخذ من الشعر وكأنه الخروج من الإحرام إلى الإحلال، والبيت العتيق القديم، سمي به لأنه أعتق من الغرق أيام الطوفان، وقيل: إنه أعتق من الجبابرة فلم يغلب عليه جبار، وقيل: لأنه لم يدعه أحد من الناس. قوله ثم قال وليطوفوا بالبيت العتيق فإنه عطف النحر، والنحر مؤقت بأيام النحر. م: (فكان وقتهما واحداً) ش: أي وقت النحر والطواف، لأن حكم المعطوف حكم المعطوف عليه، إلا أن الأضحية لم تشرع بعد أيام النحر والطواف مشروع بعد ذلك. فإن قلت: هذا الطواف يجوز أداؤه بعد أيام النحر، ولو كان مؤقتاً لما جاز القضاء بعد الوقت كرمي الجمار والوقوف بعرفة. قلت: إنما لا يجوز قضاؤهما بعد الوقت لا لأنهما مؤقتان، بل لأن القضاء شرع بالتطوع، والتطوع بهما غير مشروع، بخلاف التطوع بالطواف، فإنه مشروع، كذا في " مبسوط " البكري. م: (وأول وقته) ش: أي أول وقت طواف الزيارة م: (بعد طلوع الفجر من يوم النحر لأن ما قبله من الليل وقت الوقوف بعرفة، والطواف مرتب عليه) ش: أي على الوقوف، وبقولنا قال مالك وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أول وقته إذا انتصف الليل من ليلة النحر، وبه قال أحمد، وآخر وقته اليوم الثاني من أيام التشريق، فإن أخره عنها طاف وعليه دم عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: لا شيء عليه، وفي " شرح القدوري ": آخره آخر أيام التشريق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما آخره غير موقت، وبه قال الشافعي وأحمد وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخره بمضي ذي الحجة، وعن الشافعي وأحمد - رحمهما الله - أول وقته من نصف الليل، وأفضله ضحى نهاره، وآخره غير مؤقت. م: (وأفضل هذه الأيام) ش: أي أيام النحر م: (أولها كما في الأضحية) ش: فإن التضحية في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 ففي الحديث "أفضلها أولها". فإن كان قد سعى بين الصفا والمروة عقيب طواف القدوم لم يرمل في هذا الطواف ولا سعي عليه، وإن كان لم يقدم السعي رمل في هذا الطواف وسعى بعده؛ لأن السعي لم يشرع إلا مرة، والرمل ما شرع إلا مرة في طواف بعده سعي. ويصلي ركعتين بعد هذا الطواف؛ لأن ختم كل طواف بركعتين فرضا كان الطواف أو نفلا لما بيناه. قال: وقد حل له النساء، ولكن بالحلق السابق إذ هو المحلل لا بالطواف، إلا أنه أخر عمله في حق النساء. قال: وهذا الطواف هو المفروض في الحج، وهو ركن فيه، إذ هو المأمور به في قَوْله تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] (29 الحج) ، ويسمى طواف الإفاضة، وطواف الزيارة   [البناية] أول أيام النحر أفضل م: (ففي الحديث أفضلها) ش: أي وجاء في حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفضل التضحية أول أيامها، وهذا الحديث غريب جداً، يعني لم يثبت، والأولى أن يقال هذا بالإجماع. م: (فإن كان قد سعى بين الصفا والمروة عقيب طواف القدوم لم يرمل في هذا الطواف) ش: أي طواف الزيارة م: (ولا سعي عليه) ش: أي بين الصفا والمروة م: (وإن كان لم يقدم السعي) ش: يعني عقيب طواف القدوم م: (رمل في هذا الطواف وسعى بعده؛ لأن السعي لم يشرع إلا مرة، والرمل ما شرع إلا مرة في طواف بعده سعي) ش: والأصل هنا أن السعي الواجب في الحج موضعه طواف الزيارة، لأنه ذكره في الحج، فيتبعه ما هو الواجب، بخلاف طواف القدوم، فإنه سنة فلا يتبعه ما هو الواجب، لأنه أعلى من السنة فلا يصح أن يكون تبعاً لها، إلا أنه جاز تقديم السعي وفعله عقيب طواف القدوم رخصة طلباً للتخفيف، لأن يوم النحر يوم الاشتغال في الأفعال، فإذا لم يترخص بتقديم السعي عقيب طواف الزيارة لأنه هو العزيمة والأصل في الرمل أن كل طواف بعده سعي ففيه رمل، وكل طواف لا سعي بعده فلا رمل فيه. م: (ويصلي ركعتين بعد هذا الطواف) ش: أي بعد طواف الزيارة م: (لأن ختم كل طواف بركعتين فرضا كان الطواف أو نفلا لما بيناه) ش: أي في طواف القدوم وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وليصل الطائف لكل أسبوع ركعتين " م: (قال: وقد حل له النساء) ش: وفي بعض النسخ قال أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقد حل له النساء، أي بعد الطواف م: (ولكن بالحلق السابق إذ هو المحلل لا بالطواف، إلا أنه أخر عمله في حق النساء) ش: أي إلا أن الشأن أو الحلق آخر عمله في آخر عمله النساء، لأن الطواف لا يصلح للتحلل، وهذا كالطلاق الرجعي فإنه محرم إلا أنه أخر عمله إلى انقضاء العدة، فإن الفرقة بعد انقضائها تضاف إلى الطلاق لا إلى الانقضاء. م: (قال: وهذا الطواف) ش: أي طواف الزيارة م: (هو المفروض في الحج، وهو ركن فيه) ش: أي في الحج م: (إذ هو المأمور به في قَوْله تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] (الحج: الآية 28) ش:، ويسمى طواف الإفاضة) ش: عند أهل الحجاز م: (وطواف الزيارة) ش: عند أهل العراق م: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 وطواف يوم النحر. ويكره تأخيره عن هذه الأيام لما بينا أنه موقت بها وإن أخره عنها لزمه دم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وسنبينه في باب الجنايات إن شاء الله تعالى. قال: ثم يعود إلى منى فيقيم بها؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجع إليها كما روينا، ولأنه بقي عليه الرمي وموضعه بمنى، فإذا زالت الشمس من اليوم الثاني من أيام النحر رمى الجمار الثلاث فيبدأ بالتي تلي مسجد الخيف فيرميها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عندها، ثم يرمي التي تليها من ذلك ويقف عندها، ثم يرمي جمرة العقبة كذلك ولا يقف عندها   [البناية] (وطواف يوم النحر) ش: أي ويسمى أيضاً يوم النحر، ويسمى أيضاً طواف يوم النحر، ويسمى أيضاً طواف الركن م: (ويكره تأخيره عن هذه الأيام) ش: أي عن أيام النحر م: (لما بينا أنه مؤقت بها) ش: أي بأيام النحر، وهو ما ذكره بقوله ووقته أيام النحر. م: (وإن أخره) ش: أي إن أخر هذا الطواف م: (عنها) ش: أي عن أيام النحر م: (لزمه دم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وسنبينه في باب الجنايات إن شاء الله تعالى. قال) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (ثم يعود) ش: أي من مكة بعد طواف الزيارة م: (إلى منى فيقيم بها؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجع إليها) ش: أي إلى منى م: (كما روينا) ش: وهو ما ذكره قبل هذا بقوله وروي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما حلق أفاض إلى مكة فطاف» قيل هذا كقوله «روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طاف بالبيت ثم عاد إلى منى وصلى الظهر بمنى» م: (ولأنه) ش: أي ولأن الحاج م: (بقي عليه الرمي وموضعه بمنى) ش: وفي " شرح مختصر الكرخي " قال القدوري، قال أصحابنا: إذا بات بمكة فقد أساء ولا شيء عليه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن بات ليلة فعليه مد، وإن بات ليلتين فعليه مدان، وإن بات ثلاث ليال فعليه دم. م: (فإذا زالت الشمس من اليوم الثاني من أيام النحر رمى الجمار الثلاث فيبتدئ بالتي) ش: أي بالجمرة التي م: (تلي مسجد الخيف) ش: وهو مسجد إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال في " الديوان " الخيف ما يحد من غلظ الجبل وارتفع عن سبيل الماء، ومنه سمي مسجد الخيف، وفي " المغرب " بالسكون المكان المرتفع نحو خيف منى، أو الذي اختلفت ألوان حجارته، ومنه حديثه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " نحن نازلون بخيف بني كنانة " يعني المحصب. قلت: الخيف خيفان، خيف منى، وخيف بني كنانة، قوله - بالجمرة التي تلي مسجد الخيف - المراد بالجمرة موضعها، بدليل قوله م: (فيرميها بسبع حصيات) ش: أي يرمي الجمرة، أي موضعها بسبع حصيات م: (يكبر مع كل حصاة، ويقف عندها) ش: أي عند الجمرة الأولى. م: (ثم يرمي التي) ش: أي الجمرة التي م: (تليها) ش: أي تلي جمرة مسجد الخيف م: (من ذلك) ش: يعني بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة م: (ويقف عندها) ش: أي عند الجمرة الثانية، وهي التي تلي الجمرة التي تلي مسجد الخيف م: (ثم يرمي جمرة العقبة كذلك) ش: أي حصيات م: (ولا يقف عندها) ش: أي عند جمرة العقبة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 هكذا روى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيما نقل من نسك رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مفسرا، ويقف عند الجمرتين في المقام الذي يقف فيه الناس، ويحمد الله تعالى، ويثني عليه، ويهلل، ويكبر، ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويدعو الله تعالى بحاجته، ويرفع يديه   [البناية] م: (هكذا روى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيما نقل من نسك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مفسرا) ش: نصب على الحال من قوله - هكذا - من أنه مفعول - روي - ويجوز أن يكون حالاً من الموصول في قوله - فيما نقل - أي فيما نقله، ويجوز حذف الراجع إلى الموصول عند أهل العلم به، ثم الحديث الذي نسبه المصنف إلى جابر غريب عن جابر، والذي روي عن جابر - رَحِمَهُ اللَّهُ - في حديثه الطويل أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رمى جمرة العقبة يوم النحر لا غير، وروى أبو داود في " سننه " عن ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «أفاض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ويقف عند الأولى والثانية فيطيل القيام ويتضرع، ويرمي الثالثة ولا يقف عندها» . قال المنذري في " مختصره ": حديث حسن، ورواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم " في مستدركه " وقال: صحيح على شرط مسلم. م: (ويقف عند الجمرتين) ش: أي الجمرة الأولى والوسطى م: (في المقام الذي يقف فيه الناس) ش: وهو أعلى الوادي، كذا في " المحيط " م: (ويحمد الله تعالى ويثني عليه، ويهلل، ويكبر، ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويدعو الله تعالى بحاجته) ش: وكان ابن عمر وابن عباس وسعيد بن جبير والأسود وطاوس والنخعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يطلبون القيام عند الجمرتين وقال ابن المنذر ولا شيء عليه في ترك القيام، لأنه سنة لا عند الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإنه قال: يريق دماً. م: (ويرفع يديه) ش: يعني عند الوقوف في الجمرتين، وفي المرغيناني يرفعهما حذو منكبيه بسطا، وفي " الينابيع " يرفع يديه عقيب كل حصاة ويكبر ويهلل ويسبح ويحمد الله تعالى ويثني عليه ويسأل حاجته ثم يأتي المقام، وقيل: إنه يقول عند كل حصاة يرميها بيمينه بسم الله والله أكبر ثم يرفع يديه ويقول: اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وعملا مشكوراً، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال يجب أن يكون بين الرامي وبين المرمى خمسة أذرع، وفي " خزانة الأكمل " إن رماها من بعيد فوقعت الحصاة قريباً من الجمرة أجزأه، وقال الكرماني - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجزئه وهو قول ابن حنبل. ولو رماها في الهواء فوقعت في المرمى لا يجزئه، ذكره النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويجزئه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن» - وذكر من جملتها " عند الجمرتين "، والمراد رفع الأيدي بالدعاء. وينبغي أن يستغفر للمؤمنين في دعائه في هذه المواقف؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «اللهم اغفر للحاج، ولمن استغفر له الحاج» ، ثم الأصل أن كل رمي بعده رمي يقف بعده؛ لأنه في وسط العبادة فيأتي بالدعاء فيه، وكل رمي ليس بعده رمي لا يقف لأن العبادة قد انتهت،   [البناية] الطرح، وإن رمى حصاة فوقعت وطارت أخرى فوقعت الثانية في المرمى دون الأولى لا يجزئه، وإن التقطها طائر قبل وصولها لا يجزئه، وإن وقعت الحصاة على حجر أو أرض صلبة فتدحرجت أو على ثوب إنسان فطارت ووقعت في المرمى أجزأه، وبه قال أحمد والشافعي - رحمهما الله - في الأصح، ولو وقعت في عنق البعير أو على المحمل فتدحرجت إلى المرمى تجزئه، وعند الشافعية لا يجزئه في أظهر الوجهين، ذكرهما النووي. ولو رمى عن القوس أو بالرجل لا يجزئه. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن ") ش: هذا الحديث تقدم في باب صفة الصلاة، ولفظ الحديث في " شرح الآثار " بإثبات الفعل بدون حرف الاستثناء بعده، ولكن الفقهاء ذكروه بنفي الفعل وحرف الاستثناء بعده، وقالوا لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن، ولئن صح ما رواه الفقهاء فهو أبلغ م: (وذكر من جملتها) ش: أي من جملة السبعة م: (عند الجمرتين) ش: الأولى والوسطى م: (والمراد رفع الأيدي بالدعاء) ش: أي المراد من قوله - لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن، رفع الأيدي بالدعاء. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرفع يديه بالدعاء حذو منكبيه، نص عليه محمد، ويجعل بطون كفيه إلى السماء بخلاف الافتتاح، وقال ابن المنذر رفع اليد في الدعاء في المقامين إجماع، ولا نعلم أحداً أنكر ذلك غير مالك، واتباع السنة أولى، وقد ثبت دعاؤه عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المقامين. م: (وينبغي أن يستغفر للمؤمنين في دعائه في هذه المواقف؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «اللهم اغفر للحاج، ولمن استغفر له الحاج» ش: هذا الحديث أخرجه الحاكم في " المستدرك " عن شريك عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج» ، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. م: (ثم الأصل أن كل رمي بعده رمي يقف بعده؛ لأنه في وسط العبادة فيأتي بالدعاء فيه) ش: للوقار والسكينة م: (وكل رمي ليس بعده رمي لا يقف لأن العبادة قد انتهت، ولهذا لا يقف؛ بعد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 ولهذا لا يقف بعد جمرة العقبة في يوم النحر أيضا. قال: وإذا كان من الغد رمى الجمار الثلاث بعد زوال الشمس. كذلك، وإن أراد أن يتعجل النفر إلى مكة نفر، وإن أراد أن يقيم رمى الجمار الثلاث في اليوم الرابع بعد زوال الشمس؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203] (203 البقرة) ، والأفضل أن يقيم لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صبر   [البناية] جمرة العقبة في يوم النحر أيضاً) ش: لأن العبادة لم تبق. فإن قلت: الأصل أن الدعاء بعد العبادة كما في الصلاة. قلت: بل الأصل أن يكون الدعاء مقترنه في العبادة، وإنما أخرت في حق الصلاة لعدم التكلم فيها. م: (فإن كان من الغد) ش: وفي أكثر النسخ قال أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإذا كان بعد الغد وهو الثالث من أيام النحر، أعني اليوم الثاني عشر من ذي الحجة م: (رمى الجمار الثلاث بعد زوال الشمس. كذلك) ش: أي كما رمى في اليوم الحادي عشر يبتدئ بالجمرة التي تلي مسجد الخيف فيرميها ثم يرمي الجمرة الوسطى ويقف عند الجمرتين ويدعو لحاجته ويرفع يديه ثم يرمي جمرة العقبة ولا يقف عندها ولا يرفع يديه. م: (وإن أراد أن يتعجل النفر) ش: أي الرجوع من منى إلى مكة نفر إلى مكة م: (وإن أراد أن يقيم) ش: أي بمنى م: (رمى الجمار الثلاث في اليوم الرابع) ش: وهو الثالث عشر من ذي الحجة، والثالث من أيام التشريق، والرابع من يوم النحر م: (بعد زوال الشمس؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203] (البقرة الآية: 203) . ش: المراد من اليومين الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة من نفر بعدما رمى الجمار الثلاث في اليوم الثاني من أيام التشريق فلا إثم عليه وهو النفر الأول، والنفر الثاني في اليوم الثالث وهو آخر أيام التشريق، والحاصل أنه لا إثم عليه في التأجيل، ولا في التعجيل وأنه مخير فيهما، ويجوز التخيير بين التعجيل والتأخير، وإن كان التأخير أفضل، لأنه يجوز التخيير بين الفاضل والأفضل كما خير المسافر بين الصوم والإفطار، وإن كان الصوم أفضل. وقال الزمخشري: قيل: إن أهل الجاهلية كانوا فريقين، منهم من جعل التعجيل إثماً، ومنهم من جعل التأخير إثماً فورد القرآن ينفي الإثم عنهما، ويتعجل يأتي مطاوعاً ومتعدياً، والأول أولى يدل له قوله {لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203] أي ذلك التأخير ونفي المأثم فيها للحاج الذي يتقي به معاصي الله تعالى. م: (والأفضل أن يقيم) ش: أي بمنى م: (لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صبر حتى رمى الجمار الثلاث في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 حتى رمى الجمار الثلاث في اليوم الرابع وله أن ينفر ما لم يطلع الفجر من اليوم الرابع، فإذا طلع الفجر من اليوم الرابع لم يكن له أن ينفر لدخول وقت الرمي، وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن قدم الرمي في هذا اليوم - يعني اليوم الرابع - قبل الزوال، وبعد طلوع الفجر جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا استحسان، وقالا: لا يجوز اعتبارا بسائر الأيام، وإنما التفاوت في رخصة النفر، فإذ لم يترخص التحق بها، ومذهبه مروي عن ابن عباس - رضي   [البناية] اليوم الرابع) ش: هذا الحديث رواه أبو داود عن ابن إسحاق، وقد ذكرناه عن قريب. م: (وله أن ينفر ما لم يطلع الفجر من اليوم الرابع) ش: وهو آخر أيام التشريق م: (فإذا طلع الفجر من اليوم الرابع لم يكن له أن ينفر لدخول وقت الرمي) ش: فلا ينفر حتى يرمي م: (وفيه خلاف الشافعي) ش: فإن عنده لا يجوز له النفر إذا غربت الشمس من اليوم الثاني عشر حتى يرمي الجمار الثلاث في اليوم الرابع، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما روى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: من أدرك المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس، قلنا: الليل ليس بوقت لرمي اليوم الرابع، لأن ليلة يوم الرابع ملحقة باليوم الثالث في حق الرمي، بدليل أنه لو ترك رمي اليوم الثالث، ورمى في هذه الليلة يجوز بخلاف ما بعد طلوع الفجر، فإنه وقت الرمي فلا يتقي جاره بعد ذلك، وما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غير مشهور، ولو ثبت يحمل على الأفضلية. م: (وإن قدم الرمي في هذا اليوم - يعني اليوم الرابع - قبل الزوال وبعد طلوع الفجر جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو استحسان، وقالا: لا يجوز) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (اعتبارا بسائر الأيام) ش: يعني قياساً عليها، وأراد بسائر الأيام اليومين، يوم الثاني والثالث دون اليوم الأول من أيام النحر، فإن رمي جمرة العقبة في ذلك اليوم قبل الزوال جائز بالإجماع م: (وإنما التفاوت في رخصة النفر، فإذ لم يترخص التحق بها) ش: أي بسائر الأيام، ولأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رمى فيه بعد الزوال، وكون الرمي عبادة لا يعرف إلا بقياس، فيقتصر على مورد النص. م: (ومذهبه) ش: أي مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (مروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: رواه البيهقي عنه إذا انفتح النهار من يوم النحر فقد حل الرمي والصيد، والانفتاح الارتفاع، وفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محمول على الأفضل بدلالة جواز النفر بحكم الآية، وقياسهما على اليوم الثاني والثالث ضعيف لأنه لا يجوز ترك الرمي فيهما أصلاً، فجاز التقديم أيضاً على الزوال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 الله عنهما -؛ ولأنه لما ظهر أثر التخفيف في هذا اليوم في حق الترك؛ فلأن يظهر في حق جوازه في الأوقات كلها أولى، بخلاف اليوم الأول، والثاني، حيث لا يجوز الرمي فيهما إلا بعد الزوال في المشهور من الرواية، لأنه لا يجوز تركه فيهما فبقي على الأصل المروي. ؛ فأما يوم النحر فأول وقت الرمي فيه من وقت طلوع الفجر. وقال الشافعي: أوله بعد نصف الليل لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رخص للرعاء أن يرموا ليلا» .   [البناية] م: (ولأنه لما ظهر أثر التخفيف في هذا اليوم) ش: يعني اليوم الرابع م: (في حق الترك؛ فلأن يظهر في جوازه في الأوقات كلها أولى، بخلاف اليوم الأول، والثاني، حيث لا يجوز الرمي فيهما إلا بعد الزوال في المشهور من الرواية) ش: إنما قيد بالمشهور، احترازاً عما ذكره الحاكم في " المنتقى " قال: كان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: الأفضل أن يرمي في اليوم الثاني والثالث بعد الزوال، يعني في اليوم الثاني والثالث من أيام النحر، فإن رمى قبله جاز. م: (لأنه لا يجوز تركه فيهما) ش: أي لا يجوز ترك الرمي في اليومين م: (فبقي على الأصل المروي) ش: أي بقى حكم الرمي في اليومين على الأصل المروي، يعني لم يجز إلا بعد الزوال وأراد بالمروي ما روي عن جابر قبل هذا، أو أراد بالأصل المروي أن لا يتغير حكم المروي عما كان، والذي روي عن جابر هو «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رمى جمرة العقبة قبل الزوال يوم النحر ورمى في بعض الأيام بعد الزوال» . م: (فأما يوم النحر فأول وقت الرمي من وقت طلوع الفجر. وقال الشافعي) ش: - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أوله بعد نصف الليل) ش: وبه قال أحمد وهو قول عطاء م: (لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رخص للرعاء أن يرموا ليلا» ش: هذا رواه الطبراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " معجمه " من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رخص للرعاء أن يرموا ليلاً» وروى الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رخص للرعاء أن يرموا ليلاً وأي ساعة يشاءوا من النهار» . وروى البزار - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مسنده " عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - من طريق مسلم ابن خالد الزنجي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ترموا جمرة العقبة إلا مصبحين» ويروى " حتى تطلع الشمس "   [البناية] رخص لرعاء الإبل أن يرموا بالليل» . وقال ابن القطان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مسلم بن خالد الزنجي شيخ الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضعفه قوم ووثقه آخرون، وقال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث، والرعاء بكسر الراء وبالمد جمع راع الغنم، وقد يجمع على رعاة بالضم كقضاة جمع قاض. م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا ترموا جمرة العقبة إلا مصبحين» ويروي «حتى تطلع الشمس» ش: الرواية الأولى رواها الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الآثار " حدثنا ابن أبي داود ثنا المقدمي ثنا فضيل بن سليمان حدثني موسى بن عقبة أخبرنا كريب عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأمر نساءه نقله صبيحة جمع أن يفيضوا مع أول الفجر بسواد ولا يرموا الجمرة إلا مصبحين.» والرواية الثانية رواها الأربعة عن عطاء عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقدم ضعفة أهله بغلس ويأمرهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس.» فإن قلت: ما وجه الدليل من الحديثين. قلت: الإصباح يوجد بعد الفجر فيقول ثبت أول الوقت برواية الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ووقت الأفضل بحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قلت: كأنه ما اطلع في هذا الموضع في كتب الحديث، فالحديثان كلاهما لنا، وما رواه الشافعي يحمل على الليلة الثانية والثالثة. فإن قلت: احتج الخصم أيضاً بما رواه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث هشام بن عروة عن أبيه «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت أرسل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت ففاضت، وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» - يعني عندها، وروى أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضاً من حديث ابن جريج قال: أخبرنا عطاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال أخبرني مخبر «عن أسماء أنها رمت الجمرة، قلت: إنا رمينا الجمرة في ليلة قال: إنما كنا نصنع هذا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.» قلت: حديث أم سلمة مروي من طرق وليس فيها أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أمرها أن ترمي ليلاً، ولأن بين مكة وبين جمرة العقبة ميلين فيجوز أن تكون رمت أول الليل ثم صلت الصبح بمكة. وأما حديث أسماء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فمنقطع بروايته عن ابن جريج عن عطاء قال: أخبرني مخبر عن أسماء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 فيثبت أصل الوقت بالأول، والأفضلية بالثاني. وتأويل ما روي الليلة الثانية، والثالثة؛ ولأن ليلة النحر وقت الوقوف، والرمي يترتب عليه، فيكون وقته بعده ضرورة، ثم عند أبي حنيفة: يمتد هذا الوقت إلى غروب الشمس لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن أول نسكنا في هذا اليوم الرمي» جعل اليوم وقتا له، وذهابه بغروب الشمس. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يمتد إلى وقت الزوال، والحجة   [البناية] فهو منقطع مجهول، ثم إنه لم يذكر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علم بذلك فلم يكره. م: (فيثبت أصل الوقت بالأول) ش: أي يثبت أصل وقت رمي الجمرة بالحديث الأول، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ترموا جمرة العقبة إلا مصبحين» م: (والأفضلية بالثاني) ش: أي وتثبت الأفضلية بالحديث الثاني، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس» . م: (وتأويل ما روي) ش: أي ما روى الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الليلة الثانية، والثالثة) ش: هذا جواب عن الحديث الذي رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رخص للرعاء أن يرموا ليلاً» وهو أنه محمول على الليلة الثانية والثالثة توفيقاً بين الحديثين، ولئن سلمنا أن المراد منه ليلة العيد، فنقول لا حجة للخصم علينا، لأنه ثبت منه رخصة للرعاء والضعفاء، فلا يعد وهماً؛ لأن الرمي ثابت بخلاف القياس. م: (ولأن ليلة النحر وقت الوقوف) ش: يعني وقوف المزدلفة م: (والرمي يترتب عليه) ش: أي على الوقوف م: (فيكون وقته بعده ضرورة) ش: أي فيكون وقت الرمي بعد الوقوف، وكون الرمي مرتباً على الوقوف بالإجماع، والقول بأن وقته بعد النصف من الليل يؤدي إلى خرق الإجماع. م: (ثم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يمتد هذا الوقت إلى غروب الشمس) ش: أي عنده وقت رمي جمرة العقبة من وقت طلوع الشمس إلى غروب الشمس، روى ذلك الحسن عنه، كذا ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «إن أول نسكنا في هذا اليوم الرمي» ش: هذا الحديث قد تقدم عند قوله - ثم يحلق أو يقصر - ومضى الكلام فيه هناك م: (جعل اليوم وقتا له) ش: أي جعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليوم وقتاً للرمي، يعني جعله ظرفاً، فجاز في كل جزء من أجزائه إلى غروب الشمس م: (وذهابه) أي ذهاب اليوم م: (بغروب الشمس) ش: لأن اليوم من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن وقت الرمي م: (يمتد إلى وقت الزوال) ش: وما بعده قضاء، لأن الوقت يعرف بتوقيت الشارع، والشرع ورد بالرمي قبل الزوال، فلا يكون ما بعده وقتاً له، وفي " الإيضاح " وأصل محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وقت الرمي كأصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (والحجة عليه) ش: أي على أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إن أول نسكنا هذا اليوم الرمي» ، وفي " مبسوط شيخ الإسلام " الحاصل أن ما بعد طلوع الفجر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 عليه ما روينا. وإن أخره إلى الليل رماه ولا شيء عليه، لحديث الرعاء. وإن أخر إلى الغد رماه؛ لأنه وقت جنس الرمي، وعليه دم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لتأخيره عن وقته، كما هو مذهبه. قال: فإن رماها راكبا أجزأه لحصول فعل الرمي. وكل رمي بعده رمي فالأفضل أن يرميه ماشيا، وإلا فيرميه راكبا؛ لأن الأول بعده وقوف، ودعاء على ما ذكرنا فيرمي ماشيا ليكون أقرب إلى التضرع، وبيان الأفضل مروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ويكره أن لا يبيت بمنى ليالي الرمي؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بات بها   [البناية] من يوم النحر إلى طلوع الشمس وقت الجواز مع الإساءة، وما بعده إلى الزوال وقت مسنون، وما بعده إلى الغروب وقت الجواز من غير إساءة، والليل وقت الجواز مع الإساءة. م: (وإن أخره إلى الليل) ش: أي وإن أخر رمي جمرة العقبة إلى الليل م: (رماه) ش: أي في الليل م: (ولا شيء عليه، لحديث الرعاء) ش: «لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رخص لرعاء الإبل أن يرموا ليلاً» م: (وإن أخره إلى الغد) ش: أي وإن أخر الرمي إلى غد يوم النحر م: (رماه؛ لأنه) ش: أي لأن غد يوم النحر م: (وقت جنس الرمي، وعليه دم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لتأخيره) ش: أي لتأخيره الرمي م: (عن وقته، كما هو مذهبه) ش: هو أن تأخير الشك عن وقته يوجب النسك من وقتيه يوجب الدم عنده. م: (قال: وإن رماها) ش: أي فإن رمى الجمار حال كونه م: (راكبا أجزأه لحصول فعل الرمي) ش: وفي " المبسوط " " والمحيط " قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز الرمي راكباً وماشياً لحصول الرمي، وفي حمل النوازل عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا رمى يوم النحر أفضل وفيما بعده من الأيام راجلاً لأنه كذا روي من فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المستحب أن يرمي يوم النحر وآخر أيام التشريق راكباً، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رمى فيهما راكباً، كذا ذكره في " الإملاء "، والصحيح أن لا يرمي غير الأول راكباً من أيام التشريق كلها، كما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - روى «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأتي الجمرات بعد يوم النحر ماشياً» . م: (وكل رمي بعده رمي فالأفضل أن يرميه ماشيا، وإلا) ش: أي وإن لم يكن بعده رمي كرمي جمرة العقبة م: (فيرميه) ش: حال كونه م: (راكبا لأن الأول) ش: أي الرمي الأول م: (بعده وقوف، ودعاء على ما ذكرناه) ش: عند قوله ثم الأصل إن كان رمي بعده رمي يقف بعده، لأنه في وسط العبادة فيأتي بالدعاء فيه م: (فيرمي ماشيا ليكون أقرب إلى التضرع) ش: وإظهار المسكنة. م: (وبيان الأفضل مروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي بيان الأفضل في الرمي مروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ماشياً أو راكباً، وهو أن كل رمي بعده رمي، فالأفضل أن يرمي ماشياً، وكل رمي ليس بعده رمي كجمرة العقبة، فالأفضل أن يرمي راكباً. م: (ويكره أن لا يبيت بمنى ليالي الرمي؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بات بها) ش: وذكرنا فيما مضى «عن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يؤدب على ترك المقام بها. ولو بات في غيرها متعمدا لا يلزمه شيء عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه وجب ليسهل عليه الرمي في أيامه، فلم يكن من أفعال الحج فتركه لا يوجب الجابر. قال: ويكره أن يقدم الرجل ثقله إلى مكة ويقيم حتى يرمي لما روي أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يمنع منه، ويؤدب عليه؛ ولأنه يوجب شغل قلبه، وإذا نفر إلى مكة نزل بالمحصب وهو الأبطح وهو اسم موضع قد نزل به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [البناية] عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: أفاض النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من آخر يوم حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس» م: (وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يؤدب على ترك المقام بها) ش: أي بمنى، وهذا غريب، نعم روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا ابن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان ينهى أن يبيت من وراء العقبة وكان يأمرهم أن يدخلوا بمنى. م: (ولو بات في غيرها) ش: أي في غير منى حال كونه م: (متعمدا لا يلزمه شيء عندنا) ش: وإن كان يكره م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده بالمبيت بمنى قولان: أحدهما أنه يجب حتى وجب بتركها الدم، وبه قال مالك، وأحمد - رحمهما الله - في رواية؛ لأنه نسك والثاني أنه مستحب، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وعن بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو ترك البيتوتة ليلة فعليه مد، ولو ترك ليلتين فعليه مدان، ولو ترك ثلاث ليال فعليه دم م: (لأنه) ش: تعليل لأصحابنا، أي لأن المبيت م: (وجب ليسهل عليه الرمي في أيامه، فلم يكن من أفعال الحج فتركه لا يوجب الجابر) ش: كالبيتوتة بمنى ليلة العيد. م: (قال: ويكره أن يقدم الرجل ثقله) ش: بفتح الثاء المثلثة وفتح القاف، وهو متاع المسافر وحشمه، كذا في " الديوان " م: (إلى مكة، ويقيم حتى يرمي لما روي أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يمنع منه، ويؤدب عليه) ش: هذا غريب، وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن عمارة، قال: قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: من قدم ثقله من منى ليلة نفره فلا حج له م: (ولأنه) ش: أي ولأن تقدم الثقل م: (يوجب شغل قلبه) ش: من الاشتغال وذلك لأنه إذا قدمه يحصل له في قلبه أمور من جهة. م: (وإذا نفر) ش: أي وإذا ذهب متوجهاً م: (إلى مكة نزل بالمحصب) ش: على وزن اسم المفعول من التحصيب وهو الأبطح، وهو اسم موضع ذي حصى بين منى ومكة م: (وهو الأبطح) ش: أي وهو الذي يقال له الأبطح م: (وهو) ش: أي المحصب م: (اسم موضع قد نزل به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: فيه أحاديث: منها ما رواه قتادة عن أنس «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ورقد رقدة بالمحصب، ثم ركب إلى البيت فطاف» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 وكان نزوله قصدا، وهو الأصح حتى يكون النزول به سنة على ما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأصحابه: «إنا نازلون غدا عند خيف بني كنانة حيث تقاسم المشركون فيه على شركهم»   [البناية] ومنها ما أخرجه مسلم عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كانوا ينزلون بالأبطح» . ومنها ما رواه مسلم أيضاً «عن أبي رافع مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لم يأمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أنزل بالأبطح من حين خرج من منى، ولكن جئت فضربت قبة في منزل، قال أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكان على ثقل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . م: (وكان نزوله قصدا) ش: أي وكان نزول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمحصب قصداً م: (وهو الأصح حتى يكون النزول به سنة) ش: قوله: وهو الأصح احترازاً عما قاله بعض أصحابنا أن النزول بالمحصب ليس بسنة، واحتجوا على ذلك بما روى البخاري، عن عطاء، عن ابن عباس، قال ليس التحصيب بشيء، إنما هو منزل نزله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعن هذا قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التحصيب مستحب، وليس بسنة، وبه قال مالك، وذهب المصنف وآخرون أنه سنة؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نزل به قصداً، رآه المشركون لطيف صنع الله تعالى به من الفتح، والنصر وإهانة لهم، فكان سنة كالرمل في الطواف، ومعنى ليس التحصيب بشيء ليس بنسك مفروض. م: (على ما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (قال لأصحابه: «إنا نازلون غدا عند خيف بني كنانة حيث تقاسم المشركون فيه على شركهم» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة عن عمرو بن عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله أين ننزل غداً أي في حجه، قال: " هل ترك لنا عقيل منزلاً " قال: " نحن نازلون بخيف كنانة حيث قاسمت قريش على الكفر» وذلك أن بني كنانة خالفت قريشاً على بني هاشم أن لا يناكحوهم، ولا يودوهم، ولا يبايعوهم. وأخرجه البخاري، ومسلم أيضاً عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن بمنى: «نحن نازلون غدا ًبخيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر» وذلك أن قريشاً وبني كنانة تحالفت على بني هاشم، وبني المطلب أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله]- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني بذلك المحصب، وقد ذكر الأترازي الحديث أولاً، فقال: وقد روى صاحب " السنن " بإسناده إلى أسامة بن زيد فذكره، ثم قال: وأخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، فكان ما اطلع أولاً على تخريج البخاري، ومسلم ثم استدركه وليس هذا طريقة من له يد في الحديث. وقال أيضاً: قوله: «خيف بني كنانة» كما ذكرنا في " السنن " بلا تكرار الخيف خيفان، وعلى ما ذكره صاحب " السنن "، يكون الخيف الثاني عطف بيان؛ لأن الخيف خيفان، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 يشير إلى عهدهم على شركهم على هجران بني هاشم، فعرفنا أنه نزل به إراءة للمشركين لطيف صنع - الله تعالى - به، فصار سنة كالرمل في الطواف، قال: ثم دخل مكة وطاف بالبيت سبعة أشواط لا يرمل فيها، وهذا طواف الصدر، ويسمى طواف الوداع، وطواف آخر العهد بالبيت لأنه يودع البيت ويصدر به عنه، وهو واجب عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] أحدهما: خيف منى، وهو الذي فيه المسجد، وهو مشهور، والثاني خيف بني كنانة، وهو المحصب، وسمي خيف بني كنانة لأنهم تحالفوا مع قريش في ذلك الموضع على بني هاشم. قوله: حيث تقاسم، أي تعاهد، وتحالف، قوله: على شركهم أي مع شركهم، وعلى بمعنى مع، كما يقال: فلان يقول الشعر على صغر سنه، أي مع صغر سنه. م: (ويشير إلى عهدهم) ش: أي يشير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عهد بني كنانة م: (على هجران بني هاشم) ش: روي أنهم حبسوا بني هاشم في واد سبع سنين م: (فعرفنا أنه) ش: أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (نزل به) ش: أي بالمحصب م: (إراءة) ش: أي لأجل الإراءة، وهو مصدر من أرى يرى إراءة م: (للمشركين لطيف صنع - الله تعالى - به) ش: حيث فتح له مكة، ونصره عليهم م: (فصار) ش: أي النزول بالمحصب م: (سنة كالرمل في الطواف) ش: حيث كان لإظهار الجد والقوة ليغيظ به المشركين. م: (قال: ثم دخل مكة) ش: وفي أكثر النسخ قال: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم دخل الحاج مكة بعد نزوله بالمحصب م: (فطاف بالبيت سبعة أشواط لا يرمل فيها) ش: أي في السبعة الأشواط م: (وهذا طواف الصدر) ش: لأنه يصدر به عن مكة، أي يرجع، والصدر بفتحتين وهو الرجوع م: (ويسمى طواف الوداع) ش: لأن وداع البيت يحصل به، والوداع بفتح الواو اسم التويدع كسلام بمعنى التسليم، وكلام بمعنى التكليم م: (وطواف آخر عهده) ش: أي ويسمى أيضاً طواف العهد م: (بالبيت؛ لأنه يودع البيت ويصدر به عنه) ش: أي يصدر بهذا الطواف عن البيت، وفي بعض النسخ: يصدر عنه، أي رجع عن البيت والأول أجود. م: (وهو) ش: أي طواف الصدر م: (واجب عندنا) ش: وبه قال أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده يستحب في أحد القولين، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه سنة ولا دم على تاركه، وعلى تارك طواف القدوم دم، وقال ابن قدامة في " المغني ": ووافقه أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيهما، وهذه غفلة، فالمتأخر يوقف المتقدم دون العكس، قال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أوجب الدم على تارك طواف الوداع الحسن البصري، ومجاهد، والثوري، والحكم، وحماد، وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ما يدل عليه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حج هذا البيت فليكن آخر عهده بالبيت الطواف» ، ورخص للنساء الحيض تركه إلا على أهل مكة؛ لأنهم لا يصدرون، ولا يودعون، ولا رمل فيه لما بينا أنه شرع مرة واحدة، ويصلي ركعتي الطواف بعده لما قدمنا. ثم يأتي زمزم، فيشرب من مائها؛ لما روي «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - استقى دلوا بنفسه فشرب منه، ثم أفرغ باقي الدلو في البئر» .   [البناية] م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من حج هذا البيت فليكن آخر عهده بالبيت الطواف» ، ورخص للنساء الحيض تركه) ش: يجوز رفع الآخر، ونصب الطواف وبالعكس. قوله: رخص أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للنساء الحيض، وهو جمع حائض، وتخصيص الحائض برخصة الترك دليل على الوجوب أيضاً، وهذا الحديث رواه البخاري عن طاوس عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض» في لفظ مسلم، قال: «كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت» ورواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وزاد في آخره، «فإن آخر النسك الطواف بالبيت» وهذه الزيادة توافق ما في الكتاب. قال م: (إلا على أهل مكة؛ لأنهم لا يصدرون، ولا يودعون) ش: هذا استثناء من قوله: وهو واجب، أي طواف الصدر واجب، إلا على أهل مكة فإنه ليس بواجب عليهم، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو كان واجباً لوجب على أهل مكة. قلت: جوابه يفهم من قول المصنف لأنهم لا يصدرون ولا يودعون، فلا يحتاج إلى التطويل م: (ولا رمل فيه) ش: أي في طواف الصدر م: (لما بينا أنه شرع مرة واحدة) ش: أشار بقوله: لما بينا إلى قوله فيما مضى: والرمل ما شرع إلا مرة واحدة في طواف بعده سعي، وفي السروج: ويسقط طواف الوداع عن ستة: عن المكي؛ لأن التوديع شأن المفارق، والمعتمر، وأهل المواقيت فمن دونها ممن نوى الإقامة بمكة قبل النفر الأول، وبعده لا يسقط عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يسقط لعدم مفارقته البيت وعن الحائض والنفساء. م: (ويصلي ركعتي الطواف بعده) ش: أي بعد طواف الصدر م: (لما قدمنا) ش: أي في أوائل هذا الباب، وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ويصلي الطائف لكل أسبوع ركعتين» ، ويأتي زمزم فيشرب من مائها لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استسقى دلواً بنفسه فشرب منه ثم أفرغ باقي الدلو في البئر» ش: قال الأترازي: قال في " الإيضاح ": روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استسقى.. إلخ. نحوه، والعجب منه: كيف يقنع بهذا المقدار، وقد روى أحمد في " مسنده "، والطبراني في " معجمه " «عن ابن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 ويستحب أن يأتي الباب، ويقبل العتبة، ثم يأتي الملتزم، وهو ما بين الحجر إلى الباب فيضع صدره ووجهه عليه، ويتشبث بالأستار ساعة يدعو الله تعالى فيها، ثم يعود إلى أهله، هكذا روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فعل بالملتزم ذلك. قالوا: وينبغي أن ينصرف وهو يمشي وراءه، ووجهه إلى البيت متباكيا متحسرا على فراق البيت حتى يخرج من المسجد، فهذا بيان تمام الحج.   [البناية] عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: جاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمزم فنزعت له دلواً فشرب منها ثم مج فيها، ثم أفرغناها في زمزم، ثم قال: " لولا أن تعلموا عليها السرعة لبدئ» . وروي عن ابن سعد في كتاب " الطبقات " في باب حجة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يوافق المذكور في الكتاب، قال: أخبرنا عبد الوهاب عن ابن جريج عن عطاء «لما أفاض نزع بنفسه الدلو يعني من زمزم لم ينزع منه أحد فشرب ثم أفرغ باقي الدلو في البئر .... » الحديث وهو مرسل. م: (ويستحب أن يأتي الباب) ش: أي باب الكعبة م: (ويقبل العتبة) ش: أي عتبة الباب م: (ويأتي الملتزم، وهو ما بين الحجر إلى الباب) ش: أي ما بين الحجر الأسود إلى باب البيت م: (فيضع صدره ووجهه عليه، ويتشبث بالأستار) ش: أي يتعلق بأستار الكعبة وهو جمع ستر م: (ساعة يدعو الله تعالى فيها، ثم يعود إلى أهله، هكذا روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فعل بالملتزم ذلك) ش: هذا أخرجه أبو داود في " سننه " عن المثنى بن صالح «عن عمرو بن شعيب عن أبيه شعيب قال: طفت مع عبد الله فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا تتعوذ، قال: نتعوذ بالله من النار، ثم مضى، واستلم الحجر، وقام بين الركن والباب، فوضع صدره، ووجهه، وذارعيه، وكفيه هكذا، وبسطهما بسطاً، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعله.» م: (قالوا) ش: أي مشايخنا: م: (فينبغي أن ينصرف) ش: أي الحاج م: (وهو يمشي وراءه) ش: أي والحال أنه يمشي وراءه يعني ينكص على عقبيه م: (ووجهه) ش: أي والحال أن وجهه م: (إلى البيت) ش: حال كونه م: (متباكيا متحسرا على فراق البيت حتى يخرج من المسجد الحرام) ش: فهذا الذي ذكرنا م: (بيان تمام الحج) ش: أي الذي فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 فصل فإن لم يدخل المحرم مكة وتوجه إلى عرفات ووقف فيها - على ما بينا - سقط عنه طواف القدوم؛ لأنه شرع في ابتداء الحج على وجه يترتب عليه سائر الأفعال، فلا يكون الإتيان به على غير ذلك الوجه سنة، ولا شيء عليه بتركه؛ لأنه سنة، وبترك السنة لا يجب الجابر. ومن أدرك الوقوف بعرفة ما بين زوال الشمس من يومها إلى طلوع الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحج، فأول وقت الوقوف   [البناية] [فصل في بيان مسائل شتى من أفعال الحج] م: (فصل) ش: أي: هذا فصل في بيان مسائل شتى من أفعال الحج، ذكرها بفصل على حدة لتعلقها بالباب. م: (فإن لم يدخل المحرم مكة وتوجه إلى عرفات وقف فيها) ش: وفي بعض النسخ ووقف فيها م: (على ما بينا) ش: أي قبل هذا الفصل من أحكام الوقوف بعرفة م: (سقط عنه طواف القدوم؛ لأنه شرع في ابتداء الحج على وجه يترتب عليه سائر الأفعال) ش: أي يأتي الأفعال ومنه السور م: (فلا يكون الإتيان به) ش: أي بطواف القدوم م: (على غير ذلك الوجه سنة، ولا شيء عليه بتركه) ش: أي لترك طواف القدوم م: (لأنه) ش: أي لأن طواف القدوم م: (سنة، وبترك السنة لا يجب الجابر) ش: لأن وقت طواف القدوم في ابتداء الحج قبل الشروع في الأفعال والسنن إذا فاتت عن وقتها لا تقضي، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - طواف القدوم واجب يحتاج تاركه إلى جابر إلا في حق المراهق للوقوف، فإنه يسقط عنه عنده بلا جابر، ذكره في " الذخيرة ". م: (ومن أدرك الوقوف بعرفة ما بين زوال الشمس من يومها) ش: أي من يوم عرفة م: (إلى طلوع الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحج) ش: اعلم أن أول وقت الوقوف من وقت الزوال، هو مذهب الأئمة الثلاثة وأصحابهم، وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أول وقته من طلوع الفجر يوم عرفة، ولم يوافقه أحد على هذا، وأبو حفص الكبير من الحنابلة، قال بما قاله الأئمة الثلاثة، وقد أشار المصنف إلى هذا بقوله: م: (فأول وقت الوقوف بعد الزوال عندنا لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف بعد الزوال) ش: وهذا في حديث جابر الطويل أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً، ثم ركب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أتى الموقف الحديث م: (وهذا بيان أول الوقت) ش: لأن الكتاب مجمل، فالتحق بفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بياناً به كما في الصلاة. وقال السروجي: ليس في فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا في قوله أن أول وقت الوقوف من الزوال لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لما طلعت الشمس في منى سار إلى عرفة، فنزل بنمرة في العقبة التي ضربت له، فأقام بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فركب حتى أتى بطن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 بعد الزوال عندنا لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف بعد الزوال، وهذا بيان أول الوقت، وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج» «ومن فاته عرفة بليل فقد فاته الحج» ، وهذا بيان آخر الوقت. ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن كان يقول: إن أول وقته بعد طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس فهو محجوج عليه بما روينا   [البناية] الوادي فخطب خطبته الطويلة التي ذكر فيها تحريم دمائهم، وأموالهم عليهم، والوصية بالنساء، ثم صلى الظهر، والعصر في وقت الظهر، ثم ركب القصواء وأتى الموقف، كما في حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلم يكن نزوله بعرفة وقت الزوال، ولا وقوفه؛ لأن نمرة ليست من عرفات في الصحيح، مع أن نزوله بنمرة كان قبل الزوال، ووقوفه بعرفة بعد الخطبتين والصلاة ووقت الزوال قبل هذا بكثير، هذا وإن أخذ بقوله، فينبغي أن يكون أول الوقت من طلوع فجر يوم عرفة؛ لأن قوله الأداء يدل على أن النهار محل الوقوف من أوله إلى آخره، وهو أقوى في الدليل، لأن الفعل لو وجد من وقت الزوال لا يدل على أنه أول وقته؛ لأنه يجوز أن يكون الأفضل والأولى هو وقت الزوال مع غيره من أوقات نهار يوم عرفة. م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " من «أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج» ش: هذا الحديث رواه الأربعة عن سفيان الثوري عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي أن ناساً من أهل نجد أتوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بعرفة فسألوه فأمر منادياً فنادى في الناس «الحج عرفة فمن جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج» ... " الحديث، رواه الدارقطني من حديث عطاء ونافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من وقف بعرفة بليل فقد أدرك الحج» . م: (ومن فاته عرفة بليل فقد فاته الحج) ش: فيحل بعمرة وعليه الحج من قابل، وفي إسناده - رَحِمَهُ اللَّهُ - من مصعب ضعيف، م: (وهذا بيان آخر الوقت) ش: لأنه يدل على أن وقت الوقوف بعرفة يبقى الليل من يوم النحر ولا يبقى بعد الليل، فيصح قولهم: إن آخر وقت الوقوف قبل طلوع الفجر من يوم النحر. م: (ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن كان يقول بأول وقته) ش: أي أول وقت الوقوف م: (بعد طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس) ش: من يوم عرفة م: (فهو محجوج عليه بما روينا) ش: وهو «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف بعد الزوال» ونقل هذا غير صحيح عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن مذهبه هنا مثل مذهبنا، وقد ذكر ابن الجلاب المالكي في كتاب " التفريع "، ولا يجزئ الوقوف بعرفة نهاراً قبل الزوال، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما وجدت هذا عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الكتب المعتبرة لبيان الخلاف وقيل: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 ثم إذا وقف بعد الزوال. وأفاض من ساعته أجزأه عندنا؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذكر بكلمة " أو "، فإنه قال: «الحج عرفة فمن وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه» وهي كلمة التخيير. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجزئه إلا أن يقف في اليوم وجزء من الليل   [البناية] هذا سهو من الكاتب، وليس هو مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قلت: فلأجل هذا ذكر صاحب الكتاب بقوله: وإن كان مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: ذكره بكلمة الشرط. م: (ثم إذا وقف بعد الزوال. وأفاض من ساعته أجزأه عندنا) ش: يعني يكفي من خروجه من العهدة م: (لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (ذكره بكلمة " أو "، فإنه قال: «الحج عرفة، فمن وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار قد تم حجه» ش: هذا الحديث رواه الطحاوي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من «حديث الشعبي، قال: سمعت عروة بن نضر بن الطحاوي يقول: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمزدلفة، فقلت: يا رسول الله جئت من جبل طيء، والله ما جئت انبعثت وأمضيت راحلتي، وما نزلت جبلاً من هذه الجبال إلا وقد وقفت عليه، فهل لي من حج، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " من شهد معنا هذه الصلاة صلاة الفجر بالمزدلفة، وقد كان وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه» ورواه الأربعة أيضاً، وليس في لفظ واحد منهم ذكر ساعة بعد قوله: من وقف بعرفة، قوله: وانصبت راحلتي، أي أنزلتها. قال: أنصب بقرة ينصبها نصباً إذا أنزلها، ونضر ومادته بنون وضاد معجمة وراء، رأيت الأترازي ضبطه بالنون والصاد والباء الموحدة، ولكن بالحركات لا بالحروف، قال: انتصبت أي تعبت، وليس في رواية المذكورين إلا مثل ما ضبطنا، نعم في رواية الترمذي: أكللت من الإكلال وهو الإلقاب، قوله: ما نزلت حبلاً، بفتح الحاء المهملة، وسكون الباء الموحدة وهو المستطيل من الرمل، وقيل: الضم منه، وجمعه حبال، وقيل: حبال من غير الرمل، وضبطه الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالجيم والباء الموحدة، وهو الجبل المعهود، ولكن بالحركات لا بالحروف، وقال شيخنا زين الدين: وروي جبلاً بالجيم، وهو يؤيد كلام الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولكن في رواية الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما نزلت جبلاً زملاً من هذه الجبال، وهذا يرد على من ضبطه بالجيم. قوله: ذكر كلمة أو يعني في قوله: من ليل أو نهار، ثم قال: م: (وهي كلمة التخيير) ش: لأن كل اليوم، والليلة غير مشروط فيه، فيكون الشرط وقوف ساعة من اليوم أو الليل، فيكون مجملاً، فالتحق فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بياناً له، قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيكون حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قلت: حتى تصح ما نقل من الذي ذكر فيه. م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجزئه إلا أن يقف في اليوم وجزء من الليل) ش: قال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: حتى يصح ما نقل من الذي ذكر عنه، وقال مالك - رحمه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 ولكن الحجة عليه ما رويناه. ومن اجتاز بعرفات نائما أو مغمى عليه، أو لا يعلم أنها عرفات جاز عن الوقوف؛ لأن ما هو الركن قد وجد، وهو الوقوف، ولا يمنع ذلك بالإغماء والنوم، كركن الصوم، بخلاف الصلاة؛ فإنها لا تبقى مع الإغماء، والجهل يخل بالنية، وهي ليست بشرط لكل ركن.   [البناية] الله - لا يجزئه إلا أن يقف في الليل، قال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله في الكتاب، قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إلى آخره سهو، ولم يقل به أحد، وقال الطرطوسي في معرفة قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن من ترك الوقوف بالليل بطل حجه عندنا، وعندهم يلزمه الدم، ولو تركه نهاراً أو وقف ليلاً لا يلزمه شيء، فدل على أن المعتبر الوقوف بالليل دون النهار. م: (ولكن الحجة عليه) ش: أي على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ما رويناه) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الحج عرفة، فمن وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه» م: (ومن اجتاز بعرفات) ش: حال كونه م: (نائما أو مغمى عليه، أو لا يعلم أنها عرفات جاز عن الوقوف) ش: وكذا من كان مجنوناً أو سكراناً أو هارباً أو طالب غريم أو كان جنباً أو محدثاً أو حائضاً أو نفساء، أو لم ينو الوقوف، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو حصر في جزء يسير من أجزاء عرفات في لحظ يسير من وقت الوقوف ولا يعلم أنها عرفات، ولم يثبت وقوع الغفلة، والنوم، واجتاز بها في طلب غريم له هارب من يديه، أو بهيمة صح وقوفه، بخلاف السكران والمجنون والمغمى عليه، ذكره النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن حنبل، والحسن البصري، وأبو ثور، وقال عطاء في المغمى عليه: يجزئه، وقال الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يبطل حجه، وعن التوقف فيه، وقال أبو ثور: لا يصح من النائم، وقال في " الذخيرة ": عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ومن وقف مغمى عليه حتى وقع أجزأه ولا دم عليه. م: (لأن ما هو الركن قد وجد، وهو الوقوف، ولا يمنع ذلك بالإغماء والنوم) ش: لأن المقصود من الوقوف حصوله من ذلك المكان، وقد وجد م: (كركن الصوم) ش: أي فعل الصوم، وأفعال الحج، كلاهما اختياري، لوجود النية، فكذا هاهنا إذا اجتاز بعرفات، ونوى، بل أولى لأن هذا الوقوف لو جعل كالمعدوم يلزمه التوقف إلى العام القابل، وفيه ضرر عظيم م: (بخلاف الصلاة، فإنها لا تبقى مع الإغماء) ش: لأن شرط الصلاة أعني الطهارة تنتفي بالإغماء، فينتفي المشروط م: (والجهل يخل بالنية) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر، وهو أن يقال: ينبغي أن لا يجوز الوقوف بعرفات إذا اجتاز بها، وهو لا يعلم لعدم النية، فأجاب وقال: سلمنا أن الجهل يخل بالنية م: (وهي ليست بشرط لكل ركن) ش: فلأجل هذا جاز الوقوف، وإن كان جاهلاً بالموضع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 ومن أغمي عليه فأهل عنه رفقاؤه جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا يجوز، ولو أمر إنسانا بأن يحرم عنه إذا أغمي عليه، أو نام فأحرم المأمور عنه صح بالإجماع، حتى إذا أفاق أو استيقظ، وأتى بأفعال الحج جاز. لهما أنه لم يحرم بنفسه، ولا أذن لغيره به، وهذا لأنه لم يصرح بالإذن منه   [البناية] فإن قلت: يشكل على هذا ما إذا طاف حول البيت خلف غريمه، أو خائف من سبع، ولا ينوي الطواف لا يجزئه، وإن وجدت النية في أصل الإحرام مع أنه ركن. قلت: الوقوف ركن عبادة، وليس بعبادة مقصودة، ولهذا لا ينتفل به، بخلاف الطواف؛ فلأنه عبادة مقصودة، ولهذا ينتفل به فلا بد من وجود أصل النية فيه. م: (ومن أغمي عليه فأهل عنه) ش: أي أحرم م: (رفقاؤه جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني أحرموا عن أنفسهم بطريق الأصالة، وعن الرفيق بطريق النيابة، حتى لو قتل صيداً عليه دم واحد، كذا في " المبسوط "، وصورة المسألة أن الرفقاء إذا لبسوا الرداء، أو تجنبوا المحظورات صار هو محرماً، ويتداخل الإحرامان، وصار إحرامهم عنه كإحرام الأب عن ابنه الصغير، وإنما قيد بإهلال الرفقاء عنه لأنه إذا أحرم عنه واحد من عرض الناس اختلف المشايخ فيه على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قال الشيخ أبو عبد الله الجرجاني: كان الجصاص يقول: لا يجوز، ثم رجع، وقال: يجوز. م: (وقالا: لا يجوز) ش: وهو قول عامة الفقهاء، وهذا الخلاف فيما إذا لم يوجد الإذن بالإحرام من المغمى عليه صريحاً، فأما إذا أذن صريحاً جاز بالاتفاق، وأشار إليه بقوله م: (أمر إنسانا) ش: أي فلو أمر رجل رجلاً م: (بأن يحرم عنه إذا أغمي عليه، أو نام فأحرم المأمور صح بالإجماع، حتى إذا أفاق أو استيقظ) ش: الآمر بذلك م: (وأتى بأفعال الحج جاز) ش: أراد بالإجماع عند أصحابنا؛ لأن عند مالك، والشافعي، وأحمد لا يجوزون ذلك. وقال النووي: لا يجوز عند أبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله -، سواء كان أذن له فيه قبل الإغماء أم لا، وهذا النقل غلط. واعتراض القرافي على الإمام فقال: لو وكل في ذلك لم يصح مع القصد ومع عدمه أولى، ورد عليه بأن قياسه على التوكيل باطل بلا شبهة؛ لأن التوكيل بخلاف الاتفاق على الصحة لا البطلان فليت شعري ما سنده في هذا. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي الذي أغمي عليه فأهل عنه رفقاؤه م: (لم يحرم بنفسه، ولا أذن لغيره به) ش: أي بالإحرام إذا أغمي عليه م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرناه من أنه لم يحرم بنفسه، ولا بإذن منه لغيره، لا يكون محرماً م: (لأنه لم يصرح بالإذن منه) ش: لأنه إما بالصريح، أو بالدلالة، فالصريح منتقلاً في الكلام في عدم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 والدلالة تقف على العلم، وجواز الإذن به لا يعرفه كثير من الفقهاء، فكيف يعرفه العوام، بخلاف ما إذا أذن غيره بذلك صريحا. وله أنه لما عاقدهم عقد الرفقة فقد استعان بكل واحد منهم فيما يعجز عن مباشرته بنفسه. والإحرام هو المقصود بهذا السفر، فكان الإذن به ثابتا دلالة، والعلم ثابت نظرا إلى الدليل، والحكم يدار عليه. قال: والمرأة في جميع ذلك كالرجل؛ لأنها مخاطبة كالرجل، غير أنها لا تكشف رأسها لأنه عورة، وتكشف وجهها) لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إحرام المرأة في وجهها» ولو أسدلت شيئا على وجهها   [البناية] التصريح بالإذن م: (والدلالة تقف على العلم) ش: بجواز الإحرام عن المغمى عليه، والعلم منفوذ م: (وجواز الإذن به) ش: أي بالإحرام عنه م: (لا يعرفه كثير من الفقهاء، فكيف يعرفه العوام، بخلاف ما إذا أذن غيره بذلك) ش: أي بالإحرام إذناً م: (صريحا) ش: ففيه يجوز اتفاقاً. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) ش: أي أن هذا الرجل المغمى عليه م: (لما عاقدهم) ش: أي الرفقاء م: (عقد الرفقة فقد استعان بكل واحد منهم) ش: أي من الرفقاء م: (فيما يعجز عن مباشرته بنفسه) ش: لأن السفر محل الاستعانة فيما بينهم م: (والإحرام هو المقصود) ش: في سفر هذا الرجل لا رجل مقصود م: (بهذا السفر) ش: هو الإحرام م: (فكان الإذن به) ش: أي بالإحرام م: (ثابتا دلالة) ش: أي من حيث الدلالة، وإن لم يوجد صريحاً م: (والعلم) ش: أي على الرفقاء م: (ثابت نظرا إلى الدليل) ش: وهو عقدهم عقد الرفقة م: (والحكم يدار عليه) ش: أي على الدليل، كمن نصب قدراً على كانون وجعل فيها اللحم، وأوقد تحتها النار، وجاء آخر فطبخه لا يضمن لوجود الإذن دلالة، فكذا هاهنا، ولو أحرم بنفسه ثم أغمي عليه أو مرض فطافوا به حول البيت على بعير ووقفوا به بعرفة والمزدلفة، ووضعوا الأحجار في يده ورموا بها، وسعوا به بين الصفا والمروة، فإن ذلك يجزئه عند أصحابنا جميعاً. م: (قال: والمرأة في جميع ذلك) ش: أي في جميع المناسك م: (كالرجل) ش: أي تفعل مثل ما يفعل الرجل، إلا في أشياء وهو خمسة عشر موضعاً ويجيء بيانها الآن م: (لأنها مخاطبة كالرجل) ش: لأن أوامر الشرع عامة غير أنها استثناء لبيان أنها تختص بأشياء في المواضع خمسة عشر، أشار إلى المواضع بقوله: م: (غير أنها) ش: أي غير أن المرأة م: (لا تكشف رأسها لأنه عورة، وتكشف وجهها) لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «إحرام المرأة في وجهها» ش: هذا الحديث رواه البيهقي في " سننه " من حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرفوعاً: «إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها» . م: (ولو أسدلت شيئا على وجهها) ش: أي لو أرخت شيئاً، وفي " المغرب ": سدل الثوب سدلاً من باب: طلبه إذا أرسله من غير أن يضم جانبيه، وقيل: هو أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 وجافته عنه جاز هكذا روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ولأنه بمنزلة الاستظلال بالمحمل، ولا ترفع صوتها بالتلبية لما فيه من الفتنة، ولا ترمل، ولا تسعى بين الميلين؛ لأنه مخل بستر العورة، ولا تحلق، ولكن تقصر؛ لما روي «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى النساء عن الحلق، وأمرهن بالتقصير»   [البناية] يلقيه على رأسه ويرخيه على منكبيه، والسدل خطأ، وفي كثير من النسخ: استدلت بالهمزة، والأصل رعاية قول أهل اللغة م: (وجافته عنه) ش: بالجيم، أي باعدت الشيء عن وجهها، وهو من باب المفاعلة من جفى جنبيه عن الفراش إذا نبا وارتفع. م: (جاز) ش: جواب لو م: (هكذا روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) ش: هذا أخرجه ابن ماجه، وأبو داود، عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد «عن عائشة قالت: كانت الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محرمات، فإذا حازوا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفنا» . م: (ولأنه) ش: أي سدل الشيء على الوجه م: (بمنزلة الاستظلال بالمحمل) ش: فإنه يجوز، فكذلك السدل. والمحمل بفتح الميم الأولى، وكسر الثانية، وبالعكس الهودج الكبير الحجاجي. م: (ولا ترفع صوتها بالتلبية) ش: هذا هو الثاني من الخمسة عشر م: (لما فيه) ش: أي رفع صوتها م: (من الفتنة) ش: عن عطاء، وسليمان بن يسار: لا ترفع المرأة صوتها بالتلبية، بل تسمع نفسها، رواه عنهما سعيد بن منصور - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أبو عمر بن عبد البر: أجمع العلماء على أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها بالتلبية؛ لأن صوتها عورة، وعند البعض إن لم يكن عورة فهو مشتهى، وقالت الظاهرية: ترفع صوتها كالرجل والتفاوت إليهم. م: (ولا ترمل) ش: هذا هو الثالث من الخمسة عشر، أي لا ترمل في طوافها؛ لأنها تجد ستر العورة؛ لأنه لا يطلب منها إظهار الجلد؛ لأن بدنها غير صالح للحرب والقتال (ولا تسعى بين الميلين) ش: بين الصفا والمروة م: (لأنه مخل بستر العورة) ش: هو تعليل الرمل والسعي كليهما، وهذا هو الرابع من الخمسة عشر. م: (ولا تحلق) ش: هو الخامس منها م: (ولكن تقصر) ش: هو السادس منها م: (لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى النساء عن الحلق، وأمرهن بالتقصير» ش: هذا غريب؛ لأنه مركب من حديثين، وفي نهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث، منها ما رواه الترمذي في الحج، والنسائي في الزينة من حديث قتادة عن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 ولأن حلق الشعر في حقها مثلة، كحلق اللحية في حق الرجال. وتلبس من المخيط ما بدا لها؛ لأن في لبس غير المخيط كشف العورة. قالوا: ولا تستلم الحجر إذا كان هناك جمع؛ لأنها ممنوعة عن مماسة الرجال إلا أن تجد الموضع خاليا.   [البناية] خلاس بن عمرو عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تحلق المرأة رأسها» . ومنها ما رواه البزار من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى مثله. ومنها ما رواه البزار أيضا من حديث وهب بن عمير قال: سمعت عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثله. وأما حديث التقصير، فرواه أبو داود في " سننه " من حديث صفية بنت شيبة قالت: أخبرتني أم عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصير» ، وفي " فتاوى الولوالجي ": تقصر من ربع شعر رأسها قدر الأنملة، وقيل: تأخذ من أطراف شعر رأسها كالأنملة من غير تقدير الربع. م: (ولأن حلق الشعر في حقها مثلة، كحلق اللحية في حق الرجال) ش: المثلة حرام فلا تجوز: إقامة السنة بارتكاب الحرام، والسنة في حقها التقصير، وقال المطرزي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المثلة قطع بعض الأعضاء، وتسويد الوجه، وتغيير الهيئة. م: (وتلبس من المخيط ما بدا لها) ش: وهو السابع منها، أي تلبس ما ظهر لها، وما شاءت، ولكن لا تلبس المصبوغ بورس أو زعفران، إلا أن يكون قد غسل؛ لأن هذا يزيد، وهو من دواعي الجماع، وهي ممنوعة من ذلك في الإحرام كالرجل م: (لأن في لبس غير المخيط كشف العورة) ش: وهو حرام م: (قالوا) ش: أي قال أصحابنا المتأخرون م: (ولا تستلم الحجر) ش: هو الثامن م: (إذا كان هناك جمع) ش: من الناس م: (لأنها ممنوعة عن مماسة الرجال إلا أن تجد الموضع خالياً) ش: هذا كما رأيت لم يذكر المصنف إلا ثمانية أشياء من تلك الخمسة عشرة. التاسع: لا تطلع بخلاف الرجل. العاشر: ليس عليها كفارة في تأخير طواف الإفاضة عن أيام النحر بعذر الحيض، والنفاس، الحادي عشر: لها ترك طواف الوداع بعذر الحيض، والنفاس. الثاني عشر: اشترط المحرم لها أو الزوج في مسافة السفر، الثالث عشر: لها لبس الخفين، الرابع عشر: لها لبس القفازين. والقفاز شيء تلبسه النساء في أيديهن لتغطية الكف والأصابع؛ لأن سعد بن أبي وقاص - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 قال: ومن قلد بدنة تطوعا أو نذرا، أو جزاء صيد، أو شيئا من الأشياء، وتوجه معها يريد الحج فقد أحرم؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من قلد بدنة فقد أحرم» ؛ ولأن سوق الهدي في معنى التلبية في إظهار الإجابة؛ لأنه لا يفعله إلا من يريد الحج والعمرة   [البناية] - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يلبس بناته القفاز وهن محرمات، ورخصت عائشة فيه، وبه قال عطاء والثوري، وحكي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ذكره القرطبي، وقال البغوي: وهو أظهر قولي الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقال النووي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أصح قولي الشافعي المنع منه خلاف ما نقله البغوي. الخامس عشر: لها لبس الحلي، السادس عشر: لها كشف وجهها، وإن كانت مشاركة للرجل فيه، لكن لا يجوز لها ذلك، إلا في الإحرام. فإن قلت: كيف حكم الخنثى في هذه الأشياء. قلت: يشترط في حقه ما يشترط في المرأة احتياطاً في المحرمات. م: (قال: ومن قلد بدنة) ش: وفي بعض النسخ: قال: أي محمد في " الجامع الصغير ": لأن هذا من مسائله م: (تطوعا) ش: أي لأجل التطوع م: (أو نذرا) ش: أي أو لأجل النذر الذي عليه م: (أو جزاء صيد) ش: أي ولأجل جزاء الصيد، بأن قتله حتى وجبت عليه قيمته فاشترى بتلك القيمة بدنة في سنة أخرى، وقلدها أو قتل الحلال صيد الحرم فاشترى بقيمته بدنة م: (أو شيئا من الأشياء) ش: مثل دم المتعة، والقران، والدماء الواجبة، كالحلق وغيره، قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عبر بهذه الأشياء تيسيراً عليه، وقال الأترازي: كان ينبغي أن يقول: أو بشيء من الأشياء كما في " الجامع الصغير "؛ لأن أشياء مفعول له بالعطف على ما قبله وأحد شرائطه أن يكون مصدراً، فإن قصده المصنف فلا بد من اللام في قولك: حد للشيء انتهى. قلت: الذي قاله النحاة بأنه لا بد من اللام إما ظاهرة أو مقدرة، وهاهنا مقدرة، تقديره والشيء من الأشياء. م: (وتوجه معها) ش: أي مع البدنة حال كونه م: (يريد الحج فقد أحرم) ش: أي صار محرماً م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من قلد بدنة فقد أحرم» ش: هذا حديث غريب مرفوعاً ووقفه ابن أبي شيبة في " مصنفه " على ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: حدثنا ابن نصير، حدثنا عبد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر، قال: «من قلد بدنة فقد أحرم» حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «من قلد أو جلل أو أشعر فقد أحرم» . م: (ولأن سوق الهدي في معنى التلبية في إظهار الإجابة) ش: أي في إجابة دعاء إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (لأنه) ش: أي لأن التقليد م: (لا يفعله إلا من يريد الحج أو العمرة) ش: وفي " شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولو قلد بدنة بغير نية الإحرام يصير محرماً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 وإظهار الإجابة قد يكون بالفعل كما يكون بالقول فيصير به محرما لاتصال النية بفعل هو من خصائص الإحرام. وصفة التقليد أن يربط على عنق بدنته قطعة نعل، أو عروة مزادة، أو لحاء شجرة، فإن قلدها وبعث بها ولم يسقها لم يصر محرما لما روي عن عائشة أنها - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبعث بها، وأقام في أهله حلالا، فإن توجه بعد ذلك لم يصر محرما حتى يلحقها؛ لأن عند التوجه إذا لم يكن بين يديه هدي يسوقه لم يوجد منه إلا مجرد النية، وبمجرد النية لا يصير محرما، فإذا ركبها وساقها أو أدركها   [البناية] ولو ساق هدياً قاصداً إلى مكة صار محرماً بالسوق نوى أو لم ينو، وقال صاحب " النهاية ": صيرورته محرماً بمجرد السوق من غير انضمام نية الإحرام لم أجد في الشروح هذه العبارة إلا في شرح الطحاوي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فإن في عامة النسخ شرط الهدي، أي كان كما يضم إلى التلبية وسوق هدي المتعة، وتقليد البدنة. م: (وإظهار الإجابة) ش: قيل: إنه معطوف على اسم إن، قرئ منصوباً، وعلى محل إن قرئ مرفوعاً قاله الأكمل، قلت: فيه تعسف إلا وجه أن يكون مرفوعاً بالابتداء وخبره هو قوله م: (قد يكون بالفعل كما يكون بالقول) ش: ألا ترى إن قال: يا فلان، فأجابه تارة بقول: لبيك، وتارة بالحضور، والامتثال بين يديه م: (فيصير به محرما) ش: أي فيصير بالسوق محرماً. م: (لاتصال النية بفعل هو من خصائص الإحرام) ش: أراد به التقليد مع السوق م: (وصفة التقليد أن يربط على عنق بدنته قطعة نعل أو عروة مزادة) ش: هي المظهرة م: (أو لحاء شجرة) ش: بكسر اللام وبالحاء المهملة، وبالمد، وهو القشر أو قطعة أدم، أو شراك نعل. م: (فإن قلدها وبعث بها ولم يسقها لم يصر محرما لما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبعث بها، وأقام في أهله حلالا» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الهدي فأفتلت قلائدها بيدي من عهن كان عندنا، ثم أصبح فيها حلالاً يأتي ما يأتي الرجل من أهله» وكان الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مختلفين في هذه المسألة على ثلاثة أقاويل، منهم من قال: إذا قلدها صار محرماً، ومنهم من قال: إذا توجه في إثرها صار محرماً، فأخذنا باليقين، وقلنا: إذا أدركها وساقها صار محرماً لاتفاق الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في هذه الحالة. م: (فإن توجه بعد ذلك) ش: أي بأن توجه بعدما بعث هديه م: (لم يصر محرما حتى يلحقها؛ لأن عند التوجه إذا لم يكن بين يديه هدي يسوقه لم توجد منه إلا مجرد النية، وبمجرد النية لا يصير محرما) ش: وفي " المحيط ": لا يصير داخلاً في الإحرام بمجرد النية ما لم يضم إليها التلبية أو سوق الهدي م: (فإذا ركبها) ش: أي البدنة م: (وساقها أو أدركها) ش: [ ..... ] بين السوق والإدراك؛ لأنه على رواية " الجامع الصغير " يشترط الإدراك، فحسب لأنه قال: لم يصر محرماً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 فقد اقترنت نيته بعمل هو من خصائص الإحرام، فيصير محرما كما لو ساقها في الابتداء. قال: إلا في بدنة المتعة فإنه محرم حين توجه، معناه إذا نوى الإحرام، وهذا استحسان. وجه القياس فيه ما ذكرنا. ووجه الاستحسان أن هذا الهدي مشروع في الابتداء نسكا من مناسك الحج وضعا لأنه مختص بمكة ويجب شكرا للجمع بين أداء النسكين، وغيره. قد يجب بالجناية وإن لم يصل إلى مكة فلهذا اكتفي فيه بالتوجه، وفي غيره   [البناية] حتى يلحق البدنة، وعلى رواية الأصل: شرط الإدراك والسوق جميعاً؛ لأنه قال: لم يصر محرماً حتى يلحق الهدي ويسوقه ويتوجه معه، والمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - جمع بين الروايتين، وقال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فذلك أمر إضافي، وإنما الشرط أن يلحقه ليصير فاعلاً فعلى المناسك على المخصوص. م: (فقد اقترنت نيته بعمل هو) ش: أي السوق والإدراك م: (من خصائص الإحرام) ش: جمع خصيصة وهي التي تختص بالشيء، ومن خصائص الإحرام سوق الهدي م: (فيصير محرما كما لو ساقها في الابتداء) ش: أي في ابتداء الأمر. م: (قال: إلا في بدنة المتعة) ش: وفي بعض النسخ قال: إلا في بدنة المتعة، أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": إلا في بدنة المتعة، وهو استثناء من قوله: فإن توجه بعد ذلك لم يصر محرماً حتى يلحقها، يعني أن في بدنة المتعة يصير محرماً بمجرد التوجه، وهاهنا قيد لا بد منه، وهو أنه إنما يصير محرماً بالتقليد أن لو حصل التقليد في أشهر الحج، وإن حصل في غير أشهره لا يصير محرماً ما لم يدركه، ويصير معه هكذا ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (فإنه محرم حين توجه، معناه إذا نوى الإحرام) ش: يحرم حين توجه إذا وجدت النية، فإذا لم توجد لا يصير محرماً م: (وهذا استحسان) ش: أي كونه محرماً في بدنة المتعة بمجرد التوجه قبل اللحاق استحسان، والقياس أن لا يصير محرماً بمجرد التوجه. م: (وجه القياس فيه ما ذكرنا) ش: يريد به قوله: لم يوجد منه إلا مجرد النية م: (ووجه الاستحسان أن هذا الهدي مشروع في الابتداء) ش: احترز به عن دم الجناية، والنذر، فإنهما شرعا بناء عليهما لا ابتداء م: (نسكا) ش: أي حال كونه نسكاً، احترز به عما وجب ابتداء م: (من مناسك الحج وضعا) ش: يعني من حيث الوضع الشرعي م: (لأنه مختص بمكة) ش: حيث صار نسكا من مناسك الحج. م: (ويجب) ش: أي الهدي م: (شكرا للجمع بين أداء النسكين) ش: هذا بيان اختصاصه بمكة لأن الجمع بين النسكين لا يكون إلا بمكة، فكان هدي المتعة مختصاً بمكة م: (وغيره) ش: أي غير دم المتعة م: (قد يجب بالجناية) ش: بأن صاد صيداً قبل وصوله إلى مكة م: (وإن لم يصل إلى مكة) ش: واصل بما قبله م: (فلهذا اكتفي فيه) ش: أي في هدي المتعة م: (بالتوجه وفي غيره) ش: أي وفي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 توقف على حقيقة الفعل، فإن جلل بدنة، أو أشعرها، أو قلد شاة لم يكن محرما؛ لأن التجليل لدفع الحر، والبرد، والذباب، فلم يكن من خصائص الحج. والإشعار مكروه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فلا يكون من النسك في شيء. وعندهما إن كان حسنا فقد يفعل للمعالجة   [البناية] غير هدي المتعة م: (توقف) ش: أصله تتوقف بالتاءين، فحذفت إحداهما للتخفيف، أي توقف الهدي م: (على حقيقة الفعل) ش: وهو السوق واللحاق، حاصله أن الهدي في المتعة أو القران نسك من مناسك الحج، اكتفي بالتوجه وإن لم يسق لتأكده في النسكية، وغيره لما تتأكد نسكيته أم يكتف بالتوجه، بل يتوقف على الإدراك والسوق، أو على الإدراك لتأكد تحققه بالفعل. م: (فإن جلل بدنة) ش: أي ألقى عليها الجل م: (أو أشعرها) ش: من الإشعار، وهو الإدماء بالجرح، وقال الأكمل: إشعار البدنة إعلامها بشيء أنها هدي من الشعار، وهي العلامة م: (أو قلد شاة لم يكن محرما؛ لأن التجليل لدفع الحر، والبرد، والذباب، فلم يكن من خصائص الحج) ش: الذباب بكسر الذال المعجمة وتشديد الباء الموحدة جمع ذبابة وهو معروف، قال الجوهري: الواحدة ذبابة، وجمع القلة أذبة، والكثير ذباب، مثل غراب وغرابة وغربان. وفي " جامع العتابي ": وقد يكون الإشعار للزينة، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأحمد، ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يصير محرماً في هذه الصورة بمجرد النية والإشعار، وهو قول إبراهيم النخعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ورخصت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في تركه، ذكره المنذري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهي لا ترخص في ترك السنن. م: (والإشعار مكروه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فلا يكون من النسك في شيء) ش: يعني لا يعد من النسك، ولا يعتبر به م: (وعندهما إن كان) ش: أي الإشعار م: (حسنا فقد يفعله للمعالجة) ش: إن فعل الإشعار هو حسن، وإن تركه فلا بأس به؛ لأنه قد يفعل لمعالجة البدنة لأجل [ .... ] . وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثلاثة أقوال، قيل سنة عندهما، ويصير به محرماً مع التوجه، ذكره في " البدائع ". وقال الأسبيجابي: عندهما هو سنة وفي " المحيط " و " التحفة " لا يصير محرماً عندهما، وإن كان سنة لأنه من خصائص الإحرام إذ الناس قد تركوه، وعندهما حسن ولا يصير به محرماً، لأنه قد يفعل بغير الإحرام كالتحيل، ذكره في " المبسوط ". وقيل: هو مباح ولا يصير به محرماً بالاتفاق، ذكره في " البدائع " وغيره وقال الشافعي ومالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - هو سنة، وأبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول إنه مثلة، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن المثلة، وأيضا هو تعذيب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 بخلاف التقليد، لأنه يختص بالهدي، وتقليد الشاة غير معتاد وليس بسنة أيضا. قال: والبدن من الإبل والبقر. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من الإبل خاصة؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث الجمعة، فالمتعجل منهم كالمهدي بدنة، والذي يليه كالمهدي بقرة   [البناية] للحيوان، وقال الشيخ أبو منصور الماتريدي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحتمل أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كره الإشعار المحدث. فأما الذي جاءت به السنة فلا. وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما كره أبو حنيفة الإشعار، وإنما كره على وجه يخاف منه هلاكها لسراية الجرح لا سيما في حر الحجاز، فأراد سد الباب على العامة، لأنهم لا يراعون الحد في ذلك، فأما من وقف على الحد فقطع الجلد دون اللحم فلا يكره حكاه عنه في " المبسوط " وغيره. وتفسير الإشعار عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الطعن بالرمح في أسفل السنام من قبل اليسار، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من قبل اليمين، وقال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأشبه أن الإشعار من قبل اليسار. م: (بخلاف التقليد، لأنه يختص بالهدي) ش: يعني لا يكره تقليد البدن بالاتفاق م: (وتقليد الشاة غير معتاد) ش: فإن من عادة العرب أن لا يقلدوا الشاة م: (وليس بسنة أيضا) ش: وبه قال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقلد الغنم، لما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهدى مرة غنماً وقلده» هكذا نقله الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن كتبهم، ثم قال قلنا: هذا غير ثابت، لأن رواة نسك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما رووه، انتهى. قلت: كيف يقول بهذا وقد أخرجه الأئمة الستة عن الأسود عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أهدى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرة إلى البيت غنما فقلدها» ولمسلم بهذا الإسناد قالت «لقد رأيتني أقلد القلائد لهدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الغنم فيبعث به ثم يقيم فينا حلالاً» انتهى. ولا يصير بتقليد الغنم محرماً عندنا، وكذا روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فإنه لا يقلد الغنم، وإنما يقلد البدنة فلا يصير محرماً به. وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يصير محرماً بتقليد الشاة والغنم والبدن والبقر. وفي بعض النسخ م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " " الجامع الصغير " م: (والبدن من الإبل والبقر) ش: والهدي من الغنم والبقر، قلت م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من الإبل خاصة) ش: وبه قال ابن سيرين، وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من الإبل فمن لم يجد فمن البقر م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في حديث الجمعة، «فالمتعجل منهم كالمهدي بدنة، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 فصل بينهما. ولنا أن البدنة تنبئ عن البدانة وهي الضخامة، وقد اشتركا في هذا المعنى، ولهذا يجزئ كل واحد منهما عن سبعة، والصحيح من الرواية في الحديث كالمهدي جزورا   [البناية] والذي يليه كالمهدي بقرة» ش: هذا الحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولفظهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من اغتسل يوم الجمعة فراح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر» . وفي لفظ لهما «إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول ومثل المتهجر كمثل الذي يهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة ... » إلى آخره، وفي رواية النسائي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في الخامسة: «كالذي يهدي عصفوراً» وفي السادسة «كالذي يهدي عصفوراً» وفي رواية قال في الرابعة: «كالذي يهدي بطة، ثم كالمهدي دجاجة، ثم كالهدي بيضة» وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الخلاصة " وإسنادهما صحيح، إلا أنهما شاذان لمخالفتهما الروايات المشهورة، وذكر الأترازي الحديث الذي ذكره المصنف بصيغة التمريض ولم يسنده إلى أحد. م: (فصل بينهما) ش: أي بين البدنة والبقرة بواو العطف، وهو دليل المغايرة، فثبت أن البدنة غير البقرة. وفي " جامع الفتاوى " وهذا فيما إذا أوجب على نفسه البدنة فهو بالخيار عندنا إن شاء أهدى الإبل، وإن شاء أهدى البقر، ولو أوجب على نفسه الهدي فهو مخير بين ثلاثة أشياء، إما الإبل أو البقر أو الغنم، ولو أوجب على نفسه الجزور فهو الإبل خاصة. م: (ولنا أن البدنة تنبئ عن البدانة وهي الضخامة) ش: يقال بدن يبدن بدناً فأضخم م: (وقد اشتركا) ش: أي الإبل والبقر م: (في هذا المعنى) ش: أي في الضخامة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل اشتراكهما في هذا المعنى م: (يجزئ كل واحد منهما) ش: أي من الإبل والبقر م: (عن سبعة) ش: أنفس والعجب من صاحب الهداية - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، حيث يستدل بالدليل العقلي، والخصم يستدل بالحديث، وقد روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه جعل الهدي من ثلاثة من الإبل والبقر والغنم والبدنة من الإبل والبقر م: (والصحيح من الرواية في الحديث «كالمهدي جزوراً» ش: يعني في موضع البدنة. قلت: هذه اللفظة وإن كانت في مسلم، ولكن رواية البدنة باتفاقهم عليها، فليس كما قال المصنف، ولفظ مسلم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «على كل باب من أبواب المسجد ملائكة، ويكتب الأول فالأول مثل الجزور ثم نزلهم حيث صغر إلى مثل البيضة، فإذا جلس الإمام طويت الصحف وحضروا الذكر» . وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله «كالمهدي جزوراً» لا أصل له، ولفظة البدنة ثابتة متفق عليها، ولم يذكر في كتب الحديث «كالمهدي جزوراً» فيما علمت، انتهى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 والله تعالى أعلم بالصواب.   [البناية] قلت: قد حط عليه مخرج الأحاديث حطاً بالغاً، فقال: جهل هذا الجاهل جهلاً فاحشاً في قوله هذا. قلت: لم يكن من حسن الأدب أن يحط مثل هذا الحط، وكان ينبغي أن يقول وقد ذهل أو لم يطلع عليه، والعجب من الأكمل أيضاً حيث يقول ولئن ثبتت تلك الرواية، يعني رواية «كالمهدي جزوراً» وكيف يتردد وقد أخرجه مسلم على ما ذكرنا، ولو اطلع هو أيضاً على هذه الرواية لم يقل هكذا، ثم أجاب عن تعليل الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بقوله فصل بينهما نافلاً عن النهاية بقوله للتمييز من حيث الحكم بالعطف لا يدل على اختلاف الجنسية، وكذا التخصيص باسم خاص لا يمنع الدخول تحت اسم العام، كما في قَوْله تَعَالَى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] (البقرة: الآية 98) . والله أعلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 باب القران " القران أفضل من التمتع والإفراد، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الإفراد أفضل، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التمتع أفضل من القران؛ لأن له ذكرا في القرآن، ولا ذكر للقران فيه. وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "القران رخصة "   [البناية] [باب القران] [تعريف القران] م: (باب القران) ش: أي هذا باب في بيان أحكام القرآن، وهو لغة مصدر قرنت هذا بذلك، أي جمعت بينهما. وشرعاً الجمع بين الحج والعمرة وفي الصفة التي تأتي. وهو من باب ضرب يضرب، وأقرن الرجل إذا رفع رمحه لئلا يصيب من قدامه. وفي المشارق يقال قرن، ولا يقال أقرن، ولذا يقال أقرن التمرتين في لقمة واحدة وفي الحديث «نهى عن الإقران في التمر» قاله القاضي عياض - رَحِمَهُ اللَّهُ - كذا في أكثر الروايات. قال: وصوابه القرآن في صحيح البخاري في باب التمتع والإقران. قال السغناقي في " شرحه " الإقران غير ظاهر، لأن فعله ثلاثي، قال وصوابه قرن وإنما الإفراد على القرآن لتقدمه طبعاً على القران؛ ولأن القران إنما عرف بعد معرفة الإفراد، ثم قدم القران على التمتع؛ لأنه أفضل منه، وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حق المقرن يقدم على المفرد في الحج في البيان والذكر إلا أن المفرد قدم، لأن معرفة القران مرتبة على معرفة الإفراد، ومعرفة الذات مقدمة على معرفة الصفات. [المفاضلة بين القران والتمتع والإفراد] م: (القران أفضل من التمتع والإفراد) ش: وهو اختيار المزني وأبي إسحاق المروزي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن المنذر من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبه قال الثوري وإسحاق بن راهويه ومحمد بن جرير الطبري وكثير من أهل الحديث واختيار الظاهرية، وروي ذلك عن عمر وعلي وعائشة وأبي طلحة وعمران بن الحصين وسراقة بن مالك وابن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - جميعاً والبراء بن عازب والهرماس بن زياد الباهلي وسبرة وحفصة أم المؤمنين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الإفراد أفضل) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التمتع أفضل من القران) ش: وبه قال الشافعي في قول م: (لأن له) ش: أي لأن للتمتع م: (لأن له ذكرا في القرآن، ولا ذكر للقران فيه) ش: أي في القرآن، قال الله عز وجل: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] فإذا كان مذكوراً في القرآن يكون أهم لو لم يكن أهم لم يذكر في القرآن م: (وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " القران رخصة ") ش: هذا غريب جداً، وذكر الكاكي وجه قول الشافعي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: " إنما أجرك على قدر تعبك» والقران رخصة، والإفراد عزيمة، فالتمسك بالعزيمة أولى، انتهى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 ولأن في الإفراد زيادة التلبية، والسفر، والحلق. ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يا آل محمد أهلوا بحجة، وعمرة معا»   [البناية] قلت: الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يرض بهذا، وإنما استدل بما أخرجه البخاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفرد الحج» وبما أخرجه البخاري ومسلم أيضاً عن نافع «عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: أهللنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحج مفرداً» وبما أخرجه الترمذي عن عبد الله بن نافع الصايغ عن عبيد الله بن عمر العمري عن نافع «عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفرد بالحج وأفرد أبو بكر وعمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -» - وبما أخرجه مسلم عن أبي الزبير «عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: أقبلنا مهلين مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحج» م: (ولأن في الإفراد زيادة التلبية، والسفر، والحلق) ش: لأن القارن يؤدي النسكين بسفر واحد ويلبي لهما بتلبية واحدة ويحلق مرة واحدة والمفرد يؤدي كل نسكه بصفة الكمال، فكان أفضل. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي ولنا قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «يا آل محمد أهلوا بحجة، وعمرة معا» ش: هذا الحديث أخرجه الطحاوي عن أم سلمة سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «يا آل محمد أهلوا بحجة وعمرة معاً» ، ولنا أحاديث غير هذا، ومنها ما أخرجه البخاري ومسلم عن عبد العزيز بن صهيب «عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يلبي بالحج والعمرة يقول لبيك حجة وعمرة.» فإن قلت: قال ابن الجوزي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في " التحقيق " مجيباً عنه: إن أنسا حينئذ كان صبياً فلعله لم يفهم الحال. قلت: رد عليه صاحب " التنقيح "، فقال: بل كان بالغاً بالإجماع، بل كان له نحو من عشرين سنة، لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هاجر إلى المدينة ولأنس عشر سنين، ومات وله عشرون سنة، يدل على ذلك ما أخرجه واللفظ لمسلم «عن بكير عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يلبي بالحج والعمرة جميعاً، قال بكير: فحدثت بذلك ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فقال لبى بالحج وحده، فلقيت أنساً فحدثته بقول ابن عمر فقال أنس ما يعدوننا إلا صبياناً، سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول لبيك عمرة وحجة» . ومنها ما أخرجه البخاري «عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول وهو بالعقيق " أتاني الليلة آت من ربي عز وجل، فقال صل في هذا الوادي المبارك، وقيل عمرة في حجة» ومنها ما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن داود بن عبد الرحمن عن عمرو بن دينار عن عكرمة «عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال اعتمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 ولأن فيه جمعا بين العبادتين، فأشبه الصوم مع الاعتكاف والحراسة في سبيل الله مع صلاة الليل، والتلبية غير محصورة   [البناية] عمر الحديبية وعمرة القضاء في ذي القعدة من قابل، والثالثة من الجعرانة، والرابعة مع حجته» . وقال ابن حزم - رَحِمَهُ اللَّهُ -: روي القران عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ستة عشر من الثقات، واتفقوا على أن لفظ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إهلالاً بحجة وعمرة معاً، وهم الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي وحميد بن عبد الرحمن الطويل وقتادة ويحيى بن سعيد ويحيى بن إسحاق الأنصاري وثابت البناني وبكر بن عبد الله المزني وعبد العزيز بن صهيب وسليمان التيمي ويحيى بن إسحاق وزيد بن أسلم ومصعب بن أسلم وأبو أسماء وأبو قتادة وأبو قزعة، وهو سويد الباهلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. والجواب عن حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وحديث ابن عمر وحديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - هو أن الصحابة قد اختلفوا في أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أين أحرم فبعضهم قالوا من مسجد ذي الحليفة، وبعضهم قالوا من البيداء، فالذين سمعوا تلبيته بالعمرة في المسجد سمعوا تلبيته بالحج بعد أن استقرت راحلته على البيداء قالوا: إنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قرن الحج بالعمرة والذين لم يسمعوا تلبيته في المسجد لكونهم غائبين، وسمعوا تلبيته بالحج في البيداء. قالوا: أفرد بالحج، والذين سمعوا في المسجد ولم يسمعوا تلبيته بالحج بالبيداء، ثم رده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد فراغه من العمرة ففعل به ما يفعله الحاج من الوقوف بعرفة، وغير ذلك قالوا إنه تمتع، وكل منهم شهد بما صح عنده، ثم لما صح هذا الاحتمال ثبت أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان قارناً، لأنا أنسا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شهد بالقران بعدما تحقق عنده، وحديث المفرد والمتمتع محتمل والعمل بالمتحقق أولى من المحتمل. فإن قلت: قد صح عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان ينهي عن القران، فلو كان أفضل لما نهى عنه. قلت: «روى الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بإسناده إلى مروان بن الحكم، قال: كنا نسير مع عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فإذا رجل يلبي بالحج والعمرة، فقال عثمان: من هذا؟ فقالوا: علي فأتاه عثمان فقال ألم تعلم أني نهيت عن هذا، فقال بلى ولكن لم أكن أدع قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقولك» فدل إنكار علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - على أن القران هو الأفضل. م: (ولأن فيه) ش: أي في القران م: (جمعا بين العبادتين) ش: الحج والعمرة م: (فأشبه الصوم مع الاعتكاف والحراسة في سبيل الله مع صلاة الليل) ش: يعني يحمي الغزاة، ويصلي أيضاً. وجه الشبه في هذين الاثنين هو الجمع بين العبادتين م: (والتلبية غير محصورة) ش: هذا جواب عن قوله، ولأن في الإفراد زيادة التلبية، وتقديره أن المفرد كما يكون بالتلبية مرة أخرى فكذلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 والسفر غير مقصود، والحلق خروج عن العبادة فلا ترجيح لما ذكر، والمقصود بما روي نفي قول أهل الجاهلية إن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور. وللقران ذكر في القرآن؛ لأن المراد من قَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] (196 البقرة) ، أن يحرم بهما من دويرة أهله على ما روينا من قبل. ثم فيه تعجيل الإحرام واستدامة إحرامهما من الميقات إلى أن يفرغ منهما، ولا كذلك التمتع، فكان القران أولى من التمتع   [البناية] القارن، لأن له أن يأتي منها ما شاء فيجوز أن تكون تلبية القارن أكثر من تلبية المفرد. م: (والسفر غير مقصود) ش: هذا جواب عن قوله - والسفر - ووجهه أن المقصود هو الحج والسفر وسبيله إليه، فلم يقع الترجيح م: (والحلق خروج عن العبادة فلا ترجيح لما ذكر) ش: يعني فلا تؤثر فيهما ليترجح به، حاصله أنه ليس بعبادة بنفسه، وهو خروج عن العبادة، بخلاف السلام، فإنه عبادة بنفسه. م: (والمقصود) ش: أي المراد م: (بما روي) ش: أي ما روى الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (نفي قول أهل الجاهلية) ش: هذا جواب عن قوله - القران رخصة - فإنهم قالوا م: (إن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور) ش: أخرج البخاري ومسلم عن طاووس «عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، ويجعلون المحرم صفراً ويقولون: أدبر الدبر، وعفى الأثر، وانسلخ صفر، حلت العمرة لمن اعتمر، فقدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا يا رسول الله أي الحل، قال: الحل كله» . قوله: من أفجر الفجور، أي من أشر السيئات، وإنما قالوا ذلك لئلا يخلو البيت عن الزوار في سائر الشهور، فنفى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قولهم بقوله القران رخصة جائزة وتوسعة من الله تعالى، وليس المراد من الرخصة ما هو أصح، لأن القران عزيمة فسماه رخصة مجازاً، ويجوز أن يراد بها الصلح ويكون كإسقاط شرط الصلاة في السفر، والرخصة مجازاً في مثله عزيمة عندنا. م: (وللقران ذكر في القرآن) ش: هذا جواب عن قول مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (لأن المراد من قَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) ، أن يحرم من دويرة أهله على ما روينا من قبل) ش: يعني ما روي عن علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في فضل المواقيت م: (ثم فيه) ش: أي في القران، وهذا مشروع في الترجيح بعد تمام الجواب م: (تعجيل الإحرام) ش: لأنه إذا لم يكن قارناً يكن إحرام الحج بعد الفراغ من العمرة، ويحرم من مكة، وإحرام القارن بهما من الميقات م: (واستدامة إحرامهما) ش: أي استدامة إحرام الحج والعمرة م: (من الميقات إلى أن يفرغ منهما، ولا كذلك التمتع) ش: لأن إحرامه بالعمرة ممتنع، وإحرامه بالحج ممكن فيحل قبل إحرام الحج والبقاء في الإحرام نسك وعبادة م: (فكان القران أولى من التمتع) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 وقيل الاختلاف بيننا، وبين الشافعي بناء على أن القارن عندنا يطوف طوافين، ويسعى سعيين، وعنده طوافا واحداً، وسعيا واحداً.   [البناية] م: (وقيل الاختلاف بيننا، وبين الشافعي بناء) ش: أي الاختلاف الحاصل بيننا وبين الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مبني م: (على أن القارن عندنا يطوف طوافين، ويسعى سعيين، وعنده طوافا واحداً) ش: أي يطوف طوافاً واحداً م: (وسعياً واحداً) ش: أي ويسعى سعياً واحداً، يعني أن النزاع لفظي، وهكذا الاختلاف في كتبهم، وفي " التحفة " وحاصل الخلاف أن القارن يحرم بإحرامين فلا يدخل إحرام العمرة في إحرام الحج، وعنده يكون محرماً بإحرام واحد وهو قول ابن سيرين والحسن البصري وطاووس ومسلم والزهري ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية وابن راهويه وداود، وفيه قول ثالث، وهو أن يطوف طوافين ويسعى سعيا ًواحداً، وهو قول عطاء ابن أبي رباح، وقولنا قول مجاهد - رَحِمَهُ اللَّهُ - رجع إليه، وجابر بن زيد وشريح القاضي وعامر الشعبي ومحمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسن بن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإبراهيم النخعي وعبد الرحمن الأوزاعي وعبد الرحمن بن الأسود والثوري والأسود ابن يزيد والحسن بن أبي الحسن وحماد بن سلمة، وحماد بن سليمان والحكم بن عتبة وزياد بن مالك وابن شبرمة وابن أبي ليلى، وهو محكي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعلي بن أبي طالب والحسن والحسين بن علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ذكر ذلك ابن حزم في " المحلى " وغيره. واحتج الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن معه بما رواه الترمذي عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد» . وقال الترمذي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حديث حسن غريب، قال: روي عن عبد الله بن عمر ولم يرفعوه، قال: وهو أصح وقال الطحاوي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رفع حديث ابن عمر خطأ فيه الداودي فرفعه، وإنما هو عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نفسه، قال: هكذا رواه الحفاظ، وهم مع ذلك لا يحتجون بالداودي عن عبد الله أصلاً، فكيف يحتج بحديث ابن عمر في هذا، وصح عنه أنه قال: «تمتع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع» وصح عنه أنه قال: «أفرد الحج والمفرد والمتمتع أتى بطوافين وسعيين» . واعلم أنه ينبني على هذا الأصل مسائل منها أن القران أفضل، لأنه يجمع بين العبادتين بإحرامين، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بخلافه ويطوف طوافين ويسعى سعيين وتقدم أفعال العمرة على أفعال الحج، وعنده خلاف ذلك، والدم الواجب فيه دم النسك وعنده دم الجبر، حتى لا يحل له الأكل من عنده، وعليه دمان عند ارتكاب محظور الإحرام، وعنده دم واحد وإذا احصر القارن يحل بهديين عندنا، وعنده بواحدتين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 قال: وصفة القران أن يهل بالعمرة، والحج معا من الميقات، ويقول عقيب الصلاة: اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي، وتقبلهما مني؛ لأن القران هو الجمع بين الحج والعمرة، من قولك قرنت الشيء بالشيء إذا جمعت بينهما، وكذا إذا أدخل حجة على عمرة قبل أن يطوف لها أربعة أشواط، لأن الجمع قد تحقق إذ الأكثر منها قائم، ومتى عزم على أدائهما يسأل التيسير فيهما وقدم العمرة على الحج فيه   [البناية] [صفة القران] م: (وصفة القران) ش: وفي بعض النسخ قال أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وصفة القران م: (أن يهل بالعمرة، والحج معا من الميقات، ويقول عقيب الصلاة) ش: وهي الركعتان اللتان يصليهما عند الشروع في الإحرام م: (اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي، وتقبلهما مني) ش: وذلك بعد أن يأتي بجميع ما ذكر في المفرد من الاغتسال والوضوء والإحرام وغير ذلك م: (لأن القران هو الجمع بين الحج والعمرة، من قولك قرنت الشيء بالشيء إذا جمعت بينهما) ش: القران مصدر من قرن يقرن، من باب نصر ينصر، وقد استوفينا الكلام فيه في أول الباب. م: (وكذا) ش: أي وكذا يكون قارناً م: (إذا أدخل حجة على عمرة) ش: يعني أحرم بعمرة ثم أدخل على العمرة حجة م: (قبل أن يطوف لها) ش: أي للعمرة م: (أربعة أشواط، لأن الجمع قد تحقق إذ الأكثر منها) ش: أي من العمرة م: (قائم) ش: لأن أكثر الأشواط منها أو فصار كأن الكل باق، وإنما قيد بقوله قبل أن يطوف لها بأربعة أشواط، لأنه لو أدخل الحج عليها بعد أن طاف أربعة أشواط لا يصير قارناً بالإجماع. وعند الشافعي ومالك - رحمهما الله - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يصير قارناً أيضاً في الصورة الأولى ولو أحرم بحجة ثم أدخل عليها عمرة يصير قارناً، ولكن أساء، لأنه خالف السنة، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم، لأنهما نسكان، فيجوز الجمع بينهما كما لو أحرم بعمرة ثم أدخل عليها الحج. وقال في الجديد: لا يجوز، وبه قال أحمد. وفي " الذخيرة " عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - القران هو اجتماع الحج والعمرة في إحرام واحد أو أكثرهما، فإن أدخل الحج على العمرة كان قارناً، وإن طاف بعمرته شوطاً ثم أردف الحج قال: فقد صار قارناً عند ابن القاسم نوى أن يكمل به أحد ركني العمرة بعده وفي قول يصير قارناً في أثناء السعي ويقطع باقيه. م: (ومتى عزم على أدائها) ش: أي على أداء الحج والعمرة م: (يسأل التيسير فيهما) ش: أي في الحج والعمرة م: (وقدم العمرة على الحج فيه) ش: أي في أدائهما. وقال الكاكي: أي في القران وقال أيضاً ويجوز أن يرجع الضمير إلى السؤال. فإن قلت: السؤال الذي دل عليه قوله - يسأل الله تعالى - وقال الأترازي قول - قدم - معطوف على قوله - يسأل الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 وكذلك يقول: لبيك بعمرة وحجة معا، لأنه يبدأ بأفعال العمرة، فكذلك يبدأ بذكرها، وإن أخر ذلك في الدعاء، والتلبية لا بأس به، لأن الواو للجمع، ولو نوى بقلبه ولم يذكرهما في التلبية أجزأه اعتبارا بالصلاة. فإذا دخل مكة ابتدأ فطاف بالبيت سبعة أشواط يرمل في الثلاث الأول منها، ويسعى بعدها بين الصفا والمروة، وهذه أفعال العمرة، ثم يبدأ بأفعال الحج فيطوف طواف القدوم سبعة أشواط ويسعى بعده كما بينا في المفرد، ويقدم أفعال العمرة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] (196 البقرة) والقران في معنى المتعة   [البناية] فإن قلت: عطف الماضي على المضارع فيه خلاف، إلا إن كان عنده - سأل - بصيغه الماضي وسؤاله التيسير أن يقول: اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني. قلت م: (وكذلك يقول) ش: أي بتقديم العمرة على الحج في التلبية يقول م: (لبيك بعمرة وحجة معا، لأنه يبدأ بأفعال العمرة) ش: في التلبية، لأنه يشرع أولاً في أفعال العمرة م: (فكذلك يبدأ بذكرها) ش: أي بذكر العمرة، يقول اللهم إني أريد العمرة كما ذكرنا الآن م: (وإن أخر ذلك) ش: أي وإن أخر ذلك العمرة أولاً م: (في الدعاء) ش: بأن قال: اللهم إني أريد الحج والعمرة إلى آخره م: (والتلبية) ش: بأن قال لبيك بحجة وعمرة. م: (لا بأس به، لأن الواو للجمع) ش: دون الترتيب، وقال الكرماني - رَحِمَهُ اللَّهُ - تقديم الحج على ذكر العمرة اقتداء برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح البخاري " قدم علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - العمرة على الحج، وروى الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تقديم الحج على العمرة الأول أصح من جهة الرواية، والمعنى لأن أفعالها مقدمة على أفعال الحج وفي " الينابيع " تقديم العمرة على الحج في التلبية أفضل. [طواف وسعي القارن] م: (ولو نوى بقلبه ولم يذكرهما في التلبية أجزأه اعتبارا بالصلاة) ش: غير واجب، ولكن ذكر باللسان أن أحوط الذكر فيهما باللسان واجب، بل يكتفي بذكرها عند التلبية غير واجب، ولكن الذكر باللسان أحوط كما في الصلاة م: (فإذا دخل) ش: أي القارن. م: (مكة ابتدأ فطاف بالبيت سبعة أشواط يرمل في الثلاث الأول منها، ويسعى بعدها بين الصفا والمروة، وهذه أفعال العمرة، ثم يبدأ بأفعال الحج فيطوف طواف القدوم سبعة أشواط ويسعى بعده كما بينا في المفرد) ش: أي في المفرد بالحج م: (ويقدم أفعال العمرة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] (196 البقرة)) بيانه أن الله تعالى جعل الحج غاية ومنتهى إلى التمتع، فيكون المبدأ من العمرة لا محالة، فلما ثبت تقديم العمرة على الحج في التمتع، ثبت أيضاً في القران، لأن القران في معناه وهو معنى قوله م: (والقران في معنى المتعة) ش: لأن في كل منهما جمعاً بين النسكين في سفره. وفي " التحفة " إذا أفرد بالحج ثم قبل الفراغ من أفعال الحج أحرم بالعمرة يصير قارناً أيضاً لكنه أساء لترك السنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 ولا يحلق بين العمرة والحج؛ لأن ذلك جناية على إحرام الحج، وإنما يحلق في يوم النحر كما يحلق المفرد، ويتحلل بالحلق عندنا لا بالذبح كما يتحلل المفرد، ثم هذا مذهبنا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يطوف طوافا واحدا ويسعى سعيا واحدا؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة»   [البناية] م: (ولا يحلق) ش: رأسه م: (بين العمرة والحج؛ لأن ذلك جناية على إحرام الحج، وإنما يحلق في يوم النحر كما يحلق المفرد، ويتحلل بالحلق عندنا لا بالذبح كما يتحلل المفرد) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحل بالذبح لأنه روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا أحل منهما حتى أنحر» ، ولنا أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في رواية: " لا أحل منهما حتى أحلق "، ولأن التحليل يحصل بالحلق كما في المفرد، وتأويل ما رواه حتى أنحر ثم أحلق بعد، انتهى. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال بعض الشارحين - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتحلل بالذبح، هذا ليس بمشهور عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويحتمل أن يكون ذلك عنه رواية والمشهور عنه أن المحلل هو الرمي انتهى. قلت: هو لم يجز مذهب الشافعي كما جاز مذهبه حتى قال هذا القول. م: (ثم هذا مذهبنا) ش: أي إتيان القارن بأفعال الحج والعمرة جميعاً هو مذهبنا، وبه قال جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والتابعين - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وقد ذكرناهم عن قريب. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يطوف) ش: أي القارن م: (طوافا واحدا ويسعى سعيا واحدا) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - وهو الرواية عنه، وهو قول الزهري والحسن البصري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وطاووس وسالم وابن سيرين م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عن مجاهد عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لم يكن عنده هدي فليحل كله وقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حسن ومعناه لا بأس بالعمرة في أشهر الحج. وقال أبو داود هذا حديث منكر، إنما هو قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وقال المنذري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفيما قاله نظر. وقد رواه أحمد بن حنبل - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار وعثمان بن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد بن جعفر عن عتبة مرفوعاً، ورواه أيضاً يزيد بن هارون ومعاذ بن معاذ العنبري وأبو داود الطيالسي وعمر بن مرزوق عن شعبة مرفوعاً وتقصير من قصر من الرواة لا يؤثر فيما أثبته الحفاظ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 ولأن مبنى القران على التداخل حتى اكتفي فيه بتلبية واحدة، وسفر واحد، وحلق واحد، فكذلك في الأركان. ولنا أنه لما طاف صبي بن معبد طوافين، وسعى سعيين، قال له عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: - هديت لسنة نبيك؛ ولأن القران ضم عبادة إلى عبادة، وذلك إنما يتحقق بأداء عمل كل واحد على الكمال؛ ولأنه لا تداخل في العبادات المقصودة، والسفر للتوسل، والتلبية للتحريم، والحلق للتحلل   [البناية] م: (ولأن مبنى القران على التداخل) ش: أوضح التداخل بقوله م: (حتى اكتفي فيه) ش: أي في القران م: (بتلبية واحدة، وسفر واحد، وحلق واحد، فكذلك في الأركان) ش: أي فكذا يكفي في الأركان وهو الطواف والسعي، حاصل المعنى كما جاء التداخل في الإحرام بالأشياء المذكورة جاء التداخل أيضاً في الطواف والسعي الذين هما من الأركان. م: (ولنا أنه «لما طاف صبي بن معبد طوافين، وسعى سعيين، قال له عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: - هديت لسنة نبيك» ش: هذا الحديث لم يقع هكذا، فقد أخرجه أبو داود والنسائي عن منصور وابن ماجه عن الأعمش كلاهما عن بني وائل «عن صبي بن معبد الثعلبي قال: أهللت بهما معاً فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هديت لسنة نبيك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وذكر بعضهم فيه قصة، ورواه ابن حبان في " صحيحة " وأحمد وإسحاق بن راهويه وأبو داود الطيالسي وابن أبي شيبة في " مسانيدهم ". وقال الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " العلل ": وحديث الصبي بن معبد هذا حديث صحيح، وروى محمد بن الحسين في " المبسوط «أن صبي بن معبد قرن فطاف طوافين وسعى سعيين، فذكر ذلك لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: هديت لسنة نبيك» . وصبي بضم الصاد المهملة وفتح الباء الموحدة الثعلبي الكوفي ذكره ابن حبان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التابعين الثقات. م: (ولأن القران ضم عبادة إلى عبادة) ش: أخرى م: (وذلك) ش: أي ضم عبادة إلى عبادة م: (إنما يتحقق بأداء عمل كل واحد على الكمال) ش: ولا يكون إسقاطاً لحدهما لا قراناً م: (ولأنه لا تداخل في العبادات المقصودة) ش: بخلاف العقوبات. فإن قلت: هذا منقوض بسجدة التلاوة، فإنها عبادة وفيها التداخل. قلت: المراد العبادة المقصودة، والسجدة لست كذلك، ولأن التداخل لرفع الحرج على خلاف القياس فلا يقاس عليهما ولا يلحق بهما الحج، لأنه ليس في معناها، أي في وجود الحرج. م: (والسفر للتوسل) ش: جواب عن قوله - ولسفر بهذا - وقوله م: (والتلبية للتحريم، والحلق للتحلل) ش: وقع تكراراً، لأنه ذكره فيما مضى عن قريب، وهو قوله - وبالتلبية غير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 فليست هذه الأشياء بمقاصد، بخلاف الأركان، ألا ترى أن شفعي التطوع لا يتداخلان، وبتحريمة واحدة يؤديان، ومعنى ما رواه. دخل وقت العمرة في وقت الحج".   [البناية] محصورة ... إلى آخره. قيل ذكر هناك باعتبار الإفراد أفضل، وهاهنا باعتبار إفراد السعي فيحتاج إلى الجواب عنه بالاعتبارين، ومثله في التكرار غير منكر. قلت: هذا شرح، والتكرار فيه يزيد وضوحاً. م: (فليست هذه الأشياء) ش: يعني السفر والتلبية والحلق م: (بمقاصد) ش: وإنما هي وسائل، فجاز التداخل فيها، لأن السفر للتوسل إلى أداء الحج والعمرة، فيكتفى بسفر واحد، والمقصود من التلبية الإحرام، ويحصل إحرامهما بتلبية واحدة، والمقصود من الحلق التحلل، فيحصل ذلك بحلق واحد م: (بخلاف الأركان) ش: نحو الطواف والسعي، والطواف ركن، والسعي واجب، فلا يتداخلان. وأوضح ذلك بقوله م: (ألا ترى أن شفعي التطوع لا يتداخلان، وبتحريمة واحدة يؤديان) ش: لما أن التحريمة غير مقصودة، فيجزئ التداخل فيه م: (ومعنى ما رواه) ش: هذا جواب عن الحديث الذي احتج به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي معنى الحديث الذي رواه الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (دخل وقت العمرة في وقت الحج) ش: بطريق حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، ويجوز ذلك عند عدم القياس. كما في قَوْله تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] [يوسف: الآية 82] ، أي اسأل أهلها، وإنما قدر ذلك لأن حقيقة العمرة لا يمكن دخولها في حقيقة الحج، لأن الفرض لا يمكن أن يكون طرفاً لشيء آخر، فتعين المجاز بأن يراد اتحاد الوقت مجازاً، فيكون المعنى يجوز أداء العمرة في أشهر الحج، وذلك لنفي قول أهل الجاهلية أن العمرة لا يجوز أداؤها في أشهر الحج، لا لبيان أن القارن يأتي بطواف واحد وسعي واحد. فإن قلت: روى الدارقطني عن ابن أبي ليلى عن عطية عن أبي سعيد الخدري «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع بين الحج والعمرة فطاف لهما بالبيت طوافاً واحداً وبالصفا والمروة طوافاً واحداً» . قلت: قال ابن الجوزي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو ضعيف، وقال في " التنقيح ": وعطية أضعف منه، وقيل: ولئن سلمنا صحته فمعناه طاف لهما على صفة واحدة بدليل ما روي عن صبي بن معبد وغيره. وأخرج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 قال: فإن طاف طوافين لعمرته، وحجته، وسعى سعيين يجزئه؛ لأنه أتى بما هو المستحق عليه، وقد أساء بتأخير سعي العمرة، وتقديم طواف التحية عليه، ولا يلزمه شيء. أما عندهما فظاهر؛ لأن التقديم والتأخير في المناسك لا يوجب الدم عندهما. وعنده طواف التحية سنة، وتركه لا يوجب الدم، فتقديمه أولى. والسعي   [البناية] النسائي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " سننه الكبرى " في مسند علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن حماد بن عبد الرحمن الأنصاري «عن إبراهيم بن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: طفت مع أبي وقد جمع بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين وحدثني أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعل ذلك، وحدثني أن رسول الله فعل ذلك» . م: (فإن طاف طوافين) ش: وفي بعض النسخ قال: فإن طاف طوافين أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في القارن فإن طاف طوافين م: (لعمرته وحجته وسعى سعيين يجزئه) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو قال صاحب " الهداية " في قوله وسعى بلفظ أو بحرف الفاء لكان أولى، لأن صورة المسألة السعيان بعد الطوافين ولا يفهم ذلك من حرف الواو، ولهذا ذكر محمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " الجامع الصغير " بلفظ ثم حيث قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القارن يطوف طوافين لعمرته ولحجته ثم يسعى سعيين قال: يجزئه وقد أساء، انتهى. قلت تقديم لفظ - طاف طوافين يشعر أن الطواف كان قبل السعي، وإن كانت الواو للجمع، على أن بعضهم ذكر أنها تجيء للترتيب أيضا وإن كان غير مشهور. م: (لأنه أتى بما هو المستحق عليه) ش: وهو الطوافان وسعيان م: (وقد أساء بتأخير سعي العمرة، وتقديم طواف التحية عليه) ش: هاهنا مناقشات، الأولى: مع المصنف حيث قال طواف التحية يعني طواف القدوم لأن الظاهر من كلام محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المراد أحد الطوافين، طواف العمرة والآخر طواف الزيارة لا طواف القدوم، ولهذا قال: في جواب المسألة تجزئه. ولمحمد ابن عبادة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عما يكون كافياً في الخروج عن عهدة الفرض ولا يحصل الأجر بإتيان السنة وترك الفرض. المناقشة الثانية: مع محمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في هذه المسألة كان ينبغي أن يجزئه، لأنه ترك الترتيب المشروع فيبطل، كما إذا قدم السعي على الطواف م: (ولا يلزمه شيء) ش: أي دم. م: (أما عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (فظاهر) ش: يعني عدم اللزوم ظاهر م: (لأن التقديم والتأخير في المناسك لا يوجب الدم عندهما وعنده) ش: أي وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (طواف التحية سنة، وتركه لا يوجب الدم، فتقديمه أولى. والسعي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 بتأخيره والاشتغال بعمل آخر لا يوجب الدم فكذا بالاشتغال بالطواف. قال: وإذا رمى الجمرة يوم النحر ذبح شاة، أو بقرة، أو بدنة، أو سبع بدنة، فهذا دم القران؛ لأنه في معنى المتعة، والهدي منصوص عليه فيها، والهدي من الإبل، والبقر، والغنم، على ما نذكره في بابه إن شاء الله تعالى، وأراد بالبدنة هنا البعير، وإن كان اسم البدنة يقع عليه. وعلى البقرة على ما ذكرنا،   [البناية] بتأخيره والاشتغال بعمل آخر لا يوجب الدم، فكذا بالاشتغال بالطواف) ش: أي بطواف التحية، لأن عندهما أحدهما طواف التحية، والآخر طواف العمرة. [دم القران] م: (وإذا رمى الجمرة يوم النحر) ش: وفي أكثر النسخ قال وإذا رمى، أي قال القدوري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإذا رمى القارن جمرة العقبة يوم النحر، وفي أكثر النسخ قال: وإذا رمى، أي قال القدوري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وإذا رمى القارن جمرة العقبة يوم النحر م: (ذبح شاة، أو بقرة، أو بدنة، أو سبع بدنة، فهذا دم القران) ش: أي فهذا المذكور دم القران. م: (لأنه) ش: أي لأن القران م: (في معنى المتعة) ش: لأن كلاً منهما يقال في سفرة واحدة والمتعة اسم بمعنى المتمتع م: (والهدي منصوص عليه فيها) ش: أي في المتعة بقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) ، أي فعليه ما استيسر من الهدي فإذا كان الهدي واجباً على المتمتع بالنص، فكذلك يجب على القارن، لأنه في معنى التمتع في الجمع بين النسكين. م: (والهدي من الإبل، والبقر، والغنم) ش: أي من هذه الثلاثة، ولما قال والهدي منصوص عليه في المتعة بين الهدي بقوله - والهدي - أي الهدي المذكور في قَوْله تَعَالَى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) وإن أهدى. من هذه الثلاثة ثم أحال تفسير الأحكام التي فيه على باب الهدي بقوله م: (على ما نذكره في بابه إن شاء الله تعالى) ش: أي في باب الهدي م: (وأراد بالبدنة هنا) ش: أي أراد القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله - أو بدنة أو سبع بدنة - م: (البعير، وإن كان اسم البدنة يقع عليه) ش: أي على البعير م: (وعلى البقرة) ش: لأن اسم البدنة يطلق عليهما م: (على ما ذكرنا) ش: في آخر الفصل الذي قبل هذا الباب. واعلم أن قوله - وأراد بالبدنة البعير - كأنه جواب عن سؤال مقدر وهو أن يقال أنتم تقولون البدنة تطلق على البعير، فكيف قال القدوري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هاهنا أو بقرة أو بدنة أو سبع بدنة؟ والجواب نحن لا ننكر إطلاق البدنة على كل واحد من نفسه مفرداً، وهاهنا كذلك. فإن قلت: سلمنا ذلك، لكن المنصوص عليه هدي وهو اسم لما يهدى به إلى الحرم وسبع بدنة ليس كذلك، ولهذا لو قال: إن فعلت كذا فعلي هدي، ففعل كان عليه ما استيسر من الهدي، وهو شاة. فالجواب: أن القياس ما ذكرتم ولكن ثبت جواز سبع البدنة أو البقرة «بحديث جابر - رضي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 وكما يجوز سبع البعير يجوز سبع البقرة فإذا لم يكن له ما يذبح صام ثلاثة أيام في الحج آخرها يوم عرفة وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] [196 البقرة] . فالنص وإن ورد في التمتع فالقران مثله لأنه مرتفق بأداء النسكين، والمراد بالحج - والله أعلم - وقته؛ لأن نفسه   [البناية] الله عنه - قال: أشركنا حين كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في البقرة سبعة وفي البدنة سبعة وفي الشاة واحد» وأما الناذر إذا نوى سبع بدنة فلا رواية في، وعلى تقدير التسليم فالفرق أن النذر ينصرف إلى المتعارف كاليمين وبعض الهدي ليس بهدي عرفاً. [صيام القارن] م: (وكما يجوز سبع البعير يجوز سبع البقرة) ش: لحديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور م: (فإذا لم يكن له) ش: أي للقارن م: (ما يذبح صام ثلاثة أيام في الحج) ش: أي في وقته يبدأ إن أحرم بالعمرة م: (آخرها) ش: أي آخر الثلاثة الأيام م: (يوم عرفة) ش: يصوم قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة. قال طاووس والشعبي والنخعي وعطاء والحسن وسعيد بن جبير - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وعلقمة وعمرو بن دينار. وقال شمس الأئمة وهو قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكره صوم يوم عرفة عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الأوزاعي، والثوري - رحمهما الله - يصومهن من أول العشر إلى يوم عرفة ويجوز أن يصومها قبل الإحرام بالحج وهو محرم بالعمرة أو حلال. وبه قال عطاء وأحمد - رحمهما الله - وحكى ابن المنذر عن أبي ثور أنه حكى عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه يجوز قبل أن يحرم بالعمرة قلت: هذا غير صحيح، والنقل عند غيرهما، ولا يجوز إلا بعد الإحرام بالعمرة، وكذا ذكره في " المبسوط " و " المحيط " والبدائع " قال هذا بلا خلاف. م: (وسبعة أيام) ش: أي صوم سبعة أيام م: (إذا رجع إلى أهله لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] [البقرة الآية 196] . فالنص وإن ورد في التمتع فالقران مثله لأنه) ش: أي لأن القارن م: (مرتفق بأداء النسكين) ش: أي العمرة والحج، وقد مر بيانه. م: (والمراد بالحج) ش: أي في قَوْله تَعَالَى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) م: (والله أعلم - وقته) ش: أي وقت الحج م: (لأن نفسه) ش: أي نفس الحج م: (لا يصلح ظرفاً) ش: لأنه عبارة عن الأفعال المعلومة، والفعل لا يصلح أن يكون ظرفاً لفعل آخر، وهو الصوم، فتعين الوقت، وهذا عندنا وعند أحمد في رواية، حتى لو صام بعد إحرام العمرة يجوز. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يصوم الثلاثة إلا بعد إحرام الحج. لأن الصوم عبادة بدنية فلا يجوز قبل وقتها كالصلاة، قلنا: إنه دم نسك حيث وفقه - الله تعالى - لأداء النسكين في سفرة واحدة، وأثره يظهر في العمرة، فإن الله تعالى من علينا وشرع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 لا يصلح ظرفا، إلا أن الأفضل أن يصوم قبل يوم التروية بيوم ويوم التروية، ويوم عرفة لأن الصوم بدل عن الهدي، فيستحب تأخيره إلى آخر وقته رجاء أن يقدر على الأصل، وإن صامها بمكة بعد فراغه من الحج جاز، ومعناه بعد مضي أيام التشريق؛ لأن الصوم فيها منهي عنه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لا يجوز لأنه معلق بالرجوع، إلا أن ينوي المقام، فحينئذ يجزيه لتعذر الرجوع. ولنا أن معناه: رجعتم عن الحج، أي فرغتم، إذ الفراغ سبب الرجوع إلى أهله، فكان الأداء بعد السبب فيجوز، وإن فاته الصوم حتى أتى يوم النحر لم يجزئه إلا الدم.   [البناية] العمرة في أشهر الحج رداً لقول الكفرة، فظهر أثره في العمرة فكانت هي الأصل في باب التمتع والقران، فإذا وجد سبب وجوب الهدي جاز الصوم الذي خلفه للعاجز عنه. م: (إلا أن الأفضل أن يصوم) ش: هذا استثناء من قوله: - المراد بالحج وقته - أي المراد بالمذكور من قَوْله تَعَالَى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] هو الوقت، لكن الأفضل أن يصوم م: (قبل يوم التروية بيوم ويوم التروية، ويوم عرفة؛ لأن الصوم بدل عن الهدي، فيستحب تأخيره إلى آخر وقته رجاء) ش: أي لأجل رجاء م: (أن يقدر على الأصل) ش: وهو الهدي م: (وإن صامها) ش: أي إن صام سبعة أيام م: (بمكة بعد فراغه من الحج جاز) ش: في أي مكان كان م: (ومعناه) ش: أي معنى هذا الكلام م: (بعد مضي أيام التشريق؛ لأن الصوم فيها) ش: أي في أيام التشريق م: (منهي عنه) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا لا تصوموا في هذه الأيام» ، وقد مر في كتاب الصوم، وإنما قيد هذا الكلام بقوله - ومعناه - لأنه لما يذكر هذا القيد. ولكن المراد هو المراد فيه فلذلك ذكره لأنه يشرح كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز) ش: أي صوم السبعة بمكة، إلا أن يقيم بها م: (لأنه) ش: أي صوم السبعة م: (معلق بالرجوع) ش: إلى أهله فيكون الرجوع شرطاً، فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط. م: (ولنا أن معناه: رجعتم عن الحج، أي فرغتم، إذ الفراغ سبب الرجوع إلى أهله فكان الأداء بعد السبب) ش: أي بعد وجود السبب، وهذا من باب ذكر المسبب وهو الرجوع وإرادة السبب وهو الفراغ وكان الأداء بعد السبب م: (فيجوز) ش: وإنما صير إلى المجاز، لأن الرجوع ليس بشرط بالاتفاق ألا ترى أنه إذا نوى الإقامة بمكة جاز له صوم السبعة بمكة وإن لم يوجد الرجوع إلى أهله، وقد قيل معناه إذا رجعتم إلى مكة، وقيل إذا رجعتم إلى الحالة الأعلى معنى إذا فرغتم من أفعال الحج م: (وإن فاته الصوم) ش: أي صوم هذه الأيام الثلاثة م: (حتى أتى يوم النحر لم يجزه إلا الدم) ش: روى ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وسعيد بن جبير وطاوس ومجاهد والحسن وعطاء - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ووجوب صومها بعد أيام التشريق حماد والثوري وابن المنذر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو أحد أقوال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصوم بعد هذه الأيام لأنه صوم موقت، فيقضي كصوم رمضان. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصوم فيها لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] (196 البقرة) ، وهذا وقته. ولنا النهي المشهور عن الصوم، في هذه الأيام فيتقيد به النص أو يدخله النقص، فلا يتأدى به ما وجب كاملا، ولا يؤدى بعدها؛ لأن الصوم بدل   [البناية] ما يجيء الآن. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصوم بعد هذه الأيام) ش: أي أيام التشريق وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذا ستة أقوال: أحدها: لا صوم، وينقل إلى الهدي، الثاني: عليه صوم عشرة أيام مطلقاً، والثالث: عليه صوم عشرة أيام يفرق بيوم، الرابع: يفرق بأربعة أيام. والخامس: يفرق بمدة إمكان السير. والسادس: بأربعة أيام، ومدة إمكان السير وهو أصحها عندهم ذكر ذلك كله النووي في " شرح المهذب " وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وأخرج ابن شريح وإسحاق المروزي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قولاً إنه يسقط الصوم ويستقر في ذمته ولا يجب التتابع في الثلاثة ولا في السبعة، وقال ابن قدامة: ولا نعلم فيه خلافاً م: (لأنه صوم موقت، فيقضي) ش: فإذا فات أداؤه يجب قضاؤه. م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصوم فيها) ش: أي في أيام التشريق م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196)) ش:، وهذا وقته. ولنا النهي المشهور عن الصوم في هذه الأيام) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ألا لا تصوموا في هذه الأيام» ، وقد مر في الصوم، ويعكر عليه حديث أخرجه البخاري «عن عائشة وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يضمن إلا لمن لم يجد الهدي» وقال البيهقي في " المعرفة ": هذا يشبه المسند، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بلغني أن ابن شهاب يرويه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلاً، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي التعريض بلفظ المشهور إشارة إلى الجواب عما يقال النص يدل على شرعية الصوم في هذه الأيام بقوله - في الحج - فلا يجوز تقييده بغير أيام التشريق بالخبر، لأنه نسخ بالكتاب، وتقدير الجواب أن الخبر مشهور فيجوز التقييد به. م: (فيتقيد به النص) ش: أي يتقيد بالخبر المشهور قَوْله تَعَالَى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) ، وقد علم في الأصول أن تقييد المطلق من كتاب الله عز وجل بالخبر المشهور جائز، فيكون العمل بالمقيد نسخاً للإطلاق م: (أو يدخله النقص) ش: يعني يدخل الصوم لورود النهي عن الصوم في هذه الأيام م: (فلا يتأدى به ما وجب كاملا) ش: أي فلا يتأدى بسبب النقص ما وجب كاملاً، وأراد بما وجب كاملاً صوم ثلاثة أيام. م: (ولا يؤدي بعدها) ش: أي بعد هذه الأيام م: (لأن الصوم بدل) ش: أي عن الهدي، فلو جاز قضاؤه يلزمه أن يكون للبدل بدل، ولا نظير له في الشرع، وذلك لأن أداء الصوم بدل، ثم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 والأبدال لا تنصب إلا شرعا، والنص خصه بوقت الحج وجواز الدم على الأصل. وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أمر في مثله بذبح الشاة، فلو لم يقدر على الهدي تحلل وعليه دمان، دم التمتع، ودم التحلل قبل الهدي   [البناية] قضاؤه يدل على البدل م: (والأبدال لا تنصب إلا شرعا) ش: يعني البدل على خلاف القياس، لأنه لا مماثلة بين إراقة الدم والصوم، فلا يثبت إلا بإثبات الشارع م: (والنص خصه بوقت الحج) ش: النص هو قوله: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) قوله - خصه - أي الصوم بوقت الحج، حيث قال في الحج، فإذا فات وقته فات هو أيضاً، فيظهر حكم الأصل وهو الدم على ما كان. م: (وجواز الدم على الأصل) ش: هذا جواب سؤال وهو أن يقال الدم يجوز في أيام النحر والتشريق، وبعدها ينبغي أن يجوز الصوم، لأنه بدله، فقال وجواز الدم بطريق الأصالة لا بطريق البدل، ولم يقيده الشارع بوقت، حيث قال: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] فبقي مطلقاً، ففي أي وقت أتى به يجوز، بخلاف الصوم؛ لأنه موقت بوقت الحج. م: (وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أمر في مثله بذبح الشاة) ش: يعني في قارن لم يجد الهدي ولم يصم حتى أتت عليه أيام النحر، وهذا عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غريب، وكذا ذكره في " المبسوط " فنقل عن عمر أنه أتاه رجل يوم النحر فقال: إني تمتعت بالعمرة إلى الحج، فقال: اذبح شاة، قال ما معي شيء، قال: سل أقاربك، قال: ما هنا أحد منهم، فقال: يا فتى أعطه قيمة شاة. م: (فلو لم يقدر) ش: أي القارن م: (على الهدي تحلل وعليه دمان، دم التمتع، ودم التحلل قبل الهدي) ش: قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنما يلزم ذلك لوقوع التحلل قبل أوانه. فإن قلت: التحلل جناية على إحرامين، فينبغي أن يلزمه دمان. قلت: إنه خرج بالحلق عن إحرام العمرة، فيكون هذا جناية على إحرام الحج فقط، ولا يلزمه بتأخير الذبح عن الحلق شيء. وفي " المحيط والبدائع " لو قدر على الهدي بعد المال صام ثلاثة أيام قبل يوم النحر لزمه الهدي وبطل صومه، وإن وجده بعدما حلق أو قصر قبل صوم السبعة فلا هدي عليه، وكذا لو لم يحل حتى مضت أيام النحر فلا هدي عليه، وصومه تام. وفي " المبسوط " وجد الهدي بعد صوم يومين بطل صومه ويجب الهدي، وبعد التحلل لا يجب كالمتيمم إذا وجد الماء بعد فراغه من صلاته، وفي المجرد صام ثلاثة أيام ثم وجد الهدي بعد صومه بطل صومه، وفي قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في نوادر ابن سماعة لا ذبح عليه، وجاز صومه، سواء وجد الهدي في أيام الذبح أو بعدها. وقال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 فإن لم يدخل القارن مكة وتوجه إلى عرفات فقد صار رافضا لعمرته بالوقوف؛ لأنه تعذر عليه أداؤها؛ لأنه يصير بانيا أفعال العمرة على أفعال الحج، وذلك خلاف المشروع   [البناية] الحسن وقتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إذا دخل في الصوم ثم أيسر مضى في صومه، واختاره ابن المنذر، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وقال الأترازي في هذا الموضع كلامًا كثيراً، حاصله أنه أراد الإشكال بيانه أن قوله - فلو لم يقدر إلى قوله - قبل الهدي - لفظ القدوري بعينه في " شرحه " لمختصر القدوري ولكن القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ساق كلامه في المتمتع وصاحب الهداية نقل ذلك إلى القارن والإشكال أنه هو كيف جعل حكمهما واحداً في الكفارة والمتمتع حكمه في الكفارة حكم المفرد، سواء لأنه محرم بعمرة. فإذا فرغ منها يجزئه بحجة، وبه صرح في " شرح الطحاوي "، فلما كان كذلك يجب عليه دم واحد للكفارة، كالمفرد إذا جنى، وأما القارن إذا جنى يجب عليه دمان الأجل الجناية إلا أنه لو حلق المفرد قبل الذبح لا يلزمه دم عند أبي حنيفة أيضاً، لأنه لا ذبح على المفرد فلا يتحقق تأخير النسك، فينبغي أن يجب هنا دمان آخران سوى دم النسك بجناية على إحرامين في الحج والعمرة جميعاً، انتهى. قلت: صاحب الهداية - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم ينقل لفظ التمتع إلى القارن قصد الهدي الذي ذكره حتى يرد عليه إشكال، بل نية ذلك أن مراد القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - من لفظ المتمتع هو القران، لأنه يصح إطلاقه عليه من حيث أن كلاً منهما نسكان في الصورة، وإن كان بينهما فرق في الحكم، ولهذا وقع عند بعض الشراح هنا بعد قوله دم التمتع أو القران. م: (فإن لم يدخل القارن مكة، وتوجه إلى عرفات فقد صار رافضا لعمرته بالوقوف) ش: هذا لفظ القدوري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في مختصره، وذكر صاحب " الهداية " تعليله بقوله م: (لأنه) ش: أي لأن القارن م: (تعذر عليه أداؤها) ش: أي أداء العمرة م: (لأنه يصير بانيا أفعال العمرة على أفعال الحج، وذلك خلاف المشروع) ش: لأن المشروع أن يكون الوقوف مرتباً على أفعال العمرة. وقال الطحاوي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في مختصره إلى عرفات قبل أن يطوف لعمرته، فإن أبا حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يقول قد صار بذلك رافضاً لعمرته حين توجه وعليه دم وعمرة مكانها، ويمضي في حجه. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: لا يكون رافضاً لعمرته حتى يقف بعرفات بعد زوال الشمس. وقال أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرحه لمختصر الطحاوي: هذا الخلاف الذي ذكر أبو جعفر لا نعرفه، وإنما نعرف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيها روايتين، وأما رواية " الجامع الصغير " و " الأصل " فإنه لا يكون رافضاً بالتوجه حتى يقف بعرفات بعد الزوال وروى صاحب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 ولا يصير رافضا بمجرد التوجه، هو الصحيح من مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا. والفرق له بينه وبين أن يصلي الظهر يوم الجمعة إذا توجه إليها أن الأمر هنالك بالتوجه متوجه بعد أداء الظهر، والتوجه في القران والتمتع منهي عنه قبل أداء العمرة فافترقا. قال: وسقط عنه دم القران لأنه لما ارتفضت العمرة لم يرتفق لأداء النسكين، وعليه دم لرفض عمرته بعد الشروع فيها، وعليه قضاؤها لصحة الشروع فيها، فأشبه المحصر، والله أعلم.   [البناية] " الإملاء " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يكون رافضاً بالتوجه وذكر الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الكافي " عن " نوارد ابن سماعة " قال وفي قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو رافض للعمرة حين توجه إلى عرفات، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يصير رافضاً بالتوجه ولا بالوقف، انتهى. قلت: وقال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يكون رافضاً ما لم يأخذ في التحلل، لأن عنده طواف العمرة يدخل في طواف الحج، فلا يلزمه طواف مقصود وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يكون رافضاً ما لم يركع الطواف. م: (ولا يصير رافضا بمجرد التوجه، هو الصحيح من مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا) ش: احترز به عن رواية أصحاب الإملاء عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد مر آنفاً م: (والفرق له) ش: أي لأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (بينه) ش: أي بين التوجه إلى عرفات م: (وبين أن يصلي الظهر) ش: في منزله م: (يوم الجمعة إذا توجه إليها أن الأمر هنالك) ش: وفي بعض النسخ هناك هو قوله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] (الجمعة: 9) م: (بالتوجه متوجه بعد أداء الظهر) ش: ووجه توجهه أنه مأمور بالتوجه إلى الجمعة وفرض من فروضها بالنص. م: (والتوجه في القران والتمتع منهي عنه قبل أداء العمرة فافترقا) ش: أي حكم التوجه إلى الجمعة، وحكم التوجه إلى عرفات م: (وسقط عنه دم القران) ش: وفي بعض النسخ قال وسقط أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وسقط وفي بعض النسخ أيضاً وبطل عنه دم القران م: (لأنه لما ارتفضت العمرة لم يرتفق لأداء النسكين) ش: وهما العمرة والحج، وفي بعض النسخ لم يتوقف لأداء النسكين. م: (وعليه دم لرفض عمرته بعد الشروع فيها، وعليه قضاؤها) ش: أي قضاء العمرة المرفوضة م: (لصحة الشروع فيها) ش: أي في العمرة، لأن الشروع ملزم، ولأن هذا تحليل من إحرامها يعني طوافاً م: (فأشبه المحصر) ش: حيث يجب عليه دم رفضاً «لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أحصر عام الحديبية بعث البدن للنحر ورجع وقضى عمرته من قابل» كذا في " مبسوط شيخ الإسلام " والله أعلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 باب التمتع التمتع أفضل من الإفراد، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإفراد أفضل؛ لأن المتمتع سفره واقع لعمرته، والمفرد سفره واقع لحجته. وجه ظاهر الرواية أن في التمتع جمعا بين العبادتين فأشبه القران، ثم فيه زيادة نسك، وهي إراقة الدم، وسفره واقع لحجته، وإن تخللت العمرة؛ لأنها تبع الحج كتخلل السنة بين الجمعة والسعي إليها. والمتمتع على وجهين متمتع يسوق الهدي ومتمتع لا يسوق الهدي.   [البناية] [باب التمتع] [تعريف التمتع] م: (باب التمتع) ش: أي هذا باب في بيان أحكام التمتع، وإنما أخره عن القران، لأنه أفضل من التمتع عندنا، والتمتع من المتاع والمتعة، وهو ما ينتفع به كيف كان، وقال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - المتاع السلعة والمتاع أيضاً لمنفعته، وما تمتعت به، وقد متع به يتمتع تمتعاً، والاسم المتعة ومنه متعة النكاح ومتعة الطلاق ومتعة الحج لأنه الانتفاع. وفي " المشارق " متعة الحج جمع غير المكي بين الحج والعمرة في أشهر الحج في سفر واحد. وفي المتعة بضم الميم، وعن الخليل كسر ميم متعة الحج دون متعة النكاح، وقال ابن الأثير قد تمتع بالعمرة في أيام الحج، أي يتمتع، لأنهم كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج، فأجازها الإسلام. وفي " مجمع الغرائب " أمتع الله بك، أي أطال الله عمرك حتى يتمتع بك، فالكل يرجع إلى المتعة، وقيل سمى المتمتع متمتعاً لأنهم يتمتعون بالنساء والطيب بين التمتع والعمرة والحج. [المفاضلة بين التمتع والإفراد] 1 م: (التمتع أفضل من الإفراد) ش: هذا ظاهر الرواية عن أصحابنا، لأن فيه جمعاً بين العبادتين، فكان أفضل كالقران م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإفراد أفضل) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اصح قوليه ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن المتمتع سفره واقع لعمرته، والمفرد سفره واقع لحجته) ش: لأن المتمتع محرم من الميقات للعمرة، ثم يدخل مكة ويبدأ بأفعالها ثم يحرم بالحج، فيكون سفره واقعاً للعمرة، فإن بعد الفراغ من أفعالها يعتبر مقيما ًحكماً كالمكي، ولهذا لا يطوف للتحية كالمكي. م: (وجه ظاهر الرواية أن في التمتع جمعا بين العبادتين فأشبه القران، ثم فيه زيادة نسك، وهي إراقة الدم، وسفره واقع لحجته، وإن تخللت العمرة؛ لأنها تبع للحج كتخلل السنة بين الجمعة والسعي إليها) ش: يعني أن السنة تخللت بين صلاة الجمعة، وبين السعي إلى صلاة الجمعة، ومع هذا لم يكن السعي إلى السنة بل إلى فرض الجمعة م: (والمتمتع على وجهين متمتع) ش: أي أحدهما متمتع م: (بسوق الهدي) ش: وهو ما يهدى إلى الحرم من الإبل والبقر والغنم م: (ومتمتع) ش: أي والآخر متمتع م: (لا يسوق الهدي) ش: وربما يكون بغير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 ومعنى التمتع الترفق بأداء النسكين في سفر واحد من غير أن يلم بأهله بينهما إلماما صحيحا، ويدخله اختلافات نبينها إن شاء الله تعالى، وصفته أن يبتدئ من الميقات في أشهر الحج، فيحرم بالعمرة ويدخل مكة فيطوف لها، ويسعى لها، ويحلق أو يقصر، وقد حل من عمرته، وهذا هو تفسير العمرة   [البناية] سوق الهدي، وذلك أن التمتع هو الترفق بأداء النسكين، وربما يكون ذلك بسوق الهدي، وربما يكون بغير سوق الهدي. [معنى التمتع وصفته] م: (ومعنى التمتع الترفق) ش: من الرفق، وأراد به الانتفاع م: (بأداء النسكين) ش: وهما العمرة والحج م: (في سفر واحد من غير أن يلم) ش: بضم الياء مصدره الإلمام يقال: ألم م: (بأهله) ش: إذا نزل م: (بينهما إلماما صحيحا) ش: احترز به عن الإلمام الفاسد، فإنه لا يمنع صحة التمتع عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والإلمام الصحيح النزول في وطنه من غير بقاء صفة الإحرام، وعند مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: البلد المساوي لبلده، مثل بلده في ذلك. وعند الشافعي، وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: الاعتبار بمسافة القصر. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال بعض الشارحين: عرف المصنف التمتع بقوله: ومعنى التمتع الترفق ... إلى آخره، واعترض عليه بأنه غير مانع لدخول من يترفق بهما إذا كان أحدهما في غير أشهر الحج والآخر في أشهر الحج، وكذا إذا وجد النسكان في كل أشهر الحج، لكل أحد فيما حصل في أشهر الحج من هذه السنة في السنة الأخرى، فإنهما ليسا بمتمتعين، وكان الواجب أن يقول التملك التمتع، وهو الجمع بين النسكين في أشهر الحج في سنة واحدة من غير إلمام بأهله إلماماً صحيحاً انتهى. قلت: أراد بقوله: بعض الشارحين الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه اعترض هكذا في " شرحه " ثم أجاب الأكمل بقوله: والجواب أن ما ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو تفسير، وأما كون الترفق في أشهر الحج في عام واحد فهو شرطه. م: (ويدخله) ش: أي يدخل الإلمام الصحيح م: (اختلافات نبينها إن شاء الله تعالى) ش: يعني في هذا الباب م: (وصفته) ش: أي صفة المتمتع م: (أن يبتدئ من الميقات في أشهر الحج، فيحرم بالعمرة ويدخل مكة فيطوف لها، ويسعى لها) ش: يعني بين الصفا والمروة سبعة أشواط م: (ويحلق أو يقصر، وقد حل من عمرته) ش: هكذا ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في صفة عمرة المتمتع، أشار إليه المصنف بقوله: م: (وهذا هو تفسير العمرة) ش: وهي الإحرام، والطواف، والسعي، والحلق، والتقصير، ثم يحرم بالحج من الحرم ويفعل مثلما يفعل المحرم بالحج فإذا حلق يوم النحر فقد حل من إحرامي العمرة والحج جميعاً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 وكذلك إذا أراد أن يفرد بالعمرة فعل ما ذكرنا، هكذا فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عمرة القضاء. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا حلق عليه، إنما العمرة والطواف والسعي، وحجتنا عليه ما روينا. وقَوْله تَعَالَى {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} [الفتح: 27] (27 الفتح) الآية، نزلت في عمرة القضاء؛ ولأنها لما كان لها تحرم بالتلبية كان لها تحلل بالحلق كالحج. ويقطع التلبية إذا ابتدأ بالطواف، وقال مالك   [البناية] قوله: يحلق أو يقصر، هذا التخيير فيمن لم يكن بشعره علة أو مقصوصاً أو مضفوراً، وإنما لم يذكر طواف القدوم؛ لأنه ليس للعمرة طواف الصدر، وعن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن لها طواف الصدر م: (وكذلك إذا أراد) ش: أي المتمتع م: (أن يفرد بالعمرة فعل ما ذكرنا) ش: يعني الإحرام، والطواف، والسعي، والحلق، والتقصير. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد قوله: أو يقصر ظاهر كلام المصنف وغيره أن التحلل حتم لمن لم يسق الهدي، وذكره الأسبيجابي، والوبري هو بالخيار إن شاء أحرم بالحج بعدما حل من عمرته بالحلق، أو التقصير، وإن شاء أحرم قبل أن يحل من عمرته، ولو ساق الهدي لا يحلق، وبقولنا قال أحمد، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المتمتع يحلق، أو يقصر ساق الهدي أو لا. م: (هكذا فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عمرة القضاء) ش: وقصته «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحرم من المدينة عام الحديبية للعمرة، فلما وصل الحديبية منعه أهل مكة من الدخول فيها وصالح معهم، وحلق ثم جاء السنة الأخرى فأتى بالطواف والسعي ثم حلق قضاء لتلك العمرة» وعام الحديبية كان في سنة ست. م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا حلق عليه) ش: أي على المعتمر م: (وإنما العمرة الطواف والسعي) ش: وقد وجدا، وبه قال إسحاق بن راهويه، وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الطواف. وقال ابن بطال في " شرح البخاري ": اتفقت أئمة الفتوى على أن المعتمر يحل من عمرته إذا طاف وسعى وإن لم يكن حلق ولا قصر. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جماعه قبل الحلق مفسد لعمرته، وقال ابن المنذر: لا أعلم أحداً قاله غيره. قال: وقال مالك، والثوري - رحمهما الله - والكوفيون: عليه الهدي. م: (وحجتنا عليه) ش: أي على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ما روينا) ش: وهو قوله: هكذا فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عمرة القضاء م: (وقَوْله تَعَالَى {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] (الفتح: الآية 27) نزلت في عمرة القضاء؛ ولأنها) ش: أي ولأن العمرة م: (لما كان لها تحرم بالتلبية كان لها تحلل بالحلق) ش: والآية المذكورة تدل على ذلك. وفي " الذخيرة " للمالكية: التحلل في العمرة بالحلق؛ لأن السعي ركن فيها كالوقوف في الحج، ويقع التحلل منه برمي الجمرة م: (كالحج) ش: أي كما يقع التحلل في الحج بالحلق، وعند المالكية برمي الجمرة. م: (ويقطع) ش: أي المعتمر م: (التلبية إذا ابتدأ بالطواف) ش: أي بطواف عمرته، وهذا قول الجمهور م: (وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: لما يقع بصره أو يقطعها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كما وقع بصره على البيت؛ لأن العمرة زيارة البيت وتتم به. ولنا «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عمرة القضاء قطع التلبية حين استلم الحجر؛» ؛ ولأن المقصود هو الطواف فيقطعه عند افتتاحه، ولهذا يقطعها الحاج عند افتتاح الرمي. قال: ويقيم بمكة حلالا؛ لأنه حل من العمرة   [البناية] م: (كما وقع بصره على البيت؛ لأن العمرة زيارة البيت وتتم به) ش: أي وتتم الزيارة بوقوع البصر على البيت. م: (ولنا «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عمرة القضاء قطع التلبية حين استلم الحجر» ش: هذا الحديث رواه الترمذي عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر» وقال: حديث صحيح، ورواه أبو داود، ولفظه: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر» . م: (ولأن المقصود) ش: أي من العمرة م: (هو الطواف فيقطعه) ش: أي فيقطع التلبية، وكان ينبغي أن يقول: فيقطعها، ولكنه ذكره على تأويل الإهلال، قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والصواب أن يقال: إنما ذكره باعتبار أن التلبية إن كان مصدراً فيجوز فيه التذكير والتأنيث وإن كان اسماً فباعتبار المذكور م: (عند افتتاحه) ش: أي عند افتتاح الطواف، أي ابتدائه بالاستلام. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل قطع التلبية عند نسك من المناسك م: (يقطعها الحاج عند افتتاح الرمي) ش: يعني عند أول حصاة من حجرة العقبة يوم النحر؛ لأنه نسك، والحاصل أن قطع التلبية إنما يكون عند نسك من المناسك، وافتتاح الطواف باستلام الحجر نسك فيقطعها عنده، وكذلك يقطع المفرد بالحج عند أول حصاة من جمرة العقبة. فإن قلت: ينبغي أن يقطع المفرد بالحج التلبية إذا ابتدأ بطواف القدوم لأنه نسك أيضاً. قلت: التعليل في تعارض النص لا يجوز، وقد ثبت في " صحيح البخاري " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أردف الفضل من مزدلفة إلى منى فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة» . م: (قال) ش: أي القدوري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (ويقيم بمكة حلالاً؛ لأنه حل من العمرة) وقال في " شرح الأقطع ": هذا الذي ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليس على وجه الشرط، وإنما معناه إن أراد أن يقيم ليحج من عامه فليقم حلالاً إلى وقت إحرام الحج، وإن لم يرد أن يحج من عامه فلا يقيم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 قال: فإذا كان يوم التروية أحرم بالحج من المسجد، والشرط أن يحرم من الحرم أما المسجد فليس بلازم؛ وهذا لأنه في معنى المكي، وميقات المكي في الحج الحرم على ما بينا وفعل ما يفعله الحاج المفرد؛ لأنه مؤد للحج، إلا أنه يرمل في طواف الزيارة ويسعى بعده؛ لأن هذا أول طواف له في الحج، بخلاف المفرد؛ لأنه قد سعى مرة، ولو كان هذا المتمتع بعدما أحرم بالحج طاف وسعى قبل أن يروح إلى منى لم يرمل في طواف الزيارة ولا سعى بعده؛ لأنه قد أتى بذلك مرة،   [البناية] م: (وإذا كان يوم التروية أحرم بالحج من المسجد) ش: أي المسجد الحرام والإحرام يوم التروية ليس بشرط لازم؛ بل تقديمه على يوم التروية أفضل، وفي " المبسوط " و " المحيط ": ولو قدم الإحرام على يوم التروية جاز، بل هو الأفضل لما أنه أشق، وفيه المسارعة إلى العبادة، وهذه الأفضلية ليست بمختصة لسائق الهدي، بل هي تقديم إحرام الحج للمتمتع أفضل مطلقاً، وبه قال مالك، وقال أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لغير واحد: الهدي يستحب أن يحرم به قبل اليوم السادس. م: (والشرط أن يحرم من الحرم أما المسجد فليس بلازم؛ وهذا) ش: أي عدم لزوم الإحرام من المسجد م: (لأنه في معنى المكي، وميقات المكي في الحج الحرم على ما بينا) ش: أي في آخر فصل المواقيت، وهو قوله: ومن كان بمكة فوقته في الحج الحرم، وفي الحل، وقال الكاكي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يمكن أن يؤول المسجد بالحرم لما أن المراد منه المسجد الحرام، والمسجد الحرام عبارة عن جميع الحرم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28] ... [التوبة: الآية 28] ، وقيل: المراد الحرم، لكن ذكر المسجد لما أن الإحرام منه أفضل م: (وفعل) ش: أي هذا الذي فرع من العمرة وحل ثم أحرم بالحج يفعل م: (ما يفعله الحاج المفرد؛ لأنه مؤد للحج) ش: أي لأنه في صدد أداء الحج وتعلق به أفعال المفرد. م: (إلا أنه) ش: استثناء من قوله: وفعل ما يفعله الحاج المفرد، يعني إلا أن هذا المؤدي م: (يرمل في طواف الزيارة ويسعى بعده) ش: أي يسعى بين الصفا والمروة بعد طواف الزيارة م: (لأن هذا أول طواف له في الحج، بخلاف المفرد؛ لأنه قد سعى مرة) ش: لأن السعي لا يتكرر ولا يرسل في طواف الزيارة لعدم السعي بعده. م: (ولو كان هذا المتمتع بعدما أحرم بالحج طاف وسعى قبل أن يروح إلى منى لم يرمل في طواف الزيارة ولا يسعى بعده؛ لأنه قد أتى بذلك مرة) ش: فلا يأتي به مرة أخرى، والمصنف لم يذكر في الاستثناء إلا صورة واحدة وشيئان آخران استثنى أحدهما أن لا يطوف طواف القدوم؛ لأنه في معنى المكي، ولا يسن في حق المكي طواف القدوم بخلاف المفرد بالحج والقارن. فإن طواف القدوم يسن في حقهما، والآخر أنه يجب عليه الهدي، فيكره الجمع بين النسكين، بخلاف المفرد، فإنه لا يجب في حقه الهدي بل يستحب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 وعليه دم المتمتع، للنص الذي تلوناه. فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع على الوجه الذي بيناه في القران. فإن صام ثلاثة أيام من شوال ثم اعتمر لم يجزه عن الثلاثة؛ لأن سبب وجوب هذا الصوم التمتع؛ لأنه بدل عن الدم وهو في هذه الحالة غير متمتع فلا يجوز أداؤه قبل وجود سببه. وإن صامها بمكة (بعدما أحرم بالعمرة قبل أن يطوف جاز عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. له قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] (196 البقرة) ولنا أنه أداه بعد انعقاد سببه، والمراد بالحج المذكور في النص وقته على ما بينا، والأفضل تأخيرها إلى آخر وقتها وهو يوم عرفة لما بينا في القران.   [البناية] م: (وعليه دم المتمتع، للنص الذي تلوناه) ش: وهو قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) أي فعليه ما استيسر من الهدي الذي هو من الإبل والبقر والغنم. م: (فإن لم يجد) ش: أي الهدي م: (صام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة) ش: أي صام سبعة أيام م: (إذا رجع إلى أهله على الوجه الذي بيناه في القران) ش: عند قوله: وإذا لم يكن له ما يذبح صام ثلاثة أيام في الحج آخرها يوم عرفة وقد مضى الكلام فيه هناك مستقصى م: (فإن صام ثلاثة أيام من شوال ثم اعتمر) ش: أي أحرم للعمرة م: (لم يجزه عن الثلاثة؛ لأن سبب وجوب هذا الصوم التمتع؛ لأنه بدل عن الهدي وهو في هذه الحالة غير متمتع) ش: لا حقيقة ولا حكماً أما حقيقة فظاهر، وأما حكماً فكأنه لم يحرم بها م: (فلا يجوز أداؤه قبل وجود سببه) . م: (وإن صامها بمكة (بعدما أحرم بالعمرة قبل أن يطوف جاز عندنا) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية عنه يجوز بعد التحلل من العشرة م: (خلافا للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: فإن عنده لا يجوز م: (له) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196)) وجه الاستدلال به أنه تعالى أخبر أن صيامه يجب أن يكون في الحج وما لم يحرم بالحج لا يجوز. م: (ولنا أنه) ش: أي أن المتمتع م: (أداه) ش: أي أدى الصوم م: (بعد انعقاد سببه) ش: لأن السبب ما ذكره الله تعالى وهو التمتع بالعمرة إلى الحج؛ لأنه طريق يتوصل به إلى التمتع وأداء المسبب بعد تحقق السبب جائز م: (والمراد بالحج المذكور في النص وقته على ما بينا) ش: يعني في القران، إذ نفس الحج لا يصلح أن يكون ظرفاً، والمراد وقت الحج م: (والأفضل تأخيرها) ش: أي تأخير صيام ثلاثة أيام م: (إلى آخر وقتها وهو يوم عرفة لما بينا في القران) ش: وقد مر في القران أن الأفضل أن يصوم قبل يوم التروية، ويوم عرفة؛ لأن الصوم بدل عن الهدي، فيستحب تأخيره إلى آخر وقته رجاء أن يقدر على الأصل، وإن صام سبعة أيام بعد فراغه من الحج قبل الرجوع إلى أهله جاز عندنا، وإذا فات صوم ثلاثة أيام حتى أتى يوم النحر لم يجزئه إلا الدم، وفيه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 وإن أراد المتمتع أن يسوق الهدي أحرم، وساق هديه، وهذا أفضل؛ لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ساق الهدايا مع نفسه؛ ولأن فيه استعدادا أو مسارعة. فإن كانت بدنة قلدها بمزادة أو نعل لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - على ما رويناه، والتقليد أولى من التحليل؛ لأن له ذكرا في القرآن؛ ولأنه للإعلام، والتجليل للزينة، ويلبي، ثم يقلد؛ لأنه يصير محرما بتقليد الهدي والتوجه معه على ما سبق، والأولى أن يعقد الإحرام بالتلبية ويسوق الهدي، وهو أفضل من أن يقودها؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أحرم بذي الحليفة وهداياه تساق بين يديه   [البناية] خلاف مالك، والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وقد مر في القران. [سوق الهدي وإشعاره وتقليده] م: (وإن أراد المتمتع أن يسوق الهدي أحرم) ش: أي أحرم بالعمرة لا يحرم بالحج ما لم يفرغ من العمرة م: (وساق هديه، وهذا أفضل) ش: أي هذا الذي يسوق الهدي أفضل من الذي لا يسوق م: «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ساق الهدايا مع نفسه» ش: هذا رواه البخاري، ومسلم «عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: تمتع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى فساق معه الهدي ... الحديث» م: (ولأن فيه) ش: أي في سوق الهدي م: (استعدادا) ش: أي تهنئة للخير م: (أو مسارعة، فإن كانت بدنة) ش: هديه بدنة باعتبار الخبر م: (قلدها بمزادة) ش: وهي سفرة السفر م: (أو نعل لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) ش: «فقالت: أنا فتلت قلائد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، رواه الأئمة الستة م: (على ما رويناه) ش: أراد به ما ذكر قبل باب القران. م: (والتقليد أولى من التحليل؛ لأن له) ش: أي التقليد م: (ذكرا في القرآن) ش: وهو قوله: {وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} [المائدة: 97] [المائدة: الآية 97] ، وفي بعض النسخ: ذكر في الكتاب أي في كتاب الله تعالى م: (ولأنه) ش: أي ولأن التقليد م: (للإعلام) ش: أي أنه هدي م: (والتجليل للزينة) ش: ولدفع الحر، والبرد، ودفع الذباب م: (ويلبي ثم يقلد؛ لأنه يصير محرما بتقليد الهدي والتوجه معه على ما سبق) ش: أي ذكر قبل باب القران، فقوله: ومن قلد بدنة تطوعاً. م: (والأولى أن يعقد الإحرام بالتلبية) ش: قال الأترازي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الواو في: والأولى للحال. قلت: فيه ما فيه، بل المعنى أنه إن قلد البدنة وساقها بنية الإحرام يصير محرماً، سواء لبى بعد ذلك أو لم يلب، ولكن الأولى أن يعقد الإحرام بالتلبية ثم قلد البدنة وساقها م: (ويسوق الهدي وهو) ش: أي السوق دل عليه قوله: ويسوق. م: (أفضل من أن يقودها؛ «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحرم من ذي الحليفة وهداياه تساق بين يديه» ش: لما روى البخاري، ومسلم «عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تمتع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -.. الحديث وقد مضى الآن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 ولأنه أبلغ في التشهير إلا إذا كانت لا تنقاد فحينئذ يقودها. قال: وأشعر البدنة عند أبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله -، ولا يشعر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ويكره. والإشعار هو الإدماء بالجرح لغة، وصفته أن يشق سنامها بأن يطعن في أسفل السنام من الجانب الأيمن أو الأيسر قالوا: والأشبه هو الأيسر؛ لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طعن في جانب اليسار مقصودا وفي جانب اليمين اتفاقا   [البناية] م: (ولأنه) ش: أي لأن السوق م: (أبلغ في التشهير) ش: بأنه هدي م: (إلا إذا كانت لا تنقاد) ش: هذا استثناء من قوله: وهو أفضل ممن يقودها، وهو ظاهر م: (فحينئذ يقودها) ش: أي حين كونها لا تنقاد، ويقودها م: (وأشعر البدنة) ش: وفي أكثر النسخ قال: أي القدوري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وأشعر البدنة م: (عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد) ش: وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فإن الإشعار عندهم يستحب، لكن عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو من قبل اليمين، وعند غيرهما من قبل اليسار م: (ولا يشعر عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وفي بعض النسخ: ولا يشعرها أي البدنة م: (ويكره) ش: أي الإشعار. ثم أشار إلى تفسير الإشعار بقوله: م: (والإشعار هو الإدماء بالجرح) ش: أي إخراج الدم من البدنة بجرحها، وفي " المبسوط " الإشعار الإعلام، سمى هذا الفعل بذلك لأنه إعلام لها م: (لغة) ش: أي من حيث اللغة، يعني الإشعار في اللغة إشعار الدماء بالذبح ونحوه، ومنه حديث مكحول - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لمن أشعر علجاء وقتله، أي طعنه بالرمح حتى دخل السنان جوفه، وأما معناه شرعاً فهو ما أشار إليه بقوله. م: (وصفته) ش: أي صفة الإشعار م: (أن يشق سنامها) ش: أي سنام البدنة م: (بأن يطعن في أسفل السنام من الجانب الأيمن أو الأيسر) ش: وفي النهاية وصفة الإشعار، وهو أن يضرب بالمنصع في أحد جانبي سنام البدنة حتى يخرج الدم منها، ثم يلطخ بذلك الدم سنامها. م: (قالوا) ش: أي علماؤنا المتأخرون مثل فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - وغيره م: (والأشبه) ش: أي الصواب في البدنة م: (هو الأيسر) ش: يعني هو الطعن بالرمح في أسفل السنام من الجانب الأيسر وقد مر بيانه فيما مضى م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طعن في جانب اليسار مقصودا) ش: أي من حيث القصد إليه. م: (أو في جانب اليمين اتفاقا) ش: أي وقع من حيث الاتفاق لا من حيث المقصد، والمقصود أن ذلك كله روي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أما رواية الطعن في اليمين فأخرجها مسلم عن أبي حسان عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا ببدنة فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن.» وأما رواية الطعن في الأيسر فرواها أبو يعلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مسنده " حدثنا زهير حدثنا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 ويلطخ سنامها بالدم إعلاما، وهذا الصنع مكروه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما حسن، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سنة؛ لأنه مروي عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وعن الخلفاء الراشدين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -   [البناية] يزيد بن هارون حدثنا شعبة عن الحجاج عن قتادة عن أبي حسان عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أتى ذا الحليفة اشعر بدنته في شقها الأيسر ثم سلت الدم بأصبعه، فلما علت به راحلته البيداء لبى» انتهى. وقال ابن عبد البر في كتاب " التمهيد " هذا عندي منكر، والمعروف حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الذي أخرجه مسلم وغيره من الجانب الأيمن لا يصلح فيه غير ذلك، إلا أن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كان يشعر بدنته من الجانب الأيسر. قلت: هذا رواه مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في موطئه عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وكذلك قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الإشعار من قبل اليمين ووجه القول بالأشبه إلى الصواب هو أن الهدايا كانت مقبلة إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان يدخل من كل بعير من قبل الرأس، وكان الرمح بيمنه لا محالة، فكان طعنه يقع عادة أولاً على يسار البعير، ثم كان يطعن عن يمينه ويشعر الآخر من قبل يمين البعير اتفاقاً للأول لا قصداً إليه، فصار الأمر الأصلي أحق باعتبار إذا كان واحدا. م: (ويلطخ سنامها بالدم إعلاما) ش: أي للإعلام بأنها هدي م: (وهذا الصنع) ش: أي الإشعار م: (مكروه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقال الخطابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا أعلم أحداً أنكر الإشعار إلا أبا حنيفة، وقال السروجي: مما ليس بحجة وما لا يعلمه كثير، وبه قال إبراهيم النخعي، ومذهبه قبل مذهب أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (حسن) ش: وهو أدنى من السنة، وقيل إن معناه إن تركه لا يضره، وفي " جامع الأسبيجابي " الإشعار عندهما وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سنة، لكن ذكر في " الجامع الصغير " أنه حسن، ولم يذكر أنه سنة. م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سنة؛ لأنه) ش: أي لأن الإشعار م: (مروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: وقد مر الآن م: (وعن الخلفاء الراشدين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقد روى مسلم في صحيحه والأربعة حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلد نعلين وأشعر الهدي» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 ولهما أن المقصود من التقليد أن لا يهاج إذا ورد ماء، أو كلأ أو يرد إذا ضل وأنه في الإشعار أتم؛ لأنه ألزم فمن هذا الوجه يكون سنة، إلا أنه عارضه جهة كونه مثلة بحسنه، فقلنا نحن نحسنه ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه مثلة، فإنه منهي عنه.   [البناية] وقال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم يرون إشعاراً لهم، ويدخل في قوله من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وقد ذكرنا غيره مرة أن الهدي من الإبل والبقر والغنم، وأن الإشعار في الإبل. وقال شيخنا اختلفوا في إشعار البقر، فذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والجمهور إلى إشعارها واتفقوا على أن الغنم لا تشعر، واختلفوا في تقليد الغنم، فذهب الشافعي وأحمد - رحمهما الله - والجمهور أنها تقلد ذات القرن، وذهب أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أن الغنم لا تقلد. م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله م: (أن المقصود من التقليد أن لا يهاج) ش: يعني أن لا تطرد عن الماء والكلأ، وفي " المغرب " هاجه فهاج، أي هيجه فبعثه يتعدى ولا يتعدى م: (إن ورد ماء، أو كلأ أو يرد إذا ضل) ش: أي إذا أتاه م: (وإنه) ش: أي وإن الإشعار م: (أتم) ش: أي من التقليد م: (لأنه ألزم) ش: أي لأن القلادة ربما تنقطع من عنق البعير وتسقط، والإشعار لا يفارقه م: (فمن هذا الوجه) ش: أي من وجه أن الإشعار أتم وألزم من التقليد م: (يكون سنة، إلا أنه عارضه جهة كونه مثلة) ش: يقال مثلت بالحيوان أمثل به مثلاً إذا قطعت أطرافه وشوهت، وهو من باب نصر ينصر نصراً، والمثلة الاسم م: (فقلنا نحن نحسنه) ش: أي نحسن الإشعار، وفيه تأمل لا يخفى. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي أن الإشعار م: (مثلة فإنه) ش: أي فإن فعل المثلة م: (منهي عنه) ش: وجاءت به في النهي عن المثلة أحاديث منها ما رواه البخاري عن عبد الله ابن يزيد الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النهبة والمثلة» هكذا عزاه عبد الحق للبخاري، ومنها ما رواه أبو داود عن سمرة بن جندب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحث على الصدقة وينهى عن المثلة» . ومنها ما رواه أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعن من مثل بالحيوان» ومنها ما رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " «عن عمران بن الحصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحث في خطبته على الصدقة وينهى عن المثلة» ومنها ما رواه أيضاً عن المغيرة بن شعبة قال نهى «رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المثلة» ومنها ما رواه الطبراني عن أبي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 ولو وقع التعارض فالترجيح للمحرم   [البناية] أيوب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النهبة والمثلة» ومنها ما رواه أيضاً عن الحكم بن عمير وعامر بن قرط قالا قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تمثلوا بشيء من خلق الله - عز وجل - فيه روح» . م: (ولو وقع التعارض فالترجيح للمحرم) ش: وفي بعض النسخ ومتى وقع التعارض وأراد أن القاعدة إذا وقع التعارض بين الحديثين الذي أحدهما يقتضي الإباحة والآخر يقتضي التحريم، فالذي يقتضي التحريم يرجح على الذي يقتضي الإباحة، وهاهنا وقع انتقاض بين كون أن الإشعار سنة، وبين كونه مثلة، وفي كونه حراماً، فالرجحان للمحرم والمعنى الفقهي أن المبيح يوجب جواز الامتناع، والمحرم واجب الامتناع، والواجب أقوى من الجائز، وكان جماعة من العلماء فهموا عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النسخ في ذلك، حتى قال السهيلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " الروض الأنف "، فكان النهي عن المثلة بأثر غزوة أحد، وحديث الإشعار في حجة الوداع، فكيف يكون الناسخ متقدما ًعلى المنسوخ انتهى. قلت: ليس في كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما يدل على أن الإشعار منسوخ بحديث النهي عن المثلة في أول مقدمه للمدينة، وأشعر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الهدايا في آخر أيام حياته عام حجة الوداع، فلو كان الإشعار من باب المثلة لما أشعر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه نهى عنها قبل ذلك، انتهى. قلت: كلامه مع المصنف حيث قال ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الإشعار مثلة، ولا إشكال هنا، لأن مراد أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليس مطلق المثلة، وإنما مراده المثلة التي لا يباح فعلها كقطع عضو من الأعضاء، وفي معناه الإشعار بالرمح والشفرة، وأما الإشعار الذي وصفوه بالمنصع أو بالشيء الذي يقطع الجلد دون اللحم، فلا يكره. وأبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما كره أصل الإشعار، وكيف يكره ذلك مع ما اشتهر فيه من الآثار. وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإنما كره أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إشعار أهل زمانه، لأنه رآهم يفضون في ذلك على وجه يخاف منه هلاك البدنة لسرايته، خصوصاً في حر الحجاز فرأى الصواب في سد هذا الباب على العامة، لأنهم لا يقفون على الحد. وفي " المبسوط " وأما من وقف على ذلك بأن قطع الجلد فقط دون اللحم فلا بأس بذلك، والحاصل أن الذي قاله أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يدخل في باب المثلة الحقيقية حتى يرد عليه شيء، والذي ذهب إليه كالمثلة التي أبيح فعلها كالختان وشق أذن الحيوان للعلامة ولا شك أن الختان هو قطع عضو، مع أنه فرض عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد وسنة مؤكدة عندنا فارقة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 وإشعار النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان لصيانة الهدي؛ لأن المشركين لا يمتنعون عن تعرضه إلا به. وقيل: إن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كره إشعار أهل زمانه لمبالغتهم فيه على وجه يخاف منه السراية، وقيل: إنما كره إيثاره على التقليد. قال: فإذا دخل مكة طاف، وسعى، وهذا للعمرة، على ما بينا في متمتع لا يسوق الهدي إلا أنه لا يتحلل حتى يحرم بالحج يوم التروية   [البناية] بين الإسلام والكفر، حتى لو اجتمع قوم على تركه قوتلوا عليه ولا كذلك الإشعار، فإن الناس تركوه عن آخرهم ولم ينكر على ذلك أحد. وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنهما رخصا في تركه، ولا يظن بهما الترخص في تركهما سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مع أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعله مرة، وفي " جامع الأسبيجابي " معنى قول الراوي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشعر بدنته أعلمها بعلامة، ويمكن أن يكون ذلك سوى الجرح؛ لأن الإشعار هو الإعلام، كذا ذكره الإمام المحبوبي. م: (وإشعار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان لصيانة الهدي) ش: هذا جواب عما قاله الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه مروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتقرير الجواب أن يقال سلمنا أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشعر، ولكن لاحتياجه إلى ذلك وهو صيانة الهدي، أي حفظها م: (لأن المشركين لا يمتنعون عن تعرضه إلا به) ش: أي لأن المشركين ما كانوا يمتنعون عن تعريض الهدي إلا بالإشعار. م: (وقيل: إن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كره إشعار أهل زمانه لمبالغتهم فيه على وجه يخاف منه السراية) ش: أي من الإشعار والمراد إلى هلاك الهدي، وقد ذكرناه الآن م: (وقيل: إنما كره إيثاره على التقليد) ش: أي اختياره وتخصيصه على التقليد، لأنه يحصل من التقليد ما هو الغرض من الإشعار. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فإذا دخل) ش: أي المتمتع م: (مكة طاف) ش: بالبيت سبعة أشواط م: (وسعى) ش: يبن الصفا والمروة سبعة أشواط م: (وهذا) ش: أي هذا الفعل، وهو الطواف والسعي م: (للعمرة) ش: لا للحج م: (على ما بينا في متمتع لا يسوق الهدي) ش: أراد به ما ذكر في أول الباب عند قوله وصفته، أي يبتدئ من الميقات فيبتدئ بالعمرة م: (إلا أنه) ش: أي غير أنه م: (لا يتحلل) ش: بعد فراغه من العمرة، لأنه ساق الهدي بين متمتع يسوق الهدي، ومتمتع لا يسوق، لأنهما يتساويان في نفس الطواف والسعي، ولكن الذي يسوق الهدي لا يتحلل بعد فراغه من العمرة م: (حتى يحرم بالحج) ش: يحرم هنا برفع الميم، لأن حتى هنا ليست للغاية لفساد المعنى، لأن معناه لا يتحلل إلا بعد الإحرام بالحج، وليس كذلك، لأنه لا يتحلل إلا إذا حلق يوم النحر، فحينئذ تكون حتى هنا للحال كما في قولهم مرض حتى لا يرجونه م: (يوم التروية) ش: وفي الجارية هذا ليس بلازم حتى لو أحرم يوم عرفة أو قبل يوم التروية يجوز، ولكن إحرام أهل مكة يوم التروية فلعله خصه بهذا المعنى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة وتحللت منها» وهذا ينفي التحلل عند سوق الهدي. ويحرم بالحج يوم التروية كما يحرم أهل مكة على ما بينا. وإن قدم الإحرام قبله جاز، وما عجل المتمتع من الإحرام بالحج فهو أفضل لما فيه من المسارعة، وزيادة المشقة، وهذه الأفضلية في حق من ساق الهدي، وفي حق من لم يسق   [البناية] م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة وتحللت منها» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم «عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال خرجنا نصرخ بالحج، فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نجعلها عمرة، وقال: " لو استقبلت .... » الحديث، ومعناه لو علمت أولاً ما علمت آخراً من أن سوق الهدي مانع من التحلل لما سقت الهدي ولجعلت الحجة عمرة بأن اكتفيت بالعمرة بنسخ الحجة بها، ولكني سقت الهدي، فلأجل هذا ما أقدر أن أجعلها عمرة فعلم بهذا أن سوق الهدي مانع من التحلل، وقال الكاكي: قوله من أمري يشعر على أن المراد منه سوق الهدي والتحلل شيء آخر، وكلمة ما في استدبرت بمعنى الذي. قوله - لجعلتها - أي السفرة أو الحجة أو الحج باعتبار الخبر. قوله - وتحللت منها - أي من العمرة، وإنما أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصحابه أن يفسخوا إحرام الحج ويجعلوه عمرة لما بلغوا مكة تحقيقاً لمخالفة المشركين، وكانوا لا يفسخون ولا يحلقون وينتظرون رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هل يحلق أو لا، فاعتذر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: «لو استقبلت» ... إلى آخره وبقولنا قال أحمد، وقال مالك والشافعي - رحمهما الله: المتمتع الذي ساق الهدي إذا فرغ من أفعال العمرة يتحلل كمن لم يسق الهدي إلا أن عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا ينحر هديه إلا يوم النحر وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينحر عند المروة. [ما يلزم المتمتع من الدم والصيام] م: (وهذا) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (ينفي التحلل عند سوق الهدي) ش: أي عند سوق المتمتع الهدي م: (ويحرم بالحج يوم التروية كما يحرم أهل مكة) ش: لأن إحرامه مكي م: (على ما بينا) ش: إشارة إلى ما قال، وعليه دم التمتع للنص الذي تلونا، يعني قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) ، م: (وإن قدم الإحرام قبله) ش: أي قبل يوم التروية م: (جاز) ش: بل هو أفضل، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الأفضل للمتمتع الذي ساق الهدي أن يحرم بالحج يوم التروية قبل الزوال متوجهاً إلى منى، وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يستحب أن يحرم به من أول ذي الحجة عند رؤية الهلال. م: (وما عجل المتمتع من الإحرام بالحج فهو أفضل لما فيه) ش: أي في التقديم أو في التعجيل م: (من المسارعة) ش: إلى الخير م: (وزيادة المشقة) ش: بزيادة مدة إحرامه، وما كان أشق على البدن كان أفضل م: (وهذه الأفضلية في حق من ساق الهدي، وفي حق من لم يسق) ش: يعني كلاهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 وعليه دم وهو دم المتمتع على ما بينا وإذا حلق يوم النحر، فقد حل من الإحرامين؛ لأن الحلق محلل في الحج كالسلام في الصلاة فيتحلل به عنهما. وليس لأهل مكة تمتع، ولا قران، وإنما لهم الإفراد خاصة خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والحجة عليه قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] (196 البقرة)   [البناية] سواء في هذه الأفضلية م: (وعليه دم وهو دم المتمتع على ما بينا) ش: أراد به ما ذكره في أول هذا الباب بقوله زيادة نسك، وهو إراقة الدم. فإن قلت: معنى قوله - وهو دم التمتع - بعد قوله وعليه دم. قلت: قوله وعليه دم قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفسره بقوله - وهو دم التمتع - لأنه في صدر شرحه، وقال الأترازي: إنما فسره نفياً لوهم بعض الفقهاء، ألا ترى أن صاحب زاد الفقهاء وهم، وقال عليه دم لارتكابه ما هو محظور إحرامه، فظن أن تقديم الإحرام من المتمتع على يوم التروية محظور وهو سهو منه. م: (وإذا حلق يوم النحر، فقد حل من الإحرامين) ش: أي من إحرام الحج والعمرة جميعا م: (لأن الحلق محلل في الحج كالسلام في الصلاة فيتحلل) ش: أي بالحلق م: (عنهما) ش: أي عن الإحرامين، ويخرج عنه كما أن المصلي يخرج من الصلاة بالسلام، وكان المانع من تحلل إحرام العمرة سوق الهدي، فلما ذبحه زال المانع فتحلل من الإحرامين جميعاً، إلا في حق النساء إلى طواف الزيارة، وهذا لأن إحرام العمرة في حق النساء كإحرام الحج، ولهذا لو جامع القارن من بعد الحلق قبل الطواف يجب عليه دمان، كما سيجيء إن شاء الله تعالى. [ليس لأهل مكة تمتع ولا قران] م: (وليس لأهل مكة تمتع، ولا قران، وإنما لهم الإفراد خاصة) ش: وإذا تمتع واحد منهم أو قرن كان عليه دم، وهو دم جناية لا يأكل منه، بخلاف المتمتع والقارن من أهل الآفاق، فإن الدم الواجب عليهما دم نسك فيأكلان منه م: (خلافا للشافعي) ش: فإن عنده لا يكره للمكي ومن كان من جاري المسجد الحرام القران والتمتع، ولكن لا يجب عليه دم، وبه قال مالك وأحمد في القران. م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196)) ش: اختلف في حاضري المسجد الحرام، فإن عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - المكي، ومن كان جاء من مسافة القصر من مكة، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - هم سكان مكة وذي طوى. وعندنا من كان داخل الميقات وأهل الحرم بدليل أنهم يدخلون مكة بغير إحرام قوله - ذلك - إشارة إلى التمتع ودلت الآية أن التمتع مشروع لمن كان من أهل الآفاق. وإنما قلنا إن ذلك إشارة إلى التمتع، لأن موضوعه في كلام العرب للبعيد، والقرآن نزل على لسانهم، والذي ذكره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 ولأن شرعيتهما للترفه بإسقاط إحدى السفرتين وهذا في حق الآفاقي، ومن كان داخل المواقيت فهو بمنزلة المكي، حتى لا يكون له متعة ولا قران، بخلاف المكي إذا خرج إلى الكوفة وقرن إذا خرج إلى الكوفة وقرن حيث يصح؛ لأن عمرته وحجته ميقاتان، فصار بمنزلة الآفاقي.   [البناية] الخصم أنه إشارة إلى الهدي حتى يصح تمتع المكي ومن بمعناه غير موجه؛ لأنه خالف ما استعمله العرب، والذي ذكره قريباً لا يصلح حقيقة له، والتمتع المفهوم من قوله فمن تمتع يصلح لذلك فصار إليه لأن العمل إذا أمكن بالحقيقة لا يصار إلى المجاز بالاتفاق، فتكون الآية حجة عليه. فإن قلت: سلمنا ما قلتم، ولكن لا يدل ذلك على أن التمتع لا يصح من المكي ومن بمعناه، لأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه. قلت: سلمنا ذلك، ولكن لا نسلم أن يلزم من ذلك ثبوت الحكم في الغير؛ لأن الأصل عدم الحكم في الغير إلى أن يدل الدليل على خلافه. م: (ولأن شرعيتهما للترفه بإسقاط أحد السفرتين) ش: هذا دليل معقول بيانه أن شرعيتهما أي شرع القران والتمتع الترفه، أي للاستراحة من قوله رجل رافه ومترفه مستريح والترفه بذلك في حق الآفاقي لأن غيره لا يشق عليه هذا السفر لقربه حتى يترفه أن الله شرع القران والمتعة ونسخ ما كان عليه أهل الجاهلية في تحريمهم العمرة في أشهر الحج، والنسخ ثبت في حق الناس كافة، ورجوع الناس إلى ما ذكرتم ينافي ذلك. قلت النسخ ثابت عندنا في حق المكي أيضاً، حتى لو اعتمر في أشهر الحج جاز بلا كراهة، ولكن لا يدرك فضيلة التمتع، لأن الإمام قطع تمتعه كما قطع تمتعه الآفاقي إذا رجع بين النسكين إلى أهله، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيه نظر، لأنه يستدل به على بطلان المتعة لا على إدراك عدم الفضيلة. والصواب أن يقال إن متعته تقتصر عن متعة الآفاقي بصيرورته دم جبر م: (وهذا في حق الآفاقي) ش: أي الترفه بإسقاط أحد السفرين كائن في حق الآفاقي. م: (ومن كان داخل المواقيت) ش: أي ومن كان مسكنه داخل المواقيت م: (فهو بمنزلة المكي، حتى لا يكون له متعة ولا قران) ش: ومع هذا لو تمتعوا جاز وأساءوا، ويجب عليهم دم الجبر كما ذكرناه م: (بخلاف المكي) ش: متصل بقوله - وليس لأهل مكة تمتع ولا قران - م: (إذا خرج إلى الكوفة، وقرن حيث يصح؛ لأن عمرته وحجته ميقاتان، فصار بمنزلة الآفاقي) ش: أي فصار المكي الخارج إلى الكوفة بمنزلة الآفاقي من حيث صحة القران، وقال المحبوبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا إذا خرج إلى الكوفة قبل أشهر الحج، وأما إذا خرج بعدها فقد منع من القران فلا يتغير بخروجه من الميقات، وإنما خص القران حيث قال وقرن، لأنه إذا خرج المكي إلى الكوفة، وقرن لا يكون تمتعاً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 وإذا عاد المتمتع إلى بلده بعد فراغه من العمرة، ولم يكن ساق الهدي بطل تمتعه؛ لأنه ألم بأهله فيما بين النسكين إلماما صحيحا، وبذلك يبطل التمتع، كذا روي عن عدة من التابعين، وإذا ساق الهدي فإلمامه لا يكون صحيحا ولا يبطل تمتعه عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يبطل تمتعه؛ لأنه أداهما بسفرتين. ولهما أن العود مستحق عليه ما دام على نية التمتع؛ لأن السوق يمنعه من التحلل فلم يصح إلمامه، بخلاف المكي إذا خرج إلى الكوفة وأحرم بعمرة وساق الهدي حيث لم يكن متمتعا؛ لأن العود هنالك غير مستحق عليه فصح إلمامه بأهله. ومن أحرم بعمرة قبل أشهر الحج فطاف لها أقل من أربعة أشواط ثم دخلت أشهر الحج فتممها وأحرم بالحج كان متمتعا   [البناية] [الحكم لو لم يسق المتمتع الهدي حتى عاد لبلده] م: (وإذا عاد المتمتع إلى بلده بعد فراغه من العمرة، ولم يكن ساق الهدي بطل تمتعه؛ لأنه ألم بأهله فيما بين النسكين إلماما صحيحا، وبذلك يبطل التمتع) ش: أي بالإلمام الصحيح يبطل التمتع باتفاق أصحابنا، قاله الأكمل. وقال الأترازي: خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الكاكي: بطل تمتعه بالإجماع، أما عند الشافعي ومالك - رحمهما الله - بمجرد العود إلى الميقات لإحرام الحج ساق الهدي أو لا يبطل تمتعه ولا دم عليه. وقد قيل إن في أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكون متمتعاً، ويقول لا أعرف الإلمام م: (كذا روي عن عدة من التابعين) ش: وكذا روى الطحاوي في كتاب " أحكام القرآن " عن سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وإبراهيم النخعي أن المتمتع إذا رجع إلى أهله بعد فراغه من العمرة بطل تمتعه، انتهى. وقال الحسن هو متمتع وإن رجع إلى أهله، واختاره ابن المنذر. م: (وإذا ساق الهدي فإلمامه لا يكون صحيحا فلا يبطل تمتعه عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يبطل تمتعه لأنه أداهما بسفرتين) ش: فإنه لو بدأ له أن لا يتمتع كان له أن يمكث م: (ولهما) ش: لأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أن العود مستحق عليه) ش: أي واجب م: (ما دام على نية التمتع؛ لأن سوق الهدي) ش: أي سوق الهدي م: (يمنعه من التحلل فلم يصح إلمامه) ش: ولا يدخل تمتعه. م: (بخلاف المكي إذا خرج إلى الكوفة وأحرم بعمرة وساق الهدي حيث لم يكن متمتعا؛ لأن العود هنالك غير مستحق عليه) ش: أي لأن عود المكي من أهله إلى مكة غير مستحق عليه، لأنه في مكة وتحصيل الحاصل محال م: (فصح إلمامه بأهله) ش: فلا يصح تمتعه م: (ومن أحرم بعمرة قبل أشهر الحج فطاف لها أقل من أربعة أشواط ثم دخلت أشهر الحج فتممها وأحرم بالحج كان متمتعا) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم، وقال في الجديد في الأم لا دم عليه، وبه قال أحمد وفي تتمتهم في ظاهر المذهب لا فرق بين أن يكون عبوره على ميقات قبل أشهر الحج أو بعد دخولها. قال ابن شريك: إن عبر على الميقات قبلها لا يكون متمتعاً، ولو عبر في أشهر الحج يكون متمتعاً، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا تحلل إلى العمرة حتى دخلت أشهر الحج صار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 لأن الإحرام عندنا شرط فيصح تقديمه على أشهر الحج. وإنما يعتبر أداء الأفعال فيها، وقد وجد الأكثر، وللأكثر حكم الكل، وإن طاف لعمرته قبل أشهر الحج أربعة أشواط فصاعدا ثم حج من عامه ذلك لم يكن متمتعا؛ لأنه أدى الأكثر قبل أشهر الحج، وهذا لأنه صار بحال لا يفسد نسكه بالجماع فصار كما إذا تحلل منها قبل أشهر الحج. ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر الإتمام في أشهر الحج، والحجة عليه ما ذكرناه؛ ولأن الترفق بأداء الأفعال، والمتمتع مترفق بأداء النسكين في سفرة واحدة في أشهر الحج. قال: وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة   [البناية] متمتعاً، أي يتمم العمرة بأن يأتي سائر الأشواط، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يكون متمتعاً كذا في " شرح الأقطع "، سواء طاف الأقل أو الأكثر. م: (لأن الإحرام عندنا شرط فيصح تقديمه على أشهر الحج) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذلك كالطهارة لما كانت شرطاً للصلاة جاز تقديمه على وقت الصلاة م: (وإنما يعتبر أداء الأفعال فيها) ش: أي في أشهر الحج م: (وقد وجد الأكثر، وللأكثر حكم الكل) ش: إذا لم يعارضه نص، ولهذا لا يقام ثلاث ركعات من الظهر مقام أربع ركعات إقامة للأكثر مقام الكل لأن النص ناطق بأن فرض المقيم أربع ركعات. م: (وإن طاف لعمرته قبل أشهر الحج أربعة أشواط فصاعدا) ش: أي أكثر من أربعة أشواط، وانتصابه على الحال م: (ثم حج من عامه ذلك لم يكن متمتعا؛ لأنه أدى الأكثر قبل أشهر الحج وهذا) ش: أي يكون الأكثر في حكم الكل م: (لأنه صار بحال لا يفسد نسكه) ش: أي عمرته م: (بالجماع) ش: لأن ركن العمرة هو الطواف فيتأكد إحرامه بأداء الأكثر كما يتأكد إحرام الحج بالوقوف، ولكن عليه دم عندنا، كذا في " المبسوط " ولكن هذا رد المختلف على المختلف، لأن عدم الفساد بالجماع بعد طواف الأكثر، وعند الشافعي ومالك - رحمهما الله - يفسد بالجماع قبل التحليل. م: (فصار كما إذا تحلل منها) ش: أي من العمرة م: (قبل أشهر الحج) ش: يعني لا يكون متمتعاً م: (ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر الإتمام) ش: أي إتمام العمرة م: (في أشهر الحج) ش: يعني لو طاف ستة أشواط قبل أشهر الحج وطاف شوطاً واحداً في الأشهر يكون متمتعاً إن حج من عامه ذلك، وقال في " شرح مختصر الكرخي " قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا أتى بالأفعال قبل الأشهر نفى إحرام العمرة حتى دخلت الأشهر، ثم أحرم بالحج فهو متمتع م: (والحجة عليه) ش: أي على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ما ذكرنا) ش: وهو أن للأكثر حكم الكل م: (ولأن الترفق بأداء الأفعال) ش: يعني أن الترفق بالنسكين يكون بأداء الأفعال العمرة والحج م: (والمتمتع مترفق بأداء النسكين في سفرة واحدة في أشهر الحج) ش: فلا بد من أن توجد الأفعال كلها أو أكثرها في أشهر الحج، يكون متمتعاً. م: (قال: وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة) ش: وفي أكثر النسخ قال وأشهر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 كذا روي عن العبادلة الثلاثة وعبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين   [البناية] الحج.. إلخ أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولما ذكر قبله أشهر الحج احتاج إلى بيانها، فقال: وقال وأشهر الحج، وكذا ذكره الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " إلا أنه قال والعشر الأولى من ذي الحجة، وهذا هو الميقات الزماني، واتفق أهل العلم على أن أوله مستهل شوال واختلفوا في آخره، المذهب أن آخره غروب الشمس من اليوم العاشر من ذي الحجة وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كذا روي عن العبادلة الثلاثة وعبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -) ش: العبادلة عند الفقهاء ثلاثة عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وفي اصطلاح المحدثين أربعة فأخرجوا عبد الله بن مسعود وأدخلوا عبد الله بن عمرو بن العاص وزادوا عبد الله بن الزبير، قاله أحمد وغيره وغلطه الجوهري إذ أدخل ابن مسعود وأخرج ابن العاص. وقال البيهقي: لأن ابن مسعود تقدمت وفاته، وهؤلاء عاشوا حتى احتيج إلى عملهم، ويلتحق بابن مسعود كل من سمي بعبد الله من الصحابة، نحو من مائتين وعشرين رجلاً، قاله النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. أما حديث ابن مسعود فرواه الدارقطني عن شريك عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود، قال أشهر الحج شوال وذو القعدة والعشر من ذي الحجة. وأما حديث عبد الله بن عمر فرواه الحاكم في " مستدركه " في تفسير سورة البقرة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر في قوله عز وجل {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] (البقرة: الآية 197) ، قال شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأما حديث عبد الله بن عباس فرواه الدارقطني عن شريك عن أبي إسحاق عن الضحاك عن ابن عباس قال أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. وأما حديث عبد الله بن الزبير فرواه الدارقطني عن محمد بن عبيد الله الثقفي عن عبد الله ابن الزبير نحوه، وهكذا روي عن عطاء ومجاهد والشعبي والثوري وقتادة وسعيد بن أبي عروة وابن حبيب المالكي عن مالك. وقال مالك في المشهور عنه ذو الحجة بتمامها، ويروي ذلك ابن عمر أيضاً وفي رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تسعة أيام من ذي الحجة وعشر ليال، ذكره في " جوامع أبي يوسف " - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه أخذ الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وحكى الخراسانيون وجهاً أنه لا يصح الإحرام ليلة العيد بل آخرها يوم عرفة. وعنه في الإملاء والقديم آخرها آخر ذي الحجة، ذكر ذلك النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 ولأن الحج يفوت بمضي عشر ذي الحجة، ومع بقاء الوقت لا يتحقق الفوات   [البناية] م: (ولأن الحج يفوت بمضي عشر ذي الحجة، ومع بقاء الوقت لا يتحقق الفوات) ش: هذا دليل عقلي، تقديره أن الحج يفوت بفوات العشر الأول من ذي الحجة، فلو كان الوقت باقياً إلى آخر ذي الحجة، لما فات لأن العبادة لا تفوت ما دام وقتها باقياً إلى آخر ذي الحجة فعلم أن المراد من الأشهر الثلاثة. وهاهنا أسئلة، الأول: أن قَوْله تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] (البقرة: الآية 197) ، والشهر يقع على الكامل حقيقة لا على الناقص، كما في العدة؟ والجواب أن الأشهر اسم عام، ويجوز أن يراد من العام الخاص إذا دل الدليل، وقد دل نقلاً، ولهذا أريدت التثنية من الجمع في قَوْله تَعَالَى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] (التحريم: الآية 4) ، لدلالة الدليل عليه، لأن الكل واحد، وينزل بعض الشهر منزلة كله، كما في قولهم رأيتك سنة كذا، وإنما الرؤية حصلت في بعض زمان السنة لا كلها. السؤال الثاني: إذا كان الحج لا يصح في شوال ولا في ذي القعدة، فكيف سميت أشهر الحج؟ قلت: يجوز فيها بعض أفعال الحج، ألا ترى أن الآفاقي إذا قدم مكة في شوال وطاف القدوم وسعى بعده ينوب هذا السعي عن السعي الواجب في الحج فإنه يجب مرة واحدة في طواف الحج كلها، فإذا لقي به طواف القدوم لا يجب في طواف الزيارة ولا في طواف الصدر، ولو قدم في رمضان وفعل ذلك لم ينب عن السعي، فظهر أن محل البعض أفعال الحج، إلا أنه لا يجوز الوقوف ولا طواف الزيارة وغيرهما من الأفعال في شوال، لا باعتبار أنه ليس بوقت، بل باعتبار أنه مختص بأزمنة مخصوصة، فيجب الإتيان بها على الوجه المشروع كالركوع والسجود، فلا يجوز تقديم السجود عليه، لا باعتبار أنه أتى به في غير وقته، بل باعتبار أنه قدمه على غير الوجه المشروع. السؤال الثالث: إذا كان موقتاً بالأشهر، كيف جاز تقديم الإحرام عليها؟ قلت: الإحرام شرط وليس من أفعال الحج، ويجوز تقديم الشرط على وقت المشروط، كتقديم الوضوء على الصلاة، وأما كراهية التقديم فلئلا يقع في المحظور بطول الزمان، لا لأنه قدم على وقت الحج. السؤال الرابع: ما فائدة الخلاف الذي بيننا وبين مالك؟ قلت: قال في " المحيط "، وفائدة هذا الخلاف تظهر في حق أفعال الحج، فإنها لا تصلح إلا فيها وفي حق المتمتع حتى لو طاف أربعة أشواط الحج والباقي فيها لا يكون متمتعاً، وفائدة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 وهذا يدل على أن المراد من قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] شهران وبعض الثالث لا كله. فإن قدم الإحرام بالحج عليها جاز إحرامه وانعقد حجا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن عنده يصير محرما بالعمرة؛ لأنه الإحرام ركن عنده، وهو شرط عندنا، فأشبه الطهارة في جواز التقديم على الوقت، ولأن الإحرام تحريم أشياء   [البناية] خلاف مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - تظهر أيضاً في تأخر طواف الحج والزيارة إلى آخر ذي الحجة. السؤال الخامس: هل للمتمتع اختصاص بقوله أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، والقارن أيضاً له أن يجمع بين النسكين في أشهر الحج. قلت: قال صاحب النهاية: وجدت رواية في " المحيط " أنه لا يشترط لصحة الفرائض ذلك، قال في البيهقي دخل جمع بين حج وعمرة، أي أحرم ثم قدم مكة وطاف لعمرته في شهر رمضان كان قارناً، ولكن لا هدي عليه. السؤال السادس: أن قوله الحج أشهر معلومات مبتدأ وخبر، فكيف يصح حمل الخبر على المبتدأ، إلا أن الحج عبارة عن الأفعال المعلومة من الوقوف والطواف وغير ذلك، والأشهر زمان فلا يجوز الوقوف والطواف والسعي ونحوها أشهر؟ قلت: قال الفراء معناه الحج في أشهر معلومات، يعني أن إحرام الحج فيها وقال أبو علي الفارسي معناه الحج حج أشهر معلومات يعني أن أفعال الحج ما وقع في أشهر الحج. وقال الزمخشري أي وقت الحج أشهر، كقولك البرد شهران. م: (وهذا) ش: أي هذا الذي قلنا من فوات الحج بمضي عشر ذي الحجة م: (يدل على أن المراد من قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] شهران وبعض الثالث لا كله) ش: لأنه لو كان وقت الحج باقياً بعد مضي العشر لم يفت الحج لأن العبادة لا تفوت مع بقاء وقته. م: (فإن قدم الإحرام بالحج عليها) ش: أي على أشهر الحج م: (جاز إحرامه وانعقد حجا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن عنده يصير محرما بالعمرة) ش: هذا قوله الجديد، وهو قول عطاء وطاووس ومجاهد، وبقولنا قال في القديم، وهو قول إبراهيم النخعي والحسن البصري وابن شبرمة والحكم، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله -. وقال داود الظاهري لا ينعقد، وهو قول جابر وعكرمة. م: (لأنه الإحرام ركن عنده) ش: فلا يجوز تقديمه على الأشهر كسائر الأركان م: (وهو شرط عندنا) ش: فيجوز تقديمه على الوقت م: (فأشبه الطهارة في جواز التقديم على الوقت) ش: فإن الوضوء للصلاة يجوز تقديمه عليها م: (ولأن الإحرام تحريم أشياء) ش: أي يستلزم تحريم أشياء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 وإيجاب أشياء، وذلك يصح في كل زمان فصار كالتقديم على المكان. قال: وإذا قدم الكوفي بعمرة في أشهر الحج، وفرغ منها وحلق أو قصر ثم اتخذ مكة أو البصرة دارا وقد حج من عامه ذلك فهو متمتع أما الأول فلأنه ترفق بنسكين في سفر واحد في أشهر الحج من غير إلمام. وأما الثاني فقيل هو بالاتفاق. وقيل هو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعندهما لا يكون متمتعا؛ لأن المتمتع من تكون عمرته ميقاتية وحجته مكية، ونسكاه هذان ميقاتيتان   [البناية] كقتل الصيد ولبس المخيط وحلق الرأس ونحو ذلك م: (وإيجاب أشياء) ش: كالرمي والسعي ونحوها م: (وذلك يصح في كل زمان) ش: ذلك إشارة إلى أن المذكور من تحريم أشياء وإيجاب أشياء م: (وصار كالتقديم على المكان) ش: أي الميقات. فإن قلت: هذا تعليل في مقابلة النص، وهو ما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المهل بالحج في غير أشهر الحج مهل بالعمرة» ، وفي ذلك دلالة على أنه ليس بشرط، بحيث لم يصح تقديمه. قلت: هذا الحديث شاذ جداً، فلا يعتمد عليه. [الحكم لو قدم الكوفي بعمرة في أشهر الحج وفرغ منها ثم أقام بمكة أو البصرة] م: (قال: وإذا قدم الكوفي بعمرة في أشهر الحج) ش: وفي أكثر النسخ قال وإذا قدم، أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " وإذا قدم لأجل عمرة في أشهر الحج م: (وفرغ منها) ش: أي من العمرة م: (أو قصر أو وحلق) ش: وحكمهما واحد، لكن اختصر التفسير، لأنه يعلم منه حكم الحلق بالطريق الأولى دون العكس. م: (ثم اتخذ مكة أو البصرة) ش: أي إذا اتخذ البصرة م: (دارا) ش: يعني أقام بها بعدما فرغ من العمرة وحلق، فاتخاذ الدار من خواص " الجامع الصغير " ولهذا سوى بن اتخاذ الدار وعدمه في " شرح الطحاوي " م: (وقد حج من عامه ذلك فهو متمتع) ش: في الوجهين المذكورين، ولم يذكر في " الجامع الصغير " فيهما خلافاً، فأشار إلى الوجه الأول بقوله: م: (وأما الأول) ش: أي الوجه الأول، وهو ما إذا حج بعدما اتخذ مكة داراً م: (فلأنه ترفق بنسكين) ش: أي بالعمرة والحج م: (في سفر واحد في أشهر الحج من غير إلمام) ش: بأهله إلماماً صحيحاً م: (وأما الثاني) ش: أي الوجه الثاني، وهو ما إذا حج بعدما اتخذ البصرة داراً م: (فقيل هو بالاتفاق) ش: لم يعلم منه أنه بالاتفاق في كونه متمتعاً أو في كونه غير متمتع، وذكر الجصاص أنه لا يكون متمتعاً على قول الكل، ذكره في " المحيط ". م: (وقيل هو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ذكره الحاكم الشهيد عن أبي عصمة سعد ابن معاذ م: (وعندهما لا يكون متمتعا) ش: هذا ذكره الطحاوي م: (لأن المتمتع من تكون عمرته ميقاتية) ش: يعني تكون من الميقات م: (وحجته مكية) ش: وهذا ليس كذلك أشار إليه بقوله م: (ونسكاه هذان ميقاتيتان) ش: لأنه بعدما جاوز الميقات حلالاً وعاد يلزمه الإحرام من الميقات فكان الملم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 وله أن السفرة الأولى قائمة ما لم يعد إلى وطنه، وقد اجتمع له نسكان فيها، فوجب دم التمتع. فإن قدم بعمرة فأفسدها. وفرغ منها وقصر أو حلق ثم اتخذ البصرة دارا ثم اعتمر في أشهر الحج وحج من عامه لم يكن متمتعا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: هو متمتع لأنه إنشاء سفر وقد ترفق فيه بنسكين، وله أنه باق على سفره ما لم يرجع إلى وطنه   [البناية] بأهله. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن السفرة الأولى قائمة ما لم يعد إلى وطنه) ش: ويروى إلى أهله الذي ابتدأ السفر منه، ألا ترى أن الرجل ينتقل من بلد على بلد، ويعد ذلك سفراً واحداً م: (وقد اجتمع له نسكان فيه) ش: أي في هذا السفر م: (فوجب دم التمتع) ش: احتياطاً، لأمر العبادة، وإنما قال فوجب دم التمتع ولم يقل فهو متمتع، لأن فائدة الخلاف تظهر في حق وجود الدم. فقال وجب دم التمتع وهو دم قربة لكونه دم شكر، ولهذا حل له التناول منه فيصار إلى إيجابه باعتبار هذه الشبهة احتياطاً، وبقي هاهنا وجهان أحدهما، هو أن يخرج من مكة ولا يتجاوز الميقات حتى يحج من عامه ذلك فهو متمتع بلا خلاف ولم يذكره المصنف، لأن حكمه يعلم من الوجه الأول، والآخر هو أن يتجاوز يخرج من مكة، ويتجاوز الميقات وعاد إلى أهله ثم حج من عامه ذلك، فهو غير متمتع، لأنه ألم بأهله إلماماً صحيحاً، ومثله لا يكون متمتعاً ولم يذكر المصنف أيضاً لكونه معلوماً مما تقدم. م: (فإن قدم بعمرة) ش: أي فإن قدم الكوفي مكة مهلاً بعمرة م: فأفسدها) ش: أي فأفسد العمرة يعني بالجماع م: (وفرغ منها) ش: يعني أتمها على فسادها م: (وقصر أو حلق) ش: فحل م: (ثم اتخذ البصرة دارا) ش: يعني خرج إليها وجعلها داراً م: (ثم اعتمر في أشهر الحج وحج من عامه لم يكن متمتعا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: هو متمتع لأنه) ش: أي لأن خروجه من البصرة م: (إنشاء سفر وقد ترفق فيه بنسكين) ش: فصار كما لو رجع إلى أهله وعاد فقضاها ذبح، فإنه يكون متمتعاً بالاتفاق، فكذا هذا. والأصل أن خروجه إلى البصرة كخروجه إلى أهله عندهما، وعند خروجه إلى البصرة بمنزلة المقام بمكة، ولو كان بمكة لا يكون متمتعاً، وليس للمكي تمتع ولا قران، لأن المتمتع من تكون عمرته ميقاتية ومكية، كذا في " المبسوط ". م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه باق على سفره) ش: أي على سفره الأول م: (ما لم يرجع إلى وطنه) ش: ولم يحصل له نسكان صحيحان في سفرة واحدة لفساد العمرة، فلم يكن متمتعاً، ولهذا لو لم يخرج من مكة أو في الميقات حتى قضاها أو حج من عامه لا تكون متمتعاً بالإجماع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 فإن كان رجع إلى أهله ثم اعتمر في أشهر الحج، وحج من عامه يكون متمتعا في قولهم جميعا؛ لأن هذا إنشاء سفر لانتهاء السفر الأول، وقد اجتمع له نسكان صحيحان فيه. ولو بقي بمكة ولم يخرج إلى البصرة حتى اعتمر في أشهر الحج وحج من عامه ذلك لا يكون متمتعا بالاتفاق؛ لأن عمرته مكية والسفر الأول انتهى بالعمرة الفاسدة، ولا تمتع لأهل مكة. ومن اعتمر في أشهر الحج وحج من عامه فأيهما أفسد مضى فيه؛ لأنه لا يمكنه الخروج عن عهدة الإحرام إلا بالأفعال وسقط دم المتعة؛ لأنه لم يترفق بأداء نسكين صحيحين في سفرة واحدة. وإذا تمتعت المرأة فضحت بشاة لم تجزها عن المتعة؛ لأنها أتت بغير الواجب، وكذا الجواب في الرجل.   [البناية] م: (فإن كان رجع إلى أهله ثم اعتمر في أشهر الحج، وحج من عامه يكون متمتعا في قولهم جميعا) ش: أي في قول أبي يوسف وأبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لأن هذا إنشاء سفر لانتهاء السفر الأول) ش: أي برجوعه إلى أهله م: (وقد اجتمع له نسكان صحيحان فيه) ش: أي في هذا السفر الذي أنشأه بعدما رجع إلى أهله. م: (ولو بقي بمكة ولم يخرج إلى البصرة، حتى اعتمر في أشهر الحج وحج من عامه لا يكون متمتعا بالاتفاق؛ لأن عمرته مكية) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] [البقرة: الآية 196] ، فكذا هذا السفر. م: (والسفر الأول انتهى بالعمرة الفاسدة، ولا تمتع لأهل مكة) ش: للآية المذكورة. م: (ومن اعتمر في أشهر الحج وحج من عامه فأيهما أفسد) ش: أي النسكين فاسد بالجماع م: (مضى فيه؛ لأنه لا يمكنه الخروج عن عهدة الإحرام إلا بالأفعال) ش: ولا بعدما انعقد صحيحاً لا طريق للخروج عنه إلا بأداء أحد النسكين كما في الإحرام المبهم م: (وسقط دم المتعة؛ لأنه لم يترفق بأداء نسكين صحيحين في سفرة واحدة) ش: لأن دم المتعة وجب شكراً، فإذا حصل العناد، صار عاصياً، فبطل ما وجب شكراً. م: (وإذا تمتعت المرأة فضحت بشاة لم تجزها عن المتعة؛ لأنها أتت بغير الواجب) ش: لأن دم المتعة واجب، والأضحية غير واجبة عليها، لأنها مسافرة، ولا أضحية على المسافر، وإنما خصت المرأة وإن كان حكم الرجل كذلك لأنها واقعة امرأة سألت أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فأجابها فحفظها أبو يوسف فأوردها أبو يوسف كذلك، كذا في " الكافي "، وقال الإمام الزاهدي العتابي إنما ذكر المرأة، لأن مثل هذا إنما نسبه على النساء، لأن الجهل فيهن غالب ولم يجزئها عن دم المتعة فإن عليها دمان سوى ما ذبحت دم المتعة الذي كان واجباً عليها، ودم آخر، لأنها قد حلت قبل الذبح م: (وكذا الجواب في الرجل) ش: يعني عن الرجل إذا تمتع فضحى شاة لم يجزئه عن دم المتعة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 وإذا حاضت المرأة عند الإحرام اغتسلت وأحرمت وصنعت كما يصنعه الحاج، غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حين حاضت بسرف ولأن الطواف في المسجد والوقوف في المفازة، وهذا الاغتسال للإحرام لا للصلاة فيكون مفيدا للنظافة. فإن حاضت بعد الوقوف وطواف الزيارة انصرفت من مكة ولا شيء عليها لترك طواف الصدر لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رخص للنساء الحيض في ترك طواف الصدر. ومن اتخذ مكة دارا فليس عليه طواف الصدر،   [البناية] [الحكم لو حاضت المرأة عند الإحرام] م: (وإذا حاضت المرأة عند الإحرام اغتسلت وأحرمت وصنعت كما يصنعه الحاج، غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حين حاضت بسرف) ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت خرجنا إلى الحج، فلما كنا بسرف حضت فدخلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا أبكي فقال " ما لك أنفست "؟ قلت: نعم، قال: " إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، اقضي ما يقضي الحاج، غير أنك لا تطوفين بالبيت حتى تطهري» . وفي لفظ مسلم «حتى تغتسلي» ، والاستدلال إنما هو بقوله: «فاقضي ما يقضي الحاج» ، وليس فيه ما يدل على الاغتسال، ولكن روى أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر بالشجرة، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بكر بأن تغتسل وتهل» . وسرف بفتح السين المهملة وكسر الراء وبالفاء، قال الأترازي: سرف اسم موضع بالمدينة. قلت: ليس كذلك، قال في " المغرب " سرف جبل في طريق المدينة، وقال ابن الأسير سرف بكسر الراء موضع من مكة على عشرة أميال، وقيل أقل وأكثر. م: (ولأن الطواف في المسجد) ش: والمرأة الحائض منهية عن دخوله م: (والوقوف في المفازة) ش: يعني الوقوف بعرفة في الصحراء وهي غير منهية عنه م: (وهذا الاغتسال للإحرام) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر بأن يقال لا فائدة في هذا الاغتسال، لأنها لا تطهر به مع قيام الحيض، فأجاب بقوله وهذا الاغتسال للإحرام، أي لأجل الإحرام م: (لا للصلاة) ش: أي لا لأجل الصلاة. م: (فيكون مفيدا. فإن حاضت بعد الوقوف) ش: بعرفة م: (وطواف الزيارة) ش: أي وبعد طواف الزيارة م: (انصرفت من مكة ولا شيء عليها لترك طواف الصدر لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «رخص للنساء الحيض في ترك طواف الصدر» ش: هذا رواه البخاري ومسلم عن طاوس «عن ابن عباس - رحمهما الله - قال أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكون آخر عهدنا بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض» وروى الترمذي والنسائي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «من حج البيت فليكن آخر عهده إلا الحيض، ورخص لهن رسول الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 لأنه على من يصدر إلا إذا اتخذها دارا بعدما حل النفر الأول فيما يروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويرويه البعض عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه وجب عليه بدخول وقته فلا يسقط عنه بنية إلا بنية الإقامة بعد ذلك، والله أعلم بالصواب.   [البناية] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وقال الترمذي حديث حسن صحيح وهذا إجماع، والنفساء كالحائض. [من اتخذ مكة دارا هل يلزمه طواف الصدر] م: (ومن اتخذ مكة دارا فليس عليه طواف الصدر، لأنه) ش: أي لأن طواف الصدر م: (على من يصدر) ش: أي على من يرجع إلى وطنه م: (إلا إذا اتخذها دارا بعدما حل النفر الأول) ش: يعني اليوم الثالث من أيام النحر، لأنه وجب بدخول وقته فلا يسقط عنه بنية الإقامة بعد ذلك كمن أصبح وهو مقيم في رمضان ثم سافر لا يحل له الفطر، وأما إذا اتخذها داراً قبل أن يحل النفر الأول، فلا يجب عليه طواف الصدر، لأنه كمقيم سافر قبل أن يصبح، فإنه يباح له الإفطار م: (فيما يروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويرويه البعض عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه وجب عليه بدخول وقته فلا يسقط بنية إلا بنية الإقامة بعد ذلك) ش: أي بعد دخول الوقت، وإنما قال فيما روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرويه البعض عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أتي بهذه العبارة لأجل الاشتباه والاختلاف في الرواية، فإن الكرخي والقدوري وصاحب " الإيضاح "، قالوا لا يسقط عنه طواف الصدر في قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يسقط إلا إذا شرع في الطواف، ولم يذكروا لمحمد قولاً. وقال الأسبيجابي وصاحب " المنظومة " وصاحب " المختلف " الخلاف بين أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - فقالوا: يسقط عنه طواف الصدر عند أبي يوسف وعن محمد رحمهما الله - أنه لا يسقط ولم يذكر لأبي حنيفة قولاً. وقال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير " معناه إذا اتخذها داراً قبل النفر الأول، فأما إذا وجد النفر فقد لزمه الطواف، فلا يبطل باختياره السكنى ولم يذكر خلافاً واحداً من أصحابنا، بل ذكر المسألة على الاتفاق. وذكر الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير " أما إذا دخل النفر الأول فقد لزمه طواف الصدر فلا يبطل باختياره السكنى، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يبطل عنه، وذكر الخلاف بين أبي يوسف وصاحبيه كما ترى، وذكر الإمام العتابي في المسألة، وقال لا يسقط باختياره هذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما يسقط ولا يلزمه ما لم يشرع فيه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 باب الجنايات وإذا تطيب المحرم فعليه الكفارة، فإن طيب عضوا كاملا فما زاد فعليه دم، وذلك مثل الرأس والساق والفخذ وما أشبه ذلك   [البناية] [باب الجنايات في الحج] م: (باب الجنايات) ش: أي هذا باب في أحكام الجنايات التي تعتري المحرمين،، وهي جمع جناية، والجناية اسم لفعل محرم شرعاً سواء حل بمال أو نفس، ولكن الفقهاء خصصوها بالفعل في النفس والأطراف. وأما الفعل في المال فسموه غصباً، والمراد هنا فعل ليس للمحرم أن يفعله، وإنما جمع لبيان أنها هاهنا أنواع. وفي " المغرب " الجناية ما يجنيه من شيء، أي تحدثه لتسميته بالمصدر من جنى عليه شيء، وهو عام إلا أنه خص ما يحرم من الفعل، وأصله من جني الثمر وهو أخذه من الشجرة. [استعمال المحرم الطيب أو الخضاب] 1 م: (وإذا تطيب المحرم فعليه الكفارة) ش: أجمل ذكر الطيب وذكر الكفارة، ثم شرع في تفصيل ذلك بقوله م: (فإن طيب عضوا كاملا فما زاد) ش: أي على العضو م: (فعليه دم) ش: أما نفس الطيب فإنه ممنوع منه بإجماع أهل العلم، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المحرم الذي وقصته راحلته: «لا تحنطوه» ، متفق عليه، وأما مقداره فهو ما ذكره من أنه إذا طيب عضواً أو أكثر منه، فإنه يجب عليه دم وهو شاة، ووجوب الشاة في جميع الوقوف على ما يأتي إن شاء الله تعالى. م: (وذلك) ش: أي العضو الكامل م: (مثل الرأس والساق والفخذ وما أشبه ذلك) ش: مثل الوجه والعضد، وفي " المحيط " يحتاج إلى معرفة الطيب وإلى معرفة ما يلزمه بالطيب بها فكل ما له رائحة طيبة مستلذة كالزعفران، والبنفسج والياسمين بكسر السين في " البدائع " كالبنفسج والورد والزنبق والبان والخيري وسائر الأدهان. وفي " المرغيناني " كالمسك والغالية والعنبر والبرد والورس والصندل والكلادي. وأما معرفة ما يلزمه بالتطيب فالتطيب على عضو كامل، وذكر الفقيه أبو جعفر أن الكثرة تعتبر في نفس الطيب لا في العضو، فإن كان كثيرا ًقدر كفين من ماء الورود وكف من الغالية والمسك بقدر ما يستكثره الناس، وإن كان في نفسه كثيراً أو كف من ماء الورد ويكون قليلاً، فالعبرة للعضو لا للطيب حتى لو طيب بالقليل عضواً كاملاً يجب به دم، وفيما دونه صدقة، وإن كان الطيب كثيراً فالعبرة للطيب لا للعضو، حتى لو طيب به ربع عضو يلزمه الدم، وفي " الذخيرة " إن كان الطيب كثيراً. وقال الإمام خواهر زادة إن كان الطيب في نفسه قليلاً، إلا أنه طيب به عضوا ًكاملاً، فهو كثير وإن كان كثيراً لا يعتبر فيه العضو نأخذ بالاحتياط، وإن مسه ولم يلتزق بيده شيء فلا شيء عليه، وإن التزق ففي الكثير دم وفي القليل صدقة. وفي " مناسك الكرماني " - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو طيب جميع أعضائه فعليه دم واحد لاتحاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 لأن الجناية تتكامل بتكامل الارتفاق، وذلك في العضو الكامل، فيترتب عليه كمال الموجب. وإن طيب أقل من عضو فعليه الصدقة لقصور الجناية. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب بقدره من الدم اعتبارا للجزء بالكل. وفي " المنتقى " أنه إذا طيب ربع العضو فعليه دم اعتبارا بالحلق، ونحن نذكر الفرق بينهما من بعد إن شاء الله تعالى. ثم واجب الدم يتأدى بالشاة في جميع المواضع إلا في موضعين نذكرهما في باب الهدي إن شاء الله تعالى.   [البناية] الجنس. ولو كان الطيب في أعضائه المتفرقة بجميع ذلك كله، فإن بلغ عضوا ًكاملاً فعليه دم وإلا صدقة وفي " النوادر " إن مس طيباً بأصبعه فأصبها كلها فعليه دم ولا يعتبر قصده ذكره في " الذخيرة " فجعل الأصبع الواحدة عضواً كبيراً. بخلاف ما ذكره في العين والأنف، وفي " النوادر " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - طيب شاربه كله أو بقدره من لحيته أو رأسه فعليه دم فجعل الشارب عضواً، وإن طيب بعض الشارب أو بقدره من اللحية فصدقة، ذكره في " المحيط "، وإن دخل بيتاً قد أجمر فعلق بثوبه رائحة فلا شيء عليه لعدم عينه، بخلاف ما لو أجمر ثوبه فإنه يجب في الكثير دم وفي القليل صدقة. م: (لأن الجناية تتكامل بتكامل الارتفاق) ش: أي الانتفاع م: (وذلك) ش: أي تكامل الارتفاق كائن م: (في العضو الكامل، فيترتب عليه كمال الموجب) ش: بفتح الجيم وهو الدم م: (وإن طيب أقل من عضو فعليه الصدقة لقصور الجناية. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب بقدره من الدم) ش: يعني ينظر كم قدره من قدر ما يوجب الدم فيكون عليه بحساب ذلك، وإن كان نصف العضو يجب عليه نصف الدم، وإن كان ربع العضو يجب عليه ربع الدم م: (اعتبارا للجزء بالكل) ش: كما في الحساب إذا اشترى شيئا ًبدينار يجب أن يكون نصفه بنصف دينار بالضرورة. م: (وفي " المنتقى " أنه إذا طيب ربع العضو فعليه دم اعتبارا بالحلق) ش: أي قياساً على حلق ربع الرأس، فإن فيه دما ًفكذلك في تطييب ربع العضو، لأن الربع يحكي حكاية الكل. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب الدم في قليله وكثيره م: (ونحن نذكر الفرق بينهما) ش: أي بين تطييب ربع العضو حيث لا يجب به الدم وبين حلق ربع الرأس واللحية حيث يجب به الدم م: (من بعد إن شاء الله تعالى) ش: أي من بعد ذلك وأشار به إلى قوله - ولنا أن حلق بعض الرأس ارتفاق كامل ... إلى آخره. م: (ثم واجب الدم) ش: أي ثم واجب الدم يتأدى بالشاة في جميع المواضع يعني في كل موضع يقال يجب الدم م: (يتأدى بالشاة في جميع المواضع) ش: أو تجب به صدقة م: (إلا في موضعين) ش: أحدهما إذا طاف طواف الزيارة جنبا ًوالآخر إذا جامع بعد الوقوف بعرفة لا تجوز فيهما إلا البدنة م: (نذكرهما) ش: أي نذكر الموضعين م: (في باب الهدي إن شاء الله تعالى) ش: وهو آخر أبواب الجنايات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 وكل صدقة في الإحرام غير مقدرة فهي نصف صاع من بر، إلا ما يجب بقتل القملة أو الجرادة، هكذا روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قال: فإن خضب رأسه بحناء فعليه دم؛ لأنه طيب، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحناء طيب»   [البناية] م: (وكل صدقة في الإحرام) ش: أي كل لفظ صدقة يذكر في باب الإحرام مثل قوله فعليه صدقة أو تجب به صدقة أو نحوها م: (غير مقدرة) ش: يجوز أن يكون مجروراً على أنها صفة صدقة، ويجوز أن يكون منصوباً على الحال أي كل صدقة نذكر حال كونها غير مقدرة شيء في النصف أو الثلث أو الربع، قوله غير مقدرة احترازاً عن المقدرة، وهي في حلق الرأس بسبب الهوام، فإن الصدقة مقدرة بثلاثة آصع من طعام م: (فهي نصف صاع من بر) ش: أي الواجب فيها نصف صاع، وهذه جملة وقعت خبراً للمبتدأ، أعني وكل صدقة. م: (إلا ما يجب بقتل القملة أو الجرادة) ش: فإن في قتلهما يتصدق بما شاء، قال في " التحفة " فهو كف من طعام، وذكر الحاكم في " الكافي " ويكره له قتل القملة وما تصدق به فهو حرمتها. وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال تمرة خير من جرادة وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى م: (هكذا روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني يتصف بما شاء في قتل القملة والجرادة، هكذا روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (قال: فإن خضب رأسه بحناء فعليه دم) ش: وفي أكثر النسخ قال: فإن خضب قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإن خضب رأسه ولحيته بالحناء فعليه دم م: (لأنه طيب) ش: أي لأن الحناء طيب. وقال مالك والشافعي - رحمهما الله - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليس بطيب ولا يلزمه شيء، وتعلقوا بما روي أن أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كن يتخضبن بالحناء وهن محرمات. قال النووي: وهو غريب رواه ابن المنذر بغير إسناد فلا يكون حجة، وذلك على أنه كان قبل إحرامهن أوضح. قلنا م: (قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحناء طيب» ش: هذا الحديث رواه البيهقي في كتاب " المعرفة " في الحج عن ابن لهيعة عن بكر بن عبد الله بن الأشج عن خولة بنت حكيم عن أمها أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تطيبي وأنت محرمة ولا تمسي الحناء فإنه طيب» ، قال البيهقي إسناده ضعيف، فإن ابن لهيعة لا يحتج به. قلت: قال أبو داود سمعت أحمد يقول ما كان يحدث بمصر إلا ابن لهيعة، وقال أحمد بن صالح كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طلاباً للعلم من سفيان، وكان عند عبد الله بن لهيعة الأصول، وعندنا الفروع، وقال مخرج الأحاديث وعزاه السروجي في " الغاية " إلى النسائي يعني عزا تخريج قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى النسائي. وروى أحمد في " مسنده " من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تعجبه الفاغية» قال الأصمعي هو نور الحناء عن أبي حنيفة الدينوري الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 وإن صار ملبدا فعليه دمان دم للتطيب ودم للتغطية. ولو خضب رأسه بالوسمة لا شيء عليه؛ لأنها ليست بطيب، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا خضب رأسه بالوسمة لأجل المعالجة من الصداع فعليه الجزاء باعتبار أنه يغلف رأسه، وهذا هو الصحيح. ثم ذكر محمد في الأصل رأسه ولحيته، واقتصر على ذكر الرأس في " الجامع الصغير " دل أن كل واحد منهما مضمون.   [البناية] في البستان الحناء من أنواع الطيب. م: (وإن صار ملبداً) ش: أي فإن صار رأس المحرم ملبدا يقال لبد المحرم رأسه إذا جعل في رأسه من الصمغ أو نحوه لئلا يتشعث في الإحرام م: (فعليه دمان دم للتطيب ودم للتغطية) ش: أي لتغطية الرأس، لأنه جنايتان فيجب دمان، وعلم من هذا أن في المسألة السابقة لم يكن رأسه ملبداً فلهذا يجب دم واحد وقال الحاكم في كافيته وإن خضبت المحرمة بدنها بالحناء فعليها دم إذا كان كثيرا فاحشاً، وإن كان قليلاً فعليها صدقة، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقوم ما يجب فيه الدم فينظر هذا القدر منه فيجعل عليه الصدقة بحساب ذلك. م: (ولو خضب رأسه بالوسمة فلا شيء عليه) ش: قال الأترازي: الوسمة بكسر السين وسكونها اسم شجرة ورقه خضاب والكسر أفصح، وكذا قال الأكمل أخذاً عن " المغرب " ولكن قال فيه ورقها خضاب يخضب يحذو حذو الحناء م: (لأنها ليست بطيب) ش: لأنها ليس لها رائحة مسلوة، وإنما تغير الشعر، وذلك ليس باستمتاع، وإنما هو زينة، وإذا خاف أن يقتل الدواب فعليه صدقة، لأنه يزيل التفث. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا خضب رأسه بالوسمة؛ لأجل المعالجة من الصداع فعليه الجزاء باعتبار أنه يغلف رأسه) ش: أي يغطي من التغطية م: (وهذا هو الصحيح) ش: أي تأويل أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالتعليق، لأن تغطية الرأس توجب الجزاء. وفي " المنتقى " إن خضب رأسه بالوسمة فعليه دم في قياس قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي قياس قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - صدقة وفيه عن الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا خضب رأسه بالوسمة يطعم مسكيناً نصف صاع، وفي " الينابيع " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - صدقة في الوسمة. م: (ثم ذكر محمد في الأصل) ش: أي " المبسوط " م: (رأسه ولحيته) ش: يعني ذكر في " المبسوط " في مسألة الحناء رأسه ولحيته كلاهما بواو العطف م: (واقتصر على ذكر الرأس) ش: بدون ذكر اللحية م: (في " الجامع الصغير " دل) ش: يعني ما ذكره في " الجامع الصغير " م: (أن كل واحد منهما) ش: أي من الرأس واللحية م: (مضمون) ش: بالدم، يعني يلزم لكل واحد منهما دم، ولا يشترط الجمع، لأنه مرتبة الجزاء في " الجامع الصغير " على الرأس، وما اشترط معه خضاب اللحية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 فإن ادهن بزيت فعليه دم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: عليه الصدقة وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا استعمله في الشعر فعليه دم لإزالة الشعث، وإن استعمله في غيره فلا شيء عليه لانعدامه. ولهما أنه من الأطعمة إلا أن فيه ارتفاقا بمعنى قتل الهوام وإزالة الشعث فكانت جناية قاصرة. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أصل الطيب، ولا يخلو عن نوع طيب ويقتل الهوام ويلين الشعر ويزيل التفث والشعث فتتكامل الجناية بهذه الجملة فيوجب الدم، وكونه مطعوما لا ينافيه كالزعفران، وهذا الخلاف في الزيت البحت والخل البحت. أما المطيب منه كالبنفسج والزنبق   [البناية] م: (فإن ادهن بزيت فعليه دم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: إنما خص الذكر بالزيت لأنه لو ادهن بشحم أو سمن لا شيء فيه، كذا في " التجريد " و " الإيضاح "، وإليه أشير في " المبسوط " م: (وقالا: عليه الصدقة) ش: ولا فرق بين الرأس وسائر البدن م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا استعمله في الشعر فعليه دم لإزالة الشعث) ش: أي الوسخ. م: (وإن استعمله في غيره) ش: أي في غير الشعر م: (فلا شيء عليه لانعدامه) ش: وبه قال مالك وأبو ثور، وفي أصح الروايتين عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يوجب الفدية استعمال الدهن، وإن كان في شعر الرأس واللحية، لأنه ليس بطيب، وفي " المحلى " كره ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن يدهن المحرم رأسه بالسمن لصداع أصابه ولم يوجب فيه شيئاً. وعن مجاهد إذا تداوى المحرم بالزيت أو السمن أو البنفسج فعليه الكفارة. م: (ولهما) ش: أي ولأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي أن الزيت م: (من الأطعمة إلا أن فيه ارتفاقا بمعنى قتل الهوام) ش: وهي جمع هامة، وهي في الأصل في الدواب ما يقتل من ذوات السموم كالعقارب والحيات، ولكن المراد بها هاهنا القمل على سبيل الاستعارة م: (وإزالة الشعث فكانت جناية قاصرة) ش: فتجب الصدقة لا الدم. م: (ولأبي حنيفة أنه) ش: أي أن الزيت م: (أصل الطيب) ش: على معنى أن الروائح تلقى فيه، فتصير غالية، والحكم يتعلق بالمعنى لا الرائحة، ولهذا لو شم المحرم الطيب أو الريحان لا شيء عليه، وإن كان يكره م: (ولا يخلو عن نوع طيب) ش: لأن فيه قليل رائحة م: (ويقتل الهوام ويلين الشعر ويزيل التفث والشعث فتتكامل الجناية بهذه الجملة فيوجب الدم) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية م: (وكونه مطعوما لا ينافيه) ش: أي كون الزيت مما يؤكل لا ينافي الطيب، وهذا جواب عن قولهما: إن الزيت من الأطعمة، قياسهما على اللحم والشحم غير مستقيم لما ذكر أنه مثل الطيب، فيكون طيباً من وجه، بخلاف الشحم واللحم م: (كالزعفران) ش: وجه التشبيه أنه مما يؤكل وهو الطيب بلا خلاف. م: (وهذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين العلماء م: (في الزيت البحت) ش: بفتح الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة وبالتاء المثناة من فوق أي الزيت المطيب، وهو الذي ألقي فيه الطيب م: (والخل البحت، أما المطيب منه كالبنفسج والزنبق) ش: بفتح الزاي وسكون النون وفتح الباء الموحدة، وقال الشراح كلهم هو دهن الياسمين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 وما أشبههما يجب باستعماله الدم بالاتفاق لأنه طيب، وهذا إذا استعمله على وجه التطيب، ولو داوى به جرحه أو شقوق رجله فلا كفارة عليه؛ لأنه ليس بطيب في نفسه إنما هو أصل الطيب أو هو طيب من وجه فيشترط استعماله على وجه التطيب، بخلاف ما إذا تداوى بالمسك وما أشبهه، وإن لبس ثوبا مخيطا أو غطى رأسه يوما كاملا فعليه دم، وإن كان أقل من ذلك فعليه صدقة، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا لبس أكثر من نصف يوم فعليه دم، وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا.   [البناية] قلت: في بلاد الشام وحلب لا يقال زنبق إلا القضبان طوال عليها شماريخ صفر، ولها رائحة طيبة، ولها منظر حسن كل قضيب قدر ذراع أو أكثر م: (وما أشبههما) ش: كدهن البان والورد م: (يجب باستعماله الدم بالاتفاق؛ لأنه طيب) ش: وعن الشافعي: البنفسج ليس بطيب وقال بعض أصحابه: إنه طيب قولا واحدا وبعضهم ليس بطيب قولا واحدا. وقال بعضهم فيه قولان. م: (وهذا) ش: أي الذي ذكر من الخلاف في ادهان الزيت من وجوب الدم أو الصدقة م: (إذا استعمله) ش: أي الدهن م: (على وجه التطيب) ش: على ما يعتاد الناس فيه م: (ولو داوى به جرحه أو شقوق رجله فلا كفارة عليه) ش: أي لا شيء عليه، وبه صرح في " المبسوط " وإنما ذكر بنفي الكفارة دون الدم لتناول الدم والصدقة م: (لأنه ليس بطيب في نفسه إنما هو أصل الطيب أو هو طيب من وجه) ش: ومطعوم من وجه م: (فيشترط استعماله على وجه التطيب) ش: يعني يشترط قصد التطيب به. م: (بخلاف ما إذا تداوى بالمسك) ش: لأنه طيب بنفسه، فلا يشترط فيه قصد التطيب به م: (وما أشبهه) ش: كالعنبر والكافور والزعفران لأنها بنفسها فيجب الدم وإن استعملت على وجه التداوي. [تغطية الرأس ولبس المخيط للمحرم] م: (وإن لبس ثوبا مخيطا) ش: أصله مخيوط، كمبيع أصله مبيوع، استثقلت الضمة على الياء فحذفت فاجتمع ساكنان، فحذفت الواو وكسرت الخاء لأجل الياء م: (أو غطى رأسه يوما كاملا فعليه دم) ش: وفي " الأسرار " و " مبسوط شيخ الإسلام " أو ليلة كاملة أو لبس اللباس كله من القميص والسراويل والعباء والخفين يوماً كاملاً فعليه دم واحد، وكذا لو دام أياما أو كان نزعه من الليل ما لم يعزم على تركه، لأن اللبس قد اتحد، كذا ذكره التمرتاشي والولوالجي م: (وإن كان أقل من ذلك) ش: أي من يوم كامل م: (فعليه صدقة) ش: لنقصان الاستعمال. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا لبس أكثر من نصف يوم فعليه دم) ش: وهذا رواه الحسن بن زياد عن أبي يوسف، وهو غير مشهور م: (وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لولا أي المروي عن أبي يوسف، وهو قول أبي حنيفة أولا) ش: أي كان يقوله أولاً ًثم رجع عنه، فقال: لا يلزمه الدم حتى يكون يوماً كاملاً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب الدم بنفس اللبس؛ لأن الارتفاق يتكامل بالاشتمال على بدنه. ولنا أن معنى الترفق مقصود من اللبس، فلا يحصل إلا بلبس ممتد فلا بد من اعتبار المدة ليتحصل على الكمال ويجب الدم، فقدر باليوم لأنه يلبس فيه ثم ينزع عادة ويتقاصر فيما دونه الجناية فتجب الصدقة، غير أن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أقام الأكثر مقام الكل. ولو ارتدى بالقميص أو اتشح به أو اتزر بالسراويل فلا بأس به؛ لأنه لم يلبسه لبس المخيط. وكذا لو أدخل منكبيه في القباء ولم يدخل يديه في الكمين خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن لبس القباء   [البناية] م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب الدم بنفس اللبس) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - م: (لأن الارتفاق) ش: أي الانتفاع م: (يتكامل بالاشتمال على بدنه) ش: أي باشتمال اللبس على بدن اللابس. م: (ولنا أن معنى الترفق مقصود من اللبس) ش: وهو رفع الحر والبرد، لأن اللبس أعد لهذا، قال تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] (النحل: الآية 81) ، م: (فلا يحصل) ش: أي اللبس بهذا المعنى م: (إلا بلبس ممتد) ش: لا يلبس ساعة م: (فلا بد من اعتبار المدة ليتحصل) ش: أي اللبس م: (على الكمال، ويجب الدم) ش: بالنصب، لأنه معطوف على قوله ليتحصل م: (فقدر) ش: أي اعتبار المدة م: (باليوم؛ لأنه يلبس فيه) ش: أي في اليوم م: (ثم ينزع) ش: في الليل م: (عادة) ش: فإن من لبس ثوباً يليق بالنهار ينزعه في الليل، وإذا لبس ثوباً يليق بالليل ينزعه بالنهار فقد حصل عند ذلك رفق كامل، فيجب دم م: (ويتقاصر فيما دونه الجناية) ش: أي دون اليوم م: (فتجب الصدقة) ش: لأن الجناية يسيرة في هذا الباب توجب الصدقة، كذا في " المبسوط ". فإن قلت: لم لا يقاس على اليمين؟ قلت: ليس الرفق مقصوداً في اليمين، لأن الحالف منع نفسه عن اللبس مطلقاً بمجرد اللبس وإن قل. م: (غير أن أبا يوسف أقام الأكثر) ش: أي أكثر النهار م: (مقام الكل) ش: لأن المرتدي يرجع إلى بيته قبل الليل، فينزع ثيابه التي يلبسها للناس، فكان اللبس أكثر اليوم ارتفاق مقصود، لكن هذا لا ينضبط، فإن أحوال رجوع الناس قبل الليل إلى بيوتهم مختلفة بعضهم يرجع في وقت الضحى وبعضهم قبله وبعضهم بعده، فكان الظاهر هو الأول. م: (ولو ارتدى بالقميص) ش: أي جعله رداء م: (أو اتشح به) ش: أي بالقميص من الاتشاح، وهو أن يدخل ثوبه تحت يده اليمنى ويلقيه على منكبه الأيسر م: (أو اتزر بالسراويل) ش: أي اشتمل به مثل ما يشتمل بالفوطة م: (فلا بأس به؛ لأنه لم يلبسه لبس المخيط) ش: أي كلبس المخيط، فيكون غير معتاد، فلا يتحقق الارتفاق م: (وكذا لو أدخل منكبيه في القباء ولم يدخل يديه في الكمين) ش: أي لا بأس به. م: (خلافا لزفر) ش: والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن لبس القباء) ش: هكذا معتاد، وفي " حاويهم " إن كان من أقبية خراسان قصير الذيل ضيق الكمين، فعليه الفدية، وإن كان من أقبية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 لأنه ما لبسه لبس القباء، ولهذا يتكلف في حفظه. والتقدير في تغطية الرأس من حيث الوقت ما بيناه، ولا خلاف أنه إذا غطى جميع رأسه يوما كاملا يجب عليه الدم؛ لأنه ممنوع منه، ولو غطى بعض رأسه فالمروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه اعتبر الربع اعتبارا بالحلق والعورة، وهذا لأن ستر البعض استمتاع مقصود يعتاده بعض الناس، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر أكثر الرأس اعتبارا للحقيقة.   [البناية] العراق طويل الذيل واسع الكمين فلا فدية عليه حين يدخل يديه في كميه، والصحيح هو الأول. م: (لأنه ما لبسه لبس القباء، ولهذا يتكلف في حفظه) ش: حتى لو زر عليه بلا إدخال يديه كان لابساً تجب الفدية. وقال الأترازي: بخلاف ما إذا زره يوماً كاملاً حيث يجب عليه الدم، لوجود الارتفاق الكامل م: (والتقدير في تغطية الرأس من حيث الوقت ما بيناه) ش: إنما أعاد هذا الكلام ليبني عليه الفروع قوله ما بيناه، وهو قوله أو غطى رأسه يوماً كاملاً. م: (ولا خلاف أنه إذا غطى جميع رأسه يوما كاملا يجب عليه الدم؛ لأنه ممنوع منه، ولو غطى بعض رأسه فالمروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه اعتبر الربع) ش: أي ربع الرأس فإنه قال: ما يتعلق بالرأس من الجناية، فالرفع فيه حكم الكل م: (اعتبارا بالحلق) ش: أي بحلق ربع الرأس يجب دم، وكذا في حلق ربع اللحية، وإن كان أقل من ربع الرأس تجب صدقة، وفي " المبسوط " إن أخذ ثلث رأسه أو ثلث لحيته، فعليه دم. عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب الدم في حلق عشر رأسه احتياطا. وفي " المبسوط " لو حلق العضو المقصود قبل أوانه يوجب الدم كالرأس والأذنين والرقبة ويجب الدم بحلق أحدهما وصبغه بالنورة، وفي " البدائع " يجب الدم في حلق الساعد والساق والفصد صدقة، وفي " المحلى " إن حلق بعض رأسه من غير ضرورة عامداً عالماً بتحريمه بطل إحرامه عند الظاهرية م: (والعورة) ش: أي واعتباراً بكشف العورة، فإن الربع فيه يقوم مقام الكل. م: (وهذا) ش: تنبيه لما أتى بعده م: (لأن ستر البعض استمتاع مقصود يعتاده بعض الناس) ش: فإن الأتراك والأكراد والعراقيين يغطون رؤوسهم بالقلانس الصغار ويقدرون ذلك ارتفاقاً كاملاً، فيجب فيه الدم. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر أكثر الرأس اعتبارا للحقيقة) ش: أي لحقيقة الكثرة، إذ حقيقتها إنما تثبت إذا قابلها أقل منها، والربع والثلث كثير حكما لا حقيقة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 وإذا حلق ربع رأسه أو ربع لحيته فصاعدا فعليه دم، فإن كان أقل من الربع فعليه صدقة، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجب إلا بحلق الكل، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب بحلق القليل اعتبارا بنبات الحرم. ولنا أن حلق بعض الرأس ارتفاق كامل؛ لأنه معتاد فتتكامل به الجناية وتتقاصر فيما دونه بخلاف تطيب ربع العضو؛ لأنه غير مقصود، وكذا حلق بعض اللحية معتاد بالعراق وأرض العرب.   [البناية] [حلق المحرم شعر رأسه أو لحيته ونحوها] م: (وإذا حلق ربع رأسه أو ربع لحيته فصاعدا فعليه دم، فإن كان أقل من الربع فعليه صدقة) ش: هذا مخالف لما ذكره السرخسي وقاضي خان وشرح الطحاوي حيث ذكر فيها على قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - إن حلق جميع الرأس واللحية، فعليه دم، وإن حلق أقل من ذلك فعليه إطعام. وذكر في " جامع المحبوبي " الصحيح ما ذكره عامة المشايخ، وهو المذكور في " الهداية ". م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب إلا بحلق الكل) ش: عملاً بظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى} [البقرة: 196] [البقرة: الآية 196] ، وأن الرأس للكل م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب بحلق القليل) ش: وهو ثلاث شعرات، وفي " شرح الوجيز " في شعرة واحدة مد من طعام وفي قول درهم، وفي قول ثلث درهم، وفي قول دم كامل م: (اعتبارا بنبات الحرم) ش: يستوي فيه قليله وكثيره، كذا في " جامع البزدوي ". م: (ولنا أن حلق بعض الرأس ارتفاق كامل؛ لأنه معتاد) ش: فإن الأتراك يحلقون أوساط رءوسهم، وبعض العلوية يحلقون نواصيهم لانتفاء الراحة والزينة وعامة العرب يمسكون رءوسهم بشعورهم، وإنما يحلقون النواصي والأقفية م: (فتتكامل به الجناية) ش: أشار إلى نفي مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وتتقاصر فيما دونه) ش: أشار إلى نفي قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي تتقاصر الجناية فيما دون الربع. م: (بخلاف تطيب ربع العضو) ش: هذا إشارة إلى بيان الفرق بين حلق الربع وبين تطيب الربع، يعني إذا حلق ربع الرأس أو ربع اللحية يجب الدم، وإذا طيب ربع الرأس أو ربع اللحية لا يجب الدم، بل تجب الصدقة على ظاهر الرواية، وإنما قلنا على ظاهر الرواية، لأنه ذكر في المنتقى أنه يجب فيه الدم. م: (لأنه) ش: أي لأن تطيب ربع العضو م: (غير مقصود) ش: لأن العادة في التطيب لسبب الاقتصار على الربع فصار العضو الكامل في الطيب كالربع في حلق الكفارة. م: (وكذا حلق بعض اللحية معتاد بالعراق) ش: أي يتعارف فإن الأكاسرة كانوا يحلقون بعض لحى شجعانهم، ومنهم من كان يحلقها كلها م: (وأرض العرب) ش: أي وكذا معتاد بأرض العرب، وإن عامة العرب يحلقون من النواصي والأقفية مقدار الربع، وكذا الأتراك يحلقون من وسط الرأس قدر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 وإن حلق الرقبة كلها فعليه دم؛ لأنه عضو مقصود بالحلق. وإن حلق الإبطين أو أحدهما فعليه دم؛ لأن كل واحد منهما عضو مقصود بالحلق لدفع الأذى ونيل الراحة، فأشبه العانة. ذكر في الإبطين الحلق هاهنا وفي الأصل النتف وهو السنة. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - لو حلق عضوا فعليه دم، وإن كان أقل فطعام أراد به الصدر أو الساق وما أشبه ذلك؛ لأنه مقصود بطريق التنور فتتكامل   [البناية] الربع به يقع ترفقهم عادة، فلحق الربع بالكل احتياطاً لإيجاب الكفارة في المناسك، فإنها مبنية على الاحتياط. م: (وإن حلق الرقبة كلها فعليه دم؛ لأنه عضو مقصود بالحلق. وإن حلق الإبطين أو أحدهما فعليه دم؛ لأن كل واحد منهما مقصود بالحلق لدفع الأذى ونيل الراحة) ش: فإن قلت: كان ينبغي في حلق الإبطين أن يجب دمان، إذ كل إبط عضو مقصود بالحلق. قلت: الأصل في جنايات المحرم إذا كانت من جنس واحد أن يجب ضمان واحد، ألا ترى أنه إذا تنور جميع بدنه يلزمه دم واحد م: (فأشبه العانة) ش: في وجوب الدم، وفي " جامع قاضي خان " إذا كان شعر العانة كثيراً، ففي حلق ربعها دم م: (ذكر في الإبطين) ش: أي ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الإبطين م: (الحلق هاهنا) ش: أي في " الجامع الصغير ". م: (وفي الأصل) ش: أي وذكر في " المبسوط " م: (النتف) ش: أي نتف الإبطين م: (وهو السنة) ش: أي نتف الإبطين هو السنة، وفي العامل بالسنة أولى، وفي الأصل أنه لا حظر في الحلق وإن كانت السنة هو النتف وفي " شرح الطحاوي " ولو حلق من أحد الإبطين أكثر وجب الصدقة، لأنه ليس له نظير في البدن، وليس لأحدهما حكم الكل. م: (وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله) ش: قيل قولهما بيان قول أبي حنيفة، لا أنه خالفهما في ذلك، وإنما خصا بالذكر، لأن الرواية محفوظة عنهما، كذا في " الكافي " م: (لو حلق عضوا فعليه دم، وإن كان أقل) ش: أي من العضو م: (فطعام) ش: أي الواجب طعام م: (أراد به) ش: أي أراد محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " بالعضو الكامل م: (الصدر أو الساق وما أشبه ذلك) . ش: نحو الساعد والعانة والإبط. قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا مخالف لما ذكر في " المبسوط " حيث ذكر فيه الأصل من حلق عضو مقصود بالحلق، فعليه دم. وإن حلق عضواً غير مقصود فعليه صدقة فيهما ليس بمقصود حلق شعر الصدر والساق، ولم يذكر الخلاف فيه م: (لأنه مقصود بطريق التنور) ش: أي باستعمال النورة، يقال تنور إذا طلى بالنورة م: (فتتكامل) ش: أي الجناية م: (بحلق كله وتتقاصر عند حلق بعضه) ش: ولهذا قالوا عبد المحرم خبز فاحترق بعض يديه في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 بحلق كله وتتقاصر عند حلق بعضه، وإن أخذ من شاربه فعليه طعام حكومة عدل، ومعناه أنه ينظر أن هذا المأخوذ لم يكن من ربع اللحية فيجب عليه الطعام بحسب ذلك، حتى ولو كان مثلا مثل ربع الربع يلزمه قيمة ربع الشاة، ولفظة الأخذ من الشارب تدل على أنه هو السنة فيه دون الحلق.   [البناية] التنور فعليه صدقة إذا عتق، لأنه جناية يسيرة، وإن طلى من غير أذى فعليه دم إذا عتق؛ لأن جنايته غليظة ولا فرق بين الحلق والنتف والتنور في وجوب الفدية عند الأئمة الأربعة. م: (وإن أخذ من شاربه فعليه طعام حكومة عدل) ش: هذا من مسائل " الجامع الصغير ". وفي " شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولو حلق شاربه فعليه صدقة، لأنه تبع اللحية، وهو قليل وقليل الشارب عضو مقصود بالحلق، فإن من عادة بعض الناس حلق الشارب دون اللحية فكان الواجب تكامل الجناية لحلقه، وأجيب بأنه مع اللحية في الحقيقة عضواً واحداً، لاتصال البعض بالبعض، فلا يجعل في حكم أعضاء متفرقة كالرأس، فإن من العلوية من عادته حلق مقدم الرأس، وذلك لا يدل على أن كله ليس بعضو واحد. م: (ومعناه) ش: أي معنى ما ذكر من حكومة العدل م: (أنه ينظر أن هذا المأخوذ لم يكن من ربع اللحية فيجب عليه الطعام بحسب ذلك، حتى ولو كان) ش: أي المأخوذ م: (مثلا مثل ربع الربع) ش: أي ربع ربع اللحية م: (يلزمه قيمة ربع الشاة) ش: فيتصدق به، وعلى هذا القياس سائر الأجزاء، وإنما قال مثلاً لأنه يجوز أن يكون ثلث الربع أو نصف الربع أو غير ذلك، ففي الأول ثلث الشاة، وفي الثالث نصف الشاة. م: (ولفظة الأخذ من الشارب) ش: يعني ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " لفظة الأخذ من الشارب م: (تدل على أنه) ش: أي أن الأخذ م: (هو السنة فيه) ش: أي في الشارب م: (دون الحلق) ش: في شرح الآثار أن الحلق سنة، وهو أحسن من القص، والقص حسن جائز، وقد بوب الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب الكراهية باب حلق الشارب، ثم ذكر أحاديث فيها لفظ قص الشارب عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الفطرة عشرة "، فذكر قص الشارب» وأخرجه أبو داود بأتم منه، ومنها عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مثله وأخرجه الجماعة ما خلا البخاري. فلفظ مسلم قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عشرة من الفطرة قص الشارب ... " الحديث.» ومنها عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «الفطرة خمس» ، ثم ذكر مثله وأخرجه مسلم. ومنها عن المغيرة بن شعبة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلاً طويل الشارب فدعاه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم دعا بسواك وشفرة فقص شارب الرجل على عود السواك» وأخرجه أبو داود وأحمد ثم قال فذهب قوم من أهل المدينة إلى هذه الآثار واختياره لقص الشارب على إحفائه، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] انتهى. قلت في شرحي الذي شرحته لكتاب الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - المسمى بشرح " معاني الآثار " أراد بالقوم هؤلاء سالماً وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وجعفر بن الزبير وعبد الله بن عبيد الله بن عتبة، وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. فإنهم قالوا المستحب هو القص لا الإحفاء، وإليه ذهب حميد بن هلال والحسن البصري ومحمد بن سيرين وعطاء بن أبي رباح وبكر بن عبد الله ونافع بن جبير وعراك بن مالك والإمام مالك، وقال عياض: ذهب كثير من السلف إلى منع الحلق والاستئصال في الشارب، وكان مالك يرى حلقه مثلة، ويأمر بتأديب فاعله، ثم قال الطحاوي وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا بل يستحب إحفاء الشارب ويراه أفضل من قصه، انتهى. قلت: أراد بهم جمهور السلف منهم أهل الكوفة ومكحول ومحمد بن عجلان ونافع مولى ابن عمر وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبو يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنهم قالوا المستحب إحفاء الشارب وهو أفضل من قصه، وروي ذلك عن عبد الله بن عمر وأبي سعيد الخدري ورافع بن خديج وسلمة بن الأكوع وجابر بن عبد الله وأبي أسيد وعبد الله بن عمر. واحتجوا في ذلك بما رواه الطحاوي من حديث ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أحفوا الشوارب وأعفوا عن اللحى» ، وأخرجه مسلم والترمذي، وبما رواه عن أنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثله، وزاد: «ولا تشبهوا باليهود» ، وأخرجه البزار في " مسنده " ولفظه: «خالفوا المجوس جزوا الشوارب وأوفوا اللحى» ، وبما رواه عن أبي هريرة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جزوا الشوارب أرخوا اللحى» ، وأخرجه مسلم. والإحفاء الاستئصال، قال الخطابي: يقال أعفى شاربه ورأسه، وقال ابن دريد حفى شاربه حفياً إذا استأصل أخذ شعره، ومنه قوله أحفوا الشوارب، وقال الجوهري الإحفاء مصدر من قولهم أحفى شاربه إذا استقصى في أخذه. قلت: أراد الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بتبويب باب الحلق الإحفاء، لأن لفظ الحلق لم يرد. والحاصل أن الإحفاء للاستئصال حتى يرى جلده، وكان ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يحفي حتى يرى جلده ويعلم من هذا كله أن الإحفاء أفضل من القص، وهو خلاف ما ذهب إليه المصنف من أن لفظ الأخذ هو السنة، لأن الإحفاء أوفى من الأخذ. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذكر الطحاوي في " شرح الآثار " أن حلقه سنة ونسب ذلك إلى العلماء الثلاثة، انتهى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 والسنة أن يقص حتى يوازي الإطار. قال وإن حلق موضع المحاجم فعليه دم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: عليه صدقة لأنه إنما يحلق لأجل الحجامة، وهي ليست من المحظورات. فكذا ما يكون وسيلة إليها، إلا أن فيه إزالة شيء من التفث فتجب الصدقة. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن حلقه مقصود لأنه لا يتوصل إلى المقصود إلا به، وقد وجد   [البناية] قلت: لم يذكر الطحاوي كذلك وإنما قال بعد روايته الأحاديث المذكورة والتوفيق بينها أن الإخفاء أفضل من القص، ثم قال نعم باب حلق الشارب. وإنما أراد بذلك الإحفاء حتى يصير كالحلق. وفي " المختار " حلقه سنة وقصه حسن. وفي " المحيط " الحلق أحسن من القص، وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه - رحمهما الله -. م: (والسنة أن يقص شاربه حتى يوازي الإطار) ش: هذا تفسير القص وهو أن يأخذ من الشارب حتى يوازي بالزاي المعجمة من الموازاة، وهي المقابلة والمواجهة والأصل فيه العمرة يقال فيه وازيته إذا حازيته. وقال الجوهري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ولا يقف وازيته وغيره أجازه على تخفيف الهمزة وثقلها، والإطار بكسر الهمزة الطرف الأعلى من الشفة العليا وفي " المغرب " إطار الشفة منتهى جلدها ولحمه استقبال من إطار المنجل والدف، وإن حلق موضع المحاجم. وفي أكثر النسخ م: (قال) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن حلق المحرم موضع المحاجم) ش: وفي بعض النسخ مواضع المحاجم وفي بعضها موضع المحجم وهي جمع محجمة بكسر الميم وهي قارورة الحجامة، ويقال لها المحجم أيضاً بكسر الميم والمحجم بفتح الميم والجيم اسم مكان الحجم ويجمع على محاجم أيضا، والمراد هو الأول. وإنما ذكرها بالجمع لاختلاف عادات الناس في مواضع الحجامة، فإن العرب يحتجمون على الرأس والفرس بين الكتفين وأهل الهدر على البطن م: (فعليه دم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الشافعي وأحمد. وقال ابن حزم وهو قول إبراهيم النخعي وعطاء وقال الحسن البصري من احتجم وهو محرم فعليه دم، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - من فعل شيئاً من ذلك، فأما دفع عن نفسه أذى فعليه الفدية. م: (وقالا: عليه صدقة لأنه) ش: أي لأن موضع الحجامة م: (إنما يحلق لأجل الحجامة، وهي ليست من المحظورات) ش: أي من محظورات الإحرام، أي ممنوعاته م: (فكذا) ش: لا يكون من المحظورات م: (ما يكون وسيلة إليها) ش: أي إلى الحجامة، لأنه وسيلة إلى الأمر المباح م: (إلا أن فيه) ش: أي غير أن في الحلق م: (إزالة شيء من التفث فتجب الصدقة) ش: لأن ليس في كل منهما ترفق ولا نيل راحة. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن حلقه) ش: أي حلق موضع المحاجم م: (مقصود لأنه لا يتوصل) ش: يسار م: (إلى المقصود) ش: وهو الحجامة م: (إلا به) ش: أي بالحلق م: (وقد وجد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 إزالة التفث عن عضو كامل فيجب الدم وإن حلق رأس محرم بأمره أو بغير أمره فعلى الحالق الصدقة، وعلى المحلوق دم. وقال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب إن كان بغير أمره بأن كان نائما؛ لأن من أصله أن الإكراه يخرج المكره من أن يكون مؤاخذا بحكم الفعل والنوم أبلغ منه، وعندنا بسبب النوم والإكراه ينتفي المأثم دون الحكم، وقد تقرر سببه، وهو ما نال من الراحة والزينة   [البناية] إزالة التفث عن عضو كامل فيجب الدم) ش: قيل لا شك أن حلق موضع المحاجم وسيلة إلى الحجامة، وما كان وسيلة إلى الشيء كيف يصح أن يكون مقصوداً، وأجيب بأنه لا ينافي كونه وسيلة أن يكون مقصوداً، ألا ترى الإيمان وسيلة لصحة جميع العبادات وهو مع هذا من أعظم المقاصد. م: (وإن حلق رأس محرم) ش: أي وإن حلق المحرم رأس محرم آخر م: (بأمره أو بغير أمره فعلى الحالق الصدقة، وعلى المحلوق دم) ش: وفي " البدائع " حلق رأس محرم أو حلال أو قلم أظافيره، وهو محرم فعليه صدقة، سواء كان نائماً، وفي " شرح الوجيز " إذا حلق حلال أو حرام المحرم بغير أمره ينظر إن كان المحرم نائماً أو مكرهاً أو مغمى عليه، ففيه قولان أصحهما أن الفدية على الحالق، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد، لأنه هو المقصود لا تقصير من جهة المحلوق، والثاني: أنها على المحلوق، وبه قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، واختاره المزني لأنه هو المرتفق به. وقد ذكر المزني أن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قد حط على هذا القول لكن الأصحاب نقلوه عن البويطي ووجدوه غير محطوط عليه، ولو حلقه بأمره فالفدية على المحلوق ولا شيء على الحالق قولاً واحداً، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - لأن فعل الحالق يضاف إليه سواء كان الحالق محرماً أو حلالاً. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب إن كان بغير أمره بأن كان نائما؛ لأن من أصله) ش: أي من أصل الشافعي م: (أن الإكراه يخرج المكره من أن يكون مؤاخذا بحكم الفعل والنوم أبلغ منه) ش: أي من الإكراه، لأن الإكراه لا بعد قصده وإلا أخذ بالفعل بالنوم بعدما نام م: (وعندنا بسبب النوم والإكراه ينتفي المأثم دون الحكم) ش: يعني ينتفي الإثم الذي هو حكم الآخرة دون الحكم الذي يتعلق بالدماء م: (وقد تقرر سببه) ش: أي سبب وجوب الفدية والواو فيه للحال م: (وهو) ش: أي السبب م: (ما نال من الراحة والزينة) ش: أي ما نال المحلوق من الزينة والراحة بزوال الشعث ومن الزينة بزوال انتشار الشعر. فإن قلت: ذكر في الديات أن في شعر الرأس دية، لأنه فوق أنه كمال، لأن وجود الشعر جمال وزينة، وجعل هاهنا فوات الزينة. قلت: شعر الرأس زينة من حيث أصل الخلقة، فكذلك تجب الدية بزواله، والمراد هاهنا من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 فيلزمه الدم حتما، بخلاف المضطر حيث يتخير؛ لأن الآفة هناك سماوية، وهاهنا من العباد، ثم لا يرجع المحلوق رأسه على الحالق؛ لأن الدم إنما لزمه بما نال من الراحة فصار كالمغرور في حق العقر، وكذا إذا كان الحالق حلالا لا يختلف الجواب في حق المحلوق رأسه، وأما الحالق فتلزمه الصدقة في مسألتنا في الوجهين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء عليه، وعلى هذا الخلاف إذا حلق المحرم رأس الحلال له   [البناية] الزينة زوال الشعث، وهو أمر عارض يزيد صفرة الوجه، فكان هذا غير زوال، فأطلق هاهنا جمالا ًوهناك زينة للفرق بينهما. م: (فيلزمه الدم حتما) ش: أي وجوباً، لأن النذر من قبل من ليس له الحق فيغلظ الحكم م: (بخلاف المضطر حيث يتخير) ش: أي بخلاف المحرم المضطر إلى حلق رأسه، فإنه إذا حلق يتخير بين الأشياء الثلاثة إن شاء ذبح شاة وإن شاء تصدق بها على ستة مساكين، وإن شاء صام ثلاثة أيام، وفيه نفي لقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإنه يقول إذا حلق المحرم غير مضطر فهو مخير بين الأشياء الثلاثة كما في حال الضرورة م: (لأن الآفة هناك) ش: أي في الاضطرار م: (سماوية) ش: أي من قبل الله عز وجل م: (وهاهنا) ش: أي في الإكراه م: (من العباد) ش: أي من قبلهم م: (ثم لا يرجع المحلوق رأسه) ش: مما وجب عليه من الدم م: (على الحالق؛ لأن الدم إنما لزمه بما نال من الراحة) ش: وهو الانتفاع م: (فصار) ش: أي المحلوق م: (كالمغرور في حق العقر) ش: حيث لا يرجع بالعقر على مائعه. صورته اشترى جارية فاستولدها، ثم استحقت يغرم قيمة الولد والعقر، ويرجع بقيمة الولد على البائع ولا يرجع بالعقر، لأن العقر بسبب ما كان من الراحة بالوطء، ولهذا قال المصنف على من رفع الساق، وكذا إذا تزوج امرأة فاستحقت لا يرجع على الذي تزوجها لأنها حرة، لأن المغرور هو الذي استوفى منافع البضع، وقال في " شرح مختصر الكرخي " - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان أبو حازم يقول يرجع، وعليه الكفارة، لأن الحالق ألجأه إلى التكفير فصار كأنه أخذ من ماله ذلك القدر فأتلفه. م: (وكذا إذا كان الحالق حلالا لا يختلف الجواب في حق المحلوق رأسه) ش: يعني إذا حلق حلال رأس محرم يجب على المحلوق الدم عندنا لحصول الارتفاق الكامل، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا لم يكن بأمره فلا شيء عليه، وفي السكون وجهان م: (وأما الحالق فتلزمه الصدقة في مسألتنا) ش: يعني فيما إذا كان المحرم حلق المحرم م: (في الوجهين) ش: أي فيما إذا كان الحالق بأمر المحلوق أو بغير أمره. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء عليه) ش: أي الحالق، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي بيننا وبين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إذا حلق المحرم رأس حلال) ش: فعندنا تجب الصدقة على الحالق، وعند الشافعي لا شيء عليه م: (له) ش: أي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 أن معنى الارتفاق لا يتحقق بحلق شعر غيره، وهو الموجب. ولنا أن إزالة ما ينمو من بدن الإنسان من محظورات الإحرام؛ لاستحقاقه الأمان بمنزلة نبات الحرم، فلا يفترق الحال بين شعره وشعر غيره إلا أن كمال الجناية في شعره. فإن أخذ من شارب حلال أو قلم أظافيره أطعم ما شاء   [البناية] للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن معنى الارتفاق لا يتحقق بحلق شعر غيره، وهو الموجب) ش: بكسر الجيم، أي الموجب للدم هو الارتفاق، ولا يحصل الارتفاق للشخص بحلق شعر غيره. م: (ولنا أن إزالة ما ينمو من بدن الإنسان من محظورات الإحرام لاستحقاقه الأمان) ش: أي لاستحقاق ما ينمو من الأمان بمنزلة بيان الحرم. قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا يقتضي أن الحلال إذا حلق رأس حلال في الحرم أن يجب على الحالق الجزاء كما في قطع نبات الحرم ولكن ما وجدت رواية له بل وجدت رواية أنه لا يجب شيء، قيل لا يقتضي لأن شعر الحلال في الحرم لا يصير م: (بمنزلة نبات الحرم) ش: وإنما يصير بالإحرام فلا يلزمه هذا م: (فلا يفترق الحال بين شعره وشعر غيره) ش: أي بين حلق شعر نفسه وبين حلق شعر غيره، لأن الأمان يزول في الصورتين. م: (إلا أن كمال الجناية في شعره) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر بأن يقال لم يفترق الحال بين الصورتين ينبغي أن يجب عليه الدم في حلق شعر غيره، فأجاب بأن كمال الجناية في حلق شعر نفسه لوجود العين إزالة الأمن والارتفاق الكامل ولهذا يجب الدم بخلاف شعر غيره، قلت: فإن حلقه هو الارتفاق الكامل من الراحة والزينة للحالق بل له نوع ارتفاق بأن بدر مع الداري ينفقه، ولهذا وجبت الصدقة لقصور الجناية. م: (فإن أخذ من شارب حلال) ش: وفي بعض النسخ فإن حلق من شارب حلال، وكذا في نسخة الأترازي وقال وهذه من مسائل " الجامع الصغير " وقد نص في " شرحه " فخر الإسلام البزدوي عن محمد عن يعقوب عن محمد عن أبي حنيفة في المحرم يأخذ من شارب الحلال أو يقص من أظفاره قال يطعم شيئاً.. إلى آخره. وقد قال المصنف بلفظ أحمد تبعاً للفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أو قلم) ش: بالتشديد. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن التفضيل للتكثير ما في الفعل كما في حول وطوف، وإما في الفاعل كما في موت الإبل، وإما في المفعول كما في غلقت الأبواب وما نحن فيه من قبيل الثالث انتهى. قلت: ليس التعليل هاهنا بمعنى ما ذكره ولا معنى من معاني هذه الثلاثة، وإنما فعل بالتشديد هاهنا للتعدية كما في قولك فرحته ولقن ابن الحاجب إن فعل بالتشديد يجيء للتعدية، ثم ذكر المقال المذكور م: (أظافيره) ش: جمع أظفار وهو جمع ظفر، وهو من جموع القلة م: (أطعم ما شاء) ش: في لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " يطعم شيئاً، وفي لفظ النسفي في " الكنز " وفي أخذ شارب حلال وقلم أظفاره طعام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 والوجه فيه ما بينا ولا يعرى عن نوع ارتفاق؛ لأن يتأذى بتفث غيره، فإن كان أقل من التأذي بتفث نفسه فيلزمه الطعام، وإن قص أظافير يديه ورجليه فعليه دم؛ لأنه من المحظورات لما فيه من قضاء التفث وإزالة ما ينمو من بدن الإنسان، فإذا قلمها كلها فهو ارتفاق كامل فيلزمه الدم، ولا يزاد على دم إن حصل في مجلس واحد؛ لأن الجناية من نوع واحد   [البناية] قال الشارح أي صدقة بطعام كالفطرة. وقال الأترازي عبارته مشككة جداً، ثم قال ملخصه إنه إن أراد بقوله أطعم ما شاء العموم، يعني قليلاً أو كثيراً كيفما شاء، فلا يجوز لأنه صرح في " شرح الكرخي " بإيجاب الصدقة نصاً عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قلم المحرم أظافير الحلال، وإن أراد الخصوص بإرادة التصديق فنصف صاع من حنطة فلا يجوز أيضاً، لأن إزالة تفث غيره أدنى من إزالة تفث نفسه، انتهى. قلت: لا اعتراض على محمد أيضاً، لأن معنى قوله يطعم شيئاً من الصدقة، وكذا قول المصنف أطعم ما شاء وهو في معنى ما ذكره محمد ولا اعتراض على محمد أيضاً ولا معنى لقوله يطعم شيئا من الصدقة لأن الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - نص في إيجاب الصدقة كما ذكرنا، وبين شارح " الكنز " الصدقة بقوله أي صدقة بطعام كالفطرة كما ذكرنا. م: (والوجه فيه ما بينا) ش: يعني قوله - إن إزالة ما ينمو من بدن الإنسان من محظورات الإحرام - إلى أن قال - فلا يفترق بين شعره وشعر غيره - م: (ولا يعرى عن نوع ارتفاق) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله لا يجب شيء على المحرم إذا حلق رأس الحلال، لأنه قاسه على ما إذا لبس غيره مخيطاً في عدم ارتفاقه، فكما لا يجب في إلباس غيره شيء، فكذلك هاهنا ورد عليه المصنف بقوله ولا يعرى أي المحرم عن نوع ارتفاق وبين ذلك بقوله م: (لأن يتأذى) ش: أي لأن المحرم الذي حلق للحلال أو أخذ من شاربه أو أظافير يتأذى م: (بتفث غيره، فإن كان أقل من التأذي بتفث نفسه فيلزمه الطعام) ش: أي بأن الصدقة بالطعام كالفطرة كما ذكرنا. م: (وإن قص) ش: أي المحرم م: (أظافير يديه ورجليه فعليه) ش: أي وأظافر رجليه أراد به قص أظافيره كلها من اليدين والرجلين م: (فعليه دم لأنه) ش: أي لأن قصه هذا م: (من المحظورات) ش: أي من ممنوعات المحرم م: (لما فيه) ش: أي لما في القص المذكور م: (من قضاء التفث) ش: أي من إزالة الوسخ م: (وإزالة ما ينمو من بدن الإنسان، فإذا قلمها كلها) ش: أي كل الأظافير من اليدين والرجلين م: (فهو ارتفاق كامل فيلزمه الدم) ش: لأن قص الأظفار لا يجوز للمحرم، وقال عطاء يجوز ولا خلاف فيه عند الأئمة الأربعة م: (ولا يزاد على دم) ش: أي على دم واحد م: (إن حصل في مجلس واحد لأن الجناية من نوع واحد) ش: أي قص الأظافير الارتفاق من حيث القص، وهو شيء واحد، وبه قال حماد ومالك والشافعي وأحمد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 فإن كان في مجالس فكذلك عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن مبناها على التداخل فأشبه كفارة الفطر إلا إذا تخللت الكفارة لارتفاع الأولى بالتكفير. وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - يجب أربعة دماء إن قلم في كل مجلس يدا أو رجلا؛ لأن الغالب فيه معنى العبادة فيتقيد التداخل باتحاد المجلس كما في آي السجدة. وإن قص يدا أو رجلا فعليه دم، إقامة للربع مقام الكل كما في الحلق، وإن كان قص أقل من خمسة أظافير فعليه صدقة، معناه تجب بكل ظفر صدقة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب الدم بقص ثلاثة منها، وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأول استحسانا؛ لأن في أظافير اليد الواحدة دما، والثلاثة أكثرها.   [البناية] م: (فإن كان) ش: أي قص الأظافير كلها م: (في مجالس فكذلك) ش: أي يجب دم واحد م: (عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن مبناها) ش: أي مبنى هذه الكفارة م: (على التداخل) ش: إذا اتحد الجنس م: (فأشبه كفارة الفطر) ش: إذا أفطر في أيام رمضان، فإنه تكفيه كفارة واحدة، وكما تتداخل الكفارة أيضاً إذا ترك الجماع في أيام النحر كلها، وخرج عن هذا سجدة التلاوة، لأنها ليست بكفارة عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا وجدت أفعال متفرقة من جنس واحد في مجلس واحد أو مجلس من غير تكفير، ففي تداخل الكفارة قولان في مثل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وحكي عن مالك كذلك وفي قول مثل قولهما. م: (إلا إذا تخللت الكفارة) ش: يعني إن كفر للأولى تجب كفارة أخرى للثانية م: (لارتفاع الأولى) ش: أي الجناية الأولى م: (بالتكفير) ش: فتصير الثانية جناية مبتدأة م: (وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - يجب أربعة دماء إن قلم في كل مجلس يدا أو رجلا؛ لأن الغالب فيه) ش: أي في هذا التكفير م: (معنى العبادة) ش: بدليل أن كفارات الإحرام تجب على المعذورات كالمكره والجاهل والناسي تجب عليه ولا تجب العقوبات، بخلاف كفارات الفطر، فإنها لا تجب على المعذور م: (فيتقيد التداخل باتحاد المجلس) ش: يعني لا يكون التداخل إلا إذا اتحد المجلس لأن لاتحاد المجلس تأثيرا ًفي عدم المتفرقات، وإذا اختلفت المجالس يترجح جانب اختلاف المجالس م: (كما في آي السجدة) ش: إذا تكررت في مجلس واحد تجب سجدة واحدة، فإن كانت في مجالس مختلفة فعليه لكل واحدة سجدة. م: (وإن قص يدا أو رجلا) ش: أي وإن قص المحرم أظافير رجل واحدة م: (فعليه دم، إقامة للربع مقام الكل كما في الحلق) ش: أي كما إذا حلق ربع رأسه فإنه يجب عليه دم، لأن الربع يحكي حكاية الكل م: (وإن قص أقل من خمسة أظافير فعليه صدقة، معناه) ش: أي معنى قول القدوري في قص الأقل من الخمسة بقوله فعليه صدقة هو أنه م: (تجب بكل ظفر صدقة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب الدم بقص ثلاثة منها، وهو) ش: أي قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأول استحساناً؛ لأن في أظافير اليد الواحدة دما، والثلاثة) ش: أي الأظافير الثلاثة م: (أكثرها) ش: أي أكثر الأظافير من اليد والرجل، لأن حكم الأكثر حكم الكل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 وجه المذكور في الكتاب أن أظافير كف واحد أقل ما يجب الدم بقلمه، وقد أقمناها مقام الكل، فلا يقام أكثرها مقام كلها؛ لأنها تؤدي إلى ما لا يتناهى. وإن قص خمسة أظافير متفرقة من يديه ورجليه فعليه صدقة عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه دم اعتبارا بما لو قصها من كف واحد، وبما إذا حلق ربع الرأس من مواضع متفرقة. ولهما أن كمال الجناية بنيل الراحة والزينة وبالقلم على هذا الوجه يتأذى ويشينه ذلك، بخلاف الحلق،   [البناية] م: (وجه المذكور في الكتاب) ش: أي القدوري وأراد بالذكر وجوب الصدقة لكل ظفر م: (أن أظافير كف واحد أقل ما يجب الدم بقلمه) ش: باتفاق م: (وقد أقمناها مقام الكل) ش: الواو فيه للحال أي والحال إزالة قد أقمنا أقل ما يجب الدم بقلمه مقام الكل م: (فلا يقام أكثرها) ش: أي أكثر اليد الواحدة م: (مقام كلها؛ لأنها تؤدي إلى ما لا يتناهى) ش: أي إلى ما لا يتعسر اعتباره. وفي " الكافي " المراد من عدم التناهي العسر لا المذكور في أصول الدين في وجود ما لا يتحرى، لأنه لو كان وجوب الدم باعتبار الأكثر لكان يجب دم أو الصدقة في عشر الأصبع، لأن العشر أكثر بالنسبة إلى نصف العشر، وفي العشر لا يجب بالإجماع. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيانه أن بيان المؤدي ما لا يتناهى إن أوجبنا الدم في خمسة أصابع اليد الواحدة أو الرجل الواحدة لحصول الارتفاق الكامل بقص الربع، لأن مجموع الأصابع عشرون والخمسة ربع ذلك، ثم إذا أوجبنا الدم في ثلاثة أصابع إقامة للأكثر مقام الكل يلزمه اعتبار ذلك فيما دون الثلاثة، لأن الأصبعين أكثر الثلاثة فيلزم أن يجب فيهما دم أيضاً، لأنها نصف الأصبعين وما يقابله، فليس بكثير، ويكون كثيراً فيلزم حينئذ بالأكثر في كل أصبع بلا نهاية، فلا يجوز للزوم خرق الإجماع من ذلك فافهم. م: (وإن قص خمسة أظافير متفرقة من يديه ورجليه فعليه صدقة عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه دم) ش: هذه من مسائل القدوري. قوله - متفرقة - بالجر صفة المعدود كما في قَوْله تَعَالَى: {سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} [يوسف: 43] [يوسف: الآية 43] ، م: (اعتبارا بما لو قصها من كف واحد) ش: لأن الخمسة ربع الأصابع فصار قصها متفرقة كقصها من يد واحدة أو من رجل واحدة م: (وبما إذا حلق ربع الرأس من مواضع متفرقة) ش: أي واعتباراً أيضاً بما إذا حلق ربع رأسه من جوانب مختلفة فإنه يضم بعضه إلى بعض كما في النجاسة في مواضع متفرقة. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن كمال الجناية بنيل الراحة والزينة وبالقلم على هذا الوجه) ش: أي على وجه التفرق م: (يتأذى به) ش: لاختلاف ما ينتفع به م: (ويشينه) ش: أي يريد في المنظر مكروهاً وهو من الشنو، وهو العين، يقال شانه يشينه شيناً، والشين هاهنا من حيث إن البخل لا يكون نقص البغض. وفي " المبسوط " أنه لا يحسن في النظر، فيزداد له شغل القلب م: (ذلك، بخلاف الحلق) ش: كأنه جواب عما يقال من جهة محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 لأنه معتاد على ما مر. وإذا تقاصرت الجناية تجب فيها الصدقة فيجب بقلم كل ظفر طعام مسكين، وكذلك لو قلم أكثر من خمسة متفرقا إلا أن يبلغ ذلك دما فحينئذ ينقص عنه أو عن الطعام ما شاء. قال: وإن انكسر ظفر المحرم فتعلق فأخذه فلا شيء عليه؛ لأنه لا ينمو بعد الانكسار فأشبه اليابس من شجر الحرم. وإن تطيب أو لبس مخيطا أو حلق من عذر فهو مخير إن شاء ذبح شاة، وإن شاء تصدق على ستة مساكين بثلاثة أصوع من الطعام، وإن شاء صام ثلاثة أيام لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196)   [البناية] ينبغي أن يكون كذلك في الحلق من جوانب الرأس، فأجاب بقوله م: (لأنه) ش: أي لأن الحلق على هذا الوجه م: (معتاد على ما مر) ش: في أن الأتراك والعرب يفعلون ذلك، لأنه معتاد عندهم، وقص البعض دون البعض ليس بمعتاد فافترقا. م: (وإذا تقاصرت الجناية تجب فيها الصدقة) ش: بمقدارها م: (فيجب بقلم كل ظفر طعام مسكين) ش: وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ظفرين فدية، وقال ابن القاسم في الواحد، وفي الموازية لا شيء في الواحد، إلا أن يميط به أذى، وقال أشهب: يطعم مسكيناً، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أوجب الفدية في الثلاثة، وفيما دونها مداً لكل ظفر. م: (وكذلك لو قلم أكثر من خمسة متفرقا) ش: يعني، وكذا الحكم لكل ظفر طعام مسكين عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - دم إذا قص أكثر من خمسة أصابع متفرقاً وانتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف، أي قلماً متفرقاً يعني من الأطراف، وليس من عضو واحد م: (إلا أن يبلغ ذلك) ش: أي الطعام م: (دما) ش: أي تبلغ قيمة الطعام الذي وجب لأجل قص الأصابع المتفرقة دماً م: (فحينئذ ينقص عنه) ش: أي عن الدم م: (أو عن الطعام ما شاء) ش: حتى لو قص ستة عشر ظفراً من كل عضو أربعة فعليه لكل ظفر طعام مسكين، إلا أن يبلغ ذلك طعاماً فينقص منه ما شاء. وفي " شرح المجمع " واختلفوا في كيفية النقصان عن الدم كيلا يبلغ الواجب، وما قيل ينقص من صاع أو نصفه شيء حتى ينقص منه الواجب عن الدم، والأصح أن ينظرا على أصوع من الشعير أو التمر، فإن لم يبلغ ذلك وما إذا أخرج فيكون الواجب أنقص من الدم، وتكون الصدقة بمقدار مقدر شرعاً، وكذا في نصف صاع من بر. م: (قال: وإن انكسر ظفر المحرم وتعلق فأخذه فلا شيء عليه؛ لأنه لا ينمو بعد الانكسار فأشبه اليابس من شجر الحرم) ش: حيث يجب عليه إذا قلعه، وكذلك الشعر المقطوع. وقال ابن المنذر في " الإشراق " أجمع أهل العلم أن له أن يزيل عن نفسه ما كان منكسراً منه كابن عباس وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومجاهد وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري ومالك والحميدي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور. م: وإن تطيب) ش: أي المحرم م: أو لبس مخيطا أو حلق من عذر) ش: أي من أجل عذر. م: (فهو مخير إن شاء ذبح وإن شاء تصدق على ستة مساكين بثلاثة أصوع من الطعام وإن شاء صام ثلاثة أيام لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196)) ش: أول الآية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 وكلمة "أو" للتخيير، وقد فسرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما ذكرنا، والآية نزلت في المعذور ثم الصوم يجزئه في أي موضع شاء؛ لأنه عبادة في كل مكان، وكذلك الصدقة عندنا لما بينا. وأما النسك فيختص بالحرم بالاتفاق؛ لأن الإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان أو مكان   [البناية] قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] قوله: {أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] وهو القمل أو الجراحة، فعليه إذا حلق فدية من صيام ثلاثة أيام أو صدقة على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من بر أو نسك، وهو شاة، والنسك مصدر، وقيل جمع منسكة. م: (وكلمة "أو" للتخيير) ش: فيدل على أن الذي يحلق بعذر بين هذه الأشياء الثلاثة م: (وقد فسرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي الآية قَوْله تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) ، أطلق على بعض الآية أنه من قبيل ذكر الجزء وإرادة الكل م: (بما ذكرنا، والآية نزلت في المعذور) ش: وهو كعب بن عجرة بضم العين المهملة، وسكون الجيم ابن أمية بن عدي يكنى أبا محمد؛ شهد بيعة الرضوان مات سنة ثلاثة وخمسين بالمدينة وله خمس وسبعون سنة. وأخرج الأئمة الستة حديثه عنه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر به وهو بالحديبية قبل أن يدخل مكة وهو محرم يوقد تحت قدرة ناراً والقمل يتهافت على وجهه، فقال: " أيؤذيك هوامك هذه؟ " قال: " نعم، قال: " فاحلق رأسك وأطعم فرقاً بين ستة مساكين "، والفرق ثلاثة أصوع " أو صم ثلاثة أيام أو نسك شاة» . وأخرج البخاري ومسلم أيضاً «عن عبيد الله بن مغفل حدثنا، قال حدثني كعب بن عجرة أنه خرج مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محرماً فقمل رأسه ولحيته فبلغ ذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأرسل إليه فدعى الحلاق فحلق رأسه، ثم قال: " هل عندك نسك "، قال ما أقدر عليه فأمره أن يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين صاع، فأنزل الله فيه خاصة {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] ثم كانت للمسلمين عامة» وقد فسرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقدره بالصوم ستة أيام إلا لما يقدر الطعام ستة مساكين كان القياس أن يكون الصوم ستة أيام. م: (ثم الصوم يجزئه في أي موضع شاء) ش: هذا بالاتفاق بين الأئمة الأربعة م: (لأنه) ش: أي لأن الصوم م: (عبادة في كل مكان) ش: فلا يتقيد بمكان معين م: (وكذلك الصدقة عندنا) ش: خلافاً للشافعي فإنه يقول الطعام لا يجزئه إلا في الحرم، وبه قال أحمد م: (لما بينا) ش: هو أنه عبادة في كل مكان م: (وأما النسك) ش: وهو ذبح الشاة م: (فيختص بالحرم بالاتفاق) ش: أي بيننا وبين الشافعي. م: (لأن الإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان) ش: كالأضحية م: (أو مكان) ش: كجميع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 وهذا الدم لا يختص بزمان فتعين اختصاصه بالمكان. ولو اختار الطعام أجزأه، فيه التغذية والتعشية عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا بكفارة اليمين، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجزئه؛ لأن الصدقة تنبئ عن التمليك وهو المذكور.   [البناية] الهدايا م: (وهذا الدم لا يختص بزمان فتعين اختصاصه بالمكان) ش: وهو الحرم. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا ذبحها في الحرم وفرق لحمها في الحل جاز كقولنا. وقال الحسن البصري كل دم واجب فليس له أن يذبحه إلا بمكة، وعند الظاهرية تجوز الثلاثة في أي موضع شاء، ومثله عن مجاهد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإن هلك المذبوح أو سرق سقط لتعيينه كالزكاة، وفيه خلاف الشافعي. م: (ولو اختار) ش: الحالق المعذور م: (الطعام أجزأه فيه التغذية والتعشية عند أبي يوسف اعتبارا بكفارة اليمين) ش: ذكر في القرآن بلفظ الإطعام وهو يفيد الإباحة، واعتبر أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لفظ الطعام في الحديث حيث قال أطعم مساكين. م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجزئه؛ لأن الصدقة تنبئ عن التمليك) ش: أي الصدقة المذكورة في قَوْله تَعَالَى {أَوْ صَدَقَةٍ} [البقرة: 196] تنبئ عن التمليك م: (وهو المذكور) ش: في الآية المذكورة، وإنما ذكر الضمير بالنظر إلى الخبر كما في قَوْله تَعَالَى الإطعام لا الصدقة، قال عز وجل {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] قيل لا تدل الصدقة على التمليك، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نفقة الرجل على أهله صدقة» ، ولا تمليك هاهنا، فإنما هو الإباحة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 فصل وإن نظر إلى فرج امرأته بشهوة فأمنى لا شيء عليه؛ لأن المحرم هو الجماع ولم يوجد، فصار كما لو تفكر فأمنى. . وإن قبل أو لمس بشهوة فعليه دم، وفي " الجامع الصغير "، يقول: إذا مس بشهوة فأمنى، ولا فرق بينهما إذا أنزل أو لم ينزل ذكره، في الأصل   [البناية] [فصل في النظر والمباشرة للمحرم] م: (فصل) ش: أي هذا فصل مهماً فصل ينون، ومهماً وصل لا ينون، لأن الإعراب لا يكون إلا بالتركيب. 1 - م: (وإن نظر إلى فرج امرأته بشهوة فأمنى لا شيء عليه) ش: يعني سوى الغسل، وإنما قال امرأته وإن كان الحكم في غير امرأته كذلك إلا أن النظر إلى فرج الأجنبية حرام، ولا يظن بالمسلم ارتكاب الحرام، فراعى الأدب وقال امرأته. وأراد بالفرج موضع البكارة، ولا يمكن النظر إليها إلا إذا كان سكينة، أما النظر إلى ظاهر الفرج فليس بشيء كذا في " الكافي " م: (لأن المحرم عليه هو الجماع ولم يوجد) ش: لأن الجماع هو قضاء الشهوة على سبيل الاجتماع صورة ومعنى. أما الصورة فهو الإيلاج، أما معنى فهو الإنزال ولم يوجد ذلك م: (فصار كما لو تفكر فأمنى) ش: فإنه لا يجب عليه شيء، وكذا لو أطال النظر أو تكرر منه، وعن عطاء لو أطال النظر فأمنى يفسد حجه، ولو دفع فعليه بدنة عند الحسن البصري والحج من قابل، وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي " المغني " لو نظر فصرف بصره فعليه شاة عند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإن كرر فعليه بدنة وحجة تامة عند الأئمة الثلاثة. وقال الأوزاعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الإنزال فيما دون الفرج يفسد الحج، وقال عبد الله بن الحسن: إذا لمس فأنزل بطل حجه. م: (وإن قبل أو لمس بشهوة فعليه دم) ش: سواء أنزل أو لم ينزل على رواية الأصل كما يذكر م: (وفي " الجامع الصغير "، يقول: إذا مس بشهوة فأمنى) ش: إنما ذكر لفظ " الجامع الصغير " لأنه شرط الإنزال حيث قال فأمنى أي أنزل ولم يشترط القدوري ذلك، كما اشترط في الأصل حيث قال والمس والتقبيل من شهوة والجماع فيما دون الفرج أنزل أو لم ينزل لم يفسد الإحرام، ولكنه يوجب الدم م: (ولا فرق بين ما إذا أنزل أو لم ينزل ذكره، في الأصل) ش: أي ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الفرق بين الإنزال وعدم الإنزال في المس والتقبيل من شهوة في الأصل، وهو في " المبسوط ". وذكر في " شرح الطحاوي " والكرخي كما في الأصل، وفي " شرح المهذب " للنووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحرم اللمس بشهوة والقبلة والمباشرة فيما دون الفرج بشهوة، ولا يفسد بذلك حجة أنزل أو لم ينزل، ولا تجب بدونه فدية الحلق، وأما اللمس والقبلة بغير شهوة فلا يحرم، ولا شيء عليه بلا خلاف، وغلطوا إمام الحرمين والعراقي فيه حيث اعتبراه ينقض الوضوء في الحرمة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 وكذا الجواب في الجماع فيما دون الفرج. وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إنما يفسد إحرامه في جميع ذلك إذا أنزل واعتبره بالصوم. ولنا أن فساد الحج يتعلق بالجماع، ولهذا لا يفسد بسائر المحظورات، وهذا ليس بجماع مقصود فلا يتعلق به ما يتعلق بالجماع إلا أن فيه معنى الاستمتاع والارتفاق بالمرأة وذلك محظور الإحرام فيلزمه الدم بخلاف الصوم؛ لأن المحرم فيه قضاء الشهوة، ولا يحصل بدون الإنزال فيما دون الفرج.   [البناية] م: (وكذا الجواب في الجماع فيما دون الفرج) ش: أي تجب الشاة، ولا يفسد به الإحرام أنزل أو لم ينزل، والجماع فيما دون الفرج هو الإدخال بين الفخذ والسرة، فإن الفرج يراد به القبل والدبر م: (وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إنما يفسد إحرامه في جميع ذلك) ش: ذلك إشارة إلى اللمس بشهوة والتقبيل بشهوة والجماع فيما دون الفرج، يعني يفسد إحرامه عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه الصور الثلاث إذا وجد الإنزال، وهو معنى قوله م: (إذا أنزل واعتبره بالصوم) ش: فإن الصوم إنما يفسد بهذه الأشياء إذا أنزل، لأنه مواقعة معنى، وقال السروجي: ولا أصل له، يعني نسبة هذه الرواية إلى الشافعي غير صحيحة، لأن إحرامه لا يفسد في شيء من ذلك من الذي تقدم، إنما قال ذلك عقيب نقله ما ذكرناه الآن من " شرح المهذب " وفي متن " المغني " لأصحابنا لمس امرأته بشهوة قبل الوقوف فأمنى فسد حجه، وكذا إذا لم يمن في رواية وهو شاذ ضعيف، وفي " المنافع " يعني بالفساد النقصان الفاحش لا البطلان، وقال ابن المنذر أجمع أهل العلم أن الحج لا يفسد إلا بالجماع. م: (ولنا أن فساد الحج يتعلق بالجماع) ش: أي على وجه التغليظ م: (ولهذا لا يفسد بسائر المحظورات) ش: أي لتعلق فساد الحج بالجماع لا يفسد الحج بسائر ممنوعات الإحرام من قبيل التقبيل ولبس المخيط واستعمال الطيب ونحوها م: (وهذا) ش: أي اللمس والتقبيل بلا إنزال م: (ليس بجماع مقصود) ش: لأن الجماع المقصود هو الإيلاج م: (فلا يتعلق به ما يتعلق بالجماع) ش: المقصود من الفساد م: (إلا أن فيه) ش: أي في المس والتقبيل م: (معنى الاستمتاع والارتفاق بالمرأة) ش: أي الانتفاع بها م: (وذلك محظور الإحرام فيلزمه الدم) ش: لما تقدم أن دواعي الجماع ملحقة به فيلزمه الدم، أي ذبح الشاة. م: (بخلاف الصوم) ش: هذا جواب عن اعتبار الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالصوم تقديره هو قوله م: (لأن المحرم فيه) ش: أي في الصوم م: (قضاء الشهوة، ولا يحصل بدون الإنزال فيما دون الفرج) ش: أي الاستعمال بين الفخذين لا اليدين، لأنه يحصل فيه قضاء الشهوة بدون الإنزال وقال القدوري في " شرح مختصر الكرخي " الوطء في الموضع المكروه لا يفسد الحج في إحدى الروايتين عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه وطء في موضع لا يتعلق وجوب المهر بحال، فلا يتعلق به فساد الحج، كالوطء فيما دون الفرج، ويفسد الحج في الرواية الأخرى، لأنه وطء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 وإن جامع في أحد السبيلين قبل الوقوف بعرفة فسد حجه، وعليه شاة، ويمضي في الحج كما يمضي من لم يفسده، وعليه القضاء والأصل فيه ما روي «أن رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سئل عمن واقع امرأته وهما محرمان بالحج، قال: يريقان دما ويمضيان في حجتهما وعليهما الحج من قابل» وهكذا نقل عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -   [البناية] يوجب الاغتسال من غير إنزال، فصار كالوطء في الفرج وهي قولهما. [بطلان الحج بالجماع قبل الوقوف بعرفة] [كفارة من أفسد حجه بالجماع] م: (وإن جامع في أحد السبيلين قبل الوقوف بعرفة فسد حجه) ش: وفسد حج المرأة أيضاً سواء كانت مطاوعة أو مكرهة م: (وعليه شاة، ويمضي في الحج كما يمضي من لم يفسد حجه) ش: وكذا عليها، ويجزئ شرك بقرة أو جزور، وقال الشافعي ومالك وأحمد عليه بدنة على ما يجيء الآن في " الجامع الصغير " يعتبر غيبوبة الحشفة، وكذلك لو استدخلت ذكر حمار أو ذكراً مقطوعاً فسد حجها بالإجماع، ولو لف ذكره بخرقة ثم أدخله إن وجد حرارة الفرج واللذة يفسد، وإلا فلا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول. وفي أصح قوليه يفسد به مطلقاً سواء وجد حرارة الفرج واللذة أو لا. م: (والأصل فيه ما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عمن واقع امرأته وهما محرمان بالحج، قال: يريقان دما ويمضيان في حجتهما وعليهما الحج من قابل» ش: هذا رواه أبو داود في المراسيل، حدثنا أبو توبة حدثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير أنبأنا يزيد بن نعيم أو زيد بن نعيم شك أبو توبة «أن رجلاً من خذام جامع امرأته وهما محرمان فسأل الرجل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " اقضيا نسككما واهديا هدياً» ، رواه البيهقي، وقال: إنه منقطع، وهو يزيد بن نعيم بلا شك، وقال صاحب " الجوهر النقي " في الرد على البيهقي: إنه يزيد بلا شك. وروى أحمد بن حنبل - رَحِمَهُ اللَّهُ - حدثنا إسماعيل بن أيوب عن غيلان بن جرير أنه سمع علياً الأزدي قال سألت ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رجل وامرأة من عمان أقبلا حاجين فقضيا المناسك حتى لم يبق عليهما إلا الإفاضة وقع عليها، فسألت ابن عمر فقال ليحجا عاماً قابلاً، قوله - وهما محرمان - الواو فيه للحال قوله - يريقان دماً - أي يريق كل واحد منهما دماً. م: (وهكذا نقل عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: يعني هكذا نقل الحكم المذكور قبله فيمن جامع قبل الوقوف عن جماعة من الصحابة، روى مالك في الموطأ أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبا هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - سألوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم بالحج، فقالوا ينفذان بوجوههما حتى يقضيا حجهما، ثم عليهما حج في قابل والهدي وقال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإذا أهلا بالحج من عام قابل قعدوا حتى يقضيا حجهما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب بدنة اعتبارا بما لو جامع بعد الوقوف، والحجة عليه إطلاق ما روينا، ولأن القضاء لما وجب عليه ولا يجب إلا لاستدراك المصلحة معنى الجناية، فيكتفي بالشاة، بخلاف ما بعد الوقوف لأنه لا قضاء عليه. ثم سوى بين السبيلين. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن في غير القبل منهما، لا يفسد لتقاصر معنى الوطء، وكان عنه روايتان. وليس عليه أن يفارق امرأته في قضاء ما أفسداه عندنا، خلافا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا خرجا من بيتهما.   [البناية] م: (وقال الشافعي: تجب بدنة اعتبارا بالجماع بعد الوقوف) ش: وبه قال مالك وأحمد م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إطلاق ما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يريقان دماً» ، وذكر الدم مطلقاً، ولم يقيده بشيء، فتناول الشاة، لأنه متيقن. فإن قلت: المطلق ينصرف إلى الكامل وهو البدنة. قلت: ينصرف إلى الكامل في الماهية مع حصول التيقن به، والشاة كامل فتجزئه، وعن عطاء يفسد حجه ويستغفر الله تعالى. وعن سعيد بن جبير أربع روايات الأولى شاة، والثانية بقرة، والثالثة يفسد حجه، والرابعة لا شيء عليه فيستغفر الله تعالى. م: (ولأن القضاء لما وجب عليه) ش: أي على هذا المجامع، وهذه الجملة معترضة بين لما وجوابه، وهو قوله - حقاً - م: (ولا يجب إلا لاستدراك المصلحة حين معنى الجناية) ش: الفائتة بالقضاء لكون الجماع قبل الوقوف للقضاء م: (فيكتفي بالشاة، بخلاف ما بعد الوقوف) ش: أي بخلاف الجماع بعد الوقوف بعرفات م: (لأنه لا قضاء عليه) ش: فتجب البدنة، فتغلظ الجناية وعدم حقها لعدم القضاء م: (ثم سوى بين السبيلين) ش: أي سوى القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - بين السبيلين القبل والدبر في فساد الحج بالجماع. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن في غير القبل منهما) ش: أي من السبيلين م: (وقيل) ش: أي من الرجل والمرأة م: (لا يفسد) ش: أي الحج م: (لتقاصر معنى الوطء) ش: حتى لا يجب الحد عنده، وقد مر الكلام فيه عن قريب م: (وكان عنه) ش: أي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (روايتان) ش: الأولى أنه لا يفسد حجه قال في " شرح الطحاوي ": لو جامعها في الدبر فعلى قياس قول أبي حنيفة لا يفسد حجه وعمرته، كما قال في " الخزانة " لا يجب، الثانية: أنه يفسد، روى الكرخي عنه أنه تجب الكفارة في رمضان وجعلها كالجماع في الفرج م: (وليس عليه) ش: أي على هذا الرجل الذي جامع م: (أن يفارق امرأته في قضاء ما أفسداه) ش: أي الزوجين ما أفسداه بالجماع. م: (عندنا، خلافا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا خرجا من بيتهما) ش: يعني إذا أراد قضاء الحج الفساد بالجماع من عام قابل يفرقان عند مالك من حين خروجهما من بيتهما، قال هاهنا وفي " شرح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 ولزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا أحرما، وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا انتهيا إلى المكان الذي جامعها فيه. لهم أنهما يتذاكران ذلك فيقعان في المواقعة فيفترقان. ولنا أن الجامع وهو النكاح بينهما قائم فلا معنى للافتراق قبل الإحرام لإباحة الوقاع، ولا بعده؛ لأنهما يتذاكران ما لحقهما من المشقة الشديدة بسبب لذة يسيرة فيزدادان ندما وتحرزا فلا معنى للافتراق.   [البناية] الوجيز " وتتمتهم أن قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يفترقان إذا أحرما كما هو مذهب زفر، ويحتمل أن يكون عنه روايتان. وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وما ذكر عن مالك لا أصل له. قلت: فيه ما فيه، لأنه لم يطلع على كتب المالكية كلها، وذكر في " المبسوط " وغيره أن مالكاً في هذا موضع زفر. م: (ولزفر: إذا أحرما) ش: أي وخلافاً لزفر، فإن عنده يفترقان، إذا أحرما م: (وللشافعي) ش: أي وخلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (إذا انتهيا إلى المكان الذي جامعها فيه) ش: فعنده يفترقان إذا أتيا المكان الذي جامعا فيه، وبه قال أحمد وذكر ابن المنذر قول أحمد مع زفر، وبقول الشافعي قال إسحاق. وفي " المحيط " و " المبسوط " و " الأسبيجابي " يستحب الافتراق عند خوف المعاودة، وقال سند: والافتراق مستحب كقول الشافعي خلافاً للحنابلة، قال ولو كان واجباً لوجب به دم كسائر واجبات الحج. وقال النووي: يستحب وفي القديم يجب. فإن قلت: روي عن عمر وعلي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم قالوا يفترقان وقولهم حجة. قلت: إنما يكون حجة إذا نفر من العصر ولم يوجد الخلاف، وقد روي عن الحسن وعطاء مثل قولنا، وهما قد أدركا عصر الصحابة فيكون خلافاً معتبراً فلا ينعقد الإجماع. م: (له) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل لمالك والأول أولى لأنه أقرب، وفي بعض النسخ لهم، أي لزفر ومالك والشافعي، وهو الأصح؛ لأنه ذكره دليلاً هو أوقع لأقوالهم م: (أنهما) ش: أي أن الزوجين م: (يتذاكران ذلك) ش: أي الجماع الذي وقع في المكان الذي أتياه م: (فيقعان في المواقعة) ش: أي في المجامعة م: (فيفترقان) ش: حتى لا يقعا فيما وقعا أولا ً. م: (ولنا أن الجامع وهو النكاح بينهما قائم فلا معنى للافتراق قبل الإحرام) ش: لقيام النكاح، والافتراق ليس بنسك في الأداء، فلا يكون نسكاً في القضاء م: (لإباحة الوقاع) ش: أي الجماع وهو متعلق بقوله قبل الإحرام م: (ولا بعده) ش: أي ولا بعد الإحرام م: (لأنهما يتذاكران ما لحقهما من المشقة الشديدة) ش: وهي السفرة الثانية للقضاء م: (بسبب لذة يسيرة) ش: وهو الجماع الذي يقتضي في ساعة م: (فيزدادان ندما وتحرزا فلا معنى للافتراق) ش: فلا يقبل الأمر به. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 ومن جامع بعد الوقوف بعرفة لم يفسد حجه، وعليه بدنة. خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا جامع قبل الرمي لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من وقف بعرفة فقد تم حجه» وإنما تجب البدنة لقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أو لأنه أعلى أنواع الارتفاق فيتغلظ موجبه. وإن جامع بعد الحلق فعليه شاة لبقاء إحرامه في حق النساء دون لبس المخيط، وما أشبهه فخفت الجناية فاكتفى بالشاة. .   [البناية] [حكم من جامع بعد الوقوف بعرفة] م: (ومن جامع بعد الوقوف بعرفة لم يفسد حجه، وعليه بدنة. خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا جامع قبل الرمي) ش: فإن عنده إذا جامع قبل الرمي يفسد حجه، والمراد بالرمي رمي جمرة العقبة وبعد الرمي لا يفسد، لأنه عنده محلل، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من وقف بعرفة فقد تم حجه» ش: هذا دليل لنا، وليس للشافعي، وأخرج أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم من «حديث عبد الرحمن بن معمر شهدت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو واقف بعرفات وأتاه ناس من أهل نجد فقالوا يا رسول الله كيف الحج، قال: عرفة من جاء قبل الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه» لفظ أحمد. وفي رواية لأبي داود: «من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج» . وفي رواية للدارقطني والبيهقي: «الحج عرفة» . م: (وإنما تجب البدنة لقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: هذا جواب عما يقال إذا لم يفسد الحج بالجماع بعد الوقوف لكونه أثر الغفران، فكان ينبغي أن لا يجب شيء بعد تمامه لا يقبل الجناية فلا يقتضي جزاء، وتقدير الجواب أن وجوب البدنة لقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وهو ما رواه مالك في " الموطأ " عن ابن الزبير المكي عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه سئل عن رجل واقع وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة م: (أو لأنه) ش: أي أو لأن الجماع م: (أعلى أنواع الارتفاق فيتغلظ موجبه) ش: بفتح الجيم لوجوب التطابق بين الموجب بمقتضى الحكم. وقال الأكمل قيل إنما ذكر بكلمة أو ليكون أثر ابن عباس هذا غير مشهور، فأتى بها ليكون متمسكاً بأحدهما، قال وفيه نظر؛ لأن المطلوب إثبات الوجوب وهو ثبت بخبر الواحد، ولا يتوقف على الاشتهار، انتهى. قلت: إن لم يتوقف على الاشتهار يتوقف على صحة طريقه فإذا اشتهر ثبت صحة الفرض فضلاً عن ثبوت الواجب. م: (وإن جامع بعد الحلق فعليه شاة لبقاء إحرامه في حق النساء دون لبس المخيط، وما أشبهه فخفت الجناية فاكتفى بالشاة) ش: وفي " المنافع " وإن جامع بعد الحلق هكذا وقع في عامة النسخ، وفي بعض النسخ قبل الحلق فإن كانت الرواية قبل الحلق فلأنه محرم بعد الوقوف، وإن كانت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 ومن جامع في العمرة قبل أن يطوف أربعة أشواط فسدت عمرته فيمضي فيها ويقضيها وعليه شاة. ومن جامع بعدما طاف أربعة أشواط أو أكثر فعليه شاة ولا تفسد عمرته وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تفسد في الوجهين وعليه بدنة اعتبارا بالحج، إذ هي فرض عنده كالحج. ولنا أنها سنة فكانت أحط رتبة عنه فتجب الشاة فيها والبدنة في الحج إظهارا للتفاوت. ومن جامع ناسيا كان كمن جامع متعمدا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جماع الناسي غير مفسد للحج   [البناية] الرواية بعد الحلق فلأنه محرم في حق النساء، وفي المسعودي إن جامع قبل الحلق بعد الوقوف قبل الطواف لم يفسد حجه، وعليه بدنة، وإن جامع بعده فعليه شاة مع البدنة. [حكم من جامع في العمرة قبل تمامها] م: (ومن جامع في العمرة قبل أن يطوف أربعة أشواط فسدت عمرته فيمضي فيها) ش: يعني لكمالها م: (ويقضيها وعليه شاة. وإذا جامع بعدما طاف. أربعة أشواط أو أكثر فعليه شاة ولا تفسد عمرته) ش: وكذا بعد السعي قبل الحلق لبقاء إحرام العمرة، ذكره في " المحيط " ووجوب الشاة بالوطء في العمرة قول عطاء والثوري وإسحاق وابن المنذر وأجمعوا على أنه لو وطأ قبل الطواف فسدت عمرته، فإن وطأ قبل الحلق فعليه دم، وهو قول ابن عباس والثوري، واختاره ابن المنذر، وقال أحمد وأبو ثور وعليه هدي، وقال مالك والشافعي عليه بدنة. م: (وقال الشافعي: تفسد في الوجهين) ش: أي تفسد عمرته سواء كان الجماع قبل أربعة أشواط أو لا م: (وعليه بدنة اعتبارا بالحج) ش: أي قياساً على الحج م: (إذ هي) ش: أي العمرة م: (فرض عنده) ش: أي عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كالحج) ش: أي كفرضية الحج. م: (ولنا أنها) ش: أي أن العمرة م: (سنة فكانت أحط البدنة عنه) ش: أي عن الحج م: (فتجب الشاة فيها) ش: أي في العمرة م: (والبدنة) ش: أي تجب البدنة م: (في الحج إظهارا للتفاوت) ش: بينهما، والدليل على سنية العمرة ما رواه جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن العمرة أهي واجبة قال: " لا وأن تعتمر خير لك» . [حكم من جامع ناسيا في الحج] م: (ومن جامع ناسيا كان كمن جامع متعمدا) ش: أي في حق إفساد الحج والإحرام لا في حق الإثم، وبه قال مالك والشافعي في القديم، واختاره المزني، وفي الجديد لا يفسد بالنسيان إلا أن يعلم، وفيه دم عليه، وذكر المصنف خلافه بقوله م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جماع الناسي غير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 وكذا الخلاف في جماع النائمة والمكرهة. هو يقول: الحظر ينعدم بهذه العوارض فلم يقع الفعل جناية. ولنا أن الفساد باعتبار معنى الارتفاق في الإحرام ارتفاقا مخصوصا، وهذا لا ينعدم بهذه العوارض، والحج ليس في معنى الصوم؛ لأن حالات الإحرام مذكرة بمنزلة حالات الصلاة بخلاف الصوم، والله أعلم.   [البناية] مفسد للحج) ش: ولم يبين أنه قوله الجديد ولا ذكر إلا أن يعلم فيه دم عليه م: (وكذا الخلاف في جماع النائمة والمكرهة) ش: يعني أن جماعها قبل الوقوف بعرفات يفسد الحج عندنا، خلافاً للشافعي، وكذا الخلاف في غير النائمة بالتحريم. وقال ابن أبي هريرة - رَحِمَهُ اللَّهُ - من أصحاب الشافعي: ولا خلاف بالفساد في المكرهة، لأن إكراه الرجل على الوطء ممتنع. م: (هو يقول) ش: أي الشافعي يقول م: (الحظر ينعدم بهذه العوارض) ش: أي بالنسيان والنوم والإكراه م: (فلم يقع الفعل جناية) ش: فلا يفسد. م: (ولنا أن الفساد باعتبار معنى الارتفاق في الإحرام ارتفاقا مخصوصا) ش: هو الارتفاق بالجماع والفساد متعلق به بعين الجماع م: (وهذا) ش: أي هذا الارتفاق المخصوص م: (لا ينعدم بهذه العوارض) ش: لإرادة أن أثر هذه العوارض في انعدام المأثم لا في انعدام أصل الفعل، ولهذا يلزم الاغتسال مع وجود هذه العوارض، وتثبت به حرمة المصاهرة ويستوي فيه الصغير والكبير والعاقل والمجنون، كذا في " المبسوط "، والنوم لا ينافي الجماع، ألا ترى أن النائم يحتلم، ويمكن أن تصل اللذة إليه ولم يعلم. م: (والحج ليس في معنى الصوم) ش: هذا جواب عن اعتبار الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالصوم وتقديره أن يقال قياس الحج على الصوم غير صحيح م: (لأن حالات الإحرام) ش: أي هيئاته م: (مذكرة بمنزلة حالات الصلاة) ش: وهي الانتقال من القيام إلى الركوع ومن الركوع إلى السجود، ومن السجود إلى القعود، وعلى غير ذلك من الهيئات م: (بخلاف الصوم) ش: لأنه أمر مبطن لا يطلع عليه أحد وليس عند الصائم أيضاً ما يذكره في غالب الأوقات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 فصل ومن طاف طواف القدوم محدثا فعليه صدقة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعتد به لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطواف صلاة، إلا أن الله تعالى أباح فيه النطق» ، فتكون الطهارة من شرطه. ولنا قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] (الحج: الآية 29) ، من غير قيد الطهارة فلم تكن فرضا ثم قيل: هي سنة، والأصح أنها واجبة لأنه يجب بتركها الجابر؛ ولأن الخبر يوجب العمل فيثبت به الوجوب،   [البناية] [فصل فيمن طاف طواف القدوم محدثا] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في مسائل فصله عن المسائل التي قبله فلأجل المغايرة بينهما ذكر لفظ فصل. م: (ومن طاف طواف القدوم محدثا) ش: أي حال كونه محدثاً م: (فعليه صدقة) ش: كل موضع وجبت فيه صدقة فهي نصف صاع من بر أو صاع من شعير أو صاع من تمر إلا ما يجب بقتل جرادة أو قمل، أو بإزالة شعرات قليلة من رأسه أو عضو من أعضائه، فإن فيه يتصدق بما شاء م: (وقال الشافعي: لا يعتد به) ش: أي لا يعتد بطواف المحدث ولا ينجبر بالدم ونحوه م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «الطواف صلاة، إلا أن الله تعالى أباح فيه النطق» ش: هذا الحديث تقدم في باب الإحرام، والمصنف استدل به هاهنا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على أن الطهارة شرط لصحة الطواف، وبقوله قال مالك وأحمد قوله أباح فيه النطق بالإجماع، أي الكلام م: (فتكون الطهارة من شرطه) ش: أي من شرط الطواف، فلا يصح بدونها كالصلاة. م: (ولنا قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] (الحج: الآية 29) ، من غير قيد الطهارة فلم تكن فرضا) ش: وجه الاستدلال أن الله تعالى أمر بالطواف وهو الدوران حول الكعبة من غير الطهارة، فلم يكن فرضاً وجه التشبيه في أنه صلاة كمالاً لا حقيقة فهو اقتضاء، ولا عموم للمقتضى عندنا، فثبت كونه صلاة في حق تعلق الجواز والبيت، كما في الصلاة وأما الاستثناء فدل كلام مبتدأ، كأنه، قال ولكن أبيح فيه الكلام لإزالة إشكال الحرمة ألا ترى أنه أبيح فيه المشي والانحراف عن البيت، بخلاف الصلاة، مع أن يحيى بن معين ضعف الحديث، وقال: إنه منقطع. م: (ثم قيل: هي سنة) ش: القائل بأن الطهارة في الطواف سنة ابن شجاع م: (والأصح أنها واجبة) ش: وهو قول أبي بكر الرازي م: (لأنه يجب بتركها الجابر) ش: فلو لم تكن الطهارة واجبة لما وجب الجابر بتركها م: (ولأن الخبر يوجب العمل فيثبت به الوجوب) ش: أي وجوب الطهارة م: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 فإذا شرع في هذا الطواف وهو سنة، يصير واجبا بالشروع ويدخله نقص بترك الطهارة فيجبر بالصدقة إظهارا لدنو رتبته عن الواجب بإيجاب الله وهو طواف الزيارة، وكذا الحكم في كل طواف هو تطوع. ولو طاف طواف الزيارة محدثا فعليه شاة لأنه أدخل النقص في الركن فكان أفحش من الأول فينجبر بالدم، وإن كان جنبا فعليه بدنة، كذا روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ ولأن الجنابة أغلظ من الحدث   [البناية] (فإذا شرع في هذا الطواف) ش: أي طواف القدوم، هذا جواب عن سؤال مقدر، بأن يقال لما كان أصل هذا الطواف سنة وتركه لا يوجب دماً على ما ذكر في " شرح الطحاوي " ويوجب صدقة على ما ذكر في " الإيضاح " ينبغي أن لا يجب في الحدث شيء لأنه يؤدي للتسوية بين تركه وبين الإتيان به محدثاً. فأجاب بقوله " فإذا شرع في هذا الطواف " م: (وهو سنة) ش: أي والحال أنه سنة م: (يصير واجبا بالشروع) ش: فإذا وجب بالشروع الملزم فيلزمه م: (ويدخله نقص بترك الطهارة فيجبر بالصدقة إظهارا) ش: أي لأجل الإظهار م: (لدنو رتبته) ش: أي لقرب رتبة طواف القدوم م: (عن الواجب بإيجاب الله، وهو طواف الزيارة) ش: وهاهنا سؤالان. الأول: أن دخول النقص بترك الطهارة على تقدير كونها سنة في جبر النزاع فلا يوجد في الدليل؟ والجواب أن ترك السنة يوجب نقصاً أو ينجبر بالكفارة، إلا ترى أن من أفاض من عرفات قبل الإمام وجب عليه دم، وقال: لأنه ترك سنة الدفع. الثاني: أنه منقوض بالصلاة النافلة، فإنها إذا دخلها نقص ينجبر بسجدتي السهو ولم يظهر دنو رتبة النفل عن رتبة الفرض فيها فليكن هاهنا أيضاً كذلك، والجواب أن الشارع جعل الجابر في الصلاة نوعاً واحداً فلا يصار إلى غيره، وفي الحج جعله متنوعاً قد يكون بالدم وقد يكون بالفدية وقد يكون بالصدقة ما أمكن المصير إلى ما تبين منه رتبة النفل عن الفرض، وهذا كله على رواية القدوري التي اختارها المصنف، وأما على ما ذكره الطحاوي وشيخ الإسلام أنه إذا طاف طواف التحية محدثاً فلا شيء عليه، لأنه لو تركه أصلاً لم يجب عليه شيء، فكذا إذا أتى به محدثاً فلا يحتاج إلى شيء من هذه الكلمات. م: (وكذا الحكم في كل طواف هو تطوع) ش: أي المذكور في طواف القدوم، روي الحكم في كل طواف هو تطوع، وعن بعض مشايخ العراق يلزمه الدم م: (ولو طاف طواف الزيارة محدثا فعليه شاة لأنه أدخل النقص في الركن) ش: لأن طواف الزيارة ركن م: (فكان) ش: أي النقص م: (أفحش من الأول) ش: أي من النقص الذي يدخل في الواجب م: (فينجبر بالدم) ش: لأن الدم على حسب الموجب م: (وإن كان) ش: حال كونه م: (جنبا فعليه بدنة، كذا روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: هذا غريب عن ابن عباس م: (ولأن الجنابة أغلظ من الحدث) ش: وهو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 فيجب جبر نقصانها بالبدنة إظهارا للتفاوت، وكذا إذا طاف أكثره جنبا أو محدثا، لأن أكثر الشيء له حكم كله. والأفضل أن يعيد الطواف ما دام بمكة ولا ذبح عليه، وفي بعض النسخ: وعليه أن يعيده، والأصح أنه يؤمر بالإعادة في الحدث استحبابا، وفي الجنابة إيجابا لفحش النقصان بسبب الجنابة وقصوره بسبب الحدث. ثم إذا أعاده وقد طافه محدثا لا ذبح عليه وإن   [البناية] الجنابة م: (فيجب جبر نقصانها بالبدنة إظهارا للتفاوت) ش: بين الجنابتين. م: (وكذا إذا طاف أكثره) ش: أي أكثر طواف الزيارة م: (جنبا أو محدثا، لأن أكثر الشيء له حكم كله) ش: أي تركاً وتحصيلاً. وفي " مبسوط شيخ الإسلام " إذا كان للأكثر حكم الكل في الحج، لأن الشرع أقامه مقام الكل في وقوع الأمن عن الغفران احتياطاً أو صيانة أو تخفيفاً ببيانه أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: " من «وقف بعرفة فقد تم حجه» وكذا لا يفسد بالجماع بعد الرمي بالإجماع، ولو حلق أكثر الرأس كان محللاً، ولما كان هذا الأمر على هذا الوجه اليسير جرينا على هذا الأصل فأقمنا الأكثر مقام الكل في باب التحلل وما يجري مجراه صيانة للحج عن الفوات كما أن الطواف أحد سببي التحلل كالحلق. م: (والأفضل أن يعيد الطواف ما دام بمكة) ش: وجه ذلك أن فيه تحصيل الخير بما هو من جنسه وكان أفضل م: (ولا ذبح عليه) ش: بناء على أن الطواف الأول وإن كان بغير طهارة يعتد به، وإلا لزم الدم على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالتأخير، فإذا كان معتداً به بنقصان، وقد أعاده ولم تبق إلا شبهة النقصان، وهي نقصان الطواف بالحدث وهي لا يوجب شيئاً م: (وفي بعض النسخ) ش: أي وفي بعض نسخ القدوري. وقال الكاكي: أي نسخ " المبسوط "، وما ذكرناه هو الصحيح م: (وعليه أن يعيده) ش: أي الطواف وهو يدل على وجوب الإعادة والنسخة التي فيها الأفضل أن يعيد الطواف بمكة يدل على الاستحباب لا الوجوب، فهذه على ما إذا كان الطواف مع الحدث وتلك تحمل على ما إذا كان مع الجنابة، لأن النقص في الحدث [ .... ] وفي الجنابة. م: (والأصح أنه يؤمر بالإعادة في الحدث استحبابا، وفي الجنابة إيجابا لفحش النقصان بسبب الجنابة وقصوره بسبب الحدث. ثم إذا أعاده وقد طاف) ش: أي والحال أنه قد طاف م: (محدثا لا ذبح عليه) ش: وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا سهو من صاحب " الهداية " - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن تأخير النسك عن وقته يوجب الدم عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فكيف لا يكون عليه الذبح إذا أعاد طواف الزيارة بعد أيام النحر قد حصل تأخير النسك عن وقته على أن الرواية في كتب من فقه منه بخلاف ذلك، وبهذا صرح في " شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا أعاد طواف الزيارة بعد أيام النحر يجب عليه الدم لتأخيره سواء كان إعادته بسبب الحدث أو بسبب الجنابة، انتهى. قلت: يحتمل أنه مشى هنا على مذهب الصاحبين فلا وجه لنسبة صاحب " الهداية " إلى السهو م: (وإن أعاده بعد أيام النحر) ش: واصل بما قبله فلا يحتاج إلى جواب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 أعاده بعد أيام النحر؛ لأن بعد الإعادة لا تبقى إلا شبهة النقصان، وإن أعاده وقد طاف جنبا في أيام النحر فلا شيء عليه لأنه أعاده في وقته، وإن أعاده بعد أيام النحر لزمه الدم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالتأخير على ما عرف من مذهبه. ولو رجع إلى أهله وقد طافه جنبا عليه أن يعود؛ لأن النقص كثير فيؤمر بالعود استدراكا له ويعود بإحرام جديد. وإن لم يعد وبعث بدنة أجزأه لما بينا أنه جابر له، إلا أن الأفضل هو العود. ولو رجع إلى أهله وقد طافه محدثا إن عاد وطاف جاز، وإن بعث بالشاة فهو أفضل لأنه خف معنى النقصان وفيه نفع للفقراء، ولو لم يطف طواف الزيارة أصلا حتى رجع إلى أهله فعليه أن يعود بذلك الإحرام لانعدام التحلل منه وهو محرم عن النساء أبدا حتى يطوف. ومن طاف طواف الصدر محدثا فعليه صدقة لأنه دون طواف الزيارة، وإن كان واجبا   [البناية] م: (لأن بعد الإعادة لا تبقى إلا شبهة النقصان) ، ش: أي بسبب التأخير لا حقيقة التأخير، لأنه أداه لكن بالحدث، فيكون تأخيراً بطريق التهمة، لأن النقصان عدم من وجه أو بعض العدم، كذا في " الكافي ". م: (وإن أعاده وقد طاف جنبا) ش: أي والحال أنه قد طاف حال كونه جنباً م: (في أيام النحر فلا شيء عليه لأنه أعاده في وقته، وإن أعاده بعد أيام النحر لزمه الدم عند أبي حنيفة بالتأخير على ما عرف من مذهبه) ش: أي بتأخيره النسك عن أيامه يجب الدم عنده. واختلف المشايخ في أن المعتبر طوافه الأول أم الثاني. قال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المعتبر هو الأول، والثاني جبر له. وقال أبو بكر الرازي: المعتبر هو الثاني وهو الأصح، ورجح في " الإيضاح " قول الكرخي، وهو أقرب إلى الفقه. م: (ولو رجع إلى أهله وقد طاف جنبا) ش: أي والحال أنه قد طاف جنباً م: (عليه أن يعود؛ لأن النقص كثير فيؤمر بالعود استدراكا له) ش: أي تداركاً لما فاته من المصلحة م: (ويعود بإحرام جديد) ش: لكن هذا إذا جاوز الميقات، أما إذا لم يجاوزه فلا حاجة إلى إحرام جديد م: (وإن لم يعد وبعث بدنة أجزأه لما بينا أنه جابر له) ش: ولأن فيه حق معنى النقصان، وفيه نفع للفقراء أيضاً م: (إلا أن الأفضل هو العود) ش: استثناء من قوله وإن لم يعد وبعث بدنة أجزأه يعني لكن الأفضل أن يعود، لأن استدراك الشيء بجنسه، وهو الطواف أولى من استدراكه بغير جنسه، وهو الفدية. م: (ولو رجع إلى أهله وقد طاف محدثا إن عاد وطاف جاز، وإن بعث بالشاة فهو أفضل لأنه خف معنى النقصان وفيه نفع للفقراء، ولو لم يطف طواف الزيارة أصلا حتى رجع إلى أهله فعليه أن يعود بذلك الإحرام لانعدام التحلل منه وهو محرم عن النساء أبدا حتى يطوف. ومن طاف طواف الصدر محدثا فعليه صدقة لأنه دون طواف الزيارة، وإن كان واجباً) ش: كلمة إن واصلة بما قبلها، أي وإن كان طواف الصدر واجباً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 فلا بد من إظهار التفاوت. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه تجب شاة، إلا أن الأول أصح. ولو طاف جنبا فعليه شاة، لأنه نقص كثير، ثم هو دون طواف الزيارة فيكتفي بالشاة. ومن ترك من طواف الزيارة ثلاثة أشواط فما دونها، فعليه شاة لأن النقصان بترك الأقل يسير فأشبه النقصان بسبب الحدث، فتلزمه شاة فلو رجع إلى أهله أجزأه أن لا يعود ويبعث شاة لما بينا. ومن ترك أربعة أشواط بقي محرما أبدا حتى يطوفها   [البناية] م: (ولا بد من إظهار التفاوت) ش: بين الفرض والواجب يعني إذا طاف طواف الزيارة أو أكثره محدثاً تجب الشاة فينبغي أن تلزم الصدقة إذا طاف طواف الصدر أو أكثره محدثاً إظهاراً للتفاوت، وإلا تلزم التسوية بين الفرض والواجب فلا يجوز. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه تجب شاة) ش: أي فيما إذا طاف طواف الصدر محدثاً، وهو رواية الكرخي م: (إلا أن الأول أصح) ش: أي وجوب الصدقة أصح، وهو رواية القدوري م: (ولو طاف) ش: أي طواف الصدر م: (جنبا فعليه شاة، لأنه نقص كثير، ثم هو) ش: أي طواف الصدر م: (دون طواف الزيارة فيكتفي بالشاة) ش: أي إذا أدى من طواف الزيارة فيجب في طواف الزيارة جنباً بدنة بعيراً أو بقرة فيجزئه الشاة في طواف الصدر جنباً لأنه لا يلزم التسوية بين الفرض والواجب. م: (ومن ترك من طواف الزيارة ثلاثة أشواط فما دونها) ش: أي شوطاً أو شوطين م: (فعليه شاة) ش: وقال الشافعي: يلزمه فعل ما ترك ولا يتحلل حتى يفعله، كذا في " شرح الأقطع " ومذهب الشافعي وأحمد ومالك عدد السبع شوط حتى لو ترك طوفة واحدة أو خطوة لم يجزئه ولا يتحلل من إحرامه، لأن تقدير الطواف بالعدد السبع ثابت بالنصوص المتواترة فكان كالمنصوص في القرآن وما يقدر شرعاً بقدر لا يكون لما دون ذلك القدر، وحكم ذلك القدر كما في الحدود وأعداد الركعات، فإنه لا يقوم الأكثر فيها مقام الكل، وكذا في الطواف. وأشار إلى دليلنا بقوله م: (لأن النقصان بترك الأقل يسيرا فأشبه النقصان بسبب الحدث، فتلزمه شاة) ش: إنما كان كذلك لجانب الوجود راجح وأفعال الحج متجانسة يقبل بعضها الفضل عن بعض، ولهذا إذا أتى ببعض الأشواط ثم اشتغل بعمل آخر ثم أتى بالباقي جاز، بخلاف الصلاة، فإن أفعالها ليست بمتجانسة، وليس بعضها يقبل الفضل عن بعض، لأنه إذا أفسد جزءاً فيها يفسد الجميع، فلم يجز إقامة الأكثر مقام الكل، ولما ثبت التجانس وقبول الفضل في الطواف بحيث لم يتعلق صحة المؤدى بصحة الباقي أقيم الأكثر مقام الكل. م: (فلو رجع إلى أهله أجزأه أن لا يعود ويبعث شاة لما بينا) ش: أشار به إلى قوله، لأن النقصان بترك الأقل يسير، وقيل: يرجع إلى قوله، لأنه حق معنى النقصان، وفيه نفع للفقراء. م: (ومن ترك أربعة أشواط) ش: أي من طواف الزيارة م: (بقي محرما أبدا حتى يطوفها) ش: أي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 لأن المتروك أكثر فصار كأنه لم يطف أصلا. ومن ترك طواف الصدر أو أربعة أشواط منه فعليه شاة لأنه ترك الواجب أو الأكثر منه، وما دام بمكة يؤمر بالإعادة إقامة للواجب في وقته. ومن ترك ثلاثة أشواط من طواف الصدر فعليه الصدقة، ومن طاف طواف الواجب في جوف الحجر، فإن كان بمكة أعاده لأن الطواف وراء الحطيم واجب على ما قدمناه. والطواف في جوف الحجر أن يدور حول الكعبة ويدخل الفرجتين اللتين بينهما وبين الحطيم، فإذا فعل ذلك فقد أدخل نقصا في طوافه، فما دام بمكة أعاده كله ليكون مؤديا للطواف على الوجه المشروع. وإن أعاده على الحجر خاصة أجزأه لأنه تلافى ما هو المتروك، وهو أن يأخذ عن يمينه خارج الحجر حتى ينتهي إلى آخره ثم يدخل الحجر من الفرجة ويخرج من الجانب الآخر هكذا يفعله سبع مرات.   [البناية] في حق النساء، لأنه حل له كل شيء سوى النساء بالحلق، وإنما ما بقي في حق النساء م: (لأن المتروك أكثر فصار كأنه لم يطف أصلا) ش: فلا يجزئه الدم م: (ومن ترك طواف الصدر أو أربعة أشواط منه) ش: أو ترك أربعة أشواط من طواف الصدر م: (فعليه شاة لأنه ترك الواجب أو الأكثر منه) ش: أي أو ترك الأكثر من الواجب م: (وما دام بمكة يؤمر بالإعادة إقامة للواجب في وقته) ش: أي في مطلق الزمان، وهو طواف الصدر، لأنه ليس بموقت بأيام، ولهذا لا يجب شيء بالتأخير عنهما بالاتفاق ولا ذبح عليه، لأنه تلافى الفائت. م: (ومن ترك ثلاثة أشواط من طواف الصدر فعليه الصدقة) ش: لأن الأصل إنما يجب في ترك كله دم يجب في أقله صدقة كما في الرمي، والمراد بالصدقة أن يجب لكل شوط نصف صاع من بر م: (ومن طاف طواف الواجب) ش: وفي بعض النسخ ومن طاف الطواف الواجب م: (في جوف الحجر) ش: أي الحطيم م: (فإن كان بمكة أعاده) ش: أي أعاد الطواف م: (لأن الطواف وراء الحطيم واجب على ما قدمناه) ش: أراد به قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الحطيم من البيت» ، وعند الشافعي ومالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الطواف من جوف الحجر لا يعتد به. م: (والطواف في جوف الحجر أن يدور حول الكعبة ويدخل الفرجتين اللتين بينهما وبين الحطيم، فإذا فعل ذلك فقد أدخل نقصا في طوافه فما دام بمكة أعاده كله ليكون مؤديا للطواف على الوجه المشروع وإن أعاده على الحجر خاصة أجزأه لأنه تلافى) ش: بالفاء أي تدارك م: (ما هو المتروك) ش: وهو الطواف بالحطيم م: (وهو أن يأخذ) ش: إنما ذكر الضمير الراجع إلى الإعادة بالنظر إلى الخبر م: (عن يمينه خارج الحجر حتى ينتهي إلى آخره ثم يدخل الحجر من الفرجة ويخرج من الجانب الآخر هكذا يفعله سبع مرات) ش: وعند الأئمة الثلاثة: تفسيره أن سور الحائط فيطوف حول الحطيم خاصة؛ لأن الحائط ليس من الحطيم هكذا ذكره القدوري، والنووي، وغيره من الشافعية، وفي " المغني ": لا يجزئ الطواف عند الحنابلة، إلا خارج الحائط؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هكذا فعله، قلنا: فعله لا يدل على الركنية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 فإن رجع إلى أهله ولم يعده فعليه دم؛ لأنه تمكن نقصان في طوافه بترك ما هو قريب من الربع ولا تجزئه الصدقة. ومن طاف طواف الزيارة على غير وضوء وطواف الصدر في آخر أيام التشريق طاهرا فعليه دم، فإن كان طاف طواف الزيارة جنبا فعليه دمان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا عليه دم واحد لأن في الوجه الأول لم ينقل طواف الصدر إلى طواف الزيارة لأنه واجب، وإعادة طواف الزيارة بسبب الحدث غير واجب، وإنما هو مستحب فلا ينقل إليه. وفي الوجه الثاني ينقل طواف الصدر إلى طواف الزيارة لأنه مستحق الإعادة فيصير تاركا لطواف الصدر مؤخرا لطواف الزيارة عن أيام النحر فيجب الدم بترك الصدر بالاتفاق وبتأخير الآخر على الخلاف، إلا أنه يؤمر بإعادة طواف الصدر ما دام بمكة ولا يؤمر بعد الرجوع على ما بينا. ومن طاف لعمرته وسعى على غير وضوء حل فما دام مكة   [البناية] م: (فإن رجع إلى أهله ولم يعده فعليه دم؛ لأنه تمكن نقصان في طوافه بترك ما هو قريب من الربع ولا تجزئه الصدقة. ومن طاف طواف الزيارة على غير وضوء) ش: قال الكاكي: يحتمل الجنابة. قلت: لا يعمل لهذا الاحتمال لأن المراد به الحدث الأصغر جزماً م: (وطواف الصدر في آخر أيام التشريق) ش: حال كونه م: (طاهرا فعليه دم) ش: أي دم واحد، وتجزئه شاة لنقصان الحدث م: (فإن كان طاف طواف الزيارة جنبا فعليه دمان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لأن الطواف مع الجنابة في حكم العدل، وهذا يؤمر بالإعادة ما دام بمكة وجوباً لا استحبابا، ولما كان في حكم العدل وجب نقل طواف الصدر إليه؛ لأن العزيمة في ابتداء الإحرام حصلت للأفعال على الترتيب التي شرعت فبطلت نيته على خلاف ذلك الترتيب، فانتقل طواف الصدر إلى طواف الزيارة، فيصير كأنه طاف طواف الزيارة في آخر أيام التشريق، ولم يطف للصدر. م: (وقالا عليه دم واحد لأن في الوجه الأول) ش: وهو ما إذا طاف طواف الزيارة على غير وضوء م: (لم ينقل طواف الصدر إلى طواف الزيارة لأنه واجب، وإعادة طواف الزيارة بسبب الحدث غير واجب وإنما هو مستحب فلا ينقل إليه. وفي الوجه الثاني) ش: وهو ما إذا طاف طواف الزيارة جنباً م: (ينقل طواف الصدر إلى طواف الزيارة لأنه مستحق الإعادة فيصير تاركا لطواف الصدر مؤخرا لطواف الزيارة عن أيام النحر فيجب الدم بترك الصدر بالاتفاق) ش: بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (وبتأخير الآخر) ش: وهو طواف الزيارة م: (على الخلاف) ش: بين أبي حنيفة وصاحبيه، فإنه يجب دمان عنده، ودم واحد عندهما م: (إلا أنه يؤمر بإعادة طواف الصدر ما دام بمكة ولا يؤمر بعد الرجوع على ما بينا) ش: أي عند قوله: ترك طواف الصدر أو أربعة أشواط فعليه شاة - إلى قوله -: وما دام بمكة يؤمر بالإعادة. م: (ومن طاف لعمرته وسعى على غير وضوء وحل) ش: أي حلق أو قصر م: (فما دام بمكة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 يعيدهما، ولا شيء عليه أما إعادة الطواف فلتمكن النقص فيه بسبب الحدث. وأما السعي فلأنه تبع للطواف، وإذا أعادهما لا شيء عليه لارتفاع النقصان وإن رجع إلى أهله قبل أن يعيد فعليه دم لترك الطهارة فيه، ولا يؤمر بالعود لوقوع التحلل بأداء الركن إذ النقصان يسير، وليس عليه في السعي شيء؛ لأنه أتى به على أثر طواف معتد به، وكذا إذا أعاد الطواف ولم يعد السعي في الصحيح. ومن ترك السعي بين الصفا والمروة فعليه دم وحجه تام؛ لأن السعي من الواجبات عندنا فيلزم بتركه دم دون الفساد. ومن أفاض قبل الإمام   [البناية] يعيدهما) ش: أي يعيد الطواف والسعي جميعاً م: (ولا شيء عليه) ش: بعد الإعادة م: (أما إعادة الطواف فلتمكن النقصان فيه بسبب الحدث. وأما السعي) ش: أي وأما إعادة السعي بين الصفا والمروة م: (فلأنه) ش: أي فلأن السعي م: (تبع للطواف، وإذا أعادهما لا شيء عليه لارتفاع النقصان وإن رجع إلى أهله قبل أن يعيد فعليه دم لترك الطهارة فيه، ولا يؤمر بالعود لوقوع التحلل بأداء الركن) ش: وهو الطواف والسعي م: (إذ النقصان يسير، وليس عليه في السعي شيء) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: ليس عليه معطوف على قوله: فعليه دم لترك الطهارة، وهذا جواب سؤال، وهو أن يقال: لما قام الدم مقام الطواف عند الرجوع إلى أصله صار كأنه أعاد الطواف، ولو أعاده لا يجب عليه إعادة السعي، ولما لم يعد السعي وجب الدم، كما إذا أعاد الطواف ولم يعد السعي على رواية التمرتاشي وقاضي خان وغيرهما؟ فأجاب عن السؤال في " الفوائد الظهيرية " فقال: إنما لزمه دم لعدم إعادة السعي؛ لأن بالإعادة ارتفع المؤدى فبقي السعي قبل الطواف فلا يقع الاعتداد فيلزم الدم، بخلاف ما إذا لم يعد الطواف وأراق الدم حيث لا يرتفع المؤدي. م: (لأنه أتى به على أثر طواف معتد به، وكذا إذا أعاد الطواف ولم يعد السعي) ش: أي لا شيء عليه م: (في الصحيح) ش: من الرواية، واحترز به عما ذكره في " جامع التمرتاشي "، وقاضي خان وغيرهما أنه لو أعاد الطواف، ولم يعد السعي كان عليه دم، واختار المصنف، وشمس الأئمة السرخسي، والمحبوبي أن لا شيء عليه؛ لأن الطهارة ليست بشرط للسعي، وإن كانت شرطا ًللطواف لاختصاصه بالبيت، واعتباره بالصلاة من وجه لما جاء في الحديث، وإنما الشرط في السعي أن يأتي به على أثر طواف معتد به وطواف المحدث معتد به، ألا ترى أنه تحلل به. م: (ومن ترك السعي بين الصفا والمروة فعليه دم وحجه تام لأن السعي من الواجبات عندنا) ش: وعند الشافعي ركن، وعندنا واجب م: (فيلزم بتركه الدم دون الفساد) ش: لأن كل نسك ليس بركن فالدم يقوم مقامه كالرمي، قوله: دون الفساد احترازاً عن قول مالك، وأحمد فإن السعي ركن عندهما فيلزم الفساد بتركه. م: (ومن أفاض قبل الإمام) ش: أي قبل غروب الشمس، قال الأترازي: وإنما قدر بقبل غروب الشمس؛ لأنه إذا غربت الشمس وأبطأ الإمام بالدفع يجوز للناس الدفع قبل الإمام، لأن وقت الدفاع قد دخل، وإذا تأخر الإمام فقد ترك السنة فلا يجوز للناس تركها، وبه صرح في " شرح مختصر الكرخي " ودفع قبل الإمام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 من عرفات فعليه دم، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء عليه؛ لأن الركن أصل الوقوف فلا يلزمه بترك الإطالة شيء. ولنا أن الاستدامة إلى غروب الشمس واجبة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فادفعوا بعد غروب الشمس» فيجب بتركه الدم، بخلاف ما إذا وقف ليلا لأن استدامة الوقوف على من وقف نهارا لا ليلا   [البناية] م: (من عرفات فعليه دم، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء عليه؛ لأن الركن أصل الوقوف فلا يلزمه بترك الإطالة شيء) ش: أي الإطالة إلى جزء من الليل، وهذا المذكور هو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي قوله الآخر: يجب الدم كقولنا، وبه قال أحمد ومالك، إن لم يجمع بين الليل والنهار في الوقوف لا يكون مدركاً له إذا أدرك النهار، كذا ذكره الكاكي عنه، والجمع بين الليل والنهار ليس بشرط عنده، بل يكفي جزء من الليل لا النهار، وقال السروجي: لم يقل مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - باشتراط الوقوف في شيء من النهار، وإنما ركن الوقوف عنده وقوف لحظة من الليل دون النهار، وعند غيره من الفقهاء الركن منه في جزء من ليل أو نهار. م: (ولنا أن الاستدامة إلى غروب الشمس واجبة لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «فادفعوا بعد غروب الشمس» ش: هذا حديث غريب، وذكر الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا الحديث، ولم يذكر من حاله شيئاً، وأمر بالدفع في الإفاضة من عرفات، وكان ينبغي أن يستدل في هذا بما في حديث جابر الطويل - رَحِمَهُ اللَّهُ -، «فلم يزل - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - واقفاً حتى غربت الشمس» وروى أبو داود، والترمذي، وابن ماجه عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أفاض منها حين غربت الشمس» ورواة نسك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجمعوا على أنه أفاض من عرفات بعد غروب الشمس، فعلم أن الاستدامة في الوقوف إلى جزء من الليل واجبة، فلزمه بتركه دم، وهو معنى قوله: م: (فيجب بتركه الدم) ش: قيل: إذا وقف ليلاً، ولم يقف بالنهار لا يلزمه شيء بالاتفاق، فأولى أن لا يلزمه شيء إذا وقف نهاراً، ولم يقف ليلاً؛ لأن الوقوف بالنهار أصل، وبالليل تبع. وأجيب: بأن الوقوف المعتد به ركناً بأن الوقوف بالنهار، أو بالليل، إلا أن الواجب هو الوقوف بجزء من الليل لا محالة، ثم إذا وقف بالنهار دون جزء من الليل أتى بالركن دون الواجب، فلزمه دم، وإذا وقف بالليل دون النهار لم يجب عليه شيء؛ لأن الجزء الأول من وقوفه اعتبر ركناً، والجزء الثاني اعتبر واجباً، فلما أتى بالركن والواجب لم يلزمه شيء. م: (بخلاف ما إذا وقف ليلا؛ لأن استدامة الوقوف على من وقف نهاراً لا ليلاً) ش: أي بالإجماع، وهذا متصل بقوله: ولنا أن الاستدامة إلى غروب الشمس واجبة، قيل: قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من وقف بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد أدرك الحج» ، يقتضي أن لا تكون الاستدامة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 فإن عاد إلى عرفة بعد غروب الشمس لا يسقط عنه الدم في ظاهر الرواية؛ لأن المتروك لا يصير مستدركا. واختلفوا فيما إذا عاد قبل الغروب. ومن ترك الوقوف بالمزدلفة فعليه دم لأنه من الواجبات، ومن ترك رمي الجمار في الأيام كلها فعليه دم لتحقق ترك الواجب، ويكفيه دم واحد؛ لأن الجنس متحد كما في الحلق، والترك إنما يتحقق بغروب الشمس من آخر أيام الرمي؛ لأنه لم يعرف قربة إلا فيها   [البناية] شرطاً لا في الليل، ولا في النهار، فكيف جعلتم شرطاً في النهار دون الليل. وأجيب: بترك ظاهر الحديث في حق النهار بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فادفعوا بعد غروب الشمس» فبقي الليل على ظاهره، هذا أورده الأكمل في " شرحه "، وأعجبني منه كيف يجب بهذا الجواب، إلا أن الحديث الصحيح كيف يترك ظاهره بحديث لا يعرف دلالة أصله عند المحدثين. م: (فإن عاد إلى عرفة بعد غروب الشمس لا يسقط عنه الدم في ظاهر الرواية؛ لأن المتروك لا يصير مستدركا) ش: احترازاً بظاهر الرواية عما روى ابن شجاع عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعن ما ذكر الحسن بن زياد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مناسكه " أنه يسقط؛ لأنه استدرك ما فاته، فإن الواجب عليه الإفاضة بعد غروب الشمس، وقد أتى به فيسقط عنه الدم، وبه قال الشافعي، وأحمد - رحمهما الله -، وفي " شرح القدوري " وهو الصحيح. م: (واختلفوا) ش: أي العلماء الثلاثة وزفر م: (فيما إذا عاد قبل الغروب) ش: فعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يسقط، وعند الثلاثة: يسقط، وبه قال الشافعي، وأحمد م: (ومن ترك الوقوف بالمزدلفة فعليه دم؛ لأنه) ش: أي لأن الوقوف بمزدلفة م: (من الواجبات) ش: عندنا، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - نفس الوقوف سنة، والمبيت بمزدلفة واجب، واستثني من هذا من جاوزها ليلاً عن علة، أو ضعف، أو خاف الزحام فلا شيء عليه، وقد مرت المسألة. م: (ومن ترك رمي الجمار في الأيام كلها) ش: وهي الأيام الأربعة آخرها آخر أيام التشريق م: (فعليه دم لتحقق ترك الواجب، ويكفيه دم واحد) ش: يعني في ترك السبعين حصاة كلها م: (لأن الجنس متحد) ش: أي جنس المتروك واحد، وفي قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب عليه دمان لما أن رمي يوم النحر منفرد بنفسه، ورمي أيام التشريق شيء واحد، والأصح أنه يجب أربعة، وما ذكره في " شرح الوجيز " م: (كما في الحلق) ش: أي في حلق الرأس، فإن حلق ربعه في غير أوانه يوجب الدم، ثم حلق جميعه لا يوجب إلا دماً واحداً، كذا في " المبسوط " م: (والترك) ش: أي ترك الرمي م: (إنما يتحقق بغروب الشمس) ش: من أيام التشريق م: (من آخر أيام الرمي) ش: وهو اليوم الرابع م: (لأنه) ش: أي لأن الرمي م: (لم يعرف قربة إلا فيها) ش: أي في هذه الأيام، يعني معنى القربة غير معقول فيه، وإنما عرفناه قربة لا يفعله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في هذه الأيام، فلا يكون قربة في رميها كما لا يكون قربة في إراقة الدم في غير أيام النحر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 وما دامت الأيام باقية فالإعادة ممكنة فيرميها على التأليف، ثم بتأخيرها عنه يجب الدم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما. وإن ترك رمي يوم واحد فعليه دم؛ لأنه نسك تام. ومن ترك رمي إحدى الجمار الثلاث فعليه الصدقة؛ لأن الكل في هذا اليوم نسك واحد فكان المتروك أقل، إلا أن يكون المتروك أكثر من النصف، فحينئذ يلزمه الدم لوجود ترك الأكثر. وإن ترك رمي جمرة العقبة في يوم النحر فعليه دم؛ لأنه ترك كل وظيفة هذا اليوم رميا، وكذا إذا ترك الأكثر منها. وإن ترك منها حصاة أو حصاتين أو ثلاثا تصدق لكل حصاة نصف صاع إلا أن يبلغ دما فينقص ما   [البناية] م: (وما دامت الأيام باقية فالإعادة ممكنة فيرميها على التأليف) ش: يعني على الترتيب، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول. وفي قول: يسقط رمي كل يوم يمضي؛ لأنه فات عن وقته م: (ثم بتأخيرها) ش: أي بتأخير الجمرات م: (عنه) ش: أي عن أيامها م: (يجب الدم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما) ش: أي لأبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - فإن عندهما لا دم عليه. م: (وإن ترك رمي يوم واحد فعليه دم؛ لأنه نسك تام) ش: قيل: إنه مخير في اليوم الثالث بين النفر، وبين الإقامة تمضي، أي كونه متطوعاً، فكيف يجب بتركه الدم، وأجيب بأن التخيير قبل طلوع الفجر من اليوم الرابع، فأما بعد طلوعه وجب عليه الإقامة، ويجب بتركه الدم كالتطوع إذا تركه بعد الشروع. م: (ومن ترك رمي إحدى الجمار الثلاث من يوم واحد فعليه الصدقة) ش: يعني إذا ترك من يوم واحد؛ لأن الجمار الثلاث من يوم واحد نسك واحد، وهو معنى قوله م: (لأن الكل في هذا اليوم نسك واحد، فكان المتروك أقل) ش: وهو سبع حصيات، فتجب صدقة لكل حصاة نصف صاع من بر م: (إلا أن يكون المتروك أكثر من النصف) ش: هذا استثناء من قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " فعليه الصدقة "، يعني إذا ترك أكثر من الجمار الثلاث، فإن رمى ثمان حصيات، وترك ثلاث عشرة حصاة م: (فحينئذ يلزمه الدم لوجود ترك الأكثر) ش: منها. م: (وإن ترك رمي جمرة العقبة في يوم النحر فعليه دم؛ لأنه ترك كل وظيفة) ش: يوم النحر من حيث الرمي، وإنما قيد بقوله: رمياً، احترازاً عن الوارد عليه إذا لم يقل كذلك بأن يقال: كيف قلت إن رمي جمرة العقبة كل وظيفة م: (هذا اليوم) ش: والذبح والحلق والطواف أيضاً من وظائف هذا اليوم، فلما قال: م: (رميا) ش: خرجت الأشياء المذكورة، م: (وكذا إذا ترك الأكثر منها) ش: أي يجب عليه الدم أيضاً إذا ترك الأكثر من جمرة العقبة م: (وإن ترك منها حصاة أو حصاتين أو ثلاثا) ش: أي ثلاث حصيات م: (تصدق لكل حصاة نصف صاع، إلا أن يبلغ دما) ش: استثناء من قوله: تصدق لكل حصاة نصف صاع، يعني إذا بلغ قيمة ما تصدق لكل حصاة قيمة الدم م: (فينقض ما شاء) ش: يعني ينقض من الدم ما شاء حتى لا تلزمه التسوية بين الأقل والأكثر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 شاء لأن المتروك هو الأقل فتكفيه الصدقة. ومن أخر الحلق حتى مضت أيام النحر فعليه دم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذا إذا أخر طواف الزيارة حتى مضت أيام التشريق فعليه دم عنده وقالا: لا شيء عليه في الوجهين وكذا الخلاف في تأخير الرمي وفي تقديم نسك على نسك كالحلق قبل الرمي، ونحر القارن قبل الرمي، والحلق قبل الذبح، لهما أن ما فات مستدرك بالقضاء ولا يجب مع القضاء شيء آخر. وله حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال «من قدم نسكا على نسك فعليه دم»   [البناية] م: (لأن المتروك هو الأقل فتكفيه الصدقة. ومن أخر الحلق حتى مضت أيام النحر فعليه دم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذا إذا أخر طواف الزيارة. وقالا: لا شيء عليه في الوجهين) ش: أي في تأخير الحلق، وتأخير طواف الزيارة، والأصل في هذا أن تأخير النسك هل يوجب الدم أم لا؟ فعند أبي حنيفة يوجب، وعندهما لا. م: (وكذا الخلاف) ش: أي بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (في تأخير الرمي) ش: بأن أخر رمي جمرة العقبة في اليوم الأول إلى الثاني، وكذا إذا أخر رمي الجمار من اليوم الثاني أو الثالث إلى الرابع م: (وفي تقديم نسك على نسك) ش: أي وكذا الخلاف بينهم في تقديم نسك على نسك م: (كالحلق قبل الرمي، ونحر القارن قبل الرمي، والحلق قبل الذبح) ش: بيانه حلق المفرد بالحج أو القارن أو المتمتع قبل الرمي، وذبح القارن أو المتمتع قبل الرمي والذبح، بخلاف ما إذا ذبح المفرد قبل الرمي، أو حلق قبل الذبح حيث لا يجب عله شيء؛ لأن النسك لا يتحقق في حقه؛ لأن المفرد يذبح إن أحب، ولا يجب عليه. واعلم أنه يفعل في يوم النحر أربعة أشياء، الرمي، والنحر، والحلق، والطواف، وهذا الترتيب واجب أم لا؟ اختلف العلماء فيه، فقال أبو حنيفة، والشافعي - رحمهما الله - في وجه ومالك وأحمد - رحمهما الله -: واجب، وعلى قول آخر للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مستحب، أما لو قدم الحلق على النحر جاز، ولا يجب شيء عنده قولاً واحداً، وكذا عندهما، ولو قدمه على الرمي لزمه دم عند الشافعي وعند مالك. وقال أحمد: لو قدم كل واحد على الآخر ساهياً أو جاهلاً لا شيء عليه، وإن كان عامداً ففي وجوب الدم روايتان، وعند أبي حنيفة التقديم، والتأخير يوجب الدم ساهياً أو جاهلاً، وبه قال زفر، ومالك، وعند أبي يوسف، ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا شيء في التقديم، والتأخير، وإنما يجب في حق قول القارن قبل الذبح دم باعتبار الحلق في أوانه جناية على إحرامه، لا باعتبار التقديم والتأخير، وقولهما أصح قولي الشافعي. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - م: (أن ما فات مستدرك بالقضاء) ش: أي بالاتفاق م: (ولا يجب مع القضاء شيء آخر. وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال "من قدم نسكا على نسك فعليه دم) ش: هكذا هو الغالب في النسخ ابن مسعود، وفي بعضها: ابن عباس - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الأصح، رواه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 ولأن التأخير عن المكان يوجب الدم فيما هو موقت بالمكان كالإحرام، فكذا التأخير على الزمان فيما هو موقت بالزمان، وإن حلق في أيام النحر في غير الحرم فعليه دم   [البناية] ابن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا سلام بن مطيع أبو الأحوص عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عباس، قال: من قدم نسكاً في حجه، أو أخره فليهد لذلك دماً، وقال الشيخ في " الإمام "، وإبراهيم بن مهاجر ضعيف، وأخرج عن سعيد ابن جبير، وإبراهيم النخعي، وجابر بن زيد أبي الشعثاء نحو ذلك. م: (ولأن التأخير عن المكان) ش: كالتجاوز عن المقيات بغير إحرام م: (يوجب الدم فيما هو موقت بالمكان كالإحرام) ش: فإنه موقت بميقات م: (فكذا التأخير عن الزمان فيما هو موقت بالزمان) ش: قوله: لأن التأخير جواب عن قولهما، يعني القياس كما قالا إنه لا يجب شيء مع القضاء إلا أنا تركناه استدلالاً بتأخير الإحرام عن الميقات، والقياس: ترك بدلالة النص، كذا في " المبسوط ". فإن قلت: معهما أيضاً قياس على سائر ما يستدرك من العبادات بالنص، فكان قياساً في خبر التعارض. قلت: إن قياساً يرجح بالاحتياط، فإن فيه الخروج عن العهدة بيقين. فإن قلت: ثبت في " الصحيحين " عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف للناس بمنى يسألونه، فجاء رجل، وقال: نحرت قبل الرمي، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " افعل ولا حرج " فما سئل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عمن قدم، أو أخر؛ إلا قال: " افعل ولا حرج» وهذا دليل واضح على أن لا شيء في التقديم والتأخير. قلت: إنه متروك الظاهر؛ لأنه لا يدل على القضاء أيضاً، ويجوز أن تكون المسائل مفرداً، وتقديم الذبح على الرمي لا يوجب عليه شيئاً. وفي " المستصفى ": كان هذا في ابتداء الإسلام حين لم تستقر أفعال المناسك دل عليه «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل في ذلك الوقت: سعيت قبل أن أطوف، فقال: " افعل ولا حرج» وذلك لا يجوز بالإجماع، واليوم لا يفتى بمثله؛ ولأن نفي الحرج لا يقتضي انتفاء الكفارة، كما لو تطيب، أو حال من عدد. م: (وإن حلق في أيام النحر في غير الحرم فعليه دم) ش: يعني إن حلق الحاج، لا للحل في أيام النحر خارج الحرم يجب عليه دم، ولم يذكر له في هذه المسألة خلاف أبي يوسف في " الجامع الصغير "، فلأجل هذا قال بعض المشايخ: يجب عليه الدم في هذه المسألة باتفاق، وقال الصدر الشهيد في " شرح الجامع الصغير ": الأصح أنه على الاختلاف، يعني لا شيء عليه عند أبي يوسف، كما لا شيء عليه عنده إذا حلق المعتمر خارج الحرم، خلافاً لهما، وأثبت الخلاف في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 من اعتمر فخرج من الحرم وقصر فعليه دم عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى -، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء عليه قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ذكر في " الجامع الصغير " قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المعتمر ولم يذكره في الحاج. وقيل هو بالاتفاق؛ لأن السنة جرت في الحج بالحلق بمنى وهو من الحرم. والأصح أنه على الخلاف، هو يقول: الحلق غير مختص بالحرم؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه أحصروا بالحديبية وحلقوا في غير الحرم. ولهما أن الحلق لما جعل محللا صار كالسلام في آخر الصلاة فإنه من واجباتها، وإن كان محللا، فإذا صار نسكا   [البناية] " المنظومة "، والمختلف في الحج والعمرة جميعاً، وهذا الخلاف مبنى على أصل، وهو أن الحلق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يوقت بالزمان دون المكان، حتى إذا حلق بعد أيام النحر في الحرم يجب عليه الدم عند أبي حنيفة، ومحمد، وزفر، خلافاً لأبي يوسف ومحمد، وإذا حلق خارج الحرم في أيام النحر يجب عليه الدم عند أبي حنيفة، ومحمد، وزفر خلافاً لأبي يوسف، ولكن يتحلل في هذه الصورة بالاتفاق. م: (ومن اعتمر فخرج من الحرم وقصر فعليه دم عند أبي حنيفة ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: لتأخيره عن مكانه، كما يلزمه الدم بتأخيره عن وقته م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء عليه قال: ذكر في " الجامع الصغير ") ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذكر - أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (في المعتمر أنه لا شيء عليه، وفي " الجامع ") ش: إذا حلق خارج الحرم م: (وقيل هو بالاتفاق) ش: أي قبل وجوب الدم في الحج بالاتفاق إذا حلق خارج الحرم، ولا خلاف فيه لأبي يوسف م: (لأن السنة جرت في الحج بالحلق بمنى، وهو من الحرم) ش: فبتركه يلزمه الجبر. م: (والأصح أنه على الخلاف) ش: عندهما يجب الدم، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب، م: (هو يقول) ش: أي أبو يوسف يقول: م: (الحلق غير مختص بالحرم «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه أحصروا بالحديبية وحلقوا في غير الحرم» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري، ومسلم عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم قال: «خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمن الحديبية في بعض عشر مائة من الصحابة.. الحديث، وفيه: فأمرهم بالحلق فحلقوا في الحديبية، وهي خارج الحرم» والحديبية تصغير حدبا اسم موضع قريب من مكة. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة، ومحمد - رحمهما الله - م: (أن الحلق لما جعل محللا) ش: بكسر اللام م: (صار كالسلام في آخر الصلاة فإنه) ش: محلل، ومع هذا هو واجب، ولهذا لو تركه ساهياً يجب سجود السهو وأنه م: (من واجباتها) ش: أي فإن السلام من واجبات الصلاة م: (وإن كان محللا) ش: واصل بما قبله. م: (وإذا صار نسكا اختص بالحرم) ش: أي عبادة اختص بالحرم؛ لأنه غير معقول المعنى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 اختص بالحرم كالذبح، وبعض الحديبية من الحرم فلعلهم حلقوا فيه، فالحاصل أن الحلق يتوقت بالزمان والمكان، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعند أبي يوسف: لا يتوقت بهما، وعند محمد: يتوقت بالمكان دون الزمان، وعند زفر: يتوقت بالزمان دون المكان. وهذا الخلاف في التوقيت في حق التضمين بالدم، وأما في حق التحلل فلا يتوقت بالاتفاق. والتقصير، والحلق في العمرة غير موقت بالزمان بالإجماع؛ لأن أصل العمرة لا يتوقت به، بخلاف المكان؛ لأنه موقت به. قال: فإن لم يقصر حتى رجع وقصر فلا شيء عليه في قولهم جميعا، معناه: إذا خرج المعتمر ثم عاد؛   [البناية] فيختص بالحرم، وبه قال مالك، وأحمد - رحمهما الله - في رواية م: (كالذبح) ش: حيث يختص بالحرم م: (وبعض الحديبية من الحرم) ش: هذا جواب عن تمسك أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالحديبية المذكور، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأظهر م: (فلعلهم حلقوا فيه) ش: أي في الحرم الذي هو من الحديبية م: (فالحاصل أن الحلق موقت بالزمان والمكان عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف لا يتوقت بهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتوقت بالمكان دون الزمان، وعند زفر: يتوقت بالزمان دون المكان) ش: قد مر الكلام فيه آنفاً. م: (وهذا الخلاف في التوقيت في حق التضمين بالدم، وأما في حق التحلل فلا يتوقت) ش: بالزمان والمكان، وإن الكلام في وجوب الدم عند من يقول بالتوقيت يجب الدم بتركه م: (بالاتفاق) ش: لكونه معتداً به بالاتفاق م: (والتقصير والحلق في العمرة غير موقت بالزمان بالإجماع) ش: لنفس العمرة حيث لا يتوقت بالزمان. فإن قلت: في أيام النحر مكروهة فكانت موقتة. قلت: كراهيتها فيها ليست من حيث إنها موقتة به، بل باعتبار أنه مشغول بأفعال الحج فيها، فلو اعتمر فيها ربما أخل بشيء من أفعال الحج، فكرهت لذلك. م: (لأن أصل العمرة لا يتوقت به) ش: أي بالزمان، وأصل العمرة الطواف والسعي، فلا يتوقت بالزمان بالإجماع م: (بخلاف المكان؛ لأنه موقت به) ش: أي بخلاف مكان العمرة، فإن أصلها موقت به، وهو الحرم، فكذا يتوقت ما يترتب عليه وهو الحلق، والتقصير، حتى لو حلق خارج الحرم للعمرة فعليه دم عند أبي حنيفة، ومحمد - رحمهما الله -، كما في الحج. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء عليه، كذا في " المبسوط ". م: (فإن لم يقصر حتى رجع وقصر لا شيء عليه في قولهم جميعاً) ش: وفي أكثر النسخ قال: فإن لم يقصر، أي قال محمد في " الجامع الصغير ": فإن لم يحلق المعتمر حتى عاد إلى الحرم، فلا شيء عليه في قول أبي حنيفة وصاحبيه جميعاً؛ لأنه بدل المتروك في مكان م: (معناه) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": معنى حكم المسألة م: (إذا خرج المعتمر ثم عاد) ش: ذكر العود إلى الحرم من خواص " الجامع الصغير " م: (لأنه) ش: أي لأن المعتمر م: (أتى به) ش: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 لأنه أتى به في مكانه فلا يلزمه ضمانه. وإن حلق القارن قبل أن يذبح فعليه دمان - عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دم بالحلق في غير أوانه؛ لأن أوانه بعد الذبح , ودم بتأخير الذبح عن الحلق. وعندهما يجب عليه دم واحد، وهو الأول، ولا يجب بسبب التأخير شيء على ما بينا.   [البناية] أي بالتقصير أو الحلق م: (في مكان فلا يلزمه ضمانه. وإن حلق القارن قبل أن يذبح فعليه دمان - عند أبي حنيفة - دم بالحلق) ش: أي بسبب الحلق م: (في غير أوانه؛ لأن أوانه بعد الذبح، ودم بتأخير الذبح) ش: أي بسبب تأخير الذبح م: (عن الحلق , وعندهما) ش: أي، وعند أبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - م: (يجب عليه دم واحد، وهو الأول) ش: وهو دم القران؛ لأنه الواجب أولاً بحكم القران، لكن لفظه يوهم أنه أراد به الدم الواجب بالحلق في غير أوانه. م: (ولا يجب بسبب التأخير شيء على ما بينا) ش: وفي بعض النسخ: على ما قلنا، وأشار به إلى ما قال، قيل: هذا إنما فات مستدرك بالقضاء ولا يجب مع القضاء شيء آخر، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: على هذا تقرير المسألة على ما عليه أصل رواية " الجامع الصغير "، فإن محمداً - رَحِمَهُ اللَّهُ - , قال فيه في القارن حلق قبل أن يذبح فعليه دمان، دم القران، ودم آخر؛ لأنه حلق قبل أن يذحب، يعني على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعلى هذا ما ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - غير مطابق له؛ لأنه قال: دم الحلق في غير أوانه؛ لأنه بعد الذبح، ودم بتأخير الذبح عن الحلق، وهذا كما ترى يشير إلى أنهما دما جناية، ولم يذكر دم القران، وقال: وعندهما عليه دم واحد وهو الأول، يعني الذي يجب بالحلق من غير رواية؛ لأنه لم يذكر أولاً إلا سواه، ولم يذكر أيضاً دم القران، ومع عدم مطابقته فهو متقاصر لقوله قبل هذا. وقالا: لا شيء عليه في الوجهين جميعاً، إلى أن قال: والحلق قبل الذبح على هذا كان الحق أن يقول: فعليه دمان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - دم بالقران، ودم بتأخير الذبح، فكأنه سهو وقع منه أو من الكاتب، ولا يجب في السهو على الإنسان. انتهى. قلت: هذا الذي ذكره أوجه من قول الأترازي، وقد حط صاحب " الهداية " لأنه جعل الدمين هاهنا جميعاً للجناية، وجعل في باب القران أحدهما للنسك، والآخر للجناية، انتهى. قلت: يحتمل أن يكون المصنف ذكر هاهنا عادة بعض المشايخ، وهو أن دم القران واجب إجماعاً، ودم آخر بسبب الجناية على الإحرام؛ لأن الحلق لا يجوز إلا بعد الذبح، وهذا واجب أيضاً إجماعاً، ودم آخر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بسبب تأخير الذبح عن الحلق. فإن قيل: على ما ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنه يجب عليه ثلاثة دماء، إلا أن جناية القارن مضمونة بالدمين. قيل له: إنما يجب على المفرد فيه دم، فعلى القارن دمان، ولو قادم المفرد الحلق على الذبح لم يجب عليه شي، فلا يضاعف على القارن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 فصل اعلم أن صيد البر محرم على المحرم، وصيد البحر حلال لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} [المائدة: 96] الآية (96: المائدة) وصيد البر ما يكون توالده، ومثواه في البر، وصيد البحر ما يكون توالده ومثواه في الماء   [البناية] [فصل صيد البر محرم على المحرم] [المقصود بصيد البر والبحر وحكم قتل الفواسق] م: (فصل) ش: أي: هذا فصل، فلا يعرب إلا بهذا التقدير، وهذا الفصل في بيان الجناية على الصيد، ولما كان هذا نوعاً خاصاً من أنواع الجنايات ذكره في فصل على حدة. م: (اعلم أن صيد البر محرم على المحرم، وصيد البحر حلال لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} [المائدة: 96] (المائدة: الآية: 96)) ش: صيد البر كله حرام على المحرم، سواء كان مملوكاً أو مباحاً، وسواء كان مأكول اللحم أو غيره لعموم اسم الصيد إلا ما أباح الشرع قتله من الفواسق الخمس وما في معناها، فلا شيء بقتلها، وكذا إذا قتل الصيد ذاباً عن نفسه إذا صال عليه لا يجب عليه شيء، بخلاف الجمل إذا صال فقتله حيث تجب عليه قيمته، وعن أبي يوسف، والشافعي: لا يضمن، وإذا قتل إنساناً حمل عليه بسلاح ذاباً عن نفسه فلا شيء عليه بالإجماع، قوله: وطعامه أي ما يطعم منه كالسمك، قوله: متاعاً لكم، نصب على أنه مفعول له، أي تمتعاً لكم، لكونه طرياً وللسيارة بين ودونه قديداً، قوله: ما دمتم حرماً: أي محرمين. م: (وصيد البر ما يكون توالده ومثواه في البر) ش: أي مقامه، وهو اسم مكان من ثوى يثوي ثواً وثوياً إذا قام، والمعتبر المتوالد؛ لأنه الأصل، وفي " البدائع ": الطيور كلها من صيد البر، وما توالده في البر، وما يأوي في البحر من صيد البر، وما يتوالد في البحر، ويأوي في البر كالضفدع من صيد البر. م: (وصيد البحر ما يكون توالده ومثواه في الماء) ش: ولا فرق بين حيوان البحر الملح، وبين الأنهار والعيون، ثم الحيوان الذي يعيش في الماء على ثلاثة أنواع: أحدها: ما لا يعيش إلا في الماء وهو السمك، وهذا لا جزاء فيه بلا خلاف، وقال الكرماني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مناسكه ": الذي يرخص للمحرم من صيد البحر السمك خاصة؛ لأنه هو الصيد الحلال عندنا، ولا نأخذ ما سواه، وكذا في " خزانة الأكمل ". والثاني: ما يعيش في الماء وغيره، إلا أنه أكثر مأواه كالسرطان والسلحفاة البحرية، والضفدع لا شيء فيها، وعن عطاء فيها الجزاء، والثالث: ما تكون إقامته في البر، ومعاشه، وكسبه في الماء كالطيور ففيها الجزاء، وقال الشافعي على ما ذكره النووي: صيد البحر ما لا يعيش إلا في البحر، وما يعيش فيهما حرام كالمتولد من مأكول وغيره الطيور المائية التي تعرض في الماء، وتخرج منه محرمة، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في قتل طير الماء الجزاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 والصيد هو الممتنع المتوحش في أصل الخلقة، واستثنى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخمس الفواسق، وهي: الكلب العقور، والذئب والحدأة، والغراب والحية، والعقرب   [البناية] [جزاء الصيد ومقداره] م: (والصيد هو الممتنع المتوحش في أصل الخلقة) ش: قيد بالممتنع احترازاً عن الدجاج، والبط الأهلي، وقيد بالمتوحش في أصل الخلقة ليدخل الحمام المسرول، ويخرج البعير المتوحش؛ فإنه لا يدخل في حكم الصيد، ولا يثبت له؛ لأنه عارض إلا في حق الزكاة للضرورة، وأما البط الذي يطير في الهواء جنس آخر، وهو من جملة الطيور، كذا في " الإيضاح ": وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا جزاء في المستأنس كالحمام المسرول، والطيب لخروجه من الامتناع. م: (واستثنى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخمس الفواسق، وهي: الكلب العقور، والذئب والحدأة، والغراب والحية، والعقرب) ش: روى البخاري، ومسلم عن مالك، عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: العقرب، والفأرة، والكلب العقور، والحدأة» وليس في هذه الرواية من الذئب ولا الحية. وفي رواية لمسلم ذكر الخمسة، وأما الذئب، ففي رواية الدارقطني في " سننه ": عن حجاج ابن أرطاة، عن وبرة بن عبد الرحمن قال: سمعت ابن عمر يقول: «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتل الذئب، والفأرة، والحدأة، والغراب» والحجاج لا يحتج به. قوله: واستثنى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ليس فيه حقيقة الاستثناء لأنه لا يتصور، وإنما معناه بين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عدم دخول الخمس الفواسق في الآية الكريمة المذكورة، وما جاز قتل هذه الخمسة بالحديث خرجت عن حكم حرمة قتل الصيد، استعار لفظ الاستثناء لوجود معناه، وإن لم توجد صورته، والخمس منصوب بلفظ استثنى، والفواسق بالنصب أيضاً صفة، وهو جمع فاسقة، وسميت فواسق بطريق الاستعارة لخبثهن. وقيل: لخروجهن عن الحرمة، والفسق الخروج من الاستقامة، ومنه قيل للعاصي فاسق لخروجه عما أمر به، وقيل: سميت فواسق لإرادة تحريم أكلها لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3] بعدما ذكر ما حرم من الميتة والدم، وقيل: لخروجهن عن السلامة منهن إلى الأذى، وقيل: لخروجهن عن الانتفاع بهن، ثم تنصيص الخمس بالذكر لا ينافي ما عداه مما هو في معناهن، ألا ترى إلى ما روى الحسن عن مسلم عن سعيد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتل الوزغ، وسماه فويسقاً» . وعم أم شريك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أمر بقتل الأوزاغ» رواه البخاري، ومسلم، وروى أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يقتل المحرم السبع العادي، والكلب العقور، والفأرة، والعقرب نوالحدأة، والغراب» رواه الترمذي. وقال: هذا حديث حسن ورواه أبو داود. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وأيضاً فهذا فيه ستة، والمذكور في الصحاح خمسة، والذي ذكره المصنف ستة، الأول: الكلب العقور، ذكر أبو عمر أن ابن عيينة قال: الكلب العقور كل سبع يعقر، ولم يخص به، وعن أبي هريرة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الكلب العقور الأسود، وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو كل ما عقر الناس، وعدا عليهم مثل الأسد، والنمر، والفهد، وأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع، والثعلب، وشبههما فلم يقتله المحرم، وإن قتله فداه. وزعم النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن العلماء اتفقوا على جواز قتل الكلب العقور للمحرم، والحلال في الحل والحرم، واختلفوا في المراد به فقيل: هو الكلب المعروف، حكاه عياض عن أبي حنيفة، والأوزاعي، والحسن بن جني، وألحقوا به الذئب، وحمل زفر الكلب على الذئب وحده، وفي " المبسوط ": المراد من الكلب العقور الذئب، وقيل: الكلب والذئب واحد، لأن الكلب المعروف أهلي، وليس بصيد، ولا يدخل الأسد وإن صح انه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سماه كلباً لتضمنه إبطال العذر. قلت: هذا قول ابن ندمي الحصر والصحيح ما ذكرنا أن التنصيص على عدد لا ينافي ما زاد عليه، وقد ذكرت في " شرح الكنز " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الكلب العقور وغيره، والمستأنس، والمتوحش منه سواء. وقال أبو المعالي: جمع الكلب أكلب، وكلاب، وكليب، وهو جمع عزيز لا يكاد يوجد إلا قليلاً نحو عبد وعبيد وجمع الأكلب أكالب، وفي " المحكم ": ويقال في جمع كلاب: كلابات، وأكالب، كالحامل جماعة الكلاب، والكلبة الأنثى، وجمعها كلبات جمع مكسر، وفي " المحيط "، و " البدائع ": الكلب العقور شأنه الوثوب على الناس، وغيرهم ابتداء، وهذا المعنى موجود في الأسد، والنمر، والفهد، بل أشد، فكان ورود النص في الكلب العقور قد ورد فيما ذكرناه، ويدل عليه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «السبع العادي» في حديث الترمذي الذي ذكرناه. الثاني من الستة: الذئب، وقد ذكرنا فيه من الكلام، ولكن الظاهر أنه هو الذئب غير الكلب، وهو الذئب المعهود. الثالث: الحداء بكسر الحاء، وبعد الدال ألف ممدودة بعدها همزة مفتوحة، وجمعها حدد مثل عنب وحداي، كذا في " الدستور "، وقال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حدأة، وفي " المطالع ": الحدأة لا يقال فيها إلا بكسر الحاء، وقد جاء الحداء يعني بالفتح، وهو جمع حدأة، وجاء الحديا على وزن الثريا، ويجوز قتل الحدأة سواء كان للمحرم أو للحلال؛ لأنها تبتدئ بالأذى، وتخطف اللحم من أيدي الناس، وروي عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الحدأة والغراب أنه لا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 فإنها مبتدئات بالأذى. والمراد به الغراب الذي يأكل الجيف. هو المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قال: وإذا قتل المحرم صيدا أو دل عليه من قتله   [البناية] يقتلهما المحرم، إلا أن يبتدئا بالأذى، والمشهور من مذهبه خلافه. الرابع: الغراب، وقد ذكره المصنف على ما يجيء، وقال غيره: الغراب الأبقع الذي في ظهره، وبطنه البياض، والغراب الأورع، والدرعي الأسود والأعصم الأبيض الرجلين، وروي المنع عن ذلك. وقال مجاهد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرمي التراب، ولا يقتله، وقال به قوم، واحتجوا بحديث أبي سعيد الخدري - رَحِمَهُ اللَّهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عما يقتل المحرم، قال: " الحية، والعقرب، والفويسقة، ويرمي الغراب ولا يقتله.» الحديث رواه ابن ماجه، وقال أبو عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليس هذا مما يحتج به على حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الذي مر ذكره. الخامس: الحية. السادس: العقرب، وذكر أبو عمر عن حماد بن أبي سليمان، والحكم أن المحرم لا يقتل الحية والعقرب، رواه عنهما شعبة قال: وحجتهما أنهما من هوام الأرض، وقال القاضي: لم يختلف في قتل الحية والعقرب، وقال أبو عمر: لا خلاف عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وجمهور العلماء في قتل الحية، والعقرب في الحل، والحرم، وكذلك الأفاعي، ولا شيء في قتل الرتيلا، وأم الأربعة والأربعين. م: (فإنها مبتدئات بالأذى) ش: أي فإن الستة التي استثناها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنها مبتدئات بالأذى، يعني أن يؤذين ابتداء من غير تعرض أحد إليهن، والمؤذي يقتل م: (والمراد به الغراب الذي يأكل الجيف. هو المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني دون الغراب غراب الزرع والقعقع. وفي " السروجي ": «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتل الحية في الحل والحرم» أبدت جوهرها الخبيث حيث خانت آدم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأدخلت إبليس الحية بين أيديها، ولو كانت يروه لم يتركها رضوان خازن الجنة أن تدخله، والفأرة أبدت جوهرها بأن عمدت إلى حبال سفينة نوح - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقطعتها، والغراب أبدى جوهره حيث بعثه نوح نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليأتيه بخبر الأرض فترك أمره، وأقبل على جيفة. والوزعة نفخت إلى نار إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بين سائر الدواب فعلنت. م: (قال: وإذا قتل المحرم) ش: وفي غالب النسخ قال: وإذا قتل، أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا قتل المحرم م: (صيدا أو دل عليه) ش: أي على الصيد م: (من قتله) ش: بأن قال في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 فعليه الجزاء أما القتل فلقوله تعالى {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ} [المائدة: 95] الآية (96 المائدة) نص على إيجاب الجزاء. وأما الدلالة ففيها خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. هو يقول: الجزاء تعلق بالقتل، والدلالة ليست بقتل، فأشبه دلالة الحلال حلالا. ولنا ما روينا من حديث أبي قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.   [البناية] مكان، كذا صيد فقتله المدلول عليه م: (فعليه الجزاء) ش: أي فعلى الدال المحرم الجزاء، سواء كان المدلول محرماً، أو حلالاً، وسيجيء تفسير الجزاء إن شاء الله تعالى. م: (أما القتل فلقوله تعالى {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ} [المائدة: 95] الآية (المائدة: 96) ش: أي أما حكم القتل وهو وجوب الجزاء م: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ} [المائدة: 95] (المائدة الآية: 96)) ش: استدل على حرمة قتل المحرم الصيد بهاتين الآيتين الكريمتين إحداهما قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وقد نهى الله تعالى عن قتل الصيد في حالة الإحرام والواو في قوله: وأنتم للحال أي: وأنتم محرمون، والحرم جمع حرام يعني محرم، وقال النووي، والعراقي: جمع محرم، وليس بصحيح، من جهة الصناعة، ووقع الإجماع على تحريم قتل صيد البر على المحرم، وتحريم اصطياده، وكذا نقل النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الإجماع عليه، ويدل عليه الآية المذكورة، والآية الثانية قوله عز وجل {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] (المائدة: الآية: 96) ، أي فعلية جزاء يماثل المقتول من النعم الوحشي، ومثل الحيوان قيمة؛ لأن المثل المطلق هو المثل صورة ومعنى، فإذا تعذر ذلك حمل على المثل المعنوي، وهو القيمة. م: (نص على إيجاب الجزاء) ش: أي نص - عز وجل - على القاتل م: (وأما الدلالة) ش: أي وأما حكم دلالة المحرم غيره على قتل الصيد م: (ففيها خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ومالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: والقسمة العقلية فيها أربعة أقسام، إما أن يكون الدال والمدلول حلالين أو محرمين، أو الدال حلالاً، والمدلول محرماً، أو بالعكس من ذلك. الأول: ليس مما نحن فيه، والثاني على كل واحد منهما جزاء عندنا، والثالث: على المدلول الجزاء دون الدال، وفي الرابع: عكسه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء على الدال أصلاً. م: (هو يقول) ش: أي الشافعي م: (الجزاء تعلق بالقتل، والدلالة ليست بقتل، فأشبهت دلالة الحلال حلالا) ش: على صيد الحرام، حيث لا يجب على الدال شيء؛ لأنه لا إيصال للدلالة بالمحل، وهذا بخلاف المودع إذا دل سارقاً على الوديعة التي تحت يده يجب عليه ضمانها؛ لأنه التزم حفظها بإثبات يده عليها. م: (ولنا ما روينا من حديث أبي قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: حديث أبي قتادة هذا تقدم في أول باب الإحرام عند قوله: ولا يقتل صيداً؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] (المائدة: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 وقال عطاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أجمع الناس على أن على الدال الجزاء؛ ولأن الدلالة من محظورات الإحرام؛ ولأنه تفويت الأمن على الصيد، إذ هو آمن بتوحشه وتواريه، فصار كالإتلاف؛ ولأن المحرم بإحرامه التزم الامتناع عن التعرض، فيضمن بترك ما التزمه كالمودع، بخلاف الحلال؛ لأنه لا التزام من جهته، على أن فيه الجزاء على ما روي عن أبي يوسف وزفر - رحمهما الله -، والدلالة الموجبة للجزاء أن لا يكون المدلول عالما بمكان الصيد، وأن يصدقه في الدلالة، حتى لو كذبه وصدق غيره لا ضمان على المكذب.   [البناية] الآية 95) ، ولا يشير إليه ولا يدل عليه.. الحديث عن أبي قتادة، ومر الكلام فيه هناك م: (وقال عطاء: أجمع الناس على أن على الدال الجزاء) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو عطاء بن أبي رباح تلميذ ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وقال مخرج الأحاديث: هذا غريب، وكأنه ابن أبي رباح صرح به في " المبسوط "، وغيره، وذكره ابن قدامة في " المغني " عن علي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو مروي عن عدة من الصحابة، ولم يرو عنهم خلافه، فكان إجماعاً. م: (ولأن الدلالة من محظورات الإحرام؛ ولأنه تفويت الأمن عن الصيد، إذ هو) ش: كلمة إذ للتعليل والضمير يرجع إلى الصيد م: (آمن) ش: من التعرض إليه م: (بتوحشه) ش: أي بسبب توشحه وأصل الوحشة خلاف الأمن، وقال ابن الأثير: والوحشة الخلوة، ومنه يقال: مكان وحش إذا كان خالياً لا ساكن فيه م: (وتواريه) ش: أي عن أعين الناس، وبالدلالة يزول ذلك م: (فصار كالإتلاف) ش: أي صار إزالة أمنه كإتلافه م: (ولأن المحرم بإحرامه التزم الامتناع عن التعرض، فيضمن بترك ما التزمه) ش: أي بسبب ترك ما التزمه بعدم التعرض إليه م: (كالمودع) ش: إذا دل سارقاً على الوديعة م: (بخلاف الحلال؛ لأنه لا التزام من جهته) ش: فلا يلزمه شيء. فإن قلت: كان ينبغي الجزاء على الحلال أيضاً إذا دل؛ لأنه ملتزم أيضاً بترك التعرض لصيد الحرم بالإسلام. قلت: الإسلام ليس بكاف في إيجاب الضمان؛ بل التزم الأمان بعقد خاص هو المعتبر، ولهذا إذا دل الأجنبي بسرقة الوديعة إنساناً لا يجب على الأجنبي ضمان، وإن كان الإسلام موجوداً. م: (على أن فيه الجزاء) ش: أي فيما إذا دل الحلال على صيد الحرم الجزاء م: (على ما روي عن أبي يوسف وزفر) ش: ذكره في " مختصر الكرخي " م: (والدلالة الموجبة للجزاء أن لا يكون المدلول عالما بمكان الصيد، وأن يصدقه في الدلالة) ش: أي وأن يصدق المدلول الدال ليكون في معنى الإتلاف م: (حتى لو كذبه) ش: أي حتى لو كذب المدلول الدال م: (وصدق غيره) ش: أي غير الدال م: (لا ضمان على المكذب) ش: بفتح الذال، وفيه إشارة إلى أن الضمان على ذلك الغير إن كان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 ولو كان الدال حلالا في الحرم لم يكن عليه شيء لما قلنا، وسواء في ذلك العامد والناسي؛ لأنه ضمان يعتمد وجوبه الإتلاف، فأشبه غرامات الأموال. والمبتدئ والعائد سواء   [البناية] محرماً، وهاهنا شروط أخر لم يذكرها أن يتصل القتل بهذه الدلالة؛ لأن مجرد الدلالة لا يوجب شيئاً، والثاني: أن يبقى الدال محرماً عند أخذه المدلول؛ لأن فعله إنما [ .... ] جناية إذا بقي محرماً إلى وقت الفعل. والثالث: أن يأخذه المدلول قبل أن ينقلب فلو صدقه ولم يقتله حتى انقلبت ثم أخذه بعد ذلك، فقتله لم يكن على الدال شيء؛ لأن ذلك بمنزلة جرح الأول. م: (ولو كان الدال حلالا في الحرم لم يكن عليه شيء لما قلنا) ش: أشار إلى قوله: لأنه لا التزام من جهته م: (وسواء في ذلك) ش: أي سواء في الضمان م: (العامد والناسي) ش: سواء كانا قاتلين أو دالين، ولا خلاف للأئمة الأربعة إلا ما روي عن بعض أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن في وجوب الضمان على الناسي قولين، وكذلك في المخطئ، وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: لا شيء على المخطئ، وبه أخذ داود الأصبهاني وسالم، والقاسم لظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] (المائدة الآية: 95) ، وروي عن سعيد بن جبير، وأحمد كذلك، وفي الخطأ روايتان. م: (لأنه) ش: أي لأن الجزاء م: (ضمان يعتمد وجوبه الإتلاف، فأشبه غرامات الأموال) ش: فإن في غرامات الأموال يستوي العامد، والناسي، كالكفارة بقتل المسلم؛ لأنه تعالى حرم قتل الصيد تعمداً بقوله: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] (المائدة: الآية 95) ، وتقييده في الآية بالعمد ليس لأخذ الجزاء بل للوعيد المذكور في آخر الآية بقوله: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: 95] وليس قتل العمد يدل على نفي الحكم عما عداه، فجاز أن يثبت حكم النسيان بدليل آخر، وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الضبع صيد، وفيه شاة» من غير فصل بين عمد ونسيان، وعن الزهري - رحمه: نزل الكتاب بالعمد، ووردت السنة بالخطأ، وهو مذهب عمر، وعبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وسعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (والمبتدئ) ش: هو الجاني أول مرة م: (والعائد) ش: هو الجاني ثانياً، إلا أن يكون المراد به العود بالقتل م: (سواء) ش: أي مستويات في وجوب الضمان، وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: لا جزاء على العائد، وبه قال داود وشريح، ولكن يقال: اذهب فينتقم الله منك، فظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] (المائدة: الآية 95) . قلنا: إن ضمان إيجابه لا يختلف بالابتداء والعود بل جناية العائد أشد، والمراد من الآية: ومن عاد بعد العلم بالحرمة كما في آية الربا {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} [البقرة: 275] (البقرة: الآية 275) ، أي: ومن عاد إلى المباشرة بعد العلم بالحرمة، كذا في " مبسوط الأسبيجابي، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 لأن الموجب لا يختلف. والجزاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - أن يقوم الصيد في المكان الذي قتل فيه، أو في أقرب المواضع منه إذا كان في برية، فيقومه ذوا عدل، ثم هو مخير في الفداء إن شاء ابتاع بها هديا، وذبحه إن بلغت هديا، وإن شاء اشترى بها طعاما وتصدق على كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر، أو شعير، وإن شاء صام   [البناية] والكاكي ". م: (لأن الموجب لا يختلف) ش: أي لأن الموجب للضمان وهو الإتلاف لا يختلف بالابتداء والعود، فيجب الجزاء في الحالين كالصيد المملوك م: (والجزاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: هذا شروع في تفسير الجزاء، وهو عند أبي حنيفة، وأبي يوسف م: (أن يقوم الصيد) ش: أي يقوم من حيث نفس الصيد لا من حيث الصفة، حتى لو قتل البازي المعلم فعليه قيمة غير معلم؛ لأن كونه معلماً عارض لا مدخل فيه في الصيدية م: (في المكان الذي قتل فيه) ش: أي قتل فيه إن كانت للصيد قيمة في ذلك المكان، وإلا فيقوم في أقرب الأماكن الذي له قيمة فيه، وهو معنى قوله: م: (أو في أقرب المواضع منه) ش: أي من المواضع الذي قتل فيه م: (إذا كان في برية) ش: أي إذا كان القتل في برية، ثم قتل الصيد على ضربين محرم ومباح، فالمحرم قتله بغير سبب يبيحه ففيه الجزاء بالنص، والمباح أنواع، أحدها في حالة الاضطرار، فيباح بلا خلاف، ويضمن قيمته وجد غيره أو لم يجده، كما إذا كان بمال الغير في المخمصة. وقال الأوزاعي: لا ضمان في حالة الضرورة، والثاني: إذا صار عليه ولم يمكنه دفعه فلا شيء عليه. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - عليه الجزاء كالجمل الصائل، ونقل أبو بكر من الحنابلة وجوب الجزاء عن أبي حنيفة - رحمة الله عليه - وأخطأ في نقل الثالث إذا خلص صيداً من سبع أو شبكة، فتلف بذلك، فلا شيء عليه، وبه قال عطاء. وهو رواية عن أحمد، وعنه أنه يضمن، وهو قول قتادة. الرابع: لو حفر بئر الماء، أو تنور الطبخ، فوقع في ذلك صيد، فلا جزاء عليه، ولو كان للاصطياد إلا إذا حفر للذئب، أو للاصطياد الذي شرع بإباحة قتله، فوقع فيه غيره، فمات فلا جزاء عليه لعدم التعدي، وكذا رو أرسلر كلبه على [ ..... ] فأخذ غيره لا يضمن ذكر ذلك الأسبيجابي. م: (فيقومه ذوا عدل) ش: أي يقوم الصيد رجلان عدلان ممن لهم معرفة في قيمة الصيد م: (ثم هو مخير) ش: أي ثم القاتل مخير م: (في الفداء) ش: وفي بعض النسخ في الفدية م: (إن شاء ابتاع بها هديا وذبحه) ش: أي اشترى بها، أي بالقيمة هدياً وذبحه م: (إن بلغت هديا) ش: أي قيمته قيمة ما يهدى به م: (وإن شاء اشترى بها طعاما وتصدق على كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر، أو شعير) ش: فإن فعل هذا فهو بالخيار م: (وإن شاء صام) ش: مكانه يوماً كاملاً، وإن شاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 على ما نذكر، وقال محمد والشافعي - رحمهما الله -: يجب في الصيد النظير فيما له نظير، ففي الظبي شاة، وفي الضبع شاة، وفي الأرنب عناق، وفي اليربوع جفرة، وفي النعامة بدنة، وفي حمار الوحش بقرة لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] (95 المائدة) ، ومثله من النعم ما يشبه المقتول صورة؛ لأن القيمة لا تكون نعما. والصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أوجبوا   [البناية] تصدق به؛ لأن صوم نصف النهار لا يجوز م: (على ما نذكر) ش: فيما يأتي إن شاء الله تعالى. م: (وقال محمد والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: يجب في الصيد النظير فيما له نظير) ش: أي يجب في قتل الصيد مثله فيما له مثل من حيث القيمة، وبه قال مالك، وأحمد، وأكثر أهل العلم، ثم فسر النظير بقوله: م: (ففي الظبي شاة، وفي الضبع شاة، وفي الأرنب عناق) ش: وهو الأنثى من أولاد المعز، وفي " خزانة الأكمل " عناق، أو جدي، وهو الذكر من أولاد المعز، وهو دون الجذع م: (وفي اليربوع جفرة) ش: وقال الرافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب أن يكون المراد هاهنا بالجفرة ما دون العناق؛ لأن الأرنب خير من اليربوع، فكيف يستوي في موجبها؟! قلت: ذكرتم في موجب الطير، والحمام بإيجاب الشاة فيهما، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اليربوع اسم حيوان من الحشرات فوق الجرد، والذكر، والأنثى فيه سواء، وقال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الياء فيه زائدة؛ لأنه ليس في كلامهم بعلول، وأرض مربعة ذات يرابيع، والجفرة بفتح الجيم وسكون الفاء الأنثى من أولاد المعز. م: (وفي النعامة بدنة، وفي حمار الوحش بقرة) ش: وكذا في بقر الوحش بقرة، وفي الثعلب الجزاء، روي ذلك عن عطاء، وقتادة ومالك، والشافعي، وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في رواية الجزاء هو الشاة، ولا شيء فيه عند الزهري، وعمرو بن دينار، وابن أبي نجيح، وابن المنذر، وروى ابن القاسم عن مالك في الضب قيمته طعاماً، أو صياماً، وفي رواية ابن وهب شاة، وأوجب ابن حبيب في الدب الجزاء، وأوجب الرافعي الجزاء في أم حبين بضم الحاء المهملة، وفتح الباء الموحدة وروى الشافعي والبيهقي بإسناد عن عثمان بحلاب من المغنم بضم الحاء المهملة وتشديد اللام، وهو الحمل أي الحرون، وفي إسناده مطرف بن مازن وهو ضعيف جداً، وقال يحيى بن معين: هو كذاب. واختلف الشافعية في حل أكل أم حبين، وقال النووي: الأصح حل أكلها، ووجوب الجزاء فيها، وأم حبين دابة على صورة الحرباء، وعن عطاء في القنفذ شاة رواه عنه سعيد بن منصور، وهو شذوذ؛ لأن القنفذ لا يشبه الشاة لا في الصورة ولا في المعنى، ولا في القيمة. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] (المائدة الآية: 95) ، ومثله من النعم ما يشبه المقتول صورة) ش: لأن من النعم بيان المثل م: (لأن القيمة لا تكون نعما. والصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أوجبوا النظير من حيث الخلقة والمنظر في النعامة والظبي وحمار الوحش والأرنب على ما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 النظير من حيث الخلقة، والمنظر في النعامة، والظبي، وحمار الوحش، والأرنب على ما بينا. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الضبع صيد وفيه شاة» ، وما ليس له نظير عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب فيه القيمة مثل العصفور، والحمام، وأشباههما، وإذا وجبت القيمة كان قوله كقولهما، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يوجب في الحمامة شاة   [البناية] بيناه) ش: أراد به ما ذكره من قوله: ففي الظبي شاة ... إلى آخره، والمراد من الصحابة جماعة منهم على ما رواه الشافعي، ومن جهة ما رواه البيهقي في " سننه " عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء الخراساني أن عمر، وعثمان، وعلياً، وزيد بن ثابت، وابن عباس، ومعاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قالوا في النعامة يقتلها المحرم بدنة من الإبل، انتهى. وقال الشافعي: إنما القول في النعامة بدنة بالقياس لا بهذا الأثر فإن هذا الأثر غير ثابت عند أهل العلم بالحديث، قال البيهقي: وسبب عدم ثبوته أن فيه ضعفاً وانقطاعاً، وذلك لأن عطاء الخراساني ولد سنة خمسين، قال ابن معين وغيره: فلم يدرك عمر، ولا عثمان، ولا علياً , ولا زيد بن ثابت، وكان في زمن معاوية صبياً , ولم يثبت له سماع من ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مع احتمال أن ابن عباس توفي سنة ثمان وتسعين، وعطاء الخراساني مع انقطاع حديثه هذا متكلم فيه، وروى مالك في " الموطأ " أخبرنا أبو الزبير عن جابر أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة. م: (وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الضبع صيد وفيه الشاة» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الأربعة أصحاب السنن من «حديث جابر بن عبد الله، قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الضبع أصيد هو، قال: " نعم، ويجعل فيه كبش» ، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح م: (وما ليس له نظير) ش: أي من حيث الخلقة م: (عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب فيه القيمة مثل العصفور، والحمام، وأشباههما) ش: مثل الحمام، والقمري، والفاختة. م: (وإذا وجبت القيمة كان قوله) ش: أي قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كقولهما) ش: أي كقول أبي يوسف، وأبي حنيفة في تغريم الصيد، والشراء، بقيمة الهدي، وإن بلغت هدياً , أو اشترى بها طعاماً للمتصدق كما مر عن قريب، وحاصل الخلاف في موضعين، أحدهما أن الخيار إلى القاتل عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - معهما في هذا، والله أعلم. م: (والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يوجب في الحمامة) ش: وليس للحكم إلا تعيين القيمة عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الخيار للحكمين، والثاني: تجب القيمة فيما له نظير، أو لم يكن له نظير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 ويثبت المشابهة بينهما من حيث إن كل واحد منهما يعب ويهدر، ولأبي حنيفة وأبي يوسف أن المثل المطلق هو المثل صورة ومعنى، ولا يمكن الحمل عليه فحمل على المثل معنى لكونه معهودا في الشرع كما في حقوق العباد، أو لكونه مرادا بالإجماع   [البناية] عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - معهما في هذا، والله أعلم. الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يوجب في الحمامة شاة م: (ويثبت المشابهة بينهما من حيث إن كل واحد منهما يعب) ش: من العب وهو شرب الماء بلا مص، وهو جرعه جرعاً شديداً، كما تجرع الدواب، ويقال: العب أن يشرب الماء مرة من غير أن يقطع الجرع من باب طلب، وقال أبو عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: والحمام يشرب هكذا، بخلاف سائر الطيور، فإنها تشرب شيئاً فشيئاً. م: (ويهدر، ولأبي حنيفة وأبي يوسف) ش: من هدر البعير والحمام إذا صوت من باب ضرب يضرب، والشاة ليست نظيرة للحمامة، لا في الصورة، ولا في المعنى، ولا في القيمة فإن الحمامة تساوي نصف درهم، والشاة تساوي عشرين درهماً , بل وثلاثين وأكثر، والشاة من ذوات الظلف تمشي على أربع، والحمامة من الطيور ولها جناحان، وتمشي على رجلين، ولا اعتبار للعب إذا لم يرد اعتبار أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن المثل المطلق هو المثل صورة ومعنى) ش: أراد أن الله - عز وجل - أطلق المثل في قوله: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] والمطلق ينصرف إلى الكامل، وهو المثل من حيث الصورة، ومن حيث المعنى م: (ولا يمكن الحمل عليه) ش: أي على مثل صورة، ومعنى الخروج ما ليس له مثل صوري من تأويل النص، وفي ذلك إهمال عن حكم الشرع. م: (فحمل على المثل معنى لكونه معهودا في الشرع) ش: أي لكون المثل معهوداً في الشرع، كما إذا أتلف إنسان ثوب غيره مثلاً تجب عليه قيمته، أما اعتبار الصورة فلا معنى فليس بمعهود في الشرع، ولو كان من الواجب من حيث الخلقة لم يحتج فيه إلى حكم عدلين لحصول العلم بالحس والمشاهدة. م: (كما في حقوق العباد) ش: فإن الحكم فيها بالمثل المعنوي، قال الله تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] (البقرة: الآية 194) ، وثمة لما تعذر الحمل على المثل صورة ومعنى حمل على المثل معنى، فكذلك هاهنا م: (أو لكونه) ش: أي أو لكون المثل المعنوي م: (مرادا بالإجماع) ش: فيما لا مثل له صورة كالعصفور، فلا يكون غيره مراداً، وإلا لزم عموم المشترك المعنوي، ولا عموم له في موضع الإثبات، ولما فيه من الجمع بين الحقيقة والمجاز، وكلاهما غير جائز. فإن قلت: المثل ليس بمشترك بين المثل صورة، وبين المثل معنى، ولا هو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر، حتى يلزم ما ذكرتم، بل هو مطلق يتناول الصورة والمعنى، كما أنه يتناول المؤمنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 أو لما فيه من التعميم، وفي ضده التخصيص، والمراد بالنص - والله أعلم - فجزاء قيمة ما قتل من النعم الوحشي، واسم النعم يطلق على الوحشي والأهلي، كذا قاله أبو عبيدة والأصمعي - رحمهما الله عنه - والمراد بما روي   [البناية] والكافرة، فيدخل تحت المثل المطلق والمعنوي، كما في قَوْله تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] دخل ما له مثل صورة ومعنى، كما في المثليات، وما ليس له مثل لا معنى كالقيمات. قلت: أجيب بأن المطلق ما يتعرض للذات دون الصفات، لا بالنفي، ولا بالإثبات، فهو الدال على الماهية فقط، وذلك يتحقق تحته كل فرد من أفراده المحتملة، فلو كان دالاً على ذلك لوجبت النعامة على النعامة، وليس كذلك بل حقيقة فيه في المطلق، ومجاز في غيره، والمجاز هنا مراد بالإجماع، فلا يكون غيره مراداً، ومثل ذلك قوله في الآية الأخرى. أما على قول من يقول: يوجب الغصب القيمة، ورد مخلص فظاهر؛ لأن الموجب الأصلي أولى بالإرادة ورد العين ثبتت بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «على اليد ما أخذت حتى ترده» ، وأما على قول من يقول بموجب الغصب رد العين وأداء القيمة يخلص فكذلك القيمة ثابتة بالكتاب ورد العين بالسنة وهذا الكلام مبحث من كلام السغناقي، وغيره. م: (أو لما فيه من التعميم) ش: دليل آخر، أي لما في دليل المثل معنى من التعميم؛ لأنه يتناول ما له نظير، وما ليس كذلك م: (وفي ضده التخصيص) ش: وفي اعتبار المثل صورة التخصيص لتناوله ما له نظير فقط، والعمل بالتعميم أولى؛ لأن النص حينئذ أعم فائدة م: (والمراد بالنص - والله أعلم -) ش: هذا جواب عن قوله: لأن القيمة لا تكون نعماً، تقديره، والمراد بالآية م: (فجزاء قيمة ما قتل من النعم الوحشي) ش: ولما اعترض المعترض بقوله: كيف يقول من النعم الوحشي، والنعم يراد به الأهلي، ولا يجب بقتل الأهلي، فأجاب دفعاً لسؤاله بقوله: م: (واسم النعم ينطلق على الوحشي والأهلي، كذا قاله أبو عبيدة) ش: واسمه معمر بن المثنى التميمي من تيم قريش مولاهم، وفي بعض النسخ: أبو عبيد بدون التاء في آخره، واسمه القاسم بن سلام البغدادي صاحب كتاب " الحديث "، والأول أصح م: (والأصمعي) ش: واسمه عبد الملك بن قريب، وهما الإمامان في اللغة ثقتان في نقلهما، فقال: النعم كما يطلق على الأهلي يطلق على الوحشي أيضاً. فإن قلت: ما تصنع بقوله: هدياً، وهو حال من جزاء، فإن كان الجزاء القيمة كيف يمكن أن يكون هدياً بالغ الكعبة، بأن معناه إذا قوم فبلغت قيمته هدياً بالغ الكعبة. م: (والمراد مما روي) ش: هذا الجواب عما روى محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الضبع صيد، وفيه الشاة» لأنه لا مماثلة بين الضبع والشاة من حيث الخلقة، وإنما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 التقديرية دون إيجاب المعين، ثم الخيار إلى القاتل في أن يجعله هديا، أو طعاما، أو صوما عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد والشافعي - رحمهما الله -: الخيار إلى الحكمين في ذلك، فإن حكما بالهدي يجب النظير على ما بينا، وإن حكما بالطعام أو بالصوم، فعلى ما قال أبو حنيفة وأبو يوسف. لهما أن التخيير شرع رفقا بمن عليه، فيكون الخيار إليه كما في كفارة اليمين. ولمحمد والشافعي   [البناية] المماثلة بينهما قد تكون من حيث القيمة، وهذا نظير ما قال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في ولد المعز والغلام بالغلام، والجارية بالجارية، والمراد القيمة، والدليل عليه أنهم أوجبوا في الحمامة شاة، ولا تشابه بينهما في النظر، فدل أنهم أوجبوها بالقيمة م: (التقديرية دون إيجاب المعين، ثم الخيار) ش: يعني بعد حكم الحاكمين يكون الخيار م: (إلى القاتل في أن يجعله) ش: أي في أن يجعل النسك م: (هديا، أو طعاما، أو صوما عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: كما في كفارة اليمين، حيث يكون بالخيار إلى الحالف، يختار أحد الأشياء الثلاثة من الإطعام، والكسوة، والتحرير؛ لأن الخيار للوقت بالحالف فكذا هنا. م: (وعند محمد والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الخيار) ش: أحدثه م: (إلى الحكمين في ذلك) ش: أي في تعيين النوع م: (فإن حكما بالهدي يجب النظير على ما بينا، وإن حكما بالطعام أو بالصوم، فعلى ما قال أبو حنيفة وأبو يوسف) ش: يعني من اعتبار القيمة من حيث المعنى م: (لهما) ش: أي لأبي حنفية، وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أن التخيير شرع رفقا بمن عليه، فيكون الخيار إليه كما في كفارة اليمين) ش: حيث يكون الخيار إلى الحالف، وقد ذكرناه الآن. م: (ولمحمد والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: ذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مع محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كون الخيار إلى الحكمين المذكور في كتب أصحابه أن الخيار إلى القاتل كما في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف - رحمهما الله - ولم يذكر في " المبسوط " , و " الأسرار " و " شرح التأويلات " قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بل اقتصر فيها على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قال الكاكي: ولم يلزم من عدم ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه الكتب عدم كونه مع محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذكر في " الحلية " وما حكمت الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فيه بالمثل لا يحتاج فيه إلى اجتهاده، وما لم يحكم فيه فلا بد من حكمين، ثم قيل: يجوز أن يكون القاتل أحدهما، وفيه وجهان: أحدهما: يجوز، وهو المذهب، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بد من الحكمين في الجميع، وفي " تتمتهم ": لا يتعين على قاتل الصيد إخراج المثل من النعم، ولكنه يخير إن شاء ذبح بالمثل، وإن شاء قومه وصرف قيمته إلى الطعام وتصدق به على كل مسكين مداً , وإن شاء صام بدل كل مد يوماً، وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يخرج الطعام، وإنما التقويم بالطعام لمعرفة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 قَوْله تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا} [المائدة: 95] الآية (95 المائدة) ذكر الهدي منصوبا لأنه تفسير لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ} [المائدة: 95] أو مفعول لحكم الحكم، ثم ذكر الطعام، والصيام بكلمة " أو "، فيكون الخيار إليهما. قلنا: الكفارة عطفت على الجزاء لا على الهدي بدليل أنه مرفوع، وكذا قَوْله تَعَالَى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] مرفوع، فلم يكن فيها دلالة اختيار الحكمين، وإنما يرجع إليهما في تقويم المتلف , ثم الاختيار بعد ذلك إلى من عليه، ويقومان في المكان الذي أصابه لاختلاف القيم باختلاف الأماكن   [البناية] قدر الصيام م: (قَوْله تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا} [المائدة: 95] (المائدة: الآية 95)) ش: ووجه ذلك أنه م: (ذكر الهدي منصوبا لأنه) ش: أي لأن قوله هدياً م: (تفسير لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ} [المائدة: 95] ش: فإن ضمير به مبهم يفسره بقوله: هدياً، فكان نصا على التفسير، قيل: بل التمييز فثبت أن المثل إنما يصير مثلياً باختيارهما وحكمهما م: (أو مفعول لحكم الحكم، ثم ذكر) ش: على أن يكون بدلاً عن الضمير محمولاً على محله، كما في قَوْله تَعَالَى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا} [الأنعام: 161] (الأنعام: الآية 161) ، وفي ذلك تنصيص إلى أن التعيين إلى الحكمين ثم لما ثبت ذلك في الهدي ثبت في الطعام والصيام لعدم القائل بالفعل. م: (الطعام، والصيام بكلمة " أو ") ش: التي للتنويع والتخيير عطفاً على هدياً بدليل قراءة عن ابن عمر أو كفارة بالنصب م: (فيكون الخيار إليهما) ش: ويقال: إن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يرى الاستدلال بالقراءة الشاذة وقراءة عيسى شاذة م: (قلنا) ش: جواب عن استدلال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الكفارة عطفت على الجزاء لا على الهدي) ش: أراد أن ما قالا إنما يصح إذا كانت كفارة معطوفة على الهدايا، وليست معطوفة على هدياً، لاختلاف إعرابها؛ لأن قوله: كفارة معطوفة على الجزاء م: (بدليل أنه) ش: أي أن الجزاء م: (مرفوع به) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: بدليل أنه مرفوع، أي بدليل أن الكفارة مرفوع، وإنما ذكر ضمير الكفارة على تأويل المعطوف، انتهى. وفيه تأمل لا يخفى. م: (وكذا قَوْله تَعَالَى {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] مرفوع) ش: والعدل ما يعادل الشيء من غير جنسه كالصوم والطعام، وذلك إشارة إلى الطعام، وصياماً تمييز للعدل، كقوله: لي مثله رجلاً، فإذا كان الإعراب كذلك م: (فلم يكن فيهما) ش: أي في الآية م: (دلالة اختيار الحكمين) ش: في الطعام والصيام، وإذا لم يثبت الخيار فيها للحكمين لم يثبت للهدي، لعدم القائل بالفضل م: (وإنما يرجع إليهما) ش: أي إلى الحكمين م: (في تقويم المتلف) ش: يعني الحاجة في الرجوع إليهما في تقويم الذي أتلفه القاتل؛ لأن القيمة أمر يقع فيها الاختلاف. م: (ثم الاختيار بعد ذلك) ش: أي بعد التقويم م: (إلى من عليه) ش: الجزاء لا إلى الحكمين م: (ويقومان) ش: يعني الحكمين المتلف م: (في المكان الذي أصابه) ش: أي المحرم م: (لاختلاف القيم) ش: أي قيم الأشياء م: (باختلاف الأماكن) ش: وقال الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقوم بمكة أو بمنى، ومذهب الثلاثة أنه يقوم في موضع الإتلاف؛ لأن الضمان يجب به الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 فإن كان الموضع برية ليس فيه بيع ولا شراء للصيد يعتبر أقرب المواضع إليه مما يباع فيه ويشترى. قالوا: والواحد يكفي، والمثنى أولى؛ لأنه أحوط وأبعد عن الغلط كما في حقوق العباد. وقيل: يعتبر المثنى هاهنا بالنص.   [البناية] كما في سائر الأموال، وفي " المبسوط " لشيخ الإسلام، وكذلك الزمان الذي فيه أصابه؛ لأن القيمة تختلف باختلاف الزمان أيضًا. م: (فإن كان الموضع) ش: الذي قتل فيه الصيد. م: (برية ليس فيه بيع ولا شراء للصيد يعتبر أقرب المواضع إليه) ش: أي إلى الموضع الذي قتل الصيد فيه. م: (مما يباع فيه ويشترى) ش: أي مما يباع في أقرب المواضع ويشترى منه. م: (قالوا) ش: أي المشايخ. م: (والواحد يكفي) ش: لأن قوله: ملزم، ولأنه من باب الخبر لا الشهادة فيقبل قول الواحد العدل. م: (والمثنى) ش: أي الاثنان. م: (أولى؛ لأنه أحوط وأبعد عن الغلط) ش: كما قالوا في شهادة النساء، فيما لا يطلع عليه الرجال، فيقبل فيه قول الواحدة، والمثنى أحوط. م: (كما في حقوق العباد) ، م: (وقيل: يعتبر المثنى هاهنا بالنص) ش: أو يعتبر أن يكون الحكم بفتح الكاف اثنين في جزاء الصيد؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] قوله: هنا، وفي بعض النسخ: هاهنا، أي في قيمة الصيد، وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، قيل: يشترط عند مالك أن يكونا فقيهين، والفقيه ليس بشرط عند الجماعة بالنص، وقال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الكافي ": وعلى طريقة القياس يكفي الواحد للتقويم، وكان المثنى أحوط، ولكن يعتبر حكومة بالنص، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في " الكشاف ": وعن قبيصة أنه أصاب ظبيًا وهو محرم فسأل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فشاور عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثم أمره بذبح شاة، فقال قبيصة: والله ما علم أمير المؤمنين، حتى سأل غيره، فأقبل عليه [ ... ] بالدرة، فقال: أبيض القفاء تقتل الصيد وأنت محرم، وقال الله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] (المائدة: الآية 95) ، فأنا عمر وهذا عبد الرحمن بن عوف، وكذا قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قال في " الكشاف ": عن قبيصة إلى آخره. قلت: روى مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " موطئه " عن عبد الملك بن يزيد البصري عن محمد بن سيرين أن رجلًا جاء إلى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال له: إني أصبت ظبيًا، وأنا محرم، فما ترى في ذلك؟ فقال عمر لرجل إلى جنبه يقال: حتى أحكم أنا، وأنت، قال: فحكما عليه بغير قول الرجل. وهو يقول: هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم في ظبي حتى دعا رجلا فحكم معه، فلما سمعه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دعاه، فقال له: هل تقرأ سورة المائدة؟ قال: لا، قال: لو أخبرتني أنك تقرؤها لأوجعتك بالضرب، إن الله تعالى يقول في كتابه: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 والهدي لا يذبح إلا مكة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] (95 المائدة) ، ويجوز الإطعام في غيرها، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، هو يعتبره بالهدي والجامع التوسعة على سكان الحرم ونحن نقول: الهدي قربة غير معقولة، فيختص بمكان أو زمان. أما الصدقة فقربة معقولة في كل زمان ومكان. والصوم يجوز في غير مكة لأنه قربة في كل مكان، فإن ذبح الهدي بالكوفة أجزأه عن الطعام، معناه إذا تصدق باللحم، وفيه وفاء بقيمة الطعام؛ لأن الإراقة لا تنوب عنه،   [البناية] فأنا عمر، وهذا عبد الرحمن بن عوف، انتهى، وقال أبو عبيد: يعني قوله: [ .... ] ، وتصغى فيها بالغين المعجمة والصاد المهملة. م: (والهدي لا يذبح إلا بمكة؛ لقوله عز وجل: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] ش: م: (المائدة: الآية 95)) ش: أراد بمكة الحرم؛ لأنه تابع مكة، وبه قال الشافعي، وفي الأصح، وفي قول: لا يختص بالحرم، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يختص ما يجب من الفدية بالإحرام، وقال في القديم: ما أساسه في الحل يجوز ذبحه في الحل، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يختص ما يجب من الفدية بالإحرام بمكان، ولنا قَوْله تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وصفه بكونه بالغ الكعبة، والمراد من الكعبة الحرام؛ لأن عين الكعبة غير مراد بالإجماع؛ لأنها تصان عن إراقة الدماء، فأريد بها ما حولها، وهو الحرم الذي له جزء منها. م: (ويجوز الإطعام في غيرها) ش: أي في غير مكة. م: (خلافا للشافعي) ش: أي فإن عنده لا يجوز الإطعام على غير فقراء مكة، وبه قال أبو ثور - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قول عطاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (هو يعتبره بالهدي) ش: أي الشافعي يعتبر الإطعام بالهدي قياسًا عليه. م: (والجامع) ش: أي بين الإطعام والهدي. م: (التوسعة على سكان الحرم) ش: يعني على فقراء مكة. م: (ونحن نقول: الهدي قربة غير معقولة، فيختص بمكان أو زمان. أما الصدقة فقربة معقولة في كل زمان ومكان) ش: فلا يختص بواحدة منها، وقياس الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضعيف؛ لأن ما ثبت بخلاف القياس، فغيره لا يقاس عليه. م: (والصوم يجوز في غير مكة؛ لأنه قربة في كل مكان) ش: فيجوز في مكة وغيرها. م: (فإن ذبح بالكوفة) ش: وفي بعض النسخ: فإن ذبحه، أي فإن ذبح الهدي بغير مكة، وقوله: بالكوفة تمثيل لا تقييد لا يجزئه عن الهدي، ولكنه. م: (أجزأه عن الطعام) ش: يعني جاز بدلًا من الطعام، وبين ذلك بقوله. م: (معناه) ش: أي معنى جوازه عن الطعام. م: (إذا تصدق باللحم، وفيه وفاء بقيمة الطعام) ش: يعني إنما يخرج عن العهدة بالتصدق في هذه إذا أصاب كل مسكين من اللحم ما يبلغ قيمته نصف صاع من البر على قياس كفارة اليمين، أو كسي عشرة مساكين ثوبًا واحدًا أجزأه عن الطعام إذا أصاب كل مسكين منه ما قيمته نصف صاع من البر. م: (لأن الإراقة) ش: أي الإراقة الحاصلة بالمكان غير المحرم. م: (لا تنوب عنه) ش: أي لا تجزئ عن الهدي حتى لو سرف المذبوح أو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 وإذا وقع الاختيار على الهدي يهدي ما يجزيه في الأضحية؛ لأن مطلق اسم الهدي منصرف إليه. وقال محمد والشافعي - رحمهما الله -: يجزي صغار النعم فيها؛ لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أوجبوا عناقا وجفرة. وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: يجوز الصغار على وجه الإطعام، يعني إذا تصدق، وإذا وقع الاختيار على الطعام يقوم المتلف بالطعام عندنا؛   [البناية] ضاع قبل التصدق لا يخرج عن العهدة؛ لأن الإراقة قربة مخصوصة بمكان وزمان. م: (وإذا وقع الاختيار) ش: أي اختيار القاتل. م: (على الهدي يهدي ما يجزيه في الأضحية) ش: وهو الجذع الكبير من الضأن والثني من غيره. م: (لأن مطلق اسم الهدي منصرف إليه) ش: أي إلى ما يجزئ من الأضحية، وذلك في هدي القربان؛ لأن الهدي الصدقة، فإن هدي الصدقة قد يقع على الثوب، كما في قوله: إن فعلت كذا فثوبي هدي، ولكن لا يقع في هدي الصدقة على الثوب، إلا إذا كان أشار بأن قال: ثوبي أو هذا الثوب، فلو قال: إن فعلت كذا فعلي هدي بلا إشارة يقع على شاة؛ لأن الهدي يقع على الإبل، والبقر، والغنم، والشاة أدناه، كذا في " المبسوط "، و" الأسرار ". م: (وقال محمد والشافعي - رحمهما الله: يجزي صغار النعم فيها) . ش: أي في أضحية الهدي. م: (لأن الصحابة أوجبوا عناقا وجفرة) ش: يعني حكموا في الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة، وكلام صاحب " الهداية "، هذا يدل على أن الخلاف في هذه المسألة بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبين محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذكر في " المبسوط "، و" الأسرار "، و" شرح الجامع الصغير " لفخر الإسلام قاضي خان، وغيرهما قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي لعموم قَوْله تَعَالَى: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ} [الأنعام: 146] ؛ فإنه تصدق على الصغير والكبير، والعناق فيهدي ويضحي تبعًا لأمه، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن إراقة الدم ليست بقربة إلا في زمن مخصوص، ومكان مخصوص، وإن لم يوجد شروط كونها قربة لا يكون قربة فلم يكن نسكًا في مقابلة الجناية على الإحرام أو الحرم. م: (وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: يجوز الصغار على وجه الإطعام، يعني إذا تصدق) ش: يعني إذا تصدق به دون إراقة الدم. م: (وإذا وقع الاختيار) ش: أي اختيار القاتل. م: (على الطعام يقوم المتلف بالطعام عندنا) ش: قال الكاكي: المراد به بقوله: عندنا أبو حنيفة، وأبو يوسف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وهو قول مالك، فإن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - المعتبر فيه النظير بناء على أصلهما أن الواجب هو النظير، وقال الأترازي: المراد بقوله: عندنا احترازًا عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لا عن قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ألا ترى إلى ما قال في " شرح مختصر الكرخي " - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: قال أصحابنا: إن الإطعام بدل عن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 لأنه هو المضمون، فيعتبر قيمته. وإذا اشترى بالقيمة طعاما تصدق على كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر. أو شعير، ولا يجوز أن يطعم المسكين أقل من نصف صاع؛ لأن الطعام المذكور ينصرف إلى الطعام المعهود في الشرع. وإن اختار الصيام يقوم المقتول طعاما ثم يصوم عن كل نصف صاع من بر، أو صاع من تمر، أو شعير يوما؛ لأن تقدير الصيام بالمقتول غير ممكن؛ إذ لا قيمة للصيام فقدرناه بالطعام، والتقدير على هذا الوجه معهود في الشرع كما في   [البناية] الصيد. وقال الشافعي: يدل على النظير، وقال في " الإيضاح ": والإطعام بدل عن الصيد بقول الصيد بالطعام، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو بدل عن النظير، تجب شاة، وتقوم الشاة بالطعام، وقال في " شرح الأقطع ": قال أصحابنا: إذا اختار الإطعام أخرج بقيمة المقتول، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بقيمة النظير، وهنا المضمون هو الصيد المقتول، فيعتبر بقيمته لا قيمة نظيره، انتهى. قلت: اعتمد الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هنا على قول الشيخ الإمام حميد الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرحه " المراد من قوله: عندنا، وعند أبي حنيفة، وأبي يوسف - رحمهما الله -، بناء على أن الجزاء يجب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - باعتبار الصورة، وعندهما باعتبار المعنى. م: (لأنه) ش: أي لأن الصيد. م: (هو المضمون، فيعتبر قيمته) ش: وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقوم النظير؛ لأنه حوله إلى الطعام باختياره، فيعتبر قيمة الواجب وهو النظير، وعند الواجب الأصلي قيمة الصيد، فلا يعتبر بتحويله إلى الطعام، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن لم يخرج المثل إلى المثل قوم الصيد إلى المثل؛ لأنه هو الأصل، وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يخرج الطعام وإنما التقويم بالطعام بمعرفة قدره فصيام. م: (وإذا اشترى بالقيمة طعاما تصدق على كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر. أو شعير، ولا يجوز أن يطعم المسكين أقل من نصف صاع) ش: أي من بر أو صاع من شعير. م: (لأن الطعام المذكور ينصرف إلى الطعام المعهود في الشرع) ش: وهو نصف صاع من بر، أو صاع من شعير كما في صدقة الفطر، وكفارة اليمين، والظهار، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يتصدق على كل مسكين مدًا منه، وتقدير الطعام عنده بالمد، وعندنا بالصاع، ومذهبهم مروي عن ابن عباس، ومجاهد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ومذهبنا مروي عن ابن عباس، ومجاهد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أيضًا، وإبراهيم، وعطاء، ومقسم، وقتادة. م: (وإن اختار الصيام يقوم المقتول طعاما ثم يصوم عن كل نصف صاع من بر، أو صاع من تمر، أو شعير يوما؛ لأن تقدير الصيام بالمقتول غير ممكن؛ إذ لا قيمة للصيام فقدرناه بالطعام، والتقدير على هذا الوجه معهود في الشرع) ش: أي تقدير صيام يوم بنصف صاع من بر معهود في الشرع. م: (كما في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 باب الفدية فإن فضل من الطعام أقل من نصف صاع فهو مخير إن شاء تصدق به، وإن شاء صام عنه يوما كاملا؛ لأن الصوم أقل من يوم غير مشروع، وكذلك إن كان الواجب دون طعام مسكين يطعم قدر الواجب أو يصوم يوما كاملا لما قلنا. ولو جرح صيدا أو نتف شعره أو قطع عضوا منه ضمن ما نقصه اعتبارا للبعض بالكل، كما في حقوق العباد. ولو نتف ريش طائر أو قطع قوائم صيد فخرج من حيز الامتناع   [البناية] باب الفدية) ش: فإن الشيخ الفاني يفدي عن صوم كل يوم بنصف صاع من بر. م: (فإن فضل من الطعام أقل من نصف صاع فهو مخير إن شاء تصدق به، وإن شاء صام عنه يوما كاملا؛ لأن الصوم أقل من يوم غير مشروع) ش: وهذا عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وكذلك إن كان الواجب دون طعام مسكين) ش: يعني إن كان الواجب في الأصل دون طعام مسكين، بأن كانت قيمة المقتول أقل منه بأن كان قتل يربوعًا أو عصفورًا، ولم تبلغ قيمة إلا مدًا من الحنطة. م: (يطعم قدر الواجب أو يصوم يوما كاملا لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: لأن الصوم أقل من نصف يوم غير مشروع. م: (ولو جرح) ش: أي المحرم. م: (صيدا أو نتف شعره أو قطع عضوا منه ضمن ما نقصه) ش: يقال بعض الشيء نقصان، ونقصه غيره نقصًا. م: (اعتبارا للبعض بالكل) ش: أي قياسًا لضمان البعض على ضمان الكل، ألا ترى أن من أتلف عضوًا من دابة إنسان يضمن كما إذا أتلف كلها، وفي " المبسوط ": جرح صيدًا، أو نتف شعره، أو ريشه، أو قلع سنه فنبت كما كان، ونبت سنه مكانها، فلا شيء عليه عندهما، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يلزمه صدقة الإثم، وإن غاب الصيد ولم يعلم هل مات أو برئ يضمن النقصان، وعند الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يلزمه جميع القيمة احتياطًا كمن أخذ صيدًا من الحرم ثم أرسله، ولم يعلم دخوله في الحرم، وفي " الخزانة ": لو قطع المحرم يد الصيد، ثم قطع الآخر رجله فعلى الأول ما نقصه جرحه من قيمته، وبه جرح الأول. وقالت المالكية - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: جرح صيدًا أو اندمل لا شيء عليه. وقال أشهب - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن النقص وهو قول الشافعي، وأحمد - رحمهما الله: ولو خلص حمامة من سنور، أو سبع، أو شبكة، أو أخذ الصيد فتخلص خيط من رجله فقطعت فلا شيء عليه عند الجمهور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وقال قتادة: يضمن، وفي " المبسوط ": نفر الصيد منه بغير صنعه، فانكسر رجله فلا شيء عليه، ولو نفر تنفيره فوقع في بئر أو صدم على شيء فعليه الجزاء، وكذا لو كان راكبًا أو سائقا أو قائدًا فأتلفت الدابة بيدها أو رجلها أو فيها صيدًا فعليه الجزاء، وكذا لو نفذ السهم منه فقتله آخر يجب عليه جزاؤها، ولو تعلق بطنب فسطاط المحرم، أو حفر بئرًا للماء، أو تنورًا للخبز فعقب فيهما فلا شيء عليه. م: (كما في حقوق العباد) ش: حيث يعتبر ضمان البعض بضمان الكل. م: (ولو نتف ريش طائر أو قطع قوائم صيد فخرج من حيز الامتناع) ش: فقد يكون بالطيران، وقد يكون بالعدو وقد يكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 فعليه قيمته كاملة؛ لأنه فوت عليه الأمن بتفويت آلة الامتناع فيغرم جزاءه. ومن كسر بيض نعامة فعليه قيمته، وهذا مروي عن علي، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولأنه أصل الصيد، وله عرضية أن يصير صيدا، فنزل منزلة الصيد احتياطا   [البناية] بدخوله في حجره والحيز أصله الحيوز، اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، فصار حيزًا، والحيز الجانب، ومنه حيز الدراهم، وهو ما انضم إليها من جوانبها. م: (فعليه قيمته كاملة؛ لأنه فوت عليه الأمن بتفويت آلة الامتناع فيغرم جزاءه) ش: كما إذا قطع قوائم فرس لآدمي؛ لأن الصيد هو الممتنع المتوحش بأصل الخلقة، ولم يبق بعد نتف ريشه، وقطع قوائمه، كونه ممتنعًا إذا كان بحيث لا يقدر أحد على التصرف، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أصح قوليه معنًا، وعن ابن شريح من أصحابه أنه يجب عليه قدر النقصان؛ لأنه لم يهلكه بالكلية. م: (ومن كسر بيض نعامة فعليه قيمته) ش: أي قيمة البيض، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال المزني - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وداود - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب فيه شيء لأنه لم يكن صيدًا حقيقة، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تضمينه بعشر قيمة الطير الناقص تشبيهًا بجنين الأمة، كذا في " تتمتهم "، وفي " مبسوط " شيخ الإسلام الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كانت البيضة صحيحة غير مذرة يضمن عشر قيمة ما يخرج منه، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما في جنين الميت يلزمه عشر قيمة الأم. وقال ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه درهم. م: (وهذا مروي) ش: أي هذا الذي ذكرنا مروي. م: (عن علي، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) . ش: أما حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فغريب يعني لا أصل له، وأما حديث عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فرواه عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه " حدثنا سفيان الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عبد الكريم الحروي، عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: في كل بيضتين درهم، وفي كل بيضة نصف درهم، قال: وحدثنا وكيع، وابن نمير عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال في بيض النعامة قيمته، وهذا منقطع؛ لأن إبراهيم النخعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لم يدرك عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (ولأنه) ش: أي ولأن بيض النعامة. م: (أصل الصيد، وله عرضية أن يصير صيدا) ش: قوله: وله أي للبيض على أن يصير صيدًا، فصار كالصيد. م: (فنزل منزلة الصيد احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط لئلا يأثم على تقدير كونه صيدًا، والاحتياط في اللغة الحفظ، وفي الاصطلاح: حفظ النفس عن الوقوع في المأثم، وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " الموطأ ": أرى في بيض النعامة عشر البدنة، وفي " النعمانية ": وجوب القيمة في بيض النعامة قول عمر بن الخطاب، وعبد الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 ما لم يفسد. فإن خرج من البيض فرخ ميت فعليه قيمته حيا، وهذا استحسان، والقياس أن لا يغرم سوى البيضة؛ لأن حياة الفرخ غير معلومة. وجه الاستحسان أن البيض معد؛ ليخرج منه الفرخ الحي، والكسر قبل أوانه سبب لموته فيحال به عليه احتياطا، وعلى هذا إذا ضرب بطن ظبية فألقت جنينا ميتا وماتت فعليه قيمتهما. وليس في قتل الغراب، والحدأة، والذئب، والحية، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور جزاء؛   [البناية] ابن مسعود، وابن عباس، والشعبي، والنخعي، والزهري، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور، قال أبو عبيدة، وأبو موسى الأشعري: يجب صوم يوم، أو طعام مسكين. وقال الحسن البصري: فيه جنين من الإبل، وقال مالك: فيه عشر البدنة، وقال السروجي: وتجب القيمة في بيض جميع الطيور. م: (ما لم يفسد) ش: أي بيض النعامة، إنما يجب ما لم يكن مذرًا؛ لأن المذرة لا شيء فيها. م: (فإن خرج من البيض فرخ ميت فعليه قيمته حيا) ش: أي قيمة الفرخ، ولو كان حيًا، وبه صرح في " المبسوط "، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء فيه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا إذا لم يعلم أن موته بالكسر أم لا، ولو علم أنه كان ميتًا بغير الكسر لا شيء عليه. م: (وهذا استحسان) ش: أي وجوب القيمة استحسان، ووجهه يأتي الآن. م: (والقياس أن لا يغرم سوى البيضة؛ لأن حياة الفرخ غير معلومة. وجه الاستحسان أن البيض معد؛ ليخرج منه الفرخ الحي، والكسر قبل أوانه سبب لموته فيحال به عليه) ش: أي يضاف بالموت على الكسر، والباء صلة واصلة بحال الموت على الكسر. م: (احتياطا) ش: فعليه قيمته. م: (وعلى هذا) ش: أي على القياس، والاستحسان. م: (إذا ضرب بطن ظبية فألقت جنينا ميتا وماتت فعليه قيمتهما) ش: أي قيمة الظبية وجنينها، ففي القياس: لا يغرم، وفي الاستحسان: يغرم، وعند الشافعي في الأم: المثل، وفي الجنين: ما ينقض من قيمتها بالوضع، وينبغي أن لا يجب قيمة الجنين كما لو ضرب بطن جارية فأسقطت جنينًا ميتًا، ثم ماتت هي كان عليه قيمة الجارية أو دية الحرة لا ضمان الجنين، فكيف وجبت هنا قيمة الجنين. أجيب: بأن الجنين في حكم الجزء من وجه، وفي حكم النفس من وجه فالضمان الواجب في حق العباد غير مبني على الاحتياط، فلا يجب في موضع النسك، وأما جزاء الصيد فمبني على الاحتياط فيرجع فيه شبهة النفس في الجنين ووجوب الجزاء. م: (وليس في قتل الغراب، والحدأة، والذئب، والحية، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور جزاء) ش: ذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أول هذا الفصل حيث قال: فاستثنى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخمس الفواسق، وعدها ستًا، وأعادها هاهنا مع زيادة الفأرة، فصارت سبعة، وذكرنا الكلام في المستقصى، قلت: الذئب هناك وهاهنا. وقال الأترازي: أما الذئب فلم يذكر في الروايات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم: الحدأة، والحية، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور» وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يقتل المحرم الفأرة، والغراب، والحدأة، والعقرب، والحية، والكلب العقور» وقد ذكر الذئب في بعض الروايات   [البناية] الصحيحة في كتب الأحاديث، ولهذا لم يبح قتله ابتداء على رواية الطحاوي، وعلى رواية الكرخي يباح قتله، ثم قال: محصله أن الذئب لا يباح قتله؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر الخمس ما هن، فذكر الخمس يدل على أن غير الخمس حكمه غير حكمها، وإلا لم يكن لذكر الخمس معنى، انتهى. قلت: ذكر العدد المعين لا ينافي ما زاد عليه، وكل واحد من المزيد والمزيد عليه، معنى باعتبار حال يقتضي ذلك، وقد ذكرنا هناك من روى الذئب من أهل الحديث، وذكرنا ما قالوا فيه، وقال: ذكر المصنف في أول هذا الفصل الستة على رواية أو الدلالة. قلت: كان هذا جواب عن سؤال مقدر، تقديره أن يقال: لم يذكر الذئب في الأحاديث التي أخرجها الشيخان وغيرهما، وليس فيها ذكر الذئب، فالمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره زيادة عليهما، فأجاب إنما ذكره من حيث رواية جاءت فيه أو من حيث دلالة النص، فإن في الذئب ما في الكلب مع الزيادة. وجاء في بعض الروايات أن الكلب العقور هو الذئب، وروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وغيره. وأما الفأرة ففيما رواه البخاري، ومسلم عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم؛ الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور» وفي لفظ لمسلم: «الحية عوض عن العقرب» وفي لفظ لهما: «خمس من الدواب كلهن فواسق» . وفي لفظ لمسلم: «أربع كلهن فواسق يقتلن في الحل، والحرم: الحدأة، والغراب، والفأرة، والكلب العقور» انتهى، وسميت الفأرة فويسقة لخروجها من جحرها لأذى الناس، وإفساد أموالهم. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم: الحدأة والحية، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور» ش: هذا الحديث روي بوجوه في " الصحاح " كما ذكرنا، والأقرب لما ذكر المصنف حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وليس فيه الحية وفيه العقرب. م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يقتل المحرم الفأرة، والغراب، والحدأة، والعقرب، والحية، والكلب العقور» ش: هذا الحديث رواه البخاري، ومسلم، عن إحدى نسوة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يقتل المحرم: الكلب العقور، والفأرة، والعقرب، والحية، والغراب» وهذا كما ترى فيه تقديم وتأخير بين رواية المصنف، وبين رواية البخاري ومسلم. م: (وقد ذكر الذئب في بعض الروايات) ش: قد ذكرنا في أول الفصل من رواه وما حاله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 وقيل: المراد بالكلب العقور الذئب، أو يقال إن الذئب في معناه، والمراد بالغراب الذي يأكل الجيف ويخلط؛ لأنه يبتدئ بالأذى، أما العقعق فغير مستثنى؛ لأنه لا يسمى غرابا ولا يبتدئ بالأذى. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الكلب العقور وغير العقور، والمستأنس، والمتوحش، منهما سواء؛ لأن المعتبر في ذلك الجنس، وكذا الفأرة الأهلية والوحشية سواء. والضب واليربوع ليسا من الخمس المستثناة؛ لأنهما لا يبتدئان بالأذى.   [البناية] فليراجع هناك، وفي قوله: ذكر يجوز أن يكون على صيغة المعلوم، وأن يكون على صيغة المجهول، والثاني أقرب. م: (وقيل: المراد بالكلب العقور الذئب) ش: قد مر الآن أثر روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الكلب العقور الذئب. م: (أو يقال: إن الذئب في معناه) ش: أي في معنى الكلب العقور، وأشار بالقول الأول إلى أن ذكر الذئب يثبت بالرواية وبالقول الكافي إلى أنه بدلالة النص. م: (والمراد بالغراب) ش: أي المذكور في الحديث. م: (الذي يأكل الجيف) ش: جمع جيفة. م: (ويخلط) ش: أي يخلط الحب بالنجس يعني يأكل الحب تارة، ويأكل النجس أخرى، وقد ذكره المصنف في أول هذا الفصل، والمراد بالغراب: هو الذي يأكل الجيف هو المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأعاده هنا، وزاد فيه لفظ: ويخلط، وقوله م: (لأنه يبتدئ بالأذى) ش: ويراد بهذا ما قاله الأكمل بأن هذا وقع تكرارًا، وكان هذا مستغنى عن ذكره، والمؤذي يقتل. م: (أما العقعق فغير مستثنى؛ لأنه لا يسمى غرابا ولا يبتدئ بالأذى) ش: أما عدم تسميته غرابًا فمسلم، وأما عدم ابتدائه بالأذى ففيه نظر؛ لأنه دائمًا يقع على دبر الدابة، فينبغي أن لا يجب فيه الجزاء، انتهى. قلت: هذا عجيب منه؛ لأنه قال: أولًا لا يبتدئ بالأذى نظر. وقال الجوهري: العقعق طائر معروف وصوته العقعقة، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيل في صوت العقعق سرور. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الكلب العقور وغير العقور، والمستأنس، والمتوحش منهما) ش: أي من الكلب العقور وغير العقور. م: (سواء؛ لأن المعتبر في ذلك الجنس) ش: يعني الحقيقة التي تسمى كلبًا الأفراد دون فرد، وجنسه ليس بصيد، ولهذا يجوز قتل جنسه فيستوي فيه الأهلي، والوحشي، والعقور، وغيره، قيل: فيه نظر لأنه نقص لإبطال الوصف المخصوص عليه وهو كونه عقورًا، وأجيب بأنه ليس للقيد بل لإظهار نوع إذائه، فإن ذلك طبع فيه. م: (وكذا الفأرة الأهلية والوحشية سواء) ش: لإطلاق الحديث. م: (والضب واليربوع ليسا من الخمس المستثناة؛ لأنهما لا يبتدئان بالأذى) ش: يعني يجب في قتل كل منهما الجزاء لأنهما من الصيود؛ لأنهما يمتنعان وحشيان بأصل الخلقة، ولا يبتدئان بالأذى، بخلاف الفأرة فإنها مستثناة؛ ولأنه ينقب الغرائر ويسرق أموال الناس ويضرم عليهم بيوتهم، ويدخل المضائق، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 وليس في قتل البعوض والنمل والبراغيث والقراد شيء؛ لأنها ليست بصيود، وليست بمتولدة من البدن، ثم هي مؤذية بطباعها، والمراد بالنمل السوداء، أو الصفراء التي تؤذي، وما لا يؤذي لا يحل قتلها، ولكن لا يجب الجزاء للعلة الأولى. ومن قتل قملة تصدق بما شاء مثل كف من طعام؛   [البناية] ويفسد فسادًا كبيرًا، ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في السمود، والدلف الجزاء؛ لأنهما من الجنس الممتنع المتوحش الذي لا يبتدئ بالأذى. [قتل المحرم للبعوض والنمل] م: (وليس في قتل البعوض والنمل والبراغيث والقراد شيء؛ لأنها ليست بصيود) ش: لأنها ليست بمتوحشة عن الأذى، بل هي طالبة للأذى وليست هذه الأشياء من قضاء التفث، م: (وليست بمتولدة من البدن) ش: واحترز به عن القملة على ما يجيء، وذكر علتين، وإن كانا علتين؛ لأنه ذكر في موضع السلب، وفي موضع السلب يكون بعلل كثيرة بمعنى علة واحدة في أن الحكم ينتفي بالجميع كما ينتفي بانتفاء الواحدة. وفي " المحيط ": ليس في قتل القنافذ، والخنافس، والسلاحف، والوزغ، والذباب، والزنبور، والدلمة، وصياح الليل والصرصر وأم جنين، وابن عرس شيء لأنهما من هوام الأرض وحشراتها وليست بصيود، ولا متولدة من البدن، بخلاف القمل، ولم يوجب عمر، وعطاء، وأبو ثور، والشافعي، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فيها شيئًا، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب الجزاء بقتل القنفذ. م: (ثم هي) ش: أي البعوض وما ذكر معه. م: (مؤذية بطباعها) ش: فلا يجب الجزاء بقتلها. م: (والمراد بالنمل السوداء، أو الصفراء التي تؤذي) ش: أي مراد محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله: وليس في قتل البعوض والنمل إلى آخر ما ذكره في " الجامع الصغير "، ولفظه محرم قتل برغوثة أو بقة أو نملة فلا شيء عليه، ولم يذكر في الأصل البرغوث والبق. م: (وما لا يؤذي لا يحل قتلها) ش: أي النمل التي لا تؤذي لا يحل قلتها، يعني النملة، ولكن لا يحل قتلها، ومع هذا إذا قتلها المحرم. م: (ولكن لا يجب عليه الجزاء للعلة الأولى) ش: وهي أنها ليست بمتولدة من البدن، والعلة الثانية كونها مؤذية بطباعها. م: (ومن قتل قملة تصدق بما شاء) ش: ذكر في " الجامع الصغير "، وإن قتل قملة أطعم شيئًا، وقال في الأصل: تصدق بشيء، ولفظ شيء يشمل القليل والكثير، وأوضحه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله. م: (مثل كف من طعام) ش: وكذا ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرحه "، حيث قال: يتصدق بما شاء بكف من طعام، وقال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولم يذكر في ظاهر الرواية مقدار الصدقة ثم قال: وذكر الحسن بن زياد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: إذا قتل المحرم قملة، أو ألقاها أطعم كسرة، وإن كانت اثنتين، أو ثلاثة أطعم قبضة من الطعام، وإن كان أكثر أطعم نصف الصاع، ولو ألقاها على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 لأنها متولدة من التفث الذي على البدن، وفي " الجامع الصغير " أطعم شيئا، وهذا يدل على أنه يجزيه أن يطعم مسكينا شيئا يسيرا على سبيل الإباحة وإن لم يكن مشبعا. ومن قتل جرادة تصدق بما شاء،   [البناية] الأرض تصدق بما شاء، ولو كانت ساقطة على الأرض فقتلها، فلا شيء عليه، كما في البرغوث. وفي " الفتاوى ": محرم وضع ثيابه في الشمس ليقتل حر الشمس القمل فعليه الجزاء، ولو وضع في الشمس، ولم يقصد قتل القمل لا شيء عليه، كما لو فتل الثوب فمات القمل، انتهى. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لو كثر القمل على بدنه، أو ثيابه لم يكره تنحيته، ولو قتله لم يلزمه شيء، ويكره أن يفلي رأسه ولحيته، فإن فعل وأخرج منها قملة وقتلها يتصدق ولو بلقمة، لما فيه من إزالة الأذى عن الرأس، وكذا في " شرح الوجيز ". وروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أطعم شيئًا كثيرًا في قملة قتلها. وفي اثنتين وثلاث كف من طعام، وعن أبي يوسف في القملة كف من دقيق، كذا في " المحيط "، و" قاضي خان "، وفي " عيون المسائل ": ألقى قملة من رأسه أطعم كسرة خبز، وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يتصدق بكسرة، أو قطعة، أو قبضة من طعام، وعن مالك لا يقتله، ولا يطرحه من رأسه، فإن قتله فعليه حفنة من طعام، وقال أحمد: يطعم شيئا كما قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال إسحاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - تمرة فما فوقها، وقال النووي: يكفر إذا كثر، وعن عطاء، وقتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قبضة من طعام، وقال سعيد بن المسيب، وابن جبير، وطاوس، وأبو ثور: لا شيء فيها، وقال ابن المنذر: ليس لمن أوجب فيها شيئًا حجة، وللمحرم أن يعود لغيره، وهو قول عمر بن الخطاب، وابن عباس، وجابر بن زيد، وعطاء، والشافعي، وابن حنبل، وأكثر أهل العلم، وكرهه ابن عمر، ومالك. وفي " المنتقى ": قال الحلال: [من قال] : ارفع هذا القمل عني فعليه الكفارة، وفي " العيون ": ولو أشار المحرم إلى قملة فقتله المشار إليه يجب على المشير الجزاء، قال السروجي: في هذا بعد؛ لأن القمل ليس بمصيد حتى يجعل بالإشارة مزيلًا للأمن. م: (لأنها) ش: أي لأن القملة. م: (متولدة من التفث الذي على البدن) ش: أي من الوسخ والدرن أي على البدن من قلة الإزالة وعدم التنظيف. م: (وفي " الجامع الصغير " أطعم شيئا) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": إذا قتل قملة أطعم شيئًا من غير تعيين، وقال المنصف: م: (وهذا) ش: أي الذي ذكره في " الجامع الصغير ". م: (يدل على أنه يجزيه أن يطعم مسكينا شيئا يسيرا على سبيل الإباحة وإن لم يكن مشبعا) ش: ككسر خبز ونحوها. م: (ومن قتل جرادة تصدق بما شاء) ش: قوله: بما يشمل القليل والكثير، وروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 لأن الجراد من صيد البر، فإن صيد ما لا يمكن أخذه إلا بحيلة ويقصده الآخذ. وتمرة خير من جرادة؛ لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تمرة خير من جرادة.   [البناية] وفي الجرادة: تمرة أيضًا أنه أمر في جرادات بقبضة من طعام، وعنه التمرة خير من جرادة، وعنه التمرتان أحب إلي من جرادتين، أخرجه سعيد بن منصور - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لأن الجراد من صيد البر، فإن الصيد ما لا يمكن أخذه إلا بحيلة ويقصده الآخذ) ش: اختلف العلماء في الجراد، فروي أنه من صيد البحر. وكذا ذكره الترمذي من حديث أبي المهزم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قال: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة، أو عمرة فاستقبلنا رجل من جراد، فجعلنا نضربه بأسيافنا أو عصينا، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " كلوه فإنه من صيد البحر» وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا حديث غريب، وأبو المهزم اسمه يزيد بن سفيان، وقد تكلم فيه شعبة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ورواه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - من رواية حبيب المعلم عن أبي الهرم، وقال: المهزم ضعيف، والحديث وهم. قلت: وجه الوهم أن حماد بن سلمة رواه عن ميمون بن جابان عن أبي رافع عن كعب قوله: غير مرفوع، والرجل بكسر الراء، وسكون الجيم الجماعة الكثيرة من الجراد، ولا يقال ذلك إلا للجراد خاصة، وفي رواية الترمذي: وقع أسياطنا جمع سوط، والمشهور أسواط، والصحيح أنه من صيد البر، كما قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيجب الجزاء بقتله، قال شيخنا زين الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو قول عمر، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وعطاء بن أبي رباح، وبه قال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي في قوله الصحيح المشهور، كما حكاه ابن العربي عن أكثر أهل العلم، وقال شيخنا: وفيه قول ثالث، وهو أنه من صيد البر والبحر، ورواه سعيد بن منصور في " سننه " عن هشيم عن منصور. وعن الحسن قوله: م: (وتمرة خير من جرادة؛ لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تمرة خير من جرادة) ش: وقصة أن أهل حمص أصابوا جرادًا كثيرًا في إحرامهم، وجعلوا يتصدقون مكان كل جرادة بدرهم، فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إن دراهمكم كثيرة يا أهل حمص، تمرة خير من جرادة، وروى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الموطأ " أخبرنا يحيى بن سعيد أن رجلًا سأل عمر - رضي الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 ولا شيء عليه في قتل السلحفاة؛ لأنه من الهوام والحشرات، فأشبه الخنافس والوزغات، ويمكن أخذها من غير حيلة، وكذا لا يقصد بالأخذ فلم يكن صيدا، ومن حلب صيد الحرم فعليه قيمته؛ لأن اللبن من أجزاء الصيد، فأشبه كله. ومن قتل ما لا يؤكل لحمه من الصيد كالسباع   [البناية] عنه - عن جرادة قتلها وهو محرم، فقال عمر لكعب: يقال: حتى يحكم كعب بدرهم، فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لكعب: إنك لتجد الدراهم، تمرة خير من جرادة. م: (ولا شيء عليه) ش: أي على المحرم. م: (في قتل السلحفاة) ش: بضم السين وفتح اللام وسكون الحاء نوع من حيوان الماء معروف، وقد يكون في البر وجمعها سحالف، وسلاحف، قال الفراء: الذكر من السلاحف العلم والأنثى في لغة بني أسد السلحفاة، وحكى أبو عبيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن بعضهم سلحفة، مثل بالهبة لكنها أي جمع حرة، قال صاحب " الديوان ": هي صغار دواب الأرض. م: (لأنه من الهوام والحشرات، فأشبه الخنافس) ش: وهو جمع خنفساء بضم الفاء، وفي كتاب " الجمهور ": وصححها بالضم والفتح جميعًا، وهو دويبة سوداء منتنة الريح، وجاء في معناها الخنفس والخنفسة بفتح الفاء. م: (والوزغات) ش: جمع وزغة وهي المسماة أم أبرص. م: (ويمكن أخذها) ش: أي أخذ السلحفاة. م: (من غير حيلة، وكذا لا يقصد بالأخذ فلم يكن صيدا) ش: فلا يجب بقتلها الجزاء، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ومن حلب صيد الحرم فعليه قيمته؛ لأن اللبن من أجزاء الصيد) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا} [المؤمنون: 21] (المؤمنون: الآية 21) ، وكلمة من للتبعيض، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وقال الروياني - رَحِمَهُ اللَّهُ - من الشافعية والقاضي من الحنابلة: لا يضمنه، وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن نقص الصيد ضمنه وإلا فلا. وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ونقله عنه غلط. وقال الكرماني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لو حلب الصيد فعليه ما نقص بحلبه يرويه قوم به نقص الصيد عن ضمان اللبن. م: (فأشبه كله) ش: أي فأشبه لبنه كله؛ لأنه يتولد من عينه، وتناول الصيد حرام على المحرم، فكذا ما كان منه اعتبارًا للبعض بالكل. م: (ومن قتل ما لا يؤكل لحمه من الصيد كالسباع) ش: هذا لفظ القدوري بعينه، وقال الإمام حميد الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - أراد بالسباع النمر والأسد والفهد. م: (ونحوها) ش: أراد به القرد والفيل، كذا قاله حميد الدين. وقال الأترازي فيه؛ لأن السبع اسم لكل مختطف ينتهب قاتل عادي عادة، انتهى. قلت: في نظره نظر؛ لأن الوصف الذي وصف به السبع، وقال عادة لا يوجد في القرد والفيل عادة، ثم قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويجوز أن يريد بقوله ونحوها أي ونحو السباع ما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 ونحوها، فعليه الجزاء، إلا ما استثناه الشرع، وهو ما عددناه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب الجزاء؛ لأنها جبلت على الإيذاء، فدخلت في الفواسق المستثناة، وكذا اسم الكلب يتناول السباع بأسرها لغة. ولنا أن السبع صيد لتوحشه، وكونه مقصودا بالأخذ إما لجلده، أو ليصطاد به، أو لدفع أذاه، والقياس على الفواسق ممتنع لما فيه من إبطال العدد   [البناية] لا يؤكل لحمه من السباع: كالطربان والسمور والدلف والفيل والثعلب، انتهى. قلت: فيه تأمل لا يخفى، وقال الأكمل ونحوها، أي سباع الطير، وكذلك قاله الكاكي، وهو الأوجه، وقال السروجي: ولا فرق في ذلك بين سباع البهائم وسباع الطير. م: (فعليه الجزاء، إلا ما استثناه الشرع، وهو ما عددناه) ش: يعني فيما مضى من الخمس الفواسق. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب الجزاء) ش: أي في السباع أصلًا، وبه قال أحمد، وقال مالك: السباع المبتدئة بالضرر من الطير والوحش كالفهد والذئب والغراب لا جزاء فيه وفي غيرها يجب. وفي السروجي قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء فيما لا يؤكل لحمه، ولا في المتولد مما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه كالسمع بكسر السين وسكون الميم، وهو المتولد بين الذئب والضبع. م: (لأنها) ش: أي لأن السباع. م: (جبلت) ش: أي خلقت. م: (على الإيذاء، فدخلت في الفواسق المستثناة) ش: لأنها خلقت مؤذية بطبعها، فكل ما كان في طبعها الإيذاء صار كالخمس الفواسق. م: (وكذا اسم الكلب يتناول السباع بأسرها) ش: أي بجميعها. م: (لغة) ش: أي من حيث اللغة ألا ترى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين دعا على عتبة بن أبي لهب فقال: «اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك؛ فافترسه الأسد بدعائه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . م: (ولنا أن السبع صيد لتوحشه) ش: وبعده عن أعين الناس. م: (وكونه) ش: أي ولكونه. م: (مقصودا بالأخذ إما لجلده) ش: كما في الأسد والنمر. م: (أو ليصطاد به) ش: أي أو لأجل الاصطياد به كالفهد. م: (أو لدفع أذاه) ش: كما في الخنزير فيجب بقتله الجزاء. م: (والقياس على الفواسق ممتنع) . ش: هذا جواب عن قياس الشافعي على الفواسق، تقديره أن يقال هذا القياس ممتنع ضعيف لوجود الفارق. م: (لما فيه) ش: أي في قياسه. م: (من إبطال العدد) ش: الذي نص عليه الشارع، ولا يجوز. فإن قيل: أنتم أبطلتم عدد الخمس حيث ألحقتم بها غيرها. قيل له: نحن ألحقنا بها ما هو في معناها، أما إلحاق السباع المضرة بقلة الإيذاء غير مستقيم، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 واسم الكلب لا يقع على السبع عرفا، والعرف أملك. ولا يجاوز بقيمته شاة، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب بالغة ما بلغت اعتبارا بمأكول اللحم منه. ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الضبع صيد وفيه الشاة؛» ولأن اعتبار قيمته لمكان الانتفاع بجلده، لا لأنه محارب مؤذ، ومن هذا الوجه لا يزداد على قيمة   [البناية] لأن إيذاء الفواسق يتعدى إلينا؛ لأنها تسكن بيوتنا، أما السباع فإيذاؤها لا يتعدى إلينا ولا يستكن في بيوتنا ولا في القرب منا، فلم يكن في معنى المنصوص، فلا يلحق بها. م: (واسم الكلب لا يقع على السبع عرفا، والعرف أملك) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وكذا اسم الكلب يتناول السباع لغة. فأجاب عنه: بأنه لا يقع في عرف الناس بخلاف ما قال؛ لأنهم لا يفهمون من إطلاق اسم الكلب المعروف عندهم، والعرف أرجح وأقوى من الحقيقة اللغوية، ولهذا إذا حلف لا يأكل رأسًا فأكل رأس العصفور لا يحنث لعدم العرف فيه وإن كان رأسًا في الحقيقة. م: (ولا يجاوز بقيمته شاة) ش: أي لا يجاوز بقيمة السبع أو بقيمة ما لا يؤكل لحمه من السباع، ولا يجاوز على صيغة المجهول، وشاة بالرفع؛ لأنه أسنده إلى قوله " لا يجاوز " ويجوز النصب على أنه مفعول ثان، وأسند الفعل إلى الجار والمجرور، والمعنى لا يبلغ دمًا. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب) ش: أي قيمته. م: (بالغة ما بلغت اعتبارا بمأكول اللحم منه) ش: أي من الصيد، يعني كما إذا كان الصيد مأكول اللحم، وكما إذا كان السبع ملكًا لآدمي. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «الضبع صيد وفيه الشاة» ش: هذا غريب جدًا، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولنا ما روى أصحابنا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الضبع صيد، وفيه الشاة» . قلت: هذا أغرب من الأول، ووجه الاستدلال به أنه لما ورد الشرع بتقدير الشاة، لا يزاد عليها؛ لأن المقادير لا اهتداء للرأي فيها. م: (ولأن اعتبار قيمته لمكان الانتفاع بجلده) ش: إذ اللحم غير مأكول. م: (لا لأنه محارب مؤذ) ش: يعني اعتبار القيمة لا لأجل الجلد، معنى المحاربة كما في بعض السباع كالفيل يعلمه أهل الهند المحاربة بحيث يهزم العسكر، وهو معنى مطلوب للملوك والسلاطين، وذلك أمر خارج عن الصيدية، فلا يعتبر، ولا لمعنى الإيذاء، يعني لا يقوم له شرعًا، فينتفي اعتبار الجلد باعتبار اللحم على تقدير كونه مأكول اللحم، ولذلك لا يزيد على قيمة الشاة غالبًا؛ لأن لحم الشاة خير من لحم السبع والضبع. م: (ومن هذا الوجه) ش: أي الوجه الذي ذكره دليلًا عقليًا. م: (لا يزداد على قيمة الشاة ظاهرا) ش: أي بحيث ظاهر الحال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 الشاة ظاهرا، وإذا صال السبع على المحرم فقتله لا شيء عليه. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب اعتبارا بالجمل الصائل. ولنا ما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قتل سبعا وأهدى كبشا، وقال: إنا ابتدأناه؛ ولأن المحرم ممنوع عن التعرض لا عن دفع الأذى، ولهذا كان مأذونا في دفع المتوهم من الأذى كما في الفواسق فلأن يكون مأذونا في دفع المتحقق منه أولى، ومع وجود الإذن من الشارع لا يجب الجزاء حقا له   [البناية] م: (وإذا صال) ش: أي وقت. م: السبع على المحرم فقتله فلا شيء عليه) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وأكثر أهل العلم، وكذا الخلاف في غير السباع، إلا أنه ذكر السبع لما أنه الصياد فيه غالبًا، كذا في " المبسوط ". م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب قيمته اعتبارا بالجمل الصائل) ش: وفي " شرح الأقطع " قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه الضمان إلا في الذئب، وقاسه على الجلد إذا صال على إنسان فقتله إنسان لا تسقط قيمته وإن كان قتله دفعًا للأذى، فكذا هنا. م: (ولنا ما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قتل سبعا وأهدى كبشا، وقال: إنا ابتدأناه) ش: هذا غريب جدًا، وذكره في " المبسوط "، وجه الاستدلال به أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - علل لإهدائه بأصل نفسه، فعلم به أن المحرم إذا لم يبتدئ بقتله، بل قتله دفعًا لصولته لم يجب عليه شيء، وإلا لم يبق للتعليل فائدة، واعترض أن التخصيص بالذكر لا يدل على نفي الحكم على ما عداه فلا يصح الاستدلال. وأجيب بأن ذلك في خطابات الشرع، وأما في الروايات. قيل: فيه نظر؛ لأن قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في هذا المحل بمنزلة خطاب الشرع؛ لأنه في حيز الاستدلال به، فلا يفسده. والجواب: أن الاستدلال إنما هو بفعل، وقوله رواية مسندة. م: (ولأن المحرم ممنوع عن التعرض) ش: هذا الاستدلال بدليل حديث الفواسق، ووجهه أن المحرم ممنوع من جهة الشرع عن التعرض إلى الصيد. م: (لا عن دفع الأذى) ش: أي ليس ممنوعًا عن التعرض لأجل دفع أذاه. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون امتناعه عن التعرض لأجل أذاه. م: (كان مأذونا) ش: من الشرع. م: (في دفع المتوهم) ش: أي الأذى المتوهم. م: (من الأذى كما في الفواسق) ش: الخمس؛ لأنه لما جاز قتلهن لتوهم الأذى منهن. م: (فلأن يكون مأذونا في دفع المتحقق منه) ش: أي الأذى المتحقق، وهو الصيال. م: (أولى) ش: وأبلغ منه، ولهذا لو أمكنه دفعه بغير سلاح فقتله فعليه الجزاء، ذكره الطحاوي [ .... ] ، فلما صار قتله مأذونًا بدلالة النص لا يكون قتله موجبًا للضمان. م: (ومع وجود الإذن من الشارع لا يجب الجزاء حقا له) ش: أي للشارع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 بخلاف الجمل الصائل؛ لأنه لا إذن له من صاحب الحق، وهو العبد. وإن اضطر المحرم إلى قتل صيد فقتله فعليه الجزاء؛ لأن الإذن مقيد بالكفارة بالنص على ما تلوناه من قبل ولا بأس للمحرم أن يذبح الشاة، والبقرة والبعير، والدجاجة، والبط الأهلي؛ لأن هذه الأشياء ليست بصيود؛ لعدم التوحش، والمراد بالبط الذي يكون في المساكن، والحياض؛ لأنه ألوف بأصل الخلقة. ولو ذبح حماما مسرولا   [البناية] م: (بخلاف الجمل الصائل؛ لأنه لا إذن له) ش: موجود. م: (من صاحب الحق، وهو العبد) ش: على أنه روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجب فيه الضمان أيضًا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا يلزم العبد إذا صال بالصيف فقتله المصول عليه، حيث لا يضمن مع أنه لم يوجد الإذن من مالكه كان العبد مضمونًا في الأصل؛ لأنه آدمي مكلف كالحر حقًا له لا حقًا للمولى، لكونه مكلف كمولاه، فإذا جاء المبيح من قبله وهو المحاربة سقط حقه، كما إذا ارتد، وسقوط البتة التي هي ملك المولى إنما كان في ضمن سقوط الأصل، وهو نفسه، فلا يعتبر به، كما إذا ارتد. م: (وإن اضطر المحرم إلى قتل صيد) ش: أي إن اضطر إلى أكل لحم الصيد، وبه صرح في بعض نسخ " مختصر القدوري ". م: (فقتله فعليه الجزاء؛ لأن الإذن) ش: من الشارع. م: (مقيد بالكفارة بالنص) ش: كما في الحلق، وهو قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) . وجه الاستدلال بها أن الحلق محظور الإحرام، وقد أذن له الشارع فيه حال الضرورة مقيدًا بالكفارة، وكذا قتل الصيد محظور الإحرام، فيباح لأجل الضرورة مقيدًا بالكفارة، ولا يسقط عنه ما يتعلق به من الكفارة. م: (على ما تلوناه من قبل) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] ولو وجد المحرم صيدًا وميتة يأكل الميتة، وبه قال مالك وأحمد والثوري - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف والشعبي - رحمهما الله - يأكل الصيد ويؤدي الجزاء. وفي " الذخيرة " جعل الأقوى رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفي " الخزانة " عن ابن سماعة الغصب أولى من الميتة، واختاره الطحاوي. وعند الكرخي يخير. م: (ولا بأس للمحرم أن يذبح الشاة، والبقرة والبعير، والدجاجة، والبط الأهلي) ش: وفي بعض نسخ القدوري البط الكسكري، وهو المنسوب إلى كسكر، ناحية من نواحي بغداد، والمراد الأهلي. م: (لأن هذه الأشياء ليست بصيود؛ لعدم التوحش) ش: لأنها مختلطة بالناس بمرأى أعينهم. م: (والمراد بالبط الذي يكون في المساكن، والحياض؛ لأنه ألوف) ش: مستأنس. م: (بأصل الخلقة) ش: وأما البط الذي يطير فإنه جنس آخر لا يجوز للمحرم ذبحه؛ لأنه من جملة الصيود. م: (ولو ذبح حماما مسرولا) ش: بفتح الواو، وهو ما في رجله ريش، من سرولته إذا ألبسته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 فعليه الجزاء، خلافا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. له أنه ألوف مستأنس، ولا يمتنع بجناحيه لبطء نهوضه، ونحن نقول: الحمام متوحش بأصل الخلقة ممتنع بطيرانه، وإن كان بطيء النهوض، والاستئناس عارض فلم يعتبر، وكذا إذا قتل ظبيا مستأنسا؛ لأنه صيد في الأصل فلا يبطله الاستئناس كالبعير إذا ند لا يأخذ حكم الصيد في الحرمة على المحرم. وإذا ذبح المحرم صيدا فذبيحته ميتة لا يحل أكلها. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحل ما ذبحه المحرم لغيره؛ لأنه عامل له فانتقل فعله إليه.   [البناية] سرويل فتسرول. م: (فعليه الجزاء) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -. م: (خلافا لمالك له) ش: أي لمالك. م: (أنه ألوف مستأنس، ولا يمتنع بجناحيه لبطء نهوضه) ش: فخرج عن حد الصيد. م: (ونحن نقول: الحمام متوحش بأصل الخلقة ممتنع بطيرانه، وإن كان بطيء النهوض، والاستئناس عارض فلم يعتبر) ش: كالظبي وحمار الوحش. فإن قلت: البراءة لا يحل بذكاة الاضطرار حتى لو رمى سهما إلى برج حمام لا يحل، ولو كان صيدًا حل بذكاة الاضطرار. قلت: من الأصحاب من قال: يحل بذكاة الاضطرار، ذكره في " المحيط " فذكاة الاضطرار متعلقة بالعجز لا بكونه صيدًا، ألا ترى أن الثوري لو ند فلم يقدر عليه ذكي بذكاة، إلا وهو ليس بصيد. م: (وكذا إذا قتل ظبيا مستأنسا) ش: أي وكذا يجب الجزاء إذا قتل ظبيًا مستأنسًا في البيوت. م: (لأنه صيد في الأصل فلا يبطله الاستئناس) ش: لأنه عارض. م: (كالبعير إذا ند) ش: أي إذا نفر، ند يند ندودًا، من باب ضرب يضرب. م: (لا يأخذ حكم الصيد في الحرمة على المحرم) ش: لأنه بالندود لا يخرج عن حكمه أهليًا. م: (وإذا ذبح المحرم صيدا فذبيحته ميتة لا يحل أكلها. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحل ما ذبحه المحرم لغيره؛ لأنه عامل له) ش: أي لأن المحرم عامل لغيره. م: (فانتقل فعله إليه) ش: وهذا التعليل يشير إلى أن اللام في " لغيره " تتعلق بقوله " ذبحه " وهكذا ذكره أيضًا في " الإيضاح " لا لقوله " يحل " ولكن ما ذكره في " المبسوط " يدل على أنه حلال لغيره، وسواء ذبحه لأجل غيره أو لأجل نفسه، وفي تتمتهم ما يدل على هذا، قال: ما ذبحه المحرم ميتة فأكله حرام عليه، وهل هو ميتة في حق غيره، فعنه قولان في الجديد يكون ميتة، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لأن ذبحه لا يفيد الحل كذبح المرتد، وفي القديم: يحل لغيره، وفي " السروجي " في " شرح المذهب " للنووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذبيحة المحرم عليه بلا خلاف، وفي تحريمه على غيره قولان الجديد تحريمه وهو الأصح عند أكثرهم، وفي القديم حله وصححه كثير منهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 ولنا: أن الذكاة فعل مشروع، وهذا فعل حرام، فلا يكون ذكاة كذبيحة المجوسي؛ وهذا لأن المشروع هو الذي قام مقام المميز بين الدم واللحم تيسيرا، فينعدم بانعدامه. فإن أكل المحرم الذابح من ذلك شيئا فعليه قيمة ما أكل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: ليس عليه جزاء ما أكل، وإن أكل منه محرم آخر فلا شيء عليه في قولهم جميعا. لهما أن هذه ميتة فلا يلزمه بأكلها إلا الاستغفار، وصار كما إذا أكله محرم غيره.   [البناية] م: (ولنا: أن الذكاة فعل مشروع، وهذا فعل حرام، فلا يكون ذكاة كذبيحة المجوسي) ش: فإن قلت: يشكل على هذا ذبح الغير بغير أمره، فإنه حرام، ومع ذلك يحل تناولها. قلت: النهي في معنى عين الذبح ولم يصر المذبوح حرامًا لعينه، بل لصيانة حق الغير، ولهذا يحل ذبحه بإذن المالك، فكان الذبح مشروعًا في نفسه، أما هاهنا نفس الفعل حرام لعينه؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ} [المائدة: 95] (المائدة: الآية 95) ، فقد وصف الصيد بالحرمة فدل على خروج المحل عن قبول الفعل الحلال. م: (وهذا) ش: أي كون ذبح المحرم حرامًا. م: (لأن المشروع) ش: أي الذبح المشروع. م: (هو الذي قام مقام المميز بين الدم واللحم تيسيرا) ش: لأن الذبح لا يتبين بخروج كل الدم النجس لغير الخبيث من الطيب؛ لأن الميتة حرام باعتبار الدم المسفوح باللحم؛ لأن الشرع أقام الذبح مقامه تيسيرًا، ولهذا لو ذبح ولم يسل الدم يحل أكله، ولو ذبح المجوسي وسال الدم لم يحل أكله، فينتفي ما لم يكن مشروعًا على أصل القياس. م: (فينعدم) ش: أي الميزان والحل. م: (بانعدامه) ش: أي بانعدام الفعل المشروع، وهو الذكاة؛ لأن الانعدام لعدم المحلية كالانعدام بعدم الأهلية كما في المجوسي. م: (فإن أكل المحرم الذابح من ذلك) ش: أي من الذي ذبحه. م: (شيئا فعليه قيمة ما أكل عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) ش: هذا الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه فيما إذا أكل من الصيد بعدما أدى جزاءه، فعنده يجب ما أكل، وعندهما لا يجب عليه إلا الاستغفار، أما إذا أكل قبل أداء الجزاء دخل ما إذا أكل في ضمان الجزاء بالإجماع، وبه صرح في " المختلف "، وقول الشافعي مثل قولهما، كذا في " الإيضاح "، وقال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أما إذا أكل من المذبوح قبل أداء الجزاء فلا رواية في هذه المسألة، ويجوز أن يقال: يجب فيه الجزاء مضافًا إلى القتل، ويجوز أنهما متداخلان. م: (وقالا: ليس عليه جزاء ما أكل) ش: وبه قال الشافعي عنه، ومالك، وأحمد، وأكثر أهل العلم. م: (وإن أكل منه محرم آخر فلا شيء عليه في قولهم جميعا) ش: أي لا شيء عليه من قيمة ما أكل بلا خلاف كالحلال إذا قتل صيد الحرم فأكل منه. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -. م: (أن هذه) ش: أي ذبيحة المحرم. م: (ميتة فلا يلزمه بأكلها إلا الاستغفار) ش: والتوبة لأنه معصية. م: (وصار كما إذا أكله محرم غيره) ش: أي غير الذابح أو أكله حلال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 ولأبي حنيفة أن حرمته باعتبار كونه ميتة كما ذكرنا، وباعتبار أنه محظور إحرامه؛ لأن إحرامه هو الذي أخرج الصيد عن المحلية والذابح عن الأهلية في حق الذكاة، فصارت حرمة التناول بهذه الوسائط مضافة إلى إحرامه بخلاف محرم آخر؛ لأن تناوله ليس من محظورات إحرامه. ولا بأس بأن يأكل المحرم لحم صيد اصطاده حلال، وذبحه إذا لم يدل المحرم عليه، ولا أمره بصيده، خلافا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا اصطاده؛ لأجل المحرم. له قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا بأس بأكل المحرم لحم صيد ما لم يصده، أو يصاد له» .   [البناية] م: (ولأبي حنيفة أن حرمته) ش: أي حرمة التناول للآكل المحرم الذابح. م: (باعتبار كونه) ش: أي باعتبار كون المذبوح. م: (ميتة كما ذكرنا) ش: من أن المذبوح ميتة. م: (وباعتبار أنه محظور إحرامه) ش: أي أن المذبوح إحرامه. م: (لأن إحرامه هو الذي أخرج الصيد عن المحلية) ش: أي كونه ممنوعًا اصطياده. م: (والذابح) ش: أي وإخراج الذابح. م: (عن الأهلية في حق الذكاة فصارت حرمة التناول بهذه الوسائط) ش: وهي كونه ميتة، والأصل والأكل من محظورات إحرامه وخروج الصيد عن المحلية والذابح عن الأهلية. م: (مضافة إلى إحرامه) ش: أي إلى إحرام الذابح، فوجب بتناوله الجزاء. م: (بخلاف محرم آخر؛ لأن تناوله ليس من محظورات إحرامه) ش: لأنه لم يضف إلى إحرامه. م: (ولا بأس بأن يأكل المحرم لحم صيد اصطاده حلال، وذبحه إذا لم يدل المحرم عليه) ش: أي على اصطياده. م: (ولا أمره بصيده، خلافا لمالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيما إذا اصطاده؛ لأجل المحرم) ش: فإن عنده لا يجوز له أكل ما اصطاده الحلال لأجل المحرم، وإن لم يكن بإذن المحرم، وقال في " الموطأ ": إذا أكل المحرم من ذلك الصيد الذي صيد لأجله يجب عليه جزاء الصيد كله، وبه قال الشافعي، وأحمد، وأبو ثور. م: (له) ش: أي لمالك. م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «لا بأس بأن يأكل المحرم لحم الصيد ما لم يصده أو يصاد له» ش: هذا الحديث رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، ولكن لفظه عندهم «صيد البر لكم وأنتم حرم ما لم تصيدوه، أو يصاد لكم» أخرجوه عن يعقوب بن عبد الرحمن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: صيد البر ... » الحديث، قال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المطلب بن عبد الله بن حنطب لا نعرف له سماعًا من جابر، وقال النسائي: عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي في الحديث، وإن كان قد روى عنه مالك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 ولنا ما روي أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تذاكروا لحم الصيد في حق المحرم، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لا بأس به "، واللام فيما روي لام تمليك فيحمل على أن يهدى إليه الصيد دون اللحم، أو معناه أن يصاد بأمره.   [البناية] وقال صاحب " التنقيح ": عمرو بن أبي عمرو تكلم فيه بعض الأئمة، لكن روى عنه مالك، وأخرج له البخاري ومسلم في " صحيحهما ": والمطلب بن عبد الله ثقة، إلا أنه لم يسمع من جابر فيما قيل، والعجب من الأترازي أنه ذكر هذا الحديث في معرض الاستدلال لمالك، ولم يذكر أن لفظه ما ذكره المصنف يخالف ما ذكره أصحاب السنن في صدر الحديث. وأعجب منه أنه قال له قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " «صيد البر لكم حلال ... » الحديث، ثم قال: رواه الترمذي، وصاحب السنن، ولم ينبه على صاحب السنن من هو، والترمذي أيضًا صاحب السنن. م: (ولنا ما روي أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تذاكروا لحم الصيد في حق المحرم، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا بأس به» ش: هذا رواه محمد بن الحسن الشيباني في كتاب " الآثار ": أخبرنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد بن المنكدر، عن عثمان بن محمد، عن طلحة بن عبيد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قال: تذاكرنا لحم الصيد بأكلها لمحرم، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نائم فارتفعت أصواتنا فاستيقظ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: " فيما تتنازعوا؟ " فقلنا: في لحم الصيد يأكلها المحرم، فأمرنا بأكله ... » انتهى. وهو يخالف لفظ ما ذكره المصنف، فإن قوله: لا بأس به، يخالف قوله فأمرنا من حيث اللفظ، وإن كانا في الحقيقة بمعنى واحد، على أن الفرق بين اللفظين ظاهر من حيث الظاهر على ما لا يخفى. م: (واللام فيما روي لام تمليك) ش: هذا جواب عن الحديث الذي رواه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأراد باللام في قوله: أو يصيد له، فزعم المصنف أنه لام تمليك. م: (فيحمل على أن يهدى إليه الصيد دون اللحم) ش: لأن تمليك الصيد إنما يتحقق فيما أهداه إلى المحرم لا فيما أهدي إليه اللحم؛ لأن اللحم يسمى صيدًا حقيقة، فاقتضى الحديث حرمة تناول الصيد على المحرم، وبه نقول لإحرامه أكل لحمه إذا لم يكن بإذنه. م: (أو معناه أن يصاد بأمره) ش: أي أو أن يكون بمعنى أو يصيد له بأمره، فحينئذ يحرم. واعلم أن هذا الحديث روي بالرفع أيضًا، أو يصاد له كما رواه أصحاب " السنن " على ما ذكرناه الآن فحينئذ لا تمسك لمالك بهذه الرواية لا يقتضي الحل إذا صاده غيره لأجله؛ لأنه صار معطوفًا على المعنى لا على الغاية، ومع هذا فهذا الحديث ضعيف ضعفه يحيى بن معين، والنسائي، والترمذي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 ثم شرط عدم الدلالة، وهذا تنصيص على أن الدلالة محرمة، قالوا: فيه روايتان. ووجه الحرمة حديث أبي قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد ذكرناه. وفي صيد الحرم إذا ذبحه الحلال تجب قيمته يتصدق بها على الفقراء؛ لأن الصيد استحق الأمن بسبب الحرم. قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث فيه طول: «ولا ينفر صيدها» .   [البناية] وقال الترمذي: منقطع، وقد ذكرناه الآن. وقال الشيخ حميد الدين الضرير: والصحيح عندي بالنصب، وأو هاهنا بمعنى إلى أن لا يأتي إلى أن يصاد له، وحكم ما بعد الغاية تخالف حكم ما قبلها، فيستقيم السند به حينئذ؛ لأنه صار تقديره يحل للمحرم أكل لحم الصيد بنفسه حلًا محدودًا إلى غاية اصطياد الغير لأجله، كذا في الخيار. م: (ثم شرط عدم الدلالة) ش: أي شرط القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: إذا لم يذكر المحرم. م: (وهذا تنصيص على أن الدلالة محرمة) ش: أي شرط عدم الدلالة عن القدوري نص في رواية على أن المحرم إذا دل حلالًا على صيد الحل، فذبحه الحلال يكون اللحم حرامًا لا يحل له أكله. قوله: محرمة - بكسر الراء وتشديدها. م: (قالوا: فيه روايتان) ش: أي قال المتأخرون من أصحاب أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في تحريم اصطياده حلال بدلالة المحرم روايتان في رواية: يحرم، وفي رواية: لا يحرم، قلت: رواية الحرمة رواية الطحاوي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ورواية عدم الحرمة رواية أبي عبيد الله الجرجاني. م: (ووجه الحرمة حديث أبي قتادة، وقد ذكرناه) ش: أي في باب الإحرام بقوله: هل أعنتم، هل أشرتم، هل دللتم، وقد مر الكلام فيه، وأبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي الأنصاري. م: (وفي صيد الحرم إذا ذبحه الحلال تجب قيمته يتصدق بها على الفقراء) ش: وفي بعض النسخ: عليه قيمته، وقيد بقوله: الحلال؛ لأن المحرم لو قتله تلزمه كفارة واحدة لأجل الإحرام. وفي " المبسوط ": ذبح الحلال صيد الحرم فعليه قيمته عند العلماء إلا على قول أصحاب الظاهر فإنه لا شيء عليه عندهم. م: (لأن الصيد يستحق الأمن بسبب الحرم) ش: فإن قلت: الصيد كما استحق الأمن بسبب الحرم فكذلك بسبب الإحرام، وإذا قتل المحرم صيد الحرم ينبغي أن يجب عليه كفارتان وليس كذلك. قلت: وجوب الكفارتين وجه القياس، صرح بذلك في " الإيضاح ". ووجه الاستحسان ما ذكره في " شرح الطحاوي " أن حرمة الإحرام أقوى؛ لأن المحرم حرم عليه الصيد في الحل، والحرم جميعًا، فامتنع الأقوى الأضعف. م: (قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث طويل: «ولا ينفر صيدها» ش: وفي بعض النسخ في حديث فيه طول، والحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «لما فتح الله - عز وجل - مكة على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: " إن الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 ولا يجزيه الصوم؛ لأنها غرامة، وليست بكفارة، فأشبه ضمان الأموال. وهذا لأنه يجب بتفويت وصف في المحل، وهو الأمن، والواجب على المحرم بطريق الكفارة جزاء على فعله؛   [البناية] حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها أحلت لي ساعة من النهار ثم بقي حرام إلى يوم القيامة، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يخلى خلاها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد " فقال العباس: إلا الإذخر، فإنه لقبورنا وبيوتنا، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إلا الإذخر» . وأخرج البخاري ومسلم عن طاووس عن ابن عباس أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال يوم فتح مكة ... الحديث، وفيه: «لا ينفر صيدها» وذكر المصنف هذا لأنه هو الأصل، وفي حرمة صيد الحرم على الحلال إذا أحرم يتغير صيد الحرم، فالقتل أولى وإنها خلا، والخلا والخلاء بفتح الخاء المعجمة، وبالقصر الرطب من المرعى، وبالمد المكان الخالي، والحشيش هو اليابس من الكلأ، والعضد القطع من باب ضرب، وعضده ضرب عضده من باب دخل. م: (ولا يجزئه الصوم) ش: أي ولا يجزئ ذابح صيد الحرم الصوم. م: (لأنها) ش: أي لأن قيمة الصيد. م: (غرامة وليست بكفارة، فأشبه ضمان الأموال) ش: وليس فيه إلا الغرامة. فإن قلت: لو كان غرامة ينبغي أن يجب على الصبي، والمجنون، والكافر، كما في أموال الناس، وقد نص في " الإيضاح " أنه لا يجب عليهم. قلت: وإن كان ضمان المحل، لكن فيه معنى الحل أيضًا، حتى لو أخذ حلال صيد الحرم فقتله في يده حلال آخر فعلى كل واحد منهما جزاء كامل؛ لأن كل واحد متلف، فأحدهما بالأخذ والآخر بالقتل والأخذ المفوت للأمن كالاستهلاك ثم يرجع الأخذ على القاتل عما ضمن بالاتفاق. فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن لا يؤدى في ضمن جزاء الإحرام فيما إذا قتل المحرم صيد الحرم، كما لا يؤدى ضمان حق العبد في ضمن الجزاء فيمن قتل صيدًا مملوكًا في الحرم. قلت: حرمة الحرم حصلت في حرمة الإحرام فيما نحن فيه؛ لأن حرمة الحرم لإثبات الأمن للصيد، وكذا حرمة الإحرام، فكان الضمان لله تعالى في الحرمتين، فجعل أحدهما تبعًا للأخرى، بخلاف الصيد المملوك بأن مما يجب بأن القتل حق الله تعالى، فلا يمكن أن يقضي به حق العبد، فصار في حق العبد كأن الضمان لم يستوف، كذا في " الأسرار ". م: (وهذا) ش: يشير به بين قتل المحرم الصيد، وقتل الحلال صيد الحرم في جواز الصوم في الأول دون الثاني بقوله. م: (لأنه) ش: أي لأن وجوب الضمان. م: (يجب بتفويت وصف في المحل) ش: أراد بالوصف الأمن، وبالمحل الصيد. م: (وهو الأمن) ش: أي الوصف هو الأمن. م: (والواجب على المحرم بطريق الكفارة جزاء على فعله؛ لأن الحرمة باعتبار معنى فيه وهو إحرامه) ش: ولهذا لو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 لأن الحرمة باعتبار معنى فيه وهو إحرامه، والصوم يصلح جزاء الأفعال لا ضمان المحال. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجزئه الصوم اعتبارا بما وجب على المحرم، والفرق قد ذكرناه، وهل يجزئه الهدي؟ ففيه روايتان. ومن دخل الحرم بصيد فعليه أن يرسله فيه إذا كان في يده، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يقول: حق الشرع لا يظهر في مملوك العبد لحاجة العبد. ولنا أنه لما حصل في الحرم وجب ترك التعرض لحرمة الحرم، أو صار هو من صيد الحرم،   [البناية] اشترك حلالان في قتله يجب عليهما ضمان واحد، بخلاف المحرمين؛ فإنه يجب على كل واحد منهما قيمة كاملة لا جزاء القتل. م: (والصوم يصلح جزاء الأفعال لا ضمان المحال) ش: أما صلاحية الصوم جزاء الأفعال فلقوله تعالى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] ، وأما عدم صلاحيته لضمان المحل فلأنه لا مماثلة بين الصوم، وهو العرض، وبين المحل وهو العين. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجزئه الصوم اعتبارا بما وجب على المحرم) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد؛ لأن الواجب هنا كفارة كالواجب على المحرم، فيتأدى بالصوم. م: (والفرق) ش: أي الفرق بين قتل المحرم الصيد وبين قتل الحلال صيد الحرم في جواز الصوم في الأول دون الثاني. م: (قد ذكرناه) ش: هو الذي ذكره بقوله والصوم يصلح جزاء الأفعال لا ضمان المحل. م: (وهل يجزئه الهدي؟ ففيه روايتان) ش: في رواية يجزئه، وبه قال الشافعي وزفر ومالك وأحمد، حتى لو سرق المذبوح بعد الذبح لا شيء عليه، ويشترط أن تكون قيمته عندنا مثل قيمة الصيد؛ لأن الهدي مال يجعل لله تعالى والإراقة طريق صالح لجعل المال له تعالى خالصًا بمنزلة التصدق، وفي رواية لا يجوز حتى لو سرق المذبوح لا يتأدى الواجب ويشترط أن تكون قيمة اللحم بعد الذبح مثل قيمة الصيد. م: (ومن دخل الحرم بصيد فعليه أن يرسله فيه) ش: أي في الحرم. م: (إذا كان في يده) ش: قال في " النهاية " يعني وهو حلال حتى يظهر خلاف الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فإن المحرم لا يتوقف وجوب الإرسال على أدنى بعضه لا يجب عليه الإرسال على دخول الحرم، فإنه يجب عليه الإرسال بالاتفاق. م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يقول: حق الشرع لا يظهر في مملوك العبد لحاجة العبد) ش: لأن الله تعالى غني والعبد محتاج فلا يجب الإرسال. م: (ولنا أنه لما حصل في الحرم وجب ترك التعرض لحرمة الحرم) ش: أي ترك التعرض للصيد لأجل حرمة الحرم. م: (أو صار هو من صيد الحرم) ش: تعليل ثان لوجوب الإرسال، وفي نسخة الأترازي بخطة إذ هو من صيد الحرم بكلمة إذ التي هي للتعليل، وقال قوله - إذا صارت من صيد الحرم - تعليل لوجوب ترك التعرض، وكلمة هو راجع إلى الصيد. وقال الأكمل أيضًا ما يقوي كلامه حيث قال: إنه لما صار في الحرم وجب ترك التعرض لحرمة الحرم وبين الملازمة بقوله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 فاستحق الأمن لما روينا. فإن باعه رد البيع فيه إن كان قائما؛ لأن البيع لم يجز لما فيه من التعرض للصيد وذلك حرام. وإن كان فائتا فعليه الجزاء؛ لأنه تعرض للصيد بتفويت الأمن الذي استحقه. وكذلك بيع المحرم الصيد من محرم أو حلال لما قلنا. ومن أحرم وفي بيته أو في قفص معه صيد فليس عليه أن يرسله. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه أن يرسله؛ لأنه متعرض للصيد بإمساكه في ملكه فصار كما إذا كان في يده. ولنا أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا   [البناية] إذا صار يعني الصيد من صيد الحرم بالدخول فيه وصيد الحرم مستحق للأمن. م: (فاستحق الأمن لما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ولا ينفر صيدها» . م: (فإن باعه رد البيع فيه) ش: أي فإن باع الحلال الصيد الذي أدخله من الحل إلى الحرم رد البيع فيه، أي في الصيد. م: (إن كان) ش: أي الصيد. م: (قائما؛ لأن البيع لم يجز لما فيه من التعرض للصيد، وذلك حرام. وإن كان فائتا فعليه الجزاء) ش: يتصدق بقيمته. م: (لأنه تعرض للصيد بتفويت الأمن الذي استحقه. وكذلك بيع المحرم الصيد من محرم أو حلال لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله - لأن البيع في الصيد لم يجز لما فيه من التعرض للصيد - وفي " مناسك الحسن " نقل صاحب " الأجناس " أن أحد متعاقدي البيع في الصيد إذا كان محرمًا لا يجوز البيع سواء كان بيعًا أو هبة أو صدقة، وإن كان المتعاقدان حلالين ينظر إلى موضع الصيد إن كان في الحلال جاز البيع سواء كان المتبايعان في الحل أو الحرم أو أحدهما في الحل، والآخر في الحرم، وإن كان الصيد في الحرم لم يجز البيع، فإن سلمه للمشتري فذبحه كان على المحرم الذي باعه جزاؤه، وعلى المشتري قيمته للبائع إذا كان قد اصطاده وهو حلال ثم أحرم ثم باعه، وللبائع أن يتعين بهذه القيمة في الجزاء الذي عليه، وكذا بيع المحرم الصيد من محرم أو حلال، يعني يرد البيع إن كان الصيد قائمًا، وإن كان فائتًا فعليه الجزاء. م: (ومن أحرم وفي بيته) ش: أي والحال أن في بيته. م: (أو في قفص معه صيد فليس عليه أن يرسله) ش: ولا يزول ملكه عنه، وهو مذهب الأوزاعي ومجاهد وعبد الله بن الحارث ومالك وأحمد وأبي ثور، لكن يجب إزالة يده عنه إن كان في يده أو رجليه أو جبهته أو في قفص معه، أو كان مربوطًا بحبل معه، وقال أبو ثور - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تلزمه إزالته، وصححه ابن المنذر، وإن كان في بيته أو في قفصه لا يلزمه إرساله. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب عليه أن يرسله) ش: وبه قال مالك: وأحمد في رواية عن كل منهما. وقال الأزهري: لا يزول ملكه. م: (لأنه متعرض للصيد بإمساكه في ملكه فصار كما إذا كان في يده) ش: وهذا بناء على أن بالإحرام هل يزول الملك عن الصيد المملوك أم لا، فعندنا لا يزول، وعنده يزول. م: (ولنا أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا يحرمون وفي بيوتهم صيود ودواجن) ش: رواه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 يحرمون، وفي بيوتهم صيود، ودواجن، ولم ينقل عنهم إرسالها، وبذلك جرت العادة الفاشية، وهي من إحدى الحجج. ولأن الواجب ترك التعرض، وهو ليس بمتعرض من جهته؛ لأنه محفوظ بالبيت والقفص لا به، غير أنه في ملكه، ولو أرسله في مفازة فهو على ملكه فلا معتبر ببقاء الملك، وقيل: إذا كان القفص في يده لزمه إرساله، لكن على وجه لا يضيع. قال: فإن أصاب حلال صيدا ثم أحرم فأرسله من يده غيره يضمن - عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يضمن؛ لأن المرسل آمر بالمعروف ناه عن المنكر   [البناية] ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا أبو بكر بن عياش، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث كنا نحج وننزل عند أهلنا [ .... ] من الصيد ما نرسلها. حدثنا عبد السلام بن حرب عن ليث عن مجاهد أن عليًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رأى مع جماعة داجنا من الصيد وهم محرمون فلم يأمرهم بإرساله والدواجن جمع داجن، وهو الذي تعود المكان وألفه من قولهم بعير داجن، وشاة داجن، إذا كان مقيمًا بالبيت لا يرعى، وأراد بالصيود نحو الصقر والشاهين، وبالدواجن نحو الغزال. م: (ولم ينقل عنهم إرسالها) ش: أي لم ينقل عن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إرسال الدواجن بعد الإحرام. م: (وبذلك جرت العادة الفاشية) ش: أي بكون الدواجن في البيوت وهم محرمون أي جرت العادة المستمرة المشهورة من العشر وهو الظهور. وقال قاضي خان: ألا ترى أن الرجل يحرم وله بيت حمام لا يجب عليه إرسالها. م: (وهي من إحدى الحجج) ش: أي العادة الفاشية من إحدى الحجج التي يحكم بها، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن» . وقال الكاكي: العادة الفاشية مثل الإجماع القولي. م: (ولأن الواجب) ش: على المحرم، هذا دليل آخر يتضمن الجواب عن دليل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ترك التعرض) ش: للصيد. م: (وهو) ش: أي المحرم الذي في بيته قفص صيد. م: (ليس بمتعرض) ش: للصيد. م: (من جهته لأنه) ش: أي أن الصيد. م: (محفوظ بالبيت والقفص لا به) ش: أي لا بالمحرم. م: (غير أنه في ملكه) ش: لم يزل عنه. م: (ولو أرسله في مفازة فهو على ملكه فلا معتبر ببقاء الملك) ش: لأنه ليس يتعرض للصيد فإن وجوب الجزاء لو كان باعتبار الملك ينبغي أن يجب الجزاء أرسل أو لم يرسل ولا يقول به أحد، فإن أرسله لا ينعدم ملكه. م: (وقيل: إذا كان القفص في يده لزمه إرساله، لكن على وجه لا يضيع) ش: أي لا يضيع الملك؛ لأن إضافة المال حرام فيرسله في بيت أو يودعه عنه إنسان. م: (قال: فإن أصاب حلال صيدا ثم أحرم فأرسله من يده غيره يضمن - عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال مالك وأحمد:. م: (وقالا: لا يضمن؛ لأن المرسل آمر بالمعروف) ش: لأن الإرسال واجب عليه. م: (ناه عن المنكر) ش: لأن الإرسال حرام عليه، فكان مقيمًا للحسنة فلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] (91 التوبة) . وله أنه ملك الصيد بالأخذ ملكا محترما، فلا يبطل احترامه بإحرامه وقد أتلفه المرسل فيضمنه، بخلاف ما إذا أخذه في حالة الإحرام؛ لأنه لم يملكه. والواجب عليه ترك التعرض، ويمكنه ذلك بأن يخليه في بيته، فإذا قطع يده عنه كان متعديا، ونظيره الاختلاف في كسر المعازف. وإذا أصاب محرم صيدا فأرسله من يده غيره لا ضمان عليه بالاتفاق؛ لأنه لم يملكه بالأخذ، فإن الصيد لم يبق محلا للتملك في حق المحرم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] (96 المائدة) ، فصار كما إذا اشترى الخمر، فإن قتله محرم آخر في يده فعلى كل واحد منهما   [البناية] يكون ضامنًا، قال تعالى. م: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] (التوبة: الآية 91) ش: لأنه فعل ما فعله طلبًا لرضا الله تعالى، وما لأحد سبيل إلى منع المحسن من إحسانه. م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (أنه) ش: أي المحرم. م: (ملك الصيد بالأخذ ملكا محترما) ش: أي معصومًا. م: (فلا يبطل احترامه بإحرامه) ش: كما في سائر أمواله. م: (وقد أتلفه المرسل فيضمنه) ش: بالإتلاف. م: (بخلاف ما إذا أخذه في حالة الإحرام) ش: لأن محرم العين على المحرم فلا يضمن المرسل. م: (لأنه) ش: أي لأن الآخذ. م: (لم يملكه) ش: أي لم يملك الصيد. م: (والواجب عليه) ش: جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال سلمنا أنه ملكه ملكًا محترمًا، ولكن وجب إخراجه من الملك تركًا للتعرض الواجب الترك فأجب بقوله الواجب عليه. م: (ترك التعرض) ش: لا الإخراج عن ملكه. م: (ويمكنه ذلك بأن يخليه في بيته، فإذا قطع يده عنه كان متعديا) ش: فيضمنه. م: (ونظيره الاختلاف في كسر المعازف) ش: لأنه آمر بالمعروف ناه عن المنكر، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب الضمان؛ لأنه مملوك لصاحبه كما إذا قتل الجارية المغنية خطأ تجب قيمتها غير مغنية والمعازف الملاهي، قال ابن دريد: قال قوم من أهل اللغة: هو اسم يجمع العود والطنبور وأشباههما. وقال آخرون: بل المعازف التي استخرجها أهل اليمن في ديوان الأدب المعزف ضرب من الطنابير يتخذه أهل اليمن. م: (وإذا أصاب محرم صيدا فأرسله من يده غيره لا ضمان عليه بالاتفاق) ش: بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه. م: (لأنه) ش: أي لأن المحرم. م: (لم يملكه) ش: أي الصيد. م: (بالأخذ) ش: ملكًا محترمًا. م: (فإن الصيد لم يبق محلا للتمليك) ش: لأن الحرمة أضيفت إلى العين. م: (في حق المحرم؛ لقوله عز وجل: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] ش: (المائدة: الآية 96) أي محرمين. م: (فصار كما إذا اشترى الخمر) ش: يعني إذا اشترى المسلم الخمر لا يملكها، فإذا أتلفها آخر لا ضمان عليه؛ لأنها حرام لعينها لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حرمت الخمرة لعينها» فكذا إذا أرسل صيد المحرم؛ لأن الصيد حرام عليه لعينه، فلا يجب الضمان. م: (فإن قتله محرم آخر في يده) ش: أي في يد المحرم. م: (فعلى كل واحد منهما) ش: أي من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 جزاؤه؛ لأن الآخذ متعرض للصيد الآمن، والقاتل مقرر لذلك، والتقرير كالابتداء في حق التضمين كشهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا، ويرجع الآخذ على القاتل، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يرجع؛ لأن الآخذ مؤاخذ بصنعه فلا يرجع على غيره. ولنا أن الآخذ إنما يصير سببا للضمان عند اتصال الهلاك به، فهو بالقتل جعل فعل الآخذ علة، فيكون في معنى مباشرة علة العلة فيحال بالضمان عليه كالغاصب. فإن قطع حشيش الحرم، أو شجرة ليست بمملوكة، وهو مما لا ينبته الناس فعليه قيمته   [البناية] الآخذ والقاتل. م: (جزاؤه؛ لأن الآخذ متعرض للصيد الآمن، والقاتل مقرر لذلك) ش: أي التعرض الموجب لتفويت الأمن. م: (والتقرير كالابتداء في حق التضمين كشهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا) ش: لأنهم يضمنون بما قرروا بشهادتهم ما كان على شرف السقوط بتمكين الزوج على ما عرف. م: (ويرجع الآخذ على القاتل) . ش: فإن قلت: ليس للآخذ في الصيد ملك ولا يد محترمة، فكيف يرجع على القاتل، فالضمان يجب بأحد هذين الأمرين. قلت: يده على الصيد معتبرة بحق الآخذ؛ لأنه يتمكن من إرساله وإسقاط الجناية عن نفسه فالقاتل صار مفوتًا هذه اليد، فيضمن إن لم يملكه الآخذ كغاصب المدبر إذا قتله إنسان في يده فأدى الغاصب ضمانه، فإنه يرجع على القاتل بقيمته كما لو ملكه وإن كان المدبر لا يقبل النقل من ملك إلى ملك. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يرجع؛ لأن الآخذ مؤاخذ بصنعه) ش: وهو تعرضه للصيد الآمن فلا يرجع على غيره؛ لأنه يستلزم تنزيل الراجع منزلة المالك بواسطة الضمان والصيد غير قابل للملك في حق المحرم. م: (فلا يرجع على غيره) ش: كمسلم غصب خنزير ذمي فأتلفه من يده آخر فأخذ الذمي من الغاصب لم يرجع الغاصب على المتلف بشيء، فكذا هذا. م: (ولنا أن الآخذ إنما يصير سببا للضمان عند اتصال الهلاك به) ش: أي بالأخذ. م: (فهو) ش: أي القاتل. م: (بالقتل جعل فعل الآخذ علة، فيكون) ش: أي قتله. م: (في معنى مباشرة علة العلة فيحال بالضمان) ش: أي يضاف الضمان. م: (عليه) ش: أي إلى القاتل. م: (كالغاصب) ش: أي إذا أتلف المغصوب وضمنه الغاصب، فإن حصل الضمان يستقر عليه، والجواب عما استشهد به زفر أن غاصب الخنزير أثبت له يد محترمة؛ لأن خروجه عن محل التمليك لإهانته، بخلاف الصيد؛ لأن ذلك فيه زيادة احترام في حق المحرم بإحرامه لحرمة الأذى، فبقيت له يد محترمة، وإن لم يثبت له ملك. [قطع حشيش الحرم وشجره] م: (فإن قطع حشيش الحرم، أو شجرة ليست بمملوكة، وهو مما لا ينبته الناس فعليه قيمته) ش: الواو فيه للحال. اعلم أن ما زرعه الإنسان وشجر الحرم أنواع أربعة؛ إما أن يكون من جنس ما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 إلا فيما جف منه؛ لأن حرمتهما تثبت بسبب الحرم، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها» ، ولا يكون للصوم في هذه القيمة مدخل؛ لأن حرمة تناولها بسبب الحرم لا بسبب الإحرام، فكان من ضمان المحال على ما بينا، ويتصدق بقيمته على الفقراء، وإذا أداها   [البناية] ينبته الناس كالجوز واللوز والتفاح والكمثرى ونحوها، أو من جنس ما لا ينبتونه كشجر أم غيلان والأثل وكل واحد منهما إما أن ينبت بنفسه أو ينبته الناس فينبت، ولا يجب الجزاء إلا في نوع واحد وهو الذي ينبت بنفسه مما لا ينبته الناس، ولا شيء في الأنواع الثلاثة؛ لأنها لا تنبت للحرم بل إلى المنبت؛ لهذا تملك بالإنبات فكانت أهلية ولم تكن حرمية. وفي " المبسوط " حرمة شجر الحرم كحرمة صيده فإن صيده يأكل منها ويأوي إليها ويستظل بظلها ويتخذ الوكر على أغصانها، ويسكن إليها في الحر والمطر كالكهوف، وما ينبته الناس عادة فهو لهم، والناس يزرعون في الحرم ويحصدونه من عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير نكير. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بما أنبته الناس في الحرم من النخل والشجر كما في البقول والزروع، وهو قول أبي الخطاب وابن عقيل من الحنابلة. وقال القاضي منهم: يجب الجزاء، وهو قول الشافعي في الجزاء في الشجر بكل حال، وهو المذهب عنده فأوجب في الدوحة وهي الشجرة العظيمة بقرة، ورووه عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وليس له صحة، وضعفه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي أصغر من ذلك شاة والكبيرة بالبقرة والصغيرة بالشاة عند الشافعي وابن حنبل، ولا أصل له إلا ما روي عن عطاء والشافعي لا نقله الصحابة، وقلد الشافعي فيه مع مخالفة الأصول. وعن بعض السلف أنه أوجب في الدوحة بدنة، وعن عبد الله وابن المنذر وابن أبي نجيح في الدوحة سبعة دنانير أو ستة دنانير، وقال مالك وأبو ثور وداود الظاهري وابن المنذر: لا ضمان في شجر الحرم ولا في حشيشه كقطع المحرم في الدليل، وهو قول الشافعي في القديم. وقال في الجديد: يلزمه الجزاء، وبه قال أحمد، لكن الجزاء عند الشافعي في الدوحة بقرة كما قلنا عن قريب، وفيما دونها شاة وفي الصغيرة القيمة والمعتبر فيها أن تكون سبعة للعظيمة. وقال ابن المنذر: لا أجد دليلًا فيه من كتاب ولا سنة ولا إجماع. م: (إلا فيما جف منه) ش: استثناء من قوله: فعليه قيمته، يعني لا يجب عليه شيء في قطع ما جف منه، أي يبس. م: (لأن حرمتهما) ش: أي حرمة حشيش الحرم وحرمة شجره. م: (تثبت بسبب الحرم، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها» ش: هذا الحديث قد مر. م: (ولا يكون للصوم في هذه القيمة) ش: أي قيمة شجر الحرم وحشيشه. م: (مدخل؛ لأن حرمة تناولها بسبب الحرم لا بسبب الإحرام، فكان من ضمان المحال) ش: لا ضمان الفعل كما في صيد الحرم. م: (على ما بينا) ش: أشار به إلى قوله والصوم يصلح جزاء الأفعال لا ضمان من ضمان المحال. م: (ويتصدق بقيمته على الفقراء، وإذا أداها) ش: أي إذا أدى القاطع قيمة قيمة الشجر إلى الفقراء. م: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 ملكه كما في حقوق العباد. ويكره بيعه بعد القطع؛ لأنه ملكه بسبب محظور شرعا، فلو أطلق له في بيعه لتطرق الناس إلى مثله، إلا أنه يجوز البيع مع الكراهة، بخلاف الصيد، والفرق ما نذكره. والذي ينبته الناس عادة عرفناه غير مستحق للأمن بالإجماع؛ ولأن المحرم المنسوب إلى الحرم والنسبة إليه على الكمال عند عدم النسبة إلى غيره بالإنبات. وما لا ينبت عادة إذا أنبته إنسان التحق بما ينبت عادة. ولو نبت بنفسه في ملك رجل فعلى قاطعه قيمتان: قيمة لحرمة الحرم حقا للشرع، وقيمة أخرى ضمانا لمالكه كالصيد المملوك في الحرم   [البناية] (ملكه) ش: أي ملك الشجر. م: (كما في حقوق العباد) ش: كالغاصب إذا أدى قيمة المغصوب إلى مالك ملك المغصوب. فإن قلت: في المقيس عليه تحصل المعاوضة، وفي المقيس لا تحصل. قلت: تحصل المعاوضة في المقيس أيضًا؛ لأن الفقير نائب عن الله تعالى، وقد ملك العوض، فيملك القاطع المعوض وهو الشجر. م: (ويكره بيعه) ش: أي بيع الحشيش والشجر. م: (بعد القطع؛ لأنه ملكه بسبب محظور شرعا، فلو أطلق له في بيعه لتطرق الناس إلى مثله) ش: ولا يبقى أشجار الحرم، وفي ذلك إلحاق صيد الحرم. م: (إلا أنه يجوز البيع مع الكراهة) ش: لأنه ملكه بالضمان. م: (بخلاف الصيد) ش: يعني لا يجوز بيع الصيد بعد أداء القيمة أصلًا. م: (والفرق ما نذكره إن شاء الله تعالى) ش: وهو قوله لأن بيعه جائز تعرض للصيد إلا من يقف عليه بعد سبعة عشر أو ثمانية عشر شطرًا. م: (والذي ينبته الناس عادة) ش: متصل بقوله وهو ما ينبته الناس. م: (عرفناه غير مستحق الأمن بالإجماع) ش: لأن الناس يزرعون في الحرم ويحصدون فيه من عصر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا من غير نكير من أحد. م: (ولأن المحرم المنسوب إلى الحرم) ش: أي الذي يحرم قطعه هو الشجر الذي ينبت إلى الحرم. م: (والنسبة إليه على الكمال عند عدم النسبة إلى غيره بالإنبات) ش: أي بإنبات أحد. م: (وما لا ينبت) ش: على صيغة المجهول. م: (عادة) ش: أي من حيث العادة. م: (إذا أنبته إنسان التحق بما ينبته عادة) ش: أراد بالالتحاق أن لا يجب بقطعه شيء بحرمة الحرم. م: (ولو نبت بنفسه) ش: أي لو نبت ما لا ينبت عادة كأم غيلان بلا إنبات أحد. م: (في ملك رجل فعلى قاطعه قيمتان: قيمة لحرمة الحرم حقا للشرع، وقيمة أخرى) ش: أي تجب قيمة أخرى. م: (ضمانا) ش: أي للضمان. م: (لمالكه كالصيد المملوك في الحرم) ش: حيث يجب فيه قيمتان: إحداهما لحرمة الحرم والأخرى لصاحب الصيد. فإن قيل: النبات يملك بالأخذ، فكيف تجب القيمة بعد ذلك. وأجيب بأن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الناس شركاء في ثلاث: الماء، والكلأ، والنار» ، محمول على خارج الحرم، وأما حكم الحرم فبخلافه؛ لأنه حرام التعرض بالنص كصيده. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 وما جف من شجر الحرم لا ضمان فيه؛ لأنه ليس بنام. ولا يرعى حشيش الحرم، ولا يقطع إلا الإذخر. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بالرعي؛ لأن فيه ضرورة، فإن منع الدواب عنه متعذر. ولنا ما روينا، والقطع بالمشافر كالقطع بالمناجل، وحمل الحشيش من الحل ممكن فلا ضرورة فيه، بخلاف الإذخر؛ لأنه استثناه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [البناية] فإن قيل: الحرم غير مملوك لأحد، فكيف يتصور قوله - وقيمة أخرى ضمانًا لمالكه - وأجيب بأنه على قول من يرى بملك أرض الحرم، وهو قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -. م: (وما جف من شجر الحرم لا ضمان فيه؛ لأنه ليس بنام) ش: لأنه لو وجب الضمان فيه لتضرر أهل الحرم في إيقاد النار؛ لأن ما جف بمنزلة الميت من الصيد. م: (ولا يرعى حشيش الحرم، ولا يقطع إلا الإذخر) ش: وهو نبت بمكة معروف، وبه قال الشافعي ومالك - رحمهما الله -. وفي " المحلى " لا يحل لأجل قطع شيء من شجر الحرم ولا شوكه ولا من حشيش حاشًا الإذخر، واستثنى مالك والشافعي - رحمهما الله - السنا أيضًا. قال: وهو خلاف أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويجب الضمان بإتلاف الشجر، وهو مروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وعطاء، وبه قال مالك، والشافعي، وابن حنبل، ويحرم قطع الشجر والعوسج وبه قال مالك، وابن حنبل، وعطاء. وعن مجاهد، وعمرو بن دينار، والشافعي: لا يحرم، وهو مردود بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " «لا يعضد شوكها» في حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في " الصحيحين ". وقال الشافعي: لا قطع في الشجرة المؤذية كقتل الصيد المؤذي وهو قياس بعيد في مقابلة النص فهو فاسد الوضع، كاستدلال الشافعية بخبر الواحد فيما تعم به البلوى، واختار المتولي منهم أنه مضمون، وقطع إمام الحرمين، والغزالي، إلى أن تحريم الشجرة مما لا ينبته الناس. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بالرعي) ش: وبه قال الشافعي، ومالك. م: (لأن فيه ضرورة، فإن منع الدواب عنه متعذر. ولنا ما روينا) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يختلى خلالها» . م: (والقطع بالمشافر كالقطع بالمناجل) ش: هذا جواب عما يقال النص في القطع لا في الرعي، والمشافر جمع مشفرة، ومشفر البعير كالجحفلة من الفرس، والشفر من الإنسان، والمناجل جمع منجل بكسر الميم، وهو الحديد الذي يحصد به الزرع. م: (وحمل الحشيش من الحل ممكن) ش: هذا جواب عن قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن فيه ضرورة تقريره سلمنا أن النص في القطع لا في الرعي، لكن لا نسلم الضرورة؛ لأن حمل الحشيش من الحل إلى خارج الحرم ممكن. م: (فلا ضرورة، بخلاف الإذخر) ش: هذا جواب أيضًا عما يقال: ما بال الإذخر لم يحرم رعيه، ولا ضرورة فيه، فأجاب بقوله: بخلاف الإذخر. م: (لأنه) ش: أي لأن الإذخر. م: (استثناه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: وهو في حديث طويل أخرجه الأئمة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 فيجوز قطعه ورعيه، وبخلاف الكمأة؛ وذلك لأنها ليست من جملة النبات، وكل شيء فعله القارن مما ذكرنا أن فيه على المفرد دما فعليه دمان: دم لحجته، ودم لعمرته. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دم واحد بناء على أنه محرم بإحرام واحد عنده، وعندنا بإحرامين. وقد مر من قبل. قال: إلا أن يتجاوز الميقات غير محرم بالعمرة أو الحج فيلزمه دم واحد   [البناية] الستة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لما فتح الله على رسوله مكة..» الحديث، وقد ذكرناه عن قريب. وفي آخره: الإذخر. م: (فيجوز قطعه ورعيه) ش: لاستثناء الشارع في أمره. م: (وبخلاف الكمأة) ش: معطوف على قوله بخلاف الإذخر. م: (وذلك لأنها ليست من جملة النبات) ش: إنما هو شيء مزروع في الأرض ينبت من ماء السماء لا من الأرض في النبات ينبت من الأرض ومائها، كذا قال في " الكافي "، والكمأة بفتح الكاف، وسكون الميم، وفتح الهمزة جمع كم على عكس ثمرة. فإن قيل: النص عام، وقد خص منه الإذخر بالنص أو الإجماع، فلم لا يجوز تخصيصه بغير الرعي والضرورة. قلنا: الإذخر خص بالاستثناء المتصل، والكمأة تداخله، فلا يجوز تخصيصه المتراخي يجوز عند بعض أصحابنا، كذا قيل. وفي " المبسوط "، و" البدائع ": تأويل الحديث أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان من قصد فيه الاستثناء، فسبقه العباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أو كان أوحي إليه أنه يرخص فيما سبقه العباس، أو أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عممه، فجاء جبريل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالرخصة، فقال: «إلا الإذخر» . م: وكل شيء فعله القارن مما ذكرنا) ش: يعني من الجنايات. م: أن فيه على المفرد دما فعليه) ش: أي على القارن. م: (دمان: دم لحجته، ودم لعمرته. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: دم واحد) ش: أي عليه دم واحد، وبه قال مالك وأحمد في أظهر الروايتين عنه. م: (بناء على أنه محرم بإحرام واحد عنده) ش: لأن إحرام العمرة داخل في إحرام الحجة عنده، حتى إن القارن يطوف طوافًا واحدًا ويسعى سعيين. م: (وعندنا بإحرامين. وقد مر من قبل) ش: أراد به ما ذكره بقوله: في باب القران الاختلاف بيننا وبين الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بناء على أن القارن عندنا يطوف طوافين ويسعى سعيين، وعنده طوافًا واحدًا وسعيًا واحدًا. م: (إلا أن يتجاوز) ش: وفي بعض النسخ، قال: أي القدوري. م: (إلا أن يتجاوز القارن) ش: وفي بعض نسخ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يجاوز من باب المفاعلة، والأول من باب التفاعل وهذا استثناء من قوله: فعليه دمان، إلا في هذه المسألة، وفيه نظر؛ لأن للقارن دمان، أي على القارن دمان في كل موضع يجب فيه على المفرد دم إلا في صورة واحدة، وهي أن يجاوز. م: (الميقات غير محرم) ش: أي حال كونه غير محرم. م: (بالعمرة أو الحج فيلزمه دم واحد) ش: وفي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 416 خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما أن المستحق عليه عند الميقات إحرام واحد، وبتأخير واجب واحد لا يجب إلا جزاء واحد. وإذا اشترك محرمان في قتل صيد فعلى كل واحد منهما جزاء كامل؛ لأن كل واحد منهما بالشركة يصير جانيا جناية تفوق الدلالة، فيتعدد الجزاء بتعدد الجناية. وإذا اشترك حلالان في قتل صيد الحرم فعليهما جزاء واحد؛ لأن الضمان بدل عن المحل لا جزاء عن الجناية فيتحد باتحاد المحل، كرجلين قتلا رجلا خطأ تجب عليهما دية واحدة، وعلى كل واحد منهما كفارة.   [البناية] بعض النسخ يلزمه لذلك الدم دم واحد. وقال القدوري في " شرح مختصر الكرخي ": وليس في الأصول معنى يجب على المفرد دم، وعلى القارن دم، إلا في هذه المسألة ففيه نظر؛ لأن القارن إذا أفاض قبل الإمام عليه دم واحد، وكذا إذا أدى طواف الزيارة جنبًا، أو محدثًا، وقد رجع إلى أهله يجب عليه دم واحد، وكذلك إذا وقف القارن بعرفة ثم قتل صيدًا. م: (خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده يجب عليه دمان. م: (لما أن المستحق عليه عند الميقات إحرام واحد) ش: هذا تعليل لنا لا لزفر، أي الواجب عليه عند عبور الميقات أحد الإحرامين هو إحرام واحد للعمرة. م: (وبتأخير واجب واحد، لا يجب إلا جزاء واحد) ش: ألا ترى أنه لو أحرم بالعمرة عند الميقات، ثم جاوز، ثم أحرم بالحج لا شيء عليه مع أنه قارن، بخلاف سائر المحظورات، فإنه صار بجنايته مرتكبًا به محظورة إحرامين، فيدخل النقص فيهما، وهاهنا ليس كذلك، وكذا لو أهل بعمرته بعدما جاوز ثم أهل بحجته بمكة فعليه دم واحد بتأخيره إحرام العمرة. م: (وإذا اشترك محرمان في قتل صيد فعلى كل واحد منهما جزاء كامل) ش: وهو قول الحسن، والشعبي، وسعيد بن جبير، والنخعي، والثوري، وبه قال مالك، والمتولي من الشافعية، وهو رواية عن أحمد، واختيار أبي بكر من الحنابلة. وعن ابن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وطاووس، والزهري، وحماد بن أبي سليمان، والأوزاعي، أن عليهما جزاء واحد. م: (لأن كل واحد منهما بالشركة يصير جانيا جناية تفوق الدلالة، فيتعدد الجزاء بتعدد الجناية) ش: الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: هو ضمان المحل، والمحل واحد، ونحن نقول: هو ضمان الفعل، والفعل متعدد. م: (وإذا اشترك حلالان في قتل صيد الحرم فعليهما جزاء واحد؛ لأن الضمان بدل عن المحل لا جزاء عن الجناية فيتحد) ش: أي الجزاء. م: (باتحاد المحل) ش: والمحل واحد، والجزاء واحد على كل واحد منهما نصف قيمة الصيد، وإن كانوا أكثر من ذلك ضم الضمان على عددهم. م: (كرجلين قتلا رجلا خطأ تجب عليهما دية واحدة) ش: لأنه لا ضمان المحل. م: (وعلى كل واحد منهما كفارة) ش: لأنها ضمان الفعل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 417 وإذا باع المحرم الصيد أو ابتاعه فالبيع باطل؛ لأن بيعه حيا تعرض للصيد بتفويت الأمن وبيعه بعدما قتله بيع ميتة. ومن أخرج ظبية من الحرم فولدت أولادا فماتت هي. وأولادها فعليه جزاؤهن؛ لأن الصيد بعد الإخراج من الحرم بقي مستحقا للأمن شرعا، ولهذا وجب رده إلى مأمنه، وهذه صفة شرعية فتسري إلى الأولاد. فإن أدى جزاءها ثم ولدت ثم ماتت الأولاد ليس عليه جزاء الولد؛ لأن بعد أداء الجزاء لم تبق آمنة   [البناية] م: (وإذا باع المحرم الصيد أو ابتاعه) ش: أي اشتراه. م: (فالبيع باطل؛ لأن بيعه حيا) ش: أي لأن بيع المحرم الصيد حال كونه حيًا. م: (تعرض للصيد بتفويت الأمن وبيعه بعدما قتله بيع ميتة) ش: وكلاهما باطل فيكون البيع باطلًا. وقال الناطقي: لو اشترى، أو باع حال إحرامه الصيد، نقض الحاكم البيع، وإن قبضه المشتري فاستهلكه، والبائع محرم، والمشتري حلال، فعلى البائع قيمة الصيد للكفارة، ولا ضمان عليه للبائع إن كان صاده حال إحرامه، وإن صاده وهو حلال ثم أحرم ثم باعه حال إحرامه فعلى المشتري قيمته للبائع. م: (ومن أخرج ظبية من الحرم فولدت أولادا فماتت هي وأولادها فعليه جزاؤهن) ش: أي جزاء الأم والأولاد. م: (لأن الصيد بعد الإخراج من الحرم بقي مستحقا للأمن شرعا) ش: يعني بعد إخراجه من الحرم متصف بوصف شرعي وهو الأمن. وإذا كان كذلك بقي مستحقًا بأن يكون آمنًا من جهة الشرع، ولقوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] (آل عمران: الآية 97) ، فبقي معه هذا الوصف. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل استحقاقه الأمن شرعًا. م: (وجب رده إلى مأمنه، وهذه صفة شرعية) ش: أي كون الصيد واجب الرد إلى المأمن، أي إلى موضع أمانه، وهو الحرم صفة شرعية. م: (فتسري إلى الأولاد) ش: يعني يثبت وجوب الرد إلى الحرم في الأولاد أيضًا؛ لأن الأوصاف القارة في الأمهات تسري إلى الأولاد، كالحرية، والكتابة، والتدبير. فإن قلت: ينتقض هذا بولد المغصوبة، فإنها واجب الرد، ولم يسر إلى والدها. قلت: صفة المغصوبية ليست بصفة شرعية فلا يتعدى إلى الولد. فإن قلت: المضمونية صفة شرعية، فينبغي أن تتعدى. قلت: هي صفة غير لازمة، فلا تسري، بخلاف التدبير وغيره، فإنه صفة لازمة، وفي " جامع قاضي خان ": إن سبب وجوب الضمان في المغصوب تفويت اليد، ولم يوجد ذلك في الأولاد لا حقيقة، ولا حكمًا؛ لأن المالك لم يطالب الأولاد حتى إذا طالبه وامتنع كان ضامنًا، أما حق الرد لله تعالى في كل ساعة، فإذا لم يرد ومنع كان ضامنًا من وقت المنع. م: (فإن أدى جزاءها) ش: أي جزاء الظبية. م: (ثم ولدت ثم ماتت الأولاد ليس عليه جزاء الولد؛ لأن بعد أداء الجزاء لم تبق آمنة) ش: أي مستحقة الأمن، فحينئذ لم تبق الأولاد مستحقة للأمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 لأن وصول الخلف كوصول الأصل، والله أعلم بالصواب.   [البناية] أيضًا لحدوثها على ملكه خارج الحرم، وهو معنى قوله. م: (لأن وصول الخلف) ش: وهو القيمة إلى الفقراء. م: (كوصول الأصل) ش: وهو الصيد إلى الحرم، ألا ترى أنه لو غصب جارية فأدى قيمتها ثم ولدت أولادًا فاستهلكها وأولادها لا يجب عليه شيء فكذا هاهنا، كذا في " الجامع المحبوبي " وكذا فسر الإمام حميد الدين الضرير - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله: لأن وصول الخلف كوصول الأصل، وقيد بقوله: لأن وصول قيمة الصيد إلى فقراء مكة، بمنزلة وصول الصيد إلى الحرم. وقال الأترازي: فيه نظر؛ لأنه يجوز أن يصرف القيمة إلى فقراء مكة وغيرهم عندنا، فإذا أدى الجزاء إلى غيرهم يسقط أيضًا مع أنه لم يصل الخلف إلى فقرائها، فلا يستقيم التعليل بأن وصول الخلف إلى فقراء مكة كوصول الأصل إلى الحرم، انتهى. قلت: فنظيره غير موجه، فلا يرد شيء على المصنف، ولا على الشيخ حميد الدين الضرير، أما المصنف فإنه أطلق هو، ويشمل الوصول إلى فقراء مكة، والى غير فقرائها، وقال الشيخ حميد الدين الضرير - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فإنه قيده باعتبار الغالب، والله أعلم الصواب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 419 باب مجاوزة الوقت بغير إحرام وإذا أتى الكوفي بستان بني عامر فأحرم بعمرة   [البناية] [باب مجاوزة الميقات بغير إحرام] م: (باب مجاوزة الوقت بغير إحرام) ش: أي: هذا باب في بيان حكم من جاوز الميقات بغير إحرام، ولما فرغ من بيان حكم الجناية الواقعة بعد الإحرام شرع في باب الجناية الواقعية قبل الإحرام، فاشتركا في معنى الجناية، لكن لما كانت الجناية بعد الإحرام على الكمال قدم بيانها على هذا الباب، والمجاوزة من باب المفاعلة التي تكون بين الاثنين، ولكنها بمعنى الجواز كما في قوله تبارك وتعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] (آل عمران: الآية 133) بمعنى أسرعوا الوقت، قال في " الجمهرة ": الوقت معروف اسم واقع على الساعة في الزمان والحين، فعلى هذا يكون استعمال الوقت في معنى المكان مجازًا كما استعمل المكان في معنى الزمان مجازًا في قَوْله تَعَالَى: {هُنَالِكَ دَعَا} [آل عمران: 38] (آل عمران: الآية 38) . وقال الجوهري: الوقت معروف، والميقات الوقت المضروب للفعل والموضع، يقال: هذا ميقات أهل الشام للموضع الذي يحرمون منه فعلى هذا يكون إطلاق الميقات على مكان الإحرام حقيقة لاستعمال أهل اللغة الميقات في معنى المكان. قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا يخلو من تأمل، وقال الأكمل ناقلًا عن غيره: فإن قيل: كان الواجب أن لا يجب على من جاوز الميقات بغير إحرام شيء؛ لأن المحرم للأشياء الموجبة للكفارة هو الإحرام، والإحرام غير موجود في ذلك الوقت. فالجواب: أن من جاوز الميقات بغير إحرام ارتكب المنهي عنه، وتمكن به في حجه نقصان، ونقصانه يجبر بالدم إلا إذا تدارك ذلك في أوانه بالرجوع إلى الميقات ملبيًا قبل أن يطوف، انتهى. قلت: مذهب الحسن البصري، والنخعي، أن الإحرام من الميقات غير واجب، فلا يجب عليه شيء إذا جاوز الميقات بغير إحرام. وفي " المبسوط ": ولو جاوزه وأحرم انعقد إحرامه إلا عند سعيد بن جبير فإنه قال: لا ينعقد إحرامه، فإن رجع إلى الميقات قبل التلبس بأفعال الحج بالإحرام سقط عنه الدم عند أكثر العلماء. [الحكم لو جاوز الكوفي ذات عرق بلا إحرام] م: (وإذا أتى الكوفي) ش: أي الرجل من أهل الكوفة. م: (بستان بني عامر) ش: هو موضع قريب من مكة داخل الميقات خارج الحرم. م: (فأحرم بعمرة) ش: يعني المسألة ما إذا جاوز ذات عرق بلا إحرام، ودخل البستان، وكان من نيته الحج أو العمرة؛ لأنه لو لم يكن من ذلك، ولم يرد دخول مكة في أوان الميقات ثم أنشأ الإحرام لم يجب عليه شيء لحرمة الوقت، وذات عرق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 فإن رجع إلى ذات عرق ولبى بطل عنه دم الوقت، وإن رجع إليه ولم يلب حتى دخل مكة وطاف لعمرته فعليه دم، وهذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: إن رجع إليه محرما فليس عليه شيء لبى أو لم يلب. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لا يسقط لبى أو لم يلب؛ لأن جنايته لم ترتفع بالعود، وصار حكمه كما إذا أفاض من عرفات ثم عاد إليه بعد الغروب. ولنا أنه تدارك المتروك في أوانه، وذلك قبل الشروع في الأفعال فيسقط الدم، بخلاف الإفاضة؛ لأنه لم يتدارك المتروك على ما مر. غير أن التدارك عندهما بعوده محرما؛ لأنه أظهر حق الميقات كما إذا مر به محرما ساكنا.   [البناية] ميقات أهل العراق، وقال القرطبي: ذات عرق عليه، أو عصية بينهما وبين مكة يومان، وبعض يوم. م: (فإن رجع) ش: أي محرمًا قيدنا به؛ لأنه إذا رجع قبل الإحرام، وأحرم من الميقات لا شيء عليه عندنا، وعند الشافعي. م: (إلى ذات عرق) ش: التخصيص بذات عرق لظاهر حال الكوفي، وإلا فالرجوع إليه وإلى غيره من المواقيت سواء في ظاهر الرواية في سقوط الدم. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: ينظر أنه إن عاد إلى ميقات آخر، وذلك الميقات يحاذي الميقات الأول سقط الدم، وإلا فلا. م: (ولبى بطل عنه دم الوقت) ش: أي دم الميقات. م: (وإن رجع إليه ولم يلب حتى دخل مكة، وطاف لعمرته فعليه دم، وهذا) ش: أي هذا المذكور بالتفصيل. م: (قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقالا: إن رجع إليه) ش: أي إلى الميقات حال كونه. م: (محرما فليس عليه شيء لبى أو لم يلب) ش: وبه قال الشافعي في قول. م: (وقال زفر: لا يسقط لبى أو لم يلب) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد، والشافعي في قول. م: (لأن جنايته لم ترتفع بالعود) ش: جنايته هو ترك الإحرام من الميقات فلا يرجع بعوده إلى الميقات؛ لأن بالعود الواجب عليه إنشاء تلبية واجبة عند الميقات، ووجوب التلبية عند الإحرام لا بعده. م: (وصار حكمه كما إذا أفاض من عرفات ثم عاد إليه بعد الغروب. ولنا أنه تدارك المتروك في أوانه) ش: أي في أوان المتروك، والمتروك قضاء حق الفائت. م: (وذلك) ش: أي أوان المتروك. م: (قبل الشروع في الأفعال) ش: أي في أفعال الحج. م: (فيسقط الدم، بخلاف الإفاضة) ش: جواب عن قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما إذا أفاض، أراد أن قياسه عليه غير صحيح. م: (لأنه لم يتدارك المتروك) ش: لأن المتروك هنا استدامة الوقوف إلى غروب الشمس، وبالعدة لم يحصل ذلك. م: (على ما مر) ش: أي في الجنايات. م: (غير أن التدارك عندهما) ش: أشار به إلى أن التدارك هل يحصل بمجرد العود، أو مع التلبية، فقال: إن التدارك عندهما أي عند أبي يوسف، ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. م: (بعوده) ش: خلاف كونه محرمًا؛ لأنه أظهر حق الميقات وهو مجاوزته. م: (محرما؛ لأنه أظهر حق الميقات كما إذا مر به) ش: أي بالميقات حال كونه. م: (محرما ساكنا) ش: فلا يلزمه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 421 وعنده - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بعوده محرما ملبيا؛ لأن العزيمة في حق الإحرام من دويرة أهله، فإذا ترخص بالتأخير إلى الميقات وجب عليه قضاء حقه بإنشاء التلبية وكان التلافي بعوده ملبيا، وعلى هذا الخلاف إذا أحرم بحجة بعد المجاوزة مكان العمرة في جميع ما ذكرناه. ولو عاد بعدما ابتدأ بالطواف، واستلم الحجر لا يسقط عنه الدم بالاتفاق، ولو عاد إليه قبل الإحرام يسقط عنه بالاتفاق. وهذا الذي ذكرناه إذا كان يريد الحج أو العمرة، فإن دخل البستان لحاجته فله أن يدخل مكة بغير إحرام، ووقته البستان، وهو وصاحب المنزل سواء؛ لأن البستان غير واجب التعظيم فلا يلزمه الإحرام بقصده، وإذا دخله التحق بأهله   [البناية] شيء، وكلاهما حالان مترادفان، أو متداخلان. م: (وعنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (بعوده) ش: أي التدارك بعوده حال كونه. م: (ملبيا) ش: كلاهما أيضًا حالان مثل ذاك. م: (لأن العزيمة) ش: أي الميقات. م: (في حق الإحرام من دويرة أهله) ش: أي لأن الأخذ بما أوجب الله عليه في الإحرام أن يكون من دويرة أهله في حق الآفاقي، قال تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) على ما مر فيما مضى. م: (فإذا ترخص بالتأخير) ش: أي بتأخير الإحرام. م: (إلى الميقات وجب عليه قضاء حقه بإنشاء التلبية) ش: أي قضاء حق الميقات بالإتيان بالتلبية. م: (وكان التلافي بعوده ملبيا) ش: أي بالتدارك في عوده إلى الميقات حال كونه ملبيًا فإذا عاد ملبيًا فقد أتى بجميع المستحق عليه. م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور. م: (إذا أحرم بحجة بعد المجاوزة) ش: عن الميقات. م: (مكان العمرة في جميع ما ذكرناه) ش: من الأشياء. م: (ولو عاد) ش: على الميقات. م: (بعدما ابتدأ بالطواف، واستلم الحجر لا يسقط عنه الدم بالاتفاق) ش: أي باتفاق علمائنا، والشافعي في قول، ومالك، وأحمد، والفاء في فاستلم تفسيرًا للشروع في الطواف لبيان المعتبر في ذلك الشرط، وإن عاد قبله فعلى الخلاف المذكور. م: (ولو عاد إليه) ش: أي إلى الميقات. م: (قبل الإحرام يسقط عنه بالاتفاق) ش: وذلك لأنه استثناء التلبية الواجبة عند ابتداء الإحرام. م: (وهذا الذي ذكرناه) ش: من الأحكام. م: (إذا كان يريد الحج أو العمرة، فإن دخل البستان لحاجته فله أن يدخل مكة بغير إحرام) ش: كما يجوز للبستاني. م: (ووقته) ش: أي ميقاته. م: (البستان، وهو وصاحب المنزل سواء؛ لأن البستان غير واجب التعظيم) ش: إذ ليس فيه ما يوجب التعظيم. م: (فلا يلزمه الإحرام بقصده) ش: أي البستان. م: (وإذا دخله) ش: أي البستان. م: (التحق بأهله) ش: أي بأهل البستان سواء نوى الإقامة خمسة عشر يومًا، أو لم ينو، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو نوى الإقامة خمسة عشر يومًا فالجواب على ما ذكر، يعني إن نوى أن يقيم به خمسة عشر يومًا جاز له أن يدخله مكة بغير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 422 وللبستاني أن يدخل مكة بغير إحرام للحاجة فكذلك له ذلك. والمراد بقوله: ووقته البستان جميع الحل الذي بينه وبين الحرم وقد مر من قبل، فكذا وقت الداخل الملتحق به، فإن أحرما من الحل ووقفا بعرفة لم يكن عليهما شيء يريد به البستاني والداخل فيه؛ لأنهما أحرما من ميقاتهما. ومن دخل مكة بغير إحرام، ثم خرج من عامه ذلك إلى الوقت، وأحرم بحجة عليه أجزأه ذلك من دخوله مكة بغير إحرام وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجوز، وهو القياس اعتبارا بما لزمه بسبب النذر، وصار كما إذا تحولت السنة. ولنا أنه تلافى المتروك في وقته؛ لأن الواجب عليه تعظيم هذه البقعة بالإحرام، كما إذا أتاه محرما بحجة الإسلام في الابتداء   [البناية] إحرام؛ لأنه صار وطنًا له، وإن لم ينو الإقامة فلا يجوز له دخول مكة بغير إحرام؛ لأنه ليس من أهله فلا يعتبر. [دخول البستاني مكة بغير إحرام] م: (وللبستاني أن يدخل مكة بغير إحرام للحاجة فكذلك له ذلك) ش: أي الذي دخل البستان لحاجته أن يدخل مكة بغير إحرام، كما يجوز للبستاني؛ لأنه التحق بأهل البستان. م: (والمراد بقوله) ش: أي بقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ". م: (ووقته البستان جميع الحل الذي بينه وبين الحرم وقد مر من قبل) ش: أراد به ما ذكره في فصل المواقيت بقوله: ومن كان داخل الميقات فوقته الحل، معناه: الحل الذي بين المواقيت وبين الحرم. م: (فكذا) ش: أي فكذا يكون. م: (وقت الداخل) ش: أي ميقاته. م: (الملتحق به) ش: أي بالبستاني. م: (فإن أحرما) ش: أي البستاني والملتحق به. م: (من الحل ووقفا بعرفة لم يكن عليهما شيء) ش: لأنهما بالميقات على ما يجيء الآن. م: (يريد به البستاني والداخل فيه) ش: أي في البستان. م: (لأنهما أحرما من ميقاتهما) ش: وهو الحل. [دخل مكة بغير إحرام ثم خرج من عامه ذلك إلى الوقت وأحرم بحجة] م: (ومن دخل مكة بغير إحرام، ثم خرج من عامه ذلك إلى الوقت) ش: أي إلى الميقات. م: (وأحرم بحجة عليه) ش: يعني حجة الإسلام، أو حجة منذورة، أو عمرة منذورة. م: (أجزأه ذلك) ش: عما لزمه. م: (من دخوله مكة بغير إحرام) ش: يعني يسقط عنه ما وجب عليه من العمرة أو الحجة بسبب دخول مكة بغير إحرام، وذكر في " الإيضاح "، و" شرح الأقطع "، و" شرح مختصر الكرخي " غيرها. م: (وقال زفر: لا تجوز، وهو القياس اعتبارا بما لزمه بسبب النذر) ش: فإنه إذا كان عليه حجة، وجبت بالنذر، وحج حجة الإسلام فإنه لا يسقط بها المنذورة فكذلك هاهنا، والجامع أن كل واحدة منهما واجبة بسبب غير سبب الأخرى. م: (وصار ذلك كما إذا تحولت السنة) ش: التي دخل فيها مكة ثم حج فإنه لا يقوم مقام ما لزمه بدخول مكة بلا خلاف. م: (ولنا أنه تلافى) ش: أي تدارك. م: (المتروك في وقته) ش: وهو السنة التي دخل فيها مكة. م: (لأن الواجب عليه تعظيم هذه البقعة) ش: أي الكعبة. م: (بالإحرام) ش: يعني لما انتهى إلى الميقات كان حقه أن يجاوزه بإحرام يؤدي أفعاله في تلك السنة لا في سنة أخرى. م: (كما إذا أتاه) ش: أي البقعة التي هي مكة حال كونه. م: (محرما بحجة الإسلام في الابتداء) ش: يعني من أول الأمر، فإنه يجزئه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 423 بخلاف ما إذا تحولت السنة؛ لأنه صار دينا في ذمته، فلا يتأدى إلا بإحرام مقصود كما في الاعتكاف المنذور، فإنه يتأدى بصوم رمضان من هذه السنة دون العام الثاني. ومن جاوز الوقت فأحرم بعمرة، وأفسدها مضى فيها وقضاها؛ لأن الإحرام يقع لازما فصار كما إذا أفسد الحج، وليس عليه دم لترك الوقت، وعلى قياس قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يسقط عنه، وهو نظير الاختلاف في فائت الحج إذا جاوز الوقت بغير إحرام   [البناية] عن حجة الإسلام التي نوى، وعما لزمه بدخول مكة. م: (بخلاف ما إذا تحولت السنة؛ لأنه صار دينا في ذمته) ش: بمضي وقت الحج. م: (فلا يتأدى إلا بإحرام مقصود) ش: أي قصدي. م: (كما في الاعتكاف المنذور) ش: أي كما إذا نذر أن يعتكف شهر رمضان هذا. م: (فإنه يتأدى بصوم رمضان من هذه السنة دون العام الثاني) ش: يعني إذا لم يعتكف شهر رمضان الذي نذر فيه الاعتكاف حتى جاز رمضان العام الثاني فصامه فاعتكف فيه قضاء عما عليه لم يعتكف؛ لأنه لما لم يعتكف في الرمضان الأول، صار الصوم مقصودًا، فلم يتأد إلا بصوم مقصود، كذا هذا. فإن قيل: سلمنا أن الحج يتحول إلى السنة، ويصير دينًا، ولكن لا نسلم أن العمرة تصير دينًا؛ لأنها موقتة فينبغي أن تسقط العمرة الواجبة بدخول مكة بغير إحرام بالعمرة المنذورة في السنة الثانية، كما تسقط هي بها في السنة الأولى. أجيب بأنه لا شك أن العمرة يكره تأخيرها إلى أيام النحر والتشريق، فإذا أخرها إلى وقت يكره صار كالمعقول لها، فصارت دينًا. [جاوز الوقت فأحرم بعمرة وأفدسدها] م: (ومن جاوز الوقت) ش: أي الميقات. م: (فأحرم بعمرة، وأفسدها) ش: أي العمرة أفسدها بجماع. م: (مضى فيها وقضاها) ش: أي العمرة ثم يقضيها. م: (لأن الإحرام يقع لازما) ش: أي لأنه عقد لازم لا يخرج الرغبة بعد الشروع فيهما إلا بأداء الأفعال، وأما القضاء فلأنه التزم الأداء على وجه الصحة، ولم يفعل. م: (فصار) ش: أي حكم هذا. م: (كما إذا أفسد الحج) ش: فإنه يقضيه فكذلك هذا. م: (وليس عليه دم لترك الوقت) ش: لأنه إذا فصلها بإحرام الميقات ينجبر به ما نقص من حق الوقت بالمجاوزة بغير إحرام، فيسقط عنه الدم كمن سها في الصلاة، ثم أفسدها ثم قضاها سقط عنه سجود السهو. م: (وعلى قياس قول زفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يسقط عنه) ش: الدم لبى أو لم يلب؛ لأن جنايته لا ترتفع بالعود، وكذا إذا جاوز الميقات ثم أحرم بعمرة، ثم وجب عليه القضاء بالإفساد، ولا يسقط عنه الدم بالقضاء لعدم ارتفاع الجناية بالقضاء قياسًا على تلك المسألة. م: (وهو نظير الاختلاف) ش: أي هذا الاختلاف بيننا وبين زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الدم الواجب بالمجاوزة عن الميقات يسقط بالقضاء عندنا ولا يسقط عنده نظير الاختلاف الواقع. م: (في فائت الحج إذا جاوز الميقات بغير إحرام) ش: ثم أحرم بالحج وفاته الحج بفوات الوقوف بعرفات، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 وفيمن جاوز الوقت بغير إحرام وأحرم بالحج ثم أفسد حجه. وهو يعتبر المجاوزة هذه بغيرها من المحظورات. ولنا أنه يصير قاضيا حق الميقات بالإحرام منه في القضاء، وهو يحكي الفائت ولا ينعدم به غيره من المحظورات فوضح الفرق. وإذا خرج المكي يريد الحج، فأحرم ولم يعد إلى الحرم ووقف بعرفة فعليه شاة؛ لأن وقته الحرم، وقد جاوزه بغير إحرام، فإن عاد إلى الحرم ولبى أو لم يلب فهو على الاختلاف الذي ذكرناه   [البناية] وتحلل بأفعال العمرة، ووجب عليه القضاء من قابل يسقط الدم الواجب بالمجاوزة بغير إحرام لوجوب القضاء عندنا خلافًا له. م: (وفيمن جاوز الوقت) ش: عطفًا على قوله في فائت الحج، أي ونظير الاختلاف أيضًا بيننا وبينه فيمن جاوز الوقت، أي الميقات. م: (بغير إحرام وأحرم بالحج ثم أفسد حجه) ش: بالجماع قبل الوقوف بعرفات فوجب عليه المضي والقضاء، ويسقط عنه دم المجاوزة عندنا خلافًا له. م: (هو) ش: أي زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (يعتبر المجاوزة هذه) ش: أي يقيس المجاوزة هذه. م: (بغيرها) ش: أي بغير المجاوزة. م: (من المحظورات) ش: كالتطيب واللبس والحلق، فإن الدم الواجب فيها لا يسقط بقضاء الحج أو العمرة، فكذا هذا. م: (ولنا أنه يصير قاضيا حق الميقات بالإحرام منه) ش: أي من الميقات في. م: (في القضاء، وهو) ش: أي القضاء. م: (يحكي الفائت) ش: فينعدم المعنى الذي لأجله وجب الدم، وهو أداء الواجب الحج بإحرام بعد مجاوزة الميقات. م: (ولا ينعدم به) ش: أي بالقضاء. م: (غيره) ش: أي غير هذا المحظور. م: (من المحظورات) ش: لأن الواجب بها النقصان يمكن في الإحرام الأول، والجبر لا يقع بأصل العبادة كسجدة في الصلاة يقع بها الجبر، وبأصل الصلاة لا يقع، أما هاهنا الدم وجب بترك أصل الإحرام من الوقت، وقد أتى بأصل الإحرام في الوقت في القضاء، فينوب عما ترك؛ لأن أصل الصلاة عن الأصل، أما الأصل فلا ينوب عن التبع، كذا في " المبسوط "، وهو معنى قوله. م: (فوضح الفرق) ش: أي بين ما نحن فيه، وبين ما قاس عليه زفر. [خرج المكي يريد الحج فأحرم ولم يعد إلى الحرم ووقف بعرفة] م: وإذا خرج المكي) ش: يعني من الحرم حال كونه. م: يريد الحج، فأحرم) ش: يعني للحج. م: ولم يعد إلى الحرم ووقف بعرفة فعليه شاة) ش: لأنه لما خرج عن الحرم ثم أحرم بالحج فصار كالآفاقي إذا جاوز الميقات ثم أحرم فوجب عليه شاة لزكى حرمة الميقات كما وجب على الآفاقي. م: (لأن وقته) ش: أي لأن ميقاته. م: (الحرم، وقد جاوزه بغير إحرام) ش: إذا قيد بقوله يريد الحج؛ لأنه لو خرج من الحرم لأجل حاجته ثم أحرم بحج لا شيء عليه عاد، أو لم يعد؛ لأنه لما خرج إلى ذلك الموضع لحاجة صار من أهله، ووقت أهله كذا في " جامع الأسبيجابي ". م: (فإن عاد إلى الحرم ولبى أو لم يلب فهو على الاختلاف الذي ذكرناه) ش: يعني عند أبي حنيفة يسقط عنه الدم بالعود والتلبية عند الحرم، وعندهما يسقط بمجرد العود، وعند زفر لا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 425 في الآفاقي. والمتمتع إذا فرغ من عمرته ثم خرج من الحرم، فأحرم ووقف بعرفة فعليه دم؛ لأنه لما دخل مكة وأتى بأفعال العمرة صار بمنزلة المكي، وإحرام المكي من الحرم لما ذكرنا فيلزمه الدم بتأخيره عنه، فإن رجع إلى الحرم، فأهل فيه قبل أن يقف بعرفة فلا شيء عليه، وهو على الخلاف الذي تقدم في الآفاقي   [البناية] يسقط، وإن لبى. م: (في الآفاقي) ش: ذكره قبل هذا في إتيان الكوفي في بستان بني عامر، قيل: الصواب الأفقي؛ لأن الآفاق جمع أفق، فالنسبة تكون للمفرد دون الجمع، ولم يسمع في كتب اللغة الآفاقي، وعن الأصمعي وابن السكيت الأفقي بفتحتين. [المتمتع إذا فرغ من عمرته ثم خرج من الحرم فأحرم ووقف بعرفة] م: (والمتمتع إذا فرغ من عمرته ثم خرج من الحرم، فأحرم) ش: بالحج. م: (ووقف بعرفة فعليه دم) ش: هذه المسألة من مسائل " الجامع الصغير "، وقيد فيه بالتمتع لأن إحرام القارن بحجة وعمرة ميقاتي فلا يرد هذا الحكم فيه. م: (لأنه لما دخل مكة، وأتى بأفعال العمرة صار بمنزلة المكي، وإحرام المكي من الحرم لما ذكرنا فيلزمه الدم بتأخيره عنه) ش: أي بتأخير الإحرام عن الوقت. م: (فإن رجع إلى الحرم، وأهل فيه) ش: أي أحرم، ولبى في الحرم. م: (قبل أن يقف بعرفة فلا شيء عليه، وهو على الخلاف الذي تقدم) ش: فيما مضى أن عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يسقط عنه الدم إذا لبى، وعندهما: لا تشترط التلبية. وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يسقط الدم في الحالين في الآفاقي إنما قال تقدم. م: (في الآفاقي) ش: فإن كان المتمتع أيضًا آفاقيًا؛ لأن المتمتع في آخر إحرام الحج كالمكي فافهم، والله أعلم، وبه التوفيق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 426 باب إضافة الإحرام إلى الإحرام قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا أحرم المكي بعمرة، وطاف لها شوطا ثم أحرم بالحج فإنه يرفض الحج، وعليه لرفضه دم، وعليه حجة وعمرة. وقال أبو يوسف، ومحمد - رحمهما الله -: رفض العمرة أحب إلينا، وقضاها، وعليه دم لرفضها؛ لأنه لا بد من رفض أحدهما؛ لأن الجمع بينهما في حق المكي غير مشروع، والعمرة أولى بالرفض؛ لأنها أدنى حالا وأقل أعمالا وأيسر قضاء لكونها غير موقتة، وكذا إذا أحرم بالعمرة ثم بالحج ولم يأت بشيء من أفعال   [البناية] [باب إضافة الإحرام إلى الإحرام] م: (باب إضافة الإحرام إلى الإحرام) ش: أي هذا باب في بيان حكم إضافة الإحرام إلى الإحرام، ولما كانت هذه من أهل مكة، وممن منزله داخل الميقات جناية، وكذا إضافة إحرام العمرة إلى الحجة في الآفاقي عقب باب الجنايات بهذا الباب لكونه نوعًا من الجنايات. م: (قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا أحرم المكي بعمرة، وطاف لها شوطا ثم أحرم بالحج فإنه يرفض الحج، وعليه لرفضه دم، وعليه حجة وعمرة) ش: إنما قيد المكي لأن الآفاقي لو أحرم بعمرة فطاف له شوطًا ثم أحرم بحجة يمضي في الحج فيها، ولا يرفض الحج؛ لأن بناء أفعال الحج على أعمال العمرة صحيح في حقه عندنا، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ومالك: يصح في حق المكي أيضًا لمشروعية القران، والتمتع عندهما، وإنما قيد بقوله: وطاف لها شوطًا؛ لأنه إذا لم يطف للعمرة أصلًا يرفض العمرة بالاتفاق، وقيد بقوله: شوطًا، وأراد به أقل الأشواط، حتى إذا طاف شوطين، أو ثلاثة أشواط كان الخلاف فيه كما ذكره، أما إذا طاف للعمرة أكثر الأشواط يرفض الحج بالاتفاق. م: (وقال أبو يوسف، ومحمد: رفض العمرة أحب إلينا) ش: لأنها أيسر قضاء، وأداء، وأخف مؤنة، فصارت أولى بالرفض على ما يجيء. م: (وقضاها) ش: أي العمرة. م: (وعليه دم لرفضها؛ لأنه لا بد من رفض أحدهما) ش: أي الحجة أو العمرة. م: (لأن الجمع بينهما) ش: أي الحجة والعمرة. م: (في حق المكي غير مشروع) ش: أي عندنا، خلافًا للشافعي، ومالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) . م: (والعمرة أولى بالرفض) ش: من الحج. م: (لأنها أدنى حالا وأقل أعمالا وأيسر قضاء لكونها غير موقتة) ش: لأن العمرة سنة، والحج فريضة؛ لأن أداءها يمكن في جميع السنة إلا خمسة أيام يكره فيها. م: (وكذا إذا أحرم بالعمرة ثم بالحج ولم يأت بشيء من أفعال العمرة لما قلنا) ش: برفض العمرة أيضًا بالاتفاق، وفي عبارته تسامح؛ لأنه عطف بقوله: وكذا المتفق عليه على المختلف فيه، وفيه تلبيس إذا أحرم بالعمرة ثم بالحج، ومات بشيء من أفعال العمرة كما قلنا هو قوله: لأنها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 427 العمرة لما قلنا. فإن طاف للعمرة أربعة أشواط، ثم أحرم بالحج رفض الحج بلا خلاف؛ لأن للأكثر حكم الكل فتعذر رفضها كما إذا فرغ منها، ولا كذلك إذا طاف للعمرة أقل من ذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وله أن إحرام العمرة قد تأكد بأداء شيء من أعمالها، وإحرام الحج لم يتأكد، ورفض غير المتأكد أيسر؛ ولأن في رفض العمرة، والحالة هذه إبطال العمل، وفي رفض الحج امتناعا عنه، وعليه دم بالرفض أيهما رفضه؛ لأنه تحلل قبل أوانه؛ لتعذر المضي فيه   [البناية] أدنى حالًا، وأقل أعمالًا وأيسر قضاء. م: (فإن طاف للعمرة أربعة أشواط، ثم أحرم بالحج رفض الحج بلا خلاف؛ لأن للأكثر حكم الكل فيتعذر رفضها كما إذا فرغ منها) ش: أي من العمرة لعدم إمكان الرفض. م: (ولا كذلك إذا طاف للعمرة أقل من ذلك عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وفي بعضها: وكذلك بحذف كلمة " لا " من قوله: ولا كذلك، وقال السغناقي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قال الإمام حسام الدين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الصواب، وكذلك قال الكاكي أيضًا هو المثبت في نسخة المصنف، قال: وكذلك وجدت بخط شيخي. وقال الأترازي في نسخته: ولا كذلك، هذا جواب سؤال مقدر بأن يقال: لما قال المصنف: فإن طاف للعمرة أربعة أشواط رفض الحج؛ لأن للأكثر حكم الكل، ورد عليه السؤال بأن يقال: كيف يرفض الحج على مذهب أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيما إذا طاف الأقل للعمرة، ولم يوجد الأكثر الذي له حكم الكل؟ فأجاب عنه وقال: ولا كذلك إذا طاف للعمرة أقل من ذلك، إلا أن أبا حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يعلل لرفض العملة فيما إذا طاف الأقل للعمرة لوجود الأكثر لم يعلل بعلة أخرى، وهي ما ذكره بقوله: م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (أن إحرام العمرة قد تأكد بأداء شيء من أعمالها، وإحرام الحج لم يتأكد، ورفض غير المتأكد أيسر) ش: من رفض المتأكد وهذا لأن الحكم جاز أن يكون معلولًا بعلل شتى، وعدم الكل لعلة لا يوجب للكل عدم الحكم. م: (ولأن في رفض العمرة) ش: هذا وجه آخر لقوله: ولا كذلك، أي: والجواب أن في رفض العمرة وجود بعض أفعال العمرة، وأشار إليه بقوله. م: (والحالة هذه) ش: يعني، والحال أنه أتى بشيء من أفعال العمرة. م: (إبطال العمل) ش: بالنصب لأنه اسم إن، يعني أن إبطال العمل في الطواف الذي أتى به. م: (وفي رفض الحج امتناع عنه) ش: أي ولأن في رفض الحج امتناعًا عن الإبطال، والامتناع أهون في الإبطال؛ لأن ما وقع معتد به، ولا كذلك إذا لم يفعل شيئًا. م: (وعليه دم بالرفض أيهما رفضه) ش: يعني الحج عنده والعمرة عندهما. م: (لأنه تحلل قبل أوانه) ش: بعد أداء الأفعال. م: (لتعذر المضي فيه) ش: لكون الجمع بينهما غير مشروع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 428 فكان في معنى المحصر، إلا أن في رفض العمرة قضاءها لا غير، وفي رفض الحج قضاؤه وعمرة؛ لأنه في معنى فائت الحج. وإن مضى عليهما أجزأه لأنه أدى أفعالهما كما التزمهما، غير أنه منهي عنهما، والنهي لا يمنع تحقق الفعل على ما عرف من أصلنا. وعليه دم؛ لجمعه بينهما؛ لأنه تمكن النقصان في عمله لارتكابه المنهي عنه، وهذا في حق المكي دم جبر، وفي حق الآفاقي دم شكر. ومن أحرم بالحج ثم أحرم يوم النحر بحجة أخرى   [البناية] م: (فكان في معنى المحصر) ش: من حيث إنه تعذر المضي بعد الشروع، وعلى المحصر دم للتحلل، ويكون الدم دم جبر لا دم نسك على ما يأتي إن شاء الله تعالى. م: (إلا أن في رفض العمرة قضاءها لا غير) ش: أي غير أن في رفض العمرة قضاء العمرة لا غير؛ لأنه خرج عنها بعد الشروع. م: (وفي رفض الحج) ش: أي ولأن في رفض الحج. م: (قضاؤه) ش: أي قضاء الحج الذي رفضه في سنة أخرى. م: (وعمرة) ش: بالرفض، أي مع قضاء عمرة أخرى غير العمرة التي شرع فيها. م: (لأنه في معنى فائت الحج) ش: وفائت الحج يتحلل بأفعال العمرة، لكن يؤدي أولًا العمرة التي شرع فيها، ويفرغ منها، ثم يأتي بعمرة أخرى. م: (وإن مضى عليهما) ش: أي على العمرة والحج، يعني لم يرفض المكي ومن في معناه العمرة والحج، بل مضى عليهما وأداهما. م: (أجزأه لأنه أدى أفعالهما كما التزمهما، غير أنه منهي عنهما) ش: أي عن إحرام الحج، والعمرة، وقال صاحب " النهاية ": وفي نسخة شيخ بخطه عنها أي عن العمرة إذ هي المستتبعة للرفض إجماعًا فيما إذا لم يشتغل بطواف الحج والكلام فيه؛ لأنها هي الداخلة في وقت الحج، وبسببها وقع العصيان. م: (والنهي لا يمنع تحقق الفعل على ما عرف من أصلنا) ش: لأن النهي إذا كان المعنى في غيره لا يعدم المشروعية على أصل الحقيقة على ما عرف في موضعه. وفي " الكافي ": فإن قيل: قد ذكر الشيخ في أول المسألة أن الجمع بينهما في حق المكي غير مشروع، وهاهنا قال: النهي تحقيق المشروعية، وهذا يصير تناقضًا، قلنا: أراد بقوله: غير مشروع كاملًا كما في حق الآفاقي، فيندفع التناقض في حق المكي. م: (وعليه دم) ش: أي دم جبر. م: (لجمعه بينهما) ش: أي بين الحج والعمرة. م: (لأنه تمكن النقصان في عمله لارتكابه المنهي عنه) ش: وهو الجمع بينهما فارتكب محظور فعليه دم جبر لا يحل له، ولا لسائر الأغنياء، فيتصدق به على المساكين كسائر دماء الكفارة. م: (وهذا) ش: أي هذا الدم الواجب. م: (في حق المكي دم جبر) ش: للنقصان لارتكابه المنهي عنه. م: (وفي حق الآفاقي دم شكر) ش: لما أنعم الله به عليه من الجمع بين العبادتين. [أحرم بالحج ثم أحرم يوم النحر بحجة أخرى] م: (ومن أحرم بالحج ثم أحرم يوم النحر بحجة أخرى) ش: اعلم أن الجمع بين الإحرامين لحجتين أو لعمرتين حرام؛ لأنه بدعة، ويأتي هذا على أربعة أقسام بالقسمة العقلية إدخال إحرام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 فإن حلق في الأولى لزمته الأخرى، ولا شيء عليه، وإن لم يحلق في الأولى لزمته الأخرى، وعليه دم قصر، أو لم يقصر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: إن لم يقصر فلا شيء عليه؛ لأن الجمع بين إحرامي الحج، أو إحرامي العمرة بدعة، فإذا حلق فهو وإن كان نسكا في الإحرام الأول فهو جناية على الثاني؛ لأنه في غير أوانه فلزمه الدم بالإجماع، وإن لم يحلق حتى حج في العام القابل فقد أخر الحلق عن وقته في الإحرام الأول وذلك يوجب الدم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما لا يلزمه شيء على ما ذكرنا   [البناية] الحج على إحرام الحج، وإدخال إحرام الحج على إحرام العمرة، وإدخال إحرام العمرة على إحرام الحج، وإدخال إحرام العمرة على إحرام العمرة. وأشار إلى بعضها، وسيأتي كل ذلك. وأشار إلى ذلك: الأول بقوله: ومن أحرم بالحج ثم أحرم يوم النحر بحجة أخرى ففيه تفصيل، أشار إليه بقوله. م: (فإن حلق في الأولى) ش: أي في الحجة الأولى. م: (لزمته الأخرى) ش: أي الحجة الأخرى؛ لأنه لم يجمع بين الإحرامين؛ لأنه تحلل من الأولى بالحلق، ويؤدي الحجة الأخرى في العام القابل. م: (ولا شيء عليه) ش: أي ولا دم عليه؛ لأنه لم يجمع بين الإحرامين. م: (وإن لم يحلق في الأولى) ش: أي في الحجة الأولى. م: (لزمته الأخرى) ش: أي الحجة الأخرى. م: (وعليه دم قصر، أو لم يقصر) ش: قال الكاكي: قوله: قصر أي حلق بعد إحرام، أو لم يحلق، وعبر بالقصر عن الحلق؛ لأنه وضع المسألة بلفظ من يقول: ومن أحرم، وهو يتناول الذكر والأنثى، فذكر أولًا لفظ الحلق، ولا ينافي لفظ التقصير ليشملهما أن الحلق مختص بالرجال. وفي بعض الروايات حلق مكان قصر. م: (عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: يعني عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يلزمه دم على كلا التقديرين، أما إذا حلق فلأنه جناية في حق إحرام الحجة الثانية، وإنما كان نسكًا في حق إحرام الأولى، وأما إذا لم يحلق للأولى يلزمه الدم أيضًا؛ لأن تأخير النسك عن وقته يوجب الدم عنده. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف، ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. م: (إن لم يقصر) ش: يعني أن يفرغ من الحجة. م: (فلا شيء عليه؛ لأن الجمع بين إحرامي الحج، أو إحرامي العمرة بدعة) ش: هذا دليل لقوله وعليه دم؛ قصر أو لم يقصر، وقال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير ": وذكر بعض مشايخنا في ذلك روايتين يعني في وجوب الدم لأجل الجمع بين الإحرامين في رواية: يجب، وفي رواية: لا يجب. م: (فإذا حلق فهو وإن كان نسكا في الإحرام الأول فهو جناية على الثاني) ش: أي على الإحرام الثاني. م: (لأنه في غير أوانه) ش: لأنه حلق قبل أداء الأعمال في الإحرام. م: (فلزمه الدم بالإجماع) ش: جواب إذا. م: (وإن لم يحلق حتى حج في العام القابل فقد أخر الحلق عن وقته في الإحرام الأول وذلك يوجب الدم عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وعندهما لا يلزمه شيء على ما ذكرنا) ش: وهو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 فلهذا سوى بين التقصير وعدمه عنده، وشرط التقصير عندهما. ومن فرغ من عمرته إلا التقصير فأحرم بأخرى فعليه دم لإحرامه قبل الوقت؛ لأنه جمع بين إحرامي العمرة، وهذا مكروه فيلزمه الدم وهو دم جبر وكفارة. ومن أهل بحج ثم أحرم بعمرة لزماه؛ لأن الجمع بينهما مشروع في حق الآفاقي، والمسألة فيه فيصير بذلك   [البناية] أن التأخير لا يوجب شيئًا عندهما. م: (فلهذا) ش: أي فلأجل أن التأخير جناية عنده. م: (سوى بين التقصير وعدمه عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (وشرط التقصير عندهما) ش: أي عند أبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - يعني إن قصر في هذه السنة فعليه دم بجنايته على الإحرام الثاني؛ لأن التأخير غير مضمن عندهما، كذا في " الجنازية "، و" الإيضاح "، ولكن ينبغي أن لا يجب دم عند محمد لعدم لزوم الآخر. قيل في جواب المسألة مصورة فيما إذا وقف في الحجة الأولى، فلا يكون جمعًا بين الإحرامين فيلزمه الإحرام الثاني، لكن بعد الأداء لكن لا يستقيم هذا مع قوله؛ لأن الجمع بين الإحرامين بدعة. [فرغ من عمرته إلا التقصير فأحرم بأخرى] م: (ومن فرغ من عمرته إلا التقصير فأحرم بأخرى) ش: أي بعمرة أخرى. م: (فعليه دم لإحرامه قبل الوقت) ش: أي قبل وقت الإحرام، يعني إن وقت الإحرام للعمرة الثانية بعد الحلق أو التقصير للأولى، فلما أحرم للثانية قبل ذلك يكون محرمًا قبل الوقت، فيصير جامعًا بين إحرامي العمرتين، وهذا معنى قوله. م: (لأنه جمع بين إحرامي العمرة، وهذا) ش: أي الجمع بين إحرامي العمرة. م: (مكروه فيلزمه الدم وهو دم جبر وكفارة) ش. فإن قلت: يجب الدم رواية واحدة في الجمع بين إحرامي العمرة، والجمع بين إحرامي الحج روايتان، فما الفرق على إحداهما. قلت: الجمع في هذا الإحرام إنما كره لأجل الجمع في الأفعال. وفي الحجتين لا يتحقق الجمع فعلًا؛ لأن أفعال الحج الثاني لا يؤدى في هذه السنة، فإنما يؤدى في السنة الثانية، والجمع بين إحرامي العمرة بسبب الجمع فعلًا لجواز العمرة في كل السنة. [أهل بحج ثم أحرم بعمرة] م: (ومن أهل بحج ثم أحرم بعمرة لزماه) ش: هذا هو القسم الثاني من الأقسام الأربعة المذكورة، وهو إدخال إحرام الحج على إحرام العمرة، فإذا جمع بينهما لزماه. م: (لأن الجمع بينهما مشروع في حق الآفاقي) ش: قوله: أهل، أي رفع صوته بالتلبية، وإنما اختار الفقهاء لفظ أهل على التلبية في كثير من المواضع إشارة إلى السنة في التلبية وهي رفع الصوت. م: (والمسألة فيه) ش: أي في الآفاقي، ومعنى المسألة أن الآفاقي إذا أحرم بحجة ثم بعمرة قبل أداء شيء من أفعال الحج لزماه لصدوره من أهله؛ لأنه أمكن إتيان أفعال العمرة قبل أفعال الحج، وإنما الترتيب فيما هو وسيلة، والعبرة للمقصود. م: (فيصير بذلك) ش: أي الجمع بين الحج والعمرة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 قارنا لكنه أخطأ السنة فيصير مسيئا. فلو وقف بعرفات ولم يأت بأفعال العمرة فهو رافض لعمرته؛ لأنه تعذر عليه أداؤها، إذ هي مبنية على الحج غير مشروعة، فإن توجه إليها لم يكن رافضا حتى يقف، وقد ذكرناه من قبل فإن طاف للحج ثم أحرم بعمرة فمضى عليهما لزماه، وعليه دم لجمعه بينهما؛ لأن الجمع بينهما مشروع على ما مر فصح الإحرام بينهما، والمراد بهذا الطواف طواف التحية، وأنه سنة وليس بركن حتى لا يلزمه بتركه شيء   [البناية] م: (قارنا) ش: لأنه جمع بين النسكين. م: (لكنه أخطأ السنة) ش: لأن القارن من يحرم بالحج والعمرة معًا، أو يقدم إحرام العمرة لا عكس. م: (فيصير مسيئا) ش: لأن الله تعالى جعل الحج أحد الفائتين في قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) فكان ينبغي أن يدخل الحج على العمرة لا العكس، لكنه لما لم يؤد الحج صح؛ لأن الترتيب وجد في الأداء وإن فات في الإحرام. م: (فلو وقف بعرفات، ولم يأت بأفعال العمرة فهو رافض لعمرته؛ لأنه تعذر عليه أداؤها) ش: أي أداء العمرة. م: (إذ هي) ش: أي العمرة فقوله هي مبتدأ. م: (مبنية) ش: نصب على الحال من هي، والعامل فيها معنى الإشارة في هي، كذا قال في " النهاية "، هكذا كانت مقيدة بخط شيخي، وفيه نظر. م: (على الحج) ش: متعلق بقوله: مبنية. م: (غير مشروعة) ش: خبر المبتدأ في " جامع قاضي خان " لما وقف بعرفة بعذر عليه، إذ أعمال العمرة بعد الوقوع؛ لأنه لو فعل لكان بانيًا أفعال العمرة على أفعال الحج، وذلك غير مشروع. م: (فإن توجه إليها) ش: أي إلى عرفات. م: (لم يكن رافضا) ش: لعمرته. م: (حتى يقف) ش: بعرفات حتى لو بدا له فرجع من الطريق إلى مكة فطاف لعمرته وسعى، ثم وقف بعرفات كان قارنًا. م: (وقد ذكرناه من قبل) ش: أي في آخر باب القران، فقال: ولا يصير رافضًا بمجرد التوجه وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة .... إلى آخره. م: (فإن طاف للحج) ش: أي فإن طاف طواف القدوم للحج. م: (ثم أحرم بعمرة فمضى عليهما لزماه) ش: حتى يأتي بأفعال العمرة ثم بأفعال الحج. م: (وعليه دم) ش: يعني دم الكفارة حتى لا يأكل منه؛ لأنه خالف السنة في هذا الجمع. م: (لجمعه بينهما) ش: أي بين الحج والعمرة. م: (لأن الجمع بينهما مشروع على ما مر) ش: أراد به قوله: لأن الجمع بينهما في حق الآفاقي مشروع. م: (فصح الإحرام بينهما) ش: أي بين الحج والعمرة. م: (والمراد بهذا الطواف) ش: أشار به إلى الطواف الذي في قوله: فإن طاف للحج ثم أحرم بعمرة. م: (طواف التحية) ش: وهو طواف القدوم. م: (وأنه) ش: أي وإن طواف القدوم. م: (سنة وليس بركن حتى لا يلزمه بتركه شيء) ش: لأنه إذ ترك السنة أصلًا لا يلزمه شيء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 432 وإذا لم يأت بما هو ركن يمكنه أن يأتي بأفعال العمرة ثم بأفعال الحج، فلهذا لو مضى عليهما جاز، وعليه دم لجمعه بينهما، وهو دم كفارة وجبر هو الصحيح؛ لأنه بان بأفعال العمرة على أفعال الحج من وجه. ويستحب أن يرفض عمرته؛ لأن إحرام الحج قد تأكد بشيء من أعماله، بخلاف ما إذا لم يطف للحج، وإذا رفض عمرته يقضيها لصحة الشروع فيها، وعليه دم لرفضها ومن أهل بعمرة في يوم النحر، أو في أيام التشريق لزمته لما قلنا، ويرفضها، أي يلزمه الرفض؛ لأنه قد أدى ركن الحج فيصير بانيا أفعال العمرة على أفعال الحج من كل وجه، وقد كرهت العمرة في هذه الأيام أيضا على ما نذكره   [البناية] م: (وإذا لم يأت بما هو ركن يمكنه أن يأتي بأفعال العمرة ثم بأفعال الحج، فلهذا لو مضى عليهما جاز، وعليه دم لجمعه بينهما، وهو دم كفارة وجبر وهو الصحيح) ش: احترز به عما اختاره شمس الأئمة، وقاضي خان، والمحبوبي، أنه دم شكر لا دم القران لتحقق القران لوجوب الترتيب المشروع في الأركان، وإنما فات الترتيب في طواف التحية، وهو من التوابع فصار كترك التركيب في الإحرام. كذا في " المبسوط "، ولكن اختار المصنف أنه دم جبر لما اختاره فخر الإسلام لأنه خالف السنة، فكان كقران المكي فلا يأكل هو منه ولا الغني. م: (لأنه بان بأفعال العمرة على أفعال الحج من وجه) ش: وذاك لأن طواف التحية، وإن كان سنة لكنه من جملة أفعال الحج من هذا الوجه، وذلك مكروه. م: (ويستحب أن يرفض عمرته؛ لأن إحرام الحج قد تأكد بشيء من أعماله، بخلاف ما إذا لم يطف للحج) ش: لأنه لا يرفض العمرة؛ لأنه لا يكون بانيًا أفعال العمرة على أفعال الحج. [رفض العمرة] م: (وإذا رفض عمرته يقضيها لصحة الشروع فيها، وعليه دم لرفضها) ش: أي لرفض العمرة؛ لأنه بالرفض يصير جانيًا فيلزمه الدم. م: (ومن أهل بعمرة في أيام النحر) ش: قال السغناقي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أي المحرم بالحج إذا وقف بعرفات يوم عرفة، ثم أحرم بالعمرة يوم النحر قبل الحلق أو قبل طواف الزيارة؛ لأن حكم من أهل بها من بعد ما أحل مرة من الحج بالحلق يأتي ذكره. وقال الأكمل: والظاهر الإطلاق على ما ذكره. م: (أو في أيام التشريق لزمته) ش: أي العمرة. م: (لما قلنا) ش: يريد به قوله: لأن الجمع بينهما مشروع في حق الآفاقي. م: (ويرفضها) ش: أي ويرفض العمرة. م: (أي يلزمه الرفض) ش: قال محمد في " الجامع الصغير ": يرفضها، وقالوا في " شرح الجامع الصغير ": معناه أن يلزمه الرفض والمصنف أيضًا قال كذلك. م: (لأنه قد أدى ركن الحج فيصير بانيا أفعال العمرة على أفعال الحج من كل وجه، وقد كرهت العمرة في هذه الأيام أيضًا على ما نذكره) ش: في باب القران. م: (فلهذا) ش: أي ولأجل كونها مكروهة في هذه الأيام. م: (يلزمه رفضها، فإن رفضها فعليه دم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 فلهذا يلزمه رفضها، فإن رفضها فعليه دم، لرفضها، وعمرة مكانها، لما بينا، فإن مضى عليها أجزأه؛ لأن الكراهة لمعنى في غيرها، وهو كونه مشغولا في هذه الأيام بأداء بقية أعمال الحج فيجب تخليص الوقت له تعظيما وعليه دم لجمعه بينهما، إما في الإحرام أو في الأعمال الباقية، قالوا: وهذا دم كفارة أيضا. وقيل إذا حلق للحج ثم أحرم لا يرفضها على ظاهر ما ذكر في الأصل، وقيل يرفضها احترازا عن النهي. قال الفقيه أبو جعفر: ومشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - على هذا، فإن فاته الحج ثم أحرم بعمرة   [البناية] لرفضها وعمرة مكانها) ش: أي وعليه عمرة مكان العمرة المرفوضة. م: (لما بينا) ش: أشار إلى قوله: لأن الجمع بينهما مشروع في حق الآفاقي. م: (فإن مضى عليها) ش: أي على العمرة التي أحرم بها يوم النحر. م: (أجزأه) ش: وفي بعض النسخ عليها: أو على الحج والعمرة لما قيل: كيف أجزأه أجاب بقوله. م: (لأن الكراهة لمعنى في غيرها، وهو كونه مشغولا في هذه الأيام بأداء بقية أفعال الحج فيجب تخليص الوقت له) ش: أي للحج. م: (تعظيما) ش: أي لأجل التعظيم له والتعظيم له إنما يكون بجعل الوقت خالصًا له بلا مزاحمة عنده. م: (وعليه دم لجمعه بينهما) ش: أي للجمع بين الإحرامين. م: (إما في الإحرام) ش: أي باعتبار أنه أحرم بالعمرة قبل الحلق. م: (أو في الأفعال الباقية) ش: أي أو الجمع في الأفعال الباقية من رمي الجمار وغيره على تقدير الإحرام بعد الحلق قبل الطواف للزيارة أو بعده. فإن قيل: بعد طواف الزيارة كيف يكون جامعًا؛ لأنه تحلل عن الإحرام أصلا بطواف الزيارة. قلنا: يكفي، لكن بقي عليه بعض واجبات الحج، وهو رمي الجمار في أيام التشريق. م: (قالوا) ش: أي المشايخ. م: (وهذا دم كفارة أيضا) ش: لا دم شكر. م: (وقيل إذا أحرم للحج ثم حلق لا يرفضها) ش: أي العمرة. م: (على ظاهر ما ذكر في الأصل) ش: أي " المبسوط " قال فيها: لا يرفض مطلقًا. م: (وقيل يرفضها احترازا عن النهي) ش: وهو العمرة في أيام النحر، والتشريق. م: (قال الفقيه أبو جعفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هو محمد بن عبد الله الهندواني من كبار العلماء، مات ببخارى، وحمل إلى بلخ، ودفن يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة سنة اثنين وثلاثين وثلاثمائة، وهو ابن اثنين وستين سنة. م: (ومشايخنا على هذا) ش: أي على هذا القول، وهو رفض العمرة. م: (فإن فاته الحج ثم أحرم بعمرة أو بحجة فإنه يرفضها) ش: أي يرفض الثانية حتى لا يلزم الجمع بين الحجتين أو العمرتين، بيانه أن فائت الحج جاز إحرامًا؛ لأن إحرام الحج باق ومعتمرًا. م: (لأن فائت الحج يتحلل بأفعال العمرة من غير أن ينقلب إحرامه إحرام العمرة) ش: وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ينقلب إحرامه إحرام العمرة، وفائدة الخلاف تظهر في حق لزوم الرفض إذا أحرم بحجة أخرى، وعندهما يرفضها لئلا يصير جامعًا بين إحرامي الحج، وعنده لا يرفضها بل يمضي فيها، كذا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 434 أو بحجة فإنه يرفضها؛ لأن فائت الحج يتحلل بأفعال العمرة من غير أن ينقلب إحرامه إحرام العمرة على ما يأتيك في باب الفوات إن شاء الله، فيصير جامعا بين العمرتين من حيث الأفعال، فعليه أن يرفضها كما لو أحرم بعمرتين، وإن أحرم بحجة يصير جامعا بين الحجتين إحراما فعليه أن يرفضها، كما لو أحرم بحجتين، وعليه قضاؤها لصحة الشروع فيها ودم لرفضها بالتحلل قبل أدائه، والله أعلم   [البناية] ذكره فخر الإسلام، وظهير الدين مرغيناني وكذا في " المبسوط ". م: (على ما يأتي في باب الفوات إن شاء الله تعالى، فيصير) ش: أي فائت الحج الذي أحرم بعمرة. م: (جامعا بين العمرتين) ش: أحدهما العمرة الملتزمة، والأخرى لكونه فات الحج. م: (من حيث الأفعال، فعليه أن يرفضها) ش: العمرة التي أحرم بها. م: (كما لو أحرم بعمرتين، وإن أحرم بحجة يصير جامعا بين الحجتين إحراما) ش: أي من حيث الإحرام. م: (فعليه أن يرفضها) ش: أي الحجة. م: (كما لو أحرم بحجتين وعليه قضاؤها) ش: أي قضاء تلك الحجة. م: (لصحة الشروع فيها ودم) ش: أي وعليه دم. م: (لرفضها بالتحلل قبل أدائه) ش: لأنه تحلل قبل أداء تلك الحجة. [باب الإحصار] [ما يتحقق به الإحصار] م: (باب الإحصار) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 باب الإحصار   [البناية] ش: أي هذا باب في بيان حكم الإحصار أعقب باب الجنايات بباب الإحصار؛ لأن فيه ما هو جناية في الحرم. الإحصار في اللغة: المنع من حصره إذا منعه، والمحصر هو الممنوع، تقول العرب: أحصر فلان إذا منعه خوف أو مرض من الوصول إلى أيام حجته أو عمرته، وإذا حبسه سلطان قاهر تقول: حصر. وفي " المحلى ": الإحصار من عذر أو مرض أو كسر أو قطع طريق أو ذهاب نفقته أو رواحله، وعندنا هو فائت الحج والإحصار بكل حابس، وقال ابن المنذر في " الأشراف ": وهو مذهب ابن مسعود، وعطاء، والنخعي، والثوري، وأبي ثور. وقال الأترازي: هو قول ابن مسعود، وابن عباس، وعروة، ومجاهد، وعلقمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، والحسن، وسالم، والقاسم، وابن سيرين، والزهري، وأبي عبيد، وأبي عبيدة، وداود، وأصحابه، وهو قول عبادة، والكلبي أيضًا. وقال الفضل بن سلمة: وقال بعض الفقهاء: لا يكون إلا من عدو دون المرض، وهو قول مخالف لقول مجتهدي الفقهاء، ومذاهب العرب. قلت: هذا قول مالك، والشافعي، وإسحاق، وأحمد في رواية على ما نذكره إن شاء الله تعالى. وفي " الأسبيجابي " و" الوتري " و" مناسك الكرماني ": اختلف العلماء في الإحصار في اثنين وستين موضعًا بعون الله تعالى، ونحن نذكره مختصرًا. الأول: أن الإحصار متحقق بكل مانع يمنع المحرم من الوصول إلى البيت لإتمام حجته، أو عمرته من خوف، أو مرض، ومنع سلطان، أو قاهر في حبس، أو مدينة حديثة. الثاني: أن المحصر لا يتحلل إلا بالذبح عندنا، وبه قال الشافعي، وأحمد، وجمهور أهل العلم. وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا هدي عليه إلا أن يكون معه هدي ساقه. الثالث: يتحقق الإحصار في العمرة عند عامة أهل العلم، وهو مذهبنا، ذكره في " المبسوط "، وغيره، وذكر محب الدين الطبري عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه لا يتحقق لعدم التأقيت، وخوف الفوات، وذكر ابن قدامة الحنبلي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قول مالك. الرابع: لا يجوز ذبح دم الإحصار إلا في الحرم عندنا في الحج، والعمرة. وقال أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أحكام القرآن ": هو قول ابن مسعود، وابن عباس إن قدر عليه، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وسفيان الثوري. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في العمرة يذبح هديه حيث أحصر، وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الحج روايتان، أحدهما: أنه يختص بيوم النحر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الخامس: أنه يجوز ذبحه قبل يوم النحر في العمرة اتفاقًا، وكذا في الحج عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في العمرة، وكذا في الحج رواية. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد، والثوري، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية أنه لا يجوز قبل يوم النحر، فإذا لم يجز نحره قبل يوم النحر لم يجز له التحلل قبله. السادس: لا يحتاج إلى الحلق بل يتحلل بالذبح، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحلق، فإن لم يحلق فلا شيء عليه، وفي " الكرماني ": في حلق المحصر روايتان عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية يجب، وفي رواية: لا يجب. وفي رواية " النوادر " عنه يجب الدم بتركه، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - واجب، وعند الشافعي، وأحمد - رحمهما الله - كذلك إذا جعلاه نسكًا. السابع: إذا لم يجد هديًا يبقى محرمًا، ولا بدل له عندنا، وبه قال الشافعي، ومالك - رحمهما الله - في أحد قوليه. وفي قول آخر: يصوم عشرة أيام، وهو قول أحمد وأشهب - رحمهما الله -. وفي " المرغيناني "، و" التحفة ": هو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخرًا. وكان عطاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إذا عجز عن الهدي نظر إلى قيمته فيطعم بذلك كل مسكين نصف صاع من بر أو يصوم، وقال أبو يوسف في " الأمالي ": وهذا أحب إلي. الثامن: المحصر بالحج النفل يجب عليه قضاء حجة، وعمرة، وإن كان محصرًا بعمرة يجب عليه قضاء عمرة لا غير، وهو قول عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وعروة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وقال أبو بكر الرازي: وهو قول ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، وعلقمة، والحسن، والنخعي، وسالم، والقاسم، وابن سيرين، وعكرمة، والشعبي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، ورواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال مالك، وأحمد، والشافعي في رواية: لا قضاء عليه إلا أن تكون حجة الإسلام. التاسع: في الاشتراك، والاعتبار به عندنا، ولا يحل إلا بالهدي، وبه قال مالك، والشافعي في الجديد، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يعتبر شرطه، وهو قول أحمد، وداود - رحمهما الله - وجماعة من أهل الحديث، والشافعي في القديم. العاشر: يبعث القارن بهديين عندنا، وبه قال إبراهيم، وسعيد بن جبير، وعند الأئمة الثلاثة يحل بهدي واحد. الحادي عشر: سئل عبد الملك بن الماجشون - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن مالك، قال: إن أحصر بعد إحرامه سقط عنه حجة الإسلام، وخالف الجماعة فيه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الثاني عشر: إذا أحاط به العدو من كل جانب، يتحلل عند الجمهور، وفي أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أو الوجهين لا يتحلل. الثالث عشر: المحصر إذا فاته الحج، وقدر أن يتحلل بأفعال العمرة يتحل بها، ولو لم يتحلل لا يحج من العام القابل بذلك الإحرام عندنا، وهو قول الجمهور، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحج به إذا لم يتحلل منه. الرابع عشر: قال الزهري، وعروة بن الزبير: لا إحصار على أهل مكة. وفي " المبسوط ": ولو أحصر بمكة بعد قدومه فليس بمحصر. وقال السرخسي: الأصح أنه إن منع من الوقوف والطواف فهو محصر. الخامس عشر: لا يتحقق الإحصار بعد الوقوف بعرفة عندنا، وبه قال مالك، لكن يكون حولهما حتى يصل إلى البيت فيطوف طواف الزيارة والصدر، ثم يحلق وقد فاته الوقوف بمزدلفة ورمي الجمار فعليه دم للوقوف ودم لرمي الجمار بالإجماع، ودمان بتأخير طواف الزيارة والحلق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتحقق. السادس عشر: إن امتنع عليه الطواف، والوقوف بعرفة فهو محصر، وإن قدر على أحدهما فليس بمحصر. السابع عشر: ذهب بعض الناس إلى أنه لا إحصار اليوم لزوال الشرك عن جزيرة العرب، وهو شذوذ، فإن العرب وقطاع الطريق لا تخلو الأرض منهم، وقد كانت القرامطة بعد زوال الشرك أشد على الحج من المشركين، وكذا بنو خفاجة، وبلي وبنو سالم، وغيرهم، لا كثرهم الله. الثامن عشر: المحرم بالحج إذا أحصر وفاته الحج، فإنه يتحلل بأفعال العمرة إذا قدر عليها، ولا يحتاج إلى إحرام جديد للعمرة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد، بل يؤديها بإحرام الحج الذي هو فيه، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحتاج إلى إحرام جديد للعمرة. التاسع عشر: إذا حبسه السلطان إذا حبس في مدينة يتحلل عند الجماعة خلافًا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه قال: لا يحلله إلا البيت. العشرون: المحصر في الحج إذا تحلل بأفعال العمرة ليس عليه الوقوف بالمزدلفة، ولا رمي الجمار. وقال المرغيناني: يأتي بكل ما قدر عليه من مناسك الحج مع أعمال العمرة. الحادي والعشرون: الذبح عندنا يختص بالحرم سواء أمكن ذبحه بالحرم أو لم يكن، وقالت الشافعية في أحد الوجهين: يجوز ذبحه بالحل مع القدرة على ذبحه في الحرم، وأجمعوا على أنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 438 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] لو أحصر في الحرم لا يجوز ذبح هديه في الحل، وكذا لو أحصر في الحل لا يجوز ذبحه في الحل في غير مكان الإحصار عندهم. الثاني والعشرون: لو أحاط العدو به لا يتحلل في الوجهين أو القولين للشافعي، وعند الجماعة يتحلل. الثالث والعشرون: يتحقق الإحصار كيفما كان العدو في المنع عامًا أو خاصا، وعند الشافعي: لا يتحلل بشرذمة في قوله. الرابع والعشرون: قال في " الذخيرة للمالكية " للمحصر خمس حالات يجوز له التحلل في ثلاثة منها، ويمتنع في وجه، ويصح في وجه، وإن شرط الإحلال فأحد الثلاثة أن يكون العدو طارئًا بعد إحرامه، أو متقدما، أو لم يعلم به، أو علم وكان يروي أنه لا يقيده فقيده، وإن علم أنه يقيده، أو شك لا يحل أن يشترطه في صورة الشك، وعندنا لا تفصيل في ذلك، ويتحقق في الكل، ويتحلل منه. الخامس والعشرون: القارن إذا أحصر يتحلل منهما، وتلزمه عمرتان وحجة عندنا، سواء كان في الفرض، أو النفل، وعند الثلاثة لا يلزمه شيء في النفل. السادس العشرون: في الأصل أن المحصر إذا قضى حجته من عامه فلا عمرة، روى الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن عليه حجة، وعمرة، كما لو أخرها إلى العام القابل. السابع والعشرون: الحج عن الغير إذا أحصر يجب دم الإحصار على الآمر عندهما، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الحاج. الثامن والعشرون: إذا أحرمت المرأة بحج التطوع فللزوج أن يحللها بالتقبيل، والمعانقة، والمس، والتطيب، وقص ظفر، ونحوها في الحال من غير ذبح، وعليها أن تبعث هديًا فيذبح في الحرم، وكذا العبد والأمة، وعليهما الهدي بعد عتقهما وقضاء الحج والعمرة، وكذا بعد إذن المولى لهما في ذلك لم يكره له تحليلهما، وروي عن أبي يوسف وزفر ومالك والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أنه ليس له تحليلها لإسقاط حقه بالإذن كالزوجة. والصحيح ظاهر الرواية أنه لا يتحلل بالنهي، ولا بقوله: حللتك. التاسع والعشرون: لا يلزم المولى به الهدي، وإن كان بإذنه، وذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرحه " لمختصر الكرخي " أن المولى إذا أعتقه يجب على المولى أن يبعث الهدي عنه، وقبل إعتاقه لا يجب عليه. الثلاثون: في " الينابيع ": لو أحرمت المرأة بإذن زوجها لا تتحلل إلا بالذبح، وروى زفر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إن تم إحصارها إلى يوم النحر صح إحلالها، فإن زال في مدة تقدر أن تدرك الحج بعده لا تحل بذبح ذلك الهدي، ويجب عليها المضي في الحج، فإن لم تفعله حتى فاتها الحج تتحلل بالعمرة. الحادي والثلاثون: إذا زال الإحصار وقدر على الحج بعد الذبح جاز له التحلل استحسانًا. وفي رواية زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يتحلل. الثاني والثلاثون: الهدي بسبع بدنة، أو بقرة، أو شاة بكمالها، وهو قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وبه قال الجمهور. وعن عائشة، وابن عمر: لا تجزئه الشاة. الثالث والثلاثون: في السنن يجزئه ما يجزئ في الأضحية عند الجمهور، وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يجوز من الكل إلا الشيء فصاعدًا، وقال الأوزاعي: يجزئ الجذع من الكل عن سبعة إلا الشاة. الرابع والثلاثون: المخطئ في رواية الهلال، وعدد الشهر ليس بمحصر بل هو فائت الحج، وقال داود وأصحابه: هو محصر وإن وجده، ويمكنه أن يذهب معه، ويأتي بأفعال العمرة فلا إحصار، هكذا قالوا. وإن كان لا يمكنه الرواح معه نصف راحلته أو غير ذلك فهو محصر. وفي " التحفة ": إن خاف أن لا يمكنه المشي مع القافلة إذا هلكت راحلته فهو محصر. الخامس والثلاثون: قال عبد الله وعروة ابنا الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: إن العدو والمرض سواء لا يحل المحصر فيهما. وقال أبو بكر الرازي: لا نعلم أيهما موافقًا من فقهاء الأمصار. السادس والثلاثون: يتحقق الإحصار عندنا بعد الإحرام. وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يكون محصرًا حتى يفوته الحج، إلا أن يدرك فيما بقي فيتحلل في مكان. السابع والثلاثون: ذهب الجمهور إلى جواز قتال الحاصر عند القدرة. وقال مالك: لا يجوز سواء كان الحاصر مسلمًا، أو كافرًا. الثامن والثلاثون: إذا لبسوا الدروع والمغفر للقتال فعليهم الفدية، وقال قوم: لا شيء عليهم. التاسع والثلاثون: لو أحصر في فاسد الحج فله أن يتحلل عند الأئمة وأصحابهم، وقال داود وأصحابه: لا يبقى إحرامه بالإفساد، وقال مالك والحسن: ينقلب عمرة. الأربعون: قالت الثلاثة: الهدي واجب وهو شرط التحلل. وقال أشهب: هو ليس بشرط للتحلل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الحادي والأربعون: قال في " المحلى ": قد روينا عن عطاء، وإبراهيم، والحسن: إن حل المحصر دون البيت فعليه هدي آخر دون سوى الذي لزمه، وعندنا لا شيء عليه. الثاني والأربعون: قال الحكم بن عيينة: على القارن إذا حل عليه حجة وثلاث عمرات، وعندنا حجة، وعمرتان. الثالث والأربعون: لو أحرم بحجتين أو عمرتين ثم أحصر يتحلل بدمين عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وعند أبي يوسف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ومحمد، والشافعي، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بهدي واحد. الرابع والأربعون: لو أحرمت المرأة بغير محرم بغير إذن الزوج بحجة الإسلام فهي محصرة، وله أن يحللها بغير هدي، ذكره في الأصل، وذكر الكرخي أنه لا يحللها إلا بالهدي، ولو جامعها قيل يكره، وقيل: لا يكره لحصول التحلل قبل الجماع بالمس بشهوة، ذكره في " المحيط ". الخامس والأربعون: في " البدائع ": المفرد بالحج إذا تحلل ثم زال الإحصار عنه فأحرم وحج من عامه فليس عليه نية القضاء، ولا عمرة عليه، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن عليه قضاء حجة، وعمرة، ولا بد من نية القضاء، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما لو تحولت السنة. السادس والأربعون: في " المحلى ": عن الشعبي إن دخل المحصر قبل هديه فعليه الفدية يخير في إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام، أو شاة، وعند الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - غير مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه شاة. السابع والأربعون: المحصر إن رجع إلى أهله قال عروة بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يحل فيه إلا رأسه، وخالفه الجماعة. الثامن والأربعون: قال أبو مصعب، وأبو بكر البقالي: إن الحج يسقط عن الحاج إذا أراد الحاج وصد عنه، وإن لم يحرم، وأبو بكر البقالي تلميذ ابن شعبان وفقيه مصر في وقته، وهو مذهب ابن شعبان. التاسع والأربعون: لو باع العبد والأمة المحرمين جاز البيع. وقال سحنون - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز بيعهما، ويملكهما المشتري عندنا، وقال مالك، والشافعي، وزفر، وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: ليس له تحليلهما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الخمسون: روى محمد بن سماعة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الأمة المزوجة إذا أذن لها مولاها في الحج فأحرمت فليس لزوجها أن يحللها، ذكره في " البدائع ". الحادي والخمسون: ينعقد إحرام العبد، والأمة بغير إذن المولى عند الفقهاء كافة، ويثبت فيهما حكم الإحصار، وقال أهل الظاهر: لا ينعقد. الثاني والخمسون: في " البدائع ": لو أحرم بشيء ولم ينو حجة، ولا عمرة ثم أحصر يجعله عمرة، ويحل بهدي واحد، وعليه عمرة في الاستحسان، وفي القياس: لا تعين حجته، ولا عمرته إلا بالشروع في عمل أحدهما، وهو قياس قاعدة زفر. الثالث والخمسون: المذهب عندنا أن الهدي ليس له بدل، والأصح عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن له بدلًا، وفيه ثلاثة أقوال: الأول: إطعام فدية الأذى، وفي الصيام ثلاثة أقوال: أحدها: صوم التمتع، والثاني: صوم الحلق، والثالث: صوم التعديل، ذكره محب الدين الطبري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مناسكه ". الرابع والخمسون: في " قاضي خان ": إذا أحصر بعد الوقوف بعرفة لا يحل بالهدي، وهو محرم عن النساء حتى يصل إلى البيت فيطوف طواف الزيارة في يوم النحر، وطواف الصدر، ويحلق، هكذا ذكره في الأصل. الخامس والخمسون: رجل أحرم بحجة أو عمرة ثم أحصر يبعث بهدي الإحصار، فزال الإحصار ثم حدث إحصار آخر، فإن علم أنه يدرك هديه، ونوى أن يكون لإحصاره الثاني جاز وحل به، وإن لم ينو حتى ذبح لم يجزئه. السادس والخمسون: في " البدائع " وغيره: تحليل الزوجة بتطيبها، وبساطها بإذن الزوج والمولى، ولا يفتقر تحليلهما إلى الهدي. السابع والخمسون: [ ..... ] في الحج يلزمه المعنى فيه، والقضاء لو أفسده فلو أحصر في قضائه، وتحلل لا يلزمه القضاء، والأصح أنه يلزمه. الثامن والخمسون: ذكر السغناقي، والطبري عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: ليس على المحصر بدل، وإنما البدل على من نقض حجه بالتلذذ، فأما من حبسه عدو أو غير ذلك فإنه يحل بغير هدي، ولا يرجع إن كان معه هدي وهو محصر نحوه، وإن كان لا يستطيع أن يبعث به، وإن قدر أن يبعث به لم يحل حتى يبلغ الهدي محله، رواه عنه البخاري، ومسلم - رحمهما الله - قال: فمن أصابه الله تعالى بمرض، أو بكسر، أو بحبس فليس عليه شيء، رواه سعيد بن منصور وأراد به بالتلذذ النساء، قاله الطبري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 وإذا أحصر المحرم بعدو أو أصابه مرض فمنعه من المضي جاز له التحلل. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون الإحصار إلا بالعدو؛ ولأن التحلل بالهدي شرع في حق المحصر؛ لتحصيل   [البناية] التاسع والخمسون: في الحصر إن كان العدو يرجى زواله، وعلم أنه قد بقي من الوقت ما لا يملكه إدراكه، فإنه يتحلل عند الجماعة، وبه قال ابن القاسم، وعبد الملك، وقال أشهب: لا يحل حتى يوم النحر، ولا يقطع التلبية حتى يروح الناس إلى عرفة. الستون: المكي إذا تلبس بالحج ثم أحصر بمكة فإنه يطوف، ويسعى، ويحل، وكذا الغريب بمكة إذا أحرم بالحج، وبه قال الشافعي، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا بقي محصورًا حتى فرغ الناس من الحج خرج إلى الحل، ويحرم بعمرة ويفعل ما يفعله المعتمر، ويحل، وعليه الحج من قابل، والهدي مع الحج، وكذا الغريب إذا أحصر بها، حكاه عنه ابن المنذر في " الأشراف "، وقال الزهري: لا بد للمحصر المكي أن يقف وإن نفس نفسًا. الحادي والستون: قال القرطبي في " شرح الموطأ ": من أحصر بمرض، أو كسر، أو عرج فقد حل في موضعه، ولا هدي، وعليه القضاء، وخالف فيه جماعة. الثاني والستون: على المحصر هدي واحد، وقال مالك: لا شيء عليه، وقال مالك والزهري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: عليه هديان، الأول: يتحلل به في حلاق الشعر، وإزالة التفث في الحال، ويبقى محرمًا في حق النساء حتى يصل إلى البيت، ويطوف، ويسعى، ويحل، وعليه الحج قابلًا، وهدي ثان. [أحصر المحرم بعدو أو أصابه مرض فمنعه من المضي] م: (وإذا أحصر المحرم بعدو أو أصابه مرض فمنعه من المضي جاز له التحلل) ش: قوله المحرم يتناول المحرم بالحج، والمحرم بالعمرة، قوله. م: (من المضي) ش: أي من الوصول إلى البيت، والتحلل: الخروج من الإحرام، ثم العدو: يشمل المسلمين والكافرين. فإن كانوا المسلمين واحتاج المحرمون على القتال فلا يلزمهم القتال، ولهم التحلل، وإن كانوا كفارًا يجب القتال إذا لم يزد عدد الكفار على الضعف بشرط وجدان المسلمين أهبة للقتال، وقال الآخرون: لا يجب القتال، وإن كان العدو كفارًا وكان في مقاتلة كل مسلم أقل من مشرك. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون الإحصار إلا بالعدو) ش: معناه: ليس للمحرم التحلل بعذر المرض، وبه قال مالك، وأحمد في رواية، بل يصير حتى يصح، فإن كان محرمًا بعمرة أتمها، وإن كان محرمًا بحج فإنه يتحلل بعد العمرة، هذا إذا لم يشترط، أما إذا اشترط التحلل عند المرض وقت الإحرام بأن قال: إذا مرضت يعقبني تحلل، فقد نص في القديم على صحة هذا، وبه قال أحمد، ومحمد - رحمهما الله - في رواية، وفي رواية جماعة من أهل الحديث لحديث بنت الزبير، ضباعة عمة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لها: «تريدي الحج؟ " فقالت: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 443 النجاة، وبالإحلال ينجو من العدو لا من المرض. ولنا أن آية الإحصار وردت في الإحصار بالمرض بإجماع أهل اللغة،   [البناية] إن شاء الله تعالى، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " حجي، واشترطي أن تحلي حيث حبست» . وقال النووي: الصحيح بنت الزبير بن عبد المطلب هاشمية، وضباعة الأسلمية كما ذكره الغزالي غلط. قلنا: الاشتراط لا يمنع أن يجب بدونه كاشتراط التأخر، أما التحلل إلى حين بلوغ الهدي محله، وقال الزهري وهو الراوي للحديث: لم يقل أحد بالشرط إذ لو تحلل بالشرط من غير هدي لما شرع الهدي؛ لأن كل من أحرم كان يشترط، وقال إمام الحرمين: تأويل الحديث أي حبسني الموت، أي حين أدركني الموت انقطع إحرامي، قال النووي: هذا التأويل باطل. م: (ولأن التحلل بالهدي مشروع في حق المحصر لتحصيل النجاة) ش: من الصيد. م: (وبالإحلال ينجو من العدو لا من المرض) ش: بدليل قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] [البقرة: الآية 196] ، والآية في الإحصار بالعدو، بدليل قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) ، والأمان من العدو لا المرض، وإنما يكون من المرض الشفاء؛ ولأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان محصرًا بالعدو، وفيما لم يرد به النص يتمسك بالأصل، وهو لزوم الإحرام إلى مراد الأفعال، إلا أن يشترط ذلك عند الإحرام لما مر من الحديث، وروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: لا حصر إلا من العدو دون المرض، واستدل عليه بهذه الآية ذكر ذلك عنه ابن زيد في " القواعد ". م: (ولنا أن آية الإحصار وردت في الإحصار بالمرض بإجماع أهل اللغة) ش: منهم ابن السكيت، وهو من كبار أهل اللغة، قال في كتاب " الإصلاح ": يقال: قد أحصره المرض إذا منعه من السفر، أو من حاجة يريدها وقد حصره العدو يحصره حصرًا إذا منعوا عليه فعلم أن الإحصار بالمرض والحصر بالسكون بالعدو، ومنهم أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد في كتاب " الجمهرة ": أحصر الرجل إذا منع من النقرة لمرض أو عائق في التنزيل، فإن أحصر ... ثم الإحصار وهو أن يعرض للرجل ما يحول بينه وبين الحج من مرض أو كسر، أو عدو، يقال: أحصر الرجل إحصارًا فهو محصر، وإن حبس في سجن أو دار فهو محصور، وقال أبو جعفر النحاس: جميع أهل اللغة على أن الإحصار إنما هو من المرض ومن العدو، ولا يقال إلا حصر. وقال الأخفش والكسائي، والفراء، وأبو عبيدة: حصرت الرجل فهو محصور، أي حبسته، وأحصرني بولي. وقالوا: وما كان من ذهب نفقة، أو مرض [ .... ] أحصر، وما كان من عدو، وأحصروا قبل منه حصر. وقال ثعلب في الفصيح: أحصر بالمرض، وحصر بالعدو، وقال النووي: قال أهل اللغة: أحصره، وحصر بالعدو، وقيل: أحصر وحصر بمعنى واحد قاله أبو عمرو الكسائي، وحكى ابن فارس أن ناسًا يقولون: حصره المرض، وأحصره العدو. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 فإنهم قالوا: الإحصار بالمرض، والحصر بالعدو   [البناية] م: (فإنهم) ش: أي فإن أهل اللغة. م: (قالوا: الإحصار) ش: يعني من باب الأفعال. م: (بالمرض، والحصر) ش: بسكون الصاد. م: (بالعدو) ش: كما ذكرناه مستقصى قبل في كلام المصنف بحث من وجهين: الأول: كان من حق الكلام أن يقال بإجماع أهل التفسير؛ لأن أهل اللغة لا تعلق لهم بورود الآية، وسبب نزولها. الثاني: إنما نزلت في رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه وكان الإحصار بالعدو. وأجيب عن الأول: أن معناه بدلالة إجماع أهل اللغة أجمعوا على معنى ذلك المعنى أن تكون الآية واردة في الإحصار بالمرض. وعن الثاني: بما قيل: النصوص الواردة مطلقة يعمل بها على إطلاقها من غير حمل على الأسباق الواردة، وهي الاجتهاد، ونقول أيضًا: إن العلة المبيحة للتحلل من الإحرام من الإحصار قدر مشترك، وهو المنع، وهو موجود في العدو والمرض فيعم بعموم العلة، ويوضحه ما رواه الترمذي: حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا الصواف، حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، قال: حدثني الحجاج بن عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كسر أو عرج فقد حل، وعليه حجة أخرى " فذكرت ذلك لأبي هريرة، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فقالا: صدق» . وقال الترمذي: هذا حديث حسن، ورواه أبو داود، وابن ماجه من طريق عبد الرزاق. قلت: الحجاج بن عمرو بن غزية الأنصاري المازني الذي له صحبة ورواية، وكان آخر من قاتل مع علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وليس له عند الترمذي، ولا في بقية السنن إلا هذا الحديث الواحد. فإن قلت: قال القرافي في " الذخيرة ": وهو حديث ضعيف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 والتحلل قبل أوانه لدفع الحرج الآتي من قبل امتداد الإحرام، والحرج في الاصطبار عليه مع المرض أعظم. وإذا جاز له التحلل يقال له: ابعث شاة تذبح في الحرم وواعد من تبعثه بيوم بعينه تذبح فيه ثم يتحلل   [البناية] قلت: هذا خطأ منه، وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح المهذب " روي بأسانيد صحيحة ولو كان فيه ضعف لما حكم بصحته، ونبه على ضعفه مع مخالفة مذهبه، وفي رواية لأبي داود من عرج أو كسر أو مرض، وفي رواية عن أحمد: في حبس بكسر، أو مرض، وقال ابن حزم في " المحلى ": صح عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أفتى في محرم بعمرة لذع فلم يقدر على النفوذ أن يبعث بهدي ويواعد أصحابه، فإذا بلغ الهدي المحل، وصح عنه أيضًا أنه أفتى في مريض محرم لا يقدر على النفوذ بأنه لا ينحر عنه بدنة ثم ليهل عامًا قابلًا مثل إهلاله الذي أهل به. والجواب عن استدلال الشافعي بالآية المذكورة: قد علم مما ذكرناه عن ابن عباس مضطربة، وتصديقه للحجاج بن عمرو - رَحِمَهُ اللَّهُ - ودليل على اضطراب قوله، ويحمل قوله على نفي الكمال، مثل لا فتى إلا علي، ولا سيف إلا ذو الفقار، والتحلل قبل أوانه هذا استدلال مفعول فيه ثانية الترك، كأنه قال: سلمنا أن آية الإحصار وردت في الحصر بالعدو ولا فرق بين الإحصار والحصر، لكن المرض ملحق به بالدلالة. م: (لأن التحلل قبل أوانه لدفع الحرج الآتي من قبل امتداد الإحرام، والحرج في الاصطبار عليه) ش: أي على الإحرام. م: (مع المرض أعظم) ش: لا محالة لكثرة احتياجه إلى المداواة، ويمتد ذلك. م: (وإذا جاز له التحلل) ش: بسبب العدو جاز بسبب المرض بالطريق الأولى؛ لأن الاصطبار على الإحرام مع المرض أشق من الاصطبار عليه بلا مرض، وإذا حد له التحلل. م: (يقال له: ابعث شاة) ش: يعني إذا ثبت له التحلل بالحصر بما ذكرنا من الدليل يقال له: ابعث شاة؛ ابعث: أمر، وشاة: منصوب. م: (تذبح) ش: على صيغة المجهول صفة شاة. م: (في الحرم) ش: في محل النصب على الحال. م: (وواعد) ش: أمر من المواعدة إنما يحتاج به إلى المواعدة عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأن دم الإحصار عنده غير موقت بزمان، أما عندهما موقت بيوم النحر، فلا يحتاج إلى المواعدة كذا في " المحيط " و" المبسوط ". وأما في العمرة فمستقيم على قولهم جميعًا. م: (من تبعثه) ش: فيقول: واعد، والخطاب فيه للمحصر. (بيوم بعينه) ش: اللام فيه متعلق بقوله: واعد. م: (تذبح فيه) ش: أي في ذلك اليوم بعينه، وتذبح على صيغة المجهول أيضًا. قال الأترازي: يذبح مجزوم على أنه جواب الأمر. قلت: يجوز أن يكون مرفوعًا على تقدير: هو يذبح فيه. م: (ثم تحلل) ش: أي بعد الذبح، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 وإنما ينبعث إلى الحرم؛ لأن دم الإحصار قربة، والإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان مخصوص أو مكان مخصوص على ما مر، فلا يقع قربة دونه، فلا يقع به التحلل، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) فإن الهدي اسم لما يهدى إلى الحرم. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يتوقت به؛ لأنه شرع رخصة، والتوقيت يبطل التخفيف.   [البناية] وبعد التحليل هو مخير إن شاء أقام مكانه، وإن شاء رجع؛ لأنه صار ممنوعًا من الذهاب إلى مكة يخير بين المقام، والانصراف كذا في " المبسوط "، وفي " جامع قاضي خان ": ويبقى محرمًا ما لم يذبح حتى لو فعل مثل الذبح ما يفعله الحلال فقد ارتكب محظور إحرامه. م: (وإنما يبعث إلى الحرم؛ لأن دم الإحصار قربة، والإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان مخصوص أو مكان مخصوص) ش: والإراقة لم تعرف قربة قام مقام الحلق في أوانه، وهو في أوانه نسك، فكذا ما قام مقامه، وأوانه بعد ركن الحج، وهو الوقوف بعرفات، لكنه لما وقع قبل الأداء، والأوان اعتبر جناية، فقيل: إنه دم كفارة. م: (على ما مر) ش: إشارة إلى قوله: في فصل الصيد: الهدي قربة غير معقولة، فيختص بمكان أو زمان. م: (فلا يقع قربة دونه) ش: أي فلا يقع دم الإحصار قربة دون الحرم. م: (فلا يقع به التحلل) ش: أي فلا يقع بدونه التحلل يعني إذا ذبح دم الإحصار في غير الحرم لا يحصل التحلل. م: (وإليه) ش: أي وإلى كون دم الإحصار قربة. م: (الإشارة بقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196)) بالكسر عبارة عن المكان كالمسجد والمجلس، نهي عن الحلق حتى يبلغ الهدي محله، موضع حله؛ فسر المحل بقوله: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وليس المراد عين البيت؛ لأنه لا يراق فيه الدماء فكان المراد به الحرم. م: (فإن الهدي اسم لما يهدى إلى الحرم) ش: أي ينعقد إلى الحرم مأخوذ من الإهداء والهدية، ولهذا لو جعل ثوبه هديًا لزمه تبليغه إلى الحرم، كذا في " الأسرار ". وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: للمحصر التحلل بلا هدي إلا أن يكون معه هدي ساقه، وهو خلاف القرآن، والحديث. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يتوقت بالحرم) ش: ويجوز أن يذبح في الموضع الذي أحصر فيه. م: (لأنه) ش: أي لأن الهدي. م: (شرع رخصة) ش: أي لأجل الرخصة. م: (فالتوقيت) ش: بالحرم. م: (يبطل التخفيف) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أحصر مع أصحابه في الحديبية نحروا بها وهي خارج الحرم. ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) ، المراد بالمحل الحرم كما ذكرنا، وأما ما يستدل به فقد اختلفت الروايات في نحره - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حين أحصر. «روي أنه أرسلها على يد ناجية الأسلمي لينحرها في الحرم حتى قال ناجية: ما لنا أصنع بما تبعث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 قلنا: إن المراعى أصل التخفيف لا نهايته، وتجوز الشاة؛ لأن المنصوص عليه الهدي والشاة أدناه، وتجزئه البقرة والبدنة أو سبعها كما في الضحايا، وليس المراد بما ذكرنا بعث الشاة بعينها؛ لأن ذلك قد يتعذر، بل له أن يبعث بالقيمة حتى تشترى الشاة هنالك وتذبح عنه. وقوله: ثم تحلل إشارة إلى أنه ليس عليه الحلق أو التقصير، وهو قول أبي   [البناية] فقال: " انحرها، واصبغ نعلها بدمها، واضرب صفحة سنامها وخل بينها وبين الناس، ولا تأكل أنت ولا رفقتك منها شيئًا.» وهذه الرواية أقرب إلى موافقة الآية، وهو قَوْله تَعَالَى: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25] (الفتح: الآية 25) . وأما الرواية الثانية فإن صحت فنقول: الحديبية من الحرم؛ لأن نصفها من الحل، ونصفها من الحرم، وكان يضارب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أحد، ومصلاه في الحرم، وإنما تبعث الهدايا إلى جانب الحرم، ونحرت فيه، ولا يكون للخصم حجة. وقيل: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان مخصوصا بذلك؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كان يجد في ذلك الوقت من يبعث الهدايا مع يده إلى الحرم، كذا في " المبسوط "، وقال الواقدي: الحديبية: هي طوف الحرم على سبعة أميال، وقال أبو القاسم بن عبيد الله بن خردويه في كتابه " حدود الحرم ": من طريق المدينة على ثلاثة أميال، ومن طريق اليمن على سبعة أميال، ومن طريق الطائف على أحد عشر ميلًا، ومن طريق جدة على أحد عشر ميلًا، ومن طريق العراق على تسعة أميال. م: (قلنا: إن المراعى أصل التخفيف لا نهايته) ش: أي الذي يراعى هنا أصل التخفيف لا نهاية التخفيف، ولهذا لم يستحق التخفيف من لم يجد الهدي، بل يبقى محرمًا حتى يطوف ويسعى كما يفعل فائت الحج. م: (وتجوز الشاة) ش: يعني في الهدي، وذكر في " المحيط ": إذا كان معسرًا لا يجد قيمة الشاة أقام حرامًا حتى يطوف ويسعى كما يفعله فائت الحج. م: (لأن المنصوص عليه الهدي) ش: أي في قَوْله تَعَالَى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) . م: (والشاة أدناه) ش: أي أدنى الهدي؛ لأن الهدي من الإبل، والبقر، والغنم. م: (وتجزئه البقرة والبدنة أو سبعها كما في الضحايا) ش: أي يجزئه سبع البقرة أو سبع البدنة كما في الأضحية، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن عطاء قال: للمحصر إذا لم يجد الهدي، قوم الهدي طعامًا يتصدق به على المساكين، فإن لم يكن عنده طعام صام لكل نصف صاع يومًا، وقال أبو يوسف: قول عطاء أحب إلي. م: (وليس المراد بما ذكرنا بعث الشاة بعينها؛ لأن ذلك) ش: أي بعث الشاة بعينها. م: (قد يتعذر، بل له أن يبعث) ش: شاة. م: (بالقيمة حتى تشترى الشاة هنالك) ش: أي في الحرم. م: (وتذبح عنه. وقوله) ش: أي قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ثم تحلل؛ إشارة إلى أنه ليس عليه الحلق أو التقصير) ش: وذلك لأنه لم يشترط الحلق للتحلل. م: (وهو) ش: أي عدم اشتراط الحلق للمحصر. م: (قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه ذلك) ش: أي على المحصر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 448 حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه ذلك، ولو لم يفعل لا شيء عليه؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حلق عام الحديبية، وكان محصرا بها وأمر أصحابه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بذلك. ولهما أن الحلق إنما عرف قربة مرتبا على أفعال الحج فلا يكون نسكا قبلها، وفعل النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وأصحابه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ليعرف استحكام عزيمتهم على الانصراف. قال: وإن كان قارنا بعث بدمين لاحتياجه إلى التحلل من إحرامين   [البناية] الحلق، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، ومالك وأحمد - رحمهما الله - في رواية، وفي " الكافي ": المراد من قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذلك، أي الحلق استحبابًا لا وجوبًا، بدليل قوله. م: (ولو لم يفعل) ش: أي الحلق. م: (لا شيء عليه) ش: فإن قلت: لا مطابقة بين الدليل والمدلول؛ لأن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع أمره فيما قربه دليل الوجوب، فكيف يصح دليلًا على قول: ولو لم يفعل لا شيء عليه. قلت: عن أبي يوسف روايتان في المسألة، في رواية: يجب الحلق، وفي رواية: لا يجب، ذكره المحبوبي، والمصنف ذكر دليل رواية الوجوب فقط، وقيل: لا؛ لأن ترك الواجب يوجب الدم، وترك السنة يوجب الإساءة، ولم يذكر واحدًا من الأمرين. وفي " مبسوط شيخ الإسلام " - رَحِمَهُ اللَّهُ - على هذه الرواية: لا يتحقق الخلاف، وإنما يتحقق على ما روي في " النوادر " أن عليه الحلق، وإن لم يحلق فعليه دم. م: (لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (حلق عام الحديبية، وكان محصرا بها وأمر أصحابه بذلك) ش: أي بالحلق، والحديث صحيح، رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما عن ابن عمر، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ ولأن الإحصار يمنع من الطواف والسعي، ولم يمنع من الحلق فما منع سقط للضرورة، وما لم يمنع لم يسقط لعدم الضرورة. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد. م: (أن الحلق إنما عرف قربة مرتبا على أفعال الحج فلا يكون نسكا قبلها) ش: أي قبل أفعال الحج، ولم توجد أفعال الحج، فلا تكون قربة؛ ولأن الحلق من توابع الإحرام قد يؤمر به المحصر كالرمي. م: (وفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه) ش: هذا جواب عما تمسك به أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيانه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أحصر بالحديبية صالح مع كفار قريش أن يعتمر في العام القابل، وكان رأي أصحابه أن يحاربوهم ويعتمروا من عامهم ذلك، فحلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمر أصحابه بذلك. م: (ليعرف استحكام عزمهم على الانصراف) ش: أي على الرجوع؛ لأن حكم الله كان في الرجوع لا لأجل أن الحلق واجب. [ما يفعل المحصر لو كان قارنا] م: (قال: وإن كان) ش: أي المحصر. م: (قارنا بعث بدمين لاحتياجه إلى التحلل من إحرامين) ش: وعند الشافعي، ومالك، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يكفيه دم. م: (فإن بعث بهدي واحد ليتحلل عن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 فإن بعث بهدي واحد ليتحلل عن الحج ويبقى في إحرام العمرة لم يتحلل عن واحد منهما؛ لأن التحلل منهما شرع في حالة واحدة. ولا يجوز ذبح دم الإحصار إلا في الحرم، ويجوز ذبحه قبل يوم النحر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا يجوز الذبح للمحصر بالحج إلا في يوم النحر، ويجوز للمحصر بالعمرة متى شاء، اعتبارا بهدي المتعة والقران، وربما يعتبر أنه بالحلق إذ كل واحد منهما محلل. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه دم كفارة حتى لا يجوز الأكل منه فيختص بالمكان دون الزمان كسائر دماء الكفارات،   [البناية] الحج، ويبقى في إحرام العمرة لم يتحلل عن واحد منهما؛ لأن التحلل منهما) ش: أي من الإحرامين. م: (شرع في حالة واحدة) ش: فلم يصح تقديم التحلل عن أحدهما كما في " المدرك ". فإن قلت: وجب أن يكتفى بهدي واحد؛ لأن الهدي شرع في التحلل، والتحلل عن الإحرامين يقع بتحلل واحد، كما لو حلق قبل الذبح بعد أداء الأفعال. قلت: ليس هذا كالحلق؛ لأن الحلق في الأصل محظور الإحرام، وإنما صار قربة بسبب التحلل، فكان قربة لمعنى في غيره لا في نفسه، فينوب الواحد عن اثنين كالطهارة الواحدة تكفي للصلاة الكثيرة، وكالسلام الواحد في باب الصلاة، فإنه يكفي للتحلل عن صلوات كثيرة، فأما الهدي شرع للتحلل؛ إلا أنها قربة مقصودة بنفسها بدون التحلل كما في الأضحية، وما شرع قربة مقصودة بنفسها، فلا ينوب الواحد عن الاثنين كأفعال الصلاة. [مكان ووقت ذبح دم الإحصار] م: (ولا يجوز ذبح دم الإحصار إلا في الحرم) ش: إنما أعاد هذه المسألة مع أنه ذكرها عن قريب في هذا الباب توطئة لقوله. م: (ويجوز ذبحه قبل يوم النحر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: زيادة في بيان أن دم الإحصار أعرف في الاختصاصية بالمكان، حيث لم يختلف فيه أصحابنا من اختصاصه بالزمان؛ لأنه مختلف فيه، فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز ذبحه قبل يوم النحر. م: (وقالا: لا يجوز الذبح للمحصر بالحج إلا في يوم النحر، ويجوز للمحصر بالعمرة) ش: أن يذبح. م: (متى شاء) ش: أي بالإجماع. م: (اعتبارا بهدي المتعة والقران) ش: فإنهما موقتان بالزمان، والمكان بلا خلاف، وهذا متصل بقوله: إلا في يوم النحر بالعمرة متى شاء، ففرقنا بينهما احترازًا. م: (وربما يعتبر أنه) ش: أي ربما يعتبر أبو يوسف، ومحمد - رحمهما الله - الذبح. م: (بالحلق؛ إذ كل واحد منهما محلل) ش: هذا بيان وجه الاعتبار بالحلق، أي القياس عليه بيانه أن كل واحد منهما دم يتحلل به عن إحرام الحج، فلا يجوز قبل أوان التحلل كالحلق. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه) ش: أي أن الذبح. م: (دم كفارة حتى لا يجوز الأكل منه فيختص بالمكان دون الزمان كسائر دماء الكفارات) ش: لأن هذا دم واجب لأجل الخروج عن الإحرام قبل أداء الأفعال، والخروج عن الإحرام قبل أداء الأفعال جناية، فيكون ما وجب لأجله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 بخلاف دم المتعة والقران؛ لأنه دم نسك، وبخلاف الحلق؛ لأنه في أوانه؛ لأن معظم أفعال الحج وهو الوقوف ينتهي به. قال: والمحصر بالحج إذا تحلل فعليه حجة وعمرة، هكذا روي عن ابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -   [البناية] كفارة كما في سائر الجنايات، ولهذا لا يباح له التناول بالاتفاق. والكفارات تختص بالمكان دون الزمان بالاتفاق. م: (بخلاف دم المتعة والقران) ش: هذا جواب عن اعتبارهما، والذي بالحلق بيانه أن هذا الاعتبار غير صحيح. م: (لأنه) ش: أي لأن دم المتعة والقران. م: (دم نسك) ش: وما هو دم نسك يختص بالزمان، فكذا هذا. م: (وبخلاف الحلق) ش: هذا جواب عن اعتبارهما الآخر، بيانه أن اعتبارهما الذبح بالحلق لا يصح. م: (لأنه) ش: أي لأن الحلق. م: (في أوانه؛ لأن معظم أفعال الحج وهو الوقوف) ش: بعرفة. م: (ينتهي به) ش: أي بوقت الحلق، ووقت الحلق مبدؤه طلوع الفجر من يوم النحر، فلا بد أن يقع الحلق في يوم النحر. وقال صاحب " الأسرار ": قال الله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) ، من غير اشتراط زمان، فالاشتراط بالناس نسخ. م: (والمحصر بالحج إذا تحلل فعليه حجة وعمرة) ش: وفي غالب النسخ قال: والمحصر بالحج، أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المحصر بالحج ... إلخ. م: (هكذا روي عن ابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: قال الأكمل: وابن عباس، وعمر قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من فاته عرفة بليل، فقد فاته الحج فيتحلل بعمرة، وعليه الحج من قابل» قال: والحديث عام في الذي فاته الحج لفوات وقت الوقوف، وبفواته في الإحصار لأن كلًا منهما قد فاته عرفة، وقلنا بوجوب العمرة، وأما الحجة فإنها تجب قضاء لصحة الشروع فيها، انتهى. قلت: المصنف لم يبين من أخرج الذي ذكره، ولو كان له أصل لبينه مخرج الأحاديث، وإنما قال بعد قوله: روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ... إلى آخره، ذكره أبو بكر الرازي عن ابن عباس، وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لا غير، وقد ذكرنا فيما مضى ناقلًا عن السروجي أنه قول عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وعروة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وذكرنا هناك أيضًا أنه قول مالك، والشافعي، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية: لا قضاء عليه إلا أن تكون حجة الإسلام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 451 ولأن الحجة تجب قضاء لصحة الشروع فيها والعمرة لما أنه في معنى فائت الحج، وعلى المحصر بالعمرة القضاء، والإحصار عنها يتحقق عندنا. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يتحقق؛ لأنها لا تتوقت. ولنا أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وأصحابه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أحصروا بالحديبية وكانوا عمارا؛ ولأن شرع التحلل لدفع الحرج، وهذا المعنى موجود في إحرام العمرة، وإذا تحقق الإحصار فعليه القضاء إذا تحلل كما في الحج. وعلى القارن حج وعمرتان، أما الحج وإحداهما فلما بينا، وأما الثانية لأنه خرج منها بعد صحة الشروع فيها.   [البناية] م: (ولأن الحجة) ش: دليل آخر. م: (تجب قضاء لصحة الشروع فيها) ش: والشروع الصحيح ملزم. م: (والعمرة) ش: أي وقت العمرة. م: (لما أنه) ش: أي أن المحصر. م: (في معنى فائت الحج) ش: لأن في كل واحد منهما خروجًا عن الإحرام بعد الشروع قبل أداء الأفعال ثم فائت الحج يتحلل بأداء العمرة ويقضي الحج، فكذا هذا. فإن قيل: العمرة في فائت الحج للتحلل، وهاهنا يحل بالهدي، فلا حاجة إلى إيجاب العمرة. قلنا: والهدي لأجل لا يسقط العمرة الواجبة بعد تحقق الإحصار، لما أن المحصر في معنى فائت الحج، والعمرة واجبة، كذا ذكره العلامة حميد الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وفي " المستصفى ": الهدي شرع لتعجيل التحلل عن الإحرام لا للتحلل عن الإحرام؛ لأنا لو شرطنا توقف تحلله بالعمرة يؤدي إلى إلحاق الضرر به لعجزه عنها بواسطة الإحصار. [ما يلزم المحصر بالعمرة] م: (وعلى المحصر بالعمرة القضاء؛ لأن الإحصار عنها يتحقق عندنا. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يتحقق) ش: أي الإحصار عن العمرة. م: (لأنها لا تتوقت) ش: لعدم تحقق الفوات. م: (ولنا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه أحصروا بالحديبية وكانوا عمارا) ش: هذا الحديث قد صح من وجوه كثيرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه أحصروا بالعمرة بالحديبية فقضوها من القابل، وكانت تسمى عمرة القضاء، على أن مالكًا قد أورد في " الموطأ «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أهل بعمرة عام الحديبية» . م: (ولأن شرع التحلل) ش: أي لأن مشروعية التحلل الكائن الناشئ من امتداد الإحرام. م: (لدفع الحرج، وهذا المعنى موجود في إحرام العمرة) ش: بالشروع، فيشرع التحلل. م: (وإذا تحقق الإحصار فعليه القضاء إذا تحلل كما في الحج) ش: أي كما في المحصر بالحج إذا تحلل فعليه حجة وعمرة. م: (وعلى القارن) ش: أي وعلى المحصر القارن. م: (حجة وعمرتان، أما الحج وإحداهما) ش: أي وأحد العمرتين. م: (فلما بينا) ش: يعني في المفرد من كونه يعني فائت الحج. م: (وأما الثانية) ش: أي وأما العمرة الثانية. م: (فلأنه خرج منها بعد صحة الشروع فيها) ش: فوجب قضاؤها، فإن بعث القارن هديًا، قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذكر القارن هنا وقع غلط ظاهر من النساخ، فالصواب أن يقال: فإن بعث المحصر، بيان الغلط من وجهين، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 فإن بعث القارن هديا وواعدهم أن يذبحوه في يوم بعينه ثم زال الإحصار   [البناية] أحدهما: أنه ذكر وإن بعث القارن هديا، ويجب على القارن بعث الهدي فلأنه يتحلل بالواحد؛ لأنه ذكر قبل هذا في الباب، فإن كان قارنًا بعث بدمين. والثاني: أن المصنف جمع بين روايتي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، و" الجامع الصغير "، وهذه المسألة مذكورة في هذين الكتابين في حق المحصر بالهدي بالحج، ودفع الكاكي هذا عن المصنف فقال: يمكن أن يكون، وهذا المراد من قوله: هدي، أي لكل واحد من الحج والعمرة، أو يكون أراد بالهدي الجنس كما في قول الراوي: «قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشاهد ويمين» أن بجنس الشاهد عند إقامة البينة، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - في دفع هذا: لما كان كلام المصنف قبل هذا في القارن لم يرد ذلك النظر. وقال: م: (فإن بعث القارن هديًا) ش: والهدي إلى الحرم سواء كان ذلك دمين، أو دمًا واحدا وثوبا، وكان ذكر الواجب عليه دمان، وهما هدي القارن، فكأنه قال: فإن بعث القارن دمين فلا منافاة بين هذا وبين ما تقدم، ولا هو غالط في الكلام ولا من فسخه، بل ربما لو قال: فإن بعث المحصر كما بينا في حق القارن، ولو قال: هديين كان غير فصيح؛ لأنه اسم لجنس ما يهدى، ولا شيء إلا إذا قصد الأنواع، وليس بمقصود، انتهى. قلت: كلامه لا يخلو عن النظر؛ لأن قوله: لأنه اسم جنس، وهذا غير صحيح، وكذلك في كلام الكاكي نظر من هذا الوجه، ووجه آخر أن الأصل عدم التقدير، وقال الأترازي: قيد بالقارن في " الهداية " وليس فيه كثير فائدة؛ لأن الحكم في المفرد بالحج كذلك، ولهذا وضع القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذه المسألة في مطلق المحصر، ولم يقيد بالقارن فقال: وإذا بعث المحصر هديا، ولم يقيد في " الجامع الصغير " أيضًا بالقارن وضع المسألة في المحصر بالحج، على أنه كان ينبغي أن يقول صاحب " الهداية " هديين؛ لأن القارن المحصر يبعث الهديين، انتهى. قلت: لا يصح نفيه على الإطلاق، وأما نفي الأكمل العدد؛ لأنه قال: لم يرد به هاهنا، ونحن لا نسلم من أن يكون المراد العدد؛ لأن ذكر القارن قبله وبأن عليه دمين قرينة على صحة الإرادة من قوله: هديا هديين، وقول الأكمل، ولو كان غير فصيح لا يقبل هنا؛ لأن هذا في كلام الفصحاء، وكلام الفقهاء في متون الكتب مشحونة بالتسامح، والتساهل في الكلام. م: (وواعدهم أن يذبحوه في يوم بعينه ثم زال الإحصار) ش: هنا أربعة أوجه: القسمة العقلية؛ لأنه إما أن لا يدرك الهدي، أو يدركهما، أو يدرك الهدي دون الحج أو بالعكس، فذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - جميع ذلك، فالأول هو قوله: م: (فإن كان لا يدرك الحج والهدي لا يلزمه أن يتوجه) ش: لعدم الفائدة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 فإن كان لا يدرك الحج والهدي لا يلزمه أن يتوجه بل يصبر حتى يتحلل بنحر الهدي لفوات المقصود من التوجه، وهو أداء الأفعال. وإن توجه ليتحلل بأفعال العمرة له ذلك؛ لأنه فائت الحج. فإن كان يدرك الحج والهدي لزمه التوجه لزوال العجز قبل حصول المقصود بالخلف. فإذا أدرك هديه صنع به ما شاء؛ لأنه ملكه وقد كان عينه لمقصود استغنى عنه. وإن كان يدرك الهدي دون الحج؛ يتحلل لعجزه عن الأصل. وإن كان يدرك الحج دون الهدي جاز له التحلل استحسانا، وهذا التقسيم لا يستقيم على قولهما في المحصر بالحج؛ لأن دم الإحصار عندهما يتوقت بيوم النحر، فمن يدرك الحج يدرك الهدي، وإنما يستقيم على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي المحصر بالعمرة يستقيم بالاتفاق؛ لعدم توقت الدم بيوم النحر.   [البناية] فإن قلت: ينبغي أن يلزم المتوجه ليتحلل بأفعال العمرة، وأنه واجب وله القدرة على ذلك. قلت: لأنه قد فاته المقصود الأعظم، وهو الحج، وقد رخص له التحلل ببعث الهدي، فجاز له أن يتحلل. م: (بل يصبر حتى يتحلل بنحر الهدي) ش: المبعوث. م: (لفوات المقصود من التوجه) ش: وهو الإدراك للحج، والهدي معًا، وهو معنى قوله: م: (وهو أداء الأفعال) ش: أي أفعال الحج. م: (وإن توجه) ش: الثاني. م: (ليتحلل بأفعال العمرة له ذلك؛ لأنه فائت الحج. فإن كان يدرك الحج والهدي لزمه التوجه لزوال العجز) ش: وهو عدم الإدراك. م: (قبل حصول المقصود بالحلق) ش: كالمكفر بالصوم إذا أيسر قبل إتمام الكفارة به. م: (فإذا أدرك هديه صنع به ما شاء؛ لأنه ملكه وقد كان عينه لمقصود استغنى عنه) ش: بإدراك الأصل. [مكان ذبح الهدي للمحصر] م: (وإن كان يدرك الهدي دون الحج) ش: وهو الوجه الثالث. م: (يتحلل لعجزه عن الأصل) ش: وفي بعض النسخ بعجزه عن الأصل بالباء الموحدة، أي بسبب عجزه، والتقدير في الكلام، أي لأجل عجزه. م: (وإن كان يدرك الحج دون الهدي جاز له التحلل استحسانا، وهذا التقسيم) ش: أراد به إدراك الحج دون إدراك الهدي هو الوجه الواقع. م: (لا يستقيم على قولهما) ش: أي على قول أبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله -. م: (في المحصر بالحج؛ لأن دم الإحصار عندهما يتوقت بيوم النحر، فمن يدرك الحج يدرك الهدي، وإنما يستقيم على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي المحصر بالعمرة يستقيم) ش: هذا الوجه الرابع. م: (بالاتفاق) ش: بين أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وصاحبيه. م: (لعدم توقت الدم بيوم النحر) ش: فلا يلزم إدراك الحج إدراك الهدي، ويجوز أن يكون بنفاذ الذبح أول يوم من عشر ذي الحجة مثلًا على قولهما، فلا يتأتى لأن الهدي موقت بيوم النحر في الحصر بالحج، فمن أدرك الحج أدرك الهدي لا محالة، وفي المحصر بالعمرة اتفاق. م: (وجه القياس وهو قول زفر) ش: ورواية الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (أنه) ش: أي المحصر. م: (قدر على الأصل وهو الحج قبل حصول المقصود بالبدل، وهو الهدي) ش: كالمقيم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 وجه القياس - وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قدر على الأصل وهو الحج قبل حصول المقصود بالبدل، وهو الهدي. وجه الاستحسان أنا لو ألزمناه التوجه لضاع ماله؛ لأن المبعوث على يديه الهدي ليذبحه ولا يحصل مقصوده، وحرمة المال كحرمة النفس، وله الخيار إن شاء صبر في ذلك المكان أو في غيره؛ ليذبح عنه فيتحلل، وإن شاء توجه ليؤدي النسك الذي التزمه بالإحرام وهو أفضل؛ لأنه أقرب إلى الوفاء بما وعد. ومن وقف بعرفة ثم أحصر لا يكون محصرا؛ لوقوع الأمن عن الفوات.   [البناية] إذا وجد الماء في خلال الصلاة، وكالمريض إذا قدر على الوطء في مدة الإيلاء يبطل الفيء باللسان، وكالمكفر بالصوم إذا أيسر قبل إتمام الكفارة. م: (وجه الاستحسان أنا لو ألزمناه التوجه لضاع ماله؛ لأن المبعوث على يديه الهدي ليذبحه) ش: أي لأجل أن يذبحه، وهو جواب أن، وفي غالب النسخ: يذبحه بدون اللام. م: (ولا يحصل مقصوده) ش: أي مقصود المحصر. م: (وحرمة المال كحرمة النفس) ش: يعني كما أن خوف النفس عذر في التحلل، فكذلك الخوف على المال. فإن قلت: هذا الذي ذكره المصنف أن حرمة المال كحرمة النفس مخالف لما قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والأصوليون أن حرمة المال فجاز أن يكون وقاية النفس، فإذا أكره بالقتل على إتلاف مال غيره جاز الإقدام عليه. أجيب: بأن حرمة النفس فوق حرمة المال حقيقة؛ لأنه مملوك ليستدل، فإنه يماثل المالك المستقل، ولكن حرمة المال تشبه حرمة النفس من حيث كون إتلافه ظلمًا لقيام عصمة صاحبه فيه، وإلى هذا أشار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بكاف التشبيه، فإن المشابهة بهذين الشيئين لا يقتضي اتحادهما من جميع الجهات، وإلا لارتفع التشبيه، ولو خاف على نفسه لا يلزمه التوجه، فكذا إذا خاف على ماله؛ لأنه ينبغي أن يضمن المبعوث على يده بالذبح لفوات مقصود المحصر، ولا وجه لإيجاب الضمان عليه لوجود الإذن. م: (وله الخيار إن شاء صبر) ش: هذا على وجه الاستحسان، يعني لما جاز له التحلل استحسانًا كان له الخيار إن شاء صبر. م: (في ذلك المكان أو في غيره؛ ليذبح عنه) ش: بهديه الذي بعثه. م: (فيتحلل، وإن شاء توجه ليؤدي النسك الذي التزمه بالإحرام وهو الأفضل) ش: أي التوجه أفضل. م: (لأنه أقرب إلى الوفاء بما وعد) ش: وهو الحج؛ لأنه شرع فيه ووعد أداءه بقوله: اللهم إني أريد الحج، وأيضًا التوجه عمل بالعزيمة والتحلل رخصة. [حكم من وقف بعرفة ثم أحصر] م: (ومن وقف بعرفة ثم أحصر لا يكون محصرا؛ لوقوع الأمن عن الفوات) ش: أي لا يتحلل بالهدي عندنا، وبه قال مالك، وعند الشافعي، ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: لو أحصر عن طواف الزيارة، ولقاء البيت يكون محصرًا لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية ومن أحصر بمكة وهو ممنوع عن الطواف والوقوف، فهو محصر؛ لأنه تعذر عليه الإتمام؛ فصار كما إذا أحصر في الحل. وإن قدر على أحدهما فليس بمحصر، أما على الطواف فلأن فائت الحج يتحلل به، والدم بدل عنه في التحلل، وأما على الوقوف فلما بينا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 ومن أحصر مكة وهو ممنوع عن الطواف والوقوف، فهو محصر؛ لأنه تعذر عليه الإتمام؛ فصار كما إذا أحصر في الحل. وإن قدر على أحدهما فليس بمحصر، أما على الطواف فلأن فائت الحج يتحلل به، والدم بدل عنه في التحلل، وأما على الوقوف فلما بينا   [البناية] 196 - ) . قلنا: حكم الإحصار يثبت عند خوف الفوت، وبعد الوقوف بعرفة لا يخاف الفوت؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من وقف بعرفة فقد تم حجه» وكان المنع بعد التمام، فلا يكون محصرًا، ومعنى قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] أي: فإن منعتم عن إتمام الحج والعمرة، ولكنه يبقى محرمًا إلى أن يطوف للزيارة والصدر ويحلق أو يقصر، وعليه دم لترك الوقوف بمزدلفة، ولرمي الجمار دم، ولتأخير الطواف دم، ولتأخير الحلق دم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فكان عليه أربعة دماء، وعندهما ليس لتأخير الطواف شيء. فإن قيل: أليس أنكم قلتم: إذا ازدادت عليه مدة الإحرام يثبت حكم الإحصار في حقه، وقد ثبتت زيادة مدة الإحرام هاهنا فلما لم يثبت حكم الإحصار في حقه. قلنا: ليس كذلك، فإنه يتمكن من التحلل بالحلق إلا في حق النساء، وإن كان يلزمه بعض الدماء فلا يتحقق العذر الواجب للتحلل، كذا في " المبسوط ". [أحصر بمكة وهو ممنوع عن الطواف والوقوف] م: (ومن أحصر بمكة وهو ممنوع عن الطواف والوقوف، فهو محصر؛ لأنه تعذر عليه الإتمام، فصار كما إذا أحصر في الحل) ش: حاصله أن الإحصار لا يتحقق عندنا، إلا إذا منع عن الوقوف والطواف جميعًا، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يتحقق الإحصار بمكة مطلقًا، سواء قدر على الطواف أو لا، لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) ، قلنا: مورد النص فيمن أحصر، خارج الحرم بدليل قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) والنهي عن الحلق مقيدًا ببلوغ الهدي إلى الحرم دليل إلى أنه خارج الحرم. م: (وإن قدر على أحدهما) ش: أي أحد الاثنين وهما الطواف والوقوف. م: (فليس بمحصر) ش: يعني لا يكون محصرًا يعني لا يتحلل بالدم؛ لأنه بأيهما أحصر، فله أن يأتي بالآخر. م: (أما على الطواف) ش: أي أما لو قدر على الطواف. م: (فلأن فائت الحج يتحلل به) ش: أي بالهدي. م: (والدم بدل عنه) ش: أي عن الطواف. م: (في التحلل) ش: في حق المحصر بعمرة عن الطواف، فلما قدر على الطواف، وهو الأصل؛ لم يثبت البدل، وهو التحلل بالهدي. م: (وأما على الوقوف) ش: أي أما لو قدر على الوقوف. م: (فلما بينا) ش: وهو قوله: ومن وقف بعرفة ثم أحصر لا يكون محصرًا. م: (وقد قيل في هذه المسألة) ش: يعني قوله: ومن أحصر بمكة. م: (خلاف بين أبي حنيفة، وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: وهو ما ذكر علي بن جعد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قال: سألت أبا حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن المحرم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 456 وقد قيل في هذه المسألة خلاف بين أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - والصحيح ما أعلمتك من التفصيل، والله تعالى أعلم.   [البناية] يحصر في الحرم فقال: لا يكون محصرا. فقلت: أليس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحصر بالحديبية وهي من الحرم، فقال: إن مكة يومئذ كانت دار الحرب، فأما اليوم، فهي دار الإسلام، فلا يتحقق الإحصار فيها، قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وأما أنا فأقول: إذا غلب العدو على مكة حتى حالوا بينه وبين البيت فهو محصر. م: (والصحيح ما أعلمتك من التفصيل) ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والصحيح من الرواية الممنوع من الوقوف والطواف يكون محصرًا باتفاق أصحابنا، وإذا قدر على أحدهما لا يكون محصرًا وهو معنى قوله: ما أعلمتك من التفصيل فافهم، والله ولي العصمة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 باب الفوات ومن أحرم بالحج وفاته الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر، فقد فاته الحج؛ لما ذكرنا أن وقت الوقوف يمتد إليه، وعليه أن يطوف ويسعى ويتحلل ويقضي الحج من قابل ولا دم عليه؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من فاته عرفة بليل فقد فاته الحج فليتحلل بعمرة» . وعليه الحج من قابل،   [البناية] [باب الفوات] [حكم من أحرم بالحج وفاته الوقوف بعرفة] م: (باب الفوات) ش: أي: هذا باب في بيان أحكام الفوات في الحج وآخره عن الإحصار؛ لأن الفوات إحرام وأداء، والإحرام والإحصار إحرام بلا أداء، فكان الإحصار قابلًا في العارضية، فقدم على الطواف وأيضًا معنى الإحصار من الفوات نازل منزلة المفرد من المركب، والمفرد قبل المركب. م: (ومن أحرم بالحج وفاته الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج؛ لما ذكرنا أن وقت الوقوف يمتد إليه) ش: أي إلى طلوع الفجر من يوم النحر، وأراد بقوله: لما ذكرنا ذكره في الفصل المتقدم على باب القران. م: (وعليه أن يطوف ويسعى ويتحلل) ش: أي بالحلق، وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يبقى محرمًا حتى يقف بعرفة في العام القابل، واختلف أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في أن التحلل بماذا، قال بعضهم: يتحلل ويسعى، ويحلق قولا واحدًا. وقال بعضهم في المسألة قولان: أحدهما: وهو الصحيح أن عليه طوافًا وسعيا وحلقًا، والثاني: أنه ليس عليه شيء، وقال المزني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يسقط، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ويقضي الحج من قابل) ش: أي من عام قابل. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان الحج فرضا يبقى في ذمته، ويحج من قابل، وإن كان تطوعًا يلزمه القضاء، وعن أحمد: لا قضاء في رواية. م: (ولا دم عليه؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (من فاته عرفة بليل فقد فاته الحج فليتحلل بعمرة. وعليه الحج من قابل) ش: هذا الحديث أخرجه الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " سننه " عن ابن عمر، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرجه عنه رحمة بن مصعب عن ابن أبي ليلى عن عطاء ونافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من وقف بعرفة بليل فقد أدرك الحج، ومن فاته بليل فقد فاته الحج، فليحل بعمرة، وعليه الحج من قابل» ، ورحمة بن مصعب - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضعيف. قال الدارقطني: رحمة ضعيف، وقد تفرد به. ورواه ابن عدي في الكامل وأعله بمحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وضعفه عن جماعة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 والعمرة ليست إلا الطواف والسعي، ولأن الإحرام بعدما انعقد صحيحا لا طريق للخروج عنه إلا بأداء أحد النسكين كما في الإحرام المبهم. وهاهنا عجز عن الحج فتتعين عليه العمرة، ولا دم عليه   [البناية] وحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرجه عن يحيى بن عيسى التميمي النهشلي، عن محمد بن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك عرفات فوقف بها والمزدلفة فقد تم حجه، ومن فاته عرفات، فقد فاته الحج، فليحل بعمرة، وعليه الحج من قابل» . ويحيى بن عيسى النهشلي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال النسائي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه: ليس بالقوي، وقال ابن حبان في كتاب " الضعفاء ": كان ممن ساء حفظه، وكثر وهمه حتى خالف الأثبات، فبطل الاحتجاج به، ثم أسند عن ابن معين - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: كان ضعيفًا ليس بشيء، وقال في " التنقيح ": روى له مسلم، والشراح كلهم ذكروا هذا الحديث، ولم يذكر أحد منهم ما حاله. م: (والعمرة ليست إلا الطواف والسعي) ش: بين الصفا والمروة. م: (ولأن الإحرام بعدما انعقد صحيحا لا طريق للخروج عنه إلا بأداء أحد النسكين) ش: وهما الحج والعمرة، قوله: صحيحًا، أي نافذًا لازمًا، لا يرتفع برافع احترز به عن إحرام الرقيق بغير إذن المولى. وإحرام المرأة في التطوع بغير إذن زوجها، فإن للمولى والزوج أن يحللاهما وليس باحتراز عن الإحرام الفاسد كما إذا جامع المحرم قبل الوقوف بعرفة، أو أحرم مجامعًا، فإن حكمه حكم الصحيح، قيل: قوله: لا طريق للخروج عنه إلا بأداء أحد النسكين منقوض بالمحصر، فإن الهدي طريق له للخروج عنه، وأجيب بأنه بنى الكلام على ما هو الوضع، ومسألة الإحصار في العوارض تثبت بالنص، وقال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجواب: أجرى الكلام على ما هو الأصل فلا ترد العوارض نقضًا. م: (كما في الإحرام المبهم) ش: أي لا، كما لا يخرج في الإحرام المبهم إلا بأحد النسكين، والإحرام المبهم بأن يقول: لبيك اللهم لبيك، ولا يقول: بحج وعمرة. م: (وهاهنا) ش: يعني في مسألة الفوات عن الوقوف. م: (عجز عن الحج فتتعين عليه العمرة) ش: لأن الحكم إذا دار بين الشيئين وانتفى أحدهما، تعين الآخر، وقد انتفى الحج منها لفائتة فتعين العمرة. م: (ولا دم عليه) ش: وقال الشافعي، ومالك، والحسن بن زياد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: عليه دم لما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال لأبي أيوب الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين فاته الحج: فإذا أدركت الحج من قابل، فحج واهدي ما استيسر من الهدي، وهكذا عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ ولأنه صار كالمحصر، فيجب عليه دم قياسًا عليه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 لأن التحلل وقع بأفعال العمرة، فكانت في حق فائت الحج بمنزلة الدم في حق المحصر فلا يجمع بينهما. والعمرة لا تفوت وهي جائزة في جميع السنة إلا خمسة أيام يكره فعلها فيها، وهي يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، لما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أنها كانت تكره العمرة في هذه الأيام الخمسة   [البناية] ولنا الحديث الذي رواه الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - المذكور آنفًا وهذا دليل على أن الدم غير واجب؛ لأنه موضع الحاجة إلى البيان، واللائق بمنصبه البيان في موضع الحاجة، فإذا لم يبين، علم أنه ليس بواجب. روي عن الأسود - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: سمعت عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: من فاته الحج يحل بعمرة، ولا دم عليه، وعليه الحج من قابل. ثم لقيت زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعد ذلك بثلاثين سنة، فقال مثل ذلك، وعن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مثله. م: (لأن التحلل وقع بأفعال العمرة فكانت في حق فائت الحج بمنزلة الدم في حق المحصر فلا يجمع بينهما) ش: ولا يقاس أحدهما على الآخر؛ لأن كل واحد منهما قادر، وعاجز على ما يعجز عنه الآخر وعما يقدر عليه. م: (والعمرة لا تفوت) ش: لأنها غير مؤقتة. م: (وهي جائزة في جميع السنة) ش: حتى لو أهل بعمرة في أشهر الحج فقدم مكة يوم النحر يقضي عمرته، ولا دم عليه، والحاصل أن جميع السنة وقتها. م: (إلا خمسة أيام يكره فعلها فيها) ش: أي فعل العمرة في هذه الخمسة أيام. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يكره في وقت من السنة، وقال مالك: تكره في أشهر الحج تعظيمًا لأمر الحج. وقد اختلف السلف في العمرة في أشهر الحج، وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ينهى عنها، ويقول: الحج في الأشهر، والعمرة في غيرها أكمل لحجكم وعمرتكم. والصحيح أن العمرة جائزة فيها بلا كراهة بدليل ما روى البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الصحيح " بإسناده «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتمر أربع عمر في ذي القعدة» . م: (وهي يوم عرفة ويوم النحر، وأيام التشريق، لما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أنها كانت تكره العمرة في هذه الأيام الخمسة) ش: أخرج البيهقي عن شعبة عن يزيد عن معاذ، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: العمرة في السنة كلها إلا أربعة أيام: يوم عرفة، ويوم النحر، ويومان بعد ذلك. وقال الشيخ في " الإمام ": وروى إسماعيل بن عباس عن نافع عن طاوس - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن قال البحر يعني ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: خمسة أيام: عرفة، يوم النحر، وثلاثة أيام التشريق، اعتمر قبلها وبعدها ما شئت. وقال مخرج الأحاديث: ولم يعزه. قلت: روى سعيد بن منصور - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ورواية عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لا يوافق كلام المصنف، ولا يوافقه إلا حديث ابن عباس - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 ولأن هذه أيام الحج فكانت متعينة له. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا تكره في يوم عرفة قبل الزوال؛ لأن دخول وقت ركن الحج بعد الزوال لا قبله، والأظهر من المذهب ما ذكرناه، ولكن مع هذا لو أداها في هذه الأيام صح ويبقى محرما بها فيها؛ لأن الكراهة لغيرها وهو تعظيم أمر الحج وتخليص وقته له فيصح الشروع، والعمرة سنة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فريضة   [البناية] - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - على ما لا يخفى. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولنا ما روى أصحابنا عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: تمت العمرة في السنة كلها إلا: يوم عرفة، ويوم النحر، ويوم التشريق، انتهى. قلت: هذا ليس فيه الكفاية للدليل، وإقامة الحجج. م: (ولأن هذه) ش: أي هذه الأيام الخمسة. م: (أيام الحج فكانت متعينة له) ش: أي للحج: وروي. م: (عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها لا تكره في يوم عرفة قبل الزوال؛ لأن دخول وقت ركن الحج بعد الزوال لا قبله، والأظهر من المذهب ما ذكرناه) ش: وهو كون هذه العمرة يوم عرفة قبل الزوال وبعده. م: (ولكن مع هذا) ش: أي مع كونها مكروهة في الأيام الخمسة. م: (لو أداها في هذه الأيام صح ويبقى محرما بها فيها) ش: أي بالعمرة إن لم يؤدها في هذه الأيام كبناء الصلاة بعد دخول الوقت المكروه. م: (لأن الكراهة لغيرها) ش: أي لغير عين العمرة، أراد أن الكراهة لمعنى في غيرها لا في نفسها. م: (وهو) ش: أي الكراهة لغيرها. م: (تعظيم أمر الحج وتخليص وقته له) ش: أي للحج، ومن تعظيم أمره أن يجعل له الوقت خاصة لا يكون فيه غيره، فإذا كان الكراهة لمعنى في غيرها. م: (فيصح الشروع فيها، والعمرة سنة) ش: وفي " الينابيع ": أي سنة مؤكدة، وفي " البدائع ": اختلف أصحابنا فيها. فمنهم من قال: إنها واجبة كصدقة الفطر، والأضحية، والوتر، ومنهم من أطلق عليها اسم السنة، وهي لا تنافي الوجوب، وفي " التحفة "، و" القنية ": اختلف المشايخ فيها، قيل: هي سنة مؤكدة، وقيل: واجبة، وقيل في " التحفة ": وهما متقاربان، وفي " الذخيرة ": لا يوجد في كتب أصحابنا أن العمرة تطوع، إلا في كتاب " الحجر ". وقال بعض المشايخ - ومنهم محمد بن الفضل -: فرض كفاية ذكره في " المنافع "، وبالأول قال الشعبي، والنخعي، ومالك، وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وهو مذهب ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ومنهم من قال: العمرة تطوع، وبه كان الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول ببغداد ثم قال بمصر: هي فريضة كالحج، وهو الجديد، وإليه أشار بقوله المصنف. م: (وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فريضة) ش: وبه قال أحمد، وابن حبيب، وأبو بكر بن الجهم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من المالكية، ويروى عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ذكر ذلك ابن المنذر - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأشراف "، قال: وهو قول عطاء، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «العمرة فريضة كفريضة الحج»   [البناية] وطاوس، ومجاهد، والحسن، وابن سيرين، وسعيد بن جبير، ومسروق، وإسحاق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «العمرة فريضة كفريضة الحج» ش: هذا غريب. وروى الحاكم في " مستدركه "، والدارقطني في " سننه " من حديث محمد بن سيرين عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت» ، وقيل أحاديث أخر منها: ما رواه أبو داود والدارقطني رحمهما الله في سننهما " عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رجلًا قال: يا رسول الله: ما الإسلام؟ قال: " أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وأن تحج وتعتمر» . ومنها ما رواه أبو رزين العقيلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا ظعن، قال: " احجج عن أبيك، واعتمر.» ومنها ما رواه ابن ماجه في " سننه "، وأحمد في مسنده " عن محمد بن الفضيل عن حبيب عن أبي عمرة، عن عائشة بنت طلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن عائشة أم المؤمنين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «قالت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعلى النساء جهاد؟ قال: " عليهن جهاد لا قتال فيه؛ الحج والعمرة» . ومنها ما رواه الدارقطني من حديث الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى أهل اليمن كتابًا وبعث به مع عمرو بن حزم وفيه أن العمرة الحج الأصغر» ومنها ما رواه البيهقي في " سننه " عن طريق ابن لهيعة عن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عطاء عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الحج والعمرة فريضتان واجبتان» . والجواب عن هذه الأحاديث أما حديث زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال الحاكم بعد أن أخرجه الصحيح عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من قوله: وفي إسناده إسماعيل بن مسلم ضعفوه، ومحمد بن معبد قال البخاري فيه: منكر الحديث، ولم يرض به أحد. وقال حرفنا حديثه ما روى زيد بن ثابت مرفوعًا، وكذا أخرجه البيهقي موقوفا قال: وهو الصحيح. وأما حديث عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فهو مخرج في " الصحيحين " وليس فيه: وتعتمر وهذه الزيادة فيها شذوذ، قال صاحب " التنقيح " وأما حديث أبي ذر بن العقيلي فقال أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أصح من هذا، ولكن لا يدل على وجوب العمرة إذ الأمر فيه ليس للوجوب، فإنه لا يجب أن يحج عن أبيه، وإنما يدل الحديث على جواز فعل الحج والعمرة فيه لكونه غير متطبع، وأما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقال صاحب " التنقيح "، قد أخرجه البخاري في صحيحه " من رواية غير واحد عن حبيب، وليس فيه ذكر العمرة. وأما حديث عمرو بن حزم - رَحِمَهُ اللَّهُ - ففي إسناده سليمان بن داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال غير واحد من الأئمة: إنه سليمان بن أرقم - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو متروك، وأما حديث جابر، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ففي البيهقي، قال: ابن لهيعة غير محتج به، ورواه ابن عدي في " الكامل " وأعله به واستدل من قال بفرضية العمرة بالآية الكريمة وهو قَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) ؛ لأن الله تعالى عطف العمرة على الحج وأمر بهما، والأمر للوجوب، والواجب من هذا أن عمر وعليًا وابن مسعود وسعيد بن جبير وطاوس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قالوا: إتمامها أن يحرم بها من دويرة أهله، فجعل الإتمام تقديم الإحرام بها على المواقيت المعروفة لا فرض العبادة. وقال ابن القصار: استدلالهم بهذه الآية غلط؛ لأن من أراد أن يأتي بالسنة فواجب عليه أن يأتي بها تامة كمن أراد أن يصلي تطوعًا عليه يجب عليه أن يكون على طهارة ويأتي بها تامة الأركان والشروط، وما قالوه يبطل بعمرة ثانية وثالثة فإنه يجب إتمامها والمضي فيها وفي فسادها وإن لم تكن واجبة في الأصل. وقال أبو عمر حافظ المغرب: إن الله سبحانه وتعالى لم يوجب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الحج فريضة، والعمرة تطوع» ؛ ولأنها غير مؤقتة بوقت وتتأدى بنية غيرها كما في فائت الحج، وهذه أمارة النفلية   [البناية] العمرة، ولا أوجبها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في باب النفل ولا أجمع المسلمون على فرضيتها، والمفروض لا يثبت إلا من هذه الوجوه، فقد ثبت في " الصحيح " أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «بني الإسلام على خمس» ، وذكر منها «حج البيت» ولم يذكر العمرة. فلو كانت فريضة كالحج كما زعموا لذكرها، فسقط قول من ادعى أنها فريضة. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الحج فريضة، والعمرة تطوع» ش: هذا الحديث غريب مرفوعًا، ورواه ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه "، موقوفًا على ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: حدثنا ابن إدريس وأبو ساحة عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشر عن إبراهيم قال: قال عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «الحج فريضة والعمرة تطوع» . وروى ابن ماجه في " سننه ": حدثنا هشام بن عمار عن الحسن بن الحسن بن يحيى الحسني عن عمر بن قيس عن طلحة بن يحيى عن عمه إسحاق بن طلحة عن طلحة بن عبيد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه سمع رسول الله يقول: «الحج جهاد، والعمرة تطوع» . وعمر بن قيس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تكلم فيه. وأخرج الترمذي عن الحجاج بن أرطاة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قال: سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن العمرة أواجبة؟ قال: " لا، وأن تعتمروا هو أفضل» ، وقال: حديث حسن صحيح، وهو قول بعض أهل العلم، قالوا: العمرة ليست بواجبة. وكان يقال: هما حجان الحج الأكبر يوم النحر والحج الأصغر العمرة. م: (ولأنها غير موقتة) ش: أي ولأن العمرة غير موقتة. م: (بوقت) ش: إذ لو كانت فرضًا لتعلقت بوقت كالصلاة والصوم.. م: (وتتأدى بنية غيرها) ش: يعني تؤدى بإحرام غيرها بأن نواها بنية الحج. م: (كما في فائت الحج) ش: فإنه يتأدى بنية الحج الذي فاته. م: (وهذه أمارة النفلية) ش: يعني كونها غير موقتة وكونها تؤدى بنية غيرها، علامة النفلية، أي علامة كونها نفلًا، والفرض وبيان النفل، فإن النفل يتأدى بنية الفرض. والفرض الذي هو غير معين، لا يتأدى بنية النفل. فإن قلت: هذا يشكل بالأيمان، وصلاة الجنازة، فإنهما فرضان وليسا بموقتين. وبالصوم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 وتأويل ما رواه، أنها مقدرة بأعمال كالحج؛ إذ لا تثبت الفرضية مع التعارض في الآثار. قال: وهي الطواف والسعي. وقد ذكرناه في باب التمتع، والله أعلم بالصواب.   [البناية] فإنه يتأدى بنية غيره وهو فرض. قلت: عدم التوقيت في الأيمان نشأ من فرضية مبتدأة من غير انقطاع، فكان جميع العمر من غير انقطاع وقته، ولا كذلك العمرة فإنها غير الخصم، يتأدى بأكثره كما في سائر الفرائض. وأما صلاة الجنازة فوقتها حضورها، فكانت موقتة وتتأدى بنية غيرها. وأما صوم رمضان فإنها فرض يتأدى بنية النفل لكونه معينًا في وقت له معتاد، ولم يشرع في غيره. فكذلك لم يصح بنية النفل. م: (وتأويل ما رواه) ش: أي ما رواه الشافعي. م: (أنها) ش: أي العمرة. م: (مقدرة بأعمال كالحج؛ إذ لا تثبت الفرضية مع التعارض في الآثار، قال: وهي الطواف والسعي، وقد ذكرناه في باب التمتع) ش: هذا التعليل كأنه جواب عما يقال: ما وجه هذا التأويل الذي أولتم وقلتم: إن الفرض هنا بمعنى التقدير؟ فأجاب بما حاصله: أن الآثار أي الأحاديث والأخبار، إذا تعارضت لا تثبت الفرضية؛ لأن الفرض لا يثبت إلا بدليل مقطوع به. فإن قيل: هو ثابت بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) ، عطف العمرة على الحج، والحج فريضة، والأمر بالإتمام، والأمر للوجوب؟ قلت: قد مر الجواب عن هذا عن قريب. ونقول أيضًا، القران في النظم لا يؤوب القران في الحكم. والأمر إنما هو بالإتمام. والإتمام إنما يكون بالشروع. ونحن نقول به، وإن كانت في الابتداء سنة. والله أعلم بالتوفيق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 باب الحج عن الغير الأصل في هذا الباب أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة أو صوما أو صدقة أو غيرها،   [البناية] [باب الحج عن الغير] [شروط جواز الحج عن الغير] م: (باب الحج عن الغير) ش: لما فرغ عن بيان أفعال الحج بنفسه مع عوارضه، شرع في بيان الحج عن غيره بطريق النيابة. ولما كان الأصل في التصرفات أن تقع عمن تصدر منه، كان الحج عن الغير خليقًا أن يؤخر في باب على حدة. م: (الأصل في هذا الباب) ش: أي في باب الحج عن الغير. م: (أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره) ش: خلافًا للمعتزلة، فإنهم قالوا: ليس للإنسان ذلك؛ لأن الثواب هو الجنة وهي لله تعالى، ولا يجوز تمليك ملك الغير، وسيجيء الرد عليهم. م: (صلاة) ش: يعني سواء كان جعل ثواب عمله لغيره صلاة. م: (أو صوما أو صدقة أو غيرها) ش: كالحج وقراءة القرآن والأذكار، وزيارة قبور الأنبياء والشهداء والأولياء والصالحين، وتكفين الموتى، وجميع أنواع البر والعبادة، مالية كالزكاة والصدقة والعشور والكفارات ونحوها، أو بدنية كالصوم والصلاة والاعتكاف وقراءة القرآن والذكر والدعاء، أو مركبة منهما كالحج والجهاد. وفي " البدائع ": جعل الجهاد من البدنيات وفي " المبسوط " جعل المال في الحج شرط الوجوب، فلم يكن الحج مركبًا من البدل. قيل: هو أقرب إلى الصواب ولهذا لا يشترط المال في حق المكي إذا قدر على المشي إلى عرفات. فإذا عمل شخص، ثواب ما عمله من ذلك إلى آخره يصل إليه وينتفع به، حيًا كان المهدى إليه أو ميتا، ومنع الشافعي ومالك - رحمهما الله - وصول ثواب القرآن إلى الموتى، وثواب الصلاة والصوم وجميع الطاعات والعبادات غير المالية وجوزا فيها. ويرد عليهما بما رواه الدارقطني «أن رجلًا سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال كان لي أبوان أبرهما حال حياتهما فكيف لي ببرهما بعد موتهما؟ فقال له - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " إن من البر بعد البر أن تصلي لهما مع صلاتك وأن تصوم لهما مع صيامك» . وعن علي بن أبي طالب، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من مر على المقابر فقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] إحدى عشرة مرة ثم وهب أجرها للأموات، أعطي من الأجر بعدد الأموات» رواه الدارقطني. وعن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رجلًا سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا رسول الله، إنا نتصدق عن موتانا ونحج عنهم وندعو لهم فهل يصل ذلك إليهم، فقال: " نعم، إنه ليصل إليهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 466 عند أهل السنة والجماعة   [البناية] ويفرحون به كما يفرح أحدكم بالطريق إذا أهدي إليه» . رواه أبو حفص الكبير. وعن معقل بن يسار قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اقرءوا على موتاكم سورة يس» رواه أبو داود. وروى الحافظ اللالكائي في " شرح السنة " عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: يموت الرجل ويدع ولدًا، فترفع له درجات، فيقول: ما هذا يا رب؟ فيقول سبحانه وتعالى: استغفار ولدك. وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] (محمد: الآية 19) . قال: ويستغفرون لمن في الأرض، وكذا استغفار نوح وإبراهيم - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -. وذكر عبد الحق صاحب " الأحكام " في العاقبة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الغريق ينتظر دعوة تلحقه من ابنه وأخيه أو صديق له، فإذا لحقته كان أحب من الدنيا وما فيها» . ولهذا شرع الدعاء للميتة في صلاة الجنازة. وفي العاقبة أن يصاد بن غالب قال: رأيت رابعة العدوية العابدة في المنام، وكنت كثير الدعاء لها، فقالت: يا بشر، هديتك تأتينا في أطباق من نور، عليها مناديل الحرير. وهكذا يأتينا دعاء الأحياء إذا دعوا لإخوانهم الموتى فاستجيب لهم. ويقال هذه هدية فلان إليك، ومما يدل على هذا أن المسلمين يجتمعون في كل عصر وزمان ويقرءون القرآن ويهدون ثوابه لموتاهم. وعلى هذا أهل الصلاح والديانة من كل مذهب من المالكية والشافعية وغيرهم ولا ينكر ذلك منكر فكان إجماعًا. م: (عند أهل السنة والجماعة) ش: خلافًا للمعتزلة وفي مذهب أهل العدل والتوحيد، أن ليس للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره لأن الثواب نعمة دائمة خالصة مع التعظيم ومعظم ركنه للتعظيم. وبه فارق أغراض الصبيان والمجانين والبهائم وتعظيم المستحق لغير المستحق قبيح في العقل. ولو جاز أن يجب العالم أو التقي أو العادل تعظيمه لحامل أو جاهل أو صبي أو حمار، فإنه صح تعظيمه عقلًا، وإنكاره مكابرة. ولو جاز هذا فالأنبياء أحق الناس بهبة ثواب أعمالهم لآبائهم وأمهاتهم. وقد علم خلافه بالتواتر حين «قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وسائر أولاده وزوجاته: " إني لا أملك يوم القيامة من الله شيئًا، ولا ينفعكم إلا أعمالكم.» وقال الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] (النجم: الآية 39) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 لما روي عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أنه ضحى بكبشين أملحين، أحدهما عن نفسه، والآخر عن أمته ممن أقر بوحدانية الله تعالى وشهد له بالبلاغ»   [البناية] قلنا: أما قولهم قبيح عقلًا غير مسلم. بل يجوز في العقل تعظيم غير المستحق بواسطة محبته له. وباعتبار ذلك استحقق تعظيمه. وأما قولهم قد علم خلافه غير مسلم، ولئن سلم ذلك لقد شرطه أو بالمنع عن الله تعالى. وأما الجواب عن الآية فبثمانية أوجه: الأول: أنها منسوخة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} [الطور: 21] (الطور: الآية 21) ، أدخل الأبناء الجنة بصلاح آبائهم، قاله ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. الثاني: خاصة بقوم إبراهيم وقوم موسى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، يعني في صحف إبراهيم وموسى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: 38] {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] للعطف فهذان في صحيفتهما مختص بهما، فأما هذه الأمة فلقد ما سعيت ما سعى لها غيرها، قاله عكرمة. الثالث: أن المراد بالإنسان الكافر هنا، وأما المؤمن فله ما سعى وما سعي له، قاله الربيع بن أنس بن الفضل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. الخامس: أن معنى ما سعى: ما نوى، قاله أبو بكر الوراق - رَحِمَهُ اللَّهُ -. السادس: أن ليس للإنسان الكافر من الخير إلا ما عمله في الدنيا فيثاب عليه في الدنيا حتى لا يبقى له في الآخرة خير البتة، ذكره الأستاذ أبو إسحاق الثعلبي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. السابع: اللام بمعنى على أي ليس على الإنسان إلا ما سعى كقوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] (الإسراء: الآية 7) ، أي فعليها وكقوله تعالى: {وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ} [غافر: 52] (الرعد: الآية 25) ، أي وعليهم. الثامن: ليس إلا سعيه، غير أن الأسباب مختلفة، فتارة يكون سعيه في تحصيل الشيء بنفسه، وتارة لتحصيل سببه لسعيه في تحصيل ولد أو صديق يستغفر الله، وتارة يسعى في خدمة الدين والعبادة، فيكتب محبة أهل الدين والصلاح فيكون ذلك سببًا حصل بسعيه حكى هذا أبو الفرج بن الجوزي. م: (لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه ضحى بكبشين أملحين، أحدهما عن نفسه، والآخر عن أمته ممن أقر بوحدانية الله تعالى وشهد له بالبلاغ» ش: روي هذا الحديث عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - منهم أبو هريرة وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وروى حديثهما ابن ماجه في " سننه " من طريق عبد الرزاق بإسناده عن عائشة وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كان إذا أراد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أن يضحي، اشترى كبشين عظيمين أقرنين أملحين موجوءين، فذبح أحدهما عن أمته ممن شهد بالتوحيد، وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمد وآل محمد» . وكذلك رواه أحمد في " مسنده " وروى أحمد أيضًا من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكره. ورواه الطبراني في " الأوسط " من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة فذكره، ومنهم جابر روى حديثه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي عياش المعافري عن جابر بن عبد الله قال: «ذبح النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم النحر كبشين أقرنين أملحين موجوءين، فلما وجههما قال: إني وجهت وجهي ... الآية، " اللهم لك ومنك عن محمد وأمته بسم الله، والله أكبر، ثم ذبح» . ومنهم أبو رافع حديثه عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وحذيفة بن أسيد عند الحاكم، وأبو طلحة عند ابن أبي شيبة في " مسنده ". وأنس بن مالك حديثه عند ابن أبي شيبة أيضًا. قوله: أملحين؛ الأملح الذي به سواد وبياض، ويقال: كبش أملح، فيه ملحة وهي بياض بشقه شعرات سود، وقوله أحدهما بالجر وكذا قوله، والآخر وهما بدلان من قوله بكبشين، ويجوز نصبهما على تقدير يذبح أحدهما؛ لأن قوله ضحى يدل على الذبح قوله وشهد له بالبلاغ أي شهد للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتبليغ أوامر الله ونواهيه إلى عباده. وإنما بين الأمة ممن آمن وشهد؛ لأن الأمة على نوعين: أمة دعوة وإجابة وهم المؤمنون وأمة دعوة لا إجابة وهم الكافرون. وذلك لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان مبعوثًا إلى كافة الخلق وهم بأجمعهم أمة له. إلا أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحى إحدى الشاتين عن أمة المؤمنين لا عن الكافرين لأنهم لا يستحقون الثواب. وجه الاستدلال به ظاهر؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل من ثوابه لأمته، وهذا يعلم منه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن الإنسان يجوز أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 469 جعل تضحية إحدى الشاتين لأمته والعبادات أنواع: مالية محضة كالزكاة، وبدنية محضة كالصلاة، ومركبة منهما: كالحج، والنيابة تجري في النوع الأول في حالتي الاختيار والضرورة، لحصول المقصود بفعل النائب. ولا تجري في النوع الثاني بحال؛ لأن المقصود وهو إتعاب النفس لا يحصل به، وتجري في النوع الثالث عند العجز للمعنى الثاني وهو المشقة بتنقيص المال.   [البناية] ينفعه عمل غيره والتأسي برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو العروة الوثقى. م: (جعل) ش: أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (تضحية إحدى الشاتين لأمته) ش: أي ثوابها، أي جعل ثوابها لأمة المؤمنين وهذا دليل صريح على جواز أن يجعل الرجل من ثوابه لغيره، وينتفع به الغير سواء كان حيًا أو ميتا. م: (والعبادات أنواع: مالية محضة) ش: أي نوع منها عبادة مالية خالصة. م: (كالزكاة) ش: وصدقة الفطر، والمقصود منها صرف المال إلى سد خلة المحتاج. م: (وبدنية محضة) ش: أي نوع مهنا عبادة بدنية محضة. م: (كالصلاة) ش: والمقصود منها التعظيم بالجوارح، وإتعاب النفس الأمارة بالسوء ابتغاء مرضاة الله. م: (ومركبة منهما) ش: أي نوع منها عبادة مركبة من المالية والبدنية. م: (كالحج) ش: وقد ذكرنا في أول الباب أن الصواب أن الحج من العبادات البدنية؛ لأن المال شرط الوجوب. م: (والنيابة تجري في النوع الأول) ش: وهو العبادة المالية المحضة كالزكاة فتجوز النيابة فيها. م: (في حالتي الاختيار) ش: أي الصحة. م: (والضرورة) ش: أي المرض. م: (لحصول المقصود بفعل النائب) ش: وذلك لأن المقصود هو صرف المال لسد خلة المحتاج، وهو يحصل بفعل النائب؛ لأن المقصود هو صرف المال. م: (ولا تجري) ش: أي النيابة. م: (في النوع الثاني) ش: وهو العبادة البدنية المحضة كالصلاة. م: (بحال) ش: أي في الاختيار والضرورة. م: (لأن المقصود وهو إتعاب النفس لا يحصل به) ش: أي بالنائب. م: (وتجري) ش: أي النيابة. م: (في النوع الثالث) ش: وهو العبادة المركبة من المال والبدن كالحج. م: (عند العجز للمعنى الثاني للمشقة بتنقيص المال) ش: إنما قال للمعنى الثاني؛ لأن الحج يشترط على معنيين: إتعاب النفس وتنقيص المال. فانتفى المعنى الأول عند العجز فتعين الثاني. وقال الكاكي: وفي بعض النسخ للمعنى الأول، وهو اعتبار كونه ماليًا، وهذا أظهر بالنسبة إلى تقدير الكتاب، ولا يجزئ عند القدرة حتى لو حج صحيح رجلًا، ثم عجز لم يجزه بالإجماع. وفي كتب الشافعية، لو حج المغصوب غيره نظر إن شفي لم يجزه ذلك قولًا واحدًا عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن مات فيه قولان في قول يجوز وبه قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي قول لا يجوز. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 470 ولا تجري عند القدرة لعدم إتعاب النفس، والشرط العجز الدائم إلى وقت الموت؛ لأن الحج فرض العمر، وفي الحج النفل تجوز الإنابة حالة القدرة؛ لأن باب النفل أوسع. ثم ظاهر المذهب أن الحج يقع عن المحجوج عنه   [البناية] قال الأصحاب: وهو الأظهر، ولو كان مرض لا يرجى زواله، فحج غيره فبرأ لا يجزئه في الأظهر، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في الأظهر، ولو حج الصحيح قبل العجز ثم عجز لم يجزه بالإجماع. م: (ولا تجري) ش: أي النيابة. م: (عند القدرة لعدم إتعاب النفس، والشرط العجز الدائم) ش: أي شرط جواز النيابة في الحج عن الغير هو العجز المستمر الدائم. م: (إلى وقت الموت) ش: حتى لو قدر المحجوج عنه حج بعد أداء المأمور بحج ثانيًا فلا يسقط عنه الفرض، كما في الشيخ الفاني إذا قدر على الصوم بعد أداء الفدية يجب عليه الصوم. م: (لأن الحج فرض العمر) ش: هذا دليل لكون الشرط هو العجز الدائم، بيانه: أن الحج لما كان فرض العمر. وقدر على أدائه في أثناء عمره، وجب عليه، وجعل فعل النائب فيما مضى كأن لم يكن. فإن قيل: القدرة على الأصل تبطل الخلف قبل حصول المقصود بالخلف، وقد حصل بالخلف، وهو حصول المشقة بتنقيص المال. فالجواب: إن لم نسلك في هذه المسألة مسلك الأصل والخلف وإنما قلنا: إن الحج مركب من أمرين أحدهما يحتمل النيابة والآخر لا يحتملها. فقولنا بأحدهما عند القدرة، فلم تجز النيابة، وبالآخر عند العجز فجوزناها لكن شرطنا لكونه وظيفة العمر أن يكون العجز دائمًا لما مر. واعترض بيان كونه وظيفة العمر، لا يصلح دليلًا على اشتراط العجز الدائم لتخلفه عنه، فإنه شرط لجواز الفدية للشيخ الفاني عن الصوم. والصوم ليس وظيفة العمر. والجواب أن الدليل يستلزم المدلول ولا ينعكس، وكل ما كان وظيفة العمر يشترط فيه العجز الدائم، ولا يلزم أن كل ما يشترط فيه العجز الدائم يكون وظيفة العمر. [الإنابة في حج النفل] م: (وفي الحج النفل تجوز الإنابة حالة القدرة؛ لأن باب النفل أوسع) ش: ولهذا تجوز الصلاة النافلة مع القدرة على القيام، لكن للأمر ثواب النفقة بالاتفاق؛ لأن وقوع النفل عن الأمر بالنص على خلاف القياس، وهو حديث الخثعمية، وهو ورد في الفرض؛ لأنها قالت: إن فريضة الحج أدركت ... فبقي النفل على أصل القياس، وقال الفراء في " الذخيرة ": المذهب كراهة النيابة في النفل، وذكر النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرحه " أن في النيابة في الحج للنفل قولين والصحيح جوازها. م: (ثم ظاهر المذهب) ش: كراهة النيابة في النفل، وذكر النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (أن الحج يقع عن المحجوج عنه) ش: وهو الأمر هذا في الفرض بالنص على ما يجيء، وأما في نفل، فيقع عن المأمور بالاتفاق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 471 وبذلك تشهد الأخبار الواردة في هذا الباب   [البناية] واعترض عليه الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث قال: قال بعضهم في هذا الموضع الحج النفل يقع عن المأمور بالاتفاق، وللأمر ثواب النفقة، وذلك خلاف الرواية ألا ترى إلى ما قال الحاكم الجليل الشهيد في " مختصر الكافي " الحج التطوع عن الصحيح جائز. ثم قال: وإذا حج الصحيح عن نفسه فهو تطوع، قال: وفي الأصل تكون الحجة عن الحج. م: (وبذلك) ش: أي وبوقوع الحج عن المحجوج عنه. م: (تشهد الأخبار الواردة في الباب) ش: أي في الباب الواردة في الحج عن الغير. فمن جملة الأخبار ما أخرجه ابن ماجه عن محمد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس، قال: حدثني حصين بن عون - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قلت: يا رسول الله، «إن أبي أدركه الحج، ولا يستطيع أن يحج إلا معترضا فسكت ساعة، ثم قال: حج عن أبيك» . قال العقيلي قال أحمد بن محمد بن كريب منكر الحديث. وأخرجه البيهقي عن محمد بن سيرين عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن رجلًا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكره، قال البيهقي رواية محمد بن سيرين عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرسلة، قال صاحب " التنقيح ": قال أحمد وابن معين وابن المديني: لم يسمع ابن سيرين من ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قال وقد روى البخاري في " صحيحه " حديثًا من رواية ابن سيرين عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. ومنها ما أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن شعبة عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رزين العقيلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رجل من بني عامر، «قال: يا رسول الله: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن، قال: حج عن أبيك واعتمر.» قال الترمذي: حديث حسن صحيح، واسم أبي رزين لقيط بن صبرة، رواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مسنده " وابن حبان في " صحيحه "، والحاكم في " مستدركه "، وقال: على شرط الشيخين. ومنها ما رواه الطبراني من حديث سودة أم المؤمنين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن رجلًا قال: يا رسول الله أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج فأحج عنه؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته، أكان يجزئ عنه؟ " فقال: نعم، قال: " حج عنه» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 472 «كحديث الخثعمية فإنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال فيه: " حجي عن أبيك واعتمري» . وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الحج يقع عن الحاج، وللآمر ثواب النفقة؛ لأنه عبادة بدنية، وعند العجز أقيم الإنفاق مقامه كالفدية في باب الصوم. قال: ومن أمره رجلان أن يحج عن كل واحد منهما حجة فأهل بحجة عنهما فهي عن الحاج ويضمن النفقة؛ لأن الحج يقع عن الآمر حتى لا يخرج الحاج عن حجة الإسلام   [البناية] ومنها ما أخرجه البيهقي من حديث عطاء الخراساني عن أبي العون بن المحصن الحنفي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قال: قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن أبي أدركته فريضة الله في الحج، وهو شيخ كبير لا يتمالك على الراحلة أفتأمرني أن أحج عنه؟ قال: " نعم، حج عنه ". قال: وكذلك من مات من أهلنا ولم ير [ .... ] ، أفنحج عنه، قال: " نعم وتؤجرون " قال: ويتصدق عنه ويصام عنه؟ قال: " نعم والصدقة أفضل.» قال البيهقي: إسناده ضعيف. م: (كحديث الخثعمية، فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فيه: «حجي عن أبيك واعتمري» ش: حديث الخثعمية أخرجه الأئمة الستة في كتبهم. أخرجه أبو داود عن عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - والباقون عن أخيه الفضل بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله في الحج، وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، ظهر البعير، قال: حجي عنه» . وفي رواية المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهم، فإن حديث الخثعمية ليس فيه ذكر اعتمري، وهذه اللفظة في حديث أبي رزين العقيلي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما ذكرناه الآن، وهذا الحديث يدل صريحًا على جواز الحج عن الغير. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الحج يقع عن الحاج) ش: يعني المأمور. م: (وللآمر ثواب النفقة؛ لأنه عبادة بدنية) ش: كذا أشار إليه في " المبسوط: أن الحج غير مركب من البدن، والمال فيه شرط الوجوب وقد ذكرناه. م: (وعند العجز) ش: عن الحج بنفسه. م: (أقيم الإنفاق مقامه) ش: أي مقام أداء الأفعال يعني الواجب عليه إذا حج، وإنفاق المال في طريقه فإن عجز عن الأداء بقي عليه الإمضاء ما يقدر. وهو الإنفاق في طريقه. م: (كالفدية في باب الصوم) ش: فإنها أقيمت مقام الصوم، فكذا الإنفاق هاهنا يقوم مقام أداء الأفعال في حق سقوط الأفعال، وهذا لأن الإنفاق سبب أداء الأفعال، وإقامة السبب مقام المسبب أصل في الشرع في " النهاية " إلى هذا مال عامة المتأخرين، منهم صدر الإسلام أبو اليسر والإمام الأسبيجابي وقاضي خان وغيرهم، وقال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن أصل الحج يكون عن الآمر. [أمره رجلان بأن يحج لكل واحد منهما حجة فأهل بحجة عنهما] م: (قال: ومن أمره رجلان بأن يحج لكل واحد منهما حجة فأهل بحجة عنهما فهي عن الحاج ويضمن النفقة؛ لأن الحج يقع عن الآمر حتى لا يخرج الحاج عن حجة الإسلام) ش: يجزيه هذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 473 وكل واحد منهما أمره أن يخلص الحج له من غير اشتراك، ولا يمكن إيقاعه عن أحدهما لعدم الأولوية فيقع عن المأمور، ولا يمكنه أن يجعله عن أحدهما بعد ذلك، بخلاف ما إذا حج عن أبويه، فإن له أن يجعله عن أحدهما؛ لأنه متبرع بجعل ثواب عمله لأحدهما أو لهما، فيبقى على خياره بعد وقوعه سببا لثوابه، وهنا يفعل بحكم الآمر، وقد خالف أمرهما فيقع عنه. ويضمن النفقة إن أنفق من مالهما؛ لأنه   [البناية] الموضع أن الحج في هذه الصورة من وجه يقع للمأمور باعتبار المخالفة ولهذا لا يخرج الأمر عن حجة الإسلام، ومن وجه يقع للآمر من حيث قطع المسألة وتعين النفقة وهذا لا يخرج المأمور عن حجة الإسلام أيضًا، وقد صرح الإمام العتابي وغيره في " شرح الجامع الصغير " أن الحج يقع عن الأمر من وجه، وعن المأمور من وجه، فلا يخرج عن حجة الإسلام لا المأمور ولا الآمر. والمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أشار إلى هذين الوجهين أيضًا حيث قال: أولًا فهي عن الحاج، ثم قال الحج يقع عن الآمر، يعني يقع عن وجه من وجه آخر. وقال الأكمل: ذهب الشارحون إلى أن الدليل غير مطابق للمدلول، قوله فهي أي حجة عن الجميع، ويضمن النفقة ودليله لأن الحج يقع عن الآمر، ولا مطابقة بينهما كما ترى، ثم نقل عن السغناقي أن هذا التعليل حكم غير مذكور. قلت: لا فائدة في ذكر تعليل بدون ذكر المعلل، وتحرير الكلام ما ذكرناه الآن، ثم نقل الأكمل خط الأترازي على الشراح من ثقة، ثم قال أقول بتوفيق الله في تقرير كلامه أي كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقع عن الآمر، على ظاهر الرواية حتى لا يخرج الحاج عن حجة الإسلام ولا يمكن إيقاعه عن الآمر وكيف يمكن! م: (وكل واحد منهما أمره أن يخلص الحج له من غير اشتراك، ولا يمكن إيقاعه عن أحدهما لعدم الأولوية) ش: يعني ليس أحدهما أولى من الآخر فلا يقع عنهما ولا عن أحدهما. م: (فيقع عن المأمور) ش: كلامه لا يخلو عن الإغلاق. م: (ولا يمكنه أن يجعله لأحدهما بعد ذلك) ش: هذا كأنه جواب عما يقال إذا وقع الحج للمأمور فيجعل عن أيهما شاء، كما إذا حج عن أبويه، فإن له أن يجعل عن أيهما شاء أي إن وقع لنفسه؛ لأنه لما لم يهل به على أولوية المأمور به وقع عن نفسه ولزمه الحج وضمن النفقة. م: (بخلاف ما إذا حج عن أبويه، فإن له أن يجعله عن أحدهما؛ لأنه متبرع بجعل ثواب عمله لأحدهما أو لهما، فيبقى على خياره بعد وقوعه سببا لثوابه) ش: كما كان قبله. م: (وهنا) ش: أي في المذكور في الصورة الأولى. م: (يفعل بحكم الآمر، وقد خالف أمرهما فيقع عنه) ش: بخلاف ما هناك؛ لأنه متبرع فيه لا بحكم الآمر فكذلك قيد بالآمر؛ لأنه إذا أدى العمرة عن رجلين أو عن أحدهما بلا أمر يصح؛ لأنه في الحقيقة جعل ثوابه للغير. م: (ويضمن النفقة إن أنفق من مالهما؛ لأنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 474 صرف نفقة الآمر إلى حج نفسه. وإن أبهم الإحرام بأن نوى عن أحدهما غير عين، فإن مضى على ذلك صار مخالفا لعدم الأولوية، وإن عين أحدهما قبل المضي. فكذلك عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو القياس؛ لأنه مأمور بالتعيين. والإبهام يخالفه فيقع عن نفسه، بخلاف ما إذا لم يعين حجة أو عمرة حيث كان له أن يعين ما شاء لأن الملتزم هناك مجهول، وهاهنا المجهول من له الحق. وجه الاستحسان أن الإحرام شرع وسيلة إلى الأفعال لا مقصودا بنفسه. والمبهم يصلح وسيلة بواسطة التعيين فاكتفى به شرطا   [البناية] صرف نفقة الآمر إلى حج نفسه) ش: فيضمن لتصرفه في المال في خلال الموضع الذي أمر بصرفه فيه. م: (فإن أبهم الإحرام بأن نوى عن أحدهما غير عين) ش: يعني من غير تعيين فلا يخلو عن أمرين إما أن لا يمضي على ذلك أو مضى. م: (فإن مضى على ذلك) ش: أي على الإبهام. م: (صار مخالفا لعدم الأولوية، وإن عين أحدهما قبل المضي. فكذلك عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو القياس) ش: أي قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو القياس. م: (لأنه مأمور بالتعيين) ش: من جهة كل منهما. م: (والإبهام يخالفه) ش: أي إبهامه عن أحدهما يصير مخالفًا. م: (فيقع عن نفسه) ش: كما إذا أمره رجلان كل منهما بشراء عبد هكذا فاشتراه لأحدهما غير معين يقع الشراء للمأمور، ثم إذا أراد أن يعين أحدهما، لا يصح فكذا هنا. م: (بخلاف ما إذا لم يعين حجة أو عمرة حيث كان له أن يعين ما شاء) ش: كان هذا جواب عما يقال إذا أحرم رجل على الإبهام من غير تعيين حجة ولا عمرة فإنه يصح أن يعين في الحجة والعمرة ما شاء، فلما لا يكون هاهنا كذلك. وأجاب بخلاف ما إذا.. إلى آخره، ثم بين الفرق بينهما بقوله. م: (لأن الملتزم هناك مجهول) ش: أي فيما إذا أبهم الإحرام مجهول ومن هم له الحق معلوم وجهالة الملتزم لا تمنع صحة الأداء كما إذا قال لفلان علي شيء لأحد يصح الإقرار، ويلزمه البيان ولو قال لأحدهما علي شيء لا يصح الإقرار لأن جهالة من له الحق تمنع صحة الإقرار. م: (وهاهنا) ش: يعني فيما إذا لم يعين حجة أو عمرة. م: (المجهول من له الحق) ش: وبينهما فرق. وقد ذكرناه الآن بخلاف ما إذا أحرم عن أحد أبويه حيث يصح، وإن كان من له الحق مجهولًا؛ لأن ذلك ليس بحكم الآمر ليراعي شرائط الإمساك. م: (وجه الاستحسان) ش: هو قول أبي حنيفة ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. م: (أن الإحرام شرع وسيلة إلى الأفعال) ش: يعني ليس بمقصود بنفسه، بل هو وسيلة يقصد به الأداء ولهذا لا يصح قبل أشهر الحج. م: (لا مقصودا) ش: أي ليس بشرع مقصود. م: (بنفسه والمبهم يصلح وسيلة بواسطة التعيين) ش: لأنه شرط فيراعى وجوده لا بصيغة التعيين كالوضوء للصلاة وإن لم يقع بها. م: (فاكتفى به) ش: أي بالإحرام المبهم. م: (شرطا) ش: أي من حيث الشرطية للأداء. فإن قيل: الإحرام بمنزلة التكبير في الصلاة وفيه جهة الركنية، فينبغي أن يكون بمنزلة الشروع في الأفعال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 475 بخلاف ما إذا أدى الأفعال على الإبهام؛ لأن المؤدي لا يحتمل التعيين فصار مخالفا. قال: فإن أمره غيره أن يقرن عنه فالدم على من أحرم؛ لأنه وجب شكرا لما وفقه الله تعالى من الجمع بين النسكين، والمأمور هو المختص بهذه النعمة؛ لأن حقيقة الفعل منه، وهذه المسألة تشهد بصحة المروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الحج يقع عن المأمور. وكذلك إن أمره واحد بأن يحج عنه، والآخر بأن يعتمر عنه، وأذنا له بالقران، فالدم عليه   [البناية] قلنا: هو بمنزلة الوضوء عندنا ولهذا يجوز أن يكون قبل أشهر الحج. م: (بخلاف ما إذا أدى الأفعال على الإبهام) ش: هذا متصل بقوله: فاكتفى به شرطا، يعني إذا أهل عن أحدهما، ثم عين أحدهما قبل المضي، صح تعيينه بخلاف ما إذا عين أحدهما بعد المضي، وهو قوله بخلاف ما إذا أدى الأفعال على الإبهام؛ لأنه إذا أدى ثم عين، فإنه يقع ابتداء، ثم التعيين يرد على ما مضى ويحمل، فلا يفيد شيئا، وهو معنى قوله. م: (لأن المؤدي لا يحتمل التعيين فصار مخالفا) ش: لأن ما مضى فات لا يعتمد التعيين كما ذكرنا. م: (فإن أمره غيره) ش: وفي بعض النسخ قال: فإن أمره غيره، أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فإن أمر رجل غيره. م: (أن يقرن) ش: بضم الراء من باب نصر ينصر مفرد له عنه. م: (فالدم) ش: أي الدم القران. م: (على من أحرم) ش: أي وهو القارن. م: (لأنه وجب شكرا لما وفقه الله تعالى من الجمع بين النسكين) ش: أي الحج والعمرة. م: (والمأمور هو المختص بهذه النعمة؛ لأن حقيقة الفعل منه) ش: ولكن يقع القران على الآمر. وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول وفي أصح قوليه يجب دم القران من الآمر لأن مقتضى إحرامه أمره به، وكأنه القارن بنفسه. م: (وهذه المسألة تشهد بصحة المروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الحج يقع عن المأمور) ش: لكون الدم عليه، وفيه نظر؛ لأن جميع الدماء في مال الحاج إلا دم الإحصار، فإنه في مال المحجوج عنه، وقيل: لا تدل هذه المسألة عليه؛ لأن سائر الأفعال من الرمي وغيره يوجد منه حقيقة، ويقع شرعًا عن الآمر، ووجوب هذا الدم من باب إقامة النسك وإقامة المناسك عليه حقيقة، وإن انتقل إلى الآمر حكمًا. م: (وكذلك إن أمره واحد) ش: أي وكذلك وجود الدم على المأمور إن أمره واحد. م: (بأن يحج عنه، والآخر) ش: أي وأمره شخص آخر. م: (أن يعتمر عنه، وأذنا له) ش: أي أذن الاثنان كلاهما. م: (بالقران، فالدم عليه) ش: أي على المأمور، وإنما قيد بالإذن؛ لأنه إذا لم يوجد الإذن منهما بالقران ومع هذا قران، يكون مخالفًا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فإن قيل: وجوب الدم عليه، لا يتوقف على إذنهما لما أنه على تقرير عدم الإذن يلزمه الدم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 476 لما قلنا. ودم الإحصار على الآمر، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: على الحاج؛ لأنه وجب للتحلل دفعا لضرر امتداد الإحرام، وهذا الضرر راجع إليه، فيكون الدم عليه، ولهما أن الآمر هو الذي أدخله في هذه العهدة فعليه خلاصه، فإن كان يحج عن ميت فأحصر، فالدم في مال الميت عندهما خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم قيل: هو من ثلث مال الميت؛ لأنه صلة كالزكاة وغيرها، وقيل من جميع المال؛ لأنه وجب حقا للمأمور، فصار دينا. ودم الجماع على الحاج؛ لأنه دم جناية وهو الجاني عن اختيار ويضمن النفقة، معناه: إذا جامع قبل الوقوف حتى فسد حجه؛ لأن الصحيح هو المأمور به   [البناية] أيضًا، ولأن القران أفضل، فكيف يكون مخالفًا. قلنا: فائدة التقييد بالإذن لدفع وهم وجوب الدم على الآمر كما قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح. م: (لما قلنا) ش: وهو أن المأمور مختص بهذه النعمة. [دم الإحصار يلزم الأصيل أم النائب في الحج] م: (ودم الإحصار على الآمر) ش: لأنه هو الذي أوقع فيه. م: (وهذا) ش: أي وجوب الدم على الآمر، عند إحصار المأمور. م: (عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: على الحاج؛ لأنه) ش: أي لأن الدم. م: (وجب للتحلل دفعا لضرر امتداد الإحرام، وهذا الضرر راجع إليه) ش: أي إلى الحاج. م: (فيكون الدم عليه) ش: أي على الحاج. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. م: (أن الآمر هو الذي أدخله في هذه العهدة فعليه خلاصه) ش: واعترض على قوله: أن الآمر هو الذي أدخله في هذه العهدة، بأن الآمر إذا أمر بالقران، فهو الذي أدخل المأمور في عهدة الدم، ولا يجب وعليه واجب، بأن دم القران نسك فيه، وقد وقع الآمر النفقة بمقابلة جميع ما كان من المناسك، وهو من جملتها، بخلاف دم الإحصار فإنه ليس بنسك، ولم يكن معلومًا عند الآمر أيضًا. م: (فإن كان يحج عن ميت) ش: أي فإن كان الرجل يحج عن ميت. م: (فأحصر، فالدم) ش: أي دم الإحصار. م: (في مال الميت عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. م: (خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده على الحاج. م: (ثم قيل: هو من ثلث مال الميت؛ لأنه صلة) ش: الصلة هي التي لا تكون في مقابلة عوض مالي. م: (كالزكاة وغيرها) ش: يعني النذور وغيرها من الكفارات فإنها من الثلث. م: (وقيل من جميع المال) ش: يعني وتجب من جميع مال الميت. م: (لأنه) ش: أي لأن الدم. م: (وجب حقا للمأمور) ش: يعني لإدخال الآمر في هذه العهدة دينًا على الميت والدين محل جميع المال. م: (فصار دينا) ش: على الآمر. [دم الجماع يلزم الأصيل أم النائب في الحج] م: (ودم الجماع على الحاج؛ لأنه دم جناية وهو الجاني) ش: أي الحاج هو الجاني. م: (عن اختيار ويضمن النفقة، معناه) ش: أي معنى قوله يضمن النفقة. م: (إذا جامع قبل الوقوف بعرفة حتى فسد حجه؛ لأن الصحيح) ش: أي لأن الحج الصحيح. م: (هو المأمور به) ش: وبه قال الشافعي - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 477 بخلاف ما إذا فاته الحج حيث لا يضمن النفقة لأنه ما فاته باختياره. أما إذا جامع بعد الوقوف لا يفسد حجه ولا يضمن النفقة لحصول مقصود الآمر. وعليه الدم في ماله لما بينا، وكذلك سائر دماء الكفارات على الحاج لما قلنا. ومن أوصى بأن يحج عنه فأحجوا عنه رجلا، فلما بلغ الكوفة مات أو سرقت نفقته وقد أنفق النصف   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم عليه المضي في هذه الحجة الفاسدة؛ لأنه لا يخرج عن إحرام الحج إلا بأفعال الحج لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] (البقرة: الآية 196) ، من غير فصل بين الجائز والفاسد وعليه الحج من قابل وليسقط الحج عن الميت حتى يحج المأمور في السنة الثانية على وجه الصحة قضاء للأول وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قضاء الحج في السنة الثانية قولان: أحدهما: أنه عليه الآمر. وأصحهما: أنه عن الأجير، فعلى هذا يلزمه حجة أخرى سوى القضاء للمستأجر، فيقضي عن نفسه ثم يحج عن المستأجر، ويلبث من حج عنه كذا في " شرح الوجيز ". م: (بخلاف ما إذا فاته الحج حيث لا يضمن النفقة لأنه ما فاته باختياره. أما إذا جامع بعد الوقوف لا يفسد حجه ولا يضمن النفقة لحصول مقصود الآمر. وعليه) ش: أي على المأمور. م: (الدم في ماله لما بينا) ش: وهو قوله لأنه دم جناية. م: (وكذلك) ش: أي وكذلك وجوب الدم في. م: (سائر دماء الكفارات على الحاج لما قلنا) ش: وهو أنه دم جناية ومن هذا علم أن الدماء ثلاثة أنواع: دم نسك كالقران والتمتع، ودم جناية كجزاء الصيد ونحوه، ودم مؤنة كدم الإحصار. [الوصية بالحج] م: (ومن أوصى بأن يحج عنه) ش: وفي بعض النسخ قال: ومن أوصى، أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " الوصية فيه خلاف، قال ابن المنذر - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأشراف ". قال محمد بن سيرين وحماد بن أبي سليمان، وداود بن أبي هند، وحميد الطويل، وعثمان البتي، ومالك، وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يحج عن الميت من ثلث ماله إذا أوصى. قلت: وهو قول أصحابنا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وهو قول ابن عباس وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ويكون من ماله إذا كان ثلثه يكفي. وقال الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعطاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - وطاوس - رَحِمَهُ اللَّهُ - والزهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإسحاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخرج من رأس ماله من غير وصية. لكن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: من ميقاته، وقال أحمد: من بلده أو من حيث أيسر هذا في الحج الفرض، وقال النخعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن أبي ذئب - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحج أحد عن أحد ذكره النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (فأحجوا عنه رجلا، فلما بلغ الكوفة مات) ش: إنما قال: بلغ الكوفة؛ لأن محمدًا وضع المسألة في الخراساني. م: (أو سرقت نفقته وقد أنفق النصف) ش: الواو فيه للحال وقيد النصف اتفاقي، حتى لو أنفق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 478 يحج عن الميت من منزله بثلث ما بقي. وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: يحج عنه من حيث مات الأول. فالكلام هاهنا في اعتبار الثلث، وفي مكان الحج. أما الأول فالمذكور قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. أما عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحج عنه بما بقي من المال المدفوع إليه إن بقي شيء وإلا بطلت الوصية اعتبارا بتعيين الموصي؛ إذ تعيين الوصي كتعيينه. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحج عنه بما بقي من الثلث الأول؛ لأنه هو المحل لنفاذ الوصية. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن قسمة   [البناية] الثلث أو السدس فالحكم كذلك. م: (يحج عن الميت من منزله بثلث ما بقي) ش: من المال الذي بقي. م: (وهذا) ش: أي هذا المذكور. م: (عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقالا: يحج عنه من حيث مات الأول) ش: وهو الذي أحجوا عنه. صورة المسألة رجل له أربعة آلاف درهم، أوصى بأن يحج عنه فمات، وكان مقدار الحج ألف درهم، فدفعها الوصي إلى من يحج عنه فتوفي في الطريق، قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يؤخذ ثلث ما بقي من التركة، وهو ألف درهم، فإن سرقت ثانيًا، يؤخذ ثلثه مرة أخرى هكذا. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يؤخذ ثلث ما بقي من ثلث جميع المال وهو ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث درهم. فإن سرقت ثانيًا لا يؤخذ مرة أخرى. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا سرقت الألف التي دفعها أولا بطلت الوصية، فإن بقي منها شيء يحج به لا غير؛ لأن تعيين الوصي كتعيين الموصي لكونه نائبًا عنه ولو أفردها الموصي ثم هلكت، بطلت الوصية فكذلك هذا، ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الوصية فعل يعادها بثلث الثلث. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن قسمة الوصي وعزله لا يصح إلا بالتسليم إلى الوجه الذي سماه الموصي؛ لأنه لا خصم له لينقبض ولم يوجد التسليم إلى ذلك الوجه فصار كما إذا هلك قبل الإفراز والعزل، وفي ذلك يحج من ثلث ما بقي فكذا في هذا. م: (فالكلام هاهنا) ش: في موضعين أحدهما. م: (في اعتبار الثلث) ش: والأخرى. م: (وفي مكان الحج) ش: ففي كل منهما اختلاف. م: (أما الأول) ش: أي الموضع الأول، وهو الذي فيه الوصية بالثلث. م: (فالمذكور) ش: وفيما قيل. م: (قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. أما عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحج عنه بما بقي من المال المدفوع إليه إن بقي شيء وإلا بطلت الوصية اعتبارا بتعيين الموصي؛ إذ تعيين الوصي كتعيينه) ش: أي كتعيين الوصي لأنه قام مقامه. م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحج عنه بما بقي من الثلث الأول) ش: مع ما بقي من المال المفرد. م: (لأنه) ش: أي لأن الثلث. م: (هو المحل لنفاذ الوصية. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن قسمة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 479 الوصي وعزله المال لا يصح إلا بالتسليم إلى الوجه الذي سماه الموصي؛ لأنه لا خصم له ليقبض، ولم يوجد التسليم إلى ذلك الوجه فصار كما إذا هلك قبل الإفراز والعزل، فيحج بثلث ما بقي. وأما الثاني فوجه قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو القياس، أن القدر الموجود من السفر قد بطل في حق أحكام الدنيا، قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث» الحديث، وتنفيذ الوصية من أحكام الدنيا   [البناية] الوصي، وعزله المال، لا يصح إلا بالتسليم إلى الوجه الذي سماه الموصي) ش: وهو الحج. م: (لأنه لا خصم له ليقبض، ولم يوجد التسليم إلى ذلك الوجه فصار كما إذا هلك قبل الإفراز والعزل، فيحج بثلث ما بقي) ش: وفي ذلك يحج من ثلث ما بقي فكذلك في هذا. م: (وأما الثاني) ش: أي وأما الكلام في الثاني وهو مكان الحج. م: (فوجه قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو القياس، أن القدر الموجود من السفر قد بطل في حق أحكام الدنيا) ش: استدل أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله. م: (قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ... » الحديث) ش: هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له» قوله الحديث يجوز بالنصب على تقدير إقرار الحديث بتمامه، ويجوز بالرفع أي الحديث بتمامه قوله عمله أراد عملًا ودخل فيه ولا يتمه، وإذا بطل عمله في أحكام الدنيا. م: (وتنفيذ الوصية من أحكام الدنيا) ش: وجب الاستئناف. ألا ترى أنه لو أحرم ثم مات ينقطع ذلك الإحرام حتى لا شيء عليه عندنا وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول شيء عليه. واعترض عليه بأن الحديث الذي استدل به أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظاهره متروك؛ لأنه يقتضي أن يكون غير هذه الثلاثة من الأعمال منقطعًا، وليس كذلك؛ لأنه يثاب عليها، وما هو كذلك لا يكون منقطعًا. أجيب: بأن الأعمال كلها على ثلاثة أنواع، أعمال عملها فمضت، وأعمال لم يشرع فيها فهي معدومة، وأعمال شرع فيها ولم يتمها. والطرفان لا يوصفان بالانقطاع. أما الأول: فلأن الماضي لا يتحمل الانقطاع، لكن يحتمل البطلان بما يحبط ثوابه. نعوذ بالله من ذلك. وكذلك الثاني؛ لأنه غير موجود وهذا لأن الانقطاع عبارة عن تفرق أجزائه والماضي بجميع أجزائه لا يتصور ذلك. وكذلك الذي لم يوجد بجميع أجزائه، فتعيين الذي شرع ولم يتمه تنفذ الوصية من أحكام الدنيا وهو ليس من الثلاث. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 480 فبقيت الوصية من وطنه كأن لم يوجد الخروج. وجه قولهما وهو الاستحسان أن سفره لم يبطل؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 100] الآية (النساء: الآية 100) وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من مات في طريق الحج، كتب له حجة مبرورة في كل سنة» . وإذا لم يبطل سفره اعتبرت الوصية من ذلك المكان. وأصل الاختلاف في الذي يحج بنفسه، وينبني على ذلك المأمور بالحج. قال: ومن أهل بحجة عن أبويه يجزئه أن يجعله عن أحدهما. لأن من حج عن غيره بغير إذنه فإنما يجعل ثواب حجه له، وذلك بعد أداء الحج فلغت نيته قبل أدائه   [البناية] م: (فبقيت الوصية من وطنه كأن لم يوجد الخروج. وجه قولهما) ش: أي قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. إنما أخر تعليلهما وقدم تعليل أبي يوسف، وكان يقتضي الحال العكس، يشير بذلك إلى أنه اختار قولهما استحسانًا. والمأخوذ في الثلث استحسانًا، ولهذا ذكر القياس أولًا، ثم قال: وهو الاستحسان أي قولهما. م: (وهو الاستحسان أن سفره لم يبطل؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 100] (النساء: الآية 100)) ش: الكلام في إعراب الآية مثل الكلام في قوله الحديث. م: (وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من مات في طريق الحج، كتب له حجة مبرورة في كل سنة» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ غريب. وروى الطبراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأوسط " وأبو يعلى الموصلي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مسنده " من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من خرج حاجًا فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة. ومن خرج معتمرًا فمات، كتب له أجر العمرة إلى يوم القيامة. ومن خرج غازيًا في سبيل الله فمات، كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة» . م: (وإذا لم يبطل سفره) ش: أي عمله. م: (اعتبرت الوصية من ذلك المكان) ش: لأن الثواب لم يبطل. م: (وأصل الاختلاف) ش: المذكور. م: (في الذي يحج بنفسه) ش: فمات في الطريق وأوصى بأن يحج عنه، فعند أبي حنيفة يحج من وطنه وعندهما من حيث مات فيه. م: (وينبني على ذلك) ش: أي ذلك الاختلاف. م: (المأمور بالحج) ش: إذا مات في بعض الطريق، فعنده يحج من وطنه وعندهما من موضع مات فيه. م: (قال: ومن أهل بحجة عن أبويه يجزئه أن يجعله عن أحدهما) ش: وذلك لأنه يجعل الثواب لأحدهما، وإنما يحصل الثواب بعد الأداء فنفلوا ميتة عنها قبل الأداء. فبعد ذلك، إذا جعل ثواب حجته لأحدهما جاز. م: (لأن من حج عن غيره بغير إذنه فإنما يجعل ثواب حجه له، وذلك) ش: أي جعل ثواب حجه له. م: (بعد أداء الحج فلغت نيته قبل أدائه) ش: لعدم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 481 وصح جعله ثوابه لأحدهما بعد الأداء، بخلاف فالمأمور على ما قررنا من قبل، والله تعالى أعلم بالصواب.   [البناية] الثواب قبل الأداء. م: (وصح جعله ثوابه لأحدهما بعد الأداء) ش: أي لأحد الأبوين، أي بعد الأداء، وكذا صح إذا جعل لهما جميعًا. م: (بخلاف المأمور) ش: أي بالحج إذا أهل بحجة عن أبويه حيث لا يجوز أن يجعل أحدهما لأنه بحكم الآمر. م: (على ما قررنا من قبل) ش: أي عند قوله ومن أمره رجلان أن يحج عن كل واحد منهما حجة. [الحاج عن الغير إذا نوى الإقامة بمكة لحاجة نفسه] 1 فروع: الحاج عن الغير إذا نوى الإقامة بمكة لحاجة نفسه لا لحج الميت إن أقام أقل من خمسة عشر يومًا، فهو مسافر بحاله ونفقته في مال الميت، وفي أكثر من ذلك من مال نفسه إذا وصل إلى مكة قبل الحج بيوم أو يومين، لم يذكر ما حاله. وفي " النوادر " عن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - لو أقام في أيام العشر فنفقته في مال الميت، قيل ذلك ينفق من مال نفسه إلى أن ترتحل أيام العشر لو أوصى بمال معين يبلغ ذلك حجا. فالموصي بالخيار إن شاء دفع كل سنة بحجة، وإن دفع إلى رجال في سنة، وهذا أفضل. ولو حج المأمور ماشيًا كان مخالفًا، ولو حج على حمار كره ذلك والبعير أفضل. ولو مرض المأمور في الطريق، لم يجز أن يدفع النفقة إلى غيره إلا بإذن الآمر. ولو ضاع المال قبل إحرامه يجوز لوصي الميت أو ورثته أن يستردوا المال منه ما لم يحرم. ولو أحرم حين أراد الأخذ منه فله أن يأخذه ويكون إحرامه عن الميت. فإن استرد فنفقته إلى بلده من مال الميت. وإن استرده بجناية ظهرت منه، فالنفقة في ماله لو استرد لجهالته بأمر المناسك أو لضعف رأي فيه فالنفقة في مال الميت. استأجر المأمور من مخدوم وهو محله ممن لا يخدم نفسه فأجره من مال الميت. وإلا فمن ماله. ولا بأس بخلط المأمور نفع نفقته مع الرفقة أمر بذلك الميت أم لا. ولو أنكر الموصي أو الورثة حجه، فالقول قوله مع يمينه إلا إذا كان للميت دين على إنسان. وقال: حج عني بهذا المال، فحج عنه بعد موته لا يصدق إلا ببينة ولو رجع عن الطريق وقال: منعت لم يصدق ويضمن جميع النفقة إلا إذا كان أمرًا ظاهرًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 482 باب الهدي الهدي أدناه شاة، لما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، «سئل عن الهدي، فقال: " أدناه شاة» قال: وهو من ثلاثة أنواع: الإبل والبقر والغنم؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لما جعل الشاة أدنى، لا بد أن يكون له أعلى وهو البقر والجزور. ولأن الهدي ما يهدى إلى الحرم ليتقرب به فيه. والأصناف الثلاثة سواء في هذا المعنى. ولا يجوز في الهدايا إلا ما يجوز في الضحايا   [البناية] [باب الهدي] [أنواع الهدي] م: (باب الهدي) ش: أي هذا باب في بيان الهدي، وأنواعه، ولما ذكر الهدي في كتاب الحج في مواضع كثيرة، من وجوه كثيرة، من نسك وجزاء ومؤنة، شرع في بيانه مع أنواعه. وفي " ديوان الأدب "، الهدي ما يهدى للبيت، والهدي ما يهدى إلى الحرم من النعم من شاة أو بقرة أو بعير. وفي المشارق وأهل الحجاز [ ..... ] . م: (الهدي أدناه شاة، لما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سئل عن الهدي، فقال: " أدناه شاة» ش: قال مخرج الأحاديث: هذا غريب، ولم أجده إلا من كلام عطاء. رواه البيهقي في " المعرفة " من طريق الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج أن عطاء قال: أدنى ما يهراق من الدماء في الحج، وغيره شاة. وقد ذكر الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الحديث المذكور وسكت عنه. م: (وهو) ش: أي الهدي. م: (من ثلاثة أنواع: الإبل والبقر والغنم؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لما جعل الشاة أدنى، لا بد أن يكون له أعلى وهو البقر والجزور) ش: وفيه تأمل في موضعين: الأول قوله جعل الشاة أدنى، فالحديث الذي ذكره، لم يثبت عنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فضلًا أن يجعل أدناه شاة، والثاني قوله لا بد أن يكون له أعلى فيه ما فيه؛ لأن كون الأعلى من هذين الصنفين من أين يؤخذ؟ والأحسن أن تؤخذ هذه الثلاثة من حديث البخاري عن ابن حمزة نصر بن عمران الضبعي، قال سألت ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن المتعة وأمرني بها، وسألته عن الهدي فقال: فيه جزور أو بقرة أو شاة ... الحديث. م: (ولأن الهدي ما يهدى إلى الحرم ليتقرب به فيه) ش: أي بالهدي في الحرم. م: (والأصناف الثلاثة سواء في هذا المعنى) ش: أي في معنى التقرب، وقيل في معنى الإهداء في الحرم. م: (ولا يجوز في الهدايا إلا ما يجوز في الضحايا) ش: يعني يجوز الثني فصاعدًا من الأنواع الثلاثة. ولا يجوز الجذع إلا من الضأن، ويشترط أن يكون سالمًا من العيب كما في الأضحية والجذع من البهائم قبل الثني. والثني من الغنم ما تمت له سنة وطعن في الثانية، ومن البقر ما طعن في الثالثة، ومن الإبل ما طعن في السادسة، والجذع من الضأن ما طعن في الشهر السابع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 483 لأنه قربة تعلقت بإراقة الدم، كالأضحية فيتخصصان بمحل واحد. والشاة جائزة في كل شيء إلا في موضعين: من طاف طواف الزيارة جنبا، ومن جامع بعد الوقوف بعرفة فإنه لا يجوز فيهما إلا بدنة. وقد بينا المعنى فيما سبق. ويجوز الأكل من هدي التطوع والمتعة والقران؛ لأنه دم نسك، فيجوز الأكل منها بمنزلة الأضحية، وقد صح: أن «النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أكل من لحم هديه وحسا من المرقة.» ويستحب له أن يأكل منها لما روينا. وكذا يستحب أن يتصدق على الوجه الذي عرف في الضحايا. ولا يجوز الأكل من بقية الهدايا؛ لأنها دماء كفارات   [البناية] وقال الزهري: لا يجوز الجذع من الضأن، وعن الأوزاعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجزئ الجذع من الجميع، وعن أنس والحسن بن أبي الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجزئ الجذع من الإبل عن ثلاثة، وعن عطاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عن سبعة. م: (لأنه) ش: أي لأن الهدي. م: (قربة تعلقت بإراقة الدم، كالأضحية فيتخصصان) ش: أي الهدي والأضحية. م: (بمحل واحد) ش: وفي بعض النسخ بمكان واحد، يعني يقعان موقعًا واحدًا، وينزلان منزلا واحدا، أي حكمًا واحدا يجوز هنا ما يجوز هناك ولا يجوز هنا ما لا يجوز ثمة؛ لأن كلًا منهما لزمه إراقة الدم. م: (والشاة جائزة في كل شيء إلا في موضعين: من طاف طواف الزيارة جنبا، ومن جامع بعد الوقوف بعرفة، فإنه لا يجوز فيهما إلا بدنة. وقد بينا المعنى فيما سبق) ش: أي في الفصل الأول والثاني في باب الجنايات. [الأكل من هدي التطوع والمتعة والقران] م: (ويجوز الأكل من هدي التطوع والمتعة والقران؛ لأنه دم نسك، فيجوز الأكل منها بمنزلة الأضحية) ش: وبه قال عطاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " المبسوط " ويستحب الأكل. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يأكل من فدية الأذى وجزاء الصيد وما نذره للمساكين ويأكل مما سواه. وقال الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يأكل من الجميع. رواه سعيد بن منصور - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يأكل من هدي التطوع لا غير. م: (وقد صح: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكل من لحم هديه وحسا من المرقة) ش: صح هذا في حديث جابر - رَحِمَهُ اللَّهُ - الطويل الذي رواه مسلم وغيره أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر، فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها يعني عليًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قوله حسا» بالحاء والسين المهملتين من حسوت المرق حسوًا إذا شربه. م: (ويستحب له أن يأكل منها) ش: أنث الضمير لإرادة الهدايا أي من هدي التطوع وهدي المتعة والقران جعلهما واحدا. م: (لما روينا) ش: وهو قوله وقد صح ... إلخ. [الصدقة من هدي التطوع والمتعة والقران] م: (وكذا يستحب أن يتصدق على الوجه الذي عرف في الضحايا) ش: يعني يتصدق بالثلث ويطعم الثلث ويدخر الثلث. م: (ولا يجوز الأكل من بقية الهدايا؛ لأنها دماء كفارات) ش: مثل دماء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 484 وقد صح «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لما أحصر بالحديبية وبعث الهدايا على يد ناجية الأسلمي قال له: " لا تأكل أنت ورفقتك منها شيئا» .   [البناية] الكفارات والنذور، وهدي الإحصار وهدي التطوع إذا لم يبلغ محله. أما إذا بلغ التطوع محله، فيجوز منه الأكل، والمراد من هدي التطوع في المتن في قوله، ويجوز الأكل من هدي التطوع هو الذي بلغ محله لأنها دماء كفارات. م: (وقد صح " أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أحصر بالحديبية وبعث الهدايا على يدي ناجية الأسلمي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال له: «لا تأكل أنت ورفقتك منها شيئا» . ش: روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة من حديث ناجية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وليس فيه قوله: لا تأكل أنت ورفقتك منها شيئا. وهو في أحاديث أخرى منها ما رواه مسلم وابن ماجه عن قتادة عن سنان بن سلمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن ذؤيبا الخزاعي أبا قبيصة حدثه «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يبعث بالبدن معه، ثم يقول " إن عطبت منها شيئًا فخشيت عليه موتًا فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها ثم اضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك» . ومنها ما أخرجه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مسنده " والطبراني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في معجمه عن شريك عن ليث عن شهر بن حوشب عن عمرو بن خارجة اليماني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال «بعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معي هديًا وقال: " إذا عطبت منها شيئًا فانحره، ثم اضرب نعله في دمه، ثم اضرب صفحته ولا تأكلها أنت ولا أهل رفقتك وخل بينه وبين الناس» . وزاد فيه الطبراني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بهدي تطوع، وقال أبو عمر بن عبد البر - رَحِمَهُ اللَّهُ - في إسناد عمرو اليماني - رَحِمَهُ اللَّهُ - روى عنه شهر بن حوشب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعث معي رسول الله بهدي تطوعًا، فقال: «إن عطب منه شيء فانحره ثم اصبغ نعله في دمه، ثم اضرب به على صفحته، وخل بينه وبين الناس» . كذا ذكره أبو عمر بغير [ .... ] ، ولم يزد على قول عمرو اليماني - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذكره الذهبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تجريد الصحابة. وقال عمرو اليماني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - روى عنه شهر بن حوشب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثه بهدي» ولم يزد على هذا شيئا. ومنها ما رواه مسلم وأبو داود والنسائي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - من رواية أبي التياح الضبعي عن موسى بن سلمة الهذلي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «قال بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بست عشرة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 485 ولا يجوز ذبح هدي التطوع والمتعة والقران إلا في يوم النحر. قال: وفي الأصل: يجوز ذبح دم التطوع قبل يوم النحر، وذبحه يوم النحر أفضل. وهذا هو الصحيح؛ لأن القربة في التطوعات باعتبار أنها هدايا، وذلك يتحقق بتبليغها إلى الحرم فإذا وجد ذلك جاز ذبحها في غير يوم النحر، وفي أيام النحر أفضل؛ لأن معنى القربة في إراقة الدم فيها أظهر.   [البناية] بدنة مع رجل وأمره فيها، قال فمضى ثم رجع، فقال يا رسول الله كيف أصنع بما أبدع علي منها؟ قال: " انحرها ثم اصبغ نعليها في دمها، ثم اجعله على صفحتها ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك» ، هذا لفظ مسلم. وفي رواية له، بعث ثماني عشرة بدنة مع رجل، وهذا رواه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - «قال: بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلانًا الأسلمي، وبعث معه بهدي ثماني عشرة بدنة» وناجية بالنون والجيم المكسورة، ابن جندب بن عمير الأسلمي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - معدود في أهل الحجاز بما في أهل المدينة، وذكر ابن عفير أن اسمه كان ذكوان فسماه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناجية، والتاء فيه للمبالغة، مات بالمدينة في خلافة معاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [مكان ووقت ذبح الهدي] م: (ولا يجوز ذبح هدي التطوع والمتعة والقران إلا في يوم النحر) ش: ذكر في " شرح الأقطع ". قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا أحرم جاز الذبح، ولنا في هدي المتعة والقران قَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] (الحج: الآية: 28) عطف، ولا قضاء التفث على الأكل من بهيمة الأنعام التي نحروها، وقضاء التفث مختص بيوم النحر فيكون النحر كذلك، واعترض بأن ثم للتراخي فربما يكون الذبح قبل يوم النحر. وقضاء التفث فيه واجب، وأجيب بأن موجب ثم في التراخي يتحقق بالتأخير ساعة، فلو جاز الذبح بقتل يوم النحر، جاز قضاء التفث بعده بساعة وليس كذلك. والبائس الذي يناله بأس أي شدة في الفقر والتفث الأخذ من الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة والأخذ من الشعر كأنه الخروج من الإحرام إلى الإحلال. [ذبح دم التطوع قبل يوم النحر] م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وفي الأصل) ش: أي في المبسوط. م: (يجوز ذبح دم التطوع قبل يوم النحر) ش: لأن القربة في هدي التطوع بوصوله إلى الحرم فلا يشترط الزمان. م: (وذبحه) ش: أي ذبح دم التطوع. م: (يوم النحر أفضل. وهذا هو الصحيح؛ لأن القربة في التطوعات باعتبار أنها هدايا، وذلك يتحقق بتبليغها إلى الحرم. فإذا وجد ذلك) ش: أي تبليغ الهدايا إلى الحرم. م: (جاز ذبحها في غير يوم النحر، وفي أيام النحر أفضل؛ لأن معنى القربة في إراقة الدم فيها) ش: أي في أيام النحر. م: (أظهر) ش: لأنها خصت بالهدايا والضحايا، والأخص منها الهدايا فيكون لها زيادة شرف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 486 أما دم المتعة والقران فلقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] (الحج: الآية 28) ، وقضاء التفث يختص بيوم النحر، ولأنه دم نسك فيختص بيوم النحر كالأضحية. ويجوز ذبح بقية الهدايا في أي وقت شاء. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز إلا في أيام النحر اعتبارا بدم المتعة والقران؛ فإن كل واحد منهما دم جبر عنده. ولنا أن هذه دماء كفارات فلا تختص بيوم النحر؛ لأنها لما وجبت لجبر النقصان كان التعجيل بها أولى لارتفاع النقصان به من غير تأخير، بخلاف دم المتعة والقران؛ لأنه دم نسك. قال: ولا يجوز ذبح الهدايا إلا في الحرم لِقَوْلِهِ تَعَالَى في جزاء الصيد: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] (المائدة: الآية 95) ، فصار أصلا في كل دم هو كفارة   [البناية] م: (أما دم المتعة والقران فلقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] (الحج: الآية 28) ، وقضاء التفث يختص بيوم النحر) ش: وجه الاستدلال بهذه الآية قد ذكره آنفًا وما فيها من المعنى. م: (ولأنه) ش: أي ولأن دم المتعة والقران. م: (دم نسك) ش: أي قربة. م: (فيختص بيوم النحر) ش: حتى حل التناول منه. م: (كالأضحية، ويجوز ذبح بقية الهدايا في أي وقت شاء. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز إلا في أيام النحر اعتبارا بدم المتعة والقران؛ فإن كل واحد منهما) ش: أي من دم المتعة ودم القران. م: (دم جبر عنده) ش: هذا مخالف لما ذكره في كتبهم. فإنه ذكر في " الوجيز " وشرحه و" التتمة " وغيرها، أن الدم الواجب في الإحرام إما لارتكاب محظور أو جزاء ترك مأمور ولا يختص بزمان، فيجوز في يوم النحر وغيره، وإنما الضحايا هي التي تختص بالحرم وأيام التشريق. وفي " شرح المجمع " مذهب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن لا يختص بيوم النحر والضحايا والهدايا والدماء، وفي وقت ذبح الهدي وجهان، الصحيح أنه يختص بيوم النحر، كالأضحية، والثاني لا يختص بزمان كدماء الجبر، وقد ذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الخلاف معه في بقية الهدايا. والصحيح من مذهبه ما ذكرناه أن دماء الجبر أن لا يختص بيوم النحر. م: (ولنا أن هذه) ش: أي بقية الهدايا. م: (دماء كفارات فلا تختص بيوم النحر؛ لأنها لما وجبت لجبر النقصان كان التعجيل بها أولى لارتفاع النقصان به من غير تأخير، بخلاف دم المتعة والقران؛ لأنه دم نسك) ش: أي قربة. م: (قال: ولا يجوز ذبح الهدايا إلا في الحرم) ش: وفي بعض النسخ قال: ولا يجوز، أي قال القدوري، ولا يجوز ذبح الهدايا إلا في الحرم، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح. وقال في القديم [ .... ] في الحل يجوز ذبحه في الحل، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما يجب من الفدية بالإحرام لا يختص بمكان كما لا يختص بزمان. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى في جزاء الصيد: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] (المائدة: الآية 95) ، فصار ذلك) ش: أي جزاء الصيد. م: (أصلا في كل دم هو كفارة) ش: إذ لا فرق بين الكفارات ولا تفاوت في معنى الجزاء والزجر، وإذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 487 ولأن الهدي اسم لما يهدى إلى مكان ومكانه الحرم. قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «منى كلها منحر، وفجاج مكة كلها منحر» . ويجوز أن يتصدق بها على مساكين الحرم وغيرهم خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الصدقة قربة معقولة، والصدقة على كل فقير قربة. قال: ولا يجب التعريف بالهدايا؛ لأن الهدي ينبئ عن النقل إلى مكان ليتقرب بإراقة دم فيه   [البناية] وجب وجوب التبليغ في البعض بالنص وجب في غيره بدلالة النص. م: (ولأن الهدي اسم لما يهدى إلى مكان ومكانه الحرم. قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «منى كلها منحر، وفجاج مكة كلها منحر» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه عن أسامة بن زيد الليثي عن عطاء بن أبي رباح عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل عرفة موقف وكل منى منحر وكل المزدلفة موقف، وكل فجاج مكة طريق ومنحر» . وأخرجه أبو داود أيضًا من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «فطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون، وكل عرفة موقف وكل فجاج مكة منحر وكل جمع موقف» . هذا رواه محمد بن المنكدر عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال ابن معين: محمد بن المنكدر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يسمع من أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال أبو زرعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يلق أبا هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قوله منحر بفتح الميم اسم المكان الذي ينحر فيه الهدايا. وفجاج جمع فج، وهو الطريق الواسع بين الجبلين. وهذا من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيان الحكم لا الحقيقة. م: (ويجوز أن يتصدق بها على مساكين الحرم وغيرهم) ش: أي وغير مساكين الحرم. م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده يجب صرفها على مساكين الحرم لأن المقصود التوسعة على فقراء مكة حتى لو فرق القارن على دخول مكة لحمها على غير مساكين الحرم لا يجوز. م: (لأن الصدقة قربة معقولة) ش: لأنها لسد خلة المحتاج. م: (والصدقة على كل فقير قربة) ش: فلا يختص بها فقير لأن التصدق قربة في كل مكان، فلا يختص مكان بخلاف الإراقة، فإنه لا يكون إلا في مكان مخصوص أو زمان مخصوص. م: (ولا يجب التعريف بالهدايا) ش: وفي بعض النسخ قال: ولا يجب التعريف بالهدايا، أي قال القدوري: ولا يجب الإتيان بالهدايا إلى عرفات، وللتعريف معاد التنبه بأهل عرفة، والذهاب بالهدايا إلى عرفات والوقوف بها، فتعريف الهدايا إعلامها بعلامة مثل التقليد والإشعار، والكل ليس بواجب لقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: تعرف وإن شئت فلا. م: (لأن الهدي ينبئ عن النقل إلى مكان ليتقرب بإراقة دم فيه) ش: أي في ذلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 488 لا عن التعريف فلا يجب. فإن عرف بهدي المتعة فحسن؛ لأنه يتوقت بيوم النحر، فعسى أن لا يجد من يمسكه، فيحتاج إلى أن يعرف به، ولأنه دم نسك، فيكون مبناه على التشهير بخلاف دماء الكفارات؛ لأنه يجوز ذبحها قبل يوم النحر على ما ذكرنا. وسببها الجناية، فيليق بها الستر. قال: والأفضل في البدن النحر وفي البقر والغنم الذبح؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] (الكوثر: الآية 2) ، قيل في تأويله: الجزور. وقال الله تعالى: {أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] (البقرة: الآية 67) .   [البناية] المكان وهو الحرم. م: (لا عن التعريف) ش: يعني لا ينبئ على التعريف. م: (فلا يجب) ش: لعدم معنى التعريف فيه. م: (فإن عرف بهدي المتعة) ش: يريد به إخراجه إلى عرفات. م: (فحسن) ش: لأن فيه زيادة اشتهار دون السنة في الواجبات الإشهار، ولهذا ليس رفع الصوت بالتلبية. م: (لأنه) ش: أي لأن هدي المتعة. م: (يتوقت بيوم النحر) ش: يعني لا يحل من مكة أي هديه. م: (فعسى أن لا يجد من يمسكه، فيحتاج إلى أن يعرف به) ش: أي إلى أن يأخذه معه إلى عرفات. م: (ولأنه دم نسك) ش: أي ولأن الهدي المتعة قربة. م: (فيكون مبناه على التشهير) ش: لما ذكرنا أن السنة في الواجبات الإشهار. م: (بخلاف دماء الكفارات؛ لأنه يجوز ذبحها قبل يوم النحر على ما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله لأنها وجبت لجبر النقصان، كان التعجيل بها أولى لارتفاع النقصان به. م: (وسببها) ش: أي وسبب دماء الكفارة. م: (الجناية، فيليق بها الستر) ش: لأن الجناية نوع معصية فالستر فيها أحسن. [الأفضل في ذبح البدن والبقر والغنم في الهدي] م: (قال: والأفضل في البدن النحر، وفي البقر والغنم الذبح) ش: الذي هو قطع الأوداج، وعن الليث الذبح قطع الحلقوم من باطن عند التفصيل وهو أظهر وأسلم، قاله في " المغرب ". والنحر في اللبة مثل الذبح في الحلق. اللبة المنحر هو الصدر والنحر هو الوضع الذي ينحر فيه الهدي. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] (الكوثر: الآية 2)) هذا دليل لقوله: والأفضل في البدن النحر. م: (قيل في تأويله) ش: أي في تأويل قوله وانحر. م: (الجزور) ش: أي نحر الجزور والبعير ذكرًا كان أو أنثى، إلا أن اللفظة يريد بقوله هي الجزور، وإن أردت ذكرًا والجمع جزور أو جزائر، وإنما قال قيل في تأويله بصيغة المجهول؛ لأنه ورد فيه معان كثيرة، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - معنى انحر ضع يدك على نحرك في الصلاة. وعن بعض الصحابة وجه نحرك إلى القبلة، وعن عطاء أمر أن يستوي بين السجدتين جالسًا حتى يبدو غيره، وقيل انحر هواك ونفسك وشيطانك في الصلاة. م: (وقال الله تعالى: {أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] (البقرة: الآية 67)) ش: هذا دليل لقوله وفي البقر والغنم الذبح وذكر هذا الدليل لذبح البقر، وذكر الدليل لذبح الغنم بقوله. م: (وقال الله تعالى: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 489 وقال الله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] (الصافات: الآية 107) ، والذبح ما أعد للذبح، وقد صح «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحر الإبل وذبح البقر والغنم» ثم إن شاء نحر الإبل في الهدايا قياما أو أضجعها، وأي ذلك فعل فهو حسن، والأفضل أن ينحرها قياما لما روينا: «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نحر الهدايا قياما» . وأصحابه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا ينحرونها   [البناية] {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] ش: (الصافات: الآية 107) وجه الاستدلال به أن الله لما أمر إبراهيم بذبح ولده إسماعيل، ورأى منهما الصدق والامتثال لأمره من عليهما بقوله: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] (الصافات: الآية: 107) ، وكان كبشا من الجنة. م: (والذبح) ش: بكسر الذال. م: (ما أعد للذبح) ش: فعلم منه أن الغنم تذبح. م: (وقد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحر الإبل وذبح البقر والغنم) ش: ذكر هنا إذا صح «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه نحر الإبل وذبح البقر والغنم، أما نحر الإبل فقد صح في حديث جابر الطويل، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثة وستين بدنة، ثم أعطى عليًا - رضي الله عنه - فنحر ما غير» وأما ذبح البقر فقد ذكر مخرج الأحاديث حديث البخاري ومسلم «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر، فقلت ما هذا، قالوا ذبح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أزواجه» . قلت: هذا لا يدل قطعًا أنه ذبح البقرة بيده الكريمة يومئذ؛ لأنه يحتمل قطعًا أن يكون أمر بذبحها، بل الظاهر هذا، كما يقال: بنى الأمير هذا القصر، معناه أنه هو الذي أمر ببنائه، وأما ذبح الغنم فأخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال «ضحى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكبشين أملحين فرأيته واضعًا قدميه على صفاحهما يسمي ويكبر فذبحهما بيده اليمنى» ولم أر أحدًا من شراح " الهداية " حرر هذا الموضع كما ينبغي، بل منهم من قال: هذا ظاهر، قلت: ليت شعري من أين هذا الظهور. [كيفية ذبح الهدي] م: (ثم إن شاء نحر الإبل في الهدايا قياما) ش: الهدايا جمع هدية، صفة الإبل وقيامًا حال من الإبل بمعنى قائمات، لما روى البخاري عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحر بيده سبع بدن قيامًا» . م: (أو أضجعها) ش: أي أناخها وأبركها لما روي أن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كان ينحر بدنة قائمًا وربما ينحرها باركة. م: (وأي ذلك فعل فهو حسن) ش: أي الأمرين من الاضطجاع والقيام فعل حسن لما ذكرنا وفعل ذلك أيضًا من الصحابة. م: (والأفضل أن ينحرها قياما «لما روي: أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحر الهدايا قيامًا» ش: الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن أنس. «قال: صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظهر بالمدينة أربعًا ونحن معه إلى أن قال: ونحر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبع بدنات قيامًا» مختصر. م: (وأصحابه - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - كانوا ينحرونها قياما معقولة اليد اليسرى) ش: هذا رواه أبو داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر، أخبرني عبد الرحمن بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 490 قياما معقولة اليد اليسرى، ولا يذبح البقر والغنم قياما؛ لأن في حالة الاضطجاع الذبح أبين، فيكون الذبح أيسر، والذبح هو السنة فيهما. قال: والأولى أن يتولى ذبحها بنفسه إذا كان يحسن ذلك؛ لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ساق مائة بدنة في حجة الوداع فنحر نيفا وستين بنفسه، وولى الباقي عليا،» ولأنه قربة والتولي في القربات أولى لما فيه من زيادة الخشوع، إلا أن الإنسان قد لا يهتدي لذلك ولا يحسنه، فجوزنا تولية غيره.   [البناية] سابط أن أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانوا ينحرون البدنة معقولة اليد اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها قيل هذا مرسل ليس بصحيح، فإن المخبر عن عبد الرحمن بن سابط هو ابن جريج - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والحديث من مسند جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كما ذكره أصحاب الأطراف، واعترض على المصنف بأنه لو استدل على عقل يدها اليسرى بعقل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لكان أولى من أن يستدل عليه بعقل الصحابة، قلت: هذا اعتراض باطل؛ لأن المصنف لم يذكر ذلك حتى يستدل، وعقل اليد لما يذكره المصنف إلا من تمام الحديث. م: (ولا يذبح البقر والغنم قياما؛ لأن في حالة الاضطجاع الذبح أبين) ش: أي موضع الذبح المحصر بخلاف ما إذا كانت قيامًا. م: (فيكون الذبح) ش: في حالة الاضطجاع. م: (أيسر، والذبح هو السنة فيهما) ش: أي في البقر والغنم والواو فيه للحال. م: (قال: والأولى أن يتولى الذبح بنفسه إذا كان يحسن ذلك) ش: أي الذبح. م: (لما «روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ساق مائة بدنة في حجة الوداع فنحر نيفا وستين بنفسه، وولى الباقي عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» -) ش: صح هذا الحديث من حديث جابر الطويل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ساق مائة بدنة في حجة الوداع، إلى المنحر فنحر ثلاثة وستين بيده ثم أعطى عليًا، فنحر ما غبر» وقد ذكرناه. م: (ولأنه) ش: أي ولأن ذبح الهدي. م: (قربة) ش: أي يقرب إلى الله تعالى. م: (والتولي) ش: أي بنفسه. م: (في القربات أولى لما فيه من زيادة الخشوع) ش: لأن الشخص إذا تولى حاجة بنفسه يدل على تواضعه ومسكنته. م: (إلا أن الإنسان) ش: استثناه من قوله: والتولي. م: (قد لا يهتدي لذلك) ش: أي للذبح بنفسه. م: (ولا يحسنه) ش: أي الذبح. م: (فجوزنا تولية غيره) ش: لأنه إذا لم يحسن ربما يعذب الحيوان ويجعله ميتة. وقد قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكره أن يتولى ذلك غيره إلا عند العجز، واستحب الجمهور استقبال القبلة بها، وكان ابن عمر وابن سيرين - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 491 قال: ويتصدق بجلالها وخطامها ولا يعطي أجرة الجزار منها قال: «لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " تصدق بجلالها وبخطامها، ولا يعطي أجرة الجزار منها» . ومن ساق بدنة فاضطر إلى ركوبها ركبها، وإن استغنى عن ذلك لم يركبها لأنه جعلها خالصة لله تعالى، فما ينبغي أن يصرف شيئا من عينها أو منافعها إلى نفسه، إلى أن يبلغ محله، إلا أن يحتاج إلى ركوبها، لما روي «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رأى رجلا يسوق بدنة، فقال: " اركبها ويلك» ، وتأويله أنه إن كان عاجزا محتاجا، ولو ركبها فانتقص بركوبه فعليه ضمان ما نقص من ذلك وإن كان لها لبن لم   [البناية] - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يكرهان ما ليس يستقبل به القبلة ولو استناب يهوديًا أو نصرانيًا يجوز، ولكنه يكره، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقع قربة. م: (ويتصدق بجلالها) ش: وفي بعض النسخ قال ويتصدق، أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويتصدق بجلها وهو جمع جل وهو ما يلبس على الدابة. م: (وخطامها) ش: بكسر الخاء المعجمة وهو الزمام، وهو ما يجعل في عنق البعير. م: (ولا يعطي أجرة الجزار منها) ش: أي من الهدايا. هذا الحديث رواه الجماعة إلا الترمذي من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أقوم على بدنة، وأقسم جلالها وجلودها وأمرني أن لا أعطي الجزار منها شيئًا» ويجوز أن يتصدق على الجزار منها شيئا سوى أجرته عند الأكثر وإن أعطى شيئا منها [ .... ] ؛ لأنه إتلاف أو معاوضة. [ركوب الهدي] م: (ومن ساق بدنة فاضطر إلى ركوبها ركبها، وإن استغنى عن ذلك لم يركبها) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن المنذر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال عروة ومالك وأحمد وإسحاق وداود - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - جميعًا -: يركبها من غير ضرورة. وقال الماوردي من الشافعية يركبها من غير حاجة إلا أنه يهزلها الركوب، ومن هذا حمل متاعه عليها عند الحاجة وأوجب بعضهم ركوبها. وتلك في الثانية أو الثالثة. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (لأنه جعلها خالصة لله تعالى، فلا ينبغي أن يصرف شيئا من عينها أو منافعها إلى نفسه، إلى أن يبلغ محله، إلا أن يحتاج إلى ركوبها، «لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلا يسوق بدنة، فقال: " اركبها ويلك ") » ش: هو حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كما ذكرناه الآن قوله ويلك، هنا كلمة ترحم ولهذا جاء في رواية ويحك، ومعناه اركبها لئلا يفضي مشيك إلى الهلاك. م: (وتأويله) ش: أي تأويل الحديث المذكور. م: (أنه إن كان عاجزا محتاجا) ش: إلى الركوب وليس معه ما يكره. م: (ولو ركبها فانتقص بركوبه فعليه ضمان ما نقص من ذلك) ش: أي من ركوبه ويتصدق به على الفقراء، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن انتفاع الأغنياء بها تعلق ببلوغها المحل، فإذا لم يبلغ، وجب التصدق على الفقراء. م: (وإن كان لها لبن لم يحلبها لأن اللبن متولد منها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 492 يحلبها؛ لأن اللبن متولد منها، فلا يصرفه إلى حاجة نفسه، وينضح ضرعها بالماء البارد حتى ينقطع اللبن. ولكن هذا إذا كان قريبا من وقت الذبح، فإن كان بعيدا منه يحلبها ويتصدق بلبنها كي لا يضر ذلك بها. وإن صرفه إلى حاجة نفسه تصدق بمثله أو بقيمته؛ لأنه مضمون عليه. ومن ساق هديا فعطب، فإن كان تطوعا فليس عليه غيره؛ لأن القربة تعلقت بهذا المحل وقد فات، وإن كان عن واجب فعليه أن يقيم غيره مقامه؛ لأن الواجب باق في ذمته   [البناية] فلا يصرفه إلى حاجة نفسه) ش: وبه قال الشافعي وفي منعهم إلا أن يفضل عن روي الولد أو يموت الولد، فحينئذ له أن يحلبها لأن ترك الحلب يضر بها. م: (وينضح) ش: أي ترش من باب ضرب. م: (ضرعها بالماء البارد حتى ينقطع اللبن) ش: وجوز الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - شرب لبنها بعد كفاية فصلها. وفي " شرح النووي " لبن الهدي المنذور يجوز شربه عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أنه قد زال ملكه للفقراء، ولا يجوز بيعه بلا خلاف عندهم، وفي " الإمام " روى ابن أبي العوام الحافظ - رَحِمَهُ اللَّهُ - في فضائل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - من جهة إسحاق بن أبي إسرائيل، قال حدثنا يحيى بن اليماني، قال حدثنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عمار عن إبراهيم - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: إذا در اللبن من البدنة، فإذا نفحه بالماء لما يتقلص، وإن جز وبرها أو صوفها تصدق به أو بقيمته إن استهلكه. وفي " المبسوط " يتصدق بولد الهدي أو بذبحه معها، فإن باعه تصدق بثمنه، ويسري حكم الهدي إلى أولادها، وعليه الأئمة. وقال أشهب: إذا باع ولد الهدي، فعليه بدله كبير. وقال ابن القاسم - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن نحره في الطريق، أبدله ببعير في مناخ البدنة لا ينفره، وفساد هذين القولين لا يحتاج إلى بيان. م: (ولكن هذا إذا كان قريبا من وقت الذبح) ش: هذا إشارة إلى قوله لم يحلبها. م: (فإن كان بعيدا منه) ش: أي من وقت الحج. م: (يحلبها ويتصدق بلبنها كي لا يضر ذلك) ش: أي عدم الحلب. م: (بها) ش: أي بهدي البدنة. م: (وإن صرفه إلى حاجة نفسه تصدق بمثله) ش: لأنه من ذوات الأمثال. م: (أو بقيمته) ش: أي أو يتصدق بقيمته؛ لأن دفع القيمة في حقوق الله تعالى جائزة. م: (لأنه مضمون عليه) ش: أي لأن اللبن مضمون على نفسه لأنه جزء من أجزاء الهدي، وقد لزمته الإراقة بجميع أجزائه وبالحلب والصرف إلى حاجة نفسه عجز عن الإراقة فيه، وكان عليه التصدق كما لو عجز عن إراقة الكل. [الحكم لو ساق هديا فعطب أو هلك] م: (ومن ساق هديا فعطب) ش: أي هلك. م: (فإن كان تطوعا فليس عليه غيره؛ لأن القربة تعلقت بهذا المحل وقد فات) ش: كما إذا نذر أن يتصدق بدراهم معينة، فهلكت قبل الصرف إلى الفقراء لا يلزمه شيء إلا حسن لأن الواجب كان في العين لا في الذمة. م: (وإن كان) ش: الهدي. م: (واجبًا فعليه أن يقيم غيره مقامه؛ لأن الواجب باق في ذمته) ش: لأن الواجب هنا في الذمة لا في العين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 493 وإن أصابه عيب كبير يقيم غيره مقامه؛ لأن المعيب بمثله لا يتأدى به الواجب، فلا بد من غيره، وصنع بالمعيب ما شاء؛ لأنه التحق بسائر أملاكه. وإذا عطبت البدنة في الطريق، فإن كان تطوعا نحرها وصبغ نعلها بدمها وضرب بها صفحة سنامها، ولا يأكل هو ولا غيره من الأغنياء بذلك أمر رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ناجية الأسلمي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والمراد بالنعل قلادتها، وفائدة ذلك أن يعلم الناس أنه هدي، فيأكل منه الفقراء دون الأغنياء، وهذا لأن الإذن بتناوله معلق بشرط بلوغه محله، فينبغي أن لا   [البناية] ما لم يذبحه في الحرم، لا يسقط عنه ما في الدية، فلزمه غيره كما إذا عزل دراهم الزكاة، فهلكت قبل الصرف إلى الفقراء، يلزمه إخراجها ثانيا. قال النووي: لو نذر هديًا معينا فتعبت، لا يلزمه إبداله، وهو قول عبد الله بن الزبير وعطاء والحسن البصري - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - والنخعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والزهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإسحاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال، وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يلزمه إبداله ولا يجوز للمهدي ولا لسائقه ولا للغني أن يأكل من هذا الهدي، ويجوز للفقراء من غير الرفقة. وفي الفقراء الرفقة وجهان أصحهما لا يجوز ويترك جزرًا للسباع. م: (وإن أصابه عيب كبير) ش: أراد بالكبير ما يكون مانعًا في الأضحية. وقال في قاضي خان: العيب الكبير أن يذهب أكثر من ثلثي الأذن على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعلى قولهما إن ذهب أكثر من نصف الأذن يمنع. م: (يقيم غيره) ش: أي غير العيب. م: (مقامه؛ لأن المعيب بمثله لا يتأدى به الواجب، فلا بد من غيره، وصنع بالمعيب ما شاء؛ لأنه التحق بسائر أملاكه) . ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب دفع المعيب مع بدله، وبه قال بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (وإذا عطبت البدنة في الطريق) ش: أراد إذا قر من العطب. م: (تضمن) ش: أي الهلاك بدليل قوله نحرها. م: (فإن كان تطوعا نحرها وصبغ نعلها بدمها وضرب بها صفحة سنامها، ولا يأكل هو ولا غيره من الأغنياء بذلك أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناجية الأسلمي) ش: قد تقدم حديثه في هذا الباب، قال في " الجنازية " هذه المسألة مكررة في الظاهر ورد بأن الأول في الهدي، وهذه في البدنة وخصها بالذكر بعدما دخلت في ذلك العموم، كما هو رواية من ذكر الأصول على الإبهام ثم الشروع في بيان تفاصيلها، أو نقول ذلك ذكر في الأولى أنه هذا عليه غيره أم لا وفصل بين الواجب والتطوع في حق هذا الحكم ولم يبين أنه ما إذا يفعل بالذي عطب فأعادها لبيان ما يفعل به. في هذا الحكم فصل أيضًا بين التطوع والواجب، غير أنه أعاد قوله وإن كانت واجبة أقام غيره تأكيدًا. م: (والمراد بالنعل قلادتها، وفائدة ذلك) ش: أي وفائدة صبغ النعل بالدم. م: (أن يعلم الناس أنه هدي، فيأكل منه الفقراء دون الأغنياء، وهذا لأن الإذن بتناوله معلق بشرط بلوغه محله، فينبغي أن لا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 494 يحل قبل ذلك أصلا إلا أن التصدق على الفقراء أفضل من أن يتركه جزرا للسباع، وفيه نوع تقرب. والتقرب هو المقصود. فإن كانت واجبة أقام غيرها مقامها، وصنع بها ما شاء؛ لأنه لم يبق صالحا لما عينه وهو ملكه كسائر أملاكه. ويقلد هدي التطوع والمتعة والقران؛ لأنه دم نسك، وفي التقليد إظهاره وتشهيره فيليق به، ولا يقلد دم الإحصار ولا دم الجنايات؛ لأن سببها الجناية والستر أليق بها، ودم الإحصار جائز فيلحق بجنسها. ثم ذكر الهدي ومراده البدنة؛ لأنه لا يقلد الشاة عادة، ولا يسن تقليدها عندنا لعدم فائدة التقليد على ما تقدم، والله أعلم.   [البناية] يحل قبل ذلك أصلًا، إلا أن التصدق على الفقراء أفضل من أن يتركه جزرًا للسباع) ش: بفتح الجيم والزاي. وهو اللحم الذي يأكله السباع. هكذا نقل عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. م: (وفيه نوع تقرب) ش: أي وفي التصدق على الفقراء نوع تقرب إلى الله تعالى. م: (والتقرب هو المقصود) ش: وبأكل الفقراء يحصل التقرب الذي هو المقصود، ولا يجوز للمهدي ولا لسائقه ولا للغني أن يأكل من هذا الهدي، ويجوز للفقراء من غير الرفقة فإن كانت واجبة وفي فقراء الرفقة وجهان عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أصحهما لا يجوز، ويترك جزرًا للسباع، ويمنع الفقراء الحاضرون المحتاجون إليه من الرفقة. م: (فإن كانت واجبة) ش: عطف على قوله فإن كانت تطوعًا. م: (أقام غيرها مقامها، وصنع بها) ش: أي بالبدنة التي عطبت. م: (ما شاء؛ لأنه لم يبق صالحا لما عينه وهو ملكه كسائر أملاكه) ش: وتذكير الضمير في هذه الألفاظ باعتبار الهدي. م: (ويقلد هدي التطوع والمتعة والقران؛ لأنه دم نسك، وفي التقليد إظهاره وتشهيره فيليق به) ش: الضمائر في هذه الألفاظ الثلاثة يرجع إلى دم نسك. وفي " المحيط " ويقلد دم النذر لأنه دم نسك وعبادة، وفي إظهار هذه الدماء إظهار الشعائر مع موافقة السنة. [تقليد دم الإحصار والجنايات] م: (ولا يقلد دم الإحصار ولا دم الجنايات؛ لأن سببها الجناية والستر أليق بها) ش: أي بدم الجنايات. م: (ودم الإحصار جائز) ش: كان هذا جواب عما يقال وكيف لا يقلد دم الإحصار وهو غير جناية فأجاب بقوله: ودم الإحصار جائز. م: (فيلحق بجنسها) ش: أي يلحق دم الإحصار بجنس وبالجنايات لأنه جابر كهي يعني لا تقلد هؤلاء كما لا تقلد هي، فقيل: إنه روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قلد هدايا الإحصار وأجيب بأنه كان قلدها للمتعة، فلما أحصرت بقيت كما كانت فبعث إلى مكة على حالها. م: (ثم ذكر الهدي) ش: أي ثم ذكر القدوري الهدي في قوله: ومن ساق الهدي فعطبت. م: (ومراده البدنة؛ لأنه لا يقلد الشاة عادة، ولا يسن تقليدها عندنا) ش: وفي بعض النسخ ولا يسن تقليده بتذكير الضمير على تأويل الهدي. م: (لعدم الفائدة في تقليدها) ش: لأن الشاة لا تكون مسبية بل يكون صاحبها معها يحفظها بخلاف الإبل والبقر، فإنهما تحلبان، فقلدنا صيانة على أيدي من يطمع فيها وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (على ما تقدم) ش: يعني قبل باب القران حيث قال: هناك تقليد الشاة غير معتاد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 495 مسائل منثورة هل عرفة إذا وقفوا في يوم وشهد قوم أنهم وقفوا يوم النحر أجزأهم، والقياس أن لا يجزيهم اعتبارا بما إذا وقفوا يوم التروية، وهذا لأنه عبادة تختص بزمان ومكان، فلا يقع عبادة دونهما. وجه الاستحسان أن هذه شهادة قامت على النفي وعلى أمر لا يدخل تحت الحكم   [البناية] [مسائل منثورة في الحج] م: (مسائل منثورة) ش: أي هذه مسائل منثورة أي متفرقة أو مسائل شتى قاله الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي لم تدخل في الأبواب. وقال الأكمل: من عادة المصنفين أن يذكروا في آخر الكتاب ما شذ وندر من مسائل في الأبواب السالفة في فصل على حدة، تكثيرًا للفائدة ويترجموا عنه بمسائل منثورة أو مسائل شتى أو مسائل متفرقة أو مسائل لم تدخل في الأبواب. م: أهل عرفة إذا وقفوا في يوم وشهد قوم أنهم وقفوا يوم النحر أجزأهم) ش: هذه المسألة من خواص " الجامع الصغير "، قوله أجزأهم أي وقوفهم حتى يتم حجهم به. صورة المسألة أن يشهد قوم أنهم رأوا هلال ذي الحجة في ليلة؛ لأن اليوم الذي وقفوا فيه اليوم العاشر. م: (والقياس أن لا يجزيهم اعتبارا بما إذا وقفوا يوم التروية) ش: يعني قياسًا على ما إذا وقفوا، يوم التروية وهو يوم الثامن من ذي الحجة. وشهد الشهود أنهم وقفوا في هذا اليوم، يعني يوم التروية حيث لا يجوز ثم أوضح وجه القياس بقوله. م: (وهذا لأنه) ش: أي لأن الوقوف. م: (عبادة تختص بزمان ومكان فلا يقع عبادة دونهما) ش: أي دون الزمان والمكان المعهودين، ويوجه المقيس عليه. قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح أنه يجزيهم فكذا هذا. م: (وجه الاستحسان أن هذه شهادة قامت على النفي) ش: ولكن بقي جواز وقوفهم وجواز حجهم فلا يقبل؛ لأن المقصود من النية الإثبات. وبالنفي لا يحيط العلم ولا شهادة بدون العلم. فإن قيل: لو ادعت امرأة أن زوجها قال لها أنت طالق، وادعى الزوج أنه استثنى بعد ذلك، فشهدوا على أنه لا استثنى يقبل، وكذا لو ادعت أنه لو قال: المسيح ابن الله، وقال الزوج: إنه وصل ذلك بقوله قول النصارى تقبل الشهادة أنه لم يقل قول النصارى. وهذا معنى قول. قلنا: هذه الشهادة قامت على أمر شاهد معاين وهو هلال ذي الحجة قلنا وهو السكوت. فإن قيل: هنا أيضًا قامت على أمر معين وهو هلال ذي الحجة. قلنا: لا كذلك؛ لأن رواية الهلال لا تدخل تحت الحكم. م: (وعلى أمر لا يدخل تحت الحكم) ش: أي وقامت أيضًا هذه الشهادة على أمر لا يدخل تحت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 496 لأن المقصود منها نفي حجهم، والحج لا يدخل تحت الحكم فلا تقبل، ولأن فيه بلوى عاما لتعذر الاحتراز عنه، والتدارك غير ممكن، وفي الأمر بالإعادة حرج بين، فوجب أن يكتفى به عند الاشتباه، بخلاف ما إذا وقفوا يوم التروية؛ لأن التدارك ممكن في الجملة بأن يزول الاشتباه في يوم عرفة، ولأن جواز المؤخر له نظير، ولا كذلك جواز المقدم. قالوا: ينبغي للحاكم أن لا يسمع هذه الشهادة ويقول قد تم حج الناس فانصرفوا؛ لأنه ليس فيها إلا إيقاع الفتنة. وكذا إذا شهدوا عشية عرفة برؤية الهلال، ولا يمكنه الوقوف في بقية الليل مع الناس أو أكثرهم لم يعمل بتلك الشهادة.   [البناية] حكم القاضي؛ لأن البر من باب المنازعات، فصار كأنهم عهدوا بأنه لم يصل، فلا يجب على القاضي شيء. م: (لأن المقصود منها نفي حجهم، والحج لا يدخل تحت الحكم فلا تقبل) ش: أي الشهادة، وذلك لما ذكرنا. م: (ولأن فيه) ش: للزوجة بأن من الاستحسان أي في الخطأ في عرفة أو في الوقوف يوم عرفة أو في عدم جواز الحج. م: (بلوى عاما لتعذر الاحتراز عنه) ش: لأن تغيير هذا اللفظ يتعذر. م: (والتدارك غير ممكن، وفي الأمر بالإعادة حرج بين، فوجب أن يكتفى به عند الاشتباه) ش: فيجعل عفوًا لئلا يكون تكليفًا بما ليس في الوسع. م: (بخلاف ما إذا وقفوا يوم التروية؛ لأن التدارك ممكن في الجملة بأن يزول الاشتباه في يوم عرفة) ش: يعني بالوقوف فيها. م: (ولأن جواز المؤخر له نظير) ش: كقضاء الصلاة وقضاء الصيامات فيجزيهم الوقوف يوم النحر. م: (ولا كذلك جواز المقدم) ش: فإنه لا نظير له في الشرع، فلا يجزيهم الوقوف بيوم التروية. فإن قلت: له نظير آخر أيضًا، ألا ترى أن صلاة الفطر تقدم عن وقتها يوم عرفة. قلت: هذا أمر مثبت بخلاف القياس، فلا يقاس عليه. م: (قالوا) ش: أي العلماء وأصحاب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ينبغي للحاكم أن لا يسمع هذه الشهادة ويقول قد تم حج الناس فانصرفوا؛ لأنه ليس فيها) ش: أي في هذه الشهادة. م: (إلا إيقاع الفتنة) ش: قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها» . وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - جاز للشهود أن يقضوا مع الإمام، ويجوز حجهم. م: (وكذا إذا شهدوا) ش: وفي بعض النسخ وكذلك أي وكذلك الحكم في عدم قبول شهادتهم أو شهدوا. م: (عشية عرفة برؤية الهلال) ش: صورته أن الشهود شهدوا في الطريق قبل أن يلحقوا عرفات عقبة عرفات وقالوا إن كنا رأينا الهلال، يعني هلال ذي الحجة، وهذا اليوم هو التاسع. م: (ولا يمكنه) ش: أي والحال أن الإمام لا يمكنه. م: (الوقوف في بقية الليل مع سائر الناس أو أكثرهم لم يعمل بتلك الشهادة) ش: ويقفون من الغد بعد الزوال؛ لأنهم لما شهدوا وقد تعذر الوقوف، صار كأنهم شهدوا بعد الوقوف، فلا تسمع وإن كان يلحق الوقوف مع أكثر الناس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 497 قال: ومن رمى في اليوم الثاني الجمرة الوسطى والثالثة ولم يرم الأولى، فإن رمى الأولى ثم الباقيتين فحسن؛ لأنه راعى الترتيب المسنون. ولو رمى الأولى وحدها أجزأه) لأنه تدارك المتروك في وقته، وإنما ترك الترتيب. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجزيه ما لم يعد الكل؛ لأنه شرع مرتبا، فصار كما إذا سعى قبل الطواف أو بدأ بالمروة قبل الصفا. ولنا أن كل جمرة قربة مقصودة بنفسها، فلا يتعلق الجواز بتقديم البعض على البعض، بخلاف السعي؛ لأنه تابع للطواف؛ لأنه دونه، والمروة عرفت منتهى السعي بالنص فلا تتعلق بها البداية. قال: ومن جعل على نفسه أن يحج ماشيا فإنه لا يركب حتى يطوف طواف الزيارة. وفي الأصل: خيره بين الركوب والمشي.   [البناية] ولكن لا تلحقه الضعفة، فإن وقف جاز، وإلا فات الحج؛ لأنه ترك الوقوف مع العلم والقدرة، وإنما المعتبر قدرة الأكثر لا قدرة الأقل. [رمى في اليوم الثاني الجمرة الوسطى والثالثة] م: (ومن رمى في اليوم الثاني) ش: وفي أكثر النسخ قال: ومن رمى أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ". م: (الجمرة الوسطى والثالثة) ش: أي الجمرة الثالثة. م: (ولم يرم الأولى) ش: أي الجمرة الأولى. م: (فإن رمى الأولى ثم الباقيتين) ش: أي الجمرتين الباقيتين. م: (فحسن) ش: لمراعاة الترتيب المسنون وهو معنى قوله. م: (لأنه راعى الترتيب المسنون. ولو رمى الأولى وحدها أجزأه؛ لأنه تدارك المتروك في وقته، وإنما ترك الترتيب) ش: ولا يضره لأنه سنة. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجزيه ما لم يعد الكل؛ لأنه شرع مرتبا، فصار كما إذا سعى قبل الطواف أو بدأ بالمروة قبل الصفا. ولنا أن كل جمرة قربة مقصودة بنفسها، فلا يتعلق الجواز بتقديم البعض على البعض، بخلاف السعي؛ لأنه تابع للطواف؛ لأنه دونه) ش: لانفصاله من البيت، ولكنه من جنسه فيعاد تحقيقًا للتبعية. م: (والمروة عرفت منتهى السعي بالنص) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن الصفا والمروة من شعائر الله فابدءوا بما بدأ الله تعالى» فبدأ بالصفا، فلم يعتبر البداية بالمروة وهو معنى قوله. م: (فلا تتعلق بها البداية) ش: لا يقال: كل صلاة مقصودة بنفسها أيضًا لتعلق جوازها بغيرها، ومع هذا وجب الترتيب عندكم، ولأنا نقول ثبت ذلك بالنص، وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها» . [جعل على نفسه أن يحج ماشيا] م: (قال: ومن جعل على نفسه أن يحج ماشيا فإنه لا يركب حتى يطوف طواف الزيارة) ش: وعند الشافعي ومالك - رحمهما الله -، يلزمه المشي إلى أن يتحلل التحلل الثاني، وهو الرمي ثم لم يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شيء من الكتب من أي موضع يبدأ بالمشي من النذر قيل من بيته وهو الأصح، وبه قال أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لأنه هو المراد عرفًا، ولهذا كان الأفضل أن يحرم من بيته، وقيل من الميقات وبه قال عامة أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لأنه يحرم من الميقات وقيل من أي موضع يحرم فيه. م: (وفي الأصل) ش: أي في " المبسوط ". م: (خيره بين الركوب والمشي) ش: لأن الحج راكبًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 498 وهذا إشارة إلى الوجوب، وهو الأصل؛ لأنه التزم القربة بصفة الكمال، فتلزمه بتلك الصفة، كما إذا نذر الصوم متتابعا. وأفعال الحج تنتهي بطواف الزيارة، فيمشي إلى أن يطوفه. ثم قيل: يبتدئ المشي من حين يحرم، وقيل من بيته لأن الظاهر أنه هو المراد، ولو ركب أراق دما لأنه أدخل نقصا فيه، قالوا: إنما يركب إذا بعدت المسافة وشق عليه المشي، وإذا قربت والرجل ممن يعتاد المشي ولا يشق عليه ينبغي أن لا يركب. ومن باع جارية محرمة قد أذن لها في ذلك فللمشتري أن يحللها ويجامعها   [البناية] أفضل ويكره ماشيًا. م: (وهذا إشارة إلى الوجوب) ش: أي وفي " الجامع الصغير " أشار إلى وجوب المشي، وفي بعض النسخ وهذا إشارة إلى الوجوب. أي قوله: " لا يركب حتى يطوف طواف الزيارة " أشار إلى وجوب المشي؛ لأنه إخبار عن المجتهد، وإخباره يعتبر بإخبار الشرع؛ لأنه نائبه في بيان الأحكام. م: (وهو الأصل) ش: أي الوجوب هو الأصل. م: (لأنه التزم القربة بصفة الكمال، فتلزمه بتلك الصفة، كما إذا نذر بالصوم متتابعا) ش: يلزمه متتابعًا، ولكن إذا حج راكبًا يجزيه، لكن يلزمه الجزاء، فإذا ركب في الكل والأكثر يلزمه الدم، وفي الأقل تلزمه الصدقة بقدره من الكل من قيمة الشاة الوسط. [أفعال الحج تنتهي بطواف الزيارة] م: (وأفعال الحج) ش: يريد بالأفعال الأركان، لا مطلق الأفعال، فإن رمي الجمار وغيره من أفعاله. م: (تنتهي بطواف الزيارة، فيمشي إلى أن يطوفه) ش: أي طواف الزيارة؛ لأنه آخر الأركان في الحج. م: (ثم قيل: يبتدئ المشي من حين يحرم) ش: وعليه فتوى فخر الإسلام والإمام العتابي وغيرهما، وهو الصحيح. م: (وقيل من بيته) ش: أي يمشي من بيته. م: (لأن الظاهر أنه هو المراد) ش: وقد ذكرنا هذا عن قريب بما فيه من الخلاف. م: (ولو ركب أراق دما لأنه أدخل نقصا فيه) ش: أي في جعله على نفسه أن يحج ماشيا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول عند العجز. م: (قالوا) ش: أي قال مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يشير به إلى بيان التوفيق بين رواية الأصل وبين رواية " الجامع الصغير "، ونقل فخر الإسلام البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير " عن الفقيه أبي جعفر الهندواني - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (إنما يركب إذا بعدت المسافة وشق عليه المشي، وإذا قربت) ش: أي المسافة والحال أن. م: (والرجل ممن يعتاد المشي ولا يشق عليه المشي ينبغي أن لا يركب) ش: وبهذا يحصل التوفيق بين روايتي الأصل و" الجامع الصغير ". [باع جارية محرمة فهل للمشتري أن يجامعها] م: (ومن باع جارية محرمة قد أذن) ش: البائع. م: (لها في ذلك) ش: أي في الإحرام. م: (فللمشتري أن يحللها ويجامعها) ش: وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي بعض نسخ " الجامع الصغير " أو يجامعها بلفظ، أو قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير " يحتمل أن يكون عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية الأولى من الرواية تدل على أن التحليل بأدنى محظورات الإحرام مثل قص الشعر وقلم الظفر والتطيب ونحو ذلك. والثانية تدل على أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 499 وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس له ذلك؛ لأن هذا عقد سبق ملكه، فلا يتمكن من فسخه، كما إذا اشترى جارية منكوحة. ولنا أن المشتري قائم مقام البائع. وقد كان للبائع أن يحللها، فكذا للمشتري، إلا أنه يكره ذلك للبائع لما فيه من خلف الوعد، وهذا المعنى لم يوجد في حق المشتري، بخلاف النكاح؛ لأنه ما كان للبائع أن يفسخه إذا باشر بإذنه، فكذا لا يكون ذلك للمشتري. وإذا كان له أن يحللها، لا يتمكن من ردها بالعيب عندنا، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتمكن لأنه ممنوع عن غشيانها، وذكر في بعض النسخ أو يجامعها.   [البناية] التحليل بالواقعة، وقال في كتاب " المناسك " للمشتري أن يجامعها ولم يرد على ذلك، وهذا مذهبنا. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس له ذلك) ش: أي ليس للمشتري أن يحللها وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (لأن هذا عقد سبق ملكه) ش: أي لأن إذن البائع لها بالإحرام عقد سبق ملك المشتري. م: (فلا يتمكن من فسخه) ش: لأن المشتري نزل منزلة البائع. م: (كما إذا اشترى) ش: أي اشترى رجل. م: (جارية منكوحة) ش: يعني مزوجة، فليس له فسخ النكاح؛ لأنه عقد سبق ملكه. م: (ولنا أن المشتري قائم مقام البائع. وقد كان للبائع أن يحللها) ش: لأن منافعها كانت مملوكة وخذله بعد الإذن. م: (فكذا للمشتري) ش: أن يحللها. م: (إلا أنه يكره ذلك) ش: أي التحلل. م: (للبائع لما فيه من خلف الوعد) ش: حيث وجد فيه الإذن. م: (وهذا المعنى) ش: أي خلف الوعد. م: (لم يوجد في حق المشتري، بخلاف النكاح) ش: جواب عما قاله زفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (لأنه ما كان للبائع أن يفسخه) ش: أي أن يفسخ النكاح. م: (إذا باشر بإذنه) ش: أي بإذن المولى، وإنما لم يكن له أن يفسخ إذا كان بإذنه لما أن النكاح حق الزوج. فقد تعلق حقه بإذن المالك، فلا يتمكن المالك من فسخه، وإن بقي ملكه لتعلق حق العبد به كالراهن ليس له ولاية الاستماع بالمرهون لتعلق حق المرتهن به، والمشتري قام مقامه بعد الشراء. م: (فكذلك لا يكون ذلك) ش: أي حق الفسخ. م: (للمشتري) ش: أما هاهنا فقد اجتمع في الجارية حقان، حق الله في الإحرام، وحق المشتري في الاستمتاع، فيقدم حق العبد لحاجته على حق الله لغناه. م: (وإذ كان له) ش: أي للمشتري. م: (أن يحللها، لا يتمكن من ردها بالعيب عندنا) ش: لأن عيب الإحرام لا يرتفع بالتحلي. م: (وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتمكن لأنه ممنوع عن غشيانها) ش: أي من وطئها، وهذا عيب عنده فيرد به. م: (وذكر في بعض النسخ) ش: أي ذكر محمد في بعض نسخ " الجامع الصغير ". م: (أو يجامعها) ش: يعني بكلمة أو، وذلك في قوله: " ومن باع جارية محرمة أذن له في ذلك " فللمشتري أن يحللها ويجامعها. وذكر فيه بواو العطف وقد بينا هذا هناك مفصلًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 500 والأول يدل على أنه يحللها بغير الجماع بقص شعر أو بقلم ظفر، ثم يجامع، والثاني يدل على أنه يحللها بالمجامعة؛ لأنه لا يخلو عن تقديم مس يقع به التحلل، والأولى أن يحللها بغير المجامعة تعظيما لأمر الحج، والله أعلم.   [البناية] م: (والأول) ش: أي قوله أن يحللها ويجامعها بواو العطف. م: (يدل على أنه يحللها بغير الجماع بقص شعرها أو بقلم ظفر، ثم يجامع، والثاني) ش: هو قوله أو يجامعها بكلمة أو. م: (يدل على أنه يحللها بالمجامعة؛ لأنه لا يخلو عن تقديم مس يقع به التحلل، والأولى أن يحللها بغير المجامعة تعظيما لأمر الحج، والله أعلم بالصواب) ش: وماله إليه صاحب " الهداية " بقوله، والأول ولم ير بعضهم الجواز للمجامعة الواقعة عن تقديم شيء يقع به التحلل فيصيبها بعد التحلل. تم المجلد الرابع من تجزئة المحقق يليه المجلد الخامس أوله: " كتاب النكاح " الجزء: 4 ¦ الصفحة: 501 كتاب النكاح   [البناية] [كتاب النكاح] [ما ينعقد به النكاح] م: (كتاب: النكاح) ش: أي هذا الكتاب في بيان أحكام النكاح. وقال الكاكي: النكاح لغة الجمع والضم، ومن أمثال العرب: أنكحنا الفرى فسنرى، أي جمعنا بين حمار الوحشي الذكور والإناث فننظر ما يتولد منها فضرب مثلا لقوم يجتمعون على الأمر لا يدرون ما يصدر عنه. وحكى المبرد من البصريين عن الكوفيين أنه عبارة عن الجمع والضم، ويستعمل في الوطء لوجود الضم ويستعمل في العقد مجازا. قال الله تعالى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25] (النساء: الآية 25) . وقال الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] (النور: الآية 32) ، والعقد موقوف على الإذن، ووطء الأيامى من بناتهن وأخواتهن حرام عليهم. وفي " شرح قاضي خان ": النكاح في اللغة والشرع حقيقة في الوطء مجاز في العقد. وقال الشافعي: إنه في الشرع عبارة عن العقد، لأنه تعالى حيثما ذكره في القرآن أراد به العقد، وهذا لا يصح، لأنه تعالى قال: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: 3] (النور: الآية 3) . وقال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] (النساء: الآية 6) أراد به الوطء بالإجماع، وفي " شرح الأسبيجابي " النكاح لغة: الجمع المطلق، وشرعا: العقد بشرائطه. وقال فخر الإسلام: النكاح العقد الشرعي، ويذكر ويراد به الوطء، ثم قيل: إنه حقيقة فيهما لوجود معنى الضم فيهما. وقال فخر الإسلام: النكاح العقد الشرعي، والأصح أنه حقيقة في الوطء خاصة، لوجود معنى الضم فيه حقيقة، ولا يجوز أن يكون حقيقة في العقد؛ لأنه يؤدي إلى الاشتراك، وهو خلاف الأصل، وعليه فحول أهل اللغة. وفي " المبسوط ": النكاح لغة الوطء، ومنه قول الفرزدق: التاركين على طهر نساءهم ... والناكحين بشط دجلة البقرا يهجو بذلك قوما، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ناكح البهيمة ملعون» قال المطرزي: ثم قيل للتزويج نكاح لأنه سبب، ولما فرغ من بيان العبادات شرع في المعاملات؛ لأنها تالية لها إذ بها بقاء العابد ووجود العبادة، والبقاء بالكسب الحلال، والكسب الحلال يتوقف على معرفة المعاملات، ثم قدم النكاح وما يتبعه على سائر المعاملات، لأن فيه معنى العبادة فإن النكاح سنة الأنبياء والمرسلين، وفيه تحصيل نصف الدين، وقد تواترت الأخبار والآثار في توعد من رغب عنه وتحريض من رغب فيه، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس منى» ... " الحديث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وزاد ابن ماجه من رواية بن ميمون عن القاسم عن عائشة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة» رواه مسلم والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر، «وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعكاف بن وداعة: " لك أربع سنن من المرسلين: الحياء، والتعطر، والسواك، والنكاح» . رواه الترمذي من حديث أبي أيوب عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال الترمذي: حسن غريب. «وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعكاف بن وداعة: " هل لك زوجة؟ " قال: لا قال: " ولا جارية " قال: لا قال: " وأنت موسر " قال: وأنا موسر، قال: " أنت إذا من إخوان الشياطين إن سنتنا النكاح، شراركم عزابكم» . هكذا نقله السروجي، ثم قال: رواه أحمد بن حنبل وابن عبد البر، وذكره جار الله في " الفائق " وزاد: «فإن كنت من رهبان النصارى، فالحق بهم، وإن كنت منا فسنتنا النكاح» ، انتهى. قلت: نقله شيخنا زين الدين العراقي في شرحه للترمذي، وقال: وحديث عكاف، رواه أبو جعفر العقيلي في كتابه " الضعفاء " بإسناده إلى عطية بن بشر الهلالي «عن عكاف بن وداعة الهلالي أنه أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " يا عكاف لك امرأة؟ " قال: لا، قال: " فجارية؟ "، قال لا، قال: " وأنت صحيح موسر؟ "، قال: نعم، قال: " فأنت إذا من إخوان الشياطين إن كنت من رهبان النصارى فالحق بهم، وإن كنت منا فسنتنا النكاح " [ ... ] والذي نفسي بيده ما للشياطين سلاح أبلغ. وقال بعضهم: أنفذ في الصالحين من الرجال والنساء من ترك النكاح، وابن وداعة أنهم صواحب أيوب وداود ويوسف وكرسف، قال: بأبي يا رسول الله وما كرسف؟، فقال: " رجل عبد الله على ساحل البحر خمسمائة عام " الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقال بعضهم: ثلاثمائة عام يقوم الليل ويصوم النهار، فمرت به امرأة فأعجبته فتبعها وترك عبادة ربه وكفر بالله فتداركه الله عز وجل لما سلف فتاب عليه، فقال: بأبي أنت وأمي زوجني يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: قل زوجتك باسم الله والبركة زينب بنت كلثوم الحميرية» . وقال القاضي: عكاف بن وداعة الهلالي أمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالزواج، والحديث قوي، ثم قال شيخنا زين الدين: رواه أحمد في " مسنده "، قال: حدثنا عبد الرزاق أنبأنا محمد بن راشد، عن مكحول، عن رجل عن أبي ذر قال: «دخل على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل اسمه عكاف بن بشر التميمي فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هل لك من زوجة؟» " وساق الحديث بكماله، وروى البيهقي في حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ولا تكونوا كرهبانية النصارى» . وروى ابن عدي في " الكامل " من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لو لم يبق من أجلي إلا يوما واحد لقيت الله تعالى بزوجة فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يقول «شراركم عزابكم» ، وروى البغوي في " معجم الصحابة " من حديث أبي نجيح، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قدر على أن ينكح فلم ينكح فليس منا» . وابن نجيح هذا ذكره البغوي وابن عبد البر في الصحابة، وروى الطبراني من حديث ابن موسى: قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تزوجوا فإن التزوج خير من عبادة ألف سنة» . قلت: ذكره صاحب " الفردوس ". بهذه الأحاديث أخذت الظاهرية، حيث قالوا: النكاح فرض عين حتى إن من قدر على الوطء، والإنفاق يأثم بتركه، واختلف أصحابهم فقيل: فرض كفاية وبه قال بعض أصحاب الشافعي. وقيل: مستحب وبه قال بعض أصحاب الشافعي. وقيل: سنة مؤكدة، وقال بعضهم: واجب على الكفاية. وفي " المبسوط ": النكاح سنة مستحب في قول جمهور العلماء. وفي " المحيط " سنة مؤكدة. وفي " المنافع " قوله: من قال إنه فرض كفاية عند المتأخرين من مشايخنا، وقيل: وهو قول الكرخي. وفي " البدائع ": النكاح فرض حالة التوقان وخوف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 قال: النكاح ينعقد بالإيجاب والقبول بلفظين يعبر بهما عن الماضي؛ لأن الصيغة وإن كانت للإخبار وضعا فقد جعلت للإنشاء شرعا   [البناية] الوقوع في الزنا بلا خلاف. وفي " المبسوط ": لا يسعه تركه حينئذ. وقال النسفي: النكاح سنة، يعني في حال الاعتدال، وعند التوقان يجب، وهو غلبة الشهوة، وقالوا: حالة الجور مكروه، لأنه لا يظهر المصالح المطلوبة من النكاح في حالة الجور. فإن قلت: روي عن حذيفة _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - _ قال: إذا كان سنة خمس ومائة فلأن يربي أحدكم جروا كلبا خير له من أن يربي ولد المرء، وروي أيضا: خيركم الذي لا أهل له ولا ولد. قلت: قال ابن حزم: وهما موضوعان؛ لأنهما من رواية أبي عاصم، رواه الجراح العسقلاني، لا يحتج به، وبيان وضعهما أنه لو استعمل الناس ما فيهما من ترك النسل لبطل الإسلام والجهاد والدين، وغلب أهل الكفر، فيظهر رده بلا شك، انتهى كلامه. م: (قال: النكاح ينعقد بالإيجاب والقبول) ش: أراد به أن النكاح ينعقد بالعقد الشرعي الذي يوجب حل المرأة بنفسه، وإنما قيد بنفسه احترازا عن البيع، فإنه يوجب حلها بواسطة ملك الرقبة والعقد والربط، يقال: عقد الحبل إذا ضم أحد طرفيه بالآخر وهي العقدة، ومنها عقدة النكاح والربط. والانعقاد مطاوعة ليصير كلام أحد العاقدين منضما إلى الآخر حكما، ويحصل تركيب شرعي له آثار مخصوصة عند وجود الشرائط، وأراد بالإيجاب إخراج الممكن من الإمكان إلى الوجود على ما هو المعروف عند المتكلمين، لا الإيجاب الذي يعاقب بتركه. وقلنا: زوجت وتزوجت آلة انعقاده، وقوله: ينعقد بالإيجاب إشارة إلى هذا لأن الباء تدخل على الآلة كما يقال: قطعت بالسكين وكتبت بالقلم، وكذا قولهم: البيع ينعقد بكذا، يعنون به العقد الشرعي الذي يوجب الملك في المحل. م: (بلفظين) ش: قيد باللفظين ليخرج الكتابة، فإنه لو كتب رجل على شيء لامرأة زوجيني نفسك، فكتبت المرأة على ذلك الشيء عقيبه زوجت نفسي منك، لا ينعقد النكاح وبه قال الشافعي ومالك وأحمد. م: (يعبر بهما) ش: أي يبين بهما لأن التعبير والعبارة البيان م: (عن الماضي) ش: أي عن صيغة الفعل الماضي بأن تقول المرأة: زوجت نفسي منك، ويقول الرجل: قبلت م: (لأن الصيغة وإن كانت للإخبار وضعا) ش: أي للإخبار في أصل الوضع، لأن الإخبار إظهار ما كان أو سيكون لا لإثبات ما لم يكن. لأن قولك أقمت لا يوجب القيام. وكذلك قولك: تزوجت لا يثبت التزويج وضعا ولغة م: (فقد جعلت) ش: أي الصيغة. م: (للإنشاء شرعا) ش: أي من حيث الشرع: لأن الإنشاء إثبات أمر لم يكن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 دفعا للحاجة. وينعقد بلفظين يعبر بأحدهما عن الماضي وبالآخر عن المستقبل مثل أن يقول: زوجني فتقول: زوجتك، لأن هذا توكيل بالنكاح.   [البناية] وإنما جعلت م: (دفعا للحاجة) ش: لأن الحاجة كانت متحققة في الجاهلية، وكانت لهم أنكحة مقدرة، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولدت من نكاح ولم أولد من سفاح» ، فقدرها الشارع، وإنما اختير لفظ الماضي للإنشاء؛ لأنه يقتضي سبق الوجود، فيكون أدل على الوجود فصار الوجود حقا له، والفرق بين الإنشاء والإخبار أن الإنشاء سبب لمدلوله وليس الإخبار سببا لمدلوله، ولأن الإنشاء يتبعه مدلوله، والإخبار يتبع المدلول، ولأن الإنشاء لا يحتمل التصديق والتكذيب، والإخبار يحتملها. م: (وينعقد بلفظين يعبر بأحدهما عن الماضي والآخر عن المستقبل) ش: قال الإمام حميد الدين: ينظر الانعقاد بالماضي والمستقبل؛ مثل أن يقول الرجل: إني تزوجت وقالت المرأة زوجت نفسي منك، قد صح النكاح، ويكون بلفظ المستقبل تبعا للماضي، وما ورد في الكتاب مثل قوله: م: (مثل أن يقول) ش: أي الرجل م: (زوجني فتقول) ش: أي المرأة م: (زوجتك) ش: قال حميد الدين: قيل: إنه غير صحيح؛ لأن قوله: زوجني توكيل، فلا يكون معطى العقد، قال والنظير الواضح ما قلنا. ويجاب: بأن الواحد يتولى طرفي العقد في النكاح دون البيع وهو معنى قوله: م: (لأن هذا) ش: أي قوله زوجني م: (توكيل بالنكاح) ش: والولي الواحد يتولى طرفي النكاح على ما نبينه إن شاء الله تعالى. والحاصل أن قوله زوجتك بمنزلة الإيجاب والقبول، والتوكيل بمنزلة التحصين، والواحد يتولى طرفي العقد، لكن قوله زوجتك لا يكون بمنزلة شطري العقد، إلا بقوله: زوجني؛ لأن به يصير وكيلا، فصار كأنه شطر العقد استحسانا. والفرق بين النكاح والبيع أن الحقوق في البيع تتعلق بالوكيل، والوكيل بالنكاح ليس كذلك لأنه لا يطالب بتسليم المهر ولا غيره، وفي " شرح الأسبيجابي ": قدرة الزوج على الرد يفضي إلى الإضرار بها وإلحاق العار والشنار، بقبيلتها؛ لأنهم إذا أوجبوا العقد عند قوله: _ زوجني _ بأن قال الولي: زوجتك مثلا لو لم يتم العقد بهذا جاز للزوج أن يرجع ويلحق بالولي عار وشنار وهذا لا يجوز، لأنه يقال: زوجها ابنه فلم يقبله بخلاف البيع حيث لا عار في رده، وكذا لو قال الزوج: جئتك لتزوجني ابنتك، فقالت ابنة الرجل قد زوجتك صح النكاح ولزم، وكذا لو قال لامرأة: أتزوجك على ألف درهم، فقالت: قد تزوجتك على ذلك صح، لأن النكاح لا يحصره اليوم. وفي " خزانة الأكمل ": أتزوجك بكذا، أو أخطبك على كذا، فقالت: قد زوجتك نفسي صح، وهو استحسان، بخلاف البيع والخلع، ذكره السرخسي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وفي " المرغيناني ": ينعقد بقوله: زوجتك ويقول الآخر قبلت، أو قال: أتزوجك فقالت قد قبلت، ولو قال: خطبتك بألف فقالت زوجت نفسي منك كان نكاحا. وفي الخبر المروي عن أبي حنيفة قال زوجني ابنتك، فقالت: قد تزوجتك صح، قال: قد زوجتك بنتي بألف، فقال: قبلت، وسكت عن المهر صح، وإن قال قبلت ولا أقبل المهر لا يصح، لأنه رد، وعن أبي حفص الكبير يصح، لأن المال في النكاح تبع. وقال المرغيناني: قال: زوجني ابنتك فقال: ارفعها وانصبها حيث شئت بحضرة الشهود لا ينعقد. وقال الإمام محمد بن الفضل: ينعقد قال: زوجت ابنتي ولم يزد على هذا أبو الصغير فقبلت يقع للأب، إلا أن يقول: قبلت لابني وهذا يدل على أن من قال: بعت هذا فقال الآخر: قبلت أو اشتريت صح، وإن لم يقل: إن منك إذا كان منهما مقدمات البيع، قالت: تزوجتك على كذا إن أجاز أبي أو رضي فقال: قبلت لا يصح، ولو كان أبوها حاضرا يسمع فقال: أجزت أو رضيت جاز، ولو قالت: زوجت نفسي منك فقال: قبلت جاز. وفي " الذخيرة ": صرت امرأة لي، فقالت: نعم، أو صرت، اختار المشايخ أنه ينعقد، وفي " جوامع الفقه ": لو قال: هذه زوجتي بحضرة الشهود لا يصح على المختار قضاء ويصح بينه وبين الله. ولو قال: تزوجتك إن رضيت أو رضي فلان وهو في المجلس فقالت: رضيت أو قال: رضيت جاز. وفي " القنية ": [لو] قام أحد الزوجين قبل القبول بطل، وفي بطلان البيع روايتان، وفي " البدائع ": والقول في القبول ليس بشرط عندنا خلافا للشافعي. له بنت واحدة وقال زوجتك بنتي صح، وإن كان له بنتان لم يصح تزوج حاضرة منتقبة لم يعرفها الشهود ولم يذكروا اسمها ونسبها يجوز إلا عند البصري، له بنت واحدة اسمها فاطمة فقال: زوجتك بنتي عائشة لم يصح إلا أن يقول: عائشة هذه، لأن الاسم لغو في المشار إليها. تزوج وامرأة في بيت فقبلت، وليس معها غيرها فسمعوا كلامها صح، وإن كان معها غيرها لم يصح إلا إذا عرفوا كلامها، سميت في الصغر، وفي الكبر باسم زوجت بالأشرف. قالت: زوجت نفسي بعد انقضاء عدتي لا يصح، وكما لا يصح تعليق النكاح بالشرط لا يجوز إضافته إلى وقت مستقبل. له بنتان أيم وذات زوج، فقال: زوجتك بنتي ولم يسمها صح زوجت نفسها منه فلم يقبل شيئا بل دفع إليه المهر في المجلس فهو قبول. قال برهان الدين السمرقندي، وبرهان الدين صاحب " المحيط ". وقال القاضي بديع الدين: لا ينعقد. قال لامرأة: السلام عليك يا زوجتي، فقالت: السلام عليك يا زوجي، لا ينعقد. ذكر علي السعدي: ويصح نكاح الهازل والملاعب وبه قال ابن حنبل وهو المشهور من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 وينعقد بلفظ النكاح والتزويج والهبة والتمليك والصدقة.   [البناية] مذهب مالك ذكره في " الذخيرة "، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثلاث هزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة» رواه الترمذي، وهو حجة على الشافعي في النكاح. قلت: رواه أبو داود أيضا وفيه أن طلاق الهازل ونكاحه ورجعته مؤاخذ به، ولا يلتفت إلى قوله كنت هازلا ولا يدين أيضا فيما بينه وبين الله عز وجل. وقد ذهب بعض المالكية إلى أن نكاح الهازل غير صحيح، فقال علي بن زياد منهم: لا يجوز نكاح هزل ولا لعب، ويفسخ قبل البناء وبعده، وعن ابن القاسم نجيزه، وقال أبو بكر ابن اللباد منهم: إنه صحيح لازم. قال شيخنا زين الدين: وهو قول عامة العلماء، وروي ذلك عن ابن مسعود، وعطاء، وهو قول أبي جعفر، والشافعي. [انعقاد النكاح بلفظ النكاح والتزويج والهبة والتمليك والصدقة] م: (وينعقد) ش: أي النكاح م: (بلفظ النكاح) ش: بأن يقول أنكحني، فيقول: نكحتك، وفي بعض النسخ بلفظ الإنكاح بأن يقول: أنكحني ابنتك فيقول: أنكحتك م: (والتزويج) ش: أي وبلفظ التزويج عن تزوجني فيقول: تزوجتك. م: (والهبة) ش: أي وبلفظ الهبة، بأن يقول: هبي لي نفسك، فتقول: وهبت، أو يقول لأبيها: هب لي ابنتك، فيقول: وهبت م: (والتمليك) ش: أي وبلفظ التملك بأن يقول: ملكني بنتك، فيقول: ملكت. م: (والصدقة) ش: أي وبلفظ الصدقة بأن يقول: تصدقي لي بنفسك، فتقول: تصدقت، وبهذا كله قال مجاهد والثوري والحسن بن صالح ومالك وأبو ثور وأبو عبيد وداود. وفي " المبسوط " و " المحيط ": الألفاظ التي ينعقد بها النكاح نوعان: صريح وكناية، فالصريح: لفظ النكاح والتزويج عرفا وشرعا وكناية ثلاثة أنواع: ما ينعقد به، وما لا ينعقد به وما اختلف فيه. وأما الأول: فالتمليك والهبة والصدقة وغيرها. والثاني: وهو ما لا ينعقد به الإحلال والإباحة والتمتع والخلع والإقالة والإجازة بالرأي والرضا والشركة والإعارة والكتابة والولاء والإيداع. والثالث: ما اختلفوا فيه البيع والشراء ولو قالت: بعتك نفسي أو قال الأب: بعتك ابنتي بكذا، أو قال الرجل: اشتريتك بكذا، فأجابت بنعم، فقد اختلف فيه المشايخ، وكان أبو القاسم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 وقال الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا ينعقد إلا بلفظ النكاح والتزويج؛ لأن التمليك ليس حقيقة فيه، ولا مجازا عنه   [البناية] البلخي يقول بجوازه، وإليه أشار محمد في كتابه " الحدود " وقال: إذا زنى بامرأة ثم قال: تزوجتها واشتريتها فسوى بينهما، وقال: يسقط عنه الحد فيهما فجعله دعوى النكاح، وهو رواية عن أبي جعفر وهو الصحيح ذكره في " الذخيرة " وغيره. وقال أبو بكر الأعمش: لا ينعقد بلفظ البيع، وفي " جوامع الفقه ": وينعقد النكاح بكل لفظ شرع لتمليك العين بغير نية إذا ذكر معه المهر كالبيع والهبة والصدقة، وإن لم يذكر المهر ينعقد بالنية. وفي " البدائع " و " التحفة ": ينعقد عند الكرخي بلفظ الإجارة والإعارة، وعند عامة الأصحاب لا ينعقد بهما، وفي القرض قيل: لا ينعقد، وقيل ينعقد به لأنه يفيد ملك الرقبة للمستقرض. وفي " المرغيناني ": ينعقد على قياس قول أبي جعفر ومحمد، لأنه يفيد الملك عندهما بالقرص، وبلفظ السلم قيل: لا ينعقد، وقيل: ينعقد به، لأنه يفيد ملك الرقبة، وينعقد السلم في الحيوان حتى لو قبضه ملكه ملكا فاسدا. واختلفوا في الصرف، قيل لا ينعقد به وقيل ينعقد ولا ينعقد بالوصية، وعن الطحاوي ينعقد وفي الرهن اختلاف المشايخ وقال الجرجاني: لا ينعقد بالإقالة، لأنها موضوعة للفسخ، وكذا الصلح لكونه لإسقاط الحق لا لابتداء العقد. وقال السرخسي: ينعقد بلفظ الصلح والعطية، وروى بشر عن أبي يوسف أنه ينعقد بلفظ الرد، صورته: طلق امرأة بائنا، فقالت: رددت نفسي عليك بكذا كان نكاحا إذا قبل، وفي " الذخيرة " قال: أتزوجك متعة لا ينعقد. وفي " الهارونيات " عنه ينعقد ويلغو لفظ المتعة، وفي " المنتقى ": أتزوجك أمتعة فهو باطل وفي " المرغيناني " أتمتع بك مدة كذا لا ينعقد إلا إذا كانا لا يعيشان إلى تلك المدة غالبا كمائتي سنة وثلاثمائة سنة لأنه مؤبد حكما، وقال المرغيناني: النكاح لا ينعقد بالجعل. قال في " الذخيرة ": هذا ليس بصحيح، وفي " نوادر ابن رستم ": عن أبي يوسف إذا قالت امرأة لرجل: جعلت نفسي لك بألف بحضرة الشهود فقال: قبلت يكون نكاحا، ولو عقداه بلفظ يفهمان بكونه نكاحا ولا يعلمان به اختلف المشايخ فيه. م: (وقال الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا ينعقد إلا بلفظ النكاح والتزويج) ش: وبه قال أحمد، وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء والزهري م: (لأن التمليك ليس حقيقة فيه) ش: أي في النكاح أو في التزويج، لأنه لو كان حقيقة فيهما يلزم الترادف وهو خلاف الأصل. م: (ولا مجاز عنه) ش: أي عن النكاح أو التزويج. لأن المجاز يقتضي المشاكلة في المعاني الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 لأن التزويج للتلفيق، والنكاح للضم ولا ضم ولا ازدواج بين المالك والمملوكة أصلا. ولنا: أن التمليك سبب لملك المتعة في محلها بواسطة ملك الرقبة وهو الثابت بالنكاح والسببية طريق المجاز وينعقد بلفظ البيع هو الصحيح لوجود طريق المجاز، ولا ينعقد بلفظة الإجارة في الصحيح؛ لأنه ليس بسبب لملك المتعة   [البناية] ولم يوجد م: (لأن التزويج للتلفيق) ش: يقال لفقت الثوبين ولفقت أحدهما بالآخر إذا لازمت بينهما بالخياطة. ويقال: أحاديث ملفقة أي ضم بعضها إلى بعض. م: (والنكاح للضم ولا ضم ولا ازدواج بين المالك والمملوكة أصلا) ش: ولهذا لو اشترى منكوحة يفسد النكاح، ولو كان بينهما ملاءمة لما فسد. م: (ولنا أن التمليك سبب لملك المتعة) ش: يعني تمليك الرقبة سبب لملك المتعة إذا صارت فعل المتعة لإفضائه إليه، وملك المتعة وهو الثابت بالنكاح والسببية طريق المجاز، وقيد بقوله م: (في محلها) ش: أي في محل المتعة احترازا عن تمليك الغلمان والبهائم والأخت من الرضاعة والأمة المجوسية؛ فإنها ليست محلا لملك المتعة. م: (بواسطة ملك الرقبة) ش: يتعلق بقوله: التمليك سبب لملك المتعة م: (وهو الثابت) ش: أي ملك الرقبة وهو الثابت م: (بالنكاح) ش: فكان بينهما اتصال باعتبار السبب م: (والسببية طريق المجاز) ش: وإن لم يكن اتصالا من جهة المعنى. فصحت الاستعارة فيكون من باب إطلاق السبب على المسبب، قال الأكمل: واعترض بأن ملك الرقبة إذا ورد على ملك النكاح أفسده، فكيف يثبت النكاح به. وأجيب: بأن إفساد النكاح ليس من حيث تحريم الوطء لا محالة، بل من حيث ضرب الملكية لها في موجب النكاح من طلب القسم وتقرير النفقة والسكنى والمنع من العزل، وحينئذ لا منافاة بين ما يثبته وينفيه فجازت الاستعارة. م: (وينعقد) ش: أي النكاح م: (بلفظ البيع) ش: بأن قالت المرأة: بعتك نفسي، أو قال الأب: بعت بنتي منك، وكذا بلفظ الشراء قال: اشتريتك بكذا، فأجاب بنعم م: (هو الصحيح) ش: يعني انعقاد النكاح بلفظ البيع هو الصحيح. واحترز به عن قول أبي بكر الأعمش، فإنه قال: لا ينعقد بلفظ البيع، وقد ذكرناه عن قريب م: (لوجود طريق المجاز) ش: لأن الملك بسبب ملك المتعة في محل فيجوز استعارته. م: (ولا ينعقد بلفظ الإجارة) ش: بأن تقول امرأة: أجرت نفسي منك بكذا، أو يقول الأب أجرت ابنتي بكذا ونوى به النكاح، واعلم أن الشهود الذين حضروا ذلك فإنه لا يجوز م: (في الصحيح) ش: احترازا عن قول الكرخي، فإنه قال: ينعقد بها. م: (لأنه) ش: أي لأن لفظ الإجارة م: (ليس سببا لملك المتعة) ش: لأن الإجارة لا تنعقد إلا مؤقتة والنكاح لا ينعقد إلا مؤبدا، وبينهما تغاير على سبيل المنافاة، فأنى تصح الاستعارة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 ولا بلفظ الإباحة والإحلال والإعارة لما قلنا، ولا بلفظ الوصية لأنها توجب الملك مضافا إلى ما بعد الموت. قال: ولا ينعقد نكاح المسلمين إلا بحضور شاهدين حرين عاقلين بالغين مسلمين رجلين، أو رجل وامرأتين عدولا كانوا أو غير عدول أو محدودين في القذف. قال _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - _: اعلم أن الشهادة شرط في باب النكاح لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا نكاح إلا بشهود» .   [البناية] [الشهادة في النكاح] م: (ولا بلفظ الإباحة) ش: أي ولا ينعقد النكاح أيضا بلفظ الإباحة م: (والإحلال والإعارة لما قلنا) ش: أنه ليس سببا للملك، أما الإباحة، والإحلال، فإن من أحل، أو أباح طعاما لغيره لا يملكه، وإنما يتلفه على ملك المبيح. وأما الإعارة إنها تملك المنفعة بغير عوض، فلا توجب ملكا يستفاد به ملك المتعة م: (ولا بلفظ الوصية) ش: أي ولا ينعقد أيضا بلفظ الوصية بأن يقول الأب أوصيت لك بابنتي م: (لأنها) ش: أي لأن الوصية م: (توجب الملك مضافا إلى ما بعد الموت) ش: فلا مناسبة بينهما، فلا تصح الاستعارة. وعن الكرخي لو قال: أوصيت لك بابنتي الآن، فإنه ينعقد أو قال أوصيت لك بضع جاريتي في الحال بكذا لو قبل الآخر ينعقد النكاح. واعلم أن الاعتبار لهذه الألفاظ ينعقد بشبهة فيسقط به الحد، ويجب به أقل من المسمى ومن مهر المثل عند الدخول، كذا في " المبسوط ". م: (قال: ولا ينعقد نكاح المسلمين إلا بحضور شاهدين) ش: الشهادة في النكاح شرط عندنا، وهو مذهب سعيد بن المسيب وجابر بن زيد والحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري والأوزاعي وقتادة والشافعي وأحمد، حكاه ابن المنذر في " الأشراف ". وقال عبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون وعبد الله بن الحسن وأبو ثور يجوز من غير شهادة [ ... ] ، وكذا فعل الحسن بن علي وابن زيد _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - _. وبه قال ابن أبي ليلى وعثمان البتي ذكره السرخسي، وقالت طائفة: يجوز بغير شهود إذا أعلنوه وهو قول الزهري ومالك وأهل المدينة، ثم إنه قيد شهادة الشاهدين بتوصيفهما بقوله: م: (حرين عاقلين بالغين مسلمين رجلين، أو رجل وامرأتين، سواء كانوا عدولا أو غير عدول أو محدودين) ش: أي وكان الشاهدان محدودين م: (في القذف) ش: ثم يذكر ما في هذه الأوصاف للشهود بما فيه الخلاف والتعليل. م: (قال) ش: أي في المصنف: م: (_ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - _: اعلم أن الشهادة شرط في باب النكاح لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا نكاح إلا بشهود» ش: هذا غريب بهذا اللفظ، وينبغي أن يستدل بما رواه ابن حبان في " صحيحه " من حديث الزهري عن عروة عن عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وما كان من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 وهو حجة على مالك _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ في اشتراط الإعلان دون الشهادة. ولا بد من اعتبار الحرية فيهما؛ لأن العبد لا شهادة له لعدم الولاية، ولا بد من اعتبار العقل والبلوغ، لأنه لا ولاية   [البناية] النكاح على غير ذلك فهو باطل، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» . قال: ولا يصح في ذكر الشاهدين غير هذا الخبر، وقال الأكمل: واعترض بأنه خبر واحد فلا يجوز تخصيص قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] (النساء: الآية 3) ، وغيره من الآيات وأجاب الإمام فخر الإسلام بأن هذا حديث مشهور تلقته الأمة بالقبول فيجوز الزيادة على كتاب الله. قلت: هذا فيه نظر لا يخفى م: (وهو) ش: أي الحديث المشهور م: (حجة على مالك في اشتراط الإعلان دون الإشهاد) ش: هذا الحديث لم يثبت بهذا اللفظ، فكيف يكون حجة على مالك. نعم حديث عائشة المذكور حجة عليه. واحتج مالك بما رواه الترمذي: حدثنا أحمد بن منيع عن يزيد بن هارون عن عيسى بن ميمون عن القاسم عن عائشة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالغربال» وقال: حسن غريب وعيسى بن ميمون ضعيف في الحديث، وإن سلمنا صحة هذا الحديث فنقول: الإعلان يحصل بحضور الشاهدين، ولو شرط كتمان العقد مع حضور شاهدين صح العقد عندنا، وبه قال الشافعي، والخطابي وابن المنذر والظاهرية. وقال مالك: يفرق بينهما. م: (ولا بد من اعتبار الحرية فيهما) ش: أي في الشاهدين م: (لأن العبد لا شهادة له لعدم الولاية) ش: والشهادة من باب الولاية. واعترض بأن الولاية عبارة عن نفاذ القول على الغير شرعا لو أبى، وذلك إنما يحتاج عند الأداء، وكلامنا في حالة الانعقاد، فكما ينعقد بشهادة المحدودين في القذف ينعقد بشهادة العبدين؛ إذ الولاية لا مدخل في هذا الحال. وأجيب: بأن الأداء يحتاج إلى ولاية متعدية وليست بمراد هنا، وإنما المراد بها الولاية القاصرة تعظيما لأمر النكاح، كاشتراط أصل الشهادة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 بدونهما، ولا بد من اعتبار الإسلام في أنكحة المسلمين؛ لأن لا شهادة للكافر على المسلم. ولا يشترط وصف الذكورة حتى ينعقد بحضور رجل وامرأتين، وفيه خلاف الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ وستعرف في الشهادات إن شاء الله تعالى. ولا تشترط العدالة حتى ينعقد بحضرة الفاسقين عندنا، خلافا للشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _   [البناية] م: (ولا بد من اعتبار العقل والبلوغ، لأنه لا ولاية بدونهما) ش: أي بدون العقل والبلوغ، ولا خلاف في اشتراطهما في الشهادة، وإنما الخلاف في وصف الذكورة والعدالة على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى. م: (ولا بد من اعتبار الإسلام في أنكحة المسلمين؛ لأنه لا شهادة للكافر على المسلم) ش: يعني من باب الولاية، ولا ولاية للكافر على المسلم، وفيه النظر الذي مر أنه ليس المراد به الأداء حتى تكون الولاية شرطا. والجواب: إنا قد ذكرنا أن الشهادة وظيفة، إنما كانت تعظيما، ولا تعظيم لشيء بسبب حضور الكفار. [شروط شهود النكاح] م: (ولا يشترط وصف الذكورة حتى ينعقد بحضرة رجل وامرأتين) ش: وقال الشافعي وداود وأصحابه واختاره ابن حزم وجوزه بشهادة أربع من النساء م: (وفيه خلاف الشافعي) ش: فإن عنده لا يجوز فيه شهادة النساء لدلالة قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» . فإن لفظ شاهدين يقع على ذكرين أو ذكر وأنثى، والثاني غير مراد بالإجماع فيتعين الأول. قلنا: شهادة النساء حجة أصلية بالنص، لكن فيه نوع شبهة باعتبار صورة البدلية والنكاح إنما يثبت بالشبهة. م: (وستعرف) ش: أي خلاف الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ م: (في الشهادات إن شاء الله تعالى) ش: فإنه وعد خلاف الشافعي في كتاب الشهادة، وسيجيء إن شاء الله عز وجل. م: (ولا تشترط العدالة) ش: أي في شهود النكاح م: (حتى ينعقد) ش: أي النكاح م: (بحضرة الفاسقين عندنا، خلافا للشافعي) ش: فإنه يقول: لا ينعقد بحضرة الفاسقين، وبه قال أحمد، وقال إمام الحرمين في " النهاية ": لا ينعقد بحضور الفاسقين، لأن الشهادة فيه مقبولة معنى، وهو صون العقد عن الجحود لأن العقد لا يثبت بشهادتهما، انتهى. هذا باطل فالمستورين، فإنه لا يثبت بشهادتهما عند الحجة، ويصح العقد بحضورهما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 له أن الشهادة من باب الكرامة، والفاسق من أهل الإهانة. ولنا أنه من أهل الولاية، فيكون من أهل الشهادة، وهذا لأنه لما لم يحرم الولاية على نفسه لإسلامه لا يحرم على غيره، لأنه من جنسه، ولأنه صلح مقلدا فيصلح مقلدا وكذا شاهدا.   [البناية] وبابني الزوجين أو ابني أحدهما على الأصح ولا يثبت بهما. م: (له) ش: أي للشافعي م: (أن الشهادة من باب الكرامة) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أكرموا الشهود، فإن الله يحيي بهم الحقوق» م: (والفاسق من أهل الإهانة) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا لقيت الفاسق فألقه بوجه مقهور» ، ولأن كلامه محتمل الصدق والكذب، ولا يترجح صدقه لعدم عدالته، إذ العدالة هي المرجح على ما عرف، فإذا فات المرجح بقي محتملا فلا يصح حجة. م: (ولنا أنه) ش: أي الفاسق م: (من أهل الولاية) ش: لإسلامه في نفسه م: (فيكون من أهل الشهادة) ش: لأنه إذا كان من أهل الولاية على نفسه يكون من أهل الولاية على غيره، وهي الشهادة. م: (وهذا) ش: إشارة إلى جواب عما يقال: الولاية على نفسه ولاية قاصرة، فلا نسلم أن من كان من أهل الولاية على نفسه كان من أهل الشهادة، لأنها متعدية إلى غيره. وتقرير الجواب أن يقال: هذا الذي قلنا إن الفاسق من أهل الشهادة، لأنه من أهل الولاية م: (لأنه) ش: أي لأن الفاسق م: (لما لم يحرم الولاية على نفسه لإسلامه) ش: أي لكونه مسلما م: (لا يحرم) ش: أي الولاية م: (على غيره، لأنه) ش: أي لأن كونه أهلا للولاية على غيره. م: (من جنسه) ش: أي من جنس كونه أهلا للولاية على نفسه. وقيل: الضمير في لأنه للمشهود. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الفاسق وهو الشاهد م: (صلح مقلدا) ش: بكسر اللام، أي سلطانا وخليفة، فإن جمهور الأئمة بعد الخلفاء الأربعة لم [ ... ] من فسق، أي المشهود عليه من جنس الفاسق من حيث إن كل واحد منهما مسلم. لأنه أي لأن الولاية على تأويل الحكم المذكور ونحوه فالقول بالخروج عن الإمامة بالفسق يفضي إلى فساد عظيم. فإذا كان كذلك م: (فيصلح مقلدا) ش: بفتح اللام، أي قاضيا، أو حاكما. م: (وكذا شاهدا) ش: أي فكذا شاهدا، لأن الشهادة والقضاء من باب واحد. قال الأكمل: في عبارته تسامح، لأنه يهم منه أن تكون أهلية الشهادة مرتبة على أهلية القضاء. وقد ذكر في كتاب " أدب القاضي " أن أهلية القضاء مستفادة من أهلية الشهادة، ولو قال بالواو كان أحسن لا يقال: يجوز أن يكون مرتبا على مقلد بكسر اللام، لأن أهلية السلطنة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 والمحدود في القذف من أهل الولاية فيكون من أهل الشهادة تحملا.   [البناية] ليست مستفادة من أهلية الشهادة، لأن عليه كذلك. والجواب: أن كلامه إذا كان الفسق لا يمنع عن ولاية هي أعم ضررا فلأن لا يمنع عن ولاية عامة الضرر وخاصة أولى، والترتيب على هذا الوجه غير خلاف الصحة. ولو قال: الفاسق من أهل الولاية القاصرة بلا خلاف فيصلح شاهدا على الانعقاد لأنه لا إلزام فيه فكانت الولاية قاصرة لكان أسهل فهما. [شهادة المحدود في القذف على عقد النكاح] م: (والمحدود في القذف من أهل الولاية) ش: نظرا إلى الإسلام م: (فيكون من أهل الشهادة تحملا) ش: يعني من حيث تحمل الشهادة: لا من حيث الأداء. وقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] (النور: الآية 4) ، نهي عن القبول، وهو يعدم وصف الأداء لا أصل الشهادة؛ إذ النفي عن قبول الشيء يقتضي تحقيق ذلك الشيء وفوت الثمرة لا يدل على فوت الأصل، كشهادة العميان على ما يجيء. وقال ابن المنذر: اختار أبو جعفر وأصحابه بأعميين أو محدودين في القذف أو فاسقين الجمع على رد شهادتهما، وأبطلوه بشهادة العبدين، وقد اختلفوا في شهادتهما. وأجاب عنه السروجي وقال: ما أجهله، وأكثر الخليفة ما لا يعرفه والمراد بالمحدودين التائبان وإلا فلا فائدة في ذكرهما مع ذكر الفاسقين وشهادتهما مقبولة عن جماعة من العلماء بعد التوبة، منهم الشافعي. والفاسق له شهادة حتى لو حكم به حاكم نفذ حكمه، قال الله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] ، (الحجرات: الآية 6) ، فأمرنا بالتثبيت والتبين ولم يأمرنا بالدفع والرد، بخلاف العبدين، فإن الشهادة من باب الولاية إذ فيهما إلزام على الغير. والعبد ليست له ولاية على نفسه، فكيف تثبت له ولاية على غيره، وقد جازف في نقل الإجماع في رد شهادة المذكورين، قال: ولم يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في اشتراط الشاهدين في النكاح خبر. قال: وكان يزيد بن هارون يعيب على أصحاب الرأي ويقول: أمر الله بالإشهاد في البيع ولم يأمر بالإشهاد في النكاح، فكيف زعم أصحاب الرأي أن البيع بدونه جائز، والنكاح بدونه فاسد؟ وقال السروجي: جهله أعظم من جهل ابن المنذر، لأن الأئمة قائلة على أن الأمر في الإشهاد على التبايع أمر استحباب، ويزيد ليس له من الفهم إلا المتعلق باللغة دون المعاني. وجمهور العلماء وأهل الفتوى على اشتراط الإشهاد في النكاح، وطعنه هذا طعن على الذين ذكرناهم مما مضى عن ترتيب ولا يخص أبو حنيفة وأصحابه، انتهى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 وإنما الفائت ثمرة الأداء بالنهي لجريمته فلا يبالى بفواته كما في شهادة العميان وابني العاقدين. قال: وإن تزوج مسلم ذمية بشهادة ذميين صح عند أبي حنيفة وأبي يوسف _ رحمهما الله _. وقال محمد، وزفر _ رحمهما الله _: لا يجوز، لأن السماع في النكاح شهادة ولا شهادة للكافر على المسلم،   [البناية] قلت: قوله: _ لم يثبت عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في اشتراط الشاهدين في النكاح خبر يرده ما رواه ابن حبان من حديث عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ وقد مر عن قريب. م: (وإنما الفائت ثمرة الأداء) ش: جواب عما يقال: إن المحدود في القذف إذا كان من أهل الولاية ينبغي أن تكون شهادته متعدية وليست كذلك، فأجاب بقوله: _ وإنما الفائت من شهادة المحدود في القذف ثمرة الأداء. أي أداء شهادتهم م: (بالنهي لجريمته) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] (النور: الآية 4) ، م: (فلا يبالى) ش: بصيغة المجهول م: (بفواته) ش: أي بفوات ثمرة الأداء، وإنما ذكر الضمير لهما باعتبار المذكور. وأما بالنظر إلى لفظ الأداء م: (كما في شهادة العميان) ش: فإن النكاح ينعقد بشهادتهم بالإجماع، ولا تقبل عند الأداء بالإجماع. م: (وابني العاقدين) ش: أي وكذا في شهادة ابني العاقدين فإن النكاح ينعقد بشهادتهما بالإجماع ولا يقبل عند الأداء بالإجماع. [شهادة الأخرس والمفلس وابني الزوج وابني الزوجة وابنيهما في النكاح] فروع في المشكلات: وينعقد بشهادة الأخرس، والمفلس، وابني الزوج وابني الزوجة وابنيهما. وفي " المغني ": وفي شهادة محدودين وابني الزوجين وابني الزوجة وجهان، واختار الانعقاد أبو عبد الله بن بطال وينعقد عند الجماعة بالعبدين والمكاتبين والمدبرين والصبيين والأصمين. وفي " المغني ": ولا ينعقد بشهادة أصمين ولا شهادة أخرسين وفي شهادة المراهقين احتمال، وفي " النهاية " وأجمعوا على أنه لا ينعقد بشهادة الأصمين، وفي " الذخيرة ": ولا ينعقد بشهادة النائمين لا يسمعان كلام العاقدين. وفي " قنية المنية ": ينعقد بهما وهو الأصح. م: (قال: وإن تزوج مسلم ذمية بشهادة ذميين صح عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: سواء كانا موافقين في دينهما أو مخالفين م: (وعند محمد _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ وزفر: لا يجوز) ش: وبه قال الشافعي وأحمد، وفي بعض النسخ، وقال محمد _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _، وزفر _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا يجوز. وقال المالكية: أنكحة الكفار فاسدة مع أنه لا ولاية للكافر على الكافر صحيحة عندهم والشهادة ليست بشرط عندهم والإسلام يصححها عندهم م: (لأن السماع) ش: أي سماع العاقدين من الإيجاب والقبول م: (في النكاح شهادة، ولا شهادة للكافر على المسلم) ش: بالاتفاق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 فكأنهما لم يسمعا كلام المسلم، ولهما أن الشهادة شرطت في النكاح على اعتبار إثبات الملك لوروده على محل ذي خطر لا على اعتبار وجوب المهر؛ إذ لا شهادة تشترط في لزوم المال، وهما شاهدان عليها، بخلاف ما إذا لم يسمعا كلام الزوج، لأن العقد ينعقد بكلاميهما والشهادة شرطت على العقد. قال: ومن أمر رجلا بأن يزوج ابنته الصغيرة فزوجها والأب حاضر بشهادة رجل واحد سواهما جاز النكاح، لأن الأب يجعل مباشرا للعقد لاتحاد المجلس، فيكون الوكيل سفيرا ومعبرا، فيبقى المزوج شاهدا.   [البناية] م: (فكأنهما) ش: أي فكأن الذميين م: (لم يسمعا كلام المسلم) ش: أي بطريق الشهادة وشرط الانعقاد سماع الشاهدين كلام مظهري العقد، ولم يوجد فصار كأنهما سمعا كلام المرأة دون كلام الزوج، فلم ينعقد، كما لو لم يسمعا كلامهما أو كلام الزوج وذلك أن سماع من لا شهادة له يكون وجوده كعدمه، كما في العبد. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن الشهادة شرطت في النكاح على اعتبار إثبات الملك) ش: أي مطلق المتعة م: (لوروده) ش: أي لورود الملك م: (على محل ذي خطر) ش: فيشترط الشهادة تعظيما للأبضاع، فيكون الرجل هو المخاطب بالشهادة لأجل أنه يملك البضع، ألا ترى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان مخصوصا بالنكاح بغير شهود م: (لا على اعتبار) ش: أي لا يشترط الإشهاد على اعتبار م: (وجوب المهر) ش: لها عليه م: (إذ لا شهادة تشترط في لزوم المال) ش: لأن إيجاب المال يصح بلا شهود كالبيع وغيره م: (وهما شاهدان عليها) ش: أي الذميان شاهدان عليها أي على الذمية، فشهادة أهل الذمة على الذمية جائزة. فإن قيل: ملك الازدواج مشترك. قلنا: نعم، لكن ذلك ليس بأصل، وإنما يقع تبعا للملك الوارد عليه، كما لو اشترى أمة يملك وطأها بلا طهر، لأنه وقع تبعا. م: (بخلاف ما إذا لم يسمعا كلام الزوج) ش: جواب عن قول محمد وزفر: تقريره الشهادة شرط في النكاح على العقد كما علم، لأنه يخاطب كلام الزوج بالإشهاد عليها بالعقد م: (لأن العقد ينعقد بكلاميهما) ش: أي بكلام الزوجين م: (والشهادة شرطت على العقد) ش: فإن لم يسمعا كلام المسلم لم يشهدا على العقد. م: (قال: ومن أمر رجلا بأن يزوج ابنته الصغيرة فزوجها والأب حاضر) ش: أي والحال أن الأب حاضر عند العقد م: (بشهادة رجل واحد) ش: يتعلق بقوله فزوجها م: (سواهما) ش: أي سوى الآمر والمأمور م: (جاز النكاح، لأن الأب يجعل مباشرا للعقد) ش: أي لأن الموجود من الوكيل واجب الانتقال إلى الموكل في باب النكاح، وإنما جعل الأب مباشرا إذا كان حاضرا م: (لاتحاد المجلس، فيكون الوكيل سفيرا ومعبرا) ش: لانتقال الوكالة إلى الأب م: (فيبقى المزوج شاهدا) ش: ونصبه آخر فينعقد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 وإن كان الأب غائبا لم يجز، لأن المجلس مختلف فلا يمكن أن يجعل الأب مباشرا، وعلى هذا إذا زوج الأب ابنته البالغة بحضرة شاهد واحد إن كانت حاضرة جاز، وإن كانت غائبة لا يجوز   [البناية] وقال الكاكي: قيل: في هذا التعليل نظر. قلنا: قائله هو السغناقي؛ فإنه قال في " النهاية ": هذا تكلف غير محتاج إليه في المسألة الأولى، لأن الأب يصلح أن يكون شاهدا في باب النكاح، فلا حاجة إلى نقل المباشرة من المأمور إلى الآمر حكما، وإنما يحتاج إليه في المسألة الأخيرة وهي إذا زوج الأب ابنته البالغة بمحضر شاهد واحد، فإن كانت حاضرة جاز بنقل مباشرة الأب إليها لعدم صلاحيتها للشهادة على نفسها، وإن كانت غائبة لم يجز، لأن الشيء إنما يقدر تقديرا إذ لم يتصور تحقيقا، إليه أشار في " الفوائد الظهيرية ". وقال الأكمل: وأرى أنه لا فرق بين الصورتين في الاحتياج إلى ذلك التكلف. قلت: فيه تكلف لا يخفى، ومن أراد أن يتضح له ذلك فلينظر في النهاية. م: (وإن كان الأب غائبا لم يجز النكاح، لأن المجلس مختلف) ش: لأنه لو انتقل إليه العقد لكان الإيجاب في مجلس والقبول في مجلس آخر م: (فلا يمكن أن يجعل الأب مباشرا) ش: لأجل غيبته م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى اعتبار حضرة الأب وغيبته م: (إذا زوج الأب ابنته البالغة بحضرة شاهد واحد، إن كانت) ش: أي الابنة م: (حاضرة جاز) ش: لإمكان اعتبار الأب شاهدا م: (وإن كانت غائبة لا يجوز) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 فصل في بيان المحرمات قال: لا يحل للرجل أن يتزوج بأمه ولا بجداته من قبل الرجال أو النساء، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) ، والجدات أمهات؛ إذ الأم هو الأصل لغة أو ثبتت حرمتهن بالإجماع قال ولا ببنته لما تلونا، ولا ببنت ولده وإن سفلت للإجماع، ولا   [البناية] [فصل في بيان المحرمات في النكاح] [المحرمات من جهة النسب] م: (فصل في بيان المحرمات) ش: أي هذا فصل في بيان النساء المحرمات تزوجها؛ لأن الله تعالى أخرجهن من محلية النكاح فاحتيج إلى بيانهن، وهن أربعة عشر، سبعة من جهة النسب، وسبعة من السبب، وستجيء كلها. م: (قال: لا يحل للرجل أن يتزوج بأمه) ش: هذه إحدى السبعة من جهة النسب م: (ولا بجداته) ش: أي لا يحل أن يتزوج بجداته سواء كن م: (من قبل الرجال أو النساء) ش: أي ومن قبل النساء، وليس من كلام العرف تزوجت بامرأة، وإنما يقال: تزوجت امرأة، قاله يونس. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] ش: (النساء: الآية 23) فدلالته على حرمة الأم ظاهرة م: (والجدات) ش: وأما دلالته على حرمة الجدات فأشار إليه بقوله: م: (أمهات إذ الأم هو الأصل لغة) ش: يقال لمكة: أم القرى لكونها هي الأصل، لما روي أنها خلقت أولا ثم دحيت الأرض منها، وقال الله تعالى: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7] (آل عمران: الآية 7) أي أصل ويرد إليه المتشابه، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الخمر أم الخبائث» وهذا عند المحققين، ومن مشايخنا الذين لا يجوزون الجمع بين الحقيقة والمجاز. وعند مشايخنا العراقيين: يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز عند اختلاف المحل فحرمة الجدات قد ثبتت بالنص أيضا بمجازه، وعند الطائفة الأولى بطريق الحقيقة باعتبار معنى يعمهما لغة لا باعتبار الجمع بين الحقيقة والمجاز. قوله: حرمت الجدات بالنص، ومن يبغ يثبت حرمتهن بالإجماع، وإليه أشار المصنف بقوله: م: (أو ثبتت حرمتهن بالإجماع) ش: هذا عند الفريقين. م: (قال: ولا ببنته) ش: ولا ببنت بنت وإن سفلت على ما يجيء الآن والاستدلال فيهن مثل الاستدلال في الأم، فإن بنت البنت تسمى بنتا حقيقة باعتبار أن البنت يراد بها الفرع، فيتناولها النص حقيقة ومجازا عند البعض، ويجوز الجمع عند اختلاف المحل أو بالإجماع. م: (لما تلونا) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: م: (ولا ببنت ولده وإن سفلت) ش: ولفظ الولد يتناول الابن والبنت، ولما ذكرنا من جواز الجمع بين الحقيقة والمجاز في محلين مختلفين عند البعض م: (للإجماع) ش: عند الفريقين م: (ولا بأخته) ش: أي ولا يحل أيضا أن يتزوج بأخته سواء أكانت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 بأخته ولا ببنات أخيه ولا ببنات أخته ولا بعمته ولا بخالته لأن حرمتهن منصوص عليها في هذه الآية وتدخل فيها العمات المتفرقات   [البناية] لأب وأم، أو لأب أو لأم، ضمت الهمزة في _ أخت _ لتدل على الواو الذاهبة منه بخلاف الأخ، لأجل التاء التي ثبتت في الأصل والوقف كالاسم الثاني. م: (ولا ببنات أخيه) ش: أي سواء أكن لأب وأم أو لأب أو لأم م: (ولا ببنات أخته) ش: أي سواء كانت بنت أخته لأب وأم أو لأب أو لأم م: (ولا بعمته) ش: أي ولا يحل أيضا أن يتزوج بعمته م: (ولا بخالته) ش: أي ولا يحل أيضا أن يتزوج بخالته، والخال أخو الأم والخالة أختها، ذكره الجوهري في باب " خول " ليدل على أن أصلها واوي م: (لأن حرمتهن) ش: أي حرمة هؤلاء المذكورات كلها من الأخوات المتفرقات وبنات الأخ، وبنات الأخت، والعمات، والخالات م: (منصوص عليها في هذه الآية) ش: أي قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) . وفي " النهاية ": حاصله أن المحرمات التي ضمها كتاب النكاح والرضاع على أحد وعشرين نوعا: سبعة من جهة النسب: الأمهات، والبنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ وبنات الأخت. وسبعة من جهة الرضاع: كذلك يحرم الرضاع في هؤلاء لقول - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وأربعة من جهة المصاهرة: وهي: أم المرأة وابنتها ومنكوحة الأب، وحليلة الابن، واثنتان من جهة الجمع وهما: الجمع بين أكثر من أربعة، والجمع بين الأختين، وواحدة من جهة الكفر: أو من المجوسية كذا في " شرح الطحاوي ". وفي " التحفة ": تحريم النكاح يتنوع إلى تسعة أنواع: القرابة، والصهرية، والرضاع، والجمع، وتقديم الأمة على الحرة، وبسبب حق الغير، وبسبب الشركة، وبسبب ملك اليمين، وبسبب الطلقات الثلاثة، فعلى هذا تكون الحرمات خمسة وعشرين، كلها مذكورة في الكتاب. م: (وتدخل فيها) ش: أي في حرمة الآية م: (العمات المتفرقات) ش: أي العمة لأب وأم، والعمة لأب دون أم، والعمة لأم دون أب، وفي " المحيط ": وكذا أم العمة حرام؛ لأن أم عمته لأبيه وأمه، أو لأمه هي أم أبيه لا محالة، وأم أبيه حرام عليه، وأما عمته لأبيه هي أخت أبيه ولأب، فإنما تكون امرأة جد أب الأب وامرأة الجد حرام عليه، وكذا عمات أبيه وعمات أجداده وعمات أمه، وعمات جداته وإن سفلن. وأما عمة العمة تنظر إن كانت العمة القربى عمة لأبيه وأمه أو لأبيه، فعمة العمة حرام، لأن القربى إذا كانت أخت أبيه لأبيه وأمه أو لأبيه، فإن عمتها تكون جدة أب الأب، وأخت أب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 والخالات المتفرقات، وبنات الأخوات المتفرقات وبنات الإخوة المتفرقين لأن جهة الاسم عامة. قال: ولا بأم امرأته التي دخل بابنتها أو لم يدخل، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) ، من غير قيد الدخول.   [البناية] الأب حرام، لأنها عمته وإن كانت العمة القربى عمة لأمه، فعمة العمة لا تحرم؛ لأن أب العمة يكون زوج أم أبيه، فعمتها تكون أخت زوج الجدة أم الأب وأخت زوج الأم لا تحرم، وأخت زوج الجدة أولى أن تحرم. [المحرمات من جهة السبب] م: (والخالات المتفرقات) ش: أي الخالة لأب وأم، والخالة لأب دون أم، والخالة لأم دون أم والخالة لأم دون أب، وكذا خالات آبائه وأمهاته. وأما خالة الخالة وإن كانت الخالة القربى خالة لأب وأم، أو لأم فخالتها تحرم عليه، وإن كانت القربى خالة لأب فخالتها لا تحرم عليه، لأن أم الخالة القربى تكون امرأة الجد أب الأم لا أم أمه، فأختها امرأة أب الأب وأخت امرأة الجد لا تحرم عليه. م: (وبنات الأخوة المتفرقات وبنات الإخوة المتفرقين) ش: أي ويدخل في الآية المذكورة بنات الإخوة والأخوات. وقوله: المتفرقين بصيغة الجمع المذكر صفة الأخوة التي جمع أخ ويدخل فيه الأخوات التي هي جمع أخت، ومعنى التفرق يعني سواء كانت بنات الأخ لأب وأم أو لأم وبنات الأخت كذلك، وكلهن محرمات على التأبيد بالكتاب والسنة والإجماع. وفي " الذخيرة ": أولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات من المباحات لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ} [الأحزاب: 50] (النساء: الآية 23) . في " النتف ": حرم الله تعالى العمة والخالة ولم يحرم بناتهما، وكذا أولادهم وإن سفلوا يجوز التناكح فيما بينهم من جميع القرابات وهم أرحام لا محرم م: (لأن جهة الاسم عامة) ش: يعني المعنى المجوز لإطلاق اسم الأخت يشمل الفرق الثلاث، وهو المجاور في رحم أو صلب، فكان الاسم حقيقة للكل. وقال تاج الشريعة: قوله: وجهة الاسم عامة _ أي جهة اسم العمومة والخئولة لأنها أخت أبيه وأخت أمه، وهذه الجهة لا تتغير بكونها لأب وأم. م: (قال: ولا بأم امرأته) ش: هذا بيان المحرمات من جهة السبب وهي جهة المصاهرة، أي ولا يحل له أن يتزوج بأم امرأته م: (التي دخل بابنتها أو لم يدخل بها لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23 من غير قيد الدخول) ش: وكذا بجدتها وإن علت لِقَوْلِهِ تَعَالَى يعني القرآن مطلق عن قيد الدخول في أمر المرأة، والله حرمها مطلقا، فمن قيدها بالدخول فقد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 ولا ببنت امرأته التي دخل بها لثبوت قيد الدخول بالنص، سواء كانت في حجره أو في حجر غيره، لأن ذكر الحجر خرج مخرج العادة لا مخرج الشرط، ولهذا اكتفى في موضع الإحلال بنفي الدخول.   [البناية] نسخه، وبه قال الجمهور: وهو قول عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وعمران بن حصين _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _ وبه قال الشافعي وأحمد بن حنبل، ومالك في الصحيح. وقال بشر المريسي، وابن شجاع، وداود: دخول ابنتها شرط، ويروى عن ابن مسعود وجابر أن أم الزوجة لا تحرم حتى يدخل بالبنت ولا يحرم بنفس العقد، لو طلقها قبل الدخول بها جاز له التزوج بأمها. م: (ولا ببنت امرأته) ش: أي ولا يحل أيضا أن يتزوج ببنت امرأته م: (التي دخل بها لثبوت قيد الدخول بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) ، وإن لم يدخل بها حتى حرمت عليه بطلاق أو موت يحل له أن يتزوج بالبنت، لأن هذه الحرمة تعلقت بشرط الدخول، وقال إمام الحرمين في " النهاية ": إنما تحرم إذا كانت صغيرة يوم العقد فتجعل في حجره وتكمله، وإذا كانت كبيرة يوم العقد لا تحرم. م: (سواء كانت) ش: أي بنت امرأته م: (في حجره أو في حجر غيره) ش: اختلف الصحابة _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - _ في شرطية الحجر بهذه الحرمة، فقال علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ الحجر شرط، وبه قال داود لظاهر الآية م: (لأن ذكر الحجر خرج مخرج العادة) ش: فإن العادة أن تكون البنات في حجر زوج أمهاتها ليأتي تربيتها م: (لا مخرج الشرط) ش: أي ما يخرج مخرج كونه شرطا، والتقييد العرفي لا يوجب تقييد الحكم به، كما في قَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] (النور: الآية 33) ، كذا في " المبسوط "، ولا إلزام فيه على داود؛ لأن علم الخبر شرط صحة الكتابة عنده. م: (ولهذا) ش: أي ولأن ذكر الحجر خرج مخرج العادة م: (اكتفى في موضع الإحلال) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) ، يعني اكتفى الله تعالى في هذه الآية م: (بنفي الدخول) ش: ولم يشترط نفي الحجر مع نفي الدخول، حيث لم يقل: فإن لم تكونوا دخلتم بهن. وليس في حجوركم؛ فإن الإباحة تتعلق بضد ما تتعلق به الحرمة. واعترض: بأنه يجوز أن تكون الحرمة متعلقة ذات وصفين، وهما الدخول والحجر، ثم تنتفي الحرمة بانتفاء أحدهما لأن الشيء ينتفي بانتفاء الجزء، فلم تكن ثبوت الإباحة عند انتفاء الدخول، دليلا على أن الحرمة غير متعلقة بالحجر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 قال: ولا بامرأة أبيه وأجداده، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] (النساء: الآية 22) ، ولا بامرأة ابنه وبني أولاده؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) .   [البناية] وأجيب: بأن العادة في مثله نفي الوصفين جميعا أو نفي العلة مطلقا لا نفي أحدهما والسكوت عن الآخر. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا بامرأة أبيه) ش: أي ولا يحل له أن يتزوج بامرأة أبيه م: (وأجداده) ش: أو بنساء أجداده م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] (النساء: الآية 22) ش:، واسم الأب يتناول الأجداد، والأب الحقيقي باعتبار عموم المجاز وهو الأصل، فثبتت الحرمة في الجميع نصا أو إجماعا على ما مر، وعلى قول من يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز في المحلين يثبت نصا. وقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا} [النساء: 22] انتهى. بمعنى النفي، إذ لو كان المراد هو النهي لكان ينعقد نكاحها؛ لأن النهي في الأفعال الشرعية لا يعدم المشروعية، ثم المراد من النكاح إن كان هو العقد فالوطء حرام، لأن سبب الوطء عقد النكاح، ولما كان حراما فالسبب المقصود به أولى أن يكون حراما، وأن المراد به هو الوطء، فحرمة العقد ثابتة بالإجماع، لكن لا يتم تمسك المصنف بالآية إلا على قول من قال: المراد بالنكاح العقد. وقَوْله تَعَالَى: {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] معناه إلا ما قد سلف في الجاهلية، فإنكم لا تؤاخذون بذلك إذا خليتم سبيلهن بعد الحرمة، وقيل معناه: ولا ما قد سلف؛ لأن إلا تأتي بمعنى لا، قال الله تعالى: {فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا} [إبراهيم: 44] (البقرة: الآية 150) . فيكون المعنى: أنه كما لا يحل ابتداء العقد بعد ثبوت الحرمة لا يحل إمساك بما قد سلف بعد أول الحرمة كيلا يظن أن هذه الحرمة تمنع ابتداء العقد لا تمنع البقاء، والعرب في الجاهلية كانوا فرقتين: فرقة يعتقدون الإرث في منكوحة الأب إذا لم يكن منها ولد، يطأها بغير عقد جديد، رضيت أم كرهت. وفرقة يعتقدون أنها تحل لهم بعقد جديد، وأنه متى رغب فيها فهو أحق بها من غيره، فنزلت {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] الآية، ناسخة لما اعتقده الفريقان. م: (ولا بامرأة ابنه) ش: أي ولا يحل له أن يتزوج بامرأة ابنه م: (وبني أولاده) ش: أي ولا يحل أيضا نكاح نساء بني أولاده من الذكور والإناث م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) ش: الحلائل جمع حليلة، والذكر حليل، وسميت امرأة الابن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 وذكر الأصلاب لإسقاط اعتبار التبني لا لإحلال حليلة الابن من الرضاعة، ولا بأمه من الرضاعة، ولا بأخته من الرضاعة، ولقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) . ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» .   [البناية] حليلة لأنها حلت للابن من الحل، أو لأنها تحل فراشه، ويحل هو فراشها من الحلول أو حل كل واحد إزار صاحبه، وحليلة الابن حرام على الأب، سواء دخل بها الابن أو لم يدخل لإطلاق النص من الدخول، وأما حليلة ابن الابن بعمومه أو بالإجماع. م: (وذكر الأصلاب لإسقاط اعتبار التبني) ش: هذا جواب عما يقال: ابن الابن لا يكون من صلبه، فكيف يصح تعدية حليلة الابن الصلبي إليه مع هذا القيد؟ أجاب بقوله: وذكر الأصلاب لأجل إسقاط حرمة اعتبار التبني، فإن التبني قد انتسخ بقوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] (الأحزاب: الآية 5) . فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تبنى زيد بن حارثة، ثم تزوج زينب بعدما طلقها زيد، فكان المشركون قد طعنوا وقالوا: إنه قد تزوج حلية ابنه، فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] (الأحزاب: الآية 40) ، فالتعدي هنا لدفع طعن المشركين. م: (لا لإحلال حليلة الابن من الرضاعة) ش: فإن حليلة الابن من الرضاع تحرم على أبيه من الرضاع عندنا. وقال الشافعي: لا تحرم بناء على أصله أن لبن الفحل لا يحرم، واستدل بهذا القيد المذكور. ودليلنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» . وقال الكاكي: وذكر في كتب الشافعية أن تقييد الأصلاب ليس لإحلال حليلة الرضاع بل لإحلال حليلة المتبنى، فحينئذ لا خلاف بيننا وبينهم. م: (ولا بأمه من الرضاعة) ش: أي ولا يحل أيضا أن يتزوج بأمه من الرضاعة م: (ولا بأخته من الرضاعة) ش: أي ولا يحل أيضا أن يتزوج بأخته من الرضاع، والرضاع بفتح الراء وكسرها وبالتاء معهما، وأنكر الأصمعي كسرها مع التاء. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) (ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: ولقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» . ش: هذا الحديث بهذا اللفظ أخرجه الطبراني في " معجمه الكبير " من حديث ثوبان، أن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 ولا يجمع بين أختين نكاحا ولا بملك يمين وطأ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) ، ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من كان يؤمن بالله، واليوم الآخر فلا يجمعن ماءه في رحم أختين» .   [البناية] رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» . وأخرج الترمذي من حديث عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله حرم من الرضاعة ما حرم من الولادة» وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرج البخاري من حديث ابن عباس «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أريد على ابنة حمزة، فقال: " إنها لا تحل لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة، وإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب» وأخرجه مسلم ولفظه: " ما يحرم من الرحم ". م: (ولا يجمع بين أختين نكاحا) ش: أي من حيث النكاح الذي لا يكونان معه بعقد أو عقدين م: (ولا بملك يمين وطأ) ش: أي من حيث الوطء قيد بالوطء؛ لأنه يجوز أن تجمع بين الأمتين الأختين من حيث الملك، غير أنه إذا وطء إحداهما لا يطأ الأخرى، وكان عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ يتوقف في الجمع بين الأختين في الوطء بملك اليمين، ويقول أحلتهما آية وهي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36] (النساء: الآية 36) ، وحرمتهما آية، وهي قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) ، وجعل أبو بكر الرازي هذا قول علي ومجاهد، رواه عن علي الشعبي، ويروى عنه، إنكاره. وفي " الكشاف ": جعل قول عثمان وعلي ثم قال: يرجح علي بالتحريم، وعثمان بالإباحة والإباحة قول الظاهرية، م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] ش: (النساء الآية 23) ، وهو في موضع الرفع، لأنه معطوف على الحرمات، أي ويحرم عليكم الجمع بين الأختين، والمراد حرمة النكاح، لأن التحريم في الآية تحريم النكاح لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا} [النساء: 23] عطف على أمهاتكم. م: (ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمعن ماءه في رحم أختين» ش:، هذا حديث غريب لم يتعرض له أحد من الشرح غير الكاكي أحال ما ذكره في " المبسوط " والسروجي أحال على " الذخيرة " للمالكية. نعم روى الترمذي في " جامعه " من حديث أبي وهب الجيشاني أنه سمع «من فيروز الديلمي يحدث عن أبيه قال: أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " اختر أيهما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 فإن تزوج أخت أمة له وقد وطئها صح النكاح؛ لصدوره من أهله مضافا إلى محله، وإذا جاز لا يطأ الأمة، وإن كان لم يطأ المنكوحة لأن المنكوحة موطوءة حكما، ولا يطأ المنكوحة للجمع إلا إذا حرم الموطوءة على نفسه بسبب من الأسباب، فحينئذ يطأ المنكوحة لعدم الجمع وطأ   [البناية] شئت» وقال: هذا حديث حسن غريب، وفيه دلالة على أن الجمع بين الأختين لا يجوز. قال الترمذي: وأبو وهب الجيشاني اسمه الديلم بن موشع والجيشان بفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبشين معجمة نسبة إلى جيشان قبيلة باليمن، وهو جيشان بن غيلان صخر بن عين، واسم ابن فيروز الضحاك، وذكره ابن حبان في " الثقات " م: (فإن تزوج أخت أمة له) ش: أي فإن تزوج رجل أخت أمة في ملكه م: (قد وطئها) ش: جملة حالية، والجملة الفعلية الماضية إذا وقعت حالا لا بد فيها من لفظة قد صريحة أو مقدرة، أي والحال أن الرجل قد كان وطأ أمته التي في ملكه م: (صح النكاح؛ لصدوره من أهله مضافا إلى محله) ش: أي لأجل صدور النكاح من أهله حال كونه مضافا إلى محله، لأن الأخت المملوكة وطؤها من باب الاستخدام وهو لا يمنع نكاح الأخت إلا أنه لا يطأها بعد ذلك. م: (وإذا جاز) ش: أي نكاح أخت أمته وطئها م: (لا يطأ الأمة) ش: بعد ذلك حتى لا يصير جامعا بين الأختين بوطء م: (وإن كان لم يطأ المنكوحة) ش: واصل بما قبله م: (لأن المنكوحة موطوءة حكما) ش: أي من حيث الحكم، ولهذا تستحق الوطء على هذا الزوج، والأمة لا تستحق الوطء على المولى. فإن قيل: لما كان النكاح قائما مقام الوطء ينبغي أن لا يجوز هذا النكاح حكما، كيلا يصير جامعا بينهما وطئا كما قال بعض أصحاب مالك. قلنا: نفس النكاح ليس بوطء، وإنما صار كالوطء عند ثبوت حكمه، وهو حل الوطء وحكم الشيء يثبت بعده، والنكاح حال وجوده ليس بوطء صحيح لوجوده في محله. م: (ولا يطأ المنكوحة للجمع) ش: أي لأجل الجمع بينهما م: (إلا إذا حرم الموطوءة) ش: أي الأمة الموطوءة م: (على نفسه، بسبب من الأسباب) ش: كالبيع والتزويج والهبة بالتسليم وبالإعتاق والكتابة م: (فحينئذ) ش: أي حين حرم الأمة الموطوءة على نفسه م: (يطأ المنكوحة لعدم الجمع) ش: من حيث الوطء وعن أبي يوسف لا يحل، وعنه أيضا: لو ملك فرج الأولى غيره لا يطأ الأخرى حتى تحيض الأولى حيضة بعد وطئها، لأنه يجوز أن تكون حاملا منه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 ويطأ، المنكوحة إن لم يكن وطئ المملوكة لعدم الجمع وطأ، إذ الموقوفة ليست موطوءة حكما. فإن تزوج أختين في عقدتين، ولا يدري أيتهما أولى فرق بينه وبينهما؛ لأن نكاح إحداهما باطل بيقين ولا وجه إلى التعيين لعدم الأولوية ولا إلى التنفيذ مع التجهيل؛ لعدم الفائدة أو للضرر، فتعين التفريق. ولهما نصف المهر لأنه وجب للأولى منهما وانعدمت الأولوية للجهل بالأولوية فينصرف إليهما.   [البناية] م: (ويطأ المنكوحة إن لم يكن وطئ المملوكة لعدم الجمع وطأ؛ إذ الموقوفة ليست بموطوءة حكما) ش: لأن ملك اليمين لم يوضع للوطء، ولهذا لا يثبت نسب ولد الموقوفة بلا عدة وفي المنكوحة يثبت بدونها [تزوج أختين في عقدتين ولا يدري أيتهما أولى] م: (فإن تزوج أختين في عقدتين ولا يدري أيتهما أولى) ش: بضم الهمزة، لأنه لو تزوجهما في عقد واحد كان النكاح باطلا للجمع بين الأختين، فلا يستحقان شيئا من المهر. وقيد بقوله: ولا يدري أيتهما أولى، لأنه لو علم ذلك بطل نكاح الثانية م: (فرق بينه وبينهما، لأن نكاح إحداهما باطل بيقين، ولا وجه إلى التعيين لعدم الأولوية) ش: لأنه إذا لم يكن وجه لتعيين إحداهما بأن تعين اسم إحداهما بعدم الأولوية لعدم التعيين م: (ولا إلى التنفيذ مع التجهيل) ش: يعني لا تنفيذ لإحداهما بغير عينها. م: (لعدم الفائدة) ش: لأن المقصود بالنكاح التوالد والتناسل، وذلك بالوطء، والوطء لا يقع في غير المعينة، بل يقع في المعينة، ولا حل في الجمعية م: (أو للضرر) ش: في حقهما، لأن كل واحدة منهما متعلقة، ولا مطلقة على تقدير إبقاء النكاح، وفيه ضرر بهما، ولا خلاف فيه للأئمة الأربعة م: (فتعين التفريق) ش: بينهما أكثر لما ذكر من الأمور. م: (ولهما) ش: أي الأختين م: (نصف المهر) ش: بينهما نصفان م: (لأن) ش: أي لأن نصف المهر م: (وجب للأولى) ش: بضم الهمزة. قوله: منهما: أي من الأختين، أي التي نكاحها أولى لصحة نكاحها، وقد جاءت فرقة من جانب الزوج فصار كالطلاق قبل الدخول لا يصح نكاحها وتبقى الموطوءة على الإباحة وليست إحداهما أولى من الأخرى فصار بينهما م: (وانعدمت الأولوية للجهل بالأولوية) ش: وقال الأكمل: وتقرير كلامه: المهر للأولى منهما، وليس إحداهما بكونها أولى للجهل بالأولوية، وفي بعض النسخ بالأولوية م: (فينصرف إليهما) ش: أي إلى الأختين. فإن قيل: ينبغي أن لا يقضي على الزوج بشيء، كما روي عن أبي يوسف، وبه قال بعض الحنابلة لأن المقضي له مجهول، وجهالة المقضي له تمنع القضاء، كما إذا قال لإحداهما علي ألف، فإنه لا يكون لإحداهما أن تأخذ منه شيئا [ ... ] . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 وقيل: لا بد من دعوى كل واحدة منهما أنها الأولى أو الاصطلاح لجهالة المستحقة. ولا يجمع بين المرأة وعمتها وخالتها أو ابنة أخيها أو ابنة أختها لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على ابنة أخيها ولا على ابنة أختها» .   [البناية] وأجيب: بأن معنى المسألة أن تدعي كل واحدة منهما أنها الأولى ولا حجة لهما، أما إذا قالت لا ندري النكاح الأول لا يقضى لهما بشيء ما لم يصطلحا على أخذ نصف المهر، لأن الحق وجب لمجهول فلا بد من الدعوى أو الإصلاح ليقضى لهما، وهو اختيار الفقيه أبي جعفر الهندواني كذا في الكافي. وأشار إلى هذا بقوله م: (وقيل لا بد من دعوى كل واحد منهما) ش: أي من الأختين م: (بالأولوية أو الإصلاح) ش: أي ولا بد من اصطلاحهما م: (لجهالة المستحقة) ش: وصورة الاصطلاح أن يقولا عند القاضي لنا عليه المهر فتصطلح على أخذ نصف المهر إذ الحق لا يعد وفاء ويكون لكل واحدة ربع المهر. وعن محمد: يجب مهر كامل لهما، لأنه يقر بنكاح إحداهما، وعدم طلاقها، فإذا جاز نكاح إحداهما وجب المهر كاملا. [الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها] م: (ولا يجمع بين المرأة وعمتها وخالتها) ش: أي ولا يجمع بين المرأة وخالتها وعمتها م: (أو ابنة أخيها) ش: أي أخي المرأة م: (أو ابنة أختها) ش: أي أخت المرأة م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على ابنة أخيها ولا على ابنة أختها» ش: هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة، واللفظ لهم خلا مسلما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أخيها، ولا المرأة على خالتها، ولا الخالة على بنت أختها لا تنكح الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى» . واعلم أن مسلما لم يخرجه هكذا بتمامه، ولكنه فرقه حديثين فأخرج صدره عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا: «لا تنكح المرأة على بنت الأخ، ولا بنت الأخت على الخالة» . وروي عن علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ أخرجه أحمد في " مسنده " من النصف الأول من الحديث الذي ذكره المصنف حيث قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها» . وكذا رواه ابن ماجه من حديث أبي موسى مثله سواء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 وهذا مشهور، تجوز الزيادة على الكتاب بمثله.   [البناية] وكذا بعينه رواه الطبراني في الكبير من حديث الحسن عن سمرة بن جندب. وكذا رواه الطبراني من حديث أيوب بن خالد عن عتاب بن أسيد. م: (وهذا مشهور) ش: أي هذا الحديث مشهور، وتلقته الأمة بالقبول، واشتهر بين التابعين وأتباع التابعين مع رواية كبار الصحابة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _، وقد رواه من الصحابة ابن عباس، وأبو هريرة، وعلي، وابن عمر، وأبو سعيد، وأبو أمامة، وجابر وعائشة، وأبو موسى، وسمرة بن جندب، وعبد الله بن مسعود، وأنس بن مالك، وعتاب بن أسيد م: (تجوز الزيادة على الكتاب بمثله) ش: أراد بالكتاب قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] (النساء: الآية 24) ، وكذلك أيضا قد خصت هذه الآية بالوثنية والمجوسية، وبناته من الرضاعة فخص هذه الصورة أيضا بهذا الخبر. وقيل ورد بيانا لمجمل الكتاب، لأن شرط الإحصان في الإباحة بقوله محصنين وهو مجمل وخبر الواحد يصح أن يكون بيانا كما هو معهم الكتاب، وقد احتج بهذا الحديث على تحريم الجمع بين من ذكر في الحديث. وقال ابن عبد البر: أجمع العلماء على القول بهذا الحديث، قال: ولا يجوز عند جميعهم نكاح المرأة على عمتها، وإن علت، ولا على ابنة أختها وإن سفلت ولا على خالتها وإن علت، ولا على ابنة أختها وإن سفلت. قال: والرضاعة في ذلك كالنسب ولا خلاف فيه للفقهاء ونقل عن الروافض والخوارج والظاهرية وعثمان البتي أنه يجوز الجمع بين المرأة وعمتها وبينهما وبين الخالة، ورد عليهم بما ذكرنا. فإن قلت: ما الحكمة في النهي عن ذلك؟ قلت: قال بعضهم: لما فيه من قطيعة الرحم، وبه جزم الرافعي، واستدلوا على ذلك بما رواه ابن حبان في صحيحه من رواية حريز أن عكرمة حدثه عن ابن عباس قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تزوج المرأة على العمة، والخالة " قال: " إنكن إذا فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن» ومن قال بهذا يجري الحكم إلى الأقارب كلها بهذا المعنى فلا يجوز الجمع عندهم بين المرأة وقريبتها سواء كانت عمة أو خالة أو بنت عمة أو بنت خالة أو بنت عم أو بنت خال. وهكذا يروى عن إسحاق بن طلحة وعكرمة وقتادة وجابر بن زيد، واختلفت الرواية فيه عن عطاء بن أبي رباح فروى ابن أبي نجيح عنه موافقة الجمهور، وهو الصحيح عنه، وحكي عن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 ولا يجمع بين امرأتين لو كانت إحداهما ذكرا لم يجز له أن يتزوج بالأخرى؛   [البناية] مالك أن غيره أحسن منه واقتصر الجمهور على تحريم ما ورد به الخبر، وقال شيخنا زين الدين: ليست الحكمة فيه قطيعة الرحم، بل المعنى فيه كما رجحه ابن عبد البر هو المعنى في تحريم الجمع بين الأختين، وذلك لأن أحد الأختين لو كان ذكرا لا يحل له نكاح الأخرى، فكذلك من هو بمنزلة الأختين كالعمة والخالة وبنت الأخت وليس كذلك بنت العم، وبنت العمة، وبنت الخال، وبنت الخالة، فإنه لو كان إحداهما ذكرا يحل له نكاح الأخرى. وقد روي هذا المعنى عن الصحابة فيما ذكر ابن عبد البر من رواية معتمر بن سليمان عن فضيل بن ميسرة عن أبي حريز عن العتبي قال: كل امرأتين إذا جعل موضع إحداهما ذكرا لم يحل له أن يتزوج بالأخرى، فالجمع بينهما باطل، فقلت له: عمن هذا؟ فقال: عن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأبو حريز بفتح الحاء المهملة وكسر الراء، وفي آخره زاي واسمه عبد الله بن حسين وهو قاضي سجستان، واختلف في الاحتجاج به فضعفه الجمهور، ويحيى بن سعيد القطان، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن معين في رواية ووثقه في أخرى ووثقه أبو زرعة أيضا، ولم يحتج به الشيخان، وعلق له البخاري، وأخرج له ابن حبان في " صحيحه ". [الجمع بين المرأة وبنت زوج كان لها من قبل] م: (ولا يجمع بين امرأتين لو كانت إحداهما ذكرا لم يجز له أن يتزوج الأخرى لأن الجمع بينهما يفضي إلى القطيعة والقرابة المحرمة للنكاح محرمة للقطع، ولو كانت الحرمة بينهما بسبب الرضاعة يحرم لما لما روينا من قبل) ش: قال الأترازي: لو قال: لو كانت كل واحدة منهما رجلا كما في لفظ بعض القدوري لكان أولى لأن الشرط أن يتصور الرجل من كل جانب لا من جانب واحد وإلا ينتقض هذا الكلي بالمسألة التي تليه، وهي مسألة الجمع بين المرأة وبنت زوج كان لها من قبل، ثم إن الشراح قالوا في صورة قوله: ولا يجمع بين امرأتين ... إلى آخره، كالمرأة وعمتها فإن كل واحدة منهما لو فرضت ذكرا حرم العقد بينهما، لأنه لو فرضت المرأة ذكرا يحرم عليه نكاح عمته، ولو فرضت العمة ذكرا يحرم عليه نكاح بنت أخيه، فإذا لم يحرم الجمع بينهما إلا من جهة واحدة جاز الجمع بينهما كما إذا جمع بين امرأة وبين بنت زوج كان لها من قبل لأن إحداهما لو كان رجلا وهي الزوجة جاز له أن يتزوج الأخرى فلم يعم التحريم. وقال زفر _ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - _: لا يجوز كما في الصورة الأولى، وهو مذهب ابن أبي ليلى والحسن البصري، وعكرمة، وفي الينابيع: إن كان النكاح لا يحل على كلا التقديرين لا يحل له أن يجمع بينهما بنكاح ولا بملك يمين وطأ ولا بالمس بشهوة ولا بالتقبيل، وإن كان يحل إلى إحدى التقديرين دون الآخر يحل عند الجمهور خلافا لزفر _ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - _. وفي المجتبى: لفظ المصنف: لو كانت كل واحدة منهما رجلا لم يجز أن يتزوج بالأخرى، ولما وقع في بعض النسخ: لو كانت إحداهما رجلا سهوا وقع من الكاتب، لأنه ينتقض بالمسألة التي تليها، وإنما قال هذا لما عرف من دأب هذا الكتاب أن يذكر أصلا جامعا يخرج منه المسائل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 لأن الجمع بينهما يفضي إلي القطيعة والقرابة المحرمة للنكاح محرمة للقطع، ولو كانت الحرمة بينهما بسبب الرضاع يحرم لما روينا من قبل، ولا بأس بأن يجمع بين امرأة وبنت زوج كان لها من قبل لأنه لا قرابة بينهما ولا رضاع وقال زفر _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا يجوز لأن بنت الزوج لو قدرتها ذكرا لا يجوز له التزوج بامرأة أبيه. قلنا: امرأة الأب لو صورتها ذكرا جاز له التزوج بهذه، والشرط أن يصور ذلك من كل جانب   [البناية] م: (لأن الجمع بينهما) ش: أي الجمع بين امرأتين لو كانت إحداهما رجلا م: (يفضي إلى القطيعة) ش: أي قطيعة الرحم، والمحرم والقطع لأن المعاداة عادة بين الضرائر م: (والقرابة المحرمة للنكاح محرمة للقطع) ش: أي القرابة إذا كانت ممن يحرم النكاح بها يحرم قطعها لأنه يفترض وصلها. والنكاح سبب لقطعها لجواز أن لا ينقطع؛ الزوج فيما يأمر وينهى، فيؤدي إلى التشاجر كما هو العادة، وهو سبب للقطع والجمع بينهما يؤدي إلى القطيعة أيضا بل القطيعة هنا أكثر، وقال صدر الشريعة: يعني أن حرمة النكاح ثمة كحرمة القطيعة حتى لا يؤدي إلى استذلالها، فإن النكاح رق. م: (ولو كانت الحرمة بينهما بسبب الرضاعة يحرم) ش: بينهما، كما في النسب م: (لما روينا من قبل) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» ، وقد مر عند قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) . م: (ولا بأس بأن يجمع بين امرأة وبنت زوج كان لها من قبل) ش: وقال الأترازي: أراد بابنة الزوج ابنته من امرأة أخرى، وقوله: كان لها من قبل صيغة نكرة، وهي الزوج، والضمير في لها يرجع إلى المرأة، وبه قال الأئمة الأربعة، ويرى به العلماء. م: (لأنه لا قرابة بينهما) ش: أي بين هذه المرأة وبنت زوج كان لها من قبل م: (ولا رضاع) ش: لأن المانع من الجمع قرابة بين المرأتين أو ما يشبه القرابة في الحرمة كالرضاع، وذلك غير موجود فيهما. م: (وقال زفر _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا يجوز) ش: وهو قول الحسن البصري وعكرمة وابن أبي ليلى م: (لأن بنت الزوج لو قدرتها ذكرا لا يجوز له التزوج بامرأة أبيه. قلنا: امرأة الأب لو صورتها ذكرا جاز له التزوج بهذه) ش: أي بهذه البنت. م: (والشرط أن يصور ذلك من كل جانب) ش: كما كان في الأختين كذلك، لأن ذلك هو المنصوص عليه، وما نحن فيه فرع عليه، فيجب أن يكون الفرع على وفاق الأصل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 قال: ومن زنى بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها. وقال الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة لأنها نعمة فلا تنال بالمحظور. ولنا أن الوطء سبب الجزئية بواسطة الولد حتى يضاف   [البناية] وقد صح أن عبد الله بن جعفر جمع بن امرأة علي وابنته، قال السروجي: ذكر البخاري أن عبد الله بن جعفر جمع بين ابنة علي، وامرأة علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _ عن ابن عباس أنه جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها، رواه الدارقطني. وكذلك رواه الدارقطني عن رجل من أهل مصر كانت له صحبة يقال له: جيلة أنه جمع امرأة رجل وابنته من غيرها. وفي " المغني ": لو كان لرجل ابن من غير زوجته، ولها بنت من غيره أو كان له بنت ولها ابن جاز تزوج أحدهما من الآخر في قول عامة العلماء. وحكي عن طاوس كراهيته إذا كان ممن ولدته المرأة بعد وطء الزوج لها، والأول أولى لعموم الآية، ومتى ولدت المرأة من ذلك الزوج ولدا صار عما لولدها وخالا، وإذا تزوج امرأة وزوج ابنه أمها جاز، وإذا ولد لكل واحد منهما ولد كان ولد الأب عم ولد الابن خال ولد الأب. [هل الزنا يوجب حرمة المصاهرة] م: (ومن زنى بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها) ش: وهو قول عمر وعمران بن الحصين، وابن مسعود، وجابر بن عبد الله، وأبي بن كعب، وعائشة، وابن عباس في الأصح، وبه قال الحسن البصري، وعامر الشعبي، وإبراهيم النخعي، وعبد الرحمن الأوزاعي، وطاوس، ومجاهد، وعطاء. وقال أبو بكر ابن أبي شيبة في " مصنفه ": وهو قول سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار، وسالم، وحماد، والثوري، وإسحاق بن راهوية، وأحمد بن حنبل، ومالك في " المدونة "، عن ابن القاسم. م: (وقال الشافعي: الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة) ش: هو قول ابن عباس في رواية عروة، والزهري، وأبي ثور، وابن المنذر، ورواه مالك في " الموطأ ". وقال شهاب الدين القرافي: وهو رواية غير مشهورة عنه، ذكر ذلك في " الذخيرة "، وإن لاط برجل لا يحرم عليه أمه، ولا بنته عندنا، وبه قال عامة العلماء. وقال عبد الله بن الحسن والأوزاعي والثوري وابن حنبل _ في رواية _: تحريم أمه وبنته عليه، وقال الحسن بن صالح: يكره، ولو مسه بشهوة أو قبله لا يحرم عليه أمه ولا بنته بالإجماع م: (لأنها نعمة فلا تنال بالمحظور) ش: أي لأن المصاهرة نعمة فلا تنال بالمحظور الحرام. م: (ولنا أن الوطء سبب الجزئية) ش: أي بين الواطئ والموطوءة، يعني يصيران كشخص واحد م: (بواسطة الولد) ش: حتى لا يحل للزانية أن تتزوج أب الزاني ولا ابنه م: (حتى يضاف) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 إلى كل واحد منهما كملا فتصير أصولها وفروعها كأصوله وفروعه، وكذلك على العكس. والاستمتاع بالجزء حرام إلا في موضع الضرورة وهي الموطوءة، والوطء محرم من حيث إنه زنا   [البناية] ش: أي الولد. م: (إلى كل واحد منهما) ش: أي من الزاني والزانية، حتى يقال: ابن فلان، وابن فلانة، م: (كملا) ش: على وجه الكمال إضافة حقيقية وعرفا وهذه علة ثبوت الجزئية بين الواطئ والموطوءة. فإن قيل: ما ذكرتم أن الولد يضاف إلى كل واحد كملا ممنوع، لأنه ليس بولد. قلت: يضاف إليه إلا ترى أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أثبت للزاني الحجر. وجعل كمل الولد منسوبا إلى صاحب الفراش بقوله: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» وإضافة الولد إلى كل واحد منهما ليست بطريق الحقيقة، بل بعضها يضاف إليه حقيقة وبعضه مجازا، والولد مخلوق من مائهما، فكان البعض متولدا من أحدهما، والبعض متولد من الآخر ضرورة، لأن المائين لما اختلطا حصلت المجاورة بينهما، والمجاورة من طريق المجاز. يقال: جرى النهر وسال الميزاب، فكذا هذا، أجيب: بأن الولد يضاف إلى كل منهما والأصل أن الاستعمال بطريق الحقيقة لا بطريق المجاز، ولأن هذا إضافة واحدة إلى شخص واحد وقد حملت الحقيقة في البعض فلا يجوز حملها على المجاز في البعض الآخر؛ لأن اللفظ الواحد لا يطلق على الحقيقة والمجاز في الحالة الواحدة. م: (فتصير أصولها) ش: هذه نتيجة قوله: حتى يضاف إلى كل واحد منهما فتصير أصول الموطوءة م: (وفروعها كأصوله وفروعه) ش: أي كأصول الواطئ وفروعه، وأراد بالأصول آباءهما وبالفروع أولادهما في الحل والحرمة. م: (وكذلك على العكس) ش: أي وكذلك تصير أصوله وفروعه كأصولها وفروعها والاستمتاع بالجزء حرام، هذا جواب عما يقال: لو كان الأمر كذلك لكانت الحرمة ثابتة في نفس المرأة الموطوءة؛ لأنها حينئذ جزء الواطئ. فأجاب بقوله: م: (الاستمتاع بالجزء حرام إلا في موضع الضرورة وهي الموطوءة) ش: لأنها لو قيد بحرمتها لما حلت امرأة فيؤدي إلى إبطال المقصود من شرع النكاح وهو التوالد والتناسل، فمعنى الضرورة لم يعتبر ذلك هنا كما حلت حواء لآدم - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -. وقد خلقت منه حقيقة فحلت له ضرورة وحرمت ابنتها م: (والوطء محرم) ش: بكسر الراء جواب عن قوله: فلا ينال بالمحظور، وتقديره أن يقال: إن الوطء حرام م: (من حيث إنه زنا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 لا من حيث إنه سبب الولد.   [البناية] لا من حيث إنه سبب الولد) ش: وفي بعض النسخ والوطء محرم من حيث إنه سبب الولد، لا من حيث إنه زنا، والذي يظهر من كلام الشراح هنا أن هذه النسخة هي الصحيحة. فإن الأكمل قال: بيانه أن الوطء ليس سبب الحرمة من حيث ذاته، ولا من حيث إنه زنا، وإنما سبب لها من حيث إنه سبب للولد أقيم مقامه كالسفر مع المشقة ولا عدوان ولا معصية للسبب الذي هو الوطء، لعدم اتصافه بذلك، لا يقال: ولد عصيان ولا عدوان، والشيء إذا قام مقام غيره يعتبر فيه صفة أصله لا صفة نفسه كالتراب في التيمم. وقال الشبلي لا عدوان ولا عصيان في المسبب الذي هو الولد، فكذا لا عصيان في المسبب الذي قام مقامه في ذلك الوجه وهو الزنا، لأن وصف النائب إنما يوجب في وصف المنوب كما في التيمم مع الوضوء. وقال الكاكي: معنى ابتناء الحرمة بالوطء بواسطة أنه سبب للماء، والماء سبب للولد، ووجود الولد هو الأصل في الإعتاق باعتبار أنه جزء لوالدين ولا عصيان فيه، فكان الوطء قائما مقام الماء نظرا لكون الماء مطهرا وسقط وصف التراب، انتهى. فإن قلت: قال الشافعي: النكاح أمر حمدت عليه، والزنا فعل رجمت عليه، فأنى يكون سببا للنعمة، ألا ترى أنه لا يثبت به النسب ولا العدة، فكذا جهة المصاهرة، لأنه لو كان سببا للنعمة يفضي إلى تكثير الزنا. واستدل أيضا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحرام لا يحرم الحلال» هكذا رواه ابن عباس _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _ وروى أبو هريرة _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - _ أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عمن زنى بامرأة ثم تزوج بأمها، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحرم الحرام الحلال» «وقالت عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن رجل أتى امرأة فجورا ثم تزوج بنتها، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لا يحرم الحرام الحلال» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 ومن مسته امرأة بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها. وقال الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا تحرم، وعلى هذا الخلاف مسه امرأة بشهوة ونظرها إلى ذكره عن شهوة   [البناية] قلت: أجيب بأن عدم ثبوت النسب به لكون المقصود من النسب الشرف به، ولا يحصل ذلك بالنسبة إلى الزاني وعدم وجوب العدة لكون وجوبها في الأصل وباعتبار حق النكاح والفراش، وبين النكاح والسفاح منافاة، فبانعدام الفراش ينعدم السبب الموجب للعدة. واستدلاله بالحديث لا يصح إلا ما لا يجعل الحرام محرما للحلال، وإنما تثبت الحرمة باعتبار أن الفعل حرمة للولد، وحرمة هذا الفعل لكونه زنى، مع أن هذا الحديث غير مجرى على ظاهره. فإن كثيرا من الحرام يحرم الحلال، كما إذا وقعت قطرة من خمر في الماء، وكالوطء بالشبهة، ووطء الأمة المشركة، ووطء الأب جارية الابن، هذا كله حرام حرم الحلال. وفي حديثهم الأول عثمان بن عبد الرحمن الرقاشي، قال يحيى بن معين: كان يكذب، وقال البخاري، وأبو داود، والنسائي: ليس بشيء، وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به. وأما الحديث الآخر فضعيف، فقال أحمد: حديثهم من كلام ابن أشرح بعض قضاة العراق، وقيل: من قول ابن عباس وكبار أصحابه خالفوه في ذلك. [مسته امرأة بشهوة هل تحرم عليه أمها وبنتها] م: (ومن مسته امرأة بشهوة حرمت عليه أمها وبنتها) ش: وفي جميع التفاريق سواء كان ذلك المس عمدا أو خطأ أو ناسيا أو طائعا أو مكرها، إذا اشتهى، وفي " القنية ": لو قال: لم أشته لم يصدق. وقال الكاكي: سواء كان اللمس حلالا أو حراما، وبه قال الشافعي في قول، ومالك في الحلال، فإنه ذكر في " المبسوط ": لو قبل أمة بشهوة لا يتزوج بنتها، وكذا لو قبل امرأته بشهوة ثم ماتت قبل الوطء لا يتزوج بنتها. م: (وقال الشافعي: لا تحرم) ش: في قول، وبه قال أحمد سواء كان في الحلال أو الحرام م: (وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور بينا وبين الشافعي م: (مسه امرأة بشهوة) ش: أي مس الرجل امرأته بشهوة م: (ونظرها إلى ذكره عن شهوة) ش: وكذا في الخلاف في التقبيل والمفاخذة. وقال أبو الليث _ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - _: في مسها له تأويل المسألة أنه إذا صدق الرجل المرأة أنها مسته بشهوة، ولو كذبها ولم يقع في أكبر رأيه أنها فعلت عن شهوة ينبغي أنه لا تحرم عليها أمها وابنتها، كذا في " جامع قاضي خان " و " المحبوبي ". وفي " المجتبى ": تثبت حرمة المصاهرة بمسها إذا كانت مشتهاة وهي بنت سبع سنين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 له أن المس والنظر ليسا في معنى الدخول، ولهذا لا يتعلق بهما فساد الصوم والإحرام ووجوب الاغتسال فلا يلحقان به. ولنا أن المس والنظر سبب داع إلى الوطء فيقام مقامه في موضع الاحتياط   [البناية] فصاعدا، ولا تثبت في بنت الخمس، وفيما بنت الخمس والتسع، وقال أبو الليث: تكلموا في الثمان والسبع والست. والغالب أنها لا تشتهى ما لم تبلغ تسع سنين، وقال الشهيد في كتاب " البينات " وعليه الفتوى. م: (له) ش: أي للشافعي م: (أن المس والنظر ليسا في معنى الدخول، ولهذا) ش: أي لكونهما ليسا في معنى الدخول م: (لا يتعلق بهما) ش: أي بالمس والنظر، أي فلا يلحق المس والنظر به م: (فساد الصوم والإحرام ووجوب الاغتسال فلا يلحقان) ش: أي بالدخول، لأن الملحق لا بد أن يكون في معنى الملحق به. م: (ولنا أن المس والنظر سبب داع إلى الوطء فيقام) ش: أي السبب الداعي إلى الوطء م: (مقامه) ش: أي مقام الوطء م: (في موضع الاحتياط) ش:، وهذا لأنا وجدنا لصاحب الشرع يزيد اعتناء في حرمة الأبضاع. ألا ترى أنه أقام بشبهة البعضية بسبب الرضاع مقام حقيقتها في إثبات الحرمة دون سائر الأحكام من التوارث ومنع موضع الذكورة، ومنع قبول الشهادة، فأقمنا السبب الداعي مقام المدعو احتياطا وفساد الصوم والإحرام. ووجوب الاغتسال ليس من باب حرمة الأبضاع حتى يقوم السبب فيه مقام الوطء، ونوقض بأن ما ذكرتم إن كان صحيحا قام النظر إلى جمال المرأة مقام الوطء في ثبوت الحرمة لكونه سببا داعيا إليه. أجيب: بأن النظر إلى الفرج المحرم وهو ما يكون نظرا إلى داخل الفرج بأن كانت ممكنة وهو لا يحل إلا في الملك، والظاهر من ذلك أنها لا تكون على هذه الحالة في خلوة الأجانب. قال الأكمل: فانظر بعد هذا في أن النظر إلى الجمال الحلال في الملك وغيره [ ... ] ولا هل يكون داعيا إلى الوطء دعوة النظر إليه أو لا؟ لا أراك قائلا بذلك إلا مكذبا. انتهى قال الكاكي هنا: ولنا حديث أم هانئ _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - _ عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نظر إلى فرج امرأة حرمت عليه أمها وابنتها» . وفي حديث: «ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها» ، وعن عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ أنه جرد جارية له ونظر إليها ثم استوهبها منه بعض بنيه، فقال: أما إنها لا تحل لك. وعن ابن عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ أنه قال: إذا جامع الرجل المرأة أو قبلها أو لمسها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 ثم إن المس بشهوة أن تنتشر الآلة، أو تزداد انتشارا هو الصحيح   [البناية] بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة حرمت على أبيه وابنه وحرمت عليه أمها وابنتها، انتهى. قلت: حديث أم هانئ أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه "، وقوله في الحديث: ملعون إلى آخره أخرجه الجرجاني، وعن إبراهيم: كانوا يقولون: إذا اطلع الرجل من المرأة على ما لا يحل له أو لمسها بشهوة فقد حرمت عليه جميعا. وعن عطاء وإبراهيم والحكم وحماد بن أبي سليمان ومجاهد وجابر بن زيد وابن المسيب مثله، وعن ابن منبه قال: في التوراة التي أنزل الله على موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أنه لا يكشف رجل امرأة وابنتها إلا وهو ملعون، ذكر ذلك كله ابن أبي شيبة في " مصنفه ". م: (ثم إن المس بشهوة أن تنتشر الآلة) ش: هذا تعريف المس بشهوة وهو أن تنتشر الآلة يعني إذا لم تكن منتشرة قبل النظر والمس م: (أو تزداد انتشارا) ش: إذا كانت منتشرة قبل ذلك. م: (هو الصحيح) ش: احترز به عن قول كثير من المشايخ بحيث لم يشترطوا انتشارا، وجعلوا حد الشهوة أن يميل قلبه إليها ويشتهي جماعها، واختار المصنف قول شمس الأئمة السرخسي. وقول شيخ الإسلام في " المحيط ": والأصح قول كثير من المشايخ المذكور، وإن كان شيخا أو عنينا فحد الشهوة فيه أن يتحرك قلبه بالاشتهاء إن لم يكن متحركا ولا يعتبر مجرد الاشتهاء، وهكذا ذكره السرخسي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - _ وحكي عن محمد بن إبراهيم الميداني أنه كان يميل إلى هذا. وفي " الذخيرة ": لا تثبت هذه الحرمة بالنظر إلى سائر الأعضاء غير الفرج، وإن كان عن شهوة، وقال الصفار: إن كان لا يشتهي بقلبه لعلو سنه فإن مس مقدار ما لو كان شابا تنتشر آلته تثبت الحرمة. وكان الفقيه محمد بن مقاتل الرازي لا يعتبر تحرك القلب، وإنما يعتبر تحرك الآلة، وكان لا يفتي بثبوت الحرمة في الشيخ الكبير والعنين والذي ماتت شهوته حتى تتحرك آلته لمماسته. وروى ابن رستم عن محمد أنه إذا لمسها بشهوة فلم ينتشر عضوه أو كان منتشرا، فلم يزدد انتشارا وهو لامسها بعد، وإن كان بينهما ثوب رقيق يجد حرارة الملموس في يده تثبت الحرمة. وفي " طلاق المنتقى " للحسن بن زياد عن أبي يوسف: إذا لمس شهوة من جسد أم امرأته من فوق الثياب عن شهوة وهو يجد من جسدها حرارة حرمت عليه امرأته، وكذا مس رجلها فوق الكعب أو مس ساق الخف وأسفل الخف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 والمعتبر النظر إلى الفرج الداخل، ولا يتحقق ذلك إلا عند اتكائها، ولو مس فأنزل فقد قيل: إنه يوجب حرمة المصاهرة   [البناية] وروى إبراهيم عن إبراهيم عن محمد أن النظر إلى دبر المرأة موضع الجماع، ثم النظر إلى فرج المرأة ثم رجع، وقال: لا يحرم، لا النظر إلى الفرج من داخل، ومثله عن أبي يوسف _ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقيل: الشهادة على إقراره بالمس والتقبيل بشهوة، وهل يقبل على ذلك بغير إقراره، قيل: لا يقبل، وإليه مال محمد بن الفضل لأنه لا يوقف على ذلك، وقيل: يقبل وإليه مال علي البزدوي. وفي " نوادر ابن سماعة " عن أبي يوسف: رجل نظر إلى بنته من غير شهوة فتمنى أن يكون له جارية مثلها فوقعت له شهوة مع وقوع نظره، فإن كانت الشهوة على ابنته حرمت عليه امرأته، وإن كانت على ما تمنى لم تحرم. وفي " واقعات الناطفي " و " المحيط ": أقام امرأته عن فراشه ليجامعها ومعها ابنتها فوصلت يده إليها فقرصها بأصبعه يظن أنها امرأته وهي تشتهى، حرمت عليه امرأته، وإن كان يحسبها امرأته، لأنه مسها بشهوة، ولا يشترط بلوغها، ويشترط أن تكون مشتهاة. وعن محمد بن الفضل: بنت تسع مشتهاة من غير تفصيل، وبنت خمس فما دونها غير مشتهاة، وبنت ثمان وسبع وست إن كانت عبلة ضخمة كانت مشتهاة وإلا فلا. وفي " الينابيع ": لو جامع ابنة امرأته فأفضاها وأفسدها لا تحرم عليه أمها. وقال أبو يوسف: أكره له الأم والبنت، وفي " المحيط ": تحرم عليه أمها، وقال محمد: التنزه أحب إلي، ولا فرق بينهما، ولو وطء جارية ابنته من الزنا فولدت منه لا تصير أم ولد له بالاتفاق، وسئل ابن سلمة عن امرأة أدخلت ذكر صبي في فرجها وهو ليس من أهل الجماع، قال: تثبت به حرمة المصاهرة. م: (والمعتبر النظر إلى الفرج الداخل ولا يتحقق ذلك) ش: أي النظر إلى داخل الفرج م: (إلا عند اتكائها) ش: إلا إذا كانت متكئة، أما إذا كانت قاعدة مستوية أو قائمة، ونظر إليها لا تثبت حرمة المصاهرة لأن هذا الحكم متعلق بالفرج، والداخل فرج من كل وجه، والخارج فرج من وجه دون وجه لأن الاحتراز من النظر إلى الفرج الخارج متعذر، فسقط اعتباره. وعن أبي يوسف: لو نظر إلى بيت الشعر ثبت حرمة المصاهرة، وقال محمد: لا يثبت حتى ينظر إلى الشعر ذكره قاضي خان. م: (ولو مس فأنزل فقد قيل: إنه يوجب حرمة المصاهرة) ش: وبه كان يفتي شمس الإسلام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 والصحيح أنه لا يوجبها لأنه بالإنزال تبين أنه غير مفض إلى الوطء، وعلى هذا إتيان المرأة في الدبر.   [البناية] الأوزجندي، ووجهه أن مجرد المس بشهوة يثبت الحرمة، وهذه إن كانت توجب زيادة حرمة لا توجب خلافها. م: (والصحيح أنه لا يوجبها) ش: هذا اختيار المصنف وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي والإمام فخر الإسلام. م: (لأنه بالإنزال تبين أن غير مفض إلى الوطء، وعلى هذا) ش: أي على هذا الخلاف م: (إتيان المرأة في الدبر) ش: أي دبر المرأة، أما لو لاط بغلام لا يوجب ذلك حرمة عند عامة العلماء، وقد ذكرناه فيما مضى. وقال الشافعي: لو أتى امرأته بنكاح صحيح أو فاسد في دبرها أو أمته في دبرها تثبت به حرمة المصاهرة فيه قولان، ثم الإتيان في دبر المرأة حرام بإجماع الفقهاء. وروي عن ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال: لم يصح تحريمه عندنا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والقياس أنه حلال، فقال ابن الربيع: كذب ابن عبد الحكم، فإن الشافعي نص على تحريمه. وقال شيخنا في " شرح الترمذي " له: قد انعقد الإجماع آخرا على تحريم إتيان المرأة في الدبر، وإن كان فيه خلاف قديم قد انقطع، وكل من روي عنه إباحته فقد روي عنه إنكاره. فأما القائلون بتحريمه من الصحابة، فعلي بن أبي طالب، وابن عباس، وأبي هريرة، وأبي الدرداء، وابن مسعود، ومن التابعين: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن المسيب، وطاوس، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وسفيان الثوري، والشافعي، وآخرين من أهل العلم. قال الشيخ: ولم يختلف فيه أحد من الصحابة إلا ابن عمر ولا من التابعين إلا نافع، وأما ابن عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _ فروى النسائي في " سننه الكبرى " من طريق مالك قال: أشهد على ربيعة حدثني عن سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر عن ذلك. فقال: لا بأس به. وقد صح عن ابن عمر أيضا إنكار ذلك فيما رواه النسائي في " سننه الكبرى " من طريق مالك قال: أشهد من رواية الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال: قلت لابن عمر: إن متسري الجواري يتحمض لهن، قال: وما التحميض، قال: يأتيهن في أدبارهن، قال ابن عمر: أو يفعل هذا مسلم؟! وروى الثعلبي في " تفسيره " من رواية عطاف بن موسى عن عبد الله بن الحسن عن أبيه أنه حكى عن مالك إباحة ذلك، وأنكره أصحابه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 وإذا طلق امرأته طلاقا بائنا أو رجعيا لم يجز له أن يتزوج بأختها حتى تنقضي عدتها. وقال الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: إن كانت العدة عن طلاق بائن أو ثلاث يجوز لانقطاع النكاح بالكلية إعمالا للقاطع، ولهذا لو وطئها مع العلم بالحرمة يجب الحد. ولنا أن نكاح الأولى قائم لبقاء بعض أحكامه كالنفقة والمنع من الخروج والفراش والقاطع تأخر عمله ولهذا بقي لو وطئ القيد. والحد لا يجب على إشارة كتاب الطلاق،   [البناية] [طلق امرأته طلاقا بائنا أو رجعيا متى يجوز له أن يتزوج بأختها] م: (وإذا طلق امرأته طلاقا بائنا أو رجعيا لم يجز له أن يتزوج بأختها حتى تنقضي عدتها) ش: وكذا لا يتزوج بأربع سواها، ولا بعمتها، ولا بخالتها، ولا ببنت أختها، وكذا الفسخ بعد الدخول بها حتى تنقضي عدتها يروى ذلك عن علي، وابن مسعود، وابن عباس، وزيد بن ثابت _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _، وبه قال سعيد بن المسيب، وعبيدة السلماني، ومجاهد، والنخعي، والثوري، وابن حنبل، ذكر ذلك في " المغني ". م: (وقال الشافعي: إن كانت العدة عن طلاق بائن أو ثلاث يجوز) ش: وقال [به] مالك وابن أبي ليلى وأبو ثور وابن عبيد وابن المنذر، ويروى عن القاسم بن محمد وعروة م: (لانقطاع النكاح بالكلية إعمالا للقاطع) ش: وهو الطلاق البائن والثلاث. م: (ولهذا) ش: أي لأجل انقطاع النكاح بالكلية إعمالا للقاطع، ولهذا م: (لو وطئها مع العلم بالحرمة يجب الحد) ش: ولو جاءت بولد لأكثر من سنتين لم يثبت النسب، ولو بقيت بينهما علقة النكاح لسقط به الحد، ويثبت النسب. وإنما العدة واجبة لأنه من محرم لا لأنها من حقوق النكاح حتى لا يجب بدون توهم الدخول، فكما كان من العدة حق النكاح لا يعتبر توهم الدخول كعدة الوفاة، كذا في " المبسوط ". م: (ولنا أن نكاح الأولى) أي المرأة الأولى، وفي بعض النسخ النكاح الأول م: (قائم لبقاء بعض أحكامه كالنفقة والمنع من الخروج) ش: من المسلم. م: (والفراش) أي وكالفراش وهو صيرورة المرأة بحال لو جاءت بولد ثبت النسب م: (والقاطع) ش: وهو الطلاق، وهو جواب عن قول الشافعي: يجوز انقطاع النكاح بالكلية م: (تأخر عمله) ش: إلى زمان انقطاع العدة لبقاء حكم النكاح. فلو لم يكن قائما حال العدة تخلف الحكم عن علته، وهو باطل م: (ولهذا لو وطئ المعتدة بقي القيد) ش: أي في حق التزوج بزوج آخر، وفي حق الخروج والبروز في العدة، والحد كما يجب هذا جواب عن قوله: ولهذا لو وطئها مع العلم بالحرمة يجب الحد. م: (والحد لا يجب على إشارة كتاب الطلاق) ش: معنى إشارته ما ذكر في باب ثبوت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 وعلى عبارة كتاب الحدود: يجب؛ لأن الملك قد زال في حق الحل فيتحقق الزنا ولم يرتفع في حق ما ذكرنا فيصير جامعا. ولا يتزوج المولى أمته ولا المرأة عبدها؛   [البناية] النسب، أي الموطوءة إذا جاءت بولد لأكثر من سنتين، أو لتمام سنتين من بعد الطلاق فادعاه المطلق يثبت نسبه منه. فدل على أن هذا شبهة في المحل، والشبهة إذا كانت في المحل يستوي فيه العلم والظن في سقوط الحد عنه، بخلاف الشبهة في الفعل، فإن النسب لا يثبت بها أصلا، كما لو وطئ جارية أبيه أو أمه أو زوجته، وقال: ظننت أنها تحل لي. م: (وعلى عبارة كتاب الحدود: يجب) ش: أي الحد م: (لأن الملك قد زال في حق الحل، فيتحقق الزنا) ش: لوقوع الوطء في غير الملك فيجب الحد م: (ولم يرتفع) ش: أي الملك م: (في حق ما ذكرنا) ش: يعني من النفقة. والمنع والفراش وليس هذا إلا باعتبار الحكم بقيامه والنكاح في حق التزوج بالأخت احتياطا في التعادي عن الجمع بين الأختين وهو يعني قوله م: (فيصير جامعا) ش: يعني إذا كان الملك قد زال في حق الحل، وتزوج أختها يصير جامعا بين الأختين. فإن قلت: ما معنى ذكر لفظ الإشارة في عدم وجوب الحد، ولفظ العبارة في وجوب الحد. قلت: لأنها في المسألة الأولى التي ذكرنا صورتها، وهي نسبه، ويثبت نفيها إشارة إلى أن الوطء في عدة الثلاث لا يكون زنا، فلا يجب الحد. وفي المسألة الثانية يفهم وجوب الحد من نفس العبارة؛ لأنه وطء في غير الملك فصار زنا وموجب الزنا الحد. [لا يتزوج المولى أمته ولا المرأة عبدها] م: (ولا يتزوج المولى أمته) ش: سواء ملك كلها أو بعضها م: (ولا المرأة عبدها) ش: أي ولا تتزوج المرأة عبدها، سواء ملكت كله أو بعضه، وبهذا قالت الأئمة الأربعة، وعليه الإجماع. وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على بطلان نكاح المرأة عبدها، انتهى. ونفاة القياس جوزوا ذلك، واستدلوا بقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] (النساء: الآية 3) ، وقَوْله تَعَالَى: {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] (النساء: الآية 25) . والجواب: أن الآية المذكورة يعارضها قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] (النور: الآية 32) ، خاطب الله تعالى الموالى بإنكاح الإماء لا بنكاحهن. فإن قيل: الآية ساكتة عن نكاحهن، والساكت ليس بحجة. فالجواب: أن الموضع موضع ما يحتجن إليه من أمر النكاح، والسكوت عن البيان في موضع يحتاج إلى البيان بيان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 لأن النكاح ما شرع إلا مثمرا بثمرات مشتركة بين المتناكحين والمملوكية تنافي المالكية فيمتنع وقوع الثمرة على الشركة. ويجوز تزوج الكتابيات   [البناية] م: (لأن النكاح ما شرع إلا مثمرا بثمرات مشتركة بين المتناكحين) ش: ثمرته للزوجة وجوب المهر والكسوة والنفقة ووجوب الوطء عليه حكما، وما بعدها وبأنه لا يحل له العزل بغير رضاها، ولها الخيار بالجب والعنة، وثمرته للزوج التمكين من نفسها، وقرارها في بيته. وأعمال داخل البيت من الطبخ وغسل ثيابه وتربية ولده منها وإرضاعها، بمكان كل واحدة منهما مالكا ومملوكا، وبينهما منافاة، أشار إليه بقوله: م: (والمملوكية تنافي المالكية) ش: لأن المالكية تقتضي الظاهرية، والمملوكية تقتضي المقهورية ولا خفاء في التنافي بينهما فإن كان كذلك. م: (فيمتنع وقوع الثمرة على الشركة) ش: لأن ملك أحدهما صاحبه ينفي وقوع الثمرة على الاشتراك، وإذا انقطعت الشركة ينقطع الملك ما يثبت لعينه في باب النكاح، وإنما يثبت لتحقيق الثمرات. فإن قيل: المالكية والمملوكية من جهتين مختلفتين فلا تنافي حينئذ. فالجواب عنه: اختلاف الجهة، لأن كون المرأة مالكة بجميع أجزائها إنما هو بالنسبة إلى العبد، فلم تختلف، ولقائل أن يقول: المرأة بجميع أجزائها مالكة للعبد بجميع أجزائه. وليست مالكة لمنافع بضعه فجاز أن يملك العبد بالنكاح على سيدته منافع بضعها؛ لأن النكاح عقد على ملك منافع البضع وهو لم يكن من حيث منافع بضعه مملوكا، ولا المولى من حيث منافع بضعها مالكة، بل من حيث أجزائها. [تزوج الكتابيات والمجوسيات والوثنيات والصابئات] م: (ويجوز تزوج الكتابيات) ش: جمع كتابية، والذكر كتابي، وهو الذي يؤمن بنبي ويقر بكتاب، ولا خلاف للأئمة الأربعة في جواز نكاح الكتابية الحرة، وهي النصرانية واليهودية. وممن آمن بزبور داود، وصحف إبراهيم وشيث - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، والسامرة من اليهود اختلفوا فيه، ولكن قال الشافعي: ينبغي أن تكون إسرائيلية، يعني من أولاد إسرائيل، وهو يعقوب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأما التمسك بكتب الأنبياء السالفة، بصحف إبراهيم وموسى وإدريس لا يجوز نكاحهم، كذا في " شرح الوجيز ". وممن روي عنهم جواز حرائر أهل الكتاب عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وحذيفة، وسلمان، وجابر وغيرهم _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. ويروى عن ابن عمر أنه كان لا يجوز نكاح الكتابية، وقالت الإمامية: لا يجوز نكاح الكتابية إلا عند عدم المسلمة لاختلاف العلماء في كونهم مشركين، قول الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] (البقرة: الآية 221) ، أي حتى يسلمن من أهل الكتاب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] (المائدة: الآية 5) ، أي العفائف ولا فرق بين الكتابية الحرة والأمة على ما تبين بعد إن شاء الله تعالى: ولا يجوز تزويج المجوسيات،   [البناية] واختلف أهل العلم أن لفظ الشرك يتناول أهل الكتاب، فقال بعضهم: يتناوله لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] ش: (التوبة: الآية 30) . ثم قال في آخر الآية: {سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] والأصح أن اسم الشرك مطلقا لا يتناول أهل الكتاب لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2] (الحجر: الآية 2) ، {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: 1] (البينة: الآية 1) ، والعطف يقتضي المغايرة، والمطلق ينصرف إلى الكامل. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] (المائدة: الآية 5) ش: أي الكتابيات من أحصنت إذا عفت، وأحصنها زوجها إذ أعفها فهي محصنة بالفتح م: (أي العفائف) ش: فسر المصنف المحصنات بالعفائف، وكذا فسر السدي والشعبي. قال الأكمل: تفسيره بذلك احترازا عن قول ابن عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _، فإنه فسره بالمسلمات، وليست العفة شرطا لجواز النكاح، وإنما ذكرها بناء على العادة بدلالة الفرض. وجه الاستدلال أن الله تعالى قال: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ} [المائدة: 5] (المائدة: الآية 5) ، أي: وأحل لكم المحصنات من الذين أوتوا الكتاب فلا خفاء في دلالته على الحل، والعفائف جمع عفيفة من عف عن الحرام يعف عف وعفة، أي كف وهو عف وعفيف، والمرأة عفة وعفيفة. م: (ولا فرق بين الكتابية الحرة والأمة على ما نبين بعد إن شاء الله تعالى) ش: يعني بعد أسطر، حيث قال: ويجوز تزويج الأمة. وقال الكاكي: الأولى أن لا يتزوج الكتابية، ولا تؤكل ذبيحتهم إلا للضرورة، لما روي أن عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ غضب على حذيفة، وكعب، وطلحة غضبا شديدا، فقالوا: انطلق يا أمير المؤمنين ولا تغضب، وكان حذيفة بن اليمان تزوج يهودية، وكذا كعب بن مالك، وطلحة بن عبيد الله. م: (ولا يجوز تزويج المجوسيات) ش: أي بإجماع الأئمة الأربعة، وفقهاء الأمصار، والصحابة، وهي جمع مجوسية، والذكر مجوسي، والمجوس: يعبدون النار. وفي " المبسوط ": لا يجوز نكاحها؛ لأنها ليست من أهل الكتاب، وذكر إسحاق في " تفسيره ": جواز نكاحها، على ما روي عنه أن المجوس من أهل الكتاب، وبه قال داود الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 لقولة - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم» . قال: ولا الوثنيات   [البناية] الظاهري وأباح وطأهن بملك اليمين سعيد بن المسيب، وعطاء وعمرو بن دينار، ومالك. وقال السروجي: وأباح أبو ثور وداود الظاهري نكاح المجوسية، وروي ذلك عن حذيفة، وقال مرة الهمداني، والحسن، وإبراهيم، وحماد: لا يطأ المجوسية حتى تسلم. وبه قال الشافعي وأحمد، قال أبو عمر بن عبد البر: عليه جماعة فقهاء الأمصار، ولم يبلغنا إباحة ذلك إلا عن طاوس. قلت: قد ذكرنا إباحة ذلك عن غير طاوس، وقال السروجي: لا يجوز أنكحة عبدة الشمس والكواكب، وكل من لا كتاب له ولا نكاح الزنادقة والمعطلة. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ غريب، وقال الأكمل: رواه عبد الرحمن ابن عوف، قلت ليست روايته هكذا، ونذكر حديثه الآن كما ورد: روى عبد الرزاق وابن أبي شيبة في " مصنفيهما " عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد عن علي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتي مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام فمن [أسلم] قبل منه ومن لم يسلم ضربت عليه الجزية غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم» . وقال ابن القطان: هذا مرسل، ومع إرساله ففيه قيس بن مسلم وهو ابن الربيع، وقد اختلف وهو ممن ساء حفظه بالقضاء كشريك وابن أبي ليلى. وروى البزار في " مسنده " والدارقطني في " غرائب مالك " من حديث علي الحنفي حدثنا مالك بن أنس عن جعفر بن محمد عن أبيه «عن عمر بن الخطاب _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _، ذكر المجوس، فقال: لا أدري كيف أصنع في أمرهم، فقال عبد الرحمن _ رضي الله تعالى _عنه: أشهد سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب» ، انتهى. قوله: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» أي اسلكوا بهم طريقهم، يعني عاملوهم معاملتهم في إعطاء الأمان وأخذ الجزية. [زواج المحرم والمحرمة في حالة الإحرام] م: (قال: ولا الوثنيات) ش: أي قال القدوري: ولا يجوز أيضا تزويج الوثنيات، وهو جمع وثنية، والذكر وثني، ونسبته إلى عبادة الوثن وهو ماله جثة من خشب أو حجر أو فضة أو جوهر ينحت، والجمع أوثان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] (البقرة: الآية 221) . ويجوز تزوج الصابئات إن كانوا يؤمنون بدين نبي ويقرون بكتاب؛ لأنهم من أهل الكتاب. وإن كانوا يعبدون الكوكب ولا كتاب لهم لم تجز مناكحتهم؛ لأنهم مشركون. والخلاف المنقول فيه محمول على اشتباه مذهبهم، فكل أجاب على ما وقع عنده.   [البناية] وكانت العرب تنصبها لتعبدها، ويدخل في الوثنيات عبدة الشمس وعبدة النجوم والصور التي أنحتوها، والمعطلة والزنادقة والباطنية والإباحية وفي " شرح الوجيز ": وكذا كل مذهب يكفر معتقده، لأن اسم الشرك يتناولهم جميعا م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] (البقرة: الآية 221) ش: وهو بعمومة يتناول الوثنية. قال الأكمل: وهي من يعبد الصنم وغيره. قلت: الوثنية من تعبد الوثن وقد قررناه الآن. والصنم غيره لأنه صورة بلا جثة، كذا فرق بينهما كثير من أهل اللغة، وقيل: لا فرق بينهما وقيل: قد يطلق الوثن على غير الصور. م: (ويجوز تزويج الصابئات) ش: هو جمع صابئة، والذكر صابئ، من صبئ إذا خرج من دين إلى دين، وقال السدي: الصابئون: طائفة من اليهود كالسامرة، وقال أبو إسحاق: هو قول عمر بن الخطاب _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _، وقال قاض خان: وهو قول علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _. وفي " الذخيرة القرافية ": الصابئون من النصارى، والسامرة من اليهود: يجوز مناكحتهم، وفي " المغني " عن أحمد: أنهم طائفة من النصارى، ونص عليه الشافعي، وهو قول إسحاق بن راهويه. وقيد المصنف جواز تزويج الصابئات بقوله م: (إن كانوا يؤمنون بدين نبي) ش: أي كانت جماعة الصابئة يؤمنون بنبي من الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - م: (ويقرون بكتاب) ش: من الكتب المنزلة من السماء م: (لأنهم من أهل الكتاب) ش: أي حين يؤمنون بنبي ويقرون يكونون من أهل الكتاب، ولا خلاف في تزويج الكتابيات. م: (وإن كانوا يعبدون الكواكب ولا كتاب لهم لم تجز مناكحتهم، لأنهم مشركون) ش: فلا تجوز مناكحتهم، قالوا: هم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية وعبدوا الكواكب، والتفصيل المذكور في حكمهم مبني على هذين التفسيرين. م: (والخلاف المنقول فيه) ش: يعني بين أبي حنيفة وصاحبيه أن أنكحتهم صحيحة عنده، خلافا لهما: (محمول على اشتباه مذهبهم) ش: أي كل واحد من أبي حنيفة وصاحبيه م: (فكل أجاب على ما وقع عنده) ش: فوقع عند أبي حنيفة أنهم من أهل الكتاب يقرؤون الزبور ولا يعبدون الكواكب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 وعلى هذا حل ذبيحتهم. قال: ويجوز للمحرم والمحرمة أن يتزوجا في حالة الإحرام وقال الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا يجوز، وتزويج الولي المحرم وليته على هذا الخلاف المذكور، فعندنا يجوز، وعنده لا يجوز له، قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ينكح المحرم ولا ينكح غيره»   [البناية] ولكنهم يعظمونها كتعظيمنا القبلة للاستقبال إليها، ووقع عندهما أنهم يعبدون الكواكب، ولا كتاب لهم، فصاروا كعبدة الأوثان، فإذا لا خلاف بينهم في الحقيقة؛ لأنهم إن كانوا كما قال أبو حنيفة جاز مناكحتهم عندهما أيضا، وإن كانوا كما قالا فلا يجوز مناكحتهم عنده أيضا. وقال مجاهد والحسن: لا كتاب للصائبة، وقال أبو العالية وقتادة: يعبدون الملائكة ويصلون إلى القبلة ويقرءون الزبور. وقال عبد الرحمن بن زيد: يقولون: لا إله إلا الله، وليس لهم كتاب، ولا نبي، ولا عمل. وقال مقاتل: هم قوم يقرون بالله ويعبدون الملائكة ويقرءون الزبور ويصلون إلى الكعبة، أخذوا من كل دين شيئا، وقال الكلبي: هم قوم من النصارى يحلقون وسط رءوسهم ويجبون مذاكيرهم. وقال عبد العزيز بن يحيى: قد درجوا وانقرضوا فلا عين ولا أثر، وقال الخليل: هم قوم يشبه دينهم دين النصارى، إلا أن قبلتهم نحو مهب الجنوب فيزعمون أنهم على دين نوح - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. م: (وعلى هذا حل ذبيحتهم) ش: أي وعلى الخلاف المنقول فيه حل ذبيحتهم، فعند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: تحل ذبائحهم، وعندهما لا تحل، وذكر شيخ الإسلام في " شرح أبو اليسر " أن الصابئين تحل ذبائحهم ونساؤهم عند أبي حنيفة، وأبي يوسف، خلافا لمحمد، والسرخسي ذكر أن أبا يوسف مع محمد وهو المشهور. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجوز للمحرم والمحرمة أن يتزوجا في حال الإحرام) ش: قال الحافظ أبو جعفر الطحاوي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - _: وهو قول عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وأنس بن مالك _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _. وبه قال سعيد بن جبير وعطاء وطاوس ومجاهد وعكرمة وجابر وعمرو بن دينار وأيوب السختياني، وعبد الله بن أبي نجيح، وهو مذهب أهل العراق. م: (وقال الشافعي: لا يجوز) ش: وبه قال مالك وأحمد م: (وتزويج الولي المحرم وليته) ش: أي موليته م: (على هذا الخلاف المذكور، فعندنا يجوز، وعنده لا يجوز له) ش: أي للشافعي. م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ينكح المحرم ولا ينكح غيره» . ش: هذ الحديث رواه الجماعة إلا البخاري من حديث عثمان بن عفان _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - _ قال: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 ولنا ما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تزوج ميمونة وهو محرم»   [البناية] قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ينكح المحرم ولا ينكح» زاد مسلم وأبو داود في رواية: ولا يخطب وزاد ابن حبان في " صحيحه ": ولا يخطب بمكة. قوله: _ لا ينكح _ بفتح الياء، و _ لا ينكح _ بضم الياء من الإنكاح، أي لا ينحك غيره. م: (ولنا ما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (تزوج بميمونة وهو محرم) هذا الحديث رواه الأئمة الستة في كتبهم عن طاووس عن ابن عباس _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _، قال: «تزوج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ميمونة وهو محرم» زاد البخاري: «وبنى بها، وهو حلال، وماتت بسرف» . وأخرجه الدارقطني من حديث أبي هريرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوج ميمونة وهو محرم» وأخرجه البزار في " مسنده " عن مسروق عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - « [أنه]- عَلَيْهِ السَّلَامُ - تزوج وهو محرم واحتجم وهو محرم» وقال السهيلي في " الروض الأنف ": إنما أراد نكاح ميمونة ولكنها لم تسم. وقال الحافظ أبو جعفر الطحاوي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - _: الذين رووا أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوج فيها، وهو محرم أهل، وثبت من أصحاب ابن عباس مثل سعيد بن جبير وعطاء وطاوس ومجاهد وعكرمة وجابر بن زيد، وهؤلاء كلهم فقهاء الذين نقل عنهم عمرو بن دينار وأيوب السختياني وعبد الله بن أبي نجيح وهؤلاء أئمة يقتدى بروايتهم. وأما حديث عثمان فإنما رواه وهب بن منبه، وليس كعمرو بن دينار ولا كجابر بن زيد، ولا كمن روى ما يوافق ذلك عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - ولا لوهب أيضا موضع في العلم كموضع عمرو بن دينار ممن ذكر. فإن قلت: روي يزيد بن الأصم؛ «عن ميمونة بنت الحارث، قالت: تزوجني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن حلالان» . رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. قلت: أجيب أن عمرو بن دينار قال: قلت: أجيب أن عمرو بن دينار قال: قلت: للزهري وما يدري ابن الأصم أعرابي نوال على ناقة أنجعله مثل ابن عباس، مع أنه يحتمل أن يكون روى مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونه بنت الحارث ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة قبل أن يخرج» . قلت: قال أبو عمر بن عبد البر: حديث مالك يعني في هذا الباب غير متصل، ورواه مطر الوراق فوصله، قال: وهو غلط من مطر الوراق، لأن سليمان بن يسار ولد سنة أربع وثلاثين، ومات أبو رافع بعد قتل عثمان _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ بسنتين، وكان قتل عثمان _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - _ في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين فلا يمكن أن يروي عنه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 وما رواه محمول على الوطء.   [البناية] وقال الترمذي: لا نعلم أحدا أسنده غير حماد بن زيد عن مطر الوراق عن ربيعة. وضعف يحيى بن سعيد مطر الوراق، وضعفه أحمد وضعف البخاري حديث عثمان في النهي عن نكاح المحرم، ورد رواية مالك، ومذهبه. وقال أيضا: حديث ابن الأصم مرسل، وأدخل في صحيحه عن سعيد بن المسيب أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تزوجها وهو محرم، وقال الطحاوي: ومطر عندهم ليس ممن يحتج بحديثه. فإن قلت: قال ابن حبان: وليس في هذه الأخبار تعارض، وعندي أن معنى قوله: تزوج ميمونة وهو محرم، أي داخل في الحرم، كما يقال: أنجدوا أنهم إذا دخلوا نجد أو تهامة. قلت: الجواب عنه في ثلاثة أوجه: الأول: أن حمله على الحقيقة الشرعية أولى من الحقيقة اللغوية لما عرف. والثاني: أنهم يزعمون أنه كان بالمدينة عند العقد، وإنما زوجه إياها وكيلاه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فلم يكن في الحرم، ولو ادعوا أن للمدينة حرما له ذلك مسلم لهم، ويكون على هذا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محرما على رواية، إلا إذا أبعد عن المدينة. والثالث: أن الراوي الذي هو ابن عباس قطع له بعقد الإحرام لأنه وقع به قول من قال: تزوج بها، وهذا حلال، ولا يمكن حمله على خلاف رواية الراوي. فإن قلت: قالوا: النهي قول والجواز فعل، والقول مقدم بوجهين: أحدهما: أن القول يتعدى دون الفعل. والثاني: يجوز أن يكون الفعل مخصوصا به - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لا سيما في باب النكاح، ولأن الفعل يعارض في نفسه، ولا معارض للقول. قلت: أجيب عن الوجه الأول بالمنع، فإن الفعل يتعدى أيضا، لأن الإحرام لما لم يكن مانعا منه في حقه وثبت جواز العقد معه ثبت في حق أمته أيضا، إذ أمته أولى بالرخص، وهو كالغرم لضعفهم وحاجتهم وقوته بحمل الأشق. وعن الوجه الثاني أن الأصل عدم الاختصاص، ويلزم منه تفسير الأصل فلا يصار إليه. م: (وما رواه) ش: أي ما رواه الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أنه م: (محمول على الوطء) ش: لأن النكاح للوطء حقيقة، وللعقد مجازا أي لا يطأ المحرم ولا يمكن الحرمة حتى يطأ، هذا ما ذكره بعضهم وهو ضعيف لأن التمكين من الوطء لا يسمى نكاحا مع اختلاله إعرابا لكنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 ويجوز تزويج الأمة مسلمة كانت أو كتابية. وقال الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا يجوز للحر أن يتزوج بأمة أو كتابية، لأن جواز نكاح الإماء ضروري عنده لما فيه من تعريض الحر على الرق وقد اندفعت الضرورة بالمسلمة، ولهذا جعل طول الحرة مانعا منه. وعندنا الجواز مطلق لإطلاق المقتضى، وفيه امتناع عن تحصيل الجزء الحر لإرقاقه   [البناية] أخبر عن معيار أحوال المحرمين أنهم في إحرامهم لا يشتغلون بالنكاح والإنكاح، ولا يباشرون ذلك. وقال الخطابي: الأوجه أن يقال: إن الحديث مروي بالنهي مجردا، والنهي يكون للتنزيه كما في نهيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن الخطبة على خطبة أخيه، ولو فعل صح النكاح عندنا والشافعي وأحمد خلافا لمالك، وحديث النهي يحمل عليه توفيقا بين الحديثين، ولو روي منفيا فالنفي يجيء بمعنى النهي، كذا في " الكافي ". [نكاح الإماء] م: (ويجوز تزويج الأمة مسلمة كانت أو كتابية، وقال الشافعي: لا يجوز للحر أن يتزوج بأمة أو كتابية) ش: وبه قال مالك وأحمد _ في رواية _ وعن مالك: إنكاح الأمة مطلقا، وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن الحارث والديري أنهما قالا: يتزوج الحر أربعا من الإماء من غير فصل. وقال ابن عباس ومجاهد: وسع الله تعالى على هذه الأمة نكاح الأمة وإن كان موسرا إلا أن تكون تحته حرة، وقال قتادة والثوري: إن خاف العقد جاز له نكاح الأمة وإن وجد طولا. وفي " الذخيرة القرافية ": إذا لم يستغن بأمة واحدة يتزوج إلى أربع وهو قول ابن حنبل، وإن استغنى بها ففي الزيادة عليها خلاف، وأباح حماد نكاح اثنين من الإماء، وعند الشافعي لا يزيد على واحدة وهو رواية عن أحمد م: (لأن نكاح الإماء ضروري عنده) ش: أي عند الشافعي. م: (لما فيه) ش: أي لما في تزويج الإماء م: (من تعريض الحر على الرق) ش: إذ الولد يتبع الأم في الرق م: (وقد اندقعت الضرورة بالمسلمة) ش: أي الأمة المسلمة الواحدة والضرورة تتقدر مؤنتها بقدرها، فلا حاجة إلى الكتابة. م: (ولهذا) ش: أي لكونه ضروريا م: (جعل) ش: أي الشافعي م: (طول الحرة مانعا منه) ش: أي من تزويج الأمة لاندفاع الضرورة بالقدرة على تزويج الحرة. م: (وعندنا الجواز مطلق) ش: أي جواز نكاح الأمة مطلقا مسلمة كانت أو كتابية م: (لإطلاق المقتضي) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] (النساء: الآية 3) . م: (وفيه) ش: أي في نكاح الأمة م: (امتناع عن تحصيل الجزء الحر لإرقاقه) ش: لأنه لم يوجد بعد كلامه ما يراق، وفيه الإرقاق بحال وبعدما صدر لا يصدر منه شيء حتى يقال: إنه إرقاق، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 وله أن لا يحصل الأصل. فيكون له أن لا يحصل الوصف، ولا يتزوج أمة على حرة، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تنكح الأمة على الحرة» وهو بإطلاقه حجة على الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ في تجويزه ذلك للعبد،   [البناية] وبعد وجوب المال لا يوصف بالرق والحرية ولا بطريق التبعية والامتناع عنه ليس بمانع شرعا. م: (وله أن يحصل الأصل) ش: أي الولد بالعزل برضا المرأة [ ... ] العجز العقيم م: (فيكون له أن لا يحصل الوصف) ش: أي وصف الحرية أيضا بتزوج الأمة. [زواج أمة على حرة وحرة على أمة] م: (قال: ولا يتزوج أمة على حرة) ش: كان حرا أو عبدا م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا تنكح الأمة على الحرة» ش:. روى الدارقطني في " سننه " في الطلاق من حديث مظاهر بن أسلم عن القاسم بن محمد، عن عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «طلاق العبد اثنتان، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وقرء الأمة حيضتان، ويتزوج الحرة على الأمة، ولا يتزوج الأمة على الحرة» ومظاهر بن أسلم ضعيف. وروى الطبراني في تفسير سورة النساء بإسناده عن الحسن أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نهى أن تنكح الأمة على الحرة، قال: وتنكح الحرة ومن له طول الحرة فلا ينكح أمة» رواه عبد الرزاق في " مصنفه " مقصرا على نكاح الأمة. فقال: حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن عبيد عن الحسن، قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تنكح الأمة على الحرة» رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " أيضا. حدثنا أبو داود الطيالسي عن هشام الدستوائي عن رجل عن الحسن لا تنكح الأمة على الحرة. وروى عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: لا تنكح الأمة على الحرة، وتنكح الحرة على الأمة. وأخرج عن الحسن نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب، وابن مسعود _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _ وأخرج مكحول أيضا نحوه، وفي " السروجي ": وعن سعيد بن المسيب ومكحول في الرجل يتزوج الأمة على الحرة فلا يفرق بينهما. وعن الزهري: يرجع طهره وينزع أمته، وعن طاوس: قلت: إن رجلا تزوج أمة على حرة، وأنه يزعم أنه قد حرمتها عليه، قال: صدقوه ذكره ابن أبي شيبة. م: (وهو بإطلاقه) ش: أي الحديث المذكور يقتضي إطلاقه م: (حجة على الشافعي في تجويزه ذلك) ش: أي تجويز الأمة على الحرة م: (للعبد) ش: فإن عنده يجوز للعبد أن يتزوج الأمة على الحرة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 وعلى مالك _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ في تجويزه ذلك برضاء الحرة، ولأن للرق تأثير الماء ولأن للرق أثر في تنصيف النعمة على ما نقرره في كتاب الطلاق إن شاء الله. فيثبت به حل المحلية في حالة الانفراد دون حالة الانضمام. ويجوز تزويج الحرة عليها؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وتنكح الحرة على الأمة»   [البناية] وبه قال أحمد في رواية م: (وعلى مالك) ش: أي وحجة على مالك م: (في تجويزه) ش: أي تجويز الأمة على الحرة م: (برضا الحرة) ش: يعني إذا رضيت الحرة بذلك يجوز م: (ولأن للرق تأثير الماء) ش: قوله: حالة الانضمام دليلنا، ولم يذكر دليل الشافعي، ولا دليل مالك، فوجه قول الشافعي: أن تزوج الأمة ممنوع لمعنى في التزوج إذا كان حرا. وهو تعريض حريته على الرق مع المانع عنه، وهو لا يوجد في حق العبد؛ لأنه رقيق بجميع أجزائه، ووجه قول مالك إن المنع لحق الحرة، وإذا رضيت فقد أسقطت حقها. وأشار إلى وجه قولنا بقوله: م: (ولأن للرق أثرا) ش: أي الرق له تأثير م: (في تنصيف النعمة) ش: وهو الحل الذي بني عليه النكاح في جانب النساء والرجال جميعا م: (على ما نقرره في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى) ش: قرره في آخر فصل الذمي باب طلاق السنة على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى _ عز وجل. م: (فيثبت به) ش: أي الذي بنى عليه النكاح ردا على قوله: م: (حل المحلية في الانفراد) ش: وهي إذا تزوج الأمة ولم يكن تحته حرة م: (دون حالة الانضمام) ش: وهي إما الجمع بين الحرة والأمة في عقد النكاح، أو تزوج الأمة على الحرة تقدير هذا أن في الحقيقة حالتين: حالة الانضمام مع الحرة. وحالة الانفراد عنها، فيثبت الحل في حالة الانفراد دون حالة الانضمام، وهو تزوجها على الحرة أو مع الحرة، والتزوج على الحرة انضمام، لأن كل فعل يقبل الامتداد يعطي لبقائه حكم الابتداء. وحكم النكاح من ذلك، فيجعل الانضمام على هذا الطريق، وقد طول الأكمل هنا كلامه واستغربه وهو في الحقيقة أخذه من " النهاية "، وصاحب " النهاية " أخذه من " المبسوط "، وفيما ذكرناه كفاية. م: (ويجوز تزويج الحرة عليها) ش: أي على الأمة، ولا يبطل نكاح الأمة بإجماع الأئمة الأربعة، وقال المزني من أصحاب الشافعي: يبطل نكاح الأمة للقدرة على طول الحرة م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «وتنكح الحرة على الأمة» ش: تقدم هذا عن قريب في " سنن " الدارقطني عن عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 ولأنها من المحللات في جميع الحالات؛ إذ لا منصف في حقها. فإن تزوج أمة على حرة في عدة من طلاق أو ثلاث بائن لم يجز عند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _، ويجوز عندهما، لأن هذا ليس بتزوج عليها وهو المحرم، ولهذا لو حلف لا يتزوج عليها لم يحنث بهذا، ولأبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أن نكاح الحرة باق من وجه في العدة لبقاء بعض الأحكام، فيبقى المنع احتياطا، بخلاف اليمين، لأن المقصود أن لا يدخل غيرها في قسمها،   [البناية] م: (ولأنها) ش: أي ولأن الحرة م: (من المحللات) ش: بفتح اللام م: (في جميع الحالات؛ إذ لا منصف) ش: بكسر الصاد م: (في حقها) ش: أي في حق الحرة، بخلاف الأمة. م: (فإن تزوج أمة على حرة في عدة من طلاق بائن أو ثلاث) ش: قبل الاعتداد عن طلاق بائن، لأنها لو كانت معتدة عن طلاق رجعي لا يجوز بالاتفاق م: (لم يجز عند أبي حنيفة ويجوز عندهما) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وعند عدم طول الحرة م: (لأن هذا) ش: أي نكاح الأمة في عدة الحرة م: (ليس بتزويج عليها) ش: أي على الحرة لزوال الملك م: (وهو المحرم) ش: أي التزوج على الحرة وهو محرم، بكسر الراء م: (ولهذا) ش: أي ولكون المحرم هو التزوج على الحرة. م: (لو حلف لا يتزوج عليها) ش: أي على المرأة، بأن قال: إن تزوجت عليك امرأة فهي طالق، فتزوج امرأة بعدما أبانها م: (لم يحنث بهذا) ش: أي بهذا التزوج، وهو تزوج المرأة حرة كانت أو أمة في عدة من طلاق بائن، بخلاف ما إذا تزوج امرأة في عدة أختها من طلاق بائن، فإنه لا يجوز باتفاق علمائنا، خلافا للشافعي؛ لأن المحرم هناك الجمع، وفي التزويج في العدة بينهما في حقوق النكاح. أما ها هنا فأبلغ لأجل الجمع، ولهذا لو تزوج الحرة عليها جاز، بل في تزوج الأمة على الحرة إدخال ناقصة الحال في مزاحمة كاملة الحال، ولهذا لا يوجد بعد البينونة، كذا في " المبسوط " " والأسرار ". م: (ولأبي حنيفة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ أن نكاح الحرة باق من وجه في العدة، لبقاء بعض الأحكام) ش: وهو المنع من التزوج والفراش، حتى بانت منه، والنفقة فكانت العدة حقا من حقوق النكاح. وحق الشيء كنفس ذلك الشيء م: (فيبقى المنع احتياطا) ش: كما لو تزوج أختا في عدة أخت م: (بخلاف اليمين) ش: جواب عن قولهما، ولهذا لو حلف، تقريره أن اليمين يعتبر فيه العرف، وفي العرف لا يسمى تزوجا عليها بعد البينونة، فلهذا لم تطلق. وأما في ألفاظ الشرع المعتبر المعنى، ومعنى الحرمة باق ببقاء العدة، وعلل المصنف بقوله: م: (لأن المقصود أن لا يدخل غيرها) ش: عليها شريكة م: (في قسمها) ش: بفتح القاف، لأن قصد الحالف تطبيب قلبها بترك الإشراك في الفراش، فإذا تزوجها في العدة فما أشرك غيرها في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 وللحر أن يتزوج أربعا من الحرائر والإماء، وليس له أن يتزوج أكثر من ذلك، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] (النساء: الآية 3) ، والتنصيص على العدد يمنع الزيادة عليه   [البناية] قسمها. [عدد النساء اللائي يتزوجهن الحر] م: (ويجوز للحر أن يتزوج أربعا من الحرائر والإماء) ش: أي أربعة من النساء الحرائر، أو أربعة من الإماء، وأربعا منهما إذا قدم الأمة م: (وليس له أن يتزوج أكثر من ذلك) ش: أي من الأربع، وعن القاسم بن إبراهيم أنه أباح تسعة وهو خرق الإجماع، وهذا نقل عن الروافض أنهم يجوزون تسعا من الحرائر. وفي " الحواس ": روى عن النخعي وابن أبي ليلى هكذا، وعن بعض الشيعة والخوارج جواز ثمانية عشر تعلقا بقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] (النساء: الآية 3) ، فمن جعل مثنى بعد العدل يعني اثنين، وكذا ما بعده أباح نكاح تسع ومن قال: مثنى بمعنى اثنين مرتين أباح نكاح ثمانية عشر امرأة. وحكى القاضي عبد الوهاب عن بعض النساء: أنه جوز للرجل أن يتزوج من النساء أي عدد شاء قليلا كان أو كثيرا من غير حصر وعدد. وذكر السروجي: ذكر الله سبحانه وتعالى الزواج في التوراة من غير حصر بعدد حفظا لمصالح الرجال دون النساء وحرم في الإنجيل الزيادة على الواحدة حفظا لمصالح النساء دون الرجال، وجمع في هذه الشريعة المعظمة بين مصالح الرجال والنساء. م: (لقوله عز وجل: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] (النساء: الآية 3) ، م: (والتنصيص على العدد يمنع الزيادة عليه) ش: قيل: قوله: والتنصيص على العدد يمنع الزيادة عليه غير مسلم، ألا ترى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إنما يغسل الثوب من خمس: من بول وغائط، وقيء، ودم ومني» وبالاتفاق يغسل من الخمس أيضا مع أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نص على العدد مع كلمة الحصر. وأجيب: بأن معناه إنما يغسل الثوب من خمس مما يخرج من بدن الآدمي، لأن هذا الحديث خرج جوابا لسؤال من سأل عن النجاسة، وهو مختص على هذا العدد، وقيل: كلام المصنف إنما يمشي على قول من يقول: إن الواو في الآية بمعنى أو كما في قَوْله تَعَالَى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى} [فاطر: 1] (فاطر: الآية 1) . ورد بأن الأصح أن الواو بمعناها؛ لأن أو لا تستعمل إلا في التخيير، والتخيير في الحقيقة لا يدخل في العدد، ومثل هذا التركيب يدل على جواز أحد الأعداد كما في قوله: اقتسموا هذا المال اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 وقال الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ لا يتزوج إلا أمة واحدة، لأنه ضروري عنده والحجة عليه ما تلونا إذ الأمة المنكوحة ينتظمها اسم النساء كما في الظهار. ولا يجوز للعبد أن يتزوج أكثر من اثنين، وقال مالك: يجوز له الأربع   [البناية] ولو قلت: أو يعلم أنه لا ممنوع أن يقتسموه إلا إحدى هذه القسمة وليس لهم أن يجمعوا بينها، لأن أو لأحد الشيئين، والواو تدل على تجويز الجمع بين الفرق. وقال الفراء: المراد واحد من الأعداد، ولا وجه لحمله على الجمع، لأن العبارة في التسع بهذا اللفظ من المعنى في الكلام، فإن من أراد أن يقول: أعط فلانا تسع دراهم، وقال: أعط درهمين وثلاثة وأربعة كان سخيفا جاهلا، فعلم أن المراد واحد. وقيل: معنى الآية فينكح بعضكم اثنين وبعضكم ثلاثة وبعضكم أربعة لا يجوز لا لغة ولا شرعا. وإذا تزوج تسعا في زمان واحد لا يكون مثنى ولا ثلاث ولا رباع، بل يكون تساع. م: (وقال الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا يتزوج إلا أمة واحدة) ش: يعني عند عدم طول الحرة وخوف العنت، وبه قال أحمد، وقال مالك: يجوز تزويج أربعا من الإماء عند عدم طول الحرة، وخوف العنت. وعندنا: يجوز الأربع مع الطول وخوف العنت، ثم في جواز نكاح الأمة عدم طول الحرة وخوف العنت شرط عندهم، وعندنا ليس بشرط، ولكن المستحب أن لا يتزوج مع طول الحرة عندنا. م: (لأنه ضروري عنده) ش: أي لأن نكاح الأمة ضروري عند الشافعي والضرورة ترتفع بالواحدة فلا يزيد عليها، كالميتة أحلت للضرورة لم يجز إلا مقدار ما يسد رمقه. م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي م: (ما تلونا) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] (النساء: الآية 3) ، م: (إذ الأمة المنكوحة ينتظمها) ش: أي يشملها م: (اسم النساء) ش: أي كما أن لفظة النساء تتناول الحرائر وتتناول الإماء أيضا. قال الأترازي: كان الأولى أن يقول إذ الأمة والحرة م: (كما في الظهار) ش: فإن النية مذكورة بلفظ النساء يتناول الأمة المنكوحة، وحكم المدبرة والمكاتبة على هذا الخلاف المذكور، فالمستسعاة كالمكاتبة عند أبي حنيفة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. [عدد النساء اللائي يتزوجهن العبد] م: (ولا يجوز للعبد أن يتزوج أكثر من اثنتين) ش: وبه قال الشافعي وأحمد وعمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _، وبه قال عطاء والحسن البصري والشعبي والثوري. م: (وقال مالك: يجوز له الأربع) ش: كالحر، وبه قال سالم وطاوس ومجاهد والزهري الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 لأنه في حق النكاح بمنزلة الحر عنده، حتى ملكه بغير إذن المولى، ولنا أن الرق منصف فيتزوج العبد اثنين والحر أربعا إظهارا لشرف الحرية قال: فإن طلق الحر إحدى الأربع طلاقا بائنا لم يجز له أن يتزوج رابعة حتى تنقضي عدتها، وفيه خلاف الشافعي.   [البناية] وربيعة الرأي وأبو ثور وداود والمكاتب والمدبر وأم الولد في هذا كالعبد م: (لأنه) ش: أي لأن العبد م: (في حق النكاح بمنزلة الحر عنده) ش: أي عند مالك. م: (حتى ملكه) ش: أي حتى ملك النكاح م: (بغير إذن المولى) ش: لأن ملك النكاح من خواص الآدمية والرق لا يؤثر فيها، فصار كالقصاص، فإنه مبني على أصل الحرية فيه بالإجماع فكذا ها هنا. م: (ولنا أن الرق منصف) ش: يعني يؤثر في تنصيف النعم، وهذا الحل نعمة من الله تعالى يوصل بها إلى قضاء شهوة النكاح حلالا، والنعم متفاوتة الأحوال في الشرع، فإن حال النبوة لما كان أشرف حل له التسع دون غيره، وحال الحر أشرف من حال العبد. فتظهر الزيادة في حق الحر دون العبد م: (فيتزوج العبد اثنتين والحر أربعا) ش: أي يتزوج الحر أربع نسوة م: (إظهارا لشرف الحرية) ش: ويؤيده حديث عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _، فإنه قال: لا يتزوج العبد أكثر من اثنتين. وفي " المحلى ": وعن عطاء أجمع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أن العبد لا يجمع بين النساء فوق اثنتين، انتهى، وفيه خلاف للشافعي ومالك، وقد ذكرناه عن قريب. [نكاح المرأة وعدة الرابعة قبل انقضائها] م: (فإن طلق الحر إحدى الأربع) ش: حتى إذا كان الحر متزوجا بأربع نسوة فطلق إحداهن م: (طلاقا بائنا لم يجز له أن يتزوج رابعة) ش: أي امرأة رابعة م: (حتى تنقضي عدتها) ش: يروى ذلك عن علي وابن مسعود وابن عباس وزيد بن ثابت، وبه قال سعيد بن المسيب وعبيدة السلماني ومجاهد والنخعي والثوري وأحمد. وقال: القاسم بن محمد وعروة وابن أبي ليلى: له ذلك لانقطاع النكاح بينهما، وبه قال الشافعي، وأشار إليه المصنف بقوله: م: (وفيه خلاف الشافعي) ش: أي تزوج الرابعة في عدة المطلقة طلاقا بائنا خلاف الشافعي، يعني يجوز عنده، وبه قال مالك وأبو ثور وأبو عبد الله بن المنذر. قلنا: إنكاح المطلقة الرابعة قائم لبقاء أحكامه من النفقة والفراش والمنع من الخروج، والقاطع قد تأخر عمله إلى انقطاع العدة. وعن أبي الزناد أنه قال: كان للوليد بن عبد الملك أربع نسوة، فطلق واحدة منهن البتة وتزوج غيرها قبل أن تحل، فعاب ذلك عليه كثير من الفقهاء منهم سعيد بن المسيب، قال سعيد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 وهو نظير نكاح الأخت في عدة الأخت قال وإن تزوج حبلى من زنا جاز النكاح، لا يطؤها حتى تضع حملها، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ النكاح فاسد، وإن كان الحمل ثابت النسب فالنكاح باطل بالإجماع، ولأبي يوسف _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أن الامتناع في الأصل لحرمة الحمل، وهذا الحمل محترم، لأنه لا جناية منه ولهذا لم يجز إسقاطه، ولهما أنها من المحللات بالنص   [البناية] ابن منصور: إذا عاب عليه سعيد بن المسيب فأي شيء بقي. وحكي أن مروان شاور الصحابة فيه، فاتفقوا على أنه يفرق بينهما، وخالفهم زيد ثم رجع إلى قولهم ذكره في " المبسوط ". م: (وهو نظير نكاح الأخت في عدة الأخت) ش: أي عدم جواز نكاح المرأة وعدة الرابعة قبل انقضائها عدم جواز الأخت في عدة الأخت، وقد مر ذلك فيما مضى. وفي " المبسوط ": لزوج المرتدة أن يتزوج بأختها بعد لحاقها بأهلها قبل انقضاء عدتها؛ لأنها لا عدة عليها من المسلم لتباين الدارين، فإن عادت مسلمة لا يضر نكاح الأخت، لأن العدة لا تعود، وعند أبي يوسف تعود، وفي بطلان نكاحها روايتان عنه. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن تزوج حبلى من زنا جاز النكاح، ولا يطؤها الزوج حتى تضع حملها) ش: هذا إذا لم يكن الحمل ثابت النسب م: (وهذا) ش: أي جواز النكاح ومنع الوطء إلى حين الوضع م: (عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وبه قال الشافعي في جواز النكاح، ولكنه جوز وطأها. م: (وقال أبو يوسف: النكاح فاسد) ش: وبه قال ابن شبرمة وزفر ومالك وأحمد م: (وإن كان الحمل ثابت النسب فالنكاح باطل بالإجماع) ش: ولو كان الحمل من الزنا من الزوج فالنكاح جائز عند الكل، ويحل له وطؤها وتستحق النفقة عند الكل ذكره في " النوازل "، وإن كان الزنا من غيره تستحق النفقة عند بعد المشايخ، ولا تستحق النفقة عند البعض على مذهب أبي حنيفة ومحمد. م: (ولأبي يوسف أن الامتناع) ش: أي امتناع النكاح م: (في الأصل) ش: وهو صورة الإجماع يعني فيما إذا كان الحمل ثابتا بالنسب م: (لحرمة الحمل) ش: وصيانة عن سقيته ماءه زرع غيره، فإن الحمل يزداد سمعه وبصره حدة بالوطء. م: (وهذا الحمل محترم، لأنه لا جناية منه) ش: أي من الحمل م: (ولهذا) ش: أي ولعدم الجناية منه م: (لم يجز إسقاطه) ش: فيمتنع النكاح ها هنا أيضا. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أنها) ش: أي الحبلى من الزنا م: (من المحللات بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] (النساء: الآية 24) ، وكل من كانت كذلك جاز نكاحها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 وحرمة الوطء كيلا يسقي ماؤه زرع غيره. والامتناع في ثابت النسب لحق صاحب الماء ولا حرمة للزاني، فإن تزوج حاملا من السبي فالنكاح فاسد، لأنه ثابت النسب، وإن زوج أم ولده وهي حامل منه، فالنكاح باطل، لأنها فراش لمولاها حتى يثبت نسب ولدها منه من غير دعوى،   [البناية] فإن قلت: ما بال الحامل الثابت النسب لم تدخل تحت هذا النص؟ قلت: لكان تحت قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] (البقرة: الآية 235) ، م: (وحرمة الوطء) ش: هذا جواب عما يقال: لو كان من المحللات يحل وطؤها بعد ورود العقد عليها. فأجاب: بقوله م: (وحرمة الوطء كيلا يسقي ماؤه زرع غيره) ش: وهو حرام لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماؤه زرع غيره» ، يعني وطء الحوامل، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " «لا توطأ حامل حتى تضع» صحيح. فإن قلت: فم الرحم ينسد بالحبل، فكيف يكون سقي زرع غيره؟ قلت: شعره ينبت من ماء الغير. فإن قلت: النكاح شرع لأمر ضروري وهو الحمل، فلا يثبت بدونه، والحمل هنا غير ثابت فلا يثبت النكاح. قلت: ليس من ضرورة حرمة الوطء المعارض على شرف الزوال فساد النكاح كما حرم بالحيض والنفاس. م: (والامتناع في ثابت النسب) ش: جواب عن قول أبي يوسف: إنه لحرمة الحمل. تقريره لا نسلم أن فساد النكاح لحرمة الحمل، بل إنما هو م: (لحق صاحب الماء ولا حرمة للزاني) ش: لارتكابه الحرام م: (فإن تزوج حاملا من السبي فالنكاح فاسد، لأنه ثابت النسب) ش: هذا بإجماع الأئمة الأربعة، وكذا المهاجرة إلينا لو كانت حاملا. وروى الحسن عن أبي حنيفة: والمهاجرة والمسبية أنه يجوز نكاحهما لكن لا يطأهما حتى يضعا حملهما، وإن لم تكن حاملا فلا يجوز النكاح، لأن الفرقة وقعت بتباين الدارين، كذا في " جامع المحبوبي ". [زوج أم ولده وهي حامل منه] م: (وإن زوج أم ولده وهي حامل منه) ش: أي والحال أنها حامل من المولى م: (فالنكاح باطل، لأنها) ش: أي لأن أم الولد م: (فراش لمولاها) ش: لوجود حده، وهو صيرورة المرأة متعينة لثبوت نسب الولد منها، وهو معنى قوله: م: (حتى يثبت نسب ولدها منه) ش: أي من المولى م: (من غير دعوى) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 فلو صح النكاح لحصل الجمع بين الفراشين إلا أنه غير متأكد حتى ينتفي الولد بالنفي من غير لعان فلا يعتبر ما لم يتصل به الحمل. قال ومن وطئ جاريته ثم زوجها جاز النكاح، لأنها ليست بفراش لمولاها هنا، فإنها لو جاءت بولد لا   [البناية] ش: فإن قلت: ذكر هنا بلفظ الباطل، وفيما تقدم بلفظ الفاسد. قلت: لأن الحرمة فيما تقدم مختلف فيها لما ذكرنا من رواية الحسن، فكانت حرمتها أخف فذكر بلفظ الفاسد، وقيل: المراد بالفساد هناك البطلان أيضا، وفيه تأمل. م: (فلو صح النكاح لحصل الجمع بين الفراشين) ش: وهما فراش المولى وفراش الناكح، ولأنه لا يجوز، لأنه يؤدي إلى اشتباه الأنساب كنكاح المنكوحة م: (إلا غير متأكد) ش: هذا استثناء من قوله _ فراش لمولاها _ يعني أم الوالد فراش لمولاها إلا أنها فراش غير قوي. ويجوز أن يكون هذا جوابا عما يقال وهو أنه لو كانت فراشا لمولاها لما جاز نكاحها عند كونها غير حامل، مع أنه يجوز، فأجاب عنه بقوله: م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن فراشها غير متأكد يعني ضعيف. م: (حتى ينتفي الولد بالنفي) ش: أي حتى ينتفي ولده بمجرد النفي م: (من غير لعان فلا يعتبر ما يتصل به الحمل) ش: أي فلا يعتبر هذا الفراش ما لم يتصل به الحمل، لأن الحمل مانع في الجملة، وكذلك الفراش فعند اجتماعهما يحصل التأكيد. فإن قلت: إذا كان غير متأكد بنفي الولد من غير لعان وجب أن يكون الإقدام على النكاح نفيا للسبب، فإنه يقبل النفي دلالة كما إذا قال لجارية له ولدت أولاد في بطون مختلفة، هذا الأكبر مني فإنه ينتفي نسب الباقين، وإذا انتفى نسبه كان حملا غير ثابت النسب، وفي مثله يجوز النكاح كما تقدم. قلت: أجيب بأن هذه دلالة، والدلالة إنما تحمل إذا لم يخالفها صريح، والصريح هنا موجود، لأن المسألة فيما إذا كان الحمل منه، وإن قال: رجل تزوج أم ولد وهي حامل منه، وإنما يكون الحمل منه إذا أقر به. [وطء جاريته ثم زوجها] م: (قال: ومن وطء جاريته ثم زوجها جاز النكاح) ش: أي قبل أن يستبرئها. وقال الشافعي وأحمد: لا يجوز نكاحها قبل الاستبراء بحيضة، وعند زفر لا يجوز نكاحها حتى تحيض ثلاث حيض، كما في الزانية عنده، فإنه يجب عليها ثلاث حيض عنده، وكذا الخلاف في أم الولد غير حامل منه. م: (لأنها) ش: أي لأن الجارية م: (ليست بفراش لمولاها هنا) ش: لعدم حد الفراش وهو صيرورة المرأة متعينة لثبوت نسب ولد الرجل، ولم يوجد ذلك هنا م: (فإنها لو جاءت بولد لا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 يثبت نسبه من غير دعوة إلا أن عليه أن يستبرئها صيانة لمائه، وإذا جاز النكاح فللزوج أن يطأها قبل الاستبراء عند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ وأبي يوسف _ رحمهما الله _ وقال محمد _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ لا أحب له أن يطأها حتى يستبرئها لأنه احتمل الشغل بماء المولى فوجب التنزه كما في الشراء. ولهما أن الحكم بجواز النكاح أمارة الفراغ فلا يؤمر بالاستبراء لا استحبابا ولا وجوبا، بخلاف الشراء لأنه يجوز مع الشغل   [البناية] يثبت نسبه من غير دعوة للنكاح، إلا أن عليه) ش: أي على المولى. م: (أن يستبرئها) ش: قال الشارحون: معناه عليه الاستحباب دون الوجوب، وذلك لأن هذا اللفظ غير مذكور في الجامع الصغير، وإنما ذكره المصنف فيقال: إنه أراد به الاستحباب م: (صيانة لمائه) ش: وقد صرح في " فتاوى الولوالجي " الاستحباب. م: (وإذا جاز النكاح فللزوج أن يطأها قبل الاستبراء عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد لا أحب له أن يطأها حتى يستبرئها) ش: وفي " المشكلات " لا يحل له أن يطأها حتى يستبرئها بحيضة. م: (لأنه) ش: أي لأن رحمها م: (احتمل الشغل بماء المولى) ش: لوجود سببه وهو الوطء، ولو تحقق الشغل والوطء يحرم الوطء تأدبا عن السقي لزرع غيره فإذا احتمل م: (فوجب التنزه كما في الشراء) ش: فإن التنزه عن الوطء في الشراء قبل الاستبراء واجب. وقال الأترازي: ليس المراد منه الوجوب المصطلح لدلالة قوله لا أحب أن يطأها. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن الحكم بجواز النكاح أمارة الفراغ) ش: أي حكم الشرع بجواز النكاح علامة فراغ الرحم، لأن النكاح لم يشرع إلا على رحم فارغ عن شاغل محرم. وإن كان الرحم فارغا م: (فلا يؤمر بالاستبراء لا استحبابا ولا وجوبا) ش: أي لا على الاستحباب ولا على طريق الوجوب، إذ الحكم لا يثبت بلا نسب، فإنما قدم لفظ استحبابا وكان حقه التأخير. لأن نفيه يستلزم نفي الوجوب، فكان تقديم يوجب الاستغناء عن نفي الوجوب، إما لأن الخصم يقول به، وكان نفيه أهم وإما ليتصل بقوله: _ بخلاف الشراء _ فإن الاستبراء فيه واجب. م: (بخلاف الشراء) ش: هذا جواب عن قياس محمد، صورة النزاع على الشراء بالفارق، تقريره أن الشراء ليس مثل الذي قاسه عليه م: (لأنه) ش: أي لأن الشراء م: (يجوز مع الشغل) ش: دون النكاح، فأمركم بجواز النكاح أمارة النزع، وإلا لكان حكما بما لا يجوز. ولا كذلك في الشراء فيجب الاستبراء، وهذا الخلاف فيما إذا لم يستبرئ المولى، أما لو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 وكذا إذا رأى امرأة تزني فتزوجها حل له أن يطأها قبل أن يستبرئها عندهما وقال محمد لا أحب له أن يطأها ما لم يستبرئها، والمعنى ما ذكرنا، ونكاح المتعة باطل   [البناية] استبرأها ثم زوجها بزوج يجوز وطء الزوج بالإجماع قبل الاستبراء، ومن المشايخ من قال: لا خلاف بينهم في الحامل. لأن عندهما لا يجب الاستبراء، ولم يقولا لا يستحب، وعند محمد يستحب، وما قاله واجب، وقال أبو الليث: وقول محمد أقرب إلى الاحتياط، وبه نأخذ كذا في " جامع المحبوبي ". [رأى امرأة تزني فتزوجها] م: (وكذا) ش: أي وكذا الحكم مع الخلاف المذكور فيما م: (إذا رأى امرأة تزني فتزوجها حل له أن يطأها قبل أن يستبرئها عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وبه قال الشافعي ومالك. وقال أحمد: لا يجوز إلا بشرط انقضاء العدة بثلاث حيض وتوبتها حتى قال أحمد: لو زنت امرأته لا يطأ الزوج حتى تستعد من الزاني بثلاث حيض عنده، وقيل يكتفى بحيضة، وقال أحمد: لا يطأ الجارية الزانية، وقول قتادة وإسحاق وأبي عبيدة مثل قول أحمد في انقضاء العدة بثلاث حيض والتوبة. وقال ابن حزم في " المحلى ": لا يحل للزانية أن تنكح زانيا ولا عفيفا حتى تتوب، فإذا تابت حل لها الزواج من عفيف، ولا يحل للزاني المسلم أن يتزوج مسلمة لا زانية ولا عفيفة حتى يتوب، وللزاني أن يتزوج كتابية عفيفة. وإن لم يتب، والزنى الطارئ منهما أو من أحدهما لا يوجب فسخ نكاحهما، وروي ذلك بإسناد عن علي وابن مسعود والبراء بن عازب وجابر بن عبد الله وابن عمر وعائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _. وقال ابن المنذر: وهو قول جابر وطاوس وابن المسيب وابن زيد وعطاء والحسن وعكرمة والزهري والثوري والشافعي، وإذا تابا حل للزاني أن يتزوج بمن زنى عند الجمهور وعند ابن مسعود والبراء بن عازب وعائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _ أنها لا تحل للزاني بحال، ثم لا يفرق بين الزوجين بزنى أحدهما. وعن جابر بن عبد الله أن المرأة إذا زنت يفرق بينهما ولا شيء لها، وعن الحسن مثله، وعن علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ أنه فرق بين امرأة ورجل زنى قبل أن يدخل بها. م: (وقال محمد: لا أحب أن يطأها قبل أن يستبرئها) ش: وذلك بطريق الاحتياط لاحتمال الشغل بماء الزاني م: (والمعنى ما ذكرنا) ش: أي ما ذكرنا من الجانبين في مسألة الجارية [نكاح المتعة] م: (ونكاح المتعة باطل) ش: ادعى غير واحد من العلماء الإجماع على تحريم المتعة، وقال الخطابي في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 وهو أن يقول لامرأة أتمتع بك كذا مدة بكذا من المال   [البناية] " المعالم ": كان ذلك مباحا في صدر الإسلام ثم حرم فلم يبق اليوم خلاف بين الأئمة إلا شيئا ذهب إليه بعض الروافض. قال: وكان ابن عباس يتأول في إباحته للمضطر إليه بطول العزوبة وقلة اليسار، ثم توقف عنه وأمسك عن الفتوى به، وقال أبو بكر الحازمي: يروى جوازه عن بعض الشيعة، وعن ابن جريج. وقال المازري في " العلم ": تقرير الإجماع على منعه، ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة. وحكى ابن عبد البر: الخلاف القديم في ذلك، فقال: وأما الصحابة فإنهم اختلفوا في نكاح المتعة فذهب ابن عباس إلى إجازتها وتحليلها، والاختلاف عنه في ذلك وعليه أكثر الصحابة، منهم عطاء بن رباح وسعيد بن جبير وطاوس، قال: وروي أيضا إجازتها وتحليلها عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله، قال جابر: تمتعنا إلى النصف من خلافة عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ حتى نهى عمر الناس قال: وأما سائر الرواة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخلفاء وفقهاء المسلمين فعلى تحريم المتعة، منهم مالك بن أنس من أهل المدينة، والثوري وأبو حنيفة من أهل الكوفة، والشافعي ومن يسلك سبيله من أهل الحديث والفقه والنظر بالاتفاق، والأوزاعي من أهل الشام، والليث بن سعد من أهل مصر وسائر أصحاب الآراء. م: (وهو أن يقول الرجل لامرأة: أتمتع بك كذا مدة بكذا من المال) ش: هذه صورة المتعة وفي " المنافع " صورتها أن يقول خذي هذه العشرة لأتمتع بك أو لاستمتع بك، أو متعيني نفسك أياما. وفي " البدائع ": نكاح المتعة نوعان، أحدهما: أن يكون بلفظ التمتع، والثاني: أن يكون بلفظ النكاح أو التزوج أو ما يقوم مقامهما، فالأول أن يقول: أتمتع بك يوما أو شهرا أو سنة على كذا، وهو باطل. وقال شيخنا زين الدين في " شرح الترمذي ": نكاح المتعة المحرم هو ما إذا خرج بالتوقيت فيه، أما إذا كان في تعيين الزوج أنه لا يقيم معها إلا سنة أو شهرا أو نحو ذلك ولم يشترط ذلك، فإنه نكاح صحيح عند عامة أهل العلم ما عدا الأوزاعي، فإنه قال في هذه الصورة: وهو متعة ولا خير فيه. وإذا تقرر أن نكاح المتعة غير صحيح فهل يحد من وطئ في نكاح متعة، اختلف فيه العلماء فقال أكثر أصحاب مالك: لا حد فيه لشبهة العقد. وقال الرافعي: إذا وطئ جاهلا بفساده فلا حد، وإن كان عالما فقد بنى أمر الحد على ما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 وقال مالك هو جائز، لأنه كان مباحا فيبقى إلى أن يظهر ناسخه، قلنا ثبت النسخ بإجماع الصحابة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _   [البناية] روي أن ابن عباس كان يجوز نكاح المتعة ثم رجع عنه، فإن صح رجوعه وجب الحد لحصول الإجماع، وإن لم يصح رجوعه فيبنى على أنه لو اختلف أهل عصر في مسألة، ثم اتفق من بعدهم على أحد القولين فيها، فهل يصير ذلك مجمعا عليه، فيه وجهان أصوليان. إذا قلنا: نعم يجب الحد، وإلا فلا، قال الرافعي: وهو الأصح. وكذا صححه النووي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - _. وقال ابن الزبير: المتعة الزنا الصريح، ولا أجد أحدا يعمل بها إلا رجمته. م: (وقال مالك: هو جائز) ش: أن نكاح المتعة، جائز، وقال الكاكي: هذا سهو، فإن المذكور في كتب مالك حرمة نكاح المتعة. وقال في " المدونة ": ولا يجوز النكاح إلى أجل قريب أو بعيد وإن سمى صداقا، وهذا المتعة. وقال الأكمل معتذرا عن المصنف يجوز أن يكون شمس الأئمة الذي أخذ منه المصنف اطلع على قول له على خلاف ما في " المدونة ". انتهى. قلت: لم يذكر في كتاب من كتب المالكية رواية تجوز المتعة، وبالاحتمال نقل قول عن إمام من الأئمة غير موجه مع أن مالكا روى في موطئه حديث الزهري من حديث علي بن أبي طالب _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن متعة النساء يوم خيبر» ، على ما يأتي بيانه عن قريب إن شاء الله. وقال الأكمل هنا أيضا معتذرا ليس من يروي حديثا يكون واجب العمل؛ لجواز أن يكون عنده ما يعارضه أو يترجح عليه، انتهى. قلت: عادة مالك أن لا يروي حديثا في موطئه إلا وهو يذهب ويعمل به، ولو ذكر عنه ما ذكره الأكمل لذكره أصحابه ولم ينقل عنه شيء من ذلك. م: (لأنه) ش: أي لأن نكاح المتعة م: (كان مباحا فيبقى إلى أن يظهر ناسخه) ش: أي يبقى حكمه إلى أن يظهر ناسخه يحرم م: (قلنا: ثبت النسخ بإجماع الصحابة _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - _) ش: بيان ذلك أنه وردت الأحاديث الدالة على نسخها. منها ما رواه الترمذي من حديث الزهري عن عبد الله والحسن بن محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر» . وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه بقيه الستة ما عدا أبا داود _ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عنه _. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 وابن عباس _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - _ صح رجوعه إلى قولهم   [البناية] ومنها ما أخرجه مسلم وبقيه أصحاب " السنن " من رواية الربيع بن سبرة عن أبيه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن المتعة، وقال: إنها حرام من يومكم إلى يوم القيامة» . ومنها ما رواه ابن حبان في " صحيحه " من حديث «أبي هريرة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _، قال: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك، فنزلنا ثنية الوداع، فرأى نساء يبكين، فقال: " ما هذا "، قيل: نساء استمتع بهن أزواجهن ثم فارقوهن، فقال رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " حرام أو هدم المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث» . ومنها ما رواه مسلم من حديث سلمة بن الأكوع قال: «رخص رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام أوطاس في المتعة ثلاثة أيام ثم نهى عنها» . ومنها ما رواه البيهقي من «حديث أبي ذر إنما أحلت لنا أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متعة النساء ثلاثة أيام نهى عنها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . ومنها ما رواه أبو داود في " سننه " من «حديث الزهري قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ فذكرنا متعة النساء، فقال رجل: قال الربيع بن سبرة: أشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عنها في حجة الوداع» انتهى. ثم أجمعت الصحابة على أن المتعة قد انتسخت في حياة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فكانت الأحاديث ناسخة، والإجماع مظهر؛ لأن نسخ الكتاب والسنة بالإجماع ليس بصحيح على المذهب الصحيح. فإن قلت: ما وجه الاختلاف المذكور في وقت تحريم المتعة لأنه جاء في زمن خيبر وفي وقت غزوة تبوك في عام أوطاس، وفي حجة الوداع؟ قلت: قال الماوردي: يصح أن ينهى عنها في زمن ثم ينهى عنها في زمن آخر توكيدا، أو ليشهر ويسمعه من لم يكن سمعه أولا أو سمع بعض الرواة في زمن وسمعه آخر في زمن، فنقل كل منهم ما سمعه وأضافه إلى زمن سماعه. وقال بعضهم: هذا مما تداوله التحريم والإباحة مرتين والله أعلم. وقال النووي: الصواب والمختار أن التحريم كانا مرتين، وكانت حلالا قبل خيبر ثم حرمت بعد خيبر ثم أبيحت يوم فتح مكة، وهو يوم أوطاس، ثم حرمت يومئذ بعده ثلاثة أيام تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة واستمر التحريم. م: (وابن عباس _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - _ صح رجوعه إلى قولهم) ش: هذا جواب عما يقال: أين الإجماع وقد كان ابن عباس مخالفا؟ فأجاب بقوله: وابن عباس صح رجوعه عن إباحة المتعة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 فتقرر الإجماع، والنكاح المؤقت باطل مثل أن يتزوج امرأة بشهادة شاهدين عشرة أيام. وقال زفر _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ هو صحيح لازم، لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة. ولنا أنه أتى بلفظ المتعة، والعبرة في العقود للمعاني ولا فرق بين ما إذا طالت مدة التوقيت أو قصرت، لأن التأقيت هو المعين لجهة المتعة، وقد وجد.   [البناية] إلى قول الصحابة في تحريمها، وروى جابر بن زيد أن ابن عباس ما خرج من الدنيا حتى رجع عن قوله في الصرف والمتعة م: (فتقرر الإجماع) ش: أي إجماع الصحابة في تحريمها. [النكاح المؤقت] م: (والنكاح المؤقت باطل) ش: وهو قول عامة الفقهاء، وفي " المحيط ": كل نكاح مؤقت متعة، وفي " ملتقى البحار ": النكاح المؤقت في معنى المتعة عندنا خلافا لزفر م: (مثل أن يتزوج الرجل امرأة بشهادة شاهدين عشرة أيام) ش: هذه صورة النكاح المؤقت. وقوله: عشرة أيام _: ليس بقيد، وكذا قوله شهرا أو سنة ونحوهما والفرق بذكر لفظ التزوج في المؤقت دون المتعة، وكذا بالشهادة فيه دون المتعة، وحكى ابن عبد البر وابن قدامة الحنبلي والنووي عن زفر أن نكاح المتعة يصح ويتأبد عنده. قال السروجي: ونقلهم غلط، وإنما قال زفر في النكاح المؤقت كما ذكرته عن أصحابنا، وهو الذي ذكره المصنف وغيره. م: (وقال زفر: هو صحيح لازم) ش: أي النكاح المؤقت صحيح، والتوقيت باطل طالت المدة أو قصرت، لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة لأنه أتى بالإيجاب، والشرط الزائد على ما يتم به النكاح، فصح الإيجاب وبطل الشرط م: (لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة) ش: كما لو تزوجها بشرط أن يطلقها بعد شهر، وعن إبراهيم النخعي: النكاح يهدم الشرط والشرط يهدم البيع، وذلك لأن النكاح من الإسقاطات لأن معناه سقوط حرمة البضع في حق الزوج إلا أنه شرع ملكا ضروريا لأجل شرعية الطلاق ولهذا لا يبطل بالشرط الفاسد. م: (ولنا أنه) ش: أي النكاح بالتوقيت م: (أتى بلفظ المتعة) ش: يعني أتى بمعنى المتعة بلفظ النكاح؛ لأن معنى المتعة هو الاستمتاع بالمرأة لا لقصد مقاصد النكاح، وهو موجود فيما نحن فيه، لأنها لا تحصل في مدة قليلة م: (والعبرة في العقود للمعاني) ش: لا للألفاظ ألا ترى أن الكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة، والحوالة بشرط مطالبة الأصيل كفالة. م: (ولا فرق بين ما إذا طالت مدة التوقيت أو قصرت) ش: احترز به عن قول الحسن بن زياد: أنهما إن ذكرا من الوقت ما لم يعلم أنهما يعيشان إليه كمائة سنة أو أكثر كان النكاح صحيحا، لأنه في معنى التأبيد، وهو رواية عن أبي حنيفة، وأشار إلى وجه الظاهر بقوله: م: (لأن التوقيت هو المعين لجهة المتعة وقد وجد) ش: لأن مقتضى قوله: تزوجتك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 ومن تزوج امرأتين في عقدة واحدة إحداهما لا يحل له نكاحها صح نكاح التي يحل نكاحها وبطل نكاح الأخرى لأن المبطل في إحداهما بخلاف ما إذا جمع بين حر وعبد في البيع، لأنه يبطل بالشروط الفاسدة،   [البناية] التأبيد لأنه لم يوضع شرعا إلا لذلك، ولكنه يحتمل المتعة فإذا قال: إلى عشرة أيام عين التوقيت لجهة كونه متعة معنى، وفي هذا المعنى المدة القليلة والكثيرة سواء، واستشكل هذه المسألة بما إذا شرط وقت العقد أن يطلقها بعد شهر، فإن النكاح صحيح، والشرط باطل، ولا فرق بينهما وبين ما نحن فيه. وأجيب: بأن الفرق بينهما ظاهر، لأن الطلاق قاطع للنكاح، فاشتراط بعد شهر لينقطع به دليل على وجود العقد مؤبدا، ولهذا لو مضى الشهر لا يبطل النكاح، فكان النكاح صحيحا والشرط باطلا. وأما صورة النزاع فالشرط إنما هو في النكاح لا في قاطعه، ولهذا لو صح التوقيت لم يكن بينهما بعد مضي المدة عقد كما في الإجازة. وقال الكاكي فيما يتعلق بمحلية النكاح: إن المناكحة بين أهل السنة والاعتزال، قال الإمام الرسعني: لا يجوز، وقال الإمام الفضل: من قال: أنا مؤمن إن شاء الله فهو كافر لا يجوز نكاح نسائهم. وقال أبو حفص الكردي: لا ينبغي أن يزوج الحنفي بنته من الشفعوي ولكن يتزوج بنتهم وفي " فتاوى الصغرى " قال بعض المشايخ: يجوز أن يزوج بنته من الشفعوي، وقياس ما ذكر الفضل لا يجوز، وقيل: لا بأس يتزوج النهاريات وهو أن يتزوجها على أن يأتيها نهارا دون الليل وكره ابن سيرين وجه هذا القيد. وعن ابن دينار من المالكية: يفسخ قبل البناء وبعده، وبعضهم قالوا: يفسخ قبل البناء ويثبت بعده ويأتيها ليلا ونهارا، قال: لأنه مؤبد ويلغو الشرط، ولو نكح مطلقا ونيته إن تمكن معها مدة فنكاحه صحيح، وشدد الأوزاعي في جعله متعة، وذكره النووي في شرح مسلم. [تزوج امرأتين في عقدة واحدة وإحداهما لا يحل له نكاحها] م: (ومن تزوج امرأتين في عقدة واحدة وإحداهما لا يحل له نكاحها صح نكاح التي يحل نكاحها وبطل نكاح الأخرى) ش: بإجماع الأئمة الأربعة، وقال السروجي: وهو قول الجمهور من العلماء وأحد قولي الشافعي وابن حنبل. م: (لأن المبطل في إحداهما بخلاف ما إذا جمع بين حر وعبد في البيع) ش: أي في عقدة واحدة حيث يفسد البيع في العبد م: (لأنه) ش: أي لأن البيع م: (يبطل بالشروط الفاسدة) ش: «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع وشرط» بخلاف النكاح، وأيضا الشرط في البيع بمنزلة القمار لأنه مقابلتها بمال، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 وفي قبول العقد في الحر شرط فيه، ثم جميع المسمى للتي يحل نكاحها عند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ وعندهما يقسم على مهر مثليهما، وهي مسألة الأصل.. ومن ادعت عليه امرأة أنه تزوجها وأقامت بينة فجعلها القاضي امرأته ولم يكن تزوجها وسعها المقام معه، وأن تدعه يجامعها، وهذا عند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ وهو قول أبي يوسف _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أولا،   [البناية] ولا كذلك النكاح. وفرق آخر: وهو أن الحر لم يدخل تحت العقد فكان تبعا للعبد بالحصة ابتداء، وهو فاسد، والنكاح لا يفسد بذلك، ويدل على التفرقة بينهما، لأنه لو قال: بعتك هذا العبد بقيمة، أو لم يذكر شيئا كان البيع فاسدا، أو لو قال: زوجتك ابنتي بمهر المثل، أو لم يذكر شيئا كان النكاح صحيحا ويجب مهر المثل. م: (وفي قبول العقد في الحر شرط فيه) ش: أي في تصحيح البيع في العبد؛ لأنه لو لم يكن كذلك لزم تفريق الصفقة وذلك حرام، وشرط قبول الحرية شرط فاسد، والبيع يبطل بالشروط الفاسدة لا النكاح م: (ثم جميع المسمى) ش: في العقد يكون م: (للتي يحل نكاحها عند أبي حنيفة) ش: وبه قال الشافعي في قول. م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (يقسم على مهر مثليهما) ش: وبه قال الشافعي في قول وأحمد، ففي قول _ تستحق مهر المثل لفساد المسمى بجهالة، وبه قال مالك في قول. وفي " المغني ": تزوج أربعا في حالة واحدة صح النكاح، وكذا في أشهر قولي الشافعي وابن حنبل، وعنهما يجب لكل واحدة مهر مثلها م: (وهي مسألة الأصل) ش: أي " المبسوط ". م: (ومن ادعت عليه امرأة أنه تزوجها وأقامت بينة فجعلها القاضي امرأته) ش: بمقتضى شهادة البينة م: (ولم يكن تزوجها) ش: أي والحال أن الرجل لم يكن تزوج هذه المرأة م: (وسعها المقام معه) ش: _ بفتح الميم وضمها _ أي وسع المرأة الإقامة مع الزوج م: (وأن تدعه) ش: أي وسعها أيضا أن تتركه م: (يجامعها وهذا) ش: أي هذا المذكور من الحكم م: (عند أبي حنيفة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _) . ش: وهذه المسألة [ ... ] بين الفقهاء بأن قضاء القاضي بشهادة الزور في العقود والفسوخ ينفذ عند أبي حنيفة ظاهرا وباطنا، ومعنى نفوذه ظاهر [ ] فيما بينا بثبوت التمكين والنفقة والغنم وغير ذلك، ومعنى نفوذه ثبوت الحل عند الله تعالى م: (وهو قول أبي يوسف أولا) ش: أي قول أبي حنيفة هو قول أبي يوسف أولا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 وفي قوله الآخر وهو قول محمد _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ لا يسعه أن يطأها وهو قول الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ لأن القاضي أخطأ الحجة إذ الشهود كذبة فصار كما إذا ظهر أنهم عبيد أو كفار، وعن أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أن الشهود صدقة عنده وهو الحجة لتعذر الوقوف على حقيقة الصدق بخلاف الكفر والرق لأن الوقوف عليهما متيسر. وإذا ابتنى   [البناية] م: (وفي قوله الآخر) ش: أي قول أبي يوسف آخرا م: (وهو قول محمد لا يسعه أن يطأها وهو) ش: أي قول محمد م: (قول الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _) ش: وهو قول مالك وأحمد أيضا، وعلى هذا الاختلاف في البيع، فلو ادعى بيع جاريته ولم يبعها في الواقع فيقضي بالجارية للمدعي حل وطؤها عنده خلافا لهم، وكذا لو ادعت المرأة الطلقات الثلاث على زوجها وهو ينكر، وأقامت بينة ولم يكن طلقها في الواقع فقضى القاضي بالطلقات الثلاث، وتزوجت بزوج آخر حل للثاني أن يطأها عنده، وعندهم لا تحل للأول، ولا للثاني، وكذا الاختلاف في الفسخ. والحاصل في المسألة أربع أقاويل، فأبو حنيفة يقول: للثاني لا للأول وعندهما لا تحل للثاني ولا للأول للحرية. والشافعي يقول: يطؤها الأول سرا والثاني علانية، وفيه اجتماع رجلين على امرأة واحدة في طهر واحد وهو قبيح، والأوجه ما قاله أبو حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _، كذا في " جامع المحبوبي ". م: (لأن القاضي أخطأ الحجة إذ الشهود كذبة) ش: بالفتحات جمع كاذب، والخطأ في الحجة منع النفوذ باطنا م: (فصار كما إذا ظهر أنهم) ش: أي الشهود م: (عبيد أو كفار) ش: أو محدودون في القذف، والمشهود له يعلم بحالهم، فإن قضاءه ينفذ ظاهرا لا باطنا، وكذا لو قضى بنكاح منكوحة الغير أو معتدة الغير بشهادة الزور فإنه ينعقد ظاهرا لا باطنا بالإجماع. م: (وعن أبي حنيفة أن الشهود صدقة) ش: بالفتحات جمع صادق م: (عنده) ش: أي عند القاضي م: (وهو الحجة) ش: أي صدق الشهود عند القاضي هو الحجة م: (لتعذر الوقوف على حقيقة الصدق) ش: الحاصل أن القاضي مأمور بالقضاء بينة صادقة، والتكليف بحسب الوسع وليس في وسعه الوقوف على صدق الشهود حقيقة، ولهذا إذا أقيمت البينة وثبت عنده صدقهم بالتعديل أو غيره يجب القضاء، حتى لو لم ير ذلك على نفسه يكفر، ولو أخره يفسق، ورجحت ها هنا صدقهم بالتعديل في ظنه فيلزمه، فوجب تصحيح قضائه إن أمكن. م: (بخلاف الكفر والرق) ش: هذا جواب عن قولهما: فصار كما أظهر أنهم عبيد أو كفار، تقريره أن العبيد والكفار يعرفون بسيماهم م: (لأن الوقوف عليهما مقيس بالأمارات، وإذا ابتنى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 القضاء على الحجة وأمكن تنفيذه باطنا بتقديم النكاح نفذ قطعا للمنازعة بخلاف الأملاك المرسلة، لأن في الأسباب تزاحما فلا إمكان والله أعلم.   [البناية] القضاء) ش: على صيغة المجهول م: (على الحجة) ش: وهي الشهادة الصادقة عند القاضي م: (وأمكن تنفيذه) ش: أي تنفيذ الحكم م: (باطنا) ش: بتقديم النكاح، جواب عما يقال القضاء إظهار ما كان ثابتا لا إثبات ما لم يكن، والنكاح لم يكن ثابتا، فكيف ينفذ القضاء باطنا. فأجاب بقوله: بتقديم النكاح، يعني بتقديم النكاح على القضاء بطريق الاقتضاء كأنه قال: أنكحتك إياه وحكمت بينكما بذلك م: (نفذ قطعا للمنازعة) ش: يحل له أن يطأها لئلا تنازعه في طلب الوطء ثانيا. فإن قيل: إن كان قضاؤه متضمنا إن شاء بالعقد ثابتا فيشترط الشهود عند قوله قضيت. قلنا: قال شمس الأئمة السرخسي وغيره: إنه لا ينعقد باطنا بقوله: قضيت، إلا بمحضر الشهود، وبه أخذ عامة المشايخ، وهو قول الزعفراني. وقيل لا يشترط حضور الشهود لقضائه؛ لأن العقد يثبت بمقتضى صحة قضائه في الباطن، وما يثبت بمقتضى صحة الغير لا يثبت بشرائطه كالبيع في قوله: أعتق عبدك عني بألف. وقد جرى " الأكمل " في هذه المسألة بحث مع شخص تولى من أولياء المرأة، وذكره في شرحه ثم قال: وإمامنا في هذه المسألة علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _، وأقام شاهدين فقضى بالنكاح بينهما، فقالت المرأة: إن لم يكن به يا أمير المؤمنين تزوجني منه فقال على _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _: شاهداك زوجاك، ولو لم ينعقد العقد بينهما بقضائه لما امتنع عن العقد عند طلبها ورغبه الزوج فيها، وقد كان في ذلك تحصينها من الزنا، وكان ذلك منه بشهادة الزور. م: (بخلاف الأملاك المرسلة) ش: أي المطلقة عن إثبات سبب الملك إن ادعى ملكا مطلقا في الجارية أو الطعام من غير تعيين أو إرث لا ينعقد القضاء فيها إلا ظاهرا بالاتفاق حتى لا يحصل للمقتضى له وطؤها م: (لأن في الأسباب تزاحما) ش: لأنها كثيرة، ولا يمكن للقاضي تعيين شيء منها بدون الحجة. م: (فلا إمكان) ش: في تنفيذه إلا ظاهرا، لأنه لا يمكن تقديم شيء من أسباب الملك في القضاء لعدم أولوية بعضها على بعض، ولا يمكن تقديم الكل للاستحالة بخلاف القضاء بالنكاح، لأن طريقه متعين من الوجه. قلنا: فيمكن تنفيذه وإثباته في الهبة والصدقة، وعن أبي حنيفة روايتان في رواية ألحقها بالأنكحة والأشربة من حيث إنها تحتاج إلى الإيجاب والقبول، وفي رواية ألحقها بالأملاك المرسلة؛ لأنه لا ولاية للقاضي؛ لأنها تملك مال الغير بغير عوض. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 باب في الأولياء والأكفاء وينعقد نكاح الحرة العاقلة البالغة برضاها وإن لم يعقد عليها ولي، سواء كانت بكرا أو ثيبا عند أبي حنيفة وأبي يوسف _ رحمهما الله _ في ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أنه لا ينعقد إلا بولي وعند محمد ينعقد موقوفا. وقال مالك والشافعي _ رحمهما الله _ لا ينعقد النكاح بعبارة النساء أصلا   [البناية] [باب في الأولياء والأكفاء] [نكاح الحرة العاقلة البالغة برضاها] م: (باب في الأولياء والأكفاء) ش: لما ذكر النكاح وألفاظه ومحله شرع في بيان العاقد والولي، أي هذا باب في بيان حال الأولياء والأكفاء. والأولياء جمع ولي وهو المالك، يقال: ولي اليتيم والكفيل أي مالك أمرهما. والأكفاء جمع كفء وهو النظير، ومنه كافأه أي سواه. م: (وينعقد نكاح الحرة العاقلة البالغة برضاها وإن لم يعقد عليها ولي) ش: يعني هي زوجت نفسها بنفسها م: (سواء كانت بكرا أو ثيبا) ش: واحترز به عن قول أصحاب الظاهر، فإنهم فصلوا بين البكر والثيب، فقالوا: إن كانت بكرا لا يصح نكاحها بغير ولي، وإن كانت ثيبا صح م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف في ظاهر الرواية) ش: احترز به عن رواية الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: إن كان الزوج كفؤا لها جاز النكاح، وإلا فلا. م: (وعن أبي يوسف) ش: يعني في غير ظاهر الرواية م: (أنه لا ينعقد إلا بولي) ش: أبو يوسف أولا يقول: لا يجوز تزويجها من كفء أو غير كفء إذا كان لها ولي ثم رجع وقال: صح النكاح سواء كان الزوج كفؤا لها أو لا، وذكر الطحاوي قول أبي يوسف: إن الزوج إذا كان كفؤا لها أمر القاضي بإجازة العقد، فإن أجازه جاز وإن أبى لم يجز ولم يفسخ، ولكن يجبر القاضي فيجز، ذكره " في المبسوط ". م: (وعند محمد ينعقد موقوفا) ش: إلى إجازة الولي سواء كان الزوج كفؤا لها أو لا، فإن الولي أجاز وإلا فلا، ومن العلماء من قال: إن كانت غنية شريفة لم يجز تزويجها نفسها بغير رضا الولي، وإن كانت فقيرة يجوز تزويجها نفسها بغير رضا الولي. م: (وقال مالك والشافعي: لا ينعقد النكاح بعبارة النساء أصلا) ش: ولا توكيلهن، ولا بد من الولي أو السلطان عند عدمه، ويروى ذلك عن بعض الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقال مالك: إن كانت ذات حسن وجمال وشرف أو قال: يرغب في مثلها لم يصح نكاحها إلا بولي، وإن كانت بخلاف ذلك جاز أن يتولى نكاحها أجنبي برضاها، ولا تتولاه بنفسها. قيل: هذا النقل عنه غلط، والصحيح عنه أن الزانية إن زوجها الجار أو غيره ليس بولي جاز، والتي لها موضع، فإن زوجها غير الولي فرق بينهما، فإن أجازه الولي أو السلطان جاز. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وللشافعي وأحمد شرط في ذلك واستدلا بقوله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] (البقرة: الآية 232) ، قال الشافعي: هذه ابتدائية في كتاب الله _ عز وجل _ تدل على النكاح بغير ولي لا يجوز لأنه نهى الولي عن العضل، أي المنع، والمنع إنما يتحقق منه إذا كان الممنوع في جدة إذ الخطاب للأولياء. وروى البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي من رواية الحسن عن معقل بن يسار، قال: كانت لي أخت تخطب إلي فأمنعها ... الحديث، فأنزل الله تعالى هذه الآية {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: 232] . وروى الترمذي حديث ابن عمر: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل» الحديث. وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه أيضا، وروى الترمذي من حديث أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نكاح إلا بولي» . وأخرج الدارقطني في سننه من حديث قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين عن ابن مسعود _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» . وروى الدارقطني أيضا من حديث ابن عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _ أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» . رواه الحاكم من حديث أنس _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ «لا نكاح إلا بولي» رواه البيهقي من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 لأن النكاح يراد لمقاصده والتفويض إليهن مخل بها. إلا أن محمدا _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ يقول يرتفع الخلل بإجازة الولي   [البناية] حديث الحسن عن عمران بن حصين، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يجوز النكاح إلا بولي وشاهدي عدل» . وروى ابن ماجه من رواية هشام عن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها» . وروى ابن عدي في " الكامل " من حديث قبيصة بن ذؤيب عن معاذ بن جبل _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما امرأة تزوجت بغير ولي فهي زانية» . وروى الطبراني في " الأوسط " من حديث أبي سفيان عن جابر مرفوعا: «لا نكاح إلا بولي فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» . وروى ابن عدي في " الكامل " من حديث أصبغ بن نباتة عن علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما امرأة تزوجت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له» . وفي الباب أيضا عن عبد الله بن عمر وأبي ذر والمقداد بن الأسود والمسور بن مخرمة وأم سلمة وزينب بنت جحش _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _. وأما استدلالهم: بطريق المعقول فهو ما أشار إليه المصنف بقوله: م: (لأن النكاح يراد لمقاصده) ش: ومقاصده هو أن يستدعي التوافق بينهما عادة ولا يوفق عليها إلا بالعقل الكامل، وعقلها ناقص بالحديث م: (والتفويض إليهن) ش: أي تفويض عقد النكاح إلى النساء م: (مخل بها) ش: أي مقاصد النكاح، لأنهن سريعات الاغترار سيئات الاختيار لا سيما عند هيجان الشهوة، فإن الشهوة إذا ثارت حجبت العقول من تحسين النظر في العواقب. قلنا: هذا مردود بما أذن لها الولي بأن يأذن الولي بخير الخلل، فكان الواجب الجواز حينئذ وهم لا يقولون به. وأشار إلى هذا بقوله: م: (إلا أن محمدا يقول: يرتفع الخلل بإجازة الولي) ش: والاستثناء من قوله: مخل بها، فالذي قاله محمد جواب بالرد لما قال الخصم، وتقرير ما قاله محمد أن الغرر الموهوم ينتفي بإجازة الولي ولا خلل في نفس العبد فيصبح موقوفا بإجازته. وقال أيضا: ينفذ عقد الولي عليها بسكوتها عنده، ولو لم يكن له ولاية عليها لم ينفذ بسكوتها كالأجنبي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 ووجه الجواز أنها تصرفت في خالص حقها وهي من أهله لكونها عاقلة مميزة ولهذا كان لها التصرف في المال ولها اختيار الأزواج   [البناية] قلنا: سكوتها إذن منها: يجعل الشارع ذلك إذنا منها فلم ينفذ إلا بإذنها لوكيلها. قالوا: يجب على الولي تزويجها عند طلبها ولو لم يكن له ولاية لما وجب ذلك عليه. قلنا: هذا ممنوع بل هي تأذن لمن يزوجها أو تباشر بنفسها ما لو قام بها وصف نقص بسلب أهلية الأمانة العامة والخاصة، وسلب الشهادة فيما يندرئ بالشبهات، وسقوط الجمعة والجماعات فصارت كالرخصة. قلنا: هذا قياس شبهة باطل، والنكاح ليس من الحدود ولا ما يندرئ بالشبهات، وإنما سقطت الجمعة والجماعات للفتنة. وقولهم: تبطل بالمسافر، ولا بسلب عقدة الولاية، ولا يوصف بسببه بالنقص، قالوا: إن الولاية تبقى عليها بعد بلوغها نقص صداقها، وفي حق الضم والإسكان. قلنا: هذا لخوف الفتنة عليها. قالوا: إنها قاصرة في البضع، ولهذا لا تسافر وحدها. قلنا: يبطل هذا بسفر بالحج؛ فإنها بغير محرم ولا زوج عند مالك والشافعي. م: (ووجه الجواز) ش: أي جواز عقد النكاح المرأة الحرة العاقلة البالغة برضاها، وإن لم يعقد عليها ولي م: (أنها تصرفت في خالص حقها) ش: حتى كان البدل الواجب بمقابلتها لها م: (وهي من أهله) ش: أي المرأة من أهل التصرف خالص حقها م: (لكونها عاقلة مميزة ولهذا) ش: أي ولأجل كونها عاقلة مميزة م: (كان لها التصرف في المال، ولها اختيار الأزواج) ش: بالاتفاق وكل تصرف هذا شأنه فهو جائز. فإن قلت: لا نسلم أنها تصرفت في خالص حقها، بل في حق تعلق به حق الأولياء، ولهذا لا يجوز إذا لم يكن بكفء. قلت: لا فرق في ظاهر الرواية فلا يرد عليه، وأما على رواية الحسن عن أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ فالجواب: أن المراد بخالص حقها ما كان من الموضوعات الأصلية، التي يترتب عليها النكاح من تمليك منافع بضعها وإيجاب النفقة والكسوة والمهر والسكنى ونحوها، وكل ذلك خالص حقها فلا يعتبر بالعارض للحوق الماء بالأولياء. فإن قيل: هذا استقلال بالرأي في مقابلة الكتاب والسنة: وكله فاسد، أما الكتاب فقوله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] (البقرة: الآية 232) ، نهى الولي عن العضل وهو المنع، وإنما يتحقق المنع إذا كان الممنوع في يده. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وأما السنة: فهي الأحاديث التي ذكرناها. فنجيب أولا عن الآية، ثم عن الأحاديث: فنقول: الآية مشتركة الإلزام؛ لأنه نهاهم عن منعهن عن النكاح، فدل على أنهم يمكنهم، وإن قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 234] (البقرة: الآية 240) ، وقَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (البقرة: الآية 230) ، قَوْله تَعَالَى: {أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] (البقرة: الآية 232) ، يعارضهما. وأما الجواب عن الأحاديث فيأتي واحدا واحدا، فنقول: أولا: عن استدلال الشافعي بقوله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] إنه يدل على نكاحها بمباشرتها من غير إذن الولي من وجوه: الأول: أن الله تعالى أضاف العقد إليها. الثاني: أن نهيه تعالى عن العضل إذا تراضى الزوجان. الثالث: أن العضل إذا تراضى الزوجان. الرابع: أن العضل اسم يشترك بمعنى المنع، وبمعنى الضيق، وآلة العضال، وذلك كله ظاهر في منعه من الخروج والمراسلة في عقد النكاح، والأظهر في الآية أن الخطاب للأزواج، لا للأولياء. قال الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 232] (البقرة: الآية 232) ، وذلك بالحبس وتطويل العدة عليهن لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] وكانوا يطلقون فيراجعون إذا قرب انقضاء عدتهن من غير حاجة ضرر. وقال الإمام فخر الدين بن الخطيب: المختار أنه خطاب للأزواج، لا للأولياء، قال: وتمسك الشافعي بها ممنوع على المختار، رواه ابن عباس، وأيضا ثبوته في حق الولي ممتنع؛ لأنه مهما عزل فلا يبقى بعضلها أثر. وأما الجواب عن حديث معقل بن يسار، فإن الرازي قال: في طريقه مجهول؛ فلا يكون حجة عندهم. وأما حديث عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - _ فمداره على الزهري، وابن جريج سأله عنه فلم يعرفه. وفي رواية فأنكره فسقط عباؤه. وقال الطحاوي: قد يثبت عن عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ ما يخالف هذا الحديث؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإنها زوجت حفصة بنت عبد الرحمن بن المنذر من الزبير، وعبد الرحمن غائب بالشام، ولما قدم قال: أمثل هذا يصنع به أو يعاب عليه، فكلمت عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ المنذر. فقال المنذر: إن ذلك بيد عبد الرحمن، فقال عبد الرحمن: ما كنت أرد أمرا قضيته، ومرت حفصة عنده، ولم يكن ذلك طلاقا، قال: فلما رأت عائشة تزويجها جائزا مستقيما استحال عندنا أن تكون ترى ذلك، وقد علمت ما نسب إليها من رواية الزهري. فإن قلت: قال ابن حزم في " المحلى ": هذا مشهور، ثم إنكاح عائشة حفصة، وفيه أمرت رجلا فأنكح، ثم قال: ليست إلى النساء إلا النكاح، قال: فصح يقينا بهذا رجوعها عن العمل الأول، قال: كتب إلي محمد بن سماعة بهذا. قلت: قال السروجي: ما أجهله بالفقه وأصوله، وهل يقول أحد في العالم إن كتاب ابن سماعة يفيد اليقين والعلم الضروري، مع أنه لا يعرف صحة سنده، ولا يعرف من روى هذا بإسناد اليقين، وخبر الواحد بالمشافهة لا يفيد يقينا، فما ظنك بكتابه؟ فإن قلت: هذا الحديث قد روي بطرق كثيرة. قلت: في طريقه زيد بن يسار بن مزود الرهاوي، قال أحمد، وعلي بن المديني والدارقطني: هو ضعيف، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال النسائي والأزدي: متروك الحديث، وفيها عبد الله بن حكيم أبو بكر الرازي، عن هشام بن عرفة، وقال نوح بن دراج القاضي، قال يحيى: ليس بثقة، ولا يدري بالحديث. وقال النسائي: قال يحيى وعلي وأحمد: وهو ليس بشيء، ولا يكتب حديثه، وفيه أبو الحصين وهو مجهول، وفيه عطاء بن عجلان الحنفي العطار، وقال الترمذي: ذاهب الحديث، وفيه أبو مالك الحسن ضعفه مسلم، وفيه الحجاج بن أرطاة وفيه كلام كثير، وفيه عبد الله بن لهيعة وهو معروف الحال، والعجب أنهم يضعفونه، وهو عند كون الحديث عليهم، ويحتجون به عند كون الحديث لهم، وفيها ابن ربيعة ضعفه ابن معين، وقال: ليس بشيء. وأما حديث أبي موسى الأشعري فرواه إسحاق الهمداني، عن أبي بردة فضعفه شعبة، وسفيان الثوري، وأبو إسحاق مدلس، وقد قال عن أبي بردة؛ فلا يكون حجة. وأما حديث ابن مسعود ففيه بكر بن بكار، قال يحيى: ليس بشيء. وأما حديث ابن عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _ ففيه ثابت بن زهير، قال أبو حاتم: منكر الحديث، وضعفه ابن عدي، وابن حبان. وقال أبو داود: موقوف على ابن عمر. وأما حديث عمران بن حصين فقد قال السروجي: ليس له حديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما رواه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عن ابن مسعود. وأما حديث أبي هريرة ففيه جميل بن الحسن العتكي، ومسلم بن أبي مسلم، لا يعرفان. وأما حديث معاذ بن جبل _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ ففيه نوح بن أبي مريم أبو عصمة، ضعفه ابن معين والدارقطني. وأما حديث جابر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ ففيه ثعلبة بن الوليد أبو محمد الحمصي، وكان مدلسا، وقالوا: أبو مسهر ثعلبة غير ثقة، ويروي عن قوم مجهولين متروكين، لا يحتج بهم. وأما حديث علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ففيه أصبغ بن نباتة أبو القاسم الحنظلي، ليس بثقة ولا يساوي شيئا، قال ابن معين وقال النسائي: متروك الحديث وفيه عمر بن صبيح التميمي أبو نعيم، قال: أنا الذي وضعت خطبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان يضع الحديث، وفي الجملة قد ضعف البخاري هذه الأحاديث. وقال يحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه: تنسب إليه ثلاثة أحاديث لم تثبت عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أحدها: «لا نكاح إلا بولي» ، وثانيها: «من مس ذكره فليتوضأ» . ثالثها: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» ، رواه عنهما ابن عون [ ... ] وشمس الدين السبط بن الجوزي: وقال يحيى بن معين: لا يصح في هذا الباب إلا حديث عائشة، قلنا: قد روي ما يخالف حديثها، وقد ذكرناه عن قريب وقال الحافظ أبو جعفر الطحاوي: فلما لم يكن في هذه الأقاويل دليل على ما ذهب إليه أهل المقالة الأولى، وأراد بهم الشافعي ومالكا، وأحمد، وإسحاق، وأبا ثور، نظرنا فيما سواها، هل نجد شيئا يدل على الحكم في هذا الباب، كيف هو؟ فإن يونس قد حدثنا قال: أخبرنا ابن وهب، أن مالكا حدثه، عن عبد الله بن الفضل، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن ابن عباس _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _ أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها سكوتها» وأخرجه من ثلاث طرق، ثم قال: فبين ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا الحديث بقوله: «الأيم أحق بنفسها من وليها» . وهذا الحديث أخرجه أيضا الترمذي، عن يحيى بن يحيى عن مالك، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه النسائي، والأيم بفتح الهمزة وتشديد الياء التي هي آخر الحروف، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وهو في " الأصل " التي لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا، مطلقة كانت أو متوفى عنها زوجها. قيل وأراد بها هنا الثيب خاصة، على ما نبين إن شاء الله تعالى. وقد ذكرت في شرحي لمعاني الآثار للطحاوي، وقد اختلف في معنى الأيم هنا مع اتفاق أهل اللغة، أنه يطلق على كل امرأة لا زوج لها صغيرة كانت أو كبيرة، بكرا كانت أو ثيبا، وذهب علماء الحجاز، وكافة العلماء إلى أن المراد بها هاهنا الثيب التي فارقها زوجها، وقالوا: بأنه أكثر استعمالا فيمن فارقت زوجها بموت أو طلاق، وبرواية الأثبات فيه الثيب مفسرا، وهو أيضا لفظ مسلم: «الثيب أحق بنفسها من وليها» "، ويقابله: «البكر تستأمر في نفسها» ، ولو كان المراد بالأيم كل ما لا زوج لها من الأبكار وغيرهن، وأن جميعهن أحق بأنفسهن لم يكن لتفصيل الأيم من البكر معنى. وذهب الكوفيون وزفر إلى أن الأيم هنا يطلق على ظاهره في اللغة، فإن كل امرأة بكرا كانت أو ثيبا إذا بلغت فهي أحق بنفسها من وليها وعقدها على نفسها جائز، وهو قول الشعبي، والزهري أيضا، قالوا: وليس الولي من أركان صحة العقد، ولكن من تمامه وجماله. قلت: لا شك أن قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الأيم أحق بنفسها» عام يتناول الثيب والبكر والمتوفى عنها زوجها، ويجب العمل بعموم العام، وأنه موجب للحكم فيما يتناوله قطعا. فإن قلت: رواية الثيب أحق بنفسها تفسير الأيم أحق بنفسها. قلت: هذه الرواية ليست فيها إجمال حتى تكون تلك الرواية مفسرة لها بل يعمل بكل واحدة من الروايتين، فيعمل برواية الأيم على عمومها، وبرواية الثيب على خصوصها، ولا منافاة بين الروايتين، على أن أبا حنيفة يرجح العمل بالعام على العمل بالخاص، ويجمع الأيم على الأيامى. وقال الجوهري: الأيامى الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء، وأصلها أيايم، فقلبت؛ لأن الواحد أيم، سواء كان تزوج من قبل أو لم يتزوج، وامرأة أيم أيضا بكرا كانت أو ثيبا، وقد أمت المرأة من زوجها، تيم أيمة، وإيماء، وأيموما، وأيمت المرأة، وتأيم الرجل زمانا إذا مكث لا يتزوج، وقيل: أكثر ما يستعمل في النساء، وقد قيل في المرأة: أيمة، قوله: والبكر تستأذن، أي يطلب منها الإذن في نكاحها. فإن قلت: قال الترمذي بعد أن ذكر هذا الحديث: وقد احتج به بعض الناس في إجازة النكاح بغير ولي، وليس فيه ما قد احتجوا به؛ لأنه قد روي من غير وجه، عن ابن عباس، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نكاح إلا بولي» وهكذا أفتى به بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «لا نكاح إلا بولي» . وإنما معنى قوله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الأيم أحق بنفسها من وليها» عند أكثر أهل العلم؛ لأن الولي لا يزوجها إلا برضاها. قلت: هذا الذي [ذكره] لا يليق بحاله؛ لأن هذا الكلام لا يصدر من مثله؛ لأن [فتوى ابن] عباس متى تساوي هذا الحديث الصحيح المجمع على صحته، وحديث ابن عباس متكلم فيه، وقد ذكرنا فإن قلت: لم ترك المصنف الاستدلال من الجانبين بالحديث لغيره من المصنفين؟ قلت: قال الأكمل: وإذا كان الكتاب والسنة متعارضين ترك المصنف الاستدلال بهما للجانبين، وصار أي المعقول، انتهى. قلت: ليس فيه ما يشفي العليل على ما لا يخفى على المتأمل، وما استدل به أصحابنا ما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «ليس للولي من الثيب أمر، والبكر يستأمرها أبوها في نفسها» " ومنه ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة في " مصنفه «أن رجلا زوج ابنته وهي كارهة، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لا نكاح لك فانكحي ما شئت» ". وروي أيضا من حديث عكرمة، عن ابن عباس «أن جارية بكرا أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد ذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قيل: رجاله ثقات، وأعله بالإرسال. قلت: المرسل عندنا حجة، ومنه ما روي عن ابن عباس أن «رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رد نكاح بكر وثيب أنكحهما أبوهما» وقال الدارقطني: الصواب عن المهاجر عن عكرمة مرسل. قلت: المرسل حجة به ما رواه الدارقطني عن أبي سلمة قال: «أنكح رجل من بني المنذر ابنته الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 وإنما يطالب الولي بالتزويج كيلا تنسب إلى الوقاحة ثم في ظاهر الرواية لا فرق بين الكفؤ وغير الكفؤ، لكن للولي الاعتراض في غير الكفؤ، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف _ رحمهما الله _ أنه لا يجوز التزويج في غير الكفؤ لأنه كم من واقع لا يدفع،   [البناية] وهي كارهة، فرد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نكاحها» . وروى الدارقطني أيضا عن أبي سعيد الخدري _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: " لا تنكحوهن إلا بإذنهن " وعن الحكم قال: كان علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ إذا رفع إليه رجل تزوج امرأة بغير ولي، فدخل بها أمضاه، فلو كان وقع باطلا كما زعم الشافعي لما أمضاه. م: (وإنما يطالب الولي) ش: هذا جواب عما يقال إذا تصرفت في خالص حقها فلم أمر الولي م: (بالتزويج) ش: إذا طالبه، وأي حاجة لها إلى طلب التصرف من الولي في خالص حقها. فأجاب بقوله: وإنما يطالب الولي بصيغة المجهول بالتزويج م: (كيلا تنسب) ش: المرأة م: (إلى الوقاحة) ش: من وقح الرجل إذا صار قليل الحياء فهو وقح، ووقاح بين الوقحة والوقاحة والقحة وامرأة وقاح الوجه، وذلك لأنها تستحي من الخروج إلى محافل الرجال لتباشر العقد، لأن هذا يعد منها وقاحة لأنها لا تقدر على المباشرة. م: (ثم في ظاهر الرواية لا فرق بين الكفؤ وغير الكفؤ) ش: إذا زوجت نفسها من كفء أو من غير كفء جاز نكاحها، وروي عن الحسن أنه لا يجوز من غير كفء، ومثله في " المحيط ". وفي " قاضي خان ": يجوز في ظاهر الرواية كما ذكره المصنف. م: (لكن للولي حق الاعتراض في غير الكفء) ش: دفعا للعار عنه، هذا إذا لم تلد، فإن ولدت فلا حق للولي في الفسخ كذا، في " قاضي خان " و " الخلاصة ". وفي " شرح شيخ الإسلام ": له حق الفسخ بعد الولادة. م: (وعند أبي حنيفة وأبي يوسف أنه لا يجوز التزويج في غير الكفء) ش: وهي رواية الحسن كما ذكرنا، وفي فتاوى " قاضي خان " و" القنية ": المختار للفتوى في زماننا رواية الحسن، وفي رواية الكافي وبقوله أخذ كثير من المشائخ، قال شمس الأئمة في المبسوط: هذا أقرب إلى الاحتياط م: (لأنه كم من واقع لا يدفع) ش: أي كم من قضية تقع ولا يقدر أحد على دفعها، لأنه ليس كل ولي يحبس المدافعة إلى القاضي ولا كل قاض يعدل، فكان الأحوط سد باب التزويج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 ويروى رجوع محمد إلى قولهما، ولا يجوز للولي إجبار البكر البالغة على النكاح خلافا للشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ له الاعتبار بالصغيرة وهذا لأنها جاهلة بأمر النكاح لعدم التجربة ولهذا يقبض الأب صداقها بغير أمرها. ولنا أنها حرة مخاطبة فلا يكون للغير عليها ولاية الإجبار، والولاية على الصغيرة   [البناية] من غير كفء. قال الشيخ صدر الإسلام: لو زوجت المرأة المطلقة الثلاث نفسها من غير كفء ودخل بها الزوج ثم طلقها لا تحل على الزوج الأول على ما هو المختار من رواية الحسن. وفي الحقائق هذا مما يجب حفظه لكثرة وقوعه. م: (ويروى رجوع محمد إلى قولهما) ش: أي إلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف يعني ينعقد نكاحا أيضا عنده بلا ولي، يتوقف على إجازته، كما هو مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف، وكذا ذكره أيضا في "البدائع "، وفي " قاضي خان " كان أبو يوسف يقول يتوقف على إجازة الولي كفؤا كان أو لا، ثم رجع، وقال: يجوز في الكفء، ويتوقف في غيره ثم رجع، وقال: يجوز فيهما، وفي رواية الطحاوي عنه ي: جبره القاضي. [إجبار البكر البالغة على النكاح] م: (ولا يجوز للولي إجبار البكر البالغة على النكاح) ش: يريد أنه لا يزوجها بغير رضاها، فإن فعل ذلك فالنكاح موقوف على إجازتها عندنا، فإن ردته بطل، وإن سكتت عند استئذان وليها لها فهو إذن منها، وهو قول الأوزاعي والشعبي وطاوس والحسن بن حي وأبي عبيدة، والثوري وأبي ثور وأحمد، وفي رواية والظاهرية واختاره ابن المنذر م: (خلافا للشافعي) ش: وبقوله قال مالك في أشهر الروايتين عنه، وأحمد في رواية، وابن أبي ليلى، وعند الحسن البصري: أن البنت أيضا، وعن إبراهيم: إن كانت المرأة في عيال أبيها لم يستأمرها، وإن كانت في عيال غيره استأمرها، ولكن يستحب عند السلف استئذانها. م: (له) ش: أي الشافعي م: (الاعتبار بالصغيرة) ش: أي القياس على الصغيرة، لأن الصغيرة إذا كانت بكرا تزوج كرها، فكذا البالغة والجامع بينهما الجهالة، وأشار إلى هذا بقوله م: (وهذا) ش: أي وجوب الاعتبار بالصغيرة م: (لأنها جاهلة بأمر النكاح لعدم التجربة) ش: لأنها لم تمارس الرجال فلا تقف على مصالح النكاح ومفاسدها، فكان بلوغها بكرا كبلوغها مجنونة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونها جاهلة بأمر النكاح م: (يقبض الأب صداقها بغير أمرها) ش: كما في الصغيرة. م: (ولنا أنها) ش: البكر البالغة م: (حرة مخاطبة) ش: فالحرية والخطاب وصفان مؤثران في ولاية الاسترداد بالتصرف م: (فلا يكون للغير عليها ولاية الإجبار) ش: كما في المال م: (والولاية على الصغيرة) ش: جواب عن قياس الشافعي على الصغيرة تقديره أن القياس على الصغيرة قياس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 لقصور عقلها وقد كمل بالبلوغ، بدليل توجه الخطاب عليها فصار كالغلام، وكالتصرف في المال، وإنما يملك الأب قبض الصداق برضاها دلالة، ولهذا لا يملك مع نهيها، قال: فإذا استأذنها الولي فسكتت أو ضحكت فهو إذن، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «البكر تستأمر في نفسها، فإن سكت فقد رضيت» ، ولأن جهة الرضاء فيه راجحة، لأنها تستحي عن إظهار الرغبة لا عن الرد والضحك أدل على الرضاء من السكوت، بخلاف ما إذا بكت، لأنه دليل السخط والكراهة.   [البناية] بالفارق، لأن الولاية على الصغير م: (لقصور عقلها) ش: وفيما نحن فيه ليس موجود م: (وقد كمل بالبلوغ بدليل توجه الخطاب عليها فصار) ش: أي فصار الإجبار عليها م: (كالغلام) ش: أي كالإجبار على الغلام إذا كان بالغا م: (وكالتصرف في المال) ش: أي صار كالتصرف في المال، أي مال البكر البالغة، فإنه لا يجوز للأب التصرف فيه م: (وإنما يملك) ش: جواب عن قوله ولهذا يقبض الأب صداقها تقريره إنما يملك م: (الأب قبض الصداق برضاها دلالة) ش: يعني بالسكوت لأن الظاهر أن البكر تستحي عن قبض صداقها وأن الأب هو [الذي] يقبض حتى يجهزها بذلك مع مال نفسه ليبعثها إلى بيت زوجها، فكان ذلك إذنا لا ولاية. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (لا يملك) ش: أي الأب قبض صداقها م: (مع نهيها) ش: أبيها عن ذلك لأن الدلالة تبطله بالصريح ولم يستدل المصنف للشافعي بالحديث ولا لنا، والأحاديث التي استدل بها أصحابنا في هذا الباب قد ذكرناها عن قريب. م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإذا استأذنها الولي) ش: أي فإذا طلب الولي الإذن منها قبل النكاح، قال في " المبسوط ": يستأذنها خالية لا في ملأ من الناس كيلا يمنعها الحياء من الرد أو لا يذهب الحشمة الأب عند الناس بردها م: (فسكتت أو ضحكت فهو إذن) ش: أي سكوتها وضحكها إذن، وكذا إذا ابتسمت يكون رضا وهو الصحيح من المذهب، ذكره الحلواني كذا في المحيط م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «البكر تستأمر في نفسها، فإن سكتت فقد رضيت» ش: هذا غريب بهذا اللفظ، وروى الأئمة الستة من حديث أبي هريرة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن " قالوا: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكيف إذنها؟ قال: " إن سكتت» . م: (ولأن جهة الرضاء فيه راجحة) ش: أي لأن جانب الرضا يرجح على جانب الرد م: (لأنها تستحي عن إظهار الرغبة لا عن الرد والضحك أدل) ش: أي أكثر دلالة م: (على الرضا من السكوت) ش: أي على الرضا بالمسموع عن السكوت لأن الضحك علامة السرور والفرح بما سمعت م: (بخلاف ما إذا بكت، لأنه دليل السخط والكراهة) ش: والبكاء على السرور نادر، فلا عبرة به، ولكن ليس برد، حتى لو رضيت بعده ينفذ الحكم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 وقيل إذا ضحكت كالمستهزئة بما سمعت لا يكون رضا، وإذا بكت بلا صوت لم يكن ردا، وإن أبت لم يزوجها.   [البناية] م: (وقيل: إذا ضحكت كالمستهزئة بما سمعت لا يكون رضا) ش: والضحك الذي يكون بطريق الاستهزاء معروف بين الناس، وفي " المرغيناني " و " الحاوي ": إن بكت وكان دمعها باردا يكون رضا، وإن كان حارا لا يكون رضا م: (وإذا بكت بلا صوت لم يكن ردا، وإن أبت لم يزوجها) ش: وفي " المبسوط " قال بعض المتأخرين: إذا كان لبكائها صوت كالويل يكون ردا، وأما إذا خرج الدمع من غير صوت لا يكون ردا، لأنها تحن على مفارقة أبويها وعليه الفتوى. وعن أبي يوسف أن البكاء رضا، وفي " جامع قاضي خان " يأخذ بدموع عينها، إن كانت باردة فهي من السرور فيكون رضا، وإن كانت حارة فهي من الحزن فيكون ردا. وقيل: إن كان عذبا فرضا، وإن كان مالحا فرد؛ وقال الشافعي: البكاء رضا إلا أن يكون مع الصياح أو ضرب الخد. فائدة: في كتاب " الأجناس " من جعل السكوت رضا في عشر مسائل: الأولى: السكوت عند اشتجار الولي. الثانية: في بيع الملحثة، لو قالا في السر يظهر البيع علانية وهو تلحثة، ثم قال أحدهما للآخر: خذ به إلى أن جعله صحيحا فسكت الآخر، ثم تبايعا كان البيع صحيحا. الثالثة: وقع عبد مسلم في الغنيمة بعدما أسره المسكوت، فقسمت، ومولاه حاضر ساكت، ولم يطالب العبد، فلا سبيل له على العبد بعد ذلك. الرابعة: قبض المشتري المبيع بغير إذن البائع، وهو ساكت قبل نقد الثمن، فهو إذن له فيه. الخامسة: رأى عبدا يبيع ويشتري، فسكت فهو إذن له في التجارة. السادسة: سكوت الشفيع بعد العلم بالبيع يبطل حقه فيها. السابعة: عبده بيع وهو ساكت، ثم قال: أنا حر لا يقبل، رواه الطحاوي في " مختصره "، فقال له: قم مع مولاك، فقام لزمه البيع. الثامنة: قال: والله لا أسكن فلانا داري، أو لا أتركه في داري، وهو نازل فيها فسكت يحنث، وإن قال له: اخرج، فأبى أن يخرج، فسكت الحالف لا يحنث. التاسعة: ولدت امرأته ولدا فهنأه الناس به، فسكت لزمه. العاشرة: بلغها الخبر فسكتت. وزاد السروجي عليها أربعة أخرى: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 قال وإن فعل هذا غير الولي، يعني استأمر غير الولي أو ولي غيره أولى منه لم يكن رضا حتى تتكلم به، لأن هذا السكوت لقلة الالتفات إلى كلامه فلم يقع دلالة على الرضاء، ولو وقع فهو محتمل والاكتفاء بمثله للحاجة، ولا حاجة في حق غير الأولياء   [البناية] الأولى: لو قبض الموهوب في المجلس، والواهب ساكت ملكه استحسانا. الثانية: قبض المبيع في البيع الفاسد، والبائع ساكت ملكه المشتري. الثالثة: لو جاءت أم الولد بولد آخر فسكت المولى يوما أو يومين لزمه، ولا يصح نفيه بعد ذلك. الرابعة: مجهول النسب إذا بيع وهو ساكت ينظر صح بيعه، وصار كأنه أقر بالبيع. وقد ذكر الكاكي خمسة أخرى: الأولى: إذا هنئ بالولد فسكت لزمه. الثانية: قال لغيره: بع عبدي، فسكت، ثم قام وباع كان ذلك قبولا للتوكيل. الثالثة: شق زق غيره وهو حاضر، فسكت حتى سال ما فيه لم يضمن. الرابعة: زوج الصغيرة غير الأب والجد، فبكت بكرا، فسكتت ساعة بطل خيارها. الخامسة: رأى غيره يبيع ماله عرضا أو عقارا فقبضها المشتري فتصرف فيها زمانا وهو ساكت سقطت دعواه، ذكره في " منية الفقهاء ". [استأمرالمرأة غير الولي] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإن فعل هذا) ش: يعني الاستدلال م: (غير الولي) ش: أي من الأجانب، وفسر قوله _ فإن فعل هذا _ بقوله م: (يعني استأمرها غير الولي أو ولي غيره) ش: أي لو استأمرها ولي غيره م: (أولى منه) ش: كاستئذان الأخ مع وجوب الأب، قوله: _ غيره أولى منه _ جعله وقف صفة لقوله ولي الضمير في منه يرجع إلى الغير م: (لم يكن رضا حتى تتكلم به، لأن السكوت لقلة الالتفات) ش: أي لقلة التفاتها م: (إلى كلامه فلم يقع دلالة على الرضاء) ش: وبه قال الشافعي. م: (ولو وقع) ش: أي السكوت دليلا على الرضا م: (فهو محتمل) ش: أي محتمل الإذن والرد م: (والاكتفاء بمثله) ش: أي بمثل السكوت المحتمل م: (للحاجة) ش: أي حاجة الإنكاح، ولا يوجد ذلك في حق غير الولي وهو معنى قوله م: (ولا حاجة في حق غير الأولياء) ش: وهذا رد لقوله _ ولو وقع _ أي السكوت. وفي " المبسوط ": وحكى عن الكرخي أن سكوتها عند استئمار الأجنبي يكون رضا، لأنها تستحي من الأجنبي أكثر مما تستحي من الولي، والأول أصح، ولا يكون إذنا إذا استأمرها قريب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 بخلاف ما إذا كان المستأمر رسول الولي لأنه قائم مقامه، ويعتبر في الاستئمار تسمية الزوج على وجه تقع به المعرفة لتظهر رغبتها فيه من رغبتها عنه.   [البناية] كافر أو عبد مكاتب م: (بخلاف ما إذا كان المستأمر رسول الولي) ش: يعني يكون استئمار رسول الولي كاستئمار الولي. م: (لأنه) ش: أي لأن رسول الولي م: (قائم مقامه) ش: أي مقام الولي، وفي " البدائع ": استئذان البكر البالغ على وجهين: الأول: أن يستأذنها بعده، والسكوت فيها رضا في الوجهين إذا كان الزوج هو الولي الأقرب قبل العقد. والثاني: أن يستأذنها أو وكيله أو رسوله بخلاف الولي الأبعد والأجنبي م: (ويعتبر في الاستئمار تسمية الزوج على وجه تقع به المعرفة) ش: أي تقع بالزوج المعرفة حتى لو قال: زوجتك بعض جيراني أو بعض بني عمي لم يكن سكوتها رضا، لأن الرضا بالمجهول لا يتصور. وقيل: لو عد عليها جماعة فسكتت زوجها من أحدهم، وكذا لو ذكر ابن فلان وهم يحصون، قالوا: والشرط أن يكون الزوج كفؤا والمهر وافرا حتى لو لم يكن كفؤا ولم يكن المهر وافرا وعلم أحدهما لم يكن سكوتها رضا إلا في حق الأب والجد عند أبي حنيفة، لأن الأب والجد عنده في هذا العقد. وعندهما الولي مطلقا، لأن الأب والجد بمنزلة الأجانب في هذا العقد، كذا في " جامع قاضي خان " و " المحيط " و " المبسوط ". وقال الشافعي: يشترط النطق في غير الكفء في قوله: وفي غير مهر المثل واستئمار وكيل الأب كالأب، وفي " القنية ": لو قال الأب: يذكرك فلان بمهر كذا فوثب مرتين وهي في نكاحها فزوجها جاز. ولو قال لها رضا أريد أزوجك من رجل فسكتت لا يكون رضا، هكذا روي عن محمد لعدم العلم، وفي " الحاوي ": سئل أبو نصير عن رجل قال لبنته: زوجتك من رجل فسكتت فهو رضا، ولا خيار لها. قال: أزوجك من رجل فسكتت لم يكن رضا، وفرق بين الماضي والمستقبل. وعن أبي القاسم الصفار لها الخيار في الفصلين، وقال صاحب " الحاوي " وبه نأخذ. وفي " جوامع الفقه ": لو قالت كنت قلت لك: لا أريده فهو رد، وكذا لا أرضى أو لا أجيز أو أنا كارهة، ولو قالت: لا يعجبني، أو لا أريد الأزواج، فليس برد حتى لو رضيت بعد ذلك صح ولو قالت: لا أريد فلانا فهو رد، ولو قالت: لا أرضى ثم قالت: رضيت موصولا جاز، وإن فصلت بطل، ولو قالت: ذلك إليك هو رضا. م: (لتظهر رغبتها فيه) ش: أي ليظهر رغبة المرأة في الزوج المسمى م: (من رغبتها عنه) ش: أي عن الزوج المسمى، ولفظ رغب إذا استعمل بكلمة عن يدل على عدم الرغبة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 ولا يشترط تسمية المهر هو الصحيح، لأن النكاح صحيح بدونه، ولو زوجها فبلغها الخبر فسكتت فهو على ما ذكرنا، لأن وجه الدلالة في السكوت لا يختلف ثم المخبر إن كان فضوليا يشترط فيه العدد أو العدالة عند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ خلافا لهما، ولو كان رسولا لا يشترط إجماعا، وله نظائر. ولو استأذن الثيب فلا بد من رضاها بالقبول   [البناية] [تسمية المهر في الاستئمار] م: (ولا يشترط تسمية المهر) ش: يعني عند تسمية الزوج في الاستئمار م: (هو الصحيح) ش: أي ترك تسمية المهر هو الصحيح، واحترز به عن قول بعض المتأخرين حيث قالوا: لا بد من تسمية المهر في الاستئمار، لأن رغبتها تختلف باختلاف المهر في القلة والكثرة، والصحيح أنه لا يشترط، كذا في " المبسوط ". وفي " جامع قاضي خان ": لأن الظاهر مختلف لاختلاف الزوج؛ لأن الأب لا يقف على مرادها في حق الزوج، فأما في حق الصداق يعلم مرادها في ذلك، وهو صداق مثلها م: (لأن النكاح صحيح بدونه) ش: أي بدون ذكر المهر، ولا يصح بدون ذكر الزوج، وفي " الكافي ": إذا كان المزوج أبا أو جدا لا يشترط، لأنه لا ينقض من المهر إلا بعرض يفوق المهر، والمصنف أطلق الصحة من غير تفصيل. م: (ولو زوجها) ش: أي زوج المولى المرأة م: (فبلغها الخبر فسكتت فهو على ما ذكرنا) ش: أي من فصول الرضا بالضحك، والسكوت دون البكاء م: (لأن وجه الدلالة في السكوت لا يختلف) ش: أي من حال الاستئمار وحال بلوغ الخبر، لأن المعنى الذي صار السكوت لأجله رضا قبل العقد وجعله بعده، وهو العجز عن النطق بسبب الحياء. م: (ثم إن المخبر إن كان فضوليا يشترط فيه العدد أو العدالة عند أبي حنيفة خلافا لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد، فإن عندهما الإخبار كاف لا يشترط العدد ولا العدالة م: (ولو كان رسولا) ش: أي ولو كان المخبر رسولا: م: (لا يشترط) ش: أي العدد والعدالة م: (إجماعا) ش: لأنه قام مقام الولي م: (وله نظائر) ش: أي لهذا الخلاف الذي وقع بين أبي حنيفة وصاحبيه، وفي إخبار الفضولي نظائر من المسائل وهي عزل الوكيل وحجر المأذون ووقوع العلم بفسخ الشركة وسكوت الشفيع عن الطلب، وإعتاق العبد الجاني وبيعه بعد الإخبار، ففي الكل يشترط العدد والعدالة عن أبي حنيفة خلافا لهما، ذكر الخلاف في وجوب الشرائع على المسلم والذي لم يهاجر ذكره في " الكافي ". م: (ولو استأذن الثيب فلا بد من رضاها بالقبول) ش: أي بإجماع بين الأربعة إذا كانت بالغة، وفي الثيب الصغيرة لا يحتاج إلى رضاها، بل ينكحها الولي جبرا عندنا، وعند الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - _ لا اعتبار برضاها فلا تزوج حتى تبلغ، ويروى هذا عن مالك، وعند أحمد: لا يجوز إجبار الصغيرة والكبيرة، وهذه رواية عن مالك إلا أن أحمد قال: إذا بلغت تسع سنين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الثيب تشاور» ، ولأن النطق لا يعد عيبا منها وقل الحياء بالممارسة فلا مانع من النطق في حقها. وإذا زالت بكارتها بوثبة أو حيضة أو جراحة أو تعنيس فهي في حكم الأبكار لأنها بكر حقيقة، لأن مصيبها أول مصيب لها ومنه الباكورة،   [البناية] صح إذنها في النكاح وغيره. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «الثيب تشاور» ش: هذا غريب بهذا اللفظ، وروى مسلم من حديث ابن عباس _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - _ مرفوعا: «والثيب أحق بنفسها من وليها» . وروى أبو داود والنسائي من حديث نافع بن جبير عن ابن عباس _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _ مرفوعا: «والثيب أحق بنفسها من وليها» . وروى أبو داود والنسائي من حديث نافع بن جبير عن ابن عباس _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس للولي مع الثيب أمر» . م: (ولأن النطق لا يعد عيبا منها وقل الحياء بالممارسة) ش: فلا يكتفي بسكوتها عند الاستئمار م: (فلا مانع من النطق في حقها) ش: أي حق الثيب بخلاف البكر. م: (وإذا زالت بكارتها بوثبة) ش: وهي الوثوب من فوق م: (أو حيضة) ش: أو سبب ورود الحيض م: (أو الجراحة) ش: أصابت موضع العذرة م: (أو تعنيس) ش: أي أو بسبب تعنيس من عنست عنوسا إذا جاوزت وقت التزويج فلم تتزوج، وقيل: عنست الجارية إذا طال في منزل أهلها بعد إدراكها حتى خرجت عن عداد الأبكار. وقال أبو زيد: كذلك عنست الجارية تعنيسا. وقال الأصمعي: لا يقال عنست يعني بالتشديد، ولكن عنست على صيغة المجهول، وعنسها أهلها، وكذلك بشدة حيض وتحمل ثقيل وبأصبع أو عود م: (فهي في حكم الأبكار) ش: في كون إذنها سكوتها. م: (لأنها بكر حقيقة، لأن مصيبها أول مصيب لها) ش: وبه قال الشافعي في الأصح، ومالك، وأحمد وابن أبي هريرة، وهو قوله المحمود، وقال ابن جني من أصحاب الشافعي: هي كالثيب لزوال عذرتها. م: (ومنه الباكورة) ش: أي ومن اشتقاق البكر الباكورة، وهي التي تدرك من الثمار أولا، وقال الأكمل: البكر من يكون مصيبها أول مصيب، فهذه أي التي زالت بكارتها بوثبة ونحوها تشتق من الباكورة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 ولأنها تستحي لعدم الممارسة، ولو زالت بكارتها بزنا فهي كذلك عند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _. وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا يكتفى بسكوتها لأنها ثيب حقيقة وحكما، لأن مصيبها عائد إليها. ومنه المثوبة والمثابة والتثويب. ولأبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أن الناس عرفوها بكرا فيعيبونها بالنطق فتمتنع عنه فيكتفى بسكوتها كيلا تتعطل عليها مصالحها   [البناية] قلت: الأمر بالعكس، يدل عليه قول المصنف (ومنه الباكورة) وقوله أيضا م: (والبكرة) ش: بضم الباء وهي أول النهار، أي ومنه البكرة، أي من اشتقاق البكر وتحقيق الكلام هاهنا أن هذه المادة وهي: الباء والكاف والراء يأتي منها ألفاظ على معان مختلفة غير خالية عن المعنى الأصلي وهي الأولية وهي البكر بالكسر، العذر، أو المرأة التي ولدت بطنا واحدا، وبكرها بالكسر ولدها، وكذلك البكر بالكسر من الإبل وبالفتح الصبي منها، وبكرة البئر ما يسقى عليها بالفتح أيضا، وبكر بالفتح أيضا أبو قبيلة وهو بكر بن وائل بن قاسط. م: (ولأنها تستحي لعدم الممارسة، ولو زالت بكارتها بزنا) ش: أي التي زالت بكارتها بزنا م: (فهي كذلك) ش: أي هي في حكم التي زالت بكارتها بوثبة ومحوها، أي لعدم ممارستها بالرجال الأبكار م: (عند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _) ش: وبه قال مالك وأحمد في رواية، وحكى أبو إسحاق أن الشافعي قال به في القديم. م: (وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي _ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - _: لا يكتفى بسكوتها) ش: يعني عند الاستئذان، وبه قال أحمد في رواية، وهو قول الشافعي في الجديد م: (لأنها) ش: أي لأن التي زالت بكارتها بزنا م: (ثيب حقيقة وحكما) ش: أما حقيقة فلأن مصيبها ليس بأول مصيب، وهو معنى قوله م: (لأن مصيبها عائد إليها) ش: وأما حكما فإنها تدخل في الوصية في الثيب دون الأبكار م: (ومنه المثوبة) ش: أي ومن اشتقاق الثيب المثوبة وهو الثواب، وإنما سمي بها لأنها رجع إليها في العاقبة، لأن الثواب جزاء عمله يرجع إليها. م: (والمثابة) ش: أي ومنه المثابة وهو الموضع الذي يثاب إليه، أي يرجع إليه كرة بعد أخرى، ومنه قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة: 125] (البقرة: الآية 125) ، قال الزمخشري: معادا ومرجعا للحاج، والعمار ينصرفون عنه، ثم يثوبون إليه أي يرجعون م: (والتثويب) ش: أي ومنه التثويب، وهو الدعاء مرة بعد أخرى، وهو العود بعد الإعلام. م: (ولأبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أن الناس عرفوها بكرا فيعيبونها من النطق) ش: وفي بعض النسخ فيعيبونها من التعيب بالنطق، فتستحي م: (فتمتنع عنه) ش: أي عن النطق م: (فيكتفى بسكوتها كيلا تتعطل عليها مصالحها) ش: وإن أكرهت على الزنا فلا رواية فيه، ذكر في " الفتاوى " و " المرغيناني ". وفي " الحواشي ": لا ينعدم به حياؤها. فإن قيل: حياء البكر حياء كرم الطبيعة وهو محمود، وهذا الحياء من ظهور الفاحشة فلم يكن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 بخلاف ما إذا وطئت بشبهة أو نكاح فاسد، لأن الشرع أظهره حيث علق به أحكامها. أما الزنا فقد ندب إلى ستره حتى لو اشتهر حالها لا يكتفي بسكوتها، وإذا قال الزوج بلغك النكاح فسكتت وقالت رددت فالقول قولها. وقال زفر _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ القول قوله، لأن السكوت أصل والرد عارض فصار كالمشروط له الخيار إذا ادعى الرد بعد مضي المدة،   [البناية] في معنى المنصوص. قلنا: هذا الحياء أيضا محمود، لأنها تستر على نفسها ليستر الله تعالى عليها، والحياء من ظهور المعصية من كرم الطبيعة وحسن العقيدة أيضا، ولما سقط نطقها في موضع يكون نطقها دليلا على رغبتها في الرجال على فحش الوجود أولى، كذا في " المبسوط ". وقيل: لا يمكن إدارة الحكم على حقيقة الحياء لتعذر ضده وتعذر ما هو المعتبر منه، فأدير على مظنته وهو البكارة، وتعذر أن يرد حقيقتها [ .... ] بعض الولي عنها شرعا وعقلا، فاكتفي بالبكارة الظاهرة، وأصل الخلقة والأصل بقاؤها فيكتفى بالسكوت إلى أن يظهر ويشيع. م: (بخلاف ما إذا وطئت بشبهة أو نكاح فاسد) ش: حيث تصير ثيبا بالإجماع م: (لأن الشرع أظهره حيث علق به) ش: أي بذلك الوطء م: (أحكامها) ش: وهي وجوب العدة والمهر وثبوت النسب م: (أما الزنا فقد ندب) ش: أي الشرع م: (إلى ستره) ش: حيث قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أصاب من هذه القاذورات فليستر ليستره الله تعالى» م: (حتى لو اشتهر حالها) ش: بأن أقيم عليها الحد إذ صار الزنا عادة م: (لا يكتفى بسكوتها) . ش: فإن قيل: ينبغي أن يكتفى بسكوتها ها هنا أيضا، لأنها بكر شرعا. قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ... » الحديث. قلنا: هو قول بعض المشايخ وهو ضعيف، فإن هذا موجود في الموطوءة بشبهة أو نكاح فاسد، ولا يكتفى بسكوتها بالإجماع فعلم أن المعتبر بقاء صفة الحياء. [قال الزوج بلغك النكاح فسكتت وقالت رددت] م: (وإذا قال الزوج: بلغك النكاح فسكتت وقالت: رددت فالقول قولها) ش: أي قول المرأة م: (وقال زفر القول قوله) ش: أي قول الزوج م: (لأن السكوت أصل والرد عارض) ش: لأن السكوت عدم الكلام والعدم هو الأصل في كل شيء، والمرأة تدعي عارضا، والقول قول التمسك بالأصل م: (فصار) ش: أي الحكم في هذا م: (كالمشروط له الخيار إذا ادعى الرد بعد مضي المدة) ش: فإنه لا يعتبر قوله، بل القول قول من يدعي لزوم العقد بالسكوت بالإجماع، وكذا المشتري والشفيع، فالشفيع يقول: طلبتها بعد البيع، والمشتري يقول: سكت، فالقول قول للمشتري لتمسكه بالأصل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 ونحن نقول: إنه يدعي لزوم العقد وتملك البضع، والمرأة تدفعه فكانت منكرة كالمودع إذا ادعى رد الوديعة، بخلاف مسألة الخيار. لأن اللزوم قد ظهر بمضي المدة، وإن أقام الزوج البينة على سكوتها ثبت النكاح لأنه قرر دعواه بالحجة، وإن لم يقم له بينة فلا يمين عليها عند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ وهي مسألة الاستحلاف في الأشياء الستة، وستأتيك في الدعوى إن شاء الله تعالى.   [البناية] م: (ونحن نقول: إنه) ش: أي الزوج م: (يدعي لزوم العقد وتملك البضع والمرأة تدفعه فكانت منكرة) ش: وكانت متمسكة بالأصل معنى، فالقول لها كما لو ادعى أصل العقد وأنكرت، وهذا لأن العبرة للمعاني لا للصور م: (كالمودع) ش: بفتح الدال م: (إذا ادعى رد الوديعة) ش: أي إلى مالكها فالقول قول المودع لأنه ينكر الضمان من حيث المعنى، والحاصل من هذا إنما تعتبر الإنكار المعنوي، وزفر يعتبر الإنكار الصوري م: (بخلاف مسألة الخيار) ش: جواب عن قول زفر، وقياسه ووجه ما قاله من قوله م: (لأن اللزوم قد ظهر بمضي المدة) ش: أي لزوم البيع قد ظهر بمضي مدة الخيار، ولو قالت: بلغني الخبر يوم كذا فرددت، وقال الزوج: بل سكتت فالقول قول الزوج. وفي المرغيناني: لو قالت: أدركت أمس وعملت بالخيار وفسخت لم تصدق إلا بحجة وبطل خيارها، وإن قالت: علمت الآن وفسخت صح، قيل لمحمد: كيف يصح وهو كذب، قال: لا يصح إلا على هذا الوجه، فإنها لا تصدق في الإسناد، ولو قالت: نسخت حين علمت لا تصدق إلا بالبينة. وفي عمدة الفتاوى: بكر زوجها وليها فقالت بعد سنة: كنت قلت حين بلغني لا أرضى فالقول قولها، وإن كانت صغيرة فقالت: اخترت نفسي حين أدركت أو حين علمت لا تسمع لأنها تريد إبطال العقد الثابت عليها بخلاف الأول. م: (فإن أقام الزوج البينة على سكوتها ثبت النكاح لأنه) ش: أي لأن الزوج م: (قرر دعواه بالحجة) . ش: فإن قلت: ينبغي أن لا يقبل لأنه شهادة على النفي. قلت: السكوت أمر وجودي لأنه عبارة عن ضم شفة إلى شفة وعدم التكلم من لوازمه، فتكون البينة على أمر وجودي. م: (وإن لم يقم بينة فلا يمين عليها عند أبي حنيفة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _) ش: وعندهما والشافعي ومالك وأحمد تستحلف م: (وهي مسألة الاستحلاف في الأشياء الستة) ش: وهي النكاح والرجعة والفيء في الإيلاء والاستيلاد والرق والولاء م: (وستأتيك) ش: أي بيان هذه الأشياء الستة م: (في الدعوى) ش: أي في كتاب الدعوى م: (إن شاء الله تعالى) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 ويجوز نكاح الصغير والصغيرة إذا زوجها الولي بكرا كانت الصغيرة أو ثيبا والولي هو العصبة ومالك _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ يخالفنا في غير الأب، والشافعي في غير الأب والجد وفي الثيب الصغيرة أيضا.   [البناية] [نكاح الصغير والصغيرة إذا زوجها الولي] م: (ويجوز نكاح الصغير والصغيرة إذا زوجها الولي بكرا كانت الصغيرة أو ثيبا) ش: وقال ابن شبرمة، وأبو بكر الأصم: لا يزوجها أحد حتى يبلغا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] (النساء: الآية 6) . فلو جاز تزويجهما قبل البلوغ لم يكن لهذا معنى، ولا حاجة لهما إلى النكاح؛ لأن مقصود النكاح طبعا قضاء الشهوة، ولا شهوة لهما، وشرعا النسل، ولا تناسل لهما إلى النكاح، لأنه مقصود النكاح، وهذا العقد يعقد للعمر، ويلزمها أحكامه بعد البلوغ، ولا ولاية لأحد بعد البلوغ حتى يلزمها أحكامه. وللعامة قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) ، بين الله تعالى عدة الصغيرة، وسبب العدة شرعا النكاح، فذلك يقرر نكاح الصغيرة والمراد بقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] الاحتلام، وحديث عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ مشهور وقريب إلى التواتر؛ فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوجها وهي بنت ست سنين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين وكانت عنده تسع سنين. م: (والولي هو العصبة) ش: على ترتيب العصبات في الإرث، كما سيأتي عن قريب، فأقرب الأولياء الابن، ثم ابنه وإن سفل، ثم الأب، ثم الجد وإن علا، ثم الجد عند أبي حنيفة أولى من الأخ، سواء كان لأب أو لأب وأم. وعندهما لكل واحد من الجد والأخ الولاية كما في الميراث وفي " المبسوط ": النكاح للجد عند الكل وهو ظاهر الرواية. م: (ومالك يخالفنا) ش: جملة من المبتدأ والخبر م: (في غير الأب) ش: يعني الولي عنده الأب ليس الأحق غيره، فلو زوجها الجد عند عدم الأب لا يجوز. م: (والشافعي _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - _ في غير الأب والجد) ش: يعني عند وليهما الأب والجد لا غير، إذا كانت الصغيرة بكرا أو ثيبا، فلا ولاية عليها، حتى لو زوجها الأخ أو العم وزوج البنت الصغيرة الأب والجد كرها لا ينعقد النكاح. م: (وفي الثيب الصغيرة أيضا) ش: أي الشافعي خالفنا أيضا في تزويج الثيب الصغيرة، فإن عنده لا ولاية للأب والجد في تزويجها كرها، وبه قال أحمد وداود، وفي " المحلى ": لا يجوز للأب، ولا لغيره تزوج الذكر الصغير قبل بلوغه عند طاووس، وقتادة، والثوري، وداود الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 وجه قول مالك أن الولاية على الحرة باعتبار الحاجة ولا حاجة لانعدام الشهوة إلا أن ولاية الأب ثبتت نصا بخلاف القياس والجد ليس في معناه فلا يلحق به. قلنا لا بل هو موافق للقياس لأن النكاح يتضمن المصالح ولا تتوفر إلا بين المتكافئين عادة ولا يتفق الكفؤ في كل زمان فأثبتنا الولاية في حالة الصغير إحرازا للكفء. وجه قول الشافعي _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أن النظر لا يتم بالتفويض إلى غير الأب والجد لقصور شفقته وبعد قرابته، ولهذا لا يملك التصرف في المال مع أنه أدنى رتبة فلأن لا يملك التصرف في النفس وأنه أعلى رتبة أولى.   [البناية] الظاهري. وقال ابن شبرمة وعثمان البتي: لا يجوز لأحد تزويج الصغير والصغيرة حتى يبلغا، وأجاز تزويج الصغير لغير الأب والجد من العصبات الحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز وطاوس _ في رواية _ وعطاء، والأوزاعي، ولهما الخيار عندهم إذا بلغا، ذكر ذلك ابن أبي شيبة في " مصنفه " وأبو بكر بن المنذر في " الأشراف ". م: (وجه قول مالك: أن الولاية على الحرة باعتبار الحاجة) ش: مع قيام المنافي م: (ولا حاجة) ش: للصغير والصغيرة م: (لانعدام الشهوة، إلا أن ولاية الأب ثبتت نصا بخلاف القياس) ش: فإن أبا بكر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ زوج عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي بنت ست سنين. وصح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك فلا يقاس عليه غيره م: (والجد ليس في معناه) ش: لقصور شفقته م: (فلا يلحق به) ش: دلالة، لأن الولد جزء الأب، وكانت الولاية للأب عليه كالولاية على نفسه، والجزئية قد ضعفت بالجد والشفقة قد نقصت، فلا يكون في معناه. م: (قلنا: لا بل هو موافق للقياس، لأن النكاح يتضمن المصالح) ش: من التناسل والسكن والازدواج وقضاء الشهوة م: (ولا تتوفر المصالح إلا بين المتكافئين عادة) ش: أي بين الاثنين اللذين كل منهما كفء للآخر. م: (ولا يتفق الكفء في كل زمان) ش: قلة الكفء وغير وجوده م: (فأثبتنا الولاية في حالة الصغير) ش: للولي م: (إحرازا للكفء) ش: أي لأجل الإحراز والحفظ؛ لأنه لو انتظر بلوغها يفوت ذلك الكفء، وكل من يتأتى منه الإحراز أبا كان أو غيره فله الولاية في حالة الصغر. م: (وجه قول الشافعي أن النظر) ش: في حال الصغر م: (لا يتم بالتفويض إلى غير الأب والجد لقصور شفقته، وبعد قرابته، ولهذا لا يملك التصرف في المال، مع أنه أدنى رتبة، فلأن لا يملك التصرف في النفس) ش: لكونه وقاية للنفس فلا يكون يملك التصرف م: (وأنه أعلى رتبة أولى) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 ولنا أن القرابة داعية إلى النظر كما في الأب والجد وما فيه من القصور أظهرناه في سلب ولاية الإلزام بخلاف التصرف في المال لأنه يتكرر فلا يمكن تدارك الخلل، فلا تفيد الولاية إلا ملزمة، ومع القصور لا تثبت ولاية الإلزام. وجه قوله في المسألة الثانية أن الثيابة سبب لحدوث الرأي لوجود الممارسة فأدرنا الحكم عليها تيسيرا، ولنا ما ذكرنا من تحقق الحاجة ووفور الشفقة ولا ممارسة تحدث الرأي بدون الشهوة فيدار الحكم على الصغر ثم الذي يؤيد كلامنا فيما تقدم   [البناية] ش: قوله: وأنه أعلى _ جملة حالية وقوله: _ أولى _ خبر، لأن الذي دخلت عليه لام التوكيد. م: (ولنا أن القرابة داعية إلى النظر) ش: والولاية بالنظر، وهو موجود في كل قريب م: (كما في الأب والجد) ش: فإن النظر فيهما لم ينشأ إلا من القرابة، غاية ما في الباب أنه يتفاوت كمالا، وقصورا لقرب القرابة وبعدها. م: (وما فيه من القصور) ش: أي والذي في غير الأب والجد من قصور النظر م: (أظهرناه في سلب ولاية الإلزام) ش: يعني لم يكن ولاية الأخ، والعم ملزمة، بل كانت متوقفة إلى البلوغ. حتى جعلنا لهما خيار البلوغ، فإذا بلغا ووجد الأمر على ما ينبغي مضيا على النكاح، وإن وجد أنه أوقعا خللا لقصور الشفقة والنظر فسخا النكاح. م: (بخلاف التصرف في المال لأنه) ش: أي التصرف في المال م: (يتكرر) ش: بيد أولي الأيدي، بأن يبيع المشتري من آخر، بخلاف النكاح؛ لأنه بعد عمر م: (فلا يمكن تدارك الخلل) ش: لأنه لا يمكن توقيف ذلك كله إلى وقت البلوغ. م: (فلا تفيد الولاية إلا ملزمة) ش: يعني في المال م: (ومع القصور لا تثبت ولاية الإلزام) ش: بخلاف المتناكحين، فإنهما ثابتان من غير تكرار غالبا، فكان التدارك بالتوفيق، هكذا بخلاف. م: (وجه قوله) ش: أي قول الشافعي: م: (في المسألة الثانية) ش: وهو قوله في الثيب الصغيرة أيضا م: (أن الثيابة سبب لحدوث الرأي) ش: أن الرأي أمر باطن، والثيابة سبب لحدوثه م: (لوجود الممارسة) ش: فقام مقامه م: (فأدرنا الحكم عليها) ش: أي على الثيابة م: (تيسيرا) ش: أي لأجل التيسير. م: (ولنا ما ذكرنا من تحقق الحاجة) ش: يعني أن مقتضى الولاية النظرية هو الحاجة م: (ووفور الشفقة) ش: وهي موجودة في الأب والجد م: (ولا ممارسة) ش: للصغير م: (تحدث الرأي) ش: بضم التاء من الإحداث. م: (بدون الشهوة) ش: يعني الممارسة التي تحدث الرأي لا تحل بدون الشهوة، لأن الرأي بلذة الجماع إنما يحدث عن مباشرة بشهوة، ولا شهوة للصغيرة م: (فيدار الحكم على الصغر) ش: لأنه سبب للعجز عن التصرف، فكلما ثبت الصغر تثبت الولاية. م: (ثم الذي يؤيد كلامنا فيما تقدم) ش: يعني من إطلاق الولي في قوله: ويجوز نكاح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «النكاح إلى العصبات» من غير فصل والترتيب في العصبات في ولاية النكاح كالترتيب في الإرث   [البناية] الصغير والصغيرة إذا زوجهما الولي م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «النكاح إلى العصبات» ش: ذكر هذا الحديث شمس الأئمة السرخسي، وسبط بن الجوزي، ولم يخرجه أحد من الجماعة، ولا يثبت، مع أن الأئمة الأربعة اتفقوا على العمل به في حق البالغة. وقال السروجي: روي عن علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ موقوفا ومرفوعا: «الإنكاح إلى العصبات» ، ويروى: النكاح إلى العصبات م: (من غير فصل) ش: يعني بين عصبة وعصبة، فيعمل بإطلاقه. وقال أبو الفرج في " التحقيق " عن أحمد: يجوز تزويج الصغير والصغيرة لجميع العصبات، وإن كانا سمين، ويثبت لهما الخيار إذا بلغا في رواية عنه، ومذهبنا في غير الأب والجد قول عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، والعبادلة، وأبي هريرة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _ وزوج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمامة بنت حمزة بن أبي سلمة وكانت صغيرة، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابن عمها وقال: «لها الخيار إذا بلغت» ، وإنما زوجها بالعصوبة لا بالنبوة بوجهين: أحدهما: أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يزوج صغيرة ولا كبيرة ممن كان لها ولي، ولو كان تزويجها بالنبوة لم يتقدم عليه ولي. والوجه الثاني: أنه أثبت لها الخيار، كما لو زوجها غير الأب والجد، والولي والنبوة أعظم من ذلك؛ ولا قصور فيها، والعباس _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ وإن كان عمها يحتمل أنه كان غائبا، أو متأدبا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وجعل الأمر إليه، ذكره سبط بن الجوزي وغيره. [الترتيب في العصبات في ولاية النكاح] م: (والترتيب في العصبات في ولاية النكاح كالترتيب في الإرث) ش:، فأقرب الأولياء الابن، ثم ابنه وإن سفل، ثم الأب، ثم الجد وإن علا. وفي " الذخيرة " و" الأسبيجابي ": الولاية للأب، ثم الجد أب الأب وإن علا، [ثم] لأخ لأب وأم، ثم لأب، ثم لأولادهما على الترتيب ثم لمولى العتاقة، يستوي فيه الذكر والأنثى، ثم ذوي الأرحام الأقرب فالأقرب، ثم مولى الموالاة في قول أبي حنيفة، كما ذكر في الميراث، وعند محمد: ليس لذوي الأرحام إنكاح، ثم القاضي ومن نصبه القاضي. وعند زفر: الأخ لأب وأم، والأخ لأب سواء، ثم مولى العتاقة بعد العصبات النسبية، ثم عصبته، ثم ذوو الأرحام الأقرب فالأقرب عند أبي حنيفة استحسانا، وأبي يوسف في أكثر الروايات، وذكر الكرخي مع محمد، والأول أصح، ثم مولى الموالاة، ثم السلطان، ثم القاضي ومن نصبه القاضي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 والأبعد محجوب بالأقرب. قال: فإن زوجهما الأب أو الجد. يعني الصغير والصغيرة. فلا خيار لهما بعد بلوغهما لأنهما كاملا الرأي وافرا الشفقة فيلزم العقد بمباشرتهما كما إذا باشراه برضاهما بعد البلوغ وإن زوجهما غير الأب والجد فلكل واحد منهما الخيار إذا بلغ إن شاء أقام على النكاح، وإن شاء فسخ، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد _ رحمهما الله _. وقال أبو يوسف _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ لا خيار لهما اعتبارا بالأب والجد، ولهما أن قرابة الأخ ناقصة،   [البناية] وفي " قاضي خان ": الابن مقدم على الأب عند أبي حنيفة وأبي يوسف، ثم ابنه وإن سفل ثم الأب ثم الجد، وذكر الكرخي: أن الأخ مع الجد ويشتركان عند أبي يوسف ومحمد كالميراث عندهما. والأصح أن النكاح للجد عند الكل، وفي " المبسوط ": وهو ظاهر الرواية وهو الأصح، وقال شمس الأئمة الحلواني في " شرحه ": الأصح عندي أن الجد أولى بالنكاح عند الكل، وشفقة الجد كشفقة الأب، ولهذا يثبت خيار البلوغ في الجد كالأب بخلاف الأخ، وفي " المحيط " والمختلف: هما سواء. م: (والأبعد محجوب بالأقرب) ش: منهم وهو ظاهر فيما تقدم م: (قال: فإن زوجهما الأب أو الجد _ يعني الصغير والصغيرة _ فلا خيار لهما بعد بلوغهما) ش: به قال الشافعي، ومالك في الأب، في حق الصغيرة وأحمد في رواية، وغير الأب والجد من الأولياء لا يملكون تزويجهما عندهم م: (لأنهما) ش: لأن الأب والجد م: (كاملا الرأي وافرا الشفقة) ش: وأصلهما كاملان الرأي وافران الشفقة فسقطت النون منهما للإضافة م: (فيلزم العقد بمباشرتهما كما إذا باشراه) ش: أي العقد م: (برضاهما بعد البلوغ) ش: أي بعد بلوغهما. م: (وإن زوجهما) ش: أي الصغير والصغيرة م: (غير الأب والجد فلكل واحد منهما الخيار إذا بلغ، إن شاء أقام على النكاح، وإن شاء فسخ) ش: أي النكاح. م: (وهذا) ش: أي كون كل واحد منهما مخيرا بعد البلوغ م: (عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وهو قول أبي يوسف أولا، وهو قول ابن عمر وأبي هريرة _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - _. م: (وقال أبو يوسف _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا خيار لهما اعتبارا بالأب والجد) ش: وهو قول عروة بن الزبير، وإنما اعتبره أبو يوسف بالأب والجد؛ لأنه عقد بولاية مستحقة بالقرابة، فلا يثبت فيه الخيار، وإذ القرابة سبب كامل لاستحقاق الولاية، والولاية لم تشرع في غير موضع النظر صيانة عن الإفضاء إلى الضرر، وإذا صح النظر قام عقد الولي مقام عقد نفسها لو كانت بالغة، كما أن الوصي يقوم مقام الأب، فيكون عقده كعقد الأب. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أن قرابة الأخ ناقصة) ش: يعني أن التزويج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 والنقصان يشعر بقصور الشفقة، فيتطرق الخلل إلى المقاصد عسى، والتدارك ممكن بخيار الإدراك وإطلاق الجواب في غير الأب والجد يتناول الأم والقاضي وهو الصحيح من الرواية لقصور الرأي في أحدهما ونقصان الشفقة في الآخر   [البناية] صدر من قاصر الشفقة، فلهما الخيار لتدارك الخلل في المقاصد، إذا ملكت أمرها، كذا قاله الكاكي. ولكن التركيب لا يساعد هذا التقرير؛ لأنه ليس معنى قوله: _ قرابة الأخ ناقصة _ فإنه نسب النقصان إلى القرابة لا إلى الشفقة، ألا ترى كيف قال: م: (والنقصان يشعر بقصور الشفقة) ش: أي النقصان في القرابة يشعر بأن شفقة الأم قاصرة. فحينئذ يكون معنى نقصان قرابة الأخ بالنسبة إلى قرابة الأب والابن، فهذا التفريع هو الذي يشعر بحصول الشفقة، فإذا كان كذلك م: (فيتطرق الخلل إلى المقاصد) ش: قال تاج الشريعة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: يعني أن ما وراء الكفاءة والمهر مقاصد أخر في النكاح من سوء الخلق وحسنه [و] لطافة العشيرة وغليظها وكرم الصحبة ولؤمها، وتوسيع النفقة وتعسيرها، قال: وإنما عين الأخ، لأنه أقرب بعد الأب والجد من سائر الأولياء، فلما ثبت الحكم فيه مع قربته ثبت في غيره بالطريق الأولى. م: (عسى والتدارك ممكن بخيار الإدراك) ش: أي رأيهما التدارك يحصل بخيار الإدراك، أي بخيار البلوغ، ولم يتعرض أحد من الشراح لمعنى عسى، والذي يليق به ها هنا بمعنى الترجي. م: (وإطلاق الجواب في غير الأب والجد) ش: أي إطلاق جواب كتاب القدروي في غير الأب والجد بقوله: ولكل واحد منهما الخيار _ يدل على أن الأم أو القاضي إذا زوج الصغير أو الصغيرة كان لكل واحد منهما الخيار في نكاح الأم والقاضي إذا أدركا قوله _ وإطلاق الجواب _ مبتدأ وخبره هو قوله: م: (يتناول الأم والقاضي) ش: يعني في إثبات الخيار عند البلوغ. م: (وهو الصحيح من الرواية) ش: احترز عما روى خالد بن صبيح المروزي عن أبي حنيفة أنه لا يثبت الخيار لليتيمة إذا زوجتها الأم أو القاضي؛ لأن للقاضي ولاية تامة تثبت في المال والنفس جميعا، فتكون ولاية القاضي كولاية الأب، وشفقة الأم فوق شفقة الأب، فكانت كالأب وجه ظاهر الرواية وهو المختار. وأشار إليه بقوله: م: (لقصور الرأي في أحدهما) ش: وهو الأم م: (ونقصان الشفقة في الآخر) ش: وهو القاضي؛ لأن ولايتهما متأخرة عن ولاية الأخ والعم، فإذا ثبت الخيار في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 فيتخير. قال: ويشترط فيه البلوغ والقضاء بخلاف خيار العتق لأن الفسخ ههنا لدفع ضرر خفي وهو تمكن الخلل، ولهذا يشمل الذكر والأنثى، فجعل إلزاما في حق الآخر فيفتقر إلى القضاء، وخيار العتق لدفع ضرر جلي وهو زيادة الملك عليها، ولهذا يختص بالأنثى فاعتبر دفعا للزيادة، والدفع لا يفتقر إلى القضاء   [البناية] تزويجها ففي تزويج القاضي والأم أولى. وهذا لأن الولاية الملازمة تبتنى على الرأي الكامل والشفقة الوافرة، والأم وإن كانت شفقتها وافرة فولايتها قاصرة حيث لا تثبت في المال، والقاضي وإن كانت ولايته كاملة فشفقته قاصرة؛ لأن شفقته إنما تكون بحق الدين م: (فيتخير) ش: أي يتيمة يكون لها الخيار عند البلوغ. [فسخ النكاح بخيار البلوغ] م: (قال: ويشترط فيه البلوغ) ش: أي في فسخ النكاح بخيار البلوغ م: (والقضاء) ش: أي حكم القاضي م: (بخلاف خيار العتق) ش: حيث لا يشترط فيه القضاء م: (لأن الفسخ ههنا) ش: أي في خيار البلوغ. م: (لدفع ضرر خفي وهو تمكن الخلل) ش: لقصور شفقة الزوج م: (ولهذا) ش: أي ولأجل تمكن الخلل م: (يشتمل الذكر والأنثى) ش: لأن قصور الشفقة، كما هو في حق الجارية ممكن، كذلك في حق الغلام، وإذا كان الضرر خفيا لا يطلع عليه؛ لأن فرض المسألة فيما إذا كان الزوج كفؤا والمهر تاما، فربما ينكره الزوج فيحتاج إلى القضاء م: (فجعل إلزاما في حق الآخر) ش: لكونه رضي بحكم ثابت م: (فيفتقر إلى القضاء) ش: أي في الحكم. م: (وخيار العتق لدفع ضرر جلي، وهو زيادة الملك عليها) ش: فإن الزوج قبل عتقها كان يملك تطليقتين ويملك بمراجعتها في قرأين، ثم أزال ذلك بالعتق وهو أمر جلي، ليس للاتحاد فيه بحال حتى يحتاج إلى الإلزام. لكن لها أن ترفع ذلك عن نفسها، وذلك مع بقاء أصل النكاح غير ممكن لأن بعد العتق يستلزمها، ووجود الملزوم بدون اللازم محال، فكان لها أن ترفع أصل الملك في ضمن ما لها من رفع الزيادة، وهي كلها بالعتق. م: (ولهذا) ش: أي ولكون زيادة الملك عليها م: (يختص بالأنثى) ش: دون الذكور، لأن زيادة الملك يتصور في الأمة دون العبد م: (فاعتبر) ش: أي الضرر الجلي م: (دفعا للزيادة) ش: لأن ولاية المولى لم تكن ثابتة في هذه الزيادة. وصار كأن العقد الآن في حقها، فكان الاختيار منها دفعا للحكم عن الثبوت م: (والدفع لا يفتقر إلى القضاء) ش: لأن الدفع أمر يستعمل به الدافع؛ إذ لكل واحد ولاية دفع الضرر عن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 ثم عندهما إذا بلغت الصغيرة وقد علمت بالنكاح فسكتت فهو رضا، وإن لم تعلم بالنكاح فلها الخيار حتى تعلم فتسكت شرط العلم بأصل النكاح لأنها لا تتمكن من التصرف بالرد إلا به والولي ينفرد به فعذرت بالجهل ولم يشترط العلم بالخيار، لأنها تتفرغ لمعرفة أحكام الشرع والدار دار العلم فلم تعذر بالجهل، بخلاف المعتقة لأن الأمة لا تتفرغ لمعرفتها، فعذرت بالجهل بثبوت الخيار   [البناية] نفسه، كالرد بالعيب قبل القبض، فإنه يصح بلا حكم. فإن قيل: دفعها ما عليها من الزيادة يبطل ما كان ثابتا من حق الزوج استتبع للزيادة، وفي ذلك جعل التابع متبوعا، وهو عكس المعقول ونقض الأصول. وأجيب: بأن هذا ليس يجعل التابع متبوعا، وإنما هو باب إلزام الضرر المرضي. فإن الزوج حين تزوج الأمة عالما لها بخيار العتق التزم الضرر، والذي يحصل به والضرر المرضي غير ضار بخلاف الأمة، فإنها لم ترض بما يزيد عليها من ذلك عند العتق بلزوم اختيارها في النكاح، فلم يكن ضررها بمرضي، فكان ضارا وغير الضار يدفع الضار دون غيره. م: (ثم عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد، خصهما بالذكر، لأن مذهب أبي يوسف لا يرد ها هنا؛ لأنه خيار البلوغ، وإن كان المزوج غير الأب والجد م: (إذا بلغت الصغيرة، وقد علمت بالنكاح، فسكتت فهو رضا) ش: فلا يكون لها الخيار. م: (وإن لم تعلم بالنكاح فلها الخيار حتى تعلم فتسكت، شرط العلم بأصل النكاح؛ لأنها) ش: أي الصغيرة التي بلغت م: (لا تتمكن من التصرف بالرد إلا به) ش: أي بالعلم بأصل النكاح م: (والولي) ش: أي والحال أن الولي م: (ينفرد به) ش: أي بالنكاح، فإذا كان الأمر كذلك م: (فعذرت بالجهل) ش: على صيغة المجهول. [الفرق بين خيار البلوغ والعتق في النكاح] م: (ولم يشترط العلم بالخيار) ش: في حق الحرة م: (لأنها تتفرغ لمعرفة أحكام الشرع والدار) ش: أي والحال أن الدار م: (دار العلم فلم تعذر بالجهل) ش: بالخيار م: (بخلاف المعتقة) ش: حيث تعذر م: (لأن الأمة لا تتفرغ لمعرفتها) ش: أي لمعرفة أحكام الشرع، فإذا كان كذلك م: (فعذرت بالجهل بثبوت الخيار) ش: وحاصل ما ذكره المصنف هذه أمور، يقع بها الفرق بين خيار البلوغ والعتق وهي خمسة أمور. الأول: أن خيار البلوغ في الفرقة محتاج إلى القضاء دون خيار العتق؛ لأن خيار البلوغ مختلف فيه، فلا بد أن يتأكد بالقضاء كالرجوع في الهبة، وخيار العتق، إذا كان الزوج عبدا مجمع عليه فلا يحتاج إلى القضاء، وقد مر هذا. الثاني: أن خيار البلوغ يثبت للغلام والجارية، وخيار العتق يثبت للجارية فقط، وقد مر هذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 ثم خيار البكر يبطل بالسكوت ولا يبطل خيار الغلام ما لم يقل رضيت أو يجيء منه ما يعلم أنه رضي، وكذلك الجارية إذا دخل بها الزوج قبل البلوغ اعتبارا لهذه الحالة بحالة ابتداء النكاح، وخيار البلوغ في حق البكر لا يمتد إلى آخر المجلس ولا يبطل بالقيام في حق الثيب والغلام لأنه ما ثبت بإثبات الزوج   [البناية] أيضا. الثالث: أن الصغيرة إذا بلغت وقد علمت بالنكاح فسكتت بطل خيارها سواء كانت عالمة بأن لها الخيار أو لم تكن، وقد مر هذا أيضا. وقوله: م: (ثم خيار البكر بطل بالسكوت) ش: تفريع على خيار البلوغ الشامل للذكر والأنثى، بيانه أن خيار البكر يبطل بالسكوت لأنها لما كانت صغيرة وأدركت استؤمرت في النكاح، فسكتت عند ابتداء العقد كان سكوتها رضا، فكذلك إذا كان لها الخيار فأدركت، وسكت كان سكوتها رضا، فيبطل خيارها م: (ولا يبطل خيار الغلام ما لم يقل: رضيت) ش: صريحا م: (أو يجيء منه) ش: أو دلالته، وقد مضى، أو يجيء منه بالجزم عطفا على قوله: _ ما لم يقل _ قوله: _ منه _ أي من الغلام م: (ما يعلم منه أنه رضي) ش: مثل إرسال المهر إليها فتقبله ونحو ذلك. م: (وكذلك الجارية) ش: أي وكذا لا يبطل خيار الجارية الثيب م: (إذا دخل بها الزوج قبل البلوغ) ش: أي قبل أن تبلغ م: (اعتبارا لهذه الحالة بحالة ابتداء النكاح) ش: هذا متعلق بمجموع ما ذكر، وهو خيار البكر، وخيار الغلام وخيار الجارية التي دخل بها قبل البلوغ، وقد مر أن الصغيرة البكر إذا أدركت واستؤمرت للنكاح فسكتت عند ابتداء العقد كان سكوتها رضا عنه، فكذلك إذا كان لها الخيار فأدركت وسكتت كان سكوتها رضا، فيبطل خيارها اعتبارا، بهذه الحالة بالحالة الأولى، وهي حالة ابتداء النكاح. وأما الغلام والجارية والثيب إذا استؤمرا عند ابتداء النكاح لم يكن سكوتهما رضا، بل لا بد من الرضاء، أو دلالته، فكذلك عند خيار البلوغ لم يكن السكوت منهما رضا بحال، لا بد من ذلك اعتبارا بهذه الحالة بالحالة الأولى. [خيار البلوغ في حق البكر] م: (وخيار البلوغ في حق البكر) ش: تفريغ آخر، وهو بيان الأمر الرابع في الفرق بين خيار البلوغ والعتق، وبيانه أن خيار البلوغ في حق البكر م: (لا يمتد إلى آخر المجلس) ش: يعني مجلس صيرورتها بالغة بأن رأت الدم في المجلس، وقد كان بلغها خبر النكاح فسكتت، أو مجلس بلوغ الخبر بالنكاح فسكتت، يبطل خيارها بمجرد السكوت في الوجهين جميعا م: (ولا يبطل) ش: أي الخيار م: (بالقيام في حق الثيب والغلام) ش: بل يمتد إلى آخر المجلس؛ لأنه ما ثبت دليل البطلان في حق الثيب خاصة. م: (لأنه) ش: أي لأن خيار بلوغها م: م: (ما ثبت بإثبات الزوج) ش: وما لم يثبت بإثبات الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 بل لتوهم الخلل فإنما يبطل بالرضا غير أن سكوت البكر رضا بخلاف خيار العتق لأنه ثبت بإثبات المولى وهو الإعتاق فيعتبر فيه المجلس كما في خيار المخيرة، ثم الفرقة بخيار البلوغ ليست بطلاق، لأنها تصح من الأنثى، ولا طلاق إليها، وكذا بخيار العتق لما بينا، بخلاف المخيرة، لأن الزوج هو الذي ملكها وهو مالك للطلاق. فإن مات أحدهما قبل البلوغ ورثه الآخر، وكذا إذا مات بعد البلوغ قبل التفريق، لأن أصل العقد صحيح والملك ثابت به انتهى بالموت،   [البناية] الزوج لا يقتصر على المثبت، بل يمتد إلى ما وراء المجلس، لهن التفويض هو القصر على المجلس م: (بل لتوهم الخلل) ش: هذا أضراب دليل يشمل البكر والغلام، تقريره خيار البلوغ يثبت بعدم الرضا لتوهم الخلل، وما ثبت بعدم الرضا يبطل بالرضا؛ لوجود منافيه م: (فإنما يبطل بالرضا، غير أن سكوت البكر رضا) ش: دون سكوت الغلام، فيبطل خياره بمجرد سكوت، فيمتد خياره، ويمتد خياره إلى ما وراء المجلس. م: (بخلاف خيار العتق) ش: هذا بيان الفرق بينهم وبين خيار البلوغ، وهو بيان الأمر الخاص بيانه أن خيار العتق مخالفة م: (لأنه ثبت بإثبات المولى وهو الإعتاق) ش: لأنه لو لم يعتق لما ثبت لها الخيار م: (فيعتبر فيه المجلس) ش: لأن كل خيار ثبت بإثبات غيره فيقتصر على المجلس م: (كما في خيار المخيرة) ش: فإنه يقتصر فيه على المجلس م: (ثم الفرقة بخيار البلوغ ليست بطلاق) ش: يعني سواء كان قبل الدخول أو بعده. م: (لأنها تصح من الأنثى) ش: ولا خيار م: (ولا طلاق إليها) ش: أي إلى الأنثى، وفائدته تظهر في موضوعين. أحدهما: أن الفرقة إذا كانت قبل الدخول لم يجب نصف المسمى، ولو كان طلاقا لوجب. والثاني: أنهما لو تناكحا بعد الفرقة ملك الزوج ثلاثة تطليقات. م: (وكذا بخيار العتق) ش: أي كذا الفرقة بخيار العتق ليس بطلاق م: (لما بينا) ش: أنه يصح من الأنثى م: (بخلاف المخيرة) ش: فإن الفرقة بالتخيير م: (لأن الزوج الذي ملكها) ش: أي ملك المرأة الطلاق بالتخيير إليها م: (وهو مالك للطلاق) ش: أي والحال أن الزوج مالك بالطلاق. [مات أحد الزوجين قبل البلوغ] م: (وإن مات أحدهما قبل البلوغ) ش: أي فإن مات أحد الزوجين قبل البلوغ م: (ورثه الآخر) ش: أي الزوج الآخر م: (وكذا) ش: وورثه الآخر م: (إذا مات بعد البلوغ قبل التفريق) ش: أي قبل تفريق القاضي بينهما م: (لأن أصل العقد صحيح، والملك ثابت به) ش: أي بأصل العقد م: (انتهى بالموت) ش: فيتوارثان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 بخلاف مباشرة الفضولي إذا مات أحد الزوجين قبل الإجازة، لأن النكاح ثمة موقوف فيبطل بالموت، وهاهنا نافذ فيتقرر به. قال ولا ولاية لعبد ولا صغير ولا مجنون لأنه لا ولاية لهم على أنفسهم فأولى أن لا تثبت على غيرهم، ولأن هذه ولاية نظرية ولا نظر في التفويض إلى هؤلاء ولا ولاية لكافر على مسلم لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] (النساء: الآية 141) ، ولهذا لا تقبل شهادته عليه ولا يتوارثان،   [البناية] م: (بخلاف مباشرة الفضولي) ش: بأن عقد بين الرجل والمرأة بغير إذنهما، فإن العقد فيه موقوف على الإجازة م: (إذا مات أحد الزوجين قبل الإجازة) ش: فلا إرث في أحدهما للآخر م: (لأن النكاح ثمة موقوف، فيبطل بالموت وها هنا) ش: يعني في المخيرة للنكاح م: (نافذ فيتقرر به) ش: أي بالموت. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا ولاية لعبد ولا صغير ولا مجنون، لأنه لا ولاية لهم على أنفسهم، فأولى أن تثبت على غيرهم) ش: لأن الولاية المتعدية فرع الولاية القاصرة، فمن لا ولاية له على نفسه فأولى أن لا يكون له ولاية على غيره. م: (ولأن هذه ولاية ولا نظر في التفويض إلى هؤلاء) ش: يعني العبد، والصغير والمجنون، وهذا بالإجماع. وفي " المغني " قال أحمد: إن كان الصغير ابن عشر زوج وتزوج، وهو شذوذ وتعلق بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «واضربوهم عليها لعشر» . وللجماعة حديث «رفع القلم» المشهور، وحديثه [ ... ] والتخلق. [لا ولاية لكافر على مسلم ومسلمة] م: (ولا ولاية لكافر على مسلم ومسلمة) ش: يعني الولاية الشرعية، ولا معتبر بالحمية فيها م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] (النساء: الآية 141) ش: أي سبيلا شرعيا. م: (ولهذا) ش: أي لعدم ولايته على المسلمين م: (لا تقبل شهادته عليه) ش: أي شهادة الكافر على المسلم م: (ولا يتوارثان) ش: أي المسلم والكافر، فلا يرث المسلم من الكافر. وفي " المغني ": الكافر إذا أسلمت أم ولده، هل يزوجها، فيه وجهان. أما سيدة الأمة الكافرة فلها تزويجها الكافر؛ لكونها لا تحل للمسلمين عندهم، ويزوج الكافر ابنته الكافرة، من كافر وفي " المغني ": ومن مسلم. وكذا يزوج ابنه الكافر، ويبطل به قوله: إن العتق يسلب الولاية؛ فإن الكافر فاسق وزيادة، وعندنا الفسق لا يسلب الولاية، وبه قال مالك وأحمد والشافعي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 أما الكافر فتثبت له ولاية الإنكاح على ولده الكافر، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] (الأنفال: الآية 73) ولهذا تقبل شهادته عليه ويجري بينهما التوارث ولغير العصبات من الأقارب ولاية التزويج عند أبي حنيفة عند عدم العصبات، وهذا استحسان. وقال محمد لا تثبت وهو القياس، وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقول أبي يوسف في ذلك مضطرب، والأشهر أنه مع محمد لها ما روينا،   [البناية] م: (وأما الكافر فتثبت له ولاية الإنكاح على ولده الكافر، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] ش: (الأنفال: الآية 73) ، لأن أنكحة الكفار فيما بينهم صحيحة، إلا على قول مالك. فإن أنكحتهم باطلة عنده، ونحن نقول بقوله عز وجل: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4] (المسد: الآية 4) ، ولو لم يكن لهم نكاح لما سماها امرأته. قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولدت من نكاح لا من سفاح» . م: (ولهذا) ش: أي ولثبوت ولاية الكافر في النكاح على ولده م: (تقبل شهادته عليه) ش: أي شهادة الكافر على ابنه م: (ويجري بينهما التوارث) ش: أي يجري بين الأب والابن الكافر من الإرث، فيرث كل منهما من الآخر. قال م: (ولغيرت العصبات من الأقارب) ش: نحو الأخوال والخالات والعمات م: (ولاية التزويج) ش: مرفوع، لأنه مبتدأ وخبره قوله: لغير العصبات مقدما م: (عند أبي حنيفة، معناه عند عدم العصبات) ش: نسبية كانت أو سببية، كمولى العتاقة. فعند أبي حنيفة بعد العصبات الأم ثم ذوو الأرحام الأقرب فالأقرب، ثم بنت الابن، ثم بنت البنت، ثم بنت ابن الابن، ثم بنت بنت البنت، ثم الأخت لأب وأم، ثم الأخت لأم، ثم أولادهم، ثم العمات، والأخوال والخالات، وأولادهم على هذا الترتيب، ثم مولى الموالاة، ثم السلطان، ثم القاضي ومن نصبه القاضي إذا شرط تزويج الصغار في عهدة منشورة، أما إذا لم يشترط فلا ولاية له. م: (وهذا استحسان) ش: أي هذا الذي ذهب إليه أبو حنيفة استحسان م: (وقال محمد: لا تثبت) ش: أي والولاية لغير العصبات م: (وهو القياس) ش: أي الذي ذهب إليه محمد هو القياس م: (وهو رواية عن أبي حنيفة) ش: أي قول محمد رواية عن أبي حنيفة، رواه الحسن عنه، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد. م: (وقول أبي يوسف في ذلك مضطرب) ش: لأنه ذكر في كتاب " النكاح " مع أبي حنيفة، وفي كتاب " الولاء" مع محمد م: (والأشهر أنه) ش: أي أن أبا يوسف م: (مع محمد) ش: ولكن ذكر في الكافر: والجمهور على أن أبا يوسف مع أبي حنيفة. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (ما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «النكاح إلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 ولأن الولاية إنما تثبت صونا للقرابة عن نسبة غير الكفؤ إليها وإلى العصبات الصيانة، ولأبي حنيفة: أن الولاية نظرية والنظر تتحقق بالتفويض إلى من هو المختص بالقرابة الباعثة على الشفقة. ومن لا ولي لها يعني العصبة من جهة القرابة إذا زوجها مولاها الذي أعتقها جاز لأنه أخر العصبات، وإذا عدم الأولياء فالولاية إلى الإمام والحاكم لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «السلطان ولي من لا ولي له»   [البناية] العصبات» والألف واللام تدل على جنس النكاح لعدم العهد، ومعناه: هذا الجنس مفوض إلى هذا الجنس. فلا يكون لغيره فيه مدخل، وقد مضى الكلام في الحديث م: (ولأن الولاية إنما تثبت صونا للقرابة عن نسبة غير الكفء إليها وإلى العصبات الصيانة) ش: أي الصيانة إلى العصبات. م: (ولأبي حنيفة أن الولاية نظرية، والنظر يتحقق بالتفويض إلى من هو المختص بالقرابة الباعثة على الشفقة) ش: والشفقة موجودة في الأم وقرابتها كما في قرابة الأب، ولهذا قال أصحابنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الإنكاح إلى العصبات» يتناول الإمام، لأنها عصبة في الجملة، يعني في صورة ولد الزنا، وولد الملاعنة وثبت له ولاية التزويج أيضا. والجواب عن الحديث أن النكاح إلى العصبات حالة وجودهم وبه يقول. [عدم الأولياء في نكاح المرأة] قال: م: (ومن لا ولي لها) ش: هذا لفظ القدوري وقوله م: (يعني العصبة من جهة القرابة) ش: من كلام المصنف والضمير في لها يرجع إلى - من - وهي الولية، وفي بعض النسخ، ومن لا ولي له بتذكير الضمير وهو ظاهر. م: (إذا زوجها مولاها الذي أعتقها جاز) ش: لمولى العتاقة وعصبة التزويج بالإجماع ترتيب عصبات العتق كعصبات القرابة بالإجماع، ويكون مقدما على ذوي الأرحام [ ... ] وغيرهما. م: (لأنه آخر العصبات) ش: في الإرث، وكذا لمولى الموالاة ولاية التزويج على الصغيرة عندهما إذا لم يكن لها قريب، خلافا لمحمد والشافعي، ومالك وأحمد؛ لأنه يؤخر عن ذوي الأرحام في الميراث عند محمد، فلا يكون له ولاية، كما لذوي الأرحام، وعند الشافعي: عقد الموالاة يصح، فلا يكون له عصوبة ولا قرابة. م: (وإذا عدم الأولياء) ش: يعني على الوجه المذكور، وذكر بلفظ الأولياء ليتناول العصبات النسبية والسببية م: (فالولاية للإمام) ش: أي الخليفة م: (والحاكم) ش: أي القاضي ومن نصبه القاضي إذا شرط تزويج الصغار في عهده م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «السلطان ولي من لا ولي له» ش: هذا في آخر حديث أخرجه أبو داود والترمذي، وابن ماجه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 فإذا غاب الولي الأقرب غيبة منقطعة جاز لمن هو أبعد منه أن يزوج. وقال زفر لا يجوز لأن ولاية الأقرب قائمة لأنها تثبت حقا له صيانة للقرابة فلا تبطل بغيبته، ولهذا لو زوجها حيث هو جاز ولا ولاية للأبعد مع ولايته. ولنا أن هذه ولاية نظرية، وليس من النظر التفويض إلى من لا ينتفع برأيه ففرضناه إلى الأبعد وهو مقدم على السلطان كما إذا مات الأقرب. ولو زوجها حيث هو فيه منع   [البناية] من حديث الزهري، عن عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» ، وقال الترمذي: حديث حسن. م: (فإذا غاب الولي الأقرب) ش: كالأب م: (غيبة منقطعة جاز لمن هو أبعد منه) ش: كالجد م: (أن يزوج) ش: وبه قال مالك وأحمد، وقال الشافعي: يزوجها السلطان أو القاضي، ولا يجوز أن يزوجها الأبعد م: (وقال زفر: لا يجوز) ش: لأحد حتى يحضر الأقرب م: (لأن ولاية الأقرب قائمة؛ لأنها تثبت حقا له) ش: والأبعد محجوب الولاية، ولا تأثير للغيبة في قطع، وحقه ثبت م: (صيانة للقرابة) ش: عن نسب الكفء إليها. م: (فلا تبطل) ش: أي حقه م: (بغيبته؛ ولهذا) ش: أي ولثبوت حقه؛ وعدم بطلانها بغيبته م: (لو زوجها حيث هو) ش: أي لزوجها الولي الأقرب، حيث كان هو م: (جاز) ش: بالاتفاق فدل على قيام ولايته في غيبته، فإذا كان كذلك لا يجوز تزويج الأبعد، م: (ولا ولاية للأبعد مع ولايته) ش: أي مع ولاية الأقرب. م: (ولنا أن هذه) ش: أي هذه الولاية م: (ولاية نظرية وليس من النظر التفويض إلى من لا ينتفع برأيه) ش: وهو الأقرب في غيبته لتعذر الانتفاع بغيبته، والتحق بمن لا ولي له أصلا، كالصغير والمجنون، وله أي الأبعد خلف عن رأي الأقرب فصار كولاية الحضانة يتقدم فيها الأقرب. فإذا تزوج كانت الولاية للأبعد، فإن كان الأمر كذلك م: (ففرضناه إلى الأبعد) ش: وهذه نتيجة المتقدمين الصادقين، فافهم. م: (وهو مقدم على السلطان) ش: قال الأكمل: وهذه إشارة إلى جواب الشافعي م: (كما إذا مات الأقرب) ش: لم تنقل إلى السلطان، فعنده إذا غاب الأقرب يزوج السلطان كما ذكرناه. قلت: لم يذكر قول الشافعي في الكتاب صريحا، ولم يذكر قوله إلا الشراح م: (ولو زوجها حيث هو فيه منع) ش: هذا جواب عن قول زفر، ولهذا لو زوجها حيث الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 وبعد التسليم نقول: للأبعد بعد القرابة وقرب التدبير للأقرب عكسه فنزل منزلة وليين متساويين فأيهما عقد نفذ ولا يرد. والغيبة المنقطعة أن يكون في بلد لا تصل إليه القوافل في السنة إلا مرة واحدة، وهو اختيار القدوري.   [البناية] جاز تقريره ولا نسلم جوازه، وفي " المحيط ": لا رواية فيه، وينبغي أن لا يجوز، لانقطاع ولايته م: (وبعد التسليم) ش: أي بعد أن سلمنا ذلك م: (نقول: للأبعد بعد القرابة وقرب التدبير، وللأقرب عكسه) ش: وهو قرب القرابة، وبعد التدبير، وثبوت الولاية، فاستويا من هذا الوجه. م: (فنزل منزلة وليين متساويين فأيهما عقد نفذ) ش: أي العقد م: (ولا يرد) ش: يعني إذا حضر الأقرب، وقد زوج الأب، ثم حضر الأقرب لا يرد العقد، وقيل: عند زفر يبطل عقد الأبعد إذا حضر الأقرب لعدم ولايته م: (والغيبة المنقطعة) ش: لما ذكر لفظ الغيبة المنقطعة فيما مضى شرع هنا في بيانها، فقال م: (أن يكون) ش: أي ولي الأقرب م: (في بلد لا تصل إليه القوافل في السنة إلا مرة واحدة) ش: وقدرها الشافعي ومالك وأحمد بأدنى مدة السفر. وفي " المبسوط ": وإليه أشار محمد في الكتاب، فقال: أرأيت لو كان في السواد ونحوه، إنما كان يستطيع رأيه فهذا إشارة إلى أنه إذا جاوز السواد ثبتت الولاية للأبعد، وعن أبي يوسف، ومحمد المنقطعة من البصرة إلى الرقة، وغير المنقطعة من بغداد إلى الكوفة، وقيل: بعد بمائة وخمسين فرسخا. وفي " المحيط ": عن محمد روايتان: إحداهما: مسيرة شهر، والأخرى: مسيرة ثلاثة أيام، واختارها أبو الليث. وعن محمد: من الكوفة إلى الري وهو عشرون مرحلة، وفي " الروضة ": وهو قول أبي حنيفة ذكره الطحاوي في شرحه ومختصره، وقيل: من الكوفة إلى البصرة. وفي " الأسبيجابي ": إن كان في مكان لا تختلف إليه القوافل فهو غيبة منقطعة. وقيل: إن كانت في موضع يقع إليه بدفعة واحدة فليست بمنقطعة، ومن المشايخ من قال أن لا يتوقف له على أثر، بأن كان جوالا من موضع إلى موضع، أو مفقودا حتى لو كان في بلد واحد، لا يوقف عليه مختصا لها كانت غيبة منقطعة. وقال أحمد: يزوجها في السفر البعيد دون القريب، قيل: يحتمل أن يكون البعيد ما يقصر فيه الصلاة. وقيل: ما يقطع بكلفة ومشقة، وقيل: يزوجها الحاكم، وإن كان قريبا، وإن كان القريب محبوسا أو أسيرا في مسافة قريبة فهو كالبعيد، وكذا إذا لم يعلم مكانه والشافعية قدروها بمسافة القصر. م: (وهو اختيار القدوري) ش: يعني الذي اختاره القدوري في " مختصره "، وهو قوله والغيبة المنقطعة أي يكون في بلدة لا تصل إليها القوافل في السنة إلا مرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 وقيل: أدنى مدة السفر، لأنه لا نهاية لأقصاه، وهو اختيار بعض المتأخرين، وقيل: إذا كان بحال يفوت الكفء باستطلاع رأيه، وهذا أقرب إلى الفقه، لأنه لا نظر في إبقاء ولايته حينئذ. وإذا اجتمع في المجنونة أبوها وابنها فالولي في إنكاحها ابنها، في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أبوها لأنه أوفر شفقة من الابن. ولهما أن الابن هو المقدم في العصوبة، وهذه الولاية مبنية عليها، ولا معتبر بزيادة الشفقة كأب الأم مع بعض العصبات، والله أعلم.   [البناية] م: (وقيل أدنى مدة السفر) ش: أي الغيبة المنقطعة أدنى مدة السفر، وبه أخذ الثوري ومحمد بن مقاتل الرازي، وأبو عصمة سعد بن معاذ المروزي، وأبو علي النسفي أدناهم، وهو اختيار بعض المتأخرين، وأبو اليسر والصدر الشهيد م: (لأنهم نهاية لأقصاه) ش: أي لأقصى السفر فاعتبرهم أدناهم م: (وهو اختيار بعض المتأخرين) ش: وعليه الفتوى، وبه قال الثلاثة، وبعض المتأخرين هم الذين ذكرناهم. م: (وقيل: إذا كان بحال يفوت الكفر باستطلاع رأيه) ش: قال الإمام السرخسي في " مبسوطه ": هو الأصح، وهو اختيار الفضلي، ولهذا قال المصنف: م: (وهذا أقرب إلى الفقه؛ لأنه لا نظر في إبقاء ولايته حينئذ) ش: يعني لعدم الانقطاع به حينئذ. وعن هذا قال الإمام قاضي خان في " الجامع الصغير ": حتى لو كان مختفيا في البلدة، ولا يتوقف عليه تكون غيبة منقطعة. [اجتمع في المجنونة أبوها وابنها فمن يلي نكاحها] م: (وإذا اجتمع في المجنونة أبوها وابنها فالولي في إنكاحها ابنها، في قول أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: وبه قال مالك وأحمد. م: (وقال محمد: أبوها) ش: أي أبوها أولى م: (لأنه أوفر شفقة من الابن) ش: لأن ولاية الأب تعم النفس والمال، وليس للابن ولاية في المال. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن الابن هو المقدم في العصوبة) ش: ألا ترى أن الأب معه يستحق السدس بالفرضية فقط م: (وهذه الولاية مبنية عليها) ش: أي على العصوبة م: (ولا معتبر بزيادة الشفقة كأب الأم مع بعض العصبات) ش: هذا جواب محمد، وأبو الأم أوفر شفقة من ابن الأخ، يقدم أبو الأم عليه بالإجماع، ولا فرق بين الجنون بأن يبلغ مجنونا، والطارئ وهو الجنون بعد البلوغ عاقلا. قال زفر: في الجنون الأصلي كذلك، أما في العارضي فلا ولاية للولي عليها، وحكى ذلك عن الشافعي، وفي " الحلية ": هذا ليس بشيء. وفي " شرح الوجيز ": والأصح أن لا فرق بين الأصلي والعارضي في ثبوت الولاية عليه كمذهبنا، ولكن يزوجها الأب والجد خاصة. فرع: امرأة جاءت إلى القاضي وقالت: لا ولي لي وإني أريد أن أتزوج، فالقاضي يأذن لها في النكاح، علم أن لها وليا أم لا، وعن إسماعيل بن حماد فالقاضي يقول لها إن لم تكوني الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قرشية ولا عربية، ولا ذات زوج، ولا في عدة أحد: فقد أذنت لك. قال شيخ الإسلام: للقاضي أن يكفلها إقامة البينة، يلزم القاضي ما ادعت من غير خيار وفي " الذخيرة ": هذه البينة تسمى بينة كشف الحال. وسئل شيخ الإسلام: عن بكر بالغ شافعية زوجت نفسها من حنفي أو شافعي هل يجوز؟ قال: نعم؛ وإن كان لا يصح عند الشافعي، والزوجان يعتقدان هذا المذهب، ولو سئلنا ما جواب الشافعي في هذه المسألة؟ أجبنا: أنه يصح عند أبي حنيفة. وسئل أيضا في عقد عقد بحضرة فاسقين من المسلمين، وغاب عنها الزوج غيبة منقطعة، هل يجوز للقاضي أن يبعث إلى شافعي يبطل النكاح بهذا السبب؟، قال: نعم، وللحنفي أن يبطله بنفسه أيضا، أخذ بهذا الإمام، وإن لم يكن مذهبنا له. قال: وعندي أن هذا على قول أبي حنيفة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ بناء على أن القاضي إذا قضى بخلاف مذهبه ينفذ عنده خلافا لهما، وليس هو من ولايته، فإن أوصى الأب بالنكاح إلا إذا كان الأب قريبا، فحينئذ يزوج بالقرابة لا بالوصية؛ لأنه ولاية في المال دون النفس. وقال أحمد في رواية، والشافعي ومالك: إن أوصى إليه في التزويج جاز، وهو رواية هشام عن أبي حنيفة، وإن كانت الثيب كبيرة يزوجها القاضي بإذنها، وإن كانت صغيرة، وعين الموصى الزوج زوجها الموصي منه، كما لو وكل به في حياته، وإن لم يتعين ينظر بلوغها لتأذن. وفي " السروجي ": والوصي لا يزوج، وهو قول الشعبي، والنخعي، والثوري، والحارث النكلي، والشافعي، وابن المنذر ورواية عن أحمد، وفي " تعليق الطرسوسي ": الوصي أولى من الولي، سواء أقال الموصي: أنت وصي أو وصي على بناتي، أو أنت وصي على مالي عند مالك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 فصل في الكفاءة الكفاءة في النكاح معتبرة، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ألا لا يزوج النساء إلا الأولياء، ولا يزوجن إلا من الأكفاء»   [البناية] [فصل في الكفاءة في النكاح] [الكفاءة في النكاح معتبرة] م: (فصل في الكفاءة) ش: لما كانت الكفاءة معتبرة وعدمها يمنع الجواز، ولهذا يتمكن الأولياء من الفسخ احتاج إلى أن يذكر حكمها في فصل على حدة، قال الجوهري: الكفء النظير، وكذلك الكفو، والكفوء على فعل وفعول. والمصدر الأكفاء بالفتح والمد. وقال ابن الأثير: الكفء النظير، والمساوي ومنه الأكفاء في النكاح، وهو أن يكون الزوج مساويا للمرأة في حسبها ونسبها، ودينها، وسنها وغير ذلك. م: (قال: الكفاءة في النكاح معتبرة) ش: أصحاب الحديث والفقهاء اختلفوا في عبارة الكفاءة، قال ابن المنذر في " الأشراف ": ذهب عمر بن عبد العزيز، وحماد بن أبي سليمان، وعبيد بن عمير، وابن سيرين، وابن عون ومالك أن الكفاءة غير معتبرة إلا في الدين. وفي " البدائع ": وهو قول الحسن البصري، والكرخي من أصحابنا، وفي " المبسوط ": وقال الكرخي: الأصح عندي أنه لا اعتبار بالكفاءة في النكاح. وعن الثوري وابن حنبل: لا بد من اعتبار الكفاءة، ولا يسقط إلا بتراضي الولي والمرأة. وعنه في الرجل يشرب الشراب، أو هو حائك يفرق بينهما، وفي " البسيط ": ذهب الشيعة إلى أن نكاح العلويات ممتنع على غيرهم مع التراضي، قال السروجي: وهما قولان باطلان. م: (قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ألا لا يزوج النساء إلا الأولياء، ولا يزوجن إلا من الأكفاء» ش: قال الأكمل: رواه جابر، وسكت [ ... ] ، وقال أبو عمر بن عبد البر: هذا حديث ضعيف، لا أصل له ولا يحتج بمثله. قال البيهقي: ضعيف بمرة، ورواه في " السنن ": عن مبشر بن عبيد وأسند في " المعرفة ": عن ابن حنبل أنه قال: أحاديث مبشر بن عبيد موضوعة كذب. وقال ابن القطان: وهو كما قال، لكن يبقى عليه الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف ومدلس على الضعفاء. قلت: مبشر بن عبيد يروي هذا الحديث عن الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن عمرو بن دينار، عن جابر، عن عبد الله بن عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - _، رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده ": عن مبشر بن عبيد عن أبي يزيد عن جابر يذكره وهو أبو يعلى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 ولأن انتظام المصالح بين المتكافئين عادة،   [البناية] رواه ابن حبان في كتاب " الضعفاء ". وقال: مبشر بن عبيد يروي عن الثقات الموضوعات، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب. وقال البيهقي: وفي اعتبار الكفاءة أحاديث لا يقوم بأكثرها حجة، وأمثلها حديث علي _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ «ثلاثة لا يؤخرها، وفيه الأيم إذا وجدت كفؤا» . قلت: هذا حديث رواه الترمذي في الصلاة. وفي " الجنازة " حديث قتيبة حدثنا عبد الله بن وهب، عن سعيد بن عبد الله الجهني، عن محمد بن عمرو بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن علي بن أبي طالب _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - _ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يا علي ثلاثة لا تؤخرهما: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفؤا» . وقال الترمذي: حديث غريب ولا أرى إسناده متصلا، [و] أخرجه الحاكم في " مستدركه "، وكذلك في كتاب النكاح وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. والمصنف استدل بالحديث الذي ذكره في اعتبار الكفاءة ولم يتعرض لاشتراطها، ولا ذكر الخلاف فيه، والحديث شاهد على اشتراطها. وقال البيهقي في " المعرفة ": وأصل الكفاءة مستنبط من حديث بريرة، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما خيرها؛ لأن زوجها لم يكن كفؤا لها واستدل ابن الجوزي في " التحقيق ": على اشتراطها بحديث عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء» . قلت: هذا أخرجه ابن ماجه، والحاكم في " مستدركه " من رواية الحارث بن عمر، وعن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - _ قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وانكحوا لهم» ، وقال الحاكم: تابعه عكرمة بن إبراهيم، عن هشام، ثم رواه كذلك، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد. روى الحاكم أيضا من حديث نافع، عن ابن عمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا جاءكم الأكفاء فأنكحوهن ولا تربصوا لهن الحدثان» ، قال العباس بن حمزة أحد رواة الحديث: الحدثان الموت. م: (ولأن انتظام المصالح) ش: من المسكن والصحبة والألفة والتولد والتناسل وتأسيس القرابات م: (بين المتكافئين عادة) ش: لأن انتظام المصالح لا يكون إلا بهما، بخلاف غير المتكافئين والمتكافئان المتساويان. وقال ابن الأثير: في حديث العقيقة «عن الغلام شاتان متكافئتان» الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 لأن الشريفة تأبى أن تكون مستفرشة للخسيس، فلا بد من اعتبارها بخلاف جانبها، لأن الزوج مستفرش، فلا تغيظه دناءة الفراش. وإذا زوجت المرأة نفسها من غير كفء فللأولياء أن يفرقوا بينهما دفعا لضرر العار عن أنفسهم.   [البناية] أي متساويتان، وهو بكسر الفاء، والمحدثون يقولون: متكافئان بالفتح، وأرى الفتح أولى، انتهى. وإنما ذكرت هذا لأجل وقوع هذا اللفظ في الكتاب. م: (لأن الشريفة) ش: سواء كانت في الحسب أو النسب م: (تأبى أن تكون مستفرشة للخسيس) ش: أي للرجل الخسيس في الحسب والحرفة والمدينة م: (فلا بد من اعتبارها) ش: أي اعتبار الكفاءة، لأن ملك النكاح دل على أن النكاح رق حكما، إليه أشار قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته» ، وإذلال النفس حرام، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس للمؤمن أن يذل نفسه» م: (بخلاف جانبها) ش: أي جانب المرأة. م: (لأن الزوج مستفرش) ش: بكسر الراء م: (فلا تغيظه دناءة الفراش) ش: فليس فيه إذلال النفس، فإن نسب الولد لا يكون إلى أمه بل يكون إلى أبيه، والولي لا يعتبر بأن يكون تحت الرجل لا يكافئه. وفي " المحيط ": الكفاءة من جانب النساء غير معتبرة عند أبي حنيفة _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ وهو الصحيح من مذهب الشافعي، وابن حنبل، وعندهما معتبرة استحسانا نص عليه محمد في " الجامع الصغير ". وفي " الذخيرة ": وروى هشام، عن أبي يوسف أنه لو تزوج امرأة على أنها قرشية فظهرت نبطية فله الخيار عنه، وعند أبي حنيفة لا خيار له، وعندهما معتبرة، وروي غير معتبرة، حتى لم يكن للأولياء الاعتراض على الأصل إذا تزوج وضيعة، وفي " المفيد والمزيد " غير معتبرة في ظاهر الرواية وقيل: معتبرة عندهما. [زوجت المرأة نفسها من غير كفء] م: (وإذا زوجت المرأة نفسها من غير كفء فللأولياء أن يفرقوا بينهما دفعا لضرر العار عن أنفسهم) ش: أما التفريق فما لم تلد المرأة، وفيه خلاف قد مضى، ولا يبطل حق الولي بالسكوت بعد العلم، وإن طال السكوت، ولا يكون التفريق إلا عند القاضي؛ لأنه مجتهد فيه. وكل من الخصمين يثبت بدليل، فلا يقطع الخصومة إلا بفعل من له ولاية عليهما كالفسخ بخيار البلوغ، وما لم يفرق القاضي فحكم الطلاق والإرث قائم، وكأن النكاح انعقد صحيحا في ظاهر الرواية. وهذه الفرقة ليست بطلاق، لأنه تفريق على سبيل الفسخ لأجل النكاح، والطلاق تصرف في النكاح ولا مهر لها إن لم يدخل بها فلها المسمى. وأما إذا رضي بعض الأولياء فيسقط حق الباقين، إلا أن يكون الباقي أقرب من الرضا. وقال أبي يوسف وزفر والشافعي: لا يسقط حق الباقين، لأنه حق الكل فلا يسقط إلا برضا الكل كالدين المشترك إذا أبرئ أحدهم، قلنا: إنه حق واحد، لا يتجزأ؛ لأنه ثبت بسبب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 ثم الكفاءة تعتبر في النسب لأنه يقع به التفاخر، فقريش بعضهم أكفاء لبعض، والعرب بعضهم أكفاء لبعض، والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «قريش بعضهم أكفاء   [البناية] فكل واحد على الكمال، كولاية الأمان إذا أبطله أحدهم لا يبقى ضرورة لحق القصاص. [الكفاءة تعتبر في النسب في النكاح] م: (ثم الكفاءة تعتبر في النسب) ش: وفي " المبسوط ": الكفاءة تعتبر في حق الرجل في النسب، والحرية، والمال، والحرفة، والحسب. وفي " فتاوى الولوالجي ": في التقوى وإسلام الأب والعقل أيضا. وفي " المنهاج ": عند الشافعي تعتبر الكفاءة في سلامة العيوب التي ترد بها، والنسب، والحرية، والعفة، والحرفة، وهي خمس، ومثله عن أحمد، وعنه الدين والمنصب. م: (لأنه) ش: أي لأن النسب م: (يقع به التفاخر) ش: وهذا ظاهر، وكان سفيان الثوري لا يعتبر الكفاءة فيه، لأن الناس سواء كأسنان المشط، لا فضل لعربي على عجمي، إنما الفضل بالتقوى. وقال الجوهري: تقول: مررت برجل سواك وسواك وسوائك، أي غيرك وهما في هذا الأمر سواء، وإن شئت ترى أن وهم سواء الجميع، وهم أسواء وهم سواسية، أي أشباه، مثل ثمانية على غير قياس، وزنه أفعاعلة ذهبت منه الحروف الثلاثة، وأصله الباء فقريش أكفاء لبعضهم، يدخل فيه بنو هاشم وبنو المطلب، خلافا للشافعي فيهما، وأحمد في الأول والقرشي من كان من ولد النضر بن كنانة، ومن لم يكن من ولد النضر من العرب فهو غير قرشي. وقال ابن عباس: سموا بداية في العجز لم يظهر لهاشمي من الدواب إلا أكلته فشبهت قريش بها لأجل القهر والعز والغلبة. وفي " البدائع ": وقريش لجميع العرب كالهاشمي، والمطلبي، والنوفلي، والأموي، والقيسي، والزهري، والتميمي، والعدوي. وحاصله أن هاشما وعبد شمس والمطلب ونوفلا هم أولاد عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب، فالأربعة أولاد جد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أموي منسوب إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وأبو بكر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ تميمي منسوب إلى تميم بن مرة بن كعب، وعمر _ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - _ عدوي منسوب إلى عدي بن كعب بن لؤي بن غالب وهؤلاء سادات. م: (فقريش بعضهم أكفاء لبعض) ش: لصلاحية كل منهم الخلافة، بخلاف العرب غير قريش، ليست كفؤا لقريش لعدم مساواتهم لقريش؛ لأنهم لا يصلحون للخلافة م: (والعرب بعضهم أكفاء لبعض) ش: وليس أكفاء لقريش. م: (والأصل فيه) ش: أي في هذا الباب م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «قريش بعضهم أكفاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 لبعض بطن ببطن، والعرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة، والموالي بعضهم أكفاء لبعض   [البناية] لبعض بطن ببطن والعرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة، والموالي بعضهم أكفاء لبعض رجل برجل» ش: قال السروجي: لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «قريش أكفاء» ... " فذكر الحديث ثم قال: إنما ذكرناه بصيغة التمريض، لأني لم أجده في كتب الحديث، وإنما ذكر في كتب الفقه، فلهذا لم أجزم به، انتهى. قلت: روى الحاكم: حدثنا الأصم، حدثنا الصغاني، حدثنا شجاع بن الوليد، حدثنا بعض إخواننا، عن ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة، ورجل برجل، إلا حائك وحجام» . وقال صاحب " التنقيح ": هذا منقطع إذ لم [يلق] شجاع بن الوليد بعض أصحابه، ورواه أبو يعلى في " مسنده " من حديث بقية بن الوليد، عن زرعة بن عبد الله الزهري، عن عمران بن أبي الفضل الأيلي، عن نافع عن ابن عمر نحوه مرفوعا مسندا. وقال ابن عبد البر: هذا حديث منكر موضوع، وقد روى شريح عن ابن أبي مليكة عن ابن عمر مرفوعا مثله، ولا يصح حديث شريح. ورواه ابن حبان في كتاب " الضعفاء " وأعله بعمران بن أبي الفضل، وقال: إنه يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يحل كتب حديثه، قوله: قبيلة بقبيلة _ قال الكاكي: أي وليس بعض القبائل من قريش أولى من بعضهم، وقال الزبير بن بكار: العرب ست طبقات: شعب، وقبيلة، وعمارة، وبطن، وفخذ، وفصيلة. فالشعب يجمع العمارة، والعمارة تجمع البطن، والبطن تجمع الأفخاذ، والأفخاذ تجمع الفصائل، فمضر شعب، وربيعة شعب، ومدلج شعب، وحمير شعب وسميش شعب. والقبائل تتشعب فكنانة قبيلة، وقريش عمارة وقصي بطن، وهاشم فخذ، والعباس فصيلة. وقال تاج الشريعة: العرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة لا اعتبار لفضل بعض القبائل على بعض في حق الكفاءة إلا بنو باهلة؛ فإنهم ليسوا بكفء لغيرهم من العرب لخساستهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 رجل برجل» . ولا يعتبر التفاضل فيما بين قريش لما روينا. وعن محمد _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ كذلك إلا أن يكون نسبا مشهورا كأهل بيت الخلافة، كأنه قال: تعظيما للخلافة، وتسكينا للفتنة، وبنو باهلة ليسوا بأكفاء لعامة العرب؛   [البناية] ودناءتهم. حكي أنهم كانوا يستخرجون النقي من عظام الموتى ويأكلون. قلت: النقي بكسر النون، وسكون القاف مخ العظم وشحم العين من الشمس، والجمع النقا. قوله: _ والموالي أكفاء لبعض قال الكاكي: الموالي أي غير العرب، وسموا الموالي لأنهم نصروا العرب، وسمي الناصر مولى قول الله تعالى: {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11] (محمد: الآية 11) أي لا ناصر لهم. ولأن قلاعهم فتحت على أيدي العرب وكانوا بسبيل من استرقاقهم، فكأنهم كانوا عبيدهم، ثم عتقوا بالمن عليهم، فكانوا موالي العرب، وقال تاج الشريعة: الموالي يعني العجم، سموا بها، لأن بلادهم فتحت عنوة على أيدي العرب، ثم ذكر مثل الذي ذكرنا الآن. وقال الأكمل: الموالي العتق، لما كانت غير عرب في الأكثر غلبت إلى العجم حين قال الموالي: أكفاء بعضها لبعض. قوله: م: (رجل برجل) ش: إشارة إلى أن السبب لا يعتبر فيهم، قال القفال وأبو عاصم من أصحاب الشافعي: فإنهم ضيعوا أنسابهم، فلا يكون التفاخر بينهم بالنسب، بل بالدين، كما أشار إليه سلمان الفارسي حين افتخرت الصحابة بالأنساب، وانتهى الأمر إليه، فقيل: سلمان ممن؟. فقال: أبي الإسلام لا أب لي سواه، والأصح من مذهب الشافعي اعتبار نسب العرب كالعجم، والعجمي ليس كفؤا لعربية، والعربي غير القرشي غير كفء لقرشية. [التفاضل فيما بين قريش في الكفاءة في النكاح] م: (ولا يعتبر التفاضل فيما بين قريش) ش: يعني النسب، لأنهم ضيعوا أنسابهم، ولا يفتخرون بالأنساب، وإنما افتخارهم بالإسلام والجزية فيصير ذلك فيما بينهم م: (لما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قريش بعضهم أكفاء لبعض» . م: (وعن محمد كذلك إلا أن يكون نسبا مشهورا) ش: في الحرية م: (كأهل بيت الخلافة) ش: فحينئذ يعتبر التفاضل، حتى لو تزوجت قرشية من أولاد الخلفاء قرشيا من أولادهم كان للأولياء الاعتراض. م: (كأنه قال) ش: هذا كلام المصنف، أي كأن محمدا قال ذلك م: (تعظيما للخلافة وتسكينا للفتنة) ش: لانعدام أصل الكفاءة، وفي " خزانة الأكمل ": وقريش بعضهم أكفاء لبعض، إلا من كان من بيت الشرف كالخلافة. م: (وبنو باهلة ليسوا بأكفاء لعامة العرب) ش: الباهلة: قبيلة من قيس بن غيلان، وهو في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 لأنهم معروفون بالخساسة. وأما الموالي فمن كان له أبوان في الإسلام فصاعدا فهو من الأكفاء، يعني لمن له آباء فيه. ومن أسلم بنفسه، أو له أب واحد في الإسلام لا يكون كفؤا لمن له أبوان في الإسلام لأن تمام النسب بالأب والجد. وأبو يوسف _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ ألحق الواحد بالمثنى، كما هو مذهبه في التعريف. ومن أسلم بنفسه لا يكون كفؤا لمن له أب واحد في الإسلام؛ لأن التفاخر فيما بين الموالي بالإسلام،   [البناية] الأصل اسم امرأة من همدان، والتأنيث للقبيلة سواء كان في الأصل اسم رجل أو اسم امرأة وهم معروفون بالدناءة، وهو معنى قوله م: (لأنهم معروفون بالخساسة) ش: أي بالدناءة، والخسيس الدنيء، والخسيسة والخساسة الحالة التي يكون عليها الخسيس، ومن خساستهم أنهم كانوا يأكلون بقية العظام [ ... ] ، وكانوا يطبخون عظام الموتى، فيأخذون الدسومات منها، قال قائلهم: ولا ينفع الأصل من هاشم إذا كانت النفس من باهلة، ومن دناءتهم أنهم كان لهم صنم من عجوة، فوقع الغلاء فيهم فأكلوه، وكانت العرب يعيرونهم ويقولون: بنو باهلة أكلوا آلهتهم. م: (وأما الموالي فمن كان له أبوان في الإسلام فصاعدا) ش: نصب على الحال من أبوان أي [ ... ] إلى حالة الصعود على اثنين. م: (فهو من الأكفاء يعني لمن له آباء فيه) ش: وفسر قوله: م: (آباء فيه) ش: أي في الإسلام، حاصله من كان له أبوان في الإسلام فله نسب صحيح يكون كفؤا لمن له عشيرة أبا أو أكثر. [من كان له أب واحد في الإسلام يكون كفؤا لمن له أبوان فيه] م: (ومن أسلم بنفسه أو له أب واحد في الإسلام لا يكون كفؤا لمن له أبوان في الإسلام، لأن تمام النسبة بالأب والجد. وأبو يوسف ألحق الواحد بالمثنى) ش: يعني من كان له أب واحد في الإسلام يكون كفؤا لمن له أبوان فيه. وفي " المبسوط ": وعن أبي يوسف الأكفاء بالأب، والصحيح ظاهر الرواية، والمذكور في الكتاب رواية عنه م: (كما هو مذهبه) ش: أي مذهب أبي يوسف م: (في التعريف) ش: أي في تعريف الشخص في الشهادة، كان الشهود إذا ذكروا اسم الغائب واسم أبيه يحصل به التعريف عند أبي يوسف. ولا حاجة إلى ذكر الجد وبه قال بعض أصحاب الشافعي، وعنده لا بد من ذكر الجد، وقال السروجي: هذا إذا كان الولد صغيرا، لا يشاركه أحد في اسمه، أما إذا كان هناك من يشاركه في اسمه واسم أبيه وجده لا يكتفى بذلك حتى يذكر ما يميزه عنه. م: (ومن أسلم بنفسه لا يكون كفؤا لمن له أب واحد في الإسلام) ش: وبه قال الشافعي م: (لأن التفاخر فيما بين الموالي بالإسلام) ش: نقل صاحب " النهاية " عن الإمام المحبوبي أن هذا في الموالي. فأما في العرب فإن من لا أب له في الإسلام من العرب وهو مسلم فهو كفء لمن له أب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 والكفاءة في الحرية نظيرها في الإسلام في جميع ما ذكرنا؛ لأن الرق أثر للكفر، وفيه معنى الذل فيعتبر في معنى الكفاءة. قال: وتعتبر أيضا في الدين أي الديانة، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف _ رحمهما الله _، وهو الصحيح، لأنه من أعلى المفاخر،   [البناية] في الإسلام؛ أن العرب يتفاخرون بالنسب، فيعدون بالنسب كفؤا لنسب آخر إذا كانا مسلمين، وأما العجم فقد ضيعوا أنسابهم وتفاخرهم بالإسلام، فمن كان له أهل في الإسلام يفتخر على من لا أهل له في الإسلام ولا يعد كفؤا له. [الكفاءة في الحرية في النكاح] م: (والكفاءة في الحرية نظيرها في الإسلام في جميع ما ذكرنا) ش: من الوفاق والخلاف، يعني الكفاءة في الحرية معتبرة بإجماع الفقهاء، حتى لا يكون العبد كفؤا لحرية الأصل، وكذا المعتق لا يكون كفؤا لحرية أصلية. والمعتق لا يكون كفؤا لمن له أبوان في الحرية م: (لأن الرق أثر للكفر، وفيه معنى الذل، فيعتبر فيه معنى الكفاءة) ش: وعن أبي يوسف: أن الذي أسلم بنفسه أو أعتق أو حرز من الفضائل ما يقابل نسب الآخر كان كفؤا له. م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (وتعتبر أيضا) ش: أي تعتبر الكفاءة أيضا م: (في الدين) ش: وفسره بقوله: م: (أي في الديانة) ش: وهو التقوى والصلاح والحسب وهو مكارم الأخلاق. وإنما فسره بهذا لأن مطلق الدين في الإسلام، ولا كلام لأجل أن إسلام الزوج شرطه جواز نكاح المسلمة، إنما الكلام في حق الاعتراض للأولياء بعد إنفاذ العقد وذلك لا يكون إلا في الدين بمعنى الديانة م: (وهذا) ش: أي اعتبار الكفاءة في الديانة م: (قول أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: وبه قال الشافعي ومالك، فإن مالكا يعتبر الكفاءة في الدين وحده. ونقل هكذا عن الشافعي وأحمد في رواية: لا يعتبر إلا في الدين والنسب، والأصح عن أحمد مثل مذهب الشافعي، حتى لو نكحت امرأة من بنات الصالحين فاسقا، كان للأولياء حق الرد م: (وهو الصحيح) ش: احترازا عما روي عن أبي حنيفة: أن الكفاءة في التقوى والحسب غير معتبرة، ذكره في " المحيط "، وعما روي عن أبي يوسف: أنها غير معتبرة في التقوى، ومعتبرة في الحسب والنسب ومكارم الأخلاق، كذا في " المحيط ". وذكر المحبوبي محيلا إلى صدر الإسلام أن الحسب هو الذي له جاه وحرمة وحشمة لا يكون كفؤا للخسيس الذي لا جاه له. وفي " جامع قاضي خان ": الحسب كفء للنسب، حتى إن الفقيه كفء للعلوي؛ لأن شرف العلم فوق شرف النسب، وكذا الفقيه الفقير كفء للغني الجاهل والعالم العجمي كفء للعربي الجاهل والعربية. وقيل: الأصح أنه لا يكون كفؤا للعربية؛ م: (لأنه) ش: أي لأن الدين م: (من أعلى المفاخر) ش: قول الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] (الحجرات: الآية 13) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 والمرأة تعير بفسق الزوج فوق ما تعير بضعة نسبه. وقال محمد _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _: لا تعتبر؛ لأنه من أمور الآخرة فلا تبتنى أحكام الدنيا عليه إلا إذا كان يصفع ويسخر منه، أو يخرج إلى الأسواق سكران ويلعب مع الصبيان؛ لأنه مستحق به. قال: وتعتبر في المال وهو أن يكون مالكا للمهر والنفقة وهذا هو المعتبر في ظاهر الرواية، حتى إن من لا يملكهما أو لا يملك أحدهما لا يكون كفؤا، لأن المهر بدل البضع، فلا بد من إيفائه وبالنفقة قوام الازدواج ودوامه،   [البناية] م: (والمرأة تعير بفسق الزوج فوق ما تعير بضعة نسبه) ش: بفتح الضاد المعجمة والعين المهملة وأصله وضعة، والهاء عوض عن الواو، يقال في حسبه ضعة وضعة بكسر الضاد أيضا، ومنه الوضيع وهو الدنيء من الناس، والمعنى: المرأة يعيرها الناس بفسق زوجها بأكثر ما تعير بزيادة نسب زوجها. م: (وقال محمد: لا تعتبر) ش: أي الكفاءة في الدين م: (لأنه) ش: أي لأن الدين م: (من أمور الآخرة فلا تبتنى أحكام الدنيا عليه، إلا إذا كان يصفع) ش: أي إلا إذا كان الزوج يصفع على صيغة المجهول. قال الجوهري: الصفع كلمة مركبة، والرجل صفعان، وقال غيره: يصفع، يضرب على قفاه م: (أو يسخر منه) ش: أي الزوج، أي يستهزأ به، ومنه المتمسخر م: (أو يخرج) ش: أي الزوج م: (إلى الأسواق) ش: حال كونه م: (سكران ويلعب مع الصبيان، لأنه مستحق به) ش: أي بذلك الصنع. وفي " المحيط ": وعليه الفتوى، وعن أبي يوسف أنه قال: الذي يشرب المسكر، فإن كان مسكرا ولا يخرج سكرانا فهو كفء، وإن كان يعلن ذلك لم يكن كفؤا لامرأة صالحة من أهل البيوتات، ولم ينقل عن أبي حنيفة في ذلك شيء. والصحيح عنده أنه غير معتبر؛ لأن هذا ليس بلازم يمكن تركه. وفي " الفتاوى الظهيرية ": لو تزوج وهو كفء، ثم صار فاسقا لا يفسخ النكاح، لأن اعتبار الكفاءة وقت النكاح لا استمرارها بعد النكاح. وفي " الحاوي " ذكر شيخ الإسلام: أن الفاسق لا يكون كفؤا للعدل عند أبي حنيفة، وإن لم يعلن الفسق. [الكفاءة في المال في النكاح] م: (وتعتبر) ش: أي الكفاءة م: (في المال وهو) ش: أي الاعتبار في المال م: (أن يكون مالكا للمهر والنفقة) ش: يتناول الكسوة، لأنهما مما ينفق على الزوجة م: (وهذا) ش: أي كونه مالكا للمهر والنفقة م: (هو المعتبر في ظاهر الرواية، حتى إن من لم يملكهما) ش: أي المهر والنفقة. م: (أو لا يملك أحدهما لا يكون كفؤا لأن المهر بدل البضع، فلا بد من إيفائه وبالنفقة قوام الازدواج ودوامه) ش: فلا بد من ذلك، وقيل: إن كان الرجل ذا جاه كالسلطان والعالم فهو كفء وإن لم يملك النفقة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 والمراد بالمهر قدر ما تعارفوا تعجيله، لأن ما وراءه مؤجل عرفا. وعن أبي يوسف _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أنه اعتبر القدرة على النفقة دون المهر؛ لأنه تجري المساهلة في المهر، ويعد المرء قادر عليه بيسار أبيه. فأما الكفاءة في الغني فمعتبرة في قول أبي حنيفة ومحمد _ رحمهما الله _ حتى إن الفائقة في اليسار لا يكافئها القادر على المهر والنفقة؛ لأن الناس يتفاخرون بالغنى ويتعيرون بالفقر.   [البناية] وفي " الذخيرة ": إن قدر على نفقتها بالتكسب ولم يقدر على المهر، اختلفوا فيه، وأكثرهم على أنه لا يكون كفؤا، وذكر هشام عن أبي يوسف أنه يكون كفؤا وكذا روى عن محمد. وفي " جوامع الفقه ": ومن قدر على المهر والنفقة شهرا فهو كفء. م: (والمراد بالمهر قدر ما تعارفوا تعجيله، لأن ما وراءه مؤجل عرفا) ش: أي من حيث العرف، وليس بمطالب به، فلا تسقط الكفاءة كذا في " المجتبى ". قلت: وفي عرف أهل خوارزم كله يؤجل فلا يعتبر القدرة عليه بيسار أبيه، لأن الآباء لا يتحملون المهور عن الأولاد دون النفقة الدارة. م: (وعن أبي يوسف أنه اعتبر القدرة على النفقة دون المهر) ش: هذا غير ظاهر الرواية، وروى الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف أنه قال: الكفء الذي يقدر على المهر والنفقة فإن كان يملك المهر دون النفقة قال: ليس بكفء. قلت: فإن ملك النفقة دون المهر قال: يكون كفؤا، وعن أبي حنيفة، ومحمد، وبعض أصحاب الشافعي مثل قول أبي يوسف. وفي " جامع شمس الأئمة ": المعتبر نفقة سنة، وقيل نفقة شهرين. وفي " المحيط ": إذا صلحت للجماع وإلا فلا تعتبر القدرة على النفقة كالصغيرة جدا، والصبي كفء أبيه وهو الصحيح. ولو كان له ألف درهم دين وزوج امرأة بألف فهو كفء لها في قول أبي حنيفة ومحمد، وبه قال بعض الشافعية في الأظهر. م: (لأنه تجري المساهلة في المهور) ش: أي لأن اليسار يجري التسهيل والتأجيل في المهر م: (ويعد المرء قادرا عليه) ش: أي على المهر م: (بيسار أبيه) ش: ولا يعد قادرا على النفقة بيسار الأب، وفي " الذخيرة ": إذا كان يجد نفقتها، ولا يجد نفقة نفسه فهو كفء، وفي " منية المفتي " من لم يملك النفقة فلا يكون كفؤا موسرة كانت المرأة أو فقيرة م: (وأما الكفاءة في الغني فمعتبرة عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وفي أكثر النسخ، وفي قول أبي حنيفة ومحمد، وبه قال بعض الشافعية م: (حتى إن الفائقة) ش: أي المرأة الفائقة. م: (في اليسار لا يكافئها القادر على المهر والنفقة لأن الناس يتفاخرون بالغنى ويتعيرون بالفقر) ش: وهذا القول مذكور عنهما في غير رواية الأصل، وفي كتاب " النكاح ": لا يشترط إلا القدرة على المهر والنفقة. وقال الإمام السرخسي في " مبسوطه " وصاحب " الذخيرة ":، والأصح أن ذلك لا يعتبر؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 وقال أبو يوسف _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ لا يعتبر؛ لأنه لا ثبات له إذ المال غاد ورائح، ويتتبر في الصنائع، وهذا عند أبي يوسف ومحمد _ رحمهما الله _ وعن أبي حنيفة في ذلك روايتان وعن أبي يوسف أنه لا يعتبر في النكاح إلا أن يفحش كالحجام والحائك والدباغ والكناس،   [البناية] لأن كثرة المال مذمومة في الأصل، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هلك المكثرون إلا من قال بملكه هكذا وهكذا» أي تصدق به. م: (وقال أبو يوسف: لا يعتبر؛ لأنه لا ثبات له) ش: أي لأن الغني لا ثبات له م: (إذ المال غاد ورائح) ش: أي لأن المال لا يستمر في يد شخص؛ لأنه يروح ويأتي، وكم من شخص يمسي غنيا، ويصبح فقيرا، وبالعكس. م: (وتعتبر) ش: أي الكفاءة م: (في الصنائع) ش: أي الحرف م: (وهذا) ش: أي اعتبار الكفاءة م: (عند أبي يوسف ومحمد) ش: هكذا في أكثر النسخ، وهكذا أورد شيخ الإسلام خواهر زاده ذكر فخر الإسلام أن هذا قول أبي حنيفة ومحمد، وبه قال السغناقي، والشافعي، حتى لا يكون الحجام والكناس والدباغ كفؤا للبزاز والعطار، أما العطار فهو كفء للبزاز. م: (وعن أبي حنيفة في ذلك) ش: أي في اعتبار الكفاءة في الصنائع م: (روايتان) ش: أظهرهما أنه لا يعتبر حتى لا يكون العطار كفؤا للعطار، وهو رواية عن محمد، وعنه في رواية: الموالي بعضهم أكفاء بعض إلا الحائك والحجام. م: (وعن أبي يوسف أنه) ش: أي الكفء م: (لا يعتبر في النكاح إلا أن يفحش كالحجام والحائك والدباغ والكناس) ش: وفي " الغاية ": الكناس، والحجام، والدباغ، والحارس، والسايس، والراعي، ويقيم أي البلان في الحمار ليس كفؤا لبنت الخياط ولا الخياط لبنت البزاز والتاجر ولا هما لبنت العالم والقاضي، [و] الحائك ليس بكفء لبنت الدهقان وإن كانت فقيرة. وقيل: هو كفء، [الكفاءة في العقل في النكاح] وأما الكفاءة في العقل، وقد قال في " المحيط " و " المبسوط ": لا رواية فيها عن المتقدمين من أصحابنا، ثم قيل: تعتبر، فلا يكون المجنون كفؤا للعاقل، لأن الجنون يفوت مقاصد النكاح، فهذا أشد من الفقر، ودناءة الحرفة، وقيل: لا تعتبر، لأن الجنون بمنزلة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 وجه الاعتبار أن الناس يتفاخرون بشرف الحرف ويتعيرون بدناءتها. وجه القول الآخر أن الحرفة ليست بلازمة، ويمكن التحول عن الخسيسة إلى النفيسة منها. قال: وإذا تزوجت المرأة ونقصت عن مهر مثلها فللأولياء الاعتراض عليها عند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ حتى يتم لها مهر مثلها أو يفارقها، وقالا: ليس لهم ذلك، وهذا الوضع إنما يصح على قول محمد _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ على اعتبار قوله المرجوع إليه في النكاح بغير الولي، وقد صح ذلك وهذه شهادة صادقة عليه.   [البناية] المرض، وسائر الأمراض لا تثبت الكفاءة، وكذا الجنون. وفي " المرغيناني ": لا يكون المجنون كفؤا للعاقلة، وعند بقية الأئمة هو من العيوب التي يفسخ النكاح بها. وفي " المحيط " وغيره: وهنا جنس خامس أخس من الكل، وهو الذي يخدم الظلمة أي يدعى: شاكردا. قلت: وفي مصر جنس سادس أخس من كل جنس، وهم الطائفة الذين يسمون السرابانية وأنهم ينظفون الحيض وبيوت الخلاء، وينظفون أوساخ الناس. م: (وجه الاعتبار) ش: أي اعتبار الكفاءة في الصنائع م: (أن الناس يتفاخرون بشرف الحرف ويتعيرون بدناءتها) ش: أي دناءة الحرف، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الناس أكفاء إلا الحائك والحجام» ، كذا ذكره الكاكي، والله أعلم بصحته. م: (وجه القول الآخر) ش: وهو عدم الاعتبار م: (أن الحرفة ليست بلازمة) ش: لا تنفك من الرجل م: (ويمكن التحول عن الخسيسة) ش: أي عن الحرفة الخسيسة م: (إلى النفيسة) ش: أي إلى الحرفة الشريفة م: (منها) ش: أي من الحرف بخلاف النسب؛ لأنه صفة لازمة، والفقر كذلك لا يفارقه عادة. م: (قال: وإذا تزوجت المرأة ونقصت عن مهر مثلها) ش: أي بما لا يتغابن الناس في مثله م: (فللأولياء الاعتراض عليها _ عند أبي حنيفة _، حتى يتم لها مثلها أو يفارقها) ش: ولا تكون الفرقة طلاقا، لأنها ما وقعت من قبل الزوج، ولا يكون لها المهر إن كانت الفرقة قبل الدخول وبعده لها المسمى. م: (وقالا: ليس لهم ذلك) ش: أي الاعتراض م: (وهذا الوضع) ش: أي وضع القدوري _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ هذه المسألة على هذا الوجه م: (إنما يصح على قول محمد، على اعتبار قوله المرجوع إليه في النكاح بغير الولي وقد صح ذلك) ش: أي الرجوع م: (وهذه) ش: أي المسألة م: (شهادة صادقة عليه) ش: أي على رجوع محمد إلى قولهما في النكاح بغير ولي، فإنه لو لم يصح نكاحها بغير الولي لم يقل: ليس لهم الاعتراض. وقال الأكمل: أقول: هذا إنما يستقيم إن يعين هذا الوضع في النكاح بغير ولي وليس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 لهما أن ما زاد على العشرة حقها، ومن أسقط حقه لا يعترض عليه، كما بعد التسمية. ولأبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أن الأولياء يفتخرون بغلاء المهور ويتعيرون بنقصانها فأشبه الكفاءة، بخلاف الإبراء بعد التسمية؛ لأنه لا يتعير به. وإذا زوج الأب ابنته الصغيرة ونقص من مهرها أو ابنه الصغير، وزاد في مهر امرأته جاز ذلك عليهما، ولا يجوز ذلك لغير الأب والجد، وهذا عند أبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _، وقالا: لا يجوز الحط والزيادة إلا بما يتغابن الناس فيه، ومعنى هذا الكلام أنه لا يجوز العقد عندهما.   [البناية] كذلك، فإنه لو أذن لها الولي بالزواج ولم يسم مهرا فقدت على هذا الوجه صح وضع المسألة على قول محمد الأول، وكذلك لو أكره السلطان امرأة ووليها على تزويجها بمهر قليل ففعل، ثم زال الإكراه ورضيت المرأة دون الولي ليس له ذلك في قول محمد الأول، فلم يكن هذا في هذا الموضع دلالة على رجوع محمد إلى قولهما، انتهى. قلت: هذا كله خلاصة ما قاله صاحب " النهاية " وغيره، وقال صاحب " الأسرار ": تأويل المسألة فيما إذا أكرهت المرأة والولي على أن يزوجها بأقل من مهر مثلها، ثم زال الإكراه ورضيت، ويأبى الولي، فليس له ذلك عندهما، ثم قال: أو طلبت من الولي التزويج بأقل من مهر مثلها لم يجبر الولي. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن ما زاد على العشرة حقها) ش: لأنها تملك إسقاطه وإثباته م: (ومن أسقط حقه لا يعترض عليه كما بعد التسمية) ش: يعني لو أبرأت بعد تسمية المهر لا يكون للولي الاعتراض، لأنه بدل بضعها، فلها التصرف فيه كيف شاءت. م: (ولأبي حنيفة أن الأولياء يفتخرون بغلاء المهور ويتعيرون بنقصانها فأشبه الكفاءة) ش: أي في التعيير، فلم الاعتراض؟ م: (بخلاف الإبراء بعد التسمية) ش: جواب عن قولهما: بعد التسمية م: (لأنه لا يتعير به) ش: لأنه إبراء وهبة، وهذا من باب المروءة، فليس لهم اعتراض، وعند الشافعي ومالك وأحمد: لا يتصور الخلاف في هذه المسألة لانتفاء جواز النكاح بدون الولي عندهم. [زوج الأب ابنته الصغيرة ونقص من مهرها] م: (وإذا زوج الأب ابنته الصغيرة ونقص من مهرها أو ابنه الصغير) ش: أي زوج ابنه الصغير م: (وزاد في مهر امرأته جاز ذلك عليهما) ش: أي جاز النقصان على الصغير، والزيادة على الصغير عليهما، أي على الصغير والصغيرة م: (ولا يجوز ذلك لغير الأب والجد، وهذا) ش: أي جواز الزيادة والنقصان م: (عند أبي حنيفة) ش: وبه قال مالك وأحمد في الأب. م: (وقالا: لا يجوز الحط والزيادة إلا بما يتغابن الناس فيه) ش: وبه قال الشافعي والظاهرية، فعندهم لا يجوز إلا بمهر المثل، وتكميل النقص يسقط الزيادة م: (ومعنى هذا الكلام) ش: أي كلام الصاحبين م: (أنه لا يجوز العقد عندهما) ش: إنما قال ذلك لأن عند بعض أصحابنا أصل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 لأن الولاية مقيدة بشرط النظر، فعند فواته يبطل العقد، وهذا لأن الحط عن مهر المثل ليس من النظر في شيء، كما في البيع، ولهذا لم يملك ذلك غيرهما. ولأبي حنيفة _ - رَحِمَهُ اللَّهُ - _ أن الحكم يدار على دليل النظر، وهو قرب القرابة، وفي النكاح مقاصد تربو على المهر أما المالية هي المقصودة في التصرف المالي،   [البناية] النكاح صحيح , ولا يجوز الحط والزيادة، وبه قال الشافعي، وترد إلى مهر المثل؛ لأن المانع من قبل المسمى، وفساده لا يمنع صحة النكاح، كما لو كان المسمى خمرا؛ لأنه ذكر في الكتاب، لا يجوز عندهما مطلقا، فحمله البعض على ذلك والأصح أن النكاح باطل عندهما، كما في غير الأب والجد م (لأن الولاية مقيدة بشرط النظر فعند فواته) ش: بعد فوات النظر م: (يبطل العقد) ش: من الأصل، كالمأمور بالعقد بشرط يبطل عقده إذا عدم الشرط. م: (وهذا) ش: أي بطلان العقد م: (لأن الحط عن مهر المثل ليس من النظر في شيء، كما في البيع) ش: يعني إذا باع بأقل من قيمته، وكان بحيث لا يتغابن الناس في مثله فإذا لا يجوز العقد م: (ولهذا) ش: أي ولأجل قيد الولاية بالنظر م: (لم يملك ذلك) ش: أي المذكور من حط مهر المثل والزيادة عليه م: (غيرهما) ش: أي غير الأب والجد بالاتفاق. م: (ولأبي حنيفة أن الحكم يضار على دليل النظر) ش: والنظر والضرر في هذا العقد باطنا، لكن النظر دليل عليه م: (وهو قرب القرابة) ش: الداعية إليه وهو موجود ها هنا فيترتب عليه الحكم وهو جواز النكاح م: (وفي النكاح مقاصد) ش: تقرير هذا الكلام أن المقصود من النفقة ليس حصول المال البتة؛ لأن في النكاح مقاصد سوى المال الذي هو المهر م: (تربو) ش: أي تزيد م: (على المهر) ش: من الكمالات المطلوبة في الإحسان [ ... ] . والظاهر أنه قصر في الصداق لتوفير سائر المقاصد، التي هي أنفع لها من الصداق، فإنه يدل على اشتماله على المصلحة، فصار كالوصي إذا مانع بمال اليتيم جاز وتلك بحصول النظر وإن كان في الظاهر إتلاف مال اليتيم، وكان تصرف الأب في هذا واقعا بشرط النظر حتى إذا علم سوء الاختيار منه بخيانة أو فسق كان عنده باطلا وقد روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوج عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - على صداق خمسمائة زوجها أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وزوج فاطمة من علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عن صداق أربعمائة درهم، ومعلوم أن ذلك لم يكن صداق مثلهما؛ لأنهما مجمع الفضائل فلا صداق في الدنيا يزيد على هذا المقدار م: (أما المالية هي المقصودة في التصرف المالي) ش: هذا جواب عن قولهما: كما في البيع، تقريره قياسهما على البيع غير صحيح؛ لأن المالية هي المقصودة في التصرفات المالية، فإذا فسد لم يكن شيء في مقابلتها يجبر به خلل الغبن الفاحش، فلهذا يثبت الاعتراض. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 الدليل عدمناه في حق غيرهما. ومن زوج ابنته وهي صغيرة عبدا، أو زوج ابنه وهو صغير أمة فهو جائز. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا، لأن الإعراض عن الكفاءة لمصلحة تفوقها، وعندهما هو ضرر ظاهر لعدم الكفاءة، فلا يجوز، والله أعلم.   [البناية] وفي " المجتبى " قيل: لا يجوز بيع الأب مال ابنه الصغير بغبن فاحش، فلا يجوز النكاح بالطريق الأولى، وبه قال الشافعي في الأصح وأحمد، وفي قول مثل قول أبي حنيفة لكن لها الخيار إذا بلغت، أما لو زوج ابنه الصغير بأمة لا يجوز عند الشافعي ومالك وأحمد؛ لعدم خوف العنت، ولو زوج ابنه الصغير لا يثبت المهر في ذمة الأب، بل يثبت في ذمة الابن عندنا سواء كان الأب موسرا أو معسرا، وبه قال الثوري والأوزاعي وأحمد. وقال الشافعي: يثبت في ذمة الأب، وبه قال حماد شيخ أبي حنيفة، وقال مالك والليث: في الابن المعسر على الأب، وهو رواية عن أحمد. م: (الدليل عدمناه في حق غيرهما) ش: هذا جواب عن قولهما: فلهذا لا يملك ذلك غيرهما، وأراد بالدليل وفور الشفقة، وتقريره أن الدليل الدال على النظر معدوم في حق غير الأب والجد، فلذلك لا يجوز لغيرهما. وقوله: والدليل، مرفوع على الابتداء أو خبره قوله: عدمناه ويجوز أن يكون والدليل منصوبا بفعل مقدر يفسره الظاهر تقديره وعدمنا الدليل، فهذا حتى لا يجتمع المفسر والمفسر. [زوج ابنته وهي صغيرة عبدا] م: (ومن زوج ابنته وهي صغيرة عبدا، أو زوج ابنه وهو صغير أمة فهو جائز) ش: الواو في وهي صغيرة للحال، وكذا الواو في قوله: وهو صغير، وعند الشافعي ومالك وأحمد لا يجوز له تزويج ابنه الصغير أمة لعدمية خوف العنت على أصلهم، فلا تتزوج المعيبة على المذهب، ويجوز له تزويج من لا يكافئه في الخصال على الأصح، ذكره في " المنهاج " وفيه: لو زوجها السلطان من غير كفء وليس لها ولي لم يصح في الأصح. م: (قال) ش: المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا عند أبي حنيفة) ش: أي الجواز عند أبي حنيفة م: (أيضا، لأن الإعراض عن الكفاءة لمصلحة تفوقها) ش: أي لمصلحة تفوق نفعها، وقدره الأب بفوات الكفاءة فلا اعتراض حينئذ في ذلك م: (وعندهما هو ضرر ظاهر لعدم الكفاءة فلا يجوز) ش: والتعليل من الجانبين نظير التعليل من المسألة السابقة فافهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 فصل في الوكالة بالنكاح وغيرها ويجوز لابن العم أن يزوج بنت عمه من نفسه، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز. وإذا أذنت المرأة للرجل أن يزوجها من نفسه، فعقد بحضرة شاهدين جاز، وقال زفر والشافعي: - رحمهما الله -: لا يجوز. لهما أن الواحد لا يتصور أن يكون مملكا ومتملكا، كما في البيع، إلا أن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: في الولي ضرورة؛ لأنه لا يتولاه سواه، ولا ضرورة في الوكيل.   [البناية] [فصل في الوكالة بالنكاح وغيرها] م: (فصل في الوكالة بالنكاح وغيرهما) ش: أي: هذا فصل في بيان حكم الوكالة بالنكاح وغيرها، أي غير الوكالة كنكاح الفضولي والولي، لأن هذا الفصل يشتمل على أحكام الوكيل والفضولي والولي، ولو كانت الوكالة فرعا من الولاية من حيث إن تصرف الوكيل ينفذ على الموكل كتصرف الولي على المولى عليه، ناسب ذكرها في باب الأولياء في فصل على حدة. م: (ويجوز لابن العم أن يزوج بنت عمه من نفسه) ش: أي بنت عمه الصغيرة بغير إذنها، والبالغة بإذنها صورته أن يقول: اشهدوا أني زوجت بنت عمي فلانة بنت فلان بن فلان من نفسي، وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، والثوري، وأبو ثور، والظاهرية. وقال السروجي: وإليه ذهب الحسن البصري ومحمد بن سيرين، وإسحاق، واختاره أبو بكر بن المنذر م: (وقال زفر: لا يجوز) ش: وبه قال الشافعي. م: (وإذا أذنت المرأة للرجل أن يزوجها من نفسه، فعقد بحضرة شاهدين جاز) ش: أي ذلك عندنا م: (وقال زفر والشافعي: لا يجوز) ش: وقال أحمد: يرد أمرها إلى غيره ليزوجها، وقال قتادة وابن العذري: يزوجها منه ابن عم هو أبعد منه، وهكذا الخلاف في الوكيل إذا زوجها من نفسه، وقال الشافعي: لا يجوز ذلك أي إلا في أحد الوجهين. م: (لهما) ش: أي لزفر، والشافعي، إنما جمع بين دليل زفر والشافعي لاشتراكهما في معنى وهو م: (أن الواحد لا يتصور أن يكون مملكا ومتملكا) ش: بشيء واحد في زمن واحد م: (كما في البيع) ش: يعني يوكل المشتري البائع بأن يبيع سلعة من نفسه، لا تصح هذه الوكالة، ولا هذا البيع، أو وكل زيد رجل مثلا بشراء شيء بعينه، ووكل صاحب العين ذلك الرجل أيضا بأن يبيعه من زيد لا يجوز، كما أن الواحد يصير مملكا ومتملكا. م: (إلا أن الشافعي يقول) ش: أشار بالاستثناء إلى أن دليل الشافعي وزفر وإن كان مشتركا في المعنى المذكور ولكنه استثنى الولي؛ لأن مذهبه فيه كمذهبنا حيث يقول: م: (في الولي ضرورة، لأنه لا يتولاه سواه) ش: أي لأن العقد لا يتولاه سوى الولي؛ لأن عبارة النساء غير صحيحة عنده م: (ولا ضرورة في الوكيل) ش: ولأن في تقييد العقد بعبارة الولي ضرورة ولا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 ولنا أن الوكيل في النكاح معبر وسفير، والتمانع في الحقوق دون التعبير، ولا ترجع الحقوق إليه بخلاف البيع؛ لأنه مباشر حتى رجعت الحقوق إليه. وإذا تولى طرفيه فقوله: زوجت يتضمن الشطرين، فلا يحتاج إلى القبول. قال: وتزويج العبد والأمة بغير إذن مولاهما موقوف، فإن أجاز المولى جاز، وإن رده بطل، وكذلك لو زوج رجل امرأة بغير رضاها، أو رجلا بغير رضاه، وهذا عندنا، فإن كل عقد صدر من الفضولي وله مجيز   [البناية] ضرورة في الوكيل، لأن أكثر ما في الباب أن يأمر غيره من أحد الجانبين صورة قائما مقامه، وهو الولي من الجانبين شرعا، فيملك مباشرة العقد. م: (ولنا أن الوكيل في النكاح معبر وسفير) ش: والواحد يجوز أن يكون معبرا عن اثنين، والسفير في اللغة: المصلح بين القوم، كذا في " الديوان ". وقال ابن دريد في " كتاب الجمهرة ": السفير بين القوم الماشي بينهم في الصلح م: (والتمانع) ش: أي النافي م: (في الحقوق) ش: وهو كونه مطالبا ومسلما ومسلما، ومخاصما ومخاصما م: (دون التعبير) ش: أي الولي يصلح أن يكون معبرا بين اثنين كما ذكرنا، فإن العبارة ينعقد إليهما، فيصير العقد بين شخصين، فلا يؤدي إلى أحكام مضادة م: (ولا ترجع الحقوق إليه) ش: أي إلى الوكيل، لأنه معبر لا مباشر م: (بخلاف البيع، لأنه) ش: أي لأن الوكيل في البيع م: (مباشر حتى رجعت الحقوق إليه) ش: أي حقوق عقد البيع من مطالبة الثمن وتسليم المبيع، والقيام بالعهدة وغيرها، كل ذلك يرجع إلى الوكيل في البيع. م: (وإذا تولى طرفيه ش: أي إذا تولى طرفي العقد م: (فقوله: زوجت يتضمن الشطرين) ش: أي قول الوكيل: زوجت فلانة من فلان يقوم مقام شطري العقد، وهما الإيجاب والقبول ولا يحتاج إلى القبول؛ لأن الواحد قام مقام اثنين، قامت عبارته الواحدة أيضا مقام عبارتين م: (فلا يحتاج إلى القبول) ش:. [تزويج العبد والأمة بغير إذن مولاهما] م: (قال) ش: أي قال القدوري في " مختصره ": م: (وتزويج العبد والأمة بغير إذن مولاهما موقوف، فإن أجاز المولى جاز، وإن رده بطل، وكذلك) ش: أي كذلك موقوف م: (لو زوج رجل امرأة بغير رضاها أو رجلا) ش: أي أو زوج رجل رجلا م: (بغير رضاه وهذا عندنا) ش: أي كون العقد موقوفا على الإجازة مذهب أصحابنا م: (فإن كل عقد صدر من الفضولي وله مجيز) ش: أي للعقد مجيز رأي قابل يقبل الإيجاب، سواء كان فضوليا آخر أو وكيلا وأصيلا حالة الوقوع كالبيع والنكاح والإجارة ونحوها، وإنما قيد بقوله: وله مجيز لأنه إذا لم يكن له مجيز كما إذا زوج الفضولي يتيمة يتوقف العقد. فإن قلت: السلطان مجيز، وكذا القاضي فينبغي أن يتوقف العقد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 انعقد موقوفا على الإجازة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تصرفات الفضولي كلها باطلة؛ لأن العقد وضع لحكمة، والفضولي لا يقدر على إثبات الحكم فتلغو. ولنا أن ركن التصرف صدر من أهله مضافا إلى محله، ولا ضرر في انعقاده، فينعقد موقوفا، حتى إذا رأى المصلحة فيه ينفذه، وقد يتراخى حكم العقد عن العقد.   [البناية] قلت: يمكن فرض المسألة في موضع لا سلطان فيه، ولا قاضي كدار الحرب مثلا، ومن تصور تزويج عبد المكاتب حيث لا يتوقف بل يبطل لعدم المجيز، لأن النكاح عيب وليس بكسب، ولا يجوز إجازة المكاتب، وكذا إجازة المولى، لأنه أجنبي عن كسب المكاتب. م: (انعقد موقوفا على الإجازة) ش: وبه قال مالك وأحمد في رواية، وقال أبو عمر في " التمهيد ": لم يختلف قول مالك وأصحابه في العبد يتزوج بغير إذن سيده، إذ السيد بالخيار إن شاء أجازه، وإن شاء فسخه. وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: الأمر عندنا بالمدينة على هذا. وقال إسماعيل القاضي: وهو قول سعيد بن المسيب، والحسن البصري، والشعبي، والحكم، وجعل مالك التفرقة طلاقا، وأجازوا توقف البيع على إجازة المالك، وأجمعوا على توقيف الوصية على قبول الموصي له. [تصرفات الفضولي في النكاح] م: (وقال الشافعي: تصرفات الفضولي كلها باطلة) ش: وبه قال أحمد في رواية م: (لأن العقد وضع لحكمة) ش: بناء على المقاصد الأصلية هو الحكم م: (والفضولي لا يقدر على إثبات الحكم فتلغو) ش: وإلا لجاز للناس تمليك أموال الناس للناس، وفيه من الفساد ما لا يخفى، وإذا كان لا يقدر كان كلامه لغوا. م: (ولنا أن ركن التصرف) ش: وهو الإيجاب والقبول م: (صدر من أهله) ش: وهو العاقل البالغ حال كونه م: (مضافا إلى محله) ش: وهو الأنثى من بنات آدم، ليست بمحرم، ولا معتدة، ولا مشركة، ولا زائدة على العدد المنصوص م: (ولا ضرر في انعقاده) ش: أي في انعقاد التصرف لكونه غير لازم م: (فينعقد موقوفا) ش: كيلا يلحق الضرر بالغائب م: (حتى إذا رأى المصلحة فيه ينفذه) ش: وإلا أبطله. م: (وقد يتراخى حكم العقد عن العقد) ش: وهو جواب عن قول الشافعي: لأن العقد قد وضع لحكمة، هذا قول بالموجب، يعني سلمنا ذلك، لكن الحكم هنا لم يعدم، بل أخر إلى الإجازة، والحكم قد يتراخى عن العقد كالبيع بشرط الخيار، فإن لزومه متراخ إلى سقوط الخيار، ثم أبعد إذا سمها، ثم أجاز المولى النكاح يلزمه مهر المثل بالدخول، ومهر آخر بالإجازة قياسا، لأن الدخول في النكاح الموقوف كالدخول في النكاح الفاسد. وفي الاستحسان يلزمه مهر واحد؛ لأن مهر المثل إنما يلزمه بالعقد، فلولاه للزم الحد، والمسمى أيضا يلزمه بحكمة العقد، فلو لزم المهران للزم في العقد الواحد مهران، وذا لا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 ومن قال: اشهدوا أني قد تزوجت فلانة، فبلغها الخبر فأجازت فهو باطل، وإن قال آخر: اشهدوا أني زوجتها منه فبلغها الخبر فأجازت جاز، وكذلك إن كانت المرأة هي التي قالت جميع ذلك، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا زوجت نفسها غائبا فبلغه فأجازه جاز. وحاصل هذا أن الواحد لا يصلح فضوليا من الجانبين، أو فضوليا من جانب وأصيلا من جانب عندهما، خلافا له،   [البناية] يجوز، وفي: النهاية " عقد الوكيل عند غيبة الموكل إنما تصح إذا عرفه باسمه ونسبه، والتعاريف زوجها من نفسه بأمرها، وقال: اشهدوا أن فلانة وكلتني أن أزوجها من نفسي، ولم ينسبها ولم يعرفها الشهود ينفذ فيما بينه وبين الله تعالى. وفي " النوازل ": إن لم ينسبها ولم يعرفها الشهود لا يجوز النكاح، لأن الغائب إنما يعرف بالتسمية، ألا ترى أنه لو قال: زوجته امرأة قد وكلتني لا يجوز، وفي " شرح القاضي ": لو كانت منقبة لا يعرفها، ولا يعرفها الشهود، فعن الحسن وبشر لا يجوز ما لم ترفع نقابها ويراها الشهود، ذكره الإمام التمرتاشي. [قال اشهدوا أني قد تزوجت فلانة فبلغها الخبر فأجازت] م: (ومن قال: اشهدوا أني قد تزوجت فلانة، فبلغها الخبر فأجازت) ش: أي أجازت المرأة ما قاله الرجل في غيبتها م: (فهو باطل) ش: عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف م: (وإن قال آخر) ش: أي وإن قال فضولي آخر في هذه المسألة م: (اشهدوا أني قد زوجتها منه) ش: أي قد تزوجت فلانة التي قال الرجل اشهدوا أني قد زوجتها منه م: (فبلغها الخبر) ش: أي المرأة م: (فأجازت جاز) ش: أي العقد، والفرق بين المسألتين أن الأولى لا مجيز لها فبطل ولا يتوقف، والثانية لها مجيز فيتوقف لما مر أن شرط التوقف وجود المجيز. م: (وكذلك) ش: أي وكذلك يجوز م: (إن كانت المرأة هي التي قالت في جميع ذلك) ش: يعني إذا قالت المرأة في جميع ذلك: اشهدوا أني قد تزوجت فلانا، وخاطب عنه واحدا في المجلس، فقال زوجته: إياك، فبلغه الخبر فأجاز فهو جائز لوجود المجيز م: (وهذا عند أبي حنيفة ومحمد) ش: أي جميع ما ذكر قول أبي حنيفة ومحمد. م: (وقال أبو يوسف: إذا زوجت نفسها غائبا فبلغه الخبر) ش: أي بلغ الغائب تزوجها نفسها إياه م: (فأجازه) ش: أي فأجاز الغائب ذلك م: (جاز) ش: أي العقد، وتجويز أبي يوسف المسألة في هذه الصور كلها. م: (وحاصل هذا) ش: أي حاصل ما ذكره من الصور م: (أن الواحد لا يصلح فضوليا من الجانبين، أو فضوليا من جانب وأصيلا من جانب عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد م: (خلافا له) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 ولو جرى العقد بين الفضوليين، أو بين الفضولي والأصيل جاز بالإجماع. هو يقول: لو كان مأمورا من الجانبين ينفذ، فإذا كان فضوليا يتوقف وصار كالخلع، والطلاق، والإعتاق على مال. ولهما أن الموجود شطر العقد، لأنه شطر حالة الحضرة فكذا عند الغيبة، وشطر العقد لا يتوقف على ما وراء المجلس، كما في البيع، بخلاف المأمور من الجانبين، لأنه ينتقل كلامه إلى العاقدين وما جرى بين الفضوليين عقد تام، وكذا الخلع واختار؛ لأنه تصرف يمين   [البناية] وأجمع أصحابنا أن الواحد يصلح وكيلا من جانب، أصيلا من جانب، وكيلا من الجانبين، ووليا من جانب أصيلا من جانب ووكيلا من الجانبين، ووليا من جانب أصيلا من جانب، ووليا من جانب وكيلا من جانب في النكاح، وهل يصلح فضوليا من الجانبين وفضوليا من جانب، ووليا من جانب، أو فضوليا من جانب ووكيلا، أو فضوليا من جانب أصيلا من جانب، حتى يتوقف العقد على الإجازة، فعند أبي حنيفة ومحمد: لا يصلح ولا يتوقف، وعند أبي يوسف: يصلح ويتوقف، أما كون الواحد أصيلا من الجانبين فهو محال. [العقد بين الفضوليين أو بين الفضولي والأصيل في النكاح] م: (ولو جرى العقد بين الفضوليين، أو بين الفضولي والأصيل جاز بالإجماع) ش: هاتان صورتان لا خلاف فيهما، وهما ظاهرتان م: (هو) ش: أي أبي يوسف م: (يقول: لو كان) ش: أي الفضولي م: (مأمورا من الجانبين ينفذ، فذا كان فضوليا) ش: يعني بغير أمر م: (يتوقف) ش: لأن كلام الواحد عقد تام في النكاح، باعتبار الإذن ابتداء، فكذا باعتبار الإجازة انتهاء؛ لأن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة م: (وصار كالخلع) ش: فإن الزوج إذا قال: خالعت امرأتي على كذا وهي غائبة، فبلغها الخبر، فقبلت في مجلس علمها جاز بالاتفاق م: (والطلاق) ش: أي كالطلاق على مال م: (والإعتاق) ش: أي كالإعتاق م: (على مال) ش: يرجع إلى الطلاق والعتاق جميعا كما فسرناه. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أن الموجود شطر العقد) ش: أي نصفه م: (لأنه شطر) ش: أي لأن الموجود منه شطر م: (حالة الحضرة) ش: أي حالة كونه حاضرا حتى ملك الرجوع قبل قبول الآخر، ويبطل بالقيام قبل قبول الآخر، ولو كان عقدا تاما لبطل. م: (وشطر العقد لا يتوقف على ما رواه المجلس، كما في البيع) ش: كما إذا قال الرجل: بعت عبدي من فلان ولم يقبل عن المشتري أحدا، وقال: اشتريت عبد فلان ولم يقبل عن البائع أحدا، وقال: بعت فلان ولم يقبل عنهما أحدا، فلما لم يتوقف لم ينفذ بالإجازة اللاحقة بعد المجلس م: (بخلاف المأمور من الجانبين، لأنه ينتقل كلامه إلى العاقدين) ش: فيصير كالكلامين م: (وما جرى بين الفضوليين عقد تام) ش: لوجود الإيجاب والقبول، إلا أنه لا ينفذ في الحال، بل يتوقف على إجازة المعقود له كيلا يلحق الغرر. م: (وكذا الخلع، واختار) ش: أي الطلاق على مال، والإعتاق عليه م: (لأنه تصرف يمين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 من جانبه حتى يلزم فيتم به. ومن أمر رجلا أن يزوجه امرأة فزوجه اثنتين في عقدة لم تلزمه واحدة منهما، لأنه لا وجه إلى تنفيذهما للمخالفة، ولا إلى التنفيذ في إحداهما غير عين للجهالة، ولا إلى التعيين، لعدم الأولية فتعين التفريق ومن أمره أمير أن يزوجه امرأة فزوجه أمة لغيره   [البناية] من جانبه) ش: ولهذا كان لازما لا يقبل الرجوع وهو معنى قوله: م: (حتى يلزم فيتم به) ش: أي بالحالف؛ لأن اليمين لا يتم إلا بالحلف فكان عقدا تاما، وإنما كان من جانبه؛ لأن الخلع من جانبها معاوضة على ما سيجيء إن شاء الله تعالى، وإنما قال: تصرف يمين؛ لأنه كان قال: إن قبلت ألف درهم فهي طالق، وإن قبل له فهو حر، والقبول شرط وقوع الطلاق، والعتاق، لا شرط العقد. م: (ومن أمر رجلا أن يزوجه امرأة فزوجه اثنتين في عقدة واحدة لم تلزمه) ش: أي الأمر م: (واحدة منهما) ش: أي من الثنتين م: (لأنه لا وجه إلى تنفيذهما) ش: أي تنفيذ العقد في الثنتين م: (للمخالفة، ولا إلى التنفيذ) ش: أي تنفيذ العقد م: (في إحداهما) ش: حال كونه م: (غير عين) ش: أي غير معينة م: (للجهالة) ش:؛ لأن النكاح في المجهولة يكون معلقا بشرط البيان، ولا يجوز تعليق ملك النكاح بالأخطاء م: (ولا إلى التعيين) ش: أي لا وجه أيضا إلى تعيين واحدة منهما م: (لعدم الأولية) ش: لأن إحداهما ليست بأولى من الأخرى، فإن كان الأمر كذلك م: (فتعين التفريق) ش: وفي المسألة قيود: الأول: أنه أمره بأن يزوجه امرأة فزوجه امرأتين، فلو أمره أن يزوجه امرأتين في عقدة واحدة فزوجه واحدة جاز، إلا إذا قال: لا تزوجني إلا امرأتين في عقدة فحينئذ لا يجوز. والثاني: أنه أمره أن يزوجه امرأة ولم يعينها، فلو عينها، فزوجه أخرى معها يلزمه المعينة. والثالث: أن الوكيل زوجه اثنتين في عقدة واحدة، لأنه لو زوجه في عقدتين لزمه الأولى، ونكاح الثانية موقوف على الإجازة، لأنه فضولي عنه. والرابع: قال: لم يلزمه واحدة منهما: وأبو يوسف يقول: أولا لا يصح أحدهما بغير عينها منكوحة، كما لو طلق إحدى امرأتيه ثلاثا. قال شمس الأئمة السرخسي: وهذا ضعيف، لأنه ليس كالطلاق لاحتمالهما التعليق بالشرط دون النكاح، وما لا يحتمل التعليق بالشرط لم يثبت في المجهول؛ لأنه تعلق بالبيان بخلاف الطلاق. [أمره أمير أن يزوجه امرأة فزوجه أمة لغيره] م: (ومن أمره أمير أن يزوجه امرأة) ش: قيد بالأمير وحكم غيره كذلك، وقال الإمام المحبوبي: وعلى هذه الخلاف إذا لم يكن أميرا م: (فزوجه) ش: الوكيل م: (أمة لغيره) ش: أو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رجوعا إلى إطلاق اللفظ، وعدم التهمة، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: لا يجوز، إلا أن يزوجها كفؤا؛ لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف، وهو التزوج بالأكفاء. قلنا: العرف مشترك   [البناية] حرة عمياء أو مقطوعة اليدين، قال الكاكي: أو مفلوجة، أو مجنونة فعلى هذا كان قيد الأمير اتفاقا، وقيل: قيد به، لأن الكفاءة في جانب النساء لا الرجال مستحسنة في الوكالة عندهما، أما لو زوجه صغيرة لا تشتهى يجوز بالإجماع، أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تزوج عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وهي بنت ست سنين، انتهى. قلت: الظاهر أن ذكره بالأمير موافقة للفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المسألة في مسائل " الجامع الصغير " روى محمد، عن يعقوب، عن أبي حنيفة في أمير من أمراء قريش أمرني أن أزوجه امرأة فزوجته أمة لغيره قال: جاز. وقال الأترازي: إنما وضع المسألة أبو حنيفة في نفسه واضعا، حيث جعل نفسه مأمورا، ولا يتفاوت الحكم بين أن يكون الموكل أميرا، أو غير أمير، قرشيا أو غير قرشي بعد أن يكون حرا، فزوجه أمة لغيره إنما قيد بقوله: أمة لغيره، إذا لو زوجه أمة نفسه لا يجوز بالإجماع لمكان التهمة، ذكره في " جامع قاضي خان ". م: (جاز عند أبي حنيفة) ش: أي جاز التزويج فلا يرد م: (رجوعا إلى إطلاق اللفظ) ش: لأن لفظ امرأة مطلق، يقع على الحرة والأمة جميعا م: (وعدم التهمة) ش: أي رجوعا إلى عدم التهمة؛ لأن الأمة ليست للوكيل فلا يتهم. م: (وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجوز إلا أن يزوجه كفؤا) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، أما عندهم فلطول الحرة، وأما عندهما فلصرف الإطلاق إلى التعارف، كنقد البلد، والمتعارف تزويج الكفء، وهو معنى قوله: م: (لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف، وهو التزويج بالأكفاء) ش: وفي " قاضي خان ": دلت المسالة على الكفاءة في جانب النساء معتبرة عندهما أيضا. وفي " المحيط ": الكفاءة في جانب النساء غير معتبرة عند أبي حنيفة وبه قال الشافعي، وأحمد، وعندهما معتبرة استحسانا، وقيل: غير معتبرة عندهما بلا خلاف، وإنما لا يجوز في غير الكفء في هذه الصورة باعتبار المتعارف، لا باعتبار الكفاءة، وجب ألا يجوز عندهما قياسا واستحسانا، وعند الشافعي: زوجه الوكيل بامرأة مجهولة لا يصح في قول، ويصح في قول، وينصرف إلى المتعارف. م: (قلنا: العرف مشترك) ش: يعني كما هو مستعمل فيما قلتم مستعمل عندنا، فإن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 أو هو عرف عملي، فلا يصلح مقيدا. وذكر في الوكالة أن اعتبار الكفاءة في هذا استحسان عندهما، لأن كل أحد لا يعجز عن التزوج بمطلق الزوج، فكانت الاستعانة في التزوج بالكفء، والله أعلم.   [البناية] الأشراف كما يتزوجون الحرائر يتزوجون الإماء للتسهيل م: (أو هو عرف عملي) ش: أي من حيث العمل والاستعمال، لا من حيث اللفظ، وبيانه أن العرف على نوعين: لفظي نحو الدابة يعتبر لفظا بالفرس، ونحو المال بين العرب بالإبل، وعرف عملي أي من حيث إن عمل الناس، كذا كل سهم الجديد يوم العيد وأمثاله م: (فلا يصلح مقيدا) ش: أي للإطلاق، لأن إطلاق اللفظ عرف لفظي، والتقييد يقابله، ومن شرط التقابل اتحاد المحل الذي يرد عليه. م: (وذكر) ش: أي محمد م: (في) ش: كتاب م: (الوكالة) ش: في الأصل م: (أن اعتبار الكفاءة في هذا استحسان عندهما) ش: أي أن اعتبار الكفاءة في النساء للرجال استحسان عند أبي يوسف ومحمد، وأما اعتبار الكفاءة في الرجال لا النساء فهو بالاتفاق م: (لأن كل أحد لا يعجز عن التزوج بمطلق الزوج، فكانت الاستعانة في التزوج بالكفء) ش: أي بحسب الظاهر فيتقيد به. [أمره أن يزوجه امرأة فزوجه صبية] 1 فروع: قال في " الخلاصة ": أمره أن يزوجه امرأة، فزوجه صبية، أما عندهما فلا يجوز إذا كانت لا يجامع مثلها، كما لو زوجه رتقاء، أو قرناء، هذا قول الكل. ولو أمره أن يزوجه سوداء فزوجه بيضاء أو العكس لا يجوز، ولو أمره أن يزوجه عمياء فزوجه بصيرة يجوز، وفي " المنتقى ": أمره أن يزوجه أمة فزوجه حرة لا يجوز، وإن زوجه مكاتبة أو مدبرة أو أم ولد جاز، ولو أمر أن يزوجه نكاحا فاسدا فزوجه امرأة نكاحا صحيحا لا يجوز، بخلاف الوكيل بالبيع الفاسد إذا باع بيعا صحيحا جاز، والفرق أن الوكيل بالبيع الفاسد وكيل بالبيع؛ لأن البيع الفاسد بيع؛ لأنه يفيد الملك، فإن باع بيعا جائزا فقد خالف إلى خير يجوز. وأما الوكيل بنكاح فاسد فليس بوكيل للنكاح؛ لأن النكاح الفاسد ليس بنكاح، لأنه لا يقيد الملك، ولهذا لا يجوز طلاقها ولا ظهارها، فإذا لم يصر وكيلا لم ينفذ تصرفها عليه، كذا ذكره الولوالجي في " فتاواه ". وفي " الإيضاح ": الفضولي إن فسخ النكاح قبل الإجازة جاز في قول أبي يوسف الآخر، وفي قوله الأول: لا يجوز وهو قول محمد، وفي " النوازل ": بعث قوما إلى رجل يخطب ابنته، فقال: زوجت، فقبل رجل منهم، قيل: لم يجز؛ لأن الكل خاطب، والخاطب لا يصلح شاهدا، وقيل: يجوز وعليه الفتوى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 باب المهر قال: ويصح النكاح وإن لم يسم فيه مهرا،   [البناية] [باب المهر] [النكاح إذا لم يسم مهرا] م: (باب المهر) ش: أي هذا باب في بيان المهر، لما ذكر ركن النكاح وشرائطه شرع في بيان حكمه وهو وجوب المهر، إذ وجوبه حكمة النكاح، قال الأكمل المهر المال، وقال الكاكي: المهر الصداق، وهو اسم لمال يسمى في عقد النكاح. وقال الكاكي: وللمهر سبعة أسماء في القرآن: أحدها: الصداق. والثاني: النحلة قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] (النساء: الآية 4) . والثالث: الأجر، قال الله تعالى: {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 25] (النساء: الآية 25) . والرابع: الفريضة: قال الله تعالى: {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 237] (البقرة: الآية 237) . والخامس: المهر، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فإن لمسها فلها المهر بما استحل» . السادس: العليقة، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أدوا العلائق "، قيل: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما العلائق؟ قال: " ما تراضى الأهلون» . السابع: العقر قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عقر نسائها» انتهى. قلت: لم يذكر في القرآن إلا أربعة من الأسامي، والثلاثة من الحديث، وقال السروجي: لها أسماء تسعة، وقد ذكرها مثل ما ذكرها الكاكي: وزاد الصدقة، والحبى، والحديث الذي فيه العلائق رواه الدارقطني. ويقال: أصدقها، ولا يقال أمهرها، هكذا ذكره ابن قدامة، وفي " المغني " وفي " الصحاح ": أمهرها ومهرها، وفي " المغرب ": مهر المرأة أي أعطاها المهر، وأمهرها إذا سمى لها مهرا، أو تزوجها به. م: (قال: ويصح النكاح وإن لم يسم فيه مهرا) ش: قد ذكرت غير مرة أن هذه الواو في قوله - ويصح - للاستفتاح، كذا سمعت من الأستاذين الكبار، وفي أكثر النسخ قال: - أي القدوري - ويصح النكاح، وصحة النكاح بدون تسمية المهر إجماعا، وإنما الخلاف هل يجب مهر مثل أو لا يجب شيء؟ على ما يأتي في المفوضة، وخلو النكاح عن تسميته، لا يمنع صحته كما إذا تزوجها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 لأن النكاح عقد انضمام وازدواج لغة، فيتم بالزوجين، ثم المهر واجب شرعا، إبانة لشرف المحل، فلا يحتاج إلى ذكره لصحة النكاح، وكذا إذا تزوجها بشرط أن لا مهر لها لما بينا، وفيه خلاف مالك - - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأقل المهر عشرة دراهم وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما يجوز أن يكون ثمنا في البيع يجوز أن يكون مهرا لها؛   [البناية] ولم يسم لها مهرا، أو تزوجها على أن لا مهر لها، أو تزوجها على ما ليس بمال كالميتة والدم، وهما مسلمان فالنكاح جائز، ولها مهر مثل نسائها م: (لأن النكاح عقد انضمام، وازدواج لغة، فيتم بالزوجين) ش: ويصح بلا تسمية المهر، قال عز وجل: {فَانْكِحُوا} [النساء: 3] فلو شرطنا التسمية فيه لزدنا على النص. م: (ثم المهر واجب شرعا) ش: هذا جواب عما يقال: المهر واجب شرعا، فكيف يصح النكاح مع السكوت؟ فأجاب بقوله: المهر واجب شرعا، يعني وجوبه ليس لصحة النكاح، وإنما وجب م: (إبانة) ش: أي إظهارا م: (لشرف المحل، فلا يحتاج إلى ذكره لصحة النكاح) ش: فإن قيل: هذه دعوى فلا بد من دليل. أجيب: دل عليه قَوْله تَعَالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 236] إلى قَوْله تَعَالَى: {فَمَتِّعُوهُنَّ} [الأحزاب: 49] (البقرة: الآية 236) ، حكم بصحة الطلاق مع عدم التسمية، ولا يكون الطلاق إلا في النكاح الصحيح، فعلم أن ترك ذكره لا يمنع صحة النكاح. م: (وكذا) ش: أي وكذا يصح النكاح م: (إذا تزوجها بشرط أن لا مهر لها لما بينا) ش: أن النكاح عقد انضمام فيتم بالتزويج م: (وفيه) ش: أي وفيما إذا تزوجها أن لا مهر لها م: (خلاف مالك) ش: يعني أنه لا يجوز؛ لأنه عقد معاوضة، فيفتقر إلى ذكر المال، كالبيع إلى ذكر الثمن، ونفيه يفسد البيع، فنفي المهر ينبغي أن يفسد النكاح، قلنا: البيع مبادلة المال بالمال شرعا ولغة تمليك شيء بشيء فيقتضي ذكر الثمن، والمهر ليس بعوض أصلي، كما ذكر في الكتاب من قوله: إن النكاح عقد انضمام إلى آخره. [أقل المهر] م: (وأقل المهر عشرة دراهم) ش: أو قيمة عشرة، وقال محمد: وزن عشرة تبرا إن كان قيمته أقل من عشرة مضروبة، بخلاف السرقة، فإن السرقة لا تقطع فيها، وقال مالك: أقله بقدر ربع دينار أو ثلاثة دراهم. وقال ابن شبرمة: أقله خمسة دراهم. وقال إبراهيم النخعي: أقله أربعون درهما، وعندهما وعنده عشرون درهما، وقال سعيد بن جبير: أقله خمسون درهما، وكل منهم مذهبه في نصاب السرقة الذي يقطع في اليد لذلك. م: (وقال الشافعي: ما يجوز أن يكون ثمنا في البيع) ش: يعني م: (يجوز أن يكون مهرا) ش: في النكاح، وبه قال أحمد، وأبو ثور، وإسحاق، وفقهاء المدينة، وهو مذهب الثوري أيضا. وقال ابن حزم: ما جاز أن يكون بالهبة، أو بالميراث جاز أن يكون صداقا حل بيعه، أو لم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 لأنه حقها فيكون التقدير إليها. ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا مهر أقل من عشرة» ،   [البناية] يحل كالماء والكلب والسنور والثمرة التي لم يبد صلاحها، والسنبل قبل أن يشتد حبه أو حبة حنطة، أو حبة شعير، وقال ابن حزم أيضا: وقول مالك لا نعرفه عن أحد من أهل العلم قبله، وقد خالف فيه أئمة المدينة، والفقهاء الذين لا يخرج عن قولهم، وقال أبو عمر بن عبد البر: تقدمه إلى هذا أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقاس الصداق على اليد عنده، فإنها لا تقطع إلا في ربع دينار أو عشرة دراهم. قلت: تقطع في ربع دينار عنده، ولا يكون صداقا حتى لو تزوجها على دينار قيمته أقل من عشرة دراهم يكمل عشرة دراهم عند علمائنا الثلاثة، ونقله عنه سهو وغلط. م: (لأنه حقها) ش: أي لأن المهر حق المرأة م: (فيكون التقدير) ش: أي تقدير المهر م: (إليها) ش: ولهذا يملك التصرف فيه استيفاء وإسقاطا كالبيع والإجارة والكفالة. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا مهر أقل من عشرة دراهم» ش: هذا الحديث رواه جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقد مر الكلام عليه مستوفى في الكفالة. ورواه الدارقطني، والبيهقي رواه في " سننه " من طرق، وضعفه، لكن الحديث إذا روي من طرق مفرداتها ضعيفة يصير حسنا، ويحتج به، ذكره النووي في " شرح المهذب "، وقال الأترازي: ولما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا مهر أقل من عشرة دراهم» ، وروى أبو بكر الرازي، هذا الحديث في " شرح الطحاوي " إشارة إلى جابر 0 - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، انتهى. قلت: لم يذكر الإسناد حتى ينظر فيه، والظاهر أنه بالإسناد الذي رواه الدارقطني، وقد مر الكلام فيه، وقال الكاكي: وحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - " ولا مهر أقل من عشرة دراهم "، وهكذا رواه ابن عمر، وابن شعيب، عن أبيه عن جده، وهو مذهب علي، وابن عمر، وعائشة، وعامر، وإبراهيم، انتهى. قلت: الخصم لا يرضى بهذا المقدار الذي ذكره على ما لا يخفى، وأما قوله: وهو مذهب علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقد رواه الدارقطني، ثم البيهقي في " سننيهما " عن داود الأودي عن الشعبي عن علي 0 - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لا تقطع اليد في أقل من عشرة دراهم، ولا يكون المهر أقل من عشرة دراهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 ولأنه حق الشرع وجوبا إظهارا لشرف المحل، فيقدر بما له خطر، وهو العشرة، استدلالا بنصاب السرقة   [البناية] قال ابن الجوزي في " التحقيق ": قال ابن حبان: داود الأودي ضعيف، كان يقول بالرجعة، والشعبي لم يسمع من علي، وأخرجه الدارقطني أيضا في " الحدود "، عن جويبر عن الضحاك، عن النزال بن سبرة عن علي، فذكره وجويبر أيضا ضعيف. م: (ولأنه) ش: أي ولأن المهر م: (حق الشرع وجوبا) ش: أي من حيث وجوبه م: (إظهارا لشرف المحل) ش: أي لأجل إظهار شرف المحل، وخطره صيانة عن شبهة البدل م: (فيقدر بما له خطر وهو العشرة) ش: أي عشرة دراهم م: (استدلالا بنصاب السرقة) ش: لأنه لا يتلف به عضو محترم، فلا يتلف به منافع البضع كان أولى. فإن قلت: هذا استدلال ضعيف، فإن مالكا والشافعي ينكرانه؛ فإن نصابهما عندهما ثلاثة دراهم أو ربع دينار. قلت: يمنع هذا لأن المدعى [أي] المهر مقدر خلافا للشافعي استدلالا بنصاب السرقة، فإنه مقدر بالإجماع، فكذا المهر بالقياس عليه لوجود الجامع، أما التقدير بالعشرة فبنصاب السرقة، فلما رواه أبو داود في " سننه " من حديث عطاء، «عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، قال: قطع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلا في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم» . فإن قلت: من أين قلت: إن المهر حق الشرع من حيث الوجوب؟ قلت: لقوله عز وجل: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا} [الأحزاب: 50] (الأحزاب: الآية 50) ، وكل مال تولى بيان مقدارها، كالزكاة وغيرها أوجبه الشرع، والتقدير مجهول، وخبر الواحد يبين ذلك، فلا يجوز أقل مما قدره. فإن قلت: ما تقول في «حديث عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، رواه الجماعة أنه لما جاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبه أثر صفرة، فأخبره أنه تزوج فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " كم سقت إليها؟ " قال: زنة نواة من ذهب، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أولم ولو بشاة» ". وفي " التمهيد " رواه مالك في الموطأ عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقد أجازه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقيل: مما حده أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أن النواة خمسة دراهم. وعن أحمد: أن النواة ثلاثة دراهم وثلث. قلت قال عياض: لا يصح لهم ذلك؛ لأنه قال: من ذهب وذلك يزيد على دينارين، وفي " الاستذكار ": أكثر أهل العلم أن وزنها خمسة دراهم، فظاهر هذا أنه تزوج بأكثر من ثلاثة مثاقيل من الذهب. فإن قلت: روى البيهقي، عن حجاج، عن قتادة، عن أنس قال: قومت - يعني النواة - ثلاثة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] دراهم وثلث درهم. قلت: حجاج هو ابن أرطاة وهو ضعيف، وقتادة مدلس، وقد عنعن، ولهذا قال أحمد: هذا حديث لا تقوم به الحجة. فإن قلت: ما تقول في حديث جابر رواه أبو داود قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من أعطى في صداق امرأة، على كفيه سويقا أو تمرا فقد استحل» . قلت: في إسناده موسى بن مسلم، وهو ضعيف، قال القدوري: وقال الأزدي: وهو ضعيف، رواه أبو داود موقوفا. فإن قيل: ذلك في المتعة يدل على أن جابرا نفسه قال: كنا نسمع بالقبضة من الطعام على معنى المتعة، على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأخرجه مسلم في " صحيحه " من حديث ابن جريج، «عن أبي الزبير، قال: سمعت جابرا يقول: كنا نسمع بالقبضة من التمر والدقيق [ ... ] على عهده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . قلت: هذا منسوخ، وكان ذلك للضرورة، والفقر في أول الإسلام. قال ابن الجوزي: فإن قلت: قال البيهقي: هذا وإن كان منسوخا، لأنه في نكاح المتعة، فإنما نسخ منه شرط الآجل، فأما ما يجعلونه صداقا فإنه لم ينسخ، قلت: فساد قوله هذا ظاهر، فإن الإجماع على نسخ أحكام المتعة، ودعوى إخراج بعضها من النسخ دعوى باطلة. وقال السروجي: ويدل على بطلان قوله هذا وإثبات نقيضه، أفسده أن الذي نسخ من أحكام نكاح المتعة إنما هو شرط الأجل، وإن كان باقي أحكامه ثابت في النكاح المشروع المؤيد به، ينبغي أن لا يثبت بهذا النكاح نسب ولا يجري فيه التوارث، إذ هذه الأحكام المتعة وهي باقية في هذه الأنكحة، ولم ينسخ إلا شرط الأجل كما زعم، وذلك مخالف لإجماع المسلمين. وقيل في الجواب عن الحديث المذكور أنه روي عن جابر خلاف هذا، ونص مع ضعف كل واحد منهما، فلا يكون هذا دليل على دعواهم، وقيل: لو ثبت كان محمولا على الحل، والله أعلم. فإن قلت: روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعيد - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «جاءت امرأة إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جئت أهب لك نفسي. الحديث بطوله، وفيه: فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، قال: " هل معك شيء "؟ قال: لا والله يا رسول الله، قال: " انظر ولو خاتما من حديد " ... الحديث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وفيه قال: " ما معك من القرآن "، قال: سورة كذا وكذا، عددها، فقال: " تقرأهن عن ظهر قلبك " قال: نعم، قال: " اذهب فقد زوجتكها بما معك من القرآن» "، وهذا من جملة ما استدل به الشافعي ومن يقول بقوله. قلت: أجاب الأترازي عن هذا بقوله: هذا خبر الواحد، وقد عارض نص الكتاب، فلا يحتج به. قلت: هذا لا نجد كما ينبغي، بل الجواب الظاهر ما قاله ابن الجوزي أن ذلك كان للضرورة والفقر في أول الإسلام، وأظهر من ذلك ما قاله أصحابنا أنه ليس فيه دلالة على أنه جعل القرآن مهرا، ولهذا لم يشترط أن يعلمها، وإنما معناه ببركة ما معك من القرآن ولأجل أنك من أهل القرآن، كتزوج على إسلامه، وهو لا يصلح صداقا للبضع. وفي " التمهيد " قال مالك: ولأبي حنيفة، وأصحابه هاهنا والليث لا يكون القرآن [ ... ] بمال، فلأن التعليم في العلم والتعلم مختلف لا يكاد ينضبط، فأشبه المجهول، والسكوت عن المهر لا يبطل النكاح، لأنه معلوم لا بد منه. فإن قلت: الاستدلال بالآية ضعيف، لأن الأموال ذكرت بلفظ الجمع في مقابلة الجمع، وذلك يقتضي انقسام الآحاد على الآحاد فعلى هذا يكون المراد تبعا لكل واحد بماله، لا بأمواله، والمال يقع على القليل والكثير. قلت: قال الأترازي: لا نسلم انقسام الآحاد على الآحاد، إذا ذكر الجمع بمقابلة الجمع، ولئن سلمنا لكن لا نسلم أن المال تبع على القليل الذي هو غاية في القلة عرفا، وهذا لأن المال ما يجري فيه البدل والإباحة، والشح، والصفة، فلا يطلق عليه اسم المال عرفا كالفلس والجوز ولا بد من التقدير ما له خطر، فتعينت العشرة بالحديث أو بالقياس. انتهى. قلت: أراد بالحديث حديث جابر المذكور، وبالقياس القياس على نصاب السرقة وقد مر الكلام فيه عن قريب. فإن قلت: روي في حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ينكح هذه؟ " فقام رجل عليه بردة عاقدها في عنقه، فقال: أنا يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " ألك مال؟ " قال: لا، قال: " أتقرأ شيئا من القرآن؟ " قال: نعم سورة البقرة والمفصل، قال: " انكحها على أن تقرئها وتعلمها وإذا رزقك الله عوضها» " فتزوجها الرجل على ذلك انتهى. وقد قلت: لم يشترط أن يعلمها، وهذا قد اشترط إقراءه إياها وتعلمه كذلك. قلت: قال الدارقطني: تفرد به عتبة بن السكن وهو متروك، وقوله: - عوضها - يدل على أنه لا بد من المهر، وإنما أخره إلى وقت حصوله، وتأخيره لا يبطل النكاح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: «روى أبو هريرة قال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ما تحفظ من القرآن؟ " قال: سورة البقرة والتي تليها، قال: " قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك» قال عبد الحق: من رواية عسل بن سفيان: ضعفه يحيى بن معين وأحمد، وقال أبو حاتم: منكر الحديث، وقال أبو عمر في كتاب " التمهيد ": ودعوى التعليم بما معك من القرآن دعوى باطلة، لا تصح، وأكثر أهل العلم لا يجيزون ما قاله الشافعي. وقال أبو الفرج في " التحقيق " عن أبي اليمان الأزدي قال: زوج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امرأة من رجل على سورة من القرآن، لا يكون لأحد بعدك مهرا، وفي " مصنف " ابن أبي شيبة عن شعبة قال: سألت حمادا عن رجل وهب ابنته من رجل، فقال: كل منهما لا يجوز إلا بصداق. فإن قلت: روى الترمذي وابن ماجه، عن عاصم، «عن عبد الله قال: سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجاز نكاح امرأة على نعلين» وقال: حديث حسن. قلت: قال ابن الجوزي في " التحقيق ": عاصم بن عبد الله بن معين ضعيف لا يحتج به، وقال ابن حبان: كان فاحش الخطأ فترك. فرع: يجوز الدخول بها قبل أن يعطيها شيئا من صداقها سواء كانت مفوضة أو مسمى لها، وبه قال سعيد بن المسيب، والحسن، والنخعي، والثوري، والشافعي، وأحمد وعامة أهل العلم. وروي عن ابن عمر، وابن عباس، والزهري، وقتادة ومالك أنه لا يدخل بها حتى يعطيها شيئا، قال الزهري: مضت السنة عليه، واستدلوا بمنعه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عليا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - من الدخول على فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - حتى يعطيها شيئا فأعطاها درعه الحطمية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 ولو سمى أقل من عشرة فلها العشرة عندنا. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مهر المثل لأن تسمية ما لا يصلح مهرا كانعدامه. ولنا أن فساد هذه التسمية لحق الشرع، وقد صار مقتضيا بالعشرة، فأما ما يرجع إلى حقها فقد رضيت بالعشرة لرضاها بما دونها، ولا معتبر بعدم التسمية لأنها قد ترضى بالتمليك من غير عوض تكرما، ولا ترضى فيه بالعوض اليسير،   [البناية] ولنا حديث عقبة بن عامر، الذي زوجه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يعطها شيئا، وروى ابن أبي شيبة من حديث كريب بن هشام، وكان من أصحاب عبد الله أنه تزوج امرأة على أربعة آلاف ودخل بها قبل أن يعطيها شيئا. [سمى أقل من عشرة في المهر] م: (ولو سمى أقل من عشرة فلها العشرة عندنا) ش: وقال ابن القاسم في " المدونة ": إن سمى أقل من ربع دينار أو ثلاثة دراهم إن كمل قبل الدخول ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، وإلا فسخ عليه وبعد الدخول أجبر على تكميله أقل الصداق، وإن طلقها قبل الدخول يجب عليه نصف المسمى. وقال غيره من المالكية: التسمية فائدة ويفسخوا على كل حال، ولم يوجبوا مهر المثل، وأوجبوا مهر المثل في تسمية الخمر والخنزير، وصححوا العقد. م: (وقال زفر: مهر المثل) ش: أي يجب مهر المثل م: (لأن تسمية ما لا يصلح مهرا كانعدامه) ش: يعني فلا تسمية كما في الخمر والخنزير وهو القياس. م: (ولنا) ش: وهو وجه الاستحسان م: (أن فساد هذه التسمية لحق الشرع) ش: وحق الشرع يتأدى بالعشرة وهو معنى قوله: م: (وقد صار مقتضيا بالعشرة) ش: باعتبار أن العشرة في كونها صداقا لا يتجزأ، وذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله، كما لو أضاف النكاح إلى بعضها صح في جميعها م: (فأما ما يرجع إلى حقها) ش: أي إلى حق المرأة م: (فقد رضيت بالعشرة لرضاها بدونها) ش: أي بما دون العشرة؛ لأن من رضي بخمسة فقد رضي بالعشرة بلا شك، وما زاد على العشرة فهو حقها، ثم رضاها بالخمسة إسقاط حقها وتفضي عن حق الشرع، فيصح تصرفها في حقها دون حق الشرع فتتم العشرة، بخلاف ما إذا لم يوجد التسمية، لأن الإنسان قد رضي بإسقاط الحق تكرما وتفضلا طلبا للتناسل الجميل، ولا يرضى الشيء القليل لما إذا كانت راضية بالعشرة. م: (ولا معتبر بعدم التسمية) ش: هذا جواب عن قوله: كانعدامه تقريره أن هذا القياس غير صحيح م: (لأنها قد ترضى بالتمليك من غير عوض تكرما) ش: أي لأجل التكرم على الزوج م: (ولا ترضى فيه بالعوض اليسير) ش: ترفعا في المعاوضة فلا تكون التسمية دليلا على عدم الرضى بالعشرة، فلذلك لم يجب العشرة وإنما يجب مهر المثل بخلاف الرضا بما دون العشرة، فإنه رضا بها لا محالة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 ولو طلقها قبل الدخول بها تجب خمسة عند علمائنا الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وعنده تجب المتعة كما إذا لم يسم شيئا. ومن سمى مهرا عشرة فما زاد فعليه المسمى إن دخل بها أو مات عنها؛ لأنه بالدخول يتحقق تسليم المبدل، وبه يتأكد البدل، وبالموت ينتهي النكاح نهاية، والشيء بانتهائه يتقرر ويتأكد فيتقرر بجميع مواجبه.   [البناية] [طلقها قبل الدخول بها] م: (ولو طلقها قبل الدخول بها يجب خمسة عند علمائنا الثلاثة وعنده) ش: أي عند زفر (تجب المتعة كما إذا لم يسم شيئا) ش: وعند مالك على قول ابن القاسم والشافعي وأحمد يجب نصف المسمى، والجواب عن قياس زفر على قيمة الخمر والخنزير، فنقول بخلاف الخمر، والخنزير، هذا لأن ما دون العشرة يصلح أن يكون مسمى مضمونا إلى غيره من المال فيصح بانفراده أيضا، أما الخمر والخنزير فلا تصح تسميتها مع غيرهما أصلا، فبطلت التسمية فوجب مهر المثل. وعلى هذا لو تزوجها على ثوب يساوي فلها الثوب وخمسة دراهم، فلو طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف الثوب ودرهمان ونصف، وإنما يعتبر قيمة الثوب يوم العقد، وكذا إذا سمى مكيلا أو موزونا، إلا أن الفرق بينهما إذا جاء بقيمة الثواب أجبرت المرأة على القبول، وإذا جاء بقيمة المكيل أو الموزون لا تجبر. وقال الكاكي: ويعتبر قيمة الثوب يوم التزوج، وقيمة المكيل، أو الموزون يوم القبض، وروى الحسن، عن أبي حنيفة أنه يعتبر في الثوب قيمته يوم القبض، وفي المكيل والموزون يوم العقد. م: (ومن سمى مهرا عشرة فما زاد فعليه المسمى إن دخل بها أو مات عنها) ش: اعلم أن المهر يجب بالعقد، إما بالتسمية إذا وجدت، وإلا فبالحكم، أعني مهر المثل بحكم الشرع، ثم يستقر المهر بأحد أشياء ثلاثة، إما بالدخول أو بموت أحد الزوجين، وإما بالخلوة الصحيحة، فذكر المصنف الأوليين وهما الدخول وموت أحد الزوجين. ثم علل بقوله: م: (لأن بالدخول يتحقق تسليم المبدل) ش: وهو البضع م: (وبه يتأكد البدل) ش: وهو المهر فيجب عليه إيفاء البدل، كما إذا قبض المبيع يستقر عليه الثمن (وبالموت) ش: أي بموت أحد الزوجين م: (ينتهي النكاح نهاية) ش: أي يبلغ منتهاه، ولا يبقى بعده شيء (والشيء بانتهائه يتقرر ويتأكد) ش: لأنه لا يبقى قابلا للتغيير م: (فيتقرر بجميع مواجبه) ش: الممكن تقريرها لوجوب المقتضى، وانتهاء المانع كالإرث، والعدة، والمهر والنسب. وقلنا: مواجبه الممكن تقريرها احترازا عن النفقة، وحل الزوج بعد انقضاء العدة فإن النفقة لا تجب بعد الموت، ولا يحل لها الزوج بعد انقضائها، ولا خلاف للأئمة الأربعة في هذه المسألة. وقال أبو سعيد الإصطخري - من أصحاب الشافعي -: إن كانت الزوجة أمة لا يستقر لها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 وإن طلقها قبل الدخول بها والخلوة فلها نصف المسمى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الآية (البقرة: الآية 237) .   [البناية] المهر بموتها، قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنه يستقر بموته. [طلقها قبل الدخول بها والخلوة] م: (فإن طلقها قبل الدخول بها والخلوة فلها نصف المسمى، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الآية (البقرة: الآية 237) ش: منصوبة بتقدير فعل، أي اقرأ الآية بكمالها، ويجوز رفعها على الابتداء، وخبره محذوف تقديره الآية بتمامها ونحو ذلك، وتمامها هو قَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 237] (البقرة: الآية 237) . قَوْله تَعَالَى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237]- أي من قبل أن تجامعوهن - والمس الجماع إجماعا، أو ملحق الخلوة الصحيحة على ما يأتي إن شاء الله تعالى، وقَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] أي والحال أنكم قد فرضتم، أي قدرتم، ومعنى الفرض هنا التقدير. وقيل: كلمة أو بمعنى الواو، أي وما لم تفرضوا، قَوْله تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] أي الواجب نصف ما فرضتم. قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] أي المطلقات، وهو استثناء من قَوْله تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] تقديره الواجب نصف ما فرضتم إلا أن يعفو الزوجات فليس بواجب. واعلم أن صيغة يعفون مشتركة بين الرجال والنساء في الصورة، ولكن في التقدير مختلفة، فوزن صيغة الرجال في الأصل يفعلون لأن حاصله يعفون استثقلت الضمة على الواو، مع ضمة ما قبلها، فحذفت، ثم حذفت الواو لالتقاء الساكنين، والواو الموجودة فيه ضمير الجماعة والنون علامة الرفع، ووزن صيغة النساء يفعلن، والواو لام الفعل فيه، والنون ضمير جمع النساء، وهو مبني والأول معرب رفعه بإثبات النون ونصبه وجزمه بحذفها. قَوْله تَعَالَى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] فذهب أصحابنا إلى أنه الزوج، وقال أبو بكر بن المنذر في " الأشراف ": روينا ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وعبد الله بن عباس، وجبير بن مطعم، ونافع بن جبير، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وشريح، ومجاهد، ومحمد بن كعب، وقتادة، والربيع، ونافع مولى ابن عمر، والأوزاعي، وابن شبرمة، والضحاك، وابن جريج، وابن حبان، وجابر بن زيد، وابن سيرين، والشعبي، والنخعي، وطاوس، وإياس بن معاوية، والثوري والليث، والشافعي في الجديد، خلاف ما ذكره عنه الزمخشري، وابن الخطيب في " تفسيرهما "، وهو قول أحمد، وهكذا ذكره أبو بكر الرازي، وأبو بكر بن أبي شيبة في " مصنفه "، والموفق ابن قدامة في " المغني ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 والأقيسة متعارضة   [البناية] وروى الدارقطني بإسناده عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولي العقدة الزوج» " وقال علقمة، والحسن، وعطاء، وعكرمة وأبو الزياد: هو الولي، وقال مالك: والأب وحده في حق البكر، وهو قول الشافعي في القديم، والجد والأب فيه، وفي " المغني " وهو قول أحمد في القديم: في حق الأب خاصة بخمس شرائط: أن يكون الذي بيده عقدة النكاح أبا، وأن تكون صغيرة، وأن تكون بكرا، وأن تكون مطلقة، ولا يجوز عفو الأب في الطلاق، وأن يكون قبل الدخول. وفي " المبسوط ": في القديم يجوز بأربع شرائط. الأولى: في حق المجبر كالأب والجد. الثانية: أن تكون ممن لا تملك أمر نفسها. الثالثة: أن يكون بعد الطلاق. الرابعة: أن يكون دينا لا عينا. وقال أبو محمد: لا فرق بين الدين والعين. م: (والأقيسة متعارضة) ش: الأقيسة جمع قياس وهو معروف، هذا جواب إشكال، وهو أن يقال: ينبغي أن يسقط الكل لأن الطلاق قبل الدخول بعود المعقود عليه، وهو البضع إليها سالما، فينبغي أن يسقط كل البدل، كما إذا تبايعا ثم تقايلا. فأجاب عنه بقول: والأقيسة متعارضة، يعني هذا القياس يقتضي هكذا، لكن هذا قياس آخر يقتضي وجوب كل المهر، وهو أن الطلاق قاطع بملك النكاح فيه في وجوب كل المهر لأنه فوت ما ملكه باختياره، وذلك يقتضي وجوب كل المهر كالمشتري إذا تلف البيع قبل القبض، فإذا تعارض القياسان وجب المصير إلى النص، فقلنا باستقرار نصف المهر وسقوط نصفه. واعترض عليه بشيئين: أحدهما: أنه ليس هنا إلا قياسان، ولا ثالث لهما. والآخر: أن ظاهر كلامه يدل على أن الرجوع إلى النص إنما كان لتعارض القياسين وليس الأمر كذلك فإنه لا اعتبار بالقياس مع وجود وافق وخالف. أما إن خالف فهو متروك مردود، وأما إذا وافق فإن الحكم بالنص ثابت عندنا بعين النص لا بالعلة، ومنهم من قال: إنا نعمل بالقياسين ثبوتا وسقوطا، فالقياس المقتضي لوجوب الكل يعمل به في إيجاب الصرف، والقياس الذي يقتضي إسقاط الكل يعمل به في إسقاط النصف عملا بهما، وهو مقتضى النص. وذكر في " الحواشي ": العمل بالقياس في معرضة النص المخصوص جائز، وهذا النص قد خص منه الطلاق قبل الدخول بعد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 ففيه تفويت الزوج الملك على نفسه باختياره، وفيه عود المعقود عليه إليها سالما، فكان المرجع فيه إلى النص، وشرط أن يكون قبل الخلوة لأنها كالدخول عندنا، على ما نبينه إن شاء الله تعالى. قال: وإن تزوجها ولم يسم لها مهرا، أو تزوجها على أن لا مهر لها فلها مهر مثلها إن دخل بها أو مات عنها،   [البناية] الخلوة فيستقيم الرجوع إلى النص المخصوص لتعذر العمل بالقياس، انتهى. قلت: لا يجوز ترك النص المخصوص بالقياس، وإنما الجائز بالقياس زيادة التخصيص بعدما خص النص بدليل ولا يجوز تخصيصه بالقياس قبل أن يخص. فإن قلت: ليس من بيان التعارض بين القياسين تركهما، بل العمل بأحدهما. قلت: الأصل أن الدليلين إذا تعارضا ولم يكن ترجيح أحدهما على الآخر [ .... ] ، أو تساقطا ولم يعمل بأحدهما بالترجيح من غير مرجح. م: (ففيه) ش: أي في الطلاق قبل الدخول والخلوة، والفاء فيه تفسيرية، تفسير التعارض بين القياسين، ففسر الأول بقوله: - بموت الزوج - والثاني بقوله: - وقد عرف المعقود عليه - إلى آخره م: (تفويت الزوج الملك على نفسه باختياره) ش: قوله: - تفويت الزوج الملك على نفسه باختياره - تفويت مصدر مضاف إلى فاعله، والملك منصوب لأنه مفعول، والباء في باختياره تتعلق بقوله - تفويت الزوج. م: (وفيه) ش: أي في الطلاق، قيل: الدخول أيضا م: (عود المعقود عليه) وهو البضع (إليها) أي إلى المرأة حال كونه م: (سالما فكان المرجع فيه) ش: أي في حكم هذا الأمر المرجع، أي الرجوع وهو مصدر ميمي م: (إلى النص) ش: منصوب لأنه خبر كان، وأشار به إلى القياسين تركا وعملا بالنص، وهذه الآية المذكورة. م: (وشرط) ش: أي القدوري لأن المسألة من مسائله م: (أن يكون قبل الخلوة، لأنها كالدخول عندنا، على ما نبينه إن شاء الله تعالى) ش: ويأتي بيانه عن قريب في هذا الباب. [تزوجها ولم يسم لها مهرا] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن تزوجها، ولم يسم لها مهرا، أو تزوجها على أن لا مهر لها فلها مهر مثلها إن دخل بها، أو مات عنها) ش: هاتان صورتان، الأولى أن يزوجها ولم يسم لها مهرا، يعني سكت عنه، والثانية على أن يتزوجها على أن لا مهر لها، يعني يشترط أن لا مهر لها، وهي مسألة المفوضة، وهي التي فوضت نفسها بلا مهر فلها مهر مثلها إن دخل بها، أو مات عنها، وفي " الذخيرة ": وكذا لو ماتت هي. ومذهبنا قول عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ونصابه، وبه قال الحسن البصري، ورواه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ذكره عنه ابن أبي شيبة، والحسن بن حي، وابن شبرمة، وابن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجب شيء في الموت، وأكثرهم على أنه يجب بالدخول. له أن المهر خالص حقها فتتمكن من نفيه ابتداء، كما تتمكن من إسقاطه انتهاء. ولنا أن المهر وجوبا حق الشرع على ما مر. وإنما يصير حقا لها في حالة البقاء فتملك الإبراء دون النفي. ولو طلقها قبل الدخول بها فلها المتعة لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] الآية (البقرة: الآية 236)   [البناية] أبي ليلى، والشافعي في - رواية البويطي - وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور وابن جرير الطبري، وداود وفيما إذا تركا، ذكره، وإن نفيا بطل النكاح. م: (وقال الشافعي: لا يجب شيء في الموت) ش: أي لا يجب لها إذا مات عنها قبل الدخول م: (وأكثرهم) ش: أي وأكثر أصحاب الشافعي (على أنه يجب بالدخول) ش: كمذهبنا، وبه قال أحمد. وقال بعض أصحاب الشافعي: لا يجب لها شيء بالدخول، وفي الموت للشافعي قولان، أحدهما أن يجب، والثاني أنه لا يجب، وهو قول مالك في صورة نفي المهر. م: (له) ش: أي للشافعي م: (أن المهر خالص حقها، فتتمكن من نفيه ابتداء) ش: أي في ابتداء العقد، كالمفوضة، فلها أن تفوض نفسها بلا مهر م: (كما تتمكن من إسقاطه انتهاء) ش: أي في انتهاء العقد، فإن لها أن تسقط مهرها بعد العقد، كالخلع، واحتج الشافعي أيضا بما روي عن علي، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أنهم قالوا: لها الميراث، ولا صداق لها وعليها العدة. م: (ولنا أن المهر وجوبا) ش: أي من حيث الوجوب م: (حق الشرع) ش: بدليل قَوْله تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] (النساء: الآية 24) {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا} [الأحزاب: 50] (الأحزاب: الآية 50) ، وعلم من خصوصية النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النكاح بغير مهر أنه في حق غيره، لا ينعقد إلا موجبا للمهر، وفي " المحيط ": في المهر حقوق ثلاثة، حق الشرع وهو أن لا يكون أقل من عشرة، وحق الأولياء وهو أن لا يكون أقل من مهر مثلها، وحق المرأة وهو كونه ملكا لها غير أن حق الشرع، وحق الأولياء يعتبر وقت العقد لا في حالة البقاء. م: (وإنما يصير حقا لها في حالة البقاء، فتملك الإبراء دون النفي) ش: لأن الأصل أن تلاقي التصرف ما يملكه دون ما لا يملك، ولهذا ملكت الإبراء انتهاء دون النفي ابتداء. م: (ولو طلقها قبل الدخول بها فلها المتعة) ش: وإنما لم يقل: فإن طلقها قبل الدخول أو الخلوة، بل قال: قبل الدخول فقط مع أن الخلوة شرط أيضا، لأن الدخول يشملها، إذ الخلوة دخول حكما م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] الآية) (البقرة: الآية 236) ش: قد مر الكلام في قوله - الآية - عن قريب، وجه الاستدلال أن الله تعالى قال: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] والفريضة هي المهر، أي لا جناح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 ثم هذه المتعة واجبة رجوعا إلى الأمر، وفيه خلاف مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والمتعة ثلاثة أثواب من كسوة مثلها، وهي درع، وخمار، وملحفة   [البناية] عليكم في الطلاق في الوقت الذي لم يحصل المساس، وفرض الفريضة، وأمر بالمتعة مطلقا، وهو على الوجوب، وقال: حقا وذلك يقتضيه أيضا، وذكر بكلمة على. م: (ثم هذه المتعة واجبة رجوعا إلى الأمر) ش: أي لأجل الرجوع إلى الأمر، لأن مقتضاه الوجوب عند الإطلاق، والمتعة الواجبة عندنا هي هذه وحدها، والباقية مستحبة إلا إذا كانت الفريضة من قبل المرأة، حيث لا تسمى لها المتعة، لأنها جانبه، ومذهبنا هو قول ابن عمر، وابن عباس، والحسن، وعطاء، وجابر بن زيد، والشعبي، والنخعي، والزهري، والثوري، والشافعي في رواية الجماعة عنه، وعنه يجب نصف مهر المثل. م: (وفيه خلاف مالك) ش: أي في الحكم المذكور خلاف مالك، فإن عنده مستحبة، وهو قول ابن أبي ليلى، والليث لأنه تعالى قال: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] والمحسن اسم للمتطوع، والوجوب لا يتقيد بالمحسن. قلنا: قد فسر الإحسان بالإيمان، ولأن التقييد بالمحسن لا ينفي الوجوب على غيره، كما قال الله تعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] مع أنه هدى لهم ولغيرهم قال الكاكي: والصحيح من مذهبه كمذهبنا. م: (والمتعة ثلاثة أثواب من كسوة مثلها) ش: أي مثل المرأة، وهذه اللفظة أعني من كسوة مثلها لفظ القدوري في مختصره، أشار بهذا إلى اعتبار حالها في الكسوة على ما يجيء الآن. م: (وهي درع وخمار وملحفة) ش: فسر بهذا قوله: - والمتعة أثواب - لأن ذكر الأثواب يتناول أكثر من الثلاثة ففسر الأثواب بقوله: - وهي درع وخمار وملحفة - أي الأثواب المذكورة هي هذه لا غير. والدرع هو ما تلبسه المرأة فوق القميص وهو مذكر، قاله صاحب " المغرب "، وعن الحلواني هو جابية إلى الصدر، وقال ابن الأثير: درع المرأة قميصها والخمار ما تغطي المرأة به رأسها، والملحفة بكسر الميم الملاءة، وهي ما تلتحف به المرأة. وفي " الذخيرة ": المتعة ثلاثة أثواب، قميص ومقنعة وملحفة وسط، لا جيد غاية الجودة، ولا رديء غاية الرداءة، ولا يزاد على نصف مهر مثلها، ولا ينقص عن خمسة دراهم. وفي " الينابيع ": إن كانت من السفلة فمتعتها من الكرباس، وإن كانت من الوسط فمتعتها من القز، وإن كانت مرتفعة الحال فمتعتها من الإبريسم وهذا هو الصحيح. وفي " المغني ": أعلاها خادم، يروى ذلك عن ابن عباس، وكذا ذكره عنه في " النتف "، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 وهذا التقدير مروي عن عائشة وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وقوله: من كسوة مثلها إشارة إلى أنه يعتبر حالها، وهو قول الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المتعة الواجبة لقيامها مقام مهر المثل، والصحيح أنه يعتبر بحاله عملا بالنص، وهو قَوْله تَعَالَى:   [البناية] وأدناها كسوة تجوز فيه الصلاة، وإن كان فقيرا يمتعها درعا وخمارا وثوبا تصلي فيه، وقال الأوزاعي والثوري، وعطاء، ومالك، وأبو عبيدة كقولنا. وعن أحمد في رواية: يرجع فيها إلى الحاكم وهو أحد قولي الشافعي وهو بعيد، وروى عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه طلق الكلبية، وحممها جارية أي متعها. وقال النخعي: العرب تسمي المتعة التحميم، وروي عن الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنه طلق امرأة ومتعها بعشرة آلاف، فقالت: متاع قليل من حبيب مفارق. وفي " التنبيه ": طلق امرأة قبل الفرض والمس، تجب المتعة، وروي عن الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وبعد المسيس يجب مهر المثل، وفي المتعة قولان: قبل الفرض، وإن وجب لها نصف مهر المثل فلا متعة، وفي " المنهاج ": تجب متعة إذا لم يجب نصف مهر المثل قبل الوطء، وكذا الموطوءة في الأظهر مع مهر المثل. م: (وهذا التقدير) ش: أي التقدير بثلاثة أثواب م: (مروي عن عائشة، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -) ش: قال الأترازي: ولنا ما روى أصحابنا في " المبسوط " وغيره، وابن عباس، وعائشة، وسعيد بن المسيب، وعطاء، والحسن، والشعبي، أن المتعة ثلاثة أثواب، والبيهقي روى عن ابن عباس. م: (وقوله) ش: أي قول القدوري في المختصر: م: (من كسوة مثلها إشارة إلى أنه يعتبر حالها) ش: أي حال المرأة. وفي " البدائع ": ثم قيل: تعتبر المتعة بحاله، وبه قال أبو يوسف، وقيل: تعتبر بحالهما، وقيل: في المتعة الواجبة بحالها لأنها قائمة مقام مهر المثل، وفي المستحبة بحاله، قال: في الآية إشارة إلى اعتبار حالهما، فلو اعتبرنا بحاله وحده لسوينا بين الشريفة والوضيعة في المتعة، وذلك غير معروف بين الناس، بل هو منكر. م: (وهو قول) ش: الشيخ م: (الكرخي في المتعة الواجبة) ش: أي الاعتبار بحال المرأة، وهو قول الشيخ أبي الحسن الكرخي م: (لقيامها) ش: أي لقيام المتعة م: (مقام مهر المثل) ش: لأنها تجب عند سقوط مهر المثل، وفي مهر المثل يعتبر بحالها، فكذا في حقه، وهكذا في النفقة والكسوة م: (والصحيح أنه يعتبر بحاله) ش: أي بحال الرجل، وهو اختيار أبي بكر الرازي واختيار المصنف، وهو الصحيح من مذهب الشافعي أيضا. م: (عملا بالنص وهو قَوْله تَعَالَى: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] (البقرة: الآية 236) ، ثم هي لا تزاد على نصف مهر مثلها ولا تنقص عن خمسة دراهم، ويعرف ذلك في الأصل. وإن تزوجها ولم يسم لها مهرا، ثم تراضيا على تسميته فهي لها إن دخل بها، أو مات عنها، وإن طلقها قبل الدخول بها فلها المتعة،   [البناية] {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] (البقرة: الآية 236) ش: بيانه أن الله تعالى اعتبر حال الرجل دون حال المرأة، والتعليل في معارضة النص باطل، والموسع هو الغني والفقير المقل. م: (ثم هي) ش: أي المتعة م: (لا تزاد على نصف مهر مثلها) ش: وبه قال الشافعي في قول، وفي قول لا يعتبر بمهر المثل، وفي بعض النسخ، ثم هو، فالتأنيث على إرادة المتعة، والتذكير على إرادة قدر المتعة (ولا تنقص عن خمسة دراهم) ش: لأن المتعة وجبت عوضا عن البضع، وكل العوض لا يجوز أن يكون أقل من عشرة، فنصف العوض لا يجوز ان يكون أقل من خمسة، وهذا معنى ما أحله في الأصل، وهو قوله: م: (ويعرف ذلك في الأصل) ش: أي " المبسوط ". بيان ذلك أن المتعة إما أن تكون زائدة على نصف مهر المثل أو لا، فإن كانت زائدة فلها نصف المثل هو العوض، ولكن تعذر بنصفه لجهالته، فيصار إلى خلفه وهو المتعة، فلا يزاد على نصف مهر المثل، وإن لم تكن، فإما أن يكون مساويا له أو لا، فإن كان مساويا له فلها المتعة اتباعا للنص، وإن لم يكن فإما أن يكون أقل من خمسة دراهم أو لا، فإن كان فلها الخمسة لأن المهر هو الأصل، والمتعة خلف ولا مهر أقل من عشرة دراهم، فلا متعة أقل من خمسة، وإن لم يكن فلها المتعة بالنص. فإن قيل: نص المتعة مطلق عن هذه التفاصيل، نفيها تقييد له وهو نسخ، فالجواب أن قَوْله تَعَالَى {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [الأحزاب: 50] الأحزاب: الآية 50) دل على أن المهر مقدر شرعا، فالإيجاب بالتسمية في مهر من يعتبر بمهره مهر المثل، بيان ذلك القدر المجمل، وكذلك قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ولا مهر أقل من عشرة دراهم» فكان معارضا لآية المتعة، والتفصيل على الوجه المذكور توفيق بينهما، انتهى. قلت: هذا كلام الأكمل، نقله عن شيخه. [تزوجها ولم يسم لها مهرا ثم تراضيا على تسميته] م: (وإن تزوجها ولم يسم لها مهرا، ثم تراضيا على تسميته فهي لها إن دخل بها أو مات عنها) ش: هذا بالإجماع، وكذا الحكم لو رافعته إلى القاضي ففرض لها مهرا؛ لأن لها أن تطالبه، وترافعه إلى القاضي؛ ليفرض لها مهرا، كذا ذكره التمرتاشي. م: (وإن طلقها قبل الدخول بها فلها المتعة) ش: وهو قول أبي يوسف، في قوله المرجوع إليه، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 وعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأول نصف هذا المفروض، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه مفروض، فيتنصف بالنص. ولنا أن هذا الفرض تعيين للواجب بالعقد، وهو مهر المثل، وذلك لا يتنصف، فكذا ما نزل منزلته، والمراد بما تلا الفرض في العقد، إذ هو الفرض المتعارف. قال: فإن زادها في المهر بعد العقد لزمته الزيادة، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وسنذكره في زيادة الثمن والمثمن إن شاء الله.   [البناية] وهو رواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (وعلى قول أبي يوسف الأول نصف هذا المفروض) ش: أي لها نصف المفروض الذي فرض لها. م: (وهو قول الشافعي) ش: أي قول أبي يوسف الأول، وهو قول مالك أيضا، وفي ظاهر الرواية عن أحمد، وهو قول ابن عمر، وعطاء، والشعبي، والنخعي م: (لأنه مفروض) ش: كالمسمى م: (فيتنصف بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] . م: (ولنا أن هذا الفرض) ش: أي الفرض الذي بعد العقد م: (تعيين للواجب بالعقد وهو مهر المثل، وذلك لا يتنصف، فكذا ما نزل منزلته) ش: فأنزل منزلة مهر المثل، وأراد بالنازل منزلة المسمى بعد العقد م: (والمراد بما تلا) ش: أي المراد بما تلاه أبو يوسف من قَوْله تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] م: (الفرض في العقد) ش: يعني: حالة النكاح، قوله: الفرض: مرفوع؛ لأنه خبر المبتدأ أعني قوله: والمراد م: (إذ هو الفرض المتعارف) ش: لأن الفرض المطلق لا عموم له. م: (قال) ش: أي القدوري في مختصره: م: (وإن زادها في المهر بعد العقد لزمته الزيادة) ش: وبه قال أحمد م: (خلافا لزفر) ش: حيث يقول: لا تصح الزيادة، وبه قال الشافعي؛ لأن الزيادة هيئة مبتدأ، لا تلحق بأصل العقد إن قبضت ملكت، وإلا فلا، وعند المصنف أن يذكره فيما يأتي حيث قال: (وسنذكره في زيادة الثمن والمثمن إن شاء الله تعالى) أي في فصل يذكر بعد باب المراجعة والتولية، قال الأكمل: نحن نتبعه في ذلك، قلت: نحن لا نتبع ما قاله الأكمل، فنقول قال في " المبسوط ": ودليل جواز الزيادة قَوْله تَعَالَى: {فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24] (النساء: الآية 24) معناه من فريضة بعد الفريضة، وبقولنا قال أحمد في الزيادة في النكاح: ولا يجوز الزيادة في البيع. وفي " شرح الطحاوي ": تزوجها على ألف، ثم على ألفين لا يثبت المهر الثاني خلافا لأبي يوسف؛ لأنهما فقدا إثبات الزيادة في ضمن العقد، فلم يثبت العقد، فكذا الزيادة. وفي " شرح الأسبيجابي ": جدد النكاح على ألف آخر تثبت التسميتان عند أبي حنيفة، وعندهم لا تثبت الثانية وكذا لو راجع المطلقة بألف، وقيل: لو قال: لا أرضى بالمهر الأول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 وقيل: وإذا صحت الزيادة تسقط بالطلاق قبل الدخول، وعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -لا تتنصف مع الأصل؛ لأن التنصيف عندهما يختص بالمفروض في العقد، وعند أبي يوسف المفروض بعده كالمفروض فيه، على ما مر. وإن حطت عنه من مهرها صح الحط؛ لأن المهر بقاء حقها، والحط يلاقيه حالة البقاء. وإذا خلا الرجل بامرأته وليس هناك مانع من الوطء، ثم طلقها فلها كمال المهر وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لها نصف المهر؛ لأن المعقود عليه إنما يصير   [البناية] أو أبرأته، ثم قالت: لا أقيم معك بدون المهر، ولو وهبت مهرها، ثم جدد المهر لا يجب الثاني بالاتفاق. م: (وقيل) ش: أي على الاختلاف م: (وإذا صحت الزيادة تسقط بالطلاق قبل الدخول، وعلى قول أبي يوسف ولا تنتصف) ش أي الزيادة م: (مع الأصل؛ أن التنصيف عندهما يختص بالمفروض في العقد) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد، وهو قول أبي يوسف في قوله المرجوع إليه، وهو رواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. م: (وعند أبي يوسف المفروض بعده) ش: أي بعد العقد م: (كالمفروض فيه) ش: أي في العقد (على ما مر) بيانه في المسألة المتقدمة م: (وإن حطت عنه من مهرها صح الحط) ش: يعني إن حطت المرأة عن الزوج من مهرها، صح الحط فيلحق بالعقد م: (لأن المهر بقاء حقها، والحط يلاقيه حالة البقاء) ش: أي الحط يلاقي حقها حالة البقاء، لا حالة الابتداء، وقد بقي حقها على التمييز، ولو قال: حقها بقاء لكان أولى؛ لأن التمييز لا يجوز تقديمه عليه إتفاقا، وخالف المازني والمبرد في تقديمه على الفعل، ومذهب سيبويه أن لا يتقدم عليه وموضعه كتب النحو. [خلا الرجل بامرأته وليس هناك مانع من الوطء ثم طلقها] م: (وإذا خلا الرجل بامرأته وليس هناك مانع من الوطء ثم طلقها فلها كمال المهر) ش: قال ابن المنذر في " الأشراف " وأبو بكر بن أبي شيبة في " مصنفه "، وأبو بكر الرازي في " أحكام القرآن ": هذا قول عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، وجابر، ومعاذ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وبه قال عروة بن الزبير وعلي بن الحسين، وزين العابدين، وسعيد بن المسيب، والزهري، والنخعي، والأوزاعي، والثوري، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، والشافعي في قوله القديم، وحكى الطحاوي أنه إجماع الصحابة، وقال أبو بكر الرازي: هو اتفاق الصدر الأول. وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن عوف، عن زرارة بن أبي أوفى قال: سمعته يقول: قضاء الخلفاء الراشدين المهديين أن من أغلق بابا، أو أرخى سترا فقد وجب المهر، ووجبت العدة، ومثله في رواية أبي بكر الرازي. وقال الأترازي: هذا إذا كان المهر مسمى، وإن لم يكن المهر مسمى فلها صداق مثلها، وإن لم تصح الخلوة فلها نصف المهر، وإن لم يكن المسمى فلها المتعة، كذا في " مختصر " الطحاوي، والخلوة الصحيحة قائمة مقام الدخول عندنا في تأكيد المهر، ووجوب العدة، وثبوت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 مستوفى بالوطء، فلا يتأكد المهر دونه. ولنا: أنها سلمت المبدل حيث رفعت الموانع، وذلك وسعها، فيتأكد حقها في البدل اعتبارا بالبيع. وإن كان أحدهما مريضا، أو صائما في رمضان، أو محرما بحج فرض، أو نفل، أو بعمرة،   [البناية] النسب، ونفقة العدة، والسكنى، وتزوج البنت، وتحريم الأمة على قول أبي حنيفة. وفي " الذخيرة ": ولم يقيموها مقام الوطء في حق الإحصان، وحرمة البنات وحلها للأولاد الرجعة والميراث، وأما وقوع طلاق آخر فقد قيل: لا يقع، وقيل: يقع، وهو أقرب إلى الصواب؛ لأنه لا احتياط، ثم هذا الطلاق، بل يكون رجعيا أو بائنا، قال شيخ الإسلام في باب العين: يكون بائنا. م: (وقال الشافعي: لها نصف المهر) ش: وهو قول شريح، والشعبي، وطاوس، وابن سيرين، وأبي ثور، وقال أبو بكر الرازي، وابن المنذر: وروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مثله، قالا: لا يصح ذلك عنهما لأن في حديث ابن عباس، ليث بن أبي سليم وهو ضعيف. وقال مالك والرازي وابن المنذر: إن خلا بها في منزلها فلها نصف المهر، وإن خلا بها في منزله فلها المهر كله، وذكر أبو بكر الرازي عنه أنه قال: إن تطاول ذلك وجب المهر كاملا، وفي " الجواهر ": إن طال المقام، يتقرب الكمال في أحد القولين، ثم قيل: في عدة الطول سنة، وقيل: ما يعد طولا في العادة م: (لأن المعقود عليه) ش: وهو منافع البضع م: (إنما يصير مستوفى بالوطء) ش: فلم يوجد م: (فلا يتأكد المهر دونه) ش: أي دون الوطء والزوج لم يستوف المبدل من المرأة، فلا يجب عليه البدل. م: (ولنا أنها) ش: أي المرأة م: (سلمت المبدل) ش: وهو منافع البضع م: (حيث رفعت الموانع) ش: وهو جمع مانعة، أي حالة مانعة من الوطء ويأتي تفسيرها عن قريب م: (وذلك) ش: أي رفع الموانع م: (وسعها) ش: أي وسع المرأة، وهو الذي تقدر عليه م: (فيتأكد حقها في البدل) ش: وهو المهر م: (اعتبارا بالبيع) ش: أي قياسا عليه، فإن التخلية فيه تسليم حتى يجب على المشتري تسليم الثمن، فكذا هنا يجب على الزوج تسليم البدل والمبدل، والمبدل في المعاوضات يتقرر بتسليم المبدل، بتحقق استيفائه، ألا ترى أن الأجر إذا خلا بين المستأجر والمستأجر يتأكد البدل، وإن لم يتحقق القبض، وهذا لأنه توقف بقدر البدل على حقيقة استيفاء المبدل، بما تمتنع من عليه البدل، عن الاستيفاء، فيتضرر من عليه المبدل وهو مرفوع شرعا. وروى ابن أبي شيبة، عن جابر إذا نظر إلى فرجها، ثم طلقها فلها الصداق، وعليها العدة، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 أو كانت حائضا فليست الخلوة صحيحة، حتى لو طلقها كان لها نصف المهر؛ لأن هذه الأشياء   [البناية] وعنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من كشف خمار امرأة، أو نظر إليها وجب الصداق، دخل بها أو لم يدخل» رواه الدارقطني وأبو بكر الرازي في " أحكامه "، وقال شريح: يجب بها العدة، ولا يتأكد بها المهر، كذا في " النتف ". فإن قلت: هذا طلاق قبل المسيس فيتنصف بالنص، ومن قال بأن الخلوة مكملة فقد علق التنصيف بالخلوة، وهو خلاف النص، إذ النص علقه بعدم المس. قلت: المس ليس بوطء حقيقة، وإنما هو حامل على الوطء لأنه سببه، فأطلق اسم السبب على المسبب، إذ الخلوة بالمس، ويتأيد ما ذكره بالنص، وهو قَوْله تَعَالَى {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21] (النساء: الآية 20) ، والإفضاء الخلوة، وهو مأخوذ من الفضاء، وهو المكان الخالي، ونهى عن استرداد شيء من المهر. وحمل المس على الخلوة هو أولى من حمله على الوطء؛ لأن المجوز للإطلاق ليس إلا الملازمة، وملازمة السبب للمسبب أقوى؛ لأن المسبب لا يوجد بدون السبب، والسبب قد يختلف في المسبب كما في البيع بشرط الخيار، فالسبب لازم دائما، والمسبب لازم في حال دون حال. م: (وإن كان أحدهما مريضا) ش: هذا شروع في بيان الموانع إذا كان أحد الزوجين مريضا، والموانع جمع مانعة، وهي أقسام، مانع حقيقي كالمرض، ومانع طبيعي ككون المرأة رتقاء، أو قرناء، أو صغيرة لا تطيق الجماع، ومانع حسي، وهو أن يكون معهما ثالث، سواء كان بصيرا أو أعمى، يقظانا أو نائما، بالغا أو صبيا، يعقل، والمجنون، والمغمى عليه والصغير الذي لا يعقل لا يمنع وزوجته الأخرى تمنع. وعن محمد: لا تمنع، وجاريته لا تمنع، بخلاف جاريتها، والكلب العقور يمنع وإن لم يكن عقورا، فإن كان للمرأة يمنع، وإن كان له لا يمنع، ومانع شرعي كالإحرام بحج فرض، ومانع طبيعي وشرعي كالحيض. م: (أو صائما في رمضان) ش: هو مانع بلا خلاف، لما يلزمه من القضاء والكفارة م: (أو محرما) ش: أو كان أحد الزوجين محرما م: (بحج فرض، أو نفل، أو عمرة) ش: الكل سواء في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 موانع. وأما المرض فالمراد منه ما يمنع الجماع، أو يلحقه به ضرر، وقيل: مرضه لا يعرى عن تكسر وفتور، وهذا التفصيل في مرضها، وأما صوم رمضان لما يلزمه من القضاء والكفارة والإحرام لما يلزمه من الدم وفساد النسك والقضاء، والحيض مانع طبعا وشرعا. وإن كان أحدهما صائما تطوعا فلها المهر كله؛ لأنه يباح له الإفطار من غير عذر في رواية المنتقى، وهذا القول في المهر هو الصحيح. وصوم   [البناية] المنع م: (أو كانت حائضا) ش: أو نفساء، فإنه مانع طبعا وشرعا م: (فليست الخلوة صحيحة) ش: هذا جواب عن الشرطية، أي فليست الخلوة صحيحة في الأشياء المذكورة. م: (حتى لو طلقها كان لها نصف المهر، لأن هذه الأشياء) ش: يعني المرض وصوم رمضان، والإحرام مطلقا والحيض م: (موانع) ش: وفي " العيون "، والحائض، والمحرمة إذا جاءت بولد ثبت المهر بذلك كاملا، وإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر ثبت نسبه. م: (أما المرض فالمراد منه ما يمنع الجماع، أو يلحقه به الضرر) ش: وهذا تقييد بتفصيل، وهو أن بالجماع إن كان لا يلحقه ضرر، فالخلوة صحيحة م: (وقيل: مرضه لا يعرى عن تكسر وفتور) ش: والتكسر في الأعضاء، والفتور في الذكر، وهذا بلا تفصيل وهو الأصح إذ لا تفصيل في مرضه، فكل مرض من جانبه يمنع صحة الخلوة؛ لأن جماع الرجل يوجب التكسر والفتور لا محالة م: (وهذا التفصيل في مرضها) ش: وهو الصحيح م: (وأما صوم رمضان لما يلزمه من القضاء والكفارة) ش: أراد به قوله ما يمنع بالجماع، أو يلحق به ضرر. وفي " الذخيرة ": مرضها متنوع بلا خلاف، واختلفوا في مرضه، وقيل متنوع، وقيل: جميع أنواعه مانع على كل حال. وفي " جوامع الفقه ": ومرضه أو مرضها يمنع إذا كان يضره الجماع، وقال الصدر الشهيد: يمنع جميع الخلوة؛ لأنه يجب بالإفطار القضاء والكفارة جميعا، وفي ذلك حرج فيكون مانعا. م: (والإحرام) ش: عطف على قوله - صوم رمضان - تقديره، وأما الإحرام المطلق فإنه يمنع صحة الخلوة م: (لما يلزمه من الدم وفساد النسك والقضاء) ش: لأن الذي جامع في إحرامه تلزمه هذه الأشياء، وقد عرف في موضعه مفصلا م: (والحيض) ش: عطف على قوله - صوم رمضان - تقديره وأما الحيض فإنه م: (مانع طبعا وشرعا) ش: أما طبعا فلأن فيه من التلوث بالدم النجس، وأما شرعا فلقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 222) . م: (وإن كان أحدهما) ش: أي أحد الزوجين م: (صائما تطوعا) ش: أي صوما تطوعا أو صائما متطوعا م: (فلها المهر كله) ش: لصحة الخلوة؛ لأنه لا يلزمه إلا القضاء وعلل المصنف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 القضاء والمنذور كالتطوع في رواية، لأنه لا كفارة فيه، والصلاة بمنزلة الصوم، فرضها كفرضه، ونفلها كنفله. وإذا خلا المجبوب بامرأته، ثم طلقها فلها كمال المهر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: عليه نصف المهر؛ لأنه أعجز من المريض، بخلاف العنين؛ لأن الحكم أدير على سلامة الآلة ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المستحق عليها بالعقد التسليم في حق المستحق، وقد أتت به.   [البناية] بقوله: م: (لأنه يباح له الإفطار من غير عذر في رواية " المنتقى ") ش: بفتح القاف اسم كتاب في الفقه صنفه الحاكم الشهيد أبو الفضل محمد بن أحمد السلمي المروزي، وهو صاحب " الكافي " الذي يسمونه " مبسوطا ". م: (وهذا القول في المهر هو الصحيح) ش: إشارة إلى وجوب كل المهر في صوم التطوع، واحترز بالصحيح عن قول من قال: صوم التطوع [ ... ] يمنع صحة الخلوة، لأنه لا يحل إبطاله إلا بعذر، وبهذا روي عن أبي حنيفة رواية إشارة. وفي " النهاية " قوله: - وهذا القول في المهر هو الصحيح - أي أخذ رواية " المنتقى "، في حق كمال المهر دفعا للضرر عنها، وهو الصحيح، والثاني حق جواز الإفطار، فالصحيح غير رواية " المنتقى "، وهو أن لا يباح الإفطار من غير عذر. م: (وصوم القضاء والمنذور كالتطوع في رواية؛ لأنه لا كفارة فيه) ش: يعني لا يمنع الخلوة، وفي " البدائع ": روى بشر عن أبي يوسف أن صوم النفل، وقضاء رمضان، والكفارات، والنذور لا تمنع الخلوة، قال: فكان في المسألة روايتان، وفي المنافع في صوم التطوع والكفارة روايتان بالقطع. م: (والصلاة بمنزلة الصوم، فرضها كفرضه، ونفلها كنفله) ش: أي فرض الصلاة كفرض الصوم، ونفل الصلاة كنفل الصوم في أن الفرض فيهما يمنع صحة الخلوة، وأن النفل فيهما يمنع، وعن أحمد لا يمنع الإحرام والصيام في الحيض والنفاس وغيرهما صحة الخلوة، وكذا لا يمنع الموانع الحقيقية كالجب والعنة والرتق والقرن في المرأة، وهو يروى عن عطاء وابن أبي ليلى، والثوري، وعنه يمنع في رواية، وعنه في صوم رمضان فرق بين المقيم والمسافر. [خلا المجبوب بامرأته ثم طلقها] م: (وإذا خلا المجبوب) ش: وهو الذي استؤصل ذكره وخصيتاه من الجب، وهو القطع م: (بامرأته ثم طلقها فلها كمال المهر عند أبي حنيفة) ش: وزفر ذكره في " العيون "، وبه قال عطاء، وابن أبي ليلى والثوري. م: (وقالا: عليه نصف المهر؛ لأنه أعجز من المريض) ش: لأن المريض ربما يجامع والمجبوب لا يقدر عليه أصلا لعدم الآلة م: (بخلاف العنين؛ لأن الحكم أدير على سلامة الآلة) ش: يعني خلوة العنين صحيحة توجب كمال المهر اتفاقا، لأن آلته سالمة فأدير حكمه، وهو وجوب كمال المهر على سلامة الآلة، ولا آلة للمجبوب فافترقا، لا يقال سلامتها موجودة في المريض أيضا، ومع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 قال: وعليها العدة في جميع هذه المسائل احتياطا، استحسانا لتوهم الشغل والعدة حق الشرع والولد، فلا تصدق في إبطال حق الغير بخلاف المهر؛ لأنه مال لا يحتاط في إيجابه وذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرحه: أن المانع إن كان شرعيا كالصوم والحيض تجب العدة لثبوت   [البناية] هذا ليست خلوة صحيحة؛ لأن السبب الظاهر وهو سلامة الآلة أقيم مقام الأمر الخفي في العنين، كما هو الأصل، والمانع من الوطء فيه خفي، وربما لا يتحقق بخلاف المريض، فإن المانع ثمة ظاهر، وهو المرض يعتبر الظاهر. وفي " البدائع ": في خلوة العنين والخصي صحيحة؛ لأنهما لا يمنعان الجماع كغيرهما، وفي " القنية ": صحة خلوة العنين إجماع، ومثله في " التحفة " و" العيون ". م: (ولأبي حنيفة أن المستحق عليها بالعقد التسليم) ش: بأقصى ما في وسعها من التمكين م: (في حق المستحق) ش: أي المس م: (وقد أتت به) ش: أي والحال أنها قد أتت به، أي بالتسليم المستحق عليها م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير " م: (وعليها العدة في جميع هذه المسائل) ش: أي عند صحة الخلوة وفسادها بالموانع المذكورة م: (احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط م: (استحسانا) ش: أي على وجه الاستحسان فيما تصح الخلوة، وفيما لا تصح، والقياس أن لا تجب العدة؛ لأنه لم توجب الخلوة، فلا تجب العدة، وكذا بعد الخلوة لوجود الجامع، وهو كونه طلاقا قبل الدخول. وجه الاستحسان هو قوله م: (لتوهم الشغل) ش: بفتح الشين المعجمة، نظرا إلى المنع الحقيقي م: (والعدة حق الشرع) ش: يدل عليه أن الزوجين لا يملكان إسقاطها، والتداخل يجري فيها، وحق العبد لا يتداخل م: (والولد) ش: أي وحق الولد، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره» والمقصود غاية نسب الولد وهو حقه م: (فلا تصدق) ش: أي المرأة م: (في إبطال حق الغير) ش: بقولها لم يطأني، وقيل: معناه فلا يصدق الزوج في إبطال حقها بقوله: لم أطأها. م: (بخلاف المهر) ش: فإنه لا يجب بالخلوة الفاسدة م: (لأنه مال لا يحتاط في إيجابه) ش: لأنه لا يجب بالشك، فلا يجب إذا لم تصح الخلوة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 التمكن حقيقة، وإن كان حقيقيا كالمرض والصغر، لا تجب لانعدام التمكن حقيقة. قال: وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا مطلقة واحدة، وهي التي طلقها الزوج قبل الدخول بها. قال: وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا مطلقة واحدة، وهي التي طلقها الزوج قبل الدخول بها،   [البناية] فإن قيل: التوهم معدوم في فصل الجب. قلنا: شغل رحمها بمائه موهوم بالسحق، ولهذا ثبت نسب ولديهما عند ابن أبي سليمان. م: (وذكر القدوري في شرحه) ش: لمختصر الشيخ أبي الحسن الكرخي م: (أن المانع) ش: من الخلوة الصحيحة م: (إن كان شرعيا) ش: كالصلاة والصوم ونحوهما م: (تجب العدة لثبوت التمكن حقيقة) ش: أي لثبوت تمكنه من الوطء حقيقة بلا شك، ولكن لا يتمكن شرعا فدارت بين الوجوب وعدمه، فتجب احتياطا لجواز أنها لا تتأتى بالمانع الشرعي. م: (وإن كان) ش: أي المانع (حقيقيا كالصغر والمرض لا تجب) ش: أي العدة م: (لانعدام التمكن) ش: من الوطء م: (حقيقة) ش: قال الأترازي: بيانه أن في كل موضع يتمكن من الوطء حقيقة لكن تمتنع لمانع يجب فيه العدة، وفيه الرتق يتصور الوطء بالفتق، وفي المجبوب، وفي كل موضع لا يتمكن من الوطء حقيقة كالمريض السخيف، والصغير أو الصغيرة، لا تجب العدة، كذا في " فتاوى الصغرى ". أما المهر في الرتق فقال في كتاب الصلاة في باب المراجعة: إذا خلا بها ثم طلقها يجب عليه نصف المهر، قال الصدر الشهيد: وفي " شرح الجامع الصغير ": ومن المتأخرين من قال: الصحيح أن المذكور على قولهما، وعلى قول أبي حنيفة تصح الخلوة، ويجب المهر كاملا كالمجبوب، قال: لكن هذا خلاف ظاهر الرواية، وقال صاحب " الأجناس ": اتفقت الروايات أنه يجب نصف المهر وهو الأصح. وفي " شرح الطحاوي ": أقيم الخلوة مقام الوطء في بعض الأحكام لتأكد المهر وثبوت النسب ووجوب العدة والنفقة والسكنى في العدة، وحرمة نكاح خمسا، أربع سواها في هذه العدة دون البعض كالإحصان، أي لا يصير محصنا بالخلوة وحرمة البنات والإحلال للزوج الأول، والرجعة، والإرث، حتى لو طلقها ومات وهو في العدة لم ترث، وفي وقوع الطلاق في هذه العدة اختلاف، والصحيح أنه يقع طلاق آخر في هذه العدة؛ لأن الأحكام لما اختلفت في هذا الباب وجب القول بالوقوع احتياطا، وفي حرمة البنت في هذه العدة عن طلاق بائن اختلاف، فعن محمد يحرم خلافا لأبي يوسف، والخلوة الصحيحة في النكاح لا توجب العدة. وذكر العتابي تكلم مشايخنا في العدة الواجبة بالخلوة الصحيحة أنها واجبة ظاهرا على الحقيقة، فقيل: لو تزوجت وهي متعينة لعدم الدخول حل لها ديانة لا قضاء، والموت أقيم مقام الدخول في حكم المهر والعدة، وفيما سواها من الأحكام كالعدة، وفي " شرح القاضي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 وقد سمى لها مهرا، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب لكل مطلقة إلا لهذه؛ لأنها وجبت صلة من الزوج؛ لأنه   [البناية] خان ": فإن ماتت الأم قبل أن يدخل بها فابنتها له حلال. [استحباب المتعة لكل مطلقة] م: (قال) ش: القدوري: م: (وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا مطلقة واحدة وهي التي طلقها الزوج قبل الدخول بها، وقد سمى لها مهرا) ش: صدر الكلام يدل على عموم استحباب المتعة لكل مطلقة، لأن لفظ كل إذا أضيف إلى النكرة يقتضي عموم الإفراد، ثم استثنى منه هذه المطلقة المذكورة، قال صاحب " المنافع ": وقع الاشتباه هنا في الاستثناء في صدر الكلام، أما الاستثناء فإنه ذكر في " المبسوط " والحق أن المتعة تستحب للتي طلقها قبل الدخول، وقد سمى لها مهرا، فتعذر الاستثناء على هذا. وأما صدر الكلام فإن المتعة واجبة للتي طلقها قبل الدخول ولم يسم لها مهرا، قال: والجواب أن المتعة في المستثنية ليست بمستحبة عند القدوري، فقد ذكر في شرحه أن المتعة واجبة ومستحبة، فالواجبة للتي طلقها قبل الدخول ولم يسم لها مهرا، والمستحبة لكل مطلقة إلا التي طلقها قبل الدخول، وقد سمى لها مهرا، والمراد من قوله: لكل مطلقة غير التي يجب لها المتعة؛ لأنه بين حكم هذه قبل هذا. وقال الأترازي: معنى كلام القدوري: تستحب المتعة لكل مطلقة سوى التي تقدم ذكرها، وهي التي طلقها قبل الدخول، وقبل التسمية، فإن متعتها واجبة إلا لمطلقة واحدة، وهي التي طلقها قبل الدخول بعد التسمية، فإن متعتها ليست بواجبة ولا مستحبة حكما للطلاق، ولو كان مستحبا لكان لمعنى آخر كما في قوله في صلاة الفطر: ولا يكبر في طريق المصلى عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أي حكما للعيد، ولكن لو كبر لأنه ذكر الله تعالى يجوز ويستحب، وهذا اختيار صاحب " الهداية "، وعلى رواية صاحب " المختلف " وغيره أن المتعة المستثناة أيضا مستحبة، فلا يصح الاستثناء على روايتهم. وقال " صاحب الكافي ": قوله: - تستحب المتعة ... إلى آخره - يريد به المطلقة بعد الدخول في نكاح فيه تسمية أولا، والمطلقة قبل الدخول في نكاح فيه تسمية إلا المفوضة، فإنه يجب فيها. وقال الكاكي: إنه ورد الإشكال في الاستثناء وًصدر الكلام المذكورين، ثم أجاب عن الأول: بأن المصنف اتبع القدوري، فذكر ما ذكرناه، ثم قال لأن من نفى الاستحباب أراد به الاستحباب الناشئ من دفع وحشة الفراق، وهو معدوم في المستثنى، وظهرت المخالفة بين المستثنى والمستثنى منه من هذا الوجه. وعن الثاني بأنه أجرى لفظ الاستحباب على العموم، وأراد به حقيقة في البعض، وهي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 أوحشها بالفراق إلا أن في هذه الصورة نصف المهر طريقة المتعة، لأن الطلاق فسخ في هذه   [البناية] التي طلقها بعد الدخول، وقبل الدخول سمى لها مهرا أو لا، مجازا أي الوجوب في البعض، وهي التي طلقها قبل الدخول ولم يسم لها مهرا، وفي الوجوب استحباب وزيادة، وهذا واضح عند مشايخ العراق؛ لتجويزهم الجمع بين الحقيقة والمجاز عند اختلاف المحل. وقال الكاكي أيضا: أو يقال: إنه أراد به كل مطلقة غير التي يجب لها المتعة؛ لأنه بين حكمها سابقا، فدل سبق ذكرهما على أنه أراد بهذا العموم وغيرهما كي لا يلزم التكرار في البعض أو التناقص. وقال السروجي - بعد أن ساق كلام المصنف -: وتستحب المتعة إلى قوله: - وقد سمى لها مهرا - وفي بعض النسخ - ولم يسم لها مهرا - انتهى. قلت: قال في " المجتبى ": المكتوب في النسخ: المتعة إلا التي طلقها قبل الدخول ولم يسم لها مهرا، وهكذا صح الإمام ركن الأئمة الساغبي في شرحه للقدوري، انتهى. قلت: على هذه النسخة لا يبقى الإشكال. وقال تاج الشريعة: قوله: وتستحب المتعة لكل مطلقة، اعلم أن المتعة واجبة لمطلقة واحدة وهي التي مر ذكرها في الكتاب، ومستحبة لمطلقتين إحداهما التي طلقها زوجها بعد الدخول ولم يسم لها مهرا، والأخرى التي طلقها بعد الدخول وقد سمى لها مهرا، والتي طلقها قبل الدخول بعد التسمية لا تكون المتعة واجبة لها، ولا مستحبة وهي الصورة المستثناة في الكتاب، فصار قوله: - وتستحب المتعة لكل مطلقة - أي تستحب لكل مطلقة غير تلك المطلقة التي وجبت متعتها إلا المطلقة الواحدة. فالحاصل أن المطلقات أربع؛ لأنها لا تخلو إما أن كانت مدخولا بها أو لم تكن، فإن لم تكن فلا يخلو أن كان مهرها مسمى، أو لم يكن، فإن لم يكن فهي التي وجبت لها المتعة، وإن كان مهرها مسمى فهي الصورة المستثناة، التي لا يستحب لها ولا تجب، وإن كانت مدخولا بها فلا تخلو، إما أن كان مهرها مسمى أو لا، وأما إن كان يلزم القسمان الآخران، وهما اللتان يستحب لهما المتعة. م: (وقال الشافعي: تجب) ش: أي المتعة م: (لكل مطلقة إلا لهذه) ش: وهي التي طلقها قبل الدخول بعد تسمية المهر، فليست المتعة عنده واجبة لها على القول الجديد، وعلى قوله القديم تجب المتعة، وبقوله قال أحمد في رواية، وفي رواية مثل قولنا، وقال مالك: إنها مستحبة في الجميع. م: (لأنها) ش: أي لأن المتعة م: (وجبت صلة من الزوج) ش: وليست بعوض؛ ولهذا اختلف بيسار الزوج وإعساره، والأعواض لا تختلف كمال من عليه (لأنه) ش: لأن الزوج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 الحالة، والمتعة لا تتكرر. ولنا أن المتعة خلف عن مهر المثل في المفوضة؛ لأنه سقط مهر المثل ووجبت المتعة، والعقد يوجب العوض، فكان خلفا، والخلف لا يجامع الأصل ولا شيئا منه، فلا تجب مع وجوب شيء من المهر وهو غير جان في الإيحاش فلا تلحقه الغرامة به، فكان من باب الفضل. وإذا زوج الرجل بنته على أن يزوجه المزوج بنته أو أخته ليكون أحد العقدين عوضا عن الآخر،   [البناية] م: (أوحشها بالفراق) ش: فأوجبناها صلة؛ رفعا لوحشة الفراق. م: (إلا أن في هذه الصورة) ش: أي المستثناة م: (نصف المهر) ش: منصوب لأنه اسم لأن، وطريقة المتعة مرفوع لأنه خبر إن، وتقدير الكلام للمستثناة نصف المهر يجب م: (بطريق المتعة، لأن الطلاق فسخ) ش: معنى م: (في هذه الحالة) ش: أي في الطلاق قبل الدخول يعود مالها إليها سالما، وذلك يقتضي سقوط المهر كله، كما في فسخ البيع، لكن الشرع أوجب نصف المهر بطريق المتعة. م: (والمتعة لا تتكرر) ش: فلا يجب المتعة لهذه المطلقة مع نصف المهر، وقيل: قوله: - وطريق المتعة - وقع اختيار بعض المتأخرين من أصحابنا حيث قالوا: الطلاق في هذه الحالة فسخ فيسقط جميع المسمى، وإنما يجب نصفه على طريق المتعة، وأما الآخرون منهم قالوا: يبقى نصف المهر، وسقط نصفه بالطلاق، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] (البقرة: الآية 237) . م: (ولنا أن المتعة خلف عن مهر المثل في المفوضة) ش: بكسر الواو، وهي التي طلقها قبل الدخول، ولم يسم لها مهرا، أو تزوجها على أن لا مهر لها، م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (سقط مهر المثل) ش: بالطلاق قبل الدخول م: (ووجبت المتعة والعقد) ش: أي والحال أن العقد م: (يوجب العوض) ش: لا ينفك عنه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] (النساء: الآية 24) م: (فكان خلفا) ش: عن مهر المثل كالتيمم مع الوضوء م: (والخلف لا يجامع الأصل) ش: فلا تجب المتعة بوجوب المهر لكل المفروض عند الطلاق بعد الدخول أو بعض المفروض قبله م: (ولا شيئا منه، فلا تجب) ش: أي المتعة م: (مع وجوب شيء من المهر، وهو غير جان في الإيحاش) ش: جواب عن حرف الخصم، وهو قوله: أوحشها بالفراق، وتقديره: سلمنا أنه أوحشها بالفراق لكنه لم يكن في ذلك الإيحاش جانيا؛ لأنه فعل حاصل بإذن الشرع. م: (فلا تلحقه الغرامة به) ش: أي بالإيحاش، وذلك لأن الطلاق مباح شرعا، وربما يكون مستحبا إذا كانت المرأة سليطة أو تاركة للصلاة أو خافا أن لا يقيما حدود الله، قيل: هذا مما يعلم ولا يفتى به كما في صورة المرأة الصالحة والزوج مدمن خمر، أو يطلقها ثلاثا ولا يفارقها؛ فإنه يجوز لها أن تدفع السم إلى زوجها فتقتله م: (فكان من باب الفضل) ش: أي فكانت المتعة من باب الإحسان، وإنما قال - فكان - على تأويل المشاع، والمتعة بمعنى واحد أو على تأويل فعل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 فالعقدان جائزان، ولكل واحدة منهما مهر مثلها. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يبطل العقدان؛ لأنه جعل نصف البضع صداقا، والنصف   [البناية] المتعة. [تعريف وحكم نكاح الشغار] م: (وإذا زوج الرجل بنته على أن يزوجه المزوج بنته، أو أخته؛ ليكون أحد العقدين عوضاً عن الآخر فالعقدان جائزان، ولكل واحدة منهما مهر مثلها) ش: هذا النكاح يسمى نكاح الشغار من الشغور، وهو الرفع والإخلاء، يقال: شغر البلد إذا خلا عن الناس، والبلد شاغرة إذا لم تمنع من غارة أحد، وسمي هذا النكاح بذلك لخلوه عن المهر، وهو من أنكحة الجاهلية. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا شغار في الإسلام» وقيل: هو من الرفع، يقال: شغر الكلب إذا رفع رجليه ليبول، وفيه قولان، قيل: سمي به؛ لأنهما رفعا المهر من العقد، وقيل: معناه لا ترفع رجل بنتي حتى أرفع رجل بنتك لأهل الجاهلية، ذكره الغرابي في " الوسيط والبسيط "، وقيل: الشغار البعد، فكأنه بعد عن الحق في نفي المهر، وأشغر في الفلاة أبعد فيها. فإن قلت: قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا شغار في الإسلام» حديث صحيح أخرجه الجماعة من حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وأخرجه الترمذي أيضاً من حديث عمران بن حصين، وأخرجه مسلم من حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ولفظه: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الشغار» . قلت: النهي الوارد فيه إنما كان من أجل خلائه عن تسمية المهر، وتركه بالكلية عادة الجاهلية لا لعين النكاح، فأشبه البيع وقت النداء والنكاح لا يبطله خلوه من تسمية المهر كالمفوضة، ولا فساد تسميته كالصداق المجهول، وملك الغير والآبق ولا تسمية بما ليس بمال كالميتة والدم، ولا بتسمية ما ليس بمتقوم كالخمر والخنزير، وقد نص إمام الحرمين على أن خلوه لا يبطله ولا يشترط آخر في النكاح؛ لأنه شرط فاسد والنكاح لا يبطله الشروط الفاسدة. قوله: في الكتاب عوضاً عن الآخر قيد به؛ لأنه لو لم يقل على أن يكون بضع كل واحدة صداقاً للآخر يجوز النكاح ولا يكون شغاراً بإجماع الأئمة الأربعة. وأما إذا قال: زوجتك بنتي، على أن تزوجني ابنتك، على أن يكون نكاح كل واحدة منهما صداقاً للأخرى، فإنه ينعقد النكاح عندنا، ولكل واحدة منهما مهر المثل، وكذا إذا قال في الأختين أو الابنتين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 الآخر منكوحا، ولا اشتراك في هذا الباب، فبطل الإيجاب. ولنا: أنه سمى ما لا يصلح صداقا فيصح العقد ويجب مهر المثل، كما إذا سمى الخمر والخنزير، ولا شركة بدون الاستحقاق. وإن تزوج حر امرأة على خدمته إياها سنة، أو على تعليم القرآن فلها مهر مثلها. وقال محمد: لها قيمة خدمته سنة، وإن تزوج عبد امرأة   [البناية] (وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يبطل العقدان) ش: وبه قال مالك وأحمد، واحتجوا بالحديث، وأجبناه عن قريب، وبقوله قال عطاء، وعمرو بن دينار، ومكحول، والزهري، والثوري. وقال الأوزاعي: إن كان دخلا بهما فلهما مهر مثلهما، وقبل الدخول يفسخ ويفسد العقد، وقال عطاء: المشاغران يقران على نكاحهما، ويؤخذ لكل واحدة صداق وبه يبطل تشاغرهما، ولم يستدل المصنف للشافعي في هذا بالحديث، بل استدل له بالمعقول حيث قال. م: (لأنه) ش: أي لأن الرجل الذي زوج بنته على أن يزوجه الرجل بنته م: (جعل نصف البضع) ش: من كل واحدة منهما م: (صداقاً، والنصف الآخر منكوحاً، ولا اشتراك في هذا الباب) ش: أي في باب النكاح؛ لأن البضع الواحد لا يكون مشتركاً بين شخصين، كما إذا زوجت المرأة نفسها من رجلين، وإذا لم يصح الاشتراك م: (فبطل الإيجاب) ش: وإذا بطل الإيجاب بطل العقد. م: (ولنا أنه سمى ما لا يصلح صداقاً، فيصح العقد ويجب مهر المثل، كما إذا سمى الخمر والخنزير) ش: بأن تزوجها على خمر أو خنزير م: (ولا شركة بدون الاستحقاق) ش: هذا جواب الخصم، وبيانه أن البضع لما لم يصلح صداقاً لم يتحقق الاشتراك؛ لأن منافع بضع المرأة لا تصلح أن تكون مملوكة لامرأة أخرى، فبقي هذا شرطاً فاسداً، والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة. [تزوج حر امرأة على خدمته إياها سنة أو على تعليم القرآن] م: (وإن تزوج حر امرأة على خدمته إياها سنة، أو على تعليم القرآن) ش: أي تزوجها على أن يعلمها القرآن صح النكاح م: (فلها مهر مثلها) ش: في الصورتين، وبصورة تعليم القرآن، مثل قولنا قال مكحول، والليث، ومالك، وإسحاق، وأحمد في رواية، واختاره أبو بكر من الحنابلة، وابن الجوزي في " التحقيق "؛ لأنه عبادة وليس بمال، وشرع النكاح بالمال، فصار كالصوم والصلاة وتعليم الإيمان، ومعنى حديث الواهبة نفسها وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «زوجتكها بما معك من القرآن» ، أي من أجل أنك من أهل القرآن، أو ببركة ما معك من القرآن، كتزوج أبي طلحة على إسلامه. م: (وقال محمد: لها قيمة خدمته سنة) ش: والمسألة من مسائل القدوري، ولكنه ذكرها على الاتفاق، ولم يذكر خلاف محمد، والمصنف ذكره اتباعاً لرواية " الجامع الصغير "، فإنه قال فيه: محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل تزوج امرأة على خدمته سنة، قال: إن كان حراً فلها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 حرة بإذن مولاه على خدمته سنة جاز، ولها خدمته سنة، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لها تعليم القرآن والخدمة في الوجهين، لأن ما يصلح أخذ العوض عنه بالشرط يصلح مهرا عنده؛ لأن بذلك تتحقق المعاوضة، فصار كما إذا تزوجها على خدمة حر آخر برضاها أو على رعي الزوج غنمها. ولنا أن المشروع إنما هو الابتغاء بالمال، والتعليم ليس بمال، وكذلك المنافع على أصلنا، وخدمة العبد ابتغاء بالمال لتضمنه تسليم رقبته، ولا كذلك الحر، ولأن خدمة الزوج الحر لا يجوز استحقاقها بعقد النكاح؛ لما فيه من قلب الموضوع بخلاف خدمة   [البناية] مهر مثلها، وإن كان عبداً فلها خدمة سنة. وقال محمد: لها خدمة سنة إن كان حراً، قال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير ": قال الفقيه أبو جعفر: ينبغي أن يكون قول أبي يوسف مثل قول محمد، وقال بعض مشايخنا: إن قوله مثل قول أبي حنيفة. م: (وإن تزوج عبد امرأة حرة بإذن مولاه على خدمته سنة جاز، ولها خدمته سنة) ش: لما فيه من تسليم رقبته والعبد من الأموال يباع في الأسواق، ويعرض عرض الدواب، وقد سلبت عنه كرامات البشر. م: (وقال الشافعي: لها تعليم القرآن والخدمة في الوجهين) ش: أي في الحر والعبد، وبه قال مالك وأحمد، وكذا الخلاف لو تزوجها وجعل مهرها طلاق الغير، أو العفو عن القصاص، فعندنا يجب مهر المثل، وعندهم المسمى م: (لأن ما يصلح أخذ العوض عنه بالشرط يصلح مهراً عنده) ش: أي عند الشافعي، لأن المقصود تحقق المعاوضة. م: (لأن بذلك تتحقق المعاوضة، فصار كما إذا تزوجها على خدمة حر آخر برضاها، أو على رعي الزوج غنمها) ش: أي أو تزوجها على أن يرعى غنمها سنة فلا، وكذا إذا تزوجها على أن يزرع أرضها سنة. م: (ولنا أن المشروع) ش: أي في عقد النكاح م: (إنما هو الابتغاء بالمال) ش: أي الطلب بالمال لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] (النساء: الآية 24) ، م: (والتعليم ليس بمال) ش: أي تعليم القرآن ليس بمال، فضلاً أن يكون متقوماً. م: (وكذلك المنافع) ش: غير متقومة م: (على أصلنا) ش: لأنها أعراض لا تبقى زمانين، وتقومها في العقد على خلاف القياس م: (وخدمة العبد ابتغاء بالمال لتضمنه تسليم رقبته) ش: أي رقبة العبد، كما في الإجارة م: (ولا كذلك الحر) ش: لأنه يتضمن تسليم رقبته، وعلى هذه النكتة يقع جواز النكاح على خدمة آخر، ورعي الغنم، قاله الأكمل. وفي " المحيط ": ولو تزوجها على خدمة حر آخر فالصحيح صحته، ويرجع على الزوج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 حر آخر برضاه، لأنه لا مناقضة فيه، وبخلاف خدمة العبد؛ لأنه يخدم مولاه معنى حيث يخدمها بإذنه وبأمره بالنكاح، وبخلاف رعي الأغنام؛ لأنه من باب القيام بأمور الزوجية، فلا مناقضة على أنه ممنوع في رواية، ثم على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب قيمة الخدمة؛ لأن المسمى مال إلا أنه عجز عن التسليم لمكان المناقضة   [البناية] بقيمة حرمته وعلى رعي غنمها وزراعة أرضها يجوز في رواية، ولا يجوز في رواية. وفي " المرغيناني " روايتان: ولو تزوج العبد على رقبته بإذن مولاه أمة أو مدبرة أو أم ولد جاز، ولو تزوج عليها حرة أو مكاتبة لا يجوز، ولا ينفذ بقيمته؛ لأن المنع من جهة الشرع، لا من جهة المال، بخلاف عبد الغير، حيث يصح النكاح، وتجب قيمته. م: (ولأن خدمة الزوج الحر لا يجوز استحقاقها بعقد النكاح لما فيه) ش: أي لما في استحقاق خدمة الزوج الحر م: (من قلب الموضوع) ش: لأن موضوع النكاح أن يكون الزوج مالكاً، قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34] (النساء: الآية 34) . والمراد بالقوامة المالكية، ومقتضى النكاح أن تكون المرأة خادمة، والزوج مخدوماً لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «النكاح رق» ، وفي جعله خدمته مهراً كان الرجل خادماً، والمرأة مخدومة، وهذا خلاف موضوع النكاح بلا خلاف. م: (بخلاف خدمة حر آخر برضاه؛ لأنه) ش: يصلح أن يكون مهراً؛ لأنه مسلم من رقبته كالمستأجر م: (لا مناقضة فيه، وبخلاف خدمة العبد؛ لأنه يخدم مولاه معنى) ش: يعني من حيث المعنى. م: (حيث يخدمها بإذنه وبأمره بالنكاح، وبخلاف رعي الأغنام؛ لأنه من باب القيام بأمور الزوجية) ش: وليس من باب الخدمة، لأنهما يشتركان في منافع أموالهما فلم تتمحض الخدمة، ألا ترى أن الابن إذا استأجر أباه للخدمة لا يجوز، ولو استأجره لرعي الغنم والزراعة وغيرها يجوز، وكيف وقد وقع التنصيص في قصة شعيب - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وشريعة من قبلنا تلزمنا، إذا نص الله ورسوله بلا إنكار. م: (فلا مناقضة على أنه ممنوع في رواية) ش: وهي رواية الأصل " الجامع " وهو الأصح، ويجوز على رواية ابن سماعة، وعللها بقوله لأنه من باب القيام بأمور الزوجية م: (ثم على قول محمد تجب قيمة الخدمة؛ لأن المسمى) ش: وهي الخدمة م: (مال) ش: يرد العقد عليها إذ المنفعة تصير مالاً بإيراد العقد عليها. م: (إلا أنه عجز عن التسليم) ش: أي عن تسليم الخدمة م: (لمكان المناقضة) ش: وهي كون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 فصار كالتزوج على عبد الغير. وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - يجب مهر المثل؛ لأن الخدمة ليست بمال، إذ لا تستحق فيه بحال، فصار كتسمية الخمر والخنزير، وهذا لأن تقومه بالعقد للضرورة، فإذا لم يجب تسليمه في العقد لم يظهر تقومه فيبقى الحكم على الأصل وهو مهر المثل، فإن تزوجها على ألف فقبضتها ووهبتها له ثم طلقها قبل الدخول بها رجع عليها بخمسمائة؛ لأنه لم يصل إليه بالهبة عين ما يستوجبه؛ لأن الدراهم والدنانير لا تتعينان في العقود والفسوخ،   [البناية] المخدوم خادماً، والخادم مخدوماً وهي ممنوعة عن استخدام الزوج شرعاً فتكون لها قيمة المسمى م: (فصار كالتزوج على عبد الغير) ش: فاستحق، فلزم قيمته. م: (وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف يجب مهر المثل؛ لأن الخدمة) ش: أي خدمة الحر م: (ليست بمال إذ لا تستحق فيه) ش: أي لا تستحق الخدمة في النكاح، قال الرازي: سماعاً في هذا الموضع بكلمة أو التي هي موضوعة لأحد الشيئين على أن تكون هذه الجملة دليلاً ثانيا، بيانه أن مهر المثل إنما وجب لأحد الأمرين، إما لأن خدمة الزوج الحر ليست بمال، أو لأن خدمته لها لا تعتبر مستحقة في النكاح. م: (بحال) ش: يعني أصلاً، لأن المنافع ليست بمال متقوم حقيقة، لعدم الإحراز وتقومها المعقود للضرورة شرعاً، بخلاف القياس، وإذا منعنا الشرع عن تسليم هذه المنفعة لمكان المناقضة لم يثبت تقومها لما ذكرنا أن فيه قلب الموضوع، م: (فصار كتسمية الخمر والخنزير) ش: إذا عقد، وسماهما، أو إحداهما، فإنه يجب مهر المثل. م: (وهذا لأن تقومه بالعقد للضرورة، فإذا لم يجب تسليمه) ش: أي تسليم ما ليس بمال م: (في العقد لم يظهر تقومه، فيبقى الحكم على الأصل وهو مهر المثل) ش: إذ مهر المثل هو الأصل في النكاح. م: (فإن تزوجها على ألف) ش: أي بأن تزوج امرأة، وجعل صداقها ألف درهم م: (فقبضتها) ش: أي فقبضت المرأة الألف الصداق م: (ووهبتها له) ش: أي للزوج م: (ثم طلقها قبل الدخول بها رجع عليها) ش: أي رجع الزوج على المرأة م: (بخمسمائة) ، ش: وهي نصف المهر، وبه قال الشافعي. وقال: في الأظهر لا يرجع كما في"العين"، وبه قال مالك وأحمد في رواية م: (لأنه) أي لأن الزوج م: (لم يصل إليها بالهبة) ش: أي هبة الألف التي قبضتها ثم وهبتها له م: (عين ما يستوجبه) أي عين ما يستحقه بالطلاق قبل الدخول؛ لأنه يستحق به نصف المهر والمقبوض ليس بمهر، بل هو عوض عنه، وهذا لأن المهر دين في الذمة، والمقبوض عين، فكان مثله لا عينه، فصارت هبة المقبوض كهبة مال آخر، وحقه في سلامة نصف الصداق، فلم يسلم له الرجوع وهذا م: (لأن الدراهم والدنانير لا تتعينان في العقود والفسوخ) ش: عندنا فصار كهبة مال آخر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 وكذا إذا كان المهر مكيلا، أو موزونا أو شيئا آخر في الذمة؛ لعدم تعينها. فإن لم تقبض الألف حتى وهبتها له، ثم طلقها قبل الدخول بها لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء في قولهم جميعا، وفي القياس يرجع عليها بنصف الصداق، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه سلم المهر له بالإبراء، فلا تبرأ عما يستحقه بالطلاق قبل الدخول. ووجه الاستحسان أنه وصل إليه عين ما يستحقه بالطلاق قبل الدخول، وهو براءة ذمته عن نصف المهر، ولا يبالي باختلاف السبب عند حصول المقصود. ولو قبضت خمسمائة ثم وهبت الألف كلها المقبوض وغيره، أو وهبت الباقي ثم طلقها قبل   [البناية] م: (وكذا) ش: أي وكذا يرجع عليها بالنصف م: (إذا كان المهر مكيلاً، أو موزوناً، أو شيئا آخر في الذمة) ش: كالعدة، وليس في الكثير من النسخ لفظ " أو شيئاً "؛ بل هو " أو موزوناً آخر " بلفظ: " آخر " صفة الموزون. وقال الأترازي: أو موزوناً آخر غير الدراهم والدنانير - يعني غير مقبوض بأن تزوجها، وجعل مهرها كذا وكذا أكراً من الحنطة، أو الشعير، أو كذا وكذا رطلاً من الأشياء التي توزن، أو شيئاً آخر عين المكيل والموزون، وكل ذلك بلا قبض، وعلل هذا بقوله: م: (لعدم تعينها) ش: أي لعدم تعيين هذه الأشياء عند العقد، ولهذا لم يجب عليها رد عين ما قبضت. م: (فإن لم تقبض الألف) ش: أي فإن لم تقبض المرأة الألف التي أصدقها عليها م: (حتى وهبتها له ثم طلقها قبل الدخول بها لم يرجع واحد منهما) ش: أي من الزوجين م: (على صاحبه بشيء) ش: من ذلك م: (في قولهم جميعاً) ش: أي في قول أبي حنيفة وصاحبيه استحساناً. م: (وفي القياس يرجع عليها بنصف الصداق وهو قول زفر؛ لأنه) ش: أي لأن الزوج م: (سلم المهر له بالإبراء) ش: وما سلم له بالإبراء غير ما يستحقه بالطلاق وهو براءة ذمته عما عليه من نصف المهر بالطلاق قبل الدخول فالزوج سلم له غير ما يستحقه م: (فلا تبرأ) ش: أي المرأة م: (عما يستحقه) ش: أي الزوج م: (بالطلاق قبل الدخول) ش: فالزوج يسلم له وهو النصف. م: (ووجه الاستحسان أنه) ش: أي أن الزوج م: (وصل إليه عين ما يستحقه بالطلاق قبل الدخول وهو براءة ذمته عن نصف المهر) ش: لكن بسبب آخر وهو الإبراء م: (ولا يبالي باختلاف السبب عند حصول المقصود) ش: وهو براءة ذمة الزوج عن نصف المهر؛ لأن الأسباب غير مطلوبة لذاتها بل لأحكامها، ألا ترى أن من يقول لآخر: لك علي ألف درهم ثمن هذه الجارية التي اشتريتها منك، وقال الآخر: الجارية جاريتك ولي عليك ألف، لزمه المال لحصول المقصود، وإن كذبه في السبب وهو بيع الجارية. م: (ولو قبضت خمسمائة ثم وهبت الألف كلها المقبوض وغيره، أو وهبت الباقي ثم طلقها قبل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 الدخول بها لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يرجع عليها بنصف ما قبضت اعتبارا للبعض بالكل، ولأن هبة البعض حط فيلحق بأصل العقد، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن مقصود الزوج قد حصل وهو سلامة نصف الصداق بلا عوض، فلا يستوجب الرجوع عند الطلاق، والحط لا يلتحق بأصل العقد في النكاح، ألا ترى أن الزيادة فيه لا تلتحق حتى لا تتنصف، ولو كانت وهبت أقل من النصف وقبضت الباقي فعنده يرجع عليها إلى تمام النصف، وعندهما ينتصف المقبوض. ولو كان تزوجها على عرض   [البناية] الدخول بها لم يرجع أحدهما بشيء على صاحبه عند أبي حنيفة) ش: أي فيما يتعين وفيما لا يتعين، وبه قال الشافعي في وجه، وهو الأصح، وفي وجه: يرجع عليها بنصف الصداق، وهو قول زفر، وهو القياس. م: (وقالا: يرجع عليها بنصف ما قبضت اعتباراً للبعض بالكل) ش: يعني لو قبضت الكل، ثم وهبت للزوج ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف ما قبضت، فكذا إذا قبضت البعض م: (ولأن هبة البعض حط، فيلحق بأصل العقد) ش: أي البعض الذي لم يقبضه حط والحط يلحق بأصل العقد، فكأنه تزوجها قبل الخمسمائة المقبوضة ابتداء. م: (ولأبي حنيفة أن مقصود الزوج قد حصل) ش: وقد فسر مقصوده، بقوله: م: (وهو سلامة نصف الصداق بلا عوض) ش: وقد حصل م: (فلا يستوجب الرجوع عند الطلاق) ش: كمن له على آخر دين مؤجل، فاستعجل قبل حلول الأجل م: (والحط لا يلتحق بأصل العقد في النكاح) ش: لأنه ليس بعقد معاينة، ولا مبادلة مال بمال، فلا تقع الحاجة إلى دفع العين، فلا يلتحق بأصل العقد، وإنما يلتحق في البيع فإنه عقد معاينة ومبادلة مال بمال، ومرابحة مع الحاجة إلى دفع العين، ثم استوضح ذلك بقوله. م: (ألا ترى أن الزيادة فيه لا تلتحق حتى لا تتنصف) ش: وكذا الحط لا يلتحق، لأن الحط والزيادة شيئان، فإذا لم يلتحق الحط لا تلتحق الزيادة، ألا ترى أنها لو حطت عن الزوج إلا خمسة لم يكمل لها عشرة اعتباراً بالابتداء، ولو التحق الحط بأصل العقد يكمل، ولو انتصف ولم تهب الباقي حتى طلقها لم ينتصف الباقي اعتباراً بالابتداء. م: (ولو كانت وهبت أقل من النصف. وقبضت الباقي فعنده يرجع عليها إلى تمام النصف) ش: صورته: تزوجها على ألف، فوهبت منه مائتين، وقبضت الباقي، فعند أبي حنيفة يرجع عليها بثلاثمائة درهم حتى يتم النصف. م: (وعندهما ينتصف المقبوض) ش: يعني يرجع عليها بأربعمائة؛ لأنه عنده ما سلم للزوج العين، وعندهما المقبوض معتبر، فكأنه تزوجها على ما قبضت فينتصف المقبوض. [تزوجها على عرض فوهبته له] م: (ولو كان تزوجها على عرض) ش: وفي " الكافي ": تزوجها على ما يتعين بالتعيين كالعرض، وفي " جامع قاضي خان " والمكيل والموزون إذا كان عيناً فهو بمنزلة العروض، وإن كان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 فقبضته أو لم تقبض، فوهبت له، ثم طلقها قبل الدخول بها لم يرجع عليها بشيء، وفي القياس، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - عليها بنصف قيمته؛ لأن الواجب فيه رد نصف عين المهر على ما مر تقريره. وجه الاستحسان: أن حقه عند الطلاق سلامة نصف المقبوض من جهتها، وقد وصل إليه، ولهذا لم يكن لها دفع شيء آخر مكانه، بخلاف ما إذا كان المهر دينا، وبخلاف ما إذا باعت من زوجها؛ لأنه وصل إليه ببدل. ولو تزوجها على حيوان، أو عروض في الذمة فكذلك الجواب؛ لأن المقبوض متعين في الرد،   [البناية] ديناً فهو بمنزلة الدراهم م: (فقبضته أو لم تقبضه) ش: سواء في حكم المسألة م: (فوهبته له ثم طلقها قبل الدخول بها لم يرجع عليها بشيء) ش: استحساناً وبه قال الشافعي في القديم، وفي الجديد يرجع، وهو قول مالك، وأحمد في رواية، وهو قول زفر. م: (وفي القياس. وهو قول زفر رجع عليها بنصف قيمته؛ لأن الواجب فيه رد نصف عين المهر على ما مر تقريره) ش: يعني في قوله: لأنه يسلم لها المهر في الإبراء فلا تبرأ بما تستحقه. م: (وجه الاستحسان: أن حقه) ش: أي حق الزوج م: (عند الطلاق سلامة نصف المقبوض من جهتها) ش: بلا عوض م: (وقد وصل إليه) ش: عين المهر بلا عوض من جهتها، فحصل مقصوده، فلا يرجع بشيء، كما عجل الدين المؤجل قبل حلول الأجل، وكمن عجل الزكاة قبل الحلول. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل حصول حقه إليه م: (لم يكن لها دفع شيء آخر مكانه) ش: أي مكان ما تستحقه بالطلاق قبل الدخول؛ لتعينه في الرد م: (بخلاف ما إذا كان المهر ديناً) ش: يجري فيه العوض كالمكيل والموزون حيث يرجع عليها بالنصف؛ لأن المقبوض لا يتعين بالرد، إذ الديون تقضى بأمثالها لا بأعيانها. م: (وبخلاف ما إذا باعت) ش: يعني الصداق المعوض م: (من زوجها لأنه وصل إليه ببدل) ش: أي بعوض؛ لأنه اشتراه منها والسلامة بعوض كلا سلامة، فلا ينوب عما التحقه بالطلاق، فيرجع عليها بنصف المهر. م: (ولو تزوجها على حيوان) ش: بأن تزوجها على حمار، أو فرس أو نحوهما م: (أو عروض) ش: أي أو تزوجها على عروض حال كونها م: (في الذمة) ش: بأن قال: ثوب هروي بين جنسه ونوعه م: (فكذلك الجواب) ش: أي لا يرجع عليها بشيء قبض أو لم يقبض، وعلى قول الشافعي: لا تصح التسمية، ويجب مهر المثل. وعن مالك في رواية وأحمد - في رواية -: بطل النكاح لجهالة المسمى، وعندنا صح العقد ووجب الوسط، وأنها لا ترجع بشيء م: (لأن المقبوض متعين في الرد) ش: أن الأصل في العرض الحيوان العينية، وثبوته في الذمة على خلاف الأصل للضرورة لما فيه من الجهالة، وكان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 وهذا لأن الجهالة قد تحملت في النكاح، فإذا عين يصير كأن التسمية وقعت عليه، وإذا تزوجها على ألف، على أن لا يخرجها من البلدة أو على أن لا يتزوج عليها أخرى فإن وفى بالشرط فلها المسمى؛ لأنه صلح مهرا، وقد تم رضاها به. وإن تزوج عليها أخرى أو أخرجها فلها مهر مثلها؛ لأنه سمى ما لها فيه نفع، فعند فواته ينعدم رضاها بالألف، فيكمل مهر مثلها، كما في تسمية الكرامة والهدية مع الألف.   [البناية] ينبغي أن يفسد العقد، ولكنه صح ووجب الوسط. م: (وهذا) ش: أشار به إلى شيئين، أحدهما: جواز النكاح بالحيوان والعروض بلا تعيين، والآخر: إلى أن المقبوض متعين في الرد، فأشار إلى الأول بقوله: م: (لأن الجهالة) ش: يعني عدم التعيين م: (قد تحملت في النكاح) ش: لأن مبناه على المسامحة عادة، وإنما قيد بقوله: تحملت في النكاح احترازاً عن المعاوضات المحضة، حيث لا يتحمل فيها الجهالة، كما لو اشترى فرساً، أو حماراً، لا يجوز لما عرف أن مبناه على المضايقة فيؤدي إلى المنازعة. وأشار إلى الثاني بقوله: م: (فإذا عين) ش: أي عند القبض م: (يصير كأن التسمية وقعت عليه) ش: ولو كان كذلك كان متعيناً، وكذلك إذا عين بالقبض، وفائدة الأول صحة العقد، وإن كان المسمى مجهولاً، ومنع وجود المهر، وفائدة الثاني عدم رجوع الزوج عليها بشيء إن وهبته له، وعدم ولاية الاستبدال بغيره، بخلاف الدراهم والدنانير. [تزوج رجل امرأة على ألف درهم على أن لا يخرجها من البلدة] م: (وإذا تزوجها على ألف) ش: أي إذا تزوج رجل امرأة على ألف درهم م: (على أن لا يخرجها من البلدة، أو على أن لا يتزوج عليها أخرى) ش: أي أو يتزوج بشرط أن لا يتزوج عليها امرأة أخرى، فالنكاح صحيح، وإن كان شرط عدم المسافرة، أو عدم التزويج فهو فاسد؛ لأن فيه المنع عن الأمر المشروع. م: (فإن وفى بالشرط فلها المسمى؛ لأنه صلح مهراً) ش: أي لأنه سمى ما صلح مهراً؛ لأنه سمى ما لها فيه نفع، وهو عدم إخراجها من البلد، وعدم التزوج عليها م: (وقد تم رضاها به) ش: أي رضا المرأة بما سمى. م: (وإن تزوج عليها أخرى أو أخرجها) ش: أي من البلدة م: (فلها مهر مثلها) ش: وصورة المسألة فيما إذا كان مهر المثل أكثر من الألف م: (لأنه سمى ما لها فيه نفع) ش: حتى رضيت بقبض المسمى عن مهر المثل م: (فعند فواته ينعدم رضاها بالألف، فيكمل مهر مثلها كما في تسمية الكرامة) ش: بأن يكرمها ولا يكلفها الأعمال الشاقة م: (والهدية) ش: أي وكما في تسمية الهدية. م: (مع الألف) ش: بأن شرط ما يبعث به كما لو سمى الهدية مع الألف، بأن يرسل إليها مع الألف الثياب الفاخرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 ولو تزوجها على ألف إن أقام بها، وعلى ألفين إن أخرجها،   [البناية] وقال زفر: إن شرط لها مع الألف ما هو مال كالهدية، فالجواب هكذا، وإن شرط ما ليس بمال، كطلاق الضرة فليس لها إلا الألف، وفي " المغني ": الشروط في النكاح أقسام ثلاثة: الأول: يلزم الوفاء به، وهو ما يعود نقصه إليها وهو أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يسافر بها أو لا يتزوج عليها ولا يتسرى عليها، فهذه الشروط يلزمه الوفاء بها، فإن لم يف فلها فسخ نكاحها، يروى ذلك عن عمر، وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية وعمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وبه قال شريح، وعمر بن عبد العزيز، وجابر بن زيد، وطاوس، والأوزاعي، وإسحاق وأبطل هذه الشروط الزهري وقتادة، وهشام بن عروة، والليث والثوري؛ ومالك، والشافعي، وابن المنذر. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لكن يكمل لها مهر المثل إن نقصت منه بسبب هذه الشروط. والثاني: ما يبطل فيه الشروط ويصح النكاح، مثل أن يشترط أن لا يكون لها مهر، وأن ينفق عليها، ولا يطأها، أو أن يعزل عنها، أو لا يكون عندها في الجمعة إلا يوماً أو ليلة، أو شرط لها النهار دون الليل، أو شرط عليها أن تنفق عليه أو تقطعه شيئاً من مالها، فهذه الشروط كلها باطلة، لأنها تنافي مقتضى العقد، والنكاح صحيح في الصور كلها؛ لأنه لا يبطل بالشروط الفاسدة. والثالث: ما يبطل به النكاح وهو التوقيت في النكاح، ونكاح المتعة واشتراط الخيار، وهذا اتفاق، أو يقول: زوجتك إن رضيت أختها أو فلانا أوجبت بالمهر في وقت كذا، وإلا فلا نكاح بيننا. وذكر أبو الخطاب فيه: وفي خيار الشرط ورضا أمها أو رضا فلان روايتان، أحدهما: النكاح فيها صحيح والشرط باطل، وبه قال أبو ثور، وحكاه عن أبي حنيفة في شرط الخيار، وزعم أنه لا خلاف فيها. وفي " خزانة الأكمل ": تزوجها على أن أباها بالخيار صح النكاح وبطل الخيار، وإن قال: إن رضي أبي فالنكاح باطل. وقال ابن قدامة عن عطاء وأبي حنيفة، والثوري، والأوزاعي أن من قال في النكاح: إلى وقت كذا، وإلا فلا عقد بيننا أن الشرط باطل والعقد صحيح. وروى منصور عن أحمد أن الشرط والعقد جائزان، وعن مالك والشافعي وأبي عبيد فساد العقد. وفي اشتراط الخيار في الصداق عن الحنابلة ثلاثة أوجه: صحة العقد وبطلان الخيار، وصحتهما وصحة العقد وبطلان الصداق. م: (ولو تزوجها على ألف إن أقام بها) ش: يعني في بلدها م: (وعلى ألفين إن أخرجها) ش: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 فإن أقام بها فلها الألف، وإن أخرجها فلها مهر المثل، لا يزاد على الألفين، ولا ينقص عن الألف، وهذا عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: الشرطان جميعا جائزان، حتى كان لها الألف إن أقام بها، والألفان إن أخرجها. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشرطان جميعا فاسدان، ويكون لها مهر مثلها، لا ينقص عن الألف، ولا يزاد على ألفين. وأصل المسألة في الإجارات في قوله: إن خطته اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم، وسنبينها فيه إن شاء الله. ولو تزوجها على هذا العبد، أو على هذا العبد، فإذا أحدهما   [البناية] يعني من بلدها م: (فإن أقام بها فلها الألف، وإن أخرجها فلها مهر المثل لا يزاد على الألفين ولا ينقص عن الألف. وهذا) ش: أي هذا الحكم م: (عن أبي حنيفة، وقالا: الشرطان جميعاً جائزان، حتى كان لها الألف إن أقام بها، الألفان) ش: أي وكان لها الألفان م: (إن أخرجها) ش: من بلدها، فإن أقام بها فلها الألف، وإن أخرجها فلها مهر مثلها، لا يزاد على ألفين ولا ينقص. م: (وقال زفر: الشرطان جميعاً فاسدان) ش: وبه قال مالك والشافعي، وذكر مشايخ العراق قول زفر والحسن كقول أبي حنيفة ذكره في " فتاوى قاضي خان ". وفي " شرح الطحاوي ": وعلى هذا الخلاف، إذا تزوجها بألف إن كان له امرأة وبألفين إن لم يكن، أو بألف إن كانت عجمية، وبألفين إن كانت عربية، أو بألف إن كانت ثيباً وبألفين إن كانت بكراً. وعن أبي يوسف وغيره: لو تزوجها بألف إن كانت قبيحة، وبألفين إن كانت جميلة بالإجماع؛ لأنه لا خطر في التسمية الثانية، لأن أحد الوجهين ثابت جزماً. وفي " نوادر ابن سماعة " عن محمد نص على الخلاف فيه، ولو طلقها قبل الدخول في هذه الفصول فلها نصف الألف عدة م: (ويكون لها مهر مثلها، لا ينقص عن الألف، ولا يزاد على الألفين) ش: ولم يذكر المصنف وجوه هذه الأقوال، وأحالها على باب الإجارة حيث قال. م: (وأصل المسألة في الإجارات في قوله: إن خطته اليوم فلك درهم، وإن خطته غداً فلك نصف درهم وسنبينها فيه) ش: أي في كتاب الإجارة م: (إن شاء الله تعالى) ش: وجه قول زفر أنه ذكر بمقابلة شيء واحد، وهو البضع لشيئين مختلفين على سبيل النقد، وهما الألف والألفان، فتفسد التسمية للجهالة، ويجب مهر المثل، وبه قال الشافعي وأبو ثور. ووجه قولهما: أن ذكر كل واحد من الشرطين تقييد، فيصحان جميعاً، وبه قال إسحاق، وأحمد في رواية. ووجه قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أن الشرط الأول قد صح لعدم الجهالة فيه، فيتعلق العقد به، ثم لم يصح الشرط الثاني؛ لأن الجهالة نشأت منه ولم يفسد النكاح. [تزوجها على هذا العبد أو على هذا العبد] م: (ولو تزوجها على هذا العبد، أو على هذا العبد فإذا أحدهما) ش: أي أحد العبدين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 أوكس والآخر أرفع، فإن كان مهر مثلها أقل من أوكسهما فلها الأوكس، وإن كان أكثر من أرفعهما فلها الأرفع، وإن كان بينهما فلها مهر مثلها، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لها الأوكس في ذلك كله. فإن طلقها قبل الدخول بها فلها نصف الأوكس في ذلك كله بالإجماع. لهما أن المصير إلى مهر المثل لتعذر إيجاب المسمى وقد أمكن إيجاب الأوكس إذ الأقل متيقن، فصار كالخلع والإعتاق على مال. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الموجب الأصلي مهر المثل، إذ هو الأعدل، والعدول عنه عند صحة التسمية، وقد فسدت لمكان الجهالة، بخلاف الخلع والإعتاق على مال؛ لأنه لا موجب له في البدل، إلا أن مهر المثل إذا كان أكثر من الأرفع، فالمرأة رضيت بالحط، وإن كان أنقص من الأوكس فالزوج رضي بالزيادة، والواجب في الطلاق قبل الدخول   [البناية] م: (أوكس) ش: من الوكس وهو النقص م: (والآخر أرفع) ش: أي أكثر قيمة من الآخر م: (فإن كان مهر مثلها أقل من أوكسهما فلها الأوكس، وإن كان أكثر من أرفعهما فلها الأرفع، وإن كان بينهما) ش: أي بين الأرفع والأوكس. م: (فلها مهر مثلها، وهذا عند أبي حنيفة. وقالا: لها الأوكس في ذلك كله. فإن طلقها قبل الدخول بها فلها نصف الأوكس في ذلك كله بالإجماع) ش: أي بإجماع أصحابنا، قاعدة هذا أن البدل الأصل عنده مهر المثل، وعندهما المسمى، إذا فسدت على ما يجيء الآن، يخرج ذلك من ذكره تعليل الثلاثة وهو قوله: م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن المصير إلى مهر المثل لتعذر إيجاب المسمى وقد أمكن إيجاب الأوكس، إذ الأقل متيقن فصار كالخلع) ش: على ألف أو ألفين م: (والإعتاق) ش: أي وصار كالإعتاق على ألف أو ألفين م: (على مال) ش: يرجع إلى الخلع والإعتاق جميعاً، وكذا الإقرار بالألف أو الألفين. م: (ولأبي حنيفة أن الموجب الأصلي مهر المثل، إذ هو الأعدل) ش: أي لأن مهر المثل هو الأعدل، لكونه معادلاً للبضع، أو مساوياً له بخلاف المسمى؛ لأنه لا يجوز أن يكون مساوياً، ويجوز أن لا يكون؛ لأن قيمة البضع كالقيمة في البيع، والبضع يتقوم عند العقد م: (والعدول) ش: أي عن مهر المثل م: (عند صحة التسمية) ش: يعني إنما يجوز العدول عن التسمية عند صحتها، وهاهنا لم تصح م: (وقد فسدت) ش: أي التسمية قد فسدت م: (لمكان الجهالة) ش: لأنه أدخل فيه كلمة الشك. م: (بخلاف الخلع والإعتاق على مال لأنه لا موجب له في البدل) ش: حتى لا يجب شيء عند ذكر عدم البدل م: (إلا أن مهر المثل إذا كان أكثر من الأرفع فالمرأة رضيت بالحط، وإن كان أنقص من الأوكس فالزوج رضي بالزيادة) ش: فعلمنا رضاهما. م: (والواجب في الطلاق قبل الدخول) ش: هذا جواب عما يقال إذا كان كذلك فإن الواجب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 في مثله المتعة، ونصف الأوكس يزيد عليها في العادة، فوجب لاعترافه بالزيادة. وإذا تزوجها على حيوان غير موصوف صحت التسمية، ولها الوسط منه، والزوج مخير إن شاء أعطاها ذلك، وإن شاء أعطاها قيمته. قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: معنى هذه المسألة أن يسمي جنس الحيوان، دون الوصف بأن يتزوجها على فرس أو حمار. أما إذا لم يسم الجنس بأن يتزوجها على دابة، لا تجوز التسمية ويجب مهر المثل.   [البناية] أن يجب نصف الأرفع فيما وجب فيه الأوضع مهراً، لأن الواجب في الطلاق قبل الدخول نصف المسمى. وقال الكاكي: الواجب في الطلاق قبل الدخول إلى آخره، جواب قوله: - فلها نصف الأوكس في ذلك كله بالإجماع - وتقرير الجواب أن الواجب في الطلاق قبل الدخول م: (في مثله) ش: أي في مثل هذا العقد الذي فسدت التسمية فيه م: (المتعة) ش: مرفوع لأنه خبر مبتدأ أعني قوله والواجب. م: (ونصف الأوكس يزيد عليها) ش: أي على المتعة م: (في العادة فوجب) ش: أي نصف الأوكس م: (لاعترافه) ش: أي لاعتراف الزوج م: (بالزيادة) ش: على المتعة. فإن قيل: إذا فسدت التسمية عند أبي حنيفة ينبغي أن تجب المتعة، كما لو لم يسم شيئاً. قلنا: إن نصف الأوكس بطريق المتعة. فإن قيل: ينبغي أن يحكم المتعة، كما حكم مهر المثل قبل الطلاق، لأن المتعة هي الواجب الأصلي في الطلاق قبل الدخول، كما أن مهر المثل هو الموجب الأصلي قبل الطلاق. قلنا: إنما لم يحكم المتعة؛ لأنها لا تزيد على نصف الأوكس عادة، حتى لو كانت زائدة عليه بحكم المتعة. [تزوجها على حيوان غير موصوف] م: (وإذا تزوجها على حيوان غير موصوف صحت التسمية) ش: صورة المسألة أن يسمي جنس الحيوان دون الوصف، يريد أنه لم يقل: جيد، أو وسط أو رديء إلى غير ذلك من أوصافه م: (ولها الوسط منه) ش: أي من الحيوان م: (والزوج مخير إن شاء أعطاها ذلك) ش: إشارة إلى الحيوان م: (وإن شاء أعطاها قيمته) ش: أي قيمة الحيوان. م: (قال) ش: أي المصنف: م: (- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: معنى هذه المسألة أن يسمي جنس الحيوان دون الوصف) ش: يريد المصنف بهذا تفسير قول القدوري، فإن المسألة المذكورة من مسائل القدوري قال: وإن تزوجها على حيوان غير موصوف صحت التسمية، قال المصنف: معناها أن يسمي جنس الحيوان، ولم يذكر وصفه ويبين ذلك بقوله م: (بأن يتزوجها على فرس أو حمار) ش: فإن التسمية فيه صحيحة. م: (أما إذا لم يسم الجنس بأن يتزوجها على دابة، لا تجوز التسمية، ويجب مهر المثل) ش: قد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب مهر المثل في الوجهين جميعا، لأن عنده ما لا يصلح ثمنا في البيع لا يصلح مسمى في النكاح، إذ كل واحد منهما معاوضة. ولنا: أنه معاوضة مال بغير مال فجعلنا التزام المال ابتداء، حتى لا يفسد في أصل الجهالة كالدية والأقارير، وشرطنا أن يكون المسمى مالا وسطه معلوم، رعاية للجانبين، وذلك عند إعلام الجنس، لأنه يشتمل على الجيد، والرديء، والوسط ذو حظ منهما، بخلاف   [البناية] تكلم الشراح في هذا الموضع، وأطالوا الكلام، وملخصه أن المصنف سمى الفرس والحمار جنساً وليس كذلك، بل هما نوع من الحيوان، كما عرف في موضعه. والجواب على ذلك: أن المصنف أراد بالجنس ما هو مصطلح الفقهاء، وهو النوع باصطلاح غيرهم، ثم في المسألة الأولى صحت التسمية ويجب الوسط، وفي المسألة الثانية لا تصح التسمية للجهالة الفاحشة، ويلزم مهر المثل، وبه قال مالك وأحمد م: (وقال الشافعي: يجب مهر المثل في الوجهين جميعاً، لأن عنده ما لا يصلح ثمناً في البيع، لا يصلح مسمى في النكاح) ش: قال الشافعي: الحكم في الوجهين المذكورين على البيع، لأن النكاح عقد معاوضة كالبيع م: (إذ كل واحد منهما معاوضة) ش:. م: (ولنا أنه معاوضة مال بغير مال) ش: لأنه التزام المال ابتداء بغير عوض، وهو معنى قوله: م: (فجعلنا التزام المال ابتداء، حتى لا يفسد في أصل الجهالة) ش: المستدركة في الوصف م: (كالدية) ش: فإن الشرع جعل فيها مائة من الإبل، غير موصوفة. م: (والأقارير) ش: هو جمع إقرار، فإنه يلزم فيها مال من غير أن يكون في مقابلها عوض مالي م: (وشرطنا أن يكون المسمى مالا وسطه معلوم) ش: قال الكاكي: هذا جواب سؤال مقدر، وهو أن يقال: لا أشبه عقد النكاح بالإقرار في كونه التزام مال ابتداء، وينبغي أن تصح التسمية فيما إذا سمى الحيوان، ولم يبين نوعه كما لو أقر بشيء، يصح الإقرار ويلزمه البيان. فقال: وشرطنا أن يكون المسمى بالأوسط معلوم وسطه مبتدأ، ومعلوم خبره، والجملة صفة لقوله: مالا والوسط بفتح السين، وأصله أن يكون اسماً من جهة أنه أوسط الشيء، وأفضله وخياره، وقد يأتي صفة كوسط المرعى خير من طرفيه، ووسط الدابة للركوب خير من طرفيها، وهنا أيضاً كذلك، لأنه اسم لما بين طرفي الشيء، والوسط بالسكون فهو ظرف لا اسم، يعني بين، يقال: جلست وسط القوم أي بينهم م: (رعاية للجانبين) ش: يعني جانب الزوج، وجانب المرأة، كما في الزكاة يراعى ذلك لجانب الغني والفقير. م: (وذلك عند إعلام الجنس، لأنه يشتمل على الجيد والرديء، والوسط ذو حظ منهما) ش: يعني من الجيد والرديء، لأن الوسط بالنسبة إلى الرديء جيد، وبالنسبة إلى الجيد رديء م: (بخلاف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 جهالة الجنس، لأنه لا وسط له، لاختلاف معاني الأجناس، وبخلاف البيع، لأن منشأه على المضايقة والمماكسة. أما النكاح فمبناه على المسامحة، وإنما يتخير، لأن الوسط لا يعرف إلا بالقيمة، فصارت أصلاً في حق الإيفاء، والعبد أصل تسميته فيتخير بينهما.   [البناية] جهالة الجنس، لأنه لا وساطة له، لاختلاف معاني الأجناس) ش: جهالة الجنس، لأنه لا وساطة له، لاختلاف التزويج على دابة أو حيوان، حيث لا يمكن ذلك. لأنه ليس لهما طرفان، حتى يكون لهما وسطه، وهي معنى قوله لا وساطة له، لأن الجنس يشتمل على أنواع، وليس بعض النوع أولى من البعض بالإرادة، فصارت الجهالة فاحشة وفسدت به التسمية فوجب مهر المثل. م: (وبخلاف البيع) ش: جواب عن قوله: -ما لا يصلح ثمناً لا يصلح مسمى في النكاح - وتقديره أن قياس الشافعي للوجهين المذكورين على البيع غير صحيح م: (لأن منشأه) ش: أي منشأ البيع م: (على المضايقة) ش: بين المتبايعين، لأن كلاً منهما يضيق على الآخر في أمور العقد. م: (والمماكسة) ش: فسرها الأكمل بقوله أي المنازعة، وفسره الأترازي بقوله: والمماكسة المجادلة، وفي " المغرب ": المماكسة من المكس في البيع، وهو استنقاص الثمن من باب ضرب، والمكس أيضاً الجناية، وهو فعل المماكس العشار، منه: لا يدخل صاحب مكس الجنة. م: (أما النكاح فمبناه على المسامحة) ش: أي المساهلة فلا يفسد بالجهالة ما لم يفحش م: (وإنما يتخير) ش: أي الزوج بين أداء الوسط، وبين أداء قيمته م: (لأن الوسط لا يعرف إلا بالقيمة، فصارت أصلاً في حق الإيفاء) ش: وتفسير قيمة الوسط بقدر الغلاء، والرخص عندهما وهو الصحيح، وعليه الفتوى، وإنما قدر أبو حنيفة بأربعين ديناراً في السود، وفي البيض بخمسين ديناراً بالمشاهد في زمانه، وهما بنيا على الأوقات والأمكنة كلها، والأمر على ما قالا: إن القيمة تختلف باختلاف الغلاء والرخص. م: (والعبد أصل تسميته) ش: أي من حيث التسمية، هذا إذا ذكر مطلقاً، ولم يضف إلى نفسه، أما لو أضافه إلى نفسه بأن قال: تزوجتك على عبدي، فليس له أن يعطي القيمة، لأن الإضافة من أسباب التعريف، كالإشارة. ولو كان مشاراً إليه ليس له أن يعطي القيمة هكذا هاهنا، كذا في المحيط وغيره م: (فيتخير بينهما) ش: أي بين أداء القيمة وبين أداء العبد للوسط، حتى تجبر المرأة على القبول بأيهما، وقال زفر، ومالك، وأحمد: لا تجبر على القبول، وقال القاضي من الحنابلة: تجبر المرأة على قبولها إن سمى عبداً وسطاً أو جيداً، أو ردها كقولنا. وفي " الذخيرة ": الوسط في زماننا أدون الترك وأرفع السود، وفي الوسط في بلادهم السندي، لأن الخادم عندهم أنواع ثلاثة: رومي، وسندي، وحبشي، قال: فالأعلى الرومي والأدنى الحبشي والوسط السندي، وفي بلادنا: التركي والصقلي والهندي، فالوسط الصقالبة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 وإن تزوجها على ثوب غير موصوف فلها مهر المثل، ومعناه أنه ذكر الثوب ولم يزد عليه، ووجهه أن هذه جهالة الجنس، لأن الثياب أجناس، ولو سمى جنسا بأن قال: هروي تصح التسمية، ويخير الزوج لما بينا، وكذا إذا بالغ في وصف الثوب في ظاهر الرواية، لأنها ليست من ذوات الأمثال، وكذا إذا سمى مكيلا، أو موزونا وسمى جنسه دون صفته،   [البناية] وفي " المبسوط ": أرفع الخدم التركي، والأدون الهندي، والوسط السندي، فالوسط أعلى الترك وأعلى الهنود في بلادنا، لأن السود لا توجب عندنا. وفي " البدائع ": لو تزوجها على وصف أبيض صح، لأنه يصح بدون الوصف، فبالوصف أولى، والجيد عندهم الرومي، والوسط السندي، والرديء الهندي، والجيد عندنا التركي، والوسط الرومي والرديء الهندي، وقيمة الجيد خمسون ديناراً والوسط أربعون أو ثلاثون، والمعتبر فيه القيمة بلا خلاف، وفي " المغني ": الوسط من العبيد السندي والمنصوري، والأعلى التركي والرومي، والأدنى الزنجي والحبشي. [تزوجها على ثوب غير موصوف] م: (وإن تزوجها على ثوب غير موصوف فلها مهر المثل) ش: أي بإجماع الأئمة الأربعة م: (ومعناه) ش: أي معنى قوله: تزوجها على ثوب غير موصوف م: (أنه ذكر الثوب ولم يزد عليه، ووجهه) ش: أي وجه وجوب مهر المثل م: (أن هذه جهالة الجنس) ش: أي النوع، وقد ذكرنا أن مراده من الجنس النوع، على اصطلاح الفقهاء م: (لأن الثياب أجناس) ش: أي أنواع كالقطن، والكتان والإبريسم ونحوها. م: (ولو سمى جنساً) ش: أي نوعاً م: (بأن قال: هروي تصح التسمية، ويخير الزوج) ش: يعني بين القيمة والوسط م: (لما بينا) ش: أن الثياب أنواع م: (وكذا) ش: أي وكذا يتخير م: (إذا بالغ في وصف الثوب) ش: بأن ذكر طوله وعرضه وذرعه ورقعته، وذكر أنه على منوال كذا وكذا، أو صار بحال يجب السلم فيه. م: (في ظاهر الرواية) ش: احترازاً عما روي عن أبي حنيفة أن الزوج يجبر على تسليم الوسط، وهو قول زفر وقال الكاكي: قيد ظاهر الرواية لما روي عن أبي يوسف أنه قال: إن ذكر الأجل مع ذلك لا تجبر المرأة على قبول القيمة، وإن لم يذكر الأجل مع ذلك أجبرت، لأن الثياب لا تثبت في الذمة ثبوتاً صحيحاً إلا مؤجلا. ووجه الظاهر ما ذكره بقوله: م: (لأنها ليس من ذوات الأمثال) ش: بدليل أن مستهلكها لا يضمن المثل، فصارت كالعبد م: (وكذا) ش: أي وكذا يتخير الزوج بين الوسط والقيمة م: (إذا سمى مكيلاً أو موزوناً، وسمى جنسه دون صفته) ش: مثل أن تقول: تزوجتك على كر حنطة، أو من زعفران ولم يزد على ذلك، فإنه يخير بين الوسط وقيمته. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 وإن سمى جنسه وصفته لا تخير، لأن الموصوف منهما يثبت في الذمة ثبوتا صحيحا.   [البناية] م: (وإن سمى جنسه) ش: أي نوعه م: (وصفته لا تخير) ش: بل تجبر على الوسط م: (لأن الموصوف منهما) ش: أي من المكيل والموزون م: (يثبت) ش: دينا (في الذمة ثبوتاً صحيحاً) ش: حالاً أو مؤجلاً، بدليل جواز استقراضه والسلم فيه، وإن لم يذكر الصفة. فروع: وفي " المحيط " وغيره: تزوجها على بيت وهو بدوي يلزمه بيت من شعر أو وبر إذ هو نوع من الثياب، وإن كان حضريا قال محمد: لها بيت وسط، قال: أراد به ثياب بيت، ولهذا قال: ما يجهز به هنالك، والتجهيز لا يكون بالبيت، قال صاحب " المحيط " وفي عرفنا يراد بالبيت الذي يبات فيه من المدر، ولا يصلح مهراً إذا لم يكن معينا، وفي " المبسوط ": المراد بالبيت متاع البيت وهو معروف بالعراق، وهو ما يجهز به ملك المرأة فينصرف إلى الوسط وعن أبي حنيفة: قيمته أربعون ديناراً. وفي " جوامع الفقه " هو على مثل متاع بيت وسط في عرفهم، وفي عرفنا يجب مهر المثل وإن عين البيت فهو على عينه، بخلاف الدراهم والدنانير، وفي تعيين التبر روايتان، والفلوس التي تزوج كالدراهم، والغطارفية كذلك. وفي المواضع التي تزوج فيها تعيين، والمكيل، والموزون، والعدد بأعيانهما يتعين وللزوجة أخذ عينها، وقال مالك: يجوز النكاح على بيت وخادم، ويجب فيهما الوسط وعند الشافعي: يجب فيهما مهر المثل. وفي "مصنف ابن أبي شيبة " قال الحسن، وابن سيرين، والنخعي: يجوز النكاح على الوصفاء والوصايف. زوجت نفسها بمهر أمها جاز به. وفي " الذخيرة " وهو الصحيح، ولو طلقها قبل الدخول بها فلها نصفه، ويجبر إذا علم مقدار مهر أمها. وفي " جوامع الفقه ": لو تزوجها على مثل مهر فلانة يجب مهر المثل. وكذا إذا تزوجها على مثل هذا الزنبيل حنطة، أو قيمة هذا العبد، أو قيمة عبد، أو على سكنى دار موقوفة أو على أن يخدمها ما عاش، أو برد آبقها، أو على دراهم، أو ناقة من هذه الإبل، أو على ثوب قيمته عشرة، أو قال: بجميع ما أملكه يجب في ذلك مهر المثل. وفي " المرغيناني ": هذا قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وعن أبي حنيفة: يعطيها ناقة من إبله. تزوجها على غنم بعينها على أن أصوافها له كان له الصوف استحساناً. وتزوجها على جارية حبلى على أن ما في بطنها له فلها الجارية دون ولدها، قال: عن كل يجب مهر المثل، إلا أن يحكم بأكثر منه، فيجب ذلك على حكم فلان (فإن) حكم بأقل من مهر المثل فلا بد من رضاه. وفي " المغني " لو تزوجها على حكمها أو حكمه، أو حكم أخيه لا يصح، وهو قول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الشافعي وقال مالك: يجوز، فإن وقعت الفرقة بالحكم فيها وإلا فسخ، ولا شيء لها فإن فرض لها مهر المثل لزمها النكاح. وقال ابن حزم في " المحلى ": يفسد النكاح فيه، ولو تزوج امرأة على ألف مؤجل لا يصح التأجيل، ويؤمر الزوج بتعجيل ما تعارف أهل بلده بتعجيله، ويؤخذ الثاني بعد الطلاق والموت، ولا يجبر على تسليم الباقي ولا يجبر عليه. وفي " قنية المنية " هو عادة خوارزم، فإن طلقها رجعياً لا يصير المهر حالاً، حتى تنقضي العدة به، وقال عامة المشايخ، وقال القاضي البديع، وقاضي خان: ويصير حالاً، ولو قال: بعضه معجل وبعضه مؤجل ولم يزد يجوز، ويحل بالفرقة وبالموت أو بالطلاق، وقيل: يجب حلاً وهو أقرب إلى الحق، وفي " الذخيرة " والصحيح الصحة للعرف معلومة في نفسها، وهو الطلاق أو الموت. وفي " البدائع " إذا ذكر أجلاً مجهولاً كالميسرة، وهبوب الريح، ومجيء المطر، وقال: تزوجتك على ألف مؤجلة فهي حالة، لأن الأجل لم يثبت للجهالة الفاحشة، وإن تزوجها على ألف على أن ينقدها ما تيسر له، والبقية إلى سنة كان الألف كله إلى سنة، إلا أن تقيم المرأة بينه على أنه قد تيسر له منها شيء فتأخذه. وفي " المغني ": يجوز بمهر معجل ومؤجل، وإن لم يذكر أجله، وقال القاضي: المهر صحيح ومحله الفرقة. وقال ابن حنبل: لا يحل الأجل إلا بموت أو فرقة، وهو قول الشعبي، والنخعي، والحسن، وحماد، والثوري، وقال أبو عبيد: يكون حالاً. وقال إياس بن معاوية وقتادة: لا يحل حتى يطلق، أو يخرج من مهرها، أو يتزوج عليها. وعن مكحول والأوزاعي والعنبري: حال إلى سنة بعد دخوله، وقال الشافعي: لها مهر المثل، واختاره الخطاب من الحنابلة. وقال مالك: إن كان عرفهم أن لا يؤخذ إلا عند الموت والطلاق فإنه ينظر إلى مهر مثل تلك المرأة، فيعطي مثلها إن دخل بها، وإن لم يدخل بها يعجل المهر وإلا يفسخ، ذكره ابن المنذر عنه في " الأشراف "، وإن تزوجها على ألف إلى هبوب الريح، أو مجيء المطر فهي حالة الجهالة، أي المنازعة عند الأجل. وإن تزوجها إلى الحصاد، أو إلى الدياس، أو النيروز، أو المهرجان قال الأسبيجابي: لا رواية في هذه المسألة في الكتب الظاهرة. وقال السرخسي: الصحيح صحة التأجيل إلى هذه الأشياء في الصداق كالكفالة، وفي " المرغيناني ": يجوز التزوج إلى الحصاد، والدياس في الصحيح، ومن المشايخ من قال: لا يثبت الأجل في الصداق إلى هذه الآجال، وفرق بين الصداق والكفالة بأن ما هو المعقود عليه، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 وإن تزوج مسلم على خمر، أو خنزير فالنكاح جائز، ولها مهر مثلها. لأن شرط قبول الخمر شرط فاسد، فيصح النكاح ويلغى الشرط بخلاف البيع؛ لأنه يبطل بالشروط الفاسدة لكن لم تصح التسمية لما أن المسمى ليس بمال في حق المسلم فوجب مهر المثل.   [البناية] وهو المرأة لا تحمل الجهالة بأن الأصل خلاف الكفالة، قال: والأول أصح. قال: تزوجتك بمهر جائز في الشرع ينصرف إلى مهر المثل، هكذا في فتاوى أبى الليث وقاضي خان. وقال صاحب " المحيط ": ينصرف إلى عشرة دراهم، ولو تزوجها على أكثر من مهر مثلها، على أنها بكر فإذا هي ثيب لا تثبت الزيادة. تزوجها على حجة أو على أن يحجها فلها قيمة حج وسط وهو الحج على الراحلة، وعند مالك يجب مهر المثل، إلا أن تكون معه. وقال الشافعي وأحمد: التسمية فاسدة؛ لأن الحملان مجهول. قلنا: هذا باطل بالإجماع على جواز الاستئجار، وإن زادهم إلى مكة في جميع بلاد الإسلام وفي " القنية ": يجوز الزيادة في المهر بغير شهود ولا تصح من غير قبول. [تزوج مسلم على خمر أو خنزير] م: (وإن تزوج مسلم على خمر، أو خنزير، فالنكاح جائز، ولها مثلها) ش: هذه من مسائل القدوري، وفي " الجواهر " للمالكية: يفسخ النكاح قبل الدخول، وبعده يثبت على المشهور، وهل فسخه على الاستحباب أو الوجوب؟ فيه قولان. وعند الشافعي يجب مهر المثل، وفي قول: قيمته. وقال أبو عبيد: يفسد النكاح في ذلك كله، واختاره أبو بكر بن عبد العزيز من الحنابلة، وهو قول الظاهرية، ومثله التزوج على السنة واليوم، بقولنا: قال الأوزاعي والثوري وآخرون. أما الجواز فهو م: (لأن شرط قبول الخمر شرط فاسد، فيصح النكاح ويلغى الشرط) ش: وفساد التسمية ليس بأكثر من عدمها، وذلك لا يفسد النكاح فكذا هكذا م: (بخلاف البيع) ش: حيث لا يصح الخمر والخنزير م: (لأنه يبطل بالشروط الفاسدة) ش: والنكاح لا يفسد، ولهذا لو سكت عن ذكر الثمن في البيع يبطل، والنكاح لا يبطل بالسكوت عن ذكر المهر حيث يصح ويجب مهر المثل، فافترقا. م: (لكن لم تصح التسمية) ش: لأن شرط صحة التسمية أن يكون المسمى مالاً، والخمر والخنزير ليسا بمال متقوم، فبين في قوله، وهو قوله: م: (لما أن المسمى ليس بمال في حق المسلم فوجب مهر المثل) . ش: وقال الشافعي - في قوله القديم - وأحمد: يجب في الخمر مهر المثل، وفي الخنزير القيمة، وقيل: قول المصنف في الخمر: ليس بمال فيه نظر، فإن الأصحاب قالوا فيها: إنها مال غير متقوم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 فإن تزوج امرأة على هذا الدن من الخل، فإذا هو خمر فلها مهر مثلها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لها مثل وزنه خلا، وإن تزوجها على هذا العبد فإذا هو حر يجب مهر المثل عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: تجب القيمة: لأبي يوسف أنه أطمعها مالا وعجز عن تسليمه فتجب عليه قيمته أو مثله إن كان من ذوات الأمثال، كما إذا هلك العبد المسمى قبل التسليم وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: اجتمعت الإشارة والتسمية، فتعتبر الإشارة لكونها أبلغ في المقصود وهو التعريف،   [البناية] في حق المسلم؛ لأن المال يقع فيه شح القسمة، والخمر بهذه المثابة. فإن تزوج المرأة على هذا الدن من الخل فإذا هو خمر فلها مهر مثلها عند أبي حنيفة وقالا: لها مثل وزنه خلاً، وبه قال أحمد والشافعي في قول وفي قول آخر كقول أبي حنيفة م: (وإن تزوجها على هذا العبد فإذا هو حر) ش: أي ظهر أنه حر م: (يجب مهر المثل عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: تجب القيمة) ش: وقول أبي يوسف أولاً في مسألة الحر مثل قولهما، كذا ذكر الحاكم الشهيد في " الكافي " وشمس الأئمة السرخسي في "شرحه "، وكذلك لو تزوجها على شاة ذكية فظهرت ميتة فالخلاف فيها كالخلاف في الحر. [تزوجها على هذا الدن من الخل فإذا هو خمر] وفي " جوامع الفقه ": م: (إذا تزوجها على هذا الدن من الخل) ش: أو على هذه الذكية، م: (فإذا هو خمر) ش: أو ميتة يجب مهر المثل فيهما عند أبي حنيفة، وعندهما يجب فيه خلاً أو ذكية أو قيمتها، ولم يذكر القيمة غيره. وفي العبد إذا ظهر حراً يجب مهر المثل عندهما، وعند أبي يوسف قيمته إذا لم يعلمها بكونه حراً، وإن علما يجب مهر المثل اتفاقاً. وإن قال: على هذا الثوب الهروي فإذا هو مروي فعند أبي حنيفة يجب ثوب هروي مجردة، ولم يذكر قول أبي يوسف. ولو قال على هذا القفيز من الحنطة فإذا هي شعير، أو على هذا الخل، فإذا هو زيت يجب المسمى بقدره عند أبي حنيفة، وعن محمد يجب الشعير، قال: والظاهر أنه يجب عنده مهر المثل، ولو قال: على هذا الفرق من السمن، وليس فيه شيء يجب لها مثل ذلك من السمن. ولو قال: على هذا الزق من السمن يجب مهر المثل. م: (لأبي يوسف أنه) ش: أي أن الزوج م: (أطمعها) ش: يقال: أطمعه الشيء فطمع حيث سمى لها م: (مالا وعجز عن تسليمه فتجب عليه قيمته أو مثله، إن كان من ذوات الأمثال) ش: فالخل من ذوات الأمثال م: (كما إذا هلك العبد المسمى) ش: في العقد بأن تزوجها عليه فهلك م: (قبل التسليم) ش: أي قبل تسليمه إليها فإنه يجب قيمة العبد الهالك اتفاقاً. م: (وأبو حنيفة يقول: اجتمعت الإشارة) ش: وهو قول هذا م: (والتسمية) ش: في قول: العبد م: (فتعتبر الإشارة لكونها أبلغ في المقصود وهو التعريف) ش: لكونها قاطعة للشركة؛ لأن الإشارة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 176 فكأنه تزوج على خمر أو حر. ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: الأصل أن المسمى إذا كان من جنس المشار إليه يتعلق العقد بالمشار إليه؛ لأن المسمى موجود في المشار إليه ذاتا والوصف يتبعه، وإن كان من خلاف جنسه يتعلق بالمسمى؛ لأن المسمى مثل المشار إليه وليس بتابع له، والتسمية أبلغ في التعريف من حيث إنها تعرف الماهية، والإشارة تعرف الذات، ألا ترى أن من اشترى فصا على أنه ياقوت فإذا هو زجاج لا ينعقد العقد لاختلاف الجنس. ولو اشترى على أنه ياقوت أحمر، فإذا هو أخضر ينعقد العقد؛ لاتحاد الجنس،   [البناية] بمنزلة وضع اليد على الشيء، ويحصل بها كمال التمييز؛ لأن الإشارة إلى شيء وإرادة غيره ممتنعة، وأما التسمية فمن باب استعمال اللفظ، وإرادة غير ما وضع له م: (فكأنه تزوج على خمر، أو حر) ش: أي فكأن الرجل تزوجها على خمر في تزوجها على هذا الدن من الخل، أو تزوجها على حر في تزوجه على هذا العبد، فالواجب فيهما مهر المثل بلا خلاف. م: (ومحمد يقول: الأصل أن المسمى إذا كان من جنس المشار إليه يتعلق العقد بالمشار إليه؛ لأن المسمى موجود في المشار إليه ذاتاً) ش: أي من حيث الذات م: (والوصف يتبعه) ش: أي يتبع الذات؛ لأنه قائم بالذات، وعدمه لا يستلزم انعدام الذات. م: (وإن كان) ش: أي المسمى م: (من خلاف جنسه) ش: أي جنس المشار إليه م: (يتعلق بالمسمى لأن المسمى مثل المشار إليه) ش: من حيث التعريف م: (وليس بتابع له) ش: أي للمشار إليه. م: (والتسمية أبلغ في التعريف من حيث إنها تعرف الماهية) ش: وهي الحقيقة من حيث هي م: (والإشارة تعرف الذات) ش: من غير دلالة، على الحقيقة، ثم أوضح ذلك م: (ألا ترى أن من اشترى فصاً على أنه ياقوت، فإذا هو زجاج لا ينعقد العقد لاختلاف الجنس) ش: فيتعلق العقد بالمسمى وهو معدوم، وبيع المعدوم باطل. م: (ولو اشترى على أنه ياقوت أحمر، فإذا هو أخضر ينعقد العقد لاتحاد الجنس) ش: لأن المشار إليه من جنس المسمى في تعلق العقد، وهو موجود فيصح إذا عرفنا هذا، قال محمد: الحر مع العبد جنس واحد؛ لاشتراكهما في الصورة والمعنى والمنافع، إلا أنهما مختلفان في المالية، فبعد الاختلاف، ويغلب الاتحاد والاتفاق فيتحد الجنس، وكان المشار إليه من جنس المسمى يتعلق العقد المشار إليه، وأنه لا يصلح مهراً لعدم كونه مالاً، فتفسد التسمية فيصار إلى مهر المثل. أما الخمر من الخل فجنسان مختلفان؛ لأنهما لا يختلفان في الصورة ويختلفان في الاسم والمعاني فيقل الاتحاد ويغلب الاختلاف، فكانا جنسين مختلفين في تعلق العقد بالمسمى، وهو في الاسم والمعاني، وهو الدن من الخل، وأبو حنيفة يقول: إن الخمرية والخلية والرقية والحرية صفات تعاقب على الذات الواحدة، فلا يختلف به الجنس كالصبي والشاب والشيخوخة والصغر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 وفي مسألتنا العبد مع الحر جنس واحد؛ لقلة التفاوت في المنافع، والخمر مع الخل جنسان لفحش التفاوت في المقاصد فإن تزوجها على هذين العبدين، فإذا أحدهما حر فليس لها إلا الباقي، إذا ساوى عشرة دراهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه مسمى، ووجوب المسمى وإن قل يمنع وجوب مهر المثل.   [البناية] والكبر، فكان المشار من جنس المسمى في الصلات جميعاً. م: (وفي مسألتنا) ش: أراد به قوله: - وإذا تزوجها على هذا العبد فإذا هو حر - م: (العبد مع الحر جنس واحد) ش: وقيل: إن الحر الصغير يصير عبداً حراً، ومنافعهما متقاربة، أشار إليه بقوله: م: (لقلة التفاوت في المنافع) ش: يظهر ذلك في جواز البيع وعدمه م: (والخمر مع الخل) ش: في المسألة المذكورة، وهي ما إذا تزوجها على هذا الدن من الخل، فإذا هو خمر. م: (جنسان لفحش التفاوت في المقاصد) ش: فإذا أحدهما لا يسد مسد الآخر، وما يصلح له الخل لا يصلح له الخمر، والخل بعد استحكامه لا ينقلب خمراً، وبخلاف هذا، قال في " المبسوط ": أبو حنيفة يقول: الخمر مع الخل جنس واحد، فإن الأصل واحد وهو العصير، والهيئة واحدة أوصاف تعرض على العين، فلا توجب تبدل الجنس كالصغر والكبر في الآدمي. فإن قلت: يرد عليه مسألة " الجامع "، وهو إذا حلف لا يذوق هذه الخمرة فصارت خلاً فذاقه لا يحنث، فلو لم يتبدل الجنس لحنث، إذ الوصف في الحاضر لغو، وإلحاقه بالآدمي في الصغر والكبر بعد. قلت: يمكن أن يجاب بأن الخل والخمر جنسان في العرف، ومبنى الإيمان عليه، وإن كانا جنساً واحداً في الحقيقة. وفي " المحيط ": العبد والحر عند أبي حنيفة. ولو تزوجها على هذا العصير فتخمر قبل قبضه، عن أبي يوسف لها مثله، ولم يذكر قولهما، فإن تزوجها على هذين العبدين، هذه المسألة مبنية على الأصل المذكور، والخلاف فيها كالخلاف فيما ذكر هناك، فكذلك ذكرها بالفاء فقال: م: (فإن تزوجها) ش: أي فإن تزوج رجل امرأة م: (على هذين العبدين، فإذا أحدهما حر فليس لها إلا الباقي) ش: أي ليس لها إلا العبد الباقي م: (إذا ساوى عشرة دراهم عند أبي حنيفة؛ لأنه) ش: أي لأن الباقي. م: (مسمى، ووجوب المسمى وإن قل يمنع وجوب مهر المثل) ش: لأن المسمى ومهر المثل لا يجتمعان، بيان هذه أن أبا حنيفة يعتبر الإشارة، والإشارة إلى الحر تخرجه عن العقد، فكانت تسمية العبد الباقي لغواً، فكأنه تزوجها على عبد، وليس لها إلا ذلك، ولا يجب إلا مهر المثل؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 178 وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لها العبد، وقيمة الحر لو كان عبدا؛ لأنه أطمعها سلامة العبدين، وعجز عن تسليم أحدهما فتجب قيمته. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لها العبد الباقي، وتمام مهر مثلها إن كان مهر مثلها أكثر من قيمة العبد؛ لأنهما لو كان حرين يجب تمام مهر المثل عنده، فإذا كان أحدهما عبدا يجب العبد وتمام مهر المثل. وإذا فرق القاضي بين الزوجين في النكاح الفاسد قبل الدخول فلا مهر لها   [البناية] لأنهما لا يجتمعان، ثم العبد الباقي لو كان يساوي مهر المثل ليس لها إلا ذلك، ولا يكمل مهر المثل مع العبد الباقي. فإن قلت: قال المصنف قبل هذا: لو تزوجها على ألف إن أقام بها إلى أن قال: إن أخرجها فلها مهر المثل فهذا يدل على أن المسمى لا يوجب مهر المثل. قلت: أجيب بأن ذلك الشرط المتحقق بعقد النكاح بفواته يوجب فوات رضاها فكمل لها مهر المثل فأما المسمى فلم يستحق أصلاً، فافهم. م: (وقال أبو يوسف: لها العبد) ش: أي العبد الباقي م: (وقيمة الحر لو كان عبداً؛ لأنه أطمعها سلامة العبدين وعجز عن تسليم أحدهما، فتجب قيمته) ش: وبه قال أحمد، والشافعي في قول، وكذا لو ظهر أحدهما مغصوباً، وعند الشافعي في الأظهر يبطل في الحر والمغصوب، ويصح في المملوك ويتخير، فإن فسخ فمهر المثل. م: (وقال محمد: وهو رواية عن أبي حنيفة) ش: رواه ابن جماعة عن أبي حنيفة م: (لها العبد الباقي، وتمام مهر مثلها إن كان مهر مثلها أكثر من قيمة العبد؛ لأنهما) ش: أي لأن العبدين م: (لو كانا حرين يجب تمام مهر المثل عنده) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وإنما قيد بقوله: عند محمد احترازاً عن قول أبي يوسف، ولو ظهر عند الصداق آخر لم يجب قيمته، أو كان عبداً، فكذا إذا ظهر العبدان حرين يجب قيمتهما أيضاً، وكذا في أحد العبدين إذا ظهر حراً. م: (فإذا كان أحدهما عبداً يجب العبد، وتمام مهر المثل) ش: أي إذا كان أحد العبدين اللذين تزوجها عليها ظهر أحدهما عبداً والآخر حراً يجب العبد، وتمام مهر المثل إن كان أكثر من قيمة العبد. [فرق القاضي بين الزوجين في النكاح الفاسد قبل الدخول] م: (وإذا فرق القاضي بين الزوجين في النكاح الفاسد) ش: مثل النكاح بغير شهود، ونكاح الأخت في عدة الأخت في الطلاق البائن، ونكاح الخامسة في عدة الرابعة، ونكاح الأمة على الحرة م: (قبل الدخول) ش: قيد قبل الدخول بإجماع الأئمة الأربعة، وكذا بعد الخلوة؛ لأن بعد الدخول لها مهر المثل على ما يأتي عن قريب م: (فلا مهر لها) ش: عند أهل العلم قاطبة، وعن ابن جندب: يجب كالصحيح، والأصل له؛ لأن التمكين من الوطء حرام، فلا يقام مقام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 لأن المهر فيه لا يجب بمجرد العقد لفساده، وإنما يجب باستيفاء منافع البضع. وكذا بعد الخلوة؛ لأن الخلوة فيه لا يثبت بها التمكن، فلا تقام مقام الوطء، فإن دخل بها فلها مهر مثلها   [البناية] الوطء، وأقام اللمس والقبلة من غير خلوة مقام الوطء، وأوجب بذلك كمال المهر، ذكره في " المغني ". وقال الأترازي: وإنما يجب التفريق على القاضي لئلا يلزم ارتكاب المحظور إعزازاً لصورة العقد، فإن فرق بينهما قبل الدخول فلا مهر، ولا عدة؛ لأن النكاح الفاسد لا حكم له قبل الدخول، وكذا إذا فرق بعد الخلوة الصحيحة؛ لأن الخلوة الصحيحة في النكاح الصحيح إنما قامت مقام الوطء للتمكن من الوطء. وهنا لا يمكن الوطء لكون العقد فاسداً واجب الرفع، ولا يقال: ينبغي أن يجب نصف المهر لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] (البقرة: الآية 237) ؛ لأن قبول ذلك في المطلق بعد النكاح من كل وجه؛ لأن المطلق ينصرف إلى الكامل، ولم يوجد النكاح من كل وجه، انتهى. قلت: قال الأترازي: وإنما يجب التفريق على القاضي، فمن أين الوجوب عليه؟ وقد قالوا لا يتوقف التفريق بينهما على تفريق القاضي، بل لكل واحد منهما فسخ هذا النكاح بغير مهر من صاحبه قبل الدخول وبعده بمحضر منه، كالبيع الفاسد لا يجب بمجرد العقد، فإن لكل واحد فسخه قبل القبض وبعده لا بمحضر من الآخر، كذا في " الذخيرة ". قلت: يمكن أن يكون الوجوب على القاضي عند ترافع الزوجين إليه. م: (لأن المهر فيه) ش: أي في النكاح الفاسد م: (لا يجب بمجرد العقد لفساده) ش: وإنما يجب لاستيفاء منافع البضع. قوله: - لفساده - أي لفساد العقد م: (وإنما يجب) ش: أي المهر بسبب م: (استيفاء منافع البضع. وكذا بعد الخلوة) ش: أي وكذا يجب المهر في النكاح الفاسد إذا وجد التفريق بعد الخلوة الصحيحة أيضاً م: (لأن الخلوة فيه) ش: أي في النكاح الفاسد م: (لا يثبت بها التمكن) ش: من الوطء م: (فلا تقام مقام الوطء) ش: فصار كخلوة الحائض، وهذا قول المشايخ: الخلوة الصحيحة في النكاح الفاسد كالخلوة الفاسدة في النكاح الصحيح. م: (فإن دخل بها) ش: أي بالمرأة التي تزوجها بنكاح فاسد م: (فلها مهر مثلها) ش: لأن الوطء في المحل المعصوم بسبب الضمان الجائز، أو الحد الزاجر، وتعذر الثاني بشبهة النكاح فيه، فتعين الأول لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 180 لا يزاد على المسمى عندنا خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، هو يعتبره بالبيع الفاسد. ولنا أن المستوفى ليس بمال، وإنما يتقوم بالتسمية، فإذا زادت على مهر المثل لم تجب الزيادة؛ لعدم صحة التسمية، وإن نقصت لم تجب الزيادة على المسمى لانعدام التسمية.   [البناية] استحل من فرجها» . بين - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن المهر مستحق في النكاح الباطل بالدخول، لا بالعقد والخلوة م: (لا يزاد) ش: أي مهر مثلها م: (على المسمى) ش: أي على الذي سمي عند العقد م: (عندنا) . م: (خلافاً لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، هو يعتبره بالبيع الفاسد) ش: يقيسه عليه حيث تجب القيمة في البيع الفاسد بالغة ما بلغت، وإن زادت على الثمن، فكذلك مهر المثل. م: (ولنا أن المستوفى ليس بمال) ش: المستوفى هو البضع، وهو ليس بمال؛ لأنه ليس بمتقوم في نفسه م: (وإنما يتقوم بالتسمية) ش: عند العقد، فيجب تقدير القيمة وهي مهر المثل بقدر التسمية. م: (فإذا زادت) ش: أي التسمية. م: (على مهر المثل لم تجب الزيادة؛ لعدم صحة التسمية) . ش: فإن قيل: يرد على قوله: - وإنما يتقوم بالتسمية - مسألة المفوضة؛ فإن مهر المثل يجب فيها وتقوم منافع البضع. قلنا: المراد أنها تقوم زائداً على مهر المثل بالتسمية في العقد، فهذا العقد يمنع النقص عن مسألة المفوضة، أي في حق الزيادة؛ لأن التسمية في النكاح الفاسد معدوم حكماً؛ لأنه وجد في ضمن النكاح الفاسد، فإن كان معدوماً حكماً لم تتغير الزيادة على الموجب الأصلي، وهو مهر المثل، كما في البيع الفاسد إذا كان الثمن زائداً على القيمة، فلا يجب الزائد، بل تجب القيمة، وأما إذا كانت التسمية أقل من مهر المثل وجب المسمى، ولا يجب الزائد لوجود الرضا من المرأة بذلك. م: (وإن نقصت) ش: أي التسمية عن مقدار مهر المثل م: (لم تجب الزيادة على المسمى لانعدام التسمية) ش: أي تسمية الزيادة على المسمى. قال الأكمل: فإن قلت: على هذا الانتقاض؛ لأنك أسقطت التسمية إذا زادت على مهر المثل (ثم) اعتبرتها إذا نقصت عنه، وهي وإن كانت فاسدة يجب شمول المعدوم، وإن كانت صحيحة يجب شمول الوجوب. قلت: هي صحيحة من وجه دون وجه، صحيحة من حيث إن المسمى مال متقوم؛ لأن فرض المسألة فيه فاسدة من حيث إنها وجدت في عقد واحد، فاعتبرنا فسادها إذا زادت، وصحتها إذا نقصت لانضمام رضاها إليها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 بخلاف البيع؛ لأنه مال متقوم في نفسه، فيتقدر بدله بقيمته. وعليها العدة إلحاقا للشبهة بالحقيقة في موضع الاحتياط، وتحرزا عن اشتباه النسب. ويعتبر ابتداؤها من وقت التفريق، لا من آخر الوطآت، هو الصحيح؛ لأنها تجب باعتبار شبهة النكاح، ورفعها بالتفريق، ويثبت نسب ولدها منه، لأن النسب يحتاط في إثباته إحياء للولد، فيترتب على الثابت من وجه. وتعتبر مدة النسب من وقت الدخول عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعليه الفتوى؛ لأن النكاح الفاسد ليس بداع إليه والإقامة باعتباره.   [البناية] م: (بخلاف البيع) ش: هذا جواب عن قياس زفر، بيانه أن قياسه على البيع غير صحيح م: (لأنه) ش: أي لأن العوض عن البيع الفاسد م: (مال متقوم في نفسه فيتقدر بدله بقيمته) ش: أي بقدر قيمته بالغة ما بلغت. م: (وعليها) ش: أي المرأة المذكورة، التي دخل بها في النكاح الفاسد م: (العدة إلحاقاً للشبهة) ، أي لشبهة النكاح م: (بالحقيقة) ش: أي حقيقة النكاح م: (في موضع الاحتياط) ش: لأن النسب أمر يحتاط في إثباته إحياء للولد، فتجب العدة حفظاً م: (وتحرزاً عن اشتباه النسب) ش: عند اختلاطه، والنسب يحتاط في إثباته فيه. م: (ويعتبر ابتداؤها) ش: أي ابتداء العدة م: (من وقت التفريق) ش: أي من وقت تفريق القاضي أو العزم على ترك الوطء م: (لا من آخر الوطآت، هو الصحيح) ش: احترز به عما حكي عن أبي القاسم الصفار أنه يعتبر من آخر الوطآت، وهو قول زفر، ولهذا قال الأكمل: قوله: وهو الصحيح. احترازاً عن قول زفر، وكذا قاله الأترازي: حتى لو حاضت في آخر الوطآت ثلاث حيض قبل التفريق فقد انقضت عدتها، ذكره في " المبسوط ". م: (لأنها) ش: أي لأن العدة م: (تجب باعتبار شبهة النكاح) ش: يعني من حيث وجود ركنه من الإيجاب والقبول م: (ورفعها) ش: أي رفع شبهة النكاح م: (بالتفريق، ويثبت نسب ولدها منه، لأن النسب يحتاط في إثباته إحياء للولد) ش: لأن الولد الذي ليس له أب معروف كالميت؛ لأنه ليس له من وجهة، ولا من يعظمه ويشينه م: (فيترتب) أي ثبوت النسب م: (على الثابت من وجه) ش: وهو النكاح الفاسد. م: (وتعتبر مدة النسب من وقت الدخول عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعليه الفتوى) ش: يعني يعتبر مدة النسب، وهو ستة أشهر من وقت دخل الرجل عليها، ولا يعتبر من وقت العقد، وعندهما من وقت النكاح، وهو بعيد أشار إليه بقوله: م: (لأن النكاح الفاسد ليس بداع إليه) ش: أي إلى الوطء، ولهذا لا تثبت حرمة المصاهرة بعقد فاسد، حتى يكون فيه مس أو تقبيل م: (وعليه الفتوى) ش: أي على قول محمد، قال أبو الليث: م: (والإقامة باعتباره) ش: يعني أن إقامة العقد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 قال: ومهر مثلها يعتبر بأخواتها، وعماتها، وبنات أعمامها. لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لها مثل مهر نسائها، لا وكس فيه، ولا شطط وهن أقارب الأب.   [البناية] مقام الوطء في النكاح الصحيح باعتبار أن العقد داع إلى الوطء والنكاح الفاسد ليس بداع إلى الوطء؛ لكونه حراماً واجب الرفع فلا يقام العقد مقام الوطء، ولا تعتبر المدة من حيث العقد. [مهر مثل المرأة بم يعتبر] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (ومهر مثلها) ش: أي مهر مثل المرأة م: (يعتبر بأخواتها، وعماتها، وبنات أعمامها) ش: المراد بأخواتها لأبيها وأمها، أو لأبيها، وكذا عماتها من أخوات أبيها لأبيه وأمه أو لأبيه. وقال الشافعي، وأحمد، وعامة أهل العلم، وفي " المبسوط ": ويعتبر بعشيرتها من جهة أبيها، كأخواتها لأبيها وأمها، أو لأبيها، وعماتها، وبنات أعمامها، ومثله في " المحيط "، وقال: وعماتها وبناتهن وهو محمول على ما إذا كان أباً وهن من قبلها. م: (قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لها مثل مهر نسائها، لا وكس فيه، ولا شطط، وهن أقارب الأب) ش: هذا الحديث أخرجه الأربعة في "سننهم"، عن سفيان بن منصور عن إبراهيم، عن علقمة، واللفظ للترمذي قال: «سئل ابن مسعود عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات، فقال ابن مسعود: لها مثل صداق نسائها، لا وكس، ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث، فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بروع بنت واشق بنت امرأة منا مثل ما قضيت، ففرح بها ابن مسعود» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال شيخنا زين الدين: اختلف الأئمة في تصحيح هذا الحديث ونقله له، فقال الشافعي فيما رواه عن البيهقي في "السنن " و" المعرفة ": ولم أحفظه من وجه يثبت مثله، قال: وهو مرة يقال: عن معقل بن يسار، ومرة عن معقل بن سنان، ومرة عن بعض أشجع، لا يسمى فاعله بالاضطراب في تسمية رواته، انتهى. قلت: قد صححه أكثر أهل الحديث: الترمذي، وابن حبان، وأبو عبد الله بن الأخرم النيسابوري، وأبو عبد الله الحاكم شيخ البيهقي، وقال البيهقي: هذا الاختلاف في تسمية من روى قصة بروع بنت واشق عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يوهن الحديث، فإن أسانيد هذه الروايات صحيحة، وفي بعضها أن جماعة من أشجع شهدوا بذلك، فبعضهم يسمي بهذا وبعضهم يسمي آخر، وكلهم ثقة، ولولا ثقة من رواه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كان عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 ولأن الإنسان من جنس قوم أبيه، وقيمة الشيء إنما تعرف بالنظر في قيمة جنسه، ولا يعتبر بأمها وخالتها إذا لم يكونا من قبيلتها.   [البناية] عنه - يفرح بروايته، وحكى الحاكم في "المستدرك " عن شيخه عبد الله بن محمد بن يعقوب الحافظ أنه قال: لو حضرت الشافعي لقمت على رءوس أصحابه. وقلت: قد صح الحديث فقال به. وقال الترمذي: روي عن الشافعي أنه رجع بعد عن هذا القول، وقال بحديث بروع بنت واشق، وقال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العم من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبه يقول الثوري، وأحمد، وإسحاق. وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، منهم على بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: إذا تزوج الرجل امرأة ولم يدخل بها، ولم يفرض لها صداقاً، قال: لها الميراث، ولا صداق لها وعليها العدة، وهو قول الشافعي. قلت: ومعقل بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف ابن سنان الأشجعي، وليس له في الكتب إلا هذا الحديث، شهد الفتح، وكان ابن عقبة الذي يقال له: مشرف حامل لواء قومه، ونزل الكوفة وقدم المدينة فقتل بها يوم الحرة صبرا فقيل: قتله مسلم بن عقبة الذي يقال له: مشرف بن عقبة وقيل: قتله ماحق بن نوفل، وله قصة ذكرناها في " التاريخ الكبير ". وبروع المشهور فيها عند أهل الحديث كسر الباء الموحدة وسكون الراء، ثم واو مفتوحة ثم عين مهملة. قال الجوهري: أهل الحديث يقولون بكسر الباء، والصواب بالفتح؛ لأنه ليس في الكلام فوعل إلا بروع بنت معروف وعنود اسم أود، وهكذا قال صاحب " المحكم ": وواشق بالشين المعجمة وهي أشجعية، وذكرها ابن حبان في الصحابة. قوله: - لا وكس ولا شطط - أي لا نقصان ولا زيادة، والوكس بفتح الواو، وسكون الكاف وبالسين المهملة هو النقصان، والشطط بفتح الشين المعجمة، والطاء المهملة وتكرارها، الجور والزيادة ومن أقارب الأب أي ونساؤها أقارب الأب. م: (ولأن الإنسان من جنس قوم أبيه) ش: لا من جنس قوم أمه، ألا ترى أن الأم قد تكون أمة والابنة قرشية تبعاً لأبيها، ومهر المثل مختلف باختلاف هذه الأوصاف م: (وقيمة الشيء إنما تعرف بالنظر في قيمة جنسه) ش: أي جنس ذلك الشيء، يعرف بالنظر في قيمة غير جنسه. م: (ولا يعتبر بأمها، وخالتها إن لم يكونا من قبيلتها) ش: يريد بها من قبيلة أبيها، وذلك مثل أن يتزوج رجل ابنة عمه، فتلد له بنتاً يزوجها من رجل لا يسمي لها مهراً فيدخل بها زوجها ثم يطلقها أو يموت عنها قبل الدخول أو بعده، أو يطلقها بعد الخلوة الصحيحة، وأمها من جنسها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 لما بينا، فإن كانت الأم من قوم أبيها بأن كانت بنت عمه، فحينئذ يعتبر بمهرها؛ لأنها من قوم أبيها، ويعتبر في مهر المثل أن تتساوى المرأتان في السن، والجمال، والمال، والعقل والدين، والبلد، والعصر، والعفة، لأن مهر المثل يختلف باختلاف هذه الأوصاف، وكذا يختلف باختلاف الدار، والعصر،   [البناية] وجمالها فإنه يحكم لها بمهر مثل أمها وهي بنت عم أبيها، أو بمهر أخت أمها وهي خالتها بنت عم أبيها. وقال ابن أبي ليلى: يعتبر بأمها وخالتها ونسائها من قبل أمها م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: وقيمة الشيء إنما تعرف بالنظر في قيمة جنسه. م: (فإن كانت الأم من قوم أبيها بأن كانت بنت عمه، فحينئذ يعتبر بمهرها؛ لأنها من قوم أبيها) ش: لأن الإنسان من جنس أبيه، ولهذا كان أكثر من تولى من خلفاء بني العباس من الإماء، ولم يخرجوا بذلك من أن يكونوا من بني هاشم، والهاشمية إن ولدت من نبطي كان ولدها نبطياً. م: (ويعتبر في مهر المثل أن تتساوى المرأتان في السن والجمال والمال والعقل والدين والبلد والعصر والعفة) ش: وهي ثمانية أشياء. وفي "النتف": تعتبر المماثلة في خمس عشرة خصلة: الجمال والحسب والمال والعقل والدين والعلم والأدب والتقوى والعفة وكمال الخلق، وحداثة السن، والبكارة، وحال وصال الزوج، وأن يكون لها ولد. وفي " المحيط " و" المرغيناني " قيل: لا يعتبر الجمال في بنت الحسب والشرف، وإنما يعتبر ذلك في أوساط الناس، إذ الرغبة فيهن للجمال، بخلاف بنت الشرف. وفي " المحيط ": فإن لم يوجد في قرابتها من هو مثل حالها يعتبر مثلها في الأجنبيات. وفي " خزانة الأكمل ": امرأة لا مثل لها في الجمال ومالها في قبيلتها، ينظر إلى قبيلة أخرى مثل قبيلة أبيها، وعند أبي حنيفة لا تعتبر الأجنبيات. م: (لأن مهر المثل يختلف باختلاف هذه الأوصاف) ش: أشار به إلى الأوصاف الثمانية المذكورة، فإن الغنية تنكح بأكثر ما تنكح الفقيرة، وكذا الشابة مع العجوز والحسناء والشوهاء وكذا البواقي م: (وكذا يختلف باختلاف الدار والعصر) ش: أراد بالدار البلد، وأن يكون من هو بحالها في بلدها، حتى لا يعتبر مهرها بمهر عشيرتها في بلدة أخرى، فإن لم يوجد فيهم من يماثلها اعتبر بالأجانب من بلدها بإجماع الأئمة، وتحصيلاً للمقصود بقدر الوسع، كذا في " المبسوط ". وفي " المحيط " و" الذخيرة ": يعتبر حالها بمن هو مثلها في هذه الصفات يوم التزويج. قوله: - والعصر - أي واختلاف العصر، أي الزمان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 قالوا: ويعتبر التساوي أيضا في البكارة؛ لأنه يختلف بالبكارة والثيوبة. وإذا ضمن الولي المهر صح ضمانه؛ لأنه من أهل الالتزام، وقد أضافه إلى ما يقبله، فيصح. ثم المرأة بالخيار في مطالبتها زوجها، أو وليها اعتبارا بسائر الكفالات، ويرجع الولي إذا أدى على الزوج إن كان بأمره كما هو الرسم في الكفالة، وكذلك يصح هذا الضمان وإن كانت الزوجة صغيرة بخلاف ما إذا باع الأب مال الصغير وضمن الثمن، لأن الوكيل سفير ومعبر في النكاح، وفي البيع عاقد   [البناية] م: (قالوا) ش: أصحابنا: م: (ويعتبر التساوي في البكارة أيضاً؛ لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (يختلف بالبكارة والثيوبة) ش: قال صاحب " المغرب ": الثيب من النساء التي قد تزوجت، والجمع ثيبات، والثيابة الثيبوبة في قصدها فليس من كلامهم. وقال الجوهري: ورجل ثيب وامرأة ثيب، والذكر والأنثى فيه سواء. [زوج الولي ابنته وضمن لها المهر] م: (وإذا ضمن الولي المهر صح ضمان) ش: يعني إذا زوج الولي ابنته، وضمن لها المهر صح ضمانه، سواء كان الزوج صغيراً أو كبيراً، وسواء كان من جانب الزوج أو الزوجة، لكن في الصغيرة إذا زوجها أبوها فللمرأة أن تطالب الأب بالمهر وإن لم يضمنه باللفظ، ذكره في " شرح الطحاوي " و" التتمة ". م: (لأنه) ش: أي لأن الولي م: (من أهل الالتزام) ش: لأنه عاقل بالغ، وصبر نفسه رغيماً، والرغيم غارم بالحديث م: (وقد أضافه إلى ما يقبله) ش: أي أضاف الالتزام، أو الضمان إلى شيء يقبل الضمان وهو المهر، وذلك لأن المهر، وهو دين مضمون م: (فيصح) ش: بخلاف ما إذا باع الأب مال ولده الصغير، وضمن الثمن عن المشتري لم يصح، فلو صح الضمان كان ضامناً لنفسه، ولا يصح على ما يجيء عن قريب. م: (ثم المرأة بالخيار في مطالبتها زوجها، أو وليها اعتباراً بسائر الكفالات) ش: لأن الحكم في الكفالة هكذا: أن المكفول له إن شاء طالب الكفيل، وإن شاء طالب الأصيل على ما عرف في موضعه. م: (ويرجع الولي إذا أدى) ش: الولي المهر إلى البنت. م: (على الزوج) ش: يتعلق بقوله - يرجع - م: (إن كان) ش: أي الضمان م: (بأمره) ش: أي بأمر الزوج م: (كما هو الرسم) ش: أي العادة المستمرة م: (في الكفالة) ش: أي الكفيل يرجع على الأصيل إن كان بأمره م: (وكذلك يصح هذا الضمان) ش: أي ضمان المهر م: (وإن كانت الزوجة صغيرة) ش: أو كبيرة بكراً م: (بخلاف ما إذا باع الأب مال الصغير وضمن الثمن) ش: فإنه لا يصح ضمانه، والعرف هو قوله، م: (لأن الوكيل سفير ومعبر في النكاح) ش: ولهذا وكيل الزوجة لا يجبر على تسليمها ووكيل الزوج لا يطالب بالمهر م: (وفي البيع عاقد) ش: أي الولي في البيع عاقد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 ومباشر حتى ترجع العهدة عليه والحقوق إليه ويصح إبراؤه عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - ويملك قبضه بعد بلوغه، فلو صح الضمان يصير ضامنا لنفسه وولاية قبض المهر للأب بحكم الأبوة لا باعتبار أنه عاقد، ألا ترى أنه لا يملك القبض بعد بلوغها فلا يصير ضامنا لنفسه.   [البناية] م: (ومباشر) ش: أصيل في حقوقه م: (حتى ترجع العهدة عليه والحقوق إليه) ش: وحقوق العقد مثل تسليم المبيع وتسليم الثمن ونحوهما. وفي " الغاية ": هذا كما لو أنه زوج الصغيرة وضمن لها المهر عن الزوج، أما إذا زوج ابنه الصغير في حال صحته وضمن عنه لزوجته المهر يصح إذا قبلت المرأة ذلك ولم يتعرض إليه المصنف، وإذا أدى الأب بعد ذلك لم يرجع على الأب استحساناً. وفي القياس: يرجع، لأن غير الأب لو ضمن بإذن الأب وأدى يرجع في مال الصغير فكذلك الأب. وجه الاستحسان أن الآباء يتحملون المهور عن أبنائهم عادة ولا يطمعون في الرجوع، والثابت بالعرف كالثابت بالنص إلا إذا شرط الرجوع في أصل الضمان، فحينئذ يرجع بخلاف الوصي إذا أدى المهر عن الصغير بحكم الضمان يرجع؛ لأن الشرع من الوحي لا يوجد عادة، هذا إذا أدى الأب بعد الضمان، أما إذا مات قبل الأداء فللمرأة الخيار إن شاءت أخذت المهر من الزوج، وإن شاءت استوفت ذلك من تركة الأب، لأن الكفالة كانت صحيحة فلا تبطل بالموت، ثم إذا استوفت من التركة. قال في " المبسوط ": يرجع على سائر الورثة بذلك في نصيب الابن، وعليه إن كان قبض نصيبه. وقال زفر: لا يرجع ولم يذكر خلاف أبي يوسف فيه. وفي " الكافي" للحاكم الشهيد أيضاً، والولوالجي في "الفتاوى " ذكر خلاف أبي يوسف كما هو مذهب زفر، وكذا أثبت خلاف أبي يوسف في " خلاصة الفتوى " منقول عن " المحيط " أن الخصاف ذكر ذلك، وإن كان الضمان عن الأب في مرض الموت فهو باطل، وكذلك كل ضمان في مرض الموت عن الوارث فهو باطل، والمجنون بمنزلة الصبي في جميع ذلك، لأنه ولي عليه كالصغير، سواء كان الجنون أصلياً أو عارضاً. ولو زوج الأب طفله الصغير امرأة بمهر معلوم لا يلزم المهر أباه إلا إذا ضمن. وقال مالك والشافعي - في القديم -: المهر على الأب لأنه ضمن دلالة، قلنا: الصداق على أخذ الساق بالآثار. م: (ويصح إبراؤه) ش: أي إبراء الأب الثمن من المشتري م: (عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وذكر شمس الأئمة السرخسي في "مبسوطه " صحة الإبراء ولم يذكر الخلاف م: (ويملك قبضه بعد بلوغه) ش: أي يملك الأب قبض الثمن بعد بلوغ الصبي، هذا إيضاح لرجوع العهدة على العاقد في البيع م: (فلو صح الضمان) ش: أي ضمان الأب الثمن عن المشتري في البيع م: (يصير ضامناً لنفسه) ش: فلا يصح وقد مر بيانه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 قال: وللمرأة أن تمنع نفسها حتى تأخذ المهر وتمنعه أن يخرجها، أي يسافر بها، ليتعين حقها في البدل كما تعين في حق الزوج في المبدل وصار كالبيع.   [البناية] م: (وولاية قبض المهر للأب) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: كيف قلتم: إن الأب سفير لا يرجع حقوق العقد إليه، وله ولاية قبض مهر الصغير، وقال الكاكي: تقدير السؤال أن يقال: الأب يملك قبض الصداق كالوكيل يملك قبض الثمن، فلو صح ضمانه يصير ضامناً لنفسه، وذا لا يجوز هناك، وكذا في الأب فأجاب عنه بقوله: وولاية قبض المهر للأب م: (بحكم الأبوة) ش: أي بولاية الأبوة م: (لا باعتبار أنه عاقد) ش: ثم لا يشترط إحضار الزوجة حتى يقبض الأب مهرها عند علمائنا، وعند زفر وهو قول أبي يوسف الآخر فتشترط. وفي " المرغيناني ": لا يشترط ولم يحك خلافاً. م: (ألا ترى أنه) ش: أي الأب م: (لا يملك القبض) ش: أي قبض المهر م: (بعد بلوغها) ش: أي عند هبتها إياه عن القبض، فلو كان باعتبار أنه عاقد يقبض بعد البلوغ أيضاً، كما في ثمن المبيع وقال الولوالجي في "فتاواه ": للأب أن يطالب بمهر البكر، وإن كانت كبيرة، والقياس أن لا يطالب لأن ولاية الأب تنقطع عنها بالبلوغ. ووجه الاستحسان أن العادة فيما بين الناس أن الآباء يقبضون صداق البنات ويجهزون بها البنات، والبنت تكون راضية بتصرف الأب، لأنها تستحي عن المطالبة بنفسها، ولو رغب أباها عن قبض الصداق لا يملك الأب المطالبة، وليس لأحد من الأولياء أن يقبض الجارية المدركة مهرها إلا بوكالة منها. ثم الأب في حق البكر البالغة إنما يملك قبض صداقها المسمى لا غير، حتى إن المسمى إذا كان بيضاً والأب قبض السود لا يجوز لأنه استبدال، والأب لا يملك الاستبدال. قال شمس الأئمة السرخسي: هذا مذهب علمائنا، وروي عن علماء بلخ أنهم جوزوا ذلك حتى من قبض بعض العبد أن من جنس المسمى، وبالنصف ضياعاً يجوز، قال: هذا أرفق بالناس. وقال في " الفتاوى الصغرى ": لو قبض السود مكان البيض أو على العكس لا يجوز وإن قبض الضياع لا يجوز إلا في موضع جرت العادة كما في ( ... ) يأخذون بعض المهر ضياعاً. م: (فلا يصير ضامناً لنفسه) ش: توضيح لما قبله، م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وللمرأة أن تمنع نفسها) ش: أي من الزوج م: (حتى تأخذ المهر) ش: هذا إذا كان المهر عاجلاً، أما إذا كان مؤجلاً ففيه اختلاف بين أصحابنا على ما يجيء إن شاء الله تعالى. م: (وتمنعه) ش: أي ولها أيضاً أن تمنع زوجها م: (أن يخرجها، أي يسافر بها) ش: فسر الإخراج بالمسافرة م: (ليتعين حقها في البدل) ش: أي لتعين حق المرأة في المهر م: (كما تعين في حق الزوج في المبدل) ش: وهو البضع م: (وصار كالبيع) ش: يعني أن البائع يحبس المبيع لطلب الثمن، فكذلك المرأة تحبس بضعها لطلب المهر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 وليس للزوج أن يمنعها من السفر والخروج من منزله وزيارة أهلها حتى يوفيها المهر كله، أي المعجل، لأن حق الحبس لاستيفاء المستحق وليس له حق الاستيفاء قبل الإيفاء. ولو كان المهر كله مؤجلا ليس لها أن تمنع نفسها لإسقاطها حقها بالتأجيل كما في البيع، وفيه خلاف أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وإن دخل بها فكذلك الجواب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: ليس لها أن تمنع نفسها والخلاف فيما إذا كان الدخول برضاها، حتى لو كانت مكرهة أو كانت صبية أو مجنونة لا يسقط حقها في الحبس بالاتفاق، وعلى هذا الخلاف الخلوة بها برضاها، ويبتنى على هذا استحقاق النفقة.   [البناية] [منع الزوج زوجته من السفر والخروج من منزله] م: (وليس للزوج أن يمنعها من السفر والخروج من منزله) ش: أي منزل الزوج م: (وزيارة أهلها) ش: أي ليس له أن يمنعها من زيارة أهلها (حتى يوفيها المهر كله، أي المعجل) ش: من المهر م: (لأن حق الحبس لاستيفاء المستحق) ش: لأن حق الحبس للزوج لأجل أن يستوفي منها مستحقه وهو الانتفاع ببضعها م: (وليس له الاستيفاء قبل الإيفاء) ش: أي قبل أن يوفي حقها وهو المهر وفي " المحيط ": تخرج في حوائجها وزيارة أهلها وتسافر بغير إذنه حتى يوفيها جميع المهر، والظاهر أن التأكيد في كل المهر على المعجل منه. م: (ولو كان المهر كله مؤجلا ليس لها أن تمنع نفسها لإسقاطها حقها بالتأجيل) ش: أي لإسقاط حق طلبها بسبب تأجيل المهر، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد م: (كما في البيع) ش: يعني أن الثمن إذا كان مؤجلا، للبائع أن يحبس المبيع، فكذلك لا تحبس المرأة نفسها إذا كان المهر مؤجلاً. م: (وفيه خلاف أبي يوسف) ش: فإنه قال: لها أن تمنع نفسها إذا كان المهر مؤجلاً إلى أجل معلوم، سواء كانت المدة قصيرة أو طويلة، لأن ملك البضع لا يعرى عن ملك البدل. وعن أبي حنيفة ومحمد: ليس لها أن تمنع نفسها لأنها رضيت بإسقاط حقها فلا تمنع نفسها، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك م: (وإن دخل بها فكذلك الجواب) ش: أي كما أن المرأة لها أن تمنع نفسها حتى تأخذ المهر وتمنعه هي من أن يخرجها فيما قبل الدخول بالاتفاق، فكذلك بعد الدخول م: (عند أبي حنيفة) ش: وهذا قول أبي حنيفة آخراً كذا في " الإيضاح ". م: (وقالا: ليس لها أن تمنع نفسها) ش: وهو قول أبي حنيفة أولاً م: (والخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (فيما إذا كان الدخول برضاها حتى لو كانت مكرهة أو كانت صبية أو مجنونة لا يسقط حقها في الحبس بالاتفاق على هذا الخلاف) ش: المذكور. م: (والخلوة بها برضاها) ش: مثل الخلاف في الدخول م: (ويبتنى على هذا) ش: الخلاف م: (استحقاق النفقة) ش: فعند أبي حنيفة إذا منعت نفسها بعد الدخول لا تسقط نفقتها، لأن المنع بحق، وعندهما لا نفقة لها. وقال فخر الإسلام البزدوي في "شرح الجامع الصغير ": كان أبو القاسم الصفار يفتي في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 لهما أن المعقود عليه كله قد صار مسلما إليه بالوطأة الواحدة، أو بالخلوة، ولهذا يتأكد بهما جميع المهر فلم يبق لها حق الحبس كالبائع إذا سلم المبيع. وله أنها منعت منه ما قابل بالبدل، لأن كل وطأة تصرف في البضع المحترم، فلا يخلى عن العوض إبانة لحظره، والتأكيد بالواحدة لجهالة ما وراءها، فلا يصلح مزاحما للمعلوم، ثم إذا وجد آخر، وصار معلوما تحققت المزاحمة، وصار المهر مقابلا بالكل كالعبد إذا جنى جناية يدفع كله بها، ثم إذا جنى أخرى وأخرى يدفع بجميعها. وإذا أوفاها مهرها نقلها إلى حيث شاء، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6]   [البناية] المنع بقول أبي يوسف، ومحمد، وفي السفر بقول أبي حنيفة، قال: وهذا أحسن في الفتيا، يعني بعد الدخول لا تمنع نفسها بطلب المهر، فإذا امتنعت لا تسقط نفقتها، كما هو مذهب أبي حنيفة. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف، ومحمد م: (أن المعقود عليه) ش: وهو البضع م: (كله قد صار مسلما إليه) ش: أي إلى الزوج م: (بالوطأة الواحدة وبالخلوة، ولهذا) ش: أي ولأجل كون المعقود عليه مسلما بالوطأة الواحدة، وبالخلوة م: (يتأكد بهما) ش: أي بالوطأة الواحدة وبالخلوة م: (جميع المهر) ش: فإذا كان الأمر كذلك م: (فلم يبق لها حق الحبس كالبائع إذا سلم المبيع) ش: أي باختياره قبل قبض الثمن. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنها) ش: أي أن المرأة م: (منعت منه) ش: أي من الزوج م: (ما قابله البدل) ش: وهو البضع م: (لأن كل وطأة تصرف في البضع المحترم، فلا يخلى) ش: على صيغة المجهول الخلاء على البضع المحترم م: (عن العوض) ش: يعني لا يجوز إخلاؤه عن العوض م: (إبانة لحظره) ش: أي لأجل الإبانة بحظر الذي هو المحل المحترم م: (والتأكيد بالواحدة) ش: هذا جواب عن قولهما: ولهذا يتأكد بها جميع المهر، تقديره أن التأكيد بالواحدة، أي تأكد المهر بالوطأة الواحدة م: (لجهالة ما وراءها) ش: أي لأجل جهالة ما وراء الوطأة الواحدة م: (فلا يصلح مزاحماً للمعلوم) ش: لأن المجهول لا يزاحم المعلوم. م: (ثم إذا وجد آخر) ش: أي وطء آخر م: (وصار معلوما تحققت المزاحمة) ش: فيزاحم الأول لكونه معلوما يصير المهر مقابلا له، وبالأول، وإذا وجد آخر فكذلك م: (وصار المهر مقابلا بالكل) ش: أي بكل الوطآت، ويظهر ذلك بقوله: م: (كالعبد إذا جنى جناية يدفع كله بها) ش: أي بهذه الجناية م: (ثم إذا جنى أخرى) ش: أي جناية أخرى م: (وأخرى) ش: أي وجناية أخرى إلى ما لا يتناهى م: (يدفع لجميعها) ش: أي لجميع الجنايات. [الزوج إذا أراد أن يخرج المرأة إلى بلد أخرى وقد أوفى لها مهرها] م: (وإذا أوفاها مهرها نقلها إلى حيث شاء) ش: أي إذا أوفى الرجل امرأته مهرها المعجل، كذا قيده الكاكي، نقلها إلى حيث شاء من البلاد م: (لقوله عز وجل: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 (الطلاق: الآية 6) ، وقيل: لا يخرجها إلى بلد غير بلدها؛ لأن الغريب يؤذى، وفي قرى المصر القريبة لا تتحقق الغربة. قال: ومن تزوج امرأة ثم اختلفا في المهر، فالقول قول المرأة إلى تمام مهر مثلها، والقول قول الزوج فيما زاد على مهر المثل.   [البناية] (الطلاق: الآية: 6) ش: وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد، وأصحابهم. م: (وقيل) ش: قاله الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وقال الأترازي: هو محمد بن سلمة. قلت: لا يضر ذلك؛ لأن كلا من أبي الليث، ومحمد بن سلمة قائل بذلك م: (لا يخرجها إلى بلد غير بلدها، لأن الغريب يؤذى) ش: وذكر في " فصول الأستروشي ": الزوج إذا أراد أن يخرج المرأة إلى بلد أخرى وقد أوفى لها مهرها ليس له ذلك، هكذا اختاره أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وقال ظهير الدين المرغيناني: في الأخذ بقول الله عز وجل أولى من الأخذ بقول الفقيه، قال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] وذكر في " التجنيس ": والفتوى على أن للزوج أن يسافر بها إذا أوفاها المعجل؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ} [الطلاق: 6] الآية (الطلاق: الآية 6) ، ولأن الغريب يؤذى) . ش: فإن قيل: هذا التعليل معارض بقوله: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] ، فلا يقبل. قلنا: قَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] مقيد بالنص بترك الإضرار، بدليل سياق الآية، وهو قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: 6] (الطلاق: الآية 6) ، وفي النقل إلى بلد آخر مضارة، ولهذا جاز الإخراج برضاها. وفي " المحيط ": المختار لمشايخنا أن لا يخرجها من بلدها، وجواز النقل ظاهر الرواية. وقال صاحب " ملتقى البحار " وأفتى بأنه يتمكن من نقلها إذا أوفاها المعجل، ومن المؤجل. م: (وفي قرى المصر القريبة) ش: أي ما دون مدة السفر م: (لا تتحقق الغربة) ش: لقرب المسافة، بخلاف مدة السفر وما فوقها. وسئل أبو القاسم الصفار عمن يخرجها من المدينة إلى القرية، ومن القرية إلى المدينة، فقال: ذلك بيتوتة وليس بسفر، وإخراجها من بلد إلى بلد سفر وليس ببيتوتة. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن تزوج امرأة، ثم اختلفا في المهر) ش: أي الزوجان اختلفا في المهر تسميته، بأن قال الرجل: تزوجتك بألف، وقالت المرأة: بألفين م: (فالقول قول المرأة إلى تمام مهر مثلها، والقول قول الزوج فيما زاد على مهر المثل) ش: وعند الشافعي يتحالفا، كما في البيع، ولا يفسخ النكاح، سواء كان الاختلاف قبل الدخول أو بعده، ويجب مهر المثل. وقال مالك: إن كان الاختلاف بعد الدخول فالقول قول الزوج، وكذا لو كان بعد موتهما، وإن كان قبل الدخول يتحالفان، ويفسخ النكاح بناء على أصله أن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 وإن طلقها قبل الدخول بها فالقول قوله في نصف المهر، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف: القول قوله قبل الطلاق وبعده،   [البناية] فساد الصداق يوجب فساد النكاح، وهذه المسألة على وجوه ذكرت هنا. منها ما إذا قال الزوج: ألف، وقالت المرأة: ألفان، وكان هذا بعد الدخول، قبل الطلاق، أو بعده بحكم مهر المثل، حتى لو كان مهر المثل ألفا أو أقل، فالقول قول الزوج، مع إنكاره الزيادة بالله ما تزوجها على ألفين، وإن نكل أعطاها الألفين على سبيل التسمية دراهم لا خيار للزوج فيها، وإن حلف لا يثبت الفضل، وأيهما أقام البينة قبلت بينته، فإن أقاما البينة جميعا كانت بينة المرأة أولى، لأنها كانت أكثر إثباتا، كالبائع والمشتري أقاما البينة على مقدار الثمن تكون بينة البائع أولى لما قلنا، هذا إذا كان مهر المثل ألفا أو أقل. فإذا كان ألفين أو أكثر فالقول قولها مع اليمين ما رضيت بألف؛ لأنها تنكر للحط الذي يدعيه الزوج، فإن نكلت يجب لها الألف باعتبار التسمية، وإن حلف ثبت لها الألفان، ألف منها باعتبار التسمية، وألف آخر باعتبار تحكيم مهر المثل، وللزوج خيار في هذه الألف إن شاء أعطاها دراهم كما سماها، وإن شاء أعطاها من الدنانير ما يساوي ألف درهم، فأيهما أقام البينة على دعواه قبلت بينته؛ لأن كل واحد منهما مدع ظاهرا، وإذا أقاما جميعا فبينة الزوج أولى وهو الصحيح. فإذا كان مهر مثلها ألفا وخمسمائة يجب التحالف، ويبدأ التحالف بالمقرعة، ولم يتعرض له المصنف، فإن نكل الزوج ثبت الألفان [ ... ] ، وإن نكلت المرأة ثبت الألف، وإن حلفا جميعا ألف وخمسمائة الألف باعتبار التسمية، والخمسمائة باعتبار تحكيم مهر المثل، وللزوج خيار فيها، وأيهما أقام البينة قبلت بينته، وإن أقاما جميعا تهاترت البينتان للتعارض، ووجب مهر المثل ويخير الزوج فيها. م: (وإن طلقها قبل الدخول بها) ش: فلها الزوج م: (فالقول قوله في نصف المهر) ش: هذا وجه آخر من الوجوه المتعلقة بهذه المسألة، صورته: قال الزوج تزوجتك بألف لا بل بألفين قبل الدخول بها فالقول قول الزوج في نصف المهر، ولا يحكم متعة مثلها، هذه على رواية " الجامع الصغير " و" المبسوط ". وقال في " الجامع الكبير ": يحكم متعة مثلها، فإن شهدت لأحدهما فالقول له مع يمينه إن كانت بين الاثنين حلف كل واحد منهما م: (وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى -) ش: أي هذا المذكور من قوله: من تزوج امرأة إلى هنا عند أبي حنيفة ومحمد، وبه قال أحمد في رواية، وإن خصهما بالذكر؛ لأن عند أبي يوسف القول قول الزوج في جميع الصور. م: (وقال أبو يوسف: القول قوله قبل الطلاق وبعده) ش: لأن القول قول الزوج مع يمينه، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 إلا أن يأتي بشيء قليل، ومعناه ما لا يتعارف مهرا لها هو الصحيح. لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المرأة قد تدعي الزيادة، والزوج ينكر، والقول قول المنكر مع يمينه، إلا أن يأتي بشيء يكذبه الظاهر فيه، وهذا لأن تقوم منافع البضع ضروري، فمتى أمكن إيجاب شيء من المسمى لا يصار إليه. ولهما أن القول في الدعاوى قول من يشهد له الظاهر، والظاهر شاهد لمن يشهد له مهر المثل، لأنه هو الموجب الأصلي في باب النكاح، وصار كالصباغ مع رب الثوب إذا اختلفا في مقدار الأجر تحكم فيه قيمة الصبغ،   [البناية] وسواء كان الاختلاف قبل الطلاق أو بعده، وبه قال أحمد في رواية م: (إلا أن يأتي بشيء قليل) ش: اختلفوا في معنى الشيء القليل، فقال المصنف م: (ومعناه) ش: أي ومعنى الشيء القليل. وقال الأترازي: إن معنى قول أبي يوسف إلا أن يأتي بشيء قليل م: (ما لا يتعارف مهرا لها) ش: يعني تفسير القليل أن يذكر الزوج شيئا لا يتزوج مثل تلك المرأة على ذلك المهر عادة. وقيل معناه دون العشرة، لأنه مستنكر شرعا، وروي هذا عن أبي يوسف، وفي " قاضي خان ": تفسير المستنكر عن أبي يوسف روايتان، إحداهما: ما دون العشرة، والثانية: ما لا يتزوج على مثله، وهذه هي الصحيحة، أشار إليه المصنف بقوله: م: (هو الصحيح) ش: وكذا قال في " البدائع " هو الصحيح. وفي " المحيط " و" قاضي خان ": أصح، ويحكى عن أبي الحسن الكرخي. م: (لأبي يوسف أن المرأة قد تدعي الزيادة، والزوج ينكر، والقول قول المنكر مع يمينه، إلا أن يأتي بشيء يكذبه الظاهر فيه) ش: بأن ذكر أقل من عشرة دراهم؛ لأن ظاهر الشرع ينكره، وظاهر الحال يكذبه م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكره أبو يوسف م: (لأن تقوم منافع البضع ضروري) ش: لأنه ليس بمال، وإنما يتقوم تعظيماً لخطره. وقال الأترازي: يعني لضرورة التوالد والتناسل م: (فمتى أمكن إيجاب شيء من المسمى لا يصار إليه) ش: أي: إلى مهر المثل لأن مهر المثل إنما يعتبر عند انعدام التسمية اعتبارا على أصل التسمية فلا نحكم بمهر المثل. م: (ولهما) ش: أي: ولأبي حنيفة ومحمد م: (أن القول في الدعاوى قول من يشهد له الظاهر) ش: يعني ظاهر الحال م: (والظاهر شاهد لمن يشهد له مهر المثل، لأنه) ش: أي لأن مهر المثل م: (هو الموجب الأصلي في باب النكاح) ش: شرعا م: (وصار كالصباغ مع رب الثوب) ش: أي صار تحكيم مهر المثل في الاختلاف في مقدار المهر كاختلاف الصباغ مع صاحب الثوب، بيانه أن رب الثوب قال صبغته بدرهم، وقال الصباغ: بدرهمين، وهو معنى قوله: م: (إذا اختلفا في مقدار الأجر) ش: أي الأجرة. م: (تحكم فيه) ش: على صيغة المجهول من التحكيم م: (قيمة الصبغ) ش: ينظر ما زاد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 ثم ذكر هاهنا أن بعد الطلاق قبل الدخول القول قوله في نصف المهر، وهذا رواية " الجامع الصغير " والأصل. وذكر في " الجامع الكبير ": أنه يحكم متعة مثلها، وهو قياس قولهما؛ لأن المتعة موجبة بعد الطلاق كمهر المثل قبله، فتحكم كمهر. ووجه التوفيق أنه وضع المسألة في الأصل في الألف والألفين، والمتعة لا تبلغ هذا المبلغ في العادة، فلا يفيد تحكيمها ووضعها في " الجامع الكبير ": في العشرة والمائة، ومتعة مثلها عشرون، فيفيد تحكيمها، والمذكور في " الجامع الصغير " ساكت عن ذكر المقدار فيحمل على ما هو المذكور في الأصل. وشرح قولهما فيما إذا اختلفا في حال قيام النكاح   [البناية] الصباغ في قيمة الثوب إن كان درهما أو أكثر أعطي ذلك، ويحلف بالله ما صبغه بما ادعى رب الثوب، ويحلف رب الثوب بالله ما صبغته بأكثر من ذلك، وذلك لأن الصبغ غير مال قائم، فوجب الرجوع إلى قيمته وتحكيمه، كذا قال القدوري في شرح كتاب " الاستحلاف ". م: (ثم ذكر) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (هاهنا) ش: أي في المسألة، وفي بعض النسخ ثم إنه وضعها هاهنا م: (أن بعد الطلاق قبل الدخول، القول قوله) ش: أي قول الزوج م: (في نصف المهر) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد، ولا يحكم متعة مثلها م: (وهذا رواية " الجامع الصغير " والأصل) ش: أي " المبسوط ". م: (وذكر) ش: أي محمد م: (في " الجامع الكبير ": أنه يحكم متعة مثلها) ش: فإن شهدت لأحدهما فالقول له مع يمينه، وإن كانت بين الأمرين حلف كل واحد منهما كما في حال قيام النكاح م: (وهو قياس قولهما) ش: أي قول أبي حنيفة ومحمد، وإنما خصهما؛ لأن على قول أبي يوسف القول قول الزوج م: (لأن المتعة موجبة) ش: أي موجب النكاح م: (بعد الطلاق) ش: قبل الدخول م: (كمهر المثل قبله) ش: أي قبل الطلاق م: (فتحكم) ش: أي المتعة م: (كمهر) ش: أي كمهر المثل قبل الطلاق. م: (ووجه التوفيق) ش: أي بين رواية الأصل و" الجامع الكبير " م: (أنه) ش: أي أن محمداً م: (وضع المسألة في الأصل في الألف والألفين، والمتعة لا تبلغ هذا المبلغ في العادة، فلا يفيد تحكيمها) ش: أي تحكيم المتعة؛ لأن الزوج معترف بنصف الألف م: (ووضعها) ش: أي المسألة م: (في " الجامع الكبير " في العشرة والمائة، ومتعة مثلها عشرون، فينفذ تحكيمها، والمذكور في " الجامع الصغير " ساكت عن ذكر المقدار فيحمل على ما هو المذكور في الأصل) ش: أي " المبسوط " وهو المتعارف، إذ المتعارف هو الاختلاف في الألوف. وقيل إن " المبسوط " صنف أولاً، ثم " الجامع الصغير "، فيكون المذكور في " المبسوط " كالمعهود فيحمل عليه، وقيل في المسألة روايتان. [الزوجان إذا اختلفا في مقدار المهرقبل الطلاق] م: (وشرح قولهما) ش: أي قول أبي حنيفة ومحمد م: (فيما إذا اختلفا) ش: أي الزوجان م: (في حال قيام النكاح) ش: هذا وجه آخر من الوجوه المتعلقة بالمسألة المذكورة، وهو أن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 أن الزوج إذا ادعى الألف والمرأة الألفين، فإن كان مهر مثلها ألفا أو أقل فالقول قوله، وإن كان ألفين أو أكثر فالقول قولها، وأيهما أقام البينة في الوجهين تقبل بينته، وإن أقاما البينة في الوجه الأول تقبل بينتها لأنها تثبت الزيادة، وفي الوجه الثاني بينته لأنها تثبت الحط، وإن كان مهر مثلها ألفا وخمسمائة تحالفا. وإذا حلفا يجب ألف وخمسمائة، هذا تخريج الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتحالفان في الفصول الثلاثة،   [البناية] الزوجين إذا اختلفا في مقدار المهر قبل الطلاق م: (أن الزوج إذا ادعى الألف، والمرأة الألفين فإن كان مهر مثلها ألفا أو أقل فالقول قوله) ش: أي مع اليمين؛ لأن الظاهر شاهد له، لأن في الدعاوى القول لمن يشهد له الظاهر. م: (وإن كان) ش: أي مهر مثلها م: (ألفين أو أكثر فالقول قولها) ش: أي قول المرأة مع يمينها م: (وأيهما) ش: أي أيما الزوجين م: (أقام البينة في الوجهين) ش: أي فيما إذا كان مهر مثلها ألفين أو أكثر م: (تقبل بينته، وإن أقاما البينة في الوجه الأول تقبل بينتها؛ لأنها تثبت الزيادة، وفي الوجه الثاني) ش: أي فيما إذا كان مهر مثلها ألفين أو أكثر تقبل م: (بينته؛ لأنها تثبت الحط) ش: أي حط أحد الألفين، والأصل في هذا هو البينة تثبت ما ليس ثابتا ظاهرا م: (وإن كان مهر مثلها ألفا وخمسمائة) ش: هذا وجه آخر من الوجوه المتعلقة بالمسألة المذكورة م: (تحالفا) ش: لأن المرأة تدعي الزيادة عليه وهو ينكر، والزوج يدعي عليها الحط عن مهر المثل وهي تنكر، وينبغي أن يقرع القاضي في البداية بالحلف، ذكره في " جامع قاضي خان " والقرعة مستحبة، ولكن يبدأ بأيهما شاء، وذكر الإمام المحبوبي يبدأ بيمين الزوج؛ لأنه أثبتهما إنكارا. وقال مالك بكليهما على المشهور. م: (فإذا حلفا يجب ألف وخمسمائة) ش: يجب ألف بطريق التسمية، لا يخير الزوج فيها لاتفاقهما على تسمية الألف، ويجب خمسمائة باعتبار مهر المثل يخير فيها الزوج، وأيهما أقام البينة قبلت بينته، وإن أقاما يقضي بالألف وخمسمائة، ألف بطريق التسمية وخمسمائة باعتبار مهر المثل، لأن البينتين بطلتا لمكان التعارض، ونص محمد في هذا الفصل: أن بينة المرأة أولى لإثباتها الزيادة. م: (هذا تخريج الرازي) ش: أي وجوب التحالف في فصل واحد، وهو ما إذا خالف مهر المثل قولهما هو تخريج الرازي، أي وجوب التحالف في فصل واحد هو ما إذا خالف مهر المثل قولهما هو تخريج الشيخ أبي بكر الجصاص أحمد بن علي الرازي من كبار علماء العراقيين صاحب التصانيف م: (يتحالفان) . م: (قال الكرخي: - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو الشيخ أبو الحسن الكرخي أستاذ المحققين، وهو أستاذ أبو بكر الرازي، ولد سنة ستين ومائتين ومات سنة ثمانين وثلاثمائة. وقال الفائق: ولد سنة خمس وثلاثمائة، ومات سنة سبعين وثلاثمائة م: (في الفصول الثلاثة) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 ثم يحكم مهر المثل بعد ذلك. ولو كان الاختلاف في أصل المسمى يجب مهر المثل بالإجماع؛ لأنه هو الأصل عندهما، وعنده تعذر القضاء بالمسمى، فيصار إليه، ولو كان الاختلاف بعد موت أحدهما فالجواب فيه كالجواب في حال حياتهما لأن اعتبار مهر المثل لا يسقط بموت أحدهما. ولو كان الاختلاف بعد موتهما في المقدار فالقول قول ورثة الزوج، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولا يستثني القليل. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - القول قول الورثة إلا أن يأتوا بشيء قليل، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجواب فيه كالجواب في حالة الحياة، وإن   [البناية] ش: أي فيما إذا كان مهر المثل ألفا أو أقل، أو ألفين أو أكثر ألفا وخمسمائة م: (ثم يحكم مهر المثل بعد ذلك) ش: لأنهما لما حلفا تعذرت التسمية، فيحكم بمهر المثل، قيل: قول أبي بكر أصح. م: (ولو كان الاختلاف في أصل المسمى) ش: هذا وجه آخر من الوجوه المتعلقة بالمسألة المذكورة، أي ولو كان اختلاف الزوجين في أصل المسمى بأن يدعي أحدهما التسمية وينكر الآخر م: (يجب مهر المثل بالإجماع) ش: لأنه لا يتمكن المصير إلى المسمى مع وجود الشك، ولو كان قبل الدخول تجب المتعة بالإجماع، وهكذا علله بعضهم، وعلل المصنف بقوله: م: (لأنه هو الأصل عندهما) ش: أي لأن مهر المثل هو الأصل عند أبي حنيفة ومحمد. م: (وعنده) ش: أي وعند أبي يوسف م: (تعذر القضاء بالمسمى) ش: مع وجود الشك في وجوده م: (فيصار إليه) ش: أي إلى مهر المثل، وتعليل المصنف: م: (ولو كان الاختلاف بعد موت أحدهما) ش: أي بعد موت أحد الزوجين وهذا أيضا وجه من الوجوه المتعلقة بالمسألة المذكورة، وصورته: اختلف الحي منهما مع ورثة الميت م: (فالجواب فيه) ش: أي في هذا الوجه م: (كالجواب في حال حياتهما) ش: أي حال قيام النكاح في الأصل والمقدار. وفي الأصل يجب مهر المثل. م: (لأن اعتبار مهر المثل لا يسقط بموت أحدهما) ش: أي أحد الزوجين، كما في المفوضة، وهي التي زوجت نفسها من رجل بغير مهر إذا كان أحدهما يجب مهر المثل بالإجماع. بأن اختلف ورثتهما م: (في المقدار) ش: أي في مقدار المسمى م: (فالقول قول ورثة الزوج عند أبي حنيفة) ش: مع اليمين لإنكارهم الزيادة في المقدار، أي في مقدار المسمى فالقول قول ورثة الزوج أيضا، إلا أن يأتوا بشيء م: (ولا يستثني القليل) ش: أي على المذهب أبي حنيفة، بل يصدق ورثته وإن ادعوا شيئا قليلاً. م: (وعند محمد الجواب فيه) ش: أي في هذا الوجه م: (كالجواب في حالة الحياة) ش: يعني أن القول قول ورثة المرأة على مهر المثل، وفيما زاد على ذلك القول قول ورثة الزوج م: (وإن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 كان في أصل المسمى فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - القول قول من أنكره. فالحاصل أنه لا حكم لمهر المثل عنده بعد موتهما على مهر مسمى على ما نبينه من بعد إن شاء الله. وإذا مات الزوجان وقد سمى لها مهرا فلورثتها أن يأخذوا ذلك من ميراث الزوج، وإن لم يسم لها مهرا فلا شيء لورثتها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لورثتها المهر في الوجهين، معنى المسمى في الوجه الأول ومهر المثل في الوجه الثاني. أما الأول: فلأن المسمى دين في ذمته، وقد تأكد بالموت فيقضى من تركته إلا إذا علم أنها ماتت أولا فيسقط   [البناية] كان) ش: أي اختلاف الورثة م: (في أصل المسمى) ش: بأن ينكر أحدهما المسمى م: (فعند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - القول قول من أنكره) ش: أي من أنكر أصل المسمى، ولا يقضي بشيء؛ لأنه لا يقضي بمهر المثل بعد موتهما عنده، وعندهما يقضي بمهر المثل، وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد، وعليه الفتوى، ولكن الشافعي يقول: بعد التحالف، وعندنا، ومالك، وأحمد لا يجب التحالف. م: (والحاصل أنه لا حكم لمهر المثل عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (بعد موتهما) ش: أي بعد موت الزوجين، استدل في الأصل، وقال الأترازي: إن ورثة علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لو ادعوا على ورثة عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مهر أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لم أقض ذلك في ميراث عمر إلا أن تقوم البينة م: (على مهر مسمى على ما نبينه من بعد إن شاء الله تعالى) ش: أشار به إلى دليل أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في المسألة التي تلي هذه المسألة، وهذا أيضا وجه من الوجوه المتعلقة بالمسألة المذكورة. [مات الزوجان وقد سمى لها مهرا] م: (وإذا مات الزوجان وقد سمى لها مهرا) ش: أي والحال أن الزوج قد سمى للمرأة مهرا م: (فلورثتها أن يأخذوا ذلك) ش: أي المسمى م: (من ميراث الزوج) ش: إنما يأخذ الورثة جميع المسمى من ميراث الزوج إذا ماتا معا، أو لم يعلم سبق أحدهما، أو علم أن الزوج مات أولا، لأن المسمى دين في الذمة وقد تقرر بالموت، وإن علم أن المرأة ماتت أولا يسقط من المهر قدر نصيب الزوج من التركة؛ لأنه ورث دينا على نفسه على ما يجيء الآن. م: (وإن لم يكن سمى لها مهرا فلا شيء لورثتها عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وقالا: لورثتها المهر في الوجهين) ش: أي فيما إذا سمى، وفيما إذا لم يسم م: (معنى المسمى) ش: أي معنى قولهما بحسب المسمى م: (في الوجه الأول) ش: أي فيما إذا سمى م: (ومهر المثل) ش: أي ويجب مهر المثل م: (في الوجه الثاني) ش: أي فيما إذا لم يسم. م: (أما الأول) ش: وهو وجوب المسمى م: (فلأن المسمى دين في ذمته وقد تأكد بالموت فيقضي من تركته إلا إذا علم أنها ماتت أولا) ش: الاستثناء من قوله: ويقضي من تركته م: (فيسقط الجزء: 5 ¦ الصفحة: 197 نصيبه من ذلك. وأما الثاني: فوجه قولهما أن مهر المثل صار دينا في ذمته كالمسمى فلا يسقط بالموت، كما إذا مات أحدهما، لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن موتهما يدل على انقراض أقرانهما، فبمهر من يقدر القاضي مهر المثل. ومن بعث إلى امرأته شيئا، فقالت: هو هدية، وقال الزوج: هو من المهر فالقول قوله لأنه هو المتملك، فكان أعرف بجهة التمليك كيف وأن الظاهر أنه يسعى في إسقاط الواجب.   [البناية] نصيبه من ذلك) ش: أي نصيب الزوج أي من مهر المثل الذي عليه قدر نصيبه من تركة المرأة وقد ذكرناه الآن. م: (وأما الثاني) ش: وهو وجوب مهر المثل م: (فوجه قولهما: أن مهر المثل صار دينا في ذمته كالمسمى، فلا يسقط بالموت، كما إذا مات أحدهما) ش: ففيه لا يسقط بالاتفاق. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن موتهما يدل على انقراض أقرانهما فبمهر من يقدر القاضي مهر المثل) ش: أراد أن بانقراض الأقران لا يجد القاضي امرأة من أقرانها حتى يقدر مهر مثلها بتلك المرأة. وقيل: إذا لم يتقادم العهد ومرور الزمان الطويل حتى لو لم يتقادم العهد يتضمن بمهر مثلها عنده أيضاً. قال السروجي: والتعليل الذي قبل هذا يدل على سقوط مهر المثل بموتهما تقادم أو لا. وفي " المناهج ": اختلفا في قدر المهر، وفي صفته تحالفا، ويفسخ المهر ويجب المثل، وكذا لو أنكر التسمية على الأصح لو اختلفت ورثتهما، أو وارث أحدهما مع الآخر. وفي " المغني ": لو قال: لم يكن لها صداق فالقول قولها قبل الدخول وبعده ما ادعت مهر المثل، وبه قال ابن جبير، وابن شبرمة، وابن أبي ليلى، وابن حنبل، وابن راهويه، وهو قول الشعبي، والثوري، والشافعي. وحكي عن فقهاء المدينة السبعة أن بعد الزفاف القول قوله - والدخول يقطع الصداق - وبه قال أصحابه: كانت العادة بالمدينة تعجيل الصداق. وفي " الجواهر ": لو اختلفا بعد زوال العصمة بطلاق، أو فسخ، أو موت، فالقول قول الزوج مع يمينه، ولو ادعت التسمية وأنكر فالقول قوله. [بعث إلى امرأته شيئا فقالت هو هدية وقال الزوج هو من المهر] م: (ومن بعث إلى امرأته شيئا فقالت: هو هدية، وقال الزوج: هو من المهر فالقول قوله؛ لأنه هو المتملك) ش: على صيغة اسم الفاعل من التمليك م: (فكان أعرف بجهة التمليك كيف) ش: أي كيف لا يكون القول قول الزوج م: (وأن الظاهر أنه يسعى في إسقاط الواجب) ش: عن ذمته فيكون القول قول من يشهد له الظاهر، والواو في - وإن الظاهر - للحال وإن بكسر الهمزة وأنه بفتح الهمزة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 قال: إلا في الطعام الذي يؤكل، فإن القول قولها، والمراد منه ما يكون مهيأ للأكل؛ لأنه يتعارف هدية. فأما في الحنطة والشعير فالقول قوله لما بيناه، وقيل: فلا يجب عليه من الخمار والدرع وغيره ليس له أن يحتسبه من المهر؛ لأن الظاهر يكذبه، والله أعلم.   [البناية] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (إلا في الطعام الذي يؤكل) ش: كالجدي المشوي والدجاجة المشوية، والحلوى، والخبيصة، والخبز، واللحم، وسائر الأطعمة، والفواكه الرطبة وما لا بقاء له م: (فإن القول قولها) ش: وكذا ذكره المرغيناني، وفي " قاضي خان " وفي "المهيأ" للأكمل: وما لا يدخر فالقياس كما تقدم، وفي " الأسبيجابي ": القول قولها فيه م: (والمراد منه) ش: أي المراد من الطعام الذي يؤكل م: (ما يكون مهيأ للأكل) ش: أي معدل للأكل ما يتسارع إليه الفساد م: (لأنه يتعارف هدية) ش: أي لأن مثل هذه الأشياء عرفت هدية، فالقول قولها فيها. م: (فأما الحنطة والشعير فالقول قوله) ش: فيها وكذا في الدقيق والشاة الحية والسمن والعسل وما له بقاء م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: - وإن الظاهر أنه يسعى في إسقاط حقه م: (وقيل) ش: قائله أبو القاسم الصفار. م: (فلا يجب عليه) ش: أي في الشرع على الزوج م: (من الخمار والدرع وغيره) ش: كمتاع البيت م: (ليس له) ش: أي للزوج م: (أن يحتسبه) ش: بضم السين، فقال: حسبته أي عددت عليه حسبانا بفتح العين في الماضي، وضمها في المستقبل م: (من المهر؛ لأن الظاهر يكذبه) ش: والملاءة لا تجب عليه؛ لأنه ليس عليه أن يهيئ لها أمر الخروج. وقال المرغيناني: عليه [ ... ] امرأة لخروجها. وفي " قنية المنية " دفع إليها مالا، فقالت: كان من مهري، وقال الزوج: كان وديعة عندك، وإن كان المدفوع من جنس مهرها فالقول قولها، وإن كان من خلاف جنسه فالقول قول الزوج. وفي " الإشراف ": بعث إليها بثوب فقال: هو من الكسوة، وقالت الزوجة: بل هو هبة، فالقول قول الزوج مع يمينه، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور، قال أبو بكر بن المنذر وبه أقول. وفي " القنية ": بعث إلى امرأته متاعا، وبعث أبو المرأة إليه متاعاً، ثم ادعى الزوج أنه كان من الصداق فالقول قوله مع يمينه، فإن حلف والمتاع قائم فللمرأة أن ترد وترجع بمهرها، وإن كان هالكا لا ترجع بالمهر، وما بعث إليه أبوها إن كان هالكا لم يكن على الزوجة شيء، وإن كان قائما وبعث من مال نفسه يرجع. وإن كان من مال الزوجة برضاها لا يرجع؛ لأن الزوجة لا ترجع فيما وهبت لزوجها، بعث إليها بهدايا وعوضت، ثم زفت إليه، ثم فارقها وادعى أن ذلك كان عارية، فالقول قوله، فإذا استرده فلها أن تسترد ما عوضه عن ذلك، قيل: لا يرجع كل واحد بما فرق على الناس من ذلك بإذن صاحبه صريحا، أو دلالة، ولا بالمأكولات الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] من الأطعمة والفواكه الرطبة. وفي " الذخيرة ": جهز بنته وزوجها ثم زعم أن الذي دفعه إليها ماله، وكان على وجه العارية عندها، قالت: هو ملكي جهزتني به، أو قال الزوج كذلك بعد موتها فالقول قولهما دون الأب، لأن الظاهر شاهد بملك البنت والعادة دفع ذلك إليها بطريق الملك، وحكي عن ركن الإسلام ابن الحسن السعدي أن القول قول الأب؛ لأن ذلك يستفاد من جهته وبه أخذ بعض المشايخ. وقال الصدر الشهيد [في] واقعاته " المختار للفتوى ": إن كان العرف ظاهرا في الجهاز بمثل ذلك كما في ديارنا فالقول قول الزوج، وإن كان مشتركا فالقول قول الأب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 فصل وإذا تزوج النصراني نصرانية على ميتة، أو على غير مهر، وذلك في دينهم جائز، ودخل بها، أو طلقها قبل الدخول بها، أو مات عنها؛ فليس لها مهر، وكذا الحربيان في دار الحرب، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قولهما في الحربيين، وأما في الذمية فلها مهر مثلها إن مات عنها، أو دخل بها، والمتعة إن طلقها قبل الدخول بها. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لها مهر المثل في الحربيين أيضا. له أن الشرع ما شرع ابتغاء النكاح إلا بالمال، وهذا الشرع وقع عاما،   [البناية] [فصل تزوج النصراني نصرانية على ميتة أو على غير مهر] م: (فصل) ش: لفظ فصل مهما يكتب هكذا لا يكون معربا؛ لأن الإعراب يقتضي التركيب، ومهما وصل بشيء مما بعد يكون معربا. ولما فرغ من بيان أنكحة المسلمين شرع في بيان أنكحة أهل الذمة. م: (وإذا تزوج النصراني نصرانية) ش: هذا القيد اتفاقي، لأن الحكم في كل أهل الذمة هكذا، ولهذا ذكر في " المبسوط " بلفظ الذمي م: (على ميتة، أو على غير مهر) ش: أي وتزوجها على غير مهر، وكذا لو تزوج على دم. م: (وذلك) ش: أي وتزوجها على هذا الوجه والواو للحال م: (في دينهم جائز، ودخل بها، أو طلقها قبل الدخول بها، أو مات عنها؛ فليس لها مهر) ش: أي مهر المثل، حتى لو ترافعا إلى القاضي لا يقضي بشيء. م: (وكذلك) ش: أي الحكم إذا زوج م: (الحربيان في دار الحرب، وهذا) ش: أي عدم وجوب المهر م: (عند أبي حنيفة وهو) ش: أي عدم وجوب المهر م: (قولهما) ش: أي قول أبي يوسف، ومحمد، أي قولهما. م: (في الحربيين) ش: كقول أبي حنيفة م: (وأما في الذمية) ش: أي وأما الحكم في الذمية إذا تزوجت ذميا م: (فلها مهر مثلها) ش: أي عندهما م: (إن مات) ش: أي الذي م: (عنها، أو دخل بها. والمتعة) ش: أي ولها المتعة. م: (إن طلقها قبل الدخول بها) ش: يعني إذا ترافعا إلينا، أو أسلما، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد م: (وقال زفر: لها مهر المثل في الحربيين أيضا. له) ش: أي لزفر م: (أن الشرع ما شرع ابتغاء النكاح إلا بالمال) ش: قال الله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] (النساء: الآية 24) ، م: (وهذا الشرع) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا} [النساء: 24] م: (وقع عاما) ش: لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث إلى الكل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 فيثبت الحكم على العموم. ولهما أن أهل الحرب غير ملتزمين أحكام الإسلام، وولاية الإلزام منقطعة لتباين الدارين، بخلاف أهل الذمة؛ لأنهم التزموا أحكامنا فيما يرجع إلى المعاملات كالربا والزنا، وولاية الإلزام متحققة لاتحاد الدار. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن أهل الذمة لا يلتزمون أحكامنا في الديانات، وفيما يعتقدون خلافه في المعاملات، وولاية الإلزام متحققة بالسيف وبالمحاجة، وكل ذلك منقطع عنهم باعتبار عقد الذمة، فإنا أمرنا بأن نتركهم وما يدينون فصاروا كأهل الحرب،   [البناية] قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158] (الأعراف: الآية 158) . وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بعثت إلى الأسود والأحمر» ، أي العرب والعجم، ولأن هذا الدين ناسخ الأديان كلها م: (فيثبت الحكم على العموم) ش: لأن النكاح من باب المعاملات، والكفار مخاطبون بالمعاملات. م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن أهل الحرب غير ملتزمين أحكام الإسلام) ش: لأن الالتزام بعقد الذمة قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قبلوا عقد الذمة فلهم ما للمسلمين» م: (وولاية الإلزام منقطعة لتباين الدارين) ش: أي دار الإسلام، ودار الكفر ولا إلزام إلا بالولاية م: (بخلاف أهل الذمة؛ لأنهم التزموا أحكامنا فيما يرجع إلى المعاملات كالزنا والربا) ش: فإنهم ينهون عن ذلك، ويقام عليهم الحد. م: (وولاية الإلزام متحققة لاتحاد الدار، ولأبي حنيفة أن أهل الذمة لا يلتزمون أحكامنا في الديانات) ش: أي لا يلزم أهل الذمة المعاملات، أي وكذا لا يلزمون أحكامنا. م: (وفيما يعتقدون خلافه في المعاملات) ش: كالنكاح بغير شهود وبيع الخمر والخنزير، والضمير في خلافه يرجع إلى ما يعتقدون، أي لا يلزمون أحكامنا في الشيء الذي يعتقدون خلاف ذلك الشيء لما أنا نفتقد حرمة النكاح بغير شهود، وهم يعتقدون خلاف ذلك. م: (وولاية الإلزام) ش: هذا جواب في قولهما وولاية الإلزام م: (متحققة) ش: بيانه: أن ولاية الإلزام إنما تتحقق م: (بالسيف بالمحاجة) ش: ليست بموجودة م: (وكل ذلك ينقطع عنهم باعتبار عقد الذمة، فإنا أمرنا أن نتركهم وما يدينون فصاروا كأهل الحرب) ش: وفي عدم الالتزام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 بخلاف الزنا لأنه حرام في الأديان كلها، والربا مستثنى من عقودهم لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إلا من أربى فليس بيننا وبينه عهد» . وقوله في الكتاب: أو على غير مهر يحتمل نفي المهر ويحتمل السكوت   [البناية] وانقطاع الولاية. م: (بخلاف الزنا؛ لأنه حرام في الأديان) ش: جواب عن قولهما كالزنا، بيانه أن القياس عليه غير صحيح، لأنه حرام في الأديان م: (كلها) ش: فلم يكن دينهم خاصة حتى يتركون عليه، م: (والربا) ش: كذلك جواب عن قولهما: والربا بيانه أن الربا م: (مستثنى من عقودهم لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «إلا من أربى فليس بيننا وبينه عهد» ش: هذا حديث غريب، وذكره الأكمل، وسكت عنه غير أنه قال: " إلا " حرف تنبيه، لا حرف الاستثناء، كذا في السماع والنسخ. قلت: هذا عجيب منه؛ لأن من ذكر أنه حرف استثناء حتى يرده مؤكدا بقوله: وكذا السماع والنسخ؟! وأعجب منه أيضا قول الأترازي: هو حرف تنبيه لا حرف استثناء، كذا وقع السماع مراراً بفرغانة وبخارى، وكذا سكت عنه بقية الشراح، وهما أيضاً لو سكتا لكان أوجه. وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه " - في باب ذكر أهل نجران - حدثنا غيلان، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا خالد بن سعيد، عن الشعبي قال: كتب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى نجران وهم نصارى: «من باء منكم بالربا فلا ذمة له» ، وهو مرسل، وروى أبو عبيد في كتاب " الأموال " بإسناده، عن أبي المليح الهذلي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صالح أهل نجران ... الحديث وفيه: " لا يأكل الربا، فمن أكل منهم الربا فمتى يلزم يريد ". م: (وقوله:) ش: أي قول محمد م: (في الكتاب) ش: أي في " الجامع الصغير "، أي على غير مهر هذا قد مضى في أول الفصل، وإنما ذكره لبيان أن المسألة من مسائل " الجامع الصغير "، ولبيان التفصيل في قوله: م: (أو على غير مهر؛ لأنه يحتمل نفي المهر ويحتمل السكوت) ش: بأن يعقد أن يسكتا عن ذكر المهر. وقال صدر الشهيد: في " شرح الجامع الصغير ": فالنفي على الاختلاف لا محالة، فأما السكوت فإنه يرجع فيه إلى دينهم، فإن دانوا أنه لا يجب إلا بالنص عليه كان على الاختلاف، وإن دانوا أنه يجب إلا أن ينفي فإنه يجب عند السكوت بالإجماع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 وقد قيل في الميتة والسكوت روايتان، والأصح أن الكل على الخلاف. فإن تزوج الذمي ذمية على خمر أو خنزير، ثم أسلما أو أسلم أحدهما فلها الخمر والخنزير، ومعناه إذا كانا بأعيانهما والإسلام قبل القبض، وإن كانا بغير أعيانهما فلها في الخمر القيمة، وفي الخنزير مهر المثل، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لها مهر المثل في الوجهين، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لها القيمة في الوجهين. وجه قولهما: أن القبض يؤكد الملك في المقبوض   [البناية] وقال فخر الإسلام البزدوي: والمتزوج بالميتة بمنزلة النفي؛ لأنه لا قيمة له عند أحد، وألحق شمس الأئمة السرخسي في " المبسوط " الدم بالميتة؛ لأنه لا يتمولها المسلمون. م: (وقد قيل: في الميتة والسكوت روايتان) ش: أي عن أبي حنيفة في رواية: يجب مهر المثل كما قالا. وفي رواية لا يجب شيء م: (والأصح أن الكل على الخلاف) ش: رواية واحدة، فعنده لا يجب شيء لها، وعندهما لها مهر المثل. [تزوج الذمي ذمية على خمر أو خنزير ثم أسلما أو أسلم أحدهما] م: (فإن تزوج الذمي ذمية على خمر أو خنزير، ثم أسلما أو أسلم أحدهما فلها الخمر والخنزير) ش: هذه من مسائل " الجامع الصغير " م: (ومعناه) ش: أي معنى قول محمد فلها الخمر والخنزير م: (إذا كانا) ش: أي الخمر والخنزير م: (بأعيانهما) ش: إذا كانا معينين م: (والإسلام) ش: أي إسلامهما، أو إسلام أحدهما كان م: (قبل القبض) ش: أي قبض الخمر والخنزير م: (وإن كانا بغير أعيانهما) ش: يعني كانا دينا في الذمة م: (فلها في الخمر القيمة، وفي الخنزير مهر المثل، وهذا) ش: أي هذا كله سواء كانا عينين أو دينين م: (عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: لها مهر المثل في الوجهين) ش: أي في العين وغير العين، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد. م: (وقال محمد: لها القيمة في الوجهين. وجه قولهما) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد إنما جمع بين قوليهما وإن كانا مختلفين فيما بينهما حيث قال أبو يوسف بمهر المثل فيهما، ومحمد قال فيهما بالقيمة، ومهر المثل غير قيمة الخمر والخنزير؛ لأنهما متفقان في أنهما لا يوجبان عين الخمر والخنزير. م: (أن القبض) ش: أي قبض المهر المعين م: (يؤكد الملك في المقبوض) ش: ولهذا لو هلك قبل القبض هلك من الزوج، وعليه مثله إن كان مثليا، وقيمته إن كان قيما وبعد القبض يهلك من المرأة وينصف بالطلاق قبل الدخول إن لم يكن مقبوضا. وبعد القبض لا يعود إلى ملك الزوج شيء إلا بالرضا أو بالمسمى، وإذا مر يوم الفطر والصداق بعد غير مقبوض ثم طلقها قبل الدخول بها لا يجب صدقة الفطر عليها بخلاف ما بعد القبض، ولا تجب الزكاة عليها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في المهر قبل القبض بخلاف ما يعود. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 204 فيكون له شبه بالعقد، فيمتنع بسبب الإسلام كالعقد، وصار كما إذا كانا بغير أعيانهما، وإذا التحقت حالة القبض بحالة العقد؛ فأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: لو كانا مسلمين وقت العقد يجب مهر المثل، فكذا هاهنا، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: صحت التسمية لكون المسمى مالا عندهم، إلا أنه امتنع التسليم بالإسلام، فتجب القيمة، كما إذا هلك العبد المسمى قبل القبض. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الملك في الصداق المعين يتم بنفس العقد، ولهذا تملك التصرف فيه، وبالقبض ينتقل من ضمان الزوج إلى ضمانها، وذلك لا يمتنع بالإسلام كاسترداد الخمر المغصوب، وفي غير المعين القبض يوجب ملك العين،   [البناية] م: (فيكون له شبهة بالعقد) ش: أي يكون للقبض شبهة بالعقد من حيث إنه مؤكد م: (فيمتنع بسبب الإسلام) ش: أي يمتنع القبض بسبب الإسلام كالعقد أي كما لو ابتدأ التمليك بالعقد بعد الإسلام م: (وصار كما إذا كانا بغير أعيانهما) ش: لأن القبض فيه كالقبض فيما إذا كان بغير أعيانها في إفادة ما لم يكن والقبض فيما إذا كان بغير أعيانهما منع عن تسليم نفسها فكذلك إذا كانا بأعيانهما كالعقد. م: (وإذا التحقت حالة القبض بحالة العقد، فأبو يوسف يقول: لو كانا مسلمين وقت العقد يجب مهر المثل، فكذا هاهنا، ومحمد يقول: صحت التسمية) ش: حالة العقد؛ لأنهما كانا كافرين م: (لكون المسمى مالا عندهم) ش: أي عند أهل الذمة م: (إلا أنه امتنع التسليم بالإسلام فتجب القيمة، كما إذا هلك العبد المسمى قبل القبض) ش: فوجب القيمة. م: (ولأبي حنيفة أن الملك في الصداق المعين يتم بنفس العقد، ولهذا تملك التصرف فيه) ش: أي في المعين كيف شاءت ببدل، وبغير بدل، فلو هلك على ملكهما دخل ما يتم بنفس العقد لا يحتاج فيه إلى القبض للتمليك، قوله: وبهذا إيضاح لتمام الملك بنفس العقد في الصداق المعين. م: (وبالقبض ينتقل) ش: أي الملك م: (من ضمان الزوج إلى ضمانها، وذلك) ش: أي انتقال الضمان م: (لا يمتنع بالإسلام كاسترداد الخمر المغصوب) ش: يعني الذمي إذا غصب منه الخمر، ثم أسلم له أن يسترده من الغاصب، وكذلك المسلم إذا تخمر عصيره، وهذا لأنه صورة اليد، فلا يحصل به ملك الرقبة، ولا ملك التصرف، وصورة اليد لا تمنع بالإسلام. وفي " الحواشي " ولأبي حنيفة: أن الملك نوعان: ملك الرقبة، وملك التصرف، وكلاهما ثابت للزوجة قبل القبض، والفائت لها صورة اليد ولا يمتنع ذلك بالإسلام كالمسلم إذا تخمر عصيره. م: (وفي غير المعين القبض يوجب ملك العين) ش: لأن حقها كان في الدين وإنما يثبت في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 فيمتنع بالإسلام، بخلاف المشتري؛ لأن ملك التصرف إنما يستفاد فيه بالقبض وإذا تعذر القبض في غير المعين لا تجب القيمة في الخنزير؛ لأنه من ذوات القيم، فيكون أخذ قيمته كأخذ عينه، ولا كذلك الخمر؛ لأنه من ذوات الأمثال، ألا ترى أنه لو جاء بالقيمة قبل الإسلام تجبر على القبول في الخنزير دون الخمر، ولو طلقها قبل الدخول بها فمن أوجب مهر المثل أوجب المتعة، ومن أوجب القيمة أوجب نصفها، والله أعلم   [البناية] العين ابتداء بالقبض م: (فيمتنع بالإسلام) ش: وفي " الأسرار ": ولئن سلمنا أن القبض يؤكد الملك في المقبوض، ولكن لا نسلم أن الإسلام يمنع تأكد الملك بدليل أن من باع عبداً بخمر وقبض الخمر، فإن الملك فيه والجواز أن يهلك العين عنده قبل التسليم إليه، فالتسليم يقرر الملك، وهذا التسليم غير ممتنع بالإسلام، وإن كان قبضها كذا الملك في الخمر. وإذا اشترى خمرا وقبضها، ثم أسلم ربها يجب، فإنه سقط خيار الرد، وإن كان في سقوطه تأكيد في الخمر، ومع هذا لم يمتنع بالإسلام، فعلم أن الإسلام لا يمنع تأكد الملك في الخمر، وبخلاف المشتري متصل بقوله: إن الملك في الصداق المعين يتم بالقبض، يعني بخلاف ما إذا باع الخمر والخنزير، أو اشترى ثم أسلم قبل القبض، فإنه لا يجوز القبض بل يفسخ العقد. وقال الأترازي: م: (بخلاف المشتري) ش: يجوز بفتح الراء وكسرها فعلى الأول يكون معناه أن الخنزير المشترى أو الخمر المشترى لا يجوز قبض ذلك بعد الإسلام وعلى الثاني أن المشتري الخمر والخنزير ليس له أن يقبضهما بعد الإسلام م: (لأن ملك التصرف إنما يستفاد فيه) ش: أي في البيع م: (بالقبض) ش: والإسلام مانع منه. م: (وإذا تعذر القبض في غير المعين لا تجب القيمة في الخنزير؛ لأنه من ذوات القيم) ش: أي لأن الخنزير من ذوات القيم؛ لأنه لا مثل له من جنسه م: (فيكون أخذ قيمته) ش: أي قيمة الخنزير م: (كأخذ عينه) ش: فكان فيه تقرير حكم عقد باشراه في الكفر لا على وجه الشرع م: (ولا كذلك الخمر؛ لأنه) ش: أي لأن الخمر، قال الكاكي: ذكره على تأويل المذكور، وقال الأترازي: على تأويل الشراب، وهي من الأسماء المؤنثة السماعية م: (من ذوات الأمثال) ش: لأن لها من جنسها. م: (ألا ترى) ش: توضيح لما قبله م: (أنه) ش: أي الزوج م: (لو جاء بالقيمة قبل الإسلام تجبر) ش: أي المرأة م: (على القبول في الخنزير دون الخمر) ش: كما لو أتى بالعين فيما إذا تزوج امرأة على خنزير، ولو تزوجها على خمر لا يجبر بين إعطاء القيمة وبين إعطاء العين. م: (ولو طلقها قبل الدخول بها فمن أوجب مهر المثل مطلقاً) ش: هو أبو يوسف م: (أوجب المتعة، والذي أوجب القيمة) ش: مطلقاً م: (أوجب نصفها) ش: أي نصف القيمة. أما محمد وأبو حنيفة أوجبا في الخنزير مهر المثل وفي الخمر القيمة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 باب نكاح الرقيق لا يجوز نكاح العبد والأمة إلا بإذن مولاهما،   [البناية] [باب نكاح الرقيق] [نكاح المملوك بغير إذن سيده] م: (باب نكاح الرقيق) ش: أي هذا باب في بيان حكم نكاح الرقيق، أي المملوك، وقد يطلق على الواحد والجمع، كذا في " الصحاح ". وفي " المغرب ": الرقيق العبد، وقد يقال للعبيد، ومنه: هؤلاء رقيقي. وفي " النهاية ": الرقيق المملوك فعيل بمعنى مفعول. قيل: كأنه نظر إلى معناه الذي هو المملوك، فإنه مفعول؛ لأنه من فعل متعد، والأظهر أن الرقيق معنى فاعل؛ لأن الرق هو الضعف وهو لازم، وفيه تأمل. وقال الأترازي: إنما أخر هذا الباب عن فصل النصراني والنصرانية لما أن الرقيق لا ينفذ نكاحه أصلاً إلا إذا أذن له مولاه، بخلاف أهل الكتاب، فإن لهم ولاية النكاح بأنفسهم، فلما ذكر من لهم ولاية النكاح وهم المسلمون وأهل الكتاب ألحق بهم من ليس لهم النكاح بأنفسهم وهم الأرقاء. وقدم هذا الباب على باب نكاح أهل الشرك؛ لأن الرق يتحقق في المسلم بقاء، ولم يتحقق ابتداء، والرقيق المسلم خير من المشرك الحر، قال الله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: 221] (البقرة: الآية 221) ، هذا ما عندي من وجه المناسبة: وقال بعض الشارحين: إنما أخره عن فصل النصراني لأن الرق من آثار الكفر، والأثر يعقب المؤثر؛ لأنه يقتضي أن يكون وضع هذا بعد باب نكاح أهل الشرك لما قال في المعنى، انتهى. قلت: أراد بعض الشارحين صاحب "النهاية" السغناقي؛ فإنه ذكر في كتابه هكذا، وفي كلام الأترازي أيضاً نظر، لأن المناسبة لا تراعى إلا بين الأبواب دون الفصول، وفصل النصراني والنصرانية داخل في ضمن باب المهر، وليس بباب بالاستقلال وينبغي أن يذكر المناسبة بين باب المهر، وباب نكاح الرقيق قد صدر بنكاح الرقيق، والرقيق يكون مهراً، إنما تزوج رجل امرأة على رقيق، فإذا تزوج الرقيق بإذن مولاه فالمهر دين في رقبته يباع فيه. م: (لا يجوز نكاح العبد والأمة إلا بإذن مولاهما) ش: لا يجوز أي لا يعقد، كما في نكاح الفضولي، كذا نقل عن العلامة مولانا حافظ الدين. وقال السروجي: وكذا قال في " البدائع " و" المفيد ": لا يجوز نكاح المملوك بغير إذن سيده، وصوابه لا ينفذ، فإنه جائز صحيح، لكنه غير نافذ بل نفاذه موقوف إلى إجازة المولى، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن، وإبراهيم النخعي، ومنصور والحكم، رواه عنهم ابن أبي شيبة، قال شيخنا زين الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز للعبد لأنه يملك الطلاق، فيملك النكاح. ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر» ،   [البناية] تعالى -: وهو قول أهل الرأي، ومالك فيما حكى الخطابي عنهم. وفرق الرافعي بين قول أبي حنيفة ومالك، فقال: قال مالك: يصح وللسيد فسخه. وقال أبو حنيفة: موقوف على إجازة السيد. وقال شيخنا أيضا لما روى حديث الباب: فيه حجة على أن نكاح العبد بغير إذن سيده غير صحيح، وهو قول أكثر أهل العلم، منهم حماد بن أبي سليمان، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد وإسحاق، انتهى. قلت: فعلى قول صاحب " الهداية " لا يجوز هو الصواب، وكذا قال القدوري بلفظ: لا يجوز. فإن قلت: يؤيد هذا ما رواه أبو داود: «وإذا نكح العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل» . قلت: هذا الحديث ضعيف وهو معروف عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. م: (وقال مالك: يجوز للعبد؛ لأنه يملك الطلاق فيملك النكاح) ش: قيد بالعبد؛ لأنه لا يجوز للأمة بالإجماع، لأن النكاح من خواص الإنسان فيبقى على أصل الحرية، إذ هو مملوك للمولى من حيث إنه آدمي، ألا ترى أنه يملك الطلاق وهو أثر النكاح فيملك سببه وهو النكاح؛ لأن من ملك رفع شيء يملك وضعه، ولكن ذكر في " الجواهر " للمالكية: لا ينكح العبد إلا بإذن سيده، فإن عقد بغير إذن سيده صح، وللسيد أن يطلق عليه بخلاف الأمة فإن العقد عليها بغير إذنه باطل، ولا يصح بإجازته، وعنه للسيد فسخه أو تركه نكاح العبد، وهي شاذة، والمهر والنفقة لازمان له، متعلقان بما يتحصل في يده من غير خراجه، ولا من كسبه. وقال أبو عمر في "التمهيد ": نكاحه موقوف على إجازة السيد، وإن طلقها العبد قبل إجازة سيده لكان طلاقا لا يحل إلا بعد زوج. وفي " الأشراف ": لا حد عليه في الوطء، وفيه روي ذلك عن الشعبي، والنخعي، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وابن حنبل. وقال داود وأصحابه: يحد بالوطء حد الزاني إذا علم بالنهي، وهو مذهب ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، قال: فكان ابن عمر يرى نكاحه زناً، ويرى عليه الحد، وبه قال أبو ثور. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر» ش: هذا الحديث رواه الترمذي من حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر» . وقال: حديث حسن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 ولأن في تنفيذ نكاحهما تعييبهما، إذ النكاح عيب فيهما، فلا يملكانه بدون إذن مولاهما. وكذلك المكاتب؛ لأن الكتابة أوجبت فك الحجر في حق الكسب،   [البناية] صحيح، ورواه الحاكم في "مستدركه "، وقال: حسن صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وروى ابن ماجه من رواية مندل، عن ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا تزوج العبد بغير إذن سيده كان عاهراً» وقد مر الكلام فيه عن قريب قوله - عاهر - أي زان، قاله الخطابي وغيره. م: (ولأن في تنفيذ نكاحهما تعييبهما إذ النكاح عيب فيهما) ش: ولهذا لو اشترى عبدا أو أمة فوجده من زوجها فله أن يرده م: (فلا يملكانه) ش: أي فلا يملك العبد والأمة النكاح م: (بدون إذن مولاهما) ش: قال الأكمل: وفي هذا التعليل جواب لمالك؛ لأن مذهبه ليس كما نقله المصنف وقد بيناه. وقال الأكمل أيضاً: واستشكل بجواز إقراره بالحدود والقصاص؛ فإن وجوب قطع اليد في السرقة، ووجوب القصاص عيب فيهما على قولهما، وأما على قول أبي حنيفة بمنزلة الاستحقاق، وهو أيضا أقوى العيوب فولايته على هذا التعيب يزيل هذه النكتة. وأجيب: بأن الرق في حدود الله تعالى باق على حريته، والرق لا يؤثر فيهما، وإن لزم من ذلك تعييب فهو ضمني، لا يعتبر به، انتهى. قلت: هذا كله من كلام السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. م: (وكذلك المكاتب) ش: لا يجوز تزويجه بغير إذن مولاه م: (لأن الكتابة أوجبت فك الحجر في حق الكسب) ش: فينال بذلك شرف الحرية، والنكاح ليس من باب الكسب م: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 فيبقى في حق النكاح على حكم الرق، ولهذا لا يملك المكاتب تزويج عبده، ويملك تزويج أمته؛ لأنه من باب الاكتساب، وكذا المكاتبة لا تملك تزويج نفسها بدون إذن المولى، وتملك تزويج أمتها لما بينا، وكذا المدبرة وأم الولد؛ لأن الملك فيهما قائم. وإذا تزوج العبد بإذن مولاه فالمهر دين في رقبته يباع فيه، لأن هذا دين وجب في رقبة العبد، لوجود سببه من أهله، وقد ظهر في حق المولى لصدور الإذن من جهته، فيتعلق برقبته دفعا للمضرة عن أصحاب الديون، كما في دين التجارة.   [البناية] (فيبقى في حق النكاح على حكم الرق) ش: يعني تبقى رقبته موقوفة في حق النكاح، كما كان. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل بقائه في حكم النكاح على حكم الرق م: (لا يملك المكاتب تزويج عبده) ش: لأنه ليس بكسب في حق الزوج م: (ويملك تزويج أمته؛ لأنه) ش: أي لأن تزويج أمته م: (من باب الاكتساب) ش: إذ به يحصل المهر والنفقة، إذ كل مهر وجب للأمة بعقد، أو دخول فهو للمولى. م: (وكذا المكاتبة لا تملك تزويج نفسها بدون إذن المولى، وتملك تزويج أمتها لما بينا) ش: إشارة إلى قوله - لأنه من باب الاكتساب - م: (وكذلك) ش: أي وكذلك لا يجوز نكاح م: (المدبرة، وأم الولد؛ لأن الملك فيهما قائم) ش: ولهذا يعتقان إذا قال المولى: كل مملوك لي حر، وفي " المبسوط ": الأب والجد، والقاضي، والوصي، والمكاتب والمضارب والشريك والمفاوض يملكون تزويج الأمة. م: (وإذا تزوج العبد بإذن مولاه فالمهر دين في رقبته، يباع فيه) ش: وكذا النفقة دين في رقبته حتى لو مات العبد سقط المهر والنفقة، لأن محل الاستيفاء قد فات، كذا ذكره التمرتاشي، وبه قال أحمد، وبعض أصحاب الشافعي م: (يباع فيه) ش: أي المهر م: (لأن هذا دين وجب في رقبة العبد لوجود سببه من أهله) ش: هذا دليل لقوله: م: (يباع فيه) ش: دون ما قبله لئلا يلزم المصادرة على المطلوب، تقديره: هذا الدين وجب في الرقبة تباع الرقبة فيه. أما أصل الوجوب فلتحقق المقتضى، وهو وجود السبب من أهله، أي من أهل التزوج، والسبب هو الفعل والبلوغ، أما أنه وجب في رقبته فلدفع الضرر عن أصحاب الديون، وانتفاء المانع من جهة المولى، لوجود الإذن من جهة الإشارة إليه بقوله. م: (وقد ظهر في حق المولى لصدور الإذن من جهته، فيتعلق برقبته دفعا للمضرة عن أصحاب الديون) ش: يعني النساء م: (كما في دين التجارة) ش: أي كما يباع في دين التجارة، قياسا على دين الاستهلاك، والجامع دفع الضرر عن الناس، وإنما قيد التزوج بإذن المولى، لأن العبد، أو المدبر، أو المكاتب إذا تزوج بغير إذن المولى، ودخل بها، ثم فرق بينهما المولى فلا مهر عليه حتى يعتق، وهذا مذهب الثلاثة، هذا ما ذكر في كتبهم، ففي " المنهاج " للشافعية: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 والمدبر والمكاتب يسعيان في المهر ولا يباعان فيه؛ لأنهما لا يحتملان النقل من ملك إلى ملك، مع بقاء الكتابة والتدبير، فيؤدى من كسبهما لا من نفسهما. وإذا تزوج العبد بغير إذن مولاه، فقال المولى: طلقها أو فارقها، فليس هذا بإجازة، لأنه يحتمل الرد، لأن رد هذا العقد ومتاركته يسمى طلاقا ومفارقة، وهو أليق بحال العبد المتمرد إذ هو أدنى، فكان الحمل عليه أولى.   [البناية] السيد إذا أذنه لا يضمن نفقته، ولا مهرا في الجديد، وهنا في كسبه بعد النكاح، فإن كان مأذونا له في التجارة ففيما في يده من المال، وكذا في رأس المال في الأصح. وفي " المبسوط " لهم: الأصح ليس في رأس المال، فإن لم يكن مأذونا له ولا مكتسبا ففي ذمته، وفي قول: على السيد، وفي " الجواهر " للمالكية: النفقة، والمهر لازمان له، متعلقان لما يحصل له في يده لما ليس من خراجه، ولا من كسبه. وفي " المغني " للحنابلة: المهر يتعلق برقبته، ويباع فيه إلا أن يفسد المولى، وهذا تقييد قولنا. وفي " شرح الوجيز " للشافعية: دين المهر، والنفقة يتعلق بذمة العبد، ويثبت الخيار للمرأة في القول الأصح. وفي قول: يجب على المولى، لأن الإذن في النكاح في عبد لا يكتسب التزاما للمؤنات، وهذا في عبد لم يكن له كسب، فلو كان مكتسبا يجوز في كسبه بعد النكاح، حتى لو حبسه المولى، واستخدمه في زمان كسبه غرم للمرأة المهر والنفقة. وهل للعبد أن يؤجر نفسه للمهر والنفقة، فيه قولان، انتهى. لأن العبد إذا بيع في مهرها ولم يف الثمن لا يباع ثانيا، لأنه بيع في جميع المهر، ويطالب بالباقي بعد العتق. وفي دين النفقة يباع مرة أخرى؛ لأنه يجب شيئا فشيئا، كذا ذكره التمرتاشي، ولو زوج عبده أمته لا مهر لها، وبه قال الشافعي، ومالك وأحمد. [تزوج العبد بغير إذن مولاه فقال المولى طلقها أو فارقها] م: (والمدبر والمكاتب يسعيان في المهر، ولا يباعان فيه، لأنهما لا يحتملان النقل من ملك إلى ملك مع بقاء الكتابة والتدبير، فيؤدى من كسبهما لا من أنفسهما) ش: لتعذر الاستيفاء من الرقبة. م: (وإذا تزوج العبد بغير إذن مولاه، فقال المولى: طلقها أو فارقها فليس هذا بإجازة) ش: وقال ابن أبي ليلى: يكون إجازة. وعند الشافعي، ومالك، وأحمد لا ينعقد هذا العقد أصلا، ويصير لغوا لا تلحقه الإجازة. ولو قال له: طلقها فيما إذا بلغه الخبر أن الفضولي زوجه يكون إجازة م: (لأنه) ش: أي لأن كلام المولى طلقها أو فارقها م: (يحتمل الرد، لأن رد هذا العقد ومتاركته يسمى طلاقا ومفارقة، وهو أليق بحال العبد المتمرد) ش: أي الرد أليق بحال العبد المتمرد أي: المارد الخارج عن الطاعة م: (إذ هو أدنى) ش: أي: الرد أدنى لأنه منع من الثبوت والطلاق موقع بعده، والدفع أسهل من الرفع. م: (فكان الحمل عليه) ش: أي على الدفع م: (أولى) ش: بخلاف مسألة الفضولي، لأن الزوج يملك التطليق بالإجازة، فثبت ضمنا له، لأن فعل الفضولي إعانة له، فلا يحمل على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 وإن قال: طلقها تطليقة تملك الرجعة، فهو إجازة، لأن الطلاق الرجعي لا يكون إلا في نكاح صحيح، فتتعين الإجازة. لو قال لعبده: تزوج هذه الأمة فتزوجها نكاحا فاسدا، ودخل بها؛ فإنه يباع في المهر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يؤخذ منه إذا عتق، وأصله أن الإذن في النكاح ينتظم الفاسد والجائز عنده، فيكون هذا المهر ظاهرا في حق المولى. وعندهما ينصرف إلى الجائز لا غير،   [البناية] الرد. فإن قلت: الطلاق في الحقيقة لإبطال تمليك النكاح في الرد مجاز، والعمل بالحقيقة مجاز. قلت: الحقيقة تدرك بدلالة الحال، وهي افتئات على رأي المولى. م: (وإن قال: طلقها تطليقة تملك الرجعة، فهو إجازة، لأن الطلاق الرجعي لا يكون إلا في نكاح صحيح، فتتعين الإجازة) ش: وكذا قال: أوقع عليها تطليقة. فإن قيل: إذا قال المولى لعبده: كفر يمينك بالمال، أو تزوج أربعا من النساء لا يثبت به العقد، وإن كان التكفير بالمال، وتزوج أربعا من النساء لا يكون إلا بعد الحرية. أجيب: بأن ما كان أصلا في إثبات الأهلية في التصرفات الشرعية لا يثبت اقتضاء، كالإيمان في خطاب الكفار بالشرائع. وفي الإثبات عتق ذلك بخلاف ما نحن فيه، فإن النكاح ليس بأصل في إثبات الأهلية. [قال لعبده تزوج هذه الأمة فتزوجها نكاحا فاسدا ودخل بها] م: (ولو قال لعبده: تزوج هذه الأمة) ش: لا فائدة فيه، لأنه لو قال هذه الحرة، فعلى هذا الخلاف، وكذلك لا فائدة في ذكر الإشارة في التعيين، لأن الحكم في غير المعين كذلك م: (فتزوجها نكاحا فاسدا، ودخل بها، فإنه يباع في المهر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يؤخذ منه إذا عتق) ش: ولفظ الأصل، وإذا أذن له أن يتزوج واحدة فتزوجها نكاحا فاسدا، فدخل بها أخذ المهر في حال الرق في قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد: لا شيء عليه حتى يعتق، وعند الشافعي: في ذمته كقولهما، وفي قول في رقبته. وفي " المغني ": وفي تناوله الفاسد احتمال. م: (وأصله) ش: أي أصل أبي حنيفة م: (أن الإذن في النكاح ينتظم الفاسد والجائز عنده) ش: أي يشملهما عند أبي حنيفة م: (فيكون هذا المهر ظاهرا في حق المولى) ش: بسبب إذنه فيباع. م: (وعندهما ينصرف) ش: أي الإذن م: (إلى الجائز) ش: أي النكاح الجائز م: (لا غير) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 فلا يكون ظاهرا في حق المولى، فيؤاخذ به بعد العتاق. لهما أن المقصود من النكاح في المستقبل الإعفاف، والتحصين، وذلك بالجائز، ولهذا لو حلف لا يتزوج ينصرف إلى الجائز، بخلاف البيع، لأن بعض المقاصد حاصل، وهو ملك التصرفات. وله أن اللفظ مطلق، فيجري على إطلاقه، كما في البيع، وبعض المقاصد في النكاح الفاسد حاصل كالنسب، ووجوب المهر والعدة على اعتبار وجود الوطء،   [البناية] ش: يعني ولا ينتظم، وبه قال الشافعي في أظهر قوليه، وقد ذكرناه م: (فلا يكون ظاهرا في حق المولى) ش: ولا يؤاخذ به العبد في الحال م: (فيؤاخذ به بعد العتاق. لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن المقصود من النكاح في المستقبل الإعفاف) ش: أي تحصيل العفة م: (والتحصين) ش: أي تحصين النفس عن الحرام م: (وذلك) ش: أي الإعفاف لا يكون إلا م: (بالجائز) ش: أي النكاح الجائز قيد بالمستقبل، لأن مراده في النكاح في الماضي تحقق المخبر عنه فحسب، لا بالتحصين لاستحالته. م: (ولهذا) ش: أي لأجل كون المقصود من النكاح في المستقبل الإعفاف م: (لو حلف لا يتزوج ينصرف) ش: يمينه م: (إلى الجائز) ش: ولا ينصرف إلى الفاسد، فلا يحنث بالفاسد. ولو حلف أنه ما تزوج، وقد كان تزوج فاسداً يحنث في يمينه لما ذكرنا أن مقصوده تحقق المخبر عنه، التحصين، كذا في " المبسوط ". م: (بخلاف البيع) ش: يعني لو أمره بالبيع ينتظم الفاسد والصحيح م: (لأن بعض المقاصد) ش: وهو الإعتاق والهبة ونحو ذلك من التصرفات م: (حاصل) ش: وفسر قوله: بعض المقاصد بقوله: م: (وهو ملك التصرفات) ش: وقد ذكرناه م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن اللفظ) ش: تزوج م: (مطلق فيجري على إطلاقه) ش: ولا يقيد بالصحة، لأن الصحة والفساد، وصفتا العقد، والإذن من المولى في أصل العقد، فكذا يتقيد بصفة دون صفة م: (كما في البيع) ش: أي كما أن الأمر بالبيع مطلق ينتظم الفاسد والصحيح م: (وبعض المقاصد في النكاح الفاسد حاصل) ش: كان هذا جواباً عما يقال لا شيء يقصد به في النكاح الفاسد، فأجاب بقوله - وبعض المقاصد حاصل. م: (كالنسب) ش: أي كثبوت النسب م: (ووجوب المهر والعدة) ش: أي وجوب العدة بشرط الدخول، أشار إليه بقوله: م: (على اعتبار وجود الوطء) ش: وكذا سقوط الحد من بعض المقاصد. وفي " قاضي خان " العبد أهل لمباشرة النكاح، وإنما يشترط رضا المولى عنه لتعلق المهر بماليته، وفي هذا لا فرق بين الصحيح والفاسد. وفي " البدائع ": لو أذن له في النكاح الفاسد أيضاً، ودخل بها فيه يلزمه المهر في رقبته للحال بالاتفاق، ولو دخل في الموقوف، ثم أجازه المولى ففي القياس يلزمه مهران، مهر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 213 ومسألة اليمين ممنوعة على هذه الطريقة. ومن زوج عبدا مأذونا له مديونا امرأة جاز، والمرأة أسوة للغرماء في مهرها، ومعناه إذا كان النكاح بمهر المثل، ووجهه أن سبب ولاية المولى ملك الرقبة على ما نذكره والنكاح لا يلاقي حق الغرماء بالإبطال مقصودا، إلا أنه إذا صح النكاح وجب الدين بسبب لا مرد   [البناية] بالدخول ومهر بالقصد بالإجازة، وفي الاستحسان يلزمه مهر واحد. م: (ومسألة اليمين ممنوعة على هذه الطريقة) ش: يعني طريقة إجراء اللفظ المطلق على الإطلاق، ولئن كان قول الكل فالعذر لأبي حنيفة أن مبنى الإيمان على العرف. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هذه طريقة أخرى. وفي المسألة طريقتان: إحداهما ذكرت في المتن. الثانية: أن الحاجة إلى إذن المولى لشغل رقبته بالمهر، لا بتمليك البضع، لأن العبد في حقه يبقى على أصل الحرية، ومسألة اليمين ممنوعة على الطريقة الأولى، لا على الطريقة الثانية، على ما لا يخفي. وثمرة اختلافهم في هذه المسألة تظهر فيما إذا جدد العقد عليها بشرائط الصحة بلا إذن، وتزوج امرأة أخرى صحيحاً بغير إذن لا يجوز عند أبي حنيفة، لانتهاء الأمر بالفاسد، وعندهما يجوز لعدم الانتهاء، لأنه لا يتناول الفاسد، كذا ذكر في " المبسوط ". [زوج عبدا مأذونا له مديونا امرأة] م: (ومن زوج عبداً مأذوناً له مديوناً امرأة جاز) ش: المراد بالمأذون المديون، صرح به في " الكافي " وجاز النكاح، والمهر في رقبته م: (والمرأة أسوة للغرماء في مهرها) ش: وقال الشافعي: المهر والنفقة يتعلقان بربح على ما في يده الحاصل بعد النكاح، وفي أظهر قوليه الربح سواء حصل بعد النكاح أو قبله، وهل يتعلق برأس المال فيه وجهان. أظهرهما لا يتعلق. م: (ومعناه) ش: أي معنى قولنا: والمرأة أسوة للغرماء م: (إذا كان النكاح بمهر المثل) ش: تضرب المرأة في ثمن العبد بمهرها، وتضرب الغرماء على قدر ديونهم، وذلك كما إذا استهلك العبد مال إنسان يكون صاحب المال أسوة الغرماء. م: (ووجه ذلك) ش: أي وجه كون المرأة أسوة للغرماء من حيث م: (أن سبب ولاية المولى) ش: للإنكاح م: (ملك الرقبة على ما نذكره) ش: أي فيما بعد هذه المسألة بقوله: - ولنا أن النكاح إصلاح ملكه - لأن في تحصينه عن الزنا الذي هو سبب الهلاك م: (والنكاح لا يلاقي حق الغرماء بالإبطال مقصوداً) ش: قيد بقوله - مقصوداً - لأن المانعية إنما تتحقق بذلك، وأما إذا كان خفياً فلا يعتبر به، وهاهنا كذلك، لأن محلية النكاح للآدمية، وحق الغرماء لا يلاقيها. م: (إلا أنه إذا صح النكاح) ش: فولاية المولى تحصينا لملكه م: (وجب الدين بسبب لا مرد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 214 له فشابه دين الاستهلاك، وصار كالمريض المديون إذا تزوج امرأة، فمهر مثلها أسوة للغرماء. / ومن زوج أمته فليس عليه أن يبوئها بيت الزوج، ولكنها تخدم المولى، ويقال للزوج: متى ظفرت بها وطئتها؛ لأن حق المولى في الاستخدام باق، والتبوئة إبطال له، فإن بوأها معه بيتا فلها النفقة والسكنى، وإلا فلا؛ لأن النفقة تقابل الاحتباس   [البناية] له) ش: لعدم انفكاك النكاح عن ثبوت المال، وإن كان كذلك م: (فشابه دين الاستهلاك) ش: فإن العبد المأذون المديون إذا استهلك مال إنسان صار صاحب المال أسوة الغرماء م: (وصار) ش: أي العبد المأذون والمديون م: (كالمريض المديون إذا تزوج امرأة، فمهر مثلها أسوة للغرماء) ش: أي وارد بالأسوة المساوية في طلب الحق - أي غرماء الصحة، وإذا كان مهر المثل أكثر منه، فلا تساويهم، بل تؤخر إلى استيفائهم مهر مثلها حقهم، كدين الصحة مع دين المرض. فإن قلت: المهر يتعلق بمالية رقبته، وفيه إضرار بالغرماء فوجب أن لا يصح. قلت: لا نسلم ذلك، فالنكاح لا تعلق له بمالية رقبته، وهذا يصح نكاح الحر، ولا مالية في رقبته، والأخ والعم يزوجان الصغيرة، وليس لهما ولاية التصرف في المال، وحق الغرماء يتعلق بالمالية، فلم يلاق وجوب المهر حقهم، فيصح بالمهر. [استخدام الأمة بعد زواجها] م: (ومن زوج أمته فليس عليه أن يبوئها بيت الزوج) ش: يقال: بوأه منزلا، وبوأه له إذا أسكنه إياه، ولا خلاف فيه لأحد الفقهاء، ولكن قال الشافعي، وأحمد: يستخدمها بالنهار ويسلمها ليلا إلى زوجها. وقال مالك: يسلمها إليه ليلة بعد ثلاث، ويأتيها زوجها فيما بين ذلك عند أهلها. وفي " الجواهر " للمالكية: استخدام الأمة لا يبطل بالتزويج، ويحرم على السيد الاستمتاع بها، وليس عليه أن يبوئها منزلا، إلا أن يشترط ذلك في العقد، وبه قال أحمد بن حنبل، وعندنا شرط ذلك باطل، لا يمنعه من استخدامها، لأن الحق للزوج حل الوطء في النكاح لا غير. م: (ولكنها تخدم المولى، ويقال للزوج متى ظفرت بها وطئتها؛ لأن حق المولى في الاستخدام باق، والتبوئة إبطال له) ش: أي لحق المولى م: (فإن بوأها معه) ش: أي مع الزوج م: (بيتا، فلها النفقة، والسكنى) ش: على الزوج، م: (وإلا فلا) ش: إن لم يبوئها معه فلا يلزم النفقة، والسكنى على الزوج. م: (لأن النفقة تقابل الاحتباس) ش: يعني جزاء الاحتباس، ولم يوجد، لكن هذا في غير المكاتبة، لأن المكاتبة لها النفقة والسكنى، وإن لم توجد التبوئة، وبه صرح في شرح كتاب النفقات للخصاف، والفرق بينها وبين الأمة والمدبرة، وأم الولد أن المولى لا يملك استخدام المكاتبة، فلا يحتاج إلى تبوئة المولى بخلافهن، فإن للمولى استخدامهن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 ولو بوأها بيتا ثم بدا له أن يستخدمها له ذلك، لأن الحق باق لبقاء الملك، فلا يسقط بالتبوئة، كما لا يسقط بالنكاح، قال - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر تزويج المولى عبده وأمته، ولم يذكر رضاهما، وهذا يرجع إلى مذهبنا لأن للموالي إجبارهما على النكاح. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا إجبار في العبد، وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] م: (ولو بوأها بيتاً ثم بدا له أن يستخدمها له ذلك، لأن الحق باق لبقاء الملك، فلا يسقط بالتبوئة، كما لا يسقط بالنكاح) ش: وظهر، أي ثم ظهر للمولى، أي كما لا يسقط حق المولى بإنكاحه إياها، لأن المستحق للزوج ملك النكاح لا غير. فإن قلت: ينبغي أن لا تسقط النفقة بالاستخدام بعد التبوئة كالحرة إذا منعت نفسها لاستيفاء الصداق. قلت: القياس غير صحيح، لأن المقيس عليه وجد التفويت من قبل الزوج، فكان امتناعها بحق، فلم تسقط نفقتها، وفيما نحن فيه لم يوجد التفويت، والنفقة جزاء الاحتباس ولم يوجد فسقطت النفقة. فإن قلت: ينبغي أن يجب عليه التبوئة، لأنه لما ملك الزوج منافع بعضها يجب عليه تسليمها، والتبوئة من التسليم. قلنا: التبوئة أمر زائد على التسليم، فإن التسليم يتحقق بدون التبوئة، بأن قال له: متى ظفرت بها وطئتها فلا يلزمه التبوئة جمعاً بين الحقين بقدر الإمكان، ولو جاءت الأمة بولد، فنفقة ولدها على مولاها، لأنه مالكه لا على الأب، وذكر في " الجواهر ": أن للزوج المسافرة بها، ويخرج معها، والنفقة عليه إذا بوأها بيتاً، والمهر للأمة مال من مالها، فلم ينزعه السيد وفي " المغني " إذا أراد الزوج المسافرة بها فليس له ذلك، وإن أراد السيد السفر بها، قال ابن حنبل: لا أدري. [تزويج المولى عبده وأمته ولم يذكر رضاهما] م: (قال:) ش: أي المصنف م: (ذكر) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (تزويج المولى عبده وأمته، ولم يذكر رضاهما) ش: يعني لم يقل: إن رضاهما شرط لصحة النكاح أم لا م: (وهذا يرجع إلى مذهبنا) ش: وهو تزويجه بلا رضاها، وهو معنى قوله: م: (لأن للمولى إجبارهما على النكاح) ش: قال في " شرح الطحاوي ": للمولى أن يزوج أمته على كره منها، صغيرة كانت أو كبيرة، بالإجماع. وأما في العبد إذا كان صغيراً فكذلك، وإن كان كبيراً فكذلك عندنا في ظاهر الرواية. وروي عن أبي يوسف أنه قال: لا يجوز إلا برضا العبد، وهو قول الشافعي المشار إليه بقوله: م: (وعند الشافعي لا إجبار للعبد) ش: وبه قال أحمد م: (وهو رواية عن أبي حنيفة) ش: قال الوبري: هو رواية الطحاوي، عن أبي حنيفة، وهي رواية شاذة، وقال الشافعي - في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 لأن النكاح من خصائص الآدمية والعبد داخل تحت ملك المولى من حيث إنه مال، فلا يملك إنكاحه، بخلاف الأمة؛ لأنه مالك منافع بضعها فيملك تمليكها. ولنا أن الإنكاح إصلاح لملكه؛ لأن فيه تحصينه عن الزنا، الذي هو سبب الهلاك أو النقصان فيملكه اعتبارا بالأمة، بخلاف المكاتب والمكاتبة، لأنهما التحقا بالأحرار تصرفا، فيشترط رضاهما. قال: ومن زوج أمته، ثم قتلها قبل أن يدخل بها الزوج فلا مهر لها، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: عليه المهر لمولاها اعتبارا بموتها حتف أنفها،   [البناية] القديم -، ومالك وأحمد - في رواية - كقولنا، وهذا الخلاف في العبد، أما في الأمة يجوز عقده، عليها بغير رضاها بالإجماع ولا يجوز تزويج المكاتب والمكاتبة جبرا بالإجماع، وكذا في المستسعاة عند أبي حنيفة، والشافعي، ومالك وأحمد. م: (لأن النكاح من خصائص الآدمية، والعبد داخل تحت ملك المولى من حيث إنه مال، فلا يملك إنكاحه، بخلاف الأمة، لأنه مالك منافع بضعها، فيملك تمليكها) ش: بلا رضاها؛ لكونه تصرفا في خالص ملكه. م: (ولنا أن الإنكاح إصلاح لملكه) ش: يعني أن مملوكه [ ... ] رقبته، فيملك كل تصرف يشعر بصيانة ملكه فيه، والنكاح منه م: (لأن فيه تحصينه عن الزنا، الذي هو سبب الهلاك أو النقصان) ش: إذ بالجلد ربما يهلك لخرق الجلد أو الجرح، فالنقصان لازم، ألا ترى أنه لو اشترى عبدا حد في الزنا، فله الرد، فكان في النكاح صونه عنهما م: (فيملكه) ش: بلا رضاه. م: (اعتبارا بالأمة) ش: والجامع قيام سبب الولاية، وهو ملك الرقبة وتحصين ملكه عن الزنا الموجب للهلاك والنقصان، وليس المناط في جواز إنكاح الأمة جبرا تملك منافع بضعها؛ لأنه لا يطرد مع الإجبار ولا ينعكس، فإن الزوج يملك منافع بضع المرأة ولا يقدر تزويجها، والمولى يملك تزويج الصغيرة، ولا يملك منافع بضعها، فكان التعديل به فاسدا. م: (بخلاف المكاتب والمكاتبة) ش: هذا جواب عما يقال: لو كان الإجبار باعتبار تحصين الملك لجاز في المكاتب والمكاتبة، ولم يجز، فأجاب بقوله: بخلاف المكاتب والمكاتبة. م: (لأنهما التحقا بالأحرار تصرفا) ش: أي من حيث التصرف، ففي ملك السيد نظر لهما، لقصور ملكه فيهما؛ لأنهما مالكان يدا؛ فيكون في تزويجهما تفويت لملك التصرف عليهما فإذا كان كذلك م: (فيشترط رضاهما) ش: أي إذا أراد المولى تزويجهما. [زوج أمته ثم قتلها قبل أن يدخل بها الزوج] م: (قال: ومن زوج أمته، ثم قتلها قبل أن يدخل بها الزوج فلا مهر لها عند أبي حنيفة) ش: وبه قال الشافعي وأحمد م: (وقالا: عليه المهر لمولاها اعتبارا بموتها حتف أنفها) ش: أي على الزوج المهر لمولى الأمة التي قتلها، قيد بقوله: - ثم قتلها -؛ لأنه إذا قتلها أجنبي لا يسقط المهر بالاتفاق، وقيد بقوله: - قبل أن يدخل الزوج بها -؛ لأنه إذا قتلها بعد الدخول لا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 وهذا لأن المقتول ميت بأجله، فصار كما إذا قتلها أجنبي. وله أنه منع المبدل قبل التسليم، فيجازى بمنع البدل، كما إذا ارتدت الحرة.   [البناية] يسقط بالاتفاق، وإذا غيبها المولى بمكان لا يقدر عليه الزوج لا يطالبه بالمهر بالاتفاق، وكذا إذا غابت في مكان لا يقدر عليها، أو باعها من سلطان، أو غيره، فذهب بها من المصر فإنه يسقط المطالبة بالمهر عن الزوج، وكذا لو أعتقها قبل الدخول، فاختارت نفسها. وإذا ارتدت الأمة، أو الحرة قبل الدخول يسقط المهر بالاتفاق، والحرة إذا قتلت نفسها فيه روايتان عن أبي حنيفة. وفي " المنهاج ": لو قتلت المرأة نفسها أو قتلها أجنبي لا يسقط مهرها عند الشافعي قبل الدخول لا يسقط بالاتفاق. والأمة إذا قتلت نفسها، أو قتلها أجنبي لا يسقط مهرها عند الشافعي، وفي " الجواهر ": لو قتل الأمةَ سيدها أو أجنبي أو قتلت نفسها، أي قياسها على موتها حتف أنفها، قال في " المغرب ": قولهم: - مات حتف أنفه - إذا مات على الفرش، قيل: هذا في حق الآدمي، ثم عمر في كل حيوان إذا مات. وقال ابن الأثير: مات على حتف أنفه كأنه سقط لأنفه فمات والحتف الهلاك، كانوا يتخيلون أن روح المؤمن تخرج من أنفه، فإذا جرح خرجت من جراحته. م: (وهذا) ش: أي اعتبار قتلها بموتها حتف أنفها م: (لأن المقتول ميت بأجله) ش: لا أصل له سوى هذا عند أهل السنة والجماعة م: (فصار) ش: أي حكم هذا م: (كما إذا قتلها أجنبي) ش: حيث لا يسقط. م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي أن الولي م: (منع المبدل) ش: وهو البضع م: (قبل التسليم) ش: أي قبل تسليمه إلى الزوج م: (فيجازى بمنع البدل) ش: وهو المهر م: (كما إذا ارتدت الحرة) ش: حيث يسقط مهرها مجازاة لفعلها، فكذلك هاهنا مجازاته تمنع البدل. وقال الكاكي: إذا كان من أهل المجازاة تحقيقا للمساواة، ثم قال: وإنما قيدنا بقولنا: إذا كان من أهل المجازاة، لأن الصغيرة لو ارتضعت من أم زوجها أو المجنونة قبلت ابن زوجها بشهوة قبل الدخول، حتى بانتا لم يسقط المهر؛ لأنهما ليسا من أهل المجازاة بخلاف المولى، فإنه من أهل المجازاة، حتى يجب عليه الكفارة. ولو كان المولى صبيا قالوا: يجب أن لا يسقط المهر على قول أبي حنيفة، بخلاف الصغيرة إذا ارتدت حيث يسقط مهرها بالارتداد؛ لأن الارتداد محظور في حقها، ولهذا يحرم عن الميراث، وإنما قيدنا بالارتداد بالحرة؛ لأن في ارتداد الأمة هل يسقط مهرها؟ لا رواية عن أصحابنا فيه، واختلف المشايخ فيه، قيل: لا يسقط، وقيل: يسقط. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 والقتل في أحكام الدنيا جعل إتلافا حتى وجب القصاص والدية، فكذا في حق المهر. وإن قتلت حرة نفسها قبل أن يدخل بها زوجها فلها المهر، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، هو يعتبره بالردة، وبقتل المولى أمته، والجامع ما بيناه. ولنا أن جناية العبد على نفسه غير معتبرة في حق أحكام الدنيا، فشابه موتها حتف أنفها، بخلاف قتل المولى أمته، لأنه معتبر في أحكام الدنيا، حتى تجب الكفارة عليه. وإذا تزوج أمة فالإذن في العزل   [البناية] م: (والقتل في أحكام الدنيا) ش: هذا جواب عن قولهما: لأن المقتول ميت بأجله، بيانه: أن القتل مؤقت في الحقيقة بأجل عند الله تعالى، ولكن في أحكام الدنيا م: (جعل إتلافا حتى وجب القصاص) ش: في العمد م: (والدية) ش: في الخطأ، هذا لا يجب القصاص على المولى لاستحالة أنه يجب عليه له، لكن عليه الإثم م: (فكذا في حق المهر) ش: يعني أن القتل جعل إتلافا في حق القصاص والدية، فكذا جعل إتلافا في حق المهر، وجعل كأنه غير الموت، يعني كما أن القتل جعل إتلافا. [قتلت حرة نفسها قبل أن يدخل بها زوجها] م: (وإن قتلت حرة نفسها قبل أن يدخل بها زوجها فلها المهر، خلافا لزفر) ش: وبه قال الشافعي، وفي شرح " الكافي ": " خلافا للشافعي " مكان " خلافا لزفر "، ثم قال: وفي " المبسوط " قال: " الشافعي " مكان " زفر "، وفي " الكافي " ذكرهما، وهذا قول من الشافعي، وفي " الحلية ": المنصوص أنه لا يسقط مهر مثلها، وفي " شرح الوجيز ": للأصحاب فيه طريقان، أشهرهما: أن المسألة على قولين، بالنقل والتخريج، أحدهما: أنه يسقط كما قال زفر، والثاني: لا يسقط، وهو اختيار المزني. م: (وهو يعتبره بالردة) ش: أي زفر يقيس حكم هذه المسألة على حكم الردة يعني إذا ارتدت الحرة قبل الدخول بها م: (وبقتل المولى أمته) ش: أي ويعتبر أيضا بقتل المولى أمته م: (والجامع) ش: أي الجامع بين المقيس، وهو قتل الحرة نفسها، وبين المقيس عليه، وهو ردة الحرة قبل الدخول، وقتل المولى أمته م: (ما بيناه) ش: وهو أن من له حكم منع المبدل يجازى بمنع البدل، وقياس زفر قتل المولى أمته، إنما يصح على قول أبي حنيفة؛ لأن أبا يوسف ومحمد لا يقولان بسقوط المهر في قتل المولى أمته. م: (ولنا أن جناية العبد على نفسه غير معتبرة في حق أحكام الدنيا) ش: لهذا قال أبو حنيفة ومحمد: إنها تغسل ويصلى عليها م: (فشابه) ش: أي قتلها نفسها م: (موتها حتف أنفها) ش: فإنها إذا ماتت حتف أنفها لا يسقط مهرها بالاتفاق م: (بخلاف قتل المولى أمته) ش: جواب عن قوله: ويقتل المولى أمته م: (لأنه يعتبر في حق أحكام الدنيا، حتى تجب الكفارة عليه) ش: يعني إذا قتلها خطأ، وكذلك يجب الضمان على المولى إن كان عليها دين. [العزل عن الأمة] م: (وإذا تزوج أمة فالإذن في العزل) ش: وهو أن يطأها ويعزل شهوته عنها، كي لا يتولد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 إلى المولى، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - أن الإذن إليها لأن الوطء حقها حتى تثبت لها ولاية المطالبة، وفي العزل ينقص حقها، فيشترط رضاها كما في الحرة، بخلاف الأمة المملوكة؛ لأنه لا مطالبة لها، فلا يعتبر رضاها.   [البناية] الولد م: (إلى المولى عند أبي حنيفة) ش: العزل في الأمة المملوكة حلال بإجماع العلماء، وفي الأمة المنكوحة يجوز عند الشافعي في الأصح بغير الرضا وبالإذن يجوز عندنا، وللشافعي وجه، ومالك وأحمد، ولكن ولاية الإذن للمولى عند أبي حنيفة. م: (وعن أبي يوسف ومحمد أن الإذن إليها) ش: أي الأمة، قاله الأترازي. وفي بعض نسخ " الهداية ": وعن أبي يوسف ومحمد: أن الإذن إليها وهو أصح؛ لأن هذه المسألة من مسائل " الجامع الصغير " وصورتها فيه، روى محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل زوج أمته، فأراد أن يعزل عنها، قال: الإذن في العزل إلى المولى، ولم يذكر الخلاف، فدل أن ظاهر الرواية عنهما، كما قال أبو حنيفة، ولهذا قال فخر الإسلام البزدوي في شرح " الجامع الصغير ": وعن أبي يوسف ومحمد أن العزل إليها قلت: وفي " خير المطلوب: ولم يذكر عنهما خلافا، وفيه عنهما بالإذن إليها. وفي " ملتقى البحار ": الأمة تحت حر وعبد، لا يعزل الزوج عنها إلا بإذن المولى عند أبي حنيفة رضيت الأمة أو لم ترض، وهكذا في " البدائع " و" قاضي خان ". وقال ابن حزم في " المحلى ": لا يحل العزل عن الحرة، ولا عن الأمة، وقال ابن المنذر في " الأشراف ": رخص في العزل عن جارية جماعة من الصحابة علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وزيد بن ثابت، وأبو أيوب الأنصاري، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأنس، وأبي، والحسن بن علي، وخباب بن الأرت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وبه قال سعيد بن المسيب، وطاوس، وعن أبي بكر، وعمر، وابن مسعود، وابن عمر، كراهته. م: (لان الوطء حقها) ش: أي حق الأمة المنكوحة م: (حتى تثبت لها ولاية المطالبة) ش: فلا يجوز بغير رضاها م: (وفي العزل ينقص حقها فيشترط رضاها كما في الحرة) ش: أي كما يشترط الرضا في الحرة؛ لأن لها مطالبة الزوج بالوطء بالإجماع، لأن النكاح صيانة لها عن السفاح، وذا بقضاء الوطء. م: (بخلاف الأمة المملوكة) ش: حيث يجوز لمولاها أن يعزل رضيت أم لم ترض م: (لأنه لا مطالبة لها) ش: أي للأمة المملوكة م: (فلا يعتبر رضاها) ش: والمكاتبة كالأمة عند الجمهور، وقال: له قوله: تخيير المكاتبة، وصح ذلك عن الحسن، وهو قول الحسن، وأبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 وجه ظاهر الرواية أن العزل يخل بمقصود الولد، وهو حق المولى فيعتبر رضاه وبهذا فارقت الحرة. وإن تزوجت أمة بإذن مولاها، ثم أعتقت فلها الخيار حرا كان زوجها أو عبدا «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لبريرة حين أعتقت: "ملكت بضعك   [البناية] وقال سفيان الثوري: إن تزوجها بعد الكتابة فلا خيار لها، وإن تزوجها قبل الكتابة فلها الخيار، وقال قوم: إنها تخير تحت العبد، ولا تخير تحت الحر، وهو قول الحسن، والزهري، وأبي قلابة، وعطاء، وعروة، ونسب ذلك إلى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وهو قول ابن أبي ليلى، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، وابن حنبل، وابن راهويه، وأبي سليمان، وداود الطائي. م: (وجه ظاهر الرواية أن العزل يخل بمقصود الولد، وهو حق المولى، فيعتبر رضاه) ش: ولا حق للأمة في قضاء الشهوة، لأن النكاح لم يشرع لها ابتداء، وبقاء، لهذا لا تتمكن من مطالبة مولاها بالتزويج، ويعذر الزوج على إبطال نكاحها بلا استطاعة رأيها، وإنما كانت الكراهة للولد، والولد حق المولى، فيشترط رضاه لا رضاها. وفي " جامع المحبوبي " على هذا الخلاف حق الخصومة لو وجدت زوجها عنيناً فعنده يكون للمولى، وعندهما لها، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، والأصل فيه ما روي أن الصحابة استأذنوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العزل فأذن لهم وقد جاء عن بعض المفسرين في قَوْله تَعَالَى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] (البقرة: الآية 223) إن شئتم عزلاً، وإن شئتم غير عزل، لما أن اليهود يكرهون العزل، ويقولون: هو الموءودة الصغرى، فنزلت فأجمعوا في الحرة أن العزل لا يجوز بغير رضاها لكن ذكر في " الفتاوى ": إن خاف الولد السوء في الحرة يسعه العزل في الحرة بغير رضاها لفساد الزمان، وكذا يسعها المعالجة لإسقاط ما لم يستبن شيء من خلقه ثم إذا عزل بإذن أو بغير إذن، ثم ظهر بها حمل هل يحل نفيه؟ قالوا: إن لم يعد إليها أو عاد ولكن بال قبل العود يحل النفي، وإن لم يبل لا يحل النفي، كذا روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. م: (وبهذا فارقت الحرة) ش: أي بتعليلنا أن العزل يحل بمقصود الولد، وهو حق المولى فارقت الأمة المنكوحة الحرة، لأن لها الحق في الولد دون الأمة، فلما وجد الفارق بطل القياس. م: (وإن تزوجت أمة بإذن مولاها، ثم أعتقت فلها الخيار، حراً كان زوجها) ش: يعني لها الخيار سواء كان زوجها حال الإعتاق حرا أو عبداً، إن شاءت أقامت معه، وإن شاءت اختارت نفسها ففارقته، ولا مهر لها إن لم يدخل بها الزوج، وإن كان دخل بها فالمهر واجب لسيدها، وإن اختارت زوجها فالمهر لسيدها، دخل الزوج بها أو لم يدخل. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي «لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (لبريرة حين أعتقت: "ملكت بضعك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 فاختاري» فالتعليل بملك البضع صدر مطلقا، فينتظم الفصلين. وهو محجوج به،   [البناية] فاختاري") » ش: هذا أخرجه الدارقطني عن عائشة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لبريرة: "اذهبي فقد عتق معك بضعك» ". ورواه ابن سعد في " الطبقات " أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لبريرة لما أعتقت: "قد عتق بضعك معك، فاختاري» وهذا مرسل، وروى البخاري ومسلم، عن القاسم، «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: كانت في بريرة ثلاث سنن ... إلى آخر الحديث، وفيه: وعتقت، فخيرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من زوجها فاختارت نفسها» . م: (فالتعليل بملك البضع صدر مطلقاً) ش: يعني أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل علة ثبوت الخيار ملك البضع، ولم يفصل بينهما إذا كان زوجها حراً أو عبداً. م: (فينتظم الفصلين) ش: أي: فيشمل الفصلين، وهو ما إذا كان زوجها حرا أو عبدا، حيث لا يثبت لها الخيار إذا كان زوجها حراً، وبه قال مالك وأحمد م: (وهو محجوج به) ش: أي الشافعي محجوج بهذا الحديث، لأن التعليل بملك البضع مطلقاً ينتظم الفصلين. واختلفت الروايات في زوج بريرة، هل كان حراً أو عبداً حين خيرت، فإن أصحابنا لا يفرقون بين الحر والعبد في ثبوت الخيار لها، والشافعي يقول: لها الخيار في العبد دون الحر، فمن أحاديث أنه كان حراً، ورواه الجماعة إلا مسلماً من حديث إبراهيم عن الأسود «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: يا رسول الله إني اشتريت بريرة لأعتقها ... الحديث، وفي آخره قال الأسود: فكان زوجها حراً» . وقال البخاري: قول الأسود منقطع، وقول ابن عباس: رأيته عبداً أصح، وأخرجه البخاري أيضاً عن الحكم عن إبراهيم، وفي آخره قال الحكم: «وكان زوجها حراً» قال البخاري: وقول الحكم مرسل. ومن أحاديثه أنه كان عبداً ما رواه الجماعة إلا مسلماً «عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أن زوج بريرة كان عبداً أسود، يقال له: مغيث» ... الحديث، ومنها ما رواه مسلم وأبو داود من حديث هشام بن عروة «عن عائشة محيلاً على ما قبله في قصة بريرة وزاد وقال: وكان زوجها عبداً، فخيرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاختارت نفسها، ولو كان حراً لم يخيرها» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 ولأنه يزداد الملك عليها عند العتق، فيملك الزوج بعده ثلاث تطليقات فتملك رفع أصل العقد دفعا للزيادة. وكذلك المكاتبة يعني إذا تزوجت بإذن مولاها، ثم أعتقت.   [البناية] ومنها ما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن سماك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه «عن عائشة: "أن بريرة خيرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان زوجها عبداً» " ومنها ما أخرجه البيهقي عن نافع، «عن صفية بنت أبي عبيد أن زوج بريرة كان عبداً» وقال: إسناده صحيح، وقال الطحاوي: إذا اختلفت الآثار وجب التوفيق بينها فنقول: إنا وجدنا الحرية تعقب الرق، ولا ينعكس فيحمل على أنه كان حراً عندنا ما خيرت عبداً قبله، وإن ثبت أنه عبد ولا يبقى الخيار لها يجب إذا لم يخبر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه إنما خيرها لكونه عبداً، انتهى. وقال الكاكي: ولو تعارضت الروايات بقي قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ملكت بضعك فاختاري» م: (ولأنه يزداد الملك) ش: دليل معقول، فنقول: بيانه أن ملك الزوج يزداد م: (عليها) ش: أي على الأمة م: (عند العتق) ش: أي عند عتقها، يعني عند عتق مولاها إياها، لأنها كانت تخلص من زوجها قبل العتق بطلاقين، فبعد العتق لا تخلص منه إلا بثلاث، وهي معنى قوله: م: (فيملك الزوج بعده) ش: أي بعد العتق م: (ثلاث تطليقات) ش: فيزداد ملك الزوج عليها بسبب العتق بتطليقة، فيملك ثلاث تطليقات. ثم هي لا تملك دفع تلك الزيادة إلا برفع أصل النكاح، م: (فتملك رفع أصل العقد رفعاً للزيادة) ش:، فأثبت الشارع لها الخيار، فلا يتمكن من ذلك إلا برفع أصل النكاح، فصار هذا كعبد بين اثنين كاتبه أحدهما فلان حرائر والكل، لأن له أن يرد نصيبه ولا يمكن ذلك إلا برد الكل، ولهذا لو اختارت نفسها كان فسخاً لا طلاقاً كخيار البلوغ، لأن سبب هذا الخيار يعني في جانبها وهو ملكها أمر نفسها، وكل فرقة كانت بسبب جهة المرأة لا يكون طلاقاً، ثم خيارها يقتصر على المجلس عندنا. وعند الشافعي: في الأصح على الفور، وفي قول: على التراخي، وفي التراخي قولان: في قول إلى ثلاث أيام، وفي قول إلى أن يمكنه من وطئها، وإن اختارت نفسها، فإن كان قبل الدخول فلا مهر لها، لأن فسخ النكاح جاء من قبلها وبعده، فالمهر لسيدها، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. م: (وكذلك المكاتبة) ش: هذا لفظ القدوري، وفسره المصنف بقوله م: (يعني إذا تزوجت بإذن مولاها، ثم أعتقت) ش: بأداء بدل الكتابة كان لها الخيار، سواء كان زوجها حراً أو عبداً لزيادة الملك عليها، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا خيار لها، لأن العقد نفذ عليها برضاها، وكان المهر لها، فلا معنى لإثبات الخيار، بخلاف الأمة، لأنه لا يعتبر رضاها. ولنا أن العلة ازدياد الملك، وقد وجدناها في المكاتبة، لأن عدتها قرءان وطلاقها ثنتان وإن تزوجت أمة بغير إذن مولاها، ثم أعتقت صح النكاح، لأنها من أهل العبادة، وامتناع النفوذ لحق المولى،   [البناية] م: (وقال زفر: لا خيار لها، لأن العقد نفذ عليها) ش: أي على المكاتبة م: (برضاها، وكان المهر لها، فلا معنى لإثبات الخيار) ش: وتحقيق كلام زفر وثبوت الخيار من الأمة لنفوذ العقد عليها بغير رضاها، وسلامة المهر لمولاها، وهذا غير موجود هنا، لأن المهر لها ولا ينفذ نكاحها إلا برضاها، وقال ابن أبي ليلى: إن أعانها على بدل الكتابة لا خيار لها، وإن لم يعنها فلها الخيار م: (بخلاف الأمة، لأنه لا يعتبر رضاها) ش: في التزويج وقد ذكرناه. م: (ولنا أن العلة) ش: أي علة إثبات الخيار للأمة بعد العتق، م: (ازدياد الملك عليها، وقد وجدناها) ش: أي العلة، وهي ازدياد الملك عليها م: (في المكاتبة) ش: والدليل على ذلك قوله م: (لأن عدتها) ش: أي عدة المكاتبة م: (قرءان) ش: أي حيضتان م: (وطلاقها ثنتان) ش: وكذا إيلاؤها شهران، فازداد كل ذلك بالعتق، كما في الأمة إذا أعتقت، فيكون لها الخيار، ولأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خير بريرة، وهي مكاتبة، ولو قيل: يحتمل أنها لم تكن مكاتبة وقت النكاح، وحينئذ لم يكن نفوذ نكاحها برضاها، قلنا: الظاهر أنها كانت مكاتبة وقت النكاح، لأن الحال يدل على ما قبله، على أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رتب الخيار على ملك بضعها، فكانت علة لثبوت الخيار والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. فإن قيل: المكاتبة مالكة لبضعها قبل العتق، ولهذا يكون البدل لها، ولم يحل للمولى وطؤها، فلم يتناول النص، قلنا: إنها ليست بمالكة لبضعها، لأنها لا تملك نفسها، وبضعها جزؤها، فلا تملكه، وإن وجب البدل لها لأنها أحق باكتسابها، ولم يحل وطؤها، لأنه من منافعها. [تزوجت أمة بغير إذن مولاها ثم أعتقت] م: (وإن تزوجت أمة بغير إذن مولاها، ثم أعتقت صح النكاح) ش: وفي " المبسوط ": وكذا الحكم في العبد لو تزوج بغير رضا المولى، وكذا لو باعه ثم أجاز المشتري، فكان التخصيص بالأمة لها مسألة تمليكها، وهي المسألة المتعلقة بالخيار، وقال الشافعي ومالك وأحمد: لا يصح لأنه نكاح الفضولي، وبعبارة النساء فلا تنعقد أصلاً عندهم. وفي " المبسوط ": وعن زفر أنه يبطل النكاح م: (لأنها) ش: أي لأن الأمة م: (من أهل العبادة) ش: حتى لو أقرت بدين صح، وتطالب بعد العتق، وأهلية العبادة من خواص العبادة، وهي فيها ميقات على أهل الحرية، فينعقد نكاحها. م: (وامتناع النفوذ لحق المولى) ش: هذا جواب عما يقال: إذا كان الأمر كما ذكرت فلم لا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 وقد زال. ولا خيار لها، لأن النفوذ بعد العتق، فلا تتحقق زيادة الملك، كما إذا زوجت نفسها بعد العتق، فإن كانت تزوجت بغير إذنه على ألف، ومهر مثلها مائة، فدخل بها زوجها ثم أعتقها مولاها فالمهر للمولى، لأنه استوفى منافع مملوكة المولى، وإن لم يدخل بها حتى أعتقها فالمهر لها، لأنه استوفى منافع مملوكة لها، والمراد بالمهر الألف المسمى، لأن نفاذ العقد بالعتق استند إلى وقت وجود العقد، فصحت التسمية ووجب المسمى.   [البناية] ينفذ نكاحها؟ فأجاب بأن امتناع النفوذ أي نفوذ النكاح لحق المولى م: (وقد زال) ش: أي حقه بالعتق، م: (ولا خيار لها، لأن النفوذ بعد العتق فلا يتحقق زيادة الملك) ش: للمولى م: (كما إذا زوجت نفسها بعد العتق) ش: حيث يسقط حق المولى، ويتم النكاح فعادت الحرية من جهتها. م: (فإن كانت تزوجت بغير إذنه على ألف درهم، ومهر مثلها مائة فدخل بها زوجها، ثم أعتقها مولاها فالمهر لمولاها) ش: والنكاح صحيح، ولا خيار لها، وفي نفاذ النكاح، خلاف زفر كما في المسألة المتقدمة، إنما قال: والحال أن مهر مثلها مائة، ليعلم أن المسمى، وإن زاد على مهر المثل فهو للمولى، إذا كان الدخول قبل العتق، وإنما كان المهر كله للمولى م: (لأنه) ش: أي لأن الزوج م: (استوفى منافع مملوكة المولى) ش: فيجب البدل به. م: (وإن لم يدخل بها حتى أعتقها فالمهر لها، لأنه استوفى منافع مملوكة لها) ش: فيجب البدل لها م: (والمراد بالمهر الألف المسمى) ش: هذا جواب عما يقال: كان ينبغي أن يكون للمولى مهر المثل بالدخول قبل العتق بالغاً ما بلغ، كما قال الشافعي وغيره وهو القياس، فأجاب بقوله: والمراد بالمهر المذكور بقوله: فالمهر للمولى، وفي قوله: بالمهر لها هو الألف المسمى، لا مهر المثل. م: (لأن نفاذ العقد بالعتق استند إلى وقت وجود العقد) ش: لأن وجوب العقد بالدخول، إنما يكون باعتبار العقد م: (فصحت التسمية ووجب المسمى) ش: للمولى إذا أعتقها بعد الدخول، وللأمة إذا أعتقها قبله، فإن قيل: كيف يسند الجواز إلى وقت العقد، والمانع من الإسناد قائم، لأن المانع من الجواز هو الملك، والملك قد زال بالعتق مقتصر، ألا ترى أن الأمة إذا حرمت حرمة غليظة على زوج كان لها، قبل ذلك، وتزوجت بغير إذن المولى فدخل بها فأعتقها المولى لا تحل على الزوج الأول باعتبار العتق غير معتبر في حق هذا الدخول الذي كان قبل العتق. أجيب: بأن ما ذكرته قياس، لأن القياس هو أن يلزمه مهران، مهر بالدخول قبل نفاذ النكاح، وهو مهر المثل، ومهر بالنكاح وهو المسمى لما ذكرت من وجود المانع عن الاسترداد، إلا أنهم استحسنوا فقالوا يلزمه مهر واحد، وهو المسمى وقت العقد، لأنه لو وجب مهراً بالدخول لوجب بحكم العقد، إذ لولاه لوجب الحد، فكان المهر واجباً بالدخول مضافاً إلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 ولهذا لم يجب مهر آخر بالوطء في نكاح موقوف، لأن العقد قد اتحد باستناد النفاذ، فلا يوجب إلا مهرا واحدا. ومن وطئ أمة ابنه، فولدت منه فهي أم وولد له، وعليه قيمتها ولا مهر عليه.   [البناية] العبد بإيجاب مهر آخر بالعقد، جمع بين المهرين بعقد واحد وهو ممتنع. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل نفاذ العقد مسنداً إلى وقت وجوب العقد، وصحة التسمية، (لم يجب مهر آخر بالوطء في النكاح الموقوف لأن العقد قد اتحد باستناد النفاذ) ش: إلى أصله م: (فلا يوجب) ش: أي العقد المتحد م: (إلا مهراً واحداً) ش: لأنه لا يجوز أن يكون في العقد الواحد مهران. [وطئ أمة ابنه فولدت منه] م: (ومن وطئ أمة ابنه فولدت منه فهي أم ولد له) ش: أي للأب، وهذا إذا ادعاه الأب، وثبت النسب منه، وإنما يثبت إذا كانت الأمة في ملك الابن من وقت العلوق، إلى وقت الدعوى م: (وعليه قيمتها) ش: أي على الأب قيمة الجارية م: (ولا مهر عليه) ش: أي الأب أي العقر إذا ادعى الولد، سواء صدقه الابن، أو لم يصدقه، وتصير أمته أم الولد للأب وبه قال أحمد والشافعي في الصحيح، وقال المزني: لا تصير أم ولد له، روي ذلك عن مالك، لأنها ليست ملكاً له وقت الإحبال. وفي " المبسوط " وغيره: العقر عبارة عن مهر المثل، وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": ينظر إلى هذه المرأة بكم كانت تستأجر للزنا مع جمالها، وجاز الاستئجار على الزنا، فالقدر الذي يستأجر على الزنا يجعل مهراً. وقال السروجي بعد قوله ولا مهر عليه: وقال زفر والشافعي وابن حنبل: يجب المهر، وفي " المنهاج ": يجب به عليه مهر ولا حد على الغاصب، وفي القديم يجب به عليه مهر ولا حد على الغاصب، وفي القديم يجب الحد، فإن أحبلها فالولد حر نسباً، والجارية تصير أم ولد في الأظهر إذا لم تكن أم ولد ابنه وعليه قيمتها مع المهر، لا قيمة ولده في الأصح. وفي " المغني " إن علقت منه صارت أم ولده، وهو قال الثوري وإسحاق، ذكره ابن المنذر، وقال أبو ثور: إن علم أنها لا تحل له يجب الحد ولا يلزم الأب قيمة الجارية، ولا عقرها ولا قيمة الولد عند أحمد، قال وقال الشافعي: يلزمه ذلك إن حكم بأنها أم ولده، وقال ابن قدامة في " المغني " وقال أبو حنيفة: يلزمها قيمتها، لأنها حرمت على الابن فوطأها كالأم. وقال السروجي: وغلط في النقل، وهو كثير الخطأ والغلط في نقل مذهبنا، ولو كان الابن زوجها إياه جاز النكاح عندنا، وهو قال أهل العراق، وعند أهل الحجاز لا يجوز، وهو قول ابن حنبل. وفي " المبسوط " لا يجوز للأب أن يتزوج بجارية ابنه عند الشافعي، واعلم أن جارية الابن لا تحل عند عامة العلماء، وقال ابن أبي ليلى: لا بأس به إذا احتاج إليها، وهو مذهب أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قياساً على الطعام، ومن الصحيحة قول العامة، قال السروجي: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 ومعنى المسألة أن يدعيه الأب، ووجهه: أن له ولاية تملك مال ابنه للحاجة إلى البقاء، فله تملك جارية ابنه للحاجة إلى صيانة الماء، غير أن الحاجة إلى إبقاء نسله دونها إلى إبقاء نفسه، فلهذا يتملك الجارية بالقيمة، والطعام بغير القيمة، ثم هذا الملك يثبت قبل الاستيلاد، شرطا له، إذ الصحيح حقيقة الملك أو حقه، وكل ذلك غير ثابت للأب فيها، حتى يجوز له التزوج بها،   [البناية] وأجمعوا على أن الأب يحرم عليه وطء أمة ابنه، وذكر التمرتاشي أن العبد لو كان عبداً أو مكاتباً أو كافرا لم تجز دعوته، لعدم الولاية، والأب كالجد عند عدمه، وأما أب الأم فلا ولاية بحال، كذا في " جامع المحبوبي ". م: (ومعنى المسألة أن يدعيه الأب) ش: إنما فسر المسألة بهذا، لأنها من مسائل " الجامع الصغير " ولم يذكر فيه الدعوى، بل قال: محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل وطئ جارية ابنه فولدت منه، قال: هي أم ولده، وعليه قيمتها، ولا مهر عليه، وإنما ذكر القدوري الدعوة في باب الاستيلاد، فقال: إذا وطئ الأب جارية ابنه فجاءت بولد فادعاه، ثبت نسبه، وصارت أم ولده، وعليه قيمتها، وليس عليه عقرها ولا قيمة ولدها. م: (ووجهه) ش: أي وجه ما قلنا م: (أن له) ش: أي أن للأب م: (ولاية تملك مال ابنه للحاجة إلى البقاء) ش: أي صيانة نفسه، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أنت ومالك لأبيك» م: (فله) ش: أي فللأب م: (تملك جارية ابنه للحاجة إلى صيانة الماء) ش: لأن الماء حرموه، فوجب صون ماله عن الضياع بمال الابن، وذلك تمليك جاريته لتصحيح فعل الاستناد، إذ الاستناد إذا خلا عن الملك لغي، وإذا تملكها غرم قيمتها لابنه، لأن حاجته ليست بكاملة، لأنها ليست من ضرورات البقاء. م: (غير أن الحاجة) ش: هذا جواب عما يقال: لو كانت صيانة الماء لبقاء الأصل لما وجب عليه القيمة، كما في الطعام، فأجاب بقوله: غير أن الحاجة م: (إلى إبقاء نسله) ش: ولهذا لا يجبر الولد على إعطاء جارية والده للاستيلاد لكونه غير ضروري م: (فلهذا يتملك الجارية بالقيمة، والطعام بغير القيمة) ش: لأنه ضروري. م: (ثم هذا الملك) ش: أي للأب هذا جواب عما يقال بطريق المعاوضة، فإن الاستيلاد يعتمد الملك كما في المملوكة، أو حق الملك، كما في المكاتبة وليس بشيء من ذلك وجود، فأجاب بقوله: ثم هذا الملك، م: (يثبت قبل الاستيلاد شرطاً له) ش: أي حال كونه شرطاً للاستيلاد م: (إذ الصحيح) ش: يعني الاستيلاد م: (حقيقة الملك) ش: كما في المملوكة م: (أو حقه) ش: كما في المكاتبة م: (وكل ذلك) ش: أي حقيقة الملك أو حق الملك م: (غير ثابت) ش: للأب فيها، حتى يجوز له التزوج بها ش: برفع يجوز، كقولهم: مرض فلان، حتى لا يرجونه وهو نتيجة لعدم ثبوت حقيقة الملك، وحق في جارية الابن للأب، يعني جاز للأب التزوج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 فلا بد من تقديمه، فتبين أن الوطء يلاقي ملكه، فلا يلزمه العقر. وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: يجب المهر، لأنهما يثبتان الملك حكما للاستيلاد، كما في الجارية المشتركة، وحكم الشيء يعقبه والمسألة معروفة. قال: ولو كان الابن زوجها أباه فولدت لم تصر أم ولد له، ولا قيمة عليه، وعليه المهر، وولدها حر، لأنه صح التزويج عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لخلوها عن ملك الأب، ألا ترى أن الابن ملكها من كل.   [البناية] بجارية الابن، فلو كان فيها حق لم يجز. م: (فلا بد من تقديمه) ش: أي تقديم الملك على الوطء كي لا يقع فعله حراما، أو لكونه شرطاً لصحة الاستيلاد، وشرط الشيء يسبقه م: (فتبين أن الوطء يلاقي ملكه) ش: أي كأن الوطء وقع في ملكه م: (فلا يلزمه العقر) . م: (وقال زفر، والشافعي: يجب المهر، لأنهما) ش: أي لأن زفر والشافعي م: (يثبتان الملك حكماً للاستيلاد) ش: فإنه سقط الإحصان بهذا الوطء، ولو كان في الملك لما سقط وحد قاذفه م: (كما في الجارية المشتركة) ش: فإنه إذا استولدها أحدهما، وادعى ولده فإنه يثبت نسبه، ويجب عليه نصف العقر م: (وحكم الشيء يعقبه) ش: لأن الأثر بعد المؤثر، وحكم الشيء الأثر الثابت به فالملك، أو شبهة الملك، ألا ترى أن هذا الوطء يثبت الإحصان بالإجماع، حتى لو قذفه إنسان يجب على قاذفه حد القذف، وعليه شمس الأئمة السرخسي. أما في الجارية المشتركة الملك موجود قبل الوطء، فلا يحتاج إلى تقديم التمليك لصحة الاستيلاد، ولكن ملكه ناقص، فيجب نصف العقر بمصادفة الوطء لملك الغير من وجه. فإن قيل: من العجب أن الجارية لو كانت مشتركة بين الأب والابن وولدت وادعاه الأب يثبت النسب ويجب العقر إجماعاً قلنا: العقر لأن الوطء فيما نحن فيه صادف المحل الخالي عن الملك وشبهه فلا يحتاج إلى إثبات الملك في الكل، فيجب نصف العقر، كما في المشتركة بين الوطء، وبين أجنبي، كذا في " جامع المحبوبي ". م: (والمسألة معروفة) ش: أي في " الجامع الصغير " وغيره. م: (قال: ولو كان الابن زوجها أباه فولدت منه) ش: أي من الأب م: (لم تصر أم ولد له) ش: أي للأب م: (ولا قيمة عليه، وعليه) ش: أي للأب م: (المهر، وولدها حر، لأنه صح التزويج عندنا خلافاً للشافعي) ش: فعنده لا يجوز تزويجه جارية الابن، لأن للأب حق الملك في مال ولده، حتى لو وطئ جاريته عالماً بحرمتها عليه لم يلزمه الحد، وكل من له حق الملك في جارية لا يجوز تزويجه إياها، كالمولى إذا تزوج أمة من كسب مكاتبه، لأن حق الملك من مال ولده ظاهر، ألا ترى أن استيلاده في جارية ابنه صحيح، واستيلاد المولى أمة مكاتبة غير صحيح. ولنا ما ذكره المصنف بقوله: م: (لخلوها) ش: أي لخلو الجارية م: (عن ملك الأب، ألا ترى أن الابن ملكها من كل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 وجه، فمن المحال أن يملكها الأب من وجه، وكذا يملك من التصرفات ما لا يبقى معها ملك الأب لو كان، فدل ذلك على انتفاء ملكه، إلا أنه يسقط الحد للشبهة، فإذا جاز النكاح صار ماؤه مصوناً، فلم يثبت ملك اليمين فلا تصير أم ولد له، ولا قيمة عليه فيها ولا في ولدها، لأنه لم يملكهما، وعليه المهر، لالتزامه بالنكاح، وولدها حر، لأنه ملكه أخوه فيعتق عليه بالقرابة.   [البناية] وجه) ش: بدلالة حل الوطء ونفاذ الإعتاق م: (فمن المحال أن يملكها الأب من وجه) ش: لأن الجمع بين الملكين لشخصين في محل واحد، في زمان واحد ممتنع، ولو كان للأب فيها حق ملك لم يحل للابن وطؤها كالمكاتب لا يحل له وطء أمته. م: (وكذلك يملك الابن من التصرفات) ش: كالوطء والبيع والتزويج والهبة والإعتاق والإجارة وغيرها م: (ما لا يبقى معها) ش: أي مع هذه التصرفات م: (ملك الأب لو كان) ش: أي ملك الأب م: (فدل ذلك على انتفاء ملكه) ش: أي ملك الأب م: (إلا أنه يسقط الحد) ش: هذا جواب عما يقال من جهة الخصم، يعني ينبغي أن يجب الحد بالوطء، ثم يثبت للأب حق الملك، فأجاب بقوله: إلا أنه يسقط الحد عن الأب م: (للشبهة) ش: أي لشبهة الملك بظاهر الحديث: «أنت ومالك لأبيك» . م: (فإذا جاز النكاح صار ماؤه مصوناً به) ش: أي النكاح م: (فلم يثبت ملك اليمين) ش: لعدم الحاجة إليه م: (فلا تصير أم ولد له) ش: لأنه لو استولدها فيجوز، صارت أم ولد له، فبالنكاح أي شبهة النكاح أولى أن تصير أم ولد له، لأنه لو استولدها فلا يحتاج إلى ملك اليمين لم يكن إثباته إلا لصيانة الماء م: (ولا قيمة عليه فيها) ش: أي ولا قيمة واجبة على الأب في الجارية م: (ولا في ولدها) ش: أي ولا عليه قيمته في ولد الجارية. م: (لأنه) ش: أي لأن الأب م: (لم يملكهما) ش: أي لم يملك الجارية والابن م: (وعليه المهر لالتزامه) ش: أي لالتزام الأب م: (بالنكاح) ش: أي بسبب النكاح التزام المهر م: (وولدها حر لأنه ملكه أخوه، فيعتق عليه) ش: وبه قال مالك، وقال الشافعي: لا عتق في ملك غير الوالدين والمولودين، على ما يجيء في الإعتاق. وعن حميد الدين الضرير: فيه اختلاف عند البعض يعتق قبل الانفصال، وثمرته تظهر في الإرث، حتى لو مات المولى وهو الابن يرث الولد على قول من قال: يعتق قبل الانفصال وعلى قول من قال: لا يعتق قبل الانفصال لا يرث. وأما إذا مات المولى، لأن الرق مانع من الإرث، قيل: الوجه هو الأول، لأن الولد حدث على ملك الأخ من حيث العلوق، فلما ملكه عتق عليه م: (بالقرابة) ش: بالحديث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 قال: وإذا كانت الحرة تحت عبد فقالت لمولاه: أعتقه عني بألف ففعل فسد النكاح. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يفسد، وأصله أنه يقع العتق عن الآمر عندنا، حتى يكون الولاء له. ولو نوى به الكفارة يخرج عن العهدة، وعنده يقع عن المأمور؛ لأنه طلب أن يعتق المأمور عبده عنه، وهذا محال؛ لأنه لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم، فلم يصح الطلب، فيقع العتق عن المأمور. ولنا أنه أمكن تصحيحه بتقديم الملك بطريق الاقتضاء، إذ الملك شرط لصحة العتق عنه، فيصير قوله "أعتق" طلب التمليك منه بالألف، ثم أمره بإعتاق عبد الآمر عنه، وقوله "أعتقت" تمليكا منه، ثم الإعتاق عنه، وإذا ثبت الملك للآمر فسد النكاح للتنافي بين الملكين   [البناية] [كانت الحرة تحت عبد فقالت لمولاه أعتقه عني بألف ففعل] م: (قال) ش: محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كانت الحرة تحت عبد، فقالت لمولاه: أعتقه عني بألف ففعل) ش: أي ما قالته م: (فسد النكاح) ش: أي انفسخ، وبه قال الشافعي، وللمولى على الزوجة ألف. م: (وقال زفر: لا يفسد وأصله) ش: أي أصل هذا الخلاف م: (أنه يقع العتق عن الآمر عندنا حتى يكون الولاء له، ولو نوى به الكفارة) ش: أي ولو نوى بعتقه الكفارة التي عليه، أي كفارة كانت م: (يخرج عن العهدة، وعنده) ش: أي عند زفر م: (يقع عن المأمور، لأنه طلب أن يعتق المأمور عبده عنده، وهذا محال؛ لأنه لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم فلم يصح الطلب، فيقع العتق عن المأمور) ش: أي لم يصح طلب العتق عن الآمر، فوقع عن المأمور. م: (ولنا أنه) ش: أي أن الشأن م: (أمكن تصحيحه) ش: أي تصحيح طلب الإعتاق منه م: (بتقديم الملك بطريق الاقتضاء) ش: وهو جعل غير المنطوق منطوقاً بصحة المنطوق، وزفر لا يقول بالاقتضاء م: (إذا الملك شرط لصحة العتق عنه، فيصير قوله: "أعتق" طلب التمليك منه بالألف، ثم أمره بإعتاق عبد الآمر عنه) ش: فيصير كأنه قال: العبد الذي كان لك الآن ملك لي بألف وأعتقه عني. فإن قيل: كيف يصح هذا ولو صرح به بأن قال: ملكه عبدك عني، ثم كن وكيلاً بالإعتاق لا يصح؟ قلنا: كم من شيء يثبت ضمناً ولا يثبت قصداً. م: (وقوله: أعتقت تمليكاً منه) ش: أي من المولى، وهو المأمور م: (منه) ش: أي من الآمر م: (ثم الإعتاق عنه) ش: بالنصب على أنه خبر صار أي من المولى، ثم يصير قول المأمور: أعتقت إعتاقاً عن الآمر م: (وإذا ثبت الملك للآمر فسد النكاح للتنافي بين الملكين) ش: أي بين ملك الرقبة وملك المتعة، قال الأترازي: وقال الكاكي: بين ملك اليمين وملك النكاح. فإن قيل: ينبغي أن لا يفسد النكاح، لأن الملك ثبت ضرورة العتق وما يثبت بالضرورة يتقدر بقدرها، والضرورة في ثبوت العتق عن الأمر، لا في فساد النكاح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 ولو قالت: أعتقه عني ولم تسم مالا لم يفسد النكاح، والولاء للمعتق، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا والأول سواء، لأنه يقدم التمليك بغير عوض تصحيحا لتصرفه، ويسقط اعتبار القبض، كما إذا كان عليه كفارة ظهار، فأمر غيره أن يطعم عنه. ولهما أن الهبة من شرطها القبض بالنص، فلا يمكن إسقاطه، ولا إثباته.   [البناية] قلنا: الشيء إنما ثبت بلوازمه، وضروراته من لوازم ثبوت الملك العاري عن تعلق حق الغير به فساد النكاح. فإن قيل: أليس أنه إذا قال لعبده: كفر يمينك بالمال عنه لا يعتق، فينبغي أن يثبت عتقه اقتضاء، لأنه لا يتمكن من التكفير بالمال إلا بالعتق. قلنا: الحرية لا تصلح أن تثبت اقتضاء، لأن الثابت بالاقتضاء ثابت بالحرية، يصير أهلاً للتكفير بالمال، فكانت الحرية أصلاً فلا تثبت اقتضاء. م: (ولو قالت: أعتقه عني، ولم تسم مالاً لا يفسد النكاح) ش: يعني لو قالت الحرة المذكورة لمولى العبد: أعتقه عني ولم تذكر مالاً لا يفسد النكاح. م: (والولاء للمعتق) ش: وتسقط الكفالة عنه إذا نوى، ولا يلزم الألف. وقال زفر: يقع العتق عن المأمور، حتى يكون الولاء له، وتسقط الكفارة عنه إذا نوى، ولا يلزم الألف على الأمر م: (وهذا) ش: الحكم المذكور م: (عند أبي حنيفة، ومحمد وقال أبو يوسف: هذا والأول سواء) ش: أي عدم ذكر المبدل مع ذكر البدل سواء، يعني يقع العتق عن الأمر في الصورتين عند أبي يوسف. وبه قال الشافعي م: (لأنه) ش: أي لأن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (يقدم التمليك بغير عوض) ش: يعني بطريق الهبة م: (تصحيحاً لتصرفه) ش: أي لتصرف الآمر، لما أن تصحيح كلام العاقل واجب مهما أمكن، وقد أمكن هنا بقوله: م: (ويسقط اعتبار القبض) ش: لأنه شرط، وقد أمكن ذلك بإسقاط القبول الذي هو ركن فلا يملك بإسقاط الشرط أولى فكان م: (كما إذا كان عليه كفارة ظهار، فأمر غيره أن يطعم عنه) ش: يعني إذا أمر المظاهر غيره، وقال: أطعم عني ستين مسكيناً، ففعل المأمور يقع الإطعام عن الآمر، وإن لم يوجد القبض. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - م: (أن الهبة من شرطها القبض بالنص) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تصح الهبة إلا مقبوضة» م: (فلا يمكن إسقاطه) ش: جواب عن قول أبي يوسف: إن القبض شرط، فيسقط تبعاً كالركن، فأجاب بقوله: م: (فلا يمكن إسقاطه) ش: جواب عن قول أبي يوسف م: (ولا إثباته) ش: أي إثبات القبض م: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 اقتضاء، لأنه فعل حسي، بخلاف البيع، لأنه تصرف شرعي، وفي تلك المسألة الفقير ينوب عن الآمر في القبض. فأما العبد فلا يقع في يده شيء لينوب عنه.   [البناية] (تبعاً له، لأنه فعل حسي) ش: يعني ليس من جنس القولي، فلا يتضمن الشيء أقوى منه م: (بخلاف البيع لأنه تصرف شرعي) ش: يعني الإيجاب والقبول قولي فجاز أن يتضمنه القول، وهو قوله: أعتق عبدك عني بألف، مع أن الركن في البيع يحتمل السقوط، كما في التعاطي. فإن قيل: لو قال الآخر: أعتق عبدك عني بألف رطل من خمر ففعل فإنه يصح، ويعتق عنه، وإن لم يوجد القبض، والبيع الفاسد كالهبة في اشتراط القبض. قلنا: قد ذكر الكرخي أن العتق يقع على المأمور هنا على قولهما، والمذكور قول أبي يوسف، ولئن سلم فالبيع الفاسد ملحق بالصحيح، ويأخذ الحكم منه، فاحتمل سقوط القبض كالصحيح، لأن حكمه يعرف في الصحيح. م: (وفي تلك المسألة) ش: أي مسالة الكفارة م: (الفقير ينوب عن الآمر في القبض، فأما العبد فلا يقع في يده شيء) ش: بالإعتاق، لأن الإعتاق إزالة الملك وإتلاف المالية، ولا يقع في يده شيء م: (لينوب عنه) ش: أي لينوب عن العبدين الآمر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 232 باب نكاح أهل الشرك وإذا تزوج الكافر بغير شهود، أو في عدة كافر آخر، وذلك في دينهم جائز، ثم أسلما؛ أقرا عليه، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: النكاح فاسد في الوجهين، إلا أنه لا يتعرض لهم قبل الإسلام، والمرافعة إلى الحكام.   [البناية] [باب نكاح أهل الشرك] [تزوج الكافر بغير شهود أو في عدة كافر آخر ثم أسلما] م: (باب نكاح أهل الشرك) ش: أي هذا باب في بيان نكاح أهل الشرك، وهم الذين لا كتاب لهم. م: (وإذا تزوج الكافر بغير شهود، أو في عدة كافر آخر، وذلك) ش: أي التزوج بغير شهود، أو في عدة الكافر م: (في دينهم جائز، ثم أسلما أقرا) ش: على صيغة المجهول م: (عليه) ش: أي على نكاحهما المذكور، قيد بعدة كافر، لأنه لو كان في عدة مسلم كان التزوج فاسدا بالإجماع، كذا قالوا، وفيه نظر؛ لأن كلامنا في أهل الشرك، ولا يجوز للمسلم نكاح المشركة، حتى يكون في عدة، كذا قاله الأكمل، ثم قال: ويجوز أن تصور بأن أشركت بعد الطلاق - والعياذ بالله تعالى - في عدة المسلم. م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: قال الأترازي: إنما قال: وهذا عند أبي حنيفة، ولم يقل: ابتداء عند أبي حنيفة بدون ذكر هذا، لأن مسألة القدوري ليس فيها ذكر الخلاف، فقال صاحب " الهداية ": وهذا عند أبي حنيفة كشفا لموضع الخلاف، ولكن من حق المسألة أن يصفها في الفصل المتقدم على باب الرقيق؛ لأن ذلك الفصل هو المشتمل على نكاح الذمي. وقد أراد بالكافر هاهنا الذمي، بدليل ما ذكره في بيان الدليل، وإنما لا يتعرض بهم لذمتهم، والمشرك لا ذمة له، ولأنه قال: إن حرمة نكاح المعتدة مجمع عليه، فكانوا ملتزمين لها، والمشرك لا يلتزم أحكامنا أصلا، فعلم أن المراد من الكافر المذكور في المسألة المذكورة هو الذمي، وكان ينبغي أن يذكره في بابه، لا في باب المشرك الذي لا كتاب له، انتهى. قلت: فعلى هذا لا مطابقة بين ترجمة هذا الباب وباب نكاح أهل الشرك، وبين المسألة التي صدر بها الكتاب. م: (وقال زفر: النكاح فاسد في الوجهين) ش: أي في النكاح بغير شهود، وفي النكاح في عدة الكافر م: (إلا أنه لا يتعرض لهم قبل الإسلام، والمرافعة) ش: أي وقبل المرافعة م: (إلى الحكام) ش: إنما يتعرض لهم إعراضا عنهم، لا تقربوا على صنعهم الفاحش القبيح، وترك التعرض لا يدل على الحرمة، كما في عبادة الأوثان والنيران، فإذا أسلموا أو ترافعوا إلينا وجب التفريق دفعا للحرمة القائمة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - في الوجه الأول كما قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي الوجه الثاني: كما قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. له أن الخطابات عامة على ما مر من قبل، فتلزمهم، وإنما لا يتعرض لهم لذمتهم إعراضا، لا تقريرا. فإذا ترافعوا أو أسلموا والحرمة قائمة وجب التفريق. ولهما أن حرمة نكاح المعتدة مجمع عليها، فكانوا ملتزمين لها. وحرمة النكاح بغير شهود مختلف فيها، ولم يلتزموا أحكامنا بجميع الاختلافات. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الحرمة لا يمكن إثباتها حقا للشرع؛ لأنهم لا يخاطبون بحقوقه،   [البناية] م: (وقال أبو يوسف ومحمد في الوجه الأول) ش: أي في النكاح بغير شهود م: (كما قال أبو حنيفة، وفي الوجه الثاني) ش: أي في النكاح في عدة الكافر م: (كما قال زفر) ش: وبه قال الشافعي وأحمد م: (له) ش: أي لزفر م: (أن الخطابات عامة) ش: مثل قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] (البقرة: الآية 235) . وقَوْله تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49] (المائدة: الآية 49) . وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا نكاح إلا بشهود» م: (على ما مر من قبل) ش: إشارة إلى ما قال في أول الفصل، الذي فيه تزويج النصراني بقوله: وهذا الشرع وقع عاما، فثبت الحكم على العموم، م: (فتلزمهم) ش: أي الخطابات، أي مقتضاها يلزمهم. م: (وإنما لا يتعرض لهم لذمتهم) ش: أي لأجل كونهم التزموا عقد الذمة م: (إعراضا) ش: عنهم م: (لا تقريرا) ش: على فعلهم الباطل م: (فإذا ترافعوا) ش: إلى الحكام م: (أو أسلموا، والحرمة قائمة) ش: أي ثابتة، والجملة حالية م: (وجب التفريق) ش: بين من كان منهم من الأزواج والزوجات. م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن حرمة نكاح المعتدة مجمع عليها) ش: أي معتدة الغير أجمعوا على حرمتها، سواء كان الغير مسلما أو كافرا م: (فكانوا ملتزمين لها) ش: أي خلافا باطلا في حقهم أيضا؛ لأنهم أتباع لنا، ولكنا لا نتعرض بعقد الذمة، فلما ترافعا، أو أسلما وجب الحكم بما هو حكم الإسلام. م: (وحرمة النكاح بغير شهود مختلف فيها) ش: بين العلماء؛ فإن مالكا وابن أبي ليلى وعثمان يجوزونه م: (ولم يلتزموا أحكامنا بجميع الاختلافات) ش: ولكن عدم تعرضنا لأجل عقد الذمة م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الحرمة لا يمكن إثباتها حقا للشرع؛ لأنهم لا يخاطبون بحقوقه) ش: أي بحقوق الشرع، ولهذا لا يتعرض لهم في الخمر والخنزير، بخلاف الربا؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 234 ولا وجه إلى إيجاب العدة حقا للزوج؛ لأنه لا يعتقده، بخلاف ما إذا كانت تحت مسلم؛ لأنه يعتقده، وإذا صح النكاح فحالة المرافعة، والإسلام حالة البقاء، والشهادة ليست شرطا فيها، وكذا العدة لا تنافيها كالمنكوحة إذا وطئت بشبهة. فإذا تزوج المجوسي أمه، أو ابنته ثم أسلما فرق بينهما؛ لأن نكاح المحارم له حكم البطلان فيما بينهم عندهما كما ذكرنا في المعتدة، ووجب التعرض بالإسلام فيفرقا،   [البناية] لأنه مستثنى بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إلا من أربى، فليس بيننا وبينه عهد» م: (ولا وجه إلى إيجاب العدة حقا للزوج؛ لأنه) ش: أي لأن الزوج م: (لا يعتقده) ش: أي لا يعتقد وجوب العدة م: (بخلاف ما إذا كانت) ش: أي الذمية م: (تحت مسلم لأنه) ش: أي لأن المسلم م: (يعتقده) ش: أي يعتقد وجوب العدة. م: (وإذا صح النكاح) ش: بينهما م: (فحالة المرافعة) ش: إلى الحاكم م: (والإسلام) ش: وقوله: فحالة المرافعة مرفوع بالابتداء وقوله: م: (حالة البقاء) ش: خبره م: (والشهادة ليست شرطا فيها) ش: أي في حالة البقاء، ولهذا لو مات الشهود لم يبطل النكاح م: (وكذا العدة لا تنافيها) ش: أي لا تنافي حالة البقاء م: (كالمنكوحة إذا وطئت بشبهة) ش: يجب عليها العدة صيانة لحق الوطء، ولا يبطل النكاح القائم. م: (فإذا تزوج المجوسي أمه، أو ابنته، ثم أسلما فرق بينهما) ش: بإجماع الأئمة الأربعة م: (لأن نكاح المحارم له حكم البطلان فيما بينهم عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد، لأن الخطاب بحرمه هذه الأنكحة شائع في ديارنا، وهم من أهل دارنا، فثبت الخطاب في حقهم، إذ ليس في وسع المتتبع التبليغ إلى الكل، بل في وسعه جعل الخطاب شائعاً، فيجعل شيوع الخطاب كالوصول إليهم، ألا ترى أنهم لا يتوارثون بهذه الأنكحة. فلو كان صحيحاً في حقهم لتوارثوا م: (كما ذكرنا في المعتدة) ش: أشار إلى ما ذكر في المسألة المتقدمة بقوله: ولهذا أن حرمة نكاح المعتدة مجمع عليها، فكانوا ملتزمين. م: (ووجب التعرض بالإسلام فيفرقا) ش: لأن الإسلام ينافيه، ولما أسلما دخلا في حكم الإسلام فيفرق بينهما، وفي " العناية " إذا أسلم أحدهما فرق بينهما القاضي سواء وجد الترافع، أو لم يوجد. وقال محمد: إذا وجد الرفع من أحدهما يفرق، وإلا فلا، على ما يجيء الآن، وفي " المبسوط " لو تزوج الذمي محرمه لا يتعرض له، وإن علم القاضي ما لم يرافعا إليه إلا في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 وعنده له حكم الصحة في الصحيح، إلا أن المحرمية تنافي بقاء النكاح فيفرق، بخلاف العدة؛ لأنها لا تنافيه، ثم بإسلام أحدهما يفرق بينهما، وبمرافعة أحدهما لا يفرق عنده، خلافا لهما. والفرق أن استحقاق أحدهما لا يبطل بمرافعة صاحبه، إذ لا يتغير به اعتقاده، أما اعتقاد المصر بالكفر لا يعارض إسلام المسلم، لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه،   [البناية] قول أبي يوسف الآخر أنه يفرق بينهما إذا علم ذلك، لما روي أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كتب إلى عماله أن فرقوا بين المجوس ومحارمهم. قلنا: هذا غير مشهور، وإنما المشهور ما كتب عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلى الحسن البصري قال: ما بال الخلفاء الراشدون تركوا أهل الذمة، وما هم عليه من نكاح المحارم، وإفشاء الخمور والخنازير، فكتب إليه إنما بذلوا الجزية ليتركوا ما يعتقدون، وإنما أنت متبع، ولست بمبتدع والسلام، ولأن الولاة والقضاة من ذلك الوقت إلى يومنا هذا لم يشتغل أحد منهم بذلك، مع علمهم بمباشرتهم ذلك، فحل محل الإجماع. م: (وعنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (له حكم الصحة) ش: أي لنكاح المحارم حكم الصحة م: (في الصحيح) ش: احترز به عن قول مشايخ العراق: إن حكم البطلان في حقهم كقول أبي يوسف ومحمد، فلا يتعرض لهم لعقد الذمة. وجه الصحيح أن الخطاب في حقهم كأنه غير نازل؛ لأنهم يكذبون المبلغ، ويزعمون عدم رسالته، وولاية الإلزام بالسيف والمحاجة، وقد انقطعت بعقد الذمة وقصر حكم الخطاب عنهم، وشيوع الخطاب إليهم إنما يعتبر في حق من يعتقد رسالة المبلغ، فإذا اعتقدها بالإسلام ظهر حكم الخطاب. م: (إلا أن المحرمية) ش: جواب عن هذا التشكيك، ووجها المحرمية م: (تنافي بقاء النكاح فيفرق) ش: بينهما كما لو اعترضت المحرمية على نكاح المسلمين برضاع أو مصاهرة م: (بخلاف العدة؛ لأنها لا تنافيه) ش: أي لأن العدة لا تنافي بقاء النكاح م: (ثم بإسلام أحدهما يفرق بينهما) ش: بالاتفاق م: (وبمرافعة أحدهما لا يفرق عنده) ش: أي لا يفرق بينهما عند أبي حنيفة م: (خلافا لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد، وقد مر الكلام فيه عن قريب. م: (والفرق) ش: يعني بين التفريق بإسلام أحدهما، وعدم التفريق بمرافعة أحدهما م: (أن استحقاق أحدهما) ش: بواجب النكاح وحقوقه م: (لا يبطل بمرافعة صاحبه، إذ لا يتغير به اعتقاده) ش: يعني اعتقاده بمرافعة صاحبه، وهذا المعنى موجود فيما إذا أسلم أحدهما أيضا، لكن يترجح الإسلام، فيفرق بينهما بإسلام أحدهما، وهو معنى قوله: م: (أما اعتقاد المصر) ش: على دينه الباطل م: (لا يعارض إسلام المسلم؛ لأن الإسلام يعلو) ش: على كل شيء م: (ولا يعلى) ش: أي لا يعلى م: (عليه) ش: شيء، فلا يعارضه إصرار الآخر على دينه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 236 ولو ترافعا يفرق بالإجماع، لأن مرافعتهما كتحكيمهما. ولا يجوز أن يتزوج المرتد مسلمة ولا كافرة ولا مرتدة؛ لأنه مستحق للقتل، والإمهال ضرورة التأمل، والنكاح يشغله عنه، فلا يشرع في حقه، وكذا المرتدة لا يتزوجها مسلم، ولا كافر؛ لأنها محبوسة للتأمل وخدمة الزوج تشغلها عنه، ولأنه لا ينتظم بينهما المصالح، والنكاح ما شرع لعينه، بل لمصالحه. فإن كان أحد الزوجين مسلما فالولد على دينه،   [البناية] م: (ولو ترافعا) ش: يعني ترافع كلاهما إلى الحاكم م: (يفرق بينهما بالإجماع؛ لأن مرافعتهما كتحكيمهما) ش: يعني إذا حكما رجلا وطلبا منه حكم الإسلام له أن يفرق بينهما، فالقاضي أولى بذلك لعموم ولايته. [زواج المرتد] م: (ولا يجوز أن يتزوج المرتد مسلمة، ولا كافرة ولا مرتدة، لأنه مستحق للقتل) ش: أي لأن المرتد مستحق للقتل بنفس الردة، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من غير دينه فاقتلوه» ، فلا ينتظم نكاحه مصالحة من السكن والازدواج والتناسل؛ لأن ذلك للبقاء، وهو مستحق للقتل، فصار كالميت. فإن قيل: يرد عليه مستحق القتل قصاصا، فإنه يجوز له التزوج. قلت: العفو مندوب إليه فيه، بخلاف المرتد؛ لأنه لا يرجع غالبا، إذ قد نزل بعد اطلاعه على محاسن الإسلام، فيكون ارتداده عن شبهة قوية عنده. وقال السروجي: يرد عليه ما لو قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق ثلاثا، فإن هذا النكاح غير مستقر، ولا تنتظم به المصالح، لأنه يقع به الطلاق الثلاث عقيب النكاح، وثبوت النسب مشترك، وقال الكاكي: ولا يقال: مشركو العرب لا ملة لهم، فإنه لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وقد صحت المناكحة فيما بينهم، لأنا نقول: لهم ملة، لأنا نعني بالملة دينا يعتقد الكافر صحته، ولم يكن أقر ببطلانه وقد وجب الحد فيهم. م: (والإمهال لضرورة التأمل) ش: هذا جواب سؤال، وهو أن يقال: ينبغي أن لا يمهل المرتد، لأنه مستحق للقتل، فأجاب بقوله: والإمهال أي إمهال المرتد ثلاثة أيام لضرورة التأمل، ليتأمل فيما عرض له من الشبهة ففيما وراء ذلك جعل كأنه لا حياة له حكما م: (والنكاح يشغله عنه) ش: أي عن التأمل م: (فلا يشرع في حقه، وكذا المرتدة لا يتزوجها مسلم ولا كافر؛ لأنها محبوسة للتأمل وخدمة الزوج تشغلها عنه؛ ولأنه لا ينتظم بينهما المصالح، والنكاح ما شرع لعينه بل لمصالحه) ش: أي لمصالح النكاح من السكن، والازدواج، والتناسل، والتوالد، فإذا فاتت المصالح بالردة لم يشرع أصلا. م: (فإن كان أحد الزوجين مسلما فالولد على دينه) ش: أي على دين الإسلام بإجماع الأئمة الأربعة، ولا يتصور فيما إذا كان الزوج كافرا والمرأة مسلمة، بل هذا في حالة البقاء، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 وكذلك إن أسلم أحدهما وله ولد صغير صار ولده مسلما بإسلامه؛ لأن في جعله تبعا له نظرا إليه. ولو كان أحدهما كتابيا، والآخر مجوسيا فالولد كتابي؛ لأن فيه نوع نظر له، إذ المجوسية شر. والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا فيه للتعارض، ونحن بينا الترجيح   [البناية] وإن أسلمت المرأة، ولم يعرض الإسلام على زوجها فولدت قبل العرض م: (وكذلك إن أسلم أحدهما) ش: أي أحد الزوجين م: (وله ولد صغير) ش: الواو فيه للحال م: (صار ولده مسلما بإسلامه) ش: أي بإسلام أحد الزوجين م: (لأن في جعله تبعا له) ش: أي لأن جعل الصغير تبعا للذي أسلم منهما م: (نظرا إليه) ش: أي للصغير، أي نظر يكون أعظم من الإسلام. وفي " الينابيع ": يريد به إذا كان الصغير مع من أسلم في دار واحدة، وإن كان الصغير في دار الإسلام، ومن أسلم منهما في دار الحرب، وإن كان في دار الإسلام والصغير في دار الحرب لا يصير مسلما. م: (ولو كان أحدهما كتابيا) ش: أي ولو كان أحد الزوجين من أهل الكتاب م: (والآخر مجوسيا) ش: أو وثنيا، والحاصل أن الآخر ليس من أهل الكتاب م: (فالولد كتابي) ش: حتى يجوز للمسلم مناكحته وتحل ذبيحته؛ م: (لأن فيه نوع نظر له) ش: لأن في جعل الصغير كتابيا نوع نظر له م: (إذ المجوسية شر) ش: من الكتابية م: (والشافعي يخالفنا فيه) ش: أي في جعل الولد تبعا للكتابي م: (للتعارض) ش: لأن جعله تبعا للكتابي يوجب حل الذبيحة والنكاح، وجعله تبعا للمجوسي لا يوجب ذلك، فوقع التعارض، إذ الكفر كله ملة واحدة، والترجيح للمحرم م: (ونحن بينا الترجيح) ش: وهو قوله: لأن فيه نظرا له من حيث حل الذبيحة وجواز النكاح. فإن قلت: على ما ذكرت كل واحد منا ومن الخصم ذهب إلى نوع ترجيح، فمن أين تقوم الحجة؟ قلت: ترجيحنا بدفع التعارض، وترجيحه بدفعه بعد وقوعه، والدفع أولى من الرفع، لأن حكم من دافع لا يرفع. ثم اعلم أن للشافعي فيما إذا كان الأب كتابيا قولان: أحدهما: أنه تبع له حتى يحل ذبيحته، ومناكحته، وبه قال أحمد تغليبا للتحريم. ولو كانت الأم كتابية، والأب مجوسيا يجعل تبعا له قولا واحدا، حتى لا تحل مناكحته وذبيحته، وبه قال، وفي " الرافعي ": يتبع الأب إذا كان مجوسيا، وإن كانت الأم مجوسية قولان: وفي " البسيط ": في المتولد بين اليهودي والمجوسي قولان: أحدهما التحريم، والثاني هو الأصح: النظر إلى الأب، وتغليب جانب النسب. وفي " الجواهر ": إن أسلم الزوج تقر الكتابية على نكاحها، ويعرض إليها الإسلام، فإذا أبت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 238 وإذا أسلمت المرأة وزوجها كافر عرض القاضي عليه الإسلام، فإن أسلم فهي امرأته، وإن أبى فرق بينهما، وكان ذلك طلاقا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وإن أسلم الزوج وتحته مجوسية عرض عليها الإسلام، فإن أسلمت فهي امرأته، وإن أبت فرق القاضي بينهما ولم تكن الفرقة بينهما طلاقا. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تكون الفرقة طلاقا في الوجهين، أما العرض فمذهبنا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعرض الإسلام؛ لأن فيه تعرضا لهم، وقد ضمنا بعقد الذمة أن لا نتعرض لهم إلا أن ملك النكاح قبل الدخول غير متأكد، فينقطع بنفس الإسلام   [البناية] وقعت الفرقة قبل الدخول وبعده، وقال أشهب: تعجيل الفرقة قبل الدخول، كقول الشافعي، وأحمد، وينتظم فراغ العدة بعده كقولهما، وإن أسلمت المرأة قبل الزوج وقعت الفرقة قبل الدخول، وبعده تقف على انقضاء العدة. وفي " التمهيد " قال مالك: إذا أسلم بعد انقضائها في غيبته، فإن نكحت قبل أن يقدم أوسعها إسلامه فلا سبيل له عليها، وإن أدركها قبل أن تنكح فهو أحق بها، وقال ابن قدامة: يعرض عليها الإسلام إن كانت حاضرة، وإن كانت غائبة تعجلت الفرقة. وعن أحمد روايتان في اعتبار العدة، إحداهما: هو أحق قبل انقضاء عدتها، وفي الأخرى: تعجيل الفرقة، واختارها الخلال، وصحبه أبو بكر، وهو قول طاوس وعكرمة وقتادة والحكم وعمر بن عبد العزيز، ويروى عن ابن عباس، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هو أحق إذا أسلم ما دامت في دار هجرتها، وعن الشافعي هو أحق بها ما دامت في المصر، وعن إبراهيم يقران على نكاحهما. [أسلمت المرأة وزوجها كافر] م: (وإذا أسلمت المرأة وزوجها كافر) ش: الواو فيه للحال، وأطلق الكفر في قوله كافر لعدم بقاء المسلمة مع الكافر، أي كافر كان م: (عرض القاضي عليه الإسلام، فإن أسلم فهي امرأته، وإن أبى) ش: أي الزوج عن الإسلام م: (فرق بينهما، وكان ذلك طلاقا عند أبي حنيفة، ومحمد) ش: لا فسخا؛ لأنه فات الإمساك بالمعروف من جانبه، فتعين التسريح بالإحسان، فإن طلق وإلا فالقاضي نائب منابه. م: (وإن أسلم الزوج وتحته مجوسية عرض عليه الإسلام) ش: وقيد بالمجوسية؛ لأنها إن كانت كتابية فلا عرض، ولا تفريق م: (فإن أسلمت فهي امرأته، وإذا أبت فرق القاضي بينهما، ولم تكن الفرقة بينهما طلاقا. وقال أبو يوسف: لا تكون الفرقة طلاقا في الوجهين) ش: أي لا يكون التفريق طلاقا عنده، سواء كان بإباء الزوج أو بإباء المرأة، بل يكون فسخا، وفائدته أنه لا ينقص من عدد الطلاق شيء. م: (أما العرض) ش: أي عرض الإسلام م: (فمذهبنا، وقال الشافعي: لا يعرض الإسلام لأن فيه) ش: أي لأن في العرض م: (تعريضا لهم، وقد ضمنا بعقد الذمة أن لا نتعرض لهم، لأن ملك النكاح) ش: أي غير أن ملك النكاح م: (قبل الدخول غير متأكد فينقطع بنفس الإسلام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 وبعده متأكد، فيتأجل إلى انقضاء ثلاث حيض، كما في الطلاق. ولنا أن المقاصد قد فاتت، فلا بد من سبب تبنى عليه الفرقة، والإسلام طاعة لا يصلح سببا لها، فيعرض الإسلام لتحصل المقاصد، بالإسلام، أو تثبت الفرقة بالإباء. وجه قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الفرقة بسبب يشترك فيه أحد الزوجان، فلا تكون طلاقا كالفرقة بسبب الملك.   [البناية] وبعده) ش: أي بعد الدخول م: (متأكد) ش: فلا يرتفع بنفس اختلاف الدين م: (فيتأجل) ش: أي التفريق م: (إلى انقضاء ثلاث حيض) ش: قال الشراح قوله: ثلاث حيض ليس بصواب بل الصواب ثلاثة أطهار؛ لأن العدة عنده بالأطهار، وقيل: معناه كان الشافعي يقول: ينبغي أن يتأجل عندكم إلى انقضاء ثلاث حيض. م: (كما في الطلاق) ش: يريد أن نفس الطلاق قبل الدخول يرفع النكاح، وبعده لا يرفع إلا بعد انقضاء العدة، وبقول الشافعي قال أحمد، وقال أحمد في رواية: يفسخ النكاح في الحال، وقال مالك: إن أسلمت الزوجة أولا فالحكم على ما ذكره الشافعي، وإن أسلم الزوج أولا، فإن أسلمت في الحال يقيما على نكاحهما، وإلا فسخ نكاحهما. م: (ولنا أن المقاصد) ش: بالنكاح من السكن والازدواج م: (قد فاتت، فلا بد من سبب تبنى عليه الفرقة، والإسلام طاعة لا يصلح سببا لها) ش: للفرقة م: (فيعرض الإسلام) ش: على الزوج م: (لتحصل المقاصد بالإسلام) ش: إن أسلم م: (أو تثبت الفرقة بالإباء) ش: أي بإباء الزوج عن الإسلام، أي بامتناعه عنه ومذهبنا مروي عن عمر، وعلي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، فإن دهقانة في نهر الملك أسلمت، فأمر عمر 0 - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بعرض الإسلام على زوجها، فقال: إن أسلم، وإلا فرق بينهما. ويروى أن دهقانا أسلم في عهد علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فعرض الإسلام على امرأته فأبت، ففرق بينهما، كذا في " المبسوط "، والدهقان: كل سيد من العجم، والذال لغة فيه، ونهر الملك على طريق الكوفة إلى بغداد وقد طول الأكمل هنا. حاصله أن سبب الفرقة الإباء عن الإسلام، لأن الإسلام لا يصح سببا لما ذكرنا ولا كفر من بقي عليه، لأنه موجود قبل هذا، فلم يصلح سببا إلا الإباء؛ لأنه صالح بسبب النعم، وإذا أضيف القول إليه أضيف ما يستلزمه الفوات، وهو الفرقة، فكانت الفرقة مضافة إلى الإباء. ولما فرغ المصنف من البحث مع الشافعي شرع في البحث مع أبي يوسف وهو قوله: م: (وجه قول أبي يوسف: أن الفرقة بسبب) ش: وهو الإباء م: (يشترك فيه الزوجان) ش: على معنى أنه متحقق من كل منهما م: (فلا تكون) ش: أي الفرقة م: (طلاقا) ش: بل تكون فسخا عند الشافعي بسبب اختلاف الدين، وذلك متحقق في كل منهما م: (كالفرقة بسبب الملك) ش: بأن ملك أحد الزوجين الآخر، إذ الطلاق لا يتصور منهما، فكل سبب يتصور منهما لا يكون طلاقا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 ولهما أن بالإباء امتنع عن الإمساك بالمعروف، مع قدرته عليه بالإسلام، فينوب القاضي منابه في التسريح، كما في الجب والعنة، أما المرأة فليست بأهل للطلاق، فلا ينوب القاضي منابها عند إبائها. ثم إذا فرق القاضي بينهما بإبائها فلها المهر إن كان دخل بها لتأكده بالدخول، وإن لم يكن دخل بها فلا مهر لها؛ لأن الفرقة من قبلها، والمهر لم يتأكد، فأشبه الردة والمطاوعة، وإذا أسلمت المرأة في دار الحرب وزوجها كافر، أو أسلم الحربي وتحته مجوسية لم تقع الفرقة عليها حتى تحيض ثلاث حيض، ثم تبين من زوجها، وهذا لأن الإسلام ليس سببا للفرقة، والعرض على الإسلام متعذر لقصور الولاية، ولا بد من الفرقة دفعا للفساد،   [البناية] م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أن بالإباء) ش: أي إباء الزوج عن الإسلام م: (امتنع عن الإمساك بالمعروف، مع قدرته عليه) ش: أي على الإمساك م: (فينوب القاضي منابه في التسريح) ش: بالإحسان م: (كما في الجب، والعنة) ش: أي كما إذا وجدت زوجها مجبوباً، وهو مقطوع الذكر والخصيتين، ووجدته عنيناً، فإن القاضي يفرق بينهما عند طلب المرأة. م: (أما المرأة فليست بأهل للطلاق فلا ينوب القاضي منابها عند إبائها) ش: لعدم تصور التسريح منها م: (ثم إذا فرق بينهما بإبائها فلها المهر إن كان دخل بها لتأكده) ش: أي لتأكد المهر م: (بالدخول) ش: فيكون لها كمال المهر م: (وإن لم يدخل بها فلا مهر لها، لأن الفرقة من قبلها، والمهر لم يتأكد) ش: لعدم الدخول م: (فأشبه الردة) ش: يعني كما إذا ارتدت قبل الدخول والعياذ بالله م: (والمطاوعة) ش: وأشبه المطاوعة أيضاً، بأن مكنت نفسها من ابن زوجها قبل الدخول، فلا يجب عليه لها المهر قبل الدخول، ولا نفقة العدة بعد الدخول. وقال الأترازي: المطاوعة بفتح الواو لا كسرها، لأنه مصدر، أي مطاوعة المرأة ابن زوجها. قلت: يجوز كسر الواو أيضاً، ويكون اسم الفاعل من طاوع، ويكون المعنى ما يشبه المرأة المطاوعة لابن زوجها في تمكين نفسها منه، بل هذا الوجه من الفتح لا يخفى على أهل المذاق. م: (وإذا أسلمت المرأة في دار الحرب وزوجها كافر، أو أسلم الحربي، وتحته مجوسية لم تقع الفرقة) ش: بينهما في الصورتين م: (حتى تحيض ثلاث حيض) ش: وإن لم تكن ممن تحيض فثلاثة أشهر، ثم بعد ثلاث حيض، أو شهور تقع الفرقة، ثم لا بد من ثلاث حيض، أو شهور أخرى للعدة م: (ثم تبين من زوجها) ش: أي بعد ثلاث حيض كما ذكرنا. م: (وهذا) ش: أشار به إلى أنه لا بد للفرقة من سبب الإسلام، أو كفر المصر، واختلاف الدين لا يصلح أن يكون موجباً للفرقة، كما مر في المسألة المتقدمة، وبين ذلك بقوله: م: (لأن الإسلام عاصم، والعرض على الإسلام متعذر لقصور الولاية) ش: لانعدام يد أهل الإسلام عن دار الحرب. م: (ولا بد من الفرقة دفعاً للفساد) ش: وهو كون المسلم تحت الكافر. قوله: والعرض على الإسلام متعذر من باب نحو عرضت الناقة على الحوض، والأصل أن يقال: وعرض الإسلام على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 فأقمنا شرطها، وهو مضي الحيض مقام السبب، كما في حفر البئر. ولا فرق بين المدخول بها، وغير المدخول بها. والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يفصل بينهما، كما مر له في دار الإسلام. وإذا وقعت الفرقة والمرأة حربية فلا عدة عليها، وإن كانت هي المسلمة فكذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، خلافا لهما، وسيأتيك إن شاء الله تعالى.   [البناية] الكافر متعذر، إلا أنه قلب الكلام لعدم الالتباس، كما في قولك: أدخلت الخاتم في الإصبع، والأصل أدخلت الإصبع في الخاتم، ولما تعذر تقدير السبب أضيف الحكم إلى الشروط، وهو معنى قوله: م: (فأقمنا شرطها، وهو مضي الحيض مقام السبب) ش: لأن الشرط يضاف إليه الحكم عند تعذر الإضافة إلى العلة والسبب م: (كما في حفر البئر) ش: على قارعة الطريق، فإن وقع فيها إنسان فإن الضمان على الحافر، فلا يمكن إضافته إلى العلة والسبب لما عرف، فأضيف إلى الشرط وهو الحفر. وتحقيق هذا أن علة الوقوع ثقل الواقع، فلا يصلح سبباً لعدم التعدي، لأنه أمر طبيعي لا صنع للواقع فيه، وسبب الوقوع مشتبه، فلا يصلح سبباً لإضافة الحكم إليه، لأنه مباح، فأضيف إلى صاحب الشرط وهو الحافر؛ لأن إزالة سكنة الأرض بالحفر، فإذا كان كذلك، فوقعت الفرقة لانقضاء مدة العدة، أعني ثلاث حيض إن كانت ممن تحيض، أو مضي ثلاثة أشهر إن كانت ممن لا تحيض وبه صرح الكرخي في "مختصره " وذلك لأن الطلاق سبب البينونة، وانقضاء العدة شرطها. م: (ولا فرق بين المدخول بها وغير المدخول بها، والشافعي يفصل بينهما) ش: حيث يقول: إن كان قبل الدخول تقع الفرقة في الحال، وإن كان بعد الدخول يتوقف على انقضاء ثلاث حيض م: (كما مر له) ش: أي للشافعي م: (في دار الإسلام) ش: من قوله: فإن كان قبل الدخول، بالتفصيل المذكور الآن، وبقوله قال مالك، وأحمد. م: (وإذا وقعت الفرقة والمرأة حربية) ش: أي والحال أن المرأة حربية م: (فلا عدة عليها) ش: أي على الحربية بالإجماع، لأن حكم الشرع لا يثبت في حقها، ذكره في " شرح الطحاوي "، سواء كان قبل الدخول أو بعده م: (وإن كانت هي) ش: أي الحربية م: (المسلمة فكذلك) ش: لا عدة عليها بعد الدخول م: (عند أبي حنيفة، خلافاً لهما) ش: أي لأبي يوسف، ومحمد، وهذه متعلقة بما قبلها. بيانه أن أحد الزوجين إذا أسلم في دار الحرب تقع الفرقة بانقضاء ثلاث حيض، وبعد ذلك لا تلزم العدة على المرأة، سواء كانت مدخولاً بها أو لاً، وإن كانت غير حربية، أعني مجوسية أو وثنية، فلا عدة عليها أيضاً، كما ذكرنا. وإن كانت غير حربية، أعني مجوسية أو وثنية، فلا عدة عليها أيضاً، كما ذكرنا. وإن كانت مسلمة فلا عدة عليها عند أبي حنيفة، لأنه لا يوجب العدة على المسلمة من الحربي، وأصل المسألة في المهاجرة إلى دار الإسلام، فإنها إذا هاجرت إلينا مسلمة أو ذمية لم يلزمها العدة في قول أبي حنيفة، إلا أن تكون حاملاً، فحينئذ لا تتزوج حتى تضع حملها. م: (وسيأتيك بيانه إن شاء الله تعالى) ش: أي في مسألة المهاجرة. قال الأترازي: بعد ثلاث عشر خطأ، وقال الكاكي في باب العدة: والأول هو الأصوب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 وإذا أسلم زوج الكتابية فهما على نكاحهما، لأنه يصح النكاح بينهما ابتداء، فلأن يبقى أولى. قال وإذا خرج أحد الزوجين إلينا من دار الحرب مسلما وقعت البينونة بينهما. وقال الشافعي: لا تقع. ولو سبي أحد الزوجين وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق، وإن سبيا معا لم تقع الفرقة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقعت، فالحاصل أن السبب هو التباين دون السبي عندنا، وهو يقول بعكسه له أن التباين أثره في انقطاع الولاية، وذلك لا يؤثر في الفرقة كالحربي المستأمن والمسلم المستأمن، أما السبي فيقتضي الصفاء للسابي، ولا يتحقق إلا بانقطاع النكاح،   [البناية] [أسلم زوج الكتابية] م: (وإذا أسلم زوج الكتابية، فهما على نكاحهما؛ لأنه يصح بينهما النكاح ابتداء، فلأن يبقى أولى) ش: لأن البقاء أسهل من الابتداء، فكم من شيء يتحمل من النكاح حالة البقاء، وإن لم يتحمل في الابتداء، ألا ترى أن المنكوحة إذا وطئت بشبهة يعتد له، وتبقى منكوحة، ولا يجوز نكاح المعتدة من وطء بشبهة ابتداء. م: (وإذا خرج أحد الزوجين إلينا) ش: وفي بعض النسخ م: (قال: وإذا خرج) ش: أي قال القدوري: وإذا خرج أحد الزوجين م: (إلينا) ش: أي إلى دار الإسلام م: (من دار الحرب) ش: حال كونه م: (مسلماً) ش: غير مراغم، حتى إذا خرج مراغماً تقع الفرقة بالإجماع، أما عندنا فلتباين الدارين، وأما عنده في الرغم والقهر، كزوجته كذا في " مبسوط البزدوي " م: (وقعت البينونة بينهما. وقال الشافعي: لا تقع) ش: وقال شمس الأئمة السرخسي: ويستوي في وقوع الفرقة بتباين الدارين أن يخرج أحدهما مسلماً أو ذمياً، أو خرج مستأمناً، ثم أسلم أو صار ذمياً، لأنه صار من أهل دارنا، وفائدة وقوع البينونة حل وطء تلك الأمة لمن وقعت في سهمه بعد الاستبراء، وإن كان الخارج الرجل يجوز له أن يتزوج أربعاً سواها أو أختها إن كانت في دار الإسلام. م: (ولو سبى أحد الزوجين وقعت الفرقة بينهما) ش: اتفاقاً م: (وإن سبيا معاً) ش: أي الزوجان م: (لم تقع الفرقة. وقال الشافعي: وقعت. فالحاصل أن السبب) ش: أي سبب وقوع البينونة م: (عندنا هو التباين) ش: أي تباين الدارين م: (دون السبي) ش: وجد أو لم يوجد م: (وهو بعكسه) ش: أي الشافعي بعكس ما قلنا، حيث يقول: إن السبي هو سبب البينونة لا التباين، وبه قال مالك وأحمد، حتى لو خرج أحد الزوجين إلينا مسلما، لا تقع الفرقة عندهم على أصلهم. م: (له) ش: أي للشافعي م: (أن التباين أثره في انقطاع الولاية) ش: وهو سقوط مالكيته عن نفسه وماله م: (وذلك لا يؤثر في الفرقة كالحربي المستأمن والمسلم المستأمن) ش: أشار إلى انقطاع النكاح، كالحربي المستأمن، يعني إذا دخل دارنا بأمان انقطعت ولايته، ولا تقع الفرقة بينه وبين امرأته م: (أما السبي فيقتضي الصفاء) ش: بالمد، أي الخلوص، أي يقتضي صفاء السبي م: (للسابي) ش: ولا يصفى الملك في المسبي للسابي م: (ولا يتحقق إلا بانقطاع النكاح) ش: الزوج عن المسبية م: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 وهذا يسقط الدين عن ذمة المسبي. ولنا أن مع التباين حقيقة وحكما لا تنتظم المصالح، فشابه المحرمية، والسبي يوجب ملك الرقبة، وهو لا ينافي النكاح ابتداء، فكذلك بقاء، فصار كالشراء، ثم هو يقتضي الصفاء في محل عمله، وهو المال لا في محل النكاح. وفي المستأمن لم تتباين الدارين حكما لقصده الرجوع.   [البناية] (وهذا) ش: إيضاح لقوله: يقتضي الصفاء م: (يسقط الدين) ش: الذي للكفار م: (وعن ذمة المسبي) ش: يصفي المسبي السابي. م: (ولنا أن مع التباين حقيقة وحكماً) ش: أي من حيث الحقيقة، ومن حيث الحكم. أما حقيقة فبأن يكون أحدهما في دار الحرب حكماً، لأنه فيه الرجوع. وأما حكماً فبأن لا يكون في الدار التي دخلها على سبيل الرجوع، بل يكون على سبيل القرار والسكنى، وفي " النهاية ": وفي قوله: حكماً، جواب عن قوله: كالحربي المستأمن، والمسلم المستأمن؛ لأن الحربي المستأمن وإن كان في دار الإسلام حقيقة، ولكن هو في دار الحرب حكماً؛ لأنه على نية الرجوع، فكذلك لم يترتب عليه حكم التباين، وكذلك المسلم المستأمن، حتى لو انقطعت نية الرجوع كان حكم التباين ثابتاً في حقه م: (لا تنتظم المصالح) ش: والنكاح شرط للمصالح، لا بعينه م: (فشابه المحرمية) ش: أي فشابه التباين المحرمية، يعني إذا اعترضت المحرمية على النكاح، فإنه لا يبقى معها لفوات انتظام المصالح، كذا هذا التباين. م: (والسبي يوجب ملك الرقبة) ش: هذا رد دليل الخصم، تقديره: أن السبي يوجب ملك الرقبة م: (وهو) ش: أي ملك الرقبة م: (لا ينافى النكاح ابتداء) ش: بأن زوج أمته لغيره م: (فكذلك) ش: لا ينافيه م: (بقاء) ش: بأن اشترى منكوحة الغير م: (فصار) ش: أي السبي م: (كالشراء) ش: أي كالشراء من غيره، من حيث إن النكاح لا يفسد بالشراء، فكذلك بالسبي لعدم المنافاة، وكذلك الصدقة والهبة. م: (ثم هو) ش: أي السبي م: (يقتضي الصفاء) ش: يعني مسلماً أن السبي يقتضي الصفاء لكن م: (في محل عمله، وهو المال لا في محل النكاح) ش: وهو منافع البضع باعتبار كونها آدمية، وذلك ليس محل عمله، لأن ذلك من الخصائص الإنسانية لا المالية، وقد اندرج في هذا الكلام الجواب عن قوله: وهذا يسقط الدين عن ذمة المسبي؛ لأن الدين في الذمة، وهو محل عمله؛ لأنها في الرقبة. وقوله: وفي المستأمن: جواب عن قوله: كالحربي المستأمن أو المسلم المستأمن، وكان قد احترز بقوله: وحكماً عن ذلك، فإن التباين وإن وجد في المستأمن حقيقة لكنه لم يوجد حكماً، وهو معنى قوله: م: (وفي المستأمن لم تتباين الدارين حكماً لقصده الرجوع) ش: إلى دار الحرب. والرجوع منصوب على أنه مفعول المصدر، والمصدر يعمل عمل فعله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: استدل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بقضية زينب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - ابنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنها هاجرت من مكة إلى المدينة، وخلفت زوجها أبا العاص بمكة فردها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالنكاح الأول، فعلم أن التباين لا يوجب الفرقة. قلت: ردها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالنكاح الجديد، يعني قوله: بالنكاح الأول، أي بحرمة النكاح الأول، وقد صح في " السنن " عند الترمذي، وابن ماجه، وأحمد أنها ردت بعد ست سنين في رواية، وفي رواية أخرى بعد سنتين، وعند الخصم تثبت الفرقة بانقضاء العدة، وإن لم يثبت التباين، فكيف يحتج به علينا؟ فإن قلت: استدل أيضاً بحديث أبي سفيان، فإنه أسلم بمر الظهران في معسكر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأقر النكاح بينه وبين امرأته هند، ولما فتح - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مكة هرب عكرمة بن أبي جهل، وحكيم بن حزام حتى أسلمت امرأة كل منهما، وأخذت الأمان لزوجها، وذهبت فجاءت به، ولم يجدد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - النكاح بينهما. قلت: الصحيح أن أبا سفيان لم يحسن إسلامه يومئذ، وإنما أجازه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لشفاعة عمه العباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وعكرمة وحكيم بن حزام إنما هربا إلى الساحل، وكانت من حدود مكة، فلم يوجد تباين الدارين. وقد قال الزهري: إن دار الإسلام تتميز من دار الحرب بعد فتح مكة، ولم يوجد تباين الدارين يومئذ. فإن قلت: قال الله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] (النساء: الآية 24) ، عدد المنكوحات من المحرمات، ثم استثنى المملوكات ملك اليمين مطلقاً، ولم يفصل بينهما إذا كان تزوج المسبية معها، أو لم يكن، والمطلق يجري على إطلاقه عندكم، فكيف لا تجوزون وطء المسبية إن سبي معها زوجها. روي في "السنن" مسنداً إلى أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال في سبايا أوطاس: "ألا لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة» " ولا فصل فيه أيضاً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 245 وإذا خرجت المرأة إلينا مهاجرة جاز أن تتزوج، ولا عدة عليها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: عليها العدة، لأن الفرقة وقعت بعد الدخول في دار الإسلام، فيلزمها أحكام الإسلام. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها أثر النكاح المتقدم وجبت إظهارا لخطره، ولا خطر لملك الحربي، ولهذا لا تجب العدة على المسبية. وإن كانت حاملا لم تزوج حتى تضع حملها، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يصح النكاح، ولا يقربها زوجها حتى تضع حملها، كما في الحبلى من الزنا. وجه الأول أنه ثابت النسب، فإذا ظهر الفراش في حق النسب يظهر في حق المنع من النكاح احتياطا.   [البناية] قلت: أما الآية فإن قَوْله تَعَالَى: {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] عام خص منه البعض، فيخص التنازع بما إذا اشترى الأمة مع زوجها لا يجوز للمشتري أن يطأها بالإجماع، مع وجوب ملك اليمين، فكذا إذا سبى الأمة وزوجها كان مسلماً، أو ذمياً لا يجوز للسابي وطأها مع وجود ملك اليمين، فلما كان البعض مخصوصاً، حملنا الآية على ما إذا سبيت المرأة وحدها، وحصل بين الزوجين تباين حكماً. والجواب عن سبايا أوطاس: فإنهن كن سبين وحدهن، دون أزواجهن، فإن الرجال كانوا قد خرجوا للقتال، وخلفوا النساء، والذراري في الحصن، فلما انهزموا استولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الحصن، وسبوا النساء دون الأزواج، وأوطاس اسم موضع بقرب مكة على ثلاث مراحل من مكة والله أعلم. [عدة المهاجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام] م: (وإذا خرجت المرأة إلينا مهاجرة) ش: أي حال كونها مهاجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام، سواء كانت مسلمة أو ذمية م: (جاز أن تتزوج، ولا عدة عليها عند أبي حنيفة) ش: إلا أن تكون حاملاً. م: (وقالا: عليها العدة) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد: عليها أن تعتد، ولا يجوز لها التزوج إلا بعد العدة م: (لأن الفرقة وقعت بعد الدخول في دار الإسلام، فيلزمها حكم الإسلام) ش: لأنها حرة فارقت زوجها بعد الإصابة، فتلزمها العدة، كالمطلقة في دارنا، وبه قال جمهور العلماء. م: (ولأبي حنيفة أنها) ش: أي أن العدة م: (أثر النكاح المتقدم وجبت إظهاراً لخطره، ولا خطر لملك الحربي، ولهذا) ش: أي ولأجل أن ليس لملك الحربي خطر م: (لا تجب) ش: أي م: (العدة على المسبية) ش: بالاتفاق م: (وإن كانت) ش: أي المرأة المهاجرة المذكورة م: (حاملاً لم تزوج حتى تضع حملها) ش: للنص م: (وعن أبي حنيفة) ش: رواه عنه الحسن م: (أنه يصح النكاح، ولا يقربها الزوج حتى تضع حملها، كما في الحبلى من الزنا) ش: لا يصح الوطء حتى تضع حملها. م: (وجه الأول) ش: وهو أنه لا تتزوج حتى تضع حملها م: (أنه ثابت النسب) ش: من الغير م: (فإذا ظهر الفراش في حق النسب يظهر في حق المنع من النكاح احتياطا) ش: في باب النسب، كأم الولد حبلت من مولاها لا يتزوجها حتى تضع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 قال: وإذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام وقعت الفرقة بغير طلاق، وهذا عند أبي حنيفة، وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كانت الردة من الزوج فهي فرقة بطلاق هو يعتبره بالإباء، والجامع بينهما ما بيناه. وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مر على ما أصلنا له في الإباء. وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فرق بينهما. ووجهه أن الردة منافية للنكاح؛ لكونها منافية للعصمة، والطلاق رافع، فتعذر أن تجعل طلاقا، بخلاف الإباء، لأنه يفوت الإمساك بالمعروف، فيجب التسريح بالإحسان على ما مر.   [البناية] [ارتد أحد الزوجين عن الإسلام] م: (قال: وإذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام) ش: - والعياذ بالله تعالى - م: (وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق) ش: سواء دخل بها، أو لم يدخل، وهذا عند أبي حنيفة، وأبي يوسف، وقال محمد: إن كانت الردة من الزوج فهي فرقة بطلاق وإن كانت منها فهو كما قالا. وفي " مغني" الحنابلة " إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح في قول عامة أهل العلم، وحكي عن داود الأصفهاني: أنه لا ينفسخ بالردة، وإن كانت الردة بعد الدخول فكذلك في أحد الروايتين عن أحمد بن حنبل، وهو قول الحسن، وعمر بن عبد العزيز، وأبي حنيفة، ومالك، والثوري، وزفر، وأبي ثور، وابن المنذر. وفي الرواية الثانية: يقف على انقضاء العدة، وهو قول الشافعي، وإسحاق، ثم من المالكية من جعل الردة فسخاً، ومنهم من جعلها طلقة بائنة. ومنهم من جعلها طلقة رجعية. ومنهم من قال: لو أسلم يعود إلى زوجته كانت بغير طلاق ولا بفسخ، كما يعود المرتد إلى ماله، على المعروف من كل مذهب، وعند ابن أبي ليلى لا تقع الفرقة بالردة قبل الدخول وبعده، لكن يستتاب المرتد، فإن تاب فهي امرأته، وإن مات على الردة، أو قتل ورثته امرأته. م: (هو) ش: أي محمد م: (يعتبره بالإباء) ش: أي يعتبر الردة بالإباء م: (والجامع بينهما ما بيناه) ش: وما ذكره قبل هذا قريباً من الورقة بقوله لها، أي بالإباء امتنع عن الإمساك بالمعروف مع قدرته عليه، فينوب القاضي منابه في التسريح، فكذلك بالردة امتنع عن الإمساك، فناب القاضي منابه م: (وأبو يوسف مر على ما أصلنا له في الإباء) ش: وهو أن الفرقة سبب يشترك فيه الزوجان، فلا يكون طلاقاً كالفرقة بسبب الملك، وهذا ينتقض بالخلع. م: (وأبو حنيفة فرق) ش: أي بين الإباء والردة م: (ووجهه) ش: أي وجه الفرق م: (أن الردة منافية للنكاح لكونها) ش: أي لكون الردة م: (منافية للعصمة) ش: لبطلان العصمة عن نفسه، وإملاكه بها فيترك ملك النكاح بها، ولأنها موت حكماً م: (والطلاق رافع) ش: للنكاح، وليس بمناف له م: (فتعذر أن تجعل طلاقاً بخلاف الإباء، لأنه يفوت به الإمساك بالمعروف فيجب التسريح بالإحسان على ما مر) ش: لأن الإباء امتناع عن الإمساك بالمعروف مع قدرته على الإسلام، فينوب القاضي منابه في التسريح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 247 ولهذا تتوقف الفرقة بالإباء على القضاء، ولا تتوقف بالردة، ثم إن كان الزوج هو المرتد فلها كل المهر إن دخل بها، ونصف المهر إن لم يدخل بها، وإن كانت هي المرتدة فلها كل المهر إن دخل بها، وإن لم يدخل بها لا مهر لها، ولا نفقة، لأن الفرقة من قبلها. قال: وإذا ارتدا معا، ثم أسلما معا فهما على نكاحهما استحسانا. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يبطل؛ لأن ردة أحدهما منافية، وفي ردتهما ردة أحدهما. ولنا ما روي أن بني حنيفة ارتدوا ثم أسلموا ولم يأمرهم الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - بتجديد الأنكحة، والارتداد منهم واقع   [البناية] م: (ولهذا) ش: توضيح لكون الردة منافية للطلاق دون الإباء، أي لأجل ذلك م: (تتوقف الفرقة بالإباء على القضاء) ش: أي على حكم الحاكم؛ لأنها ليست للمنافاة، فتوقف حكمه على القضاء م: (ولا تتوقف) ش: على القضاء م: (بالردة) ش: لأن النافي لا يتوقف حكمه على القضاء كالمحرمية م: (ثم إن كان الزوج هو المرتد فلها كل المهر إن دخل بها، ونصف المهر إن لم يدخل بها) ش: بالنص م: (وإن كانت هي المرتدة فلها كل المهر إن دخل بها، وإن لم يدخل بها فلا مهر لها، ولا نفقة؛ لأن الفرقة من قبلها) ش: فلذلك يسقط المهر، والنفقة كالناشزة لا نفقة لها. م: (قال ارتدا معاً) ش: أي ارتد الزوجان معاً م: (ثم أسلما معاً فلهما نكاحهما استحساناً) ش: أي من الاستحسان م: (وقال زفر: يبطل) ش: وهو القياس وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد م: (لأن ردة أحدهما منافية، وفي ردتها ردة أحدهما) ش: إذا كانت منافية للنكاح، فردتها بالطريق الأولى. م: (ولنا ما روي) ش: وهو وجه الاستحسان م: (أن بني حنيفة) ش: وهم حي من العرب م: (ارتدوا، ثم أسلموا ولم يأمرهم الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بتجديد الأنكحة) ش: قال مخرج الأحاديث: هذا غريب. قال الأترازي: وجه الاستحسان ما روى أصحابنا في " المبسوط " وغيره أن بني حنيفة ارتدوا لمنع الزكاة، وبعث إليهم أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الجيوش حتى أسلموا، ولم يأمرهم بتجديد الأنكحة، ولا أحد من الصحابة، وإجماعهم حجة يترك به القياس. فإن قلت: من الجائز أنهم ارتدوا على التعاقب، فمن أين يعرف أنهم ارتدوا جميعاً، بل الغالب التعاقب في الردة، وهو الظاهر. قلت: ترك الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عن تجديد الأنكحة دليل على عدم التعاقب؛ لأنه لو كان ارتدادهم على التعاقب لأمروا بتجديد الأنكحة، لأن السكوت عن الحق لا يليق بجنابهم. م: (والارتداد منهم واقع معاً) ش: هذا جواب عما يقال: إن ارتداد بني حنيفة ما وقع جملة حتى يستقيم التعلق به، فأجاب بقوله: م: (والارتداد منهم) ش: أي من بني حنيفة م: (واقع) ش: منهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 معا لجهالة التاريخ. ولو أسلم أحدهما بعد الارتداد فسد النكاح بينهما، لإصرار الآخر على الردة؛ لأنه مناف كابتدائها.   [البناية] جميعاً م: (لجهالة التاريخ) ش: لهيئة ارتدادهم، فيجعل كأنه وجد جملة كالغرقى، والحرقى، والهدمى م: (ولو أسلم أحدهما) ش: أي أحد الزوجين المرتدين م: (بعد الارتداد) ش: قبل الآخر م: (فسد النكاح بينهما) ش: يعني تقع الفرقة بينهما بإجماع علمائنا م: (لإصرار الآخر على الردة؛ لأنه) ش: أي لأن إصراره على الردة م: (مناف) ش: أي للنكاح م: (كابتدائها) ش: أي كإفسادها، حتى لا يجب لها شيء إن كان المسلم هو الزوج قبل الدخول. وإن كانت هي التي أسلمت قبل الدخول فلها نصف الصداق، وإن وجد الدخول فلها المهر كاملاً في الوجهين؛ لأن المهر يستقر بالدخول، ويصير ديناً في ذمة الزوج، والديون لا تسقط بالردة، وعند زفر والشافعي ومالك وأحمد: إسلام أحدهما لا يؤثر في الفرقة الواقعة بارتدادهما، والله أعلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 باب القسم وإذا كان للرجل امرأتان حرتان فعليه أن يعدل بينهما في القسم، بكرين كانتا أو ثيبين أو إحداهما بكرا والأخرى ثيبا؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من كانت له امرأتان ومال إلى إحداهما في القسم جاء يوم القيامة وشقه مائل» .   [البناية] [باب القسم] [العدل في القسم بين النساء] م: (باب القسم) ش: أي هذا باب في بيان أحكام القسم بفتح القاف، مصدر قسم الشيء فانقسم، وبكسر القاف النصيب والقسمة، اسم للمقاسمة والانقسام، والقسم بفتحتين اليمين. وقال الأترازي: بفتح القاف مصدر، وهو الرواية عن شيوخنا. قلت: هذا عجيب، لا يحتاج إلى رواية، هكذا عن شيوخه، لأن كل واحد يعلم أنه بالفتح في باب التعديل بين النساء، ويعلم أنه بالكسر النصيب، ولما ذكر جواز عدد من النساء، ولم يكن بد من بيان العدل الوارد من الشارع في حقهن في باب على حدة، والموجب في تأخيره لشدة الاحتياج إلى معرفة غيره على ما لا يخفى. م: (وإذا كان للرجل امرأتان حرتان فعليه أن يعدل بينهما في القسم، بكرين كانتا أو ثيبين، أو إحداهما بكراً والأخرى ثيباً) ش: قال: وإذا كان بلفظ التذكير، وإن كان مستنداً إلى المؤنث الحقيقي لوقوع الفصل، كقولهم: حضر القاضي امرأة، وهذا جاء خلافاً للمجرد، وقال: حرتان ليشمل المسلمة، والكتابية، والمراهقة، والبالغة، والمجنونة، والتي يخاف منها، والحائض، والنفساء، والحامل، والصغيرة التي يمكن وطؤها، والمحرمة، والمولى عنها، والمظاهرة منها، والجديدة، والقديمة فالكل سواء، وبه قال الحكم وحماد. وقال مالك، والشافعي، وأحمد: يقيم عند البكر الجديدة سبعاً، وعند الثيب الجديدة ثلاثاً، ولا يحتسب عليها بذلك، وهو قول إبراهيم النخعي، وعامر الشعبي، وإسحاق بن راهويه، واختاره ابن المنذر، وقيل: للبكر ثلاث ليال، وللثيب ليلتان، هكذا روي عن سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وخلاس بن عمرو، ونافع عن ابن عمر. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من كانت له امرأتان، ومال إلى إحداهما في القسم جاء يوم القيامة وشقه مائل» ش: هذا الحديث أخرجه أصحاب " السنن الأربعة " من حديث همام بن يحيى، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من كانت ... " آخره، ورواه ابن حبان في "صحيحه "، والحاكم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يعدل في القسم بين نسائه، وكان يقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما لا أملك» يعني زيادة المحبة، ولا فضل فيما رويناه،   [البناية] في "مستدركه ". وقال حديث حسن صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. وفي رواية الترمذي: "وشقه ساقط". وقال شيخنا: بل المراد به سقوطه حقيقة، أو المراد به سقوط حجته بالنسبة إلى إحدى امرأتيه، التي مال إليها مع الأخرى، ويحتمل الأمرين، ولا مانع من الحقيقة، ويدل على إرادة الحقيقة قوله في رواية أبي داود: "مائل"، فهو ظاهر أنه ليس المراد سقوط الحجة، وإنما المراد سقوط أحد شقيه، يعني ميلانه، وفيه أن الجزاء من جنس العمل، فلما لم يعدل وجار عن الحق، والجور الميل كان عذابه بأن يجيء يوم القيامة على رءوس الأشهاد، وأحد شقيه مائل. م: (وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يعدل في القسم بين نسائه، كان يقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك» ش: هذا أيضاً أخرجه الأئمة الأربعة، عن عبد الله بن زيد، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... إلى آخره. ورواه ابن حبان في "صحيحه "، والحاكم في "مستدركه "، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. قوله: - فيما أملك -، أي فيما قدرني عليه مما يدخل تحت القدرة والاختيار، بخلاف ما لا أقدر عليه من ميل القلب، فإنه لا يدخل تحت القدرة. م: (يعني زيادة المحبة) ش: هذا ليس من لفظ الحديث، وإنما هو تفسير من الرواة. وحكى الترمذي عن بعض أهل العلم أنه فسره بالحب والمودة، ورواه البيهقي عن الشافعي في تفسير الحديث، قال: يعني - والله أعلم -: قلبه، وكذا قال أبو داود في "سننه " يعني القلب، وفسره الخطابي بميل القلوب م: (ولا فضل فيما روينا) ش: أي لا فضل بين البكر والثيب فيما روينا من الحديث المذكور. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 251 والقديمة والجديدة سواء لإطلاق ما روينا، ولأن القسم من حقوق النكاح ولا تفاوت بينهن في ذلك والاختيار في مقدار الدور إلى الزوج؛ لأن المستحق هو التسوية بينهن دون طريقها   [البناية] [المبيت عند الزوجة] م: (والقديمة والجديدة سواء) ش: وقد ذكرنا مذهب الشافعي عن قريب، ولكن نوضح هنا بأكثر من ذلك، فنقول: قال الشافعي، ومالك، وأحمد، وابن عبيد إن كانت جديدة بكراً أقام عندها بعد العقد سبعاً من غير قضاء، وإن كانت ثيباً أقام عندها ثلاثاً من غير قضاء، ولو شاء أقام عندها سبعاً مع القضاء. وله في القضاء وجهان: أحدهما: أن يقضي جميعاً، وهو ظاهر المذهب إليه، والثاني: أن يقضي ما زاد على الثلاث. وفي " الجواهر " و" المغني ": للأمة الجديدة سبع إذا كانت بكراً، وإن كانت ثيباً فلها ثلاث عند المالكية، والحنابلة، فجعلوها كالحرة البكر والثيب، وللشافعية ثلاثة أقوال: أحدها: التسوية بين الحرة والأمة، والثاني: للأمة النصف كسائر القسم، الثالث: للبكر من الإماء أربع، وللثيب ليلتان تكميلاً لبعض الليلة، ذكره في " النهاية" لإمام الحرمين. وفي " الجواهر ": الزيادة حق الزوجة، أو حق الزوج، أو حقهما فيه اختلاف. وفي " الجواهر " و" النهاية ": و" المغني ": على ولي المجنون أن يطوف به على نسائه. وفي " النهاية ": لو ترك حق واحدة وخص بالباقية يجب عليه القضاء، وعندنا ما ذكره في " المحيط " و" المبسوط ": الزوج لو أقام عند واحدة شهراً ظلماً ثم طلب القسم من الباقيات أو بغير طلب فليس عليه أن يعرض، لأنه ليس بمال، فلم يكن عليه ديناً في الذمة، لكنه ظالم يوعظ، فإن استمر يؤدب تعزيراً، ولو جعلت له الحرة مالاً على أن يزيد في أيامها فهي باطلة، ولها أن ترجع في مالها، وإن زادها في أيامها، لأن ذلك رشوة، والرشوة في الحكم. وكذا لو حطت من مهرها شيئاً بهذا الشرط، وبه قال الشافعي وأحمد. وقال أبو ثور: وهو جائز، وهو مذهب الحسن البصري، ذكره في " الأشراف ". م: (لإطلاق ما روينا) ش: قال الأترازي: هذا تكرار بلا فائدة، لأن عدم القصد فيما رويناه يعلم من قوله: لإطلاق ما روينا، وما كان يحتاج إلى ذكرهما جميعاً. وقال الأكمل: الاختلاف في موضعين: في الفرق بين البكر والثيب، وفي تفضيل الجديدة على القديمة، قيد المصنف الأول بقوله: ولا فضل فيما روينا، والثاني: لإطلاق ما روينا. قلت: لكن النظر في تصويب أحدهما. م: (ولأن القسم من حقوق النكاح، ولا تفاوت بينهن في ذلك) ش: أي بين النساء م: (والاختيار في مقدار الدور إلى الزوج) ش: يعني إن شاء ثلث لكل واحدة، وإن شاء تسع لكل واحدة إلى غير ذلك، وليس للمرأة أن تقول: بت عندي ليلة وليلة أخرى عند صاحبتي، لأن المقصود هو العدل، وذلك حاصل كيف كان. م: (لأن المستحق هو التسوية بينهن) ش: أي بين الزوجات م: (دون طريقها) ش: أي طريق التسوية، وفي غالب النسخ: دون طريقه، وقال الأترازي: أي دون طريق العدل، يعني: يبيت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 والتسوية المستحقة في البيتوتة لا في المجامعة، لأنها تبتنى على النشاط، وإن كانت إحداهما حرة، والأخرى أمة فللحرة الثلثان من القسم، وللأمة الثلث بذلك ورد الأثر، ولأن حل الأمة أنقص من حل الحرة فلا بد من إظهار النقصان في الحقوق، والمكاتبة، والمدبرة، وأم الولد بمنزلة الأمة؛ لأن الرق فيهن قائم. قال: ولا حق لهن في القسم حالة السفر فيسافر الزوج بمن شاء منهن، والأولى أن يقرع بينهن، فيسافر بمن خرجت قرعتها. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: القرعة مستحبة   [البناية] عند إحدى المرأتين مثل ما يبيت عند الأخرى، فإن بات عند هذه ليلة يبيت عند الأخرى كذلك، وليس لها أن تقول بت عندي ليلة وبت عند صاحبتي مثل ذلك؛ لأن المستحق عليه العدل، لا طريقه؛ لأن طريقه مفوض إلى الزوج. ثم قال الأترازي: وتذكير الضمير في طريقه، وإن كان راجعاً إلى التسوية لإرادة العدل، ومثل ذلك جائز، كما في قوله: والأرض أثقل أثقالها. [التسوية في البيتوتة عند الزوجات] م: (والتسوية المستحقة في البيتوتة، لا في المجامعة) ش: قال في شرح " الكافي ": وهذه التسوية في البيتوتة عندها للصحبة، والمؤانسة، لا في المجامعة، لأن ذلك شيء يبتنى على النشاط، ولا يقدر على اعتبار المساواة فيه، وهو نظير المحبة بالقلب م: (لأنها) ش: أي لأن المجامعة م: (تبتنى على النشاط) ش: كما ذكرنا. م: (وإن كانت إحداهما حرة، والأخرى أمة فللحرة الثلثان من القسم، وللأمة الثلث، بذلك ورد الأثر) ش: وهو ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة وعبد الرزاق في "مصنفيهما"، والدارقطني، ثم البيهقي في "سننهما"، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله الأسدي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، قال: إذا نكحت الحرة على الأمة فلهذه الثلثان؛ ولهذه الثلث، لأن الأمة لا ينبغي لها أن تتزوج على الحرة، والمنهال بن عمرو فيه مقال، وعبادة ضعيف، قال في " التنقيح ": قال البخاري: فيه نظر. وروى البيهقي عن ابن المسيب، وعن سليمان بن يسار، أن الحرة إذا أقامت على ضرات فلها يومان، ولأمته يوم، وبه قال الشافعي، وأحمد، ومالك في رواية. وقال مالك في رواية أخرى: إنهما سواء في استحقاق القسم. م: (ولأن حل الأمة أنقص من حل الحرة) ش: لأنها على النصف من الحرة في غالب الحقوق م: (فلا بد من إظهار النقصان في الحقوق) ش: لئلا يلزم التسوية م: (والمكاتبة، والمدبرة، وأم الولد بمنزلة الأمة؛ لأن الرق فيهن قائم) ش: فيكون لهن الثلث من القسم. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (ولا حق لهن في القسم حالة السفر، ويسافر الزوج بمن شاء منهن، والأولى أن يقرع بينهن، فيسافر بمن خرجت قرعتها. وقال الشافعي: القرعة مستحبة) ش: حتى لو سافر بدون القرعة بواحدة يقضي ما مضى، يعني يقيم عند من لم يسافر معها مثل تلك الأيام، وبالقرعة لا يقضي، وبه قال أحمد: يقضي بكل حال. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 لما روي «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه» إلا أنا نقول: إن القرعة لتطييب قلوبهن، فكانت من باب الاستحباب، وهذا لأنه لا حق للمرأة عند مسافرة الزوج، ألا ترى أن له أن لا يستصحب واحدة منهن، فكذا له أن يسافر بواحدة منهن، ولا تحتسب عليه تلك المدة، وإن رضيت إحدى الزوجات بترك قسمها لصاحبتها جاز؛ لأن سودة بنت زمعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سألت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يراجعها، وتجعل يوم نوبتها لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -.   [البناية] م: (لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه» أخرجوه مختصراً، ومطولاً، بحديث الإفك. م: (إلا أنا نقول) ش: يعني نعمل بالحديث، كما يعمل الشافعي، غير أنا نقول: م: (إن القرعة لتطييب قلوبهن، فكانت) ش: أي القرعة م: (من باب الاستحباب) ش: والشافعي يعمل بظاهره، ونحن نقول: إن التسوية بينهن لم تكن واجبة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحضر، ففي السفر أولى، وإنما كان يقرع في السفر لما ذكرنا م: (وهذا) ش: يعني كون القرعة من باب الاستحباب م: (لأنه لا حق للمرأة عند مسافرة الزوج، ألا ترى) ش: توضيح لما قبله م: (أن له) ش: أي للزوج م: (أن لا يستصحب واحدة منهن، فكذا له أن يسافر بواحدة منهن) ش:. هذا دليل على جواز أنه لا حق لهن حالة السفر م: (ولا تحتسب عليه تلك المدة) ش: أي لا تحتسب على الزوج السفر، يعني إذا سافر بإحدى المرأتين شهراً مثلاً، ولا يؤمر أن يكون عند الأخرى شهراً آخر، بل يسوي بينهما في الحضر ابتداء، وفي " الغاية ": ثم لا يقضي مدة السفر بواحدة منهن، وكذا لبقية نسائه، وقال داود: يقضي، واشترط صاحب " الوجيز " بسقوط القضاء على مذهب الشافعي أربعة شرائط: أحدها: أن يقرع. والثاني: على أن لا يعزم على النقلة؛ لأن سفر النقلة لا يجوز أن يستصحب ببعضهن دون بعض، وفي سفر التجارة يجوز. والثالث: أن يكون السفر طويلاً؛ لأن في السفر القصير لغرض التفرج طريقان: أحدهما: يستحب القرعة، ويقضي والثاني: كالسفر الطويل، ولا يقضي، وهو الصحيح عند صاحب " التهذيب " " والتتمة ". والرابع: أن لا يعزم على الإقامة، ومقصده أربعة أيام، أو أكثر. م: (وإن رضيت إحدى الزوجات بترك قسمها لصاحبتها جاز؛ لأن سودة بنت زمعة سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يراجعها وتجعل يوم نوبتها لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) ش: مفهوم هذا الحديث أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طلق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 ولها أن ترجع في ذلك؛ لأنها أسقطت حقا لم يجب بعد، فلا يسقط.   [البناية] سودة، وقال مخرجو الأحاديث: ولم نجد ذلك. قلت: روى البيهقي في "سننه " بإسناده إلى عروة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طلق سودة، فلما خرج إلى الصلاة أمسكت بثوبه فقالت: والله ما لي في الرجال من حاجة، ولكني أريد أن أحشر في أزواجك، قال: فراجعها، وجعل يومها لعائشة،» وهذا مرسل. وفي " مستدرك" الحاكم عن هشام بن عروة، عن أبيه، «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: يا رسول الله يومي هذا لعائشة فقبل ذلك منها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: وفيها وفي أشباهها أنزل الله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} [النساء: 128] » (النساء: الآية 127) ، وقال صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وروى البخاري ومسلم «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: ما رأيت امرأة أحب إليَّ من أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة، فلما كبرت قالت: يا رسول الله قد جعلت يومي منك لعائشة، فكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسم لعائشة يومين، يومها ويوم سودة» . وروى البخاري أيضاً: «كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسم لكل امرأة منهن يومها، غير أن سودة بنت زمعة جعلت يومها وليلتها لعائشة، تبغي بذلك رضا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» انتهى. وزمعة بفتحتين اسم رجل. م: (ولها أن ترجع في ذلك) ش: أي للمرأة أن ترجع في قسمها بعد أن وهبت لصاحبتها م: (لأنها أسقطت حقاً لم يجب بعد، فلا يسقط) ش: فلم يكن إسقاطها يلزمها، فلها المطالبة بعد ذلك عن وجوب الحق، وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد، إلا أن الشافعي قال: يشترط قبول الزوج في هبة يومها، والله أعلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 كتاب الرضاع قال: قليل الرضاع وكثيره سواء إذا حصل في مدة الرضاع يتعلق به التحريم. وقال الشافعي: لا يثبت التحريم إلا بخمس رضعات   [البناية] [كتاب الرضاع] [عدد الرضعات المحرمات] م: (كتاب الرضاع) ش: أي هذا كتاب الرضاع، وهو بفتح الراء وهو الأصل، وبكسرها لغة. وقال عياض: الرضاعة بفتح الراء وكسرها فيهما، وأنكر الأصمعي كسرها مع أنها في الصحاح رضع الصبي أمه يرضعها رضاعا، مثل سمع يسمع سماعا، وأهل نجد يقولون: رضع رضاعا بكسر الضاد، وفي المضارع مثل ضرب يضرب ضربا، والمرضع التي لها ابن رضاع، أو ولد رضيع، قاله عياض. وقال الجوهري: المرأة ترضع ذات ولد رضيع ترضعه، فإن وصفتها بإرضاع الولد قلت مرضعة، وإنما كان المقصود من النكاح هو التوالد والتناسل، والولد لا بد له من الرضاع، ناسب ذكرنا الرضاع عقيب النكاح. فإن قلت: الرضاع سبب التحريم، فكان المناسب أن يذكره في المحرمات. قلت: لما خص الرضاع بمسائل شهادة النساء في الرضاع، ومثل خلط اللبن بالرق، وغير ذلك أفرده بكتاب واحد، والرضاع في الشرع هو مص الرضيع من ثدي الآدمية في وقت مخصوص، والمص يتناول القليل والكثير، وقوله: ثدي الآدمية احتراز عن ثدي الشاة ونحوها، فإن الرضاع لا يثبت به، والمراد من وقت مخصوص هو مدة الرضاع، وفي تقديرها اختلاف، سيأتي إن شاء الله تعالى. م: (قال: قليل الرضاع وكثيره سواء إذا حصل في مدة الرضاع يتعلق به التحريم) ش: وكذا روي عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وبه قال الحسن البصري وسعيد بن المسيب، وطاوس، وعطاء ومكحول، والزهري، وقتادة، وعمرو بن دينار، والحكم، وحماد، والأوزاعي، والثوري، ووكيع، وعبد الله بن المبارك، والليث بن سعد ومجاهد، وزاد الشيخ أبو بكر الرازي: عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - والشعبي والنخعي. وقال ابن المنذر: وهو قول أكثر الفقهاء. وقال النووي: وهو قول جمهور العلماء، وحكى أبو بكر الرازي وابن قدامة في " المغني " عن الليث أنه قال: أجمع المسلمون على أن قليل الرضاع وكثيره يحرم في المهد، كما يفطر الصائم، وهو قول مالك في رواية. م: (وقال الشافعي: لا يثبت التحريم إلا بخمس رضعات) ش: وبه قال أحمد في ظاهر الرواية، وإسحاق عن أحمد ثلاث، وعنه واحدة. وقال " الرافعي ": وظاهر المذهب وجهان: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الإملاجة ولا الإملاجتان»   [البناية] أحدهما: كقول أبي حنيفة، والثاني: ثلاث رضعات، واختاره مشايخنا. وقال ثقات: القياس بثلاث رضعات، وهو قول زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، كذا في شرح " الأقطع ". وقال ابن عبيد، وأبو ثور: إنما تحرم الثلاث من مفهوم لا تحرم المصة والمصتان. ويروى عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أنها قالت: لا تحرم إلا سبع رضعات. وعن حفصة لا تحرم إلا عشر رضعات. م: (لقوله) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا تحرم المصة ولا المصتان، ولا الإملاجة ولا الإملاجتان» ش: روي هذا الحديث مرفوعًا، قوله: «لا تحرم المصة والمصتان» من حديث ابن أبي ملكية، عن عبد الله بن الزبير، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تحرم المصة والمصتان» ، وروي قوله: «ولا إملاجة ولا إملاجتان» من حديث أم الفضل بنت الحارث، قالت: «دخل أعرابي على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في بيتي، فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إني كانت لي امرأة، فتزوجت عليها أخرى، فزعمت امرأتي الأولى أنها أرضعت الحدثى رضعة أو رضعتين، قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان» . وروى ابن حبان في " صحيحه " حديثًا واحدًا نحو رواية المصنف من رواية محمد بن دينار، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تحرم المصة ولا المصتان، ولا الإملاجة ولا الإملاجتان.» وقال الأترازي: قوله: «ولا الإملاجة ولا الإملاجتان» ، هذا من تتمة الحديث على ما ذكره صاحب " الهداية " ولكن ليس هو بمثبت في الأخرى، فركب الحديث، ولهذا لم يثبته الترمذي في جامعه، وأبو داود في سننه على ما روينا: «لا تحرم المصة ولا المصتان، ولا الإملاجة ولا الإملاجتان» انتهى. قلت: عدم اطلاعه في كتب الحديث، وقصر باعه في هذا الفن، ألجأه إلى هذا الكلام، وكيف يقول: وليس هذا بمثبت في الأصول من كتب الحديث، وقد رواه مسلم كما ذكرنا مفردًا ومشتملًا، ورواه ابن حبان، كما رواه المصنف، وعدم إثبات الترمذي، وأبي داود هذا لا يستلزم نفي أن يكون هذا من الأحاديث المثبتة. قوله: " الحدثى " في رواية مسلم، بضم الحاء المهملة، تأنيث الأحداث، يريد المرأة التي تزوجها بعد الأولى، والإملاجة بكسر الهمزة وبالجيم من أملجت المرأة الصبي أي أرضعته. وقال ابن الأثير: ويروى: «لا تحرم الملجة والملجتان» ثم قال: والملج المص، ملج الصبي أمه يملجها ملجًا، وملجها تمليجا إذا رضعها. قلت: الأول من باب نصر ينصر. والثاني: من باب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] ... (النساء: الآية 23) ، وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب من غير فصل» ،   [البناية] علم يعلم. قال الكاكي: المصة - مكيدن - وهو فعل الرضع، والإملاجة - شيردادن -، يقال: أملجه أي أرضعه. قلت: حاصل كلامه يشعر بالفرق بين المصة والإملاجة، فقال: المصة فعل الرضيع، والإملاجة فعل المرأة التي ترضع، لأنه قال بالفارسية: شيردادن، يعني إعطاء اللبن من فعل المرأة. فإن قلت: ما وجه استدلال الشافعي بالحديث المذكور، فإن مذهبه خمس رضعات مشبعات، والحديث كيف يدل عليه. قلت: قال الكاكي: وجه تمسك الشافعي بالحديث المذكور أن المصة داخلة في المصتين، كقوله: لا أكلم فلانًا يومًا ويومين، حيث لا ينتهي اليمين إلا بثلاثة أيام، فكأنه قال: لا تحرم المصات، والإملاجتان، فانتفت الحرمة عن أربع رضعات، وثبتت عن الخمس، وهذا ضعيف. وقيل: وجه تمسكه لا يثبت إلا بنفي مذهبنا، فإذا نفى مذهبنا بهذا الحديث ثبت مذهبه لعدم القائل بالفصل، وقيل: تمسكه بهذا الحديث لنفي مذهبنا، وإثبات مذهبه بحديث عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أنها قالت: «كان فيما أنزل القرآن عشر رضعات معلومات، فنسخن بخمس رضعات معلومات يحرمن، وكان ذلك مما يتلى بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا نسخ بعده، وكان مكتوبًا على قرطاس بعده، فدخل داجن البيت فأكله» وتمسك في شرح " الوجيز " وغيره من كتبهم بهذا الحديث أيضا. قلت: حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - رواه مسلم بلفظ: «وأنزل الله في القرآن عشر رضعات معلومات، نسخ من ذلك خمس، وصار إلى خمس رضعات، فتوفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والأمر على ذلك» انتهى. ورواه ابن ماجه عن عائشة أيضا، ولفظه أنها قالت: «كان مما أنزل الله - عز وجل - من القرآن، ثم سقط: لا يحرم إلا عشر رضعات أو خمس رضعات» . وروى ابن ماجه أيضًا عن عبد الرحمن بن قاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: «لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرًا، ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها» . م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] ... (النساء: الآية 23) م: (وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» من غير فصل) ش: أصحابنا استدلوا لمذهبهم بالآية الكريمة، وجه الاستدلال أن الله تعالى جعل علة التحريم فعل الرضاع قل أو كثر. وقال أبو بكر الرازي في " أحكام القرآن ": إذا اقتضى فعل الرضاع استحقاق اسم الأمومة والأخوة بوجود نفس فعل الرضاع، وذلك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 ولأن الحرمة وإن كانت لشبهة البعضية الثابتة بنشوز العظم، وإنبات اللحم، لكنه أمر مبطن، فتعلق الحكم بفعل الإرضاع، وما رواه مردود بالكتاب أو منسوخ به   [البناية] يقتضي وجوب التحريم بقليل الفعل وكثيره لصدق إطلاق اسم الأم عليه، وهذا لأن كل حق يتعلق بعلة في الشرع يثبت الحكم بوجوده، لا تعدد فيه، وقيل لابن عمر: إن ابن الزبير يقول: لا بأس بالرضعة والرضعتين، فقال: قضاء الله خير من قضاء ابن الزبير. وقال أبو بكر بن العربي: الرضاع وصف ثبت بنفس الفعل، وهذا معلوم عربية، وشرعًا. قال عز وجل: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) ، ارتبط التحريم بالرضاع مطلقًا، من غير تقييد بخمس، أو سبع، أو عشر، أو نحو ذلك، فمن قدره بعدد لا يدل القرآن عليه فقد رفع حكم الآية بأمر مضطرب، لا يعول عليه. واستدل أصحابنا أيضًا بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم، من حديث ابن عباس، ومن حديث عائشة، وقد تقدم الكلام فيه في أول كتاب النكاح. قوله: - من غير فصل - يعني بين القليل والكثير في الكتاب والحديث، روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله حرم من الرضاع ما حرم من الولادة» متفق عليه. وفي البخاري ومسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من الرحم» وفي لفظ: «ما يحرم من النسب» من غير تقييد بعدد كالقرآن. م: (ولأن الحرمة وإن كانت لشبهة البعضية) ش: هذا دليل معقول، يتضمن جواب سؤال مقدر، تقديره أن يقال: لما كان التحريم باعتبار إنشاز العظم، وإنبات اللحم، وذلك يحصل بالكثير دون القليل، وتقدير الجواب: أن الحرمة وإن كانت باعتبار شبهة البعضية الحاصلة من اللبن م: (الثابتة بنشوز العظم وإنبات اللحم) ش: قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الرضاع أنشز العظم وأنبت اللحم» والإنشار بالراء الإحياء، قال الله تعالى: {إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس: 22] (عبس: الآية 22) ، والمعنى في الحديث: نشره، كأنه أحياه، ويروى بالزاي، يقال: نشز الشيء إذا ارتفع. م: (لكنه أمر مبطن) ش: فيه خفاء، والرضاع سبب ظاهر م: (فتعلق الحكم) ش: أي حكم الحرمة م: (بفعل الإرضاع) ش: يعني بمجرد الإرضاع م: (وما رواه) ش: أي ما رواه الشافعي من قوله: «لا تحرم المصة» ... الحديث م: (مردود بالكتاب) ش: لأن العمل بالكتاب أقوي على تقدير أن يكون الكتاب قبله م: (أو منسوخ به) ش: أي بالكتاب إن كان بعده. وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: قوله: «لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان» كان ذلك، فأما اليوم فالرضعة الواحدة تحرم، فيجعل ذلك منسوخًا، حكاه عنه أبو بكر الرازي، ومثله روي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وقال ابن بطال: أحاديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مضطربة، فوجب تركها والرجوع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 وينبغي أن يكون في مدة الرضاع لما نبين. ثم مدة الرضاع ثلاثون شهرا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: سنتان، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثلاثة أحوال؛ لأن الحول حسن للتحول من حال إلى حال، ولا بد من الزيادة على الحولين لما نبين فقدر به. ولهما قَوْله تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] (الأحقاف: الآية15) ، ومدة الحمل أدناها ستة أشهر، فبقي الفصال حولان. وقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا رضاع بعد حولين» ،   [البناية] طبع الصبي م: (وينبغي أن يكون في مدة الرضاع على ما نبين) ش: أي ينبغي أن يكون الرضاع الذي يتعلق به التحريم في مدة الرضاع لا بعدها، وفي مدتها اختلاف، وسنبينه إن شاء الله تعالى. م: (ثم مدة الرضاع ثلاثون شهرا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ش: وعند بعضهم: تثبت حرمة الرضاع في جميع العمر م: (وقالا: سنتان) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد: ومدة الرضاع سنتان م: (وهو قول الشافعي) ش: أي قولهما قول الشافعي، وبه قال أحمد. م: (وقال زفر: ثلاثة أحوال) ش: أي مدة الرضاع ثلاث سنين، واختلفت المالكية بعد الحولين إلى شهرين، وفي " المختصر ": أيام يسيرة، وقال عبد الملك: شهر ونحوه. وفي " المبسوط " عنه: يقدر بزيادة الشهور. وفي " الحاوي ": مثل نقصان الشهور. قال أبو الوليد: يحرم بعد الحولين إلى ثلاثة شهور. وذكر الداودي عنه: يحرم بعد سنتين، وعند البصري: أربع سنين، وقيل خمسة عشر سنة، وقيل: عشرون سنة، وقيل: أربعون سنة، وقيل: سنة، وقيل: جميع العمر كما ذكرنا. م: (لأن الحول حسن للتحول) ش: هذا دليل زفر، أي الحول صالح للتحول، أي للتغير م: (من حال إلى حال) ش: باعتبار حولان الحول الموجب لتغيير الطباع، كما في أجل العنين، والزكاة لاشتمال الحول على الفصول الأربعة. م: (ولا بد من الزيادة على الحولين) ش: لأن الرضيع لا يحصل فطامه في ساعة واحدة، بل يفطم بالتدريج على وجه ينسى اللبن، ويتعود بالطعام. ولا بد من زيادة مدة م: (لما نبين) ش: يعني في وجه قول أبي حنيفة م: (فقدر) ش: على صيغة المجهول، أي فتقدر الزيادة م: (به) ش: أي بالحول، فيصير ثلاثة أحوال. م: (ولهما) ش: أي ولأبي يوسف، ومحمد م: (قَوْله تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] (الأحقاف: الآية 15) ، ومدة الحمل أدناها ستة أشهر، فبقي الفصال حولان) ش: لأنه تعالى قال: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] ولا رضاع بعد الفصال. م: (وقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا رضاع بعد حولين» ش: هذا الحديث رواه الدارقطني بإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا رضاع إلا في حولين» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 وله هذه الآية ووجهه أنه تعالى ذكر شيئين، وضرب لهما مدة، فكانت لكل واحد منهما بكمالها كالأجل المضروب للدينين، لا أنه قام، والمنقص في أحدهما، فبقي الثاني على ظاهره   [البناية] ورواه ابن عدي ولفظه: «لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين» . وقال صاحب " التنقيح ": والصحيح وقفه على ابن عباس، ولم أر أحدًا رواه بعد حولين إلا المصنف، فكأنه نقله عن " المبسوط " هكذا. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (هذه الآية) ش: يعني قَوْله تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ} [الأحقاف: 15] م: (ووجهه) ش: أي وجه الاستدلال بها م: (أنه ذكر شيئين) ش: يعني الحمل والفصال م: (وضرب لهما مدة) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: ثلاثون شهرا، فكل ما كان كذلك م: (فكانت) ش: أي المدة م: (لكل واحدة منهما لكمالها، كالأجل المضروب للدينين) ش: بأن قال: جعلت الدين الذي على فلان، والدين الذي على فلان سنة، يفهم منه تقدير المدة في كل واحد من الدينين م: (إلا أنه قام) ش: وحديث الإملاجة والإملاجتان لا يصح، لأنه يرويه مرة عن ابن الزبير عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومرة عن عائشة، ومرة عن أبيه، ومثل هذا الاضطراب يسقط. وفي " المبسوط ": فأما حديث عائشة فضعيف جدًّا أنه إذا كان متلوًّا بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلماذا ما يتلى، لأن نسخ التلاوة بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يجوز، وما ذكر أن الداجن دخل البيت، فأكل القرطاس غير قوي، لأنه يقوي مذهب الروافض، فإنهم يقولون: إن الصحابة تركوا كثيرًا من القرآن بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يكتبوه في المصاحف، وهو قول باطل بالإجماع. وقيل: عجب من الشافعية لا يعلمون بقراءة ابن مسعود في صوم الكفارة، ويعلمون برواية عائشة والقرآن لا يثبت بخبر الواحد، والعمل بالقراءة الشاذة لا يجوز. م: (المنقص في أحدهما) ش: يعني الحمل وهو حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لا يبقى الولد في بطن أمه أكثر من سنتين، ولو بفلكة مغزل م: (فبقي الثاني) ش: وهو الفصال م: (على ظاهره) ش: وهو ثلاثون شهرًا، وهو عدم النص. فإن قلت: هذا خبر الواحد، فلا يجوز تفسير الكتاب به. قلت: أجيب بأن الكتاب مؤول، قال فخر الإسلام: وعامة أهل التفسير ذكروا أن المضروب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 261 ولأنه لا بد من تغيير الغذاء، لينقطع الإنبات باللبن، وذلك بزيادة مدة يتعود الصبي فيها غيرة فقدرت بأدنى مدة الحمل، لأنها مغيرة، فإن غذاء الجنين يغاير غذاء الرضيع، كما يغاير غذاء الفطيم، والحديث محمول على مدة الاستحقاق، وعليه يحمل النص المقيد بحولين في الكتاب. قال: وإذا مضت مدة الرضاع لم يتعلق بالرضاع تحريم لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا رضاع بعد الفصال»   [البناية] للدينين يتنوع عليهما بقدر الإمكان، فلم يكن دلالة الكتاب على ما استدل به المصنف قطعية، ويؤيده ما روي أن رجلا تزوج امرأة، فولدت لستة أشهر، فجيء بها إلى عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فشاور في رجمها، فقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إن خاصمتكم بكتاب الله تعالى - خصمتكم، قالوا: كيف، قال: إن الله تعالى يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] (الأحقاف: الآية 15) ، وقال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، فحمله ستة أشهر، وفصاله حولان، فتركها، وإذا لم يكن دلالتها على ذلك كذلك لم يلزم التفسير. م: (ولأنه) ش: دليل آخر، أي ولأن الشأن م: (لا بد من تغيير الغذاء) ش: في الرضيع م: (لينقطع الإنبات باللبن) ش: ويحصل بغيره إبقاء لحياته م: (وذلك) ش: أي تغيير الغذاء يكون م: (بزيادة مدة يتعود الصبي فيها) ش: أي في تلك المدة م: (غيره) ش: أي غير اللبن، لأن القطع عن اللبن دفعة غير أن يتعود يهلك، وهذا هو الذي وعزاه المصنف لزفر، لقوله: لما تبين لكن زفر قيد بسنة كما في العنين، وأبو حنيفة قدرها: بأدنى مدة الحمل، لأنها مغيرة، فإن الولد في بطن الأم ستة أشهر يبقي، ويتغذى بغذاء الأم، وبعد الانفصال غذاؤه اللبن، ويصير أصلًا في الغذاء بالطعام. م: (والحديث) ش: وهو قوله: «لا رضاع بعد الحولين» م: (محمول على مدة الاستحقاق) ش: أي الرضاع المستحق، حتى لا تستحق نفقة على الأب بعد ذلك. وقالوا: إن تمام الرضاع في حق استحقاق الأجر على الأب مقدر بحولين، حتى لو طلق امرأته وطلبت الإرضاع بعد الحولين وأبى الزوج لا يجبر على ذلك، ولو دفع ذلك في الحولين يجبر على الإعطاء م: (وعليه يحمل النص المقيد بحولين في الكتاب) ش: أي على استحقاق الصبي الرضاع يحمل قوله حولين كاملين، بدليل قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، وذلك لأن الرضاع لو كان حرامًا بعد الحولين لم يزل الرضاع في زوال الحرمة الثابتة شرعًا. م: (قال: وإذا مضت مدة الرضاع لم يتعلق بالرضاع تحريم لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا رضاع بعد الفصال» ش: هذا الحديث رواه الطبراني في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 ولأن الحرمة باعتبار النشر، وذلك في المدة إذ الكبير لا يتربى به، ولا يعتبر الفطام قبل المدة إلا في رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا استغنى عنه، ووجهه انقطاع النشر بتغير الغذاء، وهل يباح الإرضاع بعد المدة؟ فقيل: لا يباح؛ لأن إباحته ضرورية لكونه جزء الآدمي.   [البناية] معجمه بإسناده إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا رضاع بعد فصال ولا يتم بعد حلم» رواه عبد الرزاق مرفوعًا، ثم رواه موقوفًا. وقال العقيلي في كتابه: هو الصواب، ورواه الطيالسي في " مسنده " من حديث جابر نحوه. وفي إسناده حزام بن عثمان، وأعله ابن عدي به بعد أن رواه، ونقل عن الشافعي وابن معين - رحمهما الله تعالى - أنهما قالا: الرواية عن حزام حرام. م: (ولأن الحرمة باعتبار النشر وذلك) ش: أي النشر م: (في المدة) ش: لأن الحرمة في الرضاعة باعتبار الصغير لا يتغذى بغيره م: (إذ الكبير لا يتربى به) ش: أي باللبن عادة، بوجوب تغذيته بغيره م: (ولا يعتبر الفطام قبل المدة) ش: يعني إذا فطم لا يعتبر م: (إلا في رواية عن أبي حنيفة) ش: رواه الحسن عنه م: (إذا استغنى عنه) ش: أي عن اللبن. م: (ووجهه) ش: أي وجه ما روي عن أبي حنيفة م: (انقطاع النشر بتغير الغذاء) ش: أي انقطاع النشر الصالح باللبن، يعني أن نشر الصبي باللبن ينقطع بعد استغنائه بالطعام، لتغير غذائه؛ لأن غذاءه كان لبنًا فصار طعامًا، فلا تثبت الحرمة برضاع اللبن بعد ذلك، ولهذا قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حديث أبي هريرة: «الرضاع ما فتق الأمعاء، وكان ذلك قبل الطعام» وفي " الواقعات ": الفتوى على ظاهر الرواية، لا يعتبر الطعام قبل المدة. [يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب] م: (وهل يباح الإرضاع بعد المدة، قد قيل: لا يباح؛ لأن إباحته ضرورية) ش: أي لأن إباحة اللبن في المدة لضرورة الولد، والثابت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة، فلا يباح بعد المدة لزوال الضرورة م: (لكونه جزء الآدمي) ش: أي لكون اللبن جزء الآدمي، والانتفاع به حرام، لأن الآدمي وجزءه لا يجوز أن يكون مبتذلًا مهانًا، وسواء كان الإرضاع من الأم، أو من الأجنبية. وقال التمرتاشي: واختلف المشايخ في الانتفاع باللبن للدواء، قيل: لم يجز، وقيل: يجوز إذا علم أنه يزول به الرمد، وفي " الذخيرة " و" الروضة ": فطمت في السنتين، واستغنت بالطعام، ثم رضعت في المدة من امرأة أخرى لا يكون رضاعًا، وإن لم تستغن كان رضاعًا، ذكره الخصاف في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 قال: ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، للحديث الذي روينا، إلا أم أخته من الرضاع، فإنه يجوز أن يتزوجها، ولا يجوز أن يتزوج أم أخته من النسب؛ لأنها تكون أمه، أو موطوءة أبيه بخلاف الرضاع، ويجوز أن يتزوج أخت ابنه من الرضاع، ولا يجوز ذلك من النسب، لأنه لما وطئ أمها حرمت عليه، ولم يوجد هذا المعنى في الرضاع   [البناية] رضاعه. وفي " إملاء بشر بن الوليد ": هو رضاع. وفي عمدة الفتاوى ": إن خيف عليه الهلاك لفطام قبل سنتين ونصف يطالب بالأجرة. وفي " المحيط ": الرضاع بعد الفطام لا يحرم عند أبي يوسف، وعند محمد: لا اعتبار بالفطام في الحولين، بل ذلك عنده محرم. وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، وزفر: لا رضاع بعد مضي المدة، قاله الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: «ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» للحديث الذي روينا) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وقد ذكره في أوائل كتاب النكاح، واستثني من هذا العموم صورتين: إحداهما: هو قوله: م: (إلا أم أخته من الرضاع، فإنه يجوز أن يتزوجها، ولا يجوز أن يتزوج أم أخته من النسب؛ لأنها تكون أمه، أو موطوءة أبيه) ش: أي لأن أم أخته من النسب تكون أمه إذا كانت الأخت لأب م: (بخلاف الرضاع) ش: لأن المعنى المذكور لم يذكر فيه. م: (ويجوز أن يتزوج أخت ابنه من الرضاع، ولا يجوز ذلك من النسب) ش: هذه هي الصورة الثانية المستثناة م: (لأنه لما وطئ أمها) ش: أي لأن الأب لما وطئ أم أخت ابنه م: (حرمت) ش: أي أخت الابن م: (عليه) ش: أي الأب بالمصاهرة م: (ولم يوجد هذا المعنى في الرضاع) . ش: واعلم أن المصنف لو قال في المسألة الأولى: أم أخته وأخيه لكان أولى؛ لأن الحكم في الوجهين واحد، وكذا لو قال في هذه المسألة: أخت ولده ليشمل الذكر والأنثى لكان أولى. وقال الأترازي: وقد سنح في خاطري إنشاء سطر لضبط المسألة. وما هذا تزوج أم أختك من رضاع ... ومن نسب محرمة فراع وأخت ابن رضاعي حلال ... وما نسب يجوزها اتساع واعلم أن كل ما لا يحرم من النسب لا يحرم بالرضاع كما ذكرنا في الصورتين، وهاهنا صور أخر تجوز من الرضاع دون النسب: الأولى: يجوز أن يتزوج أم عمه من الرضاع دون النسب. الثانية: يجوز له أن يتزوج بجدة ولده من الرضاع دون النسب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 وامرأة أبيه، أو امرأة ابنه الرضاع لا يجوز أن يتزوجها، كما لا يجوز ذلك من النسب لما روينا،   [البناية] الثالثة: يجوز له أن يتزوج بعمة ابنه من الرضاع دون النسب. الرابعة: يجوز لها أن تتزوج بأب أخيها من الرضاع، ولا يجوز ذلك من النسب. الخامسة: يجوز له أن يتزوج أم خاله من الرضاع دون النسب. السادسة: يجوز لها أن تتزوج بأخ ابنتها من الرضاع دون النسب. وجمع بعض فقهاء بخارى المسائل التي تفارق حكم الرضاع حكم النسب، فقال مرتجزًا: يفارق الإرضاع حكم النسب ... في خمسة مسطورة في الكتب أم أخ, وأم أخت سيدي ... وأم أم الابن فافقه سيدي وهكذا وقعت أخت الولد ... فاقتبس العلم لكيما تهتدي وأم عم, ثم أم عمة ... فافقه مقالي, لا لقيت عمه وأم خال ثم أم خالة ... والحق لا يخفى من الجهالة نكاحهن في الرضاع واقع ... وما عداه فالدليل مانع وقال شيخنا: واستثنى بعضهم (من) ش: قوله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب أربع مسائل، استثناها الرافعي في الشرح، وزادها بعضهم إلى ثلاث مسائل أخرى، وقد نظم بعض الفضلاء المسائل الأربعة التي استثناها الرافعي في بيتين، وذيلت عليها بالمسائل الثلاثة الأخرى في بيتين آخرين، والبيتين هما: أربع في الرضاع هن حلال ... وإذا ما نسبتهن حرام جدة ابن, وأخته ثم ... أم لأخيه, وحافر والسلام والذي زاد شيخنا هو قوله: عزز بأم عم, وخال, وأخ ... ابن فتلك سبع تمام وهي ليست بواردات على النص، ولا الشافعي وهو الأم. [حكم لبن الفحل] م: (وامرأة أبيه، أو امرأة ابنه من الرضاع لا يجوز أن يتزوجها، كما لا يجوز ذلك في النسب لما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» . وعند الشافعي: يجوز تزوج حليلة الابن من الرضاع، قوله: وامرأة أبيه صورته امرأة تزوج بها زوج المرضعة، ثم فارقها فإنها لا تحل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 265 وذكر الأصلاب في النص لإسقاط اعتبار التبني على ما نبينه. ولبن الفحل يتعلق به التحريم، وهو أن ترضع المرأة صبية فتحرم هذه الصبية على زوجها، وعلى آبائه وأبنائه، ويصير الزوج الذي نزل له منه اللبن أبا للرضيعة، وفي أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لبن الفحل لا يحرم، لأن الحرمة بشبهة البعضية، واللبن بعضها لا بعضه. ولنا ما ورينا،   [البناية] لولده أن يتزوجها كما لا يجوز ذلك في النسب لما روينا، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» . م: (وذكر الأصلاب في النص) ش: هذا جواب عما يقال: إنه تعالى حرم حليلة الابن من الصلب، وحليلة الابن من الرضاع ينبغي أن لا تحرم، لأن هذا ليس من صلبه فأجاب بقوله: وذكر الأصلاب في النص، وهو قَوْله تَعَالَى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) م: (لإسقاط اعتبار التبني) ش: فإن حليلة الابن المتبنى كانت حرامًا في الجاهلية. فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون لإسقاط حليلته من الرضاع، أو لإسقاطهما جميعًا، وما وجه ترجيح جانب حليلة الابن المتبنى في الإسقاط. أجيب: بأن حرمة الحليلة من الرضاع ثابتة بالحديث المشهور، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يحرم من الرضاع» الحديث، فحملناه على حليلة الابن المتبنى، لئلا يلزم التدافع بين موجب الكتاب والسنة المشهورة. م: (على ما نبينه) ش: في فصل المحرمات م: (ولبن الفحل يتعلق به التحريم) ش: الإضافة في لبن الفحل من باب إضافة الشيء إلى سببه؛ لأن سبب اللبن هو الفحل، وقوله: يتعلق به التحريم قول عامة أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ومالك وأحمد - رحمهما الله تعالى -. وفي " المبسوط ": قال بعض العلماء - وهو داود، وابن علية -: لم يتعلق به التحريم، وهو أحد قولي الشافعي، ولكن ذكر في شرح " الوجيز ": ويتعلق بلبن الفحل التحريم عند عامة العلماء. وعن بعض الصحابة خلافه، واختاره أبو عبد الرحمن ابن بنت الشافعي، رواه عن الشافعي، لأن النص ذكر حرمة الرضاع في جانب النساء، ولأن الحرمة لا تثبت في حق الرجال بحقيقة فعل الإرضاع منه، حتى لو نزل له لبن، فأرضع به صبيًّا لا تثبت الحرمة، فلأن لا تثبت بإرضاع زوجته أولى، وفي شرح " الأقطع ": روي عن سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي. أن لبن الفحل لا يحرم. م: (وهو أن ترضع المرأة صبية، فتحرم هذه الصبية على زوجها، وعلى آبائه وأبنائه، ويصير الزوج الذي نزل لها منه اللبن أبًا للرضيعة، وفي أحد قولي الشافعي: لبن الفحل لا يحرم؛ لأن الحرمة لشبهة البعضية، واللبن بعضها لا بعضه، ولنا ما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 والحرمة بالنسب من الجانبين، فكذا بالرضاع، وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «ليلج عليك أفلح؛ فإنه عمك من الرضاعة»   [البناية] وفي رواية عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «يحرم من الرضاعة ما يحرم بالولادة» فقد ألحقه بالنسب. وأشار إلى وجه الاستدلال بالحديث المذكور بقوله: م: (والحرمة بالنسب) ش: تثبت م: (من الجانبين) ش: أي من جانبي الرجل والمرأة م: (فكذا بالرضاع) ش: أي فكذا بسبب الرضاع الحاصل بسبب الحرمة من الجانبين. فإن قيل: الحرمة هنا تثبت باللبن، واللبن منها لا منه، ولهذا يتحقق نزول اللبن من البكر. قلنا: اللبن منه أيضًا، لأن سببه الولادة، وهو الإحبال وهو نسبه، فتثبت الحرمة بينهما كما في النسب، ونزول اللبن بلا إصابة الفحل نادر، فلا عبرة به. م: (وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: ليلج عليك أفلح؛ فإنه عمك من الرضاعة) ش: الحديث رواه الأئمة الستة في كتبهم عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: «دخل عليّ أفلح بن أبي القعيس فاستترت منه، فقال: تستترين مني وأنا عمك، قلت: من أين؟، فقال: أرضعتك امرأة أخي، قالت: إنما أرضعتني المرأة، ولم يرضعني الرجل، فدخلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحدثته فقال: " إنه عمك، فليلج عليك» وجه الاستدلال به أن العم من الرضاع لا يكون إلا باعتبار لبن الفحل. وفي " المبسوط ": قوله: ليلج أمر للغائب من الولوج بالجيم، وهو الدخول، وأصله ليولج، لأنه من ولج يلج، ولو جاز فأصل يلج يولج، فحذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة، فحذفت فصار يلج، وكذا حذفت من سائر تصرفات هذه المادة وعليك بكسر الكاف؛ لأنه خطاب لعائشة أم المؤمنين - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، قوله: أفلح بالرفع فاعل فلح، وأفلح بفتح الهمزة وسكون الفاء وبالحاء المهملة على الرجل الذي هو ابن أبي القعيس كما هو المذكور في الحديث المذكور، وهذا في رواية لمسلم هكذا أفلح بن أبي القعيس، وهكذا في أكثر الروايات. وفي " الصحيحين " أيضًا والنسائي من طريق مالك «أن أفلح أخا أبي القعيس، جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة، وفي رواية لمسلم والنسائي قالت: استأذن عليّ عمي من الرضاعة أبو الجعد، فرددته» . قال هشام: إنما هو أبو القعيس، والصواب: أنه أفلح كنيته أبو الجعد، وهو أخو أبي القعيس، قال القرطبي في " المفهم " هو الصحيح، وما سوى ذلك وهم، ولا يعرف لأبي القعيس، ولا لأخيه أفلح ذكر إلا في هذا الحديث، ويقال: إنهما في الأشعريين. ووقع في رواية الترمذي هكذا عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: جاء عمي من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 ولأنه سبب لنزول اللبن منها فيضاف إليه في موضع الحرمة احتياطا، ويجوز أن يتزوج الرجل بأخت أخيه من الرضاع، لأنه يجوز أن يتزوج بأخت أخيه من النسب، وذلك مثل الأخ من الأب إذا كانت له أخت من أمه جاز لأخيه من أبيه أن يتزوجها، وكل صبيين اجتمعا   [البناية] الرضاعة يستأذن علي ... الحديث، هكذا وقع منهما من غير تعريف له باسم أو كنية، أو غيرهما. وقال شيخنا زين الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في تفسير رواية الترمذي: جاء عمي من الرضاعة، اختلف في كيفية ثبوت العمومة لأفلح هذا، فزعم بعضهم ممن رأي أن لبن الفحل لا يحرم بالنسبة إلى الفحل، والراجح أن أفلح هذا رضع مع أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فكان عمًّا لعائشة من الرضاعة، ولهذا أخطأ برده الأحاديث الصحيحة. والصواب أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - ارتضعت من امرأة أبي القعيس، وأفلح أخو أبي القعيس، فصار عمًّا من الرضاعة، كما ثبت مصرحًا به في الصحيحين من رواية عراك، عن عروة، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: «استأذن عليّ أفلح، أخو أبي القعيس» الحديث، وأطنب شيخنا الكلام في هذا الحديث. وذكر فيه فوائد، منها أنه قد يستدل بقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - ولم يرضعني الرجل على أنه لو كان للرجل لبن فأرضع أنه يحرم، وهو قول الكرابيسي من أصحاب الشافعي، والصحيح أنه لا يتعلق به حرمة، ولكن قد نص الشافعي في " البويطي " على أنه إذا نزل للرجل لبن فأرضعه صبية كره له نكاحها. م: (ولأنه) ش: أي لأن الزوج م: (سبب لنزول اللبن منها، فيضاف إليه في موضع الحرمة احتياطًا) ش: أي إلى الزوج لا يقال: إنه إضمار قبل الذكر، لأن الشهوة تقوم مقام الذكر كما في قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: 32] (ص: الآية 32) ، أي الشمس؛ لأن الموضع موضع الحرمة، فيجعل كأن البعضية حصلت بين الرضيع وبين الزوج. م: (ويجوز أن يتزوج الرجل بأخت أخيه من الرضاع؛ لأنه يجوز أن يتزوج بأخت أخيه من النسب، وذلك مثل الأخ من الأب إن كانت له أخت من أمه جاز لأخيه من أبيه أن يتزوجها) ش: أوضح الأترازي كلام المصنف بقوله: هذا مثل أن يرضع زيد من أم عمرو، فيجوز لعمرو أن يتزوج أخت زيد نسبًا، وإن كان زيد أخاه من الرضاع، كما في النسب، ذلك مثل الأخوين لأب، ولأحدهما أخت من أمه من غير أمها جاز للأخ الآخر أن يتزوج أخته، لأن هذه أجنبية في حق الأخ لأب، وعلى هذا أخت الأخت من الرضاع، وأخت الأخت من النسب، وكان ينبغي أن يقول: أخت أخيه، أو أخته من الرضاع، ويقول: أخت أخيه، وأخته من النسب، لكن اكتفى بذكر الأخ لظهور ذلك. م: (وكل صبيين) ش: أراد بهما الصبي والصبية بطريق التغليب، كما في العمرين لأبي بكر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 على ثدي واحد لم يجز لأحدهما أن يتزوج بالأخرى، هذا هو الأصل، لأن أمهما واحدة، فهما أخ وأخت، ولا تتزوج المرضعة أحدا من ولد التي أرضعت، لأنه أخوها، ولا ولد ولدها، لأنه ولد أخيها، ولا يتزوج الصبي المرضع أخت زوج المرضعة؛ لأنها عمته من الرضاع. وإذا اختلط اللبن بالماء، واللبن هو الغالب تعلق به التحريم، وإن غلب الماء لم يتعلق به التحريم، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] وعمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، فيغلب المذكر على المؤنث، والأخف على الأثقل م: (اجتمعا على ثدي واحد) ش: لآدمية كيفما كان م: (لم يجز لأحدهما أن يتزوج بالأخرى) ش: لأنهما أخ وأخت لأب وأم من الرضاعة، فلا يجوز كما في النسب، هذه المسالة من مسائل القدوري، ولفظ القدوري على ثدي واحد على كورة واحدة صفة لثدي، والمراد ثدي المرأة كما قدمنا. وفي بعض النسخ " وقع على ثدي واحدة "، بإضافة الثدي إلى واحدة، وبتأنيث الواحدة على تقدير امرأة واحدة، وهكذا شرحه الأترازي؛ لأن في نسخة " على ثدي واحدة، وكذا قال في " النهاية " على ثدي واحدة، كذا حتى لو اجتمعا على ضرع بهيمة واحدة لم يحرم أحدهما على الآخر، فكان هو بمنزلة طعام أكلاه من إناء واحد. م: (هذا هو الأصل) ش: أي اجتماع الصبيين على ثدي امرأة واحدة هو الأصل في باب الحرمة م: (لأن أمهما) ش: أي أم الصبيين م: (واحدة فهما) ش: أي الصبيان م: (أخ وأخت) ش: والأخت حرام على الأخ من النسب والرضاع جميعًا. [تتزوج المرضعة أحدًا من ولد التي أرضعت] م: (ولا تتزوج المرضعة أحدًا) ش: المرضعة بفتح الضاد، أي لا تتزوج الصبية المرضعة م: (من ولد التي أرضعت) ش: أي من ولد المرأة التي رضعت الصبية، وقال الكاكي: المرضعة بفتح الضاد، هكذا عن الثقات، وبصيغة الفاعل غير صحيح يعرف بالتأمل. وقال السغناقي: المرضعة بصيغة اسم المفعول، وبالرفع على الفاعلية، ونصب أحدًا على المفعولية، هذا هو الأصح من النسخ. وفي نسخة أخرى: ولا تتزوج المرضعة أحدًا من ولد التي أرضعت، بعكس الأولى في الفاعلية والمفعولية، وهذا أيضًا صحيح، فإن كلاهما بخط شيخي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. م: (لأنه أخوها) ش: أي لأن الأحد الذي ولد ولد التي أرضعتها م: (لأنه ولد أخيها) ش: كما في النسب م: (ولا يتزوج الصبي المرضع) ش: بفتح الضاد م: (أخت زوج المرضعة، لأنها عمته من الرضاع) ش: كما لا يجوز في النسب. م: (وإذا اختلط اللبن بالماء، واللبن هو الغالب) ش: أي والحال أن اللبن هو الغالب على الماء م: (تعلق به التحريم) ش: لأن الحكم للغالب م: (وإن غلب الماء لم يتعلق به التحريم، خلافًا للشافعي) ش: فإن عنده على الأصح يتعلق به التحريم إذا كان مقدار خمس رضعات من اللبن وبه قال أحمد، وكذا الخلط بالدواء، أو بلبن بهيمة، أو بكل مائع أو جامد، واعتبر مالك أن يكون اللبن مستهلكًا في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 هو يقول: إنه موجود فيه حقيقة، ونحن نقول: المغلوب غير موجود حكما، حتى لا يظهر بمقابلة الغالب، كما في اليمين، وإن اختلط بالطعام لم يتعلق به التحريم، وإن كان اللبن غالبا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: إذا كان اللبن غالبا يتعلق به التحريم. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قولهما فيما إذا لم تمسه النار حتى لو طبخ بها لا يتعلق به التحريم في قولهم جميعا.   [البناية] جميع ذلك، لعدم تعلق التحريم به. م: (هو يقول: إنه) ش: أي الشافعي يقول: إن اللبن م: (موجود فيه حقيقة) ش: غاية ما في الباب أن اللبن هالك، يعني لفوات منفعته بغلبة الماء، فدارت الحرمة بين الثبوت وعدمه، فتغلب الحرمة احتياطًا. م: (ونحن نقول: المغلوب غير موجود حكمًا، حيث لا يظهر لمقابلة الغالب، كما في اليمين) ش: بأن حلف لا يشرب اللبن، فشرب لبنًا مغلوبًا بماء لا يحنث. لكن للخصم أن يجيب عنه ويقول: إن الأيمان مبنية على العرف، فلا يحنث، لأنه في العرف لا يسمى المغلوب لبنًا، أما الحرمة فمبنية على وجود اللبن، ولكن الأولى أن نقول: إن الحرمة لا تتعلق بصورة الإرضاع، ووجود اللبن كما في " الكبير " بالإجماع، بل يتعلق باعتبار إنشاز العظم، وإنبات اللحم، والمغلوب لا يحصل الإنشاز والإنبات، لأنه لا يحصل التغذي به. فإن قيل: يشكل هذا بما لو وقعت قطرة دم، أو خمر في جب من ماء، حيث ينجسه، وإن كان الماء غالبًا حقيقة. قلنا: لما لم يكن الماء كثيرًا شرعًا بأن لم يكن عشرًا في عشر لم يكن غالبًا حكمًا، فتعارضتا فرجحنا حجة النجاسة احتياطيًا، كذا نقل عن العلامة حميد الدين الضرير. قال الكاكي: لكن سمعت شيخي العلامة مولانا عبد العزيز - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أن الرجحان الذاتي، إنما يكون راجحًا سابقًا على الرجحان الحالي، إذا لم يكن في الحادثة نص، وقد وجد النص هاهنا، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم» ... " الحديث. وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا بلغ الماء قلتين » الحديث، وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الماء طهور» ... " الحديث، فلا يعتبر الرجحان الذاتي؛ لأنه يثبت بالاجتهاد، ولا اختيار للاجتهاد في مقابلة النص. [اختلط لبن الرضاع بالطعام] م: (وإن اختلط بالطعام لم يتعلق به التحريم، وإن كان اللبن غالبًا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ش: كلمة إن واصلة بما قبله، وذكر في شرح " الطحاوي ": أن اللبن إذا كان غالبًا بحيث يتقاطر من الطعام، فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لا يكون رضاعًا، خلافًا لصاحبيه. م: (وقالا: إذا كان اللبن غالبًا يتعلق به التحريم. قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (قولهما) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد م: (فيما إذا لم تمسه النار) ش: أي فيما لم تمس اللبن النار م: (حتى لو طبخ فيها) ش: أي طبخ اللبن بالنار م: (لا يتعلق به التحريم في قولهم جميعًا) ش: لأنه لا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 لهما أن العبرة للغالب، كما في الماء إذا لم يغيره شيء في حاله. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الطعام أصل، واللبن تابع له في حق المقصود، فصار كالمغلوب، ولا معتبر بتقاطر اللبن من الطعام عنده هو الصحيح؛ لأن التغذي بالطعام إذ هو الأصل، وإن اختلط بالدواء واللبن غالب، تعلق به التحريم، لأن اللبن يبقى مقصودا فيه، إذ الدواء لتقويته على الوصول   [البناية] يتغير بالطبخ من غيره عن طعمه وصفته، وذكر خواهر زاده: أن على قول أبي حنيفة: إنما لا يثبت إذا أكل لقمة لقمة، أما إذا حشاه حشوًا يثبت به، وقيل: إذا وصل اللبن إلى حلقه معقودًا فلا خلاف فيه، وإذا تناول الثريد فلا خلاف فيه، وفي كتاب الرضاع للخصاف: إذا ثردت له خبزًا في لبنها حتى يشرب الخبز ذلك اللبن، أو لت به سويقًا فأطعمته إياه إن كان طعم اللبن يوجد، فهذا رضاع، وذكر صاحب " الأجناس " أنه قولهما. وفي " الرافعي ": ولو ثردت في اللبن طعامًا، أو عجنت به دقيقًا وخبزت تعلق به الحرمة. وفي العجن: والخبز وجه عن القاضي حسين. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن العبرة للغالب، كما في الماء) ش: أي كما إذا خلط بالماء اللبن، وهو الغالب م: (إذا لم يغيره شيء عن حاله) ش: يعني إذا لم يغير اللبن شيئًا عن حاله بالطبخ، كما إذا خلط لبن المرأة بالماء، واللبن هو الغالب. م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة م: (أن الطعام أصل، واللبن تابع له في حق المقصود) ش: وهو الأكل بالوصول إلى المعدة، ولهذا يؤكل ولا يشرب، وغير المائع يستتبع المائع م: (فصار) ش: أي اللبن م: (كالمغلوب) ش: فيه نظر، لأن المغلوب غير موجود حكمًا، أما ما لم يكن مغلوبًا ويكون كالمغلوب، فلا نسلم أنه ليس بموجود. والجواب: أن هذه مناقشة لفظية تندفع يجعل الكاف زائدة. م: (ولا معتبر بتقاطر اللبن من الطعام عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (هو الصحيح، لأن التغذي بالطعام إذ هو الأصل) ش: قيد بالصحيح احترازًا عما قيل: إن الرضاع إنما لا يثبت بالطعام إذا لم يتقاطر اللبن عند حمل اللقمة، أما إذا تقاطر منه اللبن يثبت به التحريم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، لأن القطرة من اللبن إذا دخلت حلق الصبي كافية لإثبات الحرمة، والصحيح عدم ثبوت الحرمة بكل حال، وعلله المصنف بقوله: لأن التغذي بالطعام إذ هو الأصل، لأن الأصل في الباب التغذي، فيكون اللبن تابعًا له في حق المقصود. م: (وإن اختلط) ش: أي اللبن م: (بالدواء واللبن غالب) ش: أي والحال أن اللبن هو الغالب م: (تعلق به التحريم؛ لأن اللبن يبقى مقصودًا فيه، إذ الدواء لتقويته) ش: أي لتقوية اللبن م: (على الوصول) ش: أي ما لا يصل بانفراده. فإن قلت: إذا كان الدواء لتقويته على الوصول وجب أن يستوي الغالب والمغلوب؛ لأن وصول قطرة منه يحرم. قلت: النظر هاهنا إلى المقصود، فإذا كان غالبًا كان القصد إلى التغذي به، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 وإذا اختلط اللبن بلبن الشاة، وهو الغالب تعلق به التحريم، وإن غلب لبن الشاة لم يتعلق به التحريم اعتبارا للغالب، كما في الماء، وإذا اختلط لبن امرأتين تعلق التحريم بأغلبهما عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الكل صار شيئا واحدا، فيجعل الأقل تابعا للأكثر في بناء الحكم عليه. وقال محمد وزفر - رحمهما الله -: يتعلق التحريم بهما، لأن الجنس لا يغلب الجنس، فإن الشيء لا يصير مستهلكا في جنسه وإنما يصير مستهلكا في غير جنسه لاتحاد المقصود. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذا روايتان، وأصل المسألة في الأيمان، وإذا نزل للبكر لبن فأرضعت صبيّا تعلق به التحريم لإطلاق النص   [البناية] والدواء لتقويته على الوصول، وإن كان مغلوبًا على القصد إلى التداوي واللبن لتقوية الدواء، يشير إلى هذا بقوله: وإذا خلط، دون اختلط، وقوله: لأن اللبن يبقى مقصودًا. م: (وإذا اختلط اللبن بلبن شاة، وهو الغالب) ش: أي إذا اختلط لبن المرأة بلبن شاة، ولبن المرأة غالب م: (يتعلق به التحريم، باعتبار الغالب، كما في الماء) ش: أي كما إذا اختلط بالماء، حيث يعتبر الغلبة. [إذا اختلط لبن امرأتين تعلق التحريم بأغلبهما] م: (وإذا اختلط لبن امرأتين تعلق التحريم بأغلبهما عند أبي يوسف؛ لأن الكل صار شيئًا واحدًا، فيجعل الأقل تابعًا للأكثر في بناء الحكم عليه) ش: وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة. م: (وقال زفر ومحمد: يتعلق التحريم بهما) ش: أي يتعلق التحريم بالمرأتين م: (لأن الجنس لا يغلب الجنس، فإن الشيء لا يصير مستهلكًا في جنسه، وإنما يصير مستهلكًا في غير جنسه لاتحاد المقصود) ش: أي لاتحاد مقصودهم، فلا ينتفي القليل، ويتعلق به التحريم م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في هذا روايتان) ش: في رواية، كما قال أبو يوسف، وبه قال الشافعي في قول. وفي رواية كما قال محمد، وهو قول زفر والشافعي في قول. وفي " الغاية ": وقول محمد أظهر وأحوط فيه، وفي " الرافعي ": اختلط لبن امرأتين، وغلب أحدهما، فإن علقنا الحرمة بالمغلوب تثبت الحرمة منهما، وإلا اختصت بالتي غلب لبنها. م: (وأصل المسألة في الإيمان) ش: أي فيما إذا حلف أن لا يشرب من لبن هذه البقرة وانخلط لبنها بلبن بقرة أخرى فشربه، فهو على الخلاف المذكور، فعند محمد يحنث، لأن الجنس لا يغلب على الجنس، وعندهما: لا يحنث. [نزل للبكر لبن فأرضعت صبيا] م: (وإذا نزل للبكر لبن فأرضعت صبيًّا تعلق به التحريم لإطلاق النص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) ، مطلق لا فصل فيه بين البكر والثيب، وهذا الاختلاف فيه للأئمة الأربعة. عن الشافعي وجه أنه لا يتعلق به التحريم، وبه قال أحمد في رواية، لأنه قادر، فأشبه لبن الرجل، ولكن نص الشافعي أنه يتعلق به التحريم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 ولأنه سبب للنشوء فتثبت به شبهة البعضية. وإذا حلب لبن المرأة بعد موتها فأوجر به الصبي تعلق به التحريم، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، هو يقول: الأصل في ثبوت الحرمة، إنما هو المرأة، ثم تعدى إلى غيرها بواسطتها، وبالموت لم تبق محلّا لها، ولهذا لا يوجب وطئها حرمة المصاهرة. ولنا أن السبب هو شبهة الجزئية، وذلك في اللبن، لمعنى الإنشاز والإنبات، وهو قائم باللبن، وهذه الحرمة تظهر في حق الميتة دفنا وتيمما. أما الحرمة في الوطء لكونه ملاقيا لمحل الحرث، وقد زال بالموت فافترقا،   [البناية] وفي " المغني ": نزل للبكر لبن من غير وطء فأرضعت به طفلًا، ثبت به الحرمة، وبه قال مالك، والثوري، والشافعي، وأصح الروايتين عن ابن حنبل. وقال أبو بكر بن المنذر: وهذا قول كل من يحفظ عنه. م: (ولأنه) ش: أي ولأن لبن البكر م: (سبب للنشوء، فتثبت به شبهة البعضية) ش: ويتعلق به الحرمة للاحتياط. م: (وإذا حلب لبن المرأة بعد موتها، فأوجر به الصبي) ش: على صيغة المجهول من الوجر، وهو الدواء الذي يصب في وسط الفم، يقال: أوجرته الدواء وجرة، واحد المفعولين وأوجر الصبي، قام مقام الفاعل، والآخر هو الصبي، أي أوجر لبن المرأة الصبي، ويجوز أن يرفع الصبي بالفعل على ترك المفعول الآخر وهو اللبن، أي أوجر الصبي اللبن. م: (تعلق به التحريم خلافًا للشافعي، هو) ش: أي الشافعي م: (يقول: الأصل في ثبوت الحرمة) ش: أي حرمة الرضاع م: (إنما هو المرأة ثم يتعدى إلى غيرها بواسطتها، وبالموت لم يبق محلًّا لها) ش: أي للحرمة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عدم المحل بالموت م: (لا يوجب وطئها) ش: أي وطء الميتة م: (حرمة المصاهرة) ش: وقيد بقوله: بعد موتها؛ لأنه لو حلب قبل الموت لا يتأتى خلاف الشافعي، فإن عنده على الأظهر يتعلق به التحريم كمذهبنا، وبقولنا قال مالك وأحمد. م: (ولنا أن السبب) ش: أي سبب الحرمة م: (هو شبهة الجزئية) ش: بسبب الرضاع م: (وذلك) ش: أي السبب، وهو شبهة الجزئية م: (في اللبن) ش: أي حاصل في رضاع اللبن م: (لمعنى الإنشاز والإنبات، وهو) ش: أي المعنى المذكور م: (قائم باللبن، وهذه الحرمة) ش: جواب عما قال الخصم: إنها بالموت لم تبق محلًّا:، بيانه أن الحرمة بسبب الرضاع م: (تظهر في حق الميتة دفنًا) ش: أي من حيث جواز الدفن م: (وتيممًا) ش: أي من حيث جواز التيمم، وهو مصدر من يمم، يقال: يممت المريض، فتيمم إذا مسحت وجهه ويديه، ويقال أيضًا: يممت الميت، وصورته: كانت الصغيرة المرضعة ذات زوج، فزوجها يصير محرمًا للميتة، لأن الميتة أم امرأته، فيجوز له دفنها وتيممها. م: (أما الحرمة في الوطء) ش: جواب عن قوله: ولهذا لا يوجب حرمة المصاهرة بالوطء إنما تثبت م: (لكونه) ش: أي لكون الوطء م: (ملاقيًا لمحل الحرث) ش: لتثبت به الجزئية م: (وقد زال) ش: أي محل الحرث م: (بالموت فافترقا) ش: أي الرضاع والوطء يعني لا يقاس ذلك على هذا بعد الموت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 وإذا احتقن الصبي باللبن لم يتعلق به التحريم. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يثبت به الحرمة، كما يفسد به الصوم، ووجه الفرق على الظاهر أن المفسد في الصوم إصلاح البدن، ويوجد ذلك في الدواء، فأما المحرم في الرضاع معنى النشر، ولا يوجد ذلك في الاحتقان، لأن المغذي وصوله من الأعلى، وإذا نزل للرجل لبن فأرضع صبيا لم يتعلق به التحريم، لأنه ليس بلبن على التحقيق، فلا يتعلق به النشوء والنمو، وهذا لأن اللبن إنما يتصور ممن يتصور منه الولادة.   [البناية] لوجود الفارق. [احتقن الصبي باللبن] م: (وإذا احتقن الصبي باللبن) ش: من الحقنة، وهو دواء يجعل في خريطة من أدم يقال لها المحقنة، ويعطى المريض من أسفله، وهي معروفة بين الناس، وفي " المغرب ": احتقن بالضم غير جائز، وإنما الصواب: حقن أو عولج بالحقنة م: (لم يتعلق به التحريم) ش: أي لم يتعلق بالاحتقان التحريم، هذا هو ظاهر الرواية عن أصحابنا، ولهذا لم يذكر الخلاف في " الجامع الصغير "، وقد ذكر الكرخي المسألة، ولم يحك الخلاف، وكذا لا يتعلق التحريم بالإقطار في الإحليل، والأذن، والجائفة، وبه قال الشافعي في الجديد، ومالك، وأحمد. م: (وعن محمد أنه يثبت به الحرمة، كما يفسد به الصوم) ش: وبه قال الشافعي في القديم، وهو اختيار المزني، وكذا قال الشافعي في قوله القديم في الإقطار في الإحليل، وفي الأذن، وفي الجائفة إذا وصل إلى الجوف، والضمير في " أنه "، وفي " به " في الموضعين يرجع إلى الاحتقان الذي يدل عليه قوله: احتقن. م: (ووجه الفرق على الظاهر) ش: أي على ظاهر الرواية عن أصحابنا م: (أن المفسد في الصوم إصلاح البدن، ويوجد ذلك) ش أي إصلاح البدن م: (في الدواء، وأما المحرم) ش: بكسر الراء المشددة م: (في الرضاع معنى النشر، ولا يوجد ذلك في الاحتقان؛ لأن المغذى) ش: بضم الميم وفتح الغين المعجمة والذال المشددة اسم فاعل من الغذاء م: (وصوله من الأعلى) ش: أي من أعلى البدن، يعني إلى الأعضاء العليا، وبالحقنة يصل اللبن إلى الأعضاء السفلى، لا إلى العليا، فلا يحصل معنى الغذاء، فلا يثبت التحريم بخلاف الصوم، فإن المفسد فيه وصول ما فيه إصلاح البدن إلى الجوف، وقد حصل هذا المعنى في الحقنة، فيفسد الصوم. م: (وإذا نزل للرجل لبن، فأرضع به صبيًا لم يتعلق به التحريم) ش: ولا خلاف للأئمة الأربعة فيه وعن الكرابيسي من أصحاب الشافعي: أنه يثبت به التحريم، وقد ذكرناه مرة م: (لأنه) ش: أي لأن لبن الرجل م: (ليس بلبن على التحقيق) ش: كدم السمك ليس بدم على التحقيق، فصار كما لو نزل من ثدي البكر ماء أصفر، فلا يتعلق به شيء. وفي " المغني ": ولبن الخنثى كلبن الرجل م: (فلا يتعلق به النشوء والنمو، وهذا) ش: إشارة إلى قوله: لأنه ليس بلبن، أي على التحقيق م: (لأن اللبن إنما يتصور ممن يتصور منه الولادة) ش: فالرجل لا يتصور منه الولادة، فلا يتعلق به التحريم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 وإذا شرب صبيان من لبن شاة لم يتعلق به التحريم؛ لأنه لا جزئية بين الآدمي والبهائم، والحرمة باعتبارها. وإذا تزوج الرجل صغيرة وكبيرة، فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمتا على الزوج؛ لأنه يصير جامعا بين الأم والبنت رضاعا، وذلك حرام، كالجمع بينهما نسبا، ثم إذا لم يدخل بالكبيرة فلا مهر لها، لأن الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول بها، وللصغيرة نصف المهر، لأن الفرقة وقعت لا من جهتها والارتضاع، وإن كان فعلا منها   [البناية] [شرب صبيان من لبن شاة] م: (وإذا شرب صبيان من لبن شاة لم يتعلق به التحريم؛ لأن لا جزئية بين الآدمي والبهائم، والحرمة باعتبارها) ش: أي باعتبار الجزئية. م: (وإذا تزوج الرجل صغيرة، وكبيرة، فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمتا على الزوج) ش: فيفسخ النكاح، وبه قال الشافعي وأحمد، وحكي عن مالك أنه إذا لم يدخل بالكبيرة بطل نكاحها، ويثبت نكاح الصغيرة؛ لأن الفرقة جاءت منها، وببطلان نكاحها لم يبق الجمع، وعن الأوزاعي أنه إذا لم يدخل بالكبيرة يثبت نكاحها، ويبطل نكاح الصغيرة م: (لأنه يصير جامعًا بين الأم والبنت رضاعًا) ش: أي من حيث الرضاع م: (وذلك) ش: أي الجمع بين الأم والبنت م: (حرام كالجمع بينهما) ش: أي بين الأم والبنت م: (نسبًا) ش: أي من حيث النسب. م: (ثم إذا لم يدخل بالكبيرة فلا مهر لها) ش: أي للكبيرة، سواء قصدت الفساد أو لا، وجاز أن يتزوج الصغيرة مرة أخرى؛ لأنها ربيبة ولم يدخل بأمها، ولا يتزوج الكبيرة؛ لأنها أم امرأته م: (لأن الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول بها، وللصغيرة نصف المهر؛ لأن الفرقة وقعت لا من جهتها) . فإن قيل: يشكل بمسألة الصغيرة ارتد أبوها ولحقا بدار الحرب بانت، ولا يقضي لها بشيء من المهر، ولم يوجد الفعل منها. قلنا: لما حكمنا بارتدادها تبعًا لهما صارت في الحكم كأنها ارتدت، والردة بحظور الإباحة لها محال، فلا تبقى مستحقة النظر، فلا يحل نصف المهر، أما الارتضاع لا حاصر له، فلا يسقط المهر. فإن قيل: يشكل بقتل الرجل امرأة رجل قبل الدخول، فإنه يقضى على الزوج بالمهر، ولا يرجع على القاتل بشيء، مع أن القتل محظور. قلنا: وجب بالقتل قصاص أو دية، وللزوج نصيب فيما هو الواجب بالقتل، فلا يتضاعف حقه بالتضمين. أما الزوج فيما نحن فيه لا نصيب له في شيء، فيضمن من أتلف نصف المهر، كذا في " الفوائد الظهيرية ". م: (والارتضاع) ش: جواب عما يقال: العلة للفرقة الارتضاع، وهي فعلها، فلا تضاف الفرقة إليها. وأجاب بقوله: والارتضاع أي ارتضاع الصغيرة م: (وإن كان فعلًا منها) ش: أي من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 275 لكن فعلها غير معتبر في إسقاط حقها، كما إذا قتلت مورثها ويرجع به الزوج على الكبيرة إن كانت تعمدت به الفساد، وإن لم تتعمد فلا شيء عليها، وإن علمت بأن الصغيرة امرأته، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يرجع في الوجهين، والصحيح ظاهر الرواية؛ لأنها وإن أكدت ما كان على شرف السقوط وهو نصف المهر، وذلك يجري مجرى الإتلاف، لكنها مسببة فيه   [البناية] الصغيرة م: (لكن فعلها غير معتبر) ش: شرعًا م: (في إسقاط حقها كما إذا قتلت مورثها) ش: لم تحرم من الميراث بلا خلاف م: (ويرجع به) ش: أي ينصف المهر م: (الزوج على الكبيرة إن كانت تعمدت به الفساد، وإن لم تتعمد) ش: بأن قصدت دفع الهلاك عنها جوعًا. م: (فلا شيء عليها، وإن علمت بأن الصغيرة امرأته) ش: أي امرأة زوجها. وفي " المبسوط ": يعتبر تعمد الفساد بأن قصده مع العلم بأن الرضاع يحرمها على الزوج في الشرع، فلو لم تعلم ذلك أخطأت، أو لم تعلم النكاح، أو لم تعلم بأن الرضاع يفسد النكاح، أو أرادت الخير بأن خافت على الرضيع الهلاك من الجوع لا يرجع به عليها، والقول فيه قولها، إن لم يظهر منها تعمد الفساد، ولأنه شيء في باطنها، لا يقف عليه غيرها، فيقبل قولها باليمين. فإن قيل: يشكل هذا بصغيرتين تحت رجل، ولرجل آخر امرأتان، فأرضعت كل واحدة منهما الصغيرتين، حتى بانتا على الزوج، ولم يغرما شيئًا وإن تعمدت الفساد. قلنا: فعل الكبيرة فيما نحن فيه مستقل بالإفساد، وأما فعل كل واحدة من الكبيرتين هناك غير مستقل بالإفساد، فلا تضاف الفرقة إلى كل واحدة، لأن الفساد باعتبار الجمع بين الأختين والأجنبية قائمة بهما، فلا تعدو إلى المرأتين، فلا يعتبر تعديها، وهنا باعتبار الجمع بين الأم والبنت، والأمية قائمة بالمرضعة، يعتبر تعديها لأنها مخاطبة. م: (وعن محمد أنه) ش: أي أن الزوج م: (يرجع في الوجهين) ش: أي فيما إذا تعمدت الفساد، أو لم تتعمد، وبه قال زفر، والشافعي، وأحمد م: (والصحيح ظاهر الرواية، لأنها) ش: أي الكبيرة م: (وإن أكدت) ش: أي الكبيرة م: (ما كان على شرف السقوط، وهو نصف المهر) ش: كتقبيل ابن الزوج إذا بلغت حدًّا تشتهي م: (وذلك) ش: أي تأكيد ما كان على شرف السقوط م: (يجري مجرى الإتلاف) ش: في إيجاب الضمان م: (لكنها) ش: أي لكن الكبيرة م: (مسببة فيه) ش: أي في الإتلاف غير مباشرة. قال الأترازي: ما كان يحتاج صاحب " الهداية " إلى أن يقول بكلمة الاستدراك بين اسم إن وخبرها، لأنه لا يصح أن يقال: إن زيدًا لكنه منطلق، وهذا لأن قوله: مسببة يقع خبر إن في قوله: لأنها، وإن أكدت ما كان على شرف السقوط، إما لأن الإرضاع هذا وقع بيانًا لكون الكبيرة مسببة، أي صاحبة سبب، لا علة، يعني أن الكبيرة لما كانت مسببة لأحد المعنيين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 إما لأن الإرضاع ليس بإفساد النكاح وضعا، وإنما يثبت ذلك باتفاق الحال، أو لأن فساد النكاح ليس بسبب لإلزام المهر، بل هو سبب لسقوطه، لأن نصف المهر يجب بطريق المتعة على ما عرف، لكن من شرطه إبطال النكاح، وإذا كانت مسببة يشترط فيه التعدي كحفر البئر، ثم إنما تكون متعدية إذا علمت بالنكاح، وقصدت بالإرضاع الفساد، أما إذا لم تعلم بالنكاح، أو علمت بالنكاح، ولكنها قصدت دفع الجوع والهلاك عن الصغيرة دون الإفساد لا تكون متعدية؛ لأنها مأمورة بذلك، ولو علمت بالنكاح، ولم تعلم بالفساد لا تكون متعدية أيضا، وهذا هاهنا اعتبار الجهل دفع قصد الفساد لا لدفع الحكم.   [البناية] م: (إما أن الإرضاع ليس بإفساد النكاح وضعًا) ش: لأن وضعه لتربية الصغير م: (وإنما يثبت ذلك) ش: أي إنما يثبت فساد النكاح بالإرضاع م: (باتفاق الحال) ش: بأن تقع الكبيرة والصغيرة اتفاقًا في ملك رجل واحد، لا قصدًا في ذلك. م: (وقوله: أو لأن إفساد النكاح) ش: عطف على قوله: إما لأن الإرضاع ليس بإفساد النكاح، وهو القسم الثاني، لا من التفصيلية م: (ليس بسبب لإلزام المهر) ش: لأنه غير مضمون بالإتلاف، لكنه غير متقوم في نفسه؛ لأنه ليس بملك عين، ولا منفعة على التحقيق، ولهذا لا يقدر على بيعه وهبته وإجارته م: (بل هو سبب لسقوطه) ش: أي لسقوط المهر م: (لأن نصف المهر) ش: جواب سؤال مقدر، بأن يقال: كيف قلت: إن فساد النكاح ليس بسبب لإلزام المهر، ويجب على الزوج نصف مهر الصغيرة؟ فأجاب بقوله: لأن نصف المهر م: (يجب بطريق المتعة على ما عرف) ش: في باب المهر أن المتعة تجب بالمهر ابتداء، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] لأن المعقود عليه عاد إليها سالمًا م: (لكن من شرطه) ش: أي من شرط وجوب المتعة م: (إبطال النكاح) ش: فكانت مباحة لا بشرط. [علمت المرضعة بالنكاح وقصدت بالإرضاع الإفساد] م: (وإذا كانت) ش: أي الكبيرة م: (مسببة يشترط فيه التعدي كحفر البئر) ش: فإنه له حفرها في ملكه لا يضمن ما وقع فيها. ولو حفرها في الطريق، أو في ملك غيره يضمن ما وقع فيها م: (ثم إنما تكون متعدية إذا علمت بالنكاح، وقصدت بالإرضاع الإفساد، أما إذا لم تعلم بالنكاح، أو علمت بالنكاح، لكنها قصدت دفع الجوع والهلاك عن الصغيرة، دون الإفساد لم تكن متعدية، لأنها مأمورة بذلك) ش: لأنه يكون حينئذ فرضًا عليها، وتكون مأجورة بالإرضاع لدفع الهلاك. م: (ولو علمت بالنكاح ولم تعلم بالفساد، لا تكون متعدية أيضًا) ش: والقول قولها كما ذكرناه م: (وهذا) ش: أي القول بأن علمها بالنكاح، وبفساده بالإرضاع م: (هاهنا اعتبار الجهل) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر، بأن يقال: كيف يكون جهل الكبيرة بفساد النكاح بالإرضاع عذرًا، والجهل ليس بعذر في دار الإسلام؟. فأجاب بقوله: وهذا اعتبار الجهل م: (لدفع قصد الفساد) ش: الذي يصير به الفعل تعديًا م: (لا لدفع الحكم) ش: وهو وجوب الضمان، تقديره أن الحكم الشرعي، وهو وجوب الضمان يعتمد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 ولا تقبل في الرضاع شهادة النساء منفردات، وإنما يثبت بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتين. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يثبت بشهادة امرأة واحدة إذا كانت موصوفة بالعدالة؛ لأن الحرمة حق من حقوق الشرع، فيثبت بخبر الواحد، كمن اشترى لحما فأخبره واحد أنه ذبيحة المجوسي.   [البناية] التعدي، والتعدي إنما يحصل بقصد الفساد، والقصد إلى الفساد إنما يتحقق عند العلم بالفساد، وإذا انتفى العلم بالفساد انتفى الفساد، فكان اعتبار الجهل لدفع قصد الفساد، لا لدفع الحكم. فإن قلت: قصد الفساد يستلزم دفع الحكم، فكان اعتبار الجهل لدفع الحكم. قلت: لزم أن يكون ضمانًا ضمنًا، فلا يعتبر به. [شهادة النساء المنفردات في الرضاع] م: (ولا تقبل في الرضاع شهادة النساء المنفردات) ش: يعني وحدهن. وقال الشافعي: تقبل شهادة أربع منهن، وهو قول عطاء، وفي " الغاية ": وقال الشافعي: يثبت بشهادة أربع من النساء، ورجل وامرأتين، وتقبل بشهادة مرضعة إن لم تطلب، أجرة ولا ذكرت هاهنا، وكذا إذا قالت أرضعته في الأصح، ذكره النووي في " المنهاج "، وفي " الرافعي ": يثبت الرضاع بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتين، وكذا بشهادة أربع نسوة، ولا يثبت بما دون أربع نسوة، وقبل أحمد شهادة المرضعة. وفي " المغني ": شهادة الواحدة مقبولة في الرضاع عند أحمد، وهو قول طاوس والزهري والأوزاعي وابن أبي ذئب وسعيد بن عبد العزيز، وعنه شهادة امرأتين، وعنه شهادة امرأة واحدة وتستحلف مع شهادتها وتفارق، وإن كانت كاذبة لم يحل عليها حول حتى تبيض ثدياها بالبرص، وفي الوبري قال الشافعي: يفرق شهادة امرأة واحدة. وقال مالك: تثبت بقول شاهدين، ويمنع من النكاح ابتداء، ويفرق بينهما لو كانت تناكحا. م: (وإنما يثبت) ش: أي الرضاع م: (بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتين) ش: وهو مذهب عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ذكره في " المغني "، وفي " المحيط ": هو قول عمر، وعلي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. م: (وقال مالك: يثبت بشهادة امرأة واحدة إذا كانت موصوفة بالعدالة، لأن الحرمة حق من حقوق الشرع، فيثبت بخبر الواحد، كمن اشترى لحمًا فأخبره واحد أنه ذبيحة المجوسي) ش: فإنه ينبغي للمسلم أن لا يأكل منه، ولا يطعم غيره، لأن المخبر خبره بحرمة العين، وبطلان الملك، فتعينت الحرمة مع بقاء الملك، ثم لما تثبت الحرمة مع بقاء الملك لا يمكنه الرد على بائعة، ولا أن يحبس الثمن على بائعه. قلت: هذا الذي ذكره أنه مذهب مالك ليس بمذهب مالك، وإنما هو مذهب أحمد، ومذهب مالك ما ذكرناه الآن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 278 ولنا أن ثبوت الحرمة لا تقبل الفصل عن زوال الملك في باب النكاح، وإبطال الملك لا يثبت إلا بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتين، بخلاف اللحم؛ لأن حرمة التناول ينفك عن زوال الملك، فاعتبر أمرا دينيّا والله أعلم.   [البناية] م: (ولنا أن ثبوت الحرمة لا تقبل الفصل) ش: هكذا شأن الحرمة المؤبدة؛ فإنها لا تقبل الفصل م: (عن زوال الملك في باب النكاح) ش: يعني إذا ثبت حرمة الرضاع يزول ملك النكاح لا محالة، لأن حرمة النكاح مع ملك النكاح لا يجتمعان، فيلزم من إثبات حرمة الرضاع إبطال ملك النكاح م: (وإبطال الملك لا يثبت إلا بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتين، بخلاف اللحم؛ فإن حرمة التناول تنفك عن زوال الملك) ش: لأن الحرمة مع ملك اليمين يجتمعان، كما في الخمر م: (فاعتبر) ش: ذلك م: (أمرًا دينيًّا) ش: فيقبل فيه خبر الواحد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 كتاب الطلاق   [البناية] [كتاب الطلاق] [باب طلاق السنة] [الطلاق الحسن والأحسن] م: (كتاب الطلاق) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الطلاق، وفي " المغرب ": الطلاق مصدر بمعنى التطليق كالسلام بمعنى التسليم، والكلام بمعنى التكليم، وهو مصدر طلقت زوجته بالفتح والضم. وقال الأخفش: لا يقال بالضم، وامرأة طالق، وجاء طالقة، والطلق وجع الولادة، من طلقت بضم الطاء فهي مطلوقة، إذا أخذها الطلق والوجع؛ طلق اللسان وطليقة، والطليق الأسير إذا أطلق، وطلق امرأته تطليقًا وطلقت هي طلاقًا. ورجل طلاق وطلقة، أي كثير الطلاق للنساء. والطلاق لغة: رفع القيد، وشرعًا رفع قيد النكاح من أهله في محله. وقيل الطلاق: عبارة عن حكم شرعي يرفع القيد للنكاح بألفاظ مخصوصة، وسببه الحاجة المحوجة إليه. وشرطه كون المطلق عاقلًا بالغًا، والمرأة في النكاح أو في العدة التي يحصل بها محلًا للطلاق، وحكمه زوال الملك عن المحل، وأقسامه ما ذكر في الكتاب. وإيقاع الطلاق مباح وإن كان متبغضًا في الأصل عند عامة العلماء، ومنهم من يقول لا يباح إيقاعه للضرورة، وذلك إما كبر السن أو الربيبة، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لعن الله كل ذواق مطلاق» وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما امرأة اختلعت من زوجها من غير نشوز فعليها لعنة الملائكة والناس أجمعين» . وروى الترمذي من حديث ثوبان أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما امرأة سألت زوجها من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة» ، وقال: حديث حسن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 280 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وروى أيضًا عن ثوبان عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المختلعات هن المنافقات» . المناسبة بين كتاب النكاح وكتاب الطلاق ظاهرة لأن النكاح قيد شرعي، والطلاق رفعه، والمناسبة الخاصة بينه وبين الرضاع أن كلًّا منهما محرم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 باب طلاق السنة قال: الطلاق على ثلاثة أوجه: حسن، وأحسن، وبدعي، فالأحسن أن يطلق الرجل امرأته تطليقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، ويتركها حتى تنقضي عدتها لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا يستحبون أن لا يزيدوا في الطلاق على واحدة حتى تنقضي العدة، وأن هذا أفضل عندهم من أن يطلق الرجل ثلاثا عند كل طهر واحدة، ولأنه أبعد من الندامة، وأقل ضررا بالمرأة ولا خلاف لأحد في الكراهة.   [البناية] م: (باب طلاق السنة) ش: أي هذا باب في بيان طلاق السنة، وفي " المبسوط " الطلاق نوعان: سني وبدعي، والسني نوعان: سني من حيث العدد، وسني من حيث الوقت. والبدعي نوعان: بدعي يعود إلى العدد، وبدعي بمعنى يعود إلى الوقت، والسني من حيث العدد نوعان: حسن وأحسن، أما المصنف ذكر كله مفرقًا على ما تقف عليه. م: (قال: الطلاق على ثلاثة أوجه: حسن وأحسن وبدعي، فالأحسن أن يطلق الرجل امرأته تطليقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، ويتركها حتى تنقضي عدتها، لأن الصحابة، - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كانوا يستحبون أن لا يزيدوا في الطلاق على واحدة حتى تنقضي العدة) ش: أخرج هذا ابن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا وكيع عن سفيان عن مغيرة عن إبراهيم النخعي، قال: كانوا يستحبون أن يطلقها واحدة ثم يتركها حتى تحيض ثلاث حيض. م: (وأن هذا) ش: أي الاقتصار على تطليقة واحدة م: (أفضل عندهم) ش: أي عند الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - م: (من أن يطلق الرجل ثلاثًا عند كل طهر واحدة) ش: أي طلقة واحدة م: (ولأنه) ش: أي ولأن إيقاع الواحدة م: (أبعد من الندامة) ش: حيث أبقى لنفسه ممكنة التدارك، بأن يراجعها في العدة، وبعدها بتجديد النكاح من غير تزوج آخر وإبقاء ممكنة التدارك مندوب إلى الله تعالى: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] (الطلاق: الآية 1) . م: (وأقل ضررًا بالمرأة) ش: حيث لم تبطل محليتها نظرًا إليه، لأن اتساع المحلية نعمة في حقهن، فلا يتكامل ضرر الإيحاش. م: (ولا خلاف لأحد في الكراهة) ش: أي لا خلاف في عدم الكراهة، يعني لم يقل أحد بكراهة إيقاع الواحد، بخلاف الحسن، فإن فيه خلاف فيكون هذا حسن. قلت: هكذا فسر الشراح كلهم هذا اللفظ، وظاهره يقتضي خلافه على ما لا يخفى على المتأمل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 282 والحسن هو طلاق السنة، وهو أن يطلق المدخول بها ثلاثا في ثلاثة أطهار. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنه بدعة ولا يباح إلا واحدة، لأن الأصل في الطلاق هو الحظر والإباحة لحاجة الخلاص، وقد اندفعت بالواحدة. ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «إن من السنة أن تستقبل الطهر استقبالا فتطلقها لكل قرء تطليقة»   [البناية] م: (والحسن هو طلاق السنة وهو أن يطلق المدخول بها ثلاثًا في ثلاثة أطهار. وقال مالك: إنه بدعة) ش: أي أن الطلاق المفرق على ثلاثة أطهار في المدخول بها بدعة. وفي " المغرب ": البدعة اسم من ابتداع الأمر إذا ابتدأه وأحدثه، ثم غلب على ما هو زيادة في الدين ونقصان منه. وقيل البدعة: إحداث أمر لم يكن من عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (ولا يباح إلا واحدة) ش: أي طلقة واحدة م: (لأن الأصل في الطلاق هو الحظر) ش: أي المنع، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تزوجوا ولا تطلقوا» رواه أبو داود. م: (والإباحة) ش: أي إباحة الطلاق م: (لحاجة) ش: الناس إلى م: (الخلاص وقد اندفعت) ش: أي الحاجة م: (بالواحدة) ش: أن بالطلقة الواحدة فلا يباح غيرها. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (وفي حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «إن من السنة أن تستقبل الطهر استقبالًا فتطلقها لكل قرء تطليقة» ش: هذا الحديث رواه الدارقطني في سننه من حديث يعلى بن منصور، حدثنا شعيب بن زريق عن عطاء الخراساني حدثهم عن الحسن قال: «حدثنا عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض، ثم أراد أن يتبعها طلقتين أخرتين عند القرأين فبلغ ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله، قد أخطأت، السنة، والسنة أن تستقبل الطهر وتطلق لكل قرء، فأمرني فراجعتها، فقال: " إذا طهرت فطلق عند ذلك أو أمسك، فقلت: يا رسول الله أرأيت لو طلقتها ثلاثًا، أكان يحل لي أن أراجعها فقال: " لا، كانت تبين منك، وكانت معصية» . وذكره عبد الحق في " أحكامه " وأعله بعطاء الخراساني وقال: إنه أتى في هذا الحديث بزيادات لم يتابع عليها وهو ضعيف في الحديث لا يقبل ما تفرد به. ورواه الطبراني في " معجمه ". وقال " صاحب التنقيح ": عطاء الخراساني، قال ابن حبان: كان صالحًا غير أنه كان سيئ الحفظ، كثير الوهم، فبطل الاحتجاج وأحسن من هذا ما رواه النسائي بإسناده عن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 ولأن الحكم يدار على دليل الحاجة وهو الإقدام على الطلاق في زمان تجدد الرغبة، وهو الطهر الخالي عن الجماع فالحاجة كالمتكررة نظرا إلى دليلها، ثم قيل: الأولى أن يؤخر الإيقاع إلى آخر الطهر احترازا عن تطويل العدة والأظهر أن يطلقها كما طهرت لأنه لو أخر ربما يجامعها، ومن قصده التطليق فيبتلى بالإيقاع عقيب الوقاع. وطلاق البدعة أن يطلقها ثلاثا بكلمة واحدة أو ثلاثا في طهر واحد، فإذا فعل ذلك وقع الطلاق وكان عاصيا.   [البناية] «عبد الله، قال: طلاق السنة أن يطلقها تطليقة، وهي طاهرة من غير جماع، فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى ثم تعتد بعد ذلك بحيضة، فأخبر أنه طلاق السنة، وهي سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . م: (ولأن الحكم يدار على دليل الحاجة) ش: لا على حقيقة الحاجة، لأن تباين الأخلاق وتنافر الطباع أمر باطن لا يمكن الوقوف عليها، فأقيم السبب الظاهر، وهو الإمساك بالمعروف مقام دليل الحاجة م: (وهو الإقدام على الطلاق في زمان تجدد الرغبة وهو الطهر الخالي عن الجماع) ش:، لأنه زمان رغبة فيها طبعًا وشرعًا، فلا يختار فراقها إلا لحاجة م: (فالحاجة كالمتكررة نظرًا إلى دليلها) ش: أي دليل الحاجة، فأصل المعنى كلما تكرر جعل كأن الحاجة إلى الطلاق تكررت، فأبيح تكرار الطلاق بالتفريق على الأطهار. م: (ثم قيل: إن الأولى أن يؤخر الإيقاع إلى آخر الطهر، احترازًا عن تطويل العدة) ش: أشار بهذا إلى اختلاف المشايخ في الطلاق السني، فقال بعضهم الأولى أن يؤخر الإيقاع إلى آخر الطهر، لأنه إذا لم يؤخر تتضرر المرأة بكون عدتها ثلاثة أطهار وثلاث حيض كوامل، فتطول عدتها لا محالة، وهو في الخلاصة رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة. م: (والأظهر أن يطلقها كما طهرت، لأنه لو أخرها ربما يجامعها) ش: لأن الطهر زمان تجدد الرغبة م: (ومن قصده التطليق فيبتلى بالإيقاع) ش: أي إيقاع الطلاق م: (عقيب الوقاع) ش: أي الجماع، فيكون الطلاق بدعيًّا، وإنما قال المصنف والأظهر لأن محمدًا قال في الأصل، فإذا أراد أن يطلقها ثلاثًا طلقها واحدة إذا طهرت من الحيض. [طلاق البدعة] م: (وطلاق البدعة أن يطلقها ثلاثة بكلمة واحدة، أو ثلاثًا) ش: أي أو يطلقها ثلاث تطليقات م: (في طهر واحد، فإذا فعل ذلك) ش: أي الطلاق والتطليق بثلاث تطليقات بكلمة واحدة، أي في طهر واحد م: (وقع الطلاق) ش: وبانت منه وحرمت حرمة مغلظة م: (وكان عاصيًا) ش: لأنه ارتكب حرامًا، وقالت الظاهرية والشيعة: لا يقع الطلاق في حالة الحيض، والثلاث بكلمة واحدة. وعند الإمامية: لا يقع شيء أصلًا، وبه قال المريسي، وعند الزيدية منهم يقع واحدة، ويزعمون أنه قول علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «كان الطلاق على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واحدًا» وكذا في زمن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -, وثلاثًا من مدة عمر - رضي الله تعالى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كل طلاق مباح لأنه تصرف مشروع حتى يستفاد به الحكم والمشروعية لا تجامع الحظر، بخلاف الطلاق في حالة الحيض، لأن المحرم تطويل العدة عليها لا الطلاق.   [البناية] عنه -، رواه البخاري ومسلم، وفي المغني: وكان عطاء وطاوس وسعيد بن جبير وعمرو بن دينار وأبو الشعثاء يقولون: من طلق البكر ثلاثًا فهي واحدة، وقال القاضي أبو يوسف: كان الحجاج بن أرطاة يقول: طلاق الثلاث ليس بشيء، قال محمد بن إسحاق واحدة كقول الشيعة. م: (وقال الشافعي كل الطلاق مباح) ش: وبه قال أبو ثور وداود الظاهري وابن حبيب من المالكية وأحمد في رواية عند إرسال الثلاث مباح م: (لأنه) ش: أي لأن الطلاق م: (تصرف مشروع حتى يستفاد منه الحكم) ش: بضم الدال لأنه حال، أي مستفاد بالطلاق الحكم، وهو قوله م: (والمشروعية لا تجامع المحظور) ش: وكل ما هو مشروع لا يكون محظورًا م: (بخلاف الطلاق في حالة الحيض) ش: هذا جواب عما يقال كيف يصح العموم والطلاق في حال الحيض حرام، فأجاب بقوله: بخلاف الطلاق في حالة الحيض. م: (لأن المحرم) ش: بكسر الراء المشددة، أي المحرم للطلاق ويجوز فتحها بأن يقال: إن المحظور م: (تطويل العدة عليها لا الطلاق) ش: أي لا نفس الطلاق وتطويل العدة، كما إذا طلقها في حالة الحيض، لأن الحيض الذي وقع فيه الطلاق ليس بمحسوب في العدة بالإجماع أو يلتبس أمر العدة عليها كما إذا طلقها في طهر جامعها فيه، لأنا لا ندري أنها حامل فتعتد بالأقراء، أو حامل فتعتد بوضع الحمل، والحاصل في هذه المسألة أن عندنا يعتبر في طلاق السنة التفريق والوقت. وعند مالك يعتبر الواحدة والوقت، وعند الشافعي يعتبر الوقت، ولا يلتفت إلى العدد، والشافعي يستدل أيضًا بقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 236] (البقرة: الآية 236) ، وهذا لأنه مطلق، فيتناول الجمع والتفريق بما «روي عن عويمر العجلاني أنه لما لاعن امرأته قال: كذبت عليها يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن أمسكتها فهي طالق ثلاثًا» فلم ينكر عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إيقاع الثلاث جملة "، وهذا الحديث متفق عليه، وبما ورد عن عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه طلق امرأته تماضر في مرض الموت، وبما روي من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أن امرأة قالت: يا رسول الله إن رفاعة طلقني وبت وقت طلاقي» ولم ينكر متفق عليه. وبما روي من حديث فاطمة بنت قيس أن زوجها أرسل إليها بثلاث تطليقات. والجواب عن الآية قد خص عنها الطلاق حالة الحيض والطلاق في طهر جامعها فيه فيخص المتنازع، وهو الجمع. والجواب عن حديث عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وما شابه أنه محمول على خلاف السنة، بأن قال: أنت طالق للسنة، لأنه أليق بحالهم أن يعملوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 ولنا أن الأصل في الطلاق هو الحظر لما فيه من قطع النكاح الذي تعلقت به المصالح الدينية والدنيوية والإباحة للحاجة إلى الخلاص ولا حاجة إلى الجمع بين الثلاث وهي في المفرق على الأطهار ثابتة نظرا إلى دليلها، والحاجة في نفسها باقية فأمكن تصوير الدليل عليها والمشروعية في ذاته من حيث إنه إزالة الرق لا تنافي الحظر لمعنى في غيره، وهو ما ذكرناه،   [البناية] على وفاق الكتاب والسنة، ولأن تقليد الصحابي ليس بحجة عنده، فكيف يحتج بفعل الصحابي علينا. والجواب عن حديث رفاعة أنه ليس فيه طلقها ثلاثًا بكلمة واحدة، ويجوز أن يكون مفرقًا على الأطهار. والجواب عن حديث فاطمة بنت قيس " أن زوجها أبا عمرو بن حفص بن المغيرة خرج مع علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلى اليمن فأرسل إلى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقيت من طلاقها " رواه مسلم. م: (ولنا أن الأصل في الطلاق هو الحظر لما فيه من قطع النكاح الذي تعلقت به المصالح الدينية) ش: من تحصين الفرج عن الزنا المحرم في جميع الأديان م: (والدنيوية) ش: من السكن والازدواج واكتساب الولد، وكل ما هو كذلك ينبغي أن لا يجوز وقوعه في الشرع م: (والإباحة للحاجة إلى الخلاص) ش: يعني إباحة الطلاق إنما كانت للحاجة إلى الخلاص عن عهدة المرأة م: (ولا حاجة إلى الجمع بين الثلاث) ش: لحصول الخلاص بما دونه. م: (وهي في المفرق على الأطهار ثابتة) ش: هذا جواب عما يقال، فكما لا حاجة إلى الجمع بين الثلاث، فكذا لا حاجة إلى المتفرق على الأطهار. فأجاب بقوله: وهي أي الحاجة إلى الجمع بين الثلاث، إذ لا حاجة إلى الطلاق المتفرق ثابتة م: (نظرًا إلى دليلها) ش: وهو الإقدام على الطلاق في زمان تجدد الرغبة، وهو الطهر والحكم يدار على دليل الحاجة لكونها أمرًا باطنًا كما تقدم. م: (والحاجة في نفسها باقية) ش: هذا جواب عما يقال دليل الحاجة إنما يقام مقام الحاجة فيما يتصور وجودها، وهاهنا لا يتصور، لأن الحاجة إلى الخلاص عن عهدة الطلاق في الطهر الثاني والثالث مع ارتفاع النكاح بالأولى. فأجاب بقوله: والحاجة في نفسها أي في ذاتها باقية م: (فأمكن تصوير الدليل عليها) ش: لأن الإنسان قد يحتاج إلى جهة باب النكاح لبنائه فيها، أو لحاجة أخرى. م: (والمشروعية في ذاته) ش: هذا جواب عن قوله: والمشروعية لا يجامع الحظر، فأجاب بقوله: والمشروعية في ذاته م: (من حيث إنه إزالة الرق) ش: أي إزالة قيد النكاح م: (لا تنافي الحظر لمعنى في غيره) ش: تقريره أن يقال يجوز أن يكون الطلاق باعتبار قطع النكاح المسنون محظورًا في جامع المشروعية، كالصلاة في الأرض المغصوبة، والبيع في وقت النداء، فإنهما مشروعان بذاتهما محظوران لغيرهما، ولا منافاة لاختلاف الجهة، فلم يلزم من إثبات المشروعية انتفاء الحظر م: (وهو ما ذكرناه) ش: من فرق المصالح الدينية والدنيوية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 وكذا إيقاع الثنتين في الطهر الواحد بدعة لما قلنا. واختلفت الرواية في الواحدة البائنة. قال في الأصل: إنه أخطأ السنة، لأنه لا حاجة إلى إثبات صفة زائدة في الخلاص وهي البينونة وفي الزيادات أنه لا يكره للحاجة إلى الخلاص ناجزا والسنة في الطلاق من وجهين سنة في الوقت، وسنة في العدد، فالسنة في العدد يستوي فيها المدخول بها وغير المدخول بها، وقد ذكرناها، والسنة في الوقت تثبت في المدخول بها خاصة، وهو أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، لأن الداعي دليل الحاجة، وهو الإقدام على الطلاق في زمان تجدد الرغبة وهو الطهر الخالي عن الجماع. أما زمان الحيض فزمان النفرة وبالجماع مرة في الطهر تفتر الرغبة.   [البناية] م: (وكذا إيقاع الثنتين في الطهر الواحد بدعة لما قلنا) ش: أنه لا حاجة إلى الجمع بين الثلاث م: (واختلفت الرواية) ش: عن أصحابنا فيما إذا طلق الرجل امرأته في طهر لم يجامعها فيه طلقة واحدة بائنة. م: (قال في الأصل) ش: أي " المبسوط " في كتاب الطلاق: م: (إنه أخطأ السنة) ش: فيكره م: (لأنه لا حاجة إلى إثبات صفة زائدة في الخلاص وهي) ش: أي الصفة الزائدة م: (البينونة) ش: لأن الحاجة إلى الطلاق للحاجة، ولا حاجة إلى صفة زائدة. م: (وفي الزيادات أنه لا يكره للحاجة إلى الخلاص ناجزًا) ش: أي في الحال، وقال الأترازي: ينبغي أن يقول: وفي " زيادات الزيادات "، لأن محمدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر هذه المسألة فيها لا في " الزيادات "، فيحتمل أنه وقع سهوًا من الكاتب، أو يحتمل أنه إنما قال كذلك، لأن " زيادات الزيادات " من تتمة الزيادات "، كأنها مسألة الزيادات. [السنة في الطلاق من وجهين سنة في الوقت وسنة في العدد] م: (والسنة في الطلاق من وجهين سنة في الوقت، وسنة في العدد، فالسنة في العدد يستوي فيها المدخول بها وغير المدخول بها، وقد ذكرناها) ش: يعني في أول الباب يعني أن السنة في الطلاق من حيث العدد أن يطلقها واحدة، ويترك حتى تنقضي عدتها، وإنما سمي الواحد عددًا تجوزًا، لأن أصل العدد ليس هو بعدد حقيقة، لأن العدد ما يوازي نصف حاشيته عن بعد سواء، وليس للواحد إلا حاشية واحدة. م: (والسنة في الوقت تثبت في المدخول بها خاصة) ش: قال الشافعي ومالك وأحمد: والخلوة كالدخول عندنا في حكم العدد ومراعاة وقت السنة في الطلاق لأجل العدد مقام الخلوة فيه أيضًا مقام الدخول، كذا في " المبسوط " م: (وهو أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، لأن الداعي دليل الحاجة، وهو الإقدام على الطلاق في زمان تجدد الرغبة، وهو الطهر الخالي عن الجماع، أما زمان الحيض فزمان النفرة، وبالجماع مرة في الطهر تفتر الرغبة) ش: فلم يكن فيها دليل الحاجة، لقيامه مقامه، وقال الكاكي: قوله في طهر واحد لم يجامعها فيه، ولم يسبق طلاق في حيض ذلك الطهر لم يكن الطلاق في ذلك سنيًّا، وإن لم يجامعها فيه، وكذا لو وطئها حالة الحيض، لم يكن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 وغير المدخول بها يطلقها في حالة الطهر والحيض، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو يقيسها على المدخول بها. ولنا أن الرغبة في غير المدخول بها صادقة لا تقل بالحيض ما لم يحصل مقصوده منها. وفي المدخول بها تتجدد بالطهر. قال: وإذا كانت المرأة لا تحيض من صغر أو كبر فأراد أن يطلقها ثلاثا للسنة طلقها واحدة، فإذا مضى شهر طلقها أخرى، لأن الشهر في حقها قائم مقام الحيض، قال الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4] إلى أن قال: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] (4: الطلاق) ، والإقامة في حق الحيض خاصة،   [البناية] الطلاق فيه سنيًّا في الذخيرة والزيادات. م: (وغير المدخول بها يطلقها في حالة الطهر والحيض، خلافًا لزفر) ش: فإنه يكره طلاقها في الحيض م: (وهو) ش: أي زفر م: (يقيسها) ش: أي يقيس غير المدخول بها م: (على المدخول بها. ولنا أن الرغبة في غير المدخول بها صادقة) ش: لأن الرغبة فيها لا تعتبر بحيضها ورغبته بعد الحيض، كما كانت قبله، لأن مقصوده لم يحصل منها، فكان إقدامه على الطلاق لحاجة إليه لنفرته عنه ورغبته م: (لا تقل بالحيض ما لم يحصل مقصوده منها) . م: (وفي المدخول بها يتجدد) ش: أي الرغبة م: (بالطهر. قال: وإذا كانت المرأة لا تحيض من صغر أو كبر، فأراد أن يطلقها ثلاثًا للسنة طلقها واحدة، فإذا مضى شهر طلقها أخرى، لأن الشهر في حقها) ش: أي في حق الصغيرة والكبيرة التي لا تحيض م: (قائم مقام الحيض) ش: وكذا إذا كانت لا تحيض بالحمل عندنا لأن الحامل لا تحيض، وعند الشافعي: وإن كانت الحامل تحيض فطلاقه في حالة الحيض ليس ببدعة، وقال ابن ( ... ) من أصحابه: بدعة، ولا يتأتى هذا خلاف الشافعي، لأن إيقاع الثلاث بكلمة واحدة غير بدعة عنده، ولكن الأولى التفريق على الأشهر، وفي الأشهر، وفي " البسيط ": ليس في طلاق الصغيرة والآيسة سنة ولا بدعة، وبه قال أحمد، وكذا الحامل عندهم. م: (قال الله عز وجل {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] إلى أن قال: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] (4: الطلاق) أورد هذه الآية الكريمة دليلًا على أن الأشهر تقوم مقام الحيض في حق هاتين الطائفتين، قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] أي الصغائر اللاتي لم يبلغن، أو اللاتي بلغت بغير حيض كذلك يعتدون بثلاثة أشهر، كذا في التيسير. وعن العلامة حميد الدين الضرير - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنما قال: لم يحضن، وما قال: لا يحضن، لأنه لو قال: لا يحضن يمكن أن لا ترى الحيض في هذا الزمان، ويمكن أنها قد كانت رأت قبل هذا الزمان، فقال: لم يحضن، يعني لا يرين أصلًا، وقَوْله تَعَالَى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] (4: الطلاق) مبتدأ، وخبره محذوف، أي واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر. م: (والإقامة في حق الحيض خاصة) ش: أي إقامة الشهر مقام الحيض خاصة، واحترز به عن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 حتى يقدر الاستبراء في حقها بالشهر وهو بالحيض لا بالطهر، ثم إن كان الطلاق في أول الشهر تعتبر الشهور بالأهلة، وإن كان في وسطه فبالأيام في حق التفريق وفي حق العدة، كذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما يكمل الأول بالأخير، والمتوسطان بالأهلة، وهي مسألة الإجارات.   [البناية] قول بعض مشايخنا، حيث قالوا: الشهر في التي لا تحيض يقوم مقام الحيض والطهر جميعًا، وإليه ذهب " صاحب الينابيع " وغيره، وقال شمس الأئمة: ظن بعض أصحابنا أن الشهر في حق التي لا تحيض بمنزلة الحيض، والطهر في حق التي تحيض، وليس كذلك، بل الشهر في حقها بمنزلة الحيض في حق التي تحيض م: (حتى يقدر الاستبراء في حقها بالشهر) ش: أي في حق الأمة التي لا تحيض من صغر أو كبر. م: (وهو) ش: أي الاستبراء م: (بالحيض لا بالطهر) ش: وقال الكاكي وغيره: اختلاف أصحابنا يظهر في حق إلزام الحجة على البعض بإجماعهم، لأن الاستبراء يكتفي بالحيض، وعلى أن الشهر يقوم مقام الحيض، إذ التبع خلف الأصل بحاله لا بذاته. فإن قيل: لما قام الشهر مقام الحيض ينبغي أن يكون الطلاق الثاني في الشهر الثاني في حالة الحيض. قلنا: قد ذكرنا أن الخلف يتبع الأصل بحاله لا بذاته، وذات الشهر طهر، والشهر أقيم الحيض في حكم خاص، وهو انقضاء العدة لا في جميع الأحكام، ألا ترى أن الطلاق بعد الجماع في ذوات الأقراء حرام، والآيسة والصغيرة لا تحرم، وكذا الطلاق الثاني. م: (ثم إن كان الطلاق في أول الشهر) ش: يعني إن كان إيقاع الطلاق في أول الشهر م: (تعتبر الشهور بالأهلة) ش: أي يعتبر الشهور القائمة مقام الحيض بالأهلة كاملة كانت أو ناقصة م: (وإن كان) ش: أي الإيقاع م: (في وسطه) ش: أي في وسط الشهر م: (فبالأيام) ش: أي فيعتبر بالأيام م: (في حق التفريق) ش: أي في تفريق الطلاق على الأشهر بالإجماع، فيحتسب كل شهر ثلاثون يومًا في حق إيقاع الطلاق. م: (وفي حق العدة كذلك عند أبي حنيفة) ش: لا يحكم بانقضاء العدة إلا بتمام تسعين يومًا من وقت الطلاق م: (وعندهما يكمل الشهر الأول بالأخير) ش: أي يكمل الشهر الأول بالشهر الأخير بالأيام م: (والمتوسطان بالأهلة) ش: أي ويكمل المتوسطان وهما ما بين الأول والأخير بالأهلة، لأن الأصل في الأشهر الأهلة م: (وهي مسألة الإجارات) ش: أي المسألة المذكورة مثل مسألة الإجارات على الخلاف المذكور إذا استأجر دارًا شهورًا معلومة أو سنة في خلال الشهر، فعند أبي حنيفة تكون السنة ثلاثمائة وستين يومًا، وعندهما يكمل الأول بالأخير وما بينهما معتبر بالأهلة، وعلى هذا الأجل في البيع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 قال: ويجوز أن يطلقها ولا يفصل بين وطئها وبين طلاقها بزمان. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يفصل بينهما بشهر لقيامه مقام الحيض. ولأن بالجماع تفتر الرغبة، وإنما تتجدد بزمان وهو الشهر. ولنا أنه لا يتوهم الحبل فيها، والكراهية في ذوات الحيض باعتباره، لأن عند ذلك يشتبه وجه العدة، والرغبة وإن كانت تفتر من الوجه الذي ذكر لكن تكثر من وجه آخر، لأنه يرغب في وطء غير معلق   [البناية] م: (قال: ويجوز أن يطلقها) ش: أي ويجوز أن يطلق الآيسة أو الصغيرة م: (ولا يفصل بين وطئها وبين طلاقها بزمان) ش: يعني لا يشترط الفصل بشهر بين وطئها وطلاقها، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأبو ثور وأبي عبيد، وهو قول الحسن وابن سيرين وطاوس وحماد بن سليمان وربيعة. وقال شمس الأئمة: كان شيخنا يقول: هكذا إذا كانت الآيسة لا يرجى منها الحيض والحبل، وأما إذا كانت صغيرة لا يرجى منها الحيض والحبل فالأفضل الفصل بين جماعها وطلاقها بشهر، ولا منافاة بينه وبين قول المصنف، لأن الأفضلية لا تنافي الجواز. م: (وقال زفر: يفصل بينهما بشهر لقيامه مقام الحيض) ش: فيمن تحيض، وفيها يفصل بين طلاقها ووطئها بحيضة، فكذا هنا بشهر م: (ولأن بالجماع تفتر الرغبة) ش: فكانت بمنزلة ذات الأقراء إذا جومعت في الطهر م: (وإنما تتجدد) ش: أي الرغبة م: (بزمان) ش: فلا بد منه، وهو الشهر. م: (ولنا أنه) ش: أي أن الشأن م: (لا يتوهم الحبل فيها) ش: أي في التي نحن فيها من الآيسة والصغيرة م: (والكراهية) ش: أي كراهية الطلاق بعد الجماع م: (في ذوات الحيض باعتباره) ش: أي باعتبار الحبل م: (ولأن عند ذلك) ش: أي كراهية الطلاق بعد الجماع م: (في ذوات الحيض باعتباره) ش: أي باعتبار الحبل م: (ولأن عند ذلك) ش: أي عند توهم الحبل م: (يشتبه وجه العدة) ش: أي وجه عدتها، فلا يدري أنها حامل فتعتد بالقراء، أو حامل فتعتد بوضع الحمل. م: (والرغبة وإن كانت تفتر من الوجه الذي ذكر) ش: هذا جواب عن قول زفر، وإنما تتجدد الرغبة وإن كانت تفتر من وجه. فأجاب بقوله: والرغبة وإن كانت تقل، من القلة من الوجه الذي ذكره زفر، ويجوز أن يكون على صيغة المجهول أي من الوجه الذي ذكره الآن م: (لكن تكثر من وجه آخر) ش: أي ولكن تكثر الرغبة من وجه آخر لا يقال إذا تعارض دليل كثرة الرغبة مع دليل فتور الرغبة، يتساقطان لأنا نقول: لا يلزم من زوال كثرة الرغبة زوال أصل الرغبة فيكون الإقدام على الطلاق في زمان الرغبة. والذي يظهر لي أن المصنف أجاب عنه بقوله م: (لأنه يرغب في وطء غير معلق) ش: أنه يترجح جهة الرغبة بكون الوطء غير معلق، بضم الميم وسكون العين المهملة وكسر اللام، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 فرارا من مؤن الولد، فكان الزمان زمان رغبة، فصار كزمان الحبل وطلاق الحامل يجوز عقيب الجماع، لأنه لا يؤدي إلى اشتباه وجه العدة، وزمان الحبل زمان الرغبة في الوطء لكونه غير معلق، أو يرغب فيها لمكان ولده منها، فلا تقل الرغبة بالجماع. ويطلقها للسنة ثلاثا يفصل بين كل تطليقتين بشهر، عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وزفر: لا يطلقها للسنة إلا واحدة، لأن الأصل في الطلاق الحظر، وقد ورد الشرع بالتفريق على فصول العدة والشهر في حق الحامل ليس من فصولها، فصار كالممتد طهرها.   [البناية] وبالقاف من أعلق المرأة إذا أحبلها وثلاثية علق، يقال: علقته المرأة إذا حبلت علوقًا م: (فرارًا) ش: أي لأجل الفرار م: (عن مؤن الولد) ش: بضم الميم وفتح الهمزة جمع مؤنة م: (فكان الزمان زمان رغبة، فصار كزمان الحبل) ش: وفي الذخيرة قيل: إذا كانت صغيرة يرجى منها الحيض والحبل فالأفضل أن يفصل بينهما بشهر. [طلاق الحامل عقيب الجماع] م: (وطلاق الحامل يجوز عقيب الجماع، لأنه لا يؤدي إلى اشتباه وجه العدة، وزمان الحبل زمان الرغبة في الوطء لكونه) ش: أي لكون الوطء م: (غير معلق) ش: أي غير محبل م: (أو يرغب فيها) ش: عطف على قوله في الوطء، والضمير يرجع إلى الحامل يعني أن زمان الحبل زمن الرغبة في الوطء، لأنه في حالة الحبل غير معلق، وهو زمان الرغبة في الحامل م: (لمكان ولده منها) ش: أي لأجل حصول ولده من الحامل م: (فلا تقل الرغبة بالجماع) ش: لأن الولد داع إلى رغبة الرجل في أمه، ولما كان زمان الرغبة لا يقع طلاقها عقيب الجماع. م: (ويطلقها) ش: أي الحامل م: (للسنة ثلاثًا يفصل بين كل تطليقتين بشهر عند أبي حنيفة وأبي يوسف) . م: (وقال محمد وزفر: لا يطلقها للسنة إلا واحدة، لأن الأصل في الطلاق الحظر، وقد ورد الشرع بالتفريق على فصول العدة) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] (الطلاق: الآية1) ، وقال ابن عباس: أي الأطهار عدتهن، ففي ذوات الأقراء ترقب على الأقراء، وفي حق الآيسة والصغيرة على الأشهر، لأن كل شهر فصل من فصول العدة في حقهن، كالقرء في ذوات الأقراء م: (والشهر في حق الحامل ليس من فصولها) ش: أي من فصول العدة، لأن مدة الحمل، وإن طالت فهي طهر وحيض واحد حقيقة وحكمًا، ألا ترى أن انقضاء العدة لا يتعلق. م: (فصار كالممتد طهرها) ش: فلا يكون محلًا لتفريق الثلاث، لأن شهورها وإن امتدت فهو فصل واحد، ولا تفرق التطليقات فيه. وقال محمد: بلغنا عن ابن مسعود وجابر بن عبد الله والحسن البصري أن الحامل لا تطلق أكثر من واحدة للسنة، وقول الصحابي إذا كان فقيهًا يقدم على القياس، هكذا في " المبسوط " وبقول محمد قال الشافعي ومالك وأحمد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 ولهما أن الإباحة لعلة الحاجة والشهر دليلها، كما في حق الآيسة والصغيرة، وهذا لأنه زمان تجدد الرغبة على ما عليه الجبلة السليمة، فصلح علما ودليلا، بخلاف الممتد طهرها لأن العلم في حقها إنما هو الطهر، وهو مرجو فيها في كل زمان، ولا يرجى مع الحبل. وإذا طلق الرجل امرأته في حالة الحيض وقع الطلاق، لأن النهي عنه لمعنى في غيره، وهو ما ذكرناه فلا تنعدم مشروعيته، ويستحب له أن يراجعها لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [البناية] م: (ولهما ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن الإباحة) ش: أي إباحة الطلاق م: (لعلة الحاجة) ش: أي باعتبار الحاجة م: (والشهر دليلها) ش: أي دليل الحاجة في حق الحامل م: (كما في حق الآيسة والصغيرة) ش: أي كما أنها دليل الحاجة في حقهما، لأن مدة الحمل مدة كاملة، ولهذا يلزمها الحد وأحكام العدة، فكانت كالشهور في حقهما م: (وهذا) ش: أي كون الشهر دليلًا في حق الآيسة والصغيرة م: (لأنه) ش: أي لأن الشهر م: (زمان تجدد الرغبة على ما عليه الجبلة السليمة) ش: إنما قال هذا لأن الشخص ربما لا يرغب في المرأة في أكثر من شهرين أو ثلاث بآفة عارضة في ذاته. أما الشخص السليم عن الآفة فلا بد أن يجدد الرغبة في المرأة في شهر فصلح للشهر دليلًا على الحاجة. م: (فصلح) ش: أي الشهر م: (أن يكون علمًا ودليلًا) ش: على وجود الحاجة والحكم يدار على دليلها، فإذا وجد وجه على ما أبيح لأجله الطلاق، فيكون نكاحًا مباحًا م: (بخلاف الممتد طهرها) ش: هذا جواب عن قياس قول محمد، بيانه هو قوله م: (لأن العلم في حقها) ش: أي لأن العلم على الحاجة في حقها م: (هو الطهر) ش: بعد الحيض، يعني تجدد طهر يعقبه الحيض م: (وهو) ش: أي تجدد الطهر م: (مرجو فيها في كل زمان) ش: لأنه يمكن أن تحيض فتطهر، لأنها ليست يائسة ولا صغيرة م: (ولا يرجى) ش: أي تجدد الطهر م: (مع الحمل) ش: لأن الحامل لا تحيض، فإذا رأت دمًا لا يعتبر حيضها. [طلق الرجل امرأته في حالة الحيض] م: (وإذا طلق الرجل امرأته في حالة الحيض وقع الطلاق) ش: ويأثم بإجماع الفقهاء، وعند الشيعة وابن علية وهشام بن الحكم والظاهرية لا يقع م: (لأن النهي عنه) ش: أي عن الطلاق في حالة الحيض م: (المعنى في غيره، وهو ما ذكرناه) ش: وهو تطويل العدة ولاشتباه أمر العدة أوصله بالتدارك م: (فلا تنعدم مشروعيته) ش: لأن النهي إذًا لمعنى في غيره لا يعدم المشروعية كما عرف في الأصول، قيل: المراد بالنهي هاهنا المستفاد من ضد الأمر المذكور من قَوْله تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] (الطلاق: الآية 1) ، أي لإظهار عدتهن. وقيل: المراد بالنهي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] (البقرة: الآية 231) . م: (ويستحب) ش: أي للرجل الذي طلق امرأته في حالة الحيض م: (أن يراجعها) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وقال محمد في " الأصل ": وينبغي أن يراجعها م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 لعمر: «مر ابنك فليراجعها» ، وقد طلقها في حالة الحيض، وهذا يفيد الوقوع والحث على الرجعة، ثم الاستحباب. وقول بعض المشايخ. والأصح أنه واجب عملا بحقيقة الأمر رفعا للمعصية بالقدر الممكن برفع أثره   [البناية] ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (لعمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مر ابنك فليراجعها) ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة «عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر ". م: (فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرًا قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله تعالى.» وفي لفظ البخاري ومسلم «أنه طلق امرأته تطليقة واحدة وهي حائض» . قوله: مره أي مر من أمر يأمر أمرًا، بهمزتين، فحذفت الهمزة التي هي فاء الفعل للاستثقال، واستغنى عن همزة الوصل فحذفت أيضًا، فصار مر على وزن عل والكاف في قوله: ابنك خطابًا لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وابنه عبد الله. م: (وقد طلقها) ش: الواو للحال، أي والحال أن ابن عمر قد كان طلق امرأته م: (في حالة الحيض) ش: وكان طلقها واحدة كما في الذي ذكرناه م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فليراجعها " م: (يفيد الوقوع) ش: أي وقوع الطلاق إذ لا يتصور الرجعة بدون الوقوع م: (والحث) ش: أي ويفيد الحث م: (على المراجعة) ش: أي على أن يراجعها. م: (ثم الاستحباب) ش: أي استحباب الرجعة م: (وقول بعض المشايخ) ش: وبه قال الشافعي وأحمد م: (والأصح أنه) ش: أي أن المراجعة أو الرجعة ذكر الضمير على تأويل الرجوع م: (واجب عملًا بحقيقة الأمر) ش: لأن مطلق الأمر للوجوب حقيقة. قال الأترازي: قال " صاحب الهداية " والأصح أنه واجب، ولأن فيه نظر محمدًا لم يذكر في الأصل لفظ الوجوب، بل قال: ينبغي له أن يراجعها. قال في " الأصل ": وإذا طلق الرجل امرأته وهي حائض فقد أخطأ السنة، والطلاق واقع عليها، فينبغي أن يراجعها، وشمس الأئمة نقل في " المبسوط " لفظ محمد كذلك، ولم يذكر الوجوب، ثم قال الأترازي: نعم يحتمل أن تكون الرجعة واجبة، لأن الأمر بالمراجعة مطلق، ومطلق الأمر يدل على الوجوب انتهى، قلت: أراد الأترازي بقوله: التصرف فقط، إذ لا حاجة للتنظير فيه ولا للاعتذار بعد ذلك. م: (ورفعًا للمعصية) ش: أي ولأجل رفع المعصية لأن إيقاع الطلاق في الحيض معصية والسبيل في رفع المعاصي برفعها م: (بالقدر الممكن) ش: أي بقدر ما أمكن كالبيع الفاسد، والنكاح الفاسد م: (برفع أثره) ش: أي يرفع أثر المعصية، وذكر الضمير على تأويل العصيان والمعصية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 وهو العدة، ودفعا لضرر تطويل العدة. قال: فإذا طهرت وحاضت ثم طهرت فإن شاء طلقها، وإن شاء أمسكها، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهكذا ذكر في " الأصل "، وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة الأولى. قال أبو الحسن الكرخي ما ذكر الطحاوي قول أبي حنيفة، وما ذكر في " الأصل " قولهما ووجه المذكور في " الأصل " أن السنة أن يفصل بين كل طلاقين بحيضة، والفاصل هاهنا بعض الحيضة، فتكمل بالثانية ولا تتجزأ، فتتكامل. وجه القول الآخر أن أثر الطلاق قد انعدم بالمراجعة، فصار كأنه لم يطلقها في الحيض، فيسن تطليقها في الطهر الذي يليه.   [البناية] الطلاق في حالة الحيض م: (وهو) ش: أي أثره هو م: (العدة) ش: أي أثر الطلاق الذي هو سببه هو العدة م: (ودفعًا لضرر تطويل العدة) ش: أي ولأجل رفع الضرر بطول العدة عليها يرفعها بالمراجعة. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (فإذا طهرت) ش: أي بعد المراجعة م: (وحاضت ثم طهرت، فإن شاء طلقها، وإن شاء أمسكها قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (هكذا ذكر في الأصل) ش: أي هكذا ذكر محمد في " المبسوط "، لأنه قال فيه: فإذا طهرت من حيضة أخرى طلقها واحدة قبل الجماع. وهذا يدل على أن الطهر الذي يقع في الطلاق هو الطهر الذي بعد حيضة أخرى، لا الطهر بعد حيضة أوقع فيها الطلاق. قال المصنف: م: (وذكر الطحاوي أنه يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة الأولى. قال أبو الحسن الكرخي ما ذكره الطحاوي قول أبي حنيفة، وما ذكره في الأصل قولهما) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد. وفي " الكافي ": هو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، وبه قال الشافعي في المشهور عنه ومالك وأحمد، وما ذكره الطحاوي برواية عن أبي حنيفة. وبه قال الشافعي في وجه. م: (ووجه المذكور في الأصل أن السنة أن يفصل بين كل طلاقين بحيضة، والفاصل هاهنا بعض الحيضة فتكمل بالثانية ولا تتجزأ) ش: أي الحيضة الثانية م: (فتتكامل. وجه القول الآخر) ش: أراد به ما ذكره الطحاوي م: (أن أثر الطلاق قد انعدم بالمراجعة، فصار كأنه لم يطلقها في الحيض، فيسن تطليقها في الطهر الذي يليه) ش: أي يلي الحيض. واعلم أن المصنف بين وجه القولين المذكورين بالمعاني الفقهية، ولم يرجع إلى الحديث المروى في الباب، لأن كل واحدة من الروايتين مروية في الحديث. فروى البخاري بإسناده إلى نافع «عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مر ابنك فليراجعها ... » الحديث، وقد ذكرناه عن قريب، وهذا يدل على رواية الأصل. وروى الترمذي في " جامعه " بإسناده إلى سالم «عن ابن عمر أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: مره فليراجعها» الحديث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 ومن قال لامرأته: وهي من ذوات الحيض وقد دخل بها، أنت طالق ثلاثا للسنة، ولا نية له فهي طالق عند كل طهر تطليقة لأن اللام فيه للوقت ووقت السنة طهر لا جماع فيه. وإن نوى أن تقع الثلاث الساعة أو عند رأس كل شهر واحدة فهو على ما نوى، سواء كانت في حالة الحيض أو في حالة الطهر. وقال زفر: لا تصح نية الجمع لأنه بدعة وهي ضد السنة. ولنا أنه يحتمل لفظه لأنه سني وقوعا من حيث إن وقوعه بالسنة   [البناية] وقد ذكرناه أيضًا، وهذا يدل على رواية الطحاوي فلأجل التعارض بينهما لم يذكرهما المصنف واكتفى بما ذكره في الكتاب. [قال لامرأته وهي من ذوات الحيض وقد دخل بها أنت طالق ثلاثًا للسنة ولا نية له] م: (ومن قال لامرأته وهي من ذوات الحيض وقد دخل بها أنت طالق ثلاثًا للسنة ولا نية له فهي طالق عند كل طهر تطليقة) ش: هذا إذا لم يجامعها وهي طاهرة، ولو جامعها فيه لا يقع حتى تحيض وتطهر إذا لم ينو شيئًا أو نوى عند كل طهر تطليقة وعند الشافعي ورواية عن أحمد يقع الثلاث في الحال إذا لم يجامعها وهي طاهرة. ولو جامعها في ذلك الطهر لا تطلق الثلاث حتى تحيض وتطهر، لأن عنده لا سنة ولا بدعة في العدد حتى ولو نوى تفريق الثلاث على الأطهار لا يقبل قوله في المشهور عنه. وعن بعض أصحابه يقبل وقال مالك: لا أعرف المباح من الطلاق إلا واحدة، فيكون الثلاث بدعيًّا عنده، وقيد به وقد دخل بها لأن غير المدخول بها تطلق ثلاثًا في الحال بالإجماع. م: (لأن اللام فيه) ش: أي في قوله للسنة م: (للوقت) ش: بأن يستعار الوقت فكأنه قال: وقت السنة م: (ووقت السنة) ش: في الطلاق م: (طهر لا جماع فيه) ش: أي طهر خال عن الجماع. م: (وإن نوى أن تقع الثلاث الساعة أو عند رأس كل شهر واحدة فهو على ما نوى سواء كانت) ش: أي تلك الساعة م: (في حالة الحيض أو في حالة الطهر. وقال زفر: لا تصح نية الجمع لأنه) ش: أي لأن الجمع بين الثلاث م: (بدعة وهي) ش: أي البدعة م: (ضد السنة) ش: والشيء لا يحتمل ضده، فقد نوى ما لا يحتمل لفظه فيلغو. م: (ولنا أنه) ش: أي أن الجمع م: (يحتمل لفظه) ش: وهو السنة من حيث الوقوع م: (لأنه سني وقوعًا) ش: أي من حيث الوقوع م: (من حيث أن وقوعه) ش: أي وقوع الثلاث جملة عرف م: (بالسنة) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من طلق امرأته ألفًا بانت منه بثلاث، والباقي رد عليه» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295 لا إيقاعا فلم يتناوله مطلق كلامه وينتظمه عند نيته. وإن كانت آيسة أو من ذوات الأشهر وقعت الساعة واحدة وبعد شهر أخرى، لأن الشهر في حقها دليل الحاجة كالطهر في حق ذوات الأقراء على ما بيننا. وإن نوى أن يقع الثلاث الساعة، وقعن عندنا لما قلنا بخلاف ما إذا قال: أنت طالق للسنة ولم ينص على الثلاث حيث لا تصح نية الجمع فيه لأن نية الثلاث إنما صحت فيه من حيث إن اللام فيه للوقت، فيفيد تعميم الوقت ومن ضرورته تعميم الواقع فيه،   [البناية] م: (لا إيقاعًا) ش: لأن إيقاع الثلاث جملة مكروه م: (فلم يتناوله مطلق كلامه) ش: لأن المطلق ينصرف إلى الكامل وذا في السني وقوعًا وإيقاعًا. فإن قيل: الوقوع بدون الإيقاع محال لأنه انفعال فإذا صح الوقوع صح الإيقاع، فكان سنيًّا وقوعًا وإيقاعًا، وليس كذلك. أجيب: بأن الوقوع لا يوصف بالحرمة، لأنه ليس فعل مكلف، ولأنه حكم شرعي وهو لا يوصف بالبدعة، والإيقاع يوصف بهما لكونه فعل المكلف، فكان أشبه بالسنة المرضية، فكذلك قال سني وقوعًا. م: (وينتظمه) ش: أي ينتظم الجمع م: (عند نيته) ش: لأنه سني من وجه، فكان محتمل لفظ السنة، وفيه تشديد على نفسه على ذلك، فصح نيته كما لو قال: كل مملوك لي حر لا يتناول المكاتب لقصور الملك يدًا. ولو نواه يصح ويعتق، وكذا لو حلف لا يأكل لحمًا لا يتناول لحم السمك لقصوره في اللحمية، ولو نواه صح ويحنث بأكله م: (وإن كانت آيسة أو من ذوات الأشهر) ش: يعني صغيرة مدخولًا بها، فقال: أنت طالق ثلاثًا للسنة م: (وقعت الساعة) ش: بالنصب على أنها ظرف م: (واحدة) ش: أي طلقة واحدة م: (وبعد شهر أخرى) ش: أي يقع بعد شهر طلقة أخرى م: (لأن الشهر في حقها دليل الحاجة) ش: كما تقدم وأن الشهر في حقها قائم مقام الحيض م: (كالطهر في حق ذوات الأقراء على ما بينا) ش: إشارة إلى ما ذكر في التعليل قريبًا من ورقة بقوله: لأن الشهر في حقها قائم مقام الحيض. م: (وإن نوى أن تقع الثلاث الساعة وقعن عندنا خلافًا لزفر لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: لأنه سني وقوعًا م: (بخلاف ما إذا قال: أنت طالق للسنة، ولم ينص على الثلاث، حيث لا تصح نية الجمع فيه) ش: قيل: هكذا ذكر فخر الإسلام، والصدر الشهيد، وصاحب " المختلفات "، وعلاء الأئمة السمرقندي م: (لأن نية الثلاث إنما صحت فيه من حيث إن اللام فيه للوقت فيفيد تعميم الوقت، ومن ضرورته تعميم الواقع) ش: أي ومن ضرورة تعميم الوقت الذي هو ظرف الوقوع تعميم الواقع فيه م: (فيه) ش: أي يلزم من ضرورة تعميم الوقت يعمم الواقع فيه أي في الوقت، لأنه جعل الوقت ظرفًا للواقع، وقد تكرر الظرف، فيتكرر المظروف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 فإذا نوى الجمع بطل تعميم الوقت فلا تصح نية الثلاث.   [البناية] م: (فإذا نوى الجمع، بطل تعميم الوقت) ش: فيبطل تعميم الواقع فيه، لأن بطلان المقتضى يوجب بطلاق المقتضى م: (فلا تصح نية الثلاث) ش: بخلاف ما إذا ذكر ثلاثًا، لأن الثلاث مذكور صريحًا، فتصح نيته. وقال الأترازي بعد قوله: ومن ضرورة تعميم الواقع فيه: ولنا فيه نظر، لأن تعميم الوقت لا يستلزم تعميم الواقع فيه ألا ترى أنه لو قال لامرأته أنت طالق كل يوم ولم تكن له نية لا تقع إلى طلقة واحدة عندنا، خلافًا لزفر، لأن الوقت عام كما ترى من لفظ العموم، ولم يلزم منه عموم الواقع انتهى. ودفع نظره بأن المراد من تعميم الوقت تعميم وقت السنة لا مطلق الوقت، فيلزم من تعميمه تعميم الواقع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 297 فصل ويقع طلاق كل زوج إذا كان عاقلا بالغا، ولا يقع طلاق الصبي والمجنون والنائم لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمجنون» ،   [البناية] [فصل من يقع طلاقه ومن لا يقع] [طلاق الصبي والمجنون والنائم] م: (فصل) ش: أي هذا فصل. لما ذكر طلاق السنة لأنه الأصل، وذكر ما يقابله من طلاق البدعة، شرع في بيان من يقع طلاقه ومن لا يقع. م: (ويقع طلاق كل زوج إذا كان بالغًا عاقلًا) ش: وهذا بالإجماع م: (ولا يقع طلاق الصبي) ش: وفي " المغني " للحنابلة: إذا عقل الصبي الطلاق فطلق لزمه، وهو أكثر الروايات عن أحمد، واختاره أبو بكر والخرقي وابن حامد، وزعموا أن ذلك مروي عن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن والشعبي وإسحاق وروى أبو الحارث عنه إذا عقل الطلاق جاز طلاقه ما بين العشر إلى ثنتي عشرة. وفي " الجامع ": إذا كان الصبي مجبوبًا وفرق بينهما بالجب، يكون طلاقًا على المذهب، وإن لم يقع طلاق الصبي ومنهم من جعله فسخًا. م: (والمجنون) ش: من جن الرجل وأجنه الله فهو مجنون، ولا تقل مجين، وقيل الفاصل بين المجنون والمعتوه والعاقل أن العاقل من يستقيم كلامه وأفعاله، والمجنون ضده، والمعتوه من يكون ذلك منه على السواء. وقيل: المجنون من يفعل ما يفعله المجانين أحيانًا عن قصد، والعاقل ما يفعله المجانين أحيانًا لا عند قصد، على ظن الصلاح. والمعتوه يفعل ما يفعله المجانين عن قصد مع ظهور الفساد. وفي " الصحاح " المعتوه: الناقص العقل. وفي " الذخيرة " من كان قليل الفهم، مختلط الكلام، فاسد التدبير إلا أنه لا يضرب ولا يشتم كما يفعله المجنون. م: (والنائم) ش: وفي " الذخيرة " وطلاق النائم غير واقع ولا موقوف وإن أجاز بعد ما انتبه ولو قال النائم أوقعت ما تلفظت به في النوم لا يقع. وفي " المحيط ". إن أجازه بعد بأن قال: أجزت الطلاق يقع م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمجنون» هذا حديث غريب، وذكر المصنف أيضًا في الحجة لكن بلفظ المعتوه عوض المجنون. وأخرج الترمذي عن عطاء بن عجلان عن عكرمة بن خالد المخزومي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله» الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 ولأن الأهلية بالعقل المميز وهما عديما العقل، والنائم عديم الاختيار، وطلاق المكره واقع خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو يقول إن الإكراه لا يجامع الاختيار، وبه يعتبر التصرف الشرعي، بخلاف الهازل، فإنه مختار في التكلم بالطلاق؛ ولنا: أنه قصد إيقاع الطلاق في منكوحته في حال أهليته فلا يعرى عن قضيته دفعا لحاجته اعتبارا بالطائع، وهذا لأنه عرف الشرين واختار أهونهما وهذا آية القصد والاختيار إلا أنه غير راض بحكمه   [البناية] وقال: هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا من حديث عطاء، وهو ضعيف ذاهب الحديث وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا حفص بن غياث عن حجاج عن عطاء عن ابن عباس قال: لا يجوز طلاق الصبي وفي " شرح الطحاوي "، ولو أن الصبي والمجنون طلق امرأته لم يقع طلاقه، وكذا المغمى عليه ( ... ) والمدهوش والنائم والمعتوه، والذي يشرب الدواء مثل البنج ونحوه فتغير عقله إذا طلق واحد من هؤلاء زوجته لم يقع طلاقه م: (ولأن الأهلية بالعقل والتميز وهما) ش: أي الصبي والمجنون م: (عديما العقل والنائم عديم الاختيار) ش: وشرط التصرف الشرعي إنما هو بالاختيار م: (وطلاق المكره واقع) ش: وهو قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وبه قال الشعبي وابن جبير والنخعي والزهري وسعيد بن المسيب وشريح القاضي وأبو قلابة عبد اله بن زيد الجرمي التابعي الكبير، وقتادة والثوري م: (خلافًا للشافعي) ش فإنه يقول: لا يقع طلاق المكره، وبه قال مالك وأحمد، ويروى عن ابن عباس، وابن عمر وابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - ومن التابعين الحسن وعطاء والضحاك. م: (هو) ش: أي الشافعي م: (يقول إن الإكراه لا يجامع الاختيار وبه) ش: أي وبالاختيار م: (يعتبر التصرف الشرعي) ش: ولا اعتبار في التصرف إلا باختيار م: (بخلاف الهازل، فإنه مختار في التكلم بالطلاق) ش: واستدل الشافعي أيضًا بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرِهوا عليه» . م: (ولنا أنه) ش: أي أن المكره م: (قصد إيقاع الطلاق في منكوحته في حال أهليته) ش: أي في حال عقله وتمييزه وكونه مخاطبًا، وبالإكراه لا يخرج عن ذلك م: (فلا يعرى عن قضيته) ش: أي عن حكمه، لئلا يلزم تخلف الحكم عن علته م: (دفعًا لحاجته) ش: أي لحاجة المكره وحاجته أن يتخلص عما توعد به من القتل والجرح ونحو ذلك م: (اعتبارًا بالطائع) ش: وفي وقوع طلاقه دفعًا لحاجته م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله والطلاق م: (لأنه عرف الشرين واختار أهونهما) ش: أي أهون الشرين وهو الطلاق م: (وهذا آية القصد) ش: أي علامة القصد م: (والاختيار) ش: وهذا جواب عن قوله: الإكراه لا يجامع الاختيار م: (إلا أنه) ش: أي غير أن المكره م: (غير راض بحكمه) ش: الضمير يرجع إلى إيقاع الطلاق وحكمه وقوع الطلاق وهذا جواب عما يقال: لو كان المكره مختارًا لما كان له اختيار فسخ العقد الذي باشره مكره من البيع والشراء والإجارة وغيرها وليس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 وذلك غير مخل به كالهازل. وطلاق السكران واقع.   [البناية] كذلك. وتقريره أنه غير راض بحكمه م: (وذلك) ش: أي عدم الرضى بحكم الطلاق م: (غير مخل) ش: أي بحكمه م: (كالهازل) ش: فإنه يقع طلاقه مع عدم الرضى بوقوعه. وأصحابنا استدلوا أيضًا بما روي عن علي وابن عباس وابن مسعود أنهم قالوا: كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه والصبي. وحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أيضًا الذي رواه الترمذي وقد ذكرناه. والجواب عن الحديث الذي استدل به الشافعي أنه لا حجة له لأن التجاوز والعفو عن الطلاق والعتاق لا يصح لأنه غير مذنب فلم يدخل تحت الحديث. [طلاق السكران] م: (وطلاق السكران واقع) ش: وكذا يصح إعتاقه وخلعه، وبه قال الشافعي في المنصوص والأصح، وهو قول الثوري ومالك وأحمد في رواية وفي " المبسوط " المنصوص للشافعي جديدًا وقديمًا وقوع طلاق السكران، ونص في الظهار على قولين، فمنهم من نقل من الظهار قولًا إلى الطلاق، ومعظم العلماء صاروا إلى وقوع طلاق السكران. وفي " المغني ": وهو قول سعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي والأوزاعي وميمون بن مهران والحكم وشريح وسليمان بن يسار ومحمد بن سيرين وابن شبرمة وسليمان بن حرب وابن عمر وعلي وابن عباس ومعاوية - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وبه قال قتادة، وحميد، وجابر بن زيد، وابن أبي ليلى وعمر بن عبد العزيز والحسن بن حميد. وقال ابن حزم: أجاز مالك جميع تصرفاته الأربعة لقول أصحابنا وروى ابن وهب عنه أنه يجوز طلاقه دون نكاحه. وقال صاحب مطرف بن عبد الله لا يلزمه شيء من تصرفاته الأربعة، الطلاق والعتق والقتل والقذف. وعن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه لا يقع طلاقه، وبه قال طاوس والقاسم بن محمد ويحيى بن سعيد الأنصاري، وربيعة وعبد الله بن الحسن والليث بن سعد وإسحاق وأبو ثور والمزني وأبو سليمان وابن شريح وأبو طاهر الزيادي وأبو سهل الصعلوكي وابن سهل من الشافعية وزفر بن هذيل وأبو جعفر الطحاوي وأبو الحسن الكرخي وقال عثمان البتي: لا يلزمه منه عقد ولا بيع ولا نكاح ولا حد إلا حد الخمر فقط. وقال الليث: لا يلزمه شيء بقوله، وأما ما عمل بيده من قتل أو سرقة أو زنى فإنه يقام عليه. وفي الذخيرة ": طلاق السكران واقع إذا سكر من الخمر والنبيذ، ولو أكره على الشرب فسكر أو شرب للضرورة فذهب عقله يقع طلاقه. وفي جوامع الفقه عن أبي حنيفة: يقع، وبه أخذ شداد ولو ذهب عقله بدواء أو أكل البنج لا يقع. وذكر عبد العزيز الترمذي أنه قال: سئل أبو حنيفة وسفيان الثوري عن رجل شرب البنج فارتفع إلى رأسه فطلق، قالا: إن كان يعلم حين شرب ما هو؟ يقع وإلا لا يقع. ولو شرب الخمر ولم يوافقه فصعد منه فزال عقله وقع طلاقه. ولو سكر من الأنبذة المتخذة من الحبوب والعسل لا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300 واختيار الكرخي والطحاوي - رحمهما الله - أنه لا يقع وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن صحة القصد بالعقل وهو زائل العقل، فصار كزواله بالبنج والدواء. ولنا: أنه زال بسبب هو معصية، فجعل باقيا حكما زجرا له،   [البناية] يقع طلاقه عندهما، وعند محمد يقع. وفي الينابيع: لو سكر بالبنج والدواء لا يقع طلاقه بالإجماع، كالنائم بخلاف ما لو شرب رأسه حتى زال عقله، فإنه لا ينفذ تصرفاته ولا يجعل عقله باقيًا، وإن كان زوال بمعصية لنذوره ولهذا لا يشرع فيه حد. ذكره في المحيط بخلاف زواله بالخمر ونحوه أي فاعتبر عقله باقيًا، ووجب عليه الفرائض زجرًا له. م: (واختيار الكرخي والطحاوي أنه) ش: أي طلاق السكران م: (لا يقع وهو أحد قولي الشافعي لأن صحة القصد بالعقل وهو زائل فصار كزواله بالبنج والدواء) ش:، أي كزوال العقل باستعمال البنج وشرب الدواء، فإن فيهما لا يقع الطلاق بالاتفاق. وكذا إذا أكل الأفيون أو شرب لبن الرمكة فسكر به، والبنج تعريب - بنك - قال في المغرب: وهو نبت له حب يسكر، وقيل: يثبت ورقه وقشره وبزره. وفي " القانون ": هو سم يخلط العقل ويبطل الذكر ويحدث جنونًا وخناقًا. م: (ولنا أنه زال بسبب هو معصية فجعل) ش: أي عقله م: (باقيًا حكمًا زجرًا له) ش: أي عقوبة عليه. قيل في كلامه تسامح، لأنه جعل العقل زائلًا بالسكر وليس كذلك عندنا لأنه مخاطب ولا خطاب بلا عقل بل هو مغلوب. وأجيب: بأن المغلوب كالمعدوم، فلذلك أطلق عليه الزوال. ويقال: ولئن سلمنا أنه زوال ولكنه حاصل بسبب هو معصية فلم يؤثر في إسقاط ما بني على التكليف، بل يجعل باقيًا زاجرًا وتنكيلًا، ألا ترى أنه ألحق بالصاحي في حق وجوب القصاص، وحد القذف حتى لو قتل أو قذف في هذه الحالة يجب القصاص وحد القذف، فلأن يلحق بالصاحي فيما لا يسقط بالشبهة أولى. واعترض بوجهين أن شرب المسكر كسفر المعصية فما بال السفر صار سببًا للتخفيف دون شرب المسكر. والثاني: أنه لما جعل العقل باقيًا في الطلاق حكمًا زاجرًا له كانت الردة والإقرار بالحدود أولى لأن الزجر والعقوبة هناك أتم. وأجيب عن الأول: بأن الشراب نفسه معصية ليس فيه إن كان انفصال ولا جهة إباحة يصلح لإضافة التخفيف. وعن الثاني: بأن الركن في الردة الاعتقاد، والسكران غير معتقد لما يقول فلا نحكم بردته، لانعدام ركنها للتخفيف عليه بعد تقرر السبب، وأما الإقرار بالحدود فإن السكران لا يثبت على شيء مما أقر به، فيؤثر فيما يحتمل الرجوع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 حتى لو شرب فصدع وزال عقله بالصداع نقول إنه لا يقع طلاقه وطلاق الأخرس واقع بالإشارة، لأنها صارت معهودة، فأقيمت مقام العبارة دفعا للحاجة، وستأتيك وجوهه في آخر الكتاب إن شاء الله. وطلاق الأمة ثنتان، حرا كان زوجها أو عبدا، وطلاق الحرة ثلاث، حرا كان زوجها أو عبدا. وقال الشافعي - رحمه لله -: عدد الطلاق معتبر بحال الرجال   [البناية] م: (حتى لو شرب فصدع وزال عقله بالصداع، نقول: إنه لا يقع طلاقه) ش: لأن حكمه يصير كحكم الإغماء. [طلاق الأخرس] م: (وطلاق الأخرس واقع بالإشارة) ش: إن كانت له إشارة تعرف في نكاحه وطلاقه وعتاقه وبيعه وشرائه يقع استحسانًا، سواء قدر على الكتابة أم لا. وبه قال الشافعي ومالك لأنه يحتاج إلى ما يحتاج إليه الناطق، ولو لم يجعل إشارته كعبارة الناطق لأدى إلى الحرج وهو مدفوع شرعًا. وقال شمس الأئمة السرخسي في " المبسوط ": وإن كان الأخرس لا يكتب وكانت له إشارة في الأشياء التي ذكرناها فهو جائز استحسانًا، وفي القياس: لا يقع شيء من ذلك بإشارته لا يستبين من إشارة الأخرس حروف منظومة، فبقي مجرد قصد الإيقاع، وبهذا لا يقع. وإن لم يكن له إشارة معلومة تعرف ذلك منه أو يشك فيه فهو باطل، لعدم الوقوف على مراده. وفي " الينابيع ": هذا إذا ولد أخرس أو طرأ عليه ودام، وإن لم يدم لم يقع طلاقه. وقال قتادة: يطلق ولي الأخرس ومثله عن الحسن البصري. م: (لأنها) ش: أي لأن إشارة الأخرس م: (صارت معهودة فأقيمت مقام العبارة دفعًا للحاجة) ش: أي لأجل دفع حاجته م: (وستأتيك وجوهه) ش: أي وجوه طلاق الأخرس م: (في آخر الكتاب) ش: أي في آخر كتاب " الهداية " لا في آخر كتاب الطلاق. م: (وطلاق الأمة ثنتان) ش: أنث الطلاق باعتبار التطليق م: (حرًا كان زوجها أو عبدًا. وطلاق الحرة ثلاث حرًا كان زوجها أو عبدًا) ش: وهو قول علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - رواه ابن حزم في " المحلى "، فقال: ولا يثبت ذلك عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. م: (وقال الشافعي عدد الطلاق معتبر بحال الرجال) ش: والعدة بالنساء، وبه قال مالك في " الموطأ "، وعند أصحابنا عدة الطلاق معتبرة بالنساء وكذا العدة، وبه قال سفيان وأحمد وإسحاق. وثمرة الخلاف تظهر في حرة تحت عبد، أو في أمة تحت حر، ولا خلاف في حرة تحت حر أو في أمة تحت عبد، وقال السروجي: قال داود وهمام وقتادة ومجاهد والحسن البصري وابن سيرين وعكرمة ونافع وعبيدة السليماني ومسروق وحماد بن أبي سليمان والحسن بن جني والثوري والنخعي والشعبي: يطلق العبد الحرة ثلاثًا، وتعتد بثلاث حيض، ويطلق الحر الأمة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطلاق بالرجال والعدة بالنساء» ، ولأن صفة المالكية كرامة، والآدمية مستدعية لها، ومعنى الآدمية في الحر أكمل، فكانت مالكيته أبلغ وأكثر. ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان» ،   [البناية] ثنتين وتعتد بحيضتين، وعند الأئمة الثلاث مالك والشافعي وأحمد: يطلق الحر الأمة ثلاثًا وتعتد بحيضتين، ويطلق العبد الحرة ثنتين وتعتد بثلاث حيض، حرر ذلك الرافعي وصاحب " الأنوار " وابن حزم عنهم. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطلاق بالرجال والعدة بالنساء» هذا الحديث غريب مرفوعًا، ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " موقوفًا على ابن عباس، ورواه الطبراني في " معجمه " موقوفًا على ابن مسعود. ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " موقوفًا على عثمان، وزيد بن ثابت، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وجه الاستدلال به أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قابل الطلاق بالعدة على وجه يختص كل واحد منهما بجنس على حدة، ثم اعتبار العدة بالنساء من حيث القدر، فيجب أن يكون اعتبار الطلاق بالرجال من حيث القدر، وتحقيقًا للمقابلة. وأشار المصنف إلى تعليله بقوله م: (لأن صفة المالكية) ش: أي كون الشخص مالكًا م: (كرامة، والآدمية مستدعية لها) ش: أي الكرامة بتكريم الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] (الإسراء: الآية 70) م: (ومعنى الآدمية في الحر أكمل) ش: فإن العبد يشتمل على جهة الآدمية والمالكية، ولهذا يباع في الأسواق كما تباع الدواب والثياب، وتجب القيمة في قتله، كما في البهيمة م: (فكانت مالكيته أبلغ وأكثر) ش: وقال الأكمل: فإن قلت: الدليل أخص من المدعي إذ المدعي أن الطلاق بالزوج حرًا كان أو عبدًا، والدليل يدل على أن الزوج إذا كان حرًا كان مالكًا. قلت: إذا ثبت ذلك للحر ثبت للعبد لعدم القائل بالفصل. م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان» : ش: وهذا الحديث روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، أخرجه الترمذي وابن ماجه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 ولأن حل المحلية نعمة في حقها وللرق أثر في تنصيف النعم، إلا أن العقدة لا تتجزأ فتكامل عقدتان. وتأويل ما روى أن الإيقاع بالرجال.   [البناية] وقال أبو داود بعد أن أخرجه: هذا الحديث مجهول، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث مظاهر بن أسلم، لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث. ونقل الذهبي في " ميزانه " تضعيف مظاهر عن أبي عاصم النبيل ويحيى بن معين وأبي حاتم والرازي والبخاري، ونقل توثيقه عن ابن حبان. قلت: التوثيق أقوى لأن الأصل في الراوي العدالة. وأخرج ابن ماجه هذا الحديث عن ابن عمر مرفوعًا نحوه سواء، ورواه البزار في " مسنده " والطبراني في " معجمه " والدارقطني في سننه ". وقال الدارقطني: تفرد به عمر بن مسيب وهو ضعيف لا يحتج بروايته والصحيح ما رواه نافع وسالم عن ابن عمر من قوله، وأخرج الحاكم هذا من حديث ابن عباس، وقال: الحديث صحيح ولم يخرجاه. وقال ذلك بعد أن خرج حديث عائشة، وقال: مظاهر بن أسلم شيخ من البصرة ولم يذكره أحد من متقدمي مشايخنا. وجه الاستدلال بهذا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذكر الأمة بلام التعريف ولم يكن ثمة معهود، فكان للجنس، وهو يقتضي أن يكون طلاق هذا الجنس اثنتين، فلو كان اعتبار الطلاق بالرجال لكان بعض الإماء ثنتين، ولم تبق اللام للجنس. فإن قيل: يجوز أن يكون المراد بها الأمة تحت العبد علمًا بالحديثين. أجيب: بأنه يقتضي أن تكون الهاء في عدتها عائدًا لها، فيكون تخصيصًا لها بكون عدتها حيضتين، إذ لا مرجع للضمير سواها، وليس كذلك، فإن عدة الأمة حيضتين سواء كان حرًا أو عبدًا بالاتفاق، وفيه نظر لجواز أن يكون من باب الاستخدام، ويكون المراد بالأمة أمة تحت عبد، والضمير عائد إلى مطلق الأمة. والجواب أن ذلك خطابية لا يجري في مقام الاستدلال. م: (ولأن حل المحلية) ش: أي حل أن تكون المرأة محلًا للنكاح م: (نعمة في حقها) ش: أي في حق المرأة، لأنها تتوصل بذلك إلى دور النفقة والسكنى والازدواج وتحصين الفرج وغيرها م: (وللرق أثر في تصنيف النعم) ش: فيكون للحر أزيد منه للعبد ولا يملك العبد من التزوج أكثر من اثنتين، فكذا في حق النساء، فإنه لا يتزوج مع الحرة ولا بعد هذا، كأنه جواب عما يقال لما كان حل المحلية نعمة في حق الحرة وجب تنصيفه في حق الأمة بتطليقة ونصف، فأجاب بقوله م: (إلا أن العقدة) ش: أي التطليقة م: (لا تتجزأ) ش: أي لا يمكن تجزئتها م: (فتكامل عقدتين) ش: أي تطليقتين. م: (وتأويل ما روى) ش: أي الشافعي م: (أن الإيقاع بالرجال) ش: يعني قوله الطلاق بالرجال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 وإذا تزوج العبد امرأة بإذن مولاه وطلقها وقع طلاقه، ولا يقع طلاق مولاه على امرأته، لأن ملك النكاح حق العبد فيكون الإسقاط إليه دون المولى.   [البناية] أي إيقاع الطلاق بالرجال، فإن قيل: هذا معلوم فلا يحتاج إلى ذكره. أجيب: بل كان إلى ذكره حاجة لأن المرأة في الجاهلية إذا كرهت الزوج غيرت البيت، وكان ذلك طلاقًا منها، فرفع ذلك بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الطلاق بالرجال» . م: (وإذا تزوج العبد امرأة بإذن مولاه وطلقها وقع طلاقه، ولا يقع طلاق مولاه على امرأته، لأن ملك النكاح حق العبد فيكون الإسقاط إليه دون المولى) ش: لأن ملك النكاح من خواص الآدمية والعبد فبقي فيها على أصل الحرية، فكان يجب أن يملك النكاح بدون إذن مولاه، لكن لو قلنا به لتضرر المولى فتركناه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305 باب إيقاع الطلاق الطلاق على ضربين: صريح وكناية. فالصريح قوله: أنت طالق، ومطلقة، وطلقتك، فهذا يقع به الطلاق الرجعي، لأن هذه الألفاظ تستعمل في الطلاق ولا تستعمل في غيره، فكان صريحا، وأنه يعقب الرجعة بالنص، ولا يفتقر إلى النية، لأنه صريح فيه، لغلبة الاستعمال. وكذلك إذا نوى الإبانة لأنه قصد تنجيز ما علقه الشرع بانقضاء العدة فيرد عليه. ولو نوى الطلاق عن وثاق لم يديّن في القضاء.   [البناية] [باب إيقاع الطلاق] [أنواع الطلاق] م: (باب إيقاع الطلاق) ش: (أي هذا باب في بيان إيقاع الطلاق. ولما ذكر أصل الطلاق ووصفه شرع في بيان تنوعه من حيث الإيقاع على ما يجيء بيانه مفصلًا إن شاء الله تعالى. م: (الطلاق) ش: أي التطليق م: (على ضربين: صريح) ش: أي أحدهما: صريح وهو ما ظهر المراد به ظهورًا بينًا، بحيث يسبق إلى فهم السامع مراده م: (وكناية) ش: أي والثاني كناية وهي ما لا يظهر المراد منه إلا بنية. ثم الطلاق لا يقع بمجرد العزم والنية عند أئمة العرب وأصحابهم، وقال الزهري: يقع بمجرد العز والنية من التطليق. م: (فالصريح قوله) ش: أي قول الرجل لامرأته م: (أنت طالق ومطلقة وطلقتك، فهذا يقع به الطلاق الرجعي) ش: أي الطلاق الرجعي م: (لأن هذه الألفاظ تستعمل في الطلاق ولا تستعمل في غيره فكان صريحًا وأنه يعقب الرجعة بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] (البقرة: 228) سماه بعلًا فدل على أن الطلاق الرجعي لا يبطل الزوجية. فإن قلت: لفظ الرد يدل على زوال ملكه. قلت: أطلق اسم الرد بعد انعقاد سبب زوال الملك، فيكون رد السبب من إثبات زوال الملك، ويكون فسخًا للسبب، ويطلق الرد على الفسخ كما يقال: رده بالعيب وأنه فسخ. م: (ولا يفتقر إلى النية لأن صريح فيه لغلبة الاستعمال) ش: أي على الطلاق ولا دلالة على البينونة، وهذا بإجماع الفقهاء. وقال داود: يفتقر الصريح إلى النية لاحتمال غير الطلاق. قلت: هذا الاحتمال مرجوح، فلا يعتبر نفي الاستعمال في الطلاق والنية في تعيين المبهم والإبهام فيه م: (وكذا) ش: أي وكذا يكون معقبًا للرجعة م: (إذا نوى الإبانة) ش: بلفظ الصريح م: (لأنه قصد تنجيز ما علقه الشرع بانقضاء العدة فيرد عليه) ش: كالوارث إذا قتل مورثه يحرم الميراث، لأنه قصد تعجيل ما أخره الشرع. م: (ولو نوى الطلاق عن وثائق) ش: بفتح الواو وكسرها لغتان، والأفصح الفتح، يعني لو نوى الطلاق عن قيد م: (لم يدين في القضاء) ش: يعني لم يصدق قضاء. وفي المغرب: قولهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 لأنه خلاف الظاهر، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يحتمله. ولو نوى به الطلاق عن العمل لم يدين في القضاء، ولا فيما بينه وبين الله تعالى، لأن الطلاق لرفع القيد وهو غير مقيد بالعمل. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يستعمل للتخليص. ولو قال: أنت مطلقة - بتسكين الطاء - لا يكون طلاقا إلا بالنية لأنها غير مستعملة فيه عرفا فلم يكن صريحا. قال: ولا يقع به إلا واحدة.   [البناية] يدين أي يصدق م: (لأنه خلاف الظاهر) ش: أي لأن نية الطلاق عن وثائق خلاف الظاهر فلا يصدق قضاء م: (ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه) ش: أي لأن كلامه م: (يحتمله) ش: والله مطلع على نيته م: (ولو نوى به) ش: بقوله طالق م: (الطلاق عن العمل لم يدين في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى، لأن الطلاق لرفع القيد، وهو غير مقيد بالعمل) ش: بالتذكير. قال الأكمل: وهو قيد بتأويل الشخص أو الذات، وليس بشيء، بل الضمير يعود إلى القيد الذي يرفعه الطلاق وهو النكاح. وقال الأترازي: وهو غير مقيد بالعمل بالنكاح فلا يصح بنية الطلاق عن العمل أصلًا، لا قضاء ولا ديانة. والمعنى أي الزوج غير مقيد المرأة بالعمل فلا تصح نية الطلاق عن العمل أصلًا. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أن يدين فيما بينه وبين الله تعالى) ش: هذه رواية رواها الحسن عن أبي حنيفة م: (لأنه) ش: أي لأن الطلاق م: (يستعمل للتخليص) ش: فكان معناه أنت مخلصة عن العمل، وهذا إذا لم يصرح بذكره. أما إذا قال: أنت طالق من عمل كذا موصولًا صدق ديانة وقضاء رواية واحدة. م: (ولو قال: أنت مطلقة - بتسكين الطاء - لا يكون طلاقًا إلا بالنية، لأنها غير مستعملة فيها عرفًا، فلم يكن صريحًا) ش: إذا لم يكن صريحًا كان كناية لعدم الواسطة، والكناية تحتاج إلى النية. ولو قال بالطاء أي طالق لا يقع وإن نوى. ولو قال: أنت طالق من هذا القيد لم تطلق لأنه لم يرد به قيد النكاح. ولو قال: أنت طالق ثلاثًا من هذا القيد طلقت ثلاثًا ولا يصدق في القضاء في ترك الطلاق لأنه لا يتصور رفع هذا القيد ثلاث مرات، وإنما يرتفع ثلاث مرات قيد النكاح. وفي " الذخيرة ": لو قال: أنت طالق من قيد أو غل أو عمل ذكر هذه المسألة في موضعين، فأجاب في أحدهما: أن لا يقع في القضاء، وأجاب في الأخرى أنه يقع في القضاء. وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لو قال: أنت طالق من هذا القيد أو من هذا العمل لم تطلق، وإن قال: ثلاثًا تطلق ثلاثًا كما تقدم. م: (قال: ولا يقع به إلا واحدة) ش: هذا من كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - متصل بقوله: فهذا يقع به الطلاق الرجعي: أي لا تقع بكل واحد من الألفاظ الثلاث المذكورة إلا واحدة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 وإن نوى أكثر من ذلك، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقع ما نوى، لأنه محتمل لفظه. فإن ذكر الطالق ذكر للطلاق لغة؛ كذكر العالم ذكر للعلم، ولهذا يصح قران العدد به فيكون نصبا على التمييز. ولنا أنه نعت فرد حتى قيل للمثنى طالقان، وللثلاث طوالق، فلا يحتمل العدد، لأنه ضده وذكر الطالق ذكر للطلاق هو صفة للمرأة لا الطلاق والطلاق هو تطليق، والعدد الذي يقترن به نعت لمصدر محذوف، معناه طلاقا ثلاثا، كقوله: أعطيته جزيلا، أي عطاء جزيلا.   [البناية] م: (وإن نوى أكثر من ذلك) ش: كلمة إن واصلة بما قبله وهذا قول الحسن البصري وعمرو بن دينار والأوزاعي والثوري وأبي سليمان وأبي ثور. م: (وقال الشافعي: يقع ما نوى) ش: من ثنتين أو ثلاث، وبه قال مالك، والليث وزفر وأحمد في رواية وهو مذهب الظاهرية، وهو قول أبي حنيفة الأول، ولم يرتضيه ورجع عنه، ذكره في " المبسوط ". وفي " البدائع ": وهو غير ظاهر الرواية، م: (لأنه محتمل لفظه فإن ذكر الطالق) ش: يعني لفظ الطالق م: (ذكر للطلاق لغة) ش: لكون لفظ الطالق نعته وهو لا يتحقق بدون المشتق منه م: (كذكر العالم ذكر للعلم) ش: لأن ذكر النعت يقتضي وصفًا ثابتًا بالموصوف لغة، فإن ذكر العالم ذكر لعلم قام بالموصوف لا بالواصف. م: (ولهذا) ش: أي ولكونه محتمل لفظه م: (يصح قران العدد به) ش: أي بقوله: أنت طالق م: (فيكون) ش: أي العدد م: (نصبًا على التمييز) ش: والتمييز من محتملات اللفظ لما صح التمييز. م: (ولنا أنه) ش: أي قوله: أنت طالق م: (نعت فرد حتى قيل للمثنى طالقان وللثلاث طوالق، فلا يحتمل العدد) ش: أي النعت الفرد لا يحتمل العدد م: (لأن الضد لا يحتمل الضد، وذكر الطالق) ش: جواب عن قوله: فإن م: (ذكر الطالق ذكر للطلاق) ش: لغة، وتقديره بأن ذكر الطلاق م: (هو صفة للمرأة) ش: لأنه نعت من الثلاثي، وهو يدل على طلاق يكون صفة للمرأة م: (لا للطلاق) ش: يعني ليس بصفة الطلاق م: (هو تطليق) ش: يعني الطلاق الذي هو بمعنى التطليق كسلام بمعنى التسليم، ومحل النية هو الثاني لأنه فعل الرجل دون الأول لأنه وصف ضرورة تتصف به المرأة ليس بفعل الزوج، لكنه يقتضي الثاني تصحيحًا له، فكان ثابتًا ضرورة صحة الكلام مقتضى، ولا عموم له. م: (والعدد الذي يقترن به) ش: جواب عن قوله: ولهذا يصح قران العدد به: تقريره أن العدد الذي يقرن، أي بقوله: أنت طالق م: (نعت لمصدر محذوف معناه طلاقًا ثلاثًا) ش: يعني أنت طالق طلاقًا ثلاثًا، فلا يدل على وقوع الثلاث إلا لمصدر المحذوف الموصوف بالثلاثة لا قوله: أنت طالق، ثم مثل لوقوع المصدر المحذوف المنعوت بقوله م: (كقوله) ش: أي كقول القائل م: (أعطيته جزيلًا أي عطاء جزيلًا) ش: فالذي دل على هذا، كثرة العطاء هو المصدر المحذوف المنعوت، لا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 ولو قال: أنت الطلاق، أو أنت طالق الطلاق، أو أنت طالق طلاقا، فإن لم تكن له نية أو نوى واحدة أو ثنتين فهي واحدة رجعية، وإن نوى ثلاثا فثلاث. ووقوع الطلاق باللفظة الثانية والثالثة ظاهر، لأنه لو ذكر النعت وحده يقع به الطلاق، فإذا ذكره وذكر المصدر معه وأنه يزيده وكادة أولى وأما وقوعه باللفظة الأولى فلأن المصدر قد يذكر ويراد به الاسم، يقال: رجل عدل: أي عادل، فصار بمنزلة قوله: أنت طالق، وعلى هذا لو قال: أنت طلاق يقع الطلاق به أيضا،   [البناية] قوله أعطيته لأنه لا يدل إلا على مجرد الإعطاء فافهم. [قال أنت الطلاق أو أنت طالق الطلاق أو أنت طالق طلاقًا] م: (ولو قال: أنت الطلاق أو أنت طالق الطلاق أو أنت طالق طلاقًا، فإن لم تكن له نية أو نوى واحدة) ش: أي أو نوى بواحد من هذه الألفاظ الثلاث طلقة واحدة م: (أو اثنتين) ش: أي أو نوى طلقتين م: (فهي) ش: أي الطلقة بهذه الألفاظ طلقة م: (واحدة رجعية) ش: فوقع الطلاق بهذه الألفاظ ظاهرًا لأنها صريحة في الطلاق لغلبة الاستعمال فيه م: (وإن نوى ثلاثًا) ش: أي ثلاث طلقات طلقة م: (فثلاث. ووقوع الطلاق باللفظة الثانية) ش: وهو قوله أنت طالق الطلاق م: (والثالثة) ش: أي وقوع الطلاق باللفظة الثالثة، وهو قوله: أنت طالق طلاقًا م: (ظاهر) ش: بالرفع خبر لقوله ووقع الطلاق. م: (لأنه) ش: أي لأن الرجل م: (لو ذكرت النعت) ش: أي الصفة م: (وحده يقع به الطلاق فإذا ذكره) ش: أي فإذا ذكر النعت م: (وذكر المصدر معه) ش: أي مع النعت م: (وأنه) ش: أي والحال أن ذكر المصدر مع النعت م: (يزيده وكادة) ش: أي يزيد المصدر وكادة، أي تأكيدًا كقولك قمت قيامًا، وقعدت قعودًا، وقوله م: (أولى) ش: جواب إذا. م: (أما وقوعه باللفظة الأولى) ش: وهو قوله أنت الطلاق م: (فلأن المصدر قد يذكر ويراد به الاسم، يقال: رجل عدل، أي عادل) ش: للمبالغة م: (فصار) ش: أي قوله: أنت الطلاق م: (بمنزلة قوله أنت طالق) ش: م: (وعلى هذا لو قال: أنت طلاق، يقع الطلاق به أيضًا) ش: لأنه بمعنى طالق، والخلاف في قوله أنت الطلاق صريح أو كناية، فعندنا ومالك والشافعي في قول صريح. وقال الشافعي: أنها كناية، وبه أخذ القفال. فإن قلت: أنت الطلاق لو كان بمنزلة أنت طالق لما صح فيه نية الثلاث، كما لا يصح في أنت طالق. قلت: أجيب: بأن نية الثلاث إنما لا يصح في طالق، لأنه نعت فرد كما تقدم، وأما الطلاق فهو مصدر في أصله، وإن وصفت به يلمح فيه جانب المصدرية، وصحت نية الثلاث. وقال الطحاوي في " مختصره ": فلو قال: أنت طالق لم يكن أكثر من واحدة وإن نوى أكثر منها، وفرق بينه وبين أنت الطلاق للتعريف، وليس ذلك بمشهور بين أصحابنا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 ولا يحتاج فيه إلى النية، ويكون رجعيا لما بينا أنه صريح الطلاق لغلبة الاستعمال فيه، وتصح نية الثلاث، لأن المصدر يحتمل العموم والكثرة لأنه اسم جنس فيعتبر كسائر أسماء الأجناس، فيتناول الأدنى مع احتمال الكل ولا تصح نية الثنتين فيها، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. هو يقول: إن الثنتين بعض الثلاث فلما صحت نية الثلاث، صحت نية بعضها ضرورة، ونحن نقول: نية الثلاث إنما صحت لكونها جنسا حتى لو كانت المرأة أمة تصح نية الثنتين باعتبار معنى الجنسية، أما الثنتان في حق الحرة عدد، واللفظ لا يحتمل العدد، وهذا لأن معنى التوحد مراعى في ألفاظ الوحدان، وذلك إما بالفردية أو الجنسية، والمثنى بمعزل منهما.   [البناية] م: (ولا يحتاج فيه إلى النية، ويكون رجعيًا لما بينا، أنه صريح الطلاق لغلبة الاستعمال فيه، وتصح نية الثلاث لأن المصدر يحتمل العموم والكثرة لأنه اسم جنس) ش: يتناول القليل والكثير م: (فيعتبر كسائر أسماء الأجناس فيتناول الأدنى) ش: وهو الواحد م: (مع احتمال الكل ولا تصح نية الثنتين فيها خلافًا لزفر) ش: فإنه يقول: يصح نية الثنتين وبه قال الشافعي ومالك. م: (هو) ش: أي زفر م: (يقول: إن الثنتين بعض الثلاث، فلما صحت نية الثلاث) ش: بالإجماع م: (صحت نية بعضها ضرورة) ش: لأن المصدر يحتمل الواحدة والاثنين، ولهذا يصح أن يوصف به، فتصح النية، لأنه يحتمل لفظه. ويقول زفر: قال مالك والشافعي م: (ونحن نقول) ش: يعني في جواب زفر م: (نية الثلاث إنما صحت لكونه جنسًا) ش: أي لكون الثلاث جنسًا للطلاق من حيث العددية م: (حتى لو كانت المرأة أمة تصح نية الثنتين باعتبار معنى الجنسية في حقها) ش: لأن ذاك جنس طلاقها م: (أما الثنتان في حق الحرة عدد) ش: أي عدد محض لا واحد حقيقة، ولا واحد اعتبارًا م: (واللفظ) ش: أي لفظ الاثنين م: (لا يحتمل العدد) ش: لعدم صدق حد العدد عليه. م: (وهذا) ش: أي كون اللفظ لا يحتمل العدد م: (لأن معنى التوحد مراعى في ألفاظ الوحدان) ش: بضم الواو جمع واحد، قال الجوهري: الواحد أصل العدد، والجمع وحدان مثل شاب وشبان، ومراعاة التوحد إما باعتبار الذات كزيد وإما باعتبار النوع كرجل، وإما باعتبار الجنس كالحيوان، ولا تنوع في لفظ الطلاق. فلا بد من مراعاة التوحد فيه. م: (وذلك) ش: أي مراعاة التوحد يكون بأحد الأمرين م: (إما بالفردية) ش: بطريق الحقيقة أو بطريق الاعتبار، وأشار إليه بقوله م: (أو الجنسية) ش: وهو بطريق الاعتبار كما قلنا إن صحة النية في الثلاث بقوله أنت طالق باعتبار أن الثلاث جنس طلاقها وهو واحد اعتبارًا عند تعدد الأجناس، فصحت النية بالثلاث باعتبار أن الثلاث واحد لا باعتبار أنها عدد م: (والمثنى بمعزل منهما) ش: أي الاثنان بمعزل من الفردية والجنسية، لأنه لم يوجد فيه معنى التوحيد لا بحسب الذات ولا بحسب الجنسية، ومعنى بمعزل بعيد عنه. وقال ابن دريد: يقال أنا عن هذا الأمر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310 ولو قال: أنت طالق الطلاق، وقال أردت بقولي طالق واحدة، وبقولي: الطلاق أخرى يصدق، لأن كل واحد منهما صالح للإيقاع، فكأنه قال: أنت طالق، وطالق فتقع رجعيتان. إذا كانت مدخولا بها، وإذا أضاف الطلاق إلى جملتها، أو إلى ما يعبر به عن الجملة وقع الطلاق، لأنه أضيف إلى محله، وذلك مثل أن يقول أنت طالق، لأن التاء ضمير المرأة، أو يقول: رقبتك طالق، أو عنقك طالق، أو رأسك طالق، أو روحك أو بدنك أو جسدك أو فرجك أو وجهك؛ لأنة يعبر بها عن جميع البدن، أما الجسد والبدن فظاهر، وكذا غيرهما. قال الله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] (النساء: 92) وقال: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] (الشعراء: 4) .   [البناية] بمعزل أي متنح. [قال أنت طالق الطلاق وقال أردت بقولي طالق واحدة] م: (ولو قال: أنت طالق الطلاق، وقال: أردت بقولي طالق واحدة، وبقولي الطلاق أخرى) ش: أي طلقة أخرى م: (يصدق لأن كل واحد منهما) ش: أي من قوله: طالق ومن قوله: الطلاق م: (صالح للإيقاع) ش: بإضمار أنت م: (فكأنه قال: أنت طالق وطالق فتقع رجعيتان) ش: أي طلقتان رجعيتان م: (إذا كانت مدخولًا بها) ش: وإن كانت غير مدخول بها ألغي الثاني، وهو قياس قول الشافعي. وقال الأترازي: هكذا نقله في " شرح الجامع الصغير " عن الفقيه أبي جعفر، وذلك مروي عن أبي يوسف ومنعه فخر الإسلام البزدوي لأن طالق نعت وطلاقًا مصدره، فلا يقع إلا واحدة، وكذا في أنت طالق الطلاق. م: (وإذا أضاف الطلاق إلى جملتها) ش: أي إلى جملة المرأة مثل قوله: أنت طالق، لأن التاء ضمير المرأة م: (أو إلى ما يعبر به عن الجملة) ش: أي أو أضاف الطلاق إلى ما يعبر به عن الجملة مثل قوله: رقبتك طالق م: (وقع الطلاق لأنه أضيف إلى محله) ش: أي لأن الطلاق أضيف إلى محله وهي المرأة، لأن التاء ضمير المخاطبة وهي عبارة عن المرأة م: (وذلك) ش: إشارة إلى قوله: لأنه أضيف إلى محله. م: (مثل أن يقول: أنت طالق لأن التاء ضمير المرأة) ش: وهي عبارة عنها كما ذكر م: (أو يقول) ش: بالنصب عطفًا على قوله أن يقول (رقبتك طالق أو عنقك طالق، أو رأسك طالق، أو روحك أو بدنك أو فرجك أو جسدك أو وجهك لأنه يعبر بها) ش: أي بهذه الألفاظ م: (عن جميع البدن أما الجسد والبدن فظاهر) ش: لأنهما عبارة عن جملة المرأة م: (وكذا غيرهما) ش: أي غير الجسد والبدن من الألفاظ المذكورة ظاهر. ثم شرع في بيان ذلك ويوضحه بقوله: (قال الله تعالى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) ش: أي تحرير مملوك ولم يرد الرقبة بعينها م: (وقال الله تعالى: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] ش: (الشعراء: الآية4) وأراد بالأعناق الذوات، ولهذا لم يقل: خاضعة ولو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311 وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " لعن الله الفروج على السروج " ويقال: فلان رأس القوم ويا وجه العرب، وهلك روحه بمعنى نفسه. ومن هذا القبيل الدم.   [البناية] أريد بها حقيقة العنق لقيل خاضعة م: (وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لعن الله الفروج على السروج» وأراد بالفروج النساء، وهذا الحديث غريب جدًا. وقال مخرج الأحاديث ولهذا بعد شيخنا علاء الدين حيث استشهد بحديث أخرجه ابن عدى في " الكامل " قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ذوات الفروج أن يركبن السروج» فإن المصنف استدل بالحديث المذكور على أن الفروج هي الأعضاء التي يعبر بها عن جملة المرأة كالوجه والعنق بحيث يقع الطلاق باستناده إليه. وحديث ابن عدي أجنبي عن ذلك، وأخرج ابن عدي أيضًا عن علي بن علي المزني عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذوات الفروج أن يركبن السروج» ، وضعفه يعلى بن أبي علي، وقال: إنه مجهول. م: (ويقال: فلان رأس القوم) ش: أي كبيرهم، وليس المراد به العضو، بل الشخص وكذا يقال: فلان أعتق كذا وكذا رأسًا، ويقال: أمري حسن ما دام رأسك سالمًا. لكن هذا فيما إذا تكلم بإضافة الرأس: أما إذا قال: رأسك طالق والرأس منك طالق، ووضع يده على رأسها، وقال: هذا العضو منك طالق، فقال شمس الأئمة السرخسي في " شرح الكافي ": لا يقع بشيء ووجهه أن لا يراد به الذات م: (ويا وجه العرب) ش: أي أنت وجه، لأن الاستعمال شائع بين العرب بقول بعضهم لبعض: يا وجه، ويريدون به الذات، وقال الله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] أي ذاته م: (وهلك روحه بمعنى نفسه) ش: أراد به الذات. وفي " الينابيع ": أي أن إضافة إلى العضو لا يبقى الإنسان بفقده يقع وإن كان يبقى بفقده ولا يقع، ومثله في العتق لا يبقى الإنسان بفقده وقيل يرد عليه القلب، قال المرغيناني: لا رواية في القلب. وفي " المحيط ": وإن كان عضو لا يعبر به عن البدن لا يقع، وإن نوى ولو قال بعضك طالق ذكر شمس الأئمة السرخسي أنها لا تطلق، وذكر شمس الأئمة الحلواني أنها تطلق، وفي " الزيادات " لو قال: وبرك طالق لا يقع، وفي خزانة الأكمل: لو قال: إستك طالق يقع عند أبي يوسف كما لو قال فرجك. وفي " الروضة ": لو قال: إستك طالق يقع ولم يحك خلافًا، ولا قول لأحمد، ولو قال: خرتك طالق، أو بلغمك أو ظفرك أو إصبعك أو شعرك لا يقع م: (ومن هذا القبيل الدم) ش: أي مما يعبر به عن جملة البدن الدم، بأن قال: دمك طالق أنه يقع في رواية هي رواية كتاب الكفالة، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 في رواية، يقال: دمه هدر ومنه النفس وهو ظاهر، وكذا إن طلق جزءا شائعا منها مثل أن يقول نصفك طالق أو ثلثك طالق، لأن الجزء الشائع محل لسائر التصرفات كالبيع وغيره، فكذا يكون محلا للطلاق، إلا أنه لا يتجزأ في حق الطلاق، فيثبت في الكل ضرورة. ولو قال: يدك طالق أو رجلك طالق لم يقع الطلاق، وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: يقع، وكذا الخلاف في كل جزء معين لا يعبر به عن جميع البدن.   [البناية] فإنه لو غل بدم الإنسان يصح وأشار في كتاب العتاق أن إضافة الطلاق إلى الدم لا تصح فإنه لو قال: دمك حر لا يعتق، وإنما قال من هذا القبيل لأن القدوري لم يذكر هذا. م: (يقال دمه هدر) ش: يراد به أن نفسه هدر م: (ومنه) ش: أي ومن هذا القبيل م: (النفس وهو ظاهر) ش: لأن النفس عبارة عن الذات م: (وكذا) ش: أي وكذا يقع الطلاق م: (إن طلق جزءًا شائعًا منها مثل أن يقول: نصفك طالق أو ثلثك طالق لأن الجزء الشائع محل لسائر التصرفات كالبيع وغيره) ش:. نحو الوصية م: (فكذلك يكون محلًا للطلاق، إلا أنه لا يتجزأ في حق الطلاق فيثبت في الكل) ش: أي يثبت الطلاق في كل المرأة م: (ضرورة) ش: أي لأجل الضرورة، وهو عدم إمكان التجزؤ. [قال يدك طالق أو رجلك طالق] م: (ولو قال: يدك طالق أو رجلك طالق، لم يقع الطلاق، وقال زفر والشافعي: يقع) ش: وبه قال مالك وأحمد. وفي السروجي: ولو أضاف الطلاق إلى يديها أو رجليها يقع عند بعض أصحابنا، بخلاف اليد الواحدة، وقال القاضي: الأشبه بمذهب أصحابنا أنه لو أراد باليد جميع البدن يقع. وقال شمس الأئمة سبط بن الجوزي في " الإنصاف ": لو نوى باليد جميع البدن يقع م: (وكذا الخلاف) ش: أي بيننا وبين زفر والشافعي م: (في كل جزء معين لا يعبر به عن جميع البدن) ش: كالأصبع واليد والرجل، وقد بقيت أعضاء لم تذكر وهي الأذن والحاجب والأنف والخد والصدر والثدي والسن والكتف والخاصرة والجنب والركبة والقدم والرئة والمرارة وغيرها مما يشبهها، ويؤخذ حكمها مما تقدم. وعند زفر والأئمة الثلاثة: يقع الطلاق في جميع ذلك إلا عند أحمد لا يقع في السن والظفر والشعر كقولنا، وفي البسيط: لا يقع بالإضافة إلى الجنين وفضلاتها كالبول والمني واللبن والمخاط والدمع والعرق، وفيه وجه أنه يقع إلا في الجنين، والدمع قيل كالفضلات ومنهم من قطع بالوقوع به وفي الأعضاء الباطنة كالكبد والرئة والقلب ونحوها يقع، وفي حياتها وروحها: يقع، وسمنها وشحمها تردد ولا حياة في الشحم، وفي الصفات كالحسن والقبح واللون لا يقع ولم يذكر الطول والعرض والقصر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 لهما أنه جزء مستمتع بعقد النكاح، وما هذا حاله يكون محلا لحكم النكاح فيكون محلا للطلاق فيثبت الحكم فيه قضية للإضافة ثم يسري إلى الكل، كما في الجزء الشائع، بخلاف ما إذا أضيف إليه النكاح لأن التعدي ممتنع إذ الحرمة في سائر الأجزاء تغلب الحل في هذا الجزء وفي الطلاق الأمر على القلب. ولنا أنه أضاف الطلاق إلى غير محله فيلغو كما إذا أضافه إلى ريقها أو ظفرها، وهذا لأن محل الطلاق ما يكون فيه القيد، لأنه ينبئ عن رفع القيد، ولا قيد في اليد ولهذا لا تصح إضافة النكاح إليه، بخلاف الجزء الشائع، لأنه محل للنكاح عندنا حتى تصح إضافته إليه، فكذا يكون محلا للطلاق.   [البناية] م: (لهما) ش: أي لزفر والشافعي م: (أنه) ش: أي أن الجزء المعين م: (جزء مستمتع بعقد النكاح وما هذا حاله) ش: أي الذي يكون الاستمتاع بعقد النكاح حاله م: (يكون محلًا لحكم النكاح) ش: وكل ما كان الشيء محلًا للنكاح. م: (فيكون محلًا للطلاق فيثبت الحكم) ش: أي حكم الطلاق م: (فيه) ش: أي في الاستمتاع م: (قضية للإضافة) ش: أي توقية لإضافة الطلاق فيه م: (ثم يسري إلى الكل) ش: أي إلى كل المرأة م: (كما في الجزء الشائع) ش: يسري إلى الكل م: (بخلاف ما إذا أضيف إليه النكاح) ش: هذا جواب عما يقال لو كان الجزء المعين محلًا لحكم النكاح، لانعقد النكاح إذا أضيف إليه، ثم يسري إلى الكل. فأجاب بقوله بخلاف ما إذا أضيف إليه النكاح. م: (لأن التعدي) ش: أي السراية م: (ممتنع إذ لحرمة في سائر الأجزاء تغلب الحل في هذا الجزء) ش: فيمنع من السريان م: (وفي الطلاق الأمر على القلب) ش: يعني مضي الطلاق على غلبة الحرمة في هذا الجزء تغلب الحل في سائر الأجزاء. م: (ولنا أنه أضاف الطلاق إلى غير محله فيلغو) ش: يعني لا يقع م: (كما إذا أضافه) ش: أي الطلاق م: (إلى ريقها) ش: بأن قال: ريقك طالق م: (أو ظفرها) ش: بأن قال ظفرك طالق م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن محل الطلاق ما يكون فيه القيد لأنه) ش: أي الطلاق. م: (ينبئ عن رفع القيد ولا قيد في اليد) ش: لأنه عبارة عن المنع مع القدرة عليه، واليد لا توصف بكونها قادرة عليه، فلا توصف بالقيد م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عدم معنى القيد فيها م: (لا تصح إضافة النكاح إليها) ش: فلو قال: نكحت يدك وقبلت المرأة لا ينعقد النكاح م: (بخلاف الجزء الشائع لأنه محل النكاح عندنا حتى تصح إضافته إليه) ش: أي إضافة النكاح إلى الجزء الشائع م: (فكذا يكون محلًا للطلاق) ش: وقد مر عن قريب. فإن قيل: قد جاء في الآية والحديث أن اليد تطلق على كل البدن، قال الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 واختلفوا في الظهر والبطن، والأظهر أنه لا يصح لأنه لا يعبر بهما عن جميع البدن. وإن طلقها نصف تطليقة أو ثلثها كانت طالقا تطليقة واحدة لأن الطلاق لا يتجزأ، وذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر الكل، وكذا الجواب في كل جزء سماه لما بينا.   [البناية] (المسد: الآية1) أي نفسه. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «على اليد ما أخذت حتى ترد» فلم لا يقع الطلاق باعتبار أنه يعبر عن الكل. قلنا: قد ذكر في " الإسراء " " والمبسوط " أراد به صاحب اليد على حذف المضاف، وفي الآية أضاف الهلاك إلى اليد لأنه أراد رمي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحجر، فكان ذلك دليلًا على أن المراد به جميع البدن. ولو كان في عرف القوم عبارة عن البدن يقع الطلاق بإضافته إلى اليد. والطلاق يبنى على العرف، حتى لو لم يكن في بلاد ذلك العرف لا يقع. ولهذا لو طلق النبطي بالفارسية يقع، والعربي إذا تكلم به وهو لا يدري ما هو لم تطلق. وهو باب لا مناقشة فيه. م: (واختلفوا في الظهر والبطن) ش: يعني إذا قال ظهرك طالق أو بطنك طالق، لأن الظهر والبطن في معنى الأصل، إذ لا يتصور النكاح بدونهما، ويعبر بالظهر عن الكل كما يقال فلان يقوي ظهرك، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا صدقة إلا عن ظهر غنى» م: (والأظهر أنه لا يصح الطلاق) ش: أي لا يقع الطلاق م: (لأنه لا يعبر بهما) ش: أي الظهر والبطن م: (عن جميع البدن) ش:. ولو قال: ظهرك أو بطنك علي كظهر أمي لا يكون مظاهرًا. [طلقها نصف تطليقة] م: (وإن طلقها نصف تطليقة) ش: بأن قال: أنت طالق نصف تطليقة م: (أو ثلثها) ش: أي أو قال أنت طالق ثلث تطليقة م: (كانت طالقًا تطليقة واحدة لأن الطلاق لا يتجزأ وذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر الكل) ش: هذا قول عامة العلماء. وقال ثقات القياس وربيعة الرأي لا يقع شيء بذلك النصف والجزء ثلث من ألف جزء من الطلاق م: (وكذا الجواب في كل جزء سماه) ش: يعني يقع واحدة، وذلك كالعفو عن بعض القصاص يكون عفوًا عن الكل م: (لما بينا) ش: وهو أنه لا يتجزأ وذكر بعضه كذكر كله. ولو قال: أنت طالق نصفي تطليقة يقع واحدة لأنه أوقع أجزاء تطليقة واحدة، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد. ولو قال لموطوءته أنت طالق نصف تطليقة وثلث تطليقة وربع تطليقة يقع ثلاث لأنه أوقع من كل تطليقة واحدة جزء، فإنه نكر التطليقة في كل كلمة، والنكرة إذا أعيدت نكرة كانت الثانية غير الأولى، وفي غير الموطوءة يقع واحدة لأنها بانت بالأولى، كما لو قال: أنت طالق وطالق، ولو قال نصف تطليقة وثلثها وربعها يقع واحدة لأنه أضاف الأجزاء إلى تطليقة واحدة بحرف الكناية، وهو ظاهر الرواية، وهو الأصح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 ولو قال لها أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقتين فهي طالق ثلاثا لأن نصف التطليقتين تطليقة، فإذا جمع بين ثلاثة أنصاف تطليقتين تكون ثلاث تطليقات ضرورة. ولو قال: أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقة قيل يقع تطليقتان، لأنها طلقة ونصف فيتكامل. وقيل يقع ثلاث تطليقات لأن كل نصف يتكامل في نفسها، فتصير ثلاثا. ولو قال: أنت طالق من واحدة إلى ثنتين أو ما بين واحدة إلى ثنتين فهي واحدة، ولو قال من واحدة إلى ثلاث أو ما بين واحدة إلى ثلاث فهي ثنتان، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا في الأولى: يقع ثنتان، وفي الثانية ثلاث، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأولى لا يقع شيء، وفي الثانية تقع واحدة   [البناية] وقال بعض المشايخ: يقع ثنتان وبه قال الشافعي في أحد قوليه. ولو قال لأربع نسوة بينكن تطليقة طلقت كل واحدة منهن تطليقة واحدة، وبه قال الشافعي. وكذلك بينكن تطليقتان أو ثلاث أو أربع، إلا إذا نوى أن كل تطليقة بينهن جميعًا يقع على كل واحدة منهن ثلاث تطليقات، إلا أن التطليقتين. فإنه يقع على كل واحدة منهن تطليقتان، وإن قال بينكن خمس تطليقات ولا نية له طلقت كل تطليقتين، وكذا ما زاد إلى ثمان. فإن زاد من الثمان فقال تسع طلقت كل واحدة منهن ثلاثًا، فإن زاد على الثمان فكل واحدة منهن طالق ثلاثًا. [قال لها أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقتين] م: (ولو قال لها أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقتين فهي طالق ثلاثة. لأن نصف التطليقتين تطليقة، فإن جمع بين ثلاثة أنصاف تطليقتين تكون ثلاث تطليقات ضرورة) ش: وهذه من خواص " الجامع الصغير " وهو ظاهر م: (ولو قال: أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقة قيل يقع تطليقتان) ش: وهذا هو المنقول في " الجامع الصغير " عن محمد، وإليه ذهب الناطقي في الأجناس والعتابي في شرح " الجامع الصغير ". وقال العتابي: هو الصحيح؛ م: (لأنها طلقة ونصف فيتكامل) ش: أي النصف فيصير تطليقتين. م: (وقيل: يقع ثلاث تطليقات لأن كل نصف يتكامل في نفسها فتصير ثلاثًا) ش: أي ثلاث تطليقات. م: (ولو قال: أنت طالق من واحدة إلى ثنتين أو ما بين واحدة) ش: أي لو قال: أنت طالق ما بين واحدة م: (إلى ثنتين فهي واحدة) ش: أي طلقة واحدة م: (ولو قال من واحدة إلى ثلاث أو ما بين واحدة إلى ثلاث فهي ثنتان) ش: أي طلقتان م: (وهذا) ش: أي المذكور في الحكم م: (عند أبي حنيفة. وقالا في الأولى) ش: أي من المسألة الأولى م: (يقع ثنتان) ش: أي طلقتان م: (وفي الثانية) ش: أي في المسألة الثانية م: (ثلاث) ش: أي يقع ثلاث تطليقات. م: (وقال زفر: في الأولى لا يقع شيء، وفي الثانية تقع واحدة) ش: هذا الكلام مشتمل على الغايتين فعندهما تدخل الغايتان وعند زفر لا يدخلان، وعند أبي حنيفة يدخل الابتداء دون الانتهاء - والقسم الرابع هو أن يدخل الانتهاء دون الابتداء ولم يقل به أحد، واختلفوا فيه؛ قال: من واحدة إلى واحدة، والصحيح أنه يقع واحدة ويلغو آخر كلامه، ذكره قاضي خان، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 وهو القياس لأن الغاية لا تدخل تحت المضروب له الغاية كما لو قال بعت منك من هذا الحائط إلى هذا الحائط. وجه قولهما، وهو الاستحسان، أن مثل هذا الكلام متى ذكر في العرف يراد به الكل، كما تقول لغيرك خذ من مالي من درهم إلى مائة. وجه قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المراد بمثله الأكثر من الأقل والأقل من الأكثر فإنهم يقولون سني من ستين إلى سبعين وما بين ستين إلى سبعين ويريدون به ما ذكرنا.   [البناية] وعلل بأن الشيء الواحد حدًّا ومحدودًا، فيلغو آخر كلامه ويبقى قوله أنت طالق. وقال السروجي: فيه نظر لأن إلى واحدة نكرة، وهي غير الواحدة بالأولى فلا تكون الواحدة حدًا ومحدودًا. ومن جوامع الفقه من واحدة إلى واحدة ولم يحك خلافًا، ومن واحدة إلى أخرى وإلى الثانية: واحدة عنده، وعندهما ثنتين ومن ثنتين إلى ثنتين اثنتان عندهما. وعنده ثلاث. في " المبسوط " ما بين واحدة إلى أخرى على قياس قول زفر لا يقع شيء. وعند أبي حنيفة يقع واحدة، وعندهما ثنتان. ومن واحدة إلى واحدة قيل على الخلاف وقيل تقع واحدة بالاتفاق، وتلغو الغاية وفيه ما بين واحدة إلى الثلاث أو من واحدة إلى الثلاث فهو واحدة في القياس، وبه قال زفر، وعندهما ثلاث وعند أبي حنيفة ثنتان. م: (وهو القياس) ش: أي قول زفر هو القياس م: (لأن الغاية لا تدخل تحت المضروب له الغاية) ش: أي تحت الشيء التي تضرب له الغاية، وهو المعنى لأن الغاية إنما تذكر للفصل بينها وبين المضروب، فينبغي أن لا يدخل تحته ليحصل الفصل بينهما كما في الممسوحات، كذا في " جامع البرهاني " م: (كما لو قال: بعت منك من هذا الحائط إلى هذا الحائط) ش: لا يدخل الجدار في البيع. م: (وجه قولهما) ش: أي وجه قول أبي يوسف ومحمد م: (وهو الاستحسان) . أن مثل هذا الكلام متى ذكر في العرف) ش: أي في عرف الناس م: (يراد به الكل، كما تقول لغيرك خذ من مالي من درهم إلى مائة) ش: كان له أن يأخذ المائة، وكذا لو قال كل من الملح إلى الحلو يريد به تعميم الإذن، وكذا لو اشتر لي هذا العبد من مائة إلى ألف يكون له إذن بالشراء. بألف، إذ مطلق الكلام يحمل على المتعارف. م: (وجه قول أبي حنيفة - رضي الله تعالى - عنه أن المراد بمثله) ش: أي بمثل هذا الكلام بحسب العادة، وهو أيضًا يحتج بالعادة م: (الأكثر من الأقل والأقل من الأكثر) ش: وهو ما بينهما م: (فإنهم يقولون سني من ستين إلى سبعين أو ما بين ستين إلى سبعين ويريدون به ما ذكرناه) ش: يعني الأكثر من الأقل والأقل من الأكثر. قال الأترازي: فيه نظر لأنه لا يتمشى من واحدة إلى ثنتين. وأجيب: بأنه يتمشى أيضًا لأن الأكثر فيه الثلاث، والأقل فيه الواحد والأكثر من الأقل، والأقل من الأكثر الثنتان. وقيل هذا ليس بشيء، لأن قوله لأن الأكثر فيه يعني في الطلاق - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 وإرادة الكل فيما طريقه طريق الإباحة كما ذكر، والأصل في الطلاق هو الحظر ثم الغاية الأولى لا بد أن تكون موجودة لتترتب عليها الثانية ووجودها بوقوعها بخلاف البيع لأن الغاية فيه موجودة قبل البيع، ولو نوى واحدة يدين ديانة لا قضاء، لأنه محتمل كلامه لكنه خلاف الظاهر.   [البناية] وليس الكلام فيه، وإنما الكلام في الأقل والأكثر من كلام المتكلم، والثلاث غير مذكورة فيه وقال الأكمل: قوله: أن المراد به الأكثر من الأقل إذا كان بينهما وذلك في قوله - من واحدة إلى ثلاث وقوله والأقل من الأقل معناه إذا لم يكن بينهما، وذلك كما في قوله من واحدة إلى ثنتين - وعلى هذا سقط الاعتبار، انتهى. وقد حاج أبو جعفر زفر حيث قال له كم سنك، فقال سني ما بين ستين إلى سبعين، فقال له أنت إذًا ابن تسع سنين، فتحير زفر. وقال فخر الإسلام حاج الأصمعي زفر على باب الرشيد، فقال له ما قولك في رجل قيل له ما سنك فقال ما بين ستين إلى سبعين أن يكون ابن تسع سنين. وقال: استحسن في مثل هذا ما ذكر لأبي يوسف ومحمد. وقال: الأترازي وجوابه أن المراد في العرف والعادة من قول الرجل سني ما بين العددين الذكورين، ولا شك أن العدد الذي بينهما أكثر من ستين، وما كان أكثر من ستين كيف يكون تسعة، ولا يصح سؤال الأصمعي، وكذا يقول زفر في قوله ما بين واحد إلى ثلاث أن المراد ما بين العددين، وهذا ما ساعد به خاطري زفر في هذا العلم. م: (وإرادة الكل) ش: جواب عن قولهما يراد به الكل كما في قوله خذ من درهم إلى مائة، تقديره أن إرادة الكل م: (فيما طريقه طريق الإباحة كما ذكر) ش: أي أبو يوسف ومحمد في قوله خذ من مالي م: (والأصل في الطلاق الحظر) ش: فلا يراد الكل حتى لا ينسد باب التدارك. م: (ثم الغاية الأولى) ش: جواب عن قول زفر، ووجهه أنه لا تدخل الغايتان، تقديره أن الغاية الأولى وهي الواحدة م: (لا بد أن تكون موجودة لتترتب عليها الثانية) ش: أي الغاية الثانية، لأنه لا ثانية إلا بعد الأولى م: (ووجودها بوقوعها) ش: حاصله أن القياس ما قاله زفر أن الغاية لا تدخل تحت المغيا، إلا أنه لا بد من إدخال الأولى، لأنه أوقع الثانية قبل الأولى، فدعت الضرورة إلى وجودها، ووجودها بوقوعها. أما إيقاع الثانية يصح بلا إيقاع الثالثة، فأخذنا فيه بالقياس. م: (بخلاف البيع) ش: هذا جواب عن قول زفر أن الحدين لا يدخلان في المحدود، كما في قوله بعت من هذا الحائط، فأجاب بقوله بخلاف البيع م: (لأن الغاية فيه موجودة قبل البيع) ش: فلم تقع الضرورة إلى إدخال الغاية في المغيا، فبقيت الغاية خارجة عن المغيا على أصل القياس م: (ولو نوى واحدة) ش: يعني في قوله ما بين واحدة إلى ثلاثة، أو في قوله من واحدة إلى ثلاث م: (يدين ديانة) ش: يعني يصدق ديانة م: (لا) ش: يصدق م: (قضاء لأنه محتمل كلامه، لكنه خلاف الظاهر) ش: لما ذكرنا أن مثل هذا الكلام يستعمل لإرادة الأقل من الأكثر إلى آخره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 ولو قال: أنت طالق واحدة في ثنتين ولو نوى الضرب والحساب، أو لم تكن له نية فهي واحدة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تقع ثنتان لعرف الحسّاب وهو قول الحسن بن زياد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ولنا أن عمل الضرب أثره في تكثير الأجزاء لا في زيادة المضروب وتكثير أجزاء التطليقة لا يوجب تعددها، فإن نوى واحدة وثنتين فهي ثلاث، لأنه يحتمله، فإن حرف الواو للجمع، والظرف يجمع المظروف، ولو كانت غير مدخول بها تقع واحدة كما في قوله واحدة وثنتين، وإن نوى واحدة مع ثنتين تقع الثلاث، لأن كلمة (في) تأتي بمعنى (مع) كما في قَوْله تَعَالَى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] (الفجر الآية: 29) أي مع عبادي.   [البناية] [قال أنت طالق واحدة في ثنتين ولو نوى الضرب والحساب أو لم تكن له نية] م: (ولو قال: أنت طالق واحدة في ثنتين ولو نوى الضرب والحساب أو لم تكن له نية فهي واحدة) ش: أي طلقة واحدة م: (وقال زفر تقع ثنتان لعرف الحساب) ش: بضم الحاء وتشديد السين جمع حاسب، يعني هو معروف عندهم أن واحدة في ثنتين ثنتان م: (وهو) ش: أي قول زفر م: (قول الحسن بن زياد) ش: ومالك والشافعي في وجه. م: (ولنا أن عمل الضرب أثره في تكثير الأجزاء لا في زيادة المضروب) ش: أي فيما ليس له طول وعرض وعمق، أما في الممسوحات يعني فيما له طول وعرض، يكون لبيان تكثير المضروب، فإنه لو زاد بالضرب في نفسه لم يبق أحد في الدنيا فقير لأنه يضرب ما مسكه من درهم في مائة ويضرب المائة في ألف، فيصير مائة ألف. وقال الأكمل: الغرض إزالة كسر يقع عن القسمة، فمعنى واحدة في ثنتين واحدة ذات جزأين. وقال الأترازي: وجه قول أصحابنا، والضرب أثره في تكثير أجزاء المضروب لا في زيادة العدد، والطلاق الذي له أجزاء كثيرة مثل الطلاق الذي له أجزاء قليلة، ولهذا لو قال: لها أنت طالق نصف تطليقة وسدسها وثلثها لم يقع إلا واحدة، وعلى هذا الخلاف إذا أقر وقال لفلان على عشرة دراهم في عشرة دراهم ونوى الحساب والضرب فعندنا يلزمه عشرة وعند زفر يلزمه مائة، إلا أن ينوي الواو أو مع، فحينئذ يلزمه جميع ذلك، ويحلف بالله ما أردت الإقرار بذلك كله إذا كان الخصم يدعيه. م: (وتكثير أجزاء التطليقة لا يوجب تعددها) ش: كما لو قال: أنت طالق طلقة ونصفها وربعها وثمنها لم يقع إلا واحدة م: (فإن نوى واحدة وثنتين فهي ثلاث) ش: أي ثلاث تطليقات م: (لأنه يحتمله، فإن حرف الواو للجمع والظرف بجمع المظروف) ش: لأن بينهما اتصالًا م: (ولو كانت غير مدخول بها تقع واحدة) ش: أي طلقة واحدة م: (كما في قوله واحدة وثنتين) ش: أي كما يقع واحدة في قوله لغير المدخول بها أنت طالق واحدة وثنتين. م: (وإن نوى واحدة مع ثنتين) ش: يعني قوله أنت طالق واحدة في ثنتين م: (تقع الثلاث) ش: أي ثلاث تطليقات م: (لأن كلمة م: (في) ش: تأتي بمعنى م: (مع) ش: كما في قَوْله تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] (الفجر الآية: 29) م: (أي مع عبادي) ش: ويقال دخل الأمير في جنده، أي مع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 319 ولو نوى الظرف تقع واحدة لأن الطلاق لا يصلح ظرفا فيلغو ذكر الثاني. ولو قال: اثنتين في اثنتين ونوى الضرب والحساب فهي ثنتان، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثلاث، لأن قضيته أن يكون أربعا لكن لا مزيد في الطلاق على الثلاث. وعندنا الاعتبار للمذكور الأول على ما بيناه، ولو قال أنت طالق من هنا إلى الشام فهي واحدة يملك الرجعة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - هي بائنة لأنه وصف الطلاق بالطول؛ قلنا: لا بل وصفه بالقصر لأنه متى وقع في مكان وقع في الأماكن كلها. ولو قال: أنت طالق مكة أو في مكة فهي طالق في الحال في كل البلاد وكذلك لو قال: أنت طالق   [البناية] جنده. وقال صاحب " الكشاف " لا تكون (في) بمعنى مع هاهنا، إذ لو نوى كذلك لما قيل وادخلي جنتي، وقال: على الحقيقة، أي ادخلي في جملة عبادي. م: (ولو نوى الظرف تقع واحدة، لأن الطلاق لا يصلح ظرفًا) ش: لأن أحد العددين لا يصلح ظرفًا للآخر، وبين الظرف والمظروف من الهيئة فاستعير له، ولو نوى الظرف يقع واحدة، لأن الطلاق معنى فقهي لا يصلح أن يكون ظرفًا للغير م: (فيلغو ذكر الثاني، ولو قال اثنتين في اثنتين) ش: أي لو قال: أنت طالق اثنتين في اثنتين م: (ونوى الضرب والحساب فهي ثنتان) ش: وبه قال الشافعي في الأظهر م: (وعند زفر ثلاث) ش: يعني يقع ثلاث طلقات، وبه قال الحسن ومالك والشافعي في وجه وأحمد م: (لأن قضيته أن يكون أربعًا) ش: بعرف الحساب م: (لكن لا مزيد في الطلاق على الثلاث، وعندنا الاعتبار للمذكور الأول على ما بيناه) ش: يعني أن الضرب في تكثير الأجزاء لا في زيادة المضروب، وعلى هذا الخلاف مسائل الإقرار بأن قال عشرة في عشرة، أو درهم في دينار، أو كر حنطة في كر شعير لم يكن عليه إلا المذكور أولًا عندنا، إلا أن يقول الواو أو حرف مع فيلزمه جميع ذلك، فحلفه القاضي بأنه ما أراد الجمع إذا ادعى الخصم الجميع، كذا في " المبسوط ". م: (ولو قال: أنت طالق من هنا إلى الشام) ش: قال الأترازي: الشأم بسكون الهمزة ناحية بلد. قلت: ليس كذلك بل هو اسم لصقع يجمع بلادًا كثيرة وأعظمها دمشق م: (فهي واحد يملك الرجعة. وقال زفر: هي بائنة لأنه وصف الطلاق بالطول) ش: هذا التفصيل فيه نظر، فإنه لو قال: أنت طالق تطليقة واحدة ونص على الطول تقع رجعية عنده، فيحتمل أن يكون عنه روايتان في المسألة، ويحتمل أن يستفاد من قوله - هاهنا إلى الشأم - المبالغة في الطول والزيادة فيه. م: (قلنا: لا بل وصفه بالقصر لأنه متى وقع في مكان وقع في الأماكن كلها) ش: فلما خصه ببعض الأماكن يكون وصفًا له بالقصر، والطلاق لا يحتمل الطول والقصر حقيقة، وإنما يحتمل ذلك حكمًا، والقصر من حيث الحكم هو الرجعي. م: (ولو قال أنت طالق بمكة أو في مكة فهي طالق في الحال في كل البلاد، وكذا لو قال أنت طالق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 في الدار، لأن الطلاق لا يتخصص بمكان دون مكان. وإن عني به إذا أتيت مكة يصدق ديانة لا قضاء، لأنه نوى الإضمار وهو خلاف الظاهر. وكذا إذا قال: أنت طالق وأنت مريضة، وإن نوى إن مرضت لم يدين في القضاء ولو قال: أنت طالق إذا دخلت مكة لم تطلق حتى تدخل مكة لأنه علقه بالدخول. ولو قال أنت طالق في دخولك الدار يتعلق بالفعل لمقارنته بين الشرط والظرف، فحمل عليه عند تعذر الظرفية.   [البناية] في الدار، لأن الطلاق لا يتخصص بمكان دون مكان لأن المطلقة في مكان مطلقة في كل مكان م: (وإن عني به) ش: أي وإن قصد بقوله: أنت طالق بمكة م: (إذا أتيت مكة يصدق ديانة) ش: يعني بينه وبين الله تعالى م: (لا قضاء) ش: أي لا يصدق في الحكم م: (لأنه نوى الإضمار م: (خلاف الظاهر) ش: فلا يصدق القاضي لما فيه نوع تخفيف على نفسه. م: (ولو قال أنت طالق إذا دخلت مكة لم تطلق حتى تدخل، لأنه علقه بالدخول) ش: أي بقوله - إذا دخلت مكة - لا صريح بالتعليق فيعلق بالدخول م: (ولو قال: أنت طالق في دخولك الدار يتعلق بالفعل) ش: أي يتعلق الطلاق بفعل الدخول م: (لمقارنته بين الظرف والشرط) ش: لأن الظرف يسبق المظروف، كما أن الشرط يسبق المشروط م: (فحمل عليه) ش: أي على الشرط م: (عند تعذر الظرفية) ش: لأن الفعل لا يصلح ظرفًا لأنه عرض فلا يقوم بنفسه فلا يصلح الدخول ظرفًا للطلاق. وفي " المبسوط " وكذا الحكم في ذهابك إلى مكان كذا أو في لبسك ثوب كذا لم تطلق حتى تفعل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 فصل في إضافة الطلاق إلى الزمان ولو قال أنت طالق غدا، وقع عليها الطلاق بطلوع الفجر، لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد، وذلك بوقوعه في أول جزء منه، ولو نوى به آخر النهار يصدق ديانة لا قضاء لأنه نوى التخصيص في العموم وهو يحتمله لكنه يخالف الظاهر ولو قال أنت طالق اليوم غدا أو غدا اليوم فإنه يؤخذ بأول الوقتين الذي تفوه به، فيقع في الأول في اليوم، وفي الثاني في الغد لأنه لما قال اليوم كان منجزا، والمنجز لا يحتمل الإضافة،   [البناية] [فصل في إضافة الطلاق إلى الزمان] [قال أنت طالق غدا] م: (فصل في إضافة الطلاق إلى الزمان) ش: أي هذا فصل في بيان حكم إضافة الطلاق إلى الزمان، ذكر هنا فصولًا مترادفة بحسب إضافة الطلاق وتنويعه وتشبيهه، وإضافة الطلاق تأخير حكمه عن وقت الحكم إلى زمان يذكر بعده بغير كلمة الشرط. م: (ولو قال: أنت طالق غدًا وقع عليها الطلاق بطلوع الفجر، لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد، وذلك بوقوعه في أول جزء منه) ش: أي من الغد وهو طلوع الفجر، لأن الغد يتحقق في ذلك الوقت م: (ولو نوى به) ش: أي بقوله غدًا م: (آخر النهار يصدق ديانة) ش: أي لاحتمال كلامه ذلك م: (لا قضاء) ش: أي لا يصدق قضاء في الحكم. م: (لأنه نوى التخصيص في العموم، وهو يحتمله) ش: أي يحتمل الخصوص فيصدق ديانة، كما لو قال لا أكل طعامًا ونوى طعامًا دون طعام م: (لكنه يخالف الظاهر) ش: لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد، وذلك بوقوعه في أوله، وفيه تخفيف عليه فلا يصدقه القاضي. ولقائل أن يقول العام ما يتناول أفراد متفقة الحدود ولفظ الغد ليس كذلك، وما يتوهم فيه من الطول والوسط، والآخر فهو من أجزائه لا من أفراده، وحينئذ لا تكون النية آخر النهار، فلا عموم ولا تخصيص. والجواب أن المراد الحقيقة والمجاز، فإن إطلاق لفظ الكل وإرادة الجزء مجاز لا محالة. م: (ولو قال: أنت طالق اليوم غدًا، أو غدًا اليوم يؤخذ بأول الوقتين الذي تفوه به) ش: أي تكلم به م: (فيقع في الأول) ش: أي في الوجه الأول، وهو قوله أنت طالق اليوم غدًا م: (في اليوم وفي الثاني) ش: وهو قوله أنت طالق غدًا اليوم. م: (في الغد، لأنه لما قال اليوم كان منجزًا، والمنجز لا يحتمل الإضافة) ش: فكان قوله غدًا لغوًا، وبقولنا قال الشافعي، وحكي عنه في قوله أنت طالق غدًا اليوم وجهان، أصحهما، أنه لا يقع في الحال شيء ويقع واحدة غدًا، كقولنا. والثاني أن الحكم فيه كما لو قال أنت طالق اليوم غدًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 ولو قال غدا كان إضافة، والمضاف لا ينجز لما فيه من إبطال الإضافة فلغا اللفظ الثاني في الفصلين. ولو قال أنت طالق في غد، وقال نويت آخر النهار دين في القضاء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يدين في القضاء خاصة، لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد، فصار بمنزلة قوله غدا؛ على ما بيناه، ولهذا يقع في أول جزء منه عند عدم النية، وهذا لأن حذف (في) وإثباته سواء، لأنه ظرف في الحالين. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه نوى حقيقة كلامه، لأن كلمة (في) للظرف، والظرفية لا تقتضي الاستيعاب وتعيين الجزء الأول ضرورة عدم المزاحم فإذا عين آخر النهار كان التعيين القصدي أولى بالاعتبار من الضروري، بخلاف قوله غدا،   [البناية] م: (ولو قال: غدًا كان إضافة، والمضاف لا ينجز لما فيه من إبطال الإضافة، فلغا اللفظ الثاني في الفصلين) ش: في قوله أنت طالق اليوم غدًا، وقوله غدًا اليوم، فإن قيل لم لم يجعل غدًا ظرفًا لطلاق آخر. وأجيب: بأنه يحتاج إلى تقدير أنت طالق، والأصل خلافه فلا يصار إليه في غير موضع الضرورة، وفيه نظر، لأن صون كلام العاقل عن الإلغاء نوع ضرورة، والأولى أن يقال وصفها بالطلاق اليوم وغدًا، وبالطلقة الواحدة يحصل هذا المقصود، فلا حاجة إلى غيرها، فعلى هذا كان كلامه مصونًا عن الإلغاء. فإن قيل هذا لا يتم في الصورة الثانية وهو قوله أنت طالق غدًا اليوم، لأنه وصفها بالطلاق غدًا، والموصوف به غدًا لا يكون موصفًا به اليوم. أجيب: بأن إيقاع الثانية فيها مفض إلى المكروه، وهو إيقاع الطلقتين دفعة واحدة، لا ينتفي لإثباتها، فيكون الثاني لغوًا. م: (ولو قال: أنت طالق في غد، وقال: نويت آخر النهار دين في القضاء عند أبي حنيفة، وقالا يدين في القضاء خاصة، لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد، فصار بمنزلة قوله غدًا على ما بيناه) ش: هو أنه تخصيص العموم، وهو خلاف الظاهر فلا يصدق قضاء ويصدق ديانة، م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونه وضعها بالطلاق في جميع الغد م: (يقع) ش: أي الطلاق م: (في أول جزء منه) ش: أي من الغد م: (عند عدم النية وهذا) ش: أي وقوع الطلاق في أول جزء منه عند عدم النية م: (لأن حذف م: (في) ش: وإثباته سواء لأنه ظرف في الحالين) ش: أي: الحذف والإثبات. م: (ولأبي حنيفة أنه نوى حقيقة كلامه) ش: لأنه لما قال في الغد جعل الغد ظرفا م: (لأن كلمة م: (في) ش: للظرف، والظرفية لا تقتضي الاستيعاب) ش: أي استيعاب المظروف، كقولنا: زيد في الدار يقتضي وجوده في جزء من أجزاء الظرف، وقد يشغل جميع المظروف، فكان كلامه محتملًا للوجهين م: (وتعيين الجزء الأول ضرورة عدم المزاحم، فإذا عين آخر النهار كان التعيين القصدي) ش: من المعين م: (أولى بالاعتبار من الضروري، بخلاف قوله غدًا) ش: يعني إذا قال غدًا بدون ذكر كلمة (في) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 لأنه يقتضي الاستيعاب حيث وصفها بهذه الصيغة مضافا إلى جميع الغد نظيره إذا قال: والله لأصومن عمري، ونظير الأول: والله لأصومن في عمري، وعلى هذا الدهر وفي الدهر. ولو قال: أنت طالق أمس وقد تزوجها اليوم لم يقع شيء لأنه أسنده إلى حالة معهودة منافية لمالكية الطلاق، فليلغو كما إذا قال أنت طالق قبل أن أخلق، ولأنه يمكن تصحيحه إخبارا عن عدم النكاح أو عن كونها مطلقة بتطليق غيره من الأزواج. ولو تزوجها أول من أمس وقع الساعة، لأنه ما أسنده إلى حالة منافية، ولا يمكن تصحيحه إخبارا أيضا، فكان إنشاء، والإنشاء في الماضي إنشاء في الحال فيقع الساعة. ولو قال: أنت طالق قبل أن أتزوجك لم يقع شيء لأنه سنده إلى حالة منافية،   [البناية] م: (لأنه يقتضي الاستيعاب حيث وصفها) ش: أي وصف المرأة م: (بهذه الصيغة) ش: يعني بصيغة الطلاق حال كون الصيغة م: (مضافًا إلى جميع الغد) ش: فلا يصدق ديانة في نيته آخر النهار وقضاء، م: (نظيره) ش: أي نظير حكم هذا المذكور بدون ذكر كلمة في م: (إذا قال: والله لأصومن عمري، ونظير الأول) ش: وهو المذكور بكلمة (في) م: (والله لأصومن في عمري) ش: فإن الأول يتناول جميع عمره حتى لا يبر في يمينه إلا بصوم جميع العمر، وفي الثانية وهو قوله لأصومن في عمري يتناول ساعة من عمره، حتى لو صام ساعة يبر في يمينه م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى الحكم المذكور م: (الدهر وفي الدهر) ش: يعني لو قال لأصومن الدهر، أو قال لأصومن في الدهر، ففي الأول لا يبر حتى يصوم الدهر كله، وفي الثاني لو صام ساعة منه يبر في يمينه. [قال أنت طالق أمس وقد تزوجها اليوم] م: (ولو قال: أنت طالق أمس وقد تزوجها) ش: أي والحال أنه قد تزوجها م: (اليوم) ش: بالنصب، أي في اليوم الذي قال أنت طالق م: (لم يقع شيء، لأنه أسنده) ش: أي أسند كلامه م: (إلى حالة معهودة) ش: أي معلومة م: (منافية لمالكية الطلاق فيلغو) ش: كلامه فلا يقع شيء م: (كما إذا قال: أنت طالق قبل أن أخلق) ش: أو قبل أن تخلقي، ولا خلاف فيه للفقهاء، وذلك لأنه وصفها بالطلاق في وقت لم تكن هي في ملكه م: (ولأنه يمكن تصحيحه) ش: أي تصحيح هذا الكلام م: (إخبارًا عن عدم النكاح أو عن كونها مطلقة بتطليق غيره من الأزواج) ش: أي: أو يكون إخبارًا عن كون هذه المرأة مطلقة بتطليق غيره من الأزواج، وهذا لا يستقيم إن كانت المرأة بكرًا أو ثيبًا بغير نكاح أو متوفى عنها زوجها، ولا يستقيم الكلام إلا في التعليل الأول، وهذا التعليل أيضًا في نفس الأمر تكرار، لأن عدم النكاح يصدق على هذا، فافهم. م: (ولو تزوجها أول من أمس وقع الطلاق الساعة، لأنه ما أسنده إلى حالة منافية، ولا يمكن تصحيحه إخبارًا أيضًا) ش: أي كما في المسألة السابقة، فلما لم يكن تصحيحه إخبارًا م: (فكان إنشاء، والإنشاء في الماضي إنشاء في الحال فيقع الساعة) ش: لأن الإنشاء إيجاب أمر لم يكن، والإيجاب في الماضي إنشاء في الحال فيكون طلاقًا في الحال. م: (ولو قال أنت طالق قبل أن أتزوجك لم يقع شيء، لأنه أسنده إلى حالة منافية) ش: لأنه أضاف الطلاق إلى زمان مناف للطلاق، لأنه لا وجود للطلاق قبل النكاح فلا يقع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 فصار كما إذا قال: طلقتك وأنا صبي أو نائم أو يصح إخبارا على ما ذكرناه ولو قال: أنت طالق ما لم أطلقك أو متى لم أطلقك أو متى ما لم أطلقك، وسكت طلقت؛ لأنه أضاف الطلاق إلى زمان خال عن التطليق وقد وجد حيث سكت، وهذا لأن كلمة " متى " و " متى ما " صريح في الوقت لأنهما من ظروف الزمان، وكذا كلمة " ما " للوقت، قال الله تعالى: {مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31] (مريم الآية: 31) ، أي وقت الحياة.   [البناية] م: (فصار) ش: أي حكم هذا م: (كما إذا قال: طلقتك وأنا صبي أو نائم) ش: لأنه أسنده إلى حالة غير معهودة، فلا يعتبر قوله في الإضافة. م: (أو يصح إخبارًا) ش: يعني يجعل قوله أنت طالق، إخبارًا عن عدم النكاح قبل التزوج في قوله أنت طالق قبل أن أتزوجك م: (فلا يقع) ش: أي فصار حكم هذا قبل أن أتزوجك لأن حقيقة الصفة للإخبار، وأمكن العمل بها فلا يجعل إنشاء م: (على ما ذكرناه) ش: إشارة إلى قوله - لأنه يمكن تصحيحه إخبارًا عن عدم النكاح، وعن كونها مطلقة بتطليق غيره من الأزواج. [قال أنت طالق ما لم أطلقك أو متى لم أطلقك] م: (ولو قال: أنت طالق ما لم أطلقك أو متى لم أطلقك أو متى ما لم أطلقك وسكت طلقت، لأنه أضاف الطلاق إلى زمان خال عن التطليق، وقد وجد حيث سكت) ش: وهذا باتفاق الفقهاء م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن كلمة " متى " و " متى ما " صريح في الوقت، لأنهما من ظروف الزمان) ش: إذا متى فإنها لمبهم في الوضع، ولكن لما كان الفعل يليها دون الاسم جعلت للشرط والإبهام فيما دخل عليه يعني بين أن يوجد وبين أن لا يوجد، فصحت المجازاة بها مع قيام معنى الوقت به، فإذا قال لامرأته أنت طالق متى لم أطلقك يقع الطلاق عقيب اليمين وجود وقت لم يطلقها فيه بعد كلامه ولم يقتصر على المجلس، لأنه باعتبار إبهام فيه يعم جميع الأزمنة، وأما متى ما فإنه أيضًا متى في الأصل، فزيدت فيه كلمة ما فإنها تستعمل للوقت لا محالة فترجحت جهة الوقت. م: (وكذا كلمة ما) ش: أي تستعمل في الوقت كما ذكرناه. م: (قال الله تعالى: {مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31] (مريم الآية: 31) م: (أي وقت الحياة) ش: وقال الله تعالى حكاية عن عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31] أي مدة دوامي حيًا. قلت: شرطية أيضًا، قال الله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2] (فاطر الآية: 2) ، فينبغي أن لا تقع إلا إذا كانت للوقت دون الشرط، وهي تكون شرطية من غير وقت، وللوقت بلا شرط، بخلاف متى ومتى (ما) ، فإنها إذا كانت للمجازاة فلا ينفك عن الوقت. فإذا قلت: متى القتال؟ كانت للاستفهام عن زمان القتال، وليس فيه شرط، وإذا قلت متى تقسم أقم معك كانت ظرفًا تضمنت معنى الشرط، وكذا متى ما. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 ولو قال: أنت طالق إن لم أطلقك لم تطلق حتى يموت، لأن العدم لا يتحقق إلا باليأس عن الحياة، وهو الشرط كما في قوله: إن لم آت البصرة، وموتها بمنزلة موته، هو الصحيح. ولو قال: أنت طالق إذا لم أطلقك أو إذا ما لم أطلقك لم تطلق حتى يموت، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: تطلق حين سكت، لأن كلمة إذا للوقت، قال الله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] (التكوير الآية1) : " وقال قائل: وإذا تكون كريهة أدعى لها ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب   [البناية] [قال أنت طالق إن لم أطلقك] م: (ولو قال: أنت طالق إن لم أطلقك لم تطلق حتى يموت، لأن العدم) ش: أي عدم التطليق م: (لا يتحقق إلا باليأس عن الحياة، وهو الشرط) ش: أي اليأس عن الحياة هو الشرط، فإذا انتهى إلى الموت وقد وجد اليأس فوجد الشرط، والمحل قائم والملك باق، فوقع قبل موته بقليل وليس لذلك القليل حد معروف باتفاق الفقهاء، ثم إن كان دخل بها فلها الميراث بحكم القرار عندنا خلافًا للشافعي، وإن لم يدخل بها فلا ميراث لها م: (كما في قوله: إن لم آت البصرة) ش: يعني كما إذا قال لها أنت طالق إن لم آت البصرة لا يقع الطلاق، حتى يقع الإياس عن الإتيان، فإذا انتهى إلى الوقت فقد وقع اليأس فوجد الشرط فوقع. م: (وموتها بمنزلة موته) ش: أي موت الزوج يعني يقع الطلاق قبل موتها أيضًا م: (هو الصحيح) ش: احترازًا عن رواية النوادر، فإنه قال فيها لا يقع الطلاق بموتها، وفائدة وقوع الطلاق عليها بعد موتها أن لا يرث الزوج منها، لأنها بانت قبل الموت فلا تبقى بينهما واجبته عند الموت، وشرط التوريث هذا وقد عدم. م: (ولو قال: أنت طالق إذا لم أطلقك أو إذا ما لم أطلقك لم تطلق حتى يموت، عند أبي حنيفة) ش: وبه قال أحمد في رواية م: (وقالا تطلق حين سكت) ش: وبه قال الشافعي ومالك م: (لأن كلمة " إذا " للوقت، قال الله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] ش: (التكوير) استدلالهم بهذه الآية ضعيف، فإن إذا فيها للشرط، ولهذا أتى فيها بالجواب، وهو قَوْله تَعَالَى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5] (الانفطار: الآية 5) والشمس مرفوعة بالفاعلية رافعة فعل مضمر، تفسيره كورت بكذا، ذكره الزمخشري، ورفعه بالفاعلية مذهبه، وغيره يرفعه بالفعل المقدر أو المفسر على أنه مفعول ما لم يسم فاعله. وقال قائل: وإذا تكون كريهة أدعى لها ... إذا يُحاسُ الحيس يدعى جندب ولم يبين المصنف قائل هذا البيت من هو، وعزاه الكاكي إلى عنترة العبسي وليس بصحيح، وعزاه سيبويه إلى رجل من مذحج، وقال أبو رياش: قائله همام بن مرة أخو جناس بن مرة قاتل كليب، وزعم ابن الأعرابي أنه لرجل من بني عبد مناف قبل الإسلام بخمسمائة عام، وذكر هذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 فصار بمنزلة " متى " و" متى ما "، ولهذا لو قال لامرأته: أنت طالق إذا شئت لا يخرج الأمر من يدها بالقيام من المجلس كما في قوله متى شئت، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - تستعمل في الشرط أيضا. قال قائلهم:   [البناية] وأن البيت من قصيدة من الكامل مع بيان لغاتها وإعرابها في الكتاب الذي صنفته وسميته " بالمقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية ". وقال الكاكي أول الشعر: بل في القضية أن إذا استغنيتم ... وأمنتموا فأنا البعيد الأجنب قلت: ليس كذلك، بل أوله: يا ضمر أخبرني وليس بكاذب ... والقول ما فعل الذي لا يكذب أمن السوية إن إذا استغنيتم ... وأمنتموا فأنا البعيد الأجنب وإذا الشدائد بالشدائد مرة ... أسجتكم فأنا المحب الأقرب ولجندب سهل البلاد وعذبها ... وإلى الملاح وحزنهن المجذب وإذا تكون كريهة أدعى لها ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب هذا وجدكم الصغار بعينه ... لا أم لي إذا كان ذاك ولا أب عجبًا لتلك قضية وإقامتي ... فيكم إلى تلك القضية أعجب قوله: يا ضمر، أراد: " يا ضمرة؛ فرخم. قوله: أسجتكم - من السجأة إذا غضبه. قوله: الملاح - بضم الميم وبتشديد اللام - نبات الحمص، والحزن بالفتح: ما حزن من الأرض، وفيها غلاظة. قوله: وإذا يحاس الحيس - وهو تمر يخلط بسمن وأقط ثم يدلك حتى يختلط. قوله: وجدكم - الواو فيه للقسم، أي وحق حظكم ... وسعدكم. والصغار - بالفتح - الذلة. م: (فصار) ش: أي إذا م: (بمنزلة متى ومتى ما) ش: يعني في عدم سقوط معنى الوقت عند استعماله شرطًا واستوضح كونه بمعنى متى بقوله م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونه بمعنى متى م: (لو قال لامرأته: أنت طالق إذا شئت لا يخرج الأمر من يديها بالقيام من المجلس؛ كما في قوله: متى شئت، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يستعمل في الشرط أيضًا) . م: (وأصل الخلاف بين أهل اللغة والنحو) ش: الكوفيون يقولون: إن إذا قد تستعمل للشرط أيضًا، وقد تستعمل للوقت على السواء، وإذا كان بمعنى الشرط يسقط عنه معنى الوقت أصلًا كحرف أن، وهو مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - تعالى، وعند البصريين حقيقة للوقت وللشرط يستعمل مجازًا ولا يسقط منه معنى الشرط م: (قال قائلهم) ش: أي قائل الجمع الذين قالوا: إنه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 327 واستغن ما أغناك ربك بالغنى ... وإذا تصبك خصاصة فتحمل فإن أريد بها الشرط لم تطلق في الحال، وإن أريد بها الوقت طلقت فلا تطلق بالشك والاحتمال، بخلاف مسألة المشيئة؛ لأنه على اعتبار أنه للوقت لا يخرج الأمر من يدها، على اعتبار أنه للشرط يخرج، وكان الأمر بيدها، فلا يخرج بالشك والاحتمال، وهذا الخلاف فيما إذا لم تكن له نية.   [البناية] يستعمل للشرط واستغن ما أغناك ربك بالغنى ... وإذا تصبك خصاصة فتحمل ومعنى قوله: (وإذا تصبك) بالجزم، فلو كان لها الجزم لدخل الفاء في جوابه، وهو محتمل، والبيت لعبد قيس بن خفاق، وهو من الكامل من قصيدة مشهورة في المعلقات وما قبله أبني إن أباك حارب يومه ... وإذا دعيت إلى المكارم فاعجل الله فاتقه وأوف ينذره ... وإذا حلفت مماريًا فتحلل واستغن ما أغناك ربك بالغنى ... وإذا تصبك خصاصة فتحمل قوله: أبني: أي: يا بني. قوله: خصاصة؛ أي: مجاعة بالجيم، وهو أكل المر وهو الشحم المذاب، والمراد الاكتفاء والقناعة بأدنى شيء، لأنه إذا كانت مشتركة لم يجز استعمالها فيهما دفعة. م: (فإن أريد بها الشرط لم تطلق في الحال، وإن أريد بها الوقت طلقت، فلا تطلق بالشك والاحتمال) ش: فإن قيل: النظر إلى الشرطية يقتضي بقاء النكاح والحل والنظر إلى الوقتية يوجب الطلاق والحرمة فاجتمعت الحرمة والحل، فينبغي أن ترجح الحرمة كما عرف. قلنا: هذا متروك في جميع صور التردد، فإنه لو شك في الانتقاض بعد الطهارة، فإن بقاءها يوجب إباحة الصلاة بالنظر إلى الانتقاض بحرم أداؤها، مع هذا لا يترجح الحرمة، وإن كان مبنى الصلاة على الاحتياط لأن الشك لا يحدث شيئًا، فلا يكون من قبيل تعارض دليل الحرمة من دليل الحل، كذا قيل. م: (بخلاف مسألة المشيئة) ش: جواب عن قولهما كما في قوله متى شئت، وتقديره قوله: م: (لأنه على اعتبار أنه) ش: أي أن إذا م: (للوقت) ش: أي لمعنى الوقت م: (لا يخرج الأمر من يدها، وعلى اعتبار أنه للشرط يخرج، الأمر بيدها) ش: بيقين م: (فلا يخرج بالشك والاحتمال) ش: لأن الشك لا يعارض اليقين، م: (وهذا الخلاف) ش: أي المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (فيما إذا لم تكن له نية) ش: في قوله أنت طالق إذا لم أطلقك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 أما إذا نوى الوقت يقع في الحال، ولو نوى الشرط يقع في آخر العمر لأن اللفظ يحتملهما. ولو قال: أنت طالق ما لم أطلقك، أنت طالق فهي طالق بهذه التطليقة، معناه: قال ذلك موصولا به، والقياس أن يقع المضاف فيقعان إن كانت مدخولا بها، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه وجد زمان لم يطلقها فيه، وإن قل وهو زمان قوله: أنت طالق، قبل أن يفرغ منها. وجه الاستحسان أن زمان البر مستثنى عن اليمين بدلالة الحال، لأن البر هو المقصود، ولا يمكنه تحقيق البر إلا أن يجعل هذا القدر مستثنى، وأصله من حلف لا يسكن هذه الدار فاشتغل بالنقلة من ساعته وأخواته على ما يذكر في الأيمان إن شاء الله تعالى.   [البناية] م: (وأما إذا نوى الوقت يقع) ش: الطلاق م: (في الحال ولو نوى الشرط يقع في آخر العمر) ش: يموت أحدهما م: (لأن اللفظ يحتملهما) ش: أي يحتمل الوقت والشرط، فإذا احتملهما على السواء يقع ما نوى بالإجماع، وقيل: إذا تستعمل للشرط مجازًا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وكذا عندهما فينبغي أن لا يصدقه القاضي فيما إذا نوى به معنى إن؛ لأن فيه تخفيفًا على نفسه. قيل في جوابه لما كثر استعماله في معنى الشرط فصار كالظاهر في حقه، فجاز أن يصدقه القاضي، مع أنه قيل حقيقة فيهما عنده، وفيه نوع تأمل. [قال أنت طالق ما لم أطلقك أنت طالق] م: (ولو قال: أنت طالق ما لم أطلقك أنت طالق فهي طالق بهذه التطليقة) ش: أي التطليقة الأخيرة المضافة إلى المعلقة بعدم التطليق م: (معناه) ش: أي معنى ما قاله محمد أو القدوري م: (قال ذلك موصولًا به) ش: قيد به لأنه لو قال مفصولًا يقعان بالإجماع قياسًا واستحسانًا، لأنه وجد الزمان الخالي عن التطليق م: (والقياس أن يقع المضاف) ش: وهو قوله ما لم أطلقك م: (فيقعان) ش: أي المضاف والتطليقة الأخيرة م: (إن كانت مدخولًا بها وهو) ش: أي القياس م: (قول زفر، لأنه وجد زمان لم يطلقها فيه وإن قل وهو زمان قوله أنت طالق قبل أن يفرغ منها) ش: بيانه أنه وجد ما بين اليمين، ووقوع الطلاق مقدار ما يقع فيه ستة أحرف، وشرط الحنث يستوي فيه القليل والكثير. م: (وجه الاستحسان أن زمان البر مستثنى عن اليمين به لدلالة الحال) ش: لأن الحالف إنما يحلف ليبر في يمينه ولم يمكنه البر في هذه إلا أن يجعل الساعة التي تشتغل بالإيقاع فيها مستثنى، فيصير هذا القدر مستثنى من اليمين بدلالة الحال م: (لأن البر هو المقصود، ولا يمكنه تحقيق البر، إلا أن يجعل هذا المقدار) ش: أي مقدار ما تشتغل بالإيقاع فيه م: (مستثنى) ش: عن اليمين م: (وأصله) ش: أي أصل هذا الخلاف الذي وقع بيننا وبين زفر مسألة كتاب الإيمان، وأشار إليها بقوله: م: (من حلف لا يسكن هذه الدار فاشتغل بالنقلة من ساعته) ش: فإنه لا يحنث استحسانًا وعند زفر يحنث قياسًا م: (وأخواته) ش: أي وأخوات من حلف، وهي قوله لا تلبس هذا الثوب وهو لابسه، فنزعه في الحال، ولا يركب هذه الدابة وهو راكبها فنزل من ساعته لا يحنث، خلافًا لزفر م: (على ما يذكر في الإيمان إن شاء الله تعالى) ش: أي على ما يذكر أصل هذه المسألة وأخواتها في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 ومن قال لامرأة: يوم أتزوجك فأنت طالق فتزوجها ليلا طلقت لأن اليوم يذكر ويراد به بياض النهار، فيحمل عليه إذا قرن بفعل يمتد كالصوم، والأمر باليد لأنه يراد به المعيار، وهو أليق به ويذكر ويراد به مطلق الوقت، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] (الأنفال الآية: 16) ، والمراد به مطلق الوقت فيحمل عليه إذا قرن بفعل لا يمتد، والتزوج من هذا القبيل فينتظم الليل والنهار، ولو قال: عنيت به بياض النهار خاصة دين في القضاء لأنه نوى حقيقة كلامه والليل لا يتناول إلا السواد، والنهار لا يتناول إلا البياض خاصة وهو اللغة.   [البناية] كتاب الإيمان إن شاء الله عز وجل. م: (ومن قال لامرأة يوم أتزوجك فأنت طالق فتزوجها ليلًا) ش: أي في الليل م: (طلقت، لأن اليوم يذكر ويراد بياض النهار، فيحمل عليه) ش: أي على بياض النهار م: (إذا قرن) ش: أي اليوم م: (بفعل يمتد كالصوم) ش: فإنه يمتد م: (والأمر باليد) ش: كما في قوله أمرك بيدك يوم يقدم فلان م: (لأنه يراد به المعيار) ش: أي أراد باليوم المعيار إذا الفعل ممتد، والمراد بالمعيار أن يكون مقدارًا بقدر الفعل كالصوم في اليوم م: (وهو أليق به) ش: أي كون المعيار مرادًا من اليوم أليق بالفعل الممتد؛ لأن الفعل الممتد يحتاج إلى وقت مؤبد وهو بياض النهار الذي صار المعيار عبارة عنه، بخلاف ما إذا لم يكن الفعل ممتدًا، حيث لا يحتاج إلى وقت مديد بل يكفيه مطلق الوقت. م: (ويذكر) ش: أي اليوم م: (ويراد به مطلق الوقت، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] (الأنفال الآية: 16) ، م: (والمراد به مطلق الوقت فيحمل عليه) ش: أي على مطلق الوقت م: (إذا قرن بفعل لا يمتد والتزوج من هذا القبيل) ش: أي مما لا يمتد إذ لا يقال تزوجتك شهرًا وسنة، فلو قال ذلك يتأبد ويمتد، وفي أكثر النسخ م: (والطلاق من هذا القبيل) ش: قال الإمام حميد الدين: هذا يدل على أن المعتبر جانب الشروط، وفي النسخة التي فيها الطلاق قال الإمام ظهير الدين: هذا يدل على أن المعتبر في الامتداد وعدمه جانب الجزاء لا جانب الشرط. وقال الأترازي: اختلفوا في الفعل الذي لا يمتد، قال صاحب " الهداية ": أي أنه الطلاق، لأنه قال والطلاق من هذا القبيل، أي مما لا يمتد أبدًا، قال شمس الأئمة السرخسي وقال فخر الإسلام البزدوي والصدر الشهيد العتابي أنه التزوج م: (فينتظم الليل والنهار) ش: ويقع الطلاق إذا قدم ليلًا أو نهارًا في قوله - أنت طالق يوم يقدم فلان - وبه قال الشافعي في وجه، وفي الأصح عنده لا يتناول الليل فلا يقع الطلاق إذا قدم ليلًا. م: (ولو قال: عنيت به بياض النهار خاصة دين) ش: أي صدق م: (في القضاء لأنه نوى حقيقة كلامه) ش: لأن النهار بياض النهار خاصة، والليل للسواد خاصة، واليوم يستعمل في بياض النهار، ومطلق الوقت الاشتراط عند البعض، والصحيح بطريق المجاز م: (والليل لا يتناول السواد والنهار يتناول البياض خاصة وهو اللغة) ش: يعني حقيقتهما اللغوية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 فصل ومن قال لامرأته: أنا منك طالق فليس بشيء وإن نوى طلاقا، ولو قال: أنا منك بائن أو عليك حرام ينوي الطلاق فهي طالق، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقع الطلاق في الوجه الأول أيضا إذا نوى؛ لأن ملك النكاح مشترك بين الزوجين حتى تملك المطالبة بالوطء كما يملك هو المطالبة بالتمكين، وكذا الحل مشترك بينهما، والطلاق وضع لإزالتهما فيصح مضافا إليه كما يصح مضافا إليها، كما في الإبانة والتحريم.   [البناية] [فصل إضافة الطلاق إلى النساء] [قال لامرأته أنا منك طالق] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في إضافة الطلاق إلى النساء. ولما كانت هذه مخالفة لإضافة الطلاق إلى الرجال ذكرها في فصل على حدة. وقال الأكمل: ذكر فيه مسائل أخر متنوعة، وكان حقها أن يذكرها في مسائل شتى. قلت: ليس من حقها ما ذكره، لأن الذي ذكره في هذا الفصل كله من أنواع الطلاق، والمناسب ذكرها كلها في فصول الطلاق. م: (ومن قال لامرأته أنا منك طالق فليس بشيء وإن نوى طلاقًا) ش: هذه من مسائل " الجامع الصغير "، وصورتها فيه عن محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، في رجل يقول لامرأته أنا منك طالق، ينوي الطلاق، قال لا يكون طلاقًا، انتهى. وهذا معنى قول المصنف فليس قوله - وإن نوى طلاقًا - واصل بما قبله. م: (ولو قال: أنا منك بائن أو عليك) ش: أي أو قال أنا عليك م: (حرام) ش: حال كونه م: (ينوي الطلاق فهي طالق) ش: هاتان الصورتان من تتمة مسائل " الجامع الصغير " المذكورة: الأولى: أنا منك بائن ينوي الطلاق كانت طلاقًا، الثانية: قوله أنا عليك حرام ينوي الطلاق كانت طلاقًا، وبقولنا قال أحمد. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يقع الطلاق في الوجه الأول أيضًا إذا نوى) ش: الوجه الأول هو قوله أنا منك طالق م: (لأن ملك النكاح مشترك بين الزوجين حتى تملك) ش: أي المرأة م: (المطالبة) ش: أي مطالبة زوجها م: (بالوطء كما يملك هو) ش: أي الزوج م: (المطالبة) ش: أي مطالبة المرأة م: (بالتمكين) ش: أي تمكين نفسها من الزوج م: (وكذا الحل مشترك بينهما) ش: أي بين الزوجين وذلك محل استمتاع كل منهما بصاحبه ولانتهاء النكاح بموت كل منهما وتسمية كل واحد ناكحًا م: (والطلاق وضع) ش: أي شرعًا م: (لإزالتهما) ش: أي لإزالة الحل والتمكين، وكل ما وضع كذلك م: (فيصح مضافًا إليه) ش: أي على الزوج م: (كما يصح مضافًا إليها) ش: أي إلى المرأة م: (كما في الإبانة والتحريم) ش: أي كما يصح في قوله أنا منك بائن، وأنا عليك حرام. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 ولنا أن الطلاق لإزالة القيد وهو فيها دون الزوج، ألا ترى أنها هي الممنوعة عن التزوج بزوج آخر والخروج، ولو كان لإزالة الملك فهو عليها لأنها مملوكة، والزوج مالك ولهذا سميت منكوحة، بخلاف الإبانة لأنها لإزالة الوصلة وهي مشتركة بينهما، وبخلاف التحريم لأنه لإزالة الحل وهو مشترك بينهما فصحت إضافتهما إليهما، ولا تصح إضافة الطلاق إليها.   [البناية] وهذا التعليل الذي علل به الشافعي مرضي عند أكثر أصحابه فقالوا لو كان كذلك لما احتاج إضافة الطلاق إليه، أي إلى النية كما لا يحتاج الإضافة إليها، أي إلى النية، بل المختار عند أصحابه أن على الزوج حجرًا من جهتها من حيث إنه لا ينكح أختها ولا أربعًا سواها فيصح إضافته إليه باعتبار رفع القيد؛ لأن الإضافة إلى الزوج غير معهودة، فاحتيج إلى النية، كذا في كتبهم. م: (ولنا أن الطلاق لإزالة القيد) ش: أي القيد الحاصل بالنكاح م: (وهو) ش: أي القيد م: (فيها) ش: أي في المرأة م: (دون الزوج) ش: يعني القيد للنكاح حصل للرجل على المرأة لا للمرأة على الرجل، ثم أوضح ذلك بقوله م: (ألا ترى أنها) ش: أي المرأة م: (هي الممنوعة عن التزوج بزوج آخر والخروج) ش: أي وممنوعة من الخروج والبروز، والرجل ينطلق حيث شاء، ويريد ويستمتع بإمائه وإن كثرت وبثلاث سواها. م: (ولو كان) ش: أي الطلاق م: (لإزالة الملك) ش: كما قال الشافعي م: (فهو عليها) ش: أي فالكل عليها م: (لأنها مملوكة والزوج مالك) ش: وهذا جواب عما قاله الشافعي بطريق التسليم بعد المنع، فإن الطلاق لإزالة الملك، ثم أوضح ذلك بقوله م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونها مملوكة م: (سميت منكوحة) ش: ولما ملك بضعها وجب عليه المهر والنفقة وبمقابلته تملكه م: (بخلاف الإبانة) ش: أي بخلاف قوله - أنا منك بائن - م: (لأنها) ش: أي لأن الإبانة م: (لإزالة الوصلة وهي مشتركة بينهما) ش: أي بين الزوجين، ولهذا جاز إضافتها إلى كل واحد منهما ألا ترى أنه يقال بان عنها، كما يقال بانت عنه. م: (وبخلاف التحريم) ش: أي وبخلاف قوله - أنا عليك حرام - م: (لأنه) ش: أي لأن لفظ حرام م: (لإزالة الحل وهو) ش: أي الحل م: (مشترك) ش: أي م: (بينهما فصحت إضافتهما) ش: أي إضافة الحرام والإبانة م: (إليهما) ش: أي إلى الزوجين، ألا ترى أنه يقال حرم عليها كما يقال حرمت عليه م: (ولا تصح إضافة الطلاق إليها) ش: أي إلى المرأة، لأن الطلاق زوال القيد، ولما لم يكن القيد على الرجل لم يصح إضافة الطلاق إليه، ولأن الطلاق لو وقع على المرأة لا يخلو، إما أن يثبت ابتداء أو بناء على ثبوته في الرجل، فلا يجوز الأول لعدم إضافة الطلاق إليها، ولا يجوز الثاني أيضًا، لأن الرجل ليس طالقًا عن المرأة عدم القيد فيه، فلغي قوله - أنا منك طالق - كما إذا قال لعبده أنا منك حر، حيث لا يعتق. فإن قيل لا نسلم عدم القيد في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 ولو قال: أنت طالق واحدة أو لا فليس بشيء، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كذا ذكر في " الجامع الصغير " من غير خلاف، وهذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخرا. وعلى قوله محمد وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا تطلق واحدة رجعية، ذكر قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب الطلاق فيما إذا قال لامرأته أنت طالق واحدة، أو لا شيء، ولا فرق بين المسألتين، ولو كان المذكور هاهنا قول الكل، فعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان: له أنه أدخل الشك في الواحدة لدخول كلمة أو بينها وبين النفي فيسقط اعتبار الواحدة، ويبقى قوله: أنت طالق،   [البناية] الرجل، ولهذا لا يجوز له أن يتزوج أربعًا سواها عليها وأختها وابنة أخيها، قيل له ذلك باعتبار عدم المشروعية لا باعتبار أن القيد واقع على الرجل. [قال أنت طالق واحدة أو لا] م: (ولو قال: أنت طالق واحدة أو لا فليس بشيء) ش: هذه مسألة " الجامع الصغير "، وصورتها فيه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في رجل قال لامرأته أنت طالق واحدة أو لا قال ليس بشيء، انتهى، وكذا لو قال: أنت طالق أو لا أو غير طالق لا يقع شيء وبه قال الشافعي وأحمد ومالك على هذا الخلاف لو قال أنت طالق ثلاثًا أو لا شيء. م: (قال) ش: هكذا ذكره، أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (كذا ذكر هذا في الجامع الصغير) وقال في الأصل وإن قال أنت طالق واحدة أو لا شيء فهي طالق واحدة رجعية في قول محمد وقول أبي يوسف الأول، ولم يذكر قول أبي حنيفة في الأصل كما ترى. ونقل صاحب الأجناس عن كتاب الطلاق إملاء أبي سليمان قال أبو حنيفة لا يقع الطلاق، ثم قال صاحب الأجناس وكذا ذكره عن أبي حذيفة في " الجرجانيات " م: (وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف آخرًا) ش: أي المذكور من قوله أنت طالق واحدة أو لا شيء. م: (وعلى قول محمد وهو قول أبي يوسف أولًا يطلق واحدة رجعية، ذكر قول محمد في كتاب الطلاق فيما إذا قال لامرأته: أنت طالق واحدة أو لا شيء، ولا فرق بين المسألتين) ش: أي من قوله أنت طالق واحدة أو لا، ومن قوله أنت طالق واحدة أو لا شيء، لأنهما في المعنى واحد، يعني لا فرق بينهما في حق التردد في الإيقاع أو في الوضع م: (ولو كان المذكور هاهنا قول الكل فعن محمد روايتان) ش: أي لو كان المذكور في " الجامع الصغير " قول الثلاث فيكون عن محمد روايتان، لأنه ذكر قول الثلاثة عن محمد في طلاق " المبسوط " أنه يقع واحدة رجعية ليذكر الخلاف في " الجامع الصغير "، وهذا يستلزم ورود الروايتين عنه. م: (له) ش: أي لمحمد (- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (أنه) ش: أي أن الرجل الذي قال لامرأته أنت طالق واحدة أو لا شيء م: (أدخل الشك في الواحدة لدخول كلمة م: (أو) ش: بينها) ش: أي بين الواحدة م: (وبين النفي) ش: وهو قوله لا شيء م: (فيسقط اعتبار الواحدة ويبقى قوله: أنت طالق) ش: سالمًا من الشك، فتقع طلقة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 333 بخلاف قوله: أنت طالق أو لا لأنه أدخل الشك في أصل الإيقاع فلا يقع شيء، ولهما أن الوصف متى قرن بالعدد كان الوقوع بذكر العدد ألا ترى أنه لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق ثلاثا تطلق ثلاثا، ولو كان الوقوع بالوصف للغا ذكر الثلاث، وهذا لأن الواقع في الحقيقة إنما هو المنعوت المحذوف، معناه أنت طالق تطليقة واحدة، على ما مر. وإذا كان الواقع ما كان العدد نعتا له كان الشك داخلا في أصل الإيقاع، فلا يقع شيء. ولو قال أنت طالق مع موتي أو مع موتك فليس بشيء، لأنه أضاف الطلاق إلى حالة منافية له، لأن موته ينافي الأهلية وموتها ينافي الحلية، فلا بد منهما   [البناية] واحدة رجعية م: (بخلاف قوله: أنت طالق أو لا، لأنه أدخل الشك في أصل الإيقاع فلا يقع شيء) . م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن الوصف) ش: وهو قوله أنت طالق م: (متى قرن بالعدد) ش: مثل أن يقول أنت طالق واحدة أو اثنتين أو ثلاثًا م: (كان الوقوع) ش: أي وقوع الطلاق م: (بذكر العدد) ش: وهو قوله واحدة، إنما أطلق العدد على الواحد مجازًا من حيث إنه أصل العدد م: (ألا ترى أنه) ش: توضيح لما قبله، أي ألا ترى أن الرجل م: (لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق ثلاثًا تطلق ثلاثًا) ش: بالاتفاق، فعلم أن الوقوع بالعدد م: (ولو كان الوقوع) ش: أي وقوع الطلاق م: (بالوصف للغا ذكر الثلاث) ش: يعني لو كان بقوله أنت طالق لما وقع الثلاث، فعلم أن الوقوع بالعدد لا بالوصف. م: (وهذا) ش: أشار به إلى قوله ولو كان الوقوع بالوصف م: (لأن الواقع في الحقيقة إنما هو المنعوت المحذوف، معناه أنت طالق تطليقة واحدة على ما مر) ش: أراد بقوله أن الوقوع بالعدد لا بالصفة وهي طالق، لكن العدد وقع نعتًا لمحذوف، أي تطليقة واحدة، فالمنعوت هو الواقع في الحقيقة فافهم م: (وإذا كان الواقع ما كان العدد نعتًا له كان الشك داخلًا في أصل الإيقاع فلا يقع شيء) ش: الضمير في له يرجع إلى الموصول وهو قوله ما هو عبارة عن التطليقة المحذوفة، وأراد بقوله العدد الواحد وقوله كان الشك إلى آخره جواب قوله إذا كان. [قال أنت طالق مع موتي أو مع موتك] م: (ولو قال: أنت طالق مع موتي أو مع موتك) ش: أي أو قال أنت طالق مع موتك م: (فليس بشيء) ش: أي هذا القول ليس بشيء حتى لا يقع به طلاق، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، وهذه من مسائل " الجامع الصغير " وليس فيه خلاف، وكذا إذا قال أنت طالق بعد موتي أو بعد موتك بل أولى م: (لأنه أضاف الطلاق إلى حالة منافية له) ش: أي للطلاق م: (لأنه موته) ش: أي لأن موت الرجل م: (ينافي الأهلية) ش: أي للطلاق م: (وموتها) ش: أي موت المرأة م: (ينافي المحلية) ش: أي كونه محلًا للطلاق م: (فلا بد منهما) ش: أي فلا بد لوقوع الطلاق من الأهلية والمحلية، لأن الطلاق معلق لوجود الموت، فصار الموت شرطًا كما لو قال أنت طالق مع دخولك الدار والجزاء يعقب الشرط، فكان هذا إيقاعًا له بعد الموت ولا ملك بعد الموت، ولأن النكاح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 وإذا ملك الزوج امرأته أو شقصا منها أو ملكت المرأة زوجها أو شقصا منه وقعت الفرقة للمنافاة بين الملكين، أما ملكها إياه فللاجتماع بين المالكية والمملوكية، وأما ملكه إياها فلأن ملك النكاح ضروري، ولا ضرورة مع قيام ملك اليمين فينتفي النكاح، ولو اشتراها ثم طلقها لم يقع شيء؛ لأن الطلاق يستدعي قيام النكاح ولا بقاء له مع المنافي لا   [البناية] موقت بحياتهما، فموت أحدهما ينتهي لوجود غايته، والحكم لا يبقى بعد الغاية. وفي " الجامع " قال: والله لا أقربك حتى تموتي أو أموت صار موليًا، فكأنه قال: والله لا أقربك ما دام النكاح بيننا. [ملك الرجل امرأته أو ملكت المرأة زوجها] م: (وإذا ملك الزوج امرأته) ش: أي إذا ملك الرجل امرأته بشراء أو إرث أو بهبة أو صدقة م: (أو شقصًا منها) ش: أي أو ملك الرجل شقصًا من امرأته، والشقص بالكسر السهم، قال ابن دريد: م: (أو ملكت المرأة زوجها) ش: يعني بشراء أو نحوه كما ذكرنا م: (أو شقصًا منه) ش: أي وملكت المرأة شقصًا من الزوج م: (وقعت الفرقة) ش: جواب إذا، يعني يرتفع النكاح من بينهما بالفسخ وهذا قول الجمهور، وبه قالت الأئمة الثلاثة والظاهرية. وفي " التمهيد " عن عبد الله بن عتبة والشعبي والنخعي أنها لو ملكت زوجها فأعتقته حين ملكته كأنما على نكاحهما لو ملكها الزوج ووطئها بملك اليمين بعده، ولو ملك بعضها ينفسخ النكاح، ولا يطأها. وقال قتادة: لم يردد منها الأقرباء ويطؤها بنكاحه وهو شذوذ م: (للمنافاة بين الملكين) ش: وهما ملك النكاح والملك بالشراء ونحوه. م: (أما ملكها إياه) ش: أي أما ملك المرأة زوجها م: (فللاجتماع بني المالكية والمملوكية) ش: وهو مستحيل. لأن ملك النكاح الرقبة يقتضي أن يكون خادمًا، وملك النكاح يقتضي أن يكون مخدومًا فاستحال اجتماعهما. م: (وأما ملكه إياها) ش: أي وأما ملك الرجل امرأته م: (فلأن ملك النكاح ضروري) ش: بيانه أن إثبات الملك على الحر على خلاف القياس، وإنما يثبت ضرورة الحل لبقاء النسل م: (ولا ضرورة مع قيام ملك اليمين) . لأنه لما طرأ عليه ملك اليمين وهو الحل القوي م: (فينتفي) ش: الحل الضعيف، وفي تملك الشقص وإن كان لا يثبت الحل ولكن يثبت الملك، فقام مقام الحل، لأنه دليل عليه، بخلاف المكاتب إذا اشترى منكوحة حيث لا يبطل النكاح، لأن الثابت في كسبه حق الملك، وحق الملك لا يمنع حق النكاح. م: (ولو اشتراها) ش: أي ولو اشترى الزوج امرأته الأمة م: (ثم طلقها لم يقع شيء، لأن الطلاق يستدعي قيام النكاح ولا بقاء له) ش: أي للنكاح م: (مع المنافي) ش: وهو ملك اليمين م: (لا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 335 من وجه ولا من كل وجه وكذا إذا ملكته أو شقصا منه لا يقع الطلاق لما قلنا من المنافاة. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقع لأن العدة واجبة بخلاف الفصل الأول، لأنه لا عدة هنالك حتى حل وطؤها له وإن قال لها وهي أمة لغيره أنت طالق ثنتين مع عتق مولاك إياك فأعتقها مولاها ملك الزوج الرجعة؛ لأنه علق التطليق بالإعتاق أو العتق، لأن اللفظ ينتظمهما،   [البناية] من وجه) ش: العدة، لأنها أثر من آثاره، فلا يحنث مع وجود المنافي، وإلا لكان ملك النكاح باقيًا من وجه (ولا من كل وجه) متعلقًا بقوله ولا بقاء. وقال الأكمل: وقيل لا من وجه يعني إذا ملك الشقص لا من كل وجه، يعني إذا ملك اليمين الجمع، وعلى هذا يتعلق بقوله مع المنافي، انتهى. قلت: هذا القول الذي أشار إليه الأكمل بقوله وقيل هو قول الأترازي، هكذا فسره في شرحه، م: (وكذا إذا ملكته) ش: أي وكذا لا يقع الطلاق إذا ملكت المرأة الحرة زوجها وهو عبد بميراث أو غيره م: (أو شقصًا منه) ش: أي أو ملكت شقصًا من زوجها م: (لا يقع الطلاق لما قلنا من المنافاة) ش: بين المالكية والمملوكية. م: (وعن محمد أنه يقع) ش: أي الطلاق في الصورة الثانية لوجوب العدة عليها، والطلاق يعتمد ملك النكاح أو قيام العدة، ولهذا تجب العدة، ولهذا لا يحل له وطؤها م: (لأن العدة واجبة بخلاف الفصل الأول) ش: وهو ما إذا ملك الزوج امرأته م: (لأنه لا عدة هنالك، حتى حل وطؤها له) ش: أي لا عدة في حق مولاها الذي يملكها. وفي " الكافي " فإن قيل أليس أنه لا يجوز له التزويج، وهذا دليل على الوجوب. قلنا: قد قالوا لا عدة عليها بدليل أنه لو زوجها من آخر جاز، والصحيح أنه لا يجوز تزويجها من آخر فعلم أنه لا تجب العدة عليها في حق من استبرأها، وفي حق غيره روايتان، وهذا لأن العدة إنما تجب لاستبراء الرحم من الماء، ويستحيل استبراء رحمها من ماء نفسه مع بقاء السبب الموجب لحل الوطء. م: (وإن قال لها) ش: أي ولو قال رجل لامرأته م: (وهي أمة لغيره) ش: أي والحال أنها أمة لغيره. م: (أنت طالق ثنتين مع عتق مولاك إياك) ش: أي إعتاق مولاك إياك فاستعير الحكم لعلة، لأن العتق حكم الإعتاق، والدليل عليه أنه قال بعده علق التطليق بالإعتاق أو بالعتق، لأن الإعتاق يضاف حقيقة إلى المولى لا العتق م: (فأعتقها) ش: يعني م: (مولاها ملك الزوج الرجعة، لأنه علق التطليق بالإعتاق أو العتق) ش: أي بالعتق الحاصل بإعتاق المولى م: (لأن اللفظ) ش: وهو قوله مع عتق مولاك م: (ينتظمهما) ش: أي ينتظم الإعتاق والعتق على طريق البدل لا الشمول، لا ضيق المسافة لاستحالة الحقيقة والمجاز مرادين، ولهذا يندفع قول الأترازي. ولنا في قوله: لأن اللفظ ينتظمهما نظر، لأنه حينئذ يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 336 والشرط ما يكون معدوما على خطر الوجود وللحكم تعلق به، والمذكور بهذه الصفة والمعلق به التطليق لأن في التعليقات يصير التصرف تطليقا عند الشرط عندنا، وإذا كان التطليق معلقا بالإعتاق، أو لعتق يوجد بعده، ثم الطلاق يوجد بعد التطليق فيكون الطلاق متأخرا عن العتق، فيصادفها وهي حرة فلا تحرم حرمة غليظة بالثنتين   [البناية] م: (والشرط ما يكون معدومًا على خطر الوجود) ش: أي وقد علم أن الشرط ما يكون معدومًا، ويكون على خطر الوجود والعتق والإعتاق بهذه المثابة شرط على خطر الوجود م: (وللحكم تعلق به) ش: أي وقد علم أيضًا أن للحكم تعلقًا بالشرط؛ لأنه موقوف على وجود الشرط م: (والمذكور) ش: أي العتق م: (بهذه الصفة) ش: يعني معدوم على خطر الوجود وللحكم تعلق به، فيكون شرطًا لأنه جعل التطليق متصلًا بالعتق، وذلك التعلق إما أن يكون تعلق العلة بالمعلول أو الشرط بالمشروط، والإعتاق والعتق لا يكون علة لتطليق الزوج، وكذا تطليق الزوج لا يكون علة لإعتاق المولى والعتق الحاصل به والطلاق تعلق به، وهو معنى قوله م: (والمعلق به) ش: أي العتق م: (التطليق) ش: لا الطلاق عندنا لما تقرر في الأصول أن أثر التطليق في منع السبب لا في منع الحكم. م: (لأن في التعليقات يصير التصرف معلقًا عند الشرط عندنا) ش: بناء على أن الشرط عندنا غلبة العلة إلى زمان وجوده كما عرف في الأصول. وقال تاج الشريعة: قوله - لأن في التعليقات ... إلى آخره - يعني أن المعلق بالشرط عندنا لا ينعقد سببًا، والشرط يمنع الانعقاد، وعند الشافعي يؤخر الحكم. [التطليق بعد الإعتاق أو العتق] م: (وإذا كان التطليق معلقًا بالإعتاق أو العتق يوجد بعده) ش: أي يوجد التطليق بعد الإعتاق أو العتق، لأن المشروط مع الشرط يتعاقبان م: (ثم الطلاق يوجد بعد التطليق فيكون الطلاق متأخرًا عن العتق) ش: بالضرورة م: (فيصادفها) ش: أي يصادف الطلاق المرأة م: (وهي حرة) ش: أي والحال أنها حرة عند المصادفة م: (فلا تحرم حرمة غليظة بالثنتين) ش: أي التطليقتين. وعند الشافعي العتق والطلاق وقعا معا فلم يكن رجعيا في أظهر قوليه بعد وقوع الطلاق لكن عنده صورة المسألة فيما إذا قال العبد لامرأته أنت طالق مع عتق مولاي إياي؛ لأن عنده اعتبار الطلاق بالرجال. وبه قال مالك وأحمد. وفي قول عنه يحرم حرمة غليظة؛ لأن العتق لو تقدم وقوع الطلاق، فصار كما لو طلقها اثنتين ثم عتق. وفي " الكافي " وذكر في " الهداية " لأنه علق التطليق بالعتق إلى آخره، وهو مشكل، لأنه أريد به الإعتاق هاهنا، فاستعير الحكم عن علته، ألا ترى إلى قوله: إياك - ولا تستعمل ذلك إلا في الفعل المتعدي، قيل في جوابه ليس بمشكل، لأنه لما علق التطليق بالإعتاق يلزم منه تعليقه بالعتق الحاصل من الإعتاق وقد بينا أن كل واحد يصلح شرطًا إذ كل منهما على خطر الوجود، ويكون قوله مع عتق مولاك إياك مع العتق الحاصل من إعتاق مولاك إياك، فلهذا أول المصنف قوله علق العتق بالإعتاق أو العتق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 337 يبقى شيء، وهو أن كلمة " مع " للقران، قلنا قد تذكر للتأخر كما في قَوْله تَعَالَى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] الشرح الآية: 6 فحمل عليه بدليل ما ذكرنا من معنى الشرط. ولو قال: إذا جاء غد فأنت طالق ثنتين، وقال المولى: إذا جاء غد فأنت حرة، فجاء الغد لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره   [البناية] فإن قلت: كيف سمى المصنف إضافة الطلاق إلى زمان الإعتاق تعليقًا، والمعلق غير مضاف. قلت: أجيب: بأنه سماها تعليقًا مجازًا لا حقيقة، لأن التعليق توقيف الأمر على أمر بحرف الشرط، فلما وجد توقف الطلاق على العتاق سماه تعليقًا، وإن لم يذكر لحوق الشرط فصار كأنه قال أنت طالق إن أعتق مولاك. م: (يبقى شيء) ش: أي إشكالًا م: (وهو أن كلمة " مع " للقران) ش: عند أرباب اللسان، حاصل هذا أنه اعتذار عما ورد على كلامه، حيث قال يكون الطلاق متأخرًا عن العتق فورد عليه بأن قال لا نسلم أنه متأخر عنه، لأن كلمة مع للقران والصحبة، فقال: سلمنا ذلك لكن م: (قلنا: قد تذكر) ش: أي لفظ مع م: (للتأخر) ش: مجازًا، م: (كما في قَوْله تَعَالَى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] ش: (الشرح: 5، 6) ، لأنه لا يمكن المعية بين العسر واليسر للتضاد بينهما، فيحمل على التأخير، وتحقيقه أن كلمة مع قد تذكر للاقتران في زمان الوجود، وقد تذكر للاقتران في أصل الوجود كما في قَوْله تَعَالَى: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ} [النمل: 44] (النمل: 44) ، وكما في قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] (الشرح: 6) ، فلو كان المراد هو الأول يحرم حرمة غليظة، ولو كان المراد هو الثاني لا يحرم، والحرمة الغليظة لم تكن ثابتة فلا يثبت بالشك والاحتمال. فإن قيل: ينقض هذا بما ذكر في " الجامع " بقوله لامرأته أنت طالق مع نكاحك، حيث لم يصح ولم يصر معنى الشرط، فينبغي أن يكون كذلك، كما في قوله مع عتق مولاك - إلى آخره - بأن العدول عن حقيقة معنى القران باعتبار أنه ملك للتطليق تخييرًا تعليقًا، فكان من ضرورة كلامه أن يحمل على معنى الشرط، أما هاهنا لم يملك الطلاق، والطلاق مع النكاح متنافيان، فلا يلزم العدول عن معنى القران، فيلغو ضرورة. وقال الكاكي: وهذا الجواب لم يتضح لي لأنه تمليك بتعليق الطلاق بالنكاح، فيمكن تصحيح كلامه على اعتبار معنى الشرط فينبغي أن يحمل عليه. م: (فيحمل عليه) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فيحمل لفظ مع على التأخر، كما في الآية الكريمة م: (بدليل ما ذكرنا من معنى الشرط) ش: لضرورة تصحيح الكلام. [قال الرجل لامرأته الأمة إذا جاء غد فأنت طالق ثنتين] م: (ولو قال: إذا جاء غد فأنت طالق ثنتين) ش: أي ولو قال الرجل لامرأته الأمة إذا جاء غد فأنت طالق ثنتين م: (وقال المولى: إذا جاء غد فأنت حرة فجاء الغد لم تحل له حتى تنكح زوجًا غيره الجزء: 5 ¦ الصفحة: 338 وعدتها ثلاث حيض، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: زوجها يملك الرجعة عليها؛ لأن الزوج قرن الإيقاع بإعتاق المولى حيث علقه بالشرط الذي علق به المولى العتق، وإنما ينعقد المعلق سببا عند الشرط والعتق يقارن الإعتاق لأنه علته أصله علته، أصله الاستطاعة مع الفعل فيكون التطليق مقارنا، للعتق ضرورة   [البناية] ش: لأنها حرمت عليه حرمة غليظة م: (وعدتها ثلاث حيض) ش: أي عدة الحرائر. وهذه المسألة لا خلاف فيها على رواية أبي سليمان الجرجاني، وفيها الخلاف على رواية أبي حفص الكبير، أشار إليه بقوله م: (وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد زوجها يملك الرجعة) ش: يعني لا تحرم حرمة غليظة. وللشافعي قولان، لكن صورة المسألة عنده في العبد كما ذكرنا م: (لأن الزوج قرن الإيقاع) ش: أي إيقاع الطلاق م: (بإعتاق المولى، حيث علقه بالشرط الذي علق به المولى) ش:، وذلك أن الزوج أضاف الطلاق إلى زمان أضاف إليه المولى الإعتاق وهو مجيء الغد. م: (وإنما ينعقد المعلق سببًا عند الشرط) ش: يعني المعلق إنما يكون سببًا للإيقاع عند وجود الشرط، فكأنا مقترنين في السببية فحكمه أيضًا كذلك م: (والعتق يقارن الإعتاق لأنه) ش: أي لأن الإعتاق م: (علته) ش: أي علة العتق، والعلة مع المعلول يقترنان عند الجمهور. وعند البعض يتعاقبان في العلة الشرعية، والتصرفات الشرعية بمنزلة الجواهر م: (أصله الاستطاعة مع الفعل) ش: يعني الاستطاعة التي يحصل بها الفعل لا تسبق الفعل، لأن الفعل معلول لها، فيقترنان في الحكم، لأنها لو سبقت لا يخلو إما أن تبقى إلى زمان وجود الفعل أولًا، فيلزم في الأول قيام العرض بالعرض، وفي الثاني يلزم حصول الفعل بلا قدرة، وهو محال، فكذا الإعتاق لا يستبق العتق، لأن العتق معلوله. م: (فيكون التطليق مقارنًا للعتق ضرورة) ش: لأن الإعتاق أيضًا مقارن بمجيء الغد، لأن المقارن لمقارن الشيء مقارن لذلك الشيء لا محالة، فالطلاق بعد العتق فاسد، لأن الطلاق حكم التطليق لا يتأخر عنه، والتطليق يقارن الإعتاق، والإعتاق يقارن العتق، والطلاق يقارن العتق، كان المقارن للمقارن للشيء مقارن لذلك الشيء، فكيف يقع بعده، انتهى. وقال الكاكي: لا يتضح قول محمد إلا أن يوصف حكم العلة بتأخر عن العلة كما هو مذهب البعض كما وصفه شمس الأئمة في مسألة أنت طالق مع عتق مولاك إياك ... إلى آخره. وقال تاج الشريعة: اختلف المشايخ في جواز تأخير المعلولات عن العلل الشرعية، بعضهم قالوا لا يجوز ذلك، وبعضهم جوزه، لأن العلل الشرعية بمنزلة الجواهر على ما عرف، فمحمد أخذ في الطلاق بجواز التأخر، وفي العتق بالمقارنة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 339 فتطلق بعد العتق. فصار كالمسألة الأولى، ولهذا تقدر عدتها بثلاث حيض. ولهما أنه علق الطلاق بما علق به المولى العتق، ثم العتق يصادفها وهي أمة، وكذا الطلاق والطلقتان تحرمان الأمة حرمة غليظة، بخلاف المسألة الأولى، لأنه علق التطليق بإعتاق المولى فيقع الطلاق بعد العتق على ما قررناه، بخلاف العدة لأنه   [البناية] ووجه ذلك أن الطلاق مختص ببطء الثبوت لتحققه مع المنافي، والإعتاق مختص بسرعة الثبوت، لكنه على وفاق الدليل فيقدم على الطلاق فيصادفها الطلاق وهي حرة، فيملك الرجعة، ولهذا يتأخر الملك في البيع الفاسد عن البيع إلى زمان القبض، بخلاف البيع الصحيح لما ذكرنا أن أحدهما على وفق الدليل، والآخر على خلافه، انتهى. وعلل ركن الإسلام القاضي أبو الحسن السعدي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن العتق وإن كان يقارن الإعتاق، لكن العتق لا يزول ما لم يزل الرق مع العتق، لا يجتمعان في محل واحد، فيكون نزول العتق بعد زوال الرق فكان الطلاق بعد الحرية. وقيل في الجواب أنه يجوز أن يكون مراده بقوله بعد العتق أي معه كما أن مراده بقوله عتق مولاك وإياك، أي بعد عتق مولاك إياك، وقيل المعلق بالشرط كالمرسل عنده فيكون قول المولى عند الشرط عند حرة، وقال الزوج طالق مقترنين في زمان واحد ويتأخر ثنتين عن الحرية ضرورة فيقعان عليها، وهي حرة. م: (فصار كالمسألة الأولى) ش: وهي قوله أنت طالق ثنتين مع عتق مولاك إياك م: (ولهذا تقدر عدتها بثلاث حيض) ش: هذا إيضاح لقوله م: (لتطلق بعد العتق) ش:، بيانه أن الطلاق صادف الحرية، ولهذا تعتد بثلاث حيض، فلو صادف الأمة لزمها الاعتداد بالحيضتين، هكذا شرحه الأترازي، ثم قال: وعلى هذا الاستدلال الذي أورده صاحب " الهداية " نظر، لأن الاعتداد بثلاث حيض باعتبار أنها حرة زمان وجوب العدة كما في المسألة الأولى، باعتبار أن الطلاق صادف الحرية، انتهى. قلت: هذا الاستدلال هو الذي ذكره ثم نسبه لصاحب " الهداية " ثم نظر فيه، ولم يذكره صاحب " الهداية " هنا على ما لا يخفى. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أنه) ش: أي الزوج م: (علق الطلاق بما علق به المولى العتق) ش: وهو مجيء الغد م: (ثم العتق يصادفها وهي أمة) ش: أي والحال أنها أمة م: (وكذا الطلاق) ش: مصادفها وهي أمة م: (والطلقتان تحرمان الأمة حرمة غليظة) ش: فلا يملك الرجعة م: (بخلاف المسألة الأولى، لأنه علق التطليق بإعتاق المولى فيقع الطلاق بعد العتق على ما قررناه) ش: أي في المسألة الأولى، وهو أن الشرط مقدم على المشروط م: (بخلاف العدة لأنه) ش: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 يؤخذ فيها بالاحتياط، وكذا الحرمة الغليظة يؤخذ فيها بالاحتياط، ولا وجه إلى ما قال، لأن العتق لو كان يقارن الإعتاق لأنه علته، فالطلاق يقارن التطليق لأنه علته فيقترنان.   [البناية] أي لأن الشأن م: (يؤخذ فيها بالاحتياط) ش: صيانة لأمر الدين م: (وكذا الحرمة الغليظة يؤخذ فيها بالاحتياط) . م: (ولا وجه إلى ما قال) ش: أي محمد م: (لأن العتق لو كان يقارن الإعتاق لأنه علته) ش: أي لأن الإعتاق علة العتق م: (فالطلاق يقارن التطليق، لأنه علته) ش: أي لأن التطليق علة الطلاق م: (فيقترنان) ش: أي الإعتاق والتطليق، يعني كما أن الإعتاق يصادفها، وهي أمة فكذلك التطليق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 فصل في تشبيه الطلاق ووصفه ومن قال لامرأته أنت طالق، هكذا يشير بالإبهام والسبابة والوسطى، فهي ثلاث لأن الإشارة بالأصابع تفيد العلم بالعدد في مجرى العادة إذا اقترنت   [البناية] [فصل في تشبيه الطلاق ووصفه] [قال لامرأته أنت طالق هكذا يشير بالإبهام والسبابة والوسطى] م: (فصل في تشبيه الطلاق ووصفه) ش: أي هذا فصل في بيان تشبيه الطلاق. ولما ذكر أصل الطلاق شرع يذكر وصفه وتنويعه في فصل على حدة، لكونه تابعًا. م: (ومن قال لامرأته أنت طالق، هكذا يشير) ش: أي حال كونه يشير م: (بالإبهام والسبابة والوسطى، فهي ثلاث) ش: أي ثلاث تطليقات، وقد طعن بعض الجهال على محمد في قوله: والسبابة لأنه ذكر هذه المسألة في " الجامع الصغير " هكذا، وقال: إنه اسم جاهل في الاسم الشرعي المسبحة، وورد عليه بأن السبابة وردت أيضًا في الشرع، وقد روى الطحاوي من حديث موسى ابن أبي عامر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن رجلًا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال كيف الطهور؟ فدعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بماء فتوضأ فأدخل إصبعيه أذنيه فمسح بإبهاميه ظاهر أذنيه وبالسبابتين باطن أذنيه» . انتهى. على أن في النسخ السباحة، فكأن السبابة والسباحة أيضًا وردت بالحديث. وقد روى النسائي وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن رجلًا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله كيف الطهور؟ فدعا بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثًا ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل ذراعيه ثلاثًا، ثم مسح برأسه وأدخل أصبعيه السباحتين في أذنيه ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه، بالسباحتين باطن أذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثًا، ثم قال هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص، فقد أساء أو ظلم وأساء» . وقال الأترازي: المعتبر في اللغات استعمال م: (العرب العرباء لاستعمال) ش: أهل الحضر والمولدين، فاستعمال السبابة أولى لكونها لغة العرب الفصيح، وعدم النهي عن التكلم بها. انتهى. قلت: لا فائدة في هذا الذي قاله أصلًا، لأن كل واحدة من السباحة والسبابة استعملت في الشرع كما ذكرنا، وأيضًا دعواه الأولوية في السبابة غير موجهة على ما لا يخفى. م: (لأن الإشارة بالأصابع تفيد العلم بالعدد في مجرى العادة إذا اقترنت) ش: أي الإشارة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 342 بالعدد المبهم، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشهر هكذا وهكذا وهكذا» الحديث. وإن أشار بواحدة فهي واحدة، وإن أشار بثنتين فهي ثنتان لما قلنا، والإشارة تقع بالمنشورة منها، وقيل إذا أشار بظهورها فبالمضمونة منها، وإذا كان تقع الإشارة بالمنشورة منها فلو   [البناية] م: (بالعدد المبهم) ش: وهو أن يقول هكذا. وقال العتابي في شرحه قوله يشير بالإبهام والسبابة والوسطى يريد به الإشارة بالأصابع التي اعتاد الناس الإشارة بها وبين الأصابع الأخر. وقال تاج الشريعة: يعني يشير بالثلاثة بمرة واحدة، وفي " المغني " قال أنت طالق وأشار بأصابعه الثلاثة يقع واحدة وإن قال هكذا، وأشار بها وقع الثلاث. م: (قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشهر هكذا وهكذا وهكذا» الحديث روي عن ابن عمر وعن سعد بن أبي وقاص، وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وحديث ابن عمر رواه البخاري ومسلم في الصوم، قال: «قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " الشهر هكذا وهكذا وهكذا وحبس الإبهام في الثالثة» . وحديث سعد أخرجه مسلم عن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: «ضرب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده على الأخرى، وقال الشهر هكذا وهكذا وهكذا، وأمسك في الثالثة إصبعًا» . وحديث عائشة رواه الحاكم في " المستدرك " عنها أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أقسم أنه لا يدخل عليها شهرًا فغاب عنها تسعة وعشرين يومًا، ثم دخل عليها في الثلاثين، فقلت له إنك حلفت أن لا تدخل علينا شهرًا فقال: " الشهر هكذا وهكذا وهكذا " وأمسك في الثالثة الإبهام» ، وقال: صحيح على شرط البخاري. قوله: وحبس، أي وقبض والاحتباس: الانقباض، وفي " المبسوط " قوله وحبس في المرة الثالثة إبهامه، بيان منه أن الشهر تسعة وعشرين يومًا ولا خلاف في هذه المسألة، والإشارة تقع بالمنشورة منها لا بالمضمونة لاعتبار العرف والعادة، ألا ترى أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حبس إبهامه في المرة الثالثة، وفهم منه تسعة وعشرون يومًا، ولو اعتبر المقبوض لكان المفهوم أحد وعشرين يومًا. م: (وإن أشار بواحدة) ش: يعني وإن أشار بأن واحدة وقال أنت طالق م: (فهي واحدة) ش: أي فهي تطليقة واحدة. م: (وإن أشار بثنتين) ش: أي بإصبعين وقال أنت طالق هكذا م: (فهي ثنتان) ش: أي تطليقة ثنتان يعني يقع تطليقتان م: (لما قلنا) ش: يريد به قوله لأن الإشارة بالأصابع تفيد العلم بالعدد في مجرى العادة إذا اقترنت بالعدد المبهم م: (والإشارة تقع بالمنشورة) ش: أي الأصابع المنشورة م: (منها) ش: أي من أصابع اليد ولا تقع بالمضمومة باعتبار العرف والعادة. م: (وقيل إذا أشار بظهورها) ش: أي بظهور الأصابع إلى المرات م: (فبالمضمومة منها) ش: أي فيقع الطلاق حينئذ بالمضمومة من الأصابع لا بالمنشورة. م: (وإذا كان تقع الإشارة بالمنشورة فلو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 نوى الإشارة بالمضمومتين يصدق ديانة لا قضاء، وكذا إذا نوى الإشارة بالكف حتى تقع في الأولى ثنتان ديانة، وفي الثانية واحدة، لأنه يحتمله لكنه خلاف الظاهر ولو لم يقل هكذا يقع واحدة لأنه لم يقترن بالعدد المبهم فبقي الاعتبار بقوله: أنت طالق، وإذا وصف الطلاق بضرب من الشدة والزيادة كان بائنا مثل أن يقول: أنت طالق بائن أو البتة.   [البناية] نوى الإشارة بالمضمومتين يصدق ديانة لا قضاء) ش: وبه قال الشافعي لأنه كما وجدت الإشارة بالمنشورة وجدت بالمعقودة، إلا أنه خلاف الظاهر، لأن الإشارة المعهودة فيما بين الناس في بيان العدد المبهم بالأصابع المنشورة لا بالمحبوسة ولا بالكف، فإذا ادعى خلافه فلا يصدق في القضاء، كذا في " مبسوط شيخ الإسلام ". م: (وكذا إذا نوى الإشارة بالكف) ش: وصورة الإشارة بالكف أن تكون جميع الأصابع منشورة، يعني أشار إليها بالأصابع المنشورة وبطونها إلى المرات وقال أنت طالق هكذا، ثم قال عنيت بها الإشارة بالكف لا بالأصابع. يصدق ديانة لا قضاء م: (حتى تقع في الأولى) ش: أي في المضمومتين م: (ثنتان) ش: أي طلقتان ديانة لا قضاء م: (ولي الثانية) ش: أي الإشارة بالكف م: (واحدة) ش: يعني يصدق ديانة حتى تقع واحدة لا قضاء حتى ثلاثًا في القضاء، لأنه أشار إليها بأصابعه الثلاث المنشورة. وفي " المبسوط " وبعض المتأخرين قالوا: لو جعل ظهر الكف إلى نفسه وبطون الأصابع إليها لا يصدق في القضاء، كذا في " مبسوط شيخ الإسلام ". وكذا إذا نوى الإشارة بالكف وصورة الإشارة بالكف أن يكون جميع الأصابع منشورة، يعني أشار إليها بالأصابع المنشورة وبطونها إلى المرأة وقال أنت طالق هكذا، ثم قال عنيت بها الإشارة بالكف لا بالأصابع يصدق ديانة لا قضاء حتى يقع في الأولى، أي في المضمومتين، وذكر الإمام التمرتاشي قيل لو كان باطن كفه إلى السماء فالعبرة للنشر، وإن كان ضمًا عن نشر فالعبرة للضم وقيل: إن كان نشرًا عن ضم فالعبرة للنشر، وإن كان ضمًا عن نشر فالعبرة للضم للعادة. م: (لأنه يحتمله) ش: أي لأن قوله نويت الإشارة بالكف يحتمل ما نوى م: (لكنه خلاف الظاهر) ش: فلا يصدق قضاء م: (ولو لم يقل هكذا) ش: يعني إذا أشار إليها بالأصابع المنشورة، وقال أنت طالق لكنه لم يقل لفظ هكذا م: (يقع واحدة) ش: أي طلقة واحدة م: (لأنه) ش: أي لأن قوله عند الإشارة بدون لفظ هكذا م: (لم يقترن بالعدد المبهم) ش: فاعتبر وجود الإشارة كعدمها م: (فبقي الاعتبار بقوله أنت طالق) ش: فلا يقع به إلا واحدة، وإن نوى الثلاث عندنا وبه قال الشافعي عند عدم النية. [يقول أنت طالق بائن أو البتة] م: (وإذا وصف الطلاق بضرب) ش: أي بنوع م: (من الشدة والزيادة كان) ش: أي الطلاق م: (بائنًا مثل أن يقول أنت طالق بائن أو البتة) ش: أي وأنت طالق البتة أي القطع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقع رجعيا إذا كان بعد الدخول لأن الطلاق شرع معقبا للرجعة، فكان وصفه بالبينونة خلاف المشروع فيلغو، كما إذا قال: أنت طالق على أن لا رجعة لي عليك ولنا أنه وصفه بما يحتمله لفظه، ألا ترى أن البينونة قبل الدخول وبعد العدة تحصل به، فيكون هذا الوصف لتعيين أحد المحتملين.   [البناية] م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يقع رجعيًا) ش: أي طلاقًا رجعيًا م: (إذا كان بعد الدخول) ش: وبه قال مالك وأحمد م: (لأن الطلاق شرع معقبًا للرجعة، وكان وصفه بالبينونة خلاف المشروع فيلغو) ش: أي وصفه بالبينونة م: (كما إذا قال أنت طالق على أن لا رجعة لي عليك، ولنا أنه) ش: أي أن الزوج م: (وصفه) ش: أي وصف الطلاق م: (بما يحتمله) ش: وهو البينونة، ولهذا ثبتت البينونة به قبل الدخول، وبعد انقضاء العدة بالطلاق. فإن قيل ينتقض بما إذا قال أنت طالق ونوى البينونة إلى الثلاث حيث لا يصح بالإجماع، فينبغي أن يصح لأنه محتمل كلامه، قلنا: النية تصح للملفوظ والبينونة ما صارت ملفوظة بقوله أنت طالق، بخلاف قوله أنت طالق بائن، فإن البينونة ملفوظة. وقال الكاكي: في هذا الجواب نوع ضعف، لأنه ذكر في " المبسوط " قوله أنت طالق يحتمل المبين وغير المبين، فكان قول بائنًا تعيين أحد محتمليه، إلا أن يقول لا يحتمله بطريق الحقيقة لكنه يحتمله بطريق المجاز فلا بد للمجاز من نيته، ولهذا لا يندفع السؤال. فإن قيل: بائن صفة المرأة لا صفة الطلاق، فكيف واصفًا للطلاق بالبينونة، كذا قيل وقال الكاكي وفيه نوع تأمل، انتهى. قلت: قوله بائن صفة لطلاق، أو خبر بعد خبر، وليس صفة الطلاق وإنما يكون صفة الطلاق لو قال أنت طالق بائنًا. م: (ألا ترى أن البينونة قبل الدخول وبعد العدة تحصل به) ش: أي بقوله أنت طالق م: (فيكون هذا الوصف) ش: أي وصف المرأة بقوله - أنت طالق بائن - م: (لتعيين أحد المحتملين) ش: وهو البينونة. وقال الأترازي: هو بفتح الميم، وأراد بهما الرجعي البائن وفيه نظر لأن الرجعي ليس يحتمل الطلاق بل هو البائن. وقال الأكمل ملخصًا من كلام السغناقي، واعترض بأنه لو قال مختلًا لما جاز نيته فيقع بقوله أنت طالق واحدة بائنة، إذا نوى وليس كذلك، وأجيب: بأن النية إنما تعمل إذا لم تكن مغيرة للمشروع ونية البائن من قوله أنت طالق مغيرة، لأن الطلاق شرع معقبًا للرجعة. ورد بأنه تسليم لدليل الخصم ومخرج إلى الفرق بين عدم جواز كون النية مغيرة، وجواز كون الوصف مغيرًا للمشروع. وأجيب: بأن الفرق بينهما أن الوصف الملفوظ أقوى في اعتبار الشرع من النية، بدليل أنه لو قال أنت طالق، ولم يتقدم له تطليق، اعتبر الشارع ذلك طلاقًا، ولو نوى طلاقًا ولم يتلفظ بلفظ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 345 ومسألة الرجعة ممنوعة فتقع واحدة بائنة إذا لم تكن له نية أو نوى الثنتين، أما إذا نوى الثلاث فثلاث لما مر من قبل، ولو عنى بقوله: أنت طالق واحدة، وبقوله: بائن أو البتة أخرى تقع تطليقتان بائنتان،   [البناية] لم يعتبره طلاقًا لئلا يتغير المشروع، وهو شرعية الوقوع بألفاظ الطلاق. م: (ومسألة الرجعة ممنوعة) ش: هذا جواب عن قول الشافعي كما إذا قال: أنت طالق على أن لا رجعة لي عليك، يعني لا نسلم أنه لا يقع بائنًا بل يقع واحدة بائنة، وهو معنى قوله م: (فتقع واحدة بائنة إذا لم تكن له نية أو نوى الثنتين) ش: أي الطلقتين م: (أما إذا نوى الثلاث) ش: أي الطلقات الثلاث م: (فثلاث) ش: أي يقع ثلاث طلقات م: (لما مر من قبل) ش: أي في باب إيقاع الثلاث بقوله، ونحن نقول: نية الثلاث إنما صحت لكونها جنسًا آخر. وقال الكاكي: مسألة الرجعة ممنوعة يعني تقع واحدة بائنة فيها، ولئن سلم فالفرق في قوله أن لا رجعة صرح بنفي الشروع وفي مسألتنا وصف البينونة، وما نفى الرجعة صريحًا، ولكن يلزم منها نفي الرجعة ضمنًا، وكم من شيء يثبت ضمنًا ولا يثبت قصدًا، كذا سمعته من شيخي العلامة. وذكر الأكمل هذا برمته، قال: كذا قال شيخي العلامة وشيخه هو قوام الدين الكاكي وشيخ قوام الدين هو عبد العزيز بن أحمد بن محمد البخاري أي الإمام البحر في الفقه والأصول شارح البزدوي، وكان وضع كتابًا على " الهداية " بسؤال قوام الدين المذكور إياه حين اجتمع به بترمذ، وتفقه عليه، ووصل إلى كتاب النكاح واخترمته المنية برد الله مضجعه. م: (ولو عنى بقوله: أنت طالق واحدة، وبقوله: بائن أو البتة أخرى) ش: أي طلقة أخرى م: (تقع تطليقتان بائنتان) ش: وقياس قول الشافعي تطليقتان رجعيتان. وقال في " فتاوى " الولوالجي وقيل: الأول يقع رجعيًا. وقال الأترازي: أقول هذا أصح عندي، لأن قوله: بائن في قوله: أنت طالق بائن، وقع خبرًا بعد خبر للمبتدأ، كما في قولهم: زيد عالم عامل، أي جامع لهذين الوصفين، فثبت لكل واحد منهما موجبه، وموجب الطلاق ثبوت الرجعة، وموجب البائن ثبوت البينونة، ولا معنى لثبوت التطليقتين البائنتين، ولا يلزم من كون الثاني بائنًا كون الأول بائنًا، انتهى. قلت: هذا كله مبادر من غير تأمل، ولا يخلو عما هو قصر، لأن قوله: خبر بعد خبر لا يصل أن يكون مصححًا لكلامه بل هو يرد كلامه، لأن معناه كأنه قال أنت طالق أنت بائن نعم، كان قوله أنت طالق يقتضي أن يكون رجعيًا ابتداء، إلا أنه جعل بائنًا لعدم الإمكان، لأن الثاني يكون بائنًا لا محالة عندنا فيكون الأول بائنًا أيضًا ضرورة، إذ لا يتصور بقاء الأول رجعيًا إذا صار الثاني بائنًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 لأن هذا الوصف يصلح لابتداء الإيقاع. وكذا إذا قال أنت طالق أفحش الطلاق؛ لأنه إنما يوصف بهذا الوصف باعتبار أثره، وهو البينونة في الحال، فصار كقوله: بائن.   [البناية] وقال الأكمل: ومن الناس من ذهب إلى أن الأول يقع رجعيًا بأن أراد ما ذكرناه يعني قوله أن الأول يقع رجعيًا ابتداء، فينقلب بائنًا لوقوع الثاني بائنًا لعدم تصور بقائه رجعيًا، فهذا صحيح ظاهر، وإن أراد بقاؤه رجعيًا فليس بصحيح. م: (لأن هذا الوصف يصلح لابتداء الإيقاع) ش: أراد بالوصف لفظ بائن والبتة، وأنه يصلح للإيقاع ابتداء، بأن قال أنت بائن، أو أنت طالق البتة، ونوى به الطلاق يصح ويقع، وكذا إذا نوى بلفظ البتة تطليقة أخرى. وقال الأترازي: وقوع الثنتين في قوله أنت طالق البتة فيه نظر عندي، لأن قوله: البتة ذكر منصوبًا، وهو من حيث العربية لا يصح إذا جعل صفة لمصدر محذوف بأن يراد أنت طالق البتة، والطلقة للمرة الواحدة ولا دلالة فيها على التكرار، وأما إذا لم ينوه فظاهر، كذا إذا نواه، لأن الطلقة مصدر وقع تأكيدًا لما دل عليه قوله طالق، فلا يثبت بها شيء آخر على سبيل الأصالة انتهى. قلت: هذا أيضًا فيه ما فيه، لأن المصدر المحذوف المؤكد بكسر الكاف لما قبله صفة في نفس الأمر وصف بها لفظ طالق بلفظ الشدة، فلا ينافي أن يكون له معنى زائدًا يقع طلقة أخرى، فافهم. م: (وكذا) ش: أي وكذا تقع التطليقة البائنة، وهذا معطوف على قوله أنت طالق بائن في الأحكام الأربعة وهو قوله فتقع واحدة بائنة إذا لم تكن له نية أو نوى الثنتين. ولو نوى الثلاث فثلاث، ولو نوى بقوله أنت طالق واحدة، وبقوله أفحش الطلاق أخرى تقع تطليقتان، وكذا الجواب عن قوله أخبث الطلاق أو أشره أو أشده أو أكبره م: (إذا قال: أنت طالق أفحش الطلاق، لأنه إنما يوصف بهذا الوصف باعتبار أثره) ش: أي أثر الطلاق باعتبار ذاته م: (وهو البينونة في الحال، فصار كقوله: بائن) ش: إنما قلنا لا باعتبار ذاته، لأن ذاته لا توصف بهذه الأوصاف أعنى الفحش، والشر، والشدة والخبث والعظمى والكبر، لأن الطلاق ليس بمحسوس، ولا هذي هيئته، حتى يكون وصفًا لذاته، وغير المحسوس يعرف بأثره، فتكون هذه الأوصاف لأثره. ومن شدة أثره وفحشه وخبثه وكبره وعظمه أن يكون قاطعًا للنكاح في الحال، فصار كأنه بلفظ البائن، لأن أفعل التفضيل لبيان أصل التعارف، وذلك في الواحدة البائنة لأنها أشد حرمة حكمًا وأفحش من الرجعية، وقد يذكر لبيان نهاية التعارف وذلك في الثلاث. فإن نوى الثلاث، فقد نوى محتمل كلامه فصحت، وإن لم تكن له نية يصرف إلى الأدنى، لأنه المتيقن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 347 وكذا إذا قال: أخبث الطلاق أو أسوؤه؛ لما ذكرنا، وكذا إذا قال: طلاق الشيطان، أو طلاق البدعة، لأن الرجعي هو السنة، فيكون طلاق البدعة وطلاق الشيطان بائنا، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله أنت طالق لبدعة أنه لا يكون بائنا إلا بالنية، لأن البدعة قد تكون من حيث الإيقاع في حالة حيض فلا بد من النية. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا قال: أنت طالق للبدعة أو طلاق الشيطان يكون رجعيا؛ لأن هذا الوصف قد يتحقق بالطلاق في حالة الحيض فلا تثبت البينونة بالشك.   [البناية] فإن قيل أفحش أفعل التفضيل، فيقتضي أن يكون هناك فاحشًا. قلت: هذا الوزن مشترك بين التفضيل وبين الإثبات، لأن طالقًا لا يحتمل طالقان، ولأن مجرد هذا متيقن، هذا في " الفوائد الظهيرية ". [قال أنت طالق أخبث الطلاق] م: (وكذا إذا قال: أخبث الطلاق) ش: أي وكذا الجواب إذا قال أنت طالق أخبث الطلاق م: (أو أسوؤه) ش: أو قال طالق أسوأ الطلاق م: (لما ذكرنا) ش: من قوله لأنه إنما يوصف بهذا الوصف باعتبار أثره، وذكر ابن سماعة في نوادره أنه إذا قال أنت طالق أقبح الطلاق، فإن نوى ثلاثًا فثلاث، وإن نوى واحدة فهي واحدة رجعية، عند أبي يوسف، بائنة عند محمد. وفي " الكافي " للحاكم الشهيد، وإن قال أنت طالق أكثر الطلاق فهي ثلاث لا يدين إذا قال نويت واحدة، وإن قال أنت طالق أكمل الطلاق وأشر الطلاق، فهي واحدة رجعية، وإن قال أنت طالق طول كذا وكذا أو عرض كذا وكذا فهي واحدة بائنة وإن قال أنت طالق خير الطلاق أو أعدله أو أحسنه أو أفضله فهي طالق للسنة في وقت السنة، وإن نوى ثلاثًا فهي ثلاث للسنة. وقال الطحاوي في " مختصره ": ولو قال لها أنت طالق تطليقة حسنة أو جميلة كانت طالقًا تطليقة يملك فيها الرجعة، كانت حائضًا أو غير حائض، ولم تكف هذه التطليقة للسنة، ثم قال: وروى صاحب الإملاء عن أبي يوسف أنها طالق تطليقة للسنة كما إذا قال أنت طالق أحسن الطلاق. م: (وكذا إذا قال: طلاق الشيطان أو طلاق البدعة) ش: أي وكذا يقع البائن إذا قال أنت طالق طلاق الشيطان أو طلاق البدعة، أي أو قال أنت طالق طلاق البدعة م: (لأن الرجعي هو السنة فيكون طلاق البدعة وطلاق الشيطان بائنًا، وعن أبي يوسف في قوله أنت طالق للبدعة أنه لا يكون بائنًا إلا بالنية، لأن البدعة قد تكون من حيث الإيقاع في حالة الحيض، فلا بد من النية. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا قال أنت طالق للبدعة أو طلاق الشيطان يكون رجعيًا، لأن هذا الوصف) ش: أي وصف البدعة والشيطان م: (قد يتحقق بالطلاق في حالة الحيض، فلا تثبت البينونة بالشك) ش: هذا الذي ذكره المصنف عن محمد هو رواية هشام عنه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 وكذا إذا قال: كالجبل لأن التشبيه به يوجب زيادة لا محالة وذلك بإثبات زيادة الوصف، وكذا إذا قال مثل الجبل لما قلنا. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكون رجعيّا لأن الجبل شيء واحد فكان تشبيها به في توحيده. ولو قال: لها أنت طالق أشد الطلاق، أو كألف، أو ملء البيت؛ فهي واحدة بائنة، إلا أن ينوي ثلاثا؛ أما الأول: فلأنه وصفه بالشدة، وهو البائن لأنه لا يحتمل الانتقاض والارتفاض أما الرجعي فيحتمله؛ وإنما تصبح نية الثلاث لذكره المصدر   [البناية] م:) وكذا إذا قال: كالجبل) ش: أي وكذا يكون بائنًا إذا قال أنت طالق كالجبل وهذا قول أبي حنيفة ومحمد م: (لأن التشبيه به) ش: أي بالجبل م: (يوجب زيادة) ش: وهي البينونة، لأنه لا يحتمل الزيادة من حيث العدد، لأنه ليس بذي عدد لكونه واحدًا في الذات، فيحمل على الزيادة التي ترجع إلى الوصف. م: (وكذا إذا قال: مثل الجبل) ش: أي وكذا يكون بائنًا إذا قال أنت طالق مثل الجبل م: (لما قلنا) ش: يريد وسع المسافة به قوله أن التشبيه به يوجب زيادة لا محالة. م: (وقال أبو يوسف: يكون) ش: أي الطلاق م: (رجعيًا) ش: وبه قال الشافعي وأحمد م: (لأن الجبل شيء واحد فكان تشبيهًا في توحيده) ش: أي توحيد الجبل وهو مزيد عن الوصف والعدد، ويحتمل التشبيه في العظم فلا تقع البينونة بالشك. ولو قال أن طالق كالصخرة أو كالفل فإنه رجعي وبائن عند محمد، ذكره المرغيناني. وفي " الذخيرة " لو قال أنت طالق مثل التراب أو الأساطير. تقع واحدة رجعية عندهما. وعند أبي حنيفة وزفر تقع واحدة بائنة. [قال لها أنت طالق أشد الطلاق] م: (ولو قال لها: أنت طالق أشد الطلاق " أو كألف " أو ملء البيت؛ فهي واحدة بائنة، إلا أن ينوي ثلاثًا) ش: هذه من مسائل " الجامع الصغير " ويقع بهذه الألفاظ طلقة واحدة بائنة نواها أو لم ينو. فلو نوى ثلاثًا فثلاث م: (أما الأول) ش: وهو قوله أنت طالق أشد الطلاق، وفيه البينونة م: (فلأنه وصفه) ش: أي وصف الطلاق م: (بالشدة وهو البائن) م: (لا يحتمل الانتقاض) ش: أي النقض م: (والارتفاض) ش: من الرفض، ولهذا لا يحل له فيه إلى التزوج الجديد. م: (أما الرجعي) ش: أي الطلاق الرجعي م: (فيحتمله) ش: أي فيحتمل الانتقاض م: (ولهذا) ش: أي في الطلاق الرجعي لأن يراجعها بقول أو فعل ولا يحتاج فيه إلى رضاها، وإنما صح نية الثلاث لذكره المصدر، هذا جواب عما يقال سلمنا أن قوله أنت طالق أشد الطلاق يقتضي الإبانة بواحدة بوصفه الطلاق بالشدة فمن أين تصح نية الثلاث؟ فأجاب بقوله: م: (وإنما تصح نية الثلاث لذكره بالمصدر) ش: وهو اسم جنس يحتمل الثلاث بلا وصف الشدة، وهاهنا أولى. فإن قيل هذا ينبغي أن يتيقن الثلاث بلا نية، لأنه لو قال أنت طالق شديد، يقع البائن وأشد أقوى منه فينبغي أن يصرف إلى الثلاث. قلنا: الجواب عندما ذكرناه عند قوله: أفحش الجزء: 5 ¦ الصفحة: 349 وأما الثاني: فلأنه قد يراد بهذا التشبيه في القوة تارة، وفي العدد أخرى يقال: هو كألف رجل، ويراد به القوة فتصح نية الأمرين، وعند فقدانها يثبت أقلهما. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يقع الثلاث عند عدم النية لأنه عدد يراد به التشبيه في العدد ظاهرا، فصار كما إذا قال طالق كعدد ألف. وأما الثالث: فلأن الشيء قد يملؤه البيت لعظمة في نفسه، وقد يملؤه لكثرته وأي ذلك نوى صحت نيته، وعند انعدام النية يثبت الأقل.   [البناية] الطلاق وهو أن المراد من أفعل التفضيل هنا مجرد الإثبات لا إثبات التفضيل فلا يجوز حمل مطلق اللفظ مع الاحتمال على الثلاث. م: (وأما الثاني) ش: وهو قوله كألف م: (فلأنه) ش: أي فلأن الشأن م: (قد يراد بهذا) ش: أي بقوله: كألف م: (التشبيه في القوة تارة وفي العدد أخرى) ش: أي ويراد التشبيه في العدد مرة أخرى م: (يقال: هو كألف رجل) ش: أي فلان كألف رجل، يعني يعد كألف رجل م: (ويراد به القوة) ش: يقال فلان كألف رجل في القوة م: (فتصح نية الأمرين) ش: يعني إذا وسع المسافة نوى الواحدة يقع البائن باعتبار التشبيه في القوة. وإذا نوى الثلاث يقع أيضًا باعتبار التشبيه في العدد م: (وعند فقدانها) ش: أي عند فقدان النية م: (يثبت أقلهما) ش: أي أقل الأمرين وهو الواحد البائن، لأن الأقل متيقن. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يقع الثلاث عن عدم النية لأنه عدد) ش: أي لأن الألف عدد م: (يراد به التشبيه في العدد ظاهرًا) ش: هذه رواية عن محمد وذكرها الولوالجي وغيره م: (فصار) ش: أي فصار الحكم في هذا م: (كما إذا قال: طالق كعدد ألف) ش: وهذا لا خلاف فيه، لأنه نص على العدد. ولو قال أنت طالق واحدة كألف فهي واحدة بائنة، ولا تكون ثلاثًا، لأن الواحدة لا تحتمل العدد فيكون التشبيه لزيادة القوة. [قال أنت طالق مثل الجبل أوملء البيت] م: (وأما الثالث) ش: وهو قوله ملء البيت م: (فلأن الشيء قد يملأ البيت لعظمة في نفسه، وقد يملؤه لكثرته، وأي ذلك نوى صحت نيته) ش: فالعظم في الطلاق بالإبانة والكثرة بالثلاث، فأيهما نوى صح م: (وعند انعدام النية يثبت الأقل) ش: وهو الإبانة، لأن الأقل متيقن. وروى الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عن أبي يوسف ومحمد في غير ظاهر الرواية إذا قال أنت طالق مثل الجبل أو ملء البيت أو ملء الكوز، يكون رجعيًا. وفي شرح الأقطع لو قال: أنت طالق تطليقة تملأ الكوز كان بائنًا في قولهم جميعًا، لأنه صفة للطلاق يقتضي زيادة عظم، وليس ذلك إلا بالبينونة. وفي " الروض " مختصر الرافعي قال: أنت طالق ملء البيت أو البلد أو السماء والأرض أو أعظم من الجبل أو أكثر الطلاق أو أعظمه أو أشده أو أطوله أو أعرضه، أو طلقة كبيرة أو عظيمة يقع واحدة رجعية وتلغو هذه كلها. وهكذا في " مغني " الحنابلة. وهكذا لو قال: ملء الدنيا يقع واحدة رجعية، كقول الشافعي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 ثم الأصل عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه متى شبه الطلاق بشيء يقع بائنا أي شيء كان المشبه به، يذكر العظم أو لم يذكر؛ لما مر أن التشبيه يقتضي زيادة وصف، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أن ذكر العظم يكون بائنا وإلا فلا أي شيء كان المشبه به. لأن التشبيه قد يكون في التوحيد على التجريد، أما ذكر العظم فللزيادة لا محالة، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن كان المشبه به مما يوصف بالعظم عند الناس يقع بائنا وإلا فهو رجعي. وقيل: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبيانه في قوله: مثل رأس الإبرة   [البناية] وأقصى الطلاق وأكثره واحدة رجعية وهو المذهب، ويحتمل الثلاث في أقصاه، قال السروجي: هذا الاحتمال هو الحق والمذهب ضعيف جدًا. ولو قال: أنت طالق عدد التراب يقع واحدة عند أبي يوسف، واختاره البغوي وأحمد. وفي جوامع الفقه عن محمد عدد الرمل ثلاث، لأنه ذو عدد، بخلاف التراب روايتان عنه. ولو قال: أنت طالق واحدة مائة مرة لم يقع إلا وحدة قاله المتولي عن الشافعية وهو بعيد جدًا. وفي المرغيناني قال: أنت طالق كثلاث فهي واحدة بائنة عند أبي يوسف، وثلاث عند محمد كما لو قال كعدد ثلاث. ولو قال كعدد الشمس أو القمر فهي واحدة بائنة عند أبي حنيفة ورجعية عند أبي يوسف، وعن محمد كالنجوم واحدة، وكعدد النجوم ثلاث. وفي المرغيناني وغيره قال: أنت طالق كعدد كل شعرة على جسد إبليس - لعنه الله - يقع واحدة حتى يعلم عدد شعره، أو هل له شعر. وذكر الكرخي: لو قال: أنت طالق عدد شعر رأسي وعدد شعر ظهر كفي، وقد طلقت ثلاثًا، لأن الشعر ذو عدد، وإن لم يكن موجودًا. وإن قال كالثلج فهو بائن. م: (ثم الأصل عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) ش: أراد بهذا بيان الأصل الذي يبنى عليه أقوال الإمام وصاحبيه وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - تعالى م: (أنه) ش: أي أن الرجل م: (متى شبه الطلاق بشيء) ش: من الأشياء م: (يقع الطلاق بائنًا، أي شيء كان المشبه به يذكر العظم أو لم يذكر لما مر) ش: عن قريب م: (أن التشبيه يقتضي زيادة وصف) ش: وزيادة الوصف توجب البينونة. م: (وعند أبي يوسف أن ذكر العظم يكون بائنًا، وإلا فلا أي شيء كان المشبه به) ش: يعني سواء كان صغيرًا أو كبيرًا م: (لأن التشبيه قد يكون في التوحيد على التجريد) ش: أي من وصف العظم م: (أما ذكر العظم فللزيادة لا محالة) ش: وذلك بالبينونة م: (وعند زفر إن كان المشبه به مما يوصف بالعظم عند الناس يقع بائنًا وإلا فهو رجعي) ش: سواء ذكر العظم أو لم يذكر م: (وقيل محمد مع أبي حنيفة، وقيل محمد مع أبي يوسف) ش: أشار بهذا إلى أن قول محمد مضطرب. وفي " الذخيرة " عند أبي يوسف ومحمد أن ذكر العظم كان بائنًا، وإن كان المشبه به حقيرًا. وإن لم يذكر العظم وإن كان له حد يقع بائنًا وإلا يكون رجعيًا. م: (وبيانه) ش: أي بيان هذا الخلاف م: (في قوله: مثل رأس الإبرة) ش: أي في قوله أنت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 مثل عظم رأس الإبرة، ومثل الجبل مثل عظم الجبل. ولو قال: أنت طالق تطليقة شديدة، أو عريضة أو طويلة فهي واحدة بائنة، لأن ما لا يمكن تداركه يشتد عليه وهو البائن، وما يصعب تداركه يقال فيه لهذا الأمر طول وعرض. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقع بها رجعية، لأن هذا الوصف لا يليق به فيلغو ولو نوى الثلاث في هذه الفصول   [البناية] طالق مثل رأس الإبرة، أي في قوله: م: (مثل رأس عظم الإبرة، مثل الجبل) ش: أي في قوله - أنت طالق م: (مثل عظم الجبل) ش: - ففي قوله مثل رأس الإبرة بائن عند أبي حنيفة ومحمد لمكان التشبيه رجعي عند أبي يوسف لأنه لم يذكر العظم، وكذا زفر، لأنه المشبه به مما لا يوصف بالعظم والشدة. وفي قوله: مثل عظم رأس الإبرة، يكون بائنًا عند أبي حنيفة ومحمد للتشبيه، وكذا عند أبي يوسف لذكر العظم. وعند زفر رجعي، لأن الإبرة لا توصف بالعظم والشدة. وفي قوله: مثل الجبل، بائن عند أبي حنيفة ومحمد للتشبيه، ورجعي عند أبي يوسف لعدم ذكر العظم، وبائن عند زفر لأن الجبل يوصف بالعظم عند الناس، وفي مثل عظم الجبل يكون بائنًا عند الكل للتشبيه عندهما وذكر العظم عند أبي يوسف وكون المشبه به عظيمًا عند زفر، ولو قال مثل السمسم أو مثل حبة الخردل وقع رجعيًّا عن الثلاث وعند أبي حنيفة. م: (ولو قال: أنت طالق تطليقة شديدة أو عريضة أو طويلة فهي واحدة بائنة) ش: أي فهي طلقة واحدة بائنة وفيه خلاف زفر وقد ذكرناه م: (لأن ما لا يمكن تداركه يشتد عليه) ش: أي على الزوج م: (وهو البائن) . لأن شدة الشيء وقوته لا يحتمل الاعتراض عليه بالانتقاض، وذلك في الطلاق البائن، وهو معنى قوله: وهو البائن الضمير يرجع إلى كلمة ما في قوله ما لا يمكن م: (وما يصعب تداركه يقال فيه لهذا الأمر طول وعرض) ش: ويقال هذا أمر شديد وطويل وعريض. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أنه يقع بها) ش: أي بهذه الألفاظ م: (رجعية) ش: أي طلقة رجعية م: (لأن هذا الوصف) ش: أي ولو وصف الطلاق بالشدة والطول والعرض م: (لا يليق به) ش: أي بالطلاق، لأن هذه الأوصاف من صفات الأجسام م: (فيلغو) ش: أي يصير ذكره لغوًا فلا يعمل به. وقال الأترازي: وصف الطلاق بالشدة والطول والعرض ليس يمكن للزوم قيام العرض بالعرض، وجوابه أنا لا نسلم أن قيام العرض بالعرض يجوز، لكن نقول للأحكام الشرعية حكم الجواهر، فيجوز حينئذ. أو نقول: سلمنا أنه لا يجوز حقيقة، ولكن لا نسلم أنه لا يجوز مجازًا. [قوله أنت طالق تطليقة شديدة أو عريضة أو طويلة] م: (ولو نوى الثلاث) ش: أي الطلقات الثلاث م: (في هذه الفصول) ش: أي في فصل قوله أنت طالق بائن أو البتة أو أنت طالق أفحش الطلاق، وفصل قوله: أخبث الطلاق وأسوؤه، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 كلها صحت نيته، لتنوع البينونة على ما مر، والواقع بها بائن.   [البناية] وطلاق الشيطان، وطلاق البدعة، وفصل قوله أشد الطلاق، أو كألف أو ملء البيت أو مثل رأس الإبرة أو مثل أذن رأس الإبرة، ومثل الجبل، ومثل عظم الجبل. وفصل قوله أنت طالق تطليقة شديدة أو عريضة، ففي هذه الفصول م: (كلها صحت نيته) ش: وتقع الثلاث إذا نواها عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنها بائن عنده، والبائن على نوعين خفيفة وغليظة، فإذا نوى الثلاث فقد نوى أغلظ النوعين وأعلاهما فصح أعلاهما. وذكر الصدر الشهيد في شرح " الجامع الصغير " مثل ما ذكر صاحب " الهداية " في صحة نية الثلاث في الفصول كلها، ولكن الإمام الزاهد العتابي، قال في شرحه " للجامع الصغير ": والصحيح أنه لا يصح في أنت طالق تطليقة شديدة أو طويلة أو عريضة، لأنه نص على التطليقة، وإنها تتناول الواحدة، ثم قال هكذا ذكره شمس الأئمة السرخسي. قال الأترازي: هذا هو الأصح عندي، لأن النية إنما تصح فيما يحتمل اللفظ ذكر ذلك، والباء موصوفة للوحدة فلا يحتمل غير ذلك، فلا تصح نية الثلاث، انتهى. قلت: كون الباء للوحدة لا تنافي نية الثلاث، لأنه وصفها بالشدة والطول والعرض، وصحة نية الثلاث تؤخذ من الوصف. م: (لتنوع البينونة) ش: أي غليظة وخفيفة م: (على ما مر) ش: أشار به إلى قوله ( ... ) وتقع واحدة بائنة إذا لم يكن له نية أو نوى الثنتين. أما إذا نوى الثلاث فثلاث م: (والواقع بها) ش: أي بهذه الألفاظ المذكورة م: (بائن) ش: لما ذكرنا عند قوله أنت طالق تطليقة شديدة أو عريضة أو طويلة. فروع: لو قال لامرأته والحجر أو بهيمة إحداكما طالق، أو قال: هذه وهذه طلقت امرأته عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد: لا يقع للشك، وإن قال لامرأته ورجل إحداكما طالق، أو هذه لا يقع عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: يقع ولو قال لامرأته وأجنبية إحداكما طالق، أو قال هذه أو هذه لا تطلق زوجته إلا بالنية، وفي " المبسوط " حلف أنه لم ينوها، وعند الشافعي وأحمد يقع على زوجته إلا النية وإن قال أردت الأجنبية قيل في الصحيح على المنصوص ذكر في " الإملاء "، وعند مالك لا يقبل منه، ذكر في " الجواهر ". ولو قال: إحدى امرأتي طالق وليس له إلا امرأة واحدة يقع عليها ذكره الصدر الشهيد في شرح " الجامع الصغير ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353 فصل في الطلاق قبل الدخول وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثا قبل الدخول بها وقعن عليها، لأن الواقع مصدر محذوف لأن معناه طلاقا ثلاثا؛ على ما بيناه، فلم يكن قوله: أنت طالق إيقاعا على حدة فيقعن جملة. فإن فرق الطلاق، وبانت بالأولى ولم تقع الثانية، ولا الثالثة.   [البناية] [فصل في الطلاق قبل الدخول] [طلق الرجل امرأته ثلاثًا قبل الدخول بها] م: (فصل في الطلاق قبل الدخول) ش: أي هذا فصل في الطلاق قبل الدخول على المرأة لما كان وضع النكاح للدخول كان الطلاق قبله من العوارض، والعارض يذكر بعد الأصل وهو الطلاق بعد الدخول. م: (وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثًا قبل الدخول بها وقعن عليها) ش: عند عامة العلماء، وهو مذهب عمر وعلي وابن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن مسعود وأنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وبه قال سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وعكرمة وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي وسعيد بن جبير والحكم وابن أبي ليلى والأوزاعي وسفيان الثوري. وقال ابن المنذر: وبه أقول ذكر أبو بكر بن أبي شيبة أنه قول عائشة وأم سلمة وخالد بن محمد ومكحول وحميد بن عبد الرحمن، وكان طاوس وابن الشعثاء وعمرو بن دينار يقولون: من طلق البكر ثلاثًا فهي واحدة. وفي " مصنف " ابن أبي شيبة عن جابر بن زيد وطاوس وعطاء أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها فهي واحدة، وفي " المبسوط " وهو قول الحسن البصري، م: (لأن الواقع مصدر محذوف) ش: وهو الطلاق الذي قام صفة، وهو الثلاث مقامه م: (لأن معناه طلاقًا ثلاثًا؛ على ما بيناه) ش: إشارة إلى ما ذكره في الفصل المتقدم على فصل تشبيه الطلاق بقوله: ولهما أن الوصف متى قرن بالعدد كان الوقوع بذكر العدد إلى آخره م: (فلم يكن قوله: أنت طالق إيقاعًا على حدة فيقعن جملة) ش: يعني إذا كان الواقع مصدرًا محذوفًا لم يكن قوله أنت طالق إيقاعًا على حدة، وإلا زاد عدد الطلاق وهو غير مشروع، فيقعن جملة، وصار الكلام واحدًا ولا يفصل بعضها عن بعض، فإن إيقاع الطلاق لا يتأتى بلفظ أو جزء منه، بخلاف قوله: أنت طلاق وطالق وطالق، حيث انفصلت الثانية والثالثة لأنها كلمات متفرقة، فوقعت الأولى. م: (فإن فرق الطلاق) ش: بأن يقول أنت طالق طالق طالق على ما يجيء الآن م: (بانت بالأولى) ش: أي باللفظ الأول، وهو قوله: أنت طالق، وتبين لا إلى عدة، لأنها غير مدخولة م: (ولم تقع الثانية ولا الثالثة) ش: لأنه لا يبقى لوقوعها محل، فيلغو كلاهما. وحكي عن الشافعي القديم أنها تطلق ثلاثًا ثلاثًا. وقال ابن أبي هريرة من أصحابه: هذا قول آخر، وبه قال ابن أبي ليلى والأوزاعي والليث بن سعد وربيعة ومالك. وقال أحمد: لو ذكر بالواو تطلق ثلاثًا، وبغير الواو لا تطلق لمذهب العلماء، وهذا بخلاف ما إذا قال لها: أنت طالق طالق وطالق إن دخلت الدار، حيث يقع الثلاث جملة إذا وجد الدخول لوجود المعين في الآخر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354 وذلك مثل أن يقول: أنت طالق طالق طالق؛ لأن كل وحدة إيقاع على حدة إذا لم يذكر في آخر كلامه ما يغير صدره حتى يتوقف عليه، فتقع الأولى في الحال وتصادفها الثانية وهي مباينة، وكذا إذا قال لها أنت طالق واحدة وواحدة وقعت واحدة؛ لما ذكرنا أنها بانت بالأولى. ولو قال لها أنت طالق واحدة فماتت قبل قوله واحدة كان باطلا لأنه قرن الوصف بالعدد فكان   [البناية] وهو الشرط. وإذا قدم الشرط فعند أبي حنيفة تقع الواحدة، لأن المعلق بالشرط كالمنجز عند وجود الشرط. فإن قيل: الجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع، فلو قال لها أنت طالق ثلاثًا يقع الثلاث، فينبغي أن يقع الثلاث أيضًا إذا قال لها أنت طالق وطالق وطالق. أجيب: بأنه مسلم ولكن إذا وقعت الأولى فلا توقف لعدم المغير في الآخر بانت بها، ولم يبق محل للثانية ولا للثالثة. فإن قيل: ينبغي أن تقع الثلاث تحقيقًا لمعنى الجمع في الواو، أجيب: بأنه حينئذ تكون الواو للمقاربة ولا دلالة لها عليها لأنها للجمع المطلق. فإن قيل: يلزم الترتيب على ما قلتم، والواو لم توضع له. أجيب: بالمنع لأنه إنما يلزم إذا كان وقوع الثانية والثالثة متحققًا فلا وقوع ولا ترتيب. م: (وذلك) ش: أي التفريق م: (مثل أن يقول أنت طالق طالق طالق) ش: ذكر المصنف صورة التفريق بدون حرف الواو، والحكم فيما إذا ذكره بحرف الواو كذلك، ولهذا إذا قال لها: أنت طالق وطالق وطالق تبين بواحدة لا إلى عدة، قاله الأترازي م: (لأن كل واحدة إيقاع على حدة إذا لم يذكر في آخر كلامه ما يغير صدره) ش: أي صدر الكلام كالشرط والاستثناء م: (حتى يتوقف عليه) ش: أي على ما يغير صدره م: (فتقع الأولى) ش: في لفظ أنت طالق. م: (في الحال وتصادفها) ش: أي تصادف الأولى م: (الثانية) ش: أي اللفظة الثانية وهي طالق م: (وهي مباينة) ش: أي والحال أنها مباينة فلا يبقى للثانية محل ولا للثالثة. م: (وكذا إذا قال) ش: أي وكذا تقع واحدة إذا قال م: (أنت طالق واحدة وواحدة وقعت واحدة لما ذكرنا أنها بانت بالأولى) ش: يعني لما سبقت الأولى في الوقوع صادفتها الثانية وهي مباينة. [قال لها أنت طالق واحدة فماتت قبل قوله واحدة] م: (ولو قال لها: أنت طالق واحدة فماتت قبل قوله واحدة كان باطلًا) ش: يعني لا يقع شيء وكذا إذا قال أنت طالق ثنتين فماتت قبل أن يقول: ثنتين، أو قال: أنت طالق ثلاثًا فماتت قبل أن يقول ثلاثًا، أو قال أنت طالق إن شاء الله تعالى فماتت قبل أن يقول إن شاء الله تعالى لم تطلق شيئًا م: (لأنه قرن الوصف) ش: وهو الطلاق م: (بالعدد) ش: وهو واحدة أو ثنتين أو ثلاثة م: (فكان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 الواقع هو العدد، فإذا ماتت قبل ذكر العدد فات المحل قبل الإيقاع فبطل، وكذا لو قال أنت طالق ثنتين أو ثلاثا لما بينا، وهذه تجانس ما قبلها من حيث المعنى. ولو قال: أنت طالق واحدة قبل واحدة أو بعدها واحدة وقعت واحدة،   [البناية] الواقع هو العدد، فإذا ماتت قبل ذكر العدد) ش: فهو واحدة أو ثنتين أو ثلاث، فكان الواقع هو العدد، فإذا ماتت قبل ذكر العدد م: (فات المحل قبل الإيقاع فبطل) ش: كلامه فلا يقع شيء. م: (وكذا) ش: أي وكذا يبطل كلامه م: (لو قال: أنت طالق ثنتين أو ثلاثًا) ش: أي أو قال أنت طالق ثلاثًا، فماتت قبل أن يقول ثلاثًا م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله لأنه قرن الوصف بالعدد فكان الواقع هو العدد م: (وهذه) ش: أي هذه المسائل الثلاثة المذكورة هي قوله أنت طالق واحدة فماتت قبل قوله واحدة، وقوله أنت طالق ثنتين فماتت قبل قوله أنت طالق ثنتين، وقوله أنت طالق ثلاثًا، فماتت قبل أن يقول ثلاثًا م: (تجانس) ش: أي تشاكل وتماثل م: (ما قبلها) ش: أي المسألة التي قبلها م: (من حيث المعنى) ش: وهي ما إذا طلق الرجل امرأته ثلاثًا قبل الدخول بها. بيانه أن المعتبر في الوصفين في الإيقاع هو العدد لا الوصف، فكانت هذه المسائل مماثلة للمسألة المتقدمة من حيث المعنى، لا بينهما تفاوتًا في الحكم وهو أن الطلاق واقع في المسألة المتقدمة لأن العدد صادفها وهي منكوحة وهاهنا لم يقع شيء لأن العدد صادفها وهي ميتة ليست بمحل لوقوع الطلاق. ثم لأصحاب الشافعي فيما إذا ماتت قبل ذكر العدد ثلاثة أوجه: أحدها: هو اختيار المزني أنه يقع واحدة في المسألة الأولى، وفي قصد الثنتين ثنتين وفي قصد الثلاث ثلاث. الثاني: أنه يقع واحدة. والثالث: أنه لا يقع شيء كقولنا. م: (ولو قال: أنت طالق واحدة قبل واحدة أو بعدها واحدة وقعت واحدة) ش: هذه المسألة مذكورة في " الجامع الصغير " والقدوري جميعًا، وعندنا في صورة قبل معتبرًا بكنايته وبعد الكناية يقع واحدة وفي قبل بهاء الكناية وبعد بغير الكناية يقع واحدة كما في قبل بغير الكناية فعنده يقع في الصور الأربع إلا واحدة. وفي " الروضة " للنووي قال لغير المدخول بها: أنت طالق طلقة قبل طلقة أو بعدها طلقة، بانت بالأولى. وإن قال بعد طلقة أو قبلها طلقة ففيه ثلاثة أوجه، أصحها يقع واحدة، والثاني لا يقع شيء، والثالثة يقع ثنتان ويلغو قوله قبلها. وإن قال أنت طالق واحدة مع واحدة أو معها واحدة فوجهان، أصحهما وقع الثنتين، والثاني واحدة. وإن قال: أنت طالق طلقة تحت طلقة أو تحتها طلقة أو فوق طلقة أو فوقها طلقة فثنتان، وفيه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 356 والأصل أنه متى ذكر شيئين أدخل بينهما حرف الظرف إن قرنها بهاء الكتابة كان صفة للمذكور آخر؛ كقوله: جاءني زيد قبله عمرو، وإن لم يقرنها بهاء الكناية كان صفة للمذكور أولا كقوله جاءني زيد قبل عمرو. وإيقاع الطلاق في الماضي إيقاع في الحال؛ لأن الإسناد ليس في وسعه، فالقبلية في قوله أنت طالق واحدة قبل واحدة صفة للأولى، فتبين بالأولى فلا تقع الثانية، والبعدية في قوله بعدها واحدة صفة للأخيرة فحصلت الإبانة بالأولى.   [البناية] وجه أنه طلقة كما في الإقرار فإنه لا يلزمه إلا درهم واختاره ابن كج والحناطي. وقال إمام الحرمين والغزالي حكمه حكم مع، وفي كلام المتولي ما يقتضي أنه لا يقع في غير المدخول إلا واحدة. وإن قال: أنت طالق طلقة قبلها طلقة أو بعدها طلقة وذلك قبل الدخول فوجهان: أحدهما: يقع واحدة. والثاني: لا يقع شيء. وفي " المغنى " يقع واحدة، وهو ظاهر قول الشافعي. وقال السروجي: هو أحد قولي الشافعي ولا قول له فيه. وقال أبو بكر من الحنابلة يقع ثنتان كقول أصحابنا ويلغو قوله وبعدها. وفي المدخول بها يقع الثلاث، وفي " الجواهر " قال: أنت طالق طلقة مع طلقة أو معها طلقة أو فوقها طلقة أو تحتها طلقة وقعت طلقتان. م: (والأصل) ش: أي في المسائل المذكورة م: (أنه) ش: أي أن الرجل م: (متى ذكر شيئين أدخل بينهما حرف الظرف) ش: وهو قبل وبعد م: (إن قرنها بهاء الكناية كان) ش: أي الظرف م: (صفة للمذكور آخرًا كقوله جاءني زيد قبله عمرو) ش: وتكون القبلية صفة لزيد. وليس المراد بالصفة مصطلح النحاة، بل المراد الصفة المعنوية كيف كانت م: (وإن لم يقرنها بهاء الكتابة كان صفة للمذكور أولًا كقوله: جاءني زيد قبل عمرو) ش: فتكون القبلية صفة لزيد، وهذا الذي ذكره هو أحد الفصلين اللذين بنى عليهما الفصول الثلاثة، وهي قبل وبعد وكلمة تا والأصل الثاني هو قوله: [قوله أنت طالق واحدة بعدها واحدة] م: (وإيقاع الطلاق في الماضي إيقاع في الحال، لأن الإسناد ليس في وسعه) ش: لأن الطلاق وضع لرفع الاستباحة، وما مضى من الاستباحة لا يمكن رفعه، فيقع في الحال، لأنه يملكه فيثبت ما أمكن صونًا لكلامه عن الإلغاء م: (فالقبلية في قوله أنت طالق واحدة قبل واحدة صفة للأولى) ش: هذا تفريع الأصل الأول، ولهذا ذكره بالفاء وأراد بالأولى لفظة واحدة الأولى م: (فتبين بالأولى) ش: أي فتبين المرأة بالواحدة الأولى م: (فلا تقع الثانية) ش: لعدم بقاء المحل لوقوعها. م: (والبعدية في قوله بعدها واحدة) ش: أي قوله أنت طالق واحدة بعدها واحدة م: (صفة للأخيرة) ش: أي صفة للواحدة الأخيرة، وهي الثانية م: (فحصلت الإبانة بالأولى) ش: أي بالواحدة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 357 ولو قال أنت طالق واحد قبلها واحدة تقع ثنتان لأن القبلية صفة للثانية لاتصالها بحرف الكناية، فاقتضى إيقاعها في الماضي إيقاع الأولى في الحال، في غير أن الإيقاع في الماضي إيقاع في الحال أيضا، فيقترنان فيقعان جميعا. كذا إذا قال: أنت طالق واحدة بعد واحدة يقع ثنتان؛ لأن البعدية صفة للأولى، فاقتضى إيقاع الواحدة في الحال، وإيقاع الأخرى قبل هذه فتقترنان. ولو قال أنت طالق واحدة مع واحدة أو معها واحدة أنه تقع ثنتان، لأن كلمة "مع " للقران. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله معها واحدة أنه تقع واحدة، لأن الكناية تقتضي سبق المكني عنه لا محالة. وفي المدخول بها يقع ثنتان في الوجوه كلها لقيام المحلية بعد وقوع الأولى.   [البناية] الأولى لما ذكرنا. م: (ولو قال أنت طالق واحدة قبلها واحدة تقع ثنتان) ش: أي طلقتان م: (لأن القبلية صفة للثانية) ش: أي للواحدة الثانية م: (لاتصالها بحرف الكناية فاقتضى إيقاعها في الماضي إيقاع الأولى في الحال أيضًا فيقترنان) ش: أي الإيقاعان يقترنان في الوقوع م: (فيقعان جميعًا، وكذا إذا قال: أنت طالق واحدة بعد واحدة) ش: أي وكذا م: (يقع ثنتان لأن البعدية صفة للأولى) ش: أي للواحدة الأولى م: (فاقتضى إيقاع الواحدة في الحال وإيقاع الأخرى قبل هذه فيقترنان) ش: في الوقوع. م: (ولو قال: أنت طالق واحدة مع واحدة أو معها واحدة) ش: أي أو قال أنت طالق واحدة معها واحدة م: (تقع ثنتان) ش: أي طلقتان، وهذا الفصل الثالث من الفصول الثلاثة، وهي قبل وبعد ومع. ولما ذكر الفصلين الأولين وهما القبلية والبعدية ذكر الفصل الثالث، وهو فصل كلمة مع م: (لأن كلمة " مع " للقران) ش: أي للمقارنة فتتوقف الأولى على الثانية تحقيقًا لمراده فوقعتا معًا. م: (وعن أبي يوسف في قوله معها واحدة أنه تقع واحدة، لأن الكناية تقتضي سبق المكني عنه لا محالة) ش: فيقتضي أن لا يقع السابق فلا يقع ثنتان. وعلل ابن قدامة له أن الطلقة إذا وقعت لا يمكن أن يقع معها غيرها، والتعليل الصحيح هو الأول، وبقول أبي يوسف قال الشافعي في وجه، وهو اختيار المزني م: (وفي المدخول بها تقع ثنتان في الوجوه كلها) ش: أي في قوله قبل واحدة أو قبلها واحدة وبعد واحدة أو بعدها واحدة أو مع واحدة أو معها واحدة م: (لقيام المحلية بعد وقوع الأولى) ش: لأنها في العدة وهي محل الإيقاع. وقال الكاكي: قبل هذا الجواب مشكل في وقوله - أنت طالق واحدة قبل واحدة، فإن كون الشيء قبل غيره لا يقتضي وجود ذلك الغير، ثم قال وجوابه مذكور في أصول " الجامع الكبير "، انتهى. قلت: هذا تعليق فيه تسويف، وجوابه أن اللفظ أشعر بالوقوع وهو ظاهر فيه، والعمل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 ولو قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة، وواحدة فدخلت الدار وقعت عليها واحدة، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: تقع ثنتان. ولو قال لها أنت طالق واحدة وواحدة إن دخلت الدار فدخلت طلقت ثنتين بالاتفاق. لهما أن حرف الواو للجمع المطلق فيقعن جملة كما إذا نص على الثنتين وأخر الشرط. وله أن الجمع المطلق يحتمل القران والترتيب، فعلى اعتبار الأول تقع ثنتان، وعلى اعتبار الثاني لا يقع إلا واحدة، كما إذا أنجز بهذه اللفظة   [البناية] بالظاهر واجب كما لو قال أنت طالق، فإن الطلاق الثاني يقع أيضًا كالأول، وإن احتمل الخير والتأكيد لكونه غالبًا في الإنشاء ظاهرًا فيه. [قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة وواحدة] م: (ولو قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة وواحدة، فدخلت الدار؛ وقعت عليها واحدة عند أبي حنيفة) ش: وبه قال الشافعي في وجه. وقال أبو نصر من أصحابه: وهو أقيس م: (وقالا يقع ثنتان) ش: وبه قال الشافعي في وجه، وهو اختيار القاضي أبي الطيب، وهو قول مالك وأحمد وربيعة والليث بن سعد وابن أبي ليلى؛ لأن حرف الجمع كلفظ الجمع عندهم. م: (ولو قال لها أنت طالق واحدة وواحدة إن دخلت الدار، فدخلت الدار طلقت ثنتين بالاتفاق) ش: هذه من مسائل القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وفيها أخر الشرط فوقعت طلقتان، لأن صدر الكلام يتوقف على آخره إذا كان في آخره ما يغير موجبه فوجد الشرط فوقع جميع ذلك بخلاف المسألة الأولى التي فيها قدم الشرط حيث يقع واحدة، لأن المعلق بالشرط بالمنجز عند وجوده، فلما طلقت واحدة لغت الثالثة، لأنها صادفتها وهي أجنبية، وإن كانت المرأة مدخولًا بها وقع الجميع بلا خلاف، قدم الشرط أو أخره؛ لأن الثانية صادفتها وهي في العدة. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن حرف الواو لجمع المطلق فيقعن جملة) ش: كلاهما به بغير جماعة النساء على إسناد الفعل إلى المطلقات، وهي غير مذكورة أي المطلقات جملة، وكان ينبغي أن يقول فيتعلقان أو يقعان بالتثنية، لأن الواحدة ذكرت مرتين لا ثلاث مرات كما إذا نص على الثلاث كان ينبغي أن يقول هنا أيضًا م: (كما إذا نص على الثنتين) ش: على ما لا يخفى م: (وأخر الشرط) ش: أي كما لو أخر الشرط كما في قوله أنت طالق واحدة وواحدة إن دخلت الدار حيث يقع ثنتان كما مر. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أن الجمع المطلق يحتمل القران والترتيب) ش: لأن تحققه في الخارج لا يمكن إلا بأحد الوجهين م: (فعلى اعتبار الأول) ش: أي على اعتبار القران م: (يقع ثنتان وعلى اعتبار الثاني) ش: أي على اعتبار الترتيب م: (لا يقع إلا واحدة) ش: لكونه غير المدخول بها فلا يقع على ما زاد على الواحدة بالشك م: (كما إذا أنجز بهذه اللفظة) ش: بأن قال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 359 فلا يقع الزائد على الواحدة بالشك، بخلاف ما إذا أخر الشرط لأنه يغير صدر الكلام، فيتوقف الأول عليه فيقعن جملة، ولا مغير فيما إذا قدم الشرط فلم يتوقف، ولو عطف بحرف الفاء فهو على هذا الخلاف فيما ذكر الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذكر الفقيه أبو الليث أنه يقع واحدة بالاتفاق، لأن الفاء للتعقيب وهو الأصح. وأما الضرب الثاني وهو الكنايات لا يقع بها الطلاق إلا بالنية أو بدلالة الحال؛   [البناية] أنت طالق واحدة واحدة حيث لا يقع إلا واحدة بالاتفاق لعدم المحلية للثانية م: (فلا يقع الزائد على الواحد بالشك، بخلاف ما إذا أخر الشرط لأنه) ش: أي لأن الشرط م: (يغير صدر الكلام فيتوقف الأول عليه) ش: أول الكلام على الشرط م: (فيقعن جملة) ش: كان ينبغي أن يقول يقعان جملة م: (ولا مغير فيما إذا قدم الشرط فلم يتوقف) ش: فيقع على الترتيب فتبين بالأولى ولا تقع الثانية لعدم المحلية. م: (ولو عطف بحرف الفاء) ش: بأن قال: أنت طالق واحدة فواحدة إن دخلت الدار م: (فهو على هذا الخلاف) ش: يعني عند أبي حنيفة ثنتان، وعندهما واحدة م: (فيما ذكره الكرخي) ش: فإن جعل العطف بالفاء والواو سواء. وقال: إن حرف العطف يجعلها كلامًا واحدًا فتعلقتا كما في صورة الواو سواء قدم الشرط أو أخره عندهما خلافًا له. وفي " المبسوط ": الطحاوي مكان الكرخي. م: (وذكر الفقيه أبو الليث أنه يقع واحدة بالاتفاق، لأن الفاء للتعقيب) ش: فتقع الأولى ولا محل للثانية م: (وهو الأصح) ش: أي الاتفاق أصح؛ لأن الفاء للعطف على التعقيب لغة لا مطلق العطف، فيقتضي التعليق على التعقيب فينزمن كما علقت بالأولى تبين، فلا تقع الثانية، كذا في المبسوط، وفيه لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثم طالق ثم طالق في المدخول بها تعلقت الأولى ووقعت الثانية، لغت الثالثة عند أبي حنيفة، ولو أخرت الشرط وقعت الأولى والثانية في الحال تعلقت الثالثة في المدخولة وغير المدخولة يقع واحدة في الحال، وبلغو ما سوى ذلك عنده وعندهما، وللشافعي ومالك وأحمد يتعلق الثالث بالشرط سواء قدم أو أخر في المدخولة وغيرها، وعند وجود الشرط إن كانت مدخولة يقع الثلاث وإلا تطلق واحدة. [وقوع الطلاق بالكناية] م: (وأما الضرب الثاني وهو الكنايات) ش: هذا عطف على ما ذكر بقوله فالصريح مثل قوله أنت طالق في أول باب إيقاع الطلاق؛ لأنه قسم الطلاق ثمة إلى صريح وكناية، وقد فرغ من بيان الصريح، والآن شرع في بيان الكتابة. والصريح ما هو المشكوف المراد، والكناية ما هو مستتر المراد من قولهم كنيت أو كنوت الشيء إذا سترته م: (لا يقع بها) ش: أي الكناية م: (الطلاق إلا بالنية أو بدلالة الحال) ش: إذ هي دليل على المراد كما في البيع بالدراهم المطلقة يصرف إلى غالب نقد البلد، وكذا لو أطلق النية في الحج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 360 لأنها غير موضوعة للطلاق، بل تحتمل الطلاق وغيرها، فلا بد من التعيين أو دلالته. قال: وهي على ضربين: منها ثلاثة ألفاظ يقع بها الطلاق الرجعي ولا تقع بها إلا واحدة، وهي قوله: اعتدّي واستبرئي رحمك، أنت واحدة. أما الأولى: فلأنها تحتمل الاعتداد عن النكاح، وتحتمل اعتداد نعم الله تعالى. فإن نوى الأولى تعين بنيته فيقتضي طلاقا سابقا، والطلاق يعقب الرجعة، وأما الثانية فلأنها تستعمل بمعنى الاعتداد لأنه صريح بما هو المقصود منه فكان بمنزلته وتحتمل الاستبراء لتطليقته.   [البناية] يصرف إلى الفرض بدلالة الحال، ولهذا جعل أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - دلالة الحال مقام النية في جميع الكنايات في حالة الغضب وغيره بلا نية من الزوج. وقال الشافعي: لا يقع الطلاق بشيء من الكنايات في حالة الغضب وغيره بلا نية من الزوج ومن المرأة، وعندنا يكفي نية الزوج، لاحتمال إرادة غير الطلاق فيها في جميع الأمور. وقال مالك: يقع الطلاق بلا نية في الكنايات الظاهرة، كقوله: بائن، بتة، حرام. فإذا قال ما نويت الطلاق لا يصدق؛ لأن ظاهرها في الطلاق. م: (لأنها) ش: أي لأن الكنايات م: (غير موضوعة للطلاق بل تحتمل الطلاق وغيرها فلا بد من التعيين) ش: بالنية م: (أو دلالة) ش: أي أو دلالة معنى التعيين، ويجوز أن يرجع الضمير إلى الحال؛ لأن الحال مما يذكر ويؤنث ودلالة الحال بأن تكون في مذكرة الطلاق، وكان اللفظ لا يصلح ردًا. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (وهي على ضربين) ش: أي نوعين؛ وأراد بهما الرجعي والبائن، أجمل أولًا ثم فصل ذلك بقوله م: (منها) ش: أي من الكنايات م: (ثلاثة ألفاظ يقع بها الطلاق الرجعي ولا يقع بها إلى واحدة، وهي قوله: اعتدى، واستبرئي رحمك، وأنت واحدة أما الأولى) ش: وهي لفظة اعتدى م: (فلأنها تحتمل الاعتداد عن النكاح، وتحتمل اعتداد نعم الله تعالى، فإذا نوى الأولى تعين بنيته) ش: أي نية الأولى، ويجوز أن يقال بنية الزوج م: (فيقتضي طلاقًا سابقًا، والطلاق يعقب الرجعة) . م: (وأما الثانية) ش: هي لفظة استبرئي رحمك م: (فلأنها تستعمل بمعنى الاعتداد؛ لأنه صريح بما هو المقصود منه) ش: أي من الاعتداد م: (فكان بمنزلته) ش: أي بمنزلة الاعتداد، أي في حق إثبات الرجعة لا في حق احتمال الاعتداد بنعم الله تعالى م: (وتحتمل الاستبراء لتطليقته) ش: والاستبراء طلب براءة الرحم من الولد، كذا في " المغرب "، وإنما يحتاج إلى النية؛ لأن قوله استبرئي رحمك يحتمل أن يكون معناه اطلبي براءة رحمك حتى تعلمي أنها فارغة عن الولد أم لا، فلو كانت فارغة أطلقك، وإلا فلا، فلو كانت نيته هكذا لا يقع الطلاق، ولو كانت نيته الاعتداد عن النكاح يقع الطلاق سابقًا كما في قوله اعتدى، فلذلك احتاج إلى النية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 361 وأما الثالثة فلأنها تحتمل أن تكون نعتا لمصدر محذوف معناه تطليقة واحدة، فإذا نواه جعل كأنه قاله. والطلاق يعقب الرجعة، وتحتمل غيره وهو أن يكون واحدة عنده أو عند قومها. ولما احتملت هذه الألفاظ الطلاق وغيره يحتاج فيه إلى النية ولا يقع بها إلا واحدة؛ لأن: قوله أنت طالق منها مقتضى أو مضمر. ولو كان مظهرا لا تقع بها إلا واحدة، فإذا نوى مضمرا أولى، وفي قوله " واحدة " وإن صار المصدر مذكورا، لكن التنصيص على الواحدة ينافي نية الثلاث   [البناية] م: (وأما الثالثة) ش: أي لفظ أنت واحدة م: (فلأنها تحتمل أن تكون نعتًا لمصدر محذوف، معناه تطليقة واحدة، فإذا نواه جعل كأنه قاله) ش: أي قال مصدرًا محذوفًا م: (والطلاق يعقب الرجعة) ش: أراد بهذا أنه طلاق رجعي، والطلاق من الرجعي فيه الرجعة م: (ويحتمل غيره) ش: أي غير ما ذكر م: (وهو أن يكون واحدة عنده) ش: أراد بها اعتدِّي واستبرئي رحمك وأنت واحدة م: (الطلاق وغيره يحتاج فيه إلى النية) ش: لأجل التمييز م: (ولا يقع بها إلا واحدة؛ لأن قوله: أنت طالق منها مقتضى) ش: في قوله اعتدي واستبرئي رحمك م: (أو مضمر) ش: في قوله أنت واحدة كان تقديره أنت طالق طلقة واحدة، وعند الشافعي لا يقع شيء بقوله أنت واحدة وإن نوى، لأنه نعت المرأة وليس فيه معنى احتمال الطلاق أصلًا. قلنا: إذا نوى يقع؛ لأنه أمكن حمل كلام العاقل على الفائدة فيحمل عليه. وعند زفر يقع بائنًا بقوله أنت واحدة كما في سائر الكنايات. وبعض المشايخ جعل الطلاق في اعتدي بعد الدخول بالاقتضاء، وقبله بطريق الاستعارة المحضة. فإن قبل: قلت: الأمر بالاعتداد إنما يصح بعد وقوع الطلاق، فكيف يكون قبله؟ قلت: قوله اعتدي قبل الدخول جعل مستعارًا عن الطلاق، لأن الطلاق سبب لوجوب العدة على ما هو الأصل، إذ الطلاق قبل الدخول إنما وقع لعارض أن النكاح لم يوضع لهذا والعوارض غير داخلة ي القواعد، فيكون الطلاق سببًا لوجوب العدة، فاستعير الحكم لسببه. م: (ولو كان مظهرًا) ش: يعني لو كان الطلاق وقال أنت طالق م: (لا تقع بها) ش: يعني بلفظة أنت طالق م: (إلا واحدة) ش: أي إلا طلقة واحدة م: (فإذا نوى) ش: أي الطلاق م: (مضمرًا) ش: في قوله أنت واحدة م: (أولى) ش: أن لا يقع إلا واحدة، وذلك أن الأصل في الكلام الصريح لكونه أولى على المراد، بخلاف المضمر لأن فيه قصورًا، ولهذا لا يثبت حكمه إلا بالنية. م: (وفي قوله واحدة وإن صار المصدر مذكورًا) ش: هذا سؤال بيانه أن يقال لما المصدر مذكورًا ينبغي أن يصح نية الثلاث، فأجاب بقوله م: (لكن التنصيص على الواحدة ينافي نية الثلاث) ش: بيانه أن نية الثلاث لا تصح، وقوله أنت واحدة وإن ذكر المصدر بأن قيل أنت طالق واحدة؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 ولا يعتبر بإعراب الواحدة عند عامة المشايخ وهو الصحيح؛ لأن العوام لا يميزون بين وجوه الإعراب. قال: وبقية الكنايات إذا نوى بها الطلاق كانت واحدة بائنة، وإن نوى ثلاثا كانت ثلاثا، وإن نوى ثنتين كانت واحدة بائنة، وهذا مثل قوله: أنت بائن، وبتة، وبتلة، وحرام، وحبلك على غاربك، والحقي بأهلك، وخلية، وبرية،   [البناية] لأن التنصيص على الواحدة ينافي نية الثلاث للمنافاة بين الواحد والعدة فلا يحتمل لفظًا لا حقيقة؛ لأنه ليس بموضوع له ولا مجازًا للمنافاة. م: (ولا يعتبر إعراب الواحدة عند عامة المشايخ) ش: يعني سواء قال أنت واحدة بالرفع أو بالنصب أو بالسكون م: (وهو الصحيح) ش: احترز به عن قول بعض المشايخ المذكور في شرح " الجامع الصغير " أنه إذا أعرب الواحدة بالرفع لم يقع شيء، وإن نوى لأنها صفة شخصها، إذا أعرب بالنصب يقع من غير نية، لأنه نعت مصدر محذوف، وإن سكن ولم يحرك يحتاج إلى النية، وإن نوى كان على الاختلاف، يعني عندنا يقع واحدة رجعية، وعند الشافعي لا يقع شيء. وقيل: عدم الوقوع في الرفع قول محمد. والصحيح أن الكل سواء، فلا اعتبار للإعراب م: (لأن العوام لا يميزون بين وجوه الإعراب) ش: فلا يحتاج إلى التفصيل. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (وبقية الكنايات) ش: أراد بها ما سوى الألفاظ الثلاثة المذكورة م: (إذا نوى بها) ش: بلفظ فيها م: (الطلاق كانت واحدة بائنة) ش: أي طلقة واحدة بائنة م: (وإن نوى ثلاثًا) ش: أي ثلاث تطليقات م: (وإن نوى ثنتين) ش: أي طلقتين م: (كانت واحدة) ش: أي كانت الطلقة واحدة. وقال زفر ومالك والشافعي يقع ما نوى. وقال أحمد: هو عندي ثلاث لكني أكره. م: (وهذه) ش: أي المذكور من بقية الكنايات م: (مثل قوله) ش: أي قول الزوج م: (أنت بائن) ش: أي من البينونة وهو القطع، وهو نعت للمرأة، ويحتمل أن يكون استبرئي عن النكاح وعن المعاصي وعن الخيرات ونحو ذلك م: (وبتة) ش: من البت وهو القطع أيضًا، وفيه الاحتمالات المذكورة م: (وبتلة) ش: أي بتلت الشيء إذا ابتله عن غيره، ويه الاحتمالات المذكورة م: (وحرام) ش: أصله المصدر كالحرمة، ويراد به النعت ومعناه الممنوع، وفيه الاحتمالات المذكورة م: (وحبلك على غاربك) ش: وهو استعارة عن التخلية، والغارب بالغين المعجمة ما تقدم من الظهر وارتفع عن العنق فيحتمل الخلو من الخيرات لكونك غير مطيعة ويحتمل الخلو عن قيد النكاح لكونك بائنة. م: (والحقي بأهلك) ش: الحقي: أمر من لَحِقَ، من حَدِّ علم، وفتح الألف وكسر الحاء خطأ فإنه يصير من الإلحاق وهو فعل متعد، والصحيح أن يجعل من اللحوق فيحتمل لأني طلقتك الحقي بأهلك، ويحتمل سيري بسير أهلك م: (وخلية) ش: من الخلو، بضم الخاء من حد دخل، فيحتمل الخلو عن الخيرات أو عن قيد النكاح م: (وبرية) ش: من البراءة من حد علم، فيحتمل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 363 ووهبتك لأهلك، وسرحتك، وفارقتك، وأمرك بيدك، واختاري، وأنت حرة، وتقنعي، وتخمري، واستتري، واغربي، واخرجي واذهبي وقومي وابتغي الأزواج.   [البناية] البراءة عن حسن الثناء أو عن قيد أهلك، م: (ووهبتك لأهلك) ش: لأني طلقتك م: (وسرحتك) ش: يحتمل التسريح بالطلاق أو بغيره م: (وفارقتك) ش: تحتمل المفارقة بالطلاق أو بغيره. قال الشافعي: هما صريحان لا يحتاجان إلى الطلاق، فيكون تفويضًا له إليها، ويحتمل غيره في تصرف آخر. م: (وأمرك بيدك، واختاري) ش: يحتمل اختيار نفسها بالفراق من النكاح أو في أمر آخر، وفي هذين اللفظين لا تطلق حتى تطلق نفسها م: (وأنت حرة) ش: يحتمل عن حقيقة الرق أو رق النكاح م: (وتقنعي) ش: هذا أمر بأخذ القناع على وجهها، فيحتمل لأنك بتت مني بالطلاق وحرم علي نظرك أو عن الأجنبي لأنظر إليك م: (وتخمري) ش: هو أمر بأخذ الخمار، فيحتمل ما يحتمله تقنعي م: (واستتري) ش: هو أمر بالسترة، فيحتمل ما احتمل تخمري م: (واغربي) ش: هو بالغين المعجمة والراء المهملة، أي تباعدي عني لأني طلقتك. واغربي لزيارة أهلك، ويروى اعربي بالعين المهملة، والثاني من العروبة وهو النقد م: (واخرجي) ش: يحتمل اخرجي من عندي لأني طلقتك، واخرجي أمر لشيء آخر م: (واذهبي، وقومي، وابتغي الأزواج) ش: أي اطلبيهم، فيحتمل لأني طلقتك، أو ابتغي الأزواج من النساء؛ لأن لفظ الأزواج مشترك بين الرجال والنساء، وهذه اثنتان وعشرون لفظًا. وفي شرح " الأسبيجابي " " وجوامع الفقه " هي كنايات ومدلولات. وفي " الينابيع " ثلاث كنايات ومدلولات وتفويضات، أما الكنايات فقوله أنت بائن وبتة وخلية وبرية وحرام. وما الحق بها القاضي أبو يوسف في رواية الطحاوي وهي أربعة ذكرها السروجي في " المبسوط " وقاضي خان ي " الجامع الصغير "، وهي لا سبيل لي عليك، لا ملك لي عليك، خليت سبيلك وفارقتك، خرجت عن ملكي. قالوا: هو بمنزلة خليت سبيلك. وفي " الينابيع " وألحق أبو يوسف بالخمسة ستة أخرى، وهي الأربعة المتقدمة، وزاد خالعتك، والحقي بأهلك. وقال السروجي: ينبغي أن يزاد فيها: أنت بتلة، ولا سلطان لي عليك، فتصير ثلاثة عشر. أما المدلولات، قيل: قومي واذهبي واخرجي وتقنعي وتخمري واستبرئي والحقي وانتقلي واغربي وابتغي الأزواج، لا نكاح بيني وبينك، وحبلك على غاربك ووهبتك لأهلك، وما أنا بزوج لك، وبنت مني. ولو قال فسخت نكاحك أو النكاح الذي بيني وبينك، وأنا بريء من نكاحك ونجوت مني أو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] تخلصت أو نزلت لك طلاقًا يقع بالنية. وفي " التكملة " تحرمي ونوى به الطلاق كانت طلقة بائنة إذا لم ينو ثلاثًا. وفي " المرغيناني " قال أنا براء من نكاحك يقع، وأطلق في الكتاب وهو محمول على النية. ولو قال ابتداء وهبت لك طلاقك أو وقعت به يقع بالنية عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وقال أبو يوسف هو تمليك إن نوى بها تمليكًا كان تمليكًا بلا خلاف. وفي " الذخيرة " عن أبي يوسف إذا قال لها وهبتك لأهلك أو لأبيك أو لأمك أو لابنك أو للأزواج فهو طلاق بالنية. وإن قال: وهبتك لأختك أو لعمتك أو لخالتك وما أشبه ذلك فليس بطلاق، وإن نواه، ولا يشرط القبول لوقوع الطلاق عندنا، ولو قال: اذهبي ألف مرة ونوى به الطلاق فثلاث. ولو قال: خذي طلاقك فقالت أخذت يقع، كذا اخرجي إن شئت، ونوى فقالت شئت يقع. ولو قال: تزوجي زوجًا ليحلك فهو إقرار بالثلاث. وأما التفويضات فقوله أمرك بيدك، والطلاق إليك - بخلاف الطلاق منك فإنه كناية يقع بالنية. وفي " البدائع ": أو أنت طالق إن شئت أو طلقي نفسك. ولو قال: لم أتزوجك أو لم تكوني بامرأة، وما أنت بامرأة إلي، أو نوى، لا يقع، وكذا لو قال له لك امرأة فقال لا لم يقع. وأجمعوا على أنه لو قال لم أتزوجك أو لم يكن بيننا لا يقع وإن نوى، وإن قال لا نكاح بيننا يقع إذا نوى، قال المرغيناني: ولو قال لم يبق بيني وبينك شيء ونوى لا يقع. وفي " الفتاوى " لم يبق بيني وبينك ونوى يقع. ولو قال لها أعرتك طلاقك، وأنا بريء من طلاقك. أو بريت لك من طلاقك، أو أعرضت أو صفحت عن طلاقك لا يقع، وإن نوى. وفي " الحاوي " قال: بريت إليك من طلاقك الأصح أنه يقع بالنية. وفي المرغيناني قال أعرتك طلاقك صار بيدها. وعن أبي حنيفة يقع. وعن محمد ولو قال: أقرضتك طلاقك يقع ولو قال: رهنتك، قال المتأخرون لا يقع، وقيل يقع، ولو قال: بعتك طلاقك فقالت: اشتريت يقع رجعيًا، وبه قال مالك. وقال أحمد وإسحاق: لا يقع، ونحن نعتبر بالهبة، ولو قال: أبحتك طلاقك لا يقع، وبمهرك بائن، وكذا بعتك نفسك، ولو زوج امرأته من غيره لا يكون طلاقًا، قاله أبو حامد وغيره. وقال أبو جعفر ( ... ) وأنى يقع إن نواه. ولو أراد أن يطلقها فقالت: هب لي طلاقي فقال: وهبت لا يقع، ولو قال: أربع طرق مفتوحة لك لا يقع وإن نوى ما لم يقل: خذي أو اذهبي أيها شئت. وفي " المبسوط " اذهبي وبيعي ثوبك ونوى الطلاق لا يقع عند أبي يوسف، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 لأنها تحتمل الطلاق وغيره فلا بد من النية. قال إلا أن يكون في حال مذاكرة الطلاق فيقع بها الطلاق في القضاء، ولا يقع فيما بينه وبين الله تعالى إلا أن ينويه. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سوى بين هذه الألفاظ، وقال: ولا يصدق في القضاء   [البناية] وعند زفر يقع، وبه قال الشافعي، ولو قال لآخر: أحل إليها طلاقها أو أخبرها به طلقت فيه الحال. وقال في " المبسوط ": لو قال لها: أنت علي كالميتة أو كالخمر أو كلحم الخنزير ونوى الطلاق وقع، وبه قال الشافعي. وفي الكافي قال لامرأته هذه أختي أو بنتي أو أمي من الرضاع وثبت عليه فرق بينهما. ولو قال أخطأت أو وهمت أو نسيت لم يصدق قياسًا لأنه أقر بالتحريم ويصدق استحسانًا، لأن هذا إيجاب بالتحريم فلا يقع إلا بقرينة، وهي الدوام بأن يقول ما قلت حق. ولو قال طلقك الله، أو لعبده أعتقك الله وقعا بلا نية، وبه قال الشافعي. ولو قال طلاقك علي واجب، وبه قال بعض أصحاب الشافعي، وفي قوله: لازم واجب تطلق عند الجميع، وقيل: لا يقع شيء، وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وقيل يقع عند أبي حنيفة خلافًا لهما إلا في قوله: لازم، فإنه يقع به. وقال أكثر أصحاب الشافعي يقع بلا نية بمنزلة الصريح، ومع النية يقع عند جميعهم، وبه قال مالك وأحمد، وقيل على عكسه. وقيل في قوله: واجب يقع بلا نية، والصحيح أنه يقع في الكل، بخلاف ما لو قال لعبده: عتقك علي لازم أو واجب لا يعتق، ولو قال لها: قولي أنا طالق تطلق إذا قالت، وإذا لم تقل لا. ولو قال: نساء أهل الري، أو قال نساء أهل الدنيا أو عبيد أهل الدنيا أحرار يقعان بالنية، وبه أخذ عصام بن يوسف، وعليه الفتوى، وعن محمد يقعان بلا نية، وبه أخذ الشافعي، ولو قال: أنت طالق ونوى يقع، وإلا فلا. ولو قال: يا طال بكسر اللام تقع بقرينة، وهذا كله في حالة الرضاء، وفي حالة الغضب. وفي مذاكرة الطلاق يقع، وإن لم يذكر اللام مكسورًا. م: (لأنها) ش: أي لأن هذه الألفاظ م: (تحتمل الطلاق وغيره، فلا بد من النية) ش: لأجل التعيين م: (إلا أن يكون) ش: وفي بعض النسخ م: (قال: إلا أن يكون) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلا أن يكون أي المتكلم بهذه الألفاظ م: (في حالة مذاكرة الطلاق) ش: وفي بعض النسخ م: (إلا أن يكونا) ش: بضمير الاثنين، أي إلا أن يكون الزوجان، وهو استثناء من قوله وبقية الكنايات إذا نوى بها الطلاق كانت واحدة إلا في حال مذاكرة الطلاق م: (فيقع بها الطلاق في القضاء، ولا يقع فيما بينه وبين الله تعالى، إلا أن ينويه) ش: أي الطلاق. م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (سوى) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (بين هذه الألفاظ وقال: لا يصدق في القضاء) ش: يعني سوى القدوري بين هذه الألفاظ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 366 إذا كان في حال مذاكرة الطلاق وهذا فيما لا يصلح ردّا، والجملة في ذلك أن الأحوال ثلاثة حالة مطلقة، وهي حالة الرضا وحالة مذاكرة الطلاق وحالة الغضب. والكنايات ثلاثة أقسام ما يصلح جوابا وردّا، وما يصلح جوابا لا ردّا لا غير، وما يصلح جوابا ويصلح سبّا وشتيمة، ففي حالة الرضا لا يكون شيء منها طلاقا إلا بالنية، والقول قوله في إنكار النية لما قلنا، وفي حالة مذاكرة الطلاق لم يصدق فيما يصلح جوابا ولا يصلح ردّا في القضاء مثل قوله خلية وبرية بائن بتة حرام اعتدي أمرك بيدك اختاري، لأن الظاهر أن مراده الطلاق عند سؤال الطلاق ويصدق فيما يصلح جوابا وردّا مثل قوله: اذهبي، اخرجي، قومي، تقنعي، تخمري، وما يجري هذا المجرى؛   [البناية] في وقوع الطلاق بلا نية في م: (حال مذاكرة الطلاق وهذا) ش: أي الذي قاله من التسوية م: (فيما لا يصلح ردًّا) ش: إذا سوى للمرأة ثم شرع يبين تفصيل ذلك بقوله م: (والجملة في ذلك) ش: أي في بيان ذلك م: (أن الأحوال ثلاثة حالة مطلقة وهي حالة الرضا) ش: وهي حالة ابتداء الزوج بالطلاق، وليست بحالة مذاكرة الطلاق ولا حالة الغضب م: (وحالة مذاكرة الطلاق) ش: وهي أن تسأل المرأة أو غيرها طلاقها زوجها م: (وحالة الغضب) ش: وهو الغضب من الجانبين. [أقسام الكنايات في الطلاق] م: (والكنايات ثلاثة أقسام) . الأول: م: (ما يصلح جوابًا وردًّا لا غير) ش: أي جوابًا لسؤال المرأة الطلاق وردًّا لكلامها عند سؤالها. الثاني: م: (وما يصلح جوابًا لا ردًّا) ش: أي لا يصلح ردًّا. الثالث: م: (وما يصلح جوابًا ويصلح سبًّا وشتيمة) ش: فإذا عرف هذا يعرف حكم هذه الأقسام م: (ففي حال الرضا لا يكون شيء منها) ش: أي من هذه الألفاظ م: (طلاقًا إلا بالنية) ش: للاحتمال وعدم دلالة الحال: (والقول قوله) ش: أي قول الزوج: م: (في إنكار النية لما قلنا) ش: إشارة غلى قوله لأنها غير متنوعة للطلاق بل يحتمله وغيره. م: (وفي حال مذاكرة الطلاق لم يصدق) ش: أي الزوج م: (فيما يصلح جوابًا ولا يصلح ردًّا في القضاء) ش: يتعلق بقوله يصدق، أي لا يصدق قضاء في أنه لم ينو الطلاق م: (مثل قوله خلية برية بائن بتة حرام اعتدي أمرك بيدك اختاري) ش: هذه ثمانية ألفاظ ومثله يصلح جوابًا ولا يصلح ردًّا في حال مذاكرة الطلاق، وقد ذكرنا معانيها عن قريب م: (لأن الظاهر أن مراده الطلاق عند سؤال الطلاق) ش: لأن كلامه جواب لسؤالها الطلاق والسؤال يصلح مفادًا في الجواب، والقاضي مأمور باتباع الظاهر م: (ويصدق فيما يصلح جوابًا وردًّا مثل قوله: اذهبي، اخرجي، قومي، تقنعي، تخمري، وما يجري هذا المجرى) ش: أراد ما يصلح جوابًا وردًّا كالألفاظ المذكورة، وفي قوله: اغربي واستبرئي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 367 لأنه يحتمل الرد وهو الأدنى فحمل عليه، وفي حالة الغضب يصدق في جميع ذلك لاحتمال الرد والسب إلا فيما يصلح للطلاق، ولا يصلح للرد والشتم كقوله: اعتدي واختاري، وأمرك بيدك، فإنه لا يصدق فيها؛ لأن الغضب يدل على إرادة الطلاق. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله لا ملك لي عليك، ولا سبيل لي عليك، وخليت سبيلك، وفارقتك، أنه يصدق في حالة الغضب لما فيها من احتمال معنى السب ثم وقوع البائن بما سوى الثلاث الأول مذهبنا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقع بها رجعي؛ لأن الواقع بها طلاق، لأنها كنايات عن الطلاق؛ ولهذا تشترط النية وينتقض بها العدد.   [البناية] وقال شمس الأئمة في " المبسوط ": لو قال: اذهبي ونوى به الطلاق كان طلاقًا موجبًا للبينونة، لأنه لا يلزمها الذهاب إلا بعد زوال الملك م: (لأنه يحتمل الرد، وهو الأدنى فحمل عليه) ش: أي على الأدنى، لأن الأدنى متيقن، وذلك لأن الرد رافع، والجواب رافع، لأن الطلاق رافع لقيد النكاح والدفع أسهل من الرفع فيكون الرد أدنى في الجواب. م: (وفي حالة الغضب يصدق في جميع ذلك) ش: أي فيما يصلح جوابًا ولا يصلح ردًّا، وفيما يصلح جوابًا وردًّا م: (لاحتمال الرد) ش: في السبعة المذكورة مثل اخرجي ... إلى آخره. م: (والسب) ش: أي لاحتمال السب في الخمسة المذكورة في أوائل الثمانية، وهي خلية ... إلى آخره م: (إلا فيما يصلح للطلاق ولا يصلح للرد والشتم) ش: الاستثناء في قوله: يصدق في جميع ذلك م: (كقوله: اعتدي، اختاري، وأمرك بيدك، فإنه لا يصدق فيها) ش: أي في هذه الثلاثة م: (لأن الغضب يدل على إرادة الطلاق) ش: ألا ترى أنه من قال لغيره في حالة الرضا لا يكون قاذفًا، ولو قال حالة الغضب يكون قاذفًا. م: (وعن أبي يوسف في قوله: لا ملك لي عليك، ولا سبيل لي عليك، وخليت سبيلك، وفارقتك؛ أنه يصدق في حالة الغضب لما فيها من احتمال معنى السب) ش: لأن معنى لا ملك لي عليك لأنك أدون من أن تملك ومعنى لا سبيل لي عليك لسوء خلقك واجتماع أنواع الشر فيك. ومعنى فارقتك أي في المسكن اتقاء لشرك م: (ثم وقوع البائن بما سوى الثلاث الأول) ش: وهي المذكورة في أول الكنايات بقوله اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة م: (مذهبنا) ش: وهو مذهب عامة الصحابة. كذا في الحصر؛ منهم علي وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. م: (وقال الشافعي: يقع بها) ش: أي بالكنايات م: (رجعي) ش: أي طلاق رجعي، وهو مذهب عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وبه قال أحمد في رواية وفي أخرى كقولنا، وبه قال مالك م: (لأن الواقع بها) ش: أي بألفاظ الكنايات م: (طلاق؛ لأنها كنايات عن الطلاق، ولهذا تشترط النية) ش: أي ولكونها كناية عن الطلاق يشترط النية في وقوع الطلاق م: (وينتقض بها العدد) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 والطلاق معقب للرجعة كالصريح. ولنا أن تصرف الإبانة صدر من أهله مضافا إلى محله عن ولاية شرعية، ولا خفاء في الأهلية والمحلية، والدلالة على الولاية أن الحاجة ماسة إلى إثباتها كيلا ينسد عليه باب التدارك ولا يقع في عدتها بالمراجعة من غير قصد وليست بكنايات على التحقيق   [البناية] ش: أي ينتقض عدد الطلاق بوقوع واحدة منها م: (والطلاق معقب للرجعة كالصريح) ش: أي كما هو معقب للرجعة في الطلاق الصريح. م: (ولنا أن تصرف الإبانة صدر من أهله) ش: وهو الزوج، لأنه يملك تصرف البينونة، ولهذا إذا أخذ العوض يقع البائن بالإجماع فعلم أن الإبانة مملوكة للزوج وإلا لم يجز الاعتياض عنه م: (مضافًا إلى محله) ش: أي محل التصرف وهو المرأة م: (عن ولاية شرعية) ش: لأن الشارع جعل ولاية الطلاق إليه م: (ولا خفاء في الأهلية) ش: أي في أهلية الزوج م: (والمحلية) ش: أي محلية المرأة للبينونة اللفظية بالاتفاق م: (والدلالة على الولاية) ش: وهذا جواب عما يقال لم قلتم إن له ولاية شرعية في تصرف الإبانة؟ فأجاب بقوله والدلالة على الولاية م: (أن الحاجة ماسة إلى إثباتها كيلا ينسد عليه باب التدارك) ش: قال بعض الشراح أي التدارك بإيقاع الثلاث، والأوجه ما قاله صاحب " النهاية " تدارك دفع المرأة عن نفسه، وذلك لأنه لو لم تقع البينونة عند نيته فتثبت الرجعة والزوج يريد فراقها. م: (ولا يقع) ش: بالنصب عطفًا على قوله - كيلا ينسد - م: (في عدتها) ش: وفي بعض النسخ في عهدتها م: (بالمراجعة من غير قصد) ش: فيقع في فرطها بالمراجعة إذا كانت فاجرة أو بها سلاطة، وما رأيت شارحًا حرر هذا الموضع كما ينبغي، غير أن الأكمل تعرض لكلام الصنف بغير جدوى، حيث قال ما ملخصه أن هاهنا وجهين، وأراد بهما قوله: والدلالة على الولاية - إلى قوله: التدارك-. وقوله: ولا يقع ... إلى آخره - وقد جعلهما واحدًا، لأن الأول بعينه تفسير الوجه الثاني، وإن جعل الثاني تفسير الأول فلا يستقم، لأن وقوع المراجعة من غير قصد لا يستقيم على مذهبه، وإذا فسد التفسير فسد المفسر، والحال الكلام فيه ويراد دعواه للوجهين، لأن قوله - لا يقع.. إلى آخره - تتمة الكلام الذي قبله وإيضاح له، وقوله: لا يستقيم، غير مستقيم، لأن الطلاق الرجعي يعقب الرجعة، والرجعة أعم من أن تكون بالقول أو بالفعل ووقوع نظره إلى داخل فرجها فعل منه فتقع به الرجعة. م: (وليست بكنايات على التحقيق) ش: هذا جواب عن قول الشافعي أنها كنايات، فأجاب بالمنع بأنا لا نسلم أن ألفاظ الكنايات على التحقيق، أي على الحقيقة لأنها معلومة المعاني، ولا استتار في حقائقها وإنما سميت كنايات مجازًا للاستتار فيما يتصل بهذه الألفاظ لا للاستتارة في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 لأنها عوامل في حقائقها والشرط تعيين أحد نوعي البينونة دون الطلاق وانتقاص العدد لثبوت الطلاق بناء على زوال الوصلة، وإنما تصح نية الثلاث فيها لتنوع البينونة إلى غليظة وخفيفة، وعند انعدام النية يثبت الأدنى، ولا تصح نية الثنتين عندنا، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه عدد، وقد بيناه من قبل، وإن قال لها: اعتدي اعتدي اعتدي، وقال: نويت بالأولى طلاقا، وبالباقي حيضا دين في القضاء.   [البناية] نفسها، فلما زال ذلك الاستتار بينة الطلاق عملت في حقائقها وهو معنى قوله م: (لأنها) ش: أي لأن الكنايات م: (عوامل في حقائقها) ش: لانعدام مضي التردد بنية الطلاق، فاللفظ هو عامل في حقيقة موجبته حتى تحصل به الحرمة والبينونة. م: (والشرط تعيين أحد نوعي البينونة دون الطلاق) ش: هذا جواب عن قوله ولهذا تشترط النية، أي نية الطلاق، تقرير اشتراط النية لو كان لأجل الطلاق كان دليلًا على ما ذكرتم، وليس كذلك، بل هو لتعيين أحد نوعي البينونة الغليظة والخفيفة لا للطلاق، يعني النية شرط للطلاق البائن لا للطلاق المجرد م: (وانتقاص العدد) ش: جواب عن قول الشافعي وينتقص به العدد، تقرير أن انتقاص العدد من الطلاق م: (لثبوت الطلاق) ش: في ضمن البينونة م: (بناء على زوال الوصلة) ش: أي على وصلة النكاح. ومنه يلزم وقوع الطلاق ولا منافاة بين نقص العدد والطلاق البائن، فكان النقص من حيث كونه طلاقًا بائنًا م: (وإنما تصح نية الثلاث) ش: هذا جواب عما يقال إن البائن لو كان عاملًا بنفسه ينبغي أن لا تصح نية الثلاث. م: (وإنما تصح نية الثلاث) ش: أي ثلاث تطليقات م: (فيها) ش: أي في الكنايات م: (لتنوع البينونة إلى غليظة وخفيفة) ش: فالخفيفة هي الطلقة الواحدة البائنة والغليظة هي الطلقات الثلاث م: (وعند انعدام النية) ش: أي نية الثلاث م: (يثبت الأدنى) ش: وهي الواحدة البائنة لأنها متيقنة م: (ولا تصح نية الثنتين) ش: أي الطلقتين م: (عندنا خلافًا لزفر) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في الكنايات الخفيفة م: (لأنه عدد) ش: أي لأن الثنتين عدد، وإنما ذكر الضمير باعتبار المذكور، أو باعتبار لفظ الخبر وهذا دليلنا، لأن الثنتين عدد في حق الحرة. وقوله: أنت بائن لا يحتمل العدد، لأنه فرد إلا إذا كانت المرأة أمة لأنه جنس طلاقها م: (وقد بيناه من قبل) ش: يعني في أوائل باب إيقاع الطلاق، وهو وقوله ونحن نقول نية الثلاث إنما صحت لكونها جنسًا إلى آخره. [قال الرجل لامرأته اعتدي ثلاث مرات] م: (وإن قال لها اعتدي اعتدي اعتدي) ش: أي قال الرجل لامرأته اعتدي ثلاث مرات م: (وقال نويت بالأولى) ش: أي باللفظة الأولى من قوله اعتدي ثلاث مرات م: (طلاقًا وبالباقي) ش: وهو الثنتان الباقيان م: (حيضًا دين في القضاء) ش: يعني يصدق في قوله في الحكم، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد م: (لأنه نوى حقيقة كلامه) ش: مثل اللفظة الثانية والثالثة، ونوى محتمل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 370 لأنه نوى حقيقة كلامه، ولأنه يأمر امرأته في العادة بالاعتداد بعد الطلاق، وكان الظاهر شاهدا له، وإن قال: لم أنو بالباقيتين شيئا فهي ثلاث؛ لأنه لما نوى بالأولى الطلاق صار الحال حال مذاكرة الطلاق، فتعين الباقيتان للطلاق بهذه الدلالة فلا يصدق في نفي النية، بخلاف ما إذا قال: لم أنو بالكل الطلاق حيث لا يقع شيء، لأنه لا ظاهر يكذبه، وبخلاف ما إذا قال: نويت بالثالثة الطلاق دون الأوليين حيث لا يقع إلا واحدة ولأن الحال عند الأوليين لم تكن حال مذاكرة الطلاق،   [البناية] كلامه بالأولى، لأن لفظة اعتدي تحتمل معنيين، أحدهما اعتدي لا في طلقتك، والأخرى اعتدي نعمي عليك أو نعم الله تعالى عليك، أو اعتدي خباياتك تهديدًا لها. وفي اللفظ المحتمل لا يتعين الطلاق إلا بالنية أو بما يدل عليه من غضب أو مذاكرة الطلاق، وهاهنا قد صرح بأنه نوى الطلاق باللفظة الأولى وبالباقيتين الحيض فيصدق لما ذكرنا م: (ولأنه) ش: دليل آخر لتصديقه، أي ولأن الرجل م: (يأمر امرأته في العادة بالاعتداد بعد الطلاق وكان الظاهر) ش: أي ظاهر الحال م: (شاهدًا له) ش: فيما يقول. م: (وإن قال لم أنو بالباقيتين شيئًا فهي ثلاث) ش: أي ثلاث طلقات م: (لأنه لما نوى بالأولى) ش: أي باللفظة الأولى م: (الطلاق صار الحال حال مذاكرة الطلاق، فتعين الباقيتان للطلاق بهذه الدلالة ش: أي بدلالة الحال لأنها حال مذاكرة الطلاق م: (فلا يصدق في نفي النية) ش: أي في قوله لم أنو بالباقي شيئًا م: (بخلاف ما إذا قال لم أنو بالكل الطلاق حيث لا يقع شيء لأنه لا ظاهر بكذبه، وبخلاف ما إذا قال نويت بالثالثة الطلاق دون الأولين حيث لا يقع إلا واحدة؛ لأن الحال عند الأوليين لم تكن حالة مذاكرة الطلاق) . ش: قال الإمام السرخسي وقاضي خان المسألة على اثني عشر وجهًا، أحدها: أن يقول: لم أنو الطلاق بشيء، فالقول قوله مع اليمين، وبه قال الشافعي وأحمد. والثاني: قال نويت بالأولى ولم أنو بالباقي شيئًا فهي ثلاث. الثالث: قال لم أنو بالثالثة شيئًا فهي ثلاث، وفيه خلاف زفر والشافعي ومالك، فعندهم واحدة. الرابع: قال: نويت بكلها الطلاق فهي ثلاث بالإجماع. الخامس: قال: نويت بالأولى والثانية الطلاق، وبالثالثة الحيض فهو يدين قضاء أيضًا بالإجماع. ( .... .... ) . والسابع: قال: نويت بالأولى الطلاق، وبالثالثة الحيض، ولم أنو بالثانية شيئًا فإنها تطلق ثنتين، وبه قال أحمد، وعن الشافعي ومالك وزفر واحدة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 وفي كل موضع يصدق الزوج على نفي النية إنما يصدق مع اليمين لأنه أمين في الإخبار عما في ضميره والقول قول الأمين مع اليمين   [البناية] والثامن: من قال: نويت بالأولى الطلاق وبالثانية ولم أنو بالثالثة شيئًا فإنها تطلق طلقتين أيضًا. والتاسع: أن يقول: لم أنو بالأولى والثانية شيئًا، ونويت بالثالثة الطلاق يقع واحدة بالإجماع. والعاشر: قال: لم أنو بالأولى شيئًا، ونويت بالثانية طلاقًا وبالثالثة حيضًا فهي طلقة واحدة. الحادي عشر: قال: لم أنو الأولى شيئًا ونويت بالثانية الطلاق ولم أنو بالثالثة شيئًا فهو ثنتان عندنا وعند أحمد وزفر والشافعي ومالك يقع واحدة. والثاني عشر: لو قال: اعتدي ثلاثًا، وقال: نويت بقولي اعتدي طلاقًا وبالثلاث ثلاث حيض فهو كما قال بالإجماع. وزاد السرخسي الثالثة عشر: قال: اعتدي اعتدي اعتدي فنوى واحدة فهي كذلك ديانة ولا يصدق قضاء. وفي " المبسوط " قال لها: اعتدي فاعتدي أو اعتدي واعتدي، أو قال اعتدي اعتدي ونوى به الطلاق يقع ثنتان في القضاء. وقال زفر: تعمل نية الواحدة في القضاء. وعن أبي يوسف في قوله: اعتدي فاعتدي كذلك، بخلاف الواو، لأن الفاء للوصل، فيكون معناه فاعتدي بذلك الإيقاع، والواو للعطف، فكان الثاني غير الأول، وفي " مصنف " ابن أبي شيبة أن اعتدي طلقة عند ابن مسعود وعطاء ومكحول والنخعي والأوزاعي، وقال أبو حنيفة: واحدة رجعية إذا نوى الطلاق، وبه قال الشعبي والثوري وأحمد. وقال الحسن والشعبي هو على ما نوى إلا أن يقول لم أنو شيئًا فهي واحدة. وإن قال اعتدي اعتدي اعتدي قال قتادة: ثلاث، وبه قال الحسن والشعبي. وقال أحمد والحكم هي واحدة. ولو قالت أنت طالق يقع واحدة رجعية، فإن قال: واعتدي، ثنتان عندنا. م: (ثم في كل موضع يصدق الزوج على نفي النية) ش: أي يصدق م: (وإنما يصدق مع اليمين لأنه أمين في الإخبار عما في ضميره، والقول قول الأمين مع اليمين) ش: لنفي التهمة عنه، وبه قال الشافعي، وقال مالك وأحمد في الكنايات الخفية كذلك لا في الظاهر، واشتراط اليمين لأن في قوله إلزامًا على الغير وفيه ضعف، فاحتيج إلى المؤكد وهو اليمين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 372 باب تفويض الطلاق فصل في الاختيار وإذا قال لامرأته: اختاري، ينوي بذلك الطلاق، أو قال لها: طلقي نفسك؛ فلها أن تطلق نفسها ما دامت في مجلسها ذلك،   [البناية] [باب تفويض الطلاق] [فصل في الاختيار] [قال لامرأته اختاري ينوي بذلك الطلاق] م: (باب تفويض الطلاق) ش: أي هذا باب في بيان تفويض الطلاق إلى غيره، ولما ذكر بيان الطلاق بنفسه إذ هو الأصل شرع في بيان الطلاق بالنيابة م: (فصل في الاختيار) ش: أي هذا فصل في بيان الاختيار، والاختيار من الخيرة على وزن الغيبة، وهو اسم من قولك: اختاره الله عز وجل، وقال الجوهري الخيار اسم من الاختيار، وقال أيضًا: الاختيار الاصطفاء، وقال تاج الشريعة اختيار الميل إلى الخير وإلى ما هو الأفضل، والأولى. والباب المذكور يشتمل على ثلاثة فصول، فصل في الاختيار، وفصل في الأمر باليد، وفصل في المشيئة، وقدم فصل الاختيار على الفصلين المذكورين لأنه يؤيد بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين-. م: (وإذا قال لامرأته اختاري) ش: حال كونه م: (ينوي بذلك) ش: أي بقوله اختاري م: (الطلاق أو قال لها: طلقي نفسك فلها أن تطلق نفسها) ش: في الصورتين جميعًا م: (ما دامت في مجلسها ذلك) ش: أي الذي وقع فيه هذا القول من الرجل، وهذا الشرط بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - على ما يأتي. قال الكاكي: ما دامت في مجلسها ذلك يدل على أن المجلس وإن تطاول يومًا أو أكثر لا يبطل خيارها، لأن المجلس قد يطول، وقد يقصر، كذا في " المبسوط ". فإن قيل: إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - في أن الخيار يقتصر على المجلس خلاف النص، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قال لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - حين نزلت آية التخيير: " فلا تجيبي حتى تستأمري أبويك» ، وأبواها ليسا بحاضرين في المجلس، فهذا دليل على أن الخيار لا يبطل بالقيام عن المجلس كما قال الشافعي في القديم. قلنا: إحسان الظن بالصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فرض، لأنا تلقينا الشرع منهم بالقبول فلا يجوز مخالفتهم بلا دليل. وهاهنا لا دليل لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أثبت لها الخيار مطلقًا ومنعها إلى غاية استثمارها لأبويها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 373 فإن قامت منه أو أخذت في عمل آخر خرج الأمر من يدها لأن المخيرة لها المجلس بإجماع الصحاية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - ولأنه تمليك الفعل منها، ولأن التمليك يقتضي جوابا في المجلس كما في البيع؛   [البناية] م: (فإن قامت منه) ش: أي من مجلسها م: (أو أخذت في عمل آخر خرج الأمر من يدها، لأن المخيرة لها المجلس بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -) ش: فيه عن عبد الله بن مسعود، رواه عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: إذا ملكها أمرها فتفرقا قبل أن ينقضي شيء، فلا أمر لها. وعن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رواه عبد الرزاق أيضًا أخبرنا ابن جريج عن ابن الزبير عن جابر بن عبد الله قال: إذا خير الرجل امرأته فلم يخير مجلسها ذلك فلا خيار لها. وعن عمر وعثمان وعبد الله بن عمرو بن العاص رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في " مصنفيهما " حديثنا المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قالا: أيما رجل ملك امرأته أمرها وخيرها ثم افترقا من ذلك المجلس فليس لها خيار، وأمرها إلى زوجها انتهى، وخالف الجماعة وشد الحكم وأبو ثور حيث لم يشترطا فيه المجلس، واختاره ابن المنذر في " الأشراف ". وفي " المغني ": لا يقتصر على مجلسها ذلك وإن تطاول ما لم يفسخ أو يطأها وهذا قول أحمد أيضًا. ويروى عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وهو قول الحسن وقتادة، وقال السروجي: وهذا الخلاف في الأمر باليد. وفي " المغني " وأكثر أهل العلم على أن الخيار على الفور، روي ذلك عن عمر وعثمان وابن مسعود وجابر، وبه قال عطاء وجابر بن زيد ومجاهد والشعبي والأوزاعي والنخعي ومالك والشافعي، وهو قول أصحابنا. وقال الزهري وقتادة وأبو عبيد وابن المنذر: على التراخي، وهو رواية عن مالك. م: (ولأنه) ش: أي ولأن قوله اختاري وطلقي نفسك م: (تمليك الفعل منها) ش: يعني لا توكيل لها، لأن الوكيل عامل لغيره م: (ولأن التمليك يقتضي جوابًا في المجلس) ش: لأن خطاب، فإذا أخذت في عمل آخر يبطل التفويض، وكذا لو خاضت في كلام آخر يبطل التفويض، قال الله تعالى: {حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء: 140] (النساء: الآية 140) ، علم أن الخوض في عمل آخر بمنزلة الإعراض، وليس بتوكيل، لأن الوكيل من يعمل لغيره، وهي عاملة لنفسها بأن تخلص نفسها عن ذل رق النكاح، بخلاف ما لو قال لأجنبي: طلق امرأتي فإنه توكيل، لأنه أمر لغيره. م: (كما في البيع) ش: أي كما يقتضي الخطاب جوابًا في البيع، لأن الأصل فيه خيار القبول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 374 لأن ساعات المجلس اعتبرت ساعة واحدة، إلا أن المجلس تارة يتبدل بالذهاب عنه، وتارة بالاشتغال بعمل آخر، إذ مجلس الأكل غير مجلس المناظرة، ومجلس القتال غيرهما، ويبطل خيارها بمجرد القيام؛ لأنه دليل الإعراض بخلاف الصرف والسلم لأنه المفسد هناك الافتراق من غير قبض ثم لا بد من النية في قوله: اختاري؛ لأنه يحتمل تخييرها في نفسها، ويحتمل تخييرها في تصرف آخر غيره، فإن اختارت نفسها في قوله اختاري: كانت واحدة بائنة   [البناية] في المجلس م: (لأن ساعات المجلس اعتبرت ساعة واحدة) ش: لرفع الضرورة، قال الحاكم الشهيد في الكافي: إذا خير الرجل امرأته فلها الخيار في ذلك المجلس، وإن تطاول يومًا أو أكثر م: (إلا أن المجلس) ش: أي غير أن المجلس م: (تارة يتبدل بالذهاب عنه) ش: أي عن المجلس م: (ومرة بالاشتغال بعمل آخر، إذ مجلس الأكل غير مجلس المناظرة، ومجلس القتال غيرهما) ش: أي غير مجلس الأكل، وغير مجلس المناظرة. والحاصل من هذا الكلام بيان أن انقطاع المجلس تارة يكون سببًا حسيًا وهو نحوها من ذلك المكان، وتارة بسبب حكمي وهو اشتغالها بعمل آخر، ألا ترى أن الرجلين إذا كانا يتناظران في مجلس يكون مجلسهما مجلس النظر، ثم إذا اشتغلا بالأكل يكون مجلسهما مجلس الأكل، ثم إذا اشتغلا بشيء آخر يكون مجلس ذلك الشيء. م: (ويبطل خيارها بمجرد القيام، لأنه دليل الإعراض) ش: لأنها لو اختارت لما قامت، وكذا إذا اشتغلت بعمل آخر م: (بخلاف الصرف والسلم، لأن المفسد هناك) ش: أي في باب الصرف والسلم م: (بالافتراق من غير قبض، ثم لا بد من النية) ش: أي من نية الطلاق م: (في قوله: اختاري لأنه يحتمل تخييرها في نفسها، ويحتمل تخييرها في تصرف آخر غيره) ش: لا شك أن الاختيار يحتمل وجوهًا أخر سوى اختيار النفس بأن يراد اختاري الكسوة أو النفقة أو الدار للسكنى، فلا بد من نية الطلاق ليزول الاحتمال. م: (فإن اختارت نفسها في قوله: اختاري كانت واحدة بائنة) ش: قال الكاكي: وهو قول علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وقال الشافعي وأحمد: رجعية وهو قول عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - في سائر الكنايات، وعند زيد ثلاث، وكأنه حمل على إثم يكون من الاختيار، وبه قال مالك وعمر وابن مسعود حملًا على أدنى ما يكون منه، وهو طلاق رجعي. وجه قول علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أن اختيارها لنفسها إنما يتحقق بزوال ملك الزوج حتى تصير مالكة أمر نفسها لا يختلف بالثلاث والواحدة البائنة، ولهذا قلنا: لو نوى الثلاث بهذا اللفظ لا يقع إلا واحدة بائنة. وقال الترمذي: اختلف أهل العلم في الخيار، فروي عن عمر بن الخطاب، وابن مسعود أن اختيارها لنفسها طلقة بائنة، وكذا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - واحدة بائنة، لكن إن اختارت زوجها فواحدة رجعية، ومثله عن زيد - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلا أنه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 375 والقياس أن لا يقع بهذا شيء، وإن نوى الزوج الطلاق لأنه لا يملك الإيقاع بهذا اللفظ فلا يملك التفويض إلى غيره، إلا أنا استحسناه لإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولأنه بسبيل من أن يستديم نكاحها أو يفارقها   [البناية] قال: إن اختارت نفسها فثلاث، وعنه واحدة بائنة. وقال الترمذي: وذهب أكثر أهل العلم إلى قول عمر وابن مسعود من بعدهم من أهل العلم والوقفة وهو قول الثوري والكوفيين، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور، فإن طلقت نفسها ثلاثًا، فليس للزوج أن ينكر لك عند مالك وأكثر أصحابه. وقال ابن جهم وسحنون: له ذلك. وقال طاوس: اختيارها نفسها ليس بطلاق، لأن الطلاق لا يكون إلى النساء. وقال ابن عمر: ومثله قال أبو حنيفة في التخيير لا يقع به الطلاق، وأخطأ في النقل عنه. فإن قلت: لو قال: لها أمرك بيدك أو طلقي نفسك أو أنت بائن يصح نية الثلاث، وهاهنا لا يصح مع أن فيها لفظ الأمر، مع أن الاختيار متنوع أيضًا، وهو الأدنى والأعلى لما قال زيد بن ثابت. قلت: أجاب بعضهم بأن الوقوع بلفظ الاختيار على خلاف القياس، وإنما يثبت ذلك بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، والإجماع انعقد بالطلقة الواحدة، بخلاف تلك المسائل. قلت: فيه نظر وقوع تأمل. وأشار شيخ الإسلام بأن الأمر اسم عام يتناول كل شيء، قال الله تعالى: {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19] أراد به الأشياء كلها، فصلح اسمًا لكل فعل، فإذا نوى الطلاق صار كأنه قال طلاقك بيدك، والطلاق يحتمل العموم والخصوص. فأما اختيار اسم لفعل خاص وهو الخلوص والصفوة وثبوت البينونة، وفيه مقتضى الصفوة، فلم يصح فيه العموم. ثم لو اختارت المرأة زوجها لا يقع به شيء عندنا، وبه قال الشافعي، وهو قول عمر بن الخطاب وابن مسعود وأبي الدرداء وغيرهم غير علي، «فقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - خيرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاخترناه» ولم يكن ذلك طلاقًا. وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في رواية تقع رجعية، وبه قال الحسن البصري وربيعة. م: (والقياس أن لا يقع بهذا) ش: أي يقتضي القياس أن لا يقع بقوله اختاري م: (شيء) ش: كما ذهب إليه طاوس م: (وإن نوى الزوج الطلاق) ش: واصل بما قبله م: (لأنه) ش: أي لأن الزوج م: (لا يملك الإيقاع بهذا اللفظ) ش: أي بقوله - اختاري - م: (فلا يملك التفويض إلى غيره) ش: لأن من لا يملك الشيء كيف يتصرف فيه. م: (إلا أنا استحسناه) ش: أي قلنا بالاستحسان م: (لإجماع الصحابة) ش: - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - م: (ولأنه) ش: أي ولأن الزوج م: (بسبيل من أن يستديم نكاحها أو يفارقها) ش: أي للزوج التصرف في امرأته إن شاء يبقيها بحسب ما يريد، وإن شاء فارقها ولا حجر عليه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 376 فيملك إقامتها مقام نفسه في حق هذا الحكم، ثم الواقع بها بائن؛ لأن اختيارها نفسها بثبوت اختصاصها بها، وذلك في البائن. ولا يكون ثلاثا وإن نوى الزوج ذلك؛ لأن الاختيار لا يتنوع، بخلاف الإبانة لأن البينونة قد تنوع. قال ولا بد من ذكر النفس في كلامه أو في كلامها حتى لو قال لها: اختاري فقالت: قد اخترت فهو باطل؛ لأنه عرف بالإجماع، وهو في المفسرة من أحد الجانبين، ولأن المبهم لا يصلح تفسيرا للمبهم ولا تعيين مع الإبهام   [البناية] في ذلك، فإن كان كذلك م: (فيملك إقامتها مقام نفسه في حق هذا الحكم) ش: أراد به حكم استدامة النكاح، وحكم مفارقتها م: (ثم الواقع بها) ش: أي بلفظة اختاري م: (بائن) ش: أي طلقة بائنة م: (لأن اختيارها نفسها بثبوت اختصاصها بها) ش: أي بثبوت اختصاص المرأة نفسها م: (وذلك) ش: أي ثبوت الاختصاص م: (في البائن) ش: أي في وقوع الطلقة الواحدة البائن. م: (ولا يكون) ش: أي الواقع بلفظ اختاري م: (ثلاثًا) ش: أي ثلاث طلقات م: (وإن نوى الزوج ذلك) ش: أي الثلاث م: (لأن الاختيار لا يتنوع) ش: وفيه نظر، لأنه الأدنى والأعلى كما قال زيد بن ثابت، وقد مر عن قريب م: (بخلاف الإبانة، لأن البينونة قد تتنوع) ش: إلى غليظة وخفيفة. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا بد من ذكر النفس في كلامه أو كلامها، حتى لو قال لها اختاري فقالت اخترت فهو باطل) ش: يعني لا يقع شيء م: (لأنه) ش: أي لأن وقوع الطلاق بلفظ الاختيار م: (عرف بإجماع الصحابة) ش: - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - م: (وهو في المفسرة من أحد الجانبين) ش: من الزوج والمرأة لا في اللفظة المبهمة من الجانبين جميعًا م: (ولأن المبهم) ش: وهو قولها اخترت م: (لا يصلح تفسيرًا للمبهم) ش: وهو قوله اختاري لأن كل واحد منها مبهم ليس فيه ذكر النفس م: (ولا تعيين مع الإبهام) ش: أي لا يتعين الطلاق مع وجود الإبهام في الجانبين، والكلام الذي يقوم مقام النفس كالتطليقة، والاختيار كذكر النفس. وفي المحيط ولا بد من ذكر النفس والتطليقة، والاختيار في أحد الكلامين، لأن الاختيار يحتمل المعاني فلا بد له من تفسير وهو ذكر لنفسه أو ما يدل عليها، وعند مالك والشافعي وأحمد وذكر النفس ليس بشرط، وأما عند مالك فأي الكلام صدر منه مع النية يقع به الطلاق وإن لم يشعر به. وأما عند الشافعي وأحمد فلا بد أن يكون في كلامه أو جوابها يصرف الكلام إليه عند عدم ذكر النفس في كلامها أو جوابها ما يصرف الجواب إليه، ولو قال اختاري فقالت فعلت لا يقع شيء، ولو قال اختاري نفسك فقالت فعلت يقع، ومثله في البدائع، وزاد تكرار الاختيار في كلام الزوج، وكذا لو قال اختاري فقالت أبي وأمي وأهلي، والأزواج يقع استحسانًا. وفي " جوامع الفقه " بخلاف اخترت أختي أو عمتي أو قالت اخترت نفسي وزوجي فالعبرة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 ولو قال لها اختاري نفسك فقالت اخترت تقع واحدة بائنة، لأن كلامه مفسر، وكلامها خرج جوابا له فيتضمن إعادته. وكذا لو قال اختاري اختيارة فقالت قد اخترت، لأن الهاء في الاختيارة تنبئ عن الاتحاد، والانفراد واختيارها نفسها هو الذي يتحد مرة ويتعدد أخرى فصار مفسرا من جانبه. ولو قال لها اختاري فقالت اخترت نفسي يقع الطلاق إذا نوى الزوج، لأن كلامها مفسر، وما نواه الزوج من محتملات كلامه. ولو قال اختاري فقالت أنا أختار نفسي فهي طالق، والقياس أن لا تطلق، لأن هذا مجرد وعد ويحتمله،   [البناية] للسابق. وإن قالت أو زوجي أو عمي بطل. ولو قال لها اختاري فقالت طلقت نفسي تقع بائنة. وفي البدائع قال لها اختاري فقالت اخترت الطلاق يقع واحدة رجعية. [قال لها اختاري نفسك فقالت قد اخترت] م: (ولو قال لها اختاري نفسك فقالت قد اخترت يقع واحدة بائنة، لأن كلامه مفسر، وكلامها خرج جوابًا له) ش: أي لكلام الزوج م: (فيتضمن إعادته) ش: أي يتضمن كلام المرأة إعادة كلام الزوج، لأن الجواب يتضمن إعادة ما في السؤال م: (وكذا) ش: أي وكذا تقع واحدة بائنة. م: (ولو قال) ش: لامرأته م: (اختاري اختيارة فقالت قد اخترت، لأن الهاء) ش: أي الهاء سماها لتصورها بصورة الهاء، ولكونها عند الوقف م: (في الاختيارة تنبئ عن الاتحاد والانفراد) ش: أما الاتحاد فإنما يكون في اختيارها م: (واختيارها نفسها هو الذي يتحد مرة) ش: بأن قال لها اختاري نفسك بتطليقة م: (ويتعدد أخرى) ش: بأن قال لها اختاري نفسك ما شئت أو بثلاث، وأما الانفراد فلكونها للمرأة م: (فصار مفسرًا من جانبه) ش: بخلاف خيارها الزوج، فإنه لا يتعدد لكونه عبارة عن إيقاع النكاح وهو غير متعدد. وادعى الأترازي أن في كلام المصنف تناقضًا، لأنه ذكر قبل هذا بقوله - لأن الاختيار لا يتنوع - وهاهنا يشعر كلامه بأنه يتنوع، وأجاب بعضهم بأن لا تناقض، لأن الاختيار هنا غير الاختيار ثمة، لأن الاختيار هنا اختيارها نفسها، وثمة يجوز أن يكون اختيارها زوجها، وحط الأترازي على هذا المجيب بأن الاختيار في الموضعين هو اختيارها نفسها، فالتناقض باق والسياق لهذا المجيب أن يكون مراده في اختياره الذي لا يتنوع مطلق الاختيار، وأما المقيد من أحد الجانبين فيتعدد. م: (ولو قال لها اختاري، فقالت اخترت نفسي يقع الطلاق إذا نوى الزوج، لأن كلامها مفسر، وما نواه الزوج) ش: أي الذي نواه الزوج وهو الطلاق م: (من محتملات كلامه) ش: أي كلام الزوج، لأن كلامه وهو قوله - اختاري - يحتمل الطلاق بأن يكون مراده النفس. م: (ولو قال لها اختاري فقالت أنا أختار نفسي فهي طالق، والقياس أن لا تطلق، لأن هذا) ش: أي قول المرأة أختار نفسي م: (مجرد وعد) ش: إن كان مرادها بهذا الاستقبال م: (أو يحتمله) ش: أي أو يحتمل الوعد، لأن الصيغة مشتركة بين الحال والاستقبال، ولا يقع الطلاق بالوعد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 فصار كما إذا قال لها طلقي نفسك فقالت أنا أطلق نفسي، وجه الاستحسان حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، فإنها قلت لا بل أختار الله ورسوله، واعتبره النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جوابا منها ولأن هذه الصيغة حقيقة في الحال، وتجوز في الاستقبال كما في كلمة الشهادة وفي أداء الشهادة، بخلاف قولها أطلق نفسي لأنه تعذر حمله على الحال؛   [البناية] والاحتمال م: (فصار هذا كما إذا قال لها طلقي نفسك، فقالت أنا أطلق نفسي) ش: أي فلا يقع الطلاق قياسًا واستحسانًا، وبه قال الشافعي إلا إذا قال أردت إنشاء الطلاق، فحينئذ يقع. م: (وجه الاستحسان حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، فإنها قالت لا بل أختار الله ورسوله، واعتبره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جوابًا منها) ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن ابن شهاب عن أبي سلمة «عن عائشة قالت لما أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتخيير أزواجه بدأ بي فقال إني ذاكر لك أمرًا فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك، وقد علم أن أبواي يأمراني بفراقه، قال إن الله تعالى قال {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ} [الأحزاب: 28] إلى قوله {أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 29] (الأحزاب: الآية 28) ، فقلت ففي هذا أستأمر أبواي، فإني أريد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والدار الآخرة، ثم فعل أزواج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل الذي فعلت» . وفي لفظ لمسلم «بل أختار الله ورسوله» . وروى الأئمة الستة في كتبهم عن مسروق «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت خيرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاخترناه فلم يعدده علينا شيئًا» . وفي لفظ لهما فلم يعد ذلك طلاقًا. م: (ولأن هذه الصيغة حقيقة في الحال، ويجوز في الاستقبال) ش: قال الأترازي فيه نظر، لأن أهل اللغة قالوا إن صيغة المضارع مشتركة بين الحال والاستقبال، وكلامهم فيما يتعلق بالوضع والمشترك يدل على المعنيين جميعًا بسبيل الحقيقة، لكن يترجح أحد المعنيين بالدليل، وقد دل على إرادة الحال فيما نحن فيه انتهى. قلت: إطلاق النظر فيه غير مسلم، لأن فيه خلافًا، منهم من قال مثل قول المصنف، ومنهم من قال بالعكس، ومنهم من قال بالاشتراك، وهو قول مرجوح، لأن اللفظ إذا دار بين الاشتراك والمجاز، فالمجاز أولى، لأن الاشتراك مخل بالفهم. ومعنى قول المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حقيقة في الحال يعني بحسب استعمال الشرع والعرف، ويقال فلان يختار كذا، وأنا أختار كذا، ويقال أنا أملك كذا من العبيد وغيرها، والمراد الحال، وأشار إلى ذلك بقوله. م: (كما في كلمة الشهادة، وفي أداء الشهادة) ش: أي يدل على الحال لفظ أشهد في كلمة الشهادة، وفي أداء الشهادة فإن لفظ أشهد فيها يدلان على الحال شرعًا، فإن الرجل إذا قال أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، يعتبر ذلك منه إيمانًا، لا وعدًا بالإيمان. وكذا الشهادة إذا قال شهد بكذا فلا يعاد إلى المجاز م: (بخلاف قولها) ش: أي قول المرأة م: (أنا أطلق نفسي) ش: في الجواب عن قول الزوج اختاري م: (لأنه تعذر حمله على الحال) ش: لأنه الطلاق ليس من عمل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 379 لأنه ليس بحكاية عن حالة قائمة، ولا كذلك قولها أنا أختار نفسي، لأنه حكاية عن حالة قائمة، وهو اختيار نفسها، ولو قال لها اختاري اختاري اختاري فقالت اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة طلقت ثلاثا في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا يحتاج إلى نية الزوج. وقالا تطلق واحدة، وإنما لا يحتاج إلى نية الزوج لدلالة التكرار عليه، إذ الاختيار في حق الطلاق هو الذي يتكرر لهما أن ذكر الأولى وما يجري مجراه وإن كان لا يفيد من حيث الترتيب، ولكن يفيد من حيث الإفراد فيعتبر فيما يفيد   [البناية] القلب، بل إيجاب وإيقاع بنفس هذه الصيغة لأنه إخبار عن معنى ثابت، وهو قوله م: (لأنه ليس حكاية عن حالة قائمة) ش: أي ثابتة، لأن الطلاق يتعلق بالصيغة لا بالقلب، كما ذكرنا، ولهذا لو أراد الطلاق في قلبه لا تطلق. م: (ولا كذلك) ش: أطلق نفسي مثل م: (قولها أنا أختار نفسي) ش: أي ليس مثل قولها أطلق نفسي مثل قولها أنا أختار نفسي، م: (لأنه حكاية عن حالة قائمة وهو اختيار نفسها) ش: لأن الاختيار من عمل القلب، فيكون الذكر باللسان حكاية عن أمر قائم. [قال لها اختاري اختاري اختاري فقالت قد اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة] م: (ولو قال لها اختاري اختاري اختاري، فقالت قد اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة طلقت ثلاثًا في قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ولا يحتاج إلى نية الزوج) ش: ولا إلى ذكر النفس م: (وقالا) ش: أي أبي يوسف ومحمد وبه قال الشافعي م: (تطلق واحدة) ش: أي طلقة واحدة م: (وإنما لا يحتاج إلى نية الزوج لدلالة التكرار عليه) ش: أي على الطلاق م: (إذ الاختيار في حق الطلاق، هو الذي يتكرر) ش: دون اختيار الزواج. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن ذكر الأولى وما يجري مجراه) ش: أراد به الوسطى والأخيرة والضمير في مجراه رجع إلى ذكر الأولى م: (وإن كان لا يفيد من حيث الترتيب ولكن يفيد من حيث الإفراد فيعتبر فيما يفيد) ش: أي في الإفراد فيبقى الإفراد، فكأنها قالت اخترت التطليقة الأولى، لأن معنى قولها اخترت اخترت ما صار إلي بالكلمة الأولى، والذي صار إليها بالكلمة الأولى تطليقة، فكأنها صرحت بذلك، وفي ذلك يقع واحدة، فكذا هنا، وهذا لأن الأولى تأنيث الأول، وهو اسم لفرد سابق، والوسطى تأنيث الأوسط، وهو اسم لفرد تقدم عليه مثلما تأخر، والأخيرة اسم لفرد لاحق، فكان لقولها معنيان الفردية والسبق، فلو بطل معنى السبق الذي يقتضي الترتيب بالاتفاق، فبقي الفرد، فصار كقوله اخترت تطليقة الأولى، فوقعت واحدة. فإن قلت: ينبغي أن يقع هنا شيء، لأنه لا يقع شيء بلفظ اخترت بدون ذكر النفس أو ما يقوم مقامها. قلت هذا إذا لم يكن في لفظ الزوج ما يدل على تخصيص الطلاق، وهنا ما يدل عليه، وهو تكرار لفظ الاختيار. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 380 وله أن هذا الوصف لغو؛ لأن المجتمع في الملك لا ترتيب فيه، كالمجتمع في المكان، والكلام في الترتيب، والإفراد من ضروراته، فإذا لغا في حق الأصل، لغا في حق البناء. ولو قالت: اخترت اختيارة فهي ثلاث في قولهم جميعا؛ لأنها للمرة، فصار كما إذا صرحت بها. ولأن الاختيارة للتأكيد، وبدون التأكيد تقع الثلاث فمع التأكيد أولى. ولو قالت: قد طلقت نفسي أو اخترت نفسي بتطليقة فهي واحدة تملك الرجعة، لأن هذا اللفظ يوجب الانطلاق بعد انقضاء العدة،   [البناية] م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (أن هذا) ش: إشارة إلى ذكر الأولى والوسطى والأخيرة م: (الوصف لغو) ش: أي وصف لغو م: (لأن المجتمع في الملك لا ترتيب فيه كالمجتمع في المكان) ش: فإن القوم إذا اجتمعوا في مكان لا يقال هذا أول وهذا آخر، وإنما الترتيب في فعل الأعيان، يقال هذا جاء أولًا وهذا جاء آخرًا م: (والكلام في الترتيب) ش: وهو الأول ( ... ) م: (والإفراد من ضروراته) ش: أي من ضرورات الكلام. م: (فإذا لغا) ش: أي الكلام م: (في حق الأصل) ش: وهو الترتيب م: (لغا في حق البناء) ش: وهو الإفراد، لأن الترتيب فيه أصل، بدلالة الاشتقاق. وإذا لغا في حقها بقي قولها: اخترت، وهو يصلح جوابًا للكل، فيقع الثلاث، قيل: فيه نظر من وجهين، أحدهما: أنه أطلق الكلام على الأولى والوسطى والأخيرة، وكل مفرد فلا يكون كلامًا، والثاني أن الأولى اسم لفرد سابق، فكان الإفراد أصلًا والترتيب بناء لكونه يفهم من وصفه. والجواب عن الأول أن أهل اللغة ربما يطلقون الكلام على المركب من الحروف المسموعة المتميزة، وإن لم يكن مفيدًا، وهذا على ذلك الاصطلاح، ويجوز أن يكون مجازًا من باب ذكر الكل وإرادة الجزء. وعن الثاني بأن كلًا من ذلك صفة، وما ذكر عن ذات باعتبار معنى، فيكون الأولى دالة على الفرد السابق، ومعنى السبق هو المقصود. م: (ولو قالت اخترت اختيارة، فهي ثلاث في قولهم جميعًا) ش: يعني لو قالت المرأة: اخترت اختيارة في جواب قول الرجل اختاري اختاري اختاري فهي ثلاث طلقات في قول أبي حنيفة وصاحبيه م: (لأنها) ش: أي لأن لفظ اختيارة م: (للمرأة، فصار كما إذا صرحت بها) ش: أي بالمرة بأن قالت اخترت نفسي مرة في جواب قوله اختاري ثلاث مرات، فكذا إذا ذكرت اللفظ الذي يدل على المرة. م: (ولأن الاختيارة للتأكيد) ش: لكونه مصدرًا م: (وبدون التأكيد تقع ثلاثًا، فمع التأكيد أولى) ش: بأن يقع الثلاث م: (وكما لو قالت قد طلقت نفسي أو اخترت نفسي بتطليقة فهي واحدة) ش: أي فهي طلقة واحدة م: (تملك الرجعة، لأن هذا اللفظ يوجب الانطلاق) ش: أي البينونة م: (بعد انقضاء العدة) ش: لكونه من ألفاظ الصريح، وما يوجب البينونة بعد انقضاء العدة كان عند الوقوع رجعيًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381 فكأنها اختارت نفسها بعد العدة. وإن قال لها أمرك بيدك في تطليقة، أو اختاري تطليقة، فاختارت نفسها فهي واحدة تملك الرجعة؛ لأنه جعل لها الاختيار لكن بتطليقة وهي معقبة للرجعة.   [البناية] فإن قيل: إذا لا يكون الجواب مطابقًا للتفويض، لأن المفوض إليها الاختيار، وهو يفيد البينونة. أشار إلى الجواب بقوله م: (فكأنها اختارت نفسها بعد العدة) ش: فكان مطابقًا من حيث إن الاختيار وجد منها، قيل قوله يملك الرجعة غلط وقع من الكاتب، لأن المرأة إنما تتصرف حكمًا للتفويض، والتفويض بتطليقة بائنة لكونه من الكنايات، فتملك الإبانة لا غير، والأصح أن الرواية فهي واحدة لا يملك الرجعة، لأن روايات " المبسوط " و" الجامع الكبير "، و" الزيادات " وعامة نسخ " الجامع الصغير "، هكذا سوى " الجامع الصغير " لصدر الإسلام، فإنه ذكر فيه مثل ما ذكر في الكتاب. قلت فعلى هذا ينبغي أن يكون المذكور في " الجامع الصغير " لصدر الإسلام سهوًا أيضًا من الكاتب، ويمكن أن يحمل على تعدد الرواية، فيتفق الكل. م: (وإن قال لها أمرك بيدك في تطليقة أو اختاري تطليقة، فاختارت نفسها فهي واحدة تملك الرجعة؛ لأنه جعل لها الاختيار لكن بتطليقة وهي معقبة للرجعة) ش: قيل: لو كان كذلك كان قوله هذا بمنزلة قوله طلقي نفسك، وقد مر أن قولها: اخترت لا يصلح جوابًا، لقوله طلقي نفسك وأجيب: بأن آخر كلامه لما صار تفسيرًا للأول كان العامل هو المفسر والمفسر هو الأمر باليد والتخيير، وقولها اخترت يصلح جوابًا له كذا في " جامع " قاضي خان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 382 فصل في الأمر باليد وإن قال لها: أمرك بيدك ينوي ثلاثا فقالت: قد اخترت نفسي بواحدة فهي ثلاث؛ لأن الاختيار يصلح جوابا للأمر باليد لكونه تمليكا كالتخيير والواحدة صفة الاختيار، فصارت كأنها قالت اخترت نفسي بمرة واحدة، وبذلك يقع الثلاث. ولو قالت قد طلقت نفسي واحدة، أو اخترت نفسي بتطليقة فهي واحدة بائنة؛ لأن الواحدة نعت لمصدر محذوف، وهو في الأولى الاختيارة، وفي الثانية التطليقة إلا   [البناية] [فصل في الأمر باليد] [قال لها أمرك بيدك] م: (فصل في الأمر باليد) ش: فصل الأمر باليد عن فصل الاختيار، لأن ذلك مؤيد بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين. م: (وإذا قال لها: أمرك بيدك) ش: وهذه من مسائل " الجامع الصغير " م: (ينوي ثلاثًا) ش: أي حال كونه ينوي ثلاث تطليقات قيد بثلاث، لأنه لم ينو ثلاثًا يقع واحدة بائنة عندنا، ورجعية عند الشافعي وأحمد وعند أبي ليلى ومالك يقع ثلاث ولا يصدق قضاء إذا نوى واحدة، وكذا الخلاف لو نوى الطلاق فقط، ولو نوى ثنتين يقع واحدة عندنا خلافًا لمالك والشافعي وأحمد م: (فقالت قد اخترت) . ش: وفي بعض النسخ اخترت بدون لفظ قد م: (نفسي بواحدة) ش: أي بطلقة واحدة م: (فهي ثلاث) ش: أي بلا خلاف بين الأئمة الأربعة م: (لأن الاختيار) ش: أي قولها اخترت نفسي م: (يصلح جوابا للأمر باليد) ش: أي لقوله: أمرك بيدك م: (لكونه) ش: أي لكون قوله أمرك بيدك م: (تمليكًا) ش: لأنه مالك لأمرها فيملكها ما هو مملوك له، فيصح قياسًا واستحسانًا م: (كالتخيير) ش: أي كما في قوله لها اختاري تمليك لها م: (والواحدة) ش: أي الواحدة التي في قولها اخترت نفسي بواحدة. وهو مبتدأ، وهو قوله م: (صفة الاختيار) ش: خبره، أي صفة الاختيار المقدرة، لأن الواحدة صفة فلا بد لها من موصوف، وهو لفظ الاختيار، والتقدير اخترت نفسي باختيارة واحدة م: (فصارت كأنها قالت اخترت نفسي بمرة واحدة، وبذلك) ش: أي بقوله مرة واحدة م: (يقع الثلاث) ش: لأنها إنما تصير مختارة بمرة واحدة، وإذا وقع الثلاث ويجيء مزيد الكلام فيه. [قالت قد طلقت نفسي واحدة أو اخترت] م: (ولو قالت قد طلقت نفسي واحدة أو اخترت) ش: أي أو قالت اخترت م: (نفسي بتطليقة فهي واحدة بائنة) ش: وهاتان المسألتان جوابهما واحد، ثم علل ما ذكره من المسائل بقوله م: (لأن الواحدة نعت لمصدر محذوف، وهو) ش: أي المصدر المحذوف م: (في الأولى) ش: أي في الصورة الأولى أو في المسألة الأولى، وهو قولها اخترت نفسي بواحدة، أي باختيارة واحدة م: (الاختيارة، وفي الثانية التطليقة) ش: هو قولها قد طلقت نفسي بواحدة، أي بتطليقة واحدة م: (إلا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 383 أنها تكون بائنة، لأن التفويض في البائن ضرورة ملكها أمرها، وكلامها خرج جوابا له فتصير الصفة المذكورة في التفويض مذكورة في الإيقاع، وإنما تصح نية الثلاث في قوله: أمرك بيدك؛ لأنه يحتمل العموم والخصوص، ونية الثلاث نية التعميم، بخلاف قوله: اختاري، لأنه يحتمل العموم، وقد حققناه من قبل. ولو قال لها أمرك بيدك اليوم وبعد غد لم يدخل فيه الليل، ولو ردت الأمر في يومها بطل أمر ذلك اليوم وكان الأمر بيدها بعد غد، لأنه صرح بذكر الوقتين بينهما وقت من جنسهما لم يتناوله الأمر؛ إذ ذكر اليوم بعبارة الفرد لا يتناول الليل، فكانا أمرين، فبرد أحدهما لا يرتد الآخر.   [البناية] أنها) ش: أي إلا أن التطليقة الواحدة م: (تكون بائنة، لأن التفويض في البائن) ش: أي لأن التفويض كائن في البائن، فقوله في البائن خبر أن م: (ضرورة ملكها أمرها) ش: أي لضرورة أنه ملكها أمرها، فإن تمليكها إياها أمرها يقتضي البينونة لكون الأمر باليد من ألفاظ الكناية. م: (ولكلامها) ش: أي وكلام المرأة م: (خرج جوابًا له) ش: أي للتفويض أو الكلام الزوج م: (فتصير الصفة المذكورة في التفويض) ش: يعني البينونة في التفويض م: (مذكورة في الإيقاع) ش: أي في إيقاع المرأة، لكون كلامها مطابقًا لكلامه، م: (وإنما تصح نية الثلاث) ش: أشار به إلى الفرق بين الأمر باليد والاختيار، حيث يصح في الأول نية الثلاث، ولا يصح في الثاني، فقال: إنما تصح نية الثلاث م: (في قوله: أمرك بيدك، لأنه) ش: أي لأن أمرك بيدك م: (يحتمل العموم والخصوص) ش: فالعموم في الثلاث، والخصوص في واحدة، لأن الأمر اسم عام يصلح اسما لكل فعل، فإذا سوى الطلاق صار كناية عن قوله: طلاقك بيدك، والطلاق مصدر يحتمل العموم والخصوص. م: (ونية الثلاث نية التعميم، بخلاف قوله: اختاري، لأنه يحتمل العموم) ش: لأن الاختيار هو الخصوص، وإنه لا يتنوع، وقد مر فيما مضى، أشار إليه بقوله م: (وقد حققناه من قبل) ش: أشار به إلى ما ذكره في فصل الاختيار، بقوله إذ الاختيار لا يتنوع. [قال لها أمرك بيدك اليوم وبعد غد] م: (ولو قال لها: أمرك بيدك اليوم وبعد غد لم يدخل فيه الليل) ش: حتى لو اختارت في الليل لا يقع شيء م: (ولو ردت الأمر في يومها بطل أمر ذلك اليوم، وكان الأمر بيدها بعد غد، لأنه صرح بذكر الوقتين) ش: يعني اليوم وبعد غد، م: (بينهما وقت من جنسهما) ش: يعني الغد م: (لم يتناوله الأمر) ش: فإنها لو اختارت نفسها في الغد لا تطلق م: (إذ ذكر اليوم بعبارة الفرد لا يتناوله الليل) ش: هذا دليل قوله لم يدخل في الليل، وفيه تلبيس، وإن كان ظاهرًا م: (فكانا أمرين) ش: أي فكان الوقتان اللذان بينهما وقت فاصل أمرين م: (فبرد أحدهما لا يرتد الآخر) ش: يعني إذا ارتد الأمر في اليوم لا يكون ذلك ردًّا فيما بعد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 384 وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هما أمر واحد بمنزلة قوله أنت طالق اليوم وبعد غد. قلنا الطلاق لا يحتمل التأقيت، والأمر باليد يحتمله، فيتوقت الأمر بالأول، ويجعل الثاني أمرا مبتدأ. ولو قال أمرك بيدك اليوم وغدا يدخل الليل في ذلك، فإن ردت الأمر في يومها لا يبقى الأمر في يدها في الغد، لأن هذا أمر واحد؛ لأنه لم يتخلل بين الوقتين المذكورين وقت من جنسهما لم يتناوله الكلام، وقد يهجم الليل ومجلس المشورة لا ينقطع، فصار كما إذا قال أمرك بيدك في يومين. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] م: (وقال زفر هما) ش: يعني الأمر الذي بيدها اليوم، والأمر الذي بيدها غدا م: (أمر واحد) ش: لأنها إذا ردت الأمر في اليوم لا يبقى الأمر بعدها في الغد أيضا، وذلك م: (بمنزلة قوله أنت طالق اليوم وبعد غد) ش: تكون طلقة واحدة لاثنتين، لكون أحدهما معطوفا على الآخر من غير تكرار لفظ الأمر. م: (قلنا: الطلاق لا يحتمل التأقيت) ش: فكان الطلاق اليوم طلاقا غدا وبعد غد وغيره م: (والأمر باليد يحتمله) ش: أي يحتمل التأقيت م: (فيتوقت الأمر بالأول) ش: أي لكون الأمر موقتا بالوقت الأول، وهو اليوم، حتى يخرج ذلك بمجيء الليل م: (ويجعل الثاني) ش: أي الوقت الثاني، وهو قوله وبعد غد م: (أمرا مبتدأ) ش: أي أمر آخر ابتداء، وقال الشيخ أبو المعين النسفي في " شرح الجامع الصغير والكبير": ذكر إبراهيم بن رستم، أنه لو قال أنت طالق اليوم وغدا طلقت واحدة. ولو قال أنت طالق اليوم وبعد غد طلقت طلاقين، فعلى هذه الرواية لا يصح قياس زفر مسألة الأمر باليد على مسألة الطلاق. [قال أمرك بيدك اليوم وغدا] م: (ولو قال أمرك بيدك اليوم وغدا يدخل الليل في ذلك) ش: لأن الليل المتوسط يدخل تحت الأمر م: (فإن ردت الأمر في يومها لا يبقى الأمر في يدها في الغد، لأن هذا أمر واحد، لأنه لم يتخلل بين الوقتين المذكورين) ش: وهذا اليوم والغد م: (وقت من جنسهما لم يتناوله الكلام وقد يهجم الليل) ش: أي يدخل من قولك زحمت على القوم للمجلس، وكون الغد قريبا إذا دخلت عليهم هذا لبيان الليل المتخلل بين اليوم والغد لا يكون قاطعا للمجلس، وكون الغد قريبا من اليوم حيث لم يدخل بينهما زمان قاطع، فلم يجعلهما كما لو قتل، فكان الغد ملحقا باليوم، لأن الأصل في العطف وقوع الشركة فيهما فيما تم به المعطوف عليه من غير أن يتفرد العطف بخبر آخر. م: (ومجلس المشورة لا ينقطع) ش: الواو للحال والمشورة، بفتح الميم وضم الشين المعجمة المشورى وجاء فيها فتح الميم وسكون الشين م: (فصار كما إذا قال أمرك بيدك في يومين) ش: حيث يدخل الليل فيهما. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ش: رواية أبي يوسف عنه في " الأمالي " وكذا قال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 385 أنها إذا ردت الأمر في اليوم لها أن تختار نفسها غدا، لأنها لا تملك رد الأمر كما لا تملك رد الإيقاع. وجه الظاهر أنها إذا اختارت نفسها اليوم لا يبقى لها الخيار في الغد، فكذا إذا اختارت زوجها برد الأمر؛ لأن المخير بين الشيئين لا يملك إلا اختيار أحدهما. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا قال أمرك بيدك اليوم، وأمرك بيدك غدا أنهما أمران لما ذكر لكل وقت خبرا على حدة، بخلاف ما تقدم. وإن قال أمرك بيدك يوم يقدم فلان، فقدم فلان ولم تعلم بقدومه حتى جن الليل، فلا خيار لها؛ لأن الأمر اليد مما يمتد فيحمل اليوم المقرون به على بياض النهار، وقد حققناه من قبل، فيتوقف به ثم ينقضي بانقضاء وقته.   [البناية] شمس الأئمة السرخسي في " المبسوط ": م: (أنها إذا ردت الأمر في اليوم لها أن تختار نفسها غدا، لأنها لا تملك رد الأمر كما لا تملك رد الإيقاع) ش: بيانه أن الزوج لو قال لها طلقتك يقع الطلاق، ولا تملك المرأة رد الإيقاع، فكذلك لا تملك رد الأمر باليد م: (ووجه الظاهر أنها إذا اختارت نفسها اليوم لا يبقى لها الخيار في الغد، فكذا إذا اختارت زوجها برد الأمر) ش: لأنها خيرت بين شيئين اختيارها نفسها واختيار زوجها، فإذا اختارت نفسها اليوم خرج الاختيار من يدها في الغد م: (وذلك لأن المخير بين شيئين لا يملك إلا اختيار أحدهما) ش: لأنه لا يملكها جميعا بل يملك أحدهما. م: (وعن أبي يوسف أنه إذا قال: أمرك بيدك اليوم، وأمرك بيدك غدا أنهما أمران لما ذكر لكل وقت خبرا على حدة) ش: حتى إذا ردت الأمر اليوم كان لها أن تختار نفسها غدا، لأنه لما ذكر لكل وقت خبر عرف أنه لم يرد اشتراك الوقتين في خبر الواحد. وقال شمس الأئمة: هذه هي الرواية الصحيحة، وجعل قاضي خان هذه الرواية، أصل الرواية ولم يذكر خلاف أحد م: (بخلاف ما تقدم) ش: أراد به قوله أمرك بيدك اليوم وغدا يفيد أن التكرار في الاختيار لم يوجد فلم يتجدد الأمر. [قال أنت طالق يوم يقدم فلان فقدم ليلا] م: (إن قال أمرك بيدك يوم يقدم فلان فقدم فلان ولم تعلم بقدومه حتى جن الليل) ش: أي أظلم، يقال له جن عليه الليل جنونا، ويقال واجنه الليل وأجنه بمعنى، وإجنان الليل ادلهامه، وقال ابن السكيت: ويروى جنون الليل، أي سده ما يستره من ظلمته م: (فلا خيار لها، لأن الأمر باليد مما يمتد فيحمل اليوم المقرون به) ش: أي بالأمر باليد م: (على بياض النهار) ش: فحينئذ لا يبقى لها الخيار بعد الغروب لانقضاء مدة الأمر. وقال الرافعي: إذا قال أنت طالق يوم يقدم فلان، فقدم ليلا لا تطلق، ومنهم من حكم بوقوعه وحمل اليوم على مطلق الزمان كقولنا، وإذا لم يعلم بقدومه حتى جن الليل خرج وقت خيارها فلا يبقى بعده م: (وقد حققناه من قبل) ش: أي في آخر فصل إضافة الطلاق إلى الزمان م: (فيتوقت به) ش: أي فيتوقت الأمر باليد ببياض النهار م: (ثم ينقضي بانقضاء وقته) ش: أي ثم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 386 وإذا جعل أمرها بيدها أو خيرها فمكثت يوما لم تقم فالأمر في يدها ما لم تأخذ في عمل آخر، لأن هذا تمليك التطليق منها؛ لأن المالك من يتصرف برأي نفسه، وهي بهذه الصفة والتمليك يقتصر على المجلس، وقد بيناه من قبل. ثم إذا كانت تسمع فيعتبر مجلسها ذلك، وإن كانت لا تسمع فمجلس علمها وبلوغ الخبر إليها؛ لأن هذا تمليك فيه معنى التعليق فيتوقف على ما رواه المجلس ولا يعتبر مجلسه؛ لأنه لازم في حقه، بخلاف البيع، لأنه تمليك محض لا يشوبه التعليق. وإذا اعتبر مجلسهما فالمجلس تارة يتبدل بالتحول، ومرة بالأخذ في عمل آخر على ما بيناه في الخيار، ويخرج الأمر من يدها بمجرد القيام؛ لأنه دليل الإعراض، إذ القيام يفرق الرأي بخلاف ما إذا مكثت يوما لم تقم ولم تأخذ في عمل   [البناية] ينقضي وقت الأمر باليد بانقضاء بياض النهار. م: (وإذا جعل أمرها بيدها) ش: يعني إذا قال أمرك بيدك م: (أو خيرها) ش: أي أو قال لها اختاري نفسك م: (فمكثت يوما لم تقم فالأمر في يدها) ش: يعني فلها الخيار في المجلس م: (ما لم تأخذ في عمل آخر) ش: لأن الأخذ في عمل آخر دليل الإعراض م: (لأن هذا) ش: أي جعل الأمر باليد م: (تمليك التطليق منها) ش: أي من المرأة، وليست بإبانة م: (لأن المالك من يتصرف برأي نفسه، وهي) ش: أي المرأة م: (بهذه الصفة) ش: أي بتصرف معرفته برأي نفسها م: (والتمليك يقتصر على المجلس وقد بيناه من قبل) ش: يعني في فصل الاختيار في قوله التمليكات تقتضي جوابا في المجلس كما في البيع. م: (ثم إن كانت تسمع) ش: يعني هذا الذي ذكرنا فيها إذا كانت المرأة حاضرة تسمع م: (فيعتبر مجلسها ذلك، وإن كانت غائبة لا تسمع فمجلس علمها) ش: أي فيعتبر حينئذ مجلس علمها م: (وبلوغ الخبر إليها لأن هذا) ش: أي الأمر باليد م: (تمليك فيه معنى التعليق) ش: لأنه تعليق بالطلاق باختيارها نفسها م: (فيتوقف على ما وراء المجلس ولا يعتبر مجلسه) ش: أي مجلس الزوج حتى إذا قام بعد أن جعل إليها الأمر لا يبطل خيارها. م: (لأنه) ش: أي لأن التعليق م: (لازم في حقه) ش: ولهذا ليس له أن يرجع ويفسخ الخيار م: (بخلاف البيع) ش: حيث يعتبر مجلس البائع والمشتري، حتى إنه أيهما قام عن المجلس قبل قبول الآخر بطل البيع م: (لأنه) ش: أي: لأن البيع م: (تمليك محض لا يشوبه التعليق) ش: وبهذا إذا رجع أحدهما عن كلامه قبل قبول الآخر فله ذلك. م: (وإذا اعتبر مجلسهما فالمجلس تارة يتبدل بالتحول) ش: إلى مجلس آخر م: (ومرة بالأخذ في عمل آخر، على ما بيناه في الخيار) ش: وهو قوله أن مجلس الأكل غير مجلس المناظرة، ومجلس القتال غيرهما م: (ويخرج الأمر من يدها بمجرد القيام لأنه دليل الإعراض، إذ القيام يفرق الرأي بخلاف ما إذا مكثت يوما ولم تقم) ش: أي حال كونها لم تقم عن مجلسها م: (ولم تأخذ في عمل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 387 آخر؛ لأن المجلس قد يطول وقد يقصر فيبقى إلى أن يوجد ما يقطعه أو يدل على الإعراض، وقوله: مكثت يوماً ليس للتقدير به، وقوله ما لم تأخذ في عمل آخر يراد به عمل يعرف أنه قطع لما كان فيه، لا مطلق العمل.   [البناية] آخر، لأن المجلس قد يطول وقد يقصر فيبقى) ش: أي المجلس م: (إلى أن يوجد ما يقطعه أو يدل على الإعراض) ش: وقطع المجلس بقيامها عنه، والإعراض يأخذها في عمل آخر، سواء كان دينيا أو دنياويا، وكان القياس أن يكون لها الخيار أبدا لإطلاق الأمر، ولكنه ترك وأخذ بالاستحسان لإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بقولهم للمخيرة المجلس. م: (وقوله) ش: أي قول " الجامع الصغير " م: (مكثت يوما ليس للتقدير به) ش: أي ليس لتقدير الخيار باليوم بل المراد منه المكث الدائم، سواء كان قليلا أو كثيرا، ما لم يوجد ما يدل على الإعراض، وفي " المغني " للحنابلة: الأمر باليد لا يقتصر على المجلس بقول علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حتى الكل، وقال ابن قدامة: لا نعرف له مخالفا في ذلك، فيكون إجماعا، ولأنه توكيل في الطلاق فيكون على التراخي كما لو جعله في يد أجنبي. قلت: دعواه الإجماع غير صحيح، لأن قول جماعة من الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أن لها الخيار ما دامت، فمن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وجابر وغيرهم - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - ومن التابعين: إبراهيم، ومجاهد، وعطاء، وعمرو بن دينار، وطاوس، والشعبي، وأحرز ذلك كله ابن أبي شيبة في "مصنفه". وقال أصحابنا: هم إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وعدم علمه مخالفا لعلي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لا يستلزم عدم علم غيره، لأن إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - إلى خلاف ذلك مع عدم شهرة ما نسب إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وقوله أنه توكيل غير صحيح، لأنه تمليك عند الأئمة، وقوله كما لو جعله في يد أجنبي باطل، لأنه يقتصر على المجلس في الأجنبي أيضاً، إلا إذا كان وكيلا عنه. م: (وقوله) ش: أي قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (ما لم تأخذ في عمل آخر يراد به عمل يعرف به أنه قطع لما كان فيه) ش: أي قطع المجلس الذي كان المجلس واقعا فيه ذكر الشيء، واللام في لما زائدة، كما في قَوْله تَعَالَى {رَدِفَ لَكُمْ} [النمل: 72] (النمل: الآية 72) أي ردفكم م: (لا مطلق العمل) ش: أي ليس مراد محمد مطلق العمل، حتى لو لبست ثيابها من غير قيام أو أكلت أو شربت أو قرأت قليلا من القرآن أو ما أشبه ذلك، ما هو من عمل الفرقة، فكانت هي على خيارها، وهذا كما يكون في قوله أمرك بيدك، يكون في قوله اختاري، وفي قوله طلقي نفسك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 388 ولو كانت قائمة فجلست فهي على خيارها؛ لأنه دليل الإقبال فإن القعود أجمع للرأي، وكذا إذا كانت قاعدة فاتكأت أو متكئة فقعدت؛ لأن هذا انتقال من جلسة إلى جلسة، فلا يكون إعراضا كما إذا كانت محتبية، فتربعت. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا رواية " الجامع الصغير "، وذكر في غيره أنها إذا كانت قاعدة فاتكأت، لا خيار لها؛ لأن الاتكاء إظهار التهاون بالأمر، فكان إعراضا، والأول هو الأصح، ولو كانت قاعدة فاضطجعت، ففيه روايتان عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ولو قالت: ادع أبي أستشيره أو شهودا أشهدهم فهي على خيارها؛ لأن الاستشارة لتحري الصواب والإشهاد للتحرز عن الجحود والإنكار، فلا يكون دليل الإعراض   [البناية] [كانت قائمة فجلست بعد قوله لها أمرك بيدك] م: (ولو كانت قائمة فجلست فهي على خيارها، لأنه دليل الإقبال، فإن القعود أجمع للرأي) ش: للتمكن منه م: (وكذا إذا كانت قاعدة فاتكأت أو متكئة) ش: أي أو كانت متكئة م: (فقعدت، لأن هذا انتقال من جلسة إلى جلسة فلا يكون إعراضا كما إذا كانت محتبية فتربعت) ش: يقال احتبى الرجل إذا جمع ظهره وساقيه بعمامة أو يديه. م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (هذا) ش: أي هذا الذي قلنا من كونها على خيارها فيما إذا كانت قاعدة فاتكأت م: (رواية " الجامع الصغير ") ش: لأن الاتكاءة نوع جلسة، فكأنها كانت متربعة، فاجتبأت أو كانت مجتبئة فتربعت م: (وذكر في غيره) ش: أي في غير " الجامع الصغير "، وهي رواية الأصل م: (أنها إذا كانت قاعدة فاتكأت لا خيار لها، لأن الاتكاء إظهار التهاون بالأمر، فكان إعراضا) . ش: وذكر المرغيناني: لو كانت قاعدة فاتكأت، قال الحلواني: لا يبطل خيارها في ظاهر الرواية. وفي " الذخيرة " عن أبي يوسف يبطل م: (والأول هو الأصح) ش: أي رواية " الجامع الصغير " أصح من رواية غيره. م: (ولو كانت قاعدة فاضطجعت ففيه روايتان عن أبي يوسف) ش: في رواية الحسن بن زياد عنه، قال لا يبطل خيارها. وفي رواية الحسن بن أبي مالك: ويبطل، وبه قال زفر، وفي " المحيط، وهو ظاهر الرواية. م: (ولو قالت: ادع أبي) ش: أي لو قالت المرأة لخادمها أو لأحد ادع أبي، أي اطلبه م: (استشره) ش: أي: اطلب منه الرأي في أمري م: (أو شهودا) ش: أي أو قالت ادع لي شهودا م: (أشهدهم فهي على خيارها، لأن الاستشارة لتحري الصواب والإشهاد للتحرز عن الجحود والإنكار، فلا يكون دليل الإعراض) ش: الأشياء دلالة على الإعراض، لأنها من إثبات الاختيار. وفي " الذخيرة " والمرغيناني إن لم تجد أحدا يدعو لها الشهود فقامت بنفسها ولم تنتقل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 وإن كانت تسير على دابة أو في محمل فوقفت فهي على خيارها، وإن سارت بطل خيارها؛ لأن سير الدابة ووقوفها مضاف إليها. والسفينة بمنزلة البيت؛ لأن سيرها غير مضاف إلى راكبها، ألا ترى أنه لا يقدر على إيقافها وراكب الدابة يقدر.   [البناية] لتدعو بالشهود، قيل لا يبطل خيارها لعدم ما يدل على الإعراض، وقيل يبطل لتبدل المجلس. م: (وإن كانت تسير على دابة أو في محمل فوقفت فهي على خيارها، وإن سارت بطل خيارها، لأن سير الدابة ووقوفها مضاف إليها) ش: لأنها تجري حسب سوق الراكب ومسيرها دليل الإعراض، وإذا قادها الجمال وهما فيه لا يبطل، ولا يبطل بالنزول عن الدابة، بخلاف القعود عن القيام، وكذا لو كانت قائمة فركبت أو راكبة فانتقلت إلى دابة أخرى بطل، ولو أخبرت بالسفينة ينبغي أن تقول اخترتها م: (والسفينة بمنزلة البيت) ش: يعني أنها إذا سارت لا يبطل خيارها م: (لأن سيرها غير مضاف إلى راكبها، ألا ترى أنه لا يقدر على إيقافها، وراكب الدابة يقدر) ش: لأن السفينة لا يجريها راكبها، بل تجري براكبها، قال الله تعالى {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} [هود: 42] (هود: الآية 42) فلم يدل على إعراض المرأة، ولكن كلما يبطل في البيت يبطل الخيار في السفينة، سواء كان عمل الدنيا أو عمل الدين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 390 فصل في المشيئة ومن قال لامرأته: طلقي نفسك ولا نية له، أو نوى واحدة فقالت: طلقت نفسي فهي واحدة رجعية، وإن طلقت نفسها ثلاثا وقد أراد الزوج ذلك وقعن عليها، وهذا لأن قوله: طلقي، معناه افعلي فعل التطليق، وهو اسم جنس فيقع الآخر مع احتمال الكل، كسائر أسماء الأجناس، فلهذا تعمل فيه نية الثلاث، وينصرف إلى الواحدة عند عدمها،   [البناية] [فصل في المشيئة] [طلقت نفسها ثلاثا وقد أراد الزوج ذلك] م: (فصل في المشيئة) ش: أي هذا فصل في بيان المشيئة، قال الجوهري: المشيئة الإرادة، قال ابن الأثير: المشيئة مهموزة الإرادة، وقد شئت المشيئة إشاءة، ويقال المشيئة مصدر كالمسير والمجيء. قلت: مصدر في الأصل، ولكنه استعمل استعمال الاسم، وهو اسم للوجود، وعند أهل السنة والفرق بين المشيئة والإرادة أن المشيئة عامة، والإرادة ليست كذلك، حتى لو قال الزوج شئت طلاقك ونوى يقع، بخلاف قوله أردت طلاقك فلا يقع، ولو نواه لأنه لا يبني عن الوجود. م: (ومن قال لامرأته: طلقي نفسك ولا نية له) ش: أي والحال أنه لا ينوي الطلاق، م: (أو نوى واحدة فقالت: طلقت نفسي، فهي واحدة رجعية، وإن طلقت نفسها ثلاثا وقد أراد الزوج ذلك) ش: أي والحال أن الزوج أراد الثلاث م: (وقعن عليها) ش: أي وقعت الثلاث على المرأة، سواء طلقت نفسها ثلاثا جملة أو متفرقة، ولو نوى ثنتين لا يصح، وفيه خلاف الشافعي ومالك وأحمد، وعن الظاهرية لا يجوز إيقاعها، وتوكيل غيره بالطلاق ولا إضافة الطلاق إلى الزمان المستقبل، وقال الأكمل: ترجم الفعل بالمشيئة وكان الابتداء فيه بمسألة فيما ذكر المشيئة أولى. وقال الأترازي: النظر إلى المشيئة ليس من المسألة التي ابتدأها ذكر المشيئة، ثم أجاب بقوله المشيئة، وإن كانت غير مذكورة لفظا مذكورة معنى، لأن قوله: طلقي نفسك تفويض الطلاق إليها بمشيئتها واختيارها، ولهذا يقتصر على المجلس، انتهى. قلت: فيه بعد جدا، والفقهاء لا يراعون هذه الأشياء، لأن مقصودهم بيان المسائل بالدلائل مع قطع النظر عن التركيب الوضعي. م: (وهذا) ش: أي وقوع الواحدة في المسألة الأولى والثلاث في المسألة الثانية م: (لأن قوله: طلقي معناه افعلي فعل التطليق، وهو) ش: أي التطليق م: (اسم جنس) ش: لأنه مصدر يحتمل أدنى الجنس وكله م: (فيقع الآخر) ش: وهو الواحدة م: (مع احتمال الكل كسائر أسماء الأجناس، ولهذا) ش: أي ولأجل أن التطليق اسم جنس م: (تعمل فيه) ش: أي في قوله طلقي م: (نية الثلاث) ش: لأنه يحتمل ويقع بالنية م: (وينصرف إلى الواحدة) ش: أي الطلقة الواحدة م: (عند عدمها) ش: أي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 وتكون الواحدة رجعية؛ لأن المفوض إليها صريح الطلاق، وهو رجعي، ولو نوى الثنتين لا يصح؛ لأنه نية العدد إلا إذا كانت الزوجة أمة؛ لأنه جنس في حقها. وإن قال لها: طلقي نفسك فقالت: أبنت نفسي طلقت، ولو قالت: قد اخترت نفسي لم تطلق؛ لأن الإبانة من ألفاظ الطلاق، ألا ترى أنه لو قال أبنتك ينوي به الطلاق، أو قالت أبنت نفسي فقال الزوج: قد أجزت ذلك بانت، فكانت موافقة للتفويض في الأصل، إلا أنها زادت فيه وصفا، وهو تعجيل الإبانة فيلغو الوصف الزائد ويثبت الأصل، كما إذا قالت طلقت نفسي تطليقة بائنة، وينبغي أن تقع تطليقة رجعية،   [البناية] عند عدم النية م: (وتكون الواحدة رجعية، لأن المفوض إليها صريح الطلاق، وهو رجعى) ش: وصريح الطلاق يعقب الرجعة. م: (ولو نوى الثنتين لا يصح) ش: وقال زفر والشافعي ومالك وأحمد يصح م: (لأنه نية العدد) ش: أي لأن ما نواه نية العدد والثنتان غير عدد، لأن العدد ما له كل شيئان م: (إلا إذا كانت الزوجة أمة) ش: أي إلا إذا كانت امرأته أمة م: (لأنه) ش: أي لأن الثنتين، وإنما ذكر الضمير باعتبار المذكور والتقدير، لأن لفظ الثنتين م: (جنس في حقها) ش: أي في حق الأمة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طلاق الأمة ثنتان» . [قال لها طلقي نفسك فقالت أبنت نفسي] م: (وإن قال لها طلقي نفسك، فقالت: أبنت نفسي، طلقت) ش: أي رجعية، لأن المفوض رجعي، وقد أتت بزيادة وصف وهو البينونة، فيلغو ذلك م: (ولو قالت قد اخترت نفسي لم تطلق؛ لأن الإبانة من ألفاظ الطلاق) ش: فصلحت جوابا لقول الرجل طلقي نفسك، بخلاف ما إذا قالت اخترت نفسي، لأن الاختيار ليس من ألفاظ الطلاق. م: (ألا ترى) ش: أشار به إلى إيضاح الفرق بين المسألتين م: (أنه) ش: أي أن الزوج م: (لو قال) ش: أي لامرأته م: (أبنتك ينوي به الطلاق، أو قالت: أبنت نفسي فقال الزوج قد أجزت ذلك، بانت) ش: أي بانت المرأة بتطليقة بائنة م: (فكانت موافقة للتفويض في الأصل) ش: أي كانت المرأة موافقة لتفويض الرجل بقولها أبنت نفسي في أصل الطلاق دون وصفه، وهو البينونة فيثبت الأصل بموافقتها، ويلغو الأصل لمخالفتها، وهو معنى قوله: م: (إلا أنها زادت فيه) ش: أي في التفويض، ويجوز أنه يقال في الجواب م: (وصفا، وهو تعجيل الإبانة فيلغو الوصف الزائد) ش: وهو البينونة م: (ويثبت الأصل) ش: وهو وقوع الطلاق الرجعي. م: (كما إذا قالت) ش: في جواب طلقي نفسك م: (طلقت نفسي تطليقة بائنة) ش: فإنها زادت وصفا فيلغو الوصف ويثبت الأصل م: (وينبغي أن تقع تطليقة رجعية) ش: يعني في قولها أبنت نفسي في جواب قول الرجل طلقي نفسك، وإنما قال بلفظ ينبغي؛ لأن هذه المسألة من خواص " الجامع الصغير "، ومحمد لم ينص فيه على الرجعي، بل قال هي طالق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 392 بخلاف الاختيار لأنه ليس من ألفاظ الطلاق، ألا ترى أنه لو قال لامرأته: اخترتك، أو اختاري ينوي الطلاق لم يقع، ولو قالت ابتداء اخترت نفسي فقال الزوج أجزت لا يقع شيء إلا أنه عرف طلاقا بالإجماع إذا حصل جوابا للتخيير، وقوله طلقي نفسك ليس بتخيير فيلغو، وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه لا يقع شيء بقولها: أبنت نفسي؛ لأنها أتت بغير ما فوض الزوج إليها، إذ الإبانة تغاير الطلاق. وإن قال لها: طلقي نفسك فليس له أن يرجع عنه؛ لأن فيه معنى اليمين؛ لأنه تعليق الطلاق بتطليقها، واليمين تصرف لازم.   [البناية] ولفظ محمد في " الجامع الصغير " عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل يقول لامرأته: طلقي نفسك، فتقول أبنت نفسي، قال: هي طالق. م: (بخلاف الاختيار) ش: متعلق بقوله لأن الإبانة من ألفاظ الطلاق م: (لأنه) ش: أي لأن لفظ معنى الاختيار م: (ليس من ألفاظ الطلاق) ش: ثم أوضح ذلك بقوله م: (ألا ترى أنه لو قال لامرأته: اخترتك أو اختاري نوى الطلاق لم يقع، ولو قالت ابتداء) ش: أي من أول الأمر م: (اخترت نفسي فقال الزوج: قد أجزت لا يقع شيء) ش: لأنه ليس من ألفاظ الطلاق، م: (إلا أنه عرف طلاقا) ش: استثناه من قوله بخلاف الاختيار، لأنه ليس من ألفاظ الطلاق، والاستثناء منقطع بمعنى لكن م: (بالإجماع) ش: أي بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كما مر بيانه م: (إذا حصل جوابا للتخيير) ش: بأن يقول اختاري، فتقول هي اخترت نفسي. م: (وقوله: طلقي نفسك ليس بتخيير) ش: بأن يقول اختاري م: (فيلغو) ش: ولا يصلح قولها اخترت جوابا له م: (وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه لا يقع شيء بقولها أبنت نفسي، لأنها أتت بغير ما فوض الزوج إليها إذ الإبانة تغاير الطلاق) ش: لأنها تحصل بدون الطلاق، فيكون مغايرا له، فما أتت بما فوض إليها، وكذا في سائر ألفاظ الكنايات، وبه قال ابن خيران من أصحاب الشافعي. [قال لها طلقي نفسك] م: (وإن قال لها: طلقي نفسك فليس له أن يرجع عنه) ش: إذا طلقت نفسها بعد إذنها يقع الطلاق، وبه قال مالك وابن خيران من أصحاب الشافعي، وعند الشافعي وأحمد يملك الرجوع، لأن فيه معنى التوكيل والتمليك، وباعتبار التوكيل صح الرجوع كما في سائر التوكيلات، وباعتبار التمليك يصح الرجوع قبل القبول، كما في سائر التمليكات م: (لأن فيه) ش: أي في قوله طلقي نفسك م: (معنى اليمين، لأنه تعليق الطلاق بتطليقها) ش: فيكون يمينا، لأن الطلاق مما يحلف، وفي كل تعليق يعني اليمين لما فيه من المنع والحمل م: (واليمين تصرف لازم) ش: لا يقع الرجوع بإجماع الصحابة، لأن اليمين يعقد للزجر والحل على وجه التأكيد، فلو طلبت الرجوع ما أفادت فائدتها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 ولو قامت عن مجلسها بطل؛ لأنه تمليك، بخلاف ما إذا قال لها: طلقي ضرتك؛ لأنه توكيل وإنابة فلا يقتصر على المجلس ويقبل الرجوع. وإن قال لها طلقي نفسك متى شئت، فلها أن تطلق نفسها في المجلس وبعده؛ لأن كلمة "متى" عامة في الأوقات كلها، فصار كما إذا قال: في أي وقت شئت، وإذا قال لرجل: طلق امرأتي، فله أن يطلقها في المجلس وبعده، وله أن يرجع؛ لأنه توكيل واستعانة فلا يلزم ولا يقتصر على المجلس، بخلاف قوله لامرأته: طلقي نفسك؛ لأنها عاملة لنفسها، فكان تمليكا لا توكيلا.   [البناية] م: (ولو قامت عن مجلسها بطل) ش: أي قوله طلقي نفسك م: (لأنه تمليك) ش: لأنها تتصرف لنفسها لا لغيرها، فيقتصر على المجلس م: (بخلاف ما إذا قال لها طلقي ضرتك، لأنه توكيل وإنابة، فلا يقتصر على المجلس ويقبل الرجوع) ش: لأن فيه نوع سند على الموكل، وفي ذلك ضرر عليه، فيجوز دفع ذلك الضرر عن نفسه بالرجوع. م: (وإن قال لها طلقي نفسك متى شئت فلها أن تطلق نفسها في المجلس وبعده) ش: أي بعد المجلس، ولا خلاف للأئمة الأربعة فيه م: (لأن كلمة "متى" عامة في الأوقات كلها) ش: فلا يملك الرجوع، خلافا للشافعي وأحمد م: (فصار كما إذا قال في أي وقت شئت) ش: أي فصار هذا كما إذا قال لها طلقي نفسك في أي وقت شئت، فيعم. وقال الأترازي: هذه من مسائل القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لفظه بعينه، إلا أنها وقعت مكررة في " الهداية "، لأن صاحب " الهداية، ذكرها بعد هذا قريبا من ورقة عند قوله: إذا قال لها أنت طالق إذا شئت، وذكر ثمة وضع " الجامع الصغير "، وذكر هنا وضع القدوري كان ينبغي أن يذكرهما في موضع إما هنا، وإما ثمة. فإن قال القائل التمليك في هذه الصورة موجود أولا، فإن كان الثاني لا يقدر على الطلاق، وليس كذلك، وإن كان الأول يقتصر على المجلس لكونه لازم التملك، وأجيب: بأن الاقتصار على المجلس من أحكامها التمليك، وقد يتأخر المانع كما في شرط الاختيار، وهي تطليقة تخصص العلة وموضعه الأصول. [قال لرجل طلق امرأتي] م: (وإذا قال لرجل طلق امرأتي فله أن يطلقها في المجلس وبعده، وله أن يرجع، لأنه توكيل واستعانة، فلا يلزم ولا يقتصر على المجلس) ش: أما جواز التطليق للوكيل فلأنه أقامه مقام نفسه، وأما جواز ذلك بدون قيد المجلس، فلأن الوكيل أجنبي وقد يقدر على أن يعين الوكيل في المجلس، وقد لا يقدر، فلم يقتصر على المجلس، وأما جواز رجوعه عن ذلك، فظاهر من كلام المصنف م: (بخلاف قوله لامرأته طلقي نفسك، لأنها عاملة لنفسها، فكان تمليكا لا توكيلا) ش: فليس له الرجوع عن قوله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 394 ولو قال لرجل طلقها إن شئت، فله أن يطلقها في المجلس خاصة، وليس للزوج أن يرجع. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا والأول سواء؛ لأن التصريح بالمشيئة كعدمه؛ لأنه يتصرف عن مشيئته، فصار كالوكيل بالبيع إذا قيل له بعه إن شئت. ولنا أنه تمليك؛ لأنه علقه بالمشيئة، والمالك هو الذي يتصرف عن مشيئته، والطلاق يحتمل التعليق، بخلاف البيع؛ لأنه لا يحتمل. ولو قال لها: طلقي نفسك ثلاثا، فطلقت واحدة فهي واحدة؛ لأنها ملكت إيقاع الثلاث، فتملك إيقاع الواحدة ضرورة. ولو قال لها: طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها ثلاثا لم يقع شيء، عند أبي حنيفة. وقالا: تقع واحدة؛   [البناية] م: (ولو قال لرجل طلقها إن شئت، فله أن يطلقها في المجلس خاصة، وليس للزوج الرجوع، وقال زفر: هذا) ش: أي هذا الحكم م: (والأول) ش: أي القول الأول، وهو قوله لأجنبي: طلق امرأتي بدون ذكر مشيئة م: (سواء) ش: في الحكم، وبه قال أصحاب الشافعي م: لأن التصريح بالمشيئة كعدمه) ش: لأنها لغو م: (لأنه) ش: أي لأن الرجل الذي قال له طلق امرأتي إن شئت م: (يتصرف عن مشيئته) ش: لا محالة م: (فصارت) ش: أي حكم هذا م: (كالوكيل بالبيع) ش: يعني إذا وكل رجلا يبيع شيئا م: (إذا قيل له) ش: يعني إذا قال له م: (بعه إن شئت) ش: يكون توكيلا لا تمليكا، ولا يخرج كلامه ذكر المسألة عن التوكيل، فكذا هذا. م: (ولنا أنه) ش: أي قول الزوج للرجل م: (تمليك، لأنه علقه بالمشيئة، والمالك هو الذي يتصرف عن مشيئته، والطلاق يحتمل التعليق) ش: على وجه الشرط يصح ذكر المشيئة، ويعتبر لازما: (بخلاف البيع) ش: أي بخلاف التوكيل بالبيع، لأنه ذكر المشيئة على وجه الشرط فلا يمشي م: (لأنه) ش: أي لأن البيع م: (لا يحتمله) ش: أي لا يحتمل الشرط، يعني ليس من مقتضيات البيع فلا يصح ذكر المشيئة، وبدون ذكر المشيئة لا يصير لازما، وبقولنا قال الثوري والليث وقيل الوكيل يتصرف عن مشيئته واختياره. قلنا: نشأ ذلك الاختيار عن عدم نفاذ الأمر عليه، لعدم الأولوية لا من الصيغة، لأن الصيغة مذمة إذا صدرت من ذي ولاية، فمتى قال الأجنبي إن شئت، فالمشيئة جاءت من الصيغة صريحا، وأثبت خاصية الملكية، فكان هذا الكلام تمليكا لا إلزاما. [قال لها طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة] م: (ولو قال لها: طلقي نفسك ثلاثا، فطلقت واحدة، فهي واحدة) ش: بالاتفاق، وبه قال الشافعي وأحمد، وقال مالك: لا يقع شيء، لأنها أتت بغير ما فوض إليها، م: (لأنها ملكت إيقاع الثلاث) ش: أي ثلاث تطليقات بمقتضى كلامه م: (فتملك إيقاع الواحدة ضرورة) ش: لأن من يملك الكل يملك أجزاءه. م: (ولو قال لها طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها ثلاثا لم يقع شيء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) وبه قال زفر ومالك م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (تقع واحدة) ش: وبه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 لأنها أتت بما ملكته وزيادة، فصار كما إذا طلقها الزوج ألفا. ولأبي حنيفة أنها أتت بغير ما فوض إليها، فكانت مبتدأة، وهذا لأن الزوج ملكها الواحدة، والثلاث غير الواحدة، لأن الثلاث اسم لعدد مركب مجتمع، والواحد فرد لا تركيب فيه، فكانت بينهما مغايرة على سبيل المضادة،   [البناية] قال الشافعي وأحمد م: (لأنها) ش: أي لأن المرأة م: (أتت بما ملكته وزيادة) ش: عطفا على قوله: بما وهذا لأن الواحدة موجودة في الثلاث، فصارت كما إذا قالت طلقت نفسي واحدة وواحدة وواحدة، وكما إذا قال لها طلقي نفسك، فطلقت نفسها وضرتها، أو قال لعبده أعتق نفسك فأعتق نفسه وصاحبه، وكذا لو قال لأجنبي بع عبدي هذا فباعه مع عبد آخر، فالذي فوض إليها يقع، وما زاد على ذلك لغو. م: (فصار كما إذا طلقها الزوج ألفاً) ش: فإن الثلاث الذي يفوض إليها شرعاً يقع، والثاني لغو لأنه لا يملكه شرعاً م: (ولأبي حنيفة أنها أتت بغير ما فوض إليها، فكانت مبتدأة) ش: في كلامها لا مجيبة لكلام الزوج م: (وهذا) ش: أشار به إلى توضيح ذلك بقوله م: (لأن الزوج ملكها الواحدة، والثلاث غير الواحدة، لأن الثلاث اسم لعدد مركب مجتمع، والواحد فرد لا تركيب فيه، فكانت بينهما) ش: أي بين الواحدة والثلاث م: (مغايرة على سبيل المضادة) ش: لأن الواحدة ليست بمركبة، والثلاث مركب من الآحاد، والثلاث عدد، والواحدة ليس بعدد، بخلاف قولها واحدة وواحدة وواحدة، لأنها بالكلام الأول تكون ممتثلة لما فوض إليها، وفي الكلام الثاني والثالث مبتدأة، وكذا لو ردت على نفسها وضرتها. فإن قيل: فكذلك هنا بقولها طلقت نفسي متمثلة لو اقتصرت عليه، وتكون مبتدأة بقولها ثلاثاً فتلغو الزيادة. قلنا: الطلاق متى قرن بالعدد كان الوقوع بالعدد وإلا لم يقع الثلاث على غير الموطوءة بقوله أنت طالق ثلاثاً، والحال أنه يقع ثلاثاً بالإجماع، وكذا لو ماتت قبل قولها ثلاثاً لا يقع الثلاث. فإن قيل: قد ذكر من " المبسوط " أول فصل الأمر باليد أن الزوج إذا قال لها أمرك بيدك ونوى الواحدة وهي طلقت نفسها ثلاثاً يقع واحدة عندنا، خلافاً لابن أبي ليلى، فعلى ما ذكره أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ينبغي أن لا يقع شيء، لأنها أتت بغير ما فوض إليها، لأن الثلاث غير الواحدة. قلنا: التفويض لم يتعرض لشيء فقد يكون خاصاً، وقد يكون عاماً، فإذا نوى فقد نوى تفويضاً خاصاً، وهو غير مخالف للظاهر، فلما وقعت ثلاثاً فقد وقعت فيما هو أصل للتفويض، وهو لا يكون أقل من الواحدة، فتقع الواحدة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 396 بخلاف الزوج؛ لأنه يتصرف بحكم الملك، وكذا هي في المسألة الأولى؛ لأنها ملكت الثلاث، أما هاهنا لم تملك الثلاث وما أتت بما فوض إليها فتلغى، وإن أمرها بطلاق تملك الرجعة فيه فطلقت بائنة، أو أمرها بالبائن فطلقت رجعية وقع ما أمر به الزوج، فمعنى الأول، أن يقول لها الزوج طلقي نفسك واحدة أملك الرجعة، فتقول: طلقت نفسي واحدة بائنة فتقع رجعية؛   [البناية] فإن قيل: مذهبنا أن الواحدة لا عين العشرة ولا غيرها، فينبغي أن يقع من حيث إنها لا غير الثلاث. قلنا: المغايرة بين أسماء الأعداد أصلها ونفسها فوق المغايرة بين ألفاظ العموم والخصوص جرى مجرى المجاز بين العام والخاص، ولا يجري بين أسماء الأعداد، لأنها بمنزلة الإعلام، فيقال ستة ضعف ثلاثة بغير تنوين للعلمية والتأنيث، ولا يجوز إطلاق لفظ الثلاث على غيرها لا بطريق الحقيقة ولا بطريق المجاز، فعلم أن المغايرة بينهما ثابتة من كل وجه. وأما قولنا لا غيرها فباعتبار عدم تصور الأكثر منها بدل الأول منه، وهذا الاعتبار لا يقدح ثبوت المغايرة بينهما بحسب العرف والاستعمال، مع أن الواحد في العشرة الموجودة، وأما الثلاث هاهنا فمعدوم، والواحد الموجود غير الثلاث المعدوم لا محالة. م: (بخلاف الزوج لأنه يتصرف بالملك) ش: أي بحكم الملك م: (وكذا هي) ش: أي المرأة م: (في المسألة الأولى) ش: أي وكذا تصرفت المرأة بحكم الملك في المسألة الأولى، وهي فيما إذا طلقت نفسها واحدة. وقد قال لها طلقي نفسك ثلاثاً م: (لأنها ملكت الثلاث) ش: فكانت مالكة للواحدة لأن الثلاث تدل على الواحدة تضمناً، بخلاف ما إذا أمرها بالواحدة وقد بانت بالثلاث، لأن الواحدة لا دلالة لها على الثلاث لا حقيقة ولا مجازاً، لعدم التضمن والالتزام، فكانت المرأة مخالفة، فلم يقع شيء. م: (أما هاهنا) ش: أي في قوله طلقي نفسك واحدة فطلقت ثلاثاً م: (لم تملك الثلاث، وما أتت بما فوض إليها، فتلغى) ش: لعدم الموافقة بين قوله وجوابها م: (وأن أمرها بطلاق تملك الرجعة فيه) ش: أي وإن أمر الزوج امرأته بأن تطلق نفسها بطلاق حال كونها تملك الرجعة فيه م: (فطلقت بائنة) ش: أي فطلقت نفسها طلقة بائنة م: (أو أمرها بالبائن) ش: أي أو أمرها بأن تطلق نفسها طلقة بائنة م: (فطلقت رجعية) ش: أي طلقت رجعية م: (وقع ما أمر به الزوج، فمعنى الأول) ش: وهو قوله بطلاق تملك م: (أن يقول لها الزوج طلقي نفسك واحدة أملك الرجعة، فتقول طلقت نفسي واحدة بائنة فتقع رجعية) ش: بالنصب عطفاً على الحال من الضمير الذي وقع، أو من المجرور، أعني قوله بالصفة، أي تقع الطلقة بالصفة التي عينها الزوج بائنة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 397 لأنها أتت بالأصل وزيادة وصف، كما ذكرنا فيلغو الوصف ويبقى الأصل. ومعنى الثاني أن يقول لها طلقي نفسك واحدة بائنة فتقول: طلقت نفسي واحدة رجعية فتقع بائنة؛ لأن قولها "واحدة رجعية"، لغو منها؛ لأن الزوج لما عين صفة المفوض إليها فحاجتها بعد ذلك إلى إيقاع الأصل دون تعيين الوصف، فصار كأنها اقتصرت على الأصل فيقع بالصفة التي عينها الزوج بائنا أو رجعيا. وإن قال لها طلقي نفسك ثلاثا إن شئت، فطلقت واحدة لم يقع شيء؛ لأن معناه إن شئت الثلاث، وهي بإيقاع الواحدة ما شاءت الثلاث فلم يوجد الشرط. ولو قال لها طلقي نفسك واحدة إن شئت، فطلقت ثلاثا، فكذلك عند أبي حنيفة؛ لأن مشيئة الثلاث ليست بمشيئة للواحدة كإيقاعها. وقالا: تقع واحدة؛ لأن مشيئة الثلاث مشيئة للواحدة، كما أن   [البناية] قلت: هذا كله تعسف، ولو قال بائنة منصوب على أنه صفة الواحدة لسلم من هذا التعسف تقع رجعية. م: (لأنها أتت بالأصل) ش: أي بأصل الطلاق م: (وزيادة وصف) ش: أي وأتت أيضاً بزيادة وصف، وهو قولها: بائنة م: (كما ذكرنا) ش: عند قوله لأنها أتت بما ملكت وزيادة م: (فيلغو الوصف) ش: وهو البينونة م: (ويبقى الأصل) ش: أي أصل الطلاق. م: (ومعنى الثاني) ش: وفي بعض النسخ م: (ومعنى الثانية) ش:، أي المسألة الثانية م: (أن يقول لها طلقي نفسك واحدة بائنة، فتقول) ش: بالنصب أيضاً عطف على أن تقول م: (طلقت نفسي واحدة رجعية فتقع بائنة؛ لأن قولها واحدة رجعية لغو منها؛ لأن الزوج لما عين لها صفة المفوض إليها فحاجتها بعد ذلك إلى إيقاع الأصل دون تعيين الوصف، فصار كأنها اقتصرت على الأصل، فيقع بالصفة التي عينها الزوج بائناً أو رجعياً) ش: لأن الزوج فوض إليها ذات الطلاق مع الوصف، وأنها أتت بما فوض إليها وخالفت في الوصف، فثبت الأصل دون الوصف. [قال لها طلقي نفسك ثلاثاً إن شئت فطلقت واحدة] م: (وإن قال لها طلقي نفسك ثلاثاً إن شئت فطلقت واحدة لم يقع شيء) ش: وبه قال الشافعي ومالك م: (لأن معناه إن شئت الثلاث، وهي بإيقاع الواحدة ما شاءت الثلاث، فلم يوجد الشرط) ش: لأن قوله إن شئت شرط، فلا بد له من الجزاء، أو لم يذكر بعد فكان جزاؤه ما ذكر قبل الشرط، والمذكور قبل الشرط ثلاث، فصار كما إذا قال إن شئت الثلاث، وبإيقاع الواحدة ما شاءت الثلاث، بل شاءت الواحدة ولم يوجد الشرط، فلم يقع شيء. م: (ولو قال لها طلقي نفسك واحدة إن شئت، فطلقت ثلاثاً فكذلك عند أبي حنيفة) ش: أي لم يقع شيء وبه قال أصحاب الشافعي م: (لأن مشيئة الثلاث ليست بمشيئة للواحدة كإيقاعها) ش: أي كإيقاع الواحدة فيما لو قال لها طلقي نفسك واحدة فطلقت ثلاثاً لم يقع شيء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لما بيناه م: (وقالا: تقع واحدة، لأن مشيئة الثلاث مشيئة للواحدة، كما أن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 398 إيقاعها إيقاع للواحدة فوجد الشرط. ولو قال لها أنت طالق إن شئت فقالت شئت إن شئت، فقال الزوج: شئته ينوي الطلاق بطل الأمر، لأنه علق طلاقها بالمشيئة المرسلة، وهي أتت بالمعلقة فلم يوجد الشرط، وهي اشتغلت بما لا يعنيها، فخرج الأمر من يدها، ولا يقع الطلاق بقوله شئت، وإن نوى الطلاق، لأنه ليس في كلام المرأة ذكر الطلاق، ليصير الزوج شائيا طلاقها، والنية لا تعمل في غير المذكور، حتى لو قال: شئت طلاقك يقع إذا نوى، لأنه إيقاع مبتدأ؛ إذ المشيئة تنبئ عن الوجود، بخلاف قوله: أردت طلاقك؛ لأنه لا ينبئ عن الوجود.   [البناية] إيقاعها) ش: أي إيقاع الثلاث م: (إيقاع للواحدة فوجد الشرط) ش: وترتب عليه الجزاء، وهو وقوع الواحدة. [قال لها أنت طالق إن شئت فقالت شئت إن شئت فقال الزوج شئته ينوي الطلاق] م: (ولو قال لها أنت طالق إن شئت، فقالت شئت إن شئت، فقال الزوج: شئته ينوي الطلاق بطل الأمر) ش: يعني لا يقع الطلاق م: (لأنه علق طلاقها بالمشيئة المرسلة) ش: يعني غير المعلقة بشيء م: (وهي) ش: أتت بالمعلقة يعني المرأة أتت بالمشيئة المعلقة بمشيئة الزوج م: (فلم يوجد الشرط وهي) ش: أي المرأة م: (اشتغلت بما لا يعنيها) ش: بمخالفتها زوجها م: (فخرج الأمر من يدها) ش: لوجود دليل الإعراض. م: (ولا يقع الطلاق بقوله شئت وإن نوى الطلاق، لأنه ليس في كلام المرأة ذكر الطلاق ليصير الزوج شائياً طلاقها، والنية لا تعمل في غير المذكور) ش: لأن النية تعمل في الملفوظ لا في غيره، والطلاق ليس بمذكور إلا في قوله: شئت إن شئت، فلا يقع شيئاً. م: (حتى لو قال: شئت طلاقك يقع إذا نوى، لأنه إيقاع مبتدأ، إذ المشيئة تنبئ عن الوجود) ش: لأنها مأخوذة من الشيء، والشيء اسم للوجود، فكان قوله - شئت - بمعنى أوجدت، بخلاف الطلاق بإيقاعه م: (بخلاف قوله أردت طلاقك لأنه) ش: أي لأن لفظ أردت م: (لا ينبئ عن الوجود) ش: لأن معنى الإرادة عبارة عن الطلب، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الحمى رائدة الموت» ، أي طالبة. وقال الأكمل: فإن قيل ذهب علماؤنا في أصول الدين أن الإرادة والمشيئة واحدة، فما هذه التفرقة؟ فالجواب: يجوز أن يكون بينهما تفرقة بالنسبة إلى العباد، والتسوية بالنسبة إلى الله تعالى، لأن ما يطلبه تعالى يوجد كما يوجد ما شاء، بخلاف العباد، انتهى. قلت: هذا الذي ذكره من " الفوائد الظهيرية ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقال الكاكي: فإن قيل لأن الله تعالى طلب الإيمان من فرعون وأبي جهل، وأمثالهما بالأمر، ولم يوجد منهم، وطلب التقوى من جميع المؤمنين ولم يوجد من أكثرهم، قلنا: الطلب من الله تعالى على نوعين: طلب التكليف، وطلب لا تعلق له باختيار العبد، وهو المسمى بالمشيئة والإرادة والوجود من لوازمها، إذ لو لم يكن ملزم العجز، وهو منزه عنه، بخلاف العباد. قال شيخي العلامة: هذا ما أشير إليه في عامة الكتب في بيان هذه المسألة، ولكنه مشكل، لأن ما ذكروه يشير إلى أن الإيجاد هو المغني الأصلي للمشيئة، وليس كذلك، فإن المشيئة مفسرة في أكثر كتب اللغة بالإرادة لا بالإيجاد، ومستعملة في القرآن والحديث، وفي تراكيب كلام الناس بمعنى الإرادة دون الإيحاء، قال الله تعالى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] (النساء: الآية 48) {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ} [الشورى: 8] (الشورى: الآية8) ، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد» وأطال الكلام. وملخصه أن القائل يقول شئت طلاقك لا يرى الإيقاع جعل الذي هو بمعنى الوجود مصدراً، وأخذ منه الفعل، لأن المشيئة مصدر شاء بمعنى أراد فهذا الطريق يحتمل أن يكون المشيء بمعنى الإيجاد، وشئت بمعنى أوجدت، فلأن الإيجاد محتمل هذا اللفظ لا يوجد، فيحتاج إلى النية، بخلاف الإرادة فإنها لا تحتمل معنى الإيجاد فلا يقع به الطلاق وإن نوى، لأن النية لم تصادف محلاً، كما في قولك هويت طلاقك وأجبت الطلاق. وفي " المبسوط " ولو قال لها شيئي الطلاق ينوي به الطلاق، فقالت شئت فهي طالق، وإن لم يكن له نية لا تطلق. ولو قال لها أريدي الطلاق أو أهوى الطلاق، فقالت قد فعلت، كان باطلاً وإن نوى، لأن الإرادة من العبد نوع ثمن، فلو قالت ثمنية لا يقع، وهذا لأن المشيئة في صفات المخلوقين ألزم من الإرادة والهوى لغة، ألا ترى أن المشيئة لا تذكر مضافة إلى غير العقلاء وقد تذكر الإرادة، قال الله تعالى {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} [الكهف: 77] (الكهف: الآية 77) ، وليس إلى الجدار إرادة، وفيه تأمل. قال الأترازي: هذا الذي قالوه من الفرق بين الإرادة والمشيئة ضعيف، لأن من أهل اللغة كالجوهري وصاحب " الديوان "، وغيرهما، لم يفرقوا بينهما. قال الجوهري في " الصحاح " في كتاب الألف المهموزة: المشيئة هي الإرادة. وقال في باب الدال: الإرادة هي المشيئة، وكذا قال في " الديوان "، وقد صرح أصحابنا في كتب الكلام أن لا فرق عند أهل السنة بين الإرادة والمشيئة وقول شمس الأئمة أن المشيئة لا تذكر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 400 وكذا إذا قالت شئت إن شاء أبي، أو شئت إن كان كذا - الأمر لم يجئ بعد - لما ذكرنا أن المأتي به مشيئة معلقة، فلا يقع الطلاق ويبطل الأمر. وإن قالت قد شئت إن كان كذا الأمر قد مضى طلقت؛ لأن التعليق بشرط كائن منجز. ولو قال لها أنت طالق إذا شئت، أو إذا ما شئت، أو متى شئت؛ أو متى ما شئت فردت الأمر   [البناية] مضافة إلى غير العقلاء فيه نظر؛ لأن ابن السكيت أنشد في الإصلاح: يا مرحباً هجمار عفراء إذا أتى قربة ... لما شاء من الشعير والحشيش والماء. وشرحه أبو محمد بن الحسن بن عبد الله السيراني الزيرج، وهو مشهور عند أهل اللغة، وإسناد الإرادة إلى الحمى مجاز، وكلامنا في الحقيقة، ولا نسلم أن المشيئة لا تستعمل في مثل ذلك مجازاً، وقد فسروا الإرادة بتخصيص أحد المقدورين بالوجود، فتكون هي أيضاً مبنية على الوجود، ثم يقع الطلاق بقوله شئت طلاقك بالاتفاق، فينبغي أن يقع بقوله أردت طلاقك أيضاً، لأنهما مترادفان، سواء في المعنى، يؤيده ما ذكره في " خلاصة الفتاوى " بقوله وقال في " المنتقى " وفي " القياس " كل ذلك سواء. انتهى. والحاصل أن لا نتبع كلام شمس الأئمة الذي في الأصل وقد ذكرناه، م: (وكذا إذا قالت شئت إذا شاء أبي، أو شئت إن كان كذا، المر لم يجيء بعد) ش: أي وكذا لا يقع الطلاق أيضاً في هاتين الصورتين، قوله: (الأمر لم يجيء بعد) نحو قولها شئت إذا دخل إلى الدار ونحوه م: (لما ذكرنا أن البائن به مشيئة معلقة) ش: والزوج فوض إليها بمشيئة مرسلة، فبطل الأمر من يدها م: (فلا يقع الطلاق، ويبطل الأمر) ش: لأنها خالفت زوجها فيما فوض إليها. [قال لها أنت طالق إذا شئت] م: (وإن قالت قد شئت إن كان كذا الأمر قد مضى طلقت) ش: يعني إذا علقت مشيئتها بأمر ماض، بأن قالت إن كان أبي في الدار، وهو في الدار يقع الطلاق م: (لأن التعليق بشرط كائن منجز) ش: يعني في الحال لا تعليق، كقوله أنت طالق إن كانت السماء فوقنا. فإن قيل: يرد على هذا حلف الرجل وقال هو يهودي إن فعل كذا، وهو يعلم أنه فعل حيث لا يحكم بكفره، فلو كان التعليق بشرط كان تحقيقاً لكان كافراً، وأجيب: بأنه لا يرد لأنه لا يكفر على ما روي عن محمد بن مقاتل الرازي أنه يكفر فاطرد الأصل، ولئن سلمنا أنه لا يكفر على ما روي عن ابن شجاع. وعن أبي يوسف أيضاً فنقول إنما لا يكفر، لأن الكفر إنما يكون بتبديل الاعتقاد، وهو بهذا الكلام لم يقصد تبديل الاعتقاد بل قصد أن يصدق في مقالته، أو نقول هذا وأمثاله كناية عن اليمين عرفاً، فيحمل عليهما تحامياً عن تكفير المسلم. م: (ولو قال لها أنت طالق إذا شئت، أو إذا ما شئت، أو متى شئت، أو متى ما شئت؛ فردت الأمر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 401 لم يكن ردا، ولا يقتصر على المجلس، أما كلمة متى ومتى ما؛ فلأنهما للوقت، وهي عامة في الأوقات كلها، كأنه قال في أي وقت شئت، فلا يقتصر على المجلس بالإجماع، ولو ردت الأمر لم يكن ردا؛ لأنه ملكها الطلاق في الوقت الذي شاءت، فلم يكن تمليكا قبل المشيئة حتى يرتد بالرد، ولا تطلق نفسها إلا واحدة، لأنها تعم الأزمان دون الأفعال، فتملك التطليق في كل زمان، ولا تملك تطليقا بعد تطليق. وأما كلمة: إذا وإذا ما، فهما "ومتى" سواء عندهما، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن كانت تستعمل للشرط كما تستعمل للوقت، لكن الأمر صار بيدها، فلا يخرج بالشك.   [البناية] لم يكن رداً) ش: فلها أن تطلق نفسها واحدة بعد ذلك م: (ولا يقتصر على المجلس) ش: بالإجماع، حتى إذا قامت من المجلس أو أخذت في عمل آخر أو كلام آخر، فلها أن تطلق نفسها واحدة لا غير، ثم شرع في بيان كيفية الأمر في هذه الصور المذكورة بقوله م: (أما كلمة: متى ومتى ما؛ فلأنهما للوقت، وهي عامة في الأوقات كلها) ش: أي كلمتا متى ومتى ما عامة، فتعم الأوقات كلها، وليست لتعميم الفعل، فلم يكن ردها رداً، لأن الزوج فوض إليها الطلاق في أي وقت شاءت م: (كأنه قال في أي وقت شئت فلا يقتصر على المجلس بالإجماع) ش: لعموم الوقت. م: (ولو ردت الأمر لم يكن رداً؛ لأنه ملكها الطلاق في الوقت الذي شاءت) ش: فأي وقت شاءت تطلق نفسها فيه م: (فلم يكن تمليكاً قبل المشيئة حتى يرتد بالرد، ولا تطلق نفسها إلا واحدة لأنها) ش: لأن كلمة متى م: (تعم الأزمان دون الأفعال، فتملك التطليق في كل زمان) ش: لعموم متى في الأزمان م: (ولا تملك تطليقاً بعد تطليق) ش: حاصلة لا تملك إلا تطليقة واحدة متى شاءت لأنا قلنا متى لتعميم الوقت، لا لتعميم الفعل. [قال لها أنت طالق كلما شئت] م: (وأما كلمة: إذا وإذا ما،؛ فهما ومتى سواء عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن كانت تستعمل للشرط كما تستعمل للوقت، لكن الأمر صار بيدها فلا يخرج بالشك) ش: فإن قلت: يحمل على الشرط هنا تصحيحاً للرد. قلت: إنما يحمل على الشرط إذا صدر الرد ممن وجب أن صدر عنه التعليق، لأن إرادة الشرط تختص بمن كان التعليق منه لا بمن صدر الرد منه، فلهذا لا يحمل على الشرط تصحيحاً للرد. فإذا قلت: في قوله: إذا شئت ومتى شئت ينبغي أن لا يبقى لها المشيئة بعد القيام عن المجلس أو إذا انقطع المجلس بقوله لا أشاء، لأن المفوض إليها مشيئة واحدة حتى لا يبقى لها المشيئة مرة أخرى بعد قوله شئت واحدة، كما في قوله إن شئت فأنت طالق، فقالت لا أشاء، قيل في جوابه: الثابت بها مشيئة واحدة في حق الحنث، لأن الحنث تعليق بإيجاد مشيئة واحدة، لأن البر تعلق بنفي مشيئة نكرة، فإن قوله: إن شئت - يقتضي مشيئة، فالبر بمعنى هذه المشيئة، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402 وقد مر من قبل. ولو قال لها أنت طالق كلما شئت فلها أن تطلق نفسها واحدة بعد واحدة حتى تطلق نفسها ثلاثا؛ لأن كلمة "كلما" توجب تكرار الأفعال، إلا أن التعليق يصرف إلى الملك القائم، حتى لو عادت إليه بعد زوج آخر فطلقت نفسها لم يقع شيء؛ لأنه ملك مستحدث. وليس لها أن تطلق نفسها ثلاثا بكلمة واحدة؛ لأنها توجب عموم الانفراد لا عموم الاجتماع. فإن كان كذلك فلا تملك الإيقاع جملة وجمعا. ولو قال لها: أنت طالق حيث شئت، أو أين شئت؛ لم تطلق حتى تشاء.   [البناية] والنكرة في النفي تعم. وفي الإثبات تخص، وإذا كانت النكرة تعم في النفي فإنما يتم البر بنفي المشيئة، ولم يوجد فتبقى اليمين. م: (وقد مر من قبل) ش: يعني في فصل إضافة الطلاق إلى الزمان في قوله: أنت طالق إذا لم أطلقك. م: (ولو قال لها أنت طالق كلما شئت، فلها أن تطلق نفسها واحدة بعد واحدة، حتى تطلق نفسها ثلاثاً) ش: هذه من مسائل الجامع الصغير، وصورتها فيه: محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رجل قال لامرأته أنت طالق كلما شئت، قال لها أن تطلق نفسها وإن قامت من مجلسها وأخذت في عمل آخر أو كلام آخر واحدة بعد واحدة، حتى تطلق نفسها ثلاثاً م: (لأن كلمة "كلما" توجب تكرار الأفعال) ش: والدليل عليه قَوْله تَعَالَى م: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [النساء: 56] (النساء: الآية 56) فلما كان كذلك لها مشيئة بعد مشيئة إلى أن تستوفي الثلاث. م: (إلا أن التعليق) ش: أي غير أن التعليق، وهو قوله أنت طالق كلما شئت م: (يصرف إلى الملك القائم) ش: يعني في عصمته م: (حتى لو عادت إليه بعد زوج آخر فطلقت نفسها لم يقع شيء؛ لأنه ملك مستحدث) ش: يعني متجدد بعد الملك القائم بالزواج الأول م: (وليس لها) ش: أي لهذه المرأة التي قال لها زوجها أنت طالق كلما شئت م: (أن تطلق نفسها ثلاثاً بكلمة واحدة لأنها) ش: أي لأن كلمة "كلما" م: (توجب عموم الانفراد) ش: أي فرداً لا جملة م: (لا عموم الاجتماع) ش: أي لا توجب عموم الاجتماع بأن تطلق نفسها ثلاثاً بكلمة واحدة بأن تقول طلقت نفسي ثلاثاً. م: (فإن كان) ش: يعني كلمة "كلما" م: (كذلك فلا تملك) ش: أي المرأة م: (الإيقاع) ش: أي إيقاع الطلاق م: (جملة وجمعاً) ش: قيل: معناهما واحد، وقيل: أراد بالجملة أن تقول: طلقت نفسي ثلاثاً، وأراد بالجمع أن تقول: طلقت وطلقت، والأول أصح. [قال لها أنت طالق حيث شئت] م: (ولو قال لها أنت طالق حيث شئت، أو أين شئت لم تطلق حتى تشاء) ش: لأنه علق وقوع الطلاق في الحقيقة بالشرط، لأن حيث وأين من الظروف المكانية، ولا تعلق للطلاق بالمكان، لأن الواقع في مكان واقع في جميع الأمكنة، فيصير ذكر المكان لغواً، فبقي الطلاق معلقاً للشرط الجزء: 5 ¦ الصفحة: 403 وإن قامت من مجلسها فلا مشيئة لها، لأن كلمة "حيث" و"أين" من أسماء المكان، والطلاق لا تعلق له بالمكان فيلغو ويبقى ذكر مطلق المشيئة، فيقتصر على المجلس بخلاف الزمان؛ لأن له تعلقا به، حتى يقع في زمان دون زمان، فوجب اعتباره خصوصا وعموما. وإن قال لها أنت طالق كيف شئت طلقت تطليقة تملك الرجعة، ومعناه قبل مشيئة المرأة،   [البناية] تشبيهاً فلا يقع حتى تشاء، فكأنه قال: أنت طالق، إن شئت. م: (وإن قامت من مجلسها فلا مشيئة لها) ش: كما في قوله: أنت طالق إن شئت م: (لأن كلمة "حيث" و"أين" من أسماء المكان) ش: كلمة حيث للمكان اتفاقاً. وقال الأخفش: وقد ترد للزمان، ويلزم الإضافة إلى الجملة الاسمية كانت أو فعلية، وندرت إضافتها إلى المفرد، وإن اتصلت بما الكافة ضمنته معنى الشرط وكلمة أين سؤال عن المكان. وإن قلت: أين زيد؟ فإنما تسأل عن مكانه (والطلاق لا تعلق له بالمكان فيلغو) ش: أي يلغو ذكر حيث وأين م: (ويبقى ذكر مطلق المشيئة) ش: فكأنه قال: أنت طالق إن شئت م: (فيقتصر على المجلس) ش: كما في قوله: أنت طالق إن شئت. فإن قلت: إذا ألغى ذكر المكان فيبقى قوله: أنت طالق إن شئت، فينبغي أن يقع الطلاق، كما لو قال: أنت طالق دخلت الدار، فإنه يقع الطلاق الساعة فمن أين فيهما معنى الشرط؟ قلت: قالوا: إن حيث وأين يفيدان ضرباً من التأخير، وحروف الشرط أيضاً تفيدان ضرباً من التأخير، فيشتركان في معنى التأخير، فيجعلان مجازاً عن حرف الشرط. فإن قلت: إذا جعلا مجازاً عن إذا، فلا يبطل بالقيام عن المجلس، فلم يجعلا مجازاً عن إذا؟ أجيب: بأن جعلهما مجازاً عن أن أولى، لتمحضها في معنى الشرط، فكانت أصلاً في الباب، والاعتبار بالأصل أولى من غيره. م: (بخلاف الزمان؛ لأن له تعلقاً به) ش: أي لأن للطلاق تعلقاً بالزمان، لأن الزمان جزء داخل في ماهية الفعل، ليدل فعل الطلاق على الزمان م: (حتى يقع في زمان دون زمان) ش: يعني يقع في زمان مستقبل دون زمان ماض م: (فوجب اعتباره) ش: أي اعتبار الزمان م: (خصوصاً) ش: كما لو قال: أنت طالق وغداً م: (وعموماً) ش: لو قال: أنت طالق في أي وقت شئت، وانتصابهما على التمييز من اعتباره، وعامله الفعل، أعني وجب. م: (وإن قال لها: أنت طالق كيف شئت طلقت تطليقة تملك الرجعة) ش: قوله: تملك الرجعة، جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت صفة لقوله: تطليقة. وقوله م: (ومعناه) ش: أي معنى قول محمد، لأنه ذكر المسألة في " الجامع الصغير ". وقال: طلقت تطليقة تملك الرجعة فيها م: (قبل مشيئة المرأة) ش: أما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 404 فإن قالت: قد شئت واحدة بائنة أو قالت ثلاثا. وقال الزوج: ذلك نويت فهو كما قال؛ لأن عند ذلك تثبت المطابقة بين مشيئتها وإرادته. أما إذا أرادت ثلاثا والزوج أراد واحدة بائنة أو على القلب تقع واحدة رجعية، لأنه لغا تصرفها لعدم الموافقة، فبقي إيقاع الزوج، وإن لم تحضره النية تعتبر مشيئتها - فيما قالوا - جريا على موجب التخيير. قال - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في الأصل هذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما لا يقع ما لم توقع المرأة فتشاء رجعية أو بائنة أو ثلاثا.   [البناية] إذا شاءت المرأة الواحدة البائنة أو الثلاث يقع ذلك إذا نواه الزوج وهو معنى قوله: م: (فإن قالت: قد شئت واحدة بائنة) ش: يعني عقيب قوله: أنت طالق كيف شئت م: (أو قالت) ش: أي أو قالت شئت م: (ثلاثاً) ش: طلقات م: (وقال الزوج ذلك نويت) ش: أي والحال قال الزوج: نويت ما قالته المرأة من البينونة بالواحدة وبالثلاث م: (فهو كما قال) ش: أي فالأمر كما قال الزوج م: (لأن عند ذلك) ش: أي لأن عند قول الزوج ذلك نويت م: (تثبت المطابقة بين مشيئتها وإرادته) ش: أي بين مشيئة المرأة وإرادة الزوج، فيكون الواقع على ما ذكر م: (أما إذا أرادت ثلاثاً) ش: أي ثلاث طلقات م: (والزوج أراد واحدة بائنة) ش: أي وأراد الزوج طلقة واحدة بائنة م: (أو على القلب) ش: بأن أرادت المرأة واحدة بائنة، وأراد الزوج ثلاثاً م: (يقع واحدة رجعية لأنه ألغى تصرفها لعدم الموافقة) ش: أي المطابقة بين قولها وقول الزوج م: (فبقي إيقاع الزوج) ش: يعني في قوله: أنت طالق كيف شئت، لأنه أصل الطلاق، فلا يعتد بوصفه. [الزوج خيرها في وصف الطلاق بقوله كيف شئت] م: (وإن لم تحضره النية) ش: يعني إذا لم ينو الزوج شيئاً م: (تعتبر مشيئتها) ش: فيقع ما شاءت سواء شاءت الواحدة البائنة أو الثلاث م: (فيما قالوا) ش: أي فيما قال المتأخرون م: (جريا على موجب التخيير) ش: لأن الزوج خيرها في وصف الطلاق بقوله: كيف شئت، فيجري على موجب تخييره، وإنما قال المصنف فيما قالوا: لأنه لم يرد فيه نص من المتقدمين. قال الأترازي: والظاهر أنه يقع الرجعي إذا لم ينو الزوج شيئاً على إشارة الجامع الصغير، لأنه وقع الواحدة البائنة أو الثلاث بمشيئتها إذا نوى الزوج، فعلم أنه إذا لم ينو شيئاً لا يقع البائن والثلاث، فبقي إيقاع أصل الطلاق، وهو الرجعي. م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي المصنف: م: (قال في الأصل) ش: أي قال محمد في المبسوط م: (هذا قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) ش: أي المذكور من الأحكام المذكورة قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، إنما قال المصنف ذلك لأن محمداً - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يذكر الخلاف في الجامع الصغير، وإنما ذكره في الأصل م: (وعندهما لا يقع ما لم توقع المرأة) ش: يعني: لا يقع شيء ما لم تشأ المرأة م: (فتشاء) ش: أي المرأة م: (رجعية) ش: أي تطليقة رجعية م: (أو بائنة) ش: أو تشاء بائنة م: (أو ثلاثاً) ش: أي أو تشاء ثلاث تطليقات، والحاصل أنها مخيرة بين هذه الأشياء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 405 وعلى هذا الخلاف العتاق. لهما أنه فوض التطليق إليها على أي صفة شاءت، فلا بد من تعليق أصل الطلاق بمشيئتها لتكون لها المشيئة في جميع الأحوال، أعني قبل الدخول أو بعده. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن كلمة "كيف" للاستيصاف، يقال كيف أصبحت، والتفويض في وصفه يستدعي وجود أصله، ووجود الطلاق بوقوعه،   [البناية] فإن قيل: كيف يباح لها أن تطلق نفسها ثلاثا، والزوج لا يسعه أن يطلقها ثلاثا. أجيب: بأنه يجوز أن يكون المراد بقوله: إن شاءت نفسها ثلاثا بمشيئة القدرة لا بمشيئة الإباحة، كما في قوله تبارك وتعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] على أنه روي عن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أن ذلك يباح لها في التخيير، وفي " الفوائد الظهيرية ": لو طلقت نفسها ثلاثا على قولهما أو ثنتين على قول أبي حنيفة لا يكره، لأنها مضطرة إلى ذلك، لأنها لو فرقت خرج الأمر من يدها، بخلاف ما لو أوقع الزوج ذلك. م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (العتاق) ش: يعني إذا قال لعبده أنت حر كيف شئت يعتق عبده في الحال ولا مشيئة له، وعندهما: لا يعتق قبل المشيئة، وبه قال الشافعي. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أنه فوض التطليق إليها على أي صفة شاءت، فلا بد من تعليق أصل الطلاق بمشيئتها) ش: لأنه إذا لم يتعلق أصله لا يقع كيف شاءت، لأن الوصف لا يتحقق بدون الأصل م: (لتكون لها المشيئة في جميع الأحوال) ش: يعني سواء كان م: (أعني قبل الدخول أو بعده) ش: وقد فسره بقوله: أعني قبل الدخول وبعده، فلا يقع الطلاق بدون مشيئتها عندهما، كما في قوله: أنت طالق إن شئت أو كم شئت أو حيث شئت أو أين شئت. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أن كلمة كيف للاستيصاف) ش: أي للسؤال عن وصف الشيء م: (يقال: كيف أصبحت؟) ش: أي: صحيح أم بك تشويش، وهو اسم ويستعمل على وجهين: أحدهما: أن يكون شرعا نحو كيف تضع، والثاني: هو الغالب فيه أن يكون استفهاما حقيقة، نحو كيف زيدا، وغير حقيقي نحو قَوْله تَعَالَى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} [البقرة: 28] (البقرة: الآية 28) ، فإنه خرج مخرج التعجب، فإنه كان وضع كيف لسؤال الحال، لأن الذات كان لوصف الطلاق في البينونة والعدد متعلقا بالمشيئة دون أصله، ولكن في غير المدخول بها، لا مشيئة لها بعد وقوع أصل الطلاق، لحصول البينونة. وفي المدخول بها يقع ما شاءت إذا وافقت نية الزوج، وإذا خالفت يقع الطلاق الرجعي. م: (والتفويض في وصفه) ش: أي وصف الطلاق م: (يستدعي وجود أصله) ش: أي أصل الطلاق، لأن الوصف قائم به م: (ووجود الطلاق بوقوعه) ش: أي بوقوع الطلاق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 406 وإن قال لها أنت طالق كم شئت أو ما شئت، طلقت نفسها ما شاءت، لأنهما يستعملان للعدد، فقد فوض إليها أي عدد شاءت، فإن قامت من المجلس بطل، وإن ردت الأمر كان ردا، لأن هذا أمر واحد، وهو خطاب في الحال، فيقتضي الجواب في الحال.   [البناية] فإن قلت: لما كان تفويضاً في وصفه إلى مشيئتها، فيجب أن يكون في مستقبله في إثبات ما شاءت بلا نية الزوج، كما في سائر التفويضات. أجيب: بأن أبا بكر الرازي ذكر أن لها المشيئة في إثبات وصف البينونة أو الثلاث بلا نية الزوج، وما ذكر في الكتاب قول الجصاص. [قال لها أنت طالق كم شئت أو ما شئت] م: (وإن قال لها أنت طالق كم شئت، أو ما شئت؛ طلقت نفسها ما شاءت؛ لأنهما) ش: أي لأن كم وما م: (يستعملان للعدد، وقد فوض إليها أي عدد شاءت) ش: أما كم فإنه كناية عن العدد لا على سبيل التعيين، ألا ترى إلى قولهم: كم درهماً عندك، وكم غلام ملكت في الاستفهامية والخبرية، فوقعت عامة لإبهامها، كان لها أن تطلق إن شاءت واحدة، وإن شاءت ثنتين، وإن شاءت ثلاثاً. م: (فإن قامت من المجلس بطل) ش: أي لا يقع شيء، لأن هذا تمليك والتمليكات تقتصر على المجلس، فإذا وجد دليل إعراض من القيام عن المجلس، ومن الاشتغال بعمل آخر به، حيث يقع المجلس بطلت مشيئتها، ولم يقع بعد ذلك شيء بمشيئتها م: (وإن ردت الأمر كان رداً، لأن هذا أمر واحد) ش: هذا احتراز عن كلما وقوله م: (وهو خطاب في الحال) ش: احتراز عن إذا ومتى، يعني "إذا" تمليك في الحال؛ لأنه ليس في كلامه ذكر الوقت م: (فيقتضي الجواب في الحال) ش: لا يقال: إن كم تستعمل في العدد والواحد ليس بعدد، فينبغي أن يملك الواحد، لأنا نقول أن الواحد أصل العدد، وفي الفرق يستعمل في العدد، ألا ترى لو قيل: كم معك استفهام الجواب عن الواحد. فإن قيل: كلمة ما تستعمل للعدد، وتستعمل للوقت، كقوله تعالى: {مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31] (مريم: الآية 31) فوقع الشك في تفويض العدد، فلا يثبت العدد بالشك. أجيب: بأن هذا معارض بمثله، فأما لو عملنا بمعنى الوقت لا يبطل بالقيام عن المجلس. ولو علمنا بمعنى العدد يبطل، فوقع الشك بكونه مما وراء المجلس فلا يثبت بالشك، ثم رجحنا جانب العدد بأصل آخر، وهو أن التفويض بمعنى التمليك، والتمليكات تقتصر على المجلس، وإنما يكون لو كانت معمولاً، وبمعنى العدد لا بمعنى الوقت. قال الأكمل: فيه نظر، لأن فيه معنى التعليق، فيتوقف على ما وراء المجلس، فيتعارض جهتا الترجيح. والجواب أنه تمليك فيه معنى التعليق، والأول كالأصل، فالترجيح به أولى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 407 وإن قال لها طلقي نفسك من ثلاث ما شئت، فلها أن تطلق نفسها واحدة أو ثنتين، ولا تطلق ثلاثا عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقالا: تطلق ثلاثا إن شاءت؛ لأن كلمة "ما" محكمة في التعميم، وكلمة من قد تستعمل للتمييز فيحمل على تمييز الجنس، كما إذا قال كل من طعامي ما شئت، أو طلق من نسائي من شئت. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن كلمة (من) حقيقة للتبعيض، (ما) للتعميم، فيعمل بهما، وفيما استشهدا به ترك التبعيض لدلالة إظهار السماحة أو لعموم الصفة، وهي المشيئة، حتى لو قال من شئت كان على هذا الخلاف. والله تعالى أعلم بالصواب.   [البناية] [قال لها طلقي نفسك من ثلاث ما شئت] م: (وإن قال لها: طلقي نفسك من ثلاث ما شئت، فلها أن تطلق نفسها واحدة أو ثنتين، ولا تطلق ثلاثاً عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقالا: تطلق ثلاثاً إن شاءت؛ لأن كلمة "ما" محكمة للتعميم، وكلمة "من" قد تستعمل للتمييز) ش: أي للبيان، كما في قَوْله تَعَالَى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج: 30] (الحج: الآية 30) ، وقد تكون لغيرهما، فإذا عرفت ذلك قد اجتمع في كلامه المحتمل والمحكم، فيحمل المحتمل على المحكم، كما هو الأصل، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (فيحمل على تمييز الجنس) ش: أي يجعل بيان العموم لعموم الجنس، أي لتمييز الطلاق من سائر الأشياء في التفويض، أو هو صلة، كذا في المبسوط. م: (كما إذا قال كل من طعامي ما شئت) ش: يعم الإذن م: (أو طلق من نسائي من شئت) ش: فله أن يطلق من شاء من نسائه م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أن كلمة من حقيقة للتبعيض) ش: فيه نظر، لأن من تأتي بخمسة عشر معنى الغالب عليها ابتداء الغاية، حتى ادعى جماعة أن سائر معانيها راجعة إليه م: (و"ما" للتعميم) ش: أي كلمة ما للتعميم م: (فيعمل بهما) ش: لأن الأصل أن يعمل بحقيقة الكلام ما لم يدل دليل المجاز. وقال الأترازي: لا يقال ينبغي على هذا أن لا تطلق نفسها واحدة، لأن الواحدة ليس فيها معنى العموم أصلاً، وهي بعض حرف، لأنا نقول لما ملكت الثنتين بحكم الأمر ملكت الواحدة أيضاً، وهذا ما سنح به خاطري في هذا المقام. قلت: سبق لهذا غيره، لأن الأكمل سأل هذا، وأجاب بقوله بأنه يتناول الواحدة دلالة. م: (وفيما استشهدا به) ش: هذا جواب عن قول أبي يوسف، ومحمد مستشهدين بقوله، كما إذا قال: كل من طعامي تقريره أن فيه قام الدليل على إرادة المجاز، وهو أنه م: (ترك التبعيض) ش: بدليل خارجي، وهو قوله م: (بدلالة إظهار السماحة) ش: لأن في العرف يراد بمثل هذا الكلام إظهار السماحة والكرم، وذلك بالعموم م: (أو لعموم الصفة، وهي المشيئة) ش: لأن النكرة إذا وصفت بصفة عامة تعم م: (حتى لو قال من شئت) ش: يعني لو قال: طلق من نسائي من شئت م: (كان على هذا الخلاف) ش: المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه، ثم عنده إن طلقت نفسها ثلاثاً لا يقع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فروع: لو قال لها: أنت طالق ثلاثاً، إلا أن تشائي واحدة، فشاءت واحدة يقع واحدة عند أبي يوسف. وقال محمد: لا يقع شيء ولو قال: طلقها إن شاء الله وشئت، أو قال: أنت طالق إن شاء الله وفلان أو شئت ما شاء الله وفلان لا يقع بالمشيئة شيء. ولو قال: إن شئت وشاء فلان يقع بمشيئتها. ولو قال: إن شئت فأنت طالق، إن شئت أو متى شئت أو حين شئت، فلها مشيئتان مشيئة في الحال ومشيئة في عموم الأحوال. ولو قال لامرأتيه: إن شئتما فأنتما طالقتان فشاءت إحداهما أو شاء بإطلاق إحداهما لا يقع لعدم وجود الشرط. ولو قال: طلقها ثلاثاً، فطلقها أحدهما واحدة، والآخر ثنتين وقع الثلاث. ولو قال لها إن شئت فأنت طالق ثم قال لأخرى طلاقك مع طلاق هذا يقع عليهما بمشيئة الأولى إن نوى الزوج وإلا لم يقع. ولو قالت أنت طالق واحدة إن شئت فقالت: شئت نصف واحدة لم تطلق عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ولو قالت طلقني وطلقني وطلقني، فقال الزج: طلقت فهي ثلاث، ولو قالت: طلقني طلقني طلقني بغير واو فطلق الزوج، فإن نوى واحدة فواحدة، وإن نوى ثلاثاً فثلاثاً. وفي " الأشراف " لابن المنذر: اختلفوا في الرجل يملك أمر امرأتي رجلين يشترط اجتماعهما على الطلاق، قاله الحسن والأوزاعي والثوري ومالك والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال زفر: ينفرد أحدهما به، فإن طلق إحداهما ثلاثاً والأخرى واحدة يقع واحدة عندنا، وبه قال أحمد وابن راهويه، واختاره عند مالك وأصبغ من المالكية. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقع شيء. وقال الزهري: هي طالق والله أعلم بالصواب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 409 باب الأيمان في الطلاق وإذا أضاف الطلاق إلى النكاح وقع عقيب النكاح، مثل أن يقول لامرأة إن تزوجتك فأنت طالق أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق. فعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقع لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا طلاق قبل النكاح» .   [البناية] [باب الأيمان في الطلاق] [أضاف الطلاق إلى النكاح] م: (باب الأيمان في الطلاق) ش: أي هذا باب في بيان حكم الأيمان في الطلاق. ولما فرغ من ذكر الطلاق بالتخيير بالصريح والكناية، شرع في ذكره بسبيل التعليق قدم التخيير، لأنه هو الأصل والتعليق مركب من ذكر الطلاق، وحرف الشرط والمركب فرع المفرد، ثم اليمين يقع على الحلف بالله حقيقة، ويقع على التعليق مجازاً، لأن اليمين لغة القوة، قال الشاعر: إن المقادير بالأوقات نازلة ... ولا يمين على دفع المقادير أي لا قوة، واليمين في الطلاق عبارة عن تعليقه بأمر يدل على معنى الشرط، فهو في الحقيقة شرط وجزاء، سميا يميناً مجازاً، لما فيه من معنى التشبيه، وإضافة ما يحتمل التعليق في الشرط كالطلاق والعتاق والظهار إلى المالك جائزة، سواء كانت على الخصوص كما إذا قال لامرأته: إذا تزوجتك فأنت طالق أو على العموم، كقوله: كل امرأة تزوجتها فهي طالق. فإن قلت سميت اليمين بالله يميناً لزيادة القوة، لأن الإنسان منقلب البال، فربما لا يثبت على ما يقصده، فيذكر اسم الله تعالى على وجه الحمد أو المنع فيتقوى بذلك على ما يريده، فما معنى اليمين في ذكر الشرط والجزاء. قلت وفيه معنى الحمد أو المنع، فسمي لذلك فافهم. م: (وإذا أضاف الطلاق إلى النكاح وقع عقيب النكاح، مثل أن يقول لامرأة: إن تزوجتك فأنت طالق، أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق) ش: وبه قال عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وأبو بكر بن عمرو بن حزم وأبو بكر بن عبد الرحمن وشريح والزهري وسعيد بن المسيب والنخعي والشعبي ومكحول وسالم بن عبد الله وعطاء وحماد بن أبي سليمان في آخرين، وهو قول مالك وربيعة والأوزاعي والقاسم وعمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى، لكن قالوا: هذا إذا لم يعين بل عين امرأة أو قال: كل امرأة أتزوجها من بني تميم أو بني أسد. فإن عين قبيلة أو بلدة م: (فعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقع) ش: وبه قال أحمد، ويروى ذلك عن علي وابن عباس وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وهو قول الظاهرية، وفيه قول آخر، وهو أنه إذا نكح لم يؤمر به، قاله أبو عبيد، وفيه قول آخر، وهو أنه يصح تعليق العتق بالملك دون الطلاق، وهو رواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا طلاق قبل النكاح» الجزء: 5 ¦ الصفحة: 410 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ش: هذا الحديث رواه ابن ماجه في "سننه " عن هشام بن سعيد عن الزهري عن عروة عن المسور ابن مخرمة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا طلاق قبل نكاح ولا عتاق قبل ملك» وضعفه ابن عدي، وقال: رواه الزهري عن عروة مرة مرفوعاً، ومرة عن عروة مرسلاً. وفي هذا الباب روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وهم: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعائشة، ومعاذ، وجابر، وابن عباس، وأبو ثعلبة، الخشني - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين -، فحديث علي عند ابن ماجه من رواية جويبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا طلاق قبل نكاح» . وجويبر هو ابن سعيد أبو القاسم الأزدي الخراساني البلخي ضعفه علي بن المديني ويحيى بن سعيد. وقال أحمد: لا يشتغل بحديثه. وقال يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال النسائي والدارقطني: متروك. وحديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عند الدارقطني في "سننه " عن أبي خالد الواسطي عن أبي هاشم الرماني عن سعيد بن جبير عن ابن عمر «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه سئل عن رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق، قال: طلق ما لا يملك» . قال صاحب التنقيح: هذا حديث باطل، وأبو سعيد الواسطي هو عمرو بن خالد، وهو وضاع. وقال أحمد ويحيى: كذاب. وحديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي داود والترمذي وابن ماجه عن عامر الأحول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق له فيما لا يملك» . وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 411 ولنا أن هذا تصرف يمين لوجود الشرط والجزاء، فلا يشترط لصحته قيام الملك في الحال؛   [البناية] قلت: قال ابن العربي: أخبارهم ليس لها أصل في الصحة، فلا يشتغل بها، ولئن صح فهو محمول على التخيير، ولا يلزم من بطلان التخيير بطلان التعليق، ولم يقل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا تعليق طلاقاً. فإن قالوا: هو مضمر، فنقول: الأصل عدم الإضمار. وقال صاحب " الاستذكار ": روي من وجوه إلا أنها عند أهل الحديث معلولة. فإن قلت: قال البخاري: هذا الحديث أصح ما في الباب. قلنا: تركه إياه وعدم تخريجه في " الصحيح " يرد ما ذكر عنه من هذا. وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - عند الدارقطني من رواية الوليد بن سلمة الأزدي عن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: «بعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا سفيان بن حرب، فكان فيما عهد إليه أن لا يطلق الرجل ما لم يتزوج ولا يعتق ما لم يملك» . قال الأزدي وابن حبان: الوليد بن سلمة: كان يضع الحديث على الثقات، لا يجوز الاحتجاج به. وقال: هو كذاب. وحديث معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عند الدارقطني من رواية عبد المجيد، وهي ابن داود عن ابن جرير عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن معاذ بن جبل أو رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا طلاق قبل نكاح، ولا نذر فيما لا يملك» ، ورواه أيضاً من رواية يزيد بن عياض عن الزهري عن سعيد بن المسيب وطاوس عن معاذ بن جبل مرسلاً، وكذا سعيد بن المسيب، ورواه أيضاً ابن عدي في "الكامل " من رواية عمرو بن عمرو عن أبي فاطمة النخعي وعمرو بن عمرو يروي الموضوعات، وأبو فاطمة مجهول لا يعرف. وحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عند الحاكم عن أيوب بن سليمان الجريري عن ربيعة ابن أبي عبد الرحمن عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس مرفوعاً. وقال عبد الحق في "أحكامه ": إسناده ضعيف، وسليمان بن أبي سليمان شيخ ضعيف. وقال ابن معين: ليس بشيء. وحديث أبي ثعلبة الخشني عند الدارقطني من رواية بقية بن الوليد عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال لي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... الحديث، وفيه: «لا طلاق إلا بعد نكاح» . م: (ولنا أن هذا) ش: أي التعليق بالشرط م: (تصرف يمين) ش: من الحالف في ذمة نفسه م: (لوجود الشرط والجزاء فلا يشترط) ش: وهو التعليق م: (لصحته قيام الملك في الحال) ش: كاليمين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 412 لأن الوقوع عند الشرط، والملك متيقن به عنده، وقيل ذلك أثره المنع وهو قائم بالتصرف. والحديث محمول على نفي التنجيز، والحمل مأثور عن السلف كالشعبي والزهري وغيرهما. وإذا أضافه إلى شرط وقع عقيب الشرط، مثل أن يقول لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق، وهذا بالاتفاق؛   [البناية] بالله تعالى، والنذر المعلق بالعتق م: (لأن الوقوع عند الشرط) ش: أي لأن وقوع الطلاق عند وجود الشرط لا يقع قبل وجوده، فحين وجود الشرط يحصل ملك الطلاق، لأن التزوج سبب لملك الطلاق وذمة الحال كافية لصحة اليمين لأهليته م: (والملك متيقن به عنده) ش: أي عند الشرط، ويصح مع احتمال الملك عند الشرط، فمع المتيقن بالملك أولى، وبيانه أن من قال لامرأته: إن دخلت الدار، وإن احتمل عند وجود الشرط بأن تصير مطلقة فلأن يصح هنا هو التيقن أولى. م: (وقيل ذلك أثره المنع) ش: أي قبل وجود الشرط أثر الشرط لم يمنع السبب من أن يتصل بالمحل م: (وهو قائم بالتصرف) ش: أي تصرف اليمين الحلف قائم بالمتصرف، ولا حاجة إلى اشتراط المحل، بل ذمة الحالف كافية م: (والحديث) ش: أي الحديث الذي احتج به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومن معه المذكور م: (محمول على نفي التنجيز) ش: أي لا طلاق قبل النكاح منجزاً، والمنجز هو الطلاق حقيقة لا المعلق. وتحقيقه أنهم سألوه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كون ذلك الطلاق، فقال: لا طلاق قبل النكاح وليس الكلام فيه، وإنما الكلام في تعليق الطلاق بالنكاح جائز أو ليس بجائز، وليس في الحديث ما يدل على نفيه أم إثباته. م: (والحمل) ش: أي حمل الحديث على التخيير م: (مأثور عن السلف) ش: أي مروي عنهم م: (كالشعبي) ش: هو عامر بن شراحيل من كبار التابعين نسبته إلى شعيب الأصغر بطن بالكوفة م: (والزهري) ش: هو محمد بن مسلم بن عبد الله بن عبيد الله بن شهاب، ونسبته إلى م: (غيرهما) ش: أي غير الشعبي والزهري مثل سالم والقاسم وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز والأسود وأبي بكر بن عبد الرحمن ومكحول. فإن أبا بكر بن أبي شيبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خرج عن هؤلاء في "مصنفه" في رجل قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق أو يوم أتزوجها فهي طالق، قالوا: هو كما قال. وفي لفظ: يجوز ذلك عليه. [أضاف الرجل الطلاق إلى شرط] م: (وإذا أضافه) ش: أي أضاف الرجل الطلاق م: (إلى شرط وقع عقيب الشرط، مثل أن يقول لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق) ش: لأن المعلق بالشرط كالمنجز عند وجود الشرط م: (وهذا بالاتفاق) ش: احترز به عن المسألة المتقدمة أعني قوله: إن تزوجتك فأنت طالق، لأن فيها خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما مر. قال الأترازي: يجوز أن يكون احترازاً عن المسألة التي بعد هذه، أعني قوله لأجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق ثم تزوجها فدخلت الدار لم تطلق، لأن فيها خلاف ابن أبي ليلى، فعنده الجزء: 5 ¦ الصفحة: 413 لأن الملك قائم في الحال، والظاهر بقاؤه إلى وقت وجود الشرط فيصح يمينا أو إيقاعا. ولا تصح إضافة الطلاق إلا أن يكون الحالف مالكا، أو يضيفه إلى ملكه، لأن الجزاء لا بد أن يكون ظاهرا ليكون مخيفا،   [البناية] تطلق. م: (لأن الملك قائم في الحال) ش: هذا جواب عما يقال: سلمنا أن الطلاق يقع عقيب الشرط إذا كان الملك حينئذ قائماً، أما إذا زال فلا ينبغي أن يصح يمينه أصلاً لاحتمال زوال الملك، فأجاب بقوله: لأن الملك قائم في الحال لكونه تحققاً في الحال م: (والظاهر بقاؤه إلى وقت وجود الشرط) ش: لأن الأصل في كل ثابت استمراره، خصوصاً النكاح الذي هو عقد العمر، ومجرد احتمال الزوال لا يلتفت إليه، لأنه ليس بناشئ عن الدليل، فلما صح تعليقه بالنظر إلى بقاء الملك ظاهراً وقع كلامه المعلق يميناً على أصلنا، لأن التعليقات ليست بإثبات في الحال عندنا، وإنما تنقلب أسباباً عند الشرط، وعلى أصل الشافعي إيقاعاً لأن للتعليقات أسباباً عنده في الحال والملك في الحال موجود. م: (فيصح) ش: أن تعليقه على الأصلين م: (يميناً) ش: أي من حيث أنه يمين عندنا م: (أو إيقاعاً) ش: أي أو صح من حيث الإيقاع عنده. وقال الكاكي: مستدلاً لأصحابنا في هذه المسألة، ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمجنون» وقد صح سنده، فلا يخرج ذلك من العموم بما لا يثبت، فإن أحاديثهم ضعيفة، وقد ضعفها ابن حنبل والقاضي أبو بكر بن العربي الأشبيلي، فقال أبو بكر: أحاديثهم ليس لها أصل في الصحة فلا يشتغل بها، ولهذا ما عمل بها مالك وربيعة والأوزاعي من أهل الحديث انتهى. قلت: هذا الحديث ذكره المصنف في فصل بعد طلاق السنة، وهذا حديث غريب، وكيف يقول الكاكي وقد صح سنده، وأعاده المصنف أيضاً في باب الحجر بلفظ المعتوه عوض المجنون. وأخرج الترمذي عن عطاء بن عجلان عن عكرمة بن خالد المخزومي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله» . وقال هذا حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث عطاء بن عجلان، وعطاء بن عجلان ضعيف ذاهب الحديث. [قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق] م: (ولا تصح إضافة الطلاق إلا أن يكون الحالف مالكاً) ش: يعني إلا إذا حلف في الملك م: (أو يضيفه) ش: أي أو يضيف الطلاق م: (إلى ملكه؛ لأن الجزاء لا بد أن يكون ظاهراً) ش: أي ظاهر الوجود أو غالب الوجود م: (ليكون) ش: أي الجزاء م: (مخيفاً) ش: أي بوقوع الجزاء فيما إذا كان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 414 فيتحقق معنى اليمين وهو القوة والظهور بأحد هذين، والإضافة إلى سبب الملك بمنزلة الإضافة إليه؛ لأنه ظاهر عند سببه. فإن قال لأجنبية إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم تزوجها فدخلت الدار لم تطلق؛ لأن الحالف ليس بمالك، وما أضافه إلى الملك أو سببه ولا بد من واحد منهما   [البناية] المقصود منه المنع بأن قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، فعلى تقدير الإقدام على دخول الدار يقع الطلاق، لأنه دار نفقتها وكفايتها، فكان وقوعه مطلقاً لها، فأما إذا كان للحمل بحرف الشرطية يدخل على المنهي، كما في قوله: إن لم تدخلي الدار فأنت طالق. فإن قيل: لو قال لها إن حضت فأنت طالق يصح مع أنه لا يكون فيها فائدة اليمين، وهو المنع لما أنها غير قادرة على منع حيضها. قيل: الاعتبار للغالب لا للنادر، لأن الكلام في الكليات لا في الأفراد والتخلف في الأفراد لا يضرنا، قيل فيه نظر، لأن الكلي ينبغي أن يكون شاملاً للأفراد، فإذا لم يشملها لا يكون كلياً، انتهى. قلت: السؤال والجواب للكاكي، والنظر للأترازي، ولكن فيه نظر لا يخفى على المتأمل. م: (فيتحقق معنى اليمين) ش: بالنصب عطفاً على قوله ليكون م: (وهو القوة) ش: أي قوة خوف نزول الجزاء والخوف إنما يحصل بكون الجزاء غالب الوجود عند الشرط م: (الظهور) ش: أي ظهور الجزاء م: (بأحد هذين) ش: وهو كون الحالف مالكاً أو مضيفاً إلى الملك م: (والإضافة إلى سبب الملك) ش: أي إضافة الطالق إلى سبب الملك وهو التزوج م: (بمنزلة الإضافة إليه) ش: أي إلى الملك، وذلك فيما إذا قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق. وهو بمنزلة إضافة الطلاق إلى الملك، لأن الجزاء جزء من الوجود عند وجود الشرط فيصير قوله: إن تزوجتك بمنزلة قوله: إن ملكتك بالتزويج م: (لأنه) ش: أي لأن الجزاء م: (ظاهر عند سببه) ش: أي عند سبب الملك. م: (فإن قال لأجنبية) ش: هذا تفريع على ما مهد من الأصل، يعني إذا قال الرجل لامرأة أجنبية: م: (إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم تزوجها فدخلت الدار لم تطلق؛ لأن الحالف ليس بمالك، وما أضافه إلى الملك أو سببه ولا بد من واحد منهما) ش: يعني الحالف في هذه المسألة لم يكن مالكاً ولا مضيفاً إلى الملك وسببه، ولا بد منهما. وقال ابن أبي ليلى: يقع التزوج إذا دخلت بعد التزوج، قيل كان ينبغي أن يقع الطلاق في هذه الصورة، لأن المعلق بالشرط كالمنجز عند وجوده. أجيب: بأن المعلق إنما يكون كالمنجز إذا صح التعليق، ولم يصح في هذه الصورة، ولا يقدر في تصحيح كلامه إن تزوجتك ودخلت الدار فأنت طالق؛ لأن كلامه صحيح بدون تقدير التزوج، ولا يخفى ذلك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 415 وألفاظ الشرط إن وإذا، وإذا ما، وكل، وكلما، ومتى، ومتى ما؛   [البناية] [ألفاظ الشرط في تعليق الطلاق] م: (وألفاظ الشرط) ش: إنما لم يقل حروف الشرط، لأن كلمة "إن" هو الحرف وحده، والباقي أسماه وكلمة م: (إن) ش: وهو الأصل في باب الشرط لدخوله على الفعل، وفيه حظر، بخلاف سائر الألفاظ، فإنها تدخل على الاسم وليس فيه حظر، فيرد لثلاثة معان أخرى: الأول: معنى المعنى نحو {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} [الملك: 20] (الملك: الآية 20) . الثاني: أن تكون مخففة من الثقيلة نحو {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102] (الأعراف: الآية 102) . الثالث: أن تكون زائدة نحو إن طبا حين. م: (وإذا) ش: اعلم أن إذا ترد على وجهين. أحدهما: أن تكون للمفاجأة، فتختص بالجملة الاسمية، نحو خرجت فإذا زيد. والأخرى: أن يكون ظرفاً للمستقبل متضمنة معنى الشرط، فيختص بالجملة الفعلية، ويكون الفعل بعدها ماضياً كثيراً أو مضارعاً دون ذلك. م: (وإذا ما، ومتى) ش: متى ترد على أربعة أوجه استفهام نحو {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة: 214] (البقرة: الآية 214) ، واسم شرط كقوله متى أضع العمامة تعرفوني، واسم مرادف للوسط، يقال وضعت متى كمي أوسط كمي. وحرف بمعنى من أدنى، وذلك في لغة هذيل، ويقولون أخرجها متى كمه، أي منه م: (ومتى ما) ش: دخلت ما في متى وكلاهما يلزمان م: (وكل) ش: لفظية "كل" اسم موضوع لاستغراق أفراد المنكر نحو قَوْله تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] (آل عمران: الآية 185) . والمعرف المجموع نحو قَوْله تَعَالَى {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ} [مريم: 95] (مريم: الآية 95) ، وأجزاء المفرد المعرف نحو كل زيد حسن م: (وكلما) ش: وقد ذكر المصنف ألفاظ الشرط هنا سبع كلمات. وفي " جوامع الفقه " حروف الشرط: إن، وإذا، ومتى، ومتى ما، ولولا. وقال ابن نفيس في " شرح المفصل ": الأسماء التي يجازى بها إحدى عشر: من، وما ومهما، وأي، والظروف: أين، وإن، ومتى، ومتى ما، وحيثما، وإذا، وإذا ما. زاد عليها في " المحلل في شرح الجمل " أيا وكيفما عند الكوفيين، ولم يذكروا كلاً وكلما. وجميعاً يجزم مثل أن. وفي الروضة للنووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الألفاظ التي تعلق بها الطلاق بالشرط من وإذ وإذا ومتى ومتى ما وكيفما وأي، وليس فيها ما يقتضي التكرار إلا كلما، وإنما لم يذكر المصنف كلمة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 416 لأن الشرط مشتق من العلامة وهذه الألفاظ مما تليها أفعال،   [البناية] لو مع أنه للشرط وضعاً، ذكر في شرح المفصل باعتبار أنه يعمل عمل الشرط معنى لا لفظاً، وغيرها يعمل لفظاً، وغيرها يعمل لفظاً ومعنى حتى يجزم في مواضع الجزم، وفي غير مواضع الجزم لزم دخول الفاء في جزائهن. م: (لأن الشرط مشتق من العلامة) ش: هذا الكلام لا يستقيم، لأن معنى الاشتقاق هو أن ينتظم الصيغتان معنى واحداً من لفظ الشرط ومن لفظ العلامة، غير أن الشراح تكلفوا وقالوا الشرط بالتحريك العلامة، فتقدير كلامه الشرط مشتق من العلامة، أي من الشرط الذي هو بمعنى العلامة. ثم اعلم أن الشرط مشتق من أشرط بفتح الراء الذي بمعنى العلامة، لا من شرط الحاكم وشرط اليمين فإنه بسكون الراء على شروط في الكثرة، وأشرط في القلة كفلوس وأفلس في جمع فلس. وأما الشرط بالتحريك فيجمع على أشراط، ومنه ذكر أشراط الساعة، أي علامتها، والشرط هنا عبارة عن أمر منتظر على حظر الوجود يقصد نفيه وإثباته، كقولك إن زرتني أكرمتك، وإن لم تشمتني أجبتك، فمن هذا يعرف أن كلمة إن هي الأصل في باب الشرط لدخولها على الفعل، وفيه حظر بخلاف سائر الألفاظ، فإنها تدخل على الاسم، وليس فيها حظر وإنما لمجازاة باعتبار تضمنها معنى إن، فكان ينبغي على هذا أن لا تستعمل كل في مجازاة الدخول على الاسم خاصة، إلا أن الاسم الذي يتعقبه يوصف بفعل لا محالة، فيكون ذلك الفعل في معنى الشرط، كقولك: كل عبد اشتريته فهو حر، وكل امرأة تزوجتها فهي طالق، فألحق كل بحرف الشرط. ثم اعلم أن الشروط شرعية وعقلية وعرفية ولغوية. فالشريعة كالضوء للصلاة، والعقلية كالحياة مع العلم، يلزم من وجود العلم وجود الحياة دون العكس. والعرفية، ويقال لها الشروط العادية أيضاً، كالسلم مع صعود السطح يلزم من وجود صعود السطح وجود نصب السلم. واللغوية مثل التعليقات كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق، فإنه يلزم من وجود الشرط وجود المشروط، فيلزم من دخول الدار وقوع الطلاق. م: (وهذه الألفاظ) ش: أي إن وإذا ...... إلى آخرها م: (مما تليها أفعال) ش: يستثنى منها كلمة كل، لأنها ليست شرطاً حقيقة، لأن ما يليها اسم الشرط يتعلق به الجزاء، والأجزية تتعلق بالأفعال، إلا أنه ألحق بالشرط لتعلق الفعل بالاسم الذي يليها مثل: كل عبد اشتريته، وكل امرأة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 417 فتكون علامات على الحنث، ثم كلمة إن حرف للشرط؛ لأنه ليس فيها معنى الوقت، وما وراءها ملحق بها، وكلمة "كل" ليست شرطا حقيقة؛ لأن ما يليها اسم، والشرط ما يتعلق به الجزاء، والأجزية تتعلق بالأفعال، إلا أنه ألحق بالشرط لتعلق الفعل بالاسم الذي يليها، مثل قولك: كل عبد اشتريته فهو حر. قال: ففي هذه الألفاظ إذا وجد الشرط انحلت اليمين وانتهت؛ لأنها غير مقتضية للعموم، والتكرار لغة فبوجود الفعل مرة يتم الشرط، ولا بقاء لليمين بدونه، إلا في كلمة "كلما"، فإنها تقتضي عموم الأفعال، قال الله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [النساء: 56] الآية (النساء: الآية 56) ، ومن ضرورة التعميم التكرار.   [البناية] أتزوجها، ولهذا لم يذكره النحاة في أدوات الشرط م: (فيكون علامات على الحنث) ش: أي فتكون الأفعال علامات على الحنث، أي على الجزاء. م: (ثم كلمة "إن" حرف للشرط) ش: أي خالص الشرط م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (ليس فيها معنى الوقت) ش: لكونها أصلاً في باب الشرط بدخولها على الفعل وفيه حظر. فإن قلت: قد جاء دخولها على الاسم أيضاً كقوله تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6] (التوبة: الآية 6) ، وقَوْله تَعَالَى {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [النساء: 176] (النساء: الآية 176) ، فينبغي أن يكون أصلاً. قلت: الفعل فيه مضمر يفسره الظاهر تقديره إن استجارك أحد، إن هلك امرؤ، وإنما حذف لئلا يلزم الجمع بين المفسر والمفسر. م: (وما وراءها) ش: أي ما وراء كلمة إن م: (ملحق بها) ش: أي بأن باعتبار تضمنها معنى إن م: (وكلمة "كل" ليست شرطاً حقيقة؛ لأن ما يليها) ش: أي لأن الذي يليها م: (اسم) ش: ولا يليها فعل م: (والشرط ما يتعلق به الجزاء، والأجزية تتعلق بالأفعال، إلا أنه ألحق بالشرط لتعلق الفعل) ش: أي لملازمة الفعل م: (بالاسم الذي يليها، مثل قولك كل عبد اشتريته فهو حر) ش: وكذا إذا قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (ففي هذه الألفاظ إذا وجد الشرط انحلت اليمين وانتهت؛ لأنها) ش: أي لأن هذه الألفاظ، أي إن وما ذكر معها م: (غير مقتضية للعموم والتكرار لغة، فبوجود الفعل مرة يتم الشرط ولا بقاء لليمين بدنه) ش: أي بدون الشرط، وذلك لأن اليمين تعليق جزاء معدوم، والشرط إذا انتهى بوجوده مرة، لعدم دلالة اللفظ على التكرار، لا يبقى اليمين لا محالة م: (إلا في كلمة "كلما"، فإنها تقتضي عموم الأفعال) ش: وفي بعض النسخ: تعميم الأفعال م: (قال الله تعالى {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [النساء: 56] ... الآية (النساء: الآية 56) ، م: (ومن ضرورة التعميم التكرار) ش: بخلاف سائر ألفاظ الشرط، فإنها تدل على جنس الفعل لا التكرار، وجنس الفعل يتحقق في المرة الواحدة، فإذا وجد الفعل مرة انحلت اليمين، ولا يقع الجزاء إذا وجد الفعل ثانياً لارتفاع اليمين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 418 قال فإن تزوجها بعد ذلك- أي بعد زوج آخر- وتكرر الشرط لم يقع شيء، لأن باستيفاء الطلقات الثلاث المملوكات في هذا النكاح لم يبق الجزاء، وبقاء اليمين به وبالشرط، وفيه خلاف زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وسنقرره من بعد إن شاء الله تعالى. ولو دخلت على نفس التزوج، بأن قال: كلما تزوجت امرأة فهي طالق، يحنث بكل مرة، وإن كان بعد زوج آخر؛ لأن انعقادها باعتبار ما يملك عليها من الطلاق بالتزوج، وذلك غير محصور. قال: وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها؛   [البناية] [تزوجها بعد زوج آخروتكررالشرط] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (فإن تزوجها بعد ذلك- أي بعد زوج آخر- وتكرر الشرط) ش: أي الدخول م: (لم يقع شيء؛ لأن باستيفاء الطلقات الثلاث المملوكات في هذا النكاح لم يبق الجزاء، وبقاء اليمين به وبالشرط) ش: أي بالجزاء وبالشرط؛ لأن اليمين ذكر شرط وجزاء. وفي " المنتقى " عن أبي يوسف لو قال كلما تزوجت امرأة فهي طالق فتزوجها مرة طلقت، ولو تزوجها ثانياً لا تطلق ولا يحنث، وفي هذا مرتين، كما في قوله: المرأة التي أتزوجها طالق. فالحاصل أن عند أبي يوسف أن كلما إذا دخلت على المعينة فوجب التكرار، وفي غير المعينة لا تقتضي، واستدل على ذلك بما لو قال كلما اشتريت هذا الثوب فهو صدقة في كذا، وسكنت هذه الدار فعلي صدقة، كذا يلزمه لكل مرة. ولو قال كلما اشتريت ثوباً أو ركبت دابة فعلي صدقة، كذا لا يلزمه إلا مرة، ذكره في " الذخيرة ". م: (وفيه خلاف زفر) ش: أي فيما إذا تزوجها بعد زوج آخر وتكرار الشرط خلاف زفر فعنده يقع الطلاق، وهو بناء على التخيير في مطلق التعليق عندنا، خلافاً له، وبه قال مالك والشافعي في "الجديد" وأحمد م: (وسنقرره من بعد إن شاء الله تعالى) ش: أي سنقرر خلاف زفر بعد، في قوله وإن قال لها إن دخلت الدار لم يقع شيء. م: (ولو دخلت) ش: أي لفظة كلما م: (على نفس التزوج، بأن قال كلما تزوجت امرأة فهي طالق يحنث بكل مرة) ش: لوجود الشرط أبدا م (وإن كان بعد زوج آخر) ش: وهذا واصل بما قبله م: (لأن انعقادها) ش: أي انعقاد اليمين م: (باعتبار ما يملك عليها من الطلاق بالتزوج) ش: أي بسبب التزوج م: (وذلك غير محصور) ش: ٍأي التزوج غير محصور، فلا يكون الطلاق محصوراً أيضاً، لأن وجود السبب متكرر يقتضي وجود المسبب متكرراً، بخلاف كلمة كل لأنه يوجب تعميم الأسماء بالأفعال. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (وزوال الملك بعد اليمين) ش: أي زوال ملك الرجل عن عصمة امرأته بأن طلقها بائنة بعد اليمين م: (لا يبطلها) ش: أي لا يبطل اليمين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 419 لأنه لم يوجد الشرط، فبقي والجزاء باق لبقاء محله، فبقي اليمين. ثم إن وجد الشرط في ملكه انحلت اليمين ووقع الطلاق؛ لأنه وجد الشرط، والمحل قابل للجزاء، فينزل الجزاء ولا تبقى اليمين لما قلنا. وإن وجد في غير الملك انحلت اليمين لوجود الشرط، ولم يقع شيء لانعدام المحلية. وإن اختلفا في الشرط فالقول قول الزوج، إلا أن تقيم المرأة البينة؛ لأنه متمسك بالأصل، وهو عدم وجود الشرط، ولأنه ينكر وقوع الطلاق وزوال الملك والمرأة تدعيه. وإن كان الشرط لا يعلم إلا من جهتها فالقول قولها في حق نفسها، مثل أن يقول إن حضت فأنت طالق وفلانة، فقالت: قد حضت طلقت هي ولم تطلق فلانة، ووقوع الطلاق استحسان،   [البناية] صورته: قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق ثم أبانها تبقى اليمين م: (لأنه لم يوجد الشرط، فبقي) ش: أي اليمين م: (والجزاء باق لبقاء محله) ش: لأن الثلاث لم توجد م: (فبقي اليمين) ش: كما كان في ذمة الحالف. م: (ثم إن وجد الشرط) ش: وهو دخول الدار م: (في ملكه) ش: يعني بعد أن تزوجها ثانياً. م: (انحلت اليمين) ش: لأن اللفظ لا يدل على التكرار، فبوجود الشرط مرة انتهت اليمين، بخلاف كلمة كلما م: (ووقع الطلاق؛ لأنه وجد الشرط، والمحل قابل للجزاء) ش: المحل هي المرأة والملك فيها موجود والجزاء ووقوع الطلاق م: (فينزل الجزاء ولا يبقى اليمين) ش: لأنها انتهت لعدم دلالة اللفظ على التكرار م: (لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله فبوجود الفعل مرة يتم الشرط م: (وإن وجد) ش: أي الشرط، وهو دخول الدار م: (في غير الملك) ش: يعني بعد زوال الملك قبل التزوج ثانياً م: (انحلت اليمين لوجود الشرط ولم يقع شيء) ش: من الطلاق م: (لانعدام المحلية) ش: أي محل الطلاق لعدم الملك. [اختلف الزوج والزوجة في وجود الشرط في الطلاق] م: (وإن اختلفا في وجود الشرط) ش: بأن قال الزوج لم يوجد الشرط ولم يقع الطلاق، وقالت الزوجة: قد وجد الشرط ووقع الطلاق، م: (فالقول قول الزوج) ش: لأن الأصل عدم الشرط والقول لمن يتمسك بالأصل م: (إلا أن تقيم المرأة البينة) ش: على وجود الشرط حينئذ يكون القول قولها م: (لأنه) ش: أي لأن الزوج م: (متمسك بالأصل وهو عدم وجود الشرط) ش: لدلالة الظاهر على ملك كالمدعى عليه إذا أنكر المال. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الزوج م: (ينكر وقوع الطلاق وزوال الملك والمرأة تدعيه) ش: أي تدعي وقوع الطلاق، فالقول قول الزوج إلا إذا أقامت المرأة البينة م: (وإن كان الشرط لا يعلم إلا من جهتها، فالقول قولها في حق نفسها) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في ظاهر مذهبه، ثم أوضح الذي لا يعلم إلا من جهتها بقوله م: (مثل أن يقول) ش: أي الزوج م: (إن حضت فأنت طالق وفلانة) ش: يعني ضرتها م: (فقالت: قد حضت طلقت هي ولم تطلق فلانة، ووقوع الطلاق استحسان، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 420 والقياس أن لا يقع؛ لأنه شرط فلا تصدق، كما في الدخول وجه الاستحسان أنها أمينة في حق نفسها، إذ لم يعلم ذلك إلا من جهتها، فيقبل قولها كما يقبل في حق العدة والغشيان، لكنها شاهدة في حق ضرتها، بل هي متهمة فلا يقبل قولها في حقها،   [البناية] والقياس أن لا يقع ش: أي الطلاق م: (لأنه) ش: أي لأن الحيض م: (شرط فلا تصدق) ش: أي المرأة م: (كما في الدخول) ش: أي في دخول الدار، فكان ينبغي أن يكون القول قول الزوج، ولا يقع الطلاق لأنه ينكر وقوعه متمسكاً بالأصل. م: (وجه الاستحسان أنها أمينة في حق نفسها) ش: لأن النساء أمينات بإظهار ما في أرحامهن مأمورات بذلك لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) ، م: (إذا لم يعلم ذلك إلا من جهتها) ش: لأنه لم يعلم الحيض إلا منها م: (فيقبل قولها) ش: في حقها م: (كما يقبل في حق العدة) ش: أي في انقضائها م: (والغشيان) ش: أي وكما قيل قولها في الغشيان، وإذا قالت أنا حائض حيث يجب الزوج عن غشيانها، وهو كناية عن الوطء. م: (لكنها) ش: أي لكن المرأة م: (شاهدة في حق ضرتها) ش: بوقوع الطلاق عليها م: (بل هي متهم) ش: لأنها ليست بأمينة في حق ضرتها م: (فلا يقبل قولها في حقها) ش: لأن شهادة المتهم مرودة، وهذا إذا كذبها الزوج. أما إذا صدقها يقع الطلاق على ضرتها أيضاً، قيل فيه بحث، وهو أن المرأة لا تخلو من الحيض وعدمه، والحال شمول طلاقها، وشمول عدمه لأنها إن كانت حائضة فقد وجد الشرط، ويقع طلاقها وإن لم تحض لم يوجد الشرط فلا يقع طلاق واحدة منهما. فأما أن يوجد الحيض في حقها دون ضرتها فإنه يستلزم كون الشيء موجوداً معدوماً في حالة واحدة وهو محال. وأجيب: بأن الشرع أثبت بقولها حضت في هذه الصورة وصفين متعاقدين الأمانة والشهادة، ورتب على ذلك حكمين بحسب اقتضائهما. وليس ذلك ببدع في الشرع، فإنه رتب على النكاح، وهو أمر واحد الحل للزوج والحرمة لغيره، وفيه نظر لأن الحل والحرمة لا يقتضي أحدهما الوجود والآخر العدم بخلاف ما نحن فيه. والجواب أن اقتضاء الوجود والعدم إنما هو بالنسبة إلى الحيض بعينه، وليس الكلام فيه لأنه أمر خفي لا يطلع عليه، وإنما الكلام في الأمر الدال عليه، وهو قولها: حضت وليس فيه اختلاف في مقتضى وجوده وعدمه، انتهى. قلت: هذا ذكره الأكمل ناقلاً عن كلام السغناقي، وهذا تطويل كان يكتفى عنه بشيء مختصر، بأن يقال الحيض أمر خفي لا يطلع عليه إلا الله تعالى، والمرأة هنا متهمة، والشرع رتب عليه الحكم بحسب ما يقتضيه ظاهر الحال. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 421 وكذا لو قال إن كنت تحبين أن يعذبك الله في نار جهنم فأنت طالق وعبدي حر، فقالت أحبه، أو قال إن كنت تحبيني فأنت طالق وهذه معك، فقالت أحبك. طلقت هي ولم يعتق العبد ولا تطلق صاحبتها، لما بينا ولا يتيقن بكذبها، لأنها لشدة بغضها إياه قد تحب التخليص منه بالعذاب، وفي حقها أن تعلق الحكم بإخبارها وإن كانت كاذبة ففي حق غيرها بقي الحكم على الأصل وهو المحبة.   [البناية] [قال لها إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم] م: (وكذا) ش: أي وكذا الحكم في أن القول قول المرأة في حقها دون حق غيرها م: (لو قال) ش: الزوج لامرأته: م: (إن كنت تحبين أن يعذبك الله في نار جهنم فأنت طالق وعبدي حر فقالت: أحبه) ش: فالقول قولها في حق نفسها فتطلق ولا يقبل في حق غيرها، فلا يعتق العبد. م: (أو قال) ش: أي أو قال زوج لامرأته: م: (إن كنت تحبيني) ش: يجوز بنون العماد وبتركه أيضاً لأنه ليس بلازم في المضارع الذي في آخره نون الإعراب م: (فأنت طالق وهذه معك) ش: وأشار بهذه إلى ضرتها وعبدي حر م: (فقالت: أحبك، طلقت هي) ش: أي المرأة المخاطبة ولم يعتق العبد ولم تطلق صاحبتها) وهي ضرتها، أطلق عليها صاحبتها باعتبار الظاهر. وفي الحقيقة هي عدوتها م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله أمينة في حق نفسها، شاهدة في حق ضرتها. م: (ولا يتيقن بكذبها لأنها لشدة بغضها إياه) ش: أي زوجها، والبغض ضد الحب واستعمل بمعنى الإبغاض، حيث ذكر له مفعولاً، وهو قوله: إياه، أي لشدة إبغاض المرأة زوجها. م: (قد تحب التخليص منه) ش: أي من الزوج م: (بالعذاب) ش: أي بعذاب نار جهنم، لأن الجاهل قد يختار عذاب الآخرة على صحبته من بغضه فلم يتيقن بكذبها م: (وفي حقها) ش: أي وفي حق المرأة المخاطبة م: (أن تعلق الحكم بٍإخبارها) ش: أن بفتح الهمزة يجوز أن تكون زائدة كما في قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ} [يوسف: 96] (يوسف: الآية96) . ويقال: لما أن جاء أكرمته، ويجوز أن تكون مصدرية، وأن تكون مخففة من الثقيلة على أن ضمير الشأن فيها مستتر. م: (وإن كانت كاذبة) ش: كلمة إن هذه بالكسر واصلة بما قبله م: (ففي حق غيرها بقي الحكم على الأصل، وهو) ش: أي الأصل م: (المحبة) . ش: وبقولنا قال الشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه، وعنه إن كذبها لا يقع. ولو قال لها: إن كنت تحبيني بقلبك فأنت طالق، فقالت أحبك بقلبي، أو قالت أحبك، وكذبها الزوج طلقت عندهما. وقال محمد: إن كانت كاذبة فيما بينها وبين الله تعالى لا تطلق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 422 وإذا قال لها: إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم لم يقع الطلاق حتى يستمر بها ثلاثة أيام، لأن ما ينقطع دونها لا يكون حيضا. فإذا تمت ثلاثة أيام حكمنا بالطلاق من حين حاضت؛ لأنه بالامتداد عرف أنه من الرحم فكان حيضا من الابتداء. ولو قال لها إذا حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر من حيضها؛ لأن الحيضة - بالهاء - هي الكاملة منها، ولهذا حمل عليه في حديث الاستبراء   [البناية] م: (وإذا قال لها إذا حضت فأنت طالق، فرأت الدم لم يقع الطلاق حتى يستمر بها ثلاثة أيام، لأن ما ينقطع دونها لا يكون حيضاً) ش: لأن ما دون ثلاثة أيام لا يكون حيضاً م: (فإذا تمت ثلاثة أيام حكمنا بالطلاق من حين حاضت لأنه) ش: أي لأن الذي رأته عن الدم م: (بالامتداد عرف أنه من الرحم فيكون حيضاً من الابتداء) ش: أي من أول الأمر، وفائدته تظهر في غير الموطوءة، فإنها لما رأت دماً وتزوجت بزوج آخر فاستمر بها الدم ثلاثة أيام، كان النكاح صحيحاً، ويظهر فيما إذا قال إن حضت فعبدي حر. والمسألة بحالها كان العبد حراً من حين رأت الدم، ويظهر في حق الجناية من العبد، وقيل يجب على المفتي أن يجيب بقوله كانت مطلقة من أول ثلاثة أيام إذا سئل بعد الاستمرار، ولا يقول يقع الطلاق لوهم فهم الحال والاستقبال. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو انقضى يوم وليلة يقع الطلاق وفيه وجه مشهور أنه يقع من أول الرواية، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال ابن المنذر: لا يعلم أحد قال غير ذلك إلا مالكاً وابن القاسم حيث قال فتنجيزه قبل الحيض، ولو كانت حائضاً لم يقع حتى تطهر ثم تحيض، وكذا لو قال للطاهرة: أنت طالق إذا طهرت لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر، وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله- ذكره في " المغني ". [قال لها إن حضت حيضة فأنت طالق] م: (ولو قال لها إن حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر من حيضها، لأن الحيضة بالهاء هي الكاملة منها) ش: أي من الحيضة، لأن الفعلة بالفتح للمرة، والمرة من الحيض لا يكون إلا بكماله وكماله بانتهائه وانتهاؤه بالطهر م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن الحيضة بالهاء هي الشيء الكامل أو الدم الكامل من الحيضة م: (حمل عليه) ش: أي على الكامل م: (في حديث الاستبراء) ش: أي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا توطأ الحبالى حتى يضعن حملهن، ولا الحبالى حتى يستبرئن بحيضة» . رواه أبو داود في "سننه " عن شريك عن قيس بن وهب عن أبي الدرداء عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في سبايا أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع ولا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 423 وكمالها بانتهائها، وذلك بالطهر، وإذا قال لها: أنت طالق إذا صمت يوما طلقت حين تغيب الشمس في اليوم الذي تصوم فيه؛ لأن اليوم إذا قرن بفعل ممتد يراد به بياض النهار، بخلاف ما إذا قال لها إذا صمت لأنه لم يقدره بمعيار، وقد وجد الصوم بركنه. ومن قال لامرأته إذا ولدت غلاما فأنت طالق واحدة، وإذا ولدت جارية فأنت طالق ثنتين،   [البناية] غير ذات حمل حتى تحيض حيضة» . ورواه الحاكم في " المستدرك "، وقال صحيح على شرط مسلم، وأعله ابن القطان في كناية شريك، وقال: إنه مدلس وهو ممن ساء حفظه بالقضاء. وروى أبو داود أيضاً من حديث رويفع بن ثابت الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها بحيضة» . وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه " من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن توطأ الحامل حتى تضع، أو الحامل حتى تستبرأ بحيض» انتهى. والأوطاس واد في بلاد هوازن وهو موضع حرب حنين. م: (وكمالها) ش: أي وكمال الحيضة م: (بانتهائها وذلك) ش: أي الانتهاء م: (بالطهر) ش: لأن الشيء ينتهي بضده، ثم الطهارة عن الحيض تثبت بالانقطاع عن العشرة بمضي العشرة، وفيما دونها تثبت بالاغتسال أو بمضي وقت صلاة، فما لم يثبت، أحدهما، لم يثبت الانقطاع، كذا في " مبسوط شيخ الإسلام "، ولهذا قالوا لو كان الطلاق في الأولى بدعياً. وكان في الثانية: سبباً لوقوعه في الطهر بعد الحيض، ذكره التمرتاشي. [قال لها أنت طالق إذا صمت يوما] م: (وإذا قال لها: أنت طالق إذا صمت يوماً، طلقت حين تغيب الشمس في اليوم الذي تصوم فيه، لأن اليوم إذا قرن بفعل ممتد يراد به بياض النهار) ش: والصوم فعل ممتد م: (بخلاف ما إذا قال: لها صمت) ش: يعني من غير زيادة عليه فإنها إذا شرعت في الصوم يقع الطلاق بمجرد الشروع م: (لأنه لم يقدره بمعيار) ش: أي لأن الزوج لم يقدر الصوم باليوم، والمراد من المعيار الوقت المثبت لقدر الفعل، حيث يطول بطوله ويقصر بقصره. ووقت الصوم للصوم معيار لا ظرف بخلاف الصلاة، فإن وقتها ظرف لا معيار كما ذكر في الأصول م: (وقد وجد الصوم بركنه) ش: وهو الإمساك عن المفطرات الثلاث نهاراً وركنه، وهو النية والطهارة من الحيض والنفاس. م: (ومن قال لامرأته إذا ولدت غلاماً فأنت طالق واحدة وإذا ولدت جارية فأنت طالق ثنتين، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 424 فولدت غلاما وجارية ولا يدري أيهما أول لزمه في القضاء تطليقة، وفي التنزه تطليقتان وانقضت العدة؛ لأنها لو ولدت الغلام أولا وقعت واحدة وتنقضي عدتها بوضع الجارية ثم لا تقع أخرى به؛ لأنه حال انقضاء العدة ولو ولدت الجارية أولا وقعت تطليقتان، وانقضت عدتها بوضع الغلام، ثم لا يقع شيء آخر به؛ لما ذكرنا أنه حال الانقضاء، فإذا في حال تقع واحدة، وفي حال تقع ثنتان، فلا تقع الثانية بالشك والاحتمال. والأولى أن يأخذ بالثنتين تنزها واحتياطا، والعدة منقضية بيقين لما بينا. وإن قال لها: إن كلمت أبا عمرو وأبا يوسف فأنت طالق ثلاثا، ثم طلقها واحدة فبانت وانقضت عدتها، فكلمت أبا عمرو ثم تزوجها، فكلمت أبا يوسف؛ فهي طالق ثلاثا مع الواحدة أولى.   [البناية] فولدت غلاماً وجارية، ولا يدري أيهما أول) ش: أي ولم يعلم أي الولدين ولد أولا. الغلام: اسم لذكر لم يبلغ، فإذا بلغ صار شاباً، والجارية اسم لأنثى لم تبلغ، وقد سمى الجارية غلاماً م: (لزمه في القضاء تطليقة، وفي التنزه) ش: التباعد عن السوء والتورع عن مظان الحرمة؛ لأن ترك وطء امرأة بحل وطأها خير من أن يطأ امرأة محرمة عليه حتى لو كانت عنده بتطليقتين لا تتزوج إلا بعد زوج آخر احتياطاً، كذا في " المبسوط ". م: (تطليقتان) ش: أي لزمه تطليقتان م: (وانقضت العدة) ش: بالولد الأخير م: (لأنها لو ولدت الغلام أولاً وقعت واحدة وتنقضي عدتها بوضع الجارية، ثم لا تقع أخرى به؛ لأنه حال انقضاء العدة) ش: والطلاق لا يقع مع انقضاء العدة، لأنه حال الزوال والمزيل لا يعمل حال الزوالٍ. م: (ولو ولدت الجارية أولاً وقعت تطليقتان وانقضت عدتها بوضع الغلام، ثم لا يقع شيء آخر به) ش: أي بوضع الغلام م: (لما ذكرنا أنه حال الانقضاء) ش: أي انقضاء العدة م: (فإذا في حال تقع واحدة، وفي حال تقع ثنتان فلا تقع الثانية بالشك والاحتمال، والأولى أن يأخذ) ش: على صيغة المعلوم، أي أن يأخذ الزوج، أو أن يأخذ القاضي أو يأخذ المفتي. م: (بالثنتين تنزهاً) ش: أي تورعاً م: (واحتياطاً) ش: واقتضاء فيها على التعليل. فقال الأترازي: ويجوز أن يقال بناء الغائب على صيغة المجهول بإسناد الفعل إلى الجار والمجرور م: (والعدة منقضية بيقين لما بينا) ش: أي لأنها لو ولدت الغلام؛ أولا تنقضي عدتها بوضع الجارية، ولو وضعت الجارية أولا تنقضي عدتها بوضع الغلام؛ لأنها الحامل عدتها بوضع الحمل بالنص. [الملك شرط لوقوع الطلاق] م: (وإذا قال إن كلمت أبا عمرو وأبا يوسف فأنت طالق ثلاثاً، ثم طلقها واحدة فبانت وانقضت عدتها، فكلمت أبا عمرو ثم تزوجها، فكلمت أبا يوسف؛ فهي طالق ثلاثاً مع الواحدة الأولى) ش: أي الطلقة الأولى التي تنجزها بعد التطليق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 425 وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقع. وهذه على وجوه، أما إن وجد الشرطان في الملك فيقع الطلاق وهذا ظاهر، أو وجدا في غير الملك فلا يقع في الملك والثاني في غير الملك، فلا يقع أيضا؛ لأن الجزاء لا ينزل على غير الملك فلا يقع، أو وجد الأول في غير الملك، والثاني في الملك، وهي مسألة الكتاب الخلافية، له اعتبار الأول بالثاني إذ هما في حكم الطلاق كشيء واحد. ولنا أن صحة الكلام بأهلية المتكلم إلا أن الملك يشترط حالة التعليق ليصير الجزاء غالب الوجود لاستصحاب الحال   [البناية] م: (وقال زفر: لا يقع، وهذه) ش: أي هذه المسألة م: (على وجوه) ش: الأولى: هي قوله م: (أما إن وجد الشرطان في الملك فيقع الطلاق، وهذا ظاهر) ش: أي وقوع الطلاق ظاهر لوجود الشرط في الملك، وهذا لا خلاف فيه. والثانية: هي قوله م: (أو وجدا) ش: أي الشرطان م: (في غير الملك فلا يقع) ش: أي الشرط الأول م: (في الملك والثاني) ش: أي وجد الشرط الثاني م: (في غير الملك فلا يقع) ش: أي الطلاق م: (أيضاً؛ لأن الجزاء) ش: وهو الطلاق م: (لا ينزل على غير الملك فلا يقع) ش: لأنه غير محل، وفيها خلاف ابن أبي ليلى، ذكره في " المبسوط ". والرابعة: وهي قوله م: (أو وجد الأول) ش: أي الشرط الأول م: (في غير الملك والثاني) ش: أي وجد الشرط الثاني م: (في الملك، وهي مسألة الكتاب الخلافية) ش: بيننا وبين زفر م: (له) ش: أي لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (اعتبار الأول بالثاني) ش: أي اعتبار الوصف الأول بالوصف الثاني، كذا فسره الأترازي، ثم قال: بيانه أن الوصف الثاني لو وجد في غير الملك لا ينزل الجزاء، فكذا إذا وجد الأول في غير الملك ينبغي أن لا ينزل الجزاء، لأن كلام أحدهما بعد الشرط كلام الآخر، وفي أحدهما يشترط الملك، فكذا في الآخر. وقال تاج الشريعة: قوله اعتبار الأول بالثاني، يعني أن الملك شرط لوقوع الطلاق عند وجود الشرط الثاني، فكذلك عند وجود الشرط الأول م: (إذ هما) ش: أي الشرطان م: (في حكم الطلاق كشيء واحد) ش: من حيث إنه لا يقع إلا بهما. م: (ولنا أن صحة الكلام بأهلية المتكلم) ش: أي صحة هذا الكلام الذي هو اليمين بأهلية المتكلم، وهو كونه عاقلاً بالغاً، وهي قائمة به فيكون صحة الكلام قائمة به، ومحله الذمة، فإذا كان كذلك كان ينبغي أن لا يشترط الملك وقت التعليق، فأجاب عن ذلك بقوله م: (إلا أن الملك يشترط حالة التعليق ليصير الجزاء غالب الوجود لاستصحاب الحال) ش: لأن استصحاب الحال عبارة عن إبقاء ما كان على ما كان لعدم الدليل المزيل، فإذا كان الملك باقياً عند وجود الشرط بالنظر إلى الاستصحاب ينزل الجزاء عنده غالباً، لأن الأصل في كل ثابت دوامه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 426 فيصح اليمين، وعند تمام الشرط لينزل الجزاء؛ لأنه لا ينزل إلا في الملك، وفيما بين ذلك الحال حال بقاء اليمين فيستغني عن قيام الملك إذ بقاؤه بمحله وهو الذمة، وإن قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا فطلقها ثنتين وتزوجها رجل آخر فدخل بها، ثم عادت إلى الأول، فدخلت الدار. طلقت ثلاثا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هي طالق ما بقي من الطلاق وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأصله أن الزوج الثاني يهدم ما دون الثلاث عندهما، فتعود إليه بالثلاث. وعند محمد وزفر - رحمهما الله- لا يهدم ما دون الثلاث فتعود إليه بما بقي من الطلاق، وسنبين من بعد إن شاء الله تعالى. وإن قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا، ثم قال لها: أنت طالق ثلاثا فتزوجت غيره ودخل بها ثم رجعت إلى الأول فدخلت   [البناية] وإن كان يحتمل الملك الزوال حينئذ، فإذا كان كذلك م: (فيصح اليمين) ش: لأن الجزاء الذي هو غالب الوجود يتحقق حينئذ فيحصل اليمين وهو القوة. م: (وعند تمام الشرط) ش: أي شرط بقاء الملك أيضاً عند تمام الشرط م: (لينزل الجزاء لأنه لا ينزل إلا في الملك) ش: ولا ينزل في غير الملك م: (وفيما بين ذلك الحال) ش: أي بين حالة التعليق، وتمام الشرط م: (حال بقاء اليمين فيستغني عن قيام الملك إذ بقاؤه) ش: أي بقاء اليمين م: (بمحله وهو الذمة) ش: أي ذمة الحالف، وإنما ذكر الضمير الراجع إلى اليمين، وإن كانت مؤنثة على تأويله التعليق، لأن تعليق الطلاق والعتاق بين عند الفقهاء. [قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا] م: (وإن قال لها) ش: أي وإن قال رجل لامرأته م: (إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثاً فطلقها ثنتين وتزوجها رجل آخر ودخل بها ثم عادت إلى الأول) ش: أي الزوج الأول م: (فدخلت الدار طلقت ثلاثاً عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-) ش: قال ابن المنذر هذا قول ابن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وبه قال عطاء وشريح والنخعي. وفي " المبسوط ": وهو وقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. م: (وقال محمد هي طالق ما بقي من الطلاق، وهو قول زفر) ش: وهو قول جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - والتابعين، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم- رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (وأصله) ش: أي أصل هذا الخلاف م: (أن الزوج الثاني يهدم ما دون الثلاث عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (فتعود إليه بالثلاث) ش: أي فتعود المرأة إلى الزوج الأول بثلاث تطليقات م: (وعند محمد وزفر لا يهدم ما دون الثلاث، فتعود إلى ما بقي من الطلاق وسنبين من بعد إن شاء الله تعالى) ش: أي في آخر فصل مما تحل به المطلقة. م: (وإن قال لها) ش: أي وإن قال رجل لامرأته م: (إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثاً، ثم قال له أنت طالق ثلاثاً فتزوجت غيره ودخل بها ثم رجعت إلى الأول) ش: أي إلى الزوج الأول م: (فدخلت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 427 الدار لم يقع شيء. وقال زفر والشافعي يقع الثلاث؛ لأن الجزاء ثلاث مطلق لإطلاق اللفظ، وقد بقي احتمال وقوعها، فيبقى اليمين. ولنا أن الجزاء طلقات هذا الملك؛ لأنها هي المانعة؛ إذ الظاهر عدم ما يحدث واليمين تنعقد للمنع أو للحمل، وإذا كان الجزاء ما ذكرناه وقد فات بتنجيز الثلاث المبطل للمحلية، فلا تبقى اليمين،   [البناية] الدار لم يقع شيء) ش: عند علمائنا الثلاثة. وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الجديد" على لمنصوص، ومالك وأحمد. وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على ذلك. م: (وقال زفر والشافعي) ش: في قوله م: (يقع الثلاث؛ لأن الجزاء ثلاث مطلق) ش: لأنه الثلاث المملوكات، فيتناول ثلاث طلقات مطلقاً، سواء كانت مملوكة في الحال أو مستحدثة في المآل م: (وذلك لإطلاق اللفظ) ش: واللفظ المطلق لا يتناول المقيد، لأنه ضده حكماً م: (وقد بقي احتمال وقوعها) ش: أي احتمال طلقات ثلاث مطلق م: (فتبقى اليمين) ش: فإذا وجد المحل يقع الجزاء، والدليل على أنه لم يصرف إلى الطلقات الثلاث المملوكات مسألة الهدم، فلو انصرف إلى الملك قائم يوقع بما بقي، وكما لو قال كلما تزوجتك فأنت طالق ثلاثاً فتزوجها بعد زوج آخر يبقى اليمين. وبدليل: ولو قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر فباعه ثم اشتراه ودخل الدار يعتق، فلو تقيد الجزاء بهذا الملك لما عتق، ولهذا لو قال إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي ثم طلقها ثلاثاً ثم عادت إليه بعد زوج آخر يكون مظاهراً عنها، وكيف يبطل التطليق التخيير، لأن ما صادفه التخيير طلاق، وما صافه التعليق ما يصير طلاقاً. م: (ولنا أن الجزاء طلقات هذا الملك) ش: بدلالة الحال م: (لأنها) ش: أي لأن طلقات هذا الملك. م: (هي المانعة إذا الظاهر عدم ما يحدث) ش: وكل ما كان مانعاً من وجود الشرط وحاملاً عليه فهو الجزاء م: (واليمين تنعقد للمنع أو للحمل) ش: وهنا عقدت للمنع، فيكون الجزاء هذا الملك. م: (وإذا كان الجزاء ما ذكرناه) ش: وهو قوله إن طلقات هذا الملك إلى آخره م: (وقد فات) ش: أي والحال أن الجزاء قد فات م: (بتنجيز الثلاث المبطل للمحلية) ش: يعني لا يبقى محلاً للطلاق. م: (فلا تبقى اليمين) ش: لأن بفوات محل الجزاء يبطل اليمين لفوات محل الشرط بأن قال إن دخلت هذه الدار فأنت طالق، ثم جعلت الدار بستاناً لا يبقى اليمين، فهذا مثله. فإن قلت: انعقاد اليمين لو انحصر في المنع والحمل لم يصح أن يقال إن حضت فأنت طالق، لأنه لا يتصور فيه منع ولا حمل لكون الحيض عارضاً سماوياً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 428 بخلاف ما إذا أبانها لأن الجزاء باق لبقاء محله. ولو قال لامرأته إذا جامعتك فأنت طالق ثلاثا فجامعها، فلما التقى الختانان طلقت ثلاثا، وإن لبث ساعة لم يجب عليه المهر، وإن أخرجه ثم أولجه وجب عليه المهر. وكذا إذا قال لأمته: إذا جامعتك فأنت حرة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أوجب المهر في الفصل الأول أيضا لوجود الجماع بالدوام عليه، إلا أنه لا يجب عليه الحد للاتحاد.   [البناية] قلت: أجيب: بأن الاعتبار للغالب الشائع دون النادر، وفيه نظر، لأن السؤال لم ينحصر في صورة الحيض حتى يكون نادراً، وإنما هو في الوجه كالمحبة والكراهة والجزع وغيره. والصواب: أن يقال إن الشرط في مثل ذلك هو إخبارها عن ذلك المحل، والمنع فيه متصور. م: (بخلاف ما إذا أبانها) ش: يتعلق بقوله - وقد فات بتخيير الثلاث - أي فات الجزاء بتخيير الثلاث المبطل للمحلية، بخلاف ما إذا أبانها بطلقة أو بطلقتين م: (لأن الجزاء باق لبقاء محله) ش: أي محل الجزاء، ولهذا إذا عادت إليه بعد زوج آخر عادت بطلقات ثلاث عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي مسألة الهدم، لأن في صورة الإبانة طلقة أو طلقتين يزول الحل لا الملك. والدليل على بقاء الملك أن الزوج الأول تزوجها بلا تحليل زوج آخر. والجواب عن مسألة الهدم أن اليمين بقيت ببقاء الجزاء، لأن اليمين لا ينقسم على الجزاء كما لا ينقسم على الشرط، ولما بقيت اليمين بالملكية صار كأنه قائل عند الدخول أنت طالق ثلاثاً، وهو يملك الثلاث فيقع. وعن مسألة العبد أن تعليق عتقه إنما لا يبطل اليمين بعد البيع، لأن محلية العتق لم تبطل بالبيع، وقد كان محلاً للعتق بصفة الرق، والرق باق بعد البيع، حتى إذا أعتقه لا يبقى اليمين لفوات المحل، وعن مسألة الظهار أن محل الظهار لم يفت بتنجيز الطلقات الثلاث، لأن حرمة الظهار غير الطلاق، لأن الأولى متناهية بالتكفير، والثانية بالزوج الآخر، وإنما لا يصير مظاهراً بعد التطليقات الثلاث، لأن الظهار تشبيه المحللة بالمحرمة ولا يتحقق ذلك إلا بالتزوج. [قال لامرأته إذا جامعتك فأنت طالق ثلاثا فجامعها] م (ولو قال لامرأته: إذا جامعتك فأنت طالق ثلاثاً فجامعها، فلما التقى الختانان طلقت ثلاثاً، وإن لبث ساعة لم يجب عليه المهر) ش: أي العقر، وهو مهر المثل م: (وإن أخرجه ثم أولجه) ش: من الإيلاج وهو الإدخال م: (وجب عليه المهر، وكذا) ش: أي وكذا لا يجب المهر باللبث والمكث م: (إذا قال لأمته: إذا جامعتك فأنت حرة. وعن أبي يوسف أنه أوجب المهر في الفصل الأول أيضاً) ش: وهو ما إذا لبث ساعة بعد الإدخال م: (لوجود الجماع بالدوام عليه) ش: أي على اللبث، ومعناه أنه جعل الدوام على اللبث بعد الدخول بمنزلة الدخول الابتدائي م: (إلا أنه لا يجب عليه الحد للاتحاد) ش: أي لاتحاد الإيلاج الحال مع اللبث الحرام من حيث المقصود، وهو قضاء الشهوة، فكان الجماع واحداً من وجه، وأوله غير موجب للحد، فسقط الحد ووجب العقر، لأنه الوطء المحرم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 429 وجه الظاهر أن الجماع إدخال الفرج في الفرج ولا دوام للإدخال، بخلاف ما إذا أخرج ثم أولج؛ لأنه وجد الإدخال بعد الطلاق، إلا أن الحد لا يجب بشبهة الاتحاد بالنظر إلى المجلس والمقصود، وإذا لم يجب الحد وجب العقر، إذ الوطء المحرم لا يخلو عن أحدهما. ولو كان الطلاق رجعيا يصير مراجعا باللباث عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لوجود المساس، ولو نزع ثم أولج صار مراجعا بالإجماع لوجود الجماع، والله تعالى أعلم بالصواب.   [البناية] لا يخلو عن عقر أو حد، وعلى هذا الخلاف إذا قال لأمته إن جامعتك فأنت حرة. م: (وجه الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية م: (أن الجماع إدخال الفرج في الفرج) ش: ولم يوجد ذلك بعد الطلقات والعتق م: (ولا دوام للإدخال) ش: حتى يكون لدوامه حكماً لابتداء، كمن حلف أن لا يدخل هذه الدار هو فيها لا يحنث باللبث ساعة، وكذا لو حلف لا يدخل فرسه الاصطبل وهو فيها فأمسكها فيه لا يحنث م: (بخلاف ما إذا أخرج ثم أولج، لأنه وجد الإدخال بعد الطلاق، إلا أن الحد لا يجب بشبهة الاتحاد) ش: أي بين الإخراج والإبلاج م: (بالنظر إلى المجلس) ش: أي بالنظر م: (والمقصود) ش: هو قضاء الشهوة. م: (وإذا لم يجب الحد وجب العقر) ش: أي مهر المثل. وفي ديوان الأدب: العقر مهر المرأة إذا وطئت على شبهة، والمراد منه المثل، وبه فسر العتابي العقر في " شرح الجامع الصغير " م: (إذ الوطء المحرم) ش: أي لأن الوطء المحرم م: (لا يخلو عن أحدهما) ش: أي عن أحد العقر والحد. م: (ولو كان الطلاق رجعياً يصير مراجعاً باللباث) ش: أي باللبث والمكث م: (عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافاً لمحمد) ش: فإنه لا يصير مراجعاً عنده، لأنه نظير الدخول والدوام على المدخول ليس بدخول م: (لوجود المساس) ش: وهو دليل أبي يوسف، وأي المقصود المساس بشهوة م: (ولو نزع ثم أولج صار مراجعا بالإجماع لوجود الجماع) ش: النزع: الإخراج والإيلاج: الإدخال، قال الله تعالى {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [لقمان: 29] (لقمان: الآية29) . فروع: لو قال أنت طالق إن دخلت الدار، كان شرطاً مثل "إن" عند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وروي ذلك عن أبي يوسف، وقيل لا يتعلق لأنها للمضي، كأنه قال أمس. وفي " جوامع الفقه " لا يقع. وقال بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يقع في الحال، ولا يتعلق. وكذا لو قال أنت طالق لولا دخولك الدار لا يقع. وفي " المغني " قال: أنت طالق أو دخلت الدار يقع وأو للمضي، ويحتمل أن لا يقع كقوله أمس، وعندنا يقع فيهما. وفي " جوامع الفقه " قال: ادخلي الدار وأنت طالق تطلق، لأن جواب الأمر كالشرط بالفاء. وفي " المبسوط " والذخيرة " قال: أدي إلى الفاء وأنت طالق لا يقع حتى تؤدي، لأنه جواب الأمر. وفي " المبسوط " لأن الواو للحال. ولو قال: أدي الفاء فأنت طالق يقع في الحال، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 430 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] لأن الفاء للتعليل. ولو قال إن وطئتك فيمينه على الجماع. وقال ابن قدامة: وعن محمد بن الحسن: يمينه على الوطء بالقدم. ولو قال أردت به الجماع لم يقبل، وقد غلط ابن قدامة في النقل عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فإن محمداً ذكر في " الجامع ": ولو قال لها إن وطئتك فهو على الجماع في فرجها بذكره، ولو نوى الدوس بالقدم لا يصدق في الصرف عن الجماع ويحنث بالدوس بالقدم أيضاً لاعترافه به على نفسه. ولو قال: إن وطئت من غير ذكر امرأة فهو على الدوس بالقدم وهو اللغة والعرف، وذلك باتفاق أصحابنا، ولو قال رجل لامرأة غيره إذا دخلت الدار فأنت طالق فبلغ الزوج فأجازه صح، حتى لو دخلت بعد الإجازة تطلق وبعدها لا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 431 فصل في الاستثناء وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله تعالى متصلا لم يقع الطلاق   [البناية] [فصل في الاستثناء] [قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله تعالى متصلا] م: (فصل في الاستثناء) ش: أي هذا فصل في بيان حكم الاستثناء وهو التكلم بالباقي بعد الاستثناء وهو الاستفعال من المثنى وهو العرف، يقال ثنيته أي عطفته، وألحق الاستثناء بالتعليق، لأنها في بيان التفسير، ولأن الشرط يمنع كل الكلام، والاستثناء بعضه، والجزء مقدم على الكل. م (وإذا قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله تعالى متصلاً لم يقع الطلاق) ش: قيل: كان ينبغي أن يذكر هذه المسألة في الفصل المتقدم، لأنها ليست باستثناء، بل هي تعليق. وأجيب: بأن التعليق - بمشيئة الله تعالى - شبهاً قوياً بالاستثناء بمنع حكم صدر الكلام عما كان قبل الاستثناء بحيث لا يتوقف وجوده على وجود الشرط، فكذا حكم صدر الكلام يمتنع أصلا في التعليق بمشيئة الله تعالى، ولا يتوقف على وجود الشرط، فلهذه المناسبة ذكر التعليق بالمشيئة في فصل الاستثناء. قوله: متصلا نصب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي قولاً متصلاً، والمراد من الاتصال أن لا يقطع قوله إن شاء الله تعالى قبل قوله أنت طالق بكلام آخر أو سكوت. وأما الفصل لانقطاع النفس فلا عبرة به لعدم إمكان التحرز عنه. ولو أتى بحروف الاستثناء بحيث لا يسمع يقع الاستثناء صحيحاً، وهو اختيار الكرخي، لأن السماع ليس بشرط صحة الكلام، ولهذا يصح استثناء الأصم، وإن لم يسمع هو أيضاً، وعلى شرط الاتصال جمهور العلماء، وهو قول الأئمة الأربعة، ومنهم من جوز الاستثناء ما لم يقم من المجلس، وبه قال الحسن البصري، وطاوس وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جوازه إلى مدة سنة، وعنه جوازه أبداً. وقال سعيد بن جبير: بعد أربعة أشهر. وقال قتادة: بعد سنتين. وقال أحمد: له الاستثناء ما دام في ذلك الأمر. ولو جرى على لسانه إن شاء الله من غير قصد لا يقع طلاقه، لأن الاستثناء وجد حقيقة، وهو صريح في بابه، والصريح لا يفتقر إلى النية كقوله أنت طالق ومطلقة وطلقتك، وفيه خلاف الشافعية. قوله: لم يقع الطلاق به قال طاوس وإبراهيم النخعي والحكم والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور، وهو قول عطاء ومجاهد والزهري والشعبي وحماد وعبد الرزاق وسعيد بن المسيب والأوزاعي وعثمان البتي، وبه قالت الظاهرية وأبو سليمان. وقال مالك ومكحول وقتادة وغيره قال أصحابنا: لا شيء عليه، وبه قال الشعبي وابن أبي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 432 لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من حلف بطلاق أو عتاق وقال إن شاء الله تعالى متصلا به فلا حنث عليه» .   [البناية] ليلى وإسحاق وأبو عبيد. وقال مالك: لا استثناء في الطلاق والعتاق والصدقة ويعتبر اليمين والنذر. وعند أحمد لا يرفع الطلاق خاصة ويرفع العتاق والأيمان، ثم اختلفوا في عمله أي في عمل الاستثناء فقال أبو يوسف إبطال، وبه قال بعض أصحاب الشافعي. وقال محمد: تعليق. وبه قال بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وتظهر ثمرة الخلاف فيما إذا قدم المشيئة فقال: إن شاء الله تعالى أنت طالق، فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لإبطال الكلام، سواء قدم أو أخر بحرف الفاء أو بغيره. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقع، لأنه للتعليق، فإذا قدم الشرط ولم يذكر حرف الجزاء لم يتعلق نفي الطلاق بلا شرط، كذا في " الجامع الكبير " لقاضي خان. وذكر في " الفتاوى الصغرى " الفتوى على قول أبي يوسف، وذكر في " الإيضاح " الاختلاف على العكس. ثم اختلف أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - في الطلاق المقرون بالاستثناء في موضع يقع الاستثناء هل يكون يمينا؟ قال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: يكون يمينا، حتى لو قال لها: إن حلفت بطلاقك فعبدي حر، ثم قال لها: أنت طالق - إن شاء الله - يحنث في يمينه عند أبي يوسف. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون يميناً ولا يحنث ولا يقع الطلاق، وكذا العتاق لو قال لعبده: إن حلفت بعتقك فأنت حر، ثم قال: أنت حر إن شاء الله تعالى. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (من حلف بطلاق أو عتاق وقال: إن شاء الله تعالى متصلا فلا حنث عليه) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا الحديث بهذا اللفظ غريب، وروى أصحاب السنن الأربعة من حديث أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه» بلفظ الترمذي وقال: هذا حديث حسن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 433 ولأنه أتى بصورة الشرط، فيكون تعليقا من هذا الوجه، ولأنه إعدام قبل الشرط، والشرط لا يعلم هاهنا، فيكون إعداما من الأصل، ولهذا يشترط أن يكون متصلا به،   [البناية] وقد روي عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - موقوفاً. وروي عن سالم عن ابن عمر موقوفاً، ولا نعلم أحداً رفعه غير أيوب السختياني، وقال إسماعيل بن إبراهيم: كان أيوب أحياناً يرفعه، وأحياناً لا يرفعه، ولفظ أبي داود فيه: فقد استثنى. وروى الترمذي والنسائي وابن ماجه عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن سليمان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لأطوفن الليلة به". وفيه لو قال: إن شاء الله تعالى لكان كما قال» . وروى ابن عدي في " الكامل" عن إسحاق بن أبي يحيى الكعبي عن عبد العزيز بن أبي داود عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: من قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله، أو لغلامه أنت حر أو علي المشي إلى بيت الله إن شاء الله فلا شيء عليه، وهو معلول بإسحاق الكعبي. فإن قلت: ليس في الحديث الذي رواه أصحاب "السنن" متصلاً به، وقد روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لأغزون قريشاً " ثم قال بعد سنة: "إن شاء الله تعالى» . قلت أجيب: بمنع صحة هذا وبعد التسليم بصحته نقول: إن الاستثناء كان من قوله لأغزون قريشاً الذي سبق قبل سنة، لأنه يحتمل أن الاستثناء كان منه، لكن لا نسلم أن قصد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان من قوله: "لأغزون" الاستثناء فلم يجز أن يكون قصده الاستدراك المأمور به الثابت من قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إلا أن يشاء الله} [الكهف: 24] {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] (الكهف: الآيتان 23، 24) . م: (ولأنه) ش: أي ولأن المستثني بكسر النون م: (أتى بصورة الشرط) ش: أي بحرف صريح دون حقيقة الشرط، لأن حقيقة الشرط عبارة عما يكون على خطر وتردد ومشيئة الله تعالى ليست كذلك لثبوتها قطعا أو انتفائها كذلك، وما هو كذلك م: (فيكون تعليقاً من هذا الوجه) ش: يعني من حيث الصورة م: (ولأنه) ش: أي قوله: إن شاء الله تعالى م: (إعدام) ش: للعلية م: (قبل) ش: وجود م: (الشرط، والشرط) ش: وهو مشيئة الله تعالى م: (لا يعلم هاهنا) ش: أي في صورة التعليق بمشيئة الله تعالى لأنا لا نطلع عليها م: (فيكون إعداماً) ش: أي للجزاء م: (من الأصل) ش: أي من ابتداء العدم العلم بالمشيئة، فصار كأنه لم يقل أنت طالق أصلاً، فكان إبطالاً للكلام. م: (ولهذا) ش: أي ولأن في الاستثناء معنى الشرط م: (يشترط أن يكون متصلاً به) ش: وعليه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 434 بمنزلة سائر الشروط. ولو سكت يثبت حكم الكلام الأول، فيكون الاستثناء أو ذكر الشرط بعده رجوعا عن الأول. قال: وكذا إذا ماتت قبل قوله إن شاء الله تعالى، لأن بالاستثناء خرج الكلام من أن يكون إيجابا، والموت ينافي الموجب دون المبطل، بخلاف ما إذا مات الزوج، لأنه لا يتصل به الاستثناء   [البناية] جمهور العلماء، وقد ذكرنا الخلاف فيه عن قريب م: (بمنزلة سائر الشروط) ش: لكونه بيان تغيير، وشرطه هو الاتصال. [قدر النفس بين قوله أنت طالق وبين قوله إن شاء الله] م: (ولو سكت) ش: أي المتكلم زيادة على قدر النفس بين قوله: أنت طالق وبين قوله: إن شاء الله م: (يثبت حكم الكلام الأول) ش: وهو وقوع الطلاق، لأنه لا يصح الاستثناء المنفصل على مذهب الجمهور م: (فيكون الاستثناء) ش: على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والاستثناء بالنصب، لأنه يكون بالتعليق بمشيئة الله تعالى استثناء عن الكلام الأول، ويجوز بالرفع على أن تكون تامة أو ناقصة يكون خبرها الجار والمجرور، أعني قوله عن الأول م: (أو ذكر الشرط) ش: على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أي ويكون ذكر الشرط وهو قوله: إن شاء الله م: (بعده) ش: أي بعد قوله: أنت طالق م: (رجوعاً عن الأول) ش: أي عن الكلام الأول. وإنما قلنا لكون الاستثناء على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشرط على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن محمداً يقول: إن قوله إن شاء الله إعدام، لأنه بمنزلة الاستثناء. وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إنه شرط، ولهذا قال في " الفتاوى الصغرى " أنت طالق إن شاء الله فهو يمين عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى لو قال لامرأته إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال لها أنت طالق إن شاء الله يحنث عند أبي يوسف، وعند محمد لا يكون يميناً حتى لا يحنث به عنده. م: (قال: وكذا إذا ماتت) ش: وفي بعض النسخ وكذا إن ماتت، وليس فيه لفظ قال: وهو معطوف على قوله: لم يقع في أول الفعل، يعني إذا ماتت المرأة بعد قوله: أنت طالق م: (قبل قوله: إن شاء الله تعالى) ش: أي لا يقع الطلاق م: (لأن بالاستثناء خرج الكلام من أن يكون إيجاباً) ش: فإذا بطل الإيجاب بطل الحكم م: (والموت ينافي الموجب) ش: جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: الموت ينافي قوله: أنت طالق حتى لا يقع الطلاق به بعد موتها، فينبغي أن يكون منافياً للاستثناء وهو المبطل، فيقع الطلاق. فأجاب بقوله: الموت ينافي الموجب، وهو قوله: أنت طالق م: (دون المبطل) ش: وهو الاستثناء، أعني قوله: إن شاء الله، لأن الموجب يستدعي المحل، ولهذا لو قال لامرأته: أنت طالق واحدة كانت قبل قوله واحدة لا يقع، لأن الموت ينافي المحلية، والاستثناء يبطل، وأنه يستدعي صحة الإيجاب الذي يقوم بالزوج، والموت يلائمه في الإبطال. م: (بخلاف ما إذا مات الزوج لأنه لا يتصل به الاستثناء) ش: أي بخلاف ما إذا مات الزوج قبل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 435 وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة طلقت ثنتين، وإن قال إلا ثنتين طلقت واحدة.   [البناية] قوله إن شاء الله، حيث يقع الطلاق، لأنه لم يتصل المغير وهو الاستثناء بأول كلامه فإنما يعلم إرادة الاستثناء بقوله قبل ذلك: إني أطلق امرأتي وأستثني. [قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة] م: (ولو قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة طلقت ثنتين، وإن قال: إلا ثنتين) ش: أي وإن قال: أنت طالق ثلاثاً إلا ثنتين م: (طلقت واحدة) ش: وفي ذكر المثالين إشارة إلى القليل والكثير سواء، خلافاً للفراء، فإنه لا يجوز الأكثر ويدعي أنه لم تتكلم به العرب. وفي " الغاية ": ذهب النحاة من أهل الكوفة والبصرة إلى أن استثناء الأكثر غير جائز، واختلفوا في جواز استثناء النصف، وتبعه أحمد فيها، وذهب بعض المالكية إلى هذا أيضاً، وفي " البدائع " " والميزان " روي عن أبي يوسف وهو قول الفراء أنه لا يجوز استثناء الأكثر من الأقل، وصوابه من الكل. وفي " الإسبيجابي " روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز استثناء الأكثر وهو الصواب، وزعموا أن العرب لم يوجد في كلامهم له (علي عشرة إلا تسعة) ، ولم تتكلم به، ولا يصح استثناء الكل من الكل، وذكر ابن طلحة في مختصره المعروف " بالمدخل " قولين في جواز استثناء الكل من الكل. وقال الأموي: منع بعض أهل اللغة استثناء العقد، ولا يقال: له علي مائة إلا عشرة إلا خمسة. وذكر أبو بكر من الحنابلة أن الاستثناء لا يكون في الطلاق، فإذا قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة وقع الثلاث وهذا باطل. ولو قال: أنت طالق أربعاً إلا ثلاثاً صح الاستثناء ويقع واحدة. وفي " المحيط ": لو قال: أنت طالق ثنتين وثنتين إلا ثنتين إن نوى استثناء الأولى والأخيرة لا يصح، لأنه استثنى الكل فيقع الثلاث، وإن نوى واحدة من الأولى وواحدة من الثانية صح ويقع ثنتان، وكذا عند عدم النية، خلافاً لزفر وأحمد - رحمهما الله -، وفي " الذخيرة ": وهذا قول أبي يوسف. وروى هشام عن محمد: لو قال: أنت طالق ثنتين وثنتين إلا ثلاثاً يقع الثلاث، لأنه نوى استثناء الكل. ولو قال: ثلاثاً إلا نصفا يقع ثنتان عند أبي يوسف، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقع الثلاث، وبه قال مالك والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ولو قال: أنت طالق واحدة ونصفا إلا واحدة ونصفا يقع ثنتان عند أبي يوسف، وهو رواية عن محمد، وعنه يقع واحدة. وفي " الذخيرة " قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة وواحدة بطل الاستثناء ووقع الثلاث عند أبي حنيفة، وعندهما يقع ثنتان. وعن أبي يوسف يقع واحدة. ولو قال: أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا ثلاثاً بطل الاستثناء. ولو قال: أنت طالق ثنتين وواحدة وواحدة وثنتين إلا ثنتين فهي ثلاث. ولو قال: أنت طالق واحدة وثنتين إلا واحدة يقع ثنتان، ويصير مستثنياً الواحدة من الثنتين. ولو قال: ثنتين وأربعاً إلا خمسا يقع الثلاث، ذكره القدوري. وفي " المنتقى " قال: أنت طالق ثلاثاً وثلاثا إلا أربعا فهي ثلاث عند أبي حنيفة، ويرى عن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 436 والأصل أن الاستثناء تكلم حاصل بعد الثنيا هو الصحيح، ومعناه أنه تكلم بالمستثنى منه، إذ لا فرق بين قول القائل لفلان علي درهم وبين قوله عشرة إلا تسعة، فيصح استثناء البعض من الجملة لأنه يبقى التكلم بالبعض بعده، ولا يصلح استثناء الكل من الكل لأنه لا يبقى بعده شيء ليصير متكلما به وصارفا اللفظ إليه،   [البناية] محمد ويصير قوله: وثلاثاً ثانياً لغوا فاصلا. وقال أبو يوسف: تطلق ثنتين، وهو الظاهر من قول محمد. ولو قال: أنت طالق عشراًِ إلا أربعا إلا تسعا يقع واحدة. ولو قال: إلا ثمانيا يقع ثنتان، ولو قال إلا سبعا يقع الثلاث، ولو قال هذه طالق وهذه طالق إلا هذه كان الاستثناء باطلاً. ولو قال: أنت طالق خمساً إلا واحدة يقع الثلاث. وفي وجه للحنابلة يقع ثنتان. [قال كل نسائي طوالق إلا زينب وعمرة وبكرة وسلمى] م: (والأصل أن الاستثناء تكلم بالحاصل بعد الثنيا) ش: بضم الثاء المثلثة وسكون النون وهو اسم بمعنى الاستثناء، ومعناه إن صدر الكلام بعد الاستثناء يصير عبارة عما وراء الاستثناء يدل عليه قَوْله تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] (العنكبوت: الآية14) ، معناه: لبث فيهم تسع مائة وخمسين عاماً م: (هو الصحيح) ش: احترز عما قال البعض: إنه إخراج، وفيه معنى المعارضة، وهو صفة الأصول. م: (ومعناه) ش: أي معنى الثنيا م: (أنه تكلم بالمستثنى منه، إذ لا فرق بين قول القائل لفلان علي درهم، وبين قوله عشرة إلا تسعة فيصح استثناء البعض من الجملة، لأنه يبقى التكلم بالبعض بعده ولا يصح استثناء الكل من الكل، لأنه لا يبقى بعده شيء ليصير متكلما به وصارفا اللفظ إليه) ش: الضمير في: بعده، يرجع إلى استثناء الكل، وفي: به يرجع إلى شيء، وكذا في: إليه وهذا كما إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً تطلق ثلاثاً لبطلان الاستثناء. وقال شمس الأئمة السرخسي في "مبسوطه ": وعن بعض مشايخنا أن استثناء الكل رجوع، وأن الرجوع عن الطلاق باطل، وليس كذلك لأنه يبطل استثناء الكل من الوصية، مع أن الوصية تحتمل الرجوع. وذكر المصنف في "زياداته" إذا استثنى الكل من الكل إنما لا يصح إذا كان بمعنى ذلك اللفظ، وأما إذا استثنى بغير ذلك اللفظ فيصح، وإن كان استثناء الكل من الكل من حيث المعنى، فإنه لو قال: كل نسائي طوالق إلا كل نسائي لا يصح الاستثناء، بل يطلق كلهن. ولو قال: كل نسائي طوالق إلا زينب وعمرة وبكرة وسلمى لا تطلق واحدة منهن، وإن كان هو استثناء الكل من الكل، وهذا لأن الاستثناء تصرف لفظي، فيصح فيما صح فيه اللفظ كلما استثنى الجزء عن الكل، وصح لفظاً، فكذا فيما بقي، فلو كان الاستثناء يتبع الحكم الشرعي لما صح في قوله: أنت طالق عشراً إلا تسعاً، لأنه لا يزيد على الثلاث شرعاً وهو الصحيح بلا خلاف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 437 وإنما صح الاستثناء إذا كان موصولا به كما ذكرنا من قبل، وإذا ثبت هذا ففي الفصل الأول بقي منه "ثنتان" فيقعان، وفي الثاني "واحدة" فتقع واحدة، ولو قال إلا ثلاثا يقع الثلاث لأنه استثناء الكل من الكل، فلم يصح الاستثناء، والله أعلم.   [البناية] م: (وإنما صح) ش: أي الاستثناء م: (إذا كان موصولاً به) ش: أي بالاستثناء م: (لما ذكرنا من قبل) ش: أي في قوله: أنت طالق إن شاء الله يعني كما لا يصح قوله: إن شاء الله إلا متصلاً، لا يصح قوله: أنت طالق إلا واحدة، وقوله: إلا ثنتين إلا متصلاً. م: (وإذا ثبت هذا ففي الفصل الأول) ش: أراد به استثناء الواحدة من الثلاث م: (بقي منه) ش: أي بقي من المستثنى منه م: (ثنتان فيقعان، وفي الثاني) ش: أي في الفصل الثاني، أراد به استثناء الثنتين من الثلاث م: (واحدة فتقع واحدة. ولو قال: إلا ثلاثاً يقع الثلاث) ش: يعني إذا قال: أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً يقع الثلاث م: (لأنه استثناء الكل من الكل، فلم يصح الاستثناء) ش: لعدم بقاء شيء بعد الاستثناء، ويصير الكلام عبارة عنه، والله أعلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 438 باب طلاق المريض إذا طلق الرجل امرأته في مرض موته طلاقا بائنا فمات وهي في العدة ورثته، وإن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث لها   [البناية] [باب طلاق المريض] [طلق الرجل امرأته في مرض موته طلاقا بائنا فمات وهي في العدة] م: (باب طلاق المريض) ش: أي هذا باب في بيان أحكام طلاق المريض، ولما فرغ من بيان طلاق الصحيح شرع في بيان طلاق المريض، لأن المرض عارض، والأصل عدمه، والمرض معنى يزول بحلوله في بدن الحي اعتدال الطبائع. م: (وإذا طلق الرجل امرأته في مرض موته طلاقاً بائناً فمات وهي في العدة ورثته) ش: أي ورثت المرأة زوجها المطلق ميراثها الشرعي م: (وإن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث لها) ش: في هذه أربعة عشر قولاً: الأول: أنه يقع طلاقه، وعزاه ابن حزم إلى عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. الثاني: يقع طلاقه وترثه بشرط قيام العدة، وهو قول عمر، وابنه، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وبه قال المغيرة، والنخعي، وابن سيرين، وعروة، والشعبي، وشريح، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وطاوس، والأوزاعي، وابن شبرمة، والليث بن سعد، وسفيان الثوري، وحماد بن أبي سليمان والحارث العكلي. الثالث: ترثه ما لم تتزوج زوجاً آخر، وإن انقضت عدتها، وهو قول ابن أبي ليلى، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد. الرابع: ترثه، وإن تزوجت عشرة أزواج، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والليث في رواية عنه، وذكره ابن رشيد في " الفوائد ". الخامس: ترثه ويرثها، وبه قال الحسن البصري. السادس: إن صح منه، ومات من مرض آخر لا ترثه عندنا. وقال الزهري والثوري والأوزاعي وزفر وأحمد وإسحاق: ترثه إن مات قبل انقضاء عدتها منه، ذكره عنهم ابن حزم في " المحلى ". السابع: ترثه ويرثها إذا كان لها حمل أو قصد المضارة، وهو قول عروة بن الزبير. الثامن: ترثه وتنتقل عدتها إلى عدة الوفاة ما لم تنكح، وبه قال الشعبي. التاسع: تعتد بأبعد الأجلين من ثلاث حيض أو أربعة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 439 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا ترث في الوجهين، لأن الزوجية قد بطلت بهذا العارض وهي السبب، ولهذا لا يرثها إذا ماتت، ولنا أن الزوجية سبب إرثها في مرض موته، والزوج قصد إبطاله، فيرد عليه قصده بتأخير عمله إلى زمان انقضاء العدة دفعا للضرر عنها، وقد أمكن؛ لأن النكاح في العدة يبقى في حق بعض الآثار،   [البناية] العاشر: ترثه قبل الدخول، وعليها العدة، وهو قول الحسن وإسحاق وأبي عبيد ( .... ) . الثاني عشر: لو خيرها فطلقت نفسها ثلاثاً أو اختلعت منه أو حلف بطلاقها على دخولها الدار، وهو صحيح عند الحلف مريض عند الدخول أو قال وهو صحيح: إن قدم فلان، فأنت طالق ثلاثاً فقدم وهو مريض طلقت ثلاثاً، لا ترثه عندنا وعند مالك: ترثه في الكل. الثالث عشر: يجب الصداق لها كاملاً، ولا ميراث لها ولا عدة عليها، وبه قال جابر بن زيد. الرابع عشر: لا ترثه أصلاً قبل الدخول وبعده، وهو قول الظاهرية وأبي ثور، واختاره ابن المنذر في الأشراف، وهو الجديد للشافعي. وفي القديم: الزوج فار والميراث فيه ثلاثة أقوال: الأول: مثل قولنا. الثاني: مثل قول أحمد. والثالث: مثل قول مالك أبداً. م: (وقال الشافعي: لا ترث في الوجهين) ش: أي قبل العدة وبعدها. وفي شرح الأقطع والشافعي أقوال: أحدها: أنها لا ترث في الوجهين، سواء مات في العدة أو بعد العدة، والآخر: أنها ترث ما لم تتزوج بزوج آخر، وإن انقضت العدة، وهو قول مالك. والآخر: أنها ترث وإن تزوجت بزوج آخر، وهو قول ابن أبي ليلى م: (لأن الزوجية قد بطلت بهذا العارض) ش: أي بعارض الطلاق البائن م: (وهي السبب) ش: أي الزوجية هي سبب الميراث. م: (ولهذا) ش: إيضاح لقوله: لأن الزوجية بطلت بهذا العارض م: (لا يرثها إذا ماتت) ش: لأن سبب الإرث قد زال، فلا يثبت الحكم بلا سبب. م: (ولنا أن الزوجية سبب إرثها في مرض موته، والزوج قصد إبطاله) ش: أي إبطال إرثها (فيرد عليه قصده) ش: أي يرد على الزوج قصده، وهو قصد إبطال الإرث م: (بتأخير عمله) ش: أي عمل الطلاق م: (إلى زمان انقضاء العدة دفعاً للضرر عنها) ش: أي لأجل دفع الضرر عن المرأة، وكأن الطلاق لم يوجد في حق الإرث م: (وقد أمكن) ش: جواب عما يقال: إن كان سبب تأخير العمل دفع الضرر عنها، وجب أن يستوي في ذلك الموطوءة وغيرها وما قبل انقضاء العدة وما بعدها، فأجاب بقوله: وقد أمكن دفع الضرر، وتقديره إنما يصح توريثها منه إذا أمكن تأخير عمل الطلاق، ليكون السبب وهو النكاح قائماً، وقد أمكن ذلك إلى زمان انقضاء العدة. م: (لأن النكاح في العدة يبقى في حق بعض الآثار) ش: من حرمة التزويج وحرمة الخروج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 440 فجاز أن يبقى في حق إرثها عنه، بخلاف ما بعد انقضاء العدة، لأنه لا إمكان، والزوجية في هذه الحالة ليست بسبب لإرثه عنها، فتبطل في حقه خصوصا إذا رضي به   [البناية] والبروز، وحرمة نكاح الأخت ونكاح أربعة سواها م: (فجاز أن يبقى في حق إرثها منه) ش: دفعاً للضرر عنها م: (بخلاف ما بعد انقضاء العدة؛ لأنه لا إمكان) ش: أي لا إمكان لتأخير عمل الطلاق، لعدم بقاء النكاح أصلاً م: (والزوجية في هذه الحالة) ش: هذا جواب عن قوله: ولهذه لا يرثها إذا ماتت أي الزوجة فيما إذا كان الزوج مريضاً مرض الموت م: (ليست بسبب لإرثه عنها) ش: لأنه لم يتعلق حقه بمالها لكونها صحيحة (فتبطل في حقه) ش: قال السغناقي: فيبطل بالنصب لأنه جواب النفي. وقال الأكمل: وقال بعض الشارحين بالرفع لا غير، ولكل منهما وجه خلا قوله: لا غير، فإنه لا وجه له، انتهى. قلت: أراد بقوله: بعض الشارحين الأترازي، فإنه قال في شرحه: فقوله يبطل في حقه بالرفع لا غير، أي فتبطل الزوجية بالطلاق البائن في حق الرجل حقيقة وحكما، فلا يرثها إذا ماتت لبطلان الزوجية أصلاً، بخلاف ما إذا مات الزوج حيث ترثه المرأة، لأن الزوجية وإن بطلت بالطلاق البائن حقيقة جعلت باقية في حقها دفعاً للضرر عنها، لأنه قصد إبطال حقها. ولا يجوز أن يقال بالنصب جواباً للنفي، لأنه حينئذ ينعكس الغرض، لأنه يكون معناه: لو كانت الزوجية سبب إرث الزوج عنها لبطلت، ولكنها ليست بسبب، فإذا لم تبطل الزوجية يجب أن يرثها ولا يقول به أحد لا نحن ولا الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، والذي وقع في بعض الشروح بنصب اللام سهواً، انتهى. قلت: الكاكي تبع السغناقي فقال: فيبطل بالنصب، لأنه جواب النفي، والذي قاله الأكمل هو الوجه، فافهم. م: (خصوصاً إذا رضي به) ش: أي لا سيما أن الزوج إذا رضي بحرمانه من الإرث، حيث أقدم على الطلاق. واعلم أن أصحابنا استدلوا في هذا الباب بالنقل والعقل، وصاحب الهداية لم يذكر شيئاً من النقل، فنقول بإجماع الصحابة توريث امرأة الفار، بيانه أن عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - طلق امرأته تماضر في مرض موته فورثها عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، فحل محل الإجماع. فإن قلت: لا نسلم الإجماع، لأنه روي عن عبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - في حديث تماضر أنه قال: لو كان الأمر إلي لما ورثتها. قلت: أجيب: بأنه قد صح عن ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنه قال هذا الكلام في وقت إمارته بعد سبق الإجماع، والخلاف المتأخر لا يرفع الإجماع السابق، ولئن سلمنا أنه قاله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 441 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقت توريث تماضر، فنقول: ما ورثها لخفاء وجه الاستحسان عليه، أو نقول: كانت تماضر سألت الطلاق فاعتقد ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن سؤالها يسقط الإرث، وبه نقول، ولكن عثمان إنما ورثها عند وجود سؤال الطلاق فعند عدمه أولى. انتهى. وفي السروجي: وأجابوا عن قول ابن الزبير في خلافته: لو كنت أنا لم أقل بتوريثها إن لم يكن في ذلك الوقت من الفقهاء. وفي " البدائع ": وكان الإجماع قد انعقد على ذلك، وخلافه بعد وقوع الإجماع من الصحابة لا يقدح فيه، لأن انقراض العصر ليس بشرط لصحة الإجماع، أو خالفه لتوريثه بعد سؤالها، وقد روي ذلك، ولعل عثمان كان يرى أن ذلك لا يسقط إرثها، وفي " الجوهر " و" المحلى " في رواية كان توريث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعد انقضاء العدة، وروى هشام عن أبي مسلم عن أبيه أنه كان بعد العدة، وروى عنه أبو عمر أنه كان في العدة، وقال ابن حزم وعمر: هذا ضعيف، لكن ثبت من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبي مليكة أنه سأل عبد الله بن الزبير قال: طلق عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بنت الأصبع الكلبية فبتها، ثم مات في العدة فورثها عثمان، رواه عنه الحجاج بن المنهال وسعيد بن منصور، وقد اتفقا على أن توريثها كان في العدة، وهو قول الجمهور. ويحتمل قول من قال: إنه ورثها بعد انقضاء العدة مع ضعفه أنه كان تأخير المخاصمة والقسمة وقع بعد العدة، وكان موته قبل انقضاء العدة يدل عليه قوله: فلم يلبث إلا يسيراً حتى مات، وتماضر بضم التاء المثناة من فوق، وتخفيف الميم، وكسر الضاد المعجمة في آخره، بنت عمر بن الشريد السلمية. قال أبو عمر: وهي الخنساء الشاعرة بنت عمرو بن الشريد بن رباح بن ثعلبة بن جفاف بن امرئ القيس بن نهبة بن سليم قدمت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع قومها فأسلمت فذكروا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يستشهد بها ويعجبه شعرها، فكانت تنشده، وهو يقول فيه بأجناس ويومئ بيده - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأجمع أهل العلم بالشعر أنه لم يكن امرأة قط قبلها ولا بعدها أشعر منها. وقالوا: اسم الخنساء تماضر، وكانت حضرت حرب القادسية ومعها بنوها أربعة رجال، واستشهد الأربعة فيها، وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يعطي الخنساء أرزاق أولادها الأربعة لكل واحد مائتي درهم حتى قبض - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وفي السروجي: وروي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لما قضى بتوريثها قال: فر من كتاب الله، وروي عنه أنه قال: ما فررت من كتاب الله أي ما قصدت الفرار، وحصل لها بالصلح عن ربع سهمها ثمانون ألفاً. وذكر بعض أهل الحديث أنها كانت دنانير. وذكر عبد المغني في الأربعين أن ورثته كانوا يقطعون مسائل الذهب بالقوس ويقتسمونها. ومن الدليل في هذا الباب ما روي عن إبراهيم النخعي أنه قال: جاء عروة البارقي إلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 442 وإن طلقها ثلاثا بأمرها أو قال لها اختاري، فاختارت نفسها، أو اختلعت منه، ثم مات وهي في العدة لم ترثه؛   [البناية] شريح من عند عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بخمس خصال منهن: إذا طلق المريض امرأته ثلاثاً ورثته إذا مات وهي في العدة. وعن الشعبي: أن أم البنين بنت عيينة بن حصن كانت تحت عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فارقها بعدما حوصر فجاءت إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأخبرته بذلك، فقال: تركها حتى إذا أشرف على الموت فارقها، فورثها منه، وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أن امرأة الفار ترث. ثم اعلم أن الذي ذكره صاحب " الهداية " مع الخلاف فيه أنه إذا كان طلاق المريض بائناً، كما إذا صرح به، وأما إذا كان رجعياً فبالأولى أن ترث، لأن حكم النكاح قائم. فإن قلت: على ما ذكرت كان ينبغي أن الإرث أيضاً في البائن. قلت: زمن مرض الموت زمن تعلق حق الوارث بمال الموروث. ولهذا يمنع من التبرع بما زاد على الثلث، فبقي النكاح في حق الإرث. فإن قلت: يمنع النكاح أصلاً، ولهذا ثمه يجب عليه الحد إذا وطئها ولا ترث إذا كان الزواج برضاها، وكذلك إذا كان الطلاق قبل الدخول، وكذا الإرث إذا مات بعد انقضاء العدة، وكذا لا ترث إذا برأ ثم مات وهي في العدة. قلت: أجيب: أن وجوب الحد باعتبار ارتفاع الحل، ولم يدل على ارتفاع النكاح أصلاً، بل هو قائم من وجه، ولهذا لا يجوز للمعتدة أن تتزوج بزوج آخر، وأن الطلاق برضاها يبطل حقها، والإقرار منه، وأن الطلاق قبل الدخول باعتبار عدم وجوب العدة، فلم يمكن إبقاء النكاح حكماً، وأن انقضاء العدة يمكنها من التزوج بزوج آخر، فوجد المنافي للنكاح الأول، فلم يجعل قائماً حكماً، وإن في البراءة لم يكن حقها متعلقاً بمال الزوج زمان الطلاق، ولم يوجد قصد إبطال الحق، وإن موت المرأة لا يبقي الزوجية في حقه لا حقيقة ولا حكماً. وفي " مختصر الكافي ": وإن كانت المرأة أمة أو يهودية أو نصرانية فأبانها في مرضه بغير أمرها، ثم أعتقت الأمة وأسلمت الكافرة ثم مات، وهي في العدة، فلا ميراث لها منه، لأنه لم يكن فاراً من ميراثها يوم طلق، لأنه لم يتعلق حقها بماله. [قالت له طلقني ثلاثا فطلقها ثلاث تطليقات في مرض موته] م: (وإن طلقها ثلاثاً بأمرها) ش: أي قالت له: طلقني ثلاثاً فطلقها ثلاث تطليقات في مرض موته م: (أو قال لها: اختاري) ش: أي أو خيرها في مرض موته م: (فاختارت نفسها) ش: أي قالت: اخترت نفسي م: (أو اختلعت منه) ش: أي أو اختلعت المرأة من الزوج م: (ثم مات) ش: أي الزوج والحال أنها في العدة، وهو معنى قوله م: (وهي في العدة لم ترثه) ش: جواب المسائل الثلاث، أي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 443 لأنها رضيت بإبطال حقها، والتأخير لحقها. وإن قالت طلقني للرجعة فطلقها ثلاثا ورثته؛ لأن الطلاق الرجعي لا يزيل النكاح، فلم تكن بسؤالها راضية بإبطال حقها. وإن قال لها في مرض موته: قد كنت طلقتك ثلاثا في صحتي وانقضت عدتك فصدقته، ثم أقر لها بدين أو أوصى لها بوصية فلها الأقل من ذلك ومن الميراث عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله-: يجوز وصيته وإقراره لها، وإن طلقها ثلاثا في مرضه بأمرها، ثم   [البناية] لم ترث الزوج م: (لأنها رضيت بإبطال حقها، والتأخير) ش: أي تأخير عمل الطلاق في بطلان إرثها، أي انقضاء عدتها م: (لحقها) ش: وقد رضيت سقوطه. وفي " المحيط ": لو جاءت الفرقة من قبلها في مرضه لم ترث منه، لأنها باشرت سبب بطلان حقها. ولو جاءت الفرقة منها في مرضها ورثها الزوج. قيل: ينبغي أن يرثها لأنا جعلنا قيام العدة كقيام النكاح في حقها، ولا عدة هاهنا عند موتها فلم يبق النكاح كما بعد العدة. قيل في جوابه: لما صارت محجورة عن إبطال حقه أيقنا النكاح في حق الإرث دفعاً للضرر عنه أو رداً لقصدها إبطال حقه كما حكمنا في مستعجل الإرث بحرمانه رداً لقصده. وكذا لو حصلت الفرقة بسبب الجب والعنة، وخيار البلوغ والعتق في مرضه لا يرث لرضاها بالمبطل، فإن كانت مضطرة، لأن سبب الإضرار لم يكن من جهة الزوج فلم يكن جانياً في الفرقة. وفي " الجامع ": لو فارقته في مرضها في خيار العتق والبلوغ ورثها الزوج لأنها جاءت من قبلها، ولهذا لم يكن طلاقها. وفي " الينابيع " جعل هذا قول أبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وإن قالت: طلقني للرجعة فطلقها ثلاثاً ورثته، لأن الطلاق الرجعي لا يزيل النكاح، فلم تكن بسؤالها راضية بإبطال حقها) ش: والسؤال مصدر سأله الشيء، وهو إضافة المصدر إلى الفاعل والمفعول متروك، أي بسؤال المرأة الطلاق الرجعي، وفي بعض النسخ: بسؤاله بتذكير الضمير المضاف إليه، وهو من إضافة المصدر المضاف إلى المفعول والفاعل متروك، أي بسؤال الطلاق الرجعي كذا قرره الأترازي والتقدير على هذا الوجه بسؤال المرأة إياه الطلاق الرجعي. [قال لامرأته في مرض موته قد كنت طلقتك ثلاثا في صحتي وانقضت عدتك فصدقته] م: (وإن قال لها) ش: أي وإن قال الرجل لامرأته م: (في مرض موته قد كنت طلقتك ثلاثاً في صحتي وانقضت عدتك فصدقته) ش: أي المرأة صدقت زوجها بذلك، ولا ميراث لها أن الثابت بالتصادق كالثابت بالبينة م: (ثم أقر لها بدين) ش: بأن قال لها في ذمتي كذا وكذا، وربما مثلاً م: (أو أوصى لها بوصية) ش: من تركته م: (فلها الأقل من ذلك) ش: أي من المقربة والوصية م: (ومن الميراث عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: يجوز وصيته وإقراره لها) ش: يعني لها جميع ما أقر لها وأوصى لها، سواء كان أقل من الميراث أو أكثر. م: (وإن طلقها ثلاثاً في مرضه بأمرها) ش: بأن قالت له طلقني وهو مريض فطلقها ثلاثاً م: (ثم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 444 أقر لها بدين، أو أوصى لها بوصية فلها الأقل من ذلك، ومن الميراث في قولهم جميعا إلا على قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن لها جميع ما أوصى وما أقر به؛ لأن الميراث لما بطل بسؤالها زال المانع من صحة الإقرار والوصية. وجه قولهما في المسألة الأولى أنهما لما تصادقا على الطلاق وانقضاء العدة صارت أجنبية عنه، حتى جاز له أن يتزوج أختها، وانعدمت التهمة؛ ألا ترى أنه تقبل شهادته لها، ويجوز وضع الزكاة فيها، بخلاف المسألة الثانية لأن العدة باقية، وهي سبب التهمة، والحكم يدار على دليل التهمة، ولهذا يدار على النكاح والقرابة، ولا عدة في المسألة الأولى. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المسألتين أن التهمة قائمة؛ لأن المرأة قد تختار الطلاق لينفتح باب الإقرار والوصية عليها، فيزيد حقها، والزوجان قد يتواضعان   [البناية] أقر لها بدين أو أوصى لها بوصية فلها الأقل من ذلك، ومن الميراث في قولهم جميعاً) ش: أي في قول أبي حنيفة وصاحبيه. وفي " الجامع ": جعل هذا قول أبي حنيفة وحده م: (إلا على قول زفر، فإن لها جميع ما أوصى به وما أقر؛ لأن الميراث لما بطل بسؤالها زال المانع من صحة الإقرار والوصية) ش: ولا ميراث لها، لأنها أسقطته بسؤالها. م: (وجه قولهما) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد م: (في المسألة الأولى) ش: أي فيما إذا قال لها في مرضه كنت طلقتك ثلاثاً في صحتي وانقضت عدتك فصدقته م: (أنهما) ش: أي الزوجين م: (لما تصادقا على الطلاق) ش: أي على وقوعه م: (وانقضاء العدة) ش: أي وعلى انقضاء العدة م: (صارت أجنبية عنه) ش: أي عن الزوج. م: (حتى جاز له أن يتزوج أختها وانعدمت التهمة) ش: لوجود التصادق م: (ألا ترى) ش: إيضاح لانعدام التهمة م: (أنه) ش: أي أن الشأن م: (تقبل شهادته لها ويجوز وضع الزكاة إليها) ش: لأن إقراره صار كإقراره لسائر الأجانب، وكذا وصيته لعدم التهمة، فهذه الأحكام م: (بخلاف المسألة الثانية) ش: وهي ما إذا طلقها ثلاثاً في مرضه بأمرها. م: (لأن العدة باقية، وهي سبب التهمة، والحكم يدار على دليل التهمة) ش: أي الحكم يترتب على دليل التهمة ويثبت به م: (ولهذا) ش: أي ولكون الحكم دائراً على دليل التهمة م: (يدار على النكاح) ش: حيث لا يجوز شهادة أحد الزوجين للآخر للتهمة م: (والقرابة) ش: حيث لا يجوز شهادة القريب للقريب، يعني قرابة الولاد، لأنه يجوز شهادة الأخ للأخ لانعدام التهمة، هكذا أطلقوا، والمراد إذا لم يكن الأخ في عيال أخيه م: (ولا عدة في المسألة الأولى) ش: لتصادقهما على انقضاء العدة، وليس فيها دليل التهمة. م: (ولأبي حنيفة في المسألتين أن التهمة قائمة) ش: بسبب التواضع م: (لأن المرأة قد تختار الطلاق لينفتح باب الإقرار والوصية عليها) ش: أي على المرأة، وهو يتعلق بقوله لينفتح م: (فيزيد حقها) ش: بالرفع لأنه فاعل م: (والزوجان قد يتواضعان) ش: من التواضع، وهو عبارة عن وضع الشخصين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 445 على الإقرار بالفرقة وانقضاء العدة ليبرئها الزوج بماله زيادة على ميراثها، وهذه التهمة في الزيادة، فرددناها ولا تهمة في قدر الميراث، فصححناه، ولا مواضعة عادة في حق الزكاة والتزوج والشهادة، فلا تهمة في حق هذه الأحكام. قال: ومن كان محصورا أو في صف القتال، فطلق امرأته ثلاثا لم ترثه، وإن كان قد بارز رجلا أو قدم ليقتل في قصاص، أو رجم؛ ورثت إن مات في ذلك الوجه أو قتل،   [البناية] رأيهما على شيء واحد، وكذا المواضعة م: (على الإقرار بالفرقة وانقضاء العدة ليبرئها الزوج بماله زيادة) ش: أي لأجل الزيادة م: (على ميراثها، وهذه التهمة في الزيادة فرددناها) ش: أي الزيادة م: (ولا تهمة في قدر الميراث فصححناه) ش: أي قدر الميراث. م: (ولا مواضعة عادة) ش: جواب عن مسألة أيهما، بيانه أن المواضعة عادة لا تكون م: (في حق الزكاة والتزوج والشهادة، فلا تهمة في حق هذه الأحكام) ش: لأن الإقرار وتهمة الإثمار يتحقق في حق الإرث لا في حق هذه الأحكام، فاعتبرت في حق الإرث دون غيره. وفي " الذخيرة ": لا بد من تحكيم الحال إذا كان حال خصومة وغضب يقع الطلاق عليها بهذا الإقرار، وإن لم يكن كذلك لم يقع. م: (قال: ومن كان محصوراً) ش: وفي أكثر النسخ أي قال محمد في " الجامع الصغير ": ومن كان محصراً هذا لبيان أن حكم الفرار غير منحصر في المرض، بل قال: كل شيء يقربه إلى الهلاك غالباً، فهو في معنى مرض الموت م: (أو في صف القتال) ش: أي لو كان في صف القتال في الحرب م: (فطلق امرأته ثلاثاً لم ترثه) ش: أي لم ترث المرأة زوجها م: (وإن كان) ش: أي الذي في صف القتال م: (قد بارز رجلاً) ش: من المبارزة في الحرب، وهي الخروج من الصف لطلب القتال م: (أو قدم) ش: على صيغة المجهول، أي أو قدم الرجل م: (ليقتل في قصاص) ش: كلمة في هاهنا للتعليل، أي لأجل قصاص نحو قَوْله تَعَالَى: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: 32] (يوسف: الآية32) ، وفي الحديث: أن «امرأة دخلت النار في هرة» أي لأجل هرة م: (أو رجم) ش: أي أو قدم لأجل رجم بسبب الزنا. م: (ورثت إن مات في ذلك الوجه أو قتل) ش: أي أو قتل بسبب آخر، وفيه دليل على أنه لا فرق بينهما إذا مات بذلك السبب أو بسبب آخر كصاحب الفراش بسبب المرض إذا قتل، هذا ظاهر الرواية عن أصحابنا، وهو المذكور في " مختصر الكافي " " والمبسوط " و" الشامل ". وقال شمس الأئمة السرخسي في "مبسوطه ": كان عيسى بن أبان يقول: لا ميراث لها لأن مرض الموت ما يكون سبباً للموت، ولما مات بسبب آخر علمنا أن مرضه لم يكن مرض الموت. ولنا أن الموت اتصل بالمرض والسبب الآخر يكون متمماً له، ولا منافاة فيثبت الفرار فترث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 446 وأصله ما بينا أن امرأة الفار ترث استحسانا، وإنما يثبت حكم الفرار بتعلق حقها بماله، وإنما يتعلق بمرض يخاف منه الهلاك غالبا، كما إذا كان صاحب الفراش، وهو أن يكون بحال لا يقوم بحوائجه كما يعتاده الأصحاء، وقد يثبت حكم الفرار بما هو في معنى المرض في توجه الهلاك الغالب، وما يكون الغالب منه السلامة لا يثبت به حكم الفرار، فالمحصور والذي في صف القتال الغالب منه السلامة، لأن الحصن لدفع بأس العدو،   [البناية] [امرأة الفار طلقها في مرض الموت] م: (وأصله) ش: أي أصل ثبوت حكم الفرار م: (ما بينا) ش: أي في أول الباب م: (أن امرأة الفار ترث استحساناً) ش: لا قياساً كما هو أحد أقوال الشافعي، لأن سبب الإرث انتهاء النكاح بالموت ولم يوجد لارتفاعه بالطلقات، والحكم لا يثبت بدون السبب. وجه الاستحسان ما مر وهو اتفاق الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - على ذلك كما ذكرناه مفصلاً. م: (وإنما يثبت حكم الفرار بتعلق حقها بماله) ش: أي بمال الزوج م: (وإنما يتعلق) ش: أي الفرار م: (بمرض يخاف منه الهلاك غالباً كما إذا كان صاحب الفراش، وهو أن يكون بحال لا يقوم بحوائجه) ش: كالذهاب إلى المسجد وإلى قضاء حاجته. وعن شمس الأئمة السرخسي: أن المعتبر في حق الفقيه أن لا يقدر على الخروج إلى المسجد، وفي السوق أن لا يقدر على الخروج إلى الدكان. 50 وفي المرأة: أن لا يخرج إلى السطح، ولو كان المريض يقوم بحوائجه في البيت كالمشي إلى الخلاء ولا يقوم بحوائجه خارج البيت على التفصيل الذي ذكرنا فهو في حكم مرض الموت عند عامة مشايخ البخاري. وعند عامة مشايخ بلخ هو في حكم الصحيح. وقال بعض المشايخ من المتأخرين: إذا كان بحال يمكنه أن يخطو ثلاث خطوات من غير أن يستعين بغيره، فهو بمنزلة الصحيح، وهذا ضعيف، فإن المريض جداً لا يعجز عن هذا، وقيل: الذي يتعذر عليه أداء الصلاة جالساً. وقيل: الذي لا يقدر أن يقوم إلا أن يقيمه إنسان. وقيل: أن لا يقدر على الشيء إلا أن يهادى بين اثنين. وفي المرأة أن تعجز عن القيام بمصالح بيتها. والمرأة في حال الطلاق في حكم المرض. م: (كما يعتاده الأصحاء) ش: أي من القيام بحوائجه، والأصحاء جمع صحيح م: (وقد يثبت حكم الفرار بما هو في معنى المرض في توجه الهلاك الغالب) ش: فيكون ذلك سبباً في حكم مرض الموت، فالآن يوضحه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (وما يكون الغالب منه السلامة لا يثبت به حكم الفرار) ش: وإن كان يخاف منه الهلاك، فلا يعطي له حكم المرض م: (فالمحصور) ش: إلى قوله: ولهذا أخوات إيضاح لما قبله، وبيان له، فلذلك ذكره بالفاء والمحصور هو المحبوس يقال حصره إذا حبسه م: (والذي في صف القتال) ش: أي في الصف للقتال م: (الغالب منه السلامة) ش: أي في كل واحد من المحصور والذي في صف القتال السلامة غالباً، وإن كان يمتنع الهلاك نادراً م: (لأن الحصن لدفع بأس العدو) ش: وهذا تعليل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 447 وكذا المنعة فلا يثبت به حكم والفرار الذي بارز أو قدم ليقتل الغالب منه الهلاك، فيتحقق به الفرار، ولهذا أخوات تخرج على هذا الحرف. وقوله إذا مات في ذلك الوجه أو قتل، دليل على أنه لا فرق بين ما إذا مات بذلك السبب أو بسبب آخر كصاحب الفراش بسبب المرض إذا قتل، وإذا قال الرجل لامرأته وهو صحيح. إذا جاء رأس الشهر، أو إذا دخلت الدار، أو إذا صلى فلان الظهر، أو إذا دخل فلان الدار، فأنت طالق، فكانت هذه الأشياء والزوج مريض لم ترث،   [البناية] للمحصور، لأن الغالب الذي في الحصن يأمن من شدة العدو. م: (وكذا المنعة) ش: تعليل للذي في صف القتال، لأن حوله من يمنع كل من العدو، والمنعة بالفتحات، ويقال: فلان في منعة من قومه، أي في عز وأمن م: (فلا يثبت به حكم الفرار) ش: نتيجة لما قبله م: (والذي بارز) ش: أي الذي خرج للمبارزة م: (أو قدم) ش: على صيغة المجهول م: (ليقتل) ش: في قصاص أو رجم م: (الغالب منه الهلاك) ش: والخلاص نادر م: (فيتحقق به الفرار) ش: نتيجة لما قبله م: (ولهذا) ش: أي ولهذه الصورة المذكورة م: (أخوات) ش: يعني من الصورة الأخرى م: (تخرج على هذا الحرف) ش: أي على هذا الأصل المذكور وحرف كل شيء حده وناحيته، والأصل المذكور هو ثبوت حكم الفرار بما هو في معنى المرض في توجه الهلاك الغالب وعدم ثبوته فيما كان الغالب منه السلامة، فمن الأول النازل في السبعة والراكب في السفينة وبقي على لوح، وكذا في " المحيط ". وفي " جوامع الفقه " كان في سفينة فاضطربت الأمواج، وكان الغالب منه الغرق فهو كمرض الموت، وكذا الواقع في فم السبع والمسلول والمفلوج والمقعد ما دام يزاد ما به فهو من الثاني وإلا فهو من الأول، وصاحب جرح وقرحة أو وجع لم يصبه على الفراش بمنزلة الصحيح في الطلاق وغيره. م: (وقوله) ش: أي قول محمد في " الجامع الصغير " م: (إذا مات في ذلك الوجه أو قتل دليل على أنه لا فرق بين ما إذا مات بذلك السبب أو بسبب آخر كصاحب الفراش بسبب المرض إذا قتل) ش: وقد مر الكلام فيه عن قريب. [قال لامرأته إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق] م: (وإذا قال الرجل لامرأته وهو صحيح) ش: أي والحال أنه صحيح م: (إذا جاء رأس الشهر أو إذا) ش: أي أو قال لها إذا م: (دخلت الدار، أو إذا صلى فلان الظهر، أو إذا دخل فلان الدار) ش: وهذه أربع صور تعليقه وقوله م: (فأنت طالق) ش: جوابها، أي طالق بائن لأن حكم الفرار يثبت بالبائن م: (فكانت) ش: أي وجدت وحدثت فكانت تامة م: (هذه الأشياء) ش: أي مجيء رأس الشهر، ودخول المرأة الدار، وصلاة فلان الظهر، ودخول فلان الدار م: (والزوج مريض) ش: أي والحال أن الزوج كان مريضاً وقت وجود هذه الأشياء م: (لم ترث) ش: جواب إذا في الصور المذكورة إلا في صورة المستثناة، على ما يجيء الآن. وقال زفر: ترث، لأن المعلق بالشرط كالمنجز عند وجود الشرط. قلنا: لا ترث، لأنه لم يوجد منه الفرار، فلا ترث بيانه أنه كان حين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 448 وإن كان القول في المرض ورثت إلا في قوله: إذا دخلت الدار، وهذا على وجوه أربعة: إما أن يعلق الطلاق بمجيء الوقت، أو بفعل الأجنبي، أو بفعل نفسه، أو بفعل المرأة، أو كل وجه، على وجهين، أما إن كان التعليق في الصحة والشرط في المرض أو كلاهما في المرض، أما الوجهان الأولان، وهو ما إن كان التعليق بمجيء الوقت بأن قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، أو بفعل الأجنبي بأن قال إذا دخل فلان الدار أو صلى فلان الظهر فإن كان التعليق والشرط في المرض فلها الميراث، لأن القصد إلى الفرار قد تحقق منه بمباشرة التعليق في حال تعلق حقها بماله، وإن كان التعليق في الصحة والشرط في المرض لم ترث. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ترث، لأن المعلق بالشرط ينزل عند وجود الشرط كالمنجز فكان إيقاعا في المرض.   [البناية] علق صحيحا ولم يكن حق المرأة متعلقا بماله، فلم يوجد الفرار، وحين وجد الشرط لم يوجد فعل من الزوج، لأن الشرط أمر سماوي أو فعل الأجنبي، والزوج ليس بقادر على إبطال التعليق، ولا على منع الفعل السماوي، ولا منع الأجنبي من إيجاد الشرط، فلم يكن قادرا فلم ترث لعدم قصد العدوان من الزوج. م: (وإن كان القول في المرض ورثت إلا في قوله: إذا دخلت الدار) ش: هذه الصورة المستثناة من الصور الأربعة المذكورة م: (وهذا) ش: إشارة إلى المذكور من الصور المذكورة، منها: أي من قوله: إذا دخلت الدار، الخطاب إلى المرأة أو إلى نفسه م: (على وجوه أربعة) ش: الأول: هو قوله م: (إما أن يعلق الطلاق بمجيء الوقت) ش: بأن قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، والثاني: هو قوله م: (أو بفعل الأجنبي) ش: بأن قال: إذا صلى فلان الظهر أو إذا دخل فلان هذه الدار. والثالث: هو قوله م: (أو بفعل نفسه) ش: بأن قال: إذا دخلت هذه الدار بالإخبار عن نفسه، والرابع: هو قوله م: (أو بفعل المرأة) ش: بأن قال مخاطبا لها: إن دخلت هذه الدار م: (أو كل وجه) ش: أي من الوجوه المذكورة. م: (على وجهين) ش: أحدهما قوله: م: (أما إن كان التعليق في الصحة والشرط في المرض) ش: والآخر هو قوله م: (أو كلاهما) ش: أي التعليق والشرط وجدا كلاهما م: (في المرض. أما الوجهان الأولان وهو ما إن كان التعليق بمجيء الوقت بأن قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، أو بفعل الأجنبي بأن قال: إذا دخل فلان الدار، أو صلى فلان الظهر، فإن كان التعليق والشرط في المرض فلها الميراث، لأن القصد إلى الفرار قد تحقق منه) ش: أي من الزوج م: (بمباشرة التعليق في حال تعلق حقها بماله) ش: وهو حال المرض الذي يخاف منه الهلاك، ولهذا لا يجوز له أن يوصي بأكثر من الثلث إلا بإجازة الورثة. م: (وإن كان التعليق في الصحة والشرط في المرض لم ترث. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ترث، لأن المعلق بالشرط ينزل عند وجود الشرط كالمنجز، فكان إيقاعا في المرض) ش: أي فكان المعلق بالشرط الجزء: 5 ¦ الصفحة: 449 ولنا أن التعليق السابق يصير تطليقا عند الشرط حكما لا قصدا، ولا ظلم إلا عن قصد، فلا يرد تصرفه. وأما الوجه الثالث: وهو ما إذا علقه بفعل نفسه، فسواء كان التعليق في الصحة والشرط في المرض أو كانا في المرض والفعل، ومما له منه بد، أو لا بد له منه، فيصير فارا لوجود قصد الإبطال، إما بالتعليق أو بمباشرة الشرط في المرض، وإن لم يكن له من فعل الشرط بد، فله من التعليق ألف بد، فيرد تصرفه دفعا للضرر عنها. وأما الوجه الرابع وهو ما إذا علقه بفعلها، فإن كان التعليق والشرط في المرض والفعل مما لها منه بد ككلام زيد ونحوه لم ترث، لأنها راضية بذلك، وإن كان الفعل لا بد لها منه كأكل الطعام وصلاة الظهر،   [البناية] إيقاعا في المرض. م: (ولنا أن التعليق السابق يصير تطليقا عند الشرط حكما لا قصدا) ش: يعني من حيث الحكم لا من حيث القصد، يعني يسلم قول زفر يصير كالمنجز لكن حكما لا قصدا، ولهذا لو كان عاقلا عند التعليق ومجنونا عند الشرط يقع الطلاق. فلو كان التعليق تطليقا عند وجود الشرط لما ارتفع لعدم القصد منه، وكذا لو حلف بعد التعليق بأن لا يطلق ثم وجد الشرط لم يحنث، فلو كان التعليق تطليقا عند وجود الشرط ينبغي أن يحنث م: (ولا ظلم إلا عن قصد، فلا يرد تصرفه) ش: لأنه علق ولم يتعلق حقها بماله، فلم يوجد من جهته منع بعد وجود الشرط، ولا يقدر على إبطال التعليق ولا على منع الأجنبي عن إيجاد الشرط. م: (وأما الوجه الثالث: وهو ما إذا علقه بفعل نفسه، فسواء كان التعليق في الصحة والشرط في المرض، أو كانا) ش: أي أو كان التعليق والشرط م: (في المرض والفعل، مما له منه بد) ش: أي الفعل شيء للزوج من ذلك الشيء بد، ككلام زيد مثلا م: (أو لا بد له منه) ش: أي أو الفعل شيء لا بد للزوج منه، كالأكل والصلاة ونحو ذلك م: (فيصير فارا لوجود قصد الإبطال، إما بالتعليق أو بمباشرة الشرط في المرض، وإن لم يكن له من فعل الشرط بد، فله من التعليق ألف بد، فيرد تصرفه دفعا للضرر عنها) ش: أي عن المرأة. م: (وأما الوجه الرابع: وهو ما إذا علقه بفعلها، فإن كان التعليق والشرط في المرض والفعل) ش: أي أو كان الفعل م: (مما لها منه بد ككلام زيد ونحوه) ش: مثل دخول الدار م: (لم ترث، لأنها راضية بذلك) ش: أي بإسقاط حقها، حيث باشرت الشرط م: (وإن كان الفعل) ش: مما ليس لها منه بد. وفي أكثر النسخ، فإن كان الفعل م: (لا بد لها منه كأكل الطعام وصلاة الظهر) ش: قال الأترازي: تقييد صلاة الظهر اتفاقي لا احترازي، لأن الحكم في سائر المكتوبات كذلك، وتخصيصها باعتبار أنها أسبق في الظهر، بحيث الأولية، لأنها أول صلاة فرضت، قلت: هذه الوجه ذكره السغناقي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 450 وكأم الأبوين ترث، لأنها مضطرة في المباشرة لما لها في الامتناع من خوف الهلاك في الدنيا أو في العقبى، ولا رضاء مع الاضطرار. وأما إذا كان التعليق في الصحة والشرط في المرض، إن كان الفعل مما لها منه بد، فلا إشكال أنه لا ميراث لها، وإن كان مما لا بد لها منه، فكذلك الجواب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول زفر، لأنه لم يوجد من الزوج صنع بعد ما تعلق حقها بماله، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - ترث، لأن الزوج ألجأها إلى المباشرة فينتقل الفعل إليه، كأنها آلة له كما في الإكراه. قال: وإذا طلقها ثلاثا وهو مريض، ثم صح، ثم مات لم ترث، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ترث لأنه قصد الفرار حين أوقع الطلاق في المرض، وقد مات وهي في العدة، ولكنا نقول المرض إذا تعقبه برء فهو بمنزلة الصحة، لأنه ينعدم به مرض.   [البناية] م: (وكأم الأبوين ترث، لأنها مضطرة في المباشرة لما لها في الامتناع من خوف الهلاك في الدنيا) ش: كالأكل، فإن لم تأكل تخاف على نفسها الهلاك في الدنيا م: (أو في العقبى) ش: أي العقوبة في الآخرة م: (ولا رضاء مع الاضطرار، وأما إذا كان التعليق في الصحة والشرط في المرض، إن كان الفعل مما لها منه بد فلا إشكال أنه) ش: أي أن الشأن م: (لا ميراث لها وإن كان مما لا بد لها منه فكذلك الجواب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي لا ميراث لها م: (وهو قول زفر) ش: أي قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول زفر أيضاً. م: (لأنه لم يوجد من الزوج صنع بعد ما تعلق حقها بماله، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - ترث، لأن الزوج ألجأها إلى المباشرة) ش: أي إلى جعل فعلها الذي لا بد لها منه علة لإسقاط حقها م: (فينتقل الفعل إليه) ش: أي كأن المرأة م: (آلة له كما في الإكراه) ش: يعني إذا أكره زيد عمرا على إتلاف مال الغير فأتلفه عمرو يضمن زيد، لأن المكره بفتح الراء صار كأنه آلة للمكره بكسر الراء، فانتقل فعل المكره إلى المكره، فكذا فيما نحن فيه، فلما كانت المرأة مضطرة انتقل فعلها إلى الزوج، فصار كأنه فعل الشرط في مرض موته فورثت لكونه فارا. [طلق الرجل امرأته ثلاث تطليقات والحال أنه مريض] م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": وليس في كثير من النسخ لفظ قال: م: (وإذا طلقها ثلاثا وهو مريض) ش: أي وإذا طلق الرجل امرأته ثلاث تطليقات، والحال أنه مريض م: (ثم صح، ثم مات لم ترث، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ترث) ش: ولم يذكر في " الجامع الصغير " خلافا زفر، وكذا لم يذكر في الأصل، ولا ذكره الحاكم في مختصره، وإنما ذكره شمس الأئمة السرخسي في " شرح المختصر "، وبقول زفر قال الثوري والزهري والأوزاعي وأحمد وإسحاق بن راهويه. ودليل زفر هو قوله م: (لأنه) ش: أي لأن الزوج م: (قصد الفرار حين أوقع الطلاق في المرض وقد مات) ش: والحال أنه قد مات م: (وهي في العدة) ش: ولا يعتبر البرء المتخلل، فكأنه لم يبرأ بين الطلاق والموت م: (ولكنا نقول: المرض إذا تعقبه برء فهو بمنزلة الصحة، لأنه ينعدم به مرض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 451 الموت، فتبين أنه لا حق لها، يتعلق بماله، فلا يصير الزوج فارا. ولو طلقها فارتدت - والعياذ بالله تعالى - ثم أسلمت، ثم مات الزوج من مرضه، وهي في العدة لم ترث، وإن لم ترتد بل طاوعت ابن زوجها في الجماع ورثت. ووجه الفرق بين المسألتين أنها بالردة أبطلت أهلية الإرث، إذ المرتد لا يرث أحدا، ولا بقاء له بدون الأهلية، وبالمطاوعة ما أبطلت الأهلية، لأن المحرمية لا تنافي الإرث وهو الباقي، بخلاف ما إذا طاوعت في حال قيام النكاح، لأنها تثبت الفرقة، فتكون راضية ببطلان السبب، وبعد الطلقات الثلاث لا تثبت الحرمة بالمطاوعة لتقدمها عليها،   [البناية] الموت، فتبين أنه لا حق لها، يتعلق بماله، فلا يصير الزوج فارا) ش: قيل: هذا إذا كان به حمى ربع، وصاحب فراش، فانقطعت وصح منها، ثم مات بحمى غب أو غيرهما من الأمراض، أما لو صح من حمى الربع ثم عادت حمى ربع، ومات يجعل الثاني عين الأول، ولا يحكم بزوالها، فينبغي أن ترثه على هذا، وفيه نظر، لأنه لو حكم بزوالها لم يحكم لما بقي تعلق حقها بماله فلا يتحقق قصد الفرار. م: (ولو طلقها) ش: أي ثلاثا أو بائنا م: (فارتدت - والعياذ بالله تعالى - ثم أسلمت، ثم مات الزوج من مرضه وهي في العدة) ش: أي والحال أنها في العدة م: (لم ترث) ش: لأن الردة منافية للإرث م: (وإن لم ترتد بل طاوعت ابن زوجها في الجماع ورثت، ووجه الفرق بين المسألتين أنها بالردة أبطلت أهلية الإرث، إذ المرتد لا يرث أحدا ولا بقاء له) ش: أي للإرث م: (بدون الأهلية، وبالمطاوعة) ش: أي بمطاوعة ابن زوجها م: (ما أبطلت الأهلية، لأن المحرمية لا تنافي الإرث وهو الباقي) ش: أي الإرث هو الباقي. م: (بخلاف ما إذا طاوعت في حال قيام النكاح، لأنها تثبت الفرقة، فتكون راضية ببطلان السبب) ش: أي سبب الإرث وهو النكاح م: (وبعد الطلقات الثلاث لا تثبت الحرمة بالمطاوعة لتقدمها عليها) ش: أي لتقدم الطلقات على المطاوعة يعني أهلية الإرث لم تثبت بالمطاوعة فأمكن إبقاء النكاح في استحقاق الإرث في هذه الحالة كما كانت. فإن قيل: ينبغي أن لا ترث لأنا تيقنا النكاح حكما في حق الإرث والنكاح الباقي حقيقة يبطل بالمحرمية، فهذا أحق وصار كما إذا طاوعت ابن زوجها قبل الطلاق كالمسألة الأولى. أجيب: بأن الردة تنافي نفس الحق وهو الإرث كما أن المرتد لا يرث أحدا، فلم يتصور بقاء النكاح بدون الأهل، فأما المحرمية فإنها يبطل بها الإرث بسبب بطلان النكاح مضافا إليها، ولم يوجد، لأن النكاح قد يبطل بالثلاث، وإنما بقي في حق الإرث خاصة، وبالمطاوعة في حال قيام النكاح تقع الفرقة مضافا إليها فلا يجب إبقاء النكاح في حق الاستحقاق نظرا لها مع رضاها ببطلان السبب، كذا في " الكافي ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 452 فافترقا، ومن قذف امرأته وهو صحيح، لاعن في المرض ورثت. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا ترث، وإن كان القذف في المرض ورثته - وفي قولهم جميعا - وهذا ملحق بالتعليق بالفعل لا بد لها منه، إذ هي ملجئة إلى الخصومة لدفع عار الزنا عن نفسها، وقد بينا الوجه فيه. وإن آلى من امرأته وهو صحيح ثم بانت بالإيلاء وهو مريض لم ترث، وإن كان الإيلاء أيضا في المرض ورثت، لأن الإيلاء في معنى تعليق الطلاق بمضي أربعة أشهر خالية عن الوقاع، فيكون ملحقا بالتعليق بمجيء الوقت، وقد ذكرنا وجهه.   [البناية] م: (فافترقا) ش: وارتداد المرأة بعد للإبانة، حيث لم ترث في الأولى، وورثت في الثانية. م: (ومن قذف امرأته وهو صحيح) ش: أي والحال أنه في الصحة م: (ولاعن في المرض ورثت) ش: منه م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا ترث) ش: وبه قال زفر لعدم الفرار لأن سبب الفرقة قذف الرجل ولم يكن قذفه في زمان تعلق حقها بماله م: (وإن كان القذف في المرض ورثته - في قولهم جميعا - وهذا) ش: أي هذا الحكم م: (ملحق بالتعليق بالفعل الذي لا بد لها منه، إذ هي ملجئة إلى الخصومة) ش: يعني مضطرة إليها م: (لدفع عار الزنا عن نفسها) ش: فلم تكن راضية ببطلان حقها، فجعل الزوج مطلقا في المرض حكما باعتبار الشرط، فكان لها الميراث لوجود الفرار منه بالطلاق في المرض م: (وقد بينا الوجه فيه) ش: أي بينا وجه هذه المسألة في التعليق بفعل لا بد لها منه عند قوله: وإن كان مما لا بد لها منه فكذلك الجواب عند محمد ... إلى آخره. [آلى من امرأته وهو صحيح وبانت بالإيلاء وهو مريض] م: (وإن آلى من امرأته وهو صحيح) ش: أي وإن آلى رجل من امرأته والحال أنه صحيح م: (ثم بانت بالإيلاء) يعني تمت الأربعة الأشهر م: (وهو مريض) ش: أي والحال أنه مريض م: (لم ترث) ش: لأن البينونة مضافة إلى إيلاء الزوج وقد وقع ذلك في حال الصحة، ولم يوجد من الزوج في المرض شيء آخر من مباشرة علة أو شرط، فلا يكون فارا، وهو فرع التعليق بمجيء الوقت. م: (وإن كان الإيلاء أيضاً في المرض ورثت، لأن الإيلاء في معنى تعليق الطلاق بمضي أربعة أشهر خالية عن الوقاع، فيكون ملحقا بالتعليق بمجيء الوقت) ش: فإن قيل: لا نسلم أن الإيلاء نظير تعليق الطلاق بمجيء الوقت إن كان الإيلاء في الصحة لما أنه ممكن من إبطال الإيلاء بالنفي، وإذا لم يبطل في حالة المرض صار كأنه إنشاء الإيلاء في المرض وهناك ترث، فكذلك هنا. فكان نظير من وكل وكيلا بالطلاق في صحته، فطلقها الموكل في المرض، فكان فارا لتمكنه من العزل، فإذا لم يعزل يجعل كأنه ألجأه، فكذلك هاهنا. أجيب: بأن الفرق بينهما ثابت وهو أنه لا يمكنه إبطال الإيلاء إلا بضرر يلزمه، فلم يكن ممكنا مطلقا، بخلاف مسألة الوكالة م: (وقد ذكرنا وجهه) ش: أي وجه التعليق بمجيء الوقت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 453 قال - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - والطلاق الذي يملك فيه الرجعة ترث به في جميع الوجوه لما بينا أنه لا يزيل النكاح حتى يحل الوطء، فكان السبب قائما. قال: وكل ما ذكرنا أنها ترث إنما ترث إذا مات وهي في العدة، وقد بيناه، والله تعالى أعلم بالصواب   [البناية] م: (قال) ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والطلاق الذي يملك فيه الرجعة ترث به في جميع الوجوه) ش: أي في جميع الصور، سواء نجز أو علق بالوجوه الأربعة المذكورة في التعليق م: (لما بينا) ش: فيما مضى م: (أنه) ش: أي أن الطلاق الرجعي م: (لا يزيل النكاح حتى يحل الوطء، فكان السبب) ش: أي سبب الإرث م: (قائما) ش: وهو النكاح حكما م: (وكل ما ذكرنا أنها ترث إنما ترث إذا مات) ش: أي الزوج م: (وهي في العدة) ش: أي والحال أنها في العدة م: (وقد بيناه) ش: في أول الباب بقوله: وإذا طلق الرجل امرأته في مرض موته طلاقا بائنا فمات وهي في العدة ورثته، وإن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث لها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 454 باب الرجعة وإذا طلق الرجل امرأته تطليقة رجعية أو تطليقتين، فله أن يراجعها في عدتها، رضيت بذلك أو لم ترض، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] (البقرة: الآية 231) من غير فصل. ولا بد من قيام العدة، لأن الرجعة استدامة الملك ألا ترى أنه سمي إمساكا.   [البناية] [باب الرجعة] [مراجعة من طلق امرأته تطليقة رجعية أو تطليقتين] م: (باب الرجعة) ش: أي هذا باب في بيان حكم الرجعة. ولما كانت الرجعة متأخرة عن الطلاق طبعا أخره وضعا، ليناسب الوضع الطبع من قولهم: رجع يرجع رجعا ورجوعا ورجعته إلى أهله، أي ردته إليهم. ويقال: إلى الله مرجعك ورجوعك ورجعاك، وربما قالوا: رجعناك، وطلق فلان امرأته بملك الرجعة والرجعة قاله ابن دريد. قلت: يعني بفتح الراء وكسرها، والفتح أفصح، وفي المنافع: رجع يستعمل لازما ومتعديا، فالرجوع مصدر اللازم، كالقعود والجلوس والدخول، فمن اللازم قَوْله تَعَالَى: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ} [المنافقون: 8] (المنافقون: الآية 8) ، {فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ} [يوسف: 63] (يوسف: الآية 63) ، {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] (البقرة: الآية 156) ، ومن المتعدي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 83] (التوبة: الآية 83) {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ} [الملك: 4] (الملك: الآية 4) . والرجع مصدر المتعدي، وهي في الشريعة استدامة ملك النكاح، ولها شرائط، أحدها: تقديم صريح لفظ الطلاق وبعض ألفاظ الكناية كما تقدم. والثانية: أن لا يكون بمقابلة مال. والثالثة: أن لا يستوفي الثلاثة من الطلاق. والرابعة: أن لا تكون المرأة مدخولا بها. والخامسة: أن تكون العدة قائمة، ولا خلاف لمشروعيتها لأحد لثبوتها بالكتاب والسنة والإجماع. م: (وإذا طلق الرجل امرأته تطليقة رجعية أو تطليقتين فله أن يراجعها في عدتها، رضيت بذلك أو لم ترض) ش: وهذا بإجماع أهل العلم م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] ش: م: (البقرة: الآية 231) ش: الإمساك هو الإبقاء، وقَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] يعني إذا بلغن منتهى عدتهن، فأنتم بالخيار إن شئتم فالرجعة والإمساك من غير ضرار، وإن شئتم فالمفارقة من غير ضرار، وروى أبو داود عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طلق حفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ثم راجعها. وفي حديث ابن عمر أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: "مر ابنك فليراجعها» ... " الحديث متفق عليه م: (من غير فصل) ش: يعني أن إطلاق النص لم يفصل بين رضا المرأة وعدمه، بل أثبت الرجعة مطلقا. م: (ولا بد من قيام العدة، لأن الرجعة استدامة الملك) ش: ولا ملك بعد انقضاء العدة م: (ألا ترى أنه سمي إمساكا) ش: توضيح لما قبله، بيانه إن شاء الله تعالى سمى الرجعة إمساكا، وذلك بإجماع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 455 وهو الإبقاء، وإنما تتحقق الاستدامة في العدة، لأنه لا ملك بعد انقضائها. والرجعة أن يقول راجعتك أو راجعت امرأتي، وهذا صريح في الرجعة، ولا خلاف فيه بين الأئمة. قال: أو يطأها، أو يقبلها، أو يلمسها بشهوة، أو ينظر إلى فرجها بشهوة، وهذا عندنا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تصح الرجعة إلا بالقول مع القدرة عليه،   [البناية] أهل التفسير م: (وهو الإبقاء) ش: أي الإمساك م: (وإنما تتحقق الاستدامة في العدة، لأنه لا ملك بعد انقضائها) ش: فإذا انتقضت العدة لم يبق محل الإمساك والطلاق والرجعي في الحال سبب لزوال الملك عند انقضاء العدة، والزوال محل حل المحلية عند استيفاء عدد الطلاق. م: (والرجعة أن يقول) ش: أي كيفية الرجعة أن يقول للذي طلقها طلقة أو تطليقتين م: (لامرأته: راجعتك) ش: بالخطاب لها م: (أو راجعت امرأتي) ش: أي أو يقول: راجعت امرأتي بالغيبة م: (وهذا صريح في الرجعة، ولا خلاف فيه) ش: أي في هذا يعني بالقول م: (بين الأئمة) ش: أراد أن الرجعة بالقول تصح بالإجماع. وفي " المحيط ": وكذا إذا قال: ارتجعتك أو رجعتك أو رددتك أو مسكتك، وهذه الألفاظ صريحة في الرجعة غير مفتقرة إلى النية. ومن الكنايات في الرجعة: أنت عندي كما كنت، أو قال: أنت امرأتي ونوى به الرجعة صار مراجعا، ذكره في " الذخيرة ". وفي " الحاوي ": عزاه إلى محمد بن مقاتل الرازي قاضي قضاة بغداد، وفي " الروضة ": في حصول الرجعة ب راجعتك بلا نية قولان لمالك، كنكاح الهازل، واختلفوا في الإمساك والنكاح والتزوج. وفي " الذخيرة ": لو قال راجعتك بمهر ألف درهم وقبلت صحت، وإلا فلا، لأنها زيادة في المهر، ويشترط قبولها. وفي " المرغيناني " و " الحاوي ": راجعتك على ألف، قال أبو بكر: لا يجب الألف ولا يصير زيادة في المهر، كما في "الإقالة". [يطأ التي طلقها أو يقبلها] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (أو يطأها) ش: أي أو يطأ التي طلقها م: (أو يقبلها، أو يلمسها بشهوة، أو ينظر إلى فرجها بشهوة) ش: وفي " المبسوط " و " الذخيرة " والتقبيل بشهوة والنظر إلى داخل فرجها بشهوة رجعة، ولم يقيد الشهوة في التقبيل في الكتاب. وفي البدائع: وهو قول محمد المرجوع إليه. وأما النظر إلى موضع الجماع من دبرها فليس برجعة، واختلفوا في الدبر، قيل ليس برجعة، إليه أشار القدوري، والفتوى على أنه رجعة. م: (وهذا عندنا) ش: أي كون الرجعة بالوطء أو بالمس بالشهوة أو بالنظر إلى فرجها بالشهوة عند أصحابنا الحنفية، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن البصري ومحمد بن سيرين وطاوس وعطاء بن أبي رباح والأوزاعي والثوري وابن أبي ليلى وجابر والشعبي وسليمان التيمي. وقال مالك وإسحاق: إن أراد به الرجعة فهو رجعة. م: (وقال الشافعي: لا تصح الرجعة إلا بالقول مع القدرة عليه) ش: أي على القول بأن لم يكن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 456 لأن الرجعة بمنزلة ابتداء النكاح عنده حتى يحرم وطؤها، وعندنا هي استدامة النكاح على ما بيناه، وسنقرره إن شاء الله تعالى. والفعل قد يقع دلالة على الاستدامة كما في إسقاط الخيار والدلالة فعل يختص بالنكاح، وهذه الأفاعيل تختص به، خصوصا في حق الحرة، بخلاف النظر والمس بغير شهوة، فإنه قد يحل بدون النكاح كما في القابلة والطبيب وغيرهما، والنظر إلى غير الفرج قد يقع بين المساكنين والزوج يساكنها في العدة، فلو كان رجعة لطلقها فتطول العدة عليها.   [البناية] أخرس أو معتقل اللسان، أما إذا كان كذلك فيصح بالإشارة، وبه قال أبو ثور والظاهرية، وقول أحمد مضطرب. وفي " الحلية ": هو رجعة كقولنا م: (لأن الرجعة بمنزلة ابتداء النكاح عنده) ش: أي عند الشافعي م: (حتى يحرم وطؤها) ش: أي عنده م: (وعندنا هي) ش: أي الرجعة. وفي بعض النسخ: هو على تأويل الرجوع، وتذكير المؤنث على التأويل سائغ، كما في قوله: ولا أرض أثقل أثقالها، أي ولا مكان م: (استدامة النكاح على ما بيناه) ش: أي قوله ألا ترى أنه سمي إمساكا م: (وسنقرره إن شاء الله تعالى) ش: أي في آخر هذا الباب عند قوله: والطلاق الرجعي لا يحرم الوطء م: (والفعل) ش: نحو اللمس. م: (قد يقع دلالة على الاستدامة كما في إسقاط الخيار) ش: فإن باعه على أنه بالخيار ثلاثة أيام، ثم وطئها في مدة الخيار يكون وطؤها دليلا على استدامة الملك، فيسقط الخيار، فكذلك في الطلاق الرجعي يدل الوطء على استدامة النكاح، بل أولى، لأن هناك يحتاج إلى فسخ السبب المزيل وهو البيع، وهنا لا يحتاج إلى فسخ السبب المزيل، وهو الطلاق، لأنه لا يقبل الفسخ. م: (والدلالة فعل يختص بالنكاح) ش: أي الدلالة تتحقق بفعل مخصوص بالنكاح لا بكل فعل م: (وهذه الأفاعيل) ش: أي النظر إلى الفرج الداخل بشهوة والمس بشهوة والتقبيل بشهوة م: (تختص به) ش: أي بالنكاح فيقع دلالة م: (خصوصا في حق الحرة) ش: قيد بالحرة احترازا عن الأمة، لأن الحرة لا تحل هذه الأفاعيل بلا ثبوت نكاح، فكانت مختصة بالنكاح، فدلت على استدامة ملك النكاح، بخلاف الأمة، فإن هذه الأفاعيل تحل فيها بملك المتعة، وملك اليمين أيضا. م: (بخلاف النظر والمس بغير شهوة، فإنه قد يحل بدون النكاح كما في القابلة والطبيب وغيرهما) ش: مثل الختانة والشاهد في الزنا إذا احتاج إلى تحمل الشهادة م: (والنظر إلى غير الفرج قد يقع بين المساكنين والزوج يساكنها في العدة، فلو كان) ش: أي لو كانت هذه الأفاعيل من غير شهوة م: (رجعة لطلقها) ش: لأنه لا يريدها لتخلف الواقع م: (فتطول العدة عليها) ش: وفيه ضرر بالمرأة، فلا يجوز لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] (البقرة: الآية 231) . فإن قلت: قد ذكر هنا تقبيل الرجل ومسه إياها بشهوة ونظره إلى فرجها بشهوة، فإن قبلته الجزء: 5 ¦ الصفحة: 457 قال ويستحب أن يشهد على الرجعة شاهدين، فإن لم يشهد صحت الرجعة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أحد قوليه: لا تصح، وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: 2] (الطلاق: الآية 2) ، والأمر للإيجاب. ولنا أن الطلاق المنصوص عربي عن قيد الأشهاد؛   [البناية] المرأة بشهوة أو لمسته أو نظرت إلى فرجه بشهوة كيف يكون حكمه؟ قلت: قال شمس الأئمة في " المبسوط ": تثبت الرجعة عندهما، ولا تثبت عند أبي يوسف؛ لأن هذا الفعل من الزوج دليل استبقاء الملك، وليس لها ولاية استبقاء الملك، ولا يكون فعلها به رجعة، وهما يقولان فعلها به كفعله بها، فإن الحل مشترك بينهما، ولهذا تثبت المصاهرة بفعلها بهذه الأشياء، فكذلك الرجعة. [الإشهاد على الرجعة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (ويستحب أن يشهد على الرجعة شاهدين) ش: صورة الإشهاد أن يقول لاثنين من المسلمين اشهدوا أني قد راجعت امرأتي. وفي " المبسوط " استحباب الإشهاد على الرجعة قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعمار م: (فإن لم يشهد صحت الرجعة) ش: وبه قال مالك. م: (وقال الشافعي في أحد قوليه: لا تصح) ش: أي لا تصح الرجعة بلا إشهاد، وهو قوله القديم، وقوله الجديد: أن الإشهاد مستحب فيها كقولنا، ذكره في " المبسوط " وفي " الروضة " الإشهاد ليس بشرط على الأظهر. وفي " المحيط ": الإشهاد لازم عند الشافعي، ولا يصح بمهر عنده. وفي " المبسوط ": وفي أحد قولي الشافعي الإشهاد واجب، وعن أحمد روايتان في الإشهاد، وذكرهما في " المغني " ولا يفتقر إلى ولي لا مهر ولا رضاها، وهو إجماع. وقال ابن حزم: الإشهاد عند الرجعة شرط، وإذا رجع ولم يشهد أو أشهد ولم يعلمها حتى انقضت عدتها بانت منه. وفي " الأشراف ": لم يختلف أهل العلم أن الإشهاد فيه سنة، وأن الرجعة إلى الرجل ما دامت في عدتها وإن كرهت، وذلك بغير مهر ولا عوض. م: (وهو قول مالك) ش: أي قول الشافعي، وهو قول مالك، وقد ذكرنا أن قول مالك كقولنا م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] (الطلاق: الآية 2) والأمر للإيجاب) ش: في الحقيقة الاستدلال بهذه الآية للظاهرية ومن تابعهم، لأن مذهب الشافعي في الأظهر وأحمد ومالك كقولنا إلا في رواية عن أحمد كقولهم. م: (ولنا أن الطلاق المنصوص عري عن قيد الإشهاد) ش: المنصوص في قَوْله تَعَالَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 458 ولأنه استدامة للنكاح والشهادة ليست بشرط فيه في حالة البقاء، كما في الفيء في الإيلاء، إلا أنها تستحب لزيادة الاحتياط كيلا يجري التناكر فيها، وما تلاه محمول عليه، ألا ترى أنه قرنها بالمفارقة، وهو فيها مستحب، ويستحب أن يعلمها كيلا تقع في المعصية.   [البناية] {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) ، وقَوْله تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 229] (البقرة: الآية 229) . وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مر ابنك فليراجعها» قاله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حين طلق ابنه عبد الله امرأته وكل هذا عارية عن قيد الإشهاد. وفي " الكافي " وفي اشتراط الإشهاد زيادة على النص المطلق، وهي فسخ فلا يجوز. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الرجعة ذكر الضمير باعتبار الرجوع م: (استدامة للنكاح) ش: أي طلب الدوام للنكاح م: (والشهادة ليست بشرط فيه) ش: أي في النكاح م: (في حالة البقاء) ش: أي بقاء النكاح م: (كما في الفيء في الإيلاء) ش: حيث يصح بلا إشهاد م: (إلا أنها) ش: أي إلا أن الشهادة م: (تستحب لزيادة الاحتياط كيلا يجري التناكر فيها) ش: أي في الرجعة م: (وما تلاه) ش: الشافعي وهو قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] (الطلاق: الآية 2) م: (محمول عليه) ش: أي على الاستحباب. م: (ألا ترى) ش: توضيح لما قبله م: (أنه) ش: أي أن الله تعالى م: (قرنها) ش: أي قرن الرجعة م: (بالمفارقة) ش: حيث قال الله تعالى: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا} [الطلاق: 2] (البقرة: الآية 231) ، اعترض بأن القران في التكلم لا يوجب القران في الحكم، كما في قَوْله تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] (البقرة: الآية 43) . وأجيب: بأن ذلك فيما إذا حكم على إحدى الجملتين المتقاربتين بحكم الجملة الأخرى، وما نحن فيه ليس كذلك بل فيه كل من الجملتين مستقل بحكمها، وإنما يعقبا جملة أخرى تعلقت بهما أو إحداهما، فتقتضي تعلقها بها من حيث الاستحباب، فكذلك الأخرى لئلا يلزم استعمال اللفظ في معنيين مختلفين م: (وهو فيها مستحب) ش: أي الإشهاد يستحب في الرجعة، وهو من وجه تكرار، لأنه علم مما قبله. [إعلام المرأة بالرجعة] م: (ويستحب أن يعلمها) ش: أي يعلم المرأة بالرجعة م: (كيلا تقع في المعصية) ش: وذلك أن المرأة إذا لم تعلم بالرجعة ربما تتزوج على زعمها أن زوجها لم يراجعها، وقد انقضت عدتها ويطأها الزوج، فكانت عاصية وزوجها يكون مسيئا بترك الإعلام، ولكن مع هذا لو لم يعلمها صحت الرجعة، لأنها استدامة القائم، وليست بإنشاء، فكان الزوج متصرفا في خالص حقه، وتصرف الإنسان في خالص حقه لا يتوقف على علم الغير للغير، قال: فإن قيل: كيف تكون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 459 وإذا انقضت العدة فقال كنت راجعتك في العدة فصدقته فهي رجعة، وإن كذبته فالقول قولها، لأنه أخبر عما لا يملك إنشاءه في الحال، فكان متهما إلا أن بالتصديق ترتفع التهمة ولا يمين عليها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي مسألة الاستحلاف في الأشياء الستة، وقد مر في كتاب النكاح. وإذا قال الزوج قد راجعتك في العدة فقالت مجيبة له: قد انقضت عدتي، لم تصح الرجعة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: تصح لأنها صادفت العدة، إذ هي باقية ظاهرا إلى أن تخبر وقد سبقته الرجعة،   [البناية] عاصية بغير علم؟ أجيب: بأنها إذا تزوجت بغير سؤال وقعت في المعصية، لأن التقصير جاء من جهتها. م: (وإذا انقضت العدة) ش: أي عدة المرأة المطلقة بالطلاق الرجعي م: (فقال) ش: أي الزوج: م: (كنت راجعتك في العدة فصدقته) ش: أي فصدقت المرأة زوجها في ذلك م: (فهي رجعة) ش: أي مقالة الزوج بذلك، وتصديق المرأة إياه تكون رجعة لظهورها بتصادقها م: (وإن كذبته فالقول قولها، لأنه) ش: أي لأن الزوج م: (أخبر عما لا يملك إنشاءه في الحال) ش: لأن العدة منقضية م: (فكان متهما) ش: في دعوى الرجعة م: (إلا أن بالتصديق) ش: أي بتصديق المرأة إياه م: (ترتفع التهمة) ش: وهذا كالوكيل إذا قال بعد العزل: قد كنت بعت حيث لا يقبل قوله، بل يكون القول قول الموكل إلا إذا صدقه الموكل، بخلاف ما إذا قال في العدة قد كنت راجعتك أمس فأنكرت المرأة حيث يكون القول قوله، لأنه أخبر بما يملك إنشاءه في الحال، فإذا لم تثبت الرجعة في الأمس يصير كأنه راجعها في الحال. م: (ولا يمين عليها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي مسألة الاستحلاف في الأشياء الستة وقد مر في كتاب النكاح) ش: لم يبين هذه المسألة في كتاب النكاح، بل قال في مسألة دعوى السكوت على البكر، فلا يمين عليها عن أبي حنيفة، وهي مسألة الاستحلاف في الأشياء الستة، ثم قال: وسيأتيك في الدعوى، ومثل هذا لا يقال مر لأنه لم يكن ثمة للرجعة أثر. [قال الزوج قد راجعتك في العدة فقالت مجيبة له قد انقضت عدتي] م: (وإذا قال الزوج: قد راجعتك في العدة، فقالت مجيبة له) ش: أي للزوج م: (قد انقضت عدتي لم تصح الرجعة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هذا إذا قالت متصلا بكلام الزوج حتى لو سكتت ساعة ثم قالت: انقضت عدتي، وقال الزوج مجيبا لها موصولا: راجعتك لا تصح الرجعة بالاتفاق، ذكره في " شرح الطحاوي "، وبقول أبي حنيفة قال الشافعي وأحمد. م: (وقالا: تصح الرجعة لأنها صادفت العدة) ش: أي زمان العدة م: (إذ هي باقية ظاهرا إلى أن تخبر) ش: أي المرأة عملا باستصحاب الحال، والرجعة في العدة صحيحة م: (وقد سبقته الرجعة) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 460 ولهذا لو قال لها: طلقتك، فقالت مجيبة له: قد انقضت عدتي يقع الطلاق، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها صادفت حالة الانقضاء، لأنها أمينة في الإخبار عن الانقضاء، فإذا أخبرت دل ذلك على سبق الانقضاء، وأقرب أحواله حال قول الزوج. ومسألة الطلاق على الخلاف، ولو كانت على الاتفاق فالطلاق يقع بإقراره بعد الانقضاء والمراجعة لا تثبت به. وإذا قال زوج الأمة بعد انقضاء عدتها: قد كنت راجعتها في العدة وصدقه المولى وكذبته الأمة، فالقول قولها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] ش: أي وقد سبقت أخبارها الرجعة بانقضاء العدة، فصحت الرجعة وسقطت العدة. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل سبق إخبارها م: (لو قال لها طلقتك فقالت مجيبة له قد انقضت عدتي يقع الطلاق) ش: لسبق إخبارها، وقيل مثله الطلاق على الخلاف، والأصح أنه يقع لإقرار الزوج بالوقوع، كما لو قال بعد انقضاء العدة كنت طلقتها في العدة، كان مصدقا بخلاف الرجعة. وفي " الروضة ": لو اتفقا على انقضاء العدة، واختلفا في الرجعة، والصحيح أن القول لها، وعليه الجمهور، ولو اتفقا على الرجعة يوم الجمعة، وقالت: انقضت عدتي يوم الخميس، وقال الزوج: يوم السبت قيل يصدق بيمينه أم هي أم السابق بالدعوى فيه ثلاثة أوجه: الصحيح الأول. ولو كانت العدة باقية فالصحيح أن القول قوله، لأنه يملك الإنشاء فلا تهمة في الإخبار، وقيل: القول قولها. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها) ش: أي الرجعة م: (صادفت حالة الانقضاء) ش: أي صادفت زمان انقضاء العدة، فلا تصح الرجعة زمان الانقضاء م: (لأنها) ش: أي لأن المرأة م: (أمينة في الإخبار عن الانقضاء) ش: أي أمينة في الإخبار عما في أرحامهن، قال الله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) م: (فإذا أخبرت دل ذلك على سبق الانقضاء، وأقرب أحواله) ش: أي أقرب أحوال الانقضاء م: (حال قول الزوج) ش: لأن الإخبار يقتضي سبق المخبر عنه، ولا دليل على مقدار معين، فيعتبر حال قول الزوج، بخلاف ما إذا سكتت ساعة، فإن أقرب أحوال الانقضاء حال السكوت. م: (ومسألة الطلاق على الخلاف) ش: هذا منع لاستشهادهما بما لو قال لها: طلقتك، فقالت مجيبة له: قد انقضت عدتي، يقع الطلاق، يعني: لا نسلم أن مسألة الطلاق على الخلاف ثم أشار إلى الجواب بطريق التسليم بقوله م: (ولو كانت على الاتفاق فالطلاق يقع بإقراره بعد الانقضاء) ش: أي بعد انقضاء العدة إن طلقها في العدة م: (والمراجعة لا تثبت به) ش: أي أو بالإقرار بعد الانقضاء، فإن فيه تهمة، لأنه تصرف على حق الغير. [قال زوج الأمة بعد انقضاء عدتها قد كنت راجعتها في العدة] م: (وإذا قال زوج الأمة بعد انقضاء عدتها قد كنت راجعتها في العدة وصدقه المولى وكذبته الأمة، فالقول قولها) ش: أي قول الأمة م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال زفر والشافعي ومالك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 461 وقالا: القول قول المولى، لأن بضعها مملوك له، فقد أقر بما هو خالص حقه للزوج، فشابه الإقرار عليها بالنكاح، وهو يقول حكم الرجعة يبتني على العدة، والقول في العدة قولها، فكذا فيما يبتني عليها، ولو كان على القلب فعندهما القول قول المولى، وكذا عنده في الصحيح، لأنها منقضية العدة في الحال، وقد ظهر ملك المتعة للمولى، فلا يقبل قولها في إبطاله، بخلاف الوجه الأول، لأن المولى بالتصديق في الرجعة مقر بقيام العدة عندها، ولا يظهر ملكه مع العدة. وإن قالت قد انقضت عدتي وقال الزوج والمولى لم تنقض عدتك فالقول قولها، لأنها أمينة في ذلك، إذ هي العالمة به. وإذا انقطع الدم من الحيضة الثالثة لعشرة أيام انقطعت الرجعة، وإن لم تغتسل.   [البناية] وأحمد وأبو ثور. م: (وقالا: القول قول المولى، لأن بضعها مملوك له) ش: أي للمولى م: (فقد أقر بما هو خالص حقه للزوج) ش: فلا مرد له م: (فشابه الإقرار عليها بالنكاح) ش: أي شابه إقرار المولي على الأمة بالنكاح بأن قال: زوجت أمتي من فلان حيث يكون القول قوله م: (وهو يقول) ش: أي أبو حنيفة م: (حكم الرجعة يبتني على العدة) ش: إبقاء وانقضاء م: (والقول في العدة قولها) ش: دون قول المولى م: (فكذا فيما يبتني عليها) ش: أي على العدة ولم يذكر الجواب عن الإقرار بالتزويج لظهوره. م: (ولو كان على القلب) ش: أي لو كان الأمر أو الخلاف على القلب بأن صدقته الأمة وكذبه المولى م: (فعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (القول قول المولى، وكذا عنده) ش: أي وكذلك القول قول المولى عند أبي حنيفة م: (في الصحيح) ش: من الرواية عنه م: (لأنها منقضية العدة في الحال، وقد ظهر ملك المتعة للمولى) ش: لأن منافع بضعها في الحال خالص حق المولى م: (فلا يقبل قولها في إبطاله) ش: أي في إبطال حق المولى م: (بخلاف الوجه الأول) ش: وهو الوجه الذي فيه صدق المولى الزوج وكذبته الأمة حيث يكون القول فيه قولها. م: (لأن المولى بالتصديق في الرجعة) ش: أي بتصديقه الزوج في الرجعة م: (مقر بقيام العدة عندها) ش: أي عند الرجعة م: (ولا يظهر ملكه) ش: أي ملك المولى م: (مع العدة) ش: فلا يعتبر قوله م: (وإن قالت) ش: أي الأمة م: (قد انقضت عدتي، وقال الزوج والمولى: لم تنقض عدتك، فالقول قولها، لأنها أمينة في ذلك) ش: أي في قولها قد انقضت عدتي م: (إذ هي العالمة به) ش: أي لأن الأمة هي العالمة بالانقضاء، وهو تعليل لكونها أمينة، فيقبل قولها: انقضت عدتي. م: (وإذا انقطع الدم من الحيضة الثالثة لعشرة أيام انقطعت الرجعة، وإن لم تغتسل) ش: لأن انقطاع الرجعة تعلق بانقضاء العدة، وهو تعلق بالخروج عن الحيضة الثالثة، وهو تعلق بشرط حصول الطهارة، فإن كان أيام حيضها عشرا تحصل الطهارة بمجرد الانقطاع، لأن الحيض لا يحتمل الزيادة على العشرة، فلما حصلت الزيادة انقطعت الرجعة، وإن لم تغتسل. وقال أبو بكر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 462 وإن انقطع لأقل من عشرة أيام لم تنقطع الرجعة حتى تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة كامل، لأن الحيض لا مزيد له على العشرة، فبمجرد الانقطاع خرجت من الحيض فانقضت العدة وانقطعت الرجعة، وفيما دون العشرة يحتمل عود الدم، فلا بد أن يعتضد الانقطاع بحقيقة الاغتسال أو بلزوم حكم من أحكام الطاهرات بمضي وقت الصلاة، بخلاف ما إذا كانت كتابية، لأنه لا يتوقع في حقها أمارة زائدة فاكتفي بالانقطاع، وتنقطع الرجعة إذا تيممت وصلت، عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وهذا استحسان.   [البناية] الرازي في شرحه لمختصر الطحاوي في باب العدة: وقد روي عن عمر وعلي وعبد الله وآخرين من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ثم اعتبار الغسل من الحيضة الثالثة. م: (وإن انقطع) ش: أي الحيض م: (لأقل من عشرة أيام لم تنقطع) ش: أي الرجعة م: (حتى تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة كامل) ش: بالرفع، لأنه صفة الوقت. وفي " الينابيع ": أو يمضي عليها وقت أقرب الصلاة مع القدرة على الاغتسال م: (لأن الحيض لا مزيد له على العشرة) ش: هذا تعليل لانقطاع الدم من الحيضة لعشرة أيام، أي لأن الحيض لا يزيد على عشرة أيام، لأن ما زاد على العشرة استحاضة، إلا إذا كان لها عادة تزيد على أيام عادتها، فيجوز أن تنقضي عدتها على العشرة إذا لم ينقطع على العشرة. م: (فبمجرد الانقطاع) ش: أي بمجرد انقطاع الحيض لعشرة أيام م: (خرجت من الحيض فانقضت العدة وانقطعت الرجعة) ش: لأنها تنقضي بخروجها من الحيضة الثالثة وانقطعت الرجعة لعدم بقاء المحلية م: (وفيما دون العشرة) ش: أي انقطاع الحيض فيما دون العشرة أيام م: (يحتمل عود الدم) ش: لأنه في مدة الحيض م: (فلا بد أن يعتضد الانقطاع) ش: أي يبرأ م: (بحقيقة الاغتسال أو بلزوم حكم من أحكام الطاهرات) ش: وهو وجوب الصلاة م: (بمضي وقت الصلاة) ش: يعني أن الوقت إذا مضى صارت الصلاة فرضا في زمنها، وهو من أحكام الطاهرات مع القدرة على الاغتسال، وفيه خلاف زفر. م: (بخلاف ما إذا كانت) ش: أي المرأة م: (كتابية) ش: نصرانية أو يهودية م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لا يتوقع في حقها) ش: من التوقع عبارة عن انتظار وقوع أمر عن م: (أمارة زائدة) ش: بفتح الهمزة، أي أمارة زائدة على انقطاع حقها عند تمام مدة حيضها م: (فاكتفي بالانقطاع) ش: أي بمجرد الانقطاع، لأنها لا تتكلف بالاغتسال ولا تجب عليها الصلاة م: (وتنقطع الرجعة إذا تيممت وصلت) ش: يعني إذا انقطع دم المعتدة لأقل من عشرة أيام، فتيممت وصلت مكتوبة أو تطوعا م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا استحسان) ش: أي قولهما: استحسان يعني الانقطاع لا يكون إلا بالتيمم والصلاة أيضاً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 463 وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا تيممت انقطعت، وهذا قياس، لأن التيمم حال عدم الماء طهارة مطلقة حتى يثبت به من الأحكام ما يثبت بالاغتسال فكان بمنزلته. ولهما أنه ملوث غير مطهر، وإنما اعتبر طهارة ضرورة لا تتضاعف الواجبات، وهذه الضرورة تتحقق حال أداء الصلاة لا فيما قبلها من الأوقات والأحكام الثابتة أيضا ضرورية اقتضائية، ثم قيل تنقطع بنفس الشروع عندهما، وقيل: بعد الفراغ، ليتقرر حكم جواز الصلاة: وإذا اغتسلت ونسيت شيئا من بدنها لم   [البناية] [انقطاع الرجعة للمطلقة] م: (وقال محمد: إذا تيممت انقطعت) ش: أي بمجرد التيمم تنقطع الرجعة عنده، وبه قال زفر وأحمد م: (وهذا قياس) ش: أي قول محمد هو القياس م: (لأن التيمم حال عدم الماء طهارة مطلقة) ش: لأنه يقوم مقام الماء عند عدمه م: (حتى يثبت) ش: بالرفع لأن حتى هذه ليست للغاية م: (به) ش: أي بالتيمم م: (من الأحكام) ش: نحو دخول المسجد وقراءة القرآن ومس المصحف وجواز أداء الصلاة م: (ما يثبت بالاغتسال) ش: أي الذي يثبت به وهو فاعل يثبت الذي بعد حتى م: (فكان) ش: أي التيمم م: (بمنزلته) ش: أي بمنزلة الاغتسال. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي التيمم م: (ملوث غير مطهر) ش: يعني حقيقة لا شرعا، وإنما قال: ملوث بحسب الغالب، وإن كان يجوز بالحجر الأملس عند أبي حنيفة، والرمل بالاتفاق ولا غبار ثم ولا تلويث م: (وإنما اعتبر طهارة) ش: أي وإنما يعتبر التيمم طهارة شرعا م: (ضرورة أن لا تتضاعف الواجبات) ش: أي لأجل ضرورة تضاعف الواجبات، لأنه لو لم يعتبر حتى يجد الماء لكان يمضي أوقات صلاة متعددة فيحصل الضرر م: (وهذه الضرورة) ش: أي الضرورة المذكورة م: (تتحقق حال أداء الصلاة لا فيما قبلها من الأوقات) ش: أي لا يتحقق فيما قبل حال أداء الصلاة قد يكون قبلها طهارة يتعلق بها انقطاع الرجعة. م: (والأحكام الثابتة أيضاً ضرورية اقتضائية) ش: هذا جواب عن حرف محمد، يعني الأحكام التي ذكرها محمد أيضاً ضرورية تثبت اقتضاء، لأن الضرورية إذا تثبت تثبت بجميع لوازمها، ومن لوازم ثبوت الصلاة عند أدائها انقطاع الحيض، ومن لوازم انقطاعه مضي العدة، ومن لوازم مضيها انقطاع الرجعة ولازم اللازم لازم، فيثبت عند ثبوته. وأما الجواب عن جعل أبي حنيفة وأبي يوسف التيمم، هذا طهارة ضرورية. وفي باب الأمة طهارة مطلقة، وجعل محمد بالعكس فقد مضى هناك مستوفى م: (ثم قيل: تنقطع) ش: أي الرجعة م: (بنفس الشروع) ش: في الصلاة م: (عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف. م: (وقيل بعد الفراغ) ش: أي من الصلاة م: (ليتقرر حكم جواز الصلاة) ش: وهو الصحيح، لأن الحال بعد الشروع فيها كالحال قبله، ألا ترى أنه لو رأى الماء في الصلاة لا يبقى لتيممه أثر بخلاف ما بعد الصلاة، كذا في المبسوط. م: (وإذا اغتسلت) ش: أي إذا اغتسلت المعتدة من الحيضة الثالثة م: (ونسيت شيئا من بدنها لم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 464 يصبه الماء فإن كان عضوا فما فوقه لم تنقطع الرجعة، وإن كان أقل من عضو انقطعت. قال: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا استحسان والقياس في العضو الكامل أن لا تبقى الرجعة، لأنها غسلت الأكثر، والقياس فيما دون العضو أن تبقى، لأن حكم الجنابة والحيض لا يتجزأ. ووجه الاستحسان وهو الفرق أن ما دون العضو يتسارع إليه الجفاف لقلته، فلا يتيقن بعدم وصول الماء إليه، فقلنا بأنه تنقطع الرجعة ولا يحل لها التزوج أخذا بالاحتياط فيهما، بخلاف العضو الكامل،   [البناية] يصبه الماء، فإن كان عضوا) ش: أي فإن كان الذي لم يصبه الماء عضوا م: (فما فوقه) ش: أي فما فوق العضو م: (لم تنقطع الرجعة) ش: استحسانا م: (وإن كان أقل من عضو) ش: قال في المحيط: نحو الأصبع، وكذا بعض الساعد وبعض العضو دون العضو الكامل نحو اليد والرجل م: (انقطعت) ش: أي الرجعة. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا استحسان) ش: أي قال المصنف: هذا المذكور استحسان. اعلم أن محمداً لم يذكر في كتبه موضع القياس هل هو العضو فما فوقه أو ما هو دونه. وروي عن أبي يوسف في العضو فما فوقه بأن القياس أن تنقطع الرجعة، وفي الاستحسان أن لا تنقطع، وعند محمد فيما دونه، فإن القياس يبقى الرجعة. وفي الاستحسان أن تنقطع، فعلم أن على كل منهما قياسا واستحسانا، فانظر الآن في عبارة المصنف كيف يفهم منها كل ذلك، وهذا يدل على قوة حذقة، وغاية إدراكه - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. م: (والقياس في العضو الكامل أن لا تبقى الرجعة، لأنها غسلت الأكثر) ش: أي أكثر البدن وللأكثر حكم الكل، فكأنها غسلت جميع البدن م: (والقياس فيما دون العضو أن تبقى) ش: أي الرجعة م: (لأن حكم الجنابة والحيض مما لا يتجزأ) ش: بأن يكون البعض بحكم الجواز والبعض بعدمه. م: (ووجه الاستحسان وهو الفرق) ش: بين العضو الكامل وما دونه م: (أن ما دون العضو يتسارع إليه الجفاف لقلته، فلا يتيقن بعدم وصول الماء إليه) ش: وفي المحيط: حتى لو تيقنت بعدم وصول الماء إليه م: (فقلنا بأنه تنقطع الرجعة ولا يحل لها التزوج) ش: بزوج آخر م: (أخذا بالاحتياط فيهما) ش: أي في انقطاع الرجعة والتزوج م: (بخلاف العضو الكامل لأنه لا يتسارع إليه الجفاف ولا يغفل عنه عادة، فافترقا) ش: أي العضو الكامل وما دونه. م: (وعن أبي يوسف: أن ترك المضمضة والاستنشاق كترك عضو كامل) ش: والواو في قوله: والاستنشاق بمعنى أو، كما في قَوْله تَعَالَى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] (النساء: الآية 3) ، بيان ذلك: إذا اغتسلت عن الحيضة الثالثة فيما دون العشر لكنها تركت المضمضة أو الاستنشاق، فعن أبي يوسف روايتان في رواية هشام عنه لا تنقطع الرجعة، أشار بقوله: كترك عضو كامل، حيث الجزء: 5 ¦ الصفحة: 465 لأنه لا يتسارع إليه الجفاف، ولا يغفل عنه عادة فافترقا. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ترك المضمضة والاستنشاق كترك عضو كامل وعنه وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو بمنزلة ما دون العضو لأن في فرضيتهما اختلافا، بخلاف غيره من الأعضاء. ومن طلق امرأته وهي حامل أو ولدت منه وقال لم أجامعها فله الرجعة، لأن الحمل متى ظهر في مدة يتصور أن يكون منه جعل منه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الولد للفراش» .   [البناية] لا تنقطع الرجعة فيه. وفي رواية أخرى رواها الكرخي تنقطع، أشار إليها بقوله: م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف م: (وهو) ش: أي ترك المضمضة والاستنشاق، ولفظه هو في محل الرفع على الابتداء م: (وهو قول محمد) ش: جملة معترضة بينه وبين خبره، وهو قوله م: (بمنزلة ما دون العضو) ش: أي بمنزلة ترك ما دون العضو، حيث إذا تركه تنقطع الرجعة م: (لأن في فرضيتهما) ش: أي فرضية المضمضة والاستنشاق في الغسل م: (اختلافا) ش: فإن عند مالك والشافعي هما سنتان في الغسل، وفي الوضوء أيضاً، وعندنا واجبان في الغسل وسنتان في الوضوء، وعند ابن أبي ليلى وعبد الله بن المبارك وأحمد وإسحاق فرضان فيهما جميعا، لكن قال أحمد: الاستنشاق آكد من المضمضة فإذا كان فيهما اختلاف في فرضيتهما فالاحتياط في انقطاع الرجعة م: (بخلاف غيره من الأعضاء) ش: فإنه لا خلاف لأحد في فرضيته. [طلق امرأته وهي حامل أو ولدت منه وقال لم أجامعها] م: (ومن طلق امرأته وهي حامل) ش: أي والحال أنها حامل م: (أو ولدت منه) ش: أي والحال أنها ولدت منه في نكاحها قبل الطلاق م: (وقال: لم أجامعها فله الرجعة) ش: ولا يعتبر قوله: لم أجامعها م: (لأن الحمل متى ظهر في مدة يتصور أن يكون منه جعل منه) ش: لأنها إذا كانت حاملا يوم الطلاق وظهر ذلك بأن ولدت لأقل من ستة أشهر فصار النسب ثابتاً منه م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «الولد للفراش» ش: روي هذا الحديث عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرجه الأئمة الستة من حديث سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وفي لفظ البخاري: «الولد لصاحب الفراش» وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أخرجه الستة إلا الترمذي من حديث عروة عنها قالت: «اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن زمعة في غلام ... الحديث الولد للفراش» . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «قام رجل فقال: يا رسول الله الحديث، وفيه: الولد للفراش وللعاهر الحجر» . وعن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرجه أبو داود أيضاً فيه طول وفيه «الولد للفراش» وعن أبي أمامة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرجه الترمذي عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 466 وذلك دليل الوطء منه، وكذا إذا ثبت نسب الولد من جعل واطئا، وإذا ثبت الوطء تأكد الملك والطلاق في ملك متأكد يعقب الرجعة، ويبطل زعمه بتكذيب الشرع، ألا ترى أنه يثبت بهذا الوطء الإحصان، فلأن تثبت به الرجعة أولى، وتأويل مسألة الولادة أن تلد قبل الطلاق، لأنها لو ولدت بعده تنقضي العدة بالولادة فلا تتصور الرجعة. قال: فإن خلا بها وأغلق بابا، أو أرخى سترا،   [البناية] وصية لوارث، الولد للفراش وللعاهر الحجر» . م: (وذلك) ش: أي جعل العمل منه م: (دليل الوطء منه، وكذا إذا ثبت نسب الولد منه جعل واطئا، وإذا ثبت الوطء تأكد الملك، والطلاق في ملك متأكد يعقب الرجعة ويبطل زعمه) ش: بفتح الزاي وضمها لغتان فصيحتان، قاله ابن دريد، وأكثر ما يقع الزعم على الباطل م: (بتكذيب الشرع) ش: إياه وفيه بحث من وجهين، أحدهما: أن النسب يثبت دلالته وقوله: لم أجامعها صريح، والصريح يفوق الدلالة، والثاني: أنه أقر بقوله: لم أجامعها سقوط حق مستحق له وتكذيب الشرع لم يرده كما لو أقر يعني لإنسان ثم اشتراها ثم استحقت في يده ثم وصلت إليه، أمر بالتسليم إلى المقر له وإن صار مكذباً شرعاً. وأجيب عن الأول بأن الدلالة من الشارع، والصريح من العبد ودلالة الشرع أقوى لاحتمال الكذب من العبد دون الشارع. وعن الثاني: بأن لم يتعلق بإقراره هاهنا حق الغير والموجب للرجعة هو الطلاق بعد الدخول ثابت فيترتب عليه الحكم لثبوت المقتضى وانتفاء المانع، بخلاف المسر المستشهد به، فإن المانع ثمة موجود وهو تعلق حق الغير. م: (ألا ترى) ش: توضيح لقوله: والطلاق في ملك متأكد يعقب الرجعة م: (أنه) ش: أي أن الشأن م: (يثبت بهذا الوطء الإحصان، فلأن تثبت به الرجعة أولى) ش: بيان الأولوية أن الإحصان له مدخل في وجوب العقوبة، ومع هذا يثبت بهذا الوطء فلا تثبت به الرجعة التي ليست فيها جهة العقوبة أولى، ولأنه لا يلزم من ثبوت الرجعة ثبوت الإحصان كالأمة النصرانية. م: (وتأويل مسألة الولادة أن تلد قبل الطلاق) ش: قال الأترازي: هذه المسألة من خواص " الجامع الصغير "، ولو تبع المصنف لفظ محمد في " الجامع الصغير "، وجعله كما هو لا يحتاج إلى التأويل، وصورته في " الجامع الصغير ": روى محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل تزوج امرأة ثم طلقها، وهي حامل، فقال: لم أجامعها، قال له: عليها الرجعة، وكذلك إن كانت ولدت قبل ذلك. م: (لأنها لو ولدت بعد الطلاق تنقضي العدة بالولادة فلا تتصور الرجعة) ش: لفوات المحل م: (قال فإن خلا بها) ش: أي بالمرأة م: (إذا أغلق باباً أو أرخى ستراً) ش: ذكر وأرخى ستراً، وذكر في كتاب الطلاق أو أرخى بكلمة أو، وهو الصحيح، لأن أحد الأمرين من إغلاق الباب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 467 أو قال لم أجامعها ثم طلقها لم يملك الرجعة، لأن تأكد الملك بالوطء وقد أقر بعدمه فيصدق في حق نفسه، والرجعة حقه ولم يصر مكذبا شرعا، بخلاف المهر لأن تأكد المهر المسمى يبتني على تسليم المبدل لا على القبض، بخلاف الفصل الأول، فإن راجعها معناه بعد ما خلا بها وقال لم أجامعها ثم جاءت بولد لأقل من سنتين بيوم صحت تلك الرجعة، لأنه يثبت النسب منه، إذ هي لم تقر بانقضاء العدة والولد يبقى في البطن هذه المدة، فأنزل واطئا قبل الطلاق دون ما بعده، لأن على اعتبار الثاني يزول الملك بنفس الطلاق لعدم الوطء قبله، فيحرم الوطء، والمسلم لا يفعل الحرام.   [البناية] وإرخاء الستر كاف في ثبوت الخلوة الصحيحة م: (وقال لم أجامعها ثم طلقها لم يملك الرجعة، لأن تأكد الملك بالوطء وقد أقر بعدمه فيصدق في حق نفسه والرجعة حقه) ش: فيصدق في حقه إذا قال لم أجامعها. م: (ولم يصر مكذبا شرعا) ش: جواب عما يقال قد صار مكذباً شرعاً، ولا يجب المهر كاملاً إلا إذا كان الطلاق بعد الدخول، وأجاب بقوله: ولم يصر مكذباً شرعاً م: (بخلاف المهر لأن تأكد المهر المسمى يبتني على تسليم المبدل) ش: أي البضع م: (لا على القبض) ش: أي قبض المبدل وهو الوطء يعني إن تأكد المهر بالخلوة الصحيحة لم يدل على كون الرجل واطئاً حكماً، لأن المهر يتأكد بتسليم البضع ولا يتوقف على الوطء فلم يلزم ثبوت الوطء بثبوت كمال المهر، وذلك أن المرأة قادرة على تسليم نفسها، وليست بقادرة على جعل الرجل واطئاً، فتأكد المهر بالتسليم دفعاً للضرر عنها. م: (بخلاف الفصل الأول) ش: مرتبط بقوله: ولم يصر مكذباً، والفصل الأول هو ثبوت النسب فبظهور الحمل حالة الطلاق أو بالدلالة قبل الطلاق صار مكذباً شرعاً في قوله: لم أجامعها حيث جعله الشرع واطئاً حكماً، لأن الرجعة تنبئ عن الدخول، وقد ثبت النسب فتثبت الرجعة، لأنه لا نسب بلا ماء، ولا ماء بلا دخول، فتثبت الرجعة لوجود الدخول [قال رجل لامرأته إذا ولدت فأنت طالق فولدت ولدا ثم أتت بولد آخر] م: (فإن راجعها) ش: معناه بعد ما خلا بها م: (وقال: لم أجامعها ثم جاءت بولد لأقل من سنتين بيوم) ش: أي من يوم الطلاق لا من يوم الرجعة م: (صحت تلك الرجعة) ش: أي الرجعة السابقة م: (لأنه يثبت النسب منه) ش: فيثبت الدخول لا محالة، والطلاق بعد الدخول معقب للرجعة. م: (إذ هي) ش: أي لأن المرأة م: (لم تقر بانقضاء العدة والولد يبقى في البطن هذه المدة) ش: ولا يكون ذلك إلا بالدخول م: (فأنزل واطئاً قبل الطلاق دون ما بعده، لأن على اعتبار الثاني) ش: وهو كونه واطئاً بعد الطلاق، لأن المذكور الأول هو كونه واطئاً قبل الطلاق م: (يزول الملك بنفس الطلاق) ش: إلى عدة م: (لعدم الوطء قبله) ش: أي قبل الطلاق م: (فيحرم الوطء) ش: لأنه أنكره بعد الخلوة م: (والمسلم لا يفعل الحرام) ش: ولا يرضاه لغيره فيحمل على الدخول قبل الطلاق حملاً لأمر المسلم على الصلاح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 468 فإن قال لها إذا ولدت فأنت طالق، فولدت ولدا ثم أتت بولد آخر فهي رجعة، معناه من بطن آخر، وهو أن يكون بعد ستة أشهر، وإن كان أكثر من سنتين إذا لم تقر بانقضاء العدة؛ لأنه وقع الطلاق عليها بالولد الأول، ووجبت العدة فيكون الولد الثاني من علوق حادث منه في العدة لأنها لم تقر بانقضاء العدة، فيصير مراجعا. وإن قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق، فولدت ثلاثة أولاد في بطون مختلفة، فالولد الأول طلاق، والولد الثاني رجعة، وكذا الثالث؛ لأنها إذا جاءت بالولد الأول وقع الطلاق وصارت معتدة، وبالثاني صار مراجعا؛ لما بينا قبل أنه يجعل العلوق بوطء حادث في العدة ويقع الطلاق الثاني بولادة الولد الثاني؛ لأن اليمين معقودة بكلمة "كلما" ووجبت العدة وبالولد الثالث صار مراجعا لما ذكرنا وتقع الطلقة الثالثة بولادة الثالث ووجبت العدة بالإقراء؛   [البناية] م: (وإن قال لها) ش: أي إن قال رجل لامرأته م: (إذا ولدت فأنت طالق فولدت ولداً، ثم أتت بولد آخر) ش: لأقل من سنتين بيوم أو أكثر م: (فهي رجعة) ش: أي الولادة الثانية رجعة م: (معناه من بطن آخر وهو أن يكون بعد ستة أشهر وإن كان أكثر من سنتين إذا لم تقر بانقضاء العدة) ش: كلمة أن للوصل، يعني لما كان بين الولدين ستة أشهر لا يتفاوت بعد ذلك بين أن تكون الولادة الثانية في أقل من سنتين، وبين أن يكون في أكثر من ثبوت الرجعة م: (لأنه وقع الطلاق عليها بالولد الأول، ووجبت العدة فيكون الولد الثاني من علوق حادث منه) ش: أي من الزوج حال كونه م: (في العدة لأنها لم تقر بانقضاء العدة فيصير مراجعاً) ش: لأن العلوق الحادث بعد الطلاق في العدة معقب للرجعة. فإن قيل: ذكر في كتاب الدعوى أن المطلقة طلاقاً رجعياً لو ولدت لأقل من سنتين بيوم لا تكون رجعة، وفي الأكثر من سنتين تكون رجعة لاحتمال العلوق قبل الطلاق في الأول دون الثاني. قلنا: قد سقط هذا الاحتمال هنا لأنهما إذا كانا من بطنين كان الثاني من علوق حادث ضرورة، ولا يصار مع الولد الأول من بطن واحد والاتحاد لا يثبت بالشك. [قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ثلاثة أولاد في بطون مختلفة] م: (وإن قال: كلما ولدت ولداً فأنت طالق، فولدت ثلاثة أولاد في بطون مختلفة فالولد الأول طلاق) ش: المراد من البطون المختلفة أن يكون بين الولدين ستة أشهر فصاعداً م: (والولد الثاني رجعة، وكذلك الثالث، لأنها إذا جاءت بالولد الأول وقع الطلاق وصارت معتدة) ش: لأن العدة تعقب الطلاق م: (وبالثاني) ش: أي وبالولد الثاني م: (صار مراجعاً لما بينا قبل أن يجعل العلوق بوطء حادث في العدة، ويقع الطلاق الثاني بولادة الولد الثاني؛ لأن اليمين معقودة بكلمة كلما) ش: وهي تقتضي تكرار الجزاء عند تكرار الشرط، م: (ووجبت العدة، وبالولد الثالث صار مراجعاً لما ذكرنا) ش: إشارة إلى قوله: لأنه وقع الطلاق عليها بالولد الأول ... إلى آخره م: (وتقع الطلقة الثالثة بولادة الولد الثالث، ووجبت العدة بالأقراء) ش: أي بالحيض. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 469 لأنها حائل من ذوات الحيض حين وقع الطلاق. والمطلقة الرجعية تتشوف وتتزين؛ لأنها حلال له، إذ النكاح قائم بينهما، ثم الرجعة مستحبة، والتزين حامل له عليها، فيكون مشروعا. ويستحب لزوجها أن لا يدخل عليها حتى يؤذنها   [البناية] م: (لأنها حائل من ذوات الحيض حين وقع الطلاق) ش: وذوات الحيض عدتها بالحيض، ولو ولدت ثلاثة أولاد في بطن واحد يقع عليها طلقتان لا غير، وتنقضي العدة بوضع الولد الثالث، لأن شرط الطلاقين وجد في الملك موقوفاً، بخلاف الطلاق الثالث، فإن شرطه وجد في غير الملك لعدم الرجعة، قيل ذلك، لأنهم ولدوا في بطن واحد فلم يقع لوقوعه في غير الملك وانقضت العدة بالولد الثالث، لأنها وضعت جميع ما في بطنها الآن، ولو ولدت ولدين في بطن واحد تطلق بالولد الأول واحدة، وتنقضي العدة بالولد الثاني، ولا يقع به الطلاق، لأنها حينئذ ليست بمنكوحة ولا معتدة. م: (والمطلقة الرجعية تتشوف) ش: لفظ محمد في الأصل والمعتدة من الطلاق الرجعية تتشوف لزوجها م: (وتتزين) ش: وقال ابن دريد: شفت الشيء أشوفه شوفاً إذا جلوته، ومنه قوله تتشوف المرأة إذا تزينت، وفي ديوان الأدب: رأيت النساء يتشوفن، أي ينظرن، أي يتطاولن، وقيل التشوف: التزين، لكنه خاص بالوجه والتزين عام يستعمل في الوجه وغيره. قلت: إذا كان التشوف والتزين بمعنى واحد يكون قوله وتتزين عطف تفسيري، وإذا كان التزين عاماً يكون عطف العام على الخاص م: (لأنها) ش: أي لأن المرأة م: (حلال له) ش: أي للزوج م: (إذ النكاح قائم بينهما) ش: أي لأن النكاح قائم بين الزوجين حتى يجري التوارث بينهما، وكذا جميع أحكام النكاح، ويدخل في قوله كل امرأة لي طالق. [حكم الرجعة] م: (ثم الرجعة مستحبة) ش: لما جاء في حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، قال لعمر: «مر ابنك فليراجعها» . متفق عليه. وروى أبو داود عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طلق حفصة ثم راجعها» . وجاء فيه أحاديث أخرى تدل كلها على مشروعية الرجعة واستحبابها م: (والتزين حامل له عليها) ش: أي على الرجعة، لأن نظره إليها ليس بمحرم، فربما إذا نظر إلى زينتها رغب فيها وراجعها م: (فيكون مشروعاً) ش: أي إذا كان الأمر كذلك، فيكون التزين مشروعاً بخلاف المعتدة من طلاق بائن، حيث لا تتشوف له، لحرمة النظر إليها وعدم مشروعية الرجعة. م: (ويستحب لزوجها أن لا يدخل عليها) ش: أي على التي طلقها زوجها م: (حتى يؤذنها) ش: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 470 أو يسمعها خفق نعليه، معناه إذا لم يكن من قصده المراجعة، لأنها ربما تكون مجردة، فيقع بصره على موضع يصير به مراجعا ثم يطلقها فتطول عليها العدة. وليس له أن يسافر بها حتى يشهد على رجعتها. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - له ذلك لقيام النكاح، ولهذا له أن يغشاها عندنا ولنا قَوْله تَعَالَى: {لا تخرجوهن من بيوتهن} [الطلاق: 1] (الطلاق: الآية 1) . ولأن تراخي عمل المبطل لحاجته إلى المراجعة، فإذا لم يراجعها حتى انقضت العدة ظهر أنه لا حاجة له، فتبين أن المبطل عمل عمله من وقت وجوده،   [البناية] أي يعلمها بالتخلخ ونحوه م: (أو يسمعها خفق نعليه) ش: أي صوتهما حين يدخل من الباب، وهو من خفق التراب خفقاً إذا اضطرب وهو لفظ مشترك، يقال خفق النجم يخفق خفوقاً إذا ضاء وطلع، ومن خفق النجم والقمر إذا انحطا وغربا، وخفق القلب خفقاناً وخفق الرجل خفقة إذا نعس ثم انتبه م: (معناه) ش: أي معنى كلام القدوري م: (إذا لم يكن من قصده المراجعة، لأنها ربما تكون متجردة فيقع بصره على موضع يصير به مراجعاً) ش: وهو الفرج، لأنه إذا وقع نظره على فرجها يكون مراجعاً م: (ثم يطلقها) ش: بأن لم يكن من قصده أن يراجعها م: (فتطول عليها العدة) ش: فيحصل عليها الأذى بذلك، لأن فيه استئناف العدة. وقال محمد في المبسوط: أكره أن يراها متجردة إذا كان لا يريد رجعتها، وإن رآها لم يكن عليه شيء، لأن ما فوق الرؤية وهو الوطء حلال، فالرؤية أولى. م: (وليس له أن يسافر بها) ش: أي بالمطلقة الرجعية م: (حتى يشهد على رجعتها، وقال زفر: له ذلك) ش: أي للزوج أن يسافر بها م: (لقيام النكاح) ش: ما لم تنقض العدة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل قيام النكاح م: (له أن يغشاها عندنا) ش: أي له أن يجامعها. م: (ولنا قَوْله تَعَالَى {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] الآية، (الطلاق: الآية 1) ش: وجه الاستدلال أن الآية نزلت في الطلاق الرجعي بالنقل عن أئمة التفسير، أي لا تخرجوهن حتى تنقضي عدتهن من بيوتهن من مساكنهن التي يسكنها قبل العدة، وهي بيوت الأزواج، وأضيفت إليهن لاختصاصها بها من حيث السكنى، فدلت أن إخراجهن للأزواج لا يحل، وكذا خروجهن بأنفسهن قبل انقضاء العدة فاحشة في نفسها. م: (ولأن تراخي عمل المبطل) ش: هذا دليل عقلي على جواز عدم المسافرة بها قيل الرجعة، بيانه أن تراخي عمل المبطل الذي هو الطلاق م: (لحاجته) ش: أي لحاجة الزوج م: (إلي المراجعة) ش: إذ الطلاق يعني أن الطلاق معطل لملك النكاح، فكان ينبغي أن يبطل النكاح زمان وجود الطلاق، لأن حكمه تأخر إلى وجود الشرط، وهو انقضاء العدة لحاجة الزوج إلى الرجعة. م: (فإذا لم يراجعها حتى انقضت العدة ظهر أنه لا حاجة له) ش: أي إلى الرجعة م: (فتبين أن المبطل للنكاح عمل عمله من وقت وجوده) ش: أي وجود المبطل، فمنع لذلك كالبيع الذي فيه الخيار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 471 ولهذا تحتسب الأقراء من العدة، فلم يملك الزوج الإخراج إلا أن يشهد على رجعتها فتبطل العدة ويتقرر ملك الزوج، وقوله "حتى يشهد على رجعتها" معناه الاستحباب على ما قدمناه. والطلاق الرجعي لا يحرم الوطء. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحرمه، لأن الزوجية زائلة لوجود القاطع، وهو الطلاق. ولنا أنها قائمة حتى يملك مراجعتها من غير رضاها؛ لأن حق الرجعة ثبت نظرا للزوج، ليمكنه التدارك عند اعتراض الندم.   [البناية] وتأخر عمل البيع في اللزوم، ثم بالإجازة يعمل من وقت البيع، ولهذا يملك الزوائد الحاصلة في مدة الخيار م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن عمل المبطل من وقت وجود المبطل م: (تحتسب الأقراء من العدة) ش: أي الأقراء الماضية قبل انقضاء العدة تحتسب من العدة، فلو كان عمل المبطل مقتصراً على انقضاء العدة لا تحتسب الأقراء الماضية من العدة، كما لا تحتسب في قوله إذا حضت فأنت طالق، فإن تلك الحيضة غير محتسبة من العدة، لأنه شرط وقوع الطلاق، فإذا كان كذلك م: (فلم يملك الزوج الإخراج) ش: أي إخراجها إلى السفر، لأنه عمل المبطل لما لم يكن مقتصراً على الانقضاء كانت المرأة كالمبتوتة، فلا يملك إخراجها كالمبتوتة تحقيقاً. م: (إلا أن يشهد) ش: الزوج م: (على رجعتها فتبطل العدة ويتقرر ملك الزوج) ش: فلم يكره السفر. فإن قيل: السفر بها دلالة الرجعة فتثبت الرجعة أشهد أو لم يشهد. أجيب: بأن كلامنا في رجل ينادي صريحا بأنه لا يراجعها، ولا عبرة للدلالة مع وجود الصريح، ثم كما لا يباح إخراجهن وخروجهن إلى السفر لا يباح أيضاً إلى ما دون السفر لإطلاق النص المحرم. م: (وقوله) ش: أي قول محمد في " الجامع الصغير ": م: (حتى يشهد على رجعتها معناه الاستحباب) ش: يعني لا يريد به أن الإشهاد على الرجعة واجب، بل الإشهاد مستحب عندنا م: (على ما قدمناه) ش: يعني في أوائل الباب عند قوله ويستحب أن يشهد على الرجعة شاهدين، وإن لم يشهد صحت الرجعة. [الطلاق الرجعي لا يحرم الوطء] م: (والطلاق الرجعي لا يحرم الوطء. وقال الشافعي: يحرمه) ش: وبه قال أحمد: في رواية، وقال الثوري: والأظهر أنه ليس بشرط على الأظهر م: (لأن الزوجية زائلة لوجود القاطع وهو الطلاق) ش: قال أبو نصر: قال الشافعي: فإن وطئها قبل الرجعة فعليه المهر م: (ولنا أنها) ش: أي الزوجية م: (قائمة حتى يملك مراجعتها من غير رضاها، لأن حق الرجعة ثبت نظراً للزوج، ليمكنه التدارك عند اعتراض الندم) ش: وإليه أشار الله تعالى بقوله {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] (الطلاق: الآية 1) . قال الزمخشري: الأمر الذي يحدثه الله تعالى أن يقلب قلبه من بغضها إلى محبتها، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها، ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليه فيراجعها، والمعنى: فطلقوهن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 472 وهذا المعنى يوجب استبداده وتفرده به، وذلك يؤذن بكونه استدامة لا إنشاء، إذ الدليل ينافيه، والقاطع أخر عمله إلى مدة إجماعا أو نظرا له على ما تقدم.   [البناية] بعدتهن وأحصوا العدة لعلكم ترغبون وتندمون فتراجعون. م: (وهذا المعنى) ش: أي ثبوته نظراً للزوج م: (يوجب استبداده) ش: أي استقلاله م: (وتفرده به) ش: أي بحق الرجعة م: (وذلك) ش: أي تفرد الزوج بحق الرجعة م: (يؤذن) ش: أي يعلم م: (بكونه) ش: أي بكون حق الرجعة م: (استدامة) ش: أي طلب دوامه كما كان م: (لا إنشاء) ش: أي ليس بإنشاء نكاح جديد م: (إذ الدليل ينافيه) ش: أي لأن الدليل الدال على استبداده ينافي الإنشاء، إذ لو كانت الرجعة إنشاء لم ينفرد الزوج بالرجعة بلا رضا المرأة أو رضا وليها. م: (والقاطع أخر عمله إلى مدة) ش: جواب عن قول الشافعي أن الزوجية زائلة لوجود القاطع، تقريره أن وجود القاطع لا ينافي قيام الزوجية بأن أخر عمله إلى انقضاء العدة م: (إجماعا) ش: بدليل أن الرجعة بالقول تصح بلا رضا المرأة عند الشافعي أيضاً م: (أو نظراً له) ش: أي أو أن القاطع أخر عمله إلى انقضاء العدة م: (على ما تقدم) ش: بيانه وهو قوله تثبت نظراً للزوج ليمكنه التدارك عند اعتراض الندم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 473 فصل فيما تحل به المطلقة وإذا كان الطلاق بائنا دون الثلاث، فله أن يتزوجها في العدة وبعد انقضائها؛ لأن حل المحلية باق؛ لأن زواله متعلق بالطلقة الثالثة، فينعدم قبلها، ومنع الغير في العدة لاشتباه النسب ولا اشتباه في إطلاقه. وإن كان الطلاق ثلاثا في الحرة وثنتين في الأمة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا ويدخل بها، ثم يطلقها، أو يموت عنها،   [البناية] [فصل فيما تحل به المطلقة] م: (فصل فيما تحل به المطلقة) ش: أي هذا فصل في بيان ما تحل به المرأة المطلقة. ولما فرغ من بيان ما يتدارك به الطلاق الرجعي، شرع في بيان ما يتدارك به غيره من الطلقات، ففي الحرة فيما دون الثلاث التدارك نكاح جديد. وفي الثلاث بإصابة الزوج الآخر بعد نكاحه، وكذا التدارك في الأمة في الشين بإصابة الزوج الآخر. م: (وإذا كان الطلاق بائناً دون الثلاث) ش: بأن كانت واحدة بائنة أو ثنتين م: (فله) ش: أي للزوج م: (أن يتزوجها في العدة وبعد انقضائها، لأن حل المحلية باق) ش: أي لأن حل المحل باق، لأن محل النكاح أنثى من بنات آدم مع انعدام المحرمية والشرك والعدة عن الغير م: (لأن زواله) ش: أي زوال المحل م: (متعلق بالطلقة الثالثة) ش: وإذا وجدت الطلقة الثالثة م: (فينعدم قبلها) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (البقرة: الآية 230) ، أي فإن طلق الثالثة م: (ومنع الغيرة في العدة) ش: أي غير الزوج عن النكاح في العدة م: (لاشتباه النسب) ش: لأجل اشتباه النسب صيانة م: (ولا اشتباه في إطلاقه) ش: أي لا اشتباه في إطلاق الشارع الزوج في نكاح معتدته. هكذا فسره الأترازي والأحسن أن يقال: ولا اشتباه في إطلاقه، أي في تجويز نكاح معتدته إذ الاشتباه إنما يكون عند اختلاف المياه، وذلك إنما يكون في معتدة الغير. قال الأكمل: واعترض عليه بالصغيرة والآيسة وعدة المياه قبل الدخول ومعتدة الصبي والحيضة الثانية والثالثة فإنه لا اشتباه في هذه المواضع، ولا يجوز التزوج في هذه المواضع في العدة. وأجيب: بأن ذلك بيان الحكمة، والحكم يرى في الجنس لا في كل فرد، لبيان العدة لوجود التخلف فيما ذكر من المواضع، انتهى. قلت: أخذ هذا من كلام السغناقي ملخصاً. [كان الطلاق ثلاثا في الحرة وثنتين في الأمة] م: (وإن كان الطلاق ثلاثاً في الحرة وثنتين في الأمة لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً، ويدخل بها ثم يطلقها أو يموت عنها) ش: أي الطلقة الثالثة لا بنكاح ولا بملك يمين حتى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 474 والأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (البقرة: الآية 230) والمراد الطلقة الثالثة، أو الثنتان في حق الأمة كالثلاث في حق الحرة؛ لأن الرق منصف لحل المحلية على ما عرف، ثم الغاية نكاح الزوج مطلقا، والزوجية المطلقة إنما تثبت بنكاح صحيح، وشرط الدخول ثبت بإشارة النص، وهو أن يحمل النكاح على الوطء حملا للكلام على الإفادة دون الإعادة، إذ العقد استفيد بإطلاق اسم الزوج،   [البناية] تنكح زوجاً غيره، وأطلق الزوج ليشمل البالغ وغيره والمجنون وغيره، إذا كان يجامع مثله. وبذلك صرح في شرح الطحاوي ويذكر عن قريب ما فيه من المذهب والأقوال، وإنما قيد بالنكاح الصحيح، لأن الزوج الثاني إذا تزوجها نكاحاً فاسداً لا تحل للأول، سواء دخل بها الثاني أو لم يدخل، لأنه عز وجل قال: {زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] والزوج المطلق هو الذي صح نكاحه. م: (والأصل فيه) ش: أي الأصل في هذه المسألة م: (قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (البقرة: الآية 230) ش: أي وإن طلقها الطلقة الثالثة بعد التطليقتين المذكورتين في قَوْله تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] أي مرة بعد أخرى م: (والمراد الطلقة الثالثة) ش: كما ذكرنا هذا في حق الحرة. م: (والثنتان) ش: أي الطلقتان م: (في حق الأمة كالثلاث) ش: أي كالطلقات الثلاث م: (في حق الحرة، لأن الرق منصف لحل المحلية) ش: إضافة التنصيف إلى الرق مجاز لمعنى أن الرقية سبب لتنصيف حل المحلية، لكونه نعمة، والطلقة الواحدة لا تتجزأ فكملت، وقد مر بيانه قبيل باب الطلاق في فصل المحرمات أيضاً م: (على ما عرف) ش: أي في الأصول م: (ثم الغاية) ش: أي الغاية بكلمة حتى في قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] م: (نكاح الزوج مطلقاً) ش: يعني ذكر من غير قيد نصفه م: (والزوجية المطلقة) ش: أي الكاملة م: (إنما تثبت بنكاح صحيح) ش: لأن الوطء يحرم في الفاسد، ويجب التفريق. م: (وشرط الدخول) ش: هذا جواب عما يقال المشروط في قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ، مطلق النكاح، فمن أين شرط الدخول؟ فأجاب بقوله: وشرط الدخول م: (ثبت بإشارة النص، وهو أن يحمل النكاح) ش: في قوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] م: (على الوطء حملاً للكلام على الإفادة دون الإعادة) ش: يعني لو حملنا النكاح على العقد في الآية يلزم ذكر العقد مرتين م: (إذ العقد استفيد بإطلاق اسم الزوج) ش: في قَوْله تَعَالَى: {زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وأيضاً في حمل النكاح على العقد يكون ذلك تأكيداً، والتأسيس أولى من التأكيد. فإن قيل: يلزم أن تكون المرأة واطئة على هذا التقدير، والمرأة موطوءة وليست بواطئة. أجيب: بجواز إضافة الوطء إليها، ولهذا تسمى زانية، والزنا هو الوطء الحرام، إلا أنه لا يشتهر استعماله. والحاصل أن المصنف استدل هاهنا في شرط الدخول بوجهين: أحدهما: بإشارة نص الكتاب على ما قررناه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 475 أو يزاد على النص بالحديث المشهور، وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تحل للأول حتى تذوق عسيلة الآخر» ، روي بروايات   [البناية] والآخر: بقوله م: (أو يزاد على النص) ش: أي على قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] م: (بالحديث المشهور) ش: وقد عرف جواز الزيادة على النص بالحديث المشهور كما عرف في الأصل م: (وهو) ش: أي الحديث المشهور هو م: (قوله) ش: أي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (لا تحل للأول حتى تذوق عسيلة الآخر) . ش: هذا الحديث رواه الأئمة الستة في كتبهم من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، قالت: «سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن رجل طلق زوجته فتزوجت زوجاً غيره فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها أتحل لزوجها الأول؟ قال: "لا حتى يذوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول» . م: (روي بروايات) ش: أي روي هذا بروايات مختلفة، فروى الجماعة إلا أبا داود عن الزهري عن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: «جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: إني كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فتزوجت بعده بعبد الرحمن بن الزبير، وإن ما معه مثل هدبة الثوب، فتبسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ فقالت: نعم، قال: لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» . وفي لفظ الصحيحين: أنها كانت تحت رفاعة فطلقها آخر ثلاث تطليقات ...... الحديث، وفي لفظ البخاري: «كذبت يا رسول الله إني لأنفضها نفض الأديم، ولكنها ناشزة تريد أن ترجع إلى رفاعة، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فإن كان كذلك فلن تحلين له حتى يذوق من عسيلتك » الحديث. وروى مالك في موطئه عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير: «فلم يستطع أن يمسها ففارقها، فأراد رفاعة أن ينكحها فنهاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: لا يحل له حتى يذوق العسيلة» . وروى الطبراني في "معجمه الأوسط " من حديث هشام بن عروة عن أبيه قالت: «كانت امرأة من قريظة يقال لها تميمة تحت عبد الرحمن بن الزبير فطلقها وتزوجها رفاعة رجل من قريظة ثم فارقها فأرادت أن ترجع إلى عبد الرحمن بن الزبير فقالت: والله يا رسول الله ما هو منه إلا هدبة ثوبي، قال: والله يا تميمة لا ترجعين إلى عبد الرحمن حتى يذوق عسيلتك رجل غيره» ، وهذا المتن عكس متن الصحيح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 476 ولا خلاف لأحد فيه سوى سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقوله غير معتبر   [البناية] وروى أبو موسى محمد الحافظ بن أبي بكر المديني في كتاب الأماني بإسناده إلى مقاتل بن حيان قال: «قوله - عز وجل - {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ، نزلت في عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك النضري كانت تحت رفاعة بن عتيك وهو ابن عمها فطلقها طلاقاً بائناً، فتزوجت بعده بعبد الرحمن بن الزبير القرظي ثم طلقها، فأتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله إن زوجي عبد الرحمن طلقني قبل أن يمسني فأرجع إلى ابن عمي زوجي الأول، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لا، حتى يكون مس"، فلبثت ما شاء الله أن لبثت ثم رجعت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت يا رسول الله إن زوجي الذي كان تزوجني بعد زوجي الأول كان قد مسني، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كذبت بقولك الأول، فلن فلن أصدقك في الآخر، فلبثت ثم قبض النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتت أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقالت: يا خليفة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرجع إلى زوجي الأول قد مسني، فقال أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: قد عهدت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قال لك وسمعته حين أتيته وعلمت ما قال لك، فلا ترجعي إليه، فلما قبض أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أتت عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقال لها: لئن أتيتني بعد مرتك هذه لأرجمنك» . واختلف في رفاعة، قيل إنه رفاعة بن شموال، وقيل: رفاعة بن وهب، وفرق بينهما أبو جعفر بن أحمد بن عثمان بن أحمد المروزي المعروف بابن شاهين، والظاهر أنها واحدة. وكذا اختلف في اسم المرأة، فقيل اسمها سهيمة وتميمة والرميصاء والغميصاء. م: (ولا خلاف لأحد فيه) ش: أي في شرط الدخول م: (سوى سعيد بن المسيب) ش: بن حزن ابن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي أبي محمد المديني سيد التابعين ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مات سنة أربع وتسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك وهو ابن خمس وسبعين سنة. روى عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - منهم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأبو سعيد الخدري وأبو موسى الأشعري وأبو هريرة وكان زوج ابنته وأعلم الناس بحديثه وعائشة وأم سلمة وخولة بنت حكيم وفاطمة بنت قيس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين - وروى عن أبيه المسيب بن حزن وله صحبة. وقال أبو حاتم: ليس في التابعين أمثل من سعيد بن المسيب وهو أثبتهم في أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وقول صاحب الهداية، ولا خلاف فيه سوى سعيد بن المسيب ليس على إطلاقه، لأنه تبعه في هذا بشر المريسي وداود الظاهري والشيعة والخوارج، ولكن لا يلتفت إلى هذا. قال المصنف: م: (وقوله غير معتبر) ش: لأنه خلاف الإجماع، وقال ابن المنذر: لا نعلم أحداً قال من أهل العلم بقوله إلا الخوارج ولا أسوغ لأحد المصير إليه. وقال أبو بكر الرازي: لا أعلم أحداً قال بقوله، وقوله غير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 477 حتى لو قضى القاضي به لا ينفذ، والشرط الإيلاج دون الإنزال لأنه كمال ومبالغة فيه وإكمال قيد زائد والصبي المراهق في التحليل كالبالغ لوجود الدخول في نكاح صحيح، وهو الشرط بالنص، ومالك " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " يخالفنا فيه، والحجة عليه ما بيناه. وفسره في الجامع الصغير وقال: غلام لم يبلغ ومثله يجامع جامع امرأة وجب عليها الغسل وأحلها للزوج الأول.   [البناية] معتبر حتى لا يجوز لأحد أن يأخذ بقوله لمخالفة الحديث المشهور. ولو أفتى مفت بقوله فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ذكره في الخلاصة م: (حتى لو قضى القاضي به) ش: أي يقول سعيد بن المسيب في هذا م: (ولا ينفذ) ش: ويرد عليه ويبطل. وذكر قاضي خان لا ينفذ قضاؤه. وفي " القنية " فقيهه بمذهبه يعزر، قال المتكلم: والقاضي بديع يحتال في التطليقات ويأخذ الرشى ويزوجها للأول بدون دخول الثاني هل يصح النكاح؟ قال: وما جزاء من يفعل ذلك؟ قالوا: يسود وجهه ويعزر. وفي فتاوى النضر بن سعيد: رجع عن مذهبه هذا، وقال: لعله لم يبلغه الحديث المشهور. [شرط حل المطلقة الثلاث للزوج الأول] م: (والشرط) ش: أي شرط حل المطلقة الثلاث للزوج الأول م: (الإيلاج) ش: أي الإدخال م: (دون الإنزال) ش: يعني إنزال المني م: (لأنه كمال) ش: لأن الإنزال كمال في الإيلاج م: (ومبالغة فيه) ش: أي في الإيلاج م: (وإكمال قيد زائد) ش: يعني قيد للنص المطلق، فلا يجوز ولا يثبت إلا بدليل، ولا دليل عليه، والدليل يدل على عدمه، لأنه ذكر العسيلة وهو تصغير العسلة وهي كناية عن إصابة حلاوة الجماع وهي تحصل بالإيلاج، فكان التصغير وإلا على عدم التبع بالإنزال فاللذة بالجماع قبل الإنزال، وبالإنزال تزول اللذة وتفتر الرغبة فلا يشترط الإنزال وشذ الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - واشترط الإنزال بظاهر الحديث. م: (والصبي المراهق في التحليل كالبالغ) ش: وبه قال عطاء والشافعي وابن المنذر م: (لوجود الدخول في نكاح صحيح وهو) ش: أي النكاح الصحيح م: (وهو الشرط بالنص) ش: لأن الشرع علق حلها للزوج الأول بنكاح زوج آخر، ووطئه وحصل ذلك م: (ومالك يخالفنا فيه) ش: أي في المراهق، فإن عنده إنزاله شرط ولم يوجد، وبه قال حماد والحسن البصري كما ذكرنا م: (والحجة عليه) ش: أي على مالك م: (ما بيناه) ش: وهو قوله إن الإنزال كمال ومبالغة فيه وهو قيد لا دليل عليه، وقال الأترازي: والحجة عليه قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (البقرة الآية: 230) والمراهق يسمى زوجاً إذا وجد شرط النكاح وقال الكاكي: والحجة عليه ما بيناه وهو الحديث المذكور، وما ذكرناه هو الأنسب. م: (وفسره) ش: أي فسر محمد المراهق م: (في الجامع الصغير، وقال: غلام لم يبلغ، ومثله بجامع جامع امرأة وجب عليها الغسل وأحلها للزوج الأول) ش:، وهذا كله تفسير محمد في المراهق، وفي الجامع قال محمد: أودع صبياً يعقل ابن اثنتي عشرة سنة. قلت: هذا ليدل على أن المراهق ينبغي أن يكون ابن اثنتي عشرة، وكذا قال القاضي من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 478 ومعنى هذا الكلام أن تتحرك آلته ويشتهي، وإنما وجب الغسل عليها لالتقاء الختانين، وهو سبب لنزول مائها، والحاجة إلى الإيجاب في حقها، أما لا غسل على الصبي وإن كان يؤمر به تخلقا.   [البناية] الحنابلة،: يشترط أن يكون ابن اثنتي عشرة سنة. م: (ومعنى هذا الكلام) ش: أي الكلام الذي نقله عن محمد في المراهق م: (أن تتحرك آلته ويشتهي) ش: أي الشرط أن تتحرك آلة المراهق ويشتهي الجماع، وإنما شرط ذلك لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شرط الذوق من الطرفين م: (وإنما وجب الغسل عليها) ش: هذا جواب عما يقال إذا لم يكن الإنزال شرطاً، فلم يجب الغسل على المرأة، فأجاب بقوله، إنما وجب الغسل عليها - أي على المرأة م: (لالتقاء الختانين وهو سبب لنزول مائها) ش: فأقيم السبب الظاهر مقام السبب الباطن وهو الإنزال، فيجب الغسل. فإن قيل: لا نسلم أنه سبب ظاهر، وإنما يكون كذلك إذا كان الشخص بالغاً، وكلامنا في غير البالغ. وأجيب: بأن كلامنا فيما إذا كان الصبي تتحرك آلته ويشتهي الجماع لا فيما دون ذلك. م: (الحاجة إلى الإيجاب في حقها) ش: أي الحاجة إلى إيجاب الغسل في حق المرأة، لأن أمر الغسل مبني على الاحتياط وجماع مثله سبب ظاهر لإنزال مائها فيجب الغسل عليها. م: (أما لا غسل على الصبي) ش: لعدم الخطاب م: (وإن كان) ش: واصل بما قبله، أي وإن كان الصبي م: (يؤمر به) ش: أي بالغسل م: (تخلقاً) ش: أي من حيث التخلق ليتعود به ويصير له نتيجة قبل بلوغه حتى لا يشق عليه عند بلوغه فروعه. وفي " الجواهر " للمالكية: لا يحل وطء صبي وإن كان يقوى على الجماع، وهو قول أبي عبيد، ويروى عن الحسن. وفي البسيط: وأجمعوا على أنه يحصل بوطء الصبي ويحصل باستدخال المرأة ذكر زوجها وهو نائم ولا يشترط الانتشار. وفي المحيط وطء الصبي والمجنون يحلها إلا إذا حبلت. وفي المبسوط في رواية أبي حفص: إن كان المجبوب لا ينزل لا يحلها ولا يثبت نسب الولد منه، لأنه إذا جف ماؤه صار كالصبي أو دونه. وقيل: هذا إذا جب ذكره في الأصل، ولو بقي بقدر الحشفة يولج في فرجها تحل. وذكر الإسبيجابي: أنه لو كان خصياً يجامع مثله حلت. وفي المفيد: وكذا المسلول، وفي المدونة: إن علمت بأنه خصي فوطئها حلت للأول وثبت إحصانها وإن لم تعلم لا يحلها ولا يثبت إحصانها، وإن تزوجت شيخا فلم تنتشر آلته فأدخلته في فرجها بإصبعها إن انتعش وعمل حلت وإلا فلا. ولو لف آلته بخرقة وهي لا تمنع من وجود حرارة فرجها إلى ذكره يحل، ذكره المرغيناني. ولو كانت المرأة مفضاة وحبلت من الثاني حلت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 479 قال: ووطء المولى أمته لا يحلها؛ لأن الغاية نكاح الزوج، وإذا تزوجها بشرط التحليل فالنكاح مكروه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لعن الله المحلل والمحلل له»   [البناية] للأول: لوقوع الوقائع في قبلها. ووطء النائمة والمغمى عليها يحل عندنا، وفي أحد قولي الشافعي ذكره الثوري، والوطء في الدبر لا يحل، ولو ادعت وصول المحلل صدقت، ووطء الذمي الذمية يحلها للأول عندنا والشافعي وأحمد، وبه قال الحسن والزهري والثوري وأبو عبيد. وقال مالك وربيعة: لا يحلها، ولو خلا بها الزوج الثاني أو مات عنها لا يحل. [تزوجها بشرط التحليل] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (ووطء المولى أمته لا يحلها) ش: بأن طلق رجل امرأته ثنتين وهي أمة للغير فوطئها المولى بعد انقضاء العدة لم تحل للأول م: (لأن الغاية نكاح الزوج) ش: أي لأن غاية الحرمة نكاح الزوج، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (البقرة: الآية 230) ، لم يوجد، لأن المولى لا يسمى زوجاً وقال في " شرح الأقطع " روي أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سئل عن ذلك، وعنده علي وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فرخص ذلك عثمان وزيد، وقالا: هو زوج، فقال علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مغضباً كارهاً لما قالا، وقال: ليس بزوج. م: (وإذا تزوجها بشرط التحليل) ش: بأن قال تزوجتك على أن أحللك أو قالت هي ذلك م: (فالنكاح مكروه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لعن الله المحلل والمحلل له» . ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه الترمذي والنسائي من غير وجه عن سفيان الثوري عن أبي قيس واسمه عبد الرحمن بن ثروان الأودي عن هزيل بن شرحبيل الأودي عن عبد الله بن مسعود قال: «لعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المحلل والمحلل له» ، قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن الحارث عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «لعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المحلل والمحلل له» وفي لفظ أبي داود الجزء: 5 ¦ الصفحة: 480 وهذا هو محموله،   [البناية] فيه شك، فقال: أراه رفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو معلول بالحارث. قلت: الحارث هو ابن عبد الله الأعور الخارفي الكوفي قال أبو زرعة: لا يحتج بحديثه، وقال ابن المديني: الحارث كذاب. وعن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه الترمذي عن مجالد عن الشعبي عن جابر نحوه سواء. وعن عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه ابن ماجه عن الليث بن سعد قال لي أبو مصعب: مشرح بن هاعان قال عقبة بن عامر: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ " قالوا: بلى يا رسول الله قال: "هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له» . قال عبد الحق في "أحكامه ": إسناده حسن. وقال الترمذي: في "علله الكبرى " الليث بن سعد ما أراه سمع من مشرح بن هاعان شيئاً، ولا روى عنه وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه أحمد والبزار وأبو يعلى الموصلي وإسحاق بن راهويه في مسانيدهم من حديث المقبري عن أبي هريرة نحوه. وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه ابن ماجه عن عكرمة نحوه سواء، م: (وهذا هو محموله) ش: يعني الحديث هو الكراهية، وقد استدل المصنف بهذا الحديث على كراهية النكاح المشروط به التحليل وظاهره يقتضي التحريم، وهو مذهب أحمد، ولكن يقال لما سماه محللاً دل على صحة النكاح، لأن المحلل هو المثبت للحل، فلو كان فاسداً لما سماه محللاً. فإن قلت: لم لعن مع حصول التحليل. قلت: لأن التماس ذلك هتك للمروءة وإعارة التيس في الوطء لعرض الغير رذيلة، فإنه إنما يطأها ليعرضها لوطء الغير، وهو قلة حمية، ولهذا قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "هو التيس المستعار"، وإنما يكون مستعاراً إذا سبق التماس من المطلق. وقال السروجي: واختلف العلماء في معناه، فقيل: أراد به طالب الحل من نكاح المتعة والمؤقت، وسماه محللاً، وإن كان لم يحلل، لأنه يعتقده ويطلب الحل منه، وأما طالب الحل من طريقة لا يستوجب اللعن. وقيل: هو التزوج بلفظ الإحلال والتحليل. وفي الإسبيجابي: لو تزوجها بنية التحليل من غير شرط حلت للأول، ولا يكره، والنية ليست بشيء. وقال بعض مشايخنا: لو تزوجها ليحللها للأول، فهو مثاب مأجور في ذلك، حكاه المرغيناني وغيره، لكن يرد عليهم أن المعروف كالمشروط، ولا خلاف في كراهية المشروط. وفي الجواهر: المعتبر نية المحلل دون المرأة والزوج الأول، فيصير كاشتراطه في العقد، فيفسد العقد، ولو نكح بشرط الطلاق فسد العقد، ولم تحل، ويفسد بشرط عدم الوطء، فإذا فسد فرق قبل: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 481 فإن طلقها بعد ما وطئها حلت للأول لوجود الدخول في نكاح صحيح؛ إذ النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يفسد النكاح؛ لأنه في معنى الموقت فيه، ولا يحلها للأول لفساده. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يصح النكاح لما بينا، ولا يحلها على الأول، لأنه استعجل ما أخره الشرع فيجازى بمنع مقصوده كما في قتل المورث.   [البناية] البناء وبعده بطلقة بائنة، ولها المسمى في الأظهر في " البسيط "، وإن شرط فيه طلاق قيل يبطل العقد كالمؤقت. ومنهم من قال: يلغو الشرط، ولا خلاف في أنه لو قال زوجتك بشرط أن لا تتزوج عليها أو لا تتسرى أو لا تسافر بها، فالنكاح لا يفسد بذلك كله. ولو قال: بشرط أن لا تطأها اختلفوا فيه وذكر التمرتاشي لو خافت أن لا يطلقها الثاني فتقول زوجت نفسي منك على أن أمري بيدي، أطلق نفسي كلما أريد، ويقول تزوجت أو قبلت جاز النكاح، وصار الأمر في يدها. م: (فإن طلقها) ش: أي فإن طلقها محلل المرأة م: (بعد ما وطئها حلت للأول) ش: أي حلت المرأة للزوج الأول م: (لوجود الدخول في نكاح صحيح، إذ النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة) ش: وبه قال الحكم وعطاء وزفر. م: (وعن أبي يوسف أنه يفسد النكاح، لأنه في معنى الموقت فيه، ولا يحلها للأول لفساده) ش: وهو قول إبراهيم النخعي والحسن البصري وبكر بن عبد الله المزني وقتادة. وقال ابن المنذر: روينا عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: لا أوتى بمحلل ولا محللة إلا رجمتهم، وقال ابن عمر: لا يزالا زانيين وإن مكثا عشرين سنة. وعن عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: ذلك السفاح، وممن قال: ولا يصح في ذلك إلا نكاح رغبة لا رهبة، عن مالك والليث وابن حنبل وإسحاق وأبو عبيد. م: (وعن محمد أنه يصح النكاح لما بينا) ش: أراد به قوله إذ النكاح لا يبطل بالشرط م: (ولا يحلها على الأول) ش: أي لا يحل المحلل المرأة على الزوج الأول م: (لأنه استعجل ما أخره الشرع) ش: وذلك لأن النكاح عقد عمر وشرط الطلاق خلافه م: (فيجازى بمنع مقصوده كما في قتل المورث) ش: كما إذا قتل شخص مورثه، فإنه يحرم الميراث، لأنه استعجل ما أخره الشرع. وذكر الترندويشي في الروضة: أنها لو قالت أنا أزوجك نفسي لتجامعني ثم طلقني لأكون حلاً لزوجي الأول. قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: النكاح جائز والشرط جائز، فإن امتنع من تطليقها أجبره الحاكم على ذلك، وتحلل للأول. وفي المرغيناني: فالشرط يكره للأول والثاني مع جوازهما عند أبي حنيفة وزفر، وعند أبي يوسف النكاح باطل ولا تحل للأول، وعند محمد تحل للثاني، ولا تحل للأول. وفي المفيد والمزيد: قول محمد النكاح صحيح، ولا تحل للأول ولا يظهر له وجه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 482 وإذا طلق الحرة تطليقة أو تطليقتين، وانقضت عدتها، وتزوجت بزوج آخر، ثم عادت إلى الزوج الأول عادت بثلاث تطليقات، ويهدم الزوج الثاني ما دون الثلاث كما يهدم الثلاث، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يهدم ما دون الثلاث، لأنه غاية للحرمة بالنص فيكون منهيا ولا إنهاء للحرمة قبل الثبوت، ولهما قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لعن الله المحلل والمحلل له» سماه محللا، وهو المثبت للحل،   [البناية] [طلق الحرة تطليقة أوتطليقتين وانقضت عدتها وتزوجت بزوج آخر ثم عادت إلى الزوج الأول] م: (وإذا طلق الحرة تطليقة أو تطليقتين، وانقضت عدتها، وتزوجت بزوج آخر، ثم عادت إلى الزوج الأول عادت بثلاث تطليقات، ويهدم الزوج الثاني ما دون الثلاث) ش: والمراد بقوله يهدم الزوج إلى آخره أن المرأة بعده تصير بحالة لا تحرم حرمة غليظة م: (كما يهدم الثلاث) ش: أي كما يهدم الزوج الثاني ثلاث طلقات جميعاً أو فرادى م: (وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: وهو قول ابن عباس وابن عمر وإبراهيم النخعي وعطاء وشريح وميمون بن مهران. م: (وقال محمد: لا يهدم ما دون الثلاث) ش: يعني أنها تصير بحالة تحرم حرمة غليظة لما بقي من الطلقات الثلاث، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وزفر وهو قول عمر وعلي وأبي بن كعب وعمران بن حصين وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، والمسألة مختلفة بين الصحابة كما ترى. وقال شمس الأئمة السرخسي: في شرح الكافي أخذ الكبار من الفقهاء بقول الكبار من الصحابة م: (لأنه) ش: أي لأن نكاح الزوج الثاني م: (غاية للحرمة بالنص) ش: يعني قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ، لأن حتى حرف موضوع للغاية والمغيا ينتهي بالغاية م: (فيكون) ش: أي الزوج الثاني م: (منهياً) ش: وهو بضم الميم اسم فاعل من الإنهاء. م: (ولا إنهاء للحرمة قبل الثبوت) ش: أي لا يكون بوطء الزوج الثاني عبرة قبل التطليقات الثلاث، لأن الحرمة غير ثابتة، ولا شيء معها، لأنه لا يتجزأ ثبوتها فلا حرمة قبل الثلاث، فلا يكون الوطء غاية لها، وهذا كقوله والله لا أكلم فلاناً في رجب حتى أستشير فلاناً فاستشاره قبل رجب لم يعتبر في حق اليمين، إذ اليمين أوجب تحريم الكلام بعد رجب إلى غاية الاستشارة فقبل رجب لا حرمة فلا تكون الاستشارة غاية لها. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لعن الله المحلل والمحلل له» سماه محللاً) ش: أي سماه الشارع محللاً، أي جاعل المحلل حلالاً لا يكون إلا بإثبات الحل فيه م: (وهو المثبت للحل) ش: أي للزوج الثاني هو مثبت للحل، يعني الحل الجديد، لأنه لا يجوز أن يكون المراد الحل السابق، لأنه تحصيل الحاصل وهو فاسد، لأن الحل السابق موجود فيما دون الثلاث فصارت المرأة بالزوج الثاني ملحقة بالأجنبية فلم تحرم على الزوج الأول إلا بثلاث تطليقات، لأن حكم الحل الجديد هذا وقد ذكر الأترازي أسئلة وأطال الكلام فيه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 483 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ملخص كلامه في: السؤال الأول: منع كون المراد بالمحلل هو الزوج الثاني لعدم ما يدل عليه، ويجوز أن يكون المراد نكاح المتعة بقرينة اللعن، لأنه كان مشروعاً ثم انتسخ. والجواب: أن الذين نقلوا هذا الحديث ثقات حكما فكما يقبل نقلهم في نقل الحديث، فكذا يقبل نقلهم فيمن جاء فيه الحديث، وقد أورده في باب ما جاء في الزوج الثاني. السؤال الثاني: منع كون المراد بالمحلل الزوج الثاني مطلقاً، لأنه أريد به قبل الطلاق الثلاث، فهو ممنوع، لأنه غير محلل قبله لوجود الحل، وإن أريد بعد الثلاث فمسلم لكنه لا يفيد، لأن النزاع فيما دون الثلاث. والجواب: أن المراد به الزوج الثاني مطلقا عملا بإطلاق الحديث، ولا نسلم نفي كونه محللا، قبل الطلاق الثلاث، لأنه يثبت حلا جديدا، بحيث لا يحرم عليه إلا بثلاث تطليقات مستقلات، فلا يلزم تحصيل الحاصل. السؤال الثالث: أن الحديث متروك العمل بالظاهر، لأن الزوج الثاني بعد الطلقات الثلاث لا يثبت الحل، ما لم توجد الإصابة. والحديث يثبته مطلقا، فكانت الإصابة هي المثبتة للحل دون الزوج الثاني. والجواب: منع كونه من باب ترك العمل بظاهره، لأنه من باب التخصيص، لأن ما قبل الإصابة خرج عن عمومه بحديث العسيلة، فبقي الثاني على عمومه فيما دون الثلاث. والسؤال الرابع: أن الحديث إذا كان مقتضيا للحل الجديد يلزم المعاوضة بقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] (النساء: الآية 24) ، لأنه يقتضي الحل مطلقا في عموم الأوقات بالحرمة التي تثبت بثلاث تطليقات مغياة إلى غاية الزوج الثاني، فإذا انتهت به ثبت الحل الأصلي بالسبب السابق، فلا حاجة إلى سبب مبتدأ. والجواب: منع ثبوت الحل بالسبب السابق، فلا حاجة إلى سبب مبتدأ. والجواب: منع ثبوت الحل بالسبب السابق عند انتهاء الحرمة من كل بد لجواز ثبوته بسبب آخر إذا دل الدليل عليه، وقد دل إذ لو كان ثبوت الحل بالسبب السابق لم يكن الزوج الثاني محللاً، وقد سماه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محللاً. وهاهنا سؤال آخر ذكره تاج الشريعة مع جوابه، وهو أن المحلل هو الذي يثبت الحل، وإثبات الحل يقتضي عدمه، إذ إثبات الثابت محال. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 484 وإذا طلقها ثلاثا: فقالت: قد انقضت عدتي، وتزوجت، ودخل بي الزوج الثاني، وطلقني، وانقضت عدتي، والمدة تحتمل ذلك جاز للزوج الأول أن يصدقها إذا كان في غالب ظنه أنها صادقة لأنه معاملة أو أمر ديني لتعلق الحل به، وقول الواحد فيهما مقبول، وهو غير مستنكر إذا كانت المدة   [البناية] والجواب: أن إثبات الثابت إنما لا يعتبر إذا لم يفد، أما إذا أفاد فيعتبر، ألا ترى أن بيع الإنسان ماله بماله لا يفيد، وكذا شراؤه بماله، أما إذا أفاد فيعتبر كما إذا اشترى ماله من المضارب قبل أن يظهر فيه ربح، وإن كان ماله لما أنه يفيد ملك التصرف. م: (وإذا طلقها ثلاثاً فقالت قد انقضت عدتي وتزوجت بزوج آخر ودخل بي الزوج الثاني، وطلقني، وانقضت عدتي، والمدة تحتمل ذلك) ش: هذا من مسائل القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، والمراد من قوله: ودخل بي الزوج الثاني والمدة التي تحتمل ذلك تأتي عن قريب م: (جاز للزوج الأول) ش: جواب إذا م: (أن يصدقها إذا كان في غالب ظنه أنها صادقة) . ش: قال الأترازي: كلامه يوهم بأن إخبارها مقبول وإن لم تكن عدلاً، لأنه أطلق في التعليل، وليس الأمر كذلك، فإن الرواية منصوصة في آخر كتاب " الإحسان "، بأن الزوج الأول لا بأس عليه أن يتزوجها إذا كانت عنده ثقة أو وقع في قلبه أنها صادقة، انتهى. قلت: استدلاله برواية كتاب " الاستحسان " يرد عليه قوله: وليس الأمر كذلك، لأنه ذكر فيه كونها ثقة أو وقوع صدقها في قلبه، وقد صرح بذلك القدوري بقوله: إذا كان في غالب ظنه أنها صادقة، وتعليله مقيد بهذا الوجه، وليس بمطلق حتى يترتب عليه الوهم الذي ذكره. م: (لأنه) ش: أي لأن النكاح م: (معاملة) ش: لكون البضع متقوما عند الدخول، وإذا كان معاملة فخبر الواحد مقبول فيها بشرط التمييز كالولايات والمضاربات والإذن في التجارة م: (أو أمر ديني لتعلق الحل به) ش: أي بالنكاح، ويقبل قولها فيه أيضاً كما أخبرت بنجاسة الماء وطهارته وروت حديثاً م: (وقول الواحد فيهما مقبول) ش: أي في المعاملة والأمر الديني، أما في الديانات فلأن الصحابة كانوا يقبلون خبر العدل من غير اشتراط العدد، وأما في المعاملات فعلى نوعين: الأول: هي التي ليس فيها معنى الإلزام كالوكالات ونحوها كما ذكرنا، فيعتبر فيها خبر مميز عدلاً كان أو فاسقاً، صبياً كان أو بالغا، مسلماً كان أو كافراً، حراً كان أو عبداً، ذكراً كان أم أنثى من غير اشتراط العدد والعدالة دفعاً للضرورة. النوع الثاني: الذي فيه إلزام من حقوق العباد، فيشترط فيه العدد والعدالة وتعيين لفظ الشهادة، لأنها تبنى على المنازعة فاحتيج إلى زيادة التوكيد دفعاً للتزوير والحيل. م: (وهو غير مستنكر) ش: أي إخبار المرأة المذكورة غير أمر مستنكر فيه م: (إذا كانت المدة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 485 تحتمله. واختلفوا في أدنى هذه المدة، وسنبينها في باب العدة إن شاء الله تعالى.   [البناية] تحتمله) ش: أي إذا كانت المدة التي ذكرتها تحتمل ذلك؛ لأن القول قول الأمين فيما لا يستنكر [أدنى المدة التي تصدق المعتدة في انقضاء العدة] م: (واختلفوا في أدنى هذه المدة) ش: أي اختلف أبو حنيفة وصاحباه في أدنى المدة التي تصدق المعتدة في انقضاء العدة. واعلم أن الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم اختلفوا في المدة التي تصدق المرأة في انقضاء عدتها على أقوال: الأول: قال أبو حنيفة: أقلها شهران وثلاث حيض بشهر وطهران بشهر وثلاثة أطهار بخمسة وأربعين يوماً وثلاث حيض بخمسة عشر يوماً كل حيضة خمسة أيام. الثاني: قال أبو يوسف ومحمد: تسعة وثلاثون يوماً طهران بثلاثين وثلاث حيض بتسعة اعتبارا لأقل الحيض. الثالث: قال شريح: لو ادعت أنها حاضت ثلاث حيض في شهر أو في خمسة وثلاثين يوماً فجاءت ببينة من النساء العدل من بطانة أهلها أنها رأت الحيض وتغتسل عند كل صلاة وتصلي فقد انقضت عدتها. الرابع: قال الشافعي: إنها تصدق في أقل من اثنين وثلاثين يوماً، هذا مذهبه أو قول منه ذكره ابن المنذر. الخامس: قال أبو ثور: لا تصدق في أقل من سبعة وأربعين يوماً على أن أقل الحيض يوم، وأقل الطهر خمسة عشر يوماً. السادس: قال مالك: أربعون يوماً، ذكره في " الجواهر ". السابع: قال إسحاق بن راهويه وأبو عبيد: إن لها أقراء معلومة يعرفها بطانة أهلها تصدق على ما تشهد به وإلا تصدق في أقل من ثلاثة أشهر. الثامن: قال الحنابلة: أقله تسعة وعشرون يوماً قالوا هذا إن قلنا أقل الطهر عشرة أيام. فإن قلنا: خمسة عشر يوماً يزاد أربعة أيام فيكون ثلاثة وثلاثين. وإن قلنا: أقل الطهر ثلاثة عشر يوماً يزاد على ذلك أربعة أيام فيصير اثنين وثلاثين وصارت الأقوال فيه إحدى عشر يوماً. م: (وسنبينها في باب العدة إن شاء الله تعالى) ش: أي سنبين تلك العدة في باب العدة. وقال الأترازي: هذا وعد لم يتحقق بالإنجاز. وقال السغناقي: في الحوالة وقعت غير رابحة، لأنه ما قال في عدة هذا الكتاب حتى تقع الحوالة غير رابحة. قال الأكمل في رد كلام السغناقي في الحوالة ورد من حيث اللفظ والمعنى. أما الرد فلأن مثل هذا يسمى وعداً لا حوالة، فكان ينبغي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 486 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أن يقول: وعد غير منجز، وأما المعنى فإنه لم يقل في باب العدة من هذا الكتاب، فيجوز أن يكون وعده منجزا في باب العدة من كتاب آخر، انتهى. قلت: الذي من جهة المعنى أخذه من شيخه الكاكي، ومع هذا لم يجب أحد منهم عن هذا، ويمكن أن يقال: إنه وعد، ولكنه ذهل عن وفائه بسبب اشتغاله بغيره من الكتب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 487 باب الإيلاء إذا قال الرجل لامرأته: والله لا أقربك، أو قال: والله لا أقربك أربعة أشهر فهو مول؛   [البناية] [باب الإيلاء] [قال الرجل لامرأته والله لا أقربك] م: (باب الإيلاء) ش: أي هذا الباب باب في حكم الإيلاء، وهو مصدر من آلى يولي إيلاء، أي حلف، والاسم الألية. قال الكاكي: الإيلاء والألية اليمين لغة، ( ... ) وجمع الألية أليات كركبة ركبات. وقال الجوهري: الإيلاء لا يرد، بمعنى حلف، والألية اليمين لغة على فعيلة، والجمع الإلياء، وكذلك الألؤة بتثليث الهمزة: قلت: أصل الإيلاء الأولاء قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. وفي المرغيناني: الحلف على الامتناع والحلف اليمين على الفعل والقسم اليمين فيهما. ثم للإيلاء تفسير شرعاً وهو الحلف على ترك قربان المنكوحة، أربعة أشهر فصاعدا، وشرط: وهو كون اليمين معقودا على المنكوحة وأهل: وهو أن يكون من أهل الطلاق، وحكم: وهو تعلقه بالحنث المتعلق بالكفارة، ومدة: وهي أربعة أشهر عند الجمهور، على ما يأتي الخلاف فيه، وسبب: هو قيام المشاجرة وعدم الموافقة كما في سبب الطلاق الرجعي. وقال الأترازي: كان القياس أن يذكر الخلع قبل الإيلاء، لأن الخلع نوع من الطلاق، إلا أنه لما كان لغرض تباعد عن الطلاق فأخر عن الإيلاء، وقدم الخلع عن الظهار، لأن الظهار منكر من القول وزور، وليس الخلع كذلك، ثم قدم الظهار على اللعان، لأن الظهار أقرب إلى الإباحة من اللعان، بدليل أن سبب اللعان وهو القذف بالزنا لو أضيف إلى غير الزوجة يجب الحد، والموجب للحد معصية محضة بلا شائبة لأحد. م: (إذا قال الرجل لامرأته والله لا أقربك، أو قال: والله لا أقربك أربعة أشهر فهو مول) ش: أصله مولي فأعل إعلال قاض، وهنا صورتان، وهما: قوله: والله لا أقربك أبداً ففيها هو مول إجماعاً، والثاني قوله: لا أقربك أربعة أشهر ففيها هو مول عندنا، خلافاً للشافعي ومالك وأحمد وإسحاق، فإن عندهم لا يكون مولياً حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر بناء على أن الفيء عندهم بعد أربعة أشهر فلا بد من مدة زائدة على أربعة أشهر حتى يزيد يوما عند مالك ولحظة عند الشافعي، ويرد قولهم ظاهر القرآن حيث لم يجعل التربص أكثر من أربعة أشهر وعشرا في عدة الوفاة وثلاثة قروء في عدة الطلاق، فلا يجوز الزيادة في هذين التربصين، فكذا في مدة الإيلاء. ثم اعلم أن عند الأئمة الأربعة وأصحابهم والجمهور الإيلاء لا يكون بغير يمين ولا تعليق، وعند ابن المسيب ويزيد بن الأصم من ترك جماع امرأته بغير يمين يصير موليا، نقله الرازي في " أحكام القرآن " وعن بعض العلماء لو حلف لا يكلمها يكون مولياً، وهذا كله شاذ مخالف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 488 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا ... الآية (البقرة: الآية 226) ، فإن وطئها في الأربعة الأشهر حنث في يمينه ولزمته الكفارة، لأن الكفارة موجب الحنث. وسقط الإيلاء؛ لأن اليمين ترتفع بالحنث، وإن لم يقربها حتى مضت أربعة أشهر بانت منه بتطليقة بائنة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تبين منه بتفريق القاضي؛   [البناية] للنص. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] الآية (البقرة: الآية 226) ش: أي اقرءوا، تمام الآية وهو {فإن الله غفور رحيم} [البقرة: 226] وبعدها: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] وبعدها: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227] قال الواحدي في كتاب " أسباب نزول القرآن " بإسناده إلى عطاء عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين أو أكثر من ذلك فوقته الله تعالى أربعة أشهر، فمن كان إيلاءه أقل من أربعة أشهر فليس فليس بإيلاء، ثم حكى عن ابن المسيب أنه قال: كان الإيلاء ضرار أهل الجاهلية، كان الرجل لا يريد المرأة ولا يحب أن يتزوجها غيره، فيحلف أن لا يقربها أبداً، وكان تركها كذلك لا أيماً ولا ذات بعل، فجعل الله تعالى الأجل به ما عند الرجل في المرأة أربعة أشهر، وأنزل: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] ... الآية. [آلى من زوجته ووطئها في الأربعة أشهر] م: (فإن وطئها في الأربعة الأشهر حنث في يمينه ولزمته الكفارة) ش: أي كفارة اليمين م: (لأن الكفارة موجب الحنث) ش: والإيلاء حلف، وقد حنث فيه فتلزمه الكفارة في " المبسوطين ". قال الشافعي: لا كفارة عليه، ويحنث في يمينه، لأن الله تعالى وعد المغفرة وفعل ما صار مغفوراً لا تجب (فيه) الكفارة. قلنا: المغفرة في الآخرة، فلا ينافي وجوب الكفارة في الدنيا، ولكن هذا في قوله القديم، وفي الجديد تجب الكفارة وهو الأصح كمذهبنا، وبه قال مالك وأحمد والجمهور. وقال الحسن البصري: لا كفارة عليه في ذلك، وقال قتادة: خالف الحسن الناس. م: (وسقط الإيلاء؛ لأن اليمين ترتفع بالحنث) ش: وهذا بالإجماع م: (وإن لم يقربها حتى مضت أربعة أشهر بانت منه بتطليقة بائنة) ش: وهو قول جابر بن زيد ومسروق وشريح وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي وعبد الرحمن الأوزاعي وسفيان الثوري وقبيصة بن ذؤيب وعكرمة وعلقمة وابن جريج وابن أبي ليلى. وفيهم من قال: يقع طلقة رجعية، وهو قول سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ومكحول والزهري، هكذا في " الأشراف " وفي " المحلى ": هذا عن ثلاثة لا غير، وهم الزهري ومكحول وأبي بكر المذكور. م: (وقال الشافعي: تبين منه بتفريق القاضي) ش: يعني يتوقف بعد مضي المدة، وإذا أبى من الفيء والفرقة فرق القاضي بينهما إذا طلبت المرأة كان تفريقها تطليقة رجعية، وفي " المبسوط ": تطليقة بائنة. قال الكاكي: وما وجدت ذلك في كتبهم إلا عند مالك لا رجعة له عليها إلا أن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 489 لأنه مانع حقها في الجماع، فينوب القاضي منابه في التسريح كما في الجب والعنة. ولنا أنه ظلمها بمنع حقها فجازاه الشرع بزوال نعمة النكاح عند مضي هذه المدة، وهو المأثور عن عثمان، وعلي، والعبادلة الثلاثة،   [البناية] يطأها، ولا يطلقها الحاكم ثنتين أو ثلاثاً أو يفسخ النكاح. وقال أحمد: للحاكم أن يطلقها رجعية أو بائنة أو ثنتين أو ثلاثاً أو يفسخ النكاح، والمختار عنده أن يطلقها رجعية كما قال الشافعي ومالك، وقالت الظاهرية: لا يطلق الحاكم تطليقة بائنة، ولكن يجبره بسوط ويحبسه إلى أن يفيء ويطلقها، وبه قال الشافعي في القديم، وقال أبو ثور: يطلقها الحاكم طلقة بائنة إذ لا فائدة في الرجعة، فإنه لا يراجعها ويعود الأمر فصار كفرقة العنة. م: (لأنه) ش: أي لأن المولي م: (مانع حقها في الجماع) ش: أي ثبوت الإيلاء بقصده الإضرار والتعنت منع حقها في الجماع م: (فينوب القاضي منابه في التسريح) ش: بالإحسان م: (كما في الجب والعنة) ش: أي ينوب القاضي منابه في التفريق فيما إذا وجدت زوجها مجبوبا أو عنينا. وجه القياس: دفع الضرر عنها عند فوت الإمساك بالمعروف. م: (ولنا أنه ظلمها بمنع حقها) ش: والمستحق عليه وهو الوطء في المدة م: (فجازاه الشرع بزوال نعمة النكاح عند مضي هذه المدة) ش: تخليصا لها عن ضرر التعليق ولا يجعل التخلص بالرجعي فوقع بائنا، ولأن الإيلاء كان طلاقا بائنا على الفور في الجاهلية، بحيث لا يقربها الزوج بعد الإيلاء أبدا فجعله الشرع مؤجلا بقوله تعالى: {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] إلى انقضاء المدة، فحصلت الإشارة إلى أن الواقع بالإيلاء بائن لكنه مؤجل. م: (وهو المأثور) ش: أي مذهبنا، وهو وقوع البينونة بعد مضي مدة الإيلاء مروي م: (عن عثمان وعلي) ش: أما المأثور عن عثمان فقد رواه عبد الرزاق في مصنفه حدثنا معمر عن عطاء الخراساني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كانا يقولان في الإيلاء إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة واحدة، وهي أحق بنفسها، وتعتد عدة المطلقة م: (والعبادلة الثلاثة) ش: وهم عند الفقهاء عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وعن المحدثين هم أربعة: ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وابن عمرو، ولم يذكروا فيهم عبد الله بن مسعود، لأنه من كبار الصحابة، فلا يدخل فيهم، كذا في " المغرب ". وقال الأترازي: وفيه نظر، لأن مالكاً حدث في " الموطأ " عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه كان يقول: إذا آلى رجل من امرأته لم يقع عليه الطلاق. فإن مضت الأربعة الأشهر حتى توقف، فإما أن يطلق، وإما أن يفيء، وكذلك روى البخاري في " الصحيح " أنه لا يقع الطلاق، حتى يطلق، ونقل ذلك عن عثمان وعلي وابن عمر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 490 وزيد بن ثابت - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، وكفى بهم قدوة، ولأنه كان طلاقا في الجاهلية، فحكم الشرع بتأجيله إلى انقضاء المدة. فإن كان حلف على أربعة أشهر. فقد سقطت؛ لأنها كانت مؤقتة به. وإن كان حلف على الأبد فاليمين باقية؛ لأنها مطلقة ولم يوجد الحنث لترتفع به، إلا أنه لا يتكرر الطلاق   [البناية] وأبي الدرداء وعائشة، واثني عشر رجلاً من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فعلم أن عثمان وعلي وابن عمر ليس كما قال صاحب " الهداية "، على ما قال البخاري. انتهى. قلت: روى ابن أبي شيبة في مصنفه، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وقالا: إذا آلى فلم يف حتى مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة، وأخرج نحوه عن ابن الحنفية، والشعبي، والنخعي، ومسروق، والحسن، وابن سيرين، وقبيصة، وسالم، وأبي سلمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، انتهى. قلت: قد علم أن الذي قاله صاحب " الهداية " عن ابن عمر مثل ما قاله، وكذلك الذي قاله عن عثمان وعلي مثل ما قاله، كما مر الآن عن عبد الرزاق. م: (وزيد بن ثابت) ش: وقد مر الآن عن عبد الرزاق الذي رواه زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري كاتب وحي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (وكفى بهم قدوة) ش: أي وكفى بهم قدوة، أي كفى بالمذكورين من عثمان وعلي والعبادلة وزيد بن ثابت اقتداء، وكذلك غيرهم من الصحابة والتابعين على أصحابنا. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الإيلاء م: (كان طلاقاً في الجاهلية، فحكم الشرع بتأجيله إلى انقضاء المدة) ش: المذكورة في النص، فإن فاء في المدة حنث في يمينه وتلزمه الكفارة وإلا تقع طلقة بائنة بمضي المدة كما مر بيانه. [الرجل حلف وقال لزوجته والله لا أقربك أربعة أشهر] م: (فإن كان حلف على أربعة أشهر) ش: أي فإن كان الرجل حلف وقال: والله لا أقربك أربعة أشهر، وهذا الفصل حكم الإيلاء على تقدير عدم الوطء في المدة، وهو أن يقال: لا يخلو من أحد الأمرين: أحدهما: أن يحلف على أربعة أشهر فمضت المدة م: (فقد سقطت اليمين، لأنها كانت مؤقتة به) ش: أي يحلف على أربعة أشهر، والآخر هو قوله: م: (وإن كان حلف على الأبد) ش: بأن قال: والله لا أقربك أبداً، أو قال: والله لا أقربك فقط بدون ذكر الأبد ومضت المدة ووقعت البينونة م: (فاليمين باقية لأنها مطلقة) ش: أي لأن اليمين مطلقة عن الوقت، فكان مؤبداً م: (ولم يوجد الحنث) ش: يعني الموجب للحنث، وهو الوطء م: (لترتفع به) ش: أي لترتفع اليمين بالحنث، لأنها كانت مؤبدة فبقيت على حالها. م: (إلا أنه لا يتكرر الطلاق) ش: استثناء من قوله: واليمين باقية لعدم الحنث، حتى وجد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 491 قبل وجود التزوج، لأنه لم يوجد منع الحق بعد البينونة. فإن عاد فتزوجها عاد الإيلاء، فإن وطئها وإلا وقعت بمضي أربعة أشهر أخرى، لأن اليمين باقية لإطلاقها، وبالتزوج ثبت حقها فيتحقق الظلم، ويعتبر ابتداء هذه المدة من وقت التزوج. فإن تزوجها ثالثا عاد الإيلاء ووقعت بمضي أربعة أشهر أخرى إن لم يقربها لما بيناه.   [البناية] الوطء بعد الوطء يلزمه الكفارة، لكنه لا يتكرر الطلاق بمضي المدة الأخرى. م: (قبل وجود التزوج) ش: وإن كانت في العدة بأن كانت ممتدة الطهر مثلاً. قال الكاكي: هذا احتراز عن قول أبي سهل البرعي، فإنه قال: ينعقد اليمين بعد مضي أربعة أشهر أخرى قبل انقضاء عدتها وتقع تطليقة بمضيها، وكذا الثالثة لأن معنى الإيلاء كلما مضت أربعة أشهر ولم أقربك فيها فأنت طالق. ولو صرح بها كان الحكم فيه ما بيناه، فكذا هذا. وقال الأترازي: وقال الشيخ النسفي في " شرح الجامع الكبير ": ولا نص في هذه المسألة يعني عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد. واختلف مشايخنا فيها: كان الشيخ أبو بكر الأعمش، والفقيه محمد بن إبراهيم الميداني، والفقيه الجليل ابن أحمد العياضي والشيخ أبو الحسن الكرخي، والشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل، والفقيه أبو إسحاق الحافظ يقولان: لا يتكرر الطلاق على المولى منها، وإن تكررت المدة وهو في العدة. وقال الفقيه ابن سهل: يتكرر الطلاق بتكرر المدة، وقدمنا كلامه. فأما وجه هؤلاء فقد أشار إليه المصنف بقوله م: (لأنه لم يوجد منع الحق بعد البينونة) ش: إذ لا حق لها في الجماع بعد البينونة، فلا يكون الرجل ظالماً م: (فإن عاد فتزوجها) ش: أي وإن عاد هذا الرجل المولي وتزوج هذه المرأة بعد البينونة بمضي أربعة أشهر، وبعد انقضاء عدتها م: (عاد الإيلاء، فإن وطئها) ش: في المدة م: (وإلا وقعت بمضي أربعة أشهر) ش: طلقة م: (أخرى، لأن اليمين باقية لإطلاقها وبالتزوج ثبت حقها) ش: وهو الوطء، وقد منع الزوج ذلك لبقاء يمينه م: (فيتحقق الظلم) ش: فيؤول بالطلاق البائن م: (ويعتبر ابتداء هذه المدة) ش: أي مدة الإيلاء الثاني م: (من وقت التزوج) ش: قيل هذا احتراز عما إذا تزوجها قبل انقضاء العدة فإن ذلك الإيلاء يعتبر من وقت الطلاق لا من وقت التزوج، كذا ذكره التمرتاشي. م: (فإن تزوجها ثالثاً) ش: قال الأترازي: وفي بعض النسخ ثانياً، ولكل وجه. أما الأول: فبالنظر إلى التزوج قبل الإيلاء. وأما الثاني: فبالنظر إلى التزوج بعد الإيلاء م: (عاد الإيلاء ووقعت بمضي أربعة أشهر أخرى) ش: أي طلقة أخرى م: (إن لم يقربها لما بيناه) ش: أشار به إلى قوله، لأن اليمين باقية لإطلاقها، وبالتزوج ثبت حقها فيتحقق الظلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 492 فإن تزوجها بعد زوج آخر لم يقع بذلك الإيلاء طلاق لتقيده بطلاق هذا الملك، وهي فرع مسألة التخيير الخلافية، وقد مر من قبل. واليمين باقية لإطلاقها وعدم الحنث فإن وطئها كفر عن يمينه لوجود الحنث، فإن حلف على أقل من أربعة أشهر لم يكن موليا؛ لقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا إيلاء فيما دون أربعة أشهر،   [البناية] [آلى الرجل من امرأته لا يقربها ثم طلقها] م: (فإن تزوجها بعد زوج آخر لم يقع بذلك الإيلاء طلاق لتقيده بطلاق هذا الملك) ش: لأنه بمنزلة التعليق بعد القربان، وتعليق الطلاق ينحصر في طلاق ذلك الملك الذي حصل فيه التعليق م: (وهي) ش: أي هذه المسألة م: (فرع مسألة التخيير الخلافية) ش: فإنه يبطل التعليق عندنا، خلافاً لزفر م: (وقد مر من قبل) ش: أي في باب الأيمان في الطلاق م: (واليمين باقية لإطلاقها) ش: أي لإطلاق اليمين، فتكون باقية بعد الطلاق الثالث م: (وعدم الحنث) ش: بالجر عطف على إطلاقها، أي لإطلاق اليمين فتكون باقية بعد الطلاق الثالث وعدم الحنث بالجر عطف على إطلاقها أي ولعدم الحنث، إذ الكلام فيما إذا لم يطأها، قال في " المبسوط ": وإذا آلى الرجل من امرأته لا يقربها ثم طلقها يبطل الإيلاء عندنا، خلافاً لزفر، ولأن الإيلاء طلاق مؤجل، فإنما ينعقد على التطليقات المملوكة، ولم يبق شيء منها بعد وقوع الثلاث عليها، وكذا لو بانت بالإيلاء ثلاث مرات ثم تزوجها بعد زوج آخر يكون مولياً إلا عند زفر. وأما الكفارة عند الوطء فلبقاء اليمين، وإطلاقها وجود الحنث. م: (فإن وطئها كفر عن يمينه لوجود الحنث) ش: فاليمين انحلت ووجبت الكفارة م: (فإن حلف على أقل من أربعة أشهر) ش: بأن يقول لا أقربك شهراً وهو وضع " المبسوط " أو قال: لا أقربك شهرين أو ثلاثة أشهر م: (لم يكن مولياً) ش: وبه قال الأئمة الأربعة، وأكثر العلماء منهم سعيد بن جبير، وطاوس، والأوزاعي، وأبو ثور، وأبو عبيد، واختاره ابن المنذر وهو نص القرآن. وقال إبراهيم النخعي وقتادة وحماد وابن أبي ليلى وإسحاق: من حلف على قليل المدة أو كثيرها فتركها أربعة أشهر فهو مول، وتضرب تلك المدة بثلاثة، وبه قالت الظاهرية، وفي التحرير فكان أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يقول به، ثم رجع إلى قول ابن عباس لما صح عنده. م: (لقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: لا إيلاء فيما دون أربعة أشهر) ش: قال في الأصل: بلغنا ذلك عن ابن عباس، كذا نقله الأترازي واكتفى به، وغيره من الشراح سكتوا عن تخريجه، والأخصام لا يرضون بذلك. قلت: روى هذا ابن أبي شيبة في "مصنفه " (من) حديث علي بن مسهر عن سعيد عن عامر الأحول عن عطاء عن ابن عباس قال: إذا آلى من امرأته شهرا أو شهرين أو ثلاثة ما لم يبلغ الحد فليس بإيلاء. وأخرج نحوه عن عطاء وطاوس وسعيد بن جبير والشعبي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 493 ولأن الامتناع عن قربانها في أكثر المدة بلا مانع وبمثله لا يثبت حكم الطلاق فيه. ولو قال: والله لا أقربك شهرين وشهرين بعد هذين الشهرين فهو مول؛ لأنه جمع بينهما بحرف الجمع، فصار كالجمع بلفظ الجمع،   [البناية] فإن قيل: فتوى ابن عباس مخالفة للنص ظاهراً، لأنه تعالى أطلق الإيلاء وقيد التربص بمدة، وذلك يقتضي أن من آلى من امرأته ولو مدة يسيرة كيوم أو ساعة يلزمه تربص أربعة أشهر، فالتقييد بمدة زيادة على النص، وهو لا يجوز بفتوى ابن عباس. وأجيب: بأن فتواه تفسيراً للنص لا لتقييده، لأن الرأي لا دخل له في المقدرات الشرعية. م: (ولأن الامتناع عن قربانها في أكثر المدة بلا مانع) ش: خبر لأن، أي لأن الامتناع عن القربان حاصل بلا مانع، وأراد بالمانع اليمين بيانه أن المولي من ترك قربانها في المدة، ويلزم شيء، وهنا يتمكن من قربانها بمضي الشهر من غير شيء، فلم يكن مولياً، كما لو ترك مجامعتها في المدة من غير يمين، كذا في " المبسوط ". وقال الأترازي: وقيل: أكثر المدة ليس بتقدير لازم، لأن الامتناع عن القربان بلا مانع ربما يكون في أقل المدة بأن حلف لا يقربها ثلاثة أشهر مثلاً، فبعد مضي ثلاثة أشهر يبقى شهراً آخر إلى تمام المدة، والامتناع فيه بلا مانع لا محالة، فلو قال صاحب " الهداية " - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في بعض المدة بدل قوله: في أكثر المدة لكان أولى، لأن البعض أعم وأشمل. وقال الكاكي في قوله: أكثر المدة، أي مدة الإيلاء هو مثلا بثلاثة أشهر قوله بلا مانع وهو لزوم شيء. قيل: هو مشكل لجواز أن يحلف على ثلاثة أشهر، فلا يكون الامتناع عن القربان في أكثر المدة بلا مانع، وأجيب عنه: أن وضع المسألة في الأصل فيمن حلف لا يقربها شهرا فعند الجمهور لا يكون موليا. وعند ابن أبي ليلى يكون موليا حتى لو لم يقربها أربعة أشهر تطلق، وقال في جوابه: الامتناع عن القربان في أكثر المدة بلا مانع، لأن المانع وهو اليمين معدوم في ثلاثة أشهر من هذه المدة. وقيل: المراد بالأكثر أربعة أشهر وهو جمع المدة، سماها أكثر باعتبار هذا الحلف، لأنها أكثر منها، وإذا كان كذلك فلا شك أن المانع غير موجود في جميع الصور التي دون تلك المدة. وإن وجد المانع في البعض لانتفاء المجموع بانتفاء البعض، وهذا ضعيف، وإنما يصح أن لو قال أكثر المدتين، كذا في " الكافي ". وقيل: لفظ الأكثر وقع مقحماً. م: (وبمثله) ش: أي ومثل هذا الامتناع وهو بلا مانع يمين م: (لا يثبت حكم الطلاق فيه) ش: لأنه يمكنه القربان في بعض المدة بلا شيء فلا يتحقق الإيلاء. [قال والله لا أقربك شهرين وشهرين بعد هذين الشهرين] م: (ولو قال: والله لا أقربك شهرين وشهرين بعد هذين الشهرين فهو مول؛ لأنه جمع بينهما بحرف الجمع) ش: وهو الواو م: (فصار كالجمع بلفظ الجمع) ش: وفي بعض النسخ م: (فصار كجمعه) ش: أي كجمع المولي بلفظ الجمع، أي فصار كأنه قال: لا أقربك أربعة أشهر، فيكون مولياً، وما حكي فيه خلاف. ولهذا لو قال: لا أكلمك يوماً ويومين يصير مدة اليمين ثلاثة أيام، وكذا لو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 494 ولو مكث يوما ثم قال: والله لا أقربك شهرين بعد الشهرين الأولين لم يكن موليا؛ لأن الثاني إيجاب مبتدأ، وقد صار ممنوعا بعد اليمين الأولى بشهرين، وبعد الثانية أربعة أشهر إلا يوما مكث فيه، فلم تتكامل مدة المنع. ولو قال: والله لا أقربك سنة إلا يوما لم يكن موليا، خلافا لزفر، وهو يصرف الاستثناء إلى آخرها اعتبارا   [البناية] قال: بعت هذا إلى شهرين وشهرين كان الأجل شهرين كذا في " قاضي خان ". وفي " جوامع الفقه " قال: والله لا أقربك شهرين وشهرين وشهرين قبل شهرين، أو قال: وشهرين بعد شهرين، فهو كقوله أربعة أشهر. م: (ولو مكث يوماً) ش: صرح قاضي خان يوماً أو ساعة، وكذا صرح المحبوبي ساعة، وقيل: تكرير اليمين في مجلسين أو مجالس، وهما أقل من يوم متحد يخير عند أبي حنيفة وأبي يوسف، فقيد مكثه بيوم لتكون المسألة اتفاقية م: (ثم قال: والله لا أقربك شهرين بعد الشهرين الأولين لم يكن مولياً) ش: وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور م: (لأن الثاني) ش: أي الكلام الثاني م: (إيجاب مبتدأ) ش: أي إيجاب يمين مبتدأ م: (وقد صار ممنوعاً بعد اليمين الأولى بشهرين، وبعد الثانية) ش: أي اليمين الثانية م: (أربعة أشهر إلا يوما مكث فيه فلم تتكامل مدة المنع) ش: فلا يكون موليا. والأصل في ذلك أنه إذا لم يعد اسم الله تعالى في المعطوف ولا حرف النفي، ولم يمكث بينهما ساعة دخل المعطوف في حكم المعطوف عليه، كما في المسألة الأولى. وأما إذا فات أحد الأمور المذكورة فقد كان إيجابا مبتدأ وعلى هذا لا يكون في المسألة الثانية مولياً لفوات الأمور الثلاثة لوجود المكث يوماً، إعادة اسم الله وحرف النفي، فقد صار ممنوعاً إلى آخر ما ذكره المصنف، وإذا لم يكن مولياً هنا يكون كلامه يمينين مستثنيين، ويلزمه بالقربان كفارتان. [قال والله لا أقربك سنة إلا يوما] م: (ولو قال: والله لا أقربك سنة إلا يوماً لم يكن مولياً) ش: في حق وقوع الطلاق، ولكن لو قربها في هذه المدة تلزمه الكفارة، قاله تاج الشريعة. وقال الأترازي: المراد من قوله: لم يكن مولياً أي في الحال، لأنه يكون مولياً إذا قربها يوماً ومضى ذلك اليوم بغروب الشمس، وبقي بعده، أي تمام السنة أربعة أشهر فصاعداً. فإن لم يبق أربعة أشهر لا يكون موليا إلا إذا قربها مرة فبقي بعد القربان في السنة أربعة أشهر فصاعدا، وعلى ذلك نص في " المبسوط " و " شرح الطحاوي ". م: (خلافاً لزفر) ش: فإنه يكون مولياً عنده، وبه قال الشافعي. وذكر شمس الأئمة البيهقي في كتاب " الشامل " فيه قياس واستحسان. وقال: يصير مولياً قياساً، ولا يصير مولياً استحساناً، ولم يذكرهما الحاكم في " الكافي " وشمس الأئمة السرخسي في مبسوطه، وهو " شرح الكافي "، وكذا لم يذكرهما في " شرح الطحاوي " وغير ذلك م: (وهو) ش: أي زفر م: (يصرف الاستثناء) ش: وهو قوله: إلا يوماً م: (إلى آخرها) ش: أي إلى آخر السنة م: (اعتباراً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 495 بالإجارة تمت مدة المنع. ولنا أن المولي من لا يمكنه القربان أربعة أشهر إلا بشيء يلزمه، وهاهنا يمكنه، لأن المستثنى يوم منكر بخلاف الإجارة؛ لأن الصرف إلى الآخر لتصحيحها فإنها لا تصح مع التنكير ولا كذلك اليمين. فإن قربها في يوم والباقي أربعة أشهر أو أكثر صار موليا لسقوط الاستثناء. ولو قال وهو بالبصرة والله لا أدخل الكوفة وامرأته بها لم يكن موليا؛ لأنه يمكنه القربان من غير شيء يلزمه بالإخراج من الكوفة. قال: ولو حلف بحج   [البناية] بالإجارة) ش: أي كما إذا آجر داره سنة إلا يوماً، ولهذا لو قال: والله لا أقربك السنة إلا نقصان يوم، يصرف اليوم إلى آخر السنة بالاتفاق، م: (تمت مدة المنع) ش: أي فيصرف الاستثناء إلى آخر السنة تتم مدة المنع. م: (ولنا أن المولي من لا يمكنه القربان أربعة أشهر إلا بشيء يلزمه وهاهنا يمكنه) ش: أي يمكن المولي هنا قربان المرأة بلا شيء يلزمه في يوم واحد، أي يوم كان من أيام السنة فلا يكون مولياً، وبين هذا بقوله م: (لأن المستثنى يوم منكر) ش: مجهول شائع في فصول السنة، فلا يعتبر صرفه إلى آخر السنة إجراء لكلامه على حقيقته، لأن اليمين مع الجهالة لا يصح بلا ضرورة أن يراد به آخر السنة م: (بخلاف الإجارة؛ لأن الصرف) ش: أي صرف اليوم م: (إلى الآخر) ش: أي إلى آخر السنة م: (لتصحيحها) ش: أي لتصحيح الإجارة م: (فإنها) ش: أي فإن الإجارة م: (لا تصح مع التنكير) ش: لعدم حصول المقصود، وهو التمكن من استيفاء المنفعة. م: (ولا كذلك اليمين) ش: لأنها تصح مع الجهالة كما ذكرنا، فافترقت المسألتان م: (فإن قربها في يوم) ش: وفي بعض النسخ ولو قربها في بعض يوم، أي في المسألة المذكورة م: (والباقي أربعة أشهر أو أكثر صار مولياً لسقوط الاستثناء) ش: وقد مر الكلام فيه عن قريب. [قال وهو بالبصرة والله لا أدخل الكوفة وامرأته بها هل يكون موليا] م: (ولو قال وهو بالبصرة) ش: أي والحال أنه كان بالبصرة م: (والله لا أدخل الكوفة وامرأته بها) ش: أي والحال أن امرأته بالكوفة م: (لم يكن مولياً، لأنه يمكنه القربان من غير شيء يلزمه بالإخراج من الكوفة) ش: لوكيله أو نائبه قبل مضي أربعة أشهر فيقربها فلا يتحقق معنى الإيلاء. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": وإن حلف لا يقربها في مكان كذا، أو في مصر كذا أو في أرض العراق لم يكن مولياً، لأنه يقدر أن يخرجها من أرض العراق قبل مضي أربعة أشهر فيطأها بغير حنث. وقال ابن أبي ليلى: هو مول. وفي " جوامع الفقه ": لو كان في بلد وامرأته في بلد آخر، وقال: والله لا أدخل وبينهما أقل من ثمانية أشهر لا يصير مولياً لجواز أنها تخرج فيلقيان في أقل من أربعة أشهر. وفي المرغيناني، وقاضي خان: لو كان بينه وبينها مسيرة أربعة أشهر ففيؤه باللسان، ولم يعتبر خروج كل واحد منهما إلى صاحبه. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولو حلف بحج) ش: إن قربتك فعلي حج البيت أو العمرة أو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 496 أو بصوم أو بصدقة أو عتق أو طلاق فهو مول لتحقق المنع باليمين وهو ذكر الشرط والجزاء، وهذه الأجزية مانعة لما فيها من المشقة، وصورة الحلف بالعتق أن يعلق بقربانها عتق عبده، وفيه خلاف أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يقول يمكنه البيع، ثم القربان فلا يلزمه شيء، وهما   [البناية] المشي إلى بيت الله م: (أو بصوم) ش: بأن قال: إن قربتك فعلي صوم سنة م: (أو صدقة أو عتق) ش: بأن قال: إن قربتك فعلي عتق رقبة م: (أو طلاق) ش: بأن قال: إن قربتك فضرتك طالق م: (فهو مول) ش: في كل الصورة المذكورة على ظاهر الرواية عن أصحابنا، ففي بعضها خلاف يأتي إن شاء الله تعالى م: (لتحقق المنع) ش: عن القربان م: (باليمين، وهو ذكر الشرط والجزاء وهذه الأجزية) ش: أشار بها إلى الحج والصوم والصدقة والعتق والطلاق م: (مانعة) ش: أي مانعة من الشرط، يعني أن الجزاء الذي في وقوعه مشقة على الحالف مانع من مباشرة الشرط م: (لما فيها) ش: أي في الأجزية م: (من المشقة) ش: لأنه إذا باشر الشرط يقع الجزاء لا محالة، فتحصل المشقة، فيكون الجزاء مانعاً، وبقولنا قال مالك في الأظهر. وعنه أن الإيلاء لا يكون إلا باليمين بالله تعالى، أو بصفاته الذاتية، كقول الظاهرية، وقال ابن عباس: كل يمين منعت الجماع فهي إيلاء، وبه قال الشعبي والنخعي وأهل الحجاز وأهل العراق وأبو ثور وأبو عبيد، واختاره ابن المنذر. وقال ابن المنذر: الصحيح في قول الشافعي بمصر أن كل يمين منعت الجماع فهي إيلاء، وهذا هو الجديد. ولو قال: إن قربتك فعلي صلاة أو صلاة ركعتين أو (..) فليس بمول. وقال محمد: مول، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وزفر والحسن، وهو قول أبي يوسف أولاً. ولو قال: فعلي اتباع الجنازة أو سجدة التلاوة أو قراءة القرآن أو الصلاة في بيت المقدس، أو تسبيحة فليس بمول اتفاقا. ولو قال: فعلي أن أتصدق بكذا على هذا المسكين لم يصح، لأنه لما عين كان حق العبد، وكذا في مالي هبة في المساكين لم يصح، إلا أن ينوي التصدق به. وفي الخزانة: عن أبي حنيفة قال: إن قربتك فعلي أن أتصدق بهذه الدراهم على هؤلاء المساكين لم يصر مولياً. ولو قال: والله لا أقربك حتى ينزل عيسى بن مريم أو يخرج الدجال أو يأجوج ومأجوج أو الدابة أو تطلع الشمس من مغربها فهو مول استحساناً، وهو الصحيح من مذهب الشافعي. ولو قال: والله لا أقربك حتى تصعدي السماء أو حتى يشيب الغراب فهو يصير مولياً. [يعلق بقربان زوجته عتق عبده] م: (وصورة الحلف بالعتق أن يعلق بقربانها عتق عبده) ش: إنما عين بيان صورة الحلف بقربان امرأته بعتق عبده، لأن فيه خلافا لأبي يوسف، ذكره شمس الأئمة السرخسي في مبسوطه أشار إليه بقوله م: (وفيه خلاف أبي يوسف، فإنه) ش: أي فإن أبا يوسف م: (يقول: يمكنه البيع) ش: بأن يبيع عبده م: (ثم القربان) ش: أي ثم يمكنه قربان امرأته بعد بيع العبد م: (فلا يلزمه شيء وهما) ش: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 497 يقولان البيع موهوم، فلا يمنع المانعية فيه، والحلف بالطلاق أن يعلق بقربانها طلاقها أو طلاق صاحبتها، وكل ذلك مانع. وإن آلى من المطلقة الرجعية كان موليا، وإن آلى من البائنة لم يكن موليا؛ لأن الزوجية قائمة في الأولى دون البائنة، ومحل الإيلاء من تكون من نسائنا بالنص، فلو انقضت العدة قبل انقضاء مدة الإيلاء سقط الإيلاء لفوات المحلية. ولو قال لأجنبية: والله لا أقربك أو أنت علي كظهر أمي ثم تزوجها لم يكن موليا ولا مظاهرا؛ لأن الكلام في مخرجه وقع باطلا لانعدام المحلية، فلا ينقلب صحيحا بعد ذلك. وإن قربها كفر لتحقق الحنث؛ إذ اليمين منعقدة في حقه.   [البناية] أي أبو حنيفة ومحمد م: (يقولان: البيع موهوم) ش: يعني يحتمل أن يبيع، ويحتمل أن لا يبيع م: (فلا يمنع المانعية فيه) ش: أي في الإيلاء، ولكن إن باع العبد سقط الإيلاء، إلا أنه صار بحال يملك قربانها من غير أن يلزمه شيء، فإن اشتراه لزمه الإيلاء من وقت الشراء، وكذا إن ملكه بإرث خلافاً لمالك. ولو جامعها بعدما باعه ثم اشتراه لم يكن موليا لسقوط اليمين، لوجود شرط الحنث بعد بيع العبد. فإن مات العبد قبل أن يبيعه سقط الإيلاء، لأنه يمكنه من قربانها بعد موته من غير أن يلزمه شيء. م: (والحلف بالطلاق أن يعلق بقربانها طلاق أو صلاة صاحبتها) ش: ذكر في " شرح الطحاوي " و" المختلف " أن أبا يوسف قال: لا يكون مولياً م: (وكل ذلك مانع) ش: أي كل الأجزية المذكورة مانع من الوطء على ما ذكرنا. [آلى من المطلقة الرجعية] م: (وإن آلى من المطلقة الرجعية كان مولياً) ش: بإجماع الأئمة الأربعة وجمهور العلماء إلا رواية عن أحمد م: (وإن آلى من) ش: المطلقة م: (البائنة لم يكن مولياً؛ لأن الزوجية قائمة في الأولى) ش: أي في المطلقة الرجعية م: (دون البائنة) ش: أي دون المطلقة البائنة م: (ومحل الإيلاء من أن تكون من نسائنا بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] (البقرة: الآية 226) ، وبعد الإبانة تنتفي الزوجية، لكنها إذا وطئها تلزمه الكفارة، إلا أنه ليس بمول في حق الطلاق دون الكفارة، بخلاف المعتدة الرجعية، حيث يصح إيلاؤها لقيام الزوجية، لأن وطأها مباح عندنا م: (فلو انقضت العدة قبل انقضاء مدة الإيلاء سقط الإيلاء لفوات المحلية) ش: أي لأن محل الإيلاء فات. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": ولو آلى من أمته أو أم ولده لم يكن مولياً، وإن قربها كفر. م: (ولو قال لأجنبية: والله لا أقربك، أو أنت علي كظهر أمي، ثم تزوجها لم يكن مولياً ولا مظاهراً؛ لأن الكلام في مخرجه وقع باطلاً لانعدام المحلية فلا ينقلب صحيحاً بعد ذلك) ش: أي بعد وقوع الكلام باطلاً م: (وإن قربها كفر لتحقق الحنث إذ اليمين منعقدة في حقه) ش: أي في حق الحنث، هذا في قوله: والله لا أقربك لا في قوله: أنت علي كظهر أمي، لأن الأولى يمين دون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 498 ومدة إيلاء الأمة شهران لأن هذه المدة ضربت أجلا للبينونة فتتنصف بالرق كمدة العدة. وإن كان المولي مريضا لا يقدر على الجماع، أو كانت المرأة مريضة، أو رتقاء، أو صغيرة لا تجامع، أو كانت بينهما مسافة لا يقدر أن يصل إليها في مدة الإيلاء ففيؤه أن يقول بلسانه فئت إليها في مدة الإيلاء، فإن قال ذلك سقط الإيلاء.   [البناية] الثانية. [مدة إيلاء الأمة] م: (ومدة إيلاء الأمة شهران) ش: حرا كان زوجها أو عبدا، وهو قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وبه قال الحسن والشعبي وقتادة والنخعي والثوري، وهو رواية عن مالك وأحمد، والمشهور من مذهب مالك إيلاء العبد شهران على الحرة والأمة، وهو قول عطاء والزهري وإسحاق، ورواية أحمد. وقال الشافعي وأحمد في ظاهر الرواية عنه وابن المنذر والظاهرية إن الحر والعبد والحرة والأمة سواء، ومدة الكل أربعة أشهر، وبه قال أبو ثور وأبو سليمان، ومدة إيلاء الأمة شهران. م: (لأن هذه المدة) ش: أي مدة الإيلاء م: (مدة ضربت أجلاً للبينونة، فتتنصف بالرق) ش: أي بسبب الرق، كما في طلاقها ثنتان وعدتها حيضتان م: (كمدة العدة) ش: حيث ينصف الرق وقال الأترازي: لي فيه نظر، أي في تعليل المصنف بقوله مدة ضربت أجلاً، لأن لقائل أن يقول: لا نسلم أن مدة الإيلاء شرعت أجلاً للبينونة، لأن عند مالك والشافعي يكون الزوج مخيرا بعد انقضاء المدة بين أن يفيء إليهما أو يطلق، فإن طلقها يكون له عليها الرجعة ما دامت في العدة، فلا يكون حينئذ مدة الإيلاء أجلاً للبينونة، فلا يصح قياسها على مدة العدة لعدم الجامع بين المقيس والمقيس عليه، وهو كون المدة أجلاً للبينونة، انتهى. قلت: الجامع موجود فيكون الرق منصفا لحل المحلية. [المولي مريضا لا يقدرعلى الجماع أو كانت المرأة مريضة أو رتقاء] م: (وإن كان المولي مريضاً لا يقدر على الجماع، أو كانت المرأة مريضة أو رتقاء) ش: أي بينة الرتق، يعني لم يكن لها طرق إلى الميال م: (أو صغيرة لا تجامع) ش: مثلها م: (أو كانت بينهما مسافة) ش: بأن يكون بينهما مسافة بأن يكون مسيرة أربعة أشهر فصاعداً م: (لا يقدر أن يصل إليها في مدة الإيلاء ففيؤه أن يقول بلسانه: فئت إليها، فإن قال ذلك سقط الإيلاء) ش: وإن قربها كفر. وفي " جوامع الفقه ": لو عجز عن جماعها لرتقها أو قرنها أو صغرها أو الجب أو العنة، أو كان أسيرا في دار الحرب، أو لكونها ممتنعة، أو كانت في مكان لا يعرف وهي ناشزة، أو بينهما أربعة أشهر أو حال القاضي بينهما بشهادة الطلاق الثلاث، ففيؤه باللسان بأن يقول: فئت إليها أو رجعت أو راجعتها أو ارتجعتها أو أبطلت إيلاءها بشرط تمام العجز إلى تمام المدة. وفي البدائع أو كان محبوساً. وفي شرح الطحاوي: أو آلى منها وهي مجنونة أو هو محبوس، أو كانت بينهما أقل من أربعة أشهر، إلا أن السلطان والعدو يمنعه من ذلك لا يكون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 499 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا فيء إلا بالجماع، وإليه ذهب الطحاوي لأنه لو كان فيئا لكان حنثا. ولنا أنه آذاها بذكره المنع، فيكون إرضاؤها بالوعد باللسان، وإذا ارتفع الظلم لا يجازى بالطلاق. ولو قدر على الجماع في المدة بطل ذلك الفيء، وصار فيؤه   [البناية] فيؤه باللسان. قال: ويمكن أن يفرق بين القولين في الحبس بأن يحمل ما ذكر في " شرح المختصر " على إمكان الوصول إلى السجن وأن تدخل عليه ليجامعها، ومنع العدو والسلطان نادر على شرف الزوال والحبس بحق لا يعتبر في الفيء باللسان، وبظلم يعتبر كالغالب. وفي " خزانة الأكمل ": المريض فيؤه بقلبه ولسانه، وفيه أيضا لو كانت مريضة أو صغيرة لا يجامع مثلها ففيؤه بالرضا بالقلب، وفي المرغيناني: لا يكون الفيء بالقلب. بالقلب. وذكر الجرجاني لو فاء بقلبه، ولم يتكلم بلسانه ومضت المدة إن صدقته كان فيئاً. وفي المغني قال في الفيء متى قدرت جامعتك. م: (وقال الشافعي: لا فيء إلا بالجماع) ش: وهو قول سعيد بن جبير، وبه قال أبو ثور، واختاره الناطقي م: (وإليه ذهب الطحاوي) ش: أي إلى قول الشافعي ذهب الإمام أبو جعفر الطحاوي على ما نقل عنه فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ". قال الأترازي: فيه نظر، لأن الطحاوي جعل في المولي باللسان إن كان بينه وبين امرأته مسيرة أربعة أشهر وأكثر منها، أو آلى وهو مريض، أو هي مريضة لا سعة إلى قربها في "مختصره". قلت: نظره غير وارد، لأن الذي نقله عنه يرد نظره، لأنه جعل ذلك عند العجز، وأما عند القدرة فالفيء بالجماع هو الأصل، وكذلك نقل عن الشافعي حيث قالوا: ولا خلاف للشافعي، إذ الفيء باللسان إنما يعتبره عند العجز عن الوطء. م: (لأنه لو كان فيئا لكان حنثاً) ش: لأن المعلق بالفيء حكمان: الكفارة وامتناع حكم الفرقة، ثم الفيء باللسان لا يعتبر في حق الكفارة، فكذا في الآخر. وتحقيقه عن الفيء رجوع عن الظلم المعلق بالبر، فيكون الفيء بترك البر وترك البر بما يضاده، وهو الحنث إذا لم يكن الفيء باللسان حنثا لا يصير به الإنسان تاركاً للبر، فلا يكون فيئاً. م: (ولنا أنه) ش: أي أن الزوج م: (آذاها) ش: أي آذى المرأة م: (بذكره المنع) ش: أي بمنع حقها من الجماع م: (فيكون إرضاؤها بالوعد باللسان) ش: لأن الزوج إذا كان عاجزا عن الجماع حالة الإيلاء لم يكن قصده الإضرار بمنعها حقها في الجماع، إذ لا حق لها فيه حينئذ، وإنما قصده الإيحاش باللسان، ومثل هذا الظلم يرتفع باللسان م: (وإذا ارتفع الظلم لا يجازى بالطلاق) ش: لأن التوبة تجب الجناية م: (ولو قدر على الجماع في المدة) ش: وفي بعض النسخ فإن قدر، أي المولي المريض على أن يجامعها في مدة الإيلاء م: (بطل ذلك الفيء) ش: الذي كان باللسان م: (وصار فيؤه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 500 بالجماع، لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالحلف. وإذا قال لامرأته أنت علي حرام سئل عن نيته، فإن قال: أردت الكذب فهو كما قال؛ لأنه نوى حقيقة كلامه، قيل لا يصدق في القضاء، لأنه يمين ظاهرا.   [البناية] بالجماع، لأنه قدر على الأصل) ش: الذي هو بالجماع م: (قبل حصول المقصود بالحلف) ش: وهو الفيء باللسان، فصار كالمتيمم إذا وجد الماء في خلاله صلاته، ولا خلاف فيه للأئمة الأربعة. [قال لامرأته أنت علي حرام] م: (وإذا قال لامرأته أنت علي حرام) ش: هذا كلام مبهم محتمل وجوه، ولا يمتاز البعض عن البعض إلا بالإرادة، ولأجل ذلك قال م: (سئل عن نيته، فإن قال: أردت الكذب فهو كما قال) ش: يعني يكون كذبا م: (لأنه نوى حقيقة كلامه) ش: لأنها حلال له، فلا يقع به طلاق الإيلاء، ولا غير ذلك م: (وقيل: لا يصدق في القضاء؛ لأنه يمين ظاهر) ش: لأنه تحريم الحلال. وأما فيما بينه وبين الله تعالى فيصدق، وهذا القول منقول عن الطحاوي والكرخي فإنهما قالا في "مختصريهما" إنه لا يصدق في إبطال الإيلاء في القضاء. وقد اختلف أهل العلم في لفظة الحرام اختلافا شديداً يرتقي إلى خمسة عشر مذهباً: الأول: أنه سئل عن نيته، وهو قول أبي بكر، وعمر، وابن مسعود، وابن عباس، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وبه قال الحسن البصري، وعطاء، وطاوس، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ورواية عن أحمد، وسليمان بن يسار، وقتادة، والأوزاعي، وأبو ثور. وكان ابن عباس يقول: هو يمين. الثاني: أن الحرام ثلاث، روي ذلك عن علي وزيد بن ثابت، وابن عمر، وبه قال الحكم، وابن أبي ليلى، ومالك إلا أنه قال: ينوي في غير المدخول بها. الثالث: أن فيه كفارة الظهار مروي عن ابن عباس، وبه قال أبو قلابة وأحمد. الرابع: هو على ما نوى ثنتان فثنتان، هذا قول الزهري، وزفر. الخامس: أنه تطليقة بائنة لا غير، وهو قول حماد بن أبي سليمان. السادس: التوقف فيه، روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: ما أنا بمحلها ولا بمحرمها عليك، ولا آمرك أن تتقدم وإن شئت فاختر. السابع: إذا لم تكن نيته فليس بشيء، روي ذلك رواية أخرى عن النخعي وعند الشافعية فيه ثلاثة أوجه: أحدها: مثل الرواية عن النخعي. الثاني: أن فيه الكفارة. والثالث: صريح في حرمة الأمة كناية في حق الحرة. وإن نوى به الطلاق فهي طلقة رجعية، وإن نوى ثنتين أو ثلاثا فهو على ما نوى. وإن نوى ظهارا فهو ظهار، وإن نوى التحريم فليس فيه إلا الكفارة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 501 وإن قال أردت الطلاق فهي تطليقة بائنة إلا أن ينوي الثلاث، وقد ذكرناه في الكنايات، وإن قال أردت الظهار فهو ظهار،   [البناية] الثامن: قاله مسروق والشعبي وهو مثل تحريم بضعة منها ليس بشيء، وبه قال أبو سلمة بن عبد الرحمن. التاسع: هو على ما نوى في الواحدة بائنة، وإن نوى ثلاثا فثلاث، وإن لم يكن له نية فليس بشيء، وهو مذهب الثوري. العاشر: أنها تصير حراماً بذلك، ولم يذكروا خلافا، يروى ذلك عن أبي هريرة، وخلاس ابن عمرو، وجابر بن زيد أنهم أجروه باجتنابها فقط. الحادي عشر: إن نوى واحدة أو لم ينو شيئا فهي واحدة، وإن نوى ثلاثا فثلاث، وإن نوى ثنتين فثنتين، يروى ذلك عن إبراهيم وعليه المتأخرون من مشايخنا إلا في نية الثنتين، فإنه لا يصح عند أئمتنا الثلاثة. الثاني عشر: هو يمين، لكن كفارته عتق رقبة، روي ذلك عن ابن عباس، وقال المتأخرون: وهو يمين فقط. والثالث عشر: هو يمين في غير الزوجة، وليس يمين في الزوجة، يروى عن الحسن ووجه للشافعية. والرابع عشر: ليس بشيء في الأمة، ولا في الزوجة والطعام كالأمة، وبه قال مالك. والخامس عشر: إن ذلك باطل وكذب، وهي زوجة، وإن زاد كالميتة والدم ولحم الخنزير، ونوى بذلك حكم الطلاق أو لم ينو، ذكره ابن حزم في " المحلى "، وزعم أنه مذهب ابن عباس، والشعبي، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي سليمان الخطابي، وجميع الظاهرية. م: (وإن قال: أردت الطلاق فهي تطليقة بائنة، إلا أن ينوي الثلاث) ش: لأنه من ألفاظ الكنايات يقع على الأدنى مع احتمال الكل، وإذا نوى ثنتين كانت واحدة بائنة عندنا، إلا أن اللفظ لا يحتمل العدد، خلافا لزفر، إلا إذا كانت المرأة أمة فحينئذ يقع الثنتان، لأن ذلك جنس طلاقها. م: (وقد ذكرناه في الكنايات) ش: أشار به إلى أنه تقدم البحث في الكنايات. م: (وإن قال: أردت الظهار فهو ظهار) ش: هكذا ذكره القدوري، ولكنه ليس بظاهر الرواية عن أصحابنا، ولهذا لم يذكر الطحاوي والحاكم الشهيد في مختصريهما حكم ما إذا نوى الظهار، وذكر شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ناقلاً عن " النوادر " أنه ينوي ظهارا عند أبي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 502 وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس بظهار لانعدام التشبيه بالمحرمة، وهو الركن فيه. ولهما أنه أطلق الحرمة، وفي الظهار نوع حرمة، والمطلق يحتمل المقيد. وإن قال أردت التحريم أو لم أرد به شيئا فهو يمين يصير به موليا؛ لأن الأصل في تحريم الحلال إنما هو اليمين عندنا وسنذكره في الأيمان إن شاء الله. ومن المشايخ من يصرف لفظة التحريم إلى الطلاق من غير نية بحكم العرف، والله أعلم بالصواب.   [البناية] حنيفة وأبي يوسف، أشار إليه المصنف بقوله م: (وهذا) ش: أي كونه ظهاراً م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد: ليس بظهار لانعدام التشبيه بالمحرمة) ش: ولم يوجد التشبيه لعدم حرف التشبيه وهو الكاف، فلم تصح نيته م: (وهو الركن فيه) ش: أي التشبيه المذكور هو الركن في الظهار. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أنه) ش: أي القائل بقوله: أنت علي حرام م: (أطلق الحرمة) ش: حيث لم يقيدها بشيء، والمرأة تارة تكون محرمة بالطلاق، وتارة بالظهار، ومطلق الحرمة يحتمل المقيد م: (وفي الظهار نوع حرمة) ش: لأنه إذا قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي، فقد حرمت عليه حتى يكفر عن ظهاره م: (والمطلق يحتمل المقيد) ش: ومن نوى محتمل كلامه صدق. م: (وإن قال: أردت التحريم أو لم أرد به) ش: أي قال: لم أرد به م: (شيئا فهو يمين يصير به موليا) ش: حتى إذا قربها كفر عن يمينه. وإن لم يقربها حتى مضت أربعة أشهر بانت بالإيلاء، أما إذا أراد التحريم فإنما يكون يمينا، لأن تحريم المباح يمين، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلى قَوْله تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] أول التحريم، وأما إذا لم يرد شيئا فلأن الحرمة الثابتة باليمين أدنى الحرمات، لأن في الإيلاء الوطء حلال قبل الكفارة، وفي الظهار ليس كذلك، وإذا أريد به الطلاق وقع بائنا، ويحرم الوطء، والإيلاء لا يحرم الوطء، فلما كانت حرمة اليمين أدنى الحرمات تعينت لتيقنها م: (لأن الأصل في تحريم الحلال إنما هو اليمين عندنا) ش: لأن تحريم الحلال ليس من العبد بل من الله تعالى، لأنه قلب المشروع، لكن العبد يمنع نفسه عن ذلك الشيء، فإذا باشره فعليه الكفارة م: (وسنذكره في الأيمان إن شاء الله تعالى) ش: أي سنذكر هذا الفصل في كتاب الأيمان إن شاء الله عز وجل. م: (ومن المشايخ من يصرف لفظة التحريم إلى الطلاق) ش: في قوله لها: أنت علي حرام م: (من غير نية بحكم العرف) ش: لأن العادة جرت بين الناس في زماننا هذا أنهم يريدون الطلاق بهذا، وأراد من المشايخ أبا بكر الإسكاف وأبا بكر بن سعيد، والفقيه أبا جعفر الهندواني وهو من كبار علمائنا الماضين ببلخ، فإنهم قالوا: يقع الطلاق. وقال الفقيه أبو الليث: وبه نأخذ، وكذا الجواب في قوله: كل حل علي حرام، وحلال الله علي حرام، أو قال: حلال المسلمين علي حرام. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 503 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وفي الذخيرة هذا كله طلاق بائن باتفاق، وإن كان له أربع نسوة وقع على كل واحدة طلقة بائنة. وفي "فتاوى" الأذرجندي والإمام مسعود بن الحسين الكشافي أنه يقع واحدة، والبيان إليه. قال صاحب الذخيرة: وهو الأظهر والأشبه، وفيه: لو قال: علي حرام ولم تكن له امرأة لم يلزمه شيء، لأنه يمين بالطلاق ولا زوجة له. فإن تزوج امرأة وباشر الشرط اختلفوا فيه، قال أبو جعفر: تبين الزوجة. وقال غيره: لا تبين، وبه أخذ الفقيه أبو الليث، وعليه الفتوى. ولو قال: أنت حرام ألف مرة فهي واحدة. ولو طلق الحرة ثم قال: أنت علي حرام ينوي ثنتين لا تصح نيته، وإن نوى الثلاث صحت ويقع طلقتان أخريان، وإن لم ينو اليمين فهي يمين، لأن تحريم الحلال يمين، واليمين في الزوجات إيلاء، ولو قال: أنتما علي حرام فنوى الثلاث في إحداهما وواحدة في الأخرى كان كما نوى عند أبي حنيفة، ذكره المرغيناني. ولو قال: أنت معنى في الحرام، ولو قال: أنا عليك حرام، أو قال: حلال، فقالت: أنت معنى أو علي مثل ما أنت على جميع أهل المصر فهي طالق إن نواه. ولو قال: الطلاق يلزمني يقع واحدة، وهذا الكلام ناشئ عن أهل مصر. فروع: آلى من امرأته ثم قال لأخرى: أشركتك في إيلاء هذه كان باطلاً. ولو قال: أنت علي حرام ثم قال لأخرى: أشركتك معها كان مولياً منهما، وكذا لو قال: إن وطئتك فعبدي هذا حر فمات العبد أو أعتقه بطل الإيلاء، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد. ولو قال: والله لا وطئتك في الدبر، أي فيما دون الفرج لم يصر مولياً، خلافاً لمالك. ولو قال: والله لا أجامعك إلا جماع سوء، سئل عن نيته، فإن قال: أردت الوطء في الدبر صار مولياً، ولو قال: أردت به جماعا ضعيفا لا يزيد على التقاء الختانين لم يكن موليا، ولو قال: أردت التقاء الختانين فهو مول، كما لو قال: والله لا أطؤك إلا فيما دون، فإن لم يكن له نية فليس بشيء. ولو قال: إن قربتك فعلي أن أمش في السوق لا يكون موليا عند الجمهور، إلا رواية عن أحمد. ولو قال الذمي: والله لا أقربك فهو مول عند أبي حنيفة، لأنه من أهل الطلاق، وبه قال الشافعي، وكذا ظهاره، وبه قال أحمد وأبو ثور. وقال مالك: يسقط بإسلامه، وقال أبو يوسف ومحمد: إن حلف بالله لا يصير موليا، ولو حلف بالعتق والطلاق يصير مولياً، ولو حلف بالصوم والحج والعمرة والصدقة لا يصير موليا بالطلاق بالاتفاق. ولو آلى مسلم من امرأته ثم أسلم ثم تزوجها يكون موليا عند أبي حنيفة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 504 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وروى أبو يوسف عنه يبطل إيلاؤه، ولو قال: ظاهرت ثم ارتد ثم أسلم فهو على ظهاره في قول أبي حنيفة أن ظهاره يبطل عنده. ولو أبانها في مدة الإيلاء ثم قربها بطل إيلاؤه، ولو ظاهر ثم ارتد أسلم فهو على ظهاره في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وقالا: يسقط، وروى زفر عن أبي حنيفة أن ظهاره يبطل عنده، ولو أبانها في مدة الإيلاء ثم قربها بطل إيلاؤه للحنث، ولو فاء إليها بلسانه وهي مبانة لا يبطل ويقع الطلاق بمضي مدة الإيلاء لعدم صحة الفيء باللسان بعد البينونة، وكذا لا يصح بعد مضي مدة الإيلاء. وإن اختلفا في الفيء بعد بقاء المدة فالقول للزوج، لأنه يملك الفيء وبعد مضي المدة فالقول لها، لأنه ادعى الفيء في حالة لا يملك فيها الفيء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 505 باب الخلع وإذا تشاق الزوجان وخافا أن لا يقيما حدود الله فلا بأس بأن تفتدي نفسها منه بمال يخلعها به؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229] (البقرة: الآية 229)   [البناية] [باب الخلع] [تشاق الزوجان وخافا أن لا يقيما حدود الله] م: (باب الخلع) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الخلع. وقال الأترازي: الخلع اسم من الانخلاع، وكذا قال الكاكي. وقال الأكمل: الخلع بالضم اسم من قولهم خلعت المرأة زوجها، واختلعت عنه بمالها. قلت: قال الجوهري خلع ثوبه ونعليه، وقاء مدة خلعا وخلع عليه خلعا، وخلع امرأته خلعا بالضم انتهى، فدل كلامه أن الخلع بالضم والخلع بالفتح كلاهما مصدران غير أن الفرق بينهما أنه إذا كان بمعنى النزع الحقيقي يستعمل بالفتح، فإذا كان بمعنى المجاز يستعمل بالضم، لأن كلا من الزوجين لباس لصاحبه، كما قال الله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} [البقرة: 187] (البقرة: الآية 187) ، فإذا فعلا ذلك فإنهما نزعا لباسهما، فيكون من باب ترشيح الاستعارة، والفرق بينه وبين التجريد أن ترشيح الاستعارة ينظر فيه إلى جانب المستعار منه كقولك: رأيت بحرا جاريا، والتجريد ينظر فيه إلى جانب المستعار له، كقولك: رأيت بحر ماء أحسن من مائه، فالخلع من باب الترشيح على ما لا يخفى. وقال الجوهري أيضاً: خالعت المرأة بعلها إذا رضي على طلاقها ببدل منها له فهي خالع والاسم الخلع، وقد تخالعا فاختلعت فهي مختلعة. وخلع الوالي عزل، وأما معناه الشرعي فهو عبارة عن أخذ مال من المرأة بأن النكاح بلفظ الخلع وشرطه شرط الطلاق، وحكمه حكم الطلاق البائن، وصفته أنه من جانب المرأة معاوضة على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، أو يمين من الجانبين عندهما على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. م: (وإذا تشاق الزوجان) ش: أي إذا اختصما واختلفا، مشتق من الشق، وهو الجانب، فكأن الزوجين إذا تخاصما وتجادلا يأخذ كل واحد شقا خلاف شق صاحبه م: (وخافا) ش: أي علما، لأن الخوف من لوازم العلم، والمراد من الخوف العلم، قاله أبو عبيد (أن لا يقيما حدود الله) ش: أي ما يلزمهما من حقوق الزوجية م: (فلا بأس بأن تفتدي نفسها منه بمال يخلعها به) ش: الضمير في نفسها يرجع للمرأة لأن لفظ الزوجين يدل عليه، وفي: منه، يرجع إلى الزوج بالوجه المذكور والضمير المستتر في: يخلعها، يرجع إلى الزوج والبارز: التاء إلى المرأة، وفي به يرجع إلى المال. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] (البقرة: الآية 229) ش: أي فلا إثم على الزوجين لا على الرجل فيما أخذ، ولا على المرأة فيما أعطت فداء من فداه من أسر إذا استنقذ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 506 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ولما أن النساء عوان عند الأزواج، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمى النساء أسارى في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتقوا الله في النساء، فإنهن عندكم عوان» رواه الترمذي. والعواني يعني عانية، والذكر عانن وهو الأسير. وروى البخاري في حديث علي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله ثابت ابن قيس ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإيمان، انتهى. أي لشدة بغضها إياه لقضامة وجهه، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أتردين عليه حديقته؟ " قالت: نعم، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اقبل الحديقة وطلقها» . والآية نزلت في ثابت وامرأته، وهو أول خلع في الإسلام، قاله الزمخشري، واختلفوا في امرأة ثابت بن قيس، فقيل: حبيبة بنت سهل، وقيل: جميلة بنت سهل، وقيل: جميلة بنت سلول، وسلول اسم أمه، وزينب بنت عبد الله بن أبي بن سلول، والأول أكثر، وإنما قال: لا بأس بأن تفتدي نفسها، لأن الطلاق أبغض المباحات عند الله تعالى. وروى الترمذي من حديث ثوبان عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المختلعات هن المنافقات» وقال: غريب، وروى الترمذي أيضا عن ثوبان قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة» . ثم اعلم أنه لم يخالف في جواز الخلع إلا بكر بن عبد الله المزني، وزعم أن الآية التي دلت على جوازه منسوخة بآية النساء، وهي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ} [النساء: 20] (النساء: الآية 30) ، وليس كذلك، لأن شرط النسخ تأخير تاريخ الناسخ والاختلاف وتعذر الجمع، ولم يوجد واحد منهما. قال ابن شبرمة وأبو قلابة: لا تحل حتى ( ... ) على بطنها رجلاً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} [النساء: 19] إلى قوله: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] (النساء: الآية 19) . وقالت الظاهرية: لا يجوز الخلع إلا بشرطين، إلا إذا كرهته المرأة، وخافت أن لا توفيه حقه فلها أن تفتدي نفسها بتراضيهما. وقالت طائفة. لا يجوز الخلع إلا بإذن السلطان، يروى عن ابن سيرين، وسعيد بن جبير، والحسن البصري. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 507 فإذا فعل ذلك وقع بالخلع تطليقة بائنة، ولزمها المال لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الخلع تطليقة بائنة»   [البناية] وقالت طائفة: لا يجوز الخلع إلا أن تقول المرأة لزوجها لا أطيع لك أمراً ولا اغتسل لك من جنابة. وقالت طائفة: لا يجوز إلا مع نشوزه وإعراضه. م: (فإذا فعل ذلك) ش: وفي بعض النسخ م: (فإذا فعلا) ش: ذلك بألف التثنية، أي الزوجان إذا فعلا ذلك، أي الخلع الموصوف م: (وقع بالخلع تطليقة بائنة ولزمها المال) ش: وهو قول عثمان، وعلي، وابن مسعود، والحسن، وابن المسيب، وعطاء، وشريح، والشعبي، وقبيصة بن ذؤيب ومجاهد، وأبي سلمة، والنخعي، والزهري، والأوزاعي، والثوري، ومكحول، وابن أبي نجيح، وعروة، ومالك، والشافعي في الجديد، وعليه الفتوى، ذكره في " المبسوط ". وقالت الظاهرية: تطليقة رجعية، حتى لو راجعها رد عليها ما أخذه وقال أحمد وإسحاق بن راهويه: فرقة بغير طلاق، وهو قول ابن عباس والشافعي في القديم، قيل: ذكرت الشافعية أن الشافعي غسل كتبه القديمة وأشهد على نفسه بالرجوع عنها، فمن جعلها مذهباً فقد كذب عليه، قاله إمام الحرمين وغيره ما قال إن الفتوى عليه في القديم في خمسة عشر مسألة، فذلك بالاجتهاد منهم، ولم ينسبه إلى الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (الخلع تطليقة بائنة) ش: هذا الحديث رواه الدارقطني ثم البيهقي في "سننيهما" من حديث عباد بن كثير عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل الخلع تطليقة بائنة» وأعله بعباد بن كثير الثقفي، وأسند عن البخاري قال: تركوه، وعن النسائي قال: متروك الحديث. وعن شعبة قال: أخذوا حديثه وسكتوا عنه إلا إذا خرج عن ابن عباس خلافه من رواية طاوس عنه قال: الخلع فرقة، وليس بطلاق انتهى. ولم يذكر أحد من الشراح دليلا لنا صحيحا في هذا. قال الأكمل: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الخلع تطليقة بائنة» روي ذلك عن عمر، وعلي، وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - موقوفا عليهم، ومرفوعاً إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. انتهى. فهذا كما رأيت ليس بدليل صحيح، لأنه متى ثبت رواية هذا الحديث عن هؤلاء الصحابة موقوفا عليهم، متى يكون مرفوعاً. وقال الأترازي: وروى أصحابنا في " المبسوط " فذكر مثله، غير أنه قال: أولاً ولنا ما روى البخاري، فذكر حديث ثابت بن قيس الذي ذكرناه عن قريب، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 508 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وفيه اقبل الحديقة وطلقها، فهذا يدل على أن الخلع طلاق، ولكن لا يتم بهذا الدليل، لأن المدعي أنه طلاق بائن، وليس ما يدل على أنه بائن. وقال الكاكي: روى البخاري أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لثابت: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة. وفي رواية قال: اقبل الحديقة وخل سبيلها، فدل على أنه تطليقة بائنة، ولأنه لو كان رجعيا يردها كرها فالأمر على موضوعه بالنقض. قلت: "لفظ وخل سبيلها" وقع في رواية أبي داود من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - بلفظ "فارقها". وقال الأترازي: وأما كون الخلع بائنا فلما روى الدارقطني في كتاب " غريب الحديث " الذي صنفه عن عبد الرزاق عن معمر عن المغيرة عن إبراهيم النخعي أنه قال: الخلع تطليقة بائنة، وإبراهيم قد أدرك الصحابة وزاحمهم في الفتوى، فيجوز تقليده، أو يحمل على أنه شيء رواه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه من قرن العدول فيحمل أمره على الصلاح صيانة عن الجزاف والكذب، انتهى. قلت: هذا الكلام بطوله لا يرد الخصم ولا يرضى به. فإن قلت: الخصم يقول: قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] (البقرة: الآية 229) ، ثم قال الله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] بيانه أن الطلاق محصور بالثلاث بالإجماع، فلو كان الخلع طلاقا لكانت الطلقات أربعا، واللازم منتف فيقتضي الملزوم، ولأن النكاح عقد يحتمل الفسخ بخيار عدم الكفاءة، وخيار العتق وخيار البلوغ، فيجوز فسخه أيضا بالتراضي بالخلع كالبيع. قلت: أجيب: عن الآية بأن الله تعالى ذكر الطلقة الثالثة بعوض وغير عوض، فلا يكون الطلاق أربعا، بيانه أن قَوْله تَعَالَى: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] طلاق بغير عوض، وقَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] طلاق بعوض. وقال أبو بكر الرازي في شرحه لمختصر الطحاوي: قَوْله تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] بين حكم الطلقتين على غير وجه الخلع، ثم قال: {حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] على الطلقتين، يعني على وجه الخلع، ثم قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة: 230] أي الثالثة يلزم من جعل الخلع طلاقا كون الطلاق أربعا. قلت: فيه تأمل، والنكاح لا يحتمل الفسخ بعد التمام، ألا ترى أنه لا فسخ بالهلاك قبل التسليم، والملك الثابت به ضروري لا يظهر في حق الاستيفاء، والفسخ بعد الكفاءة وخيار البلوغ قبل التمام، فكان في معنى الامتناع عن الإتمام، فأما الخلع يكون بعد تمام العقد، والنكاح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 509 ولأنه يحتمل الطلاق حتى صار من الكنايات، والواقع بالكنايات بائن إلا أن ذكر المال أغنى عن النية هنا، ولأنها لا تسلم المال إلا لتسلم لها نفسها، وذلك بالبينونة. وإن كان النشوز من قبله يكره له أن يأخذ منها عوضا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج} [النساء: 20] إلى أن قال {فلا تأخذوا منه شيئا} [النساء: 20] (النساء: الآية:20) ،   [البناية] لا يحتمل الفسخ بعد تمامه، ولكن يحتمل القطع في الحال، فيجعل لفظ الخلع عبارة عن رفع القيد. فإن قلت: قال ابن حزم: حديث ثابت منسوخ لما أن رواية ابن عباس وعمله بخلاف رواية دليل نسخه. قلت: أجاب الكاكي عن هذا بقوله: صح رجوع ابن عباس إلى قول العامة، مع أنه روي عن ابن عباس أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جعل الخلع تطليقة بائنة. انتهى. قلت: هذا مجرد دعوى فلا يرضى بها الخصم، فمن هو الذي صح رجوعه، وروايته فإن كان الاعتماد على تصحيح روايته عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما في الباب، فقد وقفت على حاله مع أنه روي عنه خلافه كما ذكرنا. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الخلع م: (يحتمل الطلاق حتى صار من الكنايات، والواقع بالكنايات بائن) ش: سوى قوله: أنت واحدة، واعتدي، واستبرئي رحمك م: (إلا أن ذكر المال) ش: جواب عما يقال: لو كان الخلع من الكنايات لكانت النية شرطا فيه، وليست بشرط، فأجاب بقوله: إلا أن ذكر المال م: (أغنى عن النية هنا) ش: أي في الخلع، تقريره أن جانب الطلاق يتعلق بذكر المال وقبوله بمقابلة فداء نفسها، فلم يحتج إلى النية كما في حال مذاكرة الطلاق. م: (ولأنها) ش: أي ولأن المرأة م: (لا تسلم المال إلا لتسلم لها نفسها) ش: بيانه أن الخلع يحتمل الانخلاع عن اللباس أو عن الخيرات أو عن النكاح، فلما ذكر العوض كان المراد الانخلاع عن النكاح كما مر، وذلك إشارة إلى ما ذكر من سلامة النفس عند تسليم المال م: (وذلك بالبينونة) ش: فقلنا: يكون الخلع بائناً. م: (وإن كان النشوز) ش: من نشزت المرأة إذا استصعبت عليه وأبغضته. وقال الزجاج: هو الكراهة والإعراض من كل واحد من الزوجين عن الآخر، وكذلك النشوز يقال: نشزت المرأة عن زوجها ( ... ) ، ثم إن كان النشوز م: من قبله) ش: أي من قبل الزوج م: (يكره له أن يأخذ منها) ش: أي من المرأة م: (عوضا) ش: قليلاً كان أو كثيراً م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} [النساء: 20] إلى أن قال: {فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] (النساء: الآية 20) ش: تمام الآية {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 20] فالزوج يشترك فيه الذكر والأنثى، كما في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 510 ولأنه أوحشها بالاستبدال فلا يزيد في وحشتها بأخذ المال. وإن كان النشوز منها كرهنا له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها. وفي رواية " الجامع الصغير ": طاب الفضل أيضا لإطلاق ما تلوناه   [البناية] قَوْله تَعَالَى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35] والقنطار ملء مسك ثور ذهباً أو فضة، ويقال: هو سبعون ألف دينار، ويقال: ألف ومائتا أوقية كذا قال صاحب " ديوان الأدب " والأوقية أربعون درهماً. وقال الزمخشري: القنطار المال العظيم. والبهتان أن يستقبل الرجل بأمر قبيح، وهو بريء منه، والآية نص على كراهية أخذ العوض، ومع هذا لو أخذ العوض جاز، لأن النهي لمعنى في غيره، وهي زيادة الإيحاش، فلا يعدم مشرعيته كالبيع وقت النداء يوم الجمعة يجوز وكره ويجوز الخلع على مال، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك في رواية ابن القاسم. وقال الزهري، ومالك: لا يحل له أخذ شيء إذا كان النشوز منه، ومع ذلك لو تخالع لزمه الطلاق، ويرد ما أخذ منها. وفي " الذخيرة " خالعها ثم قال: لم أنو به الطلاق، فإن لم يذكر بدلاً صدق قضاء وديانة، وإن ذكر لا يصدق قضاء، وفيه لو قضى يكون الخلع فسخاً، قال بعض أصحابنا: ينفذ، لأنه مروي عن ابن عباس، وقال بعضهم: لا ينفذ. وفي كتب الشافعية الخلع طلقة إذا كان بلفظ الطلاق، وبلفظ الخلع والفسخ، والمفاداة إن نوى الطلاق فطلاق، وإن لم ينو الطلاق فثلاثة أقوال طلاق أو فسخ، أو ليس بشيء، ولفظ الخلع صريح، وفي قول كناية والمفاداة كالخلع في الأصح لا خلاف في مذهبه أن الكناية تقع بلا نية، وخالف فيه الأئمة الثلاثة. م: (ولأنه) ش: أي لأن الزوج م: (أوحشها بالاستبدال، فلا يزيد في وحشتها بأخذ المال) ش: حتى لا يحصل لها ضرر من وجهين استبدال الزوج وأخذ المال م: (إن كان النشوز منها) ش: أي من المرأة م: (كرهنا له) ش: أي للزوج م: (أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها) ش: وهو أخذ الفضل على ما ساق إليها، أما مقدار المهر فلا يكره أخذه، وهذه رواية كتاب طلاق الأصل. م: (وفي رواية " الجامع الصغير ": طاب الفضل أيضاً) ش: أي الفضل على مقدار مهرها م: (لإطلاق ما تلوناه) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وهو بإطلاقه يشمل القليل، والكثير والمهر وغيره، وفي " التمهيد " وجوز مالك والشافعي الخلع بجميع مالها إذا كان النشوز منهما لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وعن مولاة لصفية بنت أبي عبيد اختلعت بكل شيء لها، فلم ينكر ذلك ابن عمر. وقال ابن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: لا بأس أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، وهو أخذ الفضل على ما ساق إليها، وهو قول عكرمة ومجاهد وإبراهيم وآخرين قال عكرمة: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 511 بدءا. ووجه الأخرى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في امرأة ثابت بن قيس بن شماس: أما الزيادة فلا، وقد كان النشوز منها.   [البناية] يأخذ منها حتى مرطها، وقال إبراهيم ومجاهد: يأخذ منها عقاص رأسها، وفي " المحلى " وكره علي بن أبي طالب والحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان وميمون بن مهران أن يأخذ زيادة على ما أعطاها. وفي " التمهيد " وهو قول الحسن وعطاء وطاوس وعن ابن المسيب والشعبي لا يأخذ منها كل ما أعطاها إذا كان النشوز منها وهو مضار م: (بدءاً) ش: أولاً يعني الآية التي بدأنا بها أولاً، وهو قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] . م: (ووجه الأخرى) ش: أي الرواية الأخرى، أراد به رواية القدوري وهو قوله كرهنا له أن يأخذ أكثر مما أعطاها، وهي رواية الأصل م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في امرأة ثابت بن قيس بن شماس أما الزيادة فلا) ش: هذا روي مرسلاً عن عطاء، وعن ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، فحديث عطاء رواه أبو داود في "مراسيله " عنه، قال «جاءت امرأة إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تشكو زوجها، فقال " أتردين إليه حديقته التي أصدقك؟ "، قالت نعم وزيادة، قال "أما الزيادة فلا» . وحديث ابن الزبير أخرجه الدارقطني في "سننه " عن حجاج «عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير بن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي بن سلول، وكان أصدقها حديقة فكرهته، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أتردين عليه حديقته التي أعطاك" قالت نعم وزيادة، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أما الزيادة فلا، ولكن حديقة فخذها وخل سبيلها» "، انتهى. وقال الأترازي: وجه ما روى أصحابنا «أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس أتت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت يا رسول الله لا أنا ولا ثابت فقال "أتردين عليه حديقته"، قالت نعم وزيادة، فقال "أما الزيادة فلا» ، فدل الحديث على الكراهة في أخذ الفضل، م: (وقد كان النشوز منها) ش: الواو فيه للحال، واعلم أن هذه الزيادة المذكورة في حديث ثابت بن قيس ليست ثابتة في رواية البخاري وغيره من الصحاح، وقال الأترازي: أصحابنا أثبتوها في روايتهم في كتب الفقه، انتهى. قلت: هذا عمد في حق الأصحاب، لأنهم ما أثبتوها من عندهم بل اعتمدوا فيها على مرسل أبي داود ومرسل ابن الزبير اللذين ذكرناهما. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 512 ولو أخذ الزيادة جاز في القضاء، وكذلك إذا أخذ والنشوز منه لأن مقتضى ما تلوناه شيئان الجواز حكما، والإباحة. وقد ترك العمل في حق الإباحة لمعارض، فبقي معمولا في الباقي. وإن طلقها على مال فقبلت وقع الطلاق ولزمها المال، لأن الزوج يستبد   [البناية] [أخذ الزوج الزيادة فيما إذا كان النشوز من قبلها] م: (ولو أخذ الزيادة) ش: أي ولو أخذ الزوج الزيادة فيما إذا كان النشوز من قبلها م: (جاز في القضاء، وكذلك إذا أخذ والنشوز منه) ش: أي وكذا إذا أخذ الزوج والحال أن النشوز منه م: (لأن مقتضى ما تلوناه) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] (البقرة: الآية 229) . م: (شيئان) ش: تثنية شيء، أشار إلى أحدهما بقوله م: (الجواز حكما) ش: أي شرعا، وأشار إلى الآخرة بقوله م: (والإباحة) ش: وهي الحل م: (وقد ترك العمل في حق الإباحة لمعارض) ش: أي لأجل معارض، وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أما الزيادة فلا م: (فبقي) ش: أي النص م: (معمولا به في الباقي) ش: وهو الجواز، لأنه يلزم من نفي الإباحة نفي الجواز، كما في البيع وقت النداء. فإن قيل الجواز والإباحة عبارتان عن معنى واحد، لأنه لا جواز بدون الإباحة، ولا إباحة بدون جواز، فكيف يجوز أحدهما مع انتفاء الآخر، أجيب: بل هما شيئان مختلفان، لأن ضد الإباحة الكراهة، وضد الجواز الحرمة، وبضدها تتبين الأشياء، وكذا شيئان لا ينفكان، ألا ترى أن البيع وقت النداء جائز مع الكراهة وليس بمباح لما أن الإباحة عبارة عن عدم الكراهة، واحتمل أن يكون الشيء جائزا مع الكراهة، وهذا كثير النظير، فإن جميع صور النهي في الأفعال الشرعية كذلك. فإن قلت: الحديث الذي فيه - أما الزيادة فلا - خبر واحد، فكيف يعارض قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] (البقرة: الآية 229) . قلت: أجيب: بأن النص إذا خص منه شيء أو عورض بنص آخر مثله خرج عن كونه قطعيا، فيجوز تخصيصه بخبر الواحد، مع أن هذا الحديث إن كان معارضا لنص فهو موافق لنص آخر، وهو قَوْله تَعَالَى: {فَلَا تَأْخُذُوا} [النساء: 20] فكان في الحقيقة معارضة الكتاب بالكتاب لا معارضة خبر الواحد فجاز التمسك به، لأنه موافق لأحد النصين. [طلقها على مال فقبلت] م: (وإن طلقها على مال) ش: بأن قال طلقتك على ألف درهم مثلا م: (فقبلت) ش: في المجلس م: (وقع الطلاق ولزمها المال) ش: المذكور، وكذا الحكم إذا قال خلعتك على ألف درهم وبارأتك على ألف درهم، وكذا إذا بدأت المرأة فقالت طلقني على ألف درهم، أو خالعني أو بارئني م: (لأن الزوج يستبد) ش: أي يستقل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 513 بالطلاق تنجيزا وتعليقا، وقد علقه بقبولها والمرأة تملك التزام المال لولايتها على نفسها، وملك النكاح مما يجوز الاعتياض عنه، وإن لم يكن مالا كالقصاص. وكان الطلاق بائنا لما بينا. ولأنه معاوضة المال بالنفس، وقد ملك الزوج أحد البدلين فتملك هي الآخر، وهو النفس تحقيقا للمساواة.   [البناية] م: (بالطلاق تنجيزا وتعليقا) ش: أي من حيث التخيير بأن قال أنت طالق، ومن حيث التعليق بأن قال إذا دخلت الدار فأنت طالق م: (وقد علقه بقبولها) ش: وقد علق الزوج طلاقها بقبول المال، لأن الحكم معاوضة من جانب المرأة بدليل اقتصاره على المجلس وولاية الرجوع، فلا بد من القبول، لأنه شرط في المعاوضات. م: (والمرأة تملك التزام المال لولايتها على نفسها) ش: حاصله أن هذا الصرف معاوضة يعتمد أهلية المتعاوضين وصلاحية المحل إلا أهلية الزوج فلا مستبد بذلك كما قدمناه، وأما أهلية المرأة فلأنها تتولى أموسر نفسها، وأما صلاحية المحل فقد أشار إليها بقوله م: (وملك النكاح مما يجوز الاعتياض عنه) ش: هذا كأنه جواب عما يقال كيف جاز الاعتياض في الخلع، وليس البضع بمتقوم حالة الخروج، فأجاب بقوله وملك النكاح مما يجوز الاعتياض عنه. م: (وإن لم يكن مالا) ش: وهو واصل بما قبله م: (كالقصاص) ش: فإنه ليس بمال، فجاز أخذ العوض عنه والجامع وجود الالتزام من أهله، فقال الأكمل: كذا في بعض وأراد به " شرح الأترازي "، فإنه قال في شرحه هذا، فكان الأكمل ما أعجبه هذا حتى نسبه إلى غيره، ولكنه لو كان عنده أوجه منه لبينه. قال الأترازي: فإن قلت لا نسلم أن الخلع تعليق الطلاق بالقبول، ويجوز أن يكون تعليقا بالأداء. قلت: لأن الخلع من المقدمات ولا يجب الأداء في المعاوضات إلا بالقبول، فكان تعليقا بالقبول دون الأداء. م: (وكان الطلاق) ش: أي الطلاق الواقع على المال م: (بائنا لما بينا) ش: وأشار به إلى قوله - والواقع بالكنايات بائن - م: (ولأنه) ش: أي ولأن الطلاق المذكور م: (معاوضة المال بالنفس) ش: لأنها تخلص نفسها بالمال الذي تدفعه إليه م: (وقد ملك الزوج أحد البدلين) ش: وهو المال م: (فتملك هي) ش: أي المرأة م: (الآخر وهو النفس تحقيقا للمساواة) ش: بينهما، لأن نفسها لا تسلم لها إلا بالبائن، لأن حق الزوج في الرجعي ليس بمنقطع، فلو جعل الخلع رجعيا لذهب مالها بلا عوض، ولم يحصل غرضها، وذلك لا يجوز، وكذلك يلزمها المال، لأنها من أهل الالتزام وقد تصرفت في خالص حقها، فلو لم يلزمها بعد قبولها لزم الغرور على الزوج وذا لا يجوز، ولأنه لم يرض بفوات حقه بلا عوض. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 514 قال وإن بطل العوض في الخلع مثل أن يخالع المسلم على خمر أو خنزير أو ميتة، فلا شيء للزوج، والفرقة بائنة، وإن بطل العوض في الطلاق كان رجعيا فوقوع الطلاق في الوجهين للتعليق بالقبول، وافتراقهما في الحكم لأنه لما بطل العوض كان العمل في الأول لفظ الخلع، وهو كناية،   [البناية] [يخالع المسلمة على خمر أو خنزير أو ميتة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (وإن بطل العوض في الخلع مثل أن يخالع المسلمة على خمر أو خنزير أو ميتة، فلا شيء للزوج والفرقة بائنة) ش: أي يقع الطلاق البائن، والحكم فيما إذا خالعها على خمر أو دم كذلك، وبه صرح في التحفة والمغني، ولو خالعها على خمر أو خنزير أو ميتة أو دم أو خمر فهو كالخلع بغير عوض لا يلزمها عند الأئمة الثلاثة وأصحابهم، ويقع عند مالك وأحمد رجعيا، وعند زفر ترد مهرها، وعند الشافعي يجب مهر المثل ويقع طلاقا بائنا كقولنا، انتهى. واعلم أن الخلع والطلاق على ما لا يحل كالخمر وأخواتها جائز، ويقع الطلاق لوجود الشرط، ولا يجب له عليها شيء، لأنها لم تغرره، والخمر إن كانت مالا لكنها ليست بمتقومة، لأن الشرع أهانه، والأمر في الميتة أظهر، لأنها ليست بمال أصلا، بخلاف ما إذا أغرته وقالت أختلع منك بهذا الخل فإذا هو خمر عليها أن ترد المهر المأخوذ في قول أبي حنيفة. وفي قولهما عليها مثل كل ذلك من خل وسط، كذا ذكر الخلاف في مبسوط شمس الأئمة السرخسي، وإنما لم يبطل الخلع ببطلان العوض، لأن الخلع لا يبطل بالشروط الفاسدة. م: (وإن بطل العوض في الطلاق كان) ش: أي الطلاق م: (رجعيا) ش: أي في الموطوءة دون الثلاث، وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (فوقوع الطلاق في الوجهين) ش: يعني بطلان العوض في الخلع، وبطلان العوض في الطلاق، وأشار به إلى وجه الافتراق بينهما فقال: ووقوع الطلاق في الوجهين م: (للتعليق بالقبول) ش: أي لأجل تعليق الطلاق بقبول المرأة م: (وافتراقهما) ش: أي الوجهين م: (في الحكم لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لما بطل العوض كان العامل في الأول لفظ الخلع) ش: قال تاج الشريعة لفظ الخلع ينصب العامل ويرفع لفظ الخلع بخط المصنف، انتهى. وأراد بالأول بطلان العوض في الخلع م: (وهو) ش: أي لفظ الخلع م: (كناية) ش: من ألفاظ الكنايات، والواقع بالكناية يأتي سوى الألفاظ الثلاثة التي مر بيانها فيما تقدم، وقال الكاكي هو كناية لا ينتفي به، بل يجب أو يقال وهو كناية، ولها دلالة على قطع الوصلة، لأنه مشتق من خلع الخف أو القميص، وإنما احتيج إلى هذا التأويل لأن من الكنايات ما هو رجعي، انتهى. قلت: هذا زيادة تعسف في التصرف على ما لا يخفى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 515 وفي الثاني الصريح وهو يعقب الرجعة، وإنما لم يجب للزوج شيء عليها؛ لأنها ما سمت مالا متقوما حتى تصير غارة له، ولأنه لا وجه إلى إيجاب المسمى للإسلام، ولا إلى إيجاب غيره لعدم الالتزام، بخلاف ما إذا خالع على خل بعينه فظهر أنه خمر لأنها سمت مالا فصار مغرورا وبخلاف ما إذا كاتب عبده أو أعتق على خمر حيث تجب قيمة العبد؛ لأن ملك المولى فيه متقوم، وما رضي بزواله مجانا. أما ملك البضع في حالة الخروج فغير متقوم على ما نذكره، وبخلاف النكاح، لأن البضع في حالة الدخول متقوم، والفقه فيه   [البناية] م: (وفي الثاني) ش: وهو بطلان العوض في الطلاق م: (الصريح) ش: أي صريح الطلاق م: (وهو) ش: أي الصريح م: (يعقب الرجعة) ش: لبقاء المحل م: (وإنما لم يجب للزوج شيء عليها) ش: أي على المرأة م: (لأنها ما سمت مالا متقوما حتى تصير غارة له) ش: أي للزوج، فإذا لم تصر غارة فلا يجب عليها شيء م: (ولأنه) ش: أي ولأن الشأن، هذا دليل آخر م: (لا وجه إلى إيجاب المسمى للإسلام) ش: أي لأجل الإسلام، لأن المسلم ممنوع من تسليمه وتسلمه م: (ولا إلى إيجاب غيره) ش: أي لا وجه أيضا لإلزام غيره، م: (لعدم الإلزام) ش: من جهة الغير بذلك م: (بخلاف ما إذا خالع على خل بعينه فظهر أنه خمر؛ لأنها سمت مالا فصار) ش: أي الزوج م: (مغرورا) ش: لأنها غرته حيث قالت هذا الخل بعينه، فإذا هو خمر، فلزم عليها رد المهر الذي أخذته عند أبي حنيفة، وعندهما يجب كيل مثل ذلك من خل وسط كما في الصداق، ولو علم الزوج بكونه خمرا فلا شيء عليه، وعند الشافعي يجب مهر المثل، وعند أحمد وأبي ثور يجب قيمته. م: (وبخلاف ما إذا كاتب عبده أو أعتق على خمر حيث تجب قيمة العبد، لأن ملك المولى فيه) ش: أي في العبد م: (متقوم) ش: حتى لو غصب وجبت القيمة على الغاصب م: (وما رضي) ش: أي المولى م: (بزواله) ش: أي بزوال ملكه م: (مجانا) ش: أي بلا شيء، قال الجوهري قولهم أخذه مجانا، أي بلا بدل، وهو فعال، لأنه ينصرف، انتهى. قلت: ذكره في باب مجن، وقال المجون أن لا يبالي الإنسان بما صنع، وانتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره، ما رضي زوالا مجانا. م: (أما ملك البضع) ش: يعني في الخلع م: (في حالة الخروج غير متقوم) ش: فلا يلزم من بطلان البدل فساد الخلع م: (على ما نذكره) ش: أراد به ما نذكره بعيد هذا بقوله - والفقه ... إلى آخره - م: (وبخلاف النكاح) ش: أشار به إلى الفرق بينه وبين الخلع، حيث يصح النكاح ويجب مهر المثل ويصح الخلع ولا يجب شيء م: (لأن البضع في حالة الدخول متقوم) ش: ولهذا إذا تزوج المريض امرأة بمهر مثلها جاز من جميع المال م: (والفقه فيه) ش: أي في كون البضع غير متقوم في حالة الخروج دون الدخول، والفقه في اللغة الفهم، ولكن العرف خصه بعلم الشريعة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 516 أنه شريف، فلم يشرع تملكه إلا بعوض إظهارا لشرفه، فأما الإسقاط فنفسه شرف فلا حاجة إلى إيجاب المال. قال: وما جاز أن يكون مهرا جاز أن يكون بدلا في الخلع لأن ما يصلح عوضا للمتقوم أولى أن يصلح عوضا لغير المتقوم.   [البناية] وخصصه بعلم الفروع م: (أنه) ش: أي أن البضع م: (شريف) ش: يعني له مقدار في نفسه م: (فلم يشرع تملكه إلا بعوض إظهارا لشرفه) ش: أي لأجل الإظهار أنه شريف فلم يشرع تملكه بلا بدل إظهارا لخطر المحل. م: (فأما الإسقاط) ش: أي إسقاط ملك الزوج عن البضع م: (فنفسه شرف فلا حاجة إلى إيجاب المال) ش: لعدم لزوم إهانة المحل المحترم، وقال السغناقي: فنفسه شرف أي يتشرف المرأة حيث تعود مالكة على نفسها من كل وجه كما كانت، فلذلك لم يجب على الزوج شيء، بخلاف النكاح، فإنه يجب عليه المهر، لأن في النكاح استيلاء على كل محترم، فيجب المال على مقابلة الاستيلاء. وقال الكاكي: فلا حاجة إلى إيجاب المال إلا إذا تراضيا على مال. وفي الجواهر للمالكية خالعها على حرام وحلال صح مثل خمر ومال، ولا يجب للزوج إلا المال، وهو قياس قول أصحابنا وأحمد وقياس قول الشافعي يجب مهر المثل. في " جوامع الفقه " خالعها على عبد نفسه لا يلزمها شيء، لأنه مال لا يستحقه بحال، ولا بد من القبول لوقوع الطلاق، كخلع المبانة والصغيرة، ولو خالعها على براءتها من دين لها عليه غير المهر، أو على براءتها من كفالة نفس، أو على تأخير دين لها عليه صحت البراءة والتأخير إلى أجل معلوم، ويكون الطلاق رجعيا، ويصح التأجيل في بدل الخلع إلى أجل مجهول وجهالة مستدركة نحو الحصاد والدياس وإلي القطاف وهبوب الرياح لا يجوز، وكذا إلى الميسرة لا يصح التأجيل. وفي " المحيط " ويجب المال حالا، وفي جهالة البدل تفسد التسمية وهو قول أحمد. وقال أبو ثور: تفسد بالجهالة، وهو قول أبي بكر من الحنابلة، وقال الشافعي يجب مهر المثل كالنكاح. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (وما جاز أن يكون مهرا جاز أن يكون بدلا في الخلع) ش: وهذا بإجماع العلماء، وإنما لم يذكر عكسه حيث لم يقل وما لا يجوز أن يكون مهرا لا يجوز أن يكون بدلا في الخلع، لأن من الأشياء ما لا يصح للمهر ويصح لبدل الخلع كدرهم إلى تسع دراهم م: (لأن ما يصلح عوضا للمتقوم أولى أن يصلح عوضا لغير المتقوم) ش: هو البضع أيضا، لأنه غير متقوم حالة الخروج، ولهذا إذا اختلعت على ثوب موصوف جاز كما في المهر، وإن اختلعت على ثوب فالتسمية فاسدة للجهالة كما في المهر، وله المهر، لأنها غرته ولا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 517 فإن قالت له: خالعني على ما في يدي فخالعها ولم يكن في يدها شيء فلا شيء عليها، لأنها لم تغره بتسمية المال.   [البناية] يجوز هنا ما لا يجوز ثمة، كما إذا اختلعت على ما لا يحل كالخمر والميتة، لكن هنا لا شيء للزوج على المرأة إذا وقع الخلع بقبول الزوج، بخلاف النكاح على الخمر ونحوها حيث يجب مهر المثل. م: (فإن قالت له) ش: أي المرأة لزوجها م: (خالعني على ما في يدي فخالعها فلم يكن في يدها شيء فلا شيء له عليها) ش: أي فلا شيء للزوج على المرأة، لأن كلمة ما عامة تتناول المال وغيره م: (لأنها لم تغره بتسمية المال) ش: أي لأن المرأة لم تغرر زوجها بذكر ما له قيمة، والمراد من اليد الجسة، وكذا إذا اختلعت على ما في هذا البيت، أو على ما في شجري أو نخلي، أو بطون غنمي، فلم يكن شيء في تلك الساعة لا يرجع عليها كما ذكرنا أما إذا كان في تلك الساعة شيء فله ذلك، لأن المسارعة الناشئة من الجهالة ترتفع بالإشارة إلى المحل، وفي النكاح يجب مهر المثل في هذه الصور، لأن البضع متقوم عند الدخول، وفي الصورة المذكورة يقع الطلاق، وبه قال مالك وأحمد. وفي " البسيط " لو وقع الخلع بدون ذكر المال قيل يجب المال، بخلاف النكاح، فإذا قلت لا يجب هل يفتقر إلى القبول، قيل يفتقر، لأن المخالعة مفاعلة كالمقاتلة والمضاربة، فلا بد منه، والخلع قد يقف على القبول كخلع السفيه والصغيرة على مال. وفي " الوسيط " لو قال خلعتك على ما في كفك صح الخلع إن صححنا بيع الغائب وترك على ما في كفها، وإن لم يصح فسد العوض ويجب الرجوع إلى مهر المثل. قال الغزالي: وقال أبو حنيفة: إن لم يكن في كفها شيء نزل على ثلاث دراهم وعلل وقال السروجي: مذهب أبي حنيفة وأصحابه أنه لا يلزم شيء البتة من غير خلاف، ونقله عنه غلط قبيح، وتقليد وهم، وخيال باطل مبني على الخطأ أو المجازفة فيه. وقال: وكان قد اتفق ثلاثمائة مفت على إباحة دمه في أيام السلطان محمود - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وأفتوا بقتله من أجل اعتقاده مذهب الحكماء، فقال السلطان محمود أنا رجل عامي لا أعرف هذا الأمر إن وجب قتله فاقتلوه، فخلصه منهم الأرصابندي من الحنفية، ثم صنف إحياء علوم الدين، وذكر فيه مناقب أبي حنيفة وأطنب في مدحه بالعلم والزهد والورع. وذكر ابن عطية في تفسيره في سورة التكوير: ذهب قوم من الملحدين كالغزالي إلى أن الشمس نفس ابن آدم، والنجوم عيناه وحواسه، والعشاء ساقاه، وذلك عند موته، وكفروه بأمور منها ليس في الممكن أبدع من هذا العالم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 518 وإن قالت له خالعني على ما في يدي من مال، فخالعها فلم يكن في يدها شيء ردت عليه مهرها؛ لأنها لما سمت مالا لم يكن الزوج راضيا بالزوال إلا بعوض، ولا وجه إلى إيجاب المسمى وقيمته للجهالة ولا وجه، ولا إلى قيمة البضع، أعني مهر المثل لأنه غير متقوم حالة الخروج، فتعين إيجاب ما قام به على الزوج دفعا للضرر عنه.   [البناية] م: (وإن قالت له خالعني على ما في يدي من مال فخالعها فلم يكن في يدها شيء ردت عليه مهرها؛ لأنها سمت مالا لم يكن الزوج راضيا بالزوال إلا بعوض، ولا وجه إلى إيجاب المسمى وقيمته للجهالة، ولا وجه) ش: أي ولا وجه أيضا بالرجوع م: (إلي قيمة البضع، أعني مهر المثل؛ لأنه غير متقوم حالة الخروج) ش: لأن الزوج لم يملك شيئا، بل أسقط حقه عنها م: (فتعين إيجاب ما قام به على الزوج) ش: أي إيجاب ما قام البضع بالمال على الزوج، وهو المهر، وبه قال القاضي من الحنابلة. وفي المغني عليها ما يقع عليه اسم المشاع، وعند أحمد وعند الشافعي عليها مهر المثل قولا واحدا م: (دفعا للضرر عنه) ش: أي عن الزوج، لأن فيه دفعا للغرور بقدر الإمكان، ولا يقال البضع صار مستهلكا ولا إمكان بفسخ الخلع، فيجب قيمة البضع عليها، لأنا نقول يبطل ذلك بارتداد المرأة، فإن استهلاك البضع حاصل مع هذا لا رجوع بقيمة البضع عليها. وفي " قاضي خان " لو قال لها اخلعي نفسك بالمال أو بما شئت، وقالت اختلعت لا يقع الطلاق، لأنه يصير مستزيدا ومستنقصا وهو محال، وكذا لو قال بألف فقالت اختلعت ذكر في الوكالة أنه يقع، وفي الطلاق أنه لا يتم، ولو قال اخلعي نفسك ولم يذكر مالا ذكر خواهر زاده أنه تقع طلقة واحدة بائنة، وفي المنتقى لا يصح ولا يكون دخولها إلا بالمال، إلا أن ينوي الزوج الطلاق بغير مال، وكذا لو قال لغيره: اخلع امرأتي فليس له أن يخلعها إلا بمال. وذكر ابن سماعة عن محمد أنه يكون طلاقا بائنا بغير مال، وبه أخذ المشايخ، وفي " جوامع الفقه ": لو قال بعتك نفسك بكذا كان خلعا، ولم يذكر البدل في رواية هشام وابن سماعة عن محمد، وعن الكرخي وأبي القاسم أنه ليس بخلع، وفي موضع آخر أنه يقع به طلاق بائن ولا يبرأ الزوج عن المهر، وعن ابن سلام يبرأ، وهو اختيار الشهيد حسام الدين في " الفتاوى ". وفي " الفتاوى " إن نوى الطلاق يقع ولا يبرأ من المهر وقال اخلعي نفسك كذا، فقالت فعلت لم يذكر البدل كان سؤالا وطلبا للخلع، حتى لو قال خلعتك بكذا يتوقف على قبولها، هكذا في الأصل، وعن محمد يقع بغير شيء، وكذا لو قالت اخلعني بمال. وفي " الفتاوى " لو قال اشتري نفسك مني ولم يذكر مالا فقالت اشتريت لا يصح، بخلاف قوله: اخلعي نفسك مني فقالت اختلعت، ولو قالت اخلعني بكذا فقال طلقتك فهو جواب، وقيل ابتداء ولو قال طلقتك للسنة هو ابتداء بلا خلاف، ولو قال خلعتك بكذا فقالت نعم فليس بشيء كأنها قالت نعم خلعتني، ولو قالت رضيت أو أجزت صح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 519 ولو قالت خالعني على ما في يدي من دراهم، أو من الدراهم ففعل، ولم يكن في يدها شيء فعليها ثلاثة دراهم؛ لأنها سمت الجمع وأقله ثلاثة، وكلمة "من" هنا للصلة دون التبعيض لأن الكلام يختل بدونه، وإذا اختلعت على عبد لها آبق على أنها بريئة من ضمانه لم تبرأ، وعليها تسليم عينه إن قدرت، وتسليم قيمته إن عجزت؛ لأنه عقد المعاوضة، فيقتضي سلامة العوض، واشتراط البراءة عنه شرط فاسد فيبطل، إلا أن الخلع لا يبطل بالشروط الفاسدة،   [البناية] [قالت خالعني على ما في يدي من دراهم أو من الدراهم ففعل] م: (ولو قالت: خالعني على ما في يدي من دراهم أو من الدراهم ففعل، ولم يكن في يدها شيء فعليها ثلاثة دراهم؛ لأنها سمت الجمع وأقله ثلاثة، وكلمة "من" هنا للصلة) ش: أي للبيان م: (دون التبعيض؛ لأن الكلام يختل بدونه) ش: أي بدون من، لأنها لو قالت اخلعني على ما في يدي من دراهم كان الكلام مختلا، فكان صلة، ويبقى لفظ الجمع فيلزمها ثلاثة دراهم. فإن قلت: ينبغي أن يلزمها دراهم واحد، لأن الجمع المعروف باللام للجنس، قلت نعم، إذا كان الجمع مجردا عن الإضافة والإشارة لاختصاصه بما تحويه يده والدراهم حقيقة، فيجب اعتبار معنى الجمعية على أنا نقول إن اللام الداخل على الجمع فيه اختلاف، قيد البعض بمطلق الجمع لعل المصنف ذهب إلى هذا القول ولا يرد عليها ما إذا قال لامرأته اختاري من الثلاث ما شئت، فإنها إذا اختارت الواحدة أو الثنتين يصح، لأن - من -فيه للتبعيض لعدم اختلال الكلام بدونه، بخلاف صورة الخلع، فإن - من - فيها للتبيين والصلة لاختلال الكلام بدونه، ولا يقال المفهوم من اختاري ما شئت غير المفهوم من اختاري من الثلاث ما شئت، لأنا نقول المغايرة بين المعنيين لا تقتضي الاختلال في الكلام، لأن المدعى صحة الكلام بدون ذكر من، وصحته ليست بموقوفة على عدم المغايرة. [اختلعت على عبد لها آبق على أنها بريئة من ضمانه] م: (وإذا اختلعت على عبد لها آبق على أنها بريئة من ضمانه) ش: أي إيابه، يعني لا تطيق على تحصيله إن وجدته سلمته، وإلا فلا شيء عليها م: (لم تبرأ) ش: وعند مالك لا ضمان عليها، وعند الشافعي يجب مهر المثل إن صح الخلع وفي الأصح عنده لا يصح الخلع م: (وعليها تسليم عينه) ش: أي وعلى المرأة تسليم عين العبد م: (إن قدرت، وتسليم قيمته إن عجزت لأنه) ش: أي لأن الخلع م: (عقد المعاوضة، فيقتضي سلامة العوض، واشتراط البراءة عنه) ش: أي عن الزوج م: (شرط فاسد فيبطل) ش: أي الشرط م: (إلا أن الخلع لا يبطل بالشروط الفاسدة) ش: وكذا التبرعات لا تبطل بها. فإن قيل سلمنا أن الخلع لا يبطل بالشرط الفاسد، ولكن ينبغي أن تفسد التسمية ويرجع الزوج عليها بالمهر، والجواب أن مبني الخلع على التوسع، فلا يمنع صحته باعتبار الإباق، لأن العقد إذا كان صحيحا كان ما يناقضه من الشرط فاسدا ساقطا، والساقط لا يؤثر فساد الشيء. فإن قيل الخلع كما يوجب تسليم المسمى فكذا يوجب تسليمه بوصف كونه سليما، واشتراط الجزء: 5 ¦ الصفحة: 520 وعلى هذا النكاح وإذا قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة فعليها ثلث الألف لأنها لما طلبت الثلاث بألف فقد طلبت كل واحدة بثلث الألف، وهذا لأن حرف الباء يصحب الأعواض، والعوض ينقسم على المعوض، والطلاق بائن لوجوب المال. وإن قالت طلقني ثلاثا على ألف فطلقها واحدة فلا شيء عليها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويملك الرجعة، وقالا هي واحدة بثلث الألف؛ لأن كلمة "على" بمنزلة الباء في المعاوضات حتى إن قولهم: احمل هذا الطعام بدرهم أو على درهم سواء.   [البناية] البراءة عن وصف السلامة صحيح، فيصح اشتراطها عن تسليم المسمى أيضا، أجيب: بأن استحقاق التسليم بوصف السلامة، ألا ترى أن بيع ما لا يقدر على تسليمه لا يجوز، والبيع شرط البراءة عن العيوب يجوز، فلا يلزم من جواز الأدنى جواز الأعلى. م: (وعلى هذا النكاح) ش: يعني على هذا الحكم إذا تزوجها على عبد آبق له باشتراط البراءة عن ضمانه جاز النكاح، ولم يبرأ عن ضمانه، ويجب تسليم عينه إذا قدر، وإلا تسلم قيمته. [قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة] م: (وإذا قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة فعليها ثلث الألف) ش: وبه قال الشافعي وعند مالك يقع بألف، وعند أحمد يقع بغير شيء م: (لأنها لما طلبت الثلاث بألف فقد طلبت كل واحدة بثلث الألف، وهذا لأن حرف الباء يصحب الأعواض، والعوض ينقسم على المعوض) ش: أي على أجزاء المعوض، فيقابل كل طلقة بثلث الألف. فإن قلت: هذا يشكل بالبيع، فلو قال بعت منك هذه العبيد الثلاثة كل واحد بثلث الألف، فقبل البيع في واحد بعينه لم يجز، ولم يجب ثلث الألف. قلت: الطلاق لا يبطل بالشرط الفاسد لقبوله التعليق والأخطار، ولا كذلك البيع. م: (والطلاق بائن لوجوب المال) ش: أي بالإجماع. م: (وإن قالت طلقتي ثلاثا على ألف فطلقها واحدة، فلا شيء عليها عند أبي حنيفة) ش: وبه قال أحمد كقوله في الباء، وقال مالك كالكلام في الباء م: (ويملك الرجعة) ش: لأنه لما لم يجب المال، لأن الشروط لا تتوزع على أجزاء الشرط كان الطلاق رجعيا، لأن الزوج كان مبتدئا في إيقاع الطلاق، وصريح الطلاق يعقب الرجعة في المدخولة إذا لم يقرن بالثلاث م: (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد م: (هي واحدة بائنة بثلث الألف) ش: أي الطلقة واحدة بائنة، وبه قال الشافعي م: (لأن كلمة "على" بمنزلة الباء في المعاوضات) ش: يعني تستعمل في المعاوضات بمعنى الباء والخلع معاوضة، فيكون بمنزلة الباء كدخوله على المال دون الطلاق، والمال لا يقبل التعليق م: (حتى إن قولهم: احمل هذا الطعام بدرهم أو على درهم سواء) ش: سواء بالرفع خبر إن، والباء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 521 وله أن كلمة على للشرط، قال الله تعالى: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] . (الممتحنة: الآية 12) ومن قال لامرأته أنت طالق على أن تدخلي الدار كان شرطا، وهذا لأنه للزوم حقيقة، واستعير للشرط لأنه يلازم الجزاء، وإذا كان للشرط فالمشروط لا يتوزع على أجزاء الشرط، بخلاف الباء، لأنه للعوض على ما مر، وإذا لم يجب المال كان مبتدأ، فوقع ويملك الرجعة.   [البناية] لمعان كثيرة منها تستعمل بمعنى الاستعلاء، فتكون بمعنى على، كما في قَوْله تَعَالَى: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75] (آل عمران: الآية 75) ، أي على قنطار، {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ} [المطففين: 30] أي عليهم {يَتَغَامَزُونَ} [المطففين: 30] . م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (أن كلمة على للشرط، قال الله تعالى: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] (الممتحنة: الآية 12) ش: أي شرط أن لا يشركن، وهذا في بيعة النساء والشرط يقابل المشروط جملة، ولا يقابل أجزاءه وعلى هذا لو قال لها: أنت طالق على أن تدخلي الدار كان شرطا، وكذا إذا قال بعت هذا العبد على أنه خباز أو كاتب كان شرطا. فإن قلت: يشكل هذا بما إذا قالت له طلقني وفلانة على ألف، فطلقها وحدها كان عليها حصتها من المال بمنزلة ما لو التمست بحرف الباء. وأجيب: بأنه حملت هناك على الباء، لأنه لا غرض لها في طلاق فلانة، فيجعل ذلك كالشرط، ولها في اشتراط إيقاع الثلاث غرض صحيح، كذا في "المبسوط ". [قال لامرأته أنت طالق على أن تدخلي الدار] م: (ومن قال لامرأته: أنت طالق على أن تدخلي الدار كان شرطا) ش: هذه المسألة للاستشهاد على أن على للشرط، وليست هي بمسألة ابتدائية م: (وهذا لأنه) ش: أي لأن حرف على م: (للزوم حقيقة، واستعير للشرط لأنه) ش: أي لأن الشرط م: (يلازم الجزاء) ش: بيانه، أن كلمة على للاستعلاء، ثم إذا استعملت للشرط تكون مجازا، ويجوز المجاز للاتصال من حيث الملازمة، لأن وجود الشرط مستلزم لوجود الجزاء م: (وإذا كان للشرط فالمشروط لا يتوزع) ش: على صيغة المجهول، يقال توازعوه إذا اقتسموه، وهو معتد كما ترى م: (على أجزاء الشرط) ش: لأن المشروط لا يوجد إلا عند وجود الشرط، والشرط عبارة عن جميع الأجزاء فلا يقع جزء من المشروط بوجود جزء من الشرط، لعدم وجود الشرط م: (بخلاف حرف الباء، لأنه للعوض على ما مر) ش: أي عند قوله لأن حرف الباء يصحب الأعواض. م: (وإذا لم يجب المال) ش: في المسألة المذكورة، وهي قوله وإن قالت طلقني ثلاثا ... إلى آخره م: (كان مبتدأ) ش: أي كان الرجل مبتدأ غير مبني على سؤالها م: (فوقع) ش: أي الطلاق وقع رجعيا، وهو معنى قوله: م: (ويملك الرجعة) ش: لأن الطلاق الصريح يعقب الرجعة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 522 ولو قال الزوج طلقي نفسك ثلاثا بألف أو على ألف فطلقت نفسها واحدة لم يقع شيء، لأن الزوج ما رضي بالبينونة إلا لتسلم له الألف كلها، بخلاف قولها طلقني ثلاثا بألف لأنها لما رضيت بالبينونة بألف كانت ببعضها أرضى. ولو قال لها أنت طالق على ألف فقبلت طلقت وعليها الألف وهو كقوله أنت طالق بألف ولا بد من القبول في الوجهين، لأن معنى قوله بألف بعوض ألف يجب لي عليك، ومعنى قوله على ألف على شرط ألف يكون لي عليك، والعوض لا يجب بدون قبوله والمعلق بالشرط لا ينزل قبل وجوده، والطلاق بائن لما قلنا. ولو قال لامرأته: أنت طالق وعليك ألف فقبلت، أو قال لعبده: أنت حر وعليك ألف فقبل عتق العبد، وطلقت المرأة، ولا شيء عليهما   [البناية] [قال الزوج طلقي نفسك ثلاثا بألف أو على ألف فطلقت نفسها واحدة] م: (ولو قال الزوج طلقي نفسك ثلاثا بألف أو على ألف فطلقت نفسها واحدة لم يقع شيء؛ لأن الزوج ما رضي بالبينونة إلا لتسلم له الألف كلها) ش: لأن رضاه بزوال ملكه بالألف لا يدل على رضاه بزوال ملكه بأقل من الألف م: (بخلاف قولها: طلقني ثلاثا بألف) ش: فطلقها واحدة يقع واحدة بائنة م: (لأنها لما رضيت بالبينونة بألف كانت ببعضها) ش: أي ببعض الألف م: (أرضى) ش: يعني لما رضيت بتملك نفسها بوقوع البينونة بأقل من الألف كان رضاها بالألف بالطريق الأولى. [قال لها أنت طالق على ألف فقبلت] م: (ولو قال لها: أنت طالق على ألف فقبلت طلقت وعليها الألف) ش: وإنما توقف على قبولها، لأنه إيجاب معاوضة فلا بد من القبول، فإذا قبلت وقعت واحدة بائنة لوجوب المال، لكن بشرط القبول في المجلس، حتى إذا قامت قبل القبول بطل ذلك، لأنه بمنزلة تعليق الطلاق بمشيئتها وتمليك الأمر منها، والتمليكات تقتصر على المجلس، م: (وهو كقوله أنت طالق بألف) ش: أي حكم هذا الحكم ذلك فيما ذكر. وذكر التمرتاشي لو قال أنت طالق بألف أو على ألف أو خالعتك على ألف باريتك أو طلقتك بألف أو على ألف يقع على القبول في المجلس، وهذا يمين من جهة فيصح تعليقه وإضافته، ولا يصح رجوعه ولا يبطل بقيامه عن المجلس، ويتوقف على البلوغ عليها إذا كانت غايته، لأنه تعليق الطلاق بقبولها المال، وهو من جهتها المبادلة، فلا يصح تعلقها وإضافتها، ويصح رجوعها قبل قبول الزوج، ويبطل بقيامها عن المجلس. م: (ولا بد من القبول في الوجهين) ش: أي في قوله أنت طالق على ألف، وفي قوله أنت طالق بألف م: (لأن معنى قوله "بألف" بعوض ألف يجب لي عليك، ومعنى قوله "على ألف" على شرط ألف يكون لي عليك، والعوض لا يجب بدون قبوله، والمعلق بالشرط لا ينزل قبل وجوده، والطلاق بائن لما قلنا) ش: أي لوجود المال. م: (ولو قال لامرأته أنت طالق وعليك ألف، فقبلت، أو قال لعبده أنت حر وعليك ألف فقبل عتق العبد وطلقت المرأة ولا شيء عليهما) ش: أي على المرأة والعبد، أي لا يجب عليهما شيء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 523 عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكذا إذا لم يقبلا. وقالا: على كل واحد منهما الألف إذا قبلا وإذا لم يقبل لا يقع الطلاق والعتاق. لهما أن هذا الكلام يستعمل للمعاوضة، فإن قولهم: احمل هذا المتاع ولك درهم بمنزلة قولهم: بدرهم، وله أنه جملة تامة فلا ترتبط بما قبلها إلا بدلالة الحال إذ الأصل فيها الاستقلال ولا دلالة هنا، لأن الطلاق والعتاق ينفكان عن المال، بخلاف البيع والإجارة لأنهما لا يوجدان دونه. ولو قال: أنت طالق على ألف على أني بالخيار، أو على أنك بالخيار ثلاثة أيام، فقبلت فالخيار باطل إذا كان للزوج وهو جائز إذا كان للمرأة، فإن ردت الخيار في الثلاث بطل، وإن لم ترد طلقت ولزمها الألف، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] م: (عند أبي حنيفة، وكذا إذا لم يقبلا) ش: أي المرأة والعبد م: (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد وبه قال الشافعي وأحمد م: (على كل واحد منهما) ش: أي من المرأة والعبد م: (الألف إذا قبلا) ش: أي كل واحد منهما م: (وإذا لم يقبل لا يقع الطلاق والعتاق) ش: وكذا أي على الخلاف إذا قالت طلقني ولك ألف درهم ففعل الزوج وقع الطلاق ولم يكن له في الألف شيء عند أبي حنيفة. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن هذا الكلام يستعمل للمعاوضة) ش: أراد بهذا الكلام قوله وعليك ألف، وقولها ولك ألف وهو يستعمل للمعاوضة، والخلع معاوضة أيضا م: (فإن قولهم: احمل هذا المتاع ولك درهم بمنزلة قولهم: بدرهم) ش: وكذا خيط هذا الثوب ولك درهم توضيحه أن الواو قد تكون للحال، ولا وجه لتصحيح كلامه أن يحمل على ذلك، فيصير كأنه قال أنت طالق في حال ما يجب عليك ألف، ولا يكون ذلك إلا بعد قبولها، كما لو قال أد لي ألفا وأنت طالق، أو لعبده أد لي ألفا وأنت حر، فإن الطلاق والعتاق لا يقعان إلا بالمال. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي أن قوله عليك ألف م: (جملة تامة) ش: مستقلة بنفسها، لأنها مبتدأ وخبر، والأصل فيها الاستقلال م: (فلا ترتبط بما قبلها إلا بدلالة الحال إذ الأصل فيها) ش: أي في الجملة م: (الاستقلال) ش: أي الاستبداد بنفسها م: (ولا دلالة هنا) ش: على الارتباط بما قبلها م: (لأن الطلاق والعتاق ينفكان عن المال) ش: لأن عادة الكرام فيهما الامتناع عن قبول عوض م: (بخلاف البيع والإجارة، لأنهما لا يوجدان دونه) ش: أي دون المال لكونهما معاوضة محضة، فيصلح أن يكون حال المعاوضة دليلا. م: (ولو قال أنت طالق على ألف على أني بالخيار، أو على أنك بالخيار ثلاثة أيام فقبلت) ش: أي قالت فقبلت م: (فالخيار باطل إذا كان للزوج) ش: فالطلاق واقع م: (وهو) ش: أي الخيار م: (جائز إذا كان للمرأة، فإن ردت الخيار في الثلاث) ش: أي في ثلاثة أيام م: (بطل) ش: أي الطلاق م: (وإن لم ترد) ش: أي الخيار م: (طلقت ولزمها الألف، وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرناه م: (عند أبي حنيفة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 524 وقالا: الخيار باطل في الوجهين والطلاق واقع، وعليها ألف درهم؛ لأن الخيار للفسخ بعد الانعقاد لا للمنع من الانعقاد والتصرفان لا يحتملان الفسخ من الجانبين، لأنه في جانبه يمين ومن جانبها شرط. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الخلع في جانبها بمنزلة البيع حتى يصح رجوعها، ولا يتوقف على ما وراء المجلس، فيصح اشتراط الخيار فيه. أما في جانبه يمين حتى لا يصح رجوعه ويتوقف على ما وراء المجلس، ولا خيار في الأيمان، وجانب العبد في العتاق مثل جانبها في الطلاق. ومن قال لامرأته: طلقتك أمس على ألف درهم فلم تقبلي، فقالت قبلت فالقول قول الزوج، ومن قال لغيره بعت منك هذا العبد بألف درهم أمس فلم تقبل، فقال قبلت   [البناية] وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (والخيار باطل في الوجهين) ش: أي فيما إذا كان الخيار من جانبها أو من جانبه م: (والطلاق واقع وعليهما ألف درهم) ش: وبه قال الشافعي وأحمد م: (لأن الخيار) ش: أي شرعية الخيار م: (للفسخ بعد الانعقاد لا للمنع من الانعقاد) ش: يعني أثر الخيار في الفسخ بعد صحة الإيجاب لا في المنع من الإيجاب م: (والتصرفان) ش: أي إيجاب الزوج وقبول المرأة م: (لا يحتملان الفسخ من الجانبين) ش: أي من جانب الزوج وجانب اليمين. م: (لأنه) ش: لأن الخلع م: (في جانبه يمين) ش: لأنه ذكر شرط وجزاء، يعني اليمين لا يقبل الفسخ م: (ومن جانبها شرط) ش: أي اليمين، فإن يمين الزوج تتم بقبول المرأة، فأخذ قبولها حكم اليمين في عدم احتمال الفسخ م: (ولأبي حنيفة أن الخلع في جانبها بمنزلة البيع) ش: لأنه تمليك مال بعوض م: (حتى يصح رجوعها) ش: ولو قامت من المجلس بطل كما في البيع، وإذا كان كذلك صح اشتراط الخيار فيه م: (ولا يتوقف على ما وراء المجلس، فيصبح اشتراط الخيار فيه، أما في جانبه) ش: أي أما الخلع في جانب الزوج م: (فيمين حتى لا يصح رجوعه، ويتوقف على ما وراء المجلس، ولا خيار في الأيمان وجانب العبد في العتاق مثل جانبها في الطلاق) ش: يعني يصح الخيار من العبد، إذا خيره في الإعتاق على مال كما يصح الخلع من جانب المرأة توضيحه إذا طلقها على مال جعل لها الخيار ثلاثة جاز عند أبي حنيفة لأنه في معنى البيع، فكذلك إذا أعتق عبده على مال، وجعل له الخيار ثلاثة أيام جاز، لأنه في معنى البيع، وعندهما لا يصح الخيار، لأن بذل المال شرط اليمين، ولا يصح الخيار في اليمين، وكذا في شرطها. فإن قيل ثبوت الخيار ثبت بخلاف القياس، فلا يقاس عليه غيره، قلنا أثبتنا الخيار هنا بدلالة النص لا بالقياس، فإن ثبوت الخيار في البيع لرفع الغبن في الأموال والغبن في النفوس أضر، والحاجة إلى الرأي فيه أكثر، فإنه ربما يفوته هذا الازدواج على وجه لا يحصل له مثله أبدا، فيصح فيه الخيار للتأمل، وهذا المعنى يعرفه كل من يعرف اللغة، فيكون ثابتا بدلالة النص. [قال لامرأته طلقتك أمس على ألف درهم فلم تقبلي فقالت قبلت] م: (ومن قال: لامرأته طلقتك أمس على ألف درهم، فلم تقبلي، فقالت قبلت فالقول قول الزوج) ش: مع يمينه م: (ومن قال لغيره بعت منك هذا العبد بألف درهم أمس فلم تقبل، فقال: قبلت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 525 فالقول قول المشتري، ووجه الفرق أن الطلاق بالمال يمين من جانبه، فالإقرار به لا يكون إقرارا بالشرط لصحته بدونه. أما البيع فلا يتم إلا بالقبول، والإقرار به إقرار بما لا يتم إلا به فإنكاره القبول رجوع منه. قال: والمبارأة كالخلع كلاهما يسقطان كل حق لكل واحد من الزوجين على الآخر مما يتعلق بالنكاح عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يسقط فيهما إلا ما سمياه. وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - معه في الخلع، ومع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المبارأة. لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن هذه معاوضة، وفي المعاوضات يعتبر المشروط لا غير، ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المبارأة مفاعلة من البراءة   [البناية] فالقول قول المشتري، ووجه الفرق) ش: أي بين المسألتين، مسألة الطلاق ومسألة البيع، م: (أن الطلاق بالمال يمين من جانبه) ش: لأنه تعليق الطلاق بشرط قبول المرأة المال واليمين يتم بالحالف م: (فالإقرار به) ش: أي باليمين، وإنما ذكر الضمير على تأويل الحلف م: (لا يكون إقرارا بالشرط) ش: أي لوجود الشرط، لأنه إذا وجد الشرط انحلت اليمين وارتفعت، فكان القول قول الزوج مع اليمين م: (لصحته) ش: أي لصحة اليمين، وجه تذكير الضمير مر الآن م: (بدونه) ش: أي بدون الشرط. م: (أما البيع فلا يتم إلا بالقبول، والإقرار به) ش: أي بالبيع م: (إقرار بما لا يتم إلا به) ش: الضمير المستتر في - لا يتم - يرجع إلى البيع أيضا م: (فإنكاره القبول رجوع منه) ش: فلا يصدق. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (والمبارأة كالخلع) ش: المبارأة من بارأ شريكه، أي إبراء كل واحد منهما صاحبه، وهي بالهمزة، قال في " المغرب ": ترك الهمزة خطأ م: (كلاهما) ش: أي كل من المبارأة والخلع م: (يسقطان كل حق لكل واحد من الزوجين على الآخر مما يتعلق بالنكاح) ش: أي بسبب النكاح مثل المهر والنفقة الماضية دون المستقبلة، لأن المختلعة والمبارئة تستحق النفقة والسكنى ما دامت في العدة، وبه صرح الحاكم الشهيد في " الكافي "، وقوله - بما يتعلق على الآخر بالنكاح - احتراز عن دين وجب بسبب آخر فإنه لا يسقط على ظاهر الرواية، ونفقة العدة لا تسقط أيضا إلا بالتسمية، وكذا السكنى بالإجماع، ولو خالعها ولم يذكر المال وقبلت لا يسقط شيء من المهر في ظاهر الرواية، وقال شيخ الإمام السعدي وشيخ الإسلام سقط إن كان عليه، ولا يجب عليها رد ما قبضت، لأن المال مذكور عرفا بذكر الخلع. م: (هذا عند أبي حنيفة، وقال محمد لا يسقط فيهما) ش: أي في المبارأة والخلع م: (إلا ما سمياه) ش: أي الزوجان، يعني لا يسقطان شيئا سوى المسمى في عقد الخلع، وبه قال الشافعي م: (وأبو يوسف معه) ش: أي مع محمد م: (في الخلع، ومع أبي حنيفة في المبارأة. لمحمد أن هذه) ش: أي المبارأة والخلع م: (معاوضة، وفي المعاوضات يعتبر المشروط لا غير) ش: أي الذي وقع عليه الشرط م: (ولأبي يوسف أن المبارأة مفاعلة من البراءة) ش: وباب المفاعلة يقتضي نسبة الفعل إلى فاعلين إلى أحدهما صريحا، وإلي الآخر ضمنا فثبت براءة كل واحد منهما بالآخر، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 526 فتقتضيها من الجانبين، وأنه مطلق قيدناه بحقوق النكاح لدلالة الغرض. أما الخلع فمقتضاه الانخلاع وقد حصل في نقض النكاح، ولا ضرورة إلى انقطاع الأحكام، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الخلع ينبئ عن الفصل، ومنه خلع النعل وخلع العمل، وهو مطلق كالمبارأة فيعمل بإطلاقهما في النكاح وأحكامه وحقوقه. ومن خلع ابنته وهي صغيرة بمالها لم يجز عليها؛ لأنه لا نظر لها فيه إذ البضع في حالة الخروج غير متقوم، والبدل متقوم بخلاف النكاح؛ لأن البضع متقوم عند الدخول، ولهذا   [البناية] وهو معنى قوله م: (فتقتضيها) ش: أي فتقتضي البراءة م: (من الجانبين) . م: (وأنه) ش: أي أن لفظ البراءة والتذكير باعتبار المذكور م: (مطلق) ش: يعني غير مقيد بشيء م: (قيدناه بحقوق النكاح لدلالة الغرض) ش: وهو وقوع البراءة عما وقعت البراءة لأجله وهو النشوز الحاصل بسبب وصلة النكاح وانقطاع المنازعة، إنما يكون بإسقاط ما وجب بسبب تلك الوصلة، كذا قاله بعض الشراح، وقيل الغرض هو قطع المنازعة الناشئة بالنكاح، فتقيد البراءة بالحقوق الواجبة بالنكاح. م: (أما الخلع فمقتضاه الانخلاع، وقد حصل في نقض النكاح، ولا ضرورة إلى انقطاع الأحكام) ش: أي سائر الأحكام، لأنها لم تكن بسبب وصلة النكاح م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أن الخلع ينبئ عن الفصل، ومنه خلع النعل وخلع العمل) ش: وهو انفصال العامل عنه م: (وهو) ش: أي الخلع م: (مطلق كالمبارأة) ش: فيضاف إلى الكامل م: (فيعمل بإطلاقهما) ش: أي بإطلاق المبارأة والخلع م: (في النكاح وأحكامه وحقوقه) ش: الواجبة به دون سائر الديون. وقال الأترازي: ثم بالخلع هل يقع البراءة من دين آخر سوى دين النكاح في ظاهر الرواية، أو في رواية الحسن عن أبي حنيفة يقع، وكذلك المبارأة هل توجب البراءة عن سائر الديون فيه اختلاف المشايخ، والصحيح أنها لا توجب، وكذا في الفتاوى الصغرى، أما إذا كان العقد بلفظ الطلاق على مال، فهل تقع البراءة عن الحقوق المتعلقة بالنكاح؟ ففي ظاهر الرواية لا يقع؛ لأن لفظ الطلاق لا يدل على إسقاط الحق الواجب بالنكاح، وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة تقع البراءة عنها لإتمام المقصود، ولو كان الخلع بلفظ البيع والشراء اختلف المشايخ فيه على قول أبي حنيفة قال في الفتاوى الصغرى: والصحيح أنه كالخلع والمبارأة. [خلع ابنته وهي صغيرة بمالها] م: (ومن خلع ابنته وهي صغيرة بمالها لم يجز عليها) ش: وبه قال الشافعي وأحمد، وقال مالك يجوز، لأن ولايته نظرية م: (لأنه لا نظر لها فيه) ش: أي في هذا الخلع م: (إذ البضع) ش: أي لأن البضع م: (في حالة الخروج غير متقوم) ش: ولهذا يعتبر خلع المريضة من الثلث م: (والبدل متقوم) ش: ولا نظر في إلزام ما هو متقوم بمقابلة ما ليس بمتقوم م: (بخلاف النكاح) ش: فإن الرجل إذا زوج ابنه الصغير امرأة بمهر المثل صح م: (لأن البضع متقوم عند الدخول) ش: أي حالة الدخول م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون البضع في حالة الخروج غير متقوم، ومتقوم عند الجزء: 5 ¦ الصفحة: 527 يعتبر خلع المريضة من الثلث، ونكاح المريض بمهر المثل من جميع المال، وإذا لم يجز لا يسقط المهر، ولا يستحق مالها، ثم يقع الطلاق في رواية، وفي رواية لا يقع، والأول أصح، لأنه تعليق بشرط قبوله، فيعتبر بالتعليق بسائر الشروط، وإن خالعها على ألف على أنه ضامن، فالخلع واقع، والألف على الأب؛ لأن اشتراط بدل الخلع على الأجنبي صحيح، فعلى الأب أولى ولا يسقط مهرها؛ لأنه لم يدخل تحت ولاية الأب. وإن شرط الألف عليها توقف على قبولها إن كانت من أهل القبول، فإن قبلت وقع الطلاق لوجود الشرط، ولا يجب المال؛ لأنها ليست من أهل الغرامة، فإن قبله الأب عنها ففيه روايتان،   [البناية] الدخول م: (يعتبر خلع المريضة من الثلث) ش: أي من ثلث التركة م: (ونكاح المريض) ش: أي يعتبر نكاح المريض م: (بمهر المثل من جميع المال) ش: فكأنه بمقابلة المتقوم بالمتقوم، وهذا من وجوه النظر. م: (وإذا لم يجز) ش: أي الخلع م: (لا يسقط المهر ولا يستحق مالها) ش: أي لا يستحق الزوج مالها بدل الخلع م: (ثم يقع الطلاق في رواية، وفي رواية لا يقع والأول) ش: أي وقوع الطلاق م: (أصح) ش: قال الصدر الشهيد والإمام العتابي في شرحيهما للجامع الصغير: م: (لأنه تعليق بشرط قبوله) ش: أي لأن الخلع تعليق الطلاق بشرط قبول الأب وقد وجد م: (فيعتبر بالتعليق بسائر الشروط) ش: مثل أن يقول إن دخلت الدار وغيره، وذلك إذا وجد الشرط، فكذلك إذا وجد القبول. [اشتراط بدل الخلع على الأجنبي] م: (فإن خالعها) ش: أي فإن خالع الأب الصغيرة م: (على ألف على أنه) ش: أي أن الأب م: (ضامن فالخلع واقع، والألف على الأب، لأن اشتراط بدل الخلع على الأجنبي صحيح، فعلى الأب أولى) ش: ومعنى الضمان هنا التزام المال على نفسه لا لكفالة الصغيرة، لأن الزوج لا يستحق عليه مالا حتى يكفل عنها أحد، م: (ولا يسقط مهرها لأنه لا يدخل تحت ولاية الأب) ش: بل يبقى الكل إن دخل بها، والنصف إن لم يدخل بها م: (وإن شرط عليها الألف) أي وإن شرط الأب الألف على الصغيرة م: (توقف على قبولها إن كانت من أهل القبول) ش: أي إن كانت عاقلة. وقال التمرتاشي: إن كانت تعقل العقد وتعبر عن نفسها م: (فإن قبلت وقع الطلاق لوجود الشرط) ش: وهو القبول م: (ولا يجب المال لأنها) ش: أي لأن الصغيرة م: (ليست من أهل الغرامة) ش: بل يجب الكل إن دخل بها، والنصف إن لم يدخل بها. م: (وإن قبله الأب عنها) ش: أي فإن قبل بدل الخلع الأب عن الصغيرة م: (ففيه) ش: أي ففي هذا القبول، قاله الأكمل وقال الأترازي: أي في وقوع الطلاق م: (روايتان) ش: عن أصحابنا قلت الذي قاله الأكمل هو الصحيح روايتان في رواية يصح، لأن هذا نفع محض، لأن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 528 وكذا إن خالعها على مهرها ولم يضمن الأب المهر توقف على قبولها، فإن قبلت طلقت ولا يسقط المهر. وإن قبل الأب عنها فعلى الروايتين. وإن ضمن الأب المهر وهو ألف درهم طلقت لوجود قبوله، وهو الشرط ويلزمه خمسمائة استحسانا. وفي القياس يلزمه الألف، وأصله في الكبيرة إذا اختلعت قبل الدخول على ألف ومهرها ألف، ففي القياس عليها خمسمائة زائدة، وفي الاستحسان لا شيء عليها لأنه يراد به عادة حاصل ما يلزم لها.   [البناية] الصغيرة تخلص عن عهدته بغير مال فصح من الأب كقبول الهبة، وفي رواية لا يصح، لأن هذا القبول بمعنى شرط اليمين، وذلك لا يحتمل النيابة كذا في مبسوط شيخ الإسلام في " الكافي "، وهذا لا يصح. م: (وكذا إن خالعها على مهرها) ش: وكذا الحكم إن خالع الصغيرة زوجها على مهرها م: (ولم يضمن الأب المهر توقف على قبولها، فإن قبلت طلقت ولا يسقط المهر، فإن قبل الأب عنها، فعلى الروايتين) ش: قال تاج الشريعة: يعني في قبول الأب المهر روايتان، في رواية يصح، لأن هذا القبول شرط اليمين، وذلك لا يحتمل النيابة. م: (وإن ضمن الأب المهر) ش: أي في صورة خلع الأب مع الزوج م: (وهو) ش: أي المهر م: (ألف درهم طلقت لوجود قبوله، وهو الشرط، ويلزمه) ش: أي يلزم الأب م: (خمسمائة استحسانا) ش: لأن المسألة مصورة في غير الموطوءة بدليل إيراد أهل هذه المسألة في الكبيرة التي يدخل بها، ثم لما كانت الصغيرة غير موطوءة، وأضيف الخلع إلى مهر، والمهر ما يجب بالنكاح، والواجب بالنكاح في الطلاق قبل الدخول نصف المهر وهو خمسمائة، فكأنه خالعها على خمسمائة م: (وفي القياس يلزمه بالألف) ش: بحكم الضمان. م: (وأصله) ش: أي وأصل ما ذكر هذه المسألة م: (في الكبيرة) ش: أي في المرأة الكبيرة م: (إذا اختلعت قبل الدخول على ألف ومهرها ألف، ففي القياس عليها خمسمائة زائدة) ش: أي على المهر زائدة، لأن الصفة تتبع المضاف إليه، كما في قَوْله تَعَالَى: {سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} [يوسف: 43] (يوسف: الآية 43) ، لأن الصداق إذا لم يكن مقبوضا استحق الزوج عليها ألفا باعتبار القبول في الخلع، ولها على الزوج خمسمائة بالطلاق قبل الدخول فيصير خمسمائة قصاصا بخمسمائة، فبقي للزوج عليها خمسمائة زائدة. م: (وفي الاستحسان لا شيء عليها؛ لأنه يراد به عادة حاصل ما يلزم لها) ش: أي يراد بالخلع عادة حاصل ما يلزم المرأة على الزوج، وقال تاج الشريعة: وجه الاستحسان أنهم يريدون بالخلع على المهر ما يلزمه لها، وهو خمسمائة بالطلاق قبل الدخول، فيكون الخلع على مهرها في الحقيقة خلعا على خمسمائة، وقد سقط عن الزوج فلا يبقى عليها شيء، فافهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 529 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فروع: لو قال خلعتك ولم يذكر عوضا فقالت قبلت لا يسقط شيء من مهرها في ظاهر الرواية، وقال شيخ الإسلام والسعدي: يبرأ من مهرها ويرد المهر لو قبضت، وعن أبي حنيفة روايتان لم يذكر العوض في الخلع، والأصح براءته، وفي شرح الشافعي يبرأ عن المهر عنده. وفي " المحيط " والصحيح أن ما قبضته فهو لها، وما كان أيضا في ذمته يسقط، ولو شرط بالبراءة عن نفقة العدة ومؤنة السكنى سقطا بلا خلاف، ولو شرطا البراءة عن السكنى لا يصح، لأن السكنى في بيت العدة حق الله تعالى، وفي المرغيناني لا يصح البراءة عن نفقة العدة اتفاقا إلا بالشرط بالطلاق ولا يقع الإبراء عن نفقة الولد وهو مؤنة الرضاع وإرضاع بالشرط ولو وقت له وقتا جاز، ولو مات الولد قبل تمام الوقت يرجع الأب إلى تمام المدة والحيلة أن لا يرجع إليها أن يقول الزوج خالعتك على أني بريء من نفقة ولدك فإن مات فلا رجوع لي عليك ولا يدخل نفقة العدة في قوله خلعتك بكل حق لك علي، لأنه لم يكن حق عليه عند الخلع، وفي " الينابيع " لو أبرأته من نفقة العدة بعد الخلع صح بخلاف الإبراء من العدة حال قيام النكاح، قال صاحب " الينابيع ": هكذا ذكره الطحاوي، وفي " القنية " خالعها على نفقة ولده عشر سنين وهي معسرة، وطالبته بنفقتها يجبر عليها. وفي " الذخيرة " خالعها على رضاع ابنه سنتين بعد الفطام يجوز، وكذا لو خالعها على أن تكسوه من مالها في المدة ولا يضره الجهالة، ولو لم يشترط ذلك فلها طلب كسوته، ولو كان في بطنها والمسألة بحالها، ثم ولدته ميتا رجع عليها بأجرة الرضاع سنتين ونفقة عشر سنين. اختلعت على أن تترك ولدها عند الزوج فالخلع جائز، والشرط باطل قالت بعتك مهري ونفقة عدتي، فقال اشتريت في الظاهر أنها لا تطلق ولكن الأحوط تجديد نكاح المختلعة يلحقها صريح الطلاق في العدة عندنا، وبه قال الظاهرية، وهو قول ابن المسيب وشريح وطاووس والزهري والحكم وحماد ومكحول وعطاء والثوري، وهو قول ابن مسعود وأبي الدرداء وعمران بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وعند الشافعي ومالك وأحمد لا يلحقها ولا يتناولها الطلاق في قوله: نسائي طوالق عندهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 530 باب الظهار   [البناية] [باب الظهار] [قال الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي] م: (باب الظهار) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الظهار، وهو مصدر ظاهر يظاهر ظهارا، وفي " الصحاح " يقال ظاهر من امرأته وتظاهر وأظهر واظاهر وتظهر وظهر كل ذلك قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي، والظهر في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا صدقة إلا عن ظهر غنى» مقحم كما في ظهر القلب، وظهر الغيب، وظاهره إذا أعانه وظاهر بين ثوبين إذا لبس أحدهما فوق الآخر وعدي بمن، وإن كان ظاهرا متعديا، لأنهم إذا ظاهروها تباعدوا منها كما في الإيلاء، وفي " المحيط " و" الينابيع ": الظهار لغة: مقابلة الظهر بالظهر والرجل والمرأة إذا كان بينهما شحناء يدير كل واحد منهما ظهره إلى الآخر. وفي " مبسوط الطوسي ": سمي ظهارا اشتقاقا من الظهر خص به دون البطن والفرج والفخذ، لأن كل دابة يركب ظهرها، فلما كانت الزوجة تركب وتغشى شبهت بذلك، والمعنى ركوبك علي محرم كركوب ظهر أمي. وفي " جامع الأصول " أنهم أرادوا أنت علي كبطن أمي، يعني على جماعها، فكنوا عن البطن بالظهر لأنه عمود البطن وللمجاوزة، وقيل: إن إتيان المرأة من ظهرها كان محرما عندهم، فيقصد مطلق التغلظ في تحريم امرأته تشبيها بالظهر، ثم لا يقتنع بذلك حتى يجعلها كظهر أمه. وأما الظهار شرعا: فهو تشبيه المحللة بالمحرمة على وجه التأبيد كالأم والأخت والخالة والعمة سواء كانت من نسب أو رضاع أو مصاهرة، وبه قال الشافعي [ ... ] ومالك وأحمد، وفي قوله القديم يقتصر على التشبيه بالأم، وفي قول، يلحق بها الجدة، ثم الظهار له ركن، وهو قوله: أنت علي كظهر أمي، فيقع الظهار به، سواء وجدت النية أو لم توجد، لأنه صريح في الظهار، وكذا إذا شبهه بعضو شائع أو معبر عن جميع البدن كما في الطلاق. وشرط أن يكون المظاهر مسلما، فلا يصح ظهار الذمي عندنا خلافا للشافعي وأحمد، وبقولنا قال مالك، ومن شرطه أن تكون منكوحته، وفي المرأة كونها زوجته حتى لا يصح الظهار من أمته أو مدبرته أو أم ولده، وبه قال الشافعي وأحمد. وقال مالك والثوري: يصح ظهار من كل أمة، ومن شرطه أن يكون أهلا لسائر التصرفات وهو العاقل البالغ، فلا يصح ظهار الصبي بالإجماع. وحكم: وهو حرمة الوطء ودواعيه مؤقتا إلى وجود الكفارة مع بقاء أصل النكاح، كما في حالة الحيض. وسبب: وهو النشوز، فإن آية الظهار نزلت في خولة، وكانت ناشزة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 531 وإذا قال الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي فقد حرمت عليه، لا يحل له وطؤها، ولا مسها، ولا تقبيلها، حتى يكفر عن ظهاره، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] إلى أن قال: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] (المجادلة: الآية: 3) والظهار كان طلاقا في الجاهلية، فقرر الشرع أصله، ونقل حكمه إلى تحريم موقت بالكفارة غير مزيل للنكاح؛ وهذا لأنه جناية لكونه منكرا من القول وزورا فيناسب المجازاة عليها بالحرمة، وارتفاعها بالكفارة،   [البناية] م: (وإذا قال الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي فقد حرمت عليه، لا يحل له وطؤها، ولا مسها، ولا تقبيلها حتى يكفر عن ظهاره؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] إلى أن قال: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] (المجادلة: الآية 3) ش: وسبب نزول الآية ما روى الواحدي في كتاب أسباب نزول القرآن بإسناده إلى عروة، قال: «قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي تقول: يا رسول الله أبلى شبابي، ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، قالت: فما برحت حتى نزل جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بهذه الآية: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة: 1] » (المجادلة: الآية 1) . قال الزمخشري: هي خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت أخي عبادة بن الصامت، انتهى. قلت: الذي قاله مروي عن عكرمة وعروة ومحمد بن كعب، وقال أبو عمر: خولة ثعلبة بن صيرم [بن] فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف، وقيل إن التي نزلت فيها هذه الآية جميلة امرأة أوس بن الصامت، وقيل بل هي خولة بنت دملح، ولا يثبت شيء من ذلك. م: (والظهار كان طلاقا في الجاهلية، فقرر الشارع أصله) ش: أي أصل الظهار م: (ونقل حكمه إلى تحريم موقت بالكفارة غير مزيل للنكاح) ش: ولا خلاف فيه لأحد من العلماء م: (هذا) ش: أشار إلى حكم نقل حكم الظهار من الطلاق إلى التحريم الموقت بالكفارة م: (لأنه) ش: أي لأن الظهار م: (جناية، لكونه منكرا من القول وزورا) ش: كما في قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] (المجادلة: الآية 2) وأراد بالمنكر ما تنكره الحقيقة والشرع، وبالزور الكذب الباطل حيث شبه من هي في أقصى غايات الحل بمن هي في أقصى غاية الحرمة، م: (فناسب المجازاة عليها بالحرمة) ش: جزاء على جنايته. م: (وارتفاعها) ش: أي ارتفاع الجناية م: (بالكفارة) ش: قال الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] (هود: الآية 114) وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أتبع السيئة الحسنة تمحها» ، وفي " المنافع ": الكفارة تجب بالظهار والعود، لأن الظهار منكر من القول وزور. فهو كبيرة محضة، فلا يصح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 532 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] سببا للكفارة، لأنها عبادة، إذ الغالب فيهما معنى العبادة، فلا يكون سببا محظورا محضا، فتعلق وجوبها بهما ليخف معنى الحرمة باعتبار العود الذي هو إمساك بالمعروف بعد الظهار وهكذا في " الينابيع ". وفي " الحواشي " وفي " المحيط " سبب وجوبها العزم على الوطء، والظهار شرط قبل الحكم يتقرر بتقرر سببه لا شرطه، والأمر على العكس، فإن الكفارة تتكرر بتكرار الظهار دون تكرار العزم على الوطء. وفي " المبسوط " بمجرد العزم على الوطء لا تتكرر الكفارة عندنا، حتى لو أبانها بعد هذا أو مات لا تجب الكفارة، وهذا دليل على أن الكفارة غير واجبة لا بالظهار، ولا بالعود إذ لو وجب لما سقطت، بل موجب الظهار ثبوت التحريم، فإذا أراد رفعه لا بد من الكفارة حتى لو لم يرد ذلك ولم تطلب لا تجب عليه الكفارة أصلا، وفي " الينابيع " رضي أن يكون محرمة ولا يعزم على وطئها لا تجب الكفارة، ولو عزم ثم ترك لا تجب أيضا فعلم أن الكفارة لا تجب بمجرد الظهار، وهو قول أحمد ومالك في الصحيح، وعنده في قول تجب بنفس الظهار. واختلف أهل العلم في العود المذكور في قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ يَعُودُونَ} [المجادلة: 3] فعندنا هو العزم على إباحة الوطء. والقول الثاني: قال مالك: إرادة الوطء في رواية أشهب. والثالث: إرادة الوطء مع استدامة العصمة، وإن لم يجمع على الوطء لم تجب الكفارة، ولو كفر لا يجزئه، وهو قول مالك، وعندنا يجزئه، وفي شرح مختصر الكرخي لو بانت منه بالطلاق أو تزوجت بغيره وكفر صح التكفير. والرابع: العود إلى الوطء نفسه رواه عبد الوهاب عن مالك، فعلى هذا لا يجزئه التكفير قبل الوطء. الخامس: سكت عن طلاقها عقيب الظهار، وفي زمان يمكنه طلاقها، وبه قال الشافعي وأصحابه وبعض الظاهرية. والسادس: العود أن يعود فيتكلم بالظهار مرة ثانية، ولا يجب عليه بالأول شيء، وهو قول داود الظاهري. السابع: هو العود في الإسلام لا نفس القول بالظهار الذين كانوا يظاهرون به في الجاهلية في تعاطي الظهار، وهو قول الثوري. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 533 ثم الوطء إذا حرم حرم بدواعيه كيلا يقع فيه كما في الإحرام، بخلاف الحائض والصائم لأنه يكثر وجودهما، فلو حرم الدواعي يفضي إلى الحرج، ولا كذلك الظهار والإحرام؛ فإن وطئها قبل أن يكفر استغفر الله تعالى ولا شيء عليه غير الكفارة الأولى،   [البناية] [اللمس والقبلة للمظاهر] م: (ثم الوطء إذا حرم حرم بدواعيه) ش: وهي اللمس والقبلة لأنهما داعيان إلى الوطء، وبه قال الزهري والأوزاعي والنخعي ومالك والشافعي في أحد قوليه، وأحمد في رواية، وقال الشافعي في قول: لا تحرم الدواعي وبه قال أحمد في رواية م: (كيلا يقع فيه) ش: أي في الوطء م: (كما في الإحرام) ش: أي في حالة الإحرام بالحج يحرم الوطء ودواعيه أيضا، وكذا في الإعتاق والاستبراء، لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه م: (بخلاف الحائض والصائم لأنه يكثر وجودهما، فلو حرم الدواعي يفضي إلى الحرج) ش: وهو منتف بالنص م: (ولا كذلك الظهار والإحرام) ش: فإنما يقعان قليلا ولا يقضي حرمة الدواعي فيها إلى الخروج. م: (فإن وطئها قبل أن يكفر) ش: عن يمينه م: (استغفر الله تعالى ولا شيء عليه غير الكفارة الأولى) ش: هي الواجبة بالظهار على الترتيب المنصوص، وهو قول الجمهور ومالك والشافعي وأحمد. وقال عمرو بن العاص وقبيصة بن ذؤيب وسعيد بن جبير والزهري وقتادة وعبد الرحمن بن مهدي: يجب كفارتان، وقال الحسن البصري والنخعي: يجب ثلاث كفارات. ولنا حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أتى [رجل] رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتظاهر عن امرأته و [قال] قد وقعت عليها قبل أن أكفر قال: ما حملك على هذا؟ قال رأيت خلخالها في ضوء القمر، قال لا تقربها حتى تفعل ما أنزل الله» ورواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، وفي الكشاف هو سلمة بن صخر البياضي. قلت: هو في رواية الترمذي عن سلمة بن صخر «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المظاهر واقع قبل أن يكفر، قال كفارة واحدة» ثم هذا حديث حسن غريب، وسلمة بن صخر هذا معروف بالبياضي وليس منهم، وإنما كانت دعوته فيهم فنسب إليهم، وهو من الخزرج وهو سلمة بن صخر بن سليمان بن الصمت بن حارثة بن الحارث بن زيد بن مناف بن حبيب بن عبد حارثة بن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 534 ولا يعاود حتى يكفر «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للذي واقع في ظهاره قبل الكفارة "استغفر الله ولا تعد حتى تكفر» ولو كان شيئا آخر عليه واجبا لبينه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قال: وهذا اللفظ لا يكون إلا ظهارا لأنه صريح فيه، حتى لو نوى به الطلاق لا يصح لأنه منسوخ فلا يتمكن من الإتيان به. وإذا قال: أنت علي كبطن أمي أو كفخذها أو كفرجها فهو مظاهر؛ لأن الظهار ليس إلا تشبيه المحللة بالمحرمة، وهذا المعنى يتحقق في عضو لا يجوز النظر إليه.   [البناية] مالك بن عصيب بن جسم بن الخزرج الأكبر، وذكر الترمذي الخلاف في اسمه سلمة أو سلمان. م: (ولا يعاود) ش: أي ولا يعاود الوطء م: (حتى يكفر لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (للذي واقع في ظهاره قبل الكفارة: «استغفر الله ولا تعد حتى تكفر") » . ش: وقد ذكرنا هذا الحديث آنفا عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عن سلمة بن صخر م: (ولو كان شيئا آخر واجبا عليه) ش: هذا وجه الاستدلال بالحديث المذكور، أي ولو كان يجب على المظاهر المذكور شيء آخر واجب عليه غير الكفارة الأولى م: (لبينه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لبينه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (قال) ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (وهذا اللفظ) ش: يعني قوله أنت علي كظهر أمي م: (لا يكون إلا ظهارا لأنه صريح فيه، حتى لو نوى به الطلاق) ش: أو الإيلاء، ولم ينو شيئا يكون ظهارا، م: (ولو نوى به الطلاق لا يصح لأنه منسوخ، فلا يتمكن من الإتيان به) ش: لأنه تغيير موضوع الشرع وليس في العبد ذلك، ولأن التعيين بعض محتملات اللفظ، واللفظ صريح فلا يحتمل غيره، فلا تصح نية الطلاق، وكذا إذا نوى تحريم اليمين، لأنه صريح في الظهار، وكذا إذا قال أردت به الخبر عن الماضي كاذبا لا يصدق قضاء [قال أنت علي كبطن أمي أو كفخذها أو كفرجها] م: (ولو قال: أنت علي كبطن أمي، أو كفخذها، أو كفرجها، فهو مظاهر؛ لأن الظهار ليس إلا تشبيه المحللة بالمحرمة، وهذا المعنى يتحقق في عضو لا يجوز النظر إليه) ش: احترز به عن التشبيه باليد والرجل والشعر والظفر، لأنه يحل النظر إليه. وقالت الظاهرية: يختص الظهار بظهر الأم. وقال الشافعي ومالك وأحمد: لو قال أنت علي كيد أمي أو كرجلها أو كرأسها أو كعنقها أو كعضدها يكون مظاهرا أيضا كما في الظهر للتلذذ بها، ولو قال كشعرها أو سنها أو ظفرها لا يكون مظاهرا لعدم التلذذ بها. وقال الماوردي قال أبو حنيفة ما يجيء بعد فقدها لا يصير مظاهرا به، وما لا يجيء بفقده يكون مظاهرا بالتشبيه به، وقال الكاكي: وفي نقله ذلك الضابط عن أبي حنيفة غلط، فإن بعد زوال الرأس لا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 535 وكذا إن شبهها بمن لا يحل له النظر إليها على التأبيد من محارمه، مثل أخته، أو عمته أو أخته من الرضاعة، لأنهن في التحريم المؤبد كالأم. وكذلك إذا قال: رأسك علي كظهر أمي، أو فرجك، أو وجهك، أو رقبتك، أو نصفك، أو ثلثك؛ لأنه يعبر بها عن جميع البدن، ويثبت الحكم في الشائع، ثم يتعدى كما بيناه في الطلاق. ولو قال: أنت علي مثل أمي أو كأمي يرجع إلى نيته لينكشف حكمه،   [البناية] يجيء قطعا، وقد ذكرنا أنه لا يصير مظاهرا، وبقطع فخذه يجوز أن يجيء، ويصير به مظاهرا، بل الأصل ما ذكره في المتن. م: (وكذا) ش: أي وكذا يكون ظهارا م: (إذا شبهها بمن لا يحل له النظر إليها على التأبيد من محارمه مثل أخته، أو عمته، أو أخته من الرضاع؛ لأنهن في التحريم المؤبد كالأم) ش: وأم المرأة وامرأة الأب قال أبو نصر قال الشافعي: إذا شبهها بالأم والخالة فهو ظهار، وإن شبهها بالبنت والأخت ففيه قولان. وإن شبهها بمن كانت حلالا ثم حرمت كأم المرأة لم يكن مظاهرا قولا واحدا. وفي فتاوى الولوالجي: لو شبهها بامرأة زنى بها أبوه أو ابنه فهو مظاهر عند أبي يوسف لأنها محرمة على التأبيد. وقال محمد: لا يكون مظاهرا للاختلاف فيه، وإن شبهها بامرأة قد فرق الحاكم بينهما باللعان. قال أبو يوسف: لا يكون مظاهرا، لأن موجب اللعان، وإن كانت الحرمة المؤبدة عنده تسع فيه الاجتهاد، ولهذا لو حكم الحاكم بجواز نكاحها جاز، فلم تكن في معنى الأم، كذا ذكر شمس الأئمة السرخسي وغيره، وقال فيها أيضا ولو شبهها بما يحل في حال نحو أخت المرأة، وامرأة لها زوج، أو مجوسية أو مرتدة لم يكن مظاهرا، لأن الحرمة هنا تقبل الزوال. وقال الحاكم الشهيد في "الكافي ": وإن قال لامرأته أنا منك مظاهر وقد ظاهرت منك أو أنت مني كظهر أمي، أو أنت عندي كظهر أمي أو أنت معي كظهر أمي، فهذا كله ظهار. م: (وكذلك) ش: أي يكون ظهارا م: (إذا قال: رأسك علي كظهر أمي، أو فرجك، أو وجهك، أو رقبتك، أو نصفك، أو ثلثك، أو بدنك؛ لأنه يعبر بها عن جميع البدن) ش: فيكون تشبيه هذه الأعضاء من المرأة كتشبيه ذات المرأة، فيكون مظاهرا وكذا إذا قال جسدك. وقال شمس الأئمة السرخسي في شرح " الكافي ": ولو قال جنبك أو ظهرك علي كظهر أمي لم يكن مظاهرا بمنزلة قوله يدك أو رجلك م: (ويثبت الحكم في الشائع) ش: أي يثبت حكم الظهار في الجزء الشائع أولا م: (ثم يتعدى) ش: أي ثم يسري إلى سائر البدن م: (كما بيناه في الطلاق) ش: فليعاود إليه هناك. [قال أنت علي مثل أمي كأمي] م: (ولو قال أنت علي مثل أمي، كأمي؛ يرجع إلى نيته لينكشف حكمه) ش: وبه قال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 536 فإن قال أردت الكرامة فهو كما قال؛ لأن التكريم بالتشبيه فاش في الكلام. وإن قال أردت الظهر فهو ظهار؛ لأنه تشبيه بجميعها، وفيه تشبيه بالعضو، لكنه ليس بصريح، فيفتقر إلى النية. وإن قال أردت الطلاق فهو بائن لأنه تشبيه بالأم في الحرمة، فكأنه قال أنت علي حرام، ونوى به الطلاق. وإن لم يكن له نية فليس بشيء عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - لاحتمال الحمل على الكرامة. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكون ظهارا لأن التشبيه بعضو منها لما كان ظهارا فالتشبيه بجميعها أولى. وإن عني به التحريم لا غير فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو إيلاء ليكون الثابت به أدنى الحرمتين   [البناية] الشافعي، وذلك لأنه يحتمل وجوها من التشبيه م: (فإن قال: أردت الكرامة) ش: يعني أنت عندي في استحقاق الكرامة والمنزلة مثل أمي م: (فهو كما قال) ش: يعني يحمل على ما قال فلا يلزمه شيء م: (لأن التكريم بالتشبيه فاش في الكلام) ش: فاش من الفشو، وهو الانتشار. قال الجوهري: الخبر يفشو فشوا، أي ذاع وأفشاه غيره وفاش أصله فاشي فاعل إعلال القاضي. م: (وإن قال أردت الظهار فهو ظهار؛ لأنه تشبيه بجميعها) ش: أي بجميع أمه، فإذا شبهها بظهرها وهو عضو منها كان ظهارا وقد شبهها بجميعها وجميعها مشتمل على الظهر أولى وأحرى م: (وفيه) ش: أي وفي قوله أنت علي مثل أمي م: (تشبيه بالعضو لكنه ليس بصريح، فيفتقر إلى النية) ش: لأنه لما كان كالصريح صار كالكناية، فلا يزول الإبهام منه إلا بالنية. م: (وإن قال أردت الطلاق فهو طلاق بائن؛ لأنه تشبيه بالأم في الحرمة فكأنه قال أنت علي حرام، ونوى به الطلاق، وإن لم يكن له نية فليس بشيء، عند أبي حنيفة وأبي يوسف لاحتمال الحمل على الكرامة) ش: وبه قال أصحاب الشافعي في وجهه، لأنه مجمل ولم يبين. م: (وقال محمد يكون ظهارا، لأن التشبيه بعضو منها لما كان ظهارا، فالتشبيه بجميعها أولى) ش: وبه قال مالك والشافعي وأحمد والشافعية وجهه. وفي المبسوط لم يذكر قول أبي يوسف وعنه روايتان إحداهما كقول محمد، لأنه قال في " الأمالي ": إذا كان هذا في حالة الغضب، وقال نويت به البئر لا يصدق في القضاء، وهو ظهار. م: (وإن عني به التحريم لا غير فعند أبي يوسف هو إيلاء ليكون الثابت به أدنى الحرمتين) ش: وهما حرمة الإيلاء، وحرمة الظهار وأدناهما حرمة الإيلاء من وجوه، أحدها أن الحرمة في الإيلاء لا تثبت في الحال ما لم يمض أربعة أشهر. وفي الظهار يثبت في الحال. وفي الثاني: حرمة الإيلاء يمكن دفعها في المدة بالوطء، بخلاف الظهار، فإنه لا يجوز الوطء فيه ما لم يكفر. والثالث: أن الظهار منكر من القول وزور، والإيلاء بين مباح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 537 وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظهار لأن كاف التشبيه تختص به. ولو قال أنت علي حرام كأمي، ونوى ظهارا أو طلاقا فهو على ما نوى لأنه يحتمل الوجهين: الظهار لمكان التشبيه والطلاق لمكان التحريم، والتشبيه تأكيد له؛ وإن لم يكن له نية فعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إيلاء، وعلى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظهار، والوجهان بيناهما. وإن قال أنت علي حرام كظهر أمي ونوى به طلاقا أو إيلاء لم يكن إلا ظهارا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: هو على ما نوى؛ لأن التحريم يحتمل كل ذلك على ما بينا، غير أن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا نوى الطلاق لا يكون ظهارا وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكونان جميعا،   [البناية] الرابع: أن كفارة الإيلاء إطعام عشرة مساكين، وفي الظهار إطعام ستين مسكينا، والصوم فيه شهران متتابعان. وفي الإيلاء ثلاثة أيام متتابعة. م: (وعند محمد ظهار؛ لأن كاف التشبيه يختص به) ش: أي بالظهار، وهذا الخلاف المذكور بين أبي يوسف ومحمد على قول بعض المشايخ، وقرره الصدر الشهيد، وقال: بل هو ظهار بالإجماع. م: (ولو قال: أنت علي حرام كأمي ونوى ظهارا أو طلاقا فهو على ما نوى، لأنه يحتمل الوجهين: الظهار لمكان التشبيه والطلاق لمكان التحريم والتشبيه تأكيد له) ش: أي التحريم، وإنما قال يحتمل الوجهين دل على أنه لما صرح بالحرمة لم يبق كلامه للكرامة م: (وإن لم يكن له نية فعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إيلاء، وعلى قول محمد ظهار والوجهان ما بيناهما) ش: أي وجها قول أبي يوسف ومحمد، وأشار بهما إلى قوله لكون الثابت أدنى الحرمتين، وإلي قوله - لأن كاف التشبيه مختص به - أي بالظهار. م: (وإن قال أنت علي حرام كظهر أمي، ونوى به طلاقا، أو إيلاء؛ لم يكن إلا ظهاراُ عند أبي حنيفة) ش: وبه قال أحمد والشافعي في قول، وفي قول إن نوى طلاقا كان طلاقا، وهو قول أبي يوسف ومحمد غير أن عند أبي يوسف يكون طلاقا وظهارا إن نوى الطلاق، وعند محمد لا يكون ظهارا ويكون طلاقا فقط م: (وقال هو على ما نوى) ش: إن نوى ظهارا فظهار، وإن نوى طلاقا فطلاق، وإن نوى إيلاء فإيلاء، كذا ذكره الصدر الشهيد والإمام العتابي في شرحيهما للجامع الصغير م: (لأن التحريم يحتمل كل ذلك) ش: ونية المحتمل صحيحة م: (على ما بينا) ش: أشار به إلى قوله لأنه يحتمل الوجهين إلى قوله: تأكيد له. م: (غير أن عند محمد: إذا نوى الطلاق لا يكون ظهارا) ش: لأن ظهار المبانة لا يصح م: (وعند أبي يوسف يكونان جميعا) ش: أي يكون الظهار والطلاق جمعا لكن هذا ليس بظاهر الرواية عن أبي يوسف، وروى أصحاب الإيلاء عن أبي يوسف أنه يكون ظهارا وطلاقا، لأنه باعتبار التلفظ بلفظ التحريم يكون طلاقا عند النية، وباعتبار التصريح بالظهار يكون ظهارا، ولا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 538 وقد عرف في موضعه، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه صريح في الظهار فلا يحتمل غيره، ثم هو محكم فيرد التحريم إليه. قال ولا يكون الظهار إلا من الزوجة حتى لو ظاهر من أمته لم يكن مظاهرا لقوله تعالى: {مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] ولأن الحل في الأمة تابع، فلا تلحق بالمنكوحة، ولأن الظهار منقول عن الطلاق،   [البناية] منافاة، لأنه إذا طلق ثم ظاهر أو ظاهر ثم طلق صح، ولكن هذا ضعيف، لأن الطلاق لما وقع بقوله أنت علي حرام نيته كان متكلما بلفظ الظهار بعد ما بانت علي حرام. قلنا: اللفظ الواحد لا يحتمل معنيين مختلفين، كذا في " المبسوط " وذكر في " الفوائد الظهيرية " جواب أبي يوسف في هذا، فقال: جاز أن يكون ظهار المبانة على قوله، وكان هذا رواية منه م: (وقد عرف في موضعه) ش: أي في شرح الكافي، قاله الأترازي. قال الكاكي أي في مبسوطه. م: (ولأبي حنيفة أنه) ش: أي أن قوله أنت علي حرام كظهر أمي م: (صريح في الظهار، فلا يحتمل غيره) ش: ولهذا لا يحتاج في الدلالة عليه إلى النية، فلا يحتمل غيره من الطلاق والإيلاء م: (ثم هو محكم) ش: لعدم احتمال الغير، وقوله أنت علي حرام يحتمل تحريم الطلاق وغيره م: (فيرد التحريم إليه) ش: أي إلى الظهار كما هو الأصل في رد المحتمل إلى المحكم. [ظاهرمن أمته] م: (قال) ش: أي محمد في الجامع الصغير م: (ولا يكون الظهار إلا من الزوجة، حتى لو ظاهر من أمته لم يكن مظاهرا) ش: وكذا لا يكون من أم ولده ومدبرته. وقال مالك: يصح منهن، وقد ذكرنا الخلاف فيه عن قريب لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] والنساء اسم للزوجات والمملوكة لا تسمى زوجة فلا يصح الظهار منها، كذا قاله الأترازي. قلت: النساء جمع امرأة من غير لفظها، فيتناول الزوجات وغيرها، ولكن تفسير النساء من الزوجات ممكن من حيث قصد الآية يدل على أن المراد الزوجات، وإلا فلفظ النساء من حيث اللغة أعم من الزوجات وغيرها. م: (ولأن الحل في الأمة تابع) ش: ليس بمقصود، لأن المقصود ملك اليمين م: (فلا تلحق بالمنكوحة) ش: بدليل أنه لو اشترى أمته فوجدها محرمة عليه برضاع أو مصاهرة لم يثبت للمشتري ولاية الرد بسبب الحرمة، فلا تكون الأمة في معنى المنكوحة حتى يلحق بها. فإن قلت: قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) ، دخل فيه الإماء والحرائر بالإجماع. قلت: الإجماع ممنوع، وأما الأمة الموطوءة حرام باعتبار أنها من أمهات نسائنا، بل باعتبار وطء البنت، ولا يمكن إلحاق الأمة بالنساء بدلالة النص، لأنه ليس في معنى ما ورد به النص. م: (ولأن الظهار منقول عن الطلاق) ش: هذا دليل آخر، أي كان الظهار طلاقا في الجاهلية، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 539 ولا طلاق في المملوكة. وإن تزوج امرأة بغير أمرها، ثم ظاهر منها، ثم أجازت النكاح فالظهار باطل؛ لأنه صادق في التشبيه وقت المتصرف، فلم يكن منكرا من القول والظهار ليس بحق من حقوقه حتى يتوقف عليه، بخلاف إعتاق المشتري من الغاصب؛ لأنه من حقوق الملك. ومن قال لنسائه: أنتن علي كظهر أمي كان مظاهرا منهن جميعا،   [البناية] فنقل حكمه إلى تحريم مؤقت بالكفارة م: (ولا طلاق في المملوكة) ش: حتى يكون منها الظهار: فإن قلت: الأمة محل الظهار بقاء، فيجب أن يكون ابتداء كما ظاهر من امرأته وهي أمة، ثم اشتراها يبقى حكم الظهار، وهي أمة، أجيب بأنه كم من شيء يثبت بقاء، ولا يثبت ابتداء كإبقاء النكاح في المعتدة، وإن لم يثبت ابتداء. [تزوج امرأة بغير أمرها ثم ظاهر منها ثم أجازت النكاح] م: (وإن تزوج امرأة بغير أمرها، ثم ظاهر منها، ثم أجازت النكاح فالظهار باطل) ش: أورد هذه المسألة بسبيل التفريع لما قبله، لأنه لما قال ولا يكون الظهار إلا من الزوجة فرع هذه المسألة عليه، يعني لو ظاهر من امرأة نكاحها موقوف لا يصح ظهاره، لأنها حين ظاهر منها الرجل لم تكن زوجته فلم يصح ظهارها م: (لأنه) ش: أي لأن الرجل الذي ظاهر. م: (صادق في التشبيه وقت المتصرف) ش: أي وقت تشبيه الحرمة بالحرمة، لأنه صادق فيه غير كاذب م: (فلم يكن) ش: كلامه م: (منكرا) ش: والظهار منكر م: (من القول) ش: وزور م: (والظهار ليس بحق من حقوقه) ش: هذا جواب سؤال مقدر، وهو أن يقال الظهار مبني على الملك، والملك موقوف ها هنا، فينبغي أن يكون الظهار موقوفا، فأجاب بقوله: والظهار ليس بحق من حقوقه، أي من حقوق النكاح. م: (حتى يتوقف عليه) ش: أي على النكاح، لأن النكاح أمر مشروع، والظهار منكر من القول، وبينهما تناف، فلا يتوقف المحظور بتوقف المشروع. م: (بخلاف إعتاق المشتري من الغاصب) ش: هذا كأنه جواب عن قياس هذا السائل ما سأله على توقف إعتاق المشتري من الغاصب، على إجازة المالك، لأنه إذا أجازه ينفذ، وتقرير الجواب أن إعتاق المشتري من الغاصب، إنما يتوقف على إجازة المالك م: (لأنه) ش: أي لأن الإعتاق م: (من حقوق الملك) ش: فيلزم من توقف الكل توقف الإعتاق. م: (ومن قال لنسائه: أنتن علي كظهر أمي كان مظاهرا منهن جميعا) ش: هذا ما لا خلاف فيه، كما لو قال أنتن طوالق، وعليه لكل واحدة كفارة، يعني عليه أربع كفارات إذا قصد وطأهن، وبه قال الشافعي في الجديد، وهو قول الحسن والنخعي والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري والحكم والثوري. وقال مالك وأحمد وأبو ثور وإسحاق: عليه كفارة واحدة، روي ذلك عن عمرو وعلي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 540 لأنه أضاف الظهار إليهن، فصار كما إذا أضاف الطلاق إليهن، وعليه لكل واحدة كفارة؛ لأن الحرمة تثبت في حق كل واحدة منهن والكفارة لإنهاء الحرمة فتتعدد بتعددها، بخلاف الإيلاء منهن؛ لأن الكفارة فيه لصيانة حرمة الاسم ولم يتعدد ذكر الاسم.   [البناية] وعروة وطاووس وعطاء وربيعة م: (لأنه أضاف الظهار إليهن، فصار كما إذا أضاف الطلاق إليهن) ش: وقال: أنتن طوالق م: (وعليه لكل واحدة كفارة، لأن الحرمة تثبت في حق كل واحدة منهن) ش: كما إذا ظاهر من كل واحدة منهن على حدة م: (والكفارة لإنهاء الحرمة) ش: أي وجوب الكفارة لأجل أن تنتهي الحرمة المؤقتة م: (فتعدد بتعددها) ش: أي تعدد الكفارة بتعدد الحرمة. م: (بخلاف الإيلاء منهن) ش: حيث لا تتعدد الكفارة م: (لأن الكفارة فيه) ش: أي في الإيلاء م: (لصيانة حرمة الاسم) ش: أي اسم الله عز وجل م: (ولم يتعدد ذكر الاسم) ش: أراد به قوله والله، وإنما لم يتعدد، لأنه قاله مرة واحدة. فروع: لو قالت هي أنت علي كظهر أمي، أو قالت أنا عليك كظهر أمك لا يصح الظهار عندنا. وفي المبسوط عن أبي يوسف عليها كفارة يمين. وقال الحسن بن زياد هو ظهار، [و] قال محمد: ليس بشيء، وهو الصحيح، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد والثوري والليث وإسحاق وأبو ثور. وفي الينابيع والروضة هو يمين عند أبي يوسف ظهار عند الحسن. وفي " شرح المختار " حكى الخلاف بين أبي يوسف والحسن على العكس، ومثله في " المفيد " " والمزيد " " والمحيط ". وأوجب الأوزاعي عليها كفارة الظهار. ولو قال أنت أمي لا يصير مظاهراُ. وفي " الخزانة " أنا منك مظاهر أو قد ظاهرت منك فهو ظهار، ويكره أن يقول لامرأته يا أختي لورود النهي عن ذلك. ولو أخر المظاهر التكفير فلها مطالبته به، والقاضي يجبره عليه وتمنع نفسها من القربان والمس والتقبيل. ولو قال قد كفرت صدق ما لم يعرف بالكذب، ولو أبى من التكفير بعد ظلمها يحبس، فإن أبى يضرب ولا يضرب في الدين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 541 فصل في الكفارة قال: وكفارة الظهار عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا؛ للنص الوارد فيه، فإنه يفيد الكفارة على هذا الترتيب. قال: وكل ذلك قبل المسيس، وهذا في الإعتاق والصوم ظاهر للتنصيص عليه، وكذا في الإطعام، لأن الكفارة فيه منهية للحرمة فلا بد من تقديمها على الوطء ليكون الوطء حلالا. قال: وتجزئ في العتق الرقبة الكافرة، والمسلمة، والذكر، والأنثى، والصغير، والكبير؛ لأن اسم الرقبة يطلق على هؤلاء،   [البناية] [فصل في بيان أحكام الكفارة] [كفارة الظهار] م: (فصل في الكفارة) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الكفارة، ولما ذكر حكم الظهار وهو حرمة الوطء ودواعيه إلى نهايته ذكر في هذا الفصل ما تنتهي تلك الحرمة، وهو الكفارة، والكفارة عبارة عن الفعلة إذ الخصلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة أي تسترها وتمحوها على وزن فعالة للمبالغة كقتالة وقرابة، وهي من الصفات الغالبة في باب الاسمية. وأصل اشتقاقه من الكفر وهو الستر، ومنه الكافر لأنه يستر الإيمان ويظهر الكفر والزارع أيضا، لأنه يستر الحب في الأرض. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في "مختصره" م: (وكفارة الظهار عتق رقبة) ش: أي إعتاق رقبة، إذ العتق لا ينوب عن الكفارة حتى لو [ ... ] إياه ونوى الكفارة لا يخرج عن العهدة م: (فمن لم يجد) ش: أي رقبة م: (فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع) ش: أي الصيام م: (فإطعام ستين مسكينا للنص الوارد فيه) ش: وهو قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] إلى قَوْله تَعَالَى {سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] (المجادلة: الآية 3) م: (فإنه) ش: أي فإن النص م: (يفيد الكفارة) ش: أي كفارة الظهار م: (على هذا الترتيب) ش: دون التخيير، لأن الله تعالى ذكرها بحرف الفاء، وهي للترتيب. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (وكل ذلك قبل المسيس) ش: أي كل ما ذكر من الإعتاق والصيام والإطعام قبل الوطء م: (وهذا) ش: أي الترتيب م: (في الإعتاق والصوم ظاهر للتنصيص عليه) ش: لأن الله تعالى قال {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] م: (المجادلة: الآية 3) ش: م: (وكذا في الإطعام؛ لأن الكفارة فيه) ش: أي في الإطعام م: (منهية للحرمة) ش: الثابتة بالظهار والقرب جميعا م: (فلا بد من تقديمها) ش: أي تقديم الكفارة م: (على الوطء ليكون الوطء حلالا) ش: لأنه لو حل الوطء قبل الكفارة بالإطعام لم يكن المنهي منهيا، وهو فاسد. وفي "شرح مختصر الكرخي " وقال مالك: يجوز الإطعام قبل المسيس، وبه قال داود. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (وتجزئ في العتق الرقبة الكافرة والمسلمة، والذكر والأنثى، والصغير والكبير؛ لأن اسم الرقبة يطلق على هؤلاء) ش: لأنه ليس فيه تقييد بصفة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 542 إذ هي عبارة عن الذات المملوك المرقوق من كل وجه والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا في الكافرة، وهو يقول: الكفارة حق الله تعالى، فلا يجوز صرفها إلى عدو الله كالزكاة، ونحن نقول المنصوص عليه إعتاق الرقبة وقد تحقق، وقصده من الإعتاق التمكن من الطاعة ثم مقارفته المعصية يحال به إلى سوء اختياره.   [البناية] دون صفة، فيجوز الكل م: (إذ هي) ش: أي الرقبة م: (عبارة عن الذات المملوك المرقوق من كل وجه) ش: اعترض على المصنف هنا من وجهين، أحدهما: في قوله المملوك بالتذكير، لأن الذات مؤنثة، ولا يجوز تذكيرها، والصواب عن الذات المرقوقة. والجواب أن الذات تستعمل استعمال النفس والشيء. وعن أبي سعيد كل شيء ذات، وكل ذات شيء، تذكيره باعتبار المعنى الثاني. الوجه الآخر: أن المحفوظ عن أئمة اللغة استرق العبد اتخذه رقيقا ولم يسمع رقه حتى يشتق منه المرقوق، وإنما يقال رق فلان أي صار رقيقا، أي عبدا. والجواب عنه أن الأزهري حكى عن ابن السكيت أنه جاء عبد مرقوق، وكلاهما ثقة. وقال تاج الشريعة: ووجهه أن يكون من رق له إذا رحمه فهو مرقوق له، ثم حذفت الصلة كما في المندوب. واعلم أن قوله من كل وجه يتعلق بالمرقوق دون المملوك، لأن الكمال في الرق شرط دون الملك، ولهذا لو أعتق المكاتب الذي يرد شيئا صح عن الكفارة، ولو أعتق المدبر لم يصح، لأن الرق فيه ناقص. م: (والشافعي يخالفنا في الكافرة) ش: فإنها لا تجزئ في كفارة الظهار عنده، وبه قال مالك وأحمد، إلا أن مالكا يقول بجواز إعتاق المجوسي عنها لما أنه يجبر على الإسلام عنده فيحصل الإسلام بعده بالإكراه عليه م: (وهو) ش: أي الشافعي م: (يقول الكفارة حق الله فلا يجوز صرفها إلى عدو الله كالزكاة) ش: أي كما لا يجوز صرف الزكاة إلى الكافر لأنه عدو الله، وفي بعض النسخ م: (فلا يجوز صرفه) ش:، أي صرف حق الله تعالى. م: (ونحن نقول المنصوص عليه إعتاق الرقبة، وقد تحقق) ش: لأن المطلق عبارة عن المنصوص للذات دون الصفات وقد تحقق، لأنه ليس فيه بأس على الإيمان والكفر م: (وقصده من الإعتاق التمكن من الطاعة) ش: هذا جواب عن قول الشافعي الكفارة حق الله تعالى، تقديره أن قصد المكفر بالإسلام هو أن يتمكن المعتق من الطاعة بخلوصه عن خدمة المولى م: (ثم مقارفته) ش: بالقاف بعد الميم، أي ثم ارتكابه م: (المعصية يحال به إلى سوء اختياره) ش: الضمير في به يرجع إلى المقارفة على تأويل الاقتراف والكسب، لأن المقارفة تمنع الاقتراف، وهو كسب السيئة. ثم توضيح معنى هذا الكلام أن يقال تحرير الكافر ليس بسيئة من وجه، بل هو حسنة من كل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 543 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وجه، لأنه تخليصه من الرق وتمكينه من الطاعة والنظر في محاسن الإسلام، لأنه أحسن إليه، فإن لم يفعل ذلك فهو من سوء اختياره، فلا يضاف ذلك إلى المولى. ولقائل أن يقول مقارفة المعصية يحال به سوء اختياره، لكن لم لا يكون قصور ذلك منه مانعا عن الصرف إليه كما في الزكاة. والجواب أن القياس جواز صرف الزكاة إليه أيضا، لأن فيه مواساة عباد الله، لكن قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم» أخرجهم عن المصرف، وقد أطال الشراح هنا بذكر دلائل من جهة الخصم وردها من جهتنا فنذكرها ملخصة: فقالوا الكفارة مطهرة، والكافر غير أهل لذلك، قال الله تعالى {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] (البقرة: الآية 267) ، ولا خبث أشد من الكفر، ولهذا لا يجوز كفارة المرتد، لأن الإيمان شرط في كفارة القتل بالنص والإجماع، فكذا في سائر الكفارات، لأنها جنس واحد، ولأن المطلق يحمل على المقيد في جنس واحد ولأنا أمرنا بعتق رقبة حي قائم من كل وجه، ولهذا الذمي والكافر ميت، قال الله تعالى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] (الأنعام: الآية 122) ولأن الكفارة حسنة، وإعتاق الكافر سيئة لما فيه من تفريغ باله لعبادة الأوثان، ولأنه «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال لمعاوية بن الحكم حين أتي بجارية مجوسية وقال يا رسول الله علي رقبة فأعتقها عنه، فقال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أين الله" فأشارت إلى السماء، فقال: "أعتقها فإنها مؤمنة» ، رواه مسلم والنسائي، وما سأل عن سبب وجوب الكفارة، فدل أن الإيمان شرط في الجميع، ولأنه لا يجوز التقرب إلى الله بعتق أعدائه، ولأن العمل بالقيد عمل بالدليلين، لأن المطلق جزء المقيد. قلنا: جواز المؤمنة باعتبار أنها رقبة لا لأنها مؤمنة، وكذا الكافرة كما في الكبيرة والصغيرة وبينهما تضاد، والمرتد ممنوع يجوز عند بعض مشايخنا، وعند البعض لا يجوز، لأنه مستحق القتل، حتى يجوز بالمرتد بلا خلاف، وتقييده بالإيمان زيادة على النص، وهي نسخ ولا يجوز تقييده بالقياس على كفارة القتل أيضا، لأنه قياس المنصوص على المنصوص، فلا يجوز ذلك للزوم اعتقاد النقض فيما تولى الله بيانه، ولا يحمل المطلق على المقيد إذا أمكن العمل بها، وإطلاق الميت على الكافر مجاز، فإنه لو قال كل مملوك لي حي حر عتق جميع عبيده الكفار بالإجماع. والقول بأن إعتاق الكافر سيئة غير مستقيم لصحة النذر به. ولأنه تعاون على البر والتقوى كما ذكر عن قريب. وحديث معاوية بن الحكم مؤول عند الثقات، فإن فيه السؤال عن مكان الله وهو محال على الله عز وجل، أو نقول الحديث محمول على كفارة القتل بدليل قوله إن على رقبة مؤمنة في رواية أخرى، وقولهم لا يجوز التقرب إلى الله تعالى بعتق أعدائه مخالف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 544 ولا تجزئ العمياء، ولا المقطوعة اليدين أو الرجلين من خلاف؛ لأن الفائت جنس المنفعة وهي البصر أو البطش أو المشي، وهو المانع، أما إذا اختلت المنفعة فهو غير مانع، حتى يجوز العوراء أو مقطوعة إحدى اليدين وإحدى الرجلين من خلاف؛ لأنه ما فات جنس المنفعة بل اختلت، بخلاف ما إذا كانتا مقطوعتين من جانب واحد حيث لا يجوز لفوات جنس منفعة المشي، إذ هو عليه متعذر، ويجوز الأصم، والقياس أن لا يجوز، وهو رواية " النوادر "، لأن الفائت جنس المنفعة إلا أنا استحسنا الجواز، لأن أصل المنفعة باق، فإنه إذا صيح عليه سمع، حتى لو   [البناية] للنص، قال الله تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ} [الممتحنة: 8] إلى قوله {أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8] (الممتحنة: الآية 8) فإنه تعالى ما نهانا عن الإحسان إليهم، ولهذا يصح النذر بإعتاق العبد الكافر، وقد جوزت المالكية إعتاق المجوسي والصابئين، ولم يجوز أهل الكتاب. وقولهم العمل بالمقيد عمل بالدليلين وهو باطل، لأن الإطلاق ضد التقييد فلا يكون العمل بالمقيد عملا بالمطلق، إذ في الإطلاق توسعه بعتق أي رقبة شاء وفي التقييد تضييق. فإن قلت: المقيد بمنزلة البيان للمطلق قلت: هذا فاسد لأن المطلق لا يحتاج إلى البيان، إذ العمل بإطلاقه ممكن. م: (ولا تجزئ العمياء، ولا مقطوعة اليدين أو الرجلين من خلاف) ش: المراد من العمياء الرقبة العمياء، وهي تشمل الذكر والأنثى جميعا، لا الأمة العمياء، لأن عدم الجواز لا باعتبار الأنوثة، بل باعتبار فوات جنس المنفعة م: (لأن الفائت جنس المنفعة) ش: وهو ما ثبت في هذه الصور م: (وهو البصر) ش: من العمياء م: (أو البطش أو المشي) ش: في مقطوعة الرجلين م: (أو البطش) ش: في مقطوعة اليدين م: (وهو المانع) ش: أي فائت جنس المنفعة هو المانع. م: (أما إذا اختلت المنفعة) ش: أي جنس المنفعة م: (فهو غير مانع حتى يجوز العوراء أو مقطوعة إحدى اليدين وإحدى الرجلين من خلاف؛ لأنه ما فات جنس المنفعة بل اختلت) ش: أي المنفعة وجنسها باق، ولا خلاف للأئمة الأربعة وأصحابهم أنه لا يجزئ عن الكفارة في عيب يفوت به جنس المنفعة. وعن إبراهيم النخعي والشعبي أن عتق الأعمى جائز. وعن ابن جريج يجزئ الأشل. وعند داود وأصحابه لا يمنع شيء من العيوب. م: (بخلاف ما إذا كانتا) ش: أي اليدان والرجلان م: (مقطوعتين من جانب واحد، حيث لا يجوز لفوات جنس منفعة المشي) ش: وكذا منفعة البطش م: (إذ هو) ش: أي المشي م: (عليه متعذر) ش:، وكذا البطش. وكذا لا يجوز إذا كان من كل يد ثلاثة أصابع مقطوعة م: (ويجوز الأصم) ش: في الاستحسان م: (والقياس أن لا يجوز، وهو رواية النوادر؛ لأن الفائت جنس المنفعة. إلا أنا استحسنا الجواز) ش: أي جواز الأصم م: (لأن أصل المنفعة باق، فإنه إذا صيح عليه سمع، حتى لو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 545 كان بحال لا يسمع أصلا بأن ولد أصم - وهو الأخرس - لا يجزيه. ولا يجوز مقطوع إبهامي اليدين لأن قوة البطش بهما، فبفواتهما يفوت جنس المنفعة. ولا يجوز المجنون الذي لا يعقل؛ لأن الانتفاع بالجوارح لا يكون إلا بالعقل، فكان فائت المنافع والذي يجن ويفيق يجزئه، لأن الاختلال غير مانع. ولا يجزئ عتق المدبر وأم الولد لاستحقاقهما الحرية بجهة، فكان الرق فيهما ناقصا، وكذا المكاتب الذي أدى بعض المال، لأن إعتاقه يكون ببدل؛   [البناية] كان بحال لا يسمع أصلا بأن ولد أصم - وهو الأخرس - لا يجزيه) ش: وفي " الشامل " يجزئ الأصم، ثم قال: وقالوا لأن الصمم لا يؤثر في الكسب تأثيرا فاحشا. ثم قال وقيل الصمم بأصل التخليق تمنع التكفير. وقال في " فتاوى الولوالجي " ويجوز الأصم عن كفارة الظهار إذا كان يسمع شيئا ولا يسمع شيئا لا يجوز وهو المختار. وفي " الحلية " يجوز مقطوع الأنف والأصم إذا فهم بالإشارة والأخرس إذا فهمت إشارته، وهو قول الشافعي وأبي ثور. ولا يجزئ عند أحمد على المنصوص، وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك في رواية. م: (ولا يجوز مقطوع إبهامي اليدين، لأن قوة البطش بهما فبفواتهما تفوت جنس المنفعة) ش: وكذا لا يجوز إذا قطعت من كل يد ثلاثة أصابع لفوات منفعة البطش. وقطع أكثر الأصابع كقطع جنسها، ولو كان المقطوع من كل يد أصبعا أو أصبعين سوى الإبهام يجزئ لأن منفعة البطش باقية، كذا في " المبسوط ". وقال الشافعي: لو كان مقطوع السبابة أو الوسطى لا يجوز، كقطع الإبهام، لأن معظم العمل يتعلق بهذه الثلاثة. م: (ولا يجوز المجنون الذي لا يعقل، لأن الانتفاع بالجوارح لا يكون إلا بالعقل، فكان فائت المنافع) ش: المجنون الذي لا يعقل أصلا هو المجنون المطبق لا يجوز بلا خلاف للأئمة الأربعة م: (والذي يجن ويفيق يجزئه، لأن الاختلال غير مانع) ش: وإنما يجزئه إذا أعتقه في حال الإفاقة لا يقال الرقبة الصغيرة فائت المنافع من المشي والنطق والعقل والكلام، لأنها عديمة المنافع إلى زمان الإصابة، فلا يعد ذلك عيبا. وفي " المبسوط " وفيه روى إبراهيم عن محمد خلاف حال الدم الذي قد قضي بدمه ثم عفي عنه لم يجز، كذا في " المحيط ". [عتق المدبر في كفارة الظهار] م: (ولا يجزئ عتق المدبر) ش: خلافا للشافعي لأنه يرى جواز بيعه، وبه قال أحمد وعثمان البتي وداود الظاهري م: (وأم الولد) ش: أي وعتق أم الولد لا يجزئ عتقه. وقال عثمان وداود: يجوز عتق أم الولد بناء على جواز بيعها عندهما، ولا يجوز عند الحسن ومن ذكرنا معه الآن م: (لاستحقاقهما الحرية بجهة) ش: وهي جهة التدبير، وجهة الاستيلاد م: (فكان الرق فيهما ناقصا) ش: لتوجه العتق إليهما قبل م: (وكذا) ش: أي وكذا لا يجزئ م: (المكاتب الذي أدى بعض المال، لأن إعتاقه يكون ببدل) ش: أي بعوض، والعوض يبطل معنى القربة، هذا ظاهر الرواية، وبه قال زفر والشافعي ومالك وأحمد في رواية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 546 وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجزئه لقيام الرق من كل وجه، ولهذا تقبل الكتابة الانفساخ بخلاف أمومية الولد والتدبير لأنهما لا يحتملان الانفساخ فإن أعتق مكاتبا لم يؤد شيئا جاز، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، له أنه استحق الحرية بجهة الكتابة، فأشبه المدبر. ولنا أن الرق قائم من كل وجه على ما بينا، ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» والكتابة لا تنافيه، فإنه فك الحجر بمنزلة الإذن في التجارة، إلا أنه بعوض، فيلزم من جانبه،   [البناية] م: (وعن أبي حنيفة أنه يجزئه) ش: أي أن عتق المكاتب الذي أدى بعض المال يجزئه، رواه الحسن عن أبي حنيفة م: (لقيام الرق من كل وجه) ش: لأن رقه لا ينقض بما أدى من البدل م: (ولهذا) ش: أي ولأجل قيام الرق من كل وجه م: (تقبل الكتابة الانفساخ) ش: سواء كان بعد استيفاء بعض أو قبله م: (بخلاف أمومية الولد والتدبير، لأنهما لا يحتملان الانفساخ) ، ش. فلا يجوز عتقهما عن الكفارة، لأن الكفارة عتق الرقبة وهي اسم اللذات المرقوقة لغة وشرعا، فيقتضي قيام الرق مطلقا، والمطلق يقع على الكامل لا الناقص والاستيلاد والتدبير يمكن النقصان فيهما، فلا يجوز. م. (فإن أعتق مكاتبا لم يؤد شيئا) ش: يعني من مال الكتابة م: (جاز) ش: عندنا، وبه قال أحمد في رواية م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ش: وزفر ومالك وأحمد في رواية م: (له) ش: أي للشافعي م: (أنه) ش: أي أن المكاتب م: (استحق الحرية بجهة الكتابة، فأشبه المدبر) ش: أي على مذهبه، لأن عنده بيع المدبرة، وإعتاقه عن الكتابة جائز، وهذا إلزام من الشافعي على أصحابنا على ما أجابوا، يعني أن المدبر لا يجوز إعتاقه عن الكفارة عندكم، لأنكم قلتم أنه مستحق العتق بجهته، فينبغي أن لا يجوز إعتاق المكاتب أيضا، لأنه مستحق العتق بجهته، وهو باطل، لأنه ينفسخ وذلك لا م: (ولنا أن الرق) ش: أي في المكاتب م: (قائم من كل وجه على ما بينا) ش: أشار به إلى قوله ولهذا تقبل الكتابة الانفساخ م: (ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المكاتب عبد ما بقي عليه من الكتابة شيء» انتهى. فعلم أن الرق فيه كامل قبل أداء بدل الكتابة، فيدخل تحت مطلق اسم الرقبة م: (والكتابة لا تنافيه) ش: أي تنافي الرق، يعني لا يلزم من وجود الكتابة ارتفاع الرق لعدم المنافاة م: (فإنه) ش: أي فإن عقد الكتابة , وفي بعض النسخ - من - فإنها أي فإن الكتابة م: (فك الحجر) ش: عن العبد في حق المكاسب م: (بمنزلة الإذن في التجارة) ش: وذا لا يمكن نقصانا في الرق. فإن قلت لو كانت الكتابة فك الحجر بمنزلة الإذن في التجارة لا يستبد المولى بالفتح كما في عزل المأذون، فأجاب بقوله م: (إلا أنه) ش: أي إن عقد الكتابة م: (بعوض، فيلزم من جانبه) ش: أي من جانب الوالي، بخلاف الإذن، فإنه فك بغير عوض. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 547 ولو كانت مانعة ينفسخ بمقتضى الإعتاق، إذ هي يحتمله إلا أنه تسلم له الأكساب والأولاد، لأن العتق في حق المحل لجهة الكتابة، أو لأن الفسخ ضروري لا يظهر في حق " الولد والكسب وإن اشترى أباه أو ابنه ينوي بالشراء الكفارة جاز عنها، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز وعلى هذا الخلاف كفارة اليمين، والمسألة تأتيك في كتاب الأيمان إن شاء الله،   [البناية] م: (ولو كانت) ش: جواب بطريق التنزيل، يعني لو سلمنا أن الكتابة لو كانت م: (مانعة) ش: أي وقوع الإعتاق عن الكفارة م: (تنفسخ) ش: أي الكتابة م: (بمقتضى الإعتاق) ش: يعني ضرورة صحة الإعتاق بطريق الاقتضاء م (إذ هي) ش: أي الكتابة م: (تحتمله) ش: أي تحتمل الفسخ، ولو كان مانعا للفسخ بمقتضى، إذ هو يحتمله، أي ولو كان عقد الكتابة مانعا وقوع الإعتاق إلى آخره. م: (إلا أنه تسلم له الأكساب والأولاد) ش: هذا جواب عما يقال إن عقد الكتابة لما انفسخ التحق بالعدم، فينبغي أن يكون الأكساب والأولاد للمولى، فأجاب بجوابين، أحدهما: هو قوله - يسلم له الأولاد والأكساب - م: (لأن العتق في حق المحل لجهة الكتابة) ش: وفي حق المولى لجهة الكفارة رعاية للجانبين. والجواب الآخر هو قوله م: (أو لأن الفسخ ضروري) ش: أي فسخ عقد الكتابة ضرورة الجواز من جهة التكفير م: (لا يظهر في حق الولد والكسب) ش: لأن الثابت بالضرورة لا يعدو موضعها. [اشترى أباه ينوي بالشراء الكفارة] م: (وإن اشترى) ش: أي المظاهر م: (أباه أو ابنه ينوي بالشراء الكفارة جاز عنها) ش: أي عن الكفارة، وإليه ذهب بعض أصحاب الشافعي، وكذا لو اشترى كل ذي رحم محرم يعتق عليه م: (وقال الشافعي: لا يجوز) ش: وبه قال أبو حنيفة أولا ومالك وأحمد وزفر، وعلى الخلاف لو وهب له أو أوصى به، أما لو ملكه بلا صنعة، كما لو دخل بالميراث لا يجزئه بالإجماع م: (على هذا الخلاف كفارة اليمين) ش: وكذا كفارة الظهار والقتل م: (والمسألة تأتيك في كتاب الأيمان إن شاء الله تعالى) ش: فرجوا من كرم الله تعالى وفضله إن فضل إليه، وإلى ما بعده إلى آخره إن شاء الله تعالى. [أعتق نصف عبده عن كفارة ثم أعتق باقيه] م (فإن أعتق نصف عبد مشترك وهو موسر) ش: أي والحال أنه غني، قيد به، لأنه إذا كان معسر تجب عليه السعاية، فلا يجزئ عن الكفارة عندهما أيضا، لأنه إعتاق بعوض م: (فضمن قيمة باقيه لم يجز عند أبي حنيفة، ويجوز عندهما) ش: وقال الشافعي: لو أعتق بقيمته ونوى عتق جميعه عن الكفارة أجزأه ولو كان معسرا فأعتق نصيبه عن كفارة اشترى نصيب شريكه فأعتقه عن كفارته أجزأه فيه وإلا لا م: (لأنه يملك نصيب صاحبه بالضمان، فصار معتقا كل العبد عن الكفارة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 548 وهو ملكه، بخلاف ما إذا كان المعتق معسرا، لأنه وجب عليه السعاية في نصيب الشريك فيكون إعتاقا بعضو. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن نصيب صاحبه ينتقص على ملكه ثم يتحول إليه بالضمان، ومثله يمنع الكفارة. وإن أعتق نصف عبده عن كفارة، ثم أعتق باقية عنها جاز، لأنه أعتقه بكلامين، والنقصان متمكن على ملكه بسبب الإعتاق بجهة الكفارة، ومثله غير مانع كمن أضجع شاة للأضحية فأصاب السكين عينها، بخلاف ما تقدم، لأن النقصان فيه متمكن على ملك الشريك، وهذا على أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -،   [البناية] وهو ملكه) ش: أي والحال أنه ملكه في ذلك الوقت م: (بخلاف ما إذا كان المعتق معسرا، لأنه وجب عليه السعاية في نصيب الشريك، فيكون إعتاقا بعوض) ش: فلا يجوز بالإعتاق. م: (ولأبي حنيفة أن نصيب صاحبه ينتقص على ملكه) ش: لاستحقاق الحرية ولتعذر استدامة الملك فيه م: (ثم يتحول إليه بالضمان) ش: ما بقي منه م: (ومثله يمنع الكفارة) ش: لتمكن النقصان منه، فإذا أعتق يكون معتقا رقبة ناقصة. فإن قيل المضمونات بأداء الضمان بصفة الاستناد إلى زمان وجود السبب فصار نصيب الساكت ملك المعتق زمان الإعتاق، فكان النقصان في ملك شريكه، ومثله لا يمنع الكفارة. أجيب: بأن الملك في المضمون يثبت بصفة الاستناد في حق الضامن والمضمون، لا في حق غيرها، والكفارة غيرها، فيتمكن النقصان في حقها فلا يجوز. م: (وأن أعتق نصف عبده عن كفارة ثم أعتق باقيه) ش: أي باقي عبده م: (عنها جاز) ش: استحسانا والقياس أن لا يجوز عند أبي حنيفة كما في العبد المشترك لوجود النقصان في النصف الآخر. وجه الاستحسان ما أشار إليه بقوله م: (لأنه أعتقه بكلامين) ش: ولا محظور فيه م: (والنقصان) ش: هذا جواب عما يقال قد يمكن النقصان كما مر. فأجاب بقوله والنقصان أي الواقع في النصف الآخر: (متمكن على ملكه بسبب الإعتاق بجهة الكفارة، ومثله غير مانع) ش: أي ومثل النقص الذي حصل بسبب الإعتاق غير مانع من الجواز، وبه قال الشافعي وأحمد. والمشهور عن مالك عدم الجواز، وبه قال أبو ثور. وعن القاسم من أصحاب مالك يجوز. م: (كمن أضجع شاة) ش: ذكر هذا نظير الاستحسان في الجواب، وهو أنه أضجع شاة م: (للأضحية) ش: ليذبحها م: (فأصاب السكين عينها) ش: لا يمنع جواز التضحية، لأن النقصان حصل من فعل التضحية كما حصل هنا من فعل الكفارة م: (بخلاف ما تقدم لأن النقصان فيه متمكن على ملك الشريك) ش: أي النقصان فيه وقع في ملك الشريك م: (وهذا) ش: أي جعله إعتاقا بكلامين م: (على أصل أبي حنيفة) ش: في تجزئ الإعتاق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 549 أما عندهما فالإعتاق لا يتجزأ، فإعتاق النصف إعتاق الكل، فلا يكون إعتاقا بكلامين. وإن أعتق نصف عبده عن كفارته، ثم جامع التي ظاهر منها، ثم أعتق باقيه لم يجز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الإعتاق يتجزأ عنده، وشرط الإعتاق أن يكون قبل المسيس بالنص، وإعتاق البعض حصل بعده، وعندهما إعتاق النصف إعتاق الكل، فحصل الكل قبل المسيس. وإذا لم يجد المظاهر ما يعتق فكفارته صوم شهرين متتابعين ليس فيهما شهر رمضان، ولا يوم الفطر، ولا يوم النحر، ولا أيام التشريق. أما التتابع فلأنه منصوص عليه، وشهر رمضان لا يقع عن الظهار لما فيه من إبطال ما أوجبه الله تعالى، والصوم في هذه الأيام منهي عنه، فلا ينوب عن الواجب الكامل   [البناية] م: (أما عندهما فالإعتاق لا يتجزأ، فإعتاق النصف إعتاق الكل، فلا يكون إعتاقا بكلامين) ش: وعلى هذا مبني المسألة التي تليها، وهي قوله (م: وإن أعتق نصف عبده عن كفارته، ثم جامع التي ظاهر منها ثم أعتق باقيه لم يجز عند أبي حنيفة، لأن الإعتاق يتجزأ عنده، وشرط الإعتاق أن يكون قبل المسيس بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] (المجادلة: الآية 3) م: (وإعتاق البعض حصل بعده) ش: أي بعد المسيس فلا يجوز عن الكفارة. م: (وعندهما إعتاق النصف إعتاق الكل) ش: على أصلهما، لأن الإعتاق لا يتجزأ م: (فحصل الكل قبل المسيس) ش: فيجوز. [لم يجد المظاهر ما يعتق] م: (وإذا لم يجد المظاهر ما يعتق) ش: وفي " المحيط " إذا لم يملك الرقبة ولا ثمن رقبة م: (فكفارته صوم شهرين متتابعين ليس فيهما شهر رمضان) ش: أي ليس في الشهرين شهر رمضان، إلا إذا كان مسافرا وصام شعبان ورمضان بنية الكفارة أجزأه عند أبي حنيفة وأبي ثور، ولا يجزئه عند أبي يوسف ومحمد والشافعي. م: (ولا يوم الفطر ولا يوم النحر ولا أيام التشريق أما التتابع فلأنه منصوص عليه) ش: بقوله تعالى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] (المجادلة: الآية3) م: (وشهر رمضان لا يقع عن الظهار لما فيه من إبطال ما أوجبه الله تعالى) ش: لأن الله تعالى أمر بالصوم فيه، فالصوم الواقع فيه يقع عن صوم رمضان، فلا يقع عن فرض آخر. فإن قلت: كيف صار صوم رمضان عنه، وعن صوم الاعتكاف إذا نذر أن يعتكف فيه فصامه معتكفا. قلت: الصوم فيه شرط، فيشترط وجوده كيفما كان لا قصدا، بخلاف الصوم في الكفارة، لأنه فرض مقصود يعتبر وجوده قصدا. م: (والصوم في هذه الأيام) ش: أي في أيام الفطر والنحر والتشريق م: (منهي عنه، فلا ينوب عن الواجب الكامل) ش: لما روى الطبراني من حديث ابن عباس «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرسل صائحا يصيح أن لا تصوموا هذه الأيام، فإنها أيام أكل وشرب وبعال» والبعال وقاع النساء وروى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 550 فإن جامع التي ظاهر منها في خلال الشهرين ليلا عامدا أو نهارا ناسيا استأنف الصوم، عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يستأنف، لأنه لا يمنع التتابع إذ لا يفسد به الصوم وهو الشرط، وإن كان تقديمه على المسيس شرطا ففيما ذهبنا إليه تقديم البعض، وفيما قلتم تأخير الكل عنه ولهما أن الشرط في الصوم أن يكون قبل المسيس، وأن يكون خاليا عنه ضرورة بالنص، وهذا الشرط ينعدم به فيستأنف الصوم، فإذا أفطر منهما يوما بعذر أو بغير عذر   [البناية] البخاري ومسلم من «حديث عبيد قال: شهدت العيد مع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم قال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن صيام هذين اليومين، أما يوم الأضحى فتأكلون من لحم نسككم، وأما يوم الفطر ففطركم من صيامكم» . وأخرجا أيضا عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيامين، صيام يوم الأضحى ويوم الفطر.» م: (فإن جامع التي ظاهر منها خلال الشهرين ليلا عامدا، أو نهارا ناسياِ استأنف الصوم عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وبه قال الثوري ومالك وأحمد وأبو عبيد، وإنما قيد الجماع بالتي ظاهر منها، لأنه إذا جامع غيرها، فإن كان وطأ يفسد الصوم بقطع التتابع يلزمه الاستئناف بالاتفاق وإن كان لا يفسد الصوم بأن واقع بالنهار ناسيا أو بالليل كيف كان لا يلزمه الاستئناف بالاتفاق. وقيل يجامع التي ظاهر منها بالنهار ناسيا، لأنه إذا جامع بالنهار عامدا استأنف بالاتفاق، وذكر العمد في الليل وقع اتفاقا، لأن العمد والنسيان في الوطء بالليل سواء، فعرفت أن الخلاف في وطء لا يفسد الصوم. م: (وقال أبو يوسف لا يستأنف) ش: وبه قال الشافعي وابن المنذر والظاهرية م: (لأنه لا يمنع التتابع، إذ لا يفسد به الصوم) ش: أي بالجماع ليلا عامدا أو نهارا ناسيا، فصار كوطء غيرها م: (وهو الشرط) ش: أي التتابع هو الشرط للصوم كفارة وقد وجد م: (وإن كان تقديمه على المسيس شرطا) ش: هذا جواب عما يقال التقديم على المسيس شرط ولم يوجد، فأجاب بقوله وإن كان إلى قوله م: (ففيما ذهبنا إليه تقديم البعض، وفيما قلتم) ش: يعني الاستئناف م: (تأخير الكل عنه) ش: تأخير البعض هو تأخير الكل. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (إن الشرط في الصوم أن يكون قبل المسيس) ش: لأنه قال الله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] م: (وأن يكون خاليا عنه) ش: أي والشرط أيضا أن يكون الصوم خاليا عن الجماع م: (ضرورة بالنص) ش: أي لأجل ضرورة كون الصوم قبل المسيس كونه خاليا عنه بمقتضى النص، وهو قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] م: (وهذا الشرط) ش: أشار به إلى خلو الشرط م: (ينعدم به) ش: أي بالمسيس في خلال الشهرين، فإذا كان كذلك م: (فيستأنف الصوم، فإذا أفطر منهما) ش: أي من الشهرين م: (يوما بعذر أو بغير عذر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 551 استأنف لفوات التتابع، وهو قادر عليه عادة. وإن ظاهر العبد لم يجزئه في الكفارة إلا الصوم لأنه لا ملك له فلم يكن من أهل التكفير بالمال. وإن أعتق المولى أو أطعم عنه لم يجزه، لأنه ليس من أهل الملك، فلا يصير ملكا بتمليكه، فإذا لم يستطع المظاهر الصيام أطعم ستين مسكينا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] (المجادلة: الآية 4) ، ويطعم كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر أو شعير، أو قيمة ذلك، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حديث أوس بن الصامت   [البناية] استأنف) ش: الصوم م: (لفوات التتابع) ش: المشروط بالنص م: (وهو قادر عليه) ش: أي على التتابع م: (عادة) ش: أي من حيث العادة، واحترز به عن المرأة إذا أفطرت في كفارة الظهار والقتل بعذر الحيض، فإنها لا تستأنف، لأنها معذورة عادة لا تجد شهرين متتابعين لا تحيض فيها. م: (وإن ظاهر العبد لم يجزئه في الكفارة إلا الصوم؛ لأنه لا ملك له فلم يكن من أهل التكفير بالمال) ش: وإن ملك لوجود التنافي بين الرق والملك، فتعين كفارته بالصيام كالفقير م: (وإن أعتق المولى أو أطعم عنه لم يجزه، لأنه ليس من أهل الملك فلا يصير مالكا بتمليكه) ش: أي بتمليك المولى إياه، وبه قال الشافعي وأحمد، وهو مروي عن الحسن. وقال ابن القاسم المالكي: لو أطعم بإذن مولاه أجزأه فلو أعتق لا يجزئه. وقال الأوزاعي: يجزئه، فإنه بإذنه إذا لم يقدر على الصيام. [لم يستطع المظاهر الصيام] م: (فإذا لم يستطع المظاهر الصيام أطعم ستين مسكينا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] المجادلة: الآية 4) (ويطعم كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر، أو شعير) ش: من دقيق الحنطة أو سويقها أو نصف صاع من زبيب عند أبي حنيفة، وعندهما صاع من زبيب وهي إحدى الروايتين عن أبي حنيفة كذا في الطحاوي م: (أو قيمة ذلك) ش: أي أو يطعم قيمة ذلك، لكن من غير الأعداد المنصوصة مطلقا، وأما في الأعداد المنصوصة فلا يجوز أداؤها قيمة إذا كانت أقل قدرا مما قدر الشرع إن كان من الآخر قيمة، حتى لو أدى نصف صاع من تمر جيد يبلغ قيمة نصف صاع من حنطة لا يجوز، وكذا لو أدى أقل من نصف صاع من حنطة يبلغ قيمته صاعا من تمر أو شعير لا يجوز، والأصل فيه أن كل جنس هو منصوص عليه من الطعام لا يكون بدلا عن جنس آخر هو منصوص عليه، وإن كان في القيمة، لأنه اعتبار لمعنى في المنصوص عليه، وإنما الاعتبار له في غيره. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: تعليل لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -أو يطعم كل مسكين نصف صاع - إلى قوله - أو شعير- وليس بتعليل لقوله - أو قيمة ذلك - أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في حديث أوس بن الصامت) ش: الحديث لخولة بنت ثعلبة زوج أوس بن الصامت أخي عبادة بن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 552 وسهل بن صخر: «لكل مسكين نصف صاع من بر» .   [البناية] الصامت، هكذا رواه أبو داود من طريق ابن إسحاق عن معمر بن عبد الله بن حنظلة عن يوسف بن عبد الله بن سلام «عن خولة بنت ثعلبة قالت: ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت فجئت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشكو إليه وهو يجادلني فيه، ويقول: اتق الله، فإنما هو ابن عمك، فما برحت حتى أنزل الله {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] ... (المجادلة: الآية1) ، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "يعتق رقبة، قالت: لا يجد قال فيصوم شهرين متتابعين، قالت: إنه شيخ كبير لا يستطيع أن يصوم، قال: يطعم ستين مسكينا، قالت ليس عنده شيء يتصدق به، قال فإني أعينه بعرق من تمر، قالت: يا رسول الله وأنا أعينه بعرق من تمر، قال: أحسنت، فأطعمي بهما ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك".» قال والعرق ستون صاعا. م: (وسهل بن صخر «لكل مسكين نصف صاع من بر") » ش: والصواب سلمة بن صخر، وكذا ذكر في " المبسوط ". قال أبو عمر بن عبد البر: هو سلمة بن صخر بن سليمان بن حارثة الأنصاري ثم البياضي مدني، ويقال سلمان بن صخر وسلمة أصح، وهو الذي ظاهر من امرأته ثم وقع عليها، فأمره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكفر، وكان من البكائين. وقال أبو عمر أيضا: سهل بن صخر له صحبة ورواية حديثة عن يوسف بن خالد عن أبيه عن جده أنه أوصاه وقال: يا نبي الله أملكت ثمن عبد فأشتري عبدا، فإن الحدود في نواصي الرجال، ولم يذكر له شيئا متعلقا بالظهار. وقال الذهبي: سهل بن صخر الليثي، وقيل سهل نزل البصرة وحديثه عند خالد السمتي عن أبيه، ولم يذكر شيئا غير ذلك، وقد عرفت من ذلك تقصير صاحب" الهداية " فيما ذكره وأعجب من هذا الأترازي الذي طول الكلام في هذا الموضع وقوة الناظر فيه. وقال في معرض الاستدلال: ولنا ما روى الشيخ أبو الحسن الكرخي في "جامعه" «في قصة خولة إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: فليطعم وسقا من تمر ستين مسكينا.» ثم قال: والحديث مسند في "سنن أبي داود " بطوله، انتهى. وكان ينبغي أن يذكر الحديث بلفظ ما رواه أبو داود بسنده. وأشد عجبا منه الأكمل حيث قال في شرحه: وما ذكره المصنف موافق لما ذكره المستغفري في "معرفة الصحابة" قال: سهل بن صخر ونظر فيه في موضعين، أحدهما أن الأصح فيه سهل مكبرا كما ذكرناه، ولم ينبه عليه، بل بلغه كما وجد بخطوط من لا يعتبر نقلهم، والآخر ادعى أنما ذكره المصنف موافق إلى آخره وليت شعري من أين هذه الموافقة، لأن المصنف ذكر هذا دليلا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 553 ولأن المعتبر دفع حاجة اليوم لكل مسكين فيعتبر بصدقة الفطر. وقوله - أو قيمة ذلك - مذهبنا، وقد ذكرناه في الزكاة. فإن أعطى منا من بر ومنوين من تمر أو شعير جاز لحصول المقصود، إذ الجنس متحد.   [البناية] لما ذكر ولم يرد شيئا أصلا عن سهل بن صخر مما يتعلق بالظهار. وكان المستغفري ذكره في الصحابة لا يستلزم رواية شيء منه في الظهار، وليس المقصد من ذكر المصنف إياه معرفة كونه صحابيا ليس إلا. وكذا الكاكي قال: سهل بن صخر، كذا أورد ( ... ) المستغفري والحال بالحال. وقال أيضا: لنا حديث أوس بن الصامت كما ذكر في المتن، رواه أبو داود وأحمد، وقد قلنا إن الحديث لخولة بنت ثعلبة، ولم يجرد الحديث. واكتفى بقوله كما ذكر في المتن، فإن هذه الأشياء من التقليد، والشافعي هنا يطعم مدا من الطعام ويجب ذلك من غالب قوت البلد من الحبوب والثمار التي يجب فيها الزكاة وقال مالك: يجب مد بمد هشام، وهو مدان بمد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقيل إنه دونهما، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نص على مدين في فدية الأذى والظهار مثله. وقال أحمد: يجب من البر مد، ومن التمر ومن الشعير مدان، لأنه روي عن عطاء عن أوس أخي عباده بن الصامت «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أعطى خمسة عشر صاعا من شعير» . قال أبو داود: هذا منقطع، لأن عطاء لم يلق أوسا. م: (ولأن المعتبر دفع حاجة اليوم لكل مسكين، فيعتبر بصدقة الفطر) ش: يعني في المقدار، لكن بينهما فرق، فإنه يجوز التفريق في صدقة الفطر، فإن أدى منا من الحنطة إلى مسكين ومنا آخر وهذا لا يجوز بل يجب عليه أن يتم على ذلك المسكين، فإنه لم يجد يستأنف على غيره، لأن المعتبر في صدقة الفطر المقدار دون العدد، وفي الكفارة العدد بالنص، قال تعالى {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] (المجادلة: الآية 4) ، كذا في " مبسوط فخر الإسلام " و" شرح الطحاوي. " م: (فإن أعطى منا من بر ومنوين من تمر أو شعير جاز) ش: هذه من مسائل الأصل، ولم يذكر في القدوري ولا في الجامع الصغير ذكرها المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - على سبيل التفريع، ولفظ الأصل: ولو أعطى لكل مسكين مدا من بر أو مدين من شعير أو تمر أجزأه م: (الحصول المقصود) ش: وهو دفع حاجة الفقير م: (الجنس متحد) ش: وهو الكفارة، وهو متحد من حيث الإطعام، لأن كل واحد من الأصلين أصل، فيجوز النصف من كل واحد منهما، وهو سد خلة المحتاج في يومه يحصل ذلك بخلاف ما إذا أعطى من صنف أقل مما قدر فيه، لكنه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 554 وإن أمر غيره أن يطعم المساكين عن ظهاره ففعل أجزأه، لأنه استقراض معنى، والفقير قابض له أولا ثم لنفسه، فتحقق تملكه ثم تمليكه. فإن غداهم وعشاهم جاز،   [البناية] يساوي كمال الواجب من صنف، فإنه لا يجوز، كما إذا أعطى مدا وهو يساوي صاعا من شعير إذا أعطى نصف صاع من تمر، وهو يساوي نصف صاع حنطة لا يجوز، لأن الرديء غير المنصوص، فلا يعتبر فيه القيمة. فإن قيل: لو أعتق نصف رقبتين بأن كان بينه بين شريكه رقبتين فأعتق نصيبه منهما من الكفارة لا يجوز مع أن الجنس متحد من حيث الإعتاق. قلنا نصف الرقبتين ليس برقبة كاملة، إذ الشركة في كل رقبة تمنع التكفير، بخلاف الأضحية بأن ذبحا شاتين عن أضحيتهما حيث يجوز لأن الشركة تمنع الأضحية كما في البدنة، كذا في " المبسوط ". م: (وإن أمر غيره أن يطعم المساكين عن ظهاره ففعل أجزأه) ش: هذه أيضا من مسائل الأصل، ذكر بسبيل التفريع م: (لأنه استقراض معنى) ش: أي لأن أمره بالإطعام عنه طلب الفرض منه من حيث المعنى م: (والفقير قابض له أولا، ثم لنفسه) ش: أي قابضا له نيابة عنه، ثم يكون قابضا لنفسه م: (فتحقق تملكه) ش: أي تملك الأمر. م: (ثم تمليكه) ش: أي ثم يتحقق تمليكه إلى الفقير، كما لو وهب الدين من غير من عليه الدين وأمره بقبضه، فإنه يجوز لأنه يصير قابضا للواهب، ثم يجعله لنفسه، كذا هنا. ولا يقال كيف يجعل الفقير نائبا، وهو مجهول، والرضا بكونه نائبا شرط، لأنا نقول إنما يراعى شرائط النيابة إذا كانت قصدية لا ضمنية لما عرف أن ما ثبت ضمنا لا يراعى شرائطه. قال الكاكي: ويرد على ظاهر الرواية التزوج على عبد الغير أو ثوب الغير، فإنهما يجعل فيهما قرضا لا هبة، وإن كان في القرض شك والفرق أن في معنى الإطعام معنى القربة والصدقة، فيقصد بذلك الثواب والأجر دون المال، بخلاف غيره. ومنهم من يقول الصدقة تقع في يد الرحمن قبل أن تقع في يد المحتاج، ولهذا لا تضر الجهالة في الصدقة، لأن القابض معلوم، ولهذا لو تصدق بدار تحتمل القسمة على فقيرين جاز، وعلى غنيين لا يجوز، والفرق أن القابض في الصدقة معلوم دون الهبة. م: (فإن غداهم وعشاهم جاز) ش: هذه من مسائل القدوري، أي فإن غدى ستين مسكينا يعني أطعم الغداء، وهو طعام الغداة قوله - وعشاهم - أي أطعمهم العشاء، وهو طعام العشاء الراوية بالواو لا بأو، فإن التغذية الواحدة دون التعشية، والتعشية من غير التغذية لا يجوز ذكره في " المبسوط ". وعن أبي حنيفة لو غدى ستين مسكينا وعشى آخرين لا يجوز. وقال الكاكي: وما في بعض نسخ الهداية إن عشاهم أراد به غداهم غدائين أو عشاهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 555 قليلا كان ما أكلوا أو كثيرا، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجزئه إلا التمليك اعتبارا بالزكاة وصدقة الفطر، وهذا لأن التمليك أدفع للحاجة، فلا تنوب منابه الإباحة. ولنا أن المنصوص عليه هو الإطعام، وهو حقيقة في التمكين من الطعم وفي الإباحة ذلك، كما في التمليك. أما الواجب في الزكاة الإيتاء، وفي صدقة الفطر الأداء، وهما للتمليك حقيقة.   [البناية] عشاءين، ذكره في " المحيط "، فعلم أن المراد غداآن أو عشاآن أو غداء وعشاء م: (قليلا كان ما أكلوا أو كثيرا) ش: أي بعدما شبعوا، إذ القصد الشبع لا المقدار، لأن المقصود دفع حاجة اليوم. وفي المحيط المعتبر أكلتان مشبعتان، ولا يعتبر فيه مقدار الطعام، حتى لو قدم أربعة أرغفة أو ثلاثة في كفارة اليمين بين يدي عشرة وشبعوا أجزأ وإن لم يبلغ ذلك صاعا أو نصف صاع. ولو كان أحدهما شبعان هل يجوز اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يجوز لأنه وجد إطعام العشرة وقال بعضهم لا يجوز لأن المأخوذ عليه إشباع العشرة، ولم يوجد، وبقولنا قال إبراهيم النخعي ومالك. م: (وقال الشافعي لا يجزئه إلا التمليك) ش: وبه قال أحمد، وإنما يعتبر فيه التمليك دون الإباحة م: (اعتبارا بالزكاة، وصدقة الفطر) ش: أي قياسا عليهما م: (وهذا) ش: أي وجه اعتبارها بالزكاة وصدقة الفطر م: (لأن التمليك أدفع للحاجة، فلا تنوب منابه الإباحة) ش: لأن الإباحة ليست مثل التمليك في دفع الحاجة. م: (ولنا أن المنصوص عليه هو الإطعام) ش: وهو جعل الغير طاعما م: (وهو حقيقة في التمكين من الطعم) ش: بضم الطاء وهو الطعام، والطعام بالفتح مذاق الشيء م: (وفي الإباحة ذلك) ش: أي الإطعام م: (كما في التمليك) ش: أي كما في معنى التمليك الإطعام، فإذا كان كذلك فيتأدى الواجب بكل واحد منهما، فكانت الإباحة ثابتة بالنص، والتمليك في معناه بل هو فوقه فيما هو المقصود، وهو سد خلة الفقير وإغناؤه. م: (أما الواجب في الزكاة) ش: جواب عن قول الشافعي اعتبارا بالزكاة، وصدقة الفطر وتقريره أن الواجب في الزكاة م: (الإيتاء) ش: وهو الإعطاء م: (وفي صدقة الفطر الأداء وهما للتمليك) ش: أي المعنى التمليك م: (حقيقة) ش: فلا يجوز الإباحة وفي الكافي الأصل أن الإباحة تصح في كفارة الظهار، والإفطار واليمين، وجزاء الصيد والفدية دون الصدقات كالزكاة وصدقة الفطر والحلق عن الأذى والعشر، فإنه يشترط فيها التمليك، وفي صدقة الحلق عن الأذى خلاف بين أبي يوسف ومحمد، فأبو يوسف يجوز الإباحة ومحمد يشترط فيه التمليك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 556 ولو كان فيمن عشاهم صبي فطيم لا يجزئه، لأنه لا يستوفيه كاملا، ولا بد من الإدام في خبز الشعير ليمكنه الاستيفاء إلى الشبع، وفي خبز الحنطة لا يشترط الإدام. وأن أعطى مسكينا واحدا ستين يوما أجزأه، وإن أعطاه في يوم واحد لم يجزئه إلا عن يومه، لأن المقصود سد خلة المحتاج، والحاجة تتجدد في كل يوم، فالدفع إليه في اليوم الثاني كالدفع إلى غيره، وهذا في الإباحة من غير خلاف، وأما التمليك من مسكين واحد في يوم واحد بدفعات فقد قيل لا يجزئه، وقد قيل يجزئه، لأن الحاجة إلى   [البناية] م: (ولو كان فيمن عشاهم صبي فطيم لا يجزئه) ش: هذه من مسائل كتاب الأيمان ذكره بسبيل التفريع، أي ولو كان في المساكين الستين الذين عشاهم صبي فطيم عن اليمين لا يجزئه م: (لأنه) ش: أي لأن الصبي الفطيم م: (لا يستوفيه كاملا) ش: لأنه تعشيته وتغذيته ناقصة، فلا تجزئ عن الكامل فإن قيل تجزئ في البالغين قليلا ما أكلوا أو كثيرا، فينبغي أن يجزئه في الفطيم، قيل له صلاحية الأكل التام أقيمت مقام الأكل التام فيهم، ما نحن فيه بخلافه. م: (ولا بد من الإدام في خبز الشعير ليمكنه الاستيفاء إلى الشبع) ش: أورد هذا أيضا على سبيل التفريع، والإدام مما لو قدم به، وهو الذي يؤكل شبعا لغيره، وإنما شرط الإدام في خبز الشعير دون خبز البر، لأن الفقير لا يستوفي من خبز الشعير حاجته إلا إذا كان مأدوما كذلك في الذرة والدخن بخلاف خبز البر فإنه يستوفي منه حاجته ولم يكن مأدوما قال العضدي: وكذلك لو غداهم أو عشاهم بسويق تمر قالوا هذا في ديارهم، أما في ديارنا فلا بد من الخبز. م: (وفي خبز الحنطة لا يشترط الإدام) ش: لأنه إدامته فيها لا سيما إذا كان سنخا، وإنما يتوقف أكله على الإدام عند أهل الرفاهية دون المساكين. م: (وإن أعطى مسكينا واحدا ستين يوما أجزأه) ش: يعني إذا كانت أكلتين مشبعتين في كل يوم. وروي عن أبي يوسف في غير رواية الأصول أنه لا يجوز، كذا في شرح الطحاوي، وبه قال الشافعي وأحمد في الأظهر م: (وإن أعطاه في يوم واحد لم يجزئه إلا عن يومه؛ لأن المقصود سد خلة المحتاج، والحاجة تتجدد في كل يوم، فالدفع إليه في اليوم الثاني كالدفع إلى غيره) ش: بخلاف ما إذا أعطاه في يوم واحد، لأن الواجب التفريق على ستين مسكينا ولم يوجد ذلك لا حقيقة لأنه مسكين واحد ولا حكما لعدم تجدد الحاجة بخلاف المسألة الأولى لأن إطعامه في ستين يوما كإطعام ستين مسكينا لما قلنا. م: (وهذا في الإباحة من غير خلاف) ش: أي عدم الإجزاء فيما إذا أعطى كله مسكينا واحدا في يوم واحد بطريق الإباحة بلا خلاف، يعني لا تجزئه إلا بتجدد الأيام، لأن الواحد لا يستوفي ما يستوفي ستون مسكينا في يوم واحد. م: (وأما التمليك) ش: يعني إذا أعطى الطعام كله مسكينا واحدا في يوم واحد بطريق التمليك م: (من مسكين واحد في يوم واحد بدفعات، فقد قيل لا يجزئه) ش: وهو الأصح، كذا في المحيط لأن المعتبر سد الخلة م: (وقد قيل: يجزئه؛ لأن الحاجة إلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 557 التمليك، تتجدد في يوم واحد، بخلاف ما إذا دفع بدفعة واحدة، لأن التفريق واجب بالنص. وإن قرب التي ظاهر منها في خلال الإطعام لم يستأنف، لأنه تعالى ما شرط في الإطعام أن يكون قبل المسيس، إلا أنه يمنع من المسيس قبله، لأنه ربما يقدر على الإعتاق أو الصوم، فيقعان بعد المسيس. والمنع لمعنى في غيره لا يعدم المشروعية في نفسه. وإذا أطعم عن ظهارين ستين مسكينا لكل مسكين صاعا من بر، لم يجزئه إلا عن واحد منهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجزئه عنهما، وإن أطعم ذلك عن إفطار وظهار أجزأه عنهما. له أن بالمؤدى وفاء بهما، والمصروف إليه محل لهما، فيقع عنهما كما لو اختلف السبب أو فرق في الدفع. ولهما أن النية في الجنس الواحد لغو. وفي الجنسين معتبرة،   [البناية] التمليك تتجدد في يوم واحد، بخلاف ما إذا دفع بدفعة واحدة؛ لان التفريق واجب بالنص) ش: فإذا جمع لا يجزئه إلا عن واحد كالحاج إذا رمى الحصيات السبع دفعة واحدة، كذا في " المبسوط ". م: (وإن قرب التي ظاهر منها في خلال الإطعام لم يستأنف؛ لأنه عز وجل ما شرط في الإطعام أن يكون قبل المسيس) ش: وبه قال الشافعي وأحمد، لأن مالكا يستأنف، واعتبر بالصوم م: (إلا أن يمنع من المسيس قبله) ش: أي قبل الإطعام م: (لأنه ربما يقدر على الإعتاق أو الصوم، فيقعان بعد المسيس) ش: فالمنع لا لمعنى المسيس لتوهم القدرة على الإعتاق فيكون لمعنى في غيره م: (والمنع لمعنى في غيره لا يعدم المشروعية في نفسه) ش: فلا يقتضي الفساد كالبيع وقت النداء والصلاة في الأوقات المكروهة. [أطعم عن ظهارين ستين مسكين صاعا من بر] م: (وإذا أطعم عن ظهارين ستين مسكين صاعا من بر لم يجزئه إلا عن واحد منهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: هذا من مسائل الجامع الصغير، وصورتها فيه روى محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في الرجل يكون عليه طعام مائة وعشرين مسكينا عن ظهارين، فأطعم ستين مسكينا لكل مسكين صاعا من حنطة من ظهارين من امرأة واحدة أو امرأتين لم يجزئه إلا من إحداهما في قول ٍأبي حنيفة وأبي يوسف. م: (وقال محمد يجزئه عنهما) ش: أي عن ظهارين م: (وإن أطعم ذلك عن إفطار وظهار أجزأه عنهما) ش: أي عن الإفطار والظهار بالإعتاق، م: (له) ش: أي محمد م: (أن بالمؤدى) ش: وهو قدر الصياع م: (وفاء بهما) ش: أي بكفارتيهما لكل واحد من ستين مسكينا م: (والمصروف إليه محل لهما فيقع عنهما) ش: أي عن الكفارتين م: (كما لو اختلف السبب) ش: يعني أطعم ذلك من ٍإفطار وظهار م: (أو فرق في الدفع) ش: بأن أعطى مسكينا نصف الصاع عن إحدى الكفارتين، ثم أعطى النصف الآخر إياه عن الكفارة الأخرى جاز بالاتفاق. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن النية في الجنس الواحد لغو) ش: لأن النية للتميز بين الأجناس المختلفة أو لتمييز المشترك ولا يوجد ذلك في الجنس الواحد م: (وفي الجنسين معتبرة) ش: ألا ترى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 558 وإذا لغت النية والمؤدى يصلح كفارة واحدة، لأن نصف الصاع أدنى المقادير فيمنع النقصان دون الزيادة فيقع عنها، كما إذا نوى أصل الكفارة، بخلاف ما إذا فرق في الدفع، لأنه في الدفعة الثانية في حكم مسكين آخر. ومن وجبت عليه كفارتا ظهار فأعتق رقبتين لا ينوي عن إحداهما بعينها جاز عنهما، وكذا إذا صام أربعة أشهر أو أطعم مائة وعشرين مسكينا جاز لأن الجنس متحد، فلا حاجة إلى نية معينة وإن أعتق عنهما رقبة واحدة أو صام شهرين كان له أن يجعل ذلك عن أيهما شاء، وإن أعتق عن ظهار وقتل لم يجز عن واحد منهما. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجزئه عن أحدهما   [البناية] من كان عليه قضاء أيام من رمضان فنوى صوم القضاء جاز، ولا يجب فيه نية التعيين وفي قضاء رمضان وصوم النذر يفتقر إلى تعيين النية لاختلاف جنسهما. فإن قيل: لو أعتق عبدا عن أحد الظهارين بعينه صح نية التعين ولم يجعل لغوا في جنس واحد، ولهذا حل وطء التي (هي) عينها. قلنا أفاد الحل التي رفع حرمتها بعينها. فإن قيل: تعلق بنية الظهارين هنا غرض صحيح، وهو رفع الحرمة عنهما، فوجب أن يصح. قلنا: إعتاق الرقبة يصلح كفارة عن إحدى الظهارين قدرا ومحلا فصحت بنيته. فأما إطعام ستين مسكينا صاعا إن كان يصلح عن الظهارين قدرا لا يصلح محلا لهما لأن محل الظهارين مائة وعشرون مسكينا عند عدم التفريق، فإذا زاد في الوظيفة ونقص عن المحل وجب أن يعتبر قدر المحل احتياطا، كما لو أعطي ثلاثين مسكينا كل واحد صاعا. م: (وإذا لغت النية، والمؤدى يصلح كفارة واحدة لأن نصف الصاع أدنى المقادير) ش: يعني أدنى المقادير م: (فيمنع النقصان دون الزيادة) ش: لأن الشيء إذا وجب مطلقا، ثم ورد الشرع بالتقدير، وذلك التقدير لا يمنع الزيادة، فإذا كان كذلك م: (فيقع عنها) ش: أي عن الكفارة الواحدة م: (كما إذا نوى أصل الكفارة) ش: فإنه يقع عن إحداهما بالاتفاق م: (بخلاف ما إذا فرق في الدفع، لأنه في الدفعة الثانية في حكم مسكين آخر) ش: هذا جواب عن قول محمد: أو فرق في الدفع، حاصلة أن قياسه على هذا غير صحيح، ووجه يظهر عن المتن. م: (ومن وجبت عليه كفارتا ظهار فأعتق رقبتين لا ينوي عن إحداهما بعينهما جاز عنهما، وكذا إذا صام أربعة أشهر، أو أطعم مائة وعشرين مسكينا جاز، لأن الجنس متحد، فلا حاجة إلى نية معينة) ش: بكسر الياء المشددة م: (وإن أعتق عنهما رقبة واحدة أو صام شهرين كان له أن يجعل ذلك عن أيهما شاء) ش: هذا جواب الاستحسان، والقياس أن لا يجوز، وهو قول زفر، لخروج الأمر من يده. م: (وإن أعتق عن ظهار وقتل لم يجز عن واحد منهما. وقال زفر: لا يجزئه عن أحدهما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 559 في الفصلين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له أن يجعل ذلك عن أحدهما في الفصلين، لأن الكفارات كلها باعتبار اتحاد المقصود جنس واحد. وجه قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أعتق عن كل ظهار نصف العبد، وليس له أن يجعل عن أحدهما بعد ما أعتق عنهما، لخروج الأمر من يده. ولنا أن نية التعيين في الجنس المتحد لا يفيد فتلغو، وفي الجنس المختلف يفيد، واختلاف الجنس في الحكم - وهو الكفارة ها هنا - باختلاف السبب، نظير الأول إذا صام يوما في قضاء رمضان عن يومين يجزئه عن قضاء يوم واحد، ونظير الثاني إذا كان عليه صوم القضاء والنذر، فإنه لا بد فيه من التمييز، والله أعلم.   [البناية] في الفصلين. وقال الشافعي: له أن يجعل ذلك عن أحدهما في الفصلين؛ لأن الكفارات كلها باعتبار اتحاد المقصود جنس واحد) ش: فالنية في الجنس الواحد لا تفيد، ويبقى نية أصل الكفارة، وذلك يكفي، فله أن يجعل بعد ذلك عن أيهما شاء. وقال أبو ثور: يقرع في الظهارين أيهما أصابتها القرعة حل وطؤها م: (وجه قول زفر أنه أعتق عن كل ظهار نصف العبد، وليس له أن يجعل عن إحداهما بعد ما أعتق عنها؛ لخروج الأمر من يده) ش: بعد ما أعتق، فصار كما إذا أعتق عن ظهار وقتل. م: (ولنا أن نية التعين في الجنس المتحد لا يفيد، فتغلوا) ش: أي نيته، هذا جواب عما يقال: لا نسلم اختلاف الجنس، فإن الحكم وهو الكفارة ها هنا بالإعتاق في القتل والظهار واحد، فأجاب بقوله: واختلاف الجنس م: (وفي الجنس المختلف يفيد) ش: للتمييز م: (واختلاف الجنس في الحكم وهو الكفارة ها هنا السبب) ش: فإن القتل يخالف الظهار لا محالة، واختلاف السبب يدل على اختلاف الحكم؛ لأن الحكم ملزوم السبب، واختلاف الملزوم يدل على اختلاف الملزومات، ولما اختلفت الجنس صحت النية، فكان إعتاق رقبة واحدة عن كفارتين مختلفتين، فيكون لكل منهما نصف الرقبة، فلا يجوز. ثم نظر المصنف لكل واحد من الجنس المتحد والمختلف بما ذكره في " الفوائد الظهيرية ". فقال م: (نظير الأول) ش: يعني الجنس المتحد م: (إذا صام يوما في قضاء رمضان عن يومين يجزئه عن قضاء يوم واحد) ش: بناء على لغوية التوزيع وبقاء أصل النية، إذ الجنس متحد م: (ونظير الثاني) ش: يعني الجنس المختلف م: (إذا كان عليه صوم القضاء والنذر، فإنه لا بد فيه من التمييز) ش: فإن نوى من الليل أن يصوم غدا عنهما كانت النية غير معتبرة، فلا يصير صائما أصلا إذ الجنس مختلف. فإن قيل: إذا نوى ظهارين في يومين فإنه لا يجوز عن واحد وإن اتحد الجنس. قلنا: لا نسلم اتحاد الجنس، لأنه يختلف باختلاف الخطاب والسبب، فإن لكل منهما سببا وخطابا على حدة، فإما الخطاب فظاهر، وأما السبب فإن دلوك الشمس في اليوم الثاني غير الأول، بخلاف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 560 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قضاء رمضان، لأن الخطاب بزمان يجمعها، وهو الشهر، ولا يحتاج إلى تعيين يوم السبت والأحد، حتى إذا كان في قضاء من رمضانين شرط التعيين، ذكره قاضي خان. فروع: في " المنتقى " عن أبي يوسف: لو تصدق بدرهم عن يمين وظهار فله أن يجعله عن أحدهما استحسانا. وفي " جوامع الفقه " ظاهر عن أربع فأعتق عبدا عنهن، ثم مرض فأطعم ستين مسكينا عنهن جاز استحسانا لاتحاد الجنس ونقصان الهلال لا يمنع، وفي " الخزانة " صام تسعة وعشرين يوما بالهلال وصام قبله خمسة عشر يوما جاز. وقيل: لا يجوز ويجب إتمامه بالعدد. وفي " الإشراف " يجزئه بالأهلة ثمانية وخمسون يوما، وبه قال الثوري ومالك وأهل الحجاز والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد، وإن لم يستقل الهلال. وقال الزهري: يصوم ستين يوما. وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن صومه ستين يوما إن صام بغير الأهلة. وفي " المنهاج ": يجوز إعتاق عبديه عن كفارته في كل واحد نصف وعندنا لا يجوز، وإعتاق العبد الحربي في دار الحرب عن الكفارة والعبد المستأمن يجوز خلافا للأئمة الثلاثة، ولا يجوز صرف الكفارة إلى فقير أهل الحرب، وإن كان مستأمنا ويجوز إلى فقير أهل الذمة، خلافا لأبي يوسف والأئمة والثلاثة، وفقير المسلمين أحب عندنا. ولو قال الآخر: أعتق عبدك عن كفارتي فأعتقه عن كفارته أجزأه، وعندنا إذا لم يشترط عن عوض لا يقع عن الأمر. وعن أحمد روايتان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 561 باب أحكام اللعان قال: إذا قذف الرجل امرأته بالزنا وهما من أهل الشهادة، والمرأة ممن يحد قاذفها، أو نفى نسب ولدها وطالبته بموجب القذف فعليه اللعان،   [البناية] [باب أحكام اللعان] [قذف الرجل امرأته بالزنا] م: (باب أحكام اللعان) ش: أي هذا باب في بيان أحكام اللعان وهو مصدر من لاعن يلاعن ملاعنة ولعانا، وأصله من اللعن، وهو الإبعاد والطرد في اللغة، يقال: التعن، أي لعن نفسه ولاعن إذا لعن غيره، ورجل لعنة بفتح العين إذا كان كثير اللعن لغيره ولعنة بسكونها إذا لعنه الناس كثيرا، ومعناه شرعا عبارة عما يجري بين الزوجين من الشهادات الأربع، واللعن والغضب، وسمي الكل لعانا لما فيه من ذكر اللعن كالصلاة تسمى ركوعا لما فيها من الركوع، وكالتحيات تسمى تشهدا لما فيها من التشهد وركنه الشهادة المؤكدة باليمين، وسببه قذف الرجل زوجته قذفا يوجب الحد في الأجانب، وشرطه قيام النكاح. وحكمه حرمة الوطء بعد التلاعن. وأهله من كان أهلا للشهادة عندنا حتى لا يجزئ بين مملوكين أو أحدهما صبي أو مملوك. م: (قال) ش: أي القدوري - رحمة الله تعالى - م: (إذا قذف الرجل امرأته بالزنا) ش: سواء في ذلك قوله رأيتك تزنين، وقوله أنت زانية ويا زانية عند الجمهور، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك في رواية. وفي المشهور عنه لا يجب بقوله: يا زانية أو أنت زانية بل يجب فيه الحد، وبه قال الليث وعثمان البتي ويحيى بن سعيد م: (وهما من أهل الشهادة) ش: يعني من أهل الأداء، ولهذا لا يجزئ بين مملوكين. فإن قلت: يجزئ بين الأعميين والفاسقين، مع أن الشهادة لهؤلاء. قلت: الأعميان من أهل الشهادة، وعدم قبول شهادتهما لعدم التمييز بين المشهود له، وعليه لو قضى القاضي بشهادة الفاسقين جاز. وقال في " النهاية ": ولو قضى القاضي بشهادة هؤلاء جاز. م: (والمرأة ممن يحد قاذفها) ش: حتى لو كانت ممن لا يحد قاذفها بأن تزوجت بنكاح فاسد ودخل بها أو كان لها ولد وليس له أب معروف لا يجزئ اللعان، أو زنت في عمرها ولو مرة، أو وطئت وطئا حراما ولو مرة، ذكره الأسبيجابي م: (أو نفى نسب ولدها) ش: بأن قال: هذا الولد من الزنا، أو قال: ليس مني قبل الإقرار بالولد. وقيل: مضي التهنئة التي هي قائمة مقام الإقرار، بخلاف ما إذا نفى الحبل، حيث لا لعان ولا حد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما يجيء م: (وطالبته بموجب القذف) ش: أي طالبت المرأة زوجها بموجب القذف م: (فعليه اللعان) ش: أي فعلى الزوج اللعان، أي يلاعنها، وإنما شرطت مطالبتها، لأنه حقها، لأنه لبراءة عرضها حيث قذفها بالفجور، فاشترطت مطالبتها كسائر حقوقها، حتى لو كانت كفت عن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 562 والأصل أن اللعان عندنا شهادات مؤكدات بالأيمان، مقرونة باللعن والغضب، قائمة مقام حد القذف في حقه، ومقام حد الزنا في حقها، لقوله عز وجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] (النور: الآية 6) ، والاستثناء إنما يكون من الجنس، وقال الله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] (النور: الآية 6) نص على الشهادة واليمين، فقلنا: الركن هو الشهادة المؤكدة باليمين.   [البناية] مدافعته، فهي امرأته. م: (والأصل أن اللعان عندنا شهادات مؤكدات بالأيمان) ش: إنما قال: عندنا، لأن عند الشافعي أيمان مؤكدات بلفظ الشهادة، حتى إن عند أهل اللعان من كان أهلا للشهادة، وعنده من كان أهلا لليمين، فلا يجري اللعان إلا بين زوجين مسلمين حرين عاقلين بالغين غير محدودين في القذف عندنا وعنده يجري بين المسلم وامرأته الكتابية، وبين الكافر وامرأته وبين العبد وامرأته، وبقول الشافعي قال مالك وأحمد في رواية كقولنا م: (مقرونة باللعن والغضب) ش: صفة لما قبله، وهذا المجموع هو اللعان، وهو ركن اللعان م: (قائمة) ش: أي اللعان قائمة إنما أنثه باعتبار الملاعنة أو باعتبار أنه شهادات إلى آخره م: (مقام حد القذف من حقه) ش: أي في حق الزوج، ولهذا يشترط كونها ممن يحد قاذفها ولا تقبل شهادته بعد اللعان أبدا. م: (ومقام حد الزنا في حقها) ش: أي في حق الزوجة، ولهذا لو قذفها مرارا يكفي لعانا واحدا كالحد م: (لقوله عز وجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] (النور: الآية 6) ش: وجه الاستدلال أن الله تعالى قال {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] (النور: الآية 6) ، واستثناء الأزواج من الشهداء م: (والاستثناء إنما يكون من الجنس) ش: هذا هو الأصل، ولا شهداء إلا بالشهادة، ولا شهادة فيما نحن فيه إلا كلمات اللعان، فدل أنها شهادات أكدت بالأيمان نفيا للتهمة. م: (وقال الله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] (النور: الآية 6) نص على الشهادة واليمين، فقلنا: الركن هو الشهادة المؤكدة باليمين) ش: لأن الحاجة ها هنا إلى إيجاب الحكم في الطرفين، والذي يصلح لإيجاب الحكم الشهادة دون اليمين، إلا أنها مؤكدة باليمين، لأن يشهد لنفسه، التأكيد باليمين لا يخرجه من أن يكون شهادة. فقلنا الركن الشهادة المؤكدة باليمين عملا بحقيقة لفظ القرآن والسنة على ما يأتي. وقال الماوردي في " الحاوي ": وتأويل أبي خطأ، لأن شهادة المرء على نفسه غير مقبولة (بل) فاسدة، لأن من قال بحقيقة لفظ الشهادة المذكورة في القرآن والحديث لم يكن قوله تأويلا، بل التأويل قول من ترك حقيقة اللفظ بالإشهاد الفاسد وتعطيل القرآن بالحديث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 563 ثم قرن الركن في جانبه باللعن لو كان كاذبا، وهو قائم مقام حد القذف، وفي جانبها بالغضب، وهو قائم مقام حد الزنا.   [البناية] وأما شهادته لنفسه فغير مقبولة لمكان التهمة، لا لأنه لا يصلح للشهادة، ألا ترى إلى قوله عز وجل {شَهِدَ اللَّهُ} [آل عمران: 18] ... الآية، وكان من أصدق الشهادات لانتفاء التهمة والتهمة فيما نحن فيه منتفية باليمين، مع أنها بإذن الله تعالى أو شرع رسوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وأما تكرار الشهادة لقيامها مقام أربع شهادات، فإن الواجب عليه إقامة أربع شهادات من شهود أربعة، وقد عجز عن إقامة شهود أربعة، ولم يعجز عن إقامة أربع شهادات فما عجز عنه. م: (ثم قرن الركن) ش: هو الشهادة م: (في جانبه) ش: أي في جانب الزوج م: (باللعن لو كان كذابا) ش: تأكيدا م: (وهو قائم مقام حد القذف) ش: ولهذا لا يثبت بالشهادة على الشهادة، ولا بشهادة النساء، وكتاب القاضي إلى القاضي م: (وفي جانبها) ش: أي وفي جانب الزوجة م: (بالغضب) ش: أي قرن الشهادة بالغضب، وإنما خص الغضب في جانبها في المرة الخامسة لأنهن يستعملن اللعن كثيرا في البيوت على ما جاء في الحديث: أنهن يكثرن اللعن، ويكفرن العشير، وسقطت حرمة اللعن عند أعينهن فيجرين على الإقدام عليه لكثرة حربه، فأقيم الغضب مقامه في حقهن ليكون أدعى لهن عن الإقدام، وإنما أفردت الخامسة بالغضب لأنها ليست من جنس الشهادة لعدم ذكر الشهادة فيها م: (وهو قائم مقام حد الزنا) ش: ولهن لو قذفها مرارا يكفي لعان واحد كالحد. فإن قيل ما معنى إقامة الشهادة مقام الحد في الطرفين، وهنا المناسبة بين الحد والشهادة أجيب بأن الحد زاجر، والاستشهاد بالله تعالى كاذبا مقرونا باللعن على نفسه سبب الهلاك، وفي ذلك زجر عن الإقدام على سببه. فإن قيل: لو كان اللعان قائما في حقه مقام حد القذف لجرى كجريانه في الاتحاد والتعدد، وليس كذلك، فإن من قذف أربع نسوة له في كلمة واحد، وفي كلام متفرق فعليه أن يلاعن عن كل واحدة منهن على حدة، وإن قذف أجنبيان فإنه يقام عليه حد القذف لهذا مرة واحدة. أجيب: بأن اللعان قائم في حقه مقام امرأته لا مطلقا، لأنه صار بدلا عما كان يلزمه في الابتداء بقذفها، فلا يرد عليه الأجنبيات، على أن ذلك لاختلاف المقصود، فإن المقصود هنا رفع عار الزنا عنهن، وذلك يحصل بإقامة حد واحد، وهنا لا يحصل المقصود بلعان واحد تعذر الجمع بينهن بكلمات اللعان، فقد يكون صادقا في حق بعض دون بعض، والمقصود التفريق بينه وبينهن، ولا يحصل ذلك بلعان بعضهن، فيلاعن كلا منهن، حتى لو كان محدودا في قذف كان عليه لهن حد واحد، لأن موجب قذفهن الحد حينئذ، والمقصود يحصل بحد واحد كما في الأجنبيات. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 564 إذا ثبت هذا نقول لا بد أن يكونا من أهل الشهادة، لأن الركن فيه الشهادة، ولا بد أن تكون هي ممن يحد قاذفها لأنه قائم في حقه مقام حد القذف، فلا بد من إحصانها، ويجب بنفي الولد، لأنه لما نفى ولدها صار قاذفا لها ظاهرا، ولا يعتبر احتمال أن يكون الولد من غيره بالوطء عن شبهة، كما إذا نفى أجنبي نسبه عن أبيه المعروف وهذا لأن الأصل في النسب هو الصحيح، والفاسد ملحق به، فنفيه عن الفراش الصحيح قذف حتى يظهر الملحق به، ويشترط طلبها لأنه حقها فلا بد من طلبها كسائر الحقوق. فإن امتنع عنه   [البناية] م: (إذا ثبت هذا) ش: يعني إذا ثبت أن الأصل أن اللعان عندنا شهادات مؤكدات بالأيمان م: (نقول لا بد أن يكون من أهل الشهادة، لأن الركن فيه) ش: أي في اللعان م: (الشهادة، ولا بد أن تكون هي) ش: أي المرأة م: (ممن يحد قاذفها) ش: حتى لو كان من أهل الشهادة والمرأة ممن لا يحد قاذفها، بأن كان معها ولد لا أب له معروف لا يجب اللعان م: (لأنه) ش: أي لأن اللعان م: (قائم في حقه مقام حد القذف، فلا بد من إحصانها) ش: أي إحصان المرأة م: (ويجب بنفي الولد) ش: أي يجب اللعان إذا نفى ولده بأن قال هذا الولد من الزنا، وقد مضى الكلام فيه عن قريب م: (لأنه لما نفى ولدها صار قاذفا ظاهرا) ش: كما إذا نفى أجنبي نسب ولد عن أبيه المعروف، فإنه يكون قاذفا للمرأة، وكذلك هذا. م: (ولا يعتبر احتمال أن يكون الولد من غيره بالوطء عن شبهة، كما إذا نفى أجنبي نسبه) ش: أي بنسب الولد م: (عن أبيه المعروف) ش: فإنه التباس قذف صريح م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله ولا يعتبر احتمال أن يكون الولد من غيره م: (لأن الأصل في النسب الصحيح) ش: أي الفراش الصحيح م: (والفاسد ملحق به، فنفيه عن الفراش الصحيح قذف حتى يظهر الملحق به) ش: وفي " المبسوط ": الولد من الوطء بشبهة ثابتة بالنسب عن النسيان، والذي لا يكون ثابت النسب عن أحد يكون من الزنا ولا نسب لها الولد إلا منه. فإذا نفاه فقد زعم أن لا نسب له، فيكون قاذفا بالزنا. وقال الشافعي: لا يصير قاذفا بالنفي ما لم يقل إنه من الزنا، لجواز أن يكون من الوطء بشبهة، كما قال لأجنبية ليس هذا الولد من زوجك، والقياس ما قاله، إلا أنا تركناه بالضرورة، لأن الزوج قد يعلم أن الولد ليس منه بأن لم يطأها وعزلها عزلا بينا، فاكتفى بنفي الولد، حتى ينتفي منه نسب الولد، وهذه الصورة معدومة في حق الأجنبي. قيل ذكر في " جوامع الفقه " وغيره: لو قال وجدت معها رجلا يجامعها ليس بقذف لها، لأنه يحتمل الحل والجماع بشبهة، والنكاح الفاسد، فكان ينبغي أن يكون كذلك هنا، لأنه] ... [بالزنا. أجيب عنه جعلناه كالصريح بالزنا بالضرورة كما بينا. م: (ويتشرط طلبها) ش: أي طلب المرأة بموجب القذف م: (لأنه حقها، فلا بد من طلبها كسائر الحقوق) ش: لأنه باللعان يندفع عنه عار الزنا، وبه قالت الثلاثة م: (فإن امتنع عنه) ش: أي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 565 حبسه الحاكم حتى يلاعن أو يكذب نفسه فيحد لأنه حق مستحق عليه، وهو قادر على إيفائه، فيحبس به حتى يأتي بما هو عليه أو يكذبه نفسه ليرتفع السبب. ولو لاعن وجب عليها اللعان لما تلونا من النص إلا أنه يبتدأ بالزوج، لأنه هو المدعي. فإن امتنعت حبسها الحاكم حتى تلاعن أو تصدقه، لأنه حق مستحق عليها، وهي قادرة على إيفائه فتحبس فيه. وإذا كان الزوج عبدا أو كافرا أو محدودا في قذف فقذف امرأته فعليه الحد، لأنه تعذر اللعان لمعنى من جهته، فيصار إلى الموجب الأصلي، وهو الثابت بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الآية (الآية 4: النور) ، واللعان خلف عنه.   [البناية] عن اللعان م: (حبسه الحاكم حتى يلاعن) ش: وهذا عندنا. وقال الشافعي ومالك وأحمد يقام عليه حد القذف بناء على أن موجب القذف عندهم الحد، وعندنا اللعان م: (ويكذب نفسه فيحد، لأنه حق مستحق عليه) ش: أي على الزوج م: (وهو قادر على إيفائه) ش: قال الأكمل: قيل هذا احتراز عن المديون المفلس، فإن الدين مستحق، ولكنه غير قادر على إيفائه فلا يحبس. قلت: القائل بهذا " الكافي "، فإنه هكذا شرح هذا الموضع م: (فيحبس فيه، حتى يأتي بما هو عليه أو يكذب نفسه) ش: فإذا كذب نفسه فحينئذ يجب عليه حد القذف م: (ليرتفع السبب) ش: أي سبب اللعان، أي علته وهو التكاذب، لأن اللعان إنما يجب إذا كذب كل واحد منهما الآخر فيما يدعيه، حتى لو كذب نفسه لا يجب اللعان، وفي بعض النسخ ليرتفع الشين، أي العار بالتكاذب، وهو بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالنون. م: (ولو لاعن) ش: أي الزوج م: (وجب عليها اللعان لما تلونا من النص) ش: وهو قوله عز وجل {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] (النور: الآية 6) م: (إلا أنه يبتدئ بالزوج، لأنه هو المدعي) ش: بناء على أن اللعان شهادات، والمطالب بها هو المدعي والاستثناء بمعنى لكن، كأنه استشعر أن يقال المتلو من النص لا يدل على المبدوء به، فقال إلا أنه يبدأ به. (فإن امتنعت حبسها الحاكم، حتى تلاعن أو تصدقه) ش: أي تصدق الزوج م: (لأنه حق مستحق عليها، وهي قادرة على إيفائه فتحبس فيه) ش: وقال الشافعي ومالك: لا تحبس بل ترجم للزنا بعد الدخول بها، ولأحمد في حبسها روايتان. [الزوج عبدا أو كافرا أو محدودا في قذف فقذف امرأته] م: (وإذا كان الزوج عبدا أو كافرا أو محدودا في قذف فقذف امرأته فعليه الحد) ش: صورة ما إذا كان الزوج كافرا والمرأة مسلمة بأن كان الزوجان كافرين فأسلمت المرأة فقذفها الزوج قبل عرض الإسلام عليه م: (لأنه تعذر اللعان لمعنى من جهته) ش: وهو كونه ليس من أهل الشهادة م: (فيصار إلى الموجب الأصلي) ش: وهو حد القذف م: (وهو الثابت بقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] (النور: الآية 4) م: (واللعان خلف عنه) ش: فإنه كان هو المشروع أولا، ثم صار اللعان خلافا عنه في الزوج عند وجود الشرط، فإذا عدمت صير إلى الأصل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 566 وإن كان من أهل الشهادة وهي أمة أو كافرة أو محدودة في قذف، أو كانت ممن لا يحد قاذفها، بأن كانت صبية، أو مجنونة، أو زانية، فلا حد عليه ولا لعان، لانعدام أهلية الشهادة وعدم الإحصان في جانبها، وامتناع اللعان لمعنى من جهتها فيسقط الحد كما إذا صدقته والأصل في ذلك قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أربعة لا لعان بينهم وبين أزواجهم: اليهودية، والنصرانية تحت المسلم، والمملوكة تحت الحر والحرة تحت المملوك»   [البناية] م: (وإن كان من أهل الشهادة وهي أمة) ش: أي والحال أن المرأة أمته م: أو كافرة أو محدودة في قذف أو كانت ممن لا يحد قاذفها بأن كانت صبية أو مجنونة أو زانية) ش: أي وكان ظهور زناها بين الناس كذلك، أو تزوجها بنكاح فاسد أو ولدها من غير أب معروف م: (فلا حد عليه ولا لعان) ش: هذا من مسائل القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلا أن قوله - بأن كانت صبية أو مجنونة أو زانية - فإنه تفسير من المصنف م: (لانعدام أهلية الشهادة وعدم الإحصان في جانبها) ش: أي في جانب المرأة م: (وامتناع اللعان لمعنى في جهتها) ش: أي لأجل امتناع وجوب اللعان لعلة في جهة المرأة فإذا كان كذلك م: (فيسقط الحد كما إذا صدقته) أي المرأة أي كما يسقط الحد إذا صدقت المرأة زوجها لأن سقوط اللعان يكون من جهتها وبقولنا قال الشعبي والزهري وحماد ومكحول وعطاء وأحمد في رواية وفي ظاهر مذهبه من كان أهلا لليمين فهو أهل اللعان، كما قال الشافعي ومالك. م: (والأصل في ذلك) ش: أي في الذي ذكر من البيان م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «أربعة لا لعان بينهم وبين أزواجهم: اليهودية والنصرانية تحت المسلم، والمملوكة تحت الحر، والحرة تحت المملوك والمحدود في قذف امرأته» ش: أقول: ونذكر أولا ما ذكره الشراح هنا، حتى يعرف القصد والتقليد في أمثاله. فقال الأترازي: هذا الحديث لم نجد له أصلا في كتب الحديث " كالموطأ " و" صحيح" البخاري و " سنن" أبي داود و " جامع" الترمذي وغير ذلك، إلا أن أبا بكر الرازي ذكره في شرحه " لمختصر الطحاوي " بإسناده عن عبد الباقي عن نافع عن أبي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أربع ليس بينهن ملاعنة اليهودية والنصرانية تحت المسلم والمملوكة تحت الحر، والحرة تحت المملوك» انتهى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 567 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قال الأكمل: قيل هذا الحديث لم يوجد له أصل في كتب الحديث، لكن أبا بكر الرازي ذكره في شرحه " مختصر الكرخي " بإسناده عن عبد الباقي أبي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قيل: كفى بأبي بكر الرازي العدالة والفقه والضبط مقتدى، انتهى. وقال الكاكي بعد أن ذكر الحديث: رواه الشيخ أبو بكر الرازي والدارقطني وفيه: «وليس بين المملوكين ولا الكافرين لعان» ذكره أبو عمر بن عبد البر أيضا وضعفه، ورواه الدارقطني من طرق ثلاث وضعفه، والضعيف إذا روي من طريق يحتج به على ما عرف، انتهى. فنقول قال الأترازي: هذا الحديث لم نجد له أصلا ... إلى آخره غير صحيح، لأن ابن ماجه والدارقطني وعبد الباقي بن قانع، ذكره فعرفت أنه من المقلدين المقصرين. وقول الأكمل قيل في الموضعين يدل على أنه من المقلدين المقصرين. وأما قول الكاكي فقريب من التوجيه، ولكنه لم يحرره كما ينبغي. قال الشيخ جمال الدين الزيلعي في تخريج أحاديث الهداية بعد أن ذكر الحديث المذكور: أخرجه ابن ماجه في "سننه" عن ابن عطاء عن أبيه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أربعة من النساء لا ملاعنة بينهن النصرانية تحت المسلم، واليهودية تحت المسلم، والمملوكة تحت الحر، والحرة تحت المملوك» هذا لفظ ابن ماجه وأخرجه الدارقطني في "سننه " عن عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عن عمرو بن شعيب وقال عن جده عبد الله بن عمرو موقوفا: «أربعة ليس بينهم لعان ليس بين الحر والأمة لعان، وليس بين الحرة والعبد لعان، وليس بين المسلم واليهودية لعان، وليس بين المسلم والنصرانية لعان» . وقال الدارقطني: الوقاصي متروك الحديث، ثم أخرج عن عثمان بن عطاء الخرساني عن أبيه عن عمرو به. قال: وعثمان بن عطاء الخرساني ضعيف الحديث جدا، وتابعه يزيد بن زريع عن عطاء وهو ضعيف أيضا. وروي عن الأوزاعي وابن جريج وهما إمامان عن عمرو بن شعيب عن جده انتهى. قلت: عطاء هذا وثقه ابن معين وأبو حاتم وغيرهما، واحتج به مسلم في صحيحه وابنه عثمان، ذكره ابن أبي حاتم في كتابه وقال: سألت عنه أبي فقال: يكتب حديثه ثم ذكر عن أبيه سألت دحيما عنه فقال: لا بأس به. فقلت إن أصحابه يضعفونه، فقال: وأي شيء حديث عثمان في الحديث، واستحسن حديثه وعثمان بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن أبي وقاص أبو عمرو الوقاصي المالكي قال ابن الجوزي: إنما قيل له المالكي لأن سعدا هو ابن مالك. قلنا هو أبو وقاص، فلذلك نسب إليه وكان هو ضعيفا، فقد أخرج الحديث أيضا عن عمرو بن شعيب غيره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 568 ولو كانا محدودين في قذف فعليه الحد، لأن اللعان من جهته إذ هو ليس من أهله. وصفة اللعان أن يبتدئ القاضي بالزوج فيشهد أربع شهادات،   [البناية] وروى الذهبي في المتن الأحاديث منها ما رواه عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا: «الكذب يقصر الرزق، والدعاء يرد القضاء نافذ ولله في خلقه قضاء يحدث» . وقال البيهقي: قال الشافعي: قالوا روي عن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أربع لا لعان بينهن ... » الحديث. قلنا: رويتم هذا عن رجل مجهول ورجل غلط، وعمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو منقطع. قلت: لم يسم الشافعي المجهول ولا الذي غلط ولا بينهما. وقال: روي هذا الحديث عن الباقي بن قانع وعيسى بن أبان من حديث حماد بن خالد الخياط عن معاوية بن صالح عن صدقة بن أبي ثوبة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحماد ومعاوية من رجال مسلم، وصدقة ذكره ابن حبان في كتاب التابعين، قال: وروى عنه معاوية بن صالح، ذكره ابن أبي حاتم في كتابه، وقال: روى عنه الوليد وعبيد الله بن موسى، وهذا يخرجه عن جهالة العين والحال. وقول الشافعي رجل غلط قال الشيخ علاء الدين في الجوهر النقي: أظنه أراد به عمرو بن شعيب وهو ثقة، وقد عمل العلماء بحديثه وعمل به الشافعي في مواضع والبيهقي. وقد خالف الشافعي في قوله إن الحديث منقطع وأثبت اتصاله، وقد تبين بما قلنا إن إسناد الحديث جيد، فلا نسلم قول البيهقي، ولم ينسلخ بيانه إلى عمرو. م: (ولو كانا) ش: أي الزوجان م: (محدودين في قذف فعليه الحد لأن امتناع اللعان لمعنى من جهته، إذ هو ليس من أهله) ش: هذه من مسائل الأصل ذكرها المصنف على سبيل التفريع، قوله لمعنى من جهته هو كونه ليس من أهل الشهادة. فإن قلت: هلا اعتبر جانبها وهي أيضا محدودة في القذف ذي الحد. قلت: المانع من الشيء إنما يعتبر مانعا إذا وجد المقتضي، لأنه عبارة عما ينتفي به الحكم مع قيام مقتضاه، وهنا المانع هو الرجل لكونه الأصل فيه، وإنما يعتبر أهلية المرأة فيه إذا وجدت أهلية الرجل، فإذا لم توجد أهلية الرجل لا يعتبر بحالها في اللعان كالعبد يقذف امرأته المحدودة العفيفة الحرة البالغة، حيث يجب عليه الحد. [صفة اللعان] م: (قال: وصفة اللعان) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وصفة اللعان م: (أن يبتدئ القاضي بالزوج) ش: أي يقيم القاضي الزوج بين يديه ويأمره م: (فيشهد أربع شهادات) ش: من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 569 يقول في كل مرة: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، ويقول في الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا، يشير إليها في جميع ذلك، ثم تشهد المرأة أربع مرات، تقول في كل مرة أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، وتقول في الخامسة غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا. والأصل فيه ما تلونا من النص، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يأتي بلفظ المواجهة يقول فيما رميتك به من الزنا لأنه أقطع للاحتمال وجه ما ذكر في الكتاب أن لفظة المغايبة إذا انضمت إليها الإشارة انقطع الاحتمال   [البناية] الإشهاد بنصب الدال عطفا على قوله أن يبتدئ. واعلم أنها إذا خاصمت إلى القاضي فينبغي أن يقول لها اتركي وانصرفي، ولو تركت وانصرفت ثم خاصمت بعد ذلك ثانيا جاز، لأن العفو عن القذف باطل، فإذا اختصمت وأنكر الزوج فعليها أن تقيم شاهدين عدلين، ولو أقامت رجلا وامرأتين لم يقبل. ولو لم يكن لها بينة فأرادت أن تحلف الزوج على القذف ليس لها ذلك، فإن أقر الزوج بأنه قذفها بالزنا سئل البينة، فإن شهد أربعة أنهم رأوا كالميل في المكحلة، والقلم في المحبرة ينظر إن كانت امرأة محصنة رجمت، وإن كانت غير محصنة جلدت. ولو لم يكن له بينة وجب اللعان إذا اجتمعت الشرائط. وقال في الأصل: يقول له القاضي قم فالتعن فيقوم. ثم م: (يقول في كل مرة أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، ويقول في الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا، يشير إليها في جميع ذلك. ثم تشهد المرأة أربع مرات تقول في كل مرة: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، وتقول في الخامسة: غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا) ش: وإذا كان القذف بنفي الولد تقول المرأة في كل مرة فيما رماني به من الزنا في نفي الولد. م: (والأصل فيه) ش: أي في اللعان على هذه الصورة م: (ما تلونا من النص) ش: وهو فيما مضى بقوله تعالى {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} [النور: 6] إلى قوله {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] (النور: الآية 6) م: (وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يأتي بلفظ المواجهة) ش: أي المخاطبة م: (يقول فيما رميتك به من الزنا، لأنه أقطع للاحتمال) ش: لأن هاء الغيبة محتملة فكانت المخاطبة أرفع للاحتمال، وبه قال زفر، كذا ذكره في " شرح الأقطع ". م: (وجه ما ذكره في الكتاب) ش: أي القدوري م: (أن لفظ المغايبة إذا انضمت إليها الإشارة انقطع الاحتمال) ش: لأنه يجتمع فيه أداتا تعريف فهو أولى. وفي " تنبيه الشافعية " يسميها إن كانت غائبة ويشير إليها إن كانت حاضرة. وقيل يجمع بينهما، وأنكره السرخسي فقال لا معنى لذكر الاسم والنسب مع الحضرة. وفي " المنهاج ": لو بدل الشهادة بحلف ونحوه أو الغضب يلغيها أو على العكس، قبل تمام الشهادات لم يصح على الأصح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 570 قال: فإذا التعنا لا تقع الفرقة حتى يفرق القاضي بينهما، وقال زفر: تقع بتلاعنهما، لأنه تثبت الحرمة المؤبدة بالحديث. ولنا أن ثبوت الحرمة يفوت الإمساك بالمعروف فيلزمه التسريح بالإحسان، فإذا امتنع ناب القاضي منابه دفعا للظلم دل عليه «قول ذلك الملاعن عند النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كذبت عليها يا رسول الله، فقال له: "أمسكها"، فقال: إن أمسكتها فهي طالق ثلاثا» . قاله بعد اللعان.   [البناية] [التفرقة بين المتلاعنين] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فإذا التعنا لا تقع الفرقة حتى يفرق القاضي بينهما) ش: تكون الزوجية قائمة ويقع ظهاره وطلاقه ويجري التوارث بينهما إذا مات أحدهما عندنا كذا في شرح الطحاوي م: (وقال زفر: تقع) ش: أي الفرقة م: (بتلاعنهما) ش: وهو المشهور من مذهب مالك وأصحابه، وبه قال أبو ثور وأبو عبيد في رواية داود، وهو مروي عن ابن عباس. قال الشافعي: يقع بلعانه كما إذا ارتد أحد الزوجين. وقال أبو بكر الرازي: قول الشافعي خارج لا سلف له فيه، قيل ليس كذلك، لأنه ذكر في المقدمات أنه ظاهر قول مالك وعبد الله بن عمرو بن العاص. وقال ابن حزم في " المحلى ": قول الشافعي قول لا برهان عليه. وقال عثمان البتي وجماعة من أهل البصرة: لا يتعلق باللعان فرقة بحال، وهو خلاف السنة والحديث. م: (لأنه تثبت الحرمة المؤبدة بالحديث) ش: قال الأكمل والكاكي: أراد بالحديث قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبدا» ، نفي الاجتماع بعد التلاعن، وهو تنصيص على نفي الفرقة بالتلاعن، وقال الأترازي: ولزفر قول الصحابة: المتلاعنان لا يجتمعان أبدا. قلت: الصواب مع الأترازي أنه لم يرو مرفوعا، إنما روي موقوفا على جماعة من الصحابة من ذلك ما رواه أبو داود من حديث ابن شهاب «عن سهل بن سعد - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في هذا الخبر، قال فطلقها ثلاث تطليقات فأنفذه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمضت السنة بعد في المتلاعنين إذا افترقا لا يجتمعان أبدا.» وروى عبد الرزاق في مصنفه: المتلاعنان لا يجتمعان أبدا موقوفا على عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (ولنا أن ثبوت الحرمة يفوت الإمساك بالمعروف، فيلزمه التسريح بالإحسان، فإذا امتنع ناب القاضي منابه دفعا للظلم) . م: (قال) ش: المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (دل عليه) ش: أي دل على عدم وقوع الفرقة م: «قول ذلك الملاعن عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذبت عليها يا رسول الله، إن أمسكتها فهي طالق ثلاثا، قاله بعد اللعان» ش: وأراد بالملاعن عويمر العجلاني. وجه الاستدلال أنه قال: كذبت عليها عند الجزء: 5 ¦ الصفحة: 571 وتكون الفرقة تطليقة بائنة، عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - لأن فعل القاضي انتسب إليه كما في العنين   [البناية] النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... إلى آخره، ولم ينكر عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولو وقعت بينهما بمجرد التلاعن لأنكر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن قيل: قد أنكر عليه بقوله: «اذهب فلا سبيل لك عليها» . أجيب: بأن ذلك ينصرف إلى طلبه رد المهر، فإنه روي أنه قال: «إذا كنت صادقا فهو لها بما استحللت من فرجها، وإن كنت كاذبا فلا سبيل لك عليها» والتركيب المذكور قلق جدا، حتى في بعض النسخ دل عليه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لذلك الملاعن: «إن أمسكتها فهي طالق ثلاثا» قاله بعد اللعان، أي بعد وقوع اللعان وبين النسختين فرق لا يخفى. ولو ذكر الحديث ثم بين وجه الاستدلال لكان أحسن وأوضح. والحديث رواه مالك في " الموطأ " عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره «أن عويمرا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري، فقال له: يا عاصم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا يقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لي عن ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما رجع عاصم إلى أهله جاء عويمر فقال: يا عاصم ماذا قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال له عاصم: ما كنت لتأتيني بخبر قد كره رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسألة التي سألته عنها، قال: والله لا أنتهي، حتى آتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأسأله عنها فأتى عويمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسط الناس فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد أنزل الله تعالى فيك وفي صاحبتك، اذهب فأت بها"، قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . قال ابن شهاب: فكانت تلك سنة الملاعنين، ورواه البخاري في "صحيحه" عن إسماعيل عن مالك عن ابن شهاب، ورواه مسلم أيضا وأبو داود. وفي رواية عويمر بن أشقر. وقلنا حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أيضا «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لاعن بين رجل وامرأته ألحق الولد بأمه» ذكره في " الصحيحين". «وعن سهل بن سعد شهدت المتلاعنين على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا ابن خمس عشر سنين فرق بينهما حين تلاعنا» فهذه الأحاديث الصحاح كلها تدل على عدم وقوع الفرقة بتمام تلاعنهما حتى يفرق بينهما، وكذا إيقاع الطلاق الثلاث، ولم يرد في حديث أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فرق بينهما قبل لعان المرأة بعد لعان الرجل، قال الطحاوي: قول الشافعي خلاف القرآن والحديث، وينبغي على قوله أنه لا تلاعن المرأة أصلا، لأنها ليست زوجة عند لعانها. م: (وتكون الفرقة) ش: أي الفرقة الحاصلة بالتلاعن م: (تطليقة بائنة عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى، لأن فعل القاضي انتسب إليه) ش: للنيابة عنه م: (كما في العنين) ش: حيث الجزء: 5 ¦ الصفحة: 572 وهو خاطب إذا أكذب نفسه، عندهما، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو تحريم مؤبد لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المتلاعنان لا يجتمعان أبدا» نص على التأبيد. ولهما أن الإكذاب رجوع، والشهادة بعد الرجوع لا حكم لها، ولا ويجتمعان ما داما متلاعنين، ولم يبق التلاعن ولا حكمه بعد الإكذاب فيجتمعان، ولو كان القذف بنفي الولد نفى القاضي نسبه وألحقه بأمه.   [البناية] يؤجله القاضي سنة، فإن وصل إليها وإلا فرق القاضي بينهما إذا طلبت المرأة الفرقة، والفرقة بالطلاق لا تتأبد، غير أنها بائنة، لأن المقصود دفع الظلم عنها فلا يحصل ذلك إلا بالبائن، وهما يحتجان أيضا بما روى مسلم عن إبراهيم النخعي أنه قال: اللعان تطليقة بائنة، ولأن الثابت بالنص اللعان، فلو أثبت الحرمة (المؤبدة) لزم الزيادة على النص، وذلك لا يجوز، لأنه نسخ. م: (وهو خاطب إذا أكذب نفسه) ش: هذه مسألة مبتدأة، أي هذا الرجل بعد الإكذاب صار خاطبا من الخطاب، أي يجوز له أن يتزوجها كما لغيره يجوز أن يتزوجها فعليه الحد بإكذاب نفسه م: (عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد م: (وقال أبو يوسف هو تحريم مؤبد) ش: يعني بعد التلاعن تبقى المرأة حرام عليه أبدا، فلا يجوز له أن يتزوجها، وبه قال زفر والحسن والشافعي م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المتلاعنان لا يجتمعان أبدا") » ش: وقد مر الكلام عن قريب مستقصى، وهو قول الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولم يرد مرفوعا م: (نص على التأبيد) ش: أي نص ظاهر هذا الخبر على تأبيد الحرمة. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أن الإكذاب) ش: أي إكذاب الرجل الملاعن نفسه م: (رجوع، والشهادة بعد الرجوع لا حكم لها) ش: يعني يبطل حكمها م: (ولا يجتمعان ما داما متلاعنين) ش: ولا منافاة بين نص التأبيد والعود خاطبا، لأن معناه ما داما في حال التلاعن م: (ولم يبق التلاعن ولا حكمه بعد الإكذاب) ش: أي لم يبق حقيقة التلاعن ولا حكما يعني لا حقيقة ولا حكما، أما حقيقة فظاهر، وأما حكما فلأنه لما أكذب نفسه وجب عليه الحد، فبطلت أهلية اللعان، فإذا بطلت الأهلية بطل حكمها م: (فيجتمعان) ش: أي المتلاعنان، يعني يجوز اجتماعها بعد ذلك التزويج. وقال الكاكي: إذا كذب نفسه قبل تفريق القاضي حلت له من غير تجديد النكاح. م: (ولو كان القذف بنفي الولد نفى القاضي نسبه وألحقه بأمه) ش: أي ألحق الولد بأمه، وبه قال الشافعي وأحمد. وقال إبراهيم وابن معقل وموسى: لا يفتقر نسب الولد على الفراش بالنفي، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ، ذكره في " الصحيحين ". وللجمهور حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أن رجلا لاعن امرأته فانتفى ولده وفرق بينهما، وألحق الولد بأمه» رواه الجماعة. قال في " شرح الطحاوي ": ثم ولد الملاعنة بعدما قطع نسبه فجميع أحكام نسبه باق من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 573 وصورة اللعان أن يأمر الحاكم الرجل فيقول أربع مرات: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتك به من نفي الولد، وكذا في جانب المرأة. ولو قذفها بالزنا ونفي الولد ذكر في اللعان الأمرين، ثم ينفي القاضي نسب الولد ويلحقه بأمه، لما روينا «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نفى ولد امرأة هلال بن أمية عن هلال وألحقه بها»   [البناية] الأب سوى الميراث والنفقة، حتى إن شهادة الأب له لا تقبل وشهادته لابنه لا تقبل ودفع الزكاة إليه لا يجوز. ولو كان أنثى فزوجه أباها أو تزوج بنته منه إن كان ابنا لا يجوز، وغير ذلك من أحكام النسب. [صورة اللعان] م: (وصورة اللعان) ش: أي في نفي الولد م: (أن يأمر الحاكم الرجل، فيقول أربع مرات أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتك به من نفي الولد، وكذا في جانب المرأة ولو قذفها بالزنا ونفي الولد ذكر في اللعان الأمرين) ش: أراد بهما الزنا ونفي الولد م: (ثم ينفي القاضي نسب الولد ويلحقه بأمه لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «نفى ولد امرأة هلال بن أمية عن هلال، وألحقه بها» ش: الحديث رواه أبو داود في "سننه" قال: حدثنا الحسن بن على قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال «جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلا فرأى بعينه وسمع بأذنه فلم يهجه حتى أصبح ثم غدا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال يا رسول إنى جئت أهلى عشاء فوجدت عندهم رجلا فرأيت بعينى وسمعت بأذنى فكره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما جاء به واشتد عليه فنزلت {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} [النور: 6] الآيتين كلتاهما (النور: الآية: 6) فسرى عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال بشير: يا هلال قد جعل الله عز وجل لك فرجا ومخرجا ". قال هلال قد كنت أرجو ذلك من ربى. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أرسلوا إليها ". فجاءت فتلا عليهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا فقال هلال والله لقد صدقت عليها فقالت قد كذب. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لاعنوا بينهما ". فقيل لهلال: اشهد. فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فلما كان الخامسة قال: يا هلال اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة التى توجب عليك العذاب. فقال والله لا يعذبنى الله عليها كما لم يجلدنى عليها. فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم قيل لها اشهدى. فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فلما كانت الخامسة قيل لها اتقى الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة التى توجب عليك العذاب. فتلكأت ساعة ثم قالت والله لا أفضح قومى فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ففرق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهما وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ولا ترمى ولا يرمى ولدها ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد وقضى أن لا مبيت عليه ولا قوت من أجل أنهما يتفرقان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 574 ولأن المقصود من هذا اللعان نفي الولد فيوفر عليه مقصوده فيتضمنه القضاء بالتفريق، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن القاضي يفرق ويقول: قد ألزمته وأخرجته عن نسب الأب، لأنه ينفك عنه فلا بد من ذكره.   [البناية] من غير طلاق ولا متوفى عنها وقال " إن جاءت به أصيهب أريصح أثيبج حمش الساقين فهو لهلال وإن جاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين فهو للذى رميت به فجاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لولا الأيمان لكان لى ولها شأن.» قال عكرمة وكان ولدها بعد ذلك أميرا على مصر، وما يدعى لأب، ورواه أحمد في مسنده، وهو معلول بعباد بن منصور. وقال ابن معين: عباد بن منصور ضعيف قدري. وقال ابن حبان: كان قدريا داعيا إلى القدر. وقال في التنقيح: وثقه يحيى القطان. قوله - أصيهب - تصغير أصهب، وهو الذي يعلو لونه صهبة وهي كالشقرة. وقوله - أريصح - تصغير الأرصح بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الصاد المهملة وبالحاء المهملة هو الناتئ الإليتين، ويجوز بالسين، قاله الهروي. قوله أثيبج تصغير أثبج بفتح الهمزة وسكون الثاء المثلثة وفتح الباء الموحدة وبالجيم، وهو الناتئ الثبج أي ما بين الكتفين والكاهل. قوله - حمش الساقين - بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وبالشين المعجمة أي دقيقهما. قوله: - أورق - أي أسمر قوله - جعد - بفتح الجيم وسكون العين المهملة وبالدال المهملة، وهو القصير بمتردد الخلق. قوله جماليا - بضم الجيم وتخفيف الميم واللام وتشديد الياء آخر الحروف، وهو الضخم الأعضاء التام الأوصال. قوله - سابغ الإليتين - بالسين المهملة وكسر الباء الموحدة وبالغين المعجمة، أي قائمها وعظيمها. م: (ولأن المقصود من هذا اللعان) ش: أي لأن مقصود الزوج من لعانه م: (نفي الولد فيوفر عليه) ش: أي على الزوج م: (مقصوده) ش: في نفيه م: (فيتضمنه القضاء بالتفريق) ش: أي يتضمن نفي الولد قضاء القاضي بالتفريق، يعني إذا قال فرقت بينهما يكفي. م: (وعن أبي يوسف أن القاضي يفرق ويقول: قد ألزمته أمه) ش: أي ألزمت الولد أمه م: (وأخرجته) ش: أي الولد م: (من نسب الأب) ش: حتى لو لم يقل ذلك لم ينتف النسب عنه م: (لأنه ينفك عنه) ش: أي لأن نفي الولد ينفك عن التفريق إذ ليس من ضرورة التفريق باللعان نفي الولد كما لو مات الولد فإنه يفرق بينهما باللعان ولا ينتفي النسب عنه م: (فلا بد من ذكره) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 575 فإن عاد الزوج وأكذب نفسه حده القاضي لإقراره بوجود الحد عليه. وحل له أن يتزوجها وهذا عندهما، لأنه لما حد لم يبق أهلا للعان، فارتفع حكمه المنوط به وهو التحريم. وكذلك إن قذف غيرها فحد به لما بينا، وكذا إذا زنت فحدت لانتفاء أهلية اللعان من جانبها. وإذا قذف امرأته وهي صغيرة أو مجنونة فلا لعان بينهما، لأنه لا يحد قاذفها لو كان أجنبيا، فكذا لا يلاعن الزوج لقيامه مقامه. وكذا إذا كان الزوج صغيرا أو مجنونا لعدم أهلية الشهادة.   [البناية] ش: أي من ذكر نفي الولد، ألا ترى أنه إذا نفى ولد أم الولد ينتفي به ولا يجري اللعان. وإذا قال لامرأته زنيت يجري اللعان ولا ينتفي الولد. م: (فإن عاد الزوج وأكذب نفسه) ش: يعني بعد اللعان م: (حده القاضي لإقراره بوجود الحد عليه) ش: حيث قذف محصنته. وفي " المبسوط ": هذا إذا لم يطلقها بائنا بعد القذف، أما لو كذب نفسه بعد البينونة لا يجب الحد ولا اللعان، لأن المقصود باللعان التفريق، ولا يتأتى ذلك بعد البينونة ولا حد عليه، لأن قذفه كان موجبا للعان التفريق، ولا يتأتى ذلك بعد البينونة ولا حد عليه، لأن قذفه كان موجبا للعان والقذف الواحد لا يوجب الحدين م: (وحل له أن يتزوجها) . ش: قال الأكمل: هذا تكرار لقوله - وهو خطاب إذا أكذب نفسه عندهما - ويجوز أن يقال ذكر هناك تفريعا، ونقل هنا لفظ القدوري م: (وهذا عندهما) ش: أي جواز حل الزوج بعد اللعان والتكذيب والحد عند أبي حنيفة ومحمد م: (لأنه لما حد لم يبق أهلا للعان، فارتفع حكمه المنوط به) ش: أي ارتفع اللعان بحكمه المتعلق به م: (وهو التحريم) ش: كما ارتفع اللعان. م: (وكذلك) ش: أي يحل كذلك م: (إن قذف غيرها) ش: أي غير امرأته بعد تفريق القاضي م: (فحد به) ش: أي بسبب قذفه م: (لما بينا) ش: يريد به قوله لأنه لما حد لم يبق أهلا للعان، فارتفع بحكمه المنوط به م: (وكذا إذا زنت فحدت لانتفاء أهلية اللعان من جانبها) ش: فإن قيل لما جرى اللعان بينهما علم أنهما زوجان على صفة الإحصان والمرأة والرجل إذا زنيا بعد إحصانهما يرجمان، فحينئذ كان قوله فحدث معناه رجمت، فبعد ذلك أن تبقى محلا للزوج. أجيب بأن معنى قوله - حدت - جلدت، وتصور المسألة أن يتلاعنا بعد التزوج قبل الدخول، ثم إنها زنت بعد اللعان، فكان حدها الجلد دون الرجم، لأنها ليست بمحضة، لأن من شرط إحصان الرجم الدخول بعد النكاح الصحيح ولم يوجد. م: (وإذا قذف امرأته وهي صغيرة) ش: أي والحال أنها صغيرة م: (أو مجنونة فلا لعان بينهما، لأنه لا يحد قاذفها) ش: أي قاذف الصغيرة والمجنونة م: (لو كان) ش: أي القاذف م: (أجنبيا، فكذا لا يلاعن الزوج صغيرا أو مجنونا لعدم أهلية الشهادة) ش: واللعان شهادة عندنا، وبه قال الشافعي. وفي " المدونة " يلاعن بقذف الصغيرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 576 وقذف الأخرس لا يتعلق به اللعان، لأنه يتعلق بالصريح كحد القذف، وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا لأنه لا يعرى عن الشبهة، والحدود تندرئ بها. وإذا قال الزوج: ليس حملك مني فلا لعان بينهما، وهذا قول أبي حنيفة وزفر - رحمهما الله - لأنه لا يتيقن بقيام الحمل، فلم يصر قاذفا. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: اللعان يجب بنفي الحمل إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر، وهو معنى ما ذكر في الأصل، لأنا تيقنا الحمل عنده فيتحقق القذف،   [البناية] وفي " المغني ": لو قذفها وهي بنت تسع فعليه الحد وتطالبه إذا بلغت، وبدون التسع يعزر. ولو قال لها: زنيت وأنت صبية أو مجنونة، وجنونها معهود فلا حد ولا لعان، ولا يجعل قاذفا في الحال، لأن فعلها لا يوصف بالزنا، بخلاف قوله زنيت وأنت ذمية أو منذ أربعين سنة وعمرها عشرون سنة، حيث يعزر، ذكره في الجوامع. [قذف الأخرس زوجته] م: (وقذف الأخرس لا يتعلق به اللعان، لأنه) ش: أي لأن اللعان م: (يتعلق بالصريح كحد القذف) ش: فيندرئ بالشبهة، ولأنه شهادة حتى يشترط لفظ الشهادة م: (وفيه خلاف الشافعي) ش: فإنه يقول يصح قذفه ولعانه، لأن إشارة الأخرس كعبارة الناطق م: (وهذا لأنه لا يعرى عن الشبهة) ش: أي إشارة الأخرس م: (والحدود تندرئ بها) ش: أي تندفع بالشبهة، وكذا إذا كانت المرأة خرساء لا يجري اللعان بينهما. م: (وإذا قال الزوج: ليس حملك مني فلا لعان بينهما) ش: أي ولا يجب اللعان ولا الحد م: (وهذا) ش: أي عدم وجوب اللعان م: (قول أبي حنيفة وزفر) ش: وبه قال أحمد وأبو ثور، وهو قول الحسن البصري والشعبي والثوري وابن أبي ليلى م: (لأنه لا يتيقن بقيام الحمل) ش: لعله يكون ريحا م: (فلم يصر قاذفا) ش: فلا يكون موجبا للعان. م: (وقال أبو يوسف ومحمد: اللعان يجب بنفي الحمل إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر) ش: وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة أولا. وعن أبي يوسف يلاعن في الحال. وإنما قيد بقوله إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر، لأنه إذا جاءت به لأكثر من ستة أشهر لا يجب اللعان، لأنه لا يتيقن بوجود الحمل عند القذف م: (وهو معنى ما ذكر في الأصل) ش: أي قيده بمجيء الولد لأقل من ستة أشهر، لأنه إذا جاءت به لأكثر من ستة أشهر لا يجب اللعان، لأنه لا يتيقن بوجود الحمل عند القذف. م: (وهو معنى ما ذكر في الأصل) ش: أي قيده بمجيء الولد لأقل من ستة أشهر، ما ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في الأصل م: (لأنا تيقنا الحمل عنده) ش: أي عند القذف م: (فيتحقق القذف) ش: فهذا ونفيه بعد الولادة سواء، ولهذا ثبت حكم الإرث والوصية إذا ولدت لأقل من ستة أشهر بتيقن وجوده. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 577 قلنا: إذا لم يكن قذفا في الحال يصير كالمعلق بالشرط، فيصير كأنه قال: إن كان بك حمل فليس مني، والقذف لا يصح تعليقه بالشرط. فإن قال لها: زنيت وهذا الحبل من الزنا تلاعنا لوجود القذف حيث ذكر الزنا صريحا، ولم ينف القاضي الحمل، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ينفيه لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نفى الولد عن هلال وقد قذفها حاملا، ولنا أن الأحكام لا تترتب عليه إلا بعد الولادة لتمكن الاحتمال قبله، والحديث محمول على أنه عرف قيام الحبل بطريق الوحي.   [البناية] م: (قلنا: إذا لم يكن قذفا في الحال) ش: هذا جواب من جهة أبي حنيفة، يعني إذا لم يكن قوله ليس حملك مني قذفا في الحال بالاحتمال م: (يصير كالمعلق بالشرط، فيصير كأنه قال: إن كان بك حمل فليس مني، والقذف لا يصح تعليقه بالشرط) ش: قبل وجود الشرط، ولا حاجة إلى إبقاء حكمه إلى وجود الشرط لعدم الحاجة إلى إيجاب الحد، لأن الحدود يحتال إلى درئها لا إلى إثباتها، بخلاف الإرث والوصية، فإنهما يتوقفان إلى انفصال الولد، ولا يتوقف القذف. وقيل إن هلال بن أمية قذف امرأته بنفي الحمل وقد لاعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهما. أجيب: بأنا لا نسلم أنه قذف امرأته بنفي الحمل، نعم أنه قذفها وهي حامل، وذلك لا يدل على قذفها بنفي الحمل، لأن الحديث قال إذا رأى أحدنا رجلا على امرأته فذلك يدل على أنه كان قاذفا بصريح الزنا لا بنفي الحمل. م: (فإن قال لها: زنيت وهذا الحمل من الزنا، تلاعنا لوجود القذف، حيث ذكر الزنا صريحا، ولم ينف القاضي الحمل. وقال الشافعي: ينفيه لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نفى الولد عن هلال، وقد قذفها حاملا) ش: وقد ذكرنا عن قريب حديث هلال بن أمية بتمامه. م: (ولنا أن الأحكام لا تترتب عليه) ش: أي على الحمل، يعني أن نفي الولد حكم من أحكامه والأحكام لا تترتب عليه م: (إلا بعد الولادة لتمكن الاحتمال قبله) ش: أي قبل انفصال الولد أو قبل حصول الولد. فإن قيل بل يترتب عليه قبل الولادة كالرد بالعيب والميراث والوصية به. وأجيب بأن اللعان في حق الزوج بمنزلة الحد، فلا يقام مع الشبهة، بخلاف الرد بالعيب، لأنه يثبت مع الشبهة والإرث والوصية يتوقفان على انفصاله، ولا ينفرد في الحال. وحاصل الجواب أن قوله الأحكام لا تثبت يراد به بعضها ونفي الولد منها لئلا يلزم إقامة الحد مع قيام الشبهة م: (والحديث) ش: أي حديث هلال م: (محمول على أنه) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (عرف قيام الحبل بطريق الوحي) ش: بدليل أن في الحديث: إن جاءت به أصيهب الحديث إلى آخره، كما ذكرناه. ومثل ذلك لا يعرف إلا بطريق الوحي. ومن أصحابنا من قال: إن هلالا قذفها نصا، فإنه قال وجدت شريك بن سمحاء على بطنها يزني بها، ثم نفى الحمل بعد ذلك، وعندنا لو قذفها نصا لاعن، كذا في " المبسوط ". قال ابن الجوزي: إن أحمد أنكر لعان هلال بالحمل، فقال إنما لاعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما جاء وشهد بالزنا ولو كان اللعان بالحمل لكان الحمل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 578 وإذا نفى الرجل ولد امرأته عقيب الولادة أو في الحالة التي تقبل التهنئة وتبتاع آلة الولادة صح نفيه، ولاعن به، وإن نفاه بعد ذلك لاعن ويثبت النسب، هذا عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: يصح نفيه في مدة النفاس، لأن النفي يصح في مدة قصيرة ولا يصح في مدة طويلة، ففصلنا بينهما بمدة النفاس، لأنه أثر الولادة، وله أنه لا معنى للتقدير، لأن الزمان للتأمل وأحوال الناس فيه مختلفة، فاعتبرنا ما يدل عليه، وهو قبوله، أو   [البناية] منه منتفيا عن الزوج غير لاحق به اشتبه به أم لم يشتبه. وهكذا نقل عن محمد بن جرير بن أبي صفرة. وفي " شرح الكردي ": أجمع أصحابنا على أن النسب لا ينتفي، وهو حمل للشك في وجوده. وفي " البدائع" لا يقطع نسب الحمل قبل وضعه بلا خلاف بين أصحابنا. [نفى الرجل ولد امرأته عقيب الولادة] م: (وإذا نفى الرجل ولد امرأته عقيب الولادة) ش: أي حين ولدته م: (أو في الحالة) ش: أي أو نفاه في الحالة م: (التي تقبل التهنئة) ش: على بناء المجهول برفع التهنئة، قال الجوهري: التهنئة خلاف التعزية، وتقول هنأته بالولادة تهنئة تهنيئا، وكل أمر آت من غير تعب فهو هنيء، ومنه كلوا هنيئا مريئا، وأصله مهموز اللام م: (وتبتاع) ش: على صيغة المجهول أي يشتري م: (آلة الولادة) ش: مثل الشد والقماط والشيء الذي يفرش تحت الولد حين يوضع، والأشياء التي يلف فيها الولد حين تضعه أمه م: (صح نفيه، ولاعن به، وإن نفاه بعد ذلك لاعن ويثبت النسب، هذا عند أبي حنيفة) ش: وهو قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. اعلم أن اللعان يجري بينهما بنفي نسب الولد وإن طالت المدة، لأنه قذف زوجته بنفي الولد عن نفسه، لكن الولد هل ينتفي؟ فإن كان النفي بحضرة الولادة حين يولد أو بعد ذلك بيوم أو يومين أو نحو ذلك ينتفي. ولم يوقت أبو حنيفة فيه بشيء غير هذا. وروى الحسن عنه أنه يصح نفيه إلى سبعة أيام. م: (وقال أبو يوسف ومحمد: يصح نفيه في مدة النفاس) ش: وعند الشافعي متى أمكن نفيه بالمرافعة على الحاكم، فلم ينفه لزمه نسبه، وهو قول أبي عبيدة وأبي ثور وابن المنذر. وقال مجاهد وشريح يجوز للزوج نفيه متى شاء. وقال الشعبي ومحمد وابن أبي ذئب وبعض أهل المدينة: لا ينتفي بنفيه، ولكن يجب به اللعان، واحتجوا بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الولد للفراش» م: (لأن النفي يصح في مدة قصيرة ولا يصح في مدة طويلة، ففصلنا بينهما بمدة النفاس، لأنه أثر الولادة) ش: أي لأن النفاس أثر الولادة. وفي " المبسوط " مدة النفاس كحالة الولادة، بدليل أنها لا تصوم ولا تصلي فيها. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه لا معنى للتقدير، لأن الزمان للتأمل وأحوال الناس فيه) ش: أي في التأمل م: (مختلفة، فاعتبرنا ما يدل عليه) ش: أي على عدم النفي م: (وهو قبوله أو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 579 سكوته عند التهنئة، أو ابتياعه متاع الولادة، ومضي ذلك الوقت فهو ممتنع عن النفي، ولو كان غائبا ولم يعلم بالولادة، ثم قدم تعتبر المدة التي ذكرناها على الأصلين. قال: وإذا ولدت ولدين في بطن واحد فنفى الأول واعترف بالثاني يثبت نسبهما، لأنهما توأمان خلقا من ماء واحد، وحد الزوج لأنه أكذب نفسه بدعوى الثاني، وإن اعترف بالأول ونفى الثاني يثبت نسبهما لما ذكرنا، ولاعن لأنه قاذف بنفي الثاني، ولم يرجع عنه، والإقرار بالعفة سابق على القذف فصار كما إذا قال: هي عفيفة، ثم قال: هي زانية وفي ذلك التلاعن، فكذا هذا.   [البناية] سكوته عند التهنئة) ش: لأنه دليل الرضا م: (أو ابتياعه متاع الولادة، أو مضى ذلك الوقت فهو ممتنع، ش: أي والحال أن الزوج ممتنع م: (عن النفي) ش: بأن كان ساكتا. وفي " الشامل " أبو حنيفة لم يوقت، بل فوض إلى الإمام، قال وحكي عنه أنه اعتبر ثلاثة أيام، وروي عن سبعة أيام، لأن في هذه المدة يستعد للحقيقة، وإنما تكون الحقيقة بعد سبعة أيام. وفي " المبسوط " هذا ضعيف، لأن نصب المقدار بالرأي لا يكون. وروي عن محمد إذا هنئ بولد الأمة فسكت لم يكن قبولا، بخلاف ولد المنكوحة. م: (ولو كان) ش: أي الزوج م: (غائبا ولم يعلم بالولادة، ثم قدم، تعتبر المدة التي ذكرناها على الأصلين) ش: أي أصل أبي حنيفة. وأصل أبي يوسف ومحمد فعلى أصل أبي حنيفة يجعل كأنها ولدته الآن، فله النفي في مقدار ما يقبل النسبية، وعلى أصلهما في مقدار مدة النفاس بعد القدوم، لأن النسب لا يلزم إلا بعد العلم به، فصارت حالة القدوم كحالة الولادة. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا ولدت ولدين في بطن واحد فنفى الأول واعترف بالثاني يثبت نسبهما) ش: هذا إذا ولدت لأقل من ستة أشهر م: (لأنهما) ش: أي لأن الولدين م: (توأمان خلقا من ماء واحد) ش: التوأم يقال لكل واحد، وهو اسم لا يستحقه كل واحد وحده، وجمعه توائم، وهو اسم جمع وليس يجمع حقيقة م: (وحد الزوج لأنه أكذب نفسه بدعوى الثاني. وإن اعترف بالأول ونفى الثاني يثبت نسبهما لما ذكرنا) ش: أي كذب نفسه م: (ولاعن لأنه قاذف بنفي الثاني ولم يرجع عن) ش: أي عن النفي م: (والإقرار بالعفة سابق) ش: هذا جواب عما يقال: ينبغي أن يحد لأنه أكذب نفسه بعد القذف، لأن الإقرار الأول بثبوت النسب باق بعد نفي الثاني، فيعتبر قيام الإقرار بعد القذف بابتداء الإقرار، ولو وجد الإقرار بعد النفي يثبت الإكذاب، فيجب الحد فكذا هذا. فأجاب بقوله: والإقرار بالعفة سابق م: (على القذف) ش: حقيقة، والاعتبار بالحقيقة م: (فصار كما إذا قال هي عفيفة، ثم قال: هي زانية وفي ذلك التلاعن) ش: أي واجب م: (فكذا هذا) ش: أي فكذا حكم هذا حكم ذلك. وفي " المحيط " و " المبسوط ": فلو نفاهما ثم مات أحدهما أو قتل لزماه. وفي " مختصر الكرخي ": لا يجب اللعان عند أبي يوسف ويجب عند الجزء: 5 ¦ الصفحة: 580 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] محمد. ولو ولدت أحدهما ميتا فنفاهما لاعن بالاتفاق، ولزمه الولدان. ولو ولدت ولدا فنفاه ولاعن ثم ولدت آخر بيوم لزماه. وفي " النوادر " عن أبي حنيفة رواه الحسن عنه أن امرأة جاءت بثلاثة أولاد في بطن فنفى الثاني وأقر بالأول والثالث يلاعن وهم بنوه. ولو نفى الأول والثالث وأقر بالثاني يحد وهم بنوه. "وفي " المغني " التوأمان يكون بينهما أقل من شهر، ومثله عن مالك. وإذا ولدت فسكت لم يكن له نفيه بعد ذلك، وهو قول الشافعي، وقال ابن قدامة: وما ذكره أبو حنيفة يبطل بخيار الرؤيا لعيب، يعني أنه يبطل بالسكوت، ونقله عنه غلط، وذلك مذهب الناقل ويبطل مذهبه بالحمل، فإنه لا يبطل بالسكوت. ولو هنئ به فأمن على دعائه لزمه، وكذا إن قال: أحسن جزاءك أو بارك الله فيك، أو رزقك الله مثله لزمه الولد، وكذا عندنا وعند الشافعي لا يلزمه. وكل موضع لزمه الولد لا يكون له نفيه بعد ذلك عند الأئمة الأربعة وأصحابهم. ولو قال: ليس هذا الولد مني أو ليس ولدي، ولم يذكر زناها فلا حد ولا لعان. وكذا لو قال: أكرهت على الزنا لا حد ولا لعان. وفي " المحيط " أو نفى ولد زوجته وهما في اللعان لا ينتفي، وإن كانت كتابية أو أم ولد ثم أعتقت أو أسلمت ثم وضعت لا يصح نفيه. ولو ولدت بعد اللعان إلى سنتين لزمه الولد، وإن لم يكن عليها عدة يلزمه ما بينه وبين ستة أشهر، لأنه مطلق حكما ولو لاعنها بولد ثم ولدت إلى سنتين لزمه، لأنها معتدة ويقبل شهادته عليها بالزنا مع ثلاثة، وفيه خلاف الأئمة الثلاثة. ولو قذفها ثم شهد مع الثلاثة بالزنا لا تقبل، لأنه سقط عنه اللعان الواجب عليه. ولو شهد ثلاثة غير عدول فلا حد ولا لعان على المشهور. ولو قذف امرأة رجل بالزنا فقال الزوج: صدقت لم يكن على الزوج المصدق حد ولا لعان إلا أن يقول: صدقت هي كما قلت: فيكون قاذفا، ولو عين الذي رماها به وطلب الرجل حد القذف يحد له عندنا به. وقال الشافعي ومالك: لا يحد. وفي " الروضة ": زنت قبل تفريق القاضي بعد التلاعن يسقط اللعان عند أبي حنيفة، وحل له وطؤها. ولو أقام الرجل البينة على صدقه سقط عنه اللعان وحدت، وهو قول الظاهرية وقال مالك: يلاعن. وقال الشافعي: يلاعن إن كان معها ولد وإلا لا، ولا لعان في البائن لا في العدة ولا في غيرها عندنا ويحد، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك والثوري وأهل الحجاز وأهل العراق، وبعد اللعان يجب لها نصف الصداق عندنا، وبه قال مالك وسعيد بن جبير وقتادة والحسن، وقال حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة يجب لها المهر الكامل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 581 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقال الزهري: لا صداق لها. وقلنا: التفريق بينهما طلاق قبل الدخول، فيجب نصف المهر. فروع أخرى: "في المبسوط " لو مات ولد الملاعنة عن مال فادعى الملاعن لا يثبت نسبه ويضرب الحد. وإن ترك ابنا وبنتا يثبت نسبه من الأب وورثه الأب. ولو كان الولد الميت فشاركها ولد فأكذب نفسه يثبت عند أبي حنيفة، خلافا لهما. وقيل: الخلاف على العكس. وفي " جوامع الفقه " مات الشاهدان أو غابا بعدما شهدا لا يقضى باللعان. وفي المال يقضى بخلاف ما لو عميا أو فسقا أو ارتدا حيث يلاعن بينهما، والوطء الحرام بشبهة أو نكاح فاسد يسقط إحصانها، خلافا لأبي يوسف، ثم رجع وقال: هو ملحق بالوطء الحلال في ثبوت النسب ووجوب العدة، ولا لعان في النكاح الفاسد ولا في الوطء الحلال في ثبوت النسب ووجوب العدة، ولا لعان في النكاح الفاسد ولا في الوطء بشبهة عندنا. وقال الشافعي وأحمد: يجب اللعان فيهما إذا كان ينفي الولد. وعند أبي يوسف فيه الحد واللعان لإلحاقهما بالنكاح الصحيح. ولو قذفها ثم طلقها ثلاثا سقط اللعان ولا يجب الحد، وكذا لو تزوجها بعد ذلك لأن الساقط لا يعود، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد لو أقر به بعد الاستبراء يلزمه. وأجمعوا أنه لا لعان في النكاح الفاسد بغير ولد. ولو تلاعنا لا يثبت التحريم المؤبد في وجه عند الحنابلة وقذف المبانة وأضافها إلى حال قيام النكاح، وبينهما ولد يريد نفيه يلاعن ولا حد ولا لعان عند الشافعي ومالك. وعندنا يحد ولا لعان، وهو قول عطاء، ويروى عن الحسن وعثمان البتي، وهو قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولو قذف مطلقته الرجعية يلاعن، وبه قال النخعي والزهري وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد والظاهرية، وهو قول ابن عمر وجابر بن زيد. وقال ابن عباس: ولا لعان. وفي " جوامع الفقه " قال: قذفتك بعد أن أتزوجك أو زنيت قبل أن أتزوجك فهو قاذف في الحال يلاعن. وقال الشافعي ومالك: يحد. ولو قذفها ثم زنت أو وطئت حراما لا حد ولا لعان عندنا، وبه قال الشافعي. ولو فرق القاضي بعد التعانهما ثلاثا خطأ نفذ تفريقه عندنا، وعند زفر، وبقية الأئمة لا ينفذ، ولو بدأ بلعان المرأة فقط أخطأ ولا يجب إعادته، وبه قال مالك. وقال الشافعي وأحمد: يجب إعادته ويسقط اللعان بردتها، ولو أسلمت بعدها لا يعود. وفي " الذخيرة " قذفها بنفي ولدها فلم يتلاعنا حتى قذفها أجنبي بالولد، فحد الأجنبي يثبت نسب الولد ولا ينتفي بعد ذلك، لأن حد قاذفها حكم بكذبه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 582 باب العنين وغيره وإذا كان الزوج عنينا أجله الحاكم سنة، فإن وصل إليها فيها، وإلا فرق بينهما   [البناية] [باب العنين وغيره] [الحكم إذا كان الزوج عنينا] م: (باب العنين وغيره) ش: أي هذا باب في بيان أحكام العنين. ولما ذكر أحكام الأصحاء المتعلقة بالنكاح والطلاق شرع في بيان أحكام من به مرض له تعلق بالنكاح والطلاق، لأن حكم من به العوارض بعد ذكر حكم الأصحاء، والعنين من لا يقدر على إتيان النساء من عن إذا حبس في العنة، وهي حظيرة الإبل، أو من عن إذا عرض لأنه يعن يمينا وشمالا ولا يقصد. وقيل سمي العنين عنينا لأن ذكره يسترخي، فيعن يمينا وشمالا ولا يقصد للمأتى من المرأة، وجمع العنين عنيين. وفي " البصائر " يقال: فلان عنين بين العنيين، ولا يقال بين العنة. وكذا في " المغرب " وغيره. وفي قاضي خان والمرغيناني العنين من لا يصل إلى النساء مع قيام الآلة، ولو كان يصل إلى الثيب دون البكر أو إلى بعض النساء دون البعض، وذلك لمرض به، أو لضعف في خلقته أو لكبر سنه أو سحر فهو عنين في حق من لا يصل إليها لفوات المقصود في حقها، هكذا ذكره الأسبيجابي وقال: السحر له حقيقة وتأثير عند أهل السنة. وعند الهندواني يؤتى بطست فيه ماء بارد فيجلس العنين فيه إن كان عضوه يئول إلى النقصان ويتردى علم أنه لا عن فيه، وإن كان لا يئول ولا ينزوي علم أنه عنين. وفي " المغني " العنين العاجز عن الإيلاج مأخوذ من عن، أي إذا اعترض. وفي " المحيط" آلة قصيرة لا يمكنه إدخالها داخل الفرج لا حق لها في المطالبة بالتفريق. وفي " الجواهر ": العنين من لا ينتشر ذكره، وهو كالأصبع في البدن لا ينقبض ولا ينبسط. قوله: كالمجبوب المقطوع أكثر ذكره والخصي. م: (وإذا كان الزوج عنينا أجله الحاكم سنة) ش: أي بعد طلبها، وابتدأ التأجيل من وقت الخصومة يؤجل سنة، وعليه فتوى فقهاء الأمصار كأبي حنيفة وأصحابه، والشافعي وأصحابه، ومالك وأصحابه، وأحمد وأصحابه، وهو قول عمر وعثمان وابن مسعود والمغيرة وسعيد بن المسيب وعطاء وعمرو بن دينار وقتادة وإبراهيم النخعي وسفيان وعبد الرحمن الأوزاعي وإسحاق لا يؤجل ستة أشهر في العبد. وعنه وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وعن مالك يؤجل ستة أشهر في العبد. وعنه وعن ابن المسيب لو كانت حديثة العهد يؤجل خمسة أشهر. وعند عبد الله بن نوفل يؤجل عشرة أشهر. م: (فإن وصل إليها فيها) ش: فلا كلام م: (وإلا) ش: أي وإن لم يصل إليها م: (فرق بينهما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 583 إذا طلبت المرأة ذلك، هكذا روي عن عمر وعلي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - ولأن الحق ثابت له في الوطء، ويحتمل أن يكون الامتناع لعلة معترضة ويحتمل لآفة أصلية، فلا بد من مدة معرفة ذلك، وقدرناها بالسنة لاشتمالها على الفصول الأربعة، فإذا مضت المدة ولم يصل إليها تبين أن العجز بآفة أصلية ففات   [البناية] إذا طلبت المرأة ذلك) ش: أي التفريق، لأن الحق لها م: (هكذا روي عن عمر وعلي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -) ش: أما الرواية عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: قضى عمر بن الخطاب في العنين أن يؤجل سنة. قال معمر: وبلغني أن التأجيل من يوم تخاصمه. وروى محمد بن الحسن الشيباني في كتاب " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة حدثنا إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن عن عمر بن الخطاب أن امرأة أتته فقالت: إن زوجها لا يصل إليها، فأجله حولا، فلما انقضى حول ولم يصل إليها خيرها فاختارت نفسها، ففرق عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بينهما، وجعلها تطليقة بائنة. وأما الرواية عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأخرجها ابن أبي شيبة في "مصنفه" حدثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن إسحاق عن خالد بن كثير عن الضحاك عن علي يؤجل العنين سنة، فإن وصل إليها وإلا فرق بينهما. وأما الرواية عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأخرجها ابن أبي شيبة أيضا حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن الربيع بن عميلة عن أبيه عن حصين بن قبيصة عن عبد الله بن مسعود قال: يؤجل العنين سنة، فإن جامع وإلا فرق بينهما. م: (ولأن الحق ثابت لها في الوطء، ويحتمل أن يكون الامتناع لعلة معترضة) ش: من رطوبة أو برودة فيداوى بما يضاده، أو من يبوسته فكذلك م: (ويحتمل لآفة أصلية) ش: يعني في أصل الخلقة م: (فلا بد من مدة معرفة ذلك) ش: يعني أن الآفة أصلية أو معترضة م: (وقدرناها) ش: أي قدرنا مدة التأجيل م: (بالسنة لاشتمالها على الفصول الأربعة) ش: أي لاشتمال السنة على أربعة فصول، الربيع وهو ما إذا كانت الشمس في الحمل والثور والجوزاء، وهو حار رطب على طبيعة الهواء. والثاني الصيف، وهو ما إذا كانت الشمس في السرطان والأسد والسنبلة، وهو حار يابس على طبيعة النار. والثالث الخريف، وهو ما إذا كانت الشمس في الميزان والعقرب والقوس، وهو بارد يابس مثل طبيعة الأرض. والرابع الشتاء، وهو ما إذا كانت الشمس في الجدي والدلو والحوت، وهو بارد رطب على طبيعة الماء. م: (فإذا مضت المدة) ش: أي السنة م: (ولم يصل إليها تبين أن العجز بآفة أصلية، ففات الجزء: 5 ¦ الصفحة: 584 الإمساك بالمعروف، ووجب عليه التسريح بالإحسان. فإذا امتنع ناب القاضي منابه ففرق بينهما، ولا بد من طلبها لأن التفريق حقها وتلك الفرقة تطليقة بائنة، لأن فعل القاضي أضيف إليه فكأنه طلقها بنفسه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو فسخ. لكن النكاح لا يقبل الفسخ عندنا، وإنما تقع بائنة لأن المقصود - وهو رفع الظلم عنها - لا يحصل إلا بها لأنها لو لم تكن بائنة تعود معلقة بالمراجعة. ولها كمال مهرها إن كان خلا بها، فإن خلوة العنين صحيحة.   [البناية] الإمساك بالمعروف، ووجب عليه التسريح بالإحسان، فإذا امتنع) ش: من المفارقة م: (ناب القاضي منابه، ففرق بينهما) ش: دفعا للظلم، لأن القاضي هو انتصب لدفع الظلم م: (ولا بد من طلبها، لأن التفريق حقها) ش: فإذا اختارت نفسها بعد مضي المدة فهل تقع الفرقة من غير تفريق الحاكم، أم يحتاج إلى التفريق، فيه اختلاف الرواية عن أصحابنا فقال صاحب المختلف: فإن اختارت نفسها بانت منه في ظاهر الرواية، ثم قال: روى الحسن عن أبي حنيفة أنها إذا اختارت نفسها فرق القاضي بينهما ولا تقع الفرقة من غير تفريق. كذا ذكر الإمام الأسبيجابي أيضا في " شرح الطحاوي ". وقال التمرتاشي: لو سأل الزوج القاضي بعد السنة أن يؤجل سنة أخرى أو شهرا أو أكثر لا يفعل ذلك إلا برضاها، فإذا رضيت ثم رجعت فلها ذلك، ويبطل الأجل. ولو وجدته عنينا ولم يخاصم زمانا لم يبطل حقها، لأن ذلك قد يكون للتجربة والامتحان لا للرضى. م: (وتلك الفرقة تطليقة بائنة) ش: وبه قال مالك والثوري وقال الشافعي وأحمد: فسخ لأنه فرقة من جهتها، والقياس على الجب، قاله الماوردي من أصحابه. ولنا الفرقة من جهته م: (لأن فعل القاضي أضيف إليه) ش: أي إلى الزوج لامتناعه عن الإمساك بالمعروف، والفرقة بالطلاق مشروعة بكتاب الله تعالى أو الإجماع، والفسخ مختلف فيه، فالحمل بالجمع أولى ولا يستقيم قياسه على الجب، لأن الجب كالعنة، فيكون قياس المختلف على المختلف م: (فكأنه طلقها بنفسه) ش: أي فكأن الزوج طلقها بنفسه لإضافة فعل القاضي إليه. م: (وقال الشافعي: هو فسخ) ش: أي تفريق القاضي بينهما فسخ للنكاح م: (لكن النكاح لا يقبل الفسخ عندنا) ش: يعني بعد تمام العقد، أما قبل تمام العقد فيقبل ذلك كما في خيار البلوغ وخيار العتاقة، لأن ذلك امتناع من تمام العقد، م: (وإنما تقع) ش: أي الفرقة م: (بائنة، لأن المقصود - وهو رفع الظلم عنها - لا يحصل إلا بها) ش: أي بالبائنة م: (لأنها) ش: أي لأن الفرقة م: (لو لم تكن بائنة تعود معلقة بالمراجعة) ش: وهي التي لا تكون ذات زوج ولا مطلقة. أما الأول فلفوات المقصود، وهو الوطء. وأما الثاني فلأنها تحت زوج فلا يحصل حينئذ رفع الظلم، وهو المقصود من فرقة العنين. م: (ولها كمال مهرها إن كان خلا بها، فإن خلوة العنين صحيحة) ش: قيد به لأنه لو لم يكن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 585 وتجب العدة لما بينا من قبل، هذا إذا أقر الزوج أنه لم يصل إليها. ولو اختلف الزوج والمرأة في الوصول إليها، فإن كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه، لأنه ينكر استحقاق حق الفرقة، والأصل هو السلامة في الجبلة. ثم إن حلف بطل حقها، وإن نكل يؤجل سنة، وإن كانت بكرا نظر إليها النساء فإن قلن: هي بكر أجل سنة لظهور كذبه، وإن قلن: هي ثيب يحلف الزوج، فإن حلف لا حق لها، وإن نكل يؤجل سنة، وإن كان مجبوبا فرق بينهما في الحال إن طلبت، لأنه لا فائدة في التأجيل، والخصي يؤجل كما يؤجل العنين لأن وطأه مرجو. وإذا أجل العنين سنة وقال: قد جامعتها وأنكرت نظر إليها النساء، فإن قلن: هي بكر خيرت   [البناية] خلا بها يلزم نصف المهر. وقال الشافعي: لا يجب شيء من المهر ولا النفقة لأنه فسخ عنده م: (وتجب العدة) ش: بالإجماع م: (لما بينا من قبل) ش: يعني في باب المهر م: (هذا) ش: أي تأجيل العنين سنة، والتفريق بعد السنة م: (إذا أقر الزوج أنه لم يصل إليها) ش: يعني كان مقرا بها في الأول. [اختلف الزوج والمرأة في الوصول إليها] م: (ولو اختلف الزوج والمرأة في الوصول إليها) ش: فقال الزوج: وصلت وقالت المرأة: لم يصل إلي م: (وإن كانت) ش: أي المرأة م: (ثيبا فالقول قوله مع يمينه، لأنه ينكر استحقاق حق الفرقة، والأصل هو السلامة في الجبلة) ش: أي سلامة الآلة في أصل الخلقة. وقال زفر وابن أبي ليلى القول قولها م: (ثم إن حلف بطل حقها) ش: فلا يبقى لها خيار م: (وإن نكل) ش: عن اليمين م: (يؤجل سنة. وإن كانت بكرا نظر إليها النساء، فإن قلن هي بكر أجل سنة لظهور كذبه، وإن قلن: هي ثيب يحلف الزوج، فإن حلف لا حق لها، وإن نكل يؤجل سنة) : بعد ذلك والواحدة في النظر تكفي، والاثنتان أحوط. وفي البدائع أوثق. وفي الأسبيجابي أفضل. ثم كيف يعرف أنها بكر أو لا. قالوا: تدفع في فرجها أصغر بيضة من بيض الدجاج، فإن دخلت بلا عنف فهي ثيب وإلا فبكر. وقيل: إن أمكن بها أن تبول على الجدار فبكر وإلا فثيب. وفي " شرح الطحاوي " إذا وقع الشك للنساء في أمرها يفعل ذلك. وعن أحمد في الثيب يقال له أخرج المني، فإن أخرجه وقالت: ليس بمني يمتحن بالنار، فإن تصادقا على أنه مني يخرج به عن العنة، لأن الغالب عدم خروج مني العنين. م: (وإن كان مجبوبا) ش: أي وإن كان الزوج مجبوبا وهو الذي استؤصل ذكره وخصيتاه، من الجب وهو القطع م: (فرق بينهما في الحال إن طالبت المرأة، لأنه لا فائدة في التأجيل) ش: لأنه لا يرجى منه الوصول م: (والخصي) ش: من خصيت الفحل خصاء ممدوا إذا سللت خصيتيه، والجمع خصيان وخصية م: (يؤجل كما يؤجل العنين، لأن وطأه مرجو) ش: فإن حكمه حكم العنين. م: (وإذا أجل العنين سنة وقال: قد جامعتها وأنكرت نظر إليها النساء، فإن قلن: هي بكر خيرت) ش: أي يخيرها القاضي بدون يمينها، فلو اختارت الفرقة فرق القاضي بينهما، هكذا ذكر محمد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 586 لأن شهادتهن تأيدت بمؤيد، وهي البكارة، وإن قلن: هي ثيب حلف الزوج فإن نكل خيرت لتأيدها بالنكول وإن حلف لا تخير، وإن كانت ثيبا في الأصل فالقول قوله مع يمينه، وقد ذكرناه فيما مضى، فإن اختارت زوجها لم يكن لها بعد ذلك الخيار، لأنها رضيت ببطلان حقها، وفي التأجيل تعتبر السنة القمرية وهو الصحيح، ويحتسب بأيام الحيض وبشهر رمضان لوجود ذلك في السنة، ولا يحتسب بمرضه ومرضها، لأن السنة قد تخلو عنه.   [البناية] في الأصل. وفي " المنتقى ": لو اختارت نفسها بانت منه، فعلى هذه الرواية لا يحتاج إلى قضاء القاضي لوقوع الفرقة م: (لأن شهادتهن) ش: أي شهادة النساء م: (تأيدت) ش: أي تقوت م: (بمؤيد) ش: على وزن اسم الفاعل م: (وهي البكارة) ش: أي المؤيدة لشهادتهن هي البكارة، إذ البكارة هي الأصل م: (وإن قلن هي ثيب حلف الزوج، فإن نكل) ش: أي عن اليمين م: (خيرت لتأيدها بالنكول) ش: أي لتأييد دعوى المرأة بنكول الزوج. فإن اختارت الزوج أو قامت من مجلسها أو أقامها أعوان القاضي، أو أقام القاضي قبل أن تختار شيئا بطل خيارها، لأن هذا بمنزلة تخيير الزوج امرأته، وذلك موقت بالمجلس، فهذا مثله. فإن اختارت نفسها في المجلس يؤمر الزوج بالتفريق، فإن أبى فرق القاضي م: (وإن حلف لا تخير) ش: لبطلان حقها. م: (وإن كانت ثيبا في الأصل فالقول قوله مع يمينه، وقد ذكرناه فيما مضى) ش: وهو قوله فالقول قوله مع يمينه، لأنه ينكر استحقاق حق الفرقة، والأصل هو السلامة في الجبلة م: (فإن اختارت زوجها لم يكن لها بعد الخيار، لأنها رضيت ببطلان حقها. وفي التأجيل تعتبر السنة القمرية وهو الصحيح) ش: أطلق محمد في الأصل، ولم يقيد بالقمرية ولا بالشمسية. قال في " شرح الطحاوي ": ويعتبر سنة قمرية بالأهلة في ظاهر الرواية. وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه يعتبر سنة شمسية وهو الصحيح، لأن المنطوق هو السنة، والسنة تنصرف إلى القمرية مطلقا، وهي أقل من الشمسية، وهي تزيد على القمرية بأيام. وذهب السرخسي في " شرح الكافي " إلى رواية الحسن أخذا بالاحتياط. وقال الولوالجى في "فتاواه": العنين يؤجل سنة قمرية لا شمسية بأحد عشر يوما. وذكر الحلواني الشمسية ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم وجزء من مائة وعشرين جزاء من اليوم. والقمرية ثلاثمائة يوم وأربعا وخمسون يوما. م: (ويحتسب) ش: أي المدة م: (بأيام الحيض وشهر رمضان) ش: يعني لا يعوض عن أيام الحيض وشهر رمضان الواقعة في مدة التأجيل، وذلك لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قدروا مدة التأجيل سنة ولم يستثنوا منها أيام الحيض وشهر رمضان مع علمهم أن السنة لا تخلو عنها م: (لوجود ذلك في السنة) : ش: أي لوجود ما ذكر من أيام الحيض. وشهر رمضان في السنة م: (ولا يحتسب بمرضه ومرضها) ش: أي لا تحتسب المدة بسبب مرضه ومرضها م: (لأن السنة قد تخلو عنه) ش: أي المرض، يعني لا يكون زمان المرض محسوبا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 587 وإذا كان بالزوجة عيب فلا خيار للزوج وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ترد بالعيوب الخمسة: وهي الجذام، والبرص، والجنون، والرتق، والقرن، لأنها تمنع الاستيفاء حسا أو طبعا، والطبع مؤيد بالشرع، قال   [البناية] في مدة التأجيل قليلا كان المرض أو كثيرا، بل يعوض ذلك من أيام أخر، وعن أبي يوسف إذا مرض أحدهما مرضا لا يستطيع الجماع معه، فإن كان أقل من نصف شهرا احتسب عليه، وإن كانت أكثر لم يحتسب عليه. وفي " البدائع ": روى ابن سماعة عن أبي يوسف إن صح في السنة يوما أو يومين احتسب عليه. وفي رواية عنه أن ما فوق الشهر كثير لا يحتسب. وفي رواية عنه أن مدة الكثرة السنة. وفي رواية عنه أكثر السنة. وعن محمد لو مرض في السنة يؤجل مقدار مرضه، وعليه الفتوى. وعن أبي يوسف لو حجت أو هربت أو غابت لا يحتسب على الزوج، لأنه من جهتها. ولو حج هو أو غاب احتسب عليه. ولو حبس وامتنعت من المجيء إلى السجن لم يحتسب عليه مدة الحبس، كذا لو حبسه القاضي بمهرها، ولم يحضرها. وإن لم يمتنع، وكان في السجن موضع خلوة احتسب عليه، وإن لم يكن وطأها فيه لم تحتسب، قال محمد: إن كان محرما يؤجل بعد إحرامه. ولو رافعته وهو مظاهر فتعتبر المدة من حين المرافعة إن كان قادرا على الإعتاق. وإن كان عاجزا عنه أمهله شهرين لعدم القدرة على الجماع فيها. ولو ظاهر بعد التأجيل لا يلتفت إليه ولم يزد على المدة. [كان بالزوجة عيب] م: (وإذا كان بالزوجة عيب) ش: أي عيب كان م: (فلا خيار للزوج) ش: وبه قال عطاء والنخعي وعمر بن عبد العزيز وأبو قلابة وابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري وأبو سليمان الخطابي وداود الظاهري. وفي " المبسوط ": وهو مذهب علي وابن مسعود م: (وقال الشافعي: ترد بالعيوب الخمسة، وهي الجذام) ش: وهو علة رديئة تحدث من انتشار المرة السوداء م: (والبرص) ش: وهو بياض يظهر في البدن، ويكون في بعض الأعضاء دون بعض وربما يكون في سائر الأعضاء، حتى يكون ظاهر البدن كله أبيض، وسببه سوء مزاج العضو إلى البرودة وغلبة البلغم م: (والجنون) ش: وهو زوال العقل م: (والرتق) ش: وهو مصدر من قولك: امرأة رتقاء بينة الرتق لا يستطاع جماعها بأن لا يكون لها نقب سوى المبال م: (والقرن) ش: بسكون الراء، هو مانع يمنع من سلوك الذكر في الفرج من عظم أو غيره. م: (لأنها) ش: أي لأن هذه العيوب م: (تمنع الاستيفاء حسا) ش: أي من حيث الحس في القرن والرتق م: (أو طبعا) ش: أي أو من حيث الطبع في الجذام والبرص والجنون، لأن الطباع السليمة تنفر من جماع هؤلاء، وربما يسري إلى الأولاد م: (والطبع مؤيد بالشرع) ش: أي يمنع الاستيفاء من حيث الطبع، وقد تأيد بالشرع حيث ورد فيه الامتناع منه، أشار إليه بقوله م: (قال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 588 - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فر من المجذوم فرارك من الأسد» . ولنا أن فوت الاستيفاء أصلا بالموت لا يوجب الفسخ، فاختلاله بهذه العيوب أولى. وهذا لأن الاستيفاء من الثمرات   [البناية] - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فر من المجذوم فرارك من الأسد") » ش: هذا الحديث أخرجه البخاري تعليقا عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم فرارك من الأسد".» وقال الكاكي ناقلا عن ابن حزم: هذا الحديث غير صحيح لأنه لا يجب على أحد أن يفر من المجذوم، ويجوز الجلوس عنده، ويثاب على تمريضه وخدمته والقيام بمصالحه، ولهذا لو حدث ذلك بعد سنين لا ينفسخ النكاح. فإن قلت: استدل الشافعي أيضا «بأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوج امرأة من بني بياضة فوجد بكشحها بياضا فردها، وقال: "دلستم علي» . قلت: أجاب الأترازي عن هذا بأن المراد من رد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو الرد بالطلاق، وقال الكاكي: هو رواية جميل بن زيد عن زيد بن كعب بن عجرة وهو متروك، وزيد مجهول، لا يعلم لكعب بن عجرة ولد اسمه زيد. فإن قيل: روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الرد بالجنون والجذام والبرص. قال الكاكي: هذه رواية مكذوبة من طريق عبد الله بن حبيب، وهو مالكي، وقال الأترازي: معناه الرد بالطلاق. م: (ولنا أن فوت الاستيفاء أصلا بالموت لا يوجب الفسخ، واختلاله بهذه العيوب أولى) ش: أي فوت الاستيفاء بالكلية بموت أحد الزوجين لا يوجب الفسخ، حتى لا يسقط شيء من المهر، قوله: فاختلاله. أي فاختلال الاستيفاء بهذه العيوب المذكورة أولى أنه لا يوجب الفسخ، لأن الاستيفاء ها هنا يتأتى، ومقصود النسل يحصل غير أنه يوجب نفرة طبيعية، وإذا لا يوجب الرد كالبخر والقروح الفاحشة، قيل: فيما قاله المصنف ضعف، لأن النكاح يتوقف بحياتهما. م: (وهذا) ش: أي كون هذه العيوب لا توجب الفسخ م: (لأن الاستيفاء) ش: أي الوطء م: (من الثمرات) ش: أي ثمرات النكاح وفوات الثمرة لا يؤثر في عقد النكاح، ألا ترى أنه لو لم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 589 والمستحق هو التمكن، وهو حاصل. وإذا كان بالزوج جنون، أو برص أو جذام، فلا خيار لها، عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لها الخيار دفعا للضرر عنها، كما في الجب والعنة، بخلاف جانبه، لأنه متمكن من دفع الضرر بالطلاق، ولهما أن الأصل عدم الخيار لما فيه من إبطال حق الزوج، وإنما يثبت الخيار في الجب والعنة، لأنهما يخلان بالمقصود المشروع له   [البناية] يستوف لبخر أو دفر أو قروح فاحشة لم يكن له حق الفسخ فيها م: (والمستحق هو التمكن) ش: أي المستحق بالعقد هو التمكن من الوطء م: (وهو) ش: أي التمكن من الوطء م: (حاصل) ش: في جميع الصور. وأما في الجذام والبرص والجنون فظاهر، وأما في الرتق والقرن فبالفتق والشق، ولا يرد الفسخ لعدم الكفاءة وخيار البلوغ، لأن ذلك فسخ قبل تمام العقد، وذلك امتناع من تمام العقد وكذلك الفسخ بخيار العتاقة، لأن ذلك امتناع من ازدياد الملك عليها قبل التمام والنكاح لا يحتمل الفسخ بعد تمامه، ألا ترى أنه لا يحتمل الفسخ بالإقالة، فلا يفسخ بهذه العيوب، كما لا يفسخ بالعيوب الأخر من الزمانة والجرب والبخر والدفر والعمى والشلل. قال ابن حزم في " المحلى ": أما المالكيون والشافعيون فقد خصوا الرد بالعيوب المذكورة، فبطل قياسهم بالبيع، فكيف يشبه بالنكاح البيع والبيع خلافه، فإنه نقل ملك الرقبة ولا نقل في النكاح، والنكاح يصح من غير ذكر بدل، والبيع لا يصح، وقالوا: لا تطيب النفس بجماع برصاء ولا مجذومة، ولا يقدر على جماع الرتقاء والقرنا، وإنما يزوجهما للوطء. قلنا: طيب النفس على الجماع ليس بشرط، فإن نكاح العجوزة الشوهاء الصماء البكماء العمياء عمرها مائة سنة أو مريضة بالدق والسل لا براء منه عند الأطباء يجوز، وهذا مما لا شك فيه من العقلاء لما أمر الله تعالى به وهو الإمساك بالمعروف أو تسريح بإحسان، ولم يأت ظن صحيح فيما لا يتوقف عنده. [كان بالزوج جنون أو برص أو جذام] م: (وإذا كان بالزوج جنون، أو برص، أو جذام، فلا خيار لها، عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد: لها الخيار) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد م: (دفعا للضرر عنها، كما في الجب والعنة) ش: أي كما كان لها الخيار في الجب والعنة، فتخير دفعا للضرر عنها، حيث لا طريق لها سواه، م: (بخلاف جانبه) ش: أي جانب الزوج م: (لأنه متمكن من دفع الضرر بالطلاق) ش: لأن بالطلاق يندفع الضرر عنه. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن الأصل عدم الخيار لما فيه من إبطال حق الزوج) ش: برفع النكاح م: (وإنما يثبت الخيار في الجب والعنة لأنهما بخلاف المقصود المشروع له الجزء: 5 ¦ الصفحة: 590 النكاح، وهذه العيوب غير مخلة به فافترقا، والله أعلم بالصواب.   [البناية] النكاح) ش: أي المقصود الذي شرع النكاح لأجله، وذلك المقصود هو الوطء لا شرعية النكاح لأجل الوطء م: (وهذه العيوب غير مخلة به) ش: أي بالوطء م: (فافترقا) ش: أي افترق المقيس وهو الجنون والجذام والبرص والمقيس عليه وهو الجب والعنة. فإن قيل: جعل المصنف الوطء فيما إذا كان بالمرأة من العيوب الخمسة من الثمرات، ولم يثبت له خيار الفسخ، وفي مسألة الجب والعنة جعل المقصود المشروع له النكاح، ويلزم من ذلك أن يكون المقصود المشروع له النكاح، وأن لا يكون ذلك باعتبار الموضعين، وهو تحكم. أجيب: بأن هذا السؤال نشأ من تفسير المشروع له النكاح بالوطء، وليس ذلك بمراده، وإنما المراد به التمكن، وهما يخلان به، بخلاف العيوب الثلاثة، والله أعلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 591 باب العدة   [البناية] [باب العدة] [عدة الحرة] م: (باب العدة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام العدة، ولما كان أثر الفرقة بالطلاق وغيره أعقبها بذكر وجوه التفريق في باب على حدة، لأن الأثر يعقب المؤثر. والعدة في اللغة أيام أقراء المرأة، وفي الشريعة تربص يلزم المرأة عند زوال ملك المتعة متأكدا بالدخول أو الخلوة أو الموت، وقيل: هي عبارة عن تربص المرأة بعد زوال النكاح أو شبهة، ويقال عددت الشيء أعده، أي أحصيته، قال الله تعالى {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1] (الطلاق: الآية 1) والعدة بالضم الاستعداد والتهيؤ للأمر، والعدة أيضا ما أعددته لحوادث الدهر من المال والصلاح، والعدة بالفتح اسم للمرة من العدد، وفي "المنافع" العدة بمعنى المعدود، وسمى زمان التربص بها لأنها تعد الأيام المضروبة عليها في الشرع. وسبب العدة نكاح متأكد بالدخول أو بالموت، وركنها حرمات ثابتة إلى أجل وهي تكون بشهور وحيض ووضع حمل، وشرطه الفرقة بطلاق غيره، وحكمها عدم جواز الغير وأختها وأربع سواها، وما يجري مجراها، ومحظوراتها كالزينة والتطيب في المبانة والخروج عن البيت عموما. والعدة على أربع عشر وجها، عدة بثلاث قروء، وهي عدة الحر المطلقة ذات الحيض، وعدة بثلاث أشهر وهي عدة الحرة المطلقة التي لا تحيض صغيرة كانت أو كبيرة، وعدة بأربعة أشهر وعشرة أيام، وهي عدة المتوفى عنها زوجها، وعدة بشهرين وخمسة أيام، و عدة الأمة المتوفى عنها زوجها، وعدة بثلاث حيض وأربعة أشهر وعشرة أيام، هي تتصور في أربع مواضع، فيمن طلق زوجته الحرة طلاقا بائنا، وهو مريض ثم مات في عدتها ترث عنه، أو كانت له امرأتان أو ثلاث أو أربع، فقال: إحداكن طالق، فمات قبل البيان يجب على كل واحدة منهن أربعة أشهر وعشر، فيستكمل فيها ثلاث حيض، وأم ولد لرجل هي منكوحة لآخر فمات المولى والزوج، وبين موتها شهران وخمسة أيام ولا يعلم أيهما مات أولا فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام فتستكمل فيها ثلاث حيض. وإن لم يعلم أن بين موتها كم كان ولا من مات أولا فعدتها أربعة أشهر وعشر تستكمل فيها ثلاث حيض عند أبي يوسف ومحمد، وعند أبي حنيفة: عدتها أربعة أشهر وعشر لا حيض فيها، وكذلك إن علم أن بين موتهما أقل من شهرين وخمسة أيام فعدتها أربعة أشهر وعشر لا حيض فيها بلا خلاف، وإن مات المولى أولا وهي تحت زوج أو في عدة منه من طلاق رجعي ثم مات الزوج فتعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام، وإن كانت العدة من طلاق بائن لا تلزمها عدة الوفاة. وعدة بوضع الحمل، وهي عدة الطلاق والوفاة والعتاق بوضع الحمل إذا كانت حاملا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 592 وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا أو رجعيا أو وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق، وهي حرة ممن تحيض، فعدتها ثلاثة أقراء،   [البناية] فإن بقي الحمل إلى سنتين من يوم طلقها ثبت نسبه، وتنقضي العدة بوضع الحمل، وإن جاءت به لأكثر من سنتين بيوم لا يثبت نسبه، ويحكم بانقضاء العدة بعد ستة أشهر، وتسترد نفقتها إن كانت قبضتها في قول أبي حنفية ومحمد. وقال أبو يوسف: تنقضي عدتها بوضع الحمل، وإن لم يثبت نسبه، وعدة إلى ستين سنة، وصورته أن ينقطع حيضها بعد الطلاق تصير إلى أن يصير سنها ستين ثم تعتد بثلاثة أشهر، ثم تزوج، وكذلك لو اعتدت بقدرين ثم انقطع الحيض تصير إلى أن يصير سنها ستين سنة ثم تعتد بثلاثة أشهر، وإن كانت عادة أمها وأخواتها انقطاع الحيض قبل سنة يؤخذ بعادتهن، وإن كانت عادتهن انقطاع الدم بعد ستين لا يؤخذ بذلك، ويؤخذ بستين. وعدة إلى شهرين وتسعة وعشرين يوما وثلاث حيض بعدها، وهي عدة صغيرة طلقها زوجها فمضت ثلاثة أشهر إلا يوما ثم حاضت ما لم تحض ثلاث حيض لا تنقضي عدتها، أو كانت يائسة فاعتدت بثلاثة أشهر إلا يوما ثم حاضت، فما لم تحض ثلاث حيض لا تنقضي عدتها، وعدة بجميع العمر، وهي عدة امرأة المفقود ما لم يمت أقران زوجها لا يرفع النكاح، قال بعضهم: إلى مائة سنة، وقال بعضهم: إلى مائة وعشرين سنة، وعدة بثلاث حيض إلا يوما فمات الزوج يلزمها أربعة أشهر وعشر، وعدة بقرأين إلا يوما وشهرين وخمسة أيام، وصورته طلق الرجل امرأته الأمة رجعية فاعتدت بقرأين إلا يومين فمات زوجها يلزمها شهران وخمسة أيام. وعدة بثلاث حيض في الحياة والوفاة، وصورته رجل أعتق أم ولده أو مات عنها أو وطئ امرأة في نكاح فاسد أو شبهة عقد ففرق بينهما أو مات عنها تعتد عنه بثلاثة أقراء، فإن آيست أم ولده والموطوءة في نكاح فاسد أو شبهة عقد من صغير أو كبير فعدتهن بثلاثة أشهر في الوفاة والحياة جميعا، كذا ذكره أبو الليث في " خزانة الفقه ". م: (وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا أو رجعيا) ش: قال الكاكي: لم يذكر في بعض النسخ أو رجعيا ولا بد من ذكره، وقال الأترازي: لم يذكر قوله: أو رجعيا في هذا الموضع في أكثر النسخ، لأن الطلاق الرجعي مر حكمه، ومقدار عدته في باب الرجعة م: (أو وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق) ش: وهي الفرقة بخيار البلوغ والعتاقة وعدم الكفارة وملك أحد الزوجين صاحبه والفرقة في النكاح الفائت والردة م: (وهي حرة) : أي والحال أن المرأة حرة كائنة م: (ممن تحيض فعدتها) ش: مبتدأ، وقوله م: (ثلاثة أقراء) ش: خبره والجملة جواب قوله إذا، ويذكر الدخول في الطلاق بناء على الأصل إذ الأصل في النكاح الدخول، لأن العدة لا تجب على غير المدخول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 593 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) . والفرقة إذا كانت بغير طلاق فهي في معنى الطلاق، لأن العدة وجبت للتعرف عن براءة الرحم في الفرقة الطارئة على النكاح وهذا المعنى يتحقق فيها، والأقراء: الحيض عندنا   [البناية] بها بالنص، م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) ش: والمراد بهن المدخولات بهن من ذوات الحيض، وهي خبر في معنى الأمر، وأصل الكلام فليتربصن المطلقات، قال المكنون لام الأمر محذوف، فاستغني عن ذكره، وإخراج الأمر في صورة الخبر تأكيد الأمر، وإشعار بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله، ونحوه قولهم في الدعاء يرحمك الله أخرج في صورة الخبر ثقة بالاستجابة، كأنما وجدت الرحمة، فهو مخبر عنها، وبناؤه على المبتدأ يدل على زيادة التأكيد، ولو قيل يتربص المطلقات لم يكن ذلك التأكيد، لأن الجملة الاسمية تدل على الدوام والثبات، بخلاف الفعلية، وفي ذكر الأنفس تهييج لهن على التربص، وزيادة النعت إذ أنفسهن طوامح إلى الرجال، فأمرن أن يقمعن أنفسهن، ويغلبنها على الطموح ويجبرنها على التربص، وانتصب ثلاثة على الظرف، أي يتربصن مدة ثلاثة قروء، وجاء المميز على جمع الكثرة دون القلة التي هي الأقراء لجواز استعمال أحد الجمعين مكان الآخر لاشتراكهما في الجمعية، ولعل القرء أكثر من جمع قرء من الأقراء، فأوثر عليه تنزيلا لقليل الاستعمال منزلة المهمل. م: (والفرقة إذا كانت بغير طلاق) ش: قد مر عن قريب أن الفرقة غير الطلاق م: (فهي في معنى الطلاق، لأن العدة وجبت للتعرف عن براءة الرحم) ش: حتى لا يشتبه النسب م: (في الفرقة الطارئة على النكاح، وهذا المعنى يتحقق فيها) ش: أي في الفرقة بغير طلاق، لكن هذا فيما إذا كانت المرأة مدخولة، لأن غير المدخولة لا عدة عليها، سواء كانت الفرقة بطلاق أو بغير طلاق، والخلوة جعلت كالدخول فاسدة كانت أو صحيحة في حق العدة احتياطا استحسانا لتوهم الشغل. م: (والأقراء: الحيض عندنا) ش: وهو قول الخلفاء الأربعة والعبادلة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وعبادة بن الصامت وزيد بن ثابت وأبي موسى الأشعري، وزاد أبو داود والنسائي معبدا الجهني وعبد الله بن قيس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وهو قول طاووس وعطاء وابن المسيب وسعيد بن جبير والحسن بن حي وشريك بن عبد الله القاضي والحسن البصري والثوري والأوزاعي وابن شبرمة وأبي عبيدة وربيعة ومجاهد ومقاتل وقتادة والضحاك وعكرمة السدي وإسحاق وأحمد وأصحاب الظاهر. وقال أحمد: كنت أقول الأطهار ثم وقفت بقول الأكابر، وقال أبو بكر الرازي وإليه انتهت رياسة الحنفية ببغداد بعد أبي الحسن الكرخي: أن الشعبي روى عن ثلاثة عشر من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 594 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الأطهار. واللفظ حقيقة فيهما إذ هو من الأضداد، كذا قاله ابن السكيت، ولا ينتظمهما جملة للاشتراك، والحمل على الحيض أولى، إما عملا بلفظ الجمع، لأنه لو حمل على الأطهار والطلاق يوقع في طهر لم يبق جمعا   [البناية] الصحابة أن الرجل أحق بامرأته ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة. م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأطهار) ش: أي عند الشافعي الأقراء هي الأطهار، وبه قال مالك، ويروى ذلك عن عائشة وابن عمر وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وفائدة الخلاف فيما إذا طلقها في الطهر لا تنقضي عدتها ما لم تطهر من الحيضة الثالثة عندنا، وعنده تطهر كما ترى قطرة من الدم من الحيضة الثالثة، يعني كما شرعت في الحيضة الثالثة. م: (واللفظ) ش: أي لفظ القروء م: (حقيقة فيهما) ش: أي في الطهر والحيض م: (إذ هو) ش: أي لفظ القرء م: (من الأضداد) ش: جاء بمعنى الحيض والطهر جميعا م: (كذا قاله ابن السكيت) ش: وغيره من أهل اللغة. وقال الجوهري: هو من الأضداد كالجوف للظلمة والنور والصريم لليل والنهار م: (ولا ينتظمهما) ش: أي ولا يشمل المعنيين م: (جملة للاشتراك) ش: لأنه لا عموم للمشترك بين الأضداد بالإجماع، ولأنه وقع الاختلاف في المراد من الآية في الصحابة، وما حمله أحد عليها فحل محل الإجماع في أنه لا ينتظمها. وقال الأكمل: ولا يبعد أن يكون غرض المصنف بكونه من الأضداد إشارة إلى نفى قول من قال إنه مجاز في أحدهما، لأنه لا بد للمجاز من مناسبة، وكونه من الأضداد ينفيها، فلما كان الأمر كذلك أشار بقوله: م: (والحمل على الحيض أولى) ش: لمعان كثيرة أحدها وهو قوله م: (أما عملا بلفظ الجمع) ش: يعني بالقروء المذكور في الآية جمع قرء، بفتح القاف، كذا قال الجوهري، وجمعه أقراء وقروء، وكذا قال القبي بفتح القاف. وروي بضم القاف أيضا، قاله الزمخشري، ووجه العمل بلفظ الجمع أنه أقل الجمع ثلاثة، م: (لأنه لو حمل على الأطهار، والطلاق يوقع في طهر لم يبق جمعا) ش: بيانه أن أقل الجمع ثلاثة، وذلك إنما يتحقق عند الحمل على الحيض لا على الطهر، لأن السنة في الطلاق أن يوقع في الطهر، ثم هو محتسب من الأقراء عند من يقول بالأطهار، فيكون حينئذ مدة عدتها قرأين وبعض الثالث لا لفظ الثلاثة، وقَوْله تَعَالَى {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] خاص لكونه وضع لمعنى معلوم على الانفراد، وهو لا يحتمل النقصان. فإن قلت: الجمع يطلق على اثنتين وبعض الثالث، كما في قوله عز وجل: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] (البقرة: الآية 197) ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 595 أو لأنه معرف لبراءة الرحم، وهو المقصود أو لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وعدة الأمة حيضتان» فيلحق بيانا به. وإن كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر فعدتها ثلاثة أشهر لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) .   [البناية] والمراد شهران وبعض الثالث. قلت: هذا بطريق المجاز ثبت على خلاف الأصل بالإجماع، فلا يقاس عليه غيره، مع أن ذلك إنما يستقيم في جميع غير مقرون بالعدد، وهنا مقرون بالعدد، وهو الثلاثة، وهو لفظ خاص لعدد معلوم فلا يحتمل غيره. وأشار إلى المعنى الثاني بقوله: م: (أو لأنه) ش: أي أو لأن الحيض م: (معرف لبراءة الرحم) ش: إذ تعريف بقاء الرحم يحصل بالحيض لا بالطهر، لأن الحمل طهر ممتد، فيجتمعان فلا يحصل التعريف بأنها حامل أو حائل م: (وهو المقصود) . ش: وأشار إلى المعنى الثالث بقوله: م: (أو لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي أو لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [عدة الأمة] م: (وعدة الأمة حيضتان) ش: هذا الحديث قد مضى في كتاب الطلاق قبل باب إيقاع الطلاق بأربعة أسطر، ومعنى الكلام فيه هناك، والحاصل أن المصنف استدل به على أن القروء اسم للحيض، لأن الرق إنما يؤثر في التنصيف لا في النقل من الطهر إلى الحيض م: (فيلحق) ش: أي هذا الحديث م: (بيانا به) ش: أي من حيث البيان، بيانه أنه خبر الواحد، وإن كان لا يصلح به الزيادة على كتاب الله تعالى يصلح بيانا لما فيه من الإجمال والاشتراك، فكان قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عدتها حيضتان» بيانا للمشترك في قَوْله تَعَالَى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فكانت الحيضة هي المرادة. م: (وإن كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر فعدتها ثلاثة أشهر) ش: تقوم مقام ثلاث حيض في التي لا تحيض، وهذا بالإجماع لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] لكن حذف للدلالة المذكورة قَوْله تَعَالَى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطلاق: 4] إن شككتم في دم البالغات مبلغ اليأس هو دم الحيض أو دم الاستحاضة، فإذا كان عدة المرتاب لها هذه فغيرها أولى. وروى البخاري عن مجاهد قال: إن لم يعلموا يحضن أم لا يحضن، واختلفوا في حد الإياس، ففي " الفتاوى الصغرى ": حد الإياس غير مقدر بشيء، وفي رواية: مقدر بأن رأت بعد ذلك دما، هل يكون حيضا، فعلى رواية عدم التقدير يكون حيضا، وعلى رواية التقدير لا يكون حيضا، فعلى رواية التقدير اختلفت الروايات، فقال محمد: في الروميات خمس وخمسون سنة، وفي المولدات ستون سنة، لأن الروميات أسرع تكسرا. وعن أبي حنيفة: من خمس وخمسين إلى ستين. وقال محمد بن مقاتل والزعفراني: خمسون، وهكذا روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، وهكذا قال عبد الله بن المبارك وسفيان الثوري. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 596 وكذا التي بلغت بالسن ولم تحض، بآخر الآية. وإن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] . (الطلاق: الآية 4) وإن كانت أمة فعدتها حيضتان لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «طلاق الأمة تطليقتان» ، ولأن الرق منصف والحيضة لا تتجزأ فكملت، فصارت حيضتين،   [البناية] وقال الكاكي: روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أنها قالت: إذا بلغت المرأة خمسين سنة لا ترى قرة عين، أي لا تلد، وهي رواية الحسن، وعليه الفتوى، وقيل يعتبر بتركيب بدنها فإنها تختلف بالسمن والهزال، وقيل لا تلد لستين إلا فارسية، وقال الصفاء: وسبعون سنة، فإذا رأت بعد ذلك دما لا يكون حيضا كالدم الذي تراه الصغيرة، وعلى رواية عدم التقدير لو اعتدت بالأشهر ثم رأت الدم لا تبطل الأشهر، وهو المختار عندنا، ذكره الأسبيجابي. م: (وكذا التي بلغت بالسن) ش: أي وكذا بثلاثة أشهر عدة المرأة التي بلغت بالسن بخمس عشرة سنة على قول أبي يوسف ومحمد، وسبع عشرة سنة على قول أبي حنيفة م: (ولم تحض) ش: أي والحال أنها لم تحض م: (بآخر الآية) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) لأنها داخلة فيه، لأنها لم تحض بعد، قال في " تتمة الفتاوى ": اختلف مشايخنا في وجوب العدة على الصغيرة، لأنها غير مخاطبة، لكن ينبغي أن يقال تعتد. وقال في " مبسوط السرخسي: قال علماؤنا: هي لا تخاطب بالاعتداد، ولكن المولى يخاطب بأن لا يزوجها حتى تنقضي مدة عدتها، مع أن العدة مجرد مضي المدة، فبثبوتها في حقها لا يؤدي إلى توجه الخطاب عليها. م: (وإن كانت حاملا) ش: أي وإن كانت المطلقة حاملا م: (فعدتها أن تضع حملها لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] ش: م: (الطلاق: الآية 4) ش: ولا يعلم فيه خلاف، وكذا لو كان الحمل بالنكاح الفاسد أو بالوطء بالشبهة، والحمل الذي تنقضي به العدة هو الذي استبان خلقه لم تنقض به العدة. م: (وإن كانت أمة) ش: أي وإن كانت المطلقة أمة م: (فعدتها حيضتان لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «طلاق الأمة تطليقتان، وعدتها حيضتان» ش: هذا الحديث قد مر في كتاب الطلاق في أواخر الفصل الذي فيه، وقد مر الكلام فيه مستوفى م: (ولأن الرق منصف) ش: بدليل قَوْله تَعَالَى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] (النساء: الآية 25) م: (والحيضة لا تتجزأ فكملت) ش: أي الحيضة م: (فصارت حيضتين) ش: لأن النصف متقدر، لأن الدم تارة يدر، وتارة ينقطع، وبه قال أحمد. وقال الشافعي ومالك: وقرءان وهما طهران، وكذا لو كانت مدبرة أو مكاتبة أو أم ولد لإطلاق الحديث. فإن قيل النص الوارد في المطلقات عام، وتخصيص العام ابتداء لا يجوز بخبر الواحد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 597 وإليه أشار عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بقوله: لو استطعت لجعلتها حيضة ونصفا. وإن كانت لا تحيض فعدتها شهر ونصف، لأنه يتجزأ فأمكن تنصيفه عملا بالرق. وعدة الحرة في الوفاة أربعة أشهر وعشر. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] (البقرة: الآية 234) .   [البناية] والقياس، ولهذا قال أبو بكر الأصم وابن سيرين والظاهرية: عليها ثلاثة أشهر كعدة الحرائر. أجيب بأن هذا مشهور عمل به كبار الصحابة والتابعين، وتلقته الأمة بالقبول، فدخل في حد المشاهير. م: (وإليه أشار عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) ش: أي إلى عدم تجزؤ الحيضة، أشار عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (بقوله: لو استطعت لجعلتها حيضة ونصفا) ش: ولقوله: عدة الأمة حيضتان. ولو استطعت لجعلتها، أي لجعلت عدة الأمة حيضة ونصف حيضة، ولكن جعلتها حيضتين كاملتين، لعدم الاستطاعة على تجزؤ الحيضة، لأنها تختلف قلة وكثرة ووقتا، وأثر عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هذا رواه عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه سمع عمرو بن أوس الثقفي يقول: أخبرني رجل من ثقيف، قال: سمعت عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يقول: لو استطعت أن أجعل عدة الأمة حيضة ونصفا فعلت. فقال له رجل: لو جعلتها شهرا ونصفا. فسكت عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ورواه الشافعي في مسنده وابن أبي شيبة في مصنفه: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار , ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في كتاب " المعرفة ". م: (وإن كانت) ش: أي الأمة المطلقة م: لا تحيض) ش: من صغر أو كبر م: (فعدتها شهر ونصف، لأنه) ش: أي لأن الشهر م: (يتجزأ، فأمكن تنصيفه) ش: فنعتبر عدتها شهرا ونصفا م: (عملا بالرق) ش: أي من حيث العمل بمقتضى الرق لأنه منصف لذوات الأعداد كالجلدات في الحدود، وكذا عدة المدبرة والمكاتبة والمستسعاة على قول أبي حنيفة، وإن كانت ممن لا تحيض بشهر ونصف وفي " شرح الأقطع " هذا أيضا قول الشافعي. وفي قول آخر شهران. وفي قول آخر ثلاثة أشهر. م: (وعدة الحرة في الوفاة أربعة أشهر وعشر) ش: أي عدة المرأة الحرة التي مات عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام، سواء كانت ممن تحيض أو ممن لا تحيض، مسلمة كانت أو كتابية صغيرة كانت أو كبيرة، مدخولا بها أو غير مدخول بها، آيسة كانت أو غير آيسة، وزوجها حرا أو عبد م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] (البقرة: الآية 234) ش: أول الآية {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ} [البقرة: 234] أي يتركون، أي يموتون عن أزواج. وذكر الأزواج مطلقا فدل على أن هذه العدة لا تجب إلا بنكاح صحيح، لأن الزوجية المطلقة لا تحصل إلا بعد صحة النكاح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 598 وعدة الأمة شهران وخمسة أيام، لأن الرق منصف، وإن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) .   [البناية] قال مالك: يشترط معها حيض في الموطوءة مع أن الحامل تحيض عنده، وخالفه أشهب واختلف قول مالك في الكتابية على قول تستبرئ بحيضة إن كانت موطوءة. وإلا لا عدة عليها، لأنها غير مخاطبة بشرائع الإسلام. وعلى قول تستبرئ بحيضة إن كانت موطوءة، وإلا لا عدة عليها لا في الطلاق ولا في الوفاة. واختلف السلف في عدة المتوفى عنها زوجها في أربعة فصول. الأول: أن منهم من قال: عليها عدتان، الطولى وهي الحول، والقصرى وهي أربعة أشهر وعشر، فالطول عزيمة، والأقصر رخصة استدلالا بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240] فإن خرجن أي بعد أربعة أشهر وعشر فلا جناح عليكم، وفيه بيان أن العدة الكاملة هي الحول، والاكتفاء بأربعة أشهر وعشر رخصة لها، وجواب عامة أهل العلم أن هذه الآية منسوخة، وكان ذلك في الابتداء. ثم نسخ بقوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] . وقال أبو بكر الرازي: وقد كانت عدة المتوفى عنها زوجها سنة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] ... الآية، فحكم فيها بثلاثة أشياء أحدها إيجاب العدة سنة، والآخر نفقتها في الحول في مال الزوج. والثالث: منع الخروج فنسخ منها بإحدى الأربعة أشهر والعشر ونسخ منها وجوب نفقتها في مال الزوج بما جعل لها من الربع والثمن في ماله، وهي منع الخروج في الأربعة الأشهر والعشر. الفصل الثاني: أن يعتبر عشر ليال وعشرة أيام عند الجمهور. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: عشر ليال وتسعة أيام، وبه قال الأوزاعي، حتى يجوز لها أن تزوج في اليوم العاشر. الفصل الثالث: إذا كانت حاملا فعدتها وضع الحمل عند الأكثر، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تعتد بأبعد الأجلين كما يجيء. والفصل الرابع: أن عدتها معتبرة من وقت الوفاة عند الأكثر وكان علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يقول: من وقت العلم بالموت. م: (وعدة الأمة شهران وخمسة أيام، لأن الرق منصف) ش: لأن الشهور قابلة للتنصيف، فتنصف عدتها، وعليه الأئمة الأربعة والجمهور من السلف إلا ما نقل عن ابن سيرين والظاهرية. وقد ذكرناه، وكذلك الحكم في المدبرة والمكاتبة وأم الولد والمستسعاة على قول أبي حنيفة، أما إذا مات مولى أم الولد فعدتها ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر، على ما يجيء إن شاء الله تعالى. م: (وإن كانت حاملا) ش: يعني وإن كانت المتوفى عنها زوجها حاملا م: (فعدتها أن تضع حملها) ش: سواء كانت حرة أو أمة أو أم الولد أو مطلقة أو بعد الفسخ من النكاح الفاسد أو الوطء بالشبهة م: (لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) ش: وعليه فقهاء الأمصار وأكثر السلف. وعن علي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - في رواية تعتد المتوفى عنها زوجها بأبعد الأجلين، تفسيره أربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 599 وقال عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: من شاء باهلته أن سورة النساء القصرى نزلت بعد الآية التي في سورة البقرة،   [البناية] حتى لو حاضت ثلاث حيض ولم يمض أربعة أشهر وعشر لا تنقضي العدة حتى يتم الأربعة ولو تمت الأربعة ولم تخص، لا تنقضي حتى تحيض ثلاث حيض ذكره في " فتاوى قاضي خان ". م: (وقال عبد الله بن مسعود: من شاء باهلته أن سورة النساء القصرى نزلت بعد الآية التي في سورة البقرة) ش: أورد هذا عن ابن مسعود، إشارة إلى قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ} [الطلاق: 4] متأخر عن قَوْله تَعَالَى {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] فيكون ناسخا في ذوات الأحمال، قوله: باهلته من المباهلة، أي الملاعنة من البهل، وهو اللعن، يقال عليه بهلة الله بفتح الباء وضمها، أي لعنة الله، وتباهل القوم وابتهلوا إذا لاعنوا وكانوا يقولون إذا اختلفوا في شيء: بهلت الله على الكاذب منا. قالوا: هي مشروعة في زماننا أيضا. وأراد بسورة النساء القصرى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] وهي بعد سورة التغابن. وأما سورة النساء الطولى فهي آل عمران، وهي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1] ... إلى آخر السورة. وأراد بالتي في سورة البقرة الآية التي فيها، وهي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] يعني أن قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] في سورة النساء القصرى، وهي آخر الآيتين نزولا ناسخة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] في حق عدة الحامل وقاضية عليه. وقال الأترازي: وروى أصحابنا في " المبسوط " وغيره عن ابن مسعود أنه قال: من شاء باهلته إلى آخره. قلت: هذا أخرجه البخاري في تفسير سورة الطلاق، وفي أوائل البقرة عنه، قال: أيجعلون عليها التغليظ ولا يجعلون عليه الرخصة أنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] . وروي في " السنن" إلى مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: من شاء لاعنته لأنزلت سورة النساء القصرى بعد أربعة أشهر وعشر، انتهى. قلت: هذا أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وأخرجه البزار في مسنده عن علقمة عنه بلفظ: من شاء. وخالفه أن {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) ، نزلت بعد آية المتوفى، فإذا وضعت المتوفى عنها حملها فقد حلت، وقرأ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] (البقرة: الآية 234) ، وروى الترمذي مسندا إلى إبراهيم عن الأسود عن أبي السنابل بن بعكك قال: «وضعت سبيعة بعد وفاة زوجها بثلاث وعشرين، أو خمسة وعشرين يوما، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 600 وقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لو وضعت وزوجها على سريره لانقضت عدتها وحل لها أن تتزوج. وإذا ورثت المطلقة في المرض فعدتها أبعد الأجلين، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثلاث حيض. ومعناه إذا كان الطلاق بائنا أو ثلاثا، أما إذا كان رجعيا فعليها عدة الوفاة بالإجماع.   [البناية] فلما فعلت تشوفت للنكاح، فأنكر ذلك عليها، فذكر ذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إن تفعل فقد حل أجلها".» قال أبو عيسى: حديث أبي السنابل حديث مشهور، والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم، وهو قول سفيان ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تعتد بأبعد الأجلين والأول أصح، انتهى. قلت: اسم أبي السنابل عمرو، وقيل: حبة، من المؤلفة قلوبهم، وسبيعة مصغر سبعة ... الأسلمية، واسم زوجها سعد بن خولة، مات بمكة، فولدت بعده بنصف شهر. م: (وقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لو وضعت وزوجها على سريره لانقضت عدتها وحل لها أن تتزوج) ش: هذا رواه مالك في موطئه عن نافع عن ابن عمر أنه سئل عن المرأة المتوفى عنها زوجها وهي حامل، فقال: إذا وضعت حملها فقد حلت، فأخبره رجل من الأنصار أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: لو وضعت وزوجها على سريره لم يدفن بعد لحلت، وعن مالك رواه الشافعي في مسنده وعبد الرزاق في مصنفه. والسرير التخت، المراد منه الذي يغسل عليه الميت. [طلق امرأته ثلاثا أو واحدة بائنة ثم مات وهي في العدة] م: (وإذا ورثت المطلقة في المرض فعدتها أبعد الأجلين) ش: أراد به امرأة الفار، يعني المريض مرض الموت إذا طلق امرأته ثلاثا أو واحدة بائنة ثم مات وهي في العدة ترث باتفاق أصحابنا. وفي العدة اختلاف بينهم، أشار إليه بقوله: م: (وهذا) ش: أي كون عدتها أبعد الأجلين م: (عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وأراد بأبعد الأجلين، أي الأجلين اللذين هما ثلاث حيض وأربعة أشهر وعشر، أيهما كان أبعد فتأخذ هي بذلك احتياطا حتى لو أبانها ثم مات تتم أربعة أشهر وعشرة أيام بعد الموت، وما حاضت في هذه المدة إلا حيضة فعليها حيضتان أخريان. م: (وقال أبو يوسف: ثلاث حيض) ش: يعني إذا رأت ثلاث حيض ولم يتم بعد أربعة أشهر وعشرة أيام تنقضي عدتها م: (ومعناه) ش: أي معنى الخلاف في أبعد الأجلين م: (إذا كان الطلاق بائنا أو ثلاثا، أما إذا كان) ش: أي الطلاق م: (رجعيا فعليها عدة الوفاة بالإجماع) ش: لعدم انقطاع النكاح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 601 لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن النكاح قد انقطع قبل الموت بالطلاق، ولزمها ثلاث حيض، وإنما تجب عدة الوفاة إذا زال النكاح بالوفاة إلا أنه بقي في حق الإرث لا في حق تغير العدة، بخلاف الرجعي، لأن النكاح باق من كل وجه. ولهما أنه لما بقي في حق الإرث يجعل باقيا في حق العدة احتياطا، فيجمع بينهما. ولو قتل على ردته حتى ورثته امرأته فعدتها على هذا الاختلاف، وقيل: عدتها بالحيض بالإجماع، لأن النكاح حينئذ ما اعتبر باقيا إلى وقت الموت في حق الإرث، لأن المسلمة لا ترث من الكافر. فإن أعتقت الأمة في عدتها من طلاق رجعي انتقلت عدتها إلى عدة الحرائر، لقيام النكاح من كل وجه. وإن أعتقت وهي مبتوتة أو متوفى عنها زوجها لم   [البناية] م: (لأبي يوسف أن النكاح قد انقطع قبل الموت بالطلاق) ش: لا بالوفاة م: (ولزمها ثلاث حيض) ش: وهي عدة الطلاق م: (وإنما تجب عدة الوفاة إذا زال النكاح بالوفاة) ش: فلا يلزمها عدة الوفاة، وبه قال الشافعي ومالك وأبو ثور وأبو عبيد م: (إلا أنه بقي في حق الإرث) ش: هذا جواب عما يقال لو كان كذلك لما بقي في حق الإرث. وأجاب بقوله إلا أنه أي أن النكاح بقي في حق الإرث بالدليل الدال على توريثها بسبب الفرار. م: (لا في حق تغير المدة، بخلاف الرجعي) ش: أي بخلاف الطلاق الرجعي م: (لأن النكاح باق من كل وجه) ش: لأنه لا ينقطع بالرجعي، ولهذا إذا مات المرتد أو قتل ترثه امرأته المسلمة، ومع هذا لا يلزمها عدة الوفاة، لأن النكاح انقطع بالردة لا بالموت. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أنه) ش: أي أن النكاح م: (لما بقي في حق الإرث يجعل باقيا في حق العدة احتياطا، فيجمع بينهما) ش: أي بين العدتين لأنها مبانة حقيقة وتوفي عنها زوجها حكما. م: (ولو قتل على ردته حتى ورثته امرأته) ش: يعني حصر استحقاقها إلى وقت الردة، لأن المسلم لا يرث الكافر، وهو جواب عما استدل به أبو يوسف، فقال: ألا ترى أن المرتد إذا قتل أو مات على ردته ترثه زوجته المسلمة، وليس عليها عدة الوفاة بالإجماع، لأن زوال النكاح كان بردته لا بموته، فكذلك زوال النكاح هنا بالطلاق البائن لا بالموت، وتقريره أن ذلك أيضا على هذا الاختلاف، يعني تعتد بأبعد الأجلين، وهو معنى قوله م: (فعدتها على هذا الاختلاف، وقيل: عدتها بالحيض بالإجماع، لأن النكاح حينئذ ما اعتبر باقيا إلى وقت الموت في حق الإرث، لأن المسلمة لا ترث من الكافر) . م: (فإن أعتقت الأمة في عدتها من طلاق رجعي، انتقلت عدتها إلى عدة الحرائر، لقيام النكاح من كل وجه) ش: صورته الأمة المنكوحة طلقها زوجها رجعيا ثم أعتقها مولاها في عدتها تحولت عدتها إلى عدة الحرائر من وقت الطلاق فعليها أن تعتد بثلاث حيض إن كانت ممن تحيض وبثلاثة أشهر إن كانت ممن لا تحيض. م: (وإن أعتقت وهي مبتوتة) ش: أي وإن أعتقت الأمة المطلقة وهي مبتوتة، أي والحال أنها مطلقة طلاقا بائنا أو ثلاثا م: (أو متوفى عنها زوجها) ش: أي أو كانت متوفى عنها زوجها م: (لم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 602 تنتقل عدتها إلى عدة الحرائر لزوال النكاح بالبينونة أو الموت. وإن كانت آيسة فاعتدت بالشهور، ثم رأت الدم، انتقض ما مضى من عدتها، وعليها أن تستأنف العدة بالحيض، ومعناه إذا رأت الدم على العادة، لأن عودها يبطل الإياس، هو الصحيح   [البناية] تنتقل عدتها إلى عدة الحرائر لزوال النكاح بالبينونة أو الموت) ش: فإذا كانت كذلك لا تعتد بحيضتين أو بشهر ونصف، أو بشهرين وخمسة أيام على حسب اختلاف حالها، وبه قال الشافعي في الأظهر وأحمد وإسحاق، وهو قول الحسن والشعبي والضحاك. وقال مالك: لا يكمل، وهو قول أبي ثور. وعن عطاء والزهري وقتادة يكمل فيهما اعتبارا بحال اعتدادها. فإن قيل: العدة حكم زوال الزوجية، وحكم الزوال يثبت عند الزوال، فينبغي أن لا تحول العدة في الرجعي أيضا، لأنها عند الزوال أمة، ولهذا تعتد من وقت الطلاق. وأجيب: بأنه إنما تحولت العدة لأن سببها وهو الزوال متردد ليس بمستقر، فكانت مترددة أيضا لتردد سببها، فتغيرت. ولهذا يتحول بالموت من الأقراء إلى الشهود بخلاف البائن، فإن سببه مستقر ليس بمتردد، فلم تتحول العدة بالعتق. وفي " شرح الأقطع " عن الشافعي قولان في كل واحد من الرجعي والبائن في أحدهما ينتقل فيهما، وفي الآخر ينتقل فيهما. وفي "وجيزهم" ولو أعتقت في أثناء العدة فهي كالحرة في قول، وكالأمة في قول. وفي القول الثالث: إن كانت رجعية التحقت بالحرة، وإن كانت بائنة فتعتد بقرأين. [كانت آيسة فاعتدت بالشهور ثم رأت الدم] م: (وإن كانت آيسة فاعتدت بالشهور، ثم رأت الدم، انتقض ما مضى من عدتها، وعليها أن تستأنف العدة بالحيض) ش: لأن الشهور في الآيسة بدل عن الحيض، ولا معتبر بالبدل مع القدرة على الأصل، فلما رأت الدم علم أن الإياس عن الأصل لم يكن متحققا، والشرط هو اليأس إلى الموت كالفدية في الشيخ الفاني. م: (ومعناه) ش: أي معنى ما ذكره القدوري لأن المسألة من مسائل القدوري م: (إذا رأت الدم على العادة) ش: التي كانت قبل الإياس، يعني كثيرا سائلا. أما إذا كانت بلة يسيرة لا يكون حيضا، بل كان ذلك من نتن الرحم فكان فاسدا لا يتعلق به حكم الحيض م: (لأن عودها) ش: أي عود العادة م: (يبطل الإياس هو الصحيح) ش: احترز عن قول محمد بن مقاتل الرازي، فإنه كان يقول هذا إذا لم يحكم بإبانتها، فأما إذا انقطع الدم عنها زمانا حتى يحكم بإياسها وكانت ابنة تسعين سنة ونحوها فرأت الدم بعد ذلك لم يكن حيضا. وقيل هذا على قول من وقت الإياس وقتا ثم يظن أنها أيست، ثم يظهر بخلافه فتستأنف العدة بالحيض، كذا ذكره الجصاص. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 603 فظهر أنه لم يكن خلفا، وهذا لأن شرط الخلفية تحقق اليأس، وذلك باستدامة العجز إلى الممات، كالفدية في حق الشيخ الفاني. ولو حاضت حيضتين، ثم أيست تعتد بالشهور تحرزا عن الجمع بين البدل والمبدل. والمنكوحة نكاحا فاسدا والموطوءة بشبهة عدتهما الحيض في الفرقة والموت، لأنها للتعرف عن براءة الرحم، لانقضاء حق النكاح والحيض هو المعرف.   [البناية] م: (فظهر أنه لم يكن خلفا، وهذا) ش: أي عدم ظهور الخلفية م: (لأن شرط الخلفية تحقق اليأس، وذلك) ش: أي تحقق اليأس م: (باستدامة العجز إلى الممات كالفدية في حق الشيخ الفاني) ش: يعني أن شرط الخلفية في الشيخ الفاني استمرار العجز مدة العمر، فكذا هنا. م: (ولو حاضت حيضتين ثم أيست تعتد بالشهور تحرزا) ش: أي احترازا م: (عن الجمع بين البدل والمبدل) ش: فإنه لا يجوز. فإن قلت: يشكل بمن يصلي بالإيماء حيث يجوز، ولا يشترط العجز إلى الممات. قلت: لأن الصلاة بإيماء ليست بخلف، بل الإيماء بعض الشيء لا يكون خلفا عنه كالركوع والسجود، أما العدة بالأشهر بدل عن العدة بالحيض، وإكمال الأصل بالبدل غير ممكن. فإن قلت: المصلي إذا سبقه الحدث ولم يجد الماء حتى يتيمم وبنى يجوز. قلت: البدلية في الطهارة وإن كانت لكن لا يجمع بينهما، لأنه لا يكمل أحدهما بصاحبتها. م: (والمنكوحة نكاحا فاسدا والموطوءة بشبهة عدتها الحيض في الفرقة والموت) ش: أراد بالنكاح الفاسد النكاح بغير شهود ونكاح الأخت في عدة الأخت، ونكاح الخامسة في عدة الرابعة، أراد بالموطوءة بشبهة ما زفت إليه غير امرأته. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": إذا دخل الرجل بالمرأة على وجه شبهة أو نكاح فاسد فعليه المهر وعليها العدة ثلاث حيض إن كانت حرة، وحيضتان إن كانت أمة، وسواء إن مات عنها أو فرق بينهما وهو حي، فإن كانت لا تحيض من صغر أو كبر فعدة الحرة ثلاثة أشهر، وعدة الأمة شهر ونصف. م: (لأنها) ش: أي لأن العدة م: (للتعرف عن براءة الرحم، لانقضاء حق النكاح) ش: إذ لا حق للنكاح الفاسد والوطء بشبهة م: (والحيض هو المعرف) ش: ولا فرق في ذلك بين الفرقة والموت. فإن قيل: فعلى هذا واجب أن يكتفى بحيضة واحدة أو شهر كما في الاستبراء، وليس كذلك. أجيب: بأنها كانت ثلاث حيض إلحاقا للشبهة بالحقيقة، فإن أحكام العقد الفاسد أبدا يؤخذ من حكم الصحيح كما في البيع الفاسد والإجارة الفاسدة، فإنهما يفيدان إفادة الصحيح، غير أن ثبوت الملك يتوقف على القبض كونها فيه، ولذلك ثبت أجر المثل دون المسمى كذلك، وها هنا أيضا لم يثبت عدة الوفاة كونها فيه، فإن عدة الوفاة لزيادة إظهار التأسف لفوات نعمة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 604 وإذا مات مولى أم الولد عنها، أعتقها فعدتها ثلاث حيض، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حيضة واحدة، لأنها تجب بزوال ملك اليمين فشابهت الاستبراء، ولنا أنها وجبت بزوال الفراش فأشبهت عدة النكاح، وأما منافية عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه قال: عدة أم الولد ثلاث حيض. ولو كانت ممن لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر كما في النكاح. وإذا مات الصغير عن امرأة وبها حبل   [البناية] النكاح، والنعمة في النكاح الصحيح دون الفاسد، فلذلك اختصت بالصحيح، ولكن لما كانت فيه جهة النكاح ألحق بالصحيح في اعتبار مدة العدة احتياطا. [مات مولى أم الولد عنها أو اعتقها] م: (وإذا مات مولى أم الولد عنها أو اعتقها فعدتها ثلاث حيض. وقال الشافعي: حيضة واحدة لأنها تجب بزوال ملك اليمين، فشابهت الاستبراء) ش: ولهذا لا تختلف بالحياة والوفاة، وبه قال مالك وأحمد وهو قول عمر وعائشة وابن المسيب وابن سيرين وابن جبير وخلاس وعمر بن عبد العزيز والزهري والأوزاعي وإسحاق. وعند الظاهرية لا استبراء على أم الولد لا في العتق ولا في الموت، وتزوج من شاءت إذا لم تكن حاملا. وقال الأترازي: وقال الشافعي: عدتها حيضة واحدة، إن كانت ممن تحيض. وإن كانت ممن لا تحيض فشهر. وقال مالك في " الموطأ ": وعدتها حيضة واحدة، وإذا لم تحض فثلاثة أشهر، وبه قال أحمد بن حنبل. وقال في " شرح الأقطع ": ومن أصحاب الشافعي من قال: إنه ليس بعدة، وإنما هو استبراء. م: (ولنا أنها) ش: أي العدة م: (وجبت بزوال الفراش، فأشبهت عدة النكاح) ش: يعني إذا طلق أم الولد زوجها، وهي ممن لا تحيض، فعدتها ثلاثة أشهر، وفيه لا يكتفى بحيضة واحدة م: (وإما منافية) ش: أي في الحكم المذكور م: (عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فإنه قال: عدة أم الولد ثلاث حيض) ش: هذا غريب، ولكن روى ابن أبي شيبة في مصنفه، حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أن عمرو بن العاص أمر أم الولد إذا أعتقت أن تعتد بثلاث حيض. وكتب إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فكتب بحسن رأيه. وروى محمد بن الحسن في الأصل عن علي وابن مسعود وإبراهيم أنهم قالوا: عدة أم الولد ثلاث حيض، فسموه عدة وقدروها بثلاث. وقال الكرخي في "مختصره": حدثنا الهروي قال: حدثنا محمد بن شجاع قال حدثنا يحيى بن آدم عن أبي خالد عن حجاج عن الشعبي عن الحارث عن علي وعبد الله - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: عدة أم الولد ثلاث حيض إذا مات عنها سيدها، وروى الحكم عن علي قال: ثلاث حيض. وعن عطاء ثلاثة قروء. وعن إبراهيم عدة أم الولد ثلاث حيض. م: (ولو كانت) ش: أي أم الولد م: (ممن لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر كما في النكاح) ش: يعني كما يجب أن تعتد بثلاثة أشهر إذا طلقها زوجها. [مات الصغير عن امرأته وبها حبل فما عدتها] م: (وإذا مات الصغير عن امرأته وبها حبل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 605 فعدتها أن تضع حملها، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عدتها أربعة أشهر وعشر وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الحمل ليس بثابت النسب منه فصار كالحادث بعد الموت. ولهما إطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] . (الطلاق: الآية 4) ، ولأنها مقدرة بوضع الحمل في أولات الأحمال، قصرت المدة أو طالت للتعرف عن فراغ الرحم لشرعها بالأشهر مع وجود الأقراء لكن قدرت لقضاء حق النكاح، وهذا المعنى يتحقق في الصبي، وإن لم يكن الحمل منه، بخلاف الحمل الحادث، لأنه وجبت العدة بالشهور، فلا تتغير بحدوث الحمل، وفيما نحن فيه كما   [البناية] فعدتها أن تضع حملها، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عدتها أربعة أشهر وعشر، وهو قول الشافعي) ش: ومالك وأحمد، وهو قول أبي حنيفة أولا م: (لأن الحمل ليس بثابت النسب منه) ش: أي من الصغير م: (فصار كالحادث بعد الموت) ش: يعني بأن تضع بعد الموت لستة أشهر فصاعدا من يوم الموت عند عامة المشايخ. وقال بعضهم بأن تأتي به لأكثر من سنتين. وقال في "نهايته": والأول أصح، وتفسير قيام الحمل عند الموت أن تلد لأقل من ستة أشهر من وقت موته، كذا في " الفوائد الظهيرية ". م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (إطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) ش: يعني من غير فصل بين أن يكون الحمل من الزوج ومن غيره في عدة الطلاق أو الوفاة، بخلاف ما إذا حدث الحمل بعد موت الصبي، حيث تعتد بالشهور، لأنها لم تكن حاملا عند الموت، فلم تدخل تحت الآية المذكورة، ولا يرد علينا امرأة الكبير إذا حبلت بعد موته لأقل من سنتين، حيث تعتد بوضع الحمل، وإن لم يكن الحمل وقت الموت، لأن النسب لما ثبت منه وهو أمر شرعي حكم بوجود الولد أيضا عند الموت حكما تبعا لحكم شرعي، وهنا فيما نحن فيه لا يثبت النسب، فلم يمكن إثبات الحمل عند الموت حكما. م: (ولأنها مقدرة) ش: دليل معقول لهما، أي ولأن عدة الوفاة مقدرة م: (بوضع الحمل في أولات الأحمال، قصرت المدة أو طالت للتعرف) ش: أي غير مقدرة للتعرف م: (عن فراغ الرحم لشرعها) ش: أي لشرع عدة الوفاة، أي لمشروعيتها م: (بالأشهر مع وجود الأقراء، لكن قدرت لقضاء حق النكاح، وهذا المعنى) ش: يعني قضاء حق النكاح م: (يتحقق في الصبي وإن لم يكن الحمل منه) ش: فإذا كان كذلك تعتد امرأته بوضع الحمل لنص قَوْله تَعَالَى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) م: (بخلاف الحمل الحادث) ش: جواب عن قول الشافعي فصار كالحمل الحادث بعد الموت. م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن أنه م: (وجبت العدة بالشهور) ش: حقا للنكاح بآية التربص م: (فلا تتغير بحدوث الحمل، وفيما نحن فيه) ش: أي فيما إذا مات الصبي عن امرأة وبها حبل م: (كما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 606 وجبت وجبت مقدرة بمدة الحمل فافترقا، ولا يلزم امرأة الكبير إذا حدث لها الحبل بعد الموت، لأن النسب يثبت منه، فكان كالقائم عند الموت حكما. ولا يثبت نسب الولد في الوجهين، لأن الصبي لا ماء له، فلا يتصور منه العلوق، والنكاح يقام مقامه في موضع التصور. وإذا طلق الرجل امرأته في حالة الحيض لم تعتد بالحيضة التي وقع فيها الطلاق، لأن العدة مقدرة بثلاث حيض كوامل، فلا ينقص عنها. وإذا وطئت المعتدة بشبهة فعليها عدة أخرى، وتداخلت العدتان، ويكون ما تراه من الحيض محتسبا   [البناية] وجبت) ش: العدة م: (وجبت مقدرة) ش: أي حال كونها مقدرة م: (بمدة الحمل) ش: وهو وضع الحمل، لأنها عدة أولات الأحمال م: (فافترقا) ش: أي افتراق الحمل القائم عند الموت، والحادث بعده م: (ولا يلزم امرأة الكبير) ش: جواب عما يقال إذا مات الرجل ولم تكن المرأة حاملا، فقد ألزمناها العدة بالشهور، ثم إذا ظهر الحمل تكون عدتها بوضع الحمل، فقد تغيرت العدة بوضع الحمل، فأجاب بقوله: ولا يلزم امرأة الكبير. م: (إذا حدث لها الحبل بعد الموت) ش: أي بعد موت الزوج م: (لأن النسب يثبت منه فكان) ش: أي الحمل م: (كالقائم عند الموت حكما) ش: تبعا لحكم شرعي آخر، وهو ثبوت النسب، لأن النسب بلا حمل لا يثبت في امرأة الصغير لما لم يثبت النسب لم يحتج إلى جعل الحمل قائما عند الموت، فكان الحمل مضافا إلى أقرب الأوقات، فكان ابتداء عدتها بالأشهر لا محالة. م: (ولا يثبت نسب الولد في الوجهين) ش: أي فيما إذا كان الحمل قائما عند موت الصغير، وفيما إذا كان حادثا بعد موته م: (لأن أتصبى لا ماء له، فلا يتصور منه العلوق) ش: بلا ماء، فلا يثبت النسب م: (والنكاح يقوم مقامه) ش: أي مقام الماء. وقال الأترازي: أي مقام العلوق، هذا جواب عما يقال: النكاح موجود فيقام مقام الماء لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولد للفراش".» فأجاب بقوله: والنكاح يقوم مقامه م: (في موضع التصور) ش: أي في موضع يتصور الوطء. [عدة من طلقها زوجها في حالة الحيض] م: (وإذا طلق الرجل امرأته في حالة الحيض لم تعتد بالحيضة التي وقع فيها الطلاق) ش: لم تعتد، أي لم تحتسب، ويجوز فيه أن يكون على صيغة المجهول مستندا إلى ما تحيضه، وأن يكون على بناء المعلوم، مستندا إلى المرأة م: (لأن العدة مقدرة بثلاث حيض كوامل، فلا ينقص عنها) ش: وهذا بالإجماع، بخلاف الطهر الذي وقع فيه الطلاق، فإنه محسوب عند مالك والشافعي. م: (وإذا وطئت المعتدة بشبهة) ش: أي المعتدة عن طلاق بائن، رجل وطئها بشبهة، بأن قال: ظننتها تحل لي م: (فعليها عدة أخرى وتداخلت العدتان) ش: وبه قال الشافعي في قول. وأشار إلى صورة التداخل بقوله: م: (فيكون ما تراه) ش: أي المرأة م: (من الحيض محتسبا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 607 منهما جميعا. وإذا انقضت العدة الأولى ولم تكمل الثانية فعليها إتمام العدة الثانية، وهذا عندنا وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تتداخلان، لأن المقصود هو العبادة فإنها عبادة كف عن التزوج والخروج، فلا تتداخلان كالصومين في يوم واحد. ولنا أن المقصود التعرف على فراغ الرحم، وقد حصل بالواحدة فتتداخلان،   [البناية] منهما) ش: أي من العدتين م: (جميعا، وإذا انقضت العدة الأولى ولم تكمل الثانية فعليها إتمام العدة الثانية) ش: هذا الذي ذكره المصنف أعم من أن تكون العدتان من جنس واحد أو من جنسين، وأعم من أن يكون الواطئ هو الزوج أو غيره، فهذه أربعة صور: الأولى: أن تكون العدتان من جنس واحد بأن كان الكل حيضا. والثانية: أن يكونا من جنسين، بأن يكون أحدهما عدة الوفاة. والثالثة: ما ذكرناه، وهو أن الواطئ هو الزوج. والرابعة: أن يكون الواطئ غير الزوج، بأن المطلقة تزوجت في عدتها برجل فوطئها الرجل ثم فرق بينهما دفعا للفساد، فوجب عليها عدة أخرى، ففي هذه الصور كلها تجب العدتان، ويتداخلان عندنا. وصورة التداخل ذكرها المصنف بقوله م: (وهذا عندنا) ش: أي تداخل العدتين مذهب أصحابنا م: (وقال الشافعي: لا يتداخلان) ش: في مذهبه تفصيل، وهو أن العدتين إذا كانتا من شخص واحد تداخلت إذا اتفقا بأن لم يكن إحبال، وكانت من ذوات الأشهر أو الأقراء، وإن اختلف بأن أحدهما بالحمل ففي تداخلهما وجهان، أحدهما: التداخل كالمتفقين. والثاني: لا، وإن كانت العدتان من شخصين لم تتداخل، ذكره في الوسيط، وبه قال أحمد. وقالت المالكية: المتفقان في الأقراء والأشهر متداخلان، إما من واحد أو من شخصين. ولو اختلفا كانت إحداهما بالحمل ينتقضان. وعند الشافعي وأحمد إن كانت إحداهما بالحمل قدمت ثم تعود إلى الأقراء. م: (لأن المقصود من العدة هو العبادة فإنها) ش: أي فإن العدة م: (عبادة كف عن التزوج والخروج) ش: من البيت والمنع عن الزينة وغيرها في مدة معلومة م: (فلا تتداخلان كالصومين في يوم واحد) ش: أي كما لا تداخل في الصوم، وإنه كف عن إمضاء المفطرات في وقت مقدر، وهو اليوم، فلا يتأدى صومان في يوم واحد، فلا يتداخل فيه، وكذا في العدة. م: (ولنا أن المقصود) ش: من العدة وهو م: (التعرف عن فراغ الرحم) ش: في حق ذوات الأقراء م: (وقد حصل) ش: المقصود م: (بالواحدة) ش: بالعدة الواحدة، فلا حاجة إلى عدة أخرى م: (فتتداخلان) ش: ولا يقال ينبغي أن يكتفى بالحيضة وعدة الموطوءة بالشبهة ونكاح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 608 ومعنى العبادة تابع، ألا ترى أنها تنقضي بدون علمها ومع تركها الكف. والمعتدة عن وفاة إذا وطئت بشبهة تعتد بالشهور، وتحتسب بما تراه من الحيض فيها، تحقيقا للتداخل بقدر الإمكان   [البناية] الفاسد بثلاث حيض أو ثلاثة أشهر، لأنا بينا أن الفاسد ملحق بالصحيح في اعتبار مدة العدة م: (ومعنى العبادة تابع) ش: جواب عن قول الشافعي، لأن المقصود هو العبادة. وتقدير الجواب أن معنى العبادة في العدة تابع غير مقصود، لأن ركنها حرمة الازدواج والخروج، قال الله تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] (البقرة: الآية 235) ، فهي أجل، والآجال إذا اجتمعت بمدة واحدة كرجل عليه ديون مؤجلة لا بأس بأنها تنقضي بمدة واحدة، ثم استوضح كون معنى العبادة فيها طريق التبعية لا بالقصد بقوله: م: (ألا ترى أنها) ش: أي أن العدة م: (تنقضي بدون علمها) ش: أي علم المرأة م: (ومع تركها الكف) ش: عن الخروج والأذى، حتى إذا خرجت أو تزوجت بزوج آخر لا تبطل العدة، ولو قال: معنى العبادة فيها ركنا مقصودا لم ينتقض بدون الكف، لأن العبادة لا تتحقق بلا ركن. فإن قلت: لا نسلم أن المقصود تعرف براءة الرحم، فلو كان كذلك لم تجب العدة على الصبية والآيسة والمتوفى عنها زوجها، لأنه لا شغل في الصبية، وفي المتوفى عنها زوجها لا يحتاج الزوج إلى ذلك. قلت: الصبية التي تحتمل الوطء تحتمل العلوق، وكذا الآيسة، فدار الحكم على دليل الشغل وهو الوطء، لأن العدة لا تكفي في إيجابها لوهم الشغل، وإن كان بخلاف العادة المتوفى عنها زوجها الحاجة فيها إلى التعرف قائمة لصيانة ماء الزوجين عن الاختلاط، لأن ماء الأول محترم في نصيبه، وكذا ماء الثاني. فإن قلت: لو كان التداخل معتبرا لتداخل أقراء عدة واحدة. قلت: لا نسلم الملازمة، لأن التعريف بحيضة واحدة ليس كالتعريف بثلاث حيض في حصول المقصود، لأن المقصود من الأولى تعريف الفراغ، ومن الثانية إظهار حظر النكاح فرقا بينه وبين الاستبراء، ومن الثالثة إظهار شرف الحرمة، وهذا المقصود لا يحصل بالحيضة الواحدة وقال الأكمل: فيه نظر، لأن المصنف لم يعلل إلا بالتعرف عن فراغ الرحم، فكان السؤال واردا عليه، انتهى. قلت: تعليله بالتعريف عن فراغ الرحم يقتصر عليه لا ينافي التعليل بغيره، لا يرد عليه شيء. [عدة المعتدة عن وفاة إذا وطئت بشبهة] م: (والمعتدة عن وفاة إذا وطئت بشبهة تعتد بالشهور وتحتسب بما تراه من الحيض فيها) ش: أي في الشهور م: (تحقيقا للتداخل بقدر الإمكان) ش: قال في " المبسوط ": لو تزوجت في عدة الوفاة فدخل بها الثاني ففرق بينهما فعليها بقية عدتها تجب من الأولى تمام الأربعة أشهر وعشر، وعليها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 609 وابتداء العدة في الطلاق عقيب الطلاق، وفي الوفاة عقيب الوفاة، فإن لم تعلم بالطلاق أو بالوفاة حتى مضت مدة العدة فقد انقضت عدتها، لأن سبب وجوب العدة الطلاق أو الوفاة فيعتبر ابتداؤها من وقت وجود السبب، ومشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يفتون في الطلاق إن ابتداءها من وقت الإقرار نفيا لتهمة المواضعة. والعدة في النكاح الفاسد عقيب التفريق، أو عزم الواطئ على ترك وطئها. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - من آخر الوطآت لأن الوطء هو السبب الموجب.   [البناية] ثلاث حيض للآخر عقيب ما حاضت بعد التفريق من عدة الوفاة أيضا. م: (وابتداء العدة في الطلاق عقيب الطلاق، وفي الوفاة عقيب الوفاة) ش: لأن العلة الموجبة للعدة الطلاق أو الوفاة، فلا بد من اقتران المعلول، وهو وجوب العدة بعلتها، وعليه الأئمة الأربعة وجمهور الصحابة والتابعين م: (فإن لم تعلم) ش: أي فإن لم تعلم المرأة م: (بالطلاق أو بالوفاة) ش: أي أو لم تعلم بوفاة زوجها بأن كان غائبا م: (حتى مضت مدة العدة فقد انقضت عدتها، لأن سبب وجوب العدة الطلاق أو الوفاة) ش: أي وفاة الزوج م: (فيعتبر ابتداؤها من وقت وجود السبب) ش: وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنها تعتد من يوم يأتيها الخبر. وقال مكي: إن قامت به البينة تعتد من يوم الموت والطلاق، وإلا فمن يوم الخبر. وقال داود: طلاق الغائب لا يقع أصلا حتى يأتيها الخبر وتعتد المتوفى عنها زوجها من خبر موته. م: (ومشايخنا) ش: أراد بهم علماء بخارى وسمرقند، لا جماعة التصوف الذين هم أهل البدع م: (يفتون في الطلاق أن ابتداءها) ش: أي ابتداء العدة م: (من وقت الإقرار نفيا لتهمة المواضعة) ش: بأن يتواضعا على الطلاق وانقضاء العدة ليصح إقرار المريض بها بالدين والوصية، أو يتواضعا على انقضائها بأن يتزوج أختها أو أربعا سواها. وفي " الذخيرة " قال محمد في الأصل: يجب العدة من وقت الطلاق، واختارها مشايخ بلخ على أنها تجب من وقت الإقرار عقوبة عليه وزجرا على كتمانه الطلاق، ولكن لا تجب لها نفقة العدة والسكنى، لأن ذلك حقها وقد أقرت هي بسقوطه، وينبغي على قول هؤلاء أن لا يحل له التزوج بأختها وأربع سواها ما لم تنقض العدة من وقت الإقرار. [العدة في النكاح الفاسد] م: (والعدة في النكاح الفاسد عقيب التفريق، أو عزم الواطئ على ترك وطئها) ش: بأن أخبرها أنه ترك وطأها، والإخبار أمر ظاهر فيدار الحكم عليه، أما آخر الوطآت فلا يعلم لاحتمال وجود غيره، أي غير الوطء الذي وجد. وفي " الخلاصة " وكذا في النكاح الفاسد بعد الدخول لا يكون إلا بالقول بقوله تركتك أو ما يقوم مقامه بأن يقول: تركتها وخليت سبيلها. م: (وقال زفر: من آخر الوطآت) ش: وبه أخذ أبو القاسم الصفار. وقال أبو بكر البلخي: تجب العدة من وقت الفرقة. وقال داود: ولا عدة في النكاح الفاسد م: (لأن الوطء هو السبب الموجب) ش: أي للعدة إذ لو لم يطأها لم تجب العدة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 610 ولنا أن كل وطء وجد في العقد الفاسد يجري مجرى الوطأة الواحدة لاستناد الكل إلى حكم عقد واحد، ولهذا يكتفى في كل بمهر واحد فقبل المتاركة أو العزم لا تثبت العدة مع جواز وجود غيره، ولأن التمكن على وجه الشبهة أقيم مقام حقيقة الوطء لخفائه ومساس الحاجة إلى معرفة الحكم في حق غيره. وإذا قالت المعتدة: انقضت عدتي وكذبها الزوج كان القول قولها مع اليمين، لأنها أمينة في ذلك، وقد اتهمت بالكذب فتحلف كالمودع. وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا، ثم تزوجها في عدتها، وطلقها قبل الدخول بها فعليه مهر كامل، وعليها عدة مستقبلة، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-.   [البناية] م: (ولنا أن كل وطء وجد في العقد الفاسد يجري مجرى الوطأة الواحدة) ش: تقديره القول بالموجب هو أن يقال: سلمنا أن الوطء هو السبب الموجب هو تمكن جميع الوطآت التي وجد العقد الفاسد بمنزلة وطأة واحدة م: (لاستناد الكل) ش: أي كل الوطآت م: (إلى حكم عقد واحد) ش: وهو بشبهة العقد، وتلك الشبهة إنما ترتفع بالمشاركة، كما في النكاح ترتفع بالطلاق. م: (ولهذا) ش: إيضاح لقوله: استناد الكل إلى حكم عقد واحد م: (يكتفى في الكل بمهر واحد، فقبل المتاركة أو العزم لا تثبت العدة مع جواز وجود غيره، ش: فلا يكون الذي قبله أخيرا، وتقديره أن العدة لا تثبت إلا بآخر وطأة، لا يؤخذ إلا بالتفريق والعزم، والوطء الأخير لا يتوقف عليه لما قلنا: أنه يجوز أن يوجد غيره م: (ولأن التمكن) ش: دليل آخر، أي لأن التمكن من الوطء م: (على وجه الشبهة أقيم مقام حقيقة الوطء لخفائه) ش: أي لخفاء الوطء م: (ومساس الحاجة) ش: جواب عما يقال: لا نسلم أن حقيقة الوطء أمر خفي بالنسبة إلى الزوجين والحاجة إلى معرفة الزوجين، والحاجة إلى معرفة أيهما، فأجاب بقوله ومساس الحاجة م: (إلى معرفة الحكم في حق غيره) ش: أي غير الواطئ وغيره هو الزوج الذي يريد أن يتزوجها وأخت الموطوءة وأربع سواها. م: (وإذا قالت المعتدة: انقضت عدتي وكذبها الزوج كان القول قولها مع اليمين، لأنها أمينة في ذلك) ش: أي في إخبارها بانقضاء عدتها لأن هذا لا يعلم إلا من جهتها م: (وقد اتهمت بالكذب فتحلف كالمودع) ش: بفتح الدال إذا ادعى الرد أو الهلاك وكذبه المودع بكسر الدال. وقال فخر الإسلام: إذا حلفت صدقت، معناه إن حلفت بطلت الرجعة، وإن نكلت لم تبطل، بل بقيت كما كانت. وقال الأترازي: وهذا ليس باستحلاف على الرجعة، بل على بقاء العدة، فلا يرد نقضا على أبي حنيفة يعني لا استحقاق عنده في الرجعة. [طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا ثم تزوجها في عدتها فطلقها قبل الدخول] م: (وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا، ثم تزوجها في عدتها فطلقها قبل الدخول بها فعليه مهر كامل، وعليها عدة مستقبلة، وهذا) ش: أي هذا الحكم المذكور م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: وإنما زاد هذا اللفظ أعني قوله: هذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، لأن هذه المسألة من مسائل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 611 وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لها نصف المهر، وعليها إتمام العدة الأولى؛ لأن هذا طلاق قبل المسيس فلا يوجب كمال المهر، ولا استئناف العدة وإكمال العدة الأولى إنما يجب بالطلاق الأول، إلا أنه لم يظهر حال التزوج الثاني، فإذا ارتفع بالطلاق الثاني ظهر حكمه، كما لو اشترى أم ولد ثم أعتقها،   [البناية] القدوري، ولم يذكر فيها أبا حنيفة وأبا يوسف. وإنما قال: إذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا إلى قوله: وعليها عدة مستقبلة ثم قال مثل ما قال المصنف. م: (وقال محمد: لها نصف المهر وعليها إتمام العدة الأولى) ش: وعند زفر يجب نصف المهر الثاني ولا عدة عليها، وعلى هذا الخلاف إذا تزوجت المرأة غير كفء ودخل بها وفرق القاضي بينهما بخصومة الولي وألزمه المهر وألزمها العدة، ثم تزوجها في عدتها بغير ولي ففرق القاضي بينهما قبل أن يدخل بها كان لها عليه المهر الثاني كاملا وعليها عدة مستقبلة في قول أبي حنيفة وأبي يوسف. ولو كان تزوجها بعد انقضاء العدة كان لها نصف المهر في قولهم جميعا. كذا ذكر الحاكم الشهيد في " الكافي " في باب الأكفاء. وفي " شرح الكافي " قوله: طلاقا بائنا، وكذا لو وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق ثم تزوجها في العدة، ثم قال: وصورتها أنها تزوجت بغير كفء، وقد ذكرناها الآن. وفي " الذخيرة " هذه المسائل مبنية على أصل واحد وهو أن الدخول في النكاح الأول هل يكون دخولا في النكاح الثاني أم لا، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف يكون، وهو رواية عن أحمد. م (لأن هذا طلاق قبل المسيس) ش: أي قبل الدخول والخلوة الصحيحة م: (فلا يوجب كمال المهر) ش: وكل طلاق هكذا لا يوجب كمال المهر بل هو منصف المهر بالنص م: (ولا استئناف) ش: أي ولا يوجب إليها استئناف م: (العدة) ش: لأن العدة لا تجب في الطلاق في الطلاق قبل المسيس بالنص أيضا. م: (وإكمال العدة الأولى إنما يجب بالطلاق الأول، إلا أنه لم يظهر) ش: يعني إكمال العدة الأولى م: (حال التزوج الثاني) ش: لعدم اختلاط المياه م: (فإذا ارتفع) ش: أي التزوج الثاني م: (بالطلاق الثاني ظهر حكمه) ش: أي حكم الطلاق الأول، لأنه لما طلقها ثانيا بلا دخول فصار النكاح الثاني كالمعدوم، فيجب عليه إكمال العدة الأولى م: (كما لو اشترى أم ولده ثم أعتقها) ش: صورته رجل اشترى امرأته وهي أمة فولدت منه فسد النكاح وكانت حلالا له بالملك، فلا بأس بأن تتزين ولا تبقي الطيب لأنها غير معتدة في حقه، لأن العدة أثر النكاح، فلما كان الملك ينافي أثر النكاح، لكنها معتدة في حق غيره، حتى إذا أراد أن يزوجها من غيره ليس له ذلك، حتى تحيض حيضتين، فإن التفرقة بعد الدخول، فكانت معتدة في حق غيره. ثم إذا اعتقها بعد الشراء فعليها ثلاث حيض، لأنها صارت أم ولد حين اشتراها بعدما ولدت بالنكاح، وعلى أم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 612 ولهما أنها مقبوضة في يده حقيقة بالوطأة الأولى، وقد بقي أثره، وهو العدة، فإذا جدد النكاح وهي مقبوضة ناب ذلك القبض عن القبض المستحق في هذا النكاح، كالغاصب يشتري المغصوب الذي في يده يصير قابضا بمجرد العقد، فوضح بهذا أنه طلاق بعد الدخول. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا عدة عليها أصلا؛ لأن الأولى قد سقطت بالتزوج، فلا تعود، والثانية لم تجب، وجوابه ما قلنا.   [البناية] الولد ثلاث حيض، لكنها تتقي الطيب والزينة في الحيضتين الأوليين استحسانا. وفي القياس ليس لها ذلك، لأن الحداد لم يلزمها عند وقوع الفرقة، فلا يلزمها بعد ذلك. وجه الاستحسان أن العدة وجبت عليها بالفرقة لكنها لم تظهر ذلك في حق المولى لكونها حلالا له بالملك، فظهرت بتلك العدة وحق المولى والعدة بعد الفرقة من نكاح صحيح يجب فيها الحداد، فأما في الحيضة الثالثة فلا حداد عليها، لأنها لم تجب بسبب النكاح بل بالعتق، ولا حداد على أم الولد. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أنها مقبوضة في يده) ش: أي أن أم الولد مقبوضة في يد مولاها م: (حقيقة بالوطأة الأولى) ش: إذ الوطء في هذا الباب بمنزلة القبض م: (وقد بقي أثره) ش: أي والحال أنه بقي أثر الوطء، والأول م: (وهو العدة، فإذا جدد النكاح وهي مقبوضة) ش: بالدخول في النكاح الأول م: (ناب ذلك القبض) ش: أي في الدخول الأول م: (عن القبض المستحق في هذا النكاح) ش: فإذا طلقها صار كأنه طلقها بعد الدخول في النكاح الثاني، فيجب عليه مهر كامل وعليها عدة مستقبلة. فإن قيل: لو كان الطلاق بعد النكاح الثاني كالنكاح بعد الدخول لكان صريحا معقبا للرجعة، كالطلاق الصريح بعد الدخول، وليس كذلك. فإن الواقع بائن. أجيب: بأنه ليس بطلاق بعد الدخول، وإنما هو كالطلاق بعد الدخول، والمساواة للشيء لا يلزم أن يساويه في جميع الوجوه، ألا ترى أن الخلوة كالدخول في حق تكميل المهر ووجوب العدة لا فيما سواهما، حتى لو طلقها بعد الخلوة كان الواقع بائنا. م: (كالغاصب يشتري المغصوب الذي في يده يصير قابضا بمجرد العقد) ش: شبه الحكم المذكور بحكم الغاصب الذي اشترى المغصوب الذي في يده من المالك يصير قابضا بقبض الذي يتم به العقد م: (فوضح بهذا) ش: أي فظهر بما قررناه من الدليل م: (أنه) ش: أي هذا الطلاق م: (طلاق بعد الدخول) ش: تشبيها لا تحقيقا، بدليل قوله قبله ناب ذلك القبض عن القبض المستحق. م: (وقال زفر: لا عدة عليها أصلا، لأن الأولى) ش: أي العدة الأولى م: (قد سقطت بالتزوج فلا تعود) ش: لأن الساقط لا يعود م: (الثانية) ش: أي العدة الثانية م: (لم تجب) ش: لأنه طلاق قبل الدخول م: (وجوابه ما قلنا) ش: أي جواب زفر ما قلنا من الدليل، وهو أنها مقبوضة في يده ببقاء أثر القبض، وهو العدة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 613 وإذا طلق الذمي الذمية فلا عدة عليها، وكذا إذا خرجت الحربية إلينا مسلمة، فإن تزوجت جاز، إلا أن تكون حاملا، وهذا كله عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: عليها وعلى الذمية العدة، أما الذمية فالاختلاف فيها نظير الاختلاف في نكاحهم محارمهم، وقد بيناه في كتاب النكاح. وقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا كان معتقدهم أنه لا عدة عليها. وأما المهاجرة فوجه قولهما أن الفرقة لو وقعت بسبب آخر وجبت العدة، فكذا بسبب التباين، بخلاف ما إذا هاجر الرجل وتركها لعدم التبليغ،   [البناية] [تزوج الذمية المطلقة من الذمي بلا عدة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا طلق الذمي فلا عدة عليها، وكذا) ش: أي وكذا لا عدة م: (إذا خرجت الحربية) ش: من دار الحرب م: (إلينا) ش: أي إلى دار الإسلام حال كونها م: (مسلمة) ش: والإسلام ليس بشرط في عدم وجوب العدة، بل الشرط هو الخروج على سبيل المراغمة، أي المغاصبة، وعلى نية أن لا تعود إلى دار الحرب أبدا، يقال فلان راغم قوله، إذا نابذهم وخرج عنهم، ذكره التمرتاشي، وقال: خرج أحد الزوجين إلينا مسلما أو ذميا أو مستأمنا ثم أسلم أو صار ذميا والآخر على حربه ثم فقد زالت الزوجية. م: (فإن تزوجت) ش: أي هذه كمهاجرة إلى دار الإسلام م: (جاز) ش: ولا عدة عليها م: (إلا أن تكون حاملا) ش: فلا تزوج حتى تضع حملها وعليه نص الحاكم الشهيد في " الكافي ". وقال الصدر الشهيد في شرح " الجامع الصغير ": وروى محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أن مع الحبل يجوز نكاح المهاجرة ولكن لا يقربها زوجها، والصحيح جواب الكتاب يعني لا يجوز تزوجها مع الحبل م: (وهذا) ش: أي وهذا المذكور م: (كله عند أبي حنيفة. وقالا) ش: أي وقال أبو يوسف ومحمد م: (عليها) ش: أي على التي خرجت من دار الحرب م: (وعلى الذمية) ش: التي طلقها زوجها م: (العدة، أما الذمية فالاختلاف فيها نظير الاختلاف في نكاحهم محارمهم) ش: يعني أن نكاح المحارم فيما بينهم صحيح عنده إذا كان معتقدهم ذلك. م: (وقد بيناه في كتاب النكاح) ش: في باب النكاح أهل الشرك م: (وقول أبي حنيفة فيما إذا كان معتقدهم أنه لا عدة عليها) ش: يعني قول أبي حنيفة في جواز تزوج الذمية المطلقة من الذمي بلا عدة إنما يجوز إذا كان في اعتقاد أهل الذمة جواز ذلك. م: (وأما المهاجرة) ش: التي هاجرت من دار الحرب إلى دار الإسلام م: (فوجه قولهما) ش: في ذلك م: (أن الفرقة) ش: بين الزوجين الذميين م: (لو وقعت بسبب آخر) ش: كالطلاق م: (وجبت العدة فكذا) ش: يجب م: (بسبب التباين) ش: من دار الحرب م: (بخلاف ما إذا هاجر الرجل) ش: أي الزوج إلى دار الإسلام م: (وتركها) ش: في دار الحرب لا تجب العدة عليها بالاتفاق م: (لعدم التبليغ) ش: أي لعدم تبليغ حكم الشرع إليها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 614 وله قَوْله تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا} [الممتحنة: 10] (الممتحنة: الآية 10) ، ولأن العدة حيث وجبت كان فيها حق بني آدم، والحربي ملحق بالجماد، حتى كان محلا للتملك، إلا أن تكون حاملا؛ لأن في بطنها ولدا ثابت النسب، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز نكاحها ولا يطأها كالحبلى من الزنا، والأول أصح.   [البناية] م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (قَوْله تَعَالَى {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] (الممتحنة: الآية10) ش: نفى الجناح في نكاح المهاجرات مطلقا، فتقييده بما بعد انقضاء العدة زيادة على النص م: (ولأن العدة) ش: دليل معقول، تقديره أن العدة م: (حيث وجبت كان فيها حق بني آدم) ش: لأنها تجب صيانة لماء محترم، ولهذا لا يجب قبل الدخول م: (والحربي ملحق بالجماد، حتى كان محلا للتملك) ش: يباع في الأسواق كالبهائم م: (إلا أن تكون حاملا) ش: يجوز أن يكون استثناء من قوله: والحربي ملحق بالجماد، لأن معناه والحربي لا حق له، إلا أن تكون امرأة حاملا م: (لأن في بطنها ولدا ثابت النسب) ش: والفراش قائم بنكاحها، فيستلزم الجمع بين الفراشين، ولا كذلك إذا لم تكن حاملا. فإن قلت: قَوْله تَعَالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] (الممتحنة الآية 10) ، مطلق لا يفصل بين الحامل والحائل، فتقييده بالحمل زيادة على النص فلا يجوز. قلت: إن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره» حديث مشهور تلقته الأئمة بالقبول فيجوز به الزيادة، بخلاف العدة، فإنه ليس فيها مثله. م: (وعن أبي حنيفة) ش: رواه الحسن م: (أنه يجوز نكاحها ولا يطأها كالحبلى من الزنا) ش: أي لا حرمة لماء الحربي كماء الزنا م: (والأول) ش: وهو عدم صحة نكاحها م: (أصح) ش: لأن الحمل من الزنا لا نسب له، وهنا النسب ثابت من الحربي. ثم اعلم أن المصنف لم يذكر في هذا الباب وجوب العدة على الصغيرة والمكاتبة. وفي " الذخيرة " طلق الصغيرة بعد الدخول تعتد بثلاثة أشهر، وعن الفضلي إذا كانت مراهقة فعدتها لا تنقضي بالأشهر، بل يوقف حالها إلى أن يظهر إنها حبلت بذلك الوطء أم لا، فإن ظهر كانت عدتها بوضع الحمل، وإلا فبالأشهر، ولو حاضت في الأشهر تستأنف العدة. واختلف مشايخنا في إطلاق إيجاب العدة على الصغيرة، وأكثر المشايخ لا يطلقون لفظ وجوب العدة لأنها غير مخاطبة، لكن ينبغي أن يقال تعتد وتجب العدة على الكتابية إذا كانت تحت مسلم كالمسلمة لو كانت تحت ذمي، فلا عدة عليها في موت، ولا فرق عند أبي حنيفة، وعندهما تجب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 615 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] واختلف العلماء في عدة المستحاضة، فعندنا هي وغيرها سواء، لأنها إذا كانت صاحبة العادة ردت إلى أيام عادتها، والمبتدأة والناسية عادتها تعتد بثلاثة أشهر، وعند الشافعي، وأحمد ثلاثة أشهر إذا لم يوجد تمييز. وقال مالك: سنة في الطلاق كالوفاة فتسعة أشهر استبراء، وثلاثة أشهر عدة حرة كانت أو أمة أو كتابية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 616 فصل قال: وعلى المبتوتة والمتوفى عنها زوجها إذا كانت بالغة مسلمة الحداد، أما المتوفى عنها زوجها فلقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا»   [البناية] [ما يجب على المعتدات من الفعل والترك] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان ما يجب على المعتدات من الفعل والترك. م: (قال) ش: أي القدوري في مختصره م: (وعلى المبتوتة) ش: هذه اللفظة تقع على المطلقة بائنا أو ثلاثا، وعلى المختلعة م: (والمتوفى عنها زوجها إذا كانت بالغة مسلمة الحداد) ش: بكسر الحاء المهملة وتخفيف الدالين المهملتين مصدر من حدت المرأة إذا تركت الزينة والخضاب بعد وفاة زوجها، وهو من نصر ينصر، وضرب يضرب، وفتح يفتح، وأحدت المرأة أيضا إحدادا. وأبي الأصمعي إلا أحدت، فهي محد، كذا قاله ابن دريد. وقال ابن شداد في "أحكامه": أحد وحد لغتان، وهو من الحد، وهو المنع، وأنها منعت نفسها، والحداد أيضا ثبات الماء ثم السود. م: (أما المتوفى عنها زوجها فلقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (لا «يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا الترمذي عن أم عطية قالت: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار وفي لفظ البخاري ومسلم: وقد رخص للمرأة في طهرها إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من قسط أو أظفار» . وقال الأكمل: وفي وجه الاستدلال بهذا الحديث إشكال، لأن مقتضاه إحلال الإحداد للمتوفى عنها زوجها، لكون الاستثناء من التحريم إحلال، وليس الكلام فيه، وإنما هو في الإيجاب، ثم قال: وقال في " النهاية " يمكن أن يقال قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يحل نفي إحلال الإحداد نفسه، فحينئذ كان في المستثنى إثبات الإحداد لا محالة وكان تقدير الحديث لا تحد المرأة على ميت فوق ثلاثة أيام إلا المتوفى عنها زوجها فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا، فكان هذا إخبارا بإحداد المتوفى عنها زوجها فكان واجبا، لأن إخبار الشرع آكد من الأمر، وهذا نسب ما وجدت من الشرع، انتهى. قلت: هذا التعسف لغة من التقصير من النظر في تمام الحديث، فإن المصنف أيضا ما أخرج الحديث بتمامه، وقد ذكرناه، وفيه تصريح بوجوب الإحداد على ما لا يخفى على المتأمل والعصب من برود اليمين يصنع غزله ثم يحاك، قوله نبذة من قسط بضم القاف، وسكون السين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 617 وأما المبتوتة فمذهبنا، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا حداد عليها لأنه وجب إظهارا للتأسف على فوت زوج، وفى بعهدها إلى مماته وقد أوحشها بالإبانة، فلا تأسف بفوته. ولنا ما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: نهى المعتدة أن تختضب بالحناء، وقال: الحناء طيب   [البناية] المهملة، وهو ضرب من العود، وقيل ضرب من الطيب لا واحد له من لفظه. وقيل واحدة ظفر، ويروى من قسط ظفار بدون الألف بوزن قطام، وهو اسم مدينة لحمير باليمن، قوله - نبذة - أي قطعة، وهو بضم النون وسكون الباء الموحدة، والمتوفى عنها زوجها تحد وعليه أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو مذهب أصحابنا وسفيان والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق سواء كانت حاملا أو غيرها. وقال الشعبي والحسن البصري والحكم بن عتيبة: لا يجب وقالت الظاهرية: فرض عليها الإحداد. فإن قيل الإحداد التأسف على فوت النعم، وذلك مذموم، قال الله تعالى: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد: 23] الحديد الآية 23، فكيف صار واجبا بالخبر معارضا بالكتاب أجيب بأن المراد بقوله تعالى: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا} [الحديد: 23] ... الآية، الأسى مع الصباح، والفرح مع الصياح نقل عن ابن مسعود موقوفا ومرفوعا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (وأما المبتوتة فمذهبنا) ش: وبه قال الشافعي في القديم وأحمد في رواية م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: في الجديد م: (لا حداد عليها) ش: وبه قال مالك وأحمد في رواية. وفي " المنهاج " يستحب، وفي قول يجب م: (لأنه) ش: أي لأن الإحداد م: (وجب إظهارا للتأسف على فوت زوج، وفي بعهدها إلى مماته) ش: أي وفي تعهد المرأة ما فاتها من حسن العشرة، إلا أن فرق الموت بينهما م: (وقد أوحشها بالإبانة) ش: حيث أساء إليها بالفراق وإيثاره غيرها عليها م: (فلا تأسف بفوته) ش: أي بفوت هذا الزوج. م: (ولنا ما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى المعتدة أن تختضب بالحناء، وقال: «الحناء طيب» ش ظاهر ما ذكره المصنف يدل على أنه حديث، ذكره السروجي حديثا واحدا لا كما زعم السروجي. وقال مخرج الأحاديث: هذا وهم منه، لأن المصنف استدل بهذا الحديث على أن المبتوتة عليها الإحداد كالمتوفى عنها زوجها، وفيه خلاف الشافعي، فتعين أن يكون الحديث واحدا. فإن قلت: استدل بعضهم بقول المصنف، ولنا ما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى قوله، وقال: «الحناء طيب» بحديث أخرجه أبو داود في سننه عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها عن مولاة لها «عن أم سلمة، قالت: قال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا في عدتي من وفاة أبي سلمة "لا تمتشطي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 618 ولأنه يجب إظهارا للتأسف على فوت نعمة النكاح الذي هو سبب لصونها وكفاية مؤنها، والإبانة أقطع لها من الموت، حتى كان لها أن تغسله ميتا قبل الإبانة لا بعدها.   [البناية] بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب" قلت: بأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال "بالسدر تغلفين به رأسك".» قلت: حديث أبي داود هذا أجنبي عن المقصود على ما لا يخفي، فالاستدلال به غير مطابق. وقوله - نهى المعتدة - أعم من أن تكون معتدة الوفاة ومعتدة الطلاق، وتمام الحديث الحناء طيب. فالحديث حديث واحد أخرجه البيهقي في كتاب المعرفة في الحج عن ابن لهيعة عن بكير بن عبد الله بن الأشج «عن خولة بنت حكيم عن أمها أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لا تطيبي وأنت محرمة، ولا تمسي الحناء فإنه طيب، وعزاه السروجي في الغاية إلى النسائي، لفظه: " نهى المعتدة عن التكحيل والدهن والخضاب بالحناء "، وقال: " الحناء طيب".» وقال البيهقي: إسناده ضعيف، قال ابن لهيعة: لا يحتج به. قلت: تكلموا فيه كثيرا، ولكن روي عن أحمد قال: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثة وضبطه وإتقانه، وحدث عنه أحمد كثيرا، وروى له مسلم مقرونا بعمرو بن الحارث. روى له الأربعة، والطحاوي. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الإحداد م: (يجب إظهارا للتأسف على فوت نعمة النكاح الذي هو سبب لصونها) ش: أي لصون المرأة عن ارتكاب ما لا يجوز م: (وكفاية مؤنها) ش: ولأجل كفاية مؤنها وهو جمع مؤنة من نفقتها وكسوتها م: (والإبانة أقطع لها) ش: أي لنعمة النكاح م: (من الموت) ش: لأن حكم النكاح باق بعد الوفاة إلى أن تنقضي العدة م: (حتى كان لها أن تغسله) ش: أي حتى كان للمرأة أن تغسل زوجها، حال كونه م: (ميتا قبل الإبانة لا بعدها) ش: لأنه لا يبقى النكاح بعدها أصلا. فإن قيل: المبتوتة تتأسف، فكيف تتأسف المختلعة وقد افتدت نفسها بالمال لطلب الخلاص منه؟ وكذا المبانة كيف تتأسف، وقد كفاها بالإبانة وآثر غيرها عليها؟ بل تظهر السرور بالتخلص من مثل هذا الزوج كما قال الخصم. أجيب بأن وجوب الإحداد دائر بفوت النكاح الصحيح بالمشيئة لا باعتبار وفاء الزوج وجفائه، وفي هذا لا فرق بين المختلعة والمبتوتة. فإن قيل: لو كان كذلك ينبغي أن تجب على الأزواج كما تجب على الزوجات، لما أن نعمة النكاح مشترك بينهما. أجيب بأن النص لم يرد إلا في الزوجات، والأزواج ليسوا في معناهن لكونهم أدنى منهم في نعمة النكاح، لما فيه من صيانتهن، وورود النفقة عليهن لكونهن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 619 والحداد، ويقال الإحداد، وهما لغتان، أن تترك الطيب، والزينة، والكحل، والدهن والمطيب، وغير المطيب، إلا من عذر، وفي " الجامع الصغير ": إلا من وجع. والمعنى فيه وجهان: أحدهما: ما ذكرناه من إظهار التأسف، والثاني: أن هذه الأشياء دواعي الرغبة فيها، وهي ممنوعة عن النكاح فتجتنبها كيلا تصير ذريعة إلى الوقوع في المحرم، وقد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يأذن للمعتدة في الاكتحال، والدهن لا يعرى   [البناية] ضعائف عن الكسب عواجز عن التغلب، ولا كذلك الأزواج. [تعريف الإحداد وأحكامه] م: (والحداد ويقال الإحداد) ش: أراد بهذا تعريف الإحداد، وكان موضعه في أول الكلام. قوله - الحداد - مبتدأ وخبره قوله أن يترك الطيب.. إلى آخره. وقوله: ويقال الإحداد جملة معترضة، أي يقال في الإحداد الحداد أيضا م: (وهما لغتان) ش: جملة معترضة، أي الحداد بلا همزة في أوله، والإحداد بهمزة لغتان مستعملتان، وقد مضى الكلام فيه عن قريب م: (أن تترك الطيب) ش: أي تترك المعتدة استعمال الطيب م: (والزينة) ش: أي واستعمال الزينة م: (والكحل) ش: يضم الكاف، أي بترك الكحل، وهو مصدر، وبالضم اسم م: (والدهن) ش: أي واستعمال الدهن م: (والمطيب، وغير المطيب إلا من عذر) ش: هكذا لفظ القدوري ولفظ محمد. م: (وفي " الجامع الصغير ": إلا من وجع) ش: وهو إشارة إلى أن العذر هو التداوي م: (والمعنى فيه وجهان) ش: أي في إيجاب ترك الطيب والزينة وجهان م: (أحدهما ما ذكرناه من إظهار التأسف) ش: على زوال النكاح م: (والثاني) ش: أي وجه الثاني م: (أن هذه الأشياء) ش: أي الطيب والزينة والكحل والدهن م: (دواعي الرغبة فيها) ش: أي في المرأة، لأنها إذا كانت مطيبة متزينة تزيد رغبة الرجل فيها فوق ما يكون إذا كانت خالية عن الأشياء المذكورة م: (وهي ممنوعة عن النكاح) ش: أي المرأة المحدة ممنوعة عن النكاح، ما دامت في عدة النكاح والوفاة م: (فتجتنبها) ش: أي إذا كان الأمر كذلك تجتنب هذه المحدة الأشياء المذكورة م: (كيلا تصير ذريعة) ش: أي كيلا تصير هذه الأشياء وسيلة م: (إلى الوقوع في المحرم) ش: أي الحرام. م: (وقد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يأذن للمعتدة في الاكتحال) ش: أراد بالمعتدة التعميم، ولم يرد غير المتوفى عنها زوجها خاصة، كذا قال مخرج الأحاديث في تخريجه. وقوله: وقد صح النهي عن الاكتحال، فإن الأئمة الستة قد أخرجوه في "كتبهم" مختصرا ومطولا «عن زينب بنت أم سلمة عن أمها امرأة توفي عنها زوجها فخافوا على عينها، فأتوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستأذنوه في الكحل، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لا مرتين أو ثلاثة - حتى تمضي أربعة أشهر وعشر» وأما على الدهن فلم يصح شيء، غير أنه إذا كان طيبا فظاهر أنها ممنوعة عن الطيب وإن لم يلق فيه على ما يجيء الآن. م: (والدهن) ش: مبتدأ وقوله: م: (لا يعرى) ش: خبره، وأشار بهذا إلى أن الدهن ممنوع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 620 عن نوع طيب وفيه زينة الشعر، ولهذا يمنع المحرم عنه، قال: "إلا من عذر" لأنه فيه ضرورة، والمراد الدواء لا الزينة، ولو اعتادت الدهن فخافت وجعا فإن كان ذلك أمرا ظاهرا يباح لها؛ لأن الغالب كالواقع، وكذا لبس الحرير إذا احتاجت إليه لعذر لا بأس به. ولا تختضب بالحناء، لما روينا. ولا تلبس ثوبا مصبوغا بعصفر، ولا بزعفران؛ لأنه يفوح منه رائحة الطيب.   [البناية] مطلقا لأنه في ذاته لا يعرى م: (عن نوع طيب) وأن لم يلق فيه الطيب، ولهذا قال: عن نوع طيب م: (وفيه زينة الشعر) ش: لأنه يحسنه ويزيد فيه بهجة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونه زينة للشعر م: (يمنع المحرم عنه) ش: فلا يجوز استعماله م: (قال: إلا من عذر) ش: أي قال القدوري: تترك المحدة الأشياء المذكورة من الطيب والزينة والكحل والدهن إلا من عذر وضرورة وقعت، فحينئذ يجوز (لا) الادهان والاكتحال على وجه الزينة، كما إذا كان بها صداع فدهنت رأسها واشتكت عينيها فاكتحلت، وأشار المصنف إلى ذلك بقوله: م: (لأن فيه ضرورة، والمراد الدواء لا الزينة) ش: أي لا قصد الزينة، لأن الزينة ممنوعة. م: (ولو اعتادت الدهن) ش: بفتح الدال م: (فخافت وجعا) ش: في رأسها أو في عضو من أعضائها م: (فإن كان ذلك أمرا ظاهرا) ش: أي كان خوفها الوجع ظاهرا غالبا م: (يباح لها، لأن الغالب كالواقع) فتحقق الضرورة م: (وكذا لبس الحرير) ش: أي وكذا يجوز لها لبس الحرير م: (إذا احتاجت إليه لعذر لا بأس به) ش: والعذر نحو الحكة والقمل ونحوهما، وروى البخاري ومسلم مسندا إلى أنس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «رخص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للزبير وعبد الرحمن في لبس الحرير لحكة كانت بهما» وقال مالك: يباح للمعتدة لبس الحرير الأسود. وفي " المحيط ": لو اكتحلت وادهنت لرفع أذى يجوز، وللزينة لا يجوز وتمتشط بالأسنان الواسعة لا بالأسنان الضيقة. وقال الشافعي ومالك وأحمد: يجوز الامتشاط مطلقا، وعندهم لها أن تدخل الحمام وتغسل رأسها بالخطمي والسدر. وأجمعوا على منع الأدهان المطيبة، واختلفوا في غير المطيبة، فعندنا والشافعي حرام لغير الضرورة. وعند مالك وأحمد والظاهرية تدهن بالزيت والسيرج الغير المطيب. م: (ولا تختضب بالحناء لما روينا) ش: أراد به قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الحناء طيب» ومر الكلام فيه م: (ولا تلبس ثوبا مصبوغا بعصفر ولا زعفران، لأنه يفوح منه رائحة الطيب) ش: وفي " الكافي " إلا إذا لم يكن لها ثوب إلا المصبوغ، فحينئذ لا بأس به لضرورة ستر العورة، ولكن لا تقصد الزينة. قال الإمام الحلواني: والمراد بالثياب المذكورة الجدد منها، أما الخلق منها لا يقع به الزينة فلا بأس، به ويباح لها لبس الأسود عند الأئمة الأربعة أن لا يقصد به الزينة بل أبلغ في الحدادة. قالت الظاهرية: يجتنب عن لبس السواد كما في المصبوغ بالحمرة والخضرة، ولا تخفر المعتدة على الطيب ولا تجزئه ولا تبيعه و (لو) لم يكن كسب إلا منه، ولم يوافق عليه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 621 قال: ولا إحداد على كافرة؛ لأنها غير مخاطبة بحقوق الشرع، ولا على صغيرة؛ لأن الخطاب موضوع عنها، وعلى الأمة الإحداد لأنها مخاطبة بحقوق الله تعالى فيما ليس فيه إبطال حق المولى، بخلاف المنع من الخروج من البيت في العدة؛ لأن فيه إبطال حقه وحق العبد مقدم لحاجته. قال: وليس في عدة أم الولد ولا في عدة   [البناية] قال محمد في " النوادر ": لا يحل الإحداد لمن مات أبوها أو ابنها أو أمها أو أخوها، فإنما هو في حق الزوج خاصة. قيل: أراد بذلك فيما زاد على الثلاثة إذ في الحديث إباحة الإحداد للمسلمات على غير أزواجهن ثلاثة أيام. ولم يحك خلافا في " المنهاج " لها الإحداد على غير الزوج ثلاثة أيام وتحرم الزيادة. [الحداد على الكافرة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا إحداد على كافرة، لأنها غير مخاطبة بحقوق الشرع) ش: وقال الشافعي ومالك والظاهرية: عليها الإحداد م: (ولا على صغيرة، لأن الخطاب موضوع عنها) ش: يعني غير داخلة في الخطاب، وعند هؤلاء عليها الحداد، وفي عدة الوفاة. فإن قلت: ما الفرق بين الحداد والعدة؟ حيث تجب العدة على الصغيرة. قلت: لا نسلم أن العدة تجب عليها، لأنها ليست بمخاطبة، بل الولي يؤمر بأن لا يزوجها حتى تنقضي العدة لحق الشرع، ولهذا شرط الإيمان لوجوبه، وإنما يشترط الإيمان لحق الله تعالى، فعلى هذا لا حاجة إلى الفرق لعدم وجوب العدة أيضا. م: (وعلى الأمة الإحداد، لأنها مخاطبة بحقوق الله تعالى فيما ليس فيه إبطال حق المولى) ش: لأن فروع الشرع التي ليس فيها إبطال حق المولى يلزم المملوكة كالصوم والصلاة فيلزمها الحداد م: (بخلاف المنع من الخروج من البيت في العدة، لأن فيه) ش: أي في منعها من الخروج م: (إبطال حقه) ش: أي حق المولى من الاستخدام ونحوه، ولا يفوت الإحداد بذلك. م: (وحق العبد مقدم) ش: على حق الشرع م: (لحاجته) ش: أي لحاجة العبد، واستغناء الشرع، ألا ترى أن للمولى منعها من النوافل، ومنع المعتدة من شهود الجمعة والجماعة. وكذا الحكم في المدبرة وأم الولد والمكاتبة والمستسعاة والمنكوحات في الوفاة والطلاق لفوات نعمة النكاح، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد. فإن قلت: لو وجب الحداد لفوات نعمة النكاح لوجب بعد شراء منكوحته لزوال النكاح بالشراء. قلت: لم يفت الحال ببقائه بملك اليمين. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وليس في عدة أم الولد) ش: يعني إذا أعتقت م: (ولا في عدة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 622 النكاح الفاسد حداد؛ لأنه ما فاتها نعمة النكاح لتظهر التأسف، والإباحة الأصل. ولا ينبغي أن تخطب المعتدة، ولا بأس بالتعريض في الخطبة   [البناية] النكاح الفاسد إحداد؛ لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (ما فاتها نعمة، النكاح لتظهر التأسف) ش: أما أم الولد إنما يجب عليها العدة بالعتق الذي يزول به ذلك العتق، فالمناسب لذلك السرور لا الحزن، لأن ما فاتها نعمة، بل حصل نعمة الحرية التي صارت بها أهلا للولاية، وأما النكاح الفاسد، وكذا الوطء عن شبهة، فلا يلزم الحداد م: (الإباحة الأصل) ش: كان ينبغي أن يقول الأصل الإباحة. قال الأترازي: أرد بها إباحة الزينة لها، وذلك لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32] (الأعراف الآية 32) ، وقال الكاكي: أي إباحة الزينة أصل خصوصا في حق النساء. وقال الأكمل: الأصل هو الإباحة في الزينة. وقال السغناقي: إباحة الزينة أصل، والكل في الحقيقة معنى واحد. وقال تاج الشريعة: فإن قلت: ما وجه إيراد قوله: والإباحة أصل؟ قلت: وجهة أنه لما ذكر قوله: فإنها نعمة النكاح يمكن أن يقال عليه إن هذا تعليل بالعدم، وإنه لا يصح، فأجاب بقوله: والإباحة أصل، يعني أنه لا يثبت بعدم فوات نعمة النكاح، بل بالأصل المقتضي للإباحة السالم من وجود العلة المحرمة للزينة، انتهى. قلت: تخصيص إباحة الزينة بكونها أصلا على الانفراد لا وجه له؛ لأن الأصل الإباحة في كل الأشياء التي منعت قولا أو فعلا على أن مذهب فخر الإسلام أن الإباحة ليست بأصل. [نكاح المعتدة] م: (ولا ينبغي أن تخطب المعتدة) ش: خطبة التزوج، ونكاح المعتدة لا يجوز، وقد مر في المحرمات م: (ولا بأس بالتعريض في الخطبة) ش: التعريض التلويح، وحقيقته إمالة الكلام إلى غرض يدل على التعرض، منه قوله- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب» ، وذلك مثل أن يقول: إنك لجميلة، وإنك لشابة، وإن النساء لمن حاجتي، فلعل الله يسوق إليك خيرا وما أشبه ذلك من الإشارة دون التصريح بالنكاح أن لا يجوز أن يقول صريحا: أريد أن أنكحك أو أتزوجك أو أخطبك؛ لأن الخطبة التزوج كما ذكرنا، والفرق بين الكناية والتعريض أن الكناية أن يذكر الشيء بغير اللفظ الموضوع له كقولك: طويل النجاد لطويل القامة، كثير الرماد للمضياف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 623 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] البقرة الآية: (235) .   [البناية] والتعريض أن يذكر شيئا يدل على شيء لم يذكره، كما يقول المحتاج للمحتاج إليه: جئتك لأسلم عليك، ولأنظر إلى وجهك، قاله الزمخشري. وقال تاج الشريعة: التعريض الكلام دلالة ليس له فيها ذكر، كقولك: ما أقبح البخل تعريض بأنه بخيل، والكناية ذكر الرديف وإرادة المردوف كقولك: فلان طويل النجاد، يعني طويل القامة. كثير الرماد، يعني أنه مضياف. وفي شرح التأويلات أراد بالتعريض للمتوفى عنها زوجها، إذا التعريض لا يجوز في المطلقة بالإجماع، لأنه لا يجوز لها الخروج من مهر لها أصلاَ فلا يتمكن من التعريض على وجه لا يخفى عن الناس. وأما المتوفى عنها زوجها لها الخروج نهارا فيمكنه التعريض على وجه لا يقف عليه سواها، وأجمعوا على منع الخطبة جواز التعريض في المتوفى عنها زوجها. وفي " المنهاج ": لا تعريض لرجعية، ويحل في عدة الوفاة. وكذا في البائن في الأظهر. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] (البقرة الآية: 235) ش: قَوْله تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 235] أي: لا إثم عليكم أن تعرضوا بخطبة النساء في عدتهن من وفاة أزواجهن من غير تصريح. قَوْله تَعَالَى: {أَوْ أَكْنَنْتُمْ} [البقرة: 235] أي أسررتم في قلوبكم فلم تذكروه بألسنتكم لا معرضين ولا مصرحين، والمستدرك بقوله تعالى: {لَا تُوَاعِدُوهُنَّ} [البقرة: 235] محذوف تقديره علم الله أنكم ستذكرونهن فاذكروهن: {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] أي وطأ، لأنه مما يسر. وقال الحسن والنخعي وقتادة والضحاك ومقاتل بن حيان والسري: يعني الزنا، وهو رواية العوفي عن ابن عباس، واختاره ابن جرير. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] لا تقولوا لها: إني عاشق وعاهديني أن لا تتزوجني غيري، ونحو هذا، قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] وهو أن تعرضوا ولا تصرحوا والاستثناء يتعلق بقوله تعالى: {لَا تُوَاعِدُوهُنَّ} [البقرة: 235] أي لا تواعدوهن مواعدة قط إلا مواعدة معروفة، فسر القول المعروف سعيد بن جبير بما ذكره المصنف على ما يجيء الآن، وكذا فسره مجاهد والثوري والسدي. وقال ابن سيرين: قلت لعبيدة ما معنى قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] ؟ قال: يقول لوليها: لا تسبقني بها، يعني لا تزوجها حتى تعلمني، رواه ابن أبي حاتم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 624 وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: السر النكاح، وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - التعريض أن يقول: إني أريد أن أتزوج، وعن سعيد بن جبير في القول المعروف: إني فيك لراغب وإني لأرجو أن نجتمع. ولا يجوز للمطلقة الرجعية والمبتوتة الخروج من بيتها ليلا ولا نهارا، والمتوفى عنها زوجها تخرج نهارا وبعض الليل، ولا تبيت في غير منزلها، أما المطلقة فلقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] (الطلاق الآية: 1) قيل الفاحشة نفس الخروج. وقيل: الزنا ويخرجن لإقامة الحد.   [البناية] م: (وقال- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «السر النكاح» ش: هذا غريب، قاله مخرج الأحاديث، أراد أنه لم يثبت ولم يتعرض إليه أحد من الشراح، غير أن الأترازي قال: ولنا في صحة هذا الحديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نظر. م: (وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: التعريض أن يقول إني أريد أن أتزوج) ش: أخرجه البخاري عن مجاهد عن ابن عباس: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ} [البقرة: 235] يقول: إني أريد التزوج ولوددت أن يتيسر لي امرأة صالحة. م: (وعن سعيد بن جبير في القول المعروف: إني فيك لراغب، وإني لأرجو أن نجتمع) ش: أخرجه البيهقي عنه {إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] قال: يقول إني فيك لراغب، وإني لأرجو أن نجتمع. [خروج المتوفى عنها زوجها نهارا أو بعض الليل] م: (ولا يجوز للمطلقة الرجعية والمبتوتة) ش: أي المطلقة طلاقا بائنا، إما واحدة بائنة، (أو) ثلاثا م: (الخروج من بيتها ليلا ولا نهارا، والمتوفى عنها زوجها تخرج نهارا وبعض الليل، ولا تبيت في غير منزلها) ش: وأوجب المبيت على المتوفى عنها زوجها عمر وعثمان وابن مسعود وابن عمر وأم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وبه يقول ابن المسيب والقاسم بن محمد والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وأبو عبيدة وجماعة من فقهاء الأمصار، وعن علي وابن مسعود وجابر وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أنها تعتد حيث شاءت، وهو قول الحسن وعطاء والظاهرية. م: (أما المطلقة) ش: أي أما الدليل على عدم جواز خروج المطلقة من بيتها ليلا ونهارا م: (فلقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] (الطلاق الآية:1) م: (قيل: الفاحشة نفس الخروج) ش: قاله إبراهيم النخعي، وبه قال أبو حنيفة، فيكون معناه إلا أن يكون خروجها فاحشة كما يقال لا يسب النبي إلا كافر، ولا يزني أحد إلا أن يكون فاسقا. م: (وقيل: الزنا) ش: أي الفاحشة هي الزنا م: (ويخرجن لإقامة الحد) ش: عليهن، قاله ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وبه أخذ أبو يوسف. وقال ابن عباس: هو نشوزها، أو تكون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 625 وأما المتوفى عنها زوجها؛ فلأنه لا نفقة لها، فتحتاج إلى الخروج نهارا لطلب المعاش، وقد يمتد إلى أن يهجم الليل، ولا كذلك المطلقة؛ لأن النفقة دارة عليها من مال زوجها، حتى لو اختلعت على نفقة عدتها قيل: إنها تخرج نهارا، وقيل: لا تخرج؛ لأنها أسقطت حقها، فلا يبطل به حق عليها. وعلى المعتدة أن تعتد في المنزل الذي يضاف إليها بالسكنى حال وقوع الفرقة والموت؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] (الطلاق الآية: 1) ، والبيت المضاف إليها هو البيت الذي تسكنه، ولهذا لو زارت أهلها وطلقها زوجها كان عليها أن تعود إلى منزلها فتعتد فيه. وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للتي قتل زوجها: «اسكني في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله» .   [البناية] بذية اللسان تبذأ على (أهل) زوجها م: (وأما المتوفى عنها زوجها) ش: أي وأما جواز خروج المتوفى عنها زوجها نهارا أو بعض الليل م: (فلأنه لا نفقة لها، فتحتاج إلى الخروج نهارا لطلب المعاش) ش: وقيل: لا تخرج لأنها أسقطت م: (وقد يمتد إلى أن يهجم الليل، ولا كذلك المطلقة؛ لأن النفقة دارة عليها من مال زوجها، حتى لو اختلعت على نفقة عدتها قيل: إنها تخرج نهارا وقيل: لا تخرج؛ لأنها أسقطت حقها فلا يبطل به) ش: أي بإسقاط حقها م: (حق عليها) ش: وفي شرح " الكافي " وإن كانت غنية فلها أن تخرج لأنها لا تخاطب بما هو أعظم من هذا في حق الشرع كالصلاة والحدود، وليس للزوج أن يمنعها في الطلاق البائن، لأنه لم يبق لها عليه ملك ولا يتوهم، قالوا: إلا أن تكون مراهقة يتوهم أن تحبل، فحينئذ هي كالكتابية. م: (وعلى المعتدة أن تعتد في المنزل الذي يضاف إليها بالسكنى حال وقوع الفرقة والموت؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] (الطلاق الآية:1) ، والبيت المضاف إليها هو البيت الذي تسكنه) ش: نسب البيوت إليهن بحق السكنى، ولما قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] (الأحزاب الآية: 33) ، وإنما البيوت للأزواج، والسكنى عام يشمل البيت المملوك والمستأجر والمستعار جميعا. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل وجوب اعتدادها في المنزل الذي يضاف إليهن بالسكنى م: (لو زارت أهلها وطلقها زوجها، كان عليها أن تعود إلى منزلها فتعتد فيه، وقال- عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (للتي قتل زوجها: «اسكني في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله") » ش: هذا الحديث أخرجه أصحاب " السنن " الأربعة كلهم من طريق سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته «زينب بنت كعب بن عجرة، أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسألته أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة وأن زوجها خرج في طلب عبيد أبقوا حتى إذا كان بطرف القدوم، لحقهم فقتلوه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 626 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قالت: فسألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يترك مسكنا يملكه ولا نفقة. قالت: فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "نعم". قالت: فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة (أو في المسجد) ناداني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أو أمر بي فنوديت له) ، فقال: "كيف قلت؟ ": فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي، قال: "اسكني في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله". قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، قالت: فلما كان عثمان - رضي الله تعالى- عنه أرسل إلي، فسألني عن ذلك، فأخبرته فاتبعه وقضى به» أخرجه الترمذي. حدثنا الأنصاري، أنبأنا مالك معين أنبأنا مالك عن سعد بن إسحاق إلى آخره، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح. أخرجه أبو داود والنسائي من طريق مالك، وأخرجه ابن ماجه من رواية أبي خالد الأحمر. ورواه أحمد وإسحاق وأبو داود الطيالسي الشافعي وأبو يعلى الموصلي في "مسانيدهم". ورواه ابن حبان في "صحيحه"، وأخرجه الطحاوي من ثمان طرق. وقد طعن ابن حزم فيه، بأنه من طريق زينب بنت كعب بن عجرة، وهي مجهولة، ولا روى عنها غير سعد بن إسحاق بن كعب وهو غير مشهور. وأجيب بأنه لا يلتفت إلى كلامه بعد أن حكم الترمذي بصحته. وقال ابن المنذر: ثبت دليل حديث زينب وفي تصحيح الترمذي إياه توثيقها وتوثيق سعد بن إسحاق، ولا يضر الثقة أن لا يروي عنه إلا واحد. قال ابن عبد البر: حديث مشهور معروف عند علماء العراق والحجاز، واعلم أنه وقع في رواية يحيى عن مالك عن سعيد بن إسحاق بزيادة الياء بعد العين. وكذا وقع في رواية عبد الرزاق والبخاري في تاريخه، ووقع في رواية الجمهور عن سعد بدون الياء، وهو تصحيف بطرف القدوم بفتح القاف وضم الدال المخففة، وهو اسم موضع على ستة أميال من المدينة. وجاء في حديث آخر أن إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اختتن بالقدوم، قوله: «حتى يبلغ الكتاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 627 وإن كان نصيبها من دار الميت لا يكفيها فأخرجها الورثة من نصيبهم، انتقلت لأن هذا انتقال بعذر، والعبادات تؤثر فيها الأعذار، فصار كما إذا خافت على متاعها أو خافت سقوط المنزل أو كانت فيها بأجر ولا تجد ما تؤديه. ثم إن وقعت الفرقة بطلاق بائن أو ثلاث، لا بد من سترة بينهما ثم لا بأس لأنه معترف بالحرمة إلا أن يكون فاسقا يخاف عليها منه، فحينئذ تخرج، لأنه عذر.   [البناية] أجله» ، يعني لا تخرجي حتى تنقضي عدتك. فإن قلت: حديث يشكل على المذهب، وهو ما رواه الدارقطني عن محبوب بن محرز عن أبي مالك النخعي عن عطاء بن السائب، «عن علي- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر المتوفى عنها زوجها أن تعتد حيث شاءت» . قلت: قال الدارقطني: لم يسنده غير أبي مالك النخعي، وهو ضعيف. وقال ابن القطان: ومحبوب بن محرز أيضا ضعيف وعطاء مختلط. م: (وإن كان نصيبها من دار الميت لا يكفيها) ش: بأن كان نصيبها وحدها لا يكفيها م: (فأخرجها الورثة من نصيبهم) ش: بأن لم يرضوا بسكناها م: (انتقلت لأن هذا انتقال بعذر، والعبادات تؤثر فيها الأعذار) ش: والدليل عليه ما روي أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نقل ابنته أم كلثوم حين قتل عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - من بيت العدة، لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كان يسكن في دار الإمارة، وقد انتقلت الدار إلى عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (فصار كما إذا خافت على متاعها) ش: في ذلك المنزل من سرقة أو نهب. م: (أو خافت سقوط المنزل) ش: عليها م: (أو كانت فيها بأجر) ش: يعني بأجرة م: (ولا تجد ما تؤديه) ش: أي لا تقدر على أدائها، وكذا إذا كانت في بعض الرساتيق، فدخل عليها من السلطان أو غيره، فلها أن تنتقل إلى المصر. م: (ثم إن وقعت الفرقة بطلاق بائن أو ثلاث) ش: أي ثلاث تطليقات م: (لا بد من سترة بينهما) ش: أي بين الرجل والمرأة. قال في " النهاية ": يعني إذا لم يكن للزوج إلا بيت واحد، وكذا هذا في الوفاة، إذا كان في ورثة من ليس بمحرم م: (ثم لا بأس) ش: أي بعد وجود السترة، لا بأس أن يسكنها في بيت واحد م: (لأنه) ش: أي لأن الرجل مسلم م: (معترف بالحرمة) ش: وحال من هو كذا يجتنب الحرام م: (إلا أن يكون فاسقا) ش: استثناء من قوله لا بأس مع السترة م: (يخاف عليها منه، فحينئذ تخرج لأنه عذر) ش: ولو كانت بينهما سترة، فيكون ذلك المنزل كالمنزل الأول، فلا تنتقل منه إلا ببعض الأعذار وهو معنى قوله: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 628 ولا تخرج عما انتقلت إليه. والأولى أن يخرج الزوج ويتركها وإن جعلا بينهما امرأة ثقة، تقدر على الحيلولة فحسن. وإن ضاق عليهما المنزل فلتخرج، والأولى خروجه. وإذا خرجت المرأة مع زوجها إلى مكة فطلقها ثلاثا أو مات عنها، فإن كان بينها وبين مصرها أقل من ثلاثة أيام، رجعت إلى مصرها لأنه ليس بابتداء الخروج معنى بل هو بناء. وإن كانت مسيرة ثلاثة أيام إن شاءت رجعت، وإن شاءت مضت سواء كان معها ولي أو لم يكن. معناه إذا كان إلى المقصد ثلاثة أيام أيضا، لأن المكث في ذلك المكان أخوف عليها من الخروج، إلا أن الرجوع أولى، ليكون الاعتداد في منزل الزوج   [البناية] م: (ولا تخرج عما انتقلت إليه) ش: أي ولا تخرج عن المنزل الذي انتقلت إليه. قالوا في شرح " الجامع الصغير ": وإن أخرج الزوج فهو أولى وهو معنى قوله م: (والأولى أن يخرج الزوج) ش: منال بيت م: (ويتركها) ش: فيه احتراز عن الخروج. م: (وإن جعلا) ش: أي الزوجان م: (بينهما امرأة ثقة تقدر على الحيلولة) ش: أي على كونها حائلة بينهما م: (فحسن) ش: لحصول المقصود. وإن لم يجد امرأة ثقة، فلها الانتقال إلى منزل آخر. ولو كان الزوج غائبا، تعطي أجرة المنزل إذا طلبها صاحبها بإذن القاضي لترجع على الزوج. م: (وإن ضاق عليهما المنزل فلتخرج) ش: أي المرأة م: (والأولى خروجه) ش: أي خروج الرجل، فيكتري منزلا آخر لنفسه، ويتركها في المنزل الذي وقعت فيه الفرقة م: (وإذا خرجت المرأة مع زوجها إلى مكة فطلقها ثلاثا أو مات عنها) ش: في بعض الطريق م: (فإن كان بينها وبين مصرها أقل من ثلاثة أيام رجعت إلى مصرها؛ لأنه ليس بابتداء الخروج معنى) ش: أي من حيث المعنى، لأن خروج المعتدة ما دون السفر مباح م: (بل هو بناء) ش: على الخروج الأول م: (وإن كانت) ش: أي المعتدة بينها وبين مصرها م: (مسيرة ثلاثة أيام إن شاءت رجعت) ش: إلى مصرها م: (وإن شاءت مضت) ش: إلى مقصدها. م: (سواء كان معها ولي أو لم يكن) ش: أي معنى قول محمد، لأن المسألة من مسائل " الجامع الصغير ". وذكر محمد إن كانت ثلاثة أيام رجعت إلى مصرها، وإن شاءت مضت م: (معناه إذا كان إلى المقصد ثلاثة أيام أيضا؛ لأن المكث في ذلك المكان أخوف عليها من الخروج) ش: أي الخوف عليها أكثر من خوف الخروج بغير محرم. كالتي أسلمت في دار الحرب لها أن تهاجر بغير محرم لخوفها على نفسها ودينها. فهذا في المفازة كذلك ولو كان المصر يقرب منها على غير طريق القافلة، فليس لها أن تختلف عن القافلة. كذا في " شرح الطحاوي ". م: (إلا أن الرجوع أولى) ش: استثناء من قوله إن شاءت رجعت وإن شاءت مضت، أي إلا أن الرجوع إلى مصرها أولى م: (ليكون الاعتداد في منزل الزوج) ش: لأنه حينئذ تقع عدتها في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 629 قال: إلا أن يكون طلقها أو مات عنها زوجها في مصر، فإنها لا تخرج حتى تعتد، ثم تخرج إن كان لها محرم وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - إن كان معها محرم فلا بأس بأن تخرج من المصر قبل أن تعتد. لهما أن نفس الخروج مباح دفعا لأذى الغربة ووحشة الوحدة. وهذا عذر، وإنما الحرمة للسفر، وقد انقطعت بالمحرم، وله أن العدة أمنع من الخروج من عدة المحرم، فإن للمرأة أن تخرج إلى ما دون السفر بغير محرم. وليس للمعتدة ذلك فلما حرم عليها الخروج إلى السفر بغير محرم ففي العدة أولى   [البناية] المنزل الذي أمرت به في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اسكني في بيتك» . م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (إلا أن يكون طلقها أو مات عنها زوجها في مصر) ش: استثناء من قوله إن شاءت رجعت وإن شاءت مضت، يعني أن لها الخيار في ذلك، إلا إذا كانت المفارقة في مصر م: (فإنها لا تخرج حتى تعتد ثم تخرج) ش: يعني بعد انقضاء عدتها م: (إن كان لها محرم وهذا) ش: أي المذكور م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - إن كان معها محرم فلا بأس بأن تخرج من المصر قبل أن تعتد) ش: وهو قول أبي حنيفة أولا م: (لهما) ش: أي أبي يوسف ومحمد م: (أن نفس الخروج مباح) ش: بالاتفاق م: (دفعا لأذى الغربة ووحشة الوحدة، وهذا عذر، وإنما الحرمة للسفر وقد انقطعت) ش: أي الحرمة م: (بالمحرم) ش: أي بوجود المحرم، فصار السفر مع المحرم كما دون السفر بدون المحرم. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن العدة أمنع من الخروج من عدم المحرم، فإن للمرأة أن تخرج إلى ما دون السفر بغير محرم ففي العدة أولى) ش: بأن يحرم، وفي " المحيط " البدوي طلق امرأته، فأراد نقلها، إلى مكان آخر، فإن لم تتضرر، يتركها في ذلك الموضع نفسه وما ليس له ذلك، وإن تضررت فله ذلك لأن الضرورات تبيح المحظورات. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 630 باب ثبوت النسب ومن قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فتزوجها فولدت ولدا لستة أشهر من يوم تزوجها فهو ابنه وعليه المهر، وأما بالنسب فلأنها فراشه؛ لأنها لما جاءت بالولد لستة أشهر من وقت النكاح، فقد جاءت به لأقل منها من وقت الطلاق، فكان العلوق قبله في حالة النكاح، والتصور ثابت بأن تزوجها وهو مخالطها، فوافق الإنزال النكاح، والنسب يحتاط في إثباته،   [البناية] [باب ثبوت النسب] [قال إن تزوجت فلانة فهي طالق فتزوجها فولدت ولدا لستة أشهر من يوم تزوجها] م: (باب ثبوت النسب) ش: أي هذا باب في بيان ثبوت النسب لما ذكر أنواع المعتدات ذوات الأقراء والأشهر وأولات الأحمال ذكر ما يلزم من اعتداد أولات الأحمال وثبوت النسب. م: (ومن قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فتزوجها فولدت ولدا لستة أشهر من يوم تزوجها) ش: أي من وقت تزوجها، لأن اليوم قرن بفعل غير ممتد، فيكون بمعنى الوقت، يعني من غير زيادة ولا نقصان، وإنما قيد بهذا لأنها إذا جاءت بالولد لأكثر من ستة أشهر وقت النكاح، لا يثبت النسب لأنها جاءت بالولد بعد الطلاق ظاهرا، فلا يثبت النسب ولا تجب العدة، وكذا إذا جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت النكاح، لا يثبت النسب أيضا لأن العلوق يكون حينئذ قبل النكاح. م: (فهو ابنه وعليه المهر وأما النسب) ش: أي أما ثبوت النسب م: (فلأنها) ش: أي لأن المرأة م: (فراشه) ش: قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الولد للفراش وللعاهرة الحجر» أي لصاحب الفراش والفراش العقد كذا فسره الكرخي م: (لأنها) ش: أي لأن المرأة م: (لما جاءت بالولد لستة أشهر من وقت النكاح فقد جاءت به) ش: أي بالولد م: (لأقل منها) ش: أي من ستة أشهر، م: (من وقت الطلاق فكان العلوق قبله) ش: أي قبل الطلاق م: (في حالة النكاح، والتصور ثابت) ش: أي تصور الوطء والإعلاق ثابت، وبين ذلك بقوله م: (بأن تزوجها) ش: أي بأن يتزوج هذه المرأة م: (وهو مخالطها) ش: أي والحال أنه يجامعها، يعني كأنه تزوجها وهو على بطنها والناس يسمعون كلامهما م: (فوافق الإنزال النكاح) ش: مقارنا للطلاق، وقال الأترازي: إذ من الجائز أن يكون على بطنها، وحالة الإنزال تزوجها والشهود عنده، أو قد علقت من ساعته فيكون وقت النكاح ووقت الوطء واحد. م: (والنسب يحتاط في إثباته) ش: أي فيثبت هذا أيضا جواب عما يقال، هذا تصور بعيد وأمر نادر ينبغي أن لا يثبت النسب، كما هو قول زفر وقول محمد أولا فأجاب بقوله: والنسب يحتاط في إثباته، فيثبت استحسانا، لأنه يحتال في أمره كما ذكرنا. ومن المشايخ من قال: لا يحتاج إلى هذا التكليف، وقيام الفراش كاف، ولا يعتبر إمكان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 631 وأما المهر؛ فلأنه لما ثبت النسب منه جعل واطئا حكما فتأكد المهر به، قال: ويثبت نسب ولد المطلقة الرجعة إذا جاءت به لسنتين أو أكثر ما لم تقر بانقضاء عدتها لاحتمال العلوق في حالة العدة، لجواز أن تكون ممتدة الطهر، وإن جاءت به لأقل من سنتين بانت من زوجها بانقضاء العدة، وثبت نسبه لوجود العلوق في النكاح أو في العدة، ولا يصير مراجعا؛ لأنه يحتمل العلوق قبل الطلاق ويحتمل بعده، فلا يصير مراجعا بالشك   [البناية] الدخول إذ النكاح قائم مقام الماء، كما في تزوج المشرقي بالمغربية، وبينهما مسيرة سنة، فجاءت بالولد لستة أشهر يثبت النسب وإن لم يتوهم الدخول لبعده عنها، قيل التصور شرط فيه. ولهذا لو جاءت امرأة الصغير بولد، لا يثبت نسبه، وفي حق المشرقي الإسكان موجود. م: (وأما المهر، فلأنه لما ثبت النسب منه جعل واطئا حكما، فتأكد المهر به) ش: أي بالوطء حكما وهو أقوى من الخلوة، فيجب المهر كاملا، وقال الفقيه أبو الليث: قال أبو يوسف في " الأمالي " ينبغي في القياس أن يجعل على الزوج مهر ونصف، لأنه وقع الطلاق عليها، فوجب نصف المهر ومهر آخر بالدخول. قال: إلا أن أبا حنيفة استحسن، وقال: لا يجب إلا مهر واحد، لأنا جعلناه بمنزلة الدخول في طريق الحكم، فتأكد ذلك الصداق، فاشبه وجوب الزيادة م: (قال: ويثبت نسب ولد المطلقة الرجعية إذا جاءت به لسنتين أو أكثر، ما لم تقر بانقضاء عدتها لاحتمال العلوق في حالة العدة لجواز أن تكون ممتدة الطهر) ش: فكان وطؤه اللازم من ثبوت النسب الواقع في العدة رجعة عليها م: (وإن جاءت به لأقل من سنتين، بانت من زوجها بانقضاء العدة) ش: بوضع الحمل م: (وثبت نسبه لوجود العلوق في النكاح أو في العدة، ولا يصير مراجعا، لأنه يحتمل العلوق قبل الطلاق، ويحتمل بعده، فلا يصير مراجعا بالشك) ش: فإن قيل ينبغي أن يصير مراجعا لأن الوطء هنا حلال، فأحيل العلوق إلى أقرب الأوقات، وهي حالة العدة إذ الأصل في الحوادث أن يحال أقرب الأوقات، فتثبت الرجعة. قلنا في ذلك العمل، أمره على خلاف السنة لأنه يصير مراجعا دون الإشهاد بالفعل. فأجل العلوق إلى ما قبل الطلاق صيانة لحالته كذا في " المبسوط " لشيخ الإسلام، وهذا كله إذا لم تقر بانقضاء العدة (الطلاق) البائن أو الرجعي. أما لو قرت بالانقضاء، والمدة تصلح لثلاثة أقراء عند أبي حنيفة ستون يوما وعندها تسعة وثلاثون يوما، فإن ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار، يثبت النسب لتيقنها ببطلان الإقرار إن ولدت لستة أشهر أو أكثر لا يثبت. وكذا المتوفى عنها زوجها، لو أقرت بانقضاء العدة بعد أربعة أشهر وعشر فهي على هذا التفصيل، وإن لم تقر يثبت النسب إلى سنتين، لأن عدة الوفاة يحتملها الانقضاء، بانقضاء أربعة أشهر وعشر بوضع الحمل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 632 وإن جاءت به لأكثر من سنتين، كانت رجعة، لأن العلوق بعد الطلاق. والظاهر أنه منه، لانتفاء الزنا منها، فيصير بالوطء مراجعا والمبتوتة يثبت نسب ولدها إذا جاءت به لأقل من سنتين، لأنه يحتمل أن يكون الولد قائما وقت الطلاق فلا يتيقن بزوال الفراش قبل العلوق، فيثبت النسب احتياطا، وإذا جاءت به لتمام سنتين من وقت الفرقة، لم يثبت لأن الحمل حادث بعد الطلاق، فلا يكون منه، لأن وطأها حرام، إلا أن يدعيه لأنه التزمه، وله وجه، بأن وطأها بشبهة في العدة،   [البناية] م: (وإن جاءت به) ش: أي بالولد م: (لأكثر من سنتين كانت رجعة، لأن العلوق بعد الطلاق. والظاهر أنه منه) ش: أي أن الولد من الرجل م: (لانتفاء الزنا منها) ش: أي لأجل انتفاء الزنا منها حملا لحالها على الصلاح م: (فيصير بالوطء مراجعا) ش: فإن قيل ها هنا وجه آخر من غير أن يلزم الزنا منها بأن يحمل أمرها على التزوج بآخر بعد انقضاء العدة. فإن قالت: والحال أنها لم تزوج قلنا: والحال أنه لو وطئها في العدة إذ لو وطئها تثبت الجرعة من غير تقرير هذا التكليف. فلما كان كذلك، كان حمل أمرها على التزوج بآخر أولى لما فيه من رعاية الأصل، وهو أنه لا يثبت الرجعة بالشرك، قلنا نعم كذلك إلا أن الحكم في النكاح الأول أسهل من الحكم بإنشاء نكاح آخر. قال الأكمل: وفيه نظر، لأنه غير واقع، بل هو التزام سؤال والصواب في الجواب، أن المراد بقوله لانتفاء الزنا عنها لازمه وهو تضييع الولد فيكون ذلك الملزوم وإرادة اللازم وهو مجاز، وحينئذ يندفع السؤال لأنا جعلنا الولد من نكاح شخص آخر مجهول بقي الولد ضائعا فكأنه قال لانتفاء التضييع منها بالزنا أو بما في معناه فيه. م: (والمبتوتة) ش: أي المطلقة بائنا أو ثلاثا م: (يثبت نسب ولدها إذا جاءت به لأقل من سنتين، لأنه يحتمل أن يكون الولد قائما) ش: أي ثابتا م: (وقت الطلاق فلا يتيقن بزوال الفراش قبل العلوق، فيثبت النسب احتياطا، وإذا جاءت به لتمام سنتين من وقت الفرقة، لم يثبت، لأن الحمل حادث بعد الطلاق) ش: وإلا لزاد أكثر مدة الحمل سنتين وهو باطل م: (فلا يكون منه، لأن وطأها حرام، إلا أن يدعيه) ش: استثناء من قوله لم يثبت أي لم يثبت النسب إذا جاءت المبتوتة بولد تمام سنتين إلا أن يدعيه أي: إلا أن يدعي الزوج الولد م: (لأنه التزمه) ش: أي لأنه التزم النسب عند دعواه. م: (وله وجه) ش: شرعي م: (بأن وطأها بشبهة في العدة) ش: والنسب يحتاط في إثباته، فيثبت قبل هذا مناقض لرواية " كتاب الحدود " حيث قال: إن النسب لا يثبت بالوطء في عدة المبتوتة، أجيب بأنه يمكن أن تحمل المبتوتة في كتاب الحدود على المبتوتة بثلاث، أو على مال، لا على المبتوتة بالكنايات، فحينئذ يندفع التناقض لمكان الاختلاف في وقوع البائن في الكنايات، ولهذا قيده صاحب الكتاب في الحدود بطلاق البائن على مال وهل يحتاج لتصديق المرأة أم لا؟ قال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": فيه روايتان، في رواية يحتاج إلى تصديقها وفي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 633 فإن كانت المبتوتة صغيرة، يجامع مثلها فجاءت بولد لتسعة أشهر لم يلزمه حتى تأتي به لأقل من تسعة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت النسب منه إلى سنتين، لأنها معتدة، يحتمل أن تكون حاملا، ولم تقر بانقضاء العدة فأشبهت الكبيرة ولهما أن لانقضاء عدتها جهة معينة وهو الأشهر فبمضيها يحكم الشرع بالانقضاء وهو في الدلالة فوق إقرارها لأنه لا يحتمل الخلاف والإقرار يحتمله،   [البناية] رواية لا يحتاج. ولم يذكره السرخسي في شرح " الكافي " والبيهقي في " الشامل ". [المبتوتة صغيرة يجامع مثلها فجاءت بولد لتسعة أشهر] م: (فإن كانت المبتوتة صغيرة، يجامع مثلها فجاءت بولد لتسعة أشهر) ش: أي من وقت الطلاق، وهي لم تقر بانقضاء العدة، أما لو أقرت بالانقضاء بثلاثة أشهر، ثم جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار ثبت لأنا عرفنا بطلان الإقرار إذا في بطنها ولد. م: (لم يلزمه) ش: أي يلزم النسب م: (حتى تأتي به) ش: أي بالمولود م: (لأقل من تسعة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت النسب منه إلى سنتين لأنها معتدة، يحتمل أن تكون حاملا، ولم تقر بانقضاء العدة فأشبهت الكبيرة) ش: وبيان الاحتمال ما قيل إن الكلام في المراهقة المدخول بها وهي تحتمل الحبل ساعة فساعة، فتحتمل أن تكون حاملا وقت الطلاق، فيكون انقضاء عدتها بوضع الحمل. ويحتمل أنها حبلت بعد انقضاء العدة بثلاثة أشهر. وإذا كانت كذلك، كان كالبالغة إذا لم تقر بانقضاء العدة يثبت نسب ولدها في سنتين. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أن لانقضاء عدتها جهة معينة، وهو الأشهر) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] (الطلاق الآية: 4) ، م: (فبمضيها يحكم الشرع بالانقضاء وهو) ش: أي حكم الشرع بالانقضاء. م: (في الدلالة) ش: بالانقضاء م: (فوق إقرارها) ش: أي في الدلالة على انقضاء العدة فوق إقرار المرأة م: (لأنه) ش: أي لأن حكم الشرع م: (لا يحتمل الخلاف، والإقرار) ش: أي إقرار المرأة م: (يحتمله) ش: أي الخلاف والكذب. فإن قيل: يشكل عليه المتوفى عنها زوجها، فإن لعدتها جهة معينة، وهي أربعة أشهر وعشر، ما لم يكن فيه الحبل ظاهر. ثم هناك ما يثبت إلى سنتين عند علمائنا الثلاثة وإلا يحكم بالانقضاء بالأشهر، هناك لاحتمال الانقضاء الوضع، فكذا هنا. قلنا: لا يشكل لانقضاء عدتها جهة أخرى وهي الحبل، إذ الأصل في الكبيرة، الإحبال، وهنا لأن الأصل في الصغيرة عدم الإحبال ( .... ) ، لا نقول ذلك في حق غير المنكوحة، فلا تعتد إلا للإحبال فكان الأصل فيه الإحبال كذا في " المبسوط ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 634 وإن كانت مطلقة طلاقا رجعيا، فكذلك الجواب عندهما وعنده يثبت إلى سبعة وعشرين شهرا، لأنه يجعل واطئا في آخر العدة، وهي الثلاثة الأشهر ثم تأتي به لأكثر مدة الحمل وهو سنتان، وإن كانت الصغيرة ادعت الحبل في العدة، فالجواب فيها وفي الكبيرة سواء، لأن بإقرارها يحكم ببلوغها. ويثبت نسب ولد المتوفى عنها زوجها ما بين الوفاة وبين السنتين، وقال زفر: إذا جاءت به بعد انقضاء عدة الوفاة لستة أشهر لا يثبت النسب، لأن الشرع حكم بانقضاء عدتها بالشهور لتعين الجهة، فصار كما إذا أقرت بالانقضاء كما بينا في الصغيرة إلا أنا نقول لانقضاء عدتها جهة أخرى، وهو وضع الحمل بخلاف الصغيرة، لأن الأصل فيها عدم الحمل، لأنها ليست بمحل قبل البلوغ، وفيه شك.   [البناية] م: (وإن كانت) ش: أي الصغيرة م: (مطلقة طلاقا رجعيا، فكذلك الجواب عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد يعني إن ولدت لأقل من تسعة أشهر يثبت النسب وإلا فلا م: (وعنده) ش: أي عند أبي يوسف م: (يثبت إلى سبعة وعشرين شهرا، لأنه يجعل واطئا في آخر العدة، وهي الثلاثة الأشهر، ثم تأتي به لأكثر مدة الحمل، وهو سنتان، وإن كانت الصغيرة ادعت الحبل في العدة، فالواجب فيها، وفي الكبيرة سواء، لأن بإقرارها يحكم ببلوغها) ، ش: معناه، أعرف بأمر عدتها، فيحكم بإقرارها ببلوغها فيثبت نسب ولدها لأقل مدة تبين في الطلاق البائن ولأقل من سبعة وعشرين شهرا في الرجعي، وبه صرح في " شرح الطحاوي ". م: (ويثبت نسب ولد المتوفى عنها زوجها ما بين الوفاة وبين السنتين) ش: هذا إذا لم يكن المتوفى عنها زوجها صغيرة، لأن نسب ولدها يثبت إذا ولدت لأقل من عشرة أشهر وعشرة أيام، وإذا ولدت لأكثر من ذلك، لا يثبت عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف. م: (وقال زفر: إذا جاءت به بعد انقضاء عدة الوفاة لستة أشهر لا يثبت النسب، لأن الشرع حكم بانقضاء عدتها بالشهور لتعيين الجهة) ش: لأنه لما لم يكن الحبل ظاهرا فقد حكم الشرع بالانقضاء بمضي أربعة أشهر وعشر وذلك أقوى من إقرارها. م: (فصار كما إذا أقرت بالانقضاء) ش: ثم بعد انقضاء العدة، وإذا ولدت لأقل من ستة أشهر يثبت النسب لا بالقضاء بوجود الحبل قبل انقضاء العدة، وإذا ولدت لأكثر من ذلك فلاحتمال حدوث الحبل فلا يثبت النسب بالشك م: (كما بينا في الصغيرة) ش: أشار به إلى قوله لأن لانقضاء عدتها جهة معينة. م: (إلا أنا نقول) ش: أي غير أنا نقول م: (لانقضاء عدتها جهة أخرى، وهو وضع الحمل بخلاف الصغيرة، لأن الأصل فيها) ش: أي في الصغيرة م: (عدم الحمل لأنها ليست بمحل) ش: أي لأن الصغيرة ليست بمحل للحمل م: (قبل البلوغ، وفيه) ش: أي في الصغيرة م: (شك) وكان الصغر ثابتا فلا يزول بالشك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 635 وإذا اعترفت المعتدة بانقضاء عدتها ثم جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر يثبت نسبه، لأنه ظهر كذبها بيقين فبطل الإقرار، وإن جاءت به لستة أشهر، لم يثبت لأنا لم نعلم ببطلان الإقرار لاحتمال الحدوث بعده، وهذا اللفظ بإطلاقه يتناول كل معتدة، وإذا ولدت المعتدة ولدا لم يثبت نسبه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يشهد بولادتها رجلان أو رجل وامرأتان، وإلا أن يكون هناك حبل ظاهر أو اعتراف من قبل الزوج، فيثبت النسب من غير شهادة. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - يثبت في الجميع بشهادة امرأة واحدة.   [البناية] [اعترفت المعتدة بانقضاء عدتها ثم جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر] م: (وإذا اعترفت المعتدة بانقضاء عدتها ثم جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر يثبت نسبه) ش: يعني من وقت الإقرار م: (لأنه ظهر كذبها بيقين، فبطل الإقرار، وإن جاءت به لستة أشهر لم يثبت) ش: وقال الشافعي: يثبت منه إلا أن تكون قد تزوجت، فيثبت من الثاني أو تأتي به لأكثر من أربعة سنين، وقوله إذا اعترفت المعتدة يتناول كل معتدة عن وفاة أو عن طلاق بائن أو رجعي، لأنه أطلق المعتدة، ولم يقيدها م: (لأنا لم نعلم ببطلان الإقرار لاحتمال الحدوث بعده، وهذا اللفظ) ش: أراد به قوله وإذا اعترفت المعتدة م: (بإطلاقه يتناول كل معتدة) ش: وقد ذكرناه الآن قبل ذكر المرغيناني وقاضي خان، أن الآيسة لو أقرت بانقضاء عدتها، ثم جاءت لأقل من سنتين، ثبت نسب ولدها، فلم يتناول كل معتدة. وقال الكاكي: إلا أن قوله كل معتدة غير الآيسة. م: (وإذا ولدت المعتدة ولدا لم يثبت نسبه عند أبي حنيفة، إلا أن يشهد بولادتها رجلان أو رجل وامرأتان، إلا أن يكون هناك حبل ظاهر أو اعتراف من قبل الزوج) ش: بكسر القاف وفتح الباء الموحدة م: (فيثبت النسب من غير شهادة) ش: ولهذا قال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير ": وإن ادعت أنها ولدت وذلك بعد الوفاة أو طلاق بائن لم يثبت ذلك إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين عند أبي حنيفة وكذلك بعد الطلاق الرجعي. م: (وقال أبو يوسف ومحمد: يثبت في الجميع بشهادة امرأة واحدة) ش: مسلمة عدلة حرة. وبه قال أحمد، وعند الشافعي يشترط أربع نسوة، وعند مالك وابن أبي ليلي: يثبت بشهادة امرأتين. وعند زفر لا يثبت بشهادة النساء، وعندهما يشترط الحرية ولفظ الشهادة ولا يشترط الذكورة والعدة وذكره في المبسوط. وقال فخر الإسلام يثبت بشهادة القابلة عند أبي يوسف ومحمد، وفي " المختلف ": لا تقبل شهادة القابلة على الولادة، إلا بمؤيد وهو ظهور الحبل وإقرار الزوج بالحبل أو قيل الفراش. يعني أن المعتدة عن وفاة إذا كذبها الورثة في الولادة وفي الطلاق البائن إذا كذبها الزوج وفي تعليق الطلاق بالولادة، لا تقبل إلا ببينة، ولا تقبل شهادة القابلة إلا عند ما ذكرنا من القرائن، وعندها يقضي بشهادة القابلة وحدها. إلى هنا لفظ المختلف. وفي المحيط لا يشترط العدد لئلا يكثر النظر إلى العورة. وقال مشائخ خراسان يشترط لفظ الشهادة، لأنها موجبة على غيره. وعند مشائخ العراق لا يشترط، وفي " قاضي خان " وعلى هذا الخلاف كل ما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 636 لأن الفراش قائم بقيام العدة، وهو ملزم للنسب والحاجة إلى تعيين الولد أنه منها فيتعين بشهادتها كما في حال قيام النكاح، ولأبي حنيفة أن العدة تنقضي بإقرارها بوضع الحمل والمنقضي ليس بحجة فمست الحاجة إلى إثبات النسب ابتداء، فيشترط كمال الحجة بخلاف ما إذا ظهر الحبل أو صدر الاعتراف من الزوج لأن النسب ثابت قبل الولادة والتعيين يثبت بشهادتها، فإن كان معتدة عن وفاة وصدقها الورثة، في الولادة، ولم يشهد على الولادة أحد، فهو ابنه في قولهم جميعا وهذا في حق الإرث ظاهر، لأنه خالص حقهم فيقبل فيه تصديقهم.   [البناية] يطلع عليه الرجال، وأجمع أصحابنا على أنه يقضى بالنسب بشهادة القابلة، عند قيام النكاح، واختلفوا بعد الموت والطلاق، فعند أبي حنيفة لا يثبت وعندهما يثبت. م: (لأن الفراش قائم بقيام العدة، وهو) ش: أي قيام الفراش م: (ملزم للنسب) ش: وبغير الفراش كونها متعينة إلى الزوج حتى إن كل ولد يحدث منها يثبت نسبه م: (والحاجة إلى تعيين الولد) ش: أي حاجة هنا في إثبات النسب إلى تعيين الولد م: (أنه منها فيتعين بشهادتها) ش: أي بشهادة القابلة م: (كما في حال قيام النكاح) ش: وإقرار الزوج بالحبل وظهور الحبل م: (ولأبي حنيفة أن العدة تنقضي بإقرارها بوضع الحمل، والمنقضي ليس بحجة) ش: يعني الذي انقضى ليس بحجة، والحجة هي القائم م: (فمست الحاجة إلى إثبات النسب ابتداء) ش: بانقضاء م: (فيشترط كمال الحجة) ش: لأن المرأة لما ولدت صارت أجنبية لانقضاء عدتها ونسب ولد الأجنبية من الأجنبي، لا يثبت إلا بحجة تامة، فلا يقضى بشهادة القابلة وحدها م: (بخلاف ما إذا ظهر الحبل أو صدر الاعتراف من الزوج لأن النسب ثابت قبل الولادة، والتعين يثبت بشهادتها) ش: أي بشهادة القابلة، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أجاز شهادة القابلة على الولادة. م: (فإن كانت معتدة عن وفاة وصدقها الورثة في الولادة، ولم يشهد على الولادة أحد فهو ابنه في قولهم جميعا) ش: ويرثه بمعنى تصديق الورثة أن يقروا به جميعا أو أقر جماعة يقطع الحكم بشهادتهم بأن كان رجلان منهم أو رجل وامرأتان منهم وجب الحكم بإثبات النسب حتى يشارك المصدقون والمنكرون. ذكره البزدوي والتمرتاشي، وقال الأسبيجابي: هذا جواب الاستحسان، وفي القياس لا يثبت لأنهم يقرون على الميت بالنسب فلا يقبل. وقال شمس الأئمة في تعليل المسألة: الوارثون قائمون مقام الزوج وإن قال الزوج: إنها ولدته يثبت النسب، فكذا تصديق الورثة بعد موته. وهذا لأن ثبوت النسب باعتبار الفراش، وذلك باق ببقاء العدة بعد موته والحاجة إلى الشهادة ليظهر له ولادتها، فيصان الولد، وقد حصل ذلك بتصديق الورثة بل باعتبار الضرر م: (وهذا) ش: أي تصديق الورثة م: (في حق الإرث ظاهر، لأنه خالص حقهم فيقبل فيه تصديقهم) ش: واختلف مشائخنا في أن لفظ الشهادة هل يشترط من الورثة أم لا؟ قال بعضهم يشترط بعد أن يكون في مجلس الحكم كذلك قال فخر الإسلام وذلك، لأن النسب لا يثبت في حق الناس كافة إلا بلفظ الشهادة. وقال بعضهم: لا يشترط وإليه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 637 أما في حق النسب هل يثبت في حق غيرهم؟ قالوا: إذا كانوا من أهل الشهادة يثبت لقيام الحجة ولهذا قيل تشترط لفظة الشهادة، وقيل لا تشترط، لأن الثبوت في حق غيرهم تبع للثبوت في حقهم بإقرارهم وما ثبت تبعا لا يراعى فيه الشرائط، وإذا تزوج رجل امرأة فجاءت بالولد لأقل من ستة أشهر منذ يوم تزوجها، لم يثبت نسبه، لأن العلوق سابق على النكاح، فلا يكون منه، وإذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا، يثبت نسبه منه، اعترف به الزوج أو سكت، لأن الفراش قائم والمدة تامة، فإن جحد الولادة يثبت بشهادة امرأة واحدة تشهد بالولادة، حتى لو نفاه الزوج يلاعن، لأن النسب يثبت بالفراش القائم. واللعان إنما يجب بالقذف وليس من ضرورته وجود الولد، فإنه يصح بدونه.   [البناية] ذهب الفقيه أبو الليث. م: (أما في حق النسب هل يثبت في حق غيرهم؟) ش: أي في حق غير المصدقين وغيرهم وهم المنكرون من الورثة وغريم الميت م: (قالوا إذا كانوا من أهل الشهادة يثبت لقيام الحجة) ش: بأن كانوا ذكورا أو إناثا لم يثبت النسب في حق غيرهم، حتى يشارك الولد المنكرين أيضا في الإرث ويطلب غريم الميت بدينه م: (ولهذا) ش: أي ولاشتراط كونهم من أهل الشهادة م: (قيل تشترط لفظة الشهادة، وقيل لا تشترط، لأن الثبوت في حق غيرهم تبع للثبوت في حقهم بإقرارهم وما ثبت تبعا لا يراعى فيه الشرائط) ش: كالعبد مع المولى، والجندي مع السلطان في حق الإقامة. م: (وإذا تزوج رجل امرأة فجاءت بالولد لأقل من ستة أشهر من يوم تزوجها لم يثبت نسبه، لأن العلوق سابق على النكاح، فلا يكون منه. وإذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا يثبت نسبه منه، اعترف به الزوج أو سكت لأن الفراش قائم والمدة) ش: أي مدة هذا الحمل من وقت النكاح م: (تامة) ش: فيثبت النسب م: (فإن جحد الولادة) ش: أي فإن أنكر الزوج الولادة م: (يثبت) ش: أي النسب م: (بشهادة امرأة واحدة تشهد بالولادة) ش: وأراد بامرأة واحدة حرة مسلمة. وبه صرح في " المبسوط " وها هنا خلاف بين العلماء ذكرناه عن قريب م: (حتى لو نفاه الزوج يلاعن) ش: لأن اللعان بالقذف م: (لأن النسب يثبت بالفراش القائم) ش: ولا ينتفي باللعان على تقييده في مدة يصح نفيه فيها، وقد مر بيان المدة في باب اللعان، م: (واللعان إنما يجب) ش: هذا جواب عما يقال اللعان هنا إنما يجب بنفي الولد، والولد يثبت بشهادة القابلة. وهو لا يجوز لأن اللعان في معنى الحد، والحد لا يثبت بشهادة النساء وأجاب بقوله: م (بالقذف) ش: والقذف موجود لأن قوله: ليس مني قذف لها بالزنا معنى، والقذف لا يستلزم وجود الولد، فإنه يصح بدونه فلم يضر الولد الثابت بشهادة القابلة م: (وليس من ضرورته) ش: أي من ضرورة اللعان م: (وجود الولد فإنه يصح بدونه) ش: أي بدون الولد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 638 فإن ولدت ثم اختلفا فقال الزوج: تزوجتك منذ أربعة أشهر، وقالت هي: منذ ستة أشهر، فالقول قولها، وهو ابنه، لأن الظاهر شاهد لها فإنها تلد ظاهرا من نكاح لا من سفاح، ولم يذكر محمد الاستحلاف وهو على الاختلاف، وإن قال لامرأته إذا ولدت فأنت طالق فشهدت امرأة على الولادة لم تطلق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: تطلق لأن شهادتها حجة في ذلك، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شهادة النساء جائرة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه» ، ولأنها لما قبلت في الولادة تقبل فيما يبتنى عليها وهو   [البناية] [ولدت ثم اختلفا فقال الزوج تزوجتك منذ أربعة أشهر وقالت هي منذ ستة أشهر] م: (فإن ولدت ثم اختلفا، فقال الزوج: تزوجتك منذ أربعة أشهر، وقالت هي: منذ ستة أشهر، فالقول قولها، وهو ابنه، لأن الظاهر شاهد لها، فإنها تلد ظاهر من نكاح لا من سفاح) ش: وهو الزنا لا يقال: الظاهر شاهد له أيضا، لأن الأصل في الحوادث أن تضاف إلى أقرب الأزمان، فتعارضا، فلا بد من دليل الترجيح لأنا نقول: الحوادث هي لزوم حمل أمرها على الفساد] ... [اعتبار قول الزوج ولا يجوز ذلك. م: (ولم يذكر محمد الاستحلاف) ش: أي إن المرأة تستحلف أم لا م: (وهو على الاختلاف) ش: المذكور في الأشياء الستة، فتستحلف عندهما خلافا لأبي حنيفة، لأن الاختلاف وقع في النسب والنكاح. م: (وإن قال لامرأته: إذا ولدت فأنت طالق، فشهدت امرأة على الولادة لم تطلق عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: تطلق لأن شهادتها) ش: أي لأن شهادة المرأة م: (حجة في ذلك) ش: أي في باب الولادة وهنا قيدان تركهما المصنف فلا بد من ذكرهما. أحدهما عدم إقرار الزوج بالحمل، والآخر عدم كون الحبل ظاهرا. وهنا مسألتان إما أن يقر الزوج بالحبل أو لا يقر به، فلو لم يقر به لا يقع الطلاق بقولها ولدت، ولا يثبت النسب بالاتفاق إذا لم تشهد القابلة. أما إذا شهدت وقع الطلاق. م: (قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شهادة النساء جائرة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه") » ش: هذا حديث غريب، فلذلك لم يذكره أكثر الشراح. وقال مخرج الأحاديث: روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" في البيوع: حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن الزهري قال: «مضت السنة أن يجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن من ولادات النساء منهن. ويجوز شهادة القابلة وحدها في الاستهلال، وامرأتان فيما سوى ذلك.» ورواه عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا ابن جريج عن الزهري فذكره. م: (ولأنها) ش: أي ولأن المرأة أعني القابلة م: (لما قبلت في الولادة تقبل فيما يبتنى عليها وهو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 639 الطلاق. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها ادعت الحنث فلا يثبت إلا بحجة تامة، وهذا لأن شهادتهن ضرورية في حق الولادة، فلا تظهر في حق الطلاق، لأنه ينفك عنها. وإن كان الزوج قد أقر بالحبل طلقت من غير شهادة، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما تشترط شهادة القابلة، لأنه لا بد من حجة لدعواها الحنث، وشهادتها، حجة فيه على ما بينا، وله أن الإقرار بالحبل إقرار بما يفضي إليه وهو الولادة، ولأنه أقر بكونها مؤتمنة، فيقبل قولها في رد الأمانة. قال: وأكثر مدة الحمل سنتان، لقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين ولو بظل مغزل.   [البناية] الطلاق) ش: لأن وقوع الطلاق متعلق بها م: (ولأبي حنيفة أنها) ش: أي أن المرأة التي هي الزوجة م: (ادعت الحنث) ش: على الزوج وهو وقوع الطلاق والزوج ينكر ذلك م: (فلا يثبت إلا بحجة تامة) ش: أي كاملة. (وهذا) إشارة إلى عدم ثبوت دعوى المرأة إلا بحجة كاملة م: (لأن شهادتهن ضرورية في حق الولادة) ش: لأن مجلس الولادة لا يطلع عليه الرجال. والثابت بالضرورة لا يتعدى موضع الضرورة م: (فلا تظهر في حق الطلاق، لأنه) ش: أي لأن الطلاق م: (ينفك عنها) ش: أي عن الولادة في الجملة يعني يوجد بدونها. وكذا الولادة توجد بدون الطلاق وإن صار الطلاق هنا من لوازمها، كمن اشترى لحما، فشهد مسلم أنه ذبيحة مجوسي قبلت ذبيحته في حرمة الأكل، ولا يثبت تمجس الذابح في حق الرجوع على البائع بشهادة الواحد، كذا في " جامع قاضي خان ". [أقر الزوج بالحبل ثم علق طلاقها بالولادة فقالت المرأة ولدت وكذبها الزوج] م: (وإن كان الزوج قد أقر بالحبل) ش: يعني إذا أقر الزوج بالحبل، ثم علق طلاقها بالولادة، فقالت المرأة ولدت وكذبها الزوج م: (طلقت من غير شهادة، عند أبي حنيفة. وعندهما تشترط شهادة القابلة، لأنه لا بد من حجة لدعواها الحنث، وشهادتها حجة فيه) ش: أي شهادة القابلة حجت في الحنث م: (على ما بينا) ش: يعني في المسألة الأولى. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن الإقرار بالحبل إقرار بما يفضي إليه) ش: أي بالشيء الذي يفضي الحبل إليه م: (وهو الولادة) ش: الضمير في - وهو - يرجع إلى ما م: (ولأنه أقر بكونها مؤتمنة) ش: لأنه علق طلاقها بأمر كائن وهو الولادة، والقول قول المؤتمن في دعوى رد الأمانة م: (فيقبل قولها في رد الأمانة. قال) ش: أي القدوري م: (وأكثر مدة الحمل سنتان لقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين ولو بظل مغزل) ش: أخرج الدارقطني، ثم البيهقي في "سننهما" من طريق ابن المبارك حدثنا داود بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن جميلة بنت سعد عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: "ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين قدر ما يتحول ظل عمود المغزل"، وفي لفظ: "لا يكون الحمل أكثر من سنتين". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 640 وأقله ستة أشهر، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] (الأحقاف: الآية 15) ، ثم قال الله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] (لقمان: الآية 14) فبقي للحمل ستة أشهر. والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقدر الأكثر بأربع سنين، والحجة عليه ما رويناه، والظاهر أنها قالته سماعا، إذ العقل لا يهتدي إليه. ومن تزوج أمة فطلقها ثم اشتراها، فإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ يوم اشتراها لزمه، وإلا لم يلزمه، لأنه في الوجه الأول ولد المعتدة، فإن العلوق سابق على الشراء، في الوجه الثاني.   [البناية] وأخرج الدارقطني أيضًا، ومن جهته البيهقي عن الوليد بن مسلم، قال: قلت لمالك بن أنس: إني حدثت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: "لا تزيد المرأة في حملها على سنتين قدر ظل المغزل"، فقال: سبحان الله! من يقول هذا؟ هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق، وزوجها رجل صدق، حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة، كل بطن في أربع سنين. قوله: ولو بظل مغزل أي بقدر مكث ظله حال الدوران، لأن ظله حال الدوران أسرع زوالا من سائر الظلال، والغرض المبالغة في تقليل المدة. وفي بعض النسخ: ولو بفلك مغزل، وهو رواية " المبسوط "، والإيضاح أي بدور فلكة مغزل. وفي " شرح الإرشاد ": ولو بدور ظلة مغزل. [مدة الحمل] م: (وأقله ستة أشهر، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ش: (الأحقاف: الآية 15) (ثم قال الله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] (لقمان: الآية 14) فبقي للحمل ستة أشهر. والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقدر الأكثر) ش: أي أكثر مدة الحمل. م: (بأربع سنين) ش: وبه قال مالك في المشهور وأحمد كذلك. وقال عبادة: خمس سنين، وقال الزهري: ست سنين، وقال ربيعة بن عبد الرحمن: سبع سنين، وقال الليث: ثلاث سنين، وبقولنا قال الثوري والضحاك بن مزاحم وأحمد في رواية. م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي. م: (ما رويناه) ش: وهو حديث عائشة. م: (والظاهر أنها قالته سماعا) ش: أي الظاهر أن عائشة قالت الحديث المذكور من حديث السماع عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (إذ العقل لا يهتدي إليه) ش: يعني العقل لا يدرك هذا، لأن ما في الرحم لا يعلمه إلا الله تعالى. م: (ومن تزوج أمة فطلقها ثم اشتراها) ش: يريد به طلاقها بعد الدخول، إذ لو كان قبل الدخول لا يلزمه الولد إلا أن يحيا لأقل من ستة أشهر منذ فارقها. م: (فإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ يوم اشتراها لزمه) ش: أي الولد. م: (وإلا لم يلزمه) ش: أي وإذا جاءت به لأكثر من ذلك لم يلزمه. م: (لأنه في الوجه الأول) ش: أراد به ما إذا ولدته لأقل من ستة أشهر، (ولد المعتدة، فإن العلوق سابق على الشراء، وفي الوجه الثاني) ش: أراد به ما إذا ولدته لستة أشهر أو أكثر من وقت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 641 ولد المملوكة، لأنه يضاف الحادث إلى أقرب وقته، فلا بد من دعوة، وهذا إذا كان الطلاق واحدا بائنا أو خلعا أو رجعيا، أما إذا كان اثنتين يثبت النسب إلى سنتين من وقت الطلاق، لأنها حرمت عليه حرمة غليظة، فلا يضاف العلوق إلا إلى ما قبله، لأنها لا تحل بالشراء. ومن قال لأمته: إن كان في بطنك ولد فهو مني، فشهدت على الولادة امرأة فهي أم ولده، لأن الحاجة إلى تعيين الولد، ويثبت ذلك بشهادة القابلة بالإجماع.   [البناية] الشراء. م: (ولد المملوكة، لأنه يضاف الحادث إلى أقرب وقته) ش: وهو وجوب وقت كونها مملوكة فلا يثبت إلا بالدعوى وهو معنى قوله. م: (فلا بد من دعوة) ش: يعني لا يثبت النسب إلا بأن يدعيه.. م: (وهذا) ش: أي هذا الحكم الذي ذكرناه. م: (إذا كان الطلاق واحدا بائنا أو خلعا أو رجعيا، أما إذا كان) ش: أي الطلاق. م: (اثنتين يثبت النسب إلى سنتين من وقت الطلاق، لأنها حرمت عليه حرمة غليظة) ش: بطلقتين، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. م: (فلا يضاف العلوق إلا إلى ما قبله) ش: أي ما قبل الطلاق وهو أبعد الأوقات. م: (لأنها لا تحل بالشراء) ش: إذ الوطء لا يحل له قبل الشراء لأنها حرمت عليه حرمة غليظة بالسنتين، وإذا لم يحل وطؤها بملك اليمين لا يُقضى بالعلوق من أقرب الأوقات، إذ في القضاء بالعلوق إلى أقرب الأوقات يلزم حمل أمر المسلم على الحرام، وهو الممكن للوطء الحرام من المولى. فإن قيل: وجب أن يحل بقوله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] (المؤمنون: الآية 6) ، قلنا: لا تحل لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (البقرة: الآية 230) ، والثانية في الأمة كالثلاث في الحرة. وإذا لم يحل وطؤها، فلا يضاف إلى أقرب الأوقات، بل يضاف إلى الأبعد، وهو ما قبل الطلاق، فيلزمه الولد إذا جاءت به لأقل من سنتين منذ الطلاق. م: (ومن قال لأمته: إذا كان في بطنك ولد فهو مني، فشهدت على الولادة امرأة فهي أم ولده) ش: أي بالإجماع. م: (لأن الحاجة إلى تعيين الولد، ويثبت ذلك بشهادة القابلة بالإجماع) ش: أي باتفاق أصحابنا، وبه قال أحمد وقد مر الخلاف فيه، وهذا إذا ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار. ولو ولدت لستة أشهر أو أكثر لا يلزمه لاحتمال أنها حبلت بعد مقالة الولي، فلم يكن المولى مدعيا لهذا الولد بخلاف الأول، لتيقنا ببقائه في البطن وقت القول فتيقنا بالدعوى، هذا في " جامع قاضي خان ". وقال الأترازي: ومثله مسألة كتاب العتاق، وإن قال: ما في بطنك حر فولدت بعد ذلك لستة أشهر لم يعتق، وإن ولدته لأقل من ستة أشهر عتق. وكان ينبغي لك أن تعرف أنه فيما إذا قال إن كان في بطنك ولد. أو قال: إن كان بها حبل فهو مني بلفظ التعليق. أما إذا قال: هذه حامل مني يلزمه الولد، وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر إلى سنتين حتى ينفيه، وبه صرح في " الأجناس " في كتاب الإعتاق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 642 ومن قال لغلام: هو ابني ثم مات، فجاءت أم الغلام وقالت: أنا امرأته، فهي امرأته، وهو ابنه ويرثانه. وفي "النوادر" جعل هذا جواب الاستحسان. والقياس أن لا يكون لها الميراث، لأن النسب كما يثبت بالنكاح الصحيح يثبت بالنكاح الفاسد، وبالوطء عن شبهة، وبملك اليمين، فلم يكن قوله إقرارا بالنكاح. وجه الاستحسان: أن المسألة فيما إذا كانت معروفة بالحرية وبكونها أم الغلام، والنكاح الصحيح وهو المتعين لذلك وضعا وعادة. ولو لم يعلم بأنها حرة، فقالت الورثة أنت أم ولد، فلا ميراث لها، لأن ظهور الحرية باعتبار الدار حجة في دفع الرق لا في استحقاق الميراث، والله أعلم.   [البناية] [قال لغلام هو ابني ثم مات فجاءت أم الغلام وقالت أنا امرأته] م: (ومن قال لغلام: هو ابني ثم مات، فجاءت أم الغلام وقالت: أنا امرأته، فهي امرأته وهو ابنه ويرثانه) ش: أي الأم والابن يرثان الميت. م: (وفي " النوادر " جعل) ش: أي محمد. م: (هذا جواب الاستحسان، والقياس أن لا يكون لها الميراث، لأن النسب كما يثبت بالنكاح الصحيح يثبت بالنكاح الفاسد، وبالوطء عن شبهة، وبملك اليمين، فلم يكن قوله إقرارا بالنكاح) ش: واعترض أنه ينبغي أن لا يكون لها الميراث في الاستحسان، لأن هذا النكاح يثبت اقتضاء، فيثبت بقدر الضرورة، وهو تصحيح النسب دون استحقاق الإرث. وأجيب: بأن النكاح على ما هو الأصل ليس بمتنوع إلى نكاح (ما) هو سبب لاستحقاق الإرث والنكاح ليس بسبب له، فلا يثبت النكاح بطريق الاقتضاء، وثبت ما هو من لوازمه التي لا تنفك عنه شرعا، وإنما قال على ما هو الأصل لئلا يرد نكاح الكتابية والأمة لأنه من العوارض. م: (وجه الاستحسان: أن المسألة فيما إذا كانت) ش: أي أم الغلام. م: (معروفة بالحرية وبكونها أم الغلام) ش: قيد بكونها معروفة بالحرية، لأنها لو لم تكن معروفة بأنها حرة من الأصل لا ترث، لأن للورثة أن يقولوا: إن كنت أم الولد لمورثنا إنما عتقت بموته. غاية ما في الباب أنها حرة في الحال، والتمسك باستصحاب الحال لمعرفة الحكم في الماضي يصلح للدفع لا للإثبات، فيندفع عنها الرق ولا يثبت الإرث، وقيد أيضا بكونها أم الغلام، لأنه إذا لم يثبت أنها أم الغلام فلا ترث. م: (والنكاح الصحيح وهو المتعين لذلك) ش: أي لثبوت النسب. م: (وضعا وعادة) ش: أي من حيث الوضع، ومن جهة الشرع، ومن حيث العادة بالشهرة بين الناس. م: (ولو لم يعلم بأنها حرة، فقالت الورثة أنت أم ولد فلا ميراث لها) ش: قد قررنا هذا، لأن قولنا فيه بكونها معروفة بالحرية. م: (لأن ظهور الحرية باعتبار الدار) ش: أي دار الإسلام. م: (حجة في دفع الرق لا في استحقاق الميراث) ش: لأن الإرث لا يثبت إلا بنسب صحيح، وقال التمرتاشي: لا ميراث لها، ولكن لها مهر المثل، لأنهم أقروا بالدخول بها، ولم يثبت كونها أم ولد بقولهم، وقال الأترازي: وفيه نظر، لأن الدخول إنما يوجب بمهر المثل في غير صورة النكاح، إذا كان الوطء عن شبهة، ولم يثبت النكاح هنا. والأصل عدم الشبهة فبأي دليل يحمل على ذلك؟ فلا يجب مهر المثل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 643 باب حضانة الولد ومن أحق به وإذا وقعت الفرقة بين الزوجين، فالأم أحق بالولد، لما روي «أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنت أحق به ما لم تتزوجي» .   [البناية] [باب حضانة الولد ومن أحق به] م: (باب حضانة الولد ومن أحق به) ش: أي هذا باب في بيان حكم الولد في الحضانة والتربية لمن هو. م: (ومن أحق به) ش: لأن الولد عاجز عن النظر لنفسه والقيام بحوائجه، فجعل الشرع الولاية إلى من هو متفق عليه، فجعل ولاية التصرف إلى الأب لقوة رأيه مع النفقة، وحق الحضانة إلى الأم لرفقها، في ذلك مع الشفقة عليه، وهي أقدر على ذلك للزومها البيت وكونها أشفق، ثم المناسبة بين الناس ظاهرة لا تحتاج إلى بيان. م: (وإذا وقعت الفرقة بين الزوجين، فالأم أحق بالولد) ش: سواء كانت كتابية أو مجوسية، لأن الشفقة لا تختلف باختلاف الدين. م: (لما روي أن «امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء وزعم أبوه أنه ينزعه مني فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنت أحق به ما لم تتزوج» ش: هذا الحديث رواه أبو داود في "سننه ": حدثنا محمد بن خالد السلمي، حدثنا الوليد عن أبي عمرو - يعني الأوزاعي - حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو «أن امرأة قالت يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني فقال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنت أحق» . ورواه الحاكم وصحح إسناده، قالوا: عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فإذا أراد بجده محمدا، كان الحديث مرسلا، وإذا أراد به عبد الله كان الحديث متصلا، وهنا قد صرح عن جده عبد الله فالحديث متصل صحيح، وعمرو، وشعيب، ومحمد كلهم ثقات. قولها: وحجري، بفتح الحاء وكسرها، حجر الإنسان، والحوى، بكسر الحاء المهملة وتخفيف الواو بيت من الوبر، والجمع الأحوية، كذا في " الصحاح ". وقال ابن الأثير: الحوى اسم المكان الذي يحوي الشيء، أي يضمه ويجمعه، هكذا فسره في هذا الحديث، ثم قال: الحوى بيوت مجتمعة من الناس، والجمع أحوية، فسره في حديث آخر، والسقاء بالكسر الدلو. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 644 ولأن الأم أشفق عليه وأقدر على الحضانة، فكان الدفع إليها أنظر، وإليه أشار الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بقوله: ريقها خير له من شهد وعسل عندك يا عمر. قاله حين وقعت الفرقة بينه وبين امرأته، والصحابة حاضرون متوافرون. والنفقة على الأب، على ما نذكر، ولا تجبر الأم عليها، لأنها عست تعجز عن الحضانة،   [البناية] م: (ولأن الأم أشفق عليه وأقدر على الحضانة) ش: مأخوذ من الحضن وهو ما دون الإبط إلى الكشح، وحضن الشيء جانباه، وحضن الطائر بيضه إذا ضمه إلى نفسه تحت جناحيه، وكان المربي للولد يتخذه في حضنه ويضمه إلى جانبه. م: (فكان الدفع إليها أنظر) ش: أي فكان دفع الولد إلى أمه أنظر في حقه يعني أقوى نظرا في حاله من غيره. م: (وإليه) ش: أي إلى هذا المعنى. م: (أشار الصديق) ش: أي أبو بكر الصديق. م: (- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بقوله: ريقها خير له من شهد وعسل عندك يا عمر) ش: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (قاله حين وقعت الفرقة بينه وبين امرأته، والصحابة حاضرون متوافرون) ش: هذا غريب بهذا اللفظ، وقصته ما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف " حدثنا محمد بن بشر، حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - طلق أم عاصم، ثم أتى عليها، وفي حجرها عاصم، فأراد أن يأخذه منها فتجاذباه بينهما حتى بكى الغلام، فانطلقا إلى أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقال له أبو بكر: مسحها وحجرها وريحها خير له منك يا عمر، حتى يشب الصبي فيختار لنفسه. ورواه عبد الرزاق، حدثنا سفيان الثوري عن عاصم عن عكرمة، قال: خاصمت امرأة عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلى أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وكان طلقها، فقال أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: هي أعطف وألطف وأرحم وأحنى وأرأف، وهي أحق بولدها ما لم تتزوج. وتفسير الذي ذكره المصنف قوله: وريقها، أي ريق أم عاصم امرأة عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - واسمها جميلة، وقوله: من شهد بضم الشين وفتحها، عسل في شمعه. وفي " المبسوط ": ريحها، وفي رواية ريح رقاعها، وهو ثوب تشتمل به المرأة، خير له من سمن وعسل عندك يا عمر، فدعه عندها، وقضى به، بحضرة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - ولم ينكر عليه أحد، فحل محل الإجماع. م: (والنفقة على الأب على ما نذكر) ش: أي نفقة الولد على أبيه على ما يأتي في باب النفقات. م: (ولا تجبر الأم عليها) ش: أي على الحضانة، وفي بعض النسخ. م: (عليه) ش: أي على الولد، يعني إذا طلبت فهي أحق، وإذا أبت لا تجبر على الأخذ. م: (لأنها عست تعجز عن الحضانة) ش: وبه قال الشافعي وأحمد والثوري ومالك في رواية. وفي رواية: تجبر. وبه قال ابن أبي ليلى، والحسن بن صالح وأبو ثور، واختاره أبو الليث والهندواني من أصحابنا، والمشهور عن مالك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 645 فإن لم تكن له أم فأم الأم أولى من أم الأب. وإن بعدت، لأن هذه الولاية تستفاد من قبل الأمهات، فإن لم تكن، فأم الأب أولى من الأخوات، لأنها من الأمهات، ولهذا تحرز ميراثهن السدس، ولأنها أوفر شفقة للأولاد. فإن لم تكن له جدة فالأخوات أولى من العمات والخالات، لأنهن بنات الأبوين، ولهذا قدمن في الميراث، وفي رواية: الخالة أولى من الأخت لأب لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الخالة والدة» .   [البناية] لا تجبر في الشريعة التي لا عادة لها بإرضاع الولد، وإن كانت ممن ترضع تجبر. فإن لم يوجد غيرها أو لم يأخذ الولد ثدي غيرها أجبرت بلا خلاف، ويجبر الأب على أخذ الولد بعد استغنائه عن الأم لأن نفقته وصيانته عليه بالإجماع. م: (فإن لم يكن له أم) ش: أي فإن لم يكن للولد أم، بأن كانت غير أهل للحضانة أو متزوجة بغير محرم أو ميتة. م: (فأم الأم أولى من أم الأب وإن بعدت) ش: أي وإن علت عند الجمهور، وعن أحمد: أم الولد أولى، وهو ضعيف، لأن أم الولد تدلى بالأم، وهي مقدمة على الكل، فما دامت واحدة منهن من جانب الأم قائمة فهي أحق. م: (لأن هذه الولاية) ش: أي ولاية الحضانة. م: (تستفاد من قبل الأمهات) ش: لما مر من وفور شفقتهن، فمن كانت تدلى إليه بأم، فهي أولى ممن تدلي بأب ويستوي في ذلك المسلمة والكافرة، لأن الحضانة باعتبار الشفقة. وذلك لا يختلف باختلاف الدين، على ما قيل: كل شيء يحب ولده حتى الحبارى. م: (فإن لم تكن) ش: أي الأم. م: (فأم الأب أولى من الأخوات) ش: من أم أو أب، لأن استحقاق الحضانة باعتبار قرابة الأم، قلنا: هذه في نفسها كأم الأم والأم مقدمة على غيرها في الحضانة. ولهذا يجوز ميراثها من السدس وأصل الشفقة باعتبار الولادة، وذلك للجدات دون الأخوات. وعن مالك الخالة مقدمة على الجدة لأب. م: (لأنها من الأمهات، ولهذا تحرز ميراثهن السدس) ش: أي تحرز ميراث الأمهات. هذا إيضاح لكون أم الأب من الأمهات، أنها تحرز السدس في الميراث وهو ميراث الأم. قال الأترازي: فيه نظر، لأن ميراث الأم إنما يكون هو السدس إذا كان معها ولد أو ولد الابن والإخوة ثنتان من الإخوة والأخوات. وهنا عند عدمهم أيضا، يكون للجدة السدس، وميراث الأم عند عدمهم ثلث الجميع أو ثلث ما يبقى بعد فرض أحد الزوجين. م: (ولأنها) ش: أي ولأن أم الأب. م: (أوفر شفقة للأولاد) ش: أي لأجل الولادة. م: (فإن لم تكن له جدة، فالأخوات أولى من العمات والخالات، لأنهن) ش: أي الأخوات. م: (بنات الأبوين ولهذا قدمن في الميراث، وفي رواية) ش: أي في رواية كتاب الطلاق. م: (الخالة أولى من الأخت لأب لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «الخالة والدة» ش: هذا الحديث رواه البخاري عن البراء بن عازب في حديث طويل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخالة بمنزلة الأم» . رواه أبو داود من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 646 وقيل في قَوْله تَعَالَى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] (يوسف: الآية 100) ، أنها كانت خالته. وتقدم الأخت لأب وأم، لأنها أشفق، ثم الأخت من الأم، ثم الأخت من الأب، لأن الحق لهن من قبل الأم، ثم الخالات أولى من العمات ترجيحا لقرابة الأم، وينزلن كما نزلن الأخوات، معناه ترجيح ذات قرابتين، ثم قرابة الأم، ثم العمات ينزلن كذلك، وكل من تزوجت من هؤلاء يسقط حقها لما روينا.   [البناية] بلفظ: «الخالة أم» . ورواه الطبراني من حديث أبي مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخالة والدة» ، وكذا رواه العقيلي من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. م: (وقيل في قَوْله تَعَالَى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] (يوسف: الآية 100) أنها كانت خالته. وتقدم الأخت لأب وأم، لأنها أشفق، ثم الأخت من الأم، ثم الأخت من الأب) ش: وبه قال المزني وابن شريح من الشافعية. وقال الشافعي: في الأصح تقدم الأخت لأب على الأخت من أم. وبه قال أحمد واعتبراه بقوة الميراث، ولنا ما أشار به المصنف بقوله. م: (لأن الحق لهن) ش: أي حق الحضانة. م: (من قبل الأم) ش: معناه أن ذات قرابتين ترجح على ذات قرابة واحدة لما فيها من زيادة الشفقة. وعند زفر: الأخت لأب وأم، والأخت لأم يستويان في الحضانة. م: (ثم الخالات أولى من العمات ترجيحا لقرابة الأم) ش: أي لأجل الترجيح لقرابة الأم، لأن الحضانة من قبل الأمهات. م: (وينزلن كما نزلت الأخوات) ش: يعني أن الخالة لأب وأم] أولى [من الخالة لأم أشار إليه بقوله. م: (معناه ترجيح ذات قرابتين، ثم قرابة الأم) ش: والخالة لأب وأم ذات قرابتين، والخالة لأم ذات قرابة واحدة. وعند الشافعي وأحمد: تقدم الخالة من الأب على الخالة من الأم. م: (ثم العمات ينزلن كذلك) ش: يعني أن العمة لأب وأم أولى من العمة لأم، ثم العمة لأم أولى من العمة لأب، وبنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات بمعزل عن حق الحضانة؛ لأن قرابتهن لم تتأكد بالمحرمية. كذا في " المحيط ": وفي " البدائع ": لا حق للرجال من قبل الأم في الحضانة، ولا يسلم إليهن إلا بطلبهن، بخلاف الأب عند استغناء الصغير يجبر على القبول. وفي " المنصوري ": ابن العم أولى بالذكر والخال أولى بالأنثى، وكل ذكر من قبل الأم لا حق له في الولد مع العصبة إلا الخال، مع ابن العم فينظر في النساء من كان من قبل الأم، وفي الرجل من كان من قبل الأم ويدفع الصغير إلى مولى العتاقة. م: (وكل من تزوجت من هؤلاء) ش: يعني كل من تزوجت من النساء ممن كان لها حق الحضانة. م: (يسقط حقها لما روينا) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ما لم تتزوجي» وفيه خالف الحسن البصري، قال ابن المنذر: أجمع على هذا أهل العلم إلا الحسن البصري، وهو رواية عن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 647 ولأن زوج الأم إذا كان أجنبيا يعطيه نزرا، وينظر إليه شزرا، فلا نظر. قال: إلا الجدة إذا كان زوجها الجد؛ لأنه قائم مقام أبيه، فينظر له. وكذلك كل زوج هو ذو رحم محرم منه لقيام الشفقة نظرا إلى القرابة القريبة. ومن سقط حقها بالتزوج يعود إذا ارتفعت الزوجية؛ لأن المانع قد زال فإن لم تكن للصبي امرأة من أهله، فاختصم فيه الرجل فأولاهم به أقربهم تعصيبا؛ لأن الولاية للأقرب، وقد عرف الترتيب في موضعين، غير أن الصغيرة لا تدفع إلى عصبة غير محرم، كمولى العتاقة وابن العم تحرزا عن الفتنة.   [البناية] أحمد، فإن عندهما لا يسقط حقها بالتزوج. م: (ولأن زوج الأم إذا كان أجنبيًا يعطيه نزرًا) ش: أي يعطي الصغير شيئًا قليلًا، يقال شيء نزر، أي قليل ومادته نون وزاي وراء مهملة. م: (وينظر إليه شزرًا) ش: أي ينظر زوج الأم الأجنبي إلى الصغير بمؤخر عينيه، يقال شزره بعينه يشزره وشزره مشزرًا إذا نظر إليه بمؤخر عينيه، ومادته شين معجمة وزاي ثم راء، المقصود أن هذا عبارة عن قلة الشفقة على الصغير وقلة الالتفات إليه، ولهذا قال المصنف. م: (فلا نظر) ش: أي إذا كان حال زوج الأم الأجنبي هكذا فلا نظر منه على الصغير. م: (قال) ش: أي القدوري. م: (إلا الجدة إذا كان زوجها الجد) ش: هذا استثناء من قوله سقط حقها، يعني إذا كانت الجدة متزوجة بالجد لا يسقط حقها، وإن كانت ذات زوج. م: (لأنه) ش: أي لأن الجد. م: (قائم مقام أبيه) ش: لقيامه مقام أبيه. م: (فينظر له، وكذلك كل زوج هو ذو رحم محرم منه) ش: أي من الولد، كعم الولد إذا تزوج بأمه لا يسقط حقها. م: (لقيام الشفقة نظرًا إلى القرابة القريبة) ش: أي بالنظر إلى القرابة. وهو العم. وإنما ينزع الولد من يد الأم إذا تزوجت بغير محرم. وإذا ارتدت أو خيف على الصبي. م: (ومن سقط حقها بالتزوج يعود) ش: أي حقها. م: (إذا ارتفعت الزوجية؛ لأن المانع قد زال) ش: والسبب قائم يعود الحق. وبه قال الشافعي وأحمد ومالك في رواية. وفي رواية عن مالك لا يعود والرجعي مانع حتى تنقضي عدتها عندنا، وبه قال المزني، وقال غيره من الشافعية: يعود بالطلاق الرجعي. م: (فإن لم تكن للصبي امرأة من أهله، فاختصم فيه الرجال فأولاهم به) ش: أي أولى الرجال بإمساك الصبي. م: (أقربهم تعصيبًا) ش: أي من حيث التعصيب أي أقرب العصبات. م: (لأن الولاية للأقرب، وقد عرف الترتيب في موضعين) ش: في باب الميراث وولاية الإنكاح. م: (غير أن الصغيرة لا تدفع إلى عصبة غير محرم) ش: هذا استثناء من قوله: فأولاهم أقربهم تعصيبًا، قيد بقوله الصغيرة، لأن الصغيرة تدفع إلى أقرب العصبات، سواء كان محرمًا أو غير محرم. م: (كمولى العتاقة وابن العم تحرزًا عن الفتنة) ش: لأنه لا يؤمن عليها منه، وكذلك ذو الرحم المحرم عن العصبة إذا لم يؤمن عليها منه لفسقه ومجونه لا تدفع إليه لأن في الدفع ضررًا بالصغيرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 648 والأم والجدة أحق بالغلام، حتى يأكل وحده، ويشرب وحده، ويلبس وحده، ويستنجي وحده. وفي " الجامع الصغير ": حتى يستغني فيأكل وحده، ويشرب وحده ويلبس وحده، والمعنى واحد؛ لأن تمام الاستغناء بالقدرة على الاستنجاء. ووجهه أنه إذا استغنى يحتاج إلى التأدب والتخلق بآداب الرجال وأخلاقهم، والأب أقدر على التأديب والتثقيف. والخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قدر الاستغناء بسبع سنين اعتبارا للغالب،   [البناية] وقال الصدر الشهيد: وعند أبي حنيفة، إذا لم يكن عصبة للصغير يدفع إلى الأخ لأم، لأن عنده تقدم الأم ولاية. وقال في " تحفة الفقهاء ": وإن لم يكن للجارية من عصباتها غير ابن العم - والاختيار للقاضي - وإن رآه أصلح، يضم إليه، وإلا يوضع عند أمينة، وقال محمد: لا حق للذكر من قبل النساء، والتدبير إلى القاضي يدفع إلى ثقة يحضنها. [الأحق بالولد] م: (والأم والجدة أحق بالغلام حتى يأكل وحده، ويشرب وحده، ويلبس وحده، ويستنجي وحده) ش: وذكر في " نوادر ابن رشيد " ويتوضأ وحده، وتكلموا في المراد من الاستنجاء، من مشايخنا من قال: المراد به كمال الطهارة بأن يطهر وجهه وحده بالماء، بحيث لا يحتاج إلى من يعنيه ويعلمه. ومنهم من قال: المراد منه أن يطهر نفسه عن النجاسة، وإن كان لا يقدر على تمام الطهارة. م: (وفي " الجامع الصغير ": حتى يستغني فيأكل وحده، ويشرب وحده، ويلبس وحده) ش: ولم يذكر فيه الاستنجاء، وشرطه في" السير الكبير " وغيره. م: (والمعني واحد) ش: يعني ذكر الاستنجاء فيما مضي. وذكر الاستغناء في رواية " الجامع الصغير " في المعني واحد، وبين المصنف ذلك بقوله. م: (لأن تمام الاستغناء بالقدرة على الاستنجاء) ش: أي القدرة على الاستنجاء أن يمكنه أن يفتح سراويله عند الاستنجاء، ويشده عند الفراغ. م: (ووجهه) ش: أي وجه ذكر الاستغناء. م: (أنه) ش: أي أن الصغير. م: (إذا استغنى يحتاج إلى التأدب والتخلق بآداب الرجال وأخلاقهم. والأب أقدر على التأديب والتثقيف) ش: أي التسوية. م: (والخصاف) ش: وهو الشيخ الإمام أبو بكر أحمد بن عمر، من كبار علمائنا. وكان يروي عن بشر بن الوليد عن أبي يوسف القاضي، وقال صاحب " الطبقات ": أحمد بن عمر، بضم العين، وقيل: عمرو، بالفتح ابن مهير، وقيل: مهران الشيباني. روى عن مشايخ بخارى مثل أبي عاصم النبيل، ومسدد " والقعنبي " وغيرهم، وله مصنفات كثيرة، وكان زاهدًا يأكل من كسب يده، فلذلك سمي خصافًا.. مات ببغداد سنة إحدى وستين ومائتين. م: (قدر الاستغناء بسبع سنين اعتبارًا للغالب) ش: لأنه إذا بلغ سبع سنين استغنى عن الحضانة غالبا، ويستنجي وحده وعليه الفتوى. كذا في " الكافي " وغيره، وقدره أبو بكر الرازي بتسع، وعند مالك: الأم أحق بالغلام حتى يحتلم. وقيل: حتى يثغر، أي حتى تبدو أسنانه، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 649 والأم والجدة أحق بالجارية حتى تحيض؛ لأن بعد الاستغناء تحتاج إلى معرفة آداب النساء، والمرأة على ذلك أقدر، وبعد البلوغ تحتاج إلى التحصين والحفظ، والأب فيه أقوى وأهدى. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها تدفع إلى الأب، إذا بلغت حد الشهوة لتحقق الحاجة إلى الصيانة. ومن سوى الأم والجدة أحق بالجارية حتى تبلغ حدا تشتهى. وفي " الجامع الصغير ": حتى تستغني؛ لأنها لا تقدر على استخدامها، ولهذا   [البناية] وعند الشافعي يخير الغلام في سبع، فإن اختار أحدهما وسلم إليه، ثم اختار الآخر. فله ذلك ورد إليه، فإن عاد واختار الأول أعيد إليه، هكذا أبدًا، قال في " المغني ": وهذا لم ينقل عن أحد من السلف، والمعتوه لا يخير ويكون عند الأم. م: (والأم والجدة أحق بالجارية حتى تحيض؛ لأن بعد الاستغناء تحتاج إلى معرفة آداب النساء) ش: من الغزل والطبخ وغسل الثياب. م: (والمرأة على ذلك أقدر) ش: لأنها لو دفعت إلى الأب اختلطت بالرجال، فقل حياؤها، والحياء في النساء زينة. م: (وبعد البلوغ تحتاج إلى التحصين والحفظ والأب فيه أقوى وأهدى) ش: لأنها بعد البلوغ تحتاج إلى التزويج، والأب فيه هو الأصل، وفي التحصين والحفظ الأب أقوى، لقدرته على ما لا تقدر عليه الأم، وأهدى إلى طريق معرفة ذلك لأنها تصير عرضة للفتنة، ومطمعًا للرجال والنساء يخدعنها. م: (وعن محمد) ش: رواها هشام عنه. م: (أنها تدفع إلى الأب إذا بلغت حد الشهوة لتحقق الحاجة إلى الصيانة، والأب أقدر على هذا) ش: وفي " غياث المفتي " الاعتماد على رواية هشام لفساد الزمان. وإذا بلغت إحدى عشرة سنة، فقد بلغت حد الشهوة في قولهم، وعند الشافعي: إذا اختار الغلام أمه يكون عندها بالليل، وعند الأب بالنهار، والبنت أيهما اختارت تكون عنده ليلًا ونهارًا عند المالك. م: (ومن سوى الأم والجدة أحق بالجارية حتى تبلغ حدًا تُشتهى) ش: تكلموا في حد المشتهاة ليبني عليه ثبوت حرمة المصاهرة، وكون الأب أولى. وقالوا: إذا كانت بنت خمس سنين وما دونه لم تكن مشتهاة، وإذا كانت بنت ست سنين أو ثمان سنين، ينظر إن كانت غيلة ضخمة، كانت مشتهاة، وإلا فلا. وقال الفقية أبو الليث: في " أيمان الفتاوى ": الغالب أنها لا تشتهى ما لم تبلغ تسع سنين. قال شمس الأئمة السرخسي: وبه نأخذ. م: (وفي " الجامع الصغير ": حتى تستغني) ش: ذكر أولًا رواية القدوري أن الصغيرة تترك من سوى الأب والجدة إلى أن تشتهى، ثم ذكر رواية " الجامع الصغير " إلى أن تستغني، واستغناؤها أن تأكل وحدها وتلبس وحدها، فإذا بلغت إلى أن تشتهى واستغنت تدفع إلى الأب. م: (لأنها) ش: أي لأن من سوى الأم والجدة مثل الأخوات ونحوها. م: (لا تقدر على استخدامها) ش: أي على استخدام الصغيرة التي استغنت، وإن كانت تحتاج إلى تعلم آداب النساء. م: (ولهذا) ش: أي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 650 لا تؤاجرها للخدمة، فلا يحصل المقصود، بخلاف الأم والجدة لقدرتهما عليه شرعا. وقال: والأمة إذا أعتقها مولاها، وأم الولد إذا أعتقت كالحرة في حق الولد؛ لأنهما حرتان أو أن ثبوت الحق، وليس لهما قبل العتق حق في الولد؛ لعجزهما عن الحضانة بالاشتغال بخدمة المولى. والذمية أحق بولدها المسلم، ما لم يعقل الأديان أو يخاف أن يألف الكفر للنظر قبل ذلك، واحتمال الضرر بعده،   [البناية] ولأجل عدم قدرة من سوى الأم والجدة على استخدامها. م: (لا تؤاجرها) ش: أي الصغيرة. م: (للخدمة) ش: أي لأجل خدمة من كان يريد استخدامها. م: (فلا يحصل المقصود) ش: وهو التعليم. م: (بخلاف الأم والجدة لقدرتهما عليه) ش: أي على الاستخدام. م: (شرعًا) ش: أي من حيث الشرع بدليل الإجارة. م: (قال) ش: أي القدوري. م: (والأمة إذا أعتقها مولاها، وأم الولد إذا أعتقت كالحرة في حق الولد) ش: وذلك بأن زوجهما مولاهما، ثم ولدتا، ثم عتقتا فكانتا أحق الولد من مولاهما لأن الخصومة هنا إنما تكون مع المولى، لأن الزوج لا حق له في الولد إذ الولد يتبع الأم في الملك ومالك المملوك أحق به من غيره، كذا في " الكافي "، واختلف المالكية في أم الولد إذا أعتقت مع اتفاقهم على ثبوت الأم، ذكره في " الجواهر ". م: (لأنهما) ش: أي الأمة وأم الولد اللتين أعتقا. م: (حرتان) ش: فكانتا أحق بالولد من مولاهما. م: (أو أن ثبوت الحق) ش: أي وقت ثبوت الحق. م: (وليس لهما قبل العتق حق في الولد؛ لعجزهما عن الحضانة بالاشتغال بخدمة المولى) ش: وبه قال عطاء والثوري والشافعي وأحمد. وعند مالك: تثبت الحضانة للرقيق. م: (والذمية أحق بولدها المسلم، ما لم يعقل الأديان) ش: فإن عقل الأديان يؤخذ منها، ويدفع إلى الأب، وبه قال مالك في المشهور وأبو القاسم وأبو ثور، وتمنع أن تغذيه بالخمر ولحم الخنزير، وإن خيف ضم إليه ناس من المسلمين. وقال الشافعي وأحمد: لا حضانة لها وهي رواية عن مالك. م: (أو يخاف أن يألف الكفر) ش: أي بأن يألف الكفر، فأن مصدرية، أي يخاف ألفة الكفر. وأما قوله: أو يخاف، فيجوز فيه ثلاثة أوجه: الأول: النصب على تقدير: إلى أن يخاف. كما في قوله: لألزمنك أو تعطيني حقي، أي إلى أن تعطيني. الثاني: الرفع على أنه استئناف؛ أي هو يخاف. الثالث: الجزم عطفا على قوله ما لم يعقل فيقر أو يخاف. م: (للنظر قبل ذلك) ش: أي الذمية أحق بولدها المسلم لأجل النظر في حق الصغير، قبل أن يعقل الأديان، وقبل أن يخاف عليه من فتنة الكفر (واحتمال الضرر بعده) أي ولأجل احتمال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 651 ولا خيار للغلام والجارية. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لهما الخيار لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خير.   [البناية] حصول الضرر بعده، بانتقاش أحوال الكفر في ذهنه بعد أن يعقل الأديان. م: (ولا خيار للغلام والجارية) ش: يعني بين الأبوين بأن يكون الولد عند الأم ما لم تزوج بزوج آخر إلى المدة التي ذكرناها، وبه قال مالك. م: (وقال الشافعي لهما الخيار) ش: إذا بلغا من التمييز يسلم إلى من اختاره، وبه قال أحمد. م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خير) ش: أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن هلال بن أسامة «عن أبي ميمونة، سليم، ويقال: سلمان مولى من أهل المدينة، رجل صدوق. قال: بينما أنا جالس مع أبي هريرة، - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، إذ جاءته امرأة فارسية معها ابن لها، فادعياه، وقد طلقها زوجها. فقالت: يا أبا هريرة - ورطنت بالفارسية - زوجي يريد أن يذهب بابني. فقال أبو هريرة: استهما عليه - ورطن لها بذلك -. فجاء زوجها وقال: من يحاقني في ولدي! فقال أبو هريرة: اللهم إني لا أقول هذا إلا أني سمعت "امرأة جاءت إلى رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا قاعد عنده، فقالت: يا رسول الله، إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر أبي عنبة، وقد نفعني. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: استهما عليه. فقال زوجها: من يحاقني في ولدي؟ فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هذا أبوك، وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت، فأخذ بيد أمه، فانطلقت به» . وجه الاستدلال: هو أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيره بقوله «هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت» . قوله: رطنت، من الرطانة - بفتح الراء وكسرها - وهي كلام لا يفهمه الجمهور، وإنما هو مواضعة بين اثنين أو ثلاثة، والعرب تخص بها غالبًا كلام أعجم. قوله: من بئر أبي عنبة، بكسر العين المهملة، وفتح النون وبالباء الموحدة، وهي بئر معروف بالمدينة. عندما عرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصحابه لما سار إلى بدر. قوله: يحاقني بالحاء المهملة وبالقاف. أي من ينازعني؟ واستدل الشافعي أيضًا بحديث رافع بن سنان وهو الذي ذكره المصنف. وأجاب عنه على ما يأتي. أخرجه أبو داود والنسائي عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جده «رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم، فجاءت بابن لهما صغير لم يبلغ، فأجلس النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأب هاهنا والأم هاهنا ثم خيره، وقال: "اللهم اهده"، فذهب إلى أمه. ولفظ أبي داود: أسلم وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: ابنتي وهي فطيم، وقال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 652 ولنا أنه لقصور عقله يختار من عنده الدعة بتخليته بينه وبين اللعب، فلا يتحقق النظر. وقد صح أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لم يخيروا. وأما الحديث فقلنا قد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اللهم اهده " فوفق لاختياره الأنظر بدعائه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -   [البناية] رافع: ابنتي، فأقعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأم ناحية، والأب ناحية وأقعد الصبي بينهما، وقال لهما: "ادعواها" فمالت الصبية إلى أمها، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "اللهم اهدها" فمالت إلى أبيها، فأخذها» وأخرجه أحمد في "مسنده " ولفظه في: ولد صغير. م: (ولنا أنه) ش: أي أن الصغير. م: (لقصور عقله يختار من عنده الدعة) ش: بفتح الدال والعين المهملة أي الراحة والخفض والهاء فيه عوض عن الواو لأنه من ودع الرجل بالواو وضم الدال، فهو وديع أي ساكن، وهو من باب فعل يفعل بضم العين فيهما كحسن يحسن. م: (بتخليته بينه وبين اللعب) ش: أي بسبب تخلية من عنده الدعة بين الصبي وبين اللعب. م: (فلا يتحقق النظر) ش: وعدم تحقق النظر على الصبي إذا اشتغل باللعب ظاهر. م: (وقد صح أن الصحابة لم يخيروا) ش: لم يتعرض إليه أحد من الشراح. وقد روى مالك والبيهقي «عن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أنه دفع الغلام لأمه لما اختصم فيه عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وأمه، قال فيه: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا توله والدة عن ولدها» ، أي لا يفرق بينهما، وكل أنثى فارقت ولدها فهي والهة وقد ولهت تله ولها فهي والهة وواله، والوله ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد، والمصنف احتج بهذا، ومع هذا ورد ما يخالف هذا، روى عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا ابن جريج أن عبد الله بن عمر يقول: اختصم أب وأم في ابن لهما إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فخيره فاختار أمه فانطلقت به، روى ابن حبان عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه خير غلاما بين أبيه وأمه. م: (وأما الحديث) ش: أشار به إلى الحديث الذي استدل به الشافعي، وهو قوله: لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيره، وأشار به إلى الجواب عنه، فقال. م: (فقلنا قد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللهم اهده» فوفق لاختياره الأنظر بدعائه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: هذا جواب عما استدل به الشافعي في حديث التخيير؛ بيانه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 653 أو يحمل على ما إذا كان بالغا.   [البناية] أنه لو كان للتخيير اعتبار، لم يقل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللهم اهده» فوفق لاختياره الأنظر في حقه ببركة دعائه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولم يوجد ذلك فيما نحن فيه. م: (أو يحمل على ما إذا كان بالغًا) ش: هذا جواب ثان عن حديث الشافعي، ولكن ليس بموجه ولا يرضي الخصم لأنه صرح فيه فجاء بابن لهما صغير لم يبلغ وهو في حديث رافع بن سنان الذي مضى عن قريب. وفي رواية أخرجها أبو داود «عن رافع بن سنان، ولفظه: أنه أسلم وأبت امرأته فأتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: ابنتي وهي فطيم، وقال رافع: ابنتي. وأقعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأم ناحية والأب ناحية، فأقعد الصبية بينهما، وقال لهما: "ادعواها"، فمالت الصبية إلى أمها، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اللهم اهدها"، فمالت إلى أبيها وأخذها» انتهى، وهذا إيضاح صرح فيه بالصبية وأنها فطيم فكيف يكون الولد غالبًا؟ والمعني أن أصحابنا قصروا في هذا الباب حيث يستدل الخصم بالأحاديث الصحيحة، وهم يستدلون بالدليل العقلي. وأجابوا عن حديث أبي هريرة بأربعة أجوبة: الأول: أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر إما بالاستهام وهو متروك بالإجماع، والثاني: لم يذكر فيه الطلاق، وقولها: إن زوجي، دليل على قيام النكاح، والثالث: ليس فيه سبع سنين، والخصم يشترط التخيير في سبع سنين، والرابع: أن بئر أبي عنبة كانت بالمدينة، ولا يمكن للصغير أن يسقي منها، ولا يخلو الكل عن تأمل، واعلم أن الابن إذا بلغ يخير بين أبويه. فإن أراد أن ينفرد فله ذلك، إلا إذا كان فاسقا يمضي عليه شيء، فحينئذ يضمه الأب إلى نفسه، لأنه أقدر على صيانته، أما الجارية فإن كانت بكرا يضمها إلى نفسه سواء كانت مأمونة أو غير مأمونة. فإن كانت ثيبًا مأمونة ليس له أن يجبرها حتى تكون معه لزوال ولايته عنها كذا في نسخ " الفتاوى " وغيرها قاله الأترازى. وفي " الكافي " اختلعت على أن تترك ولدها عند الزوج، فالخلع جائز والشرط باطل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 654 فصل وإذا أرادت المطلقة أن تخرج بولدها من المصر فليس لها ذلك؛ لما فيه من الإضرار بالأب، إلا أن تخرج به إلى وطنها، وقد كان الزوج تزوجها فيه؛ لأنه التزم المقام فيه عرفا وشرعا. قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من تأهل ببلدة فهو منهم» ،   [البناية] [فصل في بيان حكم من يريد إخراج الصغيرة إلى القرى] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان حكم من يريد إخراج الصغيرة إلى القرى، وبين ذلك بقوله في فصل على حدة. م: (وإذا أرادت المطلقة أن تخرج بولدها من المصر فليس لها ذلك) ش: هذا بعد انقضاء عدتها، فإنه صرح به في " جامع قاضي خان " وغيره. م: (لما فيه من الإضرار بالأب) ش: أي في الخروج بالولد لانقطاع ولده عنه. م: (إلا أن تخرج به) ش: بولدها من المصر. م: (إلى وطنها) ش: هذا استثناء من قوله: فليس لها ذلك. م: (وقد كان الزوج) ش: أي والحال أن الزوج. م: (تزوجها فيه) ش: أي في وطنها. م: (لأنه التزم المقام فيه عرفا وشرعا) ش: أما العرف فلأن الزوج يقيم في البلد الذي يتزوج فيه عادة، إلا أنه يلزمها متابعة الزوج إذا أعطاها جميع المهر رضيت بذلك أو لم ترض. فبعد زوال الزوجية يعود الأمر الأول. وأما شرعًا: فلأن العقد متى وجد في مكان العقد، والأولاد من ثمرات عقد النكاح، فيجب إمساكها في موضع العقد، بخلاف ما إذا أراد النقل إلى مصر ليس هو مصرها، ولم يكن ثمة أصل النكاح، ليس لها أن تنقل الأولاد، وكذا إذا أرادت الانتقال بالأولاد إلى مصرها، لكن ثمة أصل النكاح لعدم دليل العرف والشرع. م: (قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «من تأهل ببلدة فهو منهم» ش: لم يتعرض أحد من الشراح لهذا الحديث، ولا بمجرد ذكره. روى هذا الحديث ابن أبي شيبة في "مصنفه "، حدثنا المعلى بن منصور عن عكرمة بن إبراهيم الأزدي عن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذئاب عن أبيه «أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صلى بمنى أربعًا، ثم قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من تأهل في بلدة فهو من أهلها يصلي بصلاة المقيم، وإني تأهلت منذ قدمت مكة» . ورواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده " كذلك، ولفظه: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إذا تزوج الرجل ببلد فهو من أهله، وإنما أتممت لأني تزوجت بها منذ قدمتها» . ورواه أحمد في "مسنده "، ولفظه: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من تأهل في بلد فليصل صلاة مقيم» . واستدل به المصنف لقوله لأنه اليوم المقيم فيه شرعًا، حاصله أن الرجل إذا تزوج امرأة في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 655 ولهذا يصير الحربي به ذميا. وإن أرادت الخروج إلى مصر غير وطنها، وقد كان التزوج فيه، أشار في الكتاب إلى أنه ليس لها ذلك. وهذه رواية كتاب الطلاق. وذكر في " الجامع الصغير " أن لها ذلك؛ لأن العقد متى وجد في مكان فيه يوجب أحكامه فيه كما يوجب البيع التسليم في مكانه.   [البناية] بلد هو وطن المرأة يكون من أهل ذلك البلد. م: (ولهذا يصير الحربي به) ش: أي بالتزوج. قاله الأترازي والأكمل. م: (ذميًا) ش: وقال تاج الشريعة: الضمير يرجع إلى التزام المقام. وبيانه أنه لما استدل بقوله التزم المقام عرفًا وشرعًا، فلقائل أن يقول هب أنه التزم المقام. فلماذا يصير مقيمًا؟ فيجاب عنه بأنه لالتزام المقام أثر، ولهذا يصير الحربي ذميًا. قيل: هذا خلاف المفهوم من كلامه. وقال " صاحب النهاية ": هذا وقع غلطًا، أي قوله: ولهذا يصير الحربي به ذميًا. فإنه ذكر في غير هذا الكتاب أن المستأمن إذا تزوج ذمية لا يصير ذميًا، لأنه يمكنه أن يطلقها ويرجع. وقد وجدت بخط شيخي: ليس في النسخة التي قوبلت بنسخة المصنف هذه الجملة. وقال الأترازي: ونقل عن الإمام حافظ الدين الكبير، أن هذه الجملة ليست في النسخة التي قوبلت مع نسخة المصنف، فعلى هذا يكون السهو من الكاتب، لأنه قال في " السير الكبير " بعد كتاب الحدود في أرض الحرب بباب: وإذا دخلت المرأة من أهل الحرب دار الإسلام بأمان وهي كتابية، فتزوجها ذمي أو مسلم فقد صارت ذمية لأن لزوجها أن يمنعها عن العود إلى دار الحرب، فكان الإقدام على النكاح مع علمها أن لزوجها أن يمنعها عن العود إلى دار الحرب رضا منها بالمقام في دار الإسلام. وأما الحربي إذا تزوج ذمية لا يصير ذميًا؛ لأن المرأة ليس لها أن تمنع زوجها من دار الحرب، انتهى. وغير بعضهم لفظ الحربي بلفظ الحربية حتى ترد السؤال. وقال بعضهم: لا حاجة إلى تغيير اللفظ لجواز أن يكون الحربي صفة لشخص؛ أي الشخص الحربي ذكرًا كان أو أنثي. قلت: هذا بعيد جدًا. م: (وإن أرادت الخروج إلى مصر غير وطنها) ش: صفة المصر. م: (وقد كان التزوج فيه) ش: أي والحال إن تزوج الزوج فيه أي في مصر غير وطنها. م: (أشار في الكتاب) ش: أي القدوري، وقيل: المراد به " المبسوط ". م: (إلى أنه ليس لها ذلك، وهذه رواية كتاب الطلاق) ش: من الأصل. م: (وذكر) ش: أي محمد. م: (في " الجامع الصغير " أن لها ذلك؛ لأن العقد متى وجد في مكان فيه) ش: أي في ذلك المكان. م: (يوجب أحكامه فيه كما يوجب البيع التسليم في مكانه) ش: أي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 656 ومن جملة ذلك حق إمساك الأولاد. وجه الأول: أن التزوج في دار الغربة ليس التزاما للمكث فيه عرفا، وهذا أصح. والحاصل: أنه لا بد من الأمرين جميعا، الوطن ووجود النكاح، وهذا كله إذا كان بين المصرين تفاوت. أما إذا تقاربا بحيث يمكن للوالد أن يطالع ولده ويبيت في بيته فلا بأس به. وكذا الجواب في القريتين، ولو انتقلت من قرية المصر إلى المصر لا بأس به؛ لأن فيه نظرا إلى الصغير حيث يتخلق بأخلاق أهل المصر، وليس فيه ضرر بالأب، وفي عكسه ضرر بالصغير، لتخلقه بأخلاق أهل السواد فليس لها ذلك.   [البناية] تسليم المعقود عليه في موضع العقد. م: (ومن جملة ذلك حق إمساك الأولاد) ش: لأن الأولاد من ثمرات النكاح فيوجب إمساكها في موضع العقد. م: (وجه الأول) ش: أراد به قوله ليس لها ذلك وهو رواية كتاب الطلاق. م: (أن التزوج في دار الغربة ليس التزاما للمكث فيه عرفًا) ش: أي من حيث العرف أراد بأن العرف لم يجر بأن يكون للتزوج في دار الغربة التزامًا للإقامة. م: (وهذا أصح) ش: أي الوجه الأول هو الأصح. م: (والحاصل أنه لا بد من الأمرين جميعا الوطن ووجود النكاح) ش: أي لانتقال الأم بالأولاد الصغار، ولا بد من وجود أمر آخر وهو أن تريد الانتقال إلى دار الحرب، فإنه ذكر في " شرح كتاب الطحاوي ": ولو أرادت الانتقال إلى دار الحرب، وإن كان أصل النكاح وقع هناك في حربية بعد أن يكون زوجها مسلما أو ذميا، ليس لها ذلك، ولو كان كلاهما حربيين فلهما ذلك. م: (وهذا كله) ش: أي هذا الذي ذكرناه كله. م: (إذا كان بين المصرين تفاوت) ش: أراد به البعد بحيث لا يمكن للأب رجوعه إلى بيته في يوم مطالعة أولاده. م: (أما إذا تقاربا) ش: أي المصران. م: (بحيث يمكن للوالد أن يطالع ولده ويبيت في بيته فلا بأس به، وكذا الجواب في القريتين) ش: يعني إذا كانت قريبتين بحيث يمكن للأب مطالعة الأولاد في يومه، فلها ذلك وإلا فلا. م: (ولو انتقلت من قرية المصر إلى المصر لا بأس به؛ لأن فيه نظرًا إلى الصغير، حيث يتخلق بأخلاق أهل المصر، وليس فيه ضرر بالأب، وفي عكسه) ش: وهو الانتقال من المصر إلى القرية. م: (ضرر بالصغير لتخلقه بأخلاق أهل السواد فليس لها ذلك) ش: أي ليس لها أن تنقل الصغار من المصر إلى القرية، إلا إذا وقع العقد فيها فحينئذ لها ذلك. ذكره في " شرح الطحاوي " وفي " فتاوى البقالي ": ليس لها ذلك بحال، وقع العقد هناك أو لا. فروع: لو جاءت بصبي، وقالت: هذا ابن بنتي وقد ماتت، فأعطني نفقته، فقال: إنها لم تمت وهي في منزلي، وأراد أخذه منها لم يكن له ذلك حتى يعلم القاضي أمه، فيجيء بها، فيأخذه منها. وإن جاء بامرأة، وقال: هذه بنتك وهي أمه، وقالت: ابنتي ماتت، فالقول للزوج؛ لأن الفراش لهما، قال الأب: هو ابن ست سنين، وقالت: ابن سبع، إن كان يأكل وحده ويلبس وحده دفع إليه وإلا فلا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 657 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ولو ادعى التزوج عليها بأخرى وأنكرت، فالقول لها. ولو قالت: طلقني وعاد حقي، إن لم تعين الزوج فالقول لها، وإن عينت لا يقبل قولها في الطلاق. وإن كان معسرًا فقالت العمة: أنا أولى بغير أجر، والأم طلبت أجره، فالعمة أولى، وهو الصحيح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 658 باب النفقة قال: النفقة واجبة للزوجة على زوجها، مسلمة كانت أو كافرة، إذا أسلمت نفسها في منزله فعليه نفقتها وكسوتها وسكناها. والأصل في ذلك قَوْله تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7) ، وقَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ،   [البناية] [باب النفقة] [حكم النفقة للزوجة] م: (باب النفقة) ش: أي: هذا باب في بيان أحكام النفقة، وهي اسم بمعنى الإنفاق، وهي عبارة عن الإدرار على الشيء بما به بقاؤه. والنفقة تجب بأسباب الزوجية، ومنها النسب ومنها الملك، والكل يجيء بيانه على الترتيب مشتملا على ذكر فصول على ما يجيء إن شاء الله تعالى. م: (قال) ش: أي القدوري. م: (النفقة واجبة للزوجة على زوجها، مسلمة كانت أو كافرة. إذا أسلمت نفسها في منزله فعليه نفقتها وكسوتها وسكناها) ش: أي في منزل الزوج. قال الأقطع في "شرحه ": تسليمها نفسها شرط في وجوب النفقة ولا خلاف في ذلك. وقال الأترازي: فعلم بهذا إذا ادعى بعض الشراح للهداية، بقوله: هذا الشرط ليس بلازم في ظاهر الرواية. فإنه ذكر في " المبسوط " وهو ظاهر الرواية بعد صحة العقد، النفقة واجبة لها وإن لم تنتقل إلى بيت الزوج. ألا ترى أن الزوج لو لم يطلب انتقالها إلى بيت الزوج جاز لها أن تطالبه بالنفقة. وقال في " الإيضاح ": وهذا لأن النفقة حق المرأة والانتقال حق الزوج فإذا يطالبها بالنفقة، فقد ترك حقه وهذا لا يوجب بطلان حقها. وقال في " النهاية ": وقال بعض المتأخرين من أئمة بلخ: لا تستحق النفقة إذا لم تزف إلى بيت زوجها. والفتوى على جواب الكتاب، وهو وجوب النفقة وإن لم تزف فإن كان الزوج قد طالبها بالنفقة، وإن لم تمتنع من الانتقال إلى بيت زوجها فلها النفقة أيضًا، وأما إذا كان الامتناع بحق بأن امتنعت لتستوفي مهرها، فلها النفقة أيضًا، وإن كان الامتناع بغير حق، بأن كان أوفاها المهر، أو كان المهر مؤجلا أو وهبته منه، فلا نفقة لها، فكل من كان محبوسا لغيره بحق مقصود، كانت نفقته عليه. م: (والأصل في ذلك) ش: أي في وجوب النفقة. م: (قَوْله تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7)) ش: أمر بالإنفاق، والأمر للوجوب، والسعة: القدرة. م: (وقَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233)) ش: المولود له هو الأب، ورزقهن: الأمهات، قَوْله تَعَالَى: {بالمعروف} [البقرة: 233] أي بالوسط. وقال الزجاج في تفسيره: مما تعرفون أنه العدل على قدر الإمكان، وكلمة "على" للإيجاب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 659 وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث حجة الوداع: «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» ؛ ولأن النفقة جزاء الاحتباس، فكل من كان محبوسا بحق مقصود لغيره، كانت نفقته عليه، وأصله القاضي والعامل في الصدقات، وهذه الدلائل لا فصل فيها، فتستوي فيها المسلمة، والكافرة. ويعتبر في ذلك حالهما جميعا، قال: وهذا اختيار الخصاف وعليه الفتوى.   [البناية] م: (وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (في حديث حجة الوداع: «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» ش: هذا الحديث رواه مسلم عن جابر بن عبد الله، وهو حديث طويل جدًا، وفيه: «فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ... » الحديث أخرجه مسلم في باب حجة الوداع. م: (ولأن النفقة جزاء الاحتباس) ش: أي احتباس المرأة عند الرجل. م: (فكل من كان محبوسًا بحق مقصود لغيره كانت نفقته عليه) ش: لا يقال يرد على هذا نفقة الرهن، فإنها على الراهن مع أنه محبوس بحق المرتهن، لأنا نقول سلمنا أنه محبوس عند المرتهن ولكن لا نسلم أنه محبوس بحق هو مقصود للمرتهن فحسب. فإنه كما يحصل مقصود المرتهن يحصل مقصود الراهن أيضًا. ألا ترى أنه إذا هلك، هلك الدين الذي على الراهن مضمونًا بأقل من قيمته ومن الدين، لكن على هذا كان ينبغي أن تجب النفقة عليهما جميعًا، إلا أن النفقة لما كانت لبقية الرهن وهو على ملك الراهن، وجبت عليه خاصة كالوديعة يجب نفقتها على صاحب المال. و: (وأصله) ش: أي أصل من كان محبوسا لمنفعة ترجع إلى غير. م: (القاضي والعامل في الصدقات) ش: لأنهما حبسا أنفسهما لمصالح المسلمين فيجب كفايتهما، وكذلك المفتي والمتولي والوصي والمضارب إذا سافر بمال المضاربة والمقاتلة إذا قاموا بكفاية المسلمين في دفع عدوهم يجب كفايتهم. م: (وهذه الدلائل) ش: أشار به إلى ما ذكره من الكتاب والسنة، وقال الأترازي: أي الآيات الدالة على وجود النفقة والدليل العقلي.. م: (لا فصل فيها) ش: أي لا فرق فيها بل على إطلاقها. م: (فتستوي فيها المسلمة والكافرة) ش: والغنية والفقيرة، والموطوءة وغير الموطوءة، والمنتقلة إلى بيت زوجها وغير المنتقلة. م: (ويعتبر في ذلك حالهما جميعًا) ش: أي حال الزوجين. وهذا لفظ القدوري. م: (قال) ش: أي المصنف. م: (وهذا اختيار الخصاف وعليه الفتوى) ش: أي على اختيار الخصاف الفتوى. وظاهر الرواية عن أصحابنا اعتبار حال الرجل في اليسار والإعسار دون حال المرأة. وبه صرح محمد في الأصل والحاكم في " الكافي " وصاحب " الشامل " في قسم المبسوط، والإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي "، وإليه ذهب الكرخي وكثير من مشايخنا المتأخرين، كصاحب " التحفة " وصاحب " النافع " وغيرهم، وهو قول الشافعي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 660 وتفسيره أنهما إذا كانا موسرين تجب نفقة اليسار. وإن كانا معسرين فنفقة الإعسار. وإن كانت المرأة معسرة والزوج موسرا، فنفقتها دون نفقة الموسرات وفوق نفقة المعسرات. وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعتبر حال الزوج، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7) . ووجه الأول قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهند امرأة أبي سفيان: «خذي من مال زوجك ما يكفيك وولدك بالمعروف» .   [البناية] م: (وتفسيره) ش: أي تفسير قول الخصاف. م: (أنهما) ش: أي أن الزوجين. م: (إذا كانا موسرين تجب نفقة اليسار، وإن كانا معسرين فنفقة الإعسار) ش: أي تجب نفقة الإعسار. م: (وإن كانت المرأة معسرة والزوج موسرًا) ش: أي وكان الزوج موسرا. م: (فنفقتها دون نفقة الموسرات وفوق نفقة المعسرات) ش: وفي " الذخيرة ": بيانه: إذا كان الزوج موسرًا بفرط اليسار نحو أن يأكل الحلوى واللحم المشوي والباحات، والمرأة فقيرة كانت تأكل في بيتها خبز الشعير، لا يؤخذ الزوج بأن يطعمها ما يأكل بنفقته، ولا ما كانت المرأة تأكل في بيتها، ولكن يطعمها فيما بين ذلك، ويطعمها خبز البر، وباحة وباحتين، فهذا معنى اعتبار حالهما. وأما إذا كان الزوج معسرًا والمرأة موسرة، لم يذكر المصنف هذا القسم، قال الأترازي: لا أدري كيف ذهب عنه، ولا بد من ذكره، فقال الخصاف في كتابه: يفرض له نفقة صالحة، يعني وسطا، فيقال له: تكلف إلى أن تطعمها خبز البر وباحة وباحتين، كي لا يلحقها الضرر. وقال الأترازي: هذا التكليف تكليف ما ليس في الوسع، فلا يجوز. قال الإمام السرخسي: لم يذكر صاحب الكتاب أنه يؤاكلها؛ يعني الخصاف لم يذكره في كتاب النفقات، ثم قال: ولكن مشايخنا قالوا المستحب له أن يؤاكلها لأنه مأمور بحسن العشرة معها، وزاد في أن يؤاكلها ليكون نفقتها ونفقته سواء. م: (وقال الكرخي: يعتبر حال الزوج، وهو قول الشافعي؛ لقوله عز وجل: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7)) ش: وهو ظاهر الرواية، وقال الله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7) بين أن التكليف بحسب الوسع وأن النفقة على حسب حاله. ولما زوجت نفسها من معسر، فقد رضيت بنفقة المعسرين، فلا يستوجب على الزوج إلا بحسب الزوج وحاله. م: (ووجه الأول) ش: أي وجه اعتبار حالهما وهو اختيار الخصاف. م: (قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي «قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (لهند امرأة أبي سفيان: خذي من مال زوجك ما يكفيك وولدك بالمعروف) » ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة غير الترمذي عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أن هندًا أم معاوية قالت: "يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 661 اعتبر حالها، وهو الفقه. فإن النفقة تجب بطريق الكفاية. والفقيرة لا تفتقر إلى كفاية الموسرات، فلا معنى للزيادة. وأما النص فنحن نقول بموجبه أنه يخاطب بقدر وسعه، والباقي دين في ذمته،   [البناية] م: (اعتبر حالها) ش: أي اعتبر - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حال المرأة، ولقائل أن يقول هذا الدليل غير مطابق للمدعى، وهو الاعتبار بحالها. والحديث يدل على اعتبار حالها، وأما اعتبار حاله فالآية تدل عليه، والخصم يدل عليه، فإذا الآية تدل على اعتبار حاله والحديث على اعتبار حالها، فوجب الجمع بينهما بأن يكون حاله معتبرة من جهة وحالها كذلك. فإن قيل: هذا على تقدير التعارض والحديث لا يعارض الآية لكونه من الأحاديث، فالجواب أن الحديث تفسير لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 333) ، فتكون المعارضة حينئذ بين الآيتين فيجمع بينهما. م: (وهو الفقه) ش: أي اعتبار حال المرأة هو الفقه؛ أي هو الذي يفهم من الدلائل. وأشار بهذا إلى أنه اختار قول الخصاف حيث اعتبر حالهما، لكن ذكر الدليل من جهة نفسه لما اختاره، وإنما قلنا من جهة نفسه لئلا يرد عليه اعتراض الأترازي حيث قال: قوله. م: (فإن النفقة) ش: قوله فلا معنى للزيادة وفيه نظر، لأنه ما بقي بين الدليل والمدلول مطابقة، لأن صاحب " الهداية " أورده دليلًا لقول الخصاف وقول الخصاف اعتبار حال المرأة وحدها، انتهى. ونحن نقول: اختيار المصنف ما اختاره الخصاف، ولكن دليله من جهة ويرد ما ذكره، ثم بين ذلك بقوله لأن النفقة. م: (تجب بطريق الكفاية، والفقيرة لا تفتقر إلى كفاية الموسرات فلا معنى للزيادة) ش: يعني عن كفايتها نظرا إلى حال الزوج، ثم أجاب عن قَوْله تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7) ، بقوله. م: (وأما النص فنحن نقول بموجبه) ش: أي بموجب النص وهو. م: (أنه يخاطب بقدر وسعه) ش: لئلا يلزم التكليف بما ليس بالوسع، لكن زاد كفايتها على ما في وسعه يكون دينًا عليه، وهو معنى. م: (والباقي دين في ذمته) ش: عملا بالدليلين، ولا يؤديه مع العجز. واعترض الأترازي على المصنف بقوله: وهذا لا يكون جوابا لما ذهب إليه الكرخي من ظاهر الرواية، لأن نص القرآن لا يثبت الزيادة على نفقة الإعسار، فمن أين يثبت الزيادة بموجب النص حتى يكون دينًا عليه؟ انتهى. قلت: المصنف لم يثبت الزيادة بقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7) حتى ... ما قال، وإنما أثبت الزيادة بقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) الآية، وفيما قاله عملًا بالدليلين، وهذه الآية تدل على وجوب كفايتهن بكلمة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 662 ومعنى قوله: "بالمعروف": الوسط، وهو الواجب، وبه يتبين أنه لا معنى للتقدير كما ذهب إليه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه على الموسر مدان، وعلى المعسر مد، وعلى المتوسط مد ونصف مد؛   [البناية] على غير أنه إذا عجز عن الكفاية لا يكلف في الحال بل الزيادة على الكفاية في ذلك الوقت يكون دينا عليه، والعمل بالنص أولى من ترك أحدهما. م: (ومعنى قوله «بالمعروف» الوسط) ش: أي قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «بالمعروف في قوله لهند امرأة أبي سفيان: "خذي من مال زوجك ما يكفيك وولدك بالمعروف» ، وكذا في قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) الآية الوسطى. م: (وهو الواجب) ش: أي الوسط هو الواجب، وفي " المبسوط ": يجب على القاضي اعتبار الكفاية بالمعروف فيما فرض في كل وقت وزمان. فكما يفرض لهما قدر الكفاية من الطعام، فكذلك من الإدام لأن الخبز لا يتناول عادة إلا مأدومًا، وجاء في تأويل قوله عز وجل: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] (المائدة: الآية 89) ، أنه أعلى ما يطعم الرجل امرأته الخبز واللحم وأوسطه الخبز والزيت وأدناه الخبز واللبن، وأما الدهن يُستغنى عنه خصوصًا في زيادة الحر فهو من أهول الحوائج كالخبز. م: (وبه) ش: أي وبالمعروف المذكور في القرآن والحديث. م: (يتبين أنه لا معنى للتقدير) ش: أي في تقدير النفقة. م: (كما ذهب إليه) ش: أي إلى التقدير. م: (الشافعي أنه) ش: أي التقدير. م: (على الموسر مدان، وعلى المعسر مد، وعلى المتوسط مد ونصف مد) ش: المد بالضم وتشديد الدال رطل وثلث بالعراقي عند الشافعي وأهل الحجاز، ورطلان عند أبي حنيفة وأهل العراق، وقيل: إن أصل المد مقدر بأن يمد الرجل يديه فيملأ كفيه طعامًا. وقال الماوردي في " الحاوي " ما ملخصه: إن الأصل في اعتبار الحب في النفقة الكفارات؛ لأنه طعام يقصد به في الحرمة ويستقر في الذمة وفي النكاح عليه تمليكها حبًا، وعليه طحنه وخبزه في الأصح، ويجوز الاعتياض في الأصح إلا دقيقا وخبزا على المذهب، ولو أكلت معه سقطت نفقتها في الأصح وفي " المغني ": إيجاب الحب تحكم، فإن الشرع ورد بالإنفاق مطلقا من غير قيد ولا تقدير، فيجب أن يرد إلى العرف والعادة وذلك في الطعام دون الحب. وما بلغنا عن أحد السلف أنه أطعم زوجته حبًا ولا حكم بذلك الحاكم، وقد تركوا قوله في جميع البلاد الإسلامية على تقدير مد ... على الأكابر. وعن مالك: يفرض بمد تمر وإن كان كل يوم. وهو مد وثلث بمد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال ابن حبيب: أخذه هشام بن إسماعيل بغرض نفقة الزوجات ما استحسنه مالك، وهو ظاهر خلاف مذهبه، ومذهبنا ما ذكره علماؤنا، فقال في مختصر شرح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 663 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] "الكافي " للحاكم الشهيد: إذا كان الرجل صاحب مائدة وطعام كثير، تتمكن من تناول مقدار كفايتها، فليس لها أن تطالب الزوج بفرض النفقة، وإن يكن بهذه الصفة، فخاصمت في النفقة يفرض لها بالمعروف، وهو فوق التقتير، دون الإسراف، رعاية للجانبين. ولا تقدر النفقة بالدراهم؛ لأن المقصود الكفاية، وقد يرخص السعر ولا يغلو، فلا يحصل المقصود، فكما يفرض لها الطعام بقدر الكفاية كل يوم يفرض الإدام أيضا؛ لأن الخبز لا يتناول إلا مأدوما عادة، وكذلك يفرض الدهن لأنه لا يُستغنى عنه. وقال في الأقضية: لا إدام إلا على اللحم والأوسط الزيت والأدنى اللبن والحطب والصابون والأشنان، وثمن ماء الاغتسال عليه، كذا في " خلاصة الفتاوى " ويفرض لها من الكسوة ما يصلح للشتاء والصيف. ففي الشتاء قميص وملحفة وخمار وكساء كأرخص ما يكون كفايتها بما دونها، إن كان الرجل معسرا ولا كساء في الصيف، وإن كان موسرا فأجود من ذلك على قدر اليسار والخادم قميص وإزار وكساء كأرخص ما يكون ولا كساء في الصيف، وإن كان الرجل موسرا فأجود ما يكون من ذلك. وقال محمد: في الأصل من التقدير بالدراهم بقوله: إن كان معسرًا فرض لها من النفقة كل شهر أربعة دراهم أو خمسة أو ما بين ذلك، ولخادمها ثلاثة دراهم وأقل من ذلك أو أكثر، وإن كان موسرًا، عليه للمرأة ثمانية دراهم أو سبعة أو نحو ذلك، ولخادمها ثلاثة دراهم أو أربعة أو نحو ذلك، فذاك ليس بتقدير لازم، بل هو بناء على ما شاهده محمد في ذلك الوقت من عرف زمانه، كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي في شرح "الكافي " وشمس الأئمة البيهقي في " الشامل ". وقال السرخسي: لم يذكر محمد في الأصل كسوة المرأة الإزار والخف في شيء من المواضع، وذكر الإزار في كسوة الخادم ولم يذكر الخف أيضًا، وإن كانت الخادمة ممن يحتاج أن تخرج إلى الحوائج، فلها الخف والمكعب بحسب ما يكفيها. وأما المرأة فإنها مأمورة بالقرار في البيت ممنوعة من الخروج، فلا تستوجب الخف والمكعب على الزوج، وكذلك لا تستوجب الإزار لأنها تكون مهيئة نفسها بنشاط الزوج، فليس على الزوج أن يتخذ ما يحول بينه وبين حقه فلهذا لم يذكر الإزار، هذا لفظه في شرح "الكافي ". وقال في " خلاصة الفتاوى ": هذا في ديارهم بحكم العرف، أما في ديارنا فيفرض الإزار والمكعب، ويفرض ما تنام عليه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 664 لأن ما وجب كفاية لا يتقدر شرعا في نفسه. وإن امتنعت من تسليم نفسها حتى يعطيها مهرها، فلها النفقة؛ لأنه منع بحق، فكان فوت الاحتباس لمعنى من قبله، فيجعل كالأموات.   [البناية] وقال الخصاف: ويجعل لها ما تنام عليه مثل الفراش والمضربة والمرفقة في الشتاء ولحافا يتغطى به. قال شمس الأئمة السرخسي في شرح كتاب "النفقات ": ذكر لها كتابا على حدة ولم يكتف بفراش واحد، لأنها ربما تنعزل عنه في أيام الحيض أو في زمان مرضها. وقال الحاكم الشهيد: وقال محمد: لا ينبغي أن يوقت النفقة على الدراهم، لأن السعر يغلو ويرخص، ولكن يجعل النفقة على الكفاية في كل زمان، فينظر قيمته، فيفرض لها عليه دراهم شهرًا بشهر. قال السرخسي: وهذا بناء على عادتهم، وبعض المتأخرين من مشايخنا، قالوا: يعتبر في ذلك حال الرجل فإنه إن كان محترفا يفرض عليه النفقة يومًا يوما؛ لأنه يتعذر عليه أداء نفقة شهر دفعة واحدة. وإن كان من التجار يفرض عليه الأداء شهرًا، وإن كان من الدهاقين يفرض عليه النفقة دراهم على الكفاية في كل زمان، فينظر قيمة ذلك، فيفرض لها عليه دراهم شهرٍ بشهرٍ لتيسير الأداء عليه. كذلك عند إدراك الغلة واتخاذ غلة الحوانيت، أما الكسوة فيفرض في السنة مرتين. م: (لأن ما وجب كفاية لا يتقدر شرعا في نفسه) ش: لأنها مما يختلف فيها أحوال الناس بحسب الشباب والمهرم، وبحسب الأوقات والأماكن، ففي التقدير قد يكون إضرارا بأحدهما وفي " المبسوط ": وكل جواب عرفته من اعتبار حاله أو حالها في فرض النفقة فهو الجواب في كسوة. [نفقة من امتنعت من تسليم نفسها حتى يعطيها ممهرها] م: (وإن امتنعت من تسليم نفسها حتى يعطيها مهرها فلها النفقة؛ لأنه منع بحق، فكان فوت الاحتباس لمعنى من قبله فيجعل كالأموات) ش: المراد من المهر هو العاجل، وبه صرح في " شرح الطحاوي " فقال: ولو أنها منعت نفسها لأجل مهرها العاجل، فلها النفقة لأن هذا منع بحق. وقال في " التحفة ": وإن كان الامتناع بغير حق، بأن أوفاها الزوج المهر مؤجلا، فإنه يسقط النفقة لأنه وجد النشوز منها، لكن ينبغي لك أن تعرف أن الامتناع لطلب المهر إذا كان قبل الدخول لا يزيل النفقة اتفاقا لأنه منع بحق وكذلك بعد الدخول إذا كان برضاها عند أبي حنيفة. وقالا: لا نفقة لها، كذا في " المختلف "، وفي " فتاوى قاضي خان ": ولو كان الزوج ساكنا معها في منزلها فمنعت زوجها من الدخول عليها كانت ناشزة إلا إذا منعت لتحولها إلى منزله أو ليكتري لها منزلًا، فحينئذ تكون ناشزة ولو كانت مقيمة في منزله، ولم تمكنه من الوطء لا تكون ناشزة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 665 وإن نشزت فلا نفقة لها حتى تعود إلى منزله؛ لأن فوت الاحتباس منها، وإذا عادت جاء الاحتباس، فتجب النفقة، بخلاف ما إذا امتنعت من التمكين في بيت الزوج؛ لأن الاحتباس قائم، والزوج يقدر على الوطء كرها. وإن كانت صغيرة لا يستمتع بها، فلا نفقة لها؛ لأن امتناع الاستمتاع لمعنى فيها، والاحتباس الموجب ما يكون وسيلة إلى مقصود مستحق بالنكاح، ولم يوجد، بخلاف المريضة على ما نبين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لها النفقة؛ لأنها عوض عن الملك عنده؛ كما في المملوكة بملك اليمين. ولنا أن المهر عوض عن الملك،   [البناية] م: (وإن نشزت فلا نفقة لها حتى تعود إلى منزله؛ لأن فوت الاحتباس منها) ش: تفسير الناشزة والناشصة هي المانعة نفسها عن زوجها بغير حق، وقيل لشريح: هل للناشزة من نفقة؟ فقال: نعم، فقيل: كم؟ فقال: جراب من تراب، معناه: لا نفقة لها، وإذا كان الرجل يسكن في الأرض المغصوبة، فخرجت المرأة لأجل أن لا تسكن في الغصوبة، لا تكون ناشزة لأنها محقة. ونقل في " خلاصة الفتاوى " عن " فتاوى النسفي ": لو كان الزوج بسمرقند وامرأته بنسف فيبعث إليها أجنبيا ليحملها إلى سمرقند فلم تذهب لعدم المحرم يفرض لها النفقة. م: (وإذا عادت) ش: أي المرأة إلى منزل الزوج. م: (جاء الاحتباس) ش: فلها. م: (فتجب النفقة) ش: لوجود العلة. م: (بخلاف ما إذا امتنعت) ش: متصل بقوله لأن فوت الاحتباس منها. م: (من التمكين في بيت الزوج؛ لأن الاحتباس قائم والزوج يقدر على الوطء كرهًا) ش: أي من حيث الكره. م: (وإن كانت) ش: أي وإن كانت الزوجة. م: (صغيرة لا يستمتع بها فلا نفقة لها) ش: المراد من الاستمتاع الجماع لأن الحاكم الشهيد قد صرح به في مختصره " الكافي " وكذلك السرخسي في " شرح الكافي " الذي هو "مبسوطه" وعليه جمهور العلماء. وعند الثوري والظاهرية والشافعي في قول: لها النفقة؛ لأنها مال تجب بالعقد كالمهر، فتستوي الكبيرة والصغيرة، والأصح عند الشافعية وجوبها لو كانت في المهر لإطلاق النص. م: (لأن امتناع الاستمتاع لمعنى فيها) ش: وهي غير مسلمة نفسها إلى الزوج، فصارت كالناشزة. م: (والاحتباس الموجب) ش: أي للنفقة. م: (ما يكون وسيلة إلى مقصود مستحق بالنكاح) ش: وهو الجماع أو دواعيه. م: (ولم يوجد) ش: فلا يجب شيء. م: (بخلاف المريضة على ما نبين) ش: أي قريبا من خمسة عشر خطا يعني يجب النفقة في المريضة وإن تعذر الجماع. م: (وقال الشافعي: لها) ش: أي للصغيرة. م: (النفقة لأنها) ش: أي لأن النفقة. م: (عوض عن الملك عنده) ش: أي عند الشافعي. م: (كما في المملوكة بملك اليمين) ش: حيث تجب نفقتها على المالك. م: (ولنا أن المهر عوض عن الملك) ش: لأن الفرض هو ما يدخل تحت العقد بالتسمية، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 666 ولا يجتمع العوضان عن معوض واحد فلها المهر دون النفقة. وإن كان الزوج صغيرا لا يقدر على الوطء وهي كبيرة، فلها النفقة من ماله؛ لأن التسليم قد تحقق منها، وإنما العجز من قبله، فصار كالمجبوب والعنين. وإذا حبست المرأة في دين، فلا نفقة لها؛ لأن فوت الاحتباس منها بالمماطلة، وإن لم يكن منها بأن كانت عاجزة فليس منه وكذا إذا غصبها رجل كرها فذهب بها. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن لها النفقة، والفتوى على الأول؛ لأن فوت الاحتباس ليس منه، ليجعل باقيا تقديرا،   [البناية] والداخل تحته هو المهر دون النفقة، فإن كان المهر عوضا لا تكون النفقة عوضا. م: (ولا يجتمع العوضان عن معوض واحد) ش: فلا تجب النفقة لأجله بخلاف المهر، وهو معنى قوله. م: (فلها المهر دون النفقة) ش: كما مر. م: (وإن كان الزوج صغيرا لا يقدر على الوطء وهي كبيرة) ش: أي والحال أن المرأة كبيرة. م: (فلها النفقة من ماله؛ لأن التسليم قد تحقق منها، وإنما العجز من قبله، فصار كالمجبوب والعنين) ش: حيث يجب عليهما النفقة؛ لأن العجز منهما وعليه الجمهور. وقال مالك: لا نفقة لها، وإن كانا صغيرين لا يطيقان الجماع لا نفقة لها بالإجماع، لأن المنع جاء من جهتها، كذا قال الكاكي، وقال الأترازي: ولو كانا صغيرين جميعا لم يذكر حكم النفقة لا في الأصل، ولا في الجامع، ولكن يفهم من التعليل المذكور فيما إذا كانت صغيرة والرجل كبيرًا، إذ لا نفقة لها في هذه الصورة لأن تلك العلة وهي عدم تسليم النفس موجود هنا، وقد صرح بما قلنا أي بعدم وجوب النفقة في " الذخيرة " أيضًا. م: (وإذا حبست المرأة في دين فلا نفقة لها لأن فوت الاحتباس منها بالمماطلة) ش: لأنها لما ماطلت صارت كأنها هي التي حبست نفسها فصارت كالناشزة. م: (وإن لم يكن منها) ش: أي وإن لم يكن الاحتباس من المرأة. م: (بأن كانت عاجزة) ش: عن أداء الدين. م: (فليس منه) ش: أي من الزوج أيضًا فلا يطالب بالنفقة. م: (وكذا) ش: أي وكذا لا نفقة لها. م: (إذا غصبها رجل كرهًا فذهب بها) ش: لفوات الاحتباس. م: (وعن أبي يوسف أن لها النفقة) ش: لأنه لا مانع من جهتها، واختاره السعدي. م: (والفتوى على الأول) ش: أي على ظاهر الرواية، وهو أنه لا نفقة في المغصوبة فيما مضى. م: (لأن فوت الاحتباس ليس منه) ش: يعني من الزوج. م: (ليجعل باقيا تقديرًا) ش: بيانه أن النفقة عوض عن الاحتباس في بيته، فإذا كان الفوات لمعنى من جهة يجعل ذلك الاحتباس باقيًا، فإذا كان الفوات لمعنى من جهة باقيا تقديرًا، فكأنه لم يفت، فتجب النفقة كما إذا منعت نفسها قبل الدخول، لأجل الصداق أو حبس الزوج لأجل دين عليه، أو ارتد وأسلمت هي وأبى الزوج الإسلام، أو طلقها بعد الدخول. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 667 وكذا إذا حجت مع محرم؛ لأن فوت الاحتباس منها. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن لها النفقة لأن إقامة الفرض عذر، ولكن تجب عليه نفقة الحضر دون السفر؛ لأنها هي المستحقة عليه. ولو سافر معها الزوج تجب النفقة بالاتفاق؛ لأن الاحتباس قائم لقيامه عليها، وتجب نفقة الحضر دون السفر، ولا يجب الكراء لما قلنا. وإن مرضت في منزل الزوج فلها النفقة. والقياس أن لا نفقة لها إذا مرضت مرضا يمنع من الجماع لفوات الاحتباس للاستمتاع. وجه الاستحسان: أن الاحتباس قائم، فإنه يستأنس بها ويمسها وتحفظ البيت، والمانع بعارض فأشبه الحيض. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها إذا سلمت نفسها ثم مرضت تجب النفقة لتحقق التسليم، ولو مرضت ثم سلمت، لا تجب لأن التسليم لم يصح بسبب المرض. قالوا: هذا حسن، وفي لفظ الكتاب ما يشير إليه.   [البناية] م: (وكذا إذا حجت مع محرم) ش: أي لا نفقة لها. م: (لأن فوت الاحتباس منها) ش: إلا إذا كان الزوج معها على ما يجيء الآن. م: (وعن أبي يوسف: أن لها النفقة لأن إقامة الفرض عذر) ش: فحينئذ تجب النفقة. وقال محمد: لا نفقة لها، لعدم الاحتباس بحقه والتمكين من الاستمتاع بالجماع ودواعيه. م: (ولكن تجب عليه نفقة الحضر) ش: يعني قيمة الطعام في الحضر ولا يجب عليه على السفر. م: (دون السفر) ش: أي دون نفقة السفر؛ لأنها تزيد على نفقة الحضر. كذا في شرح كتاب النفقات. م: (لأنها هي المستحقة عليه) ش: أي لأن نفقة الحضر هي الواجبة على الزوج، لأن المأمور هو النفقة بالمعروف وهو عبادة عما لا إسراف فيه ولا، تعتبر. وفي النفقة السفر إسراف لغلاء السفر، فلا يكون معروفًا، فلا يجب ذلك. م: (ولو سافر معها الزوج تجب النفقة بالاتفاق) ش: وبه قال الشافعي. م: (لأن الاحتباس قائم لقيامه عليها) ش: أي لقيام الزوج على المرأة. م: (وتجب نفقة الحضر دون السفر) ش: لما مر. م: (ولا يجب الكراء لما قلنا) ش: أي في قوله لأنها هي المستحقة. م: (وإن مرضت في منزل الزوج فلها النفقة) ش: هذا الموعود من المصنف بقوله قبل هذا، بخلاف المريضة على ما نبين، اعلم أن المريضة مطلقا لها النفقة في ظاهر الرواية، سواء كان مرضا يمنع من الجماع كما في الحيض. م: (والقياس أن لا نفقة لها إذا مرضت مرضا يمنع من الجماع لفوات الاحتباس للاستمتاع. وجه الاستحسان: أن الاحتباس قائم، فإنه) ش: أي فإن الزوج. م: (يستأنس بها ويمسها وتحفظ البيت، والمانع) ش: أي من الجماع. م: (بعارض) ش: أي بسبب عارض وهو المرض. م: (فأشبه الحيض) ش: في كونه مانعا وتجب النفقة. م: (وعن أبي يوسف: أنها إذا سلمت نفسها ثم مرضت تجب النفقة لتحقق التسليم، ولو مرضت ثم سلمت لا تجب؛ لأن التسليم لم يصح بسبب المرض. قالوا) ش: أي قال مشايخنا. م: (هذا حسن) ش: أي هذا التفصيل حسن. م: (وفي لفظ الكتاب) ش: أي كتاب القدوري. م: (ما يشير إليه) ش: أي إلى ما روي عن أبي يوسف في ظاهر الرواية، لأنه قال: وإن مرضت في منزل الزوج، لأنه يفهم منه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 668 قال: وتفرض على الزوج النفقة إذا كان موسرا، ونفقة خادمها، والمراد بهذا بيان نفقة الخادم. ولهذا ذكر في بعض النسخ وتفرض على الزوج إذا كان موسرا نفقة خادمها، ووجهه: أن كفايتها واجبة عليه، وهذا من تمامها، إذ لا بد لها منه، ولا تفرض لأكثر من نفقة خادم واحد.   [البناية] لأنها سلمت نفسها إلى الزوج في منزله ثم مرضت فيه. [نفقة الخادم] م: (وقال: وتفرض على الزوج النفقة إذا كان موسرًا ونفقة خادمها) ش: هذه من مسائل القدوري، ولما كان ظاهر هذا تكرارا؛ لأنه قال في أول الباب: النفقة واجبة للزوجة على زوجها، عذره المصنف بقوله. م: (والمراد بهذا) ش: أي بقوله: ويفرض للزوجة على الزوج النفقة إن كان موسرًا ونفقة خادمها. م: (بيان نفقة الخادم) ش: وهناك لم يذكر نفقة الخادم، وتجب نفقته بإجماع الأئمة الأربعة. وقالت الظاهرية: لا تجب نفقة الخادم، لأنه ما جاء فيه خبر يعتمد عليه، وإنما قيد بقوله: إن كان موسرًا، وزاد فيه هذا القيد، لأنه إذا كان معسرًا لا تجب عليه نفقة الخادم. وإن كان لها خادم على ما روى الحسن عن أبي حنيفة، كذا في " مختصر الكرخي " وفي " الأسبيجابي " و " اليانبيع ": وإن كان لها خادم متفرغ لخدمتها ليس له شغل غير خدمتها، يفرض له النفقة بالمعروف. وفي " الذخيرة ": إن لم يكن لها خادم لا يفرض له في ظاهر الرواية عن أصحابنا الثلاثة، وبه قال أحمد وأكثر أصحاب الشافعي. وفي " المبسوط " عن زفر: يفرض نفقة خادم واحد، لأن على الزوج أن يقوم بمصالح طعامها وحوائجها، وإذا لم يفعل ذلك أعطاها نفقة خادم، ثم هي تقوم بنفسها، أو تتخذ خادمًا. ثم اختلف المشايخ في الخادم، قيل: المملوك لها حتى لو كانت حرة، أو غير مملوكة لها لا تستحق، وقيل: كل من يخدمها حرة كانت أو مملوكة لها أو لغيرها. وينبغي أن ينقص نفقة لخادمها عن نفقة نفسها في حق الإدام لا الخبز. م: (ولهذا) ش: أي ولصحة ما قلت والمراد بهذا بيان الخادم. م: (ذكر في بعض النسخ) ش: أي في بعض نسخ القدوري. م: (ولا تفرض على الزوج إذا كان موسرًا نفقة خادمها) ش: وقال الأترازي: وتلك النسخة هي الأصح، لأن الشيخ أبا نصر اعتبرها في نسخته، أعني الشرح المعروف بالأقطع. م: (ووجهه) ش: أي وجه وجوب نفقة الخادم. م: (أن كفايتها) ش: أي كفاية المرأة. م: (واجبة عليه) ش: أي على الزوج. م: (وهذا من تمامها) ش: أي فرض نفقة الخادم من تمام كفاية المرأة. م: (إذا لا بد لها منه) ش: أي لأنه لا بد للمرأة من الخادم. وهو واحد الخادم، غلامًا كان أو جارية، ثم المرأة إذا لم يكن لها خادم، فهل يجب عليها أن تجبر وتعالج بنفسها؟ فإن قالت: لا أفعل، لا تجبر على ذلك، لأن الواجب عليها تمكين النفس من الزوج لا هذه الأعمال، بخلاف الخادم إذا امتنع من الخدمة لا يستحق النفقة. م: (ولا تفرض) ش: أي النفقة. م: (لأكثر من نفقة خادم واحد) ش: هذا لفظ القدوري في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 669 وهذا عند أبي حنيفة، ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تفرض لخادمين، لأنها تحتاج إلى أحدهما لمصالح الداخل، وإلى الآخر لمصالح الخارج. ولهما أن الواحد يقوم بالأمرين، فلا ضرورة إلى اثنين، ولأنه لو تولى كفايتها بنفسه، كان كافيا. فكذا إذا أقام الواحد مقام نفسه، وقالوا: إن الزوج الموسر يلزمه من نفقة الخادم ما يلزم المعسر من نفقة امرأته وهو أدنى الكفاية.   [البناية] " مختصره " ولم يذكر الخلاف. وكذا لم يذكر الحاكم الشهيد في "مختصره " ولا الكرخي في "مختصره " وذكر الخلاف شمس الأئمة البيهقي والأسبيجابي، وصاحب " المختلف "، ولذلك ذكر المصنف أيضًا مثلهم، قال. م: (وهذا عند أبي حنيفة ومحمد) ش: أي عدم فرض النفقة لأكثر من خادم عند أبي حنيفة ومحمد، وهو قول الجمهور وقول الأئمة الأربعة. م: (وقال أبو يوسف: تفرض لخادمين لأنها) ش: أي لأن المرأة. م: (تحتاج إلى أحدهما لمصالح الداخل) ش: أي داخل البيت. م: (وإلى الآخر) ش: أي وتحتاج إلى خادم آخر. م: (لمصالح الخارج) ش: أي خارج البيت. وفي " التحفة ": وهذا الذي ذكره عن أبي يوسف غير المشهور عنه، لأن المشهور من قوله كقولهما. وبه صرح الطحاوي في "مختصره " وفي " فتاوى أهل سمرقند " إذا كانت المرأة من بنات الأشراف وذوي الأقدار لها خدم كثير، يجبر على نفقة خادمين أحدهما للخدمة والآخر للرسالة. وعن أبي يوسف في رواية أخرى، إذا كانت فائقة الغنى لها خدم كثير زفت إليه كذلك استحقت نفقة الخدم كلهم، وهو رواية هشام عن محمد واختاره الطحاوي. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد. م: (أن الواحد) ش: أي الخادم الواحد. م: (يقوم بالأمرين) ش: بمصالح الخارج ومصالح الداخل. م: (فلا ضرورة إلى اثنين) ش: لأن ما زاد على ذلك فللزينة والتجمل. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الزوج. م: (لو تولى كفايتها بنفسه كان كافيًا، فكذا إذا أقام الواحد) ش: أي الخادم الواحد. م: (مقام نفسه) ش: ولو كانت الزوجة أمة، فلا نفقة لخادمها ولو كان له أولاد لا يكفيها خادم واحد، فرض عليه خادمين أو أكثر. م: (وقالوا) ش: أي المشايخ. م: (إن الزوج الموسر يلزمه من نفقة الخادم ما يلزم المعسر من نفقة امرأته) ش: اليسار هنا مقدر بنصاب حرمان الصدقة لا بنصاب وجوب الزكاة، وهو النصاب من المال النامي الفاضل عن حاجته، والغنى الذي تحرم به الصدقة، وتجب به الفطرة والأضحية هو أن يملك ما يساوي مائتي درهم فاضلًا عن ثيابه ومآربه وخادمه ومسكنه وفرسه وسلاحه، وكتب العلم إن كان من أهله، إذا لم يكن له فضل عن ذلك. م: (وهو أدنى الكفاية) ش: والضمير يرجع إلى قوله ما يلزم. والحاصل أن نفقة الخادم أدنى الكفاية، وهو ما يلزم المعسر من نفقة امرأته. وفي " النوادر " روى قتادة عن خلاس عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 670 وقوله في الكتاب: "إذا كان موسرا" إشارة إلى أنه لا تجب نفقة الخادم عند إعساره. وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الأصح، خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الواجب على المعسر أدنى الكفاية، وهي قد تكتفي بخدمة نفسها. ومن أعسر بنفقة امرأته لم يفرق بينهما، ويقال لها: استديني عليه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يفرق،   [البناية] فرض لامرأة وخادمها في الشهر اثني عشر درهمًا، أربعة للخادم، وثمانية للمرأة، منها درهمان للقطن والكتاب. وروي عن شريك أنه قال: شهدت ابن أبي ليلى أنه فرض للمرأة ستة دراهم وللخادم ثلاثًا. م: (وقوله في الكتاب) ش: أي القدوري. م: (إذا كان موسرًا، إشارة إلى أنه لا تجب نفقة الخادم عند إعساره، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة) ش: ابن أبي زياد اللؤلؤي، قال الأترازي: قال شيخنا برهان الدين الخوارزمي: معنى الحسن إذا ذكر في نسخ الفقه لأصحابنا، المراد به الحسن بن زياد، وإذا ذكر مطلقًا في كتب التفسير أن المراد الحسن البصري. م: (وهو الأصح) ش: أي الذي رواه الحسن عن أبي حنيفة، هو الأصح. م: (خلافًا لمحمد) ش: فإنه قال: إلا إذا كان الزوج معسرًا، فإن كان له خادم فرض نفقة الخادم، وإن لم يكن فلا يفرض. م: (لأن الواجب على المعسر أدنى الكفاية، وهي قد تكتفي بخدمة نفسها) ش: هذا تعليل لما رواه الحسن. م: (ومن أعسر بنفقة امرأته لم يفرق بينهما) ش: أي بينه وبين امرأته، وهو قال الزهري وعطاء بن يسار، والحسن البصري، وسفيان الثوري، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وحماد بن أبي سليمان، والظاهرية. م: (ويقال لها) ش: أي للمرأة. م: (استديني عليه) ش: أي على الزوج. ومعنى الاستدانة أن تشتري الطعام على أن يؤدي الزوج ثمنه. وقال الخصاف: معنى الاستدانة الشراء بالنسيئة ليقضي الثمن من مال الزوج. م: (وقال الشافعي: يفرق) ش: وبه قال مالك وأحمد. وعلى هذا الخلاف العجز عن الكسوة والعجز عن المسكن. وفي " المهذب " في العجز عن الكسوة والمسكن وجهان. وقال أبو نصر من أصحابه: في العجز عن الكسوة والمسكن يفسخ قولًا واحدًا، وهذا التفريق فسخ عند الشافعي وأحمد. وقال مالك: طلاق، وفي مدة حكم القاضي بالتفريق قولان في القديم يوم إعساره وفي الجديد يمهل ثلاثة أيام، ولو غاب عنها ولم يعرف موضعه لم يثبت لها الفسخ. كذا في " الحلية " وللشافعي في الفسخ من الإعسار عن الصداق الواجب ثلاثة أقوال: أحدها: له الفسخ قبل الدخول وبعده، والثاني: لا خيار لا قبل الوطء ولا بعده، وهو اختيار المزني، والثالث: لها الفسخ قبل الدخول لا بعده، واختاره المروزي وأكثرهم. لو امتنع من الإنفاق عليها مع اليسر، لم يفرق، ويبيع الحاكم عليه ماله ويصرفه في نفقتها. فإذا لم يجد ماله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 671 لأنه عجز عن الإمساك بالمعروف، فينوب القاضي منابه في التفريق كما في الجب والعنة، بل أولى لأن الحاجة إلى النفقة أقوى ولنا أن حقه يبطل وحقها يتأخر. والأول أقوى في الضرر، وهذا لأن النفقة تصير دينا بفرض القاضي، فتستوفى في الزمان الثاني، وفوت المال وهو تابع في النكاح لا يلحق بما هو المقصود وهو التناسل والتوالد. وفائدة الأمر بالاستدانة مع الفرض أن يمكنها إحالة الغريم على الزوج. فأما إذا كانت الاستدانة بغير أمر القاضي، كانت المطالبة عليها دون الزوج.   [البناية] يحبسه حتى ينفق عليها، ولا يفرق. م: (لأنه عجز عن الإمساك بالمعروف، فينوب القاضي منابه في التفريق كما في الجب والعنة) ش: أي كما يفرق إذا وجد الرجل مجبوبًا أو عنينًا. م: (بل أولى) ش: أي وبل التفريق أولى. م: (لأن الحاجة إلى النفقة أقوى) ش: من الجماع لأن انقطاع الأولى مدة مهلكة دون الثاني. م: (ولنا أن حقه) ش: أي أن حق الزوج. م: (يبطل) ش: أي التفريق. م: (وحقها يتأخر) ش: لأن النفقة تصير دينًا بفرض القاضي، فيستوي في الزمان الثاني. م: (والأول) ش: أي بطلان حق الزوج. م: (أقوى في الضرر) ش: فتحتمل أدنى الضررين فدفع الإعلام. م: (وهذا) ش: إشارة إلى أن تأخير حقها أقل ضررًا من بطلان حقه. م: (لأن النفقة تصير دينًا، بفرض القاضي، فتستوفي في الزمان الثاني) ش: أي في الزمن الثاني. م: (وفوت المال) ش: مبتدأ وخبره قوله: يلحق على صيغة المجهول، وهو جواب عن قياس الشافعي على الجب والعنة، وتقريره أن فوت المال. م: (وهو تابع) ش: أي والحال أنه تابع. م: (في النكاح لا يلحق بما هو المقصود وهو التناسل والتوالد) ش: توضيحه أن هذا القياس باطل؛ لأنه قياس بالفارق، وذلك لأن العجز عن النفقة إنما يكون عن المال، وهو تابع في باب النكاح، والعجز عن الوصول إلى المرأة بسبب الجب والعنة إنما يكون عن المقصود بالنكاح وهو التوالد والتناسل، ولا يلزم من جواز الفرق بالعجز عن المقصود جواز حله عن التابع. م: (وفائدة الأمر بالاستدانة) ش: جواب عما يقال لا فائدة في الإذن لها بالاستدانة بعد فرض القاضي بالاستدانة لها، لأنها صارت دينًا بفرضه، فأجاب بأن فائدة الأمر بالاستدانة. م: (مع الفرض أن يمكنها إحالة الغريم على الزوج) ش: يعني من غير رضاه. م: (فأما إذا كانت الاستدانة بغير أمر القاضي، كانت المطالبة عليها دون الزوج) ش: وفي " التحفة ": فائدة الأمر بالاستدانة أن لصاحب الدين أن يأخذ دينه من الزوج أو المرأة، وبدون الأمر بالاستدانة ليس لرب الدين أن يرجع على الزوج، بل يرجع عليها، ثم هي ترجع على الزوج بما فرض لها القاضي، وهذا لأن الاستدانة على الزوج إيجاب الدين عليه، فإذا جعل بأمر القاضي جعل إيجاب الدين عليه منها، وليس لها على الزوج هذه الولاية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 672 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قلت: استدل الشافعي ومن تابعه بما روي عن ابن المسيب أنه سئل عن ذلك، فقال: يفرق بينهما سنة. قال الشافعي: قوله سنة، أي سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبما روي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال في الرجل، لا يجد ما ينفق على امرأته: " يفرق بينهما» رواه الدارقطني، وبما روي في حديث أبي هريرة «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: " تقول أطعمني وإلا فارقني» رواه البخاري وغيره. قلت: الجواب عن قول سعيد بن المسيب من وجوه: الأول: أنه لما روي ذلك عن عبد الرحمن بن أبي زياد، قال ابن حزم: هو لا شيء، فسقط الاحتجاج به. والثاني: أن قول ابن المسيب أنه سنة لا نسلم أنه سنة الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لأن السنة كما تطلق على سنة الرسول تطلق على سنة غيره أيضًا. ألا ترى إلى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «سن بكم معاذ سنة حسنة» وسنة العمرين فاشتبه بين العلماء. والثالث: أنه مرسل، والشافعي لا يجعل المرسل حجة. فإن قيل: الشافعي استثنى مراسيل سعيد بن المسيب كلها، ولا غيره، والشرط عنه في العمل بالمرسل أن يُروى من طريق آخر مرفوعًا أو عمل به بعض الصحابة. وقال ابن حزم: وروي عن ابن المسيب قولان مختلفان، فأيهما كان السنة والآخر خلاف السنة، فبطل قوله السنة لاضطرابه ومخالفة بعضه بعضًا. وقال أيضًا: خالف ابن المسيب عمر وعليا وغيرهما. والجواب عن حديثه الآخر أنه قيل لأبي هريرة: سمعت هذا من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: لا، هذا من كيس أبي هريرة. رواه عنه كذلك البخاري. ولأن ذلك من قول المرأة، وليس فيه أن الرجل يلزم به. فإن قلت: الشافعي استدل أيضًا بقوله تعالى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] (البقرة الآية 229) ، فإن الرجل لما عجز عن الإمساك بالمعروف، تعين التسريح بالإحسان، فلما أبى ذلك ناب القاضي منابه دفعًا للظلم كما ذكرنا. قلنا: نحن أيضًا استدللنا بقوله تعالى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] (البقرة: الآية 280) نص الله تعالى وعز وجل على أن المعسر يستحق الإنظار والإمهال، فلو أجلته المرأة في النفقة ما كان لها أن تطالب بالفرقة، فكذا إذا ثبت الأجل شرعًا، وقد ذكرنا بقية دليلنا عن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 673 وإذا قضى القاضي لها بنفقة الإعسار، ثم أيسر فخاصمته، تمم لها نفقة الموسر، لأن النفقة تختلف بحسب اليسار والإعسار، وما قضي به تقدير لنفقة لم تجب.   [البناية] قريب، ثم اعلم أن العجز عن الإنفاق لا يوجب التفريق عندنا، ولكن مع هذا إذا فرق القاضي بينهما، هل ينفذ قضاؤه أم لا؟ قال الإمام أبو حفص محمد بن محمود الإستروشني في الفصل الثاني في القضاء في المجتهدات من كتاب الفصول: إذا ثبت العجز بشهادة الشهود فإن كان القاضي شافعي المذهب، وفرق بينهما، نفَّذ قضاءَه بالتفريق، وإذا كان حنفيًا لا ينبغي له أن يقضي بخلاف مذهبه إلا أن يكون مجتهدًا، أو وقع اجتهاده على ذلك قضى مخالفًا لرأيه من غير اجتهاد. فعن أبي حنيفة روايتان في جواز قضائه، ولم يقض، ولكن أمر شافعي المذهب ليقضي بينهما في هذه الحادثة بمقتضى التفريق إذا لم يرتش، الآمر والمأمور بأن كان الزوج غائبًا، فرفعت المرأة الأمر إلى القاضي، وأقامت البينة أن زوجها الغائب عاجز عن النفقة، وطلبت من القاضي أن يفرق بينهما. قال مشايخ سمرقند: جاز تفريقه لأنه قضاء في فصلين مختلف فيهما التفريق بسبب العجز عن النفقة والقضاء على الغائب. وكل واحد منهما مجتهد فيه. وقال القاضي ظهير الدين المرغيناني: لا يصح هذا التفريق؛ لأن القضاء إنما يجوز عند الشافعي، وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة إذا ثبت المشهور به عند القاضي، وهو العجز؛ لأن المال غاد ورائح، ومن الجائز أن الغالب هنا صار غنيًا، ولم يعلم به الشاهد لما بينهما من المسافة. وقال صاحب " الذخيرة ": الصحيح أنه لا ينفذ قضاؤه، لأن العجز لا يعرف حالة الغيبة لجواز أن يكون قادرًا، إن كان هذا ترك الإنفاق لا بالعجز عن الإنفاق، فإن رفع هذا القضاء إلى قاض آخر، فإن جاز قضاؤه فالصحيح أنه لا ينفذ، لأن هذا القضاء ليس في مجتهد فيه لما ذكرنا أن العجز لم يثبت. م: (وإذا قضى القاضي لها بنفقة الإعسار، ثم أيسر فخاصمته تمم لها نفقة الموسر) ش: أي تمم القاضي لها نفقة الرجل الموسر. م: (لأن النفقة تختلف بحسب اليسار والإعسار) ش: لأنها تجب شيئًا فشيئًا فيعتبر حالها في كل وقت. م: (وما قضي به) ش: كلمة ما مبتدأ وقضي مجهول ويجوز أن يكون معلومًا، أي ما قضى به القاضي، والضمير في به يرجع إلى المبتدأ وهو قوله. م: (تقدير) ش: بالرفع خبر المبتدأ، وهو قوله ما وهي موصولة بمعنى الذي فافهم. وهذا جواب عما يقال ينبغي أن لا يتمم لها نفقة اليسار لأن فيه نقض القضاء الأول، فأجاب بأن ما قضى به تقدير. م: (لنفقة لم تجب) ش: لأن النفقة تجب شيئًا فشيئًا، وتقدير ما ليس بواجب لا يكون لازمًا لجواز متبدل السبب الموجب قبل وجوبه، فإذا لم يكن لازمًا فنحكم فيه حكم الحاكم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 674 فإذا تبدل حاله، لها المطالبة بتمام حقها. وإذا مضت مدة لم ينفق الزوج عليها وطالبته بذلك، فلا شيء لها إلا أن يكون القاضي فرض لها النفقة، أو صالحت الزوج على مقدار منها، فيقضي لها بنفقة ما مضى، لأن النفقة صلة وليست بعوض عندنا على ما مر من قبل، فلا يستحكم الوجوب فيها إلا بالقضاء، كالهبة لا توجب الملك إلا بمؤكد، وهو القبض والصلح   [البناية] م: (فإذا تبدل حاله) ش: أي حال الزوج بأن صار موسرًا. م: (لها المطالبة بتمام حقها) ش: والفرض السابق لا يمنع الإتمام، لأنه فرض قبل الوجوب، فلا يتقرر حكمه، وذلك مثل المعسر إذا حنث في يمينه، فشرع في صوم الكفارة، ثم أيسر يجب عليه التكفير بالمال لزوال الإعسار. م: (وإذا مضت مدة لم ينفق الزوج عليها) ش: أي على المرأة في هذه المدة م: (وطالبته بذلك) ش: أي وطالبت الزوج بما كان لها من النفقة. م: (فلا شيء لها) ش: يعني عندنا، لأن النفقة لا تصير دينا بمضي المدة، كنفقة الأقارب. م: (إلا أن يكون القاضي فرض لها النفقة) ش: هذا استثناء من قوله فلا شيء لها، حاصله أن النفقة لا تصير دينا في الذمة إلا بأحد شيئين، أحدهما: بفرض القاضي النفقة لها، والآخر هو قوله. م: (أو صالحت الزوج على مقدار منها) ش: أي من النفقة، وبه قال أحمد في رواية. وقال الشافعي ومالك وأحمد - في رواية -: تصير دينا بلا قضاء ولا تراض إلا عند مالك لو أقامت عنده سنين، وهو مليء، وادعت عليه أنه لم ينفق عليها، والزوج يدعي الإنفاق، فالقول له مع يمينه، وكذا في غيبته. أما لو أكلت معه، سقطت نفقتها عند مالك والشافعي، في الأصح ذكره في " المنهاج ". م: (فيقضي لها بنفقة ما مضى) ش: هذه نتيجة قوله إلا أن يكون القاضي فرض لها إلى آخره. م: (لأن النفقة صلة) ش: هذا تعليل لقوله: فلا شيء لها، بيان ذلك أن النفقة صلة. م: (وليست بعوض عندنا) ش: خلافًا للشافعي ومن معه. م: (على ما مر من قبل) ش: أشار به إلى ما ذكره من الدليل في قوله، وإن كانت صغيرة لا يستمتع بها، فلا نفقة لها، كذا قاله الأترازي. وقال الأكمل: يريد به قوله: أن المهر عوض عن الملك، ولا يجتمع العوضان عن عوض واحد، فإن قيل ما تقدم يدل على أنها ليس بعوض عن البضع، لكن لا ينافي أن يكون عوضًا عن الاستمتاع بها والقيام عليها تصرفًا في ملكه، وذلك لا يوجب على المالك الملك عوضًا. فإن قيل: لو كانت صلة، لما وجبت على المكاتب، أجيب بأنها صلة من وجهين، وما هذا شأنه يجب على المكاتب كالخراج، وإذا ثبت أنها صلة. م: (فلا يستحكم الوجوب فيها) ش: أي في النفقة. م: (إلا بالقضاء) ش: أي بقضاء القاضي. م: (كالهبة لا توجب الملك إلا بمؤكد وهو القبض، والصلح) ش: أي صلح المرأة معه على شيء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 675 بمنزلة القضاء، لأن ولايته على نفسه أقوى من ولاية القاضي، بخلاف المهر، لأنه عوض. وإن مات الزوج بعدما قضي عليه بالنفقة، ومضى شهر، سقطت النفقة. وكذا إذا ماتت زوجته، لأن النفقة صلة، والصلات تسقط بالموت، كالهبة تبطل بالموت قبل القبض. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تصير دينا قبل القضاء، ولا تسقط بالموت؛ لأنه عوض عنده، فصار كسائر الديون، وجوابه قد بيناه. وإن أسلفها نفقة السنة   [البناية] م: (بمنزلة القضاء، لأن ولايته على نفسه أقوى من ولاية القاضي) ش: لأن له أن يلتزم بالنفقة فوق ما يلتزمه القاضي بالمعروف، فكان مصلحة بمنزلة القضاء بل أولى. م: (بخلاف المهر) ش: بقوله وليست بعوض حيث يجب بلا قضاء ولا تراض. م: (لأنه) ش: أي لأن وجوبه ... م: (عوض) ش: ألا ترى أنه إذا تزوجها ولم يسم لها مهرًا فدخل بها أو مات عنها يلزمه مهر المثل. م: (وإن مات الزوج بعدما قضي عليه بالنفقة ومضى شهر سقطت النفقة) ش: خلافًا للأئمة الثلاثة. قال الكاكي: هذا إذا فرض لها النفقة، ولم يؤمر بالاستدانة أنه على الزوج، فاستدانت، ثم مات أحدهما، لا يبطل. ذكره الحاكم الشهيد في " المختصر ". وذكر الخصاف أنه يبطل. والصحيح ما ذكره في " المختصر " لأن استدانتها بأمر القاضي، وللقاضي ولاية عليها، فكانت بمنزلة استدانة الزوج بنفسه. وفيه: لا يسقط بموت أحدهما. كذا هاهنا وكذلك في الطلاق، يعني أن الديون المستدانة هل تسقط بالطلاق. فعلى روايتين. في رواية: لا تسقط وهو الصحيح، كذا في " الذخيرة ". م: (وكذا إذا ماتت زوجته، لأن النفقة صلة، والصلات تسقط بالموت كالهبة تبطل بالموت) ش: أي بموت الواهب أو بموت الموهوب له. م: (قبل القبض) ش: فإن قيل الهبة متأكدة بالقبض والنفقة متأكدة بعد القضاء، فينبغي أن لا تسقط كالهبة المتأكدة بالقبض. قلنا: قال في " الإيضاح ": وإن صارت النفقة دينا عليه بالقضاء، ولكن معنى الصلة لا تبطل، والصلات تبطل بالموت، انتهى. قلت: قال الكاكي: الدليل على أن معنى الصلة لا يبطل فيها أنه لم ينقل أحد من السلف والخلف الوصية بنفقة فيما إذا مضت مدة، ولا بإخراجها عن تركته كسائر الديون، وقد حكمت الشافعية بنفقة ستين سنة أو أكثر إذا أنكرت إنفاقه عليها، وجعلوها كسائر الديون، وبعد هذا لا يخفى ما فيه، وجماعة من أصحاب الشافعي لا يرضون بهذا الحكم. م: (وقال الشافعي: تصير دينا قبل القضاء، ولا تسقط بالموت، لأنه عوض عنده، فصار كسائر الديون) ش: قال في " شرح الأقطع ": قال الشافعي: إنها تؤخذ من تركة الزوج، وقال " الشامل ": وعن محمد أن يؤدي من ماله. م: (وجوابه قد بيناه) ش: أي جواب الشافعي على قوله إن النفقة عوض قد بيناه في مسألة، وإن كانت صغيرة لا يستمتع بها لا نفقة لها. وهو ما ذكره بقوله: ولنا في المهر عوض عن الملك، لا يجتمع العوضان عن عوض واحد. م: (وإن أسلفها نفقة السنة) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 676 أي عجلها ثم مات، لم يسترجع منها بشيء. وهذا عند أبي حنيفة، وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحتسب لها نفقة ما مضى وما بقي للزوج. وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعلى هذا الخلاف الكسوة، لأنها استعجلت عوضا عما تستحقه عليه بالاحتباس، وقد بطل الاستحقاق بالموت، فيبطل العوض بقدره، كرزق القاضي، وعطاء المقاتلة. ولهما أنه صلة، وقد اتصل به القبض، ولا رجوع في الصلات بعد الموت لانتهاء حكمها كما في الهبة. ولهذا لو هلكت من غير استهلاك لا يسترد شيء منها بالإجماع. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها إذا قبضت نفقة الشهر أو ما   [البناية] ش: هذا لفظ القدوري، وفسره المصنف بقوله. م: (أي عجلها ثم مات) ش: أي الزوج. م: (لم يسترجع منها بشيء) ش: أي لم يرجع على المرأة بشيء. م: (وهذا) ش: أي عدم الاسترجاع. م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-) ش: ولم يذكر هذا القدوري، فلذلك قال المصنف وهذا باسم الإشارة، وذكر الخصاف في كتاب النفقات الخلاف بين أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -، ولم يذكر خلاف أبي حنيفة، وكذلك ذكر الولوالجي في " فتاواه "، وكذا الخلاف لو ماتت المرأة، فالكسوة كالنفقة، وسواء كانت قائمة أو هالكة.. م: (وقال محمد: يحتسب لها نفقة ما مضى وما بقي للزوج وهو قول الشافعي) ش: وبه قال أحمد. وفي " البدائع " وترد الباقي والمستهلك، وفي الهالك لا يرد بالاتفاق، وكذا في " الينابيع "، و " أدب القاضي "، و " الذخيرة "، وفيه الموت والطلاق قبل الدخول سواء. وفي نفقة المطلقة إذا مات الزوج، فالجواب كذلك، وفي شرح الأقضية اختلفوا، فقيل: لا يسترد بالاتفاق، لأن العدة قائمة في موته. م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه. م: (الكسوة) ش: إذا أعجلها سنة ثم مات. م: (لأنها استعجلت عوضًا عما تستحقه عليه بالاحتباس) ش: أي لسبب الاحتباس. م: (وقد بطل الاستحقاق بالموت، فيبطل العوض) ش: وهو الذي كانت تستحقه عليه بالاحتباس. م: (بقدره) ش: أي بقدر كما إذا أعطي النفقة ليتزوجها، فمات قبل التزوج. م: (كرزق القاضي) ش: أي أخذ القاضي رزق مدة، ثم مات قبل تمام المدة ويرد فيما بقي بحساب ذلك. م: (وعطاء المقاتلة) ش: إذا أخروا أرزاقهم مدة ثم ماتوا، قبل تمام المدة يسترد منهم فيما بقي من المدة. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد. م: (أنه صلة، وقد اتصل به القبض، ولا رجوع في الصلات بعد الموت لانتهاء حكمها، كما في الهبة، ولهذا لو هلكت) ش: أي النفقة. م: (من غير استهلاك لا يسترد شيء منها) ش: أي من النفقة. م: (بالإجماع) ش: بين أئمتنا وغيرهم. م: (وعن محمد) ش: أي وعن محمد رواها ابن رستم عنه. م: (أنها إذا قبضت نفقة الشهر أو ما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 677 دونه، لا يسترجع منها بشيء، لأنه يسير، فصار في حكم الحال. وإذا تزوج العبد حرة، فنفقتها دين عليه يباع فيها، ومعناه إذا تزوج بإذن مولاه، لأنه دين وجب في ذمته لوجود سببه، وقد ظهر وجوبه في حق المولى فيتعلق برقبته، كدين التجارة في العبد التاجر. وله أن يفدي، لأن حقها في النفقة لا في عين الرقبة،   [البناية] دونه، لا يسترجع منها بشيء؛ لأنه) ش: أي لأن الشهر أو ما دونه. م: (يسير، فصار في حكم الحال) ش: أي صار الشهر وما دونه في حكم القاضي، يعني أن نفقة الحال لا تسترد، فكذلك نفقة الشهر، وفي بعض النسخ: في حكم الحال. وإن كان أكثر من شهر ترك منها مقدار نفقة شهر استحسانًا ويسترد من تركتها ما زاد على ذلك. م: (وإذا تزوج العبد حرة، فنفقتها دين عليه يباع فيها) ش: أي يباع العبد في نفقة الحرة، وهذه من مسائل القدوري، وقال المصنف. م: (ومعناه) ش: أي معنى هذا الكلام. م: (إذا تزوج) ش: أي العبد. م: (بإذن مولاه) ش: وإنما فسره بهذا التفسير، لأنه إذا تزوج بغير إذن مولاه، لا يصح العقد، وإنما قيد بالحرة، لأن المرأة إذا كانت أمة لا تستحق النفقة قبل البينونة على ما يجيء إن شاء الله تعالى. م: (لأنه) ش: أي لأن النفقة، ذكره باعتبار الاتفاق. م: (دين وجب في ذمته) ش: لأن النفقة من أحكام العقد، فيستوي فيها الحر والمملوك كالدين. م: (لوجود سببه) ش: وهو العقد. م: (وقد ظهر وجوبه في حق المولى) ش: لأن السبب كان بإذنه، وكان راضيًا بوجوب النفقة عليه. م: (فيتعلق برقبته) ش: أي برقبة العبد. م: (كدين التجارة في العبد التاجر) ش: المأذون، تتعلق الديون برقبته. م: (وله) ش: أي للمولى. م: (أن يفدي) ش: أي أن يفديه المولى. م: (لأن حقها) ش: أي حق المرأة. م: (في النفقة لا في عين الرقبة) ش: أي رقبة العبد. فإذا أوفاها المولى نفقتها لا يبقى حقها في النفقة بعد ذلك، فلا يباع العبد، وكذا الحاكم في المدبر والمكاتب، إذا تزوجها بإذن المولى بحرة أو أمة بعد البينونة، حيث تجب النفقة عليهما، ولكنهما لا يباعان في النفقة والمهر، لأنهما لا يجتمعان النقل من ملك إلى ملك، بل يؤمران بالسعاية. ثم إذا بيع العبد في النفقة، واجتمع عليه النفقة مرة أخرى يباع أيضًا. قال شمس الأئمة السرخسي: وليس في شيء من ديون العبد ما يباع فيه مرة بعد مرة، إلا النفقة يتجدد وجوبها بمضي الزمان، فذلك في حكم دين حادث، وقال الولوالجي في فتاواه: إذا بيع في المهر مرة أو بقي شيء من المهر، فإن لم يف الثمن بكل المهر، لا يباع مرة أخرى، بل يتأخر إلى ما بعد العتق. وفي " الكافي" للحاكم الشهيد وشرحه للسرخسي: إذا كان للعبد أو المدبر ولد من أمة، إنه لم يكن عليه نفقة الولد؛ لأنها إن كانت أمة، فالولد ملك لمولاها، وإن كانت حرة، فولدها يكون حرًا، ولا تجب نفقة مملوكة على حر ولا على مولاه، لأن ولده أجنبي منه، وكذلك المكاتب لا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 678 ولو مات العبد سقطت، وكذا إذا قتل في الصحيح لأنها صلة. وإن تزوج الحر أمة فبوأها مولاها معه منزلا، فعليه النفقة، لأنه تحقق الاحتباس، وإن لم يبوئها فلا نفقة لها لعدم الاحتباس، والتبوئة أن يخلي بينها وبينه في منزله، ولا يستخدمها.   [البناية] تجب عليه نفقة ولده، سواء كانت المرأة حرة أو أمة، لهذا المعنى. واتفقت الأئمة الأربعة في وجوب النفقة على العبد، لكن لا يباع العبد في النفقة عند الشافعي وأحمد، وثبت لها الخيار في الفرقة عند الشافعي وعند أحمد على سيده، وفي رواية: في كسبه. وفي " التنبيه ": وفي تميز المكتسب على سيده في قول، وفي قول على العبد، يتبع بعد العتق، وفي المكتسب في كسبه، وفي المأذون له في التجارة فيما في يده، ولها أن تفسخ إن شاءت. م: (ولو مات العبد سقطت) ش: أي لو مات العبد سقطت، أي لو مات الذي تزوج بإذن المولى سقطت النفقة، ولا يؤاخذ المولى بشيء من ذلك لفوات محل الاستيفاء. م: (وكذا) ش: أي وكذا تسقط النفقة. م: (إذا قتل) ش: أي العبد لأن المقتول ميت بأجله ولا أجل أو سوى هذا وقد عرف في موضعه. م: (في الصحيح) ش: قيد به احترازًا عن قول الكرخي، لأنه قال: ينتقل إلى قيمته. قال القدوري: هذا ليس بصحيح، والصحيح السقوط بالموت. م: (لأنها) ش: أي لأن النفقة. م: (صلة) ش: فتبطل بالموت. م: (وإن تزوج الحر أمة فبوأها مولاها معه منزلًا، فعليه النفقة) ش: وفي بعض النسخ: وإن تزوج الرجل أمة. وهذا أولى لعمومه، لأن الحكم لا يختلف بين أن تكون الأمة تحت حر، أو عبد، نص عليه الحاكم الشهيد في مختصر "الكافي ". م: (لأنه تحقق الاحتباس) ش: فتجب النفقة. م: (وإن لم يبوئها فلا نفقة لها لعدم الاحتباس) ش: أي من قبل الزوج. فإن قيل: احتباس المولى يحق له شرعًا، فكان كاحتباس الحرة نفسها لصداقها، فينبغي أن لا يسقط. قلنا: ليس كذلك، لأن في احتباس الحرة لصداقها فوت الاحتباس عن الزوج حين امتنع عن أداء صداقها، وهنا التفويت ليس من قبل الزوج. م: (والتبوئة أن يخلي بينها وبينه في منزله ولا يستخدمها) ش: هذا تفسير لقوله: فبوأها، وهي أن يخلي المولى بين أمته وبين العبد في منزله، ولا يستخدمها، أي الأمة، وهو بالنصب عطفًا على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 679 ولو استخدمها بعد التبوئة سقطت النفقة، لأنه فات الاحتباس، والتبوئة غير لازمة على ما مر في النكاح، ولو خدمته الجارية أحيانا من غير أن يستخدمها، لا تسقط النفقة، لأنه لم يستخدمها ليكون استردادا، والمدبرة وأم الولد في هذا كالأمة، والله تعالى أعلم بالصواب.   [البناية] قوله أن يخلي. م: (ولو استخدمها) ش: أي ولو استخدم المولى أمة. م: (بعد التبوئة سقطت النفقة، لأنه فات الاحتباس) ش: فلا يجب بشيء. م: (والتبوئة غير لازمة على ما مر في النكاح) ش: أي في باب نكاح الرقيق، حيث قال: أبوئها، ثم بدا له أن يستخدمها، كان له ذلك؛ لأن حق المولى لم يزل بالتبوئة كما لم يزل بالنكاح. م: (ولو خدمته الجارية أحيانًا من غير أن يستخدمها، لا تسقط النفقة، لأنه لم يستخدمها ليكون استردادا) ش: أي للتبوئة، وكانت الخدمة من الجارية من غير استخدام المولى. م: (والمدبرة وأم الولد في هذا) ش: أي في عدم وجوب النفقة. م: (كالأمة) ش: يعني كما أن الأمة لا نفقة لها، قبل التبوئة، فكذلك المدبرة وأم الولد لا نفقة لهما قبل التبوئة، بخلاف المكاتبة، حيث تجب لها النفقة، إذا لم تحبس نفسها منه ظالمة، ولا تشترط التبوئة، لأن السيد ليس له أن يستخدمها، ولا يملك منعها من الزوج، لأنها صارت أخص بنفسها ومنافعها بالكتابة، فلو ضاعت الكسوة أو النفقة أو سرقت، لم يجدد حتى يمضي الوقت بخلاف المحارم. والفرق: أن نفقة المحارم مقدرة بالحاجة، بخلاف الزوجة، فإنها غير مقدرة بالحاجة في حقها، حتى تأخذها مع الغنى بخلاف المحارم، لأنه لا يفرض لهم مع غنائهم إذا كان الزوج صاحب مائدة، وطلبت المرأة الفرض، لا يفعل. وفي " خزانة الأكمل ": قول القاضي: استديني عليه كذا فرض عليه. ولو قال الزوج: استديني، لا يصير فرضًا ما لم تقل علي، وينبغي أن يكون لها فراش على حدة، ولم يكتف بفراش واحد لهما، لأنه قد تغير لهما في الحيض والمرض، وقد جاء فراش لك وفراش لأهلك وفراش لطفلك، والرابع: للشيطان. ولو اختلفا في اليسرة والعسرة، فالقول له مع يمينه والبينة لها، وبه قال الشافعي وأبو ثور، وذكر محمد في الزيادات أن القول لها مع يمينها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 680 فصل وعلى الزوج أن يسكنها في دار مفردة، ليس فيها أحد من أهله، إلا أن تختار ذلك، لأن السكنى من كفايتها، فتجب لها كالنفقة. وقد أوجبه الله تعالى مقرونا بالنفقة، وإذا وجب الإسكان حقا لها فليس له أن يشرك غيرها فيه، لأنها تتضرر به، لأنها لا تأمن على متاعها، ويمنعها عن المعاشرة مع زوجها، ومن الاستمتاع إلا أن تختار ذلك،   [البناية] [فصل ما يحق للزوجة على زوجها] م: (فصل) ش: أي هذا فصل، ولما فرغ من بيان النفقة شرع في بيان السكنى. م: (وعلى الزوج أن يسكنها) ش: أي يسكن امرأته. م: (في دار مفردة ليس فيها أحد من أهله) ش: كأمه وأخته أو أحد من قراباته، لأن السكنى حقها، فليس للزوج أن يترك غيرها معها، كالنفقة. م: (إلا أن تختار ذلك) ش: أي إسكان غيرها معها. م: (لأن السكنى من كفايتها، فتجب لها كالنفقة، وقد أوجبه الله تعالى، مقرونًا بالنفقة) ش: أراد به ما ثبت في قراءة ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في قَوْله تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] (الطلاق: الآية 6) ، أي من طاقتكم، يعني ما تطيقونه. وقال الأترازي: ما كان يحتاج صاحب " الهداية " أن يقول: أوجبه الله مقرونًا بالنفقة، لأن القران في النظم لا يدل على القران في الحكم، فلو اقتصر على قوله: أسكنوهن، انتهى. قلت: لو اقتصر هو عن هذا الكلام لكان أولى وأجدر، لأنه لم يكن في صدر البحث في النظم، هل يوجب القران في الحكم أو لا؟ وإنما ذكره بحسب ظاهر قراءة ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على أن في هذا خلافًا بين الأصوليين. م: (وإذا وجب الإسكان) ش: حال كونه. م: (حقا لها، فليس له أن يشرك غيرها فيه، لأنها تتضرر به) ش: أي بإسكان الغير معها. م: (لأنها لا تأمن على متاعها) ش: وأثاث بيتها. م: (ويمنعها) ش: أي إسكان الغير معها. م: (عن المعاشرة مع زوجها) ش: لأن الغير يبقى مثل الراقوب عليها. م: (ومن الاستمتاع) ش: بالجماع ودواعيه. وقيل: إذا كان هناك صغير جدًا لا يفهم الجماع، لا ينبغي أن يمنع. وفي " الفتاوى ": ليس له أن يمسكها مع أمة في بيت واحد، وإن أسكنها في بيت من داره، والأمة في بيت، جاز له ذلك. والصحيح أنه يحتاج إلى استخدامها في كل ساعة، فله أن يسكنها معها للضرورة، لكن يكره أن يجامعها بحضرة أمته. وفي " الخزانة ": معه عشرة من الخدم، يحل له وطؤهن، وتصح الخلوة معهن. وكذا مع ضرتها. ونقل في " خلاصة الفتاوى " عن " أدب القاضي " للخصاف: شكت المرأة عند القاضي، أن الزوج يضربها، فطلبت أن يسكنها عند قوم صالحين، إن علم به زجره، وإن لم يعلم إن كان جيران صالحين أقرها فيه، لكن يسألهم إن أخبروه كما شكت زجره وإن لم يكونوا صالحين أو يميلون إليه أمره بالإسكان عند قوم صالحين. م: (إلا أن تختار ذلك) ش: أي تختار المرأة إسكان الغير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 681 لأنها رضيت بانتقاص حقها. وإن كان له ولد من غيرها، فليس له أن يسكنه معها، لما بينا ولو أسكنها في بيت من الدار مفرد، وله غلق، كفاها، لأن المقصود قد حصل، وله أن يمنع والديها وولدها من غيره وأهلها من الدخول عليها، لأن المنزل ملكه، فله حق المنع من دخول ملكه، ولا يمنعهم من النظر إليها وكلامها في أي وقت اختاروا، لما فيه من قطيعة الرحم، وليس له في ذلك ضرر. وقيل: لا يمنعهم من الدخول والكلام، وإنما يمنعهم من القرار والدوام، لأن الفتنة في اللباث وتطويل الكلام. وقيل: لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين، ولا يمنعها من الدخول عليها في كل جمعة. وفي غيرهما من المحارم التقدير بسنة مرة، وهو الصحيح.   [البناية] معها. م: (لأنها رضيت بانتقاص حقها) ش: لأن المنع كان لحقها، فإذا أسقطت حقها لا يبقى لها كلام. م: (وإن كان له ولد من غيرها) ش: أي من غير امرأته التي معه. م: (فليس له أن يسكنه) ش: أي ولده. م: (معها لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأنها تتضرر. م: (ولو أسكنها) ش: أي امرأته. م: (في بيت من الدار مفرد، وله غلق، كفاها لأن المقصود قد حصل) ش: وقال الفقيه أبو الليث في " الفتاوى " عن أبي بكر الإسكاف، أنه قال: إذا كان في الدار بيوت، وقد فرغ لها بيتًا منها لم يكن لها أن تطلب من الزوج بيتا آخر، لأنه حينئذ يمكن أن يجامعها من غير كراهته. م: (وله) ش: أي للزوج. م: أن يمنع والديها وولدها من غيره) ش: أي من غير هذا الزوج. م: وأهلها) ش: قرابتها. م: من الدخول عليها) ش: أي على المرأة، والدخول منصوب بقوله أن يمنع. م: (لأن المنزل ملكه) ش: أي ملك الزوج. م: (فله حق المنع من دخول ملكه) ش: كما في سائر منازله. م: (ولا يمنعهم من النظر إليها) ش: أي إلى المرأة م: (وكلامها) ش: أي لا يمنعهم أيضًا من كلامها معهم. م: (في أي وقت اختاروا، لما فيه) ش: أي في المنع من النظر والكلام. م: (من قطيعة الرحم) ش: وهي حرام لما روي في الصحيح عن جبير بن مطعم، أنه سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا يدخل الجنة قاطع رحم» . م: (وليس له في ذلك ضرر) ش: أي ليس للزوج في نظرهم إليها، وكلامهم معها ضرر. م: (وقيل: لا يمنعهم من الدخول والكلام، وإنما يمنعهم من القرار والدوام، لأن الفتنة في اللباث) ش: أي في اللبث وهو المكث. م: (وتطويل الكلام) ش: لأن تطويل الكلام يؤدي إلى القال والقيل فينتج الشر والفساد. م: (وقيل: لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين) ش: لاحتمال أنهما لا يأتيان إليها. فإذا منعها زوجها عن الخروج إليها، توهم فيها العقوق الذي هو من الكبائر. م: (ولا يمنعها من الدخول عليها) ش: أي ولا يمنع الزوج والديها من الدخول عليها. م: (في كل جمعة) ش: وعليه الفتوى. م: (وفي غيرهما) ش: أي في غير الوالدين. م: (من المحارم التقدير بسنة مرة) ش: واحدة. م: (وهو الصحيح) ش: احترز به عن محمد بن مقاتل، فإنه قال: لا يمنع المرأة من زيارة المحرم في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 682 وإذا غاب الرجل وله مال في يد رجل يعترف به وبالزوجية فرض القاضي في ذلك المال نفقة زوجة الغائب وولده الصغار ووالديه. وكذا إذا علم القاضي بذلك، ولم يعترف به، لأنه لما أقر بالزوجية وبالوديعة، فقد أقر أن حق الأخذ لها، لأن لها أن تأخذ من مال الزوج حقها من غير رضاه، وإقرار صاحب اليد مقبول في حق نفسه لا سيما هاهنا،   [البناية] الشهر مرة أو مرتين وعلى هذا الخلاف، خروجها لعمها وخالها، وعن الحسن: لا يمنعها من زيارة الأقارب في كل شهرين أو ثلاث، ولا يمنع محارمها من الدخول عليها في كل جمعة، ويمنعهم من الكينونة. [نفقة زوجة الغائب وولده الصغار ووالديه] م: (وإذا غاب الرجل وله مال في يد رجل يعترف به) ش: أي بالمال أنه للغائب. م: (وبالزوجية) ش: أي ويعترف أيضًا بأن هذه المرأة للرجل الغائب. م: (فرض القاضي في ذلك المال نفقة زوجة الغائب وولده الصغار ووالديه) ش: وكذا يفرض نفقة أولاده الكبار والزمنى والإناث، وقال زفر: لا يفرض عنه شيء، كذا في " شرح الأقطع " وإنما اعتبر إقراره بالمال وبالزوجية، لأن المديون أو المودع، إذا جحد الزوجية أو المال لم تقبل بنيتها على شيء من ذلك. أما على الزوجية فلأن المودع أو المديون ليس بخصم عن الغائب في إثبات النكاح عليه، والاشتغال من القاضي بالنظر إنما يكون بعد العلم بالزوجية، ولم يوجد العلم فلا يؤمر بالنظر، وكان أبو حنيفة أولًا يقبل بنيتها على الزوجية، ثم رجع وقال: لا تقبل. م: (وكذا) ش: أي وكذا يفرض القاضي النفقة لهؤلاء المذكورين. م: (إذا علم القاضي بذلك) ش: أي ما ذكر من الزوجية والمال للغائب. م: (ولم يعترف) ش: أي والحال أن صاحب اليد لم يعترف. م: (به) ش: أي بما ذكر من الزوجية والمال. م: (لأنه) ش: أي لأن صاحب اليد. م: (لما أقر بالزوجية وبالوديعة فقد أقر أن حق الأخذ لها) ش: أي للمرأة. م: (لأن لها أن تأخذ من مال الزوج حقها من غير رضاه) ش: أي من غير رضا الزوج لحديث «هند امرأة أبي سفيان: خذي من مال زوجك ما يكفيك وولدك بالمعروف» . وقد مر عن قريب. فإن قيل: يشكل على هذا ما لو حضر صاحب الدين غريما أو مودعًا للغائب، وهما مقران بالدين على الغائب، لا يأمره القاضي بقضاء دينه من الوديعة والدين. قلنا: إن القاضي يأمر في حق الغائب بما هو أنظر له، وفي الأمر بالإنفاق لهؤلاء نظر له بإبقاء ملكه لنا في قضاء دينه ليس فيه بقاء ملكه، بل هو قضاء عليه بقول الغير. م: (وإقرار صاحب اليد مقبول في حق نفسه) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر، تقديره أن يقال: ينبغي أن لا يصح إقراره، لأنه إقرار على الغائب، فأجاب بقوله: وإقرار صاحب اليد، وهو الذي عنده الوديعة، مقبول في حق نفسه لأنه أقر بإزالة يده، وهي حق على الغائب. م: (لا سيما هاهنا) ش: أي في هذه المسألة، وسيما معناه خصوصًا هاهنا، وهو مركب من السي وكلمة ما، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 683 فإنه لو أنكر أحد الأمرين لا تقبل بينه المرأة فيه، لأن المودع ليس بخصم في إثبات الزوجية عليه، ولا المرأة خصم في إثبات حقوق الغائب. فإذا ثبت في حقه تعدى إلى الغائب. وكذا إذا كان المال في يده مضاربة، وكذا الجواب في الدين، وهذا كله إذا كان المال من جنس حقها، دراهم أو دنانير، أو طعاما، أو كسوة من جنس حقها. أما إذا كان من خلاف جنسه، لا تفرض النفقة فيه، لأنه يحتاج إلى البيع، ولا يباع مال الغائب بالاتفاق. أما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه لا يباع على الحاضر. وكذا على الغائب. وأما عندهما   [البناية] والسي الميل، أصله سوي، قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء، والاسم بعده يجري مجراه إذا كانت ما زائدة، ويجيء مرفوعًا خبرًا لمبتدأ محذوف إذا كانت ما موصولة، ويجيء منصوبًا بالاستثناء بمعنى الآن إلا للإخراج، ولا سيما أيضًا للإخراج، ولكن بإثبات ما هو أفضل له، تقول: أكرمني القوم لا سيما زيدا، يعني أن إكرام زيد أكثر وأبلغ من إكرامهم، فهذا كذلك، بيانه أن إقرار صاحب اليد في سائر المواضع مقبول في حق نفسه، وقيل: عليه البينة إذا أنكر الحق. م: (فإنه) ش: أي فإن صاحب اليد. م: (لو أنكر أحد الأمرين) ش: أي الوديعة أو الزوجية. م: (لا تقبل بينة المرأة فيه) ش: أي في أحد الأمرين، لأن إقامتها إذا كانت للزوجية فلا تسمع. م: (لأن المودع ليس بخصم في إثبات الزوجية عليه) ش: أي على الغائب، وإن كانت إقامتها لإثبات الوديعة فلا تسمع أيضا؛ لأن المرأة ليست بخصم، وهو معنى قوله. م: (ولا المرأة خصم في إثبات حقوق الغائب، فإذا ثبت في حقه) ش: أي فإذا ثبت بإقراره على نفسه في حقه. م: (تعدى إلى الغائب) ش: لكونه ما أقر بملكه. قال تاج الشريعة: كالمنفرد بهلال رمضان، تثبت الرمضانية في حقه، ثم تتعدى إلى غيره. م: (وكذا) ش: أي وكذا يفرض القاضي النفقة للمذكورين. م: (إذا كان المال في يده) ش: أي في يد صاحب اليد. م: (مضاربة) ش: بأن كان صاحب المال ضاربه ليعمل فيه. م: (وكذا الجواب في الدين) ش: يعني إذا حضرت المرأة غريم زوجها الغائب عند القاضي، فاعترف بالدين والزوجية، فرض القاضي النفقة وإن جحد أحدهما فلا. (وهذا كله) ش: أي هذا الذي قلنا من فرض القاضي النفقة عند اعتراف صاحب اليد بالزوجية والمال كله. م: (إذا كان المال من جنس حقها) ش: أي حق المرأة. م: (دراهم أو دنانير أو طعاما أو كسوة) ش: أي أو كان كسوة. م: (من جنس حقها) ش: أي جنس ما يكسي مثلها المرأة، يعني فيها الكسوة، لأنها جنس حقها المستحق. م: (أما إذا كان من خلاف جنسه) ش: أي من خلاف جنس حقها كالدار والعبد والعروض. م: (لا تفرض النفقة فيه، لأنه يحتاج إلى البيع، ولا يباع مال الغائب بالاتفاق) ش: عند أصحابنا. م: (أما عند أبي حنيفة، فإنه لا يباع على الحاضر) ش: يعني لو كان حاضرًا ما كان للقاضي أن يبيع ماله، لأن بيع القاضي على وجه الحجر، والحجر على العاقل البالغ باطل عنده. فإذا كان غائبًا بطريق الأولى، وهو معنى قوله. م: (وكذا على الغائب وأما عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد. م: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 684 فلأنه إن كان يقضي على الحاضر، لأنه يعرف امتناعه، لا يقضي على الغائب، لأنه لا يعرف امتناعه. قال: ويأخذ منها كفيلا بها نظرا للغائب، لأنها ربما استوفت النفقة أو طلقها الزوج، وانقضت عدتها، فرق بين هذا وبين الميراث إذا قسم بين ورثة حضور بالبينة، ولم يقولوا لا نعلم له وارثا آخر، حيث لا يؤخذ منهم الكفيل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن هناك المكفول به مجهول فلا يصح. وهاهنا معلوم، وهو الزوج، فيحلفها بالله عز وجل ما أعطاها النفقة نظرا للغائب.   [البناية] (فلأنه إن كان يقضي على الحاضر) ش: إذا ثبت امتناعه من الحق الذي عليه، وهو معنى قوله. م: (لأنه يعرف امتناعه) ش: فيقضي لأجل امتناعه. وقوله. م: (لا يقضي على الغائب) ش: خبر كان، وإنما لا يقضي عليه. م: (لأنه لا يعرف امتناعه) ش: ولكن لا يجوز للأبوين بيع عروض الولد الغائب عند أبي حنيفة استحسانًا، ولا يتعرض له القاضي، ويصرفان في أنفسهما بالمعروف، كذا في " التحفة ". م: (قال) ش: أي القدوري. م: (ويأخذ منها) ش: أي من المرأة. م: (كفيلًا بها) ش: أي بالنفقة. م: (نظرا للغائب) ش: وقال السرخسي: وهذا أحسن، وإن لم يأخذه، جاز له ذكره في أدب القاضي للخصاف. وقال الصدر الشهيد: والصحيح الكفيل نظرًا للغائب. ولكن القاضي يحلفها أولًا على أن زوجها لم يعطها النفقة أن يجوز أن يعطيها نفقتها، قبل أن يغيب. ومع تلبس الأمر على القاضي، فيأخذ النفقة ثانيًا، ثم إذا حلفت أعطاها النفقة وأخذ منها كفيلًا. م: (لأنها) ش: أي لأن المرأة. م: (ربما استوفت النفقة أو طلقها الزوج وانقضت عدتها) ش: فلا تستحق شيئًا، ثم الكفالة بالنفقة تصح، ولا يجبر عند محمد. وعند أبي يوسف يجبر استحسانًا، ذكره في جوامع الفقه. وفي " الخزانة " تصح الكفالة. ولم يذكر خلافًا، فإن أطلق الضمان فهو على شهر عند محمد على الأبد ما دام النكاح باقيًا، فإن ضمن كل شهر، فهو على شهر واحد، وكذا عند كل شهر، فإن رجع بعد مضي الشهر، لم يلزمه في الشهر الثاني. وقال أبو يوسف: يلزمه أبدًا، والأصح رجوعه، ولو طلقها يلزم الكفيل نفقة العدة، لأنها نفقة النكاح إن كان لها نفقة كل شهر فأبرأته صحت عن نفقة شهر واحد، فإن كفل بنفقة سنته لزمه ذلك، وكذا لو قال أبدًا وما أشبه به. م: (فرق) ش: أي أبو حنيفة فرق. م: (بين هذا) ش: أي بين أخذ الكفيل هنا. م: (وبين الميراث) ش: في ترك أخذه من الميراث وهو. م: (إذا قسم) ش: أي الميراث. م: (بين ورثة حضور) ش: أي حاضرين. م: (بالبينة، ولم يقولوا لا نعلم له وارثًا آخر، حيث لا يؤخذ منهم الكفيل، عند أبي حنيفة، لأن هناك) ش: أي في مسألة الميراث. م: (المكفول به مجهول، فلا يصح، وهاهنا) ش: أي في مسألة الكتاب. م: (معلوم) ش: أي المكفول له معلوم. م: (وهو الزوج) ش: فيصح. م: (فيحلفها) ش: أي فيحلف القاضي المرأة. م: (بالله عز وجل ما أعطاها) ش: أي الزوج. م: (النفقة نظرًا للغائب) ش: وقد ذكرناه الآن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 685 قال: ولا يقضي بنفقة في مال غائب إلا لهؤلاء. ووجه الفرق: هو أن نفقة هؤلاء المذكورين واجبة قبل قضاء القاضي، ولهذا كان لهم أن يأخذوا قبل القضاء فكأن قضاء القاضي إعانة لهم، أما غيرهم من المحارم فنفقتهم إنما تجب بالقضاء، لأنه مجتهد فيه، والقضاء على الغائب لا يجوز، ولو لم يعلم القاضي بذلك، ولم يكن مقرا به، فأقامت البينة على الزوجية، أو لم يخلف مالا، فأقامت البينة على الزوجية ليفرض القاضي نفقتها على الغائب، ويأمرها بالاستدانة، لا يقضي القاضي بذلك؛ لأن في ذلك قضاء على الغائب. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقضي فيه، لأن فيه نظرا لها، ولا ضرر فيه على الغائب، فإنه لو حضر وصدقها، فقد أخذت حقها، وإن جحد يحلف، فإن نكل فقد صدق. وإن أقامت بينة فقد ثبت حقها، وإن عجزت، يضمن الكفيل أو المرأة، وعمل القضاة اليوم على هذا   [البناية] م: (قال) ش: أي القدوري. م: (ولا يقضي بنفقة في مال غائب إلا لهؤلاء) ش: أي لهؤلاء المذكورين من الزوجة والأولاد الصغار والوالدين والأولاد الكبار الزمنى والإناث. م: (ووجه الفرق) ش: يعني بين قضاء القاضي لهؤلاء المذكورين بالنفقة في مال الغائب وبين عدم جواز قضائه لغيره من الآباء، كالأخ والعم وسائر ذوي الأقارب. م: (هو) ش: أي وجه الفرق. م: (أن نفقة هؤلاء المذكورين واجبة قبل قضاء القاضي، ولهذا) ش: أي لوجوب نفقة هؤلاء قبل قضاء القاضي. م: (كان لهم أن يأخذوا قبل القضاء، فكأن قضاء القاضي إعانة لهم) ش: أي لهؤلاء. م: (أما غيرهم) ش: أي غير هؤلاء. م: (من المحارم فنفقتهم إنما تجب بالقضاء) ش: أي بقضاء القاضي. م: (لأنه مجتهد فيه) ش: لأن الشافعي لا يقول بوجوب النفقة في غير الأولاد، فلما كان وجوبها بالقضاء. م: (والقضاء على الغائب لا يجوز) ش: فلا يُقضى لهم بالنفقة في مال الغائب. م: (ولو لم يعلم القاضي بذلك) ش: متصل بقوله: وكذا إذا علم القاضي بذلك، قوله بذلك أي بالزوجة. م: (ولم يكن) ش: أي الرجل المودع. م: (مقرًا به) ش: هو متصل بقوله: ولو لم يعترف به. م: (فأقامت) ش: أي المرأة. م: (البينة على الزوجية) ش: أي على أنها زوجة له. م: (أو لم يخلف) ش: أي الزوج. م: (مالًا فأقامت البينة على الزوجية) ش: أي على أنها زوجة له. م: (ليفرض القاضي نفقتها على الغائب ويأمرها بالاستدانة لا يقضي القاضي بذلك، لأن في ذلك قضاء على الغائب) ش: فلا يجوز. م: (وقال زفر: يقضي فيه) ش: يعني يسمع البينة ويعطيها النفقة من مال الزوج، وإن لم يكن له مال، يأمرها بالاستدانة. م: (لأن فيه نظرًا لها، ولا ضرر فيه على الغائب، فإنه) ش: أي فإن الزوج. م: (لو حضر وصدقها فقد أخذت حقها وإن جحد) ش: أي وإن أنكر الزوج ذلك. م: (يحلف) ش: فإن نكل أي عن اليمين. م: (فإن نكل فقد صدق) ش: المرأة. م: (وإن أقامت بينة فقد ثبت حقها، وإن عجزت) ش: أي عن البينة. م: (يضمن الكفيل أو المرأة) ش: فإن ضمن الكفيل يرجع على المرأة. م: (وعمل القضاة اليوم على هذا) ش: أي على قول زفر. م: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 686 أنه يقضي بالنفقة على الغائب، لحاجة الناس إليه، وهو مجتهد فيه، وفي هذه المسألة أقاويل مرجوع عنها، لم يذكرها.   [البناية] (أنه يقضي بالنفقة على الغائب، لحاجة الناس إليه، وهو مجتهد فيه) ش: أي بين علمائنا، إما لأن فيه خلاف زفر، أو لأن فيه خلاف أبي يوسف على ما ذكر الخصاف مطلقًا، أو على قوله الأول، أو على ما ذكره في مختصر "الكافي " ثم على قول من يفرض، لا تحتاج المرأة إلى إقامة البينة، أن الزوج لم يخلف مالًا للنفقة. م: (وفي هذه المسألة أقاويل مرجوع عنها لم يذكرها) ش: منها أن القاضي إذا لم يكن عالمًا بالنكاح، فأقامت البينة على النكاح، يقبل في قول أبي حنيفة وحده الأول، ومنها لو أقامت البينة على المودع أو المديون الجاحد للنكاح والنفقة على قول أبي حنيفة أولًا، ثم رجع، قال: لا يقبل، ومنها أن البينة على قول أبي يوسف أولًا تقبل، ولكن لا تقضي بالنكاح. كذا في " التتمة " و " الفتاوى الصغرى ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 687 فصل وإذا طلق الرجل امرأته فلها النفقة والسكنى في عدتها، رجعيا كان أو بائنا، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا نفقة للمبتوتة، إلا إذا كانت حاملا، أما الرجعي فلأن النكاح بعده قائم، لا سيما عندنا، فإنه يحل له الوطء. وأما البائن فوجه قوله ما روي «عن فاطمة بنت قيس قالت: "طلقني زوجي ثلاثا، فلم يفرض لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سكنى ولا نفقة» ولأنه لا ملك، وهي مرتبة على الملك، ولهذا لا تجب للمتوفى عنها زوجها لانعدامه،   [البناية] [فصل إذا طلق الرجل امرأته فلها النفقة والسكنى في عدتها] م: (فصل) ش: لما فرغ من بيان النفقة والسكنى وما به قيام النكاح بينهما، شرع في بيان ذلك بعد المفارقة. م: (وإذا طلق الرجل امرأته فلها النفقة والسكنى في عدتها رجعيًا كان) ش: أي الطلاق. م: (أو بائنا) ش: وهو قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وعبد الله بن مسعود، وعائشة، وأسامة بن زيد بن ثابت في رواية، وجابر في رواية، وبه قال سعيد بن المسيب، وشريح، والأسود بن يزيد والشعبي والثوري والحسن بن حي، وأحمد في رواية. م: (وقال الشافعي: لا نفقة للمبتوتة) ش: وهي التي طلقها ثلاثًا، أو بعوض حتى وقع الطلاق بائنا عنده، وهو قول ابن عباس وجابر في رواية، وبه قال مالك وأحمد في المشهور وعطاء وطاوس وعمرو بن ميمون وعكرمة والليث بن سعد وداود. م: (إلا إذا كانت حاملًا) ش: فإنها تجب لها بالإجماع، خلافًا للظاهرية، وعند الشافعي ومالك: لا سكنى لها أيضًا. م: (أما الرجعي) ش: أي أما الطلاق الرجعي. م: (فلأن النكاح بعده قائم لا سيما) ش: أي خصوصًا. م: (عندنا فإنه يحل له الوطء) ش: في الطلاق الرجعي حتى يكون رجعيًا. م: (وأما البائن فوجه قوله) ش: أي قول الشافعي. م: (ما روي «عن فاطمة بنت قيس، قالت: طلقني زوجي ثلاثًا، فلم يفرض لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سكنى ولا نفقة» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري عن الشعبي «عن فاطمة بنت قيس، قالت: طلقني زوجي ثلاثًا، فخاصمته إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السكنى والنفقة، فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة، فأمرني أن أعتد في بيت ابن أم مكتوم،» وفاطمة بنت قيس بن خالد القرشية الفهرية الصحابية أخت الضحاك بن قيس، واسم زوجها أبو عمرو بن حفص، وذكر النسائي أن اسمه أحمد، وقال القاضي: الأشهر في اسمه عبد الحميد، وقيل: كنيته. م: (ولأنه لا ملك) ش: أي لا ملك هاهنا. م: (وهي) ش: أي النفقة. م: (مرتبة على الملك) ش: فلا تجب. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عدم الملك. م: (لا تجب للمتوفى عنها زوجها لانعدامه) ش: أي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 688 بخلاف ما إذا كانت حاملا لأنا عرفناه بالنص، وهو قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] الآية (الطلاق: الآية 6) ولنا أن النفقة جزاء احتباس، على ما ذكرنا، والاحتباس قائم في حق حكم مقصود بالنكاح، وهو الولد، إذ العدة واجبة لصيانة الولد، فتجب النفقة، ولهذا كان لها السكنى بالإجماع، وصار كما إذا كانت حاملا.   [البناية] لانعدام الملك. م: (بخلاف ما إذا كانت حاملًا) ش: يعني تجب لها النفقة. م: (لأنا عرفناه) ش: أي عرفنا وجوب النفقة للحامل. م: (بالنص وهو قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] (الطلاق: الآية 6) . م: (ولنا أن النفقة جزاء احتباس على ما ذكرنا) ش: وفي بعض النسخ على ما بينا، أي في أول باب النفقة. م: (والاحتباس قائم في حق حكم مقصود بالنكاح وهو الولد) ش: الحكم المقصود بالنكاح هو التوالد والاستمتاع. قال تاج الشريعة: بخلاف المضارب إذا كان يعمل في المصر، حيث لا تجب نفقته في مال المضاربة، لأنه ليس بمحبوس بحق رب المال قصدًا وبخلاف الصغيرة التي لا يستمتع بها، أما الكبيرة الرتقاء فلها النفقة. م: (إذ العدة واجبة لصيانة الولد، فتجب النفقة، ولهذا كان لها) ش: أي المبتوتة. م: (السكنى بالإجماع) ش: دعوى الإجماع فيه نظر، لأن السكنى لا تجب على مذهب الحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح والشعبي وإسحاق وإبراهيم في رواية وأهل الظاهر. م: (وصار) ش: أي حكم المبتوتة. م: (كما إذا كانت حاملًا) ش: وجوب النفقة إذا كانت حاملًا لا يخلو من أحد أمرين: إما أن تكون لأجل العدة، ولهذا إذا كان الحمل غنيًا، بأن ورث من أخيه من أمه، أو أوصى له بها، كما يجب على الزوج نفقة المطلقة الحامل، فلو كان لأجل الولد لا يجب، لأن نفقة الولد على الأب لا تجب إذا كان الولد غنيًا، ألا ترى أنه إذا أنفق على الولد، ولم يعلم بأنه غني، ثم تبين بأنه غني يرجع عليه، وهنا لا يرجع عليه، وإن كان بحكم الحاكم، فعلم أن النفقة كانت لأجل العدة، وفي هذا المعنى الحابل والحامل سواء. فإن قلت: إذا كان كذلك، فما فائدة القيد بالحمل في الآية؟ قلت: إن الحامل تستحق النفقة بقدر عدتها ثلاثة أقراء، فوقع الإشكال أن الحامل تستحق النفقة في مقدار هذا الزمان أو أكثر، فأزال هذا الإشكال أن الحامل تستحق النفقة وإن طالت مدة الحمل بقوله تعالى: {حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] (الطلاق: الآية 6) . فإن قلت: انقطعت الزوجية في المبتوتة، فلا يجب لها النفقة كالمتوفى عنها زوجها. قلت: يمنع صحة القياس، لأن النفقة جزاء الاحتباس، والمبتوتة محبوسة عن سائر الأزواج في بيت زوجها في عدتها، فتجب لها النفقة كما في الرجعي، بخلاف المتوفى عنها زوجها، لأنها ليست بمحبوسة لحق الزوج بل لحق الشرع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 689 وحديث فاطمة بنت قيس رده عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه قال: لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا بقول امرأة، لا ندري أصدقت أم كذبت، حفظت أم نسيت. سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «للمطلقة الثلاث النفقة والسكنى ما دامت في العدة» . ورده أيضا زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأسامة بن زيد   [البناية] م: (وحديث فاطمة بنت قيس) ش: هذا جواب عن حديث فاطمة بنت قيس الذي احتج به الشافعي، تقديره أن حديث فاطمة. م: (رده عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: يعني ابن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. م: (فإنه قال: «لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت حفظت أم نسيت سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول للمطلقة الثلاث النفقة والسكنى ما دامت في العدة» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم عن أبي إسحاق قال: حدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لا سكنى لها ولا نفقة فأخذ الأسود كفا من حصى فحصبه به فقال ويلك تحدث بمثل هذا‍ قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لا نترك كتاب ربنا ولا سنة نبينا لقول امرأة» . ورواه أيضًا أبو داود والترمذي والنسائي والطحاوي والدارقطني، لكن لا ينقل عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكن روى جابر أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «للمطلقة ثلاثًا النفقة والسكنى» ذكره عبد الحق، وقد بوب الطحاوي في هذا بابا مطولًا، وأمعن الكلام فيه، وشرحناه كما ينبغي. فمن أراد ذلك فليرجع إليه، قوله: «لا ندع كتاب ربنا» يريد به: قَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] (الطلاق: الآية 6) ووجد ذلك أن الوجد هو السعة والغنى، وذلك يرجع إلى ما يملك به. وأما الإسكان فإنه قد يملك إسكانها من غير ملكه، يسكن هو ولا يملك الإنفاق من غير ملكه، فكان تقديره - والله أعلم - ما تلاه ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: "وأنفقوا عليهم من وجدكم"، وقوله: سنة نبينا، يريد به قوله: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «للمطلقة ثلاثًا، النفقة والسكنى ما دامت في العدة» . م: (ورده أيضًا زيد بن ثابت) ش: أي: روى حديث فاطمة بنت قيس بن زيد بن ثابت الأنصاري، وقال مخرج الأحاديث: حديث زيد بن ثابت، غريب. م: (وأسامة بن زيد) ش: أي رده أيضًا أسامة بن زيد بن حارثة، وقال مخرج الأحاديث: هذا أيضًا غريب. قلت: ليس كذلك، لأن الطحاوي رواه: حدثنا ربيع المؤذن، وقال: حدثنا شعيب عن الليث، قال: أخبر الليث عن جعفر بن ربيعة بن عبد الرحمن بن هرمز عن أبي سلمة عن عبد الرحمن قال: «كانت فاطمة بنت قيس تحدث عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال لها: "اعتدي في بيت ابن أم مكتوم» ، وكان محمد بن أسامة إذا ذكرت فاطمة من ذلك شيئًا رماها بما كان في يده لهذا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 690 وجابر وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولا نفقة للمتوفى عنها زوجها، لأن احتباسها ليس لحق الزوج، بل لحق الشرع، فإن التربص عبادة منها. ألا ترى أن معنى التعرف عن براءة الرحم ليس بمراعى فيه حتى لا يشترط فيها الحيض، فلا تجب نفقتها عليه، ولأن النفقة تجب شيئا فشيئا، ولا ملك له بعد الموت، فلا يمكن إيجابها في ملك الورثة. وكل فرقة جاءت من قبل المرأة بمعصية مثل الردة وتقبيل ابن الزوج، فلا نفقة لها، لأنها صارت حابسة نفسها بغير حق، فصارت كما إذا كانت ناشزة.   [البناية] أسامة بن زيد، وقد أنكر ذلك مثل ما أنكره عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. م: (وجابر وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أي رواه أيضًا جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ورواه الدارقطني في "سننه " عن حرب بن أبي العالية عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المطلقة ثلاثا لها السكنى والنفقة» (وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -) ش: أي روته عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، وأخرجه مسلم عن عبد الرحمن بن قاسم، عن أبيه، «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، أنها قالت: ما لفاطمة أن نذكرها، يعني في قوله: "لا سكنى ولا نفقة» ، وفي لفظ البخاري: قالت: «ما لفاطمة لا تتقي الله في قولها لا سكنى ولا نفقة» . م: (ولا نفقة للمتوفى عنها زوجها، لأن احتباسها ليس لحق الزوج بل لحق الشرع) ش: وبه قال أحمد والشافعي في قول، وهو قول ابن عباس والحكم بن عتيبة وعطاء وابن سيرين وعبد الملك بن يعلى، قاضي البصرة، والحسن البصري وعامر بن شعيب، وفي قول آخر للشافعي: إذا كان للميت مال كثير ينفق عليها من نصيبها، وإن كان قليلًا ينفق عليها من جميع المال، وفي وجوب السكنى له قولان. أحدهما: لا يجب، كقولنا - وهو اختيار المزني - والثاني: يجب، وبه قال مالك. م: (فإن التربص) ش: المذكور في القرآن. م: (عبادة منها) ش: أي من المرأة التي توفي عنها زوجها. م: (ألا ترى أن معنى التعرف عن براءة الحرم ليس بمراعى فيه، حتى لا يشترط فيها) ش: أي في عدتها. م: (الحيض، فلا تجب نفقتها عليه، ولأن النفقة تجب شيئًا فشيئًا ولا ملك له بعد الموت، فلا يمكن إيجابها في ملك الورثة) ش: قال الطحاوي في " مختصره ": ولا سكنى للمتوفى عنها زوجها، ولا نفقة في مال الزوج حاملًا كانت أو غير حامل. وقال أبو بكر الرازي: قد كانت نفقتها واجبة في مال الميت بقوله: {وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] فنسخت هذه النفقة بالميراث، وبقوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) ، فأوجب نفقتها على نفسها من مال الزوج. م: (وكل فرقة جاءت من قبل المرأة بمعصية مثل الردة وتقبيل ابن الزوج، فلا نفقة لها، لأنها صارت حابسة نفسها بغير حق، فصارت كما إذا كانت ناشزة) ش: إنما قيد بالنفقة احترازًا عن السكنى، لأن السكنى واجب لها، لأن القرار في البيت مستحق عليها، فلا يسقط ذلك بمعصيتها، فأما النفقة فواجبة لها، فيسقط ذلك بمجيء الفرقة من قبلها بمعصية. وقال في " المبسوط ": نفقة المرتدة لا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 691 بخلاف المهر بعد الدخول، لأنه وجد التسليم في حق المهر بالوطء. وبخلاف ما إذا جاءت الفرقة من قبلها بغير معصية، كخيار العتق وخيار البلوغ والتفريق لعدم الكفاءة، لأنها حبست نفسها بحق، وذلك لا يسقط النفقة، كما إذا حبست نفسها لاستيفاد المهر. وإن طلقها ثلاثا، ثم ارتدت والعياذ بالله، سقطت نفقتها، وإن مكنت ابن زوجها من نفسها فلها النفقة، ومعناه: مكنت بعد الطلاق، لأن الفرقة تثبت بالطلقات الثلاث، فلا عمل فيها للردة والتمكين. إلا أن المرتدة تحبس حتى تتوب. ولا نفقة للمحبوسة، والممكنة لا تحبس، ولهذا تقع الفرقة.   [البناية] لعين الردة، بل لأنها تحبس، والمحبوسة بحق لا تستوجب النفقة حال قيام النكاح، فكذا في العدة، حتى لو ارتدت ولم تحبس، بل هي في بيت الزوج أو ثابت ورجعت إلى بيت الزوج، فلها النفقة لعدم الحبس. م: (بخلاف المهر بعد الدخول) ش: حيث لا تسقط. م: (لأنه وجد التسليم في حق المهر بالوطء، وبخلاف ما إذا جاءت الفرقة من قبلها) ش: أي من قبل المرأة لكن. م: (بغير معصية كخيار العتق) ش: نحو أم الولد أعتقت، ونحو المدبرة أعتقت، وهما عند الزوج قد بوأ المولى لهما بيتًا، فاختارتا الفرقة فلهما النفقة. م: (وخيار البلوغ) ش: نحو الصغيرة أدركت واختارت نفسها، فلها النفقة. م: (والتفريق لعدم الكفاءة) ش: بعد الدخول، فلها النفقة، وكذا للملاعنة النفقة والسكنى، وكذا البائنة بالخلع والإيلاء. م: (لأنها حبست نفسها بحق، وذلك لا يسقط النفقة، كما إذا حبست نفسها لاستيفاء المهر) ش: حيث لا تسقط النفقة. م: (وإن طلقها ثلاثًا ثم ارتدت - والعياذ بالله - سقطت نفقتها) ش: لأن الإسقاط بسببها. م: (وإن مكنت ابن زوجها من نفسها فلها النفقة، ومعناه) ش: من كلام المصنف معنى قول القدوري. م: (مكنت بعد الطلاق) ش: فلا نفقة لها لحصول الفرقة من قبلها بمعصية، وقال زفر: لا نفقة لها إذا مكنت ابن زوجها في عدتها كما إذا مكنته في حال قيام النكاح لا تجب، فكذا هنا. م: (لأن الفرقة) ش: هذا التعليل إشارة إلى الفرق بين المسألتين المذكورتين إحداهما هو قوله: وإن طلقها ثلاثًا ثم ارتدت، والأخرى هو قوله: وإن مكنت ابن زوجها حيث تسقط النفقة في الأولى دون الثانية، بيانه هو قوله لأن الفرقة. م: (تثبت بالطلقات الثلاث، فلا عمل فيها للردة) ش: أي لا عمل في الفرقة لأجل الردة بل للحبس. م: (والتمكين) ش: أي ولا عمل في الفرقة لأجل التمكين، بل لعدم الحبس. م: (إلا أن المرتدة) ش: أي غير أن المرتدة. م: (تحبس حتى تتوب) ش: من الردة. م: (ولا نفقة للمحبوسة، والممكنة) ش: أي المرأة التي مكنت ابن زوجها. م: (لا تحبس) ش: فلها النفقة. م: (ولهذا) ش: أي: ولهذا التعليل الذي علل للمسألتين. م: (تقع الفرقة) ش: بينهما حيث تكون المنفعة للممكنة، ولا تكون للمعتدة إذا ارتدت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 692 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فروع: أبرأته من النفقة في المستقبل وهي زوجته لا يصح. ولو أبرأته عنها في الخلع صح؛ لأن الإبراء في الخلع إبراء بعوض. وفي الأول إبراء قبل الوجود فلا يصح، ولو صالحت المعتدة على دراهم إن كانت عدتها بالحيض لا يصح للجهالة، وإن كانت بالأشهر تصح؛ لأن المدة معلومة، وللملاعنة النفقة والسكنى. وعند الشافعي: لا نفقة لها، وفي السكنى قولان: تجب في قول، ولا تجب في قول. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 693 فصل ونفقة الأولاد الصغار على الأب لا يشاركه فيها أحد كما لا يشاركه في نفقة الزوجية، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: 233) ، والمولود له هو الأب. وإن كان الصغير رضيعا، فليس على أمه أن ترضعه، لما بينا أن الكفاية على الأب. وأجرة الرضاع كالنفقة، ولأنها عساها لا تقدر عليه لعذر بها، فلا معنى للجبر عليه.   [البناية] [فصل نفقة الأولاد] م: (فصل) ش: أي هذا فصل لما فرغ من بيان نفقة الزوجية شرع في بيان نفقة الأولاد. م: (ونفقة الأولاد الصغار على الأب لا يشاركه فيها أحد كما لا يشاركه في نفقة الزوجية) ش: هذا الذي ذكره ظاهر الرواية. وعن أبي حنيفة: أن نفقة الولد على الأب والأم أثلاثًا، بحسب ميراثهما وبإجماع الأئمة الأربعة تجب نفقة الولد الصغير على الأب. وقال الطحاوي في "مختصره ": ويجبر الرجل على نفقة أولاده الصغار، إذا كانوا فقراء ذكورًا كانوا أو إناثًا. وإن كانوا كبارًا محتاجين أجبر على نفقة الإناث منهم، ولم يجبر على نفقة الذكور منهم وإن كان من ذكورهم من به زمانة كالعمى والشلل في اليدين وما أشبه ذلك، فإنه يجبر على نفقته. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) . م: (والمولود له هو الأب) ش: وقيل: وجه الاستدلال أن رزق الوالدات وجب على الأب لسبب الولد وجب عليه رزق الولد بطريق الأولى. م: (وإن كان الصغير رضيعًا، فليس على أمه أن ترضعه لما بينا) ش: معنى قوله: لا يشاركه فيها أحد. م: (أن الكفاية) ش: هي كفاية الصغير. م: (على الأب وأجرة الرضاع كالنفقة) ش: يعني كما تجب عليه النفقة إذا فطم، يجب عليه أن يستأجر من يرضعه، فيكون بأجرة الرضاع كالنفقة تجب عليه. م: (ولأنها عساها لا تقدر عليه) ش: أي على الإرضاع. م: (لعذر بها) ش: يمنعها من الإرضاع. م: (فلا معنى للجبر عليه) ش: أي على الإرضاع. هذا إذا وجد من يرضعه، فإن لم يوجد، ولم يكن بها علة تجبر صيانة عن الضياع. وفي " الذخيرة ": لو كان لا يوجد من يرضعه أو لا يأخذ ثدي غيرها تجبر. وذكر الحلواني في ظاهر الرواية: لا تجبر؛ لأن الولد يتغذى بالدهن والشراب وبقية الألبان، فلا ترك إجبارها إلى التلف، وإلى الأول مال القدوري والسرخسي. وقال شمس الأئمة السرخسي: إذا لم تجبر كان على الأب أن يكتري امرأة ترضعه عند الأم، ولا ينزع الولد من الأم، لأن الأمة أجمعت على أن الحجر لها، لكن لا يجب عليها أن تمكث في بيت، إلا إذا لم يشترط عليها ذلك عند العقد وكان الولد يستغني عنها في تلك الساعة، بل لها أن ترضع ثم ترجع إلى منزلها. وإن لم يشترط أن ترضع عند الأم كان لها أن تحمل الصبي إلى منزلها، أو تقول: أخرجوه فترضعه عند فناء الدار، ثم يدخل الولد إلى الأم إلا أن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 694 وقيل في تأويل قَوْله تَعَالَى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] (البقرة: 233) ، بإلزامها الإرضاع مع كراهتها، وهذا الذي ذكرنا بيان الحكم، وذلك إذا كان يوجد من يرضعه. أما إذا كان لا يوجد من ترضعه، تجبر على الإرضاع صيانة للصبي عن الضياع. قال: ويستأجر الأب من ترضعه عندها، أما استئجار الأب فلأن الأجر عليه. وقوله "عندها" معناه إذا أرادت ذلك، لأن الحجر لها.   [البناية] يكون اشتراط عند العقد أن يكون الطفل عند الأم فحينئذ يلزمها الوفاء بالشرط. وقال في " العمدة ": ولا يؤاخذ الأب بأجرة الرضاع لأكثر من سنتين بالإجماع. م: (وقيل في تأويل قَوْله تَعَالَى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 33) بإلزامها الإرضاع مع كراهتها) ش: {وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] بأن تطرح الأم الولد إلى الأب. إذا لم يقبل الصبي إلا ثدي أمه، والحاصل: يُنهى أن يلحق بها الضرر من قبل الزوج، وعن أن يلحق الضرر بالزوج من قبل المرأة بسبب الولد. م: (وهذا الذي ذكرنا) ش: أي عدم الجبر، وفي نسخة الأترازي: وهذا الذي ذكر، ثم فسره بقوله: أي الذي ذكره القدوري بقوله، وإن كان الصغير رضيعًا فليس على أمه أن ترضعه. م: (بيان الحكم) ش: أي القضاء. أما من جهة الدين فيجب عليها أن ترضع. قال الأترازي: ولهذا قالوا لا يجوز لها أن تأخذ الأجر بالإرضاع، لأن أخذ الأجرة بإزاء ما يجب عليها من حيث الدين لا يجوز. وبه صرح في شرح كتاب النفقات، قال: وظن بعد الشارحين أن المراد من قوله بيان الحكم هو جواب ظاهر الرواية. ثم قال: وروى الحسن عن أبي حنيفة أن النفقة على الأب والأم، أثلاثًا بحسب ميراثهما في الولد، وتلك الرواية صحيحة، ولكن الشرح من المشروح كالصب من النون. م: (وذلك) ش: يعني عدم وجوب الإرضاع على الأم. م: (إذا كان يوجد من يرضعه) ش: أي من يرضع الصغير، يعني يوجد مرضعة أخرى تجبر. م: (أما إذا كان لا يوجد من ترضعه تجبر) ش: أي الأم. م: (على الإرضاع صيانة للصبي عن الضياع) ش: بفتح الضاد مصدر من ضاع يضيع، وأما الضياع بالكسر فهو جمع ضيعة. م: (قال) ش: أي القدوري. م: (ويستأجر الأب من ترضعه عندها) ش: أي عند أم الصغير. م: (أما استئجار الأب، فلأن الأجر عليه، وقوله) ش: أي قول القدوري. م: ("عندها" معناه إذا أرادت ذلك لأن الحجر لها) ش: أي لأن التربية لها بحق الحضانة. ولا عليها أن تمكث في بيت الأم، إلا أن يشترط ذلك، وقد ذكرناه عن قريب. فإن أجرت نفسها للإرضاع، ثم تزوجت، فليس للزوج منعها من ذلك، حتى تنقضي مدة الإجارة، ولا فسخها، فإذا نام الصبي أو اشتغل بغيرها، فله الاستمتاع بها، وليس لولي الصبي منعه من ذلك، وبه قال الشافعي. وقال مالك: ليس له وطؤها إلا برضا الولي. ولو أجرت نفسها للإرضاع، يجوز بإذن الزوج، وبغير إذنه لا يجوز، لأن الحق له، وهو أحد الوجهين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 695 وإن استأجرها وهي زوجته أو معتدته لترضع ولدها لم يجز، لأن الإرضاع مستحق عليها ديانة، قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: 233) ، إلا أنها عذرت لاحتمال عجزها. فإذا أقدمت عليه بالأجر، ظهرت قدرتها، فكان الفعل واجبا عليها، فلا يجوز أخذ الأجر عليه، وهذا في المعتدة عن طلاق رجعي رواية واحدة، لأن النكاح قائم، وكذا في المبتوتة في رواية، وفي رواية أخرى: جاز استئجارها لأن النكاح قد زال. وجه الأولى: أنه باق في حق بعض الأحكام. ولو استأجرها وهي منكوحته أو معتدته لإرضاع ابن له من غيرها جاز؛ لأنه غير مستحق عليها. وإن انقضت عدتها فاستأجرها، يعني لإرضاع ولدها جاز، لأن النكاح قد زال بالكلية، وصارت كالأجنبية. فإن قال الأب: لا أستأجرها، وجاء بغيرها فرضيت الأم بمثل أجر الأجنبية إن رضيت بغير أجر، كانت   [البناية] للشافعية، والثاني: يجوز، وله فسخها إن شاء، وعندنا له فسخها إذا لم يعلم بها، وليس له منعه من وطئها. فإذا حبلت فله فسخها للضرر كما لو مرضت. م: (وإن استأجرها وهي زوجته أو معتدته لترضع ولدها لم يجز، لأن الإرضاع مستحق عليها ديانة، قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233)) ش: واختلفوا في معناه، فقيل: إنه مجرد خبر من غير إلزام الإرضاع، وقيل: إنه في معنى الأمر لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) ، والأصح أنه خبر بمعنى الأمر على وجه الندب، أو على وجه الوجوب، إذا لم يقبل إلا ثدي أمه. م: (إلا أنها عذرت لاحتمال عجزها، فإذا أقدمت عليه بالأجر) ش: أي على الإرضاع بالأجر. م: (ظهرت قدرتها، فكان الفعل واجبًا عليها، فلا يجوز أخذ الأجر عليه، وهذا) ش: أي هذا المذكور من عدم جواز الإجارة. م: (في المعتدة عن طلاق رجعي، رواية واحدة، لأن النكاح قائم، وكذا) ش: أي وكذا لا يجوز. م: (في المبتوتة) ش: أي في العدة فيه روايتان لا يجوز. م: (في رواية) ش: وهي رواية الحسن عن أبي حنيفة. م: (وفي رواية أخرى جاز استئجارها) ش: وهي ظاهر الرواية. م: (لأن النكاح قد زال) ش: فصارت كالأجنبية. م: (وجه الأولى) ش: وهي عدم الجواز. م: (أنه) ش: أي أن النكاح. م: (باق في حق بعض الأحكام) ش: وهي العدة، ووجوب النفقة والسكنى وعدم دفع زكاته إليها وشهادته لها، فلا يجوز استئجارها كما في حال قيام النكاح. م: (ولو استأجرها وهي منكوحته أو معتدته لإرضاع ابن له من غيرها جاز، لأنه غير مستحق عليها. وإن انقضت عدتها فاستأجرها يعني لإرضاع ولدها جاز، لأن النكاح قد زال بالكلية، وصارت كالأجنبية، فإن قال الأب: لا أستأجرها) ش: أي امرأته. م: (وجاء بغيرها، فرضيت الأم بمثل أجر الأجنبية، أو رضيت بغير أجر، كانت) ش: أي الأم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 696 هي أحق به، لأنها أشفق، فكان نظرا للصبي في الدفع إليها. وإن التمست زيادة، لم يجبر الزوج عليها دفعا للضرر عنه، وإليه الإشارة في قَوْله تَعَالَى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، أي بإلزامه لها أكثر من أجرة الأجنبية، ونفقة الصغير واجبة على أبيه وإن خالفه في دينه، كما تجب نفقة الزوجة على الزوج، وإن خالفته في دينه، أما الولد فلإطلاق ما تلونا. ولأنه جزؤه، فيكون في معنى نفسه. وأما الزوجة فلأن السبب هو العقد الصحيح، فإنه بإزاء الاحتباس الثابت به، وقد صح العقد بين المسلم والكافرة، وترتب عليه الاحتباس، فوجبت النفقة، وفي جميع ما ذكرنا إنما تجب النفقة على الأب، إذا لم يكن للصغير مال.   [البناية] م: (هي أحق به لأنها أشفق) ش: على الصغير. م: (فكان نظرا للصبي في الدفع إليها) ش: أي إلى الأم والدفع إلى الأجنبية أضر به. م: (وإن التمست) ش: أي وإن طلبت الأم. م: (زيادة) ش: على أجرة الأجنبية. م: (لم يجبر الزوج عليها) ش: أي على الزيادة. م: (دفعا للضرر عنه، وإليه الإشارة) ش: أي إلى دفع الضرر عن الزوج. م: (في قوله: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، أي بإلزامه لها أكثر من أجرة الأجنبية) ش: بل يدفع الصغير إلى الظئر ترضعه عند الأم لأن الحضانة لها. م: (ونفقة الصغير واجبة على أبيه وإن خالفه في دينه) ش: هذا إذا أسلم الصغير العاقل وأبوه كافر أو ارتد - والعياذ بالله تعالى - وأبوه مسلم؛ لأن ارتداده وإسلامه صحيح عندنا. م: (كما تجب نفقة الزوجة على الزوج، وإن خالفته في دينه، أما الولد) ش: أي أما نفقة الولد. م: (فلإطلاق ما تلونا) ش: وهو قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) . م: (ولأنه) ش: أي ولأن الولد. م: (جزؤه فيكون في معنى نفسه) ش: وكفره لا يؤثر في نفقته، فكذا كفر ولده. م: (وأما الزوجة) ش: أي وأما نفقة الزوجة. م: (فلأن السبب) ش: أي سبب وجوب النفقة. م: (هو العقد الصحيح، فإنه) ش: أي فإن سبب وجوب النفقة. م: (بإزاء الاحتباس الثابت به) ش: أي بالعقد. م: (وقد صح العقد بين المسلم والكافرة) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] (المائدة:5) أي العفائف عن فعل الزنا، وقد مر في النكاح، فإذا صح العقد بينهما. م: (وترتب عليه الاحتباس) ش: فإذا ترتب عليه الاحتباس. م: (فوجبت النفقة) ش: عليه. م: (وفي جميع ما ذكرنا) ش: أي في هذا الفصل. م: (إنما تجب النفقة على الأب إذا لم يكن للصغير مال) ش: فنقول نكرة في موضع النفي تعم جميع أجناس الأموال، حتى لو كان للصغير عقار وحيوان وثياب للأب أنه يبيع ذلك كله وينفقه، لأن الصغير غبي بهذه الأشياء. كذا في " الذخيرة "، وإن لم يكن للصغير مال، فعلى الأب أن يكتب وينفق على ولده، يجبر على ذلك ويحبس. وبه قال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 697 وأما إذا كان له، فالأصل أن نفقة الإنسان في مال نفسه صغيرا كان أو كبيرا.   [البناية] الشافعي بخلاف سائر الديون، حيث لا يحبس، فلأن الأب وإن علاها يحبس في ديون الأولاد. وفي الدين يحبس لما أن في الامتناع من الكسب إتلاف للنفس، والأب يستوجب العقوبة عند قصده إتلاف ولده، كما لو عدا على أبيه بالسيف، كان للأب أن يقتل، ولو كان الأب عاجزًا عن الكسب بالزمانة أو بأنه مقعد يتكفف الناس وينفق عليهم، هكذا ذكره الخصاف في نفقته. ومن المتأخرين من قال: نفقة الأولاد في هذه الصورة في بيت المال، لأن نفقة هذا الأب في بيت المال، فكذا نفقة الأولاد، وطالب العلم إذا كان يهتدي إلى الكسب، فنفقته على الأب لا تسقط عنه كالزمن والأنثي. م: (وأما إذا كان له) ش: أي للصغير مال. م: (فالأصل أن نفقة الإنسان في مال نفسه صغيرا كان أو كبيرا) ش: وذلك لأن أحد الأمرين ليس في إيجاب النفقة على صاحبه، أولى من إيجاب نفقه صاحبه عليه، والفرق بين نفقة الصغير والزوجة بحيث لا تجب نفقة الصغير على الأب، إذا كان الصغير غنيًا بأي مال كان، وتجب نفقة الزوجة على الزوج وإن كانت الزوجة غنية، إذ نفقة الصغير واجبة للحاجة، فإذا انعدمت الحاجة، فلا تجب، كنفقة الخادم، ونفقة للزوجة بإزاء التمكين من الاستمتاع، فكان طريقه البدل والمعادلة، والبدل يوجد وإن وجد الغنى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 698 فصل وعلى الرجل أن ينفق على أبويه وأجداده وجداته، إذا كانوا فقراء وإن خالفوه في دينه. أما الأبوان فلقوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] (لقمان: 15) ، فأنزلت في الأبوين الكافرين.   [البناية] [فصل نفقة الآباء والأجداد والخادم] م: (فصل) ش: أي هذا فصل، ولما فرغ من بيان نفقة الأولاد شرع في بيان نفقة الآباء والأجداد والخادم. م: (وعلى الرجل أن ينفق على أبويه وأجداده وجداته إذا كانوا فقراء) ش: وفي " المبسوط ": على الرجل الموسر نفقة أبيه وأمه، وأب الأب وإن علا، وأم الأب وإن علت، وأم الأم وإن علت. وشرط الشافعي في ذلك أن يكون الأب زمنًا ولم يوافقه أحد. وفي " التنبيه ": ويجب على الأولاد ذكورهم وإناثهم نفقة الوالدين، وإن علوا بشرط الفقر والزمانة، والجنون مع الصحة قولان، أظهرهما: لا يجب. م: (وإن خالفوه في دينه) ش: واصل بما قبله؛ أي وإن خالف هؤلاء الرجل في دينه، وهو إذا كانوا من أهل الذمة، أما إذا كانوا من أهل الحرب، فلا يجب، لأنا نهينا عن المبرة في ذمتهم. م: (أما الأبوان؛ فلقوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] (لقمان: الآية 15) فأنزلت في الأبوين الكافرين) . ش: قال المفسرون: أنزلت في سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وذلك أنه لما أسلم، قالت له أمه جميلة: يا سعد، بلغني أنك مبهوت، فوالله لا أظلني سقف بيت عن الثلج والريح ولا آكل ولا أشرب حتى تكفر بمحمد، وترجع إلى ما كنت عليه، وكان أحب ولدها إليها، فأبى سعد وصبرت هي ثلاثة أيام، فلم تأكل ولم تشرب، ولم تستظل بظل حتى غشي عليها، فأتي سعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشكا ذلك إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] (لقمان: الآية 15) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 699 وليس من المعروف أن يعيش الرجل في نعم الله تعالى، ويتركهما يموتان جوعا. وأما الأجداد والجدات، فلأنهم من الآباء والأمهات، ولهذا يقوم الجد مقام الأب عند عدمه، ولأنهم سبب لإحيائه فاستوجبوا عليه الإحياء، لأنهما بمنزلة الأبوين، وشرط الفقر لأنه لو كان ذا مال، فإيجاب نفقته في ماله أولى من إيجابها في مال غيره، ولا يمنع ذلك باختلاف الدين لما تلونا. ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للزوجة والأبوين، والأجداد والجدات، والولد، وولد الولد. أما الزوجة فلما ذكرنا أنها واجبة لها بالعقد لاحتباسها لحق له مقصود،   [البناية] م: (وليس من المعروف أن يعيش الرجل في نعم الله تعالى، ويتركهما) ش: أي الأبوين. م: (يموتان جوعًا) ش: والمعروف هو المحاسنة بالخلق الجميل والحلم والاحتمال والبر والصلة، وبما يقتضيه الكرم والمروءة، واستدل شمس الأئمة السرخسي في " شرح الكافي " بقوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] (الإسراء: الآية 23) ، وقال: نهى عن التأفيف يعني الأذى، ومنع الأذى في منع النفقة عند حاجتهما أكثر، ولهذا يلزمه نفقتهما وإن كانا قادرين على الكسب، لأن معنى الأذى في الكد والتعب أكثر منه في التأفيف، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه، فكلوا من كسب أولادكم» . م: (وأما الأجداد والجدات؛ فلأنهم من الآباء والأمهات، ولهذا يقوم الجد مقام الأب عند عدمه ولأنهم سبب لإحيائه) ش: أي عدم الأب. م: (فاستوجبوا) ش: أي فاستحقوا. م: (عليه الإحياء) ش: أي على الولد. م: (لأنهما بمنزلة الأبوين) ش: في حياة الولد، فاستحقوا على النافلة كالأبوين. م: (وشرط الفقر) ش: أي وشرط القدوري الفقر في قوله إذا كانوا فقراء. م: (لأنه) ش: أي لأن الأب. م: (لو كان ذا مال، فإيجاب نفقته في ماله أولى من إيجابها في مال غيره) ش: قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل من كد يمينك وعرق جبينك» . م: (ولا يمنع ذلك) ش: أي وجوب النفقة على الأبوين. م: (باختلاف الدين لما تلونا) ش: من النص، وهو قَوْله تَعَالَى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] (الإسراء: الآية 23) ، وبه قال مالك والشافعي. م: (ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للزوجة) ش: وفي عموم النسب روايتان، ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للزوجة. وفي بعض النسخ. م: (قال: لا تجب النفقة) ش: أي قال القدوري. م: (ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للزوجة والأبوين، والأجداد والجدات، والولد، وولد الولد، أما الزوجة فلما ذكرنا أنها) ش: أي النفقة. م: (واجبة لها بالعقد لاحتباسها لحق له) ش: أي للرجل، وقوله. م: (مقصود) ش: بالحر صفة لقوله: بحق، وهو الاستمتاع بها بالوطء وغيره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 700 وهذا لا يتعلق باتحاد الملة. وأما غيرها فلأن الجزئية ثابتة، وجزء المرء في معنى نفسه، فكما لا يمنع نفقة نفسه بكفره لا يمنع نفقة جزئه، إلا أنهم كانوا حربيين لا تجب نفقتهم على المسلم. وإن كانوا مستأمنين لأنا نهينا عن البر في حق من يقاتلنا في الدين. ولا تجب على النصراني نفقة أخيه المسلم، وكذا لا تجب على المسلم نفقة أخيه النصراني، لأن النفقة متعلقة بالإرث بالنص، بخلاف العتق عند الملك، لأنه   [البناية] م: (وهذا) ش: أي المعنى المذكور. م: (لا يتعلق باتحاد الملة) ش: بين الزوجين. م: (وأما غيرها) ش: أي غير الزوجة من المذكورين. م: (فلأن الجزئية ثابتة) ش: أما في حق الولد فظاهر، وفي حق غيره لشمول الولاد إياهم. م: (وجزء المرء في معنى نفسه، فكما لا يمنع نفقة نفسه بكفره، لا يمنع نفقة جزئه) ش: الذي هو الولد بكفره. وكذا حكم أولاد البنين والبنات، والأجداد والجدات، من قبل الأب والأم، بمنزلة الأبوين لأن الولاد يشملهم جميعًا. م: (إلا أنهم) ش: أي غير أن هؤلاء. م: (إذا كانوا حربيين لا تجب نفقتهم على المسلم، وإن كانوا مستأمنين) ش: أي وإن كانوا خرجوا إلى دار الإسلام بأمان. م: (لأنا نهينا) ش: على صيغة المجهول. م: (عن البر) ش: أي عن الإحسان والصلة. م: (في حق من يقاتلنا في الدين) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8] {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 9] (الممتحنة: الآية 8، 9) . م: (ولا تجب على النصراني نفقة أخيه المسلم، وكذا لا تجب على المسلم نفقة أخيه النصراني) ش: هذا تفريع لقوله: ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين؛ بيانه: أن النفقة في غير الزوجة، وغير صورة الولادة ورثة على الإرث، وهو معني قوله. م: (لأن النفقة متعلقة بالإرث بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، ولا إرث بين المسلم والذمي، فلا تجب نفقة أحدهما على الآخر. م: (بخلاف العتق عند الملك) ش: أي بخلاف ما إذا ملك أحدهما الآخر حيث يعتق عليه؛ لأن العتق مرتب على ملك القريب المحرم، وقد وجد فيعتق. قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه» . م: (لأنه) ش: أي لأن وجوب النفقة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 701 متعلق بالقرابة والمحرمية بالحديث، ولأن القرابة موجبة للصلة، ومع الاتفاق في الدين آكد، ودوام ملك اليمين أعلى في القطيعة من حرمان النفقة، فاعتبرنا في الأعلى أصل العلة، وفي الأدنى العلة المؤكدة، فلهذا افترقا.   [البناية] م: (متعلق بالقرابة والمحرمية بالحديث) ش: وهو الذي ذكرناه. وقد رواه النسائي من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه» ، وفيه كلام كثير نذكره في كتاب العتق إن شاء الله تعالى. وروى أصحاب السنن الأربعة من حديث الحسن عن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر» . م: (ولأن القرابة موجبة للصلة) ش: لذوي رحم. م: (ومع الاتفاق في الدين) ش: يعني إذا كانا مسلمين. م: (آكد) ش: من إيجاب الصلة مع الاختلاف في الدين. م: (ودوام ملك اليمين أعلى في القطيعة من حرمان النفقة) ش: حاصل معناه أن قطع ذات الرحم في بقاء ملك اليمين أعلى وأكثر من قطع الرحم الحاصل من حرمان النفقة. م: (فاعتبرنا في الأعلى) ش: وهو ملك اليمين. م: (أصل العلة) ش: وهو نفس ملك القريب لقوة معنى قطع الرحم، حتى عتق القريب المملوك، سواء وجد الاتحاد في الملة أو لم يوجد. م: (وفي الأدنى) ش: أي اعتبرنا في الأدنى، وهو النفقة. م: (العلة المؤكدة) ش: وهي القرابة مع الاتحاد في الملة. م: (فلهذا) ش: أي فلأجل كون حرمان النفقة أضعف من قطع الرحم. م: (افترقا) ش: أي العتق ووجوب النفقة. فإن قلت: حرمان النفقة قد يفضي إلى الهلاك، ودوام ملك اليمين ليس كذلك، فكيف يكون أعلى؟ ولأن الإنفاق صلة إحياء حقيقة، وصلة العتق صلة إحياء حكمًا، ولا شك أن الإحياء الحقيقي أولى. قلت: الحاجة إلى النفقة معذورة الدفع عن غيره، بأن يسأل الناس أو يبره أحد من غير سؤال، فإن الهلاك جوعًا في العمران مع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 702 ولا يشارك الولد في نفقة أبويه أحد، لأن لهما تأويلا في مال الولد بالنص، ولا تأويل لهما في مال غيره. ولأنه أقرب الناس إليهما. فكان أولى باستحقاق نفقتهما عليه، وهي على الذكور والإناث بالسوية، في ظاهر الرواية، وهو الصحيح،   [البناية] توافر أصحاب الزكاة والصدقات، والمعروف نادر. وأما الحاجة إلى الآفاق، فإنها لا تندفع إلا من حاجة. م: (ولا يشارك الولد في نفقة أبويه أحد) ش: بالرفع؛ لأنه فاعل لا يشارك، والولد بالنصب مفعوله، يعني: إن كان الأبوان معسرين والولد موسر تجب نفقتهما عليه خاصة. م: (لأن لهما) ش: أي الأبوين. م: (تأويلًا في مال الولد بالنص) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنت ومالك لأبيك» . رواه جماعة من الصحابة، وسيأتي إن شاء الله تعالى في الباب الذي يوجب الحد. م: (ولا تأويل لهما) ش: أي للأبوين. م: (في مال غيره) ش: أي في غير مال الولد. فإن قلت: التأويل يثبت بخبر الواحد، فلا يعارض قوله عز وجل: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، قلت: الحديث مشهور، فيجوز به الزيادة. ولئن سلمنا أنه من الآحاد لكن ترك إطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، بالدلائل الدالة على تفسيرها بغير قرابة الولادة المستندة إلى قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، كما تقدم. فإن قلت: لا منافاة بين الآيتين؛ لأن قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) يقتضي أن يشارك الجد الابن، كما أن قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) يقتضه، قلت: لما ثبت للوالد بتأويل في مال الولد بالإجماع صار غنيًا، والغني لا تجب نفقته على والده، فلا يشارك الجد الابن. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الولد. م: (أقرب الناس إليهما) ش: أي إلى الأبوين. م: (فكان أولى باستحقاق نفقتهما عليه) ش: أي على الولد. م: (وهي) ش: أي نفقة الأبوين. م: (على الذكور والإناث بالسوية) ش: حتى إذا كان الأب فقيرًا أو له ابن وبنت موسران، تجب نفقة الأب عليهما اتصافًا، وقيد بقوله. م: (في ظاهر الرواية وهو الصحيح) ش: احترازًا عما ذكر شمس الأئمة السرخسي في " شرح الكافي " عن الحسن عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أن النفقة بين الذكور الجزء: 5 ¦ الصفحة: 703 لأن المعنى يشملهما. والنفقة لكل ذي رحم محرم إذا كان صغيرا فقيرا، أو كانت امرأة بالغة فقيرة، أو كان ذكرا بالغا فقيرا زمنا، أو أعمى، لأن الصلة في القرابة القريبة واجبة دون البعيدة، والفاصل أن يكون ذا رحم محرم. وقد قال الله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (البقرة: 233) ، وفي قراءة عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك) .   [البناية] والإناث {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] (النساء: الآية11) ، على قياس الميراث وعلى قياس نفقة ذوي الأرحام. م: (لأن المعنى يشملهما) ش: المعنى هو الولادة، وهو سبب الوجوب، وقد استوى الذكر والأنثى، بخلاف ما إذا كان للمعسر أخ وأخت، حيث يجب نفقته عليهما أثلاثًا؛ لأن سبب الوجوب الإرث، فيجب أثلاثًا كالإرث. م: (والنفقة) ش: أي النفقة واجبة. م: (لكل ذي رحم محرم) ش: وقال أحمد: تجب لكل وارث. وبه قال ابن أبي ليلى، وقال الشافعي: لا تجب نفقة غير الوالدين والمولودين من الأقارب، كالإخوة والأعمام وذوي الرحم المحرم، وهو الذي لا يجوز نكاحه على التأبيد، وإنما قيد بذي الرحم المحرم، لأنه إذا وجد الرحم ولم يوجد المحرم، أوجد المحرم ولم يوجد الرحم، أو وجد لكن لا من قرابة، لا تجب النفقة. ألا ترى إلى ما ذكر الإمام الأسبيجاني في " شرح الطحاوي " بقوله: ولو كان رحمًا غير محرم نحو ابن العم أو محرمًا غير رحم نحو الأخ من الرضاع أو الأخت من الرضاع، أو رحما محرما لا من قرابة نحو ابن عم، هو الأخ من الرضاع لا تجب النفقة. م: (إذا كان) ش: أي ذو رحم محرم. م: (صغير فقيرًا) ش: قيد بالصغر والفقر لأن الصغير الفقير عاجز عن الكسب، والغني تجب نفقته في ماله. م: (أو كانت امرأة بالغة فقيرة أو كان) ش: أي ذو رحم محرم. م: (ذكرًا بالغًا فقيرًا أو زمنًا أو أعمى) ش: فقيرًا تجب النفقة لهم لعجزهم عن الكسب، وكذلك مفقود العينين، وأشل اليدين، ومقطوع الرجلين، والمعتوه، والمفلوج. م: (لأن الصلة في القرابة القريبة واجبة دون البعيدة) ش: أي لا يجب في القرابة البعيدة. م: (والفاصل) ش: أي بين القريبة والبعيدة. م: (أن يكون ذا رحم محرم) ش: والدليل عليه هو ما أشار إليه بقوله. م: (وقد قال الله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية233)) ش: فإن ذلك إشارة إلى البعيدة، فيكون إشارة إلى أول الآية، وهو قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، قيد على أن على الوارث النفقة، وبعيدة ذي الرحم المحرم بقراءة عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أشار إليه بقوله. م: (وفي قراءة عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك) ش: ولا شك أن قراءته كانت مسموعة من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقراءته مشهورة، فصارت بمنزلة خبر مشهور على ما عرف، فجاز الجزء: 5 ¦ الصفحة: 704 ثم لا بد من وجود الحاجة، والصغر، والأنوثة والزمانة، والعمى أمارة الحاجة لتحقق العجز. فإن القادر على الكسب غني بكسبه، بخلاف الأبوين، لأنه يلحقهما تعب الكسب. والولد مأمور بدفع الضرر عنهما، فتجب نفقتهما مع قدرتهما على الكسب: قال: ويجب ذلك على مقدار الميراث، ويجبر عليه، لأن التنصيص على الوارث، تنبيه على اعتبار المقدار، ولأن الغرم بالغنم، والجبر لإيفاء حق مستحق. قال: وتجب نفقة الابنة البالغة، والابن الزمن البالغ، على أبويهما أثلاثا، على الأب الثلثان، وعلى الأم الثلث، لأن الميراث لهما على هذا المقدار.   [البناية] تقييد إطلاق الكتاب بها. م: (ثم لا بد من وجود الحاجة) ش: أي ثم لا بد من وجوب النفقة، وبين ذلك بقوله. م: (والصغر والأنوثة، والزمانة والعمى أمارة الحاجة لتحقق العجز) ش: أي علامة العجز من أصحاب هذه الأشياء المذكورة. م: (فإن القادر على الكسب غني بكسبه) ش: فلا يعد عاجزًا. م: (بخلاف الأبوين) ش: هذا جواب عما يقال ما بال الأبوين لم يعدا غنيين بقدرتهما على الكسب، وأجاب بقوله بخلاف الأبوين، (لأنه يلحقهما تعب الكسب والولد مأمور بدفع الضرر عنهما، فتجب نفقتهما مع قدرتهما على الكسب) ش: وذكر السرخسي في " شرح أدب القاضي " للخصاف، أن الأب إذا كان كسوبًا، والابن أيضًا كسوبًا، يجبر الابن على الكسب والنفقة عليه. وقال الحلواني في شرحه له أيضًا: لا يجبر الابن على الكسب، واعتبره بذي الرحم المحرم، فإنه لا يستحق النفقة في كسب قريبه، وفي ظاهر الرواية في نفقة الوالدين، فإنهما لا يكافآن بالكسب عندنا خلافًا للشافعي. م: (قال) ش: أي القدوري. م: (ويجب ذلك) ش: أي النفقة. م: (على مقدار الميراث ويجبر عليه) ش: أي على الإنفاق. م: (لأن التنصيص على الوارث تنبيه على اعتبار المقدار) ش: أي لأن التنصيص عليه بقوله تعالى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، تنبيه على أن الشارع نبه على مقدار ذلك، لأنه رتب الحكم على المشتق، فيكون المشتق منه هو العلة، فيثبت الحكم بقدر (المنصوص) عليه. وعلى هذا لو أوصى لورثة فلان، وله بنون وبنات، فكانت الوصية لهم على قدر الميراث. م: (ولأن الغرم بالغنم) ش: بضم الغين المعجمة فيهما، أي الغرم الذي هو الإنفاق في مقابلة الغنم الذي هو الميراث. م: (والجبر) ش: أي الجبر على الإنفاق. م: (لإيفاء حق مستحق) ش: أي لأجل إيفاء حق مستحق عليه، فيستحقه من ينفق عليه. م: (قال) ش: أي القدوري. م: (وتجب نفقة الابنة البالغة، والابن الزمن البالغ، على أبويهما أثلاثًا، على الأب الثلثان، على الأم الثلث؛ لأن الميراث لهما على هذا المقدار) ش: إذا ورثا ولدهما. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 705 قال: هذا الذي ذكره رواية الخصاف والحسن - رحمهما الله -، وفي ظاهر الرواية كل النفقة على الأب، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، وصار كالولد الصغير. ووجه الفرق على الرواية الأولى، أنه اجتمعت للأب في الصغير ولاية ومؤنة عليه حتى وجبت عليه صدقة فطره، فاختص بنفقته، ولا كذلك الكبير لانعدام الولاية فيه، فتشاركه الأم. وفي غير الوالد يعتبر قدر الميراث حتى تكون نفقة الصغير على الأم، والجد، أثلاثا. ونفقة الأخ المعسر على الأخوات المتفرقات الموسرات أخماسا على قدر الميراث.   [البناية] م: (قال) ش: أي المصنف. م: (هذا الذي ذكره) ش: أي القدوري. م: (رواية الخصاف والحسن) ش: أي عن أبي يوسف عن أبي حنيفة وبه قال الشافعي. م: (وفي ظاهر الرواية، كل النفقة على الأب لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) وصار كالولد الصغير) ش: أضاف إليه بحرف اللام، فدل على اختصاصه بهذه النسبة والنفقة تبنى على هذه النسبة. م: (ووجه الفرق) ش: أي وجه الفرق بين الولد الصغير والكبير. م: (على الراوية الأولى، أنه اجتمعت للأب في الصغير ولاية ومؤنة عليه حتى وجبت عليه صدقة فطره، فاختص بنفقته ولا كذلك الكبير) ش: أي الولد الكبير. م: (لانعدام الولاية فيه) ش: أي لا ولاية له عليه، ولهذا لم يشارك الأب في نفقة ولده الصغير. م: (فتشاركه الأم) ش: في نفقة الكبير، فوجب الثلثان على الأب، والثلث على الأم. م: (وفي غير الوالد يعتبر قدر الميراث) ش: يعني رواية واحدة. م: (حتى تكون نفقة الصغير على الأم والجد أثلاثًا) ش: على الأم الثلث وعلى الجد الثلثان. قال في " شرح الطحاوي ": وكذلك إذا كان له أم، وأخ لأب، وأم أو ابن أخ لأب، وأم أو عم لأب، وأم أو أحد من الفصيلة، فإن النفقة عليهم أثلاثًا. وكذا إذا كان له أخ وأخت لأب وأم، فالنفقة عليهما أثلاثًا على قدر ميراثهما. ولو كان له أخ لأب وأم وأخ لأب فالنفقة بينهما أسداسًا، ولو كان له عمة لأب وأم، فالنفقة على الأم دون العمة، وكذلك، ولو كان له عمة لأب، وأم وخال لأب وأم، فالنفقة على العم. ولو كان له عمة لأب وأم وخال لأب وأم، فالنفقة عليهما أثلاثًا، ثلثاها على العمة وثلثها على الخال. وكذلك لو كان له خال وخالة من قبل الأب والأم، فالنفقة عليهما أثلاثًا، ولو كان له خال من قبل الأب والأم وابن عم لأب وأم، فالنفقة على الخال، والميراث لابن العم، لأن شرط وجوب النفقة أن يكون ذو الرحم المحرم من أهل الميراث، وابن العم ليس بمحرم. م: (ونفقة الأخ المعسر على الأخوات المتفرقات الموسرات أخماسا على قدر الميراث) ش: يعني يجب ثلاثة الأخماس على الأخت لأب وأم، والخمس على الأخت لأب، والخمس على الأخت لأم، وذلك لأن النفقة معتبرة بالإرث، فإنهن يرثنه كذلك أخماسًا بالفرض والرد، فوجب النفقة أيضًا أخماسًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 706 غير أن المعتبر أهلية الإرث في الجملة لا إحرازه، فإن المعسر إذا كان له خال وابن عم، تكون نفقته على خاله، وميراثه يحرزه ابن عمه. ولا تجب نفقتهم مع اختلاف الدين بالنص لبطلان أهلية الإرث، فلا بد من اعتباره ولا تجب على الفقير، لأنها تجب صلة، وهو يستحقها على غيره، فكيف تستحق عليه؟ بخلاف نفقة الزوجة وولده الصغير، لأن التزامها بالإقدام على العقد، إذ المصالح لا تنتظم دونها، ولا يعمل في مثلها الإعسار.   [البناية] م: (غير أن المعتبر) ش: استثناء من قوله، وفي غير الولد يعتبر على قدر الميراث في ذلك. م: (أهلية الإرث في الجملة) . ش: قال الأكمل: والمراد بأهلية الإرث أن لا يكون محرومًا، وقال الكاكي: وقيد الإرث بقوله: إن المعتبر أهلية الإرث، لأنه لو لم يكن أهلًا للإرث بأن كان مخالفًا لدينه، لا تجب النفقة. م: (لا إحرازه) ش: أي لا يعتبر إحراز الإرث كما في الخال مع ابن العم، فإن الخال لا يحرز الميراث مع ابن العم، ومع ذلك كانت النفقة على الخال، والميراث لابن العم. وقال أحمد والظاهرية: والمعتبر إحراز الميراث. وأوضح ذلك المصنف بالفاء التفسيرية، حيث قال. م: (فإن المعسر إذا كان له خال وابن عم، تكون نفقته على خاله، وميراثه يحرزه ابن عمه) ش: لأن الخال ذو رحم محرم، دون ابن العم. م: (ولا تجب نفقتهم مع اختلاف الدين) ش: هذا لفظ القدوري، أي لا تجب نفقة ذو الرحم المحرم مع اختلاف الدين، لأن الاختلاف لا يجري الإرث، فلا تجب النفقة أيضًا؛ لأنها متعلقة بالإرث. م: (بالنص لبطلان أهلية الإرث) ش: يعني عند اختلاف الدين. م: (فلا بد من اعتباره) ش: أي من اعتبار الإرث لوجوب النفقة. م: (ولا تجب) ش: أي النفقة. م: (على الفقير لأنها) ش: أي لأن النفقة. م: (تجب صلة وهو) ش: أي الفقير. م: (يستحقها) ش: أي يستحق الصلة. م: (على غيره فكيف تستحق) ش: على صيغة المجهول، أي فكيف تستحق النفقة. م: (عليه) ش: لأن إيجابها عليه ليس بأولى من إيجابها له، فلهذا لم يجب عليه. م: (بخلاف نفقة الزوجة) ش: حيث تجب على زوجها الفقير. م: (وولده الصغير) ش: أي وبخلاف ولده الصغير، حيث تجب نفقته على أبيه الفقير. م: (لأن) ش: أي لأن الفقير. م: (التزامها) ش: أي التزام النفقة. م: (بالإقدام على العقد) ش: أي على عقد النكاح. م: (إذ المصالح) ش: يعني من النكاح وهي التوالد والتناسل والعشرة وغير ذلك. م: (لا تنتظم دونها) ش: أي دون النفقة. م: (ولا يعمل في مثلها الإعسار) ش: أي من قبل نفقة الزوجة وولده الصغير، يعني لا يلتفت إلى الإعسار في نفقتها. وأصل الكلام أن نفقة الزوجة وولده الصغير، يعني لا يلتفت إلى الإعسار في نفقتها، وأصل الكلام أن نفقة الزوجة تجري مجرى الديون بدلالة وجوبها مع يسار المرأة، كسائر الديون. وأما نفقة ولده الصغير، فلأنها جارية مجرى نفقة الزوجة، بدلالة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 707 ثم اليسار مقدر بالنصاب، فيما روي عن أبي يوسف وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قدره بما يفضل عن نفقة نفسه وعياله شهرا، أو بما يفضل على ذلك من كسبه الدائم كل يوم، لأن المعتبر في حقوق العباد، إنما هو القدرة دون النصاب، فإنه للتيسير، والفتوى على الأول، لكن النصاب نصاب حرمان الصدقة. وإذا كان للابن الغائب مال قضي فيه بنفقة أبويه، وقد بينا الوجه فيه.   [البناية] قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف» . وقال في " شرح الكافي ": فإن كان الولد معسرًا، فليس عليه نفقتهما، لأنهما لما استويا في الحال، لم يكن أحدهما بإيجاب نفقته على صاحبه بأولى من الآخر إلا أنه روي عن أبي يوسف أنه قال: إذا كان الأب زمنًا، وكسب الأب لا يفضل عن نفقته، فعليه أن يضم الأب إلى نفسه، لأنه لو لم يفعل، ضاع الأب، ولو فعل لا يخشى الهلاك على الولد فالإنسان لا يهلك على نصف بطنه. م: (ثم اليسار) ش: أي المراد باليسار في هذا الباب. م: (مقدر بالنصاب فيما روي عن أبي يوسف) ش: رواها ابن سماعة عن أبي يوسف أنه اعتبر اليسار بنصاب الزكاة. م: (وعن محمد) ش: رواها عنه هشام. م: (أنه قدره) ش: أي قدر اليسار. م: (بما يفضل عن نفقة نفسه وعياله شهرًا) ش: يعني إذا كان له فضل على نفقة شهر له أو لعياله، فإنه يجب عليه نفقة ذوي الرحم المحرم، وإلا فلا، أو يفضل عن ذلك، هذه رواية أخرى عن محمد أو قدره محمد. م: (بما يفضل على ذلك) ش: عن نفقته ونفقة عياله. م: (من كسبه الدائم كل يوم) ش: يعني إذا كان معتملًا. وقال صاحب " التحفة ": وروي عن محمد أن من لا شيء في يده من المال وهو يكسب كل يوم درهمًا، فإنه يكفيه أربعة دوانق، ثمانية ترفع لنفسه ولعياله ما يتسع فيه وينفق فضل على ما يجبر على نفقته. م: (لأن المعتبر في حقوق العباد إنما هو القدرة) ش: على شيء. م: (دون النصاب) ش: أي دون القدرة على النصاب. م: (فإنه) ش: أي فإن اعتبار القدرة. م: (للتيسير) ش: أي بحسب ما تيسر له بخلاف النصاب فإنه في حق الله تعالى، لا يعتبر فيه إلا القدرة على النصاب الكامل. م: (والفتوى على الأول) ش: وهو اليسار مقدار النصاب. م: (لكن النصاب) ش: أي المراد من النصاب هنا. م: (نصاب حرمان الصدقة) ش: من أي مال كان، وهو أن يملك ما فضل عن حاجته الأصلية ما يبلغ مائتي درهم من أي مال كان، وهو الصحيح، ونقل في " خلاصة الفتاوى " عن " الأجناس " قال في " نوادر" أبي يوسف: يشترط نصاب الزكاة، ثم قال في " الخلاصة ": هكذا قال الصدر الشهيد في " الفتاوى الصغرى ": أن لو انقضى منه درهم، لا يجب، ثم قال في " الخلاصة ": قال: وبه يُفتى. وقدر صاحب " الهداية " أيضًا اليسار بالنصاب، لكن فسره بنصاب الزكاة وحرمان الصدقة كما ذكرنا. م: (وإذا كان للابن الغائب مال، قضي فيه بنفقة أبويه، وقد بينا الوجه فيه) ش: أي بينا وجه المسألة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 708 وإذا باع أبوه متاعه في نفقته جاز، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهذا استحسان. وإن باع العقار، لم يجز. وفي قولهما لا يجوز في ذلك كله، وهو القياس، لأنه لا ولاية له لانقطاعها بالبلوغ. ولهذا لا يملك حال حضرته، ولا يملك البيع في دين له سوى النفقة، وكذا لا تملك الأم في النفقة، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن للأب ولاية الحفظ في مال ابنه الغائب،   [البناية] في القضاء في نفقة الغائب عند قوله، ولا يقضي بنفقته في مال الغائب إلا لهؤلاء، وللزوجة أن نفقة هؤلاء واجبة قبل القضاء، لكونها متفقًا عليها، فكان قضاء القاضي إعانة لهم، وقد مر الكلام فيه. م: (وإذا باع أبوه متاعه) ش: أي متاع ابنه الغائب. م: (في نفقته جاز، عند أبي حنيفة، وهذا استحسان) ش: وعندهما لا يجوز، وفي " الكافي ": هذا الخلاف في بيع الأب. أما بيع غير الأب، لا يجوز إجماعًا، وفي حال حضرة من يستحق عليه النفقة، ليس لأحد ممن يستحق النفقة بيع العروض والعقار إجماعًا. م: (وإن باع) ش: أي الأب. م: (العقار، لم يجز) ش: إلا إذا كان الولد صغيرًا، فيبيع ذلك. وأجمعوا أن الأم لا تبيع مال ولدها الصغير والكبير. كذا في " شرح الطحاوي ". م: (وفي قولهما) ش: أي وفي قول أبي يوسف ومحمد. م: (لا يجوز في ذلك كله وهو القياس؛ لأنه) ش: أي لأن الأب. م: (لا ولاية له لانقطاعها) ش: أي لانقطاع الولاية. م: (بالبلوغ) ش: أي إذا بلغ الصغير. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل انقطاع ولايته بعد البلوغ. م: (لا يملك) ش: الأب بيع مال ابنه البالغ. م: (حال حضرته، ولا يملك البيع في دين له) ش: أي الأب. م: (سوى النفقة) ش: ولو قضى القاضي بذلك، لا يجوز لأنه قضاء على الغائب. م: (وكذا لا تملك الأم) ش: بيع متاعه. م: (في النفقة) ش: وهذا مخالف لما ذكر في الأقضية، ولما ذكره القدوري من جواز بيع الأبوين. فإما أن يكون في المسألة روايتان، في رواية الأقضية والقدوري تملك الأم البيع كالأب، لأن معنى الولادة يجمعهما وهما في استحقاق النفقة على السواء، وأما ما في الأقضية والقدوري هؤلاء، بأن الأب هو الذي يبيع، لكن لنفقتها، فأضاف البيع إليهما من حيث إن منفعة البيع تعود إليهما. قال الأكمل: وهو الظاهر، قلت: الظاهر هو الأول على ما لا يخفى. م: (ولأبي حنيفة أن للأب ولاية الحفظ في مال ابنه الغائب) ش: اعترض عليه بأنه كذلك، لكن الغرض أن يتبعه لنفقته، وإنما يصح بيعه أن لو كان قصده في البيع الحفظ، أجيب بأنه لما جاز بيعه للحفظ حقيقة، فبقصده الإنفاق لا يتغير ملك الحقيقة، إذ لا تأثير للعزيمة في تغيير الحقيقة، لا يقال عارض جهة الحفظ جهة الإتلاف بالاتفاق، لأنا نقول الإتلاف بعد وجوب النفقة في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 709 ألا ترى أن للوصي ذلك، فالأب أولى لوفور شفقته، وبيع المنقول من باب الحفظ، ولا كذلك العقار لأنها محصنة بنفسها. وبخلاف غير الأب من الأقارب، لأنه لا ولاية لهم أصلا في التصرف حالة الصغر، ولا في الحفظ بعد الكبر. وإذا جاز بيع الأب والثمن من جنس حقه، وهو النفقة، فله الاستيفاء منه. كما لو باع العقار والمنقول على الصغير، جاز لكمال الولاية، ثم له أن يأخذ منه بنفقته؛ لأنه من جنس حقه. وإن كان للابن الغائب مال في يد أبويه، وأنفقا منه لم يضمنا، لأنهما استوفيا حقهما؛ لأن نفقتهما واجبة قبل القضاء على ما مر، وقد أخذا جنس الحق، وإن كان له مال في يد أجنبي فأنفق عليهما بغير إذن القاضي ضمن، لأنه تصرف في مال الغير بغير ولاية، لأنه نائب في الحفظ لا غير،   [البناية] الحال لا يجب فلا تعارض. م: (ألا ترى أن للوصي ذلك) ش: أي بيع العروض على الوارث الكبير الغائب للحفظ. م: (فالأب أولى لوفور شفقته، وبيع المنقول من باب الحفظ) ش: لأن العين يخشى عليه الهلاك. م: (ولا كذلك العقار لأنها محصنة بنفسها) ش: فلا يحتاج إلى بيعها للحفظ. م: (وبخلاف غير الأب من الأقارب، لأنه لا ولاية لهم أصلًا في التصرف حالة الصغر ولا في الحفظ بعد الكبر، وإذا جاز بيع الأب، والثمن من جنس حقه، وهو النفقة، فله الاستيفاء منه) ش: مقدار النفقة. م: (كما لو باع العقار، والمنقول على الصغير جاز لكمال الولاية، ثم له أن يأخذ منه بنفقته لأنه من جنس حقه) ش: لا يقال إذا قدرت الدين على جنس حقه من مال الغائب ينبغي أن يأخذه؛ لأنا نقول: إنما يأخذ رب الدين إذا امتنع المديون عن الإيفاء وهاهنا لم يعلم امتناعه لغيبته فلا يأخذ. م: (وإن كان للابن الغائب مال في يد أبويه، وأنفقا منه، لم يضمنا؛ لأنهما استوفيا حقهما؛ لأن نفقتهما واجبة قبل القضاء على ما مر) ش: أشار به إلى ما قال عند قوله، ولا يُقضى بالنفقة في مال الغائب إلا لهؤلاء. م: (وقد أخذا) ش: أي الأبوان. م: (جنس الحق) ش: فلا يضمنا شيئًا. م: (وإن كان له) ش: أي الابن. م: (مال في يد أجنبي، فأنفق) ش: أي الأجنبي. م: (عليهما) ش: أي على أبويه. م: (بغير إذن القاضي ضمن) ش: أي الأجنبي. م: (لأنه تصرف في مال الغير بغير ولاية؛ لأنه نائب في الحفظ لا غير) ش: لأنه لا ولاية له عليه، ولا نيابة، حيث لم يكن وكيلًا عنه في الدفع. وقال الكاكي: بغير إذن القاضي ضمن أي في القضاء، أما ديانة فلا ضمان عليه حتى كان له أن يحلف بعد موت المودع أنه لا حق لورثته قبله، لأنه لم يدر بذلك غير الإصلاح. وفي " النوادر ": إذا لم يكن في مكان يمكن استطلاع رأي القاضي لا يضمن استحسانًا. وقد قالوا في رجلين كانا في سفر فعمي أحدهما، فأنفق رفيقه عليه من ماله، أو مات فجهزه صاحبه من ماله لا يضمن استحسانًا، وكذا العبد المأذون في التجارة إذا كان في بلاد بعيدة، فمات مولاه، فأنفق على نفسه وما معه من الأمتعة والدواب لا يضمن استحسانًا. وكذا روي عن مشايخ أنهم قالوا: إذا كان للمسجد أوقاف، ولم يكن له متول، وقام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 710 بخلاف ما إذا أمره القاضي، لأن أمره ملزم لعموم ولايته، وإذا ضمن لا يرجع على القابض، لأنه ملكه بالضمان فظهر أنه كان متبرعا به. وإذا قضى القاضي للولد والوالدين وذوي الأرحام بالنفقة فمضت مدة سقطت، لأن نفقة هؤلاء تجب كفاية للحاجة، حتى لا تجب مع اليسار، وقد حصلت بمضي المدة، بخلاف نفقة الزوجة، إذا قضى بها القاضي لأنها تجب مع يسارها، فلا تسقط بحصول الاستغناء فيما مضى. قال: إلا أن يأذن القاضي بالاستدانة عليه، لأن القاضي له ولاية عامة، فصار إذنه كأمر الغائب، فيصير دينا في ذمته، فلا تسقط بمضي المدة، والله تعالى أعلم بالصواب.   [البناية] رجل من أهل المحلة في جمع ريع الأوقاف لينفق على مصالح المسجد بما يحتاج إليه من شراء الزيت والحصير لا يضمن. م: (بخلاف ما إذا أمره القاضي؛ لأن أمره ملزم لعموم ولايته. وإذا ضمن) ش: أي الأجنبي. م: (لا يرجع على القابض) ش: وهو الأب والأم. م: (لأنه ملكه بالضمان) ش: أي لأن الأجنبي ملك المدفوع بالضمان. م: (فظهر أنه كان متبرعًا به) ش: أي بملك نفسه. م: (وإذا قضى القاضي للولد والوالدين وذوي الأرحام بالنفقة، فمضت مدة، سقطت) ش: أي النفقة، وبه قال الشافعي وأحمد. م: (لأن نفقة هؤلاء تجب كفاية للحاجة حتى لا تجب مع اليسار، وقد حصلت بمضي المدة) ش: أي كفاية الحاجة. م: (بخلاف نفقة الزوجة إذا قضى بها القاضي) ش: حيث لا تسقط، لأن نفقة المرأة جارية مجرى الديون. م: (لأنها تجب مع يسارها) ش: أي مع يسار المرأة. م: (فلا تسقط بحصول الاستغناء فيما مضى) ش: لما قلنا أنها كالدين، فلا تسقط بمضي المدة. م: (قال) ش: أي القدوري. م: (إلا أن يأذن القاضي بالاستدانة عليه) ش: هذا استثناء من قوله سقط، أراد أن القاضي إذا أذن لهم في الاستدانة عليه، فحينئذ لا تسقط نفقتهم بمضي المدة لأن ما أخذوه بإذن القاضي صار دينًا على الغائب، فلم يسقط بعد ذلك كسائر الديون. م: (لأن القاضي له ولاية عامة، فصار إذنه كأمر الغائب، فيصير دينًا في ذمته، فلا تسقط بمضي المدة) ش: وقال الكاكي: قوله: لأن إذن القاضي بالاستدانة، وإن كانت الاستدانة من نفقة ذوي الأرحام. وذكر في زكاة الجامع: أن نفقة المحارم تصير دينًا بالقضاء، ويسقط، واختلف المشايخ فيه، قيل ما ذكر في " الجامع " إذا استدان المقضي له بالنفقة، وأنفق كانت الحاجة قائمة مقام الدين. وما ذكر على غيره إذا أنفق من غيره إذا أنفق من استدانة، بل أكل من الصدقة أو المسألة، فلم تبق الحاجة بعد مضي المدة، وإليه مال السرخسي في كتاب "النكاح"، وقيل: ما ذكر في سائر الكتب ما إذا طالت المدة، وما ذكره في الجامع الصغير ما قصرت المدة، فإنه يصير دينًا بالقضاء، وكيف لا يصير دينًا والقاضي مأمور بالقضاء، ولو لم يصر دينًا لم يكن الأمر بالقضاء بالنفقة، والفصل بين القليل والكثير بالشهر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 711 فصل وعلى المولى أن ينفق على أمته وعبده، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في المماليك: «إنهم إخوانكم، جعلهم الله تعالى تحت أيديكم، أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون، ولا تعذبوا عباد الله» فإن امتنع، وكان لهما كسب، اكتسبا وأنفقا على أنفسهما، لأن فيه نظرا للجانبين حتى يبقى المملوك حيا، ويبقى فيه ملك المالك. وإن لم يكن لهما كسب بأن كان عبدا زمنا أو جارية لا يؤاجر مثلها، أجبر المولى على بيعهما، لأنهما من أهل الاستحقاق، وفي البيع إيفاء حقهما وإبقاء حق المولى بالخلف،   [البناية] [فصل نفقة الرقيق وغيره من الحيوانات] م: (فصل) ش: جميع هذا الفصل بين نفقة الرقيق وغيره من الحيوانات، وأخَّره عن الجميع وهو نفسه ظاهر. م: (وعلى المولى أن ينفق على أمته وعبده) ش: هذا بإجماع العلماء إلا عامرا الشعبي. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (في المماليك: «إنهم إخوانكم جعلهم الله تعالى تحت أيديكم، أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تعذبوا عباد الله» . ش: هذا الحديث أخرجه البخاري عن أبي ذر الغفاري، في حديث، هذا الذي ذكره المصنف بعضه، ولفظه: «هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم شيئًا، فأعينوهم» . ولفظ: «لا تعذبوا عباد الله» في رواية أبي داود، ولكن لفظه: «ومن لا يلائمكم منه فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله» ، ثم المستحب أن يطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس، وحديث أبي ذر محمول على الاستحباب. وقال ابن شهاب: قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فليطعمه مما يأكل» خرج مخرج الغالب طعمتهم متساوية وكذا كسوتهم. م: (فإن امتنع) ش: أي المولى عن الإنفاق على أمته وعبده. م: (وكان لهما) ش: أي للأمة والعبد. م: (كسب، اكتسبا وأنفقا على أنفسهما؛ لأن فيه نظرًا للجانبين) ش: جانب المولى وجانب الأمة والعبد. م: (حتى يبقى المملوك حيًا، ويبقى فيه ملك المالك، وإن لم يكن لهما كسب بأن كان عبدًا زمنًا أو جارية لا يؤاجر مثلها. أجبر المولى على بيعهما لأنهما من أهل الاستحقاق، وفي البيع إيفاء حقهما) ش: الإيفاء مصدر من أوفى يوفي من الوفاء. م: (وإبقاء حق المولى) ش: من أبقى يبقي إبقاء من البقاء. م: (بالخلف) ش: وهو الثمن. وفي " الذخيرة ": في ظاهر مذهب أصحابنا، لا يجبر الإنسان على نفقة غير الرقيق، كالحيوانات وغيرها، كالدور والعقار والزروع والثمار، إلا أن يكره، لأن فيه يضيع المال، وفيه رجل له عبد ومدبر أو أمة أو مدبرة أو أم ولد يجبر على نفقتهم، فإن أبى فكل من يصح للإجارة يؤجر، وينفق عليه من أجرته، ومن لا منفعة به لعذر، صغر أو كبر أو زمانة، وما أشبه ذلك، ففي العبد والأمة يجبر على بيعهما، وفي المدبرة وأم الولد يجبر على الإنفاق عليهما وفي المكاتب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 712 بخلاف نفقة الزوجة، لأنها تصير دينا، فكان تأخيرا على ما ذكرنا، ونفقة المملوك لا تصير دينا، فكان إبطالا. وبخلاف سائر الحيوانات، لأنها ليست من أهل الاستحقاق، فلا يجبر على نفقتها، إلا أنه يؤمر به فيما بينه وبين الله تعالى، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن تعذيب الحيوان، وفيه ذلك. ونهى عن إضاعة المال، وفيه إضاعته. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجبر، والأصح ما قلنا. والله أعلم.   [البناية] والمكاتبة لا يجبر لالتحاقهم بالأحرار. عبد بين رجلين تنازعا فيه يجبران على نفقته وفي الدابة يجبران ولو طالب أحدهما من القاضي أن يأمره بالنفقة حتى لا يكون متطوعًا فالقاضي بقول الآخر الآتي، إما أن تبيع نصيبك من الدابة أو تنفق عليها رعاية لجانب الشريك، هكذا ذكره الخصاف، وذكر السرخسي أنه لا يجبر. م: (بخلاف نفقة الزوجة؛ لأنها تصير دينًا، فكان تأخيرًا على ما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله: بخلاف نفقة الأزواج إذا قضى لها القاضي، لأنها تجب مع يسارها، فلا تسقط. م: (ونفقة المملوك لا تصير دينًا فكان إبطالًا) ش: فيجبر على البيع. م: (وبخلاف سائر الحيوانات) ش: حيث لا يجبر على الإنفاق عليها. م: (لأنها ليست من أهل الاستحقاق) ش: إذ لا بد من القضاء والإحياء ومن المقضي عليه، والعبد يصلح والحيوانات لا تصلح. م: (فلا يجبر على نفقتها إلا أنه يؤمر به) ش: أي بالإنفاق. م: (فيما بينه وبين الله تعالى لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «نهى عن تعذيب الحيوان» ش: وقد تقدم عن قريب ما رواه أبو داود: «لا تعذبوا خلق الله» ، وسنده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير عن عمر عن معروف بن سويد به. م: (وفيه ذلك) ش: أي وفي الامتناع عن إنفاق الحيوانات تعذيب الحيوان. م: «ونهى عن إضاعة المال» ش: وهو ما رواه البخاري بإسناده إلى المغيرة، قال: قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ووأد البنات وهن أحياء» . م: (وفيه إضاعته) ش: وفي ترك الإنفاق على الحيوانات إضاعة. م: (وعن أبي يوسف: أنه يجبر) ش: مالك الحيوانات على النفقة عليها، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، لأن فيه إضاعة المال وتعذيب الحيوان وهما منهيان. م: (والأصح ما قلنا) ش: أي لا يجبر على إنفاق سائر الحيوانات، لأنها ليست من أهل الاستحقاق. فروع: عبد صغير في يد رجل، فقال لغيره: هذا عبدك أو وديعة عندي، فأنكر، يستحلف بالله ما أودعه، ويقضي بنفقته على ذي اليد، لأنه أقر برقه، ولم يثبت لغيره، فيبقى على حكم ملكه، ولو كان كبيرًا لا يستحلف، لأنه في يد نفسه، والقول قوله في الرق والحرية، والنفقة تجب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 713 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] على من له المتعة مالكًا كان أو غير مالك. مسألة: أُوصي بجارية لإنسان وبما في بطنها لآخر، فالنفقة على الموصى له بالجارية. ولو أَوصى الإنسان بدار وبسكناها لآخر وهي تخرج من الثلث، فالنفقة على صاحب السكنى؛ لأن المنفعة له. فإن قال صاحب السكنى: قد انهدمت الدار، أنا أبنيها وأسكنها، كان له ذلك، ولا يصير متبرعًا، لأنه يصير مضطرًا فيه، لأنه لا يصل إلى حقه إلا به، كصاحب العلو مع صاحب السفل، وامتنع صاحبه مع بنائه. وكذا لو أُوصي بنخل ولآخر بثمره، فالنفقة على صاحب الثمرة. وفي التبن والحنطة وإن بقي شيء من ثلث ماله، فالتخليص في ذلك على صاحب المال، وإن لم يبق، فالتخليص عليهما، لأن المنفعة لهما. وفي السمسم أُوصي بدهنه لواحد وبشجره لآخر، فالنفقة على صاحب الدهن. عن محمد: ذَبح شاة وأوصى بلحمها لواحد وبجلدها لآخر، فالتخليص عليهما كالحنطة والتبن. وقيل: أجرة الذبح على صاحب اللحم دون الجلد. وفي " التنبيه ": ينبغي أن تجب نفقة المبيع قبل القبض على المشتري. والصحيح أن نفقته على البائع ما دام في يده. وفي " المغني ": لا يجبر العبد على الضريبة. وكان كثير من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - يضربون الضراب على رقيقهم. روي أنه كان ألف مملوك للزبير، على كل واحد منهم كل يوم درهم، والله أعلم بالصواب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 714 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كتاب العتاق   [البناية] [كتاب العتاق] [تعريف العتاق] م: (كتاب العتاق) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام العتاق، والمناسبة في ذكر العتاق بعد الطلاق لأنهما يتساويان في إسقاط السراية واللزوم، ولا يقبل العتق الفسخ كالطلاق، إلا أنه قدم الطلاق على العتاق، مع أنه غير مندوب إليه بمقابلة ذكر النكاح، وقد قلنا: إن العتاق إسقاط الحق، والإسقاطات أنواع يختلف أسماؤها باختلاف أنواعها، فإسقاط الحق من الرق عتق، وإسقاط الحق عن البضع طلاق، وإسقاط ما في الذمة براءة، وإسقاط الحق عن القصاص والجراحات عفو. ثم العتاق والعتق عبارتان عن القوة، يقال: عتق الطائر: إذا قوي فطار عن وكره، ومنه عتاق الطير لاختصاصها بمزيد القوة، والخمرة إذا تقادم عهدها تسمى عتيقاً لاختصاصها بزيادة القوة. والكعبة تسمى عتيقاً لاختصاصها بالقوة الدافعة للتملك عن نفسها وخلاصها من أيدي الجبابرة، والعتيق: الجميل، ومنه تسمى أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عتيقاً، لجماله، وقيل: لقدمه في الخير، وقيل: لعتقه من النار، وقيل: لشرفه. وقيل: قالت أمه لما وضعته: هذا عتيقك من الموت، فوهبته له، وكانت لا يعيش لها ولد. أو قيل: اسمه العلم. يقال: أعتق يعتق عتقاً وعتاقاً، وأعتقه سيده إعتاقاً. وفي " الصحاح ": العتق: الحرية، وكذا العتاق بفتح العين، والعبد عتيق أي معتق وفي " المغرب ": العتق: الخروج عن الملكية، وقد يقام العتق مقام الإعتاق، ومنه قول محمد: أنت طالق مع عتق مولاك إياك. وفي " المبسوط ": الإعتاق لغة إثبات القوة، وفي الشرع إثبات القوة الشرعية بإزالة الرق الشرعي. والقوة الشرعية، كونه أهلاً للقضاء والولاية والشهادة، قادر على التصرف في الأغيار، وعلى دفع تصرف الأغيار عن نفسه. وقال الأترازي: الإعتاق إزالة ملكه [ ... ] زوال إلى العتق، وهذا عند أبي حنيفة. والعتق الحرية الحاصلة بعد الملك، وقالا: الإعتاق إثبات العتق، والملك عبارة عن المطلق الحاجر. والرق عبارة عن معنى إذا ثبت في الآدمي يصح تملكه، انتهى. والحرية عبارة عن الخلوص، يقال: طين حر؛ أي خالص مما يشوبه، وأرض حرة أي خالصة لا خراج [في] غلتها ولا عشر. وفي الشرع: الحرية خلوص حكمي يظهر في الآدمي بانقطاع حق الاعتبار عن نفسه، وإثبات هذا الوصف الحكمي يسمى إعتاقاً وتحريراً. ومن محاسنه أنه إحياء حكمي يخرج العبد عن كونه ملحقاً بالجمادات إلى كونه أهلاً للكرامات البشرية من قبول الشهادة والولاية والقضاء. ثم العتق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 3 الإعتاق تصرف مندوب إليه، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أيما مسلم أعتق مؤمنا أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار»   [البناية] يحتاج إلى معرفة أشياء: [وهي] معرفة تفسيره، لغة وشرعاً، وقد ذكرناهما، وسببه وشرطه وركنه وحكمه وحقيقته وأنواعه. فسببه: نوعان في الواجبات، ما شغل ذمته بوجوب الإعتاق من النذور والكفارات. وفي غير الواجبات هو ملك القريب، والنشاط الداعي إليه في نفسه من طلب الثواب، أو طلب رضاء غيره. وشرطه: أن يكون المعتق حراً بالغاً مالكاً لملك اليمين. وركنه: ما ثبت به العتق، وهو نوعان: صريح وكناية. وحكمه: زوال الرق والملك عن المحل. وصفته: أنه مندوب إليه لكنه ليس بعبادة حتى يصح من الكافر. وأنواعه: المرسل والمعلق والمضاف إلى ما بعد الموت، وكل منها إما ببدل أو بغيره. [حكم الإعتاق] م: (الإعتاق تصرف مندوب إليه) . ش: يقال: ندبه للأمر فانتدب، أي دعاه له فأجاب. م: (قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) . ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «أيما مسلم أعتق مؤمنا أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن سعد بن مرجانة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما امرئ مسلم أعتق امرءاً مسلماً استنقذ الله بكل عضو منه عضواً من النار» . وفي لفظ: «من أعتق رقبةً أعتق الله بكل عضو منها عضواً من أعضائه من النار، حتى الفرج بالفرج» ، وذكر البخاري في كتاب النذر: وينبغي أن لا يكون أشل ولا أعور ولا أصم وغير ذلك؛ لينال بذلك ما وعد الله في الحديث، يقول: حتى الفرج بالفرج. وثبت في الحديث أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أفضلها أعلاها» روي بعين مهملة، وبغين معجمة. لو كان العبد اليهودي أو النصراني أكثر ثمناً من المسلم، فإعتاق اليهودي والنصراني أفضل من المسلم عند مالك؛ لظاهر الحديث. وقال أصبغ: المسلم أفضل، وهو الحق لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أيما رجل أعتق مسلماً» . وقال عبد الملك: أعلاها ثمناً في ذوي الدين، ولو غلب على ظنه أنه لو أعتقه يذهب إلى دار الحرب أو يرتد أو يخاف منه السرقة أو قطع الطريق، كان إعتاقه محرماً وينفذ عتقه. وفي " المحيط " وغيره: الإعتاق على ثلاثة أقسام: قربة ومباح ومعصية. فالقربة لوجه الله تعالى، والمباح هو العتق لزيد، والمعصية الإعتاق لوجه الشيطان، أو للصنم، وعند الظاهرية لا يعتق في هذا الوجه. وفي " التحفة ": الإعتاق أنواع، قد يكون قربة وطاعة لله تعالى بأن أعتق لوجه الله تعالى، أو نوى كفارة عليه، وقد يكون مباحاً غير قربة، بأن أعتق من غير نية أو أعتق لوجه فلان، وقد يكون معصية، بأن قال: أنت حر لوجه الشيطان، ويقع العتق أيضاً، ومال العبد لمولاه عند الجمهور، وعند الظاهرية للعبد، وهو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 4 ولهذا استحبوا أن يعتق الرجل العبد، والمرأة الأمة ليتحقق مقابلة الأعضاء بالأعضاء. قال: العتق يصح من الحر البالغ العاقل في ملكه شرط الحرية، لأن العتق لا يصح إلا في الملك، ولا ملك للمملوك، والبلوغ، لأن الصبي ليس من أهله؛ لكونه ضررا ظاهرا، ولهذا لا يملك المولى عليه.   [البناية] قول الحسن وعطاء والنخعي والشعبي ومالك وأهل المدينة؛ لما روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «من أعتق عبداً وله مال فالمال للعبد» رواه أحمد. وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا أعتق عبداً لم يتعرض لماله. وللجمهور ما روي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال لغلامه: يا عمير إني أريد أن أعتقك عتقاً وهباً، فأخبرني بمالك، فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «أيما رجل أعتق عبده أو غلامه فلم يخبره بماله فماله لسيده» رواه الأثرم، ويدل عليه قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من باع عبدا ًوله مال فماله لبائعه» ، وقال الوليد: هذا الحديث خطأ، وفعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - من باب التنفيل. م: (ولهذا) . ش: أي ولكون العضو في مقابلة العوض في الإعتاق. م: (استحبوا) . ش: أي العلماء. م: (أن يعتق الرجل العبد، والمرأة الأمة ليتحقق مقابلة الأعضاء بالأعضاء) . ش: ومقابلة الفرج بالفرج إنما تتحقق بين الذكرين، وبين الأنثيين، بخلاف ما إذا كان بين الذكر والأنثى. م: (قال) . ش: أي القدوري في " مختصره " م: (والعتق يصح من الحر العاقل البالغ في ملكه) . ش: الذي يدل عليه كلام القدوري أن لصحة الإعتاق أربع شرائط: الأول: الحرية، والثاني: العقل، والثالث: البلوغ، والرابع: أن يكون العبد في الملك، وشرحها المصنف كما ترى فقال. م: (شرط) . ش: أي القدوري. م: (الحرية لأن العتق لا يصح إلا في الملك، ولا ملك للمملوك، والبلوغ) . ش: بالنصب، أي وشرط البلوغ. م: (لأن الصبي ليس من أهله) . ش: أي من أهل العتق، أي الإعتاق. م: (لكونه) . ش: أي لكون الإعتاق ضرراً في حقه. م: (ضرراً ظاهراً) . ش: أي في حقه. م: (ولهذا) . ش: أي ولأجل كون الإعتاق. م: (لا يملك المولى عليه) . ش: أي على الإعتاق عنه، وكذا الوصي، وإنما قلنا أي الإعتاق؛ لأن الصبي من أهل العتق، ألا ترى أنه لو ورث أخاه يعتق عليه، يدل على أنه من أهل العتق، ولكنه ليس من أهل الإعتاق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 5 والعقل؛ لأن المجنون ليس بأهل للتصرف، ولهذا لو قال البالغ أعتقتك وأنا صبي فالقول قوله، وكذا لو قال المعتق: أعتقت وأنا مجنون، وجنونه كان ظاهرا؛ لوجود الاستناد إلى حالة منافية، وكذا لو قال الصبي: كل مملوك أملكه فهو حر إذا احتلمت لأنه ليس بأهل لقول ملزم، ولا بد أن يكون العبد في ملكه حتى لو أعتق عبد غيره لا ينفذ عتقه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم» ، وإذا قال لعبده أو أمته: أنت حر أو معتق أو عتيق أو محرر أو قد حررتك أو قد عتقتك، فقد أعتق، نوى به العتق أو لم ينو؛ لأن هذه الألفاظ صريحة فيه لأنها مستعملة فيه شرعا وعرفا، فأغنى ذلك عن النية والوضع.   [البناية] م: (والعقل) . ش: بالنصب أيضاً أي وشرط العقل. م: (لأن المجنون ليس من بأهل للتصرف، ولهذا) . ش: أي ولكون الصبي غير أهل للتصرف. م: (لو قال البالغ: أعتقتك وأنا صبي فالقول قوله) . ش: لأنه لما أسند إلى حالة منافية للإعتاق كان إنكاراً منه للإعتاق، والقول للمنكر. [قال المعتق أعتقت وأنا مجنون] م: (وكذا لو قال المعتق أعتقت وأنا مجنون) . ش: يعني يكون القول قوله، ولكن فيه شرط، أشار إليه بقول. م: (وجنونه كان ظاهراً) . ش: قيد به لأن جنونه لو لم يكن ظاهراً لا يسمع كلامه، وقوله. م: (لوجود الاستناد إلى حالة منافية) . ش: أي للإعتاق، وهذا التعليل يشمل الفصلين، أعني فصل دعوى البالغ الإعتاق في حالة الجنون [ .... ] . م: (وكذا) . ش: أي ولا يصح العتق. م: (لو قال الصبي: كل مملوك أملكه فهو حر إذا احتلمت، لأنه ليس بأهل لقول ملزم) . ش: يعني لأن الصبي يوجب الحجز عن الأقوال. فإن قيل: لا نسلم بذلك بل هو أصل له، ألا ترى أن صبياً لو أقر بالرق لزمه، حتى لو ادعى بعد البلوغ حرية الأصل لا يسمع دعواه. أجيب بأن اللزوم ثمة هو يد صاحب اليد، وإقراره مؤكد مؤبد له. م: (ولا بد أن يكون العبد في ملكه) . ش: يعني وقت الإعتاق، وهو قول الجمهور، وقال مالك: إنه يعتق عبد ابنه الصغير، وليس له أن يعتق عبد ابنه الكبير. م: (حتى لو أعتق عبد غيره لا ينفذ) . ش: إنما قال لا ينفذ، ولم يقل: لا يصح، ولا يجوز، لأن إعتاق ملك الغير صحيح، وينفذ بإجازة المالك عندنا، ولا ينفذ بغير إجازته. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) . ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:. م: «لا عتق فيما لا يملك ابن آدم» . ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي عن عامر الأحول عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا نذر لابن آدم فيما لا يملك» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.. م: (وإذا قال لعبده أو أمته: أنت حر أو معتق أو عتيق أو محرر أو قد حررتك أو قد أعتقتك، فقد أعتق، نوى به العتق أو لم ينو؛ لأن هذه الألفاظ صريحة فيه) . ش: أي في الإعتاق، ولا خلاف فيه لأحد. م: (لأنها مستعملة فيه شرعاً وعرفاً، فأغنى ذلك عن النية) . ش: لأن هذه الألفاظ صريحة فلا تحتاج إلى النية. م: (والوضع) . ش: أي وضع هذه الألفاظ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 6 وإن كان في الإخبار فقد جعل إنشاء في التصرفات الشرعية للحاجة كما في الطلاق، والبيع وغيرهما، ولو قال عنيت به الإخبار بالباطل أو أنه حر من العمل صدق ديانة؛ لأنه يحتمله ولا يدين قضاء لأنه خلاف الظاهر. ولو قال له: يا حر يا عتيق، يعتق؛ لأنه نداء بما هو صريح في العتق، وهو لاستحضار المنادى بالوصف المذكور، هذا هو حقيقته فيقتضي تحقق الوصف فيه، وأنه يثبت من جهته فيقتضي ثبوته تصديقا له، وسنقرره من بعد إن شاء الله تعالى، إلا إذا سماه حرّا ثم ناداه يا حر؛ لأن مراده الإعلام باسم علمه وهو ما لقبه به. ولو ناداه بالفارسية يا آزاد وقد لقبه بالحر، قالوا يعتق، وكذا عكسه إذ ليس فيه نداء باسم علمه فيعتبر إخبارا عن الوصف   [البناية] م: (وإن كان في الإخبار) . ش: في الأصل لأنه صورة الإخبار. م: (فقد جعل) . ش: أي هذا الوضع. م: (إنشاء في التصرفات الشرعية للحاجة) . ش: أي لحاجة الناس. م: (كما في الطلاق) . ش: فإن قوله: أنت طالق، إخبار في الأصل، ولكنه جعل إنشاء لحاجة الناس إليه. م: (والبيع) . ش: أي وكما في البيع، فإن قول البائع: بعت، وقول المشتري: اشتريت، إخبار في الأصل، ولكنه جعل إنشاء. م: (وغيرهما) . ش: مثل الإجازة ونحوها. م: (ولو قال عنيت به الإخبار) . ش: أي لو قال قصدت به، أي بلفظ من الألفاظ المذكورة الإخبار. م: (بالباطل) . ش: أي بالكذب. م: (أو أنه حر من العمل) . ش: أي أو قال قصدت به أنه حر من العمل أي لا أستعمله في عمل. م: (صدق ديانة) . ش: أي فيما بينه وبين الله تعالى. م: (لأنه يحتمله) . ش: أي يحتمل ما قصده باعتبار وضعه الأصلي. م: (ولا يدين قضاء) . ش: أي ولا يصدق من حيث القضاء. م: (لأنه خلاف الظاهر) . ش: لأن الظاهر أنه إنشاء، والإنشاء إثبات أمر لم يكن. [قال لعبده يا حر يا عتيق] م: (ولو قال له: يا حر، يا عتيق؛ يعتق، لأنه نداء بما هو صريح في العتق وهو) . ش: أي النداء. م: (لاستحضار المنادى بالوصف المذكور) . ش: وهو الحرية. م: (هذا هو حقيقته) . ش: أي حقيقة المنادى بما هو موضوع للحرية. م: (فيقتضي تحقق الوصف فيه) . ش: أي تحقق هذا الوصف فيه، وهو الحرية. م: (وأنه يثبت من جهته) . ش: أي وإن الوصف، وهو الحرية يثبت من جهة المنادي. م: (فيقتضي ثبوته) . ش: أي ثبوت الوصف. م: (تصديقاً له) . ش: أي لكلامه. م: (وسنقرره من بعد إن شاء الله تعالى) . ش: أي في مسألة يا ابني يا أخي. م: (إلا إذا سماه حراً) . ش: هذا استثناء من قوله يعتق إلا إذا سمى عبده بلفظ حر. م: (ثم ناداه يا حر) . ش: فإنه لا يعتق. م: (لأن مراده الإعلام باسم علمه وهو ما لقبه به) . ش: فلا يكون إنشاء للحرية.. م: (ولو ناداه بالفارسية يا آزاد) . ش: بفتح الهمزة وبالزاء المخففة وبالدال المهملة. م: (وقد لقبه بالحر) . ش: أي والحال أنه قد لقب عبده بهذا اللفظ. م: (قالوا) . ش: أي قال المشائخ. م: (يعتق، وكذا عكسه) . ش: يعني إذا ناداه بقوله يا حر وقد سماه آزاد يعتق. م: (إذ ليس فيه نداء باسم علمه) . ش: أي لأنه لم يناده باسم علمه. م: (فيعتبر إخباراً عن الوصف) . ش: أي الحرية لأنه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 7 وكذلك لو قال رأسك حر، ووجهك، فيعتبر إخبارا عن الوصف، وكذا لو قال: رأسك حر، ووجهك، أو رقبتك أو بدنك، أو قال لأمته: فرجك حر، لأن هذه الألفاظ يعبر بها عن جميع البدن وقد مر في الطلاق، وإن أضافه إلى جزء شائع يقع في ذلك الجزء، وسيأتيك الاختلاف فيه إن شاء الله تعالى، وإن أضافه إلى جزء معين لا يعبر به عن الجملة كاليد والرجل لا يقع عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والكلام فيه كالكلام في الطلاق وقد بيناه. ولو قال: لا ملك لي عليك ونوى به الحرية عتق، وإن لم ينو لم يعتق لأنه يحتمل أنه أراد لا ملك لي عليك لأني بعتك، ويحتمل لأني أعتقتك، فلا يتعين أحدهما مرادا إلا بالنية.   [البناية] روى المعنى الذي وضع اللفظ له. وإذا قال لعبده: يا آزاد مرد، اختلف المشائخ فيه، قال بعضهم: يعتق، وقال بعضهم لا يعتق، وبه قال الفقيه أبو الليث في النوازل، لأنه إذا قيل آزاد يراد به العتق، وإذا قيل آزاد مرد يراد به الإنسانية ولا يراد به العتق. [قال رأسك حر أو وجهك أو رقبتك أو بدنك] م: (وكذلك) . ش: أي وكذلك يعتق. م: (لو قال رأسك حر أو وجهك أو رقبتك أو بدنك أو قال لأمته فرجك حر، لأن هذه الألفاظ يعبر بها عن جميع البدن وقد مر في الطلاق) . ش: بأنه إذا قال رأسك طالق أو وجهك طالق، وقد مر فيه كتاب الطلاق. م: (وإن أضافه) . ش: أي الإعتاق. م: (إلى جزء شائع) . ش: كالنصف والثلث وما أشبه ذلك. م: (يقع في ذلك الجزء) أي يقع العتق في ذلك الجزء الشائع ثم يؤدي إلى الجميع كمن أعتق بعض جاريته. م: (وسيأتيك الاختلاف فيه إن شاء الله تعالى) . ش: يريد به الاختلاف في مجرى الإعتاق عند أبي حنيفة وصاحبيه على ما نذكره إن شاء الله تعالى. م: (وإن أضافه) . ش: أي وإن أضاف الإعتاق. م: (إلى جزء معين لا يعبر به عن الجملة كاليد والرجل) . ش: فإنهما لا يعبر بهما عن البدن. م: (لا يقع عندنا خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . ش: وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد أيضاً. م: (والكلام فيه) . ش: أي في الإعتاق. م: (كالكلام في الطلاق وقد بيناه) . ش: أي في باب إيقاع الطلاق، وفي " المنتقى " قال لعبده: ذكرك حر، يعتق، ولو قال: فرجك حر، قيل: يعتق كالأمة. وقال محمد: لا يعتق، لأن فرجه لا يعبر به عن جميع البدن، بخلاف الأمة. ولو قال لأمته: فرجك حر عن الجماع، عتقت. وفي " المحيط ": لو قال: ذكرك حر، أو رأسك حر، أو قال لأمته، ذكر ابن سماعة: أنه يعتق كالفرج. وقيل: لا يعتق، وهو الأصح، ومثله جزؤك، ولو قال: عنقك حر، قيل: لا يعتق كالمدبر، وقيل: يعتق كالرقبة. ولو قال: لسانك حر، يعتق وفي الدم روايتان. م: (ولو قال لا ملك لي عليك، ونوى به الحرية يعتق، وإن لم ينو لا يعتق) . ش: لأنه من الكنايات، ونص أحمد صريح. م: (لأنه يحتمل أنه أراد لا ملك لي عليك، لأني بعتك، ويحتمل لأني عتقتك، فلا يتعين أحدهما مراداً إلا بالنية) . ش: وكذا لا رق لي عليك، وقيل: فيه روايتان. ولو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 8 وقال وكذا كنايات العتق، وذلك مثل قوله: خرجت من ملكي، ولا رق لي عليك ولا سبيل لي عليك، وقد خليت سبيلك؛ لأنه يحتمل نفي السبيل والخروج عن الملك، وتخلية السبيل بالبيع والكناية كما يحتمل بالعتق فلا بد من النية.   [البناية] قال لعبده هذا عبد الله، أو يا عبد الله لا يعتق، لأنه صادق. وفي المرغيناني: قال لعبده أعتقتك لله، يعتق. وقيل: يعتق بالنية، والمختار الأول. ولو قال: العتاق عليك يعتق. ولو قال: عتقك علي واجب، لا يعتق، بخلاف الطلاق؛ لأنه واجب بالوقوع، ولو قال: تصبح حراً فهذا عتق مضاف إلى الغدو. ولو قال: تقوم حراً وتقعد حراً يعتق في الحال. ونقل صاحب " الأجناس " عن " نوادر ابن رستم " عن محمد: لو قال لمملوكه أنت غير مملوك لا يكون عتقاً، لكن ليس له أن يدعيه، وقال في " خلاصة الفتاوى " ليس له أن يستخدمه، فإن مات لا يرث بالولاء. وإن قال المملوك بعد ذلك أنا مملوك له فصدقه كان مملوكاً. وقال فيه أيضاً وكذا لو قال: هذا ليس بعبدي لا يعتق. [قوله خرجت من ملكي ولا رق لي عليك] م: (قال) . ش: أي القدوري. م: (وكذا كنايات العتق) . ش: أي وكذا يقع بها العتق إذا وجدت النية وإلا فلا. م: (وذلك) . ش: إشارة إلى تفسير ما ذكره القدوري. م: (مثل قوله خرجت من ملكي، ولا رق لي عليك، ولا سبيل لي عليك، وقد خليت سبيلك؛ لأنه يحتمل نفي السبيل والخروج عن الملك وتخلية السبيل بالبيع والكناية كما يحتمل بالعتق، فلا بد من النية) . ش: لتعين المراد. وقال في " التحفة ": في قول لا سبيل لي عليك إن نوى العتق ومات لم ينو يصدق في القضاء، لأنه لفظ مشترك إلا إذا قال: لا سبيل لي عليك إلا سبيل الولاء فهو حر في القضاء، ولا يصدق أنه أراد به غير العتق، ولو قال: إلا سبيل الموالاة يصدق في القضاء؛ لأنه قد يراد به الموالاة في الدين بخلاف لفظ الولاية، فإنه يستعمل في ولاء العتق. وقال القدوري في شرحه: فإن لم ينو في قوله لا سبيل لي عليك إلا سبيل الولاء فهو حر في القضاء، ولا يصدق أنه أراد به غير العتق، ولو قال: إلا سبيل الموالاة يصدق في القضاء، لأنه قد يراد به الموالاة في الدين، بخلاف لفظ الولاية فإنه يستعمل في ولاء العتق. وقال القدوري في شرحه: فإن لم ينو في قوله لا سبيل لي عليك فهو رقيق لأن المولى قد يقول لعبده: لا سبيل لي عليك بالدم، لأنك وفيت بالخدمة وفعلت ما أمرتك. وقد يقول لا سبيل لي عليك لأني كاتبتك فزالت يدي عنك، ولا سبيل لي عليك لأني أعتقتك، فإذا احتمل اللفظ العتق وغيره لم يقع إلا بالنية، انتهى، وقيل في لا سبيل لي عليك، لأن السبيل المضاف إلى العبد كناية عن الملك، لأنه طريق إلى نفاذ التصرف فيه، ولو نفى الملك بأن قال: لا ملك لي عليك ونوى العتق. فإن قيل: زوال اليد إما أن يكون ملزوماً لزوال الملك أو لازماً له، فإن كان الأول فليكن مجازاً، لأن المجاز ذكر الملزوم وإرادة اللازم، وإن كان الثاني فليكن كناية عن الكناية ذكر اللازم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 9 وكذا قوله لأمته: قد أطلقتك؛ لأنه بمنزلة قوله خليت سبيلك، وهو المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بخلاف قوله طلقتك على ما نبين من بعد إن شاء الله تعالى. ولو قال: لا سلطان لي عليك ونوى العتق لم يعتق، لأن السلطان عبارة عن اليد، وسمي السلطان به لقيام يده، وقد يبقى الملك دون اليد كما في المكاتب بخلاف قوله لا سبيل لي عليك، لأن نفيه مطلقا بانتفاء الملك، لأن للمولى على المكاتب سبيلا، فلهذا يحتمل العتق.   [البناية] وإرادة الملزوم. فالجواب أنه ليس بملزوم لزوال الملك لانفكاكه عنه، كما في المكاتب، ولا يلازم لانفكاكه زوال الملك عنه، فإن الملك يزول بالبيع قبل التسليم واليد باق إلى أن يسلم. م: (وكذا قوله لأمته قد أطلقتك) . ش: أي كذا هذا اللفظ أيضاً من كنايات العتق. فإذا نوى العتق عتقت وإلا فلا. م: (لأنه بمنزلة قوله خليت سبيلك، وهو المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بخلاف قوله طلقتك) . ش: حيث لا يثبت به العتق وإن نوى، لأنه صريح في الطلاق، فلا يثبت به العتق. م: (على ما نبين من بعد إن شاء الله تعالى) . ش: أراد به عند قوله لأمته أنت طالق. م: (ولو قال: لا سلطان لي عليك ونوى العتق لم يعتق، لأن السلطان عبارة عن اليد) . ش: فيه تسامح، بل هو عبارة عن صاحب اليد والسلطنة، كذا قال الكاكي، وقال الأكمل: يقال لفلان سلطنة، ويراد بها القدرة الثانية من حيث اليد والاستيلاء ففيه نفي اليد، فكأنه قال لا يد لي عليك، ولو قال ذلك ونوى به العتق لم يعتق لجواز أن تزول اليد ويبقى الملك. قلت: ما قاله حاصل ما قاله المصنف بقوله. م: (وسمي السلطان به) . ش: أي بلفظ السلطان. م: (لقيام يده) . ش: بتصرفه كيف شاء. م: (وقد يبقى الملك دون اليد كما في المكاتب) . ش: فإن المولى لا يد له على المكاتب وملكه فيه باق. م: (بخلاف قوله لا سبيل لي عليك، لأن نفيه) . ش: أي نفي السبيل. م: (مطلقاً) . ش: يعني من غير قيد بشيء يكون. م: (بانتفاء الملك؛ لأن للمولى على المكاتب سبيلاً) . ش: يعني من حيث المطالبة ببدل الكتابة، حتى إذا انتفى عند ذلك بالبراءة يعتق. م: (فلهذا يحتمل العتق) . ش: أي فلأجل أن نفي السبيل مطلقاً بانتفاء الملك يحتمل قوله: لا سبيل لي عليك، العتق. وقال الأترازي: وقد روي عن الكرخي أنه قال: ما صح لي وجه الفرق بين المسألتين، وقد فني عمري، وقال أبو بكر الرازي: خرج الشيخ أبو الحسن الكرخي من الدنيا، والفرق بين السبيل والطلاق مشكل عليه. وقال الكاكي: والفرق ما ذكره في الكتاب. ووجه آخر أن السلطان مشترك بين الحجة واليد، ونفي أحدهما لا يستدعي نفي الآخر، ونفي كل واحد منهما لا يستدعي نفي الملك كما في الكتابة، وفي " الينابيع " قال: لا سلطان لي عليك ونوى العتق لا يعتق، وقيل يعتق. وقال الأترازي: لفظ القدوري في مختصره لا يعتق، وهو رواية الأصل، وقال في " الحاوي ": يعتق إذا نوى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 10 ولو قال: هذا ابني وثبت على ذلك عتق، ومعنى المسألة إذا كان يولد مثله لمثله، فإن كان لا يولد مثله لمثله، ذكره بعد هذا، ثم إن لم يكن للعبد نسب معروف يثبت نسبه منه، لأن ولاية الدعوة بالملك ثابتة، والعبد محتاج إلى النسب فيثبت نسبه منه، فإذا ثبت عتق؛ لأنه يستند النسب إلى وقت العلوق، وإن كان له نسب معروف لا يثبت نسبه منه للتعذر، ويعتق إعمالا للفظ في مجازه عند تعذر إعمال الحقيقة. ووجه المجاز نذكره من بعد إن شاء الله تعالى.   [البناية] [وصف مملوكه بصفة من يعتق عليه إذا ملكه] م: (ولو قال هذا ابني وثبت على ذلك عتق) . ش: هذا القيد اتفاقي، لأنه ذكر في " الينابيع " الثبوت على الإقرار ليس بلازم، ولهذا لم يذكر هذا اللفظ في " المبسوط ". وفي " أصول فخر الإسلام " الثبات على ذلك شرط لثبوت النسب لا للعتق. وفي " المحيط " و " جامع شمس الأئمة " و " المجتبى ": هذا ليس بقيد، حتى لو قال بعد قوله هذا ابني: أوهمت أو أخطأت يعتق ولا يصدق. ولو قال لأجنبية يولد مثلها لمثله هذه بنتي وتزوجها بعد ذلك جاز أصر على ذلك أم لا، قالوا: هذا الجواب في معروفة النسب، أما في مجهولة النسب، أي دام على ذلك ثم تزوجها لم تجز وإلا جاز. وقال صاحب " المجتبى ": عرف بهذا أن الثبوت على ذلك شرط في الفرقة وامتناع جواز النكاح دون العتق. م: (ومعنى المسألة) . ش: إنما قال - ومعنى المسألة - لأن المسألة ذكرها القدوري، وفسرها المصنف بقوله، معنى المسألة. م: (إذا كان يولد مثله لمثله، فإن كان لا يولد مثله لمثله ذكره بعد هذا) . ش: أي ذكره القدوري بعد هذا بقوله وإن قال لغلام لا يولد مثله لمثله هذا ابني. م: (ثم إن لم يكن للعبد نسب معروف ثبت نسبه منه، لأن ولاية الدعوة بالملك ثابتة، والعبد يحتاج إلى النسب) . ش: حتى يحصل له معين وظهير. م: (فيثبت نسبه منه) . ش: أي فيثبت نسبه من مولاه، لأنه ليس له نسب معروف. م: (فإذا ثبت، عتق؛ لأنه يستند النسب إلى وقت العلوق، وإن كان له) . ش: أي للعبد. م: (نسب معروف لا يثبت نسبه منه للتعذر) . ش: لأنه ثابت من الغير. م: (ويعتق إعمالاً للفظ في مجازه) . ش: يعني عملاً بمجاز اللفظ، لأن البنوة سبب التحرير، وإطلاق السبب وإرادة المسبب طريق من طريق المجاز. م: (عند تعذر إعمال الحقيقة) . ش: لأن الذهاب إلى المجاز له طرق، منها عند تعذر الحقيقة وتعذر العمل بالحقيقة هنا ظاهر. م: (ووجه المجاز نذكره من بعد إن شاء الله تعالى) . ش: يعني عند بيان الدليل لأبي حنيفة في قوله - وإن قال لغلام لا يولد مثله لمثله هذا ابني عتق عند أبي حنيفة - والأصل في هذا الباب أن من وصف مملوكه بصفة من يعتق عليه إذا ملكه عتق عليه، أعني القرابات المحرمة للنكاح، كقوله هذا ابني، أو هذه بنتي، أو هذا أبي، أو هذه أمي، أو هذا عمي أو خالي، أو قال: هذا جدي، قال في " التحفة ": ذكر في ظاهر الرواية وسوى بين الكل إلا في الأخ والأخت، فإنه لا يعتق إلا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 11 ولو قال: هذا مولاي، أو يا مولاتي عتق، أما الأول فلأن اسم المولى وإن كان ينتظم الناصر وابن العم والموالات في الدين، والأعلى، والأسفل في العتاقة.   [البناية] بالنية. وروى عن أبي حنيفة أنه سوى بين الكل وقال يعتق. ثم اعلم أن في قوله هذا أبي وهذه أمي وهو يصلح أن يكون ولداً لهما وهو مجهول النسب يثبت العتق، ولكن لا يثبت النسب ما لم يصدقاه، بخلاف قوله لمجهول النسب هذا ابني حيث يثبت العتق والنسب بلا تصديق، وعليه نص الحاكم، لأن في الصورة الأولى يحمل النسب على غيره فيعتبر تصديقه بخلاف النبوة، لأنه تحملها على نفسه، كذا في " الشامل "، ثم إذا قال له هذا ابني، هل تصير أمه أم ولد له إذا كانت في ملكه، بعضهم قالوا: لا يثبت الاستيلاء سواء كان الولد مجهول النسب أو معروف النسب. وقال بعضهم: يثبت في الحالين. وبعضهم فرق إن كان معروف النسب لا يثبت، وفي مجهول النسب يثبت. كذا في " التحفة ". [قال لعبده هذا مولاي أو يا مولاتي] م: (ولو قال: هذا مولاي، أو يا مولاتي عتق) . ش: هذا لفظ القدوري في " مختصره "، وعليه نص الحاكم في الكافي، ولا يحتاج إلى النية لكونه صريحاً، كذا في " التحفة "، ونقل في " خلاصة الفتاوى " عن العيون قال: لا يعتق بالنداء إلا في موضعين، يا مولاي يا حر، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعتق بدون النية، وبه قال الشافعي، ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (أما الأول) . ش: وهو قوله هذا مولاي. م: (فلأن اسم المولى وإن كان ينتظم الناصر) . ش: أشار بهذا إلى أن لفظ المولى مشترك يجيء بمعنى الناصر، قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11] (محمد الآية: 11) ، أي لا ناصر لهم. م: (وابن العم) . ش: قال الله تعالى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5] (مريم الآية: 5) ، أي ابن عمي بعد موتي، كذا قال أهل التفسير. وقال طرفة: فمالي أراني وابن عمي مالكاً ... متى أدن منه ينئى عني ويبعدا فلو كان مولاي امرء غيره ... لفرج كربي أو لأنظر في غدا والمولى في البيت بمعنى ابن العم. م: (والموالات في الدين) . ش: يقال مولى الموالات وصورة الموالات حر عاقل بالغ مسلم غير معتق لأحد، ولم يعقل عنه بقوله لآخر أنت مولاي ترث عني إذا مت وتعقل إذا جنيت ويقول الآخر قبلت، فيكون القابل مولى له ويرث منه إذا مات ويعتق عنه إذا جنى. م: (والأعلى) . ش: أي المولى الأعلى، وهو الذي يعتق. م: (والأسفل في العتاقة) . ش: وهو الذي أنعم عليه بالعتق، والأعلى مقابله والمصنف ذكر للمولى خمسة معان. وذكر ابن الأثير: أنه يستعمل في ثلاث وعشرين معنى، وزاد عليه غيره، وما ذكره المصنف هو المشهور منها الخمسة المذكورة، ويطلق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 إلا أنه تعين الأسفل فصار كاسم خاص له، وهذا لأن المولى لا يستنصر بمملوكه عادة وللعبد نسب معروف فينتفي الأول والثاني والثالث نوع مجاز، والكلام لحقيقته، والإضافة إلى العبد تنافي كونه معتقا، فتعين المولى الأسفل فالتحق بالصريح، وكذا إذا قال لأمته هذا مولى لما بينا، ولو قال: عنيت به المولى في الدين أو الكذب يصدق فيما بينه وبين الله تعالى، ولا يصدق في   [البناية] على الرب والمالك والسيد والمنعم والمنعم عليه بغير إعتاق والعبد والمحب والبائع والجار، والحليف والظهير، والمعقل والولي والوارث وابن الأخت والشريك والموضع الذي يكون فيه الحرب والسلم، لكن المعاني البعيدة لا يعرفها كل أحد، ولا يخطر ببال سيد العبد، فلا اعتبار بها فتعين ما ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (إلا أنه تعين الأسفل) . ش: أي غير أنه تعين المولى الأسفل. م: (فصار كاسم خاص له، وهذا) . ش: أشار به إلى وجه كون الأسفل كاسم خاص له بقوله. م: (لأن المولى لا يستنصر بمملوكه عادة) . ش: أراد أنه لا يجوز أن يحمل المولى في قوله هذا مولاي على النصرة، لأن المولى لا يستنصر بعبده عادة. م: (وللعبد نسب معروف) . ش: أراد به أنه لا يحمل أنه أراد به ابن العم، لأنه على خلاف ذلك،. م: (فينتفي الأول) . ش: وهو حمله على الناصر. م: (فانتفى الثاني) . ش: أي انتفى الثاني، وهو حمله على ابن العم. م: (والثالث نوع مجاز) . ش: أراد به المولى في الدين، لأن المولى مشتق من المولي، وهو القريب، ولا قرب بين المشرقي والمغربي من حيث الحقيقة، ولا من حيث النسب، ولا من حيث المكان. فتعين القرب من حيث الدين، ولهذا جاز نفيه. م: (والكلام لحقيقته) . ش: فتعين الأسفل. وقال الأترازي: سلمنا أن الكلام لحقيقته إذا لم يكن المجاز مراداً، أما إذا كان مراداً فلا نسلم على أنا نقول لفظ المولى مشترك وله حقائق لا حقيقة واحدة، فلا يتعين الأسفل مع تصريحه بأنه لم يرده، بل أراد به معنى آخر، انتهى. قلت: في كلامه نظر، لأن المصنف ما منع الإشراك، بل صرح، لأنه ذكر له خمسة معان، ثم بين أنه ما كان يصلح ذلك على معنى منها غير المولى الأسفل، فتعين لذلك. م: (والإضافة إلى العبد) . ش: يعني في قوله هذا مولاي. م: (ينافي كونه) . ش: أي في كون العبد. م: (معتقاً) . ش: بكسر التاء، حاصله أنه لا يحمل على أنه أراد به المولى الأعلى، لأن العبد لا يعتق مولاه. م: (فتعين المولى الأسفل) . ش: وهو العبد الذي أنعم عليه بالعتق، كما ذكرنا، فإذا كان كذلك م: (فالتحق بالتصريح) ش: في إيقاع العتق بدلالة الحال في المحل، وهو كونه عبداً. [قال لأمته هذه مولاتي] م: (وكذا لو قال لأمته هذه مولاتي لما بينا) . ش: أي لما بينا من الدليل في قوله هذا مولاي. م: (ولو قال عنيت به) . ش: أي لو قال القائل المذكور قصدت بقولي هذا مولاي. م: (المولى في الدين أو الكذب) . ش: بالنصب، أي أو قال عنيت به الكذب. م: (يصدق فيما بينه وبين الله تعالى ولا يصدق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 13 القضاء لمخالفة الظاهر. وأما الثاني فلأنه لما تعين الأسفل مراده التحق بالصريح، وبالنداء باللفظ الصريح يعتق بأن قال يا حر يا عتيق فكذا النداء بهذا اللفظ. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يعتق في الثاني لأنه يقصد به الإكرام بمنزلة قوله يا سيدي يا مالكي، قلنا الكلام لحقيقته، وقد أمكن العمل به، بخلاف ما ذكره، لأنه ليس فيه ما يختص بالعتق، فكان إكراما محضا. ولو قال: يا ابني، أو يا أخي لم يعتق، لأن النداء لإعلام المنادى، إلا أنه إذا كان يوصف يمكن إثباته من جهته كان لتحقيق ذلك الوصف في المنادى استحضارا له بالوصف المخصوص، كما في قوله يا حر، على ما بيناه، وإذا كان النداء بوصف لا يمكن إثباته من جهته كان للإعلام المجرد دون تحقيق   [البناية] في القضاء لمخالفة الظاهر) . ش: أي ظاهر الكلام. م: (وأما الثاني) . ش: عطف على قوله أما الأول، وأراد بالثاني قوله هذا مولاي. م: (فلأنه لما تعين الأسفل مراده) . ش: أي لما تعين المولى الأسفل حال كونه مراده. م: (التحق بالصريح) . ش: الدال على الإعتاق. م: (بالنداء باللفظ الصريح يعتق بأن قال يا حر يا عتيق، فكان النداء، بهذا اللفظ) . ش: أي بقوله يا مولاي. م: (وقال زفر: لا يعتق في الثاني) . ش: أي في قوله يا مولاي. م: (لأنه يقصد به الإكرام بمنزلة قوله يا سيدي يا مالكي) . ش: وقال في " الفتاوي الصغرى ": إذا قال يا سيدي أو يا مالكي إذا لم ينو العتق لا يعتق، وإذا نوى فعن محمد روايتان. م: (قلنا الكلام لحقيقته) . ش: أراد أن الأصل استعمال اللفظ بحقيقته. م: (وقد أمكن العمل به) . ش: أي بقول هذا أمكن العمل بحقيقته، لأن معنى قوله يا مولاي من لي عليه ولاء العتاقة، فتعين الأسفل. م: (بخلاف ما ذكره) . ش: أراد به قوله يا سيدي يا مالكي يعني ليس فيه ما يدل على العتق، وهو معنى قوله. م: (لأنه ليس فيه ما يختص بالعتق، فكان إكراماً محضاً) . ش: وبه لا يحصل العتق وفي الواقعات قال يا سيدي أو سيدان نوى العتق عتق، وإن لم ينو قيل يعتق، وقيل لا يعتق، وقيل يعتق في يا سيدي. والمختار أنه لا يعتق. وفي " الحاوي " قال الحسن بن أبي مطيع: يعتق بقوله يا سيدي، ولا يعتق بقوله يا سيد. وقال بشر: لا يعتق فيهما إلا بالنية. وفي " النهاية " قال القاضي: لا يعتق، قال: والذي أراه كناية. م: (ولو قال يا ابني أو يا أخي لا يعتق، لأن النداء لإعلام المنادى) . ش: بفتح الدال، ولا يراد به ما وضع اللفظ له. م: (إلا أنه إذا كان) . ش: أي الذي قاله. م: (بوصف يمكن إثباته من جهته) . ش: أي إثبات ذلك الوصف من جهة المنادي. م: (كان لتحقيق ذلك الوصف في المنادى) . ش: بفتح الدال. م: (استحضاراً) . ش: أي لأجل استحضار. م: (بالوصف المخصوص نحو قوله يا حر على ما بيناه) . ش: يعني عند قوله بالنداء باللفظ الصريح يعتق بأن قال يا حر م: (وإذا كان النداء بوصف لا يمكن إثباته من جهته كان للإعلام المجرد دون تحقيق الوصف فيه لتعذره) . ش: أي لتعذر تحقيق الوصف، وأراد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14 الوصف فيه لتعذره، والبنوة لا يمكن إثباتها حالة النداء من جهته لأنه لو انخلق من ماء غيره لا يكون ابنا له بهذا النداء، فكان لمجرد الإعلام. ويروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - شاذا أنه يعتق فيهما، والاعتماد على الظاهر. ولو قال: يا ابن لا يعتق، لأن الأمر كما أخبر، فإنه ابن أبيه، وكذا إذا قال: يا بني أو يا بنية، لأنه تصغير للابن والبنت من غير إضافة. والزمر كما أخبر، ولئن قال لغلام لا يولد مثله لمثله، هذا ابني عتق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال: لا يعتق، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لهم أنه كلام محال بحقيقته فيرد ويلغو، كقوله أعتقتك قبل أن أخلق أو قبل أن تخلق.   [البناية] بالوصف البنوة والأخوة ونحوهما من الأبوة. م: (والبنوة لا يمكن إثباتها حالة النداء من جهته، لأنه لو انخلق من ماء غيره لا يكون ابناً له بهذا النداء) . ش: فإذا كان كذلك. م: (فكان) . ش: قوله يا ابني. م: (بمجرد الإعلام) . ش: في ظاهر الرواية. م: (ويروى عن أبي حنيفة شاذاً أنه يعتق فيهما) . ش: أي في قوله يا ابني ويا أخي قال في يتيمة الفتاوى إذا قال لعبده يا ابني، روى الحسن عن أبي حنيفة أنه يعتق (والاعتماد على الظاهر) . ش: أي على ظاهر الرواية، وهو الذي ذكره القدوري، وهو المذكور في " نوادر النسفي ". م: (ولو قال يا ابن) . ش: بالضم وقطع الإضافة على صورة المنادي المفرد. م: (لا يعتق، لأن الأمر كما أخبر) . ش: لأنه صادق فيما أخبره. م: (فإنه ابن أبيه) . ش: أي ابن والده. م: (وكذا) . ش: أي وكذا لا يعتق. م: (إذا قال يا بني أو يا بنية، لأنه تصغير للابن والبنت من غير إضافة) . ش: إلى ياء المتكلم. م: (والأمر كما ذكر) . ش: لأنه التصغير قد يكون للإكرام واللطف قاله الكاكي، والأحسن أن يقال قد يكون للشفقة والترحم. م: (وإن قال لغلام لا يولد مثله لمثله هذا ابني عتق عند أبي حنيفة) . ش: هذه من مسائل القدوري والمعنى أنه إذا قال لعبده الأكبر سناًَ منه هذا ابني، أو قال: هذا ولدي عتق عليه عند أبي حنيفة. م: (وقال لا يعتق، وهو قول الشافعي لهم) . ش: أي لأبي يوسف ومحمد والشافعي. م: (أنه كلام) . ش: أي أن كلامه هذا. م: (محال بحقيقته) . ش: لأن الأكبر سناً محال أن يولد من الأصغر سناً، وإذا كان محالاً. م: (فيرد ويلغو) . ش: فلا يعتق. فإن قلت: لم لا يصار إلى المجاز؟ قلت: إذا كان محالاً بحقيقته لا يثبت مجازه، وهو الحرية. لأن المجاز خلف على الحقيقة، فإذا لم يتصور الأصل الخلف، فصار. م: (كقولك أعتقتك قبل أن أخلق، أو قبل أن تخلق) . ش: بالخطاب على صيغة المجهول، وتصور الأصل شرط لصحة المجاز، ألا ترى أنه إذا قال لمعروف النسب وهو أصغر سناً منه هذا ابني يثبت الحرية مجازاً لتصور الأصل، فإن مثله يجوز أن يولد له، لكن لم يثبت حكم الأصل لمانع، وهو أنه ثابت النسب من الغير، قال في " شرح الأقطع ": فرق أبو يوسف ومحمد بين معروف النسب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 15 ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كلام محال بحقيقته، لكنه صحيح بمجازه، لأنه إخبار عن حريته من حين ملكه، وهذا لأن البنوة في المملوك سبب لحريته إما إجماعا أو صلة للقرابة، وإطلاق السبب مستجاز في اللغة تجوزا، ولأن الحرية لازمة للبنوة في المملوك والمشابهة في وصف لازم من طريق المجاز على ما عرف، فيحمل عليه تحرزا عن الإلغاء، بخلاف ما استشهد به، لأنه لا وجه له في المجاز، فتعين الإلغاء، وهذا بخلاف ما إذا قال لغيره قطعت يدك فأخرجهما صحيحتين حيث لم يجعل مجازا عن الإقرار بالمال والتزامه. وإن كان القطع سببا لوجوب المال، لأن القطع خطأ سبب لوجوب مال مخصوص، وهو الأرش وأنه   [البناية] وبين من لا يولد مثله لمثله، بأن معروف النسب يجوز أن يكون ابنه من الزنا. ومن ملك ابنه من الزنا عتق عليه. م: (ولأبي حنيفة أنه) . ش: أي أن هذا الكلام. م: (محال بحقيقته لكنه صحيح بمجازه) . ش: لوجود طريق المجاز. م: (لأنه إخبار عن حريته من حين ملكه، وهذا) . ش: أشار به إلى قوله إخبار عن حرية. م: (لأن البنوة في المملوك سبب لحريته) . ش: لأنه لا توجد البنوة في المملوك إلا وقد وجد الحرية معها، فذكر الملزوم وإرادة اللازم، وذكر السبب، وإرادة المسبب طريق من طريق المجاز م: (إما إجماعاً أو صلة للقرابة) . ش: يعني أن البنوة موجبة للصلة، والعتق صلة، فتكون البنوة موجبة للعتق. م: (وإطلاق السبب وإرادة المسبب مستجاز في اللغة تجوزاً) . ش: أي مجازاً. م: (ولأن الحرية لازمة للبنوة في المملوك والمشابهة في وصف لازم من طريق المجاز على ما عرف) . ش: في الأصول وغيره. م: (فيحمل عليه تحرزاً عن الإلغاء) . ش: أي فيحمل قوله هذا ابني على المجاز وهو الحرية تصحيحاً لكلامه. م: (بخلاف ما استشهد به) . ش: على صيغة المجهول، وهو قوله أعتقتك قبل أن أخلق. م: (لأنه لا وجه له في المجاز) . ش: لأنه لا يتصور أن يكون الإعتاق قبل الانخلاق أصلاً، فلم يوجد السبب. م: (فتعين الإلغاء) . ش: أي إلغاء نداء الكلام. م: (وهذا بخلاف ما إذا قال لغيره) . ش: هذا جواب عما يقال لو كان ذكر صحة الملزوم وإرادة اللازم مجوزة للمجاز، وإن لم يكن الحكم متصوراً لوجب عليه الأرش في الصورة المذكورة، لأن القطع خطأ سبب وجوب المال، فيكون قوله قطعت يدك مجازاً عن قولك على خمسة آلاف درهم، فاللازم باطل، والملزوم مثله، فأجاب بقوله بخلاف ما إذا قال لغيره. م: (قطعت يدك فأخرجهما صحيحتين حيث لم يجعل مجازاً عن الإقرار بالمال والتزامه) . ش: يعني بالمال المطلق عن القطع، لأن القطع إنما يكون سبباً لوجوب مال هو أرش، وهو مخالف لوجوب مطلق المال. م: (فإن كان القطع سبباً لوجوب المال) . ش: وهو واصل بما قبله يعني وإن كان القطع خطأ، فيكون سبباً لوجوب مال. م: (لأن القطع خطأ سبب لوجوب مال مخصوص وهو أرش وأنه) . ش: أي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 16 يخالف مطلق المال في الوصف حتى وجب على العاقلة في سنتين ولا يمكن إثباته بدون القطع، وما أمكن إثباته فالقطع ليس بسبب له أما الحرية فلا تختلف ذاتا وحكما.   [البناية] وأن المال المخصوص. م: (يخالف مطلق المال في الوصف) . ش: وهو الأرش، ثم أوضح ذلك بقوله. م: حتى وجب) . ش: أي المال الذي هو الأرش. م: (على العاقلة في سنتين) . ش: تثنية سنة، كذا قال " صاحب النهاية "، قال: هكذا كان مقيداً بخط شيخي، وقال الكاكي، والأترازي: هو الصحيح. وقال الأترازي: لأن الكلام وقع فيما إذا أقر بقطع الواحدة وأرش قطع اليد الواحدة، بنصف الدية، ثم الأرش إذا زاد على ثلث اليد يكون في ثنتين على العاقلة الثلث في السنة الأولى وللباقي في السنة الثانية، وما زاد على الثلث فالثلثان في سنتين، وما زاد في السنة الثالثة قال: في بعض النسخ في سنتين بلفظ الجمع وليس بشيء. م: (ولا يمكن إثباته) . ش: أي إثبات الأرش. م: (بدون القطع) . ش: لوجود صحة اليد. م: (وما أمكن إثباته) . ش: أي والذي أمكن إثباته، وهو عبارة عن مطلق المال. م (فالقطع ليس بسبب له) ش: فيتقدر جعل الإقرار بقطع اليد مجازا عن الإقرار بمطلق المال على أن قطع اليد خطأ سبب لوجوب المال على العاقلة، فلو جعل مجازاً عن الإقرار بموجب المال لكان هذا إقراراً بوجوب المال على العاقلة والإقرار على الغير باطل ولا يمكن أن يجعل إقرار بما يخصه من الدية، لأن لازمة قطع اليد وجوب المال موزعاً على العاقلة، فإيجاب المال قصراً على واحد من العواقل لا تكون لازمة قطع اليد فلا يصح المجاز، ولأنه لما أخرجهما صحيحتين كان بمنزلة جرح لحقه برء على وجه لم يبق له أثر، فلا يتعلق به حكم بعد ذلك، لأنه لو ثبت حقيقة الجرح فبرأ لا يتعلق به الحكم، ففي المجاز أولى. ثم لأبي حنيفة في قوله هذا ابني طريقان أحدهما أنه بمنزلة التحرير ابتداء مجازاً بطريق إطلاق السبب على المسبب، فعلى هذا لا تكون الأم أم ولد إذا كانت في ملكه، لأنه ليس لتحرم الكلام ابتداء تأثير في أمومية الولد. والطريق الآخر: أنه إقرار بالحرية مجازاً كأنه قال عتق علي من حين ملكته، فإن القوة في المملوك سبب العتق وهو الأصح، ولهذا قال في كتاب الإكراه: إذا أكره على أن يقول هذا ابني لا يعتق بالإكراه عليه، والإكراه يمنع صحة الإقرار بالعتق لا صحة التحرير ابتداء، فعلى هذا تصير الجارية أم ولد. م: (أم الحرية فلا تختلف ذاتاً وحكماً) . ش: هذا جواب عما يقال إذا أقر بقطع اليد لا يثبت المال مجازاً، لأن مطلق المال مخالف مالاً مخصوصاً وهو الأرش، فكذا الحرية. والثانية البنوة تخالف الحرية الثانية بالبنوة في كونها صلة للقريب، فلم يكن إثبات الحرية مجازاً للبنوة، كما لم يثبت في وجوب المال مجازاً لقطع اليد، فأجاب بقوله أما الحرية فلا تختلف ذاتاً وحكماً، أي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 فأمكن جعله مجازا عنه ولو قال: هذا أبي أو أمي ومثله لا يولد لمثلهما فهو على هذا الخلاف لما بينا. ولو قال لصبي صغير: هذا جدي قيل هو على الخلاف، وقيل لا يعتق بالإجماع، لأن هذا الكلام لا موجب له في الملك إلا بواسطة وهو الأب، وهي غير ثابتة في كلامه فتعذر أن يجعل مجازا عن الموجب، بخلاف الأبوة والبنوة، لأن لهما موجبا في الملك بلا واسطة، ولو قال هذا أخي لا يعتق في ظاهر الرواية. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتق، ووجه الروايتين ما بيناه.   [البناية] من حيث الذات وهو زوال الرق، ولا يوجب الحكم وهو صلاحيته للقضاء والشهادة والولايات فكانت الحريتان سواء فيهما. قال الأترازي: لأن الحرية عبارة عن زوال الرق، وهو شيء واحد لا يختلف بالإضافة إلى البنوة وغيرها وحكمها خاص في المحل للمالكية، ودفع ملك الغير إلا أنها قد توصف بكونها صلة الرحم وواجبة على التقريب، وذلك لا يوجب تنوعها كالحرية الواقعة في العاقل البالغ حيث يقع بحالة يترتب عليها. إذ الشهادة والولاية والإمارة بخلاف الحرية الواقعة في الطفل والمجنون، فإنهما لا توجب هذه الأهلية، ومع هذا لا يقال إنها تنوعت، فكذا هنا، فلما لم تكن الحرية مختلفة. م: (فأمكن جعله) . ش: أي جعل قوله هذا ابني. م: (مجازاً عنه) . ش: أي عن الحرية على تأويل العتق أو المذكور، ولو قال عنها لكان أحسن. م: (ولو قال هذا أبي أو أمي ومثله لا يولد لمثلهما فهو على الخلاف) . ش: المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه. م: (لما بينا) . ش: يعني الوجه من الجانبين في قوله هذا ابني. م: (ولو قال صبي صغير هذا جدي قيل هو على الخلاف وقيل لا يعتق بالإجماع، لأن هذا الكلام لا موجب له في الملك) . ش: من بنوة أو حرية. م: (إلا بواسطة وهو الأب وهي) . ش: أي الواسطة. م: (غير ثابتة في كلامه فتعذر أن يجعل مجازاً عن الموجب) . ش: وهذا يشير إلى أن الواسطة لو كانت مذكورة مثل أن يقول هذا جدي أبو أبي عتيق. م: (بخلاف الأبوة والبنوة، لأن لهما موجباً في الملك بلا واسطة) . ش: فيجعلان مجازاً للحرية. ولو كان يولد مثله لمثلهما وصدقاه ثبت ذلك وعتقا عليه. م: (ولو قال هذا أخي لا يعتق في ظاهر الرواية. وعن أبي حنيفة أنه يعتق) . ش: في رواية الحسن عنه. م: (ووجه الروايتين ما بيناه) . ش: أما وجه رواية العتق فما ذكره بقوله، وهذا لأن البنوة في المملوك سبب الحركة إلى آخره، فكذلك هاهنا الأخوة في الملك توجب العتق. وأما وجه رواية عدم العتق فقوله في مسألة الجد لأن هذا الكلام لا موجب له في الملك إلا بواسطة، وكذلك هاهنا الأخوة لا تكون إلا بواسطة الأب والأم، لأنها عبارة عن مجاورة في صلب أو رحم، وهذه الواسطة غير مذكورة، ولا موجب لهذه الكلمة بدون هذه الواسطة. وقال في " المبسوط ": إن اختلاف الروايتين في الأخ إنما كان إذا ذكره مطلقاً، بأن قال: هذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 18 ولو قال لعبده: هذا ابني فقد قيل على الخلاف، وقد قيل هو بالإجماع لأن المشار إليه ليس من جنس المسمى فتعلق الحكم بالمسمى وهو معدوم، فلا يعتبر وقد حققناه في النكاح. وإن قال لأمته: أنت طالق أو بائن أو تخمري ونوى به العتق لم يعتق. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تعتق إذا نوى، وكذا الخلاف سائر الألفاظ الصريح والكناية على ما قال مشايخهم - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - له أنه نوى ما يحتمله لفظه؛ لأن بين الملكين موافقة إذا كل واحد منهما ملك العين، أما ملك اليمين فظاهر، وكذا ملك النكاح في حكم ملك العين حتى كان التأبيد من شرطه، والتأقيت   [البناية] أخي، وأما إذا ذكره مقيداً، وقال هذا أخي لأبي وأمي فيعتق من غير تردد لما أن مطلق الأخوة مشتركاً قد يراد بها الأخوة في الدين، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] (الحجرات الآية: 10) . وقد يراد بها الاتحاد في القبيلة، قال الله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65] (الأعراف الآية: 65) . وقد يراد بها الأخوة في النسب والمشترك لا يكون حجة. فإن قيل. البنوة أيضاً مختلف بين نسب ورضاع، فكيف يثبت العتق بإطلاق قوله هذا ابني. أجيب: بأن البنوة من الرضاع مجاز، والمجاز لا يعارض الحقيقة. [قال لأمته أنت طالق أو بائن أو تخمري] م: (ولو قال لعبده: هذا ابني فقد قيل على الخلاف، وقيل هو) . ش: أي عدم العتق. م: (بالإجماع لأن المشار إليه ليس من جنس المسمى) . ش: الذكور والإناث من بني آدم جنسان مختلفان، وإذا لم يكن المشار إليه من جنس المسمى) . ش: الذكور والإناث من بني آدم جنسان مختلفان، وإذا لم يكن المشار إليه من جنس المسمى. م: (فتعلق الحكم بالمسمى وهو معدوم) . ش: أي المسمى معدوم. م: (فلا) . ش: يعني لا يمكن تصحيح الكلام إيجاباً، ولا إقرار في المعدوم، فلا يمكن أن تجعل البنت مجازاً عن الابن بوجه، ألا ترى أنه لا يعتق وإن كان احتمل أن يكون ابنه بأن كان يولد مثله لمثله. كذا ذكره في " الأسرار " م: (وقد حققناه في النكاح) . ش: أي حققنا هذا الأصل في كتاب النكاح، في باب المهر عند قوله فإن تزوج امرأة على هذا الدن من الخمر فإذا هو خمر، فلها مهر مثلها عند أبي حنيفة، فيرجع له. م: (وإن قال لأمته أنت طالق أو بائن أو تخمري) . ش: أي أو قال لها تخمري. م: (ونوى به العتق لم يعتق، وقال الشافعي: تعتق إذا نوى، وكذا الخلاف في سائر الألفاظ الصريح والكناية) . ش: مثل قوله لأمته أنت مطلقة وطلقتك وتخمري وتقنعي واغربي وخلية وبرية وحرام وما أشبه ذلك. م: (على ما قال مشايخهم) . ش: أي مشايخ الشافعية، وإنما قال مشايخهم، لأن المنصوص عن الشافعي لفظ الطلاق فحسب وأصحابه قاسوا عليها سائر ألفاظ الصريح والكناية. م: (له) . ش: أي للشافعي. م: (أنه نوى ما يحتمله لفظه لأن بين الملكين موافقة) . ش: وهما ملك اليمين وملك النكاح. م: (إذا كل واحد منهما ملك العين أما ملك اليمين فظاهر، وكذا ملك النكاح في حكم ملك العين حتى كان التأبيد من شرطه، والتأقيت مبطل له) . ش: أي النكاح وملك اليمين، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 مبطل له وعمل اللفظين في إسقاط ما هو حقه وهو الملك، ولهذا يصح التعليق فيه بالشرط، أما الأحكام تثبت بسبب سابق وهو كونه مكلفا، ولهذا يصلح لفظه العتق والتحرير كناية عن الطلاق، فكذا عكسه، ولنا أنه نوى ما لا يحتمله لفظه؛ لأن الإعتاق لغة إثبات القوة، والطلاق رفع القيد، وهذا لأن العبد ألحق بالجمادات وبالإعتاق يجيء فيقدر ولا كذلك المنكوحة، فإنها قادرة إلا أن قيد النكاح   [البناية] والتأقيت أن يجعل له وقت معين. م: (وعمل اللفظين) . ش: جواب عما يقال الإعتاق إثبات القوة، ولهذا تثبت به الأحكام مثل الأهلية والولاية والشهادة فأنى يشبه الطلاق الذي هو إسقاط مح، فأجاب بقوله وعمل اللفظين الطلاق والعتاق، وهو مبتدأ وخبره هو قوله. م: (إسقاط ما هو حقه وهو الملك) . ش: الضمير في قوله - هو - راجع في الوصفين إلى ماء الحاصل أنه أي أن الإعتاق أيضاً إسقاط. م: (ولهذا) . ش: أي ولأجل كون الإعتاق إسقاطاً. م: (يصح التعليق فيه بالشرط) . ش: كما يصح في الطلاق. م: (أم الأحكام) . ش: هذا جواب عما يقال للشافعي بأن قال: يثبت الإعتاق الأحكام، يعني الأهلية والولاية والشهادة، والطلاق إسقاط، فلا مناسبة بين الإسقاط والإثبات فلا يستعار الطلاق للعتاق، لعدم المناسبة، فأجاب أن الأحكام وهي التي ذكرناها. م: (تثبت بسبب سابق وهو كونه مكلفاً) . ش: لضمير في هو راجع إلى السبب، وفي كونه راجعاً إلى العبد، لأن الشهرة قائمة مقام الذكر. والحاصل أن ثبوت الأحكام بالآدمية، ولكن الرق كان مانعاً فبالإعتاق زال المانع، وجوابه لو كان ثبوت الأحكام بالآدمية، وكونه مكلفاً لكانت القدرة موجودة للعبد، واللازم منتف، لأن الرق مناف للقدرة، وصحة التعليق لا يرد، لأن الإعتاق إسقاط على وجه يترتب عليه ثبوت هذه الأحكام، فباعتبار الإسقاط صح التعليق. م: (ولهذا) . ش: أي ولكون العتق يحتمل لفظ. م: (يصلح لفظ العتق، والتحرير كناية عن الطلاق) . ش: يعني إذا قال لامرأته أنت حرة ونوى به الطلاق صح مجازاً. م: (فكذا عكسه) . ش: أي صلح لفظ الطلاق كناية عن لفظ العتق. م: (ولنا أنه نوى ما لا يحتمله لفظه) . ش: لأنه لا مناسبة بينهما تجوز الاستعارة. م: (لأن الإعتاق لغة إثبات القوة) . ش: مأخوذ من قولهم عتق الطائر إذا قوى وطار عن وكره، وفي الشرع أيضاً كذلك. م: (والطلاق رفع القيد) . ش: من قولهم أطلقت البعير عن القيد إذا حللته. م: (وهذا) . ش: أشار به إلى إثبات القوة. م: (لأن العبد ألحق بالجمادات) . ش: جمع جماد، والجماد عبارة عما لا روح له. م: (وبالإعتاق يجيء فيقدر) . ش: أي على التصرفات الشرعية في الأقوال والأفعال. م: (ولا كذلك المنكوحة فإنها قادرة) . ش: ومالكها أمر نفسها. م: (إلا أن قيد النكاح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 مانع، وبالطلاق يرتفع المانع فيظهر القوة ولا خفاء أن الأول أقوى، ولأن ملك اليمين فوق ملك النكاح فكان إسقاطه أقوى، واللفظ يصلح مجازا عما هو دون حقيقته لا عما هو فوقه، فلهذا امتنع في المتنازع فيه وإن ساغ في عكسه، وإذا قال لعبده أنت مثل الحر لم يعتق لأن المثل يستعمل للمشاركة في بعض المعاني عرفا فوقع الشك في الحرية. ولو قال ما أنت إلا حر عتق، لأن الاستثناء من النفي إثبات على وجه التأكيد، كما في كلمة الشهادة.   [البناية] مانع) . ش: لأن ملك البضع عليها للزوج مانع. م: (وبالطلاق يرتفع المانع فيظهر أثره) . ش: ويحدث له القدرة. م: (ولا خفاء أن الأول) . ش: أي الإعتاق. م: (أقوى، ولأن ملك اليمين فوق ملك النكاح) . ش: لأن ملك اليمين قد يلتزم ملك المتعة إذا صادف الجواري الخالية عما يمنع من الاستمتاع بهن، وأما ملك النكاح فلا يستلزم ملك اليمين أصلاً. م: (فكان إسقاطه أقوى) . ش: أي إسقاط ملك اليمين أقوى، لأن كل ما هو أقوى فإسقاطه أقوى. م: (واللفظ يصلح مجازاً عما هو دون حقيقته لا عما هو فوقه) . ش: وهذا لأن مثل هذا المجاز إنما يكون فيما إذا وجدت وصفاً مشتركاً بين ملزومين مختلفين في الحقيقة فهو في عهدهما أقوى منه في الآخر، وأنت تريد إلحاق الأضعف بالأقوى على وجه التسوية بينهما فيدعى أن ملزوم الأضعف من جنس ملزوم الأقوى، ويطلق عليه اسم الأقوى، كما إذا قال: عبدك شجاع، وأنت تريد أن تلحق جرأته وقوته بجرأة الأسد وقوته فيدعي الأسدية له بإطلاق اسم الأسد عليه، وهذا كما ترى إنما يكون بإطلاق اسم القوي على الضعيف دون العكس، وإذا ظهر هذا بعد العلم بأن إزالة ملك اليمين أقوى ظهر لك جواز استعارة لفظ الإعتاق للطلاق دون عكسه. م: (فلهذا امتنع في المتنازع فيه) . ش: أي امتنع المجاز في قوله: أنت طالق لأمته ونوى به العتق. م: (وإن ساغ في عكسه) أي جاز في قوله: أنت حرة لمنكوحته، ونوى به الطلاق، وقال الأكمل: الفرق بين المسألتين المذكورتين في الكتاب أنه في الأولى منع المناسبة، وإظهار السد بأن الإعتاق إثبات، والطلاق رفع فأنى يتناسبان. وفي الثانية تسليم أن كلاً منهما إسقاط لكن الإعتاق أقوى وهو ينافي الاستعارة.. م: (وإن قال لعبده أنت مثل الحر لم يعتق، لأن المثل يستعمل للمشاركة في بعض المعاني عرفاً فوقع الشك في الحرية) . ش: فلا يعتق، حاصله أن المثل للتشبيه والشبهة بين الشيئين لا يقتضي اشتراكهما في جميع الوجوه، فلذلك لا في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى، ومعنى المثل في اللغة النظير، كذا في " الجمهرة " وفي " التحفة ": ذكر في كتاب العتاق ثم قال: وقد قالوا: إنه إذا نوى العتق يعتق، فإنه ذكر في كتاب الطلاق، إذا قال لامرأته أنت مثل امرأة فلان وفلان قد آلى من امرأته ونوى الإيلاء ليصدق ويصير مولياً. [قال لعبده ما أنت إلا حر] م: (ولو قال ما أنت إلا حر عتق، لأن الاستثناء من النفي إثبات على وجه التأكيد كما في كلمة الشهادة) . ش: فإن قوله: لا إله نفي الألوهية عن غير الله، وقوله: إلا الله إثبات الألوهية لله، وفيه إثبات الألوهية لله تعالى بآكد الوجوه، لأن الإثبات بعد النفي آكد وأبلغ من الإثبات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 21 ولو قال رأسك رأس حر لا يعتق لأنه تشبيه بحذف حرفه، ولو قال رأسك رأس حر عتق، لأنه إثبات الحرية فيه، إذ الرأس يعبر به عن جميع البدن.   [البناية] المجرد. [وصف عبده بالحرية ووصف ما يعبر به عن جميع البدن بالحرية] م: (ولو قال: رأسك رأس حر لا يعتق، لأنه تشبيه بحذف حرفه) . ش: أي حرف التشبيه، وهو الكاف، لأن أصله رأسك كرأس حر، فصار كقوله مثل الحر. م: (ولو قال رأسك رأس حر) . ش: بالتنوين في رأس. م: (عتق لأنه إثبات الحرية فيه، إذ الرأس يعبر به عن جميع البدن) . ش: وقد وصفها بالحرية، ومن وصف عبده بالحرية ووصف ما يعبر به عن جميع البدن بالحرية عتق عليه، وقال في كتاب عتاق الأصل إذا قال: رأسك حر، أو قد حر أو جسدك حر، أو نفسك أو وجهك أو روحك أو كانت أمة، فقال: فرجك حر أو بطنك حر عتق في جميع ذلك. وذكر في كتاب " الأجناس " عن الهارونيات إذا قال: رقبتك حر أو بطنك حر عتق، وإلا يدين في هذا كله. وإن قال: لم أرد به العتق وفي " نوادر المعلى " لو قال: جزء منك حر أو شيء منك عتق منه ما شاء المولى في قول أبي حنيفة، وفي عتاق الأصل لو قال: يدك حر أو رجلك حر أو أصبع من أصابعك حر، أو سن من أسنانك أو دمك أو قرنك أو بلغمك، هذا كله باطل. وفي الهارونيات أنفك أو صدرك حر أو بطنك حر أو ظهرك أو جنبك أو فخذك أو لسانك أو شعرك أو نفسك حر لا يعتق في شيء من هذه الوجود نوى أو لم ينو. قال الناطفي: هذا كله على قياس قول أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف، وفي كتاب " الأم " لو قال: كبدك حر أو معدتك حر لا يعتق. وفي " نوادر هشام " قال أبو يوسف: لو خاط مملوكه ثوباً فقال: هذه خياطة حر لا يعتق، وفي الهارونيات: لو رآها تمشي فقال مولاها: هذه مشية حر أو رآها تتكلم فقال: هذا كلام حر لم تعتق إلا أن يقول أردت العتق، وهذا قول أبي يوسف. وقال الحسن بن زياد في قوله نفسه: يعتق في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى. وفي " نوادر " ابن سماعة عند محمد لو قال: جسدك حر، أو صلبك حر، أو علم أنه من سبي لا يعتق لأن أصله حر فهو صادق فيه فلا يعتق، وكذلك لو قال: أبواك حران. وفي " نوادر المعلى " قال أبو يوسف: لو قال لأمته: فرجك حر من الجماع فهي حرة في القضاء، وسعه فيما بينه وبين الله تعالى. وفي " نوادر " ابن سماعة: لو قال: استك حر كان حراً، وكذلك لو قال: ذكرك كان حراً. وفي كتاب " أصل الفقه " لمحمد بن الحسن لو قال لعبده: فرجك حر لا يعتق، وفي الجارية تعتق. ولو قال: هذا ابني من الزنا يعتق ولا يثبت نسبه. وفي " المرغيناني " لو قال له: افعل في نفسك ما شئت فأعتق نفسه، وفي المجلس عتق. ولو قال صم عني يوماً وأنت حر، أو قال صلي عني ركعتين وأنت حر عتق في الحال، فعل ذلك أو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 22 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] لم يفعل. ولو قال حج عني حجة وأنت حر لا يعتق حتى يحج عنه لأن النيابة جائزة في الحج دون الصوم والصلاة ولو قال: إن سقيت جاري فأنت حر فذهب به إلى الماء ولم يشرب عتق، لأن المراد به عرض الماء عليه. وفي " المحيط " قال رجل: أنا مولى أبيك أعتق أبوك أبي فهو حر، وكذا لو قال: أنا مولى أبيك ولم يقل اعتقني فهو حر، لأنه قد يكون مولاه من قبل جده فلم يكن إقرار بالرق، وإن زاد اعتقني فهو مملوك إذا جحد الوارث. وفي " الذخيرة " قال: كل مملوك في هذا المسجد أو في بغداد حر وله عبيد في المسجد أو في بغداد لم يعتق، إلا إن نوى عبده. وعن محمد عن أبي حنيفة لو قال: عبيد أهل بغداد أحرار وهو من أهل بغداد عتق عبيده، وعلى هذا لو قال كل عبد يدخل هذه الدار فهو حر فدخل عبيده عتق وبه أخذ شداد، وقال هشام: لا يعتقون، قال الشهيد: وهو المختار للفتوى. ولو قال: ولد آدم كلهم أحرار لا يعتق عبيده. وفي " النسفي ": قال عبدي الذي هو قديم الصحبة حر قال محمد: من صحبة ثلاث سنين عتق، وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل ستة أشهر، وقيل سنة. وفي " المحيط " وهو المختار. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 23 فصل ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه وهذا اللفظ مروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ملك ذا رحم منه فهو حر»   [البناية] [فصل في الإعتاق الغير اختياري] م: (فصل في الإعتاق الغير اختياري) ش: أي هذا فصل، لما فرغ من بيان الإعتاق الاختياري شرع في بيان الإعتاق الذي يحصل من غير اختيار كما في شراء القريب وخروج عبد الحر إلينا مسلماً، وولد أم الولد من مولاها. [ملك ذا رحم محرم منه] م: (ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه) . ش: وبه قال أحمد، وسواء كان المالك صغيراً أو كبيراً صحيح العقل أو مجنوناً. ويروى ذلك عن عمر وابن مسعود وجابر بن عبد الله وعطاء والشعبي والزهري وحماد والحكم والثوري وابن شبرمة وأبي سلمة والحسن بن حيي والليث وعبد الله بن وهب وإسحاق، وهو قول الظاهرية. قال مالك: يعتق في قرابة الولاد والأخوات لا غير، كذا قال الكاكي. وقال الأترازي: وقال مالك وأصحاب الظاهر لم يعتقوا إلا بإعتاق المالك. قلت: فيه نظر من وجهين، أحدهما: ذكر أصحاب الظاهر مع مالك، وقد ذكرنا أنهم مع الجماعة المذكورين. والثاني: أن هذا النقل عن مالك خلاف ما وقع في " المدونة " لمالك حيث قال فيها قال مالك ولا يعتق على الرجل من أقاربه إذا ملكه إلا الولد، ذكرهم وأنثاهم، وولد الولد وإن سفلوا وأبواه وأجداده وجداته من قبل الأب والأم وإن بعدوا، وإخوته لأبوين أو لأب أو لأم وهم أهل الفرائض في كتاب الله تعالى ولا يعتق غير هؤلاء من ذوي أرحام انتهى. وقال الأوزاعي: يعتق كل ذي رحم محرم منه كان أو غير محرم، وأعتق ابن العم وابن الخال ويستسعيهما. م: (وهذا اللفظ) . ش: يعني قوله من ملك ذا رحم محرم عتق عليه. م: (مروي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر» ش: هذا الحديث باللفظ الأول أخرجه النسائي في " سننه " عن حمزة بن ربيعة عن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ملك ذا رحم محرم عتق عليه» باللفظ الثاني. أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر» . وأخرجه الحاكم في " المستدرك " من طريق أحمد بن حنبل عن حماد بن سلمة عن عاصم الأحول عن قتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعاً وسكت عنه. ثم أخرجه عن سمرة بن ربيعة عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعًا: «من ملك ذا رحم محرم فهو حر» وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، والمحفوظ عن سمرة بن جندب، انتهى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 24 واللفظ بعمومه ينتظم كل قرابة مؤبدة بالمحرمية ولادا كان أو غيره، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا في غيره. له أن ثبوت العتق من غير مرضاة المالك ينفيه القياس أو لا يقتضيه، والأخوة وما يضاهيها نازلة عن قرابة الولاد فامتنع الإلحاق والاستدلال، ولهذا امتنع التكاتب على المكاتب في غير الولاد ولم يمتنع فيه ولنا ما روينا، ولأنه ملك قريبه قرابة مؤثرة في المحرمية فيعتق عليه.   [البناية] والكلام في هذين الحديثين كثير طوينا ذكره خوفاً من السآمة. م: (واللفظ) . ش: أي لفظ الحديث. م: (بعمومه ينتظم كل قرابة مؤبدة بالمحرمية) . ش: أي مؤكدة وهو بالباء آخر الحروف من التأبيد. م: (ولاداً كان أو غيره) . ش: أي غير الولاد بكسر الواو. وقد قال الأترازي وغيره: منصوب على البدل من قوله كل قرابة. قلت: بل هو منصوب بكان المقدرة، تقديره أو كانت غير الولاد وولاد منصوب بكان الظاهرة، غير أنه تقدم عليه، وتفسيره كل من لا يجوز نكاحه على التأبيد والإجلاء النسب، سواء كانت القرابة قريبة كقرابة الولاد، أو متوسطة كالأخ والأخت والعم والعمة والخال والخالة بخلاف ما إذا كانت لعبيده كبني الأعمام، فإن الحديث لا يتناولهما لعدم المحرمية. م: (والشافعي يخالفنا في غيره) . ش: أي في غير الولاد، وقرابة الولاد هي القرابة بين الولد والوالدين. ومذهب الشافعي أنه لا يعتق في غير قرابة الولاد. وقال أبو محمد: لا نعلم قول الشافعي عن أحد قبله، وليس له فيها أنيس. م: (له) . ش: أي للشافعي. م: (أن ثبوت الملك من غير مرضاة المالك) . ش: أي بغير رضاه، وهو مصدر ميمي. م: (ينفيه القياس أو لا يقتضيه) . ش: قال تاج الشريعة: وفي قوله بنفيه القياس تعرض لنفي القياس إياه. وفي الثاني لا يعترض لا بالنفي ولا بالإثبات. م: (والأخوة وما يضاهيها) . ش: أي وما يشابهها من قرابة العمومة والخؤولة. م: (نازلة عن قرابة الولاد) . ش: أي أدنى درجة من قرابة الولاد. م: (فامتنع الإلحاق) . ش: أي إلحاق قرابة الأخوة بقرابة الولاد لعدم المساواة أو الاستدلال. م: (أو امتنع) . ش: الاستدلال، أي بدلالة النص، إلا إذا كان الملحق به من وجه، وهاهنا ليس كذلك. م: (ولهذا امتنع التكاتب على المكاتب في غير الولاد، ولم يمتنع فيه) . ش: أي في الولاد، يعني إذا ملك المكاتب أباه أو ابنه فهو مكاتب، بخلاف الأخ، فإنه لا يتكاتب. م: (ولنا ما روينا) . ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ملك ذا رحم محرم عتق عليه» م: (ولأنه ملك قريبه قرابة مؤثرة في المحرمية فيعتق عليه) . ش: لأن الشارع اعتبر محرمية هي صفة للرحم، والرحم عبارة عن القرابة، والمحرم عبارة عن حرمة التناكح، فالمحرم والرحم نحو إن ملك زوجة ابنه أو بنت عمه وهي أخته رضاعاً لا يعتق، لأن المحرمية ما ثبتت بالقرابة بل بالمصاهرة أو بالرضاع، ولا بد أن تكون المحرمية مؤثرة، لأن الشارع اعتبر محرمية هي صفة للرحم كما ذكرناه، وكذا الرحم بلا محرم لا يعتق كبني الأعمام والأخوال، لأن القرابة بعدت، فلا تؤثر في حرمة التناكح، فلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 25 وهذا هو المؤثر في الأصل، والولاد ملغى لأنها هي التي يفترض وصلها ويحرم قطعها حتى وجبت النفقة وحرم النكاح، ولا فرق بينهما إذا كان المالك مسلما أو كافرا في دار الإسلام لعموم العلة، والمكاتب إذا اشترى أخاه ومن يجري مجراه لا يتكاتب عليه، لأنه ليس له ملك تام يقدره على الإعتاق والاقتراض عند القدرة   [البناية] تعتق بالملك.. م: (وهذا هو المؤثر في الأصل) . ش: أي ملك القريب هو المؤثر في إيجاب العتق في الأصل، يعني في قرابة الولاد. م: (والولاد ملغي لأنها) . ش: تعليل بوصف غير مقعر فكان اشتغالاً بما لا يفيد، لأنه تعليل بعلة قاصرة، لأنها أي لأن القرابة المؤبدة في المحرمية. م: (هي التي يفترض وصلها ويحرم قطعها حتى وجبت النفقة) . ش: لا يقال هذا مذهبكم لأنه لا نفقة في غير الولد على مذهب الشافعي، فكيف استدل بوجوب النفقة، لأنا نقول وجوب النفقة ثبت بقوله عز وجل: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فصار كأنه ثبت إجماعاً، فلا يلتفت إلى إنكار الخصم. م: (وحرم النكاح) . ش: وحرمة النكاح بالإجماع. وقال الأكمل: ولنا بحث هاهنا، لكنه وهو قولهم هذه قرابة صبت على أدنى الذلين، وهو ذل النكاح فلأن يصان عن كلاهما أولى، فإن ادعي أن ذل النكاح أعلى فلك مكابرة تستدعي تفضيل الإماء على الحرائر وهو باطل قطعاً وإجماعاً على أن الرضاع يرفع ذل النكاح دون الرق بما يحسم مادة هذه المكابرة، فإن رافع الأعلى دفع الأدنى لا محالة.. م: (ولا فرق بينهما إذا كان المالك مسلماً أو كافراً في دار الإسلام لعموم العلة) . ش: وهي صلة الرحم، وكذا الفرق إذا كان المملوك مسلماً أو كافراً، وقيد بقوله في دار الإسلام لأن الحربي إذا ملك قريبه لا يعتق عليه، وبه صرح في فتاوى الولوالجي نص الحاكم في " الكافي " أن عتق الحربي في دار الحرب باطل، وكذا تدبيره لم يذكر الخلاف، فإن في المختلف الحربي إذا أعتق عبده الحربي في دار الحرب وخلاه، عتق عند أبي يوسف وولاؤه له. وقالا: لا ولاء له، لأنه عتق بالتخلية لا بالإعتاق كالراغم، ثم قال: المسلم إذا دخل دار الحرب فاشترى عبداً حربياً فأعتقه ثمة القياس أن لا يعتق بدون التخلية، لأنه في دار الحرب ولا يجري عليه أحكام الإسلام. وفي الاستحسان يعتق تخلية، لأنه لم ينقطع عنه أحكام المسلمين ولا ولاء له عندهما، وهو القياس. وقال أبو يوسف: له الولاء، وهو الاستحسان. وذكر قول محمد مع أبي يوسف في " كتاب السير ".. م: (والمكاتب إذا اشترى أخاه) . ش: هذا هو جواب عن قوله، ولهذا امتنع التكاتب على المكاتب في غير الولاد، وتقديره لا نسلم أنه لا يكاتب عليه، بل قد روي عن أبي حنيفة أنه مكاتب على الأخ أيضاً، فالجواب بطريق التسليم ما قاله المصنف بقوله، لأنه ليس له ملك قام بقدره على ما يجيء الآن. م: (أو من يجري مجراه) ش: أي أو اشتري من يجري مجرى الأخ كالعم والخال م: (لا يتكاتب عليه لأنه ليس له ملك تام يقدره) . ش: من الإقرار. م: (على الإعتاق) . ش: لأنه عبد ما بقي عليه درهم. م: (والاقتراض عند القدرة) . ش: وهي عبارة عن صفة يتمكن بها الحر من فعل وقول بخلاف الولاد، هذا جواب عما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 26 بخلاف الولاد، لأن العتق فيه من مقاصد الكتابة فامتنع بيع المعتق تحقيقا لمقصود العقد. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يكاتب على الأخ أيضا وهو قولهما، قلنا أن نمنع وهذا بخلاف ما إذا ملك ابنة عمه وهي أخته من الرضاع، لأن المحرمية ما ثبتت بالقرابة والصبي جعل أهلا لهذا العتق، وكذا المجنون حتى عتق القريب عليهما عند الملك، لأنه تعلق به حق العبد، فشابه النفقة. ومن أعتق عبدا لوجه الله تعالى أو للشيطان أو للصنم عتق لوجود ركن الإعتاق من أهله في محله، ووصف القربة في اللفظ الأول زيادة، فلا يختل العتق بعدمه في اللفظين الأخيرين.   [البناية] يقال لو كان كذلك لما عتق عليه قرابة الولاد. أجاب بقوله. م: (بخلاف الولاد، لأن العتق فيه من مقاصد الكتابة) . ش: لأن عتق نفسه لما كان مقصوداً بالكتابة لكونه يتغير بالرق، فكذلك رق الوالد الولد، فإذا كان العتق من عقد مقاصد الكتابة. م: (فامتنع بيع المعتق تحقيقاً لمقصود العقد) . ش: لأن المقصود العقد، أما حرمة الأخ فليست من الكتابة لعدم لحوق العار برقة لحوقه برق أبيه أو ابنه. م: (وعن أبي حنيفة أنه يكاتب على الأخ أيضاً، وهو قولهما) . ش: أي قول أبي يوسف ومحمد، وسيجيء بيان هذا مستوفى في كتاب المكاتب إن شاء الله تعالى. م: (قلنا: إنه يمنع، وهذا الخلاف ما إذا ملك ابنة عمه وهي أخته من الرضاع) . ش: هذا جواب نقض إجمالي، أي لا يعتق عليه تقديره هو قوله. م: (لأن المحرمية ما ثبتت بالقرابة) . ش: يعني أراد بالمحرمية محرمية أثرت فيها القرابة، وهذه ليست كذلك، لأن الرضاع هو المؤثر والمحرمية من الرضاع ليست بمرادة من الحديث بالإجماع، لأنه لا قابل بعتقها أصلاً.. م: (والصبي جعل أهلاً لهذا العتق) . ش: أي عتق ذوي الرحم المحرم. م: (وكذا المجنون) . ش: أي كذا المجنون أهل لهذا العتق. م: (حتى عتق القريب عليهما عند الملك) . ش: أي عند ملكهما إياه، بأن دخل قريبتها في ملكهما بغير صنع منهما كالإرث والهبة عتق عليهما. م: (لأنه تعلق به) . ش: أي بهذا العتق. م: (حق العبد) . ش: وهو العلة، وقد وجدت. م: (فشابه النفقة) . ش: وهي تجب عليهما بالقرب، فكذا يعتق قريبهما المحرم بالملك. وقال في " المبسوط " العلة تمت في حقه، وهو الملك مع القرابة، فإن الصغير يملك حقيقة، ولهذا يحرم عليه أخذ الصدقة.. م: (ومن أعتق عبداً لوجه الله تعالى أو للشيطان أو للصنم عتق) . ش: وعند الظاهرية لا يعتق في الأخرين. م: (لوجود ركن الإعتاق) . ش: وهو لفظ الإعتاق. م: (ومن الأهل) . ش: وهو العاقل البالغ المالك. م: (في محله) . ش: وهو العبد المملوك المعتق، وأراد بوجه الله رضا الله تعالى مجازاً وهو يجيء في اللغة على معان وجه الإنسان وغيره معروف، ووجه النهار أوله، ووجه الكلام السبيل الذي يقصده به. ووجوه الناس سادتهم، وصرفت الشيء من وجه، أي عن سببه ووصفه. م: (ووصف القربة في اللفظ الأول) . ش: وهو قوله لوجه الله. م: (زيادة) . ش: للتأكيد وذكر الله ليس بشرط. م: (فلا يختل العتق بعدمه) . ش: أي بعدم ذكر الله تعالى. م: (في اللفظين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 27 وعتق المكره والسكران واقع لوجود الركن من الأهل في المحل كما في الطلاق، وقد بيناه من قبل. وإذا أضاف العتاق إلى ملك أو إلى شرط صح، كما في الطلاق، أما الإضافة إلى الملك ففيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد بيناه في كتاب الطلاق، وأما التعليق بالشرط فلأنه إسقاط فيجري فيه التعليق بالشرط بخلاف التمليكات على ما عرف في موضعه، وإذا خرج عبد الحربي إلينا مسلما عتق؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في عبيد الطائف حين خرجوا إليه مسلمين: «هم عتقاء الله   [البناية] الأخيرين) . ش: وهو قوله أعتقت للشيطان، وقوله أعتقت للصنم. لكنه يكون عاصياً. غاية ما في الباب أنه نفى القربة، وفي نفيها لا ينافي الحرية، كما إذا أعتقه على مال، وقال الكلبي في " كتاب الأصنام ": إذا كان معمولاً من خشب أو ذهب أو فضة صورة إنسان فهو صنم، وإن كان معمولاً من حجارة فهو وثن. [عتق المكره والسكران] م: (وعتق المكره والسكران واقع لوجود الركن من الأهل في المحل كما في الطلاق) . ش: وقد فسرنا هذا الآن. م: (وقد بيناه من قبل) . ش: أراد أنه بينه في الفصل الثاني من كتاب " الطلاق "، وفي السكران اتفاق الأئمة الأربعة على المختار عندهم، وفي المكره بخلاف الشافعي ومالك وأحمد، ومن الكلام فيه هناك. م: (وإذا أضاف العتاق إلى ملك) . ش: بأن قال إن ملكتك فأنت حر. م: (أو إلى شرط) . ش: أي أو أضافه إلى شرط بأن قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر. م: (صح) . ش: أي وقع. م: (كما في الطلاق) . ش: بأن قال إن تزوجتك فأنت طالق، أو قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق. م: (أما الإضافة إلى الملك ففيه خلاف الشافعي وقد بيناه في كتاب الطلاق وأما التعليق بالشرط فلأنه إسقاط) . ش: أي إسقاط قصد إذ الإثبات ضمناً يلزم المناقضة بين هذا وبين ما قاله أولاً، وهو أن الإعتاق لغة إثبات القوة. م: (فيجري فيه التعليق بالشرط) . ش: أي في الإسقاط، ولا خلاف فيه بيننا وبين الشافعي، إنما الخلاف بوجه آخر، وهو أن بقاء الملك يشترط عند التعليق وعند وجود الشرط، وزواله فيما بين ذلك لا يبطله، وعنده يبطله لانعقاد التعليق سبباً عنده، وعندنا ينعقد سبباً عند وجود الشرط. م: (بخلاف التمليكات) . ش: حيث لا يجري فيها التعليق لإفضائه إلى معنى القمار، لأن في جعله متعلقاً بشرط لا يدري أن يكون أم لا يكون خطراً وخيار الشرط في البيع ثبت أيضاً، بخلاف القياس فلا يرد نقضاً. م: (على ما عرف في موضعه) . ش: أي في أصول الفقه. م: (وإذا خرج عبد الحربي إلينا مسلماً عتق لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (في عبيد الطائف حين خرجوا إليه مسلمين: هم عتقاء الله) . ش: هذا الحديث أخرجه عبد الرزاق في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 28 تعالى» ولأنه أحرز نفسه وهو مسلم ولا استرقاق على المسلم ابتداء، ، وإن أعتق حاملا عتق حملها تبعا لها؛ إذ هو متصل بها؛ ولو أعتق الحمل خاصة عتق دونها، لأنه لا وجه إلى إعتاقها مقصودا لعدم الإضافة إليها، ولا إليه تبعا لما فيه من قلب الموضوع ثم إعتاق الحمل صحيح، ولا يصح بيعه وهبته، لأن التسليم نفسه شرط في الهبة والقدرة عليه في البيع ولم يوجد ذلك.   [البناية] مصنفه عن معمر عن عاصم بن سليمان حدثنا أبو عثمان النهدي عن أبي بكرة أنه «خرج إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يحاصر أهل الطائف بثلاثة وعشرين عبداً فأعتقهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهم الذين يقال لهم العتقاء» . وأخرج أبو داود في " الجهاد " والترمذي في " المناقب " عن ابن إسحاق عن أبان بن صالح عن منصور بن المعمر عن ربعي بن حراش عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال «خرج إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الحديبية ... » الحديث، وفي آخره: «هم عتقاء الله سبحانه» . قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب. قوله: عبدان بكسر العين، وأن يكون بالباء الموحدة جمع عبد. م: (ولأنه) . ش: أي ولأن هذا العبد الذي خرج. م: (أحرز نفسه وهو مسلم) . ش: يعني أحرز نفسه بالإسلام. م: (ولا استرقاق على المسلم ابتداء) . ش: قيد به احترازاً عن الاسترقاق بقاء، وذلك بأن يسلم بعد الأسر والسير، لأن الرق حينئذ جعل من الأمور الحكمية لا الجزئية فبقي الرق كما تبقى سائر الأملاك بعد وجود أسبابها. وبقولنا قال الشافعي ومالك وأحمد وأكثر أهل العلم. وقال الأوزاعي: لو جاء سيده مثلاً يرد عليه، وعند الظاهرية يعتق بالإسلام من غير خروج. [عتق الحامل وولدها] م: (وإن أعتق حاملاً أعتق حملها تبعاً لها، إذ هو متصل بها) . ش: لأنه كسائر أجزائها، بدليل أنه لا يصح إفراده بالبيع كما لا يصح إفراد سائر أعضائها. م: (ولو أعتق الحمل خاصة عتق) . ش: أي الحمل. م: (دونها) . ش: أي دون الحامل. م: (لأنه لا وجه إلى إعتاقها مقصوداً، لعدم الإضافة) . ش: أي لعدم إضافة الإعتاق. م: (إليها ولا إليه تبعاً) . ش: أي ولا وجه إلى إعتاق الجارية تبعاً. م: (لما فيه من قلب الموضوع) . ش: لأنه يكون التبع متبوعاً، والمتبوع تابعاً وهو فاسد. م: (ثم إعتاق الحمل صحيح) . ش: أي بدون الأم عند الجمهور، إلا عند الظاهرية. م: (ولا يصح بيعه وهبته، لأن التسليم نفسه) . ش: بنصب نفسه، لأنه تأكيد للمنصوب. م: (شرط في الهبة والقدرة عليه) . ش: أي على التسليم شرط. م: (في البيع ولم يوجد ذلك) . ش: أي القدرة عليه. م: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 29 بالإضافة إلى الجنين وشيء من ذلك ليس بشرط في الإعتاق فافترقا؛ ولو أعتق الحمل على مال صح ولا يجب المال إذ لا وجه إلى إلزام المال على الجنين؛ لعدم الولاية عليه ولا إلى إلزامه الأم لأنه في حق العتق نفس على حدة، واشتراط بدل العتق على غير المعتق لا يجوز على ما مر في الخلع، وإنما يعرف قيام الحبل وقت العتق إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر منه لأنه أدنى مدة الحمل.   [البناية] (بالإضافة إلى الجنين) . ش: أي بالنسبة إليه. م: (وشيء من ذلك) . ش: أي من القدرة والتسليم. م: (ليس بشرط في الإعتاق فافترقا) . ش: أي افترقا جواز إعتاق الحمل وعدم جواز بيعه وهبته. ولو قال: أعتقها إلا حملها، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق والنخعي والشعبي وعطاء وابن سيرين يصح استثناؤه من العتق، وهو مروي عن ابن عمر وأبي هريرة، فإنهم يجوزون عتق الجنين دون أمه بعد نفخ الروح، وتكون أمه حرة تبعاً له. [أعتق الحمل على مال] م: (ولو أعتق الحمل على مال صح، ولا يجب المال، إذ لا وجه إلى إلزام المال على الجنين لعدم الولاية عليه ولا إلى إلزامه الأم) . ش: أي ولا وجه إلى الالتزام للأم م: (لأنه) . ش: أي لأن الجنين. م: (في حق العتق نفس على حدة، واشتراط بدل العتق على غير المعتق) . ش: بفتح التاء. م: (لا يجوز) . ش: قيل عليه سلمنا ذلك، لكن ينبغي أن يتوقف العتق إلى أن يبلغ الحمل إلى حد يكون من أهل القبول، وهو أن يكون عاقلاً يعقل العقد. كما مر في خلع الصغيرة، حيث قال فيه: وإن شرط الألف عليها متوقف على قبولها إن كانت من أهل القبول، وإن كانت عاقلة تعقله العقد. وأجيب: بأن ذلك في صريح الشرط، وأما هاهنا فالمسألة مذكورة بكلمة على، فكان المال هاهنا وصفاً للإعتاق، ولا يلزم بطلان الأصل بطلان الوصف، فيثبت العتق ولا يجب المال كما في طلاق الصغيرة، وفيه نظر، لأنه يقتضي أنه ذكر بكلمة الشرط توقف، ولا بد فيه من رواية، واعتباره بخلع الصغيرة غير صحيح، لأنه قال فيه: وإن شرط عليها توقف على قبولها إن كانت من أهل القبول، فالتوقف فيه مشروط بكونها من أهل القبول، والحمل ليس منه، والأولى أن يقال لما كان علم المعتق عدم كون الحمل أهلاً للخطاب، وقبول الشرط وأقدم على العتق كان قاصداً للإعتاق بلا مال أو يحمل على ذلك صوناً لكلامه عن الإلغاء. م: (على ما مر في الخلع) . ش: قال السفناقي: هذا حوالة غير رابحة، ثم يحتمل أن يكون مراده أي في مسألة خلع الجامع الصغير. قلت: نفس الأمر يستبعد هذا، وقال الأترازي: ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى ما ذكره في خلع كفاية المنتهى، لأنه قبل هذا الكتاب.. م: (وإنما يعرف قيام الحمل) . ش: بالميم. وفي بعض النسخ الحبل بالباء. م: (وقت العتق إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر منه) . ش: أي من وقت العتق. م: (لأنه أدنى مدة الحمل) . ش: هذا متصل بقولاه وإن أعتق جارية عتق حملها، ولو أعتق الحمل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 30 قال: وولد الأمة من مولاها حر، لأنه مخلوق من مائه فيعتق عليه، هذا هو الأصل، ولا معارض له فيه، لأن ولد الأمة لمولاها وولدها من زوجها مملوك لسيدها لترجح جانب الأم باعتبار الحضانة أو لاستهلاك مائه بمائها. والمنافاة متحققة   [البناية] خاصة عتق دونها، يعني إنما يعتق الحمل إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الإعتاق، وإن جاءت به لستة أشهر فلا. نص عليه الحاكم في " الكافي " قال: وإن قال ما في بطنك حر فولدت بعد ذلك لستة أشهر لم يعتق، وإن ولدت لأقل من ستة أشهر عتق. وفي " التحفة ": فإن كانت الأمة في عدة من زوج عتق الولد إذا ولدته ما بينهما وبين سنتين منذ وجبت العدة، وإن كان لأكثر من ستة أشهر منذ قال المولى، قال الحاكم في " الكافي ": وإن ولدت واحداً لأقل من ستة أشهر بيوم واحد لأكثر منها بيوم. [ولد الأمة من مولاها] م: (قال) . ش: أي القدوري. م: (وولد الأمة من مولاها حر، لأنه مخلوق من مائه فيعتق عليه) . ش: بإجماع الأئمة. م: (هذا هو الأصل) . ش: أي الولد من ماء صاحب الماء. م: (ولا معارض له فيه) . ش: أي في الولد. م: (لأن ولد الأمة لمولاها) . ش: لأن ماء الأمة لا يعارض ماءه، لأن ماءها مملوك له فيكون الماءان له. م: (وولدها من زوجها مملوك لسيدها لترجح جانب الأم باعتبار الحضانة) . ش: لأن حق الحضانة للأم لا للأب غير مرجح جانبها بها. م: (أو لاستهلاك مائه بمائها) . ش: أي أو لترجح باستهلاك ماء زوجها بمائها، لكون مائها في موضعه. والحاصل أن جانب الأم يترجح بأمور منها الحضانة. قيل فيه نظر، لأن حق الحضانة إنما يثبت بعد الولادة، فلا يجوز أن يكون مرجحاً لما هو قبلها ومعنا استهلاك مائه بمائها ومنها الولد ما دام جنيناً فهو بمنزلة عضو من أعضائها كيدها ورجلها إلى أن ينفصل حسناً وشرعاً، أما حسناً فإنه يتنفس بنفسها، وينتقل بانتقالها حتى يقرض بالمقراض عند انفصاله منها شرعاً، فلأنه يعتق بعتقها قيل فيه نظر، لأن الكلام في إثباته فلا يستدل به عليه، ومنها أنه يتيقن كونه مخلوقاً من مائها، بخلاف الزوج، فكان الفراش من جانبها حقيقة وحكماً، ومن جانبه حكماً فقط. م: (والمنافاة متحققة) . ش: أي بين ماء الرجل وماء المرأة، والمنافاة أي لا يجتمع الأمران في محل واحد في زمان واحد من جهة واحدة كالمتضادين، وهذا كأنه جواب سؤال مقدر تقدير السؤال أن يقال: كيف يكون الرجل مستهلكاً لماء المرأة، وهي من جنس واحد، ولا منافاة بينهما، والجنس لا يغلب الجنس، وتقدير ما قاله من قوله - والمنافاة متحققة بينهما - لأنه طبع ماء الرجل حار، وطبع ماء المرأة بارد، وبينهما منافاة لا محالة، وماء المرأة في مستقره يزاد قوة وماء الرجل في غير مستقره، فيكون مغلوباً بمائها. وقال الأكمل: والمنافاة متحققة، جواب عما يقال الترجيح يحتاج إليه بعد التعارض، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 31 والزوج قد رضي به بخلاف ولد المغرور، لأن الوالد ما رضي به، وولد الحرة حر على كل حال، لأن جانبها راجح فيتبعها في وصف الحرية ما يتبعها في المملوكية والمرقوقية والتدبير وأمومية الولد والكتابة، والله تعالى أعلم.   [البناية] وتقريره التعارض موجود، لأن المنافاة متحققة، فإنه لو اعتبر جانب الأم كان مملوكاً لسيدها، وإن اعتبر جانب الأب لا يكون مملوكاً لسيدها فتثبت المنافاة، بخلاف الولد من الموالي فإنه للمولى، أي جانب اعتبر. م: (والزوج قد رضي به) . ش: أي برق الولد، هذا جواب عما يقال إذا اعتبر جانب المرأة حتى يكون الولد مملوكاً لمولاها لضرر الأب، والضرر مدفوع شرعاً وتقرير الجواب أن الزوج قد رضي برق الولد حيث أقدم على تزوج الأمة، فإن الولد يرق به، وفيه نظر لأن العلم بكون الولد رقيقاً بتزوج الأمة إنما يكون بعد ثبوت هذا الحكم في الشرع، وكلامنا في شرعيته.. م: (بخلاف ولد المغرور، لأن الوالد ما رضي به) . ش: أي لأن المغرور لما تزوج الأمة بلا علم لم يرض بإسقاط نفقته، فصار ولده حراً بالقيمة نظراً للجانبين. م: (وولد الحرة حر على كل حال) . ش: أي سواء كان زوجها حراً أو عبداً. م: (لأن جانبها راجح فيتبعها) . ش: أي فيتبعها الولد. م: (في وصف الحرية) . ش: يعني يكون حراً. م: (كما يتبعها في المملوكية) . ش: فيكون مملوكاً، وهذا لرجحان جانبها بسبب الحرية فيتبعها الولد في الحرية كما في الرق. م: (والمرقوقية) . ش: عطف على ما قبله أي يتبعها في المرقوقية أيضاً. م: (أمية الولد) ش: يعني إذا زوج المولى أم ولده من رجل يكون الولد في حكم أمه م: (والتدبير) . ش: يعني إذا زوج مدبرته من رجل يكون الولد في حكم أمه. م: (والكتابة) . ش: يعني إذا كاتب المولى أمته ثم ولدت دخل الولد في كتابة الأم تبعاً. وقال الكاكي: أورد هذين الفصلين، يعني المملوكية والمرقوقية لتغايرهما من حيث الكمال والنقصان، فإن في المدبرة وأم الولد الملك كامل والرق ناقص، وفي المكاتبة على عكسه، أو لأن المملوكية عام فيكون في بني آدم وغيرهم، والمرقوقية خاصة في بني آدم فتعين أن الولد يتبع الأم في العام والخاص، ولهذا أن البقر الوحشي والحمر الإنسية والظباء لا يجوز في الأضحية، ولو كان الولد بين الوحشي والإنسي وكانت الأم وحشية لا يجوز، وإن كانت أهلية يجوز لما أن الولد تابع للأم فيها، كذا في " فتاوى الولوالجي "، انتهى. وقال الأترازي: قال بعضهم في شرحه إنما ذكر هذين اللفظين لتغايرهما إلى آخر ما ذكره وفيه نظر، لأن الرق لا يحتمل التجزؤ، وبه صرح أصحابنا في أصول الفقه، وما لا يحتمل التجزؤ كيف يقبل النقصان، انتهى. وقال الكاكي: ثم الولد يتبع الأم في الرق والحرية وأمومية الولد والكتابة وفي التدبير، وفي " المنهاج ": إن ولدت المدبرة من نكاح أو زنا لا يصير ولدها مدبراً على المذهب، وإن دبر الحامل صار مدبراً على المذهب، وعن أحمد وجابر بن زيد وعطاء لا يتبعها ولدها في التدبير حتى لا يعتق بموت سيدها، والله أعلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 32 باب العبد الذي يعتق بعضه وإذا أعتق المولى بعض عبده عتق ذلك القدر، ويسعى في بقية قيمته لمولاه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يعتق كله وأصله أن الإعتاق يتجزأ عنده فيقتصر على ما أعتق، وعندهما لا يتجزأ، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإضافته إلى البعض كإضافته إلى الكل، فلهذا يعتق كله، لهم أن الإعتاق إثبات العتق وهو قوة حكمية، وإثباتها بإزالة ضدها وهو الرق الذي هو ضعف حكمي وهما   [البناية] [باب العبد الذي يعتق بعضه] م: (باب العبد الذي يعتق بعضه) ش: أي هذا باب العبد، بإضافة الباب إلى العبد، أي هذا باب في بيان حكم العبد حال كونه يعتق بعضه ويعتق على صيغة المجهول محله النصب على الحال، ويجوز قطع الباب عن الإضافة، ويكون قوله العبد مبتدأ ويعتق بعضه خبر له في محل الرفع. ولما فرغ من بيان إعتاق الكل شرع في بيان إعتاق البعض، وأخر هذا عن ذاك لأن ذاك متفق عليه، وهذا مختلف فيه، والأصل عدم الاختلاف، أو لأن الأول كثير الوقوع، فاستحق التقديم. [أعتق المولى بعض عبده] م: (وإذا أعتق المولى بعض عبده عتق ذلك القدر) . ش: وفي " المنافع " أي زال ملكه عن ذلك البعض، ولم يرد به حقيقة العتق عند أبي حنيفة، وإنما أراد به ثبوت أثره، وهو زوال الملك. م: (ويسعى في بقية قيمته لمولاه عند أبي حنيفة) . ش: وهو قول الحسن البصري، ويروى عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. م: (وقالا يعتق كله، وأصله) . ش: أي أصل الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه. م: (أن الإعتاق يتجزأ عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (فيقتصر على ما أعتق) . ش: أي يقتصر إعتاقه على ما قدر إعتاقه. م: (وعندهما لا يتجزأ، وهو قول الشافعي) . ش: فيما إذا كان المالك واحداً أو كان المعتق موسراً، فعند ذلك قوله كقولهما، أما لو كان المعتق معسراً يبقى ملك الساكت كما كان حق يجوز له بيعه وهبته، وبقول الشافعي قال مالك وأحمد. وقولهما قول قتادة والثوري والشعبي. وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. م: (فإضافته) . ش: أي إضافة الإعتاق. م: (إلى البعض) . ش: أي إلى بعض العبد. م: (كإضافته إلى الكل، فلهذا يعتق كله) . ش: أي كل العبد، والمراد من تجزؤ الإعتاق والملك أن يتجزأ المحل في قبول حكم الإعتاق، وهو زوال الملك بأن يزول في البعض دون البعض، وأن يتجزأ المحل في قبول حكم الملك، وهو أن البعض مملوك لواحد، والبعض لآخر، وليس معناه أن ذات الإعتاق أو ذات الملك يتجزأ، لأنه معنى واحد لا يقبل التجزؤ. م: (لهم) . ش: أي لأبي يوسف ومحمد والشافعي. م: (أن الإعتاق إثبات العتق وهو) . ش: أي العتق. م: (قوة حكمية، وإثباتها بإزالة ضدها، وهو الرق الذي هو ضعف حكمي وهما) . ش: أي العتق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 33 لا يتجزآن، فصار كالطلاق والعفو عن القصاص، والاستيلاد، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الإعتاق إثبات العتق بإزالة الملك أو هو إزالة الملك؛ لأن الملك حقه، والرق حق الشرع أو هو حق العامة، وحكم التصرف ما يدخل تحت ولاية المتصرف وهو إزالة حقه لا حق غيره، والأصل أن التصرف يقتصر على موضع الإضافة والتعدي إلى ما وراءه ضرورة عدم التجزؤ، والملك متجزئ كما في البيع والهبة، فيبقى على الأصل. وتجب السعاية لاحتباس مالية البعض عند العبد والمستسعى بمنزلة المكاتب   [البناية] والرق. م: (لا يتجزآن) . ش: فلا يتجزأ الإعتاق أيضاً. م: (فصار) . ش: أي الإعتاق. م: (كالطلاق) . ش: فإنه لا يتجزأ. م: (والعفو عن القصاص) . ش: كذلك لا يتجزأ. م: (والاستيلاد) . ش: أي وكالاستيلاد فإنه لا يتجزأ حتى لو استولد الأمة المشتركة تصير كلها أم ولد له. م: (ولأبي حنيفة أن الإعتاق إثبات العتق بإزالة الملك) . ش: كما قالوا. م: (أو هو) . ش: أي الإعتاق إزالة الملك كما قال أبو حنيفة، يعني إزالة ملك متجزئ مفض لزوال كله إلى العتق، والحصر ظاهر، لأنهم لما اختلفوا في هذين العينين كان إجماعاً منهم أن غير ذلك ليس بمراد، وإنما قال أبو حنيفة: إنه إزالة ملك، لأن الملك حقه والرق حق الشرع، لأن الله عز وجل أجرى عليه الرق جزاء الكفر، حيث استنكف أن يكون عبداً لله تعالى فجعله الله عبد عبده. م: (أو هو حق العامة) . ش: أي أو الرق حق العامة ليكون نعوته للمتكلفين على إقامة التكليف، يعني القائمين يستغنمونه كما يستغنمون سائر الأموال، فصار في حقهم بمنزلة الجماد ليصلوا إلى الانتفاع به. م: (وحكم التصرف ما يدخل) . ش: أي الذي يدخل. م: (تحت ولاية المتصرف وهو) . ش: أي الذي يدخل تحت ولاية. م: (إزالة حقه لا حق غيره) . ش: لأنه ليس له ولاية في التصرف في حق غيره. م: (والأصل) . ش: في حكم التصرف. م: (أن التصرف يقتصر على موضع الإضافة) . ش: أي موضع يضاف إليه التصرف فيه. م: (والتعدي إلى ما وراءه) . ش: أي وراء موضع الإضافة. م: (ضرورة عدم التجزؤ) . ش: أي لأجل عدم التجزؤ. م: (والملك متجزئ) . ش: فزال ملكه عن البعض الذي أعتقه. م: (كما في البيع) . ش: إذا باع نصيبه من العبد المشترك لشريكه يزول ملكه عن البعض الذي باعه. م: (والهبة) . ش: كما إذا وهب نصيبه من العبد المشترك لشريكه يزول ملكه عن البعض. م: (فبقي على الأصل) . ش: وهو أن يقتصر التصرف على موضع الإضافة. [السعاية لاحتباس مالية البعض عند العبد المعتق بعضه] م: (وتجب السعاية لاحتباس مالية البعض عند العبد) . ش: معنى ما يتجزأ بالإعتاق بإزالة بعض الملك متجزئ جنس مالية البعض عن العبد، فتجب عليه السعاية. والاستسعاء أن يؤجر ويأخذ قيمة نصفه من الأجرة، ويعتبر قيمته في الحال. م: (والمستسعى) . ش: بفتح العين. م: (بمنزلة المكاتب عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة، وقيل قوله بمنزلة المكاتب غير جيد، لأن ذلك للمولى ثابت في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 34 عنده لأن الإضافة إلى البعض توجب ثبوت المالكية في كله وبقاء الملك في بعضه يمنعه، فعملنا بالدليلين بإنزاله مكاتبا، إذ هو مالك يدا لا رقبة والسعاية كبدل الكتابة، فله أن يستسعيه، وله خيار أن يعتقه؛ لأن المكاتب قابل للإعتاق غير أنه إذا عجز لا يرد إلى الرق، لأنه إسقاط لا إلى أحد فلا يقبل الفسخ بخلاف الكتابة المقصودة، لأنه عقد يقال ويفسخ. وليس في الطلاق والعفو عن القصاص.   [البناية] المكاتب وهو عبد ما بقي عليه درهم ومعتق البعض زال ملكه عن البعض، فليس هو نظير المكاتب بل الجيد أن يقال سقط ملكه واستحق الحرية بغير عوض. وأجيب بأن مرادهم بقوله بمنزلة المكاتب أنه لا يجوز بيعه ولا هبته، ويخرج إلى العتق بالسعاية، والمكاتب يخرج إليه بأداء البدل. م: (لأن الإضافة) . ش: أي إضافة الإعتاق. م: (إلى البعض توجب ثبوت المالكية للعبد في كله) . ش: باعتبار العتق. م: (وبقاء الملك في بعضه يمنعه) . ش: عن ثبوت المالكية باعتبار الرق في الكل باعتبار العتق. م: (فعملنا بالدليلين) . ش: لنا أن زوال الملك في النصف يوجب ثبوت المالكية في الكل باعتبار العتق، لأنه لا يتجزأ وبقاء الملك في النصف يوجب ثبوت المالكية باعتبار الرق. فقد اجتمع في العبد ما يوجب ثبوت المالكية في الكل، وما يوجب بقاء الملك في الكل والعمل بالدليلين ممكن بأن يجعل مكاتباً وهو قوله. م: (بإنزاله مكاتباً، إذ هو) . ش: أي المكاتب. م: (مالك يداً لا رقبة) . ش: يعني مملوك رقبة كالمستسعى، ويجوز أن يكون المعنى هو معتق البعض مالك يداً لأجل السعاية، مملوك رقبة كالمكاتب. ويجوز أن يكون معناه إضافة العتق إلى البعض يوجب ثبوت المالكية في الكل كما هو قولهما، وبقاء الملك في بعض يمنعه، كما هو قول أبي حنيفة، فقلنا إنه حر يداً مملوك رقبة كالمكاتب عملاً بالدليلين. وإذا كان المستسعى كالمكاتب. م: (والسعاية) . ش: يكون. م: (كبدل الكتابة فله) . ش: أي للمولى. م: (أن يستسعيه وله خيار أن يعتقه، لأن المكاتب قابل للإعتاق غير أنه) . ش: هذا جواب عما يقال لو كان بمنزلة المكاتب لكان رقيقاً إذا عجز. أجاب بقوله غير أنه أي المستسعى. م: (إذا عجز لا يرد إلى الرق، لأنه إسقاط لا إلى أحد) . ش: والإسقاط لا إلى أحد ليس فيه معنى المعاوضة، لأنها إنما تتحقق بين اثنين، وإذا لم تتحقق بين فيه المعاوضة. م: (فلا يقبل الفسخ بخلاف الكتابة المقصودة) . ش: فإنه إسقاط من المولى إلى المكاتب إفراداً على تحصيل بدل الكتابة، فكان فيها معنى المعاوضة. م: (لأنه عقد يقال ويفسخ) . ش: كلاهما على صيغة المجهول من الإقالة والفسخ. وفي بعض النسخ لأنه إسقاط إلى الأجل، يعني بخلاف المقصود، فإن الإسقاط فيها إلى أجل، وهو وقت أداء بدل الكتابة. م: (وليس في الطلاق والعفو) . ش: جواب عن قولهم، وصار كالطلاق والعفو. م: (عن القصاص) . ش: وتقرير الجواب أنه إنما يثبت العتق في الكل لإمكان العمل بالدليلين لوجود الجزء: 6 ¦ الصفحة: 35 حالة متوسطة فأثبتناه في الكل ترجيحا للمحرم، والاستيلاد متجزئ عنده حتى لو استولد نصيبه من مدبرة يقتصر عليه، وفي القنة لما ضمن نصيب صاحبه بالاستيلاد ملكه بالضمان فكمل الاستيلاد، وإذا كان العبد بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه عتق، فإن كان موسرا فشريكه بالخيار إن شاء أعتق، وإن شاء ضمن شريكه قيمة نصيبه، وإن شاء استسعى العبد.   [البناية] م: (حالة متوسطة) . ش: بين الحرية والرق، وهي الكتابة يصار إليها، وليس في الطلاق والعتق حالة متوسطة. م: (فأثبتناه في الكل ترجيحاً للمحرم) . ش: على المبيح. م: (والاستيلاد متجزئ عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. وهذا جواب عن قولهم والاستيلاد وتقريره أن الاستيلاد يتجزأ عند أبي حنيفة. م: (حتى لو استولد نصيبه من مدبرة يقتصر عليه) . ش: أي على نصيب المستولدة، يعني إنما ولدت الأمة المدبرة بين رجلين ولداً فادعاه أحدهما تصير ونصف الجارية أم ولد، ونصفها مدبرة لشريكه، على أنها لو ماتا يعتق نصف الشريك من الثلث، ونصف الآخر من الجملة ولاء الولد بينهما وفي رواية كتاب الولاء نصف الولد للثاني، وليس للولد عليه ولاء، وعليه نصف قيمة المدبر مدبراً يوم ولد، لأن الولد في الظاهر منها وقد أتلف، كذا ذكره شمس الأئمة البيهقي في " الشامل " في قسم السقوط. م: (وفي القنة) . ش: جواب عما يقال لو كان الاستيلاد متجزئاً لا طرد في القنة، تقدير الجواب إنما لم يتجزأ في القنة لأن المستولد. م: (لما ضمن نصيب صاحبه بالاستيلاد ملكه بالضمان، فكمل الاستيلاد) . ش: أي كمل استيلاد القنة بالضمان فصار كأنه استولد جارية نفسه، لأن الاستيلاد عنده غير متجزئ. [العبد بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه] م: (وإذا كان العبد بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه عتق) . ش: أي عتق نصيبه عتق، وإنما قال عتق وإن كان العتق لا يتجزأ بالاتفاق لما أنه أراد زوال ملكه في نصيبه قاله الأترازي. وقال الكاكي: عتق أي استحق العتق لزوال ملك المعتق وملك الشريك أيضاً مع بقاء الرق في كل العبد عند أبي حنيفة لا يثبت شيء من المعتق به. م: (فإن كان) . ش: أي المعتق. م: (موسراً فشريكه بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء ضمن شريكه قيمة نصيبه، وإن شاء استسعى العبد) . ش: ذكر المصنف ثلاثة خيارات كما ذكر في " المبسوط ". وفي " التحفة " له خمسة خيارات إن كان موسراً إن شاء أعتق، وإن شاء ضمن، وإن شاء كاتب وإن شاء استسعى، وإن شاء دبر يصير نصيبه مدبراً ويجب عليه السعاية للحال فيعتق، ولا يجوز أن يؤخر عتقه إلى ما بعد الموت، وفي هذه المسألة أقوال: أحدها: ما ذكره أبو حنيفة. والثاني: قولهما. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 36 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] والثالث: قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه لا يعتق شيء منه كان بإذن شريكه أو بغير إذنه. والرابع: قول عثمان البتي أنه يعتق نصيب من أعتق، ويبقى نصيب من لم يعتق على حاله، ولا ضمان على المعتق، وهو مروي عن عمر، رواه ابن أبي شيبة. والخامس: قول الثوري والليث شريكه بالخيار، وإن شاء أعتق، وإن شاء ضمن، ولم يذكر السعاية. والسادس: قول زفر وبشر أن له التعيين، سواء كان المعتق موسراً أو معسراً. والسابع: يعتق الباقي من مال المسلمين، وهو قول ابن سيرين. والثامن: قول مالك يقوم عليه نصيب شريكه وضمنها له، ويعتق كله بعد التقويم لأجله، وإن شريكه أعتق نصيبه ليس له أن يمسكه رقيقاً، ولا أن يكاتبه، ولا أن يدبره، ولا أن يبيعه، وإن عقل عن التقويم حتى مات المعتق أو العبد بطل، وماله كله لمن يمسكه بالرق، وإن كان المعتق معسراً فالباقي رقيق يتبعه الساكت أو يكاتبه أو يدبره أو يمسكه رقيقاً سواء السير بعد إعتاقه أم لا، قيل لا يعلم لأحد قبله من السلف. والتاسع: أحد أقوال الشافعي وهو أن المعتق إن كان موسراً قوم عليه نصيب شريكه وهو حر كله حين أعتقه مولاه، وإن كان معسراً عتق ما عتق، وبقي الباقي مملوكاً يتصرف مالكه كيف شاء. والعاشر: قول أبي حنيفة في الولاء أنه مشترك بين المعتق والمستسعى، وهو قول الحسن البصري وحماد بن أبي سليمان والثوري، وعندهما للمعتق دون المستسعى، وهو قول إبراهيم النخعي وعامر الشعبي وابن شبرمة وابن أبي ليلى. والحادي عشر: لو كان المعتق موسراً له عتق نصيبه متجزئاً أو مضافاً عند أبي حنيفة وعند مالك يعتقه حالاً لا إلى أجل. والثاني عشر: قول مالك إن كان المعتق موسراً لا يعتق نصيبه حتى يؤدي قيمة نصيب شريكه، وعند أبي يوسف ومحمد والشافعي يعتق في الحال. والثالث عشر: أحد أقوال الشافعي أن الحال موقوفة، فإذا أدى تبين أنه أعتق كله. والرابع عشر: أن العتق يسري بالإرث عندنا بلا ضمان، وعند الشافعي وبعض المالكية لا يسري ولا يضمن. والخامس عشر: لو كان المشترك رهناً يسري عندنا، وبين الشافعية خلاف فيها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 37 فإن ضمن رجع المعتق على العبد، والولاء للمعتق، وإن أعتق أو استسعى فالولاء بينهما، وإن كان المعتق معسرا فالشريك بالخيار، إن شاء أعتق، وإن شاء استسعى العبد، والولاء بينهما في الوجهين، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: ليس له إلا الضمان مع اليسار والسعاية مع الإعسار، ولا يرجع المعتق على العبد والولاء للمعتق، وهذه المسألة تبتنى على حرفين. أحدهما: تجزؤ الإعتاق وعدمه على ما بيناه. والثاني: أن يسار المعتق لا يمنع سعاية العبد عنده، وعندهما يمنع لهما في الثاني «قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الرجل الذي يعتق نصيبه إن كان غنيا ضمن، وإن كان فقيرا سعى في حصة الآخر   [البناية] والسادس عشر: لو وصى بعتق نصيبه؛ يسري عندنا، وعند الشافعي خلاف فيها. م: (فإن ضمن) . ش: أي الشريك إن ضمن المعتق بكسر التاء. م: (رجع المعتق) . ش: بكسر التاء. م: (على العبد والولاء للمعتق وإن أعتق) . ش: أي الشريك. م: (أو استسعى) . ش: العبد. م: (فالولاء بينهما) . ش: أي بين الشريكين. م: (وإن كان المعتق معسراً فالشريك بالخيار إن شاء أعتق، وإن شاء استسعى العبد، والولاء بينهما في الوجهين) . ش: أي في صورة الإعتاق وصورة السعاية. م: (وهذا) . ش: أي المذكور م: (قول أبي حنيفة، وقالا) . ش: أي أبو يوسف ومحمد: (ليس له) . ش: أي للشريك الساكت. م: (إلا الضامن مع اليسار) . ش: أي مع يسار العتق. م: (والسعاية) . ش: أي ليس له إلا السعاية. م: (مع الإعسار) . ش: أي مع إعسار الشريك. م: (ولا يرجع المعتق على العبد) . ش: أي لا يرجع بما ضمن، لأن العبد لا يجب عليه السعاية عندهما في اليسار، وعند أبي حنيفة: يرجع عليه، لأنه بأداء الضمان قام مقام الساكت، فكأن الساكت أخذ العوض منه بالاستسعاء. فكذلك كان للمعتق الرجوع عليه بما أدى. م: (والولاء للمعتق) . ش: بكسر التاء. م: (وهذه المسألة) . ش: المذكورة، أي رجوع المعتق على العبد، وعدم الرجوع عند أداء الضمان. م: (تبتنى على حرفين) . ش: أي أصلين دقيقين. م: (أحدهما) . ش: أي أحد الحرفين. م: (تجزؤ الإعتاق وعدمه) . ش: أي وعدم التجزؤ. م: (على ما بيناه) . ش: أي عند قوله في أول الباب، وأصله أن الإعتاق يتجزأ عنده إلى آخره.. م: (والثاني) . ش: أي الحرف الثاني. م: (أن يسار المعتق لا يمنع سعاية العبد عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (وعندهما يمنع) . ش: السعاية، وبين وجه الحرف الأول، وشرع هنا في بيان الحرف الثاني بقوله: م: (لهما في الثاني) . ش: أي لأبي يوسف ومحمد في وجه الحرف الثاني. م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) . ش: أي قول «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (في الرجل الذي يعتق نصيبه إن كان غنياً ضمن، وإن كان فقيراً سعى العبد في حصة الآخر) » . ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة عن سعيد بن عروة عن قتادة عن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 38 قسم» والقسمة تنافي الشركة، وله أنه احتبست مالية نصيبه عند العبد، فله أن يضمنه كما إذا هبت الريح بثبوت إنسان وألقته في صبغ غيره، حتى انصبغ به فعلى صاحب الثوب قيمة صبغ الآخر موسرا كان أو معسرا لما قلنا. فكذا هاهنا، إلا أن العبد فقير فيستسعيه. ثم المعتبر يسار التيسير وهو أن يملك من المال قدر قيمة نصيب الآخر لا يسار الغناء.   [البناية] بشير بن نهيك عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من أعتق شقصاً له في عبد فخلاصه في ماله إن كان له مال، فإن لم يكن له مال يستسعي العبد غير مشقوق عليه» . وجه الاستدلال أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (قسم الأمرين) . ش: أعني خلاص العبد وسعايته بين الحالين أعني يسار المعتق وإعساره. م: [القسمة تنافي الشركة] (والقسمة تنافي الشركة) . ش: فلا يكون للشريك الساكت سعاية العبد مع يسار المعتق. م: (وله) . ش: أي ولأبي حنيفة. م: (أنه احتسبت مالية نصيبه) . ش: بفتح التاء والباء على بناء الفاعل. قال السفناقي: هكذا كان مقيداً بخط شيخي، وقوله مالية نصيبه بالرفع فاعل احتسب. م: (عند العبد فله أن يضمنه) . ش: أي يضمن العبد حاصل المعنى أن مالية نصيب الشريك الساكت احتسب عند العبد، فكان للساكت أن يضمن العبد لاحتباس نصيبه عنده، إلا أن العبد فقير لم يمكن القول بتضمنه، فوجب الاستسعاء. م: (كما إذا هبت الريح بثوب إنسان وألقته في صبغ غيره حتى انصبغ به، فعلى صاحب الثوب قيمة صبغ الآخر موسراً كان أو معسراً لما قلنا) . ش: يريد به قوله وله أنه احتسب مالية نصيبه. م: (فكذا هاهنا) . ش: أي فكما انتفع رب الثوب بالصبغ، فكذا هنا ينتفع العبد بالعتق. م: (إلا أن العبد فقير فيستسعيه فيه) . ش: أي فيستسعيه الشريك فيما يخصه، قيل عليه إذا سعى فالقياس أن يرجع على المعتق، لأنه هو الذي ورطه فصار كالعبد المرهون، فإنه يرجع على الراهن بما سعى. وأجيب: بأن عسرة المعتق تمنع وجوب الضمان عليه للساكت فلذلك يمنعه العبد والعبد إنما سعى في بدل رقبته وماليته، وقد سلم له ذلك فلا يراجع به على أحد بخلاف المرهون فإن سعايته ليست في بدل رقبته بل في الدين الثابت في ذمة الراهن، ومن كان مجبراً على قضاء دين في ذمة الغير من غير التزام من جهته ثبت له الرجوع عليه كما في مقر الرهن. فإن قيل: ما ذكر من وجه أبي حنيفة في مقابلة النص وهو باطل. أجيب: بأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قسم على وجه الشرط لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علق الاستسعاء بفقر المعتق، وهو لا ينافي الاستسعاء عند عدمه، لأن المعلق بالشرط يقتضي الوجود عند الوجود، ولا يقتضي العدم عند العدم جاز أن يثبت السعاية عند وجود الدليل، وإن كان موسراً وقد وجد ذلك على ما ذكر من وجه أبي حنيفة. م: (ثم المعتبر يسار التيسير) . ش: الاعتبار في يسار المعتق الذي يجب به عليه الضمان هو يسار التيسير. م: (وهو أن يملك من المال قدر قيمة نصيب الآخر) . ش: فاصلاً عن ملبوسه، ونفقة نفسه ونفقة عياله. م: (لا يسار الغناء) . ش: أي لا يعتبر يسار الغني، هذا ظاهر الرواية، وبه قال الشافعي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 39 لأن به يعتدل النظر من الجانبين بتحقيق ما قصده المعتق من القربة وإيصال بدل حق الساكت إليه، ثم التخريج على قولهما ظاهر فعدم رجوع المعتق بما ضمن على العبد لعدم السعاية عليه في حالة اليسار والولاء للمعتق، لأن العتق كله من جهته لعدم التجزؤ، وأما التخريج على قوله، فخيار الإعتاق لقيام ملكه   [البناية] ومالك وأحمد. ومن المشايخ من اعتبر نصاب حرمة الصدقة. وفي " العيون " و " المختار " ظاهر الرواية. م: (لأن به) . ش: أي بيسار التيسير. م: (يعتدل النظر من الجانبين) . ش: أي من جانب العتق وجانب الشريك الساكت، لأن مقصود المعتق تحقيق القربة، ومقصود الشريك حصول بدل حقه إليه، فبيسار التيسير يحصل الأمران، فلا حاجة إلى يسار الغني، وهو معنى قوله. م: (بتحقق ما قصده المعتق من القربة) . ش: أي التقرب إلى الله تعالى بالعتق. م: (وإيصال) . ش: أي وبإيصال. م: (بدل حق الساكت إليه) . ش: أي عوض نصيبه من العبد. وفي " التحفة ": إنما تعتبر القيمة في الضمان والسعاية يوم الإعتاق، لأنه سبب الضمان، وكذا يعتبر حال المعتق في يساره وإعساره يوم الإعتاق حتى لا يسقط الضمان إذا أعسر بعد اليسار ولا يثبت الضمان إذا أيسر بعد الإعسار. وفي " التمرتاشي " لو قال المعتق: أعتقت وأنا معسر، وقال الساكت بخلافه نظر إليه يوم ظهور العتق كما في الإجازة إذا اختلفا في انقطاع الماء وجريانه، وإن مات العبد قبل أن يختار الساكت شيئاً لم يكن له تضمن الموسر في رواية عن أبي حنيفة، لأن التضمين بشرط نقل الملك إلى العتق وقد فات النقل بالموت في ظاهر الرواية عنه له ذلك أو يأخذ من شريكه، لأن الضمان واجب. ولو باع الساكت نصيبه من المعتق أو وهب على عوض في القياس أن يجوز. وفي " الاستحسان ": لا يجوز، لأن هذا تمليك للحال وهو غير محل له. وفي " جامع قاضي خان " لو أعتق أحد الشريكين في مرض موته وهو موسر ثم مات لا يؤخذ ضمان العتق من تركته، وهو قول أبي حنيفة، بل يسقط، وعندهما يؤخذ من تركته لأنه ضمان إتلاف. م: (ثم التخريج على قولهما ظاهر) . ش: أي التخريج على قولهما ظاهر، أي تخريج المسألة على قول أبي يوسف ومحمد ظاهر، يعني إذا علم أن هذه المسألة مبنية على حرفين، أي أصلين فالكلام في التخريج، وهو على قولهما ظاهر، لأن الإعتاق إذا لم يكن منجزاً كان العتق واقعاً في النصيبين جميعاً، وبيساره مانع من السعاية، فوجب عليه الضمان، وانتفى السعاية.. م: (فعدم رجوع المعتق بما ضمن على العبد) . ش: أي لشريكه. م: (لعدم السعاية) . ش: أي لأجل عدم السعاية. م: (عليه) . ش: أي على العبد. م: (في حالة اليسار والولاء للمعتق، لأن العتق كله من جهته لعدم التجزؤ. وأما التخريج على قوله) . ش: أي على قول أبي حنيفة. م: (فخيار الإعتاق) . ش: أي لشريكه. م: (لقيام ملكه) . ش: أي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 40 في الباقي إذ الإعتاق يتجزأ عنده، والتضمين لأن المعتق جان عليه بإفساد نصيبه، حيث امتنع عليه البيع والهبة ونحو ذلك مما سوى الإعتاق وتوابعه والاستسعاء لما بينا. ويرجع المعتق بما ضمن على العبد، لأنه قام مقام الساكت بأداء الضمان، وقد كان له ذلك باستسعاء العبد، وكذا كان للمعتق أيضا، ولأنه ملك العبد الضمان لشريكه ضمنا، فيصير كأن الكل له وقد عتق بعضه فله أن يعتق الباقي أو يستسعي إن شاء، والولاء للمعتق في هذا الوجه، لأن العتق كله من جهته حيث تملك بالضمان، وفي حال إعسار المعتق إن شاء أعتق لبقاء ملكه، وإن شاء استسعى لما بيناه   [البناية] ملك الشريك. م: (في الباقي. إذ الإعتاق يتجزأ عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة، فإذا كان الإعتاق يتجزأ كان ملك الشريك في الباقي تاماً. م: (والتضمين) . ش: بالرفع عطف على قوله فخيار العتق أي فخيار التضمين. م: (لأن المعتق جان عليه بإفساد نصيبه، حيث امتنع عليه البيع والهبة ونحو ذلك) . ش: التصدق والوصية. م: (مما سوى الإعتاق وتوابعه) . ش: أي توابع الإعتاق كالتدبير والكتابة والاستيلاد. م: (والاستسعاء) . ش: بالجر عطف على المضاف إليه في قوله فخيار الإعتاق، لكن قاله الأترازي. وقال الأكمل: معطوف على قوله والتضمين، وكذا قاله الكاكي: وهذا أوجه والتقدير وخيار الاستسعاء لأن التقدير في التضمين وخيار التضمين كما ذكرنا. م: (لما بينا) . ش: أشار به إلى قوله - احتسبها - النية عنده. م: (ويرجع المعتق بما ضمن على العبد، لأنه قام مقام الساكت بأداء الضمان، وقد كان له ذلك) . ش: أي وقد كان للشريك الساكت الرجوع. م: (باستسعاء العبد، وكذا كان للمعتق أيضاً) . ش: لأنه قام مقام الساكت كالمدبر إذا قتل في يد الغاصب وضمن القيمة كان له الرجوع على القاتل بما ضمن.. م: (ولأنه) . ش: أي ولأن المعتق. م: (ملك العبد بالضمان لشريكه ضمناً) . ش: جواب عما يقال معتق البعض كالمكاتب عنده فينبغي أن لا يتملكه بالضمان كالمكاتب لا يقبل النقل من ملك إلى ملك، فأجاب عنه بقوله ملكه ضمناً لأداء الضمان، وكم من شيء يثبت ضمناً ولا يثبت قصداً، والضمنيات لا تعتبر. م: (فيصير المعتق كأن الكل له) . ش: أي كل العبد له. م: (وقد عتق بعضه) . ش: أي بعض العبد. م: (فله أن يعتق الباقي أو يستسعي العبد إن شاء، والولاء للمعتق في هذا الوجه) . ش: أي في وجه التضمين. م: (لأن العتق كله حصل من جهته حيث تملك بالضمان) . ش: أي من حيث إنه تملك العبد بالضمان لحصة شريكه الساكت. م: (وفي حال إعسار المعتق إن شاء أعتق) . ش: أي إن شاء الشريك الساكت أعتق. م: (لبقاء ملكه، وإن شاء استسعى العبد لما بيناه) . ش: أي لبقاء ملكه. م: (والولاء له) . ش: أي للشريك الساكت. م: (في الوجهين) . ش: أي في الإعتاق والاستسعاء في نصيبه. م: (لأن العتق من جهته) . ش: أي من جهة الساكت. م: (ولا يرجع المستسعى) . ش: بفتح العين، اسم مفعول، وهو العبد. م: (على المعتق بما أدى بإجماع بيننا) . ش: قيد به عن قول ابن أبي ليلى وزفر، فإن عندهما يرجع العبد بما سعى على المعتق كالعبد المرهون إذا أعتقه الراهن المعسر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 41 والولاء له في الوجهين، لأن العتق من جهته، ولا يرجع المستسعى على المعتق بما أدى بإجماع بيننا، لأنه يسعى لفكاك رقبته ولا يقضي دينا على المعتق، إذ لا شيء عليه لعسرته، بخلاف المرهون إذا أعتقه الراهن المعسر لأنه يسعى في رقبة قد فكت أو يقضي دينا على الراهن، فلهذا يرجع عليه. وقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الموسر كقولهما. قال في المعسر يبقى نصيب الساكت على ملكه يباع ويوهب، لأنه لا وجه إلى تضمين الشريك لإعساره ولا إلى السعاية لأن العبد ليس بجان ولا راض به، ولا إلى إعتاق الكل للإضرار بالساكت فتعين ما عيناه. قلنا: إلى الاستسعاء سبيل، لأنه لا يفتقر إلى الجناية بل تبتنى على احتباس المالية فلا يصار إلى الجمع بين القوة الموجبة للمالكية والضعف السالب لها في شخص واحد.   [البناية] وبين الفرق لنا بقوله. م: (لأنه) . ش: أي لأن العبد. م: (يسعى لفكاك رقبته) . ش: أي لأن العبد هنا يسعى في تخليص رقبته عن الرق، وهو منفعة حالة له، فهذا لا يرجع، أي. م: (ولا يقضي العبد ديناً على المعتق إذ لا شيء عليه لقيد به) . ش: أي لإعساره. م: (بخلاف المرهون إذا أعتقه الراهن المعسر، لأنه يسعى في رقبة قد فكت) . ش: أي لأنه يسعى في رقبة تخلصت. م: (أو يقضي ديناً على الراهن، فلهذا يرجع عليه) . ش: أي فلكونه مضطراً، يرجع على الراهن، فقوله - لفكاك رقبته - على مذهبه. وقوله - أو يقضي ديناً على الراهن - المعتق على مذهبهما. م: (وقول الشافعي في الموسر كقولهما) . ش: أي كقول أبي يوسف ومحمد. م: (قال) . ش: أي الشافعي:. م: (في المعسر يبقى نصيب الساكت على ملكه يباع ويوهب، لأنه لا وجه لتضمين الشريك لإعساره) . ش: أي لإعسار الشريك. م: (ولا إلى السعاية) . ش: أي ولا وجه أيضاً إلى الاستسعاء. م: (لأن العبد ليس بجان ولا راض به) . ش: أي بإعتاق المعسر، لأن الرضى لا يتحقق إلا بالعلم، والمولى منفرد بإعتاقه بدون علمه. م: (ولا إلى إعتاق الكل) . ش: أي ولا وجه أيضاً إلى إعتاق الكل. م: (للإضرار بالساكت) . ش: أي للزوم الضرر بالشريك. م: (فتعين ما عيناه) . ش: وهو عتق ما عتق، ورق ما رق. م: (قلنا: إلى الاستسعاء سبيل، لأنه لا يفتقر في وجوده إلى الجناية) . ش: كما في إعتاق العبد المرهون إذا كان الراهن معسراً. م: (بل يبتنى على احتباس المالية) . ش: أي مالية نفسه احتبست عنده فيستسعيه، وإذا كان إلى الاستسعاء سبيل. م: (فلا يصار إلى الجمع بين القوة الموجبة للمالكية) . ش: الحاصلة من إعتاق البعض. م: (والضعف السالب لها) . ش: أي للمالكية، أي للقوة بصحبة البيع وأمثاله. م: (في شخص واحد) . ش: قال الكاكي: قوله - فلا يصار إلى الجمع.. إلى آخره - يعني كونه حراً في نصفه رقيقاً في نصفه، إذ لا يشهد له أصول الشرع، كما لا يشهد بأن يكون نصف المرأة مطلقة ونصفها غير مطلقة أو قتل نصف رجل ويبقى نصفه غير مستحق للقتل، ولأن الغرض من المالكية ملك الأشياء بأسبابها وملك الأشياء بأسبابها إنما يتصور في الأشخاص لا من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 42 قال: ولو شهد كل واحد من الشريكين على صاحبه بالعتق سعى العبد لكل واحد منهما في نصيبه سواء موسرين كانا أو معسرين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذا إذا كان أحدهما موسرا والآخر معسرا، لأن كل واحد منهما يزعم أن صاحبه أعتق نصيبه فصار مكاتبا في زعمه عنده، وحرم عليه الاسترقاق فيصدق في حق نفسه فيمتنع من استرقاقه ويستسعيه، لأنا تيقنا تحقق الاستسعاء كاذبا كان أو صادقا، لأنه مكاتبه أو مملوكه فلهذا يستسعيانه، ولا يختلف ذلك باليسار والإعسار، لأن حقه في الحالتين في أحد شيئين لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده، وقد تعذر التضمين لإنكار الشريك، فتعين الآخر وهو   [البناية] الانتقاض فيستسعى لئلا تؤدي إلى الملكية وعدمه واحد، والاستسعاء لا يفتقر إلى الجناية، بل هو مبني على احتباس المالكية كما إذا وقع ثوب بهبوب الريح في صبغ إنسان، وقد ذكرناه. وقال تاج الشريعة: قوله - ولا يصار إلى الجمع ... إلى آخره - بيانه أنه أثر الحرية المالكية والولاية وجواز الشهادة وأثر الرق سبب هذه الأحكام، ويستحيل كون نصف الشخص مالكاً وولياً مملوكاً عاجزاً، وإذا تعذر الجمع ترجح جانب الحرية، لأنها وصف أصلي، فاعتباره أولى فقلنا بخروجه إلى الحرية بالسعاية، ولا يشكل قول أبي حنيفة لأنه لا يقول بزوال الرق. [شهد كل واحد من الشريكين على صاحبه بالعتق] م: (قال) . ش: أي القدوري في " مختصره " م: (ولو شهد كل واحد) . ش: أي أقر، قاله تاج الشريعة. م: (من الشريكين على صاحبه بالعتق) . ش: أي بالإعتاق بنصيبه. م: (سعى العبد لكل واحد منهما في نصيبه سواء موسرين كانا أو معسرين عند أبي حنيفة، وكذا إذا كان أحدهما موسراً والآخر معسراً، لأن كل واحد منهما يزعم أن صاحبه أعتق نصيبه فصار مكاتباً في زعمه) . ش: أي في زعم كل واحد منهما، الزعم بفتح الزاي وضمهما لغتان فصيحتان كالضعف والضعيف حكاهما ابن السكيت، وقرأ الكسائي قَوْله تَعَالَى: {هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ} [الأنعام: 136] بضم الزاي، والباقون بفتحها، قال ابن دريد: وأكثر ما يقع الزعم على الباطل في القرآن وفي فصيح الشعر. م: (عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (وحرم عليه الاسترقاق فيصدق في حق نفسه، فيمتنع من استرقاقه ويستسعيه، لأنا تيقنا تحقق الاستسعاء كاذباً كان أو صادقاً، لأنه مكاتبه) . ش: أي لأن العبد مكاتبه على تقدير الصدق. م: (أو مملوكه) . ش: على تقدير الكذب وكسب المملوك لمولاه، وهنا لف ونشر مشوش. م: (فلهذا) . ش: أي فلأجل أن العبد مكاتب أو مملوك. م: (يستسعيانه) . ش: أي يستسعيان الشريكان العبد لأجل التيقن بحق الاستسعاء.. م: (ولا يختلف ذلك) . ش: أي الاستسعاء. م: (باليسار والإعسار لأن حقه) . ش: أي حق الذي شهد. م: (في الحالتين) . ش: أي في حال يسار شريكه الذي أعتق نصيبه وحال إعساره. م: (في أحد شيئين) . ش: من تضمين الشريك واستسعاء العبد. م: (لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (وقد تعذر التضمين لإنكار الشريك، فتعين الآخر وهو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 43 السعاية والولاء لهما، لأن كلا منهما يقول عتق نصيب صاحبي عليه بإعتاقه وولاؤه له، وعتق نصيبي بالسعاية وولاؤه له، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - إن كانا موسرين فلا سعاية عليه، لأن كل واحد منهما يبرأ عن سعايته بدعوى الضمان على صاحبه، لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما، إلا أن الدعوى لم تثبت لإنكار الآخر، والبراءة عن السعاية قد ثبتت لإقراره على نفسه، وإن كانا معسرين يسعى لهما لأن كل واحد منهما يدعي السعاية عليه صادقا كان أو كاذبا على ما بيناه، إذ المعتق معسر، وإن كان أحدهما موسرا. والآخر معسرا سعى للموسر منهما، لأنه لا يدعي الضمان على صاحبه لإعساره، وإنما يدعي عليه السعاية ولا يتبرأ عنه ولا يسعى للمعسر منهما، لأنه يدعي الضمان على صاحبه ليساره، فيكون مبرئا للعبد عن السعاية، والولاء موقوف في جميع ذلك عندهما، لأن كل واحد منهما يحيله على صاحبه، وهو يتبرأ عنه   [البناية] السعاية) . ش: فإن قتل لم يتعذر على تقدير التخلف، فإنه لما أنكر يحلف، وإن نكل يجب الضمان قلنا: لما كان من اعتقاد كل واحد أنه أعتقه صاحبه يحلف لما يجب الضمان على تقدير الحلف فتعين السعاية، فلا فائدة في التحليف، بل تتعين السعاية، فلا تحليف لأن ماله إليه. م: (والولاء لهما) . ش: أي للشريكين. م: (لأن كلاً منهما يقول: أعتق نصيب صاحبي عليه بإعتاقه، وولاؤه له، وعتق نصيبي بالسعاية وولاؤه له) . ش: ولكن ينبغي لك أن تعلم أن هذا كله بعد أن يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه، لأن كل واحد منهما يدعي على الآخر الضمان، والضمان مما يصلح بدله فيستحلف عليه.. م: (وقال أبو يوسف ومحمد: إن كانا موسرين فلا سعاية عليه؛ لأن كل واحد منهما يبرأ عن سعايته بدعوى الضمان على صاحبه لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما) . ش: أي عند أبي يوسف ومحمد. م: (إلا أن الدعوى لم تثبت لإنكار الآخر، والبراءة قد ثبتت لإقراره على نفسه وإن كانا معسرين يسعى لهما، لأن كلا واحد منهما يدعي السعاية عليه صادقاً كان أو كاذباً على ما بيناه) . ش: إشارة إلى قوله - لأنا تيقنا تحقق الاستسعاء كاذباً كان أو صادقاً، كذا قاله الأترازي والكاكي وصاحب " الهداية "، وقيل هو إشارة إلى قوله لأنه مكاتبه أو مملوكه، قال الأكمل: قلت قائل هذا تاج الشريعة. م: (إذ المعتق معسر) . ش: أي لأن المعتق معسر. م: (وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً سعى) . ش: أي العبد. م: (للموسر منهما، لأنه لا يدعي الضمان على صاحبه لإعساره، وإنما يدعي عليه السعاية ولا يتبرأ عنه) . ش: أي عن السعاية، ذكره على تأويل الاستسعاء. م: (ولا يسعى للمعسر منهما، لأنه يدعي الضمان على صاحبه ليساره، فيكون مبرئاً للعبد عن السعاية، والولاء موقوف في جميع ذلك عندهما) . ش: أي عند أبي يوسف ومحمد. م: (لأن كل واحد منهما يحيله) . ش: أي يحيل الولاء. م: (على صاحبه وهو يتبرأ عنه) . ش: أي عن صاحبه يتبرأ عن الولاء. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 44 فبقي موقوفا إلى أن يتفقا على إعتاق أحدهما. ولو قال أحد الشريكين: إن لم يدخل فلان هذه الدار غدا فهو حر، وقال الآخر: إن دخله فهو حر، فمضى العبد ولا يدري أدخل أم لا عتق النصف، وسعى لهما في النصف الآخر، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يسعى في جميع قيمته؛ لأن المقضي عليه بسقوط السعاية مجهول ولا يمكن القضاء على المجهول فصار كما إذا قال لغيره لك على أحدنا ألف درهم، فإنه لا يقضي بشيء للجهالة، كذا هذا   [البناية] م: (فبقي موقوفاً إلى أن يتفقا) . ش: أي الشريكان. م: (على إعتاق أحدهما) . ش: وذلك لأن كل واحد منهما يزعم أن الولاء لصاحبه وشريكه يجحد ذلك. م: (ولو قال أحد الشريكين: إن لم يدخل فلان هذه الدار غداً فهو حر، وقال الآخر) . ش: أي الشريك الآخر. م: (إن دخله فهو حر، فمضى العبد ولا يدري أدخل أم لا عتق النصف) . ش: أي نصف العبد. م: (وسعى) . ش: أي العبد. م: (لهما) . ش: أي للشريكين. م: (في النصف، وهذا عند أبي حنيفة، وأبي يوسف، وقال محمد: يسعى في جميع قيمته) . ش: هذه المسألة من مسائل " الجامع الصغير "، ولكن يذكر عن أبي يوسف ومحمد وفيه، وإنما ذكر قولهما في " الجامع الكبير ". وفي عتاق الأصل ففيما ذكره المصنف إبهام، لأن عند أبي يوسف إنما يسعى في النصف إذا كانا معسرين، وأما إذا كان أحدهما موسراً يسعى له في نصف القيمة، وقال الأترازي العذر لصاحب الهداية أنه أشار إلى ذلك بعد هذا بقوله، وسيأتي التفريع فيه على أن اليسار يمنع السعاية ولا يمنعها على الاختلاف الذي سبق، ثم جواب المسألة مشروحاً على قول أبي حنيفة أنه يعتق نصف العبد ويسعى في نصف قيمته بينهما نصفين سواء كانا موسرين أو معسرين. وفي قول أبي يوسف إن كانا موسرين فلا يسعى في شيء، وإن كانا معسرين سعى لهما في نصف القيمة، فكل منهما في الربع، وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً سعى للموسر في ربع قيمته، ولا يسعى للمعسر في شيء، وفي قول محمد إن كانا موسرين فلا سعاية، وإن كانا معسرين يسعى لهما في جميع القيمة، وإن كان أحدهما موسراً والأخر معسراً سعى للموسر في نصف القيمة ولا يسعى للمعسر في شيء. م: (لأن المقضي عليه في سقوط السعاية مجهول) . ش: لأنه أما هذا المولى. م: (فلا يمكن القضاء على المجهول) . ش: ولا يمكن القول بالتوزيع أيضاً لما فيه من إسقاط السعاية لغير المعتق وإيجاب السعاية للمعتق، ولأن كل واحد منهما شهد على صاحبه بالحنث فكان كعبدين شهد كل واحد منهما على الآخر بالإعتاق، ثم يسعى في جميع القيمة إذا كانا معسرين، فكذا هنا، ونظر المصنف لما قاله محمد بقوله. م: (فصار كما إذا قال لغيره لك على أحدنا ألف درهم، فإنه لا يقضي بشيء للجهالة، كذا هذا) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 45 ولهما أنا تيقنا بسقوط نصف السعاية، لأن أحدهما حانث بيقين، ومع التيقن بسقوط النصف كيف يقضي بوجوب الكل والجهالة ترتفع بالشيوع والتوزيع، كما إذا أعتق أحد عبديه لا بعينه أو عينه ونسيه ومات قبل التذكر أو البيان وسيأتي التفريع فيه على أن اليسار هل يمنع السعاية أو لا يمنعها على الاختلاف الذي سبق، ولو حلفا على عبدين كل واحد منهما لأحدهما بعينه لم يعتق واحد منهما، لأن المقضي عليه بالعتق مجهول، وكذلك المقضى له فتفاحشت الجهالة، فامتنع القضاء، وفي العبد الواحد المقضي عليه وكذا المقضي به معلوم، فغلب المعلوم المجهول. وإذا اشترى الرجلان ابن أحدهما عتق نصيب الأب، لأنه ملك شقص قريبه وشراؤه إعتاق على ما مر   [البناية] م: (ولهما) . ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف. م: (أنا تيقنا بسقوط نصف السعاية) . ش: وهو مثبت للعتق. م: (لأن أحدهما حانث بيقين، ومع التيقن بسقوط النصف كيف يقضي بوجوب الكل) . ش: لأنه يكون ظلماً. م: (والجهالة ترتفع بالشيوع) . ش: هذا جواب عن قول، لأن المقضي عليه مجهول، وتقريره أن الجهالة ترتفع بالشيوع، أي بشيوع النصف الذي عتق. م: (والتوزيع) . ش: أي وبتوزيعه، لأن بالتوزيع يصير المقضي عليه الموليان، ولا جهالة فيها. م: (كما إذا أعتق أحد عبديه لا بعينه) . ش: بأن قال لعبديه أحدهما حر، ولم يعينه. م: (أو عينه) . ش: أي لو قال أحدهما حر وعينه. م: (ونسيه) . ش: أي نسي الذي عينه. م: (ومات قبل التذكر أو البيان) . ش: فإنه يعتق من كل واحد منهما نصفه، ويسعى كل واحد منهما في نصفه، وعند الشافعي في قول يفرع بينهما، وفي قول الوارث يقام مقامه في البيان، وهو الأصح. م: (وسيأتي التفريع فيه) . ش: أي في هذا الوجه. م: (على أن اليسار هل يمنع السعاية أو لا يمنعها على الاختلاف الذي سبق) . ش: وهو أن اليسار لا يمنع السعاية عند أبي حنيفة وعندهما يمنع، وصورته ذكرناها عن قريب بقولنا ثم جواب المسألة مشروحاً فليراجع. [حلفا على عتق عبدين كل واحد منهما لأحدهما بعينه] م: (ولو حلفا على عتق عبدين كل واحد منهما لأحدهما بعينه) . ش: يعني إذا كان لكل واحد منهما عبد على حدة، فقال إن دخل فلان الدار غداً فعبدي حر، وقال الآخر إن لم يدخل فمضى الغد ولم يدر الدخول وعدمه. م: (لم يعتق واحد منهما) . ش: أي من العبدين في قولهم جميعاً. م: (لأن المقضي عليه) . ش: وهو المولى. م: (بالعتق مجهول، فكذا المقضي له وهو العبد مجهول فتفاحشت الجهالة فامتنع القضاء) . ش: لتفاحش الجهالة. م: (وفي العبد الواحد) . ش: بين اثنين المقضي عليه. م: (المقضي عليه معلوم، وكذا المقضي به) . ش: وهو عتق نصف العبد. م: (معلوم) . ش: لأن أحدهما حانث لا محالة. م: (فغلب المعلوم المجهول) . ش: لأن المعلوم أكثر من المجهول. م: (وإذا اشترى الرجلان ابن أحدهما عتق نصيب الأب، لأنه ملك شقص قريبه) . ش: أي الأب ملك نصف ابنه. م: (وشراؤه إعتاق على ما مر) . ش: في فصل من ملك ذا رحم محرم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 46 ولا ضمان عليه علم الآخر أنه ابن شريكه أو لم يعلم وكذا إذا أورثاه والشريك بالخيار إن شاء أعتق نصيبه وإن شاء استسعى العبد، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا في الشراء يضمن الأب نصف قيمته إن كان موسرا وإن كان معسرا سعى الابن في نصف قيمته لشريك أبيه، وعلى هذا الخلاف إذا ملكاه بهبة أو صدقة أو وصية، وعلى هذا الخلاف إذا اشتراه رجلان وأحدهما قد حلف بعتقه إن اشترى نصفه، لهما أنه أبطل نصيب صاحبه بالإعتاق، لأن شراء القريب إعتاق، وصار هذا كما إذا كان العبد بين أجنبيين فأعتق نصيبه، وله أنه رضي بإفساد نصيبه فلا يضمنه، كما إذا كان أذن له بإعتاق نصيبه صريحا، ودلالة ذلك أنه شاركه فيما هو   [البناية] م: (ولا ضمان عليه) . ش: للآخر، أي لا ضمان على الأب لشريكه الذي اشتراه معه سواء. م: (علم الآخر أنه ابن شريكه أو لم يعلم لأنه باشر) . ش: علته العتق وهي الشراء، فكان منه رضي بالدلالة، كما إذا رضي فصار صريحاً. م: (وكذلك) . ش: أي وكذلك أعتق نصيب الأب. م: (إذا أورثاه) . ش: أي الابن، وكذلك حكم الصدقة والوصية والهبة. م: (والشريك بالخيار إن شاء أعتق نصيبه، وإن شاء استسعى العبد) . ش: سواء كان الذي عتق عليه موسراً أو معسراً. م: (وهذا) . ش: أي وهذا الحكم المذكور. م: (عند أبي حنيفة) . م: (وقالا) . ش: أي قال أبو يوسف ومحمد: (في الشراء يضمن الأب نصف قيمته) . ش: أي قيمة الابن. م: (إن كان) . ش: أي الأب. م: (موسراً وإن كان معسراً سعى الابن في نصف قيمته لشريك أبيه، وعلى هذا الخلاف) . ش: أي الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه. م: (إذا ملكاه) . ش: أي إذا ملك الأب والآخر ابنه. م: (بهبة) . ش: أي بأن وهبه لهما رجل. م: (أو صدقة) . ش: بأن تصدق به شخص عليهما. م: (أو وصية) . ش: بأن أوصى به شخص لهما. م: (وعلى هذا الخلاف إذا اشتراه رجلان وأحدهما) . ش: أي والحال أن أحدهما. م: (وقد حلف بعتقه إن اشترى نصفه) . ش: قيد بالنصف، لأنه إذا حلف بعتقه إن اشتراه لا يعتق بشراء النصف لعدم الشرط. م: (لهما) . ش: أي لأبي يوسف ومحمد. م: (أنه) . ش: أي الأب. م: (أبطل نصيب صاحبه بالإعتاق، لأن شراء القريب إعتاق وصار هذا كما إذا كان العبد بين أجنبيين) . ش: يعني مشتركاً بينهما. م: (فأعتق أحدهما نصيبه) . ش: يعني نصيب الآخر، لأن الإعتاق لا يتجزأ عندهما فيضمن لصاحبه قيمة نصيبه إن كان موسراً، وإلا فالعبد يسعى. م: (وله) . ش: أي ولأبي حنيفة. م: (أنه رضي بإفساد نصيبه) . ش: ولا عدوان مع الرضى. م: (فلا يضمنه) . ش: أي فلا يضمن صاحبه. م: (كما إذا كان أذن له) . ش: أي لشريكه. م: (بإعتاق نصيبه صريحاً) . ش: بأن قال له أعتق نصيبك فأعتقه لا يضمن، ثم بين المصنف وجه المساواة في الوجهين بقوله. م: (ودلالة ذلك) . ش: أي دلالة الرضى بإفساد نصيبه. م: (أنه) . ش: أي أن الشريك. م: (شاركه فيما هو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 47 علة العتق وهو الشراء، لأن شراء القريب إعتاق حتى يخرج به عن عهدة الكفارة عندنا، وهذا ضمان إفساد في ظاهر قولهما حتى يختلف باليسار والإعسار فيسقط بالرضا، ولا يختلف الجواب بين العلم وعدمه، وهو ظاهر الرواية عنه؛ لأن الحكم يدار على السبب، كما إذا قال لغيره كل هذا الطعام وهو مملوك للآمر، ولا يعلم الآمر بملكه، وإن بدأ الأجنبي فاشترى نصفه ثم اشترى   [البناية] علة العتق، وهو الشراء، لأن شراء القريب إعتاق حتى يخرج به) . ش: أي بشراء القريب. م: (عن عهدة الكفارة التي عندنا) . ش: خلافاً للشافعي، وقال الأترازي: قوله - لأنه شاركه.. إلى آخره - فيه تسامح، لأن شراء القريب علة الملك والملك علة العتق، فيكون الشراء علته، والحكم يضاف إلى علة العلة كما في سوق الدابة وقودها. م: (وهذا ضمان إفساد) . ش: لا ضمان تملك، وضمان التملك لا يختلف باليسار، أشار إليه بقوله - حتى يختلف - أي الضمان باليسار والإعسار فيسقط بالرضى وقد وجد حيث باشر السبب بخلاف ضمان الملك، فإنه لا يسقط بالرضى لأنه بناءً على التملك وهذا قائم أما ضمان الإفساد، فبناء على الجناية، ولما رضي لم يبق فعله جناية فيسقط، وإنما قيد بالظاهر احترازاً عما روي عن أبي يوسف إذا قال لصاحبه: أعتق نصيبك فأعتق يضمن، جعله ضمان التملك حيث لم يسقط الضمان بالرضى ذكر رواية أبي يوسف علاء الدين العالم في طريقة الخلاف. وقال الأكمل: قوله وهو ضمان إفساد يجوز أن يكون جواباً عما يقال إنما كان الرضى مسقط للضمان إذا لو كان ضمان إفساد، وأما إذا كان ضمان تملك فلا يسقط به كما لو استولد أحد الشريكين الجارية بإذنه، فإنه لا يسقط به الضمان، لأنه ضمان تملك. ووجه الجواب أنه ضمان إفساد. م: (في ظاهر قولهما حتى يختلف باليسار والإعسار ولا يختلف الجواب بين العلم وعدمه) . ش: أي بين أن يعلم أنه أبوه وبين أن لا يعلم. م: (وهو ظاهر الرواية عنه) . ش: أي عن أبي حنيفة، واحترز بالظاهر عن رواية الحسن بن زياد عنه بأنه إذا لم يكن عالماً بأنه أبوه لا يكون راضياً. وقال أبو الليث في شرح " الجامع الصغير ": ذكر أبو يوسف في الأمالي إذا كان الشريك لم يعلم فاشتراه فهو بالخيار إن شاء أجاز البيع، وإن شاء نقض، لأن المبيع قد تغير قبل القبض، كما إذا اشتريا عبداً فأعتقه أحدهما قبل القبض كان الآخر بالخيار أجاز أو نقض. م: (لأن الحكم يدار على السبب) . ش: يعني لأن سقوط حقه في الضمان يدور مع كونه مشاركاً في السبب، وذلك لا يختلف بالعلم وعدمه. م: (كما إذا قال لغيره كل هذا الطعام وهو مملوك للآمر ولا يعلم الآمر بملكه) . ش: فأكله المأمور لم يكن للآمر أن يضمن شيئاً، وإن كان غير راض به لأنه باشر بسبب الوصي وهو الآمر. م: (وإن بدأ الأجنبي فاشترى نصفه) . ش: أي نصف الابن أراد أن رجلاً اشترى نصف ابن الرجل. م: (ثم اشترى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 48 الأب نصفه الآخر وهو موسر، فالأجنبي بالخيار إن شاء ضمن الأب، لأنه ما رضي بإفساد نصيبه، وإن شاء استسعى الابن في نصف قيمته؛ لاحتباس ماليته عنده، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده، وقالا: لا خيار له ويضمن الأب نصف قيمته لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما. ومن اشترى نصف ابنه وهو موسر فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يضمن إذا كان موسرا ومعناه: إذا اشترى نصفه ممن يملك كله، فلا يضمن لبائعه شيئا عنده، والوجه قد ذكرناه. وإذا كان العبد بين ثلاثة نفر، فدبر أحدهم وهو موسر ثم أعتقه الآخر وهو موسر فإن أرادوا الضمان، فللساكت أن يضمن المدبر ولا يضمن المعتق، وللمدبر أن يضمن المعتق ثلث قيمته مدبرا ولا يضمنه الثلث الذي ضمن   [البناية] الأب نصفه الآخر وهو موسر) . ش: أي والحال أن الأب موسر. م: (فالأجنبي بالخيار إن شاء ضمن الأب لأنه ما رضي بإفساد نصيبه) . ش: أي الأجنبي ما رضي بإفساد نصيبه. م: (وإن شاء استسعى) . ش: أي الأجنبي. م: (الابن في نصف قيمته لاحتباس ماليته عنده) . ش: أي عند الابن. م: (وهذا) . ش: أي هذا الحكم. م: (عند أبي حنيفة، لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة وقد علم ذلك فيما تقدم. م: (وقالا) . ش: أي قال أبو يوسف ومحمد. م: (لا خيار له) . ش: أي للأجنبي. م: (ويضمن الأب نصف قيمته، لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما) . ش: وقد علم هذا أيضاً فيما تقدم. وحاصل هذه المسألة أن الأب يضمن في هذه الصورة في قولهم جميعاً لأن الرضى لم يوجد من الشريك لعدم مشاركته مع الأب فيما هو عليه للعتق، وقد اتفقوا في الضمان، واختلفوا في الخيار كما ذكرنا. [اشترى نصف ابنه وهو موسر هل يضمن] م: (ومن اشترى نصف ابنه وهو موسر فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة وقالا: يضمن إذا كان موسراً) . ش: وهذه المسالة من مسائل " الجامع الصغير "، وأوضحها المصنف بقوله. م: (ومعناه إذا اشترى نصفه ممن يملك كله) . ش: أي كل الابن. م: (فلا يضمن لبائعه شيئاً عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة لأنه رضي بإسناد نصيبه لمشاركته فيما هو علة العتق، وعندهما يضمن لأنه أبطل نصيب صاحبه بالإعتاق، وقيد بقوله ممن يملك كله، لأنه إذا اشترى نصيب أحد الشريكين يضمن للساكت بالاتفاق كما في المسألة المتقدمة. م: (والوجه قد ذكرناه) . ش: إشارة إلى قولهما أنه أبطل، وله إن رضي. م: (وإذا كان العبد بين ثلاثة نفر، فدبر أحدهم وهو موسر) . ش: أي والحال أنه موسر. م: (ثم أعتقه الآخر وهو موسر) . ش: أي والحال أنه موسر.. م: (فإن أرادوا الضمان) . ش: إنما قال أرادوا بضمير الجمع على سبيل التغليب، وهذا لأن المعتق لا يريد الضمان، ولا يريد الضمان إلا الساكت والمدبر بكسر الباء. (فللساكت أن يضمن المدبر) ش: بكسر الباء م: (ولا يضمن المعتق، وللمدبر) ش: بكسر الباء م: (أن يضمن المعتق ثلث قيمته مدبراً) . ش: أي ثلث قيمة العبد حال كونه مدبراً. م: (ولا يضمنه) . ش: أي ولا يضمن المعتق. م: (الثلث الذي ضمن) . ش: بيان ذلك أن قيمة العبد إذا كانت سبعة وعشرين وهما مثلاً، فللساكت أن يضمن المعتق ستة، وذلك أن قيمة المدبر ثلث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 49 وهذا عند أبي حنيفة. وقالا: العبد كله للذي دبره أول مرة ويضمن ثلثي قيمته لشريكيه موسرا كان أو معسرا. وأصل هذا أن التدبير يتجزأ عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما كالإعتاق؛ لأنه شعبة من شعبه، فيكون معتبرا به   [البناية] قيمة القن، فالتدبير تلفت تسعة، فكان الإتلاف واقعاً على قيمة المدبر فللمعتق تلك الستة فقط، ويضمن التسعة التي هي نصيب الساكت مع تلك الستة التي يضمنه إياها. م: (وهذا عند أبي حنيفة) . ش: أوضح الأترازي مذهب أبي حنيفة بقوله: اعلم أن العبد بين ثلاثة إذا دبره أحدهم وأعتقه الآخر، وهما مدبران كان للساكت أن يضمن المدبر ثلث قيمته قناً ويرجع به المدبر على العبد. نص عليه الحاكم في " الكافي "، وليس له أن يضمن المعتق لأنه لو ضمنه كان الملك له بالضمان والمدبر بفتح الباء ليس بقابل للملك سوى المدبر، وإنما يضمن الساكت المدبر إذا كان موسراً، وإن شاء استسعى العبد فيه لأنه أفسد تدبيره فيضمنه، ومالية العبد احتسب عند العبد فيستسعيه، أما إذا كان المعتق معسراً فللمدبر استسعاء العبد دون التدبير. كذا قاله الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير "، وليس للمدبر أن يرجع على المعتق بالثلث الذي ضمن للساكت، لأن ملك المدبر في ذلك الثلث ثابت من وجه دون وجه وذلك لأنه ثبت مستنداً بأداء الضمان، فبالنظر إلى أداء الضمان يثبت به الملك، فلما كان ذلك لم يظهر في حق التضمين، ثم الساكت إذا اختار تضمين المدبر كان ثلث الولاء للمدبر، والثلث للمعتق فإن اختار سعاية العبد كان الولاء بينهم أثلاثاً، وبه صرح الفقيه، وهذا كله قول أبي حنيفة. م: (وقالا: العبد كله للذي دبره أول مرة) . ش: يعني لما دبره أحدهم صار كل مدبراً له، والعتق باطل لأن التدبير عندهما لا يتجزأ كالإعتاق عندهما. م: (ويضمن) . ش: أي المدبر. م: (ثلثي قيمته لشريكيه) . ش: المعتق والساكت سواء. م: (موسراً كان) . ش: أي المدبر. م: (أو معسراً) . ش: أي أو كان معسراً، والولاء كله للمدبر، وإنما يقع الفرق بين العتق والتدبير في حرف، وهو أن المعتق لا يضمن إذا كان معسراً. وفي التدبير يضمن، وإن كان معسراً لأنه لما دبره فقد ملك كله، لأنه يملك خدمته فصار وجوب الضمان بالبدل والضمان إذا كان بالبدل استوى فيه العسر واليسر كجارية بين رجلين جاءت بولد، فادعاه أحدهما صارت أم ولده فيضمن نصف قيمتها، ونصف عقرها موسراً كان أو معسراً واستمتاعها بخلاف ضمان الإعتاق، فإنه ضمان إتلاف لا ضمان تملك، لأنه لا يحصل البدل بالضمان فاختلف بالعسر واليسر، وإن كان غنياً ضمن وإن كان فقيراً سعى العبد. م: (وأصل هذا) . ش: الخلاف. م: (أن التدبير يتجزأ عند أبي حنيفة خلافاً لهما كالإعتاق) . ش: فإنه يتجزأ عنده خلافاً لهما. م: (لأنه. ش: أي لأن التدبير. م: (شعبة من شعبه) . ش: أي من شعب الإعتاق. م: (فيكون معبراً به) . ش: أي بالإعتاق يعني يتجزأ كما يتجزأ الإعتاق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 50 ولما كان متجزئا عنده اقتصر على نصيبه، وقد أفسد بالتدبير نصيب الآخرين، فلكل واحد منهما أن يدبر نصيبه، أو يعتق أو يكاتب، أو يضمن المدبر أو يستسعى العبد أو يتركه على حاله؛ لأن نصيبه باق على ملكه فاسدا بإفساد شريكه حيث سد عليه طريق الانتفاع به بيعا وهبة على ما مر، فإذا اختار أحدهما العتق تعين حقه فيه وسقط اختيار غيره فتوجه للساكت سببا لضمان تدبير المدبر وإعتاق هذا المعتق، غير أن له أن يضمن المدبر ليكون الضمان ضمان معاوضة إذ هو الأصل حتى جعل الغصب ضمان معاوضة على أصلنا، وأمكن ذلك في التدبير لكونه قابلا للنقل من ملك إلى ملك وقت التدبير ولا يمكن ذلك   [البناية] م: (ولما كان) . ش: أي التدبير. م: (متجزئاً عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (اقتصر على نصيبه) . ش: أي على نصيب المدبر. م: (وقد أفسد بالتدبير نصيب الآخرين) . ش: وهما المعتق والساكت. م: (فلكل واحد منهما أن يدبر نصيبه أو يعتق أو يكاتب أو يضمن المدبر) . ش: بكسر الباء. م: (أو يستسعى العبد أو يتركه على حاله لأن نصيبه) . ش: أي نصيب كل واحد من الآخرين. م: (باق على ملكه فاسداً) . ش: أي حال كونه فاسداً. م: (بإفساد شريكه) . ش: أي شريك كل واحد منهما، وأراد بالشريك المدبر. م: (حيث سد عليه) . ش: أي حيث سد المدبر على كل واحد منهما. م: (طريق الانتفاع به) . ش: أي بالعبد. م: (بيعاً) . ش: أي من حيث البيع. م: (وهبة) . ش: أي من حيث الهبة، وكذلك من حيث الوصية، والصدقة والإمهار. م: (على ما مر) . ش: إشارة إلى قوله، لأن العتق جائز عليه بإفساد نصيبه حيث امتنع عليه البيع والهبة ونحو ذلك، وذكره في المسألة الثانية من هذا الباب. م: (فإذا اختار أحدهما) . ش: أي أحد الآخرين وهما المعتق والساكت. م: (العتق تعين حقه فيه. ش: أي في العتق يعني فقد منه لمصادفة ملكه لكونه متجزئاً عنده. م: (وسقط اختيار غيره) . ش: أي غير العتق من السعاية والكتابة والتضمين وغيرها. م: (فتوجه للساكت سبباً لضمان) . ش: وفسرهما بقوله. م: (تدبير المدبر، وإعتاق هذا المعتق) . ش: يعني أن كل واحد منهما سبب الضمان. م: (غير أن له) . ش: أي للساكت. م: (أن يضمن المدبر ليكون الضمان ضمان معاوضة إذ هو الأصل) . ش: أي ضمان المعاوضة هو الأصل في الضمان، لأن الضمان يقتضي أن يصير المضمون ملكاً للضامن ولا يكون ذلك إلا في ضمان المعاوضة لا في ضمان الجناية، وإتلاف وضمان المدبر ضمان معاوضة. م: (حتى جعل الغصب ضمان معاوضة على أصلنا) . ش: وقال الكاشاني في الدليل على أن الغصب ضمان معاوضة: مسألة المأذون، وهي أن إقراره بالغصب يصح أيضاً مع إقراره بالضمان لإتلاف مؤخر إلى ما بعد العتق، وإذا كان الأصل في الضمانات ضمان معاوضة في الغصب مع أنه عدوان ففي الإعتاق وهو مشروع أولى فلا يترك هذا الأصل، أي ضمان الجناية إلا لضرورة العجز. م: (وأمكن ذلك) . ش: أي ضمان المعاوضة. م: (في التدبير) . ش: أي في ضمان التدبير. م: لكونه قابلاً للنقل من ملك إلى ملك وقت التدبير، ولا يمكن ذلك) . ش: أي النقل من ملك إلى ملك. م: (في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 51 في الإعتاق، لأنه عند ذلك مكاتب أو حر على اختلاف الأصلين ولا بد من رضا المكاتب بفسخه حتى يقبل الانتقال، فلهذا يضمن المدبر، ثم للمدبر أن يضمن المعتق ثلث قيمته مدبرا؛ لأنه أفسد عليه نصيبه مدبرا، والضمان يتقدر بقيمة المتلف وقيمة المدبر ثلثا قيمته قنا   [البناية] الإعتاق، لأنه عند ذلك) . ش: أي عند الإعتاق. م: (مكاتب أو حر) . ش: وفي بعض النسخ، لأنه عند ذلك مدبر. م: (على اختلاف الأصلين) . ش: يعني أن يعتق بعض العبد مكاتب عند أبي حنيفة، وعندهما حر عليه دين. وقال الإمام جلال الدين - ابن المصنف - قوله - مكاتب أو حر على اختلاف الأصلين - غير مستقيم وكذا قوله. م: (ولا بد من رضا المكاتب) . ش: نتيجة، لأنه عند الإعتاق ليس بمكاتب ولا حر، وإنما يصير كذلك بعد الإعتاق والمستسعي عند أبي حنيفة، وإن كان بمنزلة المكاتب إلا أنه لا ينفسخ بالعجز ولا بالتفاسخ، إنما الصحيح أن يقال: لأنه عند ذلك مدبر. وقال الأكمل: للساكت حق الاستسعاء بمنزلة المكاتب، كما أن فيه حق البيان كذلك على ما سيجيء في هذا الكتاب في مسألة الثابت والخارج والداخل، لأن للمولى حق بيان الإيجاب في كل واحد من الثابت والخارج، فما دام له حق البيان كان كلاً منهما حراً من وجه، عبداً من وجه، فكان الثابت كالمكاتب، فكذا هنا ما دام له حق السعاية في المدبر كان بمنزلة المكاتب. وأما أن الكتابة تقبل الفسخ فقد تقدم في فصل كفارة الظهار، وإنما تنفسخ بمقتضى الإعتاق، فكذا تنفسخ بالتراضي، ولا بد من رضا المكاتب. م: (بفسخه حتى يقبل الانتقال فلهذا) . ش: أي فلأجل كون المدبر عند الإعتاق غير قابل للانتقال. م: (يضمن المدبر) . ش: أي يضمن للساكت المدبر بكسر الباء. م: (ثم للمدبر أن يضمن المعتق ثلث قيمته) . ش: حال كونه. م: (مدبراً لأنه) . ش: أي لأن المعتق. م: (أفسد عليه) . ش: أي على المدبر. م: (نصيبه) . ش: حال كونه. م: (مدبراً) . ش: أراد نصيبه: (والضمان يتقدر بقيمة المتلف) . ش: يعني منهما كان قيمته ما أتلف يلزم ذلك. م: (وقيمة المدبر ثلثا قيمته قناً) . ش: أي من حيث كونه قناً. وقد مر بيان ذلك عند قوله - ولا يضمن المعتق الثلث الذي ضمن - وفي قيمة المدبر اختلافاً للمشايخ، قال البلخي: قيمته نصف قيمة القن، لأنه ينتفع بالمملوك على وجهين بعينه وببدله، فالانتفاع ببدله فائت، والانتفاع بعينه باق، كذا في " النوازل ". وقال بعضهم: تمام قيمة القن، وقال الصدر الشهيد: هذا غير سديد، وذكر الإمام السعدي في " فوائده " قيمته ثلاثة قيمته، وقد مر. وقال بعضهم: قيمته قيمة الخدمة ينظر كم يستخدم هو مدة عمره من حيث التحري والظن، كذا في " التتمة " " والفتاوى الصغرى "، وقيل: يسأل عن أهل الخبرة أي العلماء لو جوزوا بيعه بكم اشتري هذا المدبر يجب ما قالوا. وقيل: يقوم ما كانت المنافع التي تفوت بالتدبير، وإليه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 52 على ما قالوا، ولا يضمنه قيمة ملكه بالضمان من جهة الساكت؛ لأن ملكه ثبت مستندا، وهذا ثابت من وجه دون وجه فلا يظهر في حق التضمين والولاء بين المعتق والمدبر أثلاثا، ثلثاه للمدبر والثلث للمعتق؛ لأن العبد عتق على ملكهما على هذا المقدار، وإذا لم يكن التدبير متجزئا عندهما صار كله مدبرا للمدبر، وقد أفسد نصيب شريكه لما بينا   [البناية] أشار محمد في بعض الكتب ولم ينقل من المتقدمين في معرفة قيمة المكاتب شيء. وأشار محمد في جنايات الجامع إلى أن قيمته أقل من قيمة القن، ولم يبين بمقداره، وقيل ينبغي أن يكون النصف قيمة أم الولد ثلث قيمة القن. وفي " الذخيرة " لو قال بعض المشايخ ينظر بكم تستخدم مدة عمرها. وقيل سئل أهل العلم أن العلماء لو جوزوا بيعها بكم تشترى فيجب ذلك المقدار. م: (على ما قالوا) . ش: إشارة إلى اختلاف المشايخ الذي بيناه. وقال الكاكي: إشارة إلى أن فيه خلافاً. م: (ولا يضمنه) . ش: أي ولا يضمن المدبر المعتق. م: (قيمة ملكه بالضمان) . ش: هو الثلث. م: (من جهة الساكت لأن ملكه) . ش: أي ملك المدبر. م: (ثبت مستنداً) . ش: إلى وقت التدبير. م: (وهو ثابت من وجه) . ش: أي ينظر إلى حال أداء الضمان. م: (دون وجه) . ش: أي ليس بثابت من وجه ينظر إلى حال التدبير. م: (فلا يظهر في حق التضمين) . ش: أي في حق تضمين المعتق. فإن قيل: قوله ثابت من وجه دون وجه يشكل بما قالوا إذا أعتق أحد الشريكين، وهو موسر يؤدي المعتق الضمان ثم يرجع على العبد بما ضمن الساكت مع أن العبد ثالثهما، قلنا: المعتق بأداء الضمان قام مقام الشريك وللشريك ولاية الاستسعاء، فكذا من قام مقامه. وقيل: يرد عليه ما لو هلك المدبر في يد غاصب الغاصب، وضمنه الغاصب حيث يرجع على الثاني، وإن كان ملكه ثبت مستنداً. أجيب: بأن الغاصب قام مقام المالك في ضمان الحيلولة وللمالك أن يضمن غاصب الغاصب، فكذا من قام مقامه. [جارية بين اثنين فجاءت بولد فادعاه أحدهما] م: (والولاء بين المعتق والمدبر) . ش: بكسر الباء، أي بين المعتق وعصبة المدبر، لأن العتق لا يحصل للمدبر إلا بعد موت مولاه. م: (أثلاثاً، ثلثاه) . ش: أي ثلثا الولاء. م: (للمدبر والثلث للمعتق، لأن العبد عتق على ملكهما على هذا المقدار) . ش: لأن المدبر عتق عليه الثلث من جهة ملكه من الساكت والثلث الآخر نصيبه في الأصل، وهذا إذا اختار الساكت تضمين المدبر، أما إذا اختار سعاية العبد فالولاء بينهم جميعاً أثلاثاً لكل واحد منهم الثلث. م: (وإذا لم يكن التدبير متجزئاً عندهما صار كله) . ش: أي كل العبد: (مدبراً) . ش: بفتح الباء. م: (للمدبر) . ش: بكسر الباء، أي بعصبة المدبر. م: (فقد أفسد نصيب شريكه لما بينا) . ش: أراد به عند قوله فيما مضى عن قريب العبد الذي دبره أول مرة، ويضمن ثلثي قيمته لشريكه موسراً كان أو معسراً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 53 فيضمنه. ولا يختلف باليسار والإعسار، لأنه ضمان تملك فأشبه الاستيلاد، بخلاف الإعتاق لأنه ضمان جناية، والولاء كله للمدبر وهذا ظاهر. قال: وإذا كانت جارية بين رجلين زعم أحدهما أيضا أم ولد لصاحبه، وأنكر ذلك الآخر فهي مرقوقة يوما ويوما تخدم للمنكر عند أبي حنيفة، وقالا: إن شاء المنكر استسعى الجارية في نصف قيمتها ثم تكون حرة ولا سبيل عليها. لهما أنه لما لم يصدقه صاحبه انقلب إقرار المقر عليه كأنه استولدها فصار كما إذا أقر المشتري على البائع أنه أعتق المبيع قبل البيع يجعل كأنه أعتق كذا حكم هذا، فتمتنع الخدمة ونصيب المنكر على زعمه في الحكم فيخرج إلى الإعتاق بالسعاية كأم ولد النصراني إذا أسلمت.   [البناية] م: (فيضمنه) . ش: أي فيضمن نصيب شريكيه. م: (ولا يختلف) . ش: أي الضمان. م: (باليسار والإعسار) . ش: يعني يضمن مطلقاً سواء كان موسراً أو معسراً. م: (لأنه) . ش: أي لأن هذا الضمان. م: (ضمان تملك فأشبه الاستيلاد) . ش: أي فأشبه هذا الضمان ضمان الاستيلاد، فإن كانت جارية بين اثنين، فجاءت بولد فادعاه أحدهما يثبت نسبه منه، ويضمن قيمتها لشريكه. م: (بخلاف الإعتاق) . ش: أي بخلاف ضمان الإعتاق. م: (لأنه ضمان جناية والولاء كله للمدبر وهذا ظاهر) . ش: فتختلف باليسار والإعسار، واعترض بأن قولهم ضمان الجناية باليسار والإعسار أردتم مطلق ضمان الجناية أو الجناية بالإعتاق، والأول مردود بأن كسر جرة إنسان مثلاً أو أتلف ملكاً من أملاكه، فإنه يجب عليه الضمان موسراً كان أو معسراً. والثاني تحكم. وأجيب: بأن المراد الثاني والحكم مدفوع لثبوته بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الرجل يعتق نصيبه إن كان غنياً ضمن. وإن كان فقيراً سعى العبد في حصة الآخر، فلا يقاس عليه غيره، فيكون على خلاف القياس. م: (قال) . ش: أي محمد في " الجامع الصغير " وليس لفظ. م: (قال) . ش: في كثير من النسخ. م: (وإذا كانت جارية بين رجلين زعم أحدهما أنها أم ولد لصاحبه، وأنكر ذلك الآخر فهي مرقوقة يوماً) . ش: المراد من كونها مرقوقة يوماً أن يرفع عنها الخدمة يوماً، وأن يكون للمقر عليها سبيل بالاستسعاء. م: (ويوما تخدم للمنكر عند أبي حنيفة) . ش: قال الكاكي: واختلف المشايخ في الخدمة للمنكر هل تخدم عندهما، والصحيح أنها لا تخدم. م: (وقالا: إن شاء المنكر استسعى الجارية في نصف قيمتها، ثم تكون حرة، ولا سبيل عليها) . ش: يعني للمقر بالاستسعاء. م: (لهما) . ش: أي لأبي يوسف ومحمد. م: (أنه) . ش: أي المقر. م: (لما لم يصدقه صاحبه انقلب إقرار المقر عليه) . ش: أي على نفسه فصار. م: (كأنه استولدها فصار) . ش: حكم هذا. م: (كما إذا أقر المشتري على البائع أنه أعتق المبيع قبل البيع يجعل كأنه أعتق كذا حكم هذا) . ش: مثل ذلك. م: (فتمتنع الخدمة) . ش: للمقر لأنها أم ولد لغيره في زعمه. م: (ونصيب المنكر على زعمه في الحكم، فيخرج إلى الإعتاق بالسعاية كأم ولد النصراني إذا أسلمت) . ش: وهو تلميذ ظفر الدين المرغيناني في نصف كسبها للمنكر، ونصفه مرقوق ونفقتها في كسبها، وإن لم يكن لها كسبه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 54 ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المقر لو صدق كانت الخدمة كلها للمنكر ولو كذبه كان له نصف الخدمة فيثبت ما هو المتيقن به وهو النصف ولا خدمة للشريك الشاهد ولا استسعاء؛ لأنه يتبرأ عن جميع ذلك بدعوى الاستيلاء والضمان. والإقرار بأمومية الولد يتضمن الإقرار بالنسب، وهو أمر لازم ولا يرتد بالرد فلا يمكن أن يجعل المقر كالمستولد، وإن كانت أم ولد بينهما فأعتقها أحدهما، وهو موسر فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يضمن نصف قيمتها؛ لأن مالية أم الولد غير متقومة عنده ومتقومة عندهما، وعلى هذا الأصل تبتني عدة من المسائل أوردناها في كفاية المنتهى.   [البناية] فنصف نفقتها على المنكر، لأن نصف الجارية للمنكر بيقين. م: (ولأبي حنيفة أن المقر لو صدق) . ش: بتخفيف الدال. م: (كانت الخدمة كلها للمنكر) . ش: لأنها أم ولد له. م: (ولو كذبه) . ش: بتخفيف الذال، أي المقر، ولو كذبه. م: (كان له نصف الخدمة) . ش: لأنها قنة بينهما. م: (فيثبت ما هو المتيقن به وهو النصف) . ش: ويكون النصف الآخر مرقوقاً. م: (ولا خدمة للشريك الشاهد، ولا استسعاء لأنه يتبرأ عن جميع ذلك بدعوى الاستيلاد والضمان) . ش: أما تبرؤه عن الخدمة فبدعوى الاستيلاد، وأما عن الاستسعاء فبدعوى الضمان، وفي كلامه لف ونشر على ما ترى. [كانت أم ولد بينهما فأعتقها أحدهما] م: (والإقرار بأمومية الولد) . ش: هذا جواب عن قولهما انقلب إقرار المقر عليه، كأنه استولدها، تقديره أن الإقرار أحد الشريكين بأمومية الولد. م: (يتضمن الإقرار بالنسب وهو) . ش: أي الإقرار بالنسب. م: (أمر لازم لا يرتد بالرد) . ش: أن الرجل إذا أقر بنسب صغير لرجل وكذبه المقر به، ثم إن ذلك المقر نسب ذلك الصغير لنفسه لا يصح، لأن النسب لا يرتد بالرد. م: (فلا يمكن أن يجعل المقر كالمستولد، وإن كانت أم ولد بينهما) . ش: أي بين اثنين. م: (فأعتقها أحدهما وهو موسر) . ش: أي والحال أنه موسر. م: (فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة) . م: (وقالا يضمن نصف قيمتها، لأن مالية أم الولد غير متقومة عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (ومتقومة عندهما) . ش: وهذا هو الأصل في المسألة وقول سائر الفقهاء كقولهما. م: (وعلى هذا الأصل تبتنى عدة من المسائل التي أوردناها في " كفاية المنتهى ") . ش: و " كفاية المنتهى " اليوم مفقود، ولكن المسائل التي تبتنى على الأصل مشهورة مذكورة في الكتب، منها إذا مات أحدهما لا تسعى للآخر عنده، وعندهما تسعى، ومنها إذا ولدت بعد ذلك فادعاه أحدهما يثبت نسبه منه وعتق، ولا يضمن من قيمته شيئاً لشريكه عنده، وعندهما يضمن لشريكه نصف قيمته إن كان موسراً أو يسعى الولد في النصف إذا كان معسراً، ومنها لو غصبه غاصب فماتت في يده لا يضمنها عنده ويضمنها عندهما. وفي كوفي الرقبات يضمن عنده في الغصب كما يضمن بالصبي الحر، حتى لو قربها إلى سبع فافترسها يضمن، لأنه ضمان جناية لا ضمان غصب، ويضمن بالقتل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 55 وجه قولهما: أنها منتفع بها وطئا وإجارة واستخداما، وهذا دلالة التقوم وبامتناع بيعها لا يسقط تقومها كما في المدبر، ألا ترى أن أم الولد النصراني إذا أسلمت عليها السعاية، وهذا آية التقوم غير أن قيمتها ثلث قيمتها قنة على ما قالوا لفوات منفعة البيع والسعاية بعد الموت، بخلاف المدبر لأن الفائت منفعة البيع، أما السعاية والاستخدام فباقيان، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن التقوم بالإحراز، وهي محرزة للنسب لا للتقوم والإحراز للتقوم تابع له، ولهذا لا تسعى للغريم ولا لوارث، بخلاف المدبر   [البناية] بالاتفاق، لأنه ضمان جناية. ومنها أنه لو باعها وسلمها فماتت في يد المشتري لم يضمن عنده، وعندهما يضمن، ومنها أن الأمة الحبلى إذا بيعت فولدت لأقل من ستة أشهر ثم ماتت الأم عند المشتري فادعى البائع الولد يصلح، وعليه أن يرد جميع الثمن عنده، وعندهما يحبس ما يخصه من الثمن. م: (وجه قولهما أنها) . ش: أي أن أم الولد. م: (منتفع بها وطئاً) . ش: يعني من حيث الوطء. م: (وإجارة) . ش: يعني من حيث الإجارة. م: (واستخداماً، وهذا دلالة التقوم) . ش: يعني من حيث الاستخدام، لأن هذه الأفعال لا تكون إلا بملك اليمين فيها لعدم العقد وملك اليمين لا يكون إلا في مال متقوم. م: (وبامتناع بيعها) . ش: وهذا جواب عما يقال إن بيعها ممتنع، وذلك دليل على عدم التقوم. وأجاب - وبامتناع بيعها - أي بيع أم الولد. م: (لا يسقط تقومها، كذا في المدبر) . ش: فإنه يمنع بيعه، وهو متقوم، وكذا بيع الآبق. ثم أوضح ذلك بقوله. م: (ألا ترى أن أم ولد النصراني إذا أسلمت عليها السعاية) . ش: بالاتفاق، والسعاية إنما تكون إذا بقي التقويم. م: (وهذا) . ش: أي وجوب السعاية. م: (آية التقويم) . ش: أي علامة التقويم. م: (غير أن قيمتها ثلث قيمتها قنة) . ش: يعني من حيث كونها قنة. م: (على ما قالوا) . ش: أي على ما قال مشايخنا. م: (لفوات منفعة البيع والسعاية بعد الموت) . ش: أي موت المولى، فإنها لا تسعى للغرماء ولا للورثة. م: (بخلاف المدبر، لأن الفائت فيه منفعة البيع، أما السعاية والاستخدام فباقيان) . ش: فإنه يسعى للغرماء ويخدم مولاه إلى أن يموت. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن التقوم بالإحراز) . ش: بالاقتناء للمتمول، ألا ترى أن العبد قبل الإحراز لا يكون مالاً متقوماً، والآدمي في الأصل ليس بمال ويصير مالاً بإحرازه على قصد التمول ويثبت ملك المتعة تبعاً، فإذا حصنها واستولدها ظهر أن إحرازه لها لملك المتعة لا لقصد التمول، فصار في صفة المالية، لأن الإحراز لم يولد أصلاً فلا يكون متقوماً. م: (وهي محرزة للنسب لا للتقوم والإحراز للتقوم تابع له) . ش: أي للنسب، يعني أنها كانت تجوز للمالية والتقوم قبل الاستيلاد، فلما جوز هذا الاستيلاد للنسب كان الإحراز بالتقوم تابعاً لأنه ظهر أن إحرازه كان للنسب. م: (ولهذا) . ش: أي ولكونها تحرزاً للنسب. م: (لا تسعى للغريم، ولا لوارث بخلاف المدبر) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 56 وهذا لأن السبب فيها متحقق في الحال، وهو الجزئية القائمة بواسطة الولد على ما عرف في حرمة المصاهرة إلا أنه لم يظهر عمله في حق الملك ضرورة الانتفاع، فعمل السبب في إسقاط التقوم، وفي المدبر ينعقد السبب بعد الموت، وامتناع البيع فيه لتحقيق مقصوده فافترقا، وفي أم ولد النصراني قضينا بمكاتبتها عليه دفعا للضرر من الجانبين بدل الكتابة لا يفتقر وجوبه إلى التقوم.   [البناية] ش: ثم أوضح عدم وجوب السعي عليها والفرق بين أم الولد والمدبر بقوله. م: (وهذا) . ش: إشارة إلى الفرق بينهما. م: (لأن السبب فيها) . ش: أي لأن سبب الحرية في أم الولد. م: (متحقق في الحال وهو الجزئية القائمة) . ش: بين المولى وأم الولد. م: (بواسطة الولد على ما عرف في حرمة المصاهرة) . ش: لأنه لما حصل الولد من بابين بحيث لا يتمازج أحدهما من الآخر صار أصوله وفروعه كأصولها وفروعها وبالعكس وثبوت الحرية يقتضي عدم التقوم، لان الإرقاق حرام. م: (إلا أنه لم يظهر عمله) . ش: أي غير أن سبب الحرية لم يظهر عمله. م: (في حق الملك) . ش: ولم تعتق حقيقة لأجل. م: (ضرورة الانتفاع بها) . ش: بالإجماع إذا قصده أن يكون فراشه إلى وقت موته. م: (فعمل السبب في إسقاط التقوم، وفي المدبر ينعقد السبب بعد الموت) . ش: أي سبب الحرية بعد الموت. قال الأترازي: وهذا تناقض من المصنف في كلامه، لأنه جعل التدبير هنا سببها بعد الموت وجعله في باب التدبير سبباً في الحال، ومذهب علمائنا أن التدبير في الحال بخلاف سائر التعليقات، فإنها ليست بأسباب في الحال عندنا. قلت هذا ذكره صاحب " الكافي " وليس منه. م: (وامتناع البيع فيه) . ش: أي في المدبر، وهذا جواب عن قولهما، وبامتناع بيعها لا يسقط تقويمها، وبالقياس على هذا ينبغي أن لا يمتنع بيع المدبر، لأنه إذا كان السبب ينعقد بعد الموت، فلم قلتم بامتناع بيعه، فأجاب بقوله - وامتناع البيع فيه -. م: (لتحقيق مقصوده) . ش: أي مقصود المولى من التدبير وهو الحرية وإن كان السبب لم ينعقد في الحال لم يدل على سقوط التقوم، وإنما ظهر أثر انعقاده في حرمة البيع خاصة. م: (فافترقا) . ش: أي حكم أم الولد والمدبر من الوجه المذكور. م: (وفي أم ولد النصراني) . ش: جواب عما قاسا عليه. م: (قضينا) . ش: أي حكمنا. م: (بمكاتبتها عليه) . ش: أي على النصراني. م: (دفعاً للضرر من الجانبين) . ش: في حق أم الولد، فلئلا تبقى تحت نصراني وهي مسلمة، وأما في حق النصراني فلئلا يبطل ملكه مجاناً، ولما كانت هي في معنى المكاتبة كان إذنه في معنى بدل الكتابة. م: (بدل الكتابة لا يفتقر وجوبه إلى التقوم) . ش: أي تقوم ما يقابله، لأنه في الأصل مقابل بفك الحجر، وفك الحجر متقوم، فلذا قلنا: إن مكاتبها لم يقتض مقوم أم ولد النصراني. والله أعلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 57 باب عتق أحد العبدين ومن كان له ثلاثة أعبد دخل عليه اثنان فقال: أحدكما حر، ثم خرج واحد منهما ودخل آخر فقال: أحدكما حر ثم مات ولم يبين عتق من الذي أعيد عليه القول ثلاثة أرباعه ونصف كل واحد من الآخرين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كذلك إلا في العبد الآخر فإنه يعتق ربعه، أما الخارج فلأن الإيجاب الأول دائر بينه وبين الثابت، وهو الذي أعيد عليه القول وأوجب عتق رقبة بينهما لاستوائهما، فيصيب كلا منهما النصف غير أن الثابت استفاد بالإيجاب الثاني ربعا آخر؛ لأن الثاني دائر بينه وبين الداخل فينتصف بينهما   [البناية] [باب عتق أحد العبدين] [عتق أحد العبدين في مرض الموت] م: (باب عتق أحد العبدين) ش: أي هذا باب في حكم عتق أحد العبدين، ولما فرغ من بيان إعتاق بعض عبد واحد شرع في إعتاق أحد العبدين، لأن أحدهما بعض أيضاً، لكن قدم الأول لكون الواحد مقدماً على الاثنين. م: (ومن كان له ثلاثة أعبد دخل عليه اثنان فقال: أحدكما حر، ثم خرج واحد منهما ودخل آخر فقال: أحدكما حر ثم مات ولم يبين) . ش: أي ثم مات المولى والحال أنه لم يبين ولم يسم كل واحد من العبدين باسم الفعل الذي اتصف به، قلتم: الذي خرج خارج والذي دخل داخل، والذي لم يخرج ثابت، ثم إن كان المولى ما دام حياً يؤمر بالبيان، لأنه هو الجمل ويرجع في البيان إليه ويعتق الذي عينه، فإذا مات قبل البيان. م: (عتق من الذي أعيد عليه القول ثلاثة أرباعه) . ش: أراد بالقول قوله أحدكما حر، وأراد بالذي أعيد عليه القول الثابت. م: (ونصف كل واحد) . ش: أي عتق نصف كل واحد. م: (من الآخرين) . ش: وهما الداخلان والخارج. م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) . م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هو كذلك) . ش: يعني يعتق من الثابت ثلاثة أرباعه، ومن الخارج نصف. م: (إلا في العبد الآخر) . ش: وهو الداخل. م: (فإنه يعتق ربعه، أما الخارج فلأن الإيجاب الأول دائر بينه وبين الثابت) . ش: بحيث إنه يحتمل أن يراد به هذا أو ذاك، وليس أحدهما بأولى من الآخر فينصف بينهما. م: (وهو الذي) . ش: أي الثابت. م: (أعيد عليه القول) . ش: وهو قوله أحدكما حر. م: (وأوجب عتق رقبة بينهما) . ش: أي بين الداخل والثابت. م: (لاستوائهما) . ش: لأن أحدهما ليس بأولى من الآخر. م: (فيصيب كلاً منهما النصف، غير أن الثابت استفاد بالإيجاب الثاني) . ش: وهو قوله أحدكما حر في المرة الثانية. م: (ربعاً آخر، لأن الثاني) . ش: أي الإيجاب الثاني. م: (دائر بينه) . ش: أي بين الثابت. م: (وبين الداخل فينتصف بينهما) . ش: أي بين الثابت والداخل لعدم الأولوية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 58 غير أن الثابت استحق نصف الحرية بالإيجاب الأول، فشاع النصف المستحق بالثاني في نصفيه، فما أصاب المستحق بالعتق الأول لغى، وما أصاب الفارغ بقي فيكون له الربع فتمت له ثلاثة الأرباع، ولأنه لو أريد هو بالثاني يعتق نصفه، ولو أريد به الداخل لا يعتق هذا النصف فينتصف النصف فيعتق منه الربع بالثاني والنصف بالأول، وأما الداخل فمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: لما دار الإيجاب الثاني بينه وبين الثابت وقد أصاب الثابت منه الربع فكذلك يصيب الداخل وهما يقولان إنه دائر بينهما، وقضية التنصيف، وإنما نزل أي الربع في حق الثابت لاستحقاقه النصف بالإيجاب الأول كما ذكرنا، ولا استحقاق الداخل من قبل فيثبت فيه النصف.   [البناية] م: (غير أن الثابت استحق نصف الحرية بالإيجاب الأول فشاع النصف المستحق بالثاني) . ش: أي بالإيجاب الثاني. م: (في نصفيه، فما أصاب المستحق) . ش: بفتح الحاء، أي المستحق. م: (بالعتق الأول) . ش: أي بالإيجاب الأول. م: (لغى) . ش: أي الذي أصاب من النصف الشائع النصف المستحق الأول لغى، لأن تحرير الحر محال. م: (وما أصاب الفارغ بقي) . ش: أي وما أصاب غير المستحق بقي وصح. م: (فيكون له الربع) . ش: فينتصف النصف الشائع، فيعتق بالإيجاب الثاني ربع الثابت، وبالإيجاب الأول نصفه. م: (فتمت له) . ش: أي للثابت. م: (ثلاثة الأرباع، ولأنه) . ش: أي ولأنه. م: (لو أريد هو) . ش: أي الثاني. م: (بالثاني) . ش: أي الإيجاب الثاني. م: (يعتق نصفه الباقي، ولو أريد به) . ش: أي بالإيجاب الثاني. م: (الداخل لا يعتق هذا النصف) . ش: أي النصف الباقي من الثابت، فإذا يعتق من الثابت نصفه الباقي في حال دون حال. م: (فينتصف النصف، فيعتق منه الربع بالثاني) . ش: أي بالإيجاب الثاني. م: (والنصف بالأول) . ش: أي يعتق النصف بالإيجاب الأول. م: (وأما الداخل فمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول لما دار الإيجاب الثاني بينه) . ش: أي بين الداخل. م: (وبين الثابت وقد أصاب الثابت منه الربع) . ش: بالاتفاق. م: (فكذلك يصيب الداخل) . ش: يعني الربع. م: (وهما) . ش: أي أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (يقولان إنه دائر بينهما) . ش: أي الإيجاب الثاني دائر بين الداخل والثابت. م: (وقضية التنصيف) . ش: أي قضية هذا الدوران يكون بينهما التنصيف لاستوائهما. م: (وإنما نزل أي الربع في حق الثابت لاستحقاقه النصف بالإيجاب الأول كما ذكرنا) . ش: أي عند قوله - لأن الثاني دائر بينه وبين الداخل فينتصف - أي يجعل بينهما النصف. م: (ولا استحقاق الداخل من قبل) . ش: أي من قبل ذلك. م: (فيثبت فيه النصف) . ش: أي يثبت في حق الداخل النصف. حاصل هذا أن الإيجاب الثاني لو أريد به الداخل عتق، ولو أريد به الثابت يعتق الباقي منه، ولا يعتق الداخل، فإذا عتق الداخل في حال دون حال فيتنصف عتق العتق بينهما، فيعتق نصف الداخل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 59 قال: فإن كان القول منه في المرض قسم الثلث على هذا وشرح ذلك أن يجمع بين سهام العتق، وهي سبعة على قولهما لأنا نجعل كل رقبة على أربعة لحاجتنا إلى ثلاثة الأرباع فنقول: يعتق من الثابت ثلاثة أسهم، ومن الآخرين من كل واحد منهما سهمان، فيبلغ سهام العتق سبعة، والعتق في مرض الموت وصية ومحل نفاذها الثلث، فلا بد أن يجعل سهام الورثة ضعف ذلك، فيجعل كل رقبة على سبعة، وجميع المال أحد وعشرون فيعتق من الثابت ثلاثة، ويسعى في أربعة، ويعتق من الباقين من كل واحد منهما سهمان ويسعى في خمسة، فإذا تأملت وجمعت استقام الثلث والثلثان، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجعل كل رقبة على ستة لأنه يعتق من الداخل عنده سهم فنقصت سهام العتق بسهم وصار جميع المال ثمانية عشر، وباقي التخريج ما مر، ولو كان هذا في الطلاق   [البناية] م: (قال) . ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (فإن كان القول منه) . ش: أي فإن كان القول المذكور من المولى. م: (في المرض قسم الثلث على هذا) . ش: على ما ذكر. م: (وشرح ذلك أن يجمع بين سهام العتق، وهي سبعة أسهم) . ش: وصايا العبيد الثلاثة سبعة، لأن العتق وصية، والوصية تنفذ من الثلث، فيضرب كل بقدر وصيته. م: (على قولهما) . ش: أي على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -،. م: (لأنا نجعل كل رقبة على أربعة) . ش: أسهم. م: (لحاجتنا إلى ثلاثة أرباع، فنقول يعتق من الثابت ثلاثة أسهم، ومن الآخرين) . ش: بفتح الخاء، وأراد بهما الداخل والخارج. م: (من كل واحد منهما سهمان فيبلغ سهام العتق سبعة) . م: (والعتق في مرض الموت وصية) . ش: وكل وصية. م: (ومحل نفاذها الثلث فلا بد أن يجعل سهام الورثة ضعف ذلك، فيجعل كل رقبة على سبعة أسهم) . ش: فإذا كان الثلث سبعة وثلثاه أربعة عشر. م: (وجميع المال أحد وعشرون فيعتق من الثابت ثلاثة) . ش: أسهم. م: (ويسعى في أربعة) . ش: أشهر. م: (ويعتق من الباقين) . ش: وهما الخارج والداخل. م: (من كل واحد منهما سهمان) . ش: أي يعتق سهمان. م: (ويسعى) . ش: أي كل واحد منهما. م: (في خمسة أسهم، فإذا تأملت وجمعت استقام الثلث والثلثان) . ش: لأن سهام الوصايا سبعة، وسهام السعايا أربعة عشر. م: وعند محمد يجعل كل رقبة على ستة، لأنه يعتق من الداخل عنده) . ش: أي عند محمد. م: (سهم فنقصت سهام العتق بسهم، وصار جميع المال ثمانية عشر) . ش: لأن الخارج يضرب بسهمين، والثابت ثلاثة أسهم، والداخل سهم فكان سهام الوصايا ستة، فإذا كانت الثلث ستة كان جميع المال ثمانية عشر لا محالة. م: (وباقي التخريج ما مر) . ش: يعني يعلم مما مر، فالخارج يعتق منه سهمان ويسعى في أربعة، والثالث يعتق منه الثلاثة ويسعى في ثلاثة، والداخل يعتق منه سهم ويسعى في خمسة، فكان نصيب السعاية وهو نصيب الورثة اثني عشر سهماً، وسهام الوصايا ستة.. م: (ولو كان هذا) . ش: أي هذا الكلام. م: (في الطلاق) . ش: وهي مسألة الزيادات يحتج بها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 60 وهن غير مدخولات ومات الزوج قبل البيان سقط من مهر الخارجة ربعه، ومن مهر الثابتة ثلاثة أثمانه، ومن مهر الداخلة ثمنه، قيل هذا قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خاصة وعندهما يسقط ربعه، وقيل هو من قولهما أيضا، وقد ذكرنا الفرق وتمام تفريقاتها في الزيادات.   [البناية] محمد عليهما وصورته رجل له ثلاث نسوة. م: وهن غير مدخولات) . ش: يعني لم يدخل بهن، فقال لامرأتين منهن إحداكما طالق ثم خرجت واحدة منهن دخلت للثالثة، فقال إحداكما طالق ثم خرجت واحدة منهن ودخلت الثالثة، فقال إحداكما طالق. م: (ومات الزوج قبل البيان سقط من مهر الخارجة ربعه، ومن مهر الثابتة ثلاثة أثمانه، ومن مهر الداخلة ثمنه) . ش: والثمن من الصداق بمنزلة الربع من العتاق، لأن المستحق بالطلاق سقوط على النصف من المستحق بالعتق سوياً في الإيجاب الثاني. م: (قيل: هذا قول محمد خاصة) . ش: فلا يكون حجة عليهما، وكيف يكون حجة. م: (وعندهما يسقط ربعه، وقيل: هو من قولهما أيضا) . ش: أي قول أبي حنيفة، وأبي يوسف فلا بد من الفرق بين العتق والطلاق، فقال م: (وقد ذكرنا الفرق) . ش: أي بين العتاق والطلاق. م: (وتمام) . ش: بالنصب عطفاً على الفرق، أي وذكرنا تمام. م: (تفريقاتها) . ش: أي تفريقات هذه المسألة. م: (في الزيادات) . ش: أي في شرح الزيادات. أما الفرق فهو أن الثابت في العتق بمنزلة المكاتب، لأنه حين تكلم كان له حق البيان، وصرف العتق إلى أيهما شاء من الثابت والخارج، فما دام له حق البيان كان كل واحد من العبدين حراً من وجه وعبداً من وجه، فإذا كان الثابت كالمكاتب كان الكلام الثاني صحيحاً من كل وجه، لأنه دار بين المكاتب والعبد، إلا أنه أصاب الثابت منه الربع، والداخل النصف. وأما الثابتة في الطلاق فمترددة بين أن تكون منكوحة وبين أن تكون أجنبية، لأن الخارجة إن كانت المرادة بالإيجاب الأول كانت الثانية منكوحة فيصبح الإيجاب الثاني، وإن كانت الثانية هي المرادة بالإيجاب الأول كانت المعينة، فيلغو الإيجاب الثاني، فجعلت أجنبية من وجه، فيصح الإيجاب الثاني من وجه دون وجه فيسقط نصف المهر، وهو الربع موزعاً بين مهر الداخلة والثابتة فيصيب كل واحدة منهن الثمن. وأما التفريعات فمنها أن المولى إذا لم يمت ومات الثابت عتق الخارج والداخل، أما الخارج فلأن الكلام الأول أوجب عتق رقبة بينه وبين الثابت، فبطلت مزاحمة الثابت، وكذلك الكلام الثاني أوجب عتق رقبة بين الثابت والداخل فبطلت مزاحمة الثابت، هذا عندهما، وأما عند محمد فإنما يعتق الخارج لما قلنا، وأما الداخل فلأن الثابت لما تعين للرق بالمؤنة ظهر أن الكلام صحيح بكل حال، فصار قوله كقولهما، ومنها أن الداخل إذا مات قبل المولى أو وقع العتق على أيهما شئت من الخارج والثابت. فإن أوقعه على الخارج عتق الثابت أيضاً، لأنه ظهر أنه كان عبداً عند الإيجاب الثاني، فبطل مزاحمة الداخل بموته، فإن أوقع العتق الأول على الثابت لم يعتق الخارج بلا شبهة، أو كذا الداخل لأن المضموم إليه الحر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 61 ومن قال لعبديه: أحدكما حر فباع أحدهما أو مات، أو قال له: أنت حر بعد موتي عتق الآخر؛ لأنه لم يبق محلا للعتق أصلا بالموت   [البناية] وذكر في شرح الزيادات هذا عند محمد، فأما عندهما يجب أن الخارج الثابت، لأن الكلام الثاني صحيح معين له الثابت بالكلام الأول، وبطل الكلام الثاني، لأن المضمون إليه حر، وهاهنا أن المولى إذا لم يمت ولا العبد أيضاً، وبين المولى فإن عين الخارج بالكلام الأول خير في الآخرين، لأن الكلام الثاني صحيح بكل حال على هذا الوجه، وإن عين الثابت بقي الخارج وكذا الداخل لأن المضموم إليه حر، أو إن عين الثابت بالكلام الثاني عتق الخارج بكلام الأول ولم يعتق الداخل وإن بين الداخل بالكلام الثاني في تعيين الخارج والثابت بالكلام الأول منها ميراث النساء وهو الربع والثمن يقسم بين الداخلة، والأولين نصفين نصف الداخلة لأنه لا يزاحمها إلا أحد الأوليين والنصف الآخرين الأوليين، لأن إحداهما ليست بأولى. ومنها أن الثابت إذا ماتت والزوج حي طلقت الخارجة والداخلة لانعدام المزاحمة، ولكل واحدة ثلاثة أربع المهر، فإن ماتت الداخلة كانت تخييراً في الأخريين بالكلام الأول فإن أوقعه على الخارجة طلقت الثابت أيضاً لانعدام مزاحمة الداخلة بالموت، وإن أوقعه على الثابتة لم تطلق الخارجة، وإن ماتت الخارجة طلقت الثانية ولم تطلق الداخلة. ومنها أنه إذا لم تمت واحدة منهن لكن الزوج أوقع الطلاق الأول على الخارجة صح الكلام الثاني وله الخيار في تعيين الثابتة أو الداخلة بالثاني إن أوقع الطلاق البائن على الداخلة كان له الخيار في تعيين الخارجة والثابتة بالكلام الأول. [قال لعبديه أحدكما حر فباع أحدهما أو مات] م: (ومن قال لعبديه: أحدكما حر فباع أحدهما أو مات) . ش: أي أحدهما. م: (أو قال له:) . ش: أي لأحدهما. م: (أنت حر بعد موتي عتق الآخر) . ش: وهذه من مسائل " الجامع الصغير "، صورتها فيه محمد بن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رجل قال لعبديه أحدكما حر، ثم باع أحدهما قال يعتق الآخر، وإن مات أحدهما عتق الآخر، وكذا لو قال لامرأتيه: إحداكما طالق ثم ماتت إحداهما طلقت الأخرى. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": لو قال لعبديه: أحدكما حر ثم مات أحدهما أو قتل أو باعه أو رهنه أو دبره عتق الباقي. م: (لأنه لم يبق محلاً للعتق أصلاً بالموت) . فإن قيل يشكل بما إذا قال لأمتيه إحداكما ابنتي أو أم ولدي وماتت إحداهما لم تتعين الحرية والاستيلاد في الحية، ذكره التمرتاشي، قلنا: ليس هو إيقاعاً بصيغة بل إخبار، ويجوز أن يخبره بهذا عن الحي والميت، فيرجع إلى بيان الموتى، فأما الإنشاء فلا يصح إلا في الحي، وفي مسألتنا إنما تيقن الآخر بعد الموت، لأن البيان إنشاء من وجه وإظهار من وجه فصح البيان في فعل يحتمل الإنشاء والميت لا يحتمل الإنشاء، فتعين الآخر للعتق، كذا في " الإيضاح "، ثم البيان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 62 وللعتق من جهته بالبيع، وللعتق من كل وجه بالتدبير فتعين الآخر، ولأنه بالبيع قصد الوصول إلى الثمن وبالتدبير إبقاء الانتفاع إلى موته، والمقصود أن ينافيا العتق الملتزم فتعين له الآخر دلالة وكذا إذا استولد أحدهما للمعنيين، ولا فرق بين البيع الصحيح والفاسد مع القبض أو بدونه والمطلق وبشرط الخيار لأحد المتعاقدين لإطلاق جواب الكتاب، والمعنى ما قلنا، والعرض على البيع ملحق به في المحفوظ عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] يثبت صريحاً ودلالة، فالأول كقوله اخترت أن يكون هذا حرا باللفظ الذي قلت، أو يقول: أنت حر بذلك العتق أو يقول: عتقك بالعتق الشائع. والثاني كما إذا باع أحدهما مطلقاً أو بشرط الخيار لأحد المتبايعين، ولو باع بيعاً فاسداً وقبضه المشتري على ما ذكره في شرح الطحاوي " تحفة الفقهاء " أو لم يقبضه على ما ذكره في " فتاوى الولوالجي " أو كاتب أو دبر أو رهن أو آجر، فإنه يكون بياناً في هذا كله أو استخدم أحدهما أو قطع يد أحدهما أو جنى على أحدهما لا يكون بياناً في قولهم كذا في " شرح الطحاوي ". وإن أعتق أحدهما عتقاً مستأنفاً يعتقان جميعاً، هذا بإعتاقه، وذاك باللفظ السابق، وإن قال عنيت به المعتق باللفظ السابق صدق في القضاء، كذا في " شرح الطحاوي ". م: (وللعتق من جهته بالبيع) . ش: أي لم يبق العبد محلاً للعتق من جهة الذي قال أحدكما حر فتعين الآخر. م: (وللعتق من كل وجه بالتدبير) . ش: أي لم يبق العبد محلاً للعتق الملتزم من كل وجه بالتدبير لأن المدبر استحق الحرية. م: (فتعين الآخر) . ش: دلالة. م: (ولأنه بالبيع قصد الوصول إلى الثمن وبالتدبير إبقاء الانتفاع إلى موته، والمقصود أن ينافيان العتق الملتزم) . ش: أي المقصود بالبيع، وهو الوصول إلى الثمن والمقصود بالتدبير وهو بقاء الانتفاع إلى الموت كلاماً ينافيان العتق الملتزَم بفتح الزاي، لأنه يلزم من إثبات أحدهما عدم الآخر، فلما ثبت التنافي للعتق في أحدهما. م: (فتعين له الآخر دلالة، وكذا إذا استولد أحدهما للمعنيين) . ش: أي وكذا لتعيين الأخرى للعتق إذا علقت منه، وإنما قيدنا بالعلوق، لأن مجرد الوطء ليس ببيان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في العتق كما سيجيء إن شاء الله تعالى بعد هذا للمعنيين أراد بهما ما قاله في التدبير، وهو عدم بقائها للعتق من كل وجه بعد الاستيلاد لأنها استحقت الحرية وإبقاء الانتفاع إلى الموت. م: (ولا فرق بين البيع الصحيح والفاسد مع القبض أو بدونه) . ش: أي أو بدون القبض في البيع الفاسد، لأن تصرف الذي يختص في الملك يوجد في الكل. م: (والمطلق) . ش: أي والبيع المطلق عن الخيار أو بشرط الخيار لأحد المتعاقدين لإطلاق جواب الكتاب أراد بالكتاب " الجامع الصغير ". والمعنى ما قلنا وهو أنه قصد الوصول إلى المثمن والوصول إلى الثمن ينافي العتق فتعين الآخر للعتق.. م: (وبشرط الخيار لأحد المتعاقدين لإطلاق جواب الكتاب، والمعنى ما قلنا والعرض على البيع ملحق به) . ش: أي بالبيع. م: (في المحفوظ) . ش: أي في القول المحفوظ. م: (عن أبي يوسف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 63 والهبة والتسليم والصدقة والتسليم بمنزلة البيع، لأنه تمليك، وكذلك لو قال لامرأتيه إحداكما طالق ثم ماتت إحداهما لما قلنا، وكذا لو وطئ إحداهما لما نبين، ولو قال لأمتيه: إحداكما حرة ثم جامع إحداهما لم يعتق الأخرى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: تعتق؛ لأن الوطء لا يحل إلا في الملك، وإحداهما حرة، فكان بالوطء مستبقيا للملك في الموطوءة فتعينت الأخرى لزواله بالعتق كما في الطلاق وله أن الملك قائم في الموطوءة، لأن الإيقاع في المنكرة وهي معينة فكان وطؤها حلالا، فلا يجعل بيانا، ولهذا حل وطؤهما على مذهبه، إلا أنه لا يفتي به   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . ش: قال في " شرح الطحاوي ": وروى ابن سماعة عن أبي يوسف إذا ساوم أحدهما يكون بياناً يعني أن الآخر يتعين للعتق. م: (والهبة والتسليم والصدقة والتسليم بمنزلة البيع، لأنه تمليك) . ش: قال الأترازي: ولنا فيه نظر، لأنه لم يشترط التسليم في البيع الفاسد أن الملك لا يثبت فيه إلا بعد القبض، وهنا اشترط التسليم، والحق عندي أن لا يشترط التسليم في الفصلين جميعاً لوجود تصرف يختص بالملك فيهما، ولهذا ألحق الحكم فيهما جميعاً انتهى. قلت: أخذ هذا من صاحب " النهاية "، فإنه قال: ذكر التسليم في قوله والهبة والتسليم والصدقة بمنزلة البيع على وجه التأكيد لا على وجه الشرط. م: (وكذلك) . ش: أي وكذلك تتعين الأخرى للطلاق. م: (لو قال لامرأتيه إحداكما طالق ثم ماتت إحداهما لما قلنا) . ش: أشار به إلى قوله لأنه لم يبق محلاً للطلاق بالموت. م: (وكذا لو وطئ إحداهما) . ش: أي أحد المرأتين لا أحد الأمتين. م: (لما نبين) . ش: أي في المسألة التي بعد هذه. م: (ولو قال لأمتيه إحداكما حرة ثم جامع إحداهما لم يعتق الأخرى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد. م: (وقالا تعتق) . ش: وبه قال الشافعي ومالك في رواية كما في الطلاق، وفيه الاتفاق. م: (لأن الوطء لا يحل إلا في الملك، وإحداهما حرة فكان بالوطء مستبقياً للملك في الموطوءة، فتعينت الأخرى لزواله بالعتق، كما في الطلاق) . ش: بأن قال لامرأتيه إحداكما طالق ثم وطئ إحداهما كان بياناً، وهذا الخلاف فيما إذا تعلق الأمة الموطوءة، فإذا علقت يكون بياناً عند أبي حنيفة أيضاً، نص عليه الحاكم الشهيد في " الكافي ": ولو قال إحداكما مدبرة ثم وطئ إحداهما لا يكون بياناً بالإجماع، لأن التدبير لا يزيل ملك البائع، كذا في " شرح الطحاوي ". م: (وله) . ش: أي ولأبي حنيفة. م: (أن الملك قائم في الموطوءة) . ش: أي في التي توطأ من كل منهما. م: (لأن الإيقاع في المنكرة) . ش: أي لأن إيقاع العتق إنما هو في المنكرة. م: (وهي معينة) . ش: أي الموطوءة معينة غير منكرة. م: (فكان وطؤها حلالاً، فلا يجعل بياناً، ولهذا) . ش: أي ولأجل قيام الملك في الموطوءة. م: (حل وطؤهما) . ش: أي وطء الأمتين جميعاً بعد قوله - لهما - إحداكما حرة. م: (على مذهبه) . ش: أي على مذهب أبي حنيفة. م: (إلا أنه لا يفتي به) . ش: أي بحل وطئهما، وهو استثناء من قوله حل وطؤهما، أي يعمل هذا أو لا يفتي به معتمداً لأبي حنيفة بترك الاحتياط. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 64 ثم يقال العتق غير نازل قبل البيان لتعلقه به، أو يقال نازل في المنكرة، فيظهر في حق حكم تقبله والوطء يصادق المعينة بخلاف الطلاق، لأن المقصود الأصلي من النكاح الولد وقصد الولد بالوطء يدل على الاستبقاء في الموطوءة صيانة للولد، أما الأمة فالمقصود من وطئها قضاء الشهوة دون الولد، فلا يدل على الاستبقاء. ومن قال لأمته: إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة فولدت غلاما وجارية، ولا يدري أيهما ولد أولا عتق نصف الأم ونصف الجارية والغلام عبد   [البناية] م: (ثم يقال العتق غير نازل) . ش: هذا جواب عما يقال: العتق إما أن يكون نازلاً أو لا، فإن كان غير نازل عن مدلوله، وإن كان نازلاً لا يجوز وطؤها، فأجاب عن كل واحد من الشقين، فقال على الشق الثاني بقوله ثم يقال: للعتق غير نازل. م: (قبل البيان لتعلقه به) . ش: أي لتعليق العتق بالبيان، فإن كان كالعتق المعلق به بدخول الدار هو غير نازل قبل الدخول، فكذا هنا وقال على الشق الأول بقوله. م: (أو يقال نازل في المنكرة فيظهر) . ش: أي العتق النازل في المنكرة. م: (في حق حكم تقبله) . ش: أي المنكر كالبيع، فإن المنكر بفضله بأن يشتري أحد العبدين على أن المشتري بالخيار فيهما، فإنه يصح. م: (والوطء يصادق المعينة) . ش: أي وطء غير المعينة لا يمكن، لأنه هو حسي لا يقع إلا في المعين. م: (بخلاف الطلاق) . ش: جواب عما يقال كيف يقع بياناً في الطلاق أجاب بقوله بخلاف الطلاق طلاق. م: (لأن المقصود الأصلي من النكاح الولد وقصد الولد بالوطء يدل على الاستبقاء في الموطوءة صيانة للولد) . ش: أي لأجل صيانة الولد م: (أما الأمة فالمقصود من وطئها قضاء الشهوة دون الولد فلا يدل على الاستبقاء) ش: فلا يصير وطؤها بياناً للعتق في الأخرى. م: (ومن قال لأمته إن كان أول ولد تلدينه غلاماً فأنت حرة فولدت غلاماً وجارية لا يدري أيهما ولد أولاً عتق نصف الأم ونصف الجارية والغلام عبد) . ش: في " شرح الطحاوي " روي عن محمد أنه قال: لا يعتق واحد منهم. وفي " المبسوط " ذكر محمد في " الكسانيات " هذا الجواب الذي ذكر ليس بجواب هذا الفصل بل في هذا الفصل لا يحكم بعتق واحد منهم ولكن يخالف المولى بالله ما يعلم أنها ولدت الغلام أولاً، فإن نكل فتكون كإقراره، وإن حلف كلهم أرقاء. وأما جواب الكتاب ففي فصل آخر، وهو ما إذا قال لأمته: إذا كان أول ولد تلدينه غلاماً فأنت حرة وإن كانت جارية فهي حرة فولدتهما جميعاً ولا يدري الأول فالغلام رقيق، والأمة حرة ويعتق نصف الأم لأنها إذا ولدت الغلام أولاً فهي حرة، والغلام رقيق، وإن ولدت الجارية أولاً فهي حرة والغلام والأم رقيقان فالأم تعتق في حال دون حال فيعتق نصفها، والغلام عبد بيقين والجارية حرة بيقين، إما بعتق نفسها وبعتق الأم. قال صحاب " النهاية ": هو الصحيح. وقال الأترازي ناقلاً عن " الكافي " وغيره: هذه المسألة على وجوه ستة فلنذكرها ملخصة: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 65 لأن كل واحدة منهما تعتق في حال، وهو ما إن ولدت الغلام أول مرة بالشرط والجارية لكونها تبعا لها إذ الأم حرة حين ولدتها وترق في حال وهو ما إذا ولدت الجارية أولا لعدم الشرط فيعتق نصف كل واحدة منهما ويسعى في النصف، أما الغلام يرق في الحالين، فلهذا يكون عبدا وإن ادعت الأم أن الغلام هو المولود أولا وأنكر المولى والجارية صغيرة فالقول قوله مع اليمين لإنكاره شرط العتق، فإن حلف لم يعتق   [البناية] أحدها: أن يتصادقوا على أنهم لا يدرون أيهما ولد أولاً، يعتق من الغلام والجارية النصف ويسعى كل واحد منهما في النصف. الثاني: أن تدعي الأم أن الغلام ولد أولاً وأنكر المولى ذلك وقال: إن الجارية هي الأولى وهي صغيرة فالقول قول المولى مع يمينه على العلم، فإن حلف لا يثبت عتق واحدة فإن نكل عتقت الأم والجارية وهي إذا كانت صغيرة تصير الأم خصماً عنها، لكون حريتها نفعاً محضاً، فيعتقا جميعاً قال فخر الإسلام في شرح " الجامع الصغير "، وإنما تصح الأم عن البنت ما دامت صغيرة، وإن كانت كبيرة لا يصح. الثالث: أن يتصادقوا أن الجارية هي التي ولدت أولاً لا يعتق أحد لانعدام شرط المعتق. الرابع: أن يتصادقوا أن الغلام ولد أولاً تعتق الأم لوجود شرط المعتق، وكذا الجارية تبعا للأم والغلام عبد، لأنه زال عنها في حال الرق، ولا يعتق تبعاً لها. الخامس: أن تدعي الأم إلى الغلام أول ولم تدع الجارية شيئاً وهي كبيرة حلف المولى على العلم، فإن حلف لا يثبت عتق أحد، وإن نكل عتقت الأم دون الجارية. السادس: أن تدعي الجارية ولم تدع الأم شيئاً، فإن المولى لا يثبت عن الواحد وإن نكل مع الجارية دون الأم. وقال الحاكم في " مختصر الكافي " ولو قال إن كان أول ولد تلدينه غلاماً فأنت حرة وإن كانت جارية فهي حرة فولدتهما، فإن علم أيهما أول عمل على ذلك، وإن لم تعلم، واتفق الأم والمولى على شيء فكذلك. وإن قال لا تدري فالغلام رقيق والابنة حرة ويعتق نصف الأم. م: (لأن كل واحدة منهما) . ش: أي من الغلام والجارية. م: (تعتق في حال وهو ما إن ولدت الغلام أول مرة) . ش: عتقت الأم. م: (بالشرط) . ش: أي يعتق الأم بالشرط. م: (والجارية) . ش: أي يعتق الجارية. م: (لكونها تبعا لها إذ الأم حرة حين ولدتها وترق) . ش: أي الأم. م: (في حال وهو ما إذا ولدت الجارية أولاً لعدم الشرط فيعتق نصف كل واحدة منهما ويسعى في النصف، أما الغلام يرق في الحالين، فلهذا يكون عبداً، وإن ادعت الأم أن الغلام هو المولود أولاً وأنكر المولى والجارية صغيرة فالقول قوله مع اليمين) . ش: أي القول قول المولى مع اليمين على العلم. م: (لإنكاره شرط العتق، فإن حلف لم يعتق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 66 واحد منهم وإن نكل عتقت الأم والجارية، لأن دعوى الأم حرية الصغيرة معتبرة لكونها نفعا محضا، فاعتبر النكول في حق حريتهما فعتقا، ولو كانت الجارية كبيرة ولم تدع شيئا والمسألة بحالها عتقت الأم بنكول المولى خاصة دون الجارية، لأن دعوى الأم غير معتبرة في حق الجارية الكبيرة وصحة النكول تبتنى على الدعوى، فلم يظهر في حق الجارية، ولو كانت الجارية الكبيرة هي المدعية لسبق ولادة الغلام والأم ساكتة يثبت عتق الجارية بنكول المولى دون الأم لما قلنا، والتحليف على العلم فيما ذكرنا، لأنه استحلاف على فعل الغير وبهذا القدر يعرف ما ذكرنا من الوجوه في كفاية المنتهى. قال: وإذا شهد رجلان على رجل أنه أعتق أحد عبديه، فالشهادة باطلة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يكون في وصيته استحسانا ذكره في العتاق، وإن شهدوا أنه طلق إحدى نسائه جازت الشهادة ويجبر الزوج أن يطلق   [البناية] واحد منهم، وإن نكل عتقت الأم والجارية لأن دعوى الأم حرية الصغيرة معتبرة لكونها نفعاً محضاً فاعتبر النكول في حق حريتهما فعتقا) . ش: أي الغلام والجارية. م: (ولو كانت الجارية كبيرة فلم تدع شيئاً، والمسألة بحالها) . ش: أي ادعت الأم أن الغلام هو المولود أولاً وأنكر المولى. م: (عتقت الأم بنكول المولى خاصة دون الجارية، لأن دعوى الأم غير معتبرة في حق الجارية الكبيرة وصحة النكول تبتنى على الدعوى، فلم يظهر في حق الجارية) . ش: أي حرية الجارية الكبيرة. م: (ولو كانت الجارية الكبيرة هي المدعية لسبق ولادة الغلام والأم ساكتة يثبت عتق الجارية بنكول المولى دون الأم لما قلنا) . ش: أشار به إلى قوله - وصحة النكول تبتنى على الدعوى -. م: (والتحليف على العلم فيما ذكرنا، لأنه استحلاف على فعل الغير، وبهذا القدر يعرف ما ذكرنا من الوجوه في " كفاية المنتهى ") . ش: أي وبهذا القدر من البيان لا يعرف ما ذكرنا من الوجوه تفصيلاً في كتاب " كفاية المنتهى "، وأراد بها الوجوه الستة التي ذكرناها آنفاً والأربعة من الوجوه مذكورة في الكتاب يقف عليه المتأمل الفطن. [شهد رجلان على رجل أنه أعتق أحد عبديه] م: (قال) . ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإذا شهد رجلان على رجل أنه أعتق أحد عبديه فالشهادة باطلة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . ش: بخلاف الشهادة على طلاق أحد نسائه، فإنها جائزة بالإجماع على البيان، وعلى إعتاق أحد عبديه كذلك عندهما، وعند أبي حنيفة وهي باطلة. م: (إلا أن تكون) . ش: أي الشهادة. م: (في وصيته استحسانا) . ش: أي استحسنه بأن قال رجل في مرض موته أحد عبدي حر ثم يموت الرجل ويترك ورثته فينكرون، فالشهادة جائزة. م: (ذكره في العتاق) . ش: أي ذكر الاستحسان في عتاق الأصل، وقال: لو قال الشاهد إن كان هذا عند الموت استحسن، أي يعتق من كل واحد منهما نصفه. م: (وإن شهدوا أنه طلق إحدى نسائه جازت الشهادة ويجبر الزوج أن يطلق) . ش: أي على أن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 67 إحداهن، وهذا بالإجماع، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - الشهادة في العتق مثل ذلك وأصل هذا أن الشهادة على عتق العبد لا تقبل من غير دعوى العبد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما تقبل، والشهادة على عتق الأمة وطلاق المنكوحة مقبولة من غير دعوى بالاتفاق والمسألة معروفة، وإذا كان دعوى العبد شرطا عنده لم يتحقق في مسألة الكتاب، لأن الدعوى في المجهول لا يتحقق فلا تقبل الشهادة، وعندهما ليس بشرط فتقبل الشهادة وإن انعدم الدعوى، أما في الطلاق فعدم الدعوى لا يوجب خللا في الشهادة، لأنها ليست شرطا فيها، ولو شهدا أنه أعتق إحدى أمتيه لا تقبل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن لم يكن الدعوى شرطا فيه لأنه إنما يشترط الدعوى لما أنه يتضمن تحريم الفرج فشابه الطلاق والعتق المبهم لا يوجب تحريم الفرج عنده على ما ذكرناه فصار كالشهادة على عتق أحد العبدين، وهذا كله إذا شهدا في صحته على أنه أعتق أحد عبديه، أما   [البناية] بيان. م: (إحداهن، وهذا بالإجماع. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - الشهادة في العتق مثل ذلك) . ش: ويؤمر بأن يوقع العتق على إحداهما. م: (وأصل هذا أن الشهادة على عتق العبد لا تقبل من غير دعوى العبد عند أبي حنيفة، وعندهما تقبل) . ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (والشهادة على عتق الأمة وطلاق المنكوحة مقبولة من غير دعوى بالاتفاق، والمسألة معروفة، وإذا كان دعوى العبد شرطاً عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (لم يتحقق) . ش: أي الدعوى. م: (في مسألة الكتاب) . ش: أي في مسألة كتاب " الجامع الصغير " م: (لأن الدعوى في المجهول لا يتحقق فلا تقبل الشهادة، وعندهما ليس بشرط فتقبل الشهادة وإن انعدم الدعوى أما في الطلاق فعدم الدعوى لا يوجب خللاً في الشهادة؛ لأنها) . ش: أي لأن الدعوى. م: (ليست شرطاً فيها) . ش: أي في الطلاق. [شهدا أنه أعتق إحدى أمتيه] م: (ولو شهدا أنه أعتق إحدى أمتيه لا تقبل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن لم يكن الدعوى شرطاً فيه) . ش: أي في حق الأمة الواحدة، هذا كأنه صورة فنص على أبي حنيفة ودفعه المصنف بقوله. م: (لأنه إنما يشترط الدعوى لما أنه يتضمن تحريم الفرج فشابه الطلاق) ش: ومعنى قوله أنه يتضمن تحريم الفرج أن العتق إذا حصل استلزم أن يكون الوطء بعده زنا، واعترض بأن عتق العبد المعين يستلزم تحريم استرقاقه، وذلك أيضاً حق الله، فوجب أن يشفعه الشهادة فيه عن الدعوى. والجواب أن لازم عتقها من أعظم الكبائر، ولازم عتقه حرمة لم ينص عليها الشرع فضلاً عن أن يكون من الكبائر فالتسوية عليهما خطأ. [شهدا أنه أعتق أحد عبديه في مرض موته أو شهدا على تدبيره] م: (والعتق المبهم لا يوجب تحريم الفرج عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (على ما ذكرناه) ش: يعني بقوله: إن الملك قائم في الموطوءة، ولهذا حل وطؤها. م: (فصار كالشهادة على عتق أحد العبدين) . ش: فإن الشهادة فيه باطلة عنده كما مر. م: (وهذا كله) . ش: أي هذا المذكور كله. م: (إذا شهدا) . ش: أي الشاهدان. م: (في صحته) . ش: أي في صحة الرجل. م: (على أنه أعتق أحد عبديه، أما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 68 إذا شهدا أنه أعتق أحد عبديه في مرض موته أو شهدا على تدبيره في صحته أو في مرضه وأداء الشهادة في مرض موته أو بعد الوفاة تقبل استحسانا، لأن التدبير حيثما وقع وقع وصية، وكذا العتق في مرض الموت وصية والخصم في الوصية إنما هو الموصي وهو معلوم وعنه خلف وهو الوصي أو الوارث، ولأن العتق في مرض الموت يشيع بالموت فيهما، فصار كل واحد منهما خصما متعينا ولو شهدا بعد موته أنه قال في صحته أحدكما حر فقد قيل لا تقبل، لأنه ليس بوصية، وقد قيل تقبل للشيوع، وهو الصحيح، والله أعلم.   [البناية] إذا شهدا أنه أعتق أحد عبديه في مرض موته أو شهدا على تدبيره) . ش: أي على أنه دبر أحد عبديه. م: (في صحته أو في مرضه) . ش: فإن هذه الشهادة لا تقبل في القياس، وتقبل في الاستحسان، وهو معنى قوله. م: (وأداء الشهادة في مرض موته أو بعد الوفاة تقبل استحساناً، لأن التدبير حيثما وقع وقع وصية) . ش: يعني سواء وقع في حال الصحة أو في حال المرض. م: (وكذا العتق في مرض الموت وصية، والخصم في الوصية إنما هو الموصي وهو معلوم) . ش: لأن تنفيذ الوصايا حق الميت، فكان الميت مدعياً تقديراً. م: (وعنه خلف) . ش: أي وعن الموصي خلف. م: (وهو الوصي أو الوارث) . ش: فتقبل الشهادة. م: (ولأن العتق في مرض الموت) . ش: هذا دليل ثان بوجه الاستحسان. م: (يشيع بالموت فيهما) . ش: أي في العبدين. م: (فصار كل واحد منهما خصماً متعيناً) . ش: لأنه أوجب العتق في أحدهما في حال عجزه عن البيان، فكان إيجاباً لهما، ولهذا يعتق نصف كل واحد منهما. [شهدا بعد موته أنه قال في صحته أحدكما حر] م: (ولو شهدا بعد موته أنه قال في صحته: أحدكما حر فقد قيل لا تقبل) . ش: أي هذه الشهادة. م: (لأنه ليس بوصية، وقد قيل تقبل للشيوع) . ش: أي لشيوع العتق فيهما، فكان كل منهما خصماً متعيناً، فكانت دعواهما صحيحة وهي تقتضي قبول الشهادة، أو إنما قال بلفظ قيل لا نص فيه عن أصحابنا، ولكن المشايخ اختلفوا فيه. وقال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير " وإن شهدا بعد موته أنه قال في حياته وصحته: أحدكما حر فلا نصف فيه. واختلف مشايخنا في قول أبي حنيفة أن الطريق هو الوصية لم تقبل هاهنا، وأن الطريق هو المشاع قبلت النية هاهنا، والصحيح أن تقبل لجواز أن تكون معلولاً بعلتين، فتعدى بأحدهما والله أعلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 69 م: (باب الحلف بالعتق) ومن قال: إذا دخلت الدار فكل مملوك لي يومئذ فهو حر، وليس له مملوك فاشترى مملوكا ثم دخل عتق؛ لأن قوله يومئذ تقديره يوم إذ دخلت إلا أنه أسقط الفعل وعوضه بالتنوين، فكان المعتبر قيام الملك وقت الدخول، وكذا لو كان في ملكه يوم حلف عبد فبقي على ملكه حتى دخل عتق لما قلنا. قال: ولو لم يكن قال في يمينه يومئذ لم يعتق، لأن قوله كل مملوك لي للحال والجزاء حرية المملوك في الحال، إلا أنه لما دخل الشرط على الجزاء تأخر إلى وجود الشرط   [البناية] [باب الحلف بالعتق] م: (باب الحلف بالعتق) ش: أي هذا باب في بيان حكم الحلف بالعتق، والحلف بكسر اللام مصدر من حلف بالله يحلف حلفاً. والحلف أن يجعل العتق جزاء على الحلف بأن يعلق العتق بشيء، ولما كان المعلق قاصراً في السببية أخر التعليق عن التنجيز. م: (ومن قال إذا دخلت هذه الدار فكل مملوك لي يومئذ فهو حر، وليس له مملوك) . ش: يعني فإن الحلف. م: (فاشترى مملوكاً ثم دخل عتق) . ش: اعترض عليه بأنه يجب أن لا يعتق عليه ما يشتري به بعد اليمين وإن قال يومئذ؛ لأنه ما أضاف العتق إلى الملك، ولا إلى سببه، فكان كما لو قال لعبد الغير: إن دخلت الدار فأنت حر، فاشتراه ثم دخل الدار فإنه لا يعتق لذلك. وأجيب: بأنه وجد الإضافة فيما ملك دلالة، لأن قوله كل مملوك لي يومئذ معناه إن ملكت مملوكاً وقت دخول الدار فهو حر، بخلاف تلك المسألة لأنه لم يوجد فيها الإضافة لا صريحاً ولا دلالة. م: (لأن قوله يومئذ تقديره يوم إذ دخلت الدار إلا أنه أسقط الفعل) . ش: وهو قوله دخلت. م: (وعوضه بالتنوين، فكان المعتبر قيام الملك وقت الدخول) . ش: لأن قوله يومئذ ظرف بقوله كل مملوك فيعتق كل مملوك له سواء كان مستحدثاً بعد اليمين أو لم يكن إذا وجد في ملكه حينئذ، أعني وقت الدخول، لأنه علق حرية المملوك المضاف إلى ذلك الوقت بالدخول بخلاف ما إذا لم يذكر قوله يومئذ، بل قال إذا دخلت الدار فكل مملوك حر لا يعتق ما اشتراه بعد الحلف، لأنه أرسل الملك إرسالاً، والملك المرسل يراد به الحال، لأن المستقل هو هو فلا يعتبر، فصار كأنه مملوك لي في الحال، فلو علق هذا الذكر الحال لا يعتق ما اشتراه بعد الحلف فكذا هذا. م: (وكذا لو كان في ملكه يوم حلف عبد فبقي على ملكه حتى دخل عتق لما قلنا) . ش: أشار به إلى قوله - المعتبر قيام الملك وقت الدخول - قال. م: (ولو لم يكن قال في يمينه يومئذ لم يعتق) ش: أي لم يعتق ما اشتراه بعد الحلف وقد ذكرنا وجهه. م: (لأن قوله كل مملوك لي للحال) . ش: يعني يراد به الحال. م: (والجزاء حرية المملوك في الحال، إلا أنه لما دخل الشرط على الجزاء تأخر إلى وجود الشرط الجزء: 6 ¦ الصفحة: 70 فيعتق إذا بقي على ملكه إلى وقت الدخول لا يتناول من اشتراه بعد اليمين. ومن قال: كل مملوك لي ذكر فهو حر وله جارية حامل فولدت ذكرا لم يعتق وهذا إذا ولدت لستة أشهر فصاعدا ظاهر؛ لأن اللفظ للحال، وفي قيام الحمل وقت اليمين احتمال لوجود أقل مدة الحمل بعده، وكذا إذا ولدت لأقل من ستة أشهر، لأن اللفظ يتناول المملوك المطلق والجنين مملوك تبعا للأم لا مقصودا، ولأنه عضو من وجه واسم المملوك يتناول الأنفس دون الأعضاء ولهذا لا يملك بيعه منفردا. قال العبد الضعيف: وفائدة التقييد بوصف الذكورة أنه لو قال كل مملوك لي تدخل الحامل فيدخل الحمل تبعا لها، وإن قال كل مملوك أملكه فهو حر بعد غد أو قال: كل مملوك لي فهو حر بعد غد، وله مملوك فاشترى آخر ثم جاء بعد غد عتق الذي في ملكه يوم حلف لأن قوله   [البناية] فيعتق إذا بقي على ملكه إلى وقت الدخول لا يتناول من اشتراه بعد اليمين) . ش: فصار كأنه قال كل مملوك لي في الحال فهو إذا دخلت الدار يعتق ما كان في ملكه دون ما يستملكه، فكذا هذا. [قال كل مملوك لي ذكر فهو حروله جارية حامل فولدت ذكرا] م: (ومن قال كل مملوك لي ذكر) . ش: يجر - ذكر - لأنه صفة المملوك. م: (فهو حر وله جارية حامل فولدت ذكراً لم يعتق) . ش: لأن المملوك مطلق، والمطلق ينصرف إلى الكامل والجنين ليس بكامل. م: (وهذا) . ش: أي وهذا الحكم. م: (إذا ولدت) . ش: الجارية المذكورة. م: (لستة أشهر فصاعداً ظاهر، لأن اللفظ للحال، وفي قيام الحمل وقت اليمين احتمال) . ش: يعني يحتمل أن يكون الحمل وقت اليمين، ويحتمل أن يكون. م: (لوجود أقل مدة الحمل بعده) . ش: أي بعد وقت اليمين. م: (وكذا إذا ولدت لأقل من ستة أشهر لأن اللفظ يتناول المملوك المطلق والجنين مملوكاً تبعاً للأم لا مقصوداً) . ش: ألا ترى أنه لو أعتقه عن كفارة يمينه لا يجوز. م: (ولأنه) . ش: أي لأن الجنين. م: (عضو من وجه) . ش: بدليل أنه ينتقل بانتقال أمه ويتغذى بغذائها. م: (واسم المملوك يتناول الأنفس دون الأعضاء، ولهذا لا يملك بيعه) . ش: أي بيع الجنين حال كونه. م: (منفرداً) . ش: لكونه عضواً من أعضائها. [قال كل مملوك لي فهو حر بعد غد وله عبد وأمهات أولاد ومدبرون ومكاتبون] م: (قال) . ش: أي المصنف. م: (وفائدة التقييد بوصف الذكورة) . ش: يعني في كل مملوك لي ذكر فهو. م: (أنه لو قال كل مملوك لي فهو حر) . ش: بدون لفظ ذكر. م: (تدخل الحامل فيدخل الحمل تبعاً لها) . ش: أي للحامل، والدليل على هذا ما أورده الولوالجي في فتاواه بقوله. م: (لو قال كل مملوك لي فهو حر بعد غد) . ش: وله عبد وأمهات أولاد ومدبرون ومكاتبون عتقوا جميعاً إلا المكاتبين لأنه أوجب العتق لكل مملوك مضاف إليه بالمملوكية مطلقاً، وهذا متحقق فيما ذكرنا، لأنه بملكهم رقبة لا يداً مملوك أملكه حر بعد غد قوله - بعد غد - ظرف لقوله - حر - لا قوله - أملكه للحال.. م: (ولو قال كل مملوك لي فهو حر بعد غد وله مملوك فاشترى آخر ثم جاء بعد غد) . ش: بعد هنا مرفوع لأنه فاعل جاء لأن بعد معرف وليس بمبني، وإنما ينتصب في مواضع على الظرفية. م: (عتق الذي) . ش: أي المملوك الذي. م: (في ملكه يوم حلف، لأن قوله أملكه للحال حقيقة) . ش: بالرفع ليكون خبر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 71 أملكه للحال حقيقة يقال أنا أملك كذا وكذا ويراد به الحال، وكذا يستعمل له من غير قرينة، وللاستقبال بقرينة السين أو سوف فيكون مطلقه للحال، فكان الجزاء حرية المملوك في الحال مضافا إلى ما بعد الغد، فلا يتناول ما يشتريه بعد اليمين، ولو قال كل مملوك أملكه أو قال: كل   [البناية] إن، ويجوز النصب على التمييز. م: (يقال أنا أملك كذا وكذا ويراد به الحال، وكذا يستعمل له) . ش: أي للحال. م: (من غير قرينة، وفي الاستقبال بقرينة السين أو سوف) . ش: وقال صاحب " النهاية " وهذا التقدير يخالف رواية أهل النحو أنه مشترك بين الحال والاستقبال. وقال الأكمل: وظاهر تقرير المصنف يدل على ما قاله صاحب " النهاية ". وقال الكاكي: قيل ما ذكروه بحسب الاستعمال لا بحسب الوضع، والشيخ ذكره بحسب الوضع، لأنهم وضعوا صيغاً للماضي وصيغاً للاستقبال وهي الأمر والنهي، فوجب أن يكون أفعل للحال، لأن الأصل أن يكون لكل معنى لفظاً، على حدة. فوجب أن يكون للحال يقيناً للاشتراك والترادف. وفي " المحيط " - أملك - وإن كان حقيقة للاستقبال إلا أنه صار للحال شرعاً كما في الشهادة، وعرفاً كما يقال أملك كذا درهماً، فكان كالحقيقة في الحال. وفي " الذخيرة " صيغة أفعل للحال حقيقة، وهو مذهب محققي النحويين، وبعد هذا اختلف عبارات المشايخ قيل للحال أحق، إذ ليس للحال صيغة سوى هذا، بخلاف الاستقبال، كما في أشهد وأصلي، وكما يتعين للاستقبال في قولك أتزوج وأسافر. وقال الأترازي: قال بعضهم في شرحه: تقرير صاحب " الهداية " يخالف رواية النحو، لأنه قال - أملكه - للحال حقيقة إلى قوله - أو سوف - وأهل النحو قالوا إن المضارع مشترك بين الاستقبال والحال. قلت: لا نسلم المخالفة، لأن كونه للحال حقيقة، لا يدل على أن كونه للاستقبال ليس بحقيقة، لأن المشترك يدل على كل واحد من المعنيين سبيل الحقيقة، لكنه سبيل البدل ويرجع أحدهما بالدليل إذا وجد، وقد وجد هنا عند الإطلاق دليل على إرادة الحال، لان الحال موجود. فلا يعارضه المستقبل المعدوم الموهوم، انتهى كلامه. قلت: أراد بقوله قال بعضهم في شرحه صاحب " النهاية، وقال الأكمل: وقال بعض الشارحين وأراد به الأترازي ثم ساق كلام الأترازي إلى قوله المعدوم الموهوم، ثم قال أقول قول المصنف وكذا يستعمل له من غير قرينة يأبى قول هذا قول الشارح، لأن المشترك لا يستعمل في أحد المعنيين بعينه إلا بقرينة، وليس النحويون مجتمعين على أن المضارع مشترك، بل منهم من قال: إنه حقيقة في الاستقبال مجاز في الحال، ومنهم من ذهب إلى عكس ذلك، ولعله مختار المصنف ليتبادر الفهم إليه. م: (فيكون مطلقه) . ش: أي فيكون مطلق الملك. م: (للحال، فكان الجزاء حرية المملوك في الحال مضافاً إلى ما بعد الغد، فلا يتناول ما يشتريه به بعد اليمين. ولو قال كل مملوك أملكه أو قال:) . م: (كل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 72 مملوك لي فهو حر بعد موتي وله مملوك فاشترى آخر. فالذي كان عنده وقت اليمين مدبر والآخر ليس بمدبر، وإن مات عتقا من الثلث. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " النوادر ": يعتق ما كان ملكه يوم حلف ولا يعتق ما استفاد بعد يمينه، وعلى هذا إذا قال كل مملوك لي إذا مت فهو حر، له أن اللفظ حقيقة للحال على ما بيناه فلا يعتق به ما سيملكه، ولهذا صار هو مدبرا دون الآخر، ولهما أن هذا إيجاب عتق وإيصاء حتى اعتبر من الثلث، وفي الوصايا تعتبر الحالة المنتظرة والحالة الراهنة، ألا يرى أنه يدخل في الوصية بالمال ما يستفيده بعد الوصية وفي الوصية لأولاد فلان من يولد له بعدها، والإيجاب إنما يصح مضافا إلى الملك أو إلى سببه.   [البناية] مملوك لي فهو حر بعد موتي وله مملوك فاشترى آخر) . ش: أي مملوكاً آخر. م: (فالذي كان عنده وقت اليمين مدبر، والآخر ليس بمدبر) . ش: أي ليس بمدبر مطلق بل هو مدبر مقيد جاز له أن يبيعه. م: (وإن مات) . ش: أي المولى. م: (عتقا من الثلث) . ش: مشتركين فيه. م: (وقال أبو يوسف في " النوادر " يعتق ما كان ملكه يوم حلف) . ش: يعني بطريق التدبير. م: (ولا يعتق ما استفاد بعد يمينه) . ش: لأن اللفظ حقيقة للحال، وهو المراد، فلا يجوز أن يكون غيره مراداً على أصلنا. م: (وعلى هذا) . ش: أي على هذا الحكم. م: (إذا قال: كل مملوك لي إذا مت فهو حر) . ش: يعني يكون الذي عنده يوم الحلف مدبراً، والذي اشتراه بعده ليس بمدبر. م: (له) . ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (أن اللفظ حقيقة للحال على ما بيناه) . ش: عند قوله فيكون مطلقاً للحال، أي قوله بعد اليمين. م: (فلا يعتق به) . ش: أي باللفظ المذكور. م: (ما سيملكه بعد حلفه، ولهذا) . ش: أي ولأجل ذلك. م: (صار هو) . ش: أي الذي في ملكه يوم الحلف. م: (مدبراً دون الآخر) . ش: وهو الذي يملكه بعد اليمين. م: (ولهما) . ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (أن هذا) . ش: أي قوله كل مملوك أملكه، وقوله كل مملوك لي فهو حر بعد موتي. م: (إيجاب عتق وإيصاء) . ش: أي وصية. أما إيجاب عتق فيقول: كل مملوك أملكه أو لي فهو حر، وأما إنه إيصاء، فيقول بعد موتي. م: (حتى اعتبر من الثلث) . ش: في الموجود عند الحلف بالاتفاق. م: (وفي الوصايا تعتبر الحالة المنتظرة) . ش: أي المتربصة. م: (والحالة الراهنة) . ش: أي الحاضرة التي تقال الآن، وسميت بالراهنة، لأن الرهن هو الجنس، والمرء محبوس فيها، إلا فيما قبلها، ولا فيما بعدها. ثم أوضح ذلك بقوله:. م: (ألا يرى أنه يدخل في الوصية بالمال ما يستفيده بعد الوصية) . ش: بأن قال: ثلث مالي لفلان بعد موتي فاكتسب بعد ذلك مالاً ثم مات، للموصى به ثلث ما كان موجوداً عند الموت. م: (وفي الوصية) . ش: أي يدخل في وصية. م: (لأولاد فلان من يولد له بعدها) . ش: أي بعد الوصية إذا عاشوا إلى وقت الموت. م: (والإيجاب إنما يصح مضافاً على الملك أو إلى سببه) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 73 ومن حيث إنه إيجاب العتق يتناول العبد المملوك اعتبارا للحالة الراهنة، فيصير مدبرا حتى لا يجوز بيعه، ومن حيث إنه إيصاء يتناول الذي يشتريه اعتبارا للحالة المتربصة، وهي حالة الموت، وقبل الموت حالة التملك استقبال محض فلا يدخل تحت اللفظ، وعند الموت يصير كأنه قال: كل مملوك لي أو كل مملوك أملكه فهو حر، بخلاف قوله بعد غد   [البناية] ش: وهو الشراء. قال الأترازي: لما ذكر قبل هذا بقوله لهما أن هذا إيجاب عتق، وأيضاً أن فيه الإيجاب وجهه الإيصاء فيراعى كل واحد منهما، ثم الإيجاب إنما يصح إذا أضيف إلى الملك أو إلى سبب الملك. م: (ومن حيث إنه) . ش: أي قوله: كل مملوك أملكه. م: (إيجاب العتق يتناول العبد المملوك اعتباراً للحالة الراهنة فيصير مدبراً) . ش: أي المملوك مدبراً. م: (حتى لا يجوز بيعه، ومن حيث إنه) . ش: أي أن قوله: كل مملوك لي فهو حر بعد موتي. م: (إيصاء يتناول الذي يشتريه اعتباراً للحالة المتربصة وهي حالة الموت) . ش: ويصير مدبراً بعده، ولا يصير مدبراً قبله كالذي كان في ملكه. وقال الكاكي: قوله - فالإيجاب - إنما يصح جواب سؤال مقدر، وهو على وجهين أحدهما أن يقال ينبغي أن لا يتناول الإيجاب المشتري أصلاً لا في الحال، ولا في المآل لأن التناول إنما يكون مضافاً إلى الملك أو إلى سببه، وليس أحدهما في حقه. فأجاب عنه وقال: إنما يتناول باعتبار الإيصاء لا باعتبار الإيجاب الحالي. والثاني: وهو أن يقال ينبغي أن يكون المشتري مدبراً مطلقاً حال شرائه، لأن التدبير في كل مدبر إنما يكون على وجه الإيصاء حتى يعتبر من الثلث، وفي الإيصاء لا يتفاوت الحالي والمستحدث. كما لو أوصى بثلث ماله يدخل فيه الحالي والمستحدث. فأجاب عنه: فإن إيجاب التدبير مطلقاً إنما يكون عند إضافة التدبير إلى الملك أو إلى سببه ولم يوجد في حق المستحدث، انتهى. م: (وقبل الموت حالة التملك استقبال محض) . ش: قيل هذا إشارة إلى الجواب عن قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تقريره أن أبا يوسف قال فيما يروي عنه أبو طاهر الدباس في " النوادر ": إن اللفظ حقيقة للحال فلا يعتق به ما يستملكه. وتقريره الجواب أن قبل الموت حالة التملك استقبال محض. م: (فلا يدخل تحت اللفظ، وعند الموت يصير كأنه قال: كل مملوك لي أو كل مملوك أملكه فهو حر) . ش: لدخوله تحت الحالة المتربصة، فيصير مدبراً لكون العتق في المرض وصية. م: (بخلاف قوله بعد غد) . ش: أي بخلاف قوله كل مملوك أملكه أو لي حر بعد غد. م: (على ما تقدم) . ش: عند قوله - وإن قال كل مملوك أملكه بعد غد حر.. - إلى آخره. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 74 على ما تقدم لأنه تصرف واحد، وهو إيجاب العتق، وليس فيه إيصاء، والحالة محض استقبال فافترقا، ولا يقال: إنكم جمعتم بين الحال، والاستقبال، لأنا نقول نعم لكن بسببين مختلفين إيجاب عتق ووصية وإنما لا يجوز ذلك بسبب واحد.   [البناية] م: (لأنه تصرف واحد وهو إيجاب العتق وليس فيه إيصاء والحالة محض استقبال) . ش: لا يتناولها الإيجاب لعدم الإضافة إلى الملك أو إلى سببه. م: (فافترقا) . ش: أي الحكمان المذكوران. م: (ولا يقال: إنكم جمعتم بين الحال والاستقبال) . ش: قال الأكمل: هذا إشارة إلى جواب أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لأنا نقول نعم) . ش: وفيه جمعنا بين الحال والاستقبال م: (لكن بسببين مختلفين إيجاب عتق وإيجاب وصية) ش: حالة أنه دخل ما ملكه تحت هذا الإيجاب بحكم الوصية لا بحكم الإيجاب، وفعل ما يملكه باعتبار الإيجاب لا بحكم الوصية، فلم يكن جميعا بين الحال والاستقبال بسبب واحد. م: (وإنما لا يجوز ذلك) . ش: أي الجمع بين الحال والاستقبال إذا كان. م: (بسبب واحد) . ش: قال الأترازي: صاحب " الهداية " سلم السؤال كما ترى، والأولى أن يمنع بأن يقال لا نسلم جمعنا بينهما، لأن الحالة المتربصة، ما أريدت باعتبار أنها استقبال، بل باعتبار أنها حال محكية مقصودة، فلا يرد هذا السؤال. وقال: الأكمل ولعل أبا يوسف أراد بقوله - بسببين مختلفين - إيجاب عتق وصية للألفاظ الدالة على ذلك في طرفي الكلام لأن الحقيقة والمجاز في صفات اللفظ وفيه نظر لأنه يستلزم التنافي بين طرفي كلام واحد إن كان المراد إيجاب عتق في الحال وكونه إيصاء فقط إن كان المراد إيجاب عتق بعد الموت، ولو قال هذا الكلام تدبير، والتدبير حيثما وقع وقع وصية، والوصية تعتبر فيما الحالة الراهنة والمنتظرة، فيدخل تحته ما كان في ملكه وما يوجد عند الموت وما بينهما، فليس بداخل تحته فلا يصير المستحدث مدبراً حتى يموت لعله يكون أشد تأنيباً وأسلم من الإعراض، والله تعالى أعلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 75 باب العتق على جعل ومن أعتق عبده على مال فقبل العبد عتق؛ وذلك مثل أن تقول أنت حر على ألف درهم أو بألف درهم وإنما يعتق بقبوله لأنه معاوضة المال بغير المال، إذ العبد لا يملك نفسه، ومن قضية المعاوضة ثبوت الحكم بقبول العوض للحال، كما في البيع، فإذا قبل صار حرا وما شرط دين عليه حتى تصح الكفالة به، بخلاف بدل الكتابة لأنه ثبت مع المنافي، وهو قيام الرق على ما عرف، وإطلاق لفظ المال ينتظم أنواعه من النقد والعرض والحيوان، وإن كان بغير عينه   [البناية] [باب العتق على جعل] م: (باب العتق على جعل) ش: أي هذا باب في بيان حكم العتق على جعل، والجعل بضم الجيم ما جعل للإنسان من شيء على شيء يفعله، وكذا الجعيلة والجعالة بفتح الجيم، وبه صرح العبسي في شرح غريب الحديث، وأثبت في الصحاح بكسر الجيم، ولم يذكر في " تهذيب ديوان الأدب " في باب فعال بكسر الفاء، بل ذكره في مفتوح الفاء والجعل بفتح الجيم مصدر، وبالضم اسم يقال جعلت لك كذا جعلاء وجعلاء وهو الأجرة على الشيء قولاً أو فعلاً، وإنما أخر هذا الباب لكون المال غير أصل في باب العتق. [أعتق عبده على مال فقبل العبد] م: (ومن أعتق عبده على مال فقبل العبد عتق، وذلك مثل أن نقول أنت حر على ألف درهم أو بألف درهم) . ش: وكذلك لو قال على ألف تؤديها أو على أن تعطيني ألفاً أو على أن تجيئني بألف قوله عتق مثل قتل. م: (وإنما يعتق بقبوله لأنه معاوضة المال بغير المال، إذ العبد لا يملك نفسه، ومن قضية المعاوضة ثبوت الحكم) . ش: أراد به العتق هنا. م: (بقبول العوض للحال كما في البيع) . ش: فإنه إذا قال اشتريت بعد أن يقول البائع: بعت يقع العقد. م: (فإذا قبل صار حراً) . ش: فإن قلت: كلمة على الشرط فيكون العتق معلقاً بشرط أداء الألف كما لو قال إن أديت إلي ألفاً قالت إنما يكون على الشرط إذا دخلت علي يكون على خطر الوجود، لأن ذلك في الأفعال دون الأعيان، لأن بعض الصور المذكورة دخلت فيه على الأفعال. م: (وما شرط دين عليه) . ش: أي الذي شرط على العبد دين عليه. م: (حتى تصح الكفالة به) . ش: لأنه يسعى، وهو حر. م: (بخلاف بدل الكتابة) . ش: من حيث لا تصح به الكفالة. م: (لأنه) . ش: أي لأن بدل الكتابة. م: (ثبت مع المنافي وهو قيام الرق) . ش: وكان ثبوته على خلاف القياس، فالقياس يبقى أن يستوجب المولى الدين على عبده، فلما ثبت بخلاف القياس ضرورة حصول الحرية للمكاتب، وحصول المال للمولى اقتصر على موضع الضرورة، ولم يعد إلى الكفالة. م: (على ما عرف) . ش: في كتاب المكاتب، وهو أن المولى لا يستوجب على عبده ديناً. م: (وإطلاق لفظ المال) . ش: يعني في قوله - ومن أعتق عبده على مال -. م: (ينتظم أنواعه) . ش: أي أنواع المال. م: (من النقد والعرض والحيوان، وإن كان بغير عينه) . ش: يعني وإن كان الحيوان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 76 لأنه معاوضة المال بغير المال، فشابه النكاح والطلاق والصلح عن دم العمد، وكذا الطعام والمكيل والموزون إذا كان معلوم الجنس ولا تضره جهالة الوصف، لأنها يسيرة.   [البناية] غير معينة بأن يكون ديناً في الذمة. ولكن أراد به النوع بأن قال فرس أو حمار. م: (لأنه) . ش: أي لأن الإعتاق على مال. م: (معاوضة المال بغير المال) . ش: وهو الحرية. م: (فشابه النكاح والطلاق والصلح عن دم العمد) . ش: وجه المشابهة من حيث إن الحيوان يثبت ديناً في الذمة في هذه العقود، فكذا هنا، وبه قال مالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفيه خلاف الشافعي، فإنه اعتبره بالبيع والإجارة. وقد مر الكلام في النكاح. م: (وكذا الطعام) . ش: أي وكذا يجوز أن يكون الطعام عوضاً عن الإعتاق، بأن قال أعتقتك على مائة قفيز من الحنطة. م: (والمكيل) . ش: بأن قال: أعتقتك على مائة كيل من الشعير ونحوهن مما يكال. م: (والموزون) . ش: بأن قال: أعتقتك على مائة منٍّ من العسل ونحوه مما يوزن. م: (إن كان معلوم الجنس) . ش: هذا قبل الكل. م: (ولا تضره جهالة الوصف) . ش: بأن لم يذكر والرداءة والربيعية والخريفية. م: (لأنها يسيرة) . ش: فكانت عفواً فيما كان عوضاً عما ليس بمال كالمهر، فلم يمنع صحة التسمية، وفي " التحفة ": ولو أعتق على عرض في الذمة بعينه، وهو ملك غيره فإنه يعتق بأن أجاز المالك المستحق عينه جاز، وإن لم يجز يجب على العبد قيمة رقبته. وكذلك لو أعتق على عرض بغير عينه معلوم الجنس جاز، وإن كان موصوفاً فعليه للتسليمة، وإن لم يكن موصوفاً فعليه الوسط من ذلك، فإن جاء بالقيمة أجبر المولى على القبول كما في المهر، ولو أعتقه على مجهول الجنس بأن قال: أنت حر على ثوب يعتق ويلزمه قيمة مثله، لأن جهالة الجنس تمنع صحة البدل كما في المهر وأدى فاستحق من يد المولى إن كان بغير عينه في العقد فعلى العبد مثله، لأنه لم يعجز عن الذي هو موجب العقد، وإن كان غنياً في العقد، وهو عرض أو حيوان فإنه يرجع على العبد بقيمة نفسه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرجع بقيمة المستحق فعلى هذا الخلاف إذا باع نفس العبد منه بجارية ثم استحقت الجارية أو هلكت قبل التسليم فعندهما يرجع بقيمة العبد، وعنده يرجع بقيمة الجارية. وفي " الكافي " للحاكم: فإن اختلفا في المال فالقول قول العبد، بيانه ما قال في " الشامل " قال المولى: أعتقتك على وصيف، وقال العبد: على كر حنطة فالقول قول العبد مع يمينه، لأن العبد لو أنكر أصل المال كان القول قوله فكذلك وصفه والبينة للمولى، وقال في " الشامل " أيضاً: اختلفا في قدر المال فالقول للمولى والبينة للعبد، لأن القول في أصل العقد، وكذلك في صفته. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 77 قال: ولو علق عتقه بأداء المال صح وصار مأذونا، وذلك مثل أن يقول إن أديت إلي ألف درهم فأنت حر، ومعنى قوله صح أنه يعتق عند الأداء من غير أن يصير مكاتبا، لأنه صريح في تعليق العتق بالأداء، وإن كان فيه معنى المعاوضة في الانتهاء على ما نبين إن شاء الله تعالى. وإنما صار مأذونا لأنه رغبه في الاكتساب بطلبه الأداء منه؛ ومراده التجارة دون التكدي فكان إذنا له دلالة. وإن أحضر المال أجبره الحاكم على قبضه وعتق العبد ومعنى الإجبار فيه وفي سائر الحقوق أنه ينزل قابضا بالتخلية.   [البناية] [علق الرجل عتق عبده بأداء المال] م: (قال: ولو علق عتقه بأداء المال صح) . ش: أي قال القدروي: ولو علق الرجل عتق عبده بأداء المال صح العتق، فلا يعتق قبل الأداء، ولا يحتاج فيه إلى قبول العبد، ولا يرتد برده وللمولى أن يبيعه قبل الأداء، كما في التعليق بسائر الشروط. م: (وصار) . ش: أي العبد. م: (مأذوناً) . ش: يسعى في التكسب لأداء المال. م: (وذلك) . ش: أي تعليقه بأداء المال. م: (مثل أن يقول: إن أديت إلي ألف درهم فأنت حر ومعنى قوله صح) . ش: أي معنى قول القدروي. م: (أنه) . ش: أي أن العبد م: (يعتق عند الأداء) . ش: أي أداء المال المشروط. م: (من غير أن يصير مكاتبا) . ش: يعني لا يثبت له أحكام المكاتبين، حتى لو مات وترك ديناً، فما لمولاه لمولاه، ولا يؤدي عنه، ولو مات المولى فالعبد رقيق يورث عنه ما في يده من أكسابه، ولو كانت أمة فولدت ثم أدت لم يعتق عبدها ولو حط المال وأبرأه المولى لم يعتق ولو كان مكاتباً لكان الحكم على عكس ما ذكره في الجميع. م: (لأنه) . ش: أي لأن قول المولى إن أديت إلي ألف درهم فأنت حر. م: (صريح في تعليق العتق بالأداء، وإن كان فيه معنى المعاوضة في الانتهاء) . ش: أي عند أداء المال. م: (على ما نبين إن شاء الله تعالى) . ش: أي بعد خطوط عند قوله ولما أنه تعليق نظراً إلى اللفظ ومعاوضة نظراً إلى المقصود. م: (وإنما صار مأذوناً لأنه رغبه في الاكتساب بطلبه الأداء منه ومراده التجارة) ش: يعني من الترغيب في الاكتساب لأنها هي المشروعة عند الاختيار. م: (دون التكدي) . ش: لأنه بدل مرء وينجسه. والتكدي في الأصل لفظ فارسي ومعناه السؤال من الناس والدوران فيه. م: (فكان) . ش: أي حقه على أداء المال. م: (إذناً له دلالة) . ش: أي من حيث الدلالة، لأن مراده التجارة، ولا يتمكن من ذلك إلا بالإذن إما صريحاً وإما دلالة. م: (وإن أحضر المال) . ش: أي وإن أحضر العبد المال المشروط. م: (أجبره الحاكم) . ش: أي أن المولى. م: (على قبضه وعتق العبد) . ش: لأنه قام بما شرط عليه. م: (ومعنى الإجبار فيه) . ش: أي في هذا الموضع. م: (وفي سائر الحقوق) . ش: كالثمن، وبدل الخلع وبدل الكتابة وما أشبهها. م: (أنه) . ش: أي أن المولى. م: (ينزل قابضا بالتخلية) . ش: وهي رفع اليد والموانع. وقال الكاكي: شرطها أن لو يمد يده أمكنه قبضه، وهو قول الشافعي أن يكون معنى الإجبار في القبض ما هو المفهوم عند الناس، وهو أن يكره على القبض بالتراجم بالضرب والحبس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 78 وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجبر على القبول وهو القياس، لأنه تصرف يمين إذ هو تعليق العتق بالشرط لفظا، ولهذا لا يتوقف على قبول العبد، ولا يحتمل الفسخ، ولا جبر على مباشرة شروط الإيمان، لأنه لا استحقاق قبل وجود الشرط، بخلاف الكتابة؛ لأنها معاوضة والبدل فيها واجب ولنا أنه تعليق نظرا إلى اللفظ، ومعاوضة نظرا إلى المقصود؛ لأنه ما علق عتقه بالأداء إلا ليحثه على دفع المال فينال العبد شرف الحرية والمولى المال بمقابلته بمنزلة الكتابة، ولهذا كان عوضا في الطلاق في مثل هذا اللفظ، حتى كان بائنا، فجعلناه تعليقا في الابتداء عملا باللفظ ودفعا للضرر عن المولى حتى لا يمتنع عليه بيعه ولا يكون العبد أحق بمكاتبته، ولا يسري إلى الولد   [البناية] م: (وقال زفر: لا يجبر على القبول، وهو القياس، لأنه تصرف يمين) . ش: وليس المراد اليمين بالله واليمين بغير الله هو الشرط والجزاء. م: (إذ هو) . ش: أي لأنه. م: (تعليق العتق بالشرط لفظا) . ش: احترازا عن الكتابة، فإنها ليست بتعليق لفظي، فإنه لو قال لعبده: كاتبتك على كذا من المال صحت الكتابة، وليس فيه تعليق لفظي لعدم ألفاظ الشرط فيه. م: (ولهذا) . ش: أي ولأجل ذلك. م: (لا يتوقف على قبول العبد ولا يحتمل الفسخ) . ش: ويمكنه أن يبيعه قبل الأداء. م: (ولا جبر على مباشرة شروط الأيمان) . ش: هذا متصل بقوله - لأنه تصرف يمين -. م: (لأنه لا استحقاق قبل وجود الشرط) . ش: فصار كالتعليق بدخول الدار. م: (بخلاف الكتابة) . ش: حيث يجبر فيها. م: (لأنها) . ش: أي لأن الكتابة. م: (معاوضة والبدل فيها واجب) . ش: فلذلك يجبر. م: (ولنا أنه) . ش: أي أن قول الرجل إن أديت إلى البقاء فأنت حر. م: (تعليق نظراً إلى اللفظ) . ش: لأن فيه حرف الشرط. م: (ومعاوضة نظرا إلى المقصود) . ش: أي مقصود المولى، وهو حصول المال، ومقصود العبد وهو حصول الحرية. وأوضح ذلك بقوله. م: (لأنه) . ش: أي لأن المولى. م: (علق عتقه بالأداء) . ش: أي بأداء المال. م: (إلا ليحثه) . ش: أي ليحرضه. م: (على دفع المال فينال العبد شرف الحرية والمولى) . ش: أي ولينال المولى. م: (المال بمقابلته) . ش: أي بمقابلة العتق. م: (بمنزلة الكتابة) . ش: فإنها معاوضة في الأصل، ومعنى الشرط تابع، ولهذا إذا مات المولى لا تنفسخ الكتابة. م: (ولهذا) . ش: أي ولأجل كون المال بمقابلة العتق معاوضة نظراً إلى المقصود. م: (كان) . ش: أي المال. م: (عوضاً في الطلاق في مثل هذا اللفظ) . ش: نحو ما إذا قال: إن أديت إلي ألفاً فأنت طالق. م: (حتى كان) . ش: أي الطلاق. م: (بائناً) . ش: إذا طلقها بهذه الصفة لوقوعه على عوض. م: (فجعلناه) . ش: أي فجعلنا قول المولى إن أديت إلي ألفاً فأنت حر. م: (تعليقاً في الابتداء) . ش: أي في أول الأمر. م: (عملاً باللفظ) . ش: وهو كونه بحرف الشرط. م: (دفعا للضرر عن المولى) . ش: أي لأجل دفع الضرر عن المولى. م: (حتى لا يمتنع عليه بيعه ولا يكون العبد أحق بمكاتبته ولا يسري إلى الولد المولود قبل الأداء) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 79 المولود قبل الأداء، وجعلناه معاوضة في الانتهاء عند الأداء دفعا للضرر عن العبد، حتى يجبر المولى على القبول   [البناية] ش: أي قبل أداء المال بأن قال لأمته: إن أديت إلي ألفا فأنت حرة. ثم ولدت ثم أدت المال لم يعتق الولد معها. م: (وجعلناه) . ش: أي القول المذكور. م: (معاوضة في الانتهاء) . ش: أي في انتهاء الأمر. م: (عند الأداء) . ش: أي أداء المال. م: (دفعاً للضرر عن العبد) . ش: فإنه ما تحمل المشقة في اكتساب المال إلا لينال شرف الحرية. م: (حتى يجبر المولى على القبول) . ش: أي قبول المال. ولو أجبر المولى لا يتضرر به لأخذ العوض وقد رضي بالعتق بأدائه حيث علقه. فإن قيل: لا يمكن جعله معاوضة أصلاً، لأن البدل والمبدل كلاهما عند الأداء ملك المولى، لأنه قبل الأداء عبد وهو وما في يده لمولاه. أجيب بأنه لما ثبت عند الأداء معنى الكتابة ثبت شرط صحته اقتضاء، وهو أن يصير العبد أحق بالمولى، فيثبت بهذا سابقاً على الأداء متى وجد الأداء وصار كما إذا كانت عبده على نفسه وماله كان الكسب مالا قبل الكتابة، فإنه يصير أحق لذلك المال، حتى لو أدى ذلك عتق، ذكره صاحب النهاية ثم قال كذا في " مبسوط " شيخ الإسلام. وقال الأكمل: وفيه نظر من وجهين؛ أحدهما أن معنى ثبوت الكتابة هو المعارض، فلا بد من إثباته. والثاني أن حصول شرط صحة الشيء عبارة لا يقتضي صحته فضلاً عن حصول اقتضاء، ولعل الصواب في الجواب أن يقال لما صحت الكتابة والمعنى الذي ذكر ثم قائم فيها معاوضة ليس فيها معنى التعليق فلا يصح العتق على مال، وفيه معنى التعليق أولى، فيكون ملحقاً بالكتابة دلالة. وقال الأترازي: فإن قلت كيف يصح جعله معاوضة والعوض والمعوض عن المولى جميعاً؟. قلت: هذه مغالطة، لأن العوض هنا هو العتق، وهو يحصل للعبد لا للمولى. فإن قلت: ترد عليكم الأحكام منها إذا قال إن أديت إلي خمراً، فأنت حر، حيث لا يجبر على القبول، وكذا إذا قال إن أديت إلى ثوباً فأنت حر، ومنها إذا قال إن أديت إلي ألفاً فحججت بها فأنت حر لا يجبر على القبول. ومنها إذا باع العبد ثم اشتراه ثم جاءه بألف لا يجبر على القبول. قلت: لا يجري في الخمر لأن المسلم ممنوع منه، لكن إذا أداها عتق. وأما الثوب فإنه مجهول الجنس. وأما الحج فتعليق فيه شيئان، إما الحج أو الحال ولهذا لا يعتق بمجرد الأداء ما لم يوجد الحج، وليس فيه معنى المعاوضة، فلا يصح الجبر. ولو قال: إن أديت إلي ألفاً أحج بها يجبر على القبول ويعتق العبد وجد الحج أو لا. لأن الحج وقع صورة لا شرطا، ويصح البيع في المسألة الأخيرة بطل معنى الكتابة، فلا يجبر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 80 فعلى هذا يدور الفقه وتخرج المسائل، نظيره الهبة بشرط العوض، ولو أدى البعض يجبر على القبول، إلا أنه لا يعتق ما لم يؤد الكل لعدم الشرط، كما إذا حط البعض وأدى الباقي، ثم لو أدى ألفا اكتسبها قبل التعليق رجع المولى عليه وعتق لاستحقاقها، ولو كان اكتسبها بعده لم يرجع المولى عليه، لأنه مأذون من جهته بالأداء منه، ثم الأداء في قوله إن أديت يقتصر على المجلس، لأنه تخيير، وفي قوله إذا أديت لا يقتصر، لأن إذا تستعمل للوقت بمنزلة متى.   [البناية] على القبول. م: (فعلى هذا يدور الفقه) . ش: أي على اعتبار الشبهين يدور الفقه إلى المسائل الفقهية. وقال الكاكي: أي المعنى الفقهي. م: (وتخريج المسائل) . ش: عطف على قوله يدور، وهو صيغة المجهول منها. م: (نظيره الهبة بشرط العوض) . ش: جعلناها هبة ابتداء حتى لا يفيد الملك قبل القبض، ولا يجري تسليمه، ويفيد بالشيوع فيما يحتمل القسمة ولا يستحق فيها الشفقة ويردها بالعيب، ويترتب عليها أحكام البيع بعد القبض حتى لا يتمكن البائع من الرجوع. م: (ولو أدى البعض يجبر على القبول) . ش: لأنه حر منه جهة، ففي عوض عند الأداء فصار للبعض حكم الإعراض نصاً لبعض بدل الكتابة وبعض اليمين. وفي " شرح الطحاوي " ولو أتى العبد بخمسمائة فالقياس أن يجبر، لأنه لا يعتق بقبوله هذا، وهو قول أبي يوسف. وفي " الاستحسان " يجبر على قبول كما في المكاتب. م: (إلا أنه لا يعتق ما لم يؤد الكل لعدم الشرط) . ش: وهو أداء الكل. م: (كما إذا حط البعض) . ش: يعني إذا حط المولى بعض الألف فيما إذا قال له إن أديت إلي ألفاً فأنت حر. م: (وأدى الباقي) . ش: أي باقي الألف لا يعتق لعدم الشرط، لأن الشرط أداء الألف ولم يوجد كما إذا أدى الدنانير مكان الدراهم، وقد فسر الحاكم في " الكافي " على هذا الحكم. م: (ثم لو أدى ألفاً اكتسبها) . ش: العبد. م: (قبل التعليق رجع المولى عليه) . ش: بألف أخرى مثلها. م: (وعتق لاستحقاقها) . ش: أي لاستحقاق المولى الألف كأنه كان يستحقها، لأن العبد وما في يده لمولاه. م: (ولو كان اكتسبها بعده) . ش: أي ولو كان العبد اكتسب تلك الألف بعد التعليق. م: (لم يرجع عليه لأنه مأذون من جهته بالأداء منه) . ش: أي لأن العبد مأذون من جهة المولى بالاكتساب والأداء منه، لكنه يأخذ الباقي، لأن مال المأذون في التجارة للمولى، بخلاف المكاتب، كذا في " الشامل " وغيره. م: (ثم الأداء في قوله إن أديت يقتصر على المجلس، لأنه تخيير) . ش: يعني للعبد بين الأداء والامتناع، وهذا هو ظاهر الرواية، وروى بشر عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يقتصر (وفي قوله إذا أديت) . ش: يعني إذا أديت إلي ألفاً فأنت حر. م: (لا يقتصر، لأن إذا تستعمل للوقت بمنزلة متى) . ش: والوقت يعم فلا يقتصر على المجلس، كما في قوله متى أديت إلي ألفاً فأنت حر لا يقتصر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 81 ومن قال لعبده أنت حر بعد موتي على ألف درهم فالقبول بعد الموت لإضافة الإيجاب إلى ما بعد الموت، فصار كما إذا قال: أنت حر غدا بألف درهم، بخلاف ما إذا قال أنت مدبر على ألف درهم حيث يكون القبول إليه في الحال، لأن إيجاب التدبير في الحال إلا أنه لا يجب المال لقيام الرق، قالوا: لا يعتق عليه في مسألة الكتاب، وإن قبل بعد الموت ما لم يعتقه الورثة، لأن الميت ليس بأهل للإعتاق، وهذا صحيح.   [البناية] على المجلس. [قال لعبده أنت حر بعد موتي على ألف درهم] م: (ومن قال لعبده أنت حر بعد موتي على ألف درهم فالقبول بعد الموت) . ش: أي قبل العبد بعد موت المولى. م: (لإضافة الإيجاب إلى ما بعد الموت) . ش: فيكون نزول إيجاب المعتق بعد الموت والقبول يكون عند زوال الإيجاب. م: (فصار كما إذا قال أنت حر غداً بألف درهم) . ش: يكون القبول غداً، لأنه وقت نزول الإيجاب، فإذا قبل بعد الموت هل يعتق أم لا؟ قال في " شرح الطحاوي " لم يعتق بالقبول حتى يعتقه الورثة والوصي، لأن الأصل أن كل عتق فأخر وقوعه بعد الموت ولو ساعة لا يعتق إلا بالإعتاق، ألا ترى أنه لو قال لعبده أنت حر بعد موتي بشهر لا يعتق حتى يعتقه الورثة بعد شهر. م: (بخلاف ما إذا قال أنت مدبر على ألف درهم حيث يكون القبول إليه في الحال، لأن إيجاب التدبير في الحال إلا أنه لا يجب المال لقيام الرق) . ش: لأن المولى لا يستوجب على عبده ديناً صحيحاً، هذا قول أبي يوسف على ما ذكره صاحب الأجناس عن نوادر بشر بن الوليد إذا قال أنت مدبر على ألف درهم، قال أبو حنيفة ليس القبول الساعة، وله أن يبيعه فإذا مات المولى وهو في ملكه وقال قبلت إذاً ألف عتق. وقال أبو يوسف: إن لم يقبل حين قال له ذلك فليس له أن يقبل بعد ذلك، وإن قبل كان مدبراً، وعليه الألف إذا مات السيد. م: (قالوا) . ش: أي قال المتأخرون من مشايخنا. م: (لا يعتق في مسألة الكتاب) . ش: أي في مسألة " الجامع الصغير "، وهي قوله: أنت حر بعد موتي على ألف درهم. م: (وإن قبل بعد الموت ما لم يعتقه الورثة) . ش: قال التمرتاشي: أو الوصي، فإن امتنعوا فالقاضي. م: (لأن الميت ليس من أهل الإعتاق، وهذا صحيح) . ش: أي قول المشايخ صحيح أنه لا يعتق ما لم يعتقه الورثة، بناء على أنه إيجاب ضمان إلى ما بعد الموت، وأهلية الوجوب شرط الإيجاب، وقد عدمت بالموت، بخلاف التدبير، فإنه إيجاب في الحال، والأهلية ثابتة، والموت شرط والأهلية ليست بثابتة بشرط عنه كما لو قال: إن خلت الدار فأنت حر فوجد الشروط وهو مجنون. وقال الأترازي: ولنا فيه نظر قدمناه، وهو قوله فيما تقدم. فإن قبل بعد الموت ينبغي أن يعتق لكلام صدر من الأهل مضافاً إلى المحل وإن كان الميت ليس بأهل الإعتاق. ألا ترى أن الإيجاب نزل معتبراً بعد الموت حكماً لكلام صدر من الأهل وإن كان في ذلك الوقت ليس بأهل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 82 قال: ومن أعتق عبده على خدمته أربع سنين فقبل العبد عتق ثم مات من ساعته فعليه قيمة نفسه في ماله عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه قيمة خدمته أربع سنين، أما العتق فلأنه جعل الخدمة في مدة معلومة عوضا فيتعلق العتق بالقبول   [البناية] للإيجاب، ولهذا يترتب القبول عليه، وأيضاً إن القول لا يعتبر حال الحياة. وإذا لم يعتق بالقبول بعد الوفاة إلا بإعتاق واحد منهم، أي من الورثة أو الوصي لا يكون معتبراً بعد الوفاة أيضاً، فلا يبقى فائدة، أو لقوله بالقبول بعد الموت. [قال لعبده أنت حر على أن تخدمني أربع سنين فمات المولى أو العبد] م: (قال: ومن أعتق عبده) . ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": ومن أعتق عبده. م: (على خدمته أربع سنين فقبل العبد عتق ثم مات) . ش: أي المولى أو العبد كما بين في آخر المسألة. م: (من ساعته) . ش: أي ساعة البدل. م: (فعليه قيمة نفسه في ماله عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه قيمة خدمته أربع سنين) . ش: هذا الذي ذكره قول أبي حنيفة الآخر، وقوله الأول كقول محمد، كذا ذكره الفقيه أبو الليث في " شرح الجامع الصغير ". وقول زفر والشافعي كقول محمد، وخدمة البيت المعروف بين الناس، كذا ذكره الحاكم الشهيد في " الكافي ". وشرح المسألة ما قال في " شرح الطحاوي ": لو قال لعبده أنت حر على أن تخدمني أربع سنين، فإن مات المولى قبل الخدمة بطلت الخدمة، لأن شرط الخدمة للمولى، وقد مات المولى، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف عليه قيمة نفسه، وعند محمد وعليه قيمة خدمة أربع سنين. ولو كان خدم سنة ثم مات فعلى قولهما عليه ثلاثة أرباع قيمة نفسه، وعلى قول محمد عليه خدمة ثلاث سنين، وكذا لو مات العبد وترك مالاً يقضي من مال بقيمة نفسه عندهما. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقضي بقيمة الخدمة. وقال في " الشامل ": فإن مات المولى فلورثته قيمة نفسه إلا قدر قيمة ما خدم عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قيمة ما بقي، وكذلك إن مات العبد أخذ من تركته، أما العتق للتفصيل. لأنه ذكر أولاً سنين العتق ووجوب القيمة، لكن هي قيمة النفس عندهما. وعند محمد قيمة الخدمة. فقال بعد ذلك. م: (أما العتق فلأنه جعل الخدمة في مدة معلومة عوضاً من العتق، فيتعلق العتق بالقبول) . ش: أي بقبوله في المجلس قبل التسليم كما في البيع الخدمة، لأن المولى جعل الإعتاق على الخدمة، فكان معاوضة وقضية المعاوضة ثبوت الحكم بمجرد القبول قبل التسليم كما في البيع. وقال الأترازي بعد قوله - أما العتق - للتفضيل كما ذكرنا، لكن بقي المصنف أن يقول وأما وجوب قيمة النفس عندهما فلأجل هذا، وأما وجوب قيمة الخدمة عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلأجل كذا، فلم يعرفه ما هو حق الكلام، انتهى. قلت: الذي نفى عليه من الكلام علم مما ذكره في أثناء الكلام، فاقتصر على ذكره. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 83 وقد وجد ولزمه خدمة أربع سنين لأنه يصلح عوضا، فصار كما إذا أعتقه على ألف درهم ثم مات العبد فالخلافية فيه بناء على خلافية أخرى، وهي أن من باع نفس العبد منه بجارية بعينها، ثم استحقت الجارية أو هلكت يرجع المولى على العبد بقيمة نفسه عندهما، وبقيمة الجارية عنده، وهي معروفة ووجه البناء أنه كما يتعذر تسليم الجارية بالهلاك والاستحقاق يتعذر الوصول إلى الخدمة بموت العبد، وكذا بموت المولى فصار نظيرها، ومن قال لآخر أعتق أمتك على ألف درهم علي على أن تزوجنيها ففعل فأبت أن تتزوجه فالعتق جائز، ولا شيء على الآمر؛ لأن من قال لغيره: أعتق عبدك على ألف درهم علي ففعل لا يلزمه شيء، ويقع العتق عن المأمور، بخلاف ما إذا قال لغيره طلق امرأتك على ألف درهم علي   [البناية] م: (وقد وجد) . ش: أي القبول. م: (ولزمه خدمة) . ش: أي ولزم العبد خدمة المولى. م: (أربع سنين لأنه يصلح عوضاً) . ش: أي لأن الخدمة على تأويل المذكور إنما يصح عوضاً، لأن المنفعة أحلت حكم المالية بالعقد، ولهذا صلح مهراً. م: (فصار) . ش: أي الإعتاق على الخدمة إذا مات العبد بعد القبول. م: (كما إذا أعتقه على ألف درهم ثم مات العبد) . ش: بعد القبول، لأن الخدمة تصلح عوضاً عن الإعتاق كالألف فعتق في الصورتين بالقبول، ثم إذا مات العبد. م: (فالخلافية فيه) . ش: أي في المسألة الخلافية في الإعتاق على الخدمة في المدة المعلومة. م: (بناء على خلافية أخرى وهي) . ش: أي صورة المسألة الأخرى. م: (أن من باع نفس العبد منه بجارية بعينها) . ش: فقبل العبد. م: (وعتق ثم استحقت الجارية أو هلكت) . ش: قبل التسليم. م: (يرجع المولى على العبد بقيمة نفسه عندهما) . ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف. م: (وبقيمة الجارية) . ش: أي ويرجع بقيمة الجارية. م: (عنده) . ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وهي) . ش: أي مسألة بيع العبد منه بجارية إذا استحقت. م: (معروفة) . ش: في طريقتها الخلافية وهناك موضع وبيانها واحد عياناً. م: (ووجه البناء) . ش: أي بناء تلك الخلافية على هذه الخلافية. م: (أنه) . ش: أي أن البيان. م: (كما يتعذر تسليم الجارية بالهلاك، والاستحقاق يتعذر الوصول إلى الخدمة بموت العبد، وكذا بموت المولى فصار نظيرها) . ش: أي صار الإعتاق على الخدمة إذا مات العبد أو المولى نظير الخلافية الأخرى في أن الواجب عند محمد قيمة الخدمة، وعندهما الواجب قيمة العبد. [قال لآخر أعتق أمتك على ألف درهم علي على أن تزوجنيها ففعل فأبت أن تتزوجه] م: (ومن قال لآخر أعتق أمتك على ألف درهم علي على أن تزوجنيها) . ش: وفي بعض نسخ " الجامع الصغير ": ذكر لفظ علي قبل قوله على أن تزوجنيها، وفي البعض لم يذكر لفظ علي إذ الوجوب مستفاد على الحالين، لكن ذكر على أول علي المراد. م: (ففعل) . ش: أي للأمور فعل ما قال الرجل. م: (فأبت) . ش: أي الأمة. م: (أن تتزوجه) . ش: أي أن تتزوج الآمر. م: (فالعتق جائزة ولا شيء على الآمر، لأن من قال لغيره: أعتق عبدك على ألف درهم علي ففعل لا يلزمه شيء، ويقع العتق عن المأمور، بخلاف ما إذا قال لغيره طلق امرأتك على ألف درهم علي ففعل، حيث يجب الألف على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 84 ففعل حيث يجب الألف على الآمر، لأن اشتراط البدل على الأجنبي في الطلاق جائز، وفي العتاق لا يجوز، وقد قررناه من قبل. ولو قال: أعتق أمتك عني على ألف درهم والمسألة بحالها قسمت الألف على قيمتها ومهر مثلها، فما أصاب القيمة أداه الآمر وما أصاب مهر المثل بطل عنه لأنه لما قال عني تضمن الشراء اقتضاء على ما عرف، وإذا كان كذلك فقد قابل الألف بالرقبة شراء، وبالبضع نكاحا فانقسم عليها، ووجبت حصة ما سلم له وهو الرقبة، وبطل عنه ما لم يسلم وهو البضع، فلو زوجت نفسها منه لم يذكره. وجوابه أن ما أصاب قيمتها سقط في الوجه الأول، وهي للمولى في الوجه الثاني، وما أصاب مهر مثلها كان مهرا لها في الوجهين   [البناية] الآمر، لأن اشتراط البدل) . ش: في الخلع على المرأة مشروع من غير أن يسلم لها شيء، لأن الخلع إسقاط محض، فلما جاز على المرأة من سلامة شيء لها جاز م: (على الأجنبي في الطلاق جائز، وفي العتاق لا يجوز) . ش: كذلك، بخلاف الإعتاق، فإن فيه معنى الإثبات، وإن كان هو إزالة الملك لأن يحصل العبد قوة حكمية لم تكن ثابتة قبل الإعتاق، فكان في معنى المعاوضة. واشتراط العوض لا يجوز على غير من سلم له المعوض، فلا يجب على الأجنبي بناء لأنه لم يسلم له شيء بهذا الضمان. وذكر شمس الأئمة: بأن المرأة لا تجبر على تزويج نفسها منه بعد العتاق لأنها صارت مالكة أمر نفسها بمنزلة من أعتق أمته على أن تزوج نفسها منه فقبلت ثم أبت بعد الإعتاق لا تجبر على ذلك. م: (وقد قررناه من قبل) . ش: أي في باب الخلع في مثاله خلع الأب ابنته الصغيرة على وجه الاستشارة في بدل العتق على الأجنبي صحيح، فعلى الأب أولى. [قال أعتق أمتك عني على ألف درهم على أن يتزوجها ففعل فأبت أن تزوجه] م: (ولو قال: أعتق أمتك عني على ألف درهم. فالمسألة بحالها) . ش: أي قال على أن تزوجنيها ففعل فأبت أن تزوجه. م: (قسمت الألف على قيمتها ومهر مثلها، فما أصاب القيمة أداه الآمر، وما أصاب مهر المثل بطل عنه) . ش: أي عن الآمر. م: (لأنه لما قال عني تضمن الشراء اقتضاء) . ش: كأنه قال: بع أمتك مني ثم أعتقها. م: (على ما عرف) . ش: أي في أصول الفقه. م: (وإذا كان كذلك فقد قابل الألف بالرقبة شراء) . ش: أي من حيث الشراء. م: (وبالبضع) . ش: أي وقابله بالبضع. م: (نكاحاً) . ش: أي من حيث النكاح. م: (فانقسم عليها) . ش: أي على الرقبة والبضع. م: (ووجبت حصة ما سلم له وهو الرقبة) . ش: لأنها سلمت له حيث وقع العتق منه. م: (وبطل عنه ما لم يسلم، وهو البضع) . ش: حيث لم تتزوجه. م: (فلو زوجت نفسها منه لم يذكره) . ش: يعني في " الجامع الصغير " م: (وجوابه أن ما أصاب قيمتها سقط في الوجه الأول) . ش: وهو ما إذا لم يقل عني، وكذا سقط في الوجه الأول القيمة، لعدم وجوب الضمان. م: (وهي للمولى في الوجه الثاني) . ش: أي حصة القيمة للمولى في الوجه الثاني، وهو ما إذا قال عني. م: (وما أصاب مهر مثلها كان مهراً لها في الوجهين) . ش: أي فيما إذا قال عني أو لم يقل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 85 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقال التمرتاشي: فإن تزوجت فلها مهر مثلها، ولا يكون قيمتها مهراً لأنه ليس بمال. وعن أبي يوسف أنه جعل العتق مهراً، إلا «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أعتق صفية ونكحها، وجعل عتقها مهرها» قلنا: إنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مخصوص بالنكاح بغير مهر، فإن أبت فعليه قيمتها، لأن الشرط فات، وكذا لو أعتقت عبداً أو تزوجها، فإن فعلت فلها مهرها، وإن أبى فعليه قيمته. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 86 باب التدبير وإذا قال المولى لمملوكه: إذا مت فأنت حر أو أنت حر عن دبر مني أو أنت مدبر أو قد دبرتك فقد صار مدبرا، لأن هذه الألفاظ صريح في التدبير، فإنه إثبات العتق عن دبر، ثم لا يجوز بيعه ولا هبته ولا إخراجه عن ملكه إلا إلى الحرية كما في الكتابة، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز لأنه   [البناية] [باب في حكم التدبير] [تعريف التدبير] م: (باب في حكم التدبير) ش: أي هذا باب في بيان حكم التدبير، ولما فرغ من الإعتاق المطلق عن قيد شرع في الإعتاق المقيد، وهو التدبير أو المركب بمنزلة المقيد، والمفرد بمنزلة المطلق، والمركب بعد المفرد لا محالة. وقال الأترازي: لما فرغ من العتق الواقع في حالة الحياة شرع في العتق الواقع بعد الموت، لأن الموت يتلو الحياة، والتدبير في اللغة: هو النظر في عاقبة الأمر، وكأن المولى لما نظر في عاقبة أمره وأمر عاقبته أخرج عبده إلى الحرية بعده. وفي الشرع هو العتق الواقع عن دبر من الإنسان. [قال المولى لمملوكه أنت مدبر] م: (وإذا قال المولى لمملوكه: إذا مت فأنت حر، أو أنت حر عن دبر مني، أو أنت مدبر أو قد دبرتك فقد صار مدبراً، لأن هذه الألفاظ صريح في التدبير فإنه إثبات العتق عن دبر) . ش: في " الإيضاح " " والتحفة " " والينابيع " ألفاظه ثلاثة أنواع: أحدها: الصريح كقولك: دبرتك وأنت مدبر، وأنت حر عن دبر مني وكذلك حررتك لو أعتقتك أو أنت محرر أو عتيق أو معتق بعد موتي، يصير مدبراً. والثاني: بلفظ اليمين مثل قوله: إن مت أو إن حدث لي حادث، والمراد بالحادث الموت عادة فأنت حر، وكذا إذا قال مع موتي أو في موتي، وروى هشام عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله أنت مدبر بعد موتي يصير مدبراً للحال، وكذا لو قال: أعتقتك بعد موتي أو حررتك. والثالث: بلفظ الوصية بأن قال: وصيت لك برقبتك أو بنفسك فالكل سواء، وكذا لو قال: أوصيت بثلث مالي فتدخل رقبته فيه، لأن رقبته من جملة ماله فكان يوصي له بثلث رقبته. م: (ثم لا يجوز بيعه) . ش: أي بيع المدبر ولا هبته، ولا إخراجه عن ملكه إلا إلى الحرية كما في الكتابة، حيث لا يجوز بيع المكاتب. م: (ولا هبته ولا إخراجه عن ملكه إلا بالحرية كما في الكتابة) . ش: وبقولنا قال عامة العلماء والسلف من الحجازيين والشاميين والكوفيين، وهو مروي عن عمر وعثمان وابن مسعود وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وبه قال شريح وقتادة والثوري والأوزاعي، وهو مذهب مالك في " الموطأ ". م: (وقال الشافعي: يجوز) . ش: لأن يبيعه، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وداود، وكذا هبته وصدقته وغيرها ولا يباع في الدين عند الجمهور، وعند مالك يباع في الدين حال حياة سيده الجزء: 6 ¦ الصفحة: 87 تعليق العتق بالشرط فلا يمتنع به البيع والهبة، كما في سائر التعليقات، وكما في المدبر المقيد ولأن التدبير وصية وهي غير مانعة من ذلك. ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المدبر لا يباع ولا يوهب ولا يورث» وهو حر من الثلث   [البناية] وبعد موته. م: (لأنه) . ش: أي لأن التدبير. م: (تعليق العتق بشرط، فلا يمتنع به البيع والهبة كما في سائر التعليقات) . ش: قبل وجود الشرط، فكذا في هذا التعليق. م: (وكما في المدبر المقيد) . ش: فإنه يجوز بالاتفاق. م: (ولأن التدبير وصية) . ش: يعتق بدليل أنه يعتبر من الثلث. م: (وهي غير مانعة من ذلك) . ش: إذ الوصية غير مانعة من البيع والهبة وغيرهما، لأن الوصايا ليست بلازمة ولهذا يجوز الرجوع عنها صريحة ودلالة، فكذا هذه الوصية. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) . ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «المدبر لا يباع ولا يوهب ولا يورث وهو حر من الثلث» . ش: هذا الحديث أخرجه الدارقطني بنص: " لا يورث " من رواية عبيدة بن حسان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «المدبر لا يباع ولا يوهب وهو حر من ثلث المال» . قال الدارقطني: لم يسنده غير عبيدة بن حسان وهو ضعيف، وإنما هو عن ابن عمر من قوله وقال الأترازي: ولنا ما ذكر محمد في الأصل حديث أبي جعفر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «باع خدمة المدبر ولم يبع رقبته» يعني أجر المدبر. وروى أصحابنا في " المبسوط " وغيره عن ابن عمر «المدبر لا يباع ولا يوهب وهو حر من ثلث المال» . وقال الأترازي أيضاً: وجه قول الشافعي ما روى جابر في صحيح البخاري «أعتق رجل منا عبد له عن دبر فدعى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - به فباعه، قال جابر مات الغلام عام أو قال في السنين اشتراه نعيم بن عبد الله بن النجاد بثمانمائة درهم» . وفي بعض الروايات بسبع أو تسعمائة. وقال في " جامع الترمذي ": كان عبداً قبطياً مات في إمارة ابن الزبير فلو لم يجز بيع المدبر لما باعه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قال الأترازي: وما رواه الشافعي يحمل على المدبر المقيد أو على ابتداء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 88 ولأنه سبب الحرية، لأن الحرية تثبت بعد الموت، ولا سبب غيره ثم جعله سببا في الحال أولى لوجوده في الحال وعدمه بعد الموت ولأن ما بعد الموت حال بطلان أهلية التصرف، فلا يمكن تأخير السببية إلى زمان بطلان الأهلية، بخلاف سائر التعليقات.   [البناية] الإسلام حين كان يباع الحر أو على بيع الخدمة لا الرقبة توفيقاً بين حديثنا وحديثه، وكان من قبل الشافعي قد أجمعوا على عدم جواز بيعه مع أبي حنيفة وسفيان ومالك والأوزاعي ثم لما نشأ الشافعي بعدهم جوزه فصار هذا منه خرقاً للإجماع فلا يجوز، انتهى كلامه. قلت: في كلامه نظر في موضعين. الأول: قول توفيقاً بين حديثنا وحديثه، وكيف يوفق بينهما وحديثه صحيح وحديثنا لم يبلغ إلى الصحة. والثاني: إن قوله فصار هذا منه خرقاً للإجماع غير مسلم، لأن الشافعي لم ينفرد، وهو مذهب جابر وعطاء، ووافقه أحمد وإسحاق وداود. م: (ولأنه) . ش: أي ولأن التدبير. م: (سبب الحرية، لأن الحرية تثبت بعد الموت) . ش: بالإجماع. م: (ولا سبب غيره، ثم جعله سبباً في الحال أولى لوجوده في الحال وعدمه بعد الموت) . ش: لكون كلامه عرضاً لا يبقى، فتعين أن يكون سبباً في الحال، ولا يقال إنه موجود حكماً بعد موته، وإن كان معدوماً كما جعل كالموجود في بعض الأحكام، لأنا نقول الشيء إنما يصير موجوداً حكما إذا أمكن وجوده حقيقة، ولا إمكان لوجوده حقيقة بعد الموت لاستحالة وجود الفعل من الميت. وقال الأترازي: وما قاله صاحب " الهداية " قبل باب عتق أحد العبدين بقوله - وفي المدبر ينعقد السبب بعد الموت - فذاك منه تناقض لا محالة. وقال الأكمل: يحمل ما ذكر هنا على غير الأولى، فيندفع التناقض، أو يكون قد اطلع على رواية عن أصحابنا أنه يجوز، وأن يكون سبباً بعد الموت، أو اختيار جوازه بالاجتهاد. م: (ولأن ما بعد الموت حال بطلان أهلية التصرف، فلا يمكن تأخير السببية إلى زمان بطلان الأهلية) . ش: فلا يتصور انعقاد السبب من غير الأهل. م: (بخلاف سائر التعليقات) . ش: هذا جواب عما يقال في التدبير تعليق شيء من السبب ثابتا في الحال وإنما يكون عند الشرط فما بال التدبير يخالف سائر التعليقات فأجاب بقوله: بخلاف سائر التعليقات قال الكاكي هو متعلق بقوله حال بطلان أهلية التصرف، وأهلية التصرف باقية في سائر التعليقات عند وجود الشرط. أما هاهنا لا تبقى أهلية التصرف بعد موته، فلو لم يجعل سببا في الحال بقي كلامه من كل وجه. فإن قيل: وجود أهلية المعلق حال وجود الشرط ليس بشرط، لما مر أنه لو علق الطلاق أو العتاق ثم جن ثم وجد الشرط وهو مجنون يقعان، فكان التدبير بمنزلة سائر التعليقات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 89 لأن المانع من السببية قائم قبل الشرط لأنه يمين واليمين مانع والمنع هو المقصود، وإنه يضاد وقوع الطلاق والعتاق وأمكن تأخير السببية فيه إلى زمان الشرط لقيام الأهلية عنده فافترقا، ولأنه وصية والوصية خلافة في الحال كالوراثة وإبطال السبب لا يجوز وفي البيع وما يضاهيه ذلك. قال: وللمولى أن يستخدمه ويؤاجره وإن كانت له أمة يحل وطؤها وله أن يزوجها، لأن الملك فيها ثابت له وبه يستفاد ولاية هذه التصرفات   [البناية] قلنا: الأهلية فيما نحن فيه تبطل من كل وجه. وفي المجنون من وجه، فإنه أهل للملك وزواله قد يكون أهلاً لإيقاع الطلاق والعتاق، ألا ترى أن الولي لو زوجه امرأة يصح النكاح، ولو باشر هو بنفسه أسباب حرمة المصاهرة، ولو ارتد ولحق بدار الحرب يثبت الحرمة بينه وبين منكوحته، وفي الموت تبطل الأهلية من كل وجه، ألا ترى أن نفس التعليق يبطل بالموت ولا يبطل بالجنون، فعلى هذا لا يلزم من عدم اشتراط مثل هذه الأهلية. م: (لأن المانع من السببية) . ش: وثم يعني موجود. م: (قبل الشرط) . ش: لأنه انعقد تصرفاً آخر في الحال. م: (لأنه يمين) . ش: يعني لأنه لا يصير يميناً. م: (واليمين مانع) . ش: من مباشرة الشروط والمانع من الشروط مانع من الحكم، والمانع من الحكم لا يكون سبباً للحكم. م: (والمنع هو المقصود) . ش: أي المنع عن تحقيق الشرط هو المقصود. م: (وإنه) . ش: أن وإن المنع. م: (يضاد وقوع الطلاق والعتاق) . ش: أي المانع لوقوعهما يضاد وقوعها، فيكون التعليق سببا في الحال. م: (وأمكن تأخير السببية فيه إلى زمان الشرط) . ش: أي إلى زمان وقوع الشرط. م: (لقيام الأهلية عنده فافترقا) . ش: أي فافترق التدبير المطلق وسائر التعليقات. م: (ولأنه) . ش: أي ولأن التدبير. م: (وصية) . ش: هذا فرق آخر بين التدبير وسائر التعليقات. م: (والوصية خلافة في الحال) . ش: لأن الموصي يجعل الموصى له خلافاً بعض ماله بعد الموت كالورثة، وإنها ليست بخلافة في الحال. واعترض أن لو كان وصية ليبطل إذا قتل المدبر سيده، لأن الوصية للقاتل لا يجوز وجاز البيع، لأن الوصي يجوز له بيع الموصى به، ويكون رجوعاً عن الوصية، وليس الأمر كذلك، والجواب عنها جميعاً أن ذلك في وصيته ولم يكن على وجه التعليق، لأن الوصية المطلقة والتدبير ليس كذلك. ووجه انتقاص ذلك أن بطلان الوصية بالنقل وجواز البيع وكونه رجوعاً إنما يصح في موصى به يقبل الفسخ والبطلان والتدبير، لكونه إعتاقاً لا يقبل ذلك. م: (وإبطال السبب) . ش: تتمة الدليل متصل بقوله لأنه بسبب الحرية. م: (وفي البيع وما يضاهيه) . ش: أي وما يشابهه مثل الهبة والصدقة. م: (ذلك) . ش: إشارة إلى إبطال التدبير فلا يجوز. م: (قال) . ش: أي القدوري. م: (وللمولى أن يستخدمه ويؤاجره) . ش: لأن التدبير المطلق لا يرسل الملك في الحال. م: (وإن كانت له أمة يحل وطؤها وله أن يزوجها لأن الملك فيها ثابت له) . ش: أي للمولى. م: (وبه) . ش: أي وعتق المدبر من ثلث ماله. م: (يستفاد ولاية هذه التصرفات) . ش: إشارة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 90 فإذا مات المولى عتق المدبر من ثلث ماله لما روينا، ولأن التدبير وصية، لأنه تبرع مضاف إلى وقت الموت والحكم غير ثابت فينفذ من الثلث حتى لو لم يكن له مال غيره يسعى في ثلثيه، وإن كان على المولى دين يسعى في كل قيمته لتقدم الدين على الوصية، ولا يمكن نقض العتق، فيجب رد قيمته، وولد المدبرة مدبر، وعلى ذلك نقل إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وإن علق التدبير بموته على صفة مثل أن يقول: إن مت من مرضي هذا أو سفري هذا أو من مرض كذا فليس بمدبر، ويجوز بيعه، لأن السبب لم ينعقد في الحال لتردده في تلك الصفة بخلاف المدبر المطلق، لأنه تعلق عتقه بمطلق   [البناية] إلى الاستخدام والإجارة، والوطء والتزويج. م: (فإذا مات المولى عتق المدبر من ثلث ماله) . ش: وقال ابن مسعود ومسروق ومجاهد وسعيد بن جبير: يعتق من رأس المال، وبه قال زفر والليث بن سعد. م: (لما روينا) . ش: إشارة إلى حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. م: (لأن التدبير وصية لأنه تبرع يضاف إلى وقت الموت والحكم) . ش: وهو العتق. م: (غير ثابت في الحال فينفذ من الثلث حتى لو لم يكن له مال غيره) . ش: أي غير المدبر. م: (يسعى في ثلثيه وإن كان على المولى دين يسعى في كل قيمته لتقدم الدين على الوصية ولا يمكن نقض العتق) . ش: يعني فسخه،. م: (فيجب رد قيمته) . ش: التي سميت له. [ولد العبد المدبر] م: (وولد المدبرة مدبر) . ش: هذا لفظ القدروي في مختصره وعامة النسخ هاهنا بالتأنيث في المضاف إليه وهو الصواب، وفي بعض النسخ بالتذكير قال الأترازي: وليس بصحيح، لأن ولد العبد المدبر لا يخلو إما أن يكون من أمة أو حرة، فإن كان من أمة يكون رقيقاً لمولاه، ولا يكون مدبراً كابنه، وإن كان من حرة يكون حراً بخلاف ما إذا كان ولد من أمة مدبرة، فإنه يكون مدبراً اتباعاً لأمه، لأن الأوصاف القارة في الأمهات تسري إلى الأولاد. ولهذا شرح في " الشامل " بالتأنيث، وقال: وولد المدبرة بمنزلتها لما روي عن عثمان وزيد بن ثابت وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أن ولد المدبرة مدبر وكذلك في " فتاوى الولوالجي "، حيث قال: وولد المدبرة بمنزلتها كولد الحرة، وهذا مذهبنا، وقال الشافعي: لا يدخل الولد في تدبيرها. م: (وعلى ذلك) . ش: أي كون ولد المدبرة مدبراً. م: (نقل إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -) . ش: لأنه روي أن خوصم عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في أولاد مدبرة فقضى أن ما ولدته قبل التدبير عبد، وما ولدته بعد التدبير مدبر، وقال ذلك بمحضر من الصحابة من غير خلاف. [علق التدبير بموته على صفة] م: (وإن علق التدبير بموته على صفة مثل أن يقول: إن مت من مرضي هذا أو سفري هذا أو من مرض كذا فليس بمدبر، ويجوز بيعه، لأن السبب لم ينعقد في الحال لتردده في تلك الصفة) . ش: لأنه ربما يرجع من تلك السفر، ويبرأ من ذلك المرض. م: (بخلاف المدبر المطلق، لأنه تعلق عتقه بمطلق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 91 الموت فإن مات المولى على الصفة التي ذكرها عتق كما يعتق المدبر، معناه من الثلث لأنه ثبت حكم التدبير في آخر جزء من أجزاء حياته لتحقق تلك الصفة فيه، فلهذا يعتبر من الثلث، ومن المقيد أن يقول إن مت إلى سنة أو عشر سنين لما ذكرنا بخلاف ما إذا قال إلى مائة سنة ومثله لا يعيش إليه في الغالب؛ لأنه كالكائن لا محالة.   [البناية] الموت) . ش: وهو كائن لا محالة تحقيق هذا أن المعلق به إذا كان على خطر الوجود كان بمعنى اليمين وقد عرفت أن صفة كونه يميناً يمنع من السببية، وأما إذا كان أمراً كائناً لا محالة لم يكن في معنى اليمين، فكان سبباً. فإن قيل: إذا لم ينعقد السبب في الحال ففي أي وقت ينعقد، فإن انعقد بعد الموت فليس بحال أهلية الإيجاب، وإن انعقد قبله فكيف يجوز معه، فالجواب أنه موقوف.. م: (فإن مات المولى على الصفة التي ذكرها عتق كما يعتق المدبر، معناه) . ش: أي معنى قول القدوري عتق. م: (من الثلث لأنه ثبت حكم التدبير في آخر جزء من أجزاء حياته لتحقق تلك الصفة منه، فلهذا) . ش: إيضاح لثبوت الحكم في آخر جزء من أجزاء حياته. م: (يعتبر من الثلث ومن المقيد) . ش: أي من جملة التدبير المقيد. م: (أن يقول: إن مت إلى سنة أو عشر سنين فأنت حر لما ذكرنا) . ش: أي التردد في الصفة. م: (بخلاف ما إذا قال إلى مائة سنة فأنت حر ومثله لا يعيش إليه) . ش: إلى ذلك الوقت. م: (في الغالب) . ش: يكون مدبراً. م: (لأنه كالكائن لا محالة) . ش: وهذا الذي ذكره رواية الحسن عن أبي حنيفة في " المنتقى "، وبه قال مالك. وذكر الفقيه أبو الليث في " النوازل ": أن رجلاً قال لعبد: أنت حر إن مت إلى مائتي سنة قال أبو يوسف: هذا مدبر مقيد، وله أن يبيعه. وقال الحسن بن زياد: لا يجوز بيعه، لأنه علم أنه لا يعيش إلى تلك المدة، فصار كأنه قال: إذا مت فأنت حر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 92 باب الاستيلاد إذا ولدت الأمة من مولاها فقد صارت أم ولد له لا يجوز بيعها ولا تمليكها، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أعتقها ولدها»   [البناية] [باب الاستيلاد] [تعريف الاستيلاد] م: (باب الاستيلاد) . ش: أي هذا باب في بيان حكم الاستيلاد، وهو طلب الولد لغة وأم الولد من الأسماء الغالبة على بعض من يقع عليه الاسم كالنجم للثريا. وفي الشرع أم الولد مملوكة يثبت نسب ولدها من مالك لها أو مالك له بعضها، وذلك لأن الاستيلاد اتباع ثابت النسب، فإذا ثبت النسب ثبت الاستيلاد وإلا فلا. ولما فرغ من بيان التدبير شرع في بيان الاستيلاد وعقيبه لمناسبة بينهما من حيث إن كل واحد منهما حق الحرية حقيقتها. [بيع أم الولد] م: (إذا ولدت الأمة من مولاها فقد صارت أم ولد لا يجوز بيعها) . ش: خلافاً لبشر بن غياث وداود تابعه من الظاهرية، واحتجوا بما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث جابر بن عبد الله أنه قال «بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر، " فلما كان عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نهانا فانتهينا» وذكر ابن حزم في " المحلى ": أن بيعها مروي عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وعلي وابن عباس وابن مسعود وابن الزبير وزيد بن ثابت، وعن عمر: أنها إن عتقت وأسلمت عتقت، وإن كفرت وفجرت رقت، وروي مثله عن عمر بن عبد العزيز، وأجاب أصحابنا بأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لما نهى عن ذلك أجمعوا عليه. واحتجوا أيضاً بما روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أيما رجل ولدت أمته منه فهي معتقة عن دبر منه» رواه أحمد وابن ماجه، وهو حديث مشهور تلقته الأئمة بالقبول «قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مارية القبطية أم إبراهيم حين قيل له " ألا تعتقها، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " أعتقها ولدها» ، رواه ابن ماجه والدارقطني. وقال الخطابي: وقد ثبت أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة» فلو كانت مارية مالاً لبيعت وصار ثمنها صدقة. م: (ولا تمليكها، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) . ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «أعتقها ولدها» . ش: هذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 93 أخبر عن إعتاقها فيثبت بعض مواجبه وهو حرمة البيع، ولأن الجزئية قد حصلت بين الواطئ والموطوءة بواسطة الولد، فإن الماءين قد اختلطا بحيث لا يمكن التمييز بينهما على ما عرف في حرمة المصاهرة، إلا أن بعد الانفصال تبقى الجزئية حكما لا حقيقة، فضعف السبب، فأوجب حكما مؤجلا إلى ما بعد الموت، وبقاء الجزئية حكما باعتبار النسب، وهو من جانب الرجل، فكذا الحرية تثبت في حقهم لا في حقهن، حتى إذا ملكت الحرة زوجها وقد ولدت منه لا يعتق بموتها وثبوت عتق مؤجل يثبت حق الحرية في الحال فيمتنع جواز البيع وإخراجها لا إلى الحرية في الحال ويوجب عتقها بعد موته، وكذا إذا كان بعضها مملوكا له   [البناية] قاله في مارية القبطية، وقد مر الآن. م: (أخبر عن إعتاقها) . ش: أي أخبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن إعتاق مارية. م: (فيثبت بعض مواجبه وهو) . ش: أي بعض مواجب قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:. م: (حرمة البيع) . ش: أي بيعها، لأن الحديث وإن دل على تنجيز الحرية، لكن عارضه ما روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وهو المذكور آنفاً، فعملنا بهما جميعاً، ومبنى البيع في الحديث الأول، والتنجيز بالحديث الثاني لا يقال محلية البيع معلومة فيهما بيقين، فلا يرتفع إلا بيقين مثله وخبر الواحد لا يوجبه، لأنا نقول الأحاديث الدالة على عتقها من المشاهير، وقد انضم إليها الإجماع اللاحق، فرجحناها. م: (ولأن الجزئية قد حصلت بين الواطئ والموطوءة بواسطة الولد، فإن الماءين قد اختلطا بحيث لا يمكن التمييز بينهما) . ش: أي بين المائين. م: (على ما عرف في حرمة المصاهرة) . ش: وهي تمنع بيعها وهبتها، لأن بيع جزء الحر وهبته حرام. م: (إلا بعد الانفصال) . ش: جواب عما يقال لو كانت هذه الجزئية معتبرة لتنجز العتق، لأن الجزئية توجبه ولستم قائلين به، فأجاب بقوله بعد الانفصال. م: (تبقى الجزئية حكماً لا حقيقة فضعف السبب) . ش: أي سبب العتق هو الجزئية بينهما. م: (فأوجب حكماً مؤجلاً إلى ما بعد الموت) . ش: ولم يثبت في الحال ولم يجز بيعها [ .... ] . م: (وبقاء الجزئية حكما) . ش: هذا جواب عما يقال: لو كانت الحرية حكما معتق من ملكه امرأته التي ولدت منه بعد موتها، وليس كذلك فأجاب بقوله - وبقاء الحرية حكما - أي من حيث الحكم. م: (باعتبار النسب وهو) . ش: أي النسب. م: (من جانب الرجال) . ش: أي النسب إلى الآباء لا إلى الأمهات. م: (فكذا الحرية تثبت في حقهم) . ش: أي في حق الرجال. م: (لا في حقهن) . ش: أي في حق الأمهات. قوله - فكذا الحرية - صحت الرواية بالحاء لا بالجيم، وهذا نتيجة ما تقدم، فلهذا ذكر بالفاء، يعني أن الحرية لما كانت باعتبار النسب أنتج أن الحرية وقعت في حقهم. م: (حتى إذا ملكت الحرة زوجها، وقد ولدت منه لم يعتق) . ش: أي الزوج. م: (بموتها) . ش: أي بموت الحرة. م: (وثبوت عتق مؤجل يثبت حق الحرية في الحال، فيمتنع جواز البيع وإخراجها لا إلى الحرية في الحال، فوجب لولي وكذا إذا كان بعضها مملوكا له) . ش: يعني إذا كانت الجارية مشتركة بين اثنين فاستولدها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 94 لأن الاستيلاد لا يتجزأ فإنه فرع النسب فيعتبر بأصله قال وله وطؤها واستخدامها وإجارتها وتزويجها، لأن الملك فيها قائم فأشبهت المدبرة، ولا يثبت نسب ولدها إلا أن يعترف به، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يثبت نسبه منه وإن لم يدع   [البناية] أحدهما يكون كل الجارية أم ولد له. م: (لأن الاستيلاد لا يتجزأ، فإنه فرع النسب، فيعتبر بأصله) . ش: وهو النسب، فالنسب لا يتجزأ فكذلك فرعه، وهو الاستيلاد فيما يمكن نقل الملك فيه، وهذا بخلاف ما قال في باب العبد نصيبه بقوله والاستيلاد يتجزأ عنده حتى استولد نصيبه من مدبره يقتصر عليه، لأن نصيب شريك انتقل فاقتصر الاستيلاد على نسب المستولد. قال الأترازي: ومعنى قولنا الاستيلاد لا يتجزأ فيما يمكن نقل الملك عنه، والمدبرة ليس بقابلة للنقل من ملك إلى ملك، فلا يتناقض ما قال هاهنا. م: (قال) . ش: أي القدوري. م: (وله وطؤها) . ش: أي للمولى وطء أم ولده. م: (واستخدامها وإجارتها وتزويجها، لأن الملك فيها قائم فأشبهت المدبرة) . ش: وله أن يزوجها قبل أن يستبرئها. فإن قيل شغل الرحم بمائه محتمل، واحتمال ذلك يمنع جواز النكاح، كما في المعتدة. أجيب: بأن محلية جواز النكاح كانت ثابتة قبل الوطء، وقد وقع الشك في زوالها، فلا يرتفع به بخلاف النكاح، فإن المنكوحة خرجت عن محلية الغير، فلا يعود إليها إلا بعد الفراغ حقيقة، وذلك بعد العدة. م: (ولا يثبت نسب ولدها) . ش: أي ولد الأمة. م: (إلا أن يعترف به) . ش: هي إن اعترف به المولى، أي بوطئها، وبه قال الثوري والشعبي، والحسن البصري، وهو مروي عن زيد بن ثابت مع العزل. م: (وقال الشافعي: يثبت نسبه منه، وإن لم يدع) . ش: وبه قال مالك وأحمد، فإنه يثبت النسب منه إذا أقر بوطئها، وإن عزل عنها إلا أن يدعي أنه استبرأها بعد الوطء بحيضة، وهو ضعيف، لأنهم زعموا أنها بالوطء صارت فراشاً كالنكاح، وفيه يلزم الولد وإن اشتراها. ولو وطئها من دبرها يلزمه الولد عند مالك، ومثله عن أحمد، وهو وجه للشافعية وضعفوه. وروى الطحاوي بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس: أنه كان يأتي جارية فحملت منه. فقال: ليس مني، إني آتيها إتياناً لا أريد به الولد. وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " أنه كان يعزل عن جارية فجاءت بولد أسود فشق عليه، فقال: ممن هو، فقالت من راعي الإبل، فحمد الله وأثنى عليه، ولم يلزمه ". وعن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كان يطأ جارية مارشية ويعزل عنها فجاءت بولد فأعتق الولد وجلدها، وعنه أنه قال لها: ممن حملت، قالت: منك، فقال كذبت ما وصل إليك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 95 لأنه لما ثبت النسب بالعقد فلأن يثبت بالوطء وأنه أكثر إفضاء أولى. ولنا أن وطء الأمة يقصد قضاء الشهوة دون الولد لوجود المانع عنه، فلا بد من الدعوة بمنزلة ملك اليمين من غير وطء بخلاف العقد، لأن الولد يتعين مقصودا منه، فلا يحتاج إلى الدعوة فإن جاءت بعد ذلك بولد ثبت نسبه بغير إقرار، معناه بعد اعتراف منه بالولد الأول لأنه بدعوى الولد الأول يتعين الولد مقصودا منها، فصارت فراشا كالمعقودة بعد النكاح، إلا أنه إذا نفاه ينتفي بقوله، لأن فراشها ضعيف حتى ملك نقله بالتزويج، بخلاف المنكوحة، حيث لا ينتفي الولد نفيه إلا باللعان لتأكد الفراش حتى لا يملك إبطاله بالتزويج   [البناية] مما يكون الحمل منه، ولم يلزمه مع اعترافه بوطئها فهو حجة عليهم. م: (لأنه لما ثبت النسب بالعقد فلأن يثبت بالوطء، وأنه أكثر إفضاء أولى) . ش: أي والحال أنه إن كان الوطء أكثر إفضاء إلى الولد من العقد. م: (ولنا أن وطء الأمة يقصد به قضاء الشهوة دون الولد لوجود المانع عنه) . ش: أي من طلب الولد. والمانع سقوط التقديم عنها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن أم الولد ليست بمتقومة عنده، ونقصان القيمة عند صاحبها، لأن قيمتها ثلث قيمة القن لبقاء منفعة الوطء وزوال منفعة السعاية والبيع. م: (فلا بد من الدعوة بمنزلة ملك اليمين من غير وطء) . ش: فإنه لا يثبت النسب فيه بغير الدعوة. م: (بخلاف العقد) . ش: أي عقد النكاح. م: (لأن الولد يتعين مقصوداً منه) . ش: أي من العقد، ولأن الولد هو المقصود من العقد في المنكوحة لا يقال: إن النسب باعتبار الحرية أو بما وضع لها، والعقد عدمه لا مدخل له في ذلك لأنا نقول: لو كان ذلك مراده لثبت من الزاني وليس كذلك وإنما النظر إلى الموضوعات الأصلية والعقد موضوع لذلك. م: (فلا يحتاج إلى الدعوة) . ش: ووطء الأمة ليس بموضوع فيحتاج إليها. م: (وإن جاءت بعد ذلك بولد يثبت نسبه عنه بغير إقرار) . ش: هذا لفظ القدوري. وقال المصنف. م: (معناه) . ش: أي معنى كلام القدوري. م: (بعد اعتراف منه) . ش: أي من المولى. م: (بالولد الأول، لأنه بدعوى الولد الأول تعين الولد مقصوداً منها، فصارت فراشاً كالمعقودة بعد النكاح) . ش: أي كالمنكوحة، فلما صارت فراشا لم يكن حاجة إلى الدعوى في ثبوت النسب. م: (إلا إذا نفاه ينتفي بقوله) . ش: أي ينتفي النسب عنه بمجرد النفي من غير لعان. م: (لأن فراشها) . ش: أي فراش أم الولد. م: (ضعيف حتى يملك نقله) . ش: أي حتى يملك المولى نقل فراشه. م: (بالتزويج) . م: (بخلاف المنكوحة حيث لا ينتفي الولد بنفيه إلا باللعان لتأكد الفراش حتى لا يملك إبطاله بالتزويج) . ش: الحاصل ثلاثة قوى كفراش الزوجة يثبت نسب ولدها من غير دعوى، ولا ينتفي إلا باللعان ووسط كفراش أم الولد يثبت نسب ولدها من غير دعوى، وينتفي من غير لعان. وضعيف كفراش الأمة لا يثبت نسب ولدها بالدعوى، وينتفي من غير لعان، فأشبه فراش أم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 96 وهذا الذي ذكرناه حكم فأما الديانة فإن كان وطئها وحصنها ولم يعزل عنها يلزمه أن يعترف به ويدعي، لأن الظاهر أن الولد منه، وإن عزل عنها أو لم يحصنها جاز له أن ينفيه، لأن هذا الظاهر يقابله ظاهر آخر هكذا روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفيه روايتان أخريان عن أبي يوسف وعن محمد   [البناية] الولد فراش المنكوحة من وجه من حيث إن نسب ولدها يثبت من غير دعوى، فصار فيه قوة وفراش الأمة من وجه حيث ينتفي نسب ولدها بمجرد النفي فصار فيه ضعف، فكان وسطاً. م: (وهذا الذي ذكرناه حكم) . ش: من مختصر القدوري في قوله: ولا يثبت نسب ولدها، إلا أن يعترف به بيان الحكم والقضاء يعني لا يثبت نسب ولد الأمة من المولى قبل اعترافه قضاء. م: (فأما الديانة) . ش: وهي الأمر فيما بينه وبين الله تعالى. م: (فإن كان وطئها، وحصنها ولم يعزل عنها يلزمه أن يعترف به ويدعي) . ش: أي الولد. م: (لأن الظاهر أن الولد منه، وإن عزل عنها ولم يحصنها) . ش: المراد من التحصين أن يمنعها من الخارج والبروز عن مظان الريبة والعزل أن يطأها ولا ينزل موضع المجامعة. م: (جاز له أن ينفيه، لأن هذا الظاهر) . ش: وهو أن الولد منه عند التحصين وعدم العزل. م: (يقابله ظاهر آخر) . ش: أي يعارضه ظاهر آخر وهو العزل أو يذكر التحصين فيتعارض الظاهران، فوقع الشك والاحتمال في كون الولد من المولى، فلم يلزمه الدعوة بالشك والاحتمال، فجاز نفيه. م: (هكذا) . ش: أي لزوم الدعوى في الصورة الأولى وجواز النفي في الصورة الثانية. م: (روي عن أبي حنيفة، وفيه روايتان أخريان عن أبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . ش: وفي بعض النسخ أخريان، وهو الصحيح، وقال الأترازي: وقال بعضهم في شرحه والأصح آخران. قلت: أراد به الكاكي، فإنه قال هكذا، ثم قال الأترازي: وذاك ليس بشيء كآخر، وإن ثم أطال الكلام فيه، فلا يحتاج إلى ذكره، لأن من له يد في موضع هذا يعرفه، ومن لا يد له لا يفهمه. وقال الكاكي أيضاً: قوله عن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله - في بعض النسخ بتكرار عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية واحدة، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كذلك وتلك الروايات بلفظ الوجوب. كذا في " المبسوط ". وقال الأترازي: قال بعض الشارحين، أي عن أبي يوسف رواية واحدة. وعن محمد رواية واحدة، وهو فائدة إعادة " عن ". قلت: هذا أيضاً كلام الكاكي. ثم قال الأترازي: ولنا نظر في إعادة - عن - لأنك إذا قلت أخذ درهما عن زيد أو عمرو بلا تكرار - عن لا يفهم الدرهمين أحداً، والدرهمين أخيرين أحداً عن عمرو، بل المفهوم أن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 97 ذكرناهما في " كفاية المنتهى "، وإن زوجها فجاءت بولد فهو في حكم أمه، لأن حق الحرية يسري إلى الولد كالتدبير، ألا ترى أن ولد الحرة حر وولد القنة رقيق، والنسب يثبت من الزوج، لأن الفراش له وإن كان النكاح فاسدا، إذ الفاسد ملحق بالصحيح في حق الأحكام   [البناية] الدرهمين بعضهما حصل عن زيد، والبعض الباقي عن عمرو، فكذا فيما نحن فيه بعض الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبعضهما عن محمد، فيكون عن كل منهما رواية واحدة فلا حاجة إلى تكرار - عن - يوهم أن الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وروايتان أخريان عن محمد، وليس كذلك. م: (ذكرناهما في " كفاية المنتهى ") . ش: فإنه صنفه قبل " الهداية " وهو عزيز. وذكر الروايتين في " المبسوط "، فقال: وعن أبي يوسف إذا وطئها ولم يسترها بعد ذلك، حتى جاء بولد فعليه أن يدعيه سواء عزل عنها أو لم يعزل. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: لا ينبغي أن يدعي النسب إذا لم يعلم أنه منه، ولكن ينبغي أن يعتق الولد وقد يستمتع بها ويعتقها بعد موته، لأن استحقاق نسب ليس منه لا يحل شرعاً فيحتاط من الجانبين، وذلك في أن لا يدعي النسب، ولكن يعتق الولد بعتقها بعد موته لاحتمال أن يكون منه، وذكر في إيضاح تلك الروايتين بلفظ الاستحباب، فقال أبو يوسف: أحب إلي أن يدعيه، وقال محمد: أحب أن يعتق الولد إلى آخره. م: (فإن زوجها) . ش: المولى من رجل. م: (فجاءت بولد فهو في حكم أمه) . ش: قال الحاكم في " الكافي ": فالولد بمنزلة الأم، يعني إذا مات المولى يعتقان من جميع المال. م: (لأن حق الحرية يسري إلى الولد) . ش: لأن الولد جزء الأم فيحدث إلى وصفها. م: (كالتدبير، ألا ترى أن ولد الحرة حر وولد القنة رقيق، والنسب يثبت من الزوج، لأن الفراش له) . ش: وفراشها من المولى لا يثبت نسبه منه، لأن النسب ليس بمتجزئ، فلا يثبت من المولى بعد أن ثبتت من الزوج، ويعتق ولدها بدعوى المولى وإذا لم يثبت النسب منه لإقراره بالحرية. م: (وإن كان النكاح فاسداً) . ش: وصل بما قبله. م: (إذ الفاسد) . ش: أي النكاح الفاسد. م: (ملحق بالصحيح) . ش: أي بالنكاح الصحيح. م: (في حق الأحكام) . ش: مثل ثبوت النسب ووجوب المهر والعدة، لكن بعد الدخول، لأن النكاح الفاسد لا حكم له قبل الدخول، لكونه واجب الرفع، فإذا دخل بها يكون له شبهة الصحيح، فليحق به في حق الأحكام. وقال الأترازي: قال بعضهم في شرحه، ومن الأحكام ثبوت النسب وعدم جواز البيع والوصية، فلا تعلق له بالنكاح أصلاً بالصحيح ولا بالفاسد، فلا أدري أين كان. قلت: هذا الشارح وقت الشرح، انتهى. قلت: أراد بالبعض الأكمل، فإنه قال في " شرحه "، ومن الأحكام ثبوت النسب إلى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 98 ولو ادعاه المولى لا يثبت نسبه منه؛ لأنه ثابت النسب من غيره ويعتق الولد وتصير أمه أم ولد له لإقراره، وإذا مات المولى عتقت من جميع المال لحديث سعد بن المسيب «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " أمر بعتق أمهات الأولاد، وأن لا يبعن في دين ولا يجعلن من الثلث» ولأن الحاجة إلى الولد   [البناية] آخره، وهذا يدل على أن شرح الأكمل قبل شرح الأترازي، لأنه ذكر في الرابع من شرحه أنه فرغ منه في سنة خمس وثلاثين وسبعمائة، وكان قدوم الأكمل القاهرة في سنة ثلاثين وسبعمائة ثم كان قدوم الأترازي بعد ذلك بمدة. م: (ولو ادعاه المولى) . ش: أي لو ادعاه المولى ولد أم الولد الذي ولد من الزوج بعد أن تزوجها فولدت. م: (لا يثبت نسبه منه) . ش: أي نسب الولد من المولى. م: (لأنه ثابت النسب من غيره، ويعتق الولد وتصير أمه أم ولد له لإقراره) . ش: أي فيما إذا كانت قنة، أما إذا كانت أم ولد فأمومية الولد ثابتة قبل الدعوى. فإن قيل: كيف تثبت أمومية الولد مع عدم ثبوت النسب وأمية الولد هاهنا مبنية على ثبوت النسب بدعوى الولد، بخلاف ابتداء الإقرار بالإسناد، فإن ذلك مبني على دعوى الولد. قلنا: مجرد الإقرار بالاستيلاد كان لثبوت الاستيلاد، وإن كان في ضمن شيء آخر لم يثبت ذلك الشيء. م: (وإذا مات المولى عتقت من جميع المال لحديث سعيد بن المسيب «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بعتق أمهات الأولاد وأن لا يبعن في دين ولا يجعلن من الثلث» . ش: هذا حديث أخرجه الدارقطني في سننه عن عبد الرحمن الإفريقي عن مسلم بن يسار عن سعيد بن المسيب «أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أعتق أمهات الأولاد وقال: أعتقهن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وأخرج الدارقطني أيضاً عن يونس بن محمد عن عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع أمهات الأولاد وقال لا يبعن ولا يوهبن ولا يورثن يستمتع بها سيدها ما دام حياً، فإذا مات فهي حرة» . م: (ولأن الحاجة إلى الولد أصلية) ش: أراد أن الولد من الجوارح الأصلية، لأن المرء يحتاج الجزء: 6 ¦ الصفحة: 99 أصلية فتقدم على حق الورثة والدين كالتكفين بخلاف التدبير، لأنه وصية بما هو من زوائد الحوائج ولا سعاية عليها في دين المولى للغرماء لما روينا، ولأنها ليست بمال متقوم حتى لا تضمن بالغصب عند أبي حنيفة، فلا يتعلق بها حق الغرماء كالقصاص بخلاف المدبر لأنه مال متقوم، وإذا أسلمت أم ولد النصراني فعليها أن تسعى في قيمتها، وهي بمنزلة المكاتبة لا تعتق حتى تؤدي السعاية. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تعتق في الحال   [البناية] إلى بقاء النسل. م: (فتقدم على حق الورثة، والدين كالتكفين) . ش: المدبر على الورثة والدين لأنه وصية لكونه من الزوائد. م: (بخلاف التدبير) . ش: أي الاستيلاد بخلاف التدبير ولهذا لا يقدم ولا سعاية عليها، المدبر على الورثة والدين. م: (لأنه وصية) . ش: لكونه من زوائد التدبير وصية. م: (بما هو من زوائد الحوائج ولا سعاية عليها) . ش: أي على أم الولد. م: (في دين المولى للغرماء لما روينا) . ش: قال الكاكي إشارة إلى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أعتقها ولدها» . وقال الأترازي: إشارة إلى حديث سعيد بن المسيب وهو «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بعتق أمهات الأولاد أن لا يبعن في دين. وفي بعض نسخ الفقه: وأن لا يبعن في دين» . م: (ولأنها) . ش: أي ولأن أم ولد. م: (ليست بمال متقوم) . ش: لأنها تحرز إحراز الأموال. م: (حتى لا تضمن بالغصب عند أبي حنيفة) . ش: يعني إذا غصب رجل أم الولد فماتت منه نفسها عند الغاصب لم يضمنها. م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . ش: خلافاً لهما. وأما المدبر إذا مات عند الغاصب فهو ضامن القيمة بالإعتاق لأن المدبر متقوم بالإجماع، وفي " تحفة الفقهاء ": أم الولد لا تضمن عند أبي حنيفة بالغصب ولا بالقبض في البيع الفاسد ولا بالإعتاق بأن كانت أم ولد بين شريكين فأعتقها أحدهما لم يضمن المعتق لشريكه ولم تسع أيضاً في شيء. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - يضمن في ذلك كله. م: (فلا يتعلق بها حق الغرماء كالقصاص) . ش: إذا قال مات وهو مديون ليس لأرباب الديون أن يأخذوا من عليه القصاص بدينهم ويستوفوا منه ديونهم بمقابلة ما وجب عليه في القصاص من ديونهم، لأن القصاص ليس بمال متقوم حتى يأخذوا بمقابلته شيئاً متقوماً وكذا إذا قتل المديون شخصاً لا يقدر الغرماء على منع ولي القصاص من استيفاء القصاص، وكذا إذا قتل رجل مديوناً، والمديون قد عفى لا يقدر الغرماء على المديون عن العفو.. م: (بخلاف المدبر لأنه مال متقوم) . ش: بالإجماع، وقد ذكرناه عن قريب. [أسلمت أم ولد النصراني] م: (وإذا أسلمت أم ولد النصراني فعليها أن تسعى في قيمتها، وهي بمنزلة المكاتبة لا تعتق حتى تؤدي السعاية) . ش: قال الجوهري: وسعى المكاتب في عتق رقبته سعاية. م: (وقال زفر: تعتق في الحال) . ش: يعني قبل السعاية وبعدها. وفي بعض النسخ " تعتق في الحال "، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والظاهرية، إلا أنه بغير سعاية عندهما، وعند زفر بالسعاية، وقال الشافعي وأحمد - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 100 والسعاية دين عليها، وهذا الخلاف فيما إذا عرض على المولى الإسلام فأبى، فإن أسلم تبقى على حالها، له أن إزالة الذل عنها بعد ما أسلمت واجب، وذلك بالبيع أو الإعتاق، وقد تعذر البيع فتعين الإعتاق ولنا أن النظر من الجانبين في جعلها مكاتبة لأنه يندفع الذل عنها لصيرورتها حرة يدا، والضرر عن الذمي لانبعاثها على الكسب نيلا لشرف الحرية، فيصل الذمي إلى بدل ملكه. أما لو أعتقت وهي مفلسة تتوانى في الكسب، ومالية أم الولد يعتقدها الذمي متقومة، فيترك وما يعتقده، ولأنها إن لم تكن متقومة فهي محترمة، وهذا يكفي لوجوب الضمان   [البناية] رحمهما الله - في المشهور، ويمنع الذمي من وطئها والاستمتاع بها، ويحال ما بينهما ولا يمكن من الخلوة بها، وأجبر على نفقتها، فإن أسلم حلت له، وإن مات قبل إسلامه أو بعده عتقت بموته. وعن أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في رواية تستسعى في قيمتها، فإن أدت عتقت. م: (والسعاية دين عليها) . ش: أي على أم الولد المذكور. م: (وهذا الخلاف) . ش: يعني بيننا وبين زفر. م: (فيما إذا عرض على المولى الإسلام فأبى) . ش: أي امتنع عن الإسلام. م: (فإن أسلم تبقى) . ش: أي أم الولد المذكورة. م: (على حالها له) . ش: أي لزفر. م: (أن إزالة الذل عنها بعد ما أسلمت واجب وذلك بالبيع أو الإعتاق، وقد تعذر البيع) . ش: لأن أم الولد لا يجوز بيعها. م: (فتعين الإعتاق) . ش: لإزالة ذلها. م: (ولنا أن النظر من الجانبين) . ش: أي جانب أم الولد وجانب النصراني. م: (في جعلها مكاتبة، لأنه يندفع الذي عنها لصيرورتها حرة يداً والضرر) . ش: أي ويندفع الضرر. م: (عن الذمي لانبعاثها على الكسب نيلاً لشرف الحية فيصل الذمي إلى بدل ملكه، أما لو أعتقت وهي مفلسة تتوانى) . ش: أي تتكاسل. م: (في الكسب) . ش: حاصل الكلام أنه لا يجوز أن يبطل ملك النصراني مجاناً، لأنه معصوم، فوجب عليها السعاية فلا تعتق ما لم تؤد قيمتها، لأنها إذا عتقت فسعت بعد ذلك كما هو مذهب زفر يؤدي إلى تعطل حق المولى لتوانيها في الكسب حينئذ، لحصول الحرية قبل السعاية. وقلنا: تسعى ثم تعتق نظراً للجانبين، لأنها إذا سعت تصل إلى شرف الحرية. وهي حرة يداً حال السعاية، ويصل المولى إلى بدل ملكه. م: (ومالية أم الولد) . ش: جواب عما يقال كيف تسعى أم ولد النصراني، والسعاية في القيمة دليل التقوم، وأم الولد ليست بمتقومة عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأجاب بقوله ومالية أم الولد. م: (يعتقدها الذمي متقومة، فيترك وما يعتقده) . ش: أي يترك الذمي مع ما يعتقده، والواو بمعنى مع لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اتركوهم وما يدينون. م: (ولأنها) . ش: أي ولأن مالية أم الولد. م: (إن لم تكن متقومة فهي محترمة، وهذا) . ش: أي كونها محترمة. م: (يكفي لوجوب الضمان) . ش: هذا جواب آخر عن السؤال المذكور، واعترض عليه بأن الأمة أم لو كان كافياً لوجوب الضمان لوجب على غاصب أم الولد. وأجيب بأن مبنى الضمان في الغصب على المماثلة ولا مماثلة بين ماليتها لانتفاء تقومها، وبين ما يضمن به من المال المتقوم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 101 كما في القصاص المشترك إذا عفى أحد الأولياء يجب المال للباقين، ولو مات مولاها عتقت بلا سعاية، لأنها أم ولد له، ولو عجزت في حياته لا ترد قنة لأنها لو ردت قنة أعيدت مكاتبة لقيام الموجب. ومن استولد أمة غيره بنكاح ثم ملكها صارت أم ولد له، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تصير أم ولد له، ولو استولدها بملك يمين ثم استحقت ثم ملكها تصير أم ولد له عندنا، وله فيها قولان وهو ولد المغرور. له أنها علقت برقيق فلا تكون أم ولد له، كما إذا علقت من الزنا، ثم ملكها الزاني، وهذا لأن أمومية الولد باعتبار علوق الولد حرا، لأنه جزء الأم في تلك الحالة، والجزء لا يخالف الكل   [البناية] م: (كما في القصاص المشترك) . ش: يعني إذا كان القصاص مشتركاً بين جماعة. م: (إذا عفى أحد الأولياء يجب المال للباقين) . ش: وإن لم يكن القصاص مالاً متقوماً لكنه حق محترم، فجاز أن يكون موجباً للضمان لاحتباس نصيب الآخرين عنده بعفو أحدهم.. م: (ولو مات مولاها) . ش: أي مولى أم ولد النصراني وهو نصراني. م: (عتقت بلا سعاية لأنها أم ولد له) . ش: وليس عليها سعاية. م: (ولو عجزت في حياته لا ترد قنة، لأنها لو ردت قنة أعيدت مكاتبة لقيام الموجب) . ش: أي الموجب لكتابته. وهو إسلام الولد. [استولد أمة غيره بنكاح ثم ملكها] م: (ومن استولد أمة غيره بنكاح ثم ملكها صارت أم ولد له) . ش: أي شرعا لأنها كانت أم ولد حقيقة.. م: (وقال الشافعي لا تصير أم ولد له) . ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد في رواية، وفي رواية كقولنا، وفي " شرح الطحاوي ": فإن استولدها وهي في ملك الغير بنكاح ثم اشتراها مع الولد أو بغير الولد صارت أم ولد له عندنا، خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذلك لو ثبت ولدها بوطء بشبهة ثم ملكها فهي أم ولد له من حين ملكها، إلا من وقت العلوق عندنا، كذا في " التحفة "، وفائدة كونها أم ولد من وقت الملك أنه لو ملك ولدها منه عتق عليه لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر» ولو تملك ولدها من غيره لم يعتق، لأنه بائن أم ولد له، وله بيعه لأن الاستيلاد ثبت فيها من حيث ملكها، وعند زفر من ولد بعد ثبوت نسب ولدها منه ثم ملكه فهو ابن أم ولد له.. م: (ولو استولدها بملك يمين ثم استحقت ثم ملكها تصير أم ولد له عندنا) . ش: خلافاً للشافعي. م: (وله) . ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (في قولان) . ش: في قول تصير أم ولد له، وفي قول لا تصير. م: (وهو ولد المغرور) . ش: من يطأ امرأة معتمداً على ملك يمين أو نكاح فتلد منه ثم يستحق ولده حر بالقيمة يوم الخصومة. م: (له) . ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (أنها علقت برقيق فلا تكون أم ولد له كما إذا علقت من الزنا ثم ملكها الزاني، وهذا) . ش: إشارة إلى قوله - فلا تكون أم ولد -. م: (لأن أمومية الولد باعتبار علوق الولد حراً) . ش: بأن استولدها في ملكه. م: (لأنه) . ش: أي لأن الولد. م: (جزء الأم في تلك الحالة) . ش: أي في حالة العلوق. م: (والجزء لا يخالف الكل) . ش: وفي صورة النكاح ليس كذلك، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 102 ولنا أن السبب هو الجزئية على ما ذكرنا من قبل، والجزئية إنما تثبت بينهما بنسبة الولد الواحد إلى كل واحد منهما كملا، وقد ثبت النسب فتثبت الجزئية بهذه الواسطة بخلاف الزنا، لأنه لا نسب فيه الولد إلى الزاني وإنما يعتق على الزاني إذا ملكه لأنه جزؤه حقيقة بغير واسطة، نظيره من الزنا حيث لا يعتق عليه، لأنه ينسب إليه بواسطة نسبته إلى الولد، وهي غير ثابتة، وإذا وطئ جارية ابنه فجاءت بولد فادعاه ثبت نسبه منه وصارت أم ولد له، وعليه قيمتها وليس عليه عقرها، ولا قيمة ولدها، وقد ذكرنا المسألة بدلائلها في كتاب النكاح من هذا الكتاب، وإنما لا يضمن قيمة الولد لأنه حر الأصل لإسناد الملك إلى ما قبل الاستيلاد، وإن وطئ أب الأب مع بقاء الأب لم يثبت النسب؛ لأنه لا ولاية للجد حال قيام الأب ولو كان الأب ميتا يثبت من الجد كما   [البناية] لأن الأم رقيقة لمولاها في تلك الحالة، فلو انعقد الولد حراً. كان الجزء مخالفاً للكل. م: (ولنا أن السبب) . ش: أي سبب الاستيلاد. م: (هو الجزئية) . ش: الحاصلة بين الوالدين. م: (على ما ذكرنا من قبل) . ش: إشارة إلى قوله في أول الباب - لأن الجزئية قد حصلت بين الواطئ والموطوءة بواسطة الولد -. م: (والجزئية إنما تثبت بينهما) . ش: أي بين الواطئ والموطوءة. م: (بنسبة الولد إلى كل منهما كملاً، وقد ثبت النسب) . ش: بالنكاح. م: (فثبت الجزئية بهذه الواسطة) . ش: وإذا ثبتت الجزئية ثبتت أمومية الولد. م: (بخلاف الزنا) . ش: جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما إذا علقت بالزنا. م: (لأنه لا نسب فيه) . ش: أي في الزنا. م: (الولد إلى الزاني) . ش: فلا تثبت الحرية المعتبرة في الباب، وهي الجزئية الحكمية من نسبة الولد إلى الزاني كيف يعتق عليه إذا ملكه. فأجاب بقوله. م: (وإنما يعتق) . ش: أي الولد. م: (على الزاني إذا ملكه، لأنه جزؤه حقيقة بغير واسطة) . ش: بخلاف أمومية الولد بالزنا، مثل من اشترى أخاه من الزنا على ما هي، أشار إليه بقوله. م: (نظيره) . ش: أي نظير أم الولد. م: (من الزنا حيث لا يعتق عليه) . ش: مثل من اشترى أخاه من الزنا لا يعتق عليه. م: (لأنه) . ش: أي لأن الأخ. م: (ينسب إليه بواسطة نسبته إلى الولد، وهي غير ثابتة) . ش: المراد بالأخ الأخ لأب، أما الأخ لأم فإنه يعتق عليه إذا ملكه، وإن كان من الزنا، لأن النسبة بينهما ثابتة. [وطئ جارية ابنه فجاءت بولد فادعاه] م: (وإذا وطئ جارية ابنه فجاءت بولد فادعاه ثبت نسبه منه، وصارت أم ولد له وعليه قيمتها، وليس عليه عقرها ولا قيمة ولدها، وقد ذكرنا المسألة بدلائلها في كتاب النكاح) . ش: أي في آخر كتاب نكاح الرقيق، وأراد بالعقر مهر المثل. وفي " المحيط " العقر قدر ما تستأجر هذه المرأة لو كان الاستئجار للزجر حلالاً. م: (وإنما لا يضمن قيمة الولد، لأنه حر الأصل لإسناد الملك إلى ما قبل الاستيلاد) . ش: ولأن الملك انتقل إلى الإيجاب قبيل الوطء. م: (وإن وطئ أب الأب مع بقاء الأب لم يثبت النسب، لأنه لا ولاية للجد حال قيام الأب ولو كان الأب ميتاً يثبت من الجد كما يثبت نسبه من الأب لظهور ولايته عند فقد الأب) . ش: وكذا إذا كان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 103 يثبت نسبه من الأب لظهور ولايته عند فقد الأب؛ وكفر الأب ورقه بمنزلة موته لأنه قاطع الولاية وإذا كانت الجارية بين شريكين فجاءت بولد فادعاه أحدهما ثبت نسبه منه لأنه ثبت النسب في نصفه لمصادفته ملكه ثبت في الباقي ضرورة أنه لا يتجزأ، لما أن سببه لا يتجزأ وهو العلوق، إذ الولد الواحد لا يتعلق من مائين وصارت أم ولد له؛ لأن الاستيلاد لا يتجزأ عندهما، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصير نصيبه أم ولد له ثم يتملك نصيب صاحبه إذ هو قابل للملك ويضمن نصف قيمتها؛ لأنه تملك نصيب صاحبه لما استكمل الاستيلاد ويضمن نصف عقرها، لأنه وطئ جارية مشتركة، إذ الملك يثبت حكما للاستيلاد فيتعقبه الملك في نصيب صاحبه   [البناية] الأب حياً ولاية مثل أن يكون عبداً أو كافراً أو مجنوناً فالولاية للجد فيصح دعوته، فإذا عادت ولاية الأب بأن أسلم أو أعتق أو فاق قبل الدعوة لم تقبل دعوة الجد على ذلك. ولو كان الأب مرتداً لم تصح دعوة الجد عندهما، لأن تصرفات المرتد نافذة عندهما وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - موقوفة قال: [إن أسلم الأب لم تصح دعوة .... ] وإن مات على الردة أو لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه تصح. م: (وكفر الأب ورقه بمنزلة موته، لأنه قاطع الولاية) . ش: أي لأن كل واحد من الكفر والرق قاطع للولاية. [الجارية بين شريكين فجاءت بولد فادعاه أحدهما] م: (وإذا كانت الجارية بين شريكين فجاءت بولد فادعاه أحدهما) . ش: سواء ادعى في صحته أو مرضه. م: (ثبت نسبه منه لأنه لما ثبت النسب في نصفه لمصادفته ملكه ثبت في الباقي ضرورة أنه) . ش: أي أن النسب. م: (لا يتجزأ لما أن سببه لا يتجزأ وهو العلوق، إذ الولد الواحد لا يتعلق من مائين، وصارت أم ولد له لأن الاستيلاد لا يتجزأ عندهما. وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصير نصيبه أم ولد له، ثم تملك نصيب صاحبه، إذا هو قابل للملك) . ش: لاستحالة أن يخلق الولد من ماء الرجلين وثبوت ما لا يتجزأ كثبوت كله، ويضمن نصف قيمتها، لأنه يملك نصيب صاحبه لما استكمل الاستيلاد، أي في الجارية المذكورة لعدم التجزؤ، فيضمن نصف القيمة ويعتبر قيمة يوم وطئها، فعلقت، وبه صرح الحاكم. م: (ويضمن نصف عقرها، لأنه وطئ جارية مشتركة، إذ الملك يثبت حكماً) . ش: أي من حيث الحكم. م: (للاستيلاد فيتعقبه الملك في نصيب صاحبه) . ش: إذ هو قابل للملك. قال الأترازي: الضمير المنسوب راجع إلى الوطء لا إلى الاستيلاد، أي سبب الملك عقيب الوطء، وهذا لأن الملك لا يثبت عقيب الاستيلاد بل يثبت معه من وقت العلوق، والعلوق بعد الوطء، فيكون الملك بعد الوطء، فيكون الوطء مضافاً لنصيب شريكه أيضاً. ثم قال الأترازي: وظن بعض الشارحين أن الضمير يرجع إلى الاستيلاد، فقال وهذا على اختيار بعض المشايخ، وأما الأصح من المذهب فالحكم مع علته يفترقان. قلت: أراد ببعض الشارحين صاحب " النهاية ". وقال الأترازي: وذلك ليس بشيء، لأن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 104 بخلاف الأب إذا استولد جارية ابنه لأن الملك هنالك يثبت شرطا للاستيلاد فيتقدمه فصارا واطئا ملك نفسه، ولا يغرم قيمة ولدها، لأن النسب يثبت مستندا إلى وقت العلوق فلم يتعلق شيء منه على ملك الشريك. فإن ادعياه معا ثبت نسبه منهما، معناه إذا حملت على ملكهما. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرجع إلى قول القافة   [البناية] صاحب " النهاية " لم يجز ذلك المذهب بدليل أنه يثبت الملك من زمان الاستيلاد عقيب الاستيلاد ألا ترى أنه قال: ولا يغرم قيمة ولدها، لأن النسب يثبت مستنداً إلى وقت العلوق فلم يبق منه شيء على ملك الشريك، فعلم أن ملك الشريك انتقل إلى صاحب الدعوة من زمان العلوق، وهو زمان الاستيلاد لا بعده. وقال الأكمل: يجوز أن يكون مراده بالتعقيب الذاتي لا الزماني، وحينئذ يكون قادراً على الأصح من المذهب. م: (بخلاف الأب إذا استولد جارية ابنه) . ش: حيث لا يلزمه العقر. م: (لأن الملك هنالك يثبت شرطاً للاستيلاد) . ش: أي لثبوته. م: (فيتقدمه) . ش: أي فيتقدم ملك الاستيلاد، أي فإن قيل: الملك أثبت صورة الاستيلاد، فيثبت سابقاً على العلوق في حق الاستيلاد لا في حق غيره، لأن ما ثبت بالضرورة يتقدر بقدرها. قلنا: الاستيلاد عبارة. م: (فصار واطئاً ملك نفسه) . ش: وهذه التفرقة بين الشريك والد من حيث إن ملك الشريك في النصف قائم، وفيه العلوق وذلك يكفي للاستيلاد، فيجعل تملك نصيب صاحبه حكماً للاستيلاد، فيكون الوطء واقعاً في غير ملكه، وذلك يوجب الحد، لكنه سقط لشبهة الشركة، فيجب العقر. وأما الأب فلم يكن له ملك في الجارية، وقد استولدها فيجعل ملكها شرطاً للاستيلاد في ملكه حملاً لأمره على الصحاح، فيكون الوطء في ملكه، والوطء في ملكه لا يوجب العقر. م: (ولا يغرم) . ش: أي الشريك للمدعي. م: (قيمة ولدها) . ش: أي ولد الجارية المشتركة. م: (لأن النسب يثبت مستنداً إلى وقت العلوق، فلم يتعلق شيء منه على ملك الشريك) . ش: لأنه لما علق العلق حر الأصل، لأن نصفه المعلق على ملكه، وإنه يمنع ثبوت الرق فيه.. م: (فإن ادعياه معاً) . ش: أي فإن ادعى الشريكان الولد مجتمعين. م: (ثبت نسبه منهما) . ش: أي من الشريكين، هذا لفظ القدوري. وقال المصنف:. م: (معناه) . ش: أي معنى قول القدوري. م: (ثبت نسبه منهما إذا حملت على ملكهما) . ش: فإن ولدت لستة أشهر منذ اشتراها فولدت ولداً، كذا فسره العتابي في شرح " الجامع الصغير "، تفسير الحمل على ملكهما، لأنه إذا لم يكن العلوق في ملكهما، بأن ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الشراء كان دعوى تحرير لا دعوى استيلاد، فيعتق الولد ولا يثبت الاستيلاد، ولأن دعوى الاستيلاد إذا لم يكن العلوق في ملك المدعي وتشهد الحرية فيها إلى وقت العلوق، ودعوى التحرير أن لا يكون العلوق في الملك المدعى تفتقر الحرية فيها إلى وقت الدعوى. م: (وقال الشافعي: يرجع إلى قول القافة) . ش: بلفظ المبني للمفعول، والقافة بالقاف، والفاء المخففة، جمع القائف، كالحاكة في جمع الحائك، والقائف: هو الذي يعرف الآثار ويتبعها، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 105 لأن إثبات النسب من شخصين معا مع علمنا أن الولد لا يتخلق من مائين متعذر، فعملنا بالشبه، وقد سر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقول القائف في أسامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولنا كتاب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى شريح في هذه الحادثة: لبسا فلبس عليهما ولو بينا لبين لهما، وهو ابنهما يرثهما ويرثانه، وهو للباقي منهما، وكان ذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -   [البناية] ويعرف شبه الرجل في ولده وأخيه، من قاف أثره يقوفه. مقلوب، يقال: يقفوه، أي تبعه، ثم " القافية " مشهورة في بني مدلج بن مرة بن عبد مناف بن كنانة بن خزيمة. وقيل: " القافية " في أسد. وبقول الشافعي قال أحمد، وقال مالك: يعمل به في الإماء دون الحرائر. وبقولنا قال الثوري وإسحاق بن راهويه. م: (لأن إثبات النسب من شخصين معاً مع علمنا أن الولد لا يتخلق من مائين متعذر، فعملنا بالشبه، وقد سر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقول القائف في أسامة بن زيد) . ش: هذا أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن سفيان بن عتبة عن الزهري عن عروة «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: دخل علي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم مسروراً، فقال: يا عائشة أتدري أن محرزاً المدلجي دخل علي وعندي أسامة بن زيد وزيداً عليهما قطيفة، وقد غطى إياه رؤوسهما فبدت أقدامهما، فقال: هذه أقدام بعضها من بعض» قال أبو داود: وكان أسامة أسود، وكان زيد أبيض، وسمي محرز محرزاً، لأنه كان إذا أمر أحد حلق لحيته وقيل حرز ناصيته، وقال الشافعي: لو كان العمل بالشبه باطلاً لما سر به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لا يسر إلا للحق. م: (ولنا كتاب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى شريح) . ش: وهو شريح بن الحارث الكوفي، قاضي الكوفة من كبار التابعين، عاش مائة وعشرين سنة، واستقر بها زمان عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - على الكوفة، ولم يزل بعد ذلك قاضياً خمساً وسبعين سنة ولم يتعطل عنها إلا ثلاث سنين؛ امتنع فيها من القضاء في فتنة ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ومات سنة تسع وسبعين، ويقال: سنة ثمانين. م: (في هذه الحادثة) . ش: وهي التي كانت فيها دعوى الشريكين مع الولد الذي ولدته الجارية المشتركة بينهما. م: (لبسا) . ش: أي الشريكان، من لبس الأمر على فلان تلبساً إذا غماه عليه. م: (فلبس عليهما) . ش: أي النسب بينهما م: (ولو بينا لبين لهما، وهو ابنهما يرثهما ويرثانه، وهو للباقي منهما) ش: أي الولد للباقي من الشريكين، يعني إذا مات الولد بعد موت أحدهما يكون الميراث للأب الحي، ولا شيء لورثة الشريك. م: (وكان ذلك بمحضر من الصحابة " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ") . ش: أراد به إرادة في سرير المجمع عليه. وقال الأترازي: تحل محل الإجماع، والحديث رواه البيهقي، أخرجه عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن عمرو وجابر وطئا جارية في شهر واحد فجاءت بغلام فارتفعا إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فدعى بثلاثة من القافة فاجتمعوا على أن الشبهة بينهما جمعاً، وكان عمر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 106 وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مثل ذلك، ولأنهما استويا في سبب الاستحقاق فيستويان فيه، والنسب وإن كان لا يتجزأ ولكن تتعلق به أحكام متجزئة، فيما يقبل التجزئة يثبت في حقهما على التجزئة، وما لا يقبلها يثبت في حق كل واحد منهما كملا كأن ليس معه غيره، إلا إذا كان أحد الشريكين أبا للآخر، أو كان أحدهما مسلما والآخر ذميا لوجود المرجح في حق المسلم وهو الإسلام، وفي حق الأب وهو ماله من الحق في نصيب الابن   [البناية] قائفاً يقول، وقال: قد كانت الكلبة تنزو عليها الأسود والأصفر والأغبر، فيؤدي إلى كل كلب شبهه، ولم أكن أرى هذا في الناس حتى رأيت هذا، فجعله عمر لهما يرثهما ويرثانه، وهو الباقي منهما. وقال البيهقي: هذا منقطع ومبارك بن فضالة ليس بحجة. م: (وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مثل ذلك) . ش: أي مثل لما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وأخرجه الطحاوي في " شرح الآثار " عن سماك عن مولى لابن مخزوم قال: وقع رجلان على جارية في طهر واحد، فعلقت الجارية، فلم يدر من إليهما هو فقافيا علياً - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فقال: هو لكما يرثكما وترثانه، وهو الباقي منكما. م: (ولأنهما) . ش: أي الشريكان. م: (استويا في سبب الاستحقاق) . ش: أراد السبب، لأن الاستحقاق يثبت لا بالملك كان ثابتاً من قبل فلو لم تكن الدعوى ما كان يستحق بمجرد الملك انتهى. قلت: رواه الكاكي، فإنه قال سبب استحقاق الملك. وقال الأكمل: استحقاق الملك وقيل الدعوى. م: (فيستويان فيه) . ش: أي في الاستحقاق. م: (والنسب وإن كان لا يتجزأ) . ش: جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن إثبات النسب إلى آخره، وتقريره أن النسب وإن كان لا يتجزأ. م: (ولكن تتعلق به أحكام متجزئة) . ش: كالنفقة وميراث الولد وولاية التصرف في ماله. م: (فيما يقبل التجزئة يثبت في حقهما على التجزئة ما لا يقبلها) . ش: أي التجزئة. م: (يثبت) . ش: وولاية الإنكاح. م: (في حق كل واحد منهما كملاً كأن ليس معه غيره) . ش: لعدم قبول التجزئة. م: (إلا إذا كان أحد الشريكين أباً للآخر) . ش: هذا استثناء من قوله - وما لا يقبلها - أي ما لا يقبل التجزئة كالنسب في حق كل واحد منهما إلا إذا كان أحد الشريكين أباً للآخر فادعيا معاً ولد جارية بينهما يكون الأب أولى لوجود الترجيح، وعلى الأب نصف قيمة الجارية، وعلى كل واحد نصف العقر، فيتقاصان. م: (أو كان أحدهما مسلماً والآخر ذمياً) . ش: فادعياه معاً، فالمسلم أولى. م: (لوجود المرجح في حق المسلم، وهو الإسلام، وفي حق الأب) . ش: أي وجود المرجح في حق الأب. م: (وهو ما له من الحق في نصيب الابن) . ش: لأن للأب حقيقة الملك في نصيبه وشبهة الملك في نصيب ابنه، وإذا أسلم المدعي ثم ولدت الأمة فادعياه معاً ثبت نسبه منهما لاستواء حالهما، وإذا كانت الدعوى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 107 وسرور النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيما روي؛ لأن الكفار كانوا يطعنون في نسب أسامة، وكان قول القائف مقطعا لطعنهم فسر به، وكانت الأمة أم ولدهما لصحة دعوة كل واحد منهما في نصيبه في الولد، فيصير نصيبه منها أم ولد تبعا لولدها، وعلى كل واحد منهما نصف العقر قصاصا بما له على الآخر، ويرث الابن من كل واحد منهما ميراث ابن كامل لأنه أقر له بميراثه كله، وهو حجة في حقه، ويرثان منه ميراث أب واحد لاستوائهما في النسب كما إذا أقاما البينة. وإذا وطئ المولى جارية مكاتبه فجاءت بولد فادعاه، فإن صدقه المكاتب ثبت نسب الولد منه، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يعتبر تصديقه اعتبارا بالأب يدعي ولد جارية ابنه، ووجه الظاهر وهو الفرق   [البناية] من ذمي ومرتد فالولد للمرتد، لأنه أقرب إلى الإسلام وغرم كل واحد لصاحبه نصف العقر، كذا في " الشامل ". ثم اعلم أن النسب يثبت من اثنين باتفاق أصحابنا، وفيما فسرت ذلك اختلفوا، فعن أبي حنيفة من اثنين فقط. وقال محمد: من ثلاثة لا غير. م: (وسرور النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . ش: هذا جواب لاحتجاج الخصم بقوله وقد سر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقول يقول " القائف " تقرير أن رسول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (فيما روي) . ش: يجوز على صيغة المعلوم أي فيما روى الشافعي ويجوز على صيغة المجهول. م: (لأن الكفار كانوا يطعنون) . ش: بضم العين من باب نصر، يقال طعن عليه في حسبه طعنا وطعانا. م: (في نسب أسامة، وكان قول القائف مقطعها لطعنهم فسر به) . ش: أي فلأجل ذلك فسر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (وكانت الأمة أم ولدهما) . ش: أي للشريكين. م: (لصحة دعوى كل واحد منهما في نصيبه من الولد، فيصير نسبه منهما أم ولد له تبعاً لولدها وعلى كل واحد منهما نصف العقر قصاصاً بما له على الآخر) . ش: بفتح اللام، أي بالذي له. م: (ويرث الابن من كل واحد منهما ميراث ابن كامل، لأنه أقر له بميراثه كله، وهو حجة في حقه، ويرثان منه ميراث أب واحد لاستوائهما في النسب) . ش: وهو الدعوى. م: (كما إذا أقاما البينة) . ش: أي كل واحد وعلى أب مجهول النسب يكون ذلك بينهما، فكذا هذا. [وطئ المولى جارية مكاتبه فجاءت بولد فادعاه] م: (وإذا وطئ المولى جارية مكاتبه فجاءت بولد فادعاه، فإن صدقه المكاتب ثبت نسب الولد منه، وعن أبي يوسف أنه لا يعتبر تصديقه) . ش: أي تصديق المكاتب يعني يثبت النسب بمجرد دعوى المولى. م: (اعتباراً بالأب يدعي ولد جارية ابنه) . ش: وقد حملت في ملك الابن لا يشترط التصديق، بل يثبت النسب بمجرد دعوى الأب فكذا هنا بل أولى لأن دعوة المولى أقوى من دعوى الأب، لأن المولى له حق في مكاتب المكاتب، لأن مال الكتابة موقوف على مولاه، لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. م: (ووجه الظاهر وهو الفرق) . ش: بين استيلاد جارية الابن حيث يثبت فيه النسب بغير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 108 أن المولى لا يملك التصرف في اكتساب مكاتبه حتى لا يتملكه والأب يملك تملكه، فلا يعتبر تصديق الابن، وعليه عقرها لأنه لا يتقدمه الملك لأن ماله من الحق كاف لصحة الاستيلاد، لما نذكره، وقيمة ولدها لأنه في معنى المغرور حيث إنه اعتمد دليلا وهو أنه كسب كسبه فلم يرض برقه، فيكون حرا بالقيمة ثابت النسب منه، ولا تصير الجارية أم ولد له لأنه لا ملك له فيها حقيقة كما في ولد المغرور. وإن كذبه المكاتب في النسب لم يثبت   [البناية] تصديق، وجارية المكاتب حيث يشترط فيها التصديق. م: (أن المولى لا يملك التصرف في اكتساب مكاتبه) . ش: لحجره على نفسه. م: (حتى لا يتملكه) . ش: أي لا يتملك كسب المكاتب عند الحاجة. م: (والأب يملك تملكه) . ش: أي تملك مال ابنه، لأنه لم يحجر على نصيبه. م: (فلا يعتبر تصديق الابن، وعليه عقرها) . ش: أي وعلى المولى عقر جارية المكاتب. م: (لأنه لا يتقدمه الملك) . ش: قال الأكمل: لأن الملك لا يتقدم الأصلي. قال الأترازي: الضمير المنصوب راجع إلى الوطء الذي دل عليه قوله وطئ. م: (لأن ما له من الحق كاف) . ش: أي لأن ماله من حق الملك كاف. م: (لصحة الاستيلاد لما نذكره) . ش: أي نذكر الحق الذي للمولى على المكاتب، لأنه في مال المكاتب. قال الأترازي: في قول صاحب " الهداية " نظر، لأنه قال ماله من الحق كاف لصحة الاستيلاد، أي ما ثبت للمولى من الحق كاف لصحة الاستيلاد، والمفهوم منه ثبوت الاستيلاد جارية المكاتب والمنصوص في الكتب عن أصحابنا أن الاستيلاد لا يثبت وهو نفسه يصرح بهذا أيضاً بعد خطين بقوله - ولا تصير الجارية أم ولده - أي للمولى، فإذا لم تصر الجارية أم ولد له من ابن يصح الاستيلاد، انتهى. وقال الأكمل بعد أن نقل كلام الأترازي برمته فقال: قيل في كلام المصنف نظر، ثم قال: والجواب أن دلالة لفظ الاستيلاد على طلب نسب الولد أقوى من دلالته على كونه أم ولد فكأن المراد بقوله - لصحة الاستيلاد - لصحة نسب الولد، لدلالة ما بعده، فإن المصنف أجل قدراً من أن يقع بين كلاميه في سطرين تناقض، وفيه تأمل معطوف على قوله يقرها. قال:. م: (وقيمة ولدها لأنه في معنى المغرور حيث اعتمد دليلاً وهو أنه) . ش: أي أن الولد. م: (كسبه فلم يرض برقه) . ش: فيكون جواباً لقيمته دفعاً للضرر عن المكاتب ثابت النسب، أي ولا تصير الجارية أم ولد له، أي للمولى، لأنه لا تملك له فيها حقيقة كما في ولد المغرور. قال الأترازي: كان ينبغي أن يقول كما في المغرور بلا ذكر الولد على معنى أن الجارية لا تصير أم ولد للمغرور لعدم الملك فيها، وهذا هو حق الكلام، أما قوله: كما في ولد المغرور متعلق بقوله. م: (فيكون حرا بالقيمة ثابت بالنسب منه) . ش: وحينئذ لا بد من ذكر الولد، وعلى تقديرين أن يكون متعلقاً بقوله. م: (لا تصير الجارية أم ولد له، لأنه لا ملك له فيها حقيقة) . ش: تقديره. م: (كما في ولد المغرور، فإن كذبه المكاتب في النسب لم يثبت) . ش: هذا معطوف على قوله - فإن صدقه المكاتب - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 109 لما بينا أنه لا بد من تصديقه، فلو ملكه يوما ثبت نسبه منه لقيام الموجب وزوال حق المكاتب إذ هو المانع.   [البناية] م: (لما بينا أنه لا بد من تصديقه فلو ملكه يوماً) . ش: يعني لو ملك المولى بعد تكذيب المكاتب بمولاه. م: (ثبت نسبه منه لقيام الموجب) . ش: وهو الإقرار بالاستيلاد. م: (وزوال حق المكاتب إذ هو المانع) . ش: وقد زال ذلك بالنقل إلى الموت فيثبت النسب لزوال المانع والله أعلم. فروع: وفي " التكملة " ولا يحل للمولى وطء مكاتبته. ولو وطئها فعليه عقر. وفي " الإسبيجابي " لو علقت منه كان بالخيار إن شاء عجزت نفسها فصارت أم ولد، وإن شاءت مضت على الكتابة وأخذت عقرها، وفي " التنبيه " يلزمه عقرها، وإن أحلها تصير أم ولد له، فإن أدت الكتابة عتقت وتعتق بموت سيدها أيضا. وفي " المغني ": ووطء المكاتب بغير شرط حرام عند الجمهور والأئمة الأربعة، ولو شرط وطأها فهو باطل أيضاً عند الجمهور. وقال أحمد وابن المسيب: له ذلك عند الشرط، ولا حد عليه عند أهل العلم. وعن الحسن والزهري يحد. ولو وطئ جارية مكاتبه فعليه عقرها، وهو قول الشافعي وأحمد. وقال مالك: لا شيء عليه، لأنها ملكه. وفي " المحيط " يجوز إعتاق أم الولد، وكتابتها لتعجيل الحرية، وكذا تدبيرها، وفي غيرها لا يصح تدبيرها. وفي " جوامع الفقه ": استولد مدبرة التدبير وتعق عن جميع المال، ولا تسعى في الدين. ولو باع خدمة أم الولد منها جاز، وعتقت كما لو باع رقبة العبد منه هكذا رواه ابن سماعة عن أبي يوسف بيع الخدمة باطل ولا تعتق، بخلاف رقبتها منها حيث تعتق. ولو ولدت جارية منه وقال لمولاها أصلها لي والولد ولدي، وصدقه المولى في الإحلال، وكذبه في الولد ثبت نسبه، وصارت أم ولد له، ولو صدقه في الولد ثبت نسبه وهو عبد لمولاه، والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 110 كتاب الأيمان قال: الأيمان على ثلاثة أضرب : اليمين الغموس، واليمين المنعقدة، واليمين اللغو.   [البناية] [كتاب الأيمان] [تعريف الأيمان وحكمها] م: (كتاب الأيمان) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الأيمان وهو جمع يمين، وهو في اللغة القوة، ومنه قَوْله تَعَالَى: {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة: 45] (الحاقة الآية 45) ، أي بالقوة. وفي الشريعة عقد قوي عزم الخالق على الفعل أو الترك، وقال: النفي اليمين تقوية أحد طرفي الجزء بالقسم به، وطرفا الجزء الصدق والكذب. واليمين على ضربين يمين هي قسم وهو اليمين بالله عز وجل، ويمين هي الشرط والجزاء مثل تعليق الطلاق والعتاق ونحو ذلك بشرط، وهو يمين بعرف أهل الشرع، وأسماؤه ستة: قسم ويمين وحلف وعهد وميثاق وإيلاء ولليمين شرط، وهو كون الحالف مكالفاً، وسبب وهو إرادة تحقيق ما قصده، وركن، وهو اللفظ الذي ينعقد به اليمين، وحكم وهو البر، فما تجب البر فيه والكفارة على قرابة، وإنما قيل فيما يجب فيه البر، لأن من الأيمان ما يجب فيه الحنث على ما يجيء إن شاء الله تعالى. [أنواع الأيمان] م: (قال) . ش: أي القدوري. م: (الأيمان على ثلاثة أضرب) . ش: أي على ثلاثة أنواع. م: (اليمين الغموس، واليمين المنعقدة، واليمين اللغو) . ش: قال في " المغرب " الصواب أن يقال على ثلاثة أضرب، وإن كانت الرواية محفوظة بالتاء فعلى تأويل الأقسام. قوله - يمين غموس - قال الأترازي: هذا من إضافة الجزء إلى نوعه، كقولهم علم الطب، فخرج منه الجواب عما يقال إن الموصوف لا يضاف إلى صفته وبالعكس. وقال الكاكي: الأصح من النحاة اليمين الغموس من صفة لليمين، وما قيل أنه من إضافة الجنس إلى نوعه كعلم الطب غير صحيح لأن الطب ليس بصفة، ثم وجه الانحصار بين الثلاثة أن اليمين لا يخلو إما أن يكون فيها مؤاخذة، أو الثاني الأخير، والأولى إن كانت المؤاخذة في الدنيا فهو المنعقدة. وإن كانت المؤاخذة في العقبى فهو الغموس وفي " الإيضاح ": والأقسام الثلاثة إنما ستأتي في اليمين بالله تعالى. و" اليمين " في وجوب الحفظ أربعة أنواع: ما يجب فيها البر وهو الحلف على فعل طاعة أو ترك معصية، وذلك فرض عليه، وبالحلف يزداد وكادة، وما لا يجوز حفظها وهو الحلف على ترك طاعة أو فعل معصية، وما لا يخير فيه بين الحنث والبر، والحنث خير من البر فيندب فيه الحنث. قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من حلف على يمين ورأى غيرها خير منها فليأت بالذي هو خير» .... " الجزء: 6 ¦ الصفحة: 111 فالغموس: هو الحلف على أمر ماض يتعمد الكذب فيه، فهذه اليمين يأثم فيها صاحبها؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من حلف كاذبا أدخله الله النار» .   [البناية] الحديث وأدنى الأمر الندب، وما ينوي فيه البر والحنث في الإباحة فنحى بينهما، وحفظهما أولى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] المائدة الآية 89، وحفظ اليمين بعد وجوبها بالبر، ومتى حنث في اليمين المنعقدة فعليه الكفارة بالنص وإجماع الأمة. " والغموس " على وزن فعول للمبالغة، سميت به لأنها تغمس صاحبها في النار، وقيل لأنها تغمس صاحبها في الإثم لأنه تعمد فيها الكذب. [اليمين الغموس] م: (فالغموس: هو الحلف على أمر ماض يتعمد الكذب فيه) . ش: على إثبات شيء أو نفيه، وسواء كان ماضياً أو حالاً، نظير الماضي قول الرجل والله ما فعلت ذلك الأمر، هو عالم بأنه قوله. ونظير الحال قوله والله إنه زيد مع علمه إنه عمرو، وما أشبهه. وقول المصنف - على أمر ماض - وهو عبارة القدوري، فلذلك اقتصر المصنف عليه، ويشير قوله - على أمر ماض - قيدوا لها الماضي والحال، سواء لأن الغموس لا يتحقق في الحال أيضاً، ولكنه اقتصر على الماضي بناء على الغالب، لأن الماضي شرط، ولهذا صرح صاحب " التحفة " وغيره: أن الغموس يتحقق في الحال أيضا. وفي " شرح الكافي ": اليمين الغموس ليست يمين في الحقيقة، لأن اليمين عقد مشروع، وهذه كبيرة محضة، وهي ضد المشروع، ولكن سمي يميناً مجازاً لارتكاب هذه الكبيرة باستعمال صورة اليمين، وفي البخاري عن عبد الله بن عروة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين واليمين الغموس» . م: (فهذه اليمين يأثم فيها صاحبها لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) . ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «من حلف كاذباً أدخله الله النار» . ش: هذا الحديث غريب بهذا اللفظ، ولكن ورد في صحيح ابن حبان من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقطع بها مال امرء مسلم، حرم الله عليه الجنة، وأدخله النار» وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لقي الله وهو عليه غضبان» ، وفي سنن أبي داود من حديث عمران بن حصين قال: قال رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حلف على يمين مصبورة كاذباً فليتبوأ مقعده من النار» ، وقال الأترازي: ألزم بها وحبس عليها وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم، وقيل لها مصبورة وإن كان صاحبها هو المصبور لأنه إنما صبر من أجلها أي حبس ووصف بالصبر وأضيف إليه مجازاً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 112 ولا كفارة فيها إلا التوبة والاستغفار، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيها الكفارة لأنها شرعت لرفع ذنب هتك حرمة اسم الله تعالى، وقد تحقق بالاستشهاد بالله كاذبا فأشبه المعقودة. ولنا أنها كبيرة محضة، والكفارة عبادة حتى تتأدى بالصوم، ويشترط فيها النية، فلا تناط بها، بخلاف المعقودة؛ لأنها مباحة   [البناية] م: (ولا كفارة فيها إلا التوبة والاستغفار) . ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - وكذا أهل العلم منهم عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وسعيد بن المسيب والحسن البصري والأوزاعي والثوري والليث وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الحديث وداود الظاهري. م: (وقال الشافعي: فيها الكفارة) . ش: وهو قول الزهري ومحمد بن مسلم وعطاء بن أبي رباح. م: (لأنها) . ش: أي لأن الكفارة. م: (شرعت لرفع ذنب هتك حرمة اسم الله تعالى) . ش: فيه تتابع الإضافات. م: (وقد تحقق) . ش: أي الهتك. م: (بالاستشهاد بالله) . ش: أي الحلف بالله حال كونه. م: (كاذباً فأشبه المعقودة) . ش: أي اليمين المعقودة. م: (ولنا أنها) . ش: أي اليمين الغموس. م: (كبيرة محضة) . ش: لما روى البخاري من حديث عبد الله بن عمر قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من الكبائر الإشراك بالله» وقد مضى الآن، ولو كان بها كفارة لذكرها. وقال الكاكي: والجمهور قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خمس من الكبائر لا كفارة فيهن، وعد منها اليمين الفاجرة» ، رواه أبو الفرج. وقال ابن المنذر: لا نعلم خبراً يدل على ما قال الشافعي من وجوب الكفارة. م: (والكفارة عبادة حتى تتأدى بالصوم، ويشترط فيها النية) . ش: والمشروعات ثلاثة أنواع: عبادة محضة، وسببها مباح، وعقوبة محضة وسببها حرام محض، وكفارات مترددة بين العبادة والعقوبة، ويشترط لها النية كسائر العبادات والنية لا تشترط في العقوبات. م: (فلا تناط بها) . ش: أي فلا تناط الكفارة بالكبيرة يعني أن اليمين الغموس بما كانت كبيرة محضة لم تكن مناطاً لكفارة التي هي عبادة، بدليل أدائها بالصوم. م: (بخلاف المعقودة) . ش: أي بخلاف اليمين المنعقدة، فإنها ليست بكبيرة. م: (لأنها مباحة) . ش: فجاز أن يناط بها لعبادة. وقال الأكمل: وفيه بحث من وجوه: الأول: لو كان ما ذكرتم صحيحاً لما وجبت الكفارة على المظاهر لكون الظاهر منكراً من القول وزوراً، وهذا نقص إجمال. الثاني: ما وجبت بالأدنى وجبت بالأعلى بطريق الأولى. الثالث: الكبيرة سيئة، والعبادة حسنة وأشباهها إياها مباح بها، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أتبع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 113 ولو كان فيها ذنب فهو متأخر متعلق باختيار مبتدأ، وما في الغموس ملازم، فيمتنع الإلحاق بها، والمنعقدة ما يحلف على أمر في المستقبل أن يفعله أو لا يفعله، وإذا حنث في ذلك لزمته الكفارة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يؤاخذكم الله باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان} [المائدة: 89] (البقرة: الآية 225) ، وهو ما ذكرنا، ويمين اللغو: أن يحلف على أمر ماض، وهو يظن أنه كما قال والأمر بخلافه، فهذه اليمين نرجو أن لا يؤاخذ الله بها صاحبها   [البناية] السيئة الحسنة تمحها» . والجواب الأول: أن الكفارة لم تجب بالظهار، بل بالعود الذي هو العزم على الوطء، وهو مباح. وعن الثاني: بأنه لا يلزم من رفع الأضعف شيء رفع الأقوى به. وعن الثالث: بأن الحسنة تمحو السيئة المقابلة لها، ومقابلة هذه الحسنة بهذه السيئة ممنوعة، بل المظنون خلاف المقابلة لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خمس من الكبائر لا كفارة فيهن» ... الحديث " ولو كان فيها ذنب هذا جواب عما يقال المباح هو ما لا يكون فيه ذنب، والمنعقدة فيها ذنب فلا تكون متأخرة فلا تناط بها العبادة كما ذكرتم. م: (ولو كان فيها) . ش: أي في المنعقدة. م: (ذنب فهو متأخر) . ش: عن اليمين بالحنث. م: (متعلق باختيار مبتدأ) . ش: ففيما يفعل اختياري. م: (وما في الغموس ملازم) . ش: إنما في الغموس من الذنب ملازم لا يفارقها لا ابتداء ولا انتهاء، فإذا كان كذلك. م: (فيمتنع الإلحاق بها) . ش: أي بالمنعقد فلا يصلح إلحاق الغموس بالمنعقدة قياساً عليها. وقال الأكمل: وفي هذا الجواب تلويح إلى الجواب عن قوله فأشبه المعقود.. [اليمين المنعقدة] م: (والمنعقدة) . ش: أي اليمين المنعقدة. م: (ما يحلف) . ش: الحالف. م: (على أمر في المستقبل أن يفعله أو لا يفعله) . ش: مثال الفعل والله لأدخلن دارك مثلاً، ومثال عدم الفعل والله لا أكلم فلاناً مثلاً. م: وإذا حنث في ذلك) . ش: أي في إتيانه باليمين المنعقدة. م: (لزمته الكفارة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89] [البقرة الآية: 225] ،. م: (وهو ما ذكرنا) . ش: أي المراد من قَوْله تَعَالَى {بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89] ما ذكرنا من قولنا، والمنعقدة ما يحلف على أمر في المستقبل أن يفعله أو لا يفعله، يعني حقيقة ما نص في الآية ما ذكرنا.. م: (ويمين اللغو: أن يحلف على أمر ماض، وهو) . ش: أي الحال أنه. م: (يظن أنه كما قال) . ش: يعني ظن أن الأمر كما ذكره لقوله والله لقد دخلت الدار، والله ما كلمت زيداً. م: (والأمر بخلافه) . ش: أي والحال أن الأمر بخلاف ما كان يظنه. م: (فهذه اليمين) ش: أي يمين اللغو هذه حكمها م: (نرجو أن لا يؤخذ الله بها) ش: أي بهذه اليمين اللغو م: (صاحبها) . ش: وذلك لأن يمين اليمين اللغو لا حكم لها أصلاً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] [البقرة الآية: 225] ، أي لا يؤاخذكم الله بلغو اليمين يحلفه أحدكم بالظن، وفي " الشامل " وعن الشافعي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 114 ومن اللغو أن يقول والله إنه لزيد وهو يظنه زيدا وإنما هو عمرو. والأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {لا يؤاخذكم الله باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم} [المائدة: 89] .... الآية (البقرة: الآية 225) ، إلا أنه علقه بالرجاء للاختلاف في تفسيره.   [البناية] اللغو اليمين التي لم يقصدها في الماضي والمستقبل. وهو إحدى الروايتين عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي " التحفة " قال الشافعي فيمين اللغو هي اليمين التي تجري على لسان الحالف من غير قصد، مثل قوله لا والله، بلى والله، أو كان بغير القرآن، فجرى على لسانه اليمين. وقال الكاكي: وعن محمد يمين اللغو هو قول الرجل لا والله وبلى والله في كلامه، وهو مروي عن عائشة موقوفاً ومرفوعاً. وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في رواية قال الشافعي وأحمد ومحمد في رواية. وقال الشافعي في رواية مثلها ذكرها صاحب " التحفة "، وهو قول محمد في رواية. وعن مالك أن اللغو هو اليمين الغموس، كذا نقل عن الشافعية. وقال إبراهيم النخعي: لغو اليمين أن يحلف ناسياً على ماض أو مستقبل. وقال الشعبي ومسروق: لغو اليمين أن يحلف على معصية، ويتركها، فيكون لاغياً ليمينه. وقال سعيد بن جبير: لغو اليمين أن يحرم على نفسه ما أحل الله له من قول أو عمل. [يمين اللغو] م: (ومن اللغو) . ش: أي ومن يمين اللغو. م: (أن يقول الرجل والله إنه لزيد، وهو) . ش: أي والحال. م: (يظنه زيداً وإنما هو عمرو) . ش: وكذا إذا رأى طائراً من بعد فظنه غراباً فقال والله إنه غراب فإذا هو حمام. م: (والأصل فيه) . ش: أي في اللغو اليمين (قَوْله تَعَالَى. م: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ} [المائدة: 89] الآية [البقرة الآية: 225] {بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89] وقد مر تفسيره الآن. م: (إلا أنه علقه بالرجاء) . ش: أي غير أن محمداً علقه بالرجاء. قال الكاكي: هذا جواب عن سؤال مقدر، ذكره في " المبسوط ". فإن قيل ما معنى تعلق محمد بنفي المؤاخذة بالرجاء وعدم المؤاخذة في اللغو منصوص وما عزاه بالنص فهو مقطوع به قلنا نعم، ولكن صورة مالك اليمين مختلف فيها بالرجاء نفي المؤاخذة في اللغو بالصورة التي ذكرها، وذلك غير معلوم بالنص، مع أنه لم يرد بذلك اللفظ التعليق بالرجاء أراد به التعظيم والتبرك بذكر اسم الله تعالى، كما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مر بالمقابر، فقال السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» . وما ذكر الاستثناء بمعنى المثل فإنه كان يتعين بالموت، قال الله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ} [الزمر: 30] الآية، ولكن معنى الاستثناء مما ذكر من الاختلاف في تفسير على ما ذكرناه وعلى ما نذكره إن شاء الله تعالى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 115 قال: والقاصد في اليمين والمكره والناسي سواء، حتى تجب الكفارة   [البناية] وقال الأترازي قوله - الآية - علقه بالرجاء، هذا جواب سؤال مقدر بأن يقال كيف علق القدوري عدم المؤاخذة بالرجاء في قوله فهذه اليمين نرجو أن لا يؤاخذ الله بها صاحبها وعدم المؤاخذة مقطوع بالنص في اللغو، قال الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] [البقرة الآية 225] . فأجاب عنه وقال نعم، لكن. م: (للاختلاف في تفسيره) . ش: أي في تفسير اللغو، فأورث شبهة، فلهذا لم يقطع القول بعدم المؤاخذة فيما فسره من اللغو، وقد اقتدى القدوري بمحمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - انتهى. قلت: هذا كما رأيت فاعل قوله علقه لمحمد بن الحسن على ما ذكر الكاكي، وعلى ما ذكره الأترازي والقدوري، فتأمل أيما صواب. وقال الزجاج في تفسير اللغو: يقال لغوت لغواً ولغوت الغي لغواً، مثل للغي ورحت التكلم بحرث الحو والحي محواً، ويقال لغيت في الكلام ألغي لغواً لغي إذا أتيت بلغو، أو كل ما لا خير فيه مما يريم فيه اللغي ورقة التكلم، أو يكون غير محتاج إليه في الكلام فهو لغو ولغا. قال الزجاج: وقال الجوهري: لغا يلغو لغواً، أي قال باطلاً، ونباح الكلب لغو أيضاً، ولغي بالكسر لغى والأغية اللغو، وروى الزمخشري عن مجاهد هو الرجل يحلف على الشيء ويرى أنه كذلك، وليس كما ظن، وروي أن الحسن سئل عن لغو اليمين، وعنده الفرزدق قال: يا أبا سعيد دعني أجب عنك، فقال وليت بمأخوذ ويغلو بقوله: [إذا لم تغمد عاقدات العزائم] . ذكره في تفسير سورة المائدة. وقال أيضاً في سورة البقرة اللغو الساقط الذي لا يعتد به في كلام وغيره، ولذلك قيل لما لا يعتد به في الدية من أولاد الإبل لغو. وقال شمس الأئمة السرخسي في أصوله قال علماؤنا: اللغو ما يكون خالياً عن الفائدة اليمين شرعاً ووصفاً، فإن فائدة اليمين إظهار الصدق من الخبر، فإذا أضيف إلى خبر ليس فيه احتمال الصدق كان خالياً عن فائدة اليمين، وكان لغواً. [القاصد في اليمين والمكره والناسي سواء] م: (قال) . ش: أي القدوري. م: (والقاصد في اليمين والمكره والناسي سواء) . ش: الناس هو الذي أراد أن يتكلم بكلام، فجري على لسانه اليمين وهو خاطئ حقيقة، كذا ذكره في التقويم، وقيل الناسي هو الذي يذهل عن التلفظ باليمين ثم يذكر أنه تلفظ باليمين ناسياً. وفي بعض النسخ ذكر " الخاطئ " مكان الناسي. م: (حتى تجب الكفارة) . ش: بيان نتيجة كون القاصد في اليمين والمكره والناسي سواء يعني لا فرق في وجوب الكفارة على هؤلاء جميعاً. م: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 116 لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق واليمين» . والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا في ذلك   [البناية] (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) . ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «ثلاث جدهن جد وهزلهن جد، النكاح والطلاق واليمين» . ش: هذا الحديث ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هكذا وبعض الفقهاء يجعل عوض اليمين العتاق، ومنهم صاحب الخلاصة والغزالي في " الوسيط " وغيرهما، وكلاهما غريب، وإنما الحديث النكاح والطلاق، والرجعة. أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن عبد الرحمن بن حبيب بن أردك عن عطاء بن أبي رباح عن ابن ماهك عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثلاث جدهن جد وهزلهن جد، النكاح والطلاق والرجعة» انتهى. وقد غلط النووي الغزالي في " تهذيب الأسماء واللغات "، فقال: وقد وقع هذا الحديث في " الوسيط " النكاح والطلاق والعتاق، وليس بصواب، وإنما الصواب الرجعة. قلت: فيه نظر، روى الحارث بن أبي أسامة في مسنده حدثنا بشر بن عمر حدثنا ابن لهيعة عن عبد الله بن أبي جعفر عن عبادة بن الصامت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يجوز اللعب في ثلاث، الطلاق والنكاح والعتاق» [ .... .] وروى الطبراني من حديث فضالة بن عبيد بلفظ: «ثلاثة لا يجوز اللعب فيهن الطلاق والنكاح والعتاق» . وفيه ابن لهيعة كما مر وما قيل الكلام أن لفظ الحديث هو الذي رواه أبو داود والترمذي كما مر ورواه الترمذي وصححه الحاكم وليس فيه لفظ اليمين، وشراح " الهداية " كلهم سكتوا عن هذا غير أن الأترازي قال في شرحه: لنا ما روى أصحابنا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال ثلاث .... . إلى آخره، ولو سكت مثل غيره لكان أوجه. م: (والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا في ذلك) . ش: أي فيما ذكر من يمين المكره والناسي فإنه يقول لا ينعقد يمينهما، واحتج بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» وأجاب أصحابنا عنه بأنه ليس المراد منه حقيقة الخطأ والنسيان، والإكراه، لأنها ليست بمرفوعة حقيقة بدليل وقوعها حساً، وإنما المراد منه الحكم وهو إما حكم الدنيا أو حكم الآخرة، والأول بدليل وجوب الكفارة والدية في القتل الخطأ، وهو من أحكام الزنا. وكذا يجب الغسل مما إذا جامع المكره على الزنا يفسد حجه وصومه، وذلك من أحكام الدنيا فتعين الثاني هو رفع الإثم. فإن قلت: لا يثبت الكفر مع الإكراه فينبغي أن لا ينعقد اليمين به كالنوم والجنون، وأن لا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 117 وسنبين ذلك في الإكراه إن شاء الله تعالى، ومن فعل المحلوف عليه مكرها أو ناسيا فهو سواء؛ لأن الفعل الحقيقي لا ينعدم بالإكراه وهو الشرط. وكذا إذا فعله وهو مغمى عليه أو مجنون لتحقق الشرط حقيقة. ولو كانت الحكمة رفع الذنب، فالحكم يدار على دليله وهو الحنث لا على حقيقة الذنب، والله تعالى أعلم بالصواب.   [البناية] يسلم صحة القياس لعدم المماثلة بين [المكره] والمغمى عليه، لأن النوم والجنون نافيان التكليف بخلاف الإكراه ولهذا أباح الخمر للمكره، ويحرم عليه قتل النفس والزنا، وذلك آية الخطاب.. م: (وسنبين ذلك في الإكراه إن شاء الله تعالى) . ش: إن أراد به ما ذكره في كتاب الإكراه بقوله - وكذا اليمين والظهار لا يعمل فيهما لعدم احتمالهما الفسخ. م: (ومن فعل المحلوف عليه مكرهاً أو ناسياً فهو سواء) . ش: يعني إذا حلف لا يفعل شيئاً وكان طائعاً في الحلف ثم فعله وهو مكره أو ناس يحنث وبه قال مالك والشافعي في قول وأحمد في رواية. وقال الشافعي في الأصح وأحمد في رواية: لا يحنث للحديث المذكور، وهو أنه قد مر. وكذا عندنا على ما يجيء إذا فعل المحلوف عليه وهو مغمى عليه أو مجنون لتحقق الشرط حقيقة، وقد وجد وهو الفعل الحق لأنه لا ينعدم بالإكراه. فإن قلت: اليمين يقوى بها الحالف على الفعل أو الترك، وهو من الأفعال الاختيارية، فكيف يكون الناسي فيه كالقاصد. قلت: ذلك هو القياس، وقد ترك بالنص لا يقال النص معارض بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» .... " الحديث [ ... ] م: (لأن الفعل الحقيقي) . ش: الذي يوجد حسا. م: (لا ينعدم بالإكراه وهو الشرط) . ش: أي وجود الفعل الحقيقي، وهو الشرط وقد وجد. م: (وكذا إذا فعله وهو مغمى عليه أو مجنون) . ش: هذا ذكره المصنف تفريعاً لعله القدوري، لأنه قوله ومن فعل المحلوف عليه مكرهاً أو ناسياً فهو سواء للفظ القدوري، يعني إذا حلف وهو صحيح العقل ثم فعل المحلوف عليه في حال الإغماء أو الجنون يجب عليه الكفارة. م: (لتحقق الشرط حقيقة) . ش: الشرط هو الحنث وقد تحقق حقيقة الشروط.. م: (ولو كانت الحكمة رفع الذنب) . ش: هذا جواب عما يقال الحكم في شرع الكفارة رفع الذنب، لأنها ستارة كاسمها، ولا ذنب للمجنون والمغمى عليه فعلاً لعدم الفهم فينبغي أن لا يحنث ولا يجب عليهما الكفارة. فأجاب بقوله - ولو كانت الحكمة - أي مشروعية الكفارة رفع الذنب على تقدير التسليم. م: (فالحكم) . ش: أي حكم الكفارة. م: (يدار على دليله) . ش: أي دليل الذنب. م: (وهو الحنث في اليمين لا على حقيقة الذنب) . ش: كما في الاستبراء، فإنه يجب على المشتري لوجود دليل الشغل، وإن لم يوجد حقيقة الشغل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 118 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قال الأكمل: ولقائل أن يقول إقامة الدليل مقام المدلول لدوران الحكم عليه إنما يكون إذا كان المدلول أمراً خفياً عن الأصل فيدور عليه. وإن لم يتصور المدلول في بعض الصور كما ذكرت من شغل الرحم، والمدلول وهو الذنب في هذه الصورة عند الحنث محقق الظاهر، فلا يصح إقامة الدليل مقام المدلول. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 119 باب ما يكون يمينا وما لا يكون يمينا قال: واليمين بالله تعالى أو باسم آخر من أسماء الله تعالى كالرحمن والرحيم أو بصفة من صفاته التي يحلف بها عرفا كعزة الله وجلاله وكبريائه، لأن الحلف بها متعارف، ومعنى اليمين وهو القوة حاصل، لأنه يعتقد تعظيم الله وصفاته، فصلح ذكره.   [البناية] [باب ما يكون يمينا وما لا يكون يمينا] [اليمين بالله أو باسم آخر من أسماء الله عز وجل] م: (باب ما يكون يميناً وما لا يكون يميناً) ش: أي هذا باب في بيان ما يكون يميناً من الألفاظ وما لا يكون يميناً م: (قال) . ش: أي القدوري. م: (واليمين بالله) . ش: أي بلفظ الله لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت» رواه مالك في الموطأ. م: (أو باسم آخر) . ش: أي اليمين باسم آخر. م: (من أسماء الله - عز وجل - كالرحمن والرحيم) . ش: قال الكاكي ثم جميع أسماء الله تعالى في ذلك سواء يفارق الناس الحلف به أولاً، وهو الظاهر من مذهب أصحابنا وهو الصحيح، وبه قال مالك وأحمد والشافعي وقوله للحديث المذكور. والحلف بجميع أسمائه حلف بالله. وذكر شمس الأئمة البيهقي في " الشامل "، ثم اليمين اسم آخر من أسماء الله تعالى إذا كان اسماً لا يشارك فيه غيره يكون يميناً، لأنه لا يحتمل غير اليمين. ولو حلف باسم يشارك فيه غيره كالحكم والعزيز إن نوى به يكون يميناً، وإلا فلا لأنه يحتمل وسوى في " التحفة " بين أن يكون اسماً خاصاً لله تعالى، أو اسماً يشارك فيه غيره. وقال الأترازي: فيه نظر لأنه بالإجمال لا يتعين اسم الله مراداً. م: (أو بصفة) . ش: أي اليمين بصفة. م: من صفاته التي يحلف بها عرفاً كعزة الله وجلاله وكبريائه، لأن الحلف بها متعارف) . ش: أي الحلف بصفة من صفاته متعارف المراد بالصفة هي الحقيقة وهي المعنى القائم بالذات اسماً لعزة ونحوها لا لصفة ألحق به كقولك مررت برجل قائم، قال الأترازي: ثم صفاته تعالى إن كان من صفات الذات يجوز اليمين بها، وإن كانت من صفات الفعل، فلا يجوز اليمين بها. والفصل بينهما أن كل ما لا يجوز أن يوصف الله بضده فهي من صفات الذات كعزة الله تعالى وجلاله وكبريائه وقدرته إلا العلم فإن اليمين به لا يجوز لجواز إرادة المعلوم كما قال الله تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة: 255] [البقرة الآية: 255] ، أي من معلوماته، كذا قال الزمخشري. وكل ما يجوز أن يوصف الله عز وجل بضده، فهي من صفات الفعل كالرحمة والغضب والسخط عليها على ما يجيء الآن. [الحلف بصفات الذات كالقدرة والعظمة] م: (ومعنى اليمين وهو القوة حاصل) . ش: أي في صفاته التي علق بها عرفاً. م: (لأنه) . ش: أي لأن الحالف. م: (يعتقد بعظمة الله وصفاته فصلح ذكره) . ش: أي ذكر الحالف اسم الله تعالى وصفاته الجزء: 6 ¦ الصفحة: 120 حاملا ومانعا. قال: إلا قوله وعلم الله، فإنه لا يكون يمينا لأنه غير متعارف، ولأنه يذكر ويراد به المعلوم، يقال: اللهم اغفر علمك فينا، أي معلوماتك.   [البناية] صلح. م: (حاملاً) . ش: على اليمين. م: (ومانعاً) . ش: حاصل الكلام أن يقال إن مبنى الأيمان على العرف فما تعارف الناس الحلف به يكون يميناً وإلا فلا وهو اختيار مشايخ ما وراء النهر لأن اليمين إنما يعتقد للحمل أو المنع. وذا إنما يكون بما يعتقد الحالف تعظيمه، وكل مؤمن يعتقد بعظمة الله وصفاته، إذ هو معظم بجميع أسمائه وصفاته، فصارت حرمة ذاته وصفاته حاملاً أو مانعاً على ما قصد الحالف نفياً وإثباتاً. وفي " المبسوط " قال مشايخنا العراقيون الحلف بصفات الذات كالقدرة والعظمة والعزة والجلال والكبرياء غير، والحلف بصفات الفعل كالرحمة والسخط والغضب، ولا يكون يميناً، وقالوا ذكر صفات الذات لذكر الذات وذكر صفات الفعل ليس لذكر الذات، والحلف بالله مشروع دون غيره. وعلى هذا ينبغي أن يكون وعلم الله، يميناً، لأنه من صفات الذات ولكنهم تركوا هذا القياس، لأن العلم يذكر ويراد به المعلوم بجميع. [قال وعلم الله أو قدرة الله تعالى ونوى به اليمين أو أطلق] م: (قال إلا قوله وعلم الله) . ش: وفي بعض النسخ قال، أي القدوري إلا قوله وعلم الله، وهذا مستثنى منقطع من قوله - أو بصفة من صفاته - التي يحلف بها عرفاً. م: (فإنه) . ش: أي فإن الحلف بعلم الله. م: (لا يكون يميناً، لأنه غير متعارف) . ش: لأن اليمين إذا لم يكن متعارفاً كان استثناء عن العرف منقطعاً. وقال الشيخ أبو نصر: هذا الذي ذكره القدوري استحساناً، والقياس أن يكون يميناً، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قلت: قال الشافعي: إذا قال وعلم الله أو قدرة الله تعالى، ونوى به اليمين أو أطلق فهو يمين، ولو قال أردت المعلوم أو المقدور لم يكن يميناً، وكذا في خلق الله وزرق الله لم يكن يميناً بلا نية وقال مالك: لا ينعقد اليمين بصفات الفعل، وبه قال أحمد في رواية لأنه مشترك، ومع الاشتراك حرمة له فلا ينعقد اليمين به، وعن أحمد في القدرة مثل قولنا. م: (ولأنه) . ش: أي ولأن العلم. م: (يذكر ويراد به المعلوم، يقال اللهم اغفر علمك فينا أي معلوماتك) . ش: فإن قلت: على هذه القدرة فإنها تصح بها اليمين مع صحة إرادة المقدور، وبهذا يقال انظر إلى قدرة الله تعالى. قلت: لا نسلم لأن المقدور بالموجود خرج أن يكون مقدوراً، لأن التحصيل محل، فلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 121 ولو قال وغضب الله وسخطه لم يكن حالفا، وكذا ورحمة الله، لأن الحلف بهما غير متعارف، ولأن الرحمة قد يراد بها أثرها وهو المطر أو الجنة والغضب والسخط يراد بهما العقوبة. ومن حلف بغير الله لم يكن حالفا كالنبي والكعبة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من كان منكم حالفا فليحلف بالله أو ليذر» . وكذا إذا حلف بالقرآن لأنه غير متعارف   [البناية] يحتمل إرادة بالحلف وقيل الموجود معدوم ولا تعارف في الحلف بالمعدوم، فكان المراد بالحلف بالقدرة هي الصفة القائمة بذات الله تعالى، بخلاف العلم إذا أريد به المعلوم، حيث لا يخرج المعلوم عن أن يكون معلوماً بالموجود، فظهر الفرق بين العلم والقدرة. [قال وغضب الله وسخطه] م: (ولو قال وغضب الله وسخطه لم يكن حالفاً) . ش: وكذا إذا قال وعذاب الله أو ثوابه أو رضاه، وبه صرح الحاكم في " الكافي " م: (وكذا) . ش: أي وكذا ليس يمين إذا قال. م: (ورحمة الله لأن الحلف بهما) . ش: أي بغضب الله وبرحمته. م: (غير متعارف) . ش: لأن الأصل أن كل ما يتعارفه العرف يميناً ولم يرد به النهي في الشريعة كان يميناً وكل ما لا يتعارفه العرف يميناً لا يكون يميناً. م: (ولأن الرحمة قد) . ش: يذكر. م: (يراد بها أثرها وهو المطر) . ش: قيل هذا منقوض، بقدرة الله تعالى فإنه يقال انظر إلى قدرة الله تعالى، والمراد أثره، [ .... ... ] ، ومع ذلك يحلف بها. م: (أو الجنة) . ش: أي يذكر الرحمة ويرد بها الجنة، قال الله عز وجل {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 107] . م: (والغضب) . ش: مبتدأ. م: (والسخط) . ش: عطف عليه وقوله. م: (يراد بهما العقوبة) . ش: خبر المبتدأ، ولو قال وأمانة الله يكون يميناً، لأن معناه والله اليمين، وأنه من صفات ذاته، كذا في " الشامل " وهذا الخلاف ما ذكره صاحب " التحفة " عن الطحاوي أنه لا يكون يميناً، وإن نوى بخلاف ما روي عن أبي يوسف أنه لا يكون يميناً، وهو الأصح لما روي عن زيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حلف بالأمانة فليس منا» ، وهو الأصح. [حلف بالنبي وبالكعبة] م: (ومن حلف بغير الله لم يكن حالفاً كالنبي والكعبة) . ش: أي قال والنبي لا أفعل هذا والكعبة كذلك. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) . ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «من كان منكم حالفاً فليحف بالله أو ليذر» . ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا النسائي عن نافع «عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: " أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أدركه في ركب وهو يحلف بأبيه، فقال إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليسكت " ولفظ الصحيحين: " أو ليصمت» وقال مخرج الأحاديث. عجب من الشيخ زكي الدين كيف عزاه للنسائي وترك الترمذي والنسائي لم يذكر، وذكره برمته. م: (وكذا إذا حلف بالقرآن) . ش: لا يكون يميناً. م: (لأنه غير متعارف) . ش: لأنه يراد به المقدور هو غير الله تعالى. وقال الشافعي ظني ليس ينبغي أن يحلف رجل بتوريته من كتاب الله تعالى ولا بالقرآن ولا بالكعبة، ولا بالصلاة ولا بالصيام ولا شيء من طاعات الله عز وجل. قال الأترازي: أنه لو حلف فقال والصلاة لا أفعل، كذا كان قد حلف بغير الله. وقال أبو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 122 قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معناه أن يقول: والنبي والقرآن، أما لو قال: أنا بريء منهما يكون يمينا، لأن التبري منهما كفر.   [البناية] يوسف: إن قال والرحمن لا أفعل كذا، وعنى به سورة الرحمن لا حنث عليه كذا ذكره الناطفي في " الأجناس ". وكذلك لو قال والرسول والنبي والمسجد الحرام وبيت الله لا يكون يميناً، كذا في " شرح الطحاوي "، وقال في " الكافي " وما اعتاده الناس من الحلف مجاز [تووسرتوا] . فإن اعتقد أنه حلف وأن البر به واجب يكفر كذا في " محاسن الشرائع "، وفي " التتمة " قال علي الرازي: أخاف على من قال بحياتي وحياتي، وما أشبه ذلك أنه يكفر، ولولا أن العامة يقولون ولا يعلمونه، لعله أنه شرك، لأنه لا يمين إلا بالله، فإذا حلف بغير الله فكأنه أشرك معه غيره. وقال ابن مسعود: لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغير الله صادقاً، ثم الحلف بالكعبة والنبي والقرآن والعرش والكرسي وما أشبه ذلك لا ينعقد عند الجمهور. وعن أحمد ينعقد اليمين بالحلف بالنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في رواية وعن ابن عمر أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «من حلف بغير الله فقد أشرك» رواه الترمذي وقال: حديث حسن. فإن قيل: إن الله تعالى أقسم بغير ذاته وصفاته لقوله والشمس والليل، والضحى ونحو ذلك كثر في القرآن قلنا. الله تعالى ولاية الإيجاد والأمر والنهي والتعظيم والتحقير، وله أن يثبت الحرمة لمن شاء، وليس للعبد ذلك بل عليه أن ينتهي عما نهاه الله تعالى عنه. وقد نهى الله تعالى أن يحلف بغيره. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - معناه) . ش: أي قال المصنف معنى قول الحالف بالقرآن أو بالنبي. م: (أن يقول والنبي والقرآن) . ش: لا أفعل كذا. م: (أما لو قال أنا بريء من النبي أو من القرآن يكون يميناً لأن التبري منهما) . ش: أي من النبي والقرآن. م: (كفر) . ش: وكذا إذا قال هو بريء من الصلاة والصوم يكون يميناً عندنا، خلافاً للشافعي. وكذا إذا قال هو بريء من الإسلام إن فعل كذا، خلافاً للشافعي، وعليه نص في " شرح الطحاوي ". وقال في " النوازل ": إن قال والكتب الأربعة فليس هذا يمين، وإن قال هو أنا بريء من الكتب الأربعة فعليه كفارة يمين واحدة وإن قال أنا بريء من التوراة وبريء من الإنجيل وبريء من الزبور، وبريء من القرآن وجبت عليه أربع كفارات. وقال في " خلاصة الفتاوى " ولو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 123 قال: والحلف بحروف القسم، وحروف القسم الواو كقوله والله. والباء كقوله بالله، والتاء كقوله تالله، لأن كل ذلك معهود في الأيمان ومذكور في القرآن وقد يضمر الحرف، فيكون حالفا كقوله: الله لا أفعل كذا   [البناية] قال بحرمته شهد الله ولا إله إلا الله لا يكون يميناً. وقال في فتاوى " الولوالجي ": رجل رفع كتاباً من كتب الفقه أو دفتر حساب فيها مكتوب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وقال أنا بريء مما فيه إن دخلت، فدخل تلزمه الكفارة لأنه يمين بالله تعالى. ولو قال أنا بريء من المصحف لا يكون يميناً، لأن المصحف جلد وأوراق. ولو قال أنا بريء مما في المصحف يكون يميناً لأن ما في المصحف قرآن، ولو قال أنا بريء من الحجة التي حججت أو من الصلاة التي صليت فليس بيمين، بخلاف ما لو قال أنا بريء من القرآن الذي تعلمته فإنه يمين، ولو قال أنا بريء من شهر رمضان وأراد به البراءة من فرضيته فهو يمين، ولو أراد به البراءة عن آخرها لا يكون يميناً، وإن لم يكن له نية لا يكون يميناً. [الحلف بحروف القسم] م: (قال) . ش: أي القدوري. م: (والحلف بحروف القسم) . ش: أي الحلف يكون بحروف القسم. م: (وحروف القسم) . ش: ثلاثة، أحدها. م: (الواو، كقوله والله، والباء) . ش: أي الثاني حرف الباء. م: (كقوله بالله والتاء) . ش: الثالث حرف التاء. م: (كقوله تالله) . ش: الأصل فيها الباء الموحدة، لأنها للإلصاق، وهي تضيف الحلف إلى المحلوف به في قولك أحلف بالله، ثم يحذف الفعل تخفيفاً، ويكتفي بحرف القسم ويبدل منها الواو، لمناسبة بينهما لأن وضعها للجمع وفي الجمع معنى الإلصاق. ثم يبدل من الواو التاء لمناسبة بينهما، لأنهما من حروف الزوائد كما في تراث أصله وارث وحجة أصلها وحمه، وبما كانت الباء أصلاً دخلت في اسم الله وغيره في المظهر لما كانت بدلاً، والمضمر والواو معاً البدل انحطت بدرجة حيث لم يدخل في المظهر والمضمر جميعاً انحطت بدرجة حيث دخلت في المظهر دون المضمر، والتاء لما كانت بدلاً على اسم الله تعالى وحده. وقال عبد القادر حكاه أبو الحسن من قولهم ترى فشاذ لا يؤخذ به. م: (لأن كل ذلك) . ش: أي المذكور من الحروف. م: (معهود في الأيمان) . ش: التي تستعمل بين الناس. م: (ومذكور في القرآن) . ش: كقوله تعالى: {بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] [لقمان الآية: 13] ، وكقوله تعالى: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] [الأنعام الآية 23] ، وكقوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57] [الأنبياء الآية 57] . [إضمار حروف القسم في اليمين] م: (وقد تضمر حروف القسم، فيكون حالفاً كقوله الله لا أفعل كذا) . ش: فإن حرف القسم أضمر في قوله الله لا أفعل كذا، فإن أصله والله لا أفعل كذا، أو أراد بقوله فيكون حالفاً أن إضمار حرف القسم وإظهاره سواء في تحقيق اليمين، ثم أشار إلى وجه الإضمار بقوله. م: (لأن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 124 لأن حذف الحرف من عادة العرب إيجازاً. ثم قيل ينصب لانتزاع حرف خافض. وقيل: يخفض فتكون الكسرة دالة على المحذوف. وكذا إذا قال: لله في المختار، لأن الباء تبدل بها، قال الله تعالى: {آمنتم له} [طه: 71] (طه: الآية 71) ، أي آمنتم به.   [البناية] حذف الحرف من عادة العرب إيجازاً) . ش: أي لإيجاز، أي الاختصار، لأنه مطلوب في كلامهم، ثم إن المصنف ذكر لفظ الإضمار في الرواية وذكر لفظ الحذف في التعليل بطريق المسامحة لما أن بين الإضمار والحذف فرقاً، فإن في الضمير ما يبقى أثره نحو قوله: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} [النساء: 171] [النساء الآية 171] ، أي يكون الانتهاء خيراً لكم، والمحذوف ما لا يبقى أثره نحو قوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] [يوسف الآية: 82] . م: (ثم قيل ينصب لانتزاع حرف خافض) . ش: أراد بهذا إلى بيان الخلاف في وجه النصب والخفض في لفظ القسم به بعد حرف القسم، فقيل ينصب، وهو قول البصريين، وعلل وجه النصب بقوله الانتزاع حرف خافض، وهو حرف القسم، لأن الأصل الله لا أفعل، كذا والله لا أفعل كذا. فلما حذفت الواو وانتصب بنزع الخافض. م: (وقيل يخفض) . ش: وهو قول الكوفيين، هذا ذكره في " المبسوط " م: (فتكون الكسرة دالة على المحذوف) . ش: أي الكسرة التي على المحلوف به والمحذوف هو حرف القسم قال الكاكي: تعليله النصب بانتزاع الخافض والجر بدلالة الكسرة عليه غير مستقيم عند أهل النحو، لما أن انتصابه على أنه عند حذف حرف لاتصال فعل أحلف بالمحلوف به، إلا أن تأويل قوله الانتزاع الخافض، أي بسبب انتزاع الخافض يصل أحلف بالمحلوف به، وكذا الجر لإضمار حرف الجر، والعامل يعمل عمله عند الإضمار، بخلاف الحذف كما ذكرنا، إلا أن يؤول ويقول المراد بالمحذوف المضمر تسامحاً. وقال الأكمل: هذه وظيفة نحوية في الأصل والأصول يبحث عنها من حيث البساط المزيل الفقيه بها والواصل إلى حد الاشتغال بكتاب " الهداية " لا يدون، وأن يكون قد وقف على ذلك ورآه. م: (وكذا إذا قال: لله) . ش: يعني وكذا يكون يميناً إذا قال لله علي أن لا أكلم فلاناً. م: (في المختار) . ش: إنما قال في المختار احترازا عما روي عن أبي حنيفة أنه قال: لو قال لله علي أن لا أكلم فلاناً أنها ليست بيمين إلا أن ينوي، لأن الصيغة النظر، ويحتمل معنى اليمين ذكره الولوالجي في فتاواه. م: (لأن الباء تبدل بها) . ش: أي باللام. م: (قال الله تعالى: {آمَنْتُمْ لَهُ} [طه: 71] (طه: الآية 71) أي آمنتم به) . ش: فإنهما يتعاقبان. وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: دخل آدم الجنة فلله ما غربت الشمس حتى خرج به. وفي " فتاوى قاضي خان " قال بالله لأفعلن كذا وسكن الهاء أو رفعها أو نصبها يكون يميناً، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 125 وقال أبو حنيفة: - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا قال وحق الله فليس بحالف، وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإحدى الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعنه رواية أخرى أنه يكون يمينا، لأن الحق من صفات الله تعالى، وهو حقيته فصار كأنه قال والله الحق والحلف به متعارف. ولهما أنه يراد به طاعة الله تعالى، إذ الطاعات حقوقه، فيكون حلفا بغير الله. قالوا: ولو قال والحق يكون يمينا. ولو قال حقا لا يكون يمينا؛ لأن الحق المعرف من أسماء الله تعالى، والمنكر يراد به تحقيق الوعد.   [البناية] لأن ذكر اسم الله عز وجل والخطأ في الإعراب لا يمنع صحة القسم لا في عرف الاستعمال ولا عرف الشرع، لما روي في الحديث وكأنه والله ما أردت بالرفع وروي بالجر وعليه الجمهور. وعن بعض من أصحاب الشافعي وأحمد في رواية: أنه لو قال بالرفع لا يكون يميناً إلا بالنية، لأنه لم يأت بالموضوع ولا قصده، ويحتمل ابتداء الفعال والكلام، ويحتمل اليمين، فلا يكون يميناً إلا بالنية، وعليه جمع من أصحاب الشافعي. وفي " المحيط " إذا قال بالله لا يكون يميناً إلا إذا نوى. يعني إذا قال بكسر اللام ويكون إليها. [قال وحق الله هل يكون يمينا] م: (وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا قال وحق الله فليس بحالف) . ش: يعني لا يكون يميناً. م: (وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإحدى الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعنه) . ش: أي وعن أبي يوسف. م: (في رواية أخرى أنه يكون يميناً) . ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد. م: (لأن الحق من صفات الله وهو حقيته) . ش: أي كونه حقاً. م: (فصار) . ش: الحالف. م: (كأنه قال والله الحق والحلف به متعارف) . ش: لأن الحق من أسماء الله تعالى، ولهذا ذكر في عدد أسماء الله. وقال الله تعالى: {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: 25] [النور الآية: 25] . م: (ولهما) . ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد. م: (أنه يراد به) . ش: أي الحق. م: (طاعة الله تعالى، إذ الطاعات حقوقه، فيكون حلفاً بغير الله) . ش: والحالف بالعبادات لا يجوز. م: (قالوا) . ش: أي أصحابنا كلهم قالوا. م: (ولو قال والحق) . ش: معرف حيث. م: (يكون يميناً) . ش: بالإجماع. م: (ولو قال حقاً لا يكون يميناً) . ش: ذكره بسبيل التفريع لما قبله. م: (لأن الحق المعرف من أسماء الله تعالى والمنكر يراد به تحقيق الوعد) . ش: يريد به الفرق بين الحق وحقاً بأن الفرق اسم من أسماء الله تعالى قال الله تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ} [المؤمنون: 71] [المؤمنون الآية: 71] ، والحلف به متعارف، فيكون يميناً. وأما المنكر فهو مصدر منصوب بفعل مقدر، فكأنه قال افعل هذا الفعل لا محالة، وليس فيه معنى الحلف فضلاً عن اليمين. وقال الفقيه أبو الليث في " النوازل " قال أبو نصر البلخي: بحق الله يكون يميناً، لأن الناس يحلفون به. ولو قال حقاً لا يكون يميناً، وهو بمنزلة قوله صدقاً، وهو قول محمد بن سلمة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 126 ولو قال: أقسم أو أقسم بالله أو أحلف أو أحلف بالله، أو أشهد أو أشهد بالله فهو حالف، لأن هذه الألفاظ مستعملة في الحلف، وهذه الصيغة للحال حقيقة، وتستعمل للاستقبال بقرينة فجعل حالفا في الحال   [البناية] وقال الحسين بن أبي مطيع حق يمين لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ} [المؤمنون: 71] [المؤمنون الآية: 71] ، فالحق هو الله تعالى، فصار كأنه قال والله لا أفعل كذا. وقال أبو نصير: لو قال والحق لا أفعل كذا إن نوى به اسم الله تعالى فهو يمين، وإن لم يرد به اسم الله لا يكون يميناً. وقال الأترازي: لنا نظر في قوله - بحق الله يكون يميناً - لأن الإضافة تقتضي المغايرة بين المضاف والمضاف إليه، فيكون الحق إذن لغير الله تعالى انتهى. أراد به قول أبي نصر البلخي المذكور، قلت: الإضافة التي تقتضي المغايرة بين المضاف والمضاف إليه إذا كانت الإضافة بمعنى اللام، كما في غلام زيد، وهنا يحتمل أن تكون الإضافة بمعنى من كما في خاتم فضة، وهذا لا يخفى على المتأمل. . [قال أقسم أو أقسم بالله هل يكون يمينا] م: (ولو قال أقسم أو أقسم بالله، أو أحلف أو أحلف بالله، أو أشهد أو أشهد بالله، فهو حالف) . ش: وكذا لو قال أعزم أو أعزم بالله. وقال زفر إذا لم يقل بالله في هذا القول لا يكون يميناً، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - نوى أو لم ينو. وقال مالك: إذا نوى اليمين بقوله أقسم بالله إلى آخره يكون يميناً، وإذا أطلق فلا. وعن أحمد إذا لم يقل بالله فهو يمين أيضاً في رواية. وفي رواية كمذهبنا، سواء نوى اليمين أو لا. وفي رواية لا بد من ذكر الله. م: (لأن هذه الألفاظ) . ش: أي أقسم وأخواته. م: (مستعملة في الحلف) . ش: أما الأول فلقوله عز وجل: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم: 17] (القلم الآية: 17) ، وأما الثاني فلقوله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 62] (النساء الآية: 62) ، وأما الثالث: فلقوله تعالى: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] (المنافقون الآية 1) ، ثم قال بعد ذلك: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: 2] ثم قولهم {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] يميناً وهم لم يقولوا نشهد، والعزم عبارة عن قصد التبليغ الذي ينتهي إليه قصد العازم، فكان يميناً، لأنه تصريح لمعناه. م: (وهذه الصيغة) . ش: أي صيغة أقسم. م: (للحال حقيقة) . ش: بمنزلة اخترت، وكذا قول الموحد أشهد وقول الشاهد عند القاضي أشهد للحال. م: (وتستعمل للاستقبال بقرينة) . ش: سوف والسين. م: (فجعل حالفاً) . ش: حقيقة عند الفقهاء، كذا في الشرع في جعل قول المرأة: أختار نفسي عند التخيير. م: (في الحال) . ش: عند ذكر لفظ من الألفاظ المذكورة. فإن قيل: اليمين ما كان حاملاً ومانعاً على فعل أو ترك، وعند الترك البر موجباً للكفارة، فقوله أقسم لا يكون من البر موجباً مجرداً، لأنه لم ينعقد على فعل شيء أو تركه، وكيف يكون يميناً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 127 والشهادة يمين، قال الله تعالى: {قالوا نشهد إنّك لرسول الله} [المنافقون: 1] ثم قال: {اتّخذوا أيمانهم جنّة} [المنافقون: 2] (المنافقون) ، والحلف بالله هو المعهود المشروع وبغيره محظور، فصرف إليه، ولهذا قيل لا يحتاج إلى النية، وقيل لا بد منها لاحتمال العدة واليمين بغير الله.   [البناية] ولأن الكفارة ساترة لذنب هتك حرمة اسم الله، وليس في أقسم مجرد هتك حرمة اسم الله فكيف يكون موجباً للكفارة، لأن صيغة فعل المضارع كما يكون للحال يكون للاستقبال، فلا تجب الكفارة بالشك خصوصاً في حق الكفارة فإنها تلحقه بالحدود، ولهذا تداخلت. قلنا. قوله أقسم للحال حقيقة كما قال المصنف، فكان بمنزلة قوله على يمين أو يمين الله، والإقرار باليمين يمين موجباً للكفارة ذكره في " الذخيرة " والبيهقي. [هل الشهادة يمين] م: (والشهادة يمين) . ش: يعني إذا قال أشهد فإنه يمين، واستدل عليه بقوله. م: (قال الله تعالى {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] . ش: هذا إخبار عن قول المنافقين إذ جاءوا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا نشهد إنك لرسول الله، فهذا يمين منهم يدل عليه ما حكى الله عنهم بقوله {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: 2] فأخبر الله تعالى أن قولهم نشهد إنك لرسول الله يمين منهم، وأشار إليه المصنف بقوله م: (ثم قال) ش: أي ثم قال الله م: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: 2] . ش: (المنافقون) . ش: قصدوا الجنة الوقاية. وفي تفسير الشهادة تجري مجرى اليمين فيما يراد به من التوكيد، يقول الرجل أشهد في موضع أقسم، وبه شهد أبو حنيفة على أن أشهد يمين. م: (والحلف بالله هو المعهود المشروع) . ش: قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا جواب من يقول إن قوله - أحلف - ينبغي أن لا يكون يميناً، لجواز أن يكون حالفاً بغير الله تعالى الحلف بالله هو المعهود المشروع، أي المعهود من الناس والمنصوص عليه في الشريعة، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من كان منكم حالفاً فليحلف بالله أو ليذر» . م: (وبغيره محظور) . ش: أي حلف بغير الله حرام ممنوع. م: (فصرت إليه) . ش: إلى قوله - أحلف - ينصرف إلى الحلف بالله، لأن الظاهر من حال المسلم الإتيان بالمشروع دون غيره. م: (ولهذا) . ش: أي ولأجل أن الحلف بالله هو المعهود المشروع، وبغيره محظور. م: (قيل لا يحتاج إلى النية) . ش: في قوله - أحلف - أو أشهد - أو - أقسم - يكون يميناً صرف إلى ما هو المعهود في الشرع، وعليه صاحب " التحفة " م: (وقيل لا بد منها) . ش: أي من النية. م: (لاحتمال العدة) . ش: أي الوعد، لأن اللفظ يحتمله، والعدة أصله الوعد، فلما حذفت الواو تبعاً لفعله عوض عنهما التاء. م: (واليمين بغير الله) . ش: بجر اليمين عطفاً على العدة، ولاحتمال اليمين بغير الله، فلا يتعين اليمين بالله إلا بالنية، وإليه ذهب أبو نصر الأقطع. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 128 ولو قال بالفارسية سوكند ميخورم بخداي، يكون يمينا، لأنه للحال. ولو قال: سوكند خورم - قيل لا يكون يمينا. ولو قال بالفارسية - سوكند خورم بطلاق زنم - لا يكون يمينا لعدم التعارف. قال: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكذا قوله لعمر الله وايم الله لأن عمر الله بقاء الله، وايم الله معناه ايمن الله، وهو جمع يمين.   [البناية] [القسم بغير العربية] م: (ولو قال بالفارسية - سوكند ميخورم بخداي - يكون يمينًا لأنه) ش: أي لأن هذا اللفظ م: (للحال) ش: فيصح اليمين، لأن معناه بالعربي الحلف بالله، وصيغة أحلف للحالف ينعقد اليمين و - سوكند - بفتح السين وسكون الواو وفتح الكاف الصماء وسكون النون وبالدال المهملة، ومعناه اليمين و - ميخورم - بكسر الميم وسكون الياء وضم الخاء المعجمة، وفتح الراء المهملة وسكون الميم، ومعناه أحلف، و - بخد - بفتح الباء الموحدة وضم الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة المقصورة، ومعناه بالله. م: (ولو قال - سوكند خورم - قيل لا يكون يمينًا) ش: لأنه بغير لفظ - مي - قيل لفظ - خورم - يكون للاستقبال، فلا يكون يمينًا، وقيل لا فرق بين اللفظين في أنه يكون يمينًا ولو قال - سوكند خورده - إن كان صادقًا يكون يمينًا. وإن كان كاذبًا فلا شيء عليه م: (ولو قال بالفارسية - سوكند خورم بطلاق زنم - لا يكون يمينًا لعدم التعارف) ش: بينهم في كونه يمينًا، والباقي - بطلاق مفتوحة مضاف إلى - زنم - بفتح الزاي والنون وسكون الميم ومعناه أحلف بطلاق امرأتي لا أفعل كذا لا يكون يمينًا لأنه ليس بمتعارف عندهم. ومعنى - زنم - امرأتي. وإن - اسم المرأة، وزيد فيه الميم الساكنة ليدل على معنى امرأتي، والميم بمعنى ياء المتكلم، ولم أجد من الشراح من تكلم في هذا الموضوع ولا ذكر ما ذكره المصنف، مع أنهم أهل اللسان، غير أن الكاكي ذكر مثل ما ذكره المصنف ولم يضبط شيئًا من ذلك ولا تسر النظامة، بالعربي والعبد الضعيف، تكلم فيه كما ينبغي مع كوني دخيلًا في هذا اللسان. م: (قال) ش: أي المصنف م: (وكذا قوله لعمر الله، وأيم الله) ش: هذا عطف على أصل المسألة، وهو قوله أقسم إلى آخره، أي وكذا يكون يمينًا هذان اللفظان، أما قوله - لعمر الله - فقوله تعالى م: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] م: (الحجر: 72) ، والعمر بفتح العين وضمها البقاء، إلا أن الضم لم يستعمل في القسم. وأشار المصنف إلى معناه أن البقاء بقوله م: (لأن عمر الله بقاء الله) ش: والبقاء من صفات الذات فجاز الحلف به مكان قال والله الباقي وأيم الله، فقد جاء في لفظ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: في حديث رواه البخاري عن ابن عمر قال «بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث ..... الحديث وفيه واسم الله إنه كان عليهم أمامة بن زيد للإمارة» الحديث. م: (وأيم الله معناه أيمن الله، وهو جمع يمين) ش: هو مذهب أهل الكوفة، فكان التقدير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 129 وقيل: معناه والله وايم صلة كالواو، والحلف باللفظين متعارف، وكذا قوله وعهد الله وميثاقه، لأن العهد يمين، قال الله تعالى: {وأوفوا بعهد الله} [النحل: 91] (النحل: الآية 91) . والميثاق عبارة عن العهد، وكذا إذا قال علي نذر، أو نذر الله؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من نذر نذرا ولم يسم فعليه كفارة يمين» .   [البناية] وايمن الله فيمن، كأنه قال حلفت بالله فيكون يمينًا، وبه قال أحمد والشافعي في وجه لا يكون يمينًا بدون النية. م: (وقيل معناه والله، وأيم صلة) ش: أي من صلات القسم من الله م: (كالواو) ش: أي في وأيم الله، وهذا عند البصريين، قال الأكمل معناه والله، وكلمة أيم صلة أي كلمة مستقلة كالواو وفيه تأمل. وقال الزمخشري: حذف نون أيم وحذف همزته عند الدرج في التحقق في القسم. [الحلف باللفظين عمر الله وأيم الله] م: والحلف باللفظين) ش: وهما عمر الله وأيم الله م: (متعارف) ش: عند العرب استعملتهما في القسم والحلف باللفظين وهما عمر الله وأيم الله متعارف، يعني أن العرب استعملتهما في القسم ولم يرد النهي عنه، وهما مشهوران لغة وعرفًا وشرعًا م: (وكذا قوله وعهد الله وميثاقه) ش: أي وكذا يمين قول الحلف بعهد الله وميثاقه وبه قال مالك وأحمد والشافعي لا يكون يمينًا بغير النية م: (لأن العهد يمين، قال الله تعالى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} [النحل: 91] النحل الآية: 91) ش: {إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] وقد جعل الله عهد الله في القرآن يمينًا كما ترى م: (والميثاق عبارة عن العهد) ش: يعني في معناه. فإذا حلف بميثاق الله يكون يمينًا كما في عهد الله وكذا إذا حلف بذمة الله لا يكون يمينًا، كذا في الأصل، والذمة: العهد كذا في " الفائق "، فعلى هذا يكون ذمة الله يمينًا لعهد الله لأنه في معناه. م: (وكذا) ش: أي وكذا يكون يمينًا م: (إذا قال علي نذر أو نذر الله لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من نذر نذرًا ولم يسم فعليه كفارة يمين» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: " من نذر " الحديث، وروى الترمذي عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين» وقال الحاكم في " كافيه " وإن حلف بالنذر فإن نوى شيئًا من حج أو عمرة فعليه ما نوى وإن لم يكن له نية فعليه كفارة يمين. وهاهنا أربع مسائل: الأولى: إن نذر نذرًا مطلقًا فهو يمين كما ذكره في الكتب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 130 وإن قال: إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو كافر يكون يمينا، لأنه لما جعل الشرط علما على الكفر فقد اعتقده واجب الامتناع، وقد أمكن القول بوجوبه بغيره بجعله يمينا كما نقول في تحريم الحلال، ولو قال: ذلك لشيء قد فعله فهو الغموس. ولا يكفر اعتبارا بالمستقبل   [البناية] الثانية: أن يقول لله علي نذر صوم كذا، فعليه الوفاء بما نذر. الثالثة: أن يعلق نذرًا بشرط كما إذا قال إذا جاء فلان، وإذا شفى الله مريضي فعلي صوم يوم كذا فعليه الوفاء بما سمى. الرابعة: أن يقول علي نذر أن لا أفعل كذا، فهو ينعقد يمينًا ويوجبه موجب اليمين. وللشافعي ثلاثة أقوال في هذه المسألة: في قول يمين، وفي قول يتخير بين الوفاء بالنذر والكفارة، وبه قال أحمد، وفي قوله يجب الوفاء بما سمى. [قال إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو كافر] م: (وإن قال إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو كافر يكون يمينًا، لأنه) ش: أي لأن هذا القائل م: (لما جعل الشرط علمًا على الكفر) ش: أي بما جعل ذلك الشيء الذي حلف عليه علمًا، أي علامة على الكفر يعني شرطًا له م: (فقد اعتقده واجب الامتناع) ش: أي فقد اعتقد المحلوف عليه واجب الامتناع هتك حرمة اسم الله، فصار يمينًا، فكأنه قال حرمت على نفسي ما حلفت عليه. م: (وقد أمكن القول بوجوبه بغيره بجعله يمينًا) ش: أي بوجوب الامتناع بغير الشرط، وهو اليمين، وقال تاج الشريعة: قوله بوجوبه بغير الله، وهو مباشرة الفعل الذي يحصل به النصرانية أو اليهودية يعني أنه اعتقد فعل كذا يصير نصرانيًا فيجب الامتناع من ذلك الفعل. م: (كما نقول في تحريم الحلال) ش: بأن قال كل حل علي حرام، فإنه يكون يمينًا. فإن قلت: يشكل إذا قال إن فعلت كذا فعلي غضب الله حيث لا يجعل يمينًا، وإن جعل علمًا على غضب الله الذي هو أحب الامتناع. قلت: الغضب قد يتحقق بارتكاب محظور فهو من فروع اليمين، وبه لا يصير حالفًا، لأنه حرمة تلك الأشياء مما يحتمل الفسخ والتبديل، فلا يكون في معنى حرمة اسم الله، بخلاف حرمة الكفر، لأنه لا يحتمل الفسخ، والتبديل. م: (ولو قال ذلك) ش: أي قوله إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو كافر م: لشيء قد فعله) ش: في الماضي كاذبًا قصدًا م: (فهو الغموس) ش: أي اليمين الغموس لا كفارة فيها عندنا، ولكن هل يكفر أم لا فيه اختلاف المشايخ. م: (ولا يكفر) ش: وروي ذلك عن أبي عبد الله البلخي، فإنه قال لا يكفر، وكذا روي عن أبي يوسف م: (اعتبارًا بالمستقبل) ش: أي اعتبار الماضي بالمستقبل، لأن الكفر بالاعتقاد وهو لم يقصد الكفر، وإنما قصد أن يصدق في مقابلته. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 131 وقيل يكفر، لأنه تنجيز معنى فصار كما إذا قال هو يهودي، والصحيح أنه لا يكفر فيهما إن كان يعلم أنه يمين، فإن كان عنده أنه يكفر بالحلف يكفر فيهما، لأنه رضي بالكفر حيث أقدم على الفعل. ولو قال: إن فعلت كذا فعلي غضب الله أو سخط الله فليس بحالف، لأنه دعاء على نفسه ولا يتعلق ذلك بالشروط، ولأنه غير متعارف، وكذا إذا قال إن فعلت كذا فأنا زان أو سارق أو شارب خمر أو آكل ربا، لأن حرمة هذه الأشياء تحتمل النسخ والتبديل   [البناية] م: (وقيل يكفر) ش: قال محمد بن مقاتل الرازي كذا في " شرح الطحاوي) م: (لأنه) ش: أي لأن ذلك القول في الماضي م: (تنجيز معنى) ش: وإن كان تعليقًا صورة، لأن عينه بما هو موجود وتعليق بشيء كائن يتنجز، فكأنه قال هو كافر لأن كلامه خرج مخرج التحقيق فيكفر به. م: (فصار كما إذا قال هو يهودي) ش: لأنه صريح بالكفر م: (والصحيح أنه لا يكفر فيهما) ش: أي في الماضي والمستقبل م: (إن كان يعلم أنه يمين، فإن كان عنده أن يكفر بالحلف يكفر فيهما) ش: أي في الماضي والمستقبل م: (لأنه رضي بالكفر، حيث أقدم على الفعل) ش: لأنه بالإقدام صار مختار الكفر، واختيار الكفر كفر. وفي " المحيط " لو قال إن فعلت كذا فاشهدوا علي بالنصرانية فهو يمين. [قال إن فعلت كذا فعلي غضب الله أو سخط الله] م: (ولو قال إن فعلت كذا فعلي غضب الله أو سخط الله فليس بحالف، لأنه دعاء على نفسه، ولا يتعلق ذلك بالشرط) ش: لأن الشرط ما له أثر من وجود الجزاء عند وجوده لتعلقه به، ولا أثر لوجود الشرط مع وجود المعصية في وجود الغضب، ولا يقدم الشرط مع وجود المعصية في وجود الغضب، ولا يقدم الشرط مع وجود المعصية في عدم الغضب، فعلم أن الغضب من سيئات المعصية لا من سيئات التعليق. وكذا لا أثر في وجود هذه الأفعال، لأن وجودها بأسباب أخر م: (ولأنه غير متعارف) ش: أي ولأن قوله إن فعلت فعلي غضب الله أو سخطه غير متعارف باليمين، وقال الحاكم لو دعا على نفسه باللعنة أو الموت أو عذاب النار لا يكون يمينًا. وكذا إذا قال هو يأكل الميتة أو يستحل الدم أو لحم الخنزير أو يترك الصلاة أو الزكاة إن فعل كذا لا يكون يمينًا، لأن ذلك وعد لا إلزام شيء. م: (وكذا إذا قال إن فعلت كذا فأنا زان أو سارق أو شارب خمر أو آكل ربا) ش: يعني لا يكون يمينًا بهذه الألفاظ م: (لأن حرمة هذه الأشياء) ش: أي حرمة الزنا والسرقة، وشرب الخمر وأكل الربا م: (تحتمل النسخ والتبديل) ش: أما الزنا والسرقة فلا يحتملان النسخ. ولكن ذلك الفعل المقصود بالزنا، وذلك العين المقصود بالسرقة بعينه جاز أن يكون حلالًا بوجه النكاح وملك اليمين، فسمي احتمالًا نقلًا بهما من الحرمة إلى الحل بالسبب الزنا نسخًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 132 فلم تكن في معنى حرمة الاسم، ولأنه ليس بمتعارف.   [البناية] وتبديلًا، إذ المراد بالنسخ الرفع، وبالتبديل التعبير، وأما الخمر والربا فيحتملان النسخ، وهذا كان الخمس حلالًا ثم نسخ، والربا يحتمل النسخ من نفسها، وإن لم يرد النسخ في حقه. ولهذا كان صباحًا في دار الحرب، ولأنه لا يكون زانيًا أو سارقًا أو شارب خمر أو آكل ربا بمجرد قوله - أو زان أو سارق - فيما بينه وبين الله تعالى بدون اتصال الفعل بالحالف، بخلاف قوله أنا يهودي أو نصراني. م: (فلم تكن في معنى حرمة الاسم) ش: أي فلم يكن في معنى حرمة هتك اسم الله تعالى، لأن حرمة اسم الله تعالى لا يحتمل النسخ أصلًا لقيام دليل حد الزانية وهو حد العالم وليس كذلك الأشياء المذكورة لما ذكرنا م: (ولأنه ليس بمتعارف) ش: أي لأن الحلف بهذه الأشياء ليس بمتعارف، وهذا هو الأصح في التعليل، ولا خلاف للأئمة الأربعة في هذه المسائل. فروع: أو قال إني عبدك أشهدك وأشهد ملائكتك أني لا أدخل دار فلان فليس بيمين. ولو قال إن فعلت كذا فأنا بريء من الكتب الأربعة فهي يمين واحدة، ولو قال أنا بريء من الإنجيل، وبريء من التوراة، وبريء من الزبور، وبريء من الفرقان، فهذه أربعة أيمان. وكذا ولو قال بريء من الله، وبريء من رسول الله، والله ورسوله بريئان منه فهو أربعة أيمان. لو قال بريء من الله ورسوله فيمين واحدة، ولو قال والله والرحمن يكون يمينين إلا أن يذكر الأول. وروى الحسن عن أبي حنيفة وبه قال زفر يكون يمينًا واحدة وإن دخل بينهما حرف العطف، ولو قال والله فهو يمين، ولو قال والله ووالله يكون يمينا واحدًا استحسانًا. وفي " المنتقى ": لو قال والله ووالله، أو قال والله ثم والله لا أفعل كذا، وإن فعلت كذا فهو يمين واحدة، استحسانًا، وفي القياس يمينان وبه نأخذ، وعن أبي يوسف إذا قال والله لا أكلمك فيهما يمينان. وروى الحسن إن نوى بالثاني الخبر عن الأول يصدق ديانة. ولو قال والله لا أكلمك ولو قال والله لا أكلم فلانًا يوما والله لا أكلمه شهرًا، والله لا أكلمه سنة، إن كلمه بعد ساعة فعليه ثلاث أيمان، وإن كلمه بعد يوم فعليه يمينان، وإن كلمه بعد شهر فعليه يمين واحدة، وإن كلمه بعد سنة فلا شيء عليه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 133 فصل في الكفارة قال: كفارة اليمين عتق رقبة يجزئ فيها ما يجزئ في الظهار، وإن شاء كسا عشرة مساكين كل واحدة ثوبا فما زاد وأدناه ما يجوز فيه الصلاة   [البناية] [فصل في الكفارة] [كفارة اليمين] م: (فصل في الكفارة) ش: أي هذا فصل في بيان الكفارة، ولما فرغ من بيان الموجب بكسر الجيم وهو الحنث شرع في بيان الموجب بالفتح، وهو الكفارة، لأنها موجبة عند الحنث، فإن اليمين سبب الكفارة بطريق الانقلاب. وقال بعض أصحاب الشافعي: اليمين سبب عند الحنث كملك النصاب عند تمام الحول. وقال عامة أصحابه السبب اليمين، والحنث جميعًا لأنه لو كان مجرد اليمين سبب لوجبت الكفارة. وإن لم يوجد الحنث، لكن يلزم عليهم أن لا يجوز الكفارة، قبل الحنث لعدم السبب قبله، ولهذا اختار صاحب " الوجيز " الأول. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وكفارة اليمين عتق رقبة يجزئ فيها ما يجزئ في الظهار) ش: بعين الرقبة المسلمة والكافرة، والذكر والأنثى والصغير والكبير، إن الله عز وجل أطلق الرقبة في الموضعين ولم يقيد فجاز هنا ما جاز ثمة ولا تجزئ العمياء ولا المقطوعة اليدين أو الرجلين والمقطوع يده ورجله من جانب الواحد، بخلاف العوراء، ومقطوعة إحدى اليدين وأحد الرجلين، وفي الأصم اختلاف المشايخ والأصح الجواز إذا صح [ ...... ] . م: (وإن شاء كسا عشرة مساكين كل واحد ثوبًا) ش: علم أن الواجب على الغني أحد الأشياء الثلاثة وهي عتق رقبة وكسوة عشرة مساكين وطعام عشرة منهم، ويتعين ذلك باختيار العبد، لأن كلمة أو في الآية للتخيير وهو مذهب عامة الفقهاء والمتكلمين. وقال بعضهم: أحدها واجب عينا عند الله تعالى، وإن كان مجهولا عند العباد والله تعالى يعلم أن العبد يختار ما هو الواجب عنده عز وجل. وقالت المعتزلة: الواجب الكل على البدل على معنى أنه لا يجب تحصيل الكل، ولا يجوز ترك الكل، وإذا أتى بواحد كفى، ثم إن الكسوة إذا اختار الكسوة غير عشرة مساكين لكل مسكين ثوبًا وإزارًا ورداء وقميصا أو كيسًا أو جبة أو ملحفة، لأن لابس هذه الأشياء يسمى مكتسبًا فيجزئ كل واحد. م: (فما زاد) ش: أي فما زاد على الثوب م: (وأدناه) ش: أي أدنى الثوب م: (ما يجوز فيه الصلاة) ش: لأن لبس ما لا يجوز فيه الصلاة لا يسمى لابسًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 134 وإن شاء أطعم عشرة مساكين كالإطعام في كفارة الظهار، والأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {فكفّارته إطعام عشرة مساكين} [المائدة: 89] (المائدة: الآية 89) ، وكلمة أو للتخيير فكان الواجب أحد الأشياء الثلاثة. فإن لم يقدر على أحد هذه الأشياء الثلاثة صام ثلاثة أيام متتابعات، وقال: الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخير لإطلاق النص. ولنا قراءة ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فصيام ثلاثة أيام متتابعات - وهي كالخبر المشهور.   [البناية] م: (وإن شاء أطعم عشرة مساكين كالإطعام في كفارة الظهار) ش: يعني لكل واحد من عشرة مساكين صاعًا من تمر أو شعير أو نصف صاع من حنطة أو دقيق أو سويق. فإن دعا عشرة مساكين فغداهم وعشاهم أجزأه، ولذلك إن أطعم خبزًا ليس معه إدام، وإن غداهم وعشاهم وفيهم صبي فيظلم أو فوق ذلك شيئًا لم يجزئه وعليه إطعام مسكين واحد، كذا ذكر الحاكم وغيره. م: (والأصل فيه) ش: أي في وجوب الكفارة م: (قَوْله تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] ..... الآية المائدة: الآية 89) ش: أي أقر الآية، أو الآية فيهما، فعلى الأول النصب على المفعول به، وعلى الثاني الرفع على الابتداء بحذف الخبر م: (وكلمة أو للتخيير فكان الواجب فيه) ش: أي في التكفير م: (أحد الأشياء الثلاثة) ش: لأن هذا يقتضي التخيير. م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإن لم يقدر على أحد هذه الأشياء الثلاثة) ش: لأن المعسر لا يقدر على شيء من ذلك م: (صام ثلاثة أيام متتابعات) ش: فإن صامها متفرقة لم يجزئه م: (وقال الشافعي: يخير) ش: يعني إن شاء فرق، وإن شاء تابع م: (لإطلاق النص) ش: أي القرآن، وبه قال مالك وأحمد في رواية. وظاهر مذهب أحمد كقولنا، وهو قول الشافعي. فإن قيل: الشافعي يحمل المطلق على المقيد في حادثة أو حادثتين فكيف لم يحمل فيهما مع ورود القرابة مطلقًا ومقيدًا. قلنا: إنه يقول لعارض هنا أصلان متعارضان أحدهما مقيد بالتفريق، وهو صوم المتعة في الحج. والثاني مقيد بالتابع، وهو صوم كفارة الظهار والقتل، فلا يمكن إلحاقه بأحدهما إذ إلحاقه بأحدهما يوجب ترك العمل لنص الآخرون. م: (ولنا قراءة ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فصام ثلاثة أيام متتابعات وهي) ش: أي قراءة ابن مسعود هنا م: (كالخبر المشهور) ش: قال الأترازي: وقراءته كانت مشهورة في زمن أبي حنيفة، ويجوز الزيادة على النص بالمشهور. وقال تاج الشريعة: لأنها نقلت عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد اشتهرت في السلف [ ..... ] والزيادة بالخبر المشهور صحيحة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 135 ثم المذكور في الكتاب في بيان أدنى الكسوة مروي عن محمد   [البناية] وقال الكاكي: كالخبر المشهور، لأنه يقرأ سماعًا من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يثبت قراءته لعدم التواتر، فصار كالرواية المشهورة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصح التقييد بها، وعندنا لا يحمل المطلق على المقيد كما في صدقة الفطر لإمكان العلم بهما، وها هنا غير ممكن، لأنهما في حكم واحد في حادثة واحدة، وهو الصوم، لأنه لا يقبل وصفين قضاء دين في وجوده. فإذا ثبت تقييده بالتتابع في تلك القراءة لم يبق مطلقًا ضرورة، بخلاف صدقة الفطر، فإنهما وردا في السبب، ولا منافاة بين الشيئين، وأما صوم المتعة لم يجز قبل أيام النحر، لأنه لم يشرع قبلها لا لأن التفريق واجب. م: (ثم المذكور في الكتاب) ش: قال الكاكي: أي في المشهور، وقال الأترازي: أي في " مختصر القدوري "، وأراد بالمذكور في قوله في أول الفصل، وأدناه ما يجوز فيه الصلاة م: (في بيان أدنى الكسوة مروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: مروي خبر المبتدأ، أعني قوله المذكور، والمذكور هو أدنى ما يجوز فيه الصلاة وهو السراويل، وبه قال أحمد وفي السراويل: اختلاف الرواية. وقال في " نوادر هشام ": لا يجوز، في " نوادر " ابن سماعة يجوز، كذا في " الأجناس ". وقال الكرخي في " مختصره ": لا يجزئ في ذلك العمامة ولا القلنسوة ولا السراويل، روى ذلك ابن سماعة وبشر وعلي بن الجعل عن أبي يوسف، ورواه أبو عمر، ومحمد الكتابي في إملاء محمد عنه كذلك. لأن لابسه يسمى عريانًا، فلا يتناوله اسم الكسوة. وفي " الخلاصة ": عن محمد: إن أعطى المرأة لا يجوز، وإن أعطى الرجل يجوز لجواز صلاته فيه كالقميص، وذكر ابن شجاع في كتاب " الكفارات " من وصفه قال أبو حنيفة: إن كانت العمامة قدرها قدر الإزار الشائع أو ما يقطع قميصًا يجزئ وإلا لم يجزه. وهذا كله إذا كسى رجلًا، فأما إذا كسى امرأة، قال الطحاوي: يزيد فيه الخمار؛ لأن رأسها عورة لا يجوز الصلاة إذا كانت مكشوفة، وقال الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الكافي ": فإن أعطى كل مسكين نصف ثوب لم يجزه من الكسوة، ولكنه يجزئ من الطعام إذا كان نصف ثوب يساوي نصف صاع من حنطة. ولو أعطى عشرة مساكين ثوبًا بينهم، وهو ثوب كثير القيمة يصيب كل إنسان منه أكثر من درع وخمار. وقال الشافعي: يعتبر ما يطلق على اسم الكسوة حتى يجوز قميص أو سراويل أو عمامة أو جبة أو قميصًا أو مقنعة أو إزارًا أو رداء أو طرًا، لأن الاسم يقع على جميع ذلك، وله في الفدرة والخف وجهان، وعندنا ومالك وأحمد: لا يجوز القلنسوة والخف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 136 وعن أبي يوسف وأبي حنيفة - رحمهما الله - إن أدناه ما يستر عامة بدنه، حتى لا يجوز السراويل وهو الصحيح، لأن لابسه يسمى عريانا في العرف، لكن ما لا يجزئه عن الكسوة يجزئه عن الطعام باعتبار القيمة، وإن قدم الكفارة على الحنث لم يجزئه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجزيه بالمال، لأنه أداها بعد السبب، وهو اليمين فأشبه التكفير بعد الجرح، ولنا أن الكفارة لستر الجناية. ولا جناية ها هنا، واليمين ليست بسبب؛   [البناية] وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: لا يجوز أقل من ثلاثة أثواب: قميص وسدر ورداء وعن أبي موسى الأشعري: أنه يجزئ ثوبان، ثم اعتبار الفقر والغنى عند إرادة التكفير عندنا. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عند الحنث، حتى لو كان موسرًا عند الحنث ثم أعسر جاز الصوم عندنا، ولكن لا، وعنده على القلب. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن أدناه) ش: أي أدنى ما يجزئ أن يكفر به م: (ما يستر عامة بدنه حتى لا يجوز السراويل) ش: لأنه لا تستر عامة البدن وهو الصحيح، أي هذا المروي عن أبي حنيفة م: (وهو الصحيح، لأن لابسه) ش: أي لابس السراويل م: (يسمى عريانًا في العرف، لكن ما لا يجزئه عن الكسوة يجزئه عن الطعام باعتبار القيمة) ش: يعني لو أعطاه ثوبًا لا يجزئه عن الكسوة، مثل سراويل أو خف أو نصف ثوب يجزئه عن الإطعام إذا بلغت فيه نصف صاع من بر. وبه قال مالك وأحمد، ثم في ظاهر الرواية يجزئه عن الطعام بغير نية، وعن أبي يوسف: إذا نوى يكون بدلًا عن الطعام، ويجزئه عنه وإلا لا. وقال زفر: لا يجزئه عن الطعام نوى أو لم ينو. وعند الشافعي: لا يجوز اعتبار القيمة في الكفارة كما في الزكاة. م: (وإن قدم الكفارة على الحنث لم يجزئه، وقال الشافعي: يجزئه بالمال) ش: أي يجزئ التكفير بالمال قبل الحنث، وبه قال مالك وأحمد، وقيد بالمال لأن ظاهر مذهبه أن الصوم لا يجوز، لأن العبادات البدنية لا تقوم على وقت الأداء، وفي وجه يجوز، وهو قوله القديم، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - م: (لأنه أداها بعد السبب، وهو اليمين فأشبه التكفير بعد الجرح) ش: قبل الوقت، وكذا كفارة الظهار، فإنها تجوز بعد الظهار وقبل العود كالزكاة، فإنها تجوز قبل الحلول. [التكفير قبل الحنث] م: (ولنا أن الكفارة تستر الجناية) ش: لأنها تكفر الخطيئة، أي تستر بها ولا يتصور سترها قبل وجودها، وهو معنى قوله م: (ولا جناية ها هنا) ش: ولا يصح التكفير قبل الحنث، لأنه يلزم تقديم السبب على المسبب فهو فاجر كما لو كفر قبل الإفطار م: (واليمين ليست بسبب) ش: هذا جواب عن قوله لأنه أداها بعد السبب، تقديره لا نسلم أن اليمين سبب لوجوب الكفارة، لأن أدنى درجات السبب أن يكون مفضيًا إلى الحكم وطريقًا له، واليمين مانعة الحنث، وهو معنى قوله م: ( الجزء: 6 ¦ الصفحة: 137 لأنه مانع غير مفض، بخلاف الجرح، لأنه مفض ثم لا يسترد من المسكين لوقوعه صدقة. قال: ومن حلف على معصية مثل أن لا يصلي أو لا يكلم أباه أو ليقتلن فلانا ينبغي أن يحنث نفسه ويكفر عن يمينه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا منها فليأت بالذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه»   [البناية] لأنه مانع غير مفض) ش: وتذكير الضمير باعتبار المذكور أو باعتبار ظاهر اللفظ مفض إلى الحكم والسبب ما يكون مفضيًا كما ذكرنا. م: (بخلاف الجرح) ش: جواب عن قياس المنازع فيه على الجرح قبل الموت م: (لأنه) ش: أي لأن الجرح م: (مفض) ش: إلى زهوق الروح، بخلاف الظهار، لأن نفس الظهار جناية، ويجوز الزكاة قبل الحول، لأنها شكر لنعمة المال، وهو موجود، ومفضي الحول تأجيل فيه، وإضافة الكفارة إلى اليمين مجاز، لأنها على عوض أن يصير سبب على تقدير الحنث. فإن قلت: احتج الشافعي بظاهر قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعبد الرحمن بن سمرة: «إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها، فكفر يمينك وآت الذي هو خير» متفق عليه، وفي لفظ أبي داود: " ثم آت الذي هو خير ". قلت: أصحابنا احتجوا بحديث عبد الرحمن بن سمرة، فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: «لا تسأل الإمارة» الحديث، وفي آخره: «وإذا حلفت على يمين ورأيت غيرها خيرًا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك» .... الحديث في الصحيح، ولا يقال: الواو للجمع ثم للترتيب، فيدل على الجمع لا على التأخير والتقديم، بخلاف ثم للترتيب، لأنه جاء في رواية أخرى، ثم ليكفر يحتمل ما رواه الشافعي على أنه بمعنى الواو، لأن ثم يجيء بمعنى الواو، قال الله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17] {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ} [يونس: 46] (يونس: الآية 46) فيكون ما روينا محكمًا في التأخير، وما رواه محتمل فحمل عليها ما ذكرنا إعمالًا للضرر، لأنه أمر بالتكفير مطلقًا، ومطلق التكفير لا يجوز قبل الحنث، لأنه لا يجوز بالصوم إجماعًا. م: (ثم لا يسترد من المسكين) ش: عطف على قولهم: لم يجزه يعني لا يسترد المال عن المسكين، وإن كان لا يقع عن الكفارة م: (لوقوعه صدقة) ش: لأنه قصد شيء حصول الصواب ورفع الذنب ولم يرفع الذنب لعدمه فيحصل الصواب لإمكانه فيكون صدقة، ولا رجوع فيها. [حلف على معصية] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن حلف على معصية مثل أن لا يصلي أو لا يكلم أباه أو ليقتلن فلانًا ينبغي أن يحنث نفسه ويكفر عن يمينه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من حلف على يمين ورأى غيرها خيرًا منها فليأت بالذي هو خير، ثم ليكفر عن يمينه» ش: هذا الحديث مر معنا الآن ومضى الكلام فيه، ومعنى قوله على يمين، أي على مقسم عليه في فعل أو على ترك، لأن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 138 ولأن فيما قلناه تقوية البر إلى جابر، وهو الكفارة ولا جابر للمعصية في ضده وإذا حلف الكافر ثم حنث في حال كفره أو بعد إسلامه فلا حنث عليه، لأنه ليس بأهل لليمين، لأنها تنعقد لتعظيم الله تعالى، ومع الكفر لا يكون معظما. ولا هو أهل للكفارة لأنها عبادة.   [البناية] اليمين مركبة من مقسم به، وهو بالله ومقسم عليه، وهو قوله لأفعلن أو لأفعل فكان من باب ذكر الكل وإرادة البعض. وقال الأكمل: في وجه الاستدلال به نظر، لأنه قال ورأى غيرها خيرًا منها فالمدعي مطلق والدليل مشروط برؤية خير، والجواب أن حال المسلم يقتضي أن يرى ترك المعصية خيرًا منها فيجعل الشرط موجودًا نظرًا إلى حاله. م: (ولأن فيما قلناه) ش: يعني إذ الكفارة بعد الحنث م: (تقوية البر إلى جابر، وهو الكفارة ولا جابر) ش: وهو الكفارة لما أن الجابر يقتضي سبق ذلك المحمود وهو حل اليمين بالحنث فيما قلنا، فتصبح الكفارة جائزة ولا جائزة م: (للمعصية في ضده) ش: أي في ضد ما قلناه وأراد بالضد التي في اليمين، أي لا جائزة لمعصية الحنث، فيما قال الشافعي، لأن الحنث لما يتأخر عن الكفارة لم تصبح الكفارة السابقة جائزة لذلك الحنث، لأن الجائز لا يتقدم، كذا في " النهاية ". وقال الأكمل: وقال في بعض الشروح، ولأن فيما قلنا أي في الحنث النفس والتكفير بعد ذلك لتفويت البر إلى جابر، والجابر هو الكفارة والفوات إلى جابر كلا فوات، فتكون المعصية الحصالة بتفويت البر كلا معصية لوجود الجابر. أما إذا أتى بالبر وهو ترك الصلاة وقطع الكلام عن الأب، وقتل فلان بغير حق تحصيل المعصية بلا جابر لها فتكون المعصية قائمة لا محالة، فلهذا قلنا يحنث نفسه ويكفر عن يمينه، وكلا الوجهين صحيح، والثاني أيسر. قلت: أراد بالقائل بقوله وقال في بعض شروح الأترازي لأنه قال في شرحه هكذا ويرده الأكمل برمته. م: (وإذا حلف الكافر ثم حنث في حال الكفر أو بعد الإسلام، فلا حنث عليه) ش: أي فلا كفارة عليه، وبه قال مالك، وقال الشافعي وأحمد تلزم الكفارة بالمال، دون الصوم م: (لأنه) ش: أي لأن الكافر م: (ليس بأهل لليمين، لأنها تنعقد لتعظيم الله تعالى، ومع الكفر لا يكون معظمًا) ش: لأنه هاتك حرمة الله تعالى، بإصراره على الكفر. والتعظيم مع الهتك لا يجتمعان، والبر لا يتحقق إلا من معظم، ولا يلزم استخلافه في المظالم أو المنصوبات أو هو مشروع في حقه، لأنه من أهل مقصود الاستخلاف وهو النكول والإقرار. وكذا هو من أهل اليمين بالطلاق والعتاق، لأنه من أهل حكمنا م: (ولا هو أهل للكفارة) ش: أي ولا الكافر أهل للكفارة م: (لأنها عبادة) ش: لكونها ساترة للذنب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 139 ومن حرم على نفسه شيئا مما يملكه لم يصر محرما، وعليه إن استباحه كفارة يمين، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا كفارة عليه لأن تحريم الحلال قلب المشروع، فلا ينعقد به تصرف مشروع وهو اليمين. ولنا أن اللفظ ينبئ عن إثبات الحرمة، وقد أمكن إعماله بثبوت الحرمة لغيره بإثبات موجب اليمين، فيصار إليه، ثم إذا فعل مما حرمه قليلا أو كثيرا حنث ووجبت الكفارة، وهو المعني من الاستباحة المذكورة، لأن التحريم إذا ثبت تناول كل جزء منه.   [البناية] [تحريم بعض ما يملك] م: (ومن حرم على نفسه شيئًا مما يملكه) ش: سواء كان ثوبًا أو طعامًا أو أمة أو غيرها، بأن قال حرام علي ثوبي هذا أو طعامي هذا أو أمتي هذه ونحو ذلك م: (لم يصر محرمًا) ش: أي بعينه، بل صار محرمًا بالنص. فلهذا قال عقبه م: (وعليه إن استباحه) ش: أي يعامل به معاملة المباح، فإن أكل الطعام أو لبس الثوب أو وطئ الأمة فعليه م: (كفارة يمين وقال الشافعي لا كفارة عليه لأنه ليس يمين إلا في النساء والجواري وبه قال أحمد، وقال مالك من حرم على نفسه شيئًا غير امرأته لا يلزمه شيء وليس يمين م: (لأن تحريم الحلال قلب المشروع فلا ينعقد به، تصرف مشروع وهو اليمين) ش: كعكسه، وهو تحليل الحرام. م: (ولنا أن اللفظ ينبئ عن إثبات الحرمة، وقد أمكن إعماله) ش: أي إعمال اللفظ م: (بثبوت الحرمة لغيره) ش: أي بغير اللفظ م: (بإثبات موجب اليمين) ش: وهو الكفارة، وأصله ليس في وسعه إثبات الحرمة لذاته وعينه قلبت الحرمة لغيره، وهو جناية حرمة اليمين، وهو الكفارة على تقديم الحنث م: (فيصار إليه) ش: أي إلى ثبوت الحرمة لغيره. م: (ثم إذا فعل مما حرمه قليلًا كان أو كثيرًا) ش: انتصاب قليلا على أنه مفعول لقوله فعل م: (حنث، ووجبت الكفارة) ش: لأن التحريم ثبت بتناول كل جزء م: (وهو المعني) ش: بكسر النون وتشديد الياء، أي المعصوم م: (من الاستباحة المذكورة) ش: أي فعل ما حرمته هو المراد من الاستباحة التي ذكرها م: (لأن التحريم إذا ثبت) ش: يعني تحريم العين، وهو دليل قوله إذا فعل مما حرمه قليلا أو كثيرا حنث، وذلك لأن تحريم المعني إذا ثبت تبين م: (تناول كل جزء منه) ش: أي مما حرمه فيحنث بالقليل والكثير. وقال الأكمل: وعورض بأن اليمين إما أن يذكر مقسم به، وهو عند ذكر اسم من أسمائه أو صفة من صفاته كما تقدم أو بأن يذكر شرطه وجزاءه، وليس شيء منهما بموجود فكيف صار يمينًا واجب بسقوطهما بقوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] (التحريم الآية 2) ، بعد قوله: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] في تحريم العدل أو تحريم ما به أطلق الأيمان على تحريم إطلاق، وفرض تحلة الأيمان والرأي لا يعارض النصوص السمعية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 140 ولو قال: كل حل علي حرام فهو على الطعام والشراب إلا أن ينوي غير ذلك، والقياس أن يحنث كما فرغ، لأنه باشر فعلا مباحا وهو التنفس ونحوه، وهذا قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وجه الاستحسان أن المقصود هو البر لا يتحصل مع اعتبار العموم، وإذا سقط اعتباره ينصرف يمينه إلى الطعام والشراب للعرف، فإنه يستعمل فيما يتناول عادة، ولا يتناول المرأة إلا بالنية لإسقاط اعتبار العموم، وإذا نواها كان إيلاء ولا تصرف اليمين عن المأكول والمشروب، وهذا كله جواب ظاهر الرواية. ومشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قالوا: يقع به الطلاق من غير نية لغلبة الاستعمال، وعليه الفتوى   [البناية] [تحريم الحلال] م: (ولو قال كل حل علي حرام فهو على الطعام والشراب، إلا أن ينوي غير ذلك) ش: هذا ظاهر الرواية قال الحاكم الشهيد في " الكافي ": وإذا قاله لرجل هو علي حرام سئل عن نيته، فإن نوى يمينًا فهو يمين وكفرها، ولأنه حل امرأته في ذلك أن ينويها، فإن نواها دخلت فيه. فإذا أكل أو شرب أو قرب امرأته حنث وسقط عنه الإيلاء، فإن نوى فيه الطلاق، فالقول فيه كالقول في الحرام، أي يصح ما نوى، وإن نوى الكذب فهو كذب م: (والقياس أنه يحنث كما فرغ) ش: من اليمين م: (لأنه باشر فعلًا مباحًا وهو التنفس ونحوه) ش: بفتح العينين وفتح الشفتين أو ضمهما م: (وهذا قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده كما يفرغ من اليمين يحنث. م: (وجه الاستحسان أن المقصود وهو البر لا يتحصل مع اعتبار العموم) ش: لأن صيغة العموم إذا لم تكن أجراها على عمومها يراد بها أخص الخصوص للتعيين، وهنا لا يمكن ذلك، لأن الإنسان لا يمكنه مع نفسه عن النفس وفتح العين وذلك له حلال، فحمل على الحلال الأعم وهو ما يعيش به من المطعوم والمشروب. وهو معنى قوله م: (وإذا سقط اعتباره) ش: أي اعتبار العموم م: (ينصرف يمينه إلى الطعام والشراب للعرف) ش: بين الناس م: (فإنه يستعمل فيما يتناول عادة) ش: هذا القليل لقوله للعرف معنى إنما انصرف قوله كل حل علي حرام إلى الطعام والشراب، لأنه في عرف الناس يستعمل في ذلك م: (ولا يتناول المرأة إلا بالنية لإسقاط اعتبار العموم) ش: لأنه لا يمكن إجراء اللفظ على العموم لما قلنا. م: (وإذا نواها) ش: أي إذا نوى المرأة م: (كان إيلاء) ش: لأن اليمين في الزوجات إيلاء وإن جامعها في المدة كفر عن يمينه، وإن لم يقربها حتى مضت مدة الإيلاء، بانت بالإيلاء م: (لا تصرف اليمين عن المأكول والمشروب) ش: حتى إذا أكل أو شرب حنث م: (وهذا كله) ش: أي هذا المذكور كله م: (جواب ظاهر الرواية) ش: وهو رواية المبسوط م: (ومشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: قالوا أراد بهم مشايخ بلخ كأبي بكر الإسكاف، وأبي بكر بن أبي سعيد، والفقيه أبي جعفر حيث م: (قالوا يقع به الطلاق من غير نية لغلبة الاستعمال) ش: فيما بين الناس في هذا الزمان أنهم يرون بهذا اللفظ الطلاق م: (وعليه الفتوى) ش: قال أبو الليث: وبه نأخذ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 141 وكذا ينبغي في قوله حلال يروى حرام للعرف، واختلفوا في قوله - هرجه بدست راست كيرم يروى حرام - أنه هل تشترط النية، والأظهر أنه يجعل طلاقا من غير نية للعرف. ومن نذر نذرا مطلقا فعليه الوفاء به، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى» .   [البناية] وفي " فتاوى النسفي " حلال المسلمين علي حرام ينصرف الطلاق بلا نية للعرف، وإن لم يكن له امرأة يجب عليه كفارة، وإن كانت له امرأتان يقع الطلاق على واحدة، وإليه البيان في الأظهر لقوله امرأتي طالق، [ .... ] . وكذا لو قال حلال الله علي حرام، أو حلال هذا، أي أو حلال [ ..... ] ويروى حرام وله امرأة تنصرف إليها من غير نية للعرف، فإن مراد العامة من هذا اللفظ الطلاق. م: (وكذا ينبغي في قوله - حلال يروى حرام -) ش: أي وكذا ينبغي أن يقع الطلاق بلا نية في قوله - حلال يروى - يعني حلال علي حرام م: (للعرف) ش: أي لأجل عرف الناس بذلك في الطلاق. م: (واختلفوا في قوله) ش: أي اختلف المشايخ في قول الرجل م: (هرجه بدست راست كيرم يروى حرام - أنه هل يشترط النية) ش: أي لا يشترط م: (والأظهر أنه يجعل طلاقًا، من غير نية للعرف) ش: قوله - هرجه - بفتح الهاء وسكون الراء وكسر الجيم الفارسية، وسكون الهاء، ومعناه كل شيء. قوله - بدست - بفتح الباء الموحدة والدال المهملة وسكون السين المهملة وبالتاء المثناة من قوله ومعناه بيدي. قوله - راست - بفتح الراء وسكون السين المهملة بعد الألف وبالتاء المثناة من فوق، ومعناه اليمين يعني بيدي اليمين. قوله - كيرم - بكسر الكاف وسكون الياء آخر الحروف، معناه علي. وفي " خلاصة الفتاوى " هرجه بدست كيرم هر من حرام - لا يصدق أنه لم ينو. ولو قال: هرجه بدست راست كرفته أم - فهو بمنزلة قوله - كيرم - ولو قال - هرجه بدست حيب كيرم - في " مجمع النوازل " لا يكون طلاقًا وإن نوى. ولو قال - هرجه بدست راست كرفتم - لا يكون طلاقًا أن المعرف في قوله - كيرم - ولا عرف في قوله - كرفتم -، ولو قال هرجه بدست راست كيرم - ولم يقل - راست أوجب - فهو بمنزلة قوله - هرجه بدست راست كيرم. م: [قال لله علي صوم سنة بدون التعليق بشيء] (ومن نذر نذرًا مطلقًا) ش: أي مطلقًا عن ذكر الشرط بأن قال لله علي صوم سنة بدون التعليق بشيء م: (فعليه الوفاء به) ش: أي بما سمى م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى» ش: هذا الحديث غريب. وفي جواب الوفاء بالنذر أحاديث صحاح مما أخرجه البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 142 وإن علق النذر بشرط فوجد الشرط فعليه الوفاء بنفس النذر لإطلاق الحديث، ولأن المعلق بشرط كالمنجز عنده. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه رجع عنه. وقال: إذا قال: إن فعلت كذا فعلي حجة أو صوم سنة أو صدقة مال ملكه أجزأه من ذلك كفارة يمين، وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويخرج عن العهدة بالوفاء بما سمى أيضا   [البناية] عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رجلًا قال يا رسول الله إن أختي نذرت أن تحج وإنها ماتت قبل أن تحج فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لو كان عليها دين أكنت قاضيه، قال نعم، قال فاقض دين الله فهو أحق بالقضاء» . وفي رواية: أن أختي، وفيها ما أخرجه البخاري ومسلم «عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال فأوف بنذرك» ، وزاد البخاري: فاعتكف ليلة. ومنها ما رواه أبو داود في سننه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن امرأة أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت يا رسول الله إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف، قال أوف بنذرك ... » الحديث. [تعليق النذر بشرط] م: (وإن علق النذر بشرط) ش: بأن قال إن شفى الله مريضي أو رد الله غائبي أو مات عدوي فعلي صوم شهر أو سنة م: (فوجد الشرط فعليه الوفاء) ش: بتعيين م: (بنفس النذر) ش: ولا يخرج عنه بالكفارة م: (لإطلاق الحديث) ش: المذكور، فإنه لم يفصل بين كون النذر مطلقًا أو معلقًا بشرط م: (ولأن المعلق بالشرط كالمنجز عنده) ش: أي عند وجوده ولو نجز النذر عند وجود الشرط لم تجزئه الكفارة، فكذا هنا، وبه قال مالك: في المشهور عنه. وقيل إن كان النذر في مباح يتخير، وفي الطاعة يلزمه الوفاء مطلقًا. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه رجع عنه) ش: أي عن نفس الوفاء بالنذر إلى التخيير بين الكفارة والوفاء. وعن عبد العزيز بن خالد الترمذي قال: خرجت حاجًا، فلما دخلت الكوفة قرأت كتاب القدوري والكفارة على أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فلما انتهيت إلى هذه المسألة، قال: فإن من رأيي أن يراجع فرجعت عن الحج، أو قد توفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فأخبرني الوليد بن أبان أنه رجع قبل موته بسبعة أيام، وبه يفتي إسماعيل الزاهد وشمس الأئمة السرخسي لكثرة البلوى به في هذا الزمان، وهذا لأن كلامه نذر فظاهره يمين بمعناه. م: (وقال: إذا قال) ش: أي وقال أبو حنيفة: إذا قال الرجل م: إن فعلت كذا فعلي حجة أو صوم سنة أو صدقة) ش: أي أو قال فعلي صدقة م: (مال ملكه أجزأه من ذلك كفارة يمين، وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الشافعي في الجديد وأحمد ومالك في رواية. وفي القديم: يتعين الكفارة ويكون هذا نظرًا للحاج م: (ويخرج عن العهدة) ش: أي عن عهدة اليمين م: (بالوفاء بما سمى أيضًا) ش: حتى لو كان معسرًا كان مخيرًا بين أن يصوم ثلاثة أيام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 143 وهذا إذا كان شرطا لا يريد كونه؛ لأن فيه معنى اليمين وهو المنع وهو بظاهره نذر، فيتخير ويميل إلى أي الجهتين شاء، بخلاف ما إذا كان شرطا يريد كونه كقوله: إن شفى الله مريضي لانعدام معنى اليمين فيه، وهو المنع، وهذا التفصيل هو الصحيح. قال: ومن حلف على يمين وقال: إن شاء الله متصلا بيمينه فلا حنث عليه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من حلف على يمين وقال إن شاء الله فقد بر في يمينه» ،   [البناية] وأن يصوم شهرًا، وهذا مروي عن أبي حنيفة في " النوادر ". ووجه ما روي في السنن مسندًا إلى عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كفارة النذر كفارة اليمين» . م: (وهذا) ش: أي هذا المذكور م: (إذا كان شرطًا) ش: أي إذا كان النذر معلقًا بشرط م: (لا يريد كونه) ش: مثل إن شربت الخمر فعلي صوم سنة م: (لأن فيه معنى اليمين وهو المنع) ش: عن اتخاذ الشرط م: (وهو بظاهره نذر) ش: وهو ظاهر م: (فيتخير ويميل إلى أي الجهتين شاء) ش: أي التكفير أو النذر م: (بخلاف ما إذا كان شرطًا) ش: أي بخلاف ما إذا علق بشرط م: (يريد كونه) ش: أي كون الشرط م: (كقوله إن شفى الله مريضي لانعدام معنى اليمين فيه وهو المنع) ش: لأن قصده الرغبة فيما حوله شرطًا م: (وهذا التفصيل) ش: أي الذي ذكرنا بين شرط لا يريد كونه وبين شرط يريد كونه م: (وهو الصحيح) . ش: وقال الأكمل: وفيه نظر، لأنه إن أراد حصر الصحة فيه من حيث الرواية فليس بصحيح، لأنه غير ظاهر الرواية، وإن أراد حصرها فيه من حيث الدراية لدفع التعارض فالدفع ممكن من حيث حمل أحدهما على المرسل والآخر على المعلق من غير تفرقة بين ما يريد كونه وما لا يريد، على أن فيه إيماء إلى القصور في الذهاب إلى ظاهر الرواية. [تعليق الحلف بالمشيئة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن حلف على شيء) ش: وفي بعض النسخ على يمين، وعلى هذا قال الأترازي: ومعنى قوله على يمين، أي على مقسم عليه م: (وقال: إن شاء الله تعالى متصلًا بيمينه فلا حنث عليه) ش: وفي " المبسوط " حلف على يمين أو نذر وقال: إن شاء الله متصلًا لا حنث عليه، وبه قال أكثر أهل العلم. وقال مالك: يلزمه حكم اليمين والنذر م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من حلف على يمين وقال إن شاء الله فقد بر في يمينه» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ غريب، وبمعناه أحاديث منها ما أخرجها أصحاب السنن الأربعة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال «من حلف فاستثنى فإن شاء مضى وإن شاء ترك غير حنث» . انتهى بلفظ النسائي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 144 إلا أنه لا بد من الاتصال لأنه بعد الفراغ رجوع، ولا رجوع في اليمين، والله تعالى أعلم بالصواب.   [البناية] وفي لفظ له: «فهو بالخيار إن شاء مضى وإن شاء ترك» ، ولفظ ابن ماجه نحوه، ولفظ أبي داود «من حلف على يمين فقال إن شاء الله فقد ... » ولفظ الترمذي: «فقال إن شاء الله فلا حنث عليه» وقال: حديث حسن. ومنها ما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث» . م: (إلا أنه) ش: استثنى من قوله فلا حنث عليه، يعني إنما لم يحنث إذا كان الاستثناء متصلًا بيمينه وهو معنى قوله م: (لا بد من الاتصال) ش: بأن يقطع قوله إن شاء الله بكلام أو سكوت، والفصل انقطاع النفس لا يعتبر لتعذر الاحتراز عنه، أما إذا كان الاستثناء منفصلًا فلا عدة به، فعليه الحنث م: (لأنه بعد الفراغ رجوع) ش: عن اليمين م: (ولا رجوع في اليمين) ش:. فإن قلت: هذا تعليل في مقابلة النص فإن الحديث بإطلاقه لا يفصل بين المتصل والمنفصل. قلت: الدلائل الدالة من النصوص وغيرها على اللزوم المقهور هي التي توجب الاتصال. فإن جواز الاستثناء منفصلًا يقضي إلى إخراج المقهور كلها من البيوع والأنكحة وغيرها من أن تكون تلزمه، وفي ذلك من الفساد ما لا يخفى وهذا التعليل يوافق تلك الأدلة، فيحمل حديث الاستثناء على الاتصال توفيقًا بين الأدلة، والله أعلم بالصواب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 145 باب اليمين في الدخول والسكنى ومن حلف لا يدخل بيتا فدخل الكعبة أو المسجد أو البيعة أو الكنيسة لم يحنث، لأن البيت ما أعد للبيتوتة، وهذه البقاع ما بنيت لها. وكذا إذا دخل دهليزا أو ظلة باب الدار لما ذكرنا، والظلة ما تكون على السكة. وقيل: إذا كان الدهليز بحيث لو أغلق الباب يبقى داخلا وهو مسقف   [البناية] [باب اليمين في الدخول والسكنى] [حلف لا يدخل بيتا فدخل الكعبة] م: (باب اليمين في الدخول والسكنى) ش: أي هذا باب في بيان أحكام اليمين المتعلق بدخول البيت وحكم السكنى فيه والدخول والانفصال من الظاهر الداخل إلى الباطن والخروج على الكنس والسكنى عبارة عن كون السكون في مكان على سبيل الاستقرار والدوام، فإن من جلس في مسجد أو بات فيه لا يعد ساكنًا فيه، ولما كان انعقاد اليمين على فعل شيء أو تركه شرع بذكر الأفعال التي ينعقد عليها اليمين بابًا. إلا أنه قدم هذا الباب على غيره لأنه أهم، لأن الإنسان يحتاج إلى مسكن يدخل فيه ويستقر، ثم يترتب على ذلك سائر الأفعال من الأكل والشرب. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن حلف لا يدخل بيتًا فدخل الكعبة أو المسجد أو البيعة) ش: بكسر الباء متعبد النصارى م: (أو الكنيسة) ش: وهو متعبد اليهود م: (لم يحنث، لأن البيت ما أعد للبيتوتة، وهذه البقاع ما بنيت لها) ش: أي للبيتوتة، والمعتبر في الأيمان العادة والعرف، والألفاظ المستعملة في الأيمان مبنية على العرف عندنا. وقال أحمد: بني الأيمان على النية، سواء نوى ظاهر اللفظ أو مجازه خاصًا أو عامًا، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لكل امرئ ما نوى.» قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مبنية على الحقيقة، لأنها مراد وعند مالك على معاني علم القراءات، لأنه على أصح اللغات وأفصح. م: (وكذا) ش: أي وكذا لم يحنث م: (إذا دخل دهليزا أو ظلة باب الدار) ش: والظلة ما أظل فوق الباب خارج الدار لما ذكرنا، أشار إلى قوله لأن البيت ما أعد للبيتوتة. وفي " التحفة " ولو دخل دهليز الدار يحنث، لأنه في الداخل والظلة تكون على السكة م: (لما ذكرنا، والظلة ما تكون على السكة) ش: ما أظل فوق الباب خارج الدار، وهو يصلح أن يكون تفسيرًا لما ذكره المصنف. وأوضح ذلك " صاحب العصير "، فقال: الظلة هي التي أحد طرفي جذعها على هذه الدار وطرفها الآخر على حائط الجار المقابل. وفي " الذخيرة ": أراد بالظلة الساباط الذي يكون على باب الدار. قال صاحب " المغرب ": قول الفقهاء ظلة الدار يريدون بها السدة التي فوق الباب، والكل في الحقيقة معنى واحد. م: (وقيل: إذا كان الدهليز بحيث لو أغلق الباب يبقى داخلا وهو مسقف يحنث، لأنه يبات فيه عادة) ش: قيد بقوله وهو مسقف يبقى أن لا يحنث، ولكن الأصح أن كل موضع إذا أغلق الباب لا يمكنه الخروج يكون من الدار، فعلى هذا يحنث بدخوله الدهليز مطلقًا كما ذكره أولًا، وعلله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 146 يحنث، لأنه يبات فيه عادة، وإن دخل صفة حنث لأنه يبنى للبيتوتة فيها في بعض الأوقات، فصار كالشتوي والصيفي. وقيل: هذا إذا كانت الصفة ذات حوائط أربعة وهكذا كانت صفافهم وقيل: الجواب يجري على إطلاقه وهو الصحيح. ومن حلف لا يدخل دارا فدخل دارا خربة لم يحنث، ولو حلف لا يدخل هذه الدار فدخلها بعد ما انهدمت وصارت صحراء حنث، لأن الدار اسم للعرصة   [البناية] بقوله لأنه في الداخل. م: (وإن دخل صفة حنث) ش: أي في يمينه لا يدخل بيتًا م: (لأنه يبنى للبيتوتة فيه في بعض الأوقات، فصار كالشتوي والصيفي) ش: الشتوي هو الذي يبنى لأن يبات فيه في الشتاء، والصيفي الذي يبنى، لأن يبات فيه في الصيف، فاستوى له جدران أربعة في واحد منها باب، والصيفي له ثلاث جدران ليس إلا هو وهو الصفة. وفيه قول بعض المشايخ بخلاف هذا أشار إليه بقوله م: (وقيل هذا) ش: أي حنث بدخول الصفة في المبتدأ لا يدخل بيتا م: (إذا كانت الصفة ذات حوائط أربعة، وهكذا كانت صفافهم) ش: أي صفاف أهل الكوفة، فحينئذ لا يكون فرق بين البيت والصفة، فيحنث. لأنه بيان فيها. وفي " المبسوط ": وفي عرفنا الصفة ذات حوائط ثلاثة قد تكون على هيئة البيت، فلا يكون بيتًا فلا يحنث، وبه قال الشافعي. وقال الفقيه أبو الليث في شرح الجامع الصغير: ذكر عن أبي حاتم [ .... ] أمشي بغداد، قال: هذه ليلة كانت مشتملة حتى انتهيت إلى الكوفة فرأيت صفافهم مبسوطة، فعلمت أن الأيمان وضعها على تعارفهم. قال أبو بكر الرازي في شرح " مختصر الطحاوي ": قال أصحابنا: ذلك على حسب عاداتهم كانت بالكوفة يسمون بيتًا في جوف بيت آخر صفة، فأما اسم الصفة في بغداد لا يتناول البيت ولا اسم يتناول الصفة. م: (وقيل الجواب يجري على إطلاقه) ش: يعني يحنث أي صفة دخلها بصحة البيتوتة، وإليه ذهب المصنف ونبه عليه بقولهم م: (وهو الصحيح) ش: وقال الكاكي: وهو الصحيح احتراز تقيد الصفة بعرفهم، يعني الصحيح الإطلاق لوجود البيتوتة في الصفة. [حلف لا يدخل دارا فدخل دارا خربة] م: (ومن حلف لا يدخل دارًا فدخل دارا خربة لم يحنث ولو حلف لا يدخل هذه الدار فدخلها بعد ما انهدمت وصارت صحراء حنث) ش: وقال الشافعي: لا يحنث في الوجهين، وأشار المصنف إلى العرف بين الوجهين بقوله م: (لأن الدار اسم للعرصة) ش: قال ابن الأثير: العرصة كل موضع واسع لا ينافيه. وقال الجوهري: العرصة كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها شيء من بناء، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 147 عند العرب والعجم، يقال دار عامرة ودار غامرة، وقد شهدت أشعار العرب بذلك   [البناية] والجمع العرصات والعراص. قلت: ومنه عرصات يوم القيامة، وهي شديدة، وهي في لغة العجم كذلك، فلذلك قال المصنف: م: (عند العرب والعجم) ش: وهي بسكون الراء، تفتح في الجمع م: (يقال دار عامرة ودار غامرة) ش: أي دار عامرة بالعين المهملة، ودار غامرة بالغين المعجمة. قال الجوهري: الغامرة يعني بالغين المعجمة من الأرض خلاف العامرة، يعني بالمهملة. وفي حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جعل على كل جريب عامر أو غامر أو رهمًا ومصرًا. قال ابن الأثير: الغامر يعني بالغين المعجمة ما لم يزرع مما يحتمل الزراعة من الأرض والجواب من الأرض ستون ذراعًا في ستين. م: (وقد شهدت أشعار العرب بذلك) ش: أي بأن الدار اسم للعرصة، وجاء ذلك في أشعار كثيرة، منها ما قال شعير العامري: عقب الديار محلها فمقامها ... بمنى تأبد غواها فرجا بها قوله عقب ديار الأحباب العرب ما كان منها للحلول دون الإقامة وما كان منها للإقامة وعفى يعفو لازم ويتعدى وهنا لازم، يعني اندرست. قوله بمنى بالتنوين وهو موضع يجمع ضربه هي الحرم. قوله تأبد أقفر وخلا من الوحوش. قوله غواها بفتح الغين المعجمة والرجاء بكسر الراء وبالجيم، وهما جبلان معروفان. وقيل موضعان. ومنها ما قال السنابقة: يا دار مية بالعلياء والسند أقوت ... وطال عليها سالف الأبد فيها أصيلا لا أسائلها ... أعقر جوابًا وما بالربع من أحد يخاطب السنابقة دار مية اسم امرأة. والعلياء موضع مرتفع، وكذلك السند بفتحتين موضع مرتفع من ارتفاع الوادي أو الجيد، ثم أخبر عنها بقوله أقدت أي أقفرت وخلت عن أهلها وذهبوا وطال عليهم ما مضى من مرور الزمان، ثم يقول وقفت عليها عشية أسائلها عن أهلها أين مضوا فلم تقدر على الجواب، ولم يكن فيها أحد يكنى، والأصيلان لا أصله أصلان مصغر أصلان جمع أصيلًا، فأبدلوا من النون لامًا. والأصيل الوقت بعد المغرب، ومنها ما قال حسان بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تلك دار الألوف أصحت حلا ... بعد ما يحلها في نشاط والنشاط شره من الصبي. هذه الأبيات كما ترى دالة على أن الدار سمي دارًا بعد ارتحال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 148 فالبناء وصف فيها غير أن الوصف في الحاضر لغو، وفي الغائب معتبر.   [البناية] أهلها عنها وآثارها ودرس رسومها وأطلالها. وقال الأترازي: وقد أورد الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير " والإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي " ها هنا يصلح بضبط الفقهاء، وهي الدار وإن زالت حوائطها. والبيت ليس ببيت بعد أن ينهدم، ثم قال ولكن لا يصلح للاحتجاج به، فإن قائله ليس بمعلوم وإن شاء مثله لكل أحد غير عسير، انتهى. وذكر الكاكي هذا البيت في معرض الاحتجاج فلا بأس به؛ لأنه وإن لم يعرف قائله يصلح للاحتجاج ألا ترى أن النحاة كثيرًا احتجوا بإثبات، لأنه لا يعرف قائلها، غير أنهم إذا عرفوا أن قائلها من السفر المحدثين لم يحتجوا فيها إلا للاستشهاد. م: (فالبناء وصف فيها) ش: أي في الدار م: (غير أن الوصف في الحاضر لغو، وفي الغائب معتبر) ش: أي هذا إذا كانت الصفة لم تكن داعية إلى اليمين نفعه كون الدار معينة. وفي الغائب إلى المنكر معتبرة، لأن الغائب يعرف بالوصف، فتعلقت اليمين والدار موصوفة بصفة فلا يحنث بعد زوال تلك الصفة وفي المعين لغو لأنه إشارة إلى تعريف فأغنت عن الوصف الذي وضع للتوضيح، فاستوى وجودها وعدمها. وهنا اعتراضان: الأول: نقض إجمالي، وهو أن يقال هذا. بل بما قال محمد: في كتاب الوكالة لو وكله بشراء دار فاشترى دارًا خربة يلزم الموكل، وينبغي أن لا يقع للموكل، لأن الصفة في الغائب معتبرة. والجواب أن الصفة في النكرة من كل وجه معتبرة، والدار في اليمين منكرة من كل وجه. وفي الوكالة تفرقت من وجه، لأن التوكيل بشرائها إنما يصح عند بيان الثمن أو محله وليست في اليمين كذلك، فلا يلزم من صحته اتفاقًا، والوكالة صحة انعقاد اليمين بلا تحفة الاعتراض. الثاني: بطريق المعارضة وهو أن يقال إن البناء لا يخلو إما أن يكون داخلًا في المسمى أو لم يكن، فإن كان داخلًا وجب أن لا يختلف الحال بالغيبة والحضور في الدخول كالعرصة، وإن لم يكن داخلًا وجب أن لا يختلف الحال أيضًا في عدم الدخول، كما إذا حلف لا يكلم رجلًا ينعقد يمينه برجل قاعد عالم، أي غير ذلك من الصفات الخارجة عنه. والجواب أن البناء صفة متعينة للدار. فجاز أن يكون مرادا بحكم العرف المتعين. وفي الرجل التراجم في الصفات ثابت من العلم والفعل والقدرة والصناعة والحسن والجمال، وهذه الصفات بأثرها يمنع إرادتها عادة، وليس البعض أولى من البعض في الإرادة، فتمتنع الإرادة أصلًا كذا ذكره في " النهاية " محالًا عن " الفوائد الظهيرية ". وقال الأكمل: ورد بأن البناء ضده الخراب ومحل الدار محل نوادرها، فكيف صار البناء صفة متعينة فهو في حيز النزاع. وأقول في جواب المعارضة المذكور من التقسيم غير حاضر أو أن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 149 ولو حلف لا يدخل هذه الدار فخربت ثم بنيت أخرى فدخلها يحنث لما ذكرنا أن الاسم باق بعد الانهدام، وإن جعلت مسجدا أو حماما أو بستانا أو بيتا فدخله لم يحنث، لأنها لم تبق دارا لاعتراض اسم آخر عليها، وكذا إذا دخله بعد انهدام الحمام وأشباهه لأنه لا يعود اسم الدارية. وإن حلف لا يدخل هذا البيت فدخله بعد ما انهدم وصار صحراء لم يحنث لزوال اسم البيت، لأنه لا يبات فيه حتى لو بقيت الحيطان وسقط السقف يحنث لأنه يبات فيه والسقف وصف فيه، وكذا إذا بنى بيتا آخر فدخله لم يحنث، لأن الاسم لم يبق بعد الانهدام   [البناية] يكون داخلًا في المنكر لاحتياجه إلى التعريف غير داخل في المعروف لاستغنائه عنه. [حلف لا يدخل هذه الدار فخربت ثم بنيت دارا أخرى فدخلها] م: (ولو حلف لا يدخل هذه الدار فخربت ثم بنيت دارًا أخرى فدخلها يحنث لما ذكرنا أن الاسم باق بعد الانهدام) ش: لم تبدل باعتبار أصله، وإنما يبدل الوصف، وذلك لا يعتبر في الحاضر. وللشافعي فيه وجهان م: (وإن جعلت مسجدًا) ش: أي وإن جعلت الدار مسجدًا م: (أو حمامًا أو بستانًا أو بيتًا فدخله لم يحنث لأنها لم تبق دارًا لاعتراض اسم آخر عليها) ش: لأنها لم تبدل اسمها كان ذلك بمنزلة متبدل العين. م: (وإن حلف لا يدخل هذا البيت فدخله بعد ما انهدم وصار صحراء لم يحنث لزوال اسم البيت، فإنه لا يبات فيه، حتى لو بقيت الحيطان وسقط السقف يحنث، لأن يبات فيه) ش: أي في البيت الذي زال سقفه وجدرانه باقية م: (والسقف وصف فيه) ش: أي في البيت، إذ البيتوتة تحصل بدونه، والسقف صفة الكمال في البيت ولم يضر زوال الوصف. م: (وكذا إذا بنى) ش: أي ذلك البيت م: (بيتًا آخر فدخله لم يحنث، لأن الاسم لم يبق بعد الانهدام) ش: لأن الثاني صار غير الأول، لأنه بصفة جديدة، وفي " خلاصة الفتاوى " عن الأصل لو حلف لا يسكن بيتًا ولا نية له فسكن بيتًا من شعر أو فسطاطًا أو خيمة لا يحنث إن كان الحالف من أهل المصر. وإن كان من أهل البادية يحنث. وذكر بعضهم في شرحه منقولًا عن " الفوائد الظهيرية " أنه إذا حلف لا يهدم بيتًا فهدم بيت العنكبوت يحنث [ .... ] ، لأنه مخالف للأصل وللرواية، فإن الشيخ أبا نصر قال: وإن حلف لا يخرب بيتا فخرب بيت العنكبوت لم يحنث وإن سماه الله بيتًا، ذكره في مسألة لا يأكل لحمًا فأكل السمك لم يحنث. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 150 قال: ومن حلف لا يدخل هذه الدار فوقف على سطحها حنث، لأن السطح من الدار، ألا ترى أن المعتكف لا يفسد اعتكافه بالخروج إلى سطح المسجد. وقيل في عرفنا لا يحنث وهو اختيار الفقيه أبي الليث. قال: وإذا دخل دهليزها يحنث ويجب أن يكون على التفصيل الذي تقدم. وإن وقف في طاق الباب بحيث إذا أغلق الباب كان خارجا لم يحنث، لأن الباب لإحراز الدار وما فيها، فلم يكن الخارج من الدار.   [البناية] م: (قال) ش: أي قال القدوري: م: (ومن حلف لا يدخل هذه الدار فوقف على سطحها حنث لأن السطح من الدار، ألا ترى أن المعتكف لا يفسد اعتكافه بالخروج إلى سطح المسجد) ش: وكذا يصلح اقتداء الذي على سطح المسجد بمن فيه، وذكر في " الشامل " حلف لا يدخل دار فلان، فقام على حائطه أو سطحه حنث. وقال في " شرح الأقطع ": قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحنث. وقال بعض أصحابه: يحنث. م: (وقيل في عرفنا لا يحنث) ش: أي بالوقوف على سطح الدار. قال الفقيه أبو الليث: في " النوازل " إن كان الحالف من بلاد العجم فإنه لا يحنث في هذا كله ما لم يدخل الدار، لأن الناس لا يعرفون ذلك دخولًا في الدار. وفي " جامع قاضي خان " هذا في عرفهم، وفي عرفنا الصعود على السطح والحائط لا يسمى دخولًا فلا يحنث. ثم قال والصحيح جواب الكتاب إنه يحنث. وفي " الفتاوى " قال: هذا إذا كان اليمين بالعربية، فإن كان بالفارسية وصعد السطح أو نحوه أو شجرة فيها أو حائطًا فيها لا يحنث. وفي " الكافي " المجاز في بلاد العجم أنه لا يحنث. وفي " الدهليز ": يحنث. وفي " الإيضاح ": ولو كان فوق المسجد سكن لم يحنث؛ لأن ذلك ليس بمسجد، وفي " شرح الوجيز " ولو كانت في الدار شجرة منشرة الأغصان يتعلق ببعضها. فإن حصل في مجازات البيان حنث. وإن حصل في مجازات لأسترة السطح ففيه وجهان وإن أعلا من ذلك يحنث وعند أصحاب أبي حنيفة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أنه لو كان بحيث لو سقط يسقط في الدار يحنث. [حلف لا يدخل بيت فلان ولا نية له ثم دخل في صحن داره] م: (قال) ش: أي قال القدوري: م: (وإذا دخل دهليزها يحنث ويجب أن يكون على التفصيل الذي تقدم) ش: يعني إذا أغلق الباب ويبقى داخلًا وهو ضيق، وإنما قال: هذا لأن القدوري أطلقه م: (وإن وقف في طاق الباب بحيث إذا أغلق الباب كان خارجًا لم يحنث، لأن الباب لإحراز الدار وما فيها، فلم يكن الخارج من الدار) ش: أي خارج الباب من الدار لعدم الحرز به، وفي " المحيط " وكذا لو قام على أسكفة الباب والباب بينه وبين الدار لا يحنث. ولو دخل رأسه أو إحدى رجليه أو حلف أن لا يخرج فخرج إحدى رجليه أو رأسه لم يحنث، وبه قال الشافعي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 151 قال: ومن حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها لم يحنث بالقعود حتى يخرج ثم يدخل استحسانا والقياس أن يحنث لأن الدوام له حكم الابتداء. وجه الاستحسان أن الدخول لا دوام له، لأنه انفصال من الخارج إلى الداخل. ولو حلف لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه فنزعه في الحال لم يحنث، وكذا إذا حلف لا يركب هذه الدابة وهو راكبها فنزل من ساعته لم يحنث وكذا لو حلف لا يسكن هذه الدار وهو ساكنها فأخذ في النقلة من ساعته. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحنث لوجود الشرط وإن قل. ولنا أن اليمين تعقد البر فيستثنى منه زمان تحققه   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك وأحمد رحمهما الله في رواية لو حلف لا يدخل بيت فلان ولا نية له، ثم دخل في صحن داره لم يحنث حتى يدخل البيت. هذا في عرفهم وفي عرفنا الدار والبيت واحد فيحنث إن دخل صحن الدار، وعليه الفتوى وبه قال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه واحد. حلف لا يدخل دار فلان فمات صاحبها فدخل لم يحنث، سواء كان على الميت دين أم لا. ولو باعها فلان ثم دخلها إن عينها بأن قال: هذه. لا يحنث عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد وزفر والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ومالك وأحمد يحنث. ولو دخل دارًا مشتركة بينه وبين غيره، فإن كان المحلوف عليه يسكنها يحنث. ولو دخل دارًا يسكنها فلان بالإجارة أو بالإعارة يحنث وبه قال مالك وأحمد. [حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها] م: (قال) ش: أي قال القدوري: م: (ومن حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها لم يحنث بالقعود حتى يخرج ثم يدخل استحسانًا. والقياس أن يحنث) ش: وبه قال زفر والشافعي رحمهما الله في وجه م: (لأن الدوام له حكم الابتداء) ش: أي لأن الدوام على الفعل له حكم ابتداء الفعل كما إذا حلف لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه، أو لا يركب هذه الدابة وهو راكبها، فدام على ذلك يحنث. م: (وجه الاستحسان أن الدخول لا دوام له، لأنه انفصال من الخارج إلى الداخل) ش: وليس دوام م: (ولو حلف لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه فنزعه في الحال لم يحنث. وكذا إذا حلف لا يركب هذه الدابة وهو راكبها فنزل من ساعته لم يحنث أو حلف لا يسكن هذه الدار وهو ساكنها فأخذ في النقلة من ساعته. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحنث) ش: أي قياسًا م: (لوجود الشرط وإن قل) ش: أي شرط الحنث وشرط الحنث يستوي فيه القليل والكثير. م: (ولنا أن اليمين تعقد البر فيستثنى منه زمان تحققه) ش: إن تحقق البر. فإن قلت: لا نسلم أن اليمين تعقد للبر، ألا ترى أن الحلف على البناء ينعقد، والبر لا يتصور. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 152 فإن لبث على حاله ساعة حنث، لأن هذه الأفاعيل لها دوام بحدوث أمثالها، ألا ترى أنه يضرب لها مدة يقال ركبت يوما ولبثت يوما، بخلاف الدخول لأنه لا يقال دخلت يوما يعني المدة والتوقيت، ولو نوى الابتداء الخالص يصدق، لأنه محتمل كلامه. قال: ومن حلف لا   [البناية] قلت: اليمين ثمة منعقدة للبر أيضًا للإمكان، لكن لعجز الظاهر انتقل الحكم إلى الحلف، وهو الكفارة م: (فإن لبث على حاله ساعة حنث، لأن هذه الأفاعيل) ش: وهو اللبس والركوب والسكنى م: (لها دوام بحدوث أمثالها) ش: أي يتحدد أمثالها بدليل صحة ضرب المدة، وهو معنى قوله م: (ألا ترى أنه يضرب لها مدة يقال لبثت يومًا وركبت يومًا) ش: فكان للدوام حكم الابتداء فيحنث الآن يعني الابتداء الخالص، فحينئذ لا يحنث باللبس. م: (بخلاف الدخول، لأنه لا يقال دخلت يومًا يعني المدة والتوقيت) ش: إنما قيد بمعنى المدة والتوقيت احترازًا عما يقال في مجاري كلامهم دخلت عليه يومًا، قال إلى كذا وكذا خرجت عنه يومًا قال: إلى كذا، وإقرار الدخول باليوم، لكن يراد به مطلق الوقت، ولا يراد به مضي المدة والتوقيت. واعلم أن الأفعال على ضربين، ضرب يقبل الابتداء وضرب لا يقبله، والفاصل بينهما قبول التوقيت وعدمه، قيل التوقيت قبل الامتداد وما لا فلا، والاستدامة على الممتد بمنزلة الإنشاء. قال الله تعالى: {فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68] (الأنعام: الآية 68) ، أي: فلا تمكث قاعدًا، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يعظ الناس قاعدًا، وعلى هذا قالوا: إذا قال لها: كلما ركبت فأنت طالق فمكث ساعة يمكنها النزول فيها طلقت، وإن مكثت مثلها طلقت أخرى، لأن للدوام حكم الابتداء وكلمة كلما تعم الأفعال تفكر الجزاء بتكسر الشرط، ولو نص بما قال: كلما ركبت دابة فعلي أن أتصدق بدرهم فركب دابة فعليه درهم وإن طال مكثه في الركوب. وإن كان ما ذكرتم صحيحًا لزمه أكثر من ذلك. وأجيب بأن الاستدامة فيما يمتد بمنزلة الإنشاء إذا لم يكن الإنشاء الخالص مرادًا ولهذا قلنا في هذا الفصل إذا كان راكبًا وقت اليمين لزمه في كل وقت يمكنه النزول والركوب درهم لكون الإنشاء الخالص غير مراد. [حلف لا يسكن هذه الدارفخرج بنفسه ومتاعه وأهله فيها] م: (ولو نوى الابتداء الخالص) ش: أي لا بقوله: ألبس بعد النزع ولا أركب بعد النزول م: (يصدق) ش: فلا يحنث م: (لأنه محتمل كلامه) ش: سماه محتمل، وإن كان قوله: لا يركب حقيقة في الابتداء، لأنه حقيقة فيه إذا لم يكن راكبًا، أما إذا كان راكبًا في الابتداء من محتملاته. وقال تاج الشريعة: لا يحنث لأنه قد يكون من حيث الابتداء، وقد يكون من حيث الدوام. وقد يكون كلما بلفظ اللبس، فيكون ناويًا بتخصيص ما في لفظه، فصحت النية. م: (قال) ش: أي قال القدوري: م: (ومن حلف لا يسكن هذه الدار) ش: وهو متأهل بدليل قوله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 153 يسكن هذه الدار فخرج بنفسه ومتاعه وأهله فيها ولم يرد الرجوع إليها حنث، لأنه يعد ساكنا ببقاء أهله ومتاعه فيها عرفا، فإن السوقي عامة نهاره في السوق ويقول أسكن سكة كذا، والبيت والمحلة بمنزلة الدار، ولو كان اليمين على المصر لا يتوقف البر على نقل المتاع والأهل فيما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا يعد ساكنا في الذي انتقل عنه عرفا بخلاف الأول، والقرية بمنزلة المصر في الصحيح من الجواب   [البناية] م: (فخرج بنفسه ومتاعه وأهله فيها) ش: ومتاعه مرفوع بالابتداء وأهله عطف عليه وقوله فيها خبر المبتدأ، أي في الدار، والواو فيه للحال م: (ولم يرد الرجوع إليها حنث) ش: وبه قال أحمد ومالك، وعن مالك لو أقام يومًا وليلة حنث. وفي الأقل لم يحنث. وعند زفر يحنث عقيب اليمين. وقال الشيخ أبو نصر: قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحنث. وقال الكاكي: عند الشافعي لا يحنث إذا خرج بنية التحويل، وهذا الخلاف مبني على أصل بيننا وبين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو أن عنده العبرة بحقيقة اللفظ أو العادة بخلافها لا تعتبر، وعندنا العبرة للعادة، لأنها صارت على الحقيقة، والحالف يريد ذلك، فيحمل كلامه عليه، ألا ترى أن المديون يقول لصاحب الدين لأجرتك يحمل ذلك على شدة المطل. م: (لأنه) ش: أي لأن الحلف م: (يعد ساكنًا ببقاء أهله ومتاعه فيها عرفًا) ش: أي من حيث العرف والعادة، ثم أوضح ذلك بقوله م: (فإن السوقي عامة نهاره) ش: أي في أكثر نهاره م: (في السوق) ش: مشغولًا لما يعانيه من الحرفة أو البيع أو الشراء م: (ويقول أسكن سكة كذا) ش: بذكر سكة من سكن المدينة، فهذا يدل على أنه يعد ساكنًا من أهله ومتاعه فيها م: (والبيت والمحلة بمنزلة الدار) ش: أراد أن اليمين يقول لا أسكن هذا البيت، ولا أسكن هذه المحلة مثل اليمين بقوله لا أسكن هذه الدار. وفي " الخلاصة " السكة والمحلة بمنزلة الدار. [حلف لا يسكن في هذا المصر فخرج وترك أهله ومتاعه] م: (ولو كان اليمين على المصر) ش: بأن حلف لا يسكن في هذا المصر أو في هذا البلد م: (لا يتوقف البر على نقل المتاع والأهل) ش: بمعنى إذا انتقل إلى مصر آخر بنفسه ولم ينقل الأهل والمتاع لا يحنث في يمينه م: (فيما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: كذا نقل أبو الليث في شرح " الجامع الصغير " في " الأمالي " عن أبي يوسف م: (لأنه لا يعد ساكنًا في الذي انتقل عنه عرفًا) ش: وإن لم ينقل الأهل والمتاع قال من يكون ببصرة لا يقال هو ساكن ببغداد وإن كان أهله ونقله ببغداد م: (بخلاف الأول) ش: وهو قوله لا أسكن هذه الدار ولا أسكن هذه السكة أو المحلة كما ذكر، وعند الشافعي المصر كالدار يعني لما ذكر أنه يعتبر حقيقة اللفظ لا العادة. م: (والقرية بمنزلة المصر) ش: وفي بعض الشروح والقرية كالمصر، يعني إذا قال: لا أسكن هذه القرية فحكمه حكم من قال لا أسكن هذا المصر. م: (في الصحيح من الجواب) ش: احترز به عن قول بعض مشايخنا أن القرية كالدار، وهو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 154 ثم قال أبو حنيفة: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا بد من نقل كل المتاع حتى لو بقي فيه، وقد يحنث لأن السكنى قد ثبت بالكل فيبقى ما بقي شيء منه وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر نقل الأكثر لأن نقل الكل قد يتعذر وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر نقل ما يقوم به كدخذائيته لأن ما رواء ذلك ليس من السكنى قالوا هذا أحسن وأرفق بالناس وينبغي أن ينتقل إلى منزل آخر بلا تأخير حتى يبر   [البناية] قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضًا، والأصح أنها كالمصر، وهو اختيار الشيخ الإمام الأجل برهان الدين والصدر الشهيد وقد عرفت أن جملة هذه المسائل على ثلاثة أوجه، أما إن كانت المسألة في المصر أو القرية أو الدار، وقد عرفت حكم كل واحد منهم. م: (ثم قال أبو حنيفة: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا بد من نقل كل المتاع حتى لو بقي فيه، وقد يحنث) ش: في يمينه م: (لأن السكنى قد ثبت بالكل فيبقى) ش: أي المسكن م: (ما بقي شيء منه) ش: أي من المتاع. ونقل صاحب " الأجناس " عن " نوادر " أبي يوسف رواية علي بن الجعد: وإن ترك فيها إبرة أو مسلة حنث، وبه قال أحمد. وفي " المحيط " و " المبسوط " قال: مشايخنا إنما يشترط عند أبي حنيفة نقل الكل بما يقصد به السكنى كالوتد والمكنسة وقطعة حصير بر في يمينه. واعترض على قول أبي حنيفة بأن سكناه كان بجميع ما كان معه من الأهل والمتاع. فإذا خرج بعضه انتفى سكناه، لا بأن الكل ينتفي بانتقال البعض. وأجيب: بأن الكل ينتفي بانتفاء جزء حقيقي لا اعتباري وما ذكرتم ليس كذلك، وينبغي أن ينقل إلى ترك آخر حتى يبر. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر نقل الأكثر) ش: أي أكثر المتاع م: (لأن نقل الكل قد يتعذر) ش: ويبقى الأقل لا يعد ساكنًا، وعليه الفتوى، كذا في " الكافي " وفي " المحيط " م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر نقل ما يقوم به كدخذائيته) ش: هذه نسبة إلى كدخذا أي بفتح الكاف وسكون الدال وضم الخاء المعجمة وبالذال المعجمة، وفي آخره ياء آخر الحروف بعده ألف ساكنة وكدخذائي باللغة الفارسية اسم له من البيت الذي له عيال وخدم. وكذا يسمى كرمى حاره الذي له كلام في أهلها كداخذ م: (لأن ما رواء ذلك) ش: أي لأن ما رواء الكدخذائية م: (ليس من السكنى) ش: بعد لا يعد من السكنى. م: (قالوا) ش: أي قال المشايخ في شرح " الجامع الصغير " م: (هذا أحسن وأرفق بالناس) ش: وفي شرح الجميع واستحسنه المشايخ، وعليه الفتوى وكذا استحسنه صاحب " المحيط ". وعن مالك بغير نقل عياله دون متاعه. م: (وينبغي أن ينتقل إلى منزل آخر بلا تأخير حتى يبر) ش: أراد به إذا نقل على منزل آخر بلا تأخير لا يحنث. قال العتابي في شرح " الجامع الصغير ": فإن لم يكن انتقل من ساعته، فإن كان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 155 فإن انتقل إلى السكة أو إلى المسجد قالوا لا يبر، دليله في الزيادات أن من خرج بعياله من مصره، فما لم يتخذ وطنا آخر يبقى وطنه الأول في حق الصلاة   [البناية] ليلًا لم يحنث، لأنه قدم ما لا يمكنه الامتناع عنه شيء عن اليمين. وفي " خلاصة الفتاوى " لو تحقق العذر باللص وغيره، وهو معذور. ونقل في " الأجناس " عن الهارونيات: أنه إذا أخذ في الأهبة فنقله عن المنقلة بطلب الدابة أو من يحمل متاعه لا يحنث. وقال في " فتاوى الولوالجي ": ولو خرج في طلب منزل من ساعته وخلف متاعه لم يحنث، لأن الطلب من عمل النقل. ولو أخذ في النقلة شيئًا فيه، فإن كانت النقلات لم تغير لم يحنث، لأنه في النقل، فإن كان يمكنه أن يتأخر من ينقل متاعه في يوم، فليس ذلك، ولا يلزمه النقل بأسرع الوجوه، بل يعذر ما سمي ناقلًا في العرف. وفي " الشامل ": إن لم يمكنه النقل من ساعته بعذر الليل أو بمنع ذي سلطان أو عدم موضع آخر ينقل إليه لم يحنث، لأن حالة الضرورة مستثناة، خلافًا لزفر. وكذا لو سد عليه الباب فلم يقدر على النقل أو كان شريفًا أو وضيعًا لا يقدر على النقل إلا منعته بنفسه ولم يجد أحدًا ينقلها لم يحنث حتى يجد من ينقلها، ويلحق الموجود بالمعدوم للعذر. ونوقض بما ذكر الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل أن من قال: إن لم أخرج من هذا المنزل اليوم فامرأته طالق فقيد ومنع من الخروج يحنث، وكذا لو قال لامرأته وهي في منزل والدها إن لم تحضري الليلة منزلي فأنت طالق فمنعها الوالد عن الحضور يحنث. وأجيب بأن في مسألة الكتب شرط الحنث المسكني، وإنه فعل وجودي لا يحصل بدون الاختيار، ولا يحصل الاختيار مع وجود الموانع المذكورة. وأما في صورة النقض فشرط الحنث عدم الخروج، والعدم لا يحتاج إلى الاختيار. م: (فإن انتقل إلى السكة أو إلى المسجد لا يبر) ش: وفي جامع " قاضي خان " اختلفوا فيه قال بعضهم: لا يحنث، لأنه لم يبق ساكنًا فيها. وقال بعضهم: يحنث، لأن سكناه لا ينقضي إلا بسكنى أخرى لا استدلالًا بمسألة الزيادات، أشار إليه المصنف بقوله. م: (دليله في الزيادات) ش: أي دليل ما قالوا في كتب الزيادات، ولفظ دليل مرفوع بالابتداء وخبره قوله في الزيادات، وقوله م: (أن من خرج بعياله) ش: بدل منه، أي بأن خرج رجله م: (من مصره) ش: ومعه عياله م: (فما لم يتخذ وطنًا آخر يبقى وطنه الأول في حق الصلاة) ش: يعني لا يقصر. قال تاج الشريعة: صورته رجل بخاري متوطن بها، خرج منها بعياله إلى سمرقند، فلما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 156 كذا هذا، والله أعلم بالصواب.   [البناية] وصل إلى الكوفة مثلًا رجع وأراد الذهاب إلى خراسان، فدخل بخارى فإنه يتم الصلاة، لأنه ما انتقض منها في حق الصلاة، فكذا في غيرها، انتهى. قلت: هذا الذي ذكره صورة ما ذكر المصنف. وأما الصورة المذكورة في الزيادات في كوفي انتقل بأهله ومتاعه إلى مكة ليس وطنها فلما وصلها بدا له أن يعود إلى خراسان فعاد ومر بالكوفة قال: يصلي بها ركعتين، لأن وطنه بها انقطع، وإن بدا له قبل أن يدخلها فإنه إذا مر بالكوفة قال: يصلي بها ركعتين صلى بها أربعًا، لأنه لم يتخذ وطنًا بقي وطنه بالكوفة. م: (كذا هذا) ش: يعني كذا حكم هذا الرجل الذي حلف لا يسكن هذه الدار أنه إذا انتقل إلى السكنة أو إلى المسجد لا يبر في يمينه، لأنه لما لم يتخذ وطنًا آخر وطنه الأول فافهم، فإنه موضع دقيق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 157 باب اليمين في الخروج والإتيان والركوب وغير ذلك قال: ومن حلف لا يخرج من المسجد فأمر إنسانا فحمله فأخرجه حنث، لأن فعل المأمور مضاف إلى الآمر، فصار كما إذا ركب دابة فخرجت، ولو أخرجه مكرها لم يحنث، لأن الفعل لم ينتقل إليه لعدم الآمر   [البناية] [باب اليمين في الخروج والإتيان والركوب وغير ذلك] [حلف لا يخرج من المسجد فأمر إنسانا فحمله فأخرجه] م: (باب اليمين في الخروج والإتيان والركوب وغير ذلك) ش: أي هذا الباب في بيان حكم اليمين في الخروج، وهو انفصال من الداخل إلى الخارج، وذكر باب الخروج بعد باب الدخول تحقيقًا للمقابلة، وذكر الإتيان لأنهما يتواردان بعد الخروج، ذكرهما عند ذكره، وأراد بقوله - وغير ذلك - نحو قوله لا تخرج امرأته إلا بإذنه. وقوله لرجل اجلس فقعد عندي. وقوله لا تركب دابة فلان. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن حلف لا يخرج من المسجد) ش: قيد المسجد اتفاقًا، لأن الحكم في البيت والدار كذلك، أو نسب عدم الخروج إلى المسجد بناء على غالب حال المسلم، لأنه في الغالب يكون ملازمًا ولا يخرج منه، كذلك قالوا. قلت: المسألة في " الجامع الصغير " كذا وقعت، وأوردها كما هي من غير تعبير لفظها م: (فأمر إنسانًا فحمله فأخرجه حنث، لأن فعل المأمور مضاف إلى الآمر فصار كما إذا ركب دابة فخرجت به) ش: لأن خروجه ينسب إليه والدابة آلته. م: (ولو أخرجه مكرهًا) ش: أي ولو أخرج هذا الحالف إنسانًا حال كونه مكروهًا م: (لم يحنث) ش: وبه قال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح وأحمد في رواية م: (لأن الفعل) ش: أي الخروج م: (لم ينتقل إليه) ش: أي إلى الحالف م: (لعدم الآمر) ش: حاصله أنه أخرج ولم يخرج فلم يوجد شرط الحنث. وقال مالك: إن استصعب على الحاصل لم يحنث، وإن راضى عليه يحنث، يعني إذا كان قادرا على الامتناع وسكن عنده، ويحنث، لأن سكونه في هذه الحالة بمثابة الإذن، وبه قال بعض أصحاب الشافعي. وصورة المسألة في الإخراج فيما إذا حمله الإنسان وأخرجه مكرهًا، لأنه لم يوجد منه فعل حمل، أما إذا حدده وجنح بنفسه خوفًا منه حنث لوجود الفعل منه، وبه قال مالك. وقال الأترازي: أما إذا حمل فرضي به بقلبه ولم يأمره، فجوابه لم يذكر في " الجامع الصغير " قال في " شرح الطحاوي ": اختلف المشايخ فيه، قال: بعضهم يحنث كما إذا خرج طائعا، لأنه لما كان ممكنًا من الامتناع فلم يمتنع صار كأمر الإخرج. وقال بعضهم: لا يحنث، لأنه لم يوجد منه فعل ينسب إليه، ولهذا كان يقول الفقيه أبو جعفر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 158 ولو حمله برضاه لا بأمره لا يحنث في الصحيح، لأن الانتقال بالأمر لا بمجرد الرضاء. قال: ولو حلف لا يخرج من داره إلا إلى جنازة فخرج ثم أتى حاجة أخرى لم يحنث، لأن الموجود خروج مستثنى والمضي بعد ذلك ليس بخروج. ولو حلف لا يخرج إلى مكة فخرج يريدها، ثم رجع حنث لوجود الخروج على قصد مكة وهو الشرط، إذ الخروج هو الانفصال من الداخل إلى الخارج. ولو حلف لا يأتيها لم يحنث حتى يدخلها، لأنه عبارة عن الوصول. قال الله تعالى: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 16] (الشعراء: الآية 16) ، ولو حلف لا يذهب إليها قيل هو كالإتيان، وقيل: هو كالخروج.   [البناية] وهكذا روي عن أبي يوسف في " الأمالي "، ثم في صورة الحمل مكرهًا لا يحنث بالاتفاق، ولكن هل ينحل اليمين أم لا؟ فقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: ينحل، وعليه السيد أبو شجاع، فقال: سئل شيخنا شمس الأئمة الحلواني عن هذا ينحل اليمين. وقال بعضهم: لا ينحل، وهو الصحيح، كذا قال التمرتاشي وغيره. م: (ولو حمله برضاه لا بأمره لا يحنث في الصحيح) ش: أي القول الصحيح احترازًا عن قول بعض المشايخ، وقد مر ذكره م: (لأن الانتقال بالأمر لا بمجرد الرضاء) ش: أي لأن انتقال الفعل إليه يكون بأمره، ولا يكون بمجرد رضاه، ففيه دليل أن من أمر إنسانًا بإتلاف ماله فأتلفه لم يضمن، وإن أتلفه بغير أمره وصاحب المال ساكت لا ينهاه ضمن، لأن فعله لم ينتقل إلى صاحب المال. [حلف لا يخرج من داره إلا إلى جنازة فخرج إليها ثم أتى إلى حاجة أخرى] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ولو حلف لا يخرج من داره إلا إلى جنازة فخرج إليها ثم أتى إلى حاجة أخرى لم يحنث، لأن الموجود خروج مستثنى، والمضي بعد ذلك) ش: أي بعد الخروج المستثنى م: (ليس بخروج) ش: لأن الخروج انفصال من الباطن إلى الخارج ولم يوجد، والوجود الإتيان إلى حاجة ليس بخروج لأنه عبارة عن الدخول والخروج عبارة عن الانفصال، ولا دوائم للخروج بالإجماع. م: (ولو حلف لا يخرج إلى مكة فخرج يريدها) ش: أي يريد مكة م: (ثم رجع حنث لوجود الخروج على قصد مكة، وهو الشرط إذ الخروج هو الانفصال من الداخل إلى الخارج) ش: والانفصال لا يمتد م: (ولو حلف لا يأتيها لم يحنث حتى يدخلها لأنه) ش: أي لأن الإتيان م: (عبارة عن الوصول، قال تعالى {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 16] (الشعراء: الآية 16) ش: لأن القول لا يكون إلا بعد الوصول إليه. م: (ولو حلف لا يذهب إليها) ش: أي إلى مكة م: (قيل هو كالإتيان) ش: أي حكمه حكمه حكم ما لو قال لا يأتيها، وهو قول نصر بن يحيى م: (وقيل هو كالخروج) ش: أي حكمه حكم ما لو قال لا يخرج إلى مكة، وهو قول محمد بن سلمة. حاصل هذا أنه ثلاث مسائل، الخروج والإتيان والذهاب، ففي مسألة الخروج يحنث، وفي مسألة الإتيان لا يحنث، وأما مسألة الذهاب فلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 159 وهو الأصح، لأنه عبارة عن الزوال قال: وإن حلف ليأتين البصرة فلم يأتها حتى مات حنث في آخر جزء من أجزاء حياته، لأن البر قبل ذلك مرجو، ولو حلف ليأتينه غدا إن استطاع، فهذا على استطاعة الصحة دون القدرة   [البناية] يذكر جوابها في " الجامع الصغير " واختلف فيه المشايخ كما ذكرنا م: (وهو الأصح) ش: أي الأصح قول من قال إن الذهاب كالخروج، وهو قول محمد بن سلمة م: (لأنه) ش: أي لأن الذهاب م: (عبارة عن الزوال) ش: وقد استعمل الذهاب في الأمرين جميعًا بمعنى الإتيان كما قال الله تعالى {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ} [طه: 43] والمراد به الإتيان والإذهاب الإزالة، فيكون الذهاب زوالًا فلا يشترط فيه الوصول. وفي بعض النسخ بعد قوله ومعنى الإزالة كما في قَوْله تَعَالَى {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: 33] (الأحزاب: الآية 33) ، أي ليزيل عبارة عن الزوال، وليس هذا الموجود في كثير من النسخ. م: (قال) ش: أي القدوري في " مختصره ": م: (وإن حلف ليأتين البصرة فلم يأتها حتى مات حنث في آخر جزء من أجزاء حياته، لأن البر قبل ذلك) ش: أي قبل الموت م: (مرجو) ش: إلا أن الحالف ما دام حيًا مرجي وجود البر، وهو الإتيان فلا يحنث، فإن مات فقد تعذر شرط البر، وتحقق شرط الحنث، وهو ترك الإتيان فيحنث في آخر جزء من أجزاء حياته، لأن هذه اليمين مطلقة عن الوقت. بخلاف اليمين المؤقتة، مثل أن يقول إن لم أدخل هذه الدار اليوم فعبدي حر، فإن اليمين معلق بآخر الوقت ولم يدخل الدار يحنث، أما إذا فات الوقت قبل دخوله وهو حي يحنث ويعتق العبد. [حلف رجل ليأتين زيدا في غد إن استطاع على ذلك] م: (ولو حلف ليأتينه غدًا إن استطاع) ش: أي لو حلف رجل ليأتين زيدًا في غد إن استطاع على ذلك م: (فهذا على استطاعة الصحة) ش: أي صحة الأسباب والآلات، لأن الاستطاعة تطلق على معنيين، أحدهما هذا، قال الله تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] (البقرة: الآية 196) وفسره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالزاد والراحلة، والثاني القدرة الحقيقية. وهو معنى قوله م: (دون القدرة) ش: أي لا يحمل على القدرة الحقيقية التي يترتب عليها الفعل عند إرادة جازمة يخلق الله تعالى عند الفعل لا قبله عندنا، خلافًا للمعتزلة، فعندهم سابقة على الفعل، وبه قال الكرامية، وتسمى هذه الاستطاعة القضاة على ما يجيء. وقال الأترازي: وقول القدرة فهذا على استطاعة الصحة دون القدرة، وقد أراد بالأول استطاعة الحال، وبالثاني استطاعة الفعل لنا فيه نظر، لأن المفهوم من قوله دون القدرة دون استطاعة القدرة، فكأنه قال دون قدرة القدرة لأن للاستطاعة والقدرة من الألفاظ المترادفة، وهي عبارة ركيكة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 160 وفسره في " الجامع الصغير " وقال: إذا لم يمرض ولم يمنعه السلطان ولم يجئ أمر لا يقدر على إتيانه، فلم يأت حنث، وإن عنى استطاعة القضاء دين فيما بينه وبين الله تعالى، وهذا لأن حقيقة الاستطاعة فيما يقارن الفعل، ويطلق الاسم على سلامة الآلات وصحة الأسباب في المتعارف فعند الإطلاق ينصرف إليه، وتصح نية الأول ديانة، لأنه نوى حقيقة كلامه ثم قيل تصح قضاء أيضا لما بينا وقيل لا تصح لأنه خلاف الظاهر   [البناية] ولو قال دون الفعل فكان دون القدرة كان أولى، فلعله سهو من الكتاب صحف القدرة بالنجاة وكتب القدرة مكانه. م: (وفسره في " الجامع الصغير ") ش: أي محمد فسر حكم هذه المسألة في " الجامع الصغير " م: (فقال إذا لم يمرض ولم يمنعه السلطان ولم يجئ أمر لا يقدر معه على إتيانه، فلم يأت حنث) ش: وإذا امتنع من الإتيان لعذر مرض أو منع سلطان ونحو ذلك لا يحنث، لأنه ليس بمستطيع، وإذا امتنع بلا عذر يحنث، لأنه مستطيع. م: (وإن عنى استطاعة القضاء دين فيما بينه وبين الله تعالى) ش: أي استطاعة القضاء والقدر التي يقارن الفعل عند أهل السنة، وسمي استطاعة القضاء لأن الفعل يوجد بإيجاد الله تعالى وقضائه وقدرته. فإذا قضى بوجود الفعل أوجد قدرة العبد مع ذلك الفعل ولم يوجد ذلك الفعل لم يوجد القدرة، لأنها خلقت لأجل ذلك الفعل انقضى عليه بالوجود فتمت استطاعة القضاء، فلا يحنث ديانة أبدًا. لأنه في أي حال لم يفعل هو غير مستطيع حقيقة، لأنها تسبق الفعل، ذكره البزدوي في " مبسوطه " و " جامعه ". م: (وهذا) ش: أشار به إلى قوله ما قبله م: (لأن حقيقة الاستطاعة فيما يقارن الفعل) ش: يعني لا تسبق الفعل وهي عرض يخلفه الله تعالى مع الفعل معًا وهي عليه للفعل عندنا وزعمت المعتزلة أنها سابقة على الفعل وموضع هذا علم الكلام م: (ويطلق اسم الاستطاعة على سلامة الآلات وصحة الأسباب في المتعارف) ش: لأن الغالب في كلام الناس هذه الاستطاعة لا استطاعة الفعل يحمل المطلق على المتعارف. وهو معنى قوله م: (فعند الإطلاق ينصرف إليه) ش: أي إلى المتعارف م: (وتصح نية الأول) ش: وهو استطاعة الفعل م: (ديانة) ش: يعني من حيث الديانة، يعني فيما بينه وبين الله تعالى م: (لأنه نوى حقيقة كلامه) ش: لأنها مما يطلق على اسم الاستطاعة بالنصوص حتى امتنع عن الإتيان بعذر أو بغير عذر لا يحنث، أراد في يمينه، لأن الاستطاعة لم توجد أنها لا تسبق الفعل، ولكن هل يصدق قضاء فيه اختلاف الرواية أشار إليه بقوله. م: (ثم قيل تصح) ش: أي تصح نية الاستطاعة قضاء. قال الشيخ أبو نصر: قال الطحاوي: يصدق م: (قضاء أيضًا لما بينا) ش: أراد قوله لأنه نوى حقيقة كلامه م: (وقيل لا تصح) ش: وهو قول أبي بكر الرازي: م: (لأنه خلاف الظاهر) ش: فيه تحقق له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 161 قال: ومن حلف لا تخرج امرأته إلا بإذنه فأذن لها مرة، فخرجت ثم خرجت مرة أخرى بغير إذنه حنث، ولا بد من الإذن في كل خروج، لأن المستثنى خروج مقرون بالإذن، وما وراءه داخل في الحظر العام. ولو نوى الإذن مرة يصدق ديانة لا قضاء، لأنه محتمل كلامه، لكنه خلاف الظاهر. ولو قال: إلا أن آذن لك فأذن لها مرة واحدة فخرجت ثم خرجت بعدها بغير إذنه لم يحنث، لأن هذه كلمة غاية فتنتهي اليمين به، كما إذا قال: حتى آذن لك. ولو أرادت المرأة الخروج فقال إن خرجت فأنت طالق فجلست ثم خرجت لم يحنث، وكذلك إن أراد رجل ضرب عبده فقال له آخر إن ضربته فعبدي حر فتركه ثم ضربه، وهذه تسمى يمين الفور.   [البناية] [الحلف على شيء يتكرر بتكرر المحلوف عليه أم لا] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن حلف لا تخرج امرأته إلا بإذنه فأذن لها مرة فخرجت ثم خرجت مرة أخرى بغير إذنه حنث، ولا بد من الإذن في كل خروج، لأن المستثنى خروج مقرون بالإذن) ش: لأن تقديره والله لا تخرجي إلا خروجًا ملصقًا بإذني، لأن الباء للإلصاق يقتضي ملصقًا وملصقًا به م: (وما وراءه) ش: أي وما وراءه المستثنى م: (داخل في الحظر العام) ش: لأن اليمين باقية، لأنه نهاها عن الخروج عامًا بوقوع النكرة في موضع النفي. م: (ولو نوى الإذن مرة يصدق ديانة لا قضاء لأنه محتمل كلامه، لكنه خلاف الظاهر) ش: لكونه مخالفًا لمقتضى الباء م: (ولو قال: إلا أن آذن لك فأذن لها مرة واحدة فخرجت ثم خرجت بعدها بغير إذنه لم يحنث) ش: لوقوع الكفاية بإذن واحد، واعترض عليه بقوله تعالى {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53] (الأحزاب: الآية 53) ، وكان مراد الإذن لازما وأجيب بأن ذلك بدليل خارجي، وهو قَوْله تَعَالَى {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} [الأحزاب: 53] . م: (لأن هذه) ش: أي قوله إلا أن آذن لك م: (كلمة غاية) ش: يعني تفيد معنى الغاية، لأن الإذن موضوع لها، بل الاستثناء تعذر حمله عليه، لأن صدر الكلام ليس من جنس الإذن، حتى يستثنى الإذن منه، فجعل مجازًا عن حق المناسبة بينهما، وهو أن حكم ما قبل الغاية يخالف ما بعدها كما إن حكم ما قبل الاستثناء يخالف حكم ما بعده م: (فينتهي اليمين به) ش: أي بإذنه م: (كما إذا قال: حتى آذن لك) ش: حيث ترتفع اليمين بالإذن، لأنه يصير غاية فترتفع به اليمين. م: (ولو أرادت المرأة الخروج) ش: أي لو أرادت المرأة الخروج م: (فقال إن خرجت فأنت طالق فجلست ساعة ثم خرجت لم يحنث، وكذلك إذا أراد رجل ضرب عبده، فقال له آخر إن ضربته فعبدي حر، فتركه ثم ضربه) ش: لم يعتق، وكذلك الرجل يقول لآخر اجلس فقعد فيقول إن تغديت فعبدي حر، ثم أتى أهله في ذلك فتغدى عندهم لم يحنث، إنما اليمين في ذلك على الفور. م: (وهذه تسمى يمين الفور) ش: أي يمين الحال، وهي كل يمين خرجت جوابًا بالكلام أو بناء على أمر يتقيد بذلك، بدلالة الحال، ولا يحنث في يمينه استحسانًا، خلافًا لزفر، والفور مصدر فارت القدر إذا غليت فاستعير للسرعة، ثم سميت الحالة التي ليس فيها به فصل، جاء فلان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 162 وتفرد أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بإظهاره. ووجهه أن مراد المتكلم الرد عن تلك الضربة والخرجة عرفا، ومبنى الأيمان عليه.. ولو قال له رجل اجلس فتغد عندي، فقال: إن تغديت فعبدي حر فخرج فرجع إلى منزله وتغدى لم يحنث، لأن كلامه خرج مخرج الجواب، فينطبق على السؤال، فينصرف إلى الغداء المدعو إليه. بخلاف ما إذا قال: إن تغديت اليوم، لأنه زاد على حرف   [البناية] فخرج من فوره، أي من ساعته، وفي " الفوائد الظهيرية ": سميت بهذا الاسم باعتبار ثوران الغضب. م: (وتفرد أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بإظهاره) ش: أي لم يبينه أحد فيه، وكانوا يقولون اليمين على نوعين مطلقة ومقيدة بوقت فاستنبط أبو حنيفة فيها قسمًا ثالثًا وهي مطلقة لفظًا ومؤقتة معنى وإنما أخذها من حديث جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وابن جبير دعيا إلى نصرة إنسان فحلفا أن لا ينصراه ثم نصراه بعد ذلك لم يحنثا وأقر في ذلك العرف ومبنى الأيمان على العرف. م: (ووجهه) ش: أي ووجه هذا الكلام م: (أن مراد المتكلم الرد عن تلك الضربة) ش: في قوله إذا أراد رجل ضرب عبده م: (والخرجة) ش: في قوله إن خرجت فأنت طالق م: (عرفًا) ش: يعني من حيث العرف م: (ومبنى الأيمان عليه) ش: أي على العرف وحاصل الكلام أن قصد الزوج في مسألة الخروج منعها من الخروج الذي شبهت قوله فصار كأنه قال: إن خرجت هذه الخرجة فقصدت اليمين بتلك الخرجة، وكذلك قصده أن يمنع مولى العبد عن الضرب الذي تهيأ له، فكأنه قال: إن ضربت هذه الضربة التي تهيأت لها فتعينت اليمين بتلك الضربة بدلالة الحالة عرفًا. م: (ولو قال له رجل اجلس فتغد عندي، فقال إن تغديت فعبدي حر فخرج فرجع إلى منزله) ش: وفي بعض النسخ فخرج إلى منزله م: (وتغدى لم يحنث) ش: أي في الاستحسان، والقياس أن يحنث، وهو قول زفر والشافعي -رحمهما الله لأنه عقد يمينه على مطلق الغد يتناول كل غد، كما لو قال ابتداء والله لا أتغدى. ووجه الاستحسان وهو قوله م: (لأن كلامه خرج مخرج الجواب) ش: بكلامه م: (فينطبق على السؤال، فينصرف إلى الغداء المدعو إليه) ش: فصار كأنه قال إن تغديت الغداء الذي دعوتني إليه فانصرف يمينه إلى ذلك الغد دلالة الحال. م: (بخلاف ما إذا قال إن تغديت اليوم، لأنه زاد على حرف الجواب) ش: لأنه ينصرف كلامه إلى الغداء المدعو إليه فلا يتقيد يمينه بذلك، فلا يجعل في كلامه بانيًا على سؤال الرجل م: (فيجعل مبتدئًا) ش: في الكلام محترزًا عن إلغاء الزيادة التي تكلم فيها. فإن قيل: ليس كذلك بأن الله تعالى قال: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى} [طه: 17] {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى} [طه: 18] .... (طه: الآية 18) ، فقد زاد على قدر الجواب، ومع ذلك جعل مجيبًا لا سيدًا. قلنا كلمة ما مستعمل للسؤال على الذات والسؤال عن الصفات، ولما استعمل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 163 الجواب فيجعل مبتدئا، ومن حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة عبد مأذون له مديون أو غير مديون لم يحنث عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إلا أنه إذا كان عليه دين مستغرق لا يحنث، وإن نوى لأنه لا ملك للمولى فيه عنده، وإن كان الدين غير مستغرق أو لم يكن عليه دين لا يحنث ما لم ينوه، لأن الملك فيه للمولى، لكنه يضاف إلى العبد عرفا، وكذا شرعا. قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من باع عبدا وله مال فهو للبائع» .... " الحديث   [البناية] في حيز السؤال أثبته على موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن السؤال وقع عن الذات والصفة فجمع بينهما ليكون مجيبًا على كل حال. [حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة عبد مأذون له مديون أو غير مديون] م: (ومن حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة عبد مأذون له مديون أو غير مديون لم يحنث عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني إذا لم ينو، ولا بد من تقدير هذا لأجل الاستثناء الذي يأتي الدابة ما يدب على الأرض لغة، ولكن المراد من دابة فلان فرسه وحماره وبغله، حتى لو ركب بعيره أو بغلته لم يحنث والقياس أن يحنث لأن اسم الدابة يتناولهما حقيقة. وفي الاستحسان لا يحنث لعلمنا أنه يردا لضمهم في كل ما يدب على الأرض. وقد عقد يمينه على فعل الركوب، فيتناول ما يركب من الدواب في الغالب وهو الخيل، والضهم في البغال والحمير مؤيدة قَوْله تَعَالَى {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [النحل: 8] ش: (النحل: الآية 8) ، فمر بالركوب فيها وفي الأنعام بالأكل بقوله {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ} [النحل: 5] .... . الآية. والفيل والبقر، وإن كان يركب في بعض الأوقات فذلك لا يدل على أن اليمين يتناوله أن البقر والجاموس يركب أيضًا في بعض المواضع ثم لا يفهم أحد من قول القائل لا تركب دابة فلان البقرة إلا أن ينوي جميع ذلك فيقع عليه ما نوى حقيقة كلامه وفيه تشديد عليه، ولو نوى الخيل وحدها لا يصدق لا قضاء ولا ديانة، لأن في لفظه الركوب لا المركب وبنيته يصح في اللفظ لا فيما لفظه التخصيص. م: (إلا أنه) ش: أشار من يقدر غير ملفوظ، وهو الذي قدرناه بعد قوله لم يحنث، يعني إذا لم ينو يعني لا يحنث بركوب دابة العبد المأذون، سواء كان عليه دين أو لم يكن إذا لم ينو، إلا أنه م: (إذا كان عليه دين مستغرق) ش: بكسر الراء م: (لا يحنث وإن نوى) ش: واصل بما قبله، أي وإن نوى ركوب العبد م: (لأنه لا ملك للمولى فيه) ش: أي في العبد الذي استغرق دين كسبه م: (عنده) ش: أي عند أبي حنيفة. م: (وإن كان الدين غير مستغرق أو لم يكن عليه دين لا يحنث ما لم ينوه) ش: فإذا نواه حنث م: (لأن الملك فيه للمولى، لكنه مضاف إلى العبد عرفًا) ش: أي من حيث العرف، حيث يقال دابة عبد فلان م: (وكذا) ش: أي وكذا يضاف إلى العبد م: (شرعًا) ش: أي من حيث الشرع، استدل عليه بقوله م: (قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من باع عبدًا وله مال فهو للبائع» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 164 فتختل الإضافة إلى المولى فلا بد من النية. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في الوجوه كلها يحنث إذا نواه لاختلال الإضافة. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحنث وإن لم ينو لاعتبار حقيقة الملك، إذ الدين لا يمنع وقوعه للسيد عندهما.   [البناية] الحديث) ش: قال الأترازي: كذا ذكر فخر الإسلام في " الجامع الصغير ". وقال الكاكي: وتمامه فما له لمولاه. وفي بعض الروايات فهو لبائعه. قلت: الحديث أخرجه الأئمة الستة كلهم عن الزهري عن سالم عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من باع عبدًا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع ومن باع نخلًا فثمره للبائع إلا أن يشترط المبتاع» م: (فتختل الإضافة إلى المولى) ش: لأنه يضاف إلى المولى م: (فلا بد من النية) ش: ويضاف إلى العبد أيضًا ولا يدخل تحت مطلق الإضافة إلا بالنية. م: (وقال أبو يوسف في الوجوه كلها) ش: أي فيما إذا لم يكن عليه دين أو كان عليه دين مستغرق أو غير مستغرق م: (يحنث إذا نواه لاختلال الإضافة) ش: أي إضافة الدابة تارة إلى المولى وتارة إلى العبد كما ذكرنا. م: (وقال محمد: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحنث) ش: أي في الوجوه كلها سواء كان عليه دين أو لا، وسواء كان الدين مستغرقًا أو لم يكن، وسواء نوى أو لم ينو، لأن دابة مملوك له، فوجب أن يحنث، لأن العبد وما في يده لمولاه م: (وإن لم ينو) ش: واصل بما قبله م: (لاعتبار حقيقة الملك) ش: يعني للمولى م: (إذ الدين لا يمنع وقوعه) ش: أي وقوع الملك م: (للسيد عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد، ويقول قال: مالك والشافعي - رحمهما الله وأحمد، ولو ركب دابة مكاتبه لا يحنث في قولهم جميعًا. ولو قال: أعتقت عبدي وله عبد فهو على هذا الخلاف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 165 باب اليمين في الأكل والشرب قال: ومن حلف لا يأكل من هذه النخلة فهو على ثمرها؛ لأنه أضاف اليمين إلى ما لا يؤكل فينصرف إلى ما يخرج منه، وهو الثمر، لأنه سبب له فيصلح مجازا عنه   [البناية] [باب اليمين في الأكل والشرب] [حلف لا يأكل شيئا فابتلع ما فيه] م: (باب اليمين في الأكل والشرب) ش: أي هذا باب في بيان حكم ما إذا حلف لا يأكل أو لا يشرب لما ذكر أول حاجة الإنسان، وهو المسكن ذكر بعده ما يحتاج إليه في البقاء وهو الأكل والشرب، والأصل أن الأكل إيصال شيء إلى جوفه مما يتأتى فيه المضغ والهشم مهشومًا ممضوغا أو غير ممضوغ. والشرب إيصال شيء إلى جوفه مما لا يتأتى فيه الهشم والمضغ، والذوق عبارة عن معرفة الشيء من غير إحالة عينه أن الحقيقة تترك بدلالة حالة المتكلم كما في يمين الفور، وبدلالة محل الكلام، وبدلالة اللفظ في نفسه، وبدلالة العادة. وذكر الزندوسي: الأكل والشرب عبارة عن عمل الشفاه والحلق، والذوق عبارة عن عمل الشفاه دون الحلق. والابتلاع عبارة عن عمل الحلق دون الشفاه والمص عبارة عن عمل اللهاة خاصة. فعلى هذا لو حلف لا يأكل شيئًا فابتلع ما فيه لا يحنث لكن ذكر في " فتاوى أبي الليث " مسألة تدل على الحنث، ولو حلف لا يأكل عنبًا أو رمانًا فجعل يمضغ ويرمي تفله ويبلع ماء لم يحنث، لأن هذا يسمى مصًا لا أكلا ولا شربًا. والحاصل أن الذي يصل إلى جوف الإنسان أربعة أوجه مأكول ومشروب وممضوغ وملعوق فذكرت الثلاثة الأول وبقي اللعوق، وهو ما يتناوله باللحس بالأصبع والشفاه، ولو حلف لا يأكل هذا اللبن فشربه لم يحنث إذا ثرد فيه. ولو حلف لا يثرد فيه فأكله لا يحنث، قالوا: هذا إذا كان اليمين بالعربية، أما إذا كان بالفارسية فأكل أو شرب يحنث، وعليه الفتوى، كذا في " الوجيز " و " فتاوى قاضي خان ". م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن حلف لا يأكل من هذه النخلة فهو على ثمرها) ش: أي اليمين على ثمرها بالثاء المثلثة، حتى لو كانت لا ثمرة لها يقع على ثمنها، ذكر في " الفوائد الحميدية " في " فتاوى الولوالجي " إذا أكل عين النخلة لا يحنث وإن نوى م: (لأنه أضاف اليمين إلى ما لا يؤكل فينصرف إلى ما يخرج منه وهوالثمر، لأنه سبب له) ش: الضمير في منه وفي لأنه يرجع إلى ما في قوله إلى ما يؤكل وهو عبارة عن النخلة، لأن النخلة لما كانت سببًا لا يخرج منها م: (فيصلح مجازًا عنه) ش: الضمير في عنه يرجع إليها فيما يخرج، وكونه مجازًا بطريق إطلاق اسم السبب على المسبب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 166 لكن الشرط أن لا يتعين بصيغة جديدة حتى لا يحنث بالنبيذ والخل والدبس المطبوخ وإن حلف لا يأكل من هذا البسر فصار رطبا فأكله لم يحنث، لكن الشرط أن لا يتعين بصيغة جديدة حتى لا يحنث بالنبيذ والخل والدبس المطبوخ وإن حلف لا يأكل من هذا البسر وكذا إذا حلف لا يأكل من هذا الرطب أو من هذا اللبن فصار الرطب تمرا أو صار اللبن شيرازا لم يحنث، لأن صفة البسورة والرطوبة داعية إلى اليمين   [البناية] م: (لكن الشرط أن لا يتعين) ش: أي ثمر النخلة م: (بصيغة جديدة، حتى لا يحنث بالنبيذ) ش: أي بالنبيذ الذي يعمل من ثمرها م: (والخل) ش: أي وكذا لا يحنث بالخل الذي يفعل منه م: (والدبس المطبوخ) ش: أي وكذا لا يحنث بالدبس المطبوخ منه، لأن ما صنع من ذلك الثمر من الأشياء المذكورة ليس بثمر. كما إذا حلف لا يأكل من هذا العنب فأكل من الزبيب أو عصيره لا يحنث، وإنما قيد الدبس بالمطبوخ احترازًا عما إذا أطلق الدبس على ما يصير من الرطب وغيره، ذكره في " الذخيرة "، وفي " المجمل ": الدبس عصارة الرطب. [حلف لا يأكل من هذا البسر فصار رطبًا فأكله] م: (وإن حلف لا يأكل من هذا البسر) ش: فهو على ما يخرج منه، وهو حصرمه وعنبه وزبيبه ودبسه، أي عصيره. ولو أكل من خل من ذلك لم يذكر محمد في " الجامع الكبير ". وقال البستاني في " شرح الجامع الكبير ": ينبغي أن لا يحنث، لأنه لا يخرج من النخل والكرم كذلك، وذكر الفقيه أبو الليث أنه لا يحنث. وإن حلف لا يأكل من هذا البسر، قال الجوهري: البسر أوله طلع ثم حلال ثم بلح ثم بسر ثم رطب ثم تمر والواحدة بسرة م: (فصار رطبًا فأكله لم يحنث) ش: لأن اليمين إذا تعلق باسم يبقى ببقاء ذلك الاسم، وتزول بزواله عليها ما يبقى. م: (وكذا) ش: أي وكذا لم يحنث م: (إذا حلف لا يأكل من هذا الرطب أو من هذا اللبن فصار الرطب تمرًا واللبن شيرازًا لم يحنث) ش: أي أو صار اللبن شيرازًا بكسر الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالراء بعدها الألف في آخره راء، وهو اللبن الرائب، أي الخاثر إذا استخرج تاءه قاله الأترازي. وقال الكاكي مثله، إلا أنه قال بعده حتى صار [ ... ] كالفالوذج الخاثر، ولم يذكره الجوهري، ويفهم من كلام صاحب " المغرب " أنه فارسي وليس بعربي، وهذا التغيير الذي ذكر يقال له في لغة البلوين قيرس وهو الجبن، يجعل في خرقة ويعقد رأسها ويعلق عليه وتد ويتقاطر منه الماء الذي فيه جميعه ويصير كالفالوذج. م: (لأن صفة البسورة والرطوبة) ش: وهي كونها بسرًا، أو الرطوبة وهي كونها رطبًا م: (داعية إلى اليمين) ش: فلا ينصرف إلى ما يتخذ منه، والقاعدة في هذا أن اليمين إذا انعقدت على يمين كان موصوفًا ندع ذلك الوصف إلى اليمين فتنعقد اليمين تبعًا لذلك الوصف فيتنزل منزلة الاسم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 167 وكذا كونه لبنا فيتقيد به، ولأن اللبن مأكول فلا ينصرف اليمين إلى ما يتخذ منه، بخلاف ما إذا حلف لا يكلم هذا الصبي أو هذا الشاب فكلمه بعدما شاخ، لأن هجران المسلم بمنع الكلام منهي عنه، فلا يعتبر الداعي داعيا في الشرع. ولو حلف لا يأكل لحم هذا الحمل فأكل بعدما صار كبشا حنث، لأن صفة الصغر في هذا ليست بداعية إلى اليمين، فإن الممتنع عينه أكثر امتناعا عن لحم الكبش. قال: ومن حلف لا يأكل بسرا فأكل رطبا لم يحنث، لأنه ليس ببسر. ومن حلف لا يأكل رطبا أو بسرا أو حلف لا يأكل رطبا أو بسرا فأكل مذنبا   [البناية] فلذلك لا يحنث في الصورة المذكورة. م: (وكذا كونه لبنًا) ش: داع إلى اليمين م: (فيتقيد به) ش: أي باللبن حتى لا يحنث بأكل شرازه وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحنث وتوقف فيه بعض أصحابه م: (ولأن اللبن مأكول فلا ينصرف اليمين إلى ما يتخذ منه) ش: أي من اللبن مثل زبده وشرازه؛ لأن ما عقد عليه اليمين عنه توكل فلم ينصرف إلى ما يتخذ منه، أي من اللبن م: (بخلاف ما إذا حلف) . ش: جواب عما يقال فعلى ما ذكرتم إذا حلف م: لا يكلم هذا الصبي أو هذا الشاب، فكلمه بعدما شاخ) ش: ينبغي أن لا يحنث، لأن الصبا مظنة الشفقة والشباب شعبة من الجنون، فكانا وصفين داعيين إلى اليمين، وقد زالا عند الشيخوخة، فكان الواجب أن لا يحنث. فأجاب بقوله بخلاف ما إذا حلف أي الحالف لا يكلم هذا الصبي أو هذا الشاب فكلمه أي فكلم الصبي أو الشاب بعدما صار شيخًا حنث. م: (لأن هجران المسلم بمنع الكلام منهي عنه) ش: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا فليس منا» وترك الرحمة بالصغير وترك التوقير للكبير من أعظم الهجران م: (فلا يعتبر الداعي) ش: يعني إلى هذا اليمين م: (داعيًا في الشرع) ش: لأن المهجور شرعًا كالمهجور عادة فانعقدت اليمين على الذات وهي موجودة حالة الشيخوخة، فيحنث في يمينه. واعترض على دليل الكتب بأن سلمنا أن هجران المسلم حرام، لكن الحرام يقع محلوفًا عليه كما لو قال: والله ليشربن الخمر خمرًا. وأجيب: بأن الكلام في الحقيقة يجوز أن يترك هجران الشرع فيما إذا كان الكلام محتملًا للمجاز حلالًا من المسلم على الصلاح. وأما أن ينعقد اليمين على الحرام المحض فلا كلام فيه. م: (ولو حلف لا يأكل لحم هذا الحمل) ش: بفتح الحاء المهملة والميم، وهو ولد الضأنية في السنة الأولى، والجمع حملان م: (فأكل بعدما صار كبشًا حنث، لأن صفة الصغر في هذا ليست بداعية إلى اليمين، فإن الممتنع عينه) ش: أي عين الحمل م: (أكثر امتناعًا عن لحم الكبش) ش: فلم يقيد اليمين بلحم الحمل. [حلف لا يأكل بسرا فأكل رطبا] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن حلف لا يأكل بسرًا فأكل رطبًا لم يحنث، لأنه ليس ببسر ومن حلف لا يأكل رطبًا أو بسرًا أو حلف لا يأكل رطبًا أو بسرًا فأكل مذنبًا) ش: بكسر النون، وهو ما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 168 حنث عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا يحنث في الرطب يعني بالبسر المذنب ولا في البسر بالرطب المذنب، لأن الرطب المذنب يسمى رطبا، والبسر المذنب يسمى بسرا، فصار كما إذا كان اليمين على الشراء، وله أن الرطب المذنب ما يكون في ذنبه قليل بسر، والبسر المذنب على عكسه، فيكون أكله أكل البسر والرطب، وكل واحد مقصود في الأكل بخلاف الشراء، لأنه يصادف الجملة فيتبع القليل فيه الكثير.   [البناية] يبدأ الإرطاب من قبل ذنبه، وتفسيره البسر المذنب هو الذي عامته بسر وفيه شيء من الرطب من قبل ذنبه م: (حنث عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: ذكر المصنف أبا حنيفة وحده. وذكر في " الإيضاح " و " المبسوط " و " الأسرار " و " شروح الجامعين " قول محمد مع أبي حنيفة في أنه يحنث. وفي " النهاية " والله أعلم بصحته. وفي " الكافي ": هكذا ذكر في " الهداية " والنسخ المعتبرة تشهد بأنه مع أبي حنيفة، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد. م: (وقالا) ش: أبو يوسف ومحمد: وبه قال الإصطخري وأبو علي من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لا يحنث في الرطب، يعني بالبسر المذنب، ولا في البسر بالرطب المذنب) ش: أي ولا يحنث في قوله لا يأكل بسرًا فأكل رطبًا مذنبًا م: (لأن الرطب المذنب يسمى رطبًا، والبسر المذنب يسمى بسرًا، فصار كما إذا كان اليمين على الشراء) ش: يعني لو حلف لا يشتري رطبًا فاشترى بسرًا مذنبًا لا يحنث. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الرطب المذنب ما يكون في ذنبه قليل بسر، والبسر المذنب على عكسه) ش: وهو ما يكون في ذنبه قليل رطب م: (فيكون أكله) ش: أي أكل كل واحد من الرطب المذنب والبسر المذنب م: (أكل البسر والرطب) ش: فيحنث في الصورتين، وإن كان أحدهما غالبًا والآخر مغلوب. ألا ترى أنه لو ميزه فأكله حنث بالاتفاق، وعلل المصنف بقوله م: (وكل واحد مقصود في الأكل) ش: لأن الأكل فعل حسن، وهو المضغ والابتلاع، وكل جزء مقصود بالأكل، لأنه إنما يأكل شيئًا فشيئًا فتحقق أكل البسر والرطب من الحالف فيحنث م: (بخلاف الشراء) ش: لأن كل جزء غير مقصود بالشراء م: (لأنه) ش: أي لأن اليمين م: (يصادف الجملة) ش: يعني يضاف إلى الجملة م: (فيتبع القليل فيه الكثير) ش: لأن المغلوب يكون تبعًا للغالب. فإن قلت: يشكل إذا حلف لا يشرب هذا اللبن فصب فيه ماء غلب اللبن لا يحنث ولا شرب المحلوف عليه وزيادة. قلت: إن اللبن بانصباب الماء فيه يتسع في جميع أجزاء الماء فيصير مشتبهًا ولهذا لا ترى مكانه بخلاف ما نحن فيه لأنه يرى مكانه وكان قائمًا زمان التناول. فإن قلت: بلى، ولكن الحنث لا يحنث إلا بالمضغ والابتلاع، وعند ذلك يصير مستهلكًا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 169 ولو حلف لا يشتري رطبا، فاشترى كباسة بسر فيها رطب لا يحنث؛ لأن الشراء يصادف الجملة والمغلوب تابع. ولو كانت اليمين على الأكل يحنث؛ لأن الأكل يصادفه شيئا فشيئا، فكان كل منهما مقصودا، وصار كما إذا حلف لا يشتري شعيرا أو لا يأكله فاشترى حنطة فيها حبات شعير وأكلها يحنث في الأكل دون الشراء لما قلنا قال: ولو حلف لا يأكل لحما فأكل لحم السمك لا يحنث، والقياس أن يحنث لأنه يسمى لحما في القرآن.   [البناية] وصار هذا بمنزلة ما لو حلف لا يأكل حنطة فأكل شعيرًا فيه حبات حنطة إن أكل حبة يحنث، وإن جمع بين الحبات من النوعين في الأكل لا يحنث، لأنها إذ ذاك تصير مستهلكة. قلت: يعني الاستهلاك فيما ذكرت من النظير أظهر وأبين لأنه إذ ذاك لا يحنث من طعم الحنطة شيئًا في حلقه، بخلاف ما إذا كان مذنبًا أو رطبا مذنبا، لأنه يجد في حلقه شيئًا من خوصة البسر وحلاوة الرطب. قال: أي محمد: وليس في كثير من النسخ لفظة قال: [حلف لا يشتري رطبا فاشترى كباسة] م: (ولو حلف لا يشتري رطبًا فاشترى كباسة بسر) ش: بكسر الكاف وهو الفتو والفتا أيضًا. وقال لعود القذف وهو عومة الكباسة العرجون والأهان، كذا ذكر أبو عبيد في غريب المصنف م: (فيها) ش: أي في الكباسة م: (رطب لا يحنث، لأن الشراء يصادف الجملة، والمغلوب تابع) ش: للغالب، وهذه المسألة كالبيان للمسألة المتقدمة، وهو ظاهر. م: (ولو كانت اليمين على الأكل يحنث) ش: بأن حلف لا يأكل رطبًا فأكله من كباسة بر فيها رطب يحنث م: (لأن الأكل يصادفه) ش: أي يصادف الرطب م: (شيئًا فشيئًا، فكان كل واحد منهما) ش: أي من الرطب والبسر م: (مقصودًا، فصار حكمه كما إذا حلف لا يشتري شعيرًا أو لا يأكله) ش: أي لو حلف لا يأكل شعيرًا م: (فاشترى حنطة فيها حبات شعير فأكلها يحنث في الأكل دون الشراء) ش: أي لا يحنث في الشراء م: (لما قلنا) ش: وهو أن الشراء يصادف الجملة، والأكل يصادفه شيئًا فشيئًا. ولو عقد اليمين على البر يحنث في الوجوه كلها، لأن الحقيقة تركب في الأمر للعرف، ولا عرف للبر، فتعتبر الحقيقة، بخلاف القطن والكتان، بأنه لو حلف لا يمس قطنًا أو كتانًا فمس ثوبًا اتخذ من قطن أو كتان لا يحنث فيهما. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: [حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا] (ولو حلف لا يأكل لحمًا فأكل لحم السمك لا يحنث) ش: وهو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد م: (والقياس أن يحنث) ش: وهو قول مالك وأحمد في رواية بعض أصحاب الشافعي م: (لأنه يسمى لحمًا في القرآن) ش: قال الله تعالى: {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} [فاطر: 12] (فاطر: الآية 12) ، والمراد منه لحم السمك بالفعل. وقال في " شرح الطحاوي " وروي عن أبي يوسف أنه قال: يحنث. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 170 وجه الاستحسان في التسمية مجازية، لأن اللحم منشأه من الدم. ولا دم فيه لسكونه في الماء، وإن أكل لحم خنزير أو لحم إنسان يحنث، لأنه لحم حقيقي، إلا أنه حرام، واليمين قد يعقد للمنع من الحرام   [البناية] م: (وجه الاستحسان أن التسمية) ش: أي تسمية لحم السمك م: (مجازية) ش: أي بطريق المجاز م: (لأن اللحم منشأه من الدم) ش: ولحم السمك لا ينشأ من الدم، إذ الدموي لا يسكن الماء ولا يباح عن مطلقه بدلالة الألفاظ، ومبنى الأيمان على العرف لا على ألفاظ القرآن، ولهذا لو حلف لا يركب دابة فركب كافرًا لا يحنث بالإجماع، وإن سماه في القرآن، دابة، والعرف معنا، لأنه لا يسمى بائعه لحمًا ولا مستعمل استعمال اللحوم في المباحات، إلا أن ينوي فحينئذ يعتبر، لأنه لحم من وجه فيه تشديد عليه. ولو حلف لا يجلس على الوتد فجلس على الجبل لا يحنث، وإن كان قال الله تعالى: {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ: 7] (النبأ: الآية 7) ، لأن اللحم منشأه من الدم م: (ولا دم فيه لسكونه في الماء) ش: لأن بين الدم والماء منافاة في طبعهما. فإن قلت: الدم موجود في السمك. قلت: دم ضعيف، لأن الدم إذا شمس اسود، ودم السمك ليس كذلك. [حلف ألا يأكل لحما فأكل لحما حراما] م: (وإن أكل لحم خنزير أو إنسان) ش: أي أو لحم إنسان م: (يحنث) ش: وبه قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول م: (لأنه لحم حقيقي، إلا أنه حرام، واليمين قد ينعقد للمنع من الحرام) ش: والحرام لا يمنع انعقاد اليمين، ألا ترى أنه لو حلف لا يشرب شرابًا فشرب الخمر يحنث. واعترض بأن الكفارة فيها معنى العبادة فلا يناط وجوبها بما هو حرام محض وأكل لحم الخنزير والإنسان حرام محض، فكيف يتعلق وجوبه. وأجيب: بأن هذه مغالطة، لأن الكفارة تجب بعد يمين نقضت بالحنث وقد وجدت، وكون الحنث بأمر مباح أو حرام لا مدخل له في ذلك، هذا الذي ذكره الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الأترازي: فإن قلت: قد ثبت قبل هذا أن مبنى الأيمان على العرف ولا سبق أوهام الناس من لفظ اللحم أنه لحم الخنزير والإنسان، فينبغي أن لا يحنث. قلت: إن الناظر لو ينظر إلى لحم الخنزير أو الإنسان سماه لحمًا على الإطلاق، بخلاف لحم السمك، فإنه لا يسمى لحمًا على الإطلاق، فظهر الفرق. وقال الكاكي: ولا يقال الكفارة فيها معنى العبادة، فكيف يجب بالحرام المحض، لأنا نقول الحل والحرمة يراعى في السبب لا في الشرط، وسبب وجوب الكفارة اليمين لا الحنث، وإنما لا يجوز به التكفير قبل الحنث ليكون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 171 وكذا إذا أكل كبدا أو كرشا؛ لأنه لحم حقيقة فإن نموه من الدم ويستعمل استعمال اللحم، وقيل في عرفنا لا يحنث، لأنه لا يعد لحما.   [البناية] اليمين موصوفًا بالإباحة والحظر. وأصل اليمين مباح، والحنث حرام، كذا قيل. وقال الشافعي في وجه لا يحنث، وبه قال أشهب المالكي، لأن اليمين يقع على العادة، وهذا قاله الزاهد العتابي من أصحابنا، فلا يحنث وعليه الفتوى، ذكره في " الكافي ". وقال الأترازي: قال الإمام السغناقي في شرح الجامع الصغير: في لحم الخنزير والآدمي، قيل الحالف إذا كان مسلمًا ينبغي أن لا يحنث لأن أكله ليس بمتعارف، ومبنى الأيمان على العرف ثم قال: وهو الصحيح. [حلف ألا يأكل لحما فأكل كبدا أو كرشا] م: (وكذا) ش: أي وكذا يحنث م: إذا أكل كبدًا أو كرشًا) ش: فيما إذا حلف لا يأكل لحمًا م: (لأنه لحم حقيقة) ش: أي لأن كل واحد من الكبد والكرش لحم حقيقة، وفيه نظر لا يخفى م: (فإن نموه) ش: بضم النون والميم وتشديد الواو المفتوحة، وهو مصدر نما ينمو نماه الله، إنما قال الجوهري: نما المال وغيره ينما نما وربما قالوا ينمو نموًا. وقال الكسائي: لم أسمعه بالواو، وحكى أبو عبيدة من ينمو وسمى م: (من الدم ويستعمل استعمال اللحم) ش: وفيه نظر أيضًا. م: (وقيل في عرفنا لا يحنث، لأنه لا يعد لحمًا) ش: ينبغي أن يكون هذا صحيحًا. قال: في " خلاصة الفتاوى " ولو أكل شيئًا من البطون كالكبد والطحال يحنث، هذا في عرف أهل الكوفة وفي عرفنا لا يحنث. وكذا قال صاحب " المحيط ": في عرفنا لا يحنث، لأنه لا يعد لحمًا ولا يستعمل استعمال اللحوم. قلت: هذا ظاهر، فلا يقال لبياع الكبود لحمًا ولا لبياع الكروش لحمًا ولا يستعملان في الطباخ موضع اللحم، وفي " المحيط " لو أكل اللحم التي قيل يحنث، وبه قال الشافعي وأحمد وقيل لا يحنث، وبه قال مالك. ولو أكل الرأس والأكارع يحنث، وبه قال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح وأحمد في رواية، ويأكل القلب يحنث عندنا، وبه قال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، ولهذا قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إن في الجسد مضغة» والمضغة القطعة من اللحم. وقال الشافعي: في الأصح لا يحنث وبأكل الشحم والإلية لا يحنث إلا إذا نوى في اليمين باللحم، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح وأحمد وبأكل شحم الظهر يحنث، وبه قال الشافعي في الأصح ومالك في وجه لا يحنث، وبه قال أحمد لأنه يعرف باسم آخر، قال الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 172 قال: ولو حلف لا يأكل أو لا يشتري شحما لم يحنث إلا في شحم البطن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يحنث في شحم الظهر أيضا وهو اللحم السمين لوجود خاصية الشحم فيه، وهو الذوب بالنار. وله أنه لحم حقيقة، ألا ترى أنه ينشأ من الدم، ويستعمل استعماله ويحصل به قوته. ولهذا يحنث بأكله في اليمين على أكل اللحم، ولا يحنث ببيعه في اليمين على بيع الشحم   [البناية] تعالى {حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} [الأنعام: 146] (الأنعام: الآية 146) . [حلف لا يأكل أو لا يشتري شحما] م: (قال) ش: أي محمد في الجامع الصغير: م: (ولو حلف لا يأكل أو لا يشتري شحمًا لم يحنث إلا في شحم البطن عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: حتى لو أكل كل شحم وهو الذي خالطه لحم لم يحنث عنده، وهو الصحيح. وقال الطحاوي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول محمد مثل قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبقول أبي حنيفة قال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح ومالك. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (يحنث في شحم الظهر أيضًا، وهو اللحم السمين) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه واحد في رواية م: (لوجود خاصية الشحم فيه، وهو الذوب بالنار) ش: ويصلح لما يصلح له شحم البطن، وكان كشحم البطن، ألا ترى أنه تعالى استثنى شحم الظهر بقوله {إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} [الأنعام: 146] والأصل أن المستثنى أن يكون من خبر المستثنى عنه. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي شحم الظهر م: (لحم حقيقة، ألا ترى أنه ينشأ من الدم ويستعمل استعماله) ش: استعمال اللحم في الحافية اتخاذًا تصلها العلايا م: (ويحصل به قوته) ش: أي ويحصل بشحم الظهر قوة اللحم ومرقه يسمى مرقة اللحم فلم يكن شحمًا مطلقًا، فلا يحنث آكله م: (ولهذا يحنث بأكله) ش: أي بأكل شحم الظهر م: (في اليمين على أكل اللحم ولا يحنث ببيعه في اليمين على بيع الشحم) ش: قال تاج الشريعة: متى عقد يمينه على الشراء ذكر شمس الأئمة السرخسي لأنه لا يحنث بشراء شحم الظهر بالاتفاق، والخلاف فيما إذا لم ينو. وفي " الذخيرة ": والصحيح قول أبي حنيفة. وفي " الكافي ": فصارت الشحوم أربعة، شحم الظهر، وشحم مختلط بالعظم، وشحم على ظلة الأمعاء، وشحم البطن. وفي شحم البطن يحنث بالاتفاق، والثلاثة على الاختلاف. ولو كانت يمينه على الشراء لم يحنث بالاتفاق. وقيل هو على الخلاف أيضًا. وفي " جامع قاضي خان ": اختلف المشايخ في محل الخلاف، قيل محل الخلاف في اللحم السمين على الظهر. وقيل في الشحم المتصل من داخل، فإن كان الخلاف في اللحم السمين فكلام أبي حنيفة أظهر، وإن كان الخلاف في اللحم المتصل بالظهر فكل منهما أظهر. وقال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 173 وقيل هذا بالعربية، فأما اسم - بيه - بالفارسية لا يقع على شحم الظهر بحال. ولو حلف لا يشتري أو لا يأكل لحما، أو شحما فاشترى إلية أو أكلها لم يحنث، لأنه نوع ثالث حتى لا يستعمل استعمال اللحوم والشحوم. ومن حلف لا يأكل من هذه الحنطة لم يحنث حتى يقضمها ولو أكل من خبزها لم يحنث عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا إن أكل من خبزها حنث أيضا   [البناية] الإمام أبو حنيفة أظهر، وإن كان الخلاف في اللحم المتصل بالظهر، فكلاهما أظهر. وقال الإمام السرخسي: لا يحنث بشحم الظهر في قولهم جميعًا، أما الاستثناء فمنقطع بدليل استثناء الحوايا بقوله {أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام: 146] . ولو قيل: المراد ما حملته الحوايا. قلنا: ذاك إخبار وهو خلاف الأصل، والانقطاع في الاستثناء، وإن كان خلاف الأصل لكنه ثبت بالدليل، وهو قوله {أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام: 146] لأن أحدًا لم يقل بأن مخ العظم شحم، كذا في " جامع السرخسي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وقيل هذا بالعربية) ش: أي هذا الاختلاف إذا قاله بالعربية. وقال في " المحيط " هذا الاختلاف في عرفهم م: (فأما اسم - بيه -) ش: بكسر الباء الفارسية وسكون الياء آخر الحروف والهاء م: (بالفارسية) ش: أي باللغة الفارسية م: (لا يقع على شحم الظهر بحال) ش: يعني أصلًا لعدم العرف، وإذا حلف لا يأكل أكلًا ينبغي أن يقع على شحم الظهر والبطن والإلية جميعًا. وفي بعض النسخ جعل هذا من المنفي وليس بصحيح. [حلف لا يشتري أو لا يأكل لحما أو شحما فاشترى إلية وأكلها] م: (ولو حلف لا يشتري أو لا يأكل لحمًا أو شحمًا فاشترى إلية وأكلها لم يحنث لأنه) ش: أي لأن الإلية دبر والضمير على تأويل المذكور م: (نوع ثالث حتى لا يستعمل استعمال اللحوم والشحوم) ش: وبه قال بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال بعض أصحابه: وهو شحم فيحنث بيمين الشحم لا اللحم، وبه قال أحمد، ولو حلف لا يأكل لحم شاة. فأكل لحم غيره يحنث. وذكر أبو الليث أنه لا يحنث، سواء كان الحالف مصريًا أو قرويًا، وعليه الفتوى. حلف لا يأكل لحم بقرة فأكل لحم جاموس لم يحنث. م: (ومن حلف لا يأكل من هذه الحنطة لم يحنث حتى يقضمها) ش: القضم الأكل بأطراف الأسنان. وفي " الكافي " ولا نية له فأكل من خبزها وسويقها لم يحنث عند أبي حنيفة، وكذا من دقيقها حتى يقضمها، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك م: (ولو أكل من خبزها) ش: أي من خبز هذه الحنطة التي حلف عليها م: (لم يحنث، وهذا) ش: أي عدم الحنث م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: م: (وقالا) ش: أي أبي يوسف ومحمد م: (إن أكل من خبزها حنث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 174 لأنه مفهوم منه عرفًا، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن له حقيقة مستعملة فإنها تغلى وتقلى وتؤكل قضمًا، وهي قاضية على المجاز المتعارف على ما هو الأصل عنده، ولو قضمها يحنث عندهما وهو الصحيح لعموم المجاز، كما إذا حلف لا يضع قدمه في دار فلان، وإليه الإشارة بقوله في الخبز حنث أيضًا. قال ولو حلف لا يأكل من هذا الدقيق فأكل من خبزه حنث، لأن   [البناية] أيضًا) ش: وبه قال أحمد ومالك في رواية م: (لأنه مفهوم منه عرفًا) ش: أي لأن أكل الخبز مفهوم منه في العرف ويأكل سويقها يحنث عند محمد، ولا يحنث عند أبي حنيفة. ولو قضمها يحنث عند الكل إلا عند أحمد، وإنما وضع المسألة في الحنطة المعينة، لأنه لو عقد يمينه على حنطة غير معينة ينبغي أن يكون جوابه كجوابهما، ذكره شيخ الإسلام في أيمان الأصل. ثم هذا الخلاف فيما إذا لم يكن له نية، فأما إذا نوى قيمته على ما نوى بالاتفاق، ذكره في " المبسوط " و " الذخيرة ". م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن له) ش: أي لقوله لا يأكل من هذه الحنطة م: (حقيقة مستعملة) ش: بين الناس، وأوضحها بقوله م: (فإنها) ش: أي فإن الحنطة م: (تغلى) ش: بالغين المعجمة على صيغة المجهول من الغليان، يقال غليت القدر تغلي غليانًا، ولا يقال غليت وغلا في الأمر يغلو غلوًا، أي جاوز فيه الحد، وعليه الشعر غلا. م: (وتقلى وتؤكل قضمًا) ش: على صيغة المجهول أيضًا بالعارف من القلي، يقال قليت السويق واللحم فهو مقلي، وقلوت فهو لغة، والرجل قلا بالتشديد والمد م: (وهي قاضية) ش: أي الحقيقة المستعملة حاكمة م: (على المجاز المتعارف) ش: بين الناس م: (على ما هو الأصل عنده) ش: أي عند أبي حنيفة. والأصل في المسألة أن الكلام إذا كان له حقيقة مستعملة لمجاز متعارف فعند أبي حنيفة العمل بالحقيقة المستعملة أولى، وعندهما العمل بعدم المجاز. م: (ولو قضمها يحنث عندهما، وهو الصحيح) ش: احترز به عن رواية أخرى عنهما، وهي أنه إذا أكل عين الحنطة لا يحنث، والأصح أنه يحنث عندهما. وفي رواية " الجامع " ورجحها شمس الأئمة في " مبسوطه " وقاضي خان في " جامعه ". ورجح في الذخيرة " و " الفوائد الضهيرية " عدم الحنث. وفي " الذخيرة " حلف لا يأكل من هذه الحنطة فزرعها وأكل ما خرج منها لا يحنث م: (لعموم المجاز) ش: وقد مر أن العمل به أولى عندهما: م: (كما إذا حلف لا يضع قدمه في دار فلان) ش: يحنث إذا دخلها حافيًا أو راكبًا م: (وإليه الإشارة) ش: أي وإلى عموم المجاز الإشارة م: (بقوله في الخبز حنث أيضًا) ش: لأنه مفهوم منه عرفًا. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولو حلف لا يأكل من هذا الدقيق فأكل من خبزه حنث، لأن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 175 عينه غير مأكول فانصرف إلى ما يتخذ منه، ولو استفه كما هو لا يحنث هو الصحيح لتعين المجاز مرادا. ولو حلف لا يأكل خبزا فيمينه على ما يعتاد أهل المصر أكله خبزا، وذلك خبز الحنطة والشعير، لأنه هو المعتاد في غالب البلدان، ولو أكل من خبز القطائف لا يحنث، لأنه لا يسمى خبزا مطلقا، إلا إذا نواه، لأنه محتمل كلامه. وكذا إذا أكل خبز الأرز بالعراق لم يحنث، لأنه غير معتاد عندهم، حتى لو كان بطبرستان أو في بلدة طعامهم ذلك يحنث.   [البناية] عينه) ش: أي عين الدقيق م: (غير مأكول فانصرف إلى ما يتخذ منه) ش: وهو الخبز، وكذا إذا أكل عصيرًا، وبه قال مالك وأحمد في " شرح الأقطع ". قال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن أكل من خبزه لم يحنث، وإن استفه حنث م: (ولو استفه كما هو) ش: من سفه الدواء سفه واستفا إسفافًا إذا قحمه. قال الأترازي: وقال الكاكي: سفا السفوف بفتح السين، وهو كل دواء يؤخذ غير معجون. وقيل: السفوف دواء يوضع على الكف ويؤكل من غير مضغ م: (لا يحنث) ش: وبه قال أحمد: م: (وهو الصحيح) ش: احترازًا عن قول بعض مشايخنا أنه يحنث، وبه قال الشافعي. ولو نوى الدقيق بعينه لم يحنث بأكل الخبز بالإجماع، لأنه نوى حقيقة كلامه. والأصح أنه لا يحنث بعين الدقيق بغير نيته، لأن هذه حقيقة م: (لتعين المجاز مرادًا) ش: من حيث المراد. [حلف لا يأكل خبزا] م: (ولو حلف لا يأكل خبزًا فيمينه على ما يعتاد أهل المصر أكله خبزًا، وذلك خبز الحنطة والشعير، لأنه هو المعتاد في غالب البلدان) ش: وقال الشافعي: يحنث بأي خبز كان، ولم يفرق بين جنس وجنس، وبه قال مالك لاعتبار الحقيقة. وفي " شرح الوجيز " هو المذهب. وقال الكاكي: وما ذكر في " الوجيز " ولم يحنث بخبز الأرز إلا بطوشاق يخالف ذلك [ ..... ] فيه إمام الحرمين - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولو أكل من خبز القطائف لا يحنث، لأنه لا يسمى خبزًا مطلقًا إلا إذا نواه، لأنه محتمل كلامه) ش: فيحنث حينئذ قال بعد أن قال القطيفة دثار مخمل، والجمع قطائف، ومنه القطائف التي تؤكل. م: (وكذا) ش: أي وكذلك الحكم م: (إذا أكل خبز الأرز بالعراق لم يحنث، لأنه غير معتاد عندهم) ش: أي عند أهل العراق، والعراق على صفي دجلة مثل بلاد مصر على صفي النيل ودورهما نحو مسافة شهرين م: (حتى لو كان) ش: أي الحالف م: (بطبرستان أو في بلدة) ش: أي ببلدة من بلاد طبرستان م: (طعامهم ذلك) ش: أي خبز الأرز م: (يحنث) ش: وقال الأترازي: طبرستان اسم أيد وأعمالها معرب من طبرستان، لأن أهلها يحاربون بالفاس، ثم قال هكذا قال بعضهم. ولنا فيه نظر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 176 ولو حلف لا يأكل الشواء فهو على اللحم دون الباذنجان والجزر؛ لأنه يراد به اللحم المشوي عند الإطلاق، إلا أن ينوي ما يشوى من بيض أو غيره لمكان الحقيقة، وإن حلف لا يأكل الطبيخ فهو   [البناية] قال النسفي في كتاب " أدب الكاتب " في باب ما يغير من أسماء البلاد، وأن طبرستان بالفارسية معناه أخذه بالفاس، كأنه لم يوصل إليه حتى قطع شجرة. وقال الكاكي: وطبرستان أيد وبلادها سرسان، لأن أهلها كانوا يحاربون بها معنى الناس معرب. وقيل طبرستان والنسبة إليها طبري. وقال الأكمل: وهي أهل دهاء، وأصلها طبرستان لأن أهلها كانوا يحاربون بالتبر، وهو الفاس، فعربوه إلى طبرستان. قلت: طبرستان لأن أصلها اسم إقليم من الأقاليم العراقية، وهي شرقي كملان، وسميت ذلك لأن طبر بالفارسية الفاس، واستان الفاجة، ومن كثرة اشتباك أشجارها لا يذهب فيها الجيش إلا بعد أن يقطع الأشجار من بين أيديهم بالطبر، فسميت بذلك طبرستان، أي فاجتة الطبر، وقد ذكرنا بلادها في " التاريخ الكبير "، وإنما يقال في النسبة إليها الطبري، ليكون الفرق بينهما وبين النسبة إلى طبرية الشام، فإن النسبة إليها طبراني. وفي " الذخيرة " حلف لا يأكل خبزًا ولا نية له فأكل كلية أو جوزبيخا أو نوالة بزيدة. قال محمد بن سلمة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحنث في الوجوه كلها، لأنها لا تسمى خبزًا مطلقًا. وقال أبو الليث: لو أكل كلية أو النوالة المقطوعة يحنث، لأنها الكلية حقيقة وعرفًا، واختصاصها باسم آخر للزيادة لا للنقصان، فلا يمنع دخولها تحت مطلق الاسم. وأما النوالة فخبز، لأن ليها لا يجعله شيئًا آخر ولا يحنث بأكل الجزر، لأنه لا يسمى خبزًا بل يسمى قطائف، فيسمى خبزًا مقيدًا، يقال خبز الجوزبيخ، كما يقال بالفارسية، لأنه لو حلف لا يأكل هذا الخبز فجففه ودقه ثم شربه لم يحنث وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه ليس بأكل، بل هو شرب، وهو الحيلة فيما لو قال: إن أكلت هذه الخبزة فامرأته طالق، فينبغي أن يدقها ويلقيها في عصيدة ثم يأكلها ويطبخ حتى يصير الخبز هالكًا فيأكل العصيدة ولا يحنث. وفي " المحيط ": لو أكله مبلولًا حنث. [حلف لا يأكل الشواء] م: (ولو حلف لا يأكل الشواء فهو على اللحم دون الباذنجان والجزر) ش: أي المشويان، وكذلك البيض المشوي م: (لأنه يراد به اللحم المشوي عند الإطلاق) ش: يعني ذكر اللحم مطلقًا م: (إلا أن ينوي ما يشوى من بيض أو غيره) ش: كاللفت أو الباذنجان وهو القياس وبه أخذ الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك، فيحنث عندهما بكل مشوي بلا نية، وبقولنا قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لمكان الحقيقة) ش: أي لمكان حقيقة كلامه، وفيه تشديد على نفسه م: (وإن حلف لا يأكل الطبيخ فهو على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 177 على ما يطبخ من اللحم وهذا استحسان اعتبارا للعرف، وهذا لأن التعميم متعذر، فيصرف إلى خاص هو متعارف، وهو اللحم المطبوخ بالماء، إلا إذا نوى غير ذلك لأن فيه تشديد، وإن أكل من مرقه يحنث لما فيه من أجزاء اللحم، ولأنه يسمى طبيخا، ومن حلف لا يأكل الرءوس فيمينه على ما يكبس في التنانير، ويباع في المصر ويقال يكنس، وفي الجامع الصغير ولو حلف لا يأكل رأسا فهو على رءوس البقر والغنم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: وعلى الغنم خاصة،   [البناية] ما يطبخ من اللحم) ش: هذا لفظ القدوري في " مختصره ". وقال صاحب " الهداية ": م: (فهذا استحسان اعتبارًا للعرف) ش: وفي " المبسوط ": القياس أن يحنث في اللحم وغيره مما يطبخ والأخذ بالقياس ها هنا تفجش، فإن المسهل من الدواء مطبوخ، ونحن نعلم أنه لم يرد به ذلك، فحملنا على أخص الخصوص، وهو اللحم، ولا يقال لمن أكل الباقلاء المطبوخ أكل الطبيخ، وإن كان طبخًا في الحقيقة، فلما كان كذلك حمل على المطبوخ باللحم الذي هو خاص متعارف. م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن التعميم متعذر) ش: لأنه لا يمكن إجراءه على العموم م: (فيصرف إلى خاص متعارف، وهو اللحم المطبوخ بالماء) ش: احترز به عن تقلية اليابسة، لأنها لا تسمى مطبوخة م: (إلا إذا نوى غير ذلك) ش: فيصدق م: (لأنه فيه تشديد) ش: على نفسه، وقد نوى حقيقة كلامه. [حلف لا يأكل الرءوس] م: (وإن أكل من مرقه) ش: أي من مرق اللحم المطبوخ بالماء م: (يحنث لما فيه من أجزاء اللحم) ش: وهي ما يذوب منه م: (ولأنه) ش: أي ولأن مرق اللحم المطبوخ ولو طبخ م: (يسمى طبيخًا) ش: عرفًا. وقال الكاكي: ولو طبخ أرزًا وعدسًا بودك فهو طبيخ [ .... ] . م: (ومن حلف لا يأكل الرءوس فيمينه على ما يكبس في التنانير) ش: أي يدخل فيها من قولهم كبس الرجل رأسه في جب قميصه إذا أدخله، كذا في " المغرب " ومادته كاف وباء موحدة وسين مهملة، ويقال كنس بالنون بدل الباء على صيغة المبني للفاعل من كنس الطير في مكناس إذا دخل فيه، والأول هو الصحيح م: (ويباع في المصر ويقال يكنس) ش: في الأسواق. م: (وفي " الجامع الصغير " ولو حلف لا يأكل رأسًا فهو على رءوس البقر والغنم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . م: (وقالا) ش: أي وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد: م: (يقع على الغنم خاصة) ش: وقال فخر الإسلام: والقياس أن يقع على كل رأس حتى رأس السمك لعمومه. وفي الاستحسان يقع على المتعارف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 178 وهذا اختلاف عصر وزمان كان العرف في زمنه فيهما وفي زمنهما في الغنم خاصة وفي زماننا يفتى على حسب العادة كما هو المذكور في المختصر.   [البناية] م: (وهذا) ش: أي هذا الاختلاف بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه م: (اختلاف عصر وزمان) ش: لا اختلاف حجة وبرهان م: (كان العرف في زمنه فيهما) ش: أي في زمن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في البقر والغنم، فأفتى بوقوع اليمين على رءوسهما. م: (وفي زمنهما) ش: أي وفي زمن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد كان م: (في الغنم خاصة) ش: فأفتيا بوقوع اليمين عليها لا غير وقال صاحب " المختلف ": أجمعوا على أنه لا يقع على رأس الجزور لعدم العرف إلا رواية عن أبي حنيفة. ولا على رءوس الطير إلا أن ينويها. وقال المصنف: م: (وفي زماننا يفتى على حسب العادة) ش: أي على اعتبار العرف والعادة م: (كما هو المذكور في " المختصر ") ش: أي " مختصر القدوري "، وعليه الفتوى، إذ العرف الظاهر أصل من مسائل الأيمان. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يمينه على ما يباع منفردًا، وهي رءوس الإبل والبقر والغنم. فإن كان في بلد يباع فيه رءوس الصيد منفردًا حنث بأكلها، وإن كان في بلد لا يباع فيه فقد قيل: لا يحنث. وقيل: يحنث وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - تقع يمينه على رأس كل حيوان من الغنم والصيد والطير والحيتان، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لعموم الاسم فيه حقيقة وعرفًا. وعند أشهب المالكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحنث إلا برءوس الأنعام الأربعة للعرف الغالب، هذا إذا لم ينو نوعًا، فإن نوى قيمته على ما نوى بالإجماع، وعلى هذا الخلاف الشراء. وعن ابن أبي هريرة - رَحِمَهُ اللَّهُ - من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحنث إلا برأس الغنم. فإن قيل: لحم الإشتار والخنزير لا يباع في الأسواق، ومع ذلك يحنث بالأكل إذا حلف لا يأكل لحمًا. أجيب: لما حاصله في الفرق بأن الرأس غير مأكول بجميع أجزائه، لأن منها العظم، فكانت الحقيقة متعذرة، فصار إلى المجاز المتعارف هي ما يكبس في التنانير ويباع في الأسواق. وأما اللحم فيؤكل بجميع أجزائه، فكانت الحقيقة ممكنة فلا تترك فيحنث بأكل لحم الإنسان والخنزير. فإن قلت: الحقيقة إن لم تكن متعذرة فهي مهجورة شرعًا، والمهجور شرعًا كالمهجور عادة. في المهجور شرعًا يصار إلى المجاز، كما في المهجور عادة. قلت: المهجور شرعًا هو الذي لا يكون بشيء من أفراده معمولًا بها كالحلف على ترك كلام الصبي، وها هنا ليس كذلك. فإن قيل: سلمنا ذلك، ولكن لا يطرد في الشراء، فإن الرأس يشترى بجميع أجزائه، فلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 179 قال: ومن حلف لا يأكل فاكهة فأكل عنبا أو رمانا أو رطبا أو قثاء أو خيارا لم يحنث، وإن أكل تفاحا أو بطيخا أو مشمشا حنث، وهذا عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - حنث في العنب والرطب والرمان أيضا، والأصل أن الفاكهة اسم لما يتفكه به قبل الطعام وبعده: أي يتنعم به زيادة على المعتاد، والرطب واليابس فيه سواء بعد أن يكون التفكه به معتادا، حتى لا يحنث بيابس البطيخ، وهذا المعنى موجود في التفاح وأخواته فيحنث بها، وغير موجود   [البناية] تكن الحقيقة متعذرة. وأجيب: بأن من الرءوس ما لا يجوز إضافة الشراء إليه كرأس النمل والذباب والآدمي، فكانت متعذرة. [حلف ألا يأكل فاكهة فأكل عنبا أو غيره] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن حلف لا يأكل فاكهة فأكل عنبًا أو رمانًا أو رطبًا أو قثاء أو خيارًا لم يحنث، وإن أكل تفاحًا أو بطيخًا أو مشمشمًا حنث وهذا) ش: أي الحنث وعدم الحنث في الأشياء المذكورة م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: حنث في العنب والرطب والرمان أيضًا) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك وأحمد. وإذا أكل تينًا أو خوخًا أو سفرجلًا أو إجاصًا أو كمثرى أو تفاحًا أو جوزًا أو أرزًا أو فستقًا أو عنبًا يحنث بالإجماع سواء كان رطبًا أو يابسًا. ولو أكل خيارًا أو قثاء أو جزرًا لا يحنث، لأنها من البقول. ولهذا يؤدم معها والبطيخ من الفاكهة، كذا ذكره القدوري ويابس البطيخ لا يعد فاكهة، كذا ذكر فخر الإسلام في شرح " الجامع الصغير ". وقال في " خلاصة الفتاوى ": ذكر شمس الأئمة الحلواني أن البطيخ ليس من الفواكه. وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه وجهان، أصحهما أنه من الفواكه. قلت: الأيمان مبنية على العرف، ولا أحد يتفكه بالبطيخ، وإنما يؤكل بالخبز غالبًا، فيكون من الإدام، نعم إن كان في بلاد لا يكون عندهم إلا نادرًا، ويرويه مثل الفاكهة لندرته وقلته. م: (والأصل) ش: في هذا الباب م: (أن الفاكهة اسم لما يتفكه به قبل الطعام وبعده، أي يتنعم به زيادة على المعتاد) ش: أي على الغذاء الأصلي، ولهذا سمى النار فاكهة الشتاء، والزواج فاكهة لزيادة التنعم فيها م: (والرطب واليابس فيه) ش: أي في التفكه بهذه الأشياء م: (سواء بعد أن يكون التفكه معتادًا، حتى لا يحنث بيابس البطيخ) ش: فإنه لا يعتاد بأنه فاكهة في عامة البلاد م: (وهذا المعنى) ش: أي التفكه م: (موجود في التفاح وأخواته) ش: وهي التي ذكرناها عند قولنا، وإذا أكل تينًا أو خوخًا ... إلى آخره. م: (فيحنث بها) ش: أي بالتفاح وأخواتها م: (وغير موجود) ش: أي وهذا المعنى غير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 180 في القثاء والخيار؛ لأنهما من البقول بيعا وأكلا فلا يحنث بهما. وأما العنب والرطب والرمان فهما يقولان: إن معنى التفكه موجود فيها، فإنها أعز الفواكه والتنعم بها يفوق التنعم بغيرها. وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول إن هذه الأشياء مما يتغذى بها ويتداوى بها فأوجب قصورا في معنى التفكه للاستعمال في حاجة البقاء، ولهذا كان اليابس منها من التوابل أو من الأقوات.   [البناية] موجود م: (في القثاء والخيار، لأنهما من البقول بيعًا) ش: يعني من حيث الطبع، فإنهما يباعان مع البقول م: (وأكلًا) ش: أي من حيث الأكل، فإنهما يوضعان على المائدة مع البقول، هكذا شرحه الكاكي. وقال الأكمل: وأما الكل فإنهما على الموائد، حيث يوضع النعناع والبصل م: (فلا يحنث بهما) ش: أي بالقثاء والخيار بما إذا حلف لا يأكل فاكهة. قلت: هذا لا يخلو عن خدش، لأن القثاء والخيار قط لا يوضعان مع موائد الطعام نعم يؤكلان مع الخبز والخبز في بعض الأوقات، ولا البصل أيضًا لا يوضع مع موائد الطعام. نعم يوضع البصل مع اللحم المسلوق البارد وحده، وهو الذي يسمى لحي، والأحسن في هذا ما قاله صاحب " المحيط " العبرة للعرف وما يؤكل عادة على سبيل التفكه يعد فاكهة في العرف ويدخل في اليمين، وإلا فلا. م: (وأما العنب والرطب والرمان فهما) ش: أي فأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يقولان: إن معنى التفكه موجود فيها فإنها أعز الفواكه، والتنعم بها يفوق التنعم بغيرها) ش: فيحنث بأكلها م: (وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إن هذه الأشياء) ش: أي العنب والرطب والرمان) ش: مما يتغذى بها ويتداوى بها) ش: أما التغذي بالرطب والعنب فظاهر. وأما التداوي بالرطب فإنه نافع للمعدة الباردة ويزيد في المني ولين الطبع. وأما التداوي بالعنب فإنه يسمى بسرعة تأثيره دمًا جيدًا، وينفع الصدر والبطن وأما الرمان فإنه دواء صالح خصوصًا للكبد. م: (فأوجب قصورًا في معنى التفكه للاستعمال في حاجة البقاء) ش: يعني في بقاء الإنسان وقوامه م: (ولهذا) ش: أي ولأجل الاستعمال في بقاء الإنسان م: (كان اليابس منها) ش: مثل الزبيب والتمر وحب الرمان يعد م: (من التوابل أو من الأقوات) ش: فكان ناقصًا في معنى التفكه للاستعمال في بقاء الإنسان فلا ينتظم الاسم بإطلاقه كالمكاتب حيث لا يتناول اسم المملوك في قوله كل مملوك لي حر للنقصان في مملوكيته، والتوابل جمع تابل بالتاء المثناة من الفوقانية وبالألف بعدها الباء الموحدة المفتوحة والمكسورة وباللام في آخره. قال الأترازي: التابل الإبزار. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 181 قال: ولو حلف لا يأتدم فكل شيء يصطبغ به إدام   [البناية] قلت: هذا تعريف الشيء بما هو أخفى منه. وقال الجوهري: الإبزاري والأبازير: التوابل. ثم قال في باب اللام: التابل والتابل وأخفى توابل القدر، يقال منه: توبلت القدر، حكاه أبو عبيد في " مصنفه "، وهذا أيضًا غير مقنع، ولكن يعلم من قوله: توبلت القدر أن المراد من التوابل هي الحوائج التي ترمى في القدر مع اللحم. قوله: من التوابل كما في الرمان أو من الأقوات كما في يابس العنب والرطب، ويؤيد قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا} [عبس: 27] إلى قوله {وَأَبًّا} [عبس: 31] (عبس: الآية 27) . وقَوْله تَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] (الرحمن: الآية 68) ، فإن الله عطف الفاكهة على العنب والنخل في الآية الأولى، وعطف النخل والرمان على الفاكهة في الآية الأخرى، والعطف يقتضي المغايرة. وقال الأترازي: فإن قلت: لا نسلم أن العطف يقتضي المغايرة، ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ} [الأحزاب: 7] (الأحزاب: الآية 7) ، فلو كان العطف يقتضي المغايرة لم يكن المعطوفون من الأنبياء، قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] وإنما العطف في الآيتين لبيان فضيلة المعطوف لا للمغايرة. قلت: تفضيل الأنبياء والملائكة بعضهم على بعض إنما يعرف بالخبر، فاحتاج إلى المخصص بالذكر، بخلاف ما نحن فيه، فإن قصد هذه الأشياء على سائر الفواكه عرف بالحس والمشاهدة فلا حاجة إلى الخبر، إذ ليس الخبر كالمعاينة، فتعين فائدة العطف للمغايرة، انتهى. قلت: أجاب تاج الشريعة عن هذا بأحسن منه، فقال: الشيء قد يعطف على جنسه للتخصيص والتفضيل، كما ذكر من النظير، كما ذكر من النظير، ولا يجوز ذلك فيما نحن بصدده، لأنه موضع تعدد النعم، فلا يستقيم الشيء على جنسه، لأن الحكيم في موضع التعداد لا يذكر نعمة واحدة مرتين، لأن فيه قصور النعم. [حلف لا يتأدم] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ولو حلف لا يأتدم) ش: يعني لو حلف لا يأكل إدامًا م: (فكل شيء يصطبغ فيه) ش: وفي بعض النسخ اصطبغ به، قال الكاكي: اصطبغ بالطاء على بناء المفعول، هكذا المنقول. والاصطباغ - فإن خورش كوفيين -[ ..... ] وبعد الطاء بالباء. وفي " المغرب ": الصبغ ما يصبغ به، ومنه الصبغ منه الإدام، لأن الخبز يغمس فيه، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 182 والشواء ليس بإدام والملح إدام وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كل ما يؤكل مع الخبز غالبا فهو إدام، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الإدام من الموادمة، وهي الموافقة وكل ما يؤكل مع الخبز فهو موافق له كاللحم والبيض ونحوه. ولهما أن الإدام ما يؤكل تبعا، والتبعية في الاختلاط حقيقة، ليكون قائما به، بحقيقة في أن لا يؤكل على الانفراد حكما وتمام الموافقة في الامتزاج أيضا   [البناية] ويكون كالخل والزبيب، ويقال اصطبغ بالخل وفي الخل لا يقال اصطبغ الخمر بالخل م: (إدام) ش: كالخل والزيت والعسل والزبد واللبن والملح والمرق م: (والشواء ليس بإدام) ش: لأنه يؤكل وحده م: (والملح إدام) ش: لأنه يؤكل مع الخبز م: (وهذا) ش: أي المذكور م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: في ظاهر الرواية. م: (وقال محمد: كل ما يؤكل مع الخبز غالبًا فهو إدام، وهو رواية) ش: أي قال محمد رواية م: (عن أبي يوسف) ش: وبه قال الشافعي وأحمد: م: (لأن الإدام من المؤادمة) ش: أي مشتق منها م: (وهي) ش: أي المؤادمة م: (الموافقة معنى، وكل ما يؤكل مع الخبز فهو موافق له كاللحم والبيض ونحوه) ش: مثل الخبز. وفي " النهاية " وحاصل ذلك على ثلاثة أوجه، فالخل والزيت واللبن والعسل والزبد وأمثالها ما يستطيع به فهو إدام بالإجماع والبطيخ والعنب والتمر وأمثالها مما يؤكل وحدها غالبًا ليس بإدام بالاتفاق. واختلفوا في الخبز والبيض واللحم، فجعلها محمدًا إدامًا باعتبار أن هذه الأشياء لا تؤكل وحدها غالبًا، فكانت تبعًا للخبز، وموافقًا له - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعد الإدام في الدنيا والآخرة اللحم وكتب ملك الروم إلى معاوية أن ابعث إلى بشر إدام على يد بشر رجل، فبعث إليه جبنًا على يد رجل يسكن في بيوت أصمارها فلو لم يكن الجبن إدامًا لما بعث إليه، لأنه من أرباب الشأن. ويقول محمد: أخذ أبو الليث بالعرف. وفي التمر للشافعي وأحمد رحمهما الله - وجهان في وجه إدام لما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وضع التمر على الكسرة، فقال هذا إدام» . هذه رواية أبي داود. والثاني ليس بإدام، لأنه فاكهة فأشبه الزبيب. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن الإدام ما يؤكل تبعًا، والتبعية في الاختلاط حقيقة) ش: أي من حيث الحقيقة، بأن يصير مع الخبز كشيء واحد، فيتبعه ويقدم به، وهو معنى قوله م: (ليكون قائمًا به بحقيقة في أن لا يؤكل على الانفراد حكمًا) ش: أي من حيث الحكم حاصل هذا أن التبعية على نوعين حقيقة، وذلك في الاختلاط ليكون قائمًا به. وحكمه هو أن لا يؤكل على الانفراد، واللحم ما يخلط، فيكون تبعًا حقيقة ويؤكل منفردًا، فلا يكون تبعًا حكمًا، فلا يكون إدامًا. م: (وتمام الموافقة في الامتزاج أيضًا) ش: جواب عن قوله لأن الإدام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 183 والخل وغيره من المائعات لا تؤكل وحدها، بل تشرب والملح لا يؤكل بانفراده عادة، ولأنه يذوب فيكون تبعا، بخلاف اللحم وما يضاهيه، لأنه يؤكل وحده إلا أن ينويه لما فيه من التشديد والعنب والبطيخ ليسا بإدام هو الصحيح. وإذا حلف لا يتغدى فالغداء الأكل من طلوع الفجر إلى الظهر   [البناية] من المؤادمة يعني سلمناه. ولكن الإدامة الشاملة الكاملة في الامتزاج يعني حقيقة الموافقة بأن يكون كشيء واحد بالامتزاج والإشراق إلا أن يكون مجاوزًا له، فإذا ثبتت الحقيقة بطل المجاز. وأما الحديث فلا حجة له فيه، لأن يقال الخليفة سيد العرب والعجم، وإن لم يكن من العجم قاله الكاكي وفيه تأمل. وقال تاج الشريعة: وأما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو الحديث المذكور فإنه من أسماء الشرع. والأيمان لا تتعلق بها. م: (والخل وغيره من المائعات لا تؤكل وحدها بل تشرب) ش: فلا يكون إداما م: (والملح لا يؤكل بانفراده عادة) ش: فلا يكون إدامًا م: (ولأنه يذوب فيكون تبعًا) ش: فيكون إدامًا م: (بخلاف اللحم وما يضاهيه) ش: أي وما يشابهه مثل الخبز والبيض، فإنها ليست بإدام م: (لأنه) ش: لأن اللحم وما يضاهيه م: (يؤكل وحده، إلا أن ينويه) ش: لأنه يحتمل كلامه م: (لما فيه من التشديد) ش: على نفسه. م: (والعنب والبطيخ ليسا بإدام هو الصحيح) ش: احترز به عما قيل: إن العنب والبطيخ على الخلاف. وذكر الإمام السرخسي أنهما ليسا بإدام بالإجماع، وهو الصحيح، لأنهما يؤكلان غالبًا وحدهما. وفي " المحيط " قال محمد: التمر والجوز ليسا بإدام، وكذا العنب والبطيخ، وكذلك سائر الفاكهة، حتى لو كان في موضع يؤكل تعبًا للخبز يكون إدامًا عنده، أما البقل ليس بإدام بالاتفاق لأن آكله لا يسمى مأدمًا. وعند الشافعي والبقول والبصل والفجل والثمار إدام، لأنه يؤتدم به عادة، ذكره في " شرح الوجيز ". قال أي القدوري: م: (وإذا حلف لا يتغدى فالغداء الأكل من طلوع الفجر إلى الظهر) ش: القدوري يتمايج في اللفظ؛ لأن الغداء عبارة عن طعام يؤكل في الغداة لا اسم أكله، وكذلك أيضًا بالفتح والمد اسم لطعام العشي، ولكن معناه أكل الغداء، وأكل العشاء على حذف المضاف قال الأترازي: ويجوز أن يقال: أراد بالغداء الغداة وبالعشاء العشي مجازًا بإطلاق اسم السبب على المسبب. وإذا حلف أحد أنه لا يتغدى، فإذا تغدى ما بين طلوع الفجر إلى وقت الظهر في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 184 والعشاء من صلاة الظهر إلى نصف الليل؛ لأن ما بين الزوال يسمى عشيا ولهذا يسمى الظهر أحد صلاتي العشاء في الحديث. والسحور من نصف الليل إلى طلوع الفجر لأنه مأخوذ من السحر، ويطلق على ما يقرب منه، ثم الغداء والعشاء، ما يقصد به الشبع عادة   [البناية] أي ساعة كانت من ذلك يحنث وعليه الكفارة. م: (والعشاء من صلاة الظهر إلى نصف الليل، لأن ما بعد الزوال يسمى عشيًا) ش: بفتح العين وكسر الشين وتشديد الياء. قال في " المغرب ": العشي ما بين زوال الشمس إلى غروبها، والمشهور أنه آخر النهار. وعن الأزهري: صلاة العشاء والظهر والعصر. وقال الأترازي: لأن ما بعد الزوال يسمى عشاء بكسر العين الزوال، لما كان عشاء كان الطعام الذي يؤكل في ذلك الوقت عشاء، فإذا فتح العين في موضعين يلزم الفساد، وهذا حاصل كلامه لكن هذا على كون لفظ النسخة عشيًا. وأكثر لفظ النسخ عشاء كما ضبطناه. م: (ولهذا) ش: أي ولكون ما بعد الزوال عشيًا م: (يسمى الظهر أحد صلاتي العشاء في الحديث) ش: قال الأترازي: كذا ركعتين في السنن، وسكت. وقال الكاكي: ورد في الحديث أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صلى إحدى صلاتي العشاء يريد الظهر أو العصر» . وقال الأكمل: ذكر في " الإيضاح " في باب الحلف على العشاء، فقال: ورد في الحديث أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صلى إحدى صلاتي العشاء ركعتين، يريد به الراوي الظهر أو العصر» . قلت: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم «عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إحدى صلاتي العشاء إما الظهر وإما العصر، فسلم في ركعتين ... » الحديث "، فيا للعجب من هؤلاء في تقصيرهم فما يتعلق بالأحاديث، وهم في ديار الحديث. قال الأترازي: يقول في السنن والحديث في الصحيحين، والأكمل وشيخه الكاكي اكتفيا بما ذكر في " الإيضاح " من غير بيان. م: (والسحور) ش: بفتح السين ما يتسحر به من المأكول والمشروب، وبضم السين مصدر م: (من نصف الليل إلى طلوع الفجر، لأن السحور مأخوذ منه) ش: أي مشتق من السحر بفتحتين، وهذا الثلث الأخير من الليل إلى طلوع الفجر م: (ويطلق) ش: أي يطلق السحور م: (على ما يقرب منه) ش: أي من السحر، لأنه قرب من الثلث الأخير م: (ثم الغداء والعشاء) ش: بالفتح والمد فيهما م: (ما يقصد به الشبع) ش: بكسر الشين وفتح الباء الموحدة م: (عادة) ش: في عادات الناس، لأن التغدي عبارة عن أكل مترادف أكثر من نصفه شبعة، لأنه لا يقال: إنه تغدى إذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 185 وتعتبر عادة أهل كل بلدة في حقهم ويشترط أن يكون أكثر من نصف الشبع ومن قال: إن لبست أو أكلت أو شربت فعبدي حر، وقال: عنيت شيئا دون شيء لم يدين في القضاء وغيره، لأنه النية إنما تصح في الملفوظ والثوب وما يضاهيه غير مذكور تنصيصا، والمقتضى لا عموم له. فلغت نية التخصيص فيه.   [البناية] أكل لقمة أو لقمتين، وبه قال الشافعي م: (ويعتبر عادة أهل كل بلدة في حقهم) ش: يعني إن كان كانت خبزا فخبز وإن كانت لحما فلحم وإن كانت لبنا فلبن. وفي " المحيط " حتى لو كان الحالف مصريا يقع على الخبر، فلو تغدى بغيره من الأرز والتمر واللبن لم يحنث، وإن كان بدويا فيتغدى بالتمر، فإن العبرة مما يتعدى به على عادة أهل ذلك الموضع، حتى لغير الأرز بطبرستان، واللبن لأهل البوادي، والتمر ببغداد، واللبن يحنث. وحاصل الكلام العبرة من حلف لا يدخل بيتا فهو على المدر للبلدي، وعلى بيت الشعر للبدوي، وكذلك الحكم في التعشي. م: (ويشترط أن يكون أكثر من نصف شبع) ش: قال الإمام الأسبيجابي: في " شرح الطحاوي " ومن حلف لا يتغدى فإنه يقع على الغداء المعروف، فإن كان الرجل كوفيا يقع على مد الحنطة والشعير، ولا يقع على اللبن والسويق، وإن كان الرجل بدويا يقع على اللبن والسويق، وإن كان حجازيا يقع على السويق، وأما في بلادنا فيقع على خبز الحنطة ويشترط أن يكون، أي الغداء أو العشاء أو السحور أكثر من نصف الشبع، لأن للأكثر حكم الكل رواه المعلى عن أبي يوسف، وهو الصحيح، لأن من أكل لقمة أو لقمتين يصح أن يقول ما تغديت وما تعشيت. [قال إن لبست أو أكلت أو شربت فعبدي حر وقال عنيت شيئا دون شيء] م: (ومن قال: إن لبست أو أكلت أو شربت فعبدي حر، وقال عنيت) ش: أي قصدت م: (شيئا دون شيء) ش: يعني قصدت ثوبا دون ثوب، أو طعام دون طعام، أو شرابا دون شراب م: (لم يدين في القضاء وغيره) ش: يعني لا يصدق لا قضاء ولا ديانة. وقال الشافعي: يصدق ديانة، لأنه للمقتضى عموما عنده، وكذا في رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبه أخذ الخصاف، والمذهب أنه لا تصح نيته م: (لأن النية إنما تصح في الملفوظ) ش: حتى يعين ما يحتمل اللفظ م: (والثوب وما يضاهيه) ش: أي وما يشابهه، مثل الطعام والشراب م: (غير مذكور تنصيصا) ش: أي غير ملفوظ صريحا، فإنما هو مقدر اقتضاء، أي بطريق الاقتضاء. م: (والمقتضى) ش: بفتح الضاد م: (لا عموم له فلغت نية التخصص فيه) ش: أي في قوله إن لبست، أو إن أكلت أو إن شربت. قوله والمقتضى الحاجزة جواب عما يقال: هب أنه غير ملفوظ تنصيصا ليس أنه ثابت تقضى، والمقتضى كالملفوظ، فأجاب بقوله - والمقتضى ..... إلى آخره. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 186 وإن قال: إن لبست ثوبا، أو أكلت طعاما، أو شربت شرابا لم يدين في القضاء خاصة، لأنه نكرة في محل الشرط فتعم فعملت نية التخصيص فيه إلا أنه خلاف الظاهر   [البناية] فإن قيل: المقتضى أمر شرعي واقتضاء الأكمل إلى الطعام ليس كذلك، لأنه يعرفه من له تعرف بالشرع. قلت: يجوز أن يكون المصنف اختار ما اختاره بعض المحققين من أن التقضي هو الذي لا يدل عليه اللفظ، ولا يكون سقوطا به، لكن يكون من ضرورة اللفظ أعم من أن يكون شرعيا أو عقليا. فإن قيل: سلمنا ذلك، لكن ما الفرق بين هذا وبينهما إذا قال: إن خرجت فعبدي حر، ونوى السفر، فإنه يصدق ديانة، مع أن السفر أو الخروج غير مذكور لفظا، وبينه وبينهما إذا حلف لا يساكن فلانا ونوى أن لا يساكنه في واحد، فإن النية صحيحة مع أن المسكن غير مذكور لفظا، حتى لو ساكن معه في الدار لا يحنث. أجيب: بأن الأول ممنوعة منعها القضاة الأربعة أبو هيثم وأبو حازم وأبو طاهر الدباس والقاضي القمر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وليس يعلم من قوله: إن خرجت [ ..... ] لغة، وقد وقع الثاني في صريح النفي، والأول في معناه فيتناولان بعمومها عنده من الخروج والسفر، فجاز تخصيصهما إلا أنه خلاف الظاهر، فلا يريد في القضاء، كذا لخصه الأكمل، وبيانه كما ينبغي هذا وإن سلمنا فالفرق أن الخروج إلى مديد وقصير، وهما مختلفان اسما وحكما، فإن المؤيد يسمى سفرا، وأحكامه خلاف أحكام الخروج. فإذا نوى أحد النوعين صحت نيته، كما لو حلف لا يتزوج ونوى حبشية أو رومية يصدق، ولو نوى امرأة بعينها لا يصدق، لأن الأول نوع. والثاني في مسألتنا: حتى لو نوى الخروج إلى مكان بعينه كبغداد لا يصدق، وكذا في المسألة الثانية نوى نوعان من المساكنة، لأن المساكنة أنواع ما يكون في بلد واحد، وما يكون في دار واحدة وهو العرف، وما يكون في بيت واحد وهو أتم ما يكون من المساكنة، كذا ذكره السرخسي وغيره. [قال إن لبست ثوبا أو أكلت طعاما أو شربت شرابا] م: (وإن قال: إن لبست ثوبا، أو أكلت طعاما، أو شربت شرابا لم يدين في القضاء خاصة) ش: يعني لم يصدق في القضاء خاصة، ويصدق ديانة م: (لأنه نكرة) ش: أي لأن ثوبا من إن لبست وطعاما من إن أكلت وشرابا من إن شربت نكرة وقعت م: (في محل الشرط) ش: وهو قوله: إن فعلت كذا م: (فتعم) ش: لأن الشرط في معنى النفي، والنكرة في موضع النفي تعم، والعموم يحتمل الخصوص م: (فعلمت نية التخصيص فيه، إلا أنه خلاف الظاهر) ش: إذ الظاهر العموم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 187 فلا يدين في القضاء قال: ومن حلف لا يشرب من دجلة فشرب منها بإناء لم يحنث حتى يكرع منها كرعا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: إذا شرب منها بإناء يحنث؛ لأنه المتعارف المفهوم، وله أن كلمة " من " للتبعيض وحقيقته في الكرع، وهي مستعملة. ولهذا يحنث بالكرع إجماعا   [البناية] م: (فلا يدين في القضاء) ش: أي فلا يصدق في الحكم، لأن في المتصدق فيه تخفيف له، فلا يصدق، بخلاف ما إذا قيل له: إنك تريد أن تغتسل الليلة في هذه الدار عن الجنابة، فقال: إن اغتسلت فعبدي حر، فهو عن الجنابة، لأنه جواب متقيد بالسؤال. ولو قال: إن اغتسلت الليلة في هذه الدار ولم يقل في هذا الدار فهو على كل اغتسال قضاء لأنه زاد على حرف الجواب، فيكون مبتدأ ولكن مع هذا يصدق ديانة، لأنه يحتمل أنه أراد به الجواب. [حلف لا يشرب من دجلة فشرب منها بإناء] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن حلف لا يشرب من دجلة) ش: وهو نهر بغداد م: (فشرب منها بإناء لم يحنث حتى يكرع منها كرعًا) ش: والكرع يتناول الماء بالفم من موضعه من غير أن يأخذ بيده، يقال كرع الرجل في الماء إذا مد عنقه نحو يشرب منه، ومنه كره عكرمة الكرع من النهر، لأنه فعل البهيمة تدخل فيها أكارعها، والكراع مستدق الساق م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (إذا شرب منها بإناء يحنث، لأنه المتعارف المفهوم) ش: بين الناس من الشرب من دجلة وهو الشرب من ماء مجرى دجلة، وهو المجاز، فيعمل لعموم المجاز. فيحنث كيفما شرب، كما إذا حلف لا يضع قدمه في دار فلان يحنث في يمينه إذا دخلها راكبًا أو ماشيًا أو حافيًا أو مستعملًا، لعموم المجاز، وهو الدخول، فكذا هنا، فصار كما إذا حلف لا يشرب من هذه البئر فشرب من مائها بإناء يحنث. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن كلمة " من ") ش: في قوله من دجلة - م: (للتبعيض) ش: اعلم أن " من " تأتي لمعان كثيرة، فإن كان المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يريد به أنه وضع لبعض وحده، فهذا لم يقل به أحد من أئمة اللغة، وإن كان يريد أنه قد يستعمل للتبعيض، فمن أين أنه يلزم أنه هنا للتبعيض، قاله الأترازي مع تطويل الكلام فيه. قلت: دلت القرينة اللفظية والحالة هنا أن " من " هنا للتبعيض، وهذا ظاهر لا يخفى م: (وحقيقته) ش: أي وحقيقة الشرب م: (في الكرع) ش: لأن الحقيقة ابتداء أن يكون ابتداء الشرب متصلة بدجلة، وذلك بالشرب منها كرعًا: (وهي) ش: الحقيقة م: (مستعملة) ش: مهجورة. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل هذا أن الحقيقة مستعملة م: (يحنث بالكرع إجماعًا) ش: دعوى الإجماع فيها نظر، لأنه اختلف المشايخ في الكرع عندهما. قال الإمام العتابي في " شرح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 188 فمنعت المصير إلى المجاز وإن كان متعارفا وإن حلف لا يشرب من ماء دجلة فشرب منها بإناء حنث، لأنه بعد الاغتراف بقي منسوبا إليه وهو الشرط، فصار كما إذا شرب من ماء نهر يأخذ من دجلة ومن قال: إن لم أشرب الماء الذي في هذا الكوز اليوم فامرأته طالق، وليس في الكوز ماء لم يحنث، فإن كان فيه ماء فأهريق قبل الليل لم يحنث، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد   [البناية] الجامع ": قال بعضهم: لا يحنث بالكرع عندهما لئلا يكون جمعًا بين الحقيقة والمجاز. وقال بعضهم: يحنث وهو الصحيح لعموم المجاز، وليس هو يجمع بين الحقيقة والمجاز فمنعوا، أي الحقيقة المستعملة م: (فمنعت المصير إلى المجاز وإن كان متعارفًا) ش: هذا إذا لم يكن له نية، فإن نوى الكرع فعندنا لا يحنث بالمجاز ديانة وقضاء، لأنه نوى حقيقة كلامه، وإن نوى العرف فعنده صدق ديانة، لأنه يحتمل ولا يصدق قضاء، لأنه خلاف الحقيقة. ولو حلف لا يشرب من هذا الجب فإن ملآنًا انصرف إلى الكرع عنده لتصير الحقيقة إن لم يكن ملآنًا انصرف إلى المجاز، لامتناع الحقيقة، كذا نقل الشيخ أبو المعين النسفي في " شرح الجامع " عن الشيخ أبي القاسم الصفار، ولو عنى بقوله: لا يشرب ماء دجلة هل يصح أم لا؟ حتى لا يشرب من نهر يأخذ من دجلة هل يحنث أم لا؟ قال الشيخ أبو المعين: من مشايخنا من قال تصح نيته، لأنه نوى إضمار الماء، وإليه ذهب الشيخ أبو بكر الأعمش. ومنهم من قال: لا تصح نيته، لأن الماء نيته مقتضاة، فلا يظهر في حق قبول النية. م: (وإن حلف لا يشرب من ماء دجلة فشرب منها بإناء حنث) ش: هذا لفظ القدوري م: (لأنه) ش: أي لأن الماء م: (بعد الاغتراف بقي منسوبًا إليه) ش: أي إلى دجلة م: (وهو الشرط) ش: أي شرط الحنث في الشرب كون الماء منسوبًا، والماء في الإناء منسوب إليها، فكان الشرط قائمًا م: (فصار كما إذا شرب من نهر يأخذ من دجلة) ش: لأن الشرط كون الماء من دجلة. وفي " الكافي " لو قال لا أشرب من الفرات فشرب من نهر آخر منه لم يحنث إجماعًا، أما عنده فلأن يمينه على الكرع، وأما عندهما فلأن النية إلى الفرات انقطعت فخرج عن عموم المجاز أما لو قال: لا أشرب فشرب من نهر آخر من الفرات حنث، لأن يمينه على ماء منسوب إلى الفرات، والنسبة لا تنقطع بالأنهار الصغار. ولو قال: لا أشرب ماء فراتًا يحنث لكل ما أعذب في أي موضع كان، وبه قال الشافعي؛ لأنه جعله وصفًا للماء، قال الله تعالى: {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} [المرسلات: 27] (المرسلات: الآية 27) ، أي عذبًا. [قال إن لم أشرب الماء الذي في هذا الكوز اليوم فامرأته طالق وليس في الكوز ماء] م: (ومن قال: إن لم أشرب الماء الذي في هذا الكوز اليوم فامرأته طالق، وليس في الكوز ماء لم يحنث) ش: سواء علم بأن فيه ماء أو لم يعلم م: (فإن كان فيه ماء فأهريق) ش: أي فأريق، والهاء فيه زائدة م: (قبل الليل لم يحنث، وهذا) ش: أي عدم الحنث م: (عند أبي حنيفة ومحمد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 189 رحمهما الله - وقال أبو يوسف: حنث في ذلك كله، يعني إذا مضى اليوم، وعلى هذا الخلاف إذا كان اليمين بالله تعالى وأصله أن من شرط انعقاد اليمين وبقائه التصور عندهما خلافًا لأبي يوسف لأن اليمين إنما ينعقد للبر، فلا بد من تصور البر ليمكن إيجابه وله أنه أمكن القول بانعقاده موجبًا للبر على وجه يظهر   [البناية] رحمهما الله -) ش: وبه قال الشافعي: في وجه ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وقال أبو يوسف: حنث في ذلك كله) ش: أي فيما كان فيه الماء وفيما لم يكن م: (يعني إذا مضى اليوم) ش: أشار به إلى أن اليمين إذا كانت مؤقتة باليوم م: (وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور بين الثلاثة م: (إذا كان اليمين بالله) ش: بأن قال: والله لأشربن الماء الذي في هذا الكوز اليوم، وليس في الكوز ماء، أو كان فيه ماء فأهريق قبل الليل لم يحنث عندهما، خلافًا لأبي يوسف. م: (وأصله) ش: أي أصل هذا الخلاف م: (أن من شرط انعقاد اليمين وبقائه التصور عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (خلافًا لأبي يوسف) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، وتحقيق هذا أن تصور شرط لإبقاء اليمين المطلقة عن الوقت، وبقاء اليمين العدة بالوقت عندهما، وعند أبي يوسف لا يشترط تصور البر في انقياد اليمين المطلقة، ولا لبقائه في اليمين المقيدة، ويتفرع على هذا الخلاف ما لو حلف لا يشربن ماء الكوز اليوم فصب قبل مضي اليوم. فعندهما لا يبقى يميننه ولا يحنث أبدًا. وعند أبي يوسف يحنث في آخر جزء من أجزاء الوقت، حتى تجب عليه الكفارة إذا مضى اليوم، وعلى هذا: لو قال: إن لم أشرب هذا الماء الذي في هذا الكوز وعنده تبقى ويحنث، مضى اليوم فأمن أنه كذا، فأهريق قبل الليل لم تبق اليمين عندهما، وعنده تبقى ويحنث. وعلى هذا لو قال: لأقتلن فلانًا اليوم فمات فلان قبل مضي الليل لا يبقى اليمين عندههما. وكذا لو قال: لتقتلنه وهو جاهل بموته، وإنما شرط جهله لموته، لأنه لو علم بموته ينعقد اليمين بالإجماع ويحنث في الحال. وكذا لو حلف إن أكل هذا الرغيف فأكل قبل الليل أو قال: لأقضين دينه وفلان قد مات ولا أعلم به لم ينعقد يمينه عندهما، وعنده ينعقد ويحنث في الحال، وكذا لو قال لأقضين فلانًا دينه فأبرأه فلان. وكذا لو قال لزيد: إن رأيت عمرًا فلم أعلمك فامرأتي طالق ثم رآه مع زيد فسكت ولم يقل شيئًا، أو قال هو عمرو لا يطلق عندهما لفوات الإعلام، فلم يبق اليمين، وعنده يطلق لبقاء اليمين وفوات المعقود عليه. م: (لأن اليمين إنما ينعقد للبر، فلا بد من تصور البر ليمكن إيجابه) ش: أي إيجاب اليمين م: (وله) ش: أي ولأبي يوسف م: (أنه أمكن القول بانعقاده) ش: حال كونه م: (موجبًا للبر على وجه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 190 في حق الخلف وهو الكفارة. قلنا: لا بد من تصور الأصل لينعقد في حق الخلف، ولهذا لم تنعقد الغموس موجبة الكفارة ولو كانت اليمين مطلقة ففي الوجه الأول لا يحنث عندهما، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحنث في الحال، وفي الوجه الثاني يحنث في قولهم جميعًا، فأبو يوسف فرق بين المطلق والمؤقت. ووجه الفرق في التأقيت للتوسعة، فلا يجب الفعل إلا في آخر الوقت، فلا يحنث قبله. وفي المطلق يجب البر كما فرغ، وقد عجز فيحنث في الحال، وهما فرقا بينهما. ووجه الفرق أن في المطلق يجب البر كما فرغ، فإذا   [البناية] يظهر في حق الخلف وهو الكفارة) ش: لأن عقد يمينه على فعل في المستقبل، فينعقد. وإن عجز عن تحقيق ما أخبر يظهر في الخلف، لقوله: والله لأمسن السماء م: (قلنا: لا بد من تصور الأصل) ش: أي أصل اليمين م: (لينعقد في حق الخلف) ش: فإذا لم يتصور الأصل لا ينعقد في حق الخلف م: (ولهذا) ش: أي ولأجل تصور الأصل لانعقاده في حق الحلف، وهو الكفارة م: (لم تنعقد الغموس) ش: حال كونها م: (موجبة الكفارة) ش: لأنه لما لم يتصور الأصل لا يظهر في حق الحلف وهو الكفارة. فإن قلت: البر يتصور في صورة الإراقة، لأن من الجائز أن يعبد الله عز وجل تلك القطرات المهراقة في ذلك الكوز. قلت: إن البر إنما يجب في هذه الصورة في آخر جزء من أجزاء اليوم يجب أن لا يسع فيه غيره، فلا يمكن القول فيه بإعادة الماء في الكوز، وشربه في ذلك الزمان. م: ولو كانت اليمين مطلقة) ش: أي عن ذكر الوقت م: (ففي الوجه الأول) ش: يعني إذا لم يكن في الكوز ماء م: (لا يحنث عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (وعند أبي يوسف يحنث في الحال، وفي الوجه الثاني) ش: وهو أن يكون فيه ماء أهريق م: (يحنث في قولهم جميعًا) ش: أي قول الثلاثة م: (فأبو يوسف فرق بين المطلق والمؤقت) ش: أي بين اليمين المطلق عن ذكر المؤقت، وبين اليمين المؤقت بالوقت. م: (ووجه الفرق) ش: أي وجه فرق أبي يوسف م: (أن التأقيت للتوسعة) ش: على نفسه، حتى يختار الفعل في أي وقت شاء م: (فلا يجب الفعل إلا في آخر الوقت) ش: المقدر فما لم يخص ذلك الوقت لا يتحقق ترك الفعل، لأن الفعل لا يتعين عليه في آخر أجزاء الوقت م: (فلا يحنث قبله) ش: فإذا فات الجزء الآخر فلم يفعل يحنث حينئذ م: (وفي المطلق) ش: عن الوقت م: (يجب البر كما فرغ وقد عجز فيحنث في الحال، وهما) ش: أي أبو حنيفة ومحمد م: (فرقا بينهما) ش: أي بين المطلق والمؤقت. م: (ووجه الفرق في المطلق يجب البر كما فرغ) ش: لأنه لم يرد التوسعة على نفسه م: (فإذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 191 فات البر بفوات ما عقد عليه اليمين يحنث في يمينه، كما إذا مات الحالف والماء باق، أما في المؤقت يجب البر في الجزء الأخير من الوقت وعند ذلك لم يبق محلية البر لعدم التصور، فلا يجب البر فيه فتبطل اليمين كما إذا عقده ابتداء في هذه الحالة. قال: ومن حلف ليصعدن السماء أو ليقلبن هذا الحجر ذهبا بتحويل الله عز وجل انعقدت يمينه وحنث عقيبها. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تنعقد لأنه مستحيل عادة، فأشبه المستحيل حقيقة، فلا ينعقد. ولنا أن البر متصور حقيقة. لأن الصعود إلى السماء ممكن حقيقة، ألا ترى أن الملائكة يصعدون السماء، وكذا تحول الحجر ذهبا بتحويل الله تعالى. وإذا كان متصورا ينعقد اليمين موجبا لخلفه، ثم يحنث بحكم العجز الثابت عادة   [البناية] فات البر بفوات ما عقد عليه اليمين يحنث في يمينه، كما إذا مات الحالف والماء باق) ش: أشار بقوله كما إذا مات الحالف إلا أن بقاء المحل شرط للبر لبقاء الحالف م: (أما في المؤقت يجب البر في الجزء الأخير من الوقت وعند ذلك) ش: أي وعند الجزء الأخير م: (لم يبق محلية البر لعدم التصور، فلا يجب البر فيه) ش: للعجز م: (ويبطل اليمين، كما إذا عقده ابتداء) ش: كما عقد اليمين حال كونه مبتدأ م: (في هذه الحالة) ش: وأشار بهذا على أن وجود المحل كما هو شرط لانعقاد اليمين ذلك شرط لبقائها. [حلف ليصعدن السماء أو ليقلبن هذا الحجر ذهبا] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن حلف ليصعدن السماء أو ليقلبن هذا الحجر ذهبًا انعقدت يمينه وحنث عقيبها) ش: فتجب الكفارة وبه قال الشافعي في الأظهر، وفي وجه هو مع زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا ينعقد لأنه مستحيل) ش: أي لأن صعود السماء أو قلب الحجر ذهبًا محال م: (عادة فأشبه المستحيل حقيقة) ش: كما في الحلف على شرب ماء كوز ليس فيه ماء م: (فلا ينعقد) ش: أي اليمين فلا يجب شيء. م: (ولنا أن البر متصور حقيقة، لأن الصعود إلى السماء ممكن حقيقة) ش: بطريق الكرامة م: (ألا ترى أن الملائكة يصعدون السماء) ش: وكذلك الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - صعدوا م: (وكذا) ش: أي وكذا يتصور م: (تحول الحجر ذهبًا بتحويل الله عز وجل) ش: بأن يقع ذلك كرامة لبعض الأولياء، وكرامة الأولياء بخلاف العادة حق عندنا. م: (وإذا كان متصورًا ينعقد اليمين) ش: حال كونها م: (موجبًا لخلفه) ش: وهو الكفارة، وذكر الضمير في حلفه على تأويل الحلف بالحاء المهملة م: (ثم يحنث بحكم العجز الثابت عادة) ش: وإنما وجب الحنث في الحال لأن البر ليس له زمان ينتظر، بخلاف ما قاس عليه زفر فإن شرب كوز ما ليس فيه ماء لا يتصور يظهر الفرق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 192 كما إذا مات الحالف فإنه يحنث مع احتمال إعادة الحياة، بخلاف مسألة الكوز، لأن شرب الماء الذي في الكوز وقت الحلف، ولا ماء فيه لا يتصور فلا ينعقد اليمين.   [البناية] م: (كما إذا مات الحالف فإنه يحنث مع احتمال إعادة الحياة) ش: وهو متصور، فينعقد اليمين م: (بخلاف مسألة الكوز، لأن شرب الماء الذي في الكوز وقت الحلف، ولا ماء فيه) ش: أي والحال أنه لا ماء فيه م: (لا يتصور) ش: هو خبر إن في قوله، لأن شرب الماء الذي في الكوز، فإذا كان غير متصور م: (فلا ينعقد اليمين) ش:. فإن قلت: يتصور أن يخلق الله فيه الماء، وقدرته أعظم من ذلك. قلت: لو حلف بالله تعالى وفيه الماء، لا يكون هذا الماء هو الذي انعقد عليه اليمين، والله أعلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 193 باب اليمين في الكلام قال: ومن حلف لا يكلم فلانا فكلمه وهو بحيث يسمع، إلا أنه نائم حنث، لأنه قد كلمه ووصل إلى سمعه، لكنه لم يفهم لنومه، فصار كما إذا ناداه، وهو بحيث يسمع لكنه لم يفهم لتغافله. وفي بعض روايات " المبسوط " شرط أن يوقظه، وعليه مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لأنه إذا   [البناية] [باب اليمين في الكلام] [حلف لا يكلم فلانا فكلمه وهو بحيث يسمع إلا أنه نائم] م: (باب اليمين في الكلام) ش: هذا باب في بيان أحكام اليمين في الكلام. قال قوم: الكلام عذر وفعله كلم محذوف الزوائد نحو سليم سلامًا، وأعطى وإعطاء، والدليل على ذلك أنه يعمل كسائر المصادر نحو عجب من كلامك زيدًا، حيث نصب زيدًا، ولو كان اسمًا لم يجز إعماله. وقال الأكثرون: إنه اسم المصدر، والمصدر الحقيقي المتكلم. وقال الله تعالى {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] (النساء: الآية 164) ، وقال تعالى {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] (الأحزاب: الآية 56) . فالكلام والسلام اسمان للمصدر والكلام في اللغة عبارة عن الكلم وهو الجرح ويجمع على كلام بالكسر، وفي اصطلاح النحاة: الكلام ما تضمن كلمتين بالإسناد. وفي " اصطلاح الفقهاء " الكلام الذي يخفى، كلم عبارة عن إسماع كلامه لغيره. وعبارة أيضًا عن إسماع نعته. وفي " المحيط ": الكلام حقيقة اسم لما ينافي السكوت والخرس ولكن في العرف اسم لحروف منطوقة مفهومة مقطعة مسموعة. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن حلف لا يكلم فلانًا فكلمه وهو بحيث يسمع إلا أنه) ش: أي إلا أن فلانًا م: (نائم حنث) ش: وبه قال الشافعي وأحمد ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. م: (لأنه قد كلمه ووصل إلى سمعه، لكنه لم يفهم لنومه، فصار كما إذا ناداه، وهو بحيث يسمع لكنه لم يفهم لتغافله) ش: إذ التكلم عبارة عن إسماع الكلام كما في تكلم نفسه فإنه عبارة عن إسماع نفسه، إلا أن سماع الغير أمر يبطن لا يوقف عليه، فأقيم السبب المؤدي به مقامه، ويسقط اعتبار حقيقة السماع، كذا ذكره شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وفي بعض روايات " المبسوط " شرط أن يوقظه) ش: أي شرط إيقاظ فلان الذي حلف أنه لا يكلمه، فإنه قاله فناداه وأيقظه حنث شرط الإيقاظ وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية وذكر في بعض الروايات فناداه وأيقظه فهذا يدل على أنه متى ناداه يحنث وإن لم يوقظه، كذا في " المبسوطين ". ثم ذكر السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مبسوطه ": والأظهر أنه لا يحنث إذا لم يوقظه، لأن النائم كالغائب م: (وعليه) ش: أي على شرط الإيقاظ م: (مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لأنه إذا لم ينتبه كان كما إذا ناداه من بعيد وهو بحيث لا يسمع صوته) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 194 وكل ذلك لا يتحقق إلا بالسماع. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحنث، لأن الإذن هو الإطلاق وإنه يتم بالإذن كالرضاء، قلنا الرضاء من أعمال القلب   [البناية] وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [حلف لا يكلمه إلا بإذنه فإذن له ولم يعلم بإذنه حتى كلمه] م: (ولو حلف لا يكلمه إلا بإذنه فإذن له ولم يعلم بإذنه حتى كلمه حنث) ش: وبه قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه. وفي " شرح الأقطع ": هذا هو المشهور من قولهم، أي من قول أصحابنا، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يحنث، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لأن الإذن مشتق من الأذان الذي هو الإعلام) ش: ومنه قوله تعلى {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] (التوبة: الآية 3) أي إعلام م: (أو من الوقوع في الإذن) ش: أي أوان الإذن مشتق من الوقوع في الإذن لتسميته م: (وكل ذلك) ش: أي الإذن من الأذان ومن الوقوع في الإذن م: (لا يتحقق إلا بالسماع) ش: واعترض بأنه لو كان كذلك لما صار العبد مأذونًا إذا أذن له مولاه، وهو لا يعلم لكنه يكون مأذونًا، فلم يكن الإذن محتاجًا إلى الوقوع في الإذن. وأجيب: بأن الإذن هذا فك الحجر في حق العقد ينصرف بأهلية نفسه ومالكيه، فيثبت بمجرد الإذن، وأما في اليمين وقد حرمه كلامه إلا بإذنه، فصار الإذن مستثنى لإباحة الكلام، فلا بد من الإعلام لذلك. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحنث، لأن الإذن هو الإطلاق، وإنه يتم بالإذن) ش: على وزن الفاعل م: (كالرضاء) ش: يعني إذا حلف لا يكلمه إلا برضاه، فرضي المحلوف عليه بالاستثناء ولم يعلم الحالف فكلمه لا يحنث، لما أن الرضى يتم بالراضي، وكذلك الإذن يتم بالآذن م: (قلنا الرضاء من أعمال القلب) ش: فيتم بالراضي م: (ولا كذلك الإذن على ما مر) ش: أنه إما من الأذان الذي هو الإعلام أو من الوقوع في الإذن، وذلك مقتضى السماع ولم يوجد، ونقل في " تتمة الفتاوى " و " الفتاوى الصغرى " عن أيمان النوازل حلف لا تخرج امرأته إلا بإذنه فأذن لها من حيث لا يسمع لا يكون إذنًا في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا إذن. وقال نصير بن يحيى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كتبت إلى البلخي رسالة بما يختار في هذه المسألة، فكتب إلي أن لا اختلاف في هذه المسألة وهو إذن إجماعًا، إنما الاختلاف فيمن يقول لا تخرجي إلا بأمري، لأن الإذن يكون إذنًا بدون السماع، وأما الأمر فلا يكون إذنًا بدون السماع. قال نصير إلا أن أبا سليمان ذكر الاختلاف في الإذن وهكذا القدوري أعانه. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإن حلف لا يكلمه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 195 ولا كذلك الإذن على ما مر. قال: وإن حلف لا يكلمه شهرا فهو من حين حلف، لأنه لو لم يذكر الشهر لتأبد اليمين، وذكر الشهر لإخراج ما وراءه فبقي الذي يلي يمينه داخلا عملا بدلالة حاله، بخلاف ما إذا قال والله لأصومن شهرا، لأنه لو لم يكن الشهر لا يتأبد اليمين، فكان ذكره لتقدير الصوم به وإنه منكر فالتعيين إليه، وإن حلف لا يتكلم فقرأ القرآن في صلاته لا يحنث وإن قرأ في غير صلاته حنث. وعلى هذا التسبيح والتهليل والتكبير وفي القياس يحنث فيهما، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه كلام حقيقة.   [البناية] شهرًا فهو من حين حلف) ش: أي اعتبار الشهر من زمان الحلف م: (لأنه) ش: أي لأن الحالف م: (لو لم يذكر الشهر لتأبد اليمين) ش: لأن النكرة تعم في موضع النفي م: (فذكر الشهر لإخراج ما وراءه) ش: أي ما وراء الشهر. م: (فبقي الذي يلي يمينه داخلًا) ش: أي ففي الشهر الذي يلي يمينه داخلًا في الإيجاب م: (عملًا بدلالة حاله) ش: أي حال الحالف، لأنه الحامل على هذا اليمين الغليظ الذي لحقه في الحال، فكان مراده أن لا يكلمه في هذه الحالة. م: (بخلاف ما إذا قال والله لأصومن شهرًا، لأنه لو لم يكن الشهر لا يتأبد اليمين، فكان ذكره) ش: أي ذكر الشهر م: (لتقدير الصوم به) ش: أي بالشهر، وأنه م: (وإن الشهر منكر فالتعيين إليه) ش: أي إلى الحالف فله أن يعين أي شهر شاء مطلقًا متتابعًا أو متبوعًا، هذا في الصوم، أما في الاعتكاف فإنه يعين أي شهر شاء. ويلزمه التتابع، لأن التتابع فيه أصل ليلًا ونهارًا، إلا أنه إذا قال الشهر دون الليالي، فحينئذ له أن يفرق، بخلاف الصوم فإن التفريق فيه أصل، لأنه لم يوجد إلا في الشهر خاصة، إلا إذا قال متتابعًا، فيلزمه التتابع، ونظير المسألة الأولى أما إذا أجر داره شهرًا كان المراد منه الشهر الذي يلي العقد، لأنه لو لم يذكر الشهر ينصرف العقد إلى الأكثر لكنه يكون فاسدًا، فكان ذكر الشهر لإخراج ما وراءه، فبقي الشهر متصلًا بالإيجاب بحكم أصل الإيجاب. م: (ولو حلف لا يتكلم فقرأ القرآن في صلاته لم يحنث، وإن قرأ في غير صلاته حنث، وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا التفصيل م: (التسبيح والتهليل والتكبير) ش: يعني إذا حلف لا يتكلم فقال: سبحان الله، أو قال: لا إله إلا الله، أو قال: الله أكبر، فإن كان في الصلاة لا يحنث، وإن كان خارج الصلاة يحنث. م: (وفي القياس يحنث فيهما) ش: أي في الصلاة وخارجها بالتسبيح وأحسنه م: (وهو قول الشافعي) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه كلام حقيقة) ش: لأن الكلام اسم لحروف منطوقة تحتها، يقال: فمفهومه يكون قارئ القرآن أو المسبح أو المهلل أو المكبر متكلمًا لا محالة. م: (ولنا أنه) ش: (أي أن كل واحد من هذه م: (في الصلاة ليس بكلام عرفًا ولا شرعًا) ش: أما عرفًا فلأن الإنسان لا يحلف على ترك الكلام كي يترك الصلاة، فعلم أن الموجود في الصلاة لا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 196 ولنا أنه في الصلاة ليس بكلام عرفا ولا شرعا، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس» . وقيل: في عرفنا لا يحنث في غير الصلاة، لأنه لا يسمى متكلما بل قارئا ومسبحا. ولو قال يوم أكلم فلانا فامرأته طالق فهو على الليل والنهار؛ لأن اسم اليوم إذا قرن بفعل لا يمتد يراد به مطلق الوقت. قال الله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] (الأنفال الآية: 16) والكلام لا يمتد   [البناية] يسمى كلامًا حرفًا، ولأن الكلام حرام في الصلاة، وهذا مباح. وأما شرعًا فقد أشار إليه بقوله: م: (قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس» ش: هذا الحديث قد مضى في كتاب الصلاة في باب ما يفسد الصلاة، وأخرجه مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو حديث طويل، وفيه «أن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» . م: (وقيل: في عرفنا لا يحنث في غير الصلاة، لأن لا يسمى متكلمًا بل قارئًا ومسبحًا) ش: قال شيخ الإسلام: خارج الصلاة إذا سبح أو هلل أو كبر، لانصراف يمينه إلى كلام الناس، وعليه الفتوى، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": هذا في عادة أهل العراق، وأما في بلادنا إذا حلف الرجل أن لا يتكلم فقرأ القرآن لا ينبغي أن يحنث، سواء قرأ في الصلاة أو في غير الصلاة، وإليه ذهب الصدر الشهيد والعتابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [قال يوم أكلم فلانا فامرأته طالق] م: (ولو قال: يوم أكلم فلانًا فامرأته طالق، فهو على الليل والنهار؛ لأن اسم اليوم إذا قرن بفعل لا يمتد يراد به مطلق الوقت، قال تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] م: (الأنفال: الآية 16) ش: أراد به مطلق الوقت. م: (والكلام لا يمتد) ش: لأنه عرض كما يوجد بقاء الشيء، ولا يقبل الامتداد لذاته بل يتخذ الأمثال كالضرب والجلوس والركوب وغير ذلك، لأن الثاني مثل الأول صورة ومعنى، فجعل كالغير الممتدة. أما الكلام الثاني بعد معنى غير ما يفيد الأول، فلم يقم فيه القول بتجدد الأمثال، فيكون المراد من اليوم مطلق الوقت ليلًا كان أو نهارًا، فيحنث في يمينه إذا وجد الكلام مطلقًا. م: (وإن عني النهار خاصة) ش: أي وإن قصدت باليوم والنهار وهو زمان ممتد من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس م: (دين في القضاء) ش: يعني صدق في الحكم، لأنه مستعمل فيه أيضًا م: (لأن اليوم مستعمل في النهار أيضًا) ش: لأنه نوى حقيقة كلامه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 197 وإن عني النهار خاصة دين القضاء، لأن اليوم مستعمل في النهار أيضا، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يصدق في القضاء، لأنه خلاف المتعارف ولو قال ليلة أكلم فلانا فهو على الليل خاصة، لأنه حقيقة في سواد الليل كالنهار للبياض خاصة، وما جاء استعماله في مطلق الوقت ولو قال: إن كلمت فلانا إلا أن يقدم فلان، أو قال: حتى يقدم فلان أو قال: إلا أن يأذن فلان، أو حتى يأذن فلان فامرأته طالق، فكلمه قبل القدوم أو الإذن حنث. ولو كلمه بعد القدوم والإذن لم يحنث، لأنه غاية   [البناية] م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يصدق في القضاء، لأنه خلاف المتعارف) ش: أي لأن كون النهار مرادا من يوم قرن بفعل لا يمتد، خلاف القرون في العرف م: (ولو قال ليلة أكلم فلانًا) ش: فامرأته طالق. م: (فهو على الليل خاصة، لأنه حقيقة في سواد الليل كالنهار للبياض خاصة، وما جاء استعماله) ش: أي استعمال الليل م: (في مطلق الوقت) ش: وفي " المبسوط " الليل ضد النهار، قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} [الفرقان: 62] (النحل: الآية 62) ، كما أن النهار مختص بزمان الضياء فكذا الليل يختص بزمان الظلمة والسواد. فإن قلت: الليل مستعمل لمطلق الوقت أيضًا، قال الشاعر: وكنا جئنا كل بيضاء شحمة ... ليالي لاقينا جذام وحمير والمراد مطلق الوقت لا الملاقاة للمحاربة وهي تقع ليلًا ونهارًا، والظاهر كونها في النهار، وبعده. سقيناهم كأس سقينا بمثلها ... ولكنهم كانوا على الموت أصبرا قلت: الشاعر ذكر الليل بلفظ الجمع وأحد العددين إذ ذكر بلفظ الجمع يقتضي دخول ما بإزائه من العدد. قال الله عز وجل {ثَلَاثَ لَيَالٍ} [مريم: 10] وقال {ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} [آل عمران: 41] (آل عمران: الآية 41) ، والقصة واحدة، وكلامنا في المفرد. م: (ولو قال إن كلمت فلانًا إلا أن يقدم فلانًا، أو قال حتى يقدم فلان، أو قال إلا أن يأذن فلان، أو حتى يأذن فلان فامرأته طالق، فكلمه قبل القدوم) ش: أي قبل قدوم فلان م: (أو الإذن حنث) ش: أي أو كلمه قبل الإذن حنث م: (ولو كلمه بعد القدوم والإذن لم يحنث، لأنه غاية) ش: أي لأن كل واحد من القدوم والإذن غاية، وكلمة " حتى " للغاية، قال تعالى: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] (القدر: الآية 5) . وأما كلمة " إلا " ها هنا بمعنى الغاية، لأن حقيقة الاستثناء غير مرادة لتعذر استثناء الإذن والقدوم في الكلام، لأنهما ليسا من جنسه، فجعل مجازًا عن الغاية لما بين الاستثناء والغاية من المشابهة من حيث إن الحكم بعد كل واحد منهما يخالف الحكم قبله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 198 واليمين باقية قبل الغاية ومنتهية بعدها، فلا يحنث بالكلام بعد انتهاء اليمين، وإن مات فلان سقطت اليمين، خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الممنوع عنه كلام ينتهي بالإذن والقدوم، ولم يبق بعد الموت متصور الوجود. فسقطت اليمين، وعنده التصور ليس بشرط، فعند سقوط الغاية يتأبد اليمين. ومن حلف لا يكلم عبد فلان ولم ينو عبدا بعينه أو امرأة فلان أو صديق فلان فباع فلان عبده أو بانت منه امرأته أو عادى صديقه فكلمهم لم يحنث، لأنه عقد يمينه على فعل   [البناية] م: (واليمين باقية قبل الغاية ومنتهية بعدها) ش: أي بعد الغاية م: (فلا يحنث بالكلام بعد انتهاء اليمين) ش: بيانه أنه إذا كلمه بعد القدوم والإذن لم يحنث، لأنه كلمه بعد انتهاء اليمين، وإذا كلمه قبل القدوم والإذن يحنث، لأن شرط الحنث وجد حال بقاء اليمين. م: (وإن مات فلان) ش: يعني الذي أسند إليه القدوم أو الإذن م: (سقطت اليمين) ش: لانتفاء قصور البر م: (خلافًا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه قال تبقى اليمين مؤيدة بعد سقوط الغاية م: (لأن الممنوع عنه) ش: أي عن الحالف م: (كلام ينتهي بالإذن والقدوم، ولم يبق بعد الموت متصور الوجود، فسقطت اليمين) . ش: فإن قلت: إعادة الحياة ممكنة، فكان الواجب أن لا يبطل اليمين وانعقدت على القدوم أو الإذن في حياة القائمة لا العادة بعد موته. ولهذا قلنا: إذا قال: لأقتلن فلانًا وفلان ميت، ولم يعلم الحالف بموته لا يحنث. ولهذا قلنا إذا قال لأقتلن فلانًا وفلان ميت ينعقد اليمين، لأنها وقت القائمة. فإن قلت: إعادة عين الروح ممكن. قلنا: الحياة غير الروح، لأن الله تعالى حي وليس له روح، كذا نقل عن العلامة مولانا حميد الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. م: (وعنده) ش: أي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (التصور ليس بشرط، فعند سقوط الغاية) ش: وهو الإذن والقدوم م: (يتأبد اليمين) ش: وهذا الكلام في بيان هذا الأصل بينهم. [حلف لا يكلم عبد فلان ولم ينو عبدا بعينه فباع فلان عبده فكلمه] م: (ومن حلف لا يكلم عبد فلان ولم ينو عبدًا بعينه أو امرأة فلان أو صديق فلان) ش: أي أو حلف لا يكلم صديق فلان م: (فباع فلان عبده أو بانت منه امرأته أو عادى صديقه فكلمهم) ش: أي فكلم العبد في المسألة الأولى أو المرأة في المسألة الثانية أو صديق فلان في المسألة الثالثة م: (لم يحنث لأنه عقد يمينه على فعل واقع في محل مضاف إلى فلان، إما إضافة ملك) ش: كما في المسألة الأولى. م: (أو إضافة النسبة) ش: كما في المسألتين الأخريين م: (ولم يوجد) ش: واحد منهما م: (فلا يحنث) ش: الأصل في جنس هذه المسائل أنه متى عقد يمينه على فعل في محل منسوب إلى الغير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 199 واقع في محل مضاف إلى فلان، أما إضافة ملك أو إضافة نسبة ولم يوجد فلا يحنث   [البناية] مراعى للحنث. ووجود النسبة وقت وجود المحلوف عليه، ولا يعتبر بالنسبة وقت اليمين إذا لم يوجد وقت وجود الفعل المحلوف عليه، وإن كان منسوبًا إلى الغير لا بالملك يراعى وجود النسبة وقت اليمين ولا تعتبر كالنسبة وقت وجود الفعل المحلوف عليه. مثال الأول: وهو قوله لا يكلم عبد فلان، وكذا لا يدخل دار فلان أو لا يركب دابته أو لا يأكل طعامه أو لا يلبس ثوبه وإذا زال الملك ووجد الكلام أو الدخول أو الركوب أو أكل الطعام أو لبس الثوب لا يحنث. ومثال الثاني: هو قوله لا يكلم امرأة فلان أو صديق فلان فأبانها فلان، أو عادى صديقه فكلمهم يحنث. ووجه القرآن في الفعل الأول الحامل على اليمين يعني في الملك، لأن هذه الأشياء لا تعادي عادة. وفي الفعل الثاني بمعنى في هؤلاء مكان هؤلاء هجر، ويعادي عادة بمعنى فيهم، لأن الأذى متصور منهم. فإن قيل: يشكل هذا بعبد فلان، فإن الأذى متصور منه، كما في هؤلاء. قلنا: ذكر ابن سماعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " نوادره " أن في العبد يحنث عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لهذا وجد ظاهر الرواية أن العبد مملوك ساقط الاعتبار عند الإحراز ملحق بالجمادات ولهذا تباع في الأسواق كالبهائم، والظاهر أنه إذا كان الأذى منه لا يقصد هجرانه اليمين، بل يقصد سيده، كذا في " المبسوط " " والذخيرة ". فإن قلت: لم يكن له زوجة ولا صديق ثم اتحد الصديق والزوجة، ثم كلم ما يكون حكمه. قلت: لم يذكر هذا في " الجامع الصغير "، قالوا على قياس قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحنث. وأما محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقد قال: في الزيادات لا يحنث. وقال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الصغير " يحتمل أن يكون قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل ما قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإن وجدت الإشارة مع ذلك بأن قال: لا أكلم صديق فلان هذه وزوجة فلان هذه ثم زالت الزوجية والصداقة ثم كلم حنث في قولهم، لأن ذكر النسبة للتعريف كالإشارة، فكانت الإشارة أولى. م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (هذا) ش: أي عدم الحنث م: (في إضافة الملك بالاتفاق) ش: بين الثلاثة م: (وفي إضافة النسبة عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحنث كالمرأة والصديق) ش: بيانه أن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر وجود النسبة وقت الحلف، فعلى هذا إذا طلق امرأته أو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 200 قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذا في إضافة الملك بالاتفاق، وفي إضافة النسبة عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحنث كالمرأة والصديق. قال في الزيادات: لأن هذه الإضافة للتعريف، لأن المرأة والصديق مقصودان بالهجران فلا يشترط دوامها فيتعلق الحكم بعينه، كما في الإشارة. ووجه ما ذكرها هنا وهي رواية الجامع الصغير أنه يحتمل أن يكون غرضه هجرانه لأجل المضاف إليه، ولهذا لم يعينه، فلا يحنث بعد زوال الإضافة بالشك وإن كانت يمينه على عبد بعينه بأن قال: عبد فلان هذا أو امرأة فلان بعينها أو صديق فلان بعينه لم يحنث في العبد وحنث في المرأة والصديق وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحنث في العبد أيضا، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن حلف لا يدخل دار فلان هذه فباعها ثم دخلها فهو على هذا الاختلاف.   [البناية] عادى صديقه يحنث عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قال في الزيادات) ش: وأشار إلى بيانه وجه هذا بقوله م: (لأن هذه الإضافة للتعريف، لأن المرأة والصديق مقصودان بالهجران فلا يشترط دوامها) ش: أي دوام إضافة المرأة إلى الزوج. وإضافة الصديق إلى فلان، لأن ما كان للتعريف لا يشترط دوامه للاستيفاء عنه بعد التعريف م: (فيتعلق الحكم بعينه) ش: أي يتعلق حكم الحنث يعني المقصود، وهو المرأة أو الصديق م: (كما في الإشارة) ش: بأن قال لا أكلم صديق فلان هذا أو زوجة فلان هذه. م: (ووجه ما ذكرها هنا) ش: وهو عدم الحنث بعد زوال الملك والنسبة وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهي رواية " الجامع الصغير " أنه يحتمل أن يكون غرضه هجرانه) ش: أي غرضه، والحالف هجران المضاف م: (لأجل المضاف إليه، ولهذا) ش: أي ولأجل أن غرض الحالف هجران المضاف لأجل المضاف إليه م: (لم يعينه) ش: أي لم يعين المضاف حيث لم يقل صديق فلان هذا، أو امرأة فلان هذه م: (فلا يحنث بعد زوال الإضافة بالشك) ش: لاحتمال أن يكون هجرانه لأجل المضاف إليه. [حلف لا يدخل دار فلان هذه فباعها ثم دخلها] م: (وإن كانت يمينه على عبد بعينه بأن قال: عبد فلان هذا أو امرأة فلان بعينها) ش: بأن قال امرأة فلان هذه م: (أو صديق فلان بعينه) ش: أي أو قال صديق فلان بعينه م: (لم يحنث في العبد وحنث في المرأة والصديق وهذا) ش: أي عدم الحنث م: (قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال محمد: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحنث في العبد أيضًا، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وإن حلف لا يدخل دار فلان هذه فباعها ثم دخلها فهو على هذا الاختلاف) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحنث في الدار المشار إليها إذا بيعت ثم وجد الدخول كما في العبد المشار إليه إذا بيع ثم كلمه، وعندهما لا يحنث، لأن العبد والدار لا يصلحان للمعاداة، أما الدار فظاهرة، وأما العبد فلأنه يعادى لذاته وسقوط منزلته، وإنما يهجران لمعنى في صاحبها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 201 وجه قول محمد وزفر - رحمهما الله - أن الإضافة للتعريف والإشارة أبلغ منها لكونها قاطعة للشركة، بخلاف الإضافة فاعتبرت الإشارة، ولغت الإضافة وصار كالصديق والمرأة. ولهما أن الداعي إلى اليمين معنى في المضاف إليه، لأن هذه الأعيان لا تهجر ولا تعادى لذواتها، وكذا العبد لسقوط منزلته، بل لمعنى في ملاكها فتقيد اليمين بحال قيام الملك بخلاف ما إذا كانت الإضافة إضافة نسبة كالصديق والمرأة لأنه يعادي لذاته فكانت الإضافة للتعريف والداعي لمعنى في المضاف إليه غير ظاهر لعدم التعيين   [البناية] فإذا زال الملك ثم وجد الفعل لا يحنث بخلاف المرأة والصديق، فإنهما يصلحان للمعاداة فكيف وقد أشار إليهما فيحنث بعد زوال الزوجية والعدامة. م: (وجه قول محمد وزفر - رحمهما الله - أن الإضافة للتعريف والإشارة أبلغ منها) ش: أي من الإضافة التي للتعريف م: (لكونها) ش: أي لكون الإشارة م: (قاطعة للشركة) ش: لكونها بمنزلة وضع اليد عليه م: (بخلاف الإضافة) ش: لجواز أن يكون لفلان عبيدًا، فإذا كان كذلك م: (فاعتبرت الإشارة، ولغت الإضافة وصار كالمرأة والصديق) ش: أي وصار العبد المشار إليه كالصديق والمرأة، أشار إليهما عند محمد وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذا عند الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن الداعي إلى اليمين معنى في المضاف إليه) ش: يعني لا نسلم أن الإضافة للتعريف، بل لبيان الداعي إلى اليمين معنى في المضاف إليه م: (لأن هذه الأعيان) ش: أي الدابة، أي حيوان كان، والدار والثوب م: (لا تعادى ولا تهجر لذواتها، وكذا العبد) ش: لا يهجر لذاته، بل م: (لسقوط منزلته) ش: فإن قيل: يحتمل أن تعادى لذاتها على قول، وجاء الخبر أن «الشؤم في ثلاث في الدار والمرأة والفرس» قلنا ذاك احتمال لم يعرف به العرف والعادة، فإن في العادة لا يعادى لذاتها، بل لسبب آخر وهو غير معلوم، وفيما نحن فيه معادي بسبب أربابها عرفًا، وهو معنى قوله م: (بل لمعنى في ملاكها) ش: أي يعادي بهجر هذه الأشياء لأجل معنى في ملاكها بضم الميم وتشديد اللام، فإذا كان كذلك م: (فتقيد اليمين بحال قيام الملك) ش: بقيام المعنى الداعي إذ ذاك. م: (بخلاف ما إذا كانت الإضافة إضافة نسبة كالصديق والمرأة لأنه) ش: أي لأن كل واحد منهما م: (يعادي لذاته) ش: وهو ظاهر م: (فكانت الإضافة للتعريف والداعي لمعنى في المضاف إليه غير ظاهر لعدم التعيين) ش: يعني الداعي إلى المعنى الذي في المضاف إليه غير متعين الهجران، لأن مهجر لذاته لما ذكر أن الحر يهجر عادة بعينه، وقد يهجر بغيره، فإذا جمع بين الإضافة والإشارة تعين الهجران بعينه، ولأن في اعتبار الهجران لغير لغة الإشارة م: (بخلاف ما تقدم) ش: وهي مسألة العبد لما ذكرنا من تعيين الهجران وجهة الإضافة. [حلف لا يكلم صاحب هذا الطيلسان فباعه ثم كلمه] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإن حلف لا يكلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 202 بخلاف ما تقدم. قال وإن حلف لا يكلم صاحب هذا الطيلسان فباعه ثم كلمه حنث، لأن هذه الإضافة لا تحتمل إلا التعريف، لأن الإنسان يعادي لمعنى في الطيلسان، فصار كما إذا أشار إليه. ومن حلف لا يكلم هذا الشاب فكلمه وقد صار شيخًا حنث؛ لأن الحكم تعلق بالمشار إليه إذ الصفة في الحاضر لغو. وهذه الصفة ليست بداعية إلى اليمين على ما مر من قبل.   [البناية] صاحب هذا الطيلسان) ش: وهو تقريب طيلسان، وجمعه طيالسة، والهاء في الجمع للعجمة، لأنه فارسي يعرب، وهو من لباس العجم مدورًا، وفي جمع التعاريف الطيالسة لحمتها وسداها صوف. وفي " المغرب " الطيلسان تقريب اللسان، وهو لباس العجم، ومنه قولهم في الشتم يا ابن الطيلسان، يراد بك عجمية [ ... ] . م: (فباعه) ش: أي فباع صاحب الطيلسان طيلسانه، م: (ثم كلمه حنث، لأن هذه الإضافة لا تحتمل إلا التعريف، لأن الإنسان لا يعادي لمعنى في الطيلسان فصار كما إذا أشار إليه) ش: أي إلى صاحب الطيلسان، فتعلقت اليمين به، وإن كلم المشتري لا يحنث. م: (ومن حلف لا يكلم هذا الشاب فكلمه وقد صار شيخًا) ش: أي والحال أنه قد صار شيخًا، قد علم أن الجملة الفعلية الماضية إذا وقعت حالًا لا بد فيها من ذكر قد، وقد يحذف م: (حنث، لأن الحكم تعلق بالمشار إليه، إذ الصفة في الحاضر لغو) ش: وفي الغائب معتبرة، إلا إذا كانت الصفة داعية إلى اليمين، فحينئذ يعتبر. وتنعقد اليمين بتلك الصفة، كما إذا حلف لا يأكل بسرًا فأكل بعد ما صار رطبًا، أو حلف لا يأكل رطبًا فأكل بعد ما صار تمرًا لا يحنث لتقيد اليمين بصفة البسورة أو الرطوبة، لأن تلك الصفة داعية إلى اليمين وهنا صفة الشأن لم تعتبر داعية، لأن هجران الصغير مهجور شرعًا، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا» فلو اعتبرت الصفة داعية يلزم هجران المهجور شرعًا، فلا يجوز ذلك. م: (وهذه الصفة ليست بداعية إلى اليمين) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر يرد على ما قبله وقد اندرج بيانه فيما ذكرناه الآن م: (على ما مر من قبل) ش: أي في أول باب اليمين في الأكل والشرب في مسألة ما لا يأكل لحم هذا الجمل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 203 فصل قال: ومن حلف لا يكلم حينا أو زمانا أو الحين أو الزمان فهو على ستة أشهر؛ لأن الحين قد يراد به الزمان القليل، وقد يراد به أربعون سنة، قال الله تعالى {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] الإنسان الآية: 1، وقد يراد به ستة أشهر، قال الله تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] (إبراهيم: الآية 35) ، وهذا هو الوسط، فينصرف إلى يمينه.   [البناية] [فصل اليمين المتعلق بالزمان] [حلف لا يكلم حينا أو زمنا] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان مسائل متعلقة بالباب المذكور، وإنما ذكر لفظ فصل، ولم يذكر لفظ باب، لأن مسائله داخلة في الباب المذكور بالتبعية. قال الكاكي: ومسائل هذا الفصل في الكلام أيضًا، إلا أنها تتعلق بالزمان وما قبلها متعلق بالأعيان، فالأعيان أصل والأزمان تابع له، انتهى. وفي قوله تابع له نظر لا يخفى، والترجيح بلا دليل لا يجوز. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن حلف لا يكلم حينًا أو زمنًا) ش: أي أو قال: لا يكلمه زمانًا أو الحين، أي أو قال: لا يكلمه م: (الحين) ش: بالألف واللام م: (أو الزمان) ش: أي أو قال: لا يكلمه الزمان معرفًا م: (فهو) ش: أي محلف واقع م: (على ستة أشهر) ش: وبه قال أحمد. وقال الشافعي: أدنى مدة، وهو ساعة، لأنه ثابت بتعين. وفي " شرح الأقطع " قال الشافعي: إذا حلف على نفي قيمته على ساعة واحدة. وإن حلف على الإثبات ففعل ذلك في آخر عمره جاز. وقال مالك: يحمل على ستة. قال الله تعالى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] (إبراهيم: الآية 25) والمراد بها لستة أشهر، ولأنه الوسط من المدة. قلنا: المراد من قوله كل حين ستة أشهر، كذا قاله ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، لأن من حين يخرج الطلع إلى أن يدرك التمر ستة التمر، فكان هو الوسط، فعند الإطلاق يحمل على الوسط، فخير الأمور أوساطها. م: (لأن الحين قد يراد به الزمان القليل) ش: قال الله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] (الروم: الآية 17) ، والمراد به وقت الصلاة م: (وقد يراد به) ش: أربعون سنة م: (قال الله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] م: (الإنسان: الآية 1) ش:، قال: أهل التفسير المراد به أربعون سنة م: (وقد يراد به ستة أشهر، قال الله تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] م: (إبراهيم: الآية 25) ش: وقد ذكرنا الآن عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه ستة أشهر م: (وهذا هو الوسط) ش: أي الحين الذي بمعنى ستة أشهر هو الوسط، وقد مر الآن، فإذا كان كذلك م: (فينصرف إلى يمينه) ش: أي إلى قدر ستة أشهر إذا لم يكن له نية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 204 وهذا لأن اليسير لا يقصد بالمنع لوجود الامتناع فيه عادة، والمؤبد لا يقصد به غالبا، لأنه بمنزلة الأبد ولو سكت عنه، يتأبد فتعين ما ذكرنا، وكذا الزمان يستعمل استعمال الحين يقال ما رأيتك منذ حين ومنذ زمان بمعنى، وهذا إذا لم تكن له نية، أما إذا نوى شيئا فهو على ما نوى، لأنه نوى حقيقة كلامه، وكذلك الدهر عندهما، وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الدهر لا أدري ما هو   [البناية] م: (وهذا) ش: أي الحمل على ستة أشهر لماذا؟ م: (لأن اليسير لا يقصد بالمنع) ش: لعدم الحاجة إلى اليمين في الامتناع عن الكلام في ساعة واحدة م: (لوجود الامتناع فيه عادة) ش: أي قدر الساعة من حيث العادة م: (والمديد) ش: أي الزمان المديد م: (لا يقصد غالبًا، لأنه بمنزلة الأبد) ش: لأن من أراد ذلك يقول أبدًا في العرف، فلو كان مراده ذلك لم يذكر الحين م: (ولو سكت عنه) ش: أي عن المديد م: (يتأبد) ش: أي اليمين م: (فتعين ما ذكرنا) ش: وهو الوسط. اعلم أن الحين هو الزمان قليله وكثيره، كذا في " المجمل " وغيره، وقال الزجاج في تفسيره: جميع ما شاهدنا من أهل اللغة يذهب إلى أن الحين اسم زمان كالوقت يصلح لجميع الأزمان كلها طالت أو قصرت، ثم قال: والدليل على أن الحين بمنزلة الوقت قول النابغة أنشد الأصمعي في صفة الحية والملدوغ. وما قبله فنبت كما ساورتني ضئيلة ... الراقشي في أنيابها السم ناقع قوله: تناذرها - أي أنذر بعضهم بعضًا قولهم تطلقه بتشديد اللام معناه أن السم سحق لا وقتًا، ويعود وقتًا. ومعنى ساورتني وأثنى من ساور إليه الأسد أي وثب، والضئيلة بفتح الضاد المعجمة وكسر الهمزة وباللام هي الحية التي تنقبض وينضم بعضها إلى بعض والرقش بضم الراء وسكون القاف وبالسين المعجمة جمع رقشاء، وهي الحية التي في ظهرها خطوط ونقط، وناقع بالنون والقاف، أي ثابت. [قال لا أكلمه دهرا أو الدهر] م: (وكذا الزمان يستعمل استعمال الحين يقال ما رأيتك منذ حين ومنذ زمان بمعنى) ش: واحد م: (وهذا) ش: أي الحمل على ستة أشهر في قوله لا يكلمه حينًا أو زمانًا أو قالهما بالتعريف م: (إذا لم يكن له نية، فأما إذا نوى شيئًا) ش: من معاني الحين أو الزمان م: (فهو على ما نوى، لأنه نوى حقيقة كلامه) ش: فيعمل به، م: (وكذلك الدهر) ش: يعني يحمل على ستة أشهر إذا قال لا أكلمه دهرًا أو الدهر م: (عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وقال أبو حنيفة: الدهر لا أدري ما هو) ش: أي لا أدري كيف هو في حكم التقدير، قال أبو بكر الرازي: في شرح " مختصر الطحاوي " المشهور من قولهما أن الدهر بالألف واللام على الأبد قد ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير "، ولم يذكر فيه خلافًا. وكان أبو الحسن يقول: إن قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الدهر وهو دهرًا واحدًا، وإنه لم يجيب عنه بشيء، والغالب في كلام الناس أن الدهر على الأبد يقال: فلان يصوم الدهر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 205 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] يعنون الأبد. وقال الكاكي: قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا أدري ما الدهر، لأن الناس يستعملونه بمعنى الحين والزمان، وبمعنى الأبد، ألا ترى أن معرفته على الأبد بخلاف الحين والزمان، لأن معرفتهما ومنكرهما سواء يقال فلان دهري بضم الدال إذا كان معمرًا، ودهري بالفتح إذا قال بالدهر وأنكر الصانع، قال تعالى: حكاية عنهم {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24] (الجاثية: الآية 24) ، فكان مجملًا، فلم يقف على مراد المتكلم، والترجيح بلا دليل لا يجوز، فكان قوله لا أدري من كمال علمه وورعه. وروي أن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سئل عن شيء، فقال: لا أدري ثم قال: بعد ذلك طوبى لابن عمر سئل عن شيء لا يدري فقال: لا أدري. ثم قيل إنما قال لا أدري ثم قال بعد ذلك حفظًا للسانه عن الكلام في معنى الدهر، فقد جاء في الحديث أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر» ، معناه أنه خالق الدهر. وقد جاء في حديث آخر أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: حكاية عن الله عز وجل: «استقرضت من عبدي وأبى أن يقرضني وهو يسبني ولا يدري سب الدهر ويقول إنما أنا الدهر» وكما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سئل عن خير البقاع فقال: لا أدري حتى أسأل ربي فصعد ثم نزل، فقال: سألت الله عز وجل خير البقاع مساجدها، وخير أهلها من يكون أول الناس دخولًا وآخرهم خروجًا» ، فعرفنا أن الوقت في مثل هذا من الكمال لا من النقصان، كذا في " المبسوط " و " جامع فخر الإسلام " و " قاضي خان ". وقيل: وجه قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أن الدهر لا نص عليه عنه عن أحد من أهل اللغة، ودلالة متعارضة فيجب التوقف فيه. ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24] (الجاثية: الآية 24) ، وإلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر» . ولهذا قال صاحب الحمرة: الدهر معروف. ثم قال: وقال يوم الدهر مدة الدنيا من ابتدائها إلى انقضائها وقال آخرون بل دهر كل قوم هو زمانهم. وقال ثعلب في " التتمة ": الدهر الزمان الليل والنهار لا خير لك. ثم أنشد: أهل الدهر إلا ليلة ونهارها ... إلى طلوع الشمس ثم غبارها فلما لم يثبت العرف فيه لم يصح إلحاق الدهر والحين قياسًا، لأن درك اللعان بالقياس لا يستقيم. ولهذا إذا ذكر الدهر معرفًا يقع على الأبد اتفاقًا على ظاهر الرواية بخلاف الحين والزمان، ولو قال: لا أكلم حينًا فهو على ثمانين سنة عندنا، وعند أحمد، وعند مالك - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 206 وهذا الاختلاف في المنكر هو الصحيح، أما المعرف بالألف واللام يراد به الأبد عرفا، لهما أن دهرا يستعمل استعمال الحين والزمان يقال ما رأيتك منذ دهر ومنذ حين بمعنى، وأبو حنيفة توقف في تقديره، لأن اللغات لا تدرك قياسا، والعرف لم يعرف استمراره لاختلاف في الاستعمال،   [البناية] رحمهما الله - على أربعين سنة. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - جميع العمر م: (وهذا الاختلاف في المنكر) ش: الاختلاف المذكور في قوله لا أكلمه دهرًا بدون الألف واللام. م: (هو الصحيح) ش: احترز به عن رواية بشر عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: لا أفرق على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بين قوله دهرًا وبين قوله الدهر. وإذا كان الاختلاف في المنكر فالمعرف يكون متفقًا عليه، فإما أن يكون ستة أشهر كما قالوا، وإما أن يكون على الأبد بلا خلاف بينهم، وهو الذي أشار إليه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: م: (أما المعرف بالألف واللام يراد به الأبد عرفًا) . ش: فإن قيل: ذكرت في " الجامع الكبير " وأجمعوا فيمن قال إن كلمتك دهورًا أو شهورًا أو سنينًا أو جمعًا أو أيامًا يقع على ثلاثة من هذه المذكورات، لأنها أوفى الجمع المتفق عليه. فكيف قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا أدري الدهر. وقد حكم في دهور أن أدناه ثلاثة دهور فكل دهر ستة أشهر كما هو قولهما، ومن لا يدري معنى الفرد لا يدري معنى الجمع، إذ الجمع عبارة عن ثلاثة أفراد. قلنا: هذا تفريع بمسألة الدهر على قول من يعرف الدهر، كما فرع مسائل المزارعة على قول من يرى جوازها، ولذلك قال بالمعرفة إذا كانت يمينه بالدهور على صيغة الجمع محلى بالألف واللام كما هو أصله في السنين والشهور، وإليه أشار بالعشرة التمرتاشي. وقيل: إن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: أوفى الجمع من هذه المذكورات ثلاثة، ولكن لا يلزم من هذا معرفة المراد من الدهر المنكر، يعني لو عرف المراد منه يكون المراد من الدهور ثلاث سنين، ومما يليق ذكره هنا ما قاله بعضهم من قال: لا أدري لما لم يدره، فقد اقتدى في النفقة بالنعمات في الدهر والخنثى كذلك جوابه. ومحل أطفال ووقت ختان. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن دهرًا يستعمل استعمال الحين والزمان، يقال ما رأيتك منذ دهر ومنذ حين بمعنى واحد، وأبو حنيفة توقف في تقديره، لأن اللغات لا تدرك قياسًا، والعرف لم يعرف استمراره لاختلاف في الاستعمال) ش: إذ هو باق بمعنى الزمان وبمعنى الأبد. وقولهم دهرًا داهر ودهار برأي شديد. ويقال ماذا بدهري، أي عاد يوم وما دهري بكذا، أي همني ويراد به العمر، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صام الدهر» مستعملًا في معان مختلفة، توقف أبو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 207 ولو حلف لا يكلمه أياما فهو على ثلاثة أيام، لأنه اسم جمع ذكر منكرا، فيتناول أقل الجمع وهو الثلاث، ولو حلف لا يكلمه الأيام فهو على عشرة أيام عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا على أيام الأسبوع. ولو حلف لا يكلمه الشهور فهو على عشرة أشهر عنده، وعندهما على اثني عشر شهرا، لأن اللام للمعهود، وهو ما ذكرنا، لأنه يدور عليها، وله أنه جمع معرف، فينصرف إلى أقصى ما يذكر بلفظ الجمع وذلك عشرة   [البناية] حنيفة في تقديره كما ذكرناه. [حلف لا يكلمه أياما] م: (ولو حلف لا يكلمه أيامًا فهو على ثلاثة أيام، لأنه اسم جمع ذكر منكرًا فيتناول أقل الجمع، وهو الثالث) ش: هذا لفظ القدوري، وهو رواية الجامع الكبير، وذكر فيه أنه بالاتفاق وذكر في كتاب الأيمان أنه على عشرة أيام عنده، أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما في العرف. وقال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي " والمذكور في " الجامع " أصح، وذلك لأن ذكر الأيام بالتنكير ولا دلالة فيه على الجنس والعهد، فيقع على أقل الجمع، وهو الثلاثة. م: (ولو حلف لا يكلمه الأيام فهو على عشرة أيام عند أبي حنيفة. وقالا: على أيام الأسبوع. ولو حلف لا يكلمه الشهور فهو على عشرة أشهر عنده) ش: عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعندهما على اثني عشر شهرًا، لأن اللام للمعهود) ش: لأن في الأيام المعهودة في عرف الناس أيام الأسبوع فكانت الجمعة هي المرادة، وفي الشهور المعهودة شهور السنة، فكانت السنة هي المرادة م: (وهو ما ذكرنا) ش: أن اللام للعهد م: (لأنه) ش: أي لأن الشهر م: (يدور عليها) ش: أي على اثني عشر. قال الأترازي: وكان القياس أن يقول لأنها تدور عليه، لكن أقول المذكور في الأول، وفي الإفراد في الثاني، فافهم. ونقل الأكمل هذا برمته بقوله وقيل، أي لأن الشهر يدور على اثني عشر وكان القياس إلى آخره، ثم سكت عنه، فالظاهر أنه لم يكن عنده معنى غير هذا حتى سكت ولم يقل شيئًا. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي لفظ الشهور م: (جمع معرف بالألف واللام ينصرف إلى أقصى ما يذكر بلفظ الجمع، وذلك عشرة) ش: أي عشرة. والأصل هنا أن حرف التعريف إذا دخلت في اسم الجمع ينصرف إلى أقصى ما يطلق عليه اسم الجمع عند أبي حنيفة، وهو العشرة، لأن الناس يقولون في العرف ثلاثة أيام وأربعة أيام إلى عشرة أيام، ثم بعد ذلك يقولون أحد عشر يومًا ومائة يوم وألف يوم. فإن كان العشرة أقصى ما ينتهي إليه لفظ الجمع كانت هي المرادة، لأن اللام للجنس، بخلاف ما إذا حلف بقوله: إن تزوجت النساء، حيث تقع اليمين على الواحدة لتعذر صوته إلى الجمع. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 208 وكذا الجواب عنده في الجمع والسنين، وعندهما ينصرف إلى العمر لأنه لا معهود دونه   [البناية] وإن عنى الجمع قيل لا يصدق، لأنه خلاف الظاهر. وقيل يصدق لأنه نوى حقيقة كلامه. وقال أبو حنيفة: يقال: أي اللام للعهد، والعشرة معهودة في الجمع المعرف، فإنه أقصى ما يذكر بلفظ الجمع، فإنه يقال: ثلاثة أيام إلى العشرة، ثم يقال أحد عشر يومًا، فكان تعريفًا لهذا المعهود. فإن قلت: هذا لا يستقيم في الشهور، فإنه لا يقال: ثلاثة شهور بل يقال: ثلاثة أشهر. قلت: بل يقال ثلاثة شهور أيضًا، كما يقال: ثلاثة فرد. فإن قلت: هذا هكذا عند اقتران العدد، لا عند تجرده عنه. وقد قيل في قَوْله تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا} [آل عمران: 140] (آل عمران: الآية 140) ، أي أيام الدنيا. قلت: اسم الجمع للعشرة وما دونها حقيقة في حالتي الإبهام والتعيين، ويقع على ما وراء العشرة في حالة الإبهام دون التعيين، فكان الصرف إلى ما صرف في الحالين أولى. فإن قلت: يشكل هذا بقوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا} [الأعراف: 160] (الأعراف: الآية 160) وما قال سبطًا. قلت: لا يرد هذا السؤال، لأن لفظ الأسباط ليس بتمييز، وإنما التمييز محذوف، تقديره وقطعناهم اثنتي عشرة فرقة أسباطًا، فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه. م: (وكذا الجواب عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في الجمع) ش: جمع جمعة، يعني إذا حلف لا يكلم الجمع يقع على عشر جمع م: (والسنين) ش: يعني وكذا الجواب في السنين، يعني إذا حلف لا يكلم السنين يقع على عشر سنين. وفي " المحيط " قال: لا أكلمه الأيام والشهور أو السنين أو الجمع أو الدهر أو الأزمنة فهو على العشرة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما الأيام على الأسبوع، يعني سبعة أيام والشهور على السبعة وغيرها على العمر. م: (وعندها ينصرف إلى العمر، لأنه لا معهود دونه) ش: أي دون العمر، لأن الأصل عندهما أن ينظر إن كان ثمة معهود ينصرف إليه، ولا ينصرف إلى جميع العمر. وفي الأيام إلى المعهود في عرف الناس أيام الأسبوع، فكانت الجمعة هي المرادة. وفي الشهور المعهودة شهور السنة، فكانت السنة هي المرادة ولا معهود في الجمع والسنين، فانصرف يمينه إلى جميع العمر. ولو قال جمعًا أو قال: سنين بالتنكير يقع على ثلاثة من ذلك بالاتفاق. وفي " الكافي " وقيل: تنصرف الأيام على سبعة اتفاقًا، وعند الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تنصرف إلى الثلاثة في المنكر، لأنه أقل الجمع في المنكر في الأيام، العرف ينصرف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 209 ومن قال لعبده: إن خدمتني أياما كثيرة فأنت حر، فالأيام الكثيرة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عشرة أيام، لأنه أكثر ما يتناوله اسم الأيام، وقالا: سبعة أيام، لأن ما زاد عليها تكرار، وقيل لو كان اليمين بالفارسية ينصرف إلى سبعة أيام، لأنه يذكر فيها بلفظ الفرد دون الجمع والله أعلم بالصواب.   [البناية] عند مالك إلى الأبد. وقال بعض أصحابه: ينصرف إلى الأسبوع، ويحمل الشهور على اثني عشر، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي قوله عن مالك ينصرف إلى الأبد والسنين، والجمع ينصرف إلى الأبد لقولهم وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [قال لعبده إن خدمتني أياما كثيرة فأنت حر] م: (ومن قال: لعبده إن خدمتني أيامًا كثيرة فأنت حر، فالأيام الكثيرة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عشرة أيام، لأنه أكثر ما يشار له اسم الأيام) ش: لأن أكثر عدد يضاف إلى الأيام عشرة، فبعد ذلك لا يسمى أيامًا يقال: ثلاثة أيام إلى عشرة أيام، ثم يترك ذكر الأيام فيقال أحد عشر يومًا مائة يوم وألف يوم. م: (وقالا: سبعة أيام، لأن ما زاد عليها تكرار) ش: فتكون الأيام الكثيرة سبعة. وقيل: هذا بالاتفاق كما ذكرنا عن قريب م: (وقيل لو كان اليمين بالفارسية) ش: بأن قال: لعبده أكثر خدمتها ردزها، أي سئل نوازًا أو يخدم سبعة أيام فيعتق، وهو معنى قوله م: (ينصرف إلى سبعة أيام، لأنه يذكر فيها بلفظ المفرد دون الجمع) ش:. وقال الأترازي: في هذا التعليل نظر، لأن لفظ المفرد بالفارسي لا يخلو من أحد الأمرين. إما أن يفهم منه معنى الجمع أم لا، فإن فهم فينبغي أن يكون العربي والفارسي سواء، وإن لم يفهم ينبغي أن لا يكون الأسبوع مرادًا أيضًا. انتهى. وقال الأكمل: يمكن أن يجاب عنه بأن يفهم منه معنى الجمع. قوله: ينبغي أن يكون العربي والفارسي سواء. قلنا: ممنوع لأنه لفظ الفارسي، وإن المراد معنى الجمع لكن ينتهي إلى العشرة وتخصيص أيام الأسبوع لكونه المعهود أو لعدم القائل بالفصل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 210 باب اليمين في العتق والطلاق ومن قال: لامرأته إذا ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدا ميتا طلقت، وكذلك إذا قال لأمته إذا ولدت ولدا فأنت حرة، لأن الموجود مولود، فيكون ولدا حقيقة، ويسمى به في العرف ويعتبر ولدا في الشرع حتى تنقضي به العدة والدم بعده نفاس وأمه أم ولد له فيتحقق الشرط، وهو ولادة الولد. ولو قال: إذا ولدت ولدا فهو حر فولدت ولدا ميتا ثم آخر حيا عتق الحي وحده عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يعتق واحد منهما، لأن الشرط قد تحقق بولادة الميت على ما بينا فينحل اليمين لا إلى جزاء، لأن الميت ليس بمحل للحرية، وهي الجزاء   [البناية] [باب اليمين في العتق والطلاق] [قال لامرأته إذا ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدا ميتا] م: (باب اليمين في العتق والطلاق) ش: أي هذا باب في بيان أحكام اليمين في العتق والطلاق، وقدم هذا الباب على غيره، لأن الحلف بهما أكثر وقوعًا، فكانت معرفة كأنه من غيره. م: (ومن قال لامرأته: إذا ولدت ولدًا فأنت طالق فولدت ولدًا ميتًا طلقت، وكذلك إذا قال لأمته: إذا ولدت ولدًا فأنت حرة) ش: فولدت ولدًا ميتًا عتقت م: (لأن الموجود مولود فيكون ولدًا حقيقة) ش: يعني يكون ولدًا باعتبار الحقيقة وعرفًا وشرعًا. أما حقيقة فظاهر، وأما عرفًا فكذلك، أشار إليه بقوله م: (ويسمى به) ش: أي بالولد م: (في العرف) ش: وأما شرعًا فهو قوله: م: (ويعتبر ولدًا في الشرع حتى تنقضي به العدة والدم بعده) ش: أي بعد الولد. م: (نفاس وأمه أم ولد له فيتحقق الشرط، وهو ولادة الولد) ش: فتطلق الحرة وتعتق الأمة وفيما ذكره الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التعليل أنه يجيء في الآخرة ويرجى شفاعته بدليل ما روى أبو عبيدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في «السقط يظل محبنطئا على باب الجنة» والمحبنطئ يروى لغيرهم، فعلى الأول معنى المتغضب المستبطئ للشيء، وعلى الثاني معناه العظيم البطن المنتفخ، يعني مغضب وينفتح بطنه حتى يدخل أبواه الجنة. م: (ولو قال: إذا ولدت ولدًا فهو حر فولدت ولدًا ميتًا ثم آخر) ش: أي ولدت ولدًا آخر م: (حيًا عتق الحي وحده عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا يعتق واحد منهما، لأن الشرط قد تحقق بولادة الميت) ش: لأن شرط الحرية ولادة الولد، وقد تحققت ولادة الميت م: (على ما بينا) ش: أشار به إلى قوله لأن الموجود مولود. فإذا كان كذلك م: (فينحل اليمين لا إلى جزاء) ش: كما إذا قال لعبده إذا دخلت الدار فأنت حر فباعه فدخل الدار ينحل اليمين لا إلى جزاء، حتى إذا اشتراه فدخل الدار لا يعتق. وكذا إذا قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق فأبانها وانقضت عدتها ثم دخلت الدار ينحل اليمين لا إلى جزاء، حتى إذا تزوجها ثم دخلت الدار لا تطلق م: (لأن الميت ليس بمحل للحرية، وهي الجزاء) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 211 ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن مطلق اسم الولد مقيد بوصف الحياة لأنه قصد إثبات الحرية جزاء وهي قوة حكمية تظهر في دفع تسلط الغير، ولا تثبت في الميت فيتقيد بوصف الحياة فصار كما إذا قال إذا ولدت ولدا حيا بخلاف جزاء الطلاق وحرية الأم لأنه لا يصلح مقيدا، وإذا قال أول عبد أشتريه فهو حر فاشترى عبدا عتق لأن الأول اسم لفرد سابق. فإن اشترى عبدين معا ثم آخر لم يعتق واحد منهم لانعدام التفرد في الأولين، والسبق في الثالث فانعدمت الأولية، وإن قال أول عبد أشتريه وحده، فهو حر عتق الثالث؛ لأنه يراد به التفرد في حالة الشراء، لأن وحده للحال لغة   [البناية] ش: لأن الحرية عبارة عن قدرة حكمية تثبت في المحل يحنث بدفع تسلط الغير عليه والميت ليس بأهل للقوة الحكمية المذكورة. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن مطلق اسم الولد مقيد بوصف الحياة) ش: تصحيح الكلام العاقل، ولو لم يقيد بوصف الحياة صار لغوًا م: (لأنه قصد إثبات الحرية جزاء) ش: يعني من حيث الجزاء. م: (وهي) ش: أي الحرية م: (قوة حكمية تظهر في دفع تسلط الغير عليه ولا تثبت) ش: أي القوة الحكمية م: (في الميت) ش: لأنه ليس بأهل لذلك م: (فيتقيد) ش: أي الولد م: (بوصف الحياة فصار كما إذا قال إذا ولدت ولدًا حيًا) ش: فولدت ولدًا حيًا ولم يوجد. م: (بخلاف جزاء الطلاق) ش: في قوله لامرأته: إن ولدت ولدًا فأنت طالق فولدت ولدًا يقع الطلاق م: (وحرية الأم) ش: في قوله لأمته إذا ولدت ولدًا فأنت حرة فولدت ولدًا ميتًا يقع العتق م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من جزاء الطلاق وحرية الأم م: (لا يصلح مقيدًا) ش: للحياة لاستغنائهما عن حياة الولد. ولهذا إذا وضعت الولد بالموت صريحًا، وعلق الطلاق وحرية الأم، وبه قال إذا ولدت ولدًا ميتًا فأنت طالق، أو قال فأنت حرة، كان صحيحًا. [قال أول عبد أشتريه فهو حر فاشترى عبدا] م: (وإذا قال أول عبد أشتريه فهو حر فاشترى عبدًا عتق، لأن الأول اسم لفرد سابق) ش: لا يشاركه غيره فيه، فالذي اشتراه فرد سابق فيعتق م: (فإن اشترى عبدين معًا) ش: يعني بصفة واحدة م: (ثم آخر) ش: يعني ثم اشترى عبدًا آخر م: (لم يعتق واحد منهم، لانعدام التفرد في الأولين) ش: أي في العبدين الأولين م: (والسبق) ش: أي ولانعدام السبق م: (في الثالث) ش: أي في العبد الثالث م: (فانعدمت الأولية) ش: يعني لم توجد. م: (وإن قال: أول عبد أشتريه وحده فهو حر عتق الثالث لأنه يراد به التفرد في حالة الشراء، لأنه وحده للحال لغة) ش: أي حال كونه وحده، وفي قوله: لغة نظر، لأن وحده حال من جهة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 212 والثالث سابق في هذا الوصف، وإن قال آخر عبد اشتريته فهو حر فاشترى عبدا ومات لم يعتق لأن الآخر فرد لاحق ولا سابق له، فلا يكون لاحقا، ولو اشترى عبدا ثم عبدا ثم مات عتق الآخر لأنه فرد لاحق فاتصف بالآخرية، ويعتق يوم اشتراه وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى يعتبر من جميع المال، وقال يعتق يوم مات حتى يعتبر من الثلث، لأن الآخرية لا تثبت إلا بعدم شراء غيره بعده وذلك يتحقق بالموت، فكان الشرط متحققا عند الموت، فيقتصر عليه. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الموت معرف، فأما اتصافه بالآخرية من وقت الشراء فيثبت مستندا،   [البناية] الإعراب لا من جهة اللغة. م: (والثالث) ش: أي العبد الثالث م: (سابق في هذا الوصف) ش: لأنه هو التوحد في الشراء بخلاف قوله أول عبد أشتريه واحدًا فاشترى عبدين ثم آخر لا يعتق واحد منهم لانعدام الأولية. لأن العبدين ليسا بفرد سابق، والفرق بين قوله وحده، وبين قوله واحدًا أن الواحد يقتضي الانفراد في الذات، ووحده يقتضي الانفراد في الفعل المقرون به، ألا ترى أنه لو قال في الدار رجل واحد كان صادقًا إذا كان معه صبي أو امرأة بخلاف ما إذا قال في الدار رجل وحده [كان] كاذبًا إذا كان معه صبي أو امرأة. [قال آخر عبد اشتريته فهو حر فاشترى عبدا ثم مات] م: (وإن قال: آخر عبد اشتريته فهو حر فاشترى عبدًا ثم مات) ش: أي المولى م: (لم يعتق، لأن الآخر فرد لاحق ولا سابق له، فلا يكون لاحقًا) ش: فلا يعتق لعدم الشرط، ولأنه أول فلا يكون آخرًا، لأنه ليس من صفات المخلوقين أن يكون الواحد أولًا وآخرًا، وإنما هو من صفات الباري عز وجل. م: (ولو اشترى عبدًا ثم عبدًا) ش: أي ثم اشترى عبدًا آخر م: (ثم مات عتق الآخر، لأنه فرد لاحق، فاتصف بالآخرية ويعتق يوم اشتراه. وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى يعتبر من جميع المال) ش: إذا كان الشراء في وقت الصحة م: (وقالا: يعتق يوم مات حتى يعتبر من الثلث، لأن الآخرية لا تثبت إلا بعدم شراء غيره بعده وذلك) ش: أي عدم شراء غيره م: (يتحقق بالموت) ش: أي بموت الولي م: (فكان الشرط متحققًا عند الموت، فيقتصر عليه) ش: أي فيقتصر العتق على زمان الموت، فيعتق قبيل الموت بلا فصل. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الموت معرف) ش: أي غير شرط له يعرف أن العبد الثاني هو آخر عبد اشتراه م: (فأما اتصافه بالآخرية من وقت الشراء) ش: يعني هذه الصفة حصلت له من وقت الشراء، إلا أن هذه الصفة تعرض للزوال بأن يشتري غيره بعده. فإذا مات ولم يشتر لم يوجد ما يبطلها م: (فيثبت) ش: أي العتق م: (مستندًا) ش: إلى وقت كان آخرًا من وقت الشراء. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 213 وعلى هذا الخلاف تعليق الطلقات الثلاث به، وفائدته تظهر في حرمان الإرث وعدمه. ومن قال: كل عبد بشرني بولادة فلانة فهو حر فبشره ثلاثة متفرقين عتق الأول لأن البشارة اسم لخبر يغير بشرة الوجه، ويشترط كونه سارا بالعرف، وهذا إنما يتحقق من الأول، وإن بشروه معا عتقوا؛ لأنها تحققت من الكل، ولو قال: إن اشتريت فلانا فهو حر فاشتراه ينوي به كفارة يمينه لم يجزئه، لأن الشرط قران النية بعلة العتق وهي اليمين، فأما الشراء فشرطه   [البناية] م: (وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور م: (تعليق الطلقات الثلاثة به) ش: أي بوصف الآخرية أو بلفظ الآخر بأن قال آخر امرأة تزوجها فهي طالق ثلاثًا فتزوج امرأة ثم امرأة ثم مات تطلق الثانية من حين تزوجها ولا ترث، وعندهما تطلق في آخر حياة الزوج، ويصير الزوج فارًا فترث المرأة وأشار إليه بقوله م: (وفائدته) ش: أي فائدة الخلاف المذكور م: (تظهر في حرمان الإرث) ش: أي من الزوج م: (وعدمه) ش: أي وعدم الحرمان، وقد مر بيانه. م: (ومن قال: كل عبد بشرني بولادة فلانة فهو حر، فبشره ثلاثة) ش: أي ثلاثة عبيد حال كونهم م: (متفرقين عتق الأول) ش: أي العبد الأول م: (لأن البشارة اسم لخبر يغير بشرة الوجه) ش: من السرور. فالحاصل أن البشارة اسم لخبر غائب عن المخبر علمه، وقد يكون بالشر، وقد يكون بالخير، لأنه في العرف مستعمل فيما بينه وبين الخبرية، ويتحقق من واحد وأكثر بأن أخبروه في هذه المسألة مجتمعين عتقوا، لأن البشارة حصلت منهم، وإن أخبروه متفرقين عتق الأول خاصة م: (ويشترط كونه سارًا) ش: أي كون هذا الخبر سارًا م: (في العرف) ش: لما ذكرنا أنه يستعمل في الخير والشر. م: (وهذا) ش: أي كون هذا الخبر سارًا يغير به بشرة الوجه م: (إنما يتحقق من الأول) ش: أي العبد الأول، لأن الثاني أخره لما كان معلومًا عنده، فلا تتغير به عندهما م: (ولو بشروه معًا) ش: يعني مجتمعين م: (عتقوا) ش: جميعًا م: (لأنها) ش: أي لأن البشارة على الوجه المذكور م: (تحققت من الكل) ش: فيعتق الكل وقد ذكرناه. [قال إن اشتريت فلانا فهو حر فاشتراه ينوي به كفارة يمينه] م: (ولو قال: إن اشتريت فلانًا فهو حر فاشتراه ينوي به كفارة يمينه لم يجزئه) ش: أي عن الكفارة م: (لأن الشرط) ش: أي شرط الخروج عن عهدة التكفير م: (قران النية) ش: أي نية التكفير م: (بعلة العتق وهو اليمين) ش: سمي جزاء اليمين، وهو قوله أنت حر يمينًا، لأن الجزاء معظم اليمين، إذ اليمين تختلف الأجزية، يقال يمين الطلاق ويمين العتاق. وإنما ذكر الضمير في قوله وهو اليمين باعتبار المذكور والأصل وهو اليمين، وكذا هو في بعض النسخ، وهي اليمين ولم يوجد منه التكفير وقت يمينه، لأن الكلام فيه م: (وأما الشراء فشرطه) ش: أي شرط العتق، ولا أثر للشرط في العتق، فيكون معتقًا بيمينه ولم يقرن نية الكفارة بها، حتى لو اقترنت جاز، كذا في " المبسوط ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 214 وإن اشترى أباه ينوي عن كفارة يمينه أجزأه عندنا، خلافًا لزفر والشافعي - رحمهما الله. لهما أن الشراء شرط العتق، فأما العلة فهي القرابة، وهذا لأن الشراء إثبات الملك والإعتاق إزالته، وبينهما منافاة، ولنا أن شراء القريب إعتاق لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه» جعل نفس الشراء إعتاقًا، لأنه لا يشترط غيره، فصار نظير قوله سقاه فأرواه   [البناية] حاصله أن نية الكفارة لم تقترن بعلة العتق، بل اقترنت بشرط العتق، وليس للشرط أثر في إيجاب العتق، لأن العتق يثبت بقول سابق، وهو قوله فهو حر نصًا، كأنه قال: عبدي حر ثم نوى عن كفارة يمينه لا يجوز، فكذا هو. [اشترى أباه نوى عن كفارة يمينه] م: (وإن اشترى أباه ينوى عن كفارة يمينه أجزأه عندنا، خلافًا لزفر والشافعي - رحمهما الله) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولًا. م: (ولهما) ش: أي زفر والشافعي - رحمهما الله - م: (أن الشراء شرط الإعتاق، وأما العلة فهي القرابة) ش: المتقدمة، فصار كعتقه يمين متقدمة، وإنما اقترنت النية بالشراء الذي هو الشرط لا بالعلة. والدليل على أن استحقاق العتق بالقرابة أن أحد الشريكين إذا ادعى نسبة فضمن شريكه نصيبه كما لو أعتقه م: (وهذا) ش: أي كون الشراء شرطًا لا علة م: (لأن الشرط إثبات الملك) ش: وهو ظاهر م: (والإعتاق إزالته) ش: لأنه ليس بإثبات للملك م: (وبينهما منافاة) ش: فلا يكون الشراء إعتاقًا. م: (ولنا أن شراء القريب إعتاقه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة غير البخاري كلهم عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولا يجزي ولد .... » الحديث. م: (جعل نفس الشراء إعتاقًا) ش: أي الحديث أو الشارع بعين الشراء إنما قالا: محال م: (لأنه لا يشترط) ش: أي في الحديث م: (غيره) ش: أي غير الشراء بالإجماع، فلا يحتاج إلى إعانة آخر ومثله وارد في كلام العرب، أشار إليه بقوله: م: (وصار نظير قوله: سقاه فأرواه) ش: أي بالنفي نفسه، وكذا يقال ضربه فأوجعه، أي نفس الضرب. وقال الأكمل: قوله سقاه فأرواه، جواب عما يقال عطف الإعتاق على الشراء بألف، وهو يقتضي الذي بزمان، وإن عطف فلا يكون نفسه. ووجهه أن الفعل إذا عطف على فعل آخر بألف كان الثاني ثابتًا بالأول في كلام العرب، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 215 ولو اشترى أم ولده لم يجزئه، ومعنى هذه المسألة أن يقول لأمة قد استولدها بالنكاح إن اشتريتك فأنت حرة عن كفارة يمين، ثم اشتراها فإنها تعتق لوجود الشرط، ولا يجزئه عن الكفارة، لأن حريتها مستحقة بالاستيلاد، فلا تضاف إلى اليمين من كل وجه   [البناية] يقال ضربه فأوجعه وأطعمه فأشبعه، وسقاه فأرواه أي بذلك الفعل لا بغيره، وفيه بحسب وهو أن شراء القريب هل يثبت الملك للمشتري القريب أو لا؟، فإن أثبته لا يزيله، لأن المثبت بعينه لا يكون مزيدًا. وإن لم يثبت لا يعتق عليه، لأنه لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم لا يقال شراء القريب يثبت الملك، لأن ثبوت الملك في القريب إعتاق بواسطة موجبة، وهو ثبوت الملك، لأنه أسند استحالته لأنه يلزم أن يكون مثلث الشيء، ونفي ثبوته إزالة له. والجواب أن قولهم: ثبوت الملك في القريب إعتاق معناه أن الشرع أخرج القريب عن محلية الملك بقاء، كما أنه أخرج الحر عن محليته ابتداء وبقاء، وهذا لأن العتق لا يقع إلا في الملك. فلو لم يقل بثبوت الملك ابتداء لم يتصور زواله. ثم إن المصنف قال: ومن اشترى أباه، وكذا الحكم إذا اشترى أخاه، وكذلك على الخلاف المذكور إذا وهب له أبوه أو تصدق به عليه أو أوصى له به، وهو نوى عن كفارته كذا ذكر شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الكافي ". ولو ورث أباه ينوي به الكفارة لا يجزئه هذا الميراث يدخل في ملك الوارث بدون صنعه واختياره. والتكفير يتأدى بالتجويز الذي هو صفة. وفي الهبة والصدقة والوصية تحصيل صنعه وهو القبول. [يقول لأمة قد استولدها بالنكاح إن اشتريتك فأنت حرة عن كفارة يميني فاشتراها] م: (ولو اشترى أم ولده ولم يجزئه) ش: عن الكفارة م: (ومعنى هذه المسألة) ش: وهي من مسائل " الجامع الصغير " م: (أن يقول لأمة قد استولدها بالنكاح: إن اشتريتك فأنت حرة عن كفارة يميني فاشتراها فإنها تعتق لوجود الشرط) ش: وهو الشراء م: (ولا يجزئه عن الكفارة، لأن حريتها مستحقة بالاستيلاد، فلا تضاف إلى اليمين من كل وجه) ش: لأن الموجب باليمين ما يستحق حريتها من كل وجه، وهو معنى قوله فلا تضاف أي الحرية إلى اليمين من كل وجه. ولقائل أن يقول القريب مستحق للعتق بالشراء كما أن أم الولد مستحقة له بالاستيلاد، فما بالها لم تعتق إذا اشتراها بنية الكفارة بعد التعليق كما عتق القريب. والجواب أن الاستيلاد فعل اختياري من جهة المستولد، فكانت الحرية من جهتين، جهة الاستيلاد والشراء، فلم يقع عن الكفارة من كل وجه، بخلاف القرابة فإنها ليست كذلك، فلم يكن من جهة القريب في حريته سوى الشراء، فإذا اشتراه ناويًا بالكفارة كانت الحرية عن الكفارة من كل وجه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 216 بخلاف ما إذا قال لأمة إن اشتريتك فأنت حرة عن كفارة يميني حيث يجزيه عنها إذا اشتراها، لأن حريتها غير مستحقة بجهة أخرى فلم تختل الإضافة إلى اليمين وقد قارنته النية، ومن قال: إن تسريت جارية فهي حرة فتسرى جارية كانت في ملكه عتقت، لأن اليمين انعقدت في حقها لمصادقتها الملك، وهذا لأن الجارية منكرة في هذا الشرط، فيتناول كل جارية على الانفراد، وإن اشترى جارية فتسرى بها لم تعتق بهذه اليمين، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يقول التسري لا يصح إلا في الملك، فكان ذكره ذكر الملك، فصار كما إذا قال لأجنبية إن طلقتك فعبدي حر   [البناية] م: (بخلاف ما إذا قال لأمة) ش: وفي بعض النسخ لقنة م: (إن اشتريتك فأنت حرة عن كفارة يمين حيث يجزئه عنها) ش: أي عن كفارة يمين م: (إذا اشتراها، لأن حريتها غير مستحقة بجهة أخرى) ش: وإنما هي بالشراء م: (فلم تختل الإضافة إلى اليمين) ش: أي إضافة الحرية إلى اليمين لم تنحل لعدم استحقاقه القنية الحرية م: (وقد قارنته النية) ش: أي والحال أن نية الكفارة قارنت الشراء. م: (ومن قال: إن تسريت جارية فهي حرة فتسرى جارية كانت في ملكه عتقت، لأن اليمين انعقدت في حقها لمصادقتها الملك) ش: وكل من انعقد في حقه اليمين إذا وجد الشرط فيه يترتب على الجزاء. واعلم أن معنى تسريت اتخذت سرية وهي فعلية منسوبة إلى السر، وهو الجماع أو الخفاء إلى الدهر دهري بالضم، وإلى الأرض السهلة سهيلي، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تسرى معنى لغوي وشرعي أما في اللغة فالتسري مأخوذ من السرية واحدة السرايا، وهي الأمة التي يبوء لها بيت وكان الأخفش يقول: إنها مشتقة من السرور، لأنه لوثها، يقال تمر تسرت وتسريت أيضًا كما يقال بطست وبطن قلبت أحد النونين ياء. وقيل السرية مأخوذة من السرى وهو السيد، لأنه إذا اتخذها سرية فقد جعلها سيدة الجواري. وأما في الشرع فالتسري عبارة عن التحصين من الوطء، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه. وقال في وجه الوطء مع الإنزال والتحصين. وقال في وجه: يكفي الوطء، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يشترط مع الوطء طلب الولد، حتى لو وطئها وعزل عنها لا تكون بسرية عنده، وعندهما السري عبارة عن أن يبوئها بيتًا ويحصنها وإن لم يطلب ولدها. م: (وهذا) ش: توضيح لانعقاد اليمين في حقها م: (لأن الجارية منكرة في هذا الشرط، فيتناول كل جارية على الانفراد) ش: لأن النكرة وقعت في موضع النفي فعمت. [اشترى جارية فتسرى بها] م: (وإن اشترى جارية فتسرى بها لم تعتق، خلافًا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فعنده تعتق في الحالين م: (فإنه) ش: أي فإن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يقول: التسري لا يصلح إلا في الملك، فكان ذكره ذكر الملك لا يصح إلا به، وصار كما إذا قال لأجنبية: إن طلقتك فعبدي حر، يصير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 217 يصير التزوج مذكورا. ولنا أن الملك يصير مذكورا ضرورة صحة التسري، وهو شرط فيتقدر بقدره، فلا يظهر في حق صحة الجزاء، وهو الحرية، وفي مسألة الطلاق إنما يظهر في حق الشرط دون الجزاء، حتى لو قال لها إن طلقتك فأنت طالق ثلاثا فتزوجها وطلقها واحدة لا تطلق ثلاثا فهذه وزان مسألتنا. ومن قال: كل مملوك لي حر تعتق أمهات أولاده ومدبروه وعبيده لوجود الإضافة المطلقة في هؤلاء   [البناية] التزوج مذكورًا) ش: دلالة، لأن الطلاق يصرف فلا يصح بدون متابعة النكاح، فكأنه قال: إن نكحتك وطلقتك فعبدي حر. فإن قيل: هذا قول بالاقتضاء، وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقول باقتضاء يحتاج فيه إلى التكفير بخلاف الدالة، فإن الثابت بها يفهم، ولهذا عند فلان سرية يفهم منه في أول الوهلة أن عنده جارية موطوءة، فلا يرد عليه السؤال. م: (ولنا أن الملك يصير مذكورًا ضرورة صحة التسري، وهو شرط) ش: أي التسري شرط م: (فيتقدر بقدره) ش: أي يتقدر الملك بقدر الضرورة، وكذا الضمير الراجع إلى الضرورة بالذكر على تأويل الاضطرار م: (فلا يظهر في حق صحة الجزاء، وهو الحرية) ش: فلم يصح اليمين في حق الأمة المشتراة م: (وفي مسألة الطلاق) ش: جواب عن قوله كما إذا قال لأجنبية، تقريره أن في مسألة الطلاق، وهي إذا قال لأجنبية: إن طلقتك فعبدي حر م: (إنما يظهر) ش: أي إنما يظهر ملك النكاح. م: (في حق الشرط) ش: يعني في حق الطلاق الذي هو شرط م: (دون الجزاء) ش: يعني لا يظهر في حق الجزاء م: (حتى لو قال لها) ش: أي لأجنبية م: (إن طلقتك فأنت طالق ثلاثًا فتزوجها وطلقها) ش: يعني واحدة م: (لا تطلق ثلاثة) ش: لأن ملك النكاح ثبت اقتضاء ضرورة صحة الشرط. فلم يظهر في حق صحة الجزاء. م: (فهذه وزان مسألتنا) ش: أي هذه المسألة وهي قوله إن طلقتك فأنت طالق فتزوجها وطلقها لا تطلق ثلاثًا نظير مسألتنا، وهي قوله: إن سريت جارية فهي حرة، لأن في كل منهما لم يظهر الملك الثابت ضرورة في حق صحة الجزاء، ونظير مسألة زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي قوله لأجنبية: إن طلقتك فعبدي حر، أي إذا قال: لا تسريت جارية فعبدي حر فتسراها فشراها يعتق العبد، كما إذا تزوجها فطلقها يعتق العبد، لأن الملك قائم في العبد في الحال في الصورتين جميعًا. فالحاصل أن الملك وقع شرطًا للشرط الذي هو الطلاق والسرى، فلا يكون بشرط الشرط شرطًا للجزاء. [قال كل مملوك لي حر] م: (ومن قال كل مملوك لي حر يعتق أمهات أولاده ومدبروه وعبيده لوجود الإضافة المطلقة في هؤلاء) ش: يعني أن كل واحد من هؤلاء بالإضافة إلى نفسه بقوله لي كامل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 218 إذ الملك ثابت فيهم رقبة ويدا ولا يعتق مكاتبوه إلا أن ينويهم، لأن الملك غير ثابت يدا، ولهذا لا يملك اكتسابه ولا يحل له وطء المكاتبة، بخلاف أم الولد والمدبرة، فاختلت الإضافة فلا بد من النية. ومن قال لنسوة له هذه طالق أو هذه وهذه طلقت الأخيرة، وله الخيار في الأوليين لأن كلمة أو لإثبات أحد المذكورين، وقد أدخلها بين الأوليين، ثم عطف الثالثة على المطلقة، لأن العطف للمشاركة في الحكم، فيختص بمحل، فصار كما إذا قال إحداكما طالق وهذه، وكذا إذا قال لعبد له هذا حر أو هذا وهذا عتق الأخير، وله الخيار في الأولين لما بينا، والله أعلم بالصواب.   [البناية] م: (إذ الملك ثابت فيهم رقبة ويدًا) ش: فإذا كان كذلك دخلوا بحيث كل فيعتقون م: (ولا يعتق مكاتبوه إلا أن ينويهم، لأن الملك غير ثابت يدًا، ولهذا لا يملك اكتسابه) ش: أي اكتساب المكاتب م: (ولا يحل له وطء المكاتبة) ش: فكان المكاتب مملوكًا من وجه دون وجه م: (بخلاف أم الولد والمدبرة فاختلت الإضافة) ش: أي إضافة الملك إلى المكاتب. م: (فلا بد من النية) ش: فإذا نوى عملت بنيته وكذا معتق البعض لا يعتق إلا بالنية. وفي " المبسوط " ولو نوى بقوله كل مملوك لي الرجال دون النساء يصدق ديانة لا قضاء، لأنه نوى التخصيص بوصف ليس في لفظه، ولا عموم لا لفظ له، فلا يعمل بنيته، بخلاف الرجال، لأن لفظ المملوك للرجال حقيقة دون النساء، ويقال: للأنثى مملوكة، وليس عند الاختلاط مستعمل لهما المملوكة عادة ولو نوى الذكر فقد نوى حقيقة كلامه ولكنه خلاف الظاهر، فلا يصدق قضاء ويصدق ديانة. ولهذا لو نوى النساء وحدها لا يصدق ديانة ولا قضاء. ولو قال لم أنو المدبر لم يصدق قضاء وديانة. وفي رواية يصدق ديانة. م: (ومن قال لنسوة له: هذه طالق أو هذه وهذه طلقت الأخيرة، وله الخيار في الأوليين) ش: أي في تعيين إحداهما م: (لأن أو لإثبات أحد المذكورين) ش: أي لإحدى الأوليين م: (وقد أدخلها بين الأوليين ثم عطف الثالثة على المطلقة لأن العطف للمشاركة في الحكم، فيختص بمحله) ش: أي يختص العطف محل الحكم، ومحل الحكم المطلقة من إحدى الأوليين، فكانت الثالثة طالقًا، لأن الواو تقتضي الاشتراك في الحكم، والحكم هذا هو الطلاق م: (فصار كما إذا قال: إحداكما طالق وهذه، وكذا إن قال لعبد له هذا حر أو هذا وهذا عتق الأخير، وله الخيار في الأوليين) ش: أي في تعيين أحد العبدين الأولين. وأما الآخر فيعتق بلا شك. فإن قلت: لم لا يكون الشك في المرأة الثالثة أيضًا، لأن الواو للجمع، وقد جمع الثالثة مع الثانية، وفي الثانية شك فينبغي أن يقع الشك في الثالثة، ولهذا قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: [ ... ] ، ويخير بين أن يوقع على الأولى أو على الأخريين، كما إذا قال: هذه طالق أو هاتان، ذكر قولهما في " جامع السغناقي ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 219 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: نعم إنها للجميع لكنه ذكر الثالثة بعد وقوع الطلاق على أحد الأوليين غير عين فاقتضت الجمع بين طلاق الثالثة وبين طلاق إحدى الأوليين، فصارت الثالثة مرادة بإيجاب الطلاق. وكذا العبد الثالث، فكأنه قال: إحداكما طالق. وقال الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الكافي " إذا قال: أنت طالق وفلانة فالأولى طالق، والخيار في الأخريين. فإن قلت: العطف كما يصح على من وقع عليه الحكم يصح أيضًا على من لم يقع عليه الحكم، والأصل عدم الحكم، فيعطف على من يقع عليه الحكم، كما في قوله والله لا أكلم فلانًا أو فلانًا، فإنه إن كلم الأول حنث، وإن كلم أحد الآخرين لم يحنث حتى كلمهما، ويكون الثالث معطوفًا على الثاني الذي لم يقع عليه الحكم منفردًا. وهذا لأن الجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع، فصار كأنه قال: هذه طالق أو هاتان، فحينئذ كان هو مخيرًا في الطلاق والعتاق إن شاء أوقع على الأولى، وإن شاء أوقع على الأخريين. قلت: أجيب بأن هذا الذي ذكرته هو رواية ابن سماعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فأما الذي ذكره في الكتب فهو ظاهر الرواية والعرف بين ظاهر الرواية في الطلاق والعتاق، وبين قوله: والله لا أكلم فلانًا أو فلانًا وفلانًا في أن الثالث معطوف على الثاني الذي لم يقع عليه الحكم، وهو مسألة الجامع هو أن كلمة " أو " إذا دخلت بين شيئين يتناول أحدهما، فإذا عطف الثالث على إحداهما صار كأنه قال أحدكما طالق وهذه، ولو عطف على هذا كان الحكم ما قلنا. أما في مسائل الجامع فالموضع موضع الشيء لا يعم، كما في قَوْله تَعَالَى {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] (الإنسان: الآية 24) .، فصار كأنه قال والله لا أكلم فلانًا ولا فلانًا، فلما ذكر الثالث بحرف الواو صار كأنه قال ولا هذين. ولو قضى على هذا كان الحكم هكذا فكذا هذا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 220 باب اليمين في البيع والشراء والتزوج وغير ذلك ومن حلف لا يبيع أو لا يشتري أو لا يؤاجر فوكل من فعل ذلك لم يحنث لأن العقد وجد من العاقد، حتى كانت الحقوق عليه، ولهذا لو كان العاقد هو الحالف يحنث في يمينه، فلم يوجد ما هو الشرط وهو العقد من الآمر، وإنما الثابت له حكم العقد، إلا أن ينوي ذلك، لأن فيه تشديدا أو يكون الحالف ذا سلطان لا يتولى العقد بنفسه، لأنه يمنع نفسه عما يعتاده.   [البناية] [باب اليمين في البيع والشراء والتزوج وغيره] [حلف لا يبيع ولا يشتري أو لا يؤاجر فوكل من فعل ذلك] م: (باب اليمين في البيع والشراء والتزوج وغير ذلك) ش: أي هذا باب في بيان أحكام اليمين إلى آخره. قوله: وغير ذلك. أي في الطلاق والعتاق والضرب، كما إذا قال: لا يطلق ولا يعتق ولا يضرب فأمر غيره بذلك، وسيجيء بيانه إن شاء الله تعالى. ولما كانت التصرفات في الأيمان في هذه الأشياء أكثر وقوعًا بالنسبة إلى اليمين في الحج والصلاة والصوم، قدم هذا الباب على باب اليمين في الحج. م: (ومن حلف لا يبيع ولا يشتري أو لا يؤاجر فوكل من فعل ذلك لم يحنث) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأظهر. وقال مالك وأحمد - رحمهما الله: يحنث، لأن الفعل يطلق على الموكل بالأمر يصير كأنه فعله بنفسه، كما لو حلف لا يحلق رأسه فأمر غيره بحلقه يحنث م: (لأن العقد وجد من العاقد حتى كانت الحقوق عليه) ش: أي على الوكيل والحقوق مثل تسليم المبيع، فإذا كان بائعًا قبضه إذا كان مشتريًا، وقبض الثمن إذا كان بائعا والرجوع على البائع عند ظهور الاستحقاق والخصومة في العيب. م: (ولهذا) ش: أي ولكون عدم الحنث عند وجود العقد من غير الحالف م: (لو كان العاقد هو الحالف يحنث في يمينه) ش: لوجود الشرط الذي هو العقد منه، وقوله م: (فلم يوجد ما هو الشرط وهو العقد من الآمر) ش: من تتمة تعليل قوله لم يحنث، لأن شرط الحنث وهو عقد الحالف على هذه الأشياء لم يوجد منه، وإنما وجد من المأمور م: (وإنما الثابت له حكم العقد) ش: هذا جواب عما قال الخصم إن هذا العقد ثابت له لا للآمر، وتقريره أن الثابت للآمر حكم العقد وهو الملك. م: (إلا أن ينوي ذلك) ش: قوله: لم يحنث، أي إلا إن نوى الحالف أن لا يأمر غيره أيضًا، فحينئذ يحنث م: (لأن فيه تشديدًا) ش: أو تغليظًا عليه م: (أو يكون الحالف ذا سلطان) ش: أي ذا شوكة م: (لا يتولى العقد بنفسه، لأنه يمنع نفسه عما يعتاده) ش: أي لأن ذا سلطان كالقاضي ونحوه إذا منع نفسه عن الفعل يمنعها بما هو عادة له في ذلك الفعل، فإذا حلف لا يبيع ولا يشتري فكأنه قال لا آمر بالبيع ولا آمر بالشراء، بدلالة الحال فيحنث في يمينه بفعل المأمور. واعلم: أن الضابط في هذه التصرفات لأصحابنا فيما يحنث بفعل المأمور، وفيما لا يحنث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 221 ومن حلف لا يتزوج أو لا يطلق أو لا يعتق فوكل بذلك حنث؛ لأن الوكيل في هذا سفير ومعبر، ولهذا لا يضيفه إلى نفسه بل إلى الآمر وحقوق العقد ترجع إلى الآمر لا إليه   [البناية] شيئان، أحدهما أن كل فعل يرجع الحقوق فيه إلى المباشرة، فالحالف لا يحنث لمباشرة المأمور، وهو الذي ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: ومن حلف لا يبيع ... إلى آخره. وذكر ثلاثة أشياء البيع والشراء والإجارة. وفي هذا الباب التزويج والاستجارة والصلح عن مال القسمة والخصومة وضرب الولد. والثاني هو الذي لا يتعلق الحقوق بالمباشرة، بل بالآمر، ولم يكن له حقوق، فحينئذ يكون فعل المأمور كفعل الآمر، وهو الذي أشار إليه بقوله: [حلف لا يتزوج أو لا يطلق أو لا يعتق فوكل بذلك] م: (ومن حلف لا يتزوج أو لا يطلق أو لا يعتق) ش: وذكر ثلاثة أشياء في هذا القسم، ومن هذا الباب المكاتبة والصلح عن دم العمد والهبة والصدقة والقرض والاستقراض وضرب الولد والريح والبناء والخياطة والإبداع والاستبداع والإعارة والاستعارة وقضاء الدين والقبض والكسوة والحمل وأحد الثلاثة التي ذكرها التزويج، فإنه إذا حلف لا يتزوج م: (فوكل بذلك حنث) ش: وقال في " نوادر هشام " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا زوجه غيره امرأة بغير إذن الحالف ثم إن الحالف أجازه. قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحنث. وفي " مسائل أهل البصرة " فيما كتبوا إلى محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا حلف لا أتزوج فوكل وكيلًا بالنكاح لا يحنث، وهو خلاف الأصل، كذا ذكر الناطفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأجناس "، فوكل بذلك، أي بكل واحد من التزوج والطلاق والعتاق يحنث. وبه قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، ذكره في " تتمتهم ". وقال في " الوجيز " و " التنبيه " وأكثر كتبهم: لا يحنث لعدم الفعل منه، ولهذا يصدق ما نكح فلان، وإنما قيل له الوكيل في النكاح كما في البيع ونحوه، وقلنا تحرم بالحنث. م: (لأن الوكيل في هذا سفير) ش: قال في " المغرب ": السفير الرسول المصلح بين القوم، ومنه الوكيل سفيرًا م: (ومعبر) ش: من التعبير، وهو الذي يعبر، أي بغير الوكيل، كما يقع بينه وبين الموكل من الآمر الذي وكله فيه. م: (ولهذا) ش: أي ولكونه سفيرًا معبرًا م: (لا يضيفه) ش: أي لا يضيف الموكل إلى ما وكل فيه م: (إلى نفسه، بل إلى الآمر) ش: أي بل يضيفه إلى الآمر وهو الموكل، فصار كأن الموكل فعله بنفسه م: (وحقوق العقد) ش: أي في الأشياء الثلاثة المذكورة م: (ترجع إلى الآمر) ش: وهو الموكل م: (لا إليه) ش: أي لا ترجع الحقوق إلى الأمور، وهو الوكيل والحقوق ظاهرة، وهي وجوب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 222 ولو قال: عنيت أن لا أتكلم به لم يدين في القضاء خاصة، وسنشير إلى المعنى في الفرق إن شاء الله تعالى. ولو حلف لا يضرب عبده أو لا يذبح شاته فأمر غيره ففعل يحنث في يمينه؛ لأن المالك له ولاية ضرب عبده وذبح شاته فيملك تولية غيره، ثم منفعته راجعة إلى الآمر، فيجعل هو مباشرا إذ لا حقوق له يرجع إلى المأمور، ولو قال: عنيت أن لا أتولى ذلك بنفسي دين في القضاء، بخلاف ما تقدم من الطلاق وغيره. ووجه الفرق أن الطلاق ليس إلا تكلم بكلام يفضي إلى وقوع الطلاق عليها، والآمر بذلك مثل التكلم به، واللفظ ينتظمهما فإذا نوى التكلم به فقد نوى الخصوص في العام فيدين ديانة لا قضاء.   [البناية] المهر في التزوج ووقوع الطلاق ووقوع العتاق. [حلف لا يضرب عبده أو لا يذبح شاته فأمر غيره ففعل] م: (ولو قال: عنيت أن لا أتكلم به) ش: أي بلفظ التزوج والتطليق والإعتاق م: (لم يدن) ش: أي لم يصدق م: (في القضاء) ش: لأنه خلاف الظاهر، وقيد بقوله م: (خاصة) ش: لأنه يصدق ديانة، لأنه نوى شيئًا يحتمله لفظه، فصحت النية والله يعلم الباطن. م: (وسنشير إلى المعنى في الفرق إن شاء الله تعالى) ش: أراد به قوله في المتن، ووجه الفرق كأن الطلاق ليس تكلم إلا بكلام يفضي إلى وقوع الطلاق عليها إلى آخر ما قال. م: (ولو حلف لا يضرب عبده أو لا يذبح شاته فأمر غيره ففعل يحنث في يمينه) ش: وبه قال مالك وأحمد وعند الشافعي لا يحنث م: (لأن المالك له ولاية ضرب عبده وذبح شاته فيملك تولية غيره، ثم منفعته راجعة إلى الآمر فيجعل هو مباشرًا، إذ لا حقوق له يرجع إلى المأمور) ش: توضيحه أن الفعل ينبت إلى الآمر ليس فيه حقوق لا تتعلق بالمأمور ومنفعته تعود إلى الآمر، لأن العبد يكون مؤتمرًا سفيرًا بأمر الموالي، فكان فعل المأمور كفعل الآمر. م: (ولو قال) ش: أي الحالف المذكور م: (عنيت أن لا أتولى ذلك بنفسي) ش: أي قصدت أن لا أتولى ضرب العبد أو ذبح الشاة بنفسي م: (دين في القضاء) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صدق قضاء وديانة م: (بخلاف ما تقدم من الطلاق وغيره) ش: مثل النكاح والعتاق. ثم أشار إلى الفرق بين الصورتين بقوله م: (ووجه الفرق) ش: وهذا هو الفرق الذي ذكر قبل هذا، وبيان وجهه م: (أن الطلاق ليس إلا تكلم بكلام يفضي إلى وقوع الطلاق عليها، والآمر بذلك) ش: أي بالطلاق والعتاق والنكاح م: (مثل التكلم به، واللفظ ينتظمهما) ش: أي ينتظم التكلم بذلك والآمر بذلك، لأن المأمور كالرسول، ولسان الرسول كلسان المرسل بالإجماع، فيكون التطليق بلسانه كالتطليق بنفسه. فيكون ما سماه خلاف الظاهر، وهو متهم فيه، فلا يصدق قضاء، وهو معنى قوله م: (فإذا نوى التكلم به فقد نوى الخصوص في العام فيدين ديانة) ش: أي يصدق فيما بينه وبين الله تعالى م: (لا قضاء) ش: أي لا يصدق في القضاء، لأنه خلاف الظاهر كما ذكره. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 223 أما الذبح والضرب ففعل حسي يعرف بأثره، وبالنسبة إلى الآمر بالتسبيب مجازا فإذا نوى الفعل بنفسه فقد نوى الحقيقة فيصدق ديانة وقضاء، ومن حلف لا يضرب ولده فأمر إنسانا فضربه لم يحنث في يمينه؛ لأن منفعة ضرب الولد عائدة إليه وهو التأدب والتثقف فلم ينسب فعله إلى الآمر بخلاف الأمر بضرب العبد، لأن منفعة الائتمار بأمره عائدة إلى الآمر، فيضاف الفعل إليه. ومن قال لغيره: إن بعت لك هذا الثوب فامرأته طالق فلبس المحلوف عليه ثوبه في ثياب الحالف فباعه ولم يعلم لم يحنث، لأن حرف اللام دخل على البيع فيقتضي اختصاصه به، وذلك بأن يفعله بأمره إذ البيع يجري فيه النيابة ولم يوجد   [البناية] م: (وأما الضرب) ش: أي ضرب العبد م: (والذبح) ش: أي ذبح الشاة م: (ففعل حسي يعرف بأثره) ش: ولا يحتاج فيه إلى الآمر، حتى يكون ضربًا أو ذبحًا م: (والنسبة إلى الآمر) ش: أي نسبة الفعل إلى الآمر م: (بالتسبيب) ش: أي سبيل التسبيب م: (مجازًا، فإذا نوى الفعل بنفسه فقد نوى الحقيقة، فيصدق، ديانة وقضاء) ش: وإن كان في ذلك تخفيف له. وقيل ذكر القضاء في مسألة الضرب رواية في الطلاق، لأنه في الموضعين إذا نوى المباشرة فقد نوى حقيقة كلامه فيصدق قضاء في الفصلين. و [به] قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ومن حلف لا يضرب ولده فأمر إنسانًا فضربه، لم يحنث في يمينه، لأن منفعة ضرب الولد عائدة إليه) ش: أي إلى الولد م: (وهي) ش: أي المنفعة المذكورة م: (التأدب والتثقف) ش: يقال ثقفت الرمح فتثقف، أي سويته فاستوى. حاصله أن يتأدب ويسلك الطرائق الحميدة، ويختار السير الصالحة ويتجنب الأفعال المستقبحة ويترك البزى والشهوة، فذلك منفعة خالصة للولد، وإن كان فيه منفعة للوالد أيضًا هاهنا فلم يجعل ضرب المأمور كضرب الآمر م: (فلم ينسب فعله إلى الآمر. بخلاف الآمر بضرب العبد لأن منفعة الائتمار) ش: أي الانقياد بأوامره والإطاعة للمولى عائدة إلى الآمر م: (بأمره فيضاف الفعل إليه) ش: أي إلى الآمر، أي لأن ضرب المأمور كضرب المولى فيحنث بضرب المأمور. م: (ومن قال لغيره: إن بعت لك هذا الثوب فامرأته طالق، فلبس المحلوف عليه ثوبه) ش: أي أخفاه م: (في ثياب الحالف فباعه) ش: أي الحالف والحالف أنه لم يدر م: (ولم يعلم لم يحنث، لأن حرف اللام دخل على البيع فيقتضي اختصاصه به) ش: أي يقتضي اختصاص الفعل بالمحلوف عليه م: (وذلك بأن يفعله بأمره) ش: سواء كان العين مالكية أو لا م: (إذ البيع يجري فيه النيابة ولم يوجد) ش: أي الآمر، فلا يحنث، لأن تقدير الكلام إن بعت ثوبًا يومًا بوكالتك أو بأمرك ولم يوجد. والأصل في معرفة ذلك أن يعرف أن اللام قد تكون للتمليك نحو المال لزيد، وقد تكون للتعليل نحو فعلت هذا لمرضاتك، أي لأجل ابتغاء مرضاتك، فلا يصرف لأحدهما إلا بوجود المرجح أو لتعذر صرفه إلى الآخر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 224 بخلاف ما إذا قال: إن بعت ثوبا لك حيث يحنث إذا باع ثوبا مملوكا له، سواء كان بأمره أو بغير أمره علم بذلك أو لم يعلم، لأن حرف اللام دخل على العين لأنه أقرب إليه فيقتضي اختصاص العين به، وذلك بأن يكون مملوكا له. ونظيره الصياغة والخياطة   [البناية] وهنا أصلان آخران: أحدهما: أن تصحيح الكلام مع مراعاة النظم أولى من تصحيحه مع تغير نظامه. والآخر: أن كل فعل يجري فيه الوكالة قد يفعله الفاعل تارة لنفسه وتارة لغيره، وما يجوز فيه الوكالة لا يعمل لغيره فتتعين اللام فيه للملك، ففي المسألة المذكورة لم يحنث، لأن المعنى بعت لأجلك ولم يوجد البيع لأجل المحلوف عليه لعدم أمره. [قال إن بعت ثوبا لك فباعه بأمره أو بغير أمره] م: (بخلاف ما إذا قال: إن بعت ثوبًا لك حيث يحنث إذا باع ثوبًا مملوكًا له، سواء كان بأمره أو بغير أمره علم بذلك أو لم يعلم، لأن حرف اللام دخل على العين) ش: أي تعلق به م: (لأنه أقرب إليه فيقتضي اختصاص العين به) ش: أي بالمحلوف عليه، يعني لما كانت اللام مقرونة بالبيع، والبيع من الأفعال التي تملك بالعقد اقتضت أن يكون البيع مختصًا بالمحلوف عليه بأن يقع فعل البيع للمحلوف عليه ووقوعه لزمان يتبعه بأمر المحلوف عليه ولم يوجد البيع بأمره، فلا يحنث. بخلاف ما إذا قال ثوبًا لك حيث يحنث إذا باعه بأمره أو بغير أمره، ولا يشترط العلم بذلك، لأن اللام لما قرنت بالعين وكانت أقرب إلى العين من الفعل اقتضت اختصاص العين بالمحلوف عليه، والاختصاص بأن يكون العين ملك للمحلوف عليه. م: (وذلك بأن يكون مملوكًا له) ش: أي الاختصاص بالمحلوف عليه، بأن الثوب مملوكًا له، لأن اللام في هذه الصورة صارت العين، فأوجب ملك العين لا ملك الفعل تقدير يمينه إن بعت ثوبًا هو مملوك، فلو باع ثوبًا مملوكًا يحنث، سواء علم به أو لا. وفي الدخول ونحوه يقع اليمين على تلك العين، سواء قدم اللام بأن قال: إن أكلت لك طعامًا أو شربت لك شرابًا، أو آخر بأن قال: طعامًا لك أو شرابًا لك، لأن هذا الفعل مما لا يملك بالعقد فوجب صرف اللام إلى مالك الفصل بالعقد، وهو العين، بخلاف الفصل الأول، فإن كل واحد منها مما يملك بالعقد فرجحنا بالقرب، فإن نوى غيره صدق قضاء فيما قيد تغليظًا عليه لا فيما فيه تحقيق. فإن نوى من قوله: بعت لك: بعت ثوبًا لك، وعلى العكس يصدق ديانة فيهما، لأنه نوى ما يحتمله كلامه بتأخير اللام وتقديمه، إذ اللام تحتملهما ولا يصدق قضاء فيما فيه تخفيف عليه. م: (ونظيره) ش: أي نظير البيع م: (الصياغة والخياطة) ش: ونحوهما، ذكرناه عن قريب م: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 225 وكل ما يجري فيه النيابة، بخلاف الأكل والشرب وضرب الغلام؛ لأنه لا يحتمل النيابة فلا يفترق الحكم فيه في الوجهين. ومن قال: هذا العبد حر إن بعته فباعه على أنه بالخيار عتق لوجود الشرط، وهو البيع والملك فيه قائم فينزل الجزاء   [البناية] [حلف أن يضرب عبده فأمر غيره بضربه] (وكل ما يجري فيه النيابة) ش: عطف على ما قبله وما يجري فيه النيابة نحو الكتابة والهبة والصدقة، وقد ذكرنا هذا القسم عن قريب عند ذكر التزوج والطلاق والعتاق. م: (بخلاف الأكل والشرب وضرب الغلام) ش: صرح قاضي خان في " جامعه " بأن المراد بالغلام العبد، لأن الضرب مما لا يملك بالعقد. وقال المرغيناني: المراد بالغلام الولد، وسمي الولد غلامًا، وقال الله تعالى: {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} [مريم: 7] (مريم: الآية 7) ، لأن ضرب العبد يحتمل الوكالة والنيابة، وهذا هو الصواب؛ لأن ضرب العبد يحتمل النيابة كما ذكرنا، ولهذا لو حلف أن يضرب عبده فأمر غيره بضربه حنث، لأن المنفعة تعود إليه، وقد ذكره المصنف قبل هذا. وقال الأكمل: ومن الشارحين من وجه الأول. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال الإمام الأستاذ ناقلًا عن أستاذه: أن المراد من الغلام العبد، قال: وذكر بعد الشارحين صريحًا انتهى. وقال الأكمل: أجاب عن المسألة المذكورة، أي أجاب الشارح الذي قال المراد من الغلام العبد بأن محمدًا لم يذكرها، وهو مخالف لما ذكره المصنف وتخطية فإنه لا حقوق له ترجع إلى المأمور، ومع ذلك جعل مما يحتمل النيابة. م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من هذه الأشياء الثلاثة م: (لا يحتمل النيابة، فلا يفترق الحكم فيه في الوجهين) ش: أي لا يفترق حكم الحنث فيما لا يجزئ فيه النيابة كالأكل والشرب وضرب الغلام في الوجهين، يعني إذا قدم اللام أو أخر. فإن قلت: ضرب الغلام يجري فيه النيابة كما سبق أن من حلف لا يضرب عبده يحنث بضرب مأموره. قلت: المراد من جريان النيابة بأنه تعلق بها حقوق يرجع الوكيل بما لحقه من العهدة على الموكل، وهنا ليس لضرب العبد حقوق تلحق الوكيل يرجع بها على الموكل، فافهم. م: (ومن قال: هذا العبد حر إن بعته فباعه على أنه بالخيار عتق لوجود الشرط وهو البيع، والملك فيه قائم) ش: لأن خياره يمنع خروج البيع عن ملكه باتفاق م: (فينزل الجزاء) ش: وهو الحرية، وبه قال مالك والشافعي: رحمهما الله - في وجه. وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعتق، لأن خيار البائع يخرج البيع عن ملكه عنده. وقيد بقوله: باعه بالخيار، لأنه لو باعه بيعًا بأن لا يعتق بالإجماع لخروج البيع عن ملكه، فلم يبق محلًا للجزاء، فلا يترك الجزاء في غير الملك ولهذا يعرف أن العلة مع المعلول يفترقان في الوجود الجزء: 6 ¦ الصفحة: 226 وكذلك لو قال المشتري إن اشتريته فهو حر فاشتراه على أنه بالخيار يعتق أيضا؛ لأن الشرط قد تحقق، وهو الشراء، والملك قائم فيه، وهذا على أصلهما ظاهر، وكذا على أصله لأن هذا العتق بتعليقه والمعلق كالمنجز، ولو نجز العتق يثبت الملك سابقا عليه، فكذا هذا   [البناية] أما الشرط والمشروط غير مفترقين. فإن قيل: لو كان البيع من غير إفادة الحكم كافيًا لوقوع ما علق به لكان النكاح كذلك، فإذا علق العتق بالنكاح ووجد النكاح فاسدًا وجب أن يقول: الجزاء ليس كذلك. أجيب: بأن جواب البيع ليس مع المنافي، وجواز النكاح مع المنافي، لأنه رق وإلا تنافيه، فإذا كان النكاح فاسدًا اعتقد فساده بما يخالف الدليل، فيترجح جانب العدم، فصار كأن لم يكن بخلاف البيع، لأنه موافق للدليل فكان موجودًا، فالإيجاب والقبول في المحل وإن لم يفد الحكم. [قال المشتري إن اشتريته فهو حر فاشتراه على أنه بالخيار] م: (وكذلك لو قال المشتري: إن اشتريته فهو حر، فاشتراه على أنه بالخيار عتق أيضًا، لأن الشرط قد تحقق، وهو الشراء والملك قائم فيه) ش: أي في العبد فيترك الجزاء، هذا في قولهم جميعًا م: (وهذا على أصلهما) ش: أي على أصل أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (ظاهر) ش: لأن خيار المشتري لا يمنع ثبوت ملك المشتري عندهما، فثبت الملك سابقًا على العتق، فيترك العتق في الملك، وبه قال أحمد والشافعي - رحمهما الله - في وجه. وقال مالك والشافعي - رحمهما الله: في وجه لا يعتق، لأن انتقال الملك سقوط الخيار، فقيل: سقوطه وجد الشرط وينحل اليمين فلا يعتق لعدم الملك م: (وكذا على أصله) ش: أي أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني يعتق. وإن كان حلف المشتري يمنع دخول المبيع في ملكه م: (لأن هذا العتق بتعليقه) ش: أي بتعليق المشتري لا بالملك م: (والمعلق كالمنجز) ش: يعني المعلق بالشرط كالمنجز، فكأنه قال بعد الشراء عقب هذا العقد. م: (ولو نجز) ش: أي المشتري م: (العتق) ش: في هذه الصورة م: (يثبت الملك سابقًا عليه) ش: أي على التخيير م: (فكذا هذا) ش: أي فكذا في تعلق العتق بالشراء إذا وجد الشراء يكون كأنه يوجز العتق حالة الشراء بخلاف قوله إن ملكتك فأنت حر فاشتراه على أنه بالخيار لا يعتق، لأن شرط الحنث وهو الملك لم يوجد، لأن المشتري بالخيار لم يملكه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يترك الجزاء. وبخلاف ما إذا اشترى ذا رحم محرم بالخيار، حيث لا يعتق على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لعدم الملك، لأن الخيار من المشتري مانع لتملكه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 227 ومن قال: إن لم أبع هذا العبد أو هذه الأمة فامرأته طالق فأعتق أو دبر طلقت امرأته لأن الشرط قد تحقق، وهو عدم البيع لفوات محلية البيع. وإذا قالت المرأة لزوجها تزوجت علي، فقال: كل امرأة لي طالق ثلاثا طلقت هذه التي حلفته في القضاء، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها لا تطلق لأنه أخرجه جوابا فينطبق عليه، ولأن غرضه إرضاؤه، وهو بطلان غيرها، فيتقيد به. ووجه الظاهر عموم الكلام، وقد زاد على حرف الجواب فيجعل مبتدئا، وقد يكون غرضه   [البناية] [تعليق الطلاق على البيع] م: (ومن قال: إن لم أبع هذا العبد أو هذه الأمة فامرأته طالق فأعتق أو دبر طلقت امرأته، لأن الشرط قد تحقق، وهو عدم البيع لفوات محلية البيع) ش: أي بالإعتاق والتدبير، فطلق كما لو مات الحالف أو العبد، ولا خلاف. فإن قيل: لم يقع البأس عن البيع بالتحرير والتدبير لجواز أن ترتد الجارية فتسعى بعد اللحاق فملكها هذا الرجل ويبيعها بالتدبير، لجواز أن يقضي القاضي بجواز البيع. وأجيب: بأن ذاك موهوم، فلا يعتبر. وقيل الحالف عقد يمينه على الملك القائم لا على الملك الذي سيوجد. م: (وإذا قالت المرأة لزوجها: تزوجت علي، فقال: كل امرأة لي طالق ثلاثًا طلقت هذه الذي حلفته في القضاء. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها) ش: أي أن التي حلفته عليه م: (لا تطلق) ش: ومال أكثرهم إلى هذا القول م: (لأنه) ش: أي لأن الزوج م: (أخرجه) ش: أي أخرج الكلام م: (جوابًا) ش: لكلام المرأة م: (فينطبق عليه) ش: أي فينطبق الجواب على السؤال، فكأنه قال: كل امرأة لي غيرك تزوجتها طالق ثلاثًا، والاستثناء قد يكون دلالة كما يكون إفصاحًا، فتكون المحلفة مستثناة من عموم اللفظ دلالة، فينصرف الطلاق إلى غيرها. م: (ولأن غرضه) ش: أي غرض الزوج م: (إرضاؤها، وهو بطلاق غيرها) ش: لا بطلاق نفسها م: (فيتقيد به) ش: أي بالكلام السابق، والكلام الثاني في تزويج غيرها. فإن قيل: قد زاد على قدر الجواب. قلنا: الزيادة على قدر المحتاج إليه للجواب إنما يخرج الكلام على الجواب إذا لغت الزيادة. ومتى جعل جوابًا ولا تلغو الزيادة هنا إن جعل جوابًا، لأنه قصد تطييب قلبها وتسكين نفسها، وإذا تطيب تغيرها على العموم، لجواز أن يقع في قلبها، أراد بما قال غير التي طلقت. م: (ووجه الظاهر عموم الكلام) ش: أي وجه ظاهر الرواية أن العمل بعموم الكلام واجب ما أمكن، وقد أمكن هنا، وهو قوله م: (وقد زاد على حرف الجواب) ش: لأن جوابه أن يقول: إن فعلت فهي طالق ثلاثًا م: (فيجعل مبتدئًا) ش: أي يعتبر مبتدئًا لا يحنث، م: (وقد يكون غرضه) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 228 إيحاشها حين اعترضت عليه فيما أحله الشرع، ومع التردد لا يصلح مقيدا، وإن نوى غيرها يصدق ديانة لا قضاء، لأنه تخصيص العام، والله أعلم بالصواب.   [البناية] ش: جواب عن قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن غرضه إرضاؤها، أي وقد يكون غرض الزوج م: (إيحاشها) ش: أي إيحاش المرأة، أي إنكاؤها م: (حين اعترضت عليه) ش: أي على الزوج م: (فيما أحله الشرع، ومع التردد) ش: يعني بين أن يكون غرضه إرضاؤها، وبين أن يكون إيحاشها م: (لا يصلح مقيدًا) ش: بكسر الياء أي مقيدًا لإرضائها بطلاق غيرها، وقيل أي بعموم اللفظ لأجل الاحتمال المذكور. م: (ولو نوى غيرها) ش: أي غير المحلفة م: (يصدق ديانة) ش: لأنه يحتمل كلامه، لأن العام يحتمل الخصوص م: (لا قضاء) ش: أي لا يصدق قضاء م: (لأنه تخصيص العام) ش:، لأنه خلاف الظاهر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 229 باب اليمين في الحج والصلاة والصوم قال: ومن قال وهو في الكعبة أو في غيرها: علي المشي إلى بيت الله أو إلى الكعبة فعليه حجة أو عمرة ماشيا وإن شاء ركب وأهراق دما   [البناية] [باب اليمين في الحج والصلاة والصوم] [قال علي المشي إلى بيت الله] م: (باب اليمين في الحج والصلاة والصوم) ش: أي هذا باب في بيان أحكام اليمين في الحج وأحكام اليمين في الصلاة. وأحكام اليمين في الصوم. وقدم هذا الباب على باب اللبس لفضيلة العبادة وأخرها عن الباب المتقدم لقلة وقوع اليمين في الحج والصلاة والصوم. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن قال وهو في الكعبة أو في غيرها) ش: أو عليه عمرة حال كونه ماشيًا. قال الكاكي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي لفظه: وهو في الكعبة إشارة إلى أن وجوب الحج أو العمرة بقوله م: (علي: المشي إلى بيت الله) ش: بطريق المجاز، لا من حيث الحقيقة، إذ المشي إلى بيت الله، وهو في الكعبة، محال، كذا نقل عن العلامة مولانا حافظ الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الأترازي: وإنما قيد بقوله في الكعبة لأن إيجاب الحج أو العمرة لما ثبت بقوله علي: المشي إلى بيت الله. م: (أو إلى الكعبة) ش: مجازًا بطريق إطلاق اسم السبب على المسبب صار كونه في الكعبة. وفي تنقية أخرى سواء ذلك، لأن المشي إلى بيت الله سبب للوصول إلى الحج أو العمرة في الجملة، فيصير كأنه قال: م: (فعليه حجة أو عمرة) ش: فإذا قال ذلك لزمه، فكذا إذا قال: علي المشي إلى بيت الله، ثم إذا أراد الحج يحرم من الحرم ويخرج على عرفات م: (ماشيًا) ش: فإن ركب يلزمه شاة. وإذا أراد العمرة يخرج إلى التنعيم ونحوه، ويحرم بالعمرة من ثمة، لأن إحرام المكي للعمرة خارج الحرم، ولم يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يخرج إلى التنعيم ماشيًا أو راكبًا. وقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: جاز له أن يركب وقت الرواح إلى التنعيم فيه لأن الرواح إليه ليس بمشي إلى بيت الله، وإنما المشي إليه وقت الرجوع. وقال بعضهم: يمشي وقت الرواح أيضًا لأن الرواح إليه للإحرام، فكان مشيًا إلى بيت الله. م: (وإن شاء ركب وأهراق دمًا) ش: عطف على ما قبله، يعني المشي واجب عليه، فإن ركب أهرق، أي أراق دمًا والهاء فيه زائدة. واعلم أن هنا ثمانية ألفاظ في ثلاثة يلزمه بلا خلاف وهي أن يقول: على المشي إلى بيت الله أو إلى الكعبة أو إلى مكة. وفي رواية " النوادر " أو إلى مكة، وبه قال أحمد والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول. وفي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 230 وفي القياس لا يلزمه شيء، لأنه التزم ما ليس بقربة واجبة ولا مقصودة في الأصل   [البناية] الأصح لا يلزمه شيء بقوله: على المشي إلى بيت الله، إلا أن ينويه، لأن جميع المساجد بيت الله وفي ثلاثة لا يلزمه شيء باتفاق أصحابنا وهي إذا نذر الذهاب إلى مكة أو السفر أو الركوب إليها أو المسير أو المضي. وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول قاله ابن القائم عنه. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله: وهو رواية أشهب عن مالك يلزمه الحج أو العمرة، كما في قوله على المشي إلى مكة. وفي لفظين خلاف بين أصحابنا. وهو ما إذا نذر المشي إلى الحرم أو المسجد الحرام، فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا شيء عليه، وعندهما عليه حجة وعمرة، وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. ولو نذر المشي إلى الصفا والمروة أو بقعة من الحرم يلزمه المشي إليها بحج أو عمرة عند الشافعي وأحمد - رحمهما الله - وأصبغ من المالكية. وعندنا لا يلزمه شيء، وبه قال مالك، ولو نذر المشي إلى مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو إلى المسجد الأقصى لا شيء عليه، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول في الأم. وفي قوله تنعقد نذر هو به. قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا» . وقد نص بالإتيان وشد الرحال إلى هذه المساجد. ورجح العراقيون وأكثر أصحابه القول الأول، لما روي عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رجلًا قال: يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله لك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صل هنا، فأعاد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صل هنا» . ومعلوم أن هذا القدر متعين بالإنسان، وإن بيت المقدس لا يعقد بالشد، فأشبه سائر المساجد، والمقصود من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تشد الرحال» إلى آخره تخصيص القربة وفضلها في المساجد. م: (وفي القياس لا يلزمه شيء) ش: يعني في إيجاب الحجة أو العمرة بلفظ المشي إلى البيت أو الكعبة، لأن المشي أمر مباح فالقياس أن يبطل القدر به م: (لأنه التزم ما ليس بقربة واجبة) ش: أي لعبة م: (ولا مقصودة في الأصل) ش: بل هو وسيلة لما هو قربة كالوضوء. فإن قيل: الاعتكاف وهو اللبث ليس بقربة مقصودة لما شرع لانتظار الصوم، وقد صح النظر به. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 231 ومذهبنا مأثور عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -   [البناية] قلنا: الاعتكاف لا يصح إلا بالصوم، والصواب من جنس القربة المقصودة. فإن قيل: الاعتكاف يصح في الليل، وإن كان الصوم لا يصح فيه. قلنا: صحة الاعتكاف في الليل تبع لصحة الاعتكاف في اليوم، ولهذا لو نذر الاعتكاف في الليل منفردًا عن اليوم لا يصح. [حلف على نفسه الحج ماشيا] م: (ومذهبنا مأثور عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: قال الأترازي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل: بلغنا عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: من حلف على نفسه الحج ماشيًا حج وركب وذبح شاة لركوبه. قال مخرج الأحاديث: هذا غريب، ثم قال: وروى البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المعرفة " عن طريق الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن ابن عيينة عن سعيد بن عروة عن قتادة عن الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في رجل يحلف على حجة المشي؟ قال: يمشي، فإن عجز ركب وأهدى بدنة. وروى عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه " أخبرنا عبد الله بن سعيد عن الحكم عن إبراهيم عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيمن نذر أن يمشي إلى البيت. قال: يمشي، فإذا أعيى ركب ويهدي جزورًا. وقال الأكمل: بعد أن نقل ما قاله محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل إلى آخره، كذا في بعض الشروح، وليس مطابقًا لما نحن فيه لجواز أن يكون ذلك ممن جعل على نفسه الحج ماشيًا بغير هذا اللفظ، وليس هذا في بعض الشروح وشرح البزدوي، فإنه ذكر فيه هكذا ثم ادعى أنه غير مطابق لما نحن فيه، وعلل بقوله الكلام فيه. وقال آخرون: روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أجاب في هذه المسألة بأن عليه حجة أو عمرة، وهذا مطابق، وقد روى شيخي في شرحه «أن أخت عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نذرت أن تمشي إلى بيت الله فأمرها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تحرم بحجة أو عمرة» انتهى. قلت: أراد بقوله في بعض الشروح شرح البزدوي، فإنه ذكر فيه هكذا ثم ادعى أنه غير مطابق لما نحن فيه. وعلل بقوله لجواز ... إلى آخره. وفيه نظر، بل كاد أن يرد، لأنه لم يذكر وجه قوله، لجواز أن يكون إلى آخره، لأن فيه إثبات الخبر بالاحتمال، وهذا ليس بطريقة العلماء، ولم يبين أيضًا وجه قول الآخرين، هل ثبت ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أو لا؟ ثم قال: وقد روى شيخي أراد به قوام الدين الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإنه ذكره في " شرحه "، وقصد هو وشيخه أيضًا، حيث لم يبيناه إلى مخرجه من أئمة الحديث. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 232 ولأن الناس تعارفوا إيجاب الحج والعمرة بهذا اللفظ، فصار كما إذا قال علي زيارة البيت ماشيا فيلزمه ماشيا، وإن شاء ركب وأهراق دما وقد ذكرناه في المناسك. ولو قال علي الخروج أو الذهاب إلى بيت الله تعالى فلا شيء عليه، لأن الحج والعمرة بهذا اللفظ غير متعارف، ولو قال علي المشي إلى الحرم أو إلى الصفا والمروة فلا شيء عليه، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - في قوله علي المشي إلى الحرم حجة أو عمرة. ولو قال إلى المسجد الحرام فهو على هذا الاختلاف   [البناية] قلت: هذا رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده ": حدثنا زهير حدثنا أحمد بن عبد الوارث حدثنا قتادة عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن أخت عقبة ابن عامر نذرت أن تحج ماشية، فسئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: إن الله عز وجل غني عن نذر أختك لتركب ولتهدي بدنة» ، انتهى. وهذا كما رأيت ما ذكر الحديث كما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا نسبه إلى أحد من الصحابة، وما ذاك إلا تقصير جدًا وتقليد محض. م: (ولأن الناس تعارفوا إيجاب الحج والعمرة بهذا اللفظ) ش: أي بقوله علي المشي إلى بيت الله أو إلى الكعبة م: (فصار) ش: أي فصار حكم هذا على الوجوب م: (كما إذا قال على زيارة البيت ماشيًا فيلزمه ماشيًا، وإن شاء ركب وأراق دمًا، وقد ذكرناه في المناسك) ش: أي قبل كتاب النكاح. فإن قيل: لما كان هذا اللفظ كناية عن الإحرام بالحج أو العمرة كان لفظ الشيء غير منظور إليه ينبغي أن لا يلزم عليه المشي، كما لو نذر أن يضرب بثوبه حطيم الكعبة، حيث لا يلزمه ضرب الثوب، بل يلزمه إهداء الثوب إلى مكة. قلنا: نعم كذلك، إلا أن الحج ماشيًا أفضل، قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حج ماشيًا فله بكل خطوة حسنة من حسنات الحرم، قيل وما حسنات الحرم، قال: واحد بسبعمائة» فأعير لفظه لإحراز تلك الفضيلة أو الظاهر إلزام القربة بصفة الكمال. [قال علي الخروج أو الذهاب إلى بيت الله] م: (ولو قال: علي الخروج أو الذهاب إلى بيت الله، فلا شيء عليه لأن إلزام الحج والعمرة بهذا اللفظ غير متعارف) ش: ولم يرد النص فوجب العمل بالقياس لما مر أن في القياس لا يلزمه شيء وفيه خلاف الشافعي ومالك - رحمهما الله - وقد ذكرناه عن قريب. م: (ولو قال: علي المشي إلى الحرم أو إلى الصفا والمروة فلا شيء عليه، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: في قوله علي المشي إلى الحرم أو إلى الصفا، والمروة حجة أو عمرة) ش: وقد مر ذكر هذا أيضًا بما فيه من خلاف الأئمة م: (ولو قال إلى المسجد الحرام، فهو على هذا الاختلاف) ش: أي الاختلاف المذكور بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه - رحمهما الله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 233 لهما أن الحرم شامل على البيت بالاتصال، وكذا المسجد الحرام شامل على البيت فصار ذكره كذكره، بخلاف الصفا والمروة لأنهما منفصلان عنه. وله أن التزام الإحرام بهذه العبارة غير متعارف، ولا يمكن إيجابه باعتبار حقيقة اللفظ، فامتنع أصلا. ومن قال: عبدي حر إن لم أحج العام، فقال حججت وشهد شاهدان على أنه ضحى العام بالكوفة لم يعتق عبده. وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتق، لأن هذه شهادة قامت على أمر معلوم، وهو التضحية، ومن ضرورته انتفاء الحج، فيتحقق الشرط. ولهما أنها قامت على النفي، لأن المقصود منها نفي الحج لا إثبات التضحية، لأنه لا مطالب لها   [البناية] م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أن الحرم شامل على البيت) ش: بالاتصال، وكذا المسجد الحرام شامل على البيت م: (فصار ذكره كذكره) ش: أي صار ذكر كل واحد من الحرم أو المسجد الحرام البيت م: (بخلاف الصفا والمروة، لأنهما منفصلان عنه) ش: أي عن البيت، يعني أنهما ليسا شاملين على البيت، بل هما منفصلان، عنه، فلم يكن ذكرهما كذكره. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن التزام الإحرام بهذه العبارة غير متعارف) ش: فيعمل بالقياس وعدم الوجوب م: (ولا يمكن إيجابه) ش: أي لا يمكن إلزام إيجاب الإحرام م: (باعتبار حقيقة اللفظ) ش: أي لفظ المشي، لأن اللفظ لم يوضع عليه، والعرف أيضًا منتف، ولما انتفت الدلالة على الإيجاب حقيقة وعرفًا م: (فامتنع) ش: الإيجاب م: (أصلًا) ش: فلا يلزم شيء. م: (ومن قال: عبدي حر إن لم أحج العام، فقال: حججت وشهد شاهدان أنه ضحى العام بالكوفة لم يعتق عبده، وهذا) ش: أي عدم العتق م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله) ش: ولم يذكر صاحب " المختلف ". قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الصغير ". م: (وقال محمد: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتق لأن هذه) ش: أي لأن شهادة هذين الشاهدين م: (شهادة قامت على أمر معلوم، وهو التضحية، ومن ضرورته) ش: أي ومن ضرورة هذا الأمر المعلوم م: (انتفاء الحج، فيتحقق الشرط) ش: وهو حجة هذا العام. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أنها) ش: أي أن هذه الشهادة م: (قامت على النفي) ش: فلا تقبل م: (لأن المقصود منها نفي الحج لا إثبات التضحية، لأنه لا مطالب لها) ش: من جهة العباد، فلا تدخل تحت القضاء، لأنها إن كانت طوعًا فظاهر، وإن كانت واجبة فالقاضي لا يجبر عليها، فيثبت عدم المطالبة، فلما انتفت الشهادة على المطالبة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 234 فصار كما إذا شهدوا أنه لم يحج العام، غاية الأمر أن هذا النفي مما يحيط علم الشاهد به، ولكنه لا يميز بين نفي ونفي تيسيرا. ومن حلف لا يصوم فنوى الصوم وصام ساعة ثم أفطر من يومه حنث لوجود الشرط، إذ الصوم هو الإمساك عن المفطرات على قصد التقرب. ولو حلف لا يصوم يوما أو صوما فصام ساعة ثم أفطر لا يحنث، لأنه يراد به الصوم التام المعتبر شرعا، وذلك بإتمامه إلى اليوم، واليوم صريح في تقدير المدة به.   [البناية] بالتضحية ثبت أنها قامت على نفي الحج لا تقبل م: (فصار كما إذا شهدوا أنه في هذا العام) ش: أي فصار حكم هذه الشهادة كما إذا شهدوا أنه لم يحج في هذا العام، فإن هذه الشهادة لا تقبل فكذا تلك الشهادة غاية الأمر جواب عن سؤال، وهو أن يقال: إنما لا تقبل الشهادة على النفي إذا لم يكن الشاهد عالمًا بالنفي، أما إذا كان عالمًا والشيء مما يعلم ويحاط، تقبل الشهادة على النفي، وفيما نحن كذلك فإنه ذكر في " السير الكبير ": شاهدان شهدا على رجل أنا سمعناه يقول المسيح ابن الله ولم يقل قول النصارى، فبانت منه امرأته، والرجل يقول إنما قصدت به قول النصارى يعني قلت المسيح ابن الله قول النصارى، قال: إن الشهادة مقبولة، لأن ذلك مما يحاط به ويعلم. وتقرير الجواب: أن يقال: م: (غاية الأمر أن هذا النفي) ش: وهو قول الشهرة أنه لم يحج العام م: (مما يحيط علم الشاهد به، ولكنه لا يميز بين نفي ونفي) ش: أي لا يفرق بين نفي ونفي بأن يقال يقبل فيما إذا كان النفي مما يعلم ويحاط، ولا يقبل فيما لا يعلم ويحاط، بل لا تقبل في كل النفي م: (تيسيرًا) ش: ودفعًا للحرج عن الناس، وهذا إذا ادعى رجل على رجل أنه عضه أو جرحه يوم كذا، فشهد شاهدان أن هذا الرجل في ذلك اليوم كان في مكان كذا وكذا لا يقبل شهادتهما، لأن مقصوده أنه لم يجرح ولم يعض. وقال تاج الشريعة: بعد أن قام فإن قلت: الشهادة على النفي مقبولة بدليل ما ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " السير الكبير "، وهو ما ذكرناه الآن. فإن قلت: إنه صدق الشهود فيما شهدوا عليه، من بنوة المسيح، وهذا القدر منه كان لثبوت البنوة، ثم بعد ذلك بنفي البنوة بقوله: قد قلت. وقال النصارى، فلا يصدق في حقها، كمن قال لفلان على ألف درهم من ثمن خمر أو خنزير لزمه الألف، ولا يقبل تفسيره، انتهى، مسألة السير قامت الشهادة فيها على أمر ثابت معين، وهو السكوت عقيب قوله المسيح ابن الله فلا يرد علينا نقضًا. [حلف لا يصوم فنوى الصوم فصام ساعة ثم أفطر من يومه] م: (ومن حلف لا يصوم فنوى الصوم فصام ساعة ثم أفطر من يومه حنث لوجود الشرط، إذ الصوم هو الإمساك عن المفطرات) ش: وهو الأكل والشرب والجماع م: (على قصد التقرب) ش: وبهذا القدر يصير فاعلًا فعل الصوم وهو الإمساك كما قلنا وما زاد تكرار الشرط ليس بشرط م: (ومن حلف لا يصوم صومًا أو يومًا) ش: بأن قال لا يصوم صومًا م: (فصام ساعة ثم أفطر لا يحنث، لأنه يراد به الصوم التام المعتبر شرعًا، وذلك بإتمامه إلى اليوم، واليوم صريح في تقدير المدة به) ش: فلا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 235 ولو حلف لا يصلي فقام وقرأ أو ركع لم يحنث، وإن سجد مع ذلك ثم قطع حنث، والقياس أن يحنث بالافتتاح اعتبارًا بالشروع في الصوم. وجه الاستحسان أن الصلاة عبارة عن الأركان المختلفة، فما لم يأت بجميعها لا يسمى صلاة، بخلاف الصوم، لأنه ركن واحد، وهو الإمساك ويتكرر في الجزء الثاني. ولو حلف لا يصلي صلاة لا يحنث ما لم يصل ركعتين، لأنه يراد به الصلاة المعتبرة شرعًا، وأقلها ركعتان للنهي عن البتيراء، والله أعلم.   [البناية] بد من اليوم الكامل. فإن قيل: المقصود في قوله لا يصوم مذكور لغة؟ قلنا: بل لغة لا شرعًا، وعند ذكر الصوم صريحًا منصرف إلى الكامل، وهو الصوم لغة وشرعًا. فإن قيل: يشكل هذا بما لو قال: والله لأصوم من هذا اليوم، وكان ذلك بعد ما أكل أو شرب أو بعد الزوال صح يمينه بالاتفاق، والصوم مقرون باليوم، ومع ذلك لم يرد به الصوم الشرعي، فإن الصوم الشرعي بعد الأكل أو بعد الزوال غير متصور. والجواب: أن الدلالة قامت على أن المراد به ليس الصوم الشرعي، وهو كون اليمين بعد الزوال أو بعد الأكل، فانصرف إلى الصوم اللغوي، وانعقدت يمينه عليه، بخلاف ما نحن فيه، فإنه ليس فيه ما يمنعه عن الصوم الشرعي، فيصرف إليه. [حلف لا يصلي فقام وقرأ أو ركع] م: (ولو حلف لا يصلي فقام وقرأ أو ركع لم يحنث، وإن سجد مع ذلك ثم قطع حنث، والقياس أن يحنث بالافتتاح اعتبارًا بالشروع في الصوم) ش: فإن في الصوم يحنث بمجرد الشروع، فكان ينبغي أن يكون هذا كذلك. ألا ترى أن الناظر إليه يسميه مصليًا حين افتتح الصلاة م: (وجه الاستحسان أن الصلاة عبارة عن الأركان المختلفة) ش: من التكبير من القيام والقراءة والركوع والسجود م: (فما لم يأت بجميعها لا يسمى صلاة) ش: فلا يحنث م: (بخلاف الصوم، لأنه ركن واحد، وهو الإمساك، ويتكرر في الجزء الثاني) ش: من حين ما مضى. وفي " المبسوط " تكرر، ولا يشترط لأنها نصف القيام الموجود في أول الافتتاح، والتكرار ليس بشرط. م: (ولو حلف لا يصلي صلاة لا يحنث ما لم يصل ركعتين، لأنه يراد به الصلاة المعتبرة شرعًا، وأقلها ركعتان) ش: وقال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية يحنث بركعة، لأن الركعة الواحدة صلاة عندهما، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية يحنث بالشروع، لأنه يسمى مصليًا، وفي وجه يحنث بالتمام على وجه الصحة م: (للنهي عن البتيراء) ش: قد ذكر المصنف حديث البتيراء في كتاب الصلاة في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 236 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] باب صلاة الوتر وأخرجه ابن عبد البر في كتاب التمهيد عن عثمان بن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ابن أبي ربيعة عن عبد الرحمن حدثنا عبد العزيز الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن البتيراء أن يصلي الرجل واحدة يوتر بها» ومضى الكلام فيه هناك. وقال صاحب " المغرب ": البتيراء تصغير البتراء تأنيت، ألا وهو في الأصل مقطوع الذنب ثم جعل عبارة عن الناقص. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 237 باب اليمين في لبس الثياب والحلي وغير ذلك ومن قال: لامرأته إن لبست من غير ذلك فهو هدي فاشترى قطنا فغزلته ونسجته فلبسه فهو هدي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: ليس عليه أن يهدي حتى تغزل من قطن ملكه يوم حلف، ومعنى الهدي التصدق به مكة لأنه اسم لما يهدى إليها. لهما أن النذر إنما يصح في الملك أو مضافا إلى سبب الملك، ولم يوجد لأن اللبس وغزل الثوب من أسباب الملك.   [البناية] [باب اليمين في لبس الثياب والحلي وغير ذلك] [قال لامرأته إن لبست من غير ذلك فهو هدي فاشترى قطنا فغزلته ونسجته فلبسه] م: (باب اليمين في لبس الثياب والحلي وغير ذلك) ش: أي هذا باب في بيان أحكام اليمين في لبس الثياب والحلي بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء جمع حلي بفتح الحاء وسكون اللام، بمعنى الحلي وجمع الحلية حلي بالكسر والقصر، وقد جاء ضم الحاء في قليل الاستعمال، كما جاء في لحي جمع لحية، وجاء ضم أيضًا. و" الحلي ": في اللغة ما لبس من ذهب أو فضة أو جوهر، كذا في " الجمهرة ". وقال ابن الأثير: الحلي اسم لكل ما يزيد من مصاغ الذهب والفضة، وقوله: غير ذلك مثل الحلف على أن لا يجلس على الأرض، ولا يجلس على سرير. م: (ومن قال لامرأته: إن لبست من غير ذلك فهو هدي) ش: أي صدقة تصدق به على فقراء مكة م: (فاشترى قطنًا فغزلته ونسجته فلبسه فهو هدي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: الهدي اسم لما يهدى إلى مكة، أي يستعمل إليها للتصدق، ثم إذا نذر أن يهدي ثوبًا جاز له أن يتصدق به على مساكين مكة وغيرها. ولو نذر أن يهدي لحمًا لا يجوز أن لا يذبح بمكة ويتصدق. ولو تصدق به حيًا لا يجوز، ولا يكون هديًا حتى يذبح. ثم إذا سرق لا شيء عليه. كذا ذكره صاحب " الأجناس "، وذلك لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] (الحج: الآية 33) ، وإذا نذر بما لا ينقل يكون نذرًا بالقيمة لتعذر نقل العين. م: (وقالا: ليس عليه أن يهدي حتى تغزله) ش: أي امرأته م: (من قطن ملكه يوم حلف، ومعنى الهدي التصدق به) ش: أي بالثوب م: (بمكة، لأنه اسم لما يهدى إليها) ش: وقد بسطنا الكلام آنفًا م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أن النذر إنما يصح في الملك أو مضافًا إلى سبب الملك) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نذر فيما لا يملك ابن آدم» . م: (ولم يوجد) ش: أي واحد منهما م: (لأن اللبس وغزل الثوب من أسباب الملك) ش: فلا يصح اليمين في حق القطن المشترى بهذا يحلف، وهذا هو القياس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 238 وله أن غزل المرأة عادة يكون من قطن الزوج، والمعتاد هو المراد، وذلك سبب الملك، ولهذا يحنث إذا غزلت من قطن مملوك له وقت النذر، لأن القطن لم يصر مذكورا. ومن حلف لا يلبس حليا فلبس خاتم فضة لم يحنث، لأنه ليس بحلي عرفا ولا شرعا، حتى أبيح استعماله للرجال والتختم به لقصد الختم، وإن كان من ذهب حنث، لأنه حلي ولهذا لا يحل استعماله للرجال. ولو لبس عقد لؤلؤ غير مرصع لا يحنث عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: يحنث لأنه حلي حقيقة، حتى سمي به في القرآن.   [البناية] م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن غزل المرأة عادة يكون من قطن الزوج) ش: إلا نادرًا، ومبنى الأيمان على العرف والعادة، فيكون اليمين مقيدة بالعادة م: (والمعتاد هو المراد، وذلك سبب الملك) ش: أي لملك الزوج، فكأنه قال: إن لبست من غزلك من قطن أملكه، فلو قال هكذا يتناول القطن الحادث، فكذلك هذا. م: (ولهذا يحنث) ش: إيضاح لقوله، وذلك سبب لملكه م: (إذا غزلت من قطن مملوك له وقت النذر، لأن القطن لم يصر مذكورًا) ش: حاصل المعنى أن يحنث بلبس القطن المغزول المملوك يوم النذر، مع أن القطن المملوك له يوم النذر ليس بمذكور وقت اليمين، لكنه أريد بذلك بدلالة العادة، فكذا في المشترى، فكانت الإضافة إلى غزلها إلى ملكه عادة. [حلف لا يلبس حليا فلبس خاتم فضة] م: (ومن حلف لا يلبس حليًا) ش: بفتح الحاء وسكون اللام م: (فلبس خاتم فضة لم يحنث، لأنه ليس بحلي عرفًا ولا شرعًا، حتى أبيح استعماله للرجال) ش: وعند الأئمة الثلاثة يحنث. وقال فخر الإسلام البزدوي في شرح " الجامع الصغير ": فإن كان الخاتم مما يلبسه النساء ينبغي أن يحنث. وفي " جامع قاضي خان " قال مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: هذا إذا كان خاتم الفضة مصنوعًا على هيئة خاتم إذا لم يكن فيه فص، فإن كان فيه فص حنث، ويحنث بلبس السوار والخلخال والقلادة والقرط والدملوج، سواء كان من فضة أو ذهب بالإجماع. م: (والتختم به لقصد الختم) ش: أي أبيح التختم بخاتم الفضة لأجل الختم بفتح الخاء وسكون التاء، يعني لا لأجل الزينة. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإنما حل التختم لإقامة السنة لا للتزين، فلم يكن حليًا كاملًا، فلا يدخل تحت مطلق اسم الحلي. م: (وإن كان) ش: أي الخاتم م: (من ذهب حنث، لأنه حلي، ولهذا لا يحل استعماله) ش: أي استعمال الذهب م: (للرجال) ش: سواء كان فيه فص أو لم يكن م: (ولو لبس عقد لؤلؤ) ش: بكسر العين وهو القلادة م: (غير مرصع) ش: أي غير مركب بذهب وفضة من الترصيع وهو التركيب م: (لم يحنث عند أبي حنيفة. وقالا: يحنث) ش: وبه قال الثلاثة: م: (لأنه حلي حقيقة حتى سمي به) ش: أي بالحلي م: (في القرآن) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [النحل: 14] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 239 وله أنه لا يتحلى به عرفا إلا مرصعا، ومبنى الأيمان على العرف. وقيل هذا اختلاف عصر وزمان ويفتى بقولهما، ومن حلف لا ينام على فراش فنام عليه وفوقه قرام حنث، لأنه تبع للفراش فيعد نائما عليه، وإن جعل فوقه فراشا آخر فنام عليه لا يحنث، لأن مثل الشيء لا يكون تبعا له، فتنقطع النسبة عن الأول. ولو حلف لا يجلس على   [البناية] (النحل: الآية 14) ، والمستخرج من الجوهر اللؤلؤ غير مرصع، وعلى هذا الخلاف عقد زبرجد أو زمرد غير مرصع. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أنه) ش: أي اللؤلؤ م: (لا يتحلى به عرفًا إلا مرصعًا، ومبنى الأيمان على العرف) ش: وقال التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والرعياني: ومن مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - من قال على قياس قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا بأس بلبس المرأة والرجال اللؤلؤ. م: (وقيل هذا اختلاف عصر وزمان) ش: لا حجة وبرهان، لأنه لا يتحلى به وحده في زمانه وفي زمانهما كان يتحلى به وحده. قال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كل واحد منهم قال على عادة زمانه. وقال صاحب الهداية - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويفتى بقولهما) ش: لأن قولهما أقرب إلى عرف ديارنا. قلت: هكذا العرف في سائر الديار، خصوصًا في الديار المصرية. [حلف لا ينام على فراش فنام عليه وفوقه قرام] م: (ومن حلف لا ينام على فراش) ش: أي فراش معنى، بدليل قوله وإن جعل فوقه فراش آخر م: (فنام عليه) ش: لا يحنث، فلو كان المراد منكرًا حنث، لأنه نام على فراش فنام عليه م: (وفوقه قرام) ش: بكسر القاف وتخفيف الراء وهو الرقيق، كذا في " الجمهرة " م: (حنث لأنه) ش: أي لأن القوم م: (تبع للفراش، فيعد نائمًا عليه) ش: الأصل في هذا أن الشيء، إذا كان فوق شيء، فإن كان الأعلى يصلح أن يكون أصلًا بنفسه يضاف الجلوس والنوم إليه لا إلى الذي تحته، وإن كان الأعلى تبعًا يضاف إلى ما تحته، فاعتبر ذلك في الذي مضى، وفي الذي يأتي وهو قوله. م: (وإن جعل فوقه فراشًا آخر فنام عليه لا يحنث، لأن مثل الشيء لا يكون تبعًا له، فقطع النسب عن الأول) ش: أي عن الفراش الأول فلا يحنث، لأن يمينه على الأول، ولم يتم على الأول، وهو ظاهر الرواية عن أصحابنا، وهي رواية " الجامع الكبير ". وقال صاحب " المختلف ": قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأمالي ": يحنث، لأنه نام عليهما جميعًا ويقال في العرف أيضًا نام على الفراشين. م: (ولو حلف لا يجلس على الأرض فجلس على بساط أو حصير لم يحنث، لأنه لا يسمى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 240 الأرض فجلس على بساط أو حصير لم يحنث، لأنه لا يسمى جالسًا على الأرض، بخلاف ما إذا حال بينه وبين الأرض لباسه، لأنه تبع له، فلا يعتبر حائلًا. وإن حلف لا يجلس على سرير فجلس على سرير فوقه بساط أو حصير حنث، لأنه يعد جالسًا عليه، والجلوس على السرير في العادة كذلك، بخلاف ما إذا جعل فوقه سريرًا آخر، لأنه مثل الأول، فتقطع النسبة عنه، والله أعلم بالصواب.   [البناية] جالسًا على الأرض، بخلاف ما إذا حال بينه وبين الأرض لباسه) ش: أي صار لباس الحالف حائلًا، أي حاجزًا بين الحالف وبين الأرض م: (لأنه) ش: أي لأن لباس الحالف م: (تبع له) ش: أي للحالف م: (فلا يعتبر حائلًا) ش: فيحنث. م: (ولو حلف لا يجلس فجلس على سرير فوقه بساط أو حصير حنث، لأنه يعد جالسًا عليه) ش: أي على السرير م: (والجلوس على السرير في العادة كذلك) ش: ألا ترى أنهم يقولون جلس الأمير على السرير، وإن كان فوق السرير بساطًا فيعدونه تبعًا للسرير م: (بخلاف ما إذا جعل فوقه سريرًا آخر، لأنه مثل الأول، فتقطع النسبة عنه) ش: وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": وإن حلف لا يمشي على الأرض فمشى عليها بنعل أو خف حنث، وإن حلف على بساط لم يحنث، وإن مشى على ظهر أحجار حنث، لأنها من الأرض. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 241 باب اليمين في القتل والضرب وغيره ومن قال لآخر: إن ضربتك فعبدي حر، فهو على الحياة؛ لأن الضرب اسم لفعل مؤلم يتصل بالبدن والإيلام لا يتحقق في الميت، ومن يعذب في القبر يوضع فيه الحياة في قول العامة،   [البناية] [باب اليمين في القتل والضرب وغيره] [قال إن ضربتك فعبدي حر فمات فضربه] م: (باب اليمين في القتل والضرب وغيره) ش: أي هذا باب في بيان حكم اليمين في الضرب والخنق والعض وحكم اليمين في القتل قوله - وغيره - أي وغير المذكور من الضرب والقتل مثل القتل والخنق والعض. م: ومن قال إن ضربتك فعبدي حر) ش: فمات فضربه م: (فهو على الحياة) ش: أي حلف على كل كونه المخاطب حيًا م: (لأن الضرب اسم لفعل مؤلم) ش: أي موجع م: (يتصل بالبدن والإيلام لا يتحقق في الميت) ش: ونوقض بقوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: 44] (ص: الآية 44) ، وصف النبي أيوب - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في يمينه بالضرب بهذا الذي ذكر ولم يوجد الإيلام لما أن الضغث عبارة عن الحزمة الصغيرة من ريحان أو حشيش، فلم يكن لمجموعه إيلام، فكيف الجزاء. وأجيب: بأنه جاز أن يكون هذا حكمًا ثابتًا بالنص في حق أيوب - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خاصة، إكرامًا له في حق امرأته تخفيفًا عليها، لعدم جنايتها على خلاف القياس، ولا يلحق به غيره. وقيل ذلك ثبت رخصة في حقه خاصة، حيث حلل الله يمينه بأهون شيء أراه عن امرأته وحسن خدمتها إياه، وكلامها في الغريمة فلا يقاس على ما ثبت رخصة، بخلاف القياس وغيره. وفي " شرح الطحاوي " ومن حلف ليضربن فلانًا مائة سوط فضرب بها مرة واحدة إن وصل إليه كل سوط بحاله، بر في يمينه، والإيلام شرط فيه، لأن المقصود من الضرب الإيلام، وبه قال المزني - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الشافعي: يبر بمجرد الضرب بدون الإيلام. وقال مالك وأحمد - رحمهما الله: يحنث. وفي وصول الألم شرط عندهما. م: (ومن يعذب في القبر يوضع فيه الحياة) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر، بأن يقال: إن قولكم الإيلام لا يتحقق في الميت، لكن يعذب الميت في القبر، فأجاب بقوله ومن يوضع .... إلى آخره م: (في قول العامة) ش: احترز به عن قول الكرامية والصالحية، وهم قوم ينسبون إلى أبي الحسين الصالحي، فإنهم لا يشترطون الحياة شرطًا لتعذيب المسبب، وعذاب القبر ثابت عند أهل السنة وإن اختلفوا في كيفيته. فقال بعضهم: يؤمن بأهل العذاب ويسكت عن الكيفية، لأن الواجب علينا تصديق ما جاء في السنة المشهورة، وهو التعذيب بعد الموت. وعند العامة يوضع فيه الحياة، لأن الإيلام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 242 وكذلك الكسوة، لأنه يراد به التمليك عند الإطلاق، ومنه الكسوة في الكفارة، وهو من الميت لا يتحقق إلا أن ينوي به الستر. وقيل بالفارسية ينصرف إلى اللبس، وكذا الكلام والدخول، لأن المقصود من الكلام الإفهام، والموت ينافيه.   [البناية] لا يكون بلا حياة ولا علم. ثم اختلفوا فقيل يوضع فيه الحياة بقدر ما يتألم لا الحياة المطلقة. وقيل يوضع فيه الحياة من كل وجه. م: (وكذلك الكسوة) ش: يعني إن قال إن كسوتك فعبدي حر، فكساه بعد الموت لا يحنث م: (لأنه يراد به) ش: أي بالكسوة على تأويل الاكتساء م: (التمليك) ش: أي تمليك الثوب م: (ومنه الكسوة في الكفارة) ش: أي في كفارة اليمين، قال الله عز وجل: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] فلو أنه أكسى عشرة أموات عن كفارة يمينه لم يجزه، لعدم التمليك، يؤيده أن الرجل لو قال كسوتك هذا الثوب يصير هبة. قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه نظر لا يخفى م: (وهو) ش: أي التمليك م: (من الميت لا يتحقق) ش: ولهذا لو تبرع عليه أحد بالكفن ثم أكله السبع يعود الكفن إلى المتبرع لا إلى وارث الميت، ذكره التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إلا أن ينوي به) ش: أي بالكسوة على تأويل الاكتساء م: (الستر) ش: فحينئذ يحنث، لأن فيه تشديدًا عليه، والميت يستر كالحي. فإن قيل: الميت مما يكسى الكفن. قلنا: لا، ولكن يلبس الكفن، والإلباس غير الاكتساء، فإنه لا يبنى على التمليك، والاكتساء يبنى على التمليك، يقال كسا الأمير فلانًا، أي ملكه كسوة، والإلباس عبارة عن الستر والتغطية، والميت محل لذلك، ألا ترى أنه لو حلف لا يلبس فلانًا ثوبًا فهو على الحياة والوفاة جميعًا كذا كره قاضي خان والمحبوبي - رحمهما الله. م: (وقيل بالفارسية) ش: قائله أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن اليمين المذكور إذا كانت باللغة الفارسية م: (ينصرف إلى اللبس) ش: يعني يراد به اللبس، ولا يراد به التمليك م: (وكذا الكلام) ش: وإن حلف لا يكلم فلانًا فكلمه بعد موته لا يحنث م: (والدخول) ش: بأن حلف لا يدخل على فلان فدخل عليه بعد ما مات لا يحنث في يمينه م: (لأن المقصود من الكلام الإفهام) ش: أي إفهامه فلانًا م: (والموت ينافيه) ش: أي ينافي الكلام، لأن المراد من الكلام الإسماع، والميت ليس بأهل الإسماع. ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى: {فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [الروم: 52] (الروم: الآية 52) ، وإلى قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22] (فاطر: الآية 22) . فإن قيل: قد روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلم أصحاب القليب يوم بدر حيث سماهم بأسمائهم " فقال هل وجدتم ما وعد ربكم حقًا، فقد وجدت ما وعدني ربي حقًا» » . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 243 والمراد من الدخول عليه زيارته، وبعد الموت يزار قبره لا هو.   [البناية] قلت: أجاب الأكمل: بأن ذلك كان معجزة له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنهم لما قالوا يا رسول الله إنهم لا يسمعون، فقال: إنهم يسمعون كما تسمعون، وإنما أراد بهم - وإنهم يعلمون أن الذي قلت لهم حقًا. قال الكاكي: فإن قيل: قد روي «أن قتلى بدر لما ألقوا في القليب قام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على رأس القليب، وقال هل وجدتم ما وعد ربكم حقًا، فقال عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أتكلم الميت يا رسول الله؟! فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما أنتم بأسمع من هؤلاء» . قلنا: هو غير ثابت، فإنه لما بلغ هذا الحديث عائشة، قالت: كذبتم على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنه تعالى قال: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] (الروم: الآية 52) ، {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22] (فاطر: الآية 22) ، على أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان مخصوصًا به معجزة له. وقيل: المقصود به وعظ الأحياء لا إفهام الموتى كما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أنه إذا أتى المقابر قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " سلام عليكم ديار قوم مؤمنين أما نساؤكم فقد نكحت، وأما أموالكم فقد قسمت، وأما دوركم فقد سكنت، فهذا خبركم عندنا، فما خبرنا عندكم "، وكان يقول: " سبيل للأرض من شق أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك، فإن لم تجبك جوابًا بإجابتك اعتبارًا "، كان ذلك على سبيل الوعظ للأحياء لا للخطاب للموتى. [قال لامرأته إن وطئتك أو قبلتك فعبده حر] م: (والمراد من الدخول عليه) ش: أي على فلان م: (زيارته، وبعد الموت يزار قبره لا هو) ش: أي لا يزار الميت، لأن المراد من الدخول عليه إكرامه بتعظيمه أو إهانته بتحقيره أو زيارته فلا يتحقق الكل بعد الموت. ولأن الميت كالغائب في حق الأخيار، ومن طاف بباب رجل لا يعد زائرًا له. ولو دخل عليه وهو نائم لا يعد زائرًا أولى، وقال في " شرح الطحاوي ": الأصل في هذا أن في كل بلد [ .... ] يقع على الحياة دون الممات كالضرب والجماع والشتم والكسوة والدخول عليه. وفي " الكافي ": الأصل في هذا أن ما يشارك الميت فيه الحي فاليمين، وقال على الحالين، وأما ما اختص به الحي فيتقيد بالحياة. فلو قال: إن ضربتك أو كسوتك أو كلمتك أو دخلت عليك أو قال لامرأته إن وطئتك أو قبلتك فعبده حر يتقيد بالحياة، حتى لو فعل هذه الأشياء بعد الموت لا يحنث، والغرض في الوطء والتقبيل لا يتحقق بعد الموت. فإن قيل: «إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل عثمان بن مظعون - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعد ما أدرج في الكفن» وقبل أبو بكر بين عيني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ما أدرج في الكفن. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 244 ولو قال: إن غسلتك فعبدي حر، فغسله بعدما مات يحنث، لأن الغسل هو الإسالة، ومعناه التطهير، ويتحقق ذلك في الميت، ومن حلف لا يضرب امرأته فمد شعرها أو خنقها أو عضها حنث، لأنه اسم لفعل مؤلم، وقد تحقق الإيلام، وقيل: لا يحنث في حال الملاعبة، لأنه يسمى ممازحة لا ضربا. ومن قال: إن لم أقتل فلانا فامرأته طالق، وفلان ميت وهو عالم به حنث؛ لأنه عقد يمينه على حياة يحدثها الله تعالى فيه، وهو متصور فينعقد ثم يحنث للعجز العادي.   [البناية] قلنا: هذا ضرب الشفقة أو التعظيم والموت لا ينافيه، وتقبيل النساء لإقضاء الشهوة، فيقيد بالحياة حتى لو كان للشفقة أو التعظيم كما في الولد أو الوالد والعالم. قيل لا يقيد بالحياة. وقيل يتقيد أيضًا، لأن الأوهام لا تنصرف إلى تقبيل الميت بخلاف. وإن غسلتك أو حملتك [ ...... ] ، فلأنها لا تقيد بالحياة، لأن الغسل يراد به التنظيم والتطهير، وهذا يتحقق في الميت أشار إليه بقوله: م: (ولو قال: إن غسلتك فعبدي حر، فغسله بعد ما مات يحنث، لأن الغسل هو الإسالة، ومعناه التطهير، ويتحقق ذلك في الميت) ش: ألا ترى أنه يجب غسل الميت بتطهير كيف ينافيه، ولو صلى على ميت قبل الغسل لم يجز، وبعده يجوز. [حلف لا يضرب امرأته فشد شعرها أو عضها أو خنقها] م: (ومن حلف لا يضرب امرأته فمد شعرها أو عضها أو خنقها حنث، لأنه) ش: أي لأن الضرب م: (اسم لفعل مؤلم، وقد تحقق الإيلام) ش: بهذا الفعل، وكذلك إذا قرصها أو وجأها، ذكره في الأصل، وبه قال أحمد ومالك - رحمهما الله - فمالك يعتبر وصول الألم إلى جسمها أو قلبها من سب أو شتم أو غيره ليتحقق الإيلام بها، وهو المقصود، وبعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قوله، وعند الشافعي العض والخنق والقرص ونتف الشعر فليس بضرب، ولا يشترط فيه الإيلام. م: (وقيل لا يحنث في حال الملاعبة، لأنه يسمى ممازحة لا ضربًا) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا يدل على أنه لو ضربه حال الممازحة لا يحنث. وقال فخر الإسلام البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الصغير ": هذا إذا كان في الغضب، أما إذا كان يلاعبها فضربها برأسه خطأ منه فأصاب أنفها فأدماه وآلمها لم يحنث، لأن هذا لا يعد ضربًا. ونقل في " الخلاصة " عن " المنتقى ": إذا حلف لا يضرب فلانًا فنعص ثوبه فأصاب وجهه، أو رماه بحجر أو نشابة فأصابه لا يحنث. م: (ومن قال: إن لم أقتل فلانًا فامرأته طالق، وفلان ميت، وهو عالم به حنث، لأنه عقد يمينه على حياة يحدثها الله تعالى فيه، وهو متصور) ش: يعني يمكن بالنظر إلى قدرة الله م: (فينعقد) ش: يمينه عليه م: (ثم يحنث للعجز العادي) ش: أي لعجزه عادة عن قتله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 245 وإن لم يعلم به لا يحنث. لأنه عقد يمينه على حياة كانت فيه. ولا يتصور فيصير قياس مسألة الكوز على الاختلاف. وليس في تلك المسألة تفصيل العلم هو الصحيح.   [البناية] م: (وإن لم يعلم به لا يحنث، لأنه عقد يمينه على حياة كانت فيه، ولا يتصور) ش: البر، فلما لم يتصور البر لم يتصور الحنث م: (فيصير) ش: أي حكم هذه المسألة م: (قياس مسألة الكوز) ش: إذا حلف إن لم أشرب الماء الذي في هذا الكوز اليوم، فامرأته طالق م: (على الاختلاف) ش: المذكور فيها، وهو أن عندهما لا يحنث. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحنث، كما قال في مسألة الكوز، لأن تصور البر ليس بشرط عنده، وقد مر تقريره في باب اليمين في الأكل والشرب. م: (وليس في تلك المسألة) ش: أي في مسألة الكوز م: (تفصيل العلم) ش: يعني أنه لا يقال فيها أنه علم أو لم يعلم، يعني سواء علم عدم الماء في الكوز أو لم يعلم بخلاف قتل فلان، فإنه إذا علم بموته يحنث، وإذا لم يعلم بموته لا يحنث م: (هو الصحيح) ش: احترز به عن قول المشايخ في العراق، فإنهم قالوا في مسألة الكوز، هذا إذا لم يعلم، يعني عدم الحنث عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - إذا لم يعلم بعدم الماء في الكوز، فأما إذا علم فيحنث أي يصح يمينه، فيحنث نقل قولهم فخر الإسلام البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الصغير ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 246 باب اليمين في تقاضي الدراهم قال: ومن حلف ليقضين دينه إلى قريب، فهو على ما دون الشهر، وإن قال إلى بعيد، فهو أكثر من الشهر، لأن ما دونه يعد قريبا، والشهر وما زاد عليه يعد بعيدا، ولهذا يقال عند بعد العهد ما لقيتك منذ شهر. ومن حلف ليقضين فلانا دينه اليوم، فقضاه ثم وجد فلان بعضها زيوفا أو بنهرجة   [البناية] [باب اليمين في تقاضي الدراهم] [حلف ليقضين دينه إلى قريب] م: (باب اليمين في تقاضي الدراهم) ش: أي هذا باب في بيان اليمين بتقاضي الدين، وإنما خص الدراهم بالذكر دون الدنانير، لأنها أكثر استعمالًا حتى قدر أقل المهر ونصاب السرقة بها دون الدنانير، ونقب الباب بتقاضي الدين، يعني استيفائه وهو الطلب بقضائه، وذكر مسائله بلفظ القضاء، وهو الأداء. والقضاء يجيء بمعنى الأداء قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} [الجمعة: 10] (الجمعة: الآية 10) ، أي إذا أديت. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن حلف ليقضين دينه إلى قريب، فهو على ما دون الشهر، وإن قال بعيد فهو أكثر من الشهر، لأن ما دونه يعد قريبًا، والشهر وما زاد عليه يعد بعيدًا) ش: وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا حد لذلك كما قاله في " شرح الأقطع "، وبيان مذهبه أن مدة القريب والبعيد لا تنفذ بشيء. وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لوقوعهما على القليل والكثير فمتى قضاه بر، وإنما يحنث إذا مات قبل أن يقضيه مع التمكن م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن ما زاد على الشهر يعده بعيدًا م: (يقال عند بعد العهد ما لقيتك منذ شهر) ش: وهذا فيما إذا لم ينو، أما إذا نوى. فهو على ما نوى بدليل ما ذكره في " الأجناس ". وقال: لو حلف والله لا أكلمك قريبًا، فهو على أقل من شهر بيوم، ثم قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن نوى أكثر من شهر يدين في القضاء وفي " فتاوى الولوالجي ": لو قال: لأعطين حقك عاجلًا، وهو ينوي وقتًا، فهو على ما نوى، وإن نوى ستة، لأن الدنى كلها قريب عاجل. فإن قيل: ما من زمان إلا وهو قريب، بالإضافة إلى ما هو فوقه، وبعيد بالإضافة إلى ما هو دونه، فلم يدل دليل على إرادة البعض دون البعض. وأجيب: بأنا لا نسلم عدم الدلالة، وكيف لا يدل والعرف دليل يمينه، ومبنى الأيمان على العرف. م: (ومن حلف ليقضين فلانًا دينه اليوم فقضاه، ثم وجد فلانًا بعضها) ش: أي بعض دراهم الدين م: (زيوفًا) ش: جمع زيف، وهو ما زيفه بيت المال، ولكن يروج فيما بين التجار، وهو من زافت عليه دراهم، أي صارت مردودة عليه م: (أو بنهرجة) ش: قال الأترازي: البنهرج ما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 247 أو مستحقة لم يحنث الحالف، لأن الزيافة عيب، والعيب لا يعدم الجنس. ولهذا لو تجوز به، صار مستوفيا فوجد شرط البر، وقبض المستحقة صحيح. ولا يرتفع برده البر المتحقق وإن وجدها رصاصا أو ستوقة   [البناية] يهرجه التجار لغش فيه وهو أردى من الزيف. وقال الكاكي: قيل البهرجة لفظة أعجمية معربة، وأصلها بنهرجة، وهو الخط، يعني خط هذه الدراهم من الفضة أقل ومن الغير أكثر مما يوجد في دار الضرب. وفي " المبسوط ": البنهرجة ما يهرجه التجار والتسامح منهم تجويزه. والمستفضي منهم لا يجوز به لغش فيه م: (أو مستحقة) ش: أي أو وجدها فلان مستحقة استحقها شخص ينيب م: (لم يحنث الحالف) ش: وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقولنا. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حنث. قال اللخمي - من أصحابه - هذا مراعاة اللفظ، أما بالنظر إلى القامة لا يحنث م: (لأن الزيافة عيب) ش: وفي " المغرب ": قياس مصدره الزيوف، وأما الزيافة لغة الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (والعيب لا يعدم الجنس) ش: يعني اسم الدراهم لا يزول بهذه الأوصاف لأنها غير العيب لا يعدم الجنس. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عدم زوال اسم الدراهم بهذه الأوصاف م: (لو تجوز به) ش: أي لو تسامح القابض بالدراهم الزيوف والبنهرجة م: (صار مستوفيًا) ش: حقه. وكذا لا تجوز بها في رأس مال المسلم وبدل الصوم فيجوز ولو فات بذلك اسم الدراهم لكان يفسد ألا وهو حرام فيهما م: (فوجد شرط البر) ش: فلا يحنث. [أدى المكاتب بدل الكتابة وحكم بعتقه ثم وجد البدل ستوقة] م: (وقبض المستحقة صحيح) ش: حتى لو أجازت المستحق جاز وعند عدم الإجازة ينفسخ القبض. وكذا لو أجازه المستحق في الصرف والسلم بعد الافتراق جاز فيوجد شرط البر فيه. م: (ولا يرتفع برده) ش: أي برد ما قضى من الزيوف والبهرجة أو المستحقة م: (البر المتحقق) ش: لأن شرطه البر، لا يحتمل الإنقاض لأن اليمين لما انحلت بوجود الشرط لم يقل الفسخ، والإنقاض كالكتابة فإن مولى المكاتب إذا رأى البدل لكونه زيوفًا أو بهرجة أو استرد بالاستحقاق لا ينقض العتق، بخلاف قضاء الدين، فإنه ينقض برد القيود بعيب، أو الاستحقاق لأن بناء القامة وقد زالت. م: (وإن وجدها رصاصًا أو ستوقة) ش: بفتح السين فارسية معربة ومعناها ثلاث طاقات، لأنها صفر مموه من الجانبين بالفضة، وقيل، والمستوقة أردى من البنهرجة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 248 حنث، لأنهما ليسا من جنس الدراهم، حتى لا يجوز التجوز بهما في الصرف والسلم، وإن باعه بها عبدا وقبضه بر في يمينه، لأن قضاء الدين طريقه المقاصة وقد تحققت بمجرد البيع فكأنه شرط القبض ليتقرر به، وإن وهبها له يعني الدين، لم يبر لعدم المقاصة   [البناية] وعن " الكرخي ": المستوقة عندهم ما كان الصفر أو النحاس غالبًا م: (حنث) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنهما) ش: أي لأن الرصاص الستوقة م: (ليسا من جنس الدراهم حتى لا يجوز التجوز بهما في الصرف والسلم) ش: أي حتى لا يجوز التسامح بهما في ثمن الصرف، وكذا في السلم لأنها ليست من جنس الدراهم. ولهذا لو وجد مولى المكاتب بدل الكتابة رصاصًا أو ستوقة، لا يعتق المكاتب. وكذا قال الشيخ أبو المعين النسفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذكر التمرتاشي لو أدى المكاتب بدل الكتابة وحكم بعتقه ثم وجد البدل ستوقة لم يعتق، ولو وجد زيوفًا أو بنهرجة أو مستحقة لم يبطل العتق. م: (وإن باعه بها عبدًا) ش: أي وإن باع الحالف المديون رب الدين بالدراهم التي لرب الدين عبدًا م: (وقبضه) ش: أي قبض العبدين رب الدين م: (بر في يمينه) ش: أي بر الحالف في يمينه لأنه قضى دينه، لأن قضاء الدين طريقه المقاصة م: (لأن قضاء الدين طريقه المقاصة، وقد تحققت بمجرد البيع) ش: فيحتمل القضاء في يمينه بيانه أن حق رب الدين في الدين لا في العين، والقضاء لا يتحقق في نفس الدين لأنه وصف ثابت في الذمة، ولكن ما يقتضيه رب الدين من العين يصير مضمونًا عليه، لأنه قبض على جهة التملك، فكان دينًا عليه للمديون، ولرب الدين على المديون مثله، فاكتفى الإتيان قصاصًا. وهذا معنى قول أصحابنا: المديون يقضي بأمثالها لا بأعيانها فلا يحقق انفساخه بمجرد البيع قبض الدين العبد أو لم يقبض، ولكن قيد القبض وقع في رواية " جامع الصغير "، أشار إليه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: م: (فكأنه) ش: أي فكأن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (شرط القبض) ش: في رواية " الجامع " م: (ليتقرر به) ش: أي ليتأكد البيع بالقبض، لأن المبيع إذا هلك قبل القبض ينفسخ البيع، لكن لا يرتفع البر لأنه لا يقبل الانتقاض، هذا الذي ينافي البيع الصحيح. أما في البيع الفاسد إذا قبض العبد. فإن كان في قيمته وفاء بالحق بر والإ حنث مضمون بالقسمة م: (وإن وهبها) ش: أي وإن وهب المداين دراهم الدين م: (له) ش: للمديون، وفسره بقوله م: (يعني الدين لم يبر) ش: لأنه شرط البر القضاء ولم يوجد م: (لعدم المقاصة) ش: قال الكاكي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله لم يبر قولهم أنه يحنث، بل معناه لم يبر ولم يحنث أيضًا عندهما خلافًا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لفوات المحلوف عليه وهو الدين كما في مسألة الكوز، لأن قوله لم يبر أعم من قوله يحنث، ومن قوله تبطل اليمين فحمل على الثاني تصحيحًا لكلامه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 249 لأن القضاء فعله، والهبة إسقاط من صاحب الدين. ومن حلف لا يقبض دينه درهما دون درهم فقبض بعضه لم يحنث حتى يقبض جميعه متفرقا، لأن الشرط قبض الكل، لكنه بوصف التفرق ألا ترى أنه أضاف القبض إلى دين معرف مضاف إليه، فينصرف إلى كله، فلا يحنث إلا به، فإن قبض دينه في وزنين ولم يتشاغل بينهما إلا بعمل الوزن لم يحنث، وليس ذلك بتفريق. لأنه قد يتعذر قبض الكل دفعة واحدة عادة، فيصير هذا القدر مستثنى عنه   [البناية] وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيه نظر، لأنه حينئذ يلزم منه ارتفاع النقيضين، وهو فاسد لأن البر نقيض الحنث، فمن وجود أحدهما يلزم ارتفاع الآخر، ومن ارتفاع أحدهما يلزم وجود الآخر فلا يجوز أن يرتفعا جميعًا. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - ردًا عليه: ليسا بنقيضين على اصطلاح أهل المعقول وغير الحالف لا يتصف بأحدهما وشأن النقيضين ليس كذلك، فإذا بطل اليمين بفوات تصور البر صار كغير الحالف من الناس، فيجوز أن يتصف بواحد منهما. وقيل: ذكر اليوم في وضع المسألة وقع سهوًا من الكاتب. وذكر البزدوي والسرخسي وأبو المعين هذه المسألة مطلقة غير مؤقتة باليوم. وفي " المحيط " ولو أبراه أو وهبه لم يحنث، وكذا لو حلف لا يفارق غريمه حتى يستوفي الدين، فوهبه وأبراه لم يحنث عندهما، خلافًا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه قال الشافعي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لأن القضاء فعله) ش: أي ولأن القضاء فعل المديون بالإبراء أو الهبة م: (والهبة إسقاط من صاحب الدين) ش: يعني الهبة فعل الدين بالإبراء، وهو إسقاط منه، فلا يكون فعل أحدهما فعلا للآخر، فلا يبر المديون بفعل الدائن. [حلف لا يقبض دينه درهما دون درهم فقبض بعضه] م: (ومن حلف لا يقبض دينه درهمًا دون درهم فقبض بعضه لم يحنث حتى يقبض جميعه متفرقًا لأن الشرط قبض الكل) ش: أي لأن شرط الحنث قبض كل الدين متفرقًا، وهو معنى قوله م: (لكنه بوصف التفرق ألا ترى أنه أضاف القبض إلى دين معرف) ش: حيث قال: لا يقبض دينه م: (مضاف إليه) ش: أي إلى الدين م: (فينصرف إلى كله فلا يحنث إلا به) ش: أي بالشرط المذكور وهو قبض الكل متفرقا ولو قبض في أول الشهر بعضه وفي آخره بعضه حنث لوجود الشرط بخلاف التفريق الضروري أشار إليه بقوله: م: (فإن قبض دينه في وزنين ولم يتشاغل بينهما إلا بعمل الوزن لم يحنث وذلك ليس بتفريق، لأنه قد يتعذر قبض الكل دفعة واحدة عادة فيصير هذا القدر مستثنى عنه) ش: هذا الذي ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - استحسانًا والقياس أن يحنث. كذا ذكر أبو المعين النسفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الكبير "، وبالقياس قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن شرط الحنث قبض الكل متفرقًا، وقد حصل ذلك لما وزن خمسين فدفعها إليه، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 250 ومن قال: إن كان لي إلا مائة درهم فامرأته طالق، فلم يملك إلا خمسين درهما لم يحنث، لأن المقصود منه عرفا نفي ما زاد على المائة، ولأن استثناء المائة استثناؤها بجميع أجزائها. وكذلك لو قال غير مائة أو سوى مائة؛ لأن كل ذلك أداة الاستثناء.   [البناية] ثم وزن خمسين أخرى فدفعها إليه لأنه حصل قبض الكل بصفة التفريق. وجه الاستحسان أن الناس يعدون هذا قبض الجملة دفعة واحدة، فيقولون قبض فلان حقه دفعة واحدة، والحال إذا كثر لا يمكن قبضه إلا بهذه الطريق، فصار هذا القدر من التفرق مما لا يمكن الامتناع منه فيجعل مستثنى عن اليمين لا بدلالة الحال، وهو نظير لا أسكن هذه الدار وهو ساكنها. م: (ومن قال إن كان لي إلا مائة درهم فامرأته طالق، فلم يملك إلا خمسين درهمًا لم يحنث، لأن المقصود منه عرفًا، نفي ما زاد على المائة) ش: وشرط الحنث ما زاد على المائة، فلم يوجد الشرط فيما دون المائة فلم يحنث م: (ولأن استثناء المائة استثناؤها بجميع أجزائها) . ش: وكذا لأن مستثنى المائة يكون مستثناه للخمسين ضرورة، لأن الاستثناء لا يكون إلا بجميع أجزائها، والخمسون من أجزائها. م: (وكذلك لو قال: غير مائة أو سوى مائة، لأن كل ذلك أداة الاستثناء) ش: لأن حكم لفظ غير ولفظ سوى حكم الأدنى وفي " الجامع الكبير ": لو قال: عبدي حر إن كنت لا أملك إلا خمسين درهمًا، فلم يملك إلا عشرة لم يحنث لأنها بعض المستثنى، ولو ملك زيادة على خمسين أو كان من جنس مال الزكاة، وحلف ما لي مال، يحنث بمال الزكاة. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحنث بكل مال وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - المال هو الذهب والفضة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 251 مسائل متفرقة وإذا حلف لا يفعل كذا تركه أبدا، لأنه نفى الفعل مطلقا فعم الامتناع ضرورة عموم النفي وإن حلف ليفعلن كذا ففعله مرة واحدة بر في يمينه، لأن الملتزم فعل واحد غير عين إذ المقام مقام الإثبات، فيبر بأي فعل فعله، وإنما يحنث لوقوع اليأس عنه وذلك بموته أو بفوت محل الفعل   [البناية] [مسائل متفرقة في الأيمان] [حلف لا يفعل كذا] م: (مسائل متفرقة) ش: أي هذه مسائل متفرقة، وارتفاع مسائل على أنه خبر مبتدأ محذوف إلى هذه مسائل، ومتفرقة صفتها ومعناها من مواضع شتى، وقد جرت عادة المصنفين - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بأن يذكروا ما شذ من المسائل في كل كتاب في آخر أبوابه استدراكًا له. م: (وإذا حلف لا يفعل كذا تركه أبدًا لأنه نفى الفعل مطلقًا فعم الامتناع) ش: أي الامتناع في الفعل أبدًا م: (ضرورة عموم النفي) ش: لأن قوله لا يفعل بمقتضى مصدره أنكره، فدلالته على المصدر ظاهرًا، لأنه لا ينفك عنه. وأما كونه نكرة، فهو الأصل، لأن المعرفة تعارض النكرة وإذا وقعت في موضع النفي تعم، فإذا فعل بوجه من الوجوه من الأوقات حنث. م: (وإذا حلف ليفعلن كذا ففعله) ش: أي فعل ذلك الفعل م: (مرة واحدة بر في يمينه، لأن الملتزم) ش: بفتح الزاي أي الذي التزمه الحالف م: (فعل واحد غير عين) ش: أي غير معين، نحو قوله ليصلين أو ليصومن أو ليحجن أو ليتصدقن، فإنه إذا فعل ذلك الشيء من هذه الأشياء مرة واحدة بر في يمينه م: (إذ المقام مقام الإثبات) ش: لأن النكرة في موضع الإثبات لا تعم فتجزئ بأدنى ما يطلق عليه اسم المحلوف عليه، سواء فعله مختارًا أو مكرهًا أو ناسيًا بطريق الوكالة وهو معنى قوله م: (فيبر بأي فعل فعله وإنما يحنث لوقوع اليأس عنه) ش: أي عن ذلك الفعل. م: (وذلك) ش: أي اليأس منه م: (بموته) ش: أي بموت الحالف م: (أو بفوات محل الفعل) ش: وهو المحلوف عليه، كما إذا حلف لآكلن هذا الرغيف، أو لأبصرن البصرة، فإن مات هذا حنث. قال صاحب " التحفة " ويجب عليه الكفارة ويرضى بها إذا كان الهالك هو الحالف. قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا الذي ذكره فيما إذا عقد يمينه مطلقًا، أما إذا عقده مؤقتًا، فلا يحنث قبل مضي ذلك الوقت، وإن وقع اليأس بموته يفوت المحل، لما أن الوقت مانع من الانحلال، إذ لو انحل قبل مضي الوقت، لم يكن للوقت فائدة كذا في " الإيضاح ". وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ومعنى قوله لا يفعل كذا تركه أبدًا فيما إذا كانت اليمين مطلقة. أما إذا كانت مؤقتة بزمان، كاليوم والشهر، فيتوقت يمينه بذكر الزمان، فبعد ذلك تنحل يمينه، ولا يلزم ترك الفعل بعد ذلك الزمان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 252 وإذا استحلف الوالي رجلا ليعلمنه بكل داعر دخل البلد. فهو على حال ولايته خاصة لأن المقصود منه دفع شره أو شر غيره بزجره. فلا يفيد فائدته بعد زوال سلطنته، والزوال بالموت وكذا بالعزل في ظاهر الرواية، ومن حلف أن يهب عبده لفلان، فوهبه ولم يقبل فقد بر في يمينه خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] وأما التوقيت في الإثبات كقوله: والله لآكلن هذا الرغيف اليوم، فإنه لا يحنث ما دام الحالف والمحلوف عليه قائمين. واليوم باق، أما إذا قضي اليوم يحنث، وإن كان قائمين بفوات البر لفوات الوقت المعين. وأما إذا هلك الحالف قبل مضي اليوم لا يحنث بالاتفاق، وإن هلك المحلوف عليه وهو الرغيف قبل مضي اليوم، أجمعوا أنه لا يحنث في الحال، فإذا مضى اليوم اختلفوا. قال أبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله: لا يحنث في يمينه. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحنث، وتجب الكفارة، لأن تصور البر ليس بشرط عنده خلافًا لهما. م: (وإذا استحلف الوالي) ش: بتشديد اللام من التحليف م: (رجلًا ليعلمنه) ش: من الإعلام م: (بكل داعر دخل البلد) ش: وفي بعض النسخ مكان كل داعر، " والداعر " وبالدال والعين المهملتين، على وزن فاعل وهو الخبيث المفسد من الناس، وجمعه دعار من الدعر، وهو الفساد. يقال دعر العود تدعر دعرًا من باب علم يعلم إذا فسد م: (فهو على حال ولايته خاصة) ش: أي يفيد اليمين على حال ولايته، وبه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. م: (لأن المقصود منه) ش: أي لأن غرض المستحلف من هذا م: (دفع شره أو شر غيره) ش: أي دفع الداعر أو دفع غيره أي غير الداعر م: (بزجره) ش: أي بزجر الداعر، يعني لو زجر الداعر ينزجر غيره من الرعاة م: (فلا يفيد فائدته) ش: أي فائدة الزجر م: (بعد زوال سلطنته) ش: أي سلطنة هذا الوالي، أي شوكته وقدرته على ما بطلت منه م: (والزوال بالموت) ش: أي بموت هذا الوالي م: (وكذا بالعزل) ش: أي بعزله. م: (في ظاهر الرواية) ش: عن أصحابنا وهي رواية الزيادة، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجب الرفع إليه بعد العزل. وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية لأنه يفيد في الجملة لاحتمال أن يولى ثانيًا، فيؤدي الداعر عينه يبطل الدفع بقوله لا بموته. وكذا السلطان إذا حلف رجلًا أن لا يخرج من الكورة إلا بإذنه، فهو على ولايته كذا في " الزيادات ". [حلف أن يهب عبده لفلان فوهبه ولم يقبل الموهوب له] م: ومن حلف أن يهب عبده لفلان، فوهبه ولم يقبل) ش: أي الموهوب له م: (فقد بر في يمينه) ش: أي لم يحنث م: (خلافًا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه يحنث عنده. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 253 فإنه يعتبره بالبيع، لأنه تمليك مثله، ولنا أنه عقد تبرع فيتم بالمتبرع، ولهذا يقال وهب. ولم يقبل ولأن المقصود إظهار السماحة، وذلك يتم به. وأما البيع فمعاوضة، فاقتضى الفعل من الجانبين، ومن حلف لا يشم ريحانا فشم وردا أو ياسمينا لا يحنث، لأنه اسم لما لا ساق له ولهما ساق.   [البناية] وفي " الكافي ": حلف ليهب عبده لفلان فوهبه له ولم يقبل، وإن كان الموهوب له غائبًا لم يحنث إجماعًا، وإن كان حاضرًا حنث استحسانًا، وبه قال أحمد والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحنث. وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في قول بدون القبول. وفي قول لم يقبل ويقبض وعلى هذا الخلاف الإعارة والصدقة والإقرار والوصية ذكره في " جامع البكري " وفي الكفارة. وكذا القرض في رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قبول المستقرض شرط، لأن الغرض في حكم المعارضة م: (فإنه) ش: أي فإن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يعتبره) ش: أي يعتبر عقد الهبة م: (بالبيع لأنه تمليك مثله) ش: فلا يتم إلا بالقبول. م: (ولنا أنه) ش: أي أن الهبة باعتبار الوهب م: (عقد تبرع فيتم بالمتبرع ولهذا يقال وهب ولم يقبل) ش: ولا يقال باع ولم يقبل، يعني لا يسمى تبعًا ما لم يوجد القبول م: (ولأن المقصود) ش: من الهبة م: (إظهار السماحة) ش: أي الكرم م: (وذلك) ش: أي إظهار السماحة م: (يتم به) ش: أي بالحالف الواهب. م: (وأما البيع) ش: جواب عن قول زفر، يعني أما البيع فليس كذلك، لأن مبادلة المال بالمال، وهي معنى قوله م: (فمعاوضة فاقتضى الفعل من الجانبين) ش: أي من جانب البائع وجانب المشتري. [حلف لا يشم ريحانا فشم وردا أو ياسمينا] م: (ومن حلف لا يشم ريحانًا فشم وردًا أو ياسمينًا لا يحنث لأنه) ش: أي لأن للريحان م: (اسم لما لا ساق له ولهما) ش: أي وللورد والياسمين م: (ساق) ش: الريحان في اللغة كل ما طلب ريحه من النبات وهذا يتناول الورد والياسمين كما هو مذهب أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولكن عند الفقهاء الريحان ما بساقه رائحة طيبة كالورسة وكالآس والورد ما لورقه رائحة طيبة فحسنة كالياسمين. كذا ذكره صاحب " المغرب ". وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في شرح " الجامع الصغير ": روى هشام عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: كل ما حضر فهو ريحان مثل الآس والشاهفرم ونحو ذلك وما سوى ذلك ليس بريحان. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وعلل فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرك " الجامع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 254 ولو حلف لا يشتري بنفسجا ولا نية له، فهو على دهنه اعتبارا للعرف، ولهذا يسمى بائعه بائع البنفسج، والشراء يبتني عليه، وقيل في عرفنا يقع على الورق وإن حلف على الورد فاليمين على الورق لأنه حقيقة فيه، والعرف مقرر له، وفي البنفسج قاض عليه.   [البناية] الصغير " بقوله: لأن الريحان اسم لما يقوم على ساق من البقول مما له رائحة طيبة، وهو موضوع ذلك لغة، وقلده الصدر الشهيد وصاحب " الهداية "، ثم قال: والياسمين والورد لهما ساق. ثم قال الأترازي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولنا فيه نظر، لأنه لا يثبت في قوانين اللغة الريحان بهذا التفسير أصلًا، ولئن صح ما قالوا كان ينبغي أن لا يحنث بالأمر، لأنه له ساق وليس من البقول أيضًا، وقد نص الحاكم - رَحِمَهُ اللَّهُ - على أنه يحنث انتهى. قلت: نظره وارد في هذا؛ لأن في البلاد المصرية ينبت ريحان وله ساق قدر نصف ذراع، وأيضًا الأيمان بنيته على العرف لا على اللغة ينبغي أن يحنث إذا شم وردًا أو ياسمينًا، ونظرنا إلى اللغة لأن جماعة من أهل اللغة قالوا: كل ما طاب ريحه من النبات فهو ريحان، فعلى هذا يطلق على الورد والياسمين والريحان. [حلف لا يشتري بنفسجا ولا نية له] م: (ومن حلف لا يشتري بنفسجًا ولا نية له فهو على دهنه اعتبارًا للعرف) ش: لأن الأيمان محمولة على معاني كلام الناس. وفي عرفهم إذا ذكر بنفسج يراد به دهنه لا ورقه م: (ولهذا) ش: أي ولأجل اعتبار العرف م: (يسمى بائعه بائع البنفسج والشراء يبتنى عليه، وقيل في عرفنا يقع على الورق) ش: وفيه نظر لا يخفى ويؤيده قوله: وقيل في عرفنا يقع على الورق، وقال الفقيه أبو الليث: هذا عند أهل العراق، فأما في بلادنا، فلا يقع على الدهن إلا أن ينوي. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحنث بشراء دهنه اعتبارًا بحقيقة اللفظ، ولو اشترى ورق البنفسج لم يحنث، خلافًا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذكر الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يحنث أيضًا. م: (وإن حلف على الورد فاليمين على الورق لأنه حقيقة فيه) ش: أي لأن الورد حقيقة في العرف م: (والعرف مقرر له) ش: أي العرف أيضًا يقرر لوقوع الحقيقة أو لكون الحقيقة، مرادة له. م: (وفي البنفسج قاض عنه) ش: أي غالب عليه على وقوع الحقيقة، فلا يقع على ورقه، لأن مبنى الأيمان على العرف لا على الحقيقة. وقال مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: والبنفسج والورد يقعان على الورق عرفًا، قاله الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الصواب والأوجه والله أعلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 255 كتاب الحدود قال: الحد لغة هو المنع، ومنه الحداد للبواب، وفي الشريعة: هو العقوبة المقدرة حقا لله تعالى حتى لا يسمى القصاص حدا لأنه حق العبد ولا التعزير حدا لعدم التقدير، والمقصد الأصلي من شرعه الانزجار عما يتضرر به العباد. والطهارة ليست أصلية فيه، بدليل شرعيته في حق الكافر. قال: الزنا يثبت بالبينة والإقرار، والمراد ثبوته عند الإمام   [البناية] [كتاب الحدود] [تعريف الحدود] م: (كتاب الحدود) ش: أي هذا الكتاب في بيان أحكام الحدود. وجه المناسبة بين البابين من حيث إن في الأيمان الكفارة التي هي دائرة بين العبادة والعقوبة، والحدود من العقوبات المحضة والحدود جمع حد. م: (قال) ش: أي المصنف: م: (الحد لغة) ش: أي معنى الحد في اللغة م: (هو المنع) ش: يقال: حد عن كذا وكذا، أي منع عنه وبه سمي السجان حدًا ولمنعه المحبوسين عن الخروج م: (ومنه الحداد للبواب) ش: أي ومن هذا المعنى. قيل للبواب حدًا ولمنعه الناس عن الدخول في الدار التي هو باب فيها وسمي المعرف للشيء حد، لأنه يمنع الخارج عن الحدود عن الدخول. م: (وفي الشريع هو) ش: أي الحد م: (العقوبة المقدرة حقًا لله تعالى) ش: ينوي بها حق الله تعالى م: (حتى لا يسمى القصاص حدًا لأنه حق العبد) ش: بدلالة جواز العفو والاعتياض م: (ولا التعزير حدًا) ش: أي ولا يسمى التعزير حدًا أيضًا م: (لعدم التقدير فيه) ش: أي ليس يقدر هذا على ما عليه عامة أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال صدر الإسلام البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مبسوطه ": والقصاص سمي حدًا أيضًا، وحدود الشرع موانع قبل الوقوع وزواجر بعده، أعني عن القصد المنهي عنه م: (والمقصد الأصلي من شرعه) ش: أي القصد الكلي من مشروعية الحد م: (الانزجار عما يتضرر به العباد) ش: في النفس والعرض والمال، ففي حد الزنا صيانة النفس، وفي حد القذف صيانة العرض، وفي حد الربا صيانة المال. م: (والطهارة ليست بأصلية فيه) ش: أي في الحد م: (بدليل شرعيته) ش: أي مشروعيته م: (في حق الكافر) ش: وهذا يوجب الحد على الذي زنا، ويطهر عن الذنب بإجراء الحد عليه، فعلم أن المقصود من الحد الانزجار لا الطهر. [الزنا يثبت بالبينة والإقرار] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الزنا يثبت بالبينة والإقرار) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ". قال صاحب " الهداية " - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والمراد ثبوته عند الإمام) ش: أي الحاكم، إنما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 256 لأن البينة دليل ظاهر، وكذا الإقرار لأن الصدق فيه مرجح، لا سيما فيما يتعلق بثبوته مضرة ومعرة، والوصول إلى العلم القطعي متعذر، فيكتفى بالظاهر قال: فالبينة أن يشهد أربعة من الشهود على رجل وامرأة بالزنا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] (النساء: الآية 15) وقال الله تعالى:   [البناية] قال ذلك لأن ثبوت الزنا في نفس الأمر لا يقف على وجود البينة أو الإقرار، لأنه أمر حسي يوجد، وإن لم يوجد أو قد يوجدان ولا يوجد الزنا لاحتمال الكذب فيهما، فحصل الانفكاك بين الزنا وبينهما وجودا وعدما. فالقاضي مأمور بالحكم [بما] ثبت عنده من الظاهر، فلأجل هذا يشترط ثبوته عند الإمام بالبينة والإقرار. م: (لأن البينة دليل ظاهر) ش: لأن الله تعالى قال: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] (النساء: الآية 15) . م: (وكذا الإقرار) ش: دليل ظاهر. م: (لأن الصدق فيه مرجح) ش: على الكذب. م: (لا سيما) ش: أي خصوصا. م: (فيما يتعلق) ش: أي في الشيء الذي يتعلق. م: (بثبوته مضرة) ش: أي ضرر ظاهر متصل ببدن المقر من [ ... ] الحد عليه. م: (ومعرة) ش: أي عار تلحقه بانتسابه إلى الزنا والعار أشد من النار. وفي " ديوان الأدب " المعرة المساءة والأذى مفعلة من العر وهو الحرب، وفي " الصحاح " المعرة الاسم واعلم أن الزنا بمد وقصر، فالقصر لأهل الحجاز، والمد لأهل نجد. قال [ .] وهو من يهجو بشعره أبا حاضر: من يزن يعرف زناه ومن ... يشرب الخرطوم يصبح سكرانا بفتح الكاف من التسكير، وهو المخمور، والخرطوم اسم من أسماء الخمر، والنسبة إلى المقصور زنوي وإلى الممدود زناوي. وربما يظهر أن معنى الزنا في اللغة: البغي، وفي الشرع: الزنا قضاء المكلف شهوته في قبل امرأة خالية عن الملكين، وشبهتهما وشبهة الاشتباه، ويمكن المرأة من ذلك، واختير لفظ القضاء إشارة إلى أن مجرد الإيلاج زنا ولهذا يجب فيه الغسل هديا للمكلف ليخرج الصبي والمجنون. والمراد بالملكين ملك النكاح وملك اليمين، وشبهة النكاح وهي ما إذا وطئ امرأة تزوجها بغير شهود أو بغير إذن مولاها وما أشبه، أو شبهة ملك اليمين ما إذا وطئ جارية ابنه أو مكاتبه أو عبده المأذون، وشبهة الاشتباه، فإذا وطئ الابن جارية أبيه على ظن أنها تحل له. م: (والوصول إلى العلم القطعي) ش: بغير الوصول إلى ثبوته إلى العلم القطعي. م: (متعذر) ش: لأنه أمر مبناه على الإخفاء والستر: (فيكتفى بالظاهر) ش: البينة والإقرار. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (فالبينة أن يشهد أربعة من الشهود على رجل وامرأة بالزنا. لقوله {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] (النساء: الآية 15) . وقال الله تعالى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 257 {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] (النور: الآية 4) ، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للذي قذف امرأته: ائت بأربعة يشهدون على صدق مقالتك، ولأن في اشتراط الأربعة يتحقق معنى الستر وهو مندوب إليه والإشاعة ضده   [البناية] {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] (النور: الآية 4) ، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:. م: (للذي قذف امرأته «ائت بأربعة شهداء يشهدون على صدق مقالتك» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ غريب. وبمعناه ما رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " من حديث ابن سيرين عن أنس بن مالك قال: «أول لعان كان في الإسلام أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية بامرأته فرفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أربعة شهداء يشهدون وإلا فحد في ظهرك، قال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن الله تعالى يعلم أني لصادق ولينزلن الله عليك ما يبرئ ظهري من الحد، فأنزل الله تعالى آية اللعان ولاعن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفرق بينهما» . وأخرجه البخاري في " اللعان " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، «أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " البينة وإلا فحد في ظهرك ".» م: (ولأن في اشتراط الأربعة) ش: هذا احتراز عن قوله البعض، فإنهم يقولون إنما اشترط الأربع للزنا لا يتم إلا بآيتهن، وفعل كل واحد لا يثبت إلا بشهادة شاهدين. قال المصنف: ليس كذلك بل هي في اشتراط الأربع. م: (تحقيق معنى الستر وهو) ش: أي الستر. م: (مندوب إليه) ش: لما روى الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة» . والشرط في الأربع من الرجال: أن يكونوا أحرارا، عدولا، بالغين، فلا تقبل شهادة الرجال مع النساء، ولا يقبل فيه كتاب القاضي ولا الشهادة على الشهادة. م: (والإشاعة) ش: أي إظهار الزنا. م: (ضده) ش: أي ضد الستر. فلما كان الستر مندوبا، كانت الإشاعة مكروهة، كيف وأنه تعالى قال: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} [النور: 19] (النور: الآية 19) ، لا يذم المستعير، ولهذا لو أخذ شيء من شرائط الشهادة بأن أشهد الأصيل من أربعة شهدوا بالزنا متفرقين في مجالس مختلفة واحدا بعد واحد، فإنهم يحدون حد القذف عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي " المبسوط " أشار عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن اشتراط الأربع لأجل الستر حتى شهد أبو بكرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وسهل بن معبد ونافع بن الأزرق على المغيرة بن شعبة بالزنا، فقال: الزياد وهو الرابع، ثم يتشهد قال: رأيت أقداما بادية، وأنفاسا عالية وأمرا منكرا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 258 وإذا شهدوا يسألهم الإمام عن الزنا ما هو وكيف هو وأين زنى ومتى زنى وبمن زنى؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - استفسر ماعزا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن الكيفية، وعن المزنية   [البناية] وفي رواية قال: رأيتهما تحت لحاف واحد، يخفضان ويرفعان ويضطربان اضطراب الخبزان، وفي رواية: رأيت رجلا أفعى وامرأة صرعى ورجلين محضونتين واسته تجيء وتذهب ولم أر ما سوى ذلك. فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الله أكبر، الحمد لله الذي لم يفضح واحدا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (فإذا شهدوا) ش: أي شهد بالزنا الشهود. م: (يسألهم الإمام عن الزنا ما هو) ش: أي حقيقة الزنا وماهيته [ .... ] ، لأن من الناس من يعتقد كل وطء حرام أنه زنا، كوطء الحائض، والنفساء، والأمة المجوسية، والأمة المشتركة، والأمة التي هي أخته من الرضاع. فإن كل ذلك حرام وليس بزنا، ولأن الشرع سمى فعل الحرام فيما دون الفرج زنا مجازا، بقوله: العينان تزنيان وزناهما النظر، واليدان تزنيان وزناهما البطش، والرجلان تزنيان وزناهما المشي، والفرج يصدق ذلك أو يكذب. والحد لا يجب إلا بالجماع في الفرج، ألا ترى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استفسر ماعزا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى أن ذكر الكاف والنون أراد به قوله أنكتها، لأن ذلك صريح في الوطء، والباقي كناية عنه، وأيضا يمكن أن يسمي الشهود مقدمات الزنا زنا ويجب الاحتراز عن مثل ذلك. م: (وكيف هو) ش: أي يسألهم أيضا عن كيفية الزنا للاحتراز عن مثل ذلك عاس الفرجين من غير إيلاج. ألا ترى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استفسر ماعزا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن كيفية الزنا، فقال كالميل في المكحلة، والرشاد في البئر، وقيل للاحتراز عن صورة الإكراه، لأن وطء المكره لا يوجب الحد. م: (وأين زنى) ش: أي يسألهم عن المكان بقوله: أين زنا فإنه احتراز عن الزنا في دار الحرب، لأن المسلم إذا زنا في دار الحرب ثم خرج إلينا لا يحد لأنه لم يمكن الإمام على بدنه عند وجوب الحد.. م: (ومتى زنى) ش: أي يسألهم عن الزمان فقوله متى زنى كأنه احترز عن زنا متقادم والشهود إذا شهدوا بذلك لا يقبل، واحترز أيضا عن وطء الصبي والمجنون لأن فعلهما لا يوصف بالحرمة. م: (وبمن زنى) ش: أي يسألهم بمن زنى، يعني المزنية من هي. فإنه احتراز عن الوطء الواقع في محل يكون الوطء فيه بشبهة لا يعرفها الواطئ، ولا الشهود: كجارية الابن، ويجوز أن تكون الموطوءة امرأة الواطئ، أو جاريته ولا يعلمها المشهود. م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استفسر ماعزا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن الكيفية وعن المزنية) ش: هذا أخرج أبو داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن يزيد بن نعيم عن أبيه نعيم بن هزال، قال: «كان ماعز بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يتيما في حجر أبي، فأصاب جارية من الحي فقال له أبي: ائت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك قال: فأتاه فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إني زنيت، فأقم علي كتاب الله فأعرض الجزء: 6 ¦ الصفحة: 259 ولأن الاحتياط في ذلك واجب، لأنه عساه غير الفعل في الفرج عناه، أو زنى في دار الحرب، أو في المتقادم من الزمان، أو كانت له شبهة لا يعرفها هو ولا الشهود، كوطء جارية الابن. فيستقصى في ذلك احتيالا للدرء، فإذا بينوا ذلك، وقالوا: رأيناه وطئها في فرجها كالميل في المكحلة. وسأل القاضي عنهم. فعدلوا في السر والعلانية.   [البناية] عنه، فعاد حتى قالها أربع مرات، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنك قد قلتها أربع مرات فبمن؟ قال: بفلانة، قال: هل ضاجعتها؟ قال: نعم، قال: هل باشرتها؟ قال: نعم، قال: هل جامعتها؟ قال: نعم، فأمر به أن يرجم» الحديث. م: (ولأن الاحتياط في ذلك واجب) ش: أي في الاستفسار: (لأنه) ش: أي لأن المشهود عليه بالزنا. م: (عساه غير الفعل في الفرج عناه) ش: أي قصده، ولا يكون ماهية الزنا، ولا كيفية موجودة في دار الحرب. م: (أو زنى في دار الحرب) ش: أي أو يكون المشهود عليه زنا في دار الحرب. م: (أو في المتقادم من الزمان) ش: أي أو يكون زنا في الزمن المتقادم. م: (أو كانت له شبهة لا يعرفها هو) ش: أي المشهود عليه. م: (ولا الشهود) ش: أي ولا يعرفها الشهود. م: (كوطء جارية الابن فيستقصي) ش: أي الإمام وضبطه الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على صيغة المجهول. م: (في ذلك) ش: أي فيما ذكر من الأشياء وقد ذكرناها جميعا. م: (احتيالا للدرء) ش: أي لأجل الحيلة لدرء الحد، لما روى الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ادرءوا الحدود ما استطعتم» م: (فإذا بينوا ذلك) ش: أي فإذا بين الشهود الزنا بما ذكروا من الأمور. م: (وقالوا رأيناه وطئها في فرجها كالميل في المكحلة) ش: بضمتين وعاء الكحل. م: (وسأل القاضي عنهم) ش: أي عن الشهود. م: (فعدلوا) ش: عن صيغة المجهول. م: (في السر والعلانية) ش: صورة التعديل في السر أن يبعث القاضي بأسماء أول الشهود إلى العدل، بكتاب فيه أسماؤهم وأنسابهم [ ... ] ومحالهم وسوقهم، حتى يعرف العدل ذلك، فيكتب تحت اسم من كان عدلا: عدل جائز الشهادة، ومن لم يكن عدلا فلا يكتب تحت اسمه شيئا، أو يكتب الله يعلم، وصورة التعديل في العلانية، أن يجمع بين العدل والشاهد، فيقول العدل هذا هو الذي عدلته، وسيجيء في كتاب الشهادات بعض منه إن شاء الله تعالى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 260 حكم بشهادتهم ولم يكتف بظاهر العدالة في الحدود، احتيالا للدرء، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ادرءوا الحدود ما استطعتم» . بخلاف سائر الحقوق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وتعديل السر والعلانية نبينه في الشهادات إن شاء الله تعالى، قال في الأصل: يحبسه حتى يسأل عن الشهود، للاتهام بالجناية وقد «حبس رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رجلا بالتهمة» .   [البناية] م: (حكم بشهادتهم) ش: جواب قوله فإذا بينوا بالرجم إن كان الرجم موجب الزنا وبالجلد إن كان موجبه الجلد هنا، أو لم يعرف القاضي عدالة الشهود، أما إذا عرفها فحكم بلا تعديل. م: (ولم يكتف) ش: على صيغة المعلوم أي لم يكتف القاضي، وقال الكاكي: أبو حنيفة لم يكتف بسوق الكلام إليه. م: (بظاهر العدالة في الحدود احتيالا للدرء) ش: أي الدفع. م: (قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ادرءوا الحدود ما استطعتم» ش: وقد ذكرنا الحديث عن قريب. م: (بخلاف سائر الحقوق عند أبي حنيفة) ش: حيث يكتفي فيها بظاهر العدالة، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «المسلمون عدول بعضهم على بعض» ، إلا إذا طعن الخصم فحينئذ يسأل القاضي عن الشهود عنده أيضا.. م: (وتعديل السر والعلانية نبينه في الشهادات إن شاء الله تعالى) ش: أي بيان صورتها بذكره في باب الشهادات وقد ذكرناه آنفا. م: (قال: في الأصل) ش: أي قال محمد في " المبسوط " م: (يحبسه) ش: أي يحبس القاضي الشهود عليه بالزنا، بعد وصف الشهود الأشياء المذكورة. م: (حتى يسأل عن الشهود للاتهام بالجناية) ش: أي لأجل كون الشهود عليه متهما بالجناية فلذلك يحبسه خوفا من خروجه، فلا يظهر بعد ذلك، ولا يأخذ الكفيل منه، لأن في أخذه نوع احتياط، فلا يكون مشروعا، بما يدرأ بالشبهات. فإن قيل: الاحتياط في المجلس أظهر. قلنا: حبسه للتعزير لأنه صار متهما بارتكاب الفاحشة وأشار إليه المصنف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بقوله للاتهام.. م: (وقد حبس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلا بالتهمة) ش: هذا روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن معاوية بن حيدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - والترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والنسائي - رَحِمَهُ اللَّهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حبس رجلا في تهمة» ، وزاد الترمذي والنسائي: " ثم خل عنه ". وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث حسن. ورواه الحاكم في " المستدرك " وصححه، وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الحاكم في مستدركه "، والبزار وأبو نعيم - رحمهما الله - في " مسنديهما ": «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حبس رجلا في تهمة يوما وليلة استظهارا واحتياطا» ، وفي سنده إبراهيم بن خثيم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 261 بخلاف الديون حيث لا يحبس فيها قبل ظهور العدالة، وسيأتيك الفرق إن شاء الله قال: والإقرار أن يقر البالغ العاقل على نفسه بالزنا أربع مرات في أربعة مجالس مختلفة من مجالس المقر، كلما أقر رده القاضي، فاشتراط البلوغ والعقل؛ لأن قول الصبي والمجنون غير معتبر، أو هو غير موجب للحد، واشتراط الأربع مذهبنا، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكتفي بالإقرار مرة واحدة اعتبارا بسائر الحقوق وهذا لأنه مظهر، وتكرار الإقرار لا يفيد زيادة الظهور بخلاف زيادة العدد في الشهادة، ولنا حديث ماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.   [البناية] وعن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه ابن عدي والعقيلي - رحمهما الله - في كتابيهما «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حبس رجلا في تهمة» ، وفي سنده إبراهيم بن زكريا الواسطي قال العقيلي: مجهول وحديثه خطأ. وقال ابن عدي: وهذا باطل، وعن نبيشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الطبراني في الأوسط " أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حبس في تهمة» . م: (بخلاف الديون حيث لا يحبس فيها قبل ظهور العدالة) ش: لأن أخذ الكفيل فيها مشروع، فلا يتلف الحق فلا حاجة إلى الحبس قبل عدالة الشهود. م: (وسيأتيك الفرق إن شاء الله تعالى) ش: أي الفرق بينه وبين المديون، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذه حوالة غير رائجة ونحن بيناه. قلت: أراد به ما ذكره الآن لأن أخذ الكفيل فيها مشروع إلى آخره. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (والإقرار أن يقر العاقل على نفسه بالزنا أربع مرات في أربعة مجالس مختلفة من مجالس المقر، كلما أقر رده القاضي) ش: هذا كله كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - نقله المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم شرحه. م: (واشتراط البلوغ والعقل لأن قول الصبي والمجنون غير معتبر أو هو غير موجب للحد واشتراط الأربع) ش: يعني في الإقرار. م: (مذهبنا) ش: وبه قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكتفى بالإقرار مرة واحدة) ش: وبه قال الإمام مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (اعتبارا بسائر الحقوق) ش: يعني في سائر الحقوق القرب يعتبر في الشهادة دون الإقرار فكذلك هنا.. م: (وهذا) ش: أي الاعتبار بسائر الحقوق. م: (لأنه) ش: أي لأن الإقرار م: (يظهر) ش: حقيقة الأمر حجة بنفسه، فلا يشترط التكرار، كما في سائر الحقوق.. م: (وتكرار الإقرار لا يفيد زيادة الظهور بخلاف زيادة العدد في الشهادة) ش: لأن الشاهد الثاني، يفيد طمأنينة القلب زيادة على ما أفاده الأول. م: (ولنا حديث ماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: حديث ماعز بن مالك مشهور رواه البخاري ومسلم - رحمهما الله - عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «إن رجلا من المسلمين جاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في المسجد فناداه فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إني زنيت فأعرض عنه فتنحى تلقاء وجهه، فقال: يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه، حتى ثنى ذلك أربع مرات فلما شهد على نفسه أربع شهادات، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 262 فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخر الإقامة إلى أن تم الإقرار منه أربع مرات في أربعة مجالس فلو ظهر دونها لما أخرها لثبوت الوجوب. ولأن الشهادة فيه اختصت بزيادة العدد. فكذا الإقرار إعظاما لأمر الزنا وتحقيقا لمعنى الستر.   [البناية] دعاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أبك جنون؟، قال: لا، قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اذهبوا به فارجموه، فرجمناه بالمصلى فلما أذلقته الحجارة هرب، فأدركناه بالحرة فرجمناه» . وروى حديث ماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضا مسلم عن جابر بن سمرة ورواه أيضا عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعن بريدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضا في الكل الإقرار بأربع مرات. م: (فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخر الإقامة) ش: أي إقامة الحد: (إلى أن تم الإقرار منه) ش: أي من ماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (أربع مرات في أربعة مجالس فلو ظهر دونها) ش: أي فلو ظهر إقراره موجبا للحد دون الأربع، أي أربع مرات. م: (لما أخرها) ش: أي لما أخر إقامة الحد. م: (لثبوت الوجوب) ش: حاصل المعنى: لو كان الإقرار مرة واحدة كان لم يؤخر، لأن إقامة الحد عند [تلك] الصورة واجب، وتأخير الواجب لا يظن برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فإن قال قائل: إذا لم يثبت الحد بإقراره مرة واحدة، فقد اعترف بالوطء لا يوجب الحد، ويوجب المهر وإذا وجب المهر، لا يجب الحد مما بعد، لأن المهر والحد لا يجتمعان في وطء واحد. أجيب: بأن الإقرار أربع مرات، ولما اعتبر حجة لإثبات الزنا لم يتعلق بوجوب المهر بالإقرار مرة واحدة فقد اعترف بوطء لا يوجب، وإنما الحكم موقوف بأن تمت الحجة، ووجب الحد، وإن لم يتم، وجب المهر. فإن قيل: إنما أعرض النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه اتهمه أي في عقله، فقد جاء أشعث أغبر مغير اللون، إلا أنه لما أصر على الإقرار [ .... ] قبله، بعد ذلك، ثم لزوال الشبهة بالسؤال. فقال: أبك جنون؟، أما تغير الحال بدليل التوبة والخوف من الله عز وجل، لا دليل الجنون وإنما قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبك جنون؟، تلقينا لما يدرأ بالحد، كما يقال، لعلك وطئتها لترجع عن الزنا إلى الوطء بشبهة فيسقط الحد عنه، وكما قال للسارق أسرقت، ما أخاله سرق، ولأن الشهادة فيه دليل معقول، فظن جواب عن اعتبار الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بسائر الحقوق وتقريره. م: (ولأن الشهادة فيه) ش: أي في الزنا. م: (اختصت بزيادة العدد) ش: لأجل التغليظ ولم يختص سائر الحقوق بذلك. م: (فكذا الإقرار) ش: اشترط أربع مرات، لأن إحدى الحجتين لما اختصت بزيادة ليست في سائر الحقوق، فكذلك في الحجة الأخرى. م: (إعظاما لأمر الزنا وتحقيقا لمعنى الستر) ش: أي لأجل تعظيم أمر الزنا وتحقيق معنى الستر، لأن الستر مندوب منه كما ذكرنا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 263 ولا بد من اختلاف المجالس لما روينا. ولأن لاتحاد المجلس أثرا في جمع المتفرقات فعنده يتحقق شبهة الاتحاد في الإقرار والإقرار قائم بالمقر فيعتبر اختلاف مجلسه دون مجلس القاضي. فالاختلاف بأن يرده القاضي كلما أقر فيذهب حيث لا يراه ثم يجيء فيقر، هو المروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - طرد ماعزا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في كل مرة حتى توارى بحيطان المدينة. قال: فإذا تم إقراره أربع مرات سأله عن الزنا، ما هو وكيف هو وأين زنى وبمن زنى، فإذا بين ذلك لزمه الحد، لتمام الحجة، ومعنى السؤال عن هذه الأشياء بيناه في الشهادة.   [البناية] م: (ولا بد من اختلاف المجالس) ش: أي في الإقرار خلافا لأحمد وابن أبي ليلى - رحمهما الله -. م: (لما روينا) ش: أشار إلى قوله لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أخر الإقامة إلى أن تم الإقرار منه أربع مرات في أربعة مجالس. م: (ولأن لاتحاد المجلس أثرا في جمع المتفرقات) ش: كما في [ .... ] . م: (فعند ذلك) ش: أي عند اتحاد المجلس. م: (تحقيق شبهة الاتحاد في الإقرار) ش: ألا ترى إلى ما قال في حديث ماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، من إقراره خمس مرات فكان منها مرتبا في جهة واحدة. فلم يعتبر ذلك، ولم يذهب إليه أحد من المجتهدين - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (والإقرار قائم بالمقر فيعتبر اختلاف مجلسه) ش: أي مجلس المقر في وجوب الحد. م: (دون مجلس القاضي) ش: وفي بعض النسخ فيصير اتحاد مجلسه أي يعتبر اتحاد المجلس المقر في عدم وجوب الحد، لا مجلس القاضي. م: (والاختلاف) ش: أي اختلاف مجلس بأن يرده القاضي في كل مرة بأن يقول إنك مجنون ولعلك قبلتها أو لمستها فقال بعضهم، يعتبر اختلاف مجلس القاضي، والصحيح الأول. كذا في " شرح الطحاوي "، وفي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الاختلاف بقوله: م: (بأن يرده القاضي كلما أقر فيذهب حيث لا يراه ثم يجيء فيقر، هو المروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طرد ماعزا في كل مرة حتى توارى) ش: أي استتر. م: (بحيطان المدينة) ش: هذا الحديث، بهذا اللفظ غريب ومعناه، ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «جاء ماعز بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: ألا تعذرني فقال له: تلك، ما يدريك من الزنا، فأمر به فطرد وأخرج، ثم أتاه الثانية فقال مثل ذلك فأمر به فطرد ثم أتاه الثالثة فقال له ذلك، فأمر به فطرد وأخرج ثم أتاه الرابعة فقال له: مثل ذلك، [قال] أدخلت وأخرجت قال نعم فأمر به أن يرجم ..... » الحديث. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " م: (فإذا تم إقراره أربع مرات سأله عن الزنا ما هو وكيف هو وأين زنى وبمن زنى، فإذا بين ذلك لزمه الحد) ش: هذا كله لفظ القدوري وقال المصنف عقبه. م: (لتمام الحجة) ش: أي لتمام الدليل الموجب لإقامة الحد. م: (ومعنى السؤال عن هذه الأشياء) ش: أي عن الزنا، وكيفيته ومكانه من المزني بها. م: (بيناه في الشهادة) ش: على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 264 ولم يذكر السؤال فيه عن الزمان وذكره في الشهادة، لأن تقادم العهد، يمنع الشهادة دون الإقرار، وقيل: لو سأله جاز لجواز أنه زنى في صباه، فإن رجع المقر عن إقراره قبل إقامة الحد أو في وسطه، قبل رجوعه وخلى سبيله، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو قول ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ -، يقيم عليه الحد.   [البناية] الزنا، وهو تحقيق ما يوجب بها الحد. م: (ولم يذكر السؤال) ش: أي القدوري. م: (فيه) ش: أي في الإقرار. م: (عن الزمان) ش: أي عن سؤال الزمان. م: (وذكره) ش: أي والحال أنه ذكره، أي ذكر السؤال عن الزمان. م: (في الشهادة) ش: على الزنا أن يقول متى زنيت. م: (لأن تقادم العهد) ش: أي الزمان. م: (تمنع قبول الشهادة) ش: لتهمة ألحقه، والمرء لا يتهم على نفسه، فيقل إقراره وإن تقادم العهد، وهو معنى قوله. م: (دون الإقرار وقيل لو سأله جاز) ش: أي لو سأله الزمان جاز، قالوا في الفتاوى: ويجوز أن يسأل الزمان في الإقرار أيضا. م: (لجواز أنه زنى في صباه) ش: أي في حالة الصغر. م: (فإن رجع المقر) ش: أي المقر بالزنا إذا رجع. م: (عن إقراره قبل إقامة الحد أو في وسطه قبل رجوعه وخلى سبيله، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو قول ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقيم الحد عليه) ش: يعني لا يقبل رجوعه بعد الإقرار، ويلزمه الحد. واسم ابن أبي ليلى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - قاضي الكوفة، واسم أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - يسار خلاف اليمين وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كذا وقع في نسخ أصحابنا يعني ذكر خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هنا، ولكن خرج في كتب أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لو أقر على نفسه بالزنا، ثم رجع، يسقط عنه الحد. وكذا لو رجع بعدما أقيم الحد، يترك الباقي، قبل قولنا. وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قولنا، وعن الإمام مالك في قول الرجوع روايتان، وقال الكاكي أيضا: ثم اختلاف المجلس في الشهادة يمنع قبول الشهادة في الزنا وبه قال مالك وأحمد والأوزاعي والحسن بن صالح، إذا شهدوا بالزنا متفرقين يحدون حد القذف. قال الشافعي: وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -[ ... ] لا يحدون حد القذف، إذا كان الزنا واحدا، فلا يشترط اتحاد المجلس، وحد اتحاده، ما دام الحاكم جالسا لأن النص شرط الأربع مطلقا، فلا يفيد باتحاد المجلس كسائر الشهادات ولنا قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لو جاءوا مثل ربيعة ومضر كل فرادى لجلدتهم. ولو كان الزوج أحدهم يقبل عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو يقول فيه تهمة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 265 لأنه وجب الحد بإقراره. فلا يبطل برجوعه وإنكاره. كما إذا وجب بالشهادة وصار كالقصاص وحد القذف. ولنا أن الرجوع خبر محتمل للصدق كالإقرار. وليس أحد يكذبه فيه، فيتحقق الشبهة في الإقرار. بخلاف ما فيه حق العبد وهو القصاص. وحد القذف لوجود من يكذبه. ولا كذلك ما هو خالص حق الشرع. ويستحب للإمام أن يلقن المقر الرجوع فيقول له: لعلك لمست أو قبلت. «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لعلك لمستها أو قبلتها» وقال في الأصل: وينبغي أن يقول له الإمام لعلك تزوجتها أو وطئتها بشبهة.   [البناية] ونحن نقول إنه يعير بزنا امرأته فكان أبعد عن التهمة كشهادة الوالد على الولد. م: (لأنه وجب الحد بإقراره فلا يبطل برجوعه وإنكاره، كما إذا وجب) ش: أي الحد. م: (بالشهادة وصار كالقصاص وحد القذف) ش: أي صار حكم هذا كحكم من يرجع في القصاص عن حد القذف إذا ثبت أن الإقرار حيث لا تقبل الرجوع. م: (ولنا أن الرجوع خبر يحتمل الصدق كالإقرار وليس أحد يكذبه فيه) ش: أي في الرجوع. م: (فيتحقق الشبهة في الإقرار) ش: فتعارض الرجوع مع الإقرار يسقط الحد، لأن الحدود تندرئ بالشبهات. م: (بخلاف ما فيه حق العبد وهو القصاص وحد القذف لوجود من يكذبه) ش: هو الخصم. م: (ولا كذلك ما هو خالص حق الشرع) ش: فإن أحدا يكذبه فصح الرجوع فيه، لكن إذا اغتر بالسرقة ثم رجع صح رجوعه، في حق القطع، ولا يصح في حق المال، كذا في " شرح الطحاوي ". م: (ويستحب للإمام أن يلقن المقر الرجوع ويقول له لعلك لمست أو قبلت لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (لماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لعلك قبلتها أو فمسستها» ش: هذا كلام القدوري في " مختصره " يروي هذا الحديث بهذا اللفظ الحاكم في المستدرك عن حفص بن عمر العدني، حدثنا الحاكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن ماعزا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أتى إلى رجل من المسلمين فقال: إني أصبت فاحشة فما تأمرني فقال له: اذهب إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليستغفر لك، فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره، فقال له: لعلك قبلتها، قال: لا، قال: لمستها، قال: لا، قال: ففعلت بها كذا أو لم يكن، قال: نعم، قال: اذهبوا به فارجموه» وسكت الحاكم عنه. وتعقبه الذهبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " فقال: وحفص بن عمر العدني ضعفوه، والحديث عند البخاري بلفظ «لعلك قبلت أو لمست أو نظرت، قال: لا، قال: أفنكتها؟ قال: نعم، فعند ذلك أمر برجمه» وعند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مسنده «لعلك قبلت أو لمست أو نظرت» . م: (وقال في الأصل) ش: أي في " المبسوط " م: (وينبغي أن يقول له الإمام لعلك تزوجتها أو وطئتها بشبهة) ش: قال في " المبسوط ": يرد الإمام المعترف بالزنا في المرة الأولى والثانية والثالثة، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 266 وهذا قريب من الأول في المعنى.   [البناية] فإن عاد الرابعة فأقر عنده لما سأله عن الزنا ما هو وكيف هو، فإذا صنعه وأثبته قال له لعلك تزوجتها أو وطئتها بشبهة. م: (وهذا) ش: أي المذكور في الأصل. م: (قريب من الأول في المعنى) ش: أي قريب بما قاله القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن في كل منهما تلقين الرجوع للمقر، حتى لو قال المقر نعم سقط الحد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 267 فصل في كيفية الحد وإقامته وإذا وجب الحد وكان الزاني محصنا رجمه بالحجارة حتى يموت؛ «لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رجم ماعزا» وقد أحصن. وقال في الحديث المعروف وزنا بعد إحصان.   [البناية] [فصل في كيفية الحد وإقامته] [وجب الحد وكان الزاني محصنا] م: (فصل في كيفية الحد وإقامته) ش: أي هذا فصل في بيان كيفية الحد. والكيفية ما يقال به للشيء كيف هذا، وكيف كلمة موضوعة للسؤال عن الحال. قوله وإقامته، أي وفي بيان كيفية إقامة الحد، وذكر هذا الفصل بعد وجوب الحد، لما أن إقامته وكيفيته مرتبة على نفس الحد في الوجود. م: (وإذا وجب الحد وكان الزاني) ش: أي والحال أنه قد كان الزاني. م: (محصنا رجمه بالحجارة حتى يموت) ش: أي الإمام أو القاضي والمحصن من أحصن الرجل فهو محصن بفتح الصاد. وهذا أحد ما جاء على أفعل، فهو مفعل، وامرأة محصنة أي متزوجة، وليس في كلامهم أفعل، فهو مفعل إلا ثلاثة أحرف، أحدها هذا، ويقال أسهب من لذع الحية، أي ذهب عقله وهو سهب. قال المراجم: ويقال ألقح الرجل فهو يلقح إذا وقف حاله. م: (لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (رجم ماعزا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد أحصن) ش: على صيغة المجهول، أي والحال أنه كان محصنا وقد مضى الحديث من رواية البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال له: أحصنت قال: نعم، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذهبوا به فارجموه.» م: (قال: وفي الحديث المعروف وزنا بعد إحصان) ش: هذا مروي من حديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن أسعد بن سهل عن أبي أمامة الأنصاري «عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أنه أشرف عليهم يوم الدار، فقال: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث زنا بعد إحصان، وارتداد بعد إسلام، وقتل نفس بغير حق، قالوا: اللهم نعم، قال: فعلام تقتلوني» الحديث. قال الترمذي: حديث حسن، وروي من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه أبو داود في " سننه " عنها قالت: " قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، رجل زنى بعد إحصان فإنه يرجم ورجل خرج محاربا لله ولرسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض، ورجل قتل نفسا فإنه يقتل بها» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 268 وعلى هذا إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قال: ويخرجه إلى أرض فضاء ويبتدئ الشهود برجمه ثم الإمام ثم الناس، كذا روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولأن الشاهد قد يتجاسر على الأداء ثم يستعظم المباشرة فيرجع فكان في بدايته احتيال للدرء له. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تشترط بدايته اعتبارا بالجلد.   [البناية] م: (وعلى هذا إجماع الصحابة) ش: أي على وجوب رجم المحصن إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين. وروى الترمذي بإسناده عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «رجم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورجم أبو بكر، ورجمت ولولا أني ذكرته أن أزيد في كتاب الله لكتبته في المصحف، فإني قد خشيت أن يجيء أقوام فلا يجدونه في كتاب الله، فيكفرون به» وحديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مذكور في الموطأ أيضا. قلت: قد كان رجم أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بحضرة الصحابة، ولم ينكرها أحد فحل محل الإجماع. وفي " شرح الأقطع ": ولا خلاف في ذلك بين الأمة، إلا ما روي عن الخوارج أن الحد كله الجلد، ولا رجم، وإنما قالوا ذلك لأنهم لا يقبلون أخبار الآحاد، وقولهم لا يلتفت إليه، لأنه خرق الإجماع، والأحاديث فيه كادت أن تكون متواترة. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويخرجه إلى أرض فضاء، ويبتدئ الشهود برجمه، ثم الإمام، ثم الناس، كذا روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: قوله كذا روي عن علي في المصنف. روى ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا عبد الله بن إدريس عن زيد عن عبد الله ابن أبي ليلى أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان إذا شهد عنده الشهود على الزنا أمر الشهود أن يرجموا ثم رجم الناس وإذا كان بإقرار بدأ هو فرجم ثم رجم الناس. م: (ولأن الشاهد قد يتجاسر على الأداء) ش: أي يجترئ على أداء الشهادة كاذبا. م: (ثم يستعظم المباشرة فيرجع فكان في بدايته احتيال للدرء له) ش: أي فكان في ابتداء الشهود بالرجم حيلة لدفع الحد، لأنا أمرنا به. م: (وقال الشافعي: لا يشترط بدايته) ش: أي بداية الشاهد، وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، في رواية م: (اعتبارا بالجلد) ش: حيث لا يشترط فيه بدايتهم، وقالت الشافعية - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ولكن يستحب حضورهم وبدايتهم بالرمي. وكذا لو ثبت الزنا بإقرار لا يشترط حضور الإمام ولا نائبه عندهم، ولكن يستحب حضورهم وبدايتهم بالرمي، وكذا لو ثبت الزنا بالإقرار لا يشترط حضور الإمام. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 269 قلنا: كل أحد لا يحسن الجلد، فربما يقع مهلكا والإهلاك غير مستحق، ولا كذلك الرجم لأنه إتلاف. قال: فإن امتنع الشهود من الابتداء سقط الحد؛ لأنه دلالة الرجوع، وكذا إذا ماتوا أو غابوا، في ظاهر الرواية. لفوات الشرط.   [البناية] م: (قلنا: كل أحد لا يحسن الجلد فربما يقع مهلكا والإهلاك غير مستحق) ش: أي في الجلد. م: (ولا كذلك الرجم لأنه إتلاف) ش: لأن فيه مستحق للنقل بخلاف الجلد لأنه للتأديب وللزجر. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن امتنع الشهود من الابتداء سقط الحد لأنه) ش: أي لأن امتناعهم عن الابتداء م: (دلالة الرجوع) ش: وكذا إذا امتنع بعضهم م: (وكذلك) ش: أي سقط الرجم م: (إذا ماتوا) ش: أي الشهود م: (أو غابوا) ش: لأن الشرط بدل لهم وقد تقدم ذلك بالموت والغيبة. وكذا زعموا أو خرسوا أو جبنوا أو فسقوا أو ارتدوا وقذفوا فحدوا سواء اعترض ذلك قبل القضاء، أو بعد القضاء، قبل الإمضاء؛ لأن الإمضاء من القضاء في باب الحدود، فإذا لم يحصل الإمضاء فكأنه لم يحصل القضاء وقيل بقوله. م: (في ظاهر الرواية لفوات الشرط) ش: احترازا عما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الطحاوي " أنه قال: لا يبطل الرجم بموت الشهود، ولا يفهم هذا، إذا كان الشهود عليه محصنا. أما إذا كان غير محصن فقد قال الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الكافي " أقيم عليه الحد في الموت والغيبة، ويبطل فيما سواها، وكذلك ما سوى الحدود من حقوق الناس. وفي " الذخيرة ": ولو كان الشهود أو بعضهم مقطوع اليدين، أو مرضى لا يستطيعون الرمي وحضروا رمي القاضي، ولو قطعت بعد الشهادة، امتنعت الإقامة، ولو غاب واحد منهم، أو يرجع حتى يحضر كلهم. وفي " المبسوط ": إذا امتنع الشهود، سقط الرجم. ولكن لا يقام الحد على الشهود، لأنهم ثابتون على الشهادة، لأن الإنسان يمتنع عن القتل بحق ويستحب للإمام أن يأمر طائفة، أي جماعة من المسلمين أن يحضروا لإقامة الحد. وقد اختلف في عدد الطائفة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال عطاء وإسحاق - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اثنتان، وقال الزهري: ثلاثة، وقال الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ - عشرة، وقال مالك والشافعي - رحمهما الله - أربعة وفي " الإيضاح " لا بأس بكل من رمى أن يعيد قتله، لأنه المقصود من الرجم، إلا إذا كان الرجم محرما من المرجوم فإنه لا يستحب أن يتعمد قتله. وقد روي «عن حنظلة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه استأذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قتل أبيه وكان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 270 وإن كان مقرا ابتدأ الإمام ثم الناس، كذا روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «ورمى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الغامدية بحصاة مثل الحمصة وكانت قد اعترفت بالزنا» ويغسل ويكفن ويصلى عليه؛ «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في ماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اصنعوا به كما تصنعون بموتاكم» ولأنه قتل بحق، فلا يسقط الغسل كالمقتول قصاصا.   [البناية] كافرا فمنعه من ذلك، وقال: دعه يكفيك عراؤه» . م: (وإن كان) ش: أي وإن كان الزاني المحصن م: (مقرا) ش: بالزنا م: (ابتدأ الإمام ثم الناس، كذا روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وقد ذكرناه عن قريب م: (ورمى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الغامدية بحصاة مثل الحمصة وكانت قد اعترفت بالزنا) ش: وهذا رواه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - في سننه، من حديث أبي بكرة عن أبيه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة» . قال أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث عن عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا زكريا بن سليم أبو عمران بإسناده نحوه. وزاد: «ثم رماها بحصاة مثل الحمصة، قال: ارموا واتقوا الوجه فلما طفئت أخرجها، فصلى عليها» انتهى. وهذه المرأة هي الغامدية [ .... ...... ] . م: (ويغسل) ش: أي المرجوم م: (ويكفن ويصلى عليه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (لماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «اصنعوا به كما تصنعون بموتاكم» ش: هذا رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، حدثنا أبو معاوية عن أبي حنيفة عن علقمة [بن] مرثد عن ابن بريدة عن أبيه بريدة قال: «لما رجم ماعز قالوا يا رسول الله ما نصنع به؟ قال: اصنعوا به ما تصنعون بموتاكم من الغسل والكفن والحنوط والصلاة عليه» . وروي «اصنعوا به ما تصنعون بموتاكم من أهل الحجاز [ ... ] ، وقد رأيته ينغمس في أنهار الجنة» . وعن مالك: لا يصلى على المرجوم، كذا ذكره، ولكن ذكر في " الجواهر " من كتب المالكية غسل وصلي عليه. م: (ولأنه) ش: أي ولأن المرجوم م: (قتل بحق، فلا يسقط الغسل كالمقتول قصاصا) ش: فإنه يغسل ويصلى عليه م: (وصلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الغامدية بعدما رجمت) ش: وقد روى الجماعة إلا البخاري عن ابن حصين " أن «امرأة من جهينة أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي حبلى من الزنا، فقالت يا نبي الله أصبت حدا فأقمه علي» .... الحديث، وفيه «ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها» الحديث. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 271 «وصلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على الغامدية بعدما رجمت» وإن لم يكن محصنا وكان حرا فحده مائة جلدة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] (النور: الآية 2) ، إلا أنه انتسخ في حق المحصن، فبقي في حق غيره معمولا به. قال: يأمر الإمام بضربه بسوط لا ثمرة له ضربا متوسطا؛ لأن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما أراد أن يقيم الحد كسر ثمرته.   [البناية] وصح في السنن أيضا «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى على الغامدية ودفنت» وفي حديثها: «لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له» وصاحب المكس: هو العشار منها، والمكس ما يأخذه. [وجب الحد وكان الزاني غير محصن] م: (وإن لم يكن) ش: أي وإن لم يكن الزاني المقر م: (محصنا وكان حرا فحده مائة جلدة، لقوله عز وجل {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] ش: قوله الزانية مبتدأ، والزاني عطف عليه، والخبر محذوف تقديره فيما فرض عليكم، الزانية والزاني، أي حكمهما وهو الجلد ويجوز أن يكون الخبر قوله فاجلدوا، وهو مذهب المبرد، والأول مذهب الخليل وسيبويه. ودخول الباء في الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط، لأن الألف واللام فيه بمعنى الذي أي التي زنت والذي زنى فاجلدوهما، كقولك من زنى فاجلدوا، كذا قرره الأترازي وفيه تأمل. م: (إلا أنه انتسخ في حق المحصن فبقي في حق غيره معمولا به) ش: في حق المحصن بآية أخرى غيره، بيانه أن قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] (النور: الآية 2) ، والآية عامة في المحصن وغيره، وإلا أنه انتسخ في حق آية أخرى، فنسخت تلاوتها وبقي حكمها، والآية الأخرى هي قوله - الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله، والله عزيز حكيم - رواها عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في خطبته بحضرة الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من غير نكير. وقال: إن مما يتلى في كتاب الله: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله، والله عزيز حكيم، ولا يتمه في روايته إلا أن الله تعالى صرفها من قلوب العباد لحكمة لم يكتبها عمر في المصحف، وقال: لو كان يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها. م: (يأمر الإمام بضربه) ش: أي بضرب الزاني غير المحصن م: (بسوط لا ثمرة له) ش: ثمرة السوط عقد أطرافه، ذكره في " الصحاح ". وقيل المراد بالثمرة ذنبه وطرفه، لأنه إذا كان ذلك يصير الضربة ضربتين. وهذا أصح، لما روي أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جلد الوليد بسوط له طرفان، وفي رواية له ذنبان أربعين جلدة، فكانت الضربة ضربتين، والأول هو المشهود م: (ضربا متوسطا) ش: أي بين القوي والضعيف، والآن يفسره المصنف، لما روي م: لأن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما أراد أن يقيم الحد كسر ثمرته) ش: هذا غريب. وروى ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا عيسى بن يونس عن حنظلة العدوي، قال: سمعت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 272 والمتوسط بين المبرح وغير المؤلم لإفضاء الأول إلى الهلاك وخلو الثاني عن المقصود، وهو الانزجار، وينزع عنه ثيابه معناه دون الإزار؛ لأن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يأمر بالتجريد في الحدود، ولأن التجريد أبلغ في إيصال الألم إليه، وهذا الحد مبناه على الشدة في الضرب.   [البناية] أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول كان يؤمر بالسوط فيقطع ثمرته، ثم يدق بين حجرين، حتى يلين ثم يضرب به. قلنا لأنس: في زمان من كان، قال: في زمان عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وروى عبد الرزاق في مسنده عن معمر «عن يحيى بن أبي كثير أن رجلا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدا فأقمه علي، فدعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسوط، فأتي بسوط جديد عليه ثمرته فقال: لا، سوط دون هذا، فأتي بسوط مكسور العجز فقال: لا، سوط فوق هذا، فأتي بسوط بين السوطين فأمر به فجلد.» م: (والمتوسط بين المبرح وغير المؤلم) ش: والمبرح غير [المؤلم] بكسر الراء من برح في هذا الأمر غلط على، واشتد ومن برحاء الحمى، وغيرها شدة الأذى، والمؤلم بكسر اللام أي الموجع من الإيلام م: (لإفضاء الأول إلى الهلاك) ش: المبرح م: (وخلو الثاني) ش: وهو المؤلم م: (عن المقصود وهو الانزجار) ش: وفي " فتاوى الولوالجي " إذا كان رجل وجب عليه الحد وهو ضعيف الجلد فخيف عليه الهلاك إذا ضرب، يجلد جلدا خفيفا مقدار ما يتحمله. م: (وينزع عنه ثيابه) ش: هذا لفظ القدوري، وقال المصنف م: (معناه دون الإزار) ش: يعني معنى كلام القدوري ينزع ثياب الزاني غير المحصن دون الإزار م: (لأن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يأمر بالتجريد في الحدود) ش: وهذا غريب وقد روي عنه خلاف رواية عبد الرزاق في " مصنفه "، أخبرنا الثوري عن جابر عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أتي برجل في حد وعليه كساء قسطلاني فضربه قاعدا. م: (ولأن التجريد أبلغ في إيصال الألم إليه) ش: أي إلى المضروب، وبخلافه [ما] رواه عبد الرزاق في " مصنفه " عن ابن عيينة عن مطرف عن الشعبي قال: سألت المغيرة بن شعبة عن القاذف، أتنزع عنه ثيابه؟ قال: لا تنزع عنه، إلا أن يكون فروا أو محشوا. وقال أخبرنا الثوري عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم عن ابن مسعود قال: لا يحل في هذه الأمة التجريد ولا أمد، ولا غل، ولا صفد. م: (وهذا الحد) ش: أي حد الزنا م: (مبناه على الشدة في الضرب) ش: احترز به عن حد القذف، فإن القاذف يضرب وعليه ثيابه ولكن ينزع عنه الفرو، والحشو. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 273 وفي نزع الإزار كشف العورة فليتوقاه، ويفرق الضرب على أعضائه لأن الجمع في عضو واحد، قد يفضي إلى التلف. والحد زاجر لا متلف، قال إلا رأسه ووجهه وفرجه، «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للذي أمره بضرب الحد: اتق الوجه والمذاكير» .   [البناية] وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال الشافعي وأحمد: لا ينزع بل يترك عليه قميص أو قميصان م: (وفي نزع الإزار كشف العورة فليتوقاه) ش: يعني يحترز منه ولا ينتزع م: (ويفرق الضرب على أعضائه) ش: أعضاء المحدود على الكتفين والذراعين والعضدين والساقين والقدمين. م: (لأن الجمع) ش: أي جمع الضرب م: (في عضو واحد قد يفضي إلى التلف) ش: وذلك غير مستحق عليه م: (والحد زاجر لا متلف) ش: يعني الحد شرع للزجر لا للإتلاف م: (قال) ش: أي القدوري م: (إلا رأسه ووجهه وفرجه) ش: هذا استثني من قوله ويعرف الضرب على أعضائه. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": ويعطى كل عضو حظه من الضرب، ما خلا الوجه والرأس والفرج، وفي قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضرب الرأس أيضا. وكان قوله والأقوال مثل قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الطحاوي " وروي عن أبي يوسف أنه قال: يضرب على الرأس ضربة واحدة. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضرب كله على الظهر، وكذا ذكر عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الكافي "، و " المنظومة "، وهذا خلاف ما ذكر في كتبه المشهورة، ولهذا قال في " شرح المجمع ": يتركب ذكر الخلاف، وعن مالك يخص الضرب على الظهر وما يليه. وروى ابن سماعة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يضرب الظهر في التعزير، وفي الحدود يضرب الأعضاء، وقال الحسن بن صالح: يضرب في التعزير أيضا الأعضاء كلها إلا الوجه والمذاكير. ولا خلاف في اتقاء الوجه والفرج م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للذي أمره بضرب الحد، «اتق الوجه والمذاكير» ش: هذا الحديث غريب مرفوعا [ .... ] ، وروي موقوفا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه "، حدثنا حفص بن عمر عن ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عدي بن ثابت عن عكرمة بن خالد عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " قال: أتى عليا رجل في حد فقال: اضرب وأعط كل عضو حقه، واتق الوجه والمذاكير " ورواه عبد الرزاق أيضا في " مصنفه "، والمذاكير: جمع الذكر، على خلاف القياس، كأنهم فرقوا بذلك الجمع بين المذكور الذي هو الفحل، وبين الذكر الذي هو العضو. والنهي عن ضرب الوجه في الصحيحين عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال قال رسول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 274 ولأن الفرج مقتل والرأس مجمع الحواس، وكذا الوجه وهو مجمع المحاسن أيضا، فلا يؤمن فوات شيء منها بالضرب وذلك إهلاك معنى، فلا يشرع حدا، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضرب الرأس أيضا رجع إليه، وإنما يضرب سوطا لقول أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اضربوا الرأس فإن فيه شيطانا، قلنا تأويله، أنه قال ذلك فيمن أبيح قتله، ذلك ورد في مشرك من أهل الحرب.   [البناية] الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه» وأخرج مسلم عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الضرب في الوجهين وعن الوشم في الوجه.» م: (ولأن الفرج مقتل) ش: أي موضع قتل يؤدي إلى الهلاك م: (والرأس مجمع الحواس) ش: فيخاف منها على غاية عقله وعامة حواسه م: (وكذا الوجه وهو مجمع المحاسن أيضا) ش: هو جمع حسن على خلاف القياس م: (فلا يؤمن فوات شيء منها) ش: أي من الحواس والمحاسن م: (بالضرب وذلك إهلاك معنى) ش: لأنه يضرب مثله وهي منهية فإذا كان كذلك م: (فلا يشرع حدا) ش: أي فلا يشرع شيء من ذلك من حيث الحد. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضرب الرأس أيضا رجع إليه) ش: أي إلى ضرب الرأس كان يقول أولا لا يضرب الرأس ثم رجع وقال م: (وإنما يضرب سوطا) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أظهر الوجهين وفي " الإيضاح ": ولا يضرب الرأس عادة، لأن ضربه سوطا وسوطين يخشى منه؛ يجيء منه الفساد. روى صاحب " الأجناس " من كتاب الحدود، أملاه رواية أبي سليمان، قال أبو يوسف: يتقي الوجه والفرج والبطن والصدر، ويضرب الرأس، وقال في " الكامل " ومن نص مشايخنا لا يضرب الصدر والبطن لأنه يقتل كالرأس. م: (لقول أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اضربوا الرأس فإن فيه شيطانا) ش: هذا رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا وكيع عن المسعودي عن القاسم أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أتي برجل انتفى من أبيه، فقال أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اضرب الرأس فإن الشيطان في الرأس، والمسعودي ضعيف. م: (قلنا تأويله) ش: أي تأويل قول أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أنه قال ذلك) ش: أي اضربوا الرأس م: (فيمن أبيح قتله) ش: قال الأترازي: وأمر أبي بكر ليس حجة لأبي يوسف م: (ذلك ورد في مشرك من أهل الحرب) ش: محلوق الرأس وضرب رأسه وجب، والهلاك مستحق، كذا أجاب عنه فخر الإسلام وغيره، في شرح " الجامع الصغير "، انتهى. قلت: فيه نظر من وجوه: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 275 كان من دعاة الكفرة، والإهلاك فيه مستحق، ويضرب في الحدود كلها قائما. غير ممدود؛ لقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يضرب الرجال في الحدود قياما والنساء قعودا، ولأن مبنى إقامة الحد على التشهير، والقيام أبلغ فيه ثم قوله غير ممدود فقد قيل: المد أن يلقى على الأرض ويمد، كما يفعل في زماننا، وقيل أن يمد السوط فيرفعه الضارب فوق رأسه، وقيل أن يمده بعد الضرب.   [البناية] الأول: أن أمر أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ورد في رجل ابتغى من أبيه ولم يذكر فيه، من مشرك من أهل الحرب. الثاني: إن المشرك من أهل الحرب إذا دخل دار الإسلام بأمان لا يقتل، والظاهر أن أحدا منهم لا يدخل إلا بأمان فلا يقتل. الثالث: لو سلمنا أن هذا المشرك إذا استحق القتل يقتل بلا ضرب على رأسه، لأن الشارع أمر بإحسان القتل، وهذا كله على تقدير أن يكون أمر أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صحيحا، وهو ضعيف. كذا ذكرنا فلا يحتاج إلى تطويل الكلام فيه، ونقل أنه - أي أن أمر أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ورد في حربي م: (كان من دعاة الكفر عنه) ش: أي يدعو الناس إليهم، وقد مر الكلام فيه م: (والإهلاك فيه) ش: أي هذا الحربي الذي هو من دعاة الكفرة م: (مستحق) ش: والتعذيب بضرب الرأس قبل القتل غير مستحق لما ذكرنا م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ويضرب في الحدود كلها قائما) ش: أي حال كونه قائما م: (غير ممدود لقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: يضرب الرجال في الحدود قياما والنساء قعودا) ش: هذا أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه ". أخبرني الحسن بن أبي عمارة عن الحكم عن يحيى بن الجزار عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: يضرب الرجل قائما والمرأة قاعدة في الحد، قوله قياما أي قائمين وقعودا أي قاعدات، كذا قيل. قلت: القعود جمع قاعدين، وجمع النساء قواعد جمع قاعدة. م: (ولأن مبنى إقامة الحد على التشهير، والقيام أبلغ فيه) ش: أي في الرجل م: (ثم قوله) ش: أي قول محمد م: (غير ممدود) ش: أي حال كونه غير ممدود، واختلفوا فيه م: (فقد قيل المد أن يلقى على الأرض ويمد كما يفعل في زماننا) ش: بعد أن ينعقد رجل على رأسه والآخر على رجله. م: (وقيل أن يمد السوط فيرفعه الضارب فوق رأسه وقيل أن يمده بعد الضرب) ش: قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني بعدما أوقع السوط على البدن لا يمده لأنه زيادة مبالغة لم يرد به الأثر، ولا روي فيه الخبر، وقال بعضهم: لا يمد المحدود بين العقابين كما يفعل بين يدي الظلمة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 276 وذلك كله لا يفعل، لأنه زيادة على المستحق. وإن كان عبدا، جلده خمسين جلدة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] (النساء: الآية 25) ، نزلت في الإماء، ولأن الرق منقص للنعمة، فيكون منقصا للعقوبة، لأن الجناية عند توافر النعم أفحش، فيكون أدنى التغليظ والرجل والمرأة في ذلك سواء، لأن النصوص تشملهما غير أن المرأة لا ينزع من ثيابها إلا الفرو والحشو، لأن في تجريدها كشف العورة، والفرو والحشو يمنعان وصول الألم إلى المضروب   [البناية] لأنه بدعة، والعقابان عودان ينصبان بقودين في الأرض، يمد بينهما المضروب أو المصلوب. م: (وذلك كله لا يفعل) ش: ذلك إشارة إلى ما ذكر من الإقرار م: (لأنه زيادة على المستحق) ش: لأنه يكون ظلما، والمستحق قدر الحد، قالوا في الحدود كلها لا يمسك ولا يربط، ولا يبطح، بل يترك قائما إلا أن يعجزهم، فلا بأس أن يشدوه على أسطوانة ونحوها، وعند مالك: يضرب جالسا ولكن غير ممدود. [حد العبد] م: (وإن كان) ش: أي الزاني م: (عبدا جلده) ش: أي جلده القاضي م: (خمسين جلدة لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] (النساء: الآية 25) نزلت م: (في الإماء) ش: وقبلها {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ} [النساء: 25] أي الإماء إذا أحصن، أي تزوجن، فإن أتين بفاحشة أي زنين {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] أي الحرائر من العذاب، أي الحد، أي عليهن نصف الحد، والحد مائة جلدة، على الحر أو الحرة، إذا لم يكونا محصنين، نصف ذلك خمسون، فيكون ذلك حد الأمة. فإذا كان ذلك حد الأمة، فيكون حد العبد أيضا، لأن المؤثر للنقصان فيهما واحد م: (ولأن الرق منقص للنعمة) ش: ألا ترى أن العبد لا يتزوج إلا اثنين، والأمة من القسم نصف ما للحرة، [و] أن الرق منقص للنعمة م: (فيكون منقصا للعقوبة، لأن الجناية عند توافر النعم) ش: أي عند تكاثر النعم - بكسر النون جمع نعمة - م: (أفحش) ش: يؤيده قَوْله تَعَالَى {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30] (الأحزاب: الآية 30) ثم قال {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32] (الأحزاب: الآية 32) . ثم أيد بالعذاب في الأمة الجلد لا الرجم، بدلالة السياق، لأن الرجم قتل، والقتل ينتصف قائما، وإنما عليهن نصف الشيء الذي له النصف، وهو الجلد. م: (فيكون أدعى إلى التغليظ) ش: أي فيكون الجناية عند توافر النعم أدعى إلى التغليظ فيما يستحق عليه م: (والرجل والمرأة في ذلك) ش: أي في الحد م: (سواء، لأن النصوص تشملهما غير أن المرأة لا ينزع من ثيابها إلا الفرو والحشو، لأن في تجريدها كشف العورة والفرو والحشو) ش: هو الثوب المحشو بالقطن ونحوه م: (يمنعان وصول الألم إلى المضروب) ش: لكنها فيهما. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 277 والستر حاصل بدونهما فينزعان، وتضرب جالسة لما روينا، ولأنه أستر لها، قال: وإن حفر لها في الرجم جاز، «لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حفر للغامدية إلى ثندوتها» وحفر علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لشراحة الهمدانية.   [البناية] م: (والستر) ش: أي ستر المضروب م: (حاصل بدونهما) ش: أي بدون الفرو والحشو م: (فينزعان) ش: ليصل الألم إلى بدنها م: (وتضرب) ش: أي المرأة م: (جالسة لما روينا) ش: من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو قوله يضرب الرجال في الحدود قياما والنساء قعودا. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الضرب وهي جالسة م: (أستر لها) ش: لأنها تنضم وتتجمع م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإن حفر لها في الرجم جاز، لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (حفر للغامدية إلى ثندوتها) ش: هذا الحديث رواه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " سننه " حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا وكيع بن الجراح عن زكريا بن سليم أبي عمران، قال سمعت شيخا يحدث عن ابن أبي بكرة عن أبيه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة» وفيه مجهول، وحديثها في مسلم من رواية بريدة وفيه «ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، ثم أمر الناس فرجموها» ويوجد في بعض نسخ " الهداية " حفر لها إلى ثديها، والثدي يذكر ويؤنث. قال الجوهري: الثدي للرجل والمرأة، وقال ابن فارس: الثدي للمرأة، ويقال للرجل ثندوة، وهذا مشعر بتخصيص الثندوة بالرجل، قال: ولم أجد أحدا من أهل اللغة ذكر استعمال الثندوة في المرأة. قلت: حديث أبي داود فيه استعماله للمرأة، ودعوى تخصيص الثندوة بالرجل ما قد وقع في " الصحيح " أن رجلا وضع ذباب سيفه بين ثدييه. وذكر في " المغرب "، أن الثندوة بفتح الدال والواو، وبالضم والهمزة، فوضع الواو والدال في الحالين مضمومة ثدي الرجل، أو لحم الثديين، وقال في " المجمل " ثندوة الرجل كثدي المرأة وهو مشهور، إذا ضم أوله فإذا فتح لم يهمز. ويقال هو ضرب الثدي، فعلى هذا يكون، المراد من الحديث طرف الثدي، وهو قوله م: (وحفر علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لشراحة الهمدانية) ش: هذا أخرجه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مسنده " عن يحيى بن سعيد عن مجالد عن الشعبي، قال: كان لشراحة زوج غائب بالشام، وأنها حملت، فجاء بها مولاها إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: إن هذه زنت، فاعترفت فجلدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، وحفر لها إلى السرة وأنا شاهد، الحديث، وقوله م: (الهمدانية) ش: نسبة إلى همدان بفتح الهاء وسكون الميم حي من العرب، كذا نقل الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن " ديوان الأدب ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 278 وإن ترك الحفر لا يضره، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يأمر بذلك، وهي مستورة بثيابها، والحفر أحسن، لأنه أستر، ويحفر إلى الصدر لما روينا، ولا يحفر للرجل لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ما حفر لماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولأن مبنى الإقامة على التشهير في الرجال، والربط والإمساك غير مشروع، ولا يقيم المولى الحد على عبده، إلا بإذن الإمام، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - له أن يقيمه.   [البناية] قلت: اسم همدان أوسلة بن مالك بن زيد بن ربيعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - شعب عظيم ينسب إليه خلق كثير من الشعراء والعلماء، والفرسان، وأما همذان بفتح الهاء وفتح الميم والذال المعجمة مدينة من أشهر مدن الجبال [ .... ] . م: (وإن ترك الحفر لا يضره، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يأمر بذلك) ش: وهذا ذهول من المصنف وتناقض، فإنه يقدم في كلامه أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، حفر للغامدية وهو في مسلم م: (وهي مستورة بثيابها والحفر أحسن، لأنه أستر، ويحفر إلى الصدر لما روينا) ش: أي من حديث الغامدية حيث حفر لها إلى الثدوة. م: (ولا يحفر للرجل لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (ما حفر لماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «إنما أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجم ماعز بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرجمنا به البقيع فوالله ما أوثقناه، ولا حفرنا له ولكنه قام» ... الحديث ودفع في حديث مسلم أيضا. لأنه حفر له من رواية بريدة وقتيبة، فلما كانت الرابعة حفرت له حفرة، وأمر به، فرجم، وفي مسند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا من حديث أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حفر له، والتوفيق بين الروايتين، أن الأخذ برواية المثبت، أولى من رواية النافي، لا قال أنه ما يذكره ولا يلزم منه عدم الوقوع. م: (ولأن مبنى الإقامة) ش: أي إقامة الحد م: (على التشهير في الرجال) ش: وترك الحفر أبلغ في ذلك، قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا هو ظاهر الرواية، وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن شاءوا حفروا له وإن شاءوا لم يحفروا له م: (والربط والإمساك غير مشروع) ش: يعني في الرجم وذلك لأن ماعزا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يربط ولم يمسك، وقد ذكرنا أنه إذا تصعب يربط. م: (ولا يقيم المولى الحد على عبده إلا بإذن الإمام، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - له أن يقيمه) ش: أي للمولى أن يقيم الحد على مملوكه، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله، وعن مالك لا يجوز أن يتولى المولى إقامة الحد في الأمة المتزوجة، وفي العبد يتولى بكل حال، ولأصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في الأول وجهان: أحدهما: السيد أولى لفرض استصلاح ملكه، وأظهرهما أن الإمام أولى لولايته العامة، وليخرج عن الخلاف وهذا فيما إذا عاين سيده من العبد، أو أقر العبد [به] عنده، أما لو ثبت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 279 لأن له ولاية مطلقة عليه، كالإمام، بل أولى لأنه يملك من التصرف فيه، ما لا يملكه الإمام، فصار كالتعزير، ولنا «قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أربع إلى الولاة، وذكر منها الحدود»   [البناية] بالبينة فله فيه قولان، وفي حد القذف والقصاص له وجهان. م: (لأن له) ش: أي للمولى م: (ولاية مطلقة عليه) ش: أي على عبده م: (كالإمام بل أولى، لأنه يملك من التصرف فيه، ما لا يملكه الإمام فصار كالتعزير) ش: حيث يجوز للمولى أن يعزر عبده بدون إذن الإمام. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «أربع إلى الولاة» وذكر منها الحدود) ش: هذا غريب، وروى ابن أبي شيبة في مصنفه، حدثنا عبدة بن عاصم عن الحسن قال: أربعة إلى السلطان الصلاة والزكاة والحدود والقصاص. حدثنا ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن جبلة بن عطية عن عبد الله بن جرير قال: الجمعة والحدود والزكاة والفيء إلى السلطان. حدثنا عمر بن أيوب عن مغيرة بن زياد عن عطاء الخراساني قال: إلى السلطان الزكاة والجمعة والحدود، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولنا ما روى أصحابنا في كتبهم عن ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - موقوفا ومرفوعا أربع إلى الولاة، الحدود والصدقات والجماعات والفيء. وكذا قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - نحوه، غير أنه قال مرفوعا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أربع إلى الولاة» إلى آخره وكذا قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - فانظر إلى هذا التقصير من هؤلاء، كيف سكتوا عن تحرير الحديث الذي ذكره المصنف من غير أصل، والخصم الذي يحتج لمذهبه بالأحاديث الصحيحة هل يرضى بهذا الحديث الذي ليس له أصل. وأما ما احتج به الخصم فيما ذهب إليه ما رواه الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بإسناده إلى أبي عبد الرحمن السلمي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال «خطب علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: يا أيها الناس أقيموا الحدود على أرقائكم من أحسن منهم ومن لم يحسن، وأن أمة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زنت فأمرني أن أجلدها فأتيتها، فإذا هي حديث عهد بنفاس فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، أو قال: تموت، فأتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له، فقال: أحسنت» هذا حديث صحيح. وروى الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا زنت أمة أحدكم، فليجلدها ثلاثا بكتاب الله تعالى، فإن عادت فليبعها، ولو بحبل من شعر» وفي رواية أبي داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور، «وأقيموا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 280 ولأن الحد، حق الله تعالى، لأن المقصود منه، إخلاء العالم عن الفساد، لهذا لا يسقط بإسقاط العبد.   [البناية] الحدود على ما ملكت أيمانكم» . وأجاب الأترازي عن هذا: بأن ذلك محمول على السبب بأن يكون المولى سبب في حد عبده، بالمرافعة إلى الإمام وإنما قلنا ذلك، لأن ظاهره متروك بالإجماع، لأنه يقتضي الوجوب ولا يجب على المولى إقامة الحد على عبده بالإجماع، أما على مذهبنا فظاهر. وكذا على مذهبه أي مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه يجوز أن يقيم الحد على عبده، ولا يجب عليه، فلما كان الحديث متروك الظاهر حملناه على ما قلناه. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفائدة تخصيص المماليك أنه لا يحملهم المشقة على ملكهم على الامتناع على إقامة الحد عليهم. م: (ولأن الحد، حق الله تعالى) ش: فلا يجوز للمولى أن يستوفيه، لأنه أجنبي في حقه، فلا يجوز للأجنبي أن يتصرف في حق غيره م: (ولأن المقصود منه إخلاء العالم عن الفساد) ش: بتحقق الحكومة إلى يوم التناد م: (ولهذا لا يسقط بإسقاط العبد) ش: فتكون الولاية مستحقة بالنيابة والسلطان نائبه، أما المولى فولايته بالملك فلا يصلح نائبا عنه وقد استدل هذا الكلام بقوله الحق، ولما قلتم أن الحد حق الله تعالى ونحن لا نسلم ذلك ولئن سلمنا، لكن لا نسلم أن كونه حق الله تعالى ينافي كونه حقا للعبد، ولما [لا] يجوز أن يكون حقا للمولى أيضا. ثم تكلم بكلام طويل يذهل ذهن الناظر فيه، ونحن نقول ما قاله تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ملخصا، وهو أن الحق مستعمل غير مضاف ومعناه وجود الثبوت ويذكر في مقابلة الباطل يقال هذا حق وهذا باطل ويستعمل مضافا، وهو استحق به الغير أو يطلب منه رعاية جانب الغير على وجه يليق به. فإن حق الله تعالى ما طلبه منه رعاية جانبه وعلى وجه يليق به وهو تعظيمه، وامتثال أمره، وحق الإنسان ما طلب منه رعاية جانب منه على وجه يليق به، وهو كونه نافعا في حقه، دافعا للضرر عنه، وإنما قلنا حق الله لأن الجناية وردت على حقه، لأن حرمة الزنا وشرب الخمر لحق الله تعالى، ولهذا لا يعمل فيه رضى الغير ولا يسقط بإسقاطه. والواجب بالجناية على حق الغير، يكون منها حقا لذلك الغير، وكذا يستحب للإمام الاختيار فيه للدرء، ولا يستحب له ذلك في حق العبد، ولا يتمكن من استيفاء كل حق إلا لصاحبه أو نائبه. كما في غيره من الحقوق وقياسه على التقرير لا يصح لأنه حق العبد إذ المقصود منه التأديب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 281 فيستوفيه من هو نائب عن الشرع، وهو الإمام أو نائبه، بخلاف التعزير؛ لأنه حق العبد ولهذا يعزر الصبي، وحق الشرع موضوع عنه. قال: وإحصان الرجم أن يكون حرا عاقلا بالغا مسلما قد تزوج امرأة نكاحا صحيحا، ودخل بها وهما على صفة الإحصان. فالعقل، والبلوغ، شرط لأهلية العقوبة، إذ لا خطاب دونهما، وما وراءهما يشترط لتكامل الجناية بواسطة تكامل النعمة إذ كفران النعمة يتغلظ عند تكثرها   [البناية] وهذا العذر من لا يخاطب لحقوق الله تعالى، كالصبي، ولهذا أي ولأجل كون الحد حق الله تعالى قَوْله تَعَالَى يسقط بإسقاط العبد. م: (فيستوفيه من هو نائب عن الشرع وهو الإمام) ش: أي الخليفة م: (أو نائبه) ش: كالقاضي ونحوه م: (بخلاف التعزير) ش: جواب عن قول الشافعي، فصار كالتعزير، بيانه أن التعزير مفارق الحد م: (لأنه حق العبد ولهذا) ش: إيضاح لقوله حق العبد م: (يعزر الصبي، وحق الشرع) ش: أي والحال أن حق الشرع م: (موضوع عنه) ش: لأنه غير مخاطب م: (وإحصان الرجم) ش: قيد به احترازا عن إحصان القذف، فإنه غير هذا على ما يجيء. و" الإحصان " و " التحصين " في اللغة: المنع، قال الله تعالى {لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: 80] (الأنبياء: الآية 80) وقال: {فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ} [الحشر: 14] وقيل: الأصل الدخول في الحصن، وورد الشرع بمعنى الإحصان، وبمعنى العقل وبمعنى الحرية وبمعنى الترويح، وبمعنى الإصابة في النكاح، ويقال: أحصنت المرأة أي عفت، وأحصنها زوجها، وأحصن الرجل بزوج. م: (أن يكون حرا عاقلا بالغا مسلما، قد تزوج امرأة نكاحا صحيحا ودخل بها، وهما على صفة الإحصان) ش: هذا على صفة الإحصان، هذا لفظ القدوري في " مختصره "، وشرح المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لبيان هذا والشروط بقوله م: (فالعقل والبلوغ شرط لأهلية العقوبة، إذ لا خطاب دونهما) ش: أي دون العقل والبلوغ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل» ، ولأن الرجم عقوبة، وهما ليسا أهل العقوبة. م: (وما وراءهما) ش: أي ما وراء العقل والبلوغ من الشرائط م: (يشترط لتكامل الجناية بواسطة تكامل النعمة) ش: وذلك لأن الرجم، نهاية في العقوبة فيكون سببه نهاية في الجناية أيضا، لأن السبب أبدا، يثبت بحد ثبوت السير حسا وشرعا، وتناهي الجناية إنما يكون إذا وجدت هذه الشرائط في الزاني، إذ عند وجودها يتوافر النعم والجناية، عند توافر النعم أغلظ، وأفحش، أشار إليه بقوله: م: (إذ كفران النعم يتغلظ عند تكثرها) ش: أي عند تكثر النعمة، والنعمة ما أنعم الله على عباده من مال أو رزق، كذا في " الجمهرة " وفي " الاصطلاح ": يعني بها النفع الواصل من جهة الغير من غير سابقة الاستحقاق، على ذلك الغير. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 282 وهذه الأشياء من جلائل النعم، وقد شرع الرجم بالزنا عند استجماعها، فيناط به بخلاف الشرف والعلم، لأن الشرع ما ورد باعتبارهما، ونصب الشرع بالرأي متعذر، ولأن الحرية ممكنة من النكاح الصحيح، والنكاح الصحيح ممكن من الوطء الحلال، والإصابة شبع بالحلال. والإسلام يمكنه من نكاح المسلمة ويؤكد اعتقاد الحرمة فيكون الكل مزجرة عن الزنا، والجناية بعد توافر الزواجر أغلظ.   [البناية] [شروط الإحصان] م: (وهذه الأشياء) ش: أي الحرية والعقل والبلوغ والإسلام والدخول بها في نكاح صحيح وهما على صفة الإحصان م: (من جلائل النعم) ش: أي من عظائمها م: (وقد شرع الرجم بالزنا عند استجماعها) ش: أي عند استجماع هذه الأشياء م: (فيناط به) ش: أي تعلق الرجم باستجماع هذه الأشياء، فإذا وجد الزنا عند استجماعها يجب الرجم وإلا فلا. م: (بخلاف الشرف والعلم) ش: جواب عما يقول لما كانت الأشياء المذكورة من جلائل النعم كانت شرائط الإحصان، والشرف والعلم أيضا من أجل النعم، فينبغي أن يكونا من شرائط الإحصان، فأجاب عليه بقوله بخلاف العلم والشرف. م: (لأن الشرع ما ورد باعتبارهما) ش: هاهنا لأنهما لا يضبطان لأنه ليس لهما حد معلوم، والشرف علو الحسب، وحسب الرجل مآثر آبائه. م: (ونصب الشرع بالرأي متعذر) ش: إذ لا دخل للرأي في نصب الشرع لأنه صفة وصفة الشارع. م: (ولأن الحرية) ش: دليل على الاقتصار على تلك الشرائط فيتضمن بأنه لها حد خلا في الاستغناء عن الزنا، دون غيرها من العلم والشرف، يعني لأن الحرية م: (ممكنة) ش: من التمكين م: (من النكاح الصحيح، والنكاح الصحيح ممكن) ش: من التمكين أيضا م: (من الوطء الحلال، والإصابة) ش: أي الدخول بالنكاح الحلال م: (شبع بالحلال) ش: أي شبع للزوج من الزنا، بكسر الشين، وفتح الباء يعني يحصل بالنكاح الصحيح، تمكنه في الوطء الحلال، وبالدخول يحصل الشبع. م: (والإسلام يمكنه) ش: من التمكين أيضا م: (من نكاح المسلمة) ش: يعني الإسلام يحصل المكنة من نكاح المسلمة م: (ويؤكد) ش: أي الإسلام م: (اعتقاد الحرمة) ش: كل واحد منهما نعمة يشترط في إحصان الرجم، ليكون وجوب الرجم المتناهي في العقوبة، بعد كامل النعمة م: (فيكون الكل مزجرة عن الزنا) ش: قال الأترازي: أي سبب الزجر. قلت: الأصح بمعنى الزجر. م: (والجناية بعد توافر الزواجر) ش: عن أنها تكون الجناية م: (أغلظ) ش: يعني أشد وهو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 283 والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا في اشتراط الإسلام، وكذا أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. لهما ما روي «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رجم يهوديين قد زنيا» . قلنا كان ذلك بحكم التوراة ثم نسخ، يؤيده قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «من أشرك بالله فليس بمحصن» .   [البناية] الرجم، والزواجر جمع زاجرة، وأراد بها قوله، ولأن الحرية إلى هنا، فافهم، ولقائل أن يقول في العلم بأحوال الآخرة، وما يترتب على الزنا من الفساد عاجلا، والعقوبة آجلا من الزواجر لا محالة. والجمال في المنكوحة مقنع يعني للزوج عن النظر إلى غيرها، والشرف يردع عن طوف لحوق معرة الزنا ونمائه، فكان الواجب أن يكون من شرائطه، والجواب أن المسلم الناسي قلما يخلو عن العلم بما ذكرت، والجمال والشرف ليس لهما حد معلوم يضبطان به، فلا يكون معتبرا. م: (والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا في اشتراط الإسلام) ش: حيث يقول الإسلام ليس بشرط في الإحصان، وبه قال أحمد وأبو يوسف - رحمهما الله - في رواية، ومذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لقولنا أنه شرط م: (وكذا أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي وكذا يخالف أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا في اشتراط الإسلام م: (في رواية) ش: وهي غير ظاهر الرواية وثمرة الخلاف، أن الذي في البيت الحر إذا زنا عندنا يجلد ولا يرجم. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومن قال يقول يرجم، م: (لهما) ش: أي للشافعي وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجم يهوديين قد زنيا» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مختصرا، ومطولا، وفيه «قام بهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرجما» . م: (قلنا كان ذلك) ش: أي يرجم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يهوديين م: (بحكم التوراة) ش: يعني في ابتداء الإسلام ولهذا سألهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن حد الزنا في التوراة، لما تقرر الإسلام فنسخ ذلك م: (ثم نسخ يؤيده) ش: أي يؤيد النسخ م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من أشرك بالله فليس بمحصن» ش: هذا الحديث رواه إسحاق بن راهويه: أخبرنا عبد العزيز بن محمد: حدثنا عبد الله: عن نافع: عن ابن عمر: عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «من أشرك فليس بمحصن» وقال إسحاق: رفعه مرة فقال عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووقفه مرة. ورواه الدارقطني من طريق إسحاق. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولنا ما روى أصحابنا في كتبهم عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثم ذكر الحديث، وكأنه لم يطلع على شيء غير ذلك، فلذلك قال: ولنا ما روى أصحابنا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 284 والمعتبر في الدخول الإيلاج في القبل على وجه يوجب الغسل، وشرط صفة الإحصان فيهما عند الدخول. حتى لو دخل بالمنكوحة الكافرة أو المملوكة أو المجنونة أو الصبية لا يكون محصنا، وكذا إذا كان الزوج موصوفا بإحدى هذه الصفات، وهي حرة مسلمة عاقلة بالغة، لأن النعمة بذلك   [البناية] ولم يذكر شيئا غير ذلك. م: (والمعتبر في الدخول) ش: يعني في قوله نكاحا صحيحا ودخل بها م: (الإيلاج) ش: أي الدخول وأصله الإولاج قلبت الواو ياء بسكونها، وانكسار ما قبلها، لأنه من ولج ولوجا، أي دخل وأولج إيلاجا أي أدخل م: (في القبل) ش: أي الزوج م: (على وجه يوجب الغسل) ش: يعني بالتقاء الختانين. قال: إلا كله فيه نظر، لأنه ينافي ما تقدم من قوله، الأصالة تنبع بالحلال، فإن الشبع إنما يكون الإنزال، دون الإيلاج، وعرف ذلك من حديث رفاعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حيث قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا حتى تذوق عسيلته» انتهى. قلت: ولا وجه لنظره لأنه ذهل عما قال الأصحاب، إن الشرط الدخول في التحليل، والشرط الإيلاج، دون الإنزال، لأنه كمال، والشرط أن يكون موجبا للغسل وهو التقاء الختانين، والعسيلة كانت عن لذة الجماع دون الإنزال، وشذ الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله العسيلة الإنزال. م: (وشرط صفة الإحصان فيهما عند الدخول) ش: أي في الزوج والزوجة يعني شرطت في قول القدوري، ودخل بها وهما على صفة الإحصان، وفائدته ما أشار إليه بقوله م: (حتى لو دخل بالمنكوحة الكافرة أو المملوكة أو المجنونة أو الصبية لا يكون محصنا) . ش: وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكون محصنا بجماع الكافرة هذا هو ظاهر الرواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وروى الطحاوي والكرخي في ظاهر الرواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن النصارى يحصن بعضهم بعضا، وأن المسلم يحصن النصرانية وهي لا تحصن المسلم. م: (وكذا إذا كان الزوج) ش: هو أيضا من فائدة شرط الإحصان فيهما، عند الدخول، أي وكذا لا يكون الزوج محصنا إذا كان م: (موصوفا بإحدى هذه الصفات) ش: (وهي الكفر والصبية والمجنون والصبي. م: (وهي) ش: أي والحال أن المرأة م: (حرة مسلمة عاقلة بالغة لأن النعمة بذلك) ش: أي بما ذكر من الحرية والعقل والبلوغ والإسلام م: (لا تتكامل إذ الطبع ينفر من صحبة المجنونة وقلما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 285 لا تتكامل، إذ الطبع ينفر من صحبة المجنونة، وقلما يرغب في الصبية لقلة رغبتها وفي المنكوحة المملوكة حذرا عن رق الولد ولا ائتلاف مع الاختلاف في الدين. وأبو يوسف يخالفنا في الكافرة والحجة عليه ما ذكرناه. وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تحصن المسلم اليهودية ولا النصرانية ولا الحر الأمة ولا الحرة العبد» . قال: ولا يجمع في المحصن بين الجلد والرجم، لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.   [البناية] يرغب في الصبية لقلة رغبتها) ش: أي رغبة الزوجين فيه أي في الصبي. م: (وفي المنكوحة المملوكة حذرا عن رق الولد، ولا ائتلاف مع الاختلاف في الدين) ش: فلا تتكامل النعمة ما لم تنتف هذه العوارض. فإن قلت: كيف يتصور أن يكون الزوج كافرا، والمرأة مسلمة، يتصور فيما إذا كانا كافرين فأسلمت المرأة ثم دخل بها الزوج، فإنهما يعدان زوجان ما لم يفرق القاضي بالإباء عند عرض الإسلام. م: (وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا في الكافرة) ش: حيث يقول المرأة الكافرة لا تمنع إحصان الرجل، وقد مر الكلام فيه آنفا م: (والحجة عليه) ش: أي على أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ما ذكرناه وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تحصن المسلم اليهودية ولا النصرانية ولا الحر الأمة ولا الحرة العبد» ش: وقال الأترازي: هذا الحديث مذكور مرسلا هكذا في باب الإحصان من " مبسوط " شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولكن محمدا قال في الأصل: لا يحصن الرجل المسلم إلا المرأة المحصنة، إذا دخل بها ثم قال: بلغنا ذلك عن عامر وإبراهيم النخعي، وقال الأكمل: ذكر هذا شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مرسلا في " مبسوطه ". قلت: هذا الحديث غريب ليس له أصل وروى ابن أبي شيبة في مصنفه ومن طريقة الطبراني في " معجمه " والدارقطني في " سننه " وابن عدي في " الكامل " من حديث أبي بكر بن أبي مريم عن علي بن أبي طلحة «عن كعب بن مالك، أنه أراد أن يتزوج يهودية فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لا تتزوجها فإنها لا تحصنك» . قال الدارقطني: وأبو بكر بن أبي مريم ضعيف وعلي بن أبي طلحة لم يدرك كعبا، وقال ابن عدي: أبو بكر بن أبي مريم الغساني ممن لا يحتج بحديثه، ويكتب أحاديثه فإنها صالحة، قال ابن القطان: هذا حديث ضعيف ومنقطع. [الجمع بين الجلد والرجم] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا يجمع في المحصن بين الجلد والرجم) ش: هذا لفظ القدوري، وقال المصنف م: (لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (لم يجمع) ش: أي بينهما، لأن في حديث ماعز الرجم فقط، وليس فيه الجلد، حتى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 286 لم يجمع   [البناية] أن الأصوليين استدلوا على تخصيص الكتاب بالسنة، فإنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رجم ماعزا ولم يجلده، لأن آية الجلد شاملة للتحصين وغيره، وهو قول مالك والشافعي والزهري والأوزاعي والنخعي والثوري وأبي ثور وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وعن أحمد في رواية وداود ويجلد مائة ويرجم، واختار ابن المنذر من أصحاب الشافعي ما روى مسلم عن عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " خذوا «عني قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» . وروى أحمد ثم البيهقي من رواية الشعبي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه جلد شراحة يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، وقال: جلدتها بكتاب الله عز وجل ورجمتها بسنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أجيب عن حديث عبادة بأنه منسوخ، لأن أول آية نزلت في هذا الباب قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] إلى قوله {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: 15] (النساء: الآية 15) ثم نسخ بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا» ... الحديث، ولم يكن بين الحديث وبين الآية، حكم آخر. ثم حديث ماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يكون متأخرا عن حديث عبادة لا محالة الحكم المتأخر ينسخ المتقدم، لا محالة إذا كان بين الحكمين مخالفة. فإن قلت: كيف يصح دعوى النسخ وحديث علي يرد هذا. قلت: قد ثبت إجماع الصحابة قبل ذلك بخلافه في خلافة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فإجماعهم أولى من تفرده بحكم بعد الإجماع المصون، وذلك عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في خلافته رجم ولم يجلد بحضرة أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يخالفه أحد، فحل محل الإجماع. وجواب آخر يحتمل أن يكون علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جلدها، لأنه لم يثبت عنده إحصانا ثم لما ثبت إحصانها رجمها وقال: جلدتها بكتاب الله تعالى، وهو قوله {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] (النور: الآية 2) ورجمتها بالسنة حتى ثبت الإحصان، وقال الخارجي في " كتابه ": وروى حديث ماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جماعة كسهل بن سعيد وابن عباس، ويعرف آخر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 287 ولأن الجلد يعرى عن المقصود مع الرجم لأن زجر غيره يحصل بالرجم، إذ هو في العقوبة أقصاها وزجره لا يحصل بعد هلاكه. قال: ولا يجمع في البكر بين الجلد والنفي، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجمع بينهما حدا لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام» ولأن فيه حسم باب الزنا، لقلة المعارف.   [البناية] إسلامهم، وحديث عبادة كان في أول الأمر، وبين الزمانين مدة. م: (ولأن الجلد يعرى عن المقصود مع الرجم) ش: يعني إذا حصل الرجم يحصل المقصود، وهو العقوبة المتناهية، وهو الرجم، فلا حاجة إلى ما دونه وهو الجلد م: (لأن زجر غيره) ش: أي غير الزاني م: (يحصل بالرجم، إذ هو) ش: أي المرجوم م: (في العقوبة أقصاها) ش: لأنه لا عقوبة فوقها م: (وزجره) ش: أي وزجر الزاني م: (لا يحصل بعد هلاكه) ش: يعني إذا كان الزجر للزاني يزجره بعد هلاكه بالرجم لا يكون ولا يجمع بينهما. [الجمع بين الجلد والنفي] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا يجمع في البكر بين الجلد والنفي) ش: وقال المصنف م: (والشافعي يجمع بينهما) ش: أي بين الجلد والنفي م: (حدا) ش: أي من حيث الحد يشير به إلى أن النفي أبر به عندنا يجوز بطريق التعزير [ ... ] م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام» ش: هو حديث رواه مسلم عن عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد ذكر عن قريب. وروى البخاري عن زيد بن خالد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه أمر فيمن زنى ولم يحصن بجلد مائة وتغريب عام.» والبكر بكسر الباء خلاف الثيب، ويقعان على الرجل والمرأة، ومعنى البكر بالبكر [ ... ] أو زنى البكر بالبكر حده، كذا يقول الشافعي. قال أحمد: وهو قول الثوري والأوزاعي والحسن بن صالح وعبد الله بن المبارك وإسحاق - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قالوا: يجلد وينفى سنة إن كان البكر حرا، وفي العبد ثلاثة أقوال عن الشافعي في قول: يغرب ستة أشهر، وفي قول: سنة، وفي قول: لا يغرب أصلا بل يجلد خمسين. وقال مالك: يجمع بينهما الرجل دون المرأة والعبد. وعن الشافعي في قول تغريب المرأة محرم، وأجرته عليها في قول وعلى بيت المال في قول [ ...... ] ، قيل يجبره السلطان على الخروج معها، وقيل لا. وإذا كانت الطريق آمنة ففي تغريبها بغير محرم يحرم وجهان، ولا ينتقض في مسافة الغربة عن رحلتين، وله الخيار في جهة السفر، فإن رجع الغريب إلى بلده لم يتغير عزله، وإذا عاد الغريب يخرج ثانيا، ولا يجب المدة الماضية، ومن نفي يجيء في الموضع الذي ينفى إليه. م: (ولأن فيه) ش: أي في النفي م: (حسم باب الزنا) ش: أي قطعه م: (لقلة المعارف) ش: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 288 ولنا قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] جعل الجلد كل الموجب رجوعا إلى حرف الفاء أو إلى كونه كل المذكور. ولأن في التغريب فتح باب الزنا لانعدام الاستحياء من العشيرة، ثم فيه قطع مواد البقاء فربما تتخذ زناها مكسبة وهو من أقبح وجوه الزنا، وهذه الجهة مرجحة لقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -   [البناية] لأن الزنا إنما يكون بالمصاحبة والمحادثة مع الأحباب عند فراغ القلب، والغربة تفوت هذه الأشياء وتمنع عنها. م: (ولنا قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] جعل الجلد كل الموجب رجوعا إلى حرف الفاء) ش: بيانه أن الله تعالى جعل جزاء كل واحدة من الزانية والزاني الجلد لا غير، وهذا لأن الفاء للخبر، والجزاء عبارة عن الكافي المنافي، فينبغي وجوب غيره، كما إذا قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة. فإذا وجد الشرط يقع طلقة واحدة لا غير، لأنها هي الجزاء، فلا يجب النفي إذا م: (أو إلى كونه كل المذكور) ش: أي أو رجوعا إلى كونه الجلد كل المذكور في الآية، لأن المذكور فيها هو الجلد لا غير، فإذا كان كل المذكور يكون كل الواجب، لأنه لو كان يجب شيء آخر لبينه، لأن الموضع موضع يحتاج إليه في البيان، وترك البيان في مثل هذا الموضع لا يجوز للزوم الإخلال. م: (ولأن في التغريب فتح باب الزنا لانعدام الاستحياء من العشيرة) ش: هذا جواب عن قول الخصم، ولأن فيه باب الزنا، إلى آخره بيانه أن الإنسان يمنع من الزنا في بلدته استحياء من أقاربه وعشائره بها وبعض معارفه، ففي الغربة يرتفع الحياء، فيقع في الفاحشة ويفتح له باب الزنا لعدم من يستحي منه، وإن كان النفي إلى المرأة يحتاج إلى النفقة لا محالة، وهي عاجزة عن الكسب فتتخذ الزنا مكسبا، فتقعد فخير قبحة، وذلك من أقبح وجوه الزنا وأفحشها. وأشار إلى قولنا وإن كان النفي للمرأة ... إلى آخره بقوله م: (ثم فيه) ش: أي في النفي م: (قطع مواد البقاء) ش: وهو الكسب لما يحتاج إليه من المأكول والمشروب. م: (فربما تتخذ) ش: أي المرأة تتخذ م: (زناها مكسبة) ش: لأنها لما تباعدت عن الأقارب والأوطان ونزلت في الرباط أو الجنان أخرجها انقطاع مواد المعاش على اتخاذ الزنا مكسبة لانقطاع [ ... ] والمواقع من المعاش م: (وهو من أقبح وجوه الزنا) ش: يعني هذا أقوى مما قاله الخصم. م: (وهذه الجهة مرجحة لقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) يجوز بكسر الجيم وفتحها، قال الكاكي: معنى رجحها قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - للتعليل. وقال الأكمل: مرجحة نقل بفتح الجيم وضمها، فوجد الفتح أن هذه الجملة من العلة أقوى من علة الخصم بشهادة قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، واللام للتعليل. وقال الأكمل: مرجحة نقل بفتح الجيم وكسرها، فوجه الفتح أن هذه الجملة من العلة أقوى من علة الخصم لشهادة قول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 289 كفى بالنفي فتنة، والحديث منسوخ كشطره وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الثيب بالثيب جلد مائة والرجم بالحجارة» وقد عرف طريقه في موضعه.   [البناية] علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بصحة ما قلنا ووجه الكسر أن الخصم ينكر صحة نقل قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال المصنف: هذه الجملة من جهات العلل، يريد صحة قول علي، فكانت اللام للصلة داخلة على المفعول، كما في قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون: 4] (المؤمنون: الآية 4) وفي الوجه الأول كانت للتعليل. ثم قال ملخصا من كلام السغناقي كان قال في الأصل: أن ما يصلح مرجحا، وهذه الجهة علة، فكيف صحت علة. أجيب: بأن هذه الجهة ليست مباينة للحد، بل هي باقية، مع أن النفي ليس بحكم، وأجيب: في الحد فيصلح للتزويج، ففي مثل هذا الموضع يذكر التعليل موضحا بعضها بعضا، وما أرى إخبار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لفظ الجهة على لفظ العلة لهذا. م: (وكفى بالنفي فتنة) ش: هذا رواه عبد الرزاق ومحمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتابه " الآثار " قال أخبرنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال: قال عبد الله بن مسعود: في البكر يزني بالبكر، قال: يجلدان مائة وينفيان سنة. قال: وقال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حبسهما من فعل الفتنة أن ينفيان، وروى محمد بن الحسن الشيباني أخبرنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال: كفى بالنفي فتنة. م: (والحديث منسوخ كشطره) ش: أراد بالحديث قوله: «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام» وهو منسوخ بشطره، أي شطر الحديث م: (وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الثيب بالثيب جلد مائة والرجم بالحجارة» ش: والعجب من الخصم أنه يحكم في الحديث الواحد بأن نصفه منسوخ ونصفه محكم م: (وقد عرف طريقه) ش: أي طريق نسخ قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام» م: (في موضعه) ش: يعني في طريق الخلاف، قال الأترازي. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في موضعه من التفاسير وكتاب " الناسخ والمنسوخ " فإن قيل، هذا إثبات النسخ بالقياس. أجيب: بأنه بيان لكون الحديث منسوخا بناسخ، ولم يبين أن الناسخ ما هو، والناسخ حديث ماعز، أو قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] (النور: الآية 4) ، لا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا» [ ... ] ولو كانت هذه الآية نزلت من قبل استثناء من قوله ولا يجمع في البكر بين اثنين، والجلد يعني إذا رأى الإمام مصلحة يقال خذوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 290 إلا أن يرى الإمام في ذلك مصلحة، فيغربه على قدر ما يرى، وذلك تعزير وسياسة، لأنه قد يفيد في بعض الأحوال، فيكون الرأي فيه إلى الإمام، وعليه يحمل النفي المروي عن بعض الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.   [البناية] عني القرآن، فدل على أن الآية متأخرة ناسخة لحديث التغريب. م: (إلا أن يرى الإمام في ذلك مصلحة) ش: استثناء من قوله ولا يجمع في البكر بين اثنين والجلد، يعني إذا رأى الإمام مصلحة للنفي م: (فيغربه على قدر ما يرى، وذلك تعزير وسياسة) ش: لا على أنه حد م: (لأنه قد يفيد في بعض الأحوال، فيكون الرأي فيه للإمام) ش: وهذا لا يختص بالزنا، بل يجوز بذلك في كل جناية، ألا ترى أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نفى " هبة " المخنث من المدينة، ونفى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " نضر بن الحجاج " من المدينة حين سمع قائلة تقول: هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أم من سبيل إلى نضر بن حجاج إلى فتى ماجد الأعراق تقبيل ... تضيء صورته في الحالك الداج وذلك لا يوجب النفي، ولكن فعل ذلك لمصلحة، فقال: ما ذنبي يا أمير المؤمنين، فقال: لا ذنب لك، وإنما الذنب حيث لا أظهر دار الهجرة عنك. قلت: قائلة هذا الشعر هي الفريعة بنت همام أم الحجاج بن يوسف، كانت تحت المغيرة، ونضر بن الحجاج كان من بني سليم، وكان جميلا راعيا، ولما سمع عمر ذلك سير نضرا إلى البصرة، وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سمع قائلا أيضا بالمدينة يقول: أعوذ برب الناس من شر معقل ... إذا معقل راح البقيع مرجلا يعني معقل بن سنان الأشجعي، وكان جميلا، قدم المدينة فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الحق بباديتك، فقال رجل شعره. جعدة بالجيم إذا رجله بالجيم إذا جعلا. م: (وعليه) ش: أي على ما ذكر من التعزير والسياسة م: (يحمل النفي المروي عن بعض الصحابة) ش: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وروى الترمذي حدثنا أبو كريب ويحيى بن أكثم قالا أنبأنا. وروى القدوري حديث أبي كريب ويحيى بن أكثم قال: حدثنا عبد الله بن إدريس عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضرب وغرب، دار أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضرب وغرب، دار عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضرب وغرب» وقال: حديث غريب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 291 وإذا زنى المريض وحده الرجم رجم، لأن الإتلاف مستحق، فلا يمتنع بسبب المرض، وإن كان حده الجلد لم يجلد حتى يبرأ، كيلا يفضي إلى الهلاك، ولهذا لا يقام القطع عند شدة الحر والبرد وإذا زنت الحامل لم تحد حتى تضع حملها، كيلا يؤدي إلى هلاك الولد وهو نفس محترمة، وإن كان حدها الجلد لم تجلد حتى تتعالى من نفاسها - أي يرتفع - يريد به الخروج منه. لأن النفاس نوع مرض. فيؤخر إلى زمان البرء. بخلاف الرجم. لأن التأخير لأجل الولد وقد انفصل،   [البناية] وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا جرير عن مغيرة عن ابن يسار مولى لعثمان، قال: جلد عثمان امرأة في زنا، ثم أرسل بها مولى له، يقال له المهدي، إلى خيبر نفاها إليها. [زنى المريض وحده الرجم] م: (وإذا زنى المريض وحده الرجم رجم) ش:، أي والحال أن حده الذي استحق بالرجم في الحال م: (لأن الإتلاف مستحق، فلا يمتنع بسبب المرض) ش: وهذا اتفاق الأئمة الأربعة. وعند بعض أصحابنا الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه إن ثبت زناه بالإقرار يؤخر إلى أن يبرأ، لأنه يسأل الرجوع، وربما رجع، ولكن المشهور عنهم أن الرجم لا يؤخر. م: (وإن كان حده الجلد لم يجلد حتى يبرأ، كيلا يفضي إلى الهلاك) ش: وهذا في مرض يرجى زواله. وعن ابن القطان من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يؤخر، ويضرب في المرض بحيث ما يحتمله، وبه قال أحمد. وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يؤخر كقول العامة، وإن كان مرض لا يرجى زواله كالسل ومخدوج الخلقة، أي ضعيف الخلقة لا يحتمل السياط، فعندنا والشافعي وأحمد يضرب بعشكال فيه مائة شمراخ، فيضرب دفعة واحدة أو يضرب مائة سوط مجتمعة ضربة واحدة، وذكره في " المحيط "، وفيه م: (ولهذا لا يقام القطع عند شدة الحر الشديد والبرد) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بل يؤخر إلى زمان اعتدال الهواء. وقال مالك: يضرب المريض مائة سوط متفرقا، بحيث ما يحتمله وإن لم يكن أخر، (ولهذا) أي ولأجل الإفضاء إلى الهلاك لا يقطع أي يد السارق عند شدة الحر والبرد، لخوف التلف. [زنت الحامل وحدها الرجم أو الجلد] م: (وإذا زنت الحامل لم تحد حتى تضع حملها) ش: وإن كان حدها جلدا أو رجما م: (كيلا يؤدي إلى هلاك الولد، وهو نفس محترمة) ش: والحد شرع زاجرا لا متلفا م: (وإن كان حدها الجلد لم تجلد حتى تتعالى من نفاسها) ش: أي فلا تحد حتى تخرج من نفاسها. وقوله م: (تتعالى) ش: لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فكذلك فسره بقوله م: (أي يرتفع. يريد به الخروج منه) ش: أي يريد العذر، أي بقوله الخروج به، أي من النفاس، م: (لأن النفاس نوع مرض، فيؤخر إلى زمان البرء، بخلاف الرجم، لأن التأخير لأجل الولد وقد انفصل) ش: وهذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 292 وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يؤخر إلى أن يستغني ولدها عنها، إذا لم يكن أحد يقوم بتربيته؛ لأن في التأخير صيانة الولد عن الضياع. وقد روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال للغامدية بعدما وضعت: ارجعي حتى يستغني ولدك» . ثم الحبلى تحبس إلى أن تلد إن كان الحد ثابتا بالبينة كيلا تهرب. بخلاف الإقرار. لأن الرجوع عنه عامد. فلا يفيد الحبس، والله أعلم.   [البناية] ظاهر الرواية. م: (وعن أبي حنيفة أنه يؤخر) ش: أي الرجم: (إلى أن يستغني ولدها عنها إذا لم يكن أحد يقوم بتربيته) ش: أي بتربية الولد، وبه قال الثلاثة، ولو ادعت أنها حبلى لا يقبل قولها، لكن القاضي يريها النساء، فإن قلن: حبلى خلا حبسها إلى حولين. فإن لم تلد رجمها للتيقن يلزمهن، ولو وجدت امرأة لا زوج لها حبلى، فلا يجب عليها الحد م: (لأن في التأخير) ش: أي في تأخير الرجم م: (صيانة الولد عن الضياع، وقد روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (قال للغامدية بعدما وضعت: «ارجعي حتى يستغني ولدك» ش: وكذلك أورد بهذا اللفظ الغريب، في مسلم عن بشير بن المهاجر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة، قال: «جاءت الغامدية فقالت: يا رسول الله إني زنيت فطهرني وأنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول الله لعلك تريد أن تردني كما رددت ماعزا، فوالله إني لحبلى، فقال لها: فاذهبي حتى تلدي، فلما ولدت أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا رسول الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها ".» م: (ثم الحبلى تحبس إلى أن تلد إن كان الحد ثابتا بالبينة كيلا تهرب، بخلاف الإقرار، لأن الرجوع عنه عامل. فلا يفيد الحبس والله أعلم) ش: وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": فإن ادعت أنها حبلى أداها القاضي النساء، فإن قلن هي حبلى حبسها إلى سنتين ثم يرجمها، وإذا شهدوا عليها بالزنا فادعت أنها عذراء أو رتقاء فنظر إليها النساء قلن هي كذلك درئ عنها الحد، ولا حد على مشهود أيضا، وكذلك المجنون، ولا حد على قاذفه ويقبل في الرتقاء والعذراء والأشياء التي يعمل فيها بقول النساء قول امرأة واحدة، وفي " فتاوى الولوالجي ": والمعنى أحوط. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 293 باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه قال: الوطء الموجب للحد هو الزنا، وإنه في عرف الشرع واللسان: وطء الرجل المرأة في القبل في غير الملك، وشبهة الملك.   [البناية] [باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه] [الوطء الذي يوجب الحد] م: (باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه) ش: أي هذا باب في بيان حكم الوطء الذي يوجب الحد، وبيان حكم الوطء الذي لا يوجب الحد. م: (قال) ش: أي المصنف قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اعلم أولا أن وضع كتاب " الهداية " على بيان مسائل " الجامع الصغير " والقدوري، ففي كل موضع يذكر لفظ، قال: يريد به محمدا أو القدوري، وهنا ذكر لفظ قال ولم يرد به أحدا منهما، فكان على وضعه، وكان ينبغي أن يقول: قال العبد الضعيف بإسناد الفعل إلى نفسه، أو يقول اعلم أن م: (الوطء الموجب للحد هو الزنا) ش: حتى يرتفع الالتباس انتهى. قلت: هذا كلام عجيب منه صادر من غير تأمل، لأن المصنف لم يذكر لفظ قال قط بقول محمد، وقال القدوري: بل يقول: قال [ ... ] لأنه يعلم فاعل. قال محمد: أو القدوري: من المسألة المتوجة به بأن كانت المسألة من مسائل القدوري يعلم أن فاعل م: (قال) ش: هو القدوري فإن كانت من مسائل " الجامع الصغير " يعلم أن فاعله هو محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإن لم يكن منها يعلم أن فاعله هو المصنف، فلا يحصل له الالتباس، لأن التمييز يحصل في مسائل، والذي ليس له أهلية في ذلك لا يعرف السهو من [الصوب] ، ولا ينبغي له أن يتعلق بالهداية، لأنه لا يهتدي بالهداية. (الوطء الموجب للحد هو الزنا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] (النور: الآية 4) . م: (وإنه) ش: أي وإن الزنا م: (في عرف الشرع) ش: أي في اصطلاح الشرع م: (واللسان) ش: أي وفي عرف اللسان وهو اللغة م: (وطء الرجل المرأة في القبل) ش: قيد بهذا، لأن العرب لا يسمون ما يجري بين الذكرين من الوطء وطئا بل يسمونه لواطا، لأن كل فعل له اسم خاص، فمن أتى بالقبل يقال: إنه زنى ومن أتى بالدبر قيل إنه لاط م: (في غير الملك وشبهة الملك) ش: حتى يكون حراما على الإطلاق، وينبغي أن يكون كل واحد منهما مشتهى، لأن وطء الميتة والبهيمة لا يسمى زنا لعدم كونها مشتهاة. وكذلك وطء الصبي والمجنون، وينبغي أن يكون عازبا عن الحل، لأن وطء الأمة المشتركة وإن كان حراما لوقوع التصرف في ملك الغير، بدون الإذن، ولكن لا يكون زنا، لأنه يعرى عن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 294 لأنه فعل محظور، والحرمة على الإطلاق عند التعري عن الملك، وشبهته، يؤيد ذلك قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ادرءوا الحدود بالشبهات» . ثم الشبهة نوعان: شبهة في الفعل، وتسمى شبهة اشتباه، وشبهة في المحل، وتسمى شبهة حكمية.   [البناية] شبهة الحل لكون بعض التصرف في ملك الواطئ. فإن قلت: شأن الحد أن ينظر وينعكس، وهذا غير منعكس، لأن الزنا يصدق في فعل المرأة هذا الفعل والتعريف ليس بصادق عليه. قلت: هذا التعريف إنما هو بالنسبة إلى الأصل، والمرأة تدخل فيه بتغاير التمكين طوعا. م: (لأنه فعل محظور) ش: أي لأن الزنا فعل حرام. فإن قلت: هذا تعليل واقع في غير محله، لأنه في التصورات. قلت: التعليل لا لإثبات التعريف، وإنما هو لبيان اعتبارهم انتفاء لشبهة الشهوة في تحقق الزنا. وتقرير كلام المصنف إنما اعتبروا أن يكون في غير شبهة الملك، لأنه فعل محظور موجب الحد، ويعتبر فيه الكمال، لأن الناقص ثابت من وجه دون وجه، فلا يوجب عقوبة. م: (والحرمة على الإطلاق عند التعري عن الملك وشبهته، يؤيد ذلك قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «ادرءوا الحدود بالشبهات» ش:، هذا الحديث بهذا اللفظ غريب، وذكر أنه في " الخلافيات " للبيهقي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وفي " مسند أبي حنيفة " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وأخرج ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا هشيم عن منصور عن الحارث عن إبراهيم قال: قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لأن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات. حدثنا عبد السلام عن إسحاق بن أبي فروة عن عمرو بن شعيب عن أبيه أن معاذا وعبد الله بن مسعود وعقبة بن عامر، قالوا: إذا اشتبه عليك الحد، فادرأه. وأخرج عن الزهري قال: ادفعوا الحدود بكل شبهة، والعجب من الكاكي حيث قال: هذا الحديث - يعني الذي ذكره المصنف متفق عليه تلقته الأمة بالقبول. م: (ثم الشبهة نوعان: شبهة في الفعل، وتسمى شبهة اشتباه) ش: وهي أن يشتبه عليه الحال بأن يظن أنها تحل له م: (وشبهة في المحل) ش: وهي أن تكون الشبهة التي في المحل شبهة ملك الرقبة أو ملك البضع م: (وتسمى) ش: أي هذه الشبهة م: (شبهة حكمية) ش: باعتبار أن المحل أعطى له حكم الملك في إسقاط الحد، وإن لم يكن الملك ثابتا حقيقة وذكر التمرتاشي والمرغيناني والشبهة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 295 فالأولى: تتحقق في حق من اشتبه عليه، لأن معناه أن يظن غير الدليل دليلا، ولا بد من الظن ليتحقق الاشتباه، والثانية: تتحقق بقيام الدليل النافي للحرمة في ذاته، ولا تتوقف على ظن الجاني واعتقاده، والحد يسقط بالنوعين لإطلاق الحديث، والنسب يثبت في الثانية إذا ادعى الولد ولا يثبت في الأولى وإن ادعاه، لأن الفعل تمحض زنا في الأولى، وإنما يسقط الحد لأمر راجع إليه، وهو اشتباه الأمر عليه، ولم يتمحض في الثانية.   [البناية] الحكمية تسمى أيضا شبهة الملك. وهي عبارة عن قيام العلة بلا عمل لمانع اتصل بها، وهي مانعة الحد على التقادير كلها. وفي " المحيط ": الشبهة ثلاثة، شبهة في الفعل، وشبهة في المحل، وشبهة في العقد. م: (فالأولى) ش: أي الشبهة الأولى م: (تتحقق في حق من اشتبه عليه، لأن معناه أن يظن به غير الدليل دليلا) ش: كما يظن أن جارية امرأته تحل له، بناء على أن الوطء نوع استخدام، والاستخدام محل، فكذا الوطء م: (ولا بد من الظن لتحقق الاشتباه) ش: فيكون تحققا بالنسبة إلى الظان. م: (الثانية) ش: أي الشبهة الثانية م: (تتحقق بقيام الدليل النافي للحرمة في ذاته) ش: مثل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنت ومالك لأبيك» م: (ولا تتوقف على ظن الجاني واعتقاده، والحد يسقط بالنوعين لإطلاق الحديث) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ادرءوا الحدود بالشبهات» م: [ثبوت النسب بالوطء] (والنسب يثبت في الثاني) ش: أي في المذكور الثاني، وهو شبهة المحل م: (إذا ادعى الولد) ش: لأن الفعل لما لم يكن زنا بشبهة في المحل ثبت نسب الولد بالمدعوة، لأن النسب مما يحتاط في إثباته. م: (ولا يثبت في الأولى وإن ادعاه) ش: أي لا يثبت النسب في شبهة الفعل وإن ادعى الولد، لأنه لاحق له في المحل، فوقع الفعل زنا، إلا أنه سقط الحد بدعوى الاشتباه، وإن لم يدع الظن وجب الحد. وفي " فتاوى الولوالجي ": ولو ادعى أحدهما الظن ولم يدع الآخر فلا حد عليهما، لأن الشبهة في أحد الجانبين يتعدى إلى الآخر، وقال الكاكي: قيل هذا ليس يحوى على العموم، قال: في المطلقة الثلاث يثبت النسب لأن هذا الوطء في شبهة العقد، فيكفي ذلك لإثبات النسب، ذكره التمرتاشي. وفي " المعراج ": المطلقة بعوض والمختلعة ينبغي أن يكون كالمطلقة ثلاثا. م: (لأن الفعل تمحض) ش: أي خلص، من المحض، وهو اللبن الخالص الذي لا يخالطه شيء. ش: م: (زنا في الأولى، وإن سقط الحد لأمر راجع إليه) ش: أي إلى الواطئ م: (وهو اشتباه الأمر عليه، ولم يتمحض في الثانية) ش: وهي الشبهة في المحل لوجود الدليل الشرعي على حل الوطء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 296 فشبهة الفعل في ثمانية مواضع، جارية أبيه وأمه وزوجته، والمطلقة ثلاثا وهي في العدة، وبائنا بالطلاق على مال وهي في العدة، وأم الولد أعتقها مولاها، وهي في العدة وجارية المولى في حق العبد، والجارية المرهونة في حق المرتهن في رواية كتاب الحدود   [البناية] وإن لم يثبت الحل فكذلك حكمه في الظن وعدمه في سقوط الحد، لما أن الملك إذا يثبت بوجه لم يبق معه اسم الزنا من كل وجه. وما قيل في " المحيط " وفي " الكافي " وشبهة في الفعل راجع إلى شبهة الدليل، وهي شبهة في المحل، ولهذا قيل سمي شبهة الملك. م: (فشبهة الفعل في ثمانية مواضع، جارية أبيه) ش: أي وكذا جارية جدته، وإن علا م: (وأمه) ش: أي وجارية أمه، وكذا جارية جدته [ .... ] م: (وزوجته والمطلقة ثلاثا) ش: أي وجارية مطلقة ثلاثا م: (وهي في العدة) ش: أي والحال أنها في العدة. فإن قيل: ما وجه الاشتباه في المطلقة ثلاثا، حتى لا يحد إذا قال ظننت أنها تحل لي. أجيب: بأن وجهه بقاء بعض الأحكام بعض المطلقات الثلاث من النفقة والسكنى وحرمة نكاح الأخت وثبوت النسب، حتى لو جاءت بالولد يثبت النسب إلى سنتين. فإن قيل: بين الناس اختلاف فيمن طلق امرأته ثلاثا، هل يقع أو لا؟ فينبغي أن يصير ذلك شبهة في إسقاط الحد. أجيب: أنه خلاف غير معتد، حتى لو قضى به القاضي لم ينفذ قضاؤه. قلت: من مذهب الزيدية من الروافض أن إرسال الثلاث جملة لا يوجب الحرمة الغليظة، والفرق بين الخلاف والاختلاف، أن الاختلاف مستعمل في قول بني على دليل، والخلاف فيما لا دليل عليه. م: (وبائنا) ش: أي والمطلقة طلاقا بائنا م: (بالطلاق على مال، وهي في العدة) ش: أي والحال أنها في العدة وإنما قيل بالطلاق البائن بالمال لأنه إذا لم يكن على مال فوطئها في العدة فلا حد عليه. وإن قال: علمت أنها علي حرام ما يجيء م: (وأم الولد أعتقها مولاها وهي في العدة) ش: لأن أثر الفراش، وهي العدة باق لمولاها، فكان الوطء في موضع الاشتباه، كما في المطلقة ثلاثا. م: (وجارية المولى في حق العبد) ش: وشبهة العبد في جارية مولاه انبساط العبد في مال مولاه م: (والجارية المرهونة) ش: فجاز أن يظن حل الانبساط فيها بالوطء، والجارية الموطوءة م: (في حق المرتهن في رواية كتاب الحدود) ش: والبيوع، يعني إذا قال المرتهن ظننت أنها تحل لي لا يحد، وهو الأصح، لأن عقد الرهن يثبت ملك اليد حقا للمرتهن، وبه يثبت شبهة الاشتباه كما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 297 ففي هذه المواضع لا حد إذا قال ظننت أنها تحل لي، ولو قال: علمت أنها علي حرام وجب الحد والشبهة في المحل في ستة مواضع، جارية ابنه، والمطلقة طلاقا بائنا بالكنايات، والجارية المبيعة في حق البائع قبل التسليم، والممهورة في حق الزوج قبل القبض، والمشتركة بينه وبين غيره، والمرهونة في حق المرتهن في رواية كتاب الرهن، ففي هذه المواضع لا يجب الحد. وإن قال: علمت أنها علي حرام. ثم الشبهة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - تثبت بالعقد. وإن كان متفقا على تحريمه وهو عالم به، وعند الباقين   [البناية] في العدة في خلع، وبه قال الشافعي في قول، وفي قول لا يسقط الحد، وبه قال أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، والعبرة للرهن في هذا بمنزلة المرتهن م: (ففي هذه المواضع) ش: وهي ثمانية مواضع المذكورة م: (لا حد إذا قال: ظننت أنها تحل لي) ش: لوجود الشبهة في الفعل. م: (ولو قال: علمت أنها علي حرام يجب أن يحد) ش: لانتفاء الشبهة م: (والشبهة في المحل في ستة مواضع، جارية ابنه) ش: لقيام مقتضى الملك، وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أنت ومالك لأبيك» ، وفي " فتاوى الولوالجي ": وكذا لو وطئها الجد وإن علا من قبل الأب، لأن اسم الأب يطلق عليه م: (والمطلقة طلاقا بائنا بالكنايات) ش: لاختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في كونها رجعية أو بائنا م: (والجارية المبيعة في حق البائع قبل التسليم) ش: لأن التي كان بها متسلطا على الوطء باقية بعد، فصارت شبهة في المحل. م: (والممهورة في حق الزوج قبل القبض) ش: لقيام تلك اليد م: (والمشتركة) ش: أي الجارية المشتركة م: (بينه وبين غيره) ش: لقيام الملك في النصف م: (والمرهونة في حق المرتهن في رواية كتاب الرهن) ش: يعني إذا قال المرتهن ظننت أنها تحل لي، لا يحد في رواية كتاب الرهن، سواء ادعى ظن المحل أو لا، كما في الجارية المشتركة. وهكذا ذكر أيضا في " شرح الجامع " و " الذخيرة "، وذكر في " الإيضاح ": في المرهونة إذا قال ظننت أنها تحل لي فقد ذكر في كتاب الرهن لا يحد. وذكر في الحدود أنه يحد ولا يعتبر ظنه م: (ففي هذه المواضع) ش: وهي ستة مواضع م: (لا يجب الحد) . م: (وإن قال علمت أنها علي حرام) ش: كلمة إن واصلة بما قبله، والحاصل أن شبهة المحل هو أن يكون الحل قائما في الحقيقة، إلا أن الحل يحلف عنه، وشبهة الفعل هي أن لا يكون دليل الحل قائما، ولكنه يظنه [ ... ] الحلال في شيء لا دلالة على الحل. م: (ثم الشبهة عند أبي حنيفة تثبت بالعقد) ش: هذه شبهة أخرى غير الشبهتين المذكورتين وهي شبهة العقد، فإنها تثبت بالعقد مطلقا، وهي معنى قوله م: (وإن كان متفقا على تحريمه) ش: يعني سواء كان العقد حلالا أو حراما متفقا عليه أو مختلفا فيه، سواء كان الواطئ عالما بالحرمة أو جاهلا بها، وهو معنى قوله م: (وهو عالم به) ش: أي والحال أنه عالم بالتحريم م: (وعند الباقين) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 298 لا تثبت إذا علم بتحريمه، ويظهر ذلك في نكاح المحارم على ما يأتيك إن شاء الله تعالى. إذا عرفنا هذا، ومن طلق امرأته ثلاثا ثم وطئها في العدة وقال: علمت أنها علي حرام حد لزوال الملك المحلل من كل وجه، فتكون الشبهة معه منتفية وقد نطق الكتاب بانتفاء الحل، وعلى ذلك الإجماع، ولا يعتبر قول المخالف فيه، لأنه خلاف لا اختلاف.   [البناية] ش: أي وعند العلماء الباقين م: (لا تثبت) ش: أي لا تثبت الشبهة بالعقد م: (إذا علم بتحريمه) ش: أي بتحريم العقد م: (ويظهر ذلك في نكاح المحارم على ما يأتيك إن شاء الله تعالى) ش: وذلك عند قوله: ومن تزوج امرأة لا تحل له نكاحها فوطئها لا يحد عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (إذا عرفنا هذا) ش: أي هذا الذي ذكرناه من بيان نوعي الشبهة نذكر ما يتعلق بهما من المسائل، فنقول: م: (ومن طلق امرأته ثلاثا ثم وطئها في العدة، وقال: علمت أنها علي حرام حد لزوال الملك المحلل من كل وجه، فتكون الشبهة معه منتفية) ش: لأن الملك أصلا وشبهة الانتفاء أيضا منتفية، لأن الواطئ يقول علمت بأنها علي حرام. وأما إذا قال: ظننت أنها تحل لي لا حد عليه، ولا على قاذفهنص عليه الحاكم في " الكافي ". وإنما قال: لزوال الحل من كل وجه يدل عليه القرآن، وهو معنى قوله: م: (وقد نطق الكتاب بانتفاء المحل) ش: وهو قوله {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (البقرة: الآية 230) ، م: (وعلى ذلك الإجماع) ش: أي وعلى انتفاء الحل انعقد الإجماع، فلا يعتبر قول المخالف فيه، هذا جواب سؤال، وهو أن يقال اختلف الناس في وقوع الثلاث جملة، فعند الزيدية من الروافض يقع واحدة، وعند الإمامية منهم لا يقع شيء، ويدعون أنه قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فينبغي أن يصير ذلك شبهة في المحل، فقال في جوابه. م: (ولا يعتبر قول المخالف فيه، لأنه غير معتبر، لأنه خلاف لا الاختلاف) ش: وقد ذكرنا الكلام فيه عن قريب. وقال الإمام حميد الدين الضرير - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح الفرق بين الخلاف والاختلاف، أن الاختلاف أن يكون الطريق مختلفا، والمقصود واحد. والخلاف أن يكون كلامهما مختلفا. وقال فخر الإسلام البزدوي في شرح " الجامع الصغير ": لا اختلاف من آثار الرحمة. والاختلاف من آثار البدعة، وأراد به الفرق المذكور. قال الأترازي: وكذا إرادة صاحب " الهداية " ولي فيه نظر، لأنه لم يثبت في قوانين اللغة ما قالوا. ويقال اختلف القوم اختلافا وخالفوا بخلافه وخلافا إذا لم يوافق بعضهم بعضا، انتهى. قلت: فيه نظر من جهة عدم دلالة اللغة عليها على ما قالوا، ولكنه لم يوصف الكلام حقه. فأقول: الخلاف من باب المفاعلة وأصله للمشاركة بين آيتين أو أكثر، والاختلاف من باب الافتعال، وأصله للاتحاد، والكسر يجيء بمعنى التفاعل نحو اختصموا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 299 ولو قال: ظننت أنها تحل لي لا يحد، لأن الظن في موضعه، لأن أثر الملك قائم في حق النسب والحبس والنفقة، فاعتبر ظنه في إسقاط الحد، وأم الولد إذا أعتقها مولاها، والمختلعة والمطلقة على مال بمنزلة المطلقة الثلاث، لثبوت الحرمة بالإجماع، وقيام بعض الآثار في العدة. ولو قال لها: أنت خلية أو برية، أو أمرك بيدك فاختارت نفسها ثم وطئها في العدة، وقال: علمت أنها علي حرام لم يحد؛ لاختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فيه، فمن مذهب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنها تطليقة رجعية.   [البناية] م: (ولو قال: ظننت أنها تحل لي، لا يحد، لأن الظن في موضعه لأن أثر الملك قائم في حق النسب) ش: أي ثابت في حق ثبوت [ .... ] النسب ولدت باعتبار العلوق السابق على الطلاق لا النسب في هذا الوطء، فإنه لا يثبت م: (والحبس) ش: أي المنع من الخروج م: (والنفقة) ش: أي وجوب النفقة. وهذا كله دليل لكون الظن في موضعه م: (واعتبر ظنه في إسقاط الحد وأم الولد) ش: بالرفع على الابتداء م: (إذا أعتقها مولاها) ش: يعني يجزئ عتقها م: (والمختلعة) ش: بالرفع أيضا عطف على أم الولد. م: (والمطلقة على مال) ش: عطف أيضا على ما قبله، وقوله: م: (بمنزلة المطلقة الثلاث) ش: خبر المبتدأ، وما عطف عليه توضيح معناه أنه إذا وطئ كل واحدة منهن في العدة، وقال علمت أنها علي حرام حد م: (لثبوت الحرمة بالإجماع) ش: لزوال الحل من كل وجه م: (وقيام بعض الآثار في العدة) ش: أي بعض آثار الملك مثل وجوب النفقة ومنعها من الخروج، وإن قال ظننت أنها تحل لي في هذه الصورة لا يحد للشبهة، لأن قيام أثر الملك من العدة ونحوها أورث شبهة. م: (ولو قال لها: أنت خلية أو برية أو أمرك بيدك، فاختارت نفسها ثم وطئها في العدة وقال: علمت أنها علي حرام لم يحد لاختلاف الصحابة فيه) ش: أي في حكم هذا الفصل، والصحابة الذين روي عنهم في هذا الباب على الاختلاف: عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر، وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس، وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أما المروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأشار إليه بقوله: م: (فمن مذهب عمر أنها مطلقة رجعية) ش: وأخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " الثوري عن حماد بن إبراهيم قال: قال عمر بن الخطاب، وابن مسعود: إن اختار نفسها فهي واحد، إن اختارت زوجها فلا شيء ورواه أيضا عن الشعبي قال: قال عمر، وابن مسعود: إن اختارت زوجها فلا بأس، وإن اختارت نفسها فهي واحدة، وله عليها الرجعة. وأما المروي عن زيد بن ثابت فأخرجه عبد الرزاق أيضا أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد عن زيد بن ثابت أنه قال في رجل جعل [أمر] امرأته بيدها فطلقت نفسها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 300 وكذا الجواب في سائر الكنايات   [البناية] ثلاثا، قال: هي واحدة. وأما المروي عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه عبد الرزاق أيضا، أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول في الرجل يخير امرأته، فاختارت نفسها، قال: هي واحدة. وروى فرواه الشافعي في " مسنده " أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال في الخلية والبرية: إن كل واحد منهما ثلاث تطليقات، ورواه مالك في " الموطأ ". وأما المروي عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه الدارقطني في " سننه " عن عطاء بن السائب عن الحسن عن علي قال في الخلية والبرية والبتة والبائن والحرام: ثلاث، لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. وأما المروي عن ابن عباس فرواه عبد الرزاق أخبرنا ابن التيمي عن أبيه عن الحسن بن مسلم، عمن سمع ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يقول في الرجل يقول لامرأته: أنت برية: إنها واحدة. وأما المروي عن عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه ابن أبي شيبة عنه وعن ابن عباس وابن عمر إذا ملك الرجل امرأته أمرها بيدها فالقضاء ما قضت، إلا أن ينكر الرجل، فيقول لم أرد إلا واحدة، ويحلف على ذلك فيكون أملك بها ما كانت في عدتها، وأخرجه عبد الرزاق أيضا نحوه. م: (وكذا الجواب في سائر الكنايات) ش: قال الحاكم الشهيد وفي " الكافي ": إن أبانها بشيء من الكنايات ثم جامعها وهو يقول علمت أنها علي حرام فلا حد عليه. وقال الفقيه أبو الليث في " شرح الجامع الصغير ": فإن طلقها طلقة بائنة ثم وطئها في العدة لا حد عليه، سواء ادعى الشبهة أو لم يدع فيها الشبهة شبهتان، شبهة حكم، وشبهة اشتباه، فهاهنا شبهة حكم، لأن الصحابة اختلفوا فيه، قال بعضهم: الكنايات كلها بوائن. وقال بعضهم: رجعية وجعلها بعضهم ثلاثا، فأورث اختلاف الصحابة شبهة في المحل، لأن في الواحدة للرجعية يبقى الحل، فينبغي على هذا أن يثبت النسب بالدعوى على ما أشار إليه الصدر الشهيد بقوله: ولا يثبت إذا لم يدع، وذلك لأن الفعل لم يقع وفاء لبقاء الحل باعتبار الشبهة في المحل. ولكن قال فخر الإسلام البزدوي في " شرحه للجامع الصغير ": ولا يثبت نسب الولد في ذلك كله، لأنه زنا، وإنما يسقط الحد بالشبهة لأنه عقوبة، ولا يثبت النسب بالزنا بحال. وقال الأترازي: كأنه جعل هذه الشبهة شبهة الاشتباه وليس ذلك بصحيح عندي، لأن الرواية منصوصة في " الجامع الصغير ". وفي " الكافي " للحاكم: أنه لا يجب عليه الحد. وإن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 301 وكذا إذا نوى ثلاثا لقيام الاختلاف مع ذلك. ولا حد على من وطئ جارية ولده وولد ولده. وإن قال علمت أنها علي حرام، لأن الشبهة حكمية لأنها نشأت عن دليل وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أنت ومالك لأبيك»   [البناية] قال: علمت أنها علي حرام. فلو كان الأمر كما قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - لوجب الحد، لزوال الاشتباه بقوله علمت أنها علي حرام، فلما لم يجب علم أنه من قبيل شبهة المحل. وفي شبهة المحل لا يقع الفعل زنا، فيثبت بالدعوى. م: (وكذا إذا نوى ثلاثا) ش: أي وكذا الحكم إذا نوى ثلاثا من ألفاظ الكنايات ثم وطئها في العدة، يعني لا يحد، وإن قال علمت أنها علي حرام م: (لقيام الاختلاف) ش: أي اختلاف الصحابة م: (مع ذلك) ش: أي مع نية الثلاث، لأن اختلاف الثلاثة لا يرتفع بنية الثلاث، فكانت الشبهة قائمة، فلا يجب الحد. [وطئ جارية ولده وولد ولده] م: (ولا حد على من وطئ جارية ولده وولد ولده وإن قال علمت أنها علي حرام، لأن الشبهة حكمية، لأنها نشأت عن دليل) ش: وسواء ادعى الأب الشبهة أو لم يدع. وأما الجد إذا وطئ جارية ولد ولده لا يجب الحد، ولا يثبت النسب أيضا إذا كان الأب حيا، لأنه محجوب بالأب وسقوط الحد لغوا منه الولادة، وذكر البزدوي إذا وطئ جارية حافدة والأب في الحياة لا يجب الحد. م: (وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي الدليل هو قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «أنت ومالك لأبيك» ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة: فعن عمر بن الخطاب أخرج حديثه البزار في " مسنده " عن سعيد بن المسيب عنه. وعن جابر أخرج حديثه الطبراني في " الصغير " والبيهقي في " دلائل النبوة " مطولا عن محمد بن المنكدر عن أبيه عنه، وفيه «أنت ومالك لأبيك» . وعن سمرة بن جندب أخرج حديثه البزار في " مسنده " والطبراني في " معجمه " عن الحسن عنه نحوه. وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الطبراني في " معجمه " عن علقمة بن قيس عنه نحوه. وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه أبو يعلى في " مسنده " عن أبي إسحاق عنه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 302 والأبوة قائمة في حق الجد، قال: ويثبت النسب منه وعليه قيمة الجارية، وقد ذكرناه. وإذا وطئ جارية أبيه أو أمه أو زوجته، وقال: ظننت أنها تحل لي فلا حد عليه، ولا على قاذفه، وإن قال: علمت أنها علي حرام حد، وكذا العبد إذا وطئ جارية مولاه، لأن بين هؤلاء انبساطا في الانتفاع، فظنه في الاستمتاع محتمل، فكان شبهة اشتباه، إلا أنه زنا حقيقة، فلا يحد قاذفه، وكذا إذا قالت الجارية ظننت أنه يحل لي، والفحل لم يدع في الظاهر.   [البناية] نحوه، وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرج حديثها ابن حبان في " صحيحه " عن عطاء عنها نحوه. م: (والأبوة قائمة في حق الجد) ش: يشير بذلك إلى أن حكم الجد مثل حكم الأب في عدم وجوب الحد، وإن كان الأب حيا، ولكن لا يثبت النسب وقد ذكرناه الآن م: (ويثبت النسب منه) ش: أي من الأب م: (وعليه قيمة الجارية) ش: لأنه يملكها عند ثبوت النسب، ولا عقد عليه، لأنه لما ملكها يجمع سقط العقد، لأنه ضمان الجزاء م: (وقد ذكرناه) ش: أي في باب نكاح الرقيق. م: (وإذا وطئ جارية أبيه أو أمه أو زوجته وقال: ظننت أنها تحل لي فلا حد عليه، ولا على قاذفه. وإن قال علمت أنها علي حرام حد، وكذا العبد إذا وطئ جارية مولاه) ش: أي وكذا حكم العبد بالتفصيل المذكور م: (لأن بين هؤلاء انبساطا في الانتفاع) ش: لأن الابن يتناول مال أبويه وينتفع به للأكل والصرف، وكذا الزوج في مال الزوجة. وكذا العبد في مال مولاه، فلما جرى الانبساط بينهم اشتبهه الوطء، فإذا ادعى الاشتباه سقط الحد للشبهة، لكن لا يثبت النسب، لأن الفعل زنا في الواقع، وإذا قال: علمت أنها علي حرام حد لزوال الاشتباه، ولا يحد قاذف الابن والزوج والعبد بعد الحرية. لأن الفعل وقع زنا إلا أن الحد سقط الشبهة. وقاذف الزاني لا يحد. وقال في " الأجناس " قال في أمالي الحسن قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا زنى بجارية امرأته وقال: ظننت أنها لي حلال عليه العقوبة ولا حد عليه. ولا يثبت نسب الولد إن جاءت به صدقته المرأة أو لم تصدقه. ولو قال علمت أنها علي حرام لا عقر عليه، وعليه الحد، ولا يثبت النسب. م: (وظنه في الاستمتاع محتمل) ش: أي وظن الواطئ الانبساط في الانتفاع أكلا واستعمالا في حل الاستمتاع بالجارية فيه م: (فكان) ش: أي ظنه هذا م: (شبهة اشتباه، إلا أنه زنا حقيقة، ولا يحد قاذفه، وكذا إذا قالت الجارية ظننت أنه يحل لي) ش: معطوف على قوله وقال ظننت أنها تحل لي فلا حد عليه أي والحال م: (والفحل لم يدع في الظاهر) ش: متصل بقوله، وكذا، أي لا حد على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 303 لأن الفعل واحد، وإن وطئ جارية أخيه أو عمه وقال: ظننت أنها تحل لي حد، لأنه لا انبساط في المال فيما بينهما، وكذا سائر المحارم سوى الولاد لما بينا. ومن زفت إليه غير امرأته وقالت النساء: أنها زوجتك فوطئها لا حد عليه، وعليه المهر، قضى بذلك علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وبالعدة   [البناية] العبد في ظاهر الرواية م: (لأن الفعل واحد) ش: أي لأن فعلهما واحد، فإذا سقط عنهما سقط عنه الحد. وروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الجارية إن ادعت الحل ولم يدع الفحل حد، لأن المرأة تابعة في فعل الزنا، فالشبهة المتمكنة في جانب البائع لا تعتبر في جانب الأصل، بخلاف ما إذا ادعى الرجل الظن، لأنه أصل في الفعل، فيتورث شبهة في التابع. وقلنا: لما كان الفعل واحدا ووردت الشبهة في أحد الجانبين يكتفي لإسقاط الحد على الآخر. فإن قيل: يشكل بما إذا زنى البالغ بصبية، حيث يجب الحد على البالغ دون الصبية، مع أن الفعل واحد. قلنا: سقوط الحد عن الصبية باعتبار عدم الأهلية لعقوبته، لا باعتبار الشبهة في الفعل، وفيما نحن فيه باعتبار الفعل، فيؤثر في الجانب الآخر لا محالة. م: (وإن وطئ جارية أخيه أو عمه وقال ظننت أنها تحل لي حد، لأنه لا انبساط في المال فيما بينهما) ش: فلا يعتبر دعوى الظن. م: (وكذا سائر المحارم) ش: أي وكذا الحكم، وهو وجوب الحد م: (سوى الولاد) ش: أي سوى قرابة فيما به الولاد، كالخال، والخالة وغيرها هذا المعنى م: (لما بينا) ش: أي قوله لأنه لا انبساط في المال فيما بينهما، بخلاف ما لو سرق من بيت هؤلاء حيث لا يقطع، لأن الحرز لم يتحقق في حق لدخوله في بيت هؤلاء فلا استئذان، وحيث هو القطع دائر مع هتك الحرز. [زفت إليه غير امرأته وقال النساء أنها زوجتك فوطئها] م: (ومن زفت إليه غير امرأته، وقال النساء أنها زوجتك فوطئها لا حد عليه، وعليه المهر قضى بذلك علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: هذا غريب جدا. قوله " زفت " على صيغة من المجهول أي بعث من باب نصر ينصر. قوله م: (وقال: النساء) ش: بتذكير الفعل، لأن تأنيث الجمع ليس بحقيقي، قال الله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ} [الممتحنة: 12] (الممتحنة: الآية 12) ، وفي بعض النسخ م: (وقلن النساء) ش:. قال الأترازي: لا يجوز إلا على ضعيف. قلت: حكى سيبويه - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذلك فمن غير قيد نصف، كقولهم أكلوني البراغيث م: (وبالعدة) ش: أي وقضى وجوب العدة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 304 ولأنه اعتمد دليلا وهو الإخبار في موضع الاشتباه إذ الإنسان لا يميز بين امرأته وبين غيرها في أول الوهلة، فصار كالمغرور، ولا يحد قاذفه إلا في رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الملك منعدم حقيقة. ومن وجد امرأة على فراشه فوطئها فعليه الحد، لأنه لا اشتباه بعد طول الصحبة، فلم يكن الظن مستندا إلى دليل. وهذا لأنه قد ينام على فراشها غيرها من المحارم التي في بيتها، وكذا إذا كان أعمى.   [البناية] م: (ولأنه) ش: أي ولأن المزفوف م: (اعتمد دليلا وهو الإخبار في موضع الاشتباه، إذ الإنسان لا يميز بين امرأته وبين غيرها في أول الوهلة) ش: بفتح الواو وسكون الهاء يقال لقيته أول وهلة، أي أول كل شيء يعني لا يميز في أول الوهلة إلا بالإخبار، وخبر الواحد مقبول في أمور الدين والمعاملات، ولهذا إذا جاءت الجارية وقالت: بعثني إليك مولاي هدية يحل وطؤها اعتمادا عليها، ذكره الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وأما وجوب المهر فلأن البضع لا يخلو عليها من أحد الوجهين إبانة لخطر المحل. أما الحد وأما المهر فلم يجب الحد للشبهة فيجب المهر. وقال الأترازي: وهو مؤيد بقضاء علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. روى أصحابنا في كتبهم أنه قضى كذلك، ويثبت نسب الولد إن جاءت به وليست كالتي فجر محرمها، وقال حسبتها امرأتي حيث لا يثبت نسب ولدها ويجب عليه الحد، وبه صرح الحاكم في " الكافي ": م: (فصار كالمغرور) ش: أي صار الذي زفت إليه غير امرأته فوطئها كالمغرور، وهو الذي زف إلى امرأة معتمدا على ملك يمين أو نكاح ثم استحقت [ ... ] فلا يجب عليه الحد للاشتباه، فكذا الذي زفت إليه غير امرأته لهذا المعنى. م: (ولا يحد قاذفه) ش: أي لا يحد قاذف الذي زفت إليه غير امرأته فوطئها في ظاهر الرواية م: (إلا في رواية عن أبي يوسف) ش: حيث قال إنه يحد م: (لأن الملك منعدم حقيقة) ش: هذا دليل ظاهر الرواية، أراد به أن لا ملك له فيه، إلا في الأخسية يسقط إحسانه لوقوع الفعل زنا فلا يحد قاذفه. م: (ومن وجد امرأة على فراشه فوطئها فعليه الحد؛ لأنه لا اشتباه بعد طول الصحبة فلم يكن الظن مستندا إلى دليل) ش: وقال زفر والشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا حد عليه، أي ظن أنها امرأته قياسا على ليلة الزفاف وعلى من شرب شرابا على ظن أنه ليس بخمر فإنه لا يحد م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله: لأنه اشتباه م: (لأنه قد ينام على فراشها غيرها من المحارم التي في بيتها) ش: فلا يكون مجرد النوم دليل على أن النائمة هي زوجته. م: (وكذا إذا كان أعمى) ش: أي إذا وجد الأعمى في بيته أو فراش زوجته امرأة فوطئها على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 305 لأنه يمكنه التمييز بالسؤال وغيره، إلا إن كان دعاها فأجابته أجنبية، وقالت: أنا زوجتك فواقعها لأن الإخبار دليل. ومن تزوج امرأة لا يحل له نكاحها فوطئها لا يجب عليه الحد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لكنه يوجع عقوبة إذا كان علم بذلك، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عليه الحد إذا كان عالما بذلك، لأنه عقد لم يصادف محله، فيلغو كما إذا أضيف إلى الذكور، وهذا لأن محل التصرف ما يكون محلا لحكمه، وحكمه الحل وهي من المحرمات.   [البناية] ظن أنها امرأته يجب عليه الحد م: (لأنه يمكنه التمييز بالسؤال) ش: أي يمكنه تمييز امرأته بالسؤال عنها م: (وغيره) ش: أي وغير السؤال من العلامات م: (إلا إذا دعا فأجابته أجنبية وقالت أنا زوجتك فواقعها) ش: أي فجامعها لا يجب الحد م: (لأن الإخبار دليل) ش: فاستند إليه. [تزوج امرأة لا يحل له نكاحها] م: (ومن تزوج امرأة لا يحل له نكاحها) ش: مثل نكاح المحارم، والمطلقة الثلاث، ومنكوحة الغير، ومعتدة الغير، ونكاح الحاملة، وأخت المرأة في عدتها، والمجوسية، والأمة على الحرة ونكاح العبد والأمة بلا إذن المولى، والنكاح بغير شهود م: (فوطئها لم يجب عليه الحد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: في جميع ذلك. وإن قال علمت أنها علي حرام م: (ولكنه يوجع عقوبة إذا كان علم بذلك) ش: يعني يضرب طريق التقرير ضربا مؤلما عقوبة عليه لا بطريق الحد. م: (وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: عليه الحد إذا كان عالما بذلك) ش: وإلا فلا، ولكن أبا يوسف ومحمد - رحمهما الله - قال: فيما ليس بحرام على التأبيد لا يجب الحد بالنكاح بغير شهود م: (لأنه عقد لم يصادف محله فيلغو، كما إذا أضيف إلى الذكور، وهذا لأن محل التصرف ما يكون محلا لحكمه) ش: وهذا المحل ليس محلا لحكمه م: (وحكمه الحل، وهي من المحرمات) ش: على التأبيد، فلا يكون محلا للحل، فلا ينعقد أصلا كالبيع الوارد على الميتة والدم، وفي " المغني " لابن قدامة الحنبلي: فأما الأنكحة المجمع على ما يطلق بها النكاح الخامسة والعقدة والزوجة للغير، ومطلقة ثلاثا وذوات محارم من نسب أو رضاع لا يمنع وجوب الحد، كما روي عن عمر أنه قال: حين رفع إليه امرأة تزوجت في عدة قضاء له بغيره علمتما فقالا: لا، فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لو علمت لرجمتكما. وفي وطء محارمه بالعقد وبغيره روايتان، في رواية يجب الحد لعموم الآية. والثانية يقبل بكل حال لما روي «عن البراء قال: " لقيت عمي وفي يده الراية، فقلت إلى أين تريد، قال: بعثني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى رجل نكح امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله» . قال الترمذي: هذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 306 ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن العقد صادف محله، لأن محل التصرف ما يقبل مقصوده. والأنثى من بنات بني آدم قابلة للتوالد وهو المقصود، فكان ينبغي أن ينعقد في حق جميع الأحكام، إلا أنه تقاعد عن إفادة حقيقة الحل، فيورث الشبهة، لأن الشبهة ما يشبه الثابت لا نفس الثابت، إلا أنه ارتكب جريمة   [البناية] حديث حسن. وروى ابن ماجه بإسناده أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ومن وقع على ذات محرم فاقتلوه» انتهى كلامه، قال العلامة: هذا حديث شاذ مخالف لظاهر الكتاب والأحاديث المشهورة، فيؤول ذلك في حق من يستحله أو أمر بذلك بسياسة وتعزير الحد. م: (ولأبي حنيفة أن العقد صادف محله) ش: لأن الوطء حصل عقيب النكاح المصادف إلى محل قابل لمقاصد النكاح، والنكاح بصيغة زوجت وتزوجت وما يجري ذلك المجرى من الألفاظ فصادف محله م: (لأن محل التصرف ما يقبل مقصوده) ش: أي مقصود المتصرف، وهو المطلوب من النكاح، وهو قضاء الشهوة والولد والسكنى م: (والأنثى من بني آدم قابلة للتوالد، وهو المقصود) ش: ولا شك أن المحل بهذه الصفة م: (فكان ينبغي أن ينعقد في حق جميع الأحكام) ش: وأن يثبت العقد حقيقة الحل، لكن لم يثبتها إلا قضاء المنصوص، بخلاف ذلك، وهو معنى قوله. م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن هذا العقد م: (تقاعد عن إفادة حقيقة الحل، فيورث الشبهة) ش: أي شبهة الحل م: (لأن الشبهة ما يشبه الثابت لا نفس الثابت) ش: فإن قلنا: من أين يرث شبهة المحل، وقد ثبت الحرية بالنص من كل وجه، فانتفى الحل من كل وجه. قلت: سلمنا أن الحل ينتفي من كل وجه، فنحن لا ندعي المحل من وجه حتى يرد السؤال، بل ندعي شبهة الحل لصورة العقد، وهي حاصلة. وقد علل المصنف ذلك بقوله لأن الشبهة إلى آخره. فإن قلت: لو كانت الشبهة ثابتة لوجبت العدة، وثبت النسب. قلت: منع بعض أصحابنا عدم وجوب العدة وعدم ثبوت النسب. وعلى تقدير التسليم نقول مبنى وجوب العدة وثبوت النسب على وجود الحل من وجه أو من كل وجه، وهنا لم يوجد الحل أصلا، ويعني بالحل أن يكون الفاعل على حالة الإيلام عليها. وهاهنا إيلام الواطئ ويعذر عقوبة عليه. م: (إلا أنه ارتكب جريمة) ش: استثناء من قوله فيورث الشبهة أي يورث العقد الشبهة، فلا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 307 وليس فيها حد مقدر فيعزر. ومن وطئ أجنبية فيما دون الفرج يعزر، لأنه منكر ليس فيه شيء مقدر، ومن أتى امرأة في الموضع المكروه أو عمل عمل قوم لوط فلا حد عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويعزر. وزاد في " الجامع الصغير ": ويودع في السجن.   [البناية] يجب الحد إلا إن ارتكب جريمة، أي ذنبا م: (وليس فيها) ش: أي في هذه الجريمة م: (حد مقدر) ش: فإذا لم يكن حد مقدر م: (فيعزر) ش: عقوبة عليه. [الوطء فيما دون الفرج] م: (ومن وطئ أجنبية) ش: أي امرأة أجنبية م: (فيما دون الفرج) ش: كالتبطين والتفخيذ ونحوهما، وليس المراد منه الإتيان في الدبر، لأن بيانه يجيء عقيب هذا م: (يعزر) ش: قالوا أشد التعزير م: (لأنه) ش: أي لأن الوطء فيما دون الفرج م: (منكر) ش: لأنه شيء قبيح م: (ليس فيه شيء مقدر) ش: في الشرع وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في رواية، وفي رواية: يقتل. م: (ومن أتى امرأة في الموضع المكروه) ش: أي في الدبر م: (أو عمل عمل قوم لوط) ش: أي أو أتى في دبر الذكر م: (فلا حد عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويعزر) ش: هذا لفظ القدوري م: (وقال) ش: أي محمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: م: (في " الجامع الصغير ": ويودع في السجن) ش: وصورته في " الجامع الصغير ": محمد بن يعقوب عن أبي حنيفة: في الدبر يعمل عمل قوم لوط قال لا يبلغ حد الزنا، لكنه يحبس ويعزر، وذكر علاء الدين في طريقة الخلاف يعزر ويحبس إلى أن يتوب أو يموت. وفي " روضة السندوسي ": الخلاف في الغلام، أما لو أتى امرأة في الموضع المكروه يحد بلا خلاف. ولو فعل هذا بعبده أو أمته أو منكوحته لا يحد بلا خلاف، وكذا في " الفتاوى الظهيرية ". وفي " الكافي ": في الأصح أن العبد يحد، وفي الأمة والمنكوحة عدم الحد الكل على الخلاف، نص عليه في الزيادات. وقد انعقد الإجماع على تحريم إتيان المرأة في الدبر، وإن كان فيه خلاف قديم فقد انقطع. وكل من روي عنه إباحته فقد روي عنه إنكاره. فأما القائلون بتحريمه من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فعلي بن أبي طالب وابن عباس وأبو هريرة وأبو الدرداء وابن مسعود. ولم يختلف عليه أحد من الصحابة إلا ابن عمر، ومن التابعين إلا نافع. فأما ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فروى النسائي في سننه والطبري من طريق مالك قال: أشهد على ربيعة يحدثني عن سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر عن ذلك فقال: لا بأس به، وقد صح عنه أنه أنكر ذلك فيما روى النسائي من رواية الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال: قلت لابن عمر: إنا نشتري الجواري فيمحض لهن، قال: وما التمحيض؟ قال إتيانهن في أدبارهن، فقال ابن عمر: أويفعل هذا مسلم؟ وروى النسائي أيضا من رواية كعب بن علقمة عن ابن [ .... ] أخبره أنه قال لنا في مولى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 308 وقالا: هو كالزنا فيحد، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال في قول: يقتلان بكل حال؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اقتلوا الفاعل والمفعول» .   [البناية] ابن عمر قد أكثروا عليك القول، إنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى عمن يأتي النساء في أدبارهن، فقال نافع: لقد كذبوا علي. وقال ابن حزم في " المحلى ": وما روينا إباحة ذلك عن أحد إلا عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - باختلاف عنه. وعن نافع باختلاف عنه، وعن مالك باختلاف عنه، وروى الثعلبي في تفسيره عن رواية عطاف بن موسى - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عبد الله بن الحسن عن أبيه أنه حكى عن مالك إباحة ذلك، وأنكره أصحابه. م: (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (هو) ش: أي اللواطة م: (كالزنا فيحد) ش: فإن كان محصنا يرجم، وإلا فيجلد م: (وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال في قول: يقتلان بكل حال) ش: يعني سواء كان محصنا أو غير محصن، وله فيه وجوه، يقتلان بالسيف وفي وجه يرجمان بكرا كان أو ثيبا، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - تغليظا. وفي وجه يهدم عليه جدار. وفي وجه يرمى من شاهق حتى يموت. وفي " شرح الوجيز ": وأصح القولين يجلد إن كان من بكر ويعزر، وإن كان محصنا يرجم م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «اقتلوا الفاعل والمفعول) » ش: هذا رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « [من] وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل، والمفعول» م: (ويروى «فارجموا الأعلى والأسفل» ش: روى هذا ابن ماجه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذي يعمل عمل قوم لوط فارجموا الأعلى والأسفل» . م: (ولهما) ش: أي ولأبي يوسف ومحمد م: (أنه) ش: إن فعل اللواطة، وفي بعض النسخ ولهما أنهما أي الإتيان في الموضع المكروه من المرأة وعمل قوم لوط م: (في معنى الزنا، لأنه قضاء الشهوة في محل مشتهى على سبيل الكمال) ش: وقال الكاكي: قوله في معنى الزنا، أي في المعنى الذي تعلق به الحد من كل وجه، حتى إن من لا يعرف الشرع لا يفصل بينهما. قوله - لأنه - أي لأن إتيان الدبر قضاء الشهوة في محل مشتهى، إذ المحل إنما يصير مشتهى باللين والحرارة، وذلك لا يخلو من القبل والدبر، بل الاشتهاء والرغبة في الدبر أبلغ، لأنه لا يتوهم حدوث الولد، بخلاف القبل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 309 ويروى: فارجموا الأعلى والأسفل، ولهما أنه في معنى الزنا، لأنه قضاء الشهوة في محل مشتهى على سبيل الكمال على وجه تمحض حراما لقصد سفح الماء. وله أنه ليس زنا لاختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في موجبه من الإحراق بالنار، وهدم الجدار والتنكيس من مكان مرتفع بإتباع الأحجار وغير ذلك، ولا هو في معنى الزنا، لأنه ليس فيه إضاعة الولد.   [البناية] وقال الأترازي: وقيد الكمال احترازا عن الشبهة، لأن فرجها ينفر عنه الطباع السليمة، فلم تكن تشتهى على سبيل الكمال م: (على وجه) ش: يتعلق بقوله لأنه قضى الشهوة ... إلى آخره م: (تمحض حراما) ش: عن قوله م: (لقصد سفح الماء) ش: قال الأكمل: هو مناط الحد في الزنا فيلحق به اللواطة بالدلالة، لا بالقياس، لأن القياس لا يدخل فيما يدور بالشبهات. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - معنى سفح الماء هنا أبلغ، لأن المحل لا يصلح للنسل والحرث، فيكون أشد تضييعا للماء، لأنه بذر، وبذر الحب في محل لا ينبت يكون أشد تضييعا. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) ش: أي الإتيان في الدبر م: (ليس بزنا لاختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في موجبه) ش: أي موجب الإتيان في الدبر م: (من الإحراق بالنار) ش:. روى الواقدي في كتاب " الردة " في آخر ردة بني سليم فقال: حدثني يحيى بن عبد الله بن أبي فروة عن عبد الله بن أبي بكر بن حزام قال: كتب خالد بن الوليد إلى أبي بكر الصديق أخبرني أني أتيت برجل قامت عندي البينة أنه يوطأ في دبره كما توطأ المرأة، فدعا أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واستشارهم فيه، فقال له عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أحرقه بالنار، فإن العرب يأنف أنفا لا يأنفه أحد غيرهم. وقال غيره اجلدوه، فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد أن أحرقه بالنار، فحرقه خالد. م: (وهدم الجدار عليهما) ش: وقال الأترازي: اختلف الصحابة في حده فقال بعضهم: يهدم عليهما الجدار. قلت: ولم أجد من أخرج هذا عن أحد من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (والتنكيس من مكان مرتفع بإتباع الأحجار) ش: يعني ينكسان من أعلى المواضع، ثم يتبعان بالحجارة. وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا غسان بن مضر عن سعيد بن زيد عن أبي نضرة قال: سئل ابن عباس ما حد اللواطي؟ قال: ننظر أعلى بناء في القرية ويرمى منه منكسا، ثم يتبع بالحجارة م: (وغير ذلك) ش: أي وغير ما ذكر من الأشياء المذكورة، وهو قول بعضهم يحبسان في أنتن المواضع حتى يموتا. م: (ولا هو) ش: أي الإتيان في الدبر م: (في معنى الزنا، لأنه ليس فيه إضاعة الولد) ش: بيانه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 310 واشتباه الأنساب، وكذا هو أندر وقوعا لانعدام الداعي في أحد الجانبين والداعي إلى الزنا من الجانبين، وما رواه محمول على السياسة أو على المستحيل، إلا أنه يعزر عنده لما بيناه، ومن وطئ بهيمة فلا حد عليه؛ لأنه ليس في معنى الزنا في كونه جناية، وفي وجود الداعي، لأن الطبع السليم ينفر عنه. والحامل عليه نهاية السفه أو فرط الشبق، ولهذا لا يجب ستره.   [البناية] أن الوطء في القبل سبب لحصول الولد ظاهرا غالبا، ثم إذا حصل الولد لا يقوم بحضانته وتربيته لا الزاني ولا الزوج، لعدم الوثوق بكون الولد منه والأم عاجزة عن الإنفاق عليه، فيضيع الولد وليس هذا في الإتيان في الدبر. م: (واشتباه الأنساب) ش: أي وليس فيه أيضا اشتباه الأنساب، لأن اشتباه الأنساب مبني على الدعوى، وهذا المعنى مقصود في اللواطة. م: (وكذا هو أندر وقوعا) ش: أي كذا فعل اللواطة، وقد روي [ ... ] م: (لانعدام الداعي من أحد الجانبين) ش: وهو جانب المفعول م: (والداعي إلى الزنا من الجانبين) ش: وجانب الفاعل وجانب المفعول، فلم يكن اللواطة في معنى الزنا، فلا يثبت حكمه فيهما قياسا. م: (وما رواه) ش: أي الشافعي وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «اقتلوا الفاعل والمفعول به» م: (محمول على السياسة، أو على المستحيل، إلا أنه يعزر عنده) ش: أي عند أبي حنيفة يعزر اللواطي، وإن كان لا يحد، وهذا استثناء من قوله ليس بزنا، ولا هو في معنى الزنا: (لما بيناه) ش: إشارة إلى قوله لأنه منكر ليس فيه شيء مقدر [وطء البهيمة] م: ومن وطئ بهيمة فلا حد عليه) ش: وبه قال زفر ومالك وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مثله، وبه قال الشافعي في قول وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وفي قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحد كالزنا، وبه قال في رواية. وفي قول يقتل رجما، بكرا كان أو ثيبا، كما روي عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من وجدتموه على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة» . م: (لأنه) ش: أي لأن وطء البهيمة م: (ليس في معنى الزنا في كونه جناية) ش: لأنه ناقص م: (وفي وجود الداعي) ش: أي ولا في وجود الداعي م: (لأن الطبع السليم ينفر عنه) ش: أي عن وطء البهيمة م: (والحامل عليه) ش: أي على وطء البهيمة م: (نهاية السفه) ش: لأن العاقل لا يفعل هذا الفعل [ ... ] . م: (أو فرط الشبق) ش: بفتح الشين المعجمة، والباء الموحدة وهو شدة الغلة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل نفرة الطبع السليم م: (ولهذا لا يجب ستره) ش: أي ستر فرج البهيمة، وإنما أضمر عليه وإن لم يسبق ذكره ذكر البهيمة ملزمة، كذا قاله الأكمل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 311 إلا أنه يعزر لما بيناه. والذي يروى أنه تذبح البهيمة وتحرق، فذلك لقطع التحدث به، وليس بواجب.   [البناية] قلت: دعوى الاستلزام غير موجه، نعم يفهم ذلك عند ذكر البهيمة، ولو كان الطبع داعيا عليه لوجب ستر ذلك الموضع، كما في القبل والدبر، والإيلاج فيه كالإيلاج في الكوز، ولهذا لا يجب الغسل، ولا ينقض الطهارة بنفس الإيلاج بدون الإنزال، فلا يكون في معنى الزنا م: (إلا أنه يعزر لما بينا) ش: يعني قوله ارتكب جريمة، وليس فيها حد. م: (والذي يروى) ش: أي والحديث الذي يروى م: (أنه تذبح البهيمة وتحرق) ش: بهذا اللفظ الغريب، نعم روى الأربعة من حديث عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها» م: (فذلك لقطع التحدث به) ش: أراد به أن الأمة تقبله، وقتل البهيمة لأجل قطع حديث الناس به، لأن الناس إذا رأوا البهيمة ربما يقولون هذه هي البهيمة التي فعل بها، فلا يتقرب به فلان ويتضرر، ويقعون أيضا في الغيبة، فلأجل ذلك تقتل البهيمة، ليكف تحدث الناس، على أنا نقول إن الحديث شاذ ضعيف، ضعفه البخاري ويحيى بن معين وأبو داود مع أنه روي عن ابن عباس أنه قال: لا حد على من أتى بهيمة. وكذلك روى الثقات عن ابن عباس، وإن ثبت تأوله في حق المستحل لتأويل قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من أتى امرأته الحائض أو امرأته في غير ما أتاها، فقد كفر بما أنزل على محمد» . وقيل: إنما قال ذلك في فاعل اعتاد وبذلك قتل سياسة عندنا، ألا ترى أنه أمر بالقتل المطلق، ولم يفرق بين المحض وغيره، ولو كان بمنزلة النساء يفرق بينه وبين المحض وغيره. م: (وليس بواجب) ش: أي الآخر وليس بواجب. وقال شمس الأئمة السرخسي: الإحراق جائز وليس بواجب، فإن كانت الدابة مما يؤكل لحمها تذبح، ويؤكل لا يحرق بالنار على قول أبي يوسف. وقال أبو يوسف: يحرق بالنار ويضمن الفاعل القيمة إن كانت لغيره، ولأنها قتلت لأجله كي يعتبر، وقال الطحاوي: وإن أتى بهيمة وجب التعزير، ولا يحد الحد. وإن كانت البهيمة ذبحت ولا تؤكل. قال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي " [لم يرو] هذا من أصحابنا في كتبهم، فأما محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - روى عن عمر أنه لم يحد واطئ البهيمة، وأمر بالبهيمة حتى أحرقت بالنار. وقال بعض أصحاب الشافعي: تقتل ولا تحرق، ويضمن الفاعل إن كانت لغيره. وقال بعض أصحابه: لا تقتل، وفرق بعض أصحابنا فقال: إن كانت مما [لا] يؤكل لا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 312 ومن زنى في دار الحرب أو في دار البغي ثم خرج إلينا فلا يقام عليه الحد، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحد لأنه التزم بإسلامه أحكامه أينما كان مقامه. ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لا تقام الحدود في دار الحرب، ولأن المقصود هو الانزجار، وولاية الإمام منقطعة فيهما، فيعرى الوجوب عن الفائدة، ولا تقام بعدما خرج، لأنها لم تنعقد موجبة، فلا تنقلب موجبة، ولو غزا من له ولاية الإقامة بنفسه.   [البناية] يذبح، وإن كانت مما يؤكل يذبح. وفي أكلها وجهان، أحدهما لا يجز ويضمن لغيره. [من زنى في دار الحرب] م: (ومن زنى في دار الحرب أو في دار البغي، ثم خرج إلينا، فلا يقام عليه الحد) ش: يعني إذا خرج وأقر عند القاضي م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحد) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه التزم بإسلامه أحكامه) ش: أي أحكام الإسلام م: (أينما كان مقامه) ش: بضم الميمين، أي ثبت موضع إقامته الضمير يرجع إلى من " في " ومن زنى. م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا تقام الحدود في دار الحرب» ش: هذا الحديث غريب، وأخرج البيهقي عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: قال أبو يوسف: حدثنا بعض أشياخنا عن مكحول عن «زيد بن ثابت قال: لا يقام الحدود في دار الحرب مخافة أن يلحق أهلها بالعدو» والمراسيل عندنا حجة كالمسند. وقال الكاكي: في شرح الصاعدي روى محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في السير الكبير عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من زنى أو سرق في دار الحرب وأصاب بها حدا ثم هرب وخرج إلينا فإنه لا يقام عليه الحد» ثم قال: وجه التمسك بحديث الكتاب أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حقق عدم الإقامة لانقطاع ولاية الإمام عنها، فكان المراد من عدم الإقامة عدم وجوب الحد. فإن قيل: الحديث يعارض بقوله تعالى: {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] . قلنا: خص منه مواضع الشبهة بالإجماع، فيجوز تخصيصه بخبر الواحد. م: (ولأن المقصود) ش: أي من إقامة الحد م: (هو الانزجار) ش: وذا لا يحصل بنفس الوجوب، بل الاستيفاء. ولا يمكن استيفاؤه ثمة لعدم ولاية الإمام، فامتنع الوجوب لعدم فائدته، وهو الاستيفاء، أشار إليه المصنف بقوله: م: (وولاية الإمام منقطعة فيهما) ش: أي في دار الحرب، ودار البغي كذلك م: (فيعرى الوجوب عن الفائدة) ش: وهو الاستيفاء م: (ولا تقام بعدما خرج لأنها لم تنعقد موجبة) ش: أي لأن هذه الفعلة أو الزانية لم تنعقد حال كونها موجبة للحد م: (فلا تنقلب موجبة) ش: بعد الخروج إلينا، فلا يحد. م: (ولو غزا من له ولاية الإقامة) ش: أي إقامة الحدود م: (بنفسه) ش: أي باختصاصه بذلك م: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 313 كالخليفة وأمير المصر يقيم الحد على من زنى في معسكره، لأنه تحت يده، بخلاف أمير العسكر والسرية لأنه لم يفوض إليهما الإقامة. وإذا دخل الحربي في دارنا بأمان فزنى بذمية أو زنى ذمي بحربية يحد الذمي والذمية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا يحد الحربي والحربية، وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الذمي يعني إذا زنى بحربية، فأما إذا زنى الحربي بذمية لا يحدان عند محمد، وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول أبي يوسف أولا. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحدون كلهم، وهو قوله الآخر. لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المستأمن التزم أحكامنا مدة عمره في دارنا في المعاملات كما أن الذمي التزمها مدة إقامته، ولهذا يحد حد القذف ويقتل قصاصا، بخلاف حد الشرب، لأنه يعتقد إباحته.   [البناية] (كالخليفة وأمير المصر يقيم الحد على من زنى في معسكره، لأنه تحت يده) ش: أي لأن من زنى في معسكر من له الولاية يختاره م: (بخلاف أمير العسكر) ش: لأنه لم يفرض له ولاية إقامة الحدود م: (والسرية) ش: أي بخلاف أمير السرية وهم الذين يسرون بالليل ويخفون بالنهار، ومنه " خبر السرايا أربعمائة " م: (لأنه لم يفوض إليهما الإقامة) ش: أي لم يفرض إلى أمير العسكر وأمير السرية إقامة الحدود. م: (وإذا دخل الحربي في دارنا بأمان فزنى بذمية أو ذمي بحربية يحد الذمي والذمية عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا يحد الحربي والحربية) ش: وبقول أبي حنيفة قال الشافعي وأحمد. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - يحد الحربي والذمية. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحدان ولا يحد الحربي والحربية. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحدان م: (وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الذمي يعني إذا زنى بحربية، فأما إذا زنى الحربي بذمية لا يحدان عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا. وقال أبو يوسف) ش: آخرا م: (يحدون كلهم) ش: وبه قال الشافعي وزفر م: (وهو قوله الآخر. لأبي يوسف أن المستأمن التزم أحكامنا مدة إقامته في دارنا في المعاملات، كما أن الذمي التزمها مدة عمره، ولهذا) ش: أي ولأجل التزامه أحكامنا مدة إقامته م: (يحد حد القذف) ش: إذا قذف مسلما. م: (ويقتل قصاصا) ش: إذا قتل ويمنع من الزبور وشراء العهد للسلم والمصحف، ويجبر على بيعهم بعد الشراء كما يجبر الذمي، بخلاف حد الشرب جواب عما يقال لو كان كذلك لا يقيم عليه حد الشرب، لأنه من أحكامنا، أجاب بقوله. م: (بخلاف حد الشرب) ش: يعني حد الشرب ليس كذلك م: (لأنه يعتقد إباحته) ش: فإن قلت: فهو يعتقد إباحة قتل المسلم وقذفه، فينبغي أن لا يقتص منه، ولا يحد لقذفه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 314 ولهما أنه ما دخل دارنا للقرار بل لحاجة كالتجارة ونحوها، فلم يصر من أهل دارنا، ولهذا يمكن من الرجوع إلى دار الحرب، ولا يقتل المسلم ولا الذمي به. فإنما التزم من الحكم ما يرجع إلى تحصيل مقصوده، وهو حقوق العباد، لأنه لما طمع في الإنصاف يلتزم الإنصاف والقصاص، وحد القذف من حقوقهم. أما حد الزنا محض حق الشرع، ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الفرق أن الأصل في باب الزنا فعل الرجل، والمرأة تابعة له على ما نذكره إن شاء الله تعالى، فامتناع الحد في حق الأصل يوجب امتناعه في حق التبع، أما الامتناع في حق التبع لا يوجب الامتناع في حق   [البناية] قلت: المعنى باعتقاد الإباحة وهو أن يكون قتل النفس والقذف حرام عندهم في دينهم، فأما حقهم ذلك ليس بدين، وإنما هو هوى وتعصب. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي المستأمن م: (ما دخل دارنا للقرار بل لحاجة كالتجارة ونحوها) ش: مثل زيارة أقربائه أو لأجل الطيب أو لأجل [ ... ] هو منه، فإذا كان كذلك م: (فلم يصر من أهل دارنا، ولهذا) ش: أي ولأجل عدم كونه من أهل دارنا م: (تمكن) ش: أي الحربي المستأمن م: (من الرجوع إلى دار الحرب) ش: إذا عزم على الخروج من دار الإسلام على الدخول في دار الحرب. م: (ولا يقتل المسلم ولا الذمي به) ش: أي بسببه إذا قتل مسلم أو ذمي، والذمي إذا قتله مسلم يقتص به عندنا، فعلم أن الحربي لم يكن كالذمي. م: (فإنما التزم من الحكم ما يرجع إلى تحصيل مقصوده، وهو حقوق العباد، لأنه) ش: أي لأن الحربي المستأمن م: (لما طمع في الإنصاف) ش: المسلمين، أي طمع في العدل لأجله على غيره م: (يلتزم الإنصاف) ش: أي قبل العدل لغيره عليه، يقال انتصف الرجل إنصافا إذا أعطي الحق، وتناصف القوم إذا تعاطوا الحق بينهم م: (والقصاص، وحد القذف من حقوقهم) ش: أي من حقوق العباد. م: (أما حد الزنا محض حق الشرع) ش: فلم يلتزمه فلا يلزمه، ولما فرغ عن الجواب عن قول أبي يوسف من جهة أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - شرع في بيان إثبات ما لكل منهما فيم ذهب إليه فقال م: (ولمحمد) ش: يعني في الفرق بين المسلم أو الذمي إذا زنى بحربية مستأمنة حيث يجب الحد عنده على الفاعل، وبين المسلمة أو الذمية إذا زنت بحربي حيث لا يجب عنده عليهما. بيانه ما قال بقوله: م: (وهو الفرق أن الأصل في باب الزنا فعل الرجل، والمرأة تابعة له) ش: لكونها محلا م: (على ما نذكره إن شاء الله تعالى) ش: أي في مسألة زنى صحيح بمجنونة أو صغيرة م: (فامتناع الحد في حق الأصل يوجب امتناعه في حق التبع) ش: لأن الحد إنما يجب عليهما بالتمكين من فعل موجب للحد فيما مكنت من فعل موجب للحد، فلا تحد. م: (أما الامتناع في حق التبع لا يوجب الامتناع في حق الأصل) ش: وإلا ما كان مستتبعا فكان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 315 الأصل، ونظيره إذا زنى البالغ بصبية أو مجنونة وتمكين البالغة من الصبي والمجنون. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه أن فعل الحربي المستأمن زنا، لأنه مخاطب بالحرمات على ما هو الصحيح وإن لم يكن مخاطبا بالشرائع على أصلنا، والتمكين من فعل هو زنا موجب للحد عليها، بخلاف الصبي والمجنون، لأنهما لا يخاطبان، ونظير هذا الاختلاف إذا زنى المكره بالمطاوعة تحد المطاوعة عنده، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تحد. قالوا: إذا زنى الصبي أو المجنون بامرأة طاوعته، فلا حد عليه ولا عليها. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب الحد عليها، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] أصلا، والغرض أنه تبع، وذلك خلاف باطل م: (نظيره) ش: أي نظير هذا م: (إذا زنى البالغ بصبية أو مجنونة) ش: فإنه يحد البالغ دونها، لأن الامتناع في حق التبع لا يستلزمه في حق الأصل م: (وتمكين البالغة) ش: أي ونظيره أيضا تمكين البالغة نفسها م: (من الصبي والمجنون) ش: فإنه لا يجب الحد عليها، لأن الامتناع في حق الأصل يستلزمه في حق التبع. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه أن فعل الحربي المستأمن زنا، لأنه مخاطب بالحرمات) ش: كحرمة الكفر والزنا وإن لم يكن مخاطبا، فإذا ما يحتمل السقوط من العبادات م: (على ما هو الصحيح) ش: احترز به عن قول بعض مشايخنا العراقيين، فإنهم قالوا بوجوب الأداء م: (وإن لم يكن مخاطبا بالشرائع على أصلنا) ش: إشارة إلى قول مشايخ ديارنا، أي ديار المصنف. م: (والتمكين) ش: أي تمكين المرأة نفسها منه م: (من فعل هو زنا موجب للحد عليها) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] (النور: الآية 2) ، فيجب الحد عليها لوجوب المقتضى وانتفاء المانع. م: (بخلاف الصبي والمجنون، لأنهما لا يخاطبان) ش: هذا جواب عن شبهة محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على أن سقوط الحد من الأصل يوجب السقوط من التبع. ووجه ذلك أن هذا ليس بنظير ما نحن فيه، لأن الصبي والمجنون لا يخاطبان، فلا يكون فعلهما، والتمكين من غير الزنا ليس بزنا فلا يوجب الحد والحربي مخاطب بفعل الزنا، والتمكين من الزنا زنا يوجب الحد. م: (ونظير هذا) ش: أي نظير هذا م: (الاختلاف) ش: الواقع بين أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله - م: (إذا زنى المكره بالمطاوعة تحد المطاوعة عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تحد) ش:. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإذا زنى الصبي أو المجنون بامرأة طاوعته) ش: أي طاوعت الصبي أو المجنون م: (فلا حد عليه ولا عليها. قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي: يجب الحد عليها) ش: أي على المرأة المطاوعة م: (وهو) ش: أي قول زفر والشافعي - رحمهما الله - م: (رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال مالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنها زانية حقيقة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 316 وإن زنى صحيح بمجنونة أو صغيرة تجامع مثلها حد الرجل خاصة، وهذا بالإجماع، ولهما أن العذر من جانبها لا يوجب سقوط الحد من جانبه، فكذا العذر من جانبه، وهذا لأن كلا منهما مؤاخذ بفعله. ولنا أن فعل الزنا يتحقق منه، وإنما هي محل الفعل، ولهذا يسمى هو واطئا وزانيا والمرأة موطوءة ومزنيا بها إلا أنها سميت زانية مجازا تسمية للمفعول باسم الفاعل كالراضية في معنى المرضية، أو لكونها مسببة بالتمكين، فيتعلق الحد   [البناية] [زنى صحيح بمجنونة أو صغيرة تجامع مثلها] م: (وإن زنى صحيح بمجنونة أو صغيرة تجامع مثلها حد الرجل خاصة، وهذا بالإجماع) ش: إنما قيد بقوله: تجامع مثلها، لأنها إذا لم تكن تجامع مثلها فوطئها لا يجب عليه الحد، لأنه كإتيان البهيمة، لأن الطباع السليمة لا ترغب في مثلها، ألا ترى إلى ما قال صاحب " الأجناس " في كتاب الصوم. ولو وطئ الرجل جارية لها خمس سنين وأفضاها ولا تحتمل الوطء لصغرها لا كفارة عليه، ولا يفطره إذا لم [ ... ] ، وهو كإيلاج البهيمة، ونقل أيضا صاحب " الأجناس " عن " نوادر ابن رستم ". قال أبو حنيفة إذا جامع ابنة امرأته وهي صغيرة لا يجامع مثلها فأفضاها وأفسد بها لا يحرم عليه ابنها، لأن هذه ممن لا تجامع. وقال أبو يوسف: أكره له البنت والأم. وقال محمد: النثرة أحب إلي، ولكن لا أفرق بينه وبين أمها. م: (لهما) ش: أي لزفر والشافعي م: (أن العذر من جانبها) ش: كما في صورة الإجماع بأن كانت مجنونة أو صبية أو نائمة أو مكرهة، م: (لا يوجب سقوط الحد من جانبه) ش: أي من جانب الرجل بالاتفاق م: (فكذا العذر من جانبه) ش: بأن كان صبيا أو مجنونا، والجامع كون كل واحد منهما مؤاخذ لفعله، وهو معنى قوله م: (وهذا لأن كلا منهما) ش: أي من الرجل والمرأة أو من الذكر والأنثى م: (مؤاخذ بفعله) ش: أي لا بفعل صاحبه. م: (ولنا أن فعل الزنا يتحقق منه) ش: أي من الرجل لوجوده منه حقيقة م: (وإنما هي) ش: أي المرأة م: (محل الفعل) ش: أي فعل الزنا م: (ولهذا) ش: توضيح لكون الفعل حقيقة من الرجل، أي ولأجل ذلك م: (يسمى هو واطئا وزانيا) ش: على صورة اسم الفاعل م: (والمرأة) ش: شر، ويسمى المرأة. وأوجب على الزانية الحد. وتقرير الجواب بصورة اسم الفاعل، وأوجب على الزانية الحد، وتقرير الجواب أن الله تعالى [ ... ] منهما المرأة سماها م: (موطوءة ومزنيا بها، إلا أنها سميت زانية مجازا تسمية للمفعول باسم الفاعل كالراضية في معنى المرضية) ش: في قَوْله تَعَالَى {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة: 21] (الحاقة: الآية: 21) ، باسم المرضية، وهذا أحد التأويلين والتأويل الآخر بمعنى ذات رضى، وكما في قَوْله تَعَالَى [ ] ، بمعنى فرق. م: (أو لكونها) ش: عطف على قوله تسمية للمفعول باسم الفاعل، أي ولكون المرأة م: (مسببة) ش: أي صاحبة سبب م: (بالتمكين) ش: أي بسبب التمكين م: (فيتعلق الحد) ش: مبتدأ م: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 317 في حقها بالتمكين من قبيح الزنا، وهو فعل من هو مخاطب بالكف عنه، ومؤثم على مباشرته. وفعل الصبي ليس بهذه الصفة، فلا يناط به الحد. قال: ومن أكرهه السلطان حتى زنا فلا حد عليه، وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول أولا يحد، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الزنا من الرجل لا يكون إلا بعد انتشار الآلة، وذلك دليل الطواعية، ثم رجع عنه فقال: لا حد عليه لأن سببه الملجئ، قائم ظاهرا، والانتشار دليل متردد، لأنه قد يكون من غير قصد، لأن الانتشار قد يكون طبعا لا طوعا.   [البناية] (في حقها) ش: في حق المرأة م: (بالتمكين) ش: أي سبب التمكين م: (من قبيح الزنا) ش: خبر المبتدأ، والإضافة فيه مثل الإضافة في حرف تصنيفه م: (وهو) ش: أي الزنا م: (فعل من هو مخاطب بالكف عنه) ش: أي عن الزنا م: (ومؤثم) ش: بكسر الثاء المثلثة من التأثيم أي الزنا م: (على مباشرته) ش: أي بفعله م: (وفعل الصبي ليس بهذه الصفة) ش: لأن الصبي ليس مخاطبا بالكف عن الزنا، وليس بمؤثم أيضا إذا باشر وطء الأجنبية، لأن القلم مرفوع عنه، وكذا فعل المخمور، فإذا كان كذلك م: (فلا يناط به) ش: فلا يتعلق به م: (الحد) ش:. إن قيل: لما لم يجب الحد على الصبي والمجنون بالزنا بمطاوعته ينبغي أن يجب عليهما العقر، لأن الوطء في غير الملك لا يخلو عن أحد الأمرين، إما العقر، وإما الحد، والعقر هو مهر المثل. ولهذا لو زنا الصبي بصبية أو مكرهة يجب عليه المهر، وهاهنا لم يجب ذكره في " الذخيرة "، فما الفرق؟. قلنا: لا فائدة في إيجاب المهر عليه، لأن لو أجبنا عليه كان لولي الصبي الرجوع عليها في الحال بمثل ذلك، لأنها لما طاوعت صارت امرأة لها بالزنا معها، وقد لحقه بذلك عزم، وصح الأمر من المرأة، لأن لها ولاية على نفسها، فلا يفيد الإيجاب، بخلاف ما إذا كانت مكرهة أو صبية، فإن المكرهة ليست بامرأة، والصبية لا يصح أمرها لعدم ولايتها على نفسها، فكانت بمنزلة المكرهة. [أكرهه السلطان حتى زنا] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن أكرهه السلطان حتى زنا فلا حد عليه، وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول أولا يحد، وهو قول زفر) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وأحمد م: (لأن الزنا من الرجل لا يكون إلا بعد انتشار الآلة، وذلك دليل الطواعية) ش: أي علانيتها، وعلانية الاختيار أيضا فافترق بالإكراه ما ينافيه، فانتفى الإكراه يقال طاع يطوع طوعا وطواعية مثل أطاع يطيع إطاعة، إلا أنهم يقولون طاع له. ولا يقولون طاعته كما يقولون إطاعة، وفلان طوع يدك أي منقاد لك م: (ثم رجع عنه، وقال لا حد عليه، لأن سببه الملجئ قائم ظاهرا، والانتشار دليل متردد، لأنه قد يكون من غير قصد) ش: أي انتشار الآلة م: (لأن الانتشار قد يكون طبعا) ش: أي من حيث طبع الرجل م: (لا طوعا) ش: أي من حيث الطوع م: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 318 كما في النائم فأورث شبهة. وإن أكرهه غير السلطان حد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا يحد، لأن الإكراه عندهما قد يتحقق من غير السلطان، لأن المؤثر خوف الهلاك، وأنه يتحقق من غيره. وله أن الإكراه من غيره لا يدوم إلا نادرا لتمكنه من الاستعانة بالسلطان أو بجماعة المسلمين وتمكنه دفعه بنفسه بالسلاح والنادر لا حكم له، فلا يسقط به الحد، بخلاف السلطان، لأنه يمكنه الاستعانة بغيره، ولا الخروج بالسلاح عليه فافترقا.   [البناية] (كما في النائم) ش: فإن النائم قد تنتشر آلته لفرط فحولته وإن لم يكن قصده واختاره م: (فأورث شبهة) ش: فاندرأ لحد وبه قال زفر والشافعي - رحمهما الله - في قول، ولكنه يعزر وهو قولهما. م: (وإن أكرهه غير السلطان حد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال زفر والشافعي - رحمهما الله - في قول وأحمد م: (وقالا) ش: أي وقال أبو يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لا يحد) ش: وغير السلطان مثل السلطان عندهما. يعني لا يحد سواء أكرهه السلطان أو غيره م: (لأن الإكراه عندهما قد يتحقق من غير السلطان، لأن المؤثر) ش: أي في الحكم م: (خوف الهلاك، فيتحقق من غيره) ش: أي من غير السلطان، وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله. م: (وله أن الإكراه من غيره) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإكراه من غير السلطان م: (لا يدوم إلا نادرا لتمكنه) ش: أي لتمكن المكره م: (من الاستعانة بالسلطان أو بجماعة المسلمين وتمكنه دفعه) ش: وتمكنه بالجر عطفا على قوله لتمكنه بقوله، وقوله دفعه بالنصب مفعول المصدر أي دفع غير السلطان. وحاصله أن المكره يتمكن من دفع الإكراه إذا وقع من غير السلطان بالسلطان أو لجماعة المسلمين أو بنفسه باستعمال السلاح. قلت: فيه نظر فإنه لا يتمكن بشيء من ذلك في هذا الزمان. أما السلطان فإنه لا يصل إليه كل واحد، لا سيما إذا كان المكره بالمكره بكسر من ظلمة السلطان، وأما جماعة المسلمين فإنهم ليس لهم غيرة الإسلام في هذا الزمان كما ينبغي. وأما دفع المكره الإكراه م: (بنفسه بالسلاح) ش: أو بغيره، فيعد حدا، ولا سيما إذا كان الإكراه من ولاة الشرطة أو من العمال الكمال الظلمة الخونة. ولأجل هذا ذكر في " الكافي ": أن هذا اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان، فالسلطان كان في زمنه قوة وغلبة بحيث لا يتجاسر أحد على إكراه غيره، وفي زماننا ظهرت القوة لكل متغلب، فيتحقق الإكراه من غير السلطان فما أفتى كل منهما بما عاين، وفي زماننا ظهرت القوة لكل متغلب لا يفتى بقولهما. م: (والنادر لا حكم له فلا يسقط به الحد، بخلاف السلطان، لأنه لا يمكنه الاستعانة بغيره) ش: أي بغير السلطان م: (ولا الخروج) ش: أي ولا يمكنه الخروج م: (بالسلاح عليه فافترقا) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 319 ومن أقر أربع مرات في مجالس مختلفة أنه زنى بفلانة. وقالت هي: تزوجني أو أقرت بالزنا، وقال الرجل: تزوجتها فلا حد عليه وعليه المهر في ذلك. لأن دعوى النكاح يحتمل الصدق، وهو يقوم بالطرفين فأورث شبهة، وإذا سقط الحد وجب المهر تعظيما لخطر البضع. ومن زنى بجارية فقتلها فإنه يحد وعليه القيمة، معناه قتلها بفعل الزنا.   [البناية] [أقر أربع مرات في أربعة مجالس مختلفة أنه زنى بفلانة وقالت هي تزوجني أو أقرت] قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أقر أربع مرات في أربعة مجالس مختلفة أنه زنى بفلانة، وقالت: هي تزوجني أو أقرت) ش: أي المرأة م: (بالزنا وقال الرجل تزوجتها فلا حد عليه) ش: ولا عليها، كذا في " الكافي ". وفي بعض النسخ عليهما كذا ضبطه الأترازي، وفي نسخة شيخنا علاء الدين السيرافي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وكتب في الحاشية ولا عليها، وإنما قيد بقوله أربع مرات في مجالس مختلفة، لأنه إذا أقر أربع مرات في مجلس واحد يعتبر ذلك مرة واحدة. م: (وعليه المهر في ذلك) ش: لأنه لما سقط الحد وجب المهر بأنه لخطر المحل، لكن هذا فيما إذا كان دعوى النكاح قبل فيه أن يحد المقر، فإذا كانت الدعوى بعد الحد فلا مهر لها، لأن الحد لا ينقض بعد الإقامة. فإن قلت: كيف يجب المهر إذا أقرت بالزنا وادعى الرجل النكاح وهي بإقرار طالبته نافية المهر. قلت: نعم إن الأمر كذلك، لكن الحد سقط عنهما بشبهة ثابتة، شبهة من دعوى النكاح، فبعد سقوط الحد لم يلتفت إلى إقراره بالزنا فوجب العقر، وهو مهر المثل إبانة لخطر المحل. م: (لأن دعوى النكاح يحتمل الصدق، وهو يقوم بالطرفين) ش: أي النكاح يقوم بطرفي الرجل والمرأة م: (فأورث شبهة) ش: أي قولها تزوجني أو قوله تزوجتها أورث شبهة في سقوط الحد عن المدعي م: (فإذا سقط الحد وجب المهر تعظيما لخطر البضع) ش: وهو المحل، لأن المهر يجب حقا لله تعالى في النكاح. ولهذا يجب في المفوضة، وهنا لما سقط الحد عنها يثبت في حقها بشبهة النكاح فلا ينفي المهر بانتفائها كما في حقيقة النكاح. [زنى بجارية فقتلها] م: (ومن زنى بجارية فقتلها، فإنه يحد ويجب عليه القيمة) ش: إنما وضع المسألة في الجارية، وإن كان الحكم وهو وجوب الحد مع الضمان لا يتفاوت بين المرأة والأمة، فإنه لو فعل هذا مع الحرة يجب الحد والدية، لما أن الشبهة في عدم وجوب الحد إنما ترد في حق الأمة، لأن في حق الحرة لا تصير ملكا للزاني عند أداء الدية، والأمة تصير ملكا كيلا يجتمع البدل والمبدل في ملك رجل والحد م: (معناه) ش: أي معنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فقتلها بفعل الزنا) ش: إنما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 320 لأنه جنى جنايتين فيوفر على كل واحد منهما حكمه. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحد، لأن تقرر ضمان القيمة سبب الملك لأمة، فصار كما إذا اشتراها بعدما زنى بها، وهو على هذا الاختلاف واعتراض سبب الملك قبل إقامة الحد يوجب سقوطه، كما إذا ملك المسروق قبل القطع. ولهما أنه ضمان قتل.   [البناية] هو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المسألة من مسائل " الجامع الصغير ". قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولم يذكر فيه خلاف، ولكن ذكر أبو الليث في شرحه للجامع الصغير: ذكر أبو يوسف في " الأمالي " أن هذا قول أبي حنيفة خاصة. وفي قول أبي يوسف: له حد عليه، ولو كانت حرة فعليها الحد بالاتفاق، وكذا ذكر الخلاف في المنظومة بين أبي حنيفة وأبي يوسف، ولا قول فيه لمحمد م: (لأنه جنى جنايتين) ش: وهما الزنا والقتل م: (فيوفر على كل واحدة منهما) ش: أي من الجانبين م: (حكمه) ش: أي حكم الجارية، يعني تؤاخذ بموجب كل واحدة منهما فيحد للزنا ويضمن القيمة بالجناية على النفس، ولا منافاة بينهما فيجتمعان، فلا يكون ضمان القيمة مانعا عن وجوب الحد، لأنه ضمان الدم. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يحد، لأن تقرر ضمان القيمة سبب لملك الأمة) ش: فلا يملكها قبيل إقامة الحد سقط الحد م: (فصار) ش: أي حكم هذا م: (كما إذا اشتراها) ش: أي الأمة م: (بعدما زنى بها) ش: قبل إقامة الحد. م: (وهو على هذا الخلاف) ش: أي شراء الجارية بعد الزنا قبل إقامة الحد على هذا الخلاف عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف، وكأنه رد المختلف إلى المختلف، لكن الخلاف في المشتراة بعد الزنا مذكور في ظاهر الرواية، بخلاف ما نحن فيه. م: (واعتراض سبب الملك قبل إقامة الحد يوجب سقوطه) ش: أي سقوط الحد م: (كما إذا ملك المسروق قبل القطع) ش: أي كما إذا ملك المسروق منه قبل قطع يد السارق سقط القطع. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أنه ضمان قتل) ش: أي أن هذا الضمان ضمان قتل، ولهذا يجب على العاقلة في ثلاث سنين م: (فلا يوجب الملك، لأنه ضمان دم) ش: والدم مما لا يمكنه ويمكن أن يقرر هكذا، لأنه ضمان دم وضمان الدم يجب بعد الموت والملك والميت ليس بمحل للملك م: (ولو كان يوجبه) ش: أي ولو كان ضمان القتل يوجب الملك م: (فإنما يوجبه) ش: في إنما هو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المسألة من مسائل " الجامع الصغير ". قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولم يذكر فيه خلاف، ولكن ذكر أبو الليث في شرحه للجامع الصغير: ذكر أبو يوسف في " الأمالي " أن هذا قول أبي حنيفة خاصة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 321 لأنه جنى جنايتين فيوفر، على كل واحد منهما حكمه. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحد، لأن تقرر ضمان القيمة سبب لملك الأمة، فصار كما إذا اشتراها بعدما زنى بها، وهو على هذا الاختلاف واعتراض سبب الملك قبل إقامة الحد يوجب سقوطه، كما إذا ملك المسروق قبل القطع. ولهما أنه ضمان قتل فلا يوجب الملك، لأنه ضمان دم. ولو كان يوجبه فإنما يوجبه في العين كما في هبة المسروق لا في منافع البضع، لأنها استوفيت والملك يثبت مستندا،   [البناية] وفي قول أبي يوسف: له حد عليه، ولو كانت حرة فعليها الحد بالاتفاق، وكذا ذكر الخلاف في المنظومة بين أبي حنيفة وأبي يوسف، ولا قول فيه لمحمد م: (لأنه جنى جنايتين) وهما الزنا والقتل م: (فيوفر على كل واحدة منهما) أي من الجانبين م: (حكمه) أي حكم الجارية، يعني تؤاخذ بموجب كل واحدة منهما فيحد للزنا ويضمن القيمة بالجناية على النفس، ولا منافاة بينهما فيجتمعان، فلا يكون ضمان القيمة مانعا عن وجوب الحد، لأنه ضمان الدم. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يحد، لأن تقرر ضمان القيمة سبب لملك الأمة) فلا يملكها قبيل إقامة الحد سقط الحد م: (فصار) أي حكم هذا م: (كما إذا اشتراها) أي الأمة م: (بعدما زنى بها) قبل إقامة الحد. م: (وهو على هذا الخلاف) أي شراء الجارية بعد الزنا قبل إقامة الحد على هذا الخلاف عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف، وكأنه رد المختلف إلى المختلف، لكن الخلاف في المشتراة بعد الزنا مذكور في ظاهر الرواية، بخلاف ما نحن فيه. م: (واعتراض سبب الملك قبل إقامة الحد يوجب سقوطه) أي سقوط الحد م: (كما إذا ملك المسروق قبل القطع) أي كما إذا ملك المسروق منه قبل قطع يد السارق سقط القطع. م: (ولهما) أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أنه ضمان قتل) أي أن هذا الضمان ضمان قتل، ولهذا يجب على العاقلة في ثلاث سنين م: (فلا يوجب الملك، لأنه ضمان دم) والدم مما لا يمكنه ويمكن أن يقرر هكذا، لأنه ضمان دم وضمان الدم يجب بعد الموت والملك والميت ليس بمحل للملك م: (ولو كان يوجبه) أي ولو كان ضمان القتل يوجب الملك م: (فإنما يوجبه في العين كما في هبة المسروق لا في منافع البضع، لأنها استوفيت) تقريره لو كان هذا الضمان يوجب الملك لا يوجب في العين التي هي موجودة لا في منافع البضع التي هي أعراض استوفيت فانعدمت وتلاشت. م: (والملك يثبت مستندا) ش: إلا أن الملك الثابت في بيان العدوان يثبت بطريق الاستناد، والاستناد يظهر في القائم لا في الغائب، وهو معنى قوله م: (فلا يظهر في المستوفى) ش: بفتح الفاء م: (لكونها) ش: قال الأترازي: والضمير راجع إلى المستوفي على تأويل منفعة البضع، أي لا يظهر الملك في منافع المستوفاة لأنها انعدمت والأوجه أن يكون أربع م: (معدومة) ش: فإذن لم يثبت شبهة الملك في منافع البضع المستوفاة، فلم يسقط الحد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 322 فلا يظهر في المستوفى لكونها معدومة، وهذا بخلاف ما إذا زنى بها فأذهب عينها حيث يجب عليه قيمتها ويسقط الحد، لأن الملك هنالك يثبت في الجثة العمياء وهي عين، فأورث شبهة.   [البناية] م: (وهذا) ش: أي هذا الذي قلنا م: (بخلاف ما إذا زنى بها) ش: أي بالجارية م: (فأذهب عينها) ش: حيث م: (حيث يجب عليه قيمتها) ش: أي قيمة العين، وهو نصف قيمة الجارية م: (ويسقط الحد، لأن الملك هنالك يثبت في الجثة العمياء وهي عين) ش: لا عوض، فجاز أن يثبت الملك فيها بطريق الإسناد م: (فأورث شبهة) ش: في سقوط الحد. وفي صورة المتنازع فيه لم يثبت الملك في الجارية أصلا، لأن ذلك الضمان ضمان دم، ولم يثبت في المنافع أيضا، لأنها معدومة يسقط الحد لفقدان الشبهة. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وكل شيء صنعه الإمام) ش: فإن قذف إنسانا أو زنى أو شرب الخمر، والمراد من الإمام الخليفة، قاله أبو الليث، وفسره بقوله: م: (الذي ليس فوقه إمام) ش: ولا شك أن الخليفة ليس فوقه إمام م: (فلا حد عليه إلا القصاص، فإنه يؤخذ به) ش: أي ويؤخذ أيضا م: (وبالأموال، لأن الحدود حق الله، وإقامتها) ش: أي إقامة الحدود م: (إليه) ش: أي إلى الإمام م: (لا إلى غيره) ش: أي ليس لغير الإمام إقامة الحدود. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 323 قال: وكل شيء صنعه الإمام الذي ليس فوقه إمام فلا حد عليه إلا القصاص، فإنه يؤخذ به وبالأموال، لأن الحدود حق الله تعالى، وإقامتها إليه لا إلى غيره، ولا يمكنه أن يقيم على نفسه لأنه لا يفيد بخلاف حقوق العباد، لأنه يستوفيه ولي الحق إما بتمكينه أو بالاستعانة بمنعة المسلمين والقصاص والأموال منها. وأما حد القذف قالوا: المغلب فيه حق الشرع فحكمه كحكم سائر الحدود التي هي حق الله تعالى. باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها   [البناية] م: (ولا يمكنه) ش: أي ولا يمكن الإمام م: (أن يقيم) ش: أي يقيم حق الله تعالى م: (على نفسه، لأنه لا يفيد) ش: الوجوب الموجوب فائدته، لأنه لا يقع مؤلما، فلا يقع زاجرا. والمقصود من الزاجر الحد، فلا بد أن يكون الزاجر غير المزجور، ولا يقدر القاضي أن يقضي عليه، لأنه هو الذي ولاه القضاء يسقط حق الله تعالى في الدنيا. م: (بخلاف حقوق العباد، لأنه يستوفيه) ش: أي يستوفي الحق م: (ولي الحق) ش: أي صاحب الحق، واختار لفظ الولي ليتناول الوصي والوكيل م: (إما بتمكينه) ش: أي بتمكين الإمام إياه في أخذ حقه م: (أو بالاستعانة بمنعة المسلمين) ش: أي بقوتهم، يقال فلان في عز ومنعة يمنعه، أي تمنع على من قصده من الأعداء. م: (والقصاص والأموال منها) ش: أي من حقوق العباد، فالإمام وغيره فيها سواء، لأنه يمكن استيفاء القصاص والمال بمنعة المسلمين، كذا قالوا وفيه تأمل. م: (وأما حد القذف قالوا) ش: أي قال علماؤنا م: (المغلب فيه حق الشرع) ش: على ما يجيء في بابه إن شاء الله م: (فحكمه) ش: أي فحكم حد القذف م: (كحكم سائر الحدود التي هي حق الله تعالى) ش: يعني لا يؤاخذ به الإمام وتقابل أن يقول لو كان المغلب فيه حق الشرع لوجب أن يحد المستأمن إذا قذف، كما لو زنى وقد تقدم أنه يحد، لأنه حق العبد. والجواب أن قذف القاذف يشتمل على الحقين لا محالة، فيستعمل بكل منهما بحسب ما يليق به، وما يليق بالحربي أن يكون حق العبد لإمكان الانتفاء وما يليق بالإمام أن يكون حق الله تعالى، لأنه ليس فوقه إمام يستوفيه منه والله أعلم. [باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها] [شهد الشهود بحد متقادم] م: (باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الشهادة على الزنا، وسيأتي حكم الرجوع عن الشهادة قد مر أن ثبوت الزنا عند الإمام إنما يكون بأحد شيئين لا غير، وهما الإقرار والشهادة، وأخر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 324 قال: وإذا شهد الشهود بحد متقادم لم يمنعهم عن إقامته بعدهم عن الإمام لم تقبل شهادتهم إلا في حد القذف خاصة. وفى " الجامع الصغير ": وإذا شهد عليه الشهود بسرقة أو بشرب خمر أو بزنا بعد حين لم يؤخذ به، وضمن السرقة. والأصل فيه أن الحدود الخالصة حقا لله تعالى تبطل بالتقادم، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو يعتبرها بحقوق العباد وبالإقرار الذي هو أحد الحجتين. ولنا أن الشاهد مخير بين الحسبتين من أداء الشهادة والستر، فالتأخير إن كان لاختيار الستر فالإقدام على الأداء بعد ذلك لضغينة   [البناية] الشهادة هاهنا عن الإقرار لقلة ثبوت الزنا بالشهادة وندر، حتى لم ينقل عن السلف ثبوت الزنا عند الإمام بالشهادة إذ رؤيته أربع رجال عدول على الوصف المذكور كالميل في المكحلة، كما في الكلاب في غير غاية القدرة. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا شهد الشهود بحد متقادم لم يمنعهم عن إقامته بعدهم عن الإمام لم تقبل شهادتهم إلا في حد القذف خاصة) ش: هذا لفظ القدوري في " مختصره "، ثم ذكر المصنف لفظ " الجامع الصغير " بقوله: م: (وفي " الجامع الصغير ": وإذا شهد عليه الشهود بسرقة أو بشرب خمر أو بزنا بعد حين لم يؤخذ به، وضمن السرقة) ش: لاشتماله على زيادة إيضاح على تعديد ما يوجب الحد صريحا من السرقة وشرب الخمر والزنا، وزيادة لفظ الحين الذي استفاد منه بعض المشايخ وقدر ستة أشهر في التقادم وزيادة إثبات الضمان في السرقة. م: (والأصل) ش: يحل في هذا الباب م: (أن الحدود الخالصة حقا) ش: أي خلوصا حقا كائنا م: (لله تعالى) ش: السرقة وحد الزنا وحد شرب الخمر م: (تبطل بالتقادم، خلافا للشافعي) ش: حيث يقول لا تبطل الشهادة والإقرار بالتقادم، وبه قال مالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعن أحمد مثل قولنا. وقال ابن أبي ليلى: الشهادة والإقرار لا يقبلان بعد التقادم. وعن أبي حنيفة وأبي يوسف الإقرار لا يبطل بالتقادم إلا الإقرار بشرب الخمر، فإنه يبطل بالتقادم. وقال زفر: التقادم يمنع الإقرار بالحدود اعتبارا لحجة البينة. م: (وهو) ش: أي الشافعي م: (يعتبرها) ش: أي يعتبر الشهادة م: (بحقوق العباد) ش: حيث لا يمنع التقادم في حقوق العباد م: (وبالإقرار) ش: أي ويعتبرها بالإقرار م: (الذي هو أحد الحجتين) ش: وهما البينة والإقرار. م: (ولنا أن الشاهد مخير بين الحسبتين) ش: تثنية حسبة بكسر الحاء وسكون السين المهملتين وقال في " المجمل ": الحسبة احتسابك الأجر عند الله تعالى. وقال الكاكي: بين حسبتين، أي أجرين مطلوبين، يقال أحسب بكذا أجرا، والاسم الحسبة، والجمع الحسب، إذ الشهادة والستر وقال الأترازي: كلاهما بالجر على أنهما بدلان من حسبتين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 325 هيجته، أو لعداوة حركته، فيتهم فيها، وإن كان التأخير فيها لا للستر يصير فاسقا آثما، فتيقنا بالمانع، بخلاف الإقرار، لأن الإنسان لا يعادي نفسه، فحد الزنا وشرب الخمر والسرقة خالص حق الله تعالى، حتى يصح الرجوع عنها بعد الإقرار، فيكون التقادم فيه مانعا، وحد القذف فيه حق العبد، لما فيه من دفع العار عنه، ولهذا لا يصح رجوعه بعد الإقرار، والتقادم غير مانع في حقوق العباد، لأن الدعوى فيه شرط، فيحتمل تأخيرهم على انعدام الدعوى، فلا يوجب تفسيقهم، بخلاف حد السرقة   [البناية] قلت: الرفع فيهما أحسن على أن كل واحد منهما خبر لمبتدأ محذوف تقديره أحدهما م: (من أداء الشهادة) ش: والآخر م: (والستر) ش: أما الشهادة فلقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] (الطلاق: الآية2) ، وأما الستر فلما روى أبو هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة» ، ثم إن الشاهد إذا لم يشهد في أول الأمر يحمل أمره على الصلاح، بأن يقول إنه اختار الستر المندوب ولا الحد، ثم بعد ذلك. م: (فالتأخير) ش: أي تأخير الشهادة م: (إن كان لاختيار الستر فالإقدام) ش: أي إقدامه م: (على الأداء بعد ذلك لضغينة) ش: بالمعجمتين، وهو الحقد م: (هيجته) ش: أي بعينه من هيجت ما هيجت الناقة فانبعث م: (أو لعداوة حركته فيتهم فيها) ش: أي في الشهادة، فلم يقبل م: (وإن كان التأخير فيها) ش: أي في الشهادة م: (لا للستر) ش: أي لأجل الستر عليه م: (يصير فاسقا آثما) ش: لأن تأخير الحد، فإذا كان كذلك م: (فتيقنا بالمانع) ش: من القبول، فلا تقبل، ألا ترى لو طلب المدعي الشهادة في حقوق العباد فأخر الشاهد بلا عذر ثم ادعى لا يقبل لترك الأداء مع الإمكان. م: (بخلاف الإقرار) ش: حيث لا يبطل بالتقادم م: (لأن الإنسان لا يعادي نفسه) ش: فتنعدم التهمة م: (فحد الزنا وشرب الخمر والسرقة خالص حق الله تعالى، حتى يصح الرجوع عنها بعد الإقرار، فيكون التقادم فيه مانعا، وحد القذف فيه حق العبد، لما فيه من دفع العار عنه، ولهذا) ش: أي ولأجل كونه حد القذف فيه حق العبد م: (لا يصح الرجوع بعد الإقرار والتقادم غير مانع في حقوق العباد، لأن الدعوى فيه) ش: أي في حق العبد م: (شرط فيحتمل تأخيرهم) ش: أي تأخير الشهود والشهادة م: (على انعدام الدعوى، فلا يوجب) ش: أي بأجرتها وتم [ ... ] ، أي تأخير شرائهم م: (تفسيقهم) ش: لعدم الموجب. م: (بخلاف حد السرقة) ش: جواب عما يقال الدعوى شرط في السرقة كما في حقوق العباد ومع ذلك تمنع التقادم، فيعلم أن القبول بعد التقادم في حقوق العباد لم يكن إلا بشرط الدعوى، فأجاب أولا بالمنع بقوله م: (لأن الدعوى فيه) ش: أي في حد السرقة م: (ليست بشرط للحد) ش: أي لإقامة الحد م: (لأنه خالص حق الله تعالى على ما مر) ش: من قوله فحد الزنا وشرب الخمر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 326 لأن الدعوى ليست بشرط للحد، لأنه خالص حق الله تعالى على ما مر، وإنما شرطت للمال، ولأن الحكم يدار على كون الحد حقا لله، فلا يعتبر وجود التهمة في كل فرد، ولأن السرقة تقام على الاستسرار على غرة عن المالك، فيجب على الشاهد إعلامه، وبالكتمان يصير فاسقا آثما، ثم التقادم، كما يمنع قبول الشهادة في الابتداء يمنع الإقامة بعد القضاء عندنا، خلافا لزفر رحمه   [البناية] والسرقة خالص حق الله تعالى. م: (وإنما شرطت) ش: أي الدعوى وتذكير الفعل على تأويل الادعاء م: (للمال) ش: أي لأجل المال، فلما لم تكن الدعوى شرطا للحد كان تأخير الشهادة مانعا ًيقومها، لأنه وقع بلا عذر م: (ولأن الحكم) ش: جواب آخر م: (يدار على كون الحد حقا لله تعالى) ش: تقديره أن المعنى المبطل للشهادة في التقادم في الحدود الخالصة حقا لله تعالى ثمة هو الصفة والعداوة، وذلك أمر باطن لا يطلع عليه، فيدار مدار الحكم على كون الحد حقا لله تعالى، سواء وجد ذلك المعنى في كل فرد أو لا. كما أدير الرخصة على السفر من غير توقف على وجود المشقة في كل فرد من أفراده م: (فلا يعتبر وجود التهمة في كل فرد) ش: من أفراد الحد. حاصله صورة التقادم قائمة مقام التهمة، سواء، وجدت التهمة أو لا، كما في السفر، وقد ذكرناه. م: (ولأن السرقة) ش: جواب آخر، وتقديره أن السرقة م: (تقام على الاستسرار) ش: لأنها توجد في ظلمة الليالي غالبا م: (وعلى غرة) ش: أي غفلة م: (عن المالك) ش: فلا يكون المسروق منه عارفا بالشهادة حتى يستشهد بالشاهد م: (فيجب على الشاهد إعلامه) ش: بشهادته م: (وبالكتمان يصير فاسقا آثما) ش: فرد شهادته، بخلاف حد القذف، فإن القذف يكون في النهار الشهادة غالبا، فيعرف المقذوف الشاهد ويراه، فإذا لم يعلمه لا يصير فاسقا. م: (ثم التقادم كما يمنع قبول الشهادة في الابتداء) ش: أي في ابتداء الأمر لا خلاف م: (يمنع الإقامة) ش: أي إقامة الحد م: (بعد القضاء عندنا، خلافا لزفر) ش: فقيده لا يمنع وأوضح ذلك بقوله م: (حتى لو هرب) ش: أي الزاني م: (بعدما ضرب بعض الحد، ثم أخذ بعدما تقادم الزمان لا يقام عليه الحد، لأن الإمضاء) ش: أي الاستيفاء م: (من القضاء في باب الحدود) ش: كان الإمضاء تتمة للقضاء، ولهذا كان تفويضا إلى الإمام. وهذا لأن القضاء إما أن يكون الإعلام من له الحق بحقه أو لتمكينه من الاستيفاء، وذلك لا يتصور في حقوق الله تعالى فيكون المعتبر في حقوق الله تعالى النيابية بحقيقة الاستيفاء، فكان التقادم قبل الاستيفاء بعد القضاء كالتقادم قبل القضاء. [حد التقادم في الشهادة بالزنا] م: (واختلفوا) ش: أي العلماء، م: (في حد التقادم، وأشار) ش: أي محمد م: (في " الجامع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 327 الله - حتى لو هرب بعدما ضرب بعض الحد، ثم أخذ بعدما تقادم الزمان لا يقام عليه الحد، لأن الإمضاء من القضاء في باب الحدود. واختلفوا في حد التقادم، وأشار في " الجامع الصغير " إلى ستة أشهر، فإنه قال: بعد حين، وهكذا أشار الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يقدر في ذلك وفوضه إلى رأي القاضي في كل عصر. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قدره بشهر، لأن ما دونه عاجل، وهو   [البناية] الصغير " إلى ستة أشهر. فإنه قال بعد حين) ش: والحين ستة أشهر. وقال فخر الإسلام: لم يرد به الأمر اللازم م: (وهكذا أشار الطحاوي) ش: أي إلى ستة أشهر، لأن اسم الحين عند الإطلاق ينصرف إلى ستة أشهر، كما في مسألة لا أكلمه حينا. م: (وأبو حنيفة لم يقدر في ذلك) ش: أي في حد التقادم لم يقدر شيئا. لأن نصب التقادير بالرأي متعذر، لأن العقل لا اهتداء له في ذلك م: (وفوضه) ش: أي فوض أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حد التقادم م: (إلى رأي القاضي في كل عصر) ش: لما أن التقادم يختلف بالأحوال والأعصار فيفوض إلى رأي القاضي كل عصر. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قدره) ش: أي التقادم م: (بشهر، لأن ما دونه) ش: أي ما دون الشهر م: (عاجل) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنه أدنى العجال شرعا، بدليل أن من حلف ليقضي حق فلان عاجلا يقع عليه ذلك ما دون الشهر. وقال الكاكي: وما وجدت هذه الرواية في كتب أصحابنا المشهورة م: (وهو) ش: أن تقدير التقادم بشهر م: (رواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف، وهو الأصح) ش: أي تقدير التقادم بشهر هو الأصح. ونقل الناطفي في " الأجناس ": عن " نوادر المعلى " قال أبو يوسف: جهدنا على أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يوقت في ذلك شيئا فأبى. وقد ذكر في " المجرد " وقال أبو حنيفة: لو سأل القاضي الشهود متى زنى بها، فقالوا أقل من شهر أقيم الحد، وإن قالوا: شهرا أو أكثر [ ... ] . وروي عنه الحد، قال أبو العباس الناطفي: وقد قدره على هذه الرواية بشهر، وهو قول أبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وهذا) ش: أي هذا الذي قلنا من تقدير التقادم بشهر م: (إذا لم يكن بينهم) ش: أي بين الشهود م: (وبين القاضي مسيرة شهر، أما إذا كان) ش: بينهم وبين القاضي مسافة شهر (تقبل شهادتهم، لأن المانع بعدهم عن الإمام، فلا تتحقق التهمة) ش: لأنهم معذورون م: (والتقادم في حد الشرب كذلك) ش: أي حد التقادم في حد الشرب كذلك بشهر م: (عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 328 رواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله وهو الأصح وهذا إذا لم يكن بين القاضي وبينهم مسيرة شهر، أما إذا كان تقبل شهادتهم؛ لأن المانع بعدهم عن الإمام فلا تتحقق التهمة، والتقادم في حد الشرب كذلك عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما يقدر بزوال الرائحة على ما يأتي في بابه إن شاء الله تعالى وإذا شهدوا على رجل أنه زنى بفلانة وفلانة غائبة فإنه يحد، وإن شهدوا أنه سرق من فلان وهو غائب لم يقطع، والفرق أن بالغيبة تنعدم الدعوى وهي شرط في السرقة دون الزنا وبالحضور يتوهم دعوى الشبهة ولا معتبر بالموهوم   [البناية] وعندهما يقدر بزوال الرائحة على ما يأتي في بابه إن شاء الله تعالى) ش: أي في باب حد الشرب. [شهدوا على رجل أنه زنى بفلانة وفلانة غائبة] م: (وإن شهدوا على رجل أنه زنى بفلانة وفلانة غائبة، فإنه يحد) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا لا يحد، وهو القياس، كذا ذكره أبو الليث في شرحه " للجامع الصغير "، لأنهما إذا حضرت ربما جاءت الشبهة دارئة للحد، والحدود تندرئ بالشبهات، وعلى قول الآخر، وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله - يحد الرجل، والآن يأتي الكلام وإن شهد فيه. م: (وإن شهدوا أنه سرق من فلان وهو غائب لم يقطع والفرق) ش: أي من المسألتين م: (أن بالغيبة) ش: أي بغيبة المرأة التي قالوا إن فلانا زنى بفلانة م: (تنعدم الدعوى وهي) ش: أي الدعوى م: (شرط في السرقة دون الزنا) ش: يعني لاشتراط الدعوى في الزنا، ألا ترى أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رجم ماعزا بالإقرار بالزنا لغائبة م: (وبالحضور) ش: أي وبحضور المرأة الغائبة م: (يتوهم دعوى الشبهة) ش: بأن قالت تزوجني، أو كنت أمته، ولا يعتبر الموهوم جواب سؤال، وهو أن يقال ينبغي أن لا يحد الرجل، لأنها لو حضرت ربما يدعي النكاح، فيصير شبهة، فأجاب بقوله. م: (ولا معتبر بالموهوم) ش: لأنه يحتمل أن يدعي، ويحتمل أن لا يدعي، فعلى تقدير الدعوى تصير شبهة، وإذا كانت غائبة كان المكاتب الثابت عند غيبتها وجود شبهة الشبهة، وهو المعنى الموهوم، والمعتبر الشبهة دون شبهة الشبهة، لئلا يسد باب إقامة الحد. فإن قيل: إذا كانت بين الشريكين وأحدهما غائب لا يستوفى القصاص لإجمال العفو عن الغائب. الجواب: أنه إذا حضر، ففي سقوط القصاص بحقيقة العفو لا بشبه العفو، فإذا كان غائبا يكون احتمال العفو شبهة، فاعتبرت الشبهة فيما نحن فيه إذا حضرت المرأة وادعت النكاح كان شبهة، فإذا غابت واحتمل الشبهة وذلك شبهة الشبهة، فلا يعتبر، لأنه وهم. م: (وإن شهدوا أنه زنى بامرأة لا يعرفونها لم يحد لاحتمال أنها امرأته أو أمته، بل هو الظاهر) ش: أي بل كون المرأة امرأته هو الظاهر، لأن ظاهر حال المسلم أن لا يزني والشهود لا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 329 وإن شهدوا أنه زنى بامرأة لا يعرفونها لم يحد؛ لاحتمال أنها امرأته أو أمته، بل هو الظاهر، وإن أقر بذلك حد، لأنه لا يخفى عليه أمته أو امرأته، وإن شهد اثنان أنه زنى بفلانة فاستكرهها وآخران أنها طاوعته درئ الحد عنهما جميعا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يحد الرجل خاصة لاتفاقهما على الموجب: وتفرد أحدهما بزيادة جناية، وهو الإكراه بخلاف جانبها، لأن طواعيتها شرط تحقق الموجب في حقها، ولم يثبت لاختلافهما وله أنه اختلف المشهود عليه   [البناية] يفصلون بين زوجته وأمته وبين غيرهما إلا بالمعرفة، فلم يعرفوها، فلم يمكن إقامة الحد بشهادتهم. فلو قال المشهود عليه أن الذي رأوها معي ليست بامرأتي ولا أمتي لم يحد أيضا، لأن الشهادة قد بطلت، ثم هذه اللفظة ليست بإقرار منه بالزنا، فلا يحد، ولو كان الإقرار إقرارا فحد الزنا لا يقام بالإقرار مرة. م: (وإن أقر بذلك حد) ش: أي وإن أقر بالزنا بامرأة لا يعرفها حد م: (لأنه لا يخفى عليه امرأته أو أمته) ش: أي لا يخفى عليه امرأته أو أمته عن غيرها، وليس بمتهم في إقراره على نفسه، فيحد م: (وإن شهد اثنان أنه زنى بفلانة فاستكرهها) ش: باشرها، أي زنى بها وهي مكرهة م: (وآخران) ش: أي شهد آخران م: (أنها) ش: أي أن المرأة م: (طاوعته درئ الحد عنهما جميعا) ش: ومعنى درئ دفع، وهو على صيغة المجهول من الدرء، وهو الدفع. قال الله تعالى {فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ} [آل عمران: 168] (آل عمران: الآية 168) ، أي ادفعوا م: (عند أبي حنيفة، وهو قول زفر) ش: وبه قالت الثلاثة. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (الحد على الرجل خاصة لاتفاقهما على الموجب) ش: بكسر الجيم، أي لاتفاق الفريقين، أعني شاهدي الطواعة وشاهد الإكراه على موجب الحد في حقه، أي في حق الرجل، وموجب الحد هو الزنا عن طوع م: (وتفرد أحدهما) ش: بجر الدال عطفا على قوله لاتفاقهما، أي لتعداد تفرد أحد الفريقين، أراد بأحد الفريقين شاهدي الإكراه م: (بزيادة جناية، وهو الإكراه) ش: والضمير راجع إلى الزيادة والتذكير بالنظر إلى الخبر م: (بخلاف جانبها) ش: أي جانب المرأة م: (لأن طواعيتها شرط تحقق الموجب في حقها ولم يثبت) ش: أي شرط تحقق الموجب في حقها وهو طوعها م: (لاختلافهما) ش: أي لاختلاف الفريقين، وفي بعض النسخ لاختلافهم. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه اختلف المشهود عليه) ش: قال الكاكي: أي المشهود به. وقد صرح به في " الكافي ". وفي " الفوائد الجنازية ": أراد بالمشهود عليه المشهود به، وعلى بمعنى الباء، كما في قَوْله تَعَالَى: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [الأعراف: 105] (الأعراف: الآية 105) ، أي جدير بأن أقول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 330 لأن الزنا فعل واحد يقوم بهما، ولأن شاهدي الطواعية صارا قاذفين لهما، وإنما يسقط الحد عنهما بشهادة شاهدي الإكراه، لأن زناها مكرهة يسقط إحصانها، فصارا خصمين في ذلك. وإن شهد اثنان أنه زنى بامرأة بالكوفة وآخران أنه زنى بها بالبصرة درئ الحد عنهما جميعا، لأن المشهود به فعل الزنا، وقد اختلف باختلاف المكان، ولم يتم على كل واحد منهما نصاب الشهادة ولا يحد الشهود خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لشبهة الاتحاد نظرا إلى اتحاد الصورة والمرأة. وإن اختلفوا في بيت واحد حد الرجل والمرأة.   [البناية] على الله، ذكره في " التفسير ". وقال الكاكي: يمكن أن يجري على حقيقته، لأن المشهود عليه في القتل القدير اثنان. وإن كان واحدا إذ الطائعة غير المكرهة، ولكن تعليل قوله م: (لأن الزنا فعل واحد) ش: حقيقة بأن عنه ظاهرا، لأن الزنا فعل واحد: (يقوم بهما) ش: أي بالرجل والمرأة، وهو فعل حقيقة. وإن كان اثنان حكما، وقد اختلف في جانبها فيكون مختلفا في جانبه ضرورة. م: (ولأن شاهدي الطواعية) ش: دليل آخر، وتقريره لأن شاهدي الطواعية م: (صارا قاذفين لهما) ش: لعدم نصاب الشهادة، والقاذف خصم، ولا شهادة للخصم. وكان ينبغي إقامة الحد على شاهدي الطواعية م: (وإنما يسقط الحد عنهما بشهادة شاهدي الإكراه، لأن زناها مكرهة يسقط إحصانها) ش: لوجود حقيقة الزنا، لكن لا يأثم بسبب الإكراه م: (فصارا خصمين في ذلك) ش: أي صار شاهدي الطواعية بسبب قذفيهما خصمين في شهادتهما. [شهد اثنان أنه زنى بامرأة بالكوفة وآخران بالبصرة] م: (وإن شهد اثنان أنه زنى بامرأة بالكوفة وآخران) ش: أي وشهد اثنان آخران م: (أنه زنى بها بالبصرة درئ الحد عنهما) ش: جميعا م: (لأن المشهود به فعل الزنا، وقد اختلف باختلاف المكان ولم يتم على كل واحد منهما نصاب الشهادة، ولا يحد الشهود خلافا لزفر) ش: فإن عنده يحد الشهود حد القذف. وبه قال الشافعي في قول الشهيد الاتحاد هذا دليل لنا لا لزفر، يريد شبهة اتحاد المشهود به، تقديره أن الشهادة دائرة به في الحدود بالحديث، وقد وجدت، لأنهم شهدوا، ولهم أهلية كاملة، ولهم عذر كامل على زنا واحد صورة في زعمهم نظرا إلى اتحاد صورة النسبة الحاصلة منهم واتحاد المرأة، وإنما جاء الاختلاف بذكر المكان فثبت م: (لشبهة الاتحاد) ش: في المشهور به، فيندرئ الحد م: (نظرا إلى اتحاد الصورة والمرأة) ش: أي اتحاد صورة نسبة الزنا واتحاد المرأة. قال في " المختلف ": وعلى هذا الخلاف إذا شهد القاذف الفاسق بذلك. م: (وإن اختلفوا) ش: أي الشهود م: (في بيت واحد حد الرجل والمرأة) ش: هذا إذا كان البيت صغيرا، فاختلفوا وقال اثنان: إنه زنى في هذه الزاوية من البيت، وقال آخرون: إنه زنى في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 331 معناه أن يشهد كل اثنين على الزنا في زاوية. وهذا استحسان. والقياس أن لا يحد لاختلاف المكان حقيقة. وجه الاستحسان أن التوفيق ممكن بأن يكون ابتداء الفعل في زاوية، والانتهاء في زاوية أخرى بالاضطراب، أو لأن الواقع في وسط البيت فيحسبه من في المقدم في المقدم، ومن في المؤخر في المؤخر، فيشهد بحسب ما عنده. وإن شهد أربعة أنه زنى بامرأة بالنخيلة.   [البناية] الزاوية الأخرى فيه، وهو معنى قوله م: (معناه أن يشهد كل اثنين على الزنا في رواية، وهذا استحسان) ش: أي حد الرجل والمرأة فيما إذا اختلف الشهود في البيت الصغير م: (والقياس أن لا يحد) ش: أي أحدهما، وهو قول زفر والشافعي ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لاختلاف المكان حقيقة) ش: فاختلف المشهود به، وهو الزنا كما في الدارين. م: (وجه الاستحسان أن التوفيق ممكن بأن يكون ابتداء الفعل في زاوية والانتهاء) ش: أي انتهاء الفعل م: (في زاوية أخرى بالاضطراب) ش: ينتقلان إلى الزاوية الأخرى، بخلاف ما إذا كان البيت كبيرا لا يحتمل التوفيق، حيث لا يقبل شهادتهم، إذا لم يقبل شهادة الشهود لا يحدون حد القذف للشبهة، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أو لأن الواقع في وسط البيت فيحسبه) ش: أي يظن الواقع م: (من في المقدم) ش: أي من كان في مقدم البيت يظنه م: (في المقدم، ومن كان في مؤخر البيت) ش: يظنه م: (في المؤخر، فيشهد كل بحسب ما عنده) ش: أي بحسب ما ثبت عنده. فإن قيل: في التوفيق احتيال للإقامة، وقد أمرنا بالاختيار للدرء. قلنا: هذا احتيال بقول الشهادة والتوفيق في الحدود مشروع، والشهادة حجة مجرى تصحيحا بحسب صحتها مهما أمكن، ثم إذا قبلت كان من ضرورة قبولها وجوب الحد. فإن قيل: الاختلاف في هذه المسألة مسكوت عنه، والاختلاف في المكان في الزاوية منصوص عليه فكيف يقاس ذلك عليه. قلنا: التوفيق مشروع فيما إذا كان الاختلاف منصوصا عليه بأن شهد اثنان بأنه زنى بامرأة بيضاء، وآخر بامرأة سوداء، أو شهد اثنان بأن عليها ثوبا أحمر، أو آخران بأن عليها ثوبا أصفر. وكذلك لو اختلفوا في الطول والقصر، أو في السمن والهزل، ولكن هذا يشكل على قول أبي حنيفة في مسألة الإكراه والطواعية، لما أن التوفيق يمكن بأن يكون لابتداء الفعل بالإكراه وانتهائه بالطوع. كذا في قاضي خان وغيره. أجيب بأن الإكراه أسقط، سواء كان أول الفعل أو آخره، لأنه بالنظر إلى الابتداء لا يجب، وبالنظر إلى الانتهاء يجب، فلا يجب بالشك. [شهد أربعة أنه زنى بامرأة واختلفوا في المكان والزمان] م: (وإن شهد أربعة أنه زنى بامرأة بالنخيلة) ش: بضم النون وفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وباللام والهاء اسم موضع قريب من الكوفة. ومن قال بفتح الباء الموحدة وكسر الجيم فقد صحف، لأن نخيلة على وزن فعيلة اسم مكان، حي من اليمن سمي بنخيلة امرأة من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 332 عند طلوع الشمس، وأربعة أنه زنى بها عند طلوع الشمس بدير هند درئ الحد عنهم جميعا، أما عنهما فلأنا تيقنا بكذب أحد الفريقين من غير عين، وأما عن الشهود فلاحتمال صدق كل فريق، وإن شهد أربعة على امرأة بالزنا، وهي بكر درئ الحد عنهما، وعنهم؛ لأن الزنا لا يتحقق مع بقاء البكارة، ومعنى المسألة أن النساء نظرن إليها، فقلن: إنها بكر، وشهادتهن حجة في إسقاط الحد، وليس بحجة في إيجابه، فلهذا سقط الحد عنهما، ولا يجب عليهم. وإن شهد أربعة على رجل بالزنا وهم عميان أو محدودون   [البناية] ولد عمرو بن الغوث أخي الأزد بن الغوث م: (عند طلوع الشمس وأربعة) ش: أي وشهد أربعة أخرى م: (أنه زنى بها عند طلوع الشمس بدير هند درئ الحد عنهم جميعا أما عنهما) ش: أي عن الرجل والمرأة. م: (فلأنا تيقنا بكذب أحد الفريقين) ش: أو من هذا الفريق من غير تعيين أحد الفريقين بعين م: (من غير عين) ش: أي أحد الفريقين، لأنه يحتمل أن يكون الكذب من هذا الفريق من غير تعيين أحدهما، وأحدهما لا محالة كاذب، لأنه لا يتصور الزنا في ساعة واحدة من شخص واحد في مكانين متباعدين لكنه لم يتميز الكاذب من الصادق لما ذكرنا، فلهذا درئ الحد عنهما م: (وأما عن الشهود) ش: أي وأما درئ الحد عن الشهود م: (فلاحتمال صدق كل فريق) ش: أي لاحتمال كل واحد من الفريقين أن يكونوا هم الصادقون، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يسقط حد القذف عن الشهود. م: (وإن شهد أربعة على امرأة بالزنا وهي بكر) ش: أي والحال أنها بكر م: (درئ الحد عنهما وعنهم) ش: أي دفع الحد عن الرجل والمرأة، وبه قال الشافعي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعند مالك يجب الحد عليها، لأنه لا يعتبر قول النساء في الحدود عنهما، أي درئ الشهود أيضا، وبه قال الشافعي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن الزنا لا يتحقق مع بقاء البكارة) ش: م: (ومعنى المسألة أن النساء نظرن إليها فقلن: إنها بكر وشهادتهن حجة في إسقاط الحد وليس بحجة في إيجابه) ش: أي في إيجاب الحد م: (فلهذا) ش: أي فلأجل هذا المعنى وهو أن شهادتهن حجة في إسقاط الحد، وليس بحجة في إيجابه م: (سقط الحد عنهما) ش: أي عن الرجل والمرأة م: (ولا يجب) ش: أي حد القذف م: (عليهم) ش: أي على الشهود وفي " الكافي " للحاكم الشهيد. وكذا إذا خرجت المرأة رتقاء، وتقبل في الرتقاء والعذراء أو الأشياء التي يعمل فيها بقول النساء قول امرأة واحدة. وفي " الفوائد الظهيرية " وعلى هذا لو شهد بزنا رجل، وهو محجوب لا يحد هؤلاء الشهود أيضا، لأن الحد إنما يجب على القاذف لنفي العار والشان عن المقذوف، وإنه منفي ينتفي عنه لمكان الجب. م: (وإن شهد أربعة على رجل بالزنا وهم عميان) ش: أي والحال أنهم عميان م: (أو محدودون) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 333 في قذف أو أحدهم عبد أو محدود في قذف، فإنهم يحدون ولا يحد المشهود عليه. لأنه لا يثبت بشهادتهم المال، فكيف يثبت الحد وهم ليسوا من أهل الشهادة، والعبد ليس بأهل للتحمل والأداء، فلم تثبت شبهة الزنا، لأن الزنا يثبت بالأداء، وإن شهدوا بذلك وهم فساق أو ظهر أنهم فساق لم يحدوا؛ ولأن الفاسق من أهل الأداء والتحمل، وإن كان في أدائه نوع قصور لتهمة الفسق، ولهذا لو قضى القاضي بشهادة فاسق ينفذ عندنا ويثبت بشهادتهم شبهة الزنا، وباعتبار قصور في الأداء لتهمة الفسق يثبت شبهة عدم الزنا فلهذا امتنع الحدان، وسيأتي فيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بناء على أصله أن الفاسق ليس من أهل الشهادة، فهو كالعبد عنده   [البناية] ش: أي والحال أنهم محدودون م: (في قذف أو أحدهم) ش: أي أحد الشهود م: (عبد أو محدود في قذف فإنهم) ش: أي فإن الشهود م: (يحدون، ولا يحد المشهود عليه. لأنه لا يثبت بشهادتهم) ش: أي بشهادة هؤلاء م: (المال، فكيف يثبت الحد) ش: أي فكيف يثبت الحد الذي يندرئ بالشبهة م: (وهم ليسوا) ش: أي والحال أنهم ليسوا م: [أهلية الشهادة] (من أهل الشهادة، والعبد ليس بأهل للتحمل) ش: أي تحمل الشهادة م: (والأداء) ش: أي ولا من أهل أداء الشهادة م: (فلم تثبت شبهة الزنا، لأن الزنا يثبت بالأداء) ش: أي يثبت عند القاضي بأداء الشهادة عند عدم الإقرار. م: (وإن شهدوا بذلك وهم فساق) ش: بضم الفاء وتشديد السين جمع فاسق م: (أو ظهر أنهم فساق) ش: يعني شهدوا، فبعد الشهادة ظهر أنهم فساق م: (لم يحدوا؛ لأن الفاسق من أهل التحمل والأداء، وإن كان في أدائه نوع قصور لتهمة الفسق، ولهذا) ش: أي ويكون من أهل التحمل والأداء وإن كان في أدائه نوع قصور لتهمة الفسق. ولهذا لو قضى القاضي بشهادته ينفذ عندنا، والدليل على أنه من أهل الأداء قَوْله تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] وفائدة الثبت أي تثبتوا، فلو لم يكن للفاسق شهادة، يقال فلا تقبلوا ولم يقل ذلك، بل قال فتبينوا، وفائدة التثبيت القبول عند ظهور الصدق لرجحانه عند القاضي بالتأمل في الدان، مثل هذا الفاسق هل يكذب في العادة أم لا؟ وقال الفقيه أبو الليث في " شرح الجامع الصغير " م: (ولو قضى القاضي بشهادة الفاسق جاز) ش: يعني م: (عندنا فيثبت بشهادتهم شبهة الزنا، وباعتبار قصور في الأداء لتهمة الفسق يثبت بشبهة عدم الزنا) ش: الفسق جاز، يعني عندنا الزنا م: (فلهذا) ش: أي فلأجل ذلك م: (يمنع الحدان) ش: أي حد الزنا على المشهود عليه وحد القذف على المشهود. م: (وسيأتي فيه) ش: أي في حكم هذه المسألة. م: (خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بناء على أصله أن الفاسق ليس من أهل الشهادة فهو كالعبد عنده) ش: أي الفاسق في شهادته كالعبد عند الشافعي، ويحد الشهود حد القذف عندنا، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في روايته ومالك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 334 وإن نقص عدد الشهود عن أربعة حدوا؛ لأنهم قذفة، إذ لا حسبة عند نقصان العدد وخروج الشهادة عن القذف باعتبارها.   [البناية] [نقص عدد الشهود عن أربعة] م: (وإن نقص عدد الشهود عن أربعة حدوا) ش: هذا لفظ القدوري في " مختصره "، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي القول الآخر لا حد عليهم. وقال الكاكي: حدوا، أي عند طلب المشهود عليه الحد ذكره البزدوي لاختلاف الأئمة فيه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] م: (لأنهم قذفة) ش: أي لأن الذين نقصوا عن الأربعة قذفة جمعه قاذف، كسرقة جمع سارق م: (إذ لا حسبة) ش: لإقامة الحد م: (عند نقصان العدد وخروج الشهادة عن القذف باعتبارها) ش:. ش: أي باعتبار الحسبة، لأن الشاهد مخير بين حسبتين على ما مر في أول الباب. وهنا لم يوجد حسبة الستر، فذاك ظاهر، ولم يوجد حسبة، إذ الشهادة أيضا فتعين القذف، فلزم الحد، ولأن الله تعالى جعل نصاب الشهادة في الزنا أربعة، فإذا نقص العدد عنها صاروا قذفة فيحدون حد القذف، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] (النور: الآية 4) . واعلم أن في قول المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يتهم " قذفه " أثرا أخرجه الحاكم في " المستدرك " في (فضائل المغيرة بن شعبة) عن أبي عتاب سهل بن حماد عن أبي كعب عن عبد العزيز بن أبي بكرة. قال: كنا جلوسا عند باب الصغير الذي في المسجد، أبو بكرة وأخوه نافع وشبل بن معبد فجاء المغيرة بن شعبة يمشي في ظلال المسجد، والمسجد يومئذ من قصب، والمغيرة يومئذ أمير البصرة أمره عليها عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فانتهى إلى أبي بكرة يسلم عليه، فقال له أبو بكرة: أيها الأمير ليس لك ذلك، اجلس في بيتك وابعث إلي من شئت، فتحدث معه، قال يا أبا بكرة: ولا بأس ثم دخل المغيرة من باب الأصغر حتى تقدم إلى باب أم جميل امرأة من قيس فدخل عليها فقال أبو بكرة: والله لا أصبر على هذا، ثم بعث غلاما له فقال أبو بكرة له: ارق الغرفة وانظر من الكوة، فذهب فنظر فلم يلبث أن رجع، فقال: وجدتهما في لحاف واحد، فقال أبو بكرة للقوم قوموا معي، فقاموا، فبدأ أبو بكرة فنظر ثم استرجع. ثم قال لأخيه: انظر فنظر فقال له: ما رأيت؟ قال الزنا محصنا، ثم قال لهما انظرا، فنظرا، فقالا مثل ذلك، فقال: أشهد الله عليكم؟ قالوا: نعم. ثم كتب أبو بكرة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بما رأى فبعث عمر أبا موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أميرا على البصرة وأمره أن يرسل إليه المغيرة ومعه، أبو بكرة وشهوده. فلما قدم أبو موسى أرسل بالمغيرة وأبي بكرة وشهوده: وقال للمغيرة: ويل لك إن كان مصدوقا عليك وطوبى لك إن كان مكذوبا عليك، فلما قدموا على عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال لأبي بكرة: هات ما عندك، قال: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 335 وإن شهد أربعة على رجل بالزنا فضرب بشهادتهم، ثم وجد أحدهم عبدا أو محدودا في قذف، فإنهم يحدون، لأنهم قذفة إذ الشهود ثلاثة، وليس عليهم ولا على بيت المال أرش الضرب، وإن رجم فديته على بيت المال، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: أرش الضرب أيضا على بيت المال.   [البناية] أشهد أني رأيت الزنا محصنا، ثم تقدم أخوه نافع، فقال نحو ذلك، ثم تقدم شبل بن سعد البجلي، فقال نحو ذلك، ثم تقدم زياد فقال له: ما رأيت؟ قال: رأيتهما في لحاف وسمعت نفسا عاليا، ولا أدري ما وراء ذلك، فكبر عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفرح إذ نجا المغيرة وضرب القوم الحد إلا زيادا، انتهى وسكت عنه. وروى عبد الرزاق عن الثوري عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي قال شهد أبو بكرة ونافع وشبل بن معبد على المغيرة: أنهم نظروا إليه كما ينظرون إلى المرود في المكحلة، فجاء زياد فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جاء رجل لا يشهد إلا بالحق، فقال رأيت مجلسا فسحا وانتهارا: فجلدهم عمر الحد. قال أبو نعيم: هؤلاء الذين شهدوا أخوة لأم اسمها سمية وزياد بن [ ... ] كان سمي زياد ابن أهيلة، انتهى، الانتهار: من النهر وهو النفس العالي. م: [الشهادة على الشهادة] (وإن شهد أربعة على رجل بالزنا فضرب بشهادتهم) ش: يعني جلد وكان غير محصن، فجرحته السياط م: (ثم وجد أحدهم) ش: أي أحد الشهود م: (عبدا أو محدودا في قذف، فإنهم يحدون، لأنهم قذفة إذ الشهود ثلاثة) ش: لأن الشهود في الزنا إذا كانوا أقل من أربعة يجب عليهم حد القذف لقصور عدم الشهادة. ويجب الحد على العبد والمحدود، وكذلك إذا وجد أحد الشهود أعمى م: (وليس عليهم) ش: أي على الشهود: (ولا على بيت المال أرش الضرب) ش: ومعرفة الأرش أن يقوم المحدود عبدا سليما من هذا الأمر ويقوم وبه هذا الأثر، فينظر أما ينقص بما ينقص به القيمة، فينقص من الدية مثله. م: (وإن رجم) ش: بأن كان محصنا، ثم ظهر أحد الشهود؛ عبدا أو محدودا في قذف م: (فديته على بيت المال) ش: هذا بالاتفاق، لأن القاضي أخطأ في قضائه للعامة من حيث الضمان في مالهم م: (وهذا) ش: أي المذكور من الفصلين م: (عند أبي حنيفة، وقالا: أرش الضرب أيضا على بيت المال) ش: والحربي إذا قذف مسلما يجب عليه بالاتفاق، وحد الخمر لا يجب عليه بالاتفاق، وحد الزنا والسرقة يجب عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولا يجب عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، والذمي يجب عليه جميع الحدود، إلا حد الخمر، وقد مر في باب الوطء الذي يوجب الحد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 336 قال العبد الضعيف عصمه الله: معناه إن كان جرحه، وعلى هذا الخلاف إذا مات من الضرب، وعلى هذا إذا رجع الشهود لا يضمنون عنده، وعندهما يضمنون. لهما أن الواجب بشهادتهم مطلق الضرب إذ الاحتراز عن الجرح خارج عن الوسع فينتظم الجارح وغيره، فيضاف إلى شهادتهم فيضمنون بالرجوع، وعند عدم الرجوع تجب على بيت المال، لأنه ينتقل فعل الجلاد إلى القاضي، وهو عامل للمسلمين، فتجب الغرامة في مالهم، فصار كالرجم والقصاص. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الواجب هو الجلد وهو ضرب مؤلم غير جارح، ولا مهلك   [البناية] م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (معناه) ش: أي معنى كلام محمد في " الجامع الصغير " أرش الضرب أيضا على بيت المال م: (إن كان جرحه) ش: أي الضرب لأنه إذا لم يخرج لا يجب شيء على أحد. كذا ذكر السغناقي م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور م: (إذا مات) ش: أي المجلود م: (من الضرب) ش: يجب دية النفس في بيت المال عندهما إذا ظهر بعض الشهود، عبدا أو محدودا في قذف أو أعمى. وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجب شيء. م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الخلاف المذكور م: (إذا رجع الشهود) ش: بعد الجرح بالجلد أو الموت والجلد م: (لا يضمنون عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أصلا لا ضمان النفس ولا ضمان الأرش م: (وعندهما يضمنون) ش: أرش الجراحة إن لم يمت المجلود والدية إن مات. م (ولهما) . ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أن الواجب بشهادتهم مطلق الضرب) ش: يعني بغير قيد السلامة م: (إذ الاحتراز عن الجرح خارج عن الوسع) ش: أي عن وسع الضارب م: (فينتظم الجارح وغيره) ش: أي يشمل الضرب الجارح وغير الجارح م: (فيضاف) ش: أي الجرح أو الهلاك م: (إلى شهادتهم) ش: أثبتوا الجلد م: (فيضمنون بالرجوع) ش: لأنه ظهر كذبهم في شهادتهم م: (وعند عدم الرجوع يجب) ش: أي الضمان م: (على بيت المال، لأنه ينتقل فعل الجلاد إلى القاضي) ش: لأنه أخطأ في قضائه. ولا يرجع إلى الشهود لأنهم ما رجعوا، والقاضي إذا أخطأ في قضائه يجب الضمان على من وقعت منفعته القضاء لأجله، وقد وقعت المنفعة العامة، لأن منفعة الحد وهي خلاف العالم عن الفساد يقع للعامة م: (وهو) ش: أي القاضي م: (عامل للمسلمين فتجب الغرامة في مالهم) ش: ومالهم بيت مال المسلمين م: (فصار كالرجم والقصاص) ش: أي قصاص الجرح أو الهلاك بالحد على تقدير عدم رجوع الشهود بأن نظر بعضهم عبدا أو محدودا كالرجم والقصاص، يعني في الرجم والقصاص يجب الغرامة في بيت المال، وكذا في الجرح أو الموت بالجلد. م: (ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الواجب هو الجلد، وهو ضرب مؤلم غير جارح ولا مهلك) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 337 فلا يقع جارحا ظاهرا إلا لمعنى في الضارب، وهو قلة هدايته فاقتصر عليه، إلا أنه لا يجب عليه الضمان في الصحيح كيلا يمتنع الناس عن الإقامة مخافة الغرامة. وإن شهد أربعة على شهادة أربعة على رجل بالزنا لم يحد؛ لما فيها من زيادة الشبهة ولا ضرورة إلى تحملها، فإن جاء الأولون فشهدوا على المعاينة في ذلك المكان لم يحد أيضا، معناه شهدوا على ذلك الزنا بعينه؛ لأن شهادتهم قد ردت من وجه برد شهادة الفروع في عين هذه الحادثة إذ هم قائمون مقامهم في الأمر والتحميل   [البناية] ش: ألا ترى أن الجلد لا يقام في الحر أوالبرد الشديد ولا على المريض حتى يبرأ كيلا يقع متعلقا ولا بسوط له ثمرة كيلا يقع جارحا م: (ولا يقع) ش: أي الضرب حال كونه م: (جارحا ظاهرا إلا لمعنى في الضارب، وهو قلة هدايته) ش: في عمله، أي المعنى في الضارب قلة هدايته في عمله وترك احتياطه م: (فاقتصر عليه) ش: أي فاقتصر الجرح أو الهلاك على الضارب من غير أن يضاف إلى الشهود أو القاضي، إلا أنه استثني من قوله فاقتصر عليه. وهذا جواب عما يقال لما اقتصر عليه كان ينبغي أن يجب الضمان عليه، وهو القياس. فأجاب عنه بقوله م: (إلا أنه لا يجب عليه الضمان في الصحيح) ش: وهو الاستحسان م: (كيلا يمتنع الناس عن الإقامة) ش: أي عن إقامة الحدود م: (مخافة الغرامة) ش: أي لأجل الخوف عن الغرامة، وقيد الصحيح احترازا عما روي في " مبسوط " فخر الإسلام: ولو قال قائل: يجب الضمان على الجلاد فله وجه، لأنه ليس بمأمور بهذا الوجه، لأنه أمر بضرب مؤلم لا جارح ولا كاسر ولا قابل، فإذا وجد الضرب على هذه الوجوه فقد وقع فعله متعديا فيجب عليه الضمان، والله أعلم. م: (وإن شهد أربعة على شهادة أربعة على رجل بالزنا لم يحد) ش: أي الرجل م: (لما فيها) ش: أي في شهادة الفروع م: (من زيادة الشبهة) ش: يعني لما فيها من شبهة زاده على الأصل لم يكن فيه، فإن الكلام إذا تداولته الآلة يمكن فيها زيادة ونقصان م: (ولا ضرورة إلى تحملها) ش: أي على تحمل زيادة الشبهة، لأن الحدود لدرئها لا لإثباتها. وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول محمد ومالك وأحمد. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح يقبل إذا كان بشرائط كشهادة الأصول. م: (فإن جاء الأولون) ش: أي الأصول بعدما شهد الفروع م: (فشهدوا على المعاينة في ذلك المكان) ش: يريد به ذلك الزنا بعينه م: (لم يحد أيضا معناه) ش: أي معنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ذلك المكان م: (شهدوا على ذلك الزنا بعينه، لأن شهادتهم) ش: أي شهادة الأصول م: (قد ردت من وجه برد شهادة الفروع في عين هذه الحادثة؛ إذ هم قائمون مقامهم بالأمر والتحميل) ش: أي الفروع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 338 ولا يحد الشهود، لأن عددهم متكامل، وامتناع الحد عن المشهود عليه لنوع شبهة، وهي كافية لدرء الحد لا لإيجابه. وإذا شهد أربعة على رجل بالزنا فرجم، فكلما رجع واحد حد الراجع وحده وغرم ربع الدية، أما الغرامة فلأنه بقي من يبقى بشهادته ثلاثة أرباع الحق، فيكون الفائت بشهادة الراجع ربع الحق. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب القتل دون المال، بناء على أصله في شهود القصاص، وسنبينه في الديات إن شاء الله تعالى. وأما الحد فمذهب علمائنا الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحد لأنه إن كان الراجع قاذف حي فقد بطل بالموت، وإن كان قاذف ميت فهو مرجوم بحكم القاضي، فيورث ذلك شبهة. ولنا أن الشهادة إنما تنقلب قذفا بالرجوع، لأن به تفسخ شهادته، فجعل للحال قذفا للميت، وقد انفسخت الحجة فينفسخ ما يبتنى عليه، وهو القضاء في حقه   [البناية] قائمون مقام الأصول. وهذا التعليل تعليل لرد شهادة الأصول ليست لرد شهادة الفروع، فإن هذا في الحقوق المالية، فإن ثمة يقبل شهادة الأصول بعد رد شهادة الفروع. والجواب أن المال يثبت بالشبهة، بخلاف المحدود م: (ولا يحد الشهود) ش: أي الأصول والفروع لا يحدون م: (لأن عددهم متكامل) ش: والأهلية أيضا موجودة م: (وامتناع الحد عن المشهود عليه لنوع شبهة) ش: وهي شبهة البدلية الزمان والمكان، لاحتمال الزيادة والنقصان في الفروع وشبهة الرد في الأصول م: (وهي كافية لدرء الحد لا لإيجابه) ش: أي شبهة كافية لإسقاط الحد، لا لإيجاب الحد، يعني أن الشبهة ليست لموجبة الحد، ولكنها مسقطة له. [شهد أربعة على رجل بالزنا فرجم ثم رجعوا عن الشهادة] م: (وإذا شهد أربعة على رجل بالزنا فرجم) ش: أي الرجل م: (فكلما رجع واحد منهم حد الراجع وحده وغرم ربع الدية، أما الغرامة فلأنه بقي من يبقى بشهادته ثلاثة أرباع الحق، فيكون الفائت بشهادة الراجع ربع الحق، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب القتل) ش: أي قتل الراجع م: (دون المال بناء على أصله) ش: أي أصل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في شهود القصاص) ش: يعني إذا رجعوا بعد القصاص، فيقتلون عنده، فكذا هنا إذا رجعوا بعد الرجم يقتلون، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن أبي ليلى وهو قول الحسن البصري أيضا. م: (وسنبينه في الديات إن شاء الله تعالى) ش: قال الأترازي: هذه حوالة ليس لها رواج إن شاء ذكر ذلك العام. م: (وأما الحد فمذهب علمائنا الثلاثة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - 0 لا يحد، لأنه إن كان الراجع قاذف حي، فقد بطل بالموت، وإن كان قاذف ميت فهو مرجوم بحكم القاضي فيورث ذلك شبهة) ش: إشارة إلى كون الميت مرجوما بحكم القاضي. م: (ولنا أن الشهادة إنما تنقلب قذفا بالرجوع، لأن به) ش: أي بالرجوع م: (تفسخ شهادته فجعل للحال) ش: أي في الحال م: (قذفا للميت، وقد انفسخت الحجة) ش: وهي الشهادة م: (فينفسخ ما يبتنى عليه، وهو القضاء في حقه) ش: والضمير في عليه يرجع إلى الحجة على تأويل الكلام قاله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 339 فلا يورث الشبهة، بخلاف ما إذا قذفه غيره، لأنه غير محصن في حق غيره، لقيام القضاء في حقه، فإن لم يحد المشهود عليه حتى رجع واحد منهم حدوا جميعا وسقط الحد عن المشهود عليه. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - حد الراجع خاصة، لأن الشهادة تأكدت بالقضاء، فلا تنفسخ إلا في حق الراجع، كما إذا رجع بعد الإمضاء، ولهما أن الإمضاء من القضاء، فصار كما إذا   [البناية] الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أيضا: وقوله وهو راجع إلى ما هو عبارة عن القضاء، والضمير في حقه راجع إلى المراجع، يعني أن القضاء تفسخ في حق الراجع، لأن القضاء مبني على الشهادة، وقد انفسخت شهادة الراجع بالرجوع م: (فلا يورث الشبهة) ش: أي كونه وجوبا بانقضاء القاضي لا يورث الشبهة وفي سقوط حق القذف عن الراجع، لأن القضاء انفسخ في حقه. م: (بخلاف ما إذا قذف الميت غير الراجع، لأنه) ش: أي لأنه الرجوع م: (غير محصن في حق غيره) ش: أي غير الراجع م: (لقيام القضاء في حقه) ش: أي في حق الراجع، فصار لقيام القضاء بشبهة في حقه، فلم يحد، فظهر الفرق م: (فإن لم يحد المشهود عليه حتى رجع واحد منهم حدوا جميعا) ش: يعني حد الشهود كلهم. واعلم أن رجوع الشهود لا يخلو، إما أن يكون بعد القضاء والإمضاء أو بعد القضاء قبل الإمضاء أو قبل القضاء والإمضاء. فهذه فصول ثلاثة، وقد ذكر الفصل الأول وشرع هنا في الفصل الثاني، وهو ما إذا رجع بعد القضاء والإمضاء، وهو قوله فإن لم يحد المشهود عليه، وهو ما إذا رجع بعد القضاء قبل الإمضاء يحدون كلهم م: (وسقط الحد عن المشهود عليه) ش: في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله: في القول الأخر. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - حد الراجع خاصة، لأن الشهادة تأكدت بالقضاء، فلا تنفسخ إلا في حق الراجع) ش: لا في حق غيره م: (كما إذا رجع بعد الإمضاء) ش: وبه قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا، وهو قول زفر. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أحد قوليه لا يحد الراجع. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله م: (أن الإمضاء من القضاء) ش: أي أن إمضاء الحد بمنزلة القضاء بدليل أن الإمضاء لا يجوز إلا بمحضر من القاضي، ولهذا تجعل لإثبات الحادثة في الشهود كالارتداد والفسق والجنون و [ .... ] والموت والغيبة، وهذا بعد القضاء قبل الإمضاء، كالحادثة قبل القضاء. فإذا كان الإمضاء في القضاء كالرجوع قبل القضاء فيحدون جميعا. وهو معنى قوله م: (فصار كما إذا رجع واحد منهم قبل القضاء، ولهذا) ش: أي ولأجل أن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 340 رجع واحد منهم قبل القضاء، ولهذا سقط الحد عن المشهود عليه. ولو رجع واحد منهم قبل القضاء حدوا جميعا. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحد الراجع خاصة، لأنه لا يصدق على غيره. ولنا أن كلامهم قذف في الأصل، وإنما يصير شهادة باتصال القضاء به، فإذا لم يتصل به بقي قذفا، فيحدون، فإن كانوا خمسة فرجع أحدهم فلا شيء عليهم، لأنه بقي من يبقى بشهادته كل الحق، وهو شهادة الأربعة، فإن رجع آخر حد وغرما ربع الدية. أما الحد فلما ذكرنا   [البناية] الإمضاء من القضاء في باب الحدود م: (يسقط الحد عن المشهود عليه) ش: إذا رجع واحد قبل القضاء وقبل الإمضاء كما يسقط إذا رجع قبل القضاء. [رجع شاهد واحد من الشهود الأربعة قبل القضاء والإمضاء] م: (ولو رجع واحد منهم) ش: هذا هو الفصل الثالث، وهو ما إذا رجع م: (قبل القضاء والإمضاء) ش: أي لو رجع شاهد واحد من الشهود الأربعة قبل القضاء والإمضاء م: (حدوا جميعا) ش: أي يحدون كلهم. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحد الراجع خاصة، لأنه) ش: أي لأن الراجع م: (لا يصدق على غيره) ش: يعني أن رجوعه حجة على نفسه لا غيره باتصال. م: (ولنا أن كلامهم قذف في الأصل) ش: يعني لكونه صريحا فيه م: (وإنما يصير شهادة باتصال القضاء به) ش: أي بكلامه م: (فإذا لم يتصل به) ش: أي فإذا لم يتصل القضاء بكلامهم م: (بقي قذفا فيحدون) ش: لقصور عددهم م: (وإن كانوا خمسة) ش: هذا عطف على أصل المسألة، وهو قوله وإذا شهد أربعة بالزنا م: (فرجع أحدهم) ش: يعني بعد الرجم، لأنه وضع المسألة في ذلك م: (فلا شيء عليهم) ش: أي لا الحد ولا الدية، لا على الشهود ولا على الراجع، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح ومالك وأحمد - رحمهما الله. وعن مالك لا يجب الدية بالرجوع أصلا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه يجب خمس الدية م: (لأنه بقي من يبقى بشهادته كل الحق، وهو شهادة الأربعة، فإن رجع آخر) ش: أي من الأربعة م: (حد) ش: أي الراجع الأول وهو الخامس والراجع الثاني من الأربعة م: (وغرما ربع الدية) ش: قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن قالا تعمدنا الكذب وجب عليهما القود. وإن قال: لا أخطأنا وجب عليهما فسقطهما في الدية وغرما ربع الدية. م: (أما الحد فلما ذكرنا) ش: إشارة إلى قوله ولنا أن الشهادة إنما تقلب قذفا بالرجوع. وقال الأترازي: فإن قلت: حين رجع الواحد من الخمسة لا شيء عليه أصلا، فعند ذلك كيف يجب عليه الحد والغرامة برجوع الآخر؟. قلت: إنما لم يجب عليه شيء وقت رجوعه لمانع مع وجود السبب، والمانع بقاء الحجة الكاملة. فلما رجع آخر زال المانع، فعمل السبب عمله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 341 وأما الغرامة فلأنه بقي من يبقى بشهادته ثلاثة أرباع الحق، والمعتبر بقاء من بقي لا رجوع من رجع على ما عرف. وإن شهد أربعة على رجل بالزنا فزكوا فرجم فإذا الشهود مجوس أو عبيد فالدية على المزكين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - معناه: إذا رجعوا عن التزكية، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله هو على بيت المال. وقيل هذا إذا قالوا:   [البناية] م: (وأما الغرامة فلأنه بقي من يبقى بشهادته ثلاثة أرباع الحق، والمعتبر بقاء من بقي، لا رجوع من رجع على ما عرف) ش: أي في كتاب الشهادات. [تبين عدم أهلية الشهادة بعد إقامة الحد] م: (وإن شهد أربعة على رجل بالزنا فزكوا) ش: على صيغة المجهول من التزكية من زكى نفسه إذا مدحه وتزكية الشهود الوصف بكونهم أزكياء م: (فرجم) ش: أي الرجل م: (فإذا الشهود عبيد أو مجوس، فالدية على المزكين عند أبي حنيفة) ش: وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (معناه إذا رجعوا) ش: أي المزكون م: (عن التزكية) ش:. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال صاحب " الهداية " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: معناه إذا رجعوا عن التزكية، أي معنى قوله فالدية على المزكين، قال ويدل على صحة تأويله ما نص عليه الحاكم في " الكافي " إذا شهد الشهود على رجل بالزنا والإحصان، فزكاهم يعني زعموا أنهم أحرار ورجم ثم وجدوهم عبيدا قال: لا حد على الشهود، فإن رجع المزكون عن شهادتهم ضمنوا. قلت: فإن لم يقولوا إنهم أحرار، وقالوا هم عدول ثم وجدوا عبيدا قال: لا ضمان على المدعين، وهذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله فإن لم يقولوا إنهم أحرار وقالوا هم عدول ثم وجدوا عبيدا، قالا: لا ضمان على المزكين، وإلى هاهنا لفظ الحاكم - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: معناه إذا رجعوا عن التزكية بأن قالوا قلنا هم أحرار مسلمون مع علمنا بحالهم أنهم عبيد، وكذا في نسخ الشروح، فعلى هذا ينبغي أن لا يذكر في الكتب قوله. وقيل هذا إذا قالوا تعمدنا من غير أن يقال، وقيل لأن قوله وقيل يقضي أن يكون معنى الرجوع عن التزكية التي توجب الضمان عنده في قول آخر سوى التعمد وليس كذلك. فإن المزكي إذا قال أخطأت في التزكية لا يضمن بالإجماع، وإنما الخلاف فيما إذا [قال] : تعمدت ذلك مع علمي بحالهم، وذكره في " جامع قاضي خان "، وإليه أشار في " المبسوط ". وقال تاج الشريعة: معناه إذا رجعوا عن التزكية بأن قالوا تعمدنا التزكية مع علمنا أنهم مجوس، حتى لو قالوا أخطأنا لا يضمنون. م: (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله م: (هو على بيت المال) ش: أي الضمان على بيت المال م: (وقيل هذا) ش: عند أبي حنيفة، أي وجوب الضمان م: (إذا قالوا) ش: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 342 تعمدنا التزكية مع علمنا بحالهم. لهما أنهم أثنوا على الشهود خيرا، فصار كما إذا أثنوا على المشهود عليه خيرا بأن شهدوا بإحصانه، وله أن الشهادة إنما تصير حجة عاملة بالتزكية، فكانت التزكية في معنى علة العلة، فيضاف الحكم إليها، بخلاف شهود الإحصان لأنه محض الشرط، ولا فرق بينهما إذا شهدوا بلفظة الشهادة أو أخبروا، وهذا إذا أخبروا بالحرية والإسلام، أما إذا قالوا: هم عدول وظهروا عبيدا لا يضمنون، لأن العبد قد يكون عدلا   [البناية] أي المزكون م: (تعمدنا التزكية مع علمنا بحالهم) ش: أما إذا قالوا أخطأنا فلا يجب عليهم الضمان. قال الإمام السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في شرحه " للجامع الصغير " إذا قالوا علمنا أنهم مجوس ومع هذا زكيناهم. أما إذا قالوا أخطأنا، فلا يجب عليهم الضمان، لأنهم يأتون على القاضي والقاضي [ .... ] لا ضمان عليه، فكذا هاهنا، وإنما وجب الضمان عليهم إذا تعمدوا لأنهم أظهروا علة التلف. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف [ومحمد]- رحمهما الله م: (أنهم) ش: أي أن المزكين م: (أثنوا على الشهود خيرا) ش: قيل حيث أثبتوا بذلك شرط الحجة، وهي العدالة م: (فصار كما لو أثنوا على المشهود عليه خيرا بأن شهدوا بإحصانه) ش: فلا يضمنون شيئا، وبه قال الثلاثة، فإذا لم يضمنوا شيئا وجب الضمان على بيت المال، وله أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (وله أن الشهادة إنما تصير حجة وعاملة بالتزكية) ش: إذ الشهادة في الحدود لا توجب شيئا بلا تزكية م: (فكانت التزكية في معنى علة العلة) ش: لأن التزكية بعمله للعلة، والعمل للعلة علة العلة، والحكم يضاف إلى علة العلة، كما يضاف إلى العلة. ألا ترى أن حفر البئر لما كان هو الذي لعلة يجعل فقد علة المار للوقوع في البئر، فيضاف الحكم إليه عند تعذر إضافته إلى الفعل م: (فيضاف الحكم إليها) ش: أي إلى علة العلة، فصار المزكون كالشهود إذا رجعوا م: (بخلاف شهود الإحصان، لأنه محض الشرط) ش: حاصله أن الشهادة على الإحصان شرط محض، وعلامة معرفة الحكم الزنا الصادر بعده وجود الإحصان. ولا حاجة لثبوت الزنا إلى شهود الإحصان، لأن الزنا ثبت بشهود الزنا قبل الإحصان، ولكن لا يثبت الزنا بشهود الإحصان ما لم يزكوا، فظهر الفرق بين التزكية وشهادة الإحصان. م: (ولا فرق بينهما إذا شهدوا بلفظة) ش: أي المزكون بلفظ م: (الشهادة أو أخبروا) ش: بأن قالوا نشهد بأنهم أحرار أو قالوا هم أحرار م: (وهذا) ش: أي وجوب الضمان على المزكين على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إذا أخبروا بالحرية والإسلام) ش: أي فيما إذا أخبروا بحرية الشهود وإسلامهم، ثم ظهر الشهود مجوسا أو عبيدا. م: (أما إذا قالوا هم عدول وظهروا عبيدا لا يضمنون، لأن العبد قد يكون عدلا) ش: أيضا بتركه محظور دينه. واعلم أن زكاة المزكي شرط عند أبي حنيفة، خلافا لهما، ذكره في " المختلف "، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 343 ولا ضمان على الشهود؛ لأنه لم يقع كلامهم شهادة، ولا يحدون حد القذف؛ لأنهم قذفوا حيا وقد مات فلا يورث عنه، وإذا شهد أربعة على رجل بالزنا فأمر القاضي برجمه، فضرب رجل عنقه ثم وجد الشهود عبيدا فعلى القاتل الدية. وفي القياس يجب القصاص؛ لأنه قتل نفسا معصومة بغير حق. وجه الاستحسان أن القضاء صحيح ظاهرا وقت القتل، فأورث شبهة، بخلاف ما إذا قتله قبل القضاء؛ لأن الشهادة لم تصر حجة بعد، ولأنه ظنه مباح الدم معتمدا على دليل مبيح، فصار كما إذا ظنه حربيا، وعليه علامتهم.   [البناية] ولا يشترط العدد في المزكي عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله، خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويشترط الإتيان في سائر الحقوق والأربعة في الزنا، ويجوز شهادة رجل وامرأتين على الإحصان. كذا قال الحاكم م: (ولا ضمان على الشهود) ش: لأنه يقع كلامهم بشهادة فيه، نظرا لما تقدم أن كلام كل منهم يصير شهادة باتصال القضاء، وقد اتصل به القضاء، فما وجه قوله م: (لأنه لم يقع كلامهم شهادة) ش: والجواب إذ القضاء لما أظهر خطأه بيقين، صار كأن لم يكن، فلا يتصل القضاء بكلامهم، فلا يصير شهادة. م: (ولا يحدون) ش: أي الشهود م: (حد القذف؛ لأنهم قذفوا حيا، وقد مات فلا يورث عنه) ش: أي لا يورث حد القذف عن الميت، لا يقال لم يجعل قذفا للميت للرجال بطريق الانقلاب كما في صورة الرجوع عن الشهادة؛ لأنا نقول عليه الانقلاب للرجوع عن الشهادة. فالجواب فلم يوجد. فإن قيل: لم لا يكون ظهورهم عبيدا أو مجوسا للانقلاب كالرجوع إن انقلاب صيرورة الشهادة قذفا وكلامهم لم يقع شهادة. م: (وإذا شهد أربعة على رجل بالزنا فأمر القاضي برجمه فضرب رجل عنقه ثم وجد الشهود عبيدا فعلى القاتل الدية) ش: في ماله م: (وفي القياس يجب القصاص؛ لأنه قتل نفسا معصومة بغير حق. وجه الاستحسان أن القضاء صحيح ظاهرا وقت القتل، فأورث شبهة) ش: كنكاح الفاسد يكون شبهة أسواط الحد. م: (بخلاف ما إذا قتله قبل القضاء) ش: حيث يجب القضاء لعدم الشبهة لأن القضاء هو المورث للشبهة لم يوجد، أشار إليه بقوله م: (لأن الشهادة لم تصر حجة بعد، ولأنه ظنه) ش: عطف على قوله أن القضاء صحيح ظاهر وقت القتل، أي ظن الذي قتله م: (مباح الدم معتمدا على دليل مبيح، فصار كما إذا ظنه حربيا وعليه علامتهم) ش: أي كما إذا ظن المسلم والغازي أو الشخص حربيا، وعليه علامتهم، أي علامة أهل الحرب. فقتله عمدا، ثم ظهر أن المقتول ليس بحربي لا يجب القصاص بشبهة ظنه مباح الدم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 344 ويجب الدية في ماله لأنه عمد، والعواقل لا تعقل العمد، ويجب ذلك في ثلاث سنين؛ لأنه وجب بنفس القتل، وإن رجم ثم وجدوا عبيدا فالدية على بيت المال؛ لأنه امتثل أمر الإمام فنقل فعله إليه، ولو باشره بنفسه يجب الدية في بيت المال لما ذكرنا، وكذا هذا بخلاف ما إذا ضرب عنقه؛ لأنه لم يأتمر بأمره. وإذا شهدوا على رجل بالزنا، وقالوا: تعمدنا النظر قبلت شهادتهم؛ لأنه يباح النظر لهم ضرورة تحمل الشهادة فأشبه الطبيب والقابلة.   [البناية] م: (ويجب الدية في ماله لأنه عمد والعواقل) ش: الجمع جمع عاقلة م: (لا تعقل العمد، ويجب ذلك في ثلاث سنين؛ لأنه وجب بنفس القتل) ش: لا بالإقرار، وكل شيء يجب بنفس القتل تكون الدية في ثلاث سنين. م: (وإن رجم) ش: على بناء الفاعل معطوف على قوله فضرب عنقه، أي وإن رجم ذلك الرجل المذكور المشهود عليه بالزنا بعد قضاء القاضي بالرجم وفي لفظ " المبسوط " الرجم بالحجارة. ولفظ صاحب " الوجيز ": وإن كان هذا الرجل قتله رجما م: (ثم وجدوا) ش: أي الشهود م: (عبيدا فالدية على بيت المال؛ لأنه امتثل أمر الإمام فينقل فعله إليه) ش: أي نقل فعل هذا الذي رجعه إلى الإمام م: (ولو باشره) ش: الإمام الرجم م: (بنفسه يجب الدية في بيت المال لما ذكرنا) ش: عند قوله فيما مضى قبل، وزفه بقوله لأنه انتقل فعل الجلاد القاضي وهو عامل للمسلمين، فيجب الغرامة في مالهم. م: (وكذا هذا) ش: أي كذا حكم هذا، وأشار به إلى فعل الرجم م: (بخلاف ما إذا ضرب عنقه؛ لأنه لم يأتمر بأمره) ش: أي أمر الإمام؛ لأنه أمر بالرجم دون القتل، فلم ينتقل فعله إليه. م: (وإذا شهد أربعة على رجل بالزنا وقالوا تعمدنا النظر) ش: أي إلى فرج الزاني والزانية م: (قبلت شهادتهم) ش: وبه قال الشافعي في المنصوص ومالك وأحمد - رحمهما الله، ولو قالوا تعمدنا النظر للتلذذ لا يقبل إجماعا. وفي " جامع السرخسي " قال بعض العلماء: لا تقبل شهادتهم، وبه قال الإصطخري من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لإقرارهم [ .... ] على أنفسهم، إذ النظر إلى عورة الغير فسق م: (لأنه يباح النظر لهم ضرورة تحمل الشهادة) ش: لأنهم كلفوا على إقامة الشهادة على أنهم رأوه كالميل في المكحلة، والرشاء في البئر، والقلم في المحبرة. م: (فأشبه الطبيب والقابلة) ش: أي أشبه نظر شهود الزنا إلى فرج الزانية لضرورة في ذلك، كما ينظر الطبيب والقابلة إلى الفرج، وهذا لأن الطبيب يجوز أن ينظر موضع العورة لضرورة المداواة، وقال في " خلاصة الفتاوى ": لا يجوز النظر إلى العورة إلا عند الضرورة. وهي الاحتقان والحيان والمداواة والولادة والبكارة في البالغة والرد بالعيب، والمرأة في حق المرأة أولى، وإن لم يوجد ستر ما وراء موضع الضرورة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 345 وإذا شهد أربعة على رجل بالزنا فأنكر الإحصان وله امرأة قد ولدت منه فإنه يرجم، معناه أن ينكر الدخول بعد وجود سائر الشرائط؛ لأن الحكم بثبات النسب منه حكم بالدخول عليه، ولهذا لو طلقها يعقب الرجعة والإحصان يثبت بمثله. فإن لم تكن ولدت منه وشهد عليه بالإحصان رجل وامرأتان رجم، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فالشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مر على أصله أن شهادتهن غير مقبولة في غير الأموال، وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إنه شرط في معنى العلة؛ لأن الجناية تتغلظ عنده، فيضاف الحكم إليه، فأشبه حقيقة العلة، فلا تقبل شهادة النساء فيه احتيالا للدرء، فصار كما إذا شهد ذميان على ذمي زنى عبده المسلم أنه أعتقه قبل الزنا، فلا تقبل لما ذكرنا.   [البناية] [شهد أربعة على رجل بالزنا فأنكر الإحصان وله امرأة قد ولدت منه] م: (وإذا شهد أربعة على رجل بالزنا فأنكر الإحصان وله امرأة قد ولدت منه فإنه يرجم. معناه أن ينكر الدخول بعد وجود سائر الشرائط) ش: أي شرائط الإحصان م: (لأن الحكم بثبات النسب منه حكم بالدخول عليه) ش: أي على الرجل م: (ولهذا) ش: أي ولأجل الحكم بالدخول عليه م: (لو طلقها يعقب الرجعة) ش: أي الطلاق تعقب الرجعة له أن يراجعها بعد الطلاق، والطلاق قبل الدخول لا يعقب الرجعة م: (والإحصان يثبت بمثله) ش: أي بمثل هذا الدليل الذي دل ظاهرا، وفيه شبهة. م: (فإن لم يكن ولدت منه وشهد عليه بالإحصان رجل وامرأتان رجم، خلافا لزفر والشافعي) ش: ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تعالى م: (فالشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مر على أصله أن شهادتهن غير مقبولة في غير الأموال، وزفر يقول إنه) ش: أي الإحصان م: (شرط في معنى العلة) ش: فلا تقبل شهادة النساء فيه؛ لأن شهادة النساء لا مدخل لها في باب الحدود م: (لأن الجناية تتغلظ عنده) ش: بيانه أن علة حد الزنا هو الزنا، لكنه يتغلظ عند وجود الإحصان. ولهذا يجب الرجل الذمي هو أقطع العقوبات فكان الإحصان شرطا في معنى العلة، فلا تقبل شهادتهن على علة الحكم، فلا تقبل أيضا على شرطه وهو الإحصان؛ لأنه في معناها لتغلظ الجناية عنده، وهو معنى قوله لأن الجناية تتغلظ عنده، أي عند زفر أيضا م: (فيضاف الحكم إليه) ش: أي إلى الإحصان م: (فأشبه حقيقة العلة) ش: قال الأكمل: ترتب على ذلك أمران: أحدهما: ما ذكره في الكتاب، وهو قوله: م: (فلا تقبل شهادة النساء فيه) ش: حفيا لا للدرء أي لدفع الحد. والثاني: أن شهود الإحصان إذا رجعوا بعد الرجم يضمنون عنده؛ لأن شهود العلة يضمنون بالرجوع بالاتفاق. م: (فصار كما إذا شهد ذميان على ذمي زنى عبده المسلم أنه أعتقه قبل الزنا فلا تقبل) ش: يعني أن الزاني لو كان مملوكا لذمي، وهو مسلم فشهد شاهدان ذميان أنه، أي أن مولاه الذي أعتقه قبل الزنا لم يرجم م: (لما ذكرنا) ش: أي لأن الإحصان شرط في معنى بعلة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 346 ولنا أن الإحصان عبارة عن الخصال الحميدة، وأنها مانعة من الزنا على ما ذكرنا، فلا يكون في معنى العلة، وصار كما إذا شهدوا به في غير هذه الحالة، بخلاف ما ذكر؛ لأن العتق يثبت بشهادتهما، وإنما لا يثبت بسبق التاريخ؛ لأنه ينكره المسلم أو يتضرر به المسلم، فإن رجع شهود الإحصان لا يضمنون عندنا، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو فرع ما تقدم   [البناية] م: (ولنا أن الإحصان عبارة عن الخصال الحميدة) ش: بعضها ليس في موضع كالحرية والعقل وبعضها فرض عليه كالإسلام، وبعضها مندوب إليه كالنكاح الصحيح والدخول بالمنكوحة م: (وإنها) ش: أي وإن الخصال الحميدة م: (مانعة من الزنا، فلا تكون في معنى العلة، وهذا كما إذا شهدوا به) ش: أي بالإحصان م: (في غير هذه الحالة) ش: أراد بهذه الحالة ما بعد الزنا. قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعني لو شهد رجل وامرأتان أن فلانا تزوج هذه المرأة ودخل بها قبلت شهادتهم، فكذلك هاهنا. م: (بخلاف ما ذكر) ش: أي بخلاف ما ذكر زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - بشهادة الذمية على ذمي أنه أعتق عبده قبل الزنا م: (لأن العتق يثبت بشهادتهما) ش: أي بشهادة الذميين م: (وإنما لا يثبت بسبق التاريخ) ش: يعني يثبت العتق، لكن لا يثبت سابقا على الزنا م: (لأنه ينكره المسلم) ش: أي لأن سبق التاريخ ينكر المسلم لا يثبت شهادة الكافر بل الذمية، ولأن المسلم يتصور سبق التاريخ من حيث تغليظ العقوبة عليه، فلا يجوز أن يتضرر المسلم بشهادة الكفار. كذا في " المبسوط " وهو معنى قوله م: (أو يتضرر به المسلم) ش: أما شهادة النساء في غير الحدود مقبولة وإن تضرر به المسلم. م: (فإن رجع شهود الإحصان لا يضمنون عندنا، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ضمان شهود الإحصان ثلاثة أوجه: أحدها: لا ضمان عليهم، وهو قولنا. والثاني: يحنث [ .... ] وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والثالث: إذا رجعوا مع الشهود على الزنا إن شهدوا بالإحصان قبل ثبوت الزنا لم يضمنوا، وإن شهدوا بعد ثبوت الزنا ضمنوا. وفي قدر ما يضمنون من الدية وجهان. وجه: يضمنون بضمان الدية، الثاني: ثلث الدية، كذا في " الحلية ". م: (وهو فرع ما تقدم) ش: أي عدم الضمان عليه شهود الإحصان عندنا إذا رجعوا ووجوب الضمان عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيان على ما قلنا إنه في معنى العلة عنده، وشرط محصن عندنا لا يتعلق به الوجود، بل هو علامة معرفة حكم الزنا الصادر بعد. فروع: وفي الإحصان يكفي الشهود أن يقولوا أدخل بها زوجها. وقال محمد -رحمه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 347 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الله لا بد أن يقولوا جامعها أو باضعها، كذا في التأمل. وكذا لو أنكر الإحصان بعد ثبوت الزنا فشهد أنه تزوج بامرأة ودخل بها ثبت إحصانه حتى يرجم، كما لو قال وطئها أو جامعها عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله، وبه قالت الثلاثة. وقال محمد: لا يثبت إحصانه فلا يرجم، كما لو شهد أنه أقر بها أو أتاها. ولو شهد أربعة أنه زنى بامرأة وأربعة أخرى مرة أخرى فرجم ورجع الفريقان ضمنوا ديته بالإجماع وحدوا للقذف عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وبه قال أحمد: وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحدون، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ولو شهدوا على الزنا وأقره مرة به حد عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبه قالت الأئمة الثلاثة؛ لأن البينة وقعت معتبرة، فلا تبطل بالإقرار، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله لا يحد، وهو الأصح. وإذا أقر أربع مرات لا يحد عندنا، خلافا للشافعي ومالك وأحمد - رحمهما الله، فإن عندهم يحد القاضي إذا أمر بالرجم أو بالجلد هل يسعى مع ممن لم يعاين الشهادة أو سبب وجوب الرجم أو الجلد، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله يسعى، وعند محمد لا يسعى لمن لم يشاءها، وأفتى فقهاؤنا وراءهم بقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لعلة الفساد على القضاء، فلا يؤمنون على الخصوص في الحدود التي تندرئ بالشبهات، وقد فصل بعض المشايخ في ذلك، فقال القضاة أربعة: عالم عادل، وهذا واجب الطاعة، فيجب الائتمار. وعادل: وهذا يسأل عن كيفية ثبوت ما ثبت عنده، فإذا أخبر بما يوافق الشرع قبل قوله وعمل به. وظالم عالم، وظالم جاهل. وهذان لا يقبل قولهما، ولا يلتفت إليهما. وقيل يسأل الثالث عن ثبوت الحكم عنده، فإن وافق مقتضى عمله عمل به، وإن ظهر فيه أنه ظلمه ترك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 348 باب حد الشرب ومن شرب الخمر فأخذ وريحها موجودة أو جاءوا به سكران، فشهد الشهود عليه بذلك، فعليه الحد، وكذلك إذا أقر وريحها موجودة؛ لأن جناية الشرب قد ظهرت ولم يتقادم العهد. والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ومن شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه» .   [البناية] [باب حد الشرب] [حكم حد الشرب] (حد الشرب) ش: أي هذا باب في بيان حكم حد الشرب. قدم حد الزنا على الشرب لما أن دعاء الطبع إلى الزنا أكثر عند فرط الشبق، ولهذا ضربه أشد من ضرب الشرب. وفي الزنا قتل النفس، وفي شرب الخمر فوات العقل. وكأن العقل كالتابع للنفس، وأخرج القذف عن حد الشرب لأن الجريمة في الشارب دون القاذف، لأنه يحتمل أنه صدق في القذف بأن كان المقذوف زانيا، ولهذا كان حد القذف أحق من الجميع، وتأخير حد السرقة لما أنه شرع لصيانة الأموال، والمال تبع. م: (ومن شرب الخمر فأخذ وريحها موجودة) ش: أي والحال أن ريح الخمر موجودة في فيه م: (أو جاءوا به سكران) ش: أي جاءوا به إلى مجلس القاضي حال كونه سكران م: (فشهد الشهود عليه بذلك) ش: أي بشرب الخمر م: (فعليه الحد، وكذا إذا أقر) ش: أن يشرب الخمر م: (وريحها موجودة) ش: أي والحال أن ريحها موجودة في فيه، ذكره حين الريح بالتأنيث. لأن الريح من الأسماء المذكرة السماعية م: (لأن جناية الشرب قد ظهرت ولم يتقادم العهد) ش: أي والحال أن العهد لم يتقادم في الحدود إلا في حد القذف مانع عن قبول الشهادة بالاتفاق على ما يأتي الآن. م: (والأصل فيه) ش: أي في هذا الباب م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «ومن شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه» هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أخرج حديثه أصحاب السنن إلا الترمذي عن أبي سلمة عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه ثم إن سكر فاجلدوه فإن عاد الرابعة فاقتلوه» ، ورواه ابن حبان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " صحيحه "، وقال معناه إذا استحل ولم يقبل التحريم، ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وعن معاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجوه إلا النسائي عن أبي صالح عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من شرب الخمر فاجلدوه» . الحديث. وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرج حديثه أبو داود قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه، وقال في الخامسة «إن شربها فاقتلوه» ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 349 فإن أقر بعد ذهاب رائحتها لم يحد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحد، وكذلك إذا شهدوا عليه بعدما ذهب ريحها عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحد، فالتقادم يمنع قبول الشهادة بالاتفاق، غير أنه مقدر بزمان عنده اعتبارا بحد الزنا، وهذا لأن التأخير يتحقق بمضي الزمان، والرائحة قد تكون من غيره كما قيل شعر: يقولون لي إنكه شربت مدامة ... فقلت لهم لا, بل أكلت السفرجلا   [البناية] وعن قبيصة ابن ذؤيب أخرج حديثه أبو داواد عنه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه، فأتي برجل قد شرب فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، ورفع القتل، وكانت رخصة» وفي صحبة قبيصة خلاف. وعن جابر أخرج حديثه النسائي مرفوعا: «من شرب الخمر فاجلدوه» . إلى آخره وعن عبد الله بن عمر وأخرج حديثه الحاكم في المستدرك مرفوعا نحوه. وعن جرير أخرج حديثه الحاكم أيضا مرفوعا نحوه. وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الطبراني في " معجمه ". [أقر بعد ذهاب رائحة الخمرهل يحد] م: (فإن أقر بعد ذهاب رائحتها لم يحد عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحد) ش: وبه قالت الثلاثة م: (وكذلك إذا شهدوا عليه بعدما ذهب ريحها عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحد، فالتقادم يمنع قبول الشهادة بالاتفاق، غير أنه مقدر بالزمان عنده) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (اعتبارا بحد الزنا) ش: فقدر بشهر؛ لأن ما دونه قريب. م: (وهذا) ش: بمعنى تقدير الزمان م: (لأن التأخير يتحقق بمضي الزمان) ش: ولا بد من تقدير زمان، أما إن ذلك بستة أشهر أو شهر واحد، فعلم في موضع آخر. م: (والرائحة قد تكون من غيره) ش: أي من غير شرب الخمر؛ م: كما قيل شعر: يقولون لي إنكه شربت مدامة ... فقلت لهم لا, بل أكلت السفرجلا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 350 وعندهما يقدر بزوال الرائحة، لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه فإن وجدتم رائحة الخمر فاجلدوه   [البناية] ش: يروى الثبت بكلمة قد شربت، وهي رواية المطرزي في " المغرب "، وبدونها وهي رواية الفقهاء، فعلى الأول تسقط همزة الوصل من إنكه في اللفظ، وعن الثاني تحرك بالكسر بضرورة الشعر، ولا تسقط. ويجوز تحريك همزة الوصل في الجود والإنصاب. قوله إنكه بكسر الهمزة وسكون النون وفتح الكاف وسكون الهاء، هو أمر من نكه ينكه بأمره بأن ينكه ليعلم أنه شارب هو أو غير شارب، وأصله من النكهة، وهي ريح الفم، ونكهته إذا قسمت شممت يحد. قال الجوهري: واستنكه الرجل نكهة في وجهين نكه ينكه نكها إذا أمره أن ينكه ليعلم أنه شارب أو غير شارب، وكلامه يدل على أنه يأتي من باب منع يمنع، ومن باب ضرب، وهو يتعدى ولا يتعدى، والمدامة اسم من أسماء الخمر. وقال الأترازي: والمدامة بمعنى المدام، وهو الخمر. قلت: لا يحتاج أن يقال بمعنى الخمر؛ لأن كليهما من أسماء الخمر. م: (وعندهما) ش: أي وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله م: (يقدر) ش: أي التقادم م: (بزوال الرائحة لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه، فإن وجدتم رائحة الخمر فاجلدوه) ش: هذا عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غريب بهذا اللفظ. وروى عبد الرزاق في " مصنفه " ففعلوا ثم عاد به من الغد ودعا بسوط ثم أمر بثمرته فدقت بين حجرين حتى صارت درة، ثم قال: للجلاد اجلد وارفع يدك وأعط كل عضو حقه. وعن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أتى بسكران قال: ترتروه واستنكهوه ومزمزوه، ففعلوا ثم عاد به من العدو ودعا بسوط ثم أمر بخرقة فدقت بين حجرين حتى صارت درة، ثم قال للجلاد: اجلد وارفع يدك وأعط كل عضو حقه. قوله: ترتروه أمر من الترترة بتاءين مثناتين من فوق، وهي التحريك، وكذلك مزمزوه أمر من المزمزة بزاءين معجمتين، قال: صاحب " المغرب " الترترة التثلثة، والمزمزة التحريك الشديد. قوله استنكهوه، أمر من الاستنكاه، وهو طلب النكهة، وهي رائحة الفم، وقد مر الكلام فيه آنفا. وقال أبو عبيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنكر بعض أهل العلم هذا الحديث؛ لأن الأصل في الحدود إذا جاء صاحبها مقرا بها الرد والإعراض، وعدم التقصي احتمال للدرء كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 351 ولأن قيام الأثر من أقوى دلالة على القرب، وإنما يصار إلى التقدير بالزمان عند تعذر اعتباره، والتمييز بين الروائح ممكن للمستدل، وإنما يشتبه على الجهال، وأما الإقرار فالتقادم لا يبطله عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما في حد الزنا على ما مر تقريره، وعندهما لا يقام الحد إلا عند قيام الرائحة؛ لأن حد الشرب ثبت بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولا إجماع إلا برأي ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد شرط قيام الرائحة على ما روينا   [البناية] حتى أقر ماعز، فكيف يأمر ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بالتثلثة والترترة والاستنكاه، حتى يظهر سكره، فلو صح فتأويله أنه جاء رجل مولع بالشرب مدمن، فاستجازه كذلك، انتهى. قلت: ليس في حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أتي به وهو مقر حتى يضعف هذا بذاك، وإنما أتى به وهو سكران، فقال: ترتروه إلى آخره ليعلم أنه سكران أم لا؟. م: (ولأن قيام الأثر) ش: أي أثر الخمر م: (من أقوى دلالة على القرب) ش: أي على قرب العهد م: (وإنما يصار إلى التقدير بالزمان عند تعذر اعتباره) ش: أي اعتبار الأثر م: (والتمييز بين الروائح ممكن للمستدل) ش: هذا جواب عن قوله والرائحة قد تكون من غيره م: (وإنما يشتبه) ش: أي الأثر م: (على الجهال) ش: بضم الجيم وتشديد الهاء جمع جاهل، وأراد بالجهال الذين لا يميزون الروائح م: (وأما الإقرار فالتقادم لا يبطله عند محمد كما في حد الزنا على ما مر تقريره) ش: أن الإنسان لا يكون متهما بالنسبة إلى نفسه. م: (وعندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله م: (لا يقام الحد إلا عند قيام الرائحة؛ لأن حد الشرب ثبت بإجماع الصحابة، ولا إجماع إلا برأي ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو وقد شرط) ش: أي ابن مسعود م: (قيام الرائحة على ما روينا) ش: بمعنى قوله فإن وجدتم رائحة الخمر فاجلدوه. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيه نظر؛ لأن الإجماع عقد على ثبوت حد الشرب باتفاق ابن مسعود. ولكن لا دليل على أن الشرط الذي شرطه ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو قيام الرائحة أجمع عليه الباقون. وأيضا كلام ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شرطية، والشرطية الوجود تقيد الوجود عند الوجود لا غير. وجواب الإمام فخر الإسلام: بأن العدم عند العدم ليس من مفهوم الشرط، بل انتفاء الجمع عليه مدفوع بما ذكرنا أولا. وأيضا ذكر في أول الباب أنه ثابت بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - من شرب الخمر فاجلدوه، انتهى كلامه. قلت: قوله ولا كذلك لا دليل على مجرد النفي، وهو لا ينافي الضمان الدليل قوله يقيد الوجوب عند الوجود لا غير، يعني لا يوجب العدم عند عدمه، فلهذا يجب الحد عند وجود الجزء: 6 ¦ الصفحة: 352 فإن أخذها الشهود وريحها يوجد منه أو هو سكران، فذهبوا به من مصر إلى مصر فيه الإمام فانقطع ذلك قبل أن ينتهوا به حد في قولهم جميعا؛ لأن هذا عذر كبعد المسافة في حد الزنا والشاهد لا يتهم به في مثله. ومن سكر من النبيذ حد   [البناية] الرائحة، ولا ينعدم عند عدمها. قلت: عدم الحكم عند عدم الرائحة، باعتبار أن عدم الشرط أوجب عدم الحكم، بل لعدم الإجماع على الحد على ذلك التقدير؛ لأن إجماعهم لا يصح بدون رأي ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهو لم ير الحد عند انقطاع الرائحة. فإن قلت: إن لم يوجد الإجماع فقد وجد النص، وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «من شرب الخمر فاجلدوه» وليس فيه اشتراط الرائحة. قلت: قد خص منه الشرب اضطرارا أو إكراها، فتمكنت الشبهة، فلا يصح إيجاب الحرية قوله وهما متنافيين. قلت: الحديث من قبل الآحاد، ولمثله لا يثبت الحد، والإجماع حجة قطعية، فيثبت به. م: (فإن أخذه الشهود وريحها يوجد منه، أو هو سكران فذهبوا به من مصر إلى مصر فيه الإمام، فانقطع ذلك قبل أن ينتهوا به) ش: بهذا السكران، أي انقطع ريح الخمر قبل أن يشهد بهذا السكران إلى الإمام م: (حد في قولهم) ش: أي قول أئمتنا الثلاثة م: (جميعا) ش: يعني بلا خلاف بينهم؛ لأن زوال الرائحة بالعذر لا يضر، وفي " المحيط " كما لو زالت الرائحة بالمعالجة، والأصل فيه قوما شهدوا عند عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على عقبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بشرب الخمر وهو كان بالكوفة، فحمله عثمان إلى المدينة وأقام عليه الحد: م: (لأن هذا عذر كبعد المسافة في حد الزنا، والشاهد لا يتهم به في مثله) ش: يعني في صورة زوال الرائحة بالعذر. [من سكر من النبيذ] م: (ومن سكر من النبيذ حد) ش: النبيذ على وزن فعيل بمعنى مفعول، وهو الذي يعمل من الأشربة من التمر والنبيذ والعسل والحنطة والشعير والذرة والأرز، ونحو ذلك من نبذت التمر إذا ألقيت على غلبته الماء لتخرج على حلاوته البتة. وسواء كان مسكرا أو غير مسكر، فإنه يقال له نبيذ، ويقال للمعتصر من العنب نبيذ الماء، يقال للنبيذ خمر وما يتخذ من الزبيب شيئان نقيع ونبيذ، فالنقيع أن ينقع الزبيب في الماء ويترك أياما لتخرج حلاوته إلى الماء، ثم يطبخ أدنى طبخة، فما دام حلوا يحل شربه، وإذا غلا واشتد وقذف بالزبد يحرم. وأما النبيذ فهي التي من ماء الزبيب إذا طبخ أدنى طبخة يحل به مادام حلوا، وإذا غلا واشتد وقذف الزبد عليه على قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله الآخر يحل شربه ما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 353 لما روي أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أقام الحد على أعرابي سكر من النبيذ، وسنبين الكلام في حد السكر ومقدار حده المستحق عليه إن شاء الله تعالى، ولا حد على من وجد منه رائحة الخمر أو تقيأها؛ لأن الرائحة محتملة   [البناية] دون السكر. وعند محمد والشافعي - رحمهما الله لا يحل وما يتخذ من التمر ثلاثة السكر والنضيخ والنبيذ، فالنبيذ هو ماء التمر إذا طبخ أدنى طبخة يحل شربه في قولهم ما دام حلوا وإذا غلا واشتد وقذف بالزبد، عن أبي حنيفة وأبي يوسف يحل شربه للتداوي والتقوي إلا المعدي السكر. وقال محمد والشافعي - رحمهما الله لا يحل. وإنما قال: ومن سكر من النبيذ قيد بالسكر فيه؛ لأنه شرط بخلاف الخمر. فإنه يجب بشرب قطرة منها بدون السكر بالإجماع، والحد في غير الخمر لا يجب إلا بالسكر، وبه قال النخعي وأبو وائل. وقال مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي والحسن وقتادة وعمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يحل في قليله وكثيره كالخمر والسكر ليس بشرب إذا كان هو المسكر. م: (لما روي أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أقام الحد على أعرابي سكر من النبيذ) ش: هذا أخرجه الدارقطني في " سننه " عن سعيد بن ذي لعوة أن أعرابيا شرب من إداوة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نبيذا فسكر فضربه عمر الحد، قال الدارقطني: هذا لا يثبت، ورواه العقيلي في كتابه وزاد فيه: فقال الأعرابي: إنما شربته من إداوتك، فقال عمر: إنما جلدناك على السكر، وأعله بسعيد بن ذي لعوة وهو مجهول. قال: وأسند تضعيفه عن البخاري، وقال في " التنقيح ": سعيد هذا مجهول. فإن قلت: قوله حد غير معلوم ما هو من حيث الكمية. قلت: وعد بيانه بقوله م: (وسنبين الكلام في حد السكر ومقدار حده المستحق عليه إن شاء الله تعالى) ش: ويأتي بيانه في هذا الباب عن قريب. [من وجد منه رائحة الخمر أو تقيأها] م: (ولا حد على من وجد منه رائحة الخمر أو تقيأها) ش: أي تقيأ الخمر م: (لأن الرائحة) ش: قال الأترازي: يرد عليه تعليله هذا إشكال؛ لأنه قال قبل هذا والتمييز بين الروائح ممكن للمستدلة قطع الإجماع أن الاحتمال هنا سكر. ثم قال: وتكلف بعضهم في توجيه ذلك، فقال الاحتمال في نفس الروائح قبل الاستدلال والاحتمال، كمن لم يعاينه والتمييز بعد الاستدلال على وجه الاستقصار. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 354 وكذا الشرب قد يقع عن إكراه واضطرار. فلا يحد السكران حتى يعلم أنه سكر من النبيذ وشربه طوعا؛ لأن السكر من المباح لا يوجب الحد كالبنج ولبن الرماك   [البناية] وقال أيضا: والتمييز ممكن لمن عاين الشرب والإكمال لمن لم يعاينه، وفيه نظر؛ لأن من عاين الشرب بنى الأمر على عيان وتعين لا على استدلال ويجيء. وتخمين صاحب " الهداية " ثبت التمييز في صورة الاستدلال لا صورة العيان، فقد وقع. إذ كلام هذا الشارح عن [ .... ] ، انتهى. قلت: أراد بقوله وتكلف بعضهم فإنه كذا ذكره في شرحه والأكمل أيضا أخذ كلامه هذا، وذكره في شرحه وذكر الجوابين واستحسن الجواب الثاني. وقال في وجه حسنه لاشتماله على تغير تفسير المستدل. فإنه يدل على أن المستدل هو من معه دليل، وهو معاينة الشرب، والجاهل هو من ليس معه ذلك، ثم قال: ويجوز أن يكون قوله لأن الرائحة م: (محتملة) ش: على مذهب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وكذا الشرب قد يقع عن إكراه واضطرار) ش: على قولهما، فلا يلزم بشيء، وحديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حجة أيضا، فإنه لم يحده بوجود الرائحة، ولا يثبت بمثله الحد كالبنج ولبن الرماك، وبه قالت الثلاثة. وفي " النهاية " وهو مخالف لما ذكر الإمام المحبوبي في " جامعه "، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن من زال عقله بالبنج إن علم أنه بنج فحينئذ لا يقع طلاقه وعتاقه، وإن لم يعلم يقع، ثم قال: والسكر من هذه الأشربة، وأشار إلى الأشربة المتخذة من الحبوب كالحنطة والشعير والذرة والشهد والعسل والفرصاد وغيرهما حرام بالإجماع؛ لأن السكر من البنج حرام لأنه مأكول غير مشروب، فمن المشروب أول بعض المشايخ، قالوا في زماننا الفتوى على ما إذا سكر من البنج يقع طلاقه ويحد [ .... ] لغو هذا الفصل فيما بين الناس. م: (فلا يحد السكران حتى يعلم أنه سكر من النبيذ وشربه طوعا؛ لأن السكر من المباح لا يوجب الحد كالبنج ولبن الرماك) ش: هذا مخالف لما ذكره المحبوب من قوله؛ لأن السكر من البنج حرام مع أنه مأكول غير مشروب، وقد ذكرناه الآن بما فيه الكفاية. وقال الأكمل: هذا ليس بصحيح؛ لأن رواية المحبوبي تدل على أن السكر الحاصل من البنج حرام لا على أن البنج حرام. وكلام المصنف يدل على أن البنج مباح، ولا يأتي بينهما، انتهى. قلت: فيما قاله تقوية لمن يولع بالبنج، وفيه من الفساد مالا يخفى. وقال في أشربته الجزء: 6 ¦ الصفحة: 355 وكذا شرب المكره لا يوجب الحد ولا يحد حتى يزول عنه السكر تحصيلا لمقصود الانزجار، وحد الخمر والسكر في الحر ثمانون سوطا لإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يفرق على بدنه، كما في حد الزنا على ما مر، ثم يجرد في المشهور من الرواية.   [البناية] الخاصة وشرب البنج للتدواي، ولا بأس به فإن ذهبت بعقله لم يحل، وإن سكر منه لم يحد عندهما، خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: ينبغي اليوم أن يفتى بقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قطعا لمادة الفساد. م: [الإكراه يدرأ الحد] (وكذا شرب المكره شرب المكره لا يوجب الحد) ش: لعدم اختياره م: (ولا يحد حتى يزول عنه السكر تحصيلا لمقصود الانزجار) . ش: لأنه إذا حد في حال السكر لا يجيء بألم الحد، حتى يؤيده ما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه جلس سكران إلى حين يصح، فلما صح حده وبه قالت الأئمة الثلاثة. م: (وحد الخمر والسكر في الحر ثمانون سوطا) ش: أي حد الخمر كيف ما شربها قليلا كان أو كثيرا بعد أن كان عن طوع سكر أو لم ينكر بسكر، ولو شرب قطرة وحد السكر بضم السين، وفي غير الخمر ثمانون سوطا، والحد في الخمر غير موقوف على السكر بالإجماع، وفي غيرها من السكران موقوف على السكر عندنا، خلافا للأئمة الثلاثة على ما يجيء في الأشربة إن شاء الله تعالى م: (لإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أي على الثمانين. وروى البخاري في " صحيحه " من حديث السائب بن يزيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال: كنا نؤتي بالشارب على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإمرة أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وصدرا من خلافة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فجلد أربعين، حتى إذ عتو وسقوا جلد ثمانين ولا ينكر أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جلد ثمانين بحضرة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم ينكر عليه أحد منهم فحمل الإجماع. به قال مالك وأحمد - رحمهما الله في رواية واختارهم ابن المنذر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله في رواية أربعون، فلو ضرب قريبا من ذلك بأطراف الثياب والنعال. كفى على أصح الوجهين عنه ولو رأى الإمام أن يجلده ثمانين جاز على الظهر. م: (يفرق على بدنه) ش: أي يفرق الثمانون على بدنه م: (كما في حد الزنا على ما مر) ش: في فصل كيفية الحد م: (ثم يجرد في المشهور من الرواية) ش: أي ثم يجرد المحدود عن ثيابه في جميع الحدود والتعزير إلا الإزار احترازا عن كشف العورة إلا حد القذف، فإنه يضرب، وعليه ثيابه إلا الحشو والفرو، فإن ذلك ينزع، وسيجيء بيانه في بابه إن شاء الله تعالى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 356 وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجرد إظهارا للتخفيف؛ لأنه لم يرد به نص، ووجه المشهور أنا أظهرنا التخفيف مرة، فلا يعتبر ثانيا، وإن كان عبدا فحده أربعون سوطا؛ لأن الرق منصف على ما عرف ومن أقر بشرب الخمر والسكر   [البناية] م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجرد إظهارا للتخفيف؛ لأنه لم يرد به نص) ش: أي لعدم ورود النص بذلك. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال بعضهم في شرحه، أي نص قاطع فيه نظر؛ لأنه لا حاجة إلى التقييد بالقطع؛ لأنه لم يرد بالتحرير نص أصلا في كتب الحديث. قلت: أراد بقوله قال بعضهم الكاكي فإنه قال: لم يثبت بالنص؛ لأنه لم يرد به النص القاطع، كذا قيل، وهو أيضا به إلى غيره، وأما الأكمل فإنه قال: يرد به نص، أي بالحد نص قاطع أو بالتجريد نص، وبقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قالت الثلاثة. م: (وجه المشهور) ش: أي من الرواية م: (أنا أظهرنا التخفيف مرة) ش: يعني من حيث العد، حيث لم يجعله مائة كما في الزنا م: (فلا يعتبر ثانيا) ش: من حيث الصفة بترك التجريد. وقال الأكمل فيه بحث من وجهين الأول أنه ليس لأحد المجتهدين التصرف في المقدرات الشرعية، والثاني أن الثمانين تغليظ لا تخفيف؛ لأنه روي أنهم ضربوا في زمان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالأكمام وبالأيدي وغير ذلك، ثم جلد أربعين، فالتقدير بعد ذلك تغليظ لا تخفيف. والجواب أن قوله إنا أظهرنا للتخفيف، هذا كلام عن السلف المجتمعين، والتخفيف إنما هو باعتبار أن الله تعالى جاز له أن يقدر حد الشرب مائة كحد الزنا، إذ هو الفاعل المختار، وحيث لم ينص على مقدار معين كان تخفيفا منه، ولما جعله الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بحد من أظهر التخفيف، فلم يقدروا، انتهى. وأما من أظهر التخفيف الذي كان ثانيا بترك التنصيص، وإليه أشار بقوله درءا لطائفة. [حد العبد] م: (وإن كان) ش: أي المحدود م: (عبدا فحده أربعون سوطا؛ لأن الرق) ش: أظهرنا التخفيف [ ... ] درءا لطائفة، وإن كان م: (أي المحدود التخفيف) ش: عبد يحده أربعون؛ لأن الرق م: (منصف على ما عرف) ش: في فصل كيفية الحد وإقامته. وقال الأترازي: على ما عرف، أي في أصول الفقه م: (ومن أقر بشرب الخمر والسكر) ش: بفتحتين هو بنقع التمر إذا غلا ولم يطبخ، كذا فسره الناطفي في " الأجناس " وقال في الخمر السكر كل شراب أسكر. وقال في " ديوان الأدب ": السكر خمر النبيذ. وقال في " المجمل " السكر شراب. وقال في " المغرب " السكر عصير الرطب، والمراد هنا ما ذكر الناطفي، وإنما خصه بالذكر مع أن الحكم سائر الأشربة كذلك، حيث يصح رجوعه؛ لأن السكر كان الغالب في بلادهم. قال الأترازي: ولا يروى السكر بضم السين؛ لأن شرب الخمر محال، اللهم إلا إذا قيل إنه معطوف على الشرب لا على الخمر، على أن معنى أقر بشرب الخمر أو أقر بالسكر فذلك صحيح من حيث العربية، لكن إلا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 357 ثم رجع لم يحد؛ لأنه خالص حق الله تعالى، ويثبت الشرب بشهادة شاهدين، ويثبت بالإقرار مرة واحدة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يشترط الإقرار مرتين، وهو نظير الاختلاف في السرقة، وسنبينها هناك إن شاء الله تعالى. م: ولا يقبل فيه شهادة النساء مع الرجال؛ لأن فيها شبهة البدلية وتهمة الضلال والنسيان.   [البناية] السماع لم يقع إلا على الأول ولكن الإقرار بالسكر لا يخلو إما أن يكون بعد زوال السكر، أو حال السكر، فالأول لا يجوز للتقادم. والثاني أيضا لا يجوز؛ لأن السكر لا يحل يحد بإقرار وهي مسألة آخر الكتاب. ورأيت في نسخة العلامة البرهاني - رَحِمَهُ اللَّهُ - بفتحتين. وكتب نسخة بخط شيخي وكتب على الحاشية، والرواية الصحيحة في الكتب السكر بفتح السين. ويروى بضم السين، ثم قال هكذا أفادني شيخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ثم رجع لا يحد؛ لأنه خالص حق الله تعالى) ش: لأنه لا يكذب له في الرجوع، وهو خالص حق الله تعالى، فصار كالرجوع في الإقرار بالزنا م: (ويثبت الشرب بشهادة شاهدين، ويثبت بالإقرار مرة واحدة) ش: وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وعامة أهل العلم. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه يشترط الإقرار مرتين) ش: في مجلسين اعتبارا لعدم الإقرار بعد المشهود م: (وهو نظير الاختلاف في السرقة، وسنبينها هناك إن شاء الله تعالى) ش: أي سنبين هذه المسألة في السرقة إن شاء الله تعالى [شهادة النساء في حد الشرب] (ولا يقبل فيه) ش: أي في حد الشرب م: (شهادة النساء مع الرجال) ش: ولا نعلم فيه خلافا. م: (لأن فيها) ش: أي في شهادة النساء مع الرجال م: (شبهة البدلية وتهمة الضلال والنسيان) ش: ذكر هذه الأشياء الثلاثة إشارة إلى ما في قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] (البقرة الآية 282) إلى قوله: {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282] ، من رجالكم أي من أهل ملتكم. أما شبهة البدلية، فلأن الله تعالى أثبت شهادتين مع الرجال عند عدم محض الرجال وما يكون عند عدم شيء آخر يكون كالبدل عنه، كما في التيمم والوضوء والماء. قال: شبهة البدلية دون حقيقة البدلية؛ لأن شهادة النساء في المواضع التي جازت شهادتين يجوز من غير ضرورة العجز عن إشهاد الرجال، بخلاف سائر الأبدال. وأما تهمة الضلال فلأن الله تعالى قال: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} [البقرة: 282] (البقرة الآية 282) أي: أن لا تصدق إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى، أن لا تهتدي إحداهما للشهادة، ومن ضل الطريق إذا لم يهتد إليه، فتذكر الأخرى. وأما النسيان فيؤخذ من تذكير إحداهما الأخرى. وفي التفسير: " الضلال ": النسيان، فالمعنى على هذا من أضل، أي تضل إحداهما الشهادة، أي تنسى فتذكرها الأخرى، فعلى هذا يكون قوله: والنسيان بالعطف على الضلال عطف تفسير، كذا قاله شيخي العلامة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 358 والسكران الذي يحد هو الذي لا يعقل منطقا لا قليلا ولا كثيرا، ولا يعقل الرجل من المرأة، وقال العبد الضعيف: وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: هو الذي يهذي ويختلط كلامه؛ لأنه هو السكران في العرف، وإليه مال أكثر المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.   [البناية] فإذا كان كذلك صارت البدلية والنسيان شبهة، فلم يسمع شهادتين في باب الحدود؛ لأنها تندرئ بالشبهات كالشهادة لا تسمع في باب الحدود، يؤيده ما روي عن الزهري أنه قال: مضت السنة من لدن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والخليفتين من بعده أن لا شهادة للنساء في باب الحدود والقصاص. [صفة السكران الذي يحد] م: (والسكران الذي يحد هو الذي لا يعقل منطقا) ش: قال الجوهري: المنطق الكلام، وقد نطق منطقا وأنطقه غيره م: (لا قليلا ولا كثيرا) ش: أي: لا منطقا قليلا ولا منطقا كثيرا م: (ولا يعقل الرجل من المرأة) ش: وفي الفوائد الظهيرية: ولا يعرف الأرض من السماء. م: (وقال العبد الضعيف) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهذا) ش: أي المذكور في حد السكران م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: إنما بين الخلاف بقوله لأن المذكور أولا من مسائل " الجامع الصغير " ولم يذكر فيه الخلاف. م: (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (هو) ش: أي السكران م: (الذي يهذي) ش: بفتح الياء وسكون الهاء وكسر الذال المعجمة. قال الجوهري: هذا في منطقه يهذي ويهذو هذوا وهذيا. قلت: الهذيان كلام محيط مختلط من غير أن يفيد شيئا م: (ويخلط كلامه) ش: يصلح أن يكون تفسيرا مميزا لقوله: يهذي م: (لأنه) ش: أي لأن الهذي يهذي ويخلط كلامه م: (هو السكران في العرف) ش: أي في عرف الناس وعادتهم، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وإن كان نصف كلامه هذيانا، ونصفه مستقيما فليس بسكران م: (وإليه) ش: أي إلى قولهما م: (مال أكثر المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: كذا في " المبسوط " واختاره للفتوى. وعن بشر بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: سألت أبا يوسف: من السكران الذي عليه الحد؟ قال: يستقرأ أن يقرأ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ولا يقدر عليه. فقلت له: غير هذه السورة، وربما أخطأ فيه الصاحي، قال: لأن الله تعالى بين الذي عجز عن قراءة هذه السورة سكران؛ لأن واحد من الصحابة صلى بالناس قبل تحريم الخمر وكان سكران، وقرأ هذه السورة، بخلاف ما أنزلت، فنزل قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] (النساء: الآية 43) ، فثبت أنه إذا عجز عن قراءة هذه السورة عرف أنه سكران. كذا ذكره الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -، يدل عليه ما حدثه الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " جامعه " بإسناده إلى [أبي سلمة بن] عبد الرحمن السلمي «عن علي بن أبي طالب رضي الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 359 وله أنه يؤخذ في أسباب الحدود بأقصاها درءا للحد، ونهاية السكر أن يغلب السرور على العقل فيسلبه التمييز بين شيء وشيء وما دون ذلك لا يعرى عن شبهة الصحو، والمعتبر في القدح المسكر في حق الحرمة ما قالاه بالإجماع أخذا بالاحتياط.   [البناية] عنه - قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طعاما، فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 2] ونحن نعبد ما تعبدون. قال فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] » (النساء: الآية43) . وقال الكاكي: وحكي أن أئمة بلخ اتفقوا على استقراء هذه السورة، ثم إن بعض الشرطة أتى بسكران إلى أمير بلخ، فأمر الأمير أن يقرأ هذه السورة، فقال السكران له: اقرأ أنت سورة الفاتحة، فلما قال الأمير: الحمد لله، قال السكران: قف أخطأت من وجهين. أحدهما: أنك تركت التعوذ عند افتتاح القراءة. والثاني: تركت التسمية وهي آية من أول الفاتحة عند بعض الأئمة والقراء، فخجل الأمير وجعل يضرب الشرطي ويقول له: أمرتك أن تأتيني بسكران فأتيتني بمقرئ بلخ. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه يؤخذ في أسباب الحدود بأقصاها درءا للحد) ش: أي دفعا له، ألا ترى أن في الزنا يعتبر المخالطة كالميل في المكحلة، وفي السرقة يعتبر الأخذ من الحرز التام فكذا هنا اعتبر أقصى غايات السكر، وهو أن يبلغ مبلغا لا يعرف الأرض من السماء والرجل من المرأة. وإذا لم يبلغ هذا المبلغ في غير الخمر من سائر الأشربة المحرمة لا يحد؛ لأن السكر تناقص في النقصان شبهة العدم، بخلاف الخمر حيث لم يشترط فيها السكر أصلا؛ لأن حرمتها غليظة قطعية؛ لأنها اجتهادية. م: (ونهاية السكر أن يغلب السرور على العقل، فيسلبه التمييز بين شيء وشيء وما دون ذلك لا يعرى عن شبهة الصحو) ش: يعني إذا كان يميز بين الأشياء، عرفنا أنه مستعمل لعقله مع غاية من السرور، فلا يكون ذلك نهاية في السرور وفي النقصان شبهة العدم، والحدود تندرئ بالشبهات بالزمان. م: (والمعتبر في القدح المسكر) ش: يعني في الأشربة المحرمة غير الخمر المعتبر في القدح الذي يحصل به السكر م: (في حق الحرمة ما قالاه) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - هو الذي يهذي ويخلط كلامه. حاصل الكلام المبلغ في السكر هو الذي قالاه، وأشار بقوله م: (بالإجماع أخذا) ش: أي أن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 360 والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر ظهور أثره في مشيته وحركاته وأطرافه وهذا مما يتفاوت، فلا معنى لاعتباره، ولا يحد السكران بإقراره على نفسه لزيادة احتمال الكذب في إقراره، فيحتال لدرئه؛ لأنه خالص حق الله تعالى، بخلاف حد القذف؛ لأن فيه حق العبد، والسكران فيه كالصاحي عقوبة عليه، كما في سائر تصرفاته، ولو ارتد السكران لا تبين منه امرأته؛ لأن الكفر من باب الاعتقاد فلا يتحقق مع السكر، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله وفي ظاهر الرواية تكون ردة، والله أعلم بالصواب.   [البناية] أبا حنيفة درأ الحد م: (بالاحتياط) ش: فاعتبر في إيجاب الحد النهاية، إذ الاحتياط في الدرء واعتبر في حق الشرب ما قالاه؛ لأن الاحتياط فيه م: (والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر) ش: يعني السكر م: (ظهور أثره) ش: أي أثر المسكر م: (في مشيته) ش: بكسر الميم م: (وحركته وأطرافه) ش: أي في يديه ورجليه. وقال الأترازي وصاحب " الهداية " في هذا الكلام فخر الإسلام البزدوي قال في شرح " الجامع الصغير " إذا ظهر أثره في مشيته وأطرافه وحركاته فهو السكران. ولنا فيه نظر؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يوجب الحد في شرب النبيذ المسكر به جنسه، وإن قيل: وهو المذكور في كتبهم، ولا يعتبر السكر أصلا. م: (وهذا) ش: أي الذي قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (مما يتفاوت) ش: لأن كم من صاح يتمايل ويلزق في مشيته، وكم من سكران ثابت في مشيته ولا يتمايل م: (فلا معنى لاعتباره) ش: أي لاعتبار ما قاله؛ لأنه لا يكون دليلا م: (ولا يحد السكران بإقراره على نفسه) ش: يعني بالحدود الخالصة حقا له تعالى، نحو حد الزنا والشرب والسرقة م: (لزيادة احتمال الكذب في إقراره) ش: لأن الإقرار خبر محتمل الكذب. فإذا صدر من سكران فهذا زيادة احتمال كذبه، فإذا كان كذلك م: (فيحتال لدرئه) ش: لأن الحدود يحتال لدرئها لا لإثباتها م: (لأنه خالص حق الله تعالى) ش: إلا أنه يضمن المروق؛ لأنه حق العبد. م: (بخلاف حد القذف؛ لأن فيه حق العبد) ش: إلا أنه يحد حد القذف إذا صح م: (والسكران فيه) ش: أي في حق العبد م: (كالصاحي عقوبة عليه، كما في سائر تصرفاته) ش: كالقصاص أقر على نفسه أو بطلاق أو بعتاق صح إقراره. م: (ولو ارتد السكران لا تبين منه امرأته) ش: في الاستحسان وفي القياس تبين كذا في " المبسوط " م: (لأن الكفر من باب الاعتقاد فلا يتحقق) ش: الاعتقاد م: (مع السكر، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله، وفي ظاهر الرواية: تكون ردة) ش: لأن كلامه هذا هذيان لا إقرار له والله أعلم بالصواب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 361 باب حد القذف وإذا قذف الرجل رجلا محصنا أو امرأة محصنة بصريح الزنا وطالب المقذوف بالحد حده الحاكم ثمانين سوطا إن كان حرا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] إلى أن قال: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] (النور: الآية 4) ، والمراد الرمي بالزنا بالإجماع   [البناية] [باب حد القذف] [قذف الرجل رجلا محصنا أو امرأة] م: (باب حد القذف) ش: أي هذا باب في بيان حكم حد القذف، وهو في اللغة: الرمي، وفي اصطلاح الفقهاء: نسبة من أحصن إلى الزنا صريحا أو دلالة، فكأن القاذف وضع حجر القذف في مقدمة لسانه ورمى إلى المقذوف، والقذف من الكبائر بإجماع الأئمة، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجتنبوا الموبقات، قيل: ما هن يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرمها الله، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» متفق عليه. م: (وإذا قذف الرجل رجلا محصنا أو امرأة) ش: أي أو قذف امرأة م: (محصنة بصريح الزنا) ش: بأن قال المحصن: يا زاني، والمحصنة: يا زانية، أو قال: يا ولد الزنا، أو يا ابن الزنا، أو لست لأبيك وأمه حرة مسلمة م: (وطالب المقذوف بالحد) ش: أي طالب المقذوف القاذف عند الحاكم م: (حده الحاكم ثمانين سوطا إن كان حرا) ش: هذا مشتمل على قيود: الأول: وجود الحد بالقدف، سواء كان القاذف رجلا أو امرأة. الثاني: أن يكون القاذف من أهل العقوبة، وإلا فلا حد عليه كالصبي والمجنون. الثالث: التقييد بصريح الزنا؛ لأن حد القذف لا يجب بالكتابة، حتى لو قال رجل لرجل: يا زاني، فقال رجل آخر: صدقت لم يحد المصدق، لأنه ما صرح بنسبته إلى الزنا بتصديقه إياه. الرابع: أن يطالب المقذوف والأقذف ترك حقه، فلا يستوي الحد حينئذ. الخامس: قيد بالحر؛ لأن القاذف إذا كان عبدا فحده أربعون على ما يأتي. السادس: قيد الرجل ثمانين في الحر؛ لأن ذلك منصوص في الآية. السابع: الشرط كون المقذوف محصنا على ما يأتي. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] إلى أن قال: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] (النور: الآية 4) (والمراد الرمي بالزنا بالإجماع) ش: أي بإجماع العلماء. قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - ملخصا من كلام صاحب " النهاية " واعترض أن التقييد بصريح الزنا غير مقيد لمتحققه بدونه، بأن قال: لست لأبيك، وكان القياس أن لا يجب المطالبة؛ لأن حق الله فيه غالب، والمغلوب في مقابلته كالمستهلك وحيث فليست مطالبة المقذوف بلازمة، فإن ابنه إذا طالبه حد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 362 وفي النص إشارة إليه وهو اشتراط أربعة من الشهداء، إذ هو مختص بالزنا، ويشترط مطالبة المقذوف لأن فيه حقه من حيث دفع العار وإحصان المقذوف لما تلونا. قال: ويفرق على أعضائه لما مر في حد الزنا، ولا يجرد من ثيابه؛ لأن سببه غير مقطوع به، فلا يقام على الشدة بخلاف حد الزنا   [البناية] والجواب: أنه إذا قذفه بصريح ووجد الشروط وجب الحد لا محالة، فتلك قضية صادقة، وأما إذا قذفه بنفي النسب لا يجب فليس لأن التقييد لإخراج ما كان فيه بطريق الكناية. مثل أن يقول: يا زاني، فقال الآخر: صدقت، لا لآخر لما ذكرت وحق العبد، وإن كان مغلوبا لكن يصلح اشتراط مطالبته احتيالا للدرء، وابن المقذوف وإنما يقدر على المطالبة لقيامه مقام المقذوف، ولهذا لم يكن له حق المطالبة إلا إذا كان المقذوف ميتا ليتحقق قيامه مقامه من كل وجه. م: (وفي النص إشارة إليه) ش: أي إلى الرمي بالزنا م: (وهو اشتراط أربعة من الشهداء) ش: حيث قال: فإن لم يأتوا بالشهداء م: (إذ هو مختص بالزنا) ش: الضمير في إذ هو يرجع إلى اشتراط الأربعة، معناه أن الزنا هو المختص بأربعة شهداء. م: (ويشترط مطالبة المقذوف؛ لأن فيه حقه من حيث دفع العار) ش: صورة المطالبة أن يقول: هذا قذفني وأن لي عليه حد القذف فأنه أطالبه بذلك. وسأل تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأن الغلبة فيه لحق أبيه، فلا يشترط الطلب. قلت: الجواب قد مر آنفا من كلام صاحب " النهابة " و " الهداية " م: (وإحصان المقذوف) ش: أي يشترط إحصان المقذوف م: (لما تلونا) ش: إشارة إلى قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] (النور: الآية 4) . م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " م: [حد العبد القاذف] (ويفرق على أعضائه) ش: أي يفرق الضرب على أعضاء القاذف م: (لما مر في حد الزنا) ش: أن الجمع في عضو واحد قد يفضي إلى التلف وإنما يفرق على الأعضاء ما خلا الوجه والرأس والفرج م: (ولا يجرد من ثيابه) ش: هذا أيضا لفظ القدوري م: (لأن نسبه) ش: أي سبب الحد وهو القذف م: (غير مقطوع به) ش: لاحتمال كون القاذف صادقا في القذف في الواقع، وإن كان عاجزا عن إقامة البينة على ما قذف، لاشتراط أمور في الشهادة على زنا المقذوف. فلما يتهيأ للشهود تحقيق ذلك عند القاضي، فلما جرى في القذف احتمال الصدق لم يجرد من ثيابه طلبا للخفة في إقامة الحد، وهو معنى م: (فلا يقام على الشدة، بخلاف حد الزنا) ش: سببه مقطوع به لثبوته بالبينة أو بالإقرار، فيجرد الذي يقام عليه الحد، إلا الإزار توقيا عن كشف العورة، فيقام على الشدة، إلا شارب الخمر فإنه لا يجرد وقد مر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 363 غير أنه ينزع عنه الفرو، والحشو؛ لأن ذلك يمنع إيصال الألم به، وإن كان القاذف عبدا جلد أربعين سوطا لمكان الرق. والإحصان أن يكون المقذوف حرا عاقلا بالغا مسلما عفيفا عن فعل الزنا أما الحرية فلأنه ينطلق عليه اسم الإحصان، قال الله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] (النساء: الآية 25) أي الحرائر.   [البناية] م: (غير أنه ينزع عنه الفرو والحشو؛ لأن ذلك) ش: أي الفرو والحشو م: (يمنع إيصال الألم به) ش: أي بالمحدود م: (وإن كان القاذف عبدا جلد أربعين سوطا لمكان الرق) ش: وقد مر أي الرق منصف م: (والإحصان) ش: شرع في بيان شروط الإحصان، وهي خمسة: فبينها بقوله: م: (أن يكون المقذوف حرا عاقلا بالغا مسلما عفيفا عن فعل الزنا) ش: هذا باتفاق العلماء إلا ما روي عن داود الظاهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أوجب الحد على قاذف العبد. وعن ابن المسيب وابن أبي ليلى -رحمهما الله - يجب أن يحد بقذف الذمية التي لها ولد مسلم. وعن أحمد في رواية: لا يشترط البلوغ، بل يشترط بحيث أن يكون بجامع، وفي الأصح: يشترط كالعلامة. قوله: والإحصان إلى قوله: عن فعل الزنا لفظ القدوري في " مختصره " وشرع المصنف في تبيين كل ذلك بدلائله فقال: م: (وأما الحرية فلأنه ينطلق عليه اسم الإحصان قال الله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] (النساء: الآية 25) أي الحرائر) ش: يعني إن شاء الله تعالى، أراد بقوله: فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، الحرائر لا الإماء، فدل على أن الرقيق ليس بمحصن. وقال تاج الشريعة: فإن قلت: قال الله عز وجل: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] والمراد منه الإماء. قلت: الإحصان يذكر ويراد منه الحرائر فشرطنا الحرية احتيالا للدرء. وقال الكاكي: فإن قيل: المحصنات جاءت في القرآن بأربع معان: أحدهما: بمعنى العفائف. والثاني: بمعنى الحرائر. والثالث: بمعنى الزوجات {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] والرابع: بمعنى الإسلام، قال تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] قال ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إحصانها إسلامها، فيمكن أن يكون العبد محصنا بجهة، وغير محصن بجهة، فكيف يلزم أن يكون الحرية شرط الإحصان في القذف، قلنا: لما لم يكن العبد محصنا من وجه لم يدخل تحت الآية لقصوره فيه، وعليه أجمع الفقهاء. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 364 والعقل والبلوغ؛ لأن العار لا يلحق بالصبي والمجنون لعدم تحقق فعل الزنا منهما. والإسلام لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: من أشرك بالله فليس بمحصن. والعفة؛ لأن غير العفيف لا يلحقه العار، وكذا القاذف صادق فيه. ومن نفى نسب غيره وقال: لست لأبيك فإنه يحد، وهذا إذا كانت أمه حرة مسلمة لأنه في الحقيقة قذف لأمه؛ لأن النسب إنما ينفى عن الزاني لا عن غيره   [البناية] [شروط الإحصان] م: (والعقل والبلوغ؛ لأن العار لا يلحق بالصبي، والمجنون لعدم تحقق فعل الزنا منهما) ش: أي من الصبي والمجنون، وبقولنا قال الشافعي وأحمد ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، إلا أن مالكا قال في المحصنة التي يجامع مثلها تحد [ ... ] وإن لم تكن محصنة. فإن قيل: لو لم يتحقق قبل الزنا منهما، فينبغي أن يجب الحد، على قاذف المجنون زنى حالة جنونه ولا يحد، وإن قذفه بعد قاذفه. أجيب: بأن معنى قوله لعدم تحقق فعل الزنا منهما الزنا الذي يأثم صاحبه ولم يتحقق الزنا الموجب للإثم لعدم الخطاب. وأما الوطء الذي هو غير مملوك قد يتحقق منهما، وبالنظر إلى هذا كان القاذف صادقا قذفه، فلا يجب الحد على القاذف، ولا على المقذوف كمن قذف رجلا وطئ الشبهة أو وطئ جاريته المشتركة بينه وبين غيره. م: (والإسلام) ش: وأما شرط الإسلام م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أشرك بالله فليس بمحصن» هذا الحديث قد تقدم في حد الزنا، رواه إسحاق بن راهويه بإسناده عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومر الكلام فيه هناك. م: (والعفة) ش: أي وأما اشترط العفة عن فعل الزنا م: (لأن غير العفيف لا يلحقه العار) ش: بالنسبة إلى الزنا: (وكذا القاذف الصادق فيه) ش: فلا يحد. [نفى نسب غيره وقال لست لأبيك] م: (ومن نفى نسب غيره، وقال: لست لأبيك فإنه يحد) ش: لأن معناه: أمك زانية، أو زنت فولدتك من الزنا، فلما كان هذا في الحقيقة قذفا للأم يشترط أن الأم محصنة حتى يحد القاذف، وإلا فلا، وهذا معنى قوله. م: (وهذا) ش: أي وجود الحد م: (إذا كانت أمه حرة مسلمة؛ لأنه في الحقيقة) ش: أي في نفس الأمر هذا م: (قذف لأمه؛ لأن النسب إنما ينفى عن الزاني لا عن غيره) ش: تقريره أن فرض المسألة فيما إذا كان أبوه وأمه معروفين، ونسبه من الأم ثابت بيقين، وخفاه عن الأب المعروف، فكان دليلا بأنه زنى بأمه، وفي ذلك قذف لأمه لا محالة. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي قوله: هذا قذف لأمه بالزنا فكأنه قال: أمك زانية؛ لأنه متى لم يكن من غير أبيه ضرورة، ولا نكاح لغير أبيه، فكان في نفس من أمه إلى الزنا ضرورة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 365 ومن قال لغيره في غضب: لست بابن فلان لأبيه الذي يدعى له يحد، ولو قال في غير غضب: لا يحد؛ لأن عند الغضب يراد به حقيقة سبا له، وفي غيره يراد به المعاتبة بنفي مشابهته إياه في أسباب المروءة. ولو قال: لست بابن فلان يعني جده لم يحد؛ لأنه صادق في كلامه   [البناية] فإن قيل: جاز أن لا يكون ثابت النسب من أبيه، ولا يكون ثابت وأمه زانية بأن كانت موطوءة بشبهة. قلنا: إذا وطئت بشبهة كان الولد ثابت النسب من إنسان، وإنما لا يكون ثابت النسب من الأب إذا كانت هي زانية فعرف أنه بهذا اللفظ قاذف لأمه، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، إلا أن مالكا لا يشترط كون أمه وأبيه مسلمين حرين، بل يشترط نفي الإحصان، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في روايته، وفي " المبسوط ": وجوب الحد هاهنا بطريق الاستحسان لا القياس، وفي القياس: لا يجب إذا تركنا كالقيام بأثر ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لا يحد في قذف محصنة أو نفي رجل عن أبيه. فإن قلت: هذا كله إذا قال: لست لأبيك، فإذا قال: لست لأمك ما حكمه. قلت: لا يحد، وبه صرح في " التحفة " لأنه صدق لأن النسب إلى الآباء لا إلى الأمهات. وقال الأترازي: يشترط في قوله ليست أن يكون على سبيل الغضب الباب، وإن كان في غير غضب فلا حد بدليل المسألة التي تلي هذه. م: (من قال لغيره في غضب لست بابن فلان لأبيه الذي يدعى له) ش: وفي بعض النسخ يدعى إليه م: (يحد، ولو قال في غير غضب لا يحد؛ لأن عند الغضب يراد به حقيقة سبا له) ش: أي شتما له فيحد؛ لأنه يصير قاذفا لأمه م: (وفي غيره) ش: أي في غير غضب م: (يراد به المعاتبة بنفي مشابهته إياه) ش: وفي بعض النسخ أباه بالباء الموحدة م: (في أسباب المروءة) ش: منها الأخلاق الجميلة، وعن المعاشرة مع الأصحاب وإظهار الكرم. فإن قيل: ما الفرق بين هذه وبين قوله في حالة الغضب أو غيرهما لست بابن فلان ولا ابن فلانة، وهي أمه التي يدعى لها حيث لا يكون قذفا، مع أن القذف يراد بهذا اللفظ. أجيب: بأن قوله ولا ابن فلانة، يعني أن أمه وإنما ينتفي منها بانتفاء الولادة، وكان نفيا للولاة ونفي الولادة نفي للوطء، ونفي الوطء نفي الزنا، بخلاف ما إذا لم يصل لك بمعنى، ولا ابن فلانة نفي من الوالد وولادة الولد ثابتة من أمه، فصار كأنه قال أنت ولد الزنا، كذا في " الذخيرة ". م: (ولو قال لست بابن فلان يعني جده) ش: يعني أراد به جده لا أباه م: (لم يحد؛ لأنه صادق في كلامه) ش: لأنه في الحقيقة ابن أبيه لا جده. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 366 ولو نسبه إلى جده لا يحد أيضا؛ لأنه قد ينسب إليه مجازا. ولو قال له: يا ابن الزانية وأمه ميتة محصنة، فطالب الابن بحده حد القاذف؛ لأنه قذف محصنة بعد موتها، ولا يطالب بحد القذف للميت إلا من يقع القدح في نسبه بقذفه، وهو الوالد والولد؛ لأن العار يلتحق به لمكان الجزئية، فيكون القذف متناولا له معنى. وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت حق المطالبة لكل وارث؛ لأن حد القذف يورث عنده على ما نبين   [البناية] م: (ولو نسبه إلى جده لا يحد أيضا؛ لأنه قد ينسب إليه مجازا) ش: قال الله تعالى {يابني آدم} [الأعراف: 26] ولمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الحدود روايتان، إلا أن يتهم جده بأمه أو أراد المسألة ويجب الحد رواية واحدة. [قذف محصنة بعد موتها] م: (ولو قال له يا ابن الزانية وأمه) ش: أي والحال أن أمه م: (ميتة محصنة، فطالب الابن بحده حد القاذف؛ لأنه قذف محصنة بعد موتها) ش: والموت لا يزيد الإحصان بل يؤكده، وإنما قيد بكون الأم محصنة؛ لأن الحد لا يجب على قاذف غير محصن؛ لأن الله تعالى شرط الإحصان بالأبد، ثم الإحصان يثبت بإقرار القاذف أو بالبينة على المقذوف، والبينة رجلان أو رجل وامرأتان عندنا خلافا لزفر. فإنه يشترط رجلين، فإن أنكر القاذف عن البينة لا يستحق القاذف، فالقول قوله؛ لأن الظاهر يصلح للدفع لا للاستحقاق، فلا يثبت إحصانها بالظاهر، وإنما كانت المطالبة بالحد إلى الابن؛ لأن القذف بعد الموت ألحق الشتم بالابن، فكان حق المطالبة له لدفع العار عن نفسه. م: (ولا يطالب بحد القذف للميت إلا من يقع القدح) ش: أي الطعن م: (في نسبه بقذفه، وهو الوالد والولد) ش: وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني الوالد والجد وإن علا، وولد الولد وإن سفل؛ لأن الجد يسمى أبا وولد الولد يسمى ابنا، وليس للأخ والأخت والعم بأن يأخذوا بالحد م: (لأن العار يلتحق به) ش: أي بكل واحد من الوالد والولد م: (لمكان الجزئية فيكون القذف متناولا له معنى) ش: أي من حيث المعنى ورد بأن التعليل بالحرية غير صحيح لتخلف الحكم عنها وإذا كان المقذوف حيا غائبا. فإنه ليس لأحد أن يأخذ بحده إذ ذاك. وأجيب بأن الأصل في الباب هو القذف لا محالة وغيره ممن بينه وبين حريته يقوم مقامه. وإنما يقوم الشيء مقام غيره إذا وقع اليأس عن الأصل، وإنما يقع اليأس بموته فلا يقوم غير مقامه قبل موته. م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت حق المطالبة لكل وارث؛ لأن حد القذف يورث عنده) ش: أي عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت حق المطالبة م: (على ما نبين) ش: أي عند قوله ومن قذف غيره ومات المقذوف بطل الحد. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يبطل، وبه قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 367 وعندنا ولاية المطالبة ليس بطريق الإرث بل لما ذكرناه، ولهذا يثبت عندنا للمحروم عن الميراث بالقتل، ويثبت لولد البنت كما يثبت لولد الابن خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ ويثبت لولد الولد حال قيام الولد، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وإذا كان المقذوف محصنا جاز لابنه الكافر والعبد أن يطالب بالحد   [البناية] فمن يرثه؟ ثلاثة أوجه: أحدها: أنه يريد جمع الورثة، والثاني: غير من ترث بالزوجية، والثالث: يرثه العصبات دون غيرهم. م: (وعندنا ولاية المطالبة ليس بطريق الإرث، بل لما ذكرناه) ش: وهو بحق العلة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ولاية المطالبة للخوف من العار م: (ثبتت) ش: أي المطالبة م: (عندنا للمحروم عن الميراث بالقتل، ويثبت لولد البنت كما يثبت لولد الابن خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه روي عنه أن حق المطالبة لا يثبت لولد الميت؛ لأنه منسوب إلى أبيه لا إلى أمه، فلا يلحقه الشين بزنا أمه. ألا ترى أنه لا يدخل ابن الميت البنت في الوقف على أولاده وأولاد أولاده. وفي الواقعات والفتوى على قول محمد. وفي ظاهر الرواية الميت النسب يثبت منه، ويصير الولد به كريم الطرفين، فكان المقذوف ميتا دلالة، أما الوقف فهو ممنوع على رواية الحصان - رَحِمَهُ اللَّهُ - وليس مسلم، فالوقف في معنى الوصية التي هي أخت الميراث والولد فيه يثبت إلى الأب دون الأم. ألا ترى أنه لا يحجب عن النصف والزوجة عن الربع ويحجبهما ولد الابن، فكذلك الحكم في الوقف. م: (ويثبت) ش: أي المطالبة م: (لولد الولد حال قيام الولد خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه يقول ليس لولد الولد حال قيام الولد أن يخاصم؛ لأن الشين الذي يلحق الولد فوق ما يلحق ولد الولد، واعتبر هذا بطلب الكفارة. فإنه لا خصومة فيه للأبعد مع بقاء الأقرب، ونحن نقول حق الخصومة باعتبار ما لحقه من الشين نسبة إليه، وذلك موجود في حق ولد الولد كوجوده في ابنه فإن خاصم يقام الحد لخصومته بخلاف القذف. فإن حق الخصومة باعتبار تناول القاذف من عرضه مقصودا، وذلك لا يوجد في حق ولده وبخلاف الكفارة فإن طلبها إنما يثبت للإقرار لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الإنكاح إلى العصبات» وفي الحكم المركب على العصوبة يتقدم الأقرب على الأبعد. م: (وإذا كان المقذوف محصنا جاز لابنه الكافر والعبد أن يطالب بالحد) ش: هذا لفظ القدوري في " مختصره "، وهذا إذا كان المقذوف ميتا؛ لأنه إذا كان حيا ليس للابن أن يطالب بالحد وإن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 368 خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو يقول القذف يتناوله معنى لرجوع العار إليه وليس طريقه الإرث عندنا، فصار كما إذا كان متناولا له صورة ومعنى. ولنا أنه عيره بقذف محصن، فيأخذه بالحد، وهذا لأن الإحصان في الذي ينسب إلى الزنا شرط ليقع تعييرا على الكمال، ثم يرجع هذا التعيير الكامل إلى ولده، والكفر لا ينافي أهلية الاستحقاق.   [البناية] كان المقذوف غائبا. وإنما لم يعده القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالميت؛ لأنه ساق كلامه في قذف الميت قبل ذكر هذا، حيث ذكر ولا يطالب بحد القذف للميت إلا من يقع القدح في نسبه. م: (خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه يقول ليس له أن يطالب بالحد م: (وهو) ش: أي زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يقول القذف يتناوله) ش: أي الابن م: (معنى) ش: أي من حيث المعنى لا من حيث الصورة م: (لرجوع العار إليه، وليس طريقه الإرث عندنا) ش: لأن حد القذف لا يورث م: (فصار كما إذا كان متناولا له) ش: أي للابن أو العبد م: (صورة ومعنى) ش: في رجوع العار إليه بأن قذفه إنسان بالزنا ابتداء لا يجب الحد، لعدم الإحصان لكفره أو رقه. فكذا هذا، حاصله لو كان متناولا له صورة ومعنى فإن قذفه إنسان كما ذكرنا لم يجب عليه الحد لعدم الإحصان المقذوف. فكذا هذا إذا تناوله معنى قبل قوله وليس طريقه الإرث غير مقيد له في هذا المقام؛ لأنه لو كان طريقه الإرث أيضا لم يكن له أن يخاصم؛ لأن المانع عن الإرث موجود، وهو الكفر أو الرق، وقيل تحريم كلامه أن الحد إما أن يجب في هذه الصورة على الغائب لقذفه أمه أو المقذوف نفس هذا الابن لا الكفر لا يجوز أن يكون لأجل أمه؛ لأن الحد لا يورث، ولا أن يكون لأجل نفسه؛ لأنه ليس بمحصن. م: (ولنا أنه) ش: أي أن القاذف م: (عيره) ش: بالعين المهملة، أي رماه بالعار، يعني القاذف عير الابن الكافر أو العبد م: (بقذف محصن) ش: وهذا ظاهر؛ لأن فرض المسألة فيه م: (فيأخذه بالحد) ش: لأن كل من عير بقذف محصن جاء أن يؤخذ بحده. م: (وهذا) ش: إيضاح لما قبله م: (لأن الإحصان في الذي ينسب إلى الزنا شرط ليقع تعييرا على الكمال، ثم يرجع هذا التعيير الكامل إلى ولده) ش: فجاز له أن يأخذ بالحد. م: (والكفر لا ينافي أهلية الاستحقاق) ش: قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولهذا تستحق الحقوق الراجعة إلى المعاملات كالديون ونحوها. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فإن قيل جاز أن يكون المانع موجودا، فلا يثبت الحكم على المقتضى، فأجاب بقوله والكفر لا ينافي أهل الاستحقاق استحقاق أهلية الخصومة. لأن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 369 بخلاف ما إذا تناول القذف نفسه؛ لأنه لم يوجد التعيير على الكمال بفقد الإحصان في المنسوب إلى الزنا، وليس للعبد أن يطالب مولاه بقذف أمه الحرة، ولا للابن أن يطالب أباه بقذف أمه الحرة المسلمة؛ لأن المولى لا يعاقب بسبب عبده، وكذا الأب بسبب ابنه، ولهذا لا يقاد الوالد بولده ولا السيد بعبده   [البناية] استحقاقها باعتبار لحوق الشين، وذلك موجود في الولد الكافر والمملوك؛ لأن النسبة لا تنقطع بالرق والكفر. م: (بخلاف ما إذا تناول القذف نفسه؛ لأنه لم يوجد التعيير على الكمال بفقد الإحصان في المنسوب إلى الزنا) ش: لأن شرط وجوب الحد الإحصان ولم يوجد [ليس للعبد أن يطالب مولاه بقذف أمه الحرة] م: (وليس للعبد أن يطالب مولاه بقذف أمه الحرة) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - صفة صورة قذف عبده وللعبد أم نسبة محصنة. م: (ولا للابن) ش: أي وليس للابن أيضا م: (أن يطالب أباه بقذف أمه الحرة المسلمة) ش: وفي " الإيضاح " ولا حد وإن علا، ولا ابنه ولا أم أمه وإن يحلف، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وقال مالك في المشهور: للابن أن يطالب أباه بقذف أمه به، قاله أبو ثور - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن المنذر م: (لأن المولى لا يعاقب بسبب عبده) ش: أي سائر الحقوق، ولهذا إذا قتله لا يقتل به فكذا لا يحد بعبده م: (وكذا الأب) ش: أي وكذا لا يعاقب الأب م: (بسبب ابنه) ش: لأن الولد مأمور بتعظيم الأبوين وممنوع عن إضرابهما، ولهذا نهى عن التأقيت والضرر في الحد أكثر من ضرر التأقيت، فيمتنع عنه كما يمنع من التأقيت. م: (ولهذا) ش: أي وبعدم جواز معاقبة الوالد لأجل ولده م: (لا يقاد الوالد بولده) ش: أي إذا قتله لا يقتص لأجله، وهذا لفظ الحديث قدر روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يقاد والد بولده. م: (ولا السيد بعبده) » ش: رواه الترمذي وابن ماجه -رحمهما الله عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولفظه: «لا يقاد الوالد بالولد» انتهى. وأخرج الحاكم في " المستدرك " عنه في حديث طويل، ولفظه: لو لم يسمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا يقاد مملوك عن مالك، ولا ولد عن والده لا حد فيها اقذفها» .. الحديث في قصة جارية مع سيدها، ولا السيد، أي ولا يقاد سيد بعبده إذا قتله ليس في الحديث، ولا سيد بعبده، قد بيناه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 370 ولو كان لها ابن من غيره له أن يطالب بالحد لتحقق السبب وانعدام المانع. ومن قذف غيره فمات المقذوف بطل الحد. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يبطل، ولو مات بعد ما أقيم بعض الحد بطل الباقي عندنا، خلافا له بناء على أنه يورث عنده، وعندنا لا يورث، ولا خلاف أن فيه حق الشرع وحق العبد، فإنه شرع لدفع العار عن المقذوف، وهو الذي ينتفع به على الخصوص، فمن هذا الوجه حق العبد، ثم إنه شرع زاجرا، ومنه سمي حدا   [البناية] م: (ولو كان لها ابن من غيره) ش: أي من غير القاذف، صورة ما قال الحاكم في " الكافي " رجل قال لابنه يا ابن الزانية وأمه ميتة، ولها ابن من غيره فجاء يطلب الحد م: (له أن يطالب بالحد لتحقق السبب) ش: أي سبب وجوب الحد وهو القذف م: (وانعدام المانع) ش: أي ولأجل انعدام المانع؛ لأن المانع عن إقامة الحد في حق الابن ولم يوجد في حق أخيه، وهو الأبوة يجب الحد إذا طالبه. [قذف غيره فمات المقذوف هل يحد القاذف أم لا] م: (ومن قذف غيره فمات المقذوف بطل الحد. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يبطل) ش: الحد بموت المقذوف م: (ولو مات) ش: أي المقذوف م: (بعد ما أقيم بعض الحد بطل الباقي عندنا خلافا له) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (بناء على أنه يورث عنده) ش: أي بني هذا الخلاف بناء على أن حد القذف يورث عند الشافعي م: (وعندنا لا يورث، ولا خلاف أن فيه) ش: أي في حد القذف م: (حق الشرع وحق العبد) ش: وهذا لا خلاف فيه. أما كونه حق الشرع فمن حيث إن نفعه يقع عاما بإخلاء العالم عن الفساد؛ لأنه ليس ثمة آدمي مختص به. وأما كونه حق العبد فلأن فيه صيانة العرض ودفع العار عن المقذوف ثم حق الله تعالى لا يجري فيه الإرث ولا يجري فيه التداخل ولا يسقط بإسقاط العبد. وحق العبد يجري فيه الإرث، ولا يجري فيه التداخل، وأسقط بإسقاطه، وقد أشار المصنف إلى هذا بقوله م: (فإنه) ش: أي فإن حد القذف م: (شرع لدفع العار عن المقذوف، وهو الذي ينتفع به على الخصوص، فمن هذا الوجه) ش: قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي من هذين الوجهين وهو قوله: فإنه شرع لدفع العار عن المقذوف، وقوله: الذي ينتفع به على الخصوص مقدم الوجهين وجها، وذكر في " الجامع الصغير " الوجهين في م: (حق العبد) ش: لأن هذا يرجع إليه لا إلى الشرع. م: (ثم إنه) ش: أي أن حد القذف م: (شرع) ش: حال كونه م: (زاجرا) ش: لأنه يزجر المقذوف م: (ومنه) ش: أي ومن كونه شرع زاجرا م: (سمي حدا) ش: وقد مضى الكلام في معنى الحد في أول كتاب الحدود. وقال تاج الشريعة: حدا يدل على أنه حق الله؛ لأن ما يجب لله تعالى يسمى حدا كما في حد السرقة، وحد الزنا وحد الشرب وما يجب للعبد لا يسمى حدا، بل سمي قصاصا وتعزيرا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 371 والمقصود من شرع الزاجر: إخلاء العالم عن الفساد، وهذه آية حق الشرع، وبكل ذلك تشهد الأحكام. وإذا تعارضت الجهتان فالشافعي مال إلى تغليب حق العبد تقديما لحق العبد باعتبار حاجته وغناء الشرع، ونحن صرنا إلى تغليب حق الشرع؛ لأن ما للعبد من الحق يتولاه مولاه، فيصير حق العبد مرعيا به، ولا كذلك عكسه؛ لأن لا ولاية للعبد في استيفاء حقوق الشرع إلا نيابة عنه، وهذا هو الأصل المشهور الذي يتخرج عليه الفروع المختلف فيها، منها   [البناية] م: (والمقصود) ش: أي القصد م: (من شرع الزاجر إخلاء العالم عن الفساد) ش: إذ لولا الزواجر لفسدت أحوال الناس م: (وهذه آية حق الشرع) ش: أي وهذا المذكور علامة حق الشرع م: (وبكل ذلك) ش: أي وبكل ما ذكر من حق الشرع وحق العبد م: (تشهد الأحكام) ش: أما الأحكام التي تشهد على أن حد القذف حق العبد، فاشتراط الدعوى في عدم بطلانه بالتقادم. وإنه يجب على المستأمن ولا يعمل فيه الرجوع عن الإقرار ويقيمها القاضي بعلم نفسه، ولا يخلف القاذف، وأما الأحكام التي تشهد على أنه حق الله تعالى أن الإقامة للإمام والتنصيف بالرق وأنه لا ينقلب ما لا عنده سقوط. م: (وإذا تعارضت الجهتان) ش: أي جهة حق الشرع، وجهة حق العبد م: (فالشافعي مال إلى تغليب حق العبد) ش: قال ابن دريد: يقال غالب الرجل على فلان إذا حكم له بالغلب م: (تقديما لحق العبد) ش: أي لأجل تقديم حق العبد م: (باعتبار حاجته) ش: حرم: (وغناء الشرع) ش: مرعيا به حق العبد أولى بدفع حاجته وبه قال مالك وأحمد م: (ونحن صرنا إلى تغليب حق الشرع لله تعالى؛ لأن ما للعبد من الحق يتولاه مولاه) ش: يعني لو صرنا إلى تغليب حق الشرع يكون بعضهم حق لله تعالى مع كون حق العبد مرعيا؛ لأن مولى العبد له أن يستوفي ما للعبد على الناس دون العكس. وإنما يرجح حق العبد في مواضع يلزم من اعتبار حق الله تعالى إهدار حق العبد لانتهاء وفاء لحق الله تعالى؛ لأن الله غني والعبد محتاج، وهاهنا إن ترك الرعاية في حق الوارث من وجه لكن فيه رعاية حق القاذف من حيث السقوط بموت المقذوف، فإذا ثبت هذا الأصل، فنقول إنه لا يورث؛ لأن الإرث لا يجري فيما هو من حقوق الله تعالى؛ لأنه من خلافه الوارث المورث بعد موته، والله تعالى يتعالى عن ذلك. فإن قلت: حق الله تعالى أيضا لا يسقط بموت المقذوف. قلت: نحن لا نقول بالسقوط، ولكن تعذر استيفائه لانعدام شرطه، فالشرط خصومة المقذوف، ولا يتحقق فيه الخصومة بعد الموت. م: (فيصير حق العبد مرعيا به) ش: أي بحق الشرع كما قررناه الآن م: (ولا كذلك عكسه) ش: وهو أن يكون ما للمولى من الحق يتولاه عبده م: (لأنه لا ولاية للعبد في استيفاء حقوق الشرع إلا نيابة) ش: ولا نيابة هاهنا. م: (وهذا) ش: أي كون حق العبد غالبا عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حق الله تعالى عندنا م: (هو الأصل المشهور الذي يتخرج عليه الفروع المختلف فيها منها) ش: أي من الفروع المختلف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 372 الإرث إذ الإرث يجري في حقوق العباد لا في حقوق الشرع، ومنها العفو، فإنه لا يصح عفو المقذوف عندنا ويصح عنده، ومنها أنه لا يجوز الاعتياض عنه، ويجري في التدخل وعنده لا يجري. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في العفو مثل قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومن أصحابنا من قال: إن الغالب حق العبد وخرج الأحكام، والأول أظهر.   [البناية] فيها م: (الإرث) ش: أي في حق القذف فعند الشافعي يجري فيه الإرث، وعندنا لا يورث م: (إذ الإرث يجري في حقوق العباد لا في حقوق الشرع، ومنها العفو، فإنه لا يصح عفو المقذوف عندنا ويصح عنده) ش:. م: (ومنها أنه لا يجوز الاعتياض عنه) ش: أي أخذ المعوض عن حد القذف، وبه قال مالك م: (ويجري في التداخل عندنا وعنده) ش: أي وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لا يجري) ش: التداخل بقذف الجماعة بكلمة واحدة أو يقذف واحدا مرارا. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في العفو مثل قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عفو المقذوف مثل قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أنه يصح، وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله. م: (ومن أصحابنا من قال أن الغالب حق العبد) ش: أراد من أصحابنا صدر الإسلام البزدوي فإنه ذكر في ((مبسوطه)) : أن الغالب حق العبد كما قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وخرج الأحكام) ش: عطفا على قول من قال، أي أجاب عن الأحكام التي تدل على أنه حق الله تعالى جواب يوافق المذهب، يقال في تفويض الإمام إن كل واحد لا يهتدي إلى إقامة الحد، وقال في عدم الإرث أي عدمه لا يستوجب كونه حق الله تعالى كالشفعة وخيار الشرط؛ لأن الإرث لا يجزئ في الأعيان. وأجاب عن كون القصاص يورث بأنه في معنى مالك الغير؛ لأنه يملك إتلاف العين وملك الإتلاف ملك العين عند الناس، فإن الإنسان لا يملك شراء الطعام إلا الإتلاف، وهو الأصل، فصار كمن عليه القصاص كالمملوك لمن له القصاص، وهو باق، فيملك الوارث في حق استيفاء القصاص م: (والأول أظهر) ش: أي كون حق الله مغلبا أظهر، من كون حق العبد مغلبا، وعلى الأول عامة المشايخ. وقال أبو بكر الرازي في شرحه ((لمختصر الطحاوي)) : أطلق محمد في بعض المواضع، أي حد القذف من حقوق الناس، وأطلق في بعضها أنه من حقوق الله تعالى، والعبارتان صحيحتان أما قوله إنه من حقوق الناس قائما أراد أن المطالبة من حقه لما خالفه عقد من الشيئين بقذفه، وتناوله في عرضه، ولو لم يطالب لم يحد. وقوله أنه من حقوق الله تعالى أراد به نفس الحد لا المطالبة لأنه ليس يمتنع أن يكون الحق لواحد، والمطالبة لواحد كالوكيل بالبيع يطالب، وملك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 373 قال: ومن أقر بالقذف ثم رجع لم يقبل رجوعه؛ لأن للمقذوف فيه حقا فيكذبه في الرجوع، بخلاف ما هو خالص حق الله تعالى؛ لأنه لا مكذب له فيه. ومن قال للعربي: يا نبطي لم يحد لأنه يراد به التشبيه في الأخلاق أو عدم الفصاحة، وكذا إذا قال: لست بعربي لما قلنا.   [البناية] الثمن للآمر، وكذلك المشتري إذا كان وكيلا فإن قبض العبد إليه والملك للآمر. [أقر بالقذف ثم رجع] م: (ومن أقر بالقذف ثم رجع لم يقبل رجوعه؛ لأن للمقذوف فيه حقا، فيكذبه في الرجوع) ش: لأنه من الأحكام التي تشهد بكونه حق العبد، ولا يصح الرجوع فيه بعد الإقرار لوجود المكذوب، وهو العبد م: (بخلاف ما هو خالص حق الله تعالى) ش: منه حد الزنا والشرب والسرقة م: (لأنه لا مكذب له فيه) ش: فيقبل رجوعه، إلا أن في السرقة يسقط القطع، ويجب المال. م: (ومن قال للعربي: يا نبطي لم يحد) ش: النبطي نسبة إلى نبط بفتحتين، وهم قوم ينزلون سواد العراق، قال الفرزدق في هجو طيء: من أهل حرمران تصيفهم ... ومن أهل التمر كانت سطورها وقال الفقيه أبو الليث: " النبطي ": رجل من غير العرب، وذكر عبد الله بن أحمد المالقي في تفسير المالقة الثالثة من كتاب ويسقور يدروس وبلاد الجرامقة هي بلاد النبط وهي الري والموصل والجزيرة فيما وصفه بعض الغرر حين م: (لأنه يراد به التشبيه في الأخلاق) ش: من حيث الخساسة والبخل م: (أو عدم الفصاحة) ش: أي أو يراد به عدم الفصاحة، فكأنه قال في عدم الفصاحة مثل النبطي، وكذا أي وكذا لا يحد إذا قال العربي ليس بعربي م: (لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله يراد به النسبة إلى آخره. م: (وكذا إذا قال: لست بعربي) ش: من قبيلة فلان التي هو فيها لا يحد لما روي. وقال مالك وابن أبي ليلى: حد في رواية، والشافعي في قول: إذا نوى الشتم يحد لما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان يقول: لا ولي برجل بقوله إلى كتابه ليست من قريش إلا جلدته، ولأنه لما نهاه، وعن قبيلته صار كفتقه عن الجد الأعلى. وقلنا والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وأحمد في أصح الرواية عنه لا يجب؛ لأنه قد يراد به التشبيه في الأخلاق والتشبيه في الجهل والكهنة، يعني عدم الفصاحة لا ولد بين التي عن الأب عادة كمن قال المصري بإقراري. وفي " المبسوط ": ألا ترى أنه لو قال: أنت شامي أو كوفي ولا يريد بشيء من ذلك القذف ولا يحد وقدمنا إنه مروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه سئل عن رجل وقال القرشي: يا نبطي، فقال: لا حد عليه. وأما الحديث فشاذ، ويمكن أن يكون قال ذلك بطريق التعزير؛ لأنه قال إلا جلدته، وما قال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 374 ومن قال لرجل: يا ابن ماء السماء فليس بقاذف؛ لأنه يراد به التشبيه في الجود والسماحة والصفاء؛ لأن ماء السماء لقب به لصفائه وسخائه وإن نسبه إلى عمه أو خاله أو إلى زوج أمه فليس بقاذف؛ لأن كل واحد من هؤلاء يسمى أبا، أما   [البناية] لا حد، وعن مالك إذا قال لعربي: يا رومي، أو يقال لفارسي: يا رومي أو لرومي يا فارسي، أو يقول: يا ابن الخياط لم يكن في بابه من بهذه الصفة ففي جميع ذلك يحد لدفع العار. [ألفاظ لا تعد قذفا] م: (ومن قال لرجل: يا ابن ماء السماء فليس بقاذف) ش: هذا لفظ القدوري في مختصره، وعلل المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله م: (لأنه يراد به التشبيه في الجود والسماحة) ش: لأن ماء السماء لا ينحل، بل يصب في ماء السهل والجبل، وسمي النعمان بن المنذر به وكانت أم المنذر يقال لها ماء السماء لحسنها، واشتهر المنذر بأمه فقيل له المنذر ابن ماء السماء، ثم سمي به النعمان لجوده وسخائه. م: (والصفاء؛ لأن ماء السماء لقب به لصفائه وسخائه) ش: أي لقب بهذا اللفظ لأجل صفائه وسخائه، ولم يذكر من هو الملقب به، وقد ذكرنا أن النعمان بن المنذر لقب به، ولقب به أيضا المأتيسا، وهو لقب عمرو بن عامر قاله الأكمل. قلت: عمرو بن عامر بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد وماء السماء لقب، [ .... .... ] ، ومن [ ..] لقب عمر ولقب به لأنه كان يلبس كل يوم حلقتين ثم يمر فيهما؛ لأنه كان يكره أن يعود فيهما، ويكره أن يلبسهما غيره. و" مريقيا ": بضم الميم وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف القاف بعدها ياء أخرى مخففة ممدودة، وإنما سمي أبوه عامر بماء السماء لأنه في القحط أقام ماله مقام القطر، وكان غياثا لقومه مثل ماء السماء للأرض. وكانت أم المنذر بنت امرئ القيس أيضا فسمي بماء السماء لجمالها وحسنها، وأبوها عرف بن خيم بن مريقيا هو الذي ذكره حسان في قوله: أولاد حض حول قراءة اسم أبيهم قير بن مارية الكريم الفضل يسقون من ورد البريض النير عليهم, يرد ما بصفق بالرحيق السلاحسنة هو تقليد العنقاء، وسمي العنقاء لطول عنقه، ومارية ابنة ظالم بن وهب بن الحارث بن معاوية ثور عن أبيه وهي التي يضرب بها المثل، ويقال: خذها ولو بقرطي مارية، وكان يقوم ظاها بأربعين ألف دينار. وقيل: كان في موطء مارية درمان كبيض الحمام لم ير مثلها، ويقال: أول عربية تفوطت، والبريض بفتح الباء الموحدة موضع بدمشق، ويروى بالفتحات نهر بدمشق. قوله: بضيق، أي بمزج، والسلسل القذف السهل الدخول في الحلق. م: (وإن نسبه إلى عمه) ش: أي وإن سب رجل رجلا إلى عمه، يعني قال أنت ابن فلان وإن أراد عمه م: (أو خاله) ش: أو نسبه إلى خاله م: (أو إلى زوج أمه) ش: أي أو نسبه إلى زوج أمه م: (فليس بقاذف) ش: أي لا يجب عليه بشيء م: (لأن كل واحد من هؤلاء يسمى أبا، أما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 375 الأول فلقوله تعالى: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133] (البقرة: الآية133) ، وإسماعيل كان عما له، والثاني لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: الخال أب، والثالث للتربية. ومن قال لغيره: زنأت في الجبل وقال عنيت صعود الجبل حد، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحد لأن المهموز منه للصعود حقيقة قالت امرأة من العرب قالت امرأة من العرب: وارق إلى الخيرات زنأ في الجبل   [البناية] الأول) ش: وهو ما إذا نسبه إلى عمه م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133] (البقرة: الآية 133) ، وإسماعيل كان عما له، والثاني) ش: وهو ما إذا نسبه إلى خاله م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (الخال أب) ش: هذا حديث غريب وفي " الفردوس " لأبي شجاع الديلمي: عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا: «الخال والد من لا والد له» . م: (والثالث) ش: وهو نسبته إلى زوج أمه م: (للتربية) ش: أي لأجل تربية أباه سماه أبا؛ لأن زوج الأم بقوله عليه على قيام الآباء فيجوز أن يسمى أبا مجازا، فلما صح إطلاق اسم الأب على كل واحد منهم لم يجب الحد بالنسبة إليهم. وقال ابن القاسم المالكي في النسبة إلى هؤلاء الحد، وعند أشهب المالكي: لا حد عليه لا في حال المشاعة. [قال لغيره زنأت في الجبل هل يحد أم لا] م: (ومن قال لغيره: زنأت في الجبل) ش: يعني بالهمزة موضع الباء م: (وقال عنيت) ش: أي قصدت بهذا اللفظ م: (صعود الجبل حد، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله) ش: وبه قال أحمد والشافعي في قول إذا لم ينو م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحد) ش: وبه قال الشافعي في قول م: (لأن المهموز منه) ش: أي من هذا اللفظ وهو الذقوم مستعمل م: (للصعود حقيقة) ش: وقد أراد حقيقة كلامه فيصدق، ولا يحد. وقال وفي " الجمهرة " وغيره: زنأ في الجبل بالهمزة يزنأ زنأ أي صعد، وجاء زنأ نواز بمعنى صعد أيضا. واستشهد المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لذلك بقوله م: (قالت امرأة من العرب) ش: وقال ابن السكيت: قالت امرأة من العرب ترقص ابنا لها وتقول: أشبه أبا أمك, أو أشبه عملي, ولا تكونن كهلوف, وكل يصبح في مضجعه قد انجدل م: (وارق إلى الخيرات زنأ في الجبل) ش: وقال في كتاب " الزيول في شرح الإصلاح ": الأبيات ما هي لامرأة، وإنما هي لرجل رأى ابنا له ترقصه أمه، فأخذه من يدها وقال: أشبه أبا أمك يخاطب ابنه، وكان أبو أمه شريفا سيدا يقول: أشبه أبا أمك. أو أشبه عملي أي كن مثل أبي أمك أو مثلي، ولا تجاوزنا في النسبة إلى غيرنا وحذف بالإضافة عن عمل للضرورة. وهذا الرجل هو قيس بن عاصم المنقري وأم ذلك الصبي منفوسة بنت زيد الفوارس بن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 376 وذكر الجبل يقرره مرادا، ولهما أنه يستعمل في الفاحشة مهموزا أيضا؛ لأن من العرب من يهمز الملين كما يلين المهموز، وحالة الغضب والسباب تعين الفاحشة مرادا، بمنزلة ما إذا قال: يا زانئ، أو قال: زنأت وذكر الجبل إنما يعين الصعود مرادا   [البناية] صرار الصبي فأخذته أمه بعد ذلك فجعلت ترقصه وتقول أشبه أخي أو أشبهن أباك, ... أما أبي فلن تنال ذاك عن مثاله بذاك قوله أو أشبه عما قد ذكرنا أن أصله عملي الإضافة. وقال الكاكي: أو أشبه الحمل، ثم قال الحمل اسم رجل من العرب وهو حمل بن سعد بالحاء المهملة وفتح الميم. وقال ابن ماكولا: الحمل بن سعد بن حارثة بن معقل بن كعب بن حكم بن جناب وفد على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله كهلوف: بكسر الهاء وتشديد اللام الشيخ الهرم، ويقال الثقيل الجافي الذي لا خير فيه. قوله وكل بفتحتين هو الذي ينكل على غيره فيما يحتاج إليه. وقال الكاكي: والكل العيال وليس كذلك؛ لأنه ظن أن الواو في وكل واو العطف، وفسر الكل بالعيال، بل الواو أصلية، وهو الكل بفتحتين وقد فسرناه، قوله قد انجدل أي قدامته، يراد أنه لا يستيقظ حتى يصح. م: (وذكر الجبل يقرره مرادا) ش: أي تقرر الصعود مرادا منه. وقوله زنأت في الجبل يعني تأكيد أن يكون المهموز للصعود حقيقة. م: (ولهما أنه) ش: أي أن لفظ زنأت م: (يستعمل في الفاحشة) ش: حال كونه م: (مهموزا أيضا) ش: يشير بهذا إلى أن المهموز مشترك بين الفاحشة والصعود م: (لأن من العرب من يهمز الملين كما يلين المهموز) ش: فمنهم العجاج، فإنه كان يهمز العالم والكايم، وقال فحندق هامة هذا العالم بهمزة اللين أيضا من جد في الهر العرب من التقاء الساكنين، فيقال دابة وشابة، وفي غير التقاء الساكنين كما همزة العجاج، وكما همزة الشاعر في قوله [ .... .... .... .... ..... ] والدكالك جمع، وكذلك وهو الرجل المتراكم، والبرق بضم الباء الموحدة جمع برقة، وهي أرض غليظة فيها حجارة ورمل، والاستشهاد في لفظ المشتاق بالهمزة المفتوحة، فإنه في الأصل المشتاق بالألف الساكنة. وهذا باب في التصريف يقال له باب الإبدال، وهو جعل حرف مكان غيره، ويعرف ذلك بأمره كما ذكر في موضعه، وحروف الإبدال أربعة عشر حرفا، منها الهمزة تبدل من حرف اللين للمضطر أو غير المضطر، لازم وجائز، فالبيان اللذان فيهما الإبدال من غير المضطر، فإن أرادت تفضيل هذا حقيقة فعليك بشرح [ .... ] ينشأ وحواشيه للعبد الضعيف. م: (وحالة الغضب والسباب تعين الفاحشة مرادا) ش: يعني لما كان لفظ زنأت بالهمزة يعني الجزء: 6 ¦ الصفحة: 377 إذا كان مقرونا بكلمة على، إذ هو المستعمل فيه. ولو قال زنأت على الجبل، قيل لا يحد لما قلنا وقيل يحد للمعنى الذي ذكرناه   [البناية] زنيت على لغة بعض العرب باعتبار التليين فيه، علم من ذلك أن القائل به أراد الزناء حقيقة، لأن يقبل هذا إلا في الغضب والمشاتمة، وصار هذا م: (بمنزلة ما إذا قال يا زانئ) ش: بالهمزة في آخره م: (أو قال: زنأت) ش: الخطاب وبالهمزة فقط، ففي هذين اللفظين يجب الحد، فكذلك في قوله زنأت في الجبل. وقوله: وحالة الغضب كلام إضافي مرفوع بالابتداء وخبره. وقوله تعين الفاحشة من التعيين، أي الزنا، ومراد نصب على الحال، وإنما ذكره باعتبار أن المراد من الفاحشة الزنا. م: (وذكر الجبل) ش: جواب لما قاله محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله وتقرره مرادا، بيانه أن ذكر الجبل م: (إنما يعين الصعود مرادا إذا كان) ش: أي لفظ زنأت م: (مقرونا بكلمة على) ش: لا بكلمة في م: (إذ هو المستعمل فيه) ش: يعني أن المستعمل في معنى الصعود أن يقال زنأ عليه لا زنأ فيه. فإن قيل إن في تجيء بمعنى على، قال الله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] (طه: الآية 71) ، أي عليها. قلنا ذكر الزمخشري أنها على حقيقتها. قاله الكاكي، ولكن عبارة الزمخشري شبه، لكن هكذا المصلوب في الجوع يتمكن الشيء المرعي في دعائه، فكذلك قال في جذوع النخل، انتهى. قلت: هذا لا يساعد الكاكي في جوابه على ما لا يخفى. فإن قيل: قال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير " قوله في الجبل لا يحتمل الصعود لا يقال زنأ فيه، يقال: زنأ عليه، كما قال الشاعر: لاهم أن الحارث بن جميلة ... زنأ على أبيه ثم قتله وأجاب عنه الأترازي بقوله: لا نسلم أنه لا يقال زنأ فيه، بل ما قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - عكس اللغة، فلا يسمع؛ لأن الزنأ بالهمزة لم يسمع في قوانين اللغة إلا بلفظ في على لا بلفظ على، كما في قوله زنأ في الجبل، أما قوله زنأ على أبيه فليس مما نحن فيه المهموز من الثلاثي في وما احتج به ليس بمهموز من مزيد الثلاثي من باب التفعيل، فمعنى زنأ على أبيه، أي ضيق عليه. م: (ولو قال زنأت على الجبل) ش: اختلف المشايخ فيه م: (قيل لا يحد لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله إذا كان مقرونا بكلمة على م: (وقيل: يحد للمعنى الذي ذكرناه) ش: إشارة إلى قوله وحالة الغضب والسباب تعين الفاحشة مرادا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 378 ومن قال لآخر: يا زاني، فقال: لا بل أنت فإنهما يحدان؛ لأن معناه لا بل أنت زان، إذ هي كلمة عطف يستدرك بها الغلط، فيصير الخبر المذكور في الأول مذكورا في الثاني. ومن قال لامرأته: يا زانية فقالت: لا بل أنت، حدت المرأة ولا لعان لأنهما قاذفان، وقذفه يوجب اللعان وقذفها الحد، وفي البداية بالحد إبطال اللعان؛ لأن المحدود في القذف ليس بأهل له، ولا إبطال في عكسه أصلا   [البناية] [مواضع يحد فيها القاذف والمقذوف] م: (ومن قال لآخر: يا زاني فقال لا بل أنت) ش: أي بل أنت زاني م: (فإنهما يحدان) ش: يعني كلاهما يحدان م: (لأن معناه بل أنت زان إذ هي) ش: أي إذ هما كلمة بل م: (كلمة عطف يستدرك بها الغلط) ش: يعني بل من الحروف العاطفة موضوعة للإضراب عن الأول، والإتيان للثاني م: (فيصير الخبر المذكور في الأول) ش: وهو قوله يا زاني م: (مذكورا في الثاني) ش: أي في قوله بل أنت كما إذا قلت: جاءني زيد بل عمرو، معناه بل جاءني عمرو، فكذا هذا فيكون كل واحد منهما قاذفا، فيجب عليه الحد. وقال الأترازي: في قوله فيصير الخبر المذكور في الأول فيه نظر؛ لأن المذكور فيه في مقام النداء لا يسمى خبرا. ولو قال فيصير المذكور في الأول خبرا فيه كان أولى. وأجيب عنه: بأن المراد بالخبر الجزاء وحينئذ يستقيم الكلام؛ لأن أخبر خبرا خص، فيجوز أن يتعار الأعم. فإن قيل: التصريح بالزنا شرط في إيجاب الحد ولم يوجد من الثاني، فكيف يجب عليه الحد. قلت: أجيب بمنع نفي وجود الصريح إذ يفهم الزنا في أول ما قال، بل أنت في جواب قوله يا زان؛ لأن الجواب يتضمن إعادة ما في السؤال فيصير مثل التصريح، سواء كان قيل إذا كان كل واحد منهما قاذفا لصاحبه، فينبغي أن يكون قصاصا، فلا يجب الحد. أجيب: بأن القذف فيه حق الله، وهو الأغلب في الفصاحة يلزم إسقاط حق الله تعالى، فلا يجوز ذلك، ولهذا لم يجز عفو المقذوف. م: (ومن قال لامرأته: يا زانية، فقالت: لا بل أنت حدت المرأة، ولا لعان؛ لأنهما قاذفان، وقذفه يوجب اللعان، وقذفها الحد) ش: أي يوجب الحد. م: (وفي البداية بالحد) ش: أي يحد المرأة م: (إبطال اللعان) ش: لأن اللعان شهادة وقد بطلت شهادة المرأة بحدها، وهو معنى قوله م: (لأن المحدود في القذف ليس بأهل له) ش: أي اللعان. م: (ولا إبطال في عكسه أصلا) ش: يعني إذا قذف اللعان لا يبطل حد القذف عن المرأة م: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 379 فيحتال للدرء، إذ اللعان في معنى الحد. ولو قالت: زنيت بك فلا حد ولا لعان، ومعناه قالت بعد ما قال لها يا زانية لوقوع الشك في كل واحد منهما؛ لأنه يحتمل أنها أرادت الزنا قبل النكاح فيجب الحد دون اللعان لتصديقها إياه، وانعدامه منه ويحتمل أنها أرادت زنائي ما كان إلا معك بعد النكاح؛ لأني ما مكنت أحدا غيرك، وهو المراد في مثل هذه الحالة   [البناية] (فيحتال للدرء) ش: أي لدرء اللعان تحد المرأة بتقديمه م: (إذ اللعان في معنى الحد) ش: يعني قائم مقام حد القذف في حق الرجل ومقام حد الزنا في حق المرأة. [قالت المرأة زنيت بك في جواب قول الرجل يا زانية] م: (ولو قالت زنيت بك) ش: أي لو قالت المرأة زنيت بك في جواب قول الرجل يا زانية م: (فلا حد ولا لعان، ومعناه قالت بعدما قال لها يا زانية) ش: أي معنى قولها زنيت بك أنها قالت ذلك بعدما قال الزوج لها يا زانية كما قررناه، وفيه قياس واستحسان لم يذكرهما المصنف، وإنما لم يجب الحد ولا اللعان. وبه قال أحمد استحسانا، وبه قال [ ... ] والقياس أن يلاعنها؛ لأن هذا ليس بتصديق منها له؛ لأن المرأة لا تزني بزوجها، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أشهب: إلا أن يقول ذلك محابة ولم أرد قذفا ولا إقرارا فلا حد عليها. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حلفت أنها لم ترد الإقرار بالزنا ولم ترد قذفه بالزنا ويكتفي بين واحدة في وجه، وعليه الحدود وبها لأن هذا ليس بإقرار صحيح بالزنا. وجه الاستحسان هو قوله: م: (لوقوع الشك في كل واحد منهما) ش: أي لوقوع الشك في كل واحد من الحد واللعان فلا يجب بالشك م: (لأنه يحتمل) ش: أي المرأة م: (أنها أرادت الزنا قبل النكاح، فيجب الحد دون اللعان) ش: أي لا يجب اللعان م: (لتصديقها إياه) ش: أي لتصديق المرأة زوجها. م: (وانعدامه منه) ش: أي ولانعدام التصريف من الزوج م: (ويحتمل أنها أرادت زنائي ما كان إلا معك) ش: الخطاب للزوج، أي زنائي هو الذي وجد معك، يعني إذا كان الزنا موجود مني، فذاك الفعل الذي وجد مني معك م: (بعد النكاح) ش: وإلا فلا، وهو معنى قوله بعد النكاح م: (لأني ما مكنت أحدا غيرك، وهو المراد في مثل هذه الحالة) ش: أي في حالة سب الرجل امرأته بالزنا. وفي " الفوائد الظهرية ": ولا معنى لما قال في الكتاب لا يحتمل بعد النكاح؛ لأن الوطء بعد النكاح لا يكون زنا، ومطلق القذف بالزنا محمول على الزنا حقيقة. وأجيب عليه بأن الزوج بقوله لها زانية أعصابها وهي ترد بقولها زنيت بك أعصب وأذنه ممسكة بقوله عز وجل: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3] (النور: الآيه3) ، وسميت الوطء بعد النكاح زنا مجازا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 380 على هذا الاعتبار يجب اللعان دون الحد على المرأة لوجود القذف منه وعدمه منها، فجاء ما قلنا. ومن أقر بولد ثم نفاه، فإنه يلاعن؛ لأن النسب لزمه بإقراره، وبالنفي بعده صار قاذفا فيلاعن، وإن نفاه ثم أقر به حد؛ لأنه لما أكذب نفسه بطل اللعان؛ لأنه حد ضروري صير إليه ضرورة التكاذب، والأصل فيه حد القذف، فإذا بطل التكاذب يصار إلى الأصل، وفيه خلاف ذكرناه في اللعان، والولد ولده في الوجهين لإقراره به سابقا أو لاحقا، واللعان يصح بدون قطع النسب   [البناية] بطريق المشاكلة، كما في قَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] (البقرة: الآية194) {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ} [الشورى: 40] (الشورى: الآية40) . م: (وعلى هذا الاعتبار) ش: أي على الاعتبار الاحتمالين المذكورين م: (يجب اللعان دون الحد على المرأة لوجود القذف منه) ش: أي من الزوج م: (وعدمه منها) ش: أي وعدم القذف من المرأة تقدير هذا على هذا الاعتبار لا يكون المرأة مصدقة لزوجها، فيجب اللعان على الزوج، ولا يجب الحد على المرأة، ففي حال لا يوجب الحد عليها، ويجب اللعان على الزوج، وفي حال يجب الحد عليها، ولا يجب اللعان فوقع الشك فيما قلنا إنه لا حد ولا لعان م: (فجاء ما قلنا) . [رجل له امرأة جاء بولده فقال ليس هو مني] م: (ومن أقر بولد ثم نفاه فإنه) ش: عن صورة رجل له امرأة جاء بولده فقال ليس هو مني م: (يلاعن؛ لأن النسب لزمه بإقراره) ش: يعني صار الولد ولده م: (وبالنفي بعده) ش: أي بقوله بعد الإقرار ليس هو مني م: (صار قاذفا فيلاعن) ش: لأن معناه أن أمه زمن فولدته عن الزنا، وكل قذف يوجب الحد إلا حد يوجب اللعان في قذف الزوج. م: (وإن نفاه ثم أقر به حد) ش: أي وإن نفى ولده بأن قال ليس هو مني ثم أقر به بأن قال هو ابني بطل اللعان فوجب عليه حد القذف؛ لأن الأصل في قذف المحصنات هو الحد م: (لأنه لما أكذب نفسه بطل اللعان؛ لأنه حد ضروري صير إليه ضرورة التكاذب) ش: أي تكاذب الزوجين؛ لأن كل واحد منهما كاذب في زعم صاحبه؛ لأن زعم الزوج أنها كاذبة في التكاذب الزنا، وإن زعمت الزوجة أنه كاذب في القذف بالزنا، ولهذا لو أقرت المرأة بالزنا لا يجب اللعان لعدم التكاذب، وكذا إذا كذب الزوج نفسه بعدم التكاذب. م: (والأصل فيه) ش: أي في القذف بالزنا م: (حد القذف، فإذا بطل التكاذب يصار إلى الأصل) ش: وهو الحد، وفيه خلاف ما ذكرناه في اللعان هذا ليس موجود في أكثر النسخ أي وفي نفي الحمل خلاف ذكره في باب اللعان، وهو أن الزوج إذا قال لامرأته ليس حملك مني لا لعان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما م: (والولد ولده في الوجهين) ش: أي فيما إذا أقر أولا ثم نفاه أو نفاه أولا ثم أقر م: (لإقراره به) ش: أي لإقرار الزوج بالولد م: (سابقا) ش: على النفي فيما إذا أقر بالولد ثم نفاه م: (أو لاحقا) ش: بالنفي فيما إذا نفاه ثم أقر به م: (واللعان يصح بدون قطع النسب كما يصح بدون الولد) ش: هذا جواب عما يقال إن سبب اللعان كان نفي الولد، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 381 كما يصح بدون الولد. وإن قال: ليس بابني ولا بابنك فلا حد، ولا لعان لأنه أنكر الولادة، وبه لا يصير قاذفا. ومن قذف امرأة ومعها أولاد لا يعرف لهم أب أو قذف الملاعنة بولد والولد حي أو قذفها بعد موت الولد، فلا حد عليه لقيام أمارة الزنا منها، وهي ولادة ولد لا أب له، ففاتت العفة نظرا إليها، وهي شرط الإحصان. ولو قذف امرأة لاعنت بغير ولد فعليه الحد لانعدام أمارة الزنا.   [البناية] فلما لم ينتف الولد وجب أن لا يجري بينهما اللعان، فأجاب بقوله واللعان يصح ... إلى آخره. تقريره أنه ليس من ضرورة اللعان قطع النسب إليه؛ لأنه ينفك عنه وجودا وعدما، فاللعان شرع بلا ولد، ألا ترى أنه إذا تطاولت المدة من حين الولادة ثم نفى يلاعن بينهما ولا ينقطع النسب ولو نفى نسب ولد امرأته الأمة ينتفي النسب، ولا يجري اللعان إليه إشارة البزدوي. م: (وإن قال: ليس بابني ولا بابنك فلا حد ولا لعان؛ لأنه أنكر الولادة، وبه لا يصير قاذفا) ش: أي بإنكار الولادة لا يصير قاذفا أمه؛ لأنه أنكر الولادة أصل، وذلك بعدم الزنا؛ لأنه إذا لم يكن فيها كيف يتصور أن يتولد بزناها، فإذا انتفى القذف فلا يجب الحد ولا اللعان بعد القذف. م: (ومن قذف امرأة ومعها أولاد لا يعرف لهم أب أو قذف الملاعنة بولد) ش: بفتح العين، أي التي لوعنت بولد، هكذا قال في " النهاية "، ويجوز كسر العين، معناه التي لاعنت بولدها وقد صرح بهذا في " الكافي ". م: (والولد حي) ش: يتصل بالملاعنة م: (أو قذفها بعد موت الولد، فلا حد عليه لقيام أمارة الزنا منها) ش: أي لقيام علامة الزنا منها، أي من المرأة وهي. أي قيام إمارة الزنا منها م: (وهي ولادة ولد لا أب له ففاتت العفة نظرا إليها) ش: أي إلى الإمارة م: (وهي) ش: أي العفة م: (شرط الإحصان) ش: أي شرط وجوب حد القذف، وهي ثابتة فلا يجب الحد. م: (ولو قذف امرأة لاعنت بغير ولد) ش: ذكره التمرتاشي وكذا الملاعنة بولد ثم أكذب الزوج نفسه ولزم الولد ثم قذفها قاذف م: (فعليه الحد لانعدام أمارة الزنا) ش: وأمارة الزنا قيام ولد لا أب له ولا ولد هاهنا، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، وجمهور العلماء - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، ولا نعلم فيه خلافا. فإن قيل: اللعان قائم مقام حد الزنا في حقها، فيكون أمارة الزنا ظاهرة، فينبغي أن لا يحد قاذفها، أجيب: بأن اللعان في جانبها قائم مقام حد الزنا بالنسبة إلى الزوج لا بالنسبة إلى غيره، فكانت محصنة في حق الغير. ألا ترى أن اللعان قائم مقام حد القذف في حقه بالنسبة إليها لا بالنسبة إلى غيرها حتى قبلت شهادته. وقال الأترازي: قال بعضهم في شرحه في جواب السؤال المذكور اللعان قائم مقام حد القذف في حقه، فبالنظر إلى هذا الوجه تكون المرأة محصنة، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 382 قال: ومن وطئ وطئا حراما في غير ملكه لم يحد قاذفه لفوات العفة وهي شرط الإحصان، ولأن القاذف صادق، والأصل فيه أن من وطئ وطئا حراما لعينه لا يجب الحد بقذفه؛ لأن الزنا هو الوطء المحرم لعينه. وإن كان محرما لغيره يحد؛ لأنه ليس بزنا، فالوطء في غير الملك من كل وجه أو من وجه حرام لعينه، وكذا الوطء في الملك والحرمة مؤبدة   [البناية] فتعارض الوجهان فتساقطا. فبقي القذف سالما عن المعارض، فوجب الحد على القاذف، انتهى. قلت: أراد به صاحب " النهاية " ثم رد عليه بما لا يجري، ثم قال: وقال بعضهم أيضا وهو صاحب " النهاية " أيضا بخط شيخي، يعني الحافظ الكبير البخاري في جواب هذه الشبهة أن اللعان في جانبها قائم مقام حد الزنا، لكن بالنسبة إلى الزوج لا إلى غيره إلى آخر ما ذكرنا في جواب السؤال المذكور، ثم رد عليه بما لا يجري. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن وطئ وطئا حراما في غير ملكه لم يحد قاذفه) ش: لعدم شرط الموجب للحد، وهو إحصان المقذوف، أشار إليه بقوله م: (لفوات العفة وهي شرط الإحصان) ش: والإحصان معدوم لانعدام العفة عن الزنا م: (ولأن القاذف صادق) ش: في قذفه؛ لأن المقذوف وطئ ما لا يحل له فلا يحل القذف على الصدق، وإنما يحد على الكذب. م: (والأصل فيه) ش: أي في حد القذف وعدم الحد م: (أن من وطئ وطئا حراما لعينه) ش: كالوطء في غير الملك من كل وجه، وهو ظاهر، ومن وجه كالوطء في الجارية المشتركة بينه وبين غيره. وهذا الوطء حرام بعينه لوقوعه زنا؛ لأن الوطء حصل في غير ملكه، إلا أنه لا يجب حد الزنا على وطء الجارية المشتركة للشبهة م: (لا يجب الحد بقذفه) ش: أي بقذف هذا الوطء الحرام لعينه من كل وجه أو من كل وجه كما بينا م: (لأن الزنا هو الوطء المحرم لعينه) ش: سواء كان من كل وجه أو من وجه. م: (وإن كان) ش: أي إن كان الوطء م: (محرما لغيره) ش: أي لغيره كوطء امرأته الحائض أو النفساء أو جاريته المجوسية أو أمته المزوجة أو المكاتبة أو الحرة التي ظاهر منها، أو وطئ امرأته الصائمة ففي هذه الصورة م: (يحد) ش: قاذفه م: (لأنه ليس بزنا) ش: لعدم صدق حد الزنا عليه م: (فالوطء في غير الملك من كل وجه أو من وجه حرام لعينه) ش: وقد بينا الوجهين الآن. م: (وكذا) ش: أي وكذا حرام بعينه م: (الوطء في الملك والحرمة مؤبدة) ش: أي والحال أن الحرمة على التأبيد، كما إذا وطئ جاريته التي وطئها أبوه بعد ملك اليمين أو الشراء، وهذا وطء محرم على التأبيد، فصار كالزنا فلم يحد القاذف. فإنه كالحرمة المؤقتة مثل وطء محرم على التأبيد مثل وطء الحائض أو أمثالها التي ذكرناها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 383 فإن كانت الحرمة مؤقتة فالحرمة لغيره. وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يشترط أن تكون الحرمة المؤبدة ثابتة بالإجماع أو بالحديث المشهور لتكون ثابتة من غير تردد، بيانه أن من قذف رجلا وطئ جارية مشتركة بينه وبين آخر فلا حد عليه لانعدام الملك من وجه، وكذا إذا قذف امرأة زنت في نصرانيتها لتحقق الزنا منها شرعا لانعدام الملك، ولهذا وجب عليها الحد   [البناية] الآن م: (فإن كانت الحرمة مؤقتة فالحرمة لغيره) ش: لا بعينه. م: (وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يشترط أن تكون الحرمة المؤبدة ثابتة بالإجماع) ش: كموطوءة أبيه بالنكاح أو بملك اليمين، ثم اشتراها الابن فوطئها فلا يحد قاذفه لسقوط إحصان الواطئ بالوطء على التأبيد بالإجماع. وكذلك إذا تزوج أختين أو تزوج امرأة وعمتها أو خالتها أو تزوج أمة على حرة أو جمعهما في العقدة فوطئها فلا حد على قاذفه لما قلنا م: (أو بالحديث المشهور) ش: أو تكون الحرمة المؤبدة ثابتة بالحديث المشهور، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نكاح إلا بشهود» ، وكل الشراح ذكروا أن الحديث المشهور الذي ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا نكاح إلا بشهود» ، وقد ذكرنا في أول النكاح أن الحديث غريب بهذا اللفظ. واستيفاء الكلام فيه هناك م: (لتكون ثابتة من غير تردد) ش: أي ليكون ثابتا من غير تردد ويكون الحد ثابتا من غير تردد. م: (بيانه) ش: أي بيان الأصل المذكور في المسائل يذكرها بعد م: (أن من قذف رجلا وطئ جارية مشتركة بينه وبين آخر فلا حد عليه) ش: أي على قاذفه م: (لانعدام الملك من وجه) ش: لأنه في نصيب الشريك زان، فيصير القاذف صادقا في كلامه من وجه. والقذف سقط بالشبهة والإحصان كما يزول بالزنا من وجه، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحد. (وكذلك إذا قذف امرأة) ش: أي وكذلك لا حد على القاذف إذا قذف امرأة م: (زنت في نصرانيتها) ش: ثم أسلمت وقذفها إنسان م: (لتحقق الزنا منها) ش: لأن الزنا حرام في الأديان كلها، والكفار مخاطبون بالعقوبات م: (شرعا) ش: أي من حيث الشرع م: (لانعدام الملك) ش: وهو ظاهر. وفي " المبسوط " وقذف مسلما زنى في حال كفره في دار الحرب أو في دارنا لم يحد قاذفه؛ لأن الزنا يتحقق من الكافر وإن لم يقم عليه الحد فيكون القاذف صادقا، فكان التقيد بالنصرانية اتفاقيا. وعند مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في وجه يحد؛ لأنه قذفه في حال كونه مسلما محصنا لعموم الآية. قلنا قاذفه صادق لما قلنا، وإنما ترتفع بالإسلام الاسم دون حقيقة الزنا م: (ولهذا) ش: أي ولأجل تحقق الزنا من الكفار م: (وجب عليها الحد) ش: أي حد الزنا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 384 ولو قذف رجلا أتى أمته وهي مجوسية أو امرأته وهي حائض أو مكاتبة له فعليه الحد؛ لأن الحرمة مع قيام الملك، وهي مؤقتة، فكانت الحرمة لغيره فلم يكن زنا، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن وطء المكاتبة يسقط الإحصان، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الملك زائل في حق الوطء، ولهذا يلزمه العقر بالوطء، ونحن نقول ملك الذات باق، والحرمة لغيره إذ هي مؤقتة. ولو قذف رجلا وطئ أمته وهي أخته من الرضاعة لا يحد؛ لأن الحرمة مؤبدة، وهذا هو الصحيح. ولو قذف مكاتبا ومات وترك وفاء لا حد عليه؛ لتمكن الشبهة في الحرية لمكان اختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -   [البناية] [قذف رجلا أتى أمته وهي مجوسية] م: (ولو قذف رجلا أتى أمته وهي مجوسية) ش: أي والحال أن هذه مجوسية م: (أو امرأته) ش: أي امرأته وجامعها م: (وهي حائض) ش: أي والحال أنها حائض م: (أو مكاتبة له) ش: أي أو وطئ مكاتبة له أي للواطئ م: (فعليه الحد؛ لأن الحرمة مع قيام الملك، وهي مؤقتة) ش: أي والحرمة مؤقتة [ ... ] والعار على شرف الزوال م: (فكانت الحرمة لغيره فلم يكن زنا) ش: لأن الزنا وطء لم يلاق مالك. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن وطء المكاتبة يسقط الإحصان، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الملك زائل في حق الوطء، ولهذا) ش: أي ولأجل زوال الملك في حق الوطء م: (يلزمه العقر) ش: أي مهر المثل م: (بالوطء، ونحن نقول ملك الذات) ش: أي ذات المكاتبة م: (باق، والحرمة لغيره) ش: لا بعينه م: (إذ هي مؤقتة) ش: غير مؤبدة، فإن الحرمة تزول بعجزها عن المكاتبة وردوها إلى الرقبة. م: (ولو قذف رجلا وطئ أمته وهي أخته) ش: أي الحال أنها أخته م: (من الرضاعة لا يحد) ش: أي القاذف م: (لأن الحرمة مؤبدة، وهذا هو الصحيح) ش: قيد به لأنه ظاهر الرواية، واحترز به عن رواية الكرخي أنه لا يسقط الحد عن القاذف؛ لأنه وطء في ملك مقارنة التحريم فيه لا يسقط الإحصان كوطء المرأة الحائض والمحرمة والأمة المجوسية والمزوجة والتي ظاهر منها. ولنا أن الحرمة مؤبدة في المقيس، ومؤقتة في المقيس عليه، ولا شك أن المقيس عليه أدنى حالا من المقيس فلا يصح القيام لعدم المماثلة، فجاز أن يسقط الإحصان في الحرمة الأعلى دون الأدنى. م: (ولو قذف مكاتبا ومات وترك وفاء لا حد عليه) ش: صورته في " الجامع الصغير " لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الكافر يموت ويترك فيؤدى وفاء كتابته ويقيم ما بقي بين ورثته الأحرار ثم يقذفه إنسان قال: لا حد على قاذفه أبدا م: (لتمكن الشبهة في الحرية لمكان اختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: فإنهم اختلفوا في حر أو عبد فقال بعضهم مات حرا وهو مذهب علي وعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقال بعضهم مات عبدا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 385 ولو قذف مجوسيا تزوج بأمه ثم أسلم يحد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا حد عليه، وهذا بناء على أن تزوج المجوسي بالمحارم له حكم الصحة فيما بينهم عنده، خلافا لهما، وقد مر في النكاح. وإذا دخل الحربي دارنا بأمان فقذف مسلما حد؛ لأن فيه حق العبد وقد التزم إيفاء حقوق العباد، ولأنه طمع في أن لا يؤذى فيكون ملتزما أن لا يؤذي. وموجب أذاه الحد. وإذا حد المسلم في قذف سقطت شهادته وإن تاب، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تقبل إذا تاب، وهي تعرف في الشهادات. وإذا حد الكافر في قذف لم تجز شهادته على أهل الذمة؛ لأن له الشهادة على جنسه، فترد   [البناية] وهو مذهب زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فاختلافهم أورث شبهة في حد القاذف فقط. [قذف مجوسيا تزوج بأمه ثم أسلم] م: (ولو قذف مجوسيا تزوج بأمه ثم أسلم يحد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا حد عليه) ش: أي على قاذفه. م: (وهذا) ش: أي وهذا الخلاف م: (بناء) ش: أي مبني م: (على أن تزوج المجوسي بالمحارم له حكم الصحة فيما بينهم عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (خلافا لهم) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله م: (وقد مر في النكاح) ش: أي في باب نكاح أهل الشرك، وبقولهما قالت الثلاثة. م: (وإذا دخل الحربي دارنا بأمان فقذف مسلما حد) ش: بإجماع الأئمة الأربعة م: (لأن فيه) ش: أي في حد القاذف م: (حق العبد، وقد التزم) ش: أي الحربي المستأمن م: (إيفاء حقوق العباد) ش: وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا يقول لا يحد المغلب فيه حق الله تعالى، فكان بمنزلة حد الزنا ثم رجع. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الحربي م: (طمع في أن لا يؤذى) ش: بفتح الذال على صيغة المجهول م: (فيكون ملتزما أن لا يؤذي) ش: بكسر الذال على صيغة المعلوم م: (وموجب) ش: بفتح الجيم م: (أذاه) ش: إذا أراه الحد وهو حد القذف. م: (وإذا حد المسلم في قذف سقطت شهادته وإن تاب. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تقبل إذا تاب) ش: وبه قال مالك والليث وعثمان - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، والمحدود في الزنا والشرب أو السرقة تقبل شهادته بالاتفاق إلا عند الحسن بن حي والأوزاعي -رحمهما الله. فإن كان عندهما لا تقبل شهادته من حد في الإسلام في قذف أو غيره أبدا، كذا ذكره أبو بكر الرازي في " شرح الطحاوي " م: (وهي تعرف الشهادات) ش: أي هذه المسألة الخلافية تعرف في كتاب الشهادات. م: (وإذا حد الكافر في قذف لم تقبل شهادته على أهل الذمة؛ لأن له الشهادة على جنسه فترد تتمة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 386 تتمة لحده، فإن أسلم قبلت شهادته عليهم وعلى المسلمين؛ لأن هذه شهادة استفادها بعد الإسلام فلم تدخل تحت الرد، بخلاف العبد إذا حد حد القذف، ثم أعتق حيث لا تقبل شهادته؛ لأنه لا شهادة له أصلا في حال الرق، فكان رد شهادته بعد العتق من تمام حده، فإن ضرب سوطا في قذف ثم أسلم ثم ضرب ما بقي جازت شهادته؛ لأن رد الشهادة متمم للحد، فيكون صفة له. والمقام بعد الإسلام بعض الحد، فلا يكون رد الشهادة صفة له. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ترد شهادته إذ الأقل تابع للأكثر   [البناية] لحده، فإن أسلم قبلت شهادته عليهم) ش: أي على أهل الذمة م: (وعلى المسلمين؛ لأن هذه شهادة استفادها بعد الإسلام، فلم تدخل تحت الرد) ش: يعني هذه الشهادة غير تلك الشهادة الموجودة، إذ بالإسلام حصل له عدالة الإسلام، فلما كانت هذه غيرها ولم يلحقها قبلت على أهل الإسلام، ثم على أهل الذمة تبعا لهم. م: (بخلاف العبد) ش: جواب عما يقال العبد إذا قذف فضرب الحد ثم أعتق لا تقبل شهادته، فكيف قبلت شهادة الكفر إذا أسلم فأجاب بقوله بخلاف العبد م: (إذا حد حد القذف ثم أعتق حيث لا تقبل شهادته؛ لأنه) ش: أي لأن العبد م: (لا شهادة له أصلا في حال الرق، فكان رد شهادته بعد العتق من تمام حده) ش: بيانه أن العبد لا شهادة له أصلا في حال رقه، فلا بد في حد القذف رد الشهادة، وإنما يحصل شهادة العبد بعد العتق فيرد؛ لأنه تتمة الحد. أما الكفر فله شهادة على جنسه فرد بالحد ثم بعد الإسلام حدثت شهادة أخرى لم يلحقها رد فقبلت. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإن ضرب سوطا) ش: أي وإن ضرب القاذف الكافر سوطا م: (في قذف ثم أسلم ثم ضرب ما بقي جازت شهادته؛ لأن رد الشهادة متمم للحد، فيكون صفة له) ش: أي للحد م: (والمقام) ش: بضم الميم، أي الذي يقام م: (بعد الإسلام بعض الحد، فلا يكون رد الشهادة صفة له) ش: أي للحد واعترض بأن المقام بعد الإسلام إن كان بعض الحد، فالمقام قبل الإسلام كذلك. فكان لا يكون رد الشهادة صفة لما أقيم بعد الإسلام كذلك لا يصح أن يكون صفة لما أقيم بعد الإسلام بل جعل صفة لما أقيم بعد الإسلام أولى، لما أن العلة إذا كانت ذات وصفين، فاعتبار وصف الأخير على ما عرف في موضعه. والجواب: أما لم يجعل الرد صفة لا للقيام قبل الإسلام ولا للمقام للقيام بعده. وإنما قلنا إن الرد صفة للحد، والحد ثمانون، فلم يوجد، فلم يترتب القيمة. وقيل في الجواب: النص ورد بالأمر بالحد والنهي عن قبول الشهادة، وكل واحد منهما غير مرتب على الآخر نصا فيتعلق كل واحد منهما لما يكن، والممكن زمان التي رد شهادة قائمة للحال فيتقيد به م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ترد شهادته إذ الأقل تابع للأكثر) ش: الأقل هو المبسوط الموجود قبل الإسلام، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 387 والأول أصح. قال: ومن قذف أو زنى أو شرب غير مرة فحد، فهو لذلك كله، أما الآخران   [البناية] والأكثر هو الموجود في الإسلام أعني تسعة وسبعين سوطا، فصار كأن الثمانين وجد بعد الإسلام وهذه رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الصغير " روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذا ثلاث روايات روي عنه إذا ضرب سوطا في الإسلام لا تقبل شهادته، وعنه إذا ضرب الأكثر في الإسلام بطلت شهادته، وعنه ما لم يضرب كل في الإسلام لا تبطل شهادته، وهو المعروف وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وكذا إذا ضرب المسلم بعض الحد ثم يضرب فيه ثلاث روايات في ظاهر الروايات ما لم يضرب جميع الحد لا تبطل شهادته. وفي رواية يبطل بضرب سوط. وفي رواية لا يبطل ما لم يضرب الأكثر م: (والأول أصح) ش: أي جواز الشهادة. [الحد على من شرب أو زنى أو قذف غير مرة] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن شرب أو زنى أو قذف غير مرة) ش: أي غير مرة أو زنى غير مرة أو قذف غير مرة قوله غير مرة ليس بقيد لقوله أو قذف وحده بل للكل م: (فحد فهو لذلك كله) ش: أي فهذا الحد يقع للجميع كله، وبه قال مالك والثوري وابن أبي ليلى والشعبي والزهري والنخعي وقتادة وحماد وطاووس وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول. وفي " المبسوط ": ولو قذف الجماعة بكلمة واحدة بأن قال إنها الزنات أو كلمات متفرقة بأن قال: يا زيد أنت زان، ويا عمرو أنت زان، ويا خالد أنت زان لا يقام عليه إلا حد واحد عندنا. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن قذفهم بكلام واحد فكذلك الجواب. ولو قذفهم بكلمات أو لواحد مرات يجب لكل قذف حد عنده، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. أما الأولان قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أما الأولان أي حد الشرب وحد الزنا قال الأترازي: الأخريان، وهذه نفي النسخة الصحيحة تحقيقا وسماعا. وفي بعض النسخ قال: أما الأول فذاك ليس بشيء أما التفصيل لأنه ذكر أولا ثلاثة أشياء: القذف، والزنا، والشرب على الترتيب، ثم قال الأخريان، وأراد بهما الزنا والشرب، انتهى. قلت: ما حمله على هذا الكلام إلا أن نسخة كانت هكذا ومن قذف أو زنى أو شرب فكذلك مع أن يقال أما الأولان بل الصحيح أما الأولان النسخة الصحيحة ومن شرب أو زنى أو قذف مسلما ذكرنا، وكذا كانت نسخة شيخنا علاء الدين كان آية تحقيق " الهداية "، وكذلك كلام الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يشير إلى هذا. ومع هذا قال الأترازي: لو قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أما الآخران) ش: بلفظ بالبدل التذكير سور الخاء كان أولى لأن الزنا والشرب مذكور، فيصح اللفظ، بل تأويل يعني ما قال يحتاج إلى التأويل بأن يقال العلتان الأخريان أو الخصلتان، انتهى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 388 فلأن المقصد من إقامة الحد حقا لله تعالى الانزجار واحتمال حصوله بالأول قائم فيتمكن شبهة فوات المقصود في الثاني، وهذا بخلاف ما إذا زنى وقذف وسرق وشرب؛ لأن المقصود من كل جنس غير المقصود من الآخر، فلا يتداخل. وأما القذف فالمغلب فيه عندنا حق الله فيكون ملحقا بهما. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن اختلف المقذوف به وهو الزنا لا يتداخل؛ لأن المغلب فيه حق العبد عنده.   [البناية] قلت: لو كانت نسخة مثلها ذكرنا لما احتاج إلى هذه التكلفات م: (فلأن المقصد من إقامة الحد حقا لله تعالى الانزجار) ش: أي فلأن القصد الكلي من إقامة الحد حال كونه حقا لله تعالى أو لأجل حق الله تعالى يحصل الانزجار للمقذوف حتى لا يباشره في المستقيد ويرتدع أيضا. م: (واحتمال حصوله) ش: أي حصول المقصد، وهو الانزجار م: (بالأول) ش: أي بالحد الأول م: (قائم فيتمكن شبهة فوات المقصود في الثاني) ش: أي في الحد الثاني، حاصله أن الثاني يتعطل عما هو المقصود، وهو الانزجار والحدود تندرئ بالشبهات، بخلاف ما إذا زنى فحد، ثم زنى يجب حد آخر للنفس المتيقن بعد الانزجار م: (وهذا بخلاف ما إذا زنى وقذف وسرق وشرب؛ لأن المقصود من كل جنس) ش: من هذه الأشياء م: (غير المقصود من الآخر) ش: فحد الزنا لصيانة الإنسان، وحد القذف لصيانة الأعراض وحد السرقة لصيانة الأموال وحد الشرب لصيانة العقول. وإذا كان الأمر كذلك م: (فلا يتداخل) ش: بل يقام لكل واحد منهما ما يقتضي حده. م: (وأما القذف فالمغلب فيه حق الله تعالى عندنا، فيكون ملحقا بهما) ش: أي بحد الزنا والشرب، قاله الأترازي. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ملحقا بهما، أي بحد الزنا والسرقة. قلت: المذكور بغير لفظ قذف ثلاثة، فكيف يرجع ضمير التثنية إلى الثلاثة، والظاهر أن قوله بهما يرجع إلى السرقة والشرب؛ لأنهما أقرب المذكور. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن اختلف المقذوف) ش: كزيد وعمرو م: (والمقذوف به) ش: أي واختلف المقذوف كقذف زيد بزناه من مختلفين. قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني زنيت بفلانة ثم قال: زنيت بفلانة الأخرى م: (وهو الزنا) ش: أي المقذوف به هو الزنا م: (لا يتداخل لأن المغلب فيه) ش: أي في الزنا م: (حق العبد عنده) ش: أي عند الشافعي وقد مر الكلام فيه. فروع: لو قال فجرت بفلانة أو قال جامعتها حراما لا حد عليه لم يقذفها بالزنا؛ لأن الجماع يكون نكاح فاسد. ولو قال لامرأة زنيت بحمار أو بعير أو ثور لا يحد؛ لأن معناه أولج فيك حمار. ولو صرح لا يحد. لو قال: زنيت بناقة أو بدراهم أو شرب يحد؛ لأن معناه زنيت وأخذ هذا. ولو قال: هذا الرجل لا يحد كل هذه من المسائل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 389 فصل في التعزير ومن قذف عبدا أو أمة أو أم ولد أو كافرا بالزنا عزر؛ لأنه جناية قذف وقد امتنع وجوب الحد لفقد الإحصان، فوجب التعزير   [البناية] [فصل في التعزير] [التعزيرتعريفه ومشروعيته] م: (فصل في التعزير) ش: أي هذا فصل في بيان حكم التعزير، والتعزير تأديب، وهو الحد من أعزر وهو الردع، ويجيء التعزير بمعنى التعظيم، والضمير كما في قَوْله تَعَالَى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] (النساء: الآية 34) ، أمر بضرب الزوجات تأديبا وتهذيبا، وبالنية قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ترفع عصاك عن أهلك» . «وروي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عزر رجلا قال لغيره: يا مخنث» وعنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «من علق سوطه حيث يراه أهله» ، وبإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وبالمعنى وهو أن الزجر عن الجنايات وهو الأفعال واجب تعليلا لها والتقدير صالح الزجر فيكون شروعا. وذكر التمرتاشي عن الوصي وليس فيه شيء مقدر بل يفوض إلى رأي القاضي لأن المقصود منه الزجر، وأحوال الناس مختلفة فيه. فمنهم من يزجر بالنصيحة ومنهم من يحتاج إلى اللطمة وإلى الضرب. ومنهم من يحتاج إلى الحبس، وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التعزير على مرات التعزير أشراف الأشراف، وهما العلماء والعلوم وبالإعلام، وهو أن يقول له القاضي، بلغني أنك تفعل كذا، فلا يفعل فيسير جوابه، وتعزير الأشراف وهم الأمراء، والدنيا بالإعلام والجذب إلى باب القاضي والخصومة في ذلك. وتعزير الأوساد وهم السوقة بالأعلام والحر والحبس وتعزير الأحياء بهذا كله، وبالضرب عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز تعزير السلطان بأخذ المال عندنا والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك وأحمد رحمهما الله لا يجوز بأخذ المال. وعن التمرتاشي يجوز إقامة التعزير الذي يجب حقا لله تعالى، فكل أحد فعليه النيابة. وسئل الهمداني - رَحِمَهُ اللَّهُ - عمن وجد رجلا مع امرأة أيحل له قتله؟ قال: إن كان يعلم أنه ينزجر عن الزنا بالصياح والضرب بما دون السلاح. وإن علم أنه لا ينزجر إلا بالقتل حل له قتله، وإن طاوعته المرأة يحل قتلها أيضا. وقال التمرتاشي: وهذا تنصيص على أن التعزير يملكه الإنسان، وإن لم يكن مما صرح في " المنتقى " بذلك، بهذا يجوز للمولى أن يعزر عبده أو أمته. [حيث فقد الحد وجب التغزير] م: (ومن قذف عبدا أو أمة أو أم ولد أو كافرا بالزنا عزر) ش: هذه مسألة القدوري. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه جناية قذف، وقد امتنع وجوب الحد لفقد الإحصان، فوجب التعزير) ش: بإجماع الأئمة الأربعة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وأكثر العلماء. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 390 وكذا إذا قذف مسلما بغير الزنا فقال: يا فاسق أو يا كافر أو خبيث أو يا سارق؛ لأنه أذاه وألحق الشين به، ولا مدخل للقياس في الحدود، فوجب التعزير، إلا أنه يبلغ بالتعزير غايته في الجناية الأولى؛ لأنه من جنس ما يجب به الحد. وفي الوجه الثاني الرأي إلى الإمام. ولو قال: يا حمار أو يا خنزير لم يعزر؛ لأنه ما ألحق الشين به للتيقن بنفيه.   [البناية] وعن داود يجب الحد على قاذف العبد. وعن ابن المسيب وابن أبي ليلى: يحد قاذف ذمية لها ولد مسلم. م: (وكذا) ش: أي وكذا يجب التعزير م: (إذا قذف مسلما بغير الزنا فقال يا فاسق أو يا كافر أو خبيث أو يا سارق؛ لأنه أذاه وألحق الشين به) ش: وكذا لو قال: يا نصراني أو يا ابن النصراني أو يا لوطي، أو يا من يعمل عمل قوم لوط، أو يا من يلعب بالصبيان، يا آكل الربا، يا شارب الخمر، يا ديوث، يا فاجر، يا منافق، يا مخنث، يا خائن، يا ابن القحبة، يا زنديق، يا فوطان، يا مأوى الزواني أو اللصوص عزر في ذلك كله. وفي يا لوطي سئل عن نيته، إن أراد به أنه من قوم لوط فلا شيء عليه، وإن أراد أنه يعمل عمل قوم لوط إما فاعلا أو مفعولا به فعليه الحد عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد وأحمد ومالك والشافعي والحسن والنخعي والزهري وأبي ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -؛ لأنه قذف بما يوجب الحد، كما لو قذفه بالزنا. وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا حد عليه ويعزر، وبه قال قتادة وعطاء. والصحيح أنه إذا كان عفيفا يعذر. وفي " فتاوى الولوالجي " ولو قال: يا فاجر أو يا ابن الفاجرة الفاسقة عليه التعزير فقط. م: (ولا مدخل للقياس في الحدود، فوجب التعزير) ش: أراد أنه لم يأت نص بالحد في الأشياء المذكورة. وفي القياس ليس له دخل في الحدود؛ لأنها من المقدمات الشرعية، فإذا كان كذلك وجب التعزير لأجل الردع كما ذكرناه عن قريب. م: (إلا أنه) ش: أي عين أن الشأن م: (يبلغ) ش: من التبليغ فيتبعه المجهول م: (بالتعزير غايته في الجناية الأولى) ش: أي فيما إذا قذف غير المحصن بالزنا م: (لأنه) ش: أي لأن القذف بالزنا م: (من جنس ما يجب به الحد) ش: أي في المحصن. م: (وفي الوجه الثاني) ش: أي فيما قذف المحصن، يعني الزنا كالفسق والكفر م: (الرأي إلى الإمام) ش: يرى فيه بما يقتضيه حال القاذف وحال القذف. م: (ولو قال يا حمار أو يا خنزير لم يعزر؛ لأنه ما ألحق الشين به للتيقن بنفيه) ش: فإنه يعلم أنه آدمي، وليس بحمار، وإن القاذف كاذب، وكذا لو قال يا معز، أو يا بقر، أو يا خنزير، أو يا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 391 وقيل في عرفنا يعزر؛ لأنه يعد سبا. وقيل: إن كان المسبوب من الأشراف كالفقهاء والعلوية يعزر؛ لأنه يلحقهم الوحشة بذلك، وإن كان من العامة لا يعزر، وهذا حسن. والتعزير أكثره تسعة وثلاثون سوطا، وأقله ثلاث جلدات. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يبلغ التعزير خمسا وسبعين سوطا   [البناية] دب، أو يا حجام، أو يا مؤاجر، أو يا عيار، أو يا ماكر، أو يا سكوين، أو يا سخرة، أو يا ضحكة، أو يا بمجال، أو يا ولد الحرام، أو يا أبله، لم يعزر، وقيل يعزر وبه قالت الثلاثة. وقال في " الأجناس ": لو قال يا ابن القرطبان عليه التعزير؛ لأنه هو الذي يعم رجلا بامرأته رجاء أن يصيب منه مالا. قال: قوله بقرطبان الذي يرجو أن يدخل الرجال على نسائه. وقال القرطبان والكحان لم أرهما في كلام العرب ومعناهما عند العامة مثل الديوث أو قريبا منه والديوث الذي يدخل الرجل على امرأته، ولهذا قال أحمد في الكحان: يعزر، وبه قال أصحابنا. ولو قال يا بليد، يا قذر يعزر. ولو قال: يا سفيه يعزر، ولو قال يا ابن الأسود وأبوه ليس كذلك، أو قال: أنت حجام أو أنت مفسد، أو قال: قول الهند " أوان لأنه بعديا ". م: (وقيل: في عرفنا يعزر؛ لأنه يعد سبا) ش: أي لأن قوله يا حمار أو يا خنزير يعد سبا، أي شتما م: (وقيل إن كان المسبوب من الأشراف كالفقهاء والعلوية يعزر؛ لأنه يلحقهم الوحشة بذلك، وإن كان) ش: أي المسبوب م: (من العامة لا يعزر، وهذا) ش: أي وهذا القول م: (حسن) ش: وهو قول المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [أقل التعزير وأكثره] م: (والتعزير أكثره تسعة وثلاثون سوطا، وأقله ثلاث جلدات) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في آخره. وقال: في العبد تسعة عشر سوطا. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا حد لأكثره فيجوز للإمام أن يزيد التعزير على الحد إذا رأى المصلحة في ذلك، لما روي أن معن بن زائدة عمل خاتما على نقش خاتم بيت المال، ثم جاء به لصاحب بيت المال فأخذ منه مالا فبلغ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فضربه مائة وحبسه وكلم فيه فضربه مائة أخرى، فكلم فيه من بعد فضربه مائة أخرى ونفاه. وروى أحمد بإسناده أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أتى بالنجاشي قد شرب خمرا في رمضان فجلده ثمانين للشرب، وعشرين سوطا لفطره في رمضان، ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من بلغ حدا في حد غيره حد، فهو من المعتدين» ويجيء الآن. وحديث معن يحتمل أنه كانت له ذنوب كثيرة فأدب على حيضها أو تكرر منه، أو كان ذنبه مهملا على باب أحدهما تزوير والثاني أخذ المال من بيت المال بغير حقه. والثالث فتحه باب هذه الحيلة لغيره، وغير هذا. وأما حديث النجاشي فأن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضربه الحد لشربه ثم عزره عشرين. م: (وقال) ش: أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يبلغ التعزير خمسا وسبعين سوطا) ش: وهذا ظاهر الرواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ألا ترى ما نقل صاحب " الأجناس " عن الحدود الجزء: 6 ¦ الصفحة: 392 والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين» .   [البناية] الأصل: لا في التعزير ويضرب المضروب قائما، وأقله ثلاثة وأكثره تسعة وثلاثون لا يبلغ أربعين سوطا في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يبلغ عنه خمسة وسبعين سوطا، ثم قال في " نوادر " هشام عن أبي يوسف رحمهما الله: تسعة وسبعين سوطا، لكن هذا في تعزير الحر. وأما في تعزير العبد قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينقص خمسة عن أربعين، كذا ذكره صاحب " التحفة ". وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ظاهر الرواية مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي رواية قوله مع أبي يوسف كذا ذكره في " المختلف " وقول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " النوادر ". وذكر في " شرح الأقطع " زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (والأصل فيه) ش: أي في هذا الباب م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من بلع حدا في غير حد فهو من المعتدين» هذا الحديث أخرجه البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن خالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النعمان بن بشير. وقال في " المحصول " مرسل، ورواه محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب الآثار " مرسلا. وقال في " التنقيح " رواه ابن ماجه في " سننه " حدثنا محمد بن حصين الأصبحي ثنا عمرو بن علي المقدمي حدثنا معمر عن خالد بن الوليد عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بلغ ...... الحديث. قوله. من بلغ قال صاحب " النهاية ": بلغ بالتخفيف هو السماع، وهكذا ذكر في " الفوائد الظهيرية "، فإنه قال بلغ بالتخفيف، أي كما في بلغ المكان، أي إياه، فصار تقدير الحديث من أتى حدا في موطن لا يجب الحد فهو من المعتدين. وهكذا نقل عن العلامة شمس الأئمة الكردي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، هكذا ذكر في " الكافي ". وفي " المغرب ": التنقيل إن صح على حذف المفعول الأول كما في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فليبلغ الشاهد الغائب» . وقَوْله تَعَالَى: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] (المائدة: الآية67) ، على حذف المفعول الثاني. والتعزير من بلغ التعزير حدا وإنما حسن الحذف لدلالة قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في غير حد ولهذا قالوا لا يجوز تبلغ غير الحد. وقيل التخفيف أولى لعدم الحاجة إلى الإضمار. وفي " الفوائد المختارية " بالتشديد معناه أن لا يبلغ الحد غير الحد، وهذا غير مستقيم، وفيه تأمل؛ لأن هذا على تقدير حذف المفعول الثاني. فأما على تقدير حذف المفعول الأول كما ذكر في " المغرب " مستقيم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 393 وإذا تعذر تبليغه حدا، فأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله نظرا إلى أدنى الحد، وهو حد العبد في القذف، فصرفاه إليه وذلك أربعون، فنقصا منه سوطا. وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبر أقل الحد في الأحرار، إذ الأصل هو الحرية، ثم نقص سوطا في رواية عنه، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو القياس. وفي هذه الرواية نقص خمسة، وهو مأثور عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقلده ثم قدر الأدنى في الكتاب بثلاث جلدات؛ لأن ما دونها لا يقع به الزجر. وذكر مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أن أدناه على ما يراه الإمام يقدر بقدر ما يعلم أنه ينزجر؛ لأنه يختلف باختلاف الناس.   [البناية] م: (وإذا تعذر تبليغه حدا) ش: أي تبليغ التعزير، حدا هو منصوب على أنه مفعول المصدر المضاف إلى فاعله م: (فأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله نظرا إلى أدنى الحد، وهو حد العبد في القذف، فصرفاه إليه) ش: أي صرف أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله التعزير إلى حد العبد م: (وذلك) ش: أي حد العبد في القذف م: (أربعون، فنقصا منه) ش: أي من الأربعين م: (سوطا) . م: (وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبر أقل الحد في الأحرار، إذ الأصل هو الحرية، ثم نقص سوطا في رواية عنه) ش: أي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي نقص السوط الذي هو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهو القياس) ش: لأن الحاجة ماسة إلى إظهار التعارف بين الحد والتعزير، وبنقص الواحد يقع التعارف. م: (وفي هذه الرواية) ش: أي رواية القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهي رواية " الجامع الصغير " أيضاَ م: (نقص خمسة، وهو مأثور) ش: أي مروي م: (عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي ابن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهذا غريب. وذكره البغوي في " شرح السنة " عن ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولم يتعرض أحد من الشراح إلى بيان أصل هذا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (فقلده) ش: أي فقلد أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (ثم قدر الأدنى في الكتاب) ش: أي قدر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أدنى التعزير في " مختصره " م: (بثلاث جلدات؛ لأن ما دونها لا يقع به الزجر) ش:. م: (وذكر مشايخنا) ش: في شروح الجامع الصغير م: (أن أدناه) ش: أي أدنى التعزير م: (على ما يراه الإمام يقدر) ش: يجتهد في ذلك، وتقديره م: (بقدر ما يعلم أنه ينزجر؛ لأنه) ش: أي لأن التعزير م: (يختلف باختلاف الناس) ش: لأن الناس يتعاونون، فواحد ينزجر بأدنى ضربات ويعتبر به، ولا ينزجر بأحيان ذلك الآخر. وروي مثل ذلك عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولهذا قال في " الأجناس " قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التعزير إن رأى القاضي أن يحبسه ولا يضربه فعل ذلك، وهو إلى الولي يعمل فيه برأيه، وعلى الوالي أن يجتهد في ذلك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 394 وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه على قدر عظم الجرم وصغره، وعنه أنه يقرب كل نوع من بابه فيقرب اللمس والقبلة من حد الزنا والقذف بغير الزنا من حد القذف. قال: وإن رأى الإمام أن يضم إلى الضرب في التعزير الحبس فعل؛ لأنه صلح تعزيرا، وقد ورد الشرع به في الجملة، حتى جاز أن يكتفى به، فجاز أن يضم إليه   [البناية] م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن التعزير م: (على قدر عظم الجرم وصغره) ش: هذه رواية أبي سليمان بإملائه، ذكره الناطفي في كتاب " الأجناس ". قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - التعزير على قدر عظم الجرم وصغره، وعلى قدر ما يرى الحاكم في ذلك، وعلى قدر احتمال المضروب، لضعف بدنه يتحرى في ذلك. وقال في " نوادر ابن رستم " عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الرجل شتم الناس إن كان له مروءة وعظ، وإن كان دون ذلك حبس، وإن كان ساما ضرب وحبس. قال: والمروءة عندي في الدين والصلاح. قال في " خلاصة الفتاوى ": سمعته من ثقة أن التعزير بأخذ المال إن رأى القاضي أو الوالي جاز، ومن جملة ذلك رجل لا يحضر الجماعة يجوز تعزيره بأخذ المال، إلى هنا لفظ " الخلاصة ". م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه يقرب كل نوع من بابه) ش: أي يقرب كل نوع من باب الجرم في باب التعزير، ويوضح ذلك بقوله م: (فيقرب اللمس والقبلة من حد الزنا) ش: يعني يعزر في اللمس الحرام والقبلة الحرام أكثر جلدات التعزير م: (والقذف بغير الزنا) ش: أي يقرب القذف بغير الزنا، لقوله يا كافر، ويا خبيث م: (من حد القذف) ش: فيضرب أقل جلدات التعزير. وفي " شرح الأقطع ": لو شهدوا عند الإمام على أحد أنه قبل أجنبية أو لها رومي، أي شجاع عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه على قدر ما يراه الإمام في كل نوع فانقذف بغير الزنا يقرب من حد القذف أو شرب الخمر من شرب الخمر والوطء فيما دون الفرج يقرب من حد الزنا يعتبر كل شيء بموجده. [التعزير يخضع لاجتهاد الإمام] م: (وإذا رأى الإمام أن يضم إلى الضرب في التعزير الحبس فعل؛ لأنه) ش: أي الحبس م: (صلح تعزيرا، وقد ورد الشرع به في الجملة) ش: أي الحبس. وروى الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حدثنا علي بن سعيد الكندي وقال حدثنا ابن المبارك عن معمر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حبس رجلا في تهمة ثم خلى عنه» م: (حتى جاز أن يكتفى به) ش: أي الحبس م: (فجاز أن يضم إليه) ش: أي يضم الحبس إلى الضرب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 395 ولهذا لم يشرع في التعزير بالتهمة قبل ثبوته، كما شرع في الحد؛ لأنه من التعزير. قال: وأشد الضرب التعزير؛ لأنه جرى التخفيف فيه من حيث العدد فلا يخفف من حيث الوصف، كيلا يؤدي إلى فوات المقصود، ولهذا لم يخفف من حيث التفريق على الأعضاء. قال: ثم حد الزنا لأنه ثابت بالكتاب   [البناية] م: (ولهذا) ش: الإيضاح أن الحبس يصلح للتعزير فيما يجب فيه التعزير م: (لم يشرع) ش: أي الحبس م: (في التعزير بالتهمة) ش: أي بسبب التهمة م: (قبل ثبوته) ش: بأن شهد شاهدان مستوران على أنه قذف محصنا، فقال: يا فاسق أو يا كافر فلا يحسب التهم قبل تعزير الشهود م: (كما شرع) ش: أي الحبس م: (في الحد) ش: بسبب التهمة؛ لأن في باب الحد شيئا آخر فوق الحبس، وهو إقامة الحد عند وجود موجبه، فيجوز أن يحبس في تهمة لتناسب إقامة العقوبة الأدنى بمقابلة الذنب الأدنى. وفي باب الأموال والتعزير لا يحبس بالتهمة لأن الأقصى فيها عقوبة الحبس، فلو حبست بالتهمة فيهما لكان إقامة التوبة الأعلى مقابلة الذنب الأدنى، وهو مما يأباه الشرع م: (لأنه) ش: أي لأن الحبس م: (من التعزير) ش: والتعزير لم يشرع بالتهمة لما ذكرنا. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وأشد الضرب التعزير؛ لأنه جرى التخفيف فيه من حيث العدد، فلا يخفف من حيث الوصف كيلا يؤدي إلى فوات المقصود) ش: هو الزجر. واختلف المشايخ في شدته، قال في " شرح الطحاوي ": وقال بعضهم وهو المجمع في عضو لجمع الأسواط في عضو واحد، ولا يفرق على الأعضاء بخلاف سير الحد. وقال بعضهم: لا بل شدته في الضرب لا في الجمع. وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أشد الضرب ضرب الزاني، ثم حد القذف ثم التعزير. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - كلها سواء. وقال الحاكم - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في " الكافي " وضرب التعزير أشد من ضرب الزنا، وضرب الزاني أشد من ضرب الشارب، وضرب الشارب أشد من ضرب القاذف، وضرب القاذف أحق من جميع ذلك، ويجوز في سائره، إلا أن في حد القذف فإنه يضرب وعليه ثيابه. م: (ولهذا) ش: أي ولكون التخفيف في التعزير من حيث العدد دون الوصف م: (لم يخفف من حيث التفريق على الأعضاء، قال) ش: لأنه جرى النقصان من حيث العدد، فلو جرى التخفيف من حيث التفريق لفات المقصود، وهو الزجر. وذكر في " المبسوط ": ولهذا يجرد ويعزر في إزار واحد. وعند الأئمة الثلاثة حكم ضرب التعزير حكم ضرب الزنا، وذكر في " المحيط " أن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر في حدود الأصل أن التعزير يفرق على الأعضاء، ولا يضرب العضو الذي لا يضرب في الزنا. وذكر في أشربة الأصل يضرب التعزير في موضع واحد. م: (ثم حد الزنا) ش: أي أشد من ضرب الشارب م: (لأنه ثابت بالكتاب) ش: والسنة، وسببه وهو الزنا من أعظم الذنوب، ولهذا شرع فيه أعظم العقوبات، وهو الرجم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 396 وحد الشرب ثبت بقول الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولأنه أعظم جناية حتى شرع فيه الرجم، ثم حد الشرب؛ لأن سببه متيقن به، ثم حد القذف لأن سببه محتمل لاحتمال كونه صادقا، ولأنه جرى فيه التغليظ من حيث رد الشهادة فلا يغلظ من حيث الوصف. ومن حده الإمام أو عزره فمات فدمه هدر. لأنه فعل ما فعل بأمر الشرع، وفعل المأمور لا يتقيد بشرط السلامة كالفصاد والبزاغ، بخلاف الزوج إذا عزر زوجته؛ لأنه مطلق فيه والإطلاقات تتقيد بشرط السلامة كالمرور في الطريق.   [البناية] م: (وحد الشرب ثبت بقول الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: فلذلك كان ضرب دون ضرب الزنا فوق ضرب القذف م: (ولأنه) ش: أي ولأن الزنا م: (أعظم جناية، حتى شرع فيه الرجم ثم حد الشرب؛ لأن سببه) ش: وهو شرب الخمر م: (متيقن به) ش: لأنه ثابت يقينا بالبينة م: (ثم حد القذف؛ لأن سببه محتمل لاحتمال كونه) ش: أي كون القاذف م: (صادقا) ش: في قذفه ولا يقدر على إثبات زنا المقذوف؛ لأنه قل ما يحصل من يشهد على فعل المقذوف كالميل في المكحلة. م: (ولأنه جرى فيه) ش: أي في حد القذف م: (التغليظ من حيث رد الشهادة، فلا يغلظ من حيث الوصف) ش: فلا يغلظ بشدة الضرب وحد القذف أحق في الجمع؛ لأن شارب الخمر قل ما يخلو عن القذف، فيصير كل شارب جامعا بين الشرب والقذف، فيتحقق منه جنايتان ومن القاذف جناية واحدة، فلهذا كان ضربه أحق من ضرب الشارب وإن كان منصوصا عليه. [من مات بسبب التعزير] م: (ومن حده الإمام أو عزره فمات فدمه هدر) ش: يعني لا يجب شيء على الإمام على بيت المال، وبه قال أحمد ومالك رحمهما الله، إلا أن مالكا قال: إذا ضربه تعزيرا مثله لا يضمن. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن. وفي محل الضمان قولان، أحدهما في بيت المال، والثاني على عاقلة الإمام هكذا ذكره الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافه وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أما هدر الدم في الحد فبالإجماع. وأما في التعزير فقد قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن في ماله وفي قوله: في بيت المال م: (لأنه) ش: أي لأن الإمام: (فعل ما فعل بأمر الشرع وفعل المأمور لا يتقيد بشرط السلامة كالفصاد) ش: الذي يقصد م: (والبزاغ) ش: بفتح الباء الموحدة وتشديد الزاي، وفي آخره غين معجمة من بزغ البيطار الدابة من باب منع، أي أسال دمها من قوائمها واسم الحديدة التي يفعل بها ذلك " المبزغ " بكسر الميم، وهو كمشرط الحجامة، وهذا إذا لم يتجاوز الموضع المعتاد فمات أو المبزوغ المقصود لا يلزم الضمان، كذا هنا. م: (بخلاف الزوج إذا عزر زوجته) ش: فماتت يجب عليه ضمان الدية م: (لأنه مطلق فيه) ش: أي مباح فعله م: (والإطلاقات تتقيد بشرط السلامة) ش: فإذا فاتت السلامة يلزم الضمان م: (كالمرور في الطريق) ش: والاصطياد إذا أتلف من ذلك الوجه شيء يلزم الضمان بكونه مقيدا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 397 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب الدية في بيت المال؛ لأن الإتلاف خطأ فيه إذ التعزير للتأديب، غير أنه تجب الدية في بيت المال؛ لأن نفع عمله يرجع إلى عامة المسلمين، فيكون الغرم في مالهم قلنا لما استوفى حق الله بأمره صار كأن الله أماته من غير واسطة، فلا يجب الضمان.   [البناية] بشرط السلامة. بخلاف ما لو جامع امرأته فماتت أو أفضاها حيث لا يضمن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره في " المحيط " مع أنه مباح، فينبغي أن يتقيد بشرط السلامة؛ لأنه ضمن المهر للجماع، فلو وجبت الدية يجب ضمانان بمقابلة فعل واحد ذكر الحاكم - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يضرب امرأته على ترك الصلاة، ويضرب ابنه على تركها. والمعلم إذا أدب الصبي فمات منه يضمن عندنا، وقال مالك وأحمد رحمهما الله لا يضمن الزوج ولا المعلم في التعزير ولا الأب في التأديب والحد والوطء إذا ضربه ضربا معتادا. ولو ضربه ضرباَ شديدا لا ضرب مثله في التأديب يضمن بإجماع الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب الدية في بيت المال) ش: يعني في مسألة الإمام إذا حد وعزره فمات، وقد مر الكلام فيه م: (لأن الإتلاف خطأ فيه، إذ التعزير للتأديب، غير أنه تجب الدية في بيت المال؛ لأن نفع عمله) ش: أي عمل الإمام م: (يرجع إلى عامة المسلمين، فيكون الغرم) ش: أي غرامة الضمان م: (في مالهم) ش: أي في مال المسلمين. م: (قلنا لما استوفى) ش: أي الإمام م: (حق الله تعالى بأمره صار كأن الله أماته من غير واسطة) ش: جلد الجلاد، وإذا كان الأمر كذلك م: (فلا يجب الضمان) ش:. فروع: يصح في التعزير الشهادة على الشهادة، وشهادة النساء مع الرجال [ .... .] ؛ لأنه من حقوق العباد والله تعالى أعلم. تم المجلد السادس من تجزئة المحقق يليه المجلد السابع أوله كتاب السرقة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 398 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كتاب السرقة والسرقة في اللغة عبارة عن أخذ الشيء من الغير على سبيل الخفية والاستسرار، ومنه استراق السمع، قال تعالى: {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} [الحجر: 18] (الحجر: الآية 18) ش: وقد زيدت عليه أوصاف في الشريعة على ما يأتيك بيانه إن شاء الله تعالى. والمعنى اللغوي مراعى فيها ابتداء وانتهاء، أو ابتداء لا غير، كما إذا نقب الجدار على الاستسرار وأخذ المال من المالك مكابرة على الجهار، وفي الكبرى وهو قطع الطريق مسارقة عن الإمام   [البناية] [كتاب السرقة] [نصاب السرقة] م: (كتاب السرقة) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام السرقة. ولما فرغ من ذكر المزاجر المتعلقة بصيانة التعزير شرع في ذكر المزاجر المتعلقة بصيانة الأموال، وصيانة النفس أقدم من صيانة المال، فلذلك أخر كتاب السرقة. م: (والسرقة في اللغة عبارة عن أخذ الشيء من الغير على سبيل الخفية والاستسرار) ش: والسرقة على وزن فعلة، بفتح الفاء وكسر العين، من سرق من باب ضرب يضرب، ولها معنى لغوي، ومعنى شرعي، ومعناها اللغوي هو ما قاله المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: السرقة في اللغة إلى آخره م: (ومنه) ش: أي: ومن المعنى اللغوي م: (استراق السمع) ش: وهو السماع حقيقة م: (قال الله تعالى: {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} [الحجر: 18] (الحجر: الآية 18) ش: معناه: يستمع مستخفياً، ويقال: معناه رام اختلاسه سراً، واسترقت الشياطين من الملائكة كلاماً م: (وقد زيدت عليه) ش: أي: على المعنى اللغوي: م: (أوصاف في الشريعة) ش: أي قيود في المعنى الشرعي م: (على ما يأتيك بيانه إن شاء الله تعالى) ش: أي بيان تلك الأوصاف التي هي القيود. م: (والمعنى اللغوي مراعى فيها) ش: أي أخذ الشيء من الغير على الحقيقة مراعى في السرقة م: (ابتداء وانتهاء) ش: وهي أن توجد الحقيقة ابتداء وانتهاء م: (أو ابتداء لا غير) ش: أي على وجه الحقيقة م: (كما إذا نقب الجدار على الاستسرار) ش: يعني ليلاً على الجدار يعني خفية ثم استيقظ صاحب المال م: (وأخذ المال من المالك مكابرة) ش: يعني مقابلة بالسلاح ومدافعة م: (على الجهار) ش: يعني أخذ المال في الانتهاء. م: (وفي الكبرى) ش: أي في السرقة الكبرى م: (وهو قطع الطريق) ش: هذا جواب عما يقال يرد على ما قلت: قطع الطريق؛ لأنه لم يراع فيه الحقيقة. وقد قلت: المعنى اللغوي في السرقة مراعى. فأجاب بقوله وفي الكبرى؛ أعني: قطع الطريق م: (مسارقة عن الإمام) ش: لأن قاطع الطريق يأخذ المال عن المارة حقيقة عن عين الإمام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3 لأنه هو المتصدي لحفظ الطريق بأعوانه. وفي الصغرى مسارقة عين المالك أو من يقوم مقامه. قال: وإذا سرق العاقل البالغ عشرة دراهم أو ما يبلغ قيمته عشرة دراهم مضروبة من حرز لا شبهة فيه وجب عليه القطع. والأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] الآية (المائدة: الآية 38) ، ولا بد من اعتبار العقل والبلوغ، لأن الجناية لا تتحقق دونهما، والقطع جزاء الجناية ولا بد من التقدير بالمال الخطير؛ لأن الرغبات تفتر في الحقير، وكذا إذ أخذه لا يخفى فلا يتحقق ركنه   [البناية] الذي يحفظ الطريق م: (لأنه هو المتصدي لحفظ الطريق بأعوانه) ش: وهو جمع عون، وهو الظهير والمرء بأعوانه رجاله الذين في خدمته وصدهم لحفظ الطريق. م: (وفي الصغرى) ش: أي وفي السرقة الصغرى م: (مسارقة عين المالك) ش: الذي هو الحافظ م: (أو من يقوم مقامه) ش: أي أو مسارقة عين من يقوم مقام المالك، سواء كان صاحب أمانة أو ضمان لمستعير المستأجر والمودع والمرتهن والمضارب والفاجر. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا سرق العاقل البالغ عشرة دراهم أو ما يبلغ قيمته ش: أي: أو سرق ما يبلغ قيمته م: (عشرة دراهم مضروبة من حرز لا شبهة فيه وجب عليه القطع) ش: إلى هنا لفظ القدوري. م: (والأصل فيه) ش: أي في وجوب القطع م: قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] الآية (المائدة: الآية 38) ش: أي الذي يسرق والتي تسرق فاقطعوا أيديهما باتفاق العلماء، وهو جعل لتناول المال غير المحروز الشيء التافه الذي لا قيمة له. والحديث وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يقطع السارق إلا في المحرز» على ما يجيء بيان الحديث م: (ولا بد من اعتبار العقل والبلوغ؛ لأن الجناية لا تتحقق دونهما) ش: أي دون العقل والبلوغ، وإنما خص المجنون والصبي؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل» م: (والقطع جزاء الجناية) ش: فلا تثبت الجناية على المجنون والصبي - والقطع عقوبة - وهما ليسا من أهل العقوبة. م: (ولا بد من التقدير بالمال الخطير) ش: أي الذي له قيمة، وضد الخطير الحقير م: (لأن الرغبات تفتر في الحقير) ش: الرغبات جمع رغبة، وهو مصدر رغب عن الشيء رغباً ورغبة، وإذا أراده ورغب عنه لم يرده، والفتور الضعف والانكسار، المعنى أن الراغب في الشيء لا يرغب في الشيء الحقير. م: (وكذا إذ أخذه لا يخفى) ش: أي وكذا أخذ الشيء الحقير لا يخفى، والذي يأخذه لا يخفيه عن الناس لخفائه، وإذا كان كذلك م: (فلا يتحقق ركنه) ش: أي ركن السرقة، وهو الأخذ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 4 ولا حكمة الزجر؛ لأنها فيما يغلب. والتقدير بعشرة دراهم مذهبنا. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - التقدير بربع دينار، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - بثلاثة دراهم. لهما أن القطع على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كان إلا في ثمن المجن. وأقل ما نقل في تقديره ثلاثة دراهم، والأخذ بالأقل - وهو المتيقن به - أولى غير أن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: كانت قيمة الدينار على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثني عشر درهما ثلاثة ربعها.   [البناية] عن الخفية وتذكير الضمير على تأويل السرقة؛ لأنهما بمعنى م: (ولا حكمة الزجر) ش: أي ولا تتحقق أيضاً حكمة الزجر في أخذ الشيء الحقير م: (لأنها) ش: أي لأن حكمة الزجر م: (فيما يغلب) ش: أي وقوعها، وكذلك في المال الخطير. م: (والتقدير) ش: أي تقدير الشيء الذي يقطع به يد السارق م: (بعشرة دراهم مذهبنا) ش: وفيه مذاهب الناس. وقال الحسن وداود والخوارج وابن بنت الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقطع، والقليل والكثير؛ لعموم الآية؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده ويسرق البيضة فتقطع يده» متفق عليه. وقال ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقطع في أقل من خمسة دراهم. وقال مالك وأحمد - رحمهما الله - يقطع في ربع دينار، أو قدر تلك دراهم. وروي عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - خمسة دراهم. وهو المروي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، كذا في " جامع الترمذي ". وروي عنهما أنه لا يقطع في أقل من أربعين درهماً. وهو غير صحيح. م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - التقدير بربع دينار، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - بثلاثة دراهم. لهما) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن القطع على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كان إلا في ثمن المجن) ش: بكسر الميم وهو الترس [ .... ] به اشتراه صاحبه من جنة الليل وأجنه، أي ستره. واختلفوا في ثمن الذي قطع به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقيل: كان عشرة دراهم، وقيل: ثلاثة دراهم، وقيل: خمسة دراهم، فقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وأقل ما نقل في تقديره ثلاثة دراهم، والأخذ بالأقل - وهو المتيقن به - أولى غير أن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: كانت قيمة الدينار على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثني عشر درهماً ثلاثة ربعها) ش: واحتج بما روى الترمذي عن عمرة، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - موقوفاً ومرفوعاً «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقطع في ربع» . واحتج مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - بما روي عن نافع، عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 5 ولنا أن الأخذ بالأكثر في هذا الباب أولى احتيالا لدرء الحد، وهذا لأن في الأقل شبهة عدم الجناية، وهي دارئة للحد، وقد تأيد ذلك بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لا قطع إلا في دينار أو عشرة دراهم» .   [البناية] رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قطع سارقاً في مجن قيمته ثلاثة دراهم» م: (ولنا أن الأخذ بالأكثر في هذا الباب أولى احتيالاً لدرء الحد) ش: لأن الحدود تندرئ بالشبهات م: (وهذا) ش: أي الأخذ بالأكثر م: (لأن في الأقل) ش: أي في عشرة دراهم م: (شبهة عدم الجناية، وهي) ش: أي الشبهة م: (دارئة للحد) ش: الشبهة، بيان ذلك أن في العشرة يجب القطع بالإجماع، وفيما دونها خلافاً. والأخذ بالمجمع عليه أولى من الأخذ بما فيه خلاف، لأن أدنى درجات الخلاف إيراث الشبهة، والحدود تندرئ بالشبهات. م: (وقد تأيد ذلك) ش: أي ما ذكرنا م: (بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (لا قطع إلا في دينار أو عشرة دراهم) ش: هذا الحديث رواه الطحاوي، قال: حدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني حدثنا [ ..... ] عن منصور عن عطاء، عن ابن أم عزم، عن أم أيمن قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقطع السارق إلا في مجن» وقومت يومئذ على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ديناراً أو عشرة دراهم. وأخرجه البيهقي في " الخلافيات ". وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضاً: حدثنا ابن أبي داود وعبد الرحمن بن عمرو الدمشقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: حدثنا ابن خالد الذهبي قال: حدثنا محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: «كان قيمة المجن الذي قطع فيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم» . رواه أبو داود. وأخرجه الحاكم في مستدركه، وقال صحيح على شرط مسلم وشاهد حديث أيمن. فإن قلت: أيمن هذا عده جماعة من الصحابة وقالوا: إنه قتل يوم حنين ولم يدرك عطاء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فحينئذ فالحديث منقطع. قلت: إن كان أيمن من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعطاء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يدركه لكن يؤيده حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وإن كان تأخرت عن وفاته إلى ما بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما زعم الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكون الحديث منفصلاً، وإن كان من التابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الجزء: 7 ¦ الصفحة: 6 واسم الدراهم ينطلق على المضروبة عرفا، وهذا يبين لك اشتراط المضروب كما قال في الكتاب، وهو ظاهر الرواية، وهو الأصح رعاية لكمال الجناية، حتى لو سرق عشرة تبرا قيمتها   [البناية] على ما زعمه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكون وغيره أيضاً متصلاً محالة، وعد جماعة أيمن من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - منهم ابن إسحاق، وابن سعيد، وأبو القاسم البغوي، وأبو نعيم، وابن المنذر، وابن نافع، وابن عبد البر. ومما يؤيد مذهبنا ما رواه النسائي من حديث عبد الله بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: «كان ثمن المجن على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشرة دراهم» . ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا عبد الأعلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد بن إسحاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تقطع يد السارق في دون ثمن المجن» . قال عبد الله: كان ثمن المجن عشرة دراهم. وأخرج أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مسنده عن الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب به مرفوعاً: «لا تقطع يد السارق في أقل من عشرة دراهم» ، ورواه إسحاق بن راهويه - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مسنده. وروى ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مصنفه حدثنا المثنى بن الصباح، عن عمرو ابن شعيب، عن سعيد بن المسيب، عن رجل من مزينة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما بلغ ثمن المجن قطعت يد صاحبه» ، وكان ثمن المجن عشرة دراهم. وروى الطبراني في " الأوسط " حدثنا محمد بن نوح بن حرب، حدثنا خالد بن مهران، حدثنا أبو قطيح البلخي، عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه، عن عبد الله ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وعن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا قطع إلا في عشرة دراهم» . وروى عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مصنفه أخبرنا الثوري، عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا تقطع اليد إلا في دينار أو عشرة دراهم. م: (واسم الدراهم ينطلق على المضروبة عرفاً) ش: أي ينطلق على المكسورة في عرف الناس، غير المكسورة لا يسمى دراهم في العرف، وتكلم العلماء في الدراهم، هل يشترط عشرة دراهم مضروبة أم لا. ونقل المصنف لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - بلفظ المضروبة كما ذكر عن قريب. م: (وهذا) ش: أشار به إلى قوله: واسم الدراهم ينطلق على المضروبة عرفاً م: (يبين لك اشتراط المضروب، كما قال في الكتاب) ش: كما قال القدوري في مختصره م: (وهو) ش: أي الذي ذكره في الكتاب م: (ظاهر الرواية، وهو الأصح رعاية لكمال الجناية، حتى لو سرق عشرة تبرا قيمتها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 7 أنقص من عشرة مضروبة لا يجب القطع، والمعتبر وزن سبعة مثاقيل؛ لأنه المتعارف في عامة البلاد.   [البناية] أنقص من عشرة مضروبة لا يجب القطع) ش: أي ظاهر الرواية هو الأصح، احترز به عن رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المضروب وغير المضروب سواء، ذكره في " المحيط ". وقال الأترازي: في نقل المصنف عن القدوري نظر؛ لأن الشيخ أبا نصر ذكر ذلك في الشرح الكبير، وهو تلميذ القدوري رواية المختصر، ولم يقيد المضروبة، بل أثبت الرواية بقوله: مضروبة أو غير مضروبة ثم قال: أما قول صاحب الكتاب عشرة دراهم مضروبة أو غير مضروبة فهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثم قال: وروى بشر عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن سماعة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيمن سرق عشرة دراهم تبرا لا يقطع. وقال في " التحفة " ذكر أبو الحسن الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر عشرة دراهم مضروبة، وكذا روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يقطع في عشرة دراهم تبرا لم تكن مضروبة. وروى الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا سرق عشرة مما تروج بين الناس قطع، فهذا يدل على أن التبر إذا كان رائجاً يقطع فيه. إلى هنا لفظ التحفة، يعني اشتراط المضروبة في العشرة لأجل رعاية الكمال في الجناية. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا دليل الأصح يعني في شروط العقوبات يراعى وجودها على صفة الكمال، وبالتبر أنقص من المضروب قيمته، ولهذا شرطنا الجودة، حتى لو سرق زيوفاً أو بنهرجة أو نستوقة لا يجب القطع. ذكره في شرح الطحاوي؛ لأن نقصان الوصف يوجب نقصان المالية كنقصان القدر فأدرك شبهته، حتى لو سرق عشرة تبرا قيمتها أنقص من عشرة مضروبة لا يجب القطع، هذا نتيجة ما قبله، وهو ظاهر. والتبر هو القطع المأخوذ من المعدن. م: (والمعتبر) ش: يعني في عشرة دراهم سبعة مثاقيل من الذهب م: (وزن سبعة مثاقيل؛ لأنه المتعارف في عامة البلاد) ش: وزن الدراهم أربعة قراريط، ووزن الدينار عشرون قيراطاً مائتا درهم وزن مائة وأربعين مثقالاً، وزن كل مثقال درهم وثلاثة أسباع درهم. وقد مر في كتاب الزكاة من هذا؛ لأنه هو المتعارف في عامة البلاد، وعلى هذا استقر الأمر في ديوان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فتعلق الأحكام بهذه الدراهم كنصاب الزكاة وتقادير الديات. وقال في شرح الطحاوي يعتبر قيمة السرقة وقت السرقة وعند القطع عند الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 وقوله: أو ما يبلغ قيمته عشرة دراهم، إشارة إلى أن غير الدراهم يعتبر قيمته بها وإن كان ذهبا، ولا بد من حرز لا شبهة فيه، لأن الشبهة دارئة، وسنبينه من بعد إن شاء الله تعالى. قال والعبد والحر في القطع سواء؛ لأن النص لم يفصل، ولأن التنصيف متعذر، فيتكامل صيانة لأموال الناس، ويجب القطع بإقراره مرة واحدة، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقطع إلا بإقراره مرتين، ويروى عنه أنهما في مجلسين مختلفين؛ لأنه   [البناية] م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري: م: (أو ما يبلغ قيمته عشرة دراهم، إشارة إلى أن غير الدراهم يعتبر قيمته بها) ش: أي بالدراهم م: (وإن كان ذهباً) ش: واصلاً بما قبله، وإن كان ما يبلغ قيمته عشرة دراهم ذهباً. وفي " المحيط " لو سرق ديناراً قيمته أقل من عشرة دراهم يقطع، وما روي عنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه قال: «لا قطع إلا في دينار أو عشرة دراهم أو بالدينار» ، قال أو بالدينار المقوم بقيمة الشرع عشرة دراهم إلا الدينار المقوم بقيمة الوقت؛ لأن القيمة باعتبار العرف مختلفة، قد يكون عشرة، وقد يكون عشرين، وقد يصير ثمانية دراهم. قلت: قيمة الدينار في زماننا هذا ثلاثمائة وثلاثون درهماً، وقد كان في الأول بعشرين درهماً، فلم يزل تبراً إلى أن بلغ هذا المبلغ. م: (ولا بد من حرز لا شبهة فيه؛ لأن الشبهة دارئة، وسنبينه) ش: أي رافعة للحد، والحرز المكان الحرية، وهو الذي يحرز فيه الشيء، أي يحفظ، والمراد بالمحرز ما لا يعد صاحبه مضيعاً م: (من بعد إن شاء الله تعالى) ش: سنبين الحرز في فصل الحرز إن شاء الله تعالى. م: (قال: والعبد والحر في القطع سواء؛ لأن النص لم يفصل) ش:، قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] الآية، فبعمومه يتناول الحر والعبد م: (ولأن التصنيف متعذر) ش: أي ينصف القطع الذي هو الحد مشهور م: (فيتكامل صيانة لأموال الناس) ش: أي فيتكامل الحد الذي هو القطع؛ لأجل حفظ أموال الناس، لأن في تركه لأجل تعذر التنصيف فساداً لا يخفى كما في القصاص م: (ويجب القطع) ش: أي قطع يد السارق م: بإقراره مرة واحدة) ش: هذا لفظ القدوري. م: (وهذا) ش: أي لإقراره مرة واحدة م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أكثر العلماء. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقطع إلا بإقراره مرتين) ش: وبه قال ابن أبي ليلى وأحمد وزفر وابن شبرمة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وكذا الخلاف في شرب الخمر م: (ويروى عنه) ش: أي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنهما) ش: أي الإقرارين ينبغي أن يكونا م: (في مجلسين مختلفين) ش: كذا ذكر الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الصغير ". وذكر بشر - رَحِمَهُ اللَّهُ - رجوع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى قولهما م: (لأنه ش: أي لأن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 إحدى الجهتين، فيعتبر بالأخرى، وهي البينة كذلك اعتبرنا في الزنا. ولهما أن السرقة قد ظهرت بالإقرار مرة، فيكتفى به، كما في القصاص وحد القذف، ولا اعتبار بالشهادة؛ لأن الزيادة تفيد فيها تقليل تهمة الكذب، ولا تفيد في الإقرار شيئا؛ لأنه لا تهمة، وباب الرجوع في حق الحد لا ينسد بالتكرار والرجوع في حق المال في السرقة لا يصح أصلا؛ لأن صاحب المال يكذبه، واشتراط الزيادة في الزنا، بخلاف القياس، فيقتصر على مورد الشرع.   [البناية] الإقرار م: (إحدى الجهتين) ش: وهما البينة والإقرار م: (فيعتبر) ش: أي الإقرار م: (بالأخرى) ش: أي بالحجة الأخرى م: (وهي البينة) ش: فإن البينتان تثبتان م: (كذلك اعتبرنا في الزنا) ش: كما اعتبرنا الإقرار هاهنا بالبينة كذا بسنده في الزنا حيث شرطنا الإقرار فيه أربع مرات كما أن البينة فيه أربع؛ ولأنه روى أبو داود عن أبي أمية المخزومي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أتي بلص قد اعترف فقال له: «ما أخالك سرقت "، قال: بلى، فأعاده عليه مرتين أو ثلاثاً فقطع.» فعلم بهذا أن الإقرار مرة واحدة لا يوجب القطع، ويؤيد ما روى الطحاوي في " شرح الآثار " بإسناده إلى علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رجلاً أقر عنده بسرقة مرتين، فقال: قد شهدت على نفسك شهادتين، فأمر به فقطع وعلقها في عنقه. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أن السرقة قد ظهرت بالإقرار مرة فيكتفى به) ش: أي بالإقرار مرة واحدة م: (كما في القصاص وحد القذف) ش: وغيرهما، فإن الإقرار فيها يكفي بمرة واحدة. م: (ولا اعتبار بالشهادة) ش: هذا جواب عن قياس أحد الحجتين بالأخرى، وبيان العارف بيانه هو قوله م: (لأن الزيادة تفيد فيها) ش: أي في الشهادة م: (تقليل تهمة الكذب، ولا تفيد في الإقرار شيئاً؛ لأنه لا تهمة) ش: أي في الإقرار؛ لأن الإقرار إن وقع صادقاً، فلا يرد أو صدقاً بالثاني. وإن وقع كذباً فلا يتغلب صدقاً بالتكرار وبالرجوع جواب عما يقال إنما يشترط التكرار؛ لقطع احتمال الرجوع عن إقراره واحتمال أن يثبت عليه فيؤكد على قبوله بالتكرار، فأجاب، بقوله م: (وباب الرجوع) ش: أي عن الإقرار م: (في حق الحد لا ينسد بالتكرار) ش: لأنه لو أقر مراراً كثيرة ثم رجع صح رجوعه في حق الحد؛ لأنه يكذب له. م: (والرجوع في حق المال في السرقة لا يصح أصلاً؛ لأن صاحب المال يكذبه) ش: فلا يصح، فظهر الفرق بهذا أن لا فائدة في تكرار الإقرار في حق القطع؛ ولأنه في حق إسقاط ضمان المال بالإقرار. م: (واشتراط الزيادة في الزنا) ش: جواب عن قوله: كذلك اعتبرنا في الزنا معنى اشتراط الزيادة في الزنا م: (بخلاف القياس) ش: وفي " المحيط " وفي " المبسوط " والقياس في الزنا أن يكتفى بالإقرار مرة واحدة فيه، فاشتراط التكرار فيه على خلاف القياس بالنص م: (فيقتصر على مورد الشرع) ش: أي على مورد النص، والنص الوارد في الزنا لا يكون وارداً في باب السرقة؛ لأن في السرقة ورد نص آخر، وهو أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قطع سارقاً بالإقرار مرة واحدة» . وأما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 10 قال: ويجب بشهادة شاهدين لتحقق الظهور كما في سائر الحقوق، وينبغي أن يسألهم الإمام عن كيفية السرقة وماهيتها وزمانها   [البناية] حديث المخزومي فلا يدل على اشتراط مرتين، بل دل أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - احتاط في درئه وعلى حثه على الرجوع، وهو مستحب، أو على جواز تلقين الرجوع. وكذا حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بدليل قوله: شهدت على نفسك مرتين. وكذا قال الكاكي: - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الأترازي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - والذي روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من التكرار أمر اتفاقي لا قصدي، وفيه تأمل. [شروط القطع] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجب) ش: أي القطع م: (بشهادة شاهدين لتحقق الظهور) ش: أي ظهور السرقة بالشهادة م: (كما في سائر الحقوق) ش: ولا خلاف فيه لأهل العلم كما في القصاص م: (وينبغي أن يسألهم الإمام عن كيفية السرقة) ش: بأن يقال: كيف سرق، فالاحتمال أنه نقب البيت فأدخل يده أو أخذ المتاع فذهب حيث لا ينقطع على ظاهر الرواية، خلافاً بما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأمالي ". وكذا إذا قال صاحباً له على الباب لا يقطع واحد منهما؛ لأنه في الأول مختلس لا هاتك الحرز؛ لأن هتك الحرز في البيت لا يكون إلا بالدخول، بخلاف صندوق الصيرفي، وفي الثانية لم يوجد الفعل الموجب للقطع على التمام من كل واحد منهما، بخلاف ما إذا رمى الثوب من البيت إلى الطريق، ثم أخذ فخرج فأخذ حيث يقطع؛ لأن الفعل الموجب للقطع، ثم به وجدة. م: (وماهيتها) ش: أي يسأل عن ماهية السرقة بأن يعود ما هي؟ لاحتمال أن المسروق شيء نافذ، أو ما يتسارع إليه الفساد، أو مال ذي رحم محرم منه، أو مال فيه شركة للسارق، أو مال أحد الزوجين، أو دراهم المديون أخذهما السرقة بقدر حقه، أو أقل من قدر النصاب. ويحتمل أن الشاهدين نسباه إلى السرقة لاستراق الكلام، كما قال الله تعالى {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} [الحجر: 18] (الحجر: الآية 18) ، أو لأنه لا يعتمد في الركوع والسجود. وقد ورد في الحديث أن «أسوأ الناس من سرق من صلاته» فلا بد إذن من السؤال عنها. م: (وزمانها) ش: أي ويسأل عن زمان السرقة بأن يقال: متى سرق لاحتمال التقادم، لأن التقادم في الحدود الخالصة حق لله تعالى يبطل الشهادة للتهمة، بخلاف الإقرار؛ لعدم التهمة. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا إذا ثبتت السرقة بالبينة، أما إذا ظهرت السرقة بالإقرار لا يحتاج الإمام إلى السؤال عن الزمان؛ لأن تقادم العهد لا يمنع صحة الإقرار ذكره في " المبسوط " و " المحيط. فإن قيل ينبغي أن يكون التقادم غير مانع هاهنا، لما أن الشاهد في التأخير غير متهم، إذ لا يقبل شهادة بدون دعوى المالك، كما في حد القذف لشرطية الدعوى. قلنا: قد تقدم جوابه في الجزء: 7 ¦ الصفحة: 11 ومكانها لزيادة الاحتياط كما مر في الحدود. ويحبسه إلى أن يسأل عن الشهود للتهمة. قال: وإذا اشترك جماعة في سرقة فأصاب كل واحد منهم عشرة دراهم قطع، وإن أصابه أقل لا يقطع؛ لأن الموجب للقطع سرقة النصاب ويجب على كل واحد بجنايته، فيعتبر كمال النصاب في حقه.   [البناية] باب الزنا، ذكره في " الإيضاح ". م: (ومكانها) ش: أي ويسأل عن مكان السرقة لاحتمال أنه سرق في دار الحرب، أو سرق من مستأمن في دارنا لا قطع فيه استحساناً؛ لأن حرمة ماله مؤقتة لا مؤبدة. أو سرق من غير الحرز، أو من بيت أذن له بالدخول فيه، ومن حمار أو نهار أو بالليل يقطع؛ لأنه لا يؤذن بالدخول في الليل، ذكره في شرح الطحاوي. م: (لزيادة الاحتياط) ش: في السؤال عن مكان السرقة م: (كما مر في الحدود، ويحبسه) ش: أي كما مر، مثل هذه الإشارة في كتاب الحدود، وتجب بالنصب عطفاً على قوله: أن يسألهما أو يحبس ليحيي الإمام السارق م: (إلى أن يسأل عن الشهود للتهمة) ش: أي لأجل تهمة السارق؛ لأنه صار حياً منهما بالسرقة فيحبسه تعزيراً عليه، وقد حبس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلام رجلاً بالتهمة. وقد مر ذلك في كتاب الحدود، وإنما يحبسه إلى أن يسأل عن عدالة الشهود؛ لأن التوثق بالكفالة ليس بمشروع فيما مبناه على الدرء والقطع قبل التعديل لا يجوز؛ لعدم التلاقي إذا وقع الغلط، فتعين الحبس لئلا يفوت الحق بالهرب. [اشترك جماعة في سرقة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا اشترك جماعة في سرقة فأصاب كل واحد منهم عشرة دراهم قطع، وإن أصابه أقل) ش: أي أقل من نصاب السرقة م: (لا يقطع) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والثوري وابن الماجشون المالكي. ونقل عن ابن الماجشون - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقطعون بكل حال. وقال مالك وأحمد وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يقطع الكل، لأن سرقة النصاب فعل يوجب القطع فيه، الواحد والجماعة كالقصاص. قلنا: كل واحد يقطع بجنايته والجناية الموجبة للقطع سرقة النصاب ولم يوجد، بخلاف القصاص. فإن فعل كل واحد جناية موجبة القصاص؛ لأن خروج كل واحد صالح لخروج الروح. م: (لأن الموجب للقطع سرقة النصاب ويجب على كل واحد بجنايته، فيعتبر كمال النصاب في حقه) ش: أي في حق كل واحد منهم، وهذا الذي ذكره فيما إذا لم يكن بين الجماعة صبي أو مجنون أو أخرس أو ذو رحم محرم من صاحب المال. وإذا كان واحد منهم في الجماعة لا قطع. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ولي الصبي أو المجنون إخراج المطاع، فلا يقطع، وإذا ولي غيرهما قطع؛ لقول الوالي، والله أعلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 12 باب ما يقطع فيه وما لا يقطع ولا يقطع فيما يوجد تافها مباحا في دار الإسلام كالخشب والقصب والحشيش والسمك والطير والصيد والزرنيخ والمغرة والنورة. والأصل فيه حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كانت اليد لا تقطع على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الشيء التافه» أي: الحقير، وما يوجد جنسه مباحا في الأصل بصورته غير مرغوب فيه حقير تقل الرغبات فيه، والطباع لا تضن به فقلما يوجد آخذه على كره من المالك فلا حاجة إلى شرع الزاجر.   [البناية] [باب في بيان ما يقطع فيه السارق وفي بيان ما لا يقطع فيه] [سرقة ما دون النصاب] م: (باب ما يقطع فيه وما لا يقطع) ش: أي هذا باب في بيان ما يقطع فيه السارق، وفي بيان ما لا يقطع فيه. ولما ذكر تفسير السرقة وشروطها، شرع في تعداد الشروع الذي يوجب القطع، والذي لا يوجب. م: (ولا يقطع فيما يوجد) ش: بأنها بالتاء المثناة من فوق وبالفاء - أي خصيرا سيروا - م: (تافهاً مباحاً) ش: وهو ما يخير فيه العاقل بين التحصيل والترك في دار الإسلام، قيد به؛ لأن الأموال كلها على الإباحة م: (في دار الإسلام كالخشب والقصب والحشيش والسمك والطير والصيد والزرنيخ والمغرة والنورة) ش: بالفتحات وهو الطين الأحمر، ويجوز تسكين عينها، والعامة يقولون بضم الميم وسكون العين والنون والواو لا بالهمزة، وهي معروفة. م: (والأصل فيه) ش: أي في عدم القطع في التافه وما يوجد مباحاً في دار الإسلام م: (حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «قالت: كانت اليد لا تقطع على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الشيء التافه» ش: هذا الحديث رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ومسنده، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «قالت: لم تكن يد السارق تقطع على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الشيء التافه» . وزاد في مسنده ولم يقطع في أي من ثمن مجن أو ترس، انتهى. ورواه مرسلاً أيضاً. م: (أي الحقير) ش: تفسير من المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وليس من الحديث م: (وما يوجد جنسه) ش: أي الذي يوجد جنسه، وهو في محل الرفع على الابتداء، وخبره قوله: حقيراً، أي ما يوجد جنسه حال كونه م: (مباحاً في الأصل بصورته) ش: احترز به عن الأبواب والأواني المتخذة من الجث والحصر البغدادية، فإن فيها القطع لتغيرها بتباعد الصورة الأصلية بالصفة المتفق عليها م: (غير مرغوب فيه) ش: غير منصوب على أنه صفة لقوله مباحاً، واحترز به عن الذهب والفضة لوجود الرغبة فيهما، فانتفت الحقارة عنهما، وكذلك اللؤلؤ وسائر الجواهر. م: (حقير) ش: قد ذكرنا أنه خبر المبتدأ م: (تقل الرغبات فيه) ش: جملة استئنافية ولا تضن به، أي لا تبخل به، والضنانة بالشيء البخل به، ويجوز فتح الضاد وكسرها فيه فقل ما يوجد أخذه على كره من المالك وكتابه، فلما وطالما موصولة نقله الطرزي عن ابن الحر، ولكن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 13 ولهذا لم يجب القطع بسرقة ما دون النصاب، ولأن الحرز فيها ناقص. ألا ترى أن الخشب يلقى على الأبواب، وإنما يدخل في الدار للعمارة لا للإحراز.   [البناية] ابن درستويه لم يجز أن يوصل شيء من الأفعال بما سوى نعم وبئس، هذا إذا كانت كافة، وإذا كانت مصدرية فليس إلا الفصل. قوله: على كره بالفتح والضم لغتان، يعني كالمخطف والمضعف. وحاصل المعنى أي قليل الخاف المستقنة بالمالك إذا أخذ ما يؤخذ أخذ جنسه مباحاً في الأصل لصورته غير مرغوب فيه؛ لأن الظن النصة بالأشياء الحقيرة من غاية دناء الهمة وخسة النفس، كما إذا كان كذلك فلا حاجة إلى الشرع أخبر فأخذها حقيقة لوجود الرضى من المالك غالباً. فإن قيل: ما فائدة هذه التأكيدات ويكتفى بقوله: غير مرغوب فيها. أجيب بأن: مثل هذه التأكيدات جاءت في كتاب الله تعالى. مع أنه متعال عن الشهرة والغلط، كما في قَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 222) ، فأولى أن يجيء في كلام الزاهدي هو مظنة السهو، ولإزاحة ما يوهم السامع من وقوع السهو، كذا في " النهاية ". وقال الكاكي: ويمكن أن يقال في هذه التأكيدات إشارة إلى نفي أوصاف يوجب عدم القطع في الذهب والفضة، فإن كل وصف من هذه الأوصاف يوجب عدم القطع، فصارت كلها منفية في الذهب والفضة. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عدم الحاجة إلى الزاجر في سرقة ما يوجب جنسه مباحاً في الأصل م: (لم يجب القطع بسرقة ما دون النصاب) ش: لاشتراكهما في المعنى الموجب لنفي القطع م: (ولأن الحرز فيها) ش: أي في الأشياء المذكورة وهي الخشب والقصب إلى آخر ما ذكره م: (ناقص) ش: وأوضح نقصان الحرز فيها بقوله م: (ألا ترى) ش: بقوله م: (أن الخشب يلقى على الأبواب، وإنما يدخل في الدار للعمارة لا للإحراز) ش: أما الساج والأبنوس فإنه يقطع فيهما؛ لأن العادة جارية بإحرازهما، وكذلك يقطع في الخشب المعمول؛ لأنه وجدت فيه صفة هي نزلى قيمة على قيمة الأصل. وعن أبي يوسف في " نوادر هشام " أنه قال: أنا أقطع على كل شيء سرق إلا في الشراب والسرقين. قال في شرح الأقطع، وهو قول الشافعي. وزعم أصحابه أي في الماء والتراب وجهين. وروي عن أبي يوسف في الهارونيات قال أقطع من كل شيء إلا في الخشب. في الإملاء قال أبو يوسف: أقطع في كل شيء إلا في الماء والتراب والطين والجص والعارف والنبيذ، ومن جملة الأشياء التي ذكرها المصنف التي لا قطع فيها الزرنيخ. قال الأترازي: ينبغي أن يجب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 14 والطير يطير، والصيد يفر، وكذلك الشركة العامة التي كانت فيه، وهو على تلك الصفة تورث الشبهة، والحدود تندرئ بها. ويدخل في السمك المالح والطري، وفي الطير الدجاج والبط والحمام لما ذكرنا.   [البناية] القطع في الزرنيخ؛ لأنه يحرز ويصان في دكاكين العطارين كسائر الأموال. قلت: على ما ذكره ينبغي أن يقطع في المعدة؛ لأنها تحرز عند العطارين وتباع بالأرطال. وقال الشافعي ومالك وأحمد وأبو ثور: يتعلق القطع بسرقة كل مال يبلغ قيمته نصاباً إلا التراب والسرقين. وروى هشام عن محمد: إذا سرق الذهب أو الفضة أو اللؤلؤ والجوهر على الصورة التي يوجد مباحة، وهو المختلط بالحجر والتراب لا يقطع في ظاهر المذهب، لا يقطع لأنه ليس سرقة حقاً. وكل من يتمكن من أخذه لا يتركه ويتم إحرازه عادة. م: (والطير يطير والصيد يفر) ش: وهو معطوف على قوله: الخشب تلقى على الأبواب. وأراد به الطير المذكور في أول الباب وكذلك الصيد، فإذا كان الأمر فيهما كما ذكر تقل الرغبة فيهما، فلا يشرع الزاجر في مثلها. م: (وكذلك الشركة العامة التي كانت فيه) ش: أي في الصيد، يعني مباحاً للعامة، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الصيد لمن أخذ» فكان كمال بيت المال والمغانة والحشو والخبث فلا قطع فيها. كذا أقره الكاكي وقال: إلا الشركة العامة التي كانت فيه أي فيما يوجد جنسه مباحاً م: (وهو على تلك الصفة) ش: أي والحال أنه على تلك الصفة التي كان عليها، وهي مشتركة يحترز فيها على الأبواب والأواني المتخذة والخشب كما ذكره م: (تورث الشبهة) ش: خبر قوله: وهو على تلك الصفة، أي تورث شبهة الإباحة م: (والحدود تندرئ بها) ش: أي بالشبهة. م: (ويدخل في السمك المالح والطري) ش: أي يدخل في إطلاق القدوري لفظ سمك طرية ويابسة وهو المالح والمقدر نص على ذلك الكرخي، وقال ابن زاهر: يقال سمك ملح وملح، ولا تلتفتن إلى قوله - الزاجر يطعم المالح والطري - فإنه مولد لا يؤخذ بقوله. م: (وفي الطير الدجاج) ش: أي ويدخل في إطلاق القدوري لفظ الطير والدجاج م: (والبط والحمام لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله والطير يطير، والصيد يفر، يعني الطيران والفرار دليل على نقصان الحرز، فلم يقطع لهذا. قال في " الجامع الصغير ": رجل سرق طيراً يساوي عشرة دراهم لا يقطع، وقال الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير ": اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: أراد به الطائر الذي يكون طيراً سوى الدجاج والبط، فيجب فيهما القطع، لأنه بمعنى الأهلي، وقال بعضهم: لا يجب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 15 ولإطلاق قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا قطع في الطير» . وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجب القطع في كل شيء إلا الطين والتراب والسرقين، وهو قول الشافعي، والحجة عليهما ما ذكرناه. قال ولا قطع فيما يتسارع إليه الفساد كاللبن واللحم والفواكه الرطبة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا قطع في ثمر ولا كثر»   [البناية] القطع في جميع الطيور، وهذا القول أصح. وذكر في كتاب: ولو سرق شيئاً من الدجاج أو البط أو الحمام لا يجب القطع. م: (ولإطلاق قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا قطع في الطير» ش: هذا غريب مرفوعاً. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه وعبد الرزاق موقوفاً على عثمان، فإنه قال: «لا قطع في الطير» . وأخرج البيهقي عن أبي ذر أنها المرسلة، قال: ليس على سارق الحمام قطع. قال البريقي: أراد الحمام في غير حرز، وقال الشيخ علاء الدين التركماني ظنه الحمام بالتخفيف وإنما هو الحمام بالتشديد، ويعرب عليه ابن أبي شيبة في مصنفه باب الرجل يدخل الحمام فيسرق، حدثنا يزيد بن الخباب أخبرني معاوية بن صالح حدثني أبو زياد عن علي عن جرين عن أبي الدرداء أنه سئل عن سارق الحمام، فقال: لا قطع عليه. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجب القطع في كل شيء إلا الطين والتراب والسرقين، وهو قول الشافعي، والحجة عليهما ما ذكرناه) ش: أي على أبي يوسف والشافعي ما ذكرناه من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا قطع فيما يتسارع إليه الفساد كاللبن واللحم والفواكه الرطبة) ش: وعن أبي يوسف أن عليه القطع، وبه قالت الأئمة الثلاثة، والفواكه الرطبة كالبطيخ والفواكه على الشجر، والزرع الذي لم يحصد. واحتجوا بما روي في " شرح الآثار «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حدث عن التمر المعلق، فقال: لا قطع فيه إلا ما أواه الجرين وبلغ ثمن المجن ففيها القطع، وما يبلغ ثمن المجن نفسه غرامة مثله وجلدات تكال.» وحجة أبي حنيفة ومحمد ما ذكره بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (لا قطع في تمر ولا كثر) ش: هذا أخرجه الترمذي عن الليث بن سعد والنسائي وابن ماجه عن ابن عيينة كلاهما عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حسان عن محمد بن واسع بن حبان «أن غلاماً سرق وولى من حائط فرفع إلى مراون فأمر بقطعه فقال رافع بن خديج قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لا قطع في ثمر ولا كثر» الجزء: 7 ¦ الصفحة: 16 والكثر: الجمار، وقيل الودي. وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا قطع في الطعام» والمراد به والله أعلم ما يتسارع إليه الفساد كالمهيأ للأكل منه وما في معناه كاللحم والتمر لأنه يقطع في الحنطة والسكر إجماعا. وقال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقطع فيها   [البناية] ورواه ابن حبان في صحيحه. قوله: ولا كثر بفتح الكاف والثاء المثلثة، قال أبو عبيدة: الكثر جار النحل في كلام الأنصار وهو الجذب أيضاً. وقال ابن داير: أهل العراق يسمون الجمار الجذب. وأشار المصنف إلى تفسير أبي عبيد بقوله: م: (والكثر: الجمار) ش: بضم الجيم وتشديد الميم، وفي آخره راء. وقال الجوهري: الجمار شحم النحل م: (وقيل الودي) ش: بفتح الواو وكسر الدال المهملة وتشديد الياء وهو السيل، وهو صغار النحل. وقال الأترازي: تفسير الجمار بالودي لم يثبت في قوانين اللغة م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا قطع في الطعام» ش: هذا غريب بهذا اللفظ. وأخرج أبو داود في المراسيل عن جرير بن حازم عن الحسن البصري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا قطع في الطعام» . وروى ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا حفص عن أشعث بن عبد الملك وعمر عن الحسن «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتي برجل سرق طعاماً فلم يقطعه» ورواه عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا سفيان الثوري عن رجل عن الحسن، فذكره وزاد قال سفيان: هو الطعام الذي يفسد من نهاره كالثريد واللحم. م: (والمراد به - والله أعلم - ما يتسارع إليه الفساد كالمهيأ للأكل منه) ش: أي المراد من الطعام المذكور في الحديث المذكور المهيأ، أي المجهز للأكل كالخبز واللحم ذكره في الإيضاح م: (وما في معناه) ش: أي عبر ما بمعنى ما يهيأ للأكل م: (كاللحم والتمر) ش: لف ونشر، لأن قوله كاللحم نظير قوله كالمهيأ للأكل. وقوله والتمر نظير ما في معناه م: (لأنه) ش: أي لأن السارق م: (يقطع في الحنطة والسكر إجماعاً) ش: لأنهما لا يسارع إليهما الفساد. هذا إذا لم يكن العام عام مجاعة وتحطاماً إذا كان فلا قطع، سواء كان مما يسارع إليه الفساد أو لا، وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا قطع في عام سنة، وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا قطع في مجاعة مضطر» . م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقطع فيها) ش: أي فيما ذكر من اللبن واللحم والفواكه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 17 لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لا قطع في ثمر ولا كثر، فإذا أواه الجرين أو الجران قطع.» قلنا: أخرجه على وفاق العادة والذي يؤويه الجرين في عادتهم هو اليابس من الثمر وفيه القطع. قال: ولا قطع في الفاكهة على الشجر والزرع الذي لم يحصد؛ لعدم الإحراز، ولا قطع في الأشربة المطربة   [البناية] الرطبة والطعام م: (لقوله: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لا قطع في ثمر ولا كثر فإذا أواه الجرين أو الجران قطع» ش: هذا الحديث غريب بهذا اللفظ. وروى مالك في " الموطأ " قال أبو مصعب: أخبرنا مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل، فإذا أواه المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن» . قوله حريسة جبل، قال ابن الأثير: ليس فيما بالجبل إذا سرق قطع؛ لأنه يحرز، والحريسة فعيلة به بمعنى مفعولة، أي أن لها من يحرسها ويحفظها. والمراح - بضم الميم - الذي فيه براح النعم. والجرين - بفتح الجيم - هو الذي تسميه أهل العراق النذر، وأهل الشام الأنذر، وأهل البصرة الخرجان. وقد يقال له أيضاً بالحجاز: المريد. وقال في " المغرب ": الجرين المريد، وهو الموضع الذي يلقى فيه الرطب ليجف، وجمعه جرن وجران البعير يقدم عنقه من مذبحه إلى منحره، والجمع جرن، فجاز أن يسمى به الجران متخذ منه. م: (قلنا أخرجه) ش: أي أخرجه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (على وفاق العادة) ش: لأنهم كانوا لا يصنعون في الجرين إلا اليابس، فيصرف اللفظ إلى اليابس، وهو معنى قوله: م: (والذي يؤويه الجرين في عادتهم هو اليابس من الثمر، وفيه القطع) ش: أي وفي اليابس من الثمر في الرواية المشهورة. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا قطع في الفاكهة على الشجر والزرع الذي لم يحصد، لعدم الإحراز) ش: لأن شرط القطع هتك الحرز، ولم يوجد الحرز م: (ولا قطع في الأشربة المطربة) ش: أي المسكرة بلا خلاف، أما عند الأئمة الثلاثة، فلأنه كالخمر عندهم، وعندنا إن كان الشرب حلواً فهو مما يتسارع إليه الفساد. وإن كان مراً فإن كان خمراً فلا قيمة لها. وإن كان غيرها فللعلماء في تقومها خلاف فلم يكن فيما ورد به النص، لأن ذا مال متقوم بالإجماع، لأن لكل أحد تأويل أخذه للإراقة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وصرح الطرب في " الإيضاح " والتمرتاشي المرأة بالمطربة المسكرة. وفي " الصحاح " الطرب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 18 لأن السارق يتأول في تناولها الإراقة، لأن بعضها ليس بمال، وفي مالية بعضها اختلاف، فتحقق شبهة عدم المالية. ولا في الطنبور؛ لأنه من المعازف، ولا في سرقة المصحف وإن كان عليه حلية. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقطع؛ لأنه مال متقوم لأنه يباع ويشترى. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثله. وعنه أيضا أنه يقطع إذا بلغت الحلية نصابا؛ لأنها ليست من المصحف، فيعتبر بانفرادها   [البناية] خفة تصيب الإنسان لشدة حرارته. وقال في " الأصول " السكر بغلبة سرور فالتصافي معنى السرور، فاستعير ما للإطراب للإسكار، وقيد الأشربة بالمسكرة؛ لأنه يقطع في المحل، لأنه لا يتسارع إليه الفساد، وذكره في الإيضاح. م: (لأن السارق يتأول في تناولها الإراقة؛ لأن بعضها ليس بمال) ش: كالخمر م: (وفي مالية بعضها اختلاف) ش: كالمنصف والبازق، وأما الذرة والشعير فإن كل مسكر حرام عند الشافعي كالخمر، ولا مالية له م: (فتحقق شبهة عدم المالية) ش: لأن الاختلاف في إباحته يورث شبهة في عدم المالية. وقال فخر الإسلام البزدوي في شرح " الجامع الصغير " في باب الأشربة: ما يتخذ من الحنطة والشعير والعدس والذرة حلال في قول أبي حنيفة، حتى إن الحد لا يجب فيه وإن سكر في قوله. وروي عن محمد أن ذلك حرام يجب الحد بالمسكر. وقال في سرقة الأصل لا يقطع في الخل؛ لأن الخل قد صار خمراً قوة. وفي نوادر أبي يوسف برواية علي بن الجعد لا قطع في الأشربة والجلاب. [سرقة المصحف وآلات اللهو وآنية الخمر] م: (ولا في الطنبور) ش: أي ولا قطع في الطنبور وما أشبهه من الملاهي بلا خلاف للأئمة م: (لأنه من المعازف) ش: أي؛ لأن الطنبور من المعازف، وهو جمع معزف، وهو آلة اللهو. وفي " الجمهرة ": المعازف الملاهي. وقال قوم من أهل اللغة: هو اسم يجمع العود والطنبور وأشباههما. وقال آخرون: بل المعازف التي استخرجها أهل اليمن م: (ولا في سرقة المصحف) ش: أي ولا قطع أيضاً في سرقة المصحف م: (وإن كان عليه حلية) ش: كلمة إن واصلة بما قبله. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقطع لأنه) ش: أي لأن المصحف م: (مال متقوم لأنه يباع ويشترى) ش: وهو معنى قوله حتى يجوز بيعه م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثله) ش: أي وروي عن أبي يوسف مثل قول الشافعي م: (وعنه أيضاً) ش: أي وروي عن أبي يوسف أيضاً م: (أنه يقطع إذا بلغت الحلية نصاباً) ش: أي عشرة دراهم م: (لأنها) ش: أي لأن الحلية م: (ليست من المصحف، فيعتبر بانفرادها) ش: أي وحدها بدون المصحف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 19 وجه الظاهر أن الآخذ يتأول في أخذه القراءة والنظر فيه. ولأنه لا مالية له على اعتبار المكتوب وإحرازه لأجله لا للجلد والأوراق والحلية، وإنما هي توابع، ولا معتبر بالتوابع كمن سرق آنية فيها خمر، وقيمة الآنية تربو على النصاب ولا قطع في أبواب المسجد لعدم الإحراز، فصار كباب الدار بل هو أولى، لأنه يحرز بباب الدار ما فيها، ولا يحرز بباب المسجد ما فيه، حتى لا يجب القطع بسرقة متاعه   [البناية] م: (وجه الظاهر) ش: الرواية وهو عدم القطع م: (أن الآخذ) ش: أي أخذ المصحف م: (يتأول في أخذه القراءة والنظر فيه) ش: وبه قال أحمد في رواية: أن أخذه بتأويل القراءة والنظر فيه لإزاحة إشكال وقع والقطع لا يجب بالشبهة. م: (ولأنه) ش: أي ولأن المصحف م: (لا مالية له على اعتبار المكتوب) ش: لأن معنى المالية فيه تبع لا مقصود م: (وإحرازه) ش: أي إحراز المصحف م: (لأجله) ش: أي ولأجل المكتوب م: (لا للجلد والأوراق) ش: إذ ليس إحرازه لأجل الجلد والأوراق. م: (والحلية) ش: أي ولا الحلية م: (وإنما هي) ش: أي الجلد والأوراق والحلية م: (توابع) ش: للمكتوب. م: (ولا معتبر بالتوابع كمن سرق آنية فيها خمر، وقيمة الآنية تربو) ش: أي تزيد م: (على النصاب) ش: أي على عشرة دراهم؛ لأن المقصود ما فيها الآنية، وبه قال بعض أصحاب الشافعي، وهو رواة المختلف على المختلف، وكذا لو سرق ثوباً خلقاً لا يساوي نصاب السرقة، فوجد فيه عشرة دراهم، ولم يعلم السارق بها لا قطع عليه، لأن ما هو المقصود بنصاب وإن علم قطع. وعن أبي يوسف يقطع في الحالين. فإن قلت: يجب القطع في الأوراق قبل الكتابة، فبعدها أولى؛ لأنها زادت بها. قلت: الفرق بين الحالين ظاهر؛ لأن الأوراق هو المقصود قبل الكتابة، وبعدها صارت تابعة لما فيها، وما فيها ليس بمال كالقلادة يجب فيها القطع، فإذا سرق كلباً عليه القلادة لا يقطع؛ لأنها صارت تبعاً للكلب. [سرقة باب المسجد والصليب من الذهب] م: (ولا يقطع في أبواب المسجد؛ لعدم الإحراز، فصار كباب الدار) ش: أي فصار حكم سارق باب المسجد في عدم القطع كحكم سارق باب الدار، بل أولى أي م: (بل هو أولى) ش: من سارق باب المسجد م: (لأنه يحرز بباب الدار ما فيها) ش: أي ما في الدار م: (ولا يحرز بباب المسجد ما فيه) ش: أي ما في المسجد م: (حتى لا يجب القطع بسرقة متاعه) ش: أي متاع المسجد. وقال الكاكي: قوله فصار كباب الدار والمختلف على المختلف بل الأوجه تعليل الثاني، وهو أنه لا ملك له في باب المسجد. والتعليل العام عندنا أن الأبواب لا تكون محرزة عادة؛ لأنه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 20 قال: ولا الصليب من الذهب ولا الشطرنج ولا النرد؛ لأنه يتأول من أخذها الكسر نهيا عن المنكر، بخلاف الدرهم الذي عليه التمثال، لأنه ما أعد للعبادة فلا تثبت شبهة إباحة الكسر. وعن أبي يوسف: أنه إن كان الصليب في المصلى لا يقطع لعدم الحرز، وإن كان في بيت آخر يقطع لكمال المالية والحرز   [البناية] يحرز به، فلا يكون هو محرزاً عادة. وقال الشافعي وابن القاسم المالكي وأبو ثور وابن المنذر: يقطع سارق باب المسجد؛ لأنه سرق نصاباً محرزاً بحرز مثله، وكذا سارق باب الدار، وبه قال أحمد في رواية، وفي رواية كقولنا لعدم الإحراز. وقال فخر الإسلام في شرح " الجامع الصغير " فإن أعاد هذا الفعل، أي سرقة أبواب المسجد حد، فيجب أن يعزر ويبالغ فيه ويحبس حتى يتوب، ولا يقطع في أستار الكعبة، وبه قال أحمد. وعند الشافعي وأحمد هو الأصح؛ لأنه لا يقطع؛ لأنه ليس له ملك معين، فأشبه مال بيت المال، كذا في شرح " الوجيز ". [سرقة الصليب من الفضة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا الصليب) ش: أي ولا يقطع في سرقة الصليب م: (من الذهب) ش: وكذا من الفضة، والصليب عود مثلث معبدة النصارى، ويعمل من فضة وذهب وسائر المعدنيات. م: (ولا الشطرنج) ش: أي ولا يقطع أيضاً في سرقة الشطرنج بكسر الشين على وزن لوطنت م: (ولا النرد) ش: أي ولا يقطع أيضاً في سرقة النرد - بفتح النون والراء وبالدال المهملة - وهو اسم أعجمي معرف بين الغامرين، ولا قطع فيه عندنا. ولو كان من ذهب، وبه قال أحمد والشافعي يقطع، وبه قال أبو الخطاب من أصحاب أحمد. م: (لأنه) ش: أي لأن السارق م: (يتأول من أخذها) ش: أي من أخذ هذه الأشياء م: (الكسر) ش: يعني يقول أخذتها لأكسر م: (نهياً عن المنكر) ش: أي لأجل النهي عن المنكر م: (بخلاف الدرهم الذي عليه التمثال) ش: أي الصورة م: (لأنه) ش: أي لأن مثل هذا م: (ما أعد للعبادة) ش: ولا للهو فيجب القطع م: (فلا تثبت شهبة إباحة الكسر) ش: يعني التأويل فيه بأنه أخذه للكسر لا يقيد، ولا يرد القطع. م: (وعن أبي يوسف أنه) ش: أي إن كان السارق م: (إن كان الصليب في المصلى) ش: أي في مصلاهم، أي في موضع صلاة النصارى، وبه صرح في " المحيط " م: (لا يقطع لعدم الحرز) ش: لأنه يثبت مأذون في دخوله م: (وإن كان في بيت آخر يقطع لكمال المالية والحرز) ش: وقال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 21 ولا قطع على سارق الصبي الحر وإن كان عليه حلي، لأن الحر ليس بمال، وما عليه من الحلي تبع له؛ ولأنه يتأول في أخذ الصبي إسكاته لو حمله إلى موضعه. وقال أبو يوسف: فيقطع إذا كان عليه حلي هو نصاب؛ لأنه يجب القطع بسرقته وحده، فكذا مع غيره. وعلى هذا إذا سرق إناء من فضة أو ذهب فيه نبيذ أو ثريد والخلاف في صبي لا يمشي ولا يتكلم كيلا يكون في يد نفسه، ولا قطع في سرقة العبد الكبير، لأنه غصب أو خداع، ويقطع في سرقة العبد الصغير لتحققها بحدها   [البناية] الأترازي: وإن كان في يد رجل منهم محرزاً عنده قطع له. م: (ولا قطع على سارق الصبي الحر وإن كان عليه حلي) ش: أي ثياب نفيسة م: (لأن الحر ليس بمال وما عليه من الحلي تبع له) ش: وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور والثوري وابن المنذر وقال الحسن ومالك والشعبي يقطع بسرقة الحر الصغير؛ لأنه غير مميز، فأشبه العبد، وهو قول أبي يوسف إذا كان عليه حلي قدر نصاب على ما يأتي م: (ولأنه) ش: ولأن السارق م: (يتأول في أخذ الصبي إسكاته) ش: بأن رآه وهو سكنى م: (لو حمله إلى موضعه) ش: ليلاً يضيع. م: (وقال أبو يوسف يقطع إذا كان عليه حلي هو نصاب؛ لأنه يجب القطع بسرقته وحده) ش: أي بسرقة الحلي الذي هو نصاب، والحلي بفتح الحاء وكسر اللام على وزن ظبي، وهو كل ما ليس من ذهب أو فضة أو جوهر رجعه حلي بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء. ويجوز كسر الحاء أيضاً، وجمع الحلية عليه بكسر الحاء وبالقصر، وروي ضم الحاء أيضاً وليس بقياس م: (فكذا مع غيره) ش: أي فكذا يقطع إذا كان الحلي مع غيره وهو الصبي. م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الخلاف م: (إذا سرق إناء من فضة أو ذهب فيه نبيذ) ش: أو خمر م: (أو ثريد) ش: بالثاء المثلثة، فعند أبي يوسف يقطع إذا بلغ نصاباً، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد. وعند أبي حنيفة ومحمد لا يقطع؛ لأن الإناء تبع المظروف وهو المقصود بالأخذ، فإذا لم يجب القطع فيما هو الأصل أحل الأقل، فكيف يجب فيما هو التبع م: (والخلاف) ش: المذكور م: (في صبي لا يمشي ولا يتكلم كيلا يكون) ش: أي الصبي م: (في يد نفسه) ش: حتى لو كان يتكلم ويمشي ويعبر لا يقطع سارقه إجماعاً؛ لأنه في يد نفسه، ويكون يداً على نفسه وعلى ما هو تابع له فكان أخذه خداعاً، كذا في " المحيط ". م: (ولا قطع في سرقة العبد الكبير؛ لأنه غصب أو خداع) ش: أي بطريق المخادعة بأن قال له: أعمل معك كذا وكذا فانخدع كذلك م: (ويقطع في سرقة العبد الصغير لتحققها) ش: أي لتحقق السرقة م: (بحدها) ش: أي بحد السرقة. وقال ابن المنذر: أجمع على هذا أهل العلم إذا لم يعبر عن نفسه ولا يميز لا قطع فيها بالإجماع إلا أن يكون نائماً أو مجنوناً أو أعجمياً لا يميز بين سيده وبين غيره في الطاعة، فحينئذ قطع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 22 إلا إذا كان يعبر عن نفسه؛ لأنه هو والبالغ فيه سواء في اعتبار يده. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقطع وإن كان صغيرا لا يعقل ولا يتكلم استحسانا، لأنه آدمي من وجه ومال من وجه. ولهما أنه مال مطلق لكونه منتفعا به أو بعوض يصير منتفعا به، إلا أنه انضم إليه معنى الآدمية، لكن انضم إليه ولا قطع في الدفاتر كلها؛ لأن المقصود ما فيها، وذلك ما ليس بمال، إلا في دفاتر الحساب، لأن ما فيها لا يقصد بالأخذ   [البناية] وللشافعي في أم الولد النائمة وجهان، وعنده لا قطع في الآدمي الذي يفعل، سواء كان نائماً أو مجنوناً أو أعجمياً وإن كان يقظان، ولا يأخذه إلا متعالياً أو مخادعاً، وذا ليس بسرقة م: (إلا إذا كان) ش: أي الصغير م: (يعبر عن نفسه؛ لأنه هو والبالغ فيه سواء في اعتبار يده) ش: على دافعه. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقطع إذا كان صغيراً لا يعقل ولا يتكلم استحساناً؛ لأنه آدمي من وجه ومال من وجه) ش: فكونه آدمياً ظاهراً، وكونه مال من وجه من حيث إنه يباع ويشترى ويوهب فأورث شبهة دارئة للحد. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أنه) ش: أي أن العبد الصغير م: (مال مطلق) ش: من حيث إنه لا يقظان فيه م: (لكونه منتفعاً به) ش: في الحال م: (أو بعوض يصير منتفعاً به) ش: في المستقبل إن كان لا يتكلم ولا يمشي في الحال. والعرض بمعنى العارض، يقال: عرض له عرض أي أصابه عارض من مرض أو نحو ذلك م: (إلا أنه انضم إليه معنى الآدمية) ش: أي غير أنه، أي أن العبد الصغير مال م: (لكن انضم إليه) ش: أي إلى كونه مالاً معنى الآدمية، فلم يوجب ذلك نقصاً في المالية، فلم يورث شبهة [سرقة الدفاتر والصحائف والكلب والدف والفصوص الخضر] م: (ولا قطع في الدفاتر كلها) ش: أراد بالدفاتر الصحائف، وهو جمع دفتر، قاله الأترازي. وقال الأكمل: يعني سواء كان فيها علم الشريعة أو الأدب أو الشعر. م: (لأن المقصود فيها، وذلك ما ليس بمال) ش: أما كتب الفقه والحديث والتفسير فكالمصحف وقد بينا وجهه. وأما كتب الشعر والأدب فاختلف المشايخ فيها فقيل ألحقه بدفاتر الحساب. وقيل: يلحقه بالفقه والتفسير والحديث؛ لأن معرفتها قد تتوقف على اللغة والحاجة. وإن قلت: كيف لا ترد الشبهة الإباحة، كذا في مبسوط شيخ الإسلام، وعند الشافعي ومالك وأحمد يقطع في الدفاتر كلها سواء كان فيها علوم الشريعة أو غيرها. م: (إلا في دفاتر الحساب) ش: وهي دفاتر أهل الديوان حيث يقطع فيها إذا بلغ نصاباً م: (لأن ما فيها) ش: أي في دفاتر الحساب م: (لا يقصد بالأخذ) ش: إذ لا يتعلق به إلا مصلحة شخص الجزء: 7 ¦ الصفحة: 23 فكان المقصود هو الكواغد. قال: ولا في سرقة كلب ولا فهد، لأن من جنسهما ما يوجد مباح الأصل غير مرغوب فيه؛ ولأن الاختلاف بين العلماء ظاهر في مالية الكلب فأورث شبهة ولا قطع في دف ولا طبل ولا بربط ولا مزمار، لأن عندهما لا قيمة لهما. وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخذها يتأول الكسر فيها. ويقطع في الساج   [البناية] معين م: (فكان المقصود هو الكواغد) ش: وهي الأوراق، فيجب القطع لأنها مال. م: (قال) ش: أي القدوري: في مختصره م: (ولا في سرقة كلب ولا فهد) ش: أي ولا قطع في سرقتهما ولا خلاف فيه إلا لأشهب المالكي، فإنه قال ذلك في المنهي عن اتخاذه، فأما المأذون في اتخاذه فكلب الصيد والماشية فيقطع سارقه م: (لأن من جنسهما) ش: كان ينبغي أن يقال من جنسها بضمير التثنية وهو الأصح. م: (ما يوجد مباح الأصل) ش: أراد أن حبس ذلك يؤخذ مباحاً ما فيها دار الإسلام، ولا قطع في التافه م: (غير مرغوب فيه) ش: منصب على الحال. والدليل على أنه غير مرغوب فيه أن من يجده يتركه وإن كان قادراً على أخذه. قلت: هذا يمشي في الكلب غير المعلم، أما في الكلب المعلم والفهد فلا يمشي فلينظر فيه. م: (ولأن الاختلاف بين العلماء ظاهر في مالية الكلب) ش: فعند الشافعي وأحمد ومالك في رواية وداود لا مالية في الكلب. ولهذا حرموا ثمنه، لأن معه باطل، وعند عطاء وإبراهيم النخعي وأبي حنيفة وصاحبيه يجوز بيع الكلاب التي ينتفع بها ويباح أثمانها فهذا يدل على أن فيها المالية، فإذا كان كذلك م: (فأورث) ش: اختلاف العلماء م: (شبهة) ش: وهي دارئة. م: (ولا قطع في دف) ش: بفتح الدال، وضمها كذا قال ابن دريد وهو نوعان، مربع ومدور م: (ولا طبل) ش: في طبل الغزاة اختلاف المشايخ، والأصح أنه لا يقطع. م: (ولا بربط) ش: بباءين مفتوحتين وبينهما راء شبيه العود فارسي معرب، وأصله - بربت - لأن الضارب به يضعه على صدره واسم الصدر - بر - قاله ابن الأثير م: (ولا مزمار) ش: بكسر الميم وهو الآلة التي يزمر بفمها أي يغني. قال ابن الأثير والقصبة التي يزمر بها زمارة وهي والزمار والمزمور سواء، وهذا بالاختلاف بين أصحابنا م: (لأن عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (لا قيمة لهما) ش: أي لهذه الأشياء المذكورة، فلا يكون فيها القطع. م: (وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخذها يتأول الكسر فيها) ش: فلا يقطع، ولكن يجب الضمان عنده لغير اللهو م: (ويقطع في الساج) ش: بسين مهملة وجيم في آخره، وهو نوع من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 24 والقنا والأبنوس والصندل؛ لأنها أموال محرزة لكونها عزيزة عند الناس ولا توجد بصورتها مباحة في دار الإسلام. قال: ويقطع في الفصوص الخضر والياقوت والزبرجد؛ لأن هذه الأشياء من أحسن الأموال وأنفسها، ولا توجد مباحة الأصل بصورتها في دار الإسلام غير مرغوب فيها، فصارت كالذهب والفضة. وإذا اتخذ من الخشب أواني وأبواب قطع فيها؛ لأنه بالصنعة التحق بالأموال النفيسة، ألا ترى أنها تحرز بخلاف الحصير؛ لأن الصنعة فيه لم تغلب على الجنس حتى يبسط في غير الحرز وفي الحصر البغدادية. قالوا: يجب القطع في سرقتها لغلبة الصنعة على   [البناية] الشجر معروف يعظم جداً، وأصله سَوَج بفتحتين، يقال: ساج سوجة، أي مخروطة متجوفة الجوانب الأربعة تحمل من بلاد الهند إلى سائر البلاد؛ ولأنه لا ينبت إلا بها م: (والقنا) ش: جمع قناة وهي خشبة الرمح لأنها متعلقة من الواو م: (والأبنوس) ش: بفتح الباء معرب، وهو معروف. وعن محمد إذا عمل بالأبنوس شيئاً قطع به، ولا قطع في الساج إلا إذا عمل به شيئاً م: (والصندل) ش: وهو خشب آجر وأصفر طيب الرائحة. م: (لأنها) ش: أي؛ لأن هذه الأشياء الأربعة م: (أموال محرزة لكونها عزيزة عند الناس، ولا توجد بصورتها مباحة في دار الإسلام) ش: ولا تؤخذ مباحة إلا في دار الحرب، فلا يكون ذلك شبهة في سقوط القطع. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ويقطع في الفصوص الخضر) ش: وهي تعمل من الفيروز والزمرد م: (والياقوت) ش: وهو من أعز الأحجار، وهو أحمر وأصفر وأخضر وأعزها الأحمر م: (والزبرجد) ش: قال الجوهري: الزبرجد جوهر معروف، وليس فيه معرفة. قلت: هو حجر أخضر تفاق الياقوت الأخضر وليس لقوته ولا فعله، وليس منه منفعة الأحسن منظر م: (لأن هذه الأشياء من أحسن الأموال وأنفسها، ولا توجد مباحة الأصل بصورتها في دار الإسلام غير مرغوب فيها، فصارت كالذهب والفضة) ش:. م: (وإذا اتخذ من الخشب) ش: أي من الخشب الذي لا قطع فيه م: (أواني) ش: جمع آنية م: (وأبواب) ش: بالرفع أي فاتخذ أبواب م: (قطع فيها، لأنه بالصنعة التحق بالأموال النفيسة) ش: لأن الصنعة الغالبة خرجته من حكم أصله، فصار لمال المعينين. م: (ألا ترى أنها تحرز بخلاف الحصير) ش: والتواري م: (لأن الصنعة فيه لم تغلب على الجنس) ش: أي على أصله م: (حتى يبسط في غير الحرز) ش: فلا يخرج من كونها تافهاً. م: (وفي الحصر البغدادية قالوا) ش: أي المشايخ م: (يجب القطع في سرقتها لغلبة الصنعة على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 25 الأصل، وإنما يجب القطع في غير المركب، وإنما يجب إذا كان خفيفا لا يثقل على الواحد حمله؛ لأن الثقيل منه لا يرغب في سرقته ولا قطع على خائن ولا خائنة لقصور في الحرز ولا منتهب ولا مختلس؛ لأنه يجاهر بفعله، كيف يجب وقد قال النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا قطع على مختلس ولا منتهب ولا خائن»   [البناية] الأصل) ش: وكذلك الحصر المصرية، والحصر العباد كذلك. وعند الثلاثة يقطع في المعمولة وغير المعمولة م: (وإنما يجب القطع في غير المركب) ش: يعني في الأبواب؛ لأنها تحرز. وأما المركب على الجدار لا قطع فيه عندنا. وفي " المبسوط " سرق باب دار أو مسجد لا يقطع؛ لأنه ظاهر غير محرز. وعند الثلاثة يقطع في باب الدار م: (وإنما يجب) ش: أي القطع في باب الغير المركب. م: (إذا كان خفيفاً لا يثقل على الواحد حمله؛ لأن الثقيل منه لا يرغب في سرقته) ش: وقال الأترازي: في هذا نظر؛ لأن عدم الرغبة في سرقته بواسطة الثقل لا يورث نقصاناً في المالية ولا في الحرز، فإذا حصلت سرقة مال يتيم من حرز كامل فيجب القطع. ولهذا يفرق الحاكم بين الثقيل والخفيف، بل أطلق الرواية، ولذلك أطلقوا الرواية في شرح " الجامع الصغير " وشروحه، وكذا القدوري أطلق في مختصره وفي شرحه لمختصر الكرخي وكذا أطلق في " الشامل " في قسم المبسوط. م: (ولا قطع على خائن ولا خائنة) ش: قال الإمام بدر الدين الكردي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الخائن من يخون فيما في يده من الأمانة كالمودع والخائنة للمؤنث م: (لقصور في الحرز) ش: فكان شبهة في سقوط القطع م: (ولا منتهب) ش: أي ولا قطع أيضاً على منتهب، وهو اسم فاعل من الانتهاب، وهو أن يأخذ على وجه العلانية، فهذا من بلدة أي قرية. م: (ولا مختلس) ش: أي ولا قطع أيضاً على مختلس، وهو اسم فاعل من الاختلاس، وهو الاختلاف وهو أن يأخذ وهو قريب الشيء بسرعة الأكم الخلسة. وقال الأكمل: الاختلاس أن يأخذ من البيت بسرعة وجهراً وهو قريب من قول المصنف م: (لأنه يجاهر بفعله) ش: ولا قطع في هذه الأشياء بإجماع العلماء وفقهاء الأمصار؛ لعدم صدق السرقة عليها. م: (كيف يجب وقد قال النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا قطع على مختلس ولا منتهب ولا خائن» ش: هذا الحديث رواه أصحاب السنن الأربعة عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 26 ولا قطع على النباش وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله -: عليه القطع؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من نبش قطعناه؛» ولأنه مال متقوم محرز بحرز مثله فيقطع فيه.   [البناية] ورواه الطبراني في " الأوسط " من حديث الزهري عن ابن أبي مالك نحوه مرفوعاً. [قطع النباش ومن سرق درة من إصطبل] م: (ولا قطع على النباش) ش: هو الذي ينبش القبور ويأخذ كفن الميت م: (وهذا) ش: أي عدم القطع على النباش م: (عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله-) ش: وبه قال الثوري والأوزاعي والزهري ومكحول، وهو مذهب ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. م: (وقال أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله - عليه القطع) ش: وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور، وهو مذهب الحسن، والشعبي، والنخعي، وداود، وحماد، وعمر بن عبد العزيز. وفي " المبسوط " وهو مذهب عمر، وعائشة، وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقال مالك في " الموطأ ": وإذا بلغ ما أخرج من القبر ما يجب فيه القطع قطع. وقال أحمد: إذا أخرج من القبر كفنا قيمته ثلاثة دراهم قطع. وقال الكاكي: ثم الكفن الذي يقطع به ما كان مشروعاً، فإن كان أكثر من كفن السنة أو ترك في تابوت فسرق التابوت أو ترك معه طيب مجموع أو ذهب أو فضة أو جوهر لم يقطع بأخذ شيء من ذلك؛ لأنه ليس بكفن مشروع فالترك فيه تضييع وسفه، فلا يكون محرزاً فلا يقطع سارقه. وفي " الوجيز ": لا قطع على نباش في تربة ضابعة، ويقطع إذا سرق من قبر محرز محروس، وفي مقابل البلاد وجهان. وفي الزيادة على العدد الشرعي الكفن للوارث فهو الخضير في السرقة. وإن كفنه أجنبي فالطلب للأجنبي، وبه قال أحمد في وجه. وقال في وجه لا يفتقر إلى الطلب. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من نبش قطعناه» ش: هذا رواه البيهقي في كتاب المعرفة بإسناد فيه من يجهل حاله عن البراء بن عازب مرفوعاً. وقال الكاكي: أول الحديث «من غرق غرقناه، ومن حرق حرقناه، ومن نبش قطعناه» م: (ولأنه مال متقوم) ش: لأن الكفن ثوب متقوم وبإلباس الميت لا تحصل صنعة المالية فيه م: (محرز) ش: مثله، كما أن الإصطبل للدواب، لأنه يعتبر حرز كل شيء م: (بحرز مثل) ش: وهو يحفظ فيه عادة، فيكون القبر حرز الكفن م: (فيقطع فيه) ش: لأنه حرزه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 27 ولهما قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا قطع على المختفي» وهو النباش بلغة أهل المدينة؛ ولأن الشبهة تمكنت في الملك؛ لأنه لا ملك للميت حقيقة ولا للوارث لتقدم حاجة الميت وقد تمكن الخلل في المقصود وهو الانزجار؛ لأن الجناية في نفسها نادرة الوجود، وما رواه غير مرفوع أو هو محمول على السياسة، وإن كان القبر في بيت مقفل، فهو على هذا الخلاف في الصحيح.   [البناية] ألا ترى أن الصندوق حرز للدرة حتى لو سرق درة من إصطبل لا يقطع وحرز الدابة الإصطبل، وحرز الشاة الحظيرة حتى لو سرق من الحظيرة الثياب النفيسة لا يقطع. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد قال: في م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا قطع على المختفي» ش: هذا حديث غريب لا أصل له. وعن ابن عباس: ليس على النباش قطع، رواه ابن أبي شيبة م: (وهو النباش بلغة أهل المدينة) ش: قال في ديوان الأدب اختفاه، أي أخرجه. وقال في المجمل: والنباش مختف؛ لأنه مستخرج للأكفان. م: (ولأن الشبهة تمكنت في الملك) ش: يعني في كون الكفن ملكاً م: (لأنه لا ملك للميت حقيقة) ش: وهو ظاهر م: (ولا للوارث؛ لتقدم حاجة الميت وقد تمكن الخلل في المقصود، وهو الانزجار؛ لأن الجناية في نفسها نادرة الوجود) ش: لأن الطباع السلمية تنفر عنه، والكفن شيء بهيز لا تميل إليه الطبائع المستقيمة. م: (وما رواه) ش: أي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (غير مرفوع) ش: إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد ذكرنا أن الحديث الذي استدل به أبو حنيفة ومحمد غريب ليس له أصل. وما استدل به أبو يوسف والشافعي أقرب م: (أو هو محمول على السياسة) ش: هذا جواب بطريق التسليم، والإمام ذلك إذا أعاد به عليه أول الحديث: «من غرق غرقناه، ومن حرق حرقناه» والمراد منه السياسة؛ لأنه أضافه إلى نفسه. ولو كان بطريق القصاص لما أضافه إلى نفسه، بل أضافه إلى الولي. م: (وإن كان القبر في بيت مقفل) ش: قال الكاكي: بسكون القاف، يقال: أقفل الباب، وقفل الأبواب مثل أغلق وغلق، ذكره في " الصحاح ". حاصله أنه يقال: أقفل الباب من الإقفال إذا ذكر مفرداً وقفل الأبواب بتشديد القاف من التفضيل إذا ذكر الأبواب كما يقال أغلقت الباب، وغلقت الأبواب م: (فهو على هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور، يعني لا يقطع عندهما خلافاً لأبي يوسف م: (في الصحيح) ش: احترز به عما يقوله بعض المشايخ إنه يقطع، وقال السرخسي: في مبسوطه والأصح عندي أنه لا يقطع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 28 وكذا إذا سرق من تابوت في القافلة وفيه الميت لما بينا ولا يقطع السارق من بيت المال؛ لأنه مال العامة. وهو منهم. ولا من مال للسارق فيه شركة لما قلنا. ومن له على آخر دراهم فسرق منه مثلها لم يقطع، لأنه استيفاء لحقه، والحال والمؤجل فيه سواء استحسانا، لتأخير المطالبة   [البناية] م: (وكذا) ش: أي من الخلاف المذكور م: (إذا سرق من تابوت في القافلة وفيه الميت) ش: لا يقطع عندهما بلا خلاف لأبي يوسف م: (لما بينا) ش: أي لما بينا من الحديث، وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا قطع على المختفي» ، ومن الدليل المعقول وهو قوله؛ لأنه لا ملك للميت حقيقة ولا للوارث. [السرقة من بيت المال وحكم من سرق زيادة على حقه] م: (ولا يقطع السارق من بيت المال) ش: وبه قال الشافعي، وأحمد، والنخعي، والشعبي، والحكم، وقال مالك، وحماد، وابن المنذر عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن عبداً من رقيق الخمس سرق من الخمس، فأتي به إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يقطعه، وقال فماذا سرق» وقيل: يقطع لظاهر الكتاب؛ ولأنه سرق مالاً محرزاً، ولا حق له فيه قبل الحاجة. ولنا ما رواه عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أن عبداً من رقيق الخمس سرق، فرفع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يقطعه، وقال: " مال الله سرق بعضه بعضاً ".» وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مثله. وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيمن سرق من بيت المال قال أرسله من أحد الأدلة في هذا المال حق وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مثله. وتعليل المصنف يؤخذ منه حيث قال م: (لأنه) ش: أي لأن مال بيت المال م: (مال العامة) ش: أي عامة الناس م: (وهم منهم) ش: أي الذي سرق من العامة، فيكون له فيه حق فيسقط القطع للشبهة م: (ولا من مال) ش: ولا يقطع من سرق من مال م: (للسارق فيه شركة) ش: لأن الملك من أقوى الشبه؛ ولهذا لا يجب حد الزنا بوطء الأمة المشتركة م: (لما قلنا) ش: أن للسارق فيه حق. قال الكاكي: صورته لو سرق أحد الشريكين من حرز الآخر مالاً مشتركاً بينهما لا يقطع عندنا، وبه قال الشافعي في الأصح وأحمد. وقال في قول إذا سرق من بيت الشريك قدر النصاب، يعني زيادة على حقه ففيه القطع، وبه قال مالك. م: (ومن له على آخر دراهم فسرق منه مثلها) ش: أي مثل دراهمه م: (لم يقطع؛ لأنه استيفاء لحقه) ش: وبهذا ليس لصاحب المال أن يرد أمر ذلك م: (والحال والمؤجل فيه) ش: أي في عدم القطع م: (سواء استحساناً) ش: لوجود المسح للأخذ، ويقطع قياساً لانعدام الإطلاق في الأخذ م: (لتأخير المطالبة) ش: في الحال. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 29 وكذا إذا سرق زيادة على حقه؛ لأنه لمقدار حقه يصير شريكا فيه. وإن سرق منه عروضا قطع؛ لأنه ليس له ولاية الاستيفاء منه إلا بيعا بالتراضي. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يقطع؛ لأن له أن يأخذه عند بعض العلماء قضاء من حقه أو رهنا بحقه.   [البناية] وعند الشافعي: إن لم يكن الغريم مماطلاً قطع، وإن كان مماطلاً لا يقطع، وبه قال مالك وأحمد في رواية. وقال الشافعي في وجه: إذا بلغت الزيادة على حقه نصاباً يقطع، وبه قال مالك وأحمد في رواية والشافعي في اختلاف جنسه وجهان، في وجه يقطع، وبه قال مالك وأحمد. والأظهر أنه لا يقطع. ولم يذكر القدوري هذه المسألة في مختصره، وذكرها في شرحه. وذكر القياس والاستحسان. والمصنف لم يذكر وجه القياس. وذكر وجه الاستحسان بقوله: لأن التأجيل لتأخير المطالبة، أي لأن التأجيل في الدين لتأخير المطالبة إلى حلول الأجل وهو لا نصر ملك الدين. م: (وكذا إذا سرق زيادة على حقه) ش: أي وكذا لا يقطع عندنا إذا سرق من جنس حقه زيادة على حقه م: (لأنه لمقدار حقه يصير شريكاً فيه) ش: فتتمكن الشبهة. م: (وإن سرق منه عروضاً قطع) ش: يعني إذا أخذ عروضاً مكان الدراهم يقطع م: (لأنه ليس له ولاية الاستيفاء منه) ش: أي من الديون الاستيفاء منه م: (إلا بيعاً بالتراضي) ش: أي إلا من حيث البيع بالتراضي، والبيع مبادلة المال بالمال على وجه التراضي. والفرق بين أخذ جنس حقه وبين أخذ جنسه ظاهر، وهو جنس التفاوت؛ ولهذا إذا سلم إليه المديون له أن يمتنع من ذلك، بخلاف تسليم الدراهم حيث يجزئ. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يقطع؛ لأن له أن يأخذه) ش: أي لأن السارق له أن يأخذ غير جنس حقه م: (عند بعض العلماء) ش: وهو ابن أبي ليلى، فإن عنده له أن يأخذ خلاف جنس حقه بعضا لوجود المجانسة من جنس المالية، وبه قال الشافعي أيضاً. وإن لم يدع الأخذ لحقه، فيصير اختلاف العلماء شبهة للسقوط م: (قضاء من حقه) ش: أي من حيث القضاء من حقه م: (أو رهناً بحقه) ش: أي أو يأخذه من حيث إنه الرهن بحقه. وقال في كتاب " السرقة " فإن قال لما أردت أن آخذ العروض رهناً بحقي أو قبضاً بحقي درئ عنه القطع للمحاشمة، وإن كان حقه دراهم فوق دنانير تقطع، كذا ذكر القدوري في شرحه، وقيل: تبع للمجانسة بينهما من حيث التسمية على ما يجيء الآن. وكذا القطع إذا سرق حلياً من فضة وحقه دراهم؛ لأنه لا يصير قصاص حقه، بل يصير بيعاً مبتدأ. ولو سرق المكاتب أو العبد من غريم المولى قطع، إلا أن يكون المولى وكيلهما بالقبض الجزء: 7 ¦ الصفحة: 30 قلنا هذا قول لا يستند إلى دليل ظاهر، فلا يعتبر بدون اتصال الدعوى به، حتى لو ادعى ذلك درئ الحد عنه؛ لأنه ظن في موضع الخلاف. ولو كان حقه دراهم فسرق منه دنانير قيل: يقطع؛ لأنه ليس له حق الأخذ. وقيل: لا يقطع؛ لأن النقود جنس واحد. ومن سرق عينا تقطع فيها فردها في موضع ثم عاد فسرقها وهي بحالها لم يقطع، والقياس أن يقطع، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فإن عاد فاقطعوه» من غير فصل   [البناية] فحينئذ لا يجب القطع. ولو سرق من غريم أبيه أو غريم ولده الكبير أو غريم مكاتبه أو غريم عبده المأذون المديون قطع؛ لأن حق الأخذ لغيره وهو سرق من غريم أبيه الصغير لا يقطع، والمسائل مذكورة في فتاوى الولوالجي وغيره. م: (قلنا هذا قول) ش: أراد به قول ابن أبي ليلى م: (لا يستند إلى دليل ظاهر) ش: إذ القياس أن لا يأخذ جنس حقه في الدين الحال؛ لأن حقه في الوصف، وهذا عين، لكن تركناه لعلة التفاوت بينهما، ولا كذلك خلاف الجنس بفتحتين التفاوت، فلا يترك القياس م: (فلا يعتبر) ش: أي قوله م: (بدون اتصال الدعوى به) ش: أي بقوله م: (حتى لو ادعى ذلك) ش: أي أنه أخذه قضاء لحقه أو رهناً به م: (درئ الحد عنه؛ لأنه ظن) ش: أي؛ لأن فعله ظن م: (في موضع الخلاف) ش: فلا ينفك بنقل شبهة، وإذا كان هو مخطئاً في ذلك التأويل. وعندنا م: (ولو كان حقه دراهم فسرق منه دنانير قيل يقطع) ش: كذا ذكر القدوري؛ لأنها لا تصير قصاصاً بحقه، فليس له أن يأخذها، وهو معنى قوله م: (لأنه ليس له حق الأخذ. وقيل: لا يقطع؛ لأن النقود جنس واحد) ش: من حيث المشمة. [سرق عيناً فقطع فيها فردها] م: (ومن سرق عيناً فقطع فيها فردها) ش: أي فرد العين المسروقة إلى مالكها لم يتغير م: (في موضع ثم عاد فسرقها وهي) ش: أي والحال أن العين المسروقة م: (بحالها لم يقطع) ش: أي ثانياً م: (والقياس أن يقطع، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقول أحمد: م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «فإن عاد فاقطعوه» ش: هذا رواه الدارقطني في سننه عن الواقدي عن ابن أبي ذئب عن خالد بن سلمة أراد عن أبي سلمة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا سرق السارق فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله، فإن عاد فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله» م: (من غير فصل) ش: يعني قاله مطلقاً من غير فصل بين تبدل العين وعدمه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 31 ولأن الثانية متكاملة كالأولى بل أقبح لتقدم الزاجر. وصار كما إذا باعه المالك من السارق ثم اشتراه منه ثم كانت السرقة. ولنا أن القطع أوجب سقوط عصمة المحل على ما يعرف من بعد إن شاء الله. وبالرد إلى المالك إن عادت حقيقة العصمة بقيت شبهة السقوط نظرا إلى اتحاد الملك والمحل، وقيام الموجب وهو القطع فيه، بخلاف ما ذكر؛ لأن الملك قد اختلف باختلاف سببه؛ ولأن تكرار الجناية منه نادر لتحمله مشقة الزاجر، فتعرى الإقامة عن المقصود، وهو تقليل الجناية وصار كما إذا قذف المحدود في القذف المقذوف الأول.   [البناية] م: (ولأن الثانية) ش: أي السرقة الثانية م: (متكاملة كالأولى) ش: أي كالسرقة الأولى م: (بل أقبح) ش: من الأولى وأفحش م: (لتقدم الزاجر) ش: فإن الإقدام عليها مع سبق الزاجر أشد قبحاً فكان أحق بإيجاب القطع. م: (وصار) ش: أي هذا م: (كما إذا باعه المالك) ش: أي كما إذا باع المسروق م: (من السارق ثم اشتراه منه، ثم كانت السرقة) ش: أي ثم وجدت السرقة وكانت تامة. م: (ولنا أن القطع أوجب سقوط عصمة المحل) ش: في حق السارق م: (على ما يعرف من بعد إن شاء الله تعالى) ش: أشار به إلى قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لا غرم على السارق بعدما قطعت يمينه قبل باب ما يحدث السارق في السرقة قريباً من صفحة. وبالرد إلى المالك، هذا جواب عما يقال: العصمة وإن سقطت بالقطع لكنها عادت بالرد إلى المالك، فأجاب بقوله م: (وبالرد) ش: أي وبرد المعنى المسروقة المؤيدة م: (إلى المالك إن عادت حقيقة العصمة بقيت شبهة السقوط) ش: أي سقوط العصمة م: (نظراً إلى اتحاد الملك) ش: احترازاً عما إذا لو تبدل الملك في ذلك، وهو جواب عن قوله: كما إذا باعه السارق من المالك إلى آخره م: (والمحل) ش: احترازاً عما إذا تبدل المحل كما في صورة الفرد كما يجيء عن قريب م: (وقيام الموجب) ش: أي موجب سقوط العصمة م: (وهو القطع فيه) ش: وهو احتراز عما كان قبل القطع. م: (بخلاف ما ذكر) ش: يعني بخلاف ما ذكر أبو يوسف من صورة البيع م: (لأن الملك قد اختلف باختلاف سببه) ش: وذلك لأن اختلاف الأسباب بمنزلة اختلاف الأعيان. وأصله «حديث بريرة حيث قال لها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لك صدقة ولنا هدية» م: (ولأن تكرار الجناية) ش: عطف على قوله: ولنا أن القطع، وهو دليل آخر تقرير تكرار الجناية م: (منه) ش: بالعود إلى سرقة ما قطع فيه م: (نادر) ش: جداً م: (لتحمله مشقة الزاجر، فتعرى الإقامة عن المقصود، وهو تقليل الجناية) ش: فلا يحتاج إليها. م: (وصار) ش: أي هذا صار م: (كما إذا قذف المحدود في القذف المقذوف الأول) ش: بالزنا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 32 قال: فإن تغيرت عن حالها مثل أن يكون غزلا فسرقه وقطع فرده ثم نسج فعاد فسرقه قطع؛ لأن العين قد تبدلت فتبدلها عن حالها؛ ولهذا يملكه الغاصب به، وهذا هو علامة التبدل في كل محل. وإذا تبدل انتفت الشبهة الناشئة عن اتحاد المحل والقطع فيه، فوجب القطع ثانيا.   [البناية] الأول: فإنه لا يحد نظرا إلى عراية عن مقصود الإقامة وذكر الإمام [ .... ] هذا إذا قذفه يعني ذكر الزنا أما لو نسب إلى غير ذلك الزنا يحد ثانيا. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن تغيرت عن حالها مثل أن يكون غزلاً فسرقه وقطع فرده ثم نسج فعاد فسرقه قطع؛ لأن العين قد تبدلت، فتبدلها عن حالها) ش: صارت في حكم عين أخرى، فلو سرق أخرى يقطع ثانياً فقطع فيها ثم سرق عيناً أخرى فقطع ثانياً. فكذا هنا م: (ولهذا يملكه الغاصب به) ش: أي بالنسج ويقطعه حق المغصوب منه عن المغصوب م: (وهو علامة التبدل) ش: أي ثبوت ملك الغاصب بالنسج دليل تبدل العين، وإلا لما انقطع حق المالك م: (في كل محل) ش: في الثبوت وغيره. م: (وإذا تبدل انتفت الشبهة الناشئة عن اتحاد المحل والقطع فيه) ش: بالجر عطفاً على قوله من اتحاد المحل. يعني لما تبدل المحل بأن كان ثوباً بعد أن كان غزلاً انتفت شبهة سقوط العصمة التي نشأت من اتحاد المحل ووجود القطع في ذلك المحل، فصار في حكم غير أخرى، فإذا كان كذلك م: (فوجب القطع ثانياً) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 33 فصل في الحرز والأخذ منه قال ومن سرق من أبويه أو ولده أو ذي رحم محرم منه لم يقطع. فالأول وهو الولاد للبسوطة في المال، وفي الدخول في الحرز.   [البناية] [فصل في الحرز والأخذ منه] [سرق من أبويه أو ولده أو ذي رحم] م: (فصل في الحرز والأخذ منه) ش: أي هذا فصل في بيان الحرز. والحرز في اللغة: الموضع الحريز، وهو الموضع الذي يحرز فيه الشيء أي يحفظ. وفي الشرع: ما يحفظ فيه المال عادة كالدار والحانوت والخيمة والشخص بنفسه، والمراد من الحرز ما لا يعد صاحبه مضيعاً. قوله: والأخذ منه أي من الحرز ولما احتاجت السرقة إلى وجود المالية، وإلى الحرز عند العامة شرع من الحرز شرط القطع عند عامة أهل العلم. وحكي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - والحسن والنخعي: فمن جمع المال ولم يخرج به من الحرز عليه القطع. وعن الحسن مثل قول الجماعة. وحكى داود أنه يعتبر الحرز لإطلاق الآية، وهذه أقوال شاذة غير ثابتة. وقال ابن المنذر: وليس فيه خبر ثابت ولا مقال لأهل العلم إلا ما ذكرناه فهو كالإجماع، والأخبار التي وردت في القطع تخصص الآية. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن سرق من أبويه أو ولده أو ذي رحم محرم منه لم يقطع) ش: أما السرقة من أبويه فلا قطع فيها بالإجماع قال الأترازي: وكيف يقول بالإجماع وقد قال الكاكي: وقال مالك، وأبو ثور، وابن المنذر، والمزني من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقطع السارق من أبويه لظاهر النص. وكذلك السرقة من الجد وإن علا، وكذا إذا سرق الأب من ولده. وأما السرقة من ذي رحم محرم منه كالأخ والأخت والعم والخال فذلك عندنا لا يقطع، وقالت الثلاثة يقطع. م: (فالأول وهو الولاد) ش: أي قرابة الولاد م: (للبسوطة في المال) ش: أي للبسط وهو السعة في اللغة: النشر م: (وفي الدخول في الحرز) ش: والحاصل أن المانع من القطع في سرقة الولد من والديه والعكس أيضاً أمران، أحدهما: الانبساط بينهم في المال، والآخر: الأول بالدخول في الحرز، وهو معنى قوله. وفي الدخول في الحرز، ولهذا يمنع الولاد قبول شهادة أحدهما للآخر ويستحق النفقة في مال أبويه إذا كان فقيراً. ولو سرق الأب أو الجد وإن علا، والأم والجدة وإن علت من مال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 34 والثاني للمعنى الثاني. ولهذا أباح الشرع النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منها، بخلاف الصديقين؛ لأنه عاداه بالسرقة. وفي الثاني خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه ألحقها بالقرابة البعيدة، وقد بيناه في العتاق. وأقرب من ذلك الأخت من الرضاعة، وهذا لأن الرضاعة قلما يشتهر فلا بسوطة تحرزا عن موقف التهمة، بخلاف النسب.   [البناية] الولد، وإن سفل لا يقطع خلافاً لأبي ثور وابن المنذر. والثاني: للمعنى م: (والثاني) ش: أي عدم القطع في السرقة من ذي الرحم المحرم م: (للمعنى الثاني) ش: وهو كونه يدخل في الحرز بدون الإذن م: (ولهذا) ش: أي ولأجل المعنى الثاني م: (أباح الشرع النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منها) ش: أي من المحارم وبعض النسخ فيها وموضع الزينة اليد؛ لأنها موضع السوار والشعر؛ لأنه موضع العربول والعضد موضع اليد ملوح، والصدر موضع القلادة والسارق موضع الخلخال. م: (بخلاف الصديقين) ش: متصل بقوله لم يقطع، وهو جواب عن سؤال بأن يقال الإذن بالدخول كما وجد في سائر المحارم، وجد في الصديقين أيضاً، ومع هذا إذا سرق أحدهما من الآخر فقطع فأجاب بقوله بخلاف الصديقين م: (لأنه) ش: أي لأن الذي سرق من صديقه م: (عاداه بالسرقة) ش: لأنه لما سرق ظهر أنه عدو وعلى هذا تنتفي الصداقة فيقطع. م: (وفي الثاني) ش: يعني في السارق من ذي رحم محرم م: (خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه ألحقها) ش: أي؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ألحق قرابة ذي رحم محرم كالأخ والعم والخال م: (بالقرابة البعيدة) ش: كابن العم، ولا معنى لإلحاقها بها مع وجود السارق؛ لأن القرابة البعيدة يجوز فيها المناكحة. وبخلاف قرابة ذي رحم محرم م: (وقد بيناه في العتاق) ش: أي بينا الخلاف في مسألة ملك ذي رحم محرم منه عتق. بل يقطع وإن كانت المحرمية موجودة، وكذلك إذا ثبتت المحرمية بالتقبيل عن شهوة. [السرقة من بيت الأخت من الرضاع] م: (وأقرب من ذلك) ش: أي من الحرمة الثابتة بالزنا م: (الأخت من الرضاعة) ش: يعني أن الأم من الرضاعة أشبه إلى الأخت من الرضاعة في إثبات الحرمة من الحرمة الثابتة بالزنا، ثم السرقة من بيت الأخت من الرضاع موجبة للقطع بالإجماع، فيجب أن يكون من بيت أمه من الرضاع كذلك. وجه الأقربية، أي إلحاق الرضاع أقرب من إلحاقه بالزنا م: (وهذا) ش: أي القطع مع الدخول عليه من غير استئذان وحشمة م: (لأن الرضاع قلما يشتهر فلا بسوطة) ش: أي بلا انبساط كما ذكرنا م: (تحرزاً) ش: أي احترازاً م: (عن موقف التهمة بخلاف النسب) ش: أي الأم ونحوها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 35 وإذا سرق أحد الزوجين من الآخر أو العبد من سيده، أو من امرأة سيده، أو زوج سيدته لم يقطع؛ لوجود الإذن بالدخول عادة. وإن سرق أحد الزوجين من حرز الآخر خاصة لا يسكنان فيه فكذلك الجواب عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومن سرق من بيت ذي رحم محرم متاع غيره ينبغي أن لا يقطع. ولو سرق ماله من بيت غيره يقطع؛ اعتبارا للحرز وعدمه، ومن سرق من أمه من الرضاعة قطع، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يقطع؛ لأنه يدخل عليها من غير استئذان وحشمة، بخلاف الأخت من الرضاع لانعدام هذا المعنى فيها عادة.   [البناية] وقال الأترازي: وكأن هذا وقع جواباً عن قول أبي يوسف أنه يدخل على الأم من الرضاع بلا استئذان وحشمة، يعني بينهما انبساط في دخول المنزل فلا يقطع فقال: الرضاع قليلاً شهادة عادة فلا انبساط بينهما حينئذ؛ لعدم اشتهار الرضاع احترازاً عن الوقوع في موقف التهمة، بخلاف الأم من النسب؛ ولأن النسب أمر مشتهر فالانبساط متحقق. [سرقة أحد الزوجين من الآخر أو العبد من سيده ومن سرق من أمه من الرضاعة] م: (وإذا سرق أحد الزوجين من الآخر أو العبد) ش: أي لو سرق العبد م: (من سيده أو من امرأة سيده أو زوج سيدته) ش: أي أو سرق العبد من زوج سيدته م: (لم يقطع لوجود الإذن بالدخول عادة) ش: لأن العبد يدخل في بيوت هؤلاء ولا يمنع فلا يقطع. م: (وإن سرق أحد الزوجين من حرز الآخر خاصة لا يسكنان فيه) ش: أي الزوجان لا يسكنان في ذلك الحرز م: (فكذلك الجواب) ش: أي لا يقطع م: (عندنا خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش:. م: (ومن سرق من بيت ذي رحم محرم متاع غيره ينبغي أن لا يقطع، ولو سرق ماله من بيت غيره يقطع) ش: أي مال ذي رحم محرم ثم علقهما بقوله م: (اعتباراً للحرز) ش: أي في المسألة الثانية م: (وعدمه) ش: أي وعدم الحرز في المسألة الأولى. م: (ومن سرق من أمه من الرضاعة قطع) ش: ذكرها أيضاً تعريفاً بمسألة القدوري، قال في شرح الطحاوي: ولو سرق من أمه من الرضاعة أو من أبيه من الرضاع وجب القطع، وهذا هو ظاهر الرواية عن أصحابنا. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يقطع لأنه يدخل عليها) ش: أي على أمه من الرضاع م: (من غير استئذان وحشمة) ش: أي ومن غير حشمة. وفي " المغرب ": الانقباض من أخيك في المطفح وطلب الحاجة، والحشمة اسم من الاحتشام، يقال: أحشمه واحتشم منه إذا انقبض منه واستحى، وقيل: هي عامية، لأن الحشمة عند العرب الغضب لا غير. وقال ابن الأمير: الحشمة الاستحياء، يقال: احتشم أي انقبض. م: (بخلاف الأخت من الرضاع) ش: حيث يقطع إذا سرق منها م: (لانعدام هذا المعنى) ش: وهو الدخول بلا استئذان وحشمة م: (فيها) ش: أي في أخته من الرضاع م: (عادة) ش: أي من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 36 وجه الظاهر أنه لا قرابة والمحرمية بدونها لا تحترم كما إذا ثبتت بالزنا والتقبيل عن شهوة، لبسوطة بينهما في الأموال عادة ودلالة، وهو نظير الخلاف في الشهادة. ولو سرق المولى من مكاتبه لا يقطع؛ لأن له في اكتسابه حقا وكذلك السارق من المغنم؛ لأن له فيه نصيبا   [البناية] حيث العادة؛ لأنه لا يدخل عليها إلا بالإذن. م: (وجه الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية م: (أنه لا قرابة والمحرمية بدونها) ش: أي بدون القرابة م: (لا تحترم) ش: أي لا يحصل حرمتها حرمة عادة م: (كما إذا ثبتت) ش: يعني المحرمية م: (بالزنا والتقبيل عن شهوة) ش: فإنه إذا سرق من بيت المال التي زنا بها لا تعد شبهة في قطع اليد، فإنه له فيه ثلاثة أقوال في قول يقطع، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله. والثاني: لا يقطع كقولنا وقول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. والثالث: يقطع الزوج بسرقة مال زوجته ولا تقطع الزوجة بسرقة مال الزوج؛ لأن لها النفقة في ماله فكان لها حق في ماله ولا حق له في مالها. م: (لبسوطة بينهما) ش: أي بين الزوجين م: (في الأموال عادة ودلالة) ش: وهي أنها بما بدلت نفسها وهي أنفس من الأموال، فلأن تبدل المال أولى بطريق الدلالة؛ ولأن بينهما سبب يوجب الميراث من غير حجب كالوالدين والولدين والولد م: (وهو نظير الخلاف في الشهادة) ش: أي الخلاف في القطع نظير الاختلاف بيننا وبين الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قبول الشهادة، حيث لا يقبل شهادة أحدهما في حق الآخر لاتصال المنافع بينهما عادة وعنده يقبل في أحد قوليه. [سرقة المولى من مكاتبه والسرقة من المغنم] م: (ولو سرق المولى من مكاتبه لا يقطع) ش: وفي بعض النسخ لم يقطع م: (لأن له) ش: أي للمولى م: (في اكتسابه) ش: أي اكتساب المكاتب م: (حقاً) ش: لأن رقبته مملوكة للمولى، فلا تتحقق السرقة، وكذلك لا قطع على المكاتب أو المدبر إذا سرق من المولى؛ لأن المكاتب عبد ولو بقي عليه درهم. وكذا المدبر عبد ما لم يمت المولي، ولا قطع على العبد في مال سيده لما بينا. وقال مالك وأبو ثور وابن المنذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: يقطع بسرقة مال سيدته، أو من زوجة سيده، أو من زوج سيدتها. وقال داود: يقطع بمال السيد أيضاً. م: (وكذلك السارق من المغنم) ش: يعني لا يقطع م: (لأن له فيه نصيباً) ش: أي لأن للسارق في المغنم نصيباً، والمغنم الغنيمة، أطلق الرواية في القدوري. وكذا في شرح الطحاوي قال الأترازي: وينبغي أن يكون المراد من السارق من الغنيمة من له نصيب في الغنيمة في الأربعة إلا في الخمس كالغانمين أو اليتامى أو المساكين وابن السبيل، أما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 37 وهو مأثور عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - درءا وتعليلا. قال: والحرز على ضربين حرز لمعنى فيه كالدور والبيوت، وحرز بالحافظ. قال الحرز لا بد منه؛ لأن الاستسرار لا يتحقق دونه   [البناية] غيرهم فلا نصيب له في الغنيمة، فينبغي أن يقطع، لأنه سرق مالاً سيما لا حق له فيه من حرز لا شبهة فيه فيقطع بخلاف السارق من بيت المال، فإنه قيد بمصالح المسلمين وهو منهم فصار كمال فيه شركة للسارق فلا يقطع. وقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كقولنا في السارق من الغنيمة. وقال مالك وابن المنذر يقطع. م: (وهو) ش: أي عدم القطع في السارق من المغنم م: (مأثور عن علي) ش: ابن أبي طالب م: (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش:، رواه عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا الثوري عن سماك بن حرب عن ابن عبيد بن الأبرص - وهو يزيد بن دثار - قال: أتي علي برجل سرق من المغنم فقال: له فيه نصيب وهو خائن فلم يقطعه. وكان قد سرق مقصراً، ورواه الدارقطني في كتاب " المؤتلف والمختلف " في ترجمة عبيد بن الأبرص عن الثوري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - به مستنداً ومساو في الباب حديث مرفوع رواه ابن ماجه بسنده عن جبارة بن المغلس، عن حجاج بن تميم، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: «أن عبداً من رقيق الخمس سرق من الخمس فرفع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يقطعه، وقال: مال الله سرق بعضه بعضا» ، قال ابن القطان في كتابه: إسناده ضعيف، وقد رواه مرسلاً. م: (درءاً وتعليلاً) ش: أي دفعاً للقطع وتعليلاً له، فالدرء عن قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الأثر المذكور فلم يقطعه، والتعليل من قوله له فيه نصيب، وانتصابهما عليه أنهما حالين ومن عليه صلى على تقدير حال كون دارئاً ومعللاً، وكلاهما مصدران بمعنى اسم الفاعل كما في قولك رجل عدل أي عادل. ولم يوضح أحد من الشراح هذا كما ينبغي. [أنواع الحرز] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والحرز على ضربين) ش: وفي نسخة شيخي الأترازي أيضاً على نوعين، أحدهما م: (حرز لمعنى فيه) ش: وهو إنما يكون بالمكان المعد لحفظ الأمتعة والأموال، ويختلف في ذلك باختلاف الأول م: (كالدور والبيوت) ش: والصندوق والحانوت والحظيرة للغنم والبقر والخيمة والجر والحركات م: (وحرز بالحافظ) ش: هذا النوع الثاني كمن جلس في الطريق أو في المسجد وعنده متاعه، فإنه يحرز به. م: (قال) ش: أي المصنف: م: (الحرز لا بد منه) ش: لأنه شرط وجوب القطع والإجماع انعقد على شرطه، وعلل المصنف بقوله م: (لأن الاستسرار لا يتحقق دونه) ش: أي دون الحرز؛ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 38 ثم هو قد يكون بالمكان، وهو المكان المعد لإحراز الأمتعة كالدور والبيوت والصندوق والحانوت، وقد يكون بالحافظ كمن جلس في الطريق أو في المسجد وعنده متاعه فهو يحرز به، وقد «قطع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من سرق رداء صفوان من تحت رأسه وهو نائم في المسجد» وفي المحرز بالمكان لا يعتبر الإحراز بالحافظ وهو الصحيح؛ لأنه محرز بدونه وهو البيت وإن لم يكن له باب أو كان له باب وهو مفتوح، حتى يقطع السارق منه، لأن البناء للإحراز إلا أنه لا يجب القطع إلا بالإخراج منه، لقيام يده قبله   [البناية] لأن معنى السرقة وهو الأخذ على سبيل الاستسرار لا يوجد إذا لم يوجد الحرز، ولما قال القدوري: الحرز على نوعين شرع المصنف توضيحه بقوله م: (ثم هو) ش: أي الحرز م: (قد يكون بالمكان، وهو المكان المعد لإحراز الأمتعة) ش: وحفظها م: (كالدور والبيوت والصندوق والحانوت وقد يكون) ش: أي الحرز م: (بالحافظ) ش: أي لحفظ جانب المتاع متاعه. م: (كمن جلس في الطريق أو في المسجد) ش: أي أو جلس في المسجد م: (وعنده متاعه فهو) ش: أي متاعه م: (يحرز به) ش: أي بالجالس المذكور، وقد استدل على ذلك بقوله م: (وقد «قطع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من سرق رداء صفوان من تحت رأسه وهو نائم في المسجد» ش: بيان هذا ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث الزهري «عن عبد الله بن صفوان عن أبيه " أنه طاف بالبيت فصلى ثم لف رداءه من برد فوضعه تحت رأسه فنام، فأتاه لص فأرسله من تحت رأسه، وأخذه، فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إن هذا سرق ردائي، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أسرقت رداء هذا، قال: نعم، قال اذهبا به فاقطعا يده، فقال صفوان: ما كنت أريد أن يقطع يده في ردائي، قال: فلولا كان قبل أن تأتيني به» . وزاد النسائي فقطعه انتهى، فعلم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتبر الحرز بالحافظ. م: (وفي محرز بالمكان لا يعتبر الإحراز بالحافظ) ش: لأن الأول أقوى؛ لأن المكان يمنع وصول اليد إلى المال، ويكون المال مختفياً به، والاختفاء لا يوجد في الحافظ، فكان ذلك أصلاً م: (وهو الصحيح) ش: احترز به عما ذكر في العيون على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقطع السارق من الحمام في وقت الإذن إذا كان ثمة حافظ. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله-: لا يقطع، وبه أخذ الليث والصدر الشهيد وفي " الكافي " وعليه الفتوى، وهو ظاهر المذهب. م: (له لأنه يحرز بدونه) ش: أي لأن المحرز بالمكان محرز بدون الحافظ م (وهو) ش: أي المحرز بالمكان م: (البيت وإن لم يكن له باب) ش: واصل بما قبله م: (أو كان) ش: أي أو كان م: (باب وهو مفتوح) ش: أي والحال أنه مفتوح م: (حتى يقطع السارق منه؛ لأن البناء للإحراز، إلا أنه لا يجب القطع إلا بالإخراج منه) ش: أي بإخراج المتاع من البيت م: (لقيام يده قبله) ش: أي لقيام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 39 بخلاف المحرز بالحافظ حيث يجب القطع فيه كما أخذ لزوال يد المالك بمجرد الأخذ فتتم السرقة ولا فرق بين أن يكون الحافظ مستيقظا أو نائما والمتاع تحته أو عنده هو الصحيح؛ لأنه يعد النائم عند متاعه حافظا له في العادة، وعلى هذا لا يضمن المودع والمستعير بمثله؛ لأنه ليس بتضييع بخلاف ما اختاره في الفتاوى. قال: ومن سرق شيئا من حرز أو من غير حرز وصاحبه عنده يحفظه قطع؛ لأنه سرق مالا محرزا بأحد الحرزين. قال ولا قطع على من سرق مالا من حمام أو من بيت أذن للناس في دخوله فيه لوجود الإذن عادة   [البناية] يد المالك قبل الإخراج، لأن هتك الحرز لا يكون إلا بالإخراج. م: (بخلاف المحرز بالحافظ، حيث يجب القطع فيه كما أخذ) ش: أي السارق م: (لزوال يد المالك بمجرد الأخذ، فتتم السرقة) ش: فيقطع م: (ولا فرق بين أن يكون الحافظ مستيقظاً أو نائماً والمتاع تحته أو عنده) ش: أي أو تحته قريباً منه م: (هو الصحيح) ش: احترز عن قول بعض أصحابنا حيث شرط أن يكون المتاع م: (لأنه يعد النائم عند متاعه حافظاً له في العادة، وعلى هذا) ش: أي على التعليل الذي ذكره م: (لا يضمن المودع) ش: بفتح الدال، يعني إذا نام وعنده الوديعة. وفي " الفتاوى الظهيرية " إنما لا يجب الضمان على المودع فيما إذا وضع الوديعة بين يديه فيما إذا نام قاعداً، أما إذا نام مضطجعاً فعليه الضمان. وقال: وهذا إذا كان في الحضر، أما إذا كان في السفر لا ضمان عليه نام قاعداً أو مضطجعاً. م: (والمستعير مثله) ش: أي مثل المودع م: (لأنه ليس بتضييع، بخلاف ما اختاره في الفتاوى) ش: أي هذا الذي قلنا من عدم الضمان على المودع، أو المستعير كيفما نام عند المتاع خلاف ما اختاره في الفتاوى أي: هذا الذي قلنا من عدم الضمان على المودع؛ لأن فيها أوجب الضمان إذا نام مضطجعاً، وقد ذكرناه الآن. [سرق شيئاً من حرز أو من غير حرز وصاحبه عنده يحفظه] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن سرق شيئاً من حرز أو من غير حرز وصاحبه عنده يحفظه قطع) ش: هذا تفريع وبيان لما قال أولاً بقوله الحرز على نوعين: حرز لمعنى فيه، وحرز بالحافظ، يعني أن من سرق شيئاً من حرز بمعنى فيه كالدور قطع، وكذلك إذا سرق من غير حرز، لكن صاحبه عنده يحفظه قطع م: (لأنه سرق مالاً محرزاً بأحد الحرزين) ش: في الأول بالمكان. وفي الثاني بالحافظ. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا قطع على من سرق مالاً من حمام أو من بيت أذن للناس في دخوله) ش: وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا سرق من الحمام وكان عند الثياب حافظ فعليه القطع، كذا قال الشيخ أبو نصر البغدادي ولا يقطع عندنا م: (فيه لوجود الإذن عادة) ش: يعني الجزء: 7 ¦ الصفحة: 40 أو حقيقة في الدخول، فاختل الحرز، ويدخل في ذلك حوانيت التجار والخانات إلا إذا سرق منها ليلا لأنها بنيت لإحراز الأموال، وإنما الإذن يختص بالنهار. ومن سرق من المسجد متاعا وصاحبه عنده قطع؛ لأنه محرز بالحافظ؛ لأن المسجد ما بني لإحراز الأموال، فلم يكن المال محرزا بالمكان بخلاف الحمام والبيت الذي أذن للناس في دخوله حيث لا يقطع؛ لأنه بني للإحراز فكان المكان حرزا، فلا يعتبر الإحراز بالحافظ ولا قطع على الضيف إذا سرق ممن أضافه، لأن البيت لم يبق حرزا في حقه لكونه مأذونا في دخوله،   [البناية] في الحمام. م: (أو حقيقة) ش: أي أو لوجود الإذن حقيقة في بيت أذن في دخوله، وقوله م: (في الدخول) ش: يرجع إلى اثنين، فإذا كان كذلك م: (فاختل الحرز) ش: فلا يقطع م: (ويدخل في ذلك) ش: أي في حكم بيت أذن للناس في دخوله م: (حوانيت التجار والخانات) ش: وذلك لأن التاجر يفتح باب حانوته في السوق ويأذن للناس بالدخول عليه يشترون منه، فإذا سرق رجل منهم ثوباً لم يقطع، وبه صرح الحاكم في " الكافي ". م: (إلا إذا سرق منها) ش: أي من الحمام والحوانيت والخانات، وهذا استثناء من قوله: ولا يقطع إلى آخره، وقوله م: (ليلاً) ش: قيد للكل م: (لأنها) ش: أي لأن الأماكن المذكورة م: (بنيت لإحراز الأموال، وإنما الإذن يختص بالنهار) ش: دون الليل. وفي " مختصر الفتاوى " جماعة نزلوا بيتاً أو خاناً فسرق بعضهم من بعض متاعاً وصاحب المتاع يحفظه أو تحت رأسه لا يقطع، ولو كان مسجد جماعة قطع. ولو سرق من بيت واحد قبل الخروج لم يقطع. [سرق من المسجد متاعاً وصاحبه عنده والضيف إذا سرق ممن أضافه] م: (ومن سرق من المسجد متاعاً وصاحبه عنده قطع؛ لأنه محرز بالحافظ؛ لأن المسجد ما بني لإحراز الأموال، فلم يكن المال محرزاً بالمكان) ش: وإنما هو محرز بالحافظ. وإذا كان الحافظ عنده يقظان أو نائماً عنده متاعه فقد حصل هتك الحرز، فيقطع. وإن لم يكن عنده فلا يقطع؛ لعدم الحرز. م: (بخلاف الحمام والبيت الذي أذن للناس في دخوله، حيث لا يقطع؛ لأنه بني للإحراز، فكان المكان حرزاً، فلا يعتبر الإحراز بالحافظ) ش: وعدم القطع سبب الإذن في الدخول. وقال الشافعي: الموضوع في الشارع والمسجد محرز بالحافظ بشرط أن لا ينام أو لا يوليه ظهره، فيقول إذا نام عند متاعه لا يعد مضيعاً عادة، فلا يحتاج الحرز فيجب القطع. م: (ولا قطع على الضيف إذا سرق ممن أضافه، لأن البيت لم يبق حرزاً في حقه؛ لكونه مأذوناً في دخوله) ش: وبه قال الشافعي ومالك - رحمهما الله - وأحمد في رواية أن من سرق من الموضع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 41 ولأنه بمنزلة أهل الدار، فيكون فعله خيانة لا سرقة. ومن سرق سرقة فلم يخرجها من الدار لم يقطع؛ لأن الدار كلها حرز واحد، فلا بد من الإخراج منها؛ ولأن الدار وما فيها في يد صاحبها معنى فتتمكن شبهة عدم الأخذ، فإن كانت دار فيها مقاصير فأخرجها من مقصورة إلى صحن الدار قطع؛ لأن كل مقصورة باعتبار ساكنها حرز على حدة   [البناية] الذي أنزل فيه أو موضع لم يحرز عنه لا يقطع، وإن كان موضع يحرز عنه قطع. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الضيف م: (بمنزلة أهل الدار) ش: يعني صار كأنه واحد من أهل البيت حيث أكرموه وأضافوه م: (فيكون فعله) ش: أي فعل الضيف م: (خيانة لا سرقة) ش: ولا قطع على الخائن، لما روى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس على الخائن قطع» ، وكذلك إذا سرق من بعض بيوت الدار الذي أذن له في دخولها، وهو مقفل أو من صندوق مقفل، كذا ذكره القدوري في شرحه وما روي أن أسود بات عند أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فسرق حلياً فقطعه أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فتأويله عند أصحابنا أنه سرق من دار النساء لا من دار الرجال، وفي الدارين المختلفين لا يكون الإذن في أحدهما إذناً في الأخرى. م: (ومن سرق سرقة) ش: أراد بالسرقة المسروق مجازاً، كما قال محمد أيضاً إذا كانت السرقة مصحفاً، كذا قال الأترازي. وقال الكاكي: سرق سرقة مجازاً فلم يخرجها من الدار لم يقطع؛ لأن الدار كلها حرز واحد فلا بد من الإخراج منها) ش: فلما لم يوجد الإخراج لا يوجد الهتك، فلا يجب القطع. م: (ولأن الدار وما فيها في يد صاحبها معنى) ش: أي من حيث المعنى م: (فتتمكن شبهة عدم الأخذ) ش: والشبهة دارئة م: (وإن كانت دار) ش: وإن كانت الدار المذكورة داراً م: (فيها مقاصير) ش: أي الحجرات البيوت، وهو جمع مقصورة، والمقصورة الحجرة بلسان أهل الكوفة م: (فأخرجها من مقصورة إلى صحن الدار قطع؛ لأن كل مقصورة باعتبار ساكنها حرز على حدة) ش: لأن الإخراج إلى صحن الدار كالإخراج إلى السكة، فلو أخرج من السكة يقطع، فكذا هذا. ثم في الفصل الأول قال بعض أصحابنا: لا ضمان عليه إذا تلف في يد المسروق، كما لا قطع عليه قبل الإخراج من الدار، والصحيح أنه يضمن بوجود التلف على وجه التعدي، بخلاف القطع، فإن شرطه هتك الحرز ولم يوجد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 42 وإن أغار إنسان من أهل المقاصير على مقصورة فسرق منها قطع لما بينا. قال: وإذا نقب اللص البيت فدخل وأخذ المال وناوله آخر خارج البيت فلا قطع عليهما؛ لأن الأول لم يوجد منه الإخراج لاعتراض يد معتبرة على المال قبل خروجه. والثاني لم يوجد منه هتك الحرز، فلم تتم السرقة من كل واحد. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن أخرج الداخل يده فناولها الخارج، فالقطع على الداخل، وإن أدخل الخارج يده فتناولها من يد الداخل فعليهما القطع وهي بناء على مسألة تأتي بعد هذا. وإن ألقاه في الطريق ثم خرج فأخذه قطع.   [البناية] [نقب اللص البيت وناوله آخر خارج البيت أو ألقى المتاع في الطريق ثم خرج فأخذه] م: (وإن أغار إنسان) ش: قال صاحب المغرب: -أغار - لفظ شمس الأئمة الحلواني، والضمير في أغار إلى العدو، وأما لفظ محمد وإن أعان يعني بالعين المهملة والنون، وهو الأوجه؛ لأن الإغارة تدل على الجهر والمكابرة والسرقة والحقيقة. وقال الكاكي: وإن أغار، أي أخذ سرعة على غيره، يقال: أغار الفرس والثعلب إذا أسرع، كذا في " المغرب ". قوله فسرق فيها تفسير قوله أغار. وقال الأترازي: لفظ أغار له وجه بأن يدخل اللص مكابرة بالليل جهراً ويخرج المال فإنه يقطع لوجود الخفية عن عين سائر الناس، انتهى. قلت: فيه ما فيه؛ لأن السرقة أخذ مال في خفية وحيلة، فكذلك سمي السارق به؛ لأنه يسارق عين المسروق منه، والإغارة أخذ في المجاهرة مكابرة ومبادرة. وإذا حملنا معنى أغار على ما نقله الكاكي من المغرب لا يتوجه شيء، ويحصل المقصود م: (من أهل المقاصير على مقصورة فسرق منها قطع؛ لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأن كل مقصورة ... إلى آخره. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا نقب اللص البيت فدخل وأخذ المال وناوله آخر خارج البيت فلا قطع عليهما) ش: إلى هنا لفظ القدوري، أي على الداخل والخارج. وقال مالك: إن كانا متعاونين قطعا، وإن أقر كل واحد بفعل لم يقطعا. وقال الشافعي: إن انفرد الخارج بالأخذ يقطع وبه قال أحمد. وقال المصنف: م: (لأن الأول لم يوجد منه الإخراج لاعتراض يد معتبرة على المال قبل خروجه. والثاني لم يوجد منه هتك الحرز، فلم تتم السرقة من كل واحد. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن أخرج الداخل يده فناولها الخارج، فالقطع على الداخل، وإن أدخل الخارج يده فتناولها من يد الداخل فعليهما القطع وهي بناء) ش: أي مسألة نقب البيت وإدخال اليد فيه بينته م: (على مسألة تأتي بعد هذا) ش: هي مسألة إلقائه في الطريق. كذلك قال شيخي العلاء. قوله م: (وإن ألقاه) ش: متصل بما قبله، أي وإن ألقى المتاع م: (في الطريق ثم خرج فأخذه قطع) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 43 وقال زفر: لا يقطع لأن الإلقاء غير موجب للقطع. كما لو خرج ولم يأخذ، وكذا الأخذ من السكة، كما لو أخذه غيره، ولنا أن الرمي حيلة يعتادها السراق لتعذر الخروج مع المتاع، أو ليتفرغ لقتال صاحب الدار أو الفرار، ولم تعترض عليه يد معتبرة، فاعتبر الكل فعلا واحدا، وإذا خرج ولم يأخذه فهو مضيع لا سارق. وكذلك إذا حمله على حمار فساقه وأخرجه؛ لأن سيره مضاف إليه لسوقه، وإذا دخل الحرز جماعة فتولى الأخذ بعضهم قطعوا جميعا. قال هذا استحسان، والقياس أن يقطع الحامل وحده، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الإخراج وجد منه فتمت السرقة به. ولنا أن الإخراج من الكل معنى   [البناية] م: (وقال زفر: لا يقطع؛ لأن الإلقاء غير موجب للقطع، كما لو خرج ولم يأخذ، وكذا الأخذ من السكة) ش: أي وكذا أخذه من السكة أي أخذ سارق المال من السكة حيث لا يقطع عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كما لو أخذه غيره) ش: أي من السكة عليه القطع. م: (ولنا أن الرمي حيلة يعتادها السراق لتعذر الخروج مع المتاع أو ليتفرغ لقتال صاحب الدار أو الفرار ولم تعترض عليه يد معتبرة) ش: لأنه خرج ويده ثابتة عليه، وهذا جواب عن قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما لو أخذه غيره، فإن هناك اعتراضا، عليه يد معتبرة، فأوجب سقوط يد الحاكمة للسارق. وحاصله أن هذا السارق ثبت عليه بالأخذ كما مثله أن يد السارق بغيره ثبت عليه بالأخذ ثم بالرمي إلى الطريق ولم تدل يده حكماً؛ لعدم اعتراض الأخرى على يده م: (فاعتبر الكل) ش: أي إلقاءه في الطريق ثم أخذه م: (فعلاً واحداً) ش: كما إذا أخذ المال وخرج معه من الحرز فإنه فعل واحد، كذلك هنا. م: (وإذا خرج) ش: أي السارق من الدار م: (ولم يأخذه فهو مضيع لا سارق) ش: فلا قطع عليه م: (وكذلك إذا حمله على حمار فساقه وأخرجه) ش: أي يقطع، به قالت الأئمة الثلاثة م: (لأن سيره) أي سير الحمار م: (مضاف إليه لسوقه) ش: وقال في خلاصة الفتاوى: ولو ذهب السارق إلى منزله فخرج الحمار بعد ذلك حتى جاء به إلى منزله. وقال أيضاً: رجل دخل الدار وجمع المتاع في الليل وطرح في نهر كان فيها وخرج وأخذه وإن كان للماء قعرة أخرجه بنفسه لا يقطع، وعند الثلاثة يقطع. وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": وهو وإن لم يكن للماء قعرة إخراج المتاع، لكنه أخرجه بتحريك يقطع. وفي مبسوط أبي البر: ولو علقه على عنق كلب فزجره يقطع. ولو خرج من غير زجر لا يقطع، وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - في وجه. [دخل الحرز جماعة فتولى الأخذ بعضهم] (وإذا دخل الحرز جماعة فتولى الأخذ بعضهم قطعواً جميعاً) ش: هذا لفظ القدوري م: (قال) ش: أي المصنف: - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (هذا استحسان، والقياس أن يقطع الحامل وحده، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (لأن الإخراج وجد منه) ش: أي من الحامل م: (فتمت السرقة به) ش: أي الحامل م: (ولنا أن الإخراج من الكل معنى) ش: أي من حيث المعنى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 44 للمعاونة كما في السرقة الكبرى، وهذا لأن المعتاد فيما بينهم أن يحمل البعض المتاع ويتشمر الباقون للدفع، فإذا امتنع القطع أدى إلى سد باب الحد. قال: ومن نقب البيت وأدخل يده فيه وأخذ شيئا لم يقطع. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الإملاء أنه يقطع، لأنه أخرج المال من الحرز، وهو المقصود، فلا يشترط الدخول فيه. كما إذا أدخل يده في صندوق الصيرفي فأخرج الغطريفي. ولنا أن هتك الحرز يشترط فيه الكمال تحرزا عن شهبة العدم والكمال في الدخول، وقد أمكن اعتباره   [البناية] لكونهم ردوا للحامل م: (للمعاونة) ش: أي لأجل معاونتهم للحامل؛ لأن عادتهم بأن يحمل بعضهم ويترصد الباقون كي يدفعوا صاحب المال إذا انتبه فيكون الإخراج من الجميع لما ذكرنا م: (كما في السرقة الكبرى) ش: وهي قطع الطريق إذا باشر بعضهم القطع وأخذ المال والباقون وقوف يجب حد قطع الطريق على جميعهم لكونهم دالة، فكذا هنا. م: (وهذا) ش: إشارة إلى أن الإخراج من الكل معنى م: (لأن المعتاد فيما بينهم) ش: أي فيما بين السراق م: (أن يحمل البعض المتاع ويتشمر الباقون للدفع) ش: أي دفع من يعترض لهم صاحب البيت أو غيره م: (فإذا امتنع القطع أدى إلى سد باب الحد) ش: أي فإذا امتنع القطع في هذه الصورة باعتبار الشبهة أدى إلى سد باب الحدود. قالوا: هذا إن كان الحامل من أهل القطع عند الانفراد. أما إذا كان صبياً أو مجنوناً لا قطع عليهم بالإجماع، وإن كان الحامل بالغاً، ولكن فيهم صبي أو مجنون لم يجب القطع عليهم أيضاً عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - لتمكن الشبهة في فعل واحد منهم فلا يجب على الباقين، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب القطع على الحامل وغير الصبي والمجنون، كذا في " الذخيرة ". م: (ومن نقب البيت وأدخل يده فيه، وأخذ شيئاً لم يقطع) ش: الصبي والمجنون، وهذا ظاهر الرواية عن أصحابنا م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الإملاء " أنه يقطع؛ لأنه أخرج المال من الحرز وهو المقصود) ش: أي المقصود إخراج المال من الحرز م: (فلا يشترط الدخول فيه، كما إذا أدخل يده في صندوق الصيرفي فأخرج الغطريفي) ش: وفي بعض النسخ وأخرج الغطريفي وهو الدرهم المنسوب إلى غطريف بن عطاء الكندي أمير خراسان أيام الرشيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الدراهم الغطريفية كانت من أعز النقود ببخارى، وبقول أبي يوسف قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولنا أن هتك الحرز يشترط فيه الكمال) ش: لوجود القطع م: (تحرزاً عن شبهة العدم) ش: أي عدم هتك الحرز م: (والكمال في الدخول) ش: أي الكمال في هتك الحرز الدخول، أي في البيت م: (وقد أمكن اعتباره) ش: أي اعتبار الدخول في البيت. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 45 والدخول وهو المعتاد، بخلاف الصندوق لأن الممكن فيه إدخال اليد دون الدخول، وبخلاف ما تقدم من حمل البعض المتاع؛ لأن ذلك هو المعتاد وإن طر صرة خارجة من الكم لم يقطع، وإن أدخل يده في الكم قطع؛ لأن في الوجه الأول الرباط من خارج فبالطر يتحقق الأخذ من الظاهر، فلم يوجد هتك الحرز، وفي الثاني الرباط من داخل، فبالطر يتحقق الأخذ من الحرز وهو الكم، ولو كان مكان الطر حل الرباط ثم الأخذ في الوجهين ينعكس الجواب لانعكاس العلة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقطع على كل حال، لأنه محرزا إما بالكم أو بصاحبه   [البناية] م: (والدخول) ش: أي في البيت م: (وهو المعتاد) ش: في هتك الحرز م: (بخلاف الصندوق) ش: جواب عن قوله كما إذا أدخل يده في صندوق الصيرفي م: (لأن الممكن فيه) ش: أي في الصندوق م: (إدخال اليد دون الدخول) ش: فإنه غير ممكن فيتم هتك الحرز بإدخال اليد والإخراج منه. م: (وبخلاف ما تقدم من حمل البعض المتاع) ش: أي بعض القوم دون البعض، وهذا أيضاً جواب عما يقال لو كان الكمال في هتك الحرز شرطاً تحرزاً عن شبهة القطع لما وجب القطع فيما تقدم من حمل البعض المتاع دون بعض؛ لأن فيه شبهة العدم، فأجاب بقوله م: (لأن ذلك هو المعتاد) ش: بين السراق إذا كانوا جماعة م: (وإن طر صرة) ش: الطر ومنه الطرار والصرة الهيمان والجراد من الصرة هنا الكم المشدودة في الدراهم. وقال الأكمل: الطرار هو الذي يطر الهيمان أي يشفها ويقطعها، والصرة وعاء الدراهم، يقال: طررت الصرة، أي شددتها م: (خارجة من الكم لم يقطع وإن أدخل يده في الكم قطع؛ لأن في الوجه الأول الرباط من خارج، فبالطر يتحقق الأخذ من الظاهر، فلم يوجد هتك الحرز) ش: فلا قطع. م: (وفي الثاني) ش: أي في الوجه الثاني م: (الرباط من داخل، فبالطر يتحقق الأخذ من الحرز وهو الكم) ش: فيقطع، وفي هذا التفصيل المذكور في الكتاب دليل على أن المذكور في أصول الفقه بأن الطرار يقطع ليس بمجرى على عمومه، بل هو محمول على الصورة الثانية، وهي إذا أدخل يده في الكم فنظرها. م: (ولو كان مكان الطر حل الرباط، ثم الأخذ في الوجهين) ش: أي من الخارج والداخل م: (ينعكس الجواب) ش: يعني فيما إذا كان الرباط خارج الكم يقطع؛ لأنه يأخذ الدراهم من داخل الكم لوقوعها في الكم. ولو كان الرباط داخل الكم لا يقطع؛ لأنه لما حل الرباط من داخل الكم فكان أخذها من خارج الكم فلا يقطع؛ لأنه لم يهتك الحرز، ولم يأخذ منه شيئاً، وهذا معنى قوله م: (لانعكاس العلة وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقطع على كل حال؛ لأنه محرز) ش: أي؛ لأن المال محرز م: (إما بالكم أو بصاحبه) ش: أي في الكم، ففي صورة طرها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 46 قلنا الحرز هو الكم؛ لأنه يعتمده، وإنما قصده قطع المسافة والاستراحة فأشبه الجوالق، وإن سرق من القطار بعيرا أو جملا لم يقطع؛ لأنه ليس بمحرز مقصودا، فتتمكن شبهة العدم، وهذا لأن السائق والقائد والراكب يقصدون قطع المسافة، ونقل الأمتعة دون الحفظ، حتى لو كان مع الأحمال من يتبعها للحفظ قالوا يقطع. وإن شق الحمل وأخذ منه   [البناية] خارج الكم، وأما بصاحبه ففي صورة طرها دخل الكم. م: (قلنا: الحرز هو الكم لأنه) ش: أي لأن صاحب المال م: (يعتمده) ش: أي يعتمد الكم في حفظ المال لا قيام نفسه عند المال م: (وإنما قصده) ش: أي قصد صاحب المال م: (قطع المسافة) ش: في المشي م: (والاستراحة) ش: في القعود م: (فأشبه الجوالق) ش: أي فأشبه الكم الجوالق - بضم الجيم - وهو اسم للواحد، وجمعه الجوالق بفتح الجيم كالسرادق، كذا أخبرنا الشيخ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الكاكي في قوله الجوالق؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون صاحب المال في حالة المشي أو في غير حالة المشي، فإذا كان الأول فمقصوده قطع المسافة لا حفظ المال، وإن كان الثاني فمقصوده الاستراحة لا حفظ المال والمقصود وهو المعتبر في هذا الباب. ألا ترى أن من سرق الجوالق الذي على إبل يسير فأخذ المال منه يقطع؛ لأن صاحب المال اعتمد الجوالق فكان السارق منه هاتكا للحرز فيقطع، ولو أخذ الجوالق بما فيه لا يقطع، وكذا لو سرق الغنم من المرعى ومعها الراعي لا يقطع؛ لإذن الراعي، لا يقصد بالرعي الحفظ، وإنما يقصد به الرعي والحفظ، بخلاف ما لو كانت الغنم في حظيرة بنيت لها وعليها باب مغلق، فأخرجها منه يقطع؛ لأنها بنيت لأجل حفظ الغنم. كذا في " المحيط ". وعند الأئمة الثلاثة إذا كان الراعي بحيث يراها تكون محرزة فيقطع، وما كان غائباً من نظره، فإن كان نائماًَ أو مشغولاً فليست بمحرزة، وعندهم لو أخذ الجوالق بما فيه من الجمال المقررة. [سرق من القطار بعيراً أو جملاً] م: (وإن سرق من القطار بعيراً أو جملاً لم يقطع، لأنه ليس بمحرز مقصوداً، فتتمكن شبهة العدم) ش: أي عدم الحرز، وعند الأئمة الثلاثة لو سرق واحداً من الجمال أو واحداً من الأجمال أو شق وأخذ شيئاً يقطع في الكل؛ لأن الكل محرز بالحافظ، وهو القائد أو السائق أو الراكب إذا لم يكن نائماً عليه له يقطع، فإن كان نائماً عليها لم يقطع. م: (وهذا) ش: أي عدم القطع م: (لأن السائق والقائد والراكب يقصدون قطع المسافة ونقل الأمتعة دون الحفظ، حتى لو كان مع الأحمال من يتبعها للحفظ، قالوا: يقطع وإن شق الحمل وأخذ منه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 47 قطع، لأن الجوالق في مثل هذا حرز؛ لأنه يقصد بوضع الأمتعة فيه صيانتها كالكم فوجد الأخذ من الحرز فيقطع، وإن سرق جولقا فيه متاع وصاحبه عنده يحفظه، أو نائم قطع، معناه إذا كانت الجوالق في موضع ليس بحرز كالطريق ونحوه، حتى يكون محرزا بصاحبه؛ لكونه مترصدا لحفظه، وهذا لأن المعتبر هو الحفظ المعتاد والجلوس عنده، والنوم عليه يعد حفظا عادة، وكذا النوم يقرب منه على ما اخترناه من قبل. وذكر في بعض النسخ وصاحبه نائم عليه، أو حيث يكون حافظا له، وهذا يؤكد ما قدمناه من القول المختار.   [البناية] قطع؛ لأن الجوالق في مثل هذا حرز، لأنه يقصد بوضع الأمتعة فيه صيانتها كالكم فوجد الأخذ من الحرز فيقطع) . [سرق جولقاً فيه متاع وصاحبه عنده يحفظه أو نائم] م: (وإن سرق جولقاً فيه متاع وصاحبه عنده يحفظه أو نائم قطع. معناه) ش: أي معنى قول محمد؛ لأنه مسألة من مسائل " الجامع الصغير " م: (إذا كانت الجوالق في موضع ليس بحرز كالطريق ونحوه) ش: كالمغادر م: (حتى يكون محرزاً بصاحبه؛ لكونه مترصداً لحفظه، وهذا لأن المعتبر هو الحفظ المعتاد والجلوس عنده، والنوم عليه يعد حفظاً عادة، وكذا النوم يقرب منه على ما اخترناه من قبل) ش: أي من قبل ورقة وهو قوله: لأنه يعد النائم عند متاعه حافظاً. م: (وذكر في بعض النسخ) ش: أي ذكر في بعض نسخ " الجامع الصغير " وأراد به فخر الإسلام م: (وصاحبه نائم عليه أو حيث يكون حافظاً له) ش: يعني لم يقتصر على قوله وصاحبه نائم عليه، بل قال: أو حيث يكون حافظاً له. م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكره في بعض النسخ بقوله حيث يكون حافظاً له م: (يؤكد ما قدمناه من القول المختار) ش: بعد ما تقدم من كون المتاع عنده أو تحته، وهو قوله: ولا فرق بين أن يكون الحافظ مستيقظاً إلى قوله: والصحيح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 48 فصل في كيفية القطع وإثباته قال: وتقطع يمين السارق من الزند ويحسم، فالقطع لما تلوناه من قبل واليمين بقراءة عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن الزند؛ لأن الاسم يتناول اليد إلى الإبط، وهذا المفصل متيقن به. كيف وقد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بقطع يد السارق من الزند، والحسم؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:   [البناية] [فصل في كيفية القطع وإثباته] [قطع يمين السارق من الزند] م: (فصل في كيفية القطع وإثباته) ش: أي هذا فصل في بيان كيفية قطع يد السارق، وفي بيان إثبات القطع. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وتقطع يمين السارق من الزند) ش: وقالت الخوارج: من المنكب لظاهر النص، إذ اليد من المنكب رؤوس الأصابع. وقال بعض الناس: بقطع الأصابع فقط، لأنها آلة البطش ومحل الجناية. قلنا: هذا مخالف بالنص والمنصوص قطع اليد لا الأصابع والزند موصل طرف الذراع من الكف. وقال تاج الشريعة: الزند عظم الساعد. وفي " الصحاح " الزند موصل طرف الذراع، وهما زندان الكوع والكرسوع، والكوع: طرف الزند الذي يلي الإبهام، والكرسع: طرف الزند الذي يلي الخنصر. م: (ويحسم) ش: على صيغة المجهول من الحسم، وهو الكي لينقطع الدم يقال: حسم العرق إذا كواه بحديدة محماة. وفي الطلبة والمغرب والمغني لابن قدامة الحنبلي وهو أن يغمس في الدهن الذي أغلي. م: (فالقطع لما تلوناه من قبل) ش: يعني قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] ..... الآية (المائدة: الآية 38) ، م: (واليمين) ش: أي قطع يراد اليمين م: (بقراءة عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: فاقطعوا أيمانهما، وهي قراءة مشهورة جاءت الزيادة بها على الكتاب م: (ومن الزند) ش أي يقطع من الزند م: (لأن الاسم يتناول اليد إلى الإبط) ش: حاصله أن اليد قد تكون من المنكب. وقد تكون من المرفق، وقد تكون من الرسغ، فإذا أطلق إلى الإبط باستعمال العرب واللغة والشرع، ولكن زال هذا ببيان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعمله وعمل الصحابة وإجماعهم على أن هذا القدر، وهو متيقن به، أشار إليه المصنف بقوله م: (وهذا المفصل) ش: الرسغ م: (متيقن به) ش: أي في كونه موضع القطع لإرادة الرسغ على تقدير إرادة أي المفصل كان من مفاصل اليد. م: (كيف) ش: أي كيف لا يكون هذا المفصل متيقناً به م: (وقد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بقطع يد السارق من الزند) ش: وروى ابن عدي في " الكامل " بإسناده عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 49 «فاقطعوه واحسموه» ؛ ولأنه لو لم يحسم يفضي إلى التلف والحد زاجر لا متلف، " ولو سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى، فإن سرق ثالثا لم يقطع، ويخلد في السجن حتى يتوب، وهذا استحسان ويعزر أيضا ذكره المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -   [البناية] قال: «قطع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سارقاً من المفصل» . وروى الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «كان صفوان بن أمية بن خلف نائماً في المسجد وثيابه تحت رأسه، فجاء سارق فأخذها فأتى به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... الحديث ". وفي آخره: " ثم أمر بقطعه» . م: (والحسم) ش: عطف على قوله: فالقطع م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «فاقطعوه واحسموه» ش: هذا أخرجه الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتي بسارق سرق شملة، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: ما أخاله سرق، قال السارق: بلى يا رسول الله، قال: فاذهبوا به واقطعوه ثم احسموه ... الحديث» . وقال الكاكي: صحيح على شرط مسلم. م: (ولأنه) ش: أي ولأن السارق م: (لو لم يحسم) ش: بعد القطع م: (يفضي إلى التلف والحد زاجر لا متلف) ش: ألا ترى أنه لا يقطع في الحر الشديد والبرد الشديد، وعند شدة المرض توقياً عن الهلاك، وثمن الدهن على السارق عندنا، وبه قال مالك والشافعي في وجه، وقال في وجه بيت المال. [سرق ثانياً بعد قطع يده اليمنى] م: (ولو سرق ثانياً) ش: يعني بعد قطع يده اليمنى م: (قطعت رجله اليسرى) ش: من الكعب عند أكثر أهل العلم وفعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كذلك. وقال أبو ثور والرافضة: يقطع من نصف القدم من معقد الشراك م: (فإن سرق ثالثاً لم يقطع ويخلد في السجن حتى يتوب) . ش: قال صاحب النافع: حتى يتوب أو يظهر عليه سيما رجل صالح م: (وهذا) ش: أي عدم القطع في المرة الثالثة م: (استحسان ويعزر أيضاً، ذكره المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: أي ذكروا التعزير، وقد روى ابن رستم عن محمد أن التعزير مع الحبس، وقد روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه ضرب وحبس في المرة الثالثة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 50 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في الثالثة يقطع يده اليسرى، وفي الرابعة: يقطع رجله اليمنى؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من سرق فاقطعوه فإن عاد فاقطعوه فإن عاد فاقطعوه» ويروى مفسرا كما هو مذهبه، ولأن الثالثة مثل الأولى في كونها جناية، بل فوقها، فتكون أدعى إلى   [البناية] م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الثالثة) ش: أي في السرقة الثالثة م: (يقطع يده اليسرى، وفي الرابعة: يقطع رجله اليمنى؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من سرق فاقطعوه، فإن عاد فاقطعوه» ش: هذا الحديث رواه أبو داود عن مصعب بن ثابت عن محمد بن المنكدر عن جابر قيل: «جيء بسارق إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: اقتلوه، قالوا: يا رسول الله إنما سرق، فقال: اقطعوه، فقطع، ثم جيء به الثالثة فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق قال: اقطعوه فقطع، ثم جيء به الرابعة فقال: اقتلوه، قالوا: يا رسول الله إنما سرق مالا، قال: اقطعوه فقطع، ثم جيء به في الخامسة فقال: اقتلوه، قال جابر: فانطلقنا به فقتلناه ثم اجتررناه فألقيناه في البئر ورمينا عليه الحجارة» وقال النسائي: حديث منكر، ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث. م: (ويروى مفسراً كما هو مذهبه) ش: أي يروى هذا الحديث مفسراً كما هو مذهب الشافعي، قال الأكمل في حديث أبي هريرة: «إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في المرة الأولى: تقطع يده اليمنى، وفي الثانية الرجل اليسرى، وفي الثالثة اليد اليسرى، وفي الرابعة الرجل اليمنى» انتهى. قلت: حديث أبي هريرة هذا رواه الدارقطني بغير هذا اللفظ، فإنه أخرجه عن الواقدي عن أبي ذئب عن خالد بن سلمة رواه عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا سرق السارق فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله، فإن عاد فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله» ، والواقدي فيه مقال. ويقول الشافعي قال مالك، وفي المرة الخامسة عندهما يحبس ويعزر. وحكي عن عطاء، وعمر بن عبد العزيز، وعمرو بن العاص، وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنه يقطع في المرة الثالثة يده اليسرى. وفي الرابعة الرجل اليمنى ويقتل في الخامسة في حديث جابر الذي مضى عن قريب. م: (ولأن الثالثة) ش: أي ولأن الثالثة م: (مثل الأولى) ش: أي مثل السرقة الأولى م: (في كونها جناية بل فوقها) ش: أي بل فوق الأولى، لأنها لعدم تقدم الزواجر م: (فتكون أدعى إلى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 51 شرع الزاجر. ولنا قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه: إني لأستحي من الله أن لا أدع له يدا يأكل بها ويستنجي بها، ورجلا يمشي عليها، وبهذا حاج بقية الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فحجهم فانعقد إجماعا، ولأنه إهلاك معنى لما فيه من تفويت جنس المنفعة،   [البناية] شرح الزاجر) ش: أي فتكون الثالثة أدعى إلى مشروعية الزاجر؛ لأنها بعد تكرار الزاجر. م: (ولنا قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه) ش: أي قول علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قطع الثالثة م: (إني لأستحي من الله أن لا أدع له يداً يأكل بها ويستنجي بها، ورجلاً يمشي عليها) ش: هذا رواه محمد بن الحسن في كتاب " الآثار ". وأخبرنا أبو حنيفة الإمام عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إذا سرق السارق قطعت يده اليمنى، فإن عاد قطعت رجله اليسرى، فإن عاد ضمن السجن حتى يحدث خيراً، إني لأستحي من الله أن أدعه ليس له يد يأكل بها ويستنجي بها، ورجل يمشي عليها، ومن طريق محمد بن الحسن رواه الدارقطني في سننه. م: (وبهذا) ش: أي بقوله هذا م: (حاج بقية الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أي حاجج معهم في هذا، رواه سعيد بن منصور، حدثنا أبو معشر، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه قال: حضرت علي بن أبي طالب أتي برجل مقطوع اليد والرجل قد سرق، فقال لأصحابه: ما ترون في هذا؟ قالوا: اقطعه يا أمير المؤمنين، قال: قتلته إذاً وما عليه القتل، بأي شيء يأكل الطعام؟ بأي شيء يتوضأ للصلاة؟ بأي شيء يغتسل من الجنابة؟ بأي شيء يقوم على حاجته؟ فرده إلى السجن أياماً ثم أخرجه فاستشار أصحابه فقالوا مثل قولهم الأول، فقال لهم مثل ما قال في الأول فجلده جلداً شديداً ثم أرسله م: (فحجهم) ش: أي تعليم لهذا فلم يرد عليه أحد منهم بعد هذا. م: (فانعقد إجماعاً) ش: لأنه يحتج عليهم بالنص في الباب، قال: إنه لا يغني فيه، إذ لو ثبت التعليم؛ لأنه يبنى على الشهود ولو بلغهم لاحتجوا به. فإن قيل: ليس اليد اليسرى محله لظاهر الكتاب والإجماع على خوف الكتاب. قلنا: لما قيدنا المطلق بالقراءة المشهورة خرجت اليسرى عن كونها من الحد، كمن قال لآخر أعتق عبداً من عبيدي ثم قال: عنيت سالماً فيخرج غيره، ولأن الأمر بالفعل لا يقتضي التكرار. م: (ولأنه) ش: أي ولأن قطع غير اليد اليمنى والرجل اليسرى م: (إهلاك معنى) ش: أي من حيث المعنى م: (لما فيه من تفويت جنس المنفعة) ش: وفي " المبسوط " يقطع ببقاء منافعه؛ ولهذا تعلق مطلق لليد في العبد قيمة النفس. ولا يجوز إعتاق مقطوع اليدين في الكفارة، فعرفنا أنه استهلاك حكماً، وفيه شبهة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 52 والحد زاجر، ولأنه نادر الوجود، والزجر فيما يغلب بخلاف القصاص؛ لأنه حق العبد فيستوفي ما أمكن جبرا لحقه، والحديث طعن فيه الإمام الحافظ أبو جعفر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أو نحمله على السياسة. وإذا كان السارق أشل اليد اليسرى أو أقطع أو مقطوع الرجل اليمنى لم يقطع؛ لأن فيه تفويت جنس المنفعة بطشا أو مشيا، وكذا إذا كانت رجله اليمنى شلاء؛ لما قلنا، وكذا إن كانت إبهامه اليسرى مقطوعة أو شلاء أو الأصبعان منها سوى الإبهام، لأن قوام البطش بالإبهام،   [البناية] الإتلاف، والشبهة كالحقيقة فيما يندرئ بالشبهات م: (والحد زاجر) ش: أي لا متلف. م: (ولأنه نادر) ش: أي ولأن وجود الزجر متكرر نادر م: (الوجود) ش: لأنه فقد الزاجران م: (والزجر فيما يغلب) ش: وجوده م: (بخلاف القصاص) ش: جواب سؤال مقدر تقديره لو قطع رجل أربعة أطراف قصر منه الإجماع، وجميع ما ذكرتم من المحظورات هناك موجود؛ لأنه لا يبقى له يد يأكل بها ويستنجي بها، ورجل يمشي عليها، وفيه تفويت جنس المنفعة ونادر الوجود وأجاب بخلاف القصاص، يعني حكم القصاص بخلاف حكم هذا م: (لأنه) ش: أي لأن القصاص م: (حق العبد فيستوفي) ش: حقه م: (ما أمكن) ش: لأن في حق العبد تراعى المماثلة بالنص م: (جبراً لحقه) ش: أي لأجل جبر حقه بالاستيفاء مثل حقه. م: (والحديث) ش: أي الحديث الذي احتج به الشافعي م: (طعن فيه الإمام الحافظ أبو جعفر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فقال: تتبعنا هذه فلم نجد لشيء منها أصلاً، وطعن فيه النسائي أيضاً وغيره من الثقات م: (أو نحمله) ش: أي نحمل الحديث المشهور المذكور م: (على السياسة) ش: وهذا جواب بطريق التسليم. [السارق إذا كان أشل اليد اليسرى أو أقطع] م: (وإذا كان السارق أشل اليد اليسرى أو أقطع) ش: أي أو كان أقطع م: (أو مقطوع الرجل اليمنى لم يقطع) ش: وبه قال أحمد في رواية. وقال الشافعي ومالك وأحمد في رواية تقطع يمينه، ولا يمنع ذلك النقصان من قطع يمينه م: (لأن فيه تفويت جنس المنفعة بطشاً) ش: يعني من حيث البطش، وهو لأخذ القوى باليد إن كانت يده اليسرى مقطوعة م: (أو مشياً) ش: يعني من حيث المشي إن كانت رجله اليمنى كذلك. م: (وكذا إذا كانت رجله اليمنى شلاء لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: لأن فيه تفويت جنس المنفعة م: (وكذا إذا كانت إبهامه اليسرى مقطوعة أو شلاء) ش: أي أو كانت شلاء يقطع م: (أو الأصبعان منها سوى الإبهام) ش: أو كانت الأصبعان من اليد اليسرى سوى الإبهام مقطوعين لم يقطع أيضاً؛ لأن الأصبعين ينزلان منزلة الإبهام، وقوله م: (لأن قوام البطش بالإبهام) ش: أي لبطش بالإبهام تعليل لقوله، وكذلك إذا كان إبهامه اليسرى مقطوعة أو شلاء. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 53 فإن كانت أصبع واحدة سوى الإبهام مقطوعة أو شلاء قطع؛ لأن فوت الواحدة لا يوجب خللا ظاهرا في البطش، بخلاف فوات الأصبعين لأنهما ينزلان منزلة الإبهام في نقصان البطش. وإذا قال الحاكم للحداد اقطع يمين هذا في سرقة سرقها فقطع يساره عمدا أو خطأ، فلا شيء عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا شيء عليه في الخطأ ويضمن في العمد. وقال زفر: يضمن في الخطأ أيضا، وهو القياس. والمراد بالخطأ هو الخطأ في الاجتهاد، وأما الخطأ في معرفة اليمين أو اليسار فلا يجعل عذرا،   [البناية] م: (فإن كانت أصبع واحدة) ش: يعني من اليد اليسرى م: (سوى الإبهام مقطوعة أو شلاء قطع؛ لأن فوت الواحدة) ش: أي الأصبع الواحدة م: (لا يوجب خللاً ظاهراً في البطش، بخلاف فوات الأصبعين، لأنهما ينزلان منزلة الإبهام في نقصان البطش) ش: وقال تاج الشريعة: فإن كان أصبع واحدة إلى العشرة فرق بين هذا وبين الكفارة، فإن العبد إذا كان مقطوع أحد اليدين أو الرجلين أو الإبهام أو الأصبعين فأعتقه عن الكفارة يجزئه؛ لأن قطع الإبهام إهلاك من وجه، فأقيم الإهلاك في حقه مقام الإهلاك من كل وجه احتيالاً لدرء القطع، أما الكفارة فلا يحتال فيها فلا يقام الإهلاك من وجه مقام الإهلاك من كل وجه [قال الحاكم للحداد اقطع يد هذا فقطع الحداد يساره] م: (وإذا قال الحاكم للحداد) ش: أي الذي يقيم الحد كالجلاد الذي يقيم الجلد، كذا في المغرب م: (اقطع يمين هذا في سرقة سرقها) ش: قيد بقوله: يمين هذا؛ لأنه لو قال: اقطع يد هذا فقطع الحداد يساره لا ضمان عليه بالاتفاق م: (فقطع يساره عمداً أو خطأ فلا شيء عليه) ش: أي على الحداد م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: سواء قطعه عمداً أو خطأ، ولكن يثوب الحداد، وبه قال أحمد. م: (وقالا) ش: أي وقال أبو يوسف ومحمد: م: (لا شيء عليه) ش: أي على الحداد إذا كان م: (في الخطأ ويضمن في العمد) ش: أرش اليسار م: (وقال زفر: يضمن في الخطأ أيضاً) ش: يعني يضمن الأرش، وعند الشافعي في العمد يجب القصاص عليه، وبه قال مالك؛ لأنه قطع بغير حق فوجب عليه القود. ولو قال: أخطأت وظننت أنه اليسار فعليه الدية؛ لأن الخطأ غير مرفوع في حق العباد، ولو بادر رجل فقطع اليمين بغير إذن الإمام، فلا شيء عليه بالإجماع، ولكن يؤدبه الإمام على ذلك؛ لأنه أساء الأدب حيث قطع بغير إذن الإمام كذا في " المبسوط " م: (هو القياس) ش: أي قول زفر، وهو القياس م: (والمراد بالخطأ) ش: أي المراد من الخطأ الذي لا شيء عليه م: (هو الخطأ في الاجتهاد) ش: يعني في قَوْله تَعَالَى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] حيث زعم أن الكتاب مطلق عن قيد اليمين. م: (وأما الخطأ في معرفة اليمين أو اليسار فلا يجعل عذراً) ش: لأن الجهل في موضع الاشتهار ليس بعذر، وهذا موضع الاشتهار؛ لأن كل واحد يميز بين اليمين واليسار، وإليه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 54 وقيل يجعل عذرا أيضا. له أنه قطع يدا معصومة، والخطأ في حق العباد غير موضوع فيضمنها، قلنا: إنه أخطأ في اجتهاده، إذ ليس في النص تعيين اليمين، والخطأ في الاجتهاد موضوع، ولهما أنه قطع طرفا معصوما بغير حق ولا تأويل له؛ لأنه تعمد الظلم فلا يعفى، وإن كان في المجتهدات، وكان ينبغي أن يجب القصاص إلا أنه امتنع للشبهة. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه أتلف وأخلف من جنسه ما هو خير منه، فلا يعد إتلافا، كمن شهد على غيره ببيع ماله بمثل قيمته ثم رجع   [البناية] ذهب فخر الإسلام م: (وقيل يجعل عذراً أيضاً) ش: فلا يضمن؛ لأنه بنى أمره على دليل شرعي. كذا في " الكافي ". وقيل: اجتهد في جواز قطع اليسرى نظراً إلى إطلاق النص هكذا رأيت بخط شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (له) ش: أي لزفر م: (أنه) ش: أي أن الحداد م: (قطع يداً معصومة) ش: ولهذا لو قطع غير الحداد يضمن كما لو رمى صيداً فأصاب إنساناً يضمن م: (والخطأ في حق العباد غير موضوع فيضمنها) ش: أي الدية م: (قلنا: إنه أخطأ في اجتهاده إذ ليس في النص تعيين اليمين) ش: لأن النص مطلق م: (والخطأ في الاجتهاد موضوع) ش: أي شرعاً. م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أنه) ش: أي أن الحداد م: (قطع طرفاً معصوماً بغير حق) ش: لأن الحق في اليمين وهو أيضاً لم يقطع يسار أحد؛ ليكون حق قطع اليسار قصاصاً م: (ولا تأويل له) ش: أي للحداد فيما فعله م: (لأنه تعمد الظلم فلا يعفى وإن كان في المجتهدات) ش: واصل بما قبله، إذ المجتهد لا يقدر في الظلم عمداً كالباغي إذا أتلف مال العادل م: (وكان ينبغي أن يجب القصاص) ش: لأنه قطع ما ليس بمحل م: (إلا أنه امتنع) ش: أي إلا أن القصاص امتنع م: (للشبهة) ش: أي لأجل الشبهة الثابتة من إطلاق النص، وإن كانت اليمين ثبتت بقراءة ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولكن تبقى شبهة اليسار الداخل تحت اسم اليد، فالشبهة تكفي لدرء القصاص، بخلاف ضمان الأموال. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أتلف) ش: حيث قطع اليسار م: (وأخلف من جنسه) ش: أي من جنس المقطوع م: (ما هو خير منه) ش: وهو اليمين؛ لأن منفعة اليمين صارت على شرف الزوال فيكون كالغائب من حيث الاعتبار م: (فلا يعد إتلافاً كمن شهد على غيره ببيع ماله بمثل قيمته ثم رجع) ش: حيث لا يضمن، وبقولنا قال الشافعي - في الأصح - وأحمد. وقال مالك والشافعي في قول: يقطع؛ لأنه وجب قطعها فلا يسقط بالجناية على غيرها. فإن قيل: اليمين لم يحصل له سبب القطع، بل كان حاصلاً له قبل ذلك والإتلاف بخلف إنما لا يوجب الضمان إذا حصل الخلف بسبب حصل به الإتلاف كما في مسألة الشهادة ونقصان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 55 وعلى هذا لو قطعه غير الحداد فلا يضمن أيضا، هو الصحيح، ولو أخرج السارق يساره، وقال: هذه يميني فقطعها لا يضمن بالاتفاق؛ لأنه قطعه بأمره ثم في العمد عنده عليه، أي السارق ضمان المال؛ لأنه لم يقع حدا وفي الخطأ كذلك على هذه الطريقة،   [البناية] الولادة، أما إذا حصل الخلف بسبب آخر يضمن. قلنا: اليمين من حيث الاعتبار، ولا يلزم ما إذا جدع أنفه؛ لأنه ما أخلف عما أتلف أو عيناه لم تقطع. فإن قيل: لو قطع رجله اليمنى يضمن، وقد أتلف وأخلف عوضاً وهو اليمين لا يقطع حينئذ. قلنا: لا رواية فيه فيمنع، ولئن سلمنا فالتالف ليس من جنس الباقي. م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى تعليل أبي حنيفة وهو أنه أتلف والخلف من جنسه خير منه م: (لو قطعه) ش: أي لو قطع يد السارق م: (غير الحداد فلا يضمن أيضاً) ش: لأنه أتلف وأخلف خيراً منه، لأن يمناه لا تقطع بعد ذلك سواء قطع يساره أو غيره بعد القضاء ذكره فخر الإسلام في جامعه م: (هو الصحيح) ش: احترز به عما ذكر في شرح الطحاوي فقال فيه: ولو قطع غيره يده اليسرى. فإن في العمد القصاص، وفي الخطأ الدية. وسقط القطع عنه في اليمين؛ لأنه لو قطع إلى الاستهلاك، ويرد السرقة إن كان قائماً وعليه ضمانه في الهالك. [أخرج السارق يساره وقال هذه يميني فقطعها الحداد] م: (ولو أخرج السارق يساره، وقال: هذه يميني فقطعها لا يضمن بالاتفاق، لأنه) ش: أي لأن الحداد م: (قطعه بأمره) ش: أي قطع يساره بأمر السارق فلا يضمن، كما لو قطع يد غيره بأمره من غير أن يكون يده مستحقاً للقطع بالسرقة فهذا أولى م: (ثم في العمد عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (عليه) ش: أي على السارق م: (ضمان المال) ش: أي مال المسروق منه. م: (لأنه) ش: أي لأن قطع يساره م: (لم يقع حداً) ش: وإنما خص أبا حنيفة بالذكر، وإن كان الضمان على السارق بالاتفاق دفعاً لمن عسى أن يتوهم أن قطع السارق وقع حداً عنده حيث لم يوجب الضمان على الحداد فأزال ذلك ببيان وجوب الضمان إيقاناً بأن القطع لم يقع حداً إذ القطع حدا والضمان لا يجتمعان، وعدم الضمان على الحداد باعتبار أنه أخلف خبراً لا باعتبار أن القطع وقع حداً، وأما على مذهبهما فظاهر لا حاجة إلى ذكره لأنهما يضمنان الحداد في العمد فلا يقع القطع حداً لا تحل له فيضمن السارق؛ لعدم لزوم الجمع بين الضمان والقطع حداً. م: (وفي الخطأ كذلك على هذه الطريقة) ش: أي على طريقة أن القطع لم يقطع؛ لأنه إذا لم يقع حداً لا يوجد ما بينا في الضمان والمقتضى، وهو الإتلاف موجود فيجب الضمان البتة م: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 56 وعلى طريقة الاجتهاد لا يضمن. ولا يقطع السارق إلا أن يحضر المسروق منه فيطالب بالسرقة؛ لأن الخصومة شرط لظهورها. ولا فرق بين الشهادة والإقرار عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الإقرار لأن الجناية في مال الغير لا تظهر إلا بخصومة صاحب المال، وكذا إذا غاب عند القطع لا يقطع عندنا، لأن الاستيفاء من القضاء في باب الحدود. وللمستودع والغاصب وصاحب الربا أن يقطعوا السارق منهم   [البناية] (وعلى طريقة الاجتهاد) ش: أي قلنا: في طريقة أبي يوسف ومحمد اليد على الحداد بطل بطريق الاجتهاد م: (لا يضمن) ش: أي السارق لا يضمن المال؛ لوقوع القطع موقع الحد بالاجتهاد والضمان والقطع لا يجتمعان. م: (ولا يقطع السارق إلا أن يحضر المسروق منه فيطالب بالسرقة؛ لأن الخصومة شرط لظهورها) ش: أي لظهور السرقة، وبه قال الشافعي وأحمد. وقال مالك، وأبو ثور، وابن المنذر، وابن أبي ليلى، وأبو بكر الحنبلي: لا تشترط المطالبة لظهورها لعموم الآية، كما في حد الزنا. قلنا: السرقة جناية على مالك بغير إذنه ولم تثبت الجناية إلا بمطالبة ذلك، إذ بالمطالبة يظهر عدم الإباحة إذ لو لم يحضر عليه تمكن فيه شبهة الإباحة، إما بإباحة الملك أو وقفه على المسلمين أو على طائفة السارق منهم أو أذن له في دخول حرزه فاعتبرت المطالبة دفعاً لهذه الشبهة. أما الزنا لا يباح بالإباحة فلا تتمكن فيه الشبهة، وعلى هذا الخلاف إذا غاب المالك عند القطع لم يقطع حتى يحضر، وبه قال الشافعي وأحمد خلافاً لهم، لأن الإمضاء من باب القضاء في الحدود. [الشهادة والإقرار في السرقة ومن له يد حافظة سوى المالك إذا سرق منه] م: (ولا فرق بين الشهادة والإقرار عندنا خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الإقرار) ش: وهذا وجه في قوله، والأصح عنده أن الإقرار كالبينة م: (لأن الجناية في مال الغير لا تظهر إلا بخصومة صاحب المال) ش: قيل: إن معنى قوله إن الجناية على مال الغير لا تظهر إلا بخصومة هو معنى قوله لأن الخصومة شرط لظهورها، فيكون فيه توهم التكرار. ورد بأن الأول تعليل لاشتراط الحضور، والثاني لعدم التفرقة بين الإقرار والشهادة وإن كانا بمعنى واحد فافهم. م: (وكذا إذا غاب عند القطع) ش: أي المسروق منه عند القطع م: (لا يقطع عندنا، لأن الاستيفاء) ش: أي استيفاء القطع م: (من القضاء في باب الحدود) ش: فإذا قطع قبل حضوره يكون باستيفاء الحد مع قيام الشبهة وهو لا يجوز م: (وللمستودع) ش: بفتح الدال، أي الذي عنده الوديعة م: (والغاصب وصاحب الربا) ش: صورته رجل باع عشرة دراهم بعشرين درهماً وقبضه فسرق منه يقطع بخصومته. وكذا المستودع والغاصب، وهو معنى قوله م: (أن يقطعوا السارق منهم) ش: أي من هؤلاء الثلاثة، فيقطع بخصومتهم عند علمائنا الثلاثة، وقال الأكمل: ولم يذكر العاقد الآخر من عاقدي الربا، فكأنه بالتسليم لم يبق له ملك ولاية، فلا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 57 وكذا الوديعة يقطعه أيضا، وكذا المغصوب منه. وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا يقطع بخصومة الغاصب والمستودع. وعلى هذا الخلاف المستعير والمستأجر والمضارب والمستبضع والقابض على سوم الشراء والمرتهن وكل من له يد حافظة سوى المالك، ويقطع بخصومة المالك في السرقة من هؤلاء المذكورين، إلا أن الراهن إنما يقطع بخصومته حال قيام الرهن قبل قضاء الدين؛ أو بعده   [البناية] يكون له ولاية الخصومة بخلاف رب الوديعة والمنسوب منه؛ لأن الملك لهما باق. م: (وكذا الوديعة يقطعه أيضاً، وكذا المغصوب منه) ش: لأن الملك لهما باق م: (وقال زفر والشافعي - رحمهما الله: لا يقطع بخصومة الغاصب والمستودع) ش: لأن شبهة الإذن بالأخذ والتملك قائمة من المالك، فالقطع لا يجب بالشبهة م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بيننا وبين زفر والشافعي م: (المستعير والمستأجر والمضارب والمستبضع) ش: بفتح الضاد مستعمل، وإن كان الصواب كسر الضاد م: (والقابض على سوم الشراء والمرتهن وكل من له يد حافظة سوى المالك) ش: كمتولي الوقف والأب والصبي فيقطع السراق منهم، لأن هذا سرقة ظهرت بحجة كاملة بخصومة معتبرة لثبوت حق هؤلاء في الانتفاع واليد كالمالك. [السرقة من المرتهن] م: (ويقطع بخصومة المالك في السرقة من هؤلاء المذكورين) ش: يعني لو سرق سارق من أحد من هؤلاء وخاصم المالك يقطع لقيام ملكه م: (إلا أن الراهن) ش: استثناء منقطع، وقد اختلف نسخ الهداية فيه، ففي بعضها إلا أن الرهن م: (إنما يقطع بخصومته حال قيام الرهن) ش: أي المرهون في يد السارق م: (قبل قضاء الدين أو بعده) ش: وفي بعض النسخ حال قيام الرهن بعد قضاء الدين. قال الكاكي: والصحيح من النسخ بعد قضاء الدين بدونه قيل: لما أنه ذكره في " المحيط ". وفي " الإيضاح " لو سرق من المرتهن له أن يقطعه لا للراهن؛ لأنه لا سبيل للراهن على أخذ الرهن. ثم قال: وإن قضى الدين فله أن يقطعه؛ لأن له أن يأخذ الرهن حينئذ، وقد نقل عن ابن المصنف أنه قال: كان في نسخة المصنف بعد القضاء. وقال تاج الشريعة: قوله قبل قضاء الدين أو بعده. قيل: فيه نظر؛ لأنه ذكر في " الإيضاح " وليس للراهن أن يقطع السارق؛ لأن حق القطع القبض من المرتهن. ولو قال الراهن للمرتهن ائت بالرهن لأقضي الدين، فحينئذ له دلالة القطع بحق منه قبل القضاء، هكذا رأيت في بعض المواضع، فلو كان الحكم هكذا يخرج من النظر. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد أن ذكر في بعض النسخ بعد القضاء الشارحون نقلاً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 58 لأنه لا حق له في المطالبة بالعين بدونه، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بناه على أصله إلا أنه خص منه لهؤلاء في الاسترداد عنده. وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: ولاية الخصومة في حق الاسترداد ضرورة الحفظ، فلا تظهر في حق القطع؛ لأن فيه تفويت الصيانة. ولنا أن السرقة موجبة للقطع من نفسها، وقد ظهرت عند القاضي بحجة شرعية وهي شهادة رجلين عقيب خصومة معتبرة   [البناية] وعقلاً، أما نقلاً فإنه موافق رواية الإيضاح وذكرناه، وأما عقلاً فلأن السارق إنما يقطع بخصومة من له ولاية الاسترداد، وليس للراهن ذلك قبل قضاء الدين، انتهى. قلت: فإنه ما قاله تاج الشريعة. م: (لأنه لا حق له في المطالبة بالعين دونه) ش: أي لأن الراهن ليس له طلب العين المرهونة بدون قضاء الدين، هذا ذكره شيخي. وقال الأكمل: والضمير في بدونه راجع إلى قضاء الدين، وعلى النسخة الأولى إلى قيام الرهن، فكان شرط جواز القطع بخصومة الراهن أمرين، أحدهما قيام المرهون، حتى لو هلك ولا سبيل للراهن عليه لبطلان دينه عنه، والآخر قضاء الدين لحصول ولاية الاسترداد حينئذ. م: (والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بناه على أصله) ش: أشار بهذا إلى أن الشافعي وزفر بعد أن اتفقا في الحكم المذكور كما مر قد اختلفا في ترجيح المناطة، فالشافعي بناه على أصله م: (إلا أنه خص منه لهؤلاء) ش: أي المذكورين المستودع والمستعير إلى آخر ما ذكر م: (في الاسترداد عنده) ش: إذا جحد من في يده المال ما لم يحضر المالك، وإذا لم يكن الاسترداد لا يلتفت إلى خصومتهم. ولكن قال في " الوجيز " يقطع بالسرقة من يد المودع والوكيل والمرتهن، وبهذا قال في " شرح المجمع " وتركت الخلاف المذكور في المنظومة في أنه لا يقطع بالسرقة من يد المودع. وقال مالك: قطع من يد المودع والوكيل والمرتهن والمستعير. م: (وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: ولاية الخصومة في حق الاسترداد ضرورة الحفظ) ش: يعني ولا يتهم لأجل الحفظ فيظهر في حق الحفظ م: (فلا تظهر في حق القطع، لأن فيه) ش: أي لأن في ظهور حق القطع م: (تفويت الصيانة) ش: لأن المال مضمون على السارق، فلو استوى القطع سقط الضمان، فيكون فيه تضييع لا صيانة، وهو مأذون بالحفظ والصيانة. [السرقة موجبة للقطع من نفسها] م: (ولنا أن السرقة موجبة للقطع من نفسها وقد ظهرت) ش: أي السرقة م: (عند القاضي بحجة شرعية وهي شهادة رجلين عقيب خصومة) ش: لأن خصومتهم م: (معتبرة) ش: لحاجتهم إلى الاسترداد، لأن اعتبار خصومة الملك إلى إظهار السارق لإعادته إلى المحل لتحصيل أغراض متعلقة باليد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 59 مطلقا، إذ الاعتبار لحاجتهم إلى الاسترداد فيستوفي القطع، والمقصود من الخصوم إحياء حقه وسقوط العصمة ضرورة استيفاء القطع، فلم يعتبر، ولا معتبر بشبهة موهومة الاعتراض كما إذا حضر المالك وغاب المؤتمن، فإنه يقطع بخصومته في ظاهر الرواية وإن كانت شبهة الإذن في دخول الحرز ثابتة،   [البناية] وهو المعنى الموجود في حق هؤلاء، أما المستأجر، والمستعير فلاحتياجهما إلى الانتفاع بالمحل والمرتهن والمودع؛ لأجل الحفظ الملتزم والمتمكن من رده إلى المالك يخرجا عن عهدة الضمان م: (مطلقاً) ش: قاله لنفي قول زفر، فإن خصومة هؤلاء عنده في حق الاسترداد دون القطع م: (إذ الاعتبار لحاجتهم إلى الاسترداد) ش: لإعادة اليد؛ لأن اليد مقصودة في ذلك وهم في ذلك كالمالك، فإذا كان كذلك م: (فيستوفي القطع) ش: لأن الخصومة مطلقة لا لضرورة فقط كما قال زفر. م: (والمقصود من الخصومة) ش: أي مقصود صاحب اليد من الخصومة م: (إحياء حقه) ش: أي حق المالك م: (وسقوط العصمة) ش: جواب عن قول زفر؛ لأن فيه تفويت الصيانة، تقريره أن سقوط العصمة م: (ضرورة استيفاء القطع) ش: يعني أن الإمام استوفى القطع حقاً لله تعالى، فسقط الضمان ضرورة، فلا يصير المودع مسقطاً للضمان، فإذا كان سقوط الضمان من ضرورة القطع كان ضمناً م: (فلم يعتبر) ش: لأن الضمنيات لا تعتبر. [استيفاء القطع بحضرة المالك] م: (ولا معتبر بشبهة موهومة الاعتراض) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: ينبغي أن لا يقطع السارق بدون حضرة المالك كما مر قبل هذا الاحتمال أنه لو حضر وأقر السارق بالمسروق فأجاب بقوله: ولا معتبر أي الاعتبار شبهة موهومة الاعتراض، أي لتوهم اعتراض إقرار من المالك إذا حضر أن المؤثر شبهة يوهم وجودها في الحال ما لا يتوهم اعتراضها في المال. م: (كما إذا حضر المالك وغاب المؤتمن) ش: وهو المودع بفتح الدال، فإن فيه شبهة موهومة أيضاً، وهو أن يحضر المؤتمن م: (فإنه يقطع بخصومته) ش: أي بخصومة المالك م: (في ظاهر الرواية) ش: احترز به عن رواية ابن سماعة ومحمد أن المالك ليس له أن يقطع حال غيبة المودع؛ لأن السارق لم يسرق من المالك، وإنما سرق من الذي كان عنده فلم يجز أن يطالب بذلك غيره م: (وإن كانت شبهة الإذن في دخول الحرز ثابتة) ش: كلمة إن واصلة بما قبله، أي يقطع وإن كانت شبهة الإذن من المؤتمن في دخول الحرز ثابتة. فإن قيل: القطع عقوبة يسقط بالشبهة، فلا يثبت بخصومة المودع كالقصاص. قلنا: القطع عقوبة يجب حقاً لله تعالى إجماعاً، وإنما شرطت الخصومة، بخلاف البيان إذ كما ليس للسارق، لكن يعزه، والمودع يملك هذه الخصومة بخلاف القصاص، فإنه حق العبد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 60 وإن قطع سارق بسرقة فسرقت منه، لم يكن له أن يقطع السارق الثاني؛ لأن المال غير متقوم في حق السارق الأول، حتى لا يجب عليه الضمان بالهلاك، فلم تنعقد موجبة في نفسها، وللأول ولاية الخصومة في الاسترداد في رواية، إذ الرد واجب عليه. ولو سرق الثاني قبل أن يقطع الأول أو بعدما درئ الحد بشبهة يقطع بخصومة الأول، لأن سقوط التقوم ضرورة القطع ولم يوجد، فصار كالغاصب. لو سرقت سرقة فردها على المالك قبل الارتفاع إلى الحاكم لم يقطع. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقطع اعتبارا بما إذا رده بعد المرافقة.   [البناية] [قطع بسرقة فسرقت منه أو رد المسروق قبل بلوغ الحاكم] م: (وإن قطع سارق بسرقة فسرقت منه) ش: أي من السارق م: (لم يكن له) ش: أي للسارق م: (ولا لرب السرقة أن يقطع السارق الثاني) ش: وبه قال أحمد والشافعي في قول. وقال الشافعي ومالك في قول: يقطع بدعوى المالك؛ لأنه سرق نصاباً من حرز لا شبهة فيه سواء قطع السارق الأول أو لا. وذكر أصحاب الشافعي الخصم في قطع هذا السارق المالك لا السارق والغاصب. قال صاحب " الحلية ": وعندي أن كل واحد من المالك والسارق والغاصب خصم م: (لأن المال غير متقوم في حق السارق الأول، حتى لا يجب عليه الضمان بالهلاك فلم تنعقد موجبة في نفسها) ش: أي فلم تنعقد السرقة موجبة للقطع في نفسها، وأيضاً أن يده لم تبق من الأيدي التي ذكرناها من ملك وديعة وخصومة، ومن هذه في صفة لا تعتبر في القطع. م: (وللأول) ش: أي وللسارق الأول م: (ولاية الخصومة في الاسترداد في رواية إذ الرد واجب عليه) ش: وليس له ذلك في رواية أخرى؛ لأن يده ليست بصحيحة؛ لكون اليد الصحيحة عبارة من أن يكون يد ملك أو ضمان أو أمانة ولم يوجد. م: (ولو سرق الثاني قبل أن يقطع الأول) ش: أي السارق الأول م: (أو بعد ما درئ الأول) ش: أي أو سرق الثاني بعدما درئ القطع بشبهة م: (يقطع بخصومة الأول) ش: أي بسارق الأول م: (لأن سقوط التقوم ضرورة القطع ولم يوجد، فصار كالغاصب) ش: والدرء هنا بالشبهة كعدم القطع، ولا فرق عند أحمد بين القطع وعدمه، لأن يد السارق على المال لا يد أمانة ولا يد ملك، فأشبه ما لو وجد ضائعاً. م: (ولو سرقت) ش: أي مسروقة، في نسخة ومن سرق م: سرقة فردها على المالك قبل الارتفاع إلى الحاكم لم يقطع) ش: في ظاهر الرواية. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقطع اعتباراً بما إذا رده بعد المرافقة) ش: بجامع أن القطع حق الله تعالى فلا يحتاج فيه إلى الخصومة شرط الظهور، فكذا ما بعد الارتفاع وقبله سواء. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 61 وجه الظاهر أن الخصومة شرط لظهور السرقة؛ لأن البينة إنما جعلت حجة ضرورة قطع الخصومة، وقد انقطعت الخصومة، بخلاف ما بعد المرافقة لانتهاء الخصومة لحصول مقصودها فتبقى تقديرا. وإذا قضي على رجل بالقطع في سرقة فوهبت له لم يقطع، معناه   [البناية] م: (وجه الظاهر) ش: أي وجه ظاهر الرواية م: (أن الخصومة شرط لظهور السرقة؛ لأن البينة) ش: وفي " النهاية " في بعض النسخ بالواو، أي ولأن البينة. وقال الكاكي: ولكن نسخة شيخي بلا واو، وقال هو الأصح. قلت: وكذا نسخة شيخي بلا واو. وقال: هو الأصح. ثم كتب بخطه على حاشية الكتاب؛ لأن البينة م: (إنما جعلت حجة) ش: مع قيام احتمال الكذب م: (ضرورة قطع الخصومة) ش: فخصومة المالك شرط لإقامة البينة م: (وقد انقطعت الخصومة) ش: لزوال الملك قبل الارتفاع إلى الحاكم، فلا تبقى البينة حجة بعد ذلك لانعدام الشرط، وهذا الذي كتب إيضاحاً لما قاله المصنف، لأن البينة إنما جعلت حجة ضرورة قطع المنازعة وقد انقطعت الخصومة فلا تبقى حجة. م: (بخلاف ما بعد المرافقة) ش: يعني لو ردها بعد سماع البينة والقضاء يقطع، وبعد السماع قبل القضاء يقطع استحساناً لظهور السرقة عند القاضي بالشهادة بعد خصومة معتبرة م: (لانتهاء الخصومة لحصول مقصودها) ش: قال الأترازي: لحصول مقصودها، الضمير راجع إلى الخصومة، أي لحصول المقصود من الخصومة؛ لأن المقصود بالخصومة استرداد المال إلى المالك، والشيء يتقرر بانتهائه لا أنه يبطل كالنكاح ينفرد بالموت، لا أنه يبطل لكن الخصومة تبطل. فأما تقدير الاستيفاء القطع، وهو معنى قوله م: (فتبقى تقديراً) ش: باعتبار قيام يده على المال ولو رده على ولده أو ذي رحم لم يكن في عيال المالك يقطع؛ لعدم الوصول إليه حقيقة وحكماً. ولهذا يضمن المودع والمستعير بالدفع إليه. وإن كان في عياله لا يقطع؛ لأن يد من في عياله كيده حكماً، ولهذا لا يضمن المودع المستعير بالدفع إليه. وكذا لو رده على امرأته أو عبده أو أجيره مشاهرة أو مسانهة، ولو دفع إلى والده أو جده أو والدته وليسوا في عياله لا يقطع؛ لأن بهؤلاء شبهة المالك في ماله بالنص، فتثبت شبهة الرد. ولو دفع إلى عيالها لا يقطع لأنه شبهة، وهي معتبرة. ولو دفع إلى مكاتبه لا يقطع، لأن عبده لو سرق من المكاتب ورده إلى سيده لا يقطع، ولو سرق من العيال ورده إلى من بعولتهم لا يقطع، لأن يده عليهم فوق أيديهم في ماله. [قضي على رجل بالقطع في سرقة فوهبت له] م: (وإذا قضي على رجل بالقطع في سرقة فوهبت له لم يقطع) ش: هذه المسألة ذكرت في " الجامع الصغير " بهذه العبارة، وفسرها المصنف بقوله: م: (معناه) ش: أي معنى ما ذكره محمد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 62 إذا سلمت إليه. وكذلك إذا باعها المالك إياه. وقال زفر والشافعي - رحمهما الله - يقطع، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن السرقة قد تمت انعقادا وظهورا، وبهذا العارض لم يتبين قيام الملك وقت السرقة فلا شبهة فيقطع. ولنا أن الإمضاء من القضاء في هذا الباب لوقوع الاستغناء عنه بالاستيفاء، إذ القضاء للإظهار، والقطع، حق الله تعالى وهو ظاهر عنده. وإذا كان كذلك يشترط قيام الخصومة عند الاستيفاء   [البناية] فيها فوهبت له م: (إذا سلمت إليه) ش: يعني إذا سلمت السرقة إلى العين المسروقة، لأن الهبة إذا لم تتصل بالتسليم والقبض لا يثبت الملك. م: (وكذلك إذا باعها المالك إياه) ش: أي إذا باع العين المسروقة مالك إياه، أي السارق م: (وقال زفر والشافعي - رحمهما الله - يقطع) ش: وبه قال مالك وأحمد م: (وهو رواية) ش: أي ما قاله زفر والشافعي رواية م: (عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن السرقة قد تمت انعقاداً) ش: باحتمال الغير على وجه الحقيقة من حرز لا شبهة فيه، إذ وضع المسألة في ذلك م: (وظهوراً) ش: أي من حيث الظهور، لأن الفرض أنه قضي عليه بالقطع، ولا يكون ذلك إلا بعد ظهورها. م: (وبهذا العارض) ش: وهو ثبوت الملك بالهبة والشراء لا قيام الملك وقت السرقة؛ لأن الهبة والشراء يوجب ملكاً حادثاً فلا يمنع به الاستيفاء، وبهذا احترز به عما أقر به المالك أن المسروق للسارق. فإن الإقرار يظهر ما كان ثابتاً للمقر له م: (لم يتبين قيام الملك وقت السرقة) ش: لم ينته ثبوت الملك للسارق وقت وجود السرقة، فإذا كان الأمر كذلك م: (فلا شبهة فيقطع) . م: (ولنا أن الإمضاء من القضاء) ش: يعني أن استيفاء الحد من تتمة قول القاضي حكمت أو قضيت بالقطع أو بالرجم أو بالجلد م: (في هذا الباب) ش: أي في باب الحدود م: (لوقوع الاستغناء عنه) ش: أي عن القضاء م: (بالاستيفاء) ش: يعني أن القضاء في هذا الباب لا يغني عنه إلا بالاستيفاء م: (إذ القضاء) ش: أي لأن القضاء م: (للإظهار) ش: ولا إظهار هاهنا؛ لأن القطع حق الله تعالى. وهو معنى قوله [الفسق في الشهود على السرقة ورد المسروق بعد الواقعة قبل الاستيفاء] م: (والقطع حق الله تعالى، وهو ظاهر عنده) ش: أي عند الله تعالى لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء فلا حاجة إلى الإظهار. م: (وإذا كان كذلك) ش: أي إذا كان الإمضاء من القضاء م: (يشترط قيام الخصومة عند الاستيفاء) ش: كما يشترط وقت ابتداء القضاء وقد انتهى ذلك بالبيع والهبة، لأن ما يكون شرطاً لوجوب القضاء يراعى وجوده إلى وقت الاستيفاء، لأن المعترض قبل الاستيفاء كالمقترن بأصل السبب، بدليل العمى والخرس والردة والفسق في الشهود، فإن الحدود لا تستوفى إذا كان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 63 وصار كما إذا ملكها منه قبل القضاء. وكذلك إذا نقصت قيمتها من النصاب يعني قبل الاستيفاء بعد القضاء، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقطع، وهو قول الشافعي وزفر - رحمهما الله - اعتبارا بالنقصان في العين. ولنا أن كمال النصاب لما كان شرطا يشترط قيامه عند الإمضاء لما ذكرنا. بخلاف النقصان في العين؛ لأنه مضمون عليه فكمل النصاب عينا ودينا، كما إذا استهلك كله، أما نقصان السعر غير مضمون فافترقا.   [البناية] الشهود على هذه الأوصاف وقت الاستيفاء بالإجماع، وذكره في " الأسرار ". م: (وصار) ش: أي الملك الحادث م: (كما إذا ملكها منه قبل القضاء) ش: لأنه بما لم يمض فكأنه لم يقض، ولقائل أن يقول: جعلتم الخصومة باقية تقديراً في صورة رد المسروق بعد الواقعة قبل الاستيفاء لم يكن الاستيفاء من القضاء حتى أوجبتم القطع، وهنا جعلتم الاستيفاء من القضاء وجعلتم البيع والهبة دافعاً لوجود الحد، وما ذلك إلا تناقض. والجواب: الاستيفاء من القضاء في باب الحدود مطلقاً، لكن في صورة الرد لم يحصل بالرد سوى الواجب عليه بالأخذ، وهاهنا حديث بينهما تصرف موضوع لإفادة الملك، فكان شبهة م: (وكذلك إذا نقصت قيمتها من النصاب يعني قبل الاستيفاء بعد القضاء) ش: أي نقصت من حيث السعر، فإنه ذكر في " المحيط ": لو كان نقصان القيمة لنقصان في المعنى وإن كان لنقصان السعر لا يقطع في ظاهر الرواية. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقطع، وهو قول الشافعي وزفر - رحمهما الله-) ش: وقول مالك وأحمد: م: (اعتباراً بالنقصان في العين) ش: يعني بأن هلك درهم من العشرة، أو استهلكه، وهذا بناء على أن المعتبر في قيمة المسروق أن تكون السرقة الموجبة للقطع عشرة دراهم، فإن نقص عن ذلك قبل القطع في العين لم يمنع من الاستيفاء منه بالاتفاق فيهما. وإن كان النقصان لتراجع السعر فكذلك عن محمد في غير ظاهر الرواية اعتباراً بالأول بجامع وجود سرقة نصاب فيها إن كان النصاب لما كان شرطاً في الابتداء. م: (ولنا) ش: وهو وجه ظاهر الرواية م: (أن كمال النصاب لما كان شرطاً) ش: في الابتداء م: (يشترط قيامه عند الإمضاء لما ذكرنا) ش: أراد به قوله: إن الإمضاء من القضاء. م: (بخلاف النقصان في العين؛ لأنه مضمون عليه) ش: أي على السارق والضمان قائم مقام المضمون م: (فكمل النصاب عيناً) ش: أي من حيث العين وقت الأخذ فيما إذا كان المسروق من ذوات الأمثال م: (وديناً) ش: أي من حيث الدين وقت الاستيفاء فيما إذا كان المسروق من ذوات القيم م: (كما إذا استهلكه كله) ش: أي كما إذا استهلك السارق كل العين م: (أما نقصان السعر غير مضمون) ش: فكان النصاب مناقضاً عند القطع فصار شبهة م: (فافترقا) ش: أي افترق نصاب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 64 وإذا ادعى السارق أن العين المسروقة ملكه سقط القطع عنه وإن لم يقم بينة، معناه بعدما شهد الشاهدان بالسرقة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يسقط بمجرد الدعوى؛ لأنه لا يعجز عنه سارق فيؤدي إلى سد باب الحد. ولنا أن الشبهة دارئة وتتحقق بمجرد الدعوى للاحتمال ولا معتبر بما قال، بدليل صحة الرجوع بعد الإقرار. وإذا أقر رجلان بسرقة ثم قال أحدهما: هو مالي لم يقطعا؛ لأن الرجوع عامل في حق   [البناية] السعر ونقصان العين حيث وجب القطع في الثاني دون الأول. [أقر رجلان بسرقة ثم قال أحدهما هو مالي] م: (وإذا ادعى السارق أن العين المسروقة ملكه سقط القطع عنه) ش: أي عن السارق م: (وإن لم يقم بينة) ش: واصلة بما قبله، وهو رد لقول الشافعي على ما نذكره، وهو لفظ القدوري وفسره المصنف بقوله م: (معناه) ش: أي معنى كلام القدوري م: (بعدما شهد الشاهدان بالسرقة) ش: إنما فسره بذلك احترازاً عما إذا فعل ذلك بعد الإقرار بالسرقة، فإنه يسقط القطع بالاتفاق. م: (وقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يسقط بمجرد الدعوى) ش: وفي المغني لابن قدامة في كتب أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحلف المسروق منه، فإن نكل لا قطع عليه بالإجماع. وإن حلف لا يقطع أيضاً وهو نص الشافعي. وقال بعض أصحابه: فيه وجهان قيل: لا يقطع، وبه قال أحمد في رواية؛ لأن سقوط القطع بمجرد دعواه يؤدي إلى سد باب القطع، إذ كل سارق لا يعجز عن هذا. وعن أحمد في رواية أخرى أنه إن كان السارق معروفاً بالسرقة قطع؛ لأنه يعلم كذبه بدلالة الحال وأولى الروايات أنه لا يقطع بكل حال؛ لأن الحد يندرئ بالشبهات، وهي احتمال صدقه م: (لأنه لا يعجز عنه سارق) ش: أي عن قول أنها ملكه م: (فيؤدي إلى سد باب الحد) ش: وسمى الشافعي هذا السارق ظريفا لأن أكثر السراق لا يعلمون هذا. م: (ولنا أن الشبهة دارئة) ش: للحد م: (وتتحقق) ش: أي الشبهة م: (بمجرد الدعوى للاحتمال) ش: أي لاحتمال دعواه الصدق م: (ولا معتبر بما قال) ش: أي الشافعي أنه لا يعجز عنه سارق م: (بدليل صحة الرجوع بعد الإقرار) ش: أي بالسرقة مع أنه لا يعجز عنه سارق وما من مقر إلا وتمكن من الرجوع، وكان ذلك معتبراًَ في إيراث الشبهة. فكذا هذا وفيه نظر؛ لأن إقراره حجة قاصرة، والبينة حجة كاملة لما عرف، ولا يلزم أن يكون مورث الشبهة في الحجة القاصرة موروثاً لما في الكاملة. والجواب أن الكمال المقصود بالنسبة إلى التعدي إلى الغير وعدمه، وليس كلامنا فيه، وأما بالنسبة إلى المقر فيهما سواء. م: (وإذا أقر رجلان بسرقة ثم قال أحدهما هو مالي لم يقطعا) ش: سواء ادعى قبل القضاء أو بعده قبل الإمضاء. وعند الأئمة الثلاثة لم يعتبر دعواه بعد القضاء م: (لأن الرجوع عامل في حق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 65 الراجع ومورث للشبهة في حق الآخر؛ لأن السرقة تثبت بإقرارهما على الشركة، فإن سرقا ثم غاب أحدهما وشهد الشاهدان على سرقتهما قطع الآخر في قول أبي حنيفة لا في قولهما والآخر وهو قولهما، وكان يقول أولا لا يقطع؛ لأنه لو حضر ربما يدعي الشبهة. وجه قوله الآخر أن الغيبة تمنع ثبوت السرقة على الغائب، فيبقى معدوما، والمعدوم لا يورث الشبهة ولا يعتبر توهم حدوث الشبهة على ما مر، وإذا أقر العبد المحجور عليه بسرقة عشرة دراهم بعينها فإنه يقطع وترد السرقة إلى المسروق منه، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقطع والعشرة للمولى. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقطع، والعشرة للمولى إذا كذبه المولى. ولو أقر بسرقة مال مستهلك قطعت يده.   [البناية] الراجع ومورث للشبهة في حق الآخر؛ لأن السرقة تثبت بإقرارهما على الشركة) ش: فيكون فعلاً واحداً م: (فإن سرقا ثم غاب أحدهما وشهد الشاهدان على سرقتهما قطع الآخر في قول أبي حنيفة لا في قولهما والآخر وهو قولهما، وكان) ش: أي أبو حنيفة م: (يقول أولاً: لا يقطع، لأنه) ش: أي لأن الغائب م: (لو حضر ربما يدعي الشبهة) ش: وهي دارئة للحد عن نفسه، وعن الآخر حد، فلو قطعنا الحاضر قطعناه مع الشبهة، وهو لا يجوز. م: (وجه قوله الآخر) ش: أي وجه قول أبي حنيفة الآخر م: (أن الغيبة تمنع ثبوت السرقة على الغائب) ش: لأن القضاء على الغائب لا يجوز م: (فيبقى معدوماً) ش: أي يبقى فعل السرقة معدوماً م: (والمعدوم لا يورث الشبهة) ش: في حق الموجود، وهذا لأن الشبهة هي المحققة الموجودة لا الموهومة م: (ولا يعتبر توهم حدوث الشبهة) ش: لأنه لو اعتبر يلزم اعتبار شبهة الشبهة، وهي محطة عن حيز الاعتبار م: (على ما مر) ش: إشارة إلى قوله: ولا معتبر بشبهة موهومة الاعتراض. [أقر العبد المحجور عليه بسرقة عشرة دراهم بعينها أوأقر بالسرقة ثم رجع] م: (وإذا أقر العبد المحجور عليه بسرقة عشرة دراهم بعينها) ش: يعني كائنة بعينها م: (فإنه يقطع وترد السرقة إلى المسروق منه، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقطع والعشرة للمولى) ش: وبه قال الشافعي في الأصح ومالك وأحمد. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقطع، والعشرة للمولى) ش: وحكي عن الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: سمعت أستاذي ابن أبي عمران يقول الأقاويل الثلاثة كلها عن أبي حنيفة فقوله الأول أخذ به محمد ثم رجع، وقال كما قال أبو يوسف فأخذ به أبو يوسف ثم رجع إلى القول الثالث واستقر عليه معنا م: (إذا كذبه المولى) ش: أي معنى قول محمد والعشرة للمولى إذا كذبه المولى بأن قال: المال مالي فالعشرة له ولا يقطع العبد. م: (ولو أقر) ش: أي العبد المحجور م: (بسرقة مال مستهلك قطعت يده) ش: اتفاقاً بين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 66 ولو كان العبد مأذونا له يقطع في الوجهين. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقطع في الوجوه كلها؛ لأن الأصل عنده أن إقرار العبد على نفسه بالحدود والقصاص لا يصح؛ لأنه يرد على نفسه وطرفه وكل ذلك مال للمولى والإقرار على الغير غير مقبول، إلا أن المأذون له يؤاخذ بالضمان والمال لصحة إقراره به لكونه مسلطا عليه من جهته، والمحجور عليه لا يصح إقراره بالمال أيضا ونحن نقول: يصح إقراره من حيث إنه آدمي ثم يتعدى إلى المالية فيصح من حيث إنه مال؛ ولأنه لا تهمة في هذا الإقرار لما يشتمل عليه من الأضرار ومثله مقبول على الغير.   [البناية] علمائنا الثلاثة. قال تاج الشريعة: لأن الإقرار بسرقة مال مستهلك إقرار بحد مفرد، والإقرار بحد مفرد صحيح من العبد المحجور عند علمائنا الثلاثة، كما لو اقر بالزنا أو بشرب الخمر م: (ولو كان العبد مأذوناً له يقطع في الوجهين) ش: أي فيما إذا كان المال قائماً أو مستهلكاً. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقطع في الوجوه كلها) ش: أي فيما إذا كان العبد محجوزاًَ أو مأذوناً والحال قائم أو هالك م: (لأن الأصل عنده) ش: أي عند زفر م: (أن إقرار العبد على نفسه) ش: مأذوناً كان أو محجوراً م: (بالحدود والقصاص لا يصح، لأنه) ش: أي لأن الإقرار م: (يرد على نفسه) ش: يعني في القصاص. م: (وطرفه) ش: يعني في الحدود م: (وكل ذلك) ش: أي طرفه ونفسه م: (مال للمولى والإقرار على الغير غير مقبول) ش: ألا ترى أنه لو أقر برقبة الغير كان إقراره باطلاً م: (إلا أن المأذون له يؤاخذ بالضمان) ش: إن كان مستهلكاً. م: (والمال لصحة إقراره به) ش: أي يؤاخذ بالمال إن كان قائماً بصحة إقراره به م: (لكونه) ش: أي لكون المأذون له م: (مسلطاً عليه من جهته) ش: أي لكونه مسلطاً على إقراره من جهة المولى م: (والمحجور عليه لا يصح إقراره بالمال أيضاً) ش: أي كما لا يصح في النفس أيضاً. م: (ونحن نقول يصح إقراره من حيث إنه آدمي) ش: مخاطب لا من حيث إنه مال م: (ثم يتعدى إلى المالية فيصح من حيث إنه مال) ش: يعني لما صح إقراره من حيث إنه آدمي صح من حيث أنه مال أيضاً لسراية إليها، لأن آدميته لا تنفك عنه ماليته، فالسراية من حيث إنه مال تبعاً وقد يثبت الشيء تبعاً ولا يثبت قصداً. م: (ولأنه لا تهمة في هذا الإقرار لما يشتمل عليه من الأضرار) ش: أي على العبد؛ لأن ما يلحقه من الضرر باستيفاء العقوبة منه فوق ما يلحقه المولى م: (ومثله) ش: أي ومثل ما كان ضرراً لإقرار فيه أدى إلى السفر وإلى الغير م: (مقبول على الغير) ش: أي بطريق التبعية لانعدام تهمة الكذب في ذلك الإقرار إذا شهد الواحد عند الإمام برؤية هلال رمضان وفي السماء علة يقبل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 67 لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المحجور عليه أن إقراره بالمال باطل؛ ولهذا لا يصح منه الإقرار بالغصب فيبقى مال المولى. ولا قطع على عبد في سرقة مال المولى، يؤيده أن المال أصل فيها، والقطع تابع حتى تسمع الخصومة فيه بدون القطع، ويثبت المال دونه. وفي عكسه لا تسمع ولا يثبت. وإذا بطل فيما هو الأصل يبطل في التبع بخلاف المأذون، لأن إقراره بالمال الذي في يده صحيح فيصح في حق القطع تبعا.   [البناية] الإمام شهادته. وإن لم يقبلها في سائر المواضع لعدم التهمة، حيث يلزم الصوم كما يلزم غيره، وكذلك الحر المديون إذا أقر بالقتل العمد فإنه يقتص منه بالإجماع وإن كان فيه إبطال ديون الغرماء. م: (لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المحجور عليه أن إقراره بالمال باطل، ولهذا) ش: أي ولأجل بطلان إقرار المحجور عليه بالمال م: (لا يصح منه الإقرار بالغصب) ش: فكذا لا يصح إقراره بالسرقة، فإذا لم يصح إقراره بالمالية في حق المالية م: (فيبقى مال المولى) ش: على ملكه م: (ولا قطع على عبد في سرقة مال المولى) ش: أي في سرقة مال حكم به لسيده، لأن كون المال مملوكاً لغير السارق وغير مولاه شرط وجوب القطع م: (يؤيده) ش: أي يؤيده ما ذكره محمد. وهذا إشارة إلى أن لكل واحد من أصحابنا الثلاثة أصلاً، فأبو حنيفة يقول: القطع أصل والمال تابع بدليل أنه يبطل بالتقادم، وبدليل أنه لو قال: أبقي المال ولا أبقي القطع لم يسقط القطع. وأبو يوسف يقول: كل منهما أصل، أما أصالة القطع فيما قالوا في الحر إذا أقر وقال: سرقت هذا المال من زيد وهو في يد عمرو وكذبه عمرو يصح إقراره في حق القطع دون المالية. وأما أصالة المال فلأنه إذا سرق ما دون العشرة لا يقطع، والخصومة شرط، ولولا أن المال أصل يوجب القطع بدونها؛ لأنه محض حق الله تعالى، وهو مستوفى بلا طالب. ومحمد يقول: المال أصل والقطع تبع، وهو معنى قول المصنف م: (أن المال أصل فيها) ش: أي في السرقة م: (والقطع تابع حتى تسمع الخصومة فيه) ش: أي في المال م: (بدون القطع) ش: مثل أن يقول: أطلب المال منه دون القطع م: (ويثبت المال دونه) ش: أي دون القطع، كما إذا شهد رجل وامرأتان أو أقر بالسرقة ثم رجع فإنه يضمن المال ولا يقطع م: (وفي عكسه) ش: بأن قال: أطلب القطع دون المال م: (لا تسمع) ش: أي الخصومة. م: (ولا يثبت) ش: أي المال م: (وإذا بطل) ش: أي الإقرار م: (فيما هو الأصل) ش: أي المال م: (يبطل في التبع) ش: وهو القطع م: (بخلاف المأذون؛ لأن إقراره بالمال الذي في يده صحيح فيصح في حق القطع تبعاً) ش: لصحة الإقرار به. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 68 ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أقر بشيئين بالقطع وهو على نفسه فيصح على ما ذكرناه، وبالمال وهو على المولى فلا يصح في حقه فيه والقطع يستحق بدونه. كما إذا قال الحر الثوب الذي في يد زيد سرقته من عمرو، وزيد يقول هو ثوبي تقطع يد المقر، وإن كان لا يصدق في تعيين الثوب حتى لا يؤخذ من زيد ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإقرار بالقطع قد صح منه لما بينا فيصح بالمال بناء عليه، لأن الإقرار ينافي حالة البقاء، والمال في حالة البقاء تابع للقطع حتى تسقط عصمة المال باعتباره، ويستوفي القطع بعد استهلاكه،   [البناية] م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي العبد م: (أقر بشيئين بالقطع وهو) ش: أي القطع م: (على نفسه) ش: صحيح م: (فيصح ما ذكرناه) ش: أي إقراره في حق القطع م: (وبالمال) ش: أي وإقراره بالمال م: (وهو) ش: أي الإقرار بالمال م: (على المولى فلا يصح في حقه فيه) ش: أي فلا يصح إقرار العبد في حق المولى في المال م: (والقطع يستحق بدون) ش: أي بدون المال م: (كما إذا قال الحر: الثوب في يد زيد سرقته من عمرو، وزيد يقول: هو ثوبي تقطع يد المقر) ش: لصحة إقراره. م: (وإن كان) ش: واصل بما قبله، أي وإن كان العبد م: (لا يصدق في تعيين الثوب حتى لا يؤخذ من زيد) ش:. وفي " المبسوط ": وكما لو أقر بسرقة مال مستهلك وهذا؛ لأنه لم يقبل إقراره في تعيين هذا المال بقي المسروق مستهلكاً. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإقرار بالقطع قد صح منه) ش: أي من العبد م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: ونحن نقول يصح إقراره من حيث إنه آدمي م: (فيصح) ش: أي إقراره م: (بالمال بناء عليه) ش: أي على صحة الإقرار بالقطع لما شهدنا من أصله فيما مضى م: (لأن الإقرار ينافي حالة البقاء) ش: أي بقاء السرقة؛ لأن الإقرار بالشيء إظهار أمر قد كان فلا بد من وجود المخبر به قبل الإقرار، ألا ترى أن إقرار أحد الزوجين بالنكاح صحيح من غير شهادة م: (والمال في حالة البقاء تابع للقطع، حتى تسقط) ش: بالرفع؛ لأن حتى بمعنى الفاء م: (عصمة المال باعتباره) ش: أي باعتبار القطع م: (ويستوفي القطع بعد استهلاكه) . ش: أي استهلاك المال، فلو أبطلنا إقراره في حق القطع باعتبار المال لجعلنا المال في البقاء أصلاً، وهذا باطل، كذا في جامع البرهاني. وفي بعض الشروح وقوله باعتباره، أي باعتبار القطع لما يجيء من أصلنا أن القطع لا يجتمع من الضمان، ثم سقوط العصمة والتقوم في حق السارق يدل على أن المال تابع به؛ لأنه لو كان أصلاً لما تغير حاله من التقوم إلى غيره؛ لأنه مقصود منه إنما يكون بالتقوم، وكذلك استيفاء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 69 بخلاف مسألة الحر؛ لأن القطع إنما يجب بالسرقة من المودع، أما لا يجب بسرقة العبد مال المولى فافترقا. ولو صدقه المولى يقطع في الفصول كلها لزوال المانع. وإذا قطع السارق والعين قائمة في يده ردت على صاحبها لبقائها على ملكه، وإن كانت مستهلكة لم يضمن، وهذا الإطلاق يشمل الهلاك والاستهلاك، وهو رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو المشهور. وروى الحسن عنه أنه يضمن بالاستهلاك. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن فيهما لأنهما حقان قد اختلف سبباهما فلا يمتنعان،   [البناية] القطع بعد استهلاك المال، فيدل على ذلك إذ لا وجود للتابع مع عدم وجود الأصل. م: (بخلاف مسألة الحر) ش: جواب عما أشهد به أبو يوسف بقوله كما إذا قال الحر: الثوب الذي في يد زيد إلى آخره، بيانه أن هذه المسألة له ليست نظير تلك المسألة؛ لأنه ليس من ضرورة كونه مسروقاً عن شخص كونه مالكاً، لجواز أن يكون مودعاً فيقطع م: (لأن القطع إنما يجب بالسرقة من المودع) ش: بخصومته وإن لم يرد إليه المال، وأما هاهنا. فلو لم يرد المال إلى المسروق منه لزم أن يكون ذلك المال مال المولى، فحينئذ لا يجب القطع، لأن العبد إذا سرق مال المولى لا تقطع يده، وهو معنى قوله م: (أما لا يجب) ش: أي القطع م: (بسرقة العبد مال المولى فافترقا) ش: أي الحكمان المذكوران. م: (ولو صدقه المولى) ش: أي ولو صدق المولى عبده م: (يقطع في الفصول كلها) ش: وهي أن يكون العبد مأذوناً أو محجوراً عليه، والمال قائم بنفسه أو مستهلك، والمولى يكذبه أو يصدقه، فإذا صدقه المولى يقطع في هذه الفصول كلها م: (لزوال المانع) ش: أي من القطع ووجود المقتضى له. [قطع السارق والعين قائمة في يده] م: (وإذا قطع السارق والعين قائمة في يده) ش: أي والحال أن العين موجودة م: (ردت على صاحبها لبقائها) ش: أي لبقاء العين م: (على ملكه) ش: أي على ملك المسروق منه. م: (وإن كانت) ش: أي العين م: (مستهلكة لم يضمن، وهذا الإطلاق) ش: أراد به إطلاق القدوري في مختصره بقوله: إن كانت هالكة، يعني قوله: إن كانت هالكة م: (يشمل الهلاك والاستهلاك) ش: لأنه لما لم يجد الضمان في الاستهلاك، ففي الهلاك أولى م: (وهو رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة) ش: يعني شمول الإطلاق الهلاك والاستهلاك، رواه أبو يوسف عن أبي حنيفة. م: (وروى الحسن عنه أنه) ش: أي أن الضمان يجب بالاستهلاك دون الهلاك م: (وقال الشافعي يضمن فيهما) ش: أي في الهلاك والاستهلاك م: (لأنهما حقان) ش: أي القطع والضمان حقان م: (قد اختلف سبباهما فلا يمتنعان) ش: أي لا يمتنع أحدهما بالآخر، وبين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 70 فالقطع حق الشرع، وسببه ترك الانتهاء عما نهى عنه، والضمان حق العبد وسببه أخذ المال. فصار كاستهلاك صيد مملوك في الحرم، أو شرب خمرا مملوكا لذمي، ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا غرم على السارق بعدما قطعت يمينه» .   [البناية] اختلاف السببين بقوله م: (فالقطع حق الشرع، وسببه ترك الانتهاء عما نهى عنه، والضمان حق العبد، وسببه أخذ المال) ش: لا خلاف لأهل العلم أن المال إذا كان قائماً يرد على مالكه، وكذا لو باعه السارق أو وهبه يأخذه من المشتري والموهوب له، ويبطل البيع والهبة. واختلفوا في الثالثة، فقال الشافعي وأحمد وأبو ثور: يجب على السارق رد قيمتهما، أو مثلياً إن كان مثلياً، وهو قول إبراهيم النخعي، وحماد، والحسن البصري، وإسحاق، والليث بن سعد. وقال علماؤنا والثوري: لا يجتمع الضمان مع القطع، فلو ضمنه المالك قبل القطع سقط القطع، وإن قطعه سقط الضمان، وهو قول عطاء، ومحمد بن سيرين، وابن شبرمة، وعامر الشعبي، ومكحول. وقال مالك إن كان السارق معسراً فلا ضمان عليه، وإن كان موسراً يضمن لنظر الجانبين. م: (فصار) ش: أي حكم هذا على الوجه المذكور م: (كاستهلاك صيد مملوك في الحرم) ش: يعني من حيث إنه يجب قيمته للمالك، وقيمة أخرى لجزاء ارتكاب المحظور لله تعالى م: (أو شرب خمراً مملوكاً لذمي) ش: يعني على أصلكم، فإن ضمان الخمر بالاستهلاك لا يجب عند الشافعي وإن كان لذمي، وعندنا يجب قيمته ويحد. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا غرم على السارق بعدما قطعت يمينه» ش: هذا الحدث غريب بهذا اللفظ، ومعناه ما أخرجه النسائي في سننه، عن حسان بن عبد الله، عن المفضل بن فضالة، عن يونس بن يزيد، عن سعيد بن إبراهيم، عن المسعود بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يغرم صاحب سرقة إذا أقيم عليه الحد» ، انتهى. قال النسائي: هذا مرسل وليس بثابت. وأخرجه الدارقطني في سننه بلفظ: «لا غرم على السارق بعد قطع يمينه» ، وقال المسور بن إبراهيم: لم يدرك عبد الرحمن بن عوف، فإن صح إسناده فهو مرسل، وسعيد بن إبراهيم مجهول. ورواه البزار في مسنده بلفظ: «لا يضمن السارق سرقة بعد إقامة الحد» . قال المسور بن إبراهيم: لم يلق عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ورواه الطبراني في " الأوسط ". وقال لا يروى عن عبد الرحمن بن عوف إلا بهذا الإسناد، وهو غير متصل؛ لأن المسور لم يسمع من جده عبد الرحمن بن عوف. وقال ابن أبي حاتم في كتاب " العلل " سألت أبي عن هذا الحديث، فقال هذا حديث منكر، ومسور لم يلحق عبد الرحمن، وقد طول الأكمل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 71 ولأن وجوب الضمان ينافي القطع؛ لأنه يتملكه بأداء الضمان مستندا إلى وقت الأخذ، فتبين أنه ورد على ملكه فينتفي القطع للشبهة وما يؤدي إلى انتفائه فهو المنتفي   [البناية] هنا كلاماً ولم يتعرض لبيان حال الحديث. وقال الكاكي وذكر ابن قدامة في " المغني ": قال ابن المنذر: سعيد بن إبراهيم مجهول، وقال ابن عبد البر: الحديث ليس بقوي. قلنا: ليس كذلك، فإن الزهري يروي عن سعيد بن إبراهيم هذا الحديث، نقله عبد الباقي. وقال عبد الباقي هذا صحيح، وقول ابن قدامة ليس أجود القاطع عليه. قلنا: إطلاق الغرم على أجرة القاطع خلاف الظاهر، مع أنه نكرة في موضع النفي، انتهى. قلت: رواه ابن جرير الطبري، هذا الحديث في " تهذيب الآثار " موصولاً، فقال حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي، قال: حدثنا سعيد بن كثير بن عفير، عن الفضل بن فضالة، عن يونس بن يزيد، وسعد بن إبراهيم، حدثني أخو المسور بن إبراهيم، عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أقيم الحد على السارق فلا غرم عليه» . وأخرجه أبو عمر عبد الله عن طريق ابن جرير، وهذا المسور وأبوه على شرط البخاري، وأبوه ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، ثم قال ابن جرير ما ملخصه فيه البيان من صحة قول من لم يضمن السارق بعد الحد وفساد قول من ضمنه، ثم حكي عدم التضمين عن ابن سيرين، والنخعي، والشعبي، وعطاء، والحسن، وقتادة. وقال: وعلتهم مع الأثر القياس على إجماعهم على أن أهل العدل إذا ظهروا على الخوارج لم يغرموا ما استهلكوه، وكذا قطاع الطريق. ولو كان السارق في التضمين كالغاصب للتعدية لوجب الضمان على هؤلاء لتعديهم وظلمهم، قال: وهذا هو الصواب؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} [المائدة: 38] (المائدة: الآية 38) ، فلم يأمر بالتغريم، ولو كان لازماً لعرفهم كما عرفهم بالقطع. [الضمان في المسروق] م: (ولأن وجوب الضمان ينافي القطع، أنه يتملكه) ش: أي لأن السارق يتملك المسروق م: (بأداء الضمان) ش: حال كونه م: (مستنداً إلى وقت الأخذ) ش: أي أخذ السرقة م: (فتبين أنه) ش: أي أن الأخذ م: (ورد على ملكه فينتفي القطع للشبهة وما يؤدي) ش: أي والشيء الذي يؤدي م: (إلى انتفائه) ش: أي انتفاء القطع المشروع م: (فهو المنتفي) ش: لأن انتفاء اللازم يدل على انتفاء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 72 ولأن المحل لا يبقى معصوما حقا للعبد إذ لو بقي لكان مباحا في نفسه فينتفي القطع للشبهة فيصير محرما حقا للشرع كالميتة، ولا ضمان فيه، إلا أن العصمة لا يظهر سقوطها في حق الاستهلاك؛ لأنه فعل آخر غير السرقة ولا ضرورة في حقه، وكذا الشبهة تعتبر فيما هو السبب دون غيره. ووجه المشهور أن الاستهلاك إتمام المقصود فتعتبر الشبهة فيه، وكذا يظهر سقوط العصمة في حق الضمان، لأنه من ضرورات سقوطها في حق الهلاك لانتفاء المماثلة   [البناية] م: (ولأن المحل) ش: أي المال م: (لا يبقى معصوماً) ش: قبل القطع حال كونه م: (حقاً للعبد، إذ لو بقي) ش: معصوماً حقاً للعبد م: (لكان مباحاً في نفسه) ش: لأنه عرف بالاستقراء ما هو حرام حقاً للعبد فهو مباح في نفسه، فكان المال للسارق حراماً من وجه دون وجه م: (فينتفي القطع للشبهة) ش: أي لشبهة كونه مباحاً في نفسه، حاصله: أن الشبهة هو أن تكون الحرمة ثابتة من وجه دون وجه، فحينئذ يندرئ الحد. فإذا لم يبق معصوماً حقاً للعبد م: (فيصير محرماً حقاً للشرع كالميتة ولا ضمان فيه) ش: أي في المحرم حقاً للشرع، لأن العصمة جواب سؤال تقديره العصمة لما انتقلت إلى الله تعالى، فصار المال المسروق كالميتة والخمر وجب أن لا يجب الضمان عند الاستهلاك. وقد روى الحسن عن أبي حنيفة وجوب الضمان فيه كما مر عن قريب. وتقدير الجواب أن يقال م: (إلا أن العصمة لا يظهر سقوطها في حق الاستهلاك؛ لأنه) ش: أي لأن الاستهلاك م: (فعل آخر غير السرقة ولا ضرورة في حقه) ش: أي في حق فعل آخر م: (وكذا الشبهة) ش: وهي كونه مباحاً في نفسه م: (تعتبر فيما هو السبب) ش: وهو السرقة م: (دون غيره) ش: وهو الاستهلاك. م: (ووجه المشهور) ش: وهو عدم وجوب الضمان في الاستهلاك كما في الهلاك م: (أن الاستهلاك إتمام المقصود) ش: بالسرقة، لأنه إنما سرق ليصير إلى بعض حوائجه، فكانت تتمة السبب، لأنه فعل آخر م: (فتعتبر الشبهة فيه) ش: لإسقاط الضمان كاعتبارها في نفس السرقة. م: (لأنه) ش: أي لأن سقوط العصمة م: (من ضرورات سقوطها في حق الهلاك لانتفاء المماثلة) ش: بين المال المسروق وبين الضمان؛ لأن الضمان مال معصوم حقاً للعبد في حالتي الهلاك والاستهلاك والمال المسروق معصوم حقاً في حال الاستهلاك فقط، فإذا انتفت المماثلة انتهى الضمان، لأن ضمان المقدور شرط بالمماثلة بالنص، ولهذا لا يجب الضمان عندنا بمقابلة استهلاك المنافع بالغصب لانتفاء المماثلة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 73 ومن سرق سرقات فقطع في إحداها فهو جميعها ولا يضمن شيئا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يضمن كلها إلا التي قطع لها، ومعنى المسألة إذا حضر أحدهم فإن حضروا جميعا وقطعت يده بخصومتهم لا يضمن شيئا بالاتفاق في السرقات كلها لهما أن الحاضر ليس بنائب عن الغائب، ولا بد من الخصومة لتظهر السرقة فلم تظهر السرقة من الغائبين فلم يقع القطع لها فبقيت أموالهم معصومة. وله أن الواجب بالكل قطع واحد حقا لله تعالى؛ لأن مبنى الحدود على التداخل والخصومة شرط ظهور عند القاضي. أما الوجوب بالجناية فإذا استوفى فالمستوفى كل الواجب، ألا ترى أنه يرجع نفعه إلى الكل   [البناية] [سرق سرقات فقطع في إحداها] م: (ومن سرق سرقات فقطع في إحداها) ش: أي في إحدى السرقات يعني لأجل واحد منها م: (فهو) ش: أي القطع واقع م: (بجميعها) ش: بالاتفاق؛ لأن القطع يتداخل بالإجماع، وبه قالت الثلاثة م: (ولا يضمن شيئاً) ش: أي لأرباب المسروقات م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يضمن كلها) ش: أي كل السرقات م: (إلا التي) ش: أي إلا السرقة التي م: (قطع لها، ومعنى المسألة إذا حضر أحدهم) ش: أي أحد أرباب السرقات وادعى السرقة م: (فإن حضروا جميعاً وقطعت يده بخصومتهم لا يضمن شيئاً بالاتفاق في السرقات كلها. لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن الحاضر ليس بنائب عن الغائب) ش: حتى يجعل خصومته لخصومتهم م: (ولا بد من الخصومة لتظهر السرقة فلم تظهر السرقة من الغائبين فلم يقع القطع لها) ش: أي للسرقات كلها، وإذا لم يقع القطع لها م: (فبقيت أموالهم معصومة) ش: والمال المعصوم مضمون لا محالة. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الواجب بالكل) ش: أي بكل السرقات م: (قطع واحد حقاً لله تعالى) ش: وكل ما كان كذلك يتدخل م: (لأن مبنى الحدود على التداخل والخصومة شرط ظهور عند القاضي) ش: قد وجد ذلك أيضاً بالنسبة إلى الجمع. قال تاج الشريعة: والشروط تراعى وجودها قصداً، ولهذا يصح الاعتكاف بصوم رمضان، والصلاة بالوضوء لدخول المسجد. م: (أما الوجوب) ش: أي وجوب القطع م: (بالجناية) ش: جزاء لها م: (فإذا استوفى) ش: يعني ذلك القطع الواحد م: (فالمستوفى كل الواجب، ألا ترى أنه يرجع نفعه) ش: وهو الانزجار م: (إلى الكل) ش: فيقطع عن الكل. فإن قيل: الحكم الثابت هاهنا لا يرد على الثابت والقطع يتضمن البراءة عن ضمان المسروق، ولو أبرأه الواحد عن ضمان الكل نصاً لم يبرأ، فكيف يبرأ إذا ثبت ضمناً؟. أجيب: بأنه كم من شيء ثبت ضمناً ولا يثبت قصداً كبيع الشرب ووقف النقول، ثم هاهنا لما وقع القطع في حق الكل بالإجماع تبعه ما هو ثابت في ضمنه وهو سقوط الضمان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 74 وعلى هذا الخلاف إذا كانت النصب كلها لواحد فخاصم في البعض.   [البناية] فإن قيل: الخصومة شرط ليصير الخصم باذلاً للمال، إذ لا يصح البدل من واحد عن الكل. قلنا: بذل المال لسقوط عصمته أمر شرعي يثبت بناء على استيفاء القطع لا باختيار العبد، ألا ترى أنه مستوفى بخصومة من يملك البذل، ومن لا يملك، كالأب والوصي. م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (إذا كانت النصب) ش: بضم النون والصاد جمع نصاب م: (كلها لواحد فخاصم في البعض) ش: أي في بعض النصب، يعني لو سرق السارق النصب من شخص واحد مراراً فخاصم في البعض فقطع لأجل ذلك، فعند أبي حنيفة لا يضمن النصب الباقي. وعند أبي يوسف ومحمد يضمن فافهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 75 باب ما يحدث السارق في السرقة ومن سرق ثوبا فشقه في الدار نصفين ثم أخرجه وهو يساوي عشرة دراهم قطع. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقطع، لأن له فيه سبب الملك وهو الخرق الفاحش، فإنه يوجب القيمة وتملك المضمون، فصار كالمشتري إذا سرق مبيعا فيه خيار للبائع. ولهما أن الأخذ وضع سببا للضمان لا للملك، وإنما الملك يثبت ضرورة أداء الضمان كيلا يجتمع البدلان في ملك واحد، ومثله لا يورث الشبهة.   [البناية] [باب ما يحدث السارق في السرقة] م: (باب ما يحدث السارق في السرقة) ش: أي هذا باب في بيان حكم ما يحدثه السارق في العين التي يسرقها، ويحدث بضم الياء من الإحداث. م: (ومن سرق ثوباً فشقه في الدار نصفين ثم أخرجه وهو يساوي عشرة دراهم قطع) ش: قيد بقوله في الدار، لأنه لو شقه خارج الدار يقطع بالإجماع، سواء بلغت قيمته نصاباً أو لا. ولا خلاف فيه للأئمة الثلاثة. وكذا لو بلغت قيمته نصاباً بعد الشق في البيت. وقيد بقوله وهو يساوي، أي الثوب يساوي عشرة بعد الشق؛ لأنه لو لم يساوي عشرة بعد الشق لا يجب القطع بالاتفاق. م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقطع، لأنه له فيه سبب الملك وهو الخرق الفاحش) ش: وهذا الخرق طولاً فإنه خرق فاحش م: (فإنه) ش: أي فإن الخرق الفاحش م: (يوجب القيمة وتملك المضمون) . ش: ولهذا قلنا: المالك بعد الشق بالخيار إن شاء ملك الثوب بالضمان لانعقاد سبب الملك؛ لأنه لو لم ينعقد لما وجب التمليك بكسر من السارق م: (فصار) ش: أي حكم هذا م: (كالمشتري) ش: بكسر الراء م: (إذا سرق مبيعاً فيه خيار للبائع) ش: ثم فسخ البائع فإنه لا يقطع هناك فكذلك هنا. والجامع بينهما أن السرقة فيه تمت على عين غير مملوكة للسارق، ولكن ورد عليه سبب الملك. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أن الأخذ) ش: أي هذا الأخذ م: (وضع سبباً للضمان لا للملك) ش: يعني لا نسلم أن له فيه سبب الملك؛ لأن الأخذ المعروف ليس بموضع له، وإنما هو موضوع سبباً للضمان، فكان له سبب الضمان، لا أنه سبب الملك م: (وإنما الملك يثبت ضرورة أداء الضمان كيلا يجتمع البدلان في ملك واحد) ش: وهما البدل والمبدل. م: (ومثله) ش: أي ومثل هذا الأخذ الذي هو سبب للضمان م: (لا يورث الشبهة) ش: لأنه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 76 كنفس الأخذ، وكما إذا سرق البائع معيبا باعه، بخلاف ما ذكر، لأن البيع موضوع لإفادة الملك، وهذا الخلاف فيما إذا اختار تضمين النقصان وأخذ الثوب. فإن اختار تضمين القيمة وترك الثوب عليه لا يقطع بالاتفاق، لأنه ملكه مستندا إلى وقت الأخذ، فصار كما إذا ملكه بالهبة فأورث شبهة، وهذا كله إذا كان النقصان فاحشا، فإن كان يسيرا يقطع بالاتفاق لانعدام سبب الملك، إذ ليس له اختيار تضمين كل القيمة، وإن سرق شاة فذبحها   [البناية] ليس بموضوع للملك م: (كنفس الأخذ) ش: فإنه يحتمل أن يصير سبباً بعد الضمان، ومع هذا فلم يعتبر شبهة. م: (وكما إذا سرق البائع معيباً باعه) ش: ولم يعلم المشتري بالعيب، فإنه يقطع وأن العقد سبب الرد وهو العيب، فكذلك هاهنا يقطع وأن القطع سبب الضمان وهو الشق م: (بخلاف ما ذكر) ش: أبو يوسف، وهو قوله كالمشتري إذا سرق بيعاً فيه الخيار للبائع؛ لأن سبب الملك فيه موجود م: (لأن البيع موضوع لإفادة الملك، وهذا الخلاف) ش: أي الذي بين أبي يوسف وصاحبيه م: (فيما إذا اختار) ش: أي الملك م: (تضمين النقصان وأخذ الثوب) ش: لا يقال الأصل عندكم أن القطع والنقصان لا يجتمعان. فإذا اختار تضمن النقصان كيف يمكن من القطع، لأن القول بضمان النقصان يكون بجناية آخر قبل الاحتياج، وهي ما فات من العين، والقطع بإخراج الباقي كما لو أخذ ثوبين فأحرق أحدهما في البيت وأخرج الأخرى، قيمة أحدهما نصاب. وأورده على هذا الجواب الاستهلاك على ظاهر الرواية، فإنه فعل غير السرقة مع أنه لا يجب الضمان. ومن هذا ذهب بعضهم إلى أنه إن اختار القطع لا يضمن النقصان. والجواب أن القطع الباقي بعد الحرق وليس فيه ضمان بخلاف المستهلك، فإن القطع كان لأجله لا شيء آخر. م: (فإن اختار تضمين القيمة وترك الثوب عليه لا يقطع بالاتفاق؛ لأنه ملكه مستنداً إلى وقت الأخذ، فصار كما إذا ملكه بالهبة) ش: فإنه إذا وهب له بعد تمام السرقة يسقط القطع، فلأن لا يجب إذا ملكه قبل تمام السرقة أولى م: (فأورث شبهة) ش: وهي دارئة الحد م: (وهذا كله) ش: أي هذا الخلاف مع هذه التفصيلات م: (إذا كان النقصان فاحشاً) ش: والفاحش ما يفوت به بعض العين وبعض المنفعة وهو الصحيح. وقال التمرتاشي: روي في حد الإتلاف فإنه لا يكون النقصان أكثر من نصف القيمة، وقبل النقصان الفاحش أن ينقص بالخرق ربع القيمة فصاعداً وما دونه يسير. وقيل ما لا يصح الباقي للثوب فهو فاحش والصلح يسير. م: (فإن كان) ش: أي النقصان م: (يسيراً يقطع بالاتفاق؛ لانعدام سبب الملك إذ ليس له اختيار تضمين كل القيمة) ش: بل له تضمين قيمة النقصان. م: (وإن سرق شاة فذبحها) ش: في الحرز الجزء: 7 ¦ الصفحة: 77 ثم أخرجها لم يقطع؛ لأن السرقة تمت على اللحم، ولا قطع فيه. ومن سرق ذهبا أو فضة يجب فيه القطع فصنعه دراهم أو دنانير قطع فيه، ويرد الدراهم والدنانير إلى المسروق منه، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا سبيل إلى المسروق منه عليهما، وأصله في الغصب، فهذه صنعة متقومة عندهما خلافا له، ثم وجوب الحد لا يشكل على قوله؛ لأنه لم يملكه، وقيل على قولهما لا يجب، لأنه ملكه قبل القطع، ولأنه صار بالصنعة شيئا آخر فلم يملك عينه، فإن سرق ثوبا فصبغه أحمر قطع ولم يؤخذ منه الثوب ولم يضمن، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يؤخذ منه الثوب ويعطى ما زاد الصبغ فيه اعتبارا بالغصب، والجامع بينهما كون الثوب أصلا قائما وكون الصبغ تابعا.   [البناية] م: (ثم أخرجها لم يقطع) ش: وإن كانت قيمة المذبوحة عشرة دراهم م: (لأن السرقة تمت على اللحم، ولا قطع فيه) ش: أي في اللحم. [سرق ذهباً أو فضة فصنعه دراهم ودنانير] م: (ومن سرق ذهباً أو فضة يجب فيه القطع) ش: وهو صفة للذهب والفضة؛ لأنها جملة فعلية وقعت صفة للنكرة. وجواب المسألة هو قوله: قطع فيه، أي ما بلغ قيمة عشرة دراهم م: (فصنعه دراهم أو دنانير قطع فيه، ويرد الدراهم والدنانير إلى المسروق منه، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي القطع عنده، وبه قالت الأئمة الثلاثة. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (لا سبيل إلى المسروق منه عليهما) ش: أي على الدراهم والدنانير، وفي نسخة شيخي عليها وهو الأحسن م: (وأصله) ش: أي أصل الخلاف م: (في الغصب) ش: أي هذه الصفة لا ينقطع بها حق المالك عنده في الغصب خلافاً لهما، فكذا في السرقة م: (فهذه صنعة متقومة عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (خلافاً له) ش: أي لأبي حنيفة م: (ثم وجوب الحد لا يشكل على قوله؛ لأنه) ش: لأن السارق م: (لم يملكه) ش: أي المسروق م: (وقيل: على قولهما لا يجب، لأنه ملكه قبل القطع، ولأنه صار بالصنعة شيئاً آخر فلم يملك عينه) ش: أي عين المسروق. وفي بعض النسخ عينهما، أي عين الذهب والفضة، وإنما ملك شيئاً غيرهما، فإن الأعين تتبدل بالصفات، أصله حديث. [قطع ولم يؤخذ منه الثوب ولم يضمن] م: (وإن سرق ثوباً فصبغه أحمر قطع ولم يؤخذ منه الثوب ولم يضمن) ش: أي قيمة الثوب. م: (وهذا) ش: أي عدم أخذ الثوب وعدم الضمان م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يؤخذ منه الثوب ويعطى) ش: أي السارق م: (ما زاد الصبغ فيه) ش: أي في الثوب م: (اعتباراً بالغصب) ش: أي قياساً عليه م: (والجامع بينهما) ش: المقيس والمقيس عليه م: (كون الثوب أصلاً قائماً وكون الصبغ تابعاً) ش: وبه قالت الثلاثة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 78 ولهما أن الصبغ قائم صورة ومعنى، حتى لو أراد أخذه مصبوغا يضمن ما زاد الصبغ فيه، وحق المالك في الثوب قائم صورة لا معنى؛ لأنه غير مضمون على السارق بالهلاك والاستهلاك، فرجحنا جانب السارق، بخلاف الغصب؛ لأن حق كل واحد قائم صورة ومعنى فاستويا من هذا الوجه، فرجحنا جانب المالك لما ذكرنا، ولو صبغه أسود أخذ منه في المذهبين، يعني عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله-. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا والأول سواء، لأن السواد زيادة عنده كالحمرة. وعند محمد زيادة أيضا كالحمرة ولكنه لا يقطع حق المالك لما مر، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - السواد نقصان فلا يوجد انقطاع حق المالك.   [البناية] م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن الصبغ قائم صورة ومعنى) ش: أما صورة فظاهر. وأما معنى فمن حيث القيمة م: (حتى لو أراد) ش: أي المالك م: (أخذه) ش: أي أخذ الثوب حال كونه م: (مصبوغاً يضمن ما زاد الصبغ فيه، وحق المالك في الثوب قائم صورة لا معنى؛ لأنه غير مضمون على السارق بالهلاك والاستهلاك، فرجحنا جانب السارق) ش: لأن مراعاة ما هو قائم صورة ومعنى أولى من مراعاة ما هو قائم صورة لا معنى، فرجحنا قول السارق أولاً بالوجود، كالموهوب له إذا صبغ الثوب أحمر القطع حق الواهب. م: (بخلاف الغصب؛ لأن حق كل واحد) ش: من المالك والغاصب م: (قائم صورة ومعنى فاستويا) ش: أي فاستويا المالك والغاصب م: (من هذا الوجه) ش: أي من حيث إن حق كل منهما قائم صورة ومعنى فلم يكن الترجيح بالوجود، فرجحنا بالبقاء وهو أن الثوب أصل قائم والصبغ تابع وهو معنى قوله: فلم يكن الترجيح بالوجود م: (فرجحنا جانب المالك لما ذكرنا) ش: إشارة إلى قوله والجامع كون الثوب أصلاً قائماً، وكون الصبغ تابعاً. م: (ولو صبغه أسود) ش: أي ولو صبغ السارق الثوب صبغاً أسود فقطع م: (أخذ) ش: أي الثوب م: (منه) ش: أي من السارق م: (في المذهبين، يعني عند أبي حنيفة، ومحمد - رحمهما الله-، وعند أبي يوسف هذا والأول سواء) ش: أي أن الحكم في الصبغ الأسود والأحمر سواء عنده م: (لأن السواد زيادة عنده كالحمرة) ش: فلا يؤخذ هذا الثوب من السارق م: (وعند محمد زيادة أيضاً كالحمرة، ولكنه لا يقطع حق المالك لما مر) ش: أن الصبغ تابع م: (وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - السواد نقصان فلا يوجب انقطاع حق المالك) ش: فلم يكن حق السارق فيه قائماً معنى فاستويا، فرجح جانب المالك كما قلنا. قال في المختلف: وهذا اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان، فإن الناس ما كانوا يلبسون السواد في زمنه ويلبسون في زمنهما. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 79 باب قطع الطريق وإذا خرج جماعة ممتنعين   [البناية] [باب قطع الطريق] م: (باب قطع الطريق) ش: أي هذا باب في بيان حكم قطع الطريق وقدم السرقة الصغرى على الكبرى؛ لأن السرقة تكون من الأصغر إلى الأكبر؛ ولأن الصغرى أكثر نوعاً من الأكبر يكون قطع سرقة، فلأن قطع الطريق بأخذ المال خفية من عين الإمام الذي على حفظ الطريق والمارة بشركته ومنعه، وأما كونه الكبرى فلأن ضرره يعم عامة المسلمين من حيث يقطع عليهم الطريق بزوال الأمن، ولأن موجبه أغلظ من حيث اليد والرجل من خلاف، ومن حيث القتل والصلب. وأعلم أن لقطع الطريق شرائط: الأول: أن يكون لهم شوكة وقوة بحيث لا يمكن للمارة المقاومة معهم وقطعوا الطريق، سواء كانت بالسلاح أو بالعصا الكبيرة أو الحجر وغيرها. الثاني: أن يكون خارج المصر بعيداً عنه، وفي " شرح الطحاوي ": أن يكون بينهم وبين المصر مسيرة سفر. وعن أبي يوسف: لو كان أقل من سفر فحكمه حكم مسيرة سفر، أما في المصر أو في قرية أو بين قريتين لا يكون قطع الطريق خلافاً لأبي يوسف والشافعي ومالك. وأحمد توقف في ذلك. وفي " الحلة " عن مالك في المصر روايتان. والثالث: أن يكون في دار الإسلام. والرابع: أن يكون المأخوذ قدر النصاب، وبه قال الشافعي وأحمد. وقال مالك وأبو ثور وابن المنذر: لا يعتبر النصاب لعموم الآية. ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا قطع في أقل من عشرة دراهم أو ربع دينا» ولم يفصل. والخامس: أن يكون القطاع كلهم أجانب في حق أصحاب الأموال حتى إذا كان فيهم ذو رحم محرم أو صبي أو مجنون لا يجب عليهم القطع خلافاً لأبي يوسف. والثالثة إذا كانت فيهم امرأة ففيه روايتان في رواية يقطع، وبه قالت الثلاثة والأصح أنها لا قطع. والسادس: من إذا أخذوا قبل التوبة، حتى إذا أخذوا بعد التوبة ورد المال سقط عنهم الحد لا خلاف فيه، ولكن يسقط القصاص وضمان المال القائم والهالك. م: (وإذا خرج جماعة) ش: هذا لفظ القدوري إلى قوله: قتلهم حداً، وأطلق اسم الجماعة لتناول المسلم والذمي والحر والعبد، وقوله م: (ممتنعين) ش: نصب على الحال من الجماعة، والمعنى خرجوا عن طاعة الإمام حال كونهم ممتنعين، والمراد من الامتناع أن يكون لا بحيث يمكن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 80 أو خرج واحد يقدر على الامتناع فقصدوا قطع الطريق فأخذوا قبل أن يأخذوا مالا ويقتلوا نفسا حبسهم الإمام حتى يحدثوا توبة. وإن أخذوا مال مسلم أو ذمي والمأخوذ إذا قسم على جماعتهم أصاب كل واحد منهم عشرة دراهم فصاعدا أو ما تبلغ قيمة ذلك قطع الإمام أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلهم الإمام حدا، والأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {إنّما جزاء الّذين يحاربون الله ورسوله} [المائدة: 33] (المائدة: الآية 33) ، والمراد منه والله أعلم التوزيع على الأحوال   [البناية] لهم أن يدفعوا عن أنفسهم بقوتهم وشجاعتهم تعرض العين م: (أو خرج واحد يقدر على الامتناع) ش: بنفسه وقوله م: (فقصدوا قطع الطريق) ش: على المارة والمسافرين م: (فأخذوا) ش: على صيغة المجهول، يعني أخذهم الإمام م: (قبل أن يأخذوا) ش: أي قطاع الطريق م: (مالاً ويقتلوا نفساً) ش: أي وقبل أن يقتلوا نفساً من المارة م: (حبسهم الإمام) ش: جواب قوله: وإذا خرج، وهذه حالتهم الأولى، فإن فيها حبسهم الإمام م: (حتى يحدثوا توبة) ش: وهو المراد بالنفي المذكور في قوله: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33] (المائدة: الآية 33) ، وهو قوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] ... الآية، على ما يجيء عن قريب إن شاء الله تعالى. م: (وإن أخذوا مال مسلم) ش: هذه حالتهم الثانية م: (أو ذمي) ش: أي أو مال ذمي م: (والمأخوذ إذا قسم على جماعتهم أصاب كل واحد منهم عشرة دراهم فصاعداً) ش: أي أكثر من عشرة، وانتصابه على الحال فيهم من لم يدل على الإعراب م: (أو ما تبلغ قيمة ذلك) ش: أي أو أخذوا شيئاً من المتاع يبلغ قيمته عشرة دراهم. وقال الحسن بن زياد: عشرون؛ لأنه يقطع من قاطع الطريق طرفان فيشترط النصاب بأن م: (قطع الإمام) ش: جواب قوله: وإن أخذوا مال مسلم م: (أيديهم وأرجلهم من خلاف) ش: يقطع اليمين من الأيدي واليسار من الأرجل. م: (وإن قتلوا) ش: هذه حالتهم الثالثة م: (ولم يأخذوا مالاً قتلهم الإمام حداً) ش: أي قتلهم الإمام من حيث الحد لا قصاصاً، حتى لو عفى الأولياء عنهم لم يلتفت إلى عفوهم، وذلك؛ لأن الحد حق الله تعالى. ولو آثر العفو العبد في حقه تعالى وليس للإمام أيضاً أن يعفو بما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تعافوا الحدود فيما بينكم. فإذا رفعت إلى الإمام فلا عفى الله عنه إن عفى» . ذكر الأترازي هذا الحديث ولم ينسبه إلى أحد من الصحابة ولا إلى مخرج معتبر. [قطع ولم يؤخذ منه الثوب ولم يضمن] م: (والأصل فيه) ش: أي في قطع ولم يؤخذ منه الثوب ولم يضمن (قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] الآية (المائدة: الآية 33) ش: أي إلى آخر الآية م: (والمراد منه - والله أعلم - التوزيع) ش: أي من قول الله تعالى لهذا التوزيع م: (على الأحوال) ش: أي التقسيم على أحوال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 81 وهي أربعة هذه الثلاثة المذكورة، والرابعة نذكرها.   [البناية] المحاربين. وأشار هذا إلى أن كلمة أو في الأئمة للتفصيل أو للتقسيم على اختلاف الجناية لا للتخيير كما قال مالك، فإنه قال الإمام: إذا رأى القاطع جلد إذا رأى قطعه، وإن كان جلد إذا رأى له قطعه، والأكثر على أن أو للتوزيع، وبه قال الشافعي والليث وإسحاق وحماد وقتادة وأبو مجلز لاحق بن حميد وأصحاب أحمد، ومثل هذا روي عن ابن عباس. وقال سعيد بن المسيب وعطاء ومجاهد والحسن البصري والضحاك وإبراهيم النخعي وأبو ثور وداود: الإمام مخير فيه لظاهر النص. وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ما كان في القرآن أو فصاحبه بالخيار، وقوله: يحاربون الله، والمراد من محاربة الله محاربة أوليائه وهم المؤمنين على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أو لما كانوا مخالفين أمر الله تعالى ساعين في الأرض بالفساد وكأنهم محاربين الله تعالى، فأطلق اسم المحاربة لله تعالى اتباعاً، وقد ذكرنا أن هذه الآية نزلت في قطاع الطريق. وقيل نزلت في العرنيين ولم يصح؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمل أعينهم وليس في هؤلاء ذلك. وقيل: في المرتدين فلم يصح أيضاً، لأن الآية ناطقة بالقتل عند المحاربة والسعي في الأرض بالفساد، وليس شرط ذلك في المرتد، ولأن القتل سقط عنهم بالنص بالتوبة قبل القدرة عليهم، ويسقط عن المرتد بالتوبة مطلقاً. [أحوال الحرابة] م: (وهي) ش: أي الأحوال م: (أربعة هذه الثلاثة المذكورة) ش: وعلمت من قبل م: (والرابعة) ش: أي حالة رابعة م: (نذكرها) ش: أي عن أبي يوسف، وهو قوله والرابعة إذا قتلوا ... إلى آخره. والأحوال أربعة والأجزية كذلك. وكذا هذا في " الكافي ". وذكر التمرتاشي والأحوال خمس تخويف لا غير، وهنا عن رد أدنى التقرير وحبسوا حتى يتوبوا. والثانية: أخذ المال فهنا إذا تابوا قبل الأخذ سقط الحد وضمن المال قائماً هالكاً. ولو أخذوا قبل التوبة قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وردوا المال قائما ولم يضمن الهالك عندنا، خلافاً للثلاثة. والثالث: خرجوا لا غير، وفيه القصاص فيما يجرى فيه القصاص، والأمر شيء فيما لا يجري. والاستيفاء إلى صاحب الحق. والرابعة: أخذوا المال وخرجوا بقطع من خلاف وبطل حكم الجراحات عندنا خلافاً للأئمة الثلاثة. والخامسة: أخذوا المال وقتلوا أو قتل أحد منهم رجلاً بسلاح أو غيره، والإمام مخير على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 82 ولأن الجنايات تتفاوت على الأحوال، فاللائق تغلظ الحكم بتغلظها، أما الحبس في الأولى فلأنه هو المراد بالنفي المذكور؛ لأنه نفي عن وجه الأرض بدفع شرهم عن أهلها ويعزرون أيضا لمباشرتهم منكر لإخافة، وشرط القدرة على الامتناع، لأن المحاربة لا تتحقق إلا بالمنعة. والحالة الثانية كما بيناها   [البناية] ما ذكره في المتن. م: (ولأن الجنايات تتفاوت على الأحوال) ش: أي على حسب الأحوال الواقعة في قطع الطريق م: (فاللائق تغلظ الحكم) ش: أي الجزاء م: (بتغلظها) ش: أي بتغلظ الجناية لا بالتخيير؛ لأنه مستلزم مقابلة الجناية الغليظة جزاء خفيف أو بالعكس، وهو خلاف مقتضى الحكمة. م: (أما الحبس في الأولى) ش: أي في الحالة الأولى م: (فلأنه) ش: أي فلأن الحبس م: (هو المراد بالنفي المذكور؛ لأنه) ش: أي لأن الحبس م: (نفي عن وجه الأرض بدفع شرهم عن أهلها) ش: وعند الشافعي ينفى من بلد إلى بلد لا يزال يطلب، وهو هارب فزعاً. وقال النخعي وقتادة وعطاء وأحمد: النفي تشريدهم عن الأمصار؛ لأن النفي مستعمل في الطرد والإبعاد. ويروى نحو هذا عن الحسن والزهري. وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه ينفى من بلده إلى بلد غيره، وبه قالت طائفة من أهل العلم، وما قلناه أولى، لأن تشريدهم بدون الحبس إخراج لهم إلى مكان يقطعون الطريق ويؤذون الناس. وظاهر الآية تدل على أن النفي من وجه الأرض، ولا يمكن أن ينفى من جميع وجه الأرض؛ لأن ذا لا يتحقق ما دام حياً. والمراد عن بعضها وهو بلده، وبه لا يحصل المقصود، وهو رفع أذاه عن الناس وإن كان في دار الإسلام إلى دار الحرب ففيه تعريضه على الردة وصيرورته حربياً، فعلم أن المراد نفيه عن جميع وجه الأرض لدفع شره، ولا يمكن هذا إلا بالحبس، لأن المحبوس يسمى خارجاً من الدنيا. وقال صالح بن عبد القدوس: خرجنا عن الدنيا ونحن من أهلنا ... فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى إذا دخل السجان يوماً لحاجة ... عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا م: (ويعزرون أيضاً لمباشرتهم منكر الإخافة) ش: الإخافة مصدر من أخاف يخيف إخافة، وقال أبو بكر لا حد فيه، فيجب في مثله الحبس والتعزير. م: (وشرط القدرة على الامتناع) ش: أي شرط القدوري قدرة قطاع الطريق على كونهم ممتنعين م: (لأن المحاربة لا تتحقق إلا بالمنعة) ش: لأنه إذا لم يكن لهم منفعة وقوة على قطع الطريق لا يسمون قطاع الطريق، بل لهم لصوص دائرون يترقبون الغفلة عن الناس ليأخذوا أشياء. م: (والحالة الثانية كما بيناها) ش: أي كما بينا حكماً من قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف م: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 83 لما تلوناه، وشرط أن يكون المأخوذ مال مسلم أو ذمي لتكون العصمة مؤبدة، ولهذا لو قطع الطريق على المستأمن لا يجب القطع، وشرط كمال النصاب في حق كل واحد كيلا يستباح طرقه إلا بتناوله ما له خطر، والمراد قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى كيلا يؤدي إلى تفويت جنس المنفعة. والحالة الثالثة كما بيناها لما تلوناه، ويقتلون حدا، حتى لو عفى الأولياء عنهم لا يلتفت إلى عفوهم؛ لأنه حق الشرع.   [البناية] (لما تلوناه) ش: وهي الآية المذكورة م: (وشرط) ش: أي القدوري م: (أن يكون المأخوذ مال مسلم أو ذمي لتكون العصمة مؤبدة) ش: وليس تأبيد العصمة إلا في مال المسلم أو الذمي. م: (ولهذا) ش: أي ويكون الشرط في المال المأخوذ أن يكون من المسلم أو الذمي م: (لو قطع الطريق على المستأمن لا يجب القطع) ش: لأن ماله غير معصوم على وجه التأبيد م: (وشرط) ش: أي القدوري م: (كمال النصاب في حق كل واحد) ش: وبه قال الشافعي وأحمد. وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يشترط النصاب كما لا يشترط الحرز، وبه قال ابن المنذر وأبو ثور. وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول كقول مالك. وفي " شرح الوجيز " والمذهب هو الأول م: (كيلا يستباح طرقه) ش: أي طرق قاطع الطريق م: (إلا بتناوله ماله خطر) ش: أي قدروا قيمته. م: (والمراد) ش: أي من قَوْله تَعَالَى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} [المائدة: 33] (المائدة: الآية 33) م: (قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى) ش: ولا خلاف لأهل العلم فيه، ولأن هذه الجناية لفاحشتها صارت كالسرقتين، والحكم في السرقتين هكذا. فإن قيل ينبغي أن يكون نصاب كل واحد عشرين، لأنه كالسرقتين. قلنا تغليظ هذا الحد باعتبار تغلظ فعلهم محاربة الله ورسوله لا بكثرة المال. م: (كيلا يؤدي إلى تفويت جنس المنفعة) ش: ولهذا إذا كانت يده اليمنى شلاء أو مقطوعة لا تقطع يده اليسرى؛ لأن فيه تفويت جنس المنفعة، وبه قال أحمد في رواية. وقال الشافعي في اليد الشل في قطعها روايتان كما في السارق، ولو كانت يده اليمنى مقطوعة قطعت رجله اليسرى، ولو كانت يداه صحيحتين ورجله اليسرى مقطوعة قطعت يده اليمنى فقط، ولا خلاف فيه. م: (والحالة الثالثة كما بيناها) ش: بقوله وإن قتلوا ولم يأخذوا مالاً م: (لما تلوناه) ش: من الآية الكريمة م: (ويقتلون حداً) ش: العين في هذه الحالة يقتل قطاع الطريق من حيث الحد م: (حتى لو عفى الأولياء عنهم لا يلتفت إلى عفوهم؛ لأنه حق الشرع) ش: أي لأن الحد حق الشرع فلا يدخل عفو، وعليه جميع أهل العلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 84 والرابعة إذا قتلوا وأخذوا المال فالإمام بالخيار إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وقتلهم وصلبهم وإن شاء قتلهم وإن شاء صلبهم، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقتل ويصلب ولا يقطع، لأنه جناية واحدة فلا توجب حدين، ولأن ما دون النفس يدخل في النفس في باب الحد كحد السرقة والرجم. ولهما أن هذه عقوبة واحدة تغلظت لتغلظ سببها، وهو تفويت الأمن على التناهي بالقتل وأخذ المال، ولهذا كان قطع اليد والرجل معا في الكبرى حدا واحدا، وإن كانا في الصغرى حدين، والتداخل في الحدود لا في حد واحد. ثم ذكر في الكتاب التخيير بين الصلب وتركه   [البناية] م: (والرابعة) ش: أي الحالة الرابعة م: (إذا قتلوا وأخذوا المال فالإمام بالخيار إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم وصلبهم وإن شاء قتلهم) ش: يعني من غير قطع، وإن شاء صلبهم. وفي " جامع البزدوي " إن شاء صلبهم وإن شاء قتلهم من غير قطع م: (وإن شاء صلبهم) ش: وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وبه قال أحمد في رواية، وهو قول زفر. وقال أبو يوسف: لا بد من الصلب. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقتل أو يصلب ولا يقطع، لأنه) ش: أي لأن قطع الطريق م: (جناية واحدة) ش: وهي قطع الطريق م: (فلا توجب حدين، ولأن ما دون النفس يدخل في النفس في باب الحد كحد السرقة والرجم) ش: فإن السارق إذا زنى وهو محصن فإنه يرجم لا غير، لأن القتل يأتي على ذلك كله، وفي عامة الرواية من المباسط وشروح الجامع أبو يوسف مع محمد. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة، وأبي يوسف م: (أن هذه عقوبة واحدة) ش: من حيث إنها قطع الطريق لكنها م: (تغلظت لتغلظ سببها وهو تفويت الأمن على التناهي) ش: أي على النهاية م: (بالقتل، وأخذ المال، ولهذا) ش: أي لكونها عقوبة واحدة م: (كان قطع اليد والرجل معاً في الكبرى) ش: أي في السرقة الكبرى، وهي قطع الطريق م: (حداً واحداً وإن كانا في الصغرى حدين، والتداخل في الحدود) ش: إنما يكون في الحدود م: (لا في حد واحد) ش: وهو القطع والقتل حد واحد فلا يتداخلان. فإن قلت: لو كانا حداً واحداً لم يجز للقاضي أن يقتصر على القتل. قلت: إنما جاز ذلك لأن الترتيب ليس بواجب على ما بين القطع والقتل، فإذا ابتدأ بالقتل سقط القطع لعدم فائدته كالزاني إذا ضرب خمسين جلدة فمات ترك ما بقي، لأنه لا فائدة في إتمامه. [التخيير بين الصلب وتركه في الحرابة] م: (ثم ذكر) ش: أي القدوري م: (في الكتاب) ش: أي في مختصره م: (التخيير بين الصلب وتركه) ش: وهو قوله: وإن شاء قتلهم، وإن شاء صلبهم وهو ظاهر الرواية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 85 وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يتركه؛ لأنه منصوص عليه، والمقصود التشهير ليعتبر به غيره. ونحن نقول: أصل التشهير بالقتل والمبالغة في الصلب فيتخير فيه، ثم قال: ويصلب حيا ويبعج بطنه ويطعن حتى يموت، ومثله عن الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعن الطحاوي، - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقتل ثم يصلب توقيا عن المثلة. وجه الأول وهو الأصح أن الصلب على هذا الوجه أبلغ في الردع وهو المقصود به. ولا يصلب أكثر من ثلاثة أيام، لأنه يتغير بعدها فيتأذى الناس به، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يترك على خشبة حتى يتقطع   [البناية] م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي الإمام م: (لا يتركه) ش: أي لا يترك الصلب م: (لأنه) ش: أي لأن الصلب م: (منصوص عليه) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: 33] (المائدة: الآية 33) م: (والمقصود التشهير ليعتبر به غيره) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله. م: (ونحن نقول أصل التشهير بالقتل) ش: أي يحصل بالقتل م: (والمبالغة في الصلب فيتخير فيه) ش: أي فيتخير الإمام في الصلب م: (ثم قال) ش: أي القدوري م: (ويصلب حياً) ش: أي يصلب قاطع الطريق حال كونه حياً م: (ويبعج بطنه) ش: أي تشق من باب فعل يفعل بالفتح فيهما، يقال بعج الأرض شقها، ومنها قول القدوري. حكى السرخسي عن أبي يوسف: وروي عن أبي يوسف أنه قال يصلبه وهو حي م: (ويطعن) ش: في لبته م: (حتى يموت) ش: ومرة قال تحت ثديه الأيسر ويخضخض حتى يموت. كذا ذكره أبو الليث في " شرح الجامع الصغير " برمح متعلق بقوله: ويبعج وتلازم المجمع إلى أن يموت م: (ومثله عن الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي ومثل ما روي عن أبي يوسف وروي عن الشيخ أبي الحسن الكرخي. م: (وعن الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقتل ثم يصلب توقياً عن المثلة) ش: أي احترازاً عنها، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن المثلة» وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله-. م: (وجه الأول) ش: أراد به يصلب حياً م: (وهو الأصح) ش: أي الأول هو الأصح م: (أن الصلب على هذا الوجه أبلغ في الردع) ش: أي الزجر به م: (وهو المقصود به) ش: أي بالصلب م: (ولا يصلب أكثر من ثلاثة أيام، لأنه يتغير بعدها) ش: أي بعد ثلاثة أيام م: (فيتأذى الناس به) ش: وبه قال الشافعي في الأصح. وعن أحمد أنه لم يوقت في الصلب، وقال أصحابه: الصحيح أنه يوقت بما يحصل به التشهير، والتوقيت بثلاثة أيام بغير دليل ذكره ابن قدامة في المغنى وليس كذلك، فإن التشهير لا يحصل بالزمان القليل عادة، فمرة بالثلاث كما في مدة الخيار ومهلة المزبة وغيرهما. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي أن المصلوب م: (يترك على خشبة حتى يتقطع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 86 ويسقط ليعتبر به غيره. قلنا حصل الاعتبار بما ذكرناه، والنهاية غير مطلوبة. قال وإذا قتل القاطع فلا ضمان عليه في مال أخذه اعتبارا بالسرقة الصغرى، وقد بيناه. فإن باشر القتل أحدهم أجرى الحد عليهم بأجمعهم؛ لأنه جزاء المحاربة، وهي تتحقق بأن يكون البعض ردءا للبعض، حتى إذا زلت أقدامهم انحازوا إليهم، وإنما الشرط القتل من واحد منهم والقتل إن كان بعصا أو بحجر أو بسيف فهو سواء، لأنه يقطع قطعا للطريق بقتل المارة   [البناية] ويسقط ليعتبر به غيره) ش: وبه قال الشافعي في وجه م: (قلنا حصل الاعتبار بما ذكرناه) ش: أي بالصلب ثلاثة أيام م: (والنهاية غير مطلوبة) ش: لأن المقصود نفي الزجر م: (قال: وإذا قتل القاطع فلا ضمان عليه في مال أخذه اعتباراً بالسرقة الصغرى) ش: لأن الحد لما أقيم سقط عصمة المال كما في السرقة م: (وقد بيناه) ش: أي الضمان مع الخلاف في السرقة الصغرى. م: (فإن باشر القتل أحدهم) ش: أي أحد قطاع الطريق م: (أجرى الحد عليهم بأجمعهم) ش: وبه قال مالك وأحمد. وقال الشافعي: يحد المباشر لا الردء، ولأنه جرى الفصل كحد الزنا فلا يجب على غير المباشر. قلنا: يجب على الكل م: (لأنه جزاء المحاربة، وهي تتحقق بأن يكون البعض ردءاً) ش: أي عوناً م: (للبعض، حتى إذا زلت أقدامهم انحازوا إليهم) ش: أي انضموا إليهم، ولم ترد الشراح هنا شيئاً على قولهم انضموا إليهم. فقوله: إذا زلت أقدامهم كناية عن أقدامهم، والضمير فيه وفي قوله إليهم راجع إلى المحاربين الذين يباشرون القتال، يدل عليه قوله جزاء المحاربة. والضمير في قوله انحازوا يرجع إلى الردء، لأن الردء يستوي فيه الواحد والجمع. وحاصل المعنى إذ إن أمر المحاربين إلى - الإنزام سمار الردء إليهم معسونهم وسفرونهم؟ - فكذلك يشركون مع الغانمين في الغنيمة. م: (وإنما الشرط القتل من واحد منهم) ش: لأن تمكنه من القتل حصل بالكل فيقتلون جميعاً، ولفظ الأصل ومن باشر ولم يباشر في الحكم سواء، وذلك لأن تمكين القتل حصل باليد، والقتل حد قطاع الطريق إذا وجد منهم القتل وقد وجد فيقتلون جميعاً، وهذه لأن قوله وجب حداً عليهم لا قصاصاً فلم يعتبر المساواة، فصار من قتل ومن لم يقتل سواء. [قتل قطاع الطريق] م: (والقتل) ش: أي قتل قطاع الطريق م: (إن كان بعصا أو بحجر أو بسيف فهو سواء، لأنه يقع قطعاً للطريق بقتل المارة) ش: يعني بأي شيء قتل قاطع الطريق، قيل: لأنه حد لا قصاص فلا يقتضي المساواة، ولهذا يقتل غير المباشر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 87 وإن لم يقتل القاطع ولم يأخذ مالا وقد جرح اقتص منه فيما فيه القصاص وأخذ الأرش منه مما فيه الأرش، وذلك إلى الأولياء؛ لأنه لا حد في هذه الجناية، فظهر حق العبد وهو ما ذكرناه فيستوفيه الولي وإن أخذ مالا ثم جرح قطعت يده ورجله من خلاف وبطلت الجراحات، لأنه لما وجب الحد حقا لله تعالى سقطت عصمة النفس حقا للعبد، كما يسقط عصمة المال، وإن أخذ بعدما تاب وقد قتل فإن شاء الأولياء قتلوه، وإن شاءوا عفوا عنه، لأن الحد في هذه الجناية لا يقام بعد التوبة للاستثناء المذكور في النص، ولأن التوبة تتوقف على رد المال   [البناية] م: (وإن لم يقتل القاطع) ش: أي قاطع الطريق م: (ولم يأخذ مالاً وقد جرح اقتص منه فيما فيه القصاص وأخذ الأرش منه مما فيه الأرش، وذلك) ش: أي استيفاء القصاص وأخذ الأرش م: (إلى الأولياء لأنه لا حد في هذه الجناية فظهر حق العبد) ش: أي في النفس والمال م: (وهو ما ذكرناه) ش: أي حق العبد القصاص والأرش م: (فيستوفيه الولي) ش: أي يستوفي القصاص الولي فيما مستطاع منه القصاص. وبه قالت الأئمة الثلاثة، كما إذا قطعوا اليسار أو الذكر لا قصاص فيه في الظاهر يؤخذ الأرش، خلافاً لأبي حنيفة فيما إذا قطع من الأصل وفي الحقيقة والحشفة قصاص اتفاقاً، لأن موضع القطع معلوم إلا إذا قطع بعض الحشفة حيث لا قصاص، وكذا إذا ضربوا العين وقلعوها لا قصاص فيه ويؤخذ الأرش، إلا إذا كانت العين قائمة فذهب بصرها ففيه القصاص لا بمكان المماثلة، كذلك لا قصاص في عظم إلا في السن إلا إذا اسودت أو احمرت أو اخضرت فحينئذ يجب الأرش. م: (وإن أخذ مالاً ثم جرح قطعت يده ورجله من خلاف وبطلت الجراحات) ش: لأن الحد والضمان لا يجتمعان عندنا م: (لأنه لما وجب الحد حقاً لله تعالى سقطت عصمة النفس حقاً للعبد، كما يسقط عصمة المال) ش: وعند الأئمة الثلاثة لا يبطل عصمة النفس والمال، لأن القطع مع الضمان يجتمعان عندهم. م: (وإن أخذ) ش: أي قاطع الطريق م: (بعدما تاب وقد قتل) ش: أي والحال أنه قد قتل عمداً بحديدة م: (فإن شاء الأولياء قتلوه، وإن شاءوا عفوا عنه، لأن الحد في هذه الجناية لا يقام بعد التوبة للاستثناء المذكور في النص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 33] (المائدة: الآية 34) ، فلما بطل الحد بالتوبة ظهر حق العبد فيه بلا خلاف. واعترض بأن قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: 34] هاهنا نظيره في قوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: 34] ، فكيف يكون سياق قوله: {وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] إذ كل منهما جملتان كاملتان عطفتا على جملتين كاملتين. وأجيب: بأن قوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] لا يصلح، بخلاف قوله: {وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] . م: (ولأن التوبة تتوقف على رد المال) ش: يعني مما إذا أخذ المال، لأن الظالم إذا غصب مال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 88 ولا قطع في مثله فظهر حق العبد في النفس والمال، حتى يستوفي الولي القصاص أو يعفو ويجب الضمان إذا هلك في يده أو استهلك   [البناية] أحد لا يكون ثابتاً وإن تاب ألف مرة بلسانه ما لم يرد المال، لأن تلك العصبة لا ترتفع إلا برد المال. فلما رد المال قبل الأخذ بطل عنه الحد كالسارق إذا أدى المال قبل الترافع م: (ولا قطع في مثله) ش: لانقطاع الخصومة وهي شرط فيه م: (فظهر حق العبد في النفس والمال، حتى يستوفي الولي القصاص أو يعفو ويجب الضمان إذا هلك في يده أو استهلك) ش: وفي " المبسوط " و " المحيط " رد المال من تمام توبتهم لينقطع به خصومة صاحب المال، إذ لا يقام الحد إلا بخصومة صاحب المال وقد انقطعت خصومته برد المال إليه قبل ظهور الجريمة عند الإمام، فيسقط الحد. أما إذا تابوا ولم يردوا المال لم يذكره في الكتب نصاً، فقد اختلف المتأخرون فيه: قيل: لا يسقط الحد، فإنه على سائر الحدود، فإنها لا تسقط بنفس التوبة. وقيل: يسقط وإليه أشار محمد في الأصل أن الحد يسقط في السرقة الكبرى، الاستثناء في النص والاستثناء في غيره وسائر الحدود، والقذف لا يسقط بالتوبة عندنا ومالك وأحمد في رواية وللشافعي في قول. وقال أحمد في رواية والشافعي في قول يسقط لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء: 16] (النساء: الآية 16) . وقال في حد السرقة: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} [المائدة: 39] (التوبة: الآية 39) ، ولأنه حق الله فيسقط بالتوبة كحد المحارب. قلنا قوله: {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] {فَاقْطَعُوا} [المائدة: 38] عام في الثابت وغيره، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجم ماعزاً والغامدية وقطع الذي أتى بالسرقة وقد صاروا ما يطلبون النظير وعلم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توبتهم فأتاه الحد، ولأن الحد لغارة فلم يسقط بالتوبة ككفارة اليمين والقتل، لأنه يقدر عليه كل أحد بعد باب الحد. وأما الآية فمنسوخة، هو كان في بدء الإسلام، والآية الثانية تدل على أن الحد لم يصر مستحقاً للمعتوه، وأما حد القطاع فيسقط بالنص ولم يجئ نص في غيره. وقال الأترازي فإن قلت: اليسر رفض قول صاحب الهداية لا بالتوبة تتوقف على رد المال مع قوله ويجب الضمان إذا هلك في يده أو استهلك، لأنه إذا رد المال كيف يهلك في يده. قلت: يمكن أن يهلك البعض معزور البعض، ورد البعض علامة صحة ثبوته، فإذا هلك الباقي قبل التمكن منه، أو استهلكه بعد وجود علامة صحة ثبوته يكون ذلك شبهة في سقوط الحد، فيجب المال. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 89 وإن كان في القطاع صبي أو مجنون أو ذو رحم محرم من المقطوع عليه سقط الحد عن الباقين، فالمذكور في الصبي والمجنون قول أبي حنيفة وزفر -رحمهما الله-. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لو باشر العقلاء يحد الباقون، وعلى هذا السرقة الصغرى. له أن المباشر أصل والردء تابع، ولا خلل في مباشرة العاقل المكلف، ولا اعتبار بالخلل في التبع، وفي عكسه ينعكس المعنى والحكم. ولهما أنه   [البناية] وقال الأكمل: هذا إنما يتم لولا سبب التوبة متوقفة على رد جميع المال فلا يتم، ويجوز أن يقال هذا الموضع إنما هو على قول البعض الآخر من المشايخ. [كان في القطاع صبي أو مجنون أو ذو رحم محرم من المقطوع عليه] م: (وإن كان في القطاع صبي أو مجنون أو ذو رحم محرم من المقطوع عليه سقط الحد عن الباقين) ش: هذه مسألة القدوري في مختصره، إلا أن لفظه وإن كان فيهم صبي، وهذا الذي ذكره القدوري ظاهر الرواية عن أصحابنا. وقال المصنف م: (فالمذكور في الصبي والمجنون قول أبي حنيفة وزفر - رحمهما الله-. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لو باشر العقلاء يحد الباقون) ش: أي من الذين لم يباشروا القتل من العقلاء الباقين. وقال الأترازي: والعجب من صاحب الهداية أنه قال وعن أبي يوسف بعد أن قال والمذكور في الصبي والمجنون قول أبي حنيفة وزفر. وكان القياس أن يقول أبو يوسف ولم يذكر قول محمد وقوله مع أبي حنيفة. وقد صرح الشيخ أبو نصر بذلك انتهى. قلت: لعجبه عجب، لأن القدوري ذكر في شرحه لمختصر الكرخي وعند أبي يوسف. وذكر البيهقي في كفاية بلفظه عن أبي يوسف، ويحتمل أن يكون قول أبي يوسف رواية عنه بعد أن كان مع أبي حنيفة. م: (وعلى هذا السرقة الصغرى) ش: أي وعلى هذا الخلاف حكم السرقة الصغرى إن ولي الصبي أو المجنون إخراج المتاع، وإن ولي غيرهما قطعوا إلا الصبي والمجنون. م: (له) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن المباشر أصل، والردء تابع) ش: أي المباشر أصل في الفعل، والردء أي المعين تابع م: (ولا خلل في مباشرة العاقل المكلف، ولا اعتبار بالخلل في التبع) ش: وهو الصبي أو المجنون لعدم القصد الصحيح منهما، وسقوط الحد عن التبع لا يوجب سقوطه عن المتبوع. م: (وفي عكسه) ش: وهو أن يباشر الصبي أو المجنون م: (ينعكس المعنى والحكم) ش: الحكم هو أن لا يجب على الباقين، والمعنى هو العلة وهي أن سقوطه عن الحد يوجب السقوط من التبع. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي أن قطع الطريق م: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 90 جناية واحدة قامت بالكل، فإذا لم يقع فعل بعضهم موجبا كان فعل الباقين بعض العلة، وبه لا يثبت الحكم فصار كالخاطئ مع العامد. وأما ذو الرحم المحرم فقد قيل: تأويله إذا كان المال مشتركا بين المقطوع عليهم، والأصح أنه مطلق لأن الجناية واحدة على ما ذكرناه، فالامتناع في حق البعض يوجب الامتناع في حق الباقين، بخلاف ما إذا كان فيهم مستأمن، لأن الامتناع في حقه من وجه خلل في العصمة وهو يخصه، أما هنا الامتناع لخلل في الحرز، والقافلة حرز واحد، وإذا سقط الحد صار القتل إلى الأولياء؛ لظهور حق العبد على ما ذكرناه   [البناية] (جناية واحدة قامت بالكل، فإذا لم تقع فعل بعضهم موجباً) ش: لكان الشبهة م: (كان فعل الباقين بعض العلة، وبه) ش: أي وبعض العلة م: (لا يثبت الحكم، فصار كالخاطئ مع العامد) ش: كما إذا رمى رجل سهاماً إلى إنسان عمداً ورماه آخر خطأ فأصابه السهمان معاً ومات منهما لا يجب القصاص على العامد لما أن الفعل واحد فيكون فعل المخطئ مورث شبهة في حق العامد. [ذو الرحم المحرم إذا قطع عليه الطريق ذو رحم منه] م: (وأما ذو الرحم المحرم فقد قيل تأويله) ش: الذي قاله أبو بكر الرازي الداريسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه قال: تأويل المسألة م: (إذا كان المال مشتركاً بين المقطوع عليهم) ش: قطاع الطريق ذو رحم محرم لا يجب الحد باعتبار نصيب ذوي الرحم، فيصير شبهة في نصيب الباقين، فلا يجب الحد عليهم، لأن المأخوذ شيء واحد، فإذا امتنع في حق أحدهم سبب القرابة يمنع في حق الباقين. فأما إذا لم يكن المال مشتركاً بينهم فإن لم يأخذ المال إلا من ذي الرحم المحرم فكذلك، وإن أخذوا منه ومن غيره يحدون باعتبار المال المأخوذ من الأجنبي م: (والأصح أنه مطلق) ش: أي محرز على إطلاقه، وإنهم لا يحدون بكل حال، لأن مال جميع العاقلة في حق القطاع شيء واحد؛ لأنه محرز واحد وهو العاقلة م: (لأن الجناية واحدة على ما ذكرناه) ش: أشار به إلى قوله، ولهما أنه جناية واحدة قامت بالكل م: (فالامتناع) ش: بعد، أي امتناع الحد م: (في حق البعض يوجب الامتناع في حق الباقين) ش: لأن بعض العلة يترتب عليه الحكم. م: (بخلاف ما إذا كان فيهم مستأمن) ش: أي في العاقلة، وهذا جواب سؤال مقدر بأن يقال القطع على المستأمن لا يوجب الحد كالقطع على ذي الرحم المحرم، ثم وجود هذا في العاقلة يسقط الحد، فينبغي أن يسقط الحد وجود المستأمن أيضاً، فأجاب عنه قوله بخلاف المستأمن لوجوده في العاقلة م: (لأن الامتناع في حقه) ش: أي امتناع الحد في القطع على المستأمن م: (من وجه خلل في العصمة) ش: أي في عصمة ماله وهو خاص به، وهو معنى قوله م: (وهو يخصه، أما هنا الامتناع لخلل في الحرز) ش: أي الخلل في العصمة يخص المستأمن م: (والقافلة حرز واحد) ش: والشبهة تمكنت فيه. م: (وإذا سقط الحد صار القتل إلى الأولياء لظهور حق العبد على ما ذكرناه) ش: أشار به إلى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 91 فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا عفوا. وإذا قطع بعض القافلة الطريق على البعض لم يجب الحد؛ لأن الحرز واحد، فصارت القافلة كدار واحدة. ومن قطع الطريق ليلا أو نهارا في المصر أو بين الكوفة والحيرة فليس بقاطع الطريق استحسانا، وفي القياس يكون قاطعا للطريق، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بوجوده حقيقة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجب إذا كان خارج المصر وإن كان بقربه لأنه لا يلحقه الغوث. وعنه إن قاتلوا نهارا بالسلاح أو ليلا به فهم قطاع الطريق، لأن السلاح لا يلبث، والغوث يبطئ بالليالي. ونحن نقول: إن قطع الطريق بقطع المارة، ولا يتحقق ذلك في المصر ويقرب منه   [البناية] قوله: لأن الجناية واحدة م: (فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا عفوا) ش: لأن الحق لهم م: (وإذا قطع بعض القافلة الطريق على البعض لم يجب الحد، لأن الحرز واحد، فصارت القافلة كدار واحدة) ش: كما لو سرق من دار سكن السارق فيها، فإذا لم يجب الحد وجب القصاص إن قتل عمداً ورد المال إن أخذه وهو قائم والضمان إن هلك أو استهلك. م: (ومن قطع الطريق ليلاً أو نهاراً في المصر أو بين الكوفة) ش: أي أو قطع الطريق بين الكوفة م: (والحيرة) ش: وهي التي كان يسكنها النعمان بن المنذر وهي أول منازل الكوفة. وقال تاج الشريعة: الحيرة بكسر الحاء مدينة على رأس ميل من الكوفة م: (فليس بقاطع الطريق استحساناً، وفي القياس يكون قاطعاً للطريق، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بوجوده حقيقة) ش: أي بوجود القطع من حيث الحقيقة. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجب إذا كان خارج المصر وإن كان بقربه) ش: أي بقرب المصر م: (لأنه لا يلحقه الغوث) ش: وهو اسم من الإغاثة م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف، رواه القدوري م: (إن قاتلوا نهاراً) ش: أي في المصر م: (بالسلاح أو ليلاً به) ش: أي أو قاتلوا ليلا بالسلاح أو بالخشب م: (فهم قطاع الطريق) ش: بضم القاف وتشديد الطاء جمع قاطع م: (لأن السلاح لا يلبث) ش: من الألباب م: (والغوث يبطئ بالليالي) ش: والعرب سمى الليالي مستحق القطع. وبه قال الشافعي، وقال أكثر أصحابنا: يثبت المحاربة في أي موضع لا يلحقه الغوث، وفي الحلية ذكر في " الحاوي " أن القوى التي فعل أهلها حكمها حكم الصحراء بتحقق المحاربة. وأما الأمصار الكبار فمن قصد نواحيها جهاراً فكذلك، وأما وسط المصر في المواضع التي يتكاثر الناس فيها في أسواقهم ودورهم إذا كسبوا سوقانها ونهبوها أو دوراً فنهبوها فيه وجهان أصحهما أن حكم المحاربين. م: (ونحن نقول: إن قطع الطريق بقطع المارة ولا يتحقق ذلك في المصر ويقرب منه) ش: أي في الجزء: 7 ¦ الصفحة: 92 لأن الظاهر لحوق الغوث يؤخذون برد المال إيصالا للحق إلى المستحق ويؤدبون ويحبسون لارتكابهم الجناية. ولو قتلوا فالأمر فيه إلى الأولياء لما بينا، ومن خنق رجلا حتى قتله فالدية على عاقلته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي مسألة القتل بالمثقل، وسنبين في باب الديات إن شاء الله تعالى. وإن خنق في المصر غير مرة قتل به، لأنه صار ساعيا في الأرض بالفساد فيدفع شره بالقتل، والله أعلم.   [البناية] المصر م: (لأن الظاهر لحوق الغوث، يؤخذون برد المال إيصالا للحق إلى المستحق، ويؤدبون ويحبسون لارتكابهم الجناية، ولو قتلوا فالأمر فيه إلى الأولياء) ش: قصاصاً أو صلحاً أو عفواً، لأن ظهر حقهم حيث لم يجب الحد م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله بظهور حق العبد، والفتوى عليه، وقول أبي يوسف لمصلحة الناس، واختاره القفال من أصحاب الشافعي. [خنق رجلاً حتى قتله] م: (ومن خنق رجلاً حتى قتله فالدية على عاقلته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لأنه يوجب القصاص بالمثقل، أشار إليه بقوله م: (وهي مسألة القتل بالمثقل، وسنبين في باب الديات إن شاء الله تعالى) ش:. م: (وإن خنق) ش: أي بمصر خنقه، ومصدره الخنق بكسر النون، ولا يقال بالسكون، كذا من الفار إلى م: (في المصر غير مرة) ش: قال الأترازي: خنق بالتشديد سماعاً وتخفيفاً، لأن التفعيل للشر. قلت: التكثير استفيد من قوله غير مرة، فلا حاجة إلى التشديد م: (قتل به) ش: أي بسبب الخنق م: (لأنه صار ساعياً في الأرض بالفساد فيدفع شره بالقتل) ش: وفي " الكافي " ثقيل سماعه من، لأنه ذو فتنة. وفي " المحيط ": عشرون، قوله من الطريق وأخذن المال قتلن وضمن المال وبه قالت الثلاثة، ولو كانت فيهم امرأة قتلت وأخذت ولم يقتل الرجال ويقتل الرجال دون المرأة عند أبي حنيفة، وعند الثلاثة تقتل المرأة أيضاً، وعند محمد يسقط الحد عن الرجال أيضاً، خرج قاطعاً للطريق على أن يسلب أموال الناس فاستقبله الناس فقتلوه لا شيء عليهم، ولو قدم رجل من القطاع إلى موضع لا يقدمه على قطع الطريق ثم قتلوه كانت الدية عليهم م: (والله أعلم) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 93 كتاب السير السير: جمع سيرة، وهي الطريقة في الأمور، وفي الشرع تختص بسير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مغازيه. قال: الجهاد فرض على الكفاية إذا قام به فريق من الناس سقط عن الباقين، أما الفرضية فلقوله تعالى: {وقاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافّة} [التوبة: 36] (التوبة: الآية 36)   [البناية] [كتاب السير] م: (كتاب السير) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام م: (السير) ش: وهو م: (جمع سيرة) ش: على ما يذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهي الطريقة) ش: سمي بهذا الكتاب لما فيه من بيان سيرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والمسلمين، ويقال السيرة فعلة من السيرة، وقد يراد به السير الذي هو قطع المسافة. وقد يراد به السير في المعاملات، وسميت المغازي سيراً لأن أول أمرها السير إلى العدو؛ لأن المراد بها سير الإمام إلى العدو، ومع الغزاة في المغز أصل السبق حالة السير، إلا أنها غلبت شرعاً على أمور المغازي كالمناسك على أمر الحج، والمغازي جمع غزاة من غزوت العدو وقصدته للقتال غزواً وغزوة وغزاة ومغزاة، وسمي كتاب الجهاد أيضاً لما فيه من بيان المجاهدة مع الأعداء لإعزاز الدين وهدم قواعد المشركين. وفي " التحفة ": الجهاد شرعاً هو الدعاء إلى الدين الحق والقتال مع من لا يقبله. فإن قلت: ما المناسبة بين الكتابين. قلت: المناسبة بينهما في كون كل منهما إخلاء العالم عن المعاصي، وقدم الحدود لأنها أدنى، والترقي يكون من الأدنى إلى الأعلى، وقيل: قدم الحدود لأنها مقابلة مع المسلمين في الأغلب، والجهاد مع المشركين فقدم ما يخص المسلمين. السير بكسر السين وفتح الياء جمع سيرة. م: (في الأمور) ش: خيراً كانت أو شراً، ومنه سيرة العمرين، أي طريقتهما م: (وفي الشرع تختص بسير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مغازيه) ش: وقد مر الكلام فيه. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (الجهاد فرض على الكفاية إذا قام به فريق من الناس سقط عن الباقين) ش: إلى هنا كلام القدوري في مختصره، ثم شرع المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعبره بقوله م: (أما الفرضية فلقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: 36] (التوبة: الآية 36) ش: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مأموراً في الابتداء بالصفح والإعراض عن المشركين، قال الله تعالى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 94 ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الجهاد ماض إلى يوم القيامة» وأراد به فرضا باقيا، وهو فرض على الكفاية   [البناية] {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85] (الحجر: الآية 85) . وقال: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94] الحجر: الآية 94) ، ثم أمر بالدعاء والموعظة والمجادلة بالطريق الأحسن. قال عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] (النحل: الآية 125) ثم أمر بالمجادلة إذا كانت البداية منهم. فقال: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39] (الحج: الآية 39) ، أي أذن لهم بالدفع. وقال: {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] (البقرة: الآية 191) ، ثم أمر بالبداية بالقتال. قال الله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] (التوبة: الآية 5) . وقال تعالى: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} [التوبة: 12] ، (التوبة: الآية 5) . ولقوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] (الأنفال: الآية 39) . ولقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: 216] (البقرة: الآية 216) . معناه فرض عليكم القتال لقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] (البقرة: الآية 183) . ولقوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 41] (التوبة: الآية 41) . م: (ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «الجهاد ماض إلى يوم القيامة» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود مطولا في سننه، حدثنا سعيد بن منصور قال أبو معاوية حدثنا جعفر بن برقان عن زيد بن أبي شيبة عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثلاث من أصل الإيمان الكف عمن قال لا إله إلا الله، ولا يكفره بذنب ولا يخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، والإيمان: بالأقدار» وقال المنذري في مختصره: زيد بن أبي شيبة في معنى المجهول، وقال عبد الحق: زيد بن أبي شيبة وهو رجل من بني سليم لم يرو عنه إلا جعفر بن برقان. م: (وأراد به فرضاً باقياً) ش: هذا تفسير من المصنف لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الجهاد فرض ماض» يعني فرضاً دائماً إلى يوم القيامة، م: (وهو فرض على الكفاية) ش: أي الجهاد فرض كفاية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 95 لأنه ما فرض لعينه، إذ هو إفساد في نفسه، وإنما فرض لإعزاز دين الله ودفع الشر عن العباد، فإذا حصل المقصود بالبعض سقط عن الباقين كصلاة الجنازة ورد السلام، وإن لم يقم به أحد أثم جميع الناس بتركه؛ لأن الوجوب على الكل، ولأن في انشغال الكل به قطع مادة الجهاد من الكراع والسلاح فيجب على الكفاية، إلا أن يكون النفير عاما فحينئذ يصير من فروض الأعيان   [البناية] وقال أبو بكر الرازي: في شرحه " مختصر الطحاوي ": الجهاد عند أصحابنا فرض على الكفاية مثل غسل الموتى والصلاة عليهم ودفنهم وطلب علم الدين والقيام به وتعليمه. ويحكى عن ابن شبرمة والثوري أن الجهاد تطوع وليس بواجب. انتهى. قلت: كذا روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سئل عطاء وعمرو بن دينار أن الغزو واجب، قالا: ما علمناه واجباً، وقالوا: قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: 216] للندب كما في قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] (البقرة: الآية 180) ، وعند أكثر أهل العلم فرض على الكفاية إلا ابن المسيب، فإنه قال فرض عين لعمومات في النصوص. م: (لأنه) ش: أي لأن الجهاد م: (ما فرض لعينه إذ هو إفساد في نفسه) ش: لأنه تعذيب عباده وتخريب بلاده م: (وإنما فرض لإعزاز دين الله ودفع الشر عن العباد) ش: وإليه الإشارة في قَوْله تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] (الأنفال: الآية 39) م: (فإذا حصل المقصود بالبعض) ش: أي ببعض الناس، والمقصود هو الذي ذكره من إعزاز دين الله ودفع الشر عن عباد الله م: (سقط عن الباقين كصلاة الجنازة ورد السلام) ش: فإن البعض إذا قام بها سقط عن الباقين. م: (وإن لم يقم به أحد) ش: أي بهذا الفرض الذي هو سمي فرض كفاية م: (أثم جميع الناس بتركه، لأن الوجوب على الكل) ش: أي كل الناس م: (ولأن في انشغال الكل به) ش: وفي بعض النسخ في اشتغال الكل به أي اشتغال كل الناس، أي بالجهاد م: (قطع مادة الجهاد من الكراع) ش: والمراد به الخيل هاهنا. والكراع كراع الشاة والبقرة م: (والسلاح) ش: أي وقطع مادة الجهاد بالسلاح، فإذا انقطعت مادة الجهاد ينقطع الجهاد، فينبغي أن يقوم بعض الناس بالجهاد وبعض بتحصيل أسبابه من التجارة والزراعة والحرف التي يحصل بها آلات الجهاد، فإذا كان الأمر كذلك م: (فيجب على الكفاية) ش: حتى إذا قام به البعض سقط عن الباقين. م: (إلا أن يكون النفير عاماً) ش: استثناء من قوله فيجب على الكفاية، أي يجب الجهاد على الكفاية إلا إذا كان النفير عاماً بأن لا يندفع شر الكفارة إذا هجموا ببعض المسلمين م: (فحينئذ يصير من فروض الأعيان) ش: فيفترض على كل واحد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 96 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {انفروا خفافا وثقالا} [التوبة: 41] (التوبة: الآية 41) ، وقال في " الجامع الصغير " الجهاد واجب إلا أن المسلمين في سعة حتى يحتاج إليهم، فأول هذا الكلام على أن الجهاد يجب على الكفاية، وآخره إلى النفير العام، وهذا لأن المقصود عند ذلك لا يتحصل إلا بإقامة الكل فيفرض على الكل. وقتال الكفار واجب وإن لم يبدءوا للعمومات   [البناية] فيقاتل العبد بدون إذن سيده، والمرأة بدون إذن الزوج م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: 41] (التوبة: الآية 41) ش: أي ركباناً ومشاة، وشباباً وشيوخاً، ومهازيل وسماناً، وصحاحاً ومراضاً، يقال: نفر إلى العدو ونفر أو نفير أي خرج، وقيل خراباً ومتأهلين، وقيل أغنياء وفقراء. واعترض بأن الآية عامة فما وجه تخصيصه بالنفير العام، فكيف خص به، وأجيب: بأنها لو لم يختص بها لوقع الناس في حرج، ولأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يخرج مع كثير من أهل المدينة ولو كان فرض عين لم يدع أحداً منهم. [حكم الجهاد] م: (وقال في " الجامع الصغير ") ش: أي محمد: م: (الجهاد واجب، إلا أن المسلمين في سعة حتى يحتاج إليهم، فأول هذا الكلام) ش: أي أول كلام محمد في آخر الكتاب في الجامع الصغير م: (على أن الجهاد يجب على الكفاية) ش: وأراد بأول الكلام قوله: الجهاد واجب، إلا أن المسلمين في سعة. وذلك لأنه قال: إنهم في سعة، يعني يسع لبعضهم تركه إذا حصلت الكفاية بالآخرين م: (وآخره) ش: أي آخر كلامه أشار م: (إلى النفير العام) ش: لأنه قال: حتى يحتاج إليهم، يعني إذا احتيج إليهم في النفير العام يكون لهم سعة في ترك الجهاد حينئذ م: (وهذا) ش: إيضاح لما قبله من وجوب الجهاد على الكل عند النفير العام. م: (لأن المقصود عند ذلك) ش: أي عند النفير العام م: (لا يتحصل إلا بإقامة الكل) ش: أي كل الناس، فإن كان كذلك م: (فيفرض) ش: أي الجهاد م: (على الكل) ش: أي على كل الناس. م: (وقتال الكفار واجب وإن لم يبدؤوا) ش: يعني الكفار الذين امتنعوا عن قبول الإسلام وعن أداء الجزية يجب قتالهم وإن لم يبدؤونا بالقتال. وكذا يجوز قتالهم في الأشهر الحرم، وقال الثوري: لا يجوز قتالهم حتى يبدؤونا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] وقال عطاء: لا يجوز في الأشهر الحرم م: (للعمومات) ش: أي للعمومات الواردة في ذلك من الآية والأخبار لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [النساء: 66] وقوله: وَقَاتِلُوا أي الكفار، وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الجهاد ماض إلى يوم القيامة» ، وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» . فإن قيل: العمومات متعارضة فقوله تعالى: {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] (البقرة: الآية 191) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 97 ولا يجب الجهاد على الصبي؛ لأن الصبا مظنة المرحمة، ولا عبد ولا امرأة لتقدم حق المولى والزوج، ولا أعمى ولا مقعد ولا أقطع لعجزهم، فإن هجم العدو على بلد وجب على جميع الناس الدفع، تخرج المرأة بغير إذن زوجها، والعبد بغير إذن المولى؛ لأنه صار فرض عين وملك اليمين ورق النكاح لا يظهر في حق فروض الأعيان كما في الصلاة والصوم، بخلاف ما قبل النفير، لأن بغيرهما مقنعا فلا ضرورة إلى إبطال حق المولى والزوج. ويكره الجعل ما دام للمسلمين فيء   [البناية] وهذا يدل على أن قتالهم إنما يجب إذا بدؤونا بالقتال كما قاله الثوري، وأجيب: بأنه منسوخ بقوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] (الأنفال: الآية 39) ، وبقوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] (التوبة: الآية 29) . [الجهاد على الصبي] م: (ولا يجب الجهاد على الصبي، لأن الصبا) ش: بكسر الصاد وفتح الباء م: (مظنة المرحمة) ش: قال ابن الأثير: المظنة بكسر الظاء موضع الشيء ومعدنه مفعلة من الظن بمعنى العلم، وكان القياس فتح الظاء، وإنما كسرت لأجل الهاء م: (ولا عبد) ش: أي ولا يجب على عبد م: (ولا امرأة لتقدم حق المولى والزوج ولا أعمى ولا مقعد ولا أقطع لعجزهم) ش: وهذا كله بإجماع الأربعة، وقال صاحب الديوان: المقعد الأعرج. م: (فإن هجم العدو) ش: من قولهم هجمت على القوم إذا دخلت عليهم، وفي المغرب الهجوم الإتيان بغتة، والدخول من غير آن م: (على بلد وجب على جميع الناس الدفع، تخرج المرأة بغير إذن زوجها والعبد) ش: أي يخرج العبد م: (بغير إذن المولى، لأنه صار فرض عين) ش: على جميع الناس. م: (وملك اليمين) ش: في العبد والجارية م: (ورق النكاح) ش: في الزوجة م: (لا يظهر في حق فروض الأعيان) ش: وأراد بذلك أن الفروض المعينة مقدمة على حق السيد والزوج م: (كما في الصلاة والصوم) ش: فإنها مقدمة على حقهما. م: (بخلاف ما قبل النفير، لأن بغيرهما) ش: أي بغير العبد والمرأة م: (مقنعاً) ش: أي كفاية، وهاهنا حق السيد والزوج لعدم الاحتياج إليهما م: (فلا ضرورة إلى إبطال حق المولى والزوج) ش: بغير ضرورة. م: (ويكره الجعل) ش: بضم الجيم وسكون العين، وهو ما جعل من شيء للإنسان على شيء يفعله، والمراد هنا ما أخرجه الإمام للغزاة على الناس فيما يجعل به التقوي للخروج إلى الحرب م: (ما دام للمسلمين فيء) ش: اسم المال المصاب من الكفار بغير قتال كالخراج. والجزية والغنيمة ما يصاب منهم بالقتل، يعني إذا كان في بيت المال، لأن بيت المال ما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 98 لأنه يشبه الأجر، ولا ضرورة إليه، لأن بيت المال معد لنوائب المسلمين. فإذا لم يكن فلا بأس بأن يقوي بعضهم بعضا، لأن فيه دفع الضرر الأعلى بإلحاق الأدنى، يؤيده «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخذ دروعا من صفوان وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يغزي الأعزب عن ذي الحليلة ويعطي الشاخص فرس القاعد» .   [البناية] يتقوى به الناس للخروج إلى الغزاة يعطيهم الإمام من ذلك المال، لأن بيت المال معد لنوائب المسلمين، ويكره مع وجود ذلك الجعل الذي ذكرناه، لأن فيه شبهة الأجرة، وهو معنى قوله م: (لأنه يشبه الأجر) ش: لأن الجهاد حق الله تعالى، ولا يجوز أخذ الأجرة عليه، فإذا تمحض أجره كان حراماً، وإذا أشبهها كان مكروهاً، وهو إلى الحرام أقرب. م: (ولا ضرورة إليه) ش: أي إلى الجعل م: (لأن بيت المال معد لنوائب المسلمين) ش: والنوائب جمع نائبة، وهي ما ينصب الإنسان أي يترك به من المهمات والحوادث وقد نابه ينوبه نوباً. م: (فإذا لم يكن) ش: في بيت المال شيء م: (فلا بأس أن يقوي بعضهم بعضا، لأن فيه) ش: أي فيما إذا قوى بعضهم بعضاً م: (دفع الضرر الأعلى) ش: وهو شر الكفرة م: (بإلحاق الأدنى) ش: أي الضرر الأدنى، والمعنى دفع الضرر العام بالنص والخاص مجمل م: (يؤيده) ش: أي يؤيد ذلك م: (أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخذ دروعاً من صفوان) ش: هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي عن شريك عن عبد العزيز بن رفيع عن أبيه صفوان بن أمية أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «استعار منه دروعاً يوم حنين، فقال: أغصبت يا محمد؟ قال: بل عارية مضمونة» . م: (وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يغزي الأعزب عن ذي الحليلة ويعطي الشاخص فرس القاعد) ش: هذا رواه ابن أبي شيبة وإسناده إلى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولفظه: كان عمر يغزي العزب ويأخذ فرس المقيم ويعطيه للمسافر، وأخرجه ابن سعد في " الطبقات "، ولفظه كان يغزي الأعزب عن ذي الحليلة ويغزي الفارس عن الفارس القاعد. قوله: غزا من الإغزاء، يقال أغزى الأمير الجيش إذا بعثه إلى العدو، والأعزب الذي لا امرأة له، ووقع في بعض النسخ الأعزب بالألف واللام، ووقع في نسخة شيخنا العزب بدون الألف واللام، وهو الصحيح. وقال في " المغرب ": رجل عزب بالتحريك لا زوجة له ولا يقال له أعزب وقال ابن الأثير أيضا: يقال: رجل عزب ولا يقال أعزب، وحليلة الرجل امرأته. والشاخص: اسم فاعل من شخص من مكان على مكان إذا صار في ارتفاع، فإذا صار في حدود فهو حائط، كذا قاله ابن دريد، وشخص الرجل ببصره إذا أحد النظر رافعاً طرفه إلى السماء، ولا يكون الشاخص إلا كذلك، والمراد هنا الأول أعني الذي يذهب إلى العدو. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 99 باب كيفية القتال وإذا دخل المسلمون دار الحرب فحاصروا مدينة أو حصنا دعوهم إلى الإسلام لما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما قاتل قوما حتى دعاهم إلى الإسلام» فإن أجابوا كفوا عن قتالهم؛ لحصول المقصود، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله الله ... » الحديث   [البناية] [باب كيفية القتال] م: (باب كيفية القتال) ش: أي هذا باب في بيان كيفية القتال، لما فرغ من بيان فرضية القتال وشرائطه، شرع في بيان كيفيته. م: (وإذا دخل المسلمون دار الحرب فحاصروا مدينة أو حصناً) ش: يقال حاصروا العدو إذا أحاط به وضيق عليه، والمدينة هي البلدة العظيمة من مدن بالمكان إذا أقام به، فعلى هذا هي فعيلة، وقيل مفعلة من قولهم دنيت أي ملكت ولاية يقال لها مدينة، ذكره في " الجمهرة "، والحصن معروف. وقال الكاكي: والحصن بالكسر كل مكان مجمر محرز لا يتوصل إلى ما في جوفه، فالمدينة أكبر من الحصن م: (دعوهم إلى الإسلام لما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما قاتل قوماً حتى دعاهم إلى الإسلام» ش: هذا الحديث رواه عبد الرزاق في " مصنفه "، حدثنا سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن ابن عباس قال: «ما قاتل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قوماً حتى دعاهم» ورواه الحاكم في " مستدركه " وقال: حديث صحيح الإسناد، ورواه أحمد أيضاً في " مسنده " والطبراني في " معجمه "، وفي هذا الباب أحاديث كثيرة، عند أحمد عن ذرين بن سبلة، وعند عبد الرزاق أيضاً عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وعند الطبراني عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعند أحمد أيضاً عن سليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (فإن أجابوا) ش: أي فإن أجابوا إلى الإسلام م: (كفوا عن قتالهم) ش: أي امتنعوا وكف جاء لازماً ومتعدياً، فعلى الأول بفتح الكاف، وعلى الثاني بضمها ويجوز الفتح أيضاً على معنى منعوا أنفسهم عن قتالهم م: (لحصول المقصود) ش: وهو إعلاء كلمة الله تعالى وإظهار الدين في بلاد الكفر، ثم أكد المصنف قوله كفوا عن قتالهم بقوله م: (وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» ... الحديث) ش: هذا الحديث روي عن أبي هريرة أخرجه البخاري ومسلم عنه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني الجزء: 7 ¦ الصفحة: 100 وإن امتنعوا دعوهم إلى أداء الجزية، به أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمراء الجيوش ولأنه أحد ما ينتهي به القتال على ما نطق به النص وهذا في حق من يقبل منه الجزية ومن لا يقبل منه كالمرتدين وعبدة الأوثان من العرب لا فائدة في دعائهم إلى قبول الجزية، لأنه لا يقبل منهم إلا الإسلام، قال الله تعالى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] فإن بذلوها فلهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين لقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنما بذلوا الجزية لتكون   [البناية] ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله» . وفي لفظ مسلم: «حتى يشهد أن لا إله إلا الله ويؤمن بربي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» . وروي عن عمر أيضاً أخرجاه عنه أيضاً، وروي عن جابر أيضاً أخرجه مسلم عن أبي الزيد عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» ... بلفظ حديث أبي هريرة، وزاد ثم قرأ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية: 21] {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ} [الغاشية: 22] (الغاشية: الآية 21 - 22) . وحديث أبي هريرة الأول في قوم لا يوحدون الله عز وجل، أما اليهود والنصارى فما لهم يقروا برسالته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعد التوحيد ولم يبرءوا من دينهم فلا يحكم بإسلامهم لأنهم يقولون: إن محمداً رسول الله إلى العرب دوننا ويدل عليه لفظ مسلم المذكور قوله: «إلا بحقها» قوله: «وحسابهم على الله» يعني فما أسروا في قلوبهم. [امتناع المحاصرون من الكفار عن قبول الدعوة] م: (وإن امتنعوا) ش: أي عن الإسلام م: (دعوهم إلى أداء الجزية، به) ش: أي بالدعاء إلى الجزية م: (أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمراء الجيوش) ش: هذه قطعة من حديث مطول أخرجه الجماعة إلا البخاري عن سليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله ... » الحديث. وفيه «فاسألهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ... » الحديث، والجيش - الجند - يسيرون لحرب من جاشت القدر إذا غلت، قاله تاج الشريعة وأخذه من " المغرب ". م: (ولأنه) ش: أي ولأن الدعاء إلى الجزية م: (أحد ما ينتهي به القتال على ما نطق به النص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] (التوبة: الآية 29) ، م: (وهذا) ش: إشارة إلى الدعاء الذي يدل عليه قوله ادعوهم إلى الجزية م: (في حق من يقبل منه الجزية ومن لا يقبل منه كالمرتدين وعبدة الأوثان من العرب لا فائدة في دعائهم إلى قبول الجزية، لأنه لا يقبل منهم إلا الإسلام، قال الله تعالى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] (الفتح: الآية 16) ش: أي إلى أن يسلموا. قال م: (فإن بذلوها) ش: بالذال المعجمة، أي فإن قبلوها، أي الجزية، والمراد من البذل القبول على ما يأتي الآن، لأن القتال منهي بمجرد القبول قبل وجود الإعطاء والبذل بالإجماع م: (فلهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين لقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنما بذلوا الجزية لتكون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 101 دماؤهم كدمائنا، وأموالهم كأموالنا والمراد بالبذل القبول، وكذا المراد بالإعطاء المذكور فيه في القرآن، والله أعلم ولا يجوز أن يقاتل من لم تبلغه الدعوى إلى الإسلام إلا أن يدعوه؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في وصية أمراء الأجناد: «فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله» ولأنهم بالدعوى يعلمون أنا نقاتلهم على الدين لا على سلب الأموال وسبي الذراري فلعلهم يجيبون، فنكفى مؤنة القتال. ولو قاتلهم قبل الدعوة أثم للنهي ولا غرامة لعدم العاصم وهو الدين أو الإحراز بالدار   [البناية] دمائهم كدمائنا، وأموالهم كأموالنا) ش: هذا غريب، وكيف يقول الأترازي وقد صح عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: إنما بذلوا الجزية ... إلى آخره. نعم أخرج الدارقطني في " سننه " عن الحكم عن حسين عن أبي الجنوب عن عبد الله بن عبد الله مولى هاشم قال: قال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: من كانت له ذمتنا فدمه كدمنا، ودينه كديننا، ومع هذا هو أيضاً ضعيف، قال الدارقطني أبو الجنوب ضعيف. م: (والمراد بالبذل) ش: أي في قول القدوري، فإن بذلوها م: (القبول، وكذا المراد بالإعطاء المذكور فيه) ش: قال الأترازي: أي في الجزية، وتذكير الضمير على تأويل المذكور. قلت: لو قال أي في أداء الجزية لما احتاج إلى التأويل المذكور م: (في القرآن، والله أعلم) ش: هو قوله عز وجل: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] . [قتال من لم تبلغه الدعوة إلى الإسلام] م: (ولا يجوز أن يقاتل من لم تبلغه الدعوى إلى الإسلام إلا أن يدعوه) ش: أي يدعو من لم تبلغه الدعوى م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في وصية أمراء الأجناد: «فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله» ش: وهذا الحديث من حديث بريدة المطول، وقد مر بعضه عن قريب الذي رواه الجماعة غير البخاري. م: (ولأنهم بالدعوى يعلمون أنا نقاتلهم على الدين لا على سلب الأموال وسبي الذراري فلعلهم يجيبون فنكفى مؤنة القتال) ش: فنكفى على صيغة المجهول، ومؤنة القتال بالنصب على أنه مفعول ثان م: (ولو قاتلهم قبل الدعوة أثم للنهي) ش:، هو ما رواه عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا عمر بن ذر بن يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له حين بعثه: " لا تقاتل قوماً حتى تدعوهم» ، انتهى. والدعوة بالفتح إلى الطعام وبالكسر في النسب قال الجوهري: وقيل بالضم في الحرب م: (ولا غرامة لعدم العاصم) ش: يعني لا غرامة بواجبه بفعل قبل الدعوى، وإن كان فيه الإثم لعدم العاصم عن الغرامة. وقال الكاكي: ولا غرامة للإتلاف من الأموال والدماء - لعدم العصمة - مقومة م: (وهو الدين) ش: أي العاصم وهو الذمي م: (أو الإحراز بالدار) ش: وقال الشافعي يضمن لحرمة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 102 فصار في قتل الصبيان والنسوان، ويستحب أن يدعو من بلغته الدعوة مبالغة في الإنذار، ولا يجب ذلك لأنه صح «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أغار على بني المصطلق وهم غارون» «وعهد إلى أسامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يغير على أبنى صباحا ثم يحرق»   [البناية] القتال، قلنا الحرمة بالدين أو بالإحراز بالدار ولم يوجد م: (فصار) ش: حكم هذا كالصبيان والنسوان، أي كما لا غرامة م: (في قتل الصبيان والنسوان) ش: فإنه لا قصاص ولا دية وإن كان ورد في قتلهم. [قتال من بلغته الدعوة] م: (ويستحب أن يدعو) ش: أي الإمام أو رأس الجيش أو السرية م: (من بلغته الدعوة مبالغة في الإنذار) ش: لأنها ربما تنفع فانتقلت ميال إلى النجاس م: (ولا يجب ذلك) ش: أي دعاء من يلقنه الدعوة م: (لأنه صح «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أغار على بني المصطلق وهم غارون» ش: هذا أخرجه البخاري عن ابن عون قال: كتبت إلى نافع أساله عن الدعاء قبل القتال. قلت: إنما كان ذلك في أول الإسلام قد «أغار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تستقى من الماء فقتل مقاتلهم وسبى ذراريهم وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث، حدثني عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وكان في ذلك الجيش» . وقال المنذري في " حواشيه ": غارون بتشديد الراء، هكذا قيده غير واحد، وقال الفارسي: أظنه غادون بالدال المهملة المخففة، فإن صحت رواية الراء فوجهه أنهم ذو غرة، أي أتاهم الجيوش على غرة منهم، فإن الغار هو الذي يغر غرة فلا وجه له هنا، هذا الذي قاله فيه تكلف، فإن معنى غارون هنا غافلون. قال الجوهري وغيره: الغار الغافل، والغرة الغفلة، وبنو المصطلق بضم الميم وسكون الصاد المهملة وفتح الطاء المهملة وكسر اللام، وفي آخره قاف، وهو لقب من الصلاة، وهو رفع الصوت، وأصله مصتلق، فأبدلت التاء من الطاء لأجل الصاد، واسمه خزيمة بن سعد بن عمرو ابن ربيعة بن حارثة بطن من خزاعة. م: (وعهد إلى أسامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يغير على أبنى صباحاً ثم يحرق) ش: هذا أخرجه أبو داود وابن ماجه عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عرق «عن أسامة بن زيد أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان عهد إليه فقال: أغير على أبنى صباحاً وحرق» قوله عهد إلى أسامة أي أوصاه، وأسامة بن زيد بن حارثة مولى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمه أم أيمن حاضنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأسامة وأيمن أخوان، ومات أسامة بالمدينة، ولما مات النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان أسامة ابن عشرين سنة، وأُبْنَى بضم الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح النون مقصور على وزن حبلى، ويقال أبني بالياء آخر الحروف المضمومة مع ضم الهمزة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 103 والغارة لا تكون بدعوة. فإن أبوا ذلك استعانوا بالله عليهم وحاربوهم، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حديث سليمان بن بريدة: «فإن أبوا ذلك فادعهم إلى إعطاء الجزية إلى أن قال: فإن أبوها فاستعن بالله عليهم وقاتلهم» ولأنه تعالى هو الناصر لأوليائه والمدمر على أعدائه فيستعان بالله في كل الأمور، قال: ونصبوا عليهم المجانيق كما نصب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الطائف وحرقوهم، لأنه   [البناية] وقال الأترازي: موضع بالشام وهو فلسطين، والأصح أنه عن فلسطين بين الرملة وعسقلان م: (والغارة لا تكون بدعوة) ش: لأن فيها ستر الأمر والإسراع والغارة اسم مصدر للإغارة الذي هو مصدر أغار الثعلب إذا أسرع في العدو. م: (فإن أبوا ذلك) ش: أي فإن امتنعوا عن الجزية م: (استعانوا بالله عليهم وحاربوهم لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (في حديث سليمان بن بريدة: «فإن أبوا ذلك فادعهم إلى إعطاء الجزية ... إلى أن قال: فإن أبوها فاستعن بالله عليهم وقاتلهم» ش: قد تقدم حديث سليمان بن بريدة عن قريب، وهو حديث طويل، وفيه «فإن هم أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم » الحديث. م: (ولأنه تعالى هو الناصر لأوليائه والمدمر على أعدائه) ش: أي المهلك وهو اسم فاعل من التدمير والأصوب المدمر أعداءه كما في قَوْله تَعَالَى: {فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} [الفرقان: 36] (الفرقان: الآية 36) . م: (فيستعان بالله في كل الأمور) ش: فيستعان على صيغة المجهول، وأمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حديث سليمان بن بريدة بالاستعانة أيضاً، حيث قال «فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم» . م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ونصبوا عليهم المجانيق) ش: وهو جمع منجنيق م: (كما نصب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الطائف) ش: هكذا ذكر الترمذي في الاستئذان مفصلا ولم يصل سنده، فقال: ففيه حديث وكيع عن رجل عن ثور بن يزيد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نصب المنجنيق على الطائف» قال قتيبة قلت لوكيع: من هذا الرجل؟ قال صاحبكم عمر بن غارون، ورواه أبو داود في " المراسيل " عن مكحول أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نصب على الطائف. ورواه ابن سعد في " الطبقات " عن مكحول وزاد أربعين يوماً، ورواه العقيلي في " الضعفاء " مستنداً عن محمد من حديث عبد الله بن خراش عن العوام بن حوشب عن أبي صادق عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نصب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المنجنيق فنصب على حصن الطائف» ويقال قدم بالمنجنيق يزيد بن ربيعة، وقيل غيره. م: (وحرقوهم) ش: كلام القدوري في " مختصره "، وعلله المصنف بقوله م: (لأنه عليه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 104 - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أحرق البويرة. وأرسلوا عليهم الماء وقطعوا أشجارهم وأفسدوا زروعهم، لأن في جميع ذلك إلحاق الكبت والغيظ بهم وكسر شوكتهم وتفريق جمعهم فيكون مشروعا، ولا بأس برميهم وإن كان فيهم مسلم أسير أو تاجر، لأن في الرمي دفع الضرر العام بالذب عن بيضة الإسلام، وقتل الأسير والتاجر ضرر خاص، ولأنه قلما يخلو حصن عن مسلم، فلو امتنع باعتباره لانسد بابه   [البناية] السلام) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (أحرق البويرة) ش: وهذا أخرجه الأئمة الستة عن الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قطع نخل بني النضير وحرق وهي البويرة» .... الحديث. م: (وأرسلوا عليهم الماء وقطعوا أشجارهم، وأفسدوا زروعهم) ش: كل ذلك من كلام القدوري، وقال الشافعي - في قول، وأحمد - في رواية - لا يفعلون ذلك إلا إذا كان الكفار يفعلون ذلك، وعلل المصنف بقوله م: (لأن في جميع ذلك إلحاق الكبت) ش: وهو الذل والهوان. وقال الأترازي: يقال كبته الله أي أهلكه، والمعنى الملائم ما ذكرناه م: (والغيظ بهم وكسر شوكتهم وتفريق جمعهم فيكون مشروعاً) ش:. م: (ولا بأس برميهم وإن كان فيهم مسلم أسير أو تاجر، لأن في الرمي دفع الضرر العام بالذب) ش: بالذال المعجمة وتشديد الباء، يقال ذب عنه يذب ذباً إذا منع عنه م: (عن بيضة الإسلام) ش: أي عن مجتمع الإسلام. وفي " المغرب " مجتمع أهل الإسلام يسمى أهل الإسلام بيضة تشبيهاً لبيضة النعامة وغيرها، لأن تلك مجتمع الولد م: (وقتل الأسير والتاجر ضرر خاص) ش: وفي الرمي عليهم دفع ضرر عام فيحتمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام. وروي عن الحسن بن زياد أنه إذا كان فيهم مسلم تاجر مستأمن أو أسير أو من أسلم منهم أنه لا يجوز، لأن قتل المسلم حرام، وقتل الكافر مباح، والمحرم مع المبيح إذا اجتمعا، فالرجحان للمحرم، وإن قتل المسلم لا يجوز الإقدام عليه، وقتل الكافر يجوز تركه، ألا ترى أن للإمام أن لا يقتل الأسارى لمنفعة المسلمين، فكان مراعاة جانب المسلمين أولى، ورد عليه بأن قتالهم فرض بالنص، فلو كان هذا العارض معتبراً للآدمي إلى سد باب الجهاد، فلا يجوز ذلك لأنه ماض إلى يوم القيامة. م: (ولأنه قلما يخلو حصن من مسلم، فلو امتنع باعتباره) ش: أي فلو امتنع الرمي باعتبار المسلم التاجر أو الأسير م: (لانسد بابه) ش: أي باب الجهاد فلا يعتد به، تحقيقه أن الرمي إليهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 105 وإن تترسوا بصبيان المسلمين أو بالأسارى لم يكفوا عن رميهم لما بينا، ويقصدون بالرمي الكفار، لأنه إن تعذر التمييز فعلا فلقد أمكن قصدا، إذ الطاعة بحسب الطاقة، وما أصابوه منهم لا دية عليهم ولا كفارة، لأن الجهاد فرض، والغرامات لا تقرن بالفروض، بخلاف حالة المخمصة   [البناية] جائز وإن كان فيهم نساؤهم وصبيانهم، فكذا إذا كان مسلماً، والجامع كون من لا يجوز قتله فيهم. م: (وإن تترسوا) ش: أي وإن استتروا، يقال تترس بالترس إذا توقى م: (بصبيان المسلمين أو بالأسارى لم يكفوا عن رميهم لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لانسد باب الجهاد، وقال الشافعي: إذا فعلوا ذلك لم يجز أن يبدأهم بالرمي. فإن بدؤونا جاز الرمي، ويقال للرامي اجتهد في إصابة المشرك وتجنب المسلم، وبقوله قال مالك وأحمد، وعن الشافعي لا يجوز ذلك إذا لم يأت بضرب المسلم. م: (ويقصدون بالرمي الكفار؛ لأنه إن تعذر التمييز فعلا فقد أمكن قصداً إذ الطاعة بحسب الطاقة) ش: لأن الله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها م: (وما أصابوه منهم) ش: أي وما أصاب المسلمين من صبيان المسلمين وأسراهم الذين تترس المشركون بهم م: (لا دية عليهم ولا كفارة) ش: أي لا يجب عليهم الدية ولا الكفارة. وعند الشافعي تجب الكفارة قولاً واحداً، وفي الدية فقولان، وفي " التهذيب " لو رمي في غير حال الضرورة وهو يعلم أنه مسلم يجب القود، وإن ظنه كافراً فلا قود وتجب الكفارة، وفي الدية قولان: وعن المزني: إن علم أنه مسلم ورمى للضرورة يجب الدية، قال أبو إسحاق إن قصده لزمته الدية علم أنه مسلم أو لا، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ليس في الإسلام دم مفرج» بالجيم، وقيل بالحاء المهملة أي مبطل دمه، وإن لم يقصده بعينه، بل رمى إلى الصف لم يلزمه الدية، كذا في " شرح الوجيز ". م: (لأن الجهاد فرض، والغرامات لا تقرن بالفروض) ش: أي الإتيان بالفروض، لا يقرن به الغرامات، لأن الفرض مأمور به، وسبب الغرامات عدوان محض منهي عنه وبين الأمرين منافاة. فإن قلت: هذا تعليل في مقابل قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ليس في الإسلام دم مفرج» ، والتعليل في مقابلة النص باطل. قلت: هذا عام خص منه البغاة وقطاع الطريق، فتخص صورة النزاع بما قلنا. م: (بخلاف حالة المخمصة) ش: هذا جواب عما قاس عليه الحسن، وقال إطلاق الرمي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 106 لأنه لا يمتنع مخافة الضمان لما فيه من إحياء نفسه، أما الجهاد فمبني على إتلاف النفس فيمتنع حذر الضمان. ولا بأس بإخراج النساء والمصاحف مع المسلمين إذا كان عسكرا عظيما يؤمن عليه، لأن الغالب هو السلامة، والغالب كالمتحقق. ويكره إخراج ذلك في سرية لا يؤمن عليها، لأن فيه تعريضهن على الضياع والفضيحة، وتعريض المصاحف على الاستخفاف فإنهم يستخفون بها مغايظة للمسلمين وهو التأويل الصحيح   [البناية] لضرورة إقامة الجهاد لا ينفي الضمان كتفاؤل حال الغير حالة المخمصة لمكان الضرورة، ويجب الضمان، تقدير الجواب أن حالة المخمصة بخلاف هذا م: (لأنه) ش: أي لأن صاحب المخمصة م: (لا يمتنع) ش: عن أكل مال الغير م: (مخافة الضمان) ش: أي لأجل الخوف عن الغرامة م: (لما فيه) ش: أي في أكل مال الغير م: (من إحياء نفسه) ش: وهو منعة عظيمة يتحمل بسببها بدل الضمان م: (أما الجهاد فمبني على إتلاف النفس) ش: أي نفس الكفار، وقد يكون فيهم مسلمون م: (فيمتنع) ش: أي عن الجهاد الفرض م: (حذر الضمان) ش: أي لأجل قدرة عن الضمان، وهو منصوب على أنه مفعول له وذا عن الجواز كما لا يجوز وجوب الدية. والكفارة على الإمام فيما إذا مات الزاني من جلده أو رجمه، ولو وجب لامتنع عن القضاء ولا يتقلده أحد، ويجوز أن يكون المعنى أن الجهاد مبني على إتلاف النفس مطلقاً، لأن المجاهد إما أن يقتل وقد يصارف المسلم أو يقتل، فلو ألزمنا الضمان امتنع من الجهاد والفرض، لكونه خاسراً في الحالتين، بخلاف ما إذا لم يضمن. [إخراج النساء والمصاحف مع المسلمين في الجهاد] م: (ولا بأس بإخراج النساء والمصاحف مع المسلمين إذا كان عسكراً عظيماً يؤمن عليه) ش: أي على العسكر أو على إخراج النساء والمصاحف م: (لأن الغالب هو السلامة والغالب كالمتحقق، ويكره إخراج ذلك في سرية) ش: وهي عدد قليل يسيرون بالليل ويسكنون بالنهار، ذكره في " المبسوط ". وقال محمد في " السير الكبير ": أفضل ما يبعث في السرية أدناه ثلاثة، ولو بعث بما دونه جاز، وعن أبي حنيفة أقل السرية مائة، وقال الحسن بن زياد من قول نفسه أقل السرية أربعمائة، وأقل الجيش أربعة آلاف. وفي " فتاوى قاضي خان " ذكر قول الحسن قول أبي حنيفة م: (لا يؤمن عليها) ش: أي على السرية لقلتهن م: (لأن فيه) ش: أي في إخراج ذلك م: (تعريضهن) ش: أي تعريض النساء م: (على الضياع والفضيحة، وتعريض المصاحف على الاستخفاف، فإنهم يستخفون بها مغايظة للمسلمين) ش: أي لأجل غيظهم لهم م: (وهو التأويل الصحيح) ش: أي تعريض المصاحف على الاستخفاف وهو التأويل الصحيح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 107 لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تسافروا بالقرآن في أرض العدو» . ولو دخل مسلم إليهم بأمان لا بأس بأن يحمل معه المصحف إذا كانوا قوما يوفون بالعهد، لأن الظاهر عدم التعرض، والعجائز يخرجن في العسكر العظيم لإقامة عمل يليق بهن كالطبخ والسقي والمداواة، فأما الشواب فإقامتهن في البيوت أدفع للفتنة، ولا يباشرن القتال، لأنه يستدل به على ضعف المسلمين إلا عند الضرورة ولا يستحب إخراجهن للمباضعة   [البناية] م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا تسافروا بالقرآن في أرض العدو» ش: هذا الحديث رواه الجماعة إلا الترمذي من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو، ويخاف أن يقال له لعدو» . واعلم أن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - حمل الحديث على الجيش الصغير الذي لا يؤمن معه ضياعه والشافعية، معنى ذلك وأخذ المالكية بإطلاقه، وقال القرطبي ولا فرق بين الجيش والسرايا عملاً بإطلاق الحديث، وهو إن كان يقبله العدو له في الجيش العظيم نادراً فشأنه وسقوطه ليس بنادر. قلت: الظاهر مع المالكية على ما لا يخفى، والمراد بالقرآن في الحديث المصحف، وقد جاء مفسراً في بعض الأحاديث، وأشار إليه البخاري بقوله باب السفر بالمصحف إلى أرض العدو، وفي " المحيط " ويكره إدخال المصاحف وكتب الفقه في سرية، ذكره في " السير الكبير "، وإنما قيد التأويل بالصحيح احترازاً عما قيل: إن النهي كان في ابتداء الإسلام لقلة المصاحف كيلا ينقطع عن أيدي الناس، فأما الآن فقد كثرت فلا بأس بإخراجها مطلقاً، وكذا قال أبو الحسن العمي والطحاوي. قلت: هذا ظاهر لا يخفى. م: (ولو دخل المسلم إليهم بأمان لا بأس بأن يحمل معه المصحف إذا كانوا قوماً يوفون بالعهد، لأن الظاهر عدم التعريض، والعجائز يخرجن في العسكر العظيم لإقامة عمل يليق بهن كالطبخ والسقي والمداواة) ش: أي مداواة الجرحى م: (وأما الشواب فإقامتهن في البيوت ادفع للفتنة) ش: وإن كانوا يريدون المباضعة فيخرج بالإماء لا بالحرائر. م: (ولا يباشرن) ش: أي العجائز م: (القتال، لأنه يستدل به) ش: أي بقتال العجائز م: (على ضعف المسلمين إلا عند الضرورة) ش: وقد روي «أن أم سليم قاتلت يوم خبير ووضعت شارة على بطنها حتى قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مقامها خير من مقام فلان وفلان» ، أي من المنهزمين. م: (ولا يستحب إخراجهن) ش: أي إخراج النساء الشواب م: (للمباضعة) ش: للجماع م: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 108 والخدمة، فإن كانوا لا بد من خروجهن فبالإماء دون الحرائر. ولا تقاتل المرأة إلا بإذن زوجها، ولا العبد إلا بإذن مولاه لما بينا، إلا أن يهجم العدو على بلد للضرورة. وينبغي للمسلمين أن لا يغدروا ولا يغلوا ولا يمثلوا؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا» ، والغلول السرقة من المغنم، والغدر الخيانة ونقض العهد، والمثلة المروية في قصة العرنيين منسوخة بالنهي المتأخر هو المنقول، ولا تقتلوا امرأة ولا صبيا ولا شيخا فانيا ولا مقعدا ولا أعمى، لأن المبيح للقتل عندنا هو الحراب فلا يتحقق منه، ولهذا لا يقتل يابس الشق، والمقطوع اليمنى، والمقطوع يده ورجله من خلاف، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا في الشيخ والمقعد والأعمى؛ لأن المبيح عنده الكفر   [البناية] (والخدمة، فإن كانوا لا بد من خروجهن فبالإماء) ش: أي فيخرج الإماء جمع أمة م: (دون الحرائر) ش: جمع حرة. م: (ولا تقاتل المرأة إلا بإذن زوجها، ولا العبد إلا بإذن مولاه لما بينا) ش: أشار به إلى قوله لتقدم حق الولي والزوج م: (إلا أن يهجم العدو على بلد للضرورة) ش: هذا استثناء من قوله ولا تقاتل المرأة يعني عند الضرورة، وعند الضرورة يقاتلان، الجهاد حينئذ يصير فرض عين. [محرمات الجهاد ومكروهاته] م: (وينبغي للمسلمين أن لا يغدروا ولا يغلوا ولا يمثلوا؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا» ش: هذا في حديث سليمان بن بريدة وقد تقدم بعضه، وفيه: «اغزوا ولا تغدورا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا» م: (والغلول السرقة من المغنم، والغدر الخيانة ونقض العهد، والمثلة المروية في قصة العرنيين منسوخة بالنهي المتأخر هو المنقول) ش: هذا كأنه جواب عن سؤال مقدر كأن القائل يقول هذا الحديث يدل على تحريم المثلة، وحديث العرنيين يدل على إباحتها؟ فأجاب بقوله وحديث العرنيين منسوخ بالنهي المتأخر عن حديث العرنيين. والدليل على تأخر النهي ما رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن عمران بن حصين أنه قال: «ما قام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يعد ماشل الأركان محطياً على الصدقة وينهانا عن المثلة» وتخصيصه بالذكر في خطبته يدل على تأكد الحرمة، والمثلة من مثلت بالرجل أمثل به مثلاً ومثلة إذا سودت وجهه أو قطعت أنفه أو ما أشبه ذلك ذكره في " الفائق ". م: «ولا تقتلوا امرأة ولا صبياً ولا شيخاً فانياً ولا مقعداً ولا أعمى» ش: هذا كله من كلام القدوري في مختصره، وعلله المصنف بقوله م: (لأن المبيح للقتل عندنا هو الحراب، فلا يتحقق منه، ولهذا لا يقتل يابس الشق) ش: أي المفلوج، ويراد باليبس بطلان حسه وذهاب حركته لا أنه ميت حقيقة، كذا في " المغرب " م: (والمقطوع اليمين، والمقطوع يده ورجله من خلاف، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا في الشيخ والمقعد والأعمى؛ لأن المبيح عنده الكفر) ش: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 109 والحجة عليه ما بينا، وقد صح «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن قتل الصبيان والذراري، وحين رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امرأة مقتولة قال هاه، ما كانت هذه تقاتل فلم قتلت؟!»   [البناية] أي المبيح للقتل عند الشافعي الكفر، هذا في قول عن الشافعي. وفي قول آخر كقولنا، وبه قال مالك وأحمد وفي شرح " الوجيز " وفي الشيوخ الضعفاء والعميان والزمنى ومقطوعة الأيدي والرجل قولان، في قول: يجوز قتلهم، وبه قال أحمد في رواية، وفي قول: لا يجوز م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي م: (ما بينا) ش: وهو قوله لا يقتل يابس الشق. فإن قلت: احتج الشافعي بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم ... » الحديث يروى عن سمرة بن جندب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قلت: المراد من الشيوخ الذين يقاتلون توفيقاً بين الحديثين، أو من له رأي في الحرب كما قتل دريد بن الصمة يوم أوطاس وهو ابن مائة وعشرين سنة، لأنه كانوا يأخذون برأيه في الحرب، وقتله ربيعة بن رفيع من المسلمين. م: (وقد صح «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن قتل الصبيان والذراري» ش: هذا حديث غريب بهذا اللفظ ولم يتكلم أحد من الشراح فيه غير أن بعضهم قالوا المراد بالذراري النساء مجازاً باعتبار السبب، إذ النساء سبب لحصول الذراري، ولا يمكن جريه على حقيقته بدليل عطفه على الصبيان. قلت: هذا التكلف كله لأجل قول المصنف، وقد صح ولم يصح بهذا اللفظ، وإنما الذي صح ما رواه الجماعة، إلا ابن ماجه عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مقتوله فنهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قتل النساء والصبيان» وفي لفظ الشيخين «فأنكر قتل النساء والصبيان» . م: «وحين رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امرأة مقتولة قال هاه، ما كانت هذه تقاتل فلم قتلت» ش: هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي بإسنادهما إلى رياح بن الربيع قال: «كنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شيء، فبعث رجلا فقال: انظر على ما اجتمع هؤلاء، فجاء فقال: امرأة قتيل. فقال ما كانت هذه لتقاتل، وعلى المقدمة خالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فبعث رجلاً فقال: قل لخالد لا تقتلن امرأة ولا صبياً» وأخرجه أحمد في " مسنده " وابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه "، وفي لفظه فقال: «هذه ما كانت لتقاتل» . ورياح بالياء آخر الحروف، ويقال بالباء الموحدة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 110 قال: إلا أن يكون أحد هؤلاء ممن له رأي في الحرب، أو تكون المرأة ملكة لتعدي ضررها إلى العباد، وكذا يقتل من قاتل من هؤلاء دفعا لشره، ولأن القتال مبيح حقيقة. ولا يقتلوا مجنونا، لأنه غير مخاطب إلا أن يقاتل فيقتل دفعا لشره، غير أن الصبي والمجنون يقتلان ما داما يقاتلان وغيرهما لا بأس بقتله بعد الأسر، لأنه من أهل العقوبة لتوجه الخطاب نحوه   [البناية] وقال الدارقطني: ليس في الصحابة أحد يقال له رياح إلا هذا مع اختلاف فيه، وقال ابن ماكولا: رياح بالياء الموحدة ابن ربيع حنظة الكاتب له صحبة، روى عنه المدفع بن صفي، وقيل فيه: رياح بالياء المعجمة بنقطتين من تحتها، قوله: هاه كلمة تنبيه، والهاء في آخرها ليسكت. م: (قال: إلا أن يكون أحد هؤلاء ممن له رأي في الحرب) ش: هذا لفظ القدوري في " مختصره " استثناء من قوله: «ولا تقتلوا امرأة ولا صبياً ولا شيخاً فانياً ولا أعمى ولا مقعداً» إلا أن يكون أحد هؤلاء ممن له رأي في الحرب. وقد نقل المصنف قوله: «ولا تقتلوا امرأة .... » إلى آخره، ثم تكلم ما ذكره بعده ثم نقل إسناده بقوله إلا أن يكون إلى آخره، وقال أبو بكر الرازي في كتاب " المرتد " من " شرح الطحاوي "، وأما الشيخ الفاني فأنا أقتله إذا كان ذا رأي في الحرب أو كان كامل العقل، ومثله يقتله إذا ارتد، والذي لا تقتله هو الشيخ الفاني الذي خرف وزال عن حدود العقلاء المميزين. فهذا حينئذ يكون بمنزلة المجنون والصبي، فلا يقتل إذا كان حربياً، ولا إذا ارتد، وأما الذميون فهم بمنزلة الشيوخ ويجوز قتلهم إذا رأى الإمام ذلك، كما يقتل سائر الناس بعد أن يكونوا عقلاء، ويقتلهم إذا ارتدوا، كذا في " شرح الطحاوي ". م: (أو تكون المرأة ملكة) ش: هذا أيضاً من جملة كلام القدوري، ذكره بعد قوله: إلا أن يكون أحد هؤلاء ممن له رأي في الحرب م: (لتعدي ضررها) ش: أي لتعدي ضرر المرأة الملكة م: (إلى العباد) ش: باعتبار حكمها م: (وكذا يقتل من قاتل من هؤلاء) ش: أشار به إلى الشيخ الفاني والأعمى والمقعد والمرأة م: (دفعاً لشره) ش: أي يقتل القاتل من هؤلاء لأجل دفع شره عن المسلمين م: (ولأن القتال مبيح حقيقة) ش: أي لأن قتال هؤلاء مبيح لقتالهم من حيث الحقيقة لكفرهم وإيذائهم. م: (ولا يقتلوا مجنوناً لأنه غير مخاطب، إلا أن يقاتل فيقتل دفعاً لشره، غير أن الصبي والمجنون يقتلان ما داما يقاتلان) ش: دفعاً لشرهما م: (وغيرهما) ش: أي وغير الصبي والمجنون م: (لا بأس بقتله بعد الأسر، لأنه من أهل العقوبة لتوجه الخطاب نحوه) ش: بالعقل والبلوغ، وكذلك الرهابين إذا قاتلوا حيث يباح قتلهم جزاء على قتالهم. وفي " السير الكبير ": لا يقتل الراهب في صومعة ولا أهل الكنائس الذي لا يخالطون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 111 وإن كان يجن ويفيق فهو في حال إفاقته كالصحيح. ويكره أن يبتدئ الرجل أباه من المشركين فيقتله لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وصاحبهما في الدّنيا معروفا} [لقمان: 15] (لقمان: الآية 35) ، ولأنه يجب عليه إحياؤه بالإنفاق عليه فيناقضه الإطلاق في إفنائه، فإن أدركه امتنع عليه حتى يقتله غيره، لأن المقصود يحصل بغيره من غير اقتحامه المأثم، وإن قصد الأب قتله بحيث لا يمكنه دفعه إلا بقتله لا بأس به، لأن مقصوده الدفع، ألا ترى أنه لو شهر الأب المسلم سيفه على ابنه ولا يمكنه دفعه إلا بقتله يقتله لما بينا، فهذا أولى   [البناية] الناس، فإن خالطوا يقتلون كالقسيس وغيره، وكذلك الراهب إن دل على عورة المسلمين جاز قتله م: (وإن كان) ش: أي المجنون م: (يجن ويفيق فهو في حال إفاقته كالصحيح) ش: يعني يقتل حال إفاقته سواء وجد منه القتال أو لا لكونه مقاتلاً مخاطباً، ولا خلاف فيه للأئمة الأربعة. م: (ويكره أن يبتدئ الرجل أباه من المشركين فيقتله) ش: بنصب اللام م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] (لقمان: الآية 35) ش: وفي السير الكبير: المراد الأبوان المشركان بدليل قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي} [لقمان: 15] (لقمان الآية 35) ، وليس من المعروف أن يقتله أن يتركهما حرزاً للسباع، وروي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - منع أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن قتل أبيه يوم بدر، ولا خلاف عليه. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الابن م: (يجب عليه إحياؤه) ش: أي إحياء أبيه م: (بالإنفاق عليه) ش: والإنفاق سبب الإحياء م: (فيناقضه الإطلاق في إفنائه) ش: أي تناقض الإحياء إطلاقاً وقتل بإفنائه ولزوم المناقض لا يجوز، وقال الأترازي: الإطلاق في إفنائه، أي إفناء الأب م: (فإن أدركه) ش: أي فإن أدرك الابن أباه في الحرب م: (امتنع عليه) ش: أي امتنع الابن عن قتل أبيه وانتفاء عليه بأن يعالجه فيضرب قوائم فرسه ونحو ذلك. م: (حتى يقتله غيره) ش: أي غير الابن لئلا يلحقه مأثم بمباشرة قتل أبيه، وفي " الذخيرة ": لو ظفر عليه قتل أبيه لا ينبغي أن يقصده بالقتل، ولا ينبغي أن يمكنه من الرجوع حتى لا يعود حرباً علينا، ولكنه يلحقه إلى موضع يتمسك به حق غيره فيقتله، م: (لأن المقصود) ش: أي من يقتله م: (يحصل بغيره) ش: أي بغير الابن م: (من غير اقتحامه الإثم) ش: أي من غير دخوله في الإثم بقتل أبيه. م: (وإن قصد الأب قتله) ش: أي قتل ابنه م: (بحيث لا يمكنه دفعه) ش: أي بحيث لا يمكن الابن دفع أبيه عنه م: (إلا بقتله لا بأس به) ش: أي يقتله حينئذ م: (لأن المقصود الدفع) ش: عن نفسه م: (ألا ترى أنه لو شهر الأب المسلم سيفه على ابنه) ش: وقد قصد قتل ابنه م: (ولا يمكنه دفعه إلا بقتله يقتله لما بينا) ش: أشار به إلى قوله لأن مقصوده الدفع م: (فهذا أولى) ش: لأنه كان هكذا في الأم والجد والجدة، ولو كان المشرك حالا أن يبتدئ بالقتل، وعند الشافعي يكره أن يقتل ذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 112 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] رحم محرم من الكفار، وفي الرحم غير المحرم وجهان، في وجه يكره، والثاني لا يكره، وقول مالك وأحمد كقولنا. وفي " شرح الطحاوي ": وما سوى السوء الدين من ذوي الرحم المحرم فلا بأس بقتله، هذا في الكافر، وأما في أهل الخوارج والبغي فكل ذي رحم محرم كالأب سواء، وأما في الرحم في باب الزنا فإن البداية بالشهود شرط، فلو كان الشاهد هو الولد فلا بأس بأن يرمي ولا يقصد القتل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 113 باب الموادعة ومن يجوز أمانه وإذا رأى الإمام أن يصالح أهل الحرب أو فريقا منهم وكان في ذلك مصلحة للمسلمين فلا بأس به؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها وتوكّل على الله} [الأنفال: 61] (الأنفال: الآية 61) ، «ووادع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل مكة عام الحديبية على أن يضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين»   [البناية] [باب الموادعة ومن يجوز أمانه] م: (باب الموادعة ومن يجوز أمانه) ش: أي هذا باب في بيان جواز الموادعة أي المصالحة، وسميت المصالحة بالموادعة لأنها مشاركة من الودع، وهو الترك بأن يدع كل واحد فريقي المسلمين والكافرين القتال مع الآخر، وذكر ترك القتال بعد ذكر القتال ظاهر، لأن ترك الشيء يقتضي وجود ذلك الشيء سابقاً لا محالة. قوله: ومن يجوز أمانه، أي في بيان من يجوز أمانه. م: (وإذا رأى الإمام أن يصالح أهل الحرب أو فريقاً منهم، وكان في ذلك مصلحة للمسلمين فلا بأس به) ش: أي بالصلح درءاً عليه. قوله: أن يصالح أهل الحرب، وفي بعض النسخ: وكان في ذلك مصلحة فعلى النسخة الأولى لفظ مصلحة منصوب بأنه خبر كان، وعلى النسخة الأخرى مرفوع لأنه اسم كان وخبره قوله: في ذلك، وقيد بقوله مصلحة لأنه إذا لم يكن مصلحة لا يجوز المصلحة بأن يكون المسلمين ضعف. أو كانت الموادعة خيراً للمسلمين ذكره الكرخي في مختصره م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61] م: (الأنفال: الآية 61) ش: أي وإن مالوا للصلح، يقال: جنح له وإليه إذا مال، وفي السلم ثلاث لغات فتح السين وكسرها وفتحها جميعاً، وهي مما يذكر ويؤنث ولذلك قيل {فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] . فإن قيل: هذه الآية منسوخة في قول ابن عباس بقوله: فاقتلوا الذين لا يؤمنون، وفي قول مجاهد بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] (التوبة: الآية 5) ، فكيف جاز الاحتجاج بها؟ أجيب: بأن هذه الآية محمولة على ما إذا كانت في المصالحة مصلحة للمسلمين بدليل آية أخرى وهي قَوْله تَعَالَى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [محمد: 35] (محمد: الآية 35) ، وبدليل الآية الموجبة للقتال والألزم التناقص لما أن موجب الأمر بالقتال مخالف الأمر بالمصالحة، فلا بد من التوفيق بينهما، وهو بما ذكرنا بدليل موادعة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل مكة على ما ذكر في الكتاب. وقال في " الكشاف ": إن الأمر موقوف على ما يرى فيه الإمام صلاح الإسلام وأهله من حرب أو سلم وليس بحتم أن يقاتلوا أبداً أو يحاربوا إلى الهدنة أبداً. م: (ووادع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل مكة عام الحديبية على أن يضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 114 ولأن الموادعة جهاد معنى إذا كان خيرا للمسلمين لأن المقصود وهو دفع الشر حاصل به، ولا يقتصر الحكم على المدة المروية لتعدي المعنى إلى ما زاد عليها، بخلاف ما إذا لم تكن خيرا لأنه ترك الجهاد صورة ومعنى.   [البناية] ش: الحديث رواه أحمد في مسنده مطولاً من حديث محمد بن إسحاق، وفيه «خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام الحديبية يريد زيارة البيت لا يريد قتالاً وساق الهدي مع سبعين بدنة، وكان الناس سبعمائة رجل إلى أن قال: هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض..» الحديث. وقال الأترازي: فيه نظر، أي في الذي ذكره صاحب الهداية، لأن الصلح عند أصحاب المغازي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وادعهم على ترك القتال سنين، هكذا ذكره المعتمر ابن سليمان في كتابه عن أبيه انتهى. قلت: كلامه يدل على أن عشر سنين غير صحيح ولم يطلع في كتب الحديث، فهذا من رواية أحمد عشر سنين، وفي سيرة ابن هشام عشر سنين، وفي سنن أبي داود عشر سنين، وفي مغازي الواقدي عشر سنين، نعم وقع في رواية البيهقي في " دلائل النبوة " سنتين من رواية موسى ابن عتبة. وكذلك في رواية ابن عائد عن محمد بن شعيب أن مدة الصلح كانت سنتين بعد ذلك، قال أبو الفتح العميري: أهل النقل يختلفون في تجريد المعرة بعشر سنين. وقال السهيلي في " الروض الأنف " اختلف العلماء هل يجوز الصلح إلى أكثر من عشر سنين؟ رجحه المشائعين أن منع الصلح هو الأصل، بدليل آية القتال، وقد ورد التحديد بالعشر في حديث ابن إسحاق فحصلت الإباحة في هذا القدر، ويبقى الزائد على الأصل انتهى، وهذا هو التحقيق في تجريد الكلام في هذا المقام، فإن أحداً من الشراح لم يسلك فمنهم من سكت عنه بالكلية. م: (ولأن الموادعة جهاد معنى إذا كان خيراً للمسلمين، لأن المقصود وهو دفع الشر حاصل به) ش: أي بالموادعة، وإنما ذكر الضمير باعتبار معنى الصلح، وكذا الكلام في تذكير الضمير في قوله إذا كان خيراً م: (ولا يقتصر الحكم على المدة المروية) ش: يعني عشر سنين، لأن مدة الموادعة تدور مع المصلحة وهي قد تزيد وقد تنقص م: (لتعدي المعنى) ش: وهو دفع الشر م: (إلى ما زاد عليها) ش: أي على المدة المروية م: (بخلاف ما إذا لم تكن خيراً) ش: متصل بقوله إذا كان خيراً، يعني لا يجوز الصلح إذا لم يكن خيراً للمسلمين م: (لأنه ترك الجهاد صورة ومعنى) ش: أما صورة فظاهر حيث ترك القتال. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 115 وإن صالحهم مدة ثم رأى نقض الصلح أنفع نبذ إليهم الإمام وقاتلهم؛ «لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نبذ الموادعة التي كانت بينه وبين أهل مكة،» ولأن المصلحة لما تبدلت كان النبذ جهادا وإيفاء العهد ترك الجهاد صورة ومعنى، ولا بد من النبذ تحرزا عن الغدر، وقد قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في العهود وفاء لا غدر   [البناية] وأما معنى فلأنه لما لم يكن فيه مصلحة للمسلمين لم يكن في تلك الموادعة دفع الشر فلم يحصل الجهاد معنى أيضاً. [صالح الإمام أهل الحرب مدة معينة] م: (وإن صالحهم مدة) ش: أي وإن صالح الإمام أهل الحرب مدة معينة م: (ثم رأى نقض الصلح أنفع نبذ إليهم) ش: من النبذ وهو الطرح، والمراد بالنبذ نقض العهد وهو م: (الإمام) ش: ينقضه لأنه إنما أخبرهم طرحه إليهم، ولا بد من بلوغ خبر النبذ إلى جميعهم احترازاً عن الغدر، ومتى علم المسلمون أن القوم لم يعلموا بذلك لم يجز لهم أن يغيروا عليهم حتى تمضي المدة المذكورة. وقد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وادع قريشاً فلما أراد النبذ بعث إلى مكة ينادي بنقض الصلح على ما يجيء. م: (وقاتلهم لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (نبذ الموادعة التي كانت بينه وبين أهل مكة) ش: كانت هذه الموادعة في يوم الحديبية، وكان فيها: من شاء أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل، ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فدخلت خزاعة في عهد محمد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ودخلت بنو بكر في عقد قريش فمكثوا في الهدنة نحو السبعة أو الثمانية عشر شهراً، ثم إن بني بكر وبني خزاعة قاتلوهم، وجاء الخبر بذلك إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم أمر الناس فتجهزوا، «فقال أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يا رسول الله ألم تكن بينك وبينهم مدة، قال: " ألم يبلغك ما صنعوا» ، رواه البيهقي في " دلائل النبوة " ورواه ابن أبي شيبة مرسلاً، وفيه «فقال أبو بكر: ما قاله الآن فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنهم غدروا فنقضوا العهد فأنا عاد منهم ... » الحديث. م: (ولأن المصلحة لما تبدلت كان النبذ جهاداً وإيفاء العهد ترك الجهاد) ش: أي إيفاء العهد المنقوض ترك الجهاد م: (صورة ومعنى) ش: أما صورة فظاهر، لأنه فيه ترك القياس، وأما معنى فلعدم دفع الشر، وهو ترك الجهاد من حيث المعنى م: (ولا بد من النبذ تحرزاً عن الغدر، وقد قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: في العهود وفاء لا غدر) ش: ليس هذا الحديث من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما هو من كلام عمرو ابن عيينة وله قصة، رواه أبو داود والنسائي الترمذي عن شعبة أخبرني أبو الفيض عن سليم بن عامر رجل من حمير قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد وكان يسير نحو بلادهم حتى إذا انقضى العهد غزاهم فجاء رجل على فرس وهو يقول: الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدر فنظروا فإذا هو عمرو بن عيينة وأرسل معاوية إليه فسأله فقال سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا ينبذ عهده ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء» ، فرجع معاوية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 116 ولا بد من اعتبار مدة يبلغ فيها خبر النبذ إلى جمعهم ويكتفى في ذلك بمضي مدة يتمكن ملكهم بعد علمه بالنبذ من إنفاذ الخبر إلى أطراف مملكته، لأن بذلك ينتفي الغدر، قال: وإن بدءوا بخيانة قاتلهم ولم ينبذ إليهم إذا كان ذلك باتفاقهم؛ لأنهم صاروا ناقضين للعهد فلا حاجة إلى نقضه، بخلاف ما إذا دخل جماعة منهم فقطعوا الطريق ولا منعة لهم، حيث لا يكون هذا نقضا للعهد. ولو كانت لهم منعة وقاتلوا المسلمين علانية يكون نقضا للعهد في حقهم دون غيرهم، لأنه بغير إذن ملكهم ففعلهم لا يلزم غيرهم حتى لو كان بإذن ملكهم صاروا ناقضين للعهد، لأنه باتفاقهم معنى، وإن رأى الإمام موادعة أهل الحرب وأن يأخذوا على ذلك مالا فلا   [البناية] بالناس، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. م: (ولا بد من اعتبار مدة يبلغ فيها خبر النبذ إلى جمعهم ويكتفى في ذلك بمضي مدة يتمكن ملكهم بعد علمه بالنبذ من إنفاذ الخبر إلى أطراف مملكته، ولأن بذلك ينتفي الغدر) ش: قال الله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] (الأنفال: الآية 58) ، أي على سواء منكم ومنهم في العلم بذلك فعرفنا أن لا يحل قتالهم قبل النبذ وقبل أن يعلموا بذلك ليعودوا إلى ما كانوا عليه من التحصين وكان ذلك للتحرز عن الغدر. قوله: خيانة أي نقضاً للعهد. [بدء الكفار بالخيانة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن بدءوا بخيانة قاتلهم) ش: أي الإمام م: (ولم ينبذ إليهم إذا كان ذلك) ش: أي نقض العهد م: (باتفاقهم لأنهم صاروا ناقضين للعهد فلا حاجة إلى نقضه) ش: أي نقض العهد م: (بخلاف ما إذا دخل جماعة منهم) ش: أي من أهل دار الحرب م: (فقطعوا الطريق) ش: في دار الإسلام م: (ولا منعة لهم) ش: أي والحال أنهم لا قوة لهم ولا شوكة م: (حيث لا يكون هذا نقضاً للعهد) ش: لا في حقهم ولا في حق غيرهم، كذا في نقض العهد في دارنا. م: (ولو كانت لهم منعة وقاتلوا المسلمين علانية يكون نقضاً للعهد في حقهم دون غيرهم) ش: من أهل الحرب منهم م: (لأنه) ش: أي لأن فعلهم هذا م: (بغير إذن ملكهم ففعلهم لا يلزم غيرهم حتى لو كان بإذن ملكهم صاروا ناقضين للعهد) ش: في حق جميعهم لوجود الرضى منهم، وهو معنى قوله: م: (لأنه باتفاقهم معنى) ش: أي باتفاق الكل. م: (وإن رأى الإمام موادعة أهل الحرب) ش: إنما كرر هذا بعد أن بين حكم موادعة أهل الحرب لأن القدوري لم يذكر الموادعة على المال ولم يذكر الموادعة مع المرتدين أيضاً. وذكر ذلك كله في " الجامع الصغير "، فكذلك كرر موادعة الحرب وذكر الموادعة على المال بقوله م: (وأن يأخذ على ذلك مالاً) ش: أي وإذا رأوا أيضاً أن يأخذوا مالاً في الموادعة م: (فلا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 117 بأس به؛ لأنه لما جازت الموادعة بغير المال، فكذا بالمال، لكن هذا إذا كان بالمسلمين حاجة، أما إذا لم يكن لا يجوز لما بينا من قبل، والمأخوذ من المال يصرف مصارف الجزية، هذا إذا لم ينزلوا بساحتهم بل أرسلوا رسولا لأنه في معنى الجزية. أما إذا أحاط الجيش بهم ثم أخذوا المال فهو غنيمة بخمسها ويقسم الباقي بينهم؛ لأنه مأخوذ بالقهر معنى، وأما المرتدون فيوادعهم الإمام حتى ينظر في أمرهم؛ لأن الإسلام مرجو منهم فجاز تأخير قتالهم طمعا في إسلامهم. ولا يأخذ عليه مالا؛ لأنه لا يجوز أخذ الجزية من أهل الردة لما بينا. ولو أخذه لم يرده لأنه مال غير معصوم.   [البناية] بأس به لأنه لما جازت الموادعة بغير المال، فكذا بالمال) ش: وهو أولى، أي فكذا يجوز بالمال. م: (لكن هذا إذا كان بالمسلمين حاجة، أما لم يكن) ش: أي الحاجة م: (لا يجوز) ش: لأنه يشبه الأجر م: (لما بينا من قبل) ش: أشار به إلى قوله أنه ترك الجهاد صورة ومعنى، هكذا فسر الأكمل. وقال الكاكي: لما بينا من قبل، وهو أنه لا يحل قتالهم قبل النبذ. وقال الأترازي: قوله: لما بينا من قبل إشارة إلى ما ذكر قبل هذا محظور بقوله: لأنه ترك الجهاد صورة ومعنى. ويجوز أن يكون هذا إشارة إلى قوله لأنه نسبة الأجر قبل باب كيفية القتال بخمسة خطوط، وكتب شيخي بخطه في هذا إشارة إلى أنه ترك الجهاد صورة ومعنى م: (والمأخوذ من المال) ش: منهم على الموادعة م: (يصرف مصارف الجزية، هذا إذا لم ينزلوا بساحتهم، بل أرسلوا رسولاً) ش: أي بدارهم للحرب ولا خمس فيه م: (لأنه في معنى الجزية أما إذا أحاط الجيش بهم ثم أخذوا المال فهو غنيمة بخمسها) ش: أي يخرج الخمس منها م: (ويقسم الباقي بينهم) ش: أي بين جيش المجاهدين القائمين م: (لأنه مأخوذ بالقهر معنى) ش: أي من حيث المعنى، لأنه مأخوذ بعد الفتح بالقتال. [موادعة المرتدون] م: (وأما المرتدون فيوادعهم الإمام) ش: إذا طلبوا ذلك وجاء الإسلام منهم فيؤخر القتل عنهم م: (حتى ينظر في أمرهم، لأن الإسلام مرجو منهم فجاز تأخير قتالهم طمعاً في إسلامهم) ش: قال الفقيه أبو الليث في " شرح الجامع الصغير ": هذا إذا غلبت المرتدون على مدينة وصارت دارهم دار الحرب يدل على ما ذكره الفقيه وضع المسألة في مختصر الكرخي بقوله: غلب المرتدون على دار من دور الإسلام فلا بأس بموادعتهم عند الخوف. م: (ولا يأخذ عليه مالاً) ش: أي ولا يأخذ الإمام على ما فعل من موادعتهم مالاً (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لا يجوز أخذ الجزية من أهل الردة لما بينا) ش: أي في باب الجزية م: (ولو أخذه لم يرده) ش: أي ولو أخذ الإمام المال منهم لم يرده م: (لأنه مال غير معصوم) ش: لأن مالهم في المسلمين إذا ظهروا على ذلك، بخلاف ما إذا أخذ من أهل البغي حيث يرده عليهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 118 ولو حاصر العدو المسلمين وطلبوا الموادعة على مال يدفعه المسلمون إليهم لا يفعل الإمام لما فيه من إعطاء الدنية وإلحاق المذلة بأهل الإسلام إلا إذا خيف الهلاك، لأن دفع الهلاك واجب بأي طريق يمكن. ولا ينبغي أن يباع السلاح لأهل الحرب، ولا يجهز إليهم؛ «لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن بيع السلاح من أهل الحرب وحمله إليهم»   [البناية] بعدما وضعت الحرب أوزارها، لأنه ليس بفيء إلا أنه لا يرده حال الحرب لئلا يكون إعانة على المعصية. [حاصر العدو المسلمين وطلبوا الموادعة على مال يدفعه المسلمون] م: (ولو حاصر العدو المسلمين وطلبوا الموادعة على مال يدفعه المسلمون لا يفعل الإمام لما فيه من إعطاء الدنية) ش: أي النقيصة م: (وإلحاق المذلة بأهل الإسلام) ش: فلا يجوز ذلك م: (إلا إذا خيف الهلاك) ش: إذا كان المسلمون يخافون على أنفسهم الهلاك فلا بأس بذلك لأن الضرورات تبيح المحظورات م: (لأن دفع الهلاك واجب بأي طريق يمكن) ش: وهذا لا يجري على عمومه، فإنه لم يكن دفع الهلاك عن نفسه إلا بإجراء كلمة الكفر ينبغي أن يجب ولا يجب بل هو مرخص به. وكذا لو كره يقتل نفسه أو يقتل غيره لا يجب عليه بل الصبر عن قتل الغير واجب، حتى لو صبر في الصورتين كان شهيداً فعلم أن المراد بأي طريق كان سوى المشيات التي للإباحة في مباشرتها شرعاً. م: (ولا ينبغي أن يباع السلاح لأهل الحرب ولا يجهز إليهم) ش: أي لا يحتمل إليهم التجار الجهاز وهو المتاع يعني السلاح. وفي " الجامع الصغير ": يكره بيع السلاح من أهل الفتنة م: (لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن بيع السلاح من أهل الحرب وحمله إليهم) ش: هذا حديث غريب بهذا اللفظ. وروى البيهقي في " سننه " والبزار في " مسنده " والطبراني في " معجمه " من حديث بحر بن كنيز السقاء عن عبيد الله القطبي عن أبي رجاء عن عمران بن حصين أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع السلاح في الفتنة» . وقال البيهقي: رفعه وهم، والصواب موقوف. وقال البزار: لا نعلم أحداً يرويه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا عمران بن حصين، والقبطي ليس بالمعروف، وابن كنيز ليس بالقوي، وقد رواه مسلم ابن ذرين عن أبي رجاء عن عمران موقوفاً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 119 ولأن فيه تقويتهم على قتال المسلمين فيمنع من ذلك، وكذا الكراع لما بينا، وكذا الحديد لأنه أصل السلاح، وكذا بعد الموادعة لأنها على شرف النقض أو الانقضاء فكانوا حربا علينا، وهذا هو القياس في الطعام والثوب إلا أنا عرفناه بالنص، «فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر ثمامة أن يمير أهل مكة وهم حرب عليه» .   [البناية] م: (ولأن فيه) ش: أي في بيع السلاح لأهل الحرب م: (تقويتهم على قتال المسلمين فيمنع من ذلك) ش: أي من بيعه م: (وكذا الكراع) ش: أي وكذا بيع الكراع منهم لا ينبغي ولا يجهز إليهم، والكراع الخيل م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله لأن فيه تقويتهم. م: (وكذا الحديد) ش: أي وكذا لا ينبغي أن يباع الحديد منهم م: (لأنه أصل السلاح) ش: وقال فخر الإسلام البزدوي في شرح " الجامع الصغير " بيع ما لا يقاتل به إلا بصفة لا بأس به كما كرهنا بيع المزامير وأبطلنا بيع الخمر ولم يجز بيع العنب بأساً، ولا يبيع الخشب وما أشبه ذلك. وقال الفقيه أبو الليث في شرحه " للجامع الصغير ": ليس هذا كما قالوا في بيع العصير ممن يجعله خمراً، إلا أن العصير ليس بآلة للمعصية. وإنما يصير آلة للمعصية بعدما يصير خمراً، وأما هاهنا فالسلاح آلة الفتنة في الحال، فإذا كان هكذا يكره من يعرف بالفتنة فبإشارة هذا يعلم أن بيع الحديد منهم لا يكره، لأن نفسه ليس بآلة للمعصية كالعصير، انتهى. قلت: هذا الذي قاله مثل ما قاله فخر الإسلام، وهذا هو التحقيق، إلا أن ظاهر الرواية بخلاف ذلك. ألا ترى أن الحاكم قد نص على تسوية الحديد والسلاح، وإليه ذهب المصنف، حيث قال: وكذا الحديد لأنه أصل السلاح، لكن يرد عليه بيع الخشب ممن يتخذه آلة الفناء، حيث لا يكره بيع العصير ممن يتخذه خمراً. م: (وكذا بعد الموادعة) ش: أي كما لا يباع السلاح والكراع منهم قبل الموادعة فكذلك بعد الموادعة م: (لأنها) ش: أي لأن الموادعة م: (على شرف النقض أو الانقضاء) ش: بتبدل المصلحة أو الانقضاء أو على شرف القضاء مدة الموادعة م: (فكانوا حرباً علينا) ش: أي بعد ذلك م: (وهذا هو القياس) ش: يعني كان القياس م: (في الطعام) ش: أي في بيع الطعام منهم. م: (والثوب) ش: أي وكذا بيع الثوب منهم، وحمل ذلك إليهم أن يكون مكروهاً م: (إلا أنا عرفناه بالنص) ش: أي عرفنا جواز ذلك بالنص، وفسر النص بقوله م: (فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (أمر ثمامة أن يمير أهل مكة وهم حرب عليه) ش: أي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حينئذ لم يتكلم أحد من الشراح في حديث ثمامة هذا كيف يخرجه، ومن رواه وما قصته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 120 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ورواه البيهقي في " دلائل النبوة " من طريق ابن إسحاق حدثني سعيد المقبري عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فذكر قصة إسلام ثمامة بلفظ الصحيحين، وفي آخره فقال: «إني والله ما صبوت. ولكني أسلمت وصدقت محمداً وآمنت به، وايم الذي نفس ثمامة بيده لا تأتيكم حبة من اليمامة وكانت ريف مكة ما بقيت حتى يأذن فيها محمد وانصرف إلى بلده ومنع الحمل إلى مكة حتى جهدت قريش فكتبوا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يحمل إليهم حمل الطعام ففعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . مختصر ليس في الصحيحين من حيث ثمامة أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لثمامة أن يرد الميرة على أهل مكة. وذكره ابن هشام في أواخر السيرة، وفيه: «والله لا يصل إليكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم خرج إلى اليمامة فمنع أهلنا أن يحملوا إلى مكة شيئاً فكتبوا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنك تأمر بصلة الرحم وإنك قد قطعت أرحامنا، فكتب إليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يخلي بينهم وبين الحمل» . ورواه الواقدي أيضاً مطولاً، وفيه: وكتب يعني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى ثمامة أن خل بين قريش وبين المسيرة، فلما جاءه الكتاب قال: سمعاً وطاعة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مختصر. قلت: ثمامة بضم الثاء المثلثة من قوله: مرات يمير من قار أهلها أي أتاهم بالميرة، أي بالطعام. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 121 فصل إذا أمن رجل حر أو امرأة حرة فردا أو جماعة أو أهل حصن أو مدينة صح أمانهم ولم يجز لأحد من المسلمين قتالهم، والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم   [البناية] [فصل إذا أمن رجل حر أو امرأة حرة فردا أو جماعة] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الأمان. ولما كان الأمان نوعاً من الموادعة لما فيه ترك القتال كالموادعة، ذكره في فصل على حدة. م: (إذا أمن رجل حر أو امرأة حرة فردا أو جماعة) ش: أي أو أمن في جماعة م: (أو أهل حصن) ش: أي أو أمن أهل حصن م: (أو مدينة) ش: أي أو أمن أهل مدينة م: (صح أمانهم) ش: أي صح أمان جماعة الكفار وأهل الحصن، والمصدر مضاف إلى مفعوله وطرأ ذكر الفاعل م: (ولم يجز لأحد من المسلمين قتالهم) ش: وسواء كان الرجل الحر الذي أمنهم أعمى أو شيخاً أو مريضاً، وإذا كان عبداً فيه كلام يأتي إن شاء الله تعالى. م: (والأصل فيه) ش: أي في حكم الأمان م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم» ش: هذا الحديث رواه البخاري ومسلم عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «ما كتبنا عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا القرآن، وما في هذه الصحيفة، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " حرم .... » الحديث، وفيه: «وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم » الحديث. وأخرج البخاري نحوه عن أنس. وأخرج مسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «للمدينة حرم ... » الحديث، وفيه: «ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم» . وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم» . وروي أيضاً من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يد المسلمين على من سواهم تتكافأ دماؤهم، ويجير على المسلمين أدناهم، ويرد على المسلمين أقصاهم» . قوله: تتكافأ دماؤهم أي تتساوى في القصاص والديات، لا فضل للشريف على وضيع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 122 أي أقلهم وهو الوحد، ولأنه من أهل القتال فيخافونه، إذ هو يعد من أهل المنعة فيتحقق الأمان منه لملاقاته محله، ثم يتعدى إلى غيره، ولأن سببه لا يتجزأ، وهو الإيمان، وكذا الأمان لا يتجزأ فيتكامل كولاية الإنكاح   [البناية] كذا قال أبو عبيد، قوله: ليسعى بذمتهم، الذمة العهد والأمان، ولهذا سمى المعاهد ذمياً، لأنه قد أعطي الأمان على ماله ودمه للجزية التي تؤخذ منه، ومنه قول سلمان الفارسي: ذمة المسلمين واحدة. وفسر المصنف أدناهم بقوله: م: (أي أقلهم، وهو الواحد، ولأنه) ش: لا أقل منه، وإنما فسره بالأقل احترازاً عن تفسير محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، حيث فسره بالعبد لأنه أدنى المسلمين، فجعل الأدنى هاهنا من الدناءة، وجعله غيره من الدنو. قوله: وهم يد على من سواهم، أي كلمتهم ونصرتهم واحدة على جميع الملل المحاربة لهم يتعاونون على ذلك، ولا يخذل بعضهم بعضاً. قوله: ويرد عليهم أقصاهم، معناه إذا دخل العسكر أرض الحرب فوجه الإمام السرايا فيما غنمت من شيء جعل لها ما سمي لها دون ما بقي على العسكر، لأنهم رد للسرايا. قوله: ويجير، من أجرت فلاناً على فلان إذا حميته منه ومنعته ولاية، أي ولأن كل واحد من الرجل والمرأة م: (من أهل القتال) ش: أما الرجل فظاهر، وأما المرأة بأن تخرج للمداواة والخبز والطبخ، وذلك منها جهاداً، وبمالها أو بعبيدها. فإن قلت: ما تقول في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «هاه ما كانت هذه تقاتل» ، قاله لما رأى امرأة مقتولة؟ قلت: معناه ما تقاتل بنفسها. م: (فيخافونه إذ هو يعد من أهل المنعة، فيتحقق الأمان منه) ش: الضمير المنصوب في فيخافونه، وقوله: إذ هو، وفي قوله منه كلها ترجع إلى ما ترجع الضمير الذي في قوله م: (لملاقاته محله) ش: أي لملاقاة الأمان، ومحله هو الحر الخائف م: (ثم يتعدى إلى غيره) ش: أي ثم يتعدى الأمان على غيره الذي أمن من المسلمين، كما في شهادة رمضان، فإن الصوم يلزم من شهد بالهلال ثم يتعدى منه إلى غيره م: (ولأن سببه) ش: أي سبب الأمان م: (لا يتجزأ وهو الإيمان) ش: أي التصديق بالقلب. م: (وكذا الأمان لا يتجزأ) ش: فإذا تحقق من بعض، فأما أنه يبطل أو يكمل لا يجوز الأول بعد تحقق السبب فتحقق الثاني، وهو معنى قوله م: (فيتكامل) ش: أي ينفر، وكل مسلم به لكان سببه في حقه م: (كولاية الإنكاح) ش: فيما إذا وجد الإنكاح من أحد الأولياء المساوية في الدرجة صح النكاح في حق الكل، لأن سبب ولايته وهو القرابة غير متجزئ فلا تجزأ الولاية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 123 قال: إلا أن يكون في ذلك مفسدة فينبذ إليهم، كما إذا أمن الإمام بنفسه ثم رأى المصلحة في النبذ، وقد بيناه. ولو حاصر الإمام حصنا وأمن واحد من الجيش وفيه مفسدة ينبذ الإمام الأمان لما بينا ويؤدبه الإمام لافتياته على رأيه   [البناية] فكذلك هاهنا. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: واعلم أن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - استدل بالمفعول على وجهين جعل المناط في أحدهما كون من يعطي الأمان ممن يخافونه. وفي الآخر الإيمان، فالأول يقتضي عدم جواز أمان العبد المحجور والتأخير والأسير، والثاني يقتضي جوازه. ولو جعلها علة واحدة بخلاف الواو عن الثاني لتقع العلة لقوله ثم يتعدى إلى غيره كان أولى، ويمكن أن يجعل الأول علة، والآخر شرطاً، أو سماه مسبباً مجاوزاً، والشيء ينفى على عدمه عند عدم شرطه. م: (قال: إلا أن يكون في ذلك مفسدة) ش: استثنى من قوله صح أمانهم، أي إلا أن يكون في الأمان فساد في حق المسلمين م: (فينبذ إليهم) ش: أي يعلمهم بالنبذ م: (كما إذا أمن الإمام نفسه ثم رأى المصلحة في النبذ) ش: أي يعلم الإمام أهل الحرب بالنبذ دفعاً للضرر عنهم م: (وقد بيناه) ش: أي في أول فصل الموادعة عند قوله: وإن صالحهم مدة ثم رأى نقض الصلح أنفع إليهم. [حاصر الإمام حصناً وأمن واحد من الجيش وفيه مفسدة] م: (ولو حاصر الإمام حصناً وأمن واحد من الجيش وفيه مفسدة) ش: أي والحال أن فيه فساد م: (ينبذ الإمام الأمان لما بينا) ش: أي في فصل الموادعة كما ذكرناه، إلا أن قاله الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - قبل قوله: نبذ. قوله ولو حاصر الإمام حصناً وأمن واحد من الجيش تكرار محض، لأنه علم ذلك من قوله لأن يكون فيه مفسدة، انتهى. قلت: أراد بهذا القائل، ألا ترى حيث قال هذا وأقول هذا تكرار محض لا محالة، لأنه علم ذلك من قوله إلا أن يكون في ذلك مفسدة. قال الأكمل: بعد نقله هذا عنه، وأقول: يجوز أن يكون ذلك قبل أن يحاصر الإمام. وهذا بعده، ويجوز أن يكون إعادة تمهيداً أو توطئة لقوله م: (ويؤدبه الإمام لافتياته على رأيه) ش: أي يؤدب الإمام ذلك الواحد من الجيش لافتياته، أي لسبقه على رأي الإمام. قال في المجمل الافتيات افتعال من الفوت وهو السبق إلى الشيء دون ائتمار من يؤتمر، يقال الافتيات على فلان أي لا يعمل شيء دون أمره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 124 بخلاف ما إذا كان فيه نظر، لأنه ربما تفوت المصلحة بالتأخير فكان معذورا. ولا يجوز أمان ذمي لأنه متهم بهم، وكذا لا ولاية له على المسلمين، قال: ولا أسير ولا تاجر يدخل عليهم لأنهما مقهوران تحت أيديهم ولا يخافونهما، والأمان يختص بمحل الخوف، ولأنهما يجبران عليه فيعرى الأمان عن المصلحة، ولأنهم كلما اشتد الأمر عليهم يجدون أسيرا أو تاجرا فيتخلصون بأمانه فلا ينفتح لنا باب الفتح. ومن أسلم دار الحرب ولم يهاجر إلينا لا يصح أمانه لما بينا   [البناية] وأصل الافتيات الافتوات، لأنه من الفوت أجوف واوي، فقلبت الواو ياء بتحركها وانكسار ما قبلها. م: (بخلاف ما إذا كان فيه نظر) ش: أي بخلاف ما إذا كان في أمان هذا الواحد من الجيش نظر للمسلمين ومصلحة لهم من حيث لا يؤدبه الإمام م: (لأنه) ش: أي لأن هذا الواحد لو انتظر إلى رأي الإمام م: (ربما تفوت المصلحة بالتأخير) ش: أي بتأخير الأمان م: (فكان) ش: هذا الواحد م: (معذوراً) ش: في الإقدام على الإمام. [أمان الذمي] م: (ولا يجوز أمان ذمي لأنه متهم بهم) ش: لأنه من جملتهم وإن حضر لمعونة المسلمين، وهو متهم في حقنا لأنه في تقوية الكفر. وعن مالك: يصح أمانه لأن له ذمة، فكان تابعاً للمسلمين والمشهور عنه أنه لا يصح م: (وكذا لا ولاية له على المسلمين) ش: لأنه لأمانه ولاية وهي نفاذ قول على الغير، ولا ولاية للكافر على أهل الإسلام، قال الله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] (النساء: الآية 141) ، فلا يصح أمانه. م: (قال: ولا أسير ولا تاجر) ش: أي ولا يصح أيضاً أمان أسير ولا أمان تاجر م: (يدخل عليهم) ش: أي على أهل الحرب م: (لأنهما مقهوران تحت أيديهم) ش: لأن الأمان لدفع الخوف م: (ولا يخافونهما) ش: أي ولا يخاف أهل الحرب من الأسير والتاجر م: (والأمان يختص بمحل الخوف) ش: والأسير والتاجر ليسا بمحل الخوف لأنهما مقهوران. م: (ولأنهما) ش: أي ولأن الأسير والتاجر م: (يجبران عليه) ش: أي على الأمان إذا احتاجوا إليه م: (فيعرى الأمان عن المصلحة) ش: لأن الأمان شرع لمصلحة المسلمين ولا مصلحة في أمان حصل عن إكراه مفسد للتراضي. م: (ولأنهم) ش: أي ولأن أهل الحرب م: (كلما اشتد الأمر عليه) ش: من ضيق الحصار وشدة الحال م: (يجدون أسيراً أو تاجر فيتخلصون) ش: عند الشدائد م: (بأمانه) ش: أي بأمان الأسير أو التاجر م: (فلا ينفتح لنا باب الفتح) ش: لأنه ينسد بالأمان فيؤدي إلى سد ركن الجهاد. م: (ومن أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا لا يصح أمانه لما بينا) ش: أشار به إلى قوله والأمان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 125 ولا يجوز أمان العبد المحجور عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يأذن له مولاه في القتال. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصح وهو قول الشافعي، وأبو يوسف - رحمهما الله - معه في رواية، ومع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أمان العبد أمان، رواه أبو موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولأنه مؤمن ممتنع فيصح أمانه اعتبارا بالمأذون له في القتال، وبالمؤبد من الأمان   [البناية] يختص بمحل الخوف [أمان العبد المحجور عليه] م: (ولا يجوز أمان العبد المحجور عليه) ش: من القتال م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يأذن له مولاه في القتال. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصح وهو قول الشافعي) ش: وبه قال محمد ومالك وأحمد م: (وأبو يوسف - رحمهما الله - معه) ش: أي مع محمد م: (في رواية) ش: وهي رواية الكرخي م: (ومع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية) ش: وهي رواية الطحاوي وهو الظاهر عنه، واعتمد عليه في " المبسوط ". م: (لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «أمان العبد أمان» رواه أبو موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: هذا الحديث غريب، واسم أبي موسى عبد الله بن قيس. وروى ابن أبي شيبة في مصنفه حديثاً طويلاً عن فضيل بن يزيد الرقاشي وفيه أجاز عمر أمانه، أي أمان العبد. وروى البيهقي بإسناد ضعيف عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعاً: «ليس للعبد من الغنيمة إلا خرثي من المتاع وأمانه جائز، وأمان المرأة جائز إذ هي أعطت القوم الأمان» . قوله: خُرْثِيّ من المتاع بضم الخاء المعجمة وسكون الراء وكسر الثاء المثلثة وتشديد الياء آخر الحروف. قال ابن الأثير: الخرثي: أثاث البيت ومتاعه، واستدل الأترازي لمحمد بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ويسعى بذمتهم أدناهم» وأدنى المسلمين العبد فيصح أمان العبد كيف بأن لإطلاق الحديث. م: (ولأنه) ش: أي ولأن العبد م: (مؤمن ممتنع) ش: يعني ذو قوة وامتناع، يعني له بنية صالحة للقتال م: (فيصح أمانه اعتباراً بالمأذون له في القتال) ش: والجامع على كلمة الله ودفع شر الكفار م: (وبالمؤبد من الأمان) ش: يعني واعتبار بالمؤبد بالباء الموحد، يعني عقد الذمة، فإن الحربي إذا عقد الذمة مع العبد وقبل الجزية وقبل العبد منه هذا العقد صح، وهذا العقد والقبول من العبد ويصير ذمياً بالاتفاق حتى يجري عليه أحكام أهل الذمة من المنع عن الخروج إلى دار الحرب وقصاص قاتله وغير ذلك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 126 فالإيمان لكونه شرطا للعبادة والجهاد عبادة، والامتناع لتحقق إزالة الخوف به والتأثير إعزاز الدين وإقامة المصلحة في حق جماعة المسلمين، إذ الكلام في مثل هذه الحالة، وإنما لا يملك المسابقة لما فيها من تعطيل منافع المولى ولا تعطيل في مجرد القول. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه محجور عن القتال فلا يصح أمانه لأنهم لا يخافونه فلم يلاق الأمانة محله، بخلاف المأذون له في القتال، لأن الخوف منه متحقق، ولأنه إنما لا يملك المسابقة لما أنه تصرف في   [البناية] م: (فالإيمان) ش: مرفوع على الابتداء، وخبره محذوف، أي شرطه يعني شرط الإيمان في قولنا، ولأنه مؤمن يصح أمانه م: (لكونه) ش: أي لكون الإيمان م: (شرطاً للعبادة والجهاد عبادة والامتناع) ش: أي الامتناع شرط أيضاً م: (لتحقق إزالة الخوف به) ش: أي بالامتناع م: (والتأثير) ش: يعني في صحة قياس المحجور على المأذون له، وقيل: معنى العلة الجامعة في قياس العبد المحجور على المأذون له م: (إعزاز الدين وإقامة المصلحة في حق جماعة المسلمين، إذ الكلام في مثل هذه الحالة) ش: أي حالة المصلحة وهو الأمان في الحر. فإذا وجد في المحجور عليه صح تعديته إليه كما في سائر الأقيسة م: (وإنما لا يملك المسابقة) ش: جواب عما يقال: الأصل في الجهاد هو المسابقة، وهي المضاربة بالسوء وهؤلاء يملكه، فكذا لا يملك الأمان أيضاً. وتقرير الجواب أنه لا يملك المسابقة م: (لما فيها) ش: أي في المسابقة م: (من تعطيل منافع المولى) ش: وهو لا يملك ذلك م: (ولا تعطيل) ش: أي لمنافعه م: (في مجرد القول) ش: وهو ظاهر. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي أن العبد م: (محجور عن القتال، فلا يصح أمانه لأنهم لا يخافونه) ش: أي لأن أهل الحرب سراي العبد م: (فلم يلاق الأمان محله) ش: ومحله الخوف. وقال الأكمل: قوله ولأبي حنيفة أنه محجور عن القتال يصح أن يكون ممانعة. وتقريره لا نسلم وجود الامتناع، لأن الامتناع إنما يكون لإزالة الخوف وهم لا يخافونه وأن يكون معاوضة وهو الظاهر من كلام المصنف. تقريره أنه محجور عن القتال لا يصح أمانه لأنهم لا يخافونه، وفيه نظر، فإن الخوف أمر باطني لا دليل على وجوده ولا على عدمه، فإن الكفار من أين يعلمون أنه عبد محجور عليه حتى لا يخافونه. والجواب: أن ذلك يعلم بترك المسابقة، فإنهم لما أرادوا شيئاً مقتدراً على القتال مع المقاتلين ولا يحمل سلاحاً ولا يقاتلهم علموا أنه ممنوع من ذلك ممن له المنع. ولو قال المصنف: إنه ممنوع عن القتال والأمان نوع قتال لكان أسهل إثباتاً لمذهب أبي حنيفة فتأمل. م: (بخلاف المأذون له في القتال، لأن الخوف منه متحقق) ش: فصح أمانه م: (ولأنه) ش: أي ولأن العبد المحجور وهو عطف على قوله لأنهم لا يخافونه م: (إنما لا يملك المسابقة لما أنه تصرف في الجزء: 7 ¦ الصفحة: 127 حق المولى على وجه لا يعرى عن احتمال الضرر في حقه، والأمان نوع قتال، وفيه ما ذكرناه لأنه قد يخطئ، بل هو الظاهر، وفيه سد باب الاستغنام، بخلاف المأذون لأنه رضي به والخطأ نادر لمباشرته القتال، وبخلاف المؤبد لأنه خلف عن الإسلام فهو بمنزلة الدعوة إليه، ولأنه مقابل بالجزية، ولأنه مفروض عند مسألتهم ذلك، وإسقاط الفرض يقع فافترقا.   [البناية] حق المولى على وجه لا يعرى عن احتمال الضرر في حقه) ش: أي في حق المولى م: (والأمان نوع قتال، وفيه ما ذكرناه لأنه قد يخطئ) ش: أي لأن العبد قد يخطئ في القتال لعدم ممارسته بأمر الحرب م: (بل هو الظاهر) ش: لأن اشتغاله بخدمة المولى يمنعه عن التعلم بأدب الحرب. م: (وفيه) ش: أي وفي الأمان م: (سد باب الاستغنام) ش: أي على المسلمين وذلك ضرر في حقهم، فإذا كان ممنوعاً الضرر للمولى، فكيف يصح منه ما يضر المولى والمسلمين، توضيحه أن أمانه لو صح يحرم القتال بالاستغنام بعد ذلك، والاستغنام الكتاب مال مباح فيعد صحة الأمان لا يبقي للمولى استعمال عبده في الاستغنام وهو ضرر للمولى لا محالة. م: (بخلاف المأذون لأنه رضي به) ش: أي بخلاف أمان المأذون، لأن المولى رضي له أي بأمانه م: (والخطأ نادر) ش: أي الخطأ من المأذون نادر م: (لمباشرته) ش: أي لمباشرة المأذون م: (القتال) ش: لأنه لما باشره عرف مصلحة الأمان فكان الخطأ نادراً. م: (وبخلاف المؤبد) ش: أي الأمان المؤبد وهو عقد الذمة، وهو جواب قول محمد وبالمؤبد بالأمان م: (لأنه) ش: أي لأن الأمان المؤبد م: (خلف عن الإسلام) ش: أي من حيث إنه ينتهي به القتال المطلوب به السلام الحربي م: (فهو بمنزلة الدعوة إليه) ش: أي إلى الإسلام، وهي نفع للمسلمين لا ضرر فصح ذلك الأمان كذلك. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الأمان المؤبد م: (مقابل بالجزية) ش: وفيه نفع للمسلمين م: (ولأنه) ش: أي ولأن الأمان المؤبد م: (مفروض) ش: أي فرض م: (عند مسألتهم) ش: أي مسألة أهل الحرب م: (ذلك) ش: أي الأمان. وقال الأترازي: هنا يعني إذا طلب الحربي الإسلام عليه من المحجور يفترض عليه الفرض. وقال الأكمل: ولأنه مفروض عند مسألتهم ذلك، يعني أن الكفار إذا طلبوا عقد الذمة يفترض عليه - على الإمام - إجابتهم إليه م: (وإسقاط الفرض يقع) ش: وقال تاج الشريعة: إذا طلبوا يفترض على الإمام إجابتهم، فيكون العبد مسقطاً لفرض، وإسقاط الفرض يقع لكونه منجياً من العذاب ولا كذلك الأمان. لأنه ليس فيه إسقاط الفرض م: (فافترقا) ش: أي افترق أمان العبد المحجور عليه عن القتال، وأمان المأذون له بالقتال أو افترق الأمان المؤقت من المحجور عليه عن القتال الأمان والمؤبد منه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 128 ولو أمن الصبي وهو لا يعقل لا يصح كالمجنون، وإن كان يعقل وهو محجور عن القتال، فعلى الخلاف، وإن كان مأذونا له في القتال فالأصح أنه يصح بالاتفاق.   [البناية] [أمان الصبي] م: (ولو أمن الصبي وهو لا يعقل لا يصح) ش: أي أمانه م: (كالمجنون) ش: في عدم صحة أمانه، وبه قالت الثلاثة. وقال الناطقي في " الأجناس " ناقلاً عن " السير الكبير " قال محمد: الغلام الذي راهق وهو يقبل الإسلام ويضمن جاز أمانه، ثم قال: وهذا قوله. وأما عند أبي حنيفة وأبي يوسف فلا يجوز. وقال في كتابه " النهي ": لا يجوز أمان الصبي المراهق ما لم يبلغ، عند أبي حنيفة، وعند محمد يجوز إذا كان يقبل الإسلام وصفاته. م: (وإن كان) ش: أي الصبي م: (يعقل وهو محجور عن القتال، فعلى الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور في العبد المحجور، فعند أبي حنيفة لا يصح أمانه، وعند محمد يصح، وبه قال مالك وأحمد في وجه، وبقول أبي حنيفة قال الشافعي وأحمد في وجه. م: (وإن كان) ش: أي الصبي م: (مأذوناً له في القتال فالأصح أنه يصح بالاتفاق) ش: أي باتفاق أصحابنا وليس على الخلاف، لأنه تصرف دائر بين النفع والضرر كالبيع، فيملكه الصبي بعد الإذن. فائدة: وألفاظ الأمان للحربي: لا تخف ولا توجل " أو مترس " بالفارسية يعني: لا تخف، ولكم عهد الله وذمة الله، أو يقال فاسمع الكلام، ذكره في " السير الكبير ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 129 باب الغنائم وقسمتها وإذا فتح الإمام بلدة عنوة أي قهرا، فهو بالخيار، إن شاء قسمها بين الغانمين كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخيبر، وإن شاء أقر أهله عليه ووضع عليهم الجزية وعلى أراضيهم الخراج، كذلك فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بسواد العراق بموافقة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -   [البناية] [باب الغنائم وقسمتها] م: (باب الغنائم وقسمتها) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الغنائم: وهي جمع غنيمة، والغنيمة اسم لمال مأخوذ من الكفرة بالقهر والغلبة والحرب قائمة. والفيء: اسم المال يؤخذ منهم بغير قتال كالخراج والجزية ويخمس الغنيمة وأربعة أخماسه للغانمين، والفيء لا يخمس، بل هو لكافة المسلمين، والعقل: ما يخص الإمام الغازي زيادة على سهمه. [إذا فتح الإمام بلدة عنوة كيف يقسمها] م: (وإذا فتح الإمام بلدة عنوة أي قهراً، فهو بالخيار، إن شاء قسمها بين الغانمين) ش: أي فهذا ليس بتفسير للعنوة لغة، لأن عنا يعنو بمعنى ذل وخضع، وهو لازم، وقهر متعد، بل يكون هو تفسيره من طريق شعور الذهن، لأن من الذلة يلزم القهر، أو أن الفتح بالمذلة ملتزم للقهر. قوله قسمة أي قسم البلدة بتأويل البلد، وإلا كان ينبغي أن يقال قسمها م: (كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخيبر) ش: أخرجه أبو داود في مسنده عن يحيى بن زكريا عن يحيى بن سعيد عن بشير بن بشار عن سهل بن خيثمة قال: «قسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيبر نصفاً لنوائبه ونصفاً بين المسلمين، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهماً» . م: (وإن شاء أقر أهله عليه ووضع عليهم الجزية وعلى أراضيهم الخراج، كذلك فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بسواد العراق) ش: أخرج ابن سعد في " الطبقات " بإسناده أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه بعث عثمان بن حنيف على خراج السواد ... الحديث، وفيه أنه أفرض الخراج على كل حربي، إلى أن قال: وأفرض على رقابهم على الموسر ثمانية وأربعين درهماً، وعلى من دون ذلك أربعة وعشرين درهماً، وعلى من لم يجد شيئاً اثني عشر درهماً الحديث. ورواه ابن زنجويه في كتاب " الأموال " كذلك، وسمي سواد العرق لخضرة أشجاره وزروعه. حده طولاً من مدينة الموصل إلى عبادان، وعرضاً من العذيب إلى حلوان، وهو الذي على عهد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو أطول من العراق وثلاثين فرسخاً. م: (بموافقة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: ما خالفه في ذلك إلا بلال وأصحابه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 130 ولم يحمد من خالفه، وفي كل من ذلك قدوة فيتخير.   [البناية] وفي " المبسوط " من صحابة سلمان، وأبا بردة فقالوا: اقسم بيننا، فإن الغنيمة حقنا، وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: ما فعلت هو الحق، ولم يدركوا الحكمة فيما فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتمسكوا بالظاهر فيما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخيبر، ولم يكن فعله ذلك بأهل خيبر بطريق الحتم، إذ لو كان بطريق الحتم لما خالفه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد روى البخاري في صحيحه بإسناده إلى زيد بن أسلم عن أبيه، قال: قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا قسمتها بين أهلها، كما قسم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيبر، ولما لم يرجع بلال وأصحابه عما قالوا ولم يتركوا المنازعة مع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دعا عمر عليهم. وقال القاضي أبو زيد: روي أن عمر قال: اللهم اكفني بلالاً وأصحابه، فحال الحول وما فيهم عين تطرف ماتوا كلهم. وقال تاج الشريعة: فدعا عليهم عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على المنبر وقال: اللهم اكفني بلالاً وأصحابه، فماتوا جميعاً قبل تمام السنة، وأشار المصنف إلى ذلك بقوله م: (ولم يحمد من خالفه) ش: أي من خالف عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (وفي كل من ذلك قدوة) ش: أي من القسمة بين الغانمين وإقرار أهلها قدوة، أي اتباع لما فعله عمر ومن وافقه من الصحابة، فإذا كان كذلك م: (فيتخير) ش: الإمام بين القسمة وإقرار أهلها عليها. ولقائل أن يقول: لا نسلم أن أحداً من الصحابة بل أكثرهم يصير قدوة على خلاف ما فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذا لم يصل إلى حد الإجماع. والجواب عنه من وجهين، أحدهما أن فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا لم يصل إلى حد الإجماع يعلم أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على أي جهة فعله يحمل على أدنى منازل فعاله وهي الإباحة، وحينئذ لا يستوجب لا محالة، فإذا ظهر دليل صحابي جاز أن يعمل بخلافه. قلت: فيه تأمل. والآخر أن يقال فيه: إن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قد علم من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ما فعله بأهل خيبر لم يكن على وجه الحتم، كما ذكرناه الآن. الوجه الثاني: أنه على تقدير أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعل ذلك وجوباً، فإن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعل ما فعل مستنبطاً من قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] بعد قَوْله تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الحشر: 7] (الحشر: الآية 7) . فيكون ثابتاً بإشارة النص وهي تفيد القطع، فيكون الواجب أحدهما يتعين بفعل الإمام كالواجب المخير في خصال الكفارة فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحدهما وفعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الآخر، هذا الذي ذكره الأكمل. وقال صاحب " النهاية ": روي [أن] عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استشار الصحابة مراراً ثم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 131 وقيل: الأولى هو الأول عند حاجة الغانمين، والثاني عند عدم الحاجة؛ ليكون عدة في الزمان الثاني، وهذا في العقار، وأما في المنقول المجرد لا يجوز المن بالرد عليهم؛ لأنه لم يرد به الشرع فيه، وفي العقار خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن في المن إبطال حق الغانمين أو ملكهم، فلا يجوز من غير بدل يعادله، والخراج غير معادل لقلته.   [البناية] جمعهم فقال: أما إني تلوت آية من كتاب الله استغنيت بها عنكم، ثم تلا قَوْله تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: 7] إلى قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] إلى قوله: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ} [الحشر: 9] وهكذا قرأ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى قوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] ثم قال: أرى لمن بعدكم في هذا الفيء نصيباً ولو قسمتها بينكم لم يكن لمن بعدكم نصيب. قسمها عليهم وجعل الجزية على رؤوسهم والخراج على أراضيهم ليكون لهم ولمن يأتي من بعدهم من المسلمين، ولم يخالفه على ذلك إلا نفر منهم بلال، ولم يحمدوا على خلافه. م: (وقيل) ش: في التوفيق بينهما م: (الأولى) ش: أي القسمة كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (وهو الأول عند حاجة الغانمين) ش: أي عند احتياجهم إليها، وفي بعض النسخ: وقيل: الأول هو الأولى. م: (والثاني) ش: أي إقرار أهل البلد عليه بالمن، ووضع الجزية والخراج، كما فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (عند عدم الحاجة) ش: أي حاجة الغانمين إليها م: (ليكون عدة في الزمان الثاني) ش: أي في الذي يأتي بعدهم م: (وهذا) ش: أي إقرار أهل البلد على بلدهم بالمن م: (في العقار، أما في المنقول المجرد لا يجوز المن بالرد عليهم لأنه لم يرد به الشرع فيه) ش: بأن يدفع إليهم مجاناً ويقسم به عليهم، وإنما قيد المنقول بالمجرد لأنه يجوز المن عليهم في المنقول بطريق التبعية بالعقار على ما يأتي عن قريب. م: (وفي العقار خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده لا يجوز إقرار أهل البلد على بلدتهم بالمن في العقار، بل يقسم الأرض أيضاً ولا يتركها في أيديهم، وبه قال أحمد، وعن مالك يقسمها، وعنه كقولنا: م: (لأن في المن إبطال حق الغانمين) ش: أي عندنا لأنه لا يثبت الملك قبل الإحراز بدار الإسلام م: (أو ملكهم) ش: أي أو إبطال ملكهم عند الشافعي، لأن الغنيمة تملك عنده قبل الإحراز بالدار م: (فلا يجوز) ش: أي المن م: (من غير بدل يعادله) ش: أي يعادل حق الغانمين فإن قيل الخراج معادله. أجاب بقوله: م: (والخراج غير معادل) ش: أي يعادل حق الغانمين، فإن قيل: الخراج يعادله، أجاب بقوله: والخراج غير معادل م: (لقلته) ش: فإن قيل: فالحق إذ الملك ثبت في رقابهم أيضاً وجاز أن يقسمها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 132 بخلاف الرقاب، لأن للإمام أن يبطل حقهم رأسا بالقتل والحجة عليه ما رويناه، ولأن فيه نظرا لهم لأنهم كالأكرة العاملة للمسلمين العالمة بوجوه الزراعة والمؤن مرتفعة، مع ما أنه يحظى به الذين يأتون من بعد، والخراج وإن قل حالا فقد جل مآلا لدوامه. وإن من عليهم بالرقاب والأراضي يدفع إليهم من المنقولات بقدر ما يتهيأ لهم العمل ليخرج عن حد الكراهة.   [البناية] فأجاب بقوله: م: (بخلاف الرقاب) ش: يعني أن حقهم لم يتعلق بها م: (لأن للإمام أن يبطل حقهم رأساً) ش: يعني بالكلية م: (بالقتل) ش: فكذا له أن يبطل بالخلف وهو الجزية، وهذا لأنها خلقت في الأصل حراً، والملك يثبت معارضاً، فالإمام إذا استرقهم فقد بدل حكم الأصل، فإذا جعلهم أحراراً فقد بقي حكم الأصل فكان جائزاً. م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي م: (ما رويناه) ش: أي من فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بموافقة الصحابة م: (ولأن فيه) ش: أي في إقرار أهله عليه م: (نظراً لهم) ش: أي للمسلمين م: (لأنهم) ش: أي لأن الكفار يكونون م: (كالأكرة) ش: بفتح الهمزة والكاف والراء، أي كالمزارعين م: (العاملة للمسلمين العالمة بوجوه الزراعة) ش: حاصل الكلام أن تصرف الإمام وقع على وجه النظر في إقرار أهلها عليها، لأنه لو قسمها بين الغانمين اشتغلوا بالزراعة وقعدوا عن الجهاد. وكان يكره العدو، وربما لا يهتدون لذلك العمل أيضاً، فإذا تركها في أيديهم وهم عارفون بالعمل صاروا كالأكرة المزارعين للمسلمين القائمة بوجوه الزراعة م: (والمؤن) ش: أي مؤن الزراعة م: (مرتفعة) ش: عن الإمام وعن المسلمين م: (مع أنه يحظى) ش: بالظاء المعجمة م: (به الذين يأتون من بعد) ش: قال شيخنا: هذا إشارة إلى قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] . م: (والخراج وإن قل) ش: هذا جواب عن قول الشافعي، والخراج غير معادل لعلته، تقدير الجواب أن الخراج وإن قل م: (حالاً) ش: لكونه بعض ما يمكن أن يخرج في سنته م: (فقد جل) ش: بالجيم م: (مآلاً) ش: أي في المستقبل م: (لدوامه) ش: في وجوبه كل سنة. م: (وإن من) ش: أي الإمام م: (عليهم) ش: أي على الكفار م: (بالرقاب والأراضي يدفع إليهم من المنقولات بقدر ما يتهيأ لهم العمل) ش: لأنهم لا يتمكنون من الانتفاع بالأراضي إلا بأسباب الزراعة، فلا بد من أن يدع لهم ما به يتقوون على ذلك م: (ليخرج عن حد الكراهة) ش: معناه ما قال الإمام التمرتاشي فإن من عليهم برقابهم وأراضيهم وقسم النساء والذراري وسائر الأموال جاز. ولكن يكره لأنهم لا ينتفعون بالأراضي بدون الأموال ولا يقالهم بدون ما يمكن به مرجئة العمر إلا أن يدع لهم ما يمكنهم به العمل في الأرض، لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يفعل ذلك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 133 قال: وهو في الأسارى بالخيار، إن شاء قتلهم لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قد قتل، ولأن فيه حسم مادة الفساد، وإن شاء استرقهم، لأن فيه دفع شرهم مع وفور المنفعة لأهل الإسلام، وإن شاء تركهم أحرارا ذمة للمسلمين لما بينا. إلا في مشركي العرب والمرتدين على ما نبين إن شاء الله تعالى،   [البناية] وهو الإمام في هذا الكتاب وفيه تعذيب الحيوان بلا فائدة. م: (قال) ش: أي الإمام، وفي بعض النسخ: قال القدوري: م: (وهو في الأسارى بالخيار إن شاء قتلهم لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قتلهم، أخرج البخاري ومسلم عن الزهري عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل عام الفتح وعلى رأسه مغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: يا رسول الله من جعل متعلقاً بأستار الكعبة، فقال: اقتلوه» زاد البخاري: وقال مالك: «ولم يكن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما نرى والله أعلم يومئذ محرماً» . وأخرج أبو داود في المراسيل عن سعيد بن جبير «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (قد قتل) ش: يوم بدر ثلاثة من قريش صبراً» : مطعم بن عدي، والنفس بن عدي وهو غلط، وإنما هو طعمة بن عدي وهو أخو مطعم، وأهل المغازي ينكرون قتل مطعم بن عدي يومئذ ويقولون مات بمكة قبل بدر، والذي قتل يوم بدر هو أخوه طعمة ولم يقتل صبراً وإنما قتل في المعركة، والله أعلم. م: (ولأن فيه) ش: أي في قتل الأسارى م: (حسم مادة الفساد) ش: أي قطع مادته م: (وإن شاء) ش: أي الإمام م: (استرقهم لأن فيه) ش: أي في استرقاقهم م: (دفع شرهم مع وفور المنفعة لأهل الإسلام، وإن شاء تركهم أحراراً ذمة للمسلمين لما بينا) ش: أي فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فإن قيل: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] ينافي ترك قتلهم، فلا يجوز. أجيب: بأنه ترك العمل به في حق أهل الذمة والمستأمن، هكذا في المتنازع فيه بفعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال الأترازي: وأما جعلهم أهل ذمة على الجزية، توضع الجزية والخراج، فلما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه فعل كذلك بأرض السواد. وهو معنى قوله لما بينا، لكن هذا الحكم في غير المشركين من العرب وغير المرتدين لأنه لا يجوز استرقاقهم، ولا وضع الجزية ولا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وأشار إليه المصنف بقوله: م: (إلا في مشركي العرب والمرتدين على ما نبين) ش: أي في باب الجزية م: (إن شاء الله تعالى) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 134 ولا يجوز أن يردهم إلى دار الحرب، لأن فيه تقويتهم على المسلمين، فإن أسلموا لا يقتلهم لاندفاع الشر بدونه، وله أن يسترقهم توفيرا للمنفعة بعد انعقاد سبب الملك، بخلاف إسلامهم قبل الأخذ، لأنه لم ينعقد السبب بعد. ولا يفادى بالأسارى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يفادى بهم أسارى المسلمين، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن فيه تخليص المسلم وهو أولى من قتل الكافر والانتفاع به، وله أن فيه معونة للكفرة لأنه يعود حربا علينا، ودفع شره وشر حرابه خير من استنقاذ الأسير المسلم، لأنه إذا بقي في أيديهم كان ابتلاء من الله   [البناية] [إذا أسلم الأسارى بعد الأسر] م: (ولا يجوز أن يردهم إلى دار الحرب لأن فيه تقويتهم على المسلمين، فإن أسلموا) ش: أي فإن أسلم الأسارى بعد الأسر م: (لا يقتلهم لاندفاع الشر بدونه) ش: أي بدون القتل، لأن الغرض من قتلهم دفع شرهم وقد حصل ذلك بالإسلام بدون القتل، فلا حاجة إليه، لكن يجوز استرقاقهم وهو معنى قوله: م: (وله) ش: أي للإمام م: (أن يسترقهم توفيراً للمنفعة) ش: للمسلمين م: (بعد انعقاد سبب الملك) ش: وهو أخذهم وهم كفار م: (بخلاف إسلامهم قبل الأخذ) ش: حيث لا يجوز استرقاقهم م: (لأنه لم ينعقد السبب بعد) ش: أي سبب الملك وهو الاستيلاء الأخذ بعد الإسلام. م: (ولا يفادى بالأسارى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: المفاداة تكون بين اثنين، لأنه من باب المفاعلة، يقال: فاداه: إذا أطلقه وأخذ فديته، كذا قال المطرزي، وقيد الأسير استنقاذه بنفس أو مال، والفدية اسم ذلك المال، وجمعها فدى، وفديات، وعن المبرد المفاداة: أن يدفع رجلاً ويأخذ رجلاً، والفداء أن يشتريه، وقيل هما بمعنى. وقال ابن الأثير: الفداء بالكسر والمد والفتح مع القصر: فكاك الأسير، يقال: فداه يفديه فداء وفدى، وفاداه يفاديه مفاداة: إذا أعطى فداءه وأنقذه، وفاداه بنفسه وفداه: إذا قال له: جعلت فداك، وقيل: المفاداة أن يفتدى الأسير بأسير مثله، علم أن أخذ الفدية بمقابلة إطلاق أسارى المشركين لا يجوز عند أبي حنيفة وهو المشهور عنه. م: (وقالا: يفادى بهم) ش: أي الأسارى التي في أيدينا م: (أسارى المسلمين، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقول مالك وأحمد إلا بالنساء، فإنه لا يجوز المفاداة بالنساء عندهم، ومنع أحمد المفاداة بصبيانهم م: (لأن فيه تخليص المسلم وهو أولى من قتل الكافر والانتفاع به) ش: أي أولى من قتل الكافر الأسير في أيدينا والانتفاع بالكفرة. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن فيه) ش: أي في فداء أسارى المسلمين م: (معونة للكفرة) ش: وفي بعض النسخ تقوية م: (لأنه) ش: أي الأسير الذي يدفع إليهم م: (يعود حرباً علينا ودفع شره وشر حرابه خير من استنقاذ الأسير المسلم، لأنه إذا بقي في أيديهم كان ابتلاء من الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 135 تعالى في حقه غير مضاف إلينا، والإعانة بدفع أسيرهم إليهم مضافة إلينا أما المفاداة بمال يؤخذ منهم لا يجوز في المشهور من المذهب لما بينا، وفي " السير الكبير " أنه لا بأس به إذا كان بالمسلمين حاجة، استدلالا بأسارى بدر، ولو كان أسلم أسير في أيدينا لا يفادى بمسلم أسير في أيديهم لأنه لا يفيد إلا إذا طابت نفسه به وهو مأمون على إسلامه. قال: ولا يجوز المن عليهم، أي على الأسارى خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] تعالى في حقه) ش: حال كونه م: (غير مضاف إلينا) ش: أي إلى فعلنا م: (والإعانة بدفع أسيرهم إليهم مضافة إلينا) ش: بطريق التسبب فلا يجوز. فإن قلت: حديث الطحاوي في " شرح الآثار " عن عمران بن حصين «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فادى برجل من العدو رجلين من المسلمين» . قلت: هو منسوخ بدليل ما أخبر عمران بن حصين في " شرح الآثار " أيضاً، تفسيره «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدى بذلك المأسور بعد أن أقر بالإسلام» وقد نسخ أن يرد أحد من أهل الإسلام إلى الكفار، بقوله تعالى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] (الممتحنة: الآية 10) . [مفاداة الأسرى بمال يؤخذ منهم] م: (أما المفاداة بمال يؤخذ منهم) ش: أي يأخذه الإمام من الكفار م: (لا يجوز في المشهور من المذهب لما بينا) ش: أي بقوله: إن فيه معونة للكفرة م: (وفي " السير الكبير ") ش: عن محمد م: (أنه لا بأس به إذا كان بالمسلمين حاجة استدلالاً بأسارى بدر) ش: «فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فادى أسارى بدر بالمال والفداء، وكان أربعة آلاف درهم» وبه قال الشافعي وأحمد. وقال الأترازي: وهذا الاستدلال عجيب مع نزول الآية بالإنكار على المفاداة. قلت: وهي قَوْله تَعَالَى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ} [الأنفال: 68] (الأنفال: الآية 68) ، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لو نزل العذاب ما نجي منه إلا عمر» ، لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يشير بالقتل. [إذا أسلم أسير في أيدينا هل يفادى بمسلم أسير في أيديهم] م: (ولو كان أسلم أسير في أيدينا لا يفادى بمسلم أسير في أيديهم لأنه لا يفيد) ش: لأنه لا فائدة في تخليص المسلم بالمسلم م: (إلا إذا طابت نفسه به) ش: أي إلا إذا رضي بذلك نفس الأسير المسلم م: (وهو مأمون على إسلامه) ش: لا بخلاف عليه بالردة، وينبغي أن يكون هذا على قوله لأن في المشهور عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنها لا يفادى الأسير بالنفس ولا بالمال. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يجوز المن عليهم) ش: هذا قول القدوري، وقوله م: (أي على الأسارى) ش: من كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والمن هو الإنعام عليهم بأن يتركهم مجاناً بدون إجراء الأحكام عليهم من القتل أو الاسترقاق أو تركهم ذمة المسلمين م: (خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ومالك وأحمد، وقال الشافعي: حكمهم أحد الأمور الأربعة: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 136 فإنه يقول: من رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على بعض الأسارى يوم بدر. ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] (النساء: الآية 66) ، ولأنه بالأسر والقسر ثبت حق الاسترقاق فيه، فلا يجوز إسقاطه بغير منفعة وعوض، وما رواه منسوخ بما تلونا. وإذا أراد الإمام العود ومعه المواشي فلم يقدر على نقلها إلى دار الإسلام ذبحها وحرقها ولا يعقرها ولا يتركها. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتركها لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن ذبح الشاة إلا لمأكلة.   [البناية] القتل والاسترقاق والفداء بالأسارى أو بالمال أو المن، وعندهما أحد الأمور الثلاثة، ولا يجوز المن، وعند أبي حنيفة أحد الأمرين: القتل أو الاسترقاق، ولا يجوز الفداء أو المن. م: (فإنه) ش: أي فإن الشافعي م: (يقول: «من رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على بعض الأسارى يوم بدر» ش: وروي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من على أبي عزة الجمحي يوم بدر» . م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] (النساء: الآية 66) ، ولأنه) ش: أي: ولأن المأسور، كذا قاله الكاكي، والأولى أن يقال ولأن الشأن م: (بالأسر والقسر) ش: أي القهر م: (ثبت حق الاسترقاق فيه) ش: أي في المأسور م: (فلا يجوز إسقاطه) ش: أي إسقاط الحق م: (بغير منفعة وعوض) ش: كسائر الأموال المقسومة، ولأن في ذلك تقوية لهم على المسلمين فلا يجوز كرد السلاح إليهم. م: (وما رواه) ش: أي الشافعي م: (منسوخ بما تلونا) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] لأنه متأخر نزل بعد ذلك، لأن سورة براءة آخر ما نزلت وقد تضمنت وجوب القتل على كل حال بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] فكان ناسخاً لما تقدم كله. ولقائل أن يقول قد أجمعوا على أنه مخصوص خص منه الذمي والمستأمن فجاز أن يخص منه الأسير قياساً عليهم، أو لحديث أبي عزة أو غيرهما، والجواب أن قياس الأسير على الذمي فاسد لوجود الذمة فيه دون الأسير، وهي المناط، وكذا المستأمن لعدم استحقاق رقبته، وحديث أبي عزة متقدم على الأئمة وغيرها غير موجود أو غير معلوم فلا يصح التخصيص بشيء من ذلك. [أراد الإمام العود إلى دار الإسلام ومعه المواشي] م: (وإذا أراد الإمام العود) ش: أي إلى دار الإسلام م: (ومعه المواشي) ش: جمع ماشية وهي الإبل والبقر والغنم م: (فلم يقدر على نقلها) ش: أي على نقل الماشية م: (إلى دار الإسلام ذبحها وحرقها ولا يعقرها ولا يتركها، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتركها) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال مالك: يجوز عقرها لا حرقها م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «نهى عن ذبح الشاة إلا لمأكلة» ش: هذا غريب. وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا محمد بن فضل عن يحيى بن سعيد قال: «حدث أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعث جيوشاً ..... الحديث، وفيه: لا يعقرن شاة ولا بقرة إلا لمأكلة» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 137 ولنا أن ذبح الحيوان يجوز بغرض صحيح، ولا غرض أصح من كسر شوكة الأعداء، ثم يحرق بالنار لينقطع منفعته عن الكفار، وصار كتخريب البنيان، بخلاف التحريق قبل الذبح لأنه منهي عنه، وبخلاف العقر لأنه مثلة، وتحرق الأسلحة أيضا وما لا يحترق منها يدفن في موضع لا يقدر عليه الكفار إبطالا للمنفعة عليهم. ولا يقسم غنيمة في دار الحرب حتى يخرجها إلى دار الإسلام. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بذلك، وأصله أن الملك للغانمين لا يثبت قبل الإحراز بدار الإسلام عندنا، وعنده يثبت، ويبنى على هذا الأصل عدة من المسائل،   [البناية] بفتح الكاف وضمها مصدر الأكل. [ذبح الحيوان لكسر شوكة الأعداء] م: (ولنا أن ذبح الحيوان يجوز بغرض صحيح، ولا غرض أصح من كسر شوكة الأعداء) ش: وإلحاق الغيظ فتذبح م: (ثم يحرق بالنار لينقطع منفعته عن الكفار، وصار كتخريب البنيان) ش: والجامع قطع المنفعة عنهم م: (بخلاف التحريق قبل الذبح) ش: حيث لا يجوز م: (لأنه منهي عنه) ش: أي لأن الحرق بالنار منهي عنه. وفيه أحاديث منها ما رواه البخاري عن سليمان بن يسار «عن أبي هريرة: بعثنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعث فقال: " إن وجدتم فلاناً وفلاناً فأحرقوهما "، فلما خرجنا دعانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " إن وجدتم فلاناً وفلاناً فاقتلوهما ولا تحرقوهما، فإنه لا يعذب بها إلا الله» وأخرجه الترمذي في " سننه "، «وسمى الرجلين فقال فيه: إن وجدتم هبار بن الأسود، ونافع بن عبد القيس» . م: (وبخلاف العقر) ش: حيث لا يجوز م: (لأنه مثلة) ش: وهو حرام م: (وتحرق الأسلحة أيضاً) ش: لقطع قوتهم، هذا إذا كان الإمام لا يقطع من إخراجها إلى دار الإسلام، وكانت مما يحرق بالنار م: (وما لا يحترق منها) ش: بأن كان من الحديد م: (يدفن في موضع لا يقدر عليه الكفار إبطالا للمنفعة عليهم) ش: لأن قطع قوتهم بهذا السلاح يكون بالدفن. [قسمة الغنائم في دار الحرب] م: (ولا يقسم غنيمة في دار الحرب حتى يخرجها إلى دار الإسلام، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بذلك) ش: أي بالقسم في دار الحرب بعدما انهزم المشركون، وبه قال أحمد، وقال مالك: يعجل قسمة الأموال في دار الحرب ويؤخر قسمة السبي إلى دار الإسلام م: (وأصله) ش: أي أصل الخلاف م: (أن الملك للغانمين لا يثبت قبل الإحراز بدار الإسلام عندنا، وعنده) ش: أي وعند الشافعي م: (يثبت ويبتنى على هذا الأصل عدة من المسائل) ش: منها أن أحداً من الغانمين إذا وطئ أمة من السبي فولدت فادعاه ثبت نسبه عنده وصارت الأمة أمة ولد. وعندنا لا يثبت النسب لعدم الملك، ويجب العقر ويقسم الأمة والولد والعقر بين الغانمين، ومنها، البيع لو باع الإمام أو واحد من الغزاة شيئاً من الغنيمة لا يجوز عندنا خلافاً لهم، ومنها الإرث، إذا مات أحد الغزاة بدار الحرب لا يورث منه عندنا خلافاً لهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 138 ذكرناها في كفاية المنتهى، له أن سبب الملك الاستيلاء إذا ورد على مال مباح كما في الصيد، ولا معنى للاستيلاء سوى إثبات اليد، وقد تحقق. ولنا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن بيع الغنيمة في دار الحرب، والخلاف ثابت فيه، والقسمة بيع معنى فتدخل تحته، ولأن الاستيلاء إثبات اليد الحافظة والناقلة، والثاني منعدم لقدرتهم على الاستنقاذ ووجوده ظاهرا.   [البناية] ومنها لو لحق المدد قبل القسمة لا يشاركه عندهم ويشارك عندنا، ومنها لو أتلف واحد شيئاً من المغنم قبل الإحراز، لا يضمن عندنا، خلافاً لهم م: (ذكرناها في كفاية) ش: بتوفيق الله، أراد بالكفاية كفاية م: (المنتهى) ش: وهو كتاب معدوم لم يقع في ديار العراق والشام ومصر. م: (له) ش: أي للشافعي م: (أن سبب الملك الاستيلاء إذا ورد على مال مباح كما في الصيد) ش: والاحتطاب م: (ولا معنى للاستيلاء سوى إثبات اليد وقد تحقق) ش: أي الاستيلاء. م: (ولنا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «نهى عن بيع الغنيمة في دار الحرب» ش: هذا غريب ليس له أصل م: (والخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بيننا وبين الشافعي م: (ثابت فيه) ش: أي في البيع، فمن حرم البيع القسمة م: (والقسمة بيع معنى) ش: أي من حيث المعنى لاشتمالها على الأفراد والمبادلة لا محالة: (فتدخل تحته) ش: أي فتدخل القسمة تحت البيع، فكما لا يجوز البيع لا تجوز القسمة. م: (ولأن الاستيلاء إثبات اليد الحافظة) ش: وهي اليد التي يثبت بها حفظ العين م: (والناقلة) ش: أي وإثبات اليد الناقلة، وهي التي تنقل العين من شخص إلى شخص، قاله الأترازي، وقال الكاكي: والناقلة بأن ينقله كيف شاء يتصرف فيه، وقيل: الناقلة بالإحراز الناقل إلى دار الإسلام. م: (والثاني) ش: أي إثبات اليد الناقلة م: (منعدم لقدرتهم) ش: أي لقدرة الكفرة م: (على الاستنقاذ) ش: أي الاستخلاص لأنهم قاهرون بالدار معنى لأنها في أيديهم م: (ووجوده) ش: بالجر عطف على قوله: لقدرتهم، أي لوجود الاستنقاذ م: (ظاهراً) ش: لكون الدار في أيديهم، لأن الدار إنما تضاف إلينا أو إليهم باعتبار القوة والاستيلاء، وما بقيت هذه البقعة منسوبة إليهم عرف أن القوة لهم. ألا ترى أنه يحل للإمام أن يرجع إلى دار الإسلام ويترك هذه البقعة في أيديهم، والقوة على الاسترداد ظاهر، يمنع ثبوت يد المسلمين، بخلاف ما إذا فتحت البلدة، لأنها صارت دار إسلام لفتحها وإجراء الأحكام فيها. فكان فتح البلدة كالإحراز بدارنا، إليه أشار في " المبسوط " وفي " السير الكبير ": دار الحرب الأرض التي يخاف فيها المسلمون من أرض العدو، ودار الإسلام ما غلب عليها المسلمون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 139 ثم قيل: موضع الخلاف ترتب الأحكام على القسمة إذا قسم الإمام لا عن اجتهاد، لأن حكم الملك لا يثبت بدونه، وقيل: الكراهة   [البناية] وكانوا فيه آمنين. م: (ثم قيل موضع الخلاف) ش: قال الأكمل: أي أن موضع الخلاف فيما إذا صدرت القسمة من الإمام بدون الاجتهاد، هل ثبت الملك لمن وقعت القسمة في نصيبه، من الأكل والوطء وسائر الانتفاع أو لا، فعنده يثبت، وعندنا لا يثبت، وقال الأترازي: قوله: ثم قيل: موضع الخلاف، يعني اختلفوا في المراد بقوله: ولا يقسم غنيمة في دار الحرب. قال بعض المشائخ: المراد عدم جواز القسمة حتى لا تثبت الأحكام المترتبة على القسمة كامتياز الملك عن ملك الغير أو مبادلة الملك بملكه على وجه يظهر أثره في حق الوطء ونفاذاً كالبيع والهبة وغير ذلك، وقال بعضهم: المراد منه الكراهة بدونه، أي بدون الملك، انتهى. قلت: تفسير الأكمل يشعر بأن مضي قوله: ثم قيل: موضع الخلاف، أي الخلاف الذي بيننا وبين الشافعي، وتفسير الأترازي يشعر بأن المراد من موضع الخلاف اختلاف المشائخ للنظر عن خلاف الشافعي، والذي قاله الأكمل أوجه على ما لا يخفى لأنه لا خلاف بيننا وبينه فيما إذا قسم الإمام عن اجتهاد أنه يجوز. والخلاف فيما إذا قسم الإمام لا عن اجتهاد كما صرح به المصنف بقوله م: (ترتب الأحكام على القسمة) ش: ارتفاع ترتب الأحكام على أنه خبر لقوله مع منع الخلاف، وأراد بالأحكام أحكام الملك، وهي سائر الانتفاعات بالملك م: (إذا قسم الإمام لا عن اجتهاد) ش: قيد به لأنه إذا قسمها عن اجتهاد، جاز بالاتفاق، وإنما قيد بهذا ليظهر موضع الخلاف. م: (لأن حكم الملك لا يثبت بدونه) ش: أي بدون الملك، معناه أن ترتب هذه الأحكام دليل ثبوت الملك المستلزم لجواز القسمة وقصده مترتبة بهذه القسمة الصادرة لا عن اجتهاد، فيلزم منه ثبوت الملك، وعندنا ليست بمترتبة، فدل على أن الملك لم يكن ثابتاً. وهذا لأن الملك عليه لترتب الأحكام، وقد وجد المعلول فيلزم وجود العلة لئلا يلزم تخلف العلة عن المعلول، وعندنا لم يوجد المعلول فيلزم منه عدم وجود العلة لئلا يلزم تخلف العلة عن المعلول. م: (وقيل الكراهة) ش: أي قيل: حكم قسم الغنائم في دار الحرب على مذهبنا الكراهة، لا عدم الجواز، لما أن القسمة من قطع شركة المراد فنقل بها عقبهم في اللحوق بالجيش، ولأنه إذا قسم تفرقوا، فربما يكون العدو على بعضهم، وهذا أمر وراء ما يتم به القسمة، فلا يمنع جوازها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 140 وهي كراهة تنزيه عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه قال على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز القسمة في دار الحرب. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأفضل أن يقسم في دار الإسلام. وجه الكراهة أن دليل البطلان راجح، إلا أنه تقاعد عن سلب الجواز، فلا يتقاعد عن إيراث الكراهة. قال: والردء والمقاتل في العسكر سواء؛   [البناية] ثم أشار المصنف إلى الخلاف في الكراهة، هل هي كراهة تنزيه أو كراهة تحريم، فقال: م: (وهي كراهة تنزيه عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه قال) ش: فإن محمداً قال في " السير الكبير " م: (على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز القسمة في دار الحرب، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأفضل أن يقسم في دار الإسلام) ش: وفيه نظر لأن هذا يشير إلى أن قول محمد على خلاف قول أبي حنيفة في القسمة في دار الحرب وليس بمشهور، فإنه لا خلاف بينهم في ظاهر الرواية من أصحابنا. وفي غير ظاهر الرواية الأفضلية منقولة عن أبي يوسف، وأيضاً قوله على قول أبي حنيفة وأبي يوسف: لا تجوز القسمة، يدل على خلاف ما يدل عليه قوله وقيل الكراهة. وفي الجملة هذا الموضع لا يخلو من تسامح، المخلص عنه أنهم اختلفوا في المراد بقوله: ولا يقسم غنيمة في دار الحرب، فقال بعض المشايخ: المراد به عدم جواز القسمة حتى لا تثبت الأحكام المترتبة على القسمة، وقال بعضهم: المراد به الكراهة، وعلى قوله على قول أبي حنيفة وأبي يوسف: لا تجوز القسمة، إنما يصح على قول الأولين فافهم. م: (وجه الكراهة أن دليل البطلان) ش: أي دليل بطلان القسمة م: (راجح) ش: على دليل جوازها لعدم تمام الاستيلاء م: (إلا أنه) ش: أي أنه دليل البطلان م: (تقاعد عن سلب الجواز) ش: إذ القسمة تجوز بالإجماع، أما عنده فظاهر، وأما عندنا إذا كانت عن اجتهاد، نظيره قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " الهرة سبع "، فإنه لما تقاعد عن سلب الطهارة قلنا بعدم الكراهة، وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الهرة ليست نجسة» قلنا بالكراهة ثمة. كذا هنا م: (فلا يتقاعد عن إيراث الكراهة) ش: لأنه لما ثبت نفي الجواز بالاتفاق يثبت الكراهة - بمذكر هنا - فلا يتقاعد عن إيراث الكراهة، لأن الدليل المرجوح لما لم يبطل أصلاً حصل من معارضة الراجح والمرجوح احتاج القراءة إلى الانتفاع بالمتاع والثياب والدواب قسمها بينهم في دار الحرب لتتحقق الحاجة. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والردء) ش: بكسر الراء وسكون الدال المهملة، وفي آخره همزة، وهو العون، رداه: أعانه، والراء بالفتح مصدر، والردء مرفوع بالابتداء، وقوله م: (والمقاتل) ش: عطف عليه، وقوله م: (في العسكر) ش: ظرف الاثنتين، وقوله م: (سواء) ش: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 141 لاستوائهم في السبب وهو المجاوزة، أو شهود الواقعة على ما عرف، وكذلك إذا لم يقاتل لمرض أو لغيره لما ذكرنا، وإذا لحقهم المدد في دار الحرب قبل أن يخرجوا الغنيمة إلى دار الإسلام شاركوهم فيها، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد انقضاء القتال، وهو بناء على ما مهدنا من الأصل. وإنما ينقطع حق المشاركة عندنا بالإحراز، أو بقسمة الإمام في دار الحرب أو ببيعه الغنائم فيها. لأن بكل واحد منها يتم الملك فينقطع حق شركة المدد. قال: ولا حق لأهل سوق العسكر في الغنيمة إلا أن يقاتلوا.   [البناية] بالرفع خبر المبتدأ، والقياس أن يقال: سواءان، ولكن جاء في الاستعمال بالإفراد أيضاً. قال الجوهري: وهما في هذا الأمر سواء، وإن شئت سواءان وهم سواء للجميع هم أسواء هم سواسية، أي أثبتاه مثل ثمانية قياسها م: (لاستوائهم في السبب) ش: أي سبب الاستحقاق م: (وهو المجاوزة) ش: أي مجاوزة الدرب بنية القتال عندنا م: (أو بشهود الواقعة) ش: عند الشافعي، والواقعة صدمة الحرب، كذا في مجمل اللغة، م: (على ما عرف) ش: أي في طريق الخلاف. م: (وكذلك) ش: أي وكذلك مستوٍ مع المقاتل في الحرب م: (إذا لم يقاتل) ش: أحد منهم م: (لمرض) ش: أي لأجل كونه مريضاً م: (أو لغيره) ش: أي أو غير المريض بأن بعثه الإمام إلى حاجة ولم يحضر الواقعة م: (لما ذكرنا) ش: من الاستواء في السبب. [مشاركة المدد العسكر في الغنيمة] م: (وإذا لحقهم المدد في دار الحرب قبل أن يخرجوا الغنيمة إلى دار الإسلام شاركوهم فيها) ش: أي شارك المدد العسكر في الغنيمة، وإنما أسند الفعل إلى ضمير الجماعة لأن المدد يقع على الجماعة م: (خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد انقضاء القتال) ش: فعنده إذا لحقوا بعد مضي الحرب وجمع الغنائم لم يشركوهم، وإذا لحقوا بعد مضي الحرب، وقبل إحراز الغنائم ففيه قولان. م: (وهو) ش: أي المذكور من الخلاف م: (بناء على ما مهدنا من الأصل) ش: أن سبب ملك الغانمين تمام القهر، وذلك بالإحراز بدار الإسلام عندنا وعنده بتمام الانهزام. م: (وإنما ينقطع حق المشاركة عندنا بالإحراز) ش: بدار الإسلام م: (أو بقسمة الإمام في دار الحرب) ش: قيل إلحاق المدد م: (أو ببيعه الغنائم فيها) ش: أي أو بيع الإمام الغنيمة في دار الحرب قبل إلحاق المدد م: (لأن بكل واحد منها) ش: أي ملك واحد من هذه الأشياء الثلاثة م: (يتم الملك) ش: أي ملك الغزاة م: (فينقطع حق شركة المدد) ش: فلا يستحقون شيئاً. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا حق لأهل سوق العسكر في الغنيمة إلا أن يقاتلوا) ش: أي ولا رضخ، وبه صرح في " المبسوط "، فإذا قاتلوا استحقوا السهم، وبه قال مالك وأحمد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 142 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أحد قوليه: يسهم لهم لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: الغنيمة لمن شهد الوقعة، ولأنه وجد الجهاد معنى بتكثير السواد. ولنا أنه لم توجد المجاوزة على قصد القتال فانعدم السبب الظاهر، فيعتبر السبب الحقيقي وهو القتال، فيفيد الاستحقاق على حسب حاله، فارسا أو راجلا عند القتال، وما رواه موقوف على عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتأويله أن يشهدها على قصد القتال   [البناية] والشافعي في قول، وقال أشهب المالكي: لا يستحق أحد منهم شيئاً وإن قاتل؛ لعدم قصده الجهاد. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أحد قوليه: يسهم لهم لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «الغنيمة لمن شهد الوقعة» ش: الصحيح أن هذا ليس بحديث مرفوع، وإنما هو موقوف على عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه ابن أبي شيبة في مصنفه مطولاً، حدثنا وكيع حدثنا شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب «أن أهل البصرة غزوا نهاوند فأمدهم أهل الكوفة وعليهم عمار بن ياسر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ... الحديث. وفيه: كتب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن الغنيمة لمن شهد الوقعة» ورواه الطبراني في " معجمه " والبيهقي في " سننه " وقال: هو صحيح من قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (ولأنه وجد الجهاد معنى بتكثير السواد) ش: أي سواد العسكر. م: (ولنا أنه لم توجد المجاوزة) ش: أي عن الدرب م: (على قصد القتال) ش: لأن قصدهم التجارة لا إعزاز الدين ولا إرهاب العدو م: (فانعدم السبب الظاهر) ش: وهو مجاوزة الدرب بنية القتال، كما هو مذهبنا، أو شهود الواقعة بنية القتال كما هو مذهب الشافعي، وإذا كان كذلك م: (فيعتبر السبب الحقيقي وهو القتال فيفيد الاستحقاق) ش: أي يفيد القتال استحقاق السهم م: (على حسب حاله) ش: أي حال السوق حالة كونه م: (فارساً أو راجلاً عند القتال) ش: إن قاتل فارساً فله سهم الفرسان، وإن قاتل راجلاً فله سهم الرجالة. م: (وما رواه) ش: أي الشافعي م: (موقوف على عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وقد ذكرناه، فإذا كان موقوفاً عليه يكون كلام الصحابي وقول الصحابي ليس بحجة عنده، فكيف يحتج بما ليس بحجة عنده علينا. م: (وتأويله) ش: أي وتأويل هذا الذي احتج به الشافعي إن صح م: (أن يشهدها على قصد القتال) ش: أي لم يشهد الوقعة على نية القتال. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 143 فإن لم يكن للإمام حمولة يحمل عليها الغنائم قسمها بين الغانمين قسمة إيداع ليحملوها إلى دار الإسلام، ثم يرتجعها منهم فيقسمها. قال العبد الضعيف: هكذا ذكر في المختصر ولم يشترط رضاهم، وهو رواية " السير الكبير "، والجملة في هذا أن الإمام إذا وجد في المغنم حمولة يحمل الغنائم عليها، لأن الحمولة والمحمول مالهم، وكذا إذا كان في بيت المال فضل حمولة، لأنه مال المسلمين، ولو كان للغانمين أو لبعضهم لا يجبرهم في رواية السير الصغير، لأنه ابتداء إجارة، وصار كما إذا نفقت دابة في مفازة ومع رفيقه   [البناية] م: (فإن لم يكن للإمام حمولة) ش: بفتح الحاء يحمل عليها من بعير أو فرس أو بغل أو حمار م: (يحمل عليها) ش: أي على حمولة م: (الغنائم) ش: جمع غنيمة م: (قسمها) ش: أي الغنائم م: (بين الغانمين قسمة إيداع) ش: أي على وجه الوديعة لا قسمة تمليك م: (ليحملوها إلى دار الإسلام ثم يرتجعها منهم) ش: أي من الغانمين م: (فيقسمها) ش: بينهم بعد ذلك. م: (قال العبد الضعيف) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (هكذا ذكر في المختصر) ش: أي هكذا ذكر القدوري في مختصره حيث قال: وإن لم يكن للإمام حمولة ... إلى آخر ما ذكرنا من كلام المصنف م: (ولم يشترط) ش: أي القدوري م: (رضاهم) ش: أي رضاء الغانمين، بل ذكره مطلقاً م: (وهو) ش: أي القدوري، ذكره مطلقاً م: (رواية " السير الكبير ") ش: حيث قال فيه: يكرههم على ذلك، لكن إجارة. وهي رواية القدوري في مختصره لأنه فيه دفع الضرر العام بالخاص، ولأن منفعته عائدة إليهم فله أن يفعل ذلك لحقهم، فصار كمأكول، فصار إلى تأول طعام الغير حيث يتناولها بالغنيمة. م: (والجملة في هذا) ش: أي جملة الكلام في هذا الموضع م: (أن الإمام إذا وجد في المغنم حمولة يحمل الغنائم عليها، لأن الحمولة والمحمول مالهم) ش: من نظر حمل مالهم على مالهم م: (وكذا) ش: أي حكم م: (إذا كان في بيت المال فضل حمولة، لأنه) ش: أي لأن بيت المال م: (مال المسلمين) ش: فتحمل مالهم بمالهم. م: (ولو كان) ش: أي ما يحمل عليه م: (للغانمين أو لبعضهم لا يجبرهم في رواية " السير الصغير ") ش: لا يكرههم عليه لعدم حل الانتفاع بمال الغير إلا بطيبة من نفسه، فيكون هذا جبراً على الإجارة ابتداء وهو معنى قوله م: (لأنه ابتداء إجارة) ش: فلا يجوز قوله: ابتداء إجارة، احترازاً عن إجارة في حالة البقاء حيث تجوز الحرمة باتفاق الروايات، كمن استأجر سفينة شهراً فمضت المدة وسط البحر، فإنه ينعقد عليها إجارة أخرى بغير رضى المالك بأجر المثل، ذكره في " المحيط ". م: (وصار كما إذا نفقت دابة) ش: أي كما إذا هلكت دابة إنسان م: (في مفازة ومع رفيقه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 144 فضل حمولة ويجبرهم في رواية السير الكبير، لأنه دفع الضرر العام بتحصيل ضرر خاص. ولا يجوز بيع الغنائم قبل القسمة في دار الحرب؛ لأنه لا ملك قبلها، وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد بينا الأصل. ومن مات من الغانمين في دار الحرب فلا حق له في الغنيمة. ومن مات منهم بعد إخراجها إلى دار الإسلام فنصيبه لورثته، لأن الإرث يجري في الملك ولا ملك قبل الإحراز وإنما الملك بعده، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من مات منهم بعد استقرار الهزيمة يورث نصيبه لقيام الملك فيه عنده وقد بيناه. قال: ولا بأس بأن يعلف   [البناية] فضل حمولة) ش: حيث لا يجبر على الحمل بأجر المثل بلا رضاه، فكذا هذا، م: (ويجبرهم) ش: أي الإمام م: (في رواية السير الكبير، لأنه دفع الضرر العام بتحصيل ضرر خاص) ش: أي لأن الإجبار على الإجارة دفع الضرر العام بتحصيل الضرر الخاص آلة السفينة في وسط البحر، والدابة في وسط المفازة عند مضي مدة الإجارة أو مات صاحب الدابة أو السفينة، فلأنه تبقى الإجارة والأجر من الغنيمة. [بيع الغنائم قبل القسمة في دار الحرب] م: (ولا يجوز بيع الغنائم قبل القسمة في دار الحرب؛ لأنه لا ملك قبلها) ش: أي قبل القسمة، ومع هذا إذا باع الإمام صح، لأنه مجتهد فيه، ذكره في شرح الطحاوي، فعلم بهذا أن المراد بقوله: لا يجوز بيع الغنائم، الكراهة لا نفي ترتب الأحكام، والكراهة أيضاً فيما إذا باع لا لحاجة الغزاة. وإذا باع لدفع حاجتهم فينبغي أن لا تكره، لأن مال أهل الحرب مباح، وبالضرورة يستباح المحظور، فلأن يستباح المباح وللكراهة مع الإباحة م: (وفيه) ش: أي وفي بيع الغنائم قبل القسمة م: (خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فعنده يجوز، لأن سبب الملك عنده الاستيلاء م: (وقد بينا الأصل) ش: أن الملك للغانمين قبل الإحراز بدار الإسلام لا يثبت عندنا، خلافاً له. [حق من مات من الغانمين في دار الحرب من الغنيمة] م: (ومن مات من الغانمين في دار الحرب فلا حق له في الغنيمة. ومن مات منهم بعد إخراجها) ش: أي بعد إخراج الغنيمة م: (إلى دار الإسلام، فنصيبه لورثته) ش: لورثة الذي مات من الغانمين م: (لأن الإرث يجري في الملك ولا ملك قبل الإحراز) ش: بدار الإسلام م: (وإنما الملك) ش: يثبت م: (بعده) ش: أي بعد الإحراز بدار الإسلام. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من مات منهم بعد استقرار الهزيمة يورث نصيبه لقيام الملك فيه عنده) ش: أي عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقد بيناه) ش: أي في مسألة قسمة الغنيمة في دار الحرب. م: (قال: ولا بأس بأن يعلف) ش: يقال علف الدابة يعلف علفاً من باب ضرب يضرب: إذا أطعمها العلف، وقال ابن دريد: لا يقال: أعلفها، والدابة معلوفة وعليف، والعلف بفتح اللام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 145 العسكر في دار الحرب ويأكلوا مما وجدوه من الطعام. قال العبد الضعيف: أرسله ولم يقيد بالحاجة. وقد شرطها في رواية ولم يشترطها في الأخرى. وجه الأولى أنه مشترك بين الغانمين فلا يباح الانتفاع به إلا للحاجة كما في الثياب والدواب. وجه الأخرى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في طعام خيبر: «كلوها واعلفوها ولا تحملوها» ولأن الحكم يدار على دليل الحاجة، وهو كونه في دار الحرب، لأن الغازي لا يستصحب قوت نفسه وعلف ظهره مدة مقامه فيها، والميرة منقطعة، فبقي على أصل الإباحة للحاجة بخلاف السلاح لأنه يستصحبه   [البناية] كل ما أعلفه الدابة. والعلف بسكون اللام مصدر كما ذكرناه، وقوله م: (العسكر) ش: بالرفع فاعل يعلف، المفعول محذوف وهو الدابة، ولفظ يعلف يدل عليه، لأن العلف يكون للدابة م: (في دار الحرب ويأكلوا مما وجدوه من الطعام. قال العبد الضعيف) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أرسله) ش: أي القدوري يعني أطلقه م: (ولم يقيده بالحاجة وقد شرطها) ش: أي شرط الحاجة محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في رواية) ش: وهي رواية " السير الصغير " م: (ولم يشترطها في الأخرى) ش: أي في الرواية الأخرى وهي رواية " السير الكبير "، واختارها الكرخي في مختصره وتبعه القدوري حيث أطلقها. م: (وجه الأولى) ش: أي وجه الرواية الأولى، وهي رواية " السير الصغير " م: (أنه) ش: أي أن ما وجدوه من العلف والطعام م: (مشترك بين الغانمين فلا يباح الانتفاع به إلا للحاجة كما في الثياب والدواب) ش: أي كما لا يباح الاستعمال في الثياب والدواب والسلاح إلا لحاجة. م: (وجه الأخرى) ش: أي وجه الرواية الأخرى وهي رواية " السير الكبير " م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (في طعام خيبر: «كلوها واعلفوها ولا تحملوها» ش: هذا رواه البيهقي في كتاب المعرفة بإسناده عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم خيبر: " كلوا واعلفوا ولا تحملوا» . م: (ولأن الحكم يدار على دليل الحاجة، وهو كونه في دار الحرب، لأن الغازي لا يستصحب قوت نفسه، وعلف ظهره) ش: أي دابته. قال في " الفائق ": الظهر: الراحلة، وقال في " المغرب ": لفظ الظهر مستعار للدابة م: (مدة مقامه فيها) ش: أي في دار الحرب م: (والميزة) ش: أي الطعام م: (منقطعة فبقي على أصل الإباحة للحاجة) ش: أي للاحتياج. م: (بخلاف السلاح) ش: حيث لا يستعمله م: (لأنه) ش: أي لأن الغازي م: (يستصحبه) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 146 فانعدم دليل الحاجة، وقد تمس إليه الحاجة فيعتبر حقيقتها فيستعمله ثم يرده إلى المغنم إذا استغنى عنه، والدابة مثل السلاح والطعام كالخبز واللحم وما يستعمل فيه كالسمن والزيت. قال: ويستعملوا الحطب. وفي بعض النسخ الطيب ويدهنوا بالدهن ويوقحوا به بالدابة؛   [البناية] ش: أي مستصحب السلاح م: (فانعدم دليل الحاجة وقد تمس إليه) ش: أي وقد تمس م: (الحاجة) ش: إلى السلاح بأن سقط السيف من يده أو انكسر أو نهب أو نحو ذلك م: (فيعتبر حقيقتها) ش: أي حقيقة الحاجة لا دليل الحاجة م: (فيستعمله) ش: أي فيستعمل السلاح م: (ثم يرده إلى المغنم إذا استغنى عنه) ش: أي عن السلاح م: (والدابة مثل السلاح) ش: أي يعتبر فيها حقيقة الحاجة وهذا إذا اعتبر فيها الركوب. أما إذا اعتبر فيها الأكل فهي كالطعام، حتى يجوز ذبح الإبل والبقر والغنم للأكل، ذكره في " المحيط " و " الإيضاح " م: (والطعام) ش: أي المراد من الطعام المذكور فيما مضى من قوله: ويأكلوا ما وجدوه من الطعام م: (كالخبز واللحم وما يستعمل فيه) ش: أي في الخبز م: (كالسمن والزيت) ش:. [تناول شيء من الأدوية والطيب ودهن البنفسج ودهن الخيري قبل القسمة للغنائم] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويستعملوا الحطب) ش: لتعذر نقله من دار الإسلام م: (وفي بعض النسخ) ش: أي في بعض نسخ القدوري م: (الطيب) ش: أي ويستعملوا الطيب. وهذا ليس بصحيح، لأن القدوري نفسه قال في شرح مختصر الكرخي بعدم جواز الانتفاع بالطيب م: (ويدهنوا بالدهن) ش: هذا أيضاً لفظ القدوري المراد به الدهن المأكول كالزيت، لأنه لما صار مأكولا كان صرفه إلى بدنه كصرفه إلى أكله، وإذا لم يكن مأكولا لا ينتفع به، بل يرده إلى الغنيمة، كذا ذكره القدوري في شرحه. وفي " المحيط ": لو أصابوا سمسماً أو زيتاً أو دهن سمسم أو فاكهة يابسة أو رطبة أو سكراً أو بصلاً أو غير ذلك من الأشياء التي تؤكل عادة، لا بأس بالتناول منها قبل القسمة، ولا يجوز تناول شيء من الأدوية والطيب ودهن البنفسج ودهن الخيري لأن هذه الأدهان لا تؤكل ولا تستعمل للحاجة الأصلية. بل يستعمله للزينة وكل ما لا يؤكل ولا يشرب، فلا ينبغي أن ينتفع منه بشيء قل أو كثر، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ردوا الخيط والمخيط» ، وقال فيه وما استهلكه في دار الحرب مما له قيمة أو ليس له قيمة فذلك هدر. م: (ويوقحوا به الدابة) ش: هذا أيضاً لفظ القدوري ويوقحوا من التوقيح، وتوقيح الدابة تصليب حافزها بالشحم المذاب إذا حفي، أي رق من كثرة المشي، وفي المجمل السفرقع الحافر، أي أصلب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 147 لمساس الحاجة إلى جميع ذلك، ويقاتلوا بما يجدونه من السلاح، كل ذلك بلا قسمة، وتأويله إذا احتاج إليه بأن لم يكن له سلاح وقد بيناه. ولا يجوز أن يبيعوا من ذلك شيئا ولا يتمولونه؛ لأن البيع يترتب على الملك ولا ملك على ما قدمناه، وإنما هو إباحة   [البناية] قال الأترازي: وهذا خطأ، كذا في " المغرب " ونسخة الإمام حافظ الدين الكبير - رَحِمَهُ اللَّهُ - بخط يده بالراء من الترقيح، وهو المنقول عن المصنف، قال: هكذا قرأناه على المشايخ، قال في " الجمهرة " رقح فلان عيشه ترقيحاً: إذا أصلحه. وقال الكاكي: قال شيخي العلامة صاحب النهاية: ولكن صححه شيخي مولانا حافظ الدين بالراء من الترقيح وهو الإصلاح، وهو أصح لأنه أعم، وقال الأترازي: رأيت في نسخة من نسخ مختصر الكرخي مكتوبة في تاريخ سنة إحدى وأربعمائة بالواو كما قال صاحب المغرب لا بالراء. انتهى. وكذا رأيت بخط شيخي العلاء أنه بالواو أولى م: (لمساس الحاجة إلى جميع ذلك) ش: أشار به إلى جميع ما ذكره من قوله، والطعام كالخبز، إلى هنا. م: (ويقاتلوا بما يجدونه من السلاح) ش: هذا لفظ القدوري معطوف على قوله: بأن يعلق العسكر م: (كل ذلك بلا قسمة) ش: هذا أيضاً لفظ القدوري؛ أي كل ما قلنا من علف الدابة وأكل طعام الغنيمة واستعمال الحطب والادهان بالدهن. والقتال بسلاح الغنيمة قبل مسها م: (وتأويله) ش: أي تأويل قول القدوري: ويقاتلوا بما يجدونه من السلاح م: (إذا احتاج إليه بأن لم يكن له سلاح) ش: وإنما احتاج إلى هذا التأويل لأنه إذا احتاج الغازي إلى استعمال سلاح الغنيمة بسبب صيانة سلاحه لا يجوز م: (وقد بيناه) ش: إشارة إلى قوله بخلاف السلاح لأنه مستصحبه، إلى آخره. م: (ولا يجوز أن يبيعوا من ذلك شيئاً) ش: هذا أيضاً لفظ القدوري، وأشار بذلك إلى ما ذكره من قوله من علف الدواب، وأخذ الطعام للأكل والحطب للاستعمال والدهن بلا ادهان والسلك للقتال م: (ولا يتمولونه) ش: هذا أيضاً قال القدوري من التمول، وهو صيانة ذلك وادخاره إلى وقت الحاجة. وقال الأترازي: ولا يتمولونه، عطف على قوله: ولا يجوز، لا على قول: أن يبيعه، لأن ذلك عكس الغرض، أي لا يبيعونه ولا يتمولونه، فلو كان عطفاً على أن يبيعوا كان إثبات التمول لأن نفي النفي إثبات م: (لأن البيع يترتب على الملك ولا ملك) ش: أي هنا م: (على ما قدمناه) ش: من قوله: إنه لا ملك قبل الإحرزا م: (وإنما هو إباحة) ش: أي الانتفاع بالأشياء المذكورة إباحة لهم للحاجة وقد زالت الحاجة فلا تبقى الإباحة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 148 وصار كالمباح له الطعام، وقوله: ولا يتمولونه، إشارة إلى أنهم لا يبيعونه بالذهب والفضة والعروض، لأنه لا ضرورة إلى ذلك، فإن باعه أحدهم رد الثمن إلى الغنيمة، لأنه بدل عين كانت للجماعة، وأما الثياب والمتاع فيكره الانتفاع بها قبل القسمة من غير حاجة للاشتراك، إلا أنه يقسم الإمام بينهم في دار الحرب إذا احتاجوا إلى الثياب والدواب والمتاع، لأن المحرم يستباح للضرورة فالمكروه أولى، وهذا لأن حق المدد محتمل، وحاجة هؤلاء متيقن بها فكان أولى بالرعاية، ولم يذكر القسمة في السلاح، ولا فرق في الحقيقة فإنه إذا احتاج واحد يباح له الانتفاع في الفصلين، وإن احتاج الكل يقسم في الفصلين،   [البناية] م: (وصار) ش: هذا م: (كالمباح له الطعام) ش: يعني كما إذا أباح طعامه بغيره لا يجوز له أن يبيع ويتمول. م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري م: (ولا يتمولونه، إشارة إلى أنهم لا يبيعونه بالذهب والفضة والعروض، لأنه لا ضرورة إلى ذلك) ش: أي إلى البيع بشيء من هذه الأشياء، لأنه في معنى التمول، ولا حاجة لهم إلى ذلك م: (فإن باعه أحدهم) ش: أي فإن باع شيئاً من الأشياء التي لا يجوز بيعها أحدهم، أي أحد الغانمين م: (رد الثمن إلى الغنيمة، لأنه بدل عين كانت للجماعة) ش: أي عوض عين مشتركة بين الغانمين. [الانتفاع بالثياب والمتاع قبل القسمة] م: (وأما الثياب والمتاع فيكره الانتفاع بها قبل القسمة من غير حاجة للاشتراك) ش: أي لأجل اشتراك الغانمين فيهما م: (إلا أنه) ش: أي غير أن الشأن م: (يقسم الإمام بينهم في دار الحرب إذا احتاجوا إلى الثياب والدواب والمتاع، لأن المحرم يستباح للضرورة فالمكروه أولى) ش: بأن يستباح. م: (وهذا لأن حق المدد) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر بأن يقال: كيف جازت القسمة وفيها قطع حق الغير وهو المدد لأن المدد إذا لحقهم بشوكتهم؟ فأجاب بقوله، وهذا، أي جواز القسمة لأن حق المدد الذي يأتي م: (محتمل وحاجة هؤلاء) ش: أي العسكر الموجودين م: (متيقن بها) ش: أي بالحاجة م: (فكان) ش: أي المتيقن بها. م: (أولى بالرعاية) ش: لأنه لا اعتبار للاحتمال مع وجود اليقين م: (ولم يذكر) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب السير م: (القسمة في السلاح) ش: إذا احتاجوا إليه م: (ولا فرق في الحقيقة) ش: بين السلاح وبين الثياب والمتاع والدواب في جواز القسمة عند الحاجة. م: (فإنه) ش: أي فإن الثياب م: (إذا احتاج واحد يباح له الانتفاع في الفصلين) ش: أي في فصل السلاح وفصل الثياب والمتاع والدواب م: (وإن احتاج الكل) ش: أي كل الغزاة م: (يقسم في الفصلين) ش: المذكورين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 149 بخلاف ما إذا احتاجوا إلى السبي حيث لا يقسم، لأن الحاجة إليه في فضول الحوائج. قال: ومن أسلم منهم معناه في دار الحرب أحرز بإسلامه نفسه، لأن الإسلام ينافي ابتداء الاسترقاق وأولاده الصغار، لأنهم مسلمون بإسلامه تبعا، وكل مال هو في يده؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أسلم على مال فهو له»   [البناية] م: (بخلاف ما إذا احتاجوا إلى السبي حيث لا يقسم، لأن الحاجة إليه) ش: أي إلى السبي م: (في فضول الحوائج) ش: لا من أصولها، وفي " المبسوط ": لا يقسم السبي وإن احتيج إليه قبل الإحراز، لأنه لا يقع حاجة الأحياء ولا يبيعهم، لأنه لا يملكهم قبل الإحراز، فإن أطاعوا المشي يمشيهم، لأن في الإركاب إعزازا وهم أصل الصغار، أي الذل. فإن لم يطيقوه وليس معه فضل حمولة ولم تطب نفسه من معه فضل حمولة قبل الرجال وترك النساء والصبيان، لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قتل رجال بني قريظة ولم يقتل النساء والصبيان» وهل يكره من عنده فضل حمولة على الحمل؟ فيه روايتان. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أسلم منهم) ش: أي من الكفار، هذا لفظ القدوري م: (معناه في دار الحرب) ش: هذا لفظ المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي معنى قوله ومن أسلم منهم، أي أسلم في دار الحرب، إنما احتاج إلى هذا التأويل ليقع الاحتراز به عن مستأمن أسلم في دار الإسلام ثم ظهرنا على دار الحرب، كان أولاده وأمواله كلها فيئاً م: (أحرز بإسلامه نفسه، لأن الإسلام ينافي ابتداء الاسترقاق) ش: احترز به عن الاسترقاق بقاء، لأن الإسلام لا ينافيه. وهذا لأن الرق جزاء الكفر الأصلي فإنهم لما استنكفوا أن يكونوا عبيداً لله - عز وجل - جازاهم الله - عز وجل - بأن يكونوا عبيد عبيده، بخلاف الرق في حالة آليتها، فإنه صار من الأمور الحكمية م: (وأولاده الصغار) ش: بالنصب؛ عطف على قوله: نفسه، أي وأحرز أيضاً أولاده الصغار، احترز به عن أولاده الكبار على ما يجيء. م: (لأنهم مسلمون بإسلامه تبعاً) ش: أي بإسلام الأب بطريق التبعية له فصاروا أحراراً م: (وكل مال) ش: بالنصب أي أحرز كل مال م: (هو في يده لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من أسلم على مال فهو له» ش: هذا الحديث رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده من حديث ياسين الزيات عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أسلم على شيء فهو له» ورواه ابن عدي في " الكامل "، والبيهقي وأعله بياسين الزيات، وأسند تضعيفه عن البخاري والنسائي وابن معين، ورواه البيهقي وقال: إنما يروى عن ابن أبي مليكة، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 150 ولأنه سبقت يده الحقيقية إليه يد الظاهرين عليه، أو وديعة في يد مسلم أو ذمي، لأنه في يد صحيحة محترمة ويده كيده، فإن ظهرنا على دار الحرب فعقاره فيء، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو له لأنه في يده فصار كالمنقول. ولنا أن العقار في يد أهل الدار وسلطانها إذ هو من جملة دار الحرب، فلم يكن في يده حقيقة. وقيل: هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - الآخر، وفي قول عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأول: هو كغيره من الأموال بناء على أن اليد حقيقة لا يثبت على العقار عندهما،   [البناية] وعن عروة مرسلاً. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الذي أسلم م: (سبقت يده الحقيقية إليه يد الظاهرين) ش: أي الغالبين م: (عليه) ش: أي على المال م: (أو وديعة) ش: بالرفع عطفاً على قوله: هو في يده م: (في يد مسلم أو ذمي لأنه) ش: أي لأن الوديعة، ذكر الضمير باعتبار المودع م: (في يد صحيحة) ش: احترز به عن يد الغاصب. م: (محترمة) ش: احترز به عن الحربي م: (ويده) ش: أي يد كل واحد من المسلم والذمي م: (كيده) ش: لأنهما عاملان له ونائبان في الحفظ، فإن كانت وديعة عند حربي تصير فيئاً على رواية أبي حفص، وعلى رواية أبي سليمان لا يكون فيئاً. م: (فإن ظهرنا على دار الحرب) ش: أي فإن غلبنا على دار الحرب التي أسلم المذكور منها م: (فعقاره فيء) ش: هذا ذكروه في شرح " الجامع الصغير "، ولم يذكروا فيه خلافاً بين أصحابنا، وليس في الأصل أيضاً ذكر الخلاف إلا أن الفقيه أبا الليث قال في شرح " الجامع الصغير ": قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأمالي ": لا يصير فيئاً، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإليه أشار بقوله م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو له) ش: أي العقار الذي أسلم، وبه قال مالك وأحمد م: (لأنه في يده) ش: أي لأن العقار في يده م: (فصار كالمنقول) ش: حيث يكون له بلا خلاف. م: (ولنا أن العقار في يد أهل الدار) ش: أي دار الحرب م: (وسلطانها) ش: أي وفي يد سلطانها م: (إذ هو) ش: أي العقار م: (من جملة دار الحرب فلم يكن في يده حقيقة) ش: بخلاف المنقول. م: (وقيل هذا) ش: أي قول القدوري فعقاره فيء م: (قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - الآخر) ش: أي القول الآخر، وإنما ذكره بقوله قيل هذا لأن الظاهر عن أصحابنا لا اختلاف فيه م: (وفي قول عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأول، هو) ش: أي العقار م: (كغيره من الأموال بناء على أن اليد حقيقة لا يثبت على العقار عندهما) ش: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 151 وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت وزوجته فيء، لأنها كافرة حربية لا تتبعه في الإسلام، وكذا حملها فيء خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو يقول: إنه مسلم تبعا كالمنفصل. ولنا أنه جزؤها فيرق برقها، والمسلم محل للتمليك تبعا لغيره، بخلاف المنفصل لأنه حر لانعدام الجزئية عند ذلك، وأولاده الكبار فيء؛ لأنهم كفار حربيون ولا تبعية. ومن قاتل من عبيده فيء لأنه تمرد على مولاه، خرج من يده لأهل دارهم وما كان من ماله في يد حربي فهو فيء غصبا كان أو وديعة، لأن يده ليست بمحترمة؛   [البناية] أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت) ش: وفي شرح الطحاوي: ما كان غير منقول في مثل الدار والعقار والزروع إذا كان غير محصور عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - المنقول وغير المنقول سواء م: (وزوجته فيء لأنها كافرة حربية لا تتبعه) ش: أي لا تتبع زوجها م: (في الإسلام) ش: فتكون فيئاً م: (وكذا حملها) ش: أي حمل المرأة م: (فيء خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يقول) ش: أي الشافعي م: (إنه) ش: أي إن الحمل م: (مسلم تبعاً) ش: أي لأبيه م: (كالمنفصل) ش: أي كالولد المنفصل. م: (ولنا أنه) ش: أي أن الحمل م: (جزؤها) ش: أي جزء أمه م: (فيرق برقها) ش: أي برق أمه م: (والمسلم محل للتمليك) ش: تقديره مسلماً لأنه مسلم تبعاً، لكن المسلم محل للتمليك، هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنه مسلم، ليكون ملكاً (تبعاً لغيره) كما إذا تزوج المسلم أمة الغير فيكون الولد رقيقاً بتبعية الأم وإن كان مسلماً بإسلام أبيه. م: (بخلاف المنفصل) ش: جواب عن قوله: كالمنفصل تقديره م: (لأنه) ش: أي لأن المنفصل م: (حر لانعدام الجزئية عند ذلك) ش: أي عند الانفصال م: (وأولاده الكبار فيء لأنهم كفار حربيون ولا تبعية) ش: لأبيهم. [من قاتل من عبيد الذمي الذي أسلم هل يعد فيئا] م: (ومن قاتل من عبيده) ش: أي من عبيد الذمي الذي أسلم م: (فيء لأنه تمرد على مولاه خرج من يده) ش: وصار تبعاً م: (لأهل الدار) ش: أي لأهل دار الحرب م: (وما كان من ماله في يد حربي فهو فيء غصباً كان أو وديعة لأن يده) . ش: أي يد الحربي م: (ليست بمحترمة) ش: اعترض عليه بأن قام مقام غيره، فإنما يعمل بوصف الأصل كالتراب مع الماء في التيمم، ولما قام الحربي مقام المودع المسلم كان الواجب أن تكون يده كيد المسلم محترمة نظراً إلى نفسه لا نظراً إلى الحربي. وأجيب: بأن قيام يد المودع على الوديعة حقيقي، وقيام يد المالك عليها حكمي، واعتبار الحكمي إن أوجب عصمتها، فباعتبار الحكمي يمنعها والعصمة لم تكن ثابتة، لأن المال في أصله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 152 وما كان غصبا في يد مسلم أو ذمي فهو فيء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون فيئا، قال العبد الضعيف: كذا ذكر الخلاف في " السير الكبير ". وذكروا في شرح " الجامع الصغير " قول أبي يوسف مع قول محمد - رحمهما الله -.   [البناية] على صفة الإباحة. وعصمته تابعة لعصمة المالك، وإنما تثبت التبعية أن لو ثبتت يد المالك المعصوم له حقيقة وحكماً أو حكماً مع الاحترام، لأنه بدون الاحترام يتعارضها جهة الإباحة الأصلية، فلا يثبت بالشك. [ما كان غصباً في يد مسلم أو ذمي هل يعد فيئا] م: (وما كان غصباً في يد مسلم أو ذمي فهو فيء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون فيئاً) ش: ثم م: (قال العبد الضعيف) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كذا ذكر الخلاف في السير الكبير) ش: يعني ذكر الخلاف بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ناحية، وبين أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - في ناحية. م: (وذكروا في شرح " الجامع الصغير " قول أبي يوسف مع قول محمد - رحمهما الله -) ش: حيث جعل الخلاف بين أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وبين محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجعل أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ناحية، وجعل محمداً - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ناحية. وقال الأترازي: وما كان غصباً في يد مسلم أو ذمي فهو فيء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون فيئاً، وفي بعض نسخ " الهداية ": وقالا: لا يكون فيئاً، وليس ذلك بصحيح. انتهى. فهو أراد أن الصحيح ما ذكره أولاً مصدراً له أو هو كون الخلاف بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبين محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولكن قول المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد هذا لهما، وبعده له، يدل على أن الصحيح قول: فهو فيء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يكون فيئاً. فإن قلت: يحتمل أن يكون قوله: لهما، أي لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقرينة ذكره بقوله، وذكر في شرح قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: قال الأكمل في قوله: وله أنه مال، أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فدل على أن المراد من قوله: لهما، أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فدل هذا كله أن الذي مال إليه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو الخلاف الذي بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبين أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ودل أيضاً أن الذي قاله الأترازي وفي بعض نسخ " الهداية "، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 153 لهما أن المال تابع للنفس وقد صارت معصومة بإسلامه فيتبعها ماله فيها. وله أنه مال مباح فيملك بالاستيلاء والنفس لم تصر معصومة بالإسلام، ألا ترى أنها ليست بمتقومة، إلا أنه محرم التعرض في الأصل لكونه مكلفا وإباحة التعرض يعارض شره، وقد اندفع بالإسلام، بخلاف المال، لأنه خلق عرضة للامتهان، فكان محللا للتملك، وليست في يده حكما فلم تثبت العصمة   [البناية] وقالا: لا يكون فما تصحيح غير صحيح فتأمل وتدبر. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن المال تابع للنفس وقد صارت) ش: أي نفسه م: (معصومة بإسلامه فيتبعها ماله فيها) ش: أي يتبع ماله نفسه في العصمة. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه مال مباح فيملك بالاستيلاء) ش: يعني الذي غصبه المسلم أو الذمي من الحربي الذي أسلم مال مباح لأنه ليس بمعصوم، والمباح تمليك بالاستيلاء، فكان فيئاً للغزاة م: (والنفس لم تصر معصومة بالإسلام) ش: جواب عن قولهما: إن المال تابع النفس وقد صارت معصومة بالإسلام فيتبعه مالها فيها، أي في العصمة. وتقرير الجواب أنا لا نسلم أن النفس صارت معصومة بالإسلام، وأوضح ذلك بقوله م: (ألا ترى أنها) ش: أي أن النفس م: (ليست بمتقومة) ش: لأن العصمة المتقومة لا تثبت إلا بدار الإسلام، ولهذا إذا قتله مسلم عمداً أو خطأ لا يجب القصاص ولا الدية عندنا، خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ولكنها معصومة بالعصمة إليه أشار إليه بقوله: م: (إلا أنه محرم التعرض في الأصل) ش: هذا في الحقيقة جواب عما يقال لو لم تكن معصومة لما كانت تحرم التعرض كالحربي، وليس كذلك، وتقدير الجواب أنه يحرم التعرض في الأصل يعني في نفس الأمر م: (لكونه مكلفاً) ش: أي لكون الآدمي مخلوقاً لتحمل أعباء التكليف، ولا يتمكن من إقامتها إلا بالبقاء، ولا بقاء إلا بالعصمة وحرمة التعرض. م: (وإباحة التعرض) ش: إنما هي م: (يعارض شره، وقد اندفع بالإسلام) ش: فعادت إلى أصلها لا باعتبار أنها معصومة. م: (بخلاف المال، لأنه خلق) ش: في الأصل م: (عرضة للامتهان) ش: بأنواع الانتفاعات م: (فكان محلاً للتمليك) ش: فكان المقتضي موجوداً، والمانع منتف، لأن المانع كونه في يده حقيقة وحكماً م: (وليست في يده حكماً) ش: لأن يد الغاصب ليست بنائية عن يد المالك م: (فلم تثبت العصمة) ش: فيجعل كأنه ليس في يد أحد فكان فيئاً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 154 وإذا خرج المسلمون من دار الحرب لم يجز أن يعلفوا من الغنيمة ولا يأكلوا منها، لأن الضرورة قد ارتفعت والإباحة باعتبارها، ولأن الحق قد تأكد حتى يورث نصيبه، ولا كذلك قبل الإخراج إلى دار الإسلام، ومن فضل معه علف أو طعام رده إلى الغنيمة، معناه إذا لم تقسم. وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قولنا، وعنه أنه لا يرد اعتبارا بالمتلصص. ولنا أن الاختصاص ضرورة الحاجة وقد زالت، بخلاف المتلصص، لأنه كان أحق به قبل الإحراز، فكذا بعده وبعد القسمة تصدقوا به إن كانوا أغنياء وانتفعوا به إن كانوا محاويج،   [البناية] [الأكل وعلف الدواب من الغنيمة إذا خرج المسلمون من دار الحرب] م: (وإذا خرج المسلمون من دار الحرب لم يجز أن يعلفوا) ش: أي دوابهم م: (من الغنيمة ولا يأكلوا منها، لأن الضرورة قد ارتفعت، والإباحة باعتبارها) ش: أي باعتبار الضرورة م: (ولأن الحق) ش: أي حق المسلمين م: (قد تأكد) ش: وتقرر م: (حتى يورث نصيبه) ش: يعني إذا مات في هذه الحالة م: (ولا كذلك قبل الإخراج إلى دار الإسلام) ش: للضرورة. [الرد إلى الغنيمة] م: (ومن فضل معه علف أو طعام رده إلى الغنيمة) ش: هذا لفظ القدوري في مختصره، وقال الخضر: م: (معناه) ش: أي معنى قول القدوري: رده إلى الغنيمة م: (إذا لم تقسم) ش: أي الغنيمة لأنها إذا قسمت لا ينافي الرد. م: (وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قولنا، وعنه أنه لا يرد اعتباراً بالمتلصص) ش: كما إذا دخل الواحد أو الاثنان دار الحرب بلا إذن الإمام بنية الغارة قالوا شيئاً فلا يكون ذلك مشتركاً بين الغانميين لأنه مباح سبقت يده إليه ولا يخمس لأنه ليس بغنيمة. م: (ولنا أن الاختصاص) ش: أي اختصاص العلف والطعام، وخبر أن محذوف تقديره أن الاختصاص حاصل أو كائن وقوله م: (ضرورة الحاجة وقد زالت) ش: أي الضرورة، هكذا أفاد شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - بخطه م: (بخلاف المتلصص) ش: يعني قياسه المتلصص غير صحيح لوجود الفارق م: (لأنه) ش: أي لأن المتلصص م: (كان أحق به) ش: أي بالذي أخذه م: (قبل الإحراز) ش: بدار الإسلام م: (فكذا بعده) ش: أي بعد الإحراز من سائر الغانمين. م: (وبعد القسمة) ش: ابتداء مسالة مستقلة بذاتها، أي بعد قسمة الإمام يعني إذا جاءوا بما فضل من علف أو طعام أخذوا من القسمة بعد قسمة الإمام الغنيمة في دار الإسلام م: (تصدقوا به) ش: أي بما فضل من ذلك بعينه إن كان قائماً م: (إن كانوا أغنياء وانتفعوا به إن كانوا محاويج) ش: أي إن كانوا محتاجين. كذا في " المغرب "، يقال: حاج يحوج حوجاً، أي احتاج، والحائجة والحوجاء والحاجة حاجة بمعنى واحد وعلى هذه اللغة قيل حوائج في جمع حائجة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 155 لأنه صار في حكم اللقطة لتعذر الرد على الغانمين، وإن كانوا انتفعوا به بعد الإحراز ترد قيمته إلى المغنم إن كان لم يقسم، وإن قسمت الغنيمة فالغني يتصدق بقيمته والفقير لا شيء عليه لقيام القيمة مقام الأصل فأخذ حكمه.   [البناية] كذا نقل ابن دريد عن الأصمعي: والحاج جمع حاجة ولم يذكر ابن دريد المحاويج، وكأنها جمع محوج اسم فاعل بإشباع الياء، لأن أحوج يجيء لازماً ومتعدياً، يقال: أحوج الرجل: إذا احتاج، وأحوجه إلى غيره. م: (لأنه) ش: أي لأن الذي فضل بعد القسمة م: (صار في حكم اللقطة لتعذر الرد على الغانمين) ش: لأنهم تفرقوا فرقين م: (وإن كانوا انتفعوا به بعد الإحراز ترد قيمته إلى المغنم إن كان لم يقسم، وإن قسمت الغنيمة فالغني يتصدق بقيمته، والفقير لا شيء عليه لقيام القيمة مقام الأصل) ش: أي الفقير يحل له التناول من قيمته، لأن القيمة تقوم مقام الأصل م: (فأخذ حكمه) ش: أي أخذت القيمة حكم الأصل، وإنما ذكر ضمير القيمة على تأويل ما تقوم، أو على تأويل المذكور، هكذا قال الأكمل. قلت: هذا على تقدير أن يكون فأخذ فعلاً ماضياً. وقال الأترازي فأخذ حكمه ولأخذ حكم الأصل فهو جعله مصدراً مجروراً عطف على ما قبله، وضبط شيخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في نسخته على ما قاله الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 156 فصل في كيفية القسمة قال: ويقسم الإمام الغنيمة فيخرج خمسها، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] (الأنفال: الآية 41) ، استثنى الخمس، ويقسم أربعة الأخماس بين الغانمين، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قسمها بين الغانمين، ثم للفارس سهمان وللراجل سهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا:   [البناية] [فصل في كيفية القسمة] م: (فصل في كيفية القسمة) ش: أي هذا فصل في بيان كيفية قسمة الغنائم، والقسمة عبارة عن جمع النصيب الشائع في مكان معين. وقال بعض أهل الحساب: القسمة تفريق أحد العددين بقدر ما في العدد الآخر من الآحاد، يعني تفريق المال المقسوم على عدة آحاد المقسوم عليه، وهذا لا يتأتى إلا في الصحاح، والصحيح أن يقال: معرفة نصيب الواحد. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويقسم الإمام الغنيمة فيخرج خمسها لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] (الأنفال: الآية 41) استثنى الخمس) ش: أي أخرجه، استعارة الاستثناء للإخراج أجود، معناه فيه فكان استثنى معنى لا لفظاً. وقال الكاكي ويحتمل أن يكون من استثنيت الشيء: إذا زويته لنفسي، من ثنى العود: إذا اختار عطفه، أي استثنى الله الخمس لنفسه بقوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وقال تاج الشريعة: قوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] استثني من حيث المعنى لإخراج الخمس مما غنموا، أو لأن حكم المستثنى بخلاف حكم المستثنى منه، وهنا كذلك، لأن حكم الخمس أن يكون لغير الغانمين وحكم أربعة الأخماس أن يكون للغانمين فيكون مخالفاً. [قسم أربعة أخماس الغنيمة بين الغانمين] م: (ويقسم أربعة الأخماس بين الغانمين، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (قسمها بين الغانمين) ش: أي قسم أربعة أخماس الغنيمة بين الغانمين، وأخرجه الطبراني في " معجمه " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا بعث سرية فغنموا، خمس الغنيمة فضرب ذلك الخمس في خمسة، ثم قرأ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] . الآية (الأنفال: الآية 41) . فجعل سهم الله وسهم الرسول واحداً، ولذي القربى سهم، ثم جعل هذين السهمين قوة في الخيل والسلاح، وجعل سهم اليتامى وسهم المساكين وسهم ابن السبيل لا يعطيه غيرهم، ثم جعل الأربعة أسهم الباقية: للفرس سهمان، وللراكبة سهم، وللراجل سهم.» م: (ثم للفارس سهمان وللراجل سهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال زفر م: (وقالا) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 157 للفارس ثلاثة أسهم، وقو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما روى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما» ولأن الاستحقاق بالغناء. وغناؤه على ثلاثة أمثال الراجل، لأنه للكر والفر والثبات، والراجل للثبات لا غير، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى الفارس سهمين، والراجل سهما؛»   [البناية] ش: أي أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (للفارس ثلاثة أسهم، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ومالك وأحمد والليث وأبو ثور وأكثر أهل العلم م: (لما روى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهماً» ش: هذا الحديث رواه الجماعة إلا النسائي عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وفي لفظ عن أصحاب السنن عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضاً «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم، سهماً له وسهمين لفرسه» . م: (ولأن الاستحقاق بالغناء) ش: أي بالكفاية، وهو بالفتح والمد، وهو بالغين المعجمة، يقال: أغنيت عنك، يعني فلاناً، ومعناه إذا أجزأت عنه وينيب منابه، وكفيت كفايته م: (وغناؤه) ش: أي غناء الفارس، أي كفايته م: (على ثلاثة أمثال الراجل لأنه) ش: أي لأن الفارس م: (للكر) ش: الكر بالتشديد الرجوع م: (والفر) ش: بفتح الفاء وتشديد الراء الفرار، قال امرؤ القيس في قصيدته الشهيرة: مكر مفر مقبل مدبر معاً ... كجلمود صخر حطه السيل من عل م: (والثبات) ش: أي للثبات في الحرب م: (والراجل للثبات لا غير) ش: فإن قلت: الفرار غير محمود، وكيف يوصف به الفارس. قلت: الفرار في موضعه ممدوح كيلا يرتكب النهي المذكور في قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] (البقرة: الآية 135) . م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى الفارس سهمين والراجل سهماً» ش: هذا غريب من حديث ابن عباس، وفي الباب أحاديث، منها: ما رواه أبو داود في سننه عن مجمع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد الأنصاري. قال: سمعت أبا يعقوب بن مجمع يذكر عن عمه عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري «عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مجمع بن حارثة الأنصاري، وكان أحد القراء الذي قرؤوا القرآن قال: شهدنا الحديبية مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .... إلى أن قال: فقسمت خيبر على أهل الحديبية فقسمها رسول الجزء: 7 ¦ الصفحة: 158 فتعارض فعلاه فيرجع إلى قوله، وقد قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «للفارس سهمان وللراجل سهم»   [البناية] الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ثمانية عشر سهماً فكان الجيش ألفاً وخمسمائة، فيهم ثلاثمائة فارس، فأعطى الفرس سهمين وأعطى صاحبه سهماً» . قال أبو داود: وهذا وهم إن كانوا مائتي فارس فأعطى الفرس سهمين، وأعطى صاحبه سهماً قال: وحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أعطى الفارس ثلاثة أسهم» أصح، والعمل عليه. وقال ابن القطان في كتابه: وعلة هذا الحديث الجهل بحال يعقوب بن مجمع، ولا يعرف. ومنها: ما رواه الطبراني بإسناده إلى «مقداد بن عمرو أنه كان يوم بدر على فرس له يقال له سبخة فأسهم له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفرسه سهم واحد وله سهم» وفي إسناده محمد بن عمر الواقدي في تفسيره في سورة الأنفال عن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «أصاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبايا بني المصطلق فأخرج الخمس منها ثم قسم بين المسلمين فأعطى الفارس سهمين والراجل سهماً» . م: (فتعارض فعلاه فيرجع إلى قوله) ش: أي فتعارض فعلا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهما في حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الذي احتج به المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - المذكور آنفاً، وحديث ابن عباس المذكور لأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وليت شعري ما هذه المعارضة، حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ليس له أصل كما ذكرنا عن هذا. قال الأكمل: وطريقة الاستدلال لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مخالفة لقواعد الأصول، فإن الأصل أن الدليلين إذا تعارضا تعذر الترجيح والتوفيق يصار إلى ما بعده لا إلى ما قبله، وهو قال: فتعارض فعلاه فيرجع إلى قوله، والمسلك المعهود في مثله أن يستدل بقوله لأن القول أقوى. م: (وقد قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «للفارس سهمان وللراجل سهم» ش: هذا لأجل بيان قوله فيرجع إلى قوله وهذا الحديث غريب جداً، وقد أخطأ من عزاه إلى ابن أبي شيبة ولفظ هذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 159 كيف وقد روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قسم للفارس سهمين وللراجل سهما» وإذا تعارضت روايتاه ترجحت رواية غيره، ولأن الكر والفر من جنس واحد،   [البناية] الحديث في حديث عمر الذي ذكره بعد هذا م: (كيف وقد روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قسم للفارس سهمين» ش: أي وكيف يحتج لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهماً» . والحال أنه قد روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضاً «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قسم للفارس سهمين» رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا أبو أسامة وابن نمير قال: حدثنا عبيد الله عن نافع عن أبي وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل للفارس سهمين» م: «وللراجل سهماً» ش: ومن طريق ابن أبي شيبة رواه الدارقطني في " سننه " وقال أبو بكر النيسابوري: هذا عندي وهم عند ابن أبي شيبة. لأن أحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن بشر وغيرهما رووه عن ابن نمير بخلاف هذا، وكذلك رواه ابن كرامة وغيره عن أبي أسامة خلاف هذا المعنى، يعني أنه أسهم للفارس ثلاثة أسهم. م: (وإذا تعارضت روايتاه) ش: أي روايتا ابن عمر م: (ترجحت رواية غيره) ش: قال الأترازي: إن سلمت رواية ابن عباس عن المعارض فيعمل بها. وقال صاحب " النهاية ": قوله: وإذا تعارضت روايتاه، أي روايتا ابن عمر، وهي روايتهما عنه على وفق مذهبهما، ورواية أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضاً على وفق مذهبه. قوله: ترجحت، أي رواية غيره وهو ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ثم قال: ومعنى قوله: ترجح، أي سلم رواية ابن عباس عن المعارض فيعمل بها، لأن للمرجع لا بد من المرجح، ورواية ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بعد التحافظ بالتعارض لا تصلح مرجحة. انتهى. قلت: لا معارضة أصلاً في روايتي ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لأن الصحيح هو للرواية التي فيها ثلاثة أسهم للفارس، كيف تعارضها التي فيها سهمان وهي غير ثابتة على الصحة فيما ذكرنا، وكيف يقول صاحب النهاية ومن تبعه من الشراح: إن رواية ابن عباس سلمت عن المعارضة فيعمل بها، والحال أنه لم يصح كما ذكرنا، وهذا كله من آفة التعليل، وعدم رجوعهم إلى مدارك الأحاديث. م: (ولأن الكر والفر من جنس واحد) ش: لأن الفر إنما يحل للكر لا لذاته، لأنه غير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 160 فيكون غناؤه مثلي غناء الراجل فيفضل عليه بسهم، ولأنه تعذر اعتبار مقدار الزيادة لتعذر معرفته فيدار الحكم على سبب ظاهر، وللفارس سببان: النفس والفرس، وللراجل سبب واحد فكان استحقاقه على ضعفه. ولا يسهم إلا لفرس واحد. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يسهم لفرسين لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسهم لفرسين» ولأن الواحد قد يعيا فيحتاج إلى الآخر.   [البناية] مستحسن في نفسه، وإنما المستحسن منه ما كان لأجل الكر، فكانا نوعاً واحداً، ولا يكون الفر نوعاً آخر م: (فيكون غناؤه) ش: أي غناء الفارس م: (مثلي غناء الراجل فيفضل عليه بسهم) ش: لأن سبب الغناء في الفارس نفسه وفرسه فيعطى سهمين، وفي الراجل نفسه فيعطى سهماً، وفيه تأمل، لأن الرأي لا مدخل له في المقدرات الشرعية. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الشأن م: (تعذر اعتبار مقدار الزيادة) ش: لأن مقدار الزيادة أمر خفي، لأن الملك إنما يظهر عند المسابقة والمقاتلة عند التقاء الصفين، وكل منهم مشكوك بشأنه في ذلك الوقت م: (لتعذر معرفته) ش: أي لتعذر معرفة مقدار الزيادة م: (فيدار الحكم على سبب ظاهر) ش: وهو مجرد كونه فارساً وكونه راجلاً، إليه أشار في الأسرار م: (وللفارس سببان النفس والفرس، وللراجل سبب واحد فكان استحقاقه) ش: أي استحقاق الفارس م: (على ضعفه) ش: أي على ضعف استحقاق الراجل، فيعطى الفارس سهمين والراجل سهماً م: (ولا يسهم إلا لفرس واحد) ش: هذا لفظ القدوري ولم يذكر خلاف أحد. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يسهم لفرسين) ش: وقال في شرح الأقطع: هذا الذي ذكره القدوري قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - والحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يسهم لفرسين، وبه قال أحمد، وبقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي شرح الطحاوي: ولا يسهم إلا لفرس واحد في ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: يسهم لفرسين م: (لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسهم لفرسين» ش: هذا الحديث رواه الدارقطني في " سننه ": حدثنا إبراهيم بن حماد حدثنا علي بن حرب حدثني أبو حرب بن محمد بن الحسن عن محمد بن صالح عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمر عن أبيه عن جده «أبي عمر بشر بن عمرو بن محصن قال: أسهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفرسي أربعة أسهم ولي سهماً، فأخذت خمسة أسهم» . م: (ولأن الواحد قد يعيا) ش: أي ولأن الفرس الواحد قد يتعب م: (فيحتاج) ش: أي صاحبه م: (إلى الآخر) ش: أي إلى الفرس الآخر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 161 ولهما «أن البراء بن أوس قاد فرسين ولم يسهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا لفرس واحد» ولأن القتال لا يتحقق بفرسين دفعة واحدة، فلا يكون السبب الظاهر مفضيا إلى القتال عليهما فيسهم لواحد، ولهذا لا يسهم لثلاثة أفراس، وما رواه محمول على التنفيل كما أعطى سلمة بن الأكوع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سهمين وهو راجل   [البناية] م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو وجه الظاهر م: (أن «البراء بن أوس قاد فرسين ولم يسهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا لفرس واحد» ش: هذا الحديث غريب، بل جاء عكسه كما ذكره ابن منذر في كتاب الصحابة في ترجمته فقال: روى علي بن قرين عن محمد بن عمر المدين عن يعقوب بن محمد بن صفصعة عن عبد الرحمن بن أبي صفصعة «عن البراء بن أوس أنه قاد مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرسين وضرب - عَلَيْهِ السَّلَامُ - له خمسة أسهم» . فإذا كان كذلك لا يصح الاستدلال لهما بالحديث الذي ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما لا يخفى ولهذا استدل الأترازي لهما بما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «للفارس سهمان وللراجل سهم» . وقال الأكمل: وحاصل الدليلين وقوع التعارض لغواً، يعني بين روايتي فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والرجوع إلى ما بعدهما وهو القياس بقوله: م: (ولأن القتال لا يتحقق بفرسين دفعة واحدة) ش: ولا يتحقق إلا على فرس واحد م: (فلا يكون السبب الظاهر) ش: وهو مجاورة الدرب م: (مفضياً إلى القتال عليهما) ش: أي على الفرسين، فإن كان كذلك م: (فيسهم لواحد) ش: أي لفرس واحد م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عدم تحقق القتال على فرسين، وعدم كون السبب الظاهر مفضياً إلى القتال على الفرسين م: (لا يسهم لثلاثة أفراس) ش: بالإجماع م: (وما رواه) ش: أي وما رواه أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (محمول على التنفيل) ش: هذا استظهار في تقوية الدليل، لأن ما رواه لما سقط بالمعارضة لا يحتاج إلى جواب عنه أو تأويل له، انتهى. قلت: قد ذكرنا أن ما تميز هناك معارضة، فمن أين يأتي الاستظهار في قوة الدليل من تأمله يدري. م: (كما «أعطى سلمة بن الأكوع - رَحِمَهُ اللَّهُ - سهمين وهو راجل» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم مطولاً في بيعة الحديبية عن إياس بن سلمة عن أبيه سلمة بن الأكوع، وفيه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالنا سلمة "، ثم أعطى له سهمين سهماً للفارس وسهماً للراجل، فجمعهما لي جميعاً» ولكن على قوله محمول على التنفيل ما رواه ابن حبان في " صحيحه ". وقال: كان سلمة بن الأكوع في تلك الغزاة راجلاً فأعطاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سهماً للراجل لما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 162 والبراذين والعتاق سواء، لأن الإرهاب مضاف إلى جنس الخيل في الكتاب، قال الله تعالى: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] (الأنفال: الآية 60) .   [البناية] يستحقه، وإنما أعطاه سهم الفارس أيضاً من خمس خمسه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دون أن يكون أعطاه من سهام المسلمين، وقال أبو عبيد: قال عبد الرحمن بن مهدي: أعطاه من سهمه الذي كان مباحاً به. قوله: رجالتنا، بتشديد الجيم، جمع راجل، قال الجوهري: الراجل خلاف الفارس، والجمع رجل مثل صاحب وصحب، ورجالة ورجال والرجلان أيضاً، الراجل جمع رجلى ورجال مثل عجلى وعجلان. وقال الفتني: كان سلمة من الرماة المشهورين وروي أنه كان يعدو عدو الفرس. م: (والبراذين والعتاق سواء) ش: هذا لفظ القدوري في مختصره وتمامه فيه: ولا يسهم لراجلة ولا بغل، ولم يذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والبراذين جمع برذون وهو الكوذن وجمعه كواذن، وهي خيل العجم. قال في " المجمل ": برذون الرجل برذنته: إذا أثقل، واشتقاق البرذون منه. والعتاق بكسر العين وتخفيف التاء المثناة من فوق جمع عتق، أي كريم، والعتاق كرام الخيل العربي. وقال الإمام الأسبيجابي في شرح الطحاوي: ويستوي الفرس العربي والنجيب، والبرذون والهجين وغيرهما مما يقع عليه اسم الخيل. وأما ما كان له جمل أو بغل أو حمار فهو والراجل سواء في شرح الأقطع، ومن الناس من قال: لا يسهم للبراذين. قلت: قال الأوزاعي: لا يسهم للبرذين ويسهم للمقرف سهم وللهجين سهم واحد، وقال أحمد: يسهم لما عدا العربي سهم واحد. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان، في رواية مثل قول العامة، وفي رواية مثل قول أحمد. وروى مكحول أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى للعربي سهمين وللهجين سهماً» ولا يسهم لراجلة وللبغل بالاتفاق، لأن الإرهاب لا يحصل بهم. ومن غزى على بعير لا يسهم له عند العلماء، عن أحمد يسهم له سهم فرس. وعنه إن عجز عن فرس وغزى عليه يسهم له سهم واحد، والفرس ما يكون أبوه عربياً وأمه من الكواذن. والهجين ما يكون أبوه من الكواذن وأمه من العربي. وفي الجمهرة: الهجين من الناس الذي أمه أمة. م: (لأن الإرهاب) ش: المذكور في الآية التي نذكرها م: (مضاف إلى جنس الخيل في الكتاب، قال الله تعالى: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] (الأنفال: الآية 60) ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 163 واسم الخيل ينطلق على البراذين والعتاق والهجين والمقرف إطلاقا واحدا. ولأن العربي إن كان في الطلب والهرب أقوى فالبرذون أصبر وألين عطفا، ففي كل واحد منهما منفعة معتبرة فاستويا. ومن دخل دار الحرب فارسا فنفق فرسه استحق سهم الفرسان. ومن دخل راجلا فاشترى فرسا استحق سهم راجل. وجواب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على عكسه في الفصلين، وهكذا روى ابن المبارك عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الفصل الثاني أنه يستحق سهم الفرسان   [البناية] واسم الخيل ينطلق على البراذين والعتاق والهجين والمقرف إطلاقاً واحداً) ش: أراد أن لفظ الخيل بحسب اللغة إذا أطلق يشمل هذه الأنواع من غير فرق بينها، ومضى الآن بغير الهجين والمقرف. م: (ولأن العربي إن كان في الطلب والهرب أقوى فالبرذون أصبر وألين عطفاً) ش: بفتح العين وكسرها، أي انعطافاً، يعني إذا أراد الانعطاف ينعطف من غير بطأ فيه. قال الكاكي: معنى الفتح الإمالة، ومعنى الكسر الجانب. قلت: العطف من عطف الشيء أعطفه عطفاً: إذا ثنيته ورددته عن جهته، والعطف: الناحية من الإنسان والدواب. م: (ففي كل واحد منهما) ش: أي من العربي والبرذون م: (منفعة معتبرة) ش: وهي التي ذكرنا م: (فاستويا) ش: أي العربي والبرذون في الاستحقاق من الأسهم على الاختلاف. [دخل دار الحرب فارساً وهلك فرسه] م: (ومن دخل دار الحرب فارساً) ش: أي حال كونه فارساً م: (فنفق فرسه) ش: أي هلك م: (استحق سهم الفرسان) ش: إلا إذا باع فرسه أو وهبه وسلم أو أجره أو أعاره، سقط سهم فرسه في ظاهر الرواية. وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن له سهم فارس. م: (ومن دخل راجلاً) ش: أي حال كونه رجلاً م: (فاشترى فرساً استحق سهم راجل) ش: وكذا إذا وهب له أو ورث أو استعار أو استأجر بعدما دخل راجلاً وقاتل فارساً، فله سهم راجل، وفي رواية الحسن: له سهم فارس، كذا في التحفة. م: (وجواب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على عكسه في الفصلين) ش: يعني لا يعتبر عنده دخوله دار الحرب فارساً ولا دخوله راجلاً، والمعتبر عنده كونه فارساً أو راجلاً عند شهود الوقعة، ورواه عنه: عند تقضي الحرب وبعد تمام القتال بالأولى. قال مالك وأحمد م: (وهكذا) ش: أي مثل جواب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (روى ابن المبارك) ش: وهو عبد الله بن المبارك الإمام المشهور المروزي م: (عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الفصل الثاني) ش: يعني إذا دخل دار الحرب راجلاً فاشترى فرساً فقاتل فارساً م: (أنه يستحق سهم الفرسان) ش: عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضاً على رواية ابن المبارك عنه، وليس ذلك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 164 والحاصل أن المعتبر عندنا حالة المجاوزة، وعنده حال انقضاء الحرب. له أن السبب هو القهر والقتال فيعتبر حال الشخص عنده، والمجاوزة وسيلة إلى السبب كالخروج من البيت، وتعليق الأحكام بالقتال يدل على مكان الوقوف عليه، ولو تعذر أو تعسر يعلق   [البناية] بظاهر الرواية عنه. م: (والحاصل) ش: أي من بيان هذا الخلاف الذي بيننا وبين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن المعتبر عندنا حالة المجاوزة) ش: أي مجاوزة الدرب، إلا أنه أطلق لشهرة المسألة عند الفقهاء والمتأخرين، قال الخليل: الدرب الباب الواسع على السكة وعلى كل مدخل من مدخل الروم ودرب من ورد بها، كذا في " المغرب ". قال في " ديوان الأدب ": الدرب المضيق من مضائق من الدرب، وكذلك ما أشبهه، والمراد هنا فيه هو البرزخ الذي بين دار الحرب ودار الإسلام، فإذا جاوزه الغازي دخل دار الحرب، وإذا جاوزه الكافر دخل دار الإسلام. م: (وعنده) ش: أي عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - المعتبر م: (حال انقضاء الحرب. له) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن السبب) ش: أي سبب استحقاق الغنيمة م: (هو القهر والقتال فيعتبر حال الشخص عنده) ش: أي عند القتال فارساً أو راجلاً م: (والمجاوزة) ش: أي مجاوزة حال الحرب. وأراد به الرد لمذهبنا م: (وسيلة إلى السبب) ش: حاله أنه لا يعتبر المجاوزة لكونها سبباً يعيد إلى القتال م: (كالخروج من البيت) ش: يعني للقتال، فإنه وسيلة إلى السبب، ولا اعتبار به في اعتبار حال الغازي من كونه فارساً أو راجلاً، كذلك في هذه الوسيلة. م: (وتعليق الأحكام بالقتال) ش: هذا جواب بطريق المنع لما يقال من جهة أصحابنا أن القتال أمر خفي لا يوقف عليه، فيقام السبب الظاهر وهو المجاوزة مقامه، وتقرير هذا الجواب بأن نقول: لا نسلم أنه لا يوقف عليه، وكيف لا يوقف عليه. وتعليق الأحكام بالقتال كإعطاء الرضخ للصبي إذا قاتل، وكذلك المرأة والعبد والذمي م: (يدل على مكان الوقوف عليه) ش: فلو لم يوقف عليه لم يتعلق به حكم. م: (ولو تعذر) ش: هذا جواب بطريق التسليم بأن يقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سلمان أن الوقوف على القتال متعذر ومتعسر مثلما قلتم، وهو معنى قوله ولو تعذر، أي الوقوف على القتال بأن يكون في الليل أو في مطر أو نحو ذلك. م: (أو تعسر) ش: بأن كان كل واحد مشغولاً بنفسه فحينئذ م: (يعلق) ش: أي الوقوف م: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 165 بشهود الوقعة، لأنه أقرب إلى القتال. ولنا أن المجاوزة نفسها قتال؛ لأنه يلحقهم الخوف بها، والحال بعدها حالة الدوام ولا معتبر بها، ولأن الوقوف على حقيقة القتال متعسر، وكذا على شهود الوقعة لأنه حال التقاء الصفين، فتقام المجاوزة مقامه إذ هو السبب المفضي إليه ظاهرا إذا كان على قصد القتال فيعتبر حال الشخص بحالة المجاوزة فارسا كان أو راجلا.   [البناية] (بشهود الوقعة) ش: يعني أقيم شهود الوقعة مقام الوقوف م: (لأنه) ش: أي لأن شهود الوقعة م: (أقرب إلى القتال) ش: من المجاوزة، فتعلق كونه فارساً أو راجلاً بشهود الوقعة وهي صورة الحرب. م: (ولنا أن المجاوزة) ش: أي مجاوزة الدرب م: (نفسها قتال لأنه يلحقهم الخوف بها) ش: أي لأن الشأن أنه يلحق الكفار لخوف مجاوزة الدرب، لأن القتال اسم لفعل يقع به للعدو خوف، وبمجاوزة العسكر الدرب يحصل لهم الخوف والرهبة، فكان قتالاً م: (والحال بعدها) ش: أي بعد المجاوزة م: (حالة الدوام) ش: أي دوام القتال. م: (ولا معتبر بها) ش: أي حالة الدوام بالإجماع، ولا يمكن تعلق الحكم بدوام القتال، لأن الفارس لا يمكنه أن يقاتل فارساً دائماً، لأنه لا بد له أن ينزل في بعض المضائق خصوصاً في الشجرة أو في الحصن أو في البحر. م: (ولأن الوقوف على حقيقة القتال متعسر) ش: لأن الإمام لا يمكنه أن يراقب بنفسه حال كل أحد أنه قاتل أو لم يقاتل، وكذا بنائبه بأن يوكل عدلاً يثق بقوله يخبره من قاتل ومن لم يقاتل، لأن في إقامة العدل على كل واحد حرجاً عظيماً، ولا يعتبر إخبار كل واحد من الجند أيضاً أن صاحبه قاتل، لأن منهم فيه بحر النقع. م: (وكذا) ش: يتعسر الوقوف م: (على شهود الوقعة، لأنه حال التقاء الصفين) ش: والاشتغال بالحرب فلم يتلفت إلى كونه سبباً قريباً بهذا المعنى، فإذا كان الأمر كذلك م: (فتقام المجاوزة) ش: أي مجاوزة الدرب م: (مقامه) ش: أي مقام القتال م: (إذ هو السبب المفضي إليه ظاهراً) ش: أي لأن قيام المجاوزة هو السبب الداعي إلى القتال بحسب الظاهر كما أقيم السفر مقام المشقة، والنوم مقام الحدث، والنكاح مقام الوطء في حرمة المصاهرة، فكان المعتبر حال المجاوزة لا حال القتال لكي م: (إذا كان) ش: تجاوزه م: (على قصد القتال) ش: لأن هذا هو الأصل. فإذا كان الأمر كذلك م: (فيعتبر حال الشخص بحالة المجاوزة) ش: أي مجاوزة الدرب حال كونه م: (فارساً كان أو راجلاً) ش: وهاهنا سؤالان: الأول أن استحقاق الشيء بلا وجوده محال، والمستحق وهو الغنيمة حال المجاوزة معدوم، فكيف يثبت الاستحقاق. السؤال الثاني أن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 166 ولو دخل فارسا وقاتل راجلا لضيق المكان يستحق سهم الفرسان بالاتفاق، ولو دخل فارسا ثم باع فرسه أو وهب أو أجر أو رهن، ففي رواية الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله - يستحق سهم الفرسان اعتبارا للمجاوزة، وفي ظاهر الرواية: يستحق سهم الرجالة. لأن الإقدام على هذه التصرفات يدل على أنه لم يكن من قصده بالمجاوزة القتال فارسا. ولو باعه بعد الفراغ لم يسقط سهم الفرسان، وكذا إن باع في حالة القتال عند البعض. والأصح أنه يسقط. لأن بيعه يدل على أن غرضه التجارة فيه إلا أن ينتظر غرته، ولا يسهم لمملوك ولا امرأة ولا صبي ولا مجنون ولا ذمي، ولكن يرضخ لهم   [البناية] السبب إنما يقام مقام العلة إذا تصور من العلة وها هنا لا يتصور العلة وهو القتال حال المجاوزة، لأن القتال بدون شهود الوقعة محال. الجواب عن الأول: أنه ليس المراد من الاستحقاق ثبوت الملك في الغنيمة أو ثبوت الحق فيها للغزاة في الحال، المراد به كون الشخص أخص بالغنيمة من غيره. والجواب عن الثاني: أن القتال لشهود الوقعة والتقاء الصفين عند المجاوزة متصور، لأنه ليس بثابت، وشرط إقامة الشيء مقام غيره أن لا يكون ذلك الغير ثابتاً في الحال، لأنه إذا كان ثابتاً كيف يقام شيء آخر مقامه. [دخل دار الحرب فارساً ثم باع فرسه أو وهب أو أجر أو رهن] م: (ولو دخل فارساً وقاتل راجلاً لضيق المكان يستحق سهم الفرسان بالاتفاق) ش: أي باتفاق بيننا وبين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولو دخل فارساً ثم باع فرسه أو وهب أو أجر أو رهن، ففي رواية الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله - يستحق سهم الفرسان اعتباراً للمجاوزة) ش: أي عن الدرب م: (وفي ظاهر الرواية يستحق سهم الرجالة، لأن الإقدام على هذه التصرفات) ش: وهي البيع والهبة والإجارة والرهن م: (يدل على أنه لم يكن من قصده بالمجاوزة القتال فارساً ولو باعه بعد الفراغ) ش: أي بعد الفراغ من القتال م: (لم يسقط سهم الفرسان، وكذا) ش: أي وكذا لم يسقط سهم الفرسان م: (إن باع في حالة القتال عند البعض) ش: أي عند بعض مشايخنا، لأن بيعه عند زمان مخاطرة الروح دل على أنه إنما باعه لرأي رآه في الحرب له لتحصيله المال، لأن الروح فوق المال. م: (والأصح أنه يسقط، لأن بيعه يدل على أن غرضه التجارة فيه إلا أن ينتظر غرته) ش: أي غرة الفرس، قال شيخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أي غرة فرسه، وقال الأترازي: فيه نظر، لأن الإنسان المقاتل في سبيل تلك الحالة لا يختار المال على روحه، ولهذا قال الأصح قول البعض. [هل يسهم للمملوك والمرأة والصبي والمجنون والذمي] م: (ولا يسهم لمملوك ولا امرأة ولا صبي ولا مجنون ولا ذمي، ولكن يرضخ لهم) ش: بالضاد والخاء المعجمتين، من رضخ فلان لفلان من ماله: إذا أعطاه قليلاً من كثير، والاسم الرضخ م: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 167 على حسب ما يرى الإمام، لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان لا يسهم للنساء والصبيان والعبيد، ولكن كان يرضخ لهم   [البناية] (على حسب ما يرى الإمام، لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «كان لا يسهم للنساء والصبيان والعبيد، ولكن كان يرضخ لهم» . وقال الأترازي: وقد روي عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه كان لا يسهم للعبيد والنساء والصبيان، ويرضخ» انتهى. ولم يبين من خرج هذا الحديث ولم يبين حاله. وأخرج مسلم عن يزيد عن هرمز قال: كتب بحجدة بن عامر القدوري إلى ابن عباس يسأله عن العبد والمرأة يحضران المغنم هل يقسم لهما؟ فكتب إليه: أن ليس لهما شيء إلا أن يحذيا. وفي لفظ: فكتب إليه وسأله عن المرأة والعبد هل كان لهما سهم معلوم إذا حضروا البأس، فإنهم لم يكن لهم سهم معلوم، إلا أن يحذيا من غنائم القوم. قوله: يحذيا، أي يعطيا بالحاء المهملة والذال المعجمة، وقد جاءت أحاديث مخالفة لهذا، منها: ما رواه أبو داود والنسائي عن رافع بن سلمة «عن حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه أنها خرجت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة خيبر.. الحديث، وفيه: أسهم لنا كما أسهم للرجال» . وذكر الخطابي أن الأوزاعي قال: يسهم لهن، وأحسبه ذهب إلى هذا الحديث، وإسناده ضعيف لا تقوم به الحجة، وقال الترمذي: وقال الأوزاعي: وأسهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للصبيان بخيبر، وأسهمت أئمة المسلمين لكل مولود ولد في أرض الحرب. وقال الأوزاعي: وأسهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للنساء بخيبر وأخذ بذلك المسلمون بعده، حدثنا بذلك علي ابن حزم، قال أبو عيسى بن يونس عن الأوزاعي بهذا. ومنها ما رواه أبو داود مرسلاً عن محمد بن عبد الله بن مهاجر الشعبي، والبيهقي عن خالد بن معبد «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسهم للنساء والصبيان والخيل» . وأجاب الطحاوي عن مثل هذا وأمثاله أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسهم للنساء والصبيان، واستطاب أهل الغنيمة. وأجاب غيره بقوله: يشبه أن يكون - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنما أعطاهم من الخمس الذي هو حقه دون حقوق من شهد الوقعة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 168 ولما استعان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - باليهود على اليهود لم يعطهم شيئا من الغنيمة، يعني أنه لم يسهم لهم، ولأن الجهاد عبادة، والذمي ليس من أهلها، والمرأة والصبي عاجزان عنه، ولهذا لم يلحقهما فرضه، والعبد لا يمكنه المولى وله منعه، إلا أنه يرضخ لهم تحريضا   [البناية] م: (ولما استعان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - باليهود على اليهود لم يعطهم شيئاً من الغنيمة، يعني أنه لم يسهم لهم) ش: هذا رواه البيهقي في كتاب المعرفة من طريق الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: «استعار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يهود قينقاع فرضخ لهم» . ثم قال: تفرد به الحسن بن عمارة، وهو متروك. وروي حديث مخالف لهذا، رواه الترمذي من حديث الزهري قال: «أسهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقوم من اليهود قاتلوا معه» ورواه أبو داود في مراسيله، وزاد في آخره «هاهنا: ومثل سهمان المسلمين» . وقال " صاحب التنقيح ": مراسيل الزهري ضعيفة، وكان يحيى القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئاًَ يقول: هي بمنزلة الريح. واختلفوا هل يستعان بالكافر في القتال عند الحاجة؟ فعندنا - وأحمد - يستعان لما ذكرنا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول. وقال ابن المنذر وجماعة من أهل العلم: لا يستعان بالكافر لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين» ، ما ذكر أنه استعان بهم غير ثابت. قال الكاكي: قلنا: بل هو ثابت ذكره الثقات المشهورون، وما رواه غير مشهور وليس بثابت، فهو محمول على زجر قوم متعينين يريد إسلامهم، انتهى. قلت: الحديث الذي ذكره ابن المنذر رواه إسحاق بن راهويه في مسنده والواقدي في كتاب " المغازي " والكاكي رده من غير وجه، ثم ادعى أن الذي ذكره عن الثقات المشهورين ولم يبين ذلك، والخصم لا يرضى بهذا المقدار، وهاهنا بحث كثير، ذكرناه في شرح للبخاري. م: (ولأن الجهاد عبادة، والذمي ليس من أهلها) ش: أي من أهل العبادة م: (والمرأة والصبي عاجزان عنه) ش: أي عن الجهاد م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عجزهما عن الجهاد م: (لم يلحقهما) ش: أي المرأة والصبي م: (فرضه) ش: أي فرض الجهاد م: (والعبد لا يمكنه المولى) ش: أي من الجهاد م: (وله) ش: أي للمولى م: (منعه) ش: أي عن الجهاد، ولأنه فرض كفاية، إلا إذا هجم العدو، فليس له منعه حينئذ، لأنه يصير فرض عين. م: (إلا أنه) ش: أي غير أن الإمام م: (يرضخ) ش: أي يعطي م: (لهم تحريضاً) ش: شيئاً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 169 على القتال مع إظهار انحطاط رتبتهم، والمكاتب بمنزلة العبد لقيام الرق فيه وتوهم عجزه، فيمنعه المولى عن الخروج إلى القتال، ثم العبد إنما يرضخ له إذا قاتل لأنه دخل لخدمة المولى، فصار كالتاجر، والمرأة يرضخ لها إذا كانت تداوي الجرحى، وتقوم على المرض؛ لأنها عاجزة عن حقيقة القتال، فيقام هذا النوع من الإعانة مقام القتال، بخلاف العبد، لأنه قادر على حقيقة القتال، والذمي إنما يرضخ له إذا قاتل أو دل على الطريق ولم يقاتل، لأن فيه منفعة للمسلمين، إلا أنه يزاد له على السهم في   [البناية] بحسب ما يراه، وبه قالت الثلاثة. وعن أحمد في رواية: يرضخ للكافر إن قاتل بإذن الإمام وبغير إذن الإمام، أي لأجل تحريضهم م: (على القتال مع إظهار انحطاط رتبتهم) ش: أي رتبة المرأة والصبي والعبد إن لم ينه متبوعهم، لأن العبد تبع للحر، والصبي تبع للبائع والذمي أيضاً تبع للمسلم، ولهذا لا يمكن أهل الذمة من نصب الراية لأنفسهم. وقال مالك: يسهم للصبي المراهق إذا أطاق القتال، لأنه من أهل الجهاد، والرضخ من أين يكون؟ قال الشافعي في قول أحمد في رواية من الغنيمة، وبه قال أصحابنا، وقال في قول من أربعة الأخماس، وبه قال أحمد في رواية. وقال في قول: من خمس الخمس، وقال مالك: الرضخ من الخمس. [متى يرضخ للمرأة] م: (والمكاتب بمنزلة العبد لقيام الرق فيه وتوهم عجزه) ش: أي إذا أبدل الكتابة، فإذا كان كذلك م: (فيمنعه المولى عن الخروج إلى القتال، ثم العبد إنما يرضخ له إذا قاتل، لأنه دخل) ش: يعني مع العسكر في دار الحرب م: (لخدمة المولى) ش: أي لأجل خدمة مولاه م: (فصار كالتاجر) ش: يدخل للتجارة م: (والمرأة يرضخ لها إذا كانت تداوي الجرحى وتقوم على المرضى) ش: يعني إذا مرضتهم م: (لأنها) ش: أي لأن المرأة م: (عاجزة عن حقيقة القتال) ش: قيد به لأنها غير عاجزة عن شبهة القتال وهي الأمان، فإن أمانها يصح بلا خلاف م: (فيقام هذا النوع) ش: وهو مداواتها الجرحى وقيامها على المرضى م: (من الإعانة مقام القتال) ش: فإذا كان كذلك رضخ لها بلا قتال. م: (بخلاف العبد) ش: يرتبط بقوله: لأنها عاجزة م: (لأنه قادر على حقيقة القتال) ش: حتى لم يرضخ له إذا لم يوجد منه القتال، بخلاف المرأة، فإن خدمتها لمرضى العسكر يقوم مقام القتال وليس كذلك خدمة العبد مولاه. [متى يرضخ للذمي] م: (والذمي إنما يرضخ له إذا قاتل أو دل على الطريق) ش: الذي يمشي فيها العسكر م: (ولم يقاتل) ش: أي والحال أنه لم يقاتل م: (لأن فيه) ش: أي في قتاله أو في كونه دالاً على الطريق م: (منفعة للمسلمين، إلا أنه يزاد له على السهم) ش: أي لا يزاد للذمي بالرضخ على السهم م: (في الجزء: 7 ¦ الصفحة: 170 الدلالة إذا كانت فيها منفعة عظيمة، ولا يبلغ به السهم إذا قاتل لأنه جهاد، والأول ليس من عمله، فلا يسوى بينه وبين المسلم في حكم الجهاد، وأما الخمس فيقسم على ثلاثة أسهم، سهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل، يدخل فقراء ذوي القربى فيهم ويقدمون ولا يدفع إلى أغنيائهم. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لهم خمس الخمس يستوي فيه غنيهم وفقيرهم ويقسم بينهم، للذكر مثل حظ الأنثيين   [البناية] الدلالة) ش: على الطريق م: (إذا كانت فيها منفعة عظيمة، ولا يبلغ به السهم إذا قاتل) ش: أي الذمي. قوله: السهم، مرفوع، كما في قولك: بلغ بعطائك خمسمائة، بالرفع، ولا يجوز النصب. والحاصل أنه إذا قاتل لا يزاد على سهم الراجل إن كان راجلاً ولا سهم الفارس إذا كان فارساً م: (لأنه جهاد) ش: والذمي تبع للمسلمين فيه، فلا يسوى بينه وبين المسلم. م: (والأول ليس من عمله) ش: أي كونه دالاً على الطريق ليس من عمل الجهاد، فكان كسائر الأعمال م: (فلا يسوى بينه وبين المسلم في حكم الجهاد) ش: ولكن يعطى له من أجل دلالته زيادة على السهم، أي قدر تعبه. ولما فرغ من بيان أحكام الأربعة الأخماس شرع في بيان حكم الخمس فقال: م: (وأما الخمس فيقسم على ثلاثة أسهم، سهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل) ش: هذا هو المشهور عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أنه يقسم على ثلاثة أصناف وهم اليتامى والمساكين وابن السبيل. وقال الطحاوي في " مختصره ": وقد روى أصحاب الإملاء عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه يقسم في ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل م: (يدخل فقراء ذوي القربى فيهم) ش: (أي في هذه الأصناف الثلاثة، قال العلامة بدر الدين الكردري: معنى هذا القول: أي أيتام ذوي القربى يدخلون في سهم المساكين، وأبناء السبيل يدخلون في سهم ابن السبيل؛ لما أن سبب الاستحقاق في هذه الأصناف الثلاثة الاحتياج، غير أن سببه مختلف في نفسه من اليتم والمسكنة وكونه ابن السبيل. وفي " التحفة ": هذه الثلاثة الأصناف مصارف الخمس عندنا لا على سبيل الاستحقاق، حتى لو صرف إلى صنف واحد جاز كما في الصدقات م: (ويقدمون) ش: أي فقراء ذوي القربى يقدمون على الأصناف الثلاثة م: (ولا يدفع إلى أغنيائهم) ش: أي أغنياء ذوي القربى. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لهم) ش: أي لذوي القرى م: (خمس الخمس يستوي فيه غنيهم وفقيرهم ويقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين) ش: وعن الشافعي: يقسم الخمس على خمسة أسهم، سهم للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حياته، وبعد وفاته يصرفه الإمام إلى مصالح الذين يرى؛ وبه قال أحمد. وعن الشافعي أنه يرد سهم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعده على بقية الأصناف. وحكى ابن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 171 ويكون لبني هاشم وبني المطلب دون غيرهم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] من غير فصل بين الغني والفقير. ولنا أن الخلفاء الأربعة الراشدين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قسموه على ثلاثة أسهم على نحو ما قلناه، وكفى بهم قدوة، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يا معشر بني هاشم إن الله تعالى كره لكم غسالة أيدي الناس وأوساخهم، وعوضكم منها بخمس الخمس»   [البناية] المنذر قولاً ثالثاً أنه يكون للأئمة بعده، أي الخليفة. وقال مالك: تفرقة الخمس إلى الإمام، يفرقه فيما شاء، وسهم لليتامى لكل صغير فقير لا أب له. [تقسيم خمس النبي] م: (ويكون لبني هاشم وبني المطلب دون غيرهم) ش: من عبد شمس وبني نوفل. واعلم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وكان بنو عبد مناف خمساً؛ هاشم والمطلب ونوفلاً وعبد شمس وأبا عمر، واسمه عبيد ولم يعقب، وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من بني عبد شمس لأنه عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وجبير من بني نوفل فإنه جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل. وقال ابن إسحاق: عبد شمس وهاشم والمطلب إخوة لأم، وأمهم عاتكة بنت مرة، وكان نوفل أخاهم لأبيهم. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] من غير فصل بين الغني والفقير) ش: فيشتركان. م: (ولنا أن الخلفاء الأربعة الراشدين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (قسموه) ش: أي الخمس م: (على ثلاثة أسهم على نحو ما قلناه) ش: يعني به قوله: أما الخمس فيقسم على ثلاثة أسهم، إلى آخره، وروى أبو يوسف عن الكلبي عن أبي صالح وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أن الخمس الذي كان يقسم على عهده - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على خمسة أسهم: لله وللرسول سهم، ولذي القربى واليتامى سهم، وللمساكين سهم، وابن السبيل سهم» ثم قسم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ثلاثة أسهم: سهم لليتامى وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل، انتهي. وكان ذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولم ينكر عليهم، فحل محل الإجماع م: (وكفى بهم قدوة) ش: أي كفى بالخلفاء الأربعة اقتداء. م: (وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «يا معشر بني هاشم: إن الله تعالى كره لكم غسالة أيدي الناس وأوساخهم وعوضكم منها بخمس الخمس» ش: هذا الحديث غريب وقد تقدم في الزكاة. وروى الطبراني في " معجمه " من حديث عكرمة عن ابن عباس قال: «بعث نوفل بن الحارث ابنيه إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال لهما-: انطلقا إلى ابن عمكما لعله يستعين بكما على الصدقات لعلكما تصيبان شيئاً فتتزوجان، فلقيا علياً - رضوان الله عليه - فقال: أين تأخذان؟ فحدثاه، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 172 والعوض إنما يثبت في حق من يثبت في حقه المعوض وهم الفقراء، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطاهم للنصرة، ألا ترى أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -علل فقال: إنهم لن يزالوا معي هكذا في الجاهلية والإسلام، وشبك بين أصابعه،   [البناية] فقال لهما: ارجعا، فلما أمسيا أمرهما أن ينطلقا إلى نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما دفعا الباب استأذنا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة: " أرخي الستار عليك سجفك أدخل علي ابن عمي "، فحدثا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحاجتهما، فقال نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لا يحل لكما أهل البيت من الصدقات شيء ولا غسالة أيدي الناس، إن لكم في خمس الخمس لما يغنيكم ويكفيكم» . م: (والعوض إنما يثبت في حق من يثبت في حقه المعوض) ش: أراد بالعوض خمس الخمس، وبالمعوض على صيغة اسم المفعول من التعويض الزكاة. تقريره أن العوض وهو الزكاة لا يجوز دفعها إلى الأغنياء، فكذلك يجب أن يكون عوض الزكاة وهو خمس الغنائم لا يدفع إليهم، لأن العوض إنما يثبت في حق من فات عنه المعوض وإلا لا يكون عوضاً لذلك المعوض. فإن قيل: هذا الحديث إما أن يكون ثابتاً صحيحاً أو لا، فإن كان الأول وجب أن يقسم الخمس على خمسة أسهم، وأنتم تقسمونه على ثلاثة أسهم، وهو مخالفة الحديث الثابت الصحيح وإن كان الثاني لا يصح الاستدلال به. أجيب: بأن لهذا الحديث دلالتين، إحداهما إثبات العوض في المحل الذي فات عنه المعوض على ما ذكرناه والثانية جعله على خمسة أسهم. ولكن قام الدليل على انتفاء قسمة الخمس على خمسة أسهم، وهو فعل الخلفاء الراشدين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كما تقدم، ولم يقم الدليل على تغيير العوض ممن فات منه المعوض فقلنا به كما تمسك الخصم على تكرار الصلاة على الجنازة بما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى على حمزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سبعين صلاة، وهو لا يقول بالصلاة على الشهيد» ولكن يقول: للحديث دلالتان، إحداهما ثابتة وإن انتفت الأخرى. م: (وهم الفقراء) ش: الضمير يرجع إلى كلمة من في قوله: من يثبت م: (والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطاهم للنصرة) ش: هذا جواب عما يقال: لو كان ما ذكرتم صحيحاً، بجميع مقدماته، لما أعطاهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد ثبت أنه أعطى بني هاشم وبني المطلب. وتقرير الجواب أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما أعطاهم للنصرة. م: (ألا ترى أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (علل فقال: «إنهم لن يزالوا معي هكذا في الجاهلية والإسلام، وشبك بين أصابعه» ش: هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 173 دل على أن المراد من النص قرب النصرة لا قرب القرابة. فأما ذكر الله تعالى في الخمس فإنه لافتتاح الكلام تبركا باسمه. وسهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سقط بموته   [البناية] عن ابن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن جبير بن مطعم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «لما قسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سهم ذوي القربى من خيبر بين بني هاشم وبني المطلب، جئت أنا وعثمان قلنا: يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك منهم، إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة، فقال: " إنهم لم يفارقوني في الجاهلية والإسلام "وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، ثم شبك بين أصابعه» . م: (دل على أنا المراد من النص قرب النصرة لا قرب القرابة) ش: وذكر أبو بكر الرازي في شرحه لمختصر الطحاوي أن أصحابنا اختلفوا في هذا فمنهم من قال: إنهم كانوا يستحقون السهم بالمعنيين النصرة والقرابة جميعاً. واستدلوا بالحديث المذكور. وأخبر - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنهم استحقوا بالنصرة وبالقرابة جيمعاً، فما لم يجتمعا لم يستحق، فمن جاء بعد ذلك من القرابة فقد عدمت منه النصرة فحينئذ إنما يستحقه بالفقر دون غيره، ولا حق لأغنياء. من أصحابنا من قال: إن سهم ذوي القربى في الأصل لم يجب إلا للفقراء منهم، ولم يكن مستحقا باسم القرابة دون الفقر. والدليل على ذلك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى بني المطلب ولم يعط بني عبد شمس ولا بني نوفل، وهما جميعاً في محل واحد من القرابة، ولو كان مستحقاً بالقرب لاستحق الجميع لتساويهم فيه، ومن الدليل عليه أيضاً أن الخلفاء الراشدين لم يعطوا سهم ذوي القربى لأغنياء منهم، وإنما أعطوا الفقراء. م: (فأما ذكر الله تعالى في الخمس) ش: في قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] (الأنفال: الآية 41) م: (فإنه لافتتاح الكلام تبركا باسمه) ش: روى أبو جعفر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح الآثار بإسناده إلى سفيان الثوري عن قيس بن مسلم قال: سألت الحسن بن محمد بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن قول الله عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] قال: أما قوله: فأن لله خمسه، فهو مفتاح كلام، ولله الدنيا والآخرة. م: (وسهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سقط بموته) ش: لأنه كان يستحق ذلك لكونه رسولاً، فلما مات سقط، لأنه لا رسول بعد وفاته، ولم يكن استحقاقه ذلك لقيامه بأمور أمته، ولهذا لم يرفع الخلفاء الراشدون بعده هذا السهم لأنفسهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 174 كما سقط الصفي، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يستحقه برسالته ولا رسول بعده، والصفي شيء كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصطفيه لنفسه من الغنيمة مثل درع أو سيف أو جارية.   [البناية] وكانت له خصائص شرف الرسالة لم تكن للأئمة، كحل التسع وحرمة نسائه بعده على المؤمنين وإباحة البضع بلا مال، والعصمة عن الكذب م: (كما سقط الصفي) ش: بفتح الصاد وكسر الفاء وتشديد الياء، أي كما سقط الصفي بموته، وكذا سقط خمس الخمس وسهم رجل من الغنيمة. م: (لأنه) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (كان يستحقه) ش: أي السهم م: (برسالته) ش: أي بسبب رسالته م: (ولا رسول بعده) ش: أي بعد موته، ولهذا لا يستحقه الخلفاء، ولأن الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - لا يورثون. م: (والصيفي شيء كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصطفيه لنفسه من الغنيمة) ش: أي يختاره لنفسه م: (مثل درع أو سيف أو جارية) ش: وروى أبو داود في سننه: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن مطرف عن الشعبي قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعي الصفي إن شاء عبداً، أو شاء أمة، وإن شاء فرساً يختاره قبل الخمس» هذا مرسل. وأخرج أيضاً عن ابن عون - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: سألت محمد بن سيرين عن سهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصفي، قال: كان يضرب له سهم مع المسلمين وإن لم يشهد، والصفي يؤخذ له [من] رأس الخمس، قبل أي شيء، وأخرج أيضاً عن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كانت صفية من الصفي» ورواه الحاكم في " مستدركه " وقال: صحيح على شرط الشيخين - رحمهما الله - ولم يخرجاه. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في السير الكبير بإسناده عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: «كان سيف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي تنفل يوم بدر، كان سيف العاص بن المنبه بن الحجاج، يعني اتخذه لنفسه صفياً» . قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فهذا دليل على أنه لم يحمل من الجنة. وذكر هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه في كتاب السيوف: «كان سيف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذا الفقار، وكان للعاص بن منبه الحجاج السهمي، فقتله علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يوم بدر وجاء بسيفه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصار بعد لعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أعطاه إياه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وله يقول القائل: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي» . إلى هنا كلام الكلبي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 175 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصرف سهم الرسول إلى الخليفة، والحجة عليه ما قدمناه. وسهم ذوي القربى كانوا يستحقونه في زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالنصرة لما روينا. قال: وبعده بالفقر، قال العبد الضعيف: هذا الذي ذكره قول الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سهم الفقير منهم   [البناية] وما ذكر الزمخشري في " فائقه ": أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تنفله في غزوة المصطلق، ليس بصحيح لرواية من هو أقدم وأعلم بخلافه، ولا سيما أمر المغازي، فإن الكلبي آية فيه. وقال الأكمل: «واصطفى صفية من غنائم خيبر» . انتهى، قلت: ذكر البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وغيره مسنداً إلى أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «قدمنا خيبر فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب وقد قتل زوجها وكانت عروساً، فاصطفاها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لنفسه» . م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصرف سهم الرسول إلى الخليفة) ش: هذا في رواية عنه وفي رواية: يصرف إلى مصالح المسلمين كسد الثغور، وبه قال أحمد. وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يرد سهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعده على بقية الأصناف. م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ما قدمناه) ش: من أن الخلفاء الراشدين لم يرفعوا بعده هذا السهم لأنفسهم م: (وسهم ذوي القربى كانوا يستحقونه في زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالنصرة لما رويناه) ش: إشارة إلى قوله: والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطاهم للنصرة، إلى آخر ما قال. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وبعده بالفقر) ش: أي وبعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مستحقون بالفقر، فلا يعطى شيء لأغنيائهم م: (قال العبد الضعيف) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (هذا الذي ذكره) ش: أي القدوري أن استحقاقهم بالفقر م: (قول الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . (وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سهم الفقير منهم ساقط أيضاً لما رويناه من الإجماع) ش: أشار به إلى قوله: ولنا أن الخلفاء الراشدين قسموه على ثلاثة أسهم م: (ولأن فيه) ش: أي في سهم ذوي القربى م: (معنى الصدقة نظراً إلى المصرف) ش: لأن الهاشمي الذي يصرف إليه فقير، إذا لم يكن فقيراً لا يجوز صرفه إليه بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باتفاق الروايات عن أصحابنا، فلما كان فيه معنى الصدقة م: (فيحرم) ش: أي ذوي القربى م: (كما يحرم العمالة) ش: أي كما حرم الهاشمي العامل على الصدقة العمالة بضم العين، وهو ما يعطى على عمله. م: (وجه الأول) ش: أراد قول الكرخي م: (وقيل هو الأصح) ش: إنما قال: وقيل؛ لأن في كون قول الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صح اختلاف المشايخ م: (ما روي) ش: خبر لقوله: وجه الأول، وقوله: وقيل هو الأصح، جملة معترضة بين المبتدأ والخبر [ .... ] م: (أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أعطى الفقراء منهم) ش: أي من ذوي القربى. روى أبو داود في " سننه " من حديث سعيد بن المسيب حدثنا جبير بن مطعم «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقسم لبني عبد شمس ولا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 176 ساقط أيضا لما روينا من الإجماع، ولأن فيه معنى الصدقة نظرا إلى المصرف، فيحرم كما يحرم العمالة، وجه الأول وقيل هو الأصح: ما روي أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أعطى الفقراء منهم، والإجماع انعقد على سقوط حق الأغنياء، أما فقراؤهم فيدخلون في الأصناف الثلاثة. وإذا دخل الواحد أو الاثنان دار الحرب مغيرين بغير إذن الإمام فأخذوا شيئا، لم يخمس؛ لأن الغنيمة هي المأخوذة قهرا أو غلبة لا اختلاسا،   [البناية] لبني نوفل من الخمس شيئاً، كما قسم لبني هاشم وبني المطلب، قال: وكان أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقسم الخمس نحو قسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، غير أنه لم يعط قربى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما كان يعطيهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يعطيهم ومن كان بعده منه» . م: (والإجماع) ش: أي إجماع الصحابة م: (انعقد على سقوط حق الأغنياء، أما فقراؤهم) ش: أي فقراء ذوي القربى م: (فيدخلون في الأصناف الثلاثة) ش: أي في اليتامى والمساكين وابن السبيل، فقد تقدم هذا في أول البحث، وكرر هنا لزيادة الإيضاح. فإن قيل: إن كانت هؤلاء الثلاثة مصارف باعتبار الحاجة فلا يحل للأغنياء، فإذن فلا فائدة في ذكر الفقراء في القرآن، أجيب: بأنه إنما ذكرهم لأن أفهام بعض الناس تذهب إلى أن الفقير منهم لا يستحق لما أنه من قبيل الصدقة، وقد قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تحل الصدقة لمحمد ولا لآله» فإذًا زال ذلك الوهم بتخصيصهم بالذكر. فإن قيل: ما الفائدة في ذكر اليتيم؟ لأنه يدخل في المساكين، أجيب: بأنه لدفع وهم من يتوهم أن اليتيم لا يستحق الخمس، لأن الخمس عن الغنيمة، والغنيمة بالجهاد تحصل واليتيم ليس بأهل للجهاد فأزال ذلك الوهم بتخصيص ذكر اليتيم. [إذا دخل الواحد أو الاثنان دار الحرب مغيرين] م: (وإذا دخل الواحد أو الاثنان دار الحرب مغيرين) ش: أي حال كونهم مغيرين من الإغارة، قال الكاكي: إنما ذكر بلفظ الجمع نظراً إلى قوله: أخذوا، فكان نظير قَوْله تَعَالَى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: 135] (النساء: الآية 135) ، فرد الضمير إلى المعطوف والمعطوف عليه جميعاً في كلمة أو وإن كانت أو لأحد الشيئين م: (بغير إذن الإمام، فأخذوا شيئاً لم يخمس) ش: وقال الشافعي ومالك وأكثر أهل العلم: يخمس، لأنه مال حربي أخذتهن إن كان غنيمة فيخمس. وأما ما ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله م: (لأن الغنيمة هي المأخوذة قهراً أو غلبة) ش: في بعض النسخ هو المأخوذ قهراً، أي من حيث القهر والغلبة م: (لا اختلاساً) ش: أي ليست الغنيمة هي المأخوذة من حيث الاختلاس. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 177 وسرقة والخمس وظيفتها. ولو دخل الواحد أو الاثنان بإذن الإمام ففيه روايتان، والمشهور أنه يخمس، لأنه لما أذن لهم الإمام فقد التزم نصرتهم بالإمداد فصار كالمنعة، وإن دخلت جماعة لها منعة فأخذوا شيئا خمس وإن لم يأذن لهم الإمام، لأنه مأخوذ قهرا وغلبة، فكان غنيمة، ولأنه يجب على الإمام أن ينصرهم إذ لو خذلهم كان فيه وهن المسلمين، بخلاف الواحد والاثنين، لأنه لا يجب عليه نصرتهم.   [البناية] م: (وسرقة) ش: أي من حيث السرقة م: (والخمس وظيفتها) ش: أي وظيفة الغنيمة والاختلاس والسرقة في دار الحرب كاكتساب مال مباح مثل الاصطياد والاحتطاب، وإنما ذكر واحد واثنين، وفي المنية: والثلاثة في حكم الاثنين، وفي كل يخمس وتوضع في بيت المال. [دخول الواحد أو الاثنان دار الحرب بإذن الإمام] م: (ولو دخل الواحد أو الاثنان بإذن الإمام ففيه روايتان، والمشهور أنه يخمس، لأنه لما أذن لهم الإمام فقد التزم نصرتهم بالإمداد) ش: بكسر الهمزة، أي بالآية م: (فصار كالمنعة) ش: أي فصار الإمام كالمنعة لهم، حيث أذن لهم، والرواية الأخرى وهي غير مشهورة، لأنه لا يخمس وهي رواية البرامكة، ذكرها الناطقي في الأجناس. م: (وإن دخلت) ش: أي دار الحرب م: (جماعة لها منعة فأخذوا شيئا خمس وإن لم يأذن لهم الإمام) ش: هذا لفظ القدوري ولم ينص على قدر المنعة، وأشار في البرامكة في كتاب الخراج لابن شجاع إلى التسعة. وفي " المحيط " عن أبي يوسف أنه قدر الجماعة التي لا منعة لها بتسعة تقود التي لها منعة بعشرة م: (لأنه مأخوذ قهراً وغلبة، فكان غنيمة) ش: فيخمس م: (ولأنه يجب على الإمام أن ينصرهم، إذ لو خذلهم) ش: بالخاء والذال المعجمتين، أي لو ترك عونهم ونصرتهم م: (كان فيه) ش: أي في خذلانهم ضعف المسلمين، يقال: خذلت الرجل أخذله خذلا وخذلاناً: إذا ترك معونته م: (وهن المسلمين) ش: أي ضعفهم، والوهن بسكون الهاء مصدر وهن يهن من باب ضرب يضرب، وبالفتح مصدر من باب وهن يهن من باب علم يعلم. م: (بخلاف الواحد) ش: إذا دخل دار الحرب م: (والاثنين) ش: أي بخلاف الاثنين إذا دخلا دار الحرب م: (لأنه لا يجب عليه) ش: أي على الإمام نصرة الواحد والاثنين م: (نصرتهم) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 178 فصل في التنفيل قال: ولا بأس بأن ينفل الإمام في حالة القتال ويحرض به على القتال فيقول: من قتل قتيلا فله سلبه، ويقول للسرية: قد جعلت لكم الربع بعد الخمس، معناه بعدما رفع الخمس، لأن التحريض مندوب إليه، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] (الأنفال: الآية 65) ، وهذا نوع تحريض ثم قد يكون التنفيل بما ذكر،   [البناية] [فصل في التنفيل] م: (فصل في التنفيل) ش: أي هذا فصل في بيان حكم التنفيل، وهو نوع من قسمة الغنيمة، فلذلك ألحقه بها، يقال: نفل الإمام الغازي: إذا أعطاه زائداً على سهمه بقوله: «من قتل قتيلاً فله سلبه» نفله نفلاً بالتخفيف، ونفله تنفيلاً بالتشديد، لغتان فصيحتان، كذا قال ابن دريد، والنفل بفتحتين: الغنيمة، وجمعه أنفال. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا بأس بأن ينفل الإمام في حالة القتال) ش: وفي " المبسوط ": ويستحب للإمام أن ينفل قبل الإصابة، فعلم من هذا ما قالوه أن لفظ لا بأس يستعمل فيما تركه أولى ليس بمجرى على عمومه، ولهذا قال في الكتاب: التحريض مندوب إليه، وإنما قيد بقوله: في حال القتال؛ لأن التنفيل إنما يصح عندنا إذا كان قبل الإصابة. وعند الأوزاعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصح بعد الإصابة في حق السلب للقاتل، كذا ذكره في الأسرار م: (ويحرض به) ش: أي بالتنفيل م: (على القتال فيقول) ش: أي الإمام [ .... ] لتغير ما قبله م: (من قتل قتيلاً فله سلبه) ش: القتيل لا يقتل، إنما أريد به من يقدر له القتل من الكفار باعتبار المال. م: (ويقول) ش: أي الإمام م: (للسرية) ش: وهي جيش قليل يسيرون، وقد مر الكلام فيه م: (قد جعلت لكم الربع بعد الخمس) ش: هذا كلام القدوري، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (معناه) ش: أي معنى قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (بعدما رفع الخمس) ش: يعني ربع ما أصبتم بعد رفع خمسه م: (لأن التحريض مندوب إليه. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] (الأنفال: الآية 65) ، وهذا) ش: أي التنفيل م: (نوع تحريض) ش: لأن المنفل له يجد في القتال لأجل ما يحصل له من الزيادة على سهمه المعين المقدر. فإن قيل: قوله: حرض، أمر، ومطلقه ينصرف إلى الوجوب. أجيب: بأنه يعارضه دليل قسمة الغنائم، فانصرف إلى الاستحباب. م: (ثم قد يكون التنفيل بما ذكر) ش: أي بما ذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو التنفيل بالربع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 179 وقد يكون بغيره، إلا أنه لا ينبغي للإمام أن ينفل بكل المأخوذ، لأن فيه إبطال حق الكل، فإن فعله مع السرية جاز، لأن التصرف إليه وقد تكون المصلحة فيه، ولا ينفل بعد إحراز الغنيمة بدار الإسلام، لأن حق الغير قد تأكد فيه بالإحراز. قال: إلا من الخمس، لأنه لا حق للغانمين في الخمس.   [البناية] بعد الخمس، أو التنفيل بالسلب م: (وقد يكون بغيره) ش: أي بغير ما ذكره ولا ينحصر بما ذكره، بل يجوز بغيره بأن يقول: جعلت لكم النصف بعد الخمس مثلاً، أو يقول: ما أصبتم فلكم، إلا أن الأولى أن لا يجعل بجميع المأخوذ، لأن فيه قطع الباقين من القراة، ومع هذا لو فعل جاز لما فيه من المصلحة على ما يجيء. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال بعض الشارحين: أراد بقوله: وقد يكون بغيره نحو الذهب والفضة، وفيه نظر، لأنه دخل تحت ما ذكره في مختصر القدوري، لأن السلب يشتمل ما في وسط القتيل من الذهب والفضة، فكيف يكون غير ما ذكر المختصر. قلت: أراد ببعض الشارحين صاحب " النهاية "، فإنه قال: وقد يكون بغيره نحو الذهب والفضة، وتبعه الأكمل على ذلك. وليس هذا محل نظر، لأن الغالب في السلب هو ما يكون على القتيل من سلاحه وثيابه، وكون الذهب والفضة في وسطه نادر، ومع هذا لو صرح الإمام في التنفيل بالذهب والفضة يجوز، وقال صاحب الإيضاح: ويجوز التنفيل بسائر الأموال من الذهب والفضة وغير ذلك. م: (إلا أنه) ش: أي غير أن الشأن م: (لا ينبغي للإمام أن ينفل بكل المأخوذ، لأن فيه إبطال حق الكل) ش: أي حق كل الغزاة م: (فإن فعله مع السرية جاز) ش: أي فإن فعل الإمام التنفيل مع سرية يبعثها جاز م: (لأن التصرف إليه) ش: أي للإمام م: (وقد تكون المصلحة فيه) ش: أي في تنفيله كذلك. وذكر في " السير الكبير ": إذا قال الإمام لعسكره جميعاًَ: ما أصبتم فلكم نفلاً بالسوية، لا يجوز، لأن المقصود من التنفيل التحريض على القتال، وإنما يحصل ذلك إذا خص البعض بالتنفيل، وكذلك إذا قال: ما أصبتم فهو لكم، ولم يقل: بعد الخمس، لأن فيه إبطال الخمس الذي أوجبه الله تعالى في الغنيمة وإبطال حق ضعفاء المسلمين، وذلك لا يجوز. [النفل بعد إحراز الغنيمة بدار الإسلام] م: (ولا ينفل بعد إحراز الغنيمة بدار الإسلام) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لأن حق الغير قد تأكد فيه بالإحراز) ش: أي بدار الإسلام. فلا يجوز للإمام أن يقطع حق الغير م: (قال: إلا من الخمس) ش: أي قال القدوري: ولا ينفل بعد إحراز الغنيمة إلا من الخمس. وقال المصنف: م: (لأنه لا حق للغانمين في الخمس) ش: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 180 وإذا لم يجعل السلب للقاتل فهو من جملة الغنيمة، والقاتل وغيره في ذلك سواء. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: السلب للقاتل إذا كان من أهل أن يسهم له وقد قتله مقبلا لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من قتل قتيلا فله سلبه» والظاهر أنه نصب الشرع، لأنه بعث له، ولأن القاتل مقبلا أكثر غناء   [البناية] فلا يلزم قطع حقهم، فيتصرف الإمام فيه على ما رأى من مصلحة في أموال المسلمين. فإن قيل: إن لم يكن فيه إبطال حق الغانمين ففيه إبطال حق الأصناف الثلاثة، وذلك واجب بأن جوازه باعتبار أن المنفل له جعل واحداً من الأصناف الثلاثة. فلم يكن ثمة إبطال حقهم، إذ يجوز صرف الخمس على أحد الأصناف الثلاثة لما تقدم أنهم مصارف لا يستحقون، لكن ينبغي أن يكون المنفل له فقيراً، لأن الخمس حق المحتاجين لا حق الأغنياء، فجعله للغني إبطال المحتاجين. [من يستحق السلب من الغنيمة] م: (وإذا لم يجعل السلب للقاتل فهو من جملة الغنيمة، والقاتل وغيره في ذلك سواء. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: السلب للقاتل) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إذا كان من أهل أن يسهم له) ش: أو من أهل أن يرضخ له عند أحمد. وعند الشافعي من أن يكون له الرضخ، فله في سلبه قولان، في قول كقول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي قول: لا سلب له م: (وقد قتله مقبلاً) ش: وقال الأترازي: قال الشافعي: إذا كان القاتل مقبلاً فالسلب للقاتل، انتهى. هذا مصرح أن مقبلاً حال من الضمير المرفوع في وقد قتله، وهذا سهو منه فإنه حال من الضمير المنصوب فيه كما ذكرنا، وقد كتب شيخي العلاء بيده: مقبلاً حال من المفعول، أي حال كون الكافر مقبلاً لا حال كونه مدبراً بالهزيمة. وكذا قال تاج الشريعة في شرحه: قوله: مقبلاً حال من المفعول، لأن الشرط عنده، أي عند الشافعي كون القتيل مقبلاً، حتى لو قتل منهزماً أو نائماً أو مشغولاً بشيء لم يستحق السلب. قوله: مقبلاً، الواو فيه للحال، ومقبلاً حال أيضاً من الضمير المنصوب في قتله، احترز به عما إذا قتله مدبراً فإنه لا سلب له. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من قتل قتيلاً فله سلبه» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا النسائي عن أبي قتادة الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (والظاهر أنه) ش: أي أن هذا الحديث م: (نصب الشرع) ش: كما في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من بدل دينه فاقتلوه» ، فيكون السلب للقاتل سواء شرطه الإمام أو لم يشترط م: (لأنه بعث له) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث لنصب الشرع. م: (ولأن القاتل مقبلاً) ش: أي كافراً مقبلاً إليه م: (أكثر غناء) ش: أي كفاية في الجهاد م: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 181 فيختص بسلبه إظهارا للتفاوت بينه وبين غيره. ولنا أنه مأخوذ بقوة الجيش غنيمة فيقسم قسمة الغنائم كما نطق به النص. وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لحبيب بن أبي سلمة: «ليس لك من سلب قتيلك إلا ما طابت به نفس إمامك»   [البناية] (فيختص بسلبه إظهارا للتفاوت بينه وبين غيره) ش: أي بين قاتل الكافر المقبل وبين قاتل الكافر المدبر المعر، وقد شرح الأترازي هذا الموضع بناء على قوله: إن مقبلاً حال من القاتل، وقد ذكرنا أنه سهو منه، والمبني أيضاً سهو. م: (ولنا أنه) ش: أي أن السلب م: (مأخوذ بقوة الجيش غنيمة) ش: على وجه القهر م: (فيقسم قسمة الغنائم كما نطق به النص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] .... الآية. م: «وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لحبيب بن أبي سلمة ليس لك من سلب قتيلك إلا ما طابت به نفس إمامك» ش: قال مخرج أحاديث " الهداية ": هكذا وقع في الهداية حبيب بن أبي سلمة، وصوابه حبيب ابن مسلمة. قلت: هكذا هو في كتب أسماء الصحابة، قال أبو عمرو - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذكره في باب الحاء المهملة بفتح الحاء. وقال: حبيب بن مسلمة بن مالك الأكبر وهب بن ثعلبة بن واثلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر بن مالك القرشي الفهري، يكنى أبا عبد الرحمن، يقال له: حبيب الروم، لكثرة دخوله إليهم وسلته منهم. وولاه عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أعمال الجزيرة إذ عزل عنها عياض بن غنم، وضم إلى حبيب بن مسلمة أرمينية وأذربيجان وسلمان بن أبي ربيعة أحدهما مدد الصحابة، فتواعد بعضها بعضاً ومات بأرمينية سنة اثنتين وأربعين. ثم حديثه الذي ذكره المصنف رواه الطبراني في " معجمه " الكبير والأوسط: حدثنا أحمد بن معلا الدمشقي والحسين بن إسحاق التستري وجعفر بن محمد الفريابي قالوا: حدثنا أحمد بن عمار أنا عمرو بن واقد أنا موسى بن سيار عن مكحول «عن جنادة بن أبي أمية قال: نزلنا دابقاً وعلينا أبو عبيدة بن الجراح - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فبلغ حبيب بن مسلمة أن نبيه صاحب قبرص خرج يريد طريق أذربيجان ومعه زمرد وياقوت ولؤلؤ وغيرها فخرج إليه فقتله فجاء بما معه. فأراد أبو عبيدة أن يخمسه فقال له حبيب بن مسلمة: لا تحرمني رزقا رزقنيه الله تعالى، فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل السلب للقاتل، فقال معاذ: يا حبيب إني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " إنما للمرء ما طابت به نفس إمامه» انتهى. وفي إسناده عمرو بن واقد الدمشقي البصري مولى قريش. قال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 182 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك. ورواه إسحاق بن راهويه في مسنده حدثنا بقية بن الوليد حدثني رجل عن مكحول «عن جنادة بن أبي أمية قال: كنا معسكرين بدابق فذكر لحبيب بن مسلمة الفهري أن نبيه صاحب قبرص خرج بتجارته متجهاً بها إلى طريق أرمينية، فخرج عليه حبيب بن مسلمة فقاتله فجاء بسلبه يحمله على خمسة أبغال من الديباج والياقوت والزمرد والزبرجد. فأراد حبيب أن يأخذه كله، وأبو عبيدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول بعضه، فقال حبيب لأبي عبيدة: قد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " من قتل قتيلاً فله سلبه " فقال أبو عبيدة: لم يكن ذلك أبداً، وسمع معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بذلك فأتى أبا عبيدة وحبيب يخاصمه، فقال معاذ لحبيب: ألا تتقي الله وتأخذ ما طابت به نفس إمامك، فإنما لك ما طابت نفس إمامك. وحدثهم معاذ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاجتمع رأيهم على ذلك فأعطوه بعد الخمس» فباعه حبيب بألف دينار، وذكره البيهقي في المعرفة بهذا الإسناد، ثم قال: وهو منقطع بين مكحول ومن فوقه، وراويه عن مكحول مجهول، وهذا الإسناد لا يحتج به، انتهى. وفي هذا الموضع نظر [ ...... ] ثلاثة منها ترجع إلى كلام المصنف: الأول: أنه ذكر حبيب بن أبي سلمة وليس في الصحابة إلا حبيب بن مسلمة، كما ذكرنا. والثاني: أن الحديث الذي احتج به لأصحابنا ضعيف كما ذكرنا. والثالث: أن هذا الحديث ليس لحبيب فإنه ما سمعه من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما هو لمعاذ بن جبل سمعه من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورد على حبيب حين أراد أن يستبد بالسلب الذي أخذه كما ذكرنا. والنظر الرابع: يرجع إلى الشراح فإنهم كلهم تنكثوا عن التحرير في هذا الموضع ورضوا بما شرحوا فيه بما لا يرضى به من له أدني إلمام بالتصرف في الحديث، وجعلوا هذا حجة على الشافعي، وكيف يكون حجة وفيه ما ذكرنا. واستدل الأترازي هنا لأصحابنا فقال: وروي في السنن وشرح الآثار مسنداً إلى عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من فعل كذا فله كذا " فذهبت شبان الرجال وحبست الشيوخ تحت الرايات، فلما كانت الغنيمة جاء الشبان يطلبون نفلهم، فقالت الشيوخ: لا تستأثروا علينا، فإنا كنا تحت الرايات، ولو انهزمتم كنا ردأ لكم، فأنزل الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] فقرأ حتى بلغ: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5] أطيعوني في هذا الأمر كما رأيتم عاقبة أمري حيث خرجتم وأنتم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 183 وما رواه يحتمل نصب الشرع ويحتمل التنفيل، فنحمله على الثاني لما رويناه، وزيادة الغناء لا يعتبر في جنس واحد كما ذكرناه، والسلب ما على المقتول من ثيابه وسلاحه ومركبه، وكذا ما على مركبه من السرج والآلة، وكذا ما معه على الدابة من ماله في حقيبته أو على وسطه،   [البناية] كارهون، فقسم بينهم بالسواء» ففي هذا الحديث دليل على أن السلب لا يكون للقاتل، لأنه لو كان له لأعطاه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خاصة دون غيره. انتهى. واعترض عليه البيهقي بأن لا حجة لهم فيه، فإن غنيمة بدر كانت للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنص الكتاب، فيعطي منها ما شاء. وقد قسم لجماعة لم يشهدوا ثم نزلت الآية في الغنيمة بعد بدر، فقضى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالسلب للقاتل، واستقر الأمر على ذلك. انتهى. قلنا: حاصل هذا الكلام أن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قتل قتيلاً فله سلبه» على وجه التنفيل، وكذلك قال أبو عبيدة لم يقل ذلك للأبد ولاسيما إذا كان السلب كثيراً، ألا ترى إلى ما رواه الطبراني في " معجمه " عن الشعبي أن جرير بن عبد الله البجلي بارز مهران فقتله فقومت منطقته بثلاثين ألفا، فكتبوا إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال عمر: ليس هذا من السلب الذي يخمس، ولم ينفله وجعله مغنماً. م: (وما رواه) ش: أي الشافعي م: (يحتمل نصب الشرع، ويحتمل التنفيل، فنحمله على الثاني) ش: أي لحمل الحديث الذي رواه الشافعي م: (لما رويناه) ش: أي حديث حبيب وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ليس لك من سلب القتيل إلا ما طابت به نفس إمامك» دفعاً للتعارض م: (وزيادة الغناء) ش: جواب عن قوله: لأن القاتل مقبلاً أكثر غناء، وهو أن زيادة الغناء في واحد م: (لا يعتبر في جنس واحد) ش:. وهو الكر والفر م: (كما ذكرناه) ش: إشارة إلى ما ذكره في فصل كيفية القسمة، ولأن الكر والفر من جنس واحد، وإلى قوله: تعذر اعتبار مقدار الزيادة، لأنه كم من واحد من الفرسان أو الرجال مثل الألف في الغناء، ولا يعتبر ذلك في استحقاق زيادة السهم، لأنه من جنس واحد. [المراد بالسلب] م: (والسلب ما على المقتول من ثيابه وسلاحه ومركبه) ش: بالرفع عطفاً على قوله ما على المقتول، أي السلب أيضاً مركبه م: (وكذا) ش: أي وكذا السلب م: (ما على مركبه من السرج والآلة) ش: أي وآلة السرج نحو بشرقه وخدامه وعبائه ولجامه. م: (وكذا) ش: أي وكذا السلب م: (ما معه على الدابة من ماله في حقيبته) ش: وهو الوعاء الذي يجعل فيه الرجل حوائجه وزوادته فيه، ويجعل في مؤخر القتب. وفي الجمهرة الحقيبة الرقادة في مؤخر القتب م: (أو على وسطه) ش: نحو الهميان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 184 وما عدا ذلك فليس بسلب، وما كان مع غلامه على دابة أخرى فليس بسلبه، ثم حكم التنفيل قطع حق الباقين، فأما الملك فإنما يثبت بعد الإحراز بدار الإسلام لما مر من قبل، حتى لو قال الإمام من أصاب جارية فهي له، فأصابها مسلم واستبرأها لم يحل له وطؤها، وكذا لا يبيعها، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رحمه الله -: له أن يطأها ويبيعها، لأن التنفيل يثبت به الملك عنده كما يثبت بالقسمة في دار الحرب وبالشراء من الحربي ووجوب الضمان بالإتلاف قد قيل على هذا الاختلاف.   [البناية] م: (وما عدا ذلك) ش: أي المذكور من هذه الأشياء م: (فليس بسلب) ش: وقال الشافعي: السلب ما كان عليه من ساحة الحرب كالثياب التي يقاتل فيها، والسلاح الذي به، والمركوب الذي يقاتل عليه، فأما ما في يده لا يقاتل به كالمنطقة والطوق والسوار والخاتم وما في وسطه من النفقة وحقيبته ففيه قولان: أحدهما: أنه ليس من السلب وبه قال أحمد في رواية. والثاني: أنه من السلب وهو قولنا، وعن أحمد في مركبه روايتان. م: (وما كان مع غلامه على دابة أخرى فليس بسلبه) ش: بل هو من الغنيمة. م: (ثم حكم التنفيل قطع حق الباقين، فأما الملك فإنما يثبت بعد الإحراز بدار الإسلام لما مر من قبل) ش: إشارة إلى ما ذكر في باب الغنائم بقوله: ولأن الاستيلاء إثبات اليد الحافظة والنافلة، والثانية منعدمة، أي اليد النافلة منعدمة قبل الإحراز فلا يثبت الملك. م: (حتى لو قال الإمام: من أصاب جارية فهي له، فأصابها مسلم واستبرأها لم يحل له وطؤها، وكذا لا يبيعها، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له أن يطأها ويبيعها) ش: ذكر الخلاف في الزيادات بين محمد وصاحبه، واعتمد عليه صاحب " الأسرار "، وتبعه صاحب " الهداية " ولم يذكر الخلاف في " السير الصغير "، واعتمد عليه الحاكم الشهيد في الكافي، وذكر الكرخي بين أبي حنيفة ومحمد، ولم يذكر قول أبي يوسف فقال: لا يطؤها عند أبي حنيفة خلافاً لمحمد، واعتمد عليه صاحب المختلف والمنظومة م: (لأن التنفيل يثبت به الملك عنده) ش: أي عند محمد. وبه قالت الثلاثة: م: (كما يثبت) ش: أي الملك م: (بالقسمة في دار الحرب) ش: أي بقسمة الإمام الغنائم م: (وبالشراء من الحربي) ش: فإن اشترى جارية أو غيرها في دار الحرب من الحربي) م: (ووجوب الضمان بالإتلاف) ش: لفظ وجوب الضمان مرفوع بالابتداء وخبره قوله م: (قد قيل: على هذا الاختلاف) ش: وفي بعض النسخ وقد قيل بالواو، فيكون معطوفاً على قوله الملك، أي يثبت الملك ووجوب الضمان للمنفل له على ما أتلف [ ..... ] سلبه الذي أصابه والأول أولى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 185 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وإنما ذكره دفعاً لشبهة ترد على قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وبيان ذلك أن محمداً - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر في الزيادات أن المتلف السلب، نفله الإمام يضمن، لأن الحق متأكد ولم يذكر، فورد الضمان شبهة عليها، لأن الضمان دليل تمام الملك، فينبغي أن يحل الوطء على مذهبهما أيضاً بعد الاستبراء فقال في دفع ذلك: إنه أيضاً على الاختلاف، عند محمد: يضمن، وعندهما: لا يضمن، والله أعلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 186 باب استيلاء الكفار وإذا غلب الترك على الروم فسبوهم وأخذوا أموالهم ملكوها. لأن الاستيلاء قد تحقق في مال مباح وهو السبب على ما نبينه إن شاء الله تعالى، فإن غلبنا على الترك حل لنا ما نجده من ذلك اعتبارا بسائر أملاكهم، وإذا غلبوا على أموالنا - والعياذ بالله - وأحرزوها بدارهم ملكوها. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يملكونها، لأن الاستيلاء محظور ابتداء وانتهاء، والمحظور لا ينتهض سببا للملك على ما عرف من قاعدة الخصم   [البناية] [باب استيلاء الكفار] م: (باب استيلاء الكفار) ش: أي هذا باب في بيان استيلاء الكفار، وهذه الإضافة من قبيل إضافة المصدر إلى الفاعل، ولما شرع في استيلائهم بدأ باستيلاء بعضهم بعضاًَ فقال: م: (وإذا غلب الترك على الروم) ش: الترك جمع تركي، والروم جمع رومي، والمراد كفار الترك ونصارى الروم م: (فسبوهم وأخذوا أموالهم ملكوها، لأن الاستيلاء قد تحقق في مال مباح وهو السبب) ش: أي الاستيلاء على مال مباح هو سبب الملك م: (على ما نبينه إن شاء الله تعالى) ش: أي عند قوله: وإذا غلبوا على أموالنا. م: (فإن غلبنا على الترك حل لنا ما نجده من ذلك) ش: أي ما نجده في أيدي الترك مما أخذوه من الروم م: (اعتباراً بسائر أملاكهم) ش: أي قياساً على سائر أموال الترك، لأنهم لما ملكوا الذي أخذوه من الروم بالاستيلاء صار هو ومالهم الأصل سواء م: (وإذا غلبوا) ش: أي الكفار م: (على أموالنا والعياذ بالله وأحرزوها بدارهم ملكوها) ش: وبه قال مالك وأحمد إلا عند مالك يملكونها لمجرد الاستيلاء بدون الإحراز، ولأحمد روايتان، في رواية: مع مالك، وفي رواية: معنا. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يملكونها، لأن الاستيلاء محظور) ش: أي ممنوع حرام مطلقاً م: (ابتداء) ش: أي في دار الإسلام م: (وانتهاء) ش: أي بعد الإحراز بدار الحرب م: (والمحظور لا ينتهض سبباً للملك) ش: أي المحظور من وجه لا يكون سبباً للملك لأن المحظور من كل وجه وهو الباطل لا يكون سبباً للملك عندنا أيضاًَ كالبيع بالميتة والدم والخمر م: (على ما عرف من قاعدة الخصم) ش: وهي إراءة إليهم أن النهي بعد المشروعية عنده. وقال الكاكي: وتقييده بقاعدة الخصم إنما يصح في المحظور من وجه دون وجه، كما في البيع الفاسد، أما المحظور من كل وجه لا يفيد الملك بالاتفاق كما في استيلاء المسلم على مال المسلم. فإن قلت: يؤيد ما قاله الشافعي ما روي عن عمران بن الحصين «أن المشركين أغاروا على سرح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 187 ولنا أن الاستيلاء ورد على مال مباح،   [البناية] المدينة وذهبوا والعضباء وأسروا امرأة الراعي فانفلتت ذات ليلة فأتت بالعضباء فقعدت في عجزها ونذرت إن نجاها الله لتنحرنها، فلما قدمت المدينة ذكروا ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " بئس ما جزتها، لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم " وأخذ ناقته» وعلم بهذا أن الكفار لا يملكون أموال المسلمين، فلو كانوا يملكون لملكت المرأة العضباء بالأخذ منهم. قلت: ما كانوا أحرزوها بدارهم وأخذ المرأة العضباء كان قبله في الطريق. وقيل: الإحراز لا يثبت الملك. ودليلنا من القرآن قَوْله تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] .... (الحشر: الآية 8) ، فإنه تعالى سماهم فقراء، والفقير من لا ملك له، فلو لم يملك الكفار أموالهم لما سموا فقراء. ودليلنا من المعقول هو قوله م: (ولنا أن الاستيلاء) ش: أي استيلاء الكفار م: (ورد على مال مباح) ش: لأن الاستيلاء عبارة عن الاقتدار على محل مطلقاً على وجه يتمكن من الانتفاع في الحال ومن الادخار في المآل، والاقتدار بهذه الصفة لا يكون إلا بعد الإحراز ثم بعد إحرازهم ارتفعت العصمة فورد الاستيلاء حينئذ على مال مباح لا على مال محظور، فصار كالاستيلاء على الصيد والحطب، ولهذا لا يملكون رقابنا. فإن قيل: قال الله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] (النساء: الآية 141) ، فكيف يملكون أموالنا بالاستيلاء والتمليك بالقهر من أقوى جهات السبيل؟. قلنا: النص يتناول المؤمنين وهم لا يملكونهم بالاستيلاء، بل يملكون مالاً مباحاً كما ذكرنا. فإن قلت: يرد عليكم الاسترداد بالملك القديم من الغازي الذي وقع في قسمته، أو من الذي اشتراه من أهل دار الحرب بدون رضى الغازي. قلت: أجيب بأن بقاء حق الاسترداد بحق المالك القديم، لا يدل على قيام الملك للمالك القديم، ألا ترى أن للواهب الرجوع في الهبة والإعادة إلى قديم ملكه بدون رضى الموهوب له مع زوال ملك الواهب في الحال، وكذا الشفيع يأخذ الدار من المشتري بحق الشفعة بدون رضى المشتري مع ثبوت الملك له. قلت: القياس على الهبة فيه نظر على ما لا يخفى. فإن قلت: لا نسلم أن المال مباح بأصل الخلقة. قلت: إنه مباح به لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] (البقرة: الآية 29) ، واللام للاختصاص، فيقتضي الاختصاص لجهة الانتفاع مطلقاً دون اختصاص الواحد بشيء من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 188 فينعقد سببا للملك دفعا لحاجة المكلف، كاستيلائنا على أموالهم، وهذا لأن العصمة تثبت على منافاة الدليل ضرورة تمكن المالك من الانتفاع، فإذا زالت المكنة عاد مباحا كما كان، غير أن الاستيلاء لا يتحقق إلا بالإحراز بالدار، لأنه عبارة عن الاقتدار على المحل حالا ومآلا، والمحظور لغيره   [البناية] ذلك، لأن فيه منع الباقين من الانتفاع، وقد أضيف إليهم جميعاً بحرف الاختصاص. م: (فينعقد) ش: أي ورود الاستيلاء على مال مباح م: (سبباً للملك دفعاًَ لحاجة المكلف كاستيلائنا على أموالهم) ش: بعد الإحراز، وإنما تثبت العصمة للمال لتمكن المالك من الانتفاع ودفع الحاجة، لأنه إذا لم يكن معصوماً كان كل واحد بسبيل من التعرض، فلا تحصل المصلحة المطلوبة من العصمة، وهي التمكن من الانتفاع ودفع الحاجة بعد إحرازهم، ارتفعت العصمة، فعاد مباحاً فملكوه بالاستيلاء. م: (وهذا) ش: إشارة إلى أن الاستيلاء ورد على مال مباح، وبينه بقوله م: (لأن العصمة) ش: أي في المال م: (تثبت على منافاة الدليل) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] (البقرة: الآية 29) ، يقتضي أن لا يكون مالاً معصوماً لشخص، وإنما تثبت العصمة. م: (ضرورة) ش: أي لضرورة م: (تمكن المالك من الانتفاع، وإذا زالت المكنة عاد مباحاً كما كان) ش: في الأصل. وفي " الكافي ": قوله في " الهداية ": لأن العصمة تثبت على منافاة الدليل، إلى قوله: عاد مباحاً، مشكل، فإنا إذا غلبنا على أموال أهل البغي وأحرزنا بدارنا لم يملكها مع زوال المكنة. إلا أن يقال أراد به زوال المكنة بالإحراز بدار الحرب. ثم أصل الدار واحدة وهي بحكم الديانة مختلفة. فتثبت العصمة من وجه دون وجه، فلم يثبت الملك بالشك، بخلاف أهل الحرب، لأن الدار مختلفة. والنعت متباينة من كل وجه، فبطلت العصمة لنا في حقهم. م: (غير أن الاستيلاء لا يتحقق إلا بالإحراز بالدار، لأنه) ش: أي لأن الاستيلاء م: (عبارة عن الاقتدار على المحل حالاً) ش: أي بالانتفاع بالمال في الحال م: (ومآلاً) ش: أي عاقبة، يعنى بالادخار إلى الزمن الثاني م: (والمحظور لغيره) ش: جواب عن قول الخصم: إن الاستيلاء محظور لا ينتهض سبباً للملك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 189 إذا صلح سببا لكرامة تفوق الملك، وهو الثواب الآجل، فما ظنك بالملك العاجل، فإن ظهر عليها المسلمون فوجدها المالكون قبل القسمة فهي لهم بغير شيء، وإن وجدوها بعد القسمة أخذوها بالقيمة إن أحبوا؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيه: إن وجدته قبل القسمة فهو لك بغير شيء، وإن وجدته بعد القسمة فهو لك بالقيمة،   [البناية] تقريره أن يقال: سلمنا أنه محظور، لكنه محظور لغيره مباح في نفسه، يعني أن المال مباح لعينه، لكن الحظر فيه لحق الغير وهو المالك، والمحظور لغيره، يعني لا لعينه م: (إذا صلح سبباً لكرامة تفوق الملك) ش: كالصلاة في الأرض المغصوبة، فإنها تصلح سبباً لاستحقاق إعلاء النعم وهو الثواب في الآخرة، فلأن يصلح للملك سبباً للملك في الدنيا أولى، وهو معنى قوله: م: (وهو الثواب الآجل) ش: يعني في الآخرة م: (فما ظنك بالملك العاجل) ش: يعني في الدنيا على أنا نقول: المحظور قد يصلح أن يكون سبباً للملك، كما في السوم على سوم أخيه، والبيع عند الأذان يوم الجمعة وبيع الحاضر للبادي، وبيع المتلقي للسلعة، فانتقض أصله حينئذ. وفي " الكافي ": والمحظور بغيره، إلى قوله: بالملك العاجل، مشكل أيضاً، لأن العصمة لا تخلو إما أن زالت بالإحراز بدارهم أو لا، فإن زالت لا يكون الاستيلاء محظورا؛ لما مر أنه على مال مباح، وإن لم يترك لم تصر ملكاً لهم، كما في مسألة البغاة، إلا أن يقال: العصمة المؤثمة باقية، لأنها بالإسلام، وإن زالت بالقوة لأنها بالدار. م: (فإن ظهر عليها المسلمون) ش: أي فإن غلب المسلمون على الأموال التي أخذها الكفار منا م: (فوجدها المالكون قبل القسمة فهي) ش: أي تلك الأموال م: (لهم) ش: أي للملاك م: (بغير شيء) ش: يعني يأخذونها مجاناً م: (وإن وجدوها بعد القسمة) ش: أي بعد قسمة الإمام الغنائم م: (أخذوها بالقيمة إن أحبوا) ش: يعني إن أرادوا أن يأخذوها يأخذونها بقيمتها. قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يأخذون في الوجهين بغير شيء. قلت: قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولكن الإمام يعوض من وقع في سهمه من بيت المال، وإن لم يكن في بيت المال شيء أعاد القسمة. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (فيه) ش: أي هذا الحكم م: (إن وجدته قبل القسمة فهو لك بغير شيء، وإن وجدته بعد القسمة فهو لك بالقيمة) ش: هذا الحديث أخرجه الدارقطني ثم البيهقي في سننهما عن الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فيما أحرزه العدو فاستنقذه المسلمون منهم: " إن وجده الجزء: 7 ¦ الصفحة: 190 ولأن المالك القديم زال ملكه بغير رضاه، فكان له حق الأخذ نظرا له إلا أن في الأخذ بعد القسمة ضررا بالمأخوذ منه بإزالة ملكه الخاص فيأخذه   [البناية] صاحبه قبل أن يقسم فهو أحق به، وإن وجده قد قسم به فإن شاء أخذه بالثمن» وقال: الحسن بن عمارة متروك. وروى الطبراني في " معجمه " عن ياسين الزيات عن سماك بن حرب عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «أصاب العدو ناقة رجل من بني سليم، ثم اشتراها رجل من المسلمين فعرفها صاحبها. فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره فأمره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالثمن الذي اشتراها به صاحبها من العدو، وإلا يخلي بينه وبينها» رواه أبو داود في مراسليه عن تميم بن طرفة قال: «وجد رجل مع رجل ناقة له فارتفعا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأقام البينة أنها ناقته، وأقام الآخر البينة أنه اشتراها من العدو، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن شئت أن تأخذها بالثمن الذي اشتراها به فأنت أحق به، وإلا فخل ناقته» وقال عبد الحق: ياسين ضعيف. وأخرج الدارقطني أيضاًَ في سننه عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من وجد ماله في الفيء قبل أن يقسم فهو له، ومن وجده بعدما قسم فليس له شيء» ، قال الدارقطني: إسحاق متروك، وهذا كما رأيت كله لا يرضى به الخصم، ولم يبق إلا أن يحتج بما رواه الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا في " سننه " عن قبيصة بن ذؤيب أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: ما أصاب المشركون من أموال الناس فظهر عليهم فرأى رجل متاعه بعينه فهو أحق به من غيره، فإذا قسم ثم ظهر عليه فلا شيء له، إنما هو رجل منهم. وكذا روى أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه عن خلاس عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نحوه، قال البيهقي: رواية خلاس عن علي ضعيفة. قلت: قال ابن حزم: رواية خلاس عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صحيحة. م: (ولأن المالك القديم زال ملكه بغير رضاه، فكان له حق الأخذ نظراً له) ش: فيأخذه بغير شيء قبل القسمة، لأن الملك في المغنوم عام بين الغانمين، فقل الضرر عليهم م: (إلا أن في الأخذ) ش: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 191 بالقيمة ليعتدل النظر من الجانبين، والشركة قبل القسمة عامة فيقل الضرر فيأخذه بغير قيمة. وإن دخل دار الحرب تاجر فاشترى ذلك وأخرجه إلى دار الإسلام، فمالكه الأول بالخيار إن شاء أخذه بالثمن الذي اشتراه وإن شاء تركه، لأنه يتضرر بالأخذ مجانا، ألا ترى أنه قد دفع العوض بمقابلته، فكان اعتدال النظر فيما قلناه. ولو اشتراه بعوض يأخذه بقيمة العوض. ولو وهبوه لمسلم يأخذه بقيمته لأنه ثبت له ملك خاص، فلا يزال إلا بالقيمة، ولو كان مغنوما وهو مثلي يأخذه   [البناية] أي غير أن في أخذ المالك القديم م: (بعد القسمة ضرراً بالمأخوذ منه بإزالة ملكه الخاص، فيأخذه بالقيمة ليعتدل النظر من الجانبين) ش: بغير جانب المالك القديم والمالك الجديد م: (والشركة قبل القسمة) ش: أي قبل قسم الإمام الغنيمة م: (عامة) ش: بينهم م: (فيقل الضرر، فيأخذه بغير قيمة) ش: والدليل على عموم الملك بين الغانمين أن واحداً من الغانمين لو استولد جارية من المغنم، لم يثبت النسب لعدم الملك لعموم الشركة، بخلاف ما بعد القسمة حيث يأخذه بالقيمة. [شراء الذي استولى عليه الحربي] م: (وإن دخل دار الحرب تاجر فاشترى ذلك) ش: أي الذي استولى عليه الحربي م: (وأخرجه) ش: أي أخرج ذلك الشيء م: (إلى دار الإسلام، فمالكه الأول بالخيار، إن شاء أخذه بالثمن الذي اشتراه) ش: أي التاجر، والقول في الثمن قول المشتري مع يمينه، كذا ذكره الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن شاء تركه لأنه) ش: أي لأن التاجر م: (يتضرر بالأخذ مجاناً) ش: يعني بغير شيء م: (ألا ترى أنه) ش: أي أن التاجر م: (قد دفع العوض بمقابلته) ش: أي بمقابلة ذلك الشيء الذي اشتراه م: (فكان اعتدال النظر فيما قلناه) ش: وهو قوله: ليعتدل النظر من الجانبين. م: (ولو اشتراه بعوض) ش: أي الشيء بالشيء م: (يأخذه بقيمة العوض) ش: أي بقيمة ذلك العوض الذي اشتراه. م: (ولو وهبوه لمسلم) ش: أي ولو وهب أهل الحرب ذلك الشيء لمسلم م: (يأخذه) ش: يعني صاحبه يأخذه م: (بقيمته) ش: أي بقيمة ذلك الشيء م: (لأنه ثبت له) ش: أي للموهوب له م: (ملك خاص) ش: بالهبة م: (فلا يزال إلا بالقيمة) ش: قيل على أن الملك يثبت للموهوب له مجاناً، فلا يتضرر بالأخذ منه مجاناً، بخلاف ما يثبت لأحد الغزاة بالقسمة، لأن هذا الحق إنما تعين له بأداء ما انقطع من حقه عما في أيدي الباقين. وأجيب: بأن الملك هاهنا أيضاًَ يثبت بالعرض معنى، لأن المكافأة مقصودة في الهبة وإن لم تكن مشروطة، فجعل ذلك معتبراً في إثبات حقه في القيمة. م: (ولو كان) ش: أي ما أخذه الكفار من المسلمين م: (مغنوماً) ش: أي مأخوذا بالقهر والغلبة م: (وهو مثلي) ش: أي والحال أنه مثلي كالذهب والفضة والحنطة والشعير م: (يأخذه) ش: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 192 قبل القسمة ولا يأخذه بعدها، لأن الأخذ بالمثل غير مفيد، وكذا إذا كان موهوبا لا يأخذه لما بينا. وكذا إذا كان مشترى بمثله قدرا ووصفا. قال: فإن أسروا عبدا فاشتراه رجل وأخرجه إلى دار الإسلام، ففقئت عينه وأخذ أرشها، فإن المولى يأخذه بالثمن الذي أخذ به من العدو، أما الأخذ بالثمن فلما قلنا، ولا يأخذ الأرش، لأن الملك فيه صحيح، فلو أخذه أخذه بمثله وهو لا يفيد ولا يحط شيء من الثمن، لأن الأوصاف لا يقابلها   [البناية] أي صاحبه وهو المالك القديم م: (قبل القسمة) ش: بلا شيء. م: (ولا يأخذه بعدها) ش: أي بعد القسمة م: (لأن الأخذ بالمثل غير مفيد) ش: لأنه لو أخذه أخذ بالمثل ولا فائدة فيه م: (وكذا) ش: حكم المثلي م: (إذا كان موهوباً لا يأخذه) ش: لا يأخذه المالك القديم بعدم الفائدة م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: لأن الأخذ بالمثل غير مفيد. م: (وكذا إذا كان مشترى بمثله قدراً ووصفاً) ش: أي وكذا لا يأخذه المالك القديم أيضاً إذا كان ما أخذه الكفار منا وأحرزوه بدارهم مشترى بمثله قدراً ووصفاً، لأنه لا فائدة في أن يعطي عشرة مثاقيل جياد، ويأخذ عشرة مثاقيل جياد، أو يعطي عشرة أقفز جيدة، ويأخذ عشرة أقفز جيدة. وإنما قيد بقوله: قدراً ووصفاً، احترازاً عما لو اشتراه المسلم بأقل قدراً منه أو بجنس آخر أو بجنسه، ولكنه أردأ منه وصفاً، فإن له أن يأخذه بمثل المشترى، ولا يكون ذلك رباً، لأنه إنما قدر ليستخلص ملكه ويعيده إلى قديم ملكه، لا أنه يشتريه ابتداء. م: (قال) ش: أي محمد - رحمة الله عليه - م: (وإن أسروا عبداً فاشتراه رجل وأخرجه إلى دار الإسلام ففقئت عينه وأخذ) ش: أي المولى م: (أرشها) ش: أي أرش العين م: (فإن المولى) ش: أي المولى الأول م: (يأخذه) ش: أي يأخذ العبد م: (بالثمن الذي أخذ به من العدو، وأما الأخذ بالثمن فلما قلنا) ش: إشارة إلى قوله: لأنه يتضرر بالأخذ مجاناً م: (ولا يأخذ) ش: أي المالك القديم م: (الأرش، لأن الملك فيه صحيح) ش: احتراز عن الشراء الفاسد، فإن الوصف فيه مضمون. م: (فلو أخذه) ش: أي المالك لو أخذ الأرش م: (أخذه بمثله وهو لا يفيد) ش: لأن الأرش دراهم أو دنانير م: (ولا يحط شيء من الثمن) ش: يعني إذا أخذ الأرش لا يحط شيء من الثمن بسبب فقء العين، لأن العين بمنزلة الوصف لأنه يحصل بها صفة الكمال في الذات فيه، ولا ينحط شيء من الثمن م: (لأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن) ش: وفي النهاية في قوله لأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن نظر. قال الكاكي: قال شيخي العلامة: وهو مشكل، وهكذا ذكر في الكافي، لأن الأوصاف إنما لا يقابلها شيء من الثمن إذا لم يصر مقصوداً بالتناول، فأما إذا صار مقصوداً فله حط من الثمن، كما لو اشترى عبداً ففقئت عينه ثم باعه مرابحة، فإنه يحط من الثمن ما يخص العين، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 193 شيء من الثمن بخلاف الشفعة؛ لأن الصفقة لما تحولت إلى الشفيع صار المشترى في يد المشتري بمنزلة المشترى شراء فاسدا، والأوصاف تضمن فيه كما في الغصب، أما هاهنا الملك صحيح فافترقا. وإن أسروا عبدا فاشتراه رجل بألف   [البناية] بخلاف ما إذا عورت، ذكره في " الفوائد الفهيرية ". وكما في مسألة الشفعة المذكورة في الكتاب، وهنا صارت مقصودة بالتناول، فينبغي أن يكون للمالك القديم حط ما يخص العين من الثمن. أجيب عنه: بأن الوصف إنما بمقابلة شيء من الثمن عند صيرورته مقصوداً بالتناول في الملك الفاسد، أو في موضع الشبهة، كما في المسائل المذكورة، فإن الملك في المشترى بالنسبة إلى الشفيع كالفاسد. وفي مسألة المرابحة الشبهة تلحقه بالحقيقة لا لإثبات المرابحة على الأمانة دون الخيانة، وهذا لأن الوصف مضمون في الغضب مراعاة لحق المالك. وكذا في الشراء الفاسد، أما في الشراء الصحيح الثمن يقابل العين لا الوصف، إذ الوصف تابع، ولهذا لو ظهر للمبيع وصف مرغوب قد نفياه عند العقد، لم يكن للبائع أن يطالب بمقابله شيئاً وقد فات الملك في ملك صحيح، وبذهابه لا يسقط شيء من الثمن، لأنه تابع. ألا ترى أنه لو اشترى عبداً فذهبت يده أو عينه لا يسقط شيء من الثمن. م: (بخلاف الشفعة) ش: يعني بخلاف الوصف في مسألة الشفعة، حيث يقابله شيء من الثمن. قال الكاكي: قوله: بخلاف الشفعة، إنما يستقيم فيما إذا كان فوات الأوصاف في الشفعة بفعل قصدي، فحينئذ يقابلها شيء من الثمن في الشفعة، بخلاف مسألتنا، أما إذا كان فواتها بآفة سماوية في الشفعة بأن حرق البستان فلا يقابلها شيء من الثمن، فحينئذ لا تخالف مسألة الشفعة مسألتنا. م: (لأن الصفقة لما تحولت إلى الشفيع صار المشترى) ش: بفتح الراء م: (في يد المشتري) ش: بكسر الراء م: (بمنزلة المشترى) ش: بفتح الراء م: (شراء فاسداً، والأوصاف تضمن فيه) ش: أي في الشراء الفاسد، لأنه واجب الرد. م: (كما في الغضب) ش: إذ الواجب فيه القيمة باعتبار القبض وهو يرد على المجموع. م: (أما هاهنا) ش: أي فيما إذا اشترى من العدو م: (الملك صحيح فافترقا) ش: أي الملك الصحيح، والمشترى شراء فاسداً. م: (وإن أسروا عبداً) ش: أي وإن أسر أهل الحرب عبداً من المسلمين م: (فاشتراه رجل بألف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 194 درهم فأسروه ثانية وأدخلوه دار الحرب فاشتراه رجل آخر بألف درهم، فليس للمولى الأول أن يأخذه من الثاني بالثمن، لأن الأسر ما ورد على ملكه، وللمشتري الأول أن يأخذ من الثاني بالثمن، لأن الأسر ورد على ملكه، ثم يأخذه المالك القديم بألفين إن شاء، لأنه قام عليه بالثمنين فيأخذه بهما، وكذا إذا كان المأسور منه الثاني غائبا، ليس للأول أن يأخذه اعتبارا بحال حضرته. ولا يملك علينا أهل الحرب بالغلبة مدبرينا وأمهات أولادنا ومكاتبينا وأحرارنا، ونملك عليهم جميع ذلك، لأن السبب إنما يفيد الملك في محله، والمحل المال المباح والحر معصوم بنفسه،   [البناية] درهم فأسروه ثانية) ش: أي مرة ثانية م: (وأدخلوه دار الحرب، فاشتراه رجل آخر بألف درهم، فليس للمولى الأول أن يأخذه من الثاني) ش: لأن الأسر ما ورد على ملكه، وللمشتري الأول أن يأخذه من الثاني. م: (بالثمن لأن الأسر ما ورد على ملكه، وللمشتري الأول أن يأخذ من الثاني بالثمن، لأن الأسر ورد على ملكه ثم يأخذه المالك القديم بألفين إن شاء، لأنه قام عليه) ش: أي على المشتري الأول م: (بالثمنين فيأخذه بهما، وكذا إذا كان المأسور منه الثاني) ش: وهو المشتري الأول م: (غائباً ليس للأول) ش: أي للمولى الأول وهو المالك القديم م: (أن يأخذه اعتبار بحال حضرته) ش: أي بحضرة المأسور منه الثاني وهو المشتري الأول. قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: واعترض على قوله: وللمشتري الأول أن يأخذه من الثاني بالثمن، ما قالوا ببقاء حق الآخذ الذي اشتراه من العدو وتضرر المالك، لأنه حينئذ يأخذه بالثمن. وأجيب: بأن رعاية حق من اشتراه من العدو أولاً أولى، لأن حقه يعود في الألف التي بعدها بلا عوض يقابلها، والمالك القديم يلحقه الضرر، ولكن يعوض بمقابله وهو العبد، فكان ما قلناه أولى. م: (ولا يملك علينا أهل الحرب بالغلبة مدبرينا وأمهات أولادنا ومكاتبينا وأحرارنا، ونملك عليهم) ش: أي على أهل الحرب إذا غلبنا عليهم م: (جميع ذلك) ش: إشارة إلى ذكر من تقدم [ ... ] وغيرهم. وفائدة ذلك أن المولى يأخذه وهؤلاء بلا شيء قبل القسمة، وبعدها، كذلك إن اشترى رجل واحداً من ما ذكرنا من أهل الحرب بعد استيلائهم بأخذ المولى بلا شيء، والأصل فيه ما ذكرنا في شرح الطحاوي أن كل ما يملك بالميراث يملك بالأسر والاسترقاق والقهر والغلبة. وكل ما لا يملك بالميراث لا يملك بالأسر والاسترقاق والقهر والغلبة م: (لأن السبب) ش: وهو الاستيلاء م: (إنما يفيد الملك في محله) ش: يعني إذا قصد بالمحل كما في سائر الأسباب م: (والمحل المال المباح، والحر معصوم بنفسه) ش: باعتبار أن الآدمي خلق للحمل لأعباء التكاليف، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 195 وكذا من سواه لأنه تثبت الحرية فيه من وجه، بخلاف رقابهم، لأن الشرع أسقط عصمتهم جزاء على جنايتهم وجعلهم أرقاء، ولا جناية من هؤلاء. وإذا أبق عبد مسلم لمسلم فدخل إليهم فأخذوه لم يملكوه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يملكونه، لأن العصمة لحق المالك لقيام يده، وقد زالت. ولهذا لو أخذوه من دار الإسلام ملكوه. وله أنه ظهرت يده على نفسه بالخروج من دارنا، لأن سقوط اعتبارها لتحقق يد المولى عليه تمكينا له من الانتفاع وقد زالت يد المولى فظهرت يده   [البناية] ولا قدرة على التكليف إلا بواسطة العصمة، فكان التعرض له حراماً. م: (وكذا من سواه) ش: أي من سوى الحر من أم الولد والمدبر والمكاتب، فللمالك أن يأخذهم قبل القسمة بغير شيء، وقال مالك وأحمد: يملكون المدبر والمكاتب بالاستيلاء حتى يأخذهما سيدهما بالقيمة في الهبة وبالثمن بالشراء، أو في أم الولد لا يملكونها عند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الزهري: يأخذها سيدها بالقيمة في الهبة. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يفديها الإمام، فإن لم يفعل يأخذها سيدها بالقيمة ولا يدعها يستحل فرجها من لا يحل له م: (لأنه تثبت الحرية فيه) ش: أي فيمن سوى الحر م: (من وجه) ش: لاستحقاقهم الحرية، ولهذا لا يصح أن يملكهم بالعقود. م: (بخلاف رقابهم) ش: أي رقاب أهل الحرب م: (لأن الشرع أسقط عصمتهم جزاء على جنايتهم وجعلهم أرقاء) ش: لأنهم لما أنكروا وحدانية الله تعالى جازاهم بأن جعلهم عبيد عبيده م: (ولا جناية من هؤلاء) ش: أي من أحرارنا ومدبرينا وأمهات أولادنا ومكاتبينا، لأنه لم يوجد منهم جناية الكفر فلا يستحقون الرق. [أبق عبد مسلم لمسلم فدخل إلى أهل الحرب فأخذوه] م: (وإذا أبق عبد مسلم لمسلم فدخل إليهم) ش: أي إلى أهل الحرب م: (فأخذوه لم يملكوه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد في رواية والشافعي. وقيل المسلم اتفاقي والحكم في عبد الذمي كذلك. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد: م: (يملكونه) ش: وبه قال مالك وأحمد في المشهور عنه م: (لأن العصمة) ش: أي العصمة الموجودة في العبد كانت م: (لحق المالك لقيام يده عليه وقد زالت) ش: يده، فزالت العصمة م: (ولهذا) ش: أي زوال يده م: (لو أخذوه) ش: أي العبد م: (من دار الإسلام ملكوه) ش: ولو كانت العصمة بالإسلام لما ملكوه، كذا قال تاج الشريعة. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أنه) ش: أي أن العبد م: (ظهرت يده على نفسه بالخروج من دارنا، لأن سقوط اعتبارها) ش: أي اعتبار يد العبد م: (لتحقق يد المولى عليه تمكينا له من الانتفاع) ش: أي لأجل تمكن المولى من الانتفاع به م: (وقد زالت يد المولى فظهرت يده الجزء: 7 ¦ الصفحة: 196 على نفسه وصار معصوما بنفسه، فلم يبق محلا للملك، بخلاف المتردد، لأن يد المولى باقية لقيام يد أهل الدار، فمنع ظهور يده. وإذا لم يثبت الملك لهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يأخذه المالك بغير شيء موهوبا كان أو مشترى أو مغنوما قبل القسمة، وبعد القسمة يؤدى   [البناية] على نفسه) ش: لأنه حين دخل دار الحرب زالت يد المولى فظهرت يده على نفسه عنه لا إلى من صار يخلفه، لأن يد المولى عبارة عن القدرة على التصرف في المحل كيف شاء ولم يبق ذلك م: (وصار) ش: أي العبد م: (معصوماً بنفسه فلم يبق محلاً للملك) ش: لأنه يصير في يد نفسه وهي يد محترمة يمنع الإحراز، فيمنع التملك، لأنه يملك بدون الإحراز. فإن قيل: لا نسلم أنها زالت لا إلى من يخلفه، فإن يد الكفرة قد خلفت يد المولى، لأن دار الحرب في أيديهم. أجيب: بأن بين الدارين حداً لا يكون في يد أحد، وعند ذلك تظهر يد العبد على نفسه، ولأن يد الدار يد حكمية، ويد العبد يد حقيقية فلا تندفع بيد الدار، إليه أشار فخر الإسلام، وفيه نظر، لأن حصول اليد الحقيقية في غيره الفراغ. والجواب أن اليد كما ذكرنا عبارة عن القدرة على التصرف كيف شاء وحين دخول العبد في دار الحرب يحصل له ذلك قبل استيلاء الكفرة عليه. فإن قيل: لو حصل له يد حقيقة لعتق، وليس كذلك. أجيب: بمنع الملازمة، لأن ظهور يده على نفسه لا يستلزم زوال ملك المولى، فإنه لما ظهرت يده على نفسه صار غاصباً ملك المولى، وجاز أن تؤخذ اليد بلا ملك، كما في المغصوب والمشترى قبل القبض، فإن الملك للمولى واليد لغيره. م: (بخلاف المتردد) ش: أي خلاف العبد الآبق المتردد في دار الحرب وهو الذي يدور في دار الإسلام م: (لأن يد المولى باقية لقيام يد أهل الدار) ش: لأن الاقتدار على المحل قائم بالطلب، والاستعانة بأهل الدار م: (فمنع ظهر يده) ش: لنفسه، ولهذا لو وهبه لابنه الصغير صار قابضاً له لبقاء يده حكماً. م: (وإذا لم يثبت الملك لهم) ش: أي لأهل الحرب على العبد م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يأخذه المالك القديم بغير شيء) ش: سواء كان العبد م: (موهوباً) ش: لأحد من أهل الحرب م: (كان أو مشترى) ش: أي لو كان العبد مشترى بأن اشتراه أحد منهم م: (أو مغنوماً) ش: أي لو كان المولى وحده مغنوماً في يد الغانمين. هذا كله إذا كان م: (قبل القسمة، وبعد القسمة يؤدى) ش: أي على صيغة المجهول، أي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 197 عوضه من بيت المال، لأنه لا يمكن إعادة القسمة لتفرق الغانمين وتعذر اجتماعهم، وليس له على المالك جعل الآبق، لأنه عامل لنفسه إذ في زعمه أنه ملكه. وإن ند بعير إليهم فأخذوه ملكوه لتحقق الاستيلاء، إذ لا يد للعجماء لتظهر عند الخروج من دارنا، بخلاف العبد على ما ذكرنا، وإن اشتراه رجل وأدخله دار الإسلام فصاحبه يأخذه بالثمن إن شاء لما بينا، فإن أبق عبد إليهم وذهب معه بفرس ومتاع فأخذ المشركون ذلك كله، واشترى رجل ذلك كله وأخرجه إلى دار الإسلام، فإن المولى يأخذ العبد بغير شيء، والفرس والمتاع بالثمن، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] يؤدي للمولى م: (عوضه من بيت المال) ش: ولا يعطي المشتري العوض، لأنه قد يكون ملكه بغير أمره، فكان متبرعاً، حتى لو أمره بذلك رجع على المشتري بالثمن، وأما المولى فإنما يأخذ عوضه من بيت المال م: (لأنه لا يمكن إعادة القسمة لتفرق الغانمين وتعذر اجتماعهم) ش: وإنما يعوض من بيت المال، لأن هذه من نوائب المسلمين ومال بيت المال معد لذلك. م: (وليس له على المالك) ش: أي للغازي أو للتاجر أو للموهوب له م: (جعل الآبق لأنه) ش: أي لأن كل واحد من هؤلاء م: (عامل لنفسه) ش: في زعمه م: (إذ في زعمه أنه ملكه) ش: أي أن العبد، فيكون عاملاً لنفسه لا للمولى القديم. م: (وإن ند بعير إليهم) ش: أي ذهب على وجهه شارداً، يقال: ند يند نداً، أو ندوداً من باب ضرب يضرب م: (فأخذوه ملكوه لتحقق الاستيلاء، إذ لا يد للعجماء) ش: أي البهمية، وإنما سميت عجماء، لأنها لا تتكلم، فكذلك كل من لم يقدر على الكلام فهو أعجم ومستعجم. وقال: «صلاة النهار عجماء» ؛ لأنها لا يجهر فيها بالقراءة م: (لتظهر عند الخروج من دارنا) ش: أي دار الإسلام م: (بخلاف العبد) ش: إذا أبق، لأن له يداً للظهور عند الخروج م: (على ما ذكرنا) ش: إشارة إلى قوله: إنه ظهرت يده على نفسه بالخروج من دارنا. م: (وإن اشتراه رجل) ش: أي وإن اشترى هذا البعير، رجل منهم م: (وأدخله دار الإسلام فصاحبه يأخذه بالثمن إن شاء لما بينا) . ش: وإن شاء تركه م: (فإن أبق عبد إليهم وذهب معه بفرس ومتاع فأخذ المشركون ذلك كله، واشترى رجل ذلك كله وأخرجه إلى دار الإسلام، فإن المولى يأخذ العبد بغير شيء والفرس والمتاع بالثمن، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لما أن عنده يثبت الملك للغازي في المال دون العبد، واعتراض بأن على قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ينبغي أن يأخذ المالك المتاع أيضاً بغير شيء، لأنه لما ظهرت يد العبد على نفسه ظهرت على المال أيضاً لانقطاع يد المولى من المال، لأنه في دار الحرب ويد العبد أسبق من يد الكفار عليه، فلا يصير ملكاً لهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 198 وقالا: يأخذ العبد وما معه بالثمن إن شاء اعتبارا لحالة الاجتماع بحالة الانفراد، وقد بينا الحكم في كل فرد. وإذا دخل الحربي دارنا بأمان واشترى عبدا مسلما وأدخله دار الحرب عتق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يعتق، لأن الإزالة كانت مستحقة بطريق معين، وهو البيع وقد انقطعت ولاية الجبر عليه، فبقي في يده عبدا، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن تخليص المسلم عن ذل الكافر واجب، فيقام الشرط وهو تباين الدارين مقام العلة وهو الإعتاق تخليصا له، كما يقام مضي ثلاث حيض مقام التفريق فيما إذا أسلم أحد الزوجين في دار الحرب.   [البناية] وأجيب: بأن يد العبد ظهرت على نفسه مع المنافي وهو الرق، فكانت ظاهرة من وجه دون وجه، فجعلناها ظاهرة في حق نفسه غير ظاهرة في حق المال، هكذا قاله الأكمل. وفيه تأمل، لأن استيلاء العبد على المال حقيقة وجد وهو مال مباح، فينبغي أن يمنع استيلاء الكفار كما في العبد. م: (وقالا: يأخذ العبد وما معه بالثمن إن شاء اعتباراً لحالة الاجتماع بحالة الانفراد) ش: يعني إذا أبق العبد وحده كان الحكم فيه كذلك، فكذلك إذا أبق ومعه فرس ومتاع م: (وقد بينا الحكم في كل فرد) ش: أي عند قوله: وإذا غلبوا على أموالنا وأحرزوها بدارهم يملكونها. [دخل الحربي دارنا بأمان واشترى عبداً مسلماً وأدخله دار الحرب] م: (وإذا دخل الحربي دارنا بأمان واشترى عبداً مسلماً وأدخله دار الحرب عتق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يعتق) ش: وبه قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في قول. واعلم أن الحربي المستأمن إذا اشترى عبداً مسلماً جاز ويجبر على البيع، لأنه لا يجوز أن يبقى المسلم في ذل الكافر، لأن الإسلام يعلو ولا يعلى. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز بيعه أصلاً م: (لأن الإزالة) ش: أي إزالة اليد من الحربي م: (كانت مستحقة بطريق معين، وهو البيع، وقد انقطعت ولاية الجبر عليه) ش: بالدخول في دار الحرب م: (فبقي في يده عبداً) ش: فلا يعتق، لأنه ملكه في دار الإسلام وأحرزه بدارهم. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن تخليص المسلم عن ذل الكافر واجب) ش: لقوله عز وجل: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] (النساء: الآية 141) ، م: (فيقام الشرط، وهو تباين الدارين مقام العلة وهو الإعتاق) ش: بيان هذا أن الحربي المستأمن في دارنا يزال ملكه بالعوض بحرمة ماله بأمانه. فإذا دخل دار الحرب انتهت الحرمة بانتهاء الأمان وسقطت عصمة ماله فيعتق العبد م: (تخليصاً له) ش: وقد عجز القاضي عن عتاقه عليه إذ لا ينفذ قضاؤه على من في دار الحرب. فقام شرط زوال عصمة ماله وهو دخوله دار الحرب فقام عليه الزوال، وهو إعتاق القاضي م: (كما يقام مضي ثلاث حيض مقام التفريق) ش: بين الزوجين م: (فيما إذا أسلم أحد الزوجين في دار الحرب) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 199 وإذا أسلم عبد لحربي ثم خرج إلينا أو ظهر على الدار فهو حر، وكذلك إذا خرج عبيدهم إلى عسكر المسلمين فهم أحرار، لما روي أن عبيدا من عبيد الطائف أسلموا وخرجوا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقضى بعتقهم وقال: هم عتقاء الله. ولأنه أحرز نفسه بالخروج إلينا مراغما لمولاه أو بالالتحاق بمنعة المسلمين إذا ظهر على الدار،   [البناية] ش: فانقضاء ثلاث حيض - الذي هو شرط البينونة في الطلاق الرجعي- أقيم مقام علة البينونة وهي عرض القاضي الإسلام وتفريقه بعد الأمانة لعجز القاضي عن حقيقة العلة فيما إذا أسلم أحد الزوجين في دارهم، ثم يلزمها أن تتقيد بثلاث حيض من بعد ذلك. [أسلم عبد الحربي ثم خرج إلينا] م: (وإذا أسلم عبد الحربي ثم خرج إلينا أو ظهر) ش: على صيغة المجهول، أي غلب م: (على الدار) ش: أي دارهم م: (فهو) ش: أي العبد م: (حر، وكذلك إذا خرج عبيدهم إلى عسكر المسلمين فهم أحرار لما روي «أن عبيداً من عبيد الطائف أسلموا وخرجوا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقضى بعتقهم. وقال: هم عتقاء الله» ش: وروى أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مسنده وابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه " والطبراني في معجمه من حديث الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن عبدين خرجا من الطائف إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأسلما فأعتقهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أحدهما أبو بكرة» . وأخرج البيهقي عن عبد الله بن مكرم الثقفي قال: «لما حاصر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل الطائف خرج إليه رقيق من رقيقهم، فمنهم أبو بكرة، وكان عبد الحارث بن كلاء والمنبعث ونجب، وورد أن في رهط من رقيقهم فأسلموا، قالوا: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رد علينا رقيقنا الذي أتوك فقال: لا، أولئك عتقاء الله عز وجل، ورد على كل رجل ولاء عبده» . م: (ولأنه) ش: أي ولأن العبد الذي خرج إلينا م: (أحرز نفسه بالخروج علينا مراغماً) ش: أي منابذاً، يقال راغم فلان قومه مراغمة: إذا خرج عنهم ونبذهم، وقيد بقوله: مراغماً، لأنه إذا خرج تابعاً م: (لمولاه) ش: يباع وثمنه للحربي. وعليه نص الحاكم الشهيد في " الكافي " م: (أو بالالتحاق بمنعة المسلمين إذا ظهر على الدار) ش: متصل بقوله: إذا ظهر على الدار، كما أن قوله: ولأنه أحرز نفسه، متصل بقوله: ثم خرج إلينا. وعن هذا قال الأترازي: وفيه لف ونشر، أعني أنه أحرز نفسه بالخروج إلينا وبالالتحاق فيما إذا ظهر على الدار. قلت: هذا كلام مترتب ليس فيه لف ولا نشر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 200 واعتبار يده أولى من اعتبار يد المسلمين، لأنها أسبق ثبوتا على نفسه، فالحاجة في حقه إلى زيادة توكيد، وفي حقهم إلى إثبات اليد ابتداء، فكان أولى.   [البناية] م: (واعتبار يده) ش: أي يد العبد م: (أولى من اعتبار يد المسلمين، لأنها أسبق ثبوتاً على نفسه، فالحاجة في حقه) ش: أي في حق العبد م: (إلى زيادة توكيد) ش: بمنعة المسلمين. م: (وفي حقهم) ش: أي والحاجة في حق المسلمين م: (إلى إثبات اليد ابتداء، فكان) ش: أي اعتبار يده م: (أولى) ش: توضيح هذا، لأنه لما التحق بمنعة المسلمين، صار كأنه خرج إلى دار الإسلام، ولا يكون عبداً للغزاة، لأنهم محتاجون أن يملكوه بالإحراز، وهو يحتاج إلى أن يحرز نفسه لتناول شرف الحرمة، وإحرازه أسبق من إحرازهم، فصار أولى، لأنه صاحب يد في نفسه، لكنه يحتاج إلى ما يؤكد يده بمنعة المسلمين وهم محتاجون إلى إثبات اليد ابتداء، فكان اعتبار يده أولى، والله أعلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 201 باب المستأمن وإذا دخل المسلم دار الحرب تاجرا فلا يحل له أن يتعرض لشيء من أموالهم ولا من دمائهم، لأنه ضمن أن لا يتعرض لهم بالاستئمان، فالتعرض بعد ذلك يكون غدرا، والغدر حرام إلا إذا غدر بهم ملكهم فأخذ أموالهم أو حبسهم أو فعل غيره بعلم الملك، ولم يمنعه، لأنهم هم الذين نقضوا العهد، بخلاف الأسير، لأنه غير مستأمن، فيباح له التعرض، وإن أطلقوه طوعا. فإن غدر بهم أعني التاجر فأخذ شيئا وخرج به ملكه ملكا محظورا لورود الاستيلاء على   [البناية] [باب المستأمن] م: (باب المستأمن) ش: أي هذا باب في بيان حكم المستأمن وهو المسلم الذي يدخل دار الحرب بالأمان، وكذلك يطلق على الحربي الذي يطلب الأمان من المسلمين، وقدم المستأمن المسلم ثم عقبه بالمستأمن الحربي بفصل على حدة، كما يجيء إن شاء الله عز وجل. م: (وإذا دخل المسلم دار الحرب) ش: حال كونه م: (تاجراً، فلا يحل له أن يتعرض لشيء من أموالهم، ولا من دمائهم، لأنه ضمن أن لا يتعرض لهم) ش: أي لأهل الحرب لأنهم ما مكنوه من الدخول في دارهم بعد الاستئمان إلا بشرط أن لا يتعرض لهم بشيء من ديارهم وأموالهم. وقوله م: (بالاستئمان) ش: يتعلق بقوله: ضمن، وضمانه شرط، والمؤمن عند شرطه م: (فالتعرض بعد ذلك) ش: أي بعد شرط عدم التعرض م: (يكون غدراً، والغدر حرام) ش: لما روى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان» . م: (إلا إذا غدر بهم) ش: أي بالمسلمين م: (ملكهم) ش: أي ملك الكفار م: (فأخذ أموالهم) ش: أي أموال التجار م: (أو حبسهم أو فعل غيره) ش: أي غير الملك م: (بعلم الملك، ولم يمنعه) ش: فحينئذ لا يكون أخذ تجارنا أموالهم غدراً م: (لأنهم هم الذين نقضوا العهد) ش: وفعلوا الغدر. م: (بخلاف الأسير، لأنه غير مستأمن) ش: ولم يوجد منه الالتزام بعقد أو عهد، فإذا كان كذلك م: (فيباح له التعرض) ش: لأنه بالوجه المذكور لا يكون أخذ الأسير المسلم غدراً م: (وإن أطلقوه) ش: واصل بما قبله م: (طوعاً) ش: أي لا إكراهاً. حاصل الكلام يباح له التعرض، وإن كان مطلق العنان عندهم، لأنه لم يوجد الاستئمان صريحاً، فلم يلزم الغدر. م: (فإن غدر) ش: أي التاجر م: (بهم) ش: أي بأهل الحرب، وقد بين فاعل غدر بقوله م: (أعني التاجر فأخذ شيئاً وخرج به) ش: إلى دار الإسلام م: (ملكه ملكاً محظوراً لورود الاستيلاء على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 202 مال مباح، إلا أنه حصل بسبب الغدر، فأوجب ذلك خبثا فيه فيؤمر بالتصدق به، وهذا لأن الحظر لغيره لا يمنع انعقاد السبب على ما بيناه. وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فأدانه حربي أو أدان هو حربيا، أو غضب أحدهما صاحبه ثم خرج إلينا واستأمن الحربي لم يقض لواحد منهما على صاحبه بشيء، أما الإدانة فلأن القضاء يعتمد الولاية، ولا ولاية وقت الإدانة أصلا ولا وقت القضاء على المستأمن، لأنه ما التزم حكم الإسلام فيما مضى من أفعاله،   [البناية] مال مباح) ش: لأن مال أهل الحرب مباح فيملكه م: (إلا أنه حصل بسبب الغدر فأوجب ذلك خبثاً فيه، فيؤمر بالتصدق به) ش: أي بالمال الذي أخرجه، حتى لو كانت جارية يكره له وطؤها، وإن أحرزها بدارنا. وكذا يكره للمشتري منه لقيام الحظر في الملك بسبب الغدر، وبخلاف مشتري الجارية من مشتريها شراء فاسداً، حيث يحل له وطؤها بعد الاستبراء، لأن الكراهة في حق المشتري الأول لقيام حق بائعه في الاسترداد وقد زال حقه ببيع المشتري من آخر، فظهر الفرق. والرواية مذكورة في " المبسوط " وغيره. وفي " المغني " للحنابلة: يجب عليه رد ما أخذ من مالهم بالخيانة أو بالاستقراض بأن بيعت. ولو جاء بأمان أو إيمان يجب الرد عليه كما لو أخذه من مسلم. وعندنا لا يجب الرد، لكن يتصدق به ولا يجب عليه رد ما استقرض قضاء. م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله: ملكه ملكاً محظوراً، أي خبيثاً م: (لأن الحظر لغيره لا يمنع انعقاد السبب) ش: أي سبب الملك، وهو الاستيلاء م: (على ما بيناه) ش: يعني في أوائل باب استيلاء الكفار بقوله المحظور بغيره إذا صلح سبباً لكرامة تفوق الملك ...... إلى آخره. [دخل المسلم دار الحرب بأمان فأدانه] م: (وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فأدانه) ش: بتخفيف الدال من الإدانة وهو البيع بالدين، واستدانه الابتياع بالدين. وقولهم: ادان، بتشديد الدال من باب الافتعال، أي قبل الدين، وقوله م: (حربي) ش: فاعله م: (أو أدان هو حربياً) ش: وهو أيضاً من الإدانة م: (أو غصب أحدهما) ش: أي أحد الاثنين، وهما المسلم والحربي م: (صاحبه) ش: بالنصب، لأنه مفعول غصب م: (ثم خرج إلينا) ش: أي أحدهما م: (واستأمن الحربي) ش: يعني خرج مستأمناً م: (لم يقض لواحد منهما على صاحبه بشيء، أما الإدانة فلأن القضاء يعتمد الولاية) ش: أي ولاية القاضي. م: (ولا ولاية وقت الإدانة أصلاً) ش: لأنه لا ولاية لنا على أهل الحرب م: (ولا وقت القضاء) ش: أي ولا ولاية وقت القضاء، أي الحكم م: (على المستأمن لأنه ما التزم حكم الإسلام فيما مضى من أفعاله) ش: في دار الحرب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 203 وإنما التزم ذلك في المستقبل، وأما الغصب فلأنه صار ملكا للذي غصبه واستولى عليه لمصادفته مالا غير معصوم على ما بيناه، وكذلك لو كانا حربيين فعلا ذلك ثم خرجا مستأمنين لما قلنا. ولو خرجا مسلمين قضى بالدين بينهما ولم يقض بالغصب، أما المداينة فلأنها وقعت صحيحة لوقوعها بالتراضي، والولاية ثابتة حالة القضاء لالتزامهما الأحكام بالإسلام، وأما الغصب فلما بينا أنه ملكه، ولا خبث في ملك الحربي حتى يؤمر بالرد، وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فغصب حربيا ثم خرجا مسلمين أمر برد الغصب ولم يقض عليه، أما عدم القضاء فلما بينا أنه ملكه، وأما الأمر بالرد ومراده الفتوى به، فلأنه فسد الملك   [البناية] م: (وإنما التزم ذلك) ش: أي حكم الإسلام م: (في المستقبل) ش: في مقابلة فعلها في دار الإسلام، فلما انتفت الولاية لم يقض بشيء، لأنه لا قضاء بدون الولاية. وفي " شرح الطحاوي ": ولكنه ينبغي فيما بينه وبين الله تعالى أن يقضي. م: (وأما الغصب) ش: فإنما يقضى لواحد منهما على الآخر م: (فلأنه) ش: أي فلأن المغصوب م: (صار ملكاً للذي غصبه واستولى عليه لمصادفته مالاً غير معصوم) ش: لأن دار الحرب دار القهر والغلبة، فإذا استولى أحدهما على مال الآخر فقد ملكه، ولا يحكم بالرد لثبوت الملك م: (على ما بيناه) ش: يعني فيما تقدم الآن. م: (وكذلك) ش: أي وكذلك لا يقضي بشيء م: (لو كانا حربيين فعلا ذلك) ش: أي الإدانة والغصب جميعاً م: (ثم خرجا مستأمنين) ش: أي حال كونهما مستأمنين م: (لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله من قبل أن القضاء يعتمد الولاية إلى آخره. م: (ولو خرجا) ش: أي الحربيان لو خرجا حال كونهما م: (مسلمين قضى بالدين بينهما، ولم يقض بالغضب) ش: الذي حصل بينهما م: (أما المداينة فلأنها وقعت صحيحة لوقوعها بالتراضي والولاية) ش: أي ولاية القاضي م: (ثابتة حالة القضاء لالتزامهما الأحكام بالإسلام، وأما الغصب فلما بيناه) ش: فيما تقدم عن قريب م: (أنه ملكه، ولا خبث في ملك الحربي حتى يؤمر بالرد) ش: لأن مال الحربي غير معصوم. [دخل المسلم دار الحرب بأمان فغصب حربيا] م: (وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فغصب حربياً) ش: أي مال حربي، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه م: (ثم خرجا) ش: حال كونهما م: (مسلمين) ش: المسلم بإسلامه القديم، والحربي بدخوله في دار الإسلام م: (أمر برد الغصب) ش: ديانة م: (ولم يقض عليه) ش: يعني يقضي القاضي بالرد عليه م: (أما عدم القضاء فلما بينا) ش: فيما تقدم عن قريب م: (أنه ملكه) ش: لكونه مالاً غير معصوم. م: (وأما الأمر بالرد ومراده الفتوى به) ش: أي بالرد فيما بينه وبين الله تعالى، ولا يحكم بالجبر والإلزام، والظاهر أن الضمير في مراده يرجع إلى محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فلأنه فسد الملك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 204 لما يقارنه من المحرم، وهو نقض العهد. وإذا دخل مسلمان دار الحرب بأمان فقتل أحدهما صاحبه عمدا أو خطأ فعلى القاتل الدية في ماله وعليه الكفارة في الخطأ، أما الكفارة فلإطلاق الكتاب، والدية لأن العصمة الثابتة بالإحراز بدار الإسلام لا تبطل بعارض الدخول بالأمان، وإنما لا يجب القصاص لأنه لا يمكن استيفاؤه إلا بمنعة، ولا منعة بدون الإمام وجماعة المسلمين ولم يوجد ذلك في دار الحرب، وإنما تجب الدية في ماله في العمد، لأن العواقل لا تعقل العمد، وفي الخطأ، لأنه لا قدرة لهم على الصيانة مع تباين الدارين،   [البناية] لما يقارنه من المحرم، وهو نقض العهد، وإذا دخل مسلمان دار الحرب بأمان فقتل أحدهما صاحبه عمداً أو خطأ فعلى القاتل الدية في ماله، وعليه الكفارة في الخطأ) ش: هكذا ذكر من غير خلاف في عامة النسخ من شروح " الجامع الصغير "، ولكن ذكره قاضي خان في الجامع الصغير، وجعل هذا الحكم فيه قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ثم قال: وقالا - أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - عليه القصاص في العمد، وهو قول الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لأنه قتل شخصاً معصوماً إذ عصمته ما زالت بالاستئمان فيجب بقتله في دار الإسلام م: (أما الكفارة فلإطلاق الكتاب) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) ، وتخصيصها بالخطأ، لأنه لا كفارة في العمد عندنا. م: (والدية) ش: أي وأما وجوب الدية م: (لأن العصمة الثابتة بالإحراز بدار الإسلام لا تبطل بعارض الدخول بالأمان) ش: لأنه لما كان على قصد الرجوع كان كأنه في دار الإسلام تقديراً، حتى إن المستأمن بهم لما كان على قصد الرجوع كان كأنه يقصد الرجوع في دار الحرب. م: (وإنما لا يجب القصاص) ش: جواب سؤال مقدار، بأن يقال: كان القياس وجوب القصاص، فأجاب بقوله: وإنما لا يجب القصاص فيه م: (لأنه لا يمكن استيفاؤه إلا بمنعة) ش: أي إلا بقوة وعزة، لأن الواحد يقاوم الواحد غالباً. [قتل مسلم تاجرا أسيراً] م: (ولا منعة بدون الإمام وجماعة المسلمين، ولم يوجد ذلك في دار الحرب) ش: فلا فائدة في الوجوب كالحد، وعند الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يجب الحد، إلا أن عند أحمد لا تقام في دار الحرب، حتى ترجع. وعند الشافعي يؤخر أيضاً إذا لم يكن أمير الجيش أو الإمام، وإلا لا يؤخر. م: (وإنما تجب الدية في ماله في العمد، لأن العواقل) ش: جمع عاقلة م: (لا تعقل العمد، وفي الخطأ) ش: أي وتجب الدية أيضاً في الخطأ في ماله م: (لأنه لا قدرة لهم) ش: أي للعواقل م: (على الصيانة مع تباين الدارين) ش: لأن الوجوب عليهم لتقصيرهم في الصيانة عن ارتكاب هذه الجناية، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 205 والوجوب عليهم على اعتبار تركها وإن كانا أسيرين فقتل أحدهما صاحبه أو قتل مسلم تاجرا أسيرا، فلا شيء على القاتل إلا الكفارة في الخطأ عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا في الأسيرين الدية في الخطأ والعمد، لأن العصمة لا تبطل بعارض الأسر، كما لا تبطل بعارض الاستئمان على ما بيناه، وامتناع القصاص لعدم المنعة، وتجب الدية في ماله لما قلنا. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن بالأسر صار تبعا لهم بصيرورته مقهورا في أيديهم، ولهذا يصير مقيما بإقامتهم ومسافرا بسفرهم، فيبطل به الإحراز أصلا. وصار كالمسلم الذي لم يهاجر إلينا، وخص الخطأ بالكفارة، لأنه لا كفارة في العمد عندنا.   [البناية] وكيف يجب على العواقل، وهم في دار الإسلام صيانة عن الجناية وهو في دار الحرب م: (والوجوب) ش: أي وجوب الدية م: (عليهم) ش: أي على العواقل م: (على اعتبار تركهم) ش: أي ترك الصيانة. م: (وإن كانا أسيرين) ش: أي وإن كان المسلمان م: (فقتل أحدهما صاحبه، أو قتل مسلم تاجرا أسيراً فلا شيء على القاتل إلا الكفارة في الخطأ عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا في الأسيرين) ش: أي في قتل الأسيرين أحدهما الآخر م: (الدية) ش: أي تجب الدية أو الدية واجبة م: (في الخطأ والعمد، لأن العصمة) ش: المتقومة بالإحراز بدارنا م: (لا تبطل بعارض الأسر، كما لا تبطل بعارض الاستئمان) ش: وهو طلب الأمان منهم. م: (على ما بيناه) ش: إشارة إلى قوله: لأن العصمة الثابتة بالإحراز بدار الإسلام لا تبطل بعارض الدخول بالأمان م: (وامتناع القصاص لعدم المنعة، وتجب الدية في ماله) ش: أي في مال القاتل م: (لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله: لأن العواقل لا تعقل العمد. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن بالأسر صار تبعاً لهم بصيرورته مقهوراً في أيديهم) ش: فصار بحكم القهر تبعاً م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونه تبعاً لهم م: (يصير مقيماً بإقامتهم، ومسافراً بسفرهم فيبطل به) ش: أي بالأسر م: (الإحراز) ش: بدار الإسلام م: (أصلاً) ش: ولما بطل الإحراز لم تثبت العصمة المتقومة، فلم تجب الدية لأنها بناء على تلك العصمة، بخلاف الكفارة، فإنها تجب بالعصمة المؤثمة وهي الإسلام. م: (وصار) ش: هذا م: (كالمسلم الذي) ش: أسلم في دار الحرب كالمسلم الذي م: (لم يهاجر إلينا) ش: والجامع كون كل واحد منهما مقهوراً في أيديهم، بخلاف المستأمن لأنه ممكن من الخروج من دارهم، فلا يكون تبعاً لهم، فلا تبطل عصمته م: (وخص الخطأ بالكفارة، لأنه لا كفارة في العمد عندنا) ش: خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 206 فصل وإذا دخل الحربي إلينا مستأمنا لم يمكن أن يقيم في دارنا سنة، ويقول له الإمام: إن أقمت تمام السنة وضعت عليك الجزية، والأصل فيه أن الحربي لا يمكن من إقامة دائمة في دارنا إلا بالاسترقاق أو الجزية، لأنه يصير عينا لهم وعونا علينا فيلحق المضرة بالمسلمين ويمكن من الإقامة اليسيرة، لأن في منعها قطع الميرة، والحلب وسد باب التجارة، ففصلنا بينها بسنة، لأنها مدة تجب فيها الجزية، فتكون الإقامة لمصلحة الجزية، ثم إن رجع بعد مقالة الإمام قبل تمام السنة إلى وطنه، فلا سبيل عليه، وإذا مكث سنة فهو ذمي، لأنه لما أقام سنة بعد تقدم الإمام إليه صار ملتزما بالجزية، فيصير ذميا، وللإمام أن يوقت في ذلك ما دون السنة كالشهر والشهرين.   [البناية] [فصل إذا دخل الحربي إلينا مستأمنا] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان حكم المستأمن من أهل الحرب. م: (وإذا دخل الحربي إلينا مستأمنا) ش: أي حال كونه مستأمناً م: (لم يمكن أن يقيم في دارنا) ش: أي في دار الإسلام م: (سنة، ويقول له الإمام: إن أقمت تمام السنة وضعت عليك الجزية، والأصل فيه) ش: أي في أصل هذا الحكم م: (أن الحربي لا يمكن من إقامة دائمة في دارنا إلا بالاسترقاق أو الجزية) ش: تضرب عليه. م: (لأنه) ش: أي لأن الحربي المستأمن م: (يصير عيناً لهم) ش: أي ديدباناً وجاسوساً م: (وعوناً) ش: أي ظهيرا م: (علينا) ش: والعون هو الظهير على الأمر والجمع أعوان م: (فيلتحق المضرة بالمسلمين ويمكن من الإقامة اليسيرة، لأن في منعها قطع الميرة) ش: وهي الطعام تمتاره الأسنان من مار ييمر. وقيل الميرة بكسر الميم وسكون الياء الطعام، والميرة بالهمزة التميمة. م: (والحلب) ش: أي وقطع الحلب بفتحتين، وهو كل شيء يحلب من إبل وخيل وغنم وغيرها من الحيوانات م: (وسد باب التجارة) ش: أي وفي منع المدة اليسيرة سد باب التجارة، وفيه ضرر أيضاً م: (ففصلنا بينهما) ش: أي بين الإقامة الدائمة المدة اليسيرة م: (بسنة لأنها مدة تجب فيها الجزية، فتكون الإقامة لمصلحة الجزية، ثم إن رجع بعد مقالة الإمام) ش: أي ثم إذا أراد أن يرجع بعد مقالة الإمام، أي بعد أن قال له الإمام: إن أقمت سنة وضعت عليك الجزية م: (قبل تمام السنة إلى وطنه فلا سبيل عليه) ش: أي لا يمنع من الرجوع. م: (وإذا مكث سنة فهو ذمي، لأنه لما أقام سنة بعد تقدم الإمام إليه صار ملتزماً بالجزية فيصير ذمياً) ش: لأنه أقام مدة مضروبة عليه، والذمي لا يجوز رجوعه إلى دار الحرب م: (وللإمام أن يوقت في ذلك) ش: أي في ضرب المدة م: (ما دون السنة كالشهر والشهرين) ش: على حسب ما يرى من المصلحة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 207 وإذا أقامها بعد مقالة الإمام يصير ذميا لما قلنا، ثم لا يترك أن يرجع إلى دار الحرب، لأن عقد الذمة لا ينقض، كيف وأن فيه قطع الجزية وجعل ولده حربا علينا، وفيه مضرة بالمسلمين، فإن دخل الحربي دارنا بأمان فاشترى أرض خراج، فإذا وضع عليه الخراج فهو ذمي، لأن خراج الأرض بمنزلة خراج الرأس، فإذا التزمه صار ملتزما بالمقام في دارنا، أما مجرد الشراء لا يصير ذميا، لأنه قد يشتريها للتجارة، وإذا لزمه خراج الأرض، فبعد ذلك تلزمه الجزية لسنة مستقبلة، لأنه يصير ذميا بلزومه الخراج فتعتبر المدة من وقت وجوبه. وقوله في الكتاب فإذا وضع عليه الخراج فهو ذمي تصريح بشرط الوضع فيتخرج   [البناية] م: (وإذا أقامها) ش: أي المدة م: (بعد مقالة الإمام يصير ذمياً لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله: لأنه لما أقام سنة بعد تقدم الإمام إليه صار ملتزماً بالجزية. وفي " فتاوى العتابي ": لو أقام سنتين من غير أن يتقدم عليه الإمام فله أن يرجع إلا إذا قال الإمام: إذا رجعت إلى كذا وإلا جعلتك ذمياً، فلم يرجع، صار ذمياً، فوجب عليه الجزية بحول بعد مضي المدة المضروبة، إلا أن يكون شرط عليه أنه إن مكث سنة أخذ منه الجزية، فيأخذها منه حينئذ. م: (ثم لا يترك أن يرجع إلى دار الحرب، لأن عقد الذمة لا ينقض) ش: لأن عقد الذمة خلف عن الإسلام لا ينقض، فكذا خلفه م: (كيف) ش: أي كيف ينقض. م: (وأن فيه) ش: بفتح الهمزة بخط شيخي م: (قطع الجزية وجعل ولده) ش: ذلك م: (حربا علينا) ش: بطريق التولد والتناسل م: (وفيه) ش: أي وفي نقض عقد الذمة م: (مضرة بالمسلمين) ش: وهو ظاهر. [دخل الحربي دارنا بأمان فاشترى أرض خراج] م: (فإن دخل الحربي دارنا بأمان فاشترى أرض خراج، فإذا وضع عليه الخراج) ش: أي وضع عليه م: (فهو ذمي، لأن خراج الأرض بمنزلة خراج الرأس) ش: لأن لكل منهما حكما متعلقا بالمقام في دارنا، فصار ذمياً ضرورة م: (فإذا التزمه) ش: أي فإذا التزم الخراج م: (صار ملتزما بالمقام في دارنا، أما بمجرد الشراء لا يصير ذمياً، لأنه قد يشتريها للتجارة) ش: وبه صرح الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مختصره. ومن المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - من قال: يصير ذمياً بمجرد الشراء، ذكره قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا لزمه خراج الأرض فبعد ذلك تلزمه الجزية لسنة مستقبلة، لأنه يصير ذمياً بلزومه الخراج، فتعتبر المدة من وقت وجوبه) ش: أي وقت وجوب الخراج م: (وقوله في الكتاب) ش: أي وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (فإذا وضع عليه الخراج فهو ذمي تصريح بشرط الوضع فيتخرج) ش: على صيغة المجهول من باب التفعيل. وقال الأترازي: فيخرج على صيغة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 208 عليه أحكام جمة فلا يغفل عنه. وإذا دخلت حربية بأمان فتزوجت ذميا صارت ذمية؛ لأنها التزمت المقام تبعا للزوج، وإذا دخل حربي بأمان فتزوج ذمية لم يصر ذميا، لأنه يمكنه أن يطلقها فيرجع إلى بلده، فلم يكن ملتزما المقام. ولو أن حربيا دخل دارنا بأمان ثم عاد إلى دار الحرب وترك وديعة عند مسلم أو ذمي أو دينا في ذمتهم، فقد صار دمه مباحا بالعود، لأنه أبطل أمانه، وما في دار الإسلام من ماله على خطر، فإن أسر أو ظهر على الدار فقتل سقطت ديونه، وصارت الوديعة فيئا. أما الوديعة فلأنها في يده تقديرا، لأن يد المودع كيده، فيصير فيئا تبعا لنفسه، وأما الدين فلأن إثبات اليد عليه بواسطة المطالبة وقد سقطت ويد من عليه أسبق إليه من يد العامة،   [البناية] المبني للفاعل، يقال: خرجته فتخرج م: (عليه أحكام جمة) ش: أي على شرط الوضع أحكام جمة، أي كثيرة، والجم الكثير من كل شيء، ومادته جيم وميم. ومن الأحكام: المنع من الخروج إلى دار الحرب ووجوب الضمان في إتلاف خمره وخنزيره ووجوب الدية في قتله خطأ، وجريان القصاص بينه وبين المسلمين عندنا، ووجوب كل حكم يثبت في حق الذمي م: (فلا يغفل عنه) ش: على صيغة المجهول، ففي عنه أي عن شرط الوضع، لأنه إنما تثبت تلك الأحكام بعد وضع الخراج لا قبله. [دخلت حربية بأمان فتزوجت ذمياً] م: (وإذا دخلت حربية بأمان فتزوجت ذمياً صارت ذمية، لأنها التزمت المقام تبعاً للزوج) ش: فيجري عليها أحكام أهل الذمة من وضع الخراج على أرضها ومنع الخروج إلى دار الحرب. وقالت الأئمة الثلاثة: لا تصير ذمية، ولا تمنع من الخروج إذا الزوج فارقها. [دخل حربي بأمان فتزوج ذمية] م: (وإذا دخل حربي بأمان فتزوج ذمية لم يصر ذمياً لأنه يمكنه أن يطلقها ويرجع إلى بلده، فلم يكن ملتزما بالمقام، ولو أن حربياً دخل دارنا بأمان ثم عاد إلى دار الحرب وترك وديعة عند مسلم أو ذمي أو ديناً) ش: أي أو ترك ديناً. م: (في ذمتهم) ش: أي في ذمة المسلمين أو في ذمة أهل الذمة م: (فقد صار دمه مباحاً بالعود) ش: إلى دار الحرب م: (لأنه أبطل أمانه وما في دار الإسلام من ماله على خطر) ش: أي تردد، وبين التردد بحرف الفاء في قوله م: (فإن أسر أو ظهر على الدار) ش: أي دار الحرب، وكل واحد منهما على صيغة المجهول م: (فقتل) ش: مجهول أيضاً م: (سقطت ديونه) ش: أي عن الذين عليهم ديونه م: (وصارت الوديعة فيئا) ش: أي غنيمة. م: (أما الوديعة فلأنها في يده تقديراً، لأن يد المودع) ش: بفتح الدال م: (كيده، فيصير فيئا تبعاً لنفسه، وأما الدين فلأن إثبات اليد عليه بواسطة المطالبة وقد سقطت) ش: أي المطالبة. م: (ويد من عليه أسبق إليه من يد العامة) ش: أي يد الذي عليه الدين أسبق إليه من يد العامة، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 209 فيختص به. وإن قتل ولم يظهر على الدار فالقرض والوديعة لورثته، وكذلك إذا مات لأن نفسه لم تصر مغنومة فكذلك ماله، وهذا لأن حكم الأمان باق في ماله فيرد عليه أو على ورثته من بعده. قال: وما أوجف عليه المسلمون من أموال أهل الحرب بغير قتال يصرف في مصالح المسلمين   [البناية] أي يد كل واحد من الناس لسبق يده م: (فيختص به) ش: أي فيختص من عليه الدين بالدين الذي عليه، يعني لا يطالبه أحد، فإذا كان كذلك فيسقط، أي الدين لسقوط المطالبة. م: (وإن قتل) ش: على صيغة المجهول أيضاً، أي هذا الحربي الذي دخل دارنا بأمان ثم عاد إلى دار الحرب م: (ولم يظهر على الدار) ش: على صيغة المجهول أيضا، أي لم يغلب عليها م: (فالقرض) ش: الذي عند الناس. م: (والوديعة) ش: التي عند المودع م: (لورثته) ش: وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تكون الوديعة لورثته. وفي الديون قولان، أحدهما أنها لورثته، والآخر أنها غنيمة. م: (وكذلك) ش: أي الحكم م: (إذا مات) ش: هذا الحربي حتى يكون قرضه وديعة لورثته م: (لأن نفسه لم تصر مغنومة، فكذلك ماله) ش: لا يصير مغنوماً. م: (وهذا) ش: أي عدم كون نفسه مغنومة م: (لأن حكم الأمان باق في ماله فيرد عليه) ش: في حياته م: (أو على ورثته من بعده) ش: لأن يد المودع كيده، وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -. فإن قيل: ينبغي أن يصير فيئاً، كما إذا أسلم الحربي في دار الإسلام وله وديعة عند مسلم في دار الحرب، ثم ظهر على الدار فيكون فيئاً، ولا تكون يد المودع كيده. قلنا: عصمة المال لما كانت ثابتة في دار الإسلام معصوماً من وجه دون وجه، فلا تصير معصومة بالشك، أما هاهنا العصمة ثابتة عند الإيداع ولم يظهر على دار الحرب، فكانت العصمة باقية كما كانت في دار الإسلام دار العصمة، وإليه أشار قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وما أوجف عليه المسلمون) ش: يقال وما أوجف الفرس أو البعير عدا وجفا وأوجفه صاحبه إيجافاً، ويقال: وجف البعير وجفاً ووجيفاً، وهو ضرب من مشي الإبل، وربما استعمل في الخيل، وأوجفت البعير: إذا حملته على الوجيف، والمعنى الذي أوجف عليه المسلمون، أي أعملوا خيالهم وركائبهم. وفي بعض النسخ وما أوجف المسلمون عليه م: (من أموال) ش: أي من أموال م: (أهل الحرب بغير قتال يصرف في مصالح المسلمين) ش: كعمارة الرباطات والقناطر والجسور وسد الثغور وكري الأنهار العظام التي لا ملك لأحد فيها كجيحون والفرات ودجلة، ومن مصالح المسلمين الصرف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 210 كما يصرف الخراج، قالوا: هو مثل الأراضي التي أجلوا أهلها عنها والجزية ولا خمس في ذلك. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيهما الخمس اعتبارا بالغنيمة. ولنا ما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخذ الجزية وكذا عمر ومعاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ووضع في بيت المال ولم يخمس،   [البناية] إلى أرزاق القضاة والولاة والمحتسبين والمعلمين وأرزاق المقاتلة، ومنها أن يصرف إلى رصد الطريق عن اللصوص وقطاع الطريق. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقسم ما أوجف عليه المسلمون، فأربعة أخماسه للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وخمسه يقسم كما يقسم خمس الغنيمة وخمس الخمس للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ففي نصيبه بعد وفاته قولان: في قول: يصرف إلى مصالح المسلمين، وفي قول: إلى المقاتلة، وكذلك قال في الجزية م: (كما يصرف الخراج) ش: أي في مصالح المسلمين. م: (قالوا) ش: أي مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: م: (هو) ش: يرجع إلى قوله: وما أوجف المسلمون عليه م: (مثل الأراضي التي أجلوا أهلها عنها) ش: أي أجلى المسلمون أهل تلك الأراضي عنها، أي أخرجوهم عنها، يقال: جلى السلطان القوم عن أوطانهم وأجلاهم فجلوا، أي أخرجهم فخرجوا، كلاهما يتعدى ولا يتعدى، والجلاء بالفتح والمد الخروج عن الوطن والإخراج. م: (والجزية) ش: قال الأترازي: والجزية بالجر عطفاً على قوله الأراضي، أي هذا مثل الأراضي ومثل الجزية، وكذا قال غيره من الشراح، وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والجزية إن رفعتها تكون معطوفة على مثل، وإن خفضتها تكون عطفاً على الأراضي م: (ولا خمس في ذلك) ش: أي فيما أوجف عليه المسلمون. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيهما الخمس) ش: أي في الأراضي التي أجلوا أهلها عنها مثل الجزية. وفي بعض النسخ وفيها بإفراد الضمير، أي في الثلاثة الاثنان المذكوران والخراج، وقد بينا قول الشافعي مفصلاً عن قريب م: (اعتبارا بالغنيمة) ش: أي قياساً عليها وسيجيء الجواب عنه. م: (ولنا ما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخذ الجزية، وكذا عمر ومعاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ووضع في بيت المال ولم يخمس» ش: لم يذكر أحد من الشراح الذين وقفت على شروحهم شيئاً ما يتعلق بقوله ولنا ما روي إلى آخره، ورأيت في بعض نسخ " الهداية "، وكذا عمر وعثمان ومعاذ، ثم شطب على قوله: عثمان، والشطب صحيح، وفي بعضها: ولنا ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أخذ الجزية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 211 ولأنه مال مأخوذ بقوة المسلمين من غير قتال، بخلاف الغنيمة، لأنه مملوك بمباشرة الغانمين وبقوة المسلمين، فاستحق الخمس بمعنى، واستحقه الغانمون بمعنى، وفي هذا السبب واحد وهو ما ذكرناه فلا معنى لإيجاب الخمس.   [البناية] وكذا عمر ومعاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وشطب على قوله: عن علي، والشطب صحيح، والنسخة الصحيحة ما كتبناها أولاً وهي: ولنا ما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخذ الجزية، يعني من مجوس هجر» وكتب تحت قوله: وكذا عمر: من أهل السواد، وكتب تحت قوله: ومعاذ: يعني من أهل اليمن، ولم يذكر شيئاً غير ذلك. وذكر مخرج أحاديث الهداية فقال: الحديث الثالث: روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكره مثل ما ذكر المصنف، ثم قال: أخرج أبو داود في كتاب الخراج عن أبي معد الكندي أي عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كتب أن من سأل عن مواضع الفيء فهي ما حكم فيه عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرآه المؤمنون عدلاً موافقاً لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جعل الله الحق على لسان عمر وقلبه» فرض الأعطية وعقد لأهل الأديان ذمة بما فرض عليهم من الجزية، لم يضرب بخمس ولا بغنم، ثم قال: وهو ضعيف فإن فيه مجهولاً. وعمر بن عبد العزيز لم يدرك عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (ولأنه) ش: أي ولأن المأخوذ بإيجاف المسلمين م: (مال مأخوذ بقوة المسلمين من غير قتال) ش: بل أخذ منهم بالرعب من المسلمين فلم يصح اعتباره بالغنيمة م: (بخلاف الغنيمة، لأنه) ش: أي لأن الغنيمة بتأويل المغنوم م: (مملوك بمباشرة الغانمين، وبقوة المسلمين) ش: يعني مملوك بسببين وهما مباشرة الغانمين وقوة المسلمين، فلما كان السبب مختلفاً اختلف الاستحقاق أيضاً م: (فاستحق الخمس بمعنى) ش: وهو الرعب م: (واستحقه الغانمون بمعنى) ش: وهو مباشرتهم القتال م: (وفي هذا) ش: أي فيما أوجف المسلمون عليه م: (السبب واحد) ش: وهو الرعب بظهر المسلمين، لأنه لم يوجد السعي من القراءة فلم ينقض الاستحقاق، فكان بين جماعة المسلمين. م: (وهو ما ذكرناه) ش: إشارة إلى قوله: لأنه مال مأخوذ بقوة المسلمين بغير قتال م: (فلا معنى لإيجاب الخمس) ش: لأنه تعالى قال: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6] (الحشر: الآية 6) ، فيجعل كله للمسلمين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 212 وإذا دخل الحربي دارنا بأمان وله امرأة في دار الحرب وأولاد صغار وكبار ومال أودع بعضه ذميا وبعضه حربيا وبعضه مسلما فأسلم هاهنا، ثم ظهر على الدار فذلك كله فيء، أما المرأة وأولاده الكبار فظاهر، لأنهم حربيون كبار وليسوا بأتباع، وكذلك ما في بطنها لو كانت حاملا لما قلنا من قبل، وأما أولاده الصغار فلأن الصغير إنما يصير مسلما تبعا لإسلام أبيه إذا كان في يده وتحت ولايته، ومع تباين الدارين لا يتحقق ذلك، وكذا أمواله لا تصير محرزة بإحرازه نفسه لاختلاف الدارين، فبقي الكل فيئا وغنيمة، وإن أسلم في دار الحرب ثم جاء فظهر على الدار فأولاده الصغار أحرار مسلمون تبعا لأبيهم، لأنهم كانوا تحت ولايته حين أسلم، إذ الدار واحدة وما كان من مال أودعه مسلما أو ذميا فهو له، لأنه في يد محترمة ويده كيده، وما سوى ذلك فيء،   [البناية] [دخل الحربي دارنا بأمان وله امرأة في دار الحرب وأولاد صغار وكبار ومال] م: (وإذا دخل الحربي دارنا بأمان وله امرأة في دار الحرب وأولاد صغار وكبار، ومال أودع بعضه ذمياً وبعضه حربياً وبعضه مسلماً فأسلم هاهنا) ش: أي في دار الإسلام م: (ثم ظهر) ش: على صيغة المجهول، أي غلب م: (على الدار) ش: أي على دار الحرب. م: (فذلك) ش: أي المذكور م: (كله فيء) ش: أي غنيمة م: (أما المرأة وأولاده الكبار فظاهر) ش: أي في كونهم فيئاً م: (لأنهم حربيون كبار وليسوا بأتباع) ش: أي بالبلوغ م: (وكذلك ما في بطنها لو كانت حاملاً) ش: أي وكذلك الجنين فيء لأنه تابع للإسلام في الرق والجزية م: (لما قلنا من قبل) ش: إشارة إلى ما قال في باب الغنائم بقوله: ولنا جزؤها فيرق برقها. م: (وأما أولاده الصغار فلأن الصغير إنما يصير مسلماً تبعاً لإسلام أبيه إذا كان في يده وتحت ولايته، ومع تباين الدارين) ش: أي دار الإسلام ودار الحرب م: (لا يتحقق ذلك) ش: أي كونه تابعاً لإسلام أبيه م: (وكذا أمواله لا تصير محرزة بإحرازه نفسه لاختلاف الدارين، فبقي الكل فيئاً وغنيمة) ش: وذلك أن الأصل أن تكون الأموال بأيدي الملاك بالعرف. فإن قلت: قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عصموا مني دماءهم وأموالهم» . قلت: هذا باعتبار الغلبة، يعني المال الذي في يده أو ما هو في معناه للعرف لأن من دأب الشرع بناء الحكم على الغلبة. [أسلم في دار الحرب ثم جاء إلى دار الإسلام] م: (وإن أسلم في دار الحرب ثم جاء) ش: إلى دار الإسلام م: (فظهر على الدار) ش: أي دار الحرب م: (فأولاده الصغار أحرار مسلمون تبعاً لأبيهم، لأنهم كانوا تحت ولايته حين أسلم، إذ الدار واحدة) ش: أي إن الدار كانت واحدة في حالة الإسلام، ولم يوجد حينئذ ما يمنع التبعية وهو تباين الدارين. م: (وما كان من مال أودعه مسلماً أو ذمياً فهو له، لأنه في يد محترمة ويده كيده وما سوى ذلك فيء) ش: أراد به المرأة وأولاده الكبار والمال الذي غصبه مسلم أو ذمي أو كان مودعاً عند حربي م: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 213 أما المرأة وأولاده الكبار فلما قلنا، وأما المال الذي في يد الحربي فلأنه لم يصر معصوما لأن يد الحربي ليست يدا محترمة. وإذا أسلم الحربي في دار الحرب فقتله مسلم عمدا أو خطأ وله ورثة مسلمون هنالك، فلا شيء عليه إلا الكفارة في الخطأ. وقال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب الدية في الخطأ والقصاص في العمد، لأنه أراق دما معصوما لوجود العاصم وهو الإسلام لكونه مستجلبا للكرامة، وهذا لأن العصمة أصلها المؤثمة لحصول أصل الزجر بها، وهي ثابتة إجماعا والمقومة كمال فيه لكمال الامتناع به، فيكون وصفا   [البناية] (أما المرأة وأولاده الكبار فلما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: لأنهم حربيون كبار م: (وأما المال الذي في يد الحربي فلأنه لم يصر معصوماً، لأن يد الحربي ليست يداً محترمة، وإذا أسلم الحربي في دار الحرب فقتله مسلم عمداً أو خطأ وله ورثة مسلمون هنالك، فلا شيء عليه إلا الكفارة) ش: وهي الرواية المشهورة عن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - في " الجامع الصغير " وغيره. وروي عن أبي حنيفة قال: لا دية عليه ولا كفارة من قبل أن الحكم لم يجر عليهم. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: أضمنه الدية وأجعل عليهم م: (في الخطأ) ش: الكفارة. وأستحسن ذلك وأدع القياس، كما قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كذا ذكره الكرخي في مختصره. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب الدية في الخطأ والقصاص في العمد) ش: وبه قال مالك وأحمد -رحمهما الله - م: (لأنه) ش: أي لأن القاتل م: (أراق دماً معصوماً لوجود العاصم وهو الإسلام لكونه) ش: أي لكون الإسلام م: (مستجلباً للكرامة) ش: يعني أن الإسلام مستجل للكرامة. وفي بعض النسخ: لكونه مستجلباً للكرامة. وتحقيقه أن العصمة تثبت نعمة وكرامة، فتعلق بما له أثر في استحقاق الكرامات وهو الإسلام؛ إذ به تحصل السعادة الأبدية التي هي جماد ولا أثر لها في استحقاق الكرامة. ومن أراق دماً معصوماً إن كان خطأ ففيه الدية والكفارة، وإن كان عمداً ففيه القصاص، كما لو فعل ذلك في دار الإسلام. م: (وهذا) ش: أي وجوب الدية في الخطأ والقصاص في العمد م: (لأن العصمة أصلها المؤثمة لحصول أصل الزجر بها) ش: أي بالمؤثمة، فإن من علم أنه يأثم بقتل الزجر عنه نظراً إلى الجبلة السليمة عن الميل عن الاعتدال م: (وهي) ش: أي العصمة م: (ثابتة) ش: أي بالإسلام م: (إجماعاً) ش: لأنه لا قائل بعدم الإثم على من قتل مسلماً، في أي موضع كان. م: (والمقومة) ش: أي العصمة المقومة. م: (كمال فيه) ش: أي في أصل العصمة م: (لكمال الامتناع به) ش: أي بأصل العصمة؛ لأنه إذا وجب الإثم والمال كان في ذلك أكمل، وأثم في المنع من الذي وجب في الإثم دون المال. م: (فيكون وصفاً فيه) ش: أي فيكون الكمال وصفاً في ذلك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 214 فيه فتتعلق بما علق به الأصل. ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) ، جعل التحرير كل الموجب رجوعا إلى حرف الفاء، أو إلى كونه كل المذكور، فينتفي غيره، ولأن العصمة المؤثمة بالآدمية؛ لأن الآدمي خلق متحملا لأعباء التكليف، والقيام بها   [البناية] الأصل وهو العصمة المؤثمة م: (فيتعلق) ش: أي يتعلق الوصف الذي هو المقومة بالإسلام م: (بما علق به الأصل) ش: وهو العصمة المؤثمة، وهي تتعلق بنفس الإسلام، وكذا العصمة المقومة أيضاً فتثبت العصمة به جميعاً بالإسلام، فتجب الكفارة والدية بقتل الذي لم يهاجر إلينا. م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92)) ش: وإن أبا حنيفة يؤول هذه الآية بالذين أسلموا في دار الحرب ولم يهاجروا، وهو المنقول عن بعض أئمة التفسير. ووجه الاستدلال بالآية أن الله تعالى بين المؤمن المطلق، وبين المؤمن الذي هو من قوم عدو لنا في حق الحكم المختص بالقتل، فجعل الحكم في الأول الكفارة بقوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وفي الثاني الكفارة دون الدية بقوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] بيان ذلك من وجهين: أحدهما: م: (جعل التحرير كل الموجب) ش: بفتح الجيم م: (رجوعاً) ش: أي من حيث الرجوع م: (إلى حرف الفاء) ش: فإنه للجزاء، اسم لما يكون كافياً، فإذا كان كافياً كان كل الموجب، فإذا وجب غيره ما يكون التحرير كافياً ولا كل الجزاء. والوجه الثاني: وهو قوله م: (أو إلى كونه) ش: أي أو رجوعا إلى كونه التحرير م: (كل المذكور) ش: حيث لم يذكر غيره م: (فينتفي غيره) ش: أي غير التحرير، لأن قصد الشارع في مثله إخراج العبد عن عهدة الحكم المتعلق بالحادثة ولا يتحقق ذلك إلا ببيان الحكم كله. فلو كان غيره من تتمة هذا الحكم لذكره في موضع البيان. وقال مولانا حافظ الدين: بيان الشارع على نوعين: بيان كفاية وبيان نهاية، وهاهنا بيان النهاية، فلا يجوز أن تكون الدية واجبة ولا ذكرها، إذ لو وجبت لكان البيان قاصراً، فيلزم التكرار. م: (ولأن العصمة المؤثمة) ش: هذا دليل معقول، بيان ذلك أن العصمة المؤثمة متعلقة م: (بالآدمية لأن الآدمي خلق متحملاً لأعباء التكليف) ش: أي لأثقاله، جمع عبأ بالكسر، وهو المحل، ومن خلا من شيء وجب عليه القيام به فالآدمي وجب عليه القيام بأعباء التكاليف م: (والقيام بها) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 215 بحرمة التعرض، والأموال تابعة لها، أما المقومة فالأصل فيها الأموال، لأن التقوم يؤذن بجبر الفائت، وذلك في الأموال دون النفوس، لأن من شرطه التماثل وهو في المال دون النفس فكانت النفوس تابعة، ثم العصمة المقومة في الأموال تكون بالإحراز بالدار، لأن العزة بالمنعة فكذلك في النفوس، إلا أن الشرع أسقط اعتبار منعة الكفرة. لما أنه أوجب إبطالها،   [البناية] ش: أي بأعباء التكاليف إنما يكون م: (بحرمة التعرض) ش: فالآدمي وجب أن يكون حرام التعرض مطلقاً، إلا أن الله أبطل ذلك في الكافر بعارض الكفر، فإذا زال الكفر بالإسلام عاد على الأصل م: (والأموال تابعة لها) ش: أي للآدمية التي تثبت العصمة المؤثمة لها، لأن الأموال جعلت في الأصل مباحة، وإنما صارت معصومة لتمكن الآدمي من الانتفاع بها في حاجته، فكانت تابعة للآدمية. م: (أما المقومة) ش: أي أما العصمة المقومة م: (فالأصل فيها الأموال) ش: يعني الأصل في المتقومة غير الآدمي م: (لأن التقوم يؤذن) ش: أي يشعر م: (بجبر الفائت) ش: ومعنى الجبر يتحقق في الأموال دون النفوس، إذ من شرط الجبر التماثل م: (وذلك في الأموال دون النفوس، لأن من شرطه التماثل) ش: أي من شرط الجبر التماثل صورة ومعنى، كما في ذوات الأمثال أو معنى فقط، كما في ذوات القيم م: (وهو في المال دون النفس) ش: لأنه يتحقق في النفس، فإذا كان كذلك م: (فكانت النفوس تابعة) ش: للأموال في التقوم في العصمة، ومن هذا علم أن العصمة المؤثمة أصل مستقل في شيء، والعصمة المقومة أصل في شيء آخر، وليس أحدهما بكمال في الآخر ولا وصف زائد عليه. م: (ثم العصمة المقومة في الأموال تكون بالإحراز بالدار) ش: أي بدار الإسلام، لأنها عزة فلا تكون بغيره م: (لأن العزة بالمنعة) ش: أي منعة المسلمين، لأن التقويم يبنى على خطر المحل، والخطر إنما يثبت إذا كان ممنوعاً عن الأخذ، إذ فيما تصل إليه الأيدي بلا منازع، وإلا موانع لا تكون خطيرة كالماء والتراب، فعلقنا التقويم بالإحراز بالمنعة، وأما الإسلام فلا يؤثر في إناءة العصمة المقومة، لأن الدين ما وضع لاكتساب الدنيا، وإنما وضع لاكتساب الآخرة، وإذا كانت العصمة المقومة في الأموال بالمنعة. م: (فكذلك في النفوس) ش: لأنها تابعة لها كما ذكرنا، لكن لا صفة لدار الحرب، وهو معنى قوله م: (إلا أن الشرع أسقط اعتبار منعة الكفرة، لما أنه) ش: أي أن الشرع م: (أوجب إبطالها) ش: أي أن الشرع سلطنا على إبطال منعة الكفرة، وإذا لم يكن منعة لا يوجب الإحراز، وإذا لم يوجد الإحراز لا توجد العصمة المقومة. وإذا لم توجد العصمة المقومة لا تجب الدية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 216 والمرتد والمستأمن في دارنا من أهل دارهم حكما لقصدهما الانتقال إليها. ومن قتل مسلما خطأ لا ولي له، أو قتل حربيا دخل إلينا بأمان فأسلم فالدية على عاقلته للإمام،   [البناية] وقال الأكمل: هذا في غاية التحقيق خلا أنه يوهم أن لا يملكوا أموالنا بالإحراز إلى دارهم كما قال به الشافعي، ودفعه بأن معنى قوله: إن الشرع أسقط اعتبارها حال كونهم في دارهم، وأما إذا وقع خروجهم إلى دارنا وإحراز أموالنا باليد المحافظة والناقلة، فقد استولوا على مال مباح كما مر، وذلك يوجب الملك لا محالة. م: (والمرتد والمستأمن في دارنا من أهل دارهم) ش: أي دار أهل الحرب م: (حكماً) ش: أي من حيث الحكم، وهذا جواب عما يقال: إن المرتد والمستأمن محرز بدار الإسلام، فيجب أن يتقوم مالهم تقوماً حتى لا تجب الدية بقتلهما. فأجاب: بينهما من أهل دارهم حكما م: (لقصدهما الانتقال إليها) ش: أي إلى دار الحرب، وكون المستأمن من أهل دارهم ظاهر، ولا شك في قصده الانتقال، وأما المرتد فكذلك، لأنه يقصد الانتقال رجوعاً عن القتل. وقيل الدار داران عندنا: دار الإسلام ودار لحرب. وعند الشافعي الدنيا دار واحدة، والبلاد أجزاؤها، فلا تتغاير أحكامها. ونحن نقول: المراد بدار الإسلام بلاد تجري فيها أحكام الإسلام، وبلاد الحرب بلاد يجري فيها أمر عظيمهم، وتكون تحت قهره، فتغايرا اسماً ووصفاً فيتغايران حكماً. وعلى هذا الأصل مسائل فيها هذه: ومنها: أن المرتد إذا لحق بدار الحرب وحكم به عتق مدبروه، وأمهات أولاده، وتنفسخ إجارته على ما يجيء في بابه إن شاء الله تعالى. ومنها: وقوع الفرقة بتباين الدارين. ومنها: وجوب الحد على من زنى في دار الحرب. ومنها: استحقاق سهم الفرسان إذا جاوز الدرب فارسا فنفق فرسه وقاتل راجلاً. ومنها: عدم جواز القسمة في دارهم، وغير ذلك من الأحكام. [من قتل مسلماً خطأ لا ولي له أو قتل حربياً دخل إلينا بأمان] م: (ومن قتل مسلماً خطأ لا ولي له، أو قتل حربياً دخل إلينا بأمان) ش: أي إلى دار الإسلام م: (فأسلم فالدية على عاقلته للإمام) ش: أي على عاقلة القاتل الدية للإمام. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 217 وعليه الكفارة، لأنه قتل نفسا معصومة خطأ، فيعتبر بسائر النفوس المعصومة، ومعنى قوله: للإمام، أن حق الأخذ له، لأنه لا وارث له، وإن كان عمدا، فإن شاء الإمام قتله، وإن شاء أخذ الدية، لأن النفس معصومة والقتل عمد والولي معلوم، وهو العامة أو السلطان، قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السلطان ولي من لا ولي له» ، وقوله: إن شاء أخذ الدية، معناه بطريق الصلح، لأن موجب العمد هو القود عينا، وهذا لأن الدية أنفع في هذه المسألة من القود،   [البناية] وفي بعض النسخ: على العاقلة للإمام م: (وعليه الكفارة، لأنه قتل نفساً معصومة خطأ، فيعتبر بسائر النفوس المعصومة) ش: أما المسلم فلقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] ... (النساء: الآية 92) ، وأما المستأمن لما أسلم صار من أهل دارنا، فصار حكمه حكم سائر المسلمين، وللإمام أن يأخذ ديتها ويضعها في بيت المال لعدم الوارث. م: (ومعنى قوله: للإمام) ش: أي معنى قول محمد: للإمام م: (أن حق الأخذ له، لأنه لا وارث له وإن كان عمداً) ش: أي وإن كان قتل المذكورين عمداً، أي قتلاً عمداً م: (فإن شاء الإمام قتله) ش: أي القاتل م: (وإن شاء أخذ الدية، لأن النفس معصومة، والقتل عمد والولي معلوم، وهو العامة أو السلطان) . ش: اعترض عليه: بأن التردد فيمن له ولاية القصاص يوجب سقوطه، كما في المكاتب إذا قتل عن وفاء وله وارث. وأجيب: بأن الإمام ها هنا نائب عن العامة، فصار كأن الولي واحد، بخلاف مسألة المكاتب. م: (قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السلطان ولي من لا ولي له» ش: هذا قطعة من حديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فإن دخل بها فالمهر لها لما أصاب منها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» وقال الترمذي: حديث حسن، وقد تقدم الكلام فيه في أوائل النكاح. م: (وقوله) ش: أي وقول محمد في " الجامع الصغير " م: (وإن شاء أخذ الدية، معناه بطريق الصلح، لأن موجب العمد هو القود عيناً) ش: أي القصاص معينا م: (وهذا) ش: أي جواز أخذ الدية هنا م: (لأن الدية أنفع في هذه المسألة من القود) ش: أي القصاص، والحق للعامة والإمام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 218 فلهذا كان له ولاية الصلح على المال، وليس له أن يعفو؛ لأن الحق للعامة، وولايته نظرية، وليس من النظر إسقاط حقهم من غير عوض.   [البناية] كالنائب عنهم م: (فلهذا كان له ولاية الصلح على المال، وليس له أن يعفو، لأن الحق للعامة) ش: أي لعامة الناس م: (وولايته) ش: أي الإمام م: (نظرية، وليس من النظر إسقاط حقهم) ش: أي حق العامة م: (من غير عوض) ش: عن القتل. وإذا كان المقتول لقيطاً فقتله الملتقط أو غيره خطأ تجب الدية لبيت المال على عاقلة القاتل، والكفارة عليه. وإن كان عمداً فإن شاء الإمام قتله وإن شاء صالحه على الدية عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: الدية عليه في مسألة ولا أقتله به، قيل: إني لا أعرف له ولياً، كذا ذكره الحاكم في " الكافي " وشمس الأئمة البيهقي في " الشمائل ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 219 باب العشر والخراج قال: أرض العرب كلها أرض عشر، وهي ما بين العذيب إلى أقصى حجر باليمن بمهرة إلى حد الشام. والسواد أرض خراج، وهو ما بين العذيب إلى عقبة حلوان، ومن الثعلبية ويقال من العلث إلى عبادان؛   [البناية] [باب العشر والخراج] م: (باب العشر والخراج) ش: أي هذا باب في بيان حكم العشر والخراج. والعشر لغة أحد الأجزاء العشرة، والخراج اسم لما يخرج من غلة الأرض أو الغلام، ثم سمي ما يأخذه السلطان خراجاً، فيقال: أدى فلان خراج أرضه، وأدى أهل خراج رؤسهم، يعني الجزية. م: (قال: أرض العرب كلها أرض عشر) ، ش: قال الكرخي في مختصره: أرض العرب كلها أرض عشر، وهي أرض الحجاز وتهامة ومكة واليمن والطائف والبرية، قال القدوري: ما ذكره المصنف بقوله:. م: (وهي) ش: أي أرض العرب، وفي بعض النسخ: وهو، قال الكاكي: ذكره بالنظر إلى خبره، وهو ما يعني كلمة ما التي في قوله م: (ما بين العذيب إلى أقصى حجر باليمن بمهرة إلى حد الشام) ش: أي حد الشام عذيب، بضم العين المهملة وفتح الذال المعجمة وبالباء الموحدة، وهو ماء التميم. والحجر بفتحتين يعني الصخر، لأنه وقع في أمالي أبي يوسف: الصخر موضع الحجر، ويظهر من ذلك أن من روى بسكون الجيم وفسره بالجانب فقد حرف. ومهرة بفتح الهاء والسكون اسم رجل، وقيل اسم قبيلة تنسب إليها الإبل المهرية، وسمي ذلك المقام به فيكون بمهرة بدلاً من قوله: باليمن، هذا أطول أرض العرب. وأما عرضها من يسرين والدهناء ورمل عالج إلى مشارق الشام، أي قراها. م: (والسواد أرض خراج) ش: أي أرض سواد العراق، أي قراها أرض خراج، وبه صرح التمرتاشي. وسمي السواد لخضرة أشجاره وزروعه م: (وهو) ش: أي السواد م: (ما بين العذيب إلى عقبة حلوان) ش: بضم الحاء اسم بلد. وقال الأترازي: المراد من السواد المذكور سواد الكوفة، وهو سواد العراق، وحده من العذيب إلى عقبة حلوان عرضاً، ومن العلث إلى عبادان طولاً. وأما سواد البصرة قال: الأهواز وفارس. وقال المصنف: م: (ومن الثعلبية، ويقال من العلث إلى عبادان) ش: وقال الأترازي: وما قيل من الثعلبية إلى عبادان غلط، لأن الثعلبية من منازل البادية بعد العذيب بكثير، والعلث بفتح العين وسكون اللام وبالثاء المثلثة قرية موقوفة على العلوية على شرقي دجلة، وهو أول العراق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 220 لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والخلفاء الراشدين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لم يأخذوا الخراج من أراضي العرب، لأنه بمنزلة الفيء، فلا يثبت في أراضيهم، كما لا يثبت في رقابهم، وهذا لأن وضع الخراج من شرطه أن يقر أهلها على الكفر كما في سواد العراق، ومشركو العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف. وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين فتح سواد العراق وضع الخراج عليها بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -،   [البناية] شرقي دجلة، وعبادان بتشديد الباء الموحدة: حضر صغير على شط البحر، وفي المثل: ما وراء عبادان قرية. وفي شرح " الوجيز ": سواد العراق من عبادان إلى حديثة الموصل طولاً، ومن عذيب القادسية إلى حلوان عرضاً، وطوله مائة وستون فرسخاً، وعرضه ثمانون فرسخاً، ومساحته ستة وثلاثون ألف ألف جريب. م: (لأن «النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والخلفاء الراشدين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لم يأخذوا الخراج من أراضي العرب» ش: هذا ليس له أصل في كتب الحديث، ولم يذكر أحد من الشراح حال هذا الحديث بالكلية، غير أن الأترازي ذكره مثل ما ذكره المصنف، ثم قال: والأرض لا تخلو من أحد الحقين، يعني العشر والخراج، فدل أن الذي ذكره المصنف على أن أرض العرب عشرية. م: (لأنه) ش: أي ولأن الخراج م: (بمنزلة الفيء) ش: من حيث إنه لا يبتدئه المسلم م: (فلا يثبت) ش: أي الخراج م: (في أراضيهم) ش: أي في أراضي العرب م: (كما لا يثبت في رقابهم) ش: لأن شرط وضعه في الرقاب إقرار أهلها عليها على الكفر، لأنه لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف كما يذكره المصنف الآن م: (وهذا لأن وضع الخراج) ش: على أرض العرب م: (من شرطه) ش: أي من شرط الوضع م: (أن يقر أهلها على الكفر كما في سواد العراق) ش: حيث وضع عليه الخراج كما يجيء الآن. [مشركوا العرب هل يقبل منهم الخراج] م: (ومشركو العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين فتح سواد العراق وضع الخراج عليها بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: وكان فتح سواد العراق على يدي سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في خلافة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكان ابتداء سعد في غزو العراق في سنة أربع عشرة، لم يزل يفتح مدنه إلى سنة سبعة عشر. وروى ابن أبي شيبة في مصنفه: حدثنا علي بن أبي مهر عن الشيباني عن أبي عبيد الله الثقفي، قال: وضع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على أهل السواد، على كل جريب يبلغه الماء عامراً ودامراً درهما وقفيزاً من طعامهم، وعلى الرطاب على كل جريب أرض خمسة دراهم وخمسة أقفزة من طعام، وعلى الكروم على كل جريب أرض عشرة دراهم وعشرة أقفزة. ولم يضع على النخل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 221 ووضع على مصر حين افتتحها عمرو بن العاص، وكذا اجتمعت الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - على وضع الخراج على الشام. قال: وأرض السواد مملوكة لأهلها يجوز بيعهم لها وتصرفهم فيها، لأن الإمام إذا فتح أرضا عنوة وقهرا له أن يقر أهلها عليها ويضع عليها وعلى رؤوسهم الخراج، فتبقى الأرض مملوكة لأهلها، وقد قدمناه من قبل،   [البناية] شيئاً جعله تبعاً للأرض. م: (ووضع على مصر حين افتتحها عمرو بن العاص) ش: وكان فتح مصر في سنة عشرين من الهجرة. قال الأترازي: وضع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الخراج على مصر حين افتتحت صلحاً على يد عمرو بن العاص، انتهى. وقال الواقدي: حدثني من سمع صالح بن كيسان عن يعقوب بن عيينة عن شيخه من أهل مصر أن عمرو بن العاص افتتح مصر عنوة، واستباح ما فيها وعزل منه مغانم المسلمين، ثم صالحهم عمرو بن العاص بعد وضع الجزية في رقابهم، ووضع الخراج على أرضهم، ثم كتب إلى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذلك. [وضع الخراج على الشام] م: (وكذا اجتمعت الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وضع الخراج على الشام) ش: قال الأترازي: وضع عمر بن الخطاب الخراج على الشام حين افتتح بيت المقدس ومدن الشام كلها صلحاً دون أراضيها. وأما أراضيها ففتحت عنوة على يدي زيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وأبي عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - انتهى. قلت: قال ابن كثير: اختلفت العلماء في دمشق هل فتحت صلحاً أو عنوة، فأكثر العلماء على أنه استقر أمرها على الصلح، وقيل بل جعل نصفها صلحاً ونصفها عنوة، ونصر بن إسحاق وسيف بن عمر وظيفة بن خياط وأبو عبيدة وآخرون، أن فتح دمشق كان في سنة أربع عشرة من الهجرة. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وأرض السواد مملوكة لأهلها) ش: هو سواد العراق كما ذكرناه م: (يجوز بيعهم لها) ش: أي الأرض م: (وتصرفهم فيها) ش: أي في أرض السواد بأي نوع كان من أنواع التصرفات م: (لأن الإمام إذا فتح أرضاً عنوة وقهراً) ش: عطف قهراً على عنوة عطف تفسير م: (له) ش: أي للإمام م: (أن يقر أهلها عليها ويضع عليها وعلى رؤوسهم الخراج) ش: والمراد من الخراج على الرؤوس الجزية. ولما جاز إقرار الإمام إياهم على أراضيهم م: (فتبقى الأرض مملوكة لأهلها) ش: يتصرفون فيها كيفما شاءوا ولهم بيعها وغير ذلك م: (وقد قدمناه من قبل) ش: أي في باب قسمة الغنائم، وقال الشافعي - في الأظهر - ومالك وأحمد: لا يجوز بيعها وهبتها وحبسها لأهلها، لأنها موقوفة على المسلمين. وعن الشافعي يقسمها ويخمسها ولا يقر أهلها عليها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 222 قال: وكل أرض أسلم أهلها أو فتحت عنوة وقسمت بين الغانمين فهي أرض عشر، لأن الحاجة إلى ابتداء التوظيف على المسلم والعشر أليق به؛ لما فيه من معنى العبادة، وكذا هو أخف حيث يتعلق بنفس الخارج، وكل أرض فتحت عنوة فأقر أهلها عليها فهي أرض خراج. وكذا إذا صالحهم، لأن الحاجة إلى ابتداء التوظيف على الكافر والخراج أليق به. ومكة مخصوصة من هذا، فإن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فتحها عنوة وتركها لأهلها ولم يوظف الخراج. وفي " الجامع الصغير ": كل أرض فتحت عنوة فوصل إليها ماء الأنهار فهي أرض خراج، وما   [البناية] والحجة عليه فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين فتح العراق بمحضر من الصحابة من غير نكير. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وكل أرض أسلم أهلها أو فتحت عنوة وقسمت بين الغانمين فهي أرض عشر، لأن الحاجة إلى ابتداء التوظيف على المسلم) ش: أي لأن الحق المتعلق لها ابتدأ به المسلم م: (والعشر أليق به لما فيه من معنى العبادة) ش: ولهذا تصرف الصدقات م: (وكذا هو) ش: أي العشر م: (أخف) ش: أي عن الخراج م: (بحيث يتعلق بنفس الخارج) ش: لأنه لا يجب حتى يوجد الخارج. م: (وكل أرض فتحت عنوة فأقر أهلها فهي أرض خراج، وكذا إذا صالحهم، لأن الحاجة إلى ابتداء التوظيف على الكافر والخراج أليق به) ش: أي بالكافر، لأن فيه معنى العقوبة، لأنه يشبه الجزية التي هي العقوبة على الكافر، ولأن في الخراج تغليظاً، ولهذا أنه يجب وإن لم يزرع م: (ومكة مخصوصة من هذا) ش: هذا جواب القياس: في أرض مكة الخراج، لأنها فتحت عنوة، وقال: ومكة مخصوصة من هذا، هذا جواب القياس، فإن القياس في أرض مكة الخراج، لأنها فتحت عنوة. وقال: مكة مخصوصة بفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكما لا رق على العرب؛ فكذلك لا خراج على أراضيهم. وقيل: جعلت مكة عشرية تعظيماً لها. قوله من هذا، أي من قوله وكل أرض فتحت عنوة.. إلى آخره م: (فإن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فتحها) ش: أي فتح مكة م: (عنوة وتركها لأهلها ولم يوظف الخراج) ش: فيه وردت أحاديث كثيرة، منها ما أخرجه البخاري ومسلم «عن أم هانئ أنها أجارت رجلاً من المشركين يوم الفتح، فأتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك فقال: " قد أجرنا من أجرت، وأمنا من أمنت» . قال المنذري في " مختصره ": استدل بهذا الحديث على أن مكة فتحت عنوة، إذ لو فتحت صلحا لوقع به الإذن العام، ولم يحتج إلى أمان أم هانئ ولا تجديده من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (وفي " الجامع الصغير ": كل أرض فتحت عنوة فوصل إليها ماء الأنهار فهي أرض خراج، وما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 223 لم يصل إليها ماء الأنهار واستخرج منها عين فهي أرض عشر، لأن العشر يتعلق بالأرض النامية، ونماؤها بمائها، فيعتبر السقي بماء العشر أو بماء الخراج. ومن أحيا أرضا مواتا فهي عند أبي يوسف معتبرة بحيزها، فإن كانت من حيز أرض الخراج ومعناه بقربه فهي خراجية، وإن كانت من حيز أرض العشر فهي عشرية،   [البناية] لم يصل إليها ماء الأنهار واستخرج منها عين فهي أرض عشر، لأن العشر يتعلق بالأرض النامية، ونماؤها بمائها فيعتبر السقي بماء العشر أو بماء الخراج) ش: وقال الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير " فقوله: ولو كانت البلدة خراجية ونحا رجل في بعض النواحي، فإن سقاها من غير أن استيقظها أو من ماء السماء فهي عشرية، وإن سقاها من الأنهار الصغار فهي خراجية. وإن سقاها من الأنهار العظام فقد روي عن محمد في هذا روايتان، في رواية أبي سليمان: تكون خراجية، ويجعلها تابعة للبلدة، وفي رواية هشام عن محمد: تكون عشرية لأن هذا مباح كماء السماء. فائدة: خراسان ومرو والري فتحها عبد الله بن عامر بن كدير في خلافة عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأما ما وراءها فافتتح بعد عثمان على يدي سعيد بن عفان لمعاوية صلحاً، وسمرقند وكشر ونصف وبخارى، فتحت على يدي المهلب بن أبي صفرة وقتيبة بن مسلم، والذي فتحها أبو موسى الأشعري في ولاية عثمان صلحاً، وطبرية فتحها سعيد بن العاص في ولاية عثمان صلحاً، ثم فتحها عمر بن العلاء والطالقان ودين سنة سبع وخمسين ومائة. وأما جرجان فافتتحها يزيد بن المهلب في خلافة سليمان بن عبد الملك سنة ثمان وتسعين. وأما كرمان ومستحناه ففتحهما عبد الله بن عامر في خلافة عثمان صلحاً. وأما الأهواز وفارس وأصبهان، ففتحت عنوة على يدي أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وأما الجبل فافتتح كله عنوة في وقعة جر ونهاوند على يدي سعيد والنعمان ابني مقرن. والجزيرة فتحت صلحاً على يدي عياض بن غنم، والجزيرة ما بين الفرات ودجلة، والموصل من الجزيرة. وأما أرض الهند فافتتحها القاسم بن محمد الثقفي سنة ثلاث وتسعين، كذا ذكر القتبي. [من أحيا أرضاً مواتاً من حيز أرض الخراج] م: (ومن أحيا أرضاً مواتاً فهي عند أبي يوسف معتبرة بحيزها، فإن كانت من حيز أرض الخراج ومعناه بقربه فهي خراجية، وإن كانت من حيز أرض العشر فهي عشرية) ش: أي معنى قول القدوري بحيزها بقربها، وهذا تفسير المصنف لقول القدوري، لأنه ذكره في مختصره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 224 والبصرة عنده كلها عشرة بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لأن حيز الشيء يعطى له حكمه، كفناء الدار يعطى له حكم الدار، حتى يجوز لصاحبها الانتفاع به. وكذا لا يجوز أخذ ما قرب من العامر، وكان القياس في البصرة أن تكون خراجية، لأنها من حيز أرض الخراج، إلا أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وظفوا عليها العشر فترك القياس لإجماعهم،   [البناية] قال في " ديوان الأدب ": حيز الناحية وجمعه أحياز جمع على لفظه، وأصله من الواو، قال في المجمل: القياس أحواز. قلت: لأن أصل حيز حيوز، لأنه من الحوزاء، جمعت الياء والواو فسبقت إحداهما بالسكون فأبدلت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء. والمراد من قوله: ومن أحيا أرضاً مواتاً، لمسلم، فإن الذمي إذا أحيا أرضاً مواتاً تكون خراجية، كذا في شرح الطحاوي. وعلى قياس أبي يوسف ينبغي أن تكون البصرة عنده خراجية لكونها من حيز أرض الخراج، وإن أحياها المسلمون، إلا أن القياس ترك بإجماع الصحابة على توظيف العشر عليها. وهذا معنى قوله م: (والبصرة عنده كلها عشرية بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: كذا: قاله أبو عمر وغيره م: (لأن حيز الشيء يعطى له حكمه) ش: أي حكم ذلك الشيء، وهذا دليل أبي يوسف على مذهبه. م: (كفناء الدار يعطى له حكم الدار، حتى يجوز لصاحبها الانتفاع به) ش: أي حتى يجوز لصاحب الدار الانتفاع بفناء داره، وإن لم يكن الفناء ملكاً له لاتصاله بملكه، وقد ذكر في " المبسوط ": قال المستأجر لأجراء: هذا فنائي وليس لي فيه حق الحفر، فحفروا فمات فيه إنسان، فالضمان على الأجراء قياساً، لأنهم علموا بفساد الأمر فما منعهم. وفي الاستحسان أن الضمان على المستأجر، لأن كونه فناء منزله كونه مملوكاً له لإطلاق يده في التصرف فيه من القانطين والحطب وربط الدواب والركوب وبناء الدكان، فعلم أن الفناء حق الانتفاع وإن لم يكن ملكاً له. [توظيف العشر على البصرة] م: (وكذا لا يجوز أخذ ما قرب من العامر) ش: وفي بعض النسخ: وكذا لا يجوز أخذ ما قرب العامر، لأن لأهل العامر حق الانتفاع فيما قرب من العامر م: (وكان القياس في البصرة أن تكون خراجية) ش: قيل هذا تكرار، لأنه قال: والبصرة عشرية، إلى آخره. ورد عليه بأن الأول رواية القدوري وهذا شرح لذلك م: (لأنها من حيز أرض الخراج، إلا أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وظفوا عليها العشر، فترك القياس لإجماعهم) ش: أي لإجماع الصحابة على توظيف العشر على البصرة، وقد ذكرناه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 225 وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن أحياها ببئر حفرها أو بعين استخرجها أو ماء دجلة والفرات أو الأنهار العظام التي لا يملكها أحد، فهي عشرية، وكذا إن أحياها بماء السماء، وإن أحياها بماء الأنهار التي احتفرها الأعاجم مثل نهر الملك ونهر يزدجرد، فهي خراجية لما ذكرنا من اعتبار الماء، إذ هو السبب للماء، ولأنه لا يمكن توظيف الخراج ابتداء على المسلم كرها، فيعتبر في ذلك الماء لأن السقي بماء الخراج دلالة التزامية. قال: والخراج الذي وضعه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على أهل السواد من كل جريب   [البناية] م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن أحياها ببئر حفرها أو بعين استخرجها أو ماء دجلة والفرات أو الأنهار العظام التي لا يملكها أحد فهي عشرية، وكذا إن أحياها بماء السماء) ش: أي المطر م: (وإن أحياها بماء الأنهار التي احتفرها الأعاجم مثل نهر الملك) ش: ونهر الملك قريب من بغداد على طريق الكوفة، والمراد من الملك كسرى نوشيروان بن قباز، وكان جميع ملكه سبعاً وأربعين سنة وسبعة أشهر. وكسرى برويز من أولاده، وهو برويز بن هرمز بن كسرى نوشيروان، وقام على الملك ثمانياً وثلاثين سنة م: (ونهر يزدجرد) ش: وهو يزدجرد بن شهريار بن كسرى، ملك وهو ابن خمس عشرة سنة، ثم لما قتل رستم في قتال سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بالفارسية، هرب يزدجرد إلى مرو في طريق سجستان فقتل هناك. وكان جميع ملكه عشرين سنة وهو آخر ملوك العجم، ولم يزل منهزماً من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى خراسان، وإلى بلاد الترك وعاد فقتل بمرو، وكان ذلك في سنة إحدى وثلاثين في خلافة عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (فهي خراجية لما ذكرنا من اعتبار الماء، إذ هو السبب للنماء، ولأنه لا يمكن توظيف الخراج ابتداء على المسلم كرهاً، فيعتبر في ذلك الماء، لأن السقي بماء الخراج دلالة التزامية) ش: أي التزام الخراج فتكون الأرض خراجية م: (قال: والخراج الذي وضعه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على أهل السواد من كل جريب) ش: وهي أرض طولها ستون ذراعاً بذراع الملك كسرى، يزيد على ذراع العامة بقبضة، وهي ست قبضات، وذراع الملك سبع قبضات، كذا في " المغرب ". وذكر التمرتاشي: أن طول الجريب ستون ذراعاً، وعرضه ستون ذراعاً بذراع الملك. وقيل: الجريب ما بذر فيه مائة رطل. وقيل: الجريب ما بذر فيه من الحنطة ستون مناً في ديارنا. وقيل: الجريب خمسون مناً في ديارنا. وقيل: ما نقله مقدار، كذا في " القنية " وفتاوى [ ... ] وفي " الكافي ": قيل: الجريب ستون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 226 يبلغه الماء قفيز هاشمي وهو الصاع ودرهم، ومن جريب الرطبة خمسة دراهم، ومن جريب الكرم المتصل والنخيل المتصل عشرة دراهم،   [البناية] في ستون حكاية عن جريبهم في أراضيهم، وليس بتقدير لازم في الأراضي كلها، بل جريب الأرض يختلف باختلاف البلدان، فيعتبر في كل بلد بتعارف أهله م: (يبلغه الماء) ش: جملة من الفعل والفاعل والمفعول صفة لجريب. وقوله: م: (قفيز هاشمي) ش: خبر المبتدأ، أعني قوله والخراج، وفسروا القفيز الهاشمي بقوله: م: (وهو الصاع ودرهم) ش: الصاع ثمانية أرطال، أي أربعة مناً، خلافاً لأبي يوسف. وقال الأترازي: اعلم أن القفيز الواجب في الخراج مطلق عن قيد الهاشمي والحجاجي في أكثر نسخ الفقه كالكاكي للحاكم الشهيد و " الشامل " في شرح الطحاوي وشروح " الجامع الصغير " للفقيه أبي الليث فخر الإسلام البزدوي وغير ذلك. وقال الولوالجي في فتاواه: القفيز هو الحجاجي، وهو ثمانية أرطال، وهو صاع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما نسب إلى الحجاجي أخرجه بعدما فقد، وأنه يسع فيه ثمانية أرطال وهي أربعة مناً. وفي قول أبي يوسف خمسة أرطال وثلث رطل، وكذلك في " خلاصة الفتاوى " فإذا كان الحجاجي وهو صاع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكيف يقيد صاحب " الهداية " والشافعي بالهاشمي، والهاشمي اثنان وثلاثون رطلاً. وقال محمد: القفيز قفيز الحجاج، وهو ربع الهاشمي، وهو مثل الصاع، والصاع كان على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمانية أرطال. وقال الأترازي: والمراد من القفيز الواجب قفيز ما يزرع فيها، كذا في " شرح الطحاوي ". وقال الإمام ظهير الدين: إنه قفيز من حنطة أو شعير، والمراد من الدرهم درهم يوزن سبعة. م: (ومن جريب الرطبة خمسة دراهم) ش: الرطبة بفتح الراء. قال في " المغرب ": المفرد الرطب، والجمع رطاب. ومنه حديث حذيفة وابن حنيف وظفا على كل جريب من أرض الزرع درهماً من أرض الرطبة خمسة دراهم. وفي كتاب العشر: البقول غير الرطاب، فإنما البقول مثل الكراث ونحو ذلك، والرطاب هو القثاء والبطيخ والباذنجان وما يجري مجراه، انتهى. قلت: الرطبة هي التي يقولها أهل مصر البرسيم، وأهل البلاد التركية ينجا، بضم الياء أول الحروف وسكون النون وبالجيم مقصور. م: (ومن جريب الكرم المتصل والنخيل المتصل عشرة دراهم) ش: قال تاج الشريعة: الكرم المتصل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 227 وهذا هو المنقول عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه بعث عثمان بن حنيف حتى يمسح سواد العراق، وجعل حذيفة عليه مشرفا فمسح فبلغ ستا وثلاثين ألف جريب، ووضع على ذلك ما قلنا، وكان ذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -   [البناية] والنخيل، والمتصلة ما يصل بعضها ببعض على وجه تكون كل الأرض مشغولة بها م: (وهذا هو المنقول عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أشار به إلى الذي ذكره على الوجه المذكور، منقول عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: (فإنه) ش: أي فإن عمر م: (بعث عثمان بن حنيف حتى يمسح سواد العراق، وجعل حذيفة عليه مشرفاً، فمسح فبلغ ستاً وثلاثين ألف جريب) ش: روى عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا معمر عن قتادة عن أبي محلف عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، بعث عمر بن الخطاب عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وعثمان بن حنيف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلى الكوفة فجعل عماراً على الصلاة والقتال. وجعل ابن مسعود على القضاء وعلى بيت المال، وجعل عثمان بن حنيف على مساحة الأرض، وجعل لهم كل يوم شاة، ثم قال: ما أرى قرية يؤخذ منها كل يوم شاة إلا سيسرع فيها، ثم قال لهم: إني أنزلتكم في هذا المال ونفسي كوالي اليتيم، من كان غنياً فليستعفف، ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف. قال: فمسح عثمان بن حنيف سواد الكوفة من أرض أهل الذمة، فجعل على كل جريب النخل عشرة دراهم، وعلى كل جريب العنب ثمانية دراهم، وعلى جريب القصب ستة دراهم، وعلى الجريب من البر أربعة دراهم، وعلى الجريب من الشعير درهمين، وجعل على رأس كل رجل منهم أربعة وعشرين درهماً كل عام، ولم يضرب على النساء والصبيان، وأخذ من تجارهم من كل عشرين درهماً درهماً، فرفع ذلك إلى عمر - رضي الله عيه - فرضي به، انتهى. وعثمان بن حنيف من أكابر الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وقد شهد أحدا والمشاهد، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخي بينه وبين علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مات في خلافة معاوية، وحذيفة بن اليمان هو حذيفة بن حسل بن جابر بن عمرو بن ربيعة اليمان، وينسب إلى جده هذا، سكن الكوفة ومات بالمدائن سنة ستة وثلاثين. م: (ووضع على ذلك ما قلنا) ش: وقال الأترازي هكذا أثبت في النسخ، وكأنه سهو من الكاتب، لأن قياس الترتيب أن يقال وضع ذلك على ما قلنا، أي وضع الخراج على الوجه الذي قلنا في جريب الزرع وجريب الرطبة، وجريب الكرم. ورأيت في شرح تاج الشريعة نقل ذلك على الصحة، حيث قال: ووضع ذلك على ما قلنا، ولم يذكر شيئاً غير ذلك، فدل هذا على أن تفسير التركيب من الناسخ الجاهل م: (وكان ذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 228 من غير نكير، فكان إجماعا، ولأن المؤن متفاوتة، فالكرم أخفها مؤنة، والمزارع أكثرها مؤنة، والرطاب بينهما، والوظيفة تتفاوت بتفاوتها، فجعل الواجب في الكرم في أعلاها وفي الزرع أدناها وفي الرطبة أوسطها، قال: وما سوى ذلك من الأصناف كالزعفران   [البناية] كان ما نقل عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بحضور من صحابة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (من غير نكير، فكان إجماعا ") ش: أي من غير أن ينكر عليه أحد منهم، فكان إجماعاً على ذلك. م: (ولأن المؤن) ش: بضم الميم وفتح الهمزة جمع مؤنة بفتح الميم وضم الهمزة. وفي " المغرب " المؤنة: الثقل بقوله: من: مانت القوم: إذا اجتمعت مؤنتهم، وقيل: من: منت الرجل مؤنة. وقيل: هي مفعلة عن الأون والأين، والأول أصح. وقال الجوهري: المؤنة تهمز ولا تهمز وهي فعولة. وقال الفراء هي مفعلة من الأين وهو التعب والشدة، ويقال: هي مفعلة من الأون وهو الخروج والعدل، لأنه ثقل على اللسان. ومانت القوم أمانهم أماناً: إذا حملت مؤنتهم. ومن ترك الهمزة قال: منتهم م: (متفاوتة) ش: والتفاوت الفوت أثر في تفاوت الواجب. ألا ترى أن الواجب فيما سقي سيحاً من الأرض العشرية وهو العشر، وفيما سقي بغرب أو دالية أو سمانية نصف العشر. م: (فالكرم أخفها مؤنة) ش: أي أخف الأشياء المذكورة وهي الرطبة، والكرم والنخل وريعه أكثر، فالواجب فيه أعلى وهو عشرة دراهم. وهذا لأنه يبقى دهرً مديداً مع قلة المؤنة م: (والمزارع أكثرها) ش: أي أكثر الأشياء المذكورة م: (مؤنة) ش: لأن الزرع يحتاج فيه إلى الكرب وإلقاء البذر والحصاد والدياس ونحو ذلك كل سنة. م: (والرطاب بينهما) ش: أي بين الأخف والأكثر، لأنه لا يحتاج إلى إلقاء البذر كل عام ولا بذرية فيها أصلاً، وتدوم أعواماً ليس كدوام الكرم، فكان الواجب فيما بين الأمرين وهو خمسة دراهم. قلت: هذا الذي قاله الشرح باعتبار عادة بلادهم، وأما في بلاد مصر ففي كل سنة يزرعونها. م: (والوظيفة تتفاوت بتفاوتها) ش: أي بتفاوت المؤنة كما ذكرنا م: (فجعل الواجب في الكرم في أعلاها) ش: أي في أعلي المؤن م: (وفي الزرع أدناها، وفي الرطبة أوسطها. قال) ش: أي القدوري م: (وما سوى ذلك من الأصناف) ش: أي ما سوى جريب الزرع وجريب الرطبة وجريب الكرم م: (كالزعفران) ش: وفي النهاية أي أرض الزعفران تلحق بأرض الزرع أو الرطبة أو الكرم، وبأيها كانت أشبه في قدر العنة فهو مبلغ الطاقة، كذا ذكره الإمام التمرتاشي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 229 والبستان وغيره يوضع عليها بحسب الطاقة، لأنه ليس فيه توظيف عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد اعتبر الطاقة في ذلك، فتعتبرها فيما لا توظيف فيه. قالوا: ونهاية الطاقة أن يبلغ الواجب نصف الخارج لا يزاد عليه، لأن التنصيف عين الإنصاف، لما كان لنا أن نقسم الكل بين الغانمين.   [البناية] [أنواع الخراج] م: (والبستان) ش: كل أرض يحوطها حائط. في " فتاوى الظهيرية ": ولو كان في جوانب الأرض أشجار ووسطها مزرعة ففيها وظيفة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا شيء في الأشجار، وكذا لو غير أشجاراً غير مثمرة. ولو كانت الأشجار مثمرة لا يمكن زراعة أرضها فهي كرم م: (وغيره) ش: أي وغير البستان م: (يوضع) ش: أي الخراج م: (عليها) ش: أي على الزعفران والبستان وغير البستان م: (بحسب الطاقة) ش: ففي أرض النخيل المطلقة يجعل عليها الخراج بقدر ما يطيق. ولا يزاد على جريب الكرم. وفي جريب الزعفران بقدر ما يطيق أيضاً، وينظر إلى غلتها، فإن بلغت غلة الزرع تؤخذ قدر خراج الزرع، وإن بلغت قدر غلة الرطبة يؤخذ خمسة م: (لأنه ليس فيه) ش: أي فيما سوى ذلك م: (توظيف عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وذلك الخراج على نوعين، خراج وظيفة وهو الذي يشبه توظيف عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وخراج مقاسمة وهو أن يكون الخراج من الأرض لا يوظف فيه فيوضع فيه بحسب الطاقة، وهو معنى قوله م: (وقد اعتبر الطاقة في ذلك) ش: فيما سوى ذلك من الأصناف م: (فتعتبرها) ش: أي الطاقة م: (فيما لا توظيف فيه) ش: لأن يوظف به. م: (قالوا) ش: أي مشايخنا م: (ونهاية الطاقة أن يبلغ الواجب نصف الخارج لا يزاد عليه، لأن التنصيف عين الإنصاف) ش: قال فخر الإسلام البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإنما تتناهى الطاقة إلى نصف الخارج لا يزاد عليه. ألا ترى أنه قال في كتاب " العشر " و " الخراج " و " السير الكبير " في أرض لم يخرج من الغلة إلا قدر قفيزين ودرهمين، وهي جريب: إن خراجها قفيز ودرهم، وهذا لأنا لما ظفرنا بهم وسعنا أن نسترقهم ونقسم أموالهم، فإذا مننا عليهم وقاطعناهم على نصف الخراج كان التنصيف هو الإنصاف بعينه، حيث كان النصف لنا والنصف لهم م: (لما كان لنا أن نقسم الكل بين الغانمين) ش: هذا متصل بما قبله. حاصل معناه أنا حين ملكناهم كان لنا أن نقسم الكل بين الغانمين، ولكن أنصفناهم حيث رضينا بنصف الخارج من غير زيادة، وهذا عين الإنصاف منا حيث جعلنا النصف لهم والنصف لنا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 230 والبستان كل أرض يحوطها حائط وفيها نخيل متفرقة وأشجار أخر. وفي ديارنا وظفوا من الدراهم في الأراضي كلها وترك كذلك، لأن التقدير يجب أن يكون بقدر الطاقة من أي شيء كان. قال: فإن لم تطق ما وضع عليها نقصهم الإمام، والنقصان عند قلة الريع جائز بالإجماع، ألا ترى إلى قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لعلكما حملتما الأرض ما لا تطيق، فقالا: لا، بل حملناها ما تطيق ولو زدناها لأطاقت،   [البناية] م: (والبستان كل أرض يحوطها حائط) ش: أي يكون حواليها حيطان) م: وفيها نخيل متفرقة وأشجار أخر ش: وفي المغرب: البستان: الجنة م: (وفي ديارنا) ش: ديار صاحب " الهداية " فرغانة، ويقال له الفرغاني والمرغيناني أيضاً. وفرغانة بفتح الفاء وسكون الراء سجون، ومرغينان من بلاد غانة م: (وظفوا من الدراهم في الأراضي كلها وترك كذلك، لأن التقدير يجب أن يكون بقدر الطاقة من أي شيء كان) ش: أي من أي جنس كان مما فيه الخراج. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن لم تطق) ش: أي الأرض م: (ما وضع عليها) ش: وفي بعض النسخ فإن كان لم يطق. قال الأترازي: إن صح لفظ كان فهو زائد، وعدم الإطاقة عبارة عن قلة الريع م: (نقصهم الإمام) ش: أي نقص الإمام عن أصحاب الأراضي التي لا تطيق ما وضع عليها م: (والنقصان عند قلة الريع جائز بالإجماع) ش: والريع النماء والزيادة، وأراد به هنا الغلة. وقال الكاكي: إذا جاز النقصان عند قيام الطاقة فعند عدم الطاقة بالطريق الأولى. وفي " الخلاصة ": إن كانت الأرض لا تطيق أن يكون الخارج لا يبلغ عشرة دراهم، يجوز أن ينقص حتى يصير الخراج مثل نصف الخارج. أما إذا كانت تطيق ذلك وزيادة فقال الولوالجي في فتاواه: أجمعوا على أن الزيادة على وظيفة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في سواد العراق وفي بلدة وظف الإمام عليها الخراج لا يجوز، فأما في بلدة أراد الإمام أن يبتدئ بها بالتوظيف، قال أبو يوسف: لا نزيد. وقال محمد: يزيد. وعن أبي حنيفة مثل قول أبي يوسف، ويجيء الآن ما ذكره الولوالجي. م: (ألا ترى إلى قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لعلكما حملتما الأرض ما لا تطيق، فقالا: لا، بل حملناها ما تطيق، ولو زدناها لأطاقت) ش: هذا أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب " فضائل الصحابة " وفي كتاب " السعة " لعثمان عن عمرو بن ميمون قال: رأيت عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قبل أن يصاب بأيام بالحديبية وقف على حذيفة وعثمان بن حنيف قال: كيف فعلتما، أتخافان أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق، فقالا: حملناها أمراً هي له مطيقة، فيها كثير فضل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 231 وهذا يدل على جواز النقصان. وأما الزيادة عند زيادة الريع يجوز عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا بالنقصان، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز، لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يزد حين أخبر بزيادة الطاقة، وإن غلب على أرض الخراج الماء أو انقطع الماء عنها أو اصطلم الزرع آفة فلا خراج عليه، لأنه فات التمكن من الزراعة وهو النماء التقديري المعتبر في الخراج. وفيما إذا اصطلم الزرع آفة فات النماء التقديري في بعض الحول، وكونه ناميا في جميع الحول شرط كما في مال الزكاة   [البناية] قال: انظرا أن تكونا حملتماها ما لا تطيق، فقالا: لا، فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: كيف سلمها الله عن أراملة العراق، لا يحتجي إلى أحد بعدي، قال: فما أتت عليه أربعة حتى أصيب ... الحديث بطوله، وهو حديث مقتل عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتبعه عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقد عرفت أن قول عمر: لعلكما، خطاب لحذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف، الصحابيين الكبيرين. والضمير في قوله: قالا، في الموضعين، يرجع إليهما. م: (وهذا) ش: أي قولهما: ولو زدنا لأطاقت م: (يدل على جواز النقصان) ش: عند قلة الريع بالإجماع م: (وأما الزيادة عند زيادة الريع يجوز عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتباراً بالنقصان. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز: لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يزد حين أخبر بزيادة الطاقة) ش: وهو في قولهما ولو زدنا لأطاقت م: (وإن غلب على أرض الخراج الماء أو انقطع الماء عنها أو اصطلم الزرع آفة) ش: أي استأصلته، والاصطلام: الاستئصال، وهو القلع من الأصل م: (فلا خراج عليه، لأنه فات التمكن من الزراعة) ش: قال الكاكي: قال مشايخنا: ما ذكر في الكتاب بأن الخراج يسقط بالاصطلام، محمول على ما إذا لم يبق من السنة مقدار ما يمكن أن يزرع الأرض ثانياً، أما إذا بقى لا يسقط الخراج، ذكره في " شرح الطحاوي ". وفي " فتاوى البكري " وتكلموا أن المعتبر في ذلك زرع الحنطة والشعير أم أي زرع كان، وأن المعتبر مدة ترك الزرع فيها أم مدة تبلغ الزرع مبلغا تكون قيمته ضعف الخراج، وفي ذلك كلام، والفتوى على أنه مقيد بثلاثة أشهر م: (وهو النماء التقديري المعتبر في الخراج) ش: أي التمكن من الزراعة هو النماء التقديري، والنماء على قسمين: حقيقي وتقديري، والخراج يتعلق بأحدهما، وهنا لما غلب الماء على الأرض بحيث لم تبق صالحة للزراعة، أو كانت مدة لم توجد النماء التقديري فلا يجب التقديري. [استأجر رجل أرضاً فزرعها فاصطلمت الزرع آفة] م: (وفيما إذا اصطلم الزرع آفة فات النماء التقديري في بعض الحول، وكونه نامياً في جميع الحول شرط كما في مال الزكاة) ش: فإن من اشترى جارية للتجارة فمضى عليها ستة أشهر ثم نواها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 232 أو يدار الحكم على الحقيقة عند خروج الخارج. وإن عطلها صاحبها فعليه الخراج، لأن التمكن كان ثابتا وهو الذي فوته، قالوا: من انتقل إلى أخس الأمرين بغير عذر، فعليه الخراج الأعلى؛ لأنه هو الذي ضيع الزيادة،   [البناية] للخدمة سقطت الزكاة، لأنها لم تبق نامية في جميع الحول م: (أو يدار الحكم على الحقيقة عند خروج الخارج) ش: أي حقيقة الخارج؛ إذ التمكن من الزراعة قائم مقامه، فإذا وجد الأصل سقط اعتبار الخلف وتعلق الحكم بالأصل، فإذا هلك بطل ما تعلق به. حاصله أن النماء التقديري كان قائماً مقام النماء الحقيقي، فلما وجد الحقيقي تعلق الحكم به لكونه الأصل، وقد هلكت فيهلك معه الخراج، بخلاف ما إذا أعطاها وهو متمكن من الزراعة، حيث يكون الخراج ديناً في ذمته فيعتبر الخراج بالنماء التقديري حينئذ، ألا ترى أن رجلاً لو استأجر بيتاً أو حانوتاً معطلة فعليه الأجر، فإن لم يتمكن من الانتفاع بأن غصبه غاصب أو نحو ذلك لا يجب الأجر. فإن قلت: لو استأجر رجل أرضاً فزرعها فاصطلمت الزرع آفة، أنه يجب عليه الأجر. قلت: أجيب: بأن الأجر إلى وقت هلاك الزرع، ولا يجب عليه بعد ذلك، وليس الأجر بمنزلة الخراج، لأن الخراج وضع على مقدار الخارج. وإذا صلحت الأرض للزراعة فإذا لم تخرج شيئاً جاز إسقاطه والأجر لم يوضع إلى مقدار الخارج فجاز إيجابه وإن لم تخرج. م: (وإن عطلها) ش: أي الأرض م: (صاحبها فعليه الخراج، لأن التمكن) ش: من الزراعة م: (كان ثابتاً، وهو الذي فوته) ش: أي فوت الريع مع إمكان تحصيله. قال التمرتاشي: هذا إذا كانت الأرض صالحة للزراعة، والمالك متمكن من الزراعة فلم يزرعها. أما إذا عجز المالك عن الزراعة لعدم قوته وأسبابه، فللإمام أن يدفعها إلى غيره مزارعة ويأخذ الخراج من نصيب المالك ويمسك الباقي للمالك. وإن شاء أجرها وأخذ الخراج من الأجرة، وإن شاء زرعها لمنفعة بيت المال، فإن لم يتمكن من ذلك ولم يوجد من يقبل ذلك باعها وأخذ من ثمنها الخراج، وهذا بلا خلاف. وعن أبي يوسف: يدفع إلى العاجز كفايته من بيت المال ليعمل فيها فرضاً. وفي " جمع الشهيد ": باع أرضاً خراجية، فإن بقي من السنة مقدار ما ملك المشتري من الزراعة والخراج عليه، وإلا فعلى البائع. م: (قالوا) ش: أي قال مشايخنا في شروح " الجامع الصغير " م: (من انتقل إلى أخس الأمرين بغير عذر) ش: كمن له أرض الزعفران فتركها وزرع الحبوب م: (فعليه الخراج الأعلى) ش: وهو خراج الزعفران م: (لأنه هو الذي ضيع الزيادة) ش: فكان التقصير منه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 233 وهذا يعرف ولا يفتى به كيلا يتجرأ الظلمة على أخذ أموال الناس، ومن أسلم من أهل الخراج أخذ منه الخراج على حاله، لأن فيه معنى المؤنة فيعتبر مؤنة في حالة البقاء، فأمكن إبقاؤه على المسلم. ويجوز أن يشتري المسلم أرض الخراج من الذمي ويؤخذ منه الخراج لما قلنا. وقد صح أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اشتروا أراضي الخراج وكانوا يؤدون خراجها،   [البناية] م: (وهذا) ش: أي الحكم م: (يعرف ولا يفتى به كيلا يتجرأ الظلمة على أخذ أموال الناس) ش: لأنهم لا يعلمون بالشرع وليس لهم دأب إلا تحصيل الأموال من أي وجه كان، وما عندهم قوة دين يمنعهم عن ذلك. ورد بأنه كيف يجوز الكتمان، وأنهم لو أخذوا كان في موضعه لكونه واجباً. وأجيب: بأنا لو أفتينا بذلك لادعى كل ظالم في أرض ليس شأنها ذلك أنها قبل هذا كانت تزرع الزعفران، فأخذ خراج ذلك، وهو ظلم وعدوان. وفي " شرح الطحاوي " جعل أرض الزعفران مسكناً أو خاناً للغلة أو مقبرة أو مسجداً يسقط الخراج. [من أسلم من أهل الخراج] م: (ومن أسلم من أهل الخراج أخذ منه الخراج على حاله) ش: وقال مالك والشافعي: يسقط الخراج. وعند مالك تسقط الجزية أيضاً، وكذا لو باعها من مسلم يجوز البيع عندنا وعند الشافعي، وعند مالك لا يجوز. وفي رواية: يجوز ويسقط الخراج م: (لأن فيه معنى المؤنة فيعتبر مؤنة) ش: لأن الخراج مؤنة الأرض النامية كالعشر والمسلم من أهل التزام المؤنة، وهذا لأنه بعد الإسلام لا يخلي أرضه عن مؤنة في حالة البقاء كما كانت م: (في حالة البقاء، فأمكن إبقاؤه على المسلم) ش: لأن إبقاء ما تقرر واجباً أولى، لأنا إن أسقطنا ذلك احتجنا إلى إيجاب العشر، بخلاف خراج الرأس، لأنا لو أسقطنا ذلك عنه بعد إسلامه لا يحتاج إلى إيجاب مؤنة أخرى. م: (ويجوز أن يشتري المسلم أرض الخراج من الذمي ويؤخذ منه الخراج) ش: وقد ذكرنا الخلاف فيه آنفاً م: (لما قلنا) ش: وهو قوله لأن فيه معنى المؤنة، والمسلم من أهل المؤنة م: (وقد صح أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اشتروا أراضي الخراج) ش: من الذمي م: (وكانوا يؤدون خراجها) . وقال الكاكي: صح عن ابن مسعود والحسن بن علي وشريح - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، انتهى. ولم يبين وجه الصحة ولا من خرجه، وغيره من الشراح لم يذكره أصلا، غير أن صاحب " النهاية " قال: روي عن عبد الله بن مسعود والحسن بن علي وشريح أنهم كانت لهم أراض بالسواد ويؤدون خراجها، انتهى. وهذا ذكره بياناً بصيغة التمريض، وهي لا تدل على الصحة. غير أنا نحتج في ذلك بما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 234 فدل على جواز الشراء وأخذ الخراج وأدائه للمسلم من غير كراهة، ولا عشر في الخارج من أرض الخراج، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يجمع بينهما، لأنهما حقان مختلفان وجبا في محلين بسببين مختلفين فلا يتنافيان. ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم،   [البناية] قال البيهقي في كتاب " المعرفة ": قال أبو يوسف القاضي: القول ما قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه كان لابن مسعود وخباب بن الأرت والحسن بن علي وشريح أرض الخراج. حدثنا مجالد بن سعيد عن عامر عن عتبة بن فرقد السلمي أنه قال لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إني اشتريتها أرضاً في أرض السواد، فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنت بمثل فيها بمثل صاحبها. وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا الثوري عن قيس بن أسلم عن طارق بن شهاب أن دهقانة من أرض نهر الملك أسلمت، فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ادفعوا إليها أرضها تؤدي عنها الخراج م: (فدل على جواز الشراء وأخذ الخراج وأدائه للمسلم من غير كراهة) ش: احترز به عن قول المتقشفة، فإنهم يكرهونه ويستدلون بما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى شيئاً من آلات الحراثة فقال: «ما دخل هذا بيت قوم إلا ذلوا» ظنوا أن المراد بالذل التزام الخراج وليس كذلك، بل المراد أن المسلمين إذا شغلوا بالزراعة واتبعوا أذناب البقر وقعدوا عن الجهاد كر عليهم عدوهم فجعلوهم أذلة، وفيه تأمل. وقال الأترازي في قول المصنف: للمسلم، لو قال: من المسلم، كان أولى، ولم يبين وجه ذلك. [الجمع بين العشر والخراج] م: (ولا عشر في الخارج من أرض الخراج) ش: يعني لا يجمع بين العشر والخراج م: (وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يجمع بينهما) ش: أي بين العشر والخراج، وبه قال مالك وأحمد م: (لأنهما) ش: أي لأن العشر والخراج م: (حقان مختلفان) ش: يعني من حيث الذات. فإن أخذها مؤنة فيه معنى العبادة، والآخر مؤنة فيها معنى العقوبة م: (وجبا في محلين بسببين مختلفين) ش: فإن الخراج في الذمة والعشر في الخارج بسببين مختلفين، فإن سبب العشر الأرض النامية بحقيقة الخارج، وسبب الخراج الأرض النامية بالتمكن، ويختلفان مصرفاً أيضاً، فإن مصرف العشر الفقراء، ومصرف الخراج المقاتلة. فإذا كان كذلك م: (فلا يتنافيان) ش: أي العشر والخراج فوجوب أحدهما لا ينافي وجوب الآخر، كوجوب الدين مع العشر أو الخراج. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم» ش: قال الأترازي: ولنا ما روى أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 235 ولأن أحدا من أئمة العدل والجور لم يجمع بينهما، وكفى بإجماعهم حجة. ولأن الخراج يجب في أرض فتحت عنوة وقهرا، والعشر في أرض أسلم أهلها طوعا، والوصفان لا يجتمعان في أرض واحدة، وسبب الحقين واحد وهو الأرض النامية،   [البناية] قال: «لا يجتمع عشر وخراج في أرض واحدة» قلت: رواه ابن عدي في " الكامل " عن يحيى بن عتبة عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يجتمع على مسلم خراج وعشر» وقال ابن عدي: ويحيى بن عتبة منكر الحديث، وإنما يروى هذا عن قول إبراهيم، فجاء يحيى بن عتبة فأطال فيه ووصله إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويحيى بن عتبة مكشوف الرأس لروايته عن الثقات الموضوعات فمات. وقال ابن جران: ليس هذا كلام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويحيى بن عتبة رجل يضع الحديث، لا تحل الرواية عنه. وقال الدارقطني: يحيى هذا رجل يضع الحديث، وهو كذب على أبي حنيفة ومن بعده إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال البيهقي: هذا حديث باطل، ويحيى هذا اشتهر بالوضع. قلت: وقع في مسند أبي حنيفة مثل ما رواه ابن عدي، ولكن عدي وآخرون تكلموا فيه بسبب يحيى بن عتبة، ولما علمنا من يحيى بن عتبة؛ لأن أصحابنا رووا هذا في كتبهم وهم ثقات، على أن ابن شاهين رواه عن يحيى بن عيسى عن أبي حنيفة. فإن قلت: أنكر يحيى بن عيسى، وقال: هو يحيى بن عتبة. قلت: من اطلع في أحوال هؤلاء عرف أن الخطيب كيف يتكلم في الحقيقة ولا يلتفت إليه في مثل هذا. م: (ولأن أحداً من أئمة العدل والجور لم يجمع بينهما) ش: أي بين العشر والخراج م: (وكفى بإجماعهم حجة) ش: حيث لم ينقل عن واحد منهم أنه جمع بينهما، واجتماع الأئمة على فعل قضية أو منعها حجة. م: (ولأن الخراج يجب في أرض فتحت عنوة وقهراً، والعشر في أرض) ش: أي يجب في أرض م: (أسلم أهلها طوعاً، والوصفان) ش: وهما الطوع والقهر م: (لا يجتمعان في أرض واحدة) ش: لمنافاة بينهما إذ الطوع ضد الكره الحاصلة من القهر، فلما لم يجتمع السببان لم يثبت الحكمان. م: (وسبب الحقين) ش: أي العشر والخراج م: (واحد وهو الأرض النامية) ش: بدليل إضافة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 236 إلا أنه يعتبر في العشر تحقيقا، وفي الخراج تقديرا، ولهذا يضافان إلى الأرض، وعلى هذا الخلاف الزكاة مع أحدهما، فلا يتكرر الخراج بتكرار الخارج في سنة، لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يوظفه مكررا بخلاف العشر، لأنه لا يتحقق عشرا إلا بوجوبه في كل خارج.   [البناية] العشر والخراج إليهما، والإضافة دليل السببية، فلما كان السبب واحدا كان المسبب أحدهما من غير جمع بينهما كالدية والقصاص م: (إلا أنه) ش: أي أن السبب م: (يعتبر في العشر تحقيقاً) ش: لأن العشر أحد الأجزاء العشرة من الخراج م: (وفي الخراج) ش: أي يعتبر في الخراج م: (تقديراً) ش: أي من حيث التقدير. وذلك لأن سبب الخراج ملك الأرض النامية بالنماء التقديري م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن السبب هو الأرض النامية م: (يضافان) ش: أي العشر والخراج م: (إلى الأرض) ش: فيقال عشر الأرض وخراج الأرض م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بيننا وبين الشافعي م: (الزكاة مع أحدهما) ش: أي الزكاة مع أحدهما لا تجتمع مع الخراج والعشر عندنا، خلافاً له. صورته رجل اشترى أرض عشر أو خراج بنية التجارة، لم يكن عليه زكاة التجارة. وعن محمد أن عليه الزكاة مع أحدهما، وهو قول الشافعي لاختلاف سببيهما ومحلهما. قلنا: الواجب حق الله تعالى فيه، فتعلق بالأرض فلا يجتمعان، كما لا يجب زكاة السائمة والتجارة باعتبار مال واحد. [لا يؤخذ خراج الأرض في سنة إلا مرة واحدة] م: (فلا يتكرر الخراج بتكرار الخارج في سنة) ش: يعني لا يؤخذ خراج الأرض في سنة إلا مرة واحدة، وإن أغلها صاحبها مرات م: (لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يوظفه) ش: أي الخراج م: (مكرراً) ش: أي ما أخذ الخراج والجزية في السنة إلا مرة واحدة. وقال الحاكم في الكافي: الحجة في هذا فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لأنه لو وجب الخراج وتكرر لانبغى أن يكون هذا في خراج الموظفة لا في خراج المقاسمة لأن خراج المقاسمة حكمه حكم العشر، ويكون ذلك في الخارج م: (بخلاف العشر، لأنه يتحقق عشراً) ش: أي لا يوجد حال كونه عشراً م: (إلا بوجوبه) ش: أي بسبب وجوبه م: (في كل خارج) ش: لأن العشر وظيفة لازمة تؤخذ من الخارج فتكرر بتكرار الخارج. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 237 باب الجزية وهي على ضربين، جزية توضع بالتراضي والصلح، فتقدر بحسب ما يقع عليه الاتفاق كما صالح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل نجران على ألف ومائتي حلة، ولأن الموجب هو التراضي   [البناية] [باب الجزية] م: (باب الجزية) ش: أي هذا باب في بيان حكم الجزية، والجزية ما يؤخذ من الذمي باعتبار رأسه. والجمع من قبيل اللحية واللحى، وسميت بها، لأنها تجزي، أي تقضي، وتكفي في الذمي عن القتل، أو يعتق بها وتسقط عنه القتل. ولما فرغ من خراج الأرض شرع في خراج الرأس وهو الجزية، إلا أنه قدم الأول لأنه شاركه في سببه. وفي الشرع معنى الجزية وبيان العريان مقدم. م: (وهي) ش: أي الجزية م: (على ضربين) ش: أي نوعين، أحدهما م: (جزية توضع بالتراضي والصلح، فتقدر بحسب ما يقع عليه الاتفاق كما «صالح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل نجران على ألف ومائتي حلة» ش: هذا أخرجه أبو داود عن إسماعيل بن عبد الرحمن البغدادي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «صالح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل نجران على ألفي حلة، النصف في صفر، والبقية في رجب يؤدونها إلى المسلمين ... » الحديث. ونجران بفتح النون وسكون الجيم بلاد من اليمن أصلها نصارى. والحلة بضم الحاء المهملة وتشديد اللام: إزار ورداء، هذا هو المختار، لا يسمى حلة حتى يكون ثوبين وهي من الحلول أو الحل لما بينهما من الوجه. وقال الولوالجي في فتاواه: وتوضع على نصارى نجران على رؤوسهم وأراضيهم في كل سنة ألفا حلة، كل حلة خمسون درهماً. قلت: الذي ذكر المصنف غير موافق للحديث، مع أن الحديث حديث واحد رواه ابن عباس وأخرجه عنه أبو داود كما ذكرنا. م: (ولأن الموجب) ش: بكسر الجيم، أي لأن الموجب لتقدير ما وقع عليه م: (هو التراضي) ش: لا لموجب الجزية، فإن موجبه في الأصل اختيارهم البقاء على الكفر بعد أن غلبوا. فإن قلت: كيف يجوز تقرير الكافر على الشرك الذي هو أعظم الجنايات بأخذ المال، ولو جاز ذلك جاز تقرير الزاني على الزنا بالمال. قلت: ليس أخذ الجزية يدل على تقرير الكفر، وإنما هو عوض عن ترك القتل ولا يستعرفان الواجبين. فجاز كإسقاط الواجب بالقصاص بعوض، أو هي عقوبة على الكفر، فيجوز الجزء: 7 ¦ الصفحة: 238 فلا يجوز التعدي إلى غير ما وقع عليه الاتفاق. وجزية يبتدئ الإمام بوضعها إذا غلب الإمام على الكفار وأقرهم على أملاكهم فيضع على الغني الظاهر الغنى في كل سنة ثمانية وأربعين درهما يأخذ منهم في كل شهر أربعة دراهم، وعلى متوسط الحال أربعة وعشرين درهما في كل شهر درهمين، وعلى الفقير المعتمل اثني عشر درهما في كل شهر درهما،   [البناية] كالاسترقاق. م: (فلا يجوز التعدي إلى غير ما وقع عليه الاتفاق) ش: أي لا يجوز التجاوز إلى غير ما وقع عليه التراضي م: (وجزية) ش: أي الضرب الثاني جزية م: (يبتدئ الإمام بوضعها) ش: أي بوضع الجزية م: (إذا غلب الإمام على الكفار وأقرهم على أملاكهم) ش: هذا الضرب بوضع الإمام بغير رضى منهم، وهو تفاوت بتفاوت الطبقات، وبين ذلك بحرف الباء بقوله م: (فيضع على الغني الظاهر الغنى) ش: في شرح الطحاوي ظاهر الغنى من يملك عشرة آلاف درهم م: (في كل سنة ثمانية وأربعين درهماً يأخذ منهم في كل شهر أربعة دراهم) ش: هذا لأجل التسهيل، ولا تجب الجزية بأول الحول، وإنما الحول يتحقق ويتسهل عند أبي حنيفة. وكذلك قال هو في الزكاة م: (وعلى متوسط الحال) ش: وهو من يملك مائتي درهم إلى عشرة آلاف درهم م: (أربعة وعشرين درهماً) ش: أي يضع على المتوسط الحال أربعة وعشرين درهما م: (في كل شهر درهمين) . م: (وعلى الفقير المعتمل) ش: أن يضع عليه م: (اثني عشر درهماً في كل شهر درهماً) ش: أي يأخذ في كل شهر درهماً، والفقير من لا يملك درهمين، وإنما شرط المعتمل، لأن الجزية عقوبة فإنما تجب على من كان من أهل القتال حتى لا يلزم الزمن منهم جزية وإن كان مفرطاً في اليسار. والمعتمل هو الذي يقدر على العمل وإن لم يحسن حرفة. وقال الكاكي: والمعتمل هو المكتسب، والإعمال الاضطراب في العمل وهو الاكتساب. وقال أيضاً، وإنما قيد بالاعتمال لأنه لو كان مريضاً في السنة كلها أو مضطرباً أو أكثر لا يجب عليه. ولو ترك العمل مع القدرة عليه، فهو كالمعتمل، كمن قدر على الزراعة ولم يزرع، يجب عليه الخراج، ذكره في الإيضاح، ويجيء أيضاً إن شاء الله تعالى. وقال الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير " ذكر عن عيسى بن أبان أنه قال: من كان له عشرة آلاف درهم فصاعداً فهو موسر. ومن كان له مائتا درهم فهو متوسط. ومن كان معتملاً فهو كبير. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 239 وهذا عندنا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضع على كل حالم دينارا أو ما يعدل الدينار، الغني والفقير في ذلك سواء لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لمعاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «خذ من كل حالم وحالمة دينارا أو عدله معافر   [البناية] وذكر عن بشر بن غياث أنه قال: من كان يملك قوته وقوت عياله وزيادة فهو موسر. ومن كان يقدر على مقدار القوت ولا يملك الفضل وله مقدار الكفاية فهو الوسط. ومن لم يكن له مقدار الكفاية فهو مكسب. وكان الفقيه أبو جعفر يقول: ينظر إلى عادة كل بلد، لأن البلدان مختلفة في الغناء. ألا ترى أن صاحب خمسين ألف ببلخ يعد من المكثرين. وإذا كان ببغداد أو بالبصرة لا يعد من المتكثرين. وفي بعض البلدان صاحب عشرة آلاف يعد من المتكثرين، فيعد كل بلد. وذكر هذا القول أبو نصر محمد بن سلام أيضاً، وذكر عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يأخذ ممن ركب البغال ويتختم بالذهب ثمانية وأربعين درهماً، إلى هنا لفظ الفقيه أبي الليث في كتابه. وقال الكاكي: وقيل: من لا بد له من الكسب لإصلاح معيشته فهو معسر، ومن له مال يعمل به متوسط. ومن لا يعمل لكثرة مال فهو فائق في الغنى، وقيل: من لا كفاف له فهو معسر. ومن ملك قوت عياله فهو متوسط. ومن ملك لما فضل عليه فهو عتق، وقيل: هذا يختلف باختلاف الأماكن، ويعتبر وجود هذه الصفة في آخر السنة م: (وهذا عندنا) ش: أي هذا الوجه المذكور مفصلاً عند أصحابنا. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: مبتدأ وخبره قوله م: (يضع على كل حالم دينارا أو ما يعدل الدينار، الغني والفقير في ذلك سواء) ش: وهو اثني عشر درهما، وأقل الدينار أي عشرة دراهم مسكوكة. من النقرة الخالصة. ولا يجب على الإمام أن يجبرهم على أكثر ما عليهم، ويستحب أن يماكس حتى يأخذ من المتوسط دينارين، ومن الغني أربعة دنانير، ولا يصير الدراهم إلا بالنقرة والقيمة عند عامة أصحابه، كذا في شرح " الوجيز ". وقال مالك: يأخذ أربعين درهما أو أربعة دنانير، ومن الفقير عشرة دراهم أو ديناراً لما روى الإمام، وهو قول الثوري، وفي رواية مثل قولنا، وفي رواية أقلها دينار. وتجوز الزيادة ولا يجوز النقصان م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (لمعاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «خذ من كل حالم وحالمة ديناراً أو عدله معافر» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي في الزكاة عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق «عن معاذ قال: بعثني الجزء: 7 ¦ الصفحة: 240 من غير فصل» . ولأن الجزية إنما وجبت بدلا عن القتل حتى لا تجب على من لا يجوز قتله بسبب الكفر كالذراري والنسوان، وهذا المعنى ينتظم الفقير والغني. ومذهبنا منقول عن عمر وعثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولم ينكر عليهم أحد من المهاجرين والأنصار، ولأنه وجب نصرة للمقاتلة فتجب على التفاوت بمنزلة خراج الأرض. وهذا لأنه وجب بدلا عن النصرة   [البناية] رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى اليمن، وأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين ستة، ومن كل حالم دينارا أو عدله معافر» . وقال الترمذي: حديث حسن. وذكر أن بعضهم رواه عن مسروق عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلا، قال: وهو الأصح. قوله: من كل حالم، يعني: محتلم. قوله: أو عدله، العدل بالفتح: المثل من خلاف الجنس، وبالكسر المثل من الجنس. قوله: معافر، بفتح الميم والعين المهملة وبالفاء والراء المهملة إلى أخذ مثل دينار ثوباً من هذا الجنس، والمعافر أي ثوب منسوب إلى معافرين، من ثم صار اسماً للثوب بغير نسبة. ويقال: معافر حي من همدان، نُسب إليه هذا النوع من الثياب م: (من غير فصل) ش: يعني بين الغني والفقير. [وجوب الجزية بدلا عن القتل] م: (ولأن الجزية إنما وجبت بدلاً عن القتل حتى لا تجب على من لا يجوز قتله بسبب الكفر كالذراري والنسوان، وهذا المعنى) ش: أي وجوب الجزية بدلا عن القتل م: (ينتظم الفقير والغني) ش: أي يشملهما م: (ومذهبنا منقول عن عمر وعثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: روى ابن أبي شيبة في مصنفه: حدثنا علي بن مهير عن الشيباني عن ابن عون محمد بن عبد الله الثقفي قال: وضع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الجزية على رؤوس الرجال، على الغني ثمانية وأربعين درهماً، وعلى المتوسط أربعة وعشرين، وعلى الفقير اثني عشر درهماً. وهو مرسل. ورواه ابن زنجويه في كتاب " الأموال "، حدثنا أبو نعيم حدثنا مندي عن الشيباني عن أبي عون عن المغيرة بن شعبة أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وضع.. إلى آخره. انتهى. وكان ذلك بحضرة الصحابة من غير نكير، فحل محل الإجماع. ثم بعد ذلك عمل عثمان ثم عمل علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (ولم ينكر عليهم أحد من المهاجرين والأنصار) ش: فصار إجماعاً. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الجزية ذكرت على تأويل خراج الأس م: (وجب نصرة للمقاتلة) ش: أي نصرة وكفاية لغزاة المسلمين بمال يؤخذ من الذمي م: (فتجب على التفاوت) ش: أي الجزية تجب على التفاوت لا المذكور عن قريب م: (بمنزلة خراج الأرض، وهذا لأنه وجب بدلاً عن النصرة) ش: أي بمنزلة وجوب التفاوت في الخراج. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 241 بالنفس والمال، وذلك يتفاوت بكثرة الوفر وقلته، فكذا ما هو بدله، وما رواه محمول على أنه كان ذلك صلحا، ولهذا أمره بالأخذ من الحالمة وإن كانت لا يؤخذ منها الجزية. قال: وتوضع الجزية على أهل الكتاب والمجوس،   [البناية] والدليل على أنها تجب نصرة وكفاية لهم، لأنها تصرف إليهم ولا توضع موضع الزكاة، وكان الواجب أن ينصروا المسلمين م: (بالنفس والمال) ش: لأن من كان من أهل دار الإسلام يجب عليه النصرة للدار بالنفس والمال، ولكن لا يصلحوا لنصرتهم لنقلهم إلى دار الحرب اعتقاداً قامت الجزية المأخوذة منهم المصروفة إلى الغزاة مقام النصرة بالنفس، ثم النصرة من المسلم تتفاوت، إذ الفقير ينصر دارنا راجلاً ومتوسطاً بحال ينصرها راكباً وراجلاً. والموسر بالركوب بنفسه وإركاب غيره، لما كان الأصل متفاوتاً تفاوتت الجزية التي قامت مقامه. فإن قيل: النصرة طاعة لله تعالى وهذه عقوبة، فكيف تكون العقوبة خلفاً عن الطاعة؟ أجيب: بأن الخلف في النصرة في حق المسلمين من زيادة القوة للمسلمين وهم يبانون في تلك الزيادة الحاصلة بسبب أموالهم، بمنزلة ما لو [ .... ] فيجب على التفاوت، لأنه أي لأن الجزية بتأويل خراج الرأس [كما] ذكرنا الآن، وجبت بدلاً عن النصرة بالنفس والمال. م: (وذلك) ش: أي المذكور عن النصرة بالنفس والمال م: (يتفاوت بكثرة الوفر) ش: أي غير المال م: (وقلته، فكذا ما هو بدله) ش: أي فكذا يتفاوت ما كان خلفاً عن النصرة م: (وما رواه) ش: أي الذي رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ: «خذ من كل حالم وحالمة ديناراً» م: (محمول على أنه كان ذلك صلحاً) ش: أي محمول على مال وقع الصلح عليه. ألا ترى أنه قال في رواية: «خذ من كل حالم وحالمة دينارا» ولا تجب على النساء إلا مال الصلح. قلت: الأحسن أن يقال: هذا ليس بحجة، لأن الصحيح أنه مرسل، فكيف يحتج به م: (ولهذا) ش: أي ولكونه كان محمولا على مال الصلح م: (أمره) ش: أي أمر معاذاً م: (بالأخذ من الحالمة، وإن كانت لا يؤخذ منها الجزية) ش: والمحفوظ أن لفظ حالمة مدرج في الحديث. [وضع الجزية على أهل الكتاب] م: (قال وتوضع الجزية على أهل الكتاب والمجوس) ش: جمع مجوسي، وهو منسوب إلى المجوس. وقال الجوهري: هي نحلة ومذهب المجوسي أنهم قائلون بالنور والظلمة، يدعون أن الخير من فعل النور، والشر من فعل الظلمة، ولهذا يعبدون النار، لأنه من النور. أما وضع الجزية على أهل الكتاب فهو بلا خلاف. وأهل الكتاب اليهود والنصارى ومن دان بدينهم يدينون بالتوراة ويعملون بشريعة موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وخالفوهم في فروع دينهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 242 لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] (التوبة: الآية 29) ، ووضع رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الجزية على المجوس. قال: وعبدة الأوثان من العجم وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] وفرق النصارى من اليعقوبية والنسطورية والملكية الفرنج والروم والأدنى، وغيرهم ممن دان بالإنجيل وانتسب إلى عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والعمل بشريعتهم، فكلهم من أهل الكتاب. واختلف أهل العلم في الصابئين، عن أحمد أنهم جنس من النصارى. وعن عمر: هم ينسبون بهم من اليهود. وقال مجاهد: بين اليهود والنصارى. وقال الذمي الزبيع: هم أهل الكتاب، وتوقف الشافعي فيهم. ويروى عنهم أنهم يقولون: الفلك حسي ناطق، والكواكب السبعة آلهة. والصحيح أنهم إن كانوا يقرون نبي كتاب فهم من أهل الكتاب، وإن كانوا من عبدة الكواكب فهم كعبدة الأوثان، وقد مر في النكاح. وأما المجوس فلهم شبهة الكتاب، فيجوز أخذ الجزية بالحديث منهم. ولا يجوز نكاح نسائهم ولا ذبائحهم، وعليه أكثر أهل العلم. وعن أبي ثور أنهم من أهل الكتاب، فتحل نساؤهم وذبائحهم لما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنهم كانوا أهل كتاب، فلما وقع ملكهم على بنته أو أخته رفع العلم عن صدورهم وما بقي كتابهم. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] (التوبة: الآية 29)) ش: هذا صريح في جواز أخذ الجزية من أهل الكتاب، سواء كانوا من العرب والعجم، ولهذا ذكر أهل الكتاب مطلقاً م: «ووضع رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الجزية على المجوس» ش: حتى «شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذها من مجوس هجر،» انتهى. وهجر بفتحتين اسم بلد في البحرين. م: (قال) ش: أي القدوري في مختصره: م: (وعبدة الأوثان من العجم) ش: هو بالجر عطفاً على أهل الكتاب، وقيد بقوله: من العجم، احترازاً عن عبدة الأوثان من العرب، فإنهم لا توضع عليهم الجزية على ما ذكر في الكتاب م: (وفيه خلاف الشافعي) ش: فإن عنده لا يؤخذ إلا من أهل الكتاب والمجوس. وله في أهل الكتاب غير اليهود والنصارى مثل أصحاب صحف إبراهيم وشيث وإدريس وزبور داود، ومن تمثل بدين آدم، والسامرة والصابئين، وجهان: أحدهما: تؤخذ. والثاني لا، والوثني إذا دخل في دين أهل الكتاب بعد المسيح لم يؤخذ منه الجزية، وقال المزني: تؤخذ. وقال مالك: يؤخذ من جميع الكفار إلا مشركي قريش، لأنهم ارتدوا. وعندنا تؤخذ من جميع الكفار إلا من عبدة الأوثان، وبه قال أحمد في رواية عنه، وفي رواية: لا تؤخذ إلا من أهل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 243 هو يقول: إن القتال واجب لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ} [البقرة: 193] إلا أنا عرفنا جواز تركه في حق أهل الكتاب بالكتاب، وفي حق المجوس بالخبر، فبقي من وراءهم على الأصل. ولنا أنه يجوز استرقاقهم، فيجوز ضرب الجزية عليهم، إذ كل واحد منهما يشتمل على سلب النفس منهم، فإنه يكتسب ويؤدي إلى المسلمين، ونفقته في كسبه، وإن ظهر عليهم قبل ذلك فهم ونساؤهم وصبيانهم فيء لجواز استرقاقهم.   [البناية] الكتاب ومن وافقهم في دينهم وآمن بكتابهم كالسامرة. وتؤخذ من المجوس أيضاً، ولا تؤخذ من غيرهم من عبدة الأوثان. م: (هو) ش: أي الشافعي م: (يقول: إن القتال واجب لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وقاتلوهم) ش: لأنه أمر بالقتال وهو عام م: (إلا أنا عرفنا جواز تركه) ش: أي في القتال م: (في حق أهل الكتاب بالكتاب) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] . م: (وفي حق المجوس) ش: أي وعرفنا ترك القتال في المجوس م: (بالخبر) ش: وهو حديث عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (فبقي من وراءهم) ش: أي من وراء أهل الكتاب والمجوس م: (على الأصل) ش: أي من النصوص العامة. م: (ولنا أنه يجوز استرقاقهم) ش: بالإجماع م: (فيجوز ضرب الجزية عليهم، إذ كل واحد منهما) ش: أي من الاسترقاق والجزية م: (يشتمل على سلب النفس منهم) ش: معنى حتى يصير مشبهاً بالبهائم، أما الاسترقاق فظاهر، لأن نفع الرقيق يعود إلينا جملة. وأما الجزية م: (فإنه) ش: أي فإن الكافر م: (يكتسب ويؤدي إلى المسلمين، ونفقته في كسبه) ش: فكأن أداء كسبه إلى المسلمين في معنى أخذ النفس منه حكما، وهو معنى قوله: ونفقته في كسبه، أي والحال أن نفقته في كسبه الذي هو سبب حياته، وفيه معنى سلب النفس. ونوقض بأن من جاز استرقاقه لو جاز ضرب الجزية عليه لجاز ضربها على المرأة والصبي، واللازم باطل. وأجيب: بأن ذلك بمعنى آخر، وهو أن الجزية بدل النصرة ولا نصرة على المرأة والصبي، فكذا بدل، وهذا ليس بدافع بل هو متقرر للنقض. والصواب أن قول: المحل شرط نافذ المؤثر، فكان بمعنى قوله: وكل من يجوز استرقاقهم يجوز ضرب الجزية عليهم إذا كان المحل قابلاً، والمرأة والصبي ليسا كذلك، لأن الجزية إنما تكون من الكسب وهما عاجزان عنه. م: (وإن ظهر) ش: على صيغة المجهول أي غلب م: (عليهم) ش: أي على أهل الكتاب والمجوس وعبدة الأوثان من العجم م: (قبل ذلك) ش: أي قبل وضع الجزية عليهم م: (فهم ونساؤهم وصبيانهم فيء) ش: أي غنيمة للمسلمين م: (لجواز استرقاقهم) ش: وللإمام الخيار بين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 244 ولا توضع على عبدة الأوثان من العرب، ولا المرتدين، لأن كفرهما قد تغلظ. أما مشركو العرب فلأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نشأ بين أظهرهم، والقرآن نزل بلغتهم، فالمعجزة في حقهم أظهر، وأما المرتد فلأنه كفر بربه بعدما هدي للإسلام ووقف على محاسنه، فلا يقبل من الفريقين إلا الإسلام أو السيف زيادة في العقوبة، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يسترق مشركو العرب. وجوابه ما قلنا. وإذا ظهر عليهم فنساؤهم وصبيانهم فيء؛ لأن أبا بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استرق نسوان بني حنيفة   [البناية] الاسترقاق وضرب الجزية م: (ولا توضع) ش: أي الجزية م: (على عبدة الأوثان من العرب ولا المرتدين) ش: سواء كانوا من العرب أو العجم م: (لأن كفرهما قد تغلظ) ش: وكل من تغلظ كفره لا يقبل منه إلا السيف أو الإسلام. م: (أما مشركو العرب فلأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نشأ بين أظهرهم، والقرآن نزل بلغتهم فالمعجزة في حقهم أظهر) ش: وكانوا أحق الناس بالتساعد والقيام بتصرفه والذب عنه. ولقائل أن يقول: هذا منقوض بأهل الكتاب، فإنه يغلظ كفرهم؛ لأنهم عرفوا النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - معرفة تامة محضة، ومع هذا نكروه وغيروا اسمه ونعته من الكتب، وقد قبل منهم الجزية. وأجيب: بأن القياس كان يقتضي أن لا يقبل منهم الجزية، إلا أنه نزل بالكتاب بقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] ... الآية. م: (وأما المرتد فلأنه كفر بربه بعدما هدي للإسلام، ووقف على محاسنه) ش: أي محاسن الإسلام م: (فلا يقبل من الفريقين) ش: أي من فريق عبدة الأوثان من العرب ومن فريق المرتدين م: (إلا الإسلام أو السيف زيادة في العقوبة) ش: لزيادة دينهم م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يسترق مشركو العرب) ش: وبه قال مالك وأحمد، إلا أن الاسترقاق إتلاف حكماً، فيجوز كإتلافه حقيقة بالقتل. م: (وجوابه) ش: أي جواب الشافعي م: (ما قلنا) ش: وهو قوله: لأن كفرهم قد تغلظ. م: (وإذا ظهر عليهم) ش: أي إذا غلب على مشركي العرب والمرتدين م: (فنساؤهم وصبيانهم فيء) ش: أي غنيمة المسلمين، إلا أن ذراري المرتدين ونساءهم يجبرون على الإسلام بدون ذراري عبدة الأوثان ونسائهم، لان الإجبار على الإسلام إنما يكون بعد ثبوت الإسلام في حقهم، وذراري المرتدين قد ثبت في حقهم تبعاً لآبائهم فيجبرون عليه. والمرتدات قريبات عهد بالإسلام - فيجبرون عليه، بخلاف ذراري العبدة ونسائهم. م: (لأن «أبا بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استرق نساء بني حنيفة» ش: وبنو حنيفة بطن من العرب، وهو حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، وإنما سمي حنيفة لأنه لقي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 245 وصبيانهم لما ارتدوا وقسمهم بين الغانمين، ومن لم يسلم من رجالهم قتل لما ذكرنا. ولا جزية على امرأة ولا صبي لأنها وجبت بدلا عن القتل أو عن القتال، وهما لا يقتلان ولا يقاتلان لعدم الأهلية. قال ولا زمن ولا أعمى، وكذا المفلوج والشيخ الكبير لما بينا، وعن أبي يوسف أنه تجب إذا كان له مال، لأنه يقتل في الجملة إذا كان له رأي.   [البناية] خزيمة، أبي حي من عبد القيس، فضرب خزيمة حنيفة فجذم يده، فسمي هذا حنيفة، وسمي ذاك خزيمة. وقيل: المراد بني حنيفة، وهو مسيلمة الكذاب لعبدانه م: (وصبيانهم) ش: أي سبي أيضاً صبيانهم حتى وقع من قسم علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استرق نساء بني حنيفة، وهو وحنيفة بطن من العرب، وهو حنيفة بن لجيم من الحنفية، قوله منها محمد بن الحنفية م: (لما ارتدوا) ش: أي حتى ارتدت بنو حنيفة أو كان ذلك بعد وفاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (وقسمهم) ش: أي قسم أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نساء بني حنيفة وصبيانهم م: (بين الغانمين) ش: من الصحابة وغيرهم م: (ومن لم يسلم من رجالهم قتل لما ذكرنا) ش: إشارة إلى قوله: فلا يقبل من الفريقين إلا الإسلام أو السيف زيادة في العقوبة. [الجزية على المرأة والصبي] م: (ولا جزية على امرأة ولا صبي لأنها) ش: أي لأن الجزية م: (وجبت بدلاً عن القتل) ش: يعني في المأخوذ م: (أو عن القتال، وهما) ش: أي المرأة والصبي م: (لا يقتلان ولا يقاتلان لعدم الأهلية) ش: فيهما، فإذا كان كذلك لا يجب عليه البدل وهو الجزية م: (قال: ولا زمن) ش: أي ولا جزية أيضاً على زمن، وزمن الرجل يزمن زمانة وهو عدم بعض أعضائه وتعطل قواه م: (ولا أعمى) ش: أي ولا أعمى. م: (وكذا المفلوج) ش: من فلج على صيغة المجهول: إذا ذهب نصفه فهو مفلوج. وقال أهل الطب: الفالج استرخاء عام لآمر شقي البدن طولاً م: (والشيخ الكبير) ش: يعني لا توضع عليه الجزية م: (لما بينا) ش: وهو قوله: لأنهما لا يقتلان ولا يقاتلان. م: (وعن أبي يوسف أنه) ش: أي الجزية، ذكره بتأويل خراج الرأس م: (تجب إذا كان له) ش: أي الشيخ الكبير رأي، لأنه تقليل في الجملة، يعني في صورة من الصور، وهو معنى قوله: إذا كان له رأي، أي من أمور الحرب. وقال الأترازي: وعن أبي يوسف في رواية: توضع عليهم، أي الجزية إذا كانوا أغنياء، لأن الغناء هو الأصل في المال لما سيجيء. قلت: هذا مخالف لما في المتن، لأن المعهود من كلام المصنف أن الرواية عن أبي يوسف وجوب الجزية على الشيخ الكبير فقط، حيث إذا كان له م: (مال لأنه يقتل في الجملة إذا كان له رأي) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 246 ولا على فقير غير معتمل خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - له إطلاق حديث معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولنا أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يوظفها على فقير غير معتمل، وذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولأن خراج الأرض لا يوظف على أرض لا طاقة لها، فكذا هذا الخراج. والحديث محمول على المعتمل. ولا يوضع على المملوك والمكاتب والمدبر وأم الولد، لأنه   [البناية] ش: بإفراد الضمير وكذا ذكر بإفراد الضمير في قوله: إذا كان له رأي بخلاف الأعمى والزمن والمفلوج. فلو كانت الرواية عن أبي يوسف في الوجوب على الكل، يقال: إذا كان لهم مال بضمير الجماعة. وفي قول عن الشافعي: وتؤخذ الجزية من الأعمى والمفلوج والشيخ الكبير. م: (ولا على فقير) ش: أي ولا جزية على فقير إذا كان م: (غير معتمل) ش: وهو الذي لا يقدر على العمل. والمعتمل الكاسب الذي يقدر على العمل وإن لم يحسن حرفة م: (خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده يجب عليه م: (له) ش: أي للشافعي م: (إطلاق حديث معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خذ من كل حالم ديناراً» وهو مطلق لا فصل فيه بين الفقير المعتمل وغيره. م: (ولنا أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يوظفها) ش: أي الجزية م: (على فقير معتمل) ش: المراد من عثمان هذا عثمان بن حنيف لا عثمان بن عفان، وقد غفل عنه أكثر الشراح، وقد مضى أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما بعث حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف إلى سواد العراق وظف الجزية على الفقير دون غير معتمل، ذلك محل الإجماع، لأن أحدا من الصحابة لم ينكر عليهم. أشار إليه المصنف بقوله م: (وذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: لأنهم كلهم علموا ذلك ولم يقع من أحد منهم إنكار، فكأنهم حاضرين في ذلك الوقت. ذكر الغزالي في وجيزه: قال أصحاب الشافعي: الفقير العاجز عن الكسب يخرج من الدار على قول، وتقرر على قول مجاناً، وتقرر بجزية في ذمته على قول. م: (ولأن خراج الأرض لا يوظف على أرض لا طاقة لها، فكذا هذا الخراج) ش: أي خراج الرأس وهو الجزية، لأن الخراج نوعان، خراج الأرض وخراج الرأس كما مر غير مرة، فإذا اعتبرت الطاقة في خراج الأرض فكذا تعتبر في خراج الرأس. م: (والحديث) ش: أي الحديث الذي احتج به الشافعي م: (محمول على المعتمل) ش: توفيقا بين الحديثين. م: (ولا يوضع) ش: أي الجزية م: (على المملوك والمكاتب والمدبر وأم الولد لأنه) ش: أي لأن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 247 بدل عن القتل في حقهم، وعن النصرة في حقنا، وعلى اعتبار الثاني لا تجب فلا تجب بالشك، ولا يؤدي عنهم مواليهم لأنهم تحملوا الزيادة بسببهم. ولا توضع على الرهبان الذين لا يخالطون الناس، كذا ذكر هاهنا. وذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه توضع عليهم إذا كانوا يقدرون على العمل، وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجه الوضع عليهم أن القدرة على العمل هو الذي ضيعها، فصار كتعطيل الأرض الخراجية. ووجه الوضع عليهم أنه لا قتل عليهم إذا كانوا لا يخالطون الناس، والجزية في حقهم لإسقاط القتل،   [البناية] الجزية باعتبار تأويل خراج الأرض م: (بدل عن القتل في حقهم، وعن النصرة في حقنا، وعلى اعتبار الثاني) ش: وهو النصرة بالمال في حقنا ولا مال لهم، فعلى هذا م: (لا تجب) ش: وعلى اعتبار الأول يجب، لأن الأصل يتحقق في المماليك، لأن المملوك الحربي يقتل، فيجوز تحقق البدل أيضاً، فإذا كان الأمر دائراً بين الشيئين م: (فلا تجب بالشك) ش: لأن الأصل عدم الوجوب. م م: (ولا يؤدي عنهم مواليهم، لأنهم تحملوا الزيادة بسببهم) ش: أي صار مواليهم بسببهم من الاعتبار، فوجبت عليهم زيادة في الوظيفة، فلا يجب عليهم شيء آخر بسببهم، وقال في " مختصر الأسرار ": وقولهم: إن الجزية يجب الحد والولي يؤدي لها عنه، باطل؛ لأنه لو كانوا كذلك لاختلف بكثرة العدد، فلهم كصدقة الفطر. [أصحاب الصوامع هل يوضع عليهم الخراج] م: (ولا توضع) ش: أي الجزية م: (على الرهبان الذين لا يخالطون الناس، كذا ذكر ها هنا) ش: أي القدوري، وهو قول أبي يوسف، وبه قال الشافعي في قول وأحمد في رواية. م: (وذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه توضع عليهم إذا كانوا يقدرون على العمل، وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقال الكرخي في مختصره: قال عمر بن أبي عمر: سألت محمداً عن أصحاب الصوامع هل يوضع عليهم الخراج، قال: كان أبو حنيفة يقول: يوضع عليهم إذا كانوا ممن يقومون على العمل. قلت لمحمد: فما قولك؟ قال: العامر ما قاله أبو حنيفة، قال محمد: ليس على السياحين ولا على الرهبان خراج، وإن عزل أحدهم، إلا أنه يخالط الناس فعليه الخراج. م: (وجه الوضع) ش: أي وجه وضع الجزية م: (عليهم) ش:، أي على الرهبانيين الذين يخالطون الناس م: (أن القدرة على العمل) ش: ثابتة، أي موجودة، وإنما م: (هو الذي ضيعها) ش: أي ضيع القدرة م: (فصار كتعطيل الأرض الخراجية) ش: مع التمكن من الانتفاع. م: (ووجه الوضع عليهم) ش: أي وجه وضع الجزية عليهم م: (أنه لا قتل عليهم إذا كانوا لا يخالطون الناس، والجزية في حقهم لإسقاط القتل) ش: أراد أن الجزية بدل من إسقاط القتل في حقهم، ولا قتل على الذين لا يخالطون الناس، فلا تجب الجزية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 248 ولا بد أن يكون المعتمل صحيحا ويكتفى بصحته في أكثر السنة. ومن أسلم وعليه جزية سقطت، وكذلك إذا مات كافرا خلافا للشافعي فيهما. له أنها وجبت بدلا عن العصمة أو عن السكنى، وقد وصل إليه المعوض فلا يسقط عنه العوض بهذا العارض كما في الأجرة والصلح عن دم العمد.   [البناية] م: (ولا بد أن يكون المعتمل صحيحاً) ش: ذكر هذا تفريعاً لمسألة القدوري م: (ويكتفى بصحته في أكثر السنة) ش: أو نصفها، فلا جزية عليه، وإن كان في أقلها عليه الجزية، لأن الإنسان لا يخلو عن قليل مرض، فلا يجعل عذراً. [من أسلم وعليه جزية] م: (ومن أسلم وعليه جزية) ش: أي ومن أسلم ممن عليه جزية، والحال أن عليه جزية لم يؤدها م: (سقطت، وكذلك إذا مات كافراً) ش: حال كونه كافراً سقط عنه الجزية م: (خلافاً للشافعي فيهما) ش: أي فيمن أسلم وعليه جزية وفيمن مات كافراً م: (له) ش: أي للشافعي م: (أنها) ش: أي أن الجزية م: (وجبت بدلاً عن العصمة) ش: أي عن حقن الدم م: (أو عن السكنى) ش: في دار الإسلام، وإنما تردد بينهما لأن العلماء اختلفوا في أن الجزية وجبت بدل الأمان. قال بعضهم: بدلاً عن العصمة الثابتة بعقد الذمة، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول. وقال بعضهم: بدلاً عن النصرة التي قامت بإحرازهم على الكفر، وهو الأصح. وقال بعضهم: بدلاً عن السكنى في دارنا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ولهذا قال في قول: تؤخذ الجزية عن الأعمى والمعتوه والمقعد، لأنهم يشاركون في السكنى، وعندنا لا يجوز كما بينا. م: (وقد وصل إليه المعوض) ش: وهو العصمة والسكنى م: (فلا يسقط عنه العوض) ش: وهو الجزية م: (بهذا العارض) ش: أي بالإسلام أو بالموت م: (كما في الأجرة) ش: يعني إذا استوفى الذمي منافع دار المستأجر، ثم أسلم أو مات لا تسقط عنه الأجرة، لأن المعوض وصل إليه، وهو منافع الدار فلا يسقط العوض وهو الأجرة م: (والصلح عن دم العمد) ش: يعني إذا قتل الذمي رجلاً عمداً ثم صالح عن دم العمد على بدل معلوم، ثم أسلم أو مات لا تسقط عنه الأجرة، لأن العوض وهو نفسه مسلم له فلا يسقط البدل. فإن قيل: لا نسلم أن الجزية بدل عن النصرة، ألا ترى أن الإمام لو استعان بأهل الذمة منه فقاتلوا معه لا تسقط عنهم جزية تلك السنة، فلو كانت بدلاً لسقطت. أجيب: بإنما لم تسقط، لأنه يلزم حينئذ تغير الشرع، وليس للإمام ذلك. وهذا، لأن الشرع جعل طريق النصرة في حق الذمي المال دون النصرة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 249 ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ليس على مسلم جزية» ولأنها وجبت عقوبة على الكفر، ولهذا تسمى جزية، وهي والجزاء واحد وعقوبة الكفر تسقط بالإسلام ولا تقام بعد الموت. ولأن شرع العقوبة في الدنيا لا يكون إلا لدفع الشر، وقد اندفع بالموت والإسلام،   [البناية] فإن قيل: الجزية حق مال وجب على الكافر على كفره فوجب أن لا يسقط بالإسلام كخراج الأرض. أجيب: بأن خراج الرأس وقيد الصغار بالنص، ولهذا لا يوضع على المسلم أصلاً، بخلاف خراج الأرض فإنها على الصغار، ولهذا لا يوجد في أرض خراجية المسلم، فافترقا. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «ليس على مسلم جزية» ش: هذا الحديث رواه أبو داود في الخراج، والترمذي في الزكاة عن جرير عن فائز بن أبي طيبان عن أبيه عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس على مسلم جزية» . قال أبو داود: سئل أبو يوسف من الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن هذا؟ فقال: يعني إذا أسلم فلا جزية عليه. وقال الترمذي: وقد روي عن موسى عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلا. ورواه في " مسنده " والدارقطني في " سننه " وسكت عنه. وقد روي باللفظ الذي فسره به سفيان. قال الطبراني في " معجمه الأوسط " بإسناده عن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أسلم فلا جزية عليه» م: (ولأنهما) ش: ولأن الجزية م: (وجبت عقوبة على الكفر، ولهذا) ش: إيضاح لوجوب الجزية عقوبة على الكفر م: (تسمى جزية وهي) ش: أي الجزية م: (والجزاء واحد) ش: يعني إذا سميت جزاء من الجزاء، لأنها عقوبة تقع جزاء على الإصرار على الكفر م: (وعقوبة الكفر تسقط بالإسلام ولا تقام بعد الموت) ش: أي ولا تقام الجزية بعد الموت، يعني لا يوجد بعد الموت من عليه الجزية وإن خلف شيئاً، لأن الموت كالقتل، لأنها خلف عن القتل. ولهذا سميت جزية وهو عقوبة، ولهذا يستوفى بطريق الذلة والصغار ويستحق بالجناية، ولا جناية أعظم من الكفر، وعقوبة الكفر في الدنيا لا تكون إلا بدفع الشر، وقد صار مدفوعاً بالموت والإسلام، فيسقط، وهذا معنى قوله م: (ولأن شرع العقوبة في الدنيا لا يكون إلا لدفع الشر وقد اندفع) ش: أي الشر م: (بالموت والإسلام) ش: أي بموت من عليه الجزية أو بالإسلام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 250 ولأنها وجبت بدلا عن النصرة في حقنا، وقد قدر عليها بنفسه بعد الإسلام، والعصمة تثبت بكونه آدميا، والذمي يسكن ملك نفسه، فلا معنى لإيجاب بدل العصمة والسكنى، وإن اجتمعت عليه الحولان تداخلت. وفي " الجامع الصغير ": ومن لم يؤخذ منه خراج رأسه حتى مضت السنة وجاءت سنة أخرى لم يؤخذ، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: يؤخذ منه، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] أيضاً، وأما شرع العقوبة في الآخرة بالعذاب أتم لهم. م: (ولأنها) ش: أي الجزية م: (وجبت بدلاً عن النصرة في حقنا) ش: أراد أن وجوب الجزية شرع للنصرة وكفاية للغزاة م: (وقد قدر عليها) ش: أي على النصرة م: (بنفسه بعد الإسلام) ش: فسقطت، لقدرته على الأصل م: (والعصمة تثبت) ش: هذا جواب عن قول الشافعي: إنها وجبت بدلاً عن العصمة، بيان أن العصمة ثابتة م: (بكونه آدمياً) ش: يعني من حيث إنه آدمي خلق معصوماً محقون الدم لكونه مكلفاً، فلا ينافي له العام بأمور التكليف إلا بكونه معصوماً، وإنما يطلب عصمته بعارض الكفر، ثم لما أسلم عادت العصمة، فصارت العصمة به لا بقبول الجزية. ولقائل أن يقول: إنها ثابتة بالآدمية، ولكنها سقطت بالكفر، فالجزية بعدها على ما كانت فكانت بدلاً. والجواب أنها لو كانت بدلاً عن العصمة، فإما أن تكون عن عصمة فيما مضى، أو فيما يستقبل، ولا سبيل إلى الأول لوقوع الفتنة عنه، ولا إلى الثاني لأن الإسلام يغني عنها. م: (والذمي يسكن ملك نفسه) ش: هذا جواب عن قوله: أو عن السكنى، بيانه أن الذمي إنما سكن في ملكه إما بالشراء أو بغيره من أسباب الملك م: (فلا معنى لإيجاب بدل العصمة والسكنى) ش: يعني لا فائدة في إيجاب البدل، لكنه في موضع مملوك له، فلو كانت الجزية أخذ وجوبها بالإجماع لا محالة، ويشترط فيها التأقيت، لأن الإبهام سلطها وحيث لم يشترط التأقيت في السكنى دل على أن السكنى لم تكن بطريق الإجارة. [اجتمعت علي الذمي جزية الحولين] م: (وإن اجتمعت عليه) ش: أي على الذمي م: (الحولان) ش: أي جزية الحولين فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وفي بعض النسخ وإن اجتمعت عليه الحولان، بناء هذا للفعل باعتبار تقديره جزية الحولين كما ذكرنا. وقال الأترازي: ويجوز أن يراد بالحولين الجزيتان مجازاً، إطلاقاً لاسم المحل على الحال. أو أنث الفعل على السنة، لأن الحول في معناها م: (تداخلت) ش: أي الجزية، وهذا لفظ القدوري آتية في شرح الأقطع. م: (وفي " الجامع الصغير ": ومن لم يؤخذ منه خراج رأسه حتى مضت سنة أخرى لم يؤخذ) ش: أي لا يؤخذ ما مضى م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: يؤخذ منه) ش: يعني مما مضى م: (وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 251 وإن مات عند تمام السنة لم يؤخذ منه في قولهم جميعا، وكذلك إن مات في بعض السنة. أما مسألة الموت فقد ذكرناها. وقيل: خراج الأرض على هذا الخلاف، وقيل: لا تداخل فيه بالاتفاق، لهما في الخلافية أن الخراج وجب عوضا، والأعواض إذا اجتمعت وأمكن استيفاؤها تستوفى، وقد أمكن فيما نحن فيه بعد توالي السنين، بخلاف ما إذا أسلم لأنه تعذر استيفاؤه. ولأبي حنيفة أنها وجبت عقوبة على الإصرار على الكفر على ما بيناه، ولهذا لا تقبل منه لو بعث على يد نائبه في أصح   [البناية] وبه قال أحمد. وقال مالك: يؤخذ منه إلا إذا كان فقيراً لم يؤخذ منه بعشرة، إذ الفقير لا جزية عليه عنده. م: (وإن مات عند تمام السنة) ش: أي عند تمام السنة الأولى م: (لم يؤخذ في قولهم جميعاً) ش: أي في قول أصحابنا المذكورين والشافعي. م: (وكذلك) ش: أي لا تؤخذ م: (إن مات في بعض السنة) ش: لأنه إن مات قبل الوجوب فلا شبهة فيه، وإن مات بعد الوجوب فقط سقط بالموت عندنا خلافاً للشافعي. م: (أما مسألة الموت فقد ذكرناها) ش: أشار به إلى قوله: ولأن شرع العقوبة في الدنيا لا تكون إلا لدفع الشر وقد اندفع بالموت والإسلام م: (وقيل: لا تداخل فيه) ش: أي في الخراج م: (بالاتفاق) ش: ووجه الفرق بينهما أن الخراج في حالة البقاء مؤنة من غير التفات إلى معنى العقوبة. ولهذا إذا اشترى المسلم أرضاً خراجية يجب عليه الخراج، فجاز أن لا يداخل، بخلاف الجزية فإنها عقوبة ابتداء نصاً، ولهذا لم يشرع في حق المسلم أصلاً، والعقوبات تتداخل. م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (في الخلافية) ش: أي فيما إذا اجتمع عليه حولان م: (أن الخراج وجب عوضاً) ش: أي عن سائر الأعواض: حقن الدم أو عن السكنى م: (والأعواض إذا اجتمعت وأمكن استيفاؤها تستوفى) ش: كما في سائر الأعواض م: (وقد أمكن فيما نحن فيه بعد توالي السنين) ش: أي بعد تتابعها، لأن الفرض أنه حي وانتفاء المال من الحي ممكن إذا لم يمنع عنه الإسلام م: (بخلاف ما إذا أسلم لأنه تعذر استيفاؤه) ش: لأن المؤمن يؤمن لإيمانه، فيتعذر انتفاؤه من الوجه الذي وجب. م: (ولأبي حنيفة أنها) ش: أي الجزية م: (وجبت عقوبة على الإصرار على الكفر على ما بيناه) ش: أراد بقوله ما ذكره قبل هذا بقوله: ولأنها وجبت عقوبة م: (ولهذا) ش: أي ولكونها وجبت عقوبة م: (لا تقبل منه) ش: أي من الذمي م: (لو بعث) ش: أي جزيته م: (على يد نائبه في أصح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 252 الروايات، بل يكلف أن يأتي به بنفسه فيعطي قائما، والقابض منه قاعد. وفي رواية: يأخذ بتلابيبه ويهزه هزا ويقول: أعطني الجزية يا ذمي، وقيل عدو الله، فيثبت أنه عقوبة، والعقوبات إذا اجتمعت تداخلت كالحدود. ولأنها وجبت بدلا عن القتل في حقهم وعن النصرة في حقنا، كما ذكرنا، لكن في المستقبل لا في الماضي، لأن القتل إنما يستوفى لحراب قائم في الحال لا لحراب ماض، وكذا النصرة في المستقبل، لأن الماضي وقعت الغيبة عنه، ثم قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجزية. وفي " الجامع الصغير ": وجاءت سنة أخرى حمله بعض المشايخ على المضي مجازا،   [البناية] الروايات) ش: وهنا ثلاث روايات، بين المصنف منها روايتين، وهي قوله: ولا يقبل، وقوله م: (بل يكلف) ش: إلى آخره من تتمة هذه الراوية. وقوله مكلف أي الذي إلى م: (أن يأتي به) ش: أي بما وجبت عليه من الجزية م: (بنفسه) ش: أي يأتي بنفسه فيعطي) ش: حال كونه م: (قائما والقابض منه قاعد) . م: (وفي رواية يأخذ) ش: هذه الرواية الثانية وهي أن يأخذ، أي القابض م: (بتلابيبه) ش: والتلبيبة أخذ موضع القلب من الثياب، واللبيب موضع القدرة من العذرة م: (ويهزه) ش: أي يهز القابض الذمي م: (هزاً ويقول: أعطني الجزية يا ذمي. وقيل عدو الله) ش: وفي شرح الطحاوي تؤخذ منه الجزية بطريق الاستحقار له حتى يضع حالة الأخذ، وإذا كان الأمر كذلك م: (فيثبت أنه) ش: أي أن الذي يؤخذ منه وهو الجزية م: (عقوبة، والعقوبات إذا اجتمعت تداخلت) ش: إذا كانت من جنس واحد تداخلت م: (كالحدود) ش: م: (ولأنها) ش: أي ولأن الجزية م: (وجبت بدلاً عن القتل في حقهم، وعن النصرة في حقنا) ش: أي بدلاً عن النصرة في حقنا، وبدلاً عن النصرة في حق المسلمين م: (كما ذكرنا) ش: عند قوله فيما تقدم عن قريب، ولأنها وجبت عن النصرة في حقنا. م: (لكن في المستقبل) ش: هذا إذاً استدراك من قوله: لأنها وجبت بدلاً عن القتل، يعني كونها بدلاً عن القتل إنما يظهر في المستقبل م: (لا في الماضي، لأن القتل إنما يستوفى لحراب قائم في الحال لا لحراب ماض) ش: لأن الماضي فات م: (وكذا النصرة) ش: أي وكذا كون النصرة في حقنا م: (في المستقبل؛ لأن الماضي وقعت الغيبة عنه) ش: لعدم فائدتها في الماضي الغائب. م: (ثم قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجزية) ش: أشار به إلى بيان قول محمد الذي نقله م: (وفي الجامع الصغير) ش: عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجزية بقوله م: (وجاءت سنة أخرى حمله) ش: أي حمل المجيء م: (بعض المشايخ على المضي) ش: يعني معناه مضت حتى لتحقق اجتماع الحولين، لأنها عند الحول تجب، وهذا ضرب من المجاز، أشار إليه بقوله م: (مجازاً) ش: لأن مجيء كل شهر بمجيء أوله. ويجوز المجاز أن يجيء الشهر مستلزم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 253 وقال: الوجوب بآخر السنة فلا بد من المضي ليتحقق الاجتماع فتداخل، وعند البعض هو مجرى على حقيقته، والوجوب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأول الحول فيتحقق الاجتماع بمجرد المجيء، والأصح أن الوجوب عندنا في ابتداء الحول، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في آخره اعتبارا بالزكاة. ولنا أن ما وجب بدلا عنه لا يتحقق إلا في المستقبل على ما قررناه، فتعذر إيجابه بعد مضي الحول، فأجبناه في أوله.   [البناية] مضي الآخر لا محالة. وذكر اللزوم وإرادة اللازم مجازاً. م: (وقال) ش: بعض المشايخ: م: (الوجوب) ش: أي وجوب الجزية م: (بآخر السنة فلا بد من المضي ليتحقق الاجتماع) ش: أي اجتماع الحولين م: (فتداخل) ش: حينئذ الحولان م: (وعند البعض) ش: أي بعض المشايخ م: (هو) ش: أي المجيء م: (مجرى على حقيقته) ش: أي على حقيقة المجيء، وهو دخول السنة م: (والوجوب) ش: أي وجوب الجزية م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأول الحول، فيتحقق الاجتماع بمجرد المجيء) ش: تحقيقاً عند أبي حنيفة، ولذلك قال هو في الزكاة: إنما يجب في أول الحول. م: (والأصح أن الوجوب) ش: أي نفس الوجوب م: (عندنا في ابتداء الحول، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في آخره اعتباراً بالزكاة. ولنا أن ما وجب بدلاً عنه) ش: أي عن القتل إذ القتال م: (لا يتحقق إلا في المستقبل على ما قررناه) ش: أشار به إلى قوله: لأن القتل إنما يستوفى لحراب قائم في الحال لا الحراب ماض له، قاله الأترازي. وقال الكاكي: قوله على ما قررناه وهو الجزية بدل عن القتل في حقهم، وعن النصرة في حقنا، وهذا إنما يتحقق في المستقبل لا في الماضي، فكذلك وجب أن يكون الحكم في أيديهما كذلك أيضاً، وهو أن لا يجب بنصرة ماضية، ويجب بنصرة مستقبلة، فينبغي أن يجب في أول الحول لتحقق سببه، وهو وجوب النصرة عليهم بالمال، بخلاف الزكاة، لأنها تجب في المال النامي الحول للتمكن من الاشتمال اشتمال الحول على الفصول الأربعة، فيتعذر إتمامه بعد مضي الحول، يعني إنما وجب لما لم يتحقق إلا في المستقبل بعذر إيجابه بعد مضي الحول، يعني م: (فتعذر إيجابه) ش: ما وجب م: (بعد مضي الحول، فأوجبناه في أوله) ش: أي في أول الحول، لأنه أول أوقات إمكان الوجوب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 254 فصل ولا يجوز إحداث بيعة ولا كنيسة في دار الإسلام، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا خصاء في الإسلام ولا كنيسة» والمراد إحداثها   [البناية] [فصل ولا يجوز إحداث بيعة ولا كنيسة في دار الإسلام] م: (فصل) ش: هذا فصل في بيان ما يجوز لهم أن يفعلوا بما يتعلق بالسكنى وغير ذلك من أحوالهم. م: (ولا يجوز إحداث بيعة) ش: بكسر الباء م: (ولا كنيسة في دار الإسلام) ش: يقال كنيسة اليهود والنصارى لتعبدهم. وكذلك البيعة كان مطلقاً في الأصل، ثم غلب استعمال البيعة لمتعبد اليهود، والكنيسة لمتعبد النصارى م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا خصاء في الإسلام ولا كنيسة» ش: هذا الحديث رواه البيهقي في سننه عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا خصاء في الإسلام ولا كنيسة» وضعفه. ورواه أبو عبيد القاسم بن سلام بلفظ المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وروى ابن عدي في " الكامل " عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يبنى كنيسة في الإسلام، ولا يبنى ما خرب منها» وفي إسناده سعيد بن سنان واعلم به، وقال: عامة ما يرويه غير محفوظ، وعن أحمد وابن معين: ضعيف. وقال ابن القطان: وفيه من الضعفاء غير سعيد بن سنان وهو محمد بن جامع أبو عبد الله العطار. قال أبو زرعة: ليس بصدوق، وفيه أيضاً سعيد بن عبد الجبار، ضعيف، بل متروك، وحكى البخاري أن جرير بن عبد الحميد كان يكذبه. قوله: لا خصاء بكسر الخاء مصدر خصاه، أي نزع خصيتيه، والإخصاء في معناه خطأ، ذكره في " المغرب " والوجه في الجمع بين الخصاء والكنيسة أن الخصاء نوع ضعف في الإنسان في الخطأ، وكذا الكنيسة في دار الإسلام تورث الضعف في الإسلام، أو في الخطأ تغيير عما عليه أصل الخلقة، وكذا في بناء الكنيسة تغيير عما عليه بها دار الإسلام. قلت: الأوجه أن يقال: سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الخصاء، واتفق أن سائلاً آخر سأل عن الكنيسة فأجابهما بقوله: «لا خصاء في الإسلام ولا كنيسة» وهذا من الفيض الإلهي، فلله الحمد. وقيل: المراد في قَوْله تَعَالَى: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119] (النساء: الآية 119) ، الخصاء. وقيل: المراد به التبتل والامتناع من النساء. م: (والمراد إحداثها) ش: أي المراد من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ولا كنيسة» أي إحداث الكنيسة. وقيل: أمصار المسلمين ثلاثة، أحدها: ما مصره المسلمون منها، كالكوفة والبصرة وبغداد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 255 وإن انهدمت البيع والكنائس القديمة أعادوها؛ لأن الأبنية لا تبقى دائمة. ولما أقرهم الإمام فقد عهد إليهم الإعادة، إلا أنهم لا يمكنون من نقلها، لأنه إحداث في الحقيقة، والصومعة للتخلي فيها بمنزلة البيعة،   [البناية] وواسط، فلا يجوز فيها إحداث بيعة، ولا كنيسة ولا مجتمع لصلواتهم ولا صومعة، بإجماع أهل العلم، ولا يملكون فيه شرب الخمر واتخاذ الخنزير وضرب الناقوس. وثانيها: ما فتحه المسلمون عنوة، فلا يجوز إحداث شيء فيها بالإجماع، وما كان فيها شيء من ذلك هدمه، فقال مالك والشافعي في قول، وأحمد في رواية: يجب هدمه، وعندنا يأمرهم الإمام أن يجعلوا كنائسهم مساكن ويمنع من صلاتهم فيها، ولكن لا تهدم. هذا إذا صالحهم بعد الفتح أن يجعلهم ذمة، وبه قال الشافعي في قول وأحمد في رواية؛ لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فتحوا كثيراً من البلاد عنوة ولم يهدموا كنائسهم. وكتب عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى عماله: لا تهدموا بيعة ولا كنيسة، وقال: ما فتح صلحاً فإن صالحهم على أن الأرض وكذا الخراج لنا فجاز إحداثهم، وإن صالحهم على أن الدار لنا ويؤدون الجزية، فالحكم بالكنائس على ما وقع عليه الصلح على شرط تمكين الإحداث لأئمتهم، والأولى أن يصالحهم على شرط ما وقع صلح عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من عدم إحداث البيعة والكنيسة، ويمنعون من ضرب الناقوس وشرب الخمر واتخاذ جزية الخنزير. ولو وقع الصلح مطلقاً لا يجوز الإحداث ولا يتعرض للقديمة، ويمنعون من ضرب الناقوس وشرب الخمر واتخاذ الخنزير بالإجماع. وفي المحيط: لو ضربوا الناقوس في جوف كنائسهم لا يمنعون. [إحداث البيع والكنائس في أرض العرب] م: (وإن انهدمت البيع والكنائس القديمة أعادوها) ش: المراد من القديمة ما كانت قبل فتح الإمام بلدهم ومصالحتهم على إقرارهم على بلدهم وأراضيهم، ولا يشترط أن يكون في زمن الصحابة والتابعين لا محالة م: (لأن الأبنية لا تبقى دائمة، ولما أقرهم الإمام فقد عهد إليهم الإعادة، إلا أنهم لا يمكنون من نقلها، لأنه) ش: أي لأن النقل م: (إحداث في الحقيقة) ش: وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " نوادر هشام ": إن انهدمت كنيسة من كنائسهم أو بيعة أو بيت نار، فلهم أن يبنها كما كانت. وليس لهم أن يحولوها من موضع إلى آخر في المصر. فقوله: أن يبنوه كما كانت، يريد به قد مر بناء الأول، أما الزيادة على البناء الأول فممنوع، لأنه إحداث بيعة في المصر. م: (والصومعة) ش: قال الجوهري: فوعلة، يعني وزنها يدل على أن الواو فيه زائدة، وهو بيت يبنى بأساس طويل ليعبد فيها بالانقطاع عن الناس، وهو معنى قوله م: (للتخلي فيها بمنزلة البيعة) ش: إنما قال: بمنزلة البيعة، يعني لا يجوز إحداثها مثلما لا يجوز إحداث البيعة. م: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 256 بخلاف موضع الصلاة في البيت؛ لأنه تبع للسكنى، وهذا في الأمصار دون القرى؛ لأن الأمصار هي التي تقام فيها الشعائر، فلا تعارض بإظهار ما يخالفها. وقيل في ديارنا يمنعون من ذلك في القرى أيضاً؛ لأن فيها بعض الشعائر، والمروي عن صاحب المذهب في قرى الكوفة؛ لأن أكثر أهلها أهل الذمة، وفي أرض العرب يمنعون من ذلك في أمصارها وقراها؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب»   [البناية] (بخلاف موضع الصلاة في البيت) ش: حتى لا يمنع، يعني إذا عين موضعاً من البيت للصلاة فيه لا يمنع منه م: (لأنه تبع للسكنى) ش: أي لأنه تابع لمسكنه، فتكون من جملة مسكنه م: (وهذا في الأمصار) ش: أي عدم جواز إحداث البيعة والكنيسة في الأمصار م: (دون القرى؛ لأن الأمصار هي التي تقام فيها الشعائر) ش: أي شعائر الإسلام م: (فلا تعارض بإظهار ما يخالفها) ش: أي خالف الشعائر. م: (وقيل في ديارنا يمنعون من ذلك) ش: أي من إحداث البيعة والكنيسة م: (في القرى أيضاً؛ لأن فيها بعض الشعائر) ش: مثل الأذان والإقامة والصلاة بالجماعة م: (والمروي عن صاحب المذهب) ش: وهو الإمام أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أي الذي روي عن أبي حنيفة من عدم المنع من إحداث الكنيسة والبيعة. م: (في قرى الكوفة لأن أكثر أهلها أهل الذمة) ش: لم تكن قراها موضعاً فتقيد الأحكام لتعليمهم، فلم يرد المنع من الإحداث. وقال في " الفتاوى الصغرى " إذا أرادوا إحداث البيع والكنائس في الأمصار يمنعون بالإجماع أما في السواد وذكر في العشر والخراج أنهم يمنعون. وفي الإجارات أنهم لا يمنعون. واختلف المشايخ فيه، قال مشايخ بلخ يمنع، وقال الفضلي ومشايخ بخارى: لا يمنع، وذكر شمس الأئمة السرخسي: الأصح عندي أنهم يمنعون عن ذلك في السواد، وهل تهدم البيع القديمة في السواد على الروايات كلها أم لا؟ أما في الأمصار ذكر في الإجارات لا تهدم البيع القديمة بل تترك. وذكر في العشر والخراج أنها تهدم. م: (وفي أرض العرب يمنعون من ذلك) ش: من إحداث البيع والكنائس م: (في أمصارها وقراها؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» ش: هذا الحديث رواه إسحاق بن راهويه في مسنده أخبرنا النضر بن شميل حدثنا صالح بن أبي الأحصر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في مرضه الذي توفي فيه: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» ، انتهى. إنها سميت الجزيرة؛ لأن بحر فارس وبحر الحبش ودجلة والفرات قد أحاطت بها، وقيل لانجزارها عن موضعها، والجزر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 257 قال: ويؤخذ أهل الذمة بالتمييز عن المسلمين في زيهم ومراكبهم وسروجهم وقلانسهم ولا يركبون الخيل، ولا يعملون بالسلاح، وفي " الجامع الصغير ": ويؤخذ أهل الذمة بإظهار الكستيجات والركوب على السروج التي هي كهيئة الأكف،   [البناية] القطع لأنها جزرت عن المياه التي حواليها لبحور البصرة وعمان وعدن والفرات. وقال الزهري: سميت جزيرة لأن بحر فارس وبحر السواد أحاطا بجانبيها، يعني البحر وأحاطت بالجانب الشمالي دجلة والفرات، وأسند أبو داود عن سعيد بن عبد العزيز قال: جزيرة العرب ما بين الوادي إلى أقصى اليمن إلى نحو العراق إلى النجف. وقال المنذري في مختصره: قال مالك: جزيرة العرب المدينة نفسها، وروي عنه أنها الحجاز واليمن، ولما لم يبلغه ملك فارس والروم، وحكى البخاري عن المغيرة أنها مكة والمدينة. وقال الأصمعي: هي من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول. وأما العرض فمن جدة وما والاها من ثماجيل البحر إلى أطراف الشام. قال أبو عبيدة جزيرة العرب ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى اليمن في الطول. وأما العرض فما بين مرسل سيرين إلى مقطع السماء. وفي شرح ديوان الفرزدق حفر أبي موسى فاتخذ على خمس مراحل من البصرة. وقال أبو عبيد: أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإخراج اليهود والنصارى من هذا كله. [تمييز أهل الذمة عن المسلمين في زيهم] م: (قال: ويؤخذ أهل الذمة بالتمييز عن المسلمين في زيهم) ش: بكسر الزاي وتشديد الياء الزي الهيئة وأصله زوي قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء م: (ومراكبهم) ش: جمع مركوب م: (وسروجهم) ش: جمع سرج م: (وقلانسهم) ش: جمع قلنسوة. وقال الكرخي: تكون قلانس الرجال سواء طوالاً مضربته م: (ولا يركبون الخيل ولا يعملون بالسلاح. وفي " الجامع الصغير ") ش: إنما ذكر لفظ " الجامع الصغير " ليعلم أنه تفسير لما ذكره القدوري؛ لأن المذكور فيما قبله لفظ القدوري م: (ويؤخذ أهل الذمة بإظهار الكستيجات) ش: جمع كستج، وفسره الكرخي ما يحيط العقدة على وسطه. وعن أبي يوسف: كستج خيط غليظ بقدر الإصبع يشده الذمي فوق ثيابه دون ما سرين به من الزنار المتخذة من الإبريسم. وقال فخر الإسلام: في تفسير الكستيجات هي أعلام الكفر، وهي فارسية معربة، وحقيقة الزجر والذل بلغة العجم. م: (والركوب على السروج التي هي كهيئة الأكف) ش: بضم الهمزة والكاف جمع إكاف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 258 وإنما يؤخذون بذلك إظهارا للصغار عليهم وصيانة لضعفة المسلمين. ولأن المسلم يكرم والذمي يهان، ولا يبتدأ بالسلام ويضيق عليه الطريق، فلو لم تكن علامة مميزة فلعله يعامل معاملة المسلمين، وذلك لا يجوز. والعلامة يجب أن تكون خيطا غليظا من الصوف يشده على وسطه دون الزنار، ومن الإبريسم فإنه جفاء في حق أهل الإسلام، ويجب أن تتميز نساؤهم عن نسائنا في الطرقات والحمامات، ويجعل على دورهم علامات كي لا يقف عليها سائل يدعو لهم بالمغفرة.   [البناية] بالكسر وتفسيره ما قال الكرخي في مختصره وهي أن يكون على قربوص السرج مثل الرمانة م: (وإنما يؤخذون بذلك) ش: أي بما ذكر من الأشياء م: (إظهاراً للصغار عليهم وصيانة لضعفة المسلمين) ش: يعني في الدين لا في اليدين حتى لا يميلوا إليهم بأن رأوهم أصحاب النعمة والحقص والدعة. ويقولون إن المؤمنين في مشقة ومحنة وأهل الذمة في راحة ونعمة، فلذلك وجب تمييزهم بأعلام وآثار تدل على الذل ولا يتركون يتجملون، ولهذا كان عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يأمر عماله أن يأخذوا أهل الذمة. م: (ولأن المسلم يكرم) ش: لأجل إسلامه م: (والذمي يهان) ش: لأجل كفره م: (ولا يبتدأ بالسلام) ش: أي الذمي بالسلام م: (ويضيق عليه الطريق) ش: يعني يلحق إلى أضيق الطريق م: (فلو لم تكن علامة مميزة) ش: على صيغة اسم الفاعل من التمييز م: (فلعله) ش: أي فلعل الذمي م: (يعامل) ش: على صيغة المجهول م: (معاملة المسلمين، وذلك لا يجوز، والعلامة يجب أن تكون خيطاً غليظاً من الصوف يشده على وسطه دون الزنار، من الإبريسم فإنه جفاء) ش: أي فإن الزنار جفاء، أي خوف. وترك الخمس المعشرة م: (في حق أهل الإسلام) ش: والإبريسم معرب، والعرب تخلط فيما ليس من كلامها. وقال هو بكسر الهمزة والراء وفتح السين. وقال التمرتاشي: ينبغي في كل بلد من العلامة ما تعارفه أهله؛ لأنه المقصود، ويعلم بهذا أن الأمصار على هذه العلامة المخصوصة لازم. م: (ويجب أن تتميز نساؤهم عن نسائنا في الطرقات والحمامات) ش: كالجلاجل وغير ذلك. وكذا قال شمس الأئمة السرخسي في شرح " الجامع الصغير ". وقال أيضاً: وكذا من تكون يروه من نسائهم تؤمر باتخاذ علامة فوق الحلات لتميز بذلك من المسلمات. وإذا كانت ممن لا يخرج لا يحتاج إلى العلامة م: (ويجعل على دورهم علامات كي لا يقف عليها سائل يدعو لهم بالمغفرة) ش: لأن فيه إهانة المسلم في نفس الأمر، حيث يدعو لعدو الله تعالى ووقوف المسلم على باب أهل الكفر ذل، وإهانة للمسلم فضلاً أن يدعو له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 259 قالوا: الأحق أن لا يركبوا إلا للضرورة، وإذا ركبوا للضرورة فلينزلوا في جامع المسلمين، فإن لزمه ضرورة اتخذوا سرجا بالصفة التي تقدمت، ويمنعون عن لباس يختص به أهل العلم والزهد والشرف. ومن امتنع من أداء الجزية أو قتل مسلما أو سب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أو زنى بمسلمة لم ينتقض عهده؛ لأن الغاية التي ينتهي بها القتال التزام الجزية لا أداؤها، والالتزام باق. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يكون نقضا؛ لأنه لو كان مسلما ينقض أمانه، فكذا ينقض أمانه إذ عقد الذمة خلف عنه،   [البناية] م: (قالوا) ش: أي مشايخنا الأخر إن م: (الأحق أن لا يركبوا إلا للضرورة) ش: كالخروج إلى الرهبان وذهاب المريض إلى موضع محتاج إليه، وكذا إذا استعان بهم الإمام في الحرب. م: (وإذا ركبوا للضرورة فلينزلوا في جامع المسلمين، فإن لزمه ضرورة اتخذوا سرجاً بالصفة التي تقدمت) ش: وهي كهيئة الأكف، إذ السرج للقرابة، ولهذا يكره للنساء الركوب على السرج؛ لأنهن ليسوا من أهل الجهاد م: (ويمنعون عن لباس يختص به أهل العلم والزهد والشرف) ش: هكذا أمر عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [نقض عهد من امتنع من أداء الجزية] م: (ومن امتنع من أداء الجزية أو قتل مسلماً أو سب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أو زنى بمسلمة لم ينتقض عهده) ش: وقال أصحاب الشافعي: ينقض العهد بجميع ذلك، كذا ذكر في شرح الأقطع م: (لأن الغاية التي ينتهي بها القتال التزام الجزية لا أداؤها والالتزام باق) ش: يعني التزام الجزية باق، فيكون على عهده، ولقد طول الأترازي هنا في كلامه، وأكثر ما يعجبني أنه أفتى بقتله لسبه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكون سبه لله تعالى. والوجه مع أصحاب الشافعي م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يكون نقضاً) ش: أي للعهد م: (لأنه لو كان مسلماً ينقض أمانه) ش: يعني على تقدير أنه لو كان مسلماً وكان سب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان ينقض أمانه. كذا فسره الشراح - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (فكذا ينقض أمانه) ش: أي أمانه الذي كان له بعقد الذمة م: (إذ عقد الذمة خلف عنه) ش: عن الأمان. وقال الشافعي إذا امتنع من بدل الجزية وقبول أحكام الإسلام ينتقض عهده ولا ينتقض بزنا مسلمة وإن غصبها بنكاحها، أو يفتن مسلماً عن دينه أو بقطع الطريق أو يؤدي إلى الكفار عيناً أو يدل على عورات الإسلام. وبه قال مالك وأحمد. وقال مالك: ينتقض بإكراه المسلمة على الزنا وفي سب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أو ذكر الله تعالى بما لا ينبغي وللشافعي قولان، أحدهما ينتقض، والثاني لا، وفي " شرح الوجيز " امتناع الجزية مع القدرة انتقاض في عهده وأما لعجز لا. أي عن الأمان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 260 ولنا أن سب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كفر منه، والكفر المقارن لا يمنعه فالطارئ لا يرفعه. قال: ولا ينقض العهد إلا أن يلتحق بدار الحرب، أو يغلبوا على موضع فيحاربوننا؛ لأنهم صاروا حربا علينا، فيعرى عقد الذمة عن الفائدة وهو دفع شر الحراب. وإذا نقض الذمي العهد فهو بمنزلة المرتد، معناه في الحكم بموته باللحاق؛ لأنه التحق بالأموات، وكذا في حكم ما حمله من ماله إلا أنه لو أسر لا يسترق بخلاف المرتد.   [البناية] م: (ولنا أن سب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كفر منه) ش: أي من الذمي م: (والكفر المقارن) ش: أي المعتزل به م: (لا يمنعه) ش: أي لا يمنع الأمان م: (فالطارئ) ش: أي الكفر الطارئ بعارض م: (لا يرفعه) ش: أي الأمان. م: (قال: ولا ينقض العهد إلا أن يلتحق بدار الحرب أو يغلبوا) ش: أي أهل الذمة م: (على موضع، فيحاربوننا؛ لأنهم صاروا حرباً علينا، فيعرى عقد الذمة عن الفائدة، وهو دفع شر الحراب، وإذا نقض الذمي العهد فهو بمنزلة المرتد) ش: وبينه المصنف بقوله: م: (معناه في الحكم بموته باللحاق؛ لأنه التحق بالأموات) ش: بمعنى إذا تاب ورجع لا يقتل، وإن لحق بدار الحرب ما يعمل في تركته المرتد. فإن خلف امرأة ذمية في دار الإسلام بانت منه لتباين الدارين. وإذا لحقت معه بدارهم ثم عاد إلى دارنا فهما على حقها، إلا أن الذمي اللاحق بدارهم إذا غلب عليها يسترق، والمرتد ما دامت في دارنا لا يسترق، فإذا لحقت بدار الحرب ثم ثبت استرقت، ويجوز مع ذلك على الإسلام. م: (وكذا في حكم ما حمله من ماله) ش: يعني أن الذمي الناقض للعهد إذا حمل ماله إلى دار الحرب تكون فيئاً للمسلمين إذا ظهروا عليها كمال المرتد إذا حمله إلى دار الحرب م: (إلا) ش: استثنى من قوله فهو بمنزلة المرتد، أي إلا أن الذمي لو أسر يسترق بخلاف المرتد م: (أنه لو أسر لا يسترق) ش: بل يقتل إن أصر على استرداده، وكذا يجوز وضع الجزية على ذمي نقض العهد، ولحق بدار الحرب م: (بخلاف المرتد) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 261 فصل ونصارى بني تغلب يؤخذ من أموالهم ضعف ما يؤخذ من المسلمين من الزكاة؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صالحهم على ذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ويؤخذ من نسائهم ولا يؤخذ من صبيانهم؛ لأن الصلح وقع على الصدقة المضاعفة، والصدقة تجب عليهن دون الصبيان، فكذا المضاعف. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يؤخذ من نسائهم أيضا، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه جزية في الحقيقة على ما قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذه جزية فسموها ما شئتم.   [البناية] [فصل نصارى بني تغلب يؤخذ من أموالهم ضعف ما يؤخذ من المسلمين من الزكاة] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام نصارى بني تغلب، وذكر هنا في فصل، هذا على حدة؛ لأن حكمهم مخالف لحكم سائر النصارى وبنو تغلب بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الغين المعجمة وكسر اللام وائل بن فاسط بن رهيب بن أوضى بن يحيى بن حذيفة بن أسد بن ربيعة بن سادر سلموا أي الجاهلية إلى النصرانية، فدعاهم عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى بدل الجزية، فأبو وأنفوا، وقالوا: نحن عرب، خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض الصدقات. فقال لا آخذ من مشرك صدقة فلحق بعضهم بالروم فقال النعمان بن زرعة يا أمير المؤمنين إن القوم لهم بأس شديد، ذويهم عرب يأنفون من الجزية فلا تعن عدوك عليك بهم، وخذ منهم الجزية باسم الصدقة، فبعث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في طلبهم وضعف عليهم فأجمع الصحابة على ذلك، وقال به الفقهاء. م: (ونصارى بني تغلب يؤخذ من أموالهم ضعف ما يؤخذ من المسلمين من الزكاة؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صالحهم على ذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: تقدم هذا في كتاب الزكاة في آخر باب زكاة الخيل م: (ويؤخذ من نسائهم ولا يؤخذ من صبيانهم) ش: هذا لفظ القدوري في مختصره وهو ظاهر الرواية. وقال الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير " روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قال: لا يؤخذ من نساء بني تغلب شيء. قال الفقيه: وذكر عن أبي الحسن الكرخي أنه قال: هذه الرواية أقيس؛ لأنه لا يؤخذ من نساء أهل الذمة جزية فكذلك لا تؤخذ من نسائهم - تغلب - مضاعفة الصدقة. م: (لأن الصلح وقع على الصدقة المضاعفة، والصدقة تجب عليهن دون الصبيان، فكذا المضاعف) ش: لا تجب عليهم م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يؤخذ من نسائهم أيضاً) ش: وفي بعض النسخ من سواهم م: (وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قول زفر وهو قول الشافعي م: (لأنه) ش: أي لأن الذمي يؤخذ منهم م: (جزية في الحقيقة على ما قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذه جزية فسموها ما شئتم) ش: أي هذه الصدقة المضاعفة جزية فسموها حسبما شئتم أنتم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 262 ولهذا تصرف مصارف الجزية ولا جزية على النسوان. ولنا أنه مال وجب بالصلح والمرأة من أهل وجوب مثله عليها، والمصرف مصالح المسلمين؛ لأنه مال بيت المال، وذلك لا يختص بالجزية ألا ترى أنه لا يراعى فيه شرائطها، ويوضع على مولى التغلبي الخراج، أي الجزية وخراج الأرض بمنزلة مولى القرشي. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضاعف لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إن مولى القوم منهم، ألا ترى أن مولى الهاشمي يلحق به في حق حرمة الصدقة. ولنا أن هذا تخفيف   [البناية] وهذا أيضاً تقدم في باب زكاة الخيل في كتاب الزكاة، وأما صبيانهم فلا يؤخذ منهم شيء. وكذا مجانينهم، وعند أحمد يجب عليهما كالزكاة م: (ولهذا) ش: أي لكونها جزية في الحقيقة م: (تصرف مصارف الجزية، ولا جزية على النسوان) ش: فلا يؤخذ شيء من نساء بني تغلب أيضاً. م: (ولنا أنه) ش: أي أن المأخوذ منهم م: (مال وجب بالصلح والمرأة من أهل وجوب مثله عليها) ش: أي مثلما وجب ببدل الصلح فتجب عليها م: (والمصرف مصالح المسلمين) ش: هذا جواب من قوله: تصرف مصارف الجزية، تقريره أن يقال: لا نسلم أن كونه مصرف الجزية يدل على أنه جزية؛ لأن مصرفه مصالح المسلمين م: (لأنه مال بيت المال وذلك) ش: أي مصرف مصالح المسلمين م: (لا يختص بالجزية) ش: وحدها، بل يوضع فيه خراج الأرضين والجزية، وأما أهله أهل الحرب وغيرها. م: (ألا ترى أنه لا يراعى فيه) ش: أي في المأخوذ منها م: (شرائطها) ش: أي شرائط الجزية بوصف العقار وغيره من عدم القبول من الثابت وبالإعطاء قائماً والقابض قاعداً وأخذ التلبيب والهز. م: (ويوضع على مولى التغلبي الخراج) ش: هذا من مسائل الجامع، وفسره المصنف بقوله م: (أي الجزية) ش: لأنها خراج الرأس ومولى التغلبي معتقه م: (وخراج الأرض) ش: أي يوضع عليها خراج الأرض م: (بمنزلة مولى القرشي) ش: لا يؤخذ الجزية والخراج من القرشي، ويؤخذ من مولاه، فكذلك هاهنا. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضاعف) ش: أي يضاعف على مولى التغلبي م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «إن مولى القوم منهم» ش: هذا الحديث تقدم في باب من يجوز دفع الصدقة إليه ومن لا يجوز. وجه استدلاله به ظاهر؛ لأن مولاه عليه التضعيف فعليه كذلك؛ لأنه منه، وهو المروي عن عامر التغلبي أيضاً م: (ألا ترى أن مولى الهاشمي يلحق به في حق حرمة الصدقة) ش: لأنه منه بظاهر الحديث، فكذلك مولى التغلبي. م: (ولنا أن هذا) ش: أي أخذ مضاعف الزكاة م: (تخفيف) ش: يعني أنه ليس فيه وصف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 263 والمولى لا يلحق بالأصل فيه، ولهذا توضع الجزية على مولى المسلم إذا كان نصرنيا، بخلاف حرمة الصدقة؛ لأن الحرمات تثبت بالشبهات فألحق المولى بالهاشمي في حقه، ولا يلزم مولى الغني حيث لا تحرم عليه الصدقة؛ لأن الغني من أهلها، وإنما الغنى مانع ولم يوجد في حق المولى، أما الهاشمي فليس بأهل لهذه الصلة أصلا؛ لأنه صين لشرفه وكرامته عن أوساخ الناس فألحق به مولاه. قال: وما جباه الإمام من الخراج   [البناية] الصغار بخلاف الجزية م: (والمولى لا يلحق بالأصل فيه) ش: أي في التخفيف م: (ولهذا) ش: أي ولكون المولى لا يلحق بالأصل في التخفيف م: (توضع الجزية على مولى المسلم إذا كان نصرانياُ) ش: ولم يلحق لمولاه في ترك الجزية، وإن كان الإسلام على أسباب التخفيف بالتخلص عن التدين بالإمام، وقد ألحق مولى الهاشمي فيها بالهاشمي. وتقرير الجواب أن ذلك م: (بخلاف حرمة الصدقة؛ لأن الحرمات تثبت بالشبهات) ش: لأنها في باب الحرمات ملحقة بالحقيقة م: (فألحق المولى بالهاشمي في حقه) ش: أي في حق ما هو لمولاه، وهو حرمة الصدقة. م: (ولا يلزم مولى الغني) ش: جواب عما يقال مال مولى الغني لم يلحق به في حرمة الصدقة والعلة المذكورة، وهي أن الحرمات تثبت بالشبهات. فأجاب بقوله ولا يلزم المولى الغني علينا م: (حيث لا تحرم عليه) ش: أي على الغني م: (الصدقة؛ لأن الغني من أهلها) ش: أي من أهل الصدقة في الجملة، ألا ترى أنه إذا كان عاملا يعطى من الصدقة ما يكفيه، وكذلك ابن السبيل يجوز له أخذ الزكاة. م: (وإنما الغنى مانع ولم يوجد في حق المولى، أما الهاشمي فليس بأهل لهذه الصلة أصلاً لأنه صين) ش: أي حفظ، وهو مجهول صانه، وأصله صون قلبت الواو ألفاً لتحركها وافتتاح ما قبلها وأصل صين صون قلبت الواو ياء، ثم أبدلت ضمة الصاد كسرة لأجل الياء م: (لشرفه) ش: أي لأجل شرفه. م: (وكرامته عن أوساخ الناس) ش: وذلك لأجل التعظيم لقرابة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإذا كان الأمر كذلك م: (فألحق به) ش: أي بالهاشمي م: (مولاه) ش: لأنه نسبة، ولم يذكر جواباً عن الحديث، وهو أنه ورد بخلاف القياس فاقتصر على مورد النص. وهو حرمة الصدقة خاصة فلم يجز التعدية إلى غيرها؛ لأن ذلك كان لإظهار فضل قرابة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في إلحاق مولاهم بهم، ومولى التغلبي ليس من ذلك في شيء. م: (قال: وما جباه الإمام) ش: أي وما جمعه الإمام م: (من الخراج) ش: أي خراج الأراضي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 264 ومن أموال بني تغلب وما أهداه أهل الحرب إلى الإمام والجزية، يصرف في مصالح المسلمين كسد الثغور وبناء القناطر والجسور، ويعطى قضاة المسلمين وعمالهم وعلماؤهم منه ما يكفيهم، ويدفع منه أرزاق المقاتلة وذراريهم؛ لأنه مال بيت المال، فإنه وصل إلى المسلمين من غير قتال وهو معد لمصالح المسلمين، وهؤلاء عملتهم، ونفقة الذراري على الآباء، فلو لم يعطوا كفايتهم لاحتاجوا إلى الاكتساب لا يفرغون للقتال. ومن مات منهم في نصف السنة فلا شيء له من العطاء؛ لأنه نوع صلة وليس بدين، ولهذا سمي عطاء فلا يملك قبل القبض ويسقط بالموت   [البناية] م: (ومن أموال بني تغلب وما أهداه أهل الحرب إلى الإمام والجزية يصرف في مصالح المسلمين كسد الثغور) ش: وهو جمع ثغر، وهو موضع مخاف البلدان م: (وبناء القناطر) ش: جمع قنطرة وهو ما يحكم بناؤه ولا يرفع م: (والجسور) ش: جمع جسر، وهو ما يوضع ويرفع م: (ويعطى قضاة المسلمين وعمالهم) ش: بضم العين وتشديد الميم جمع عامل. م: (وعلماؤهم منه) ش: أي من الذي جباه الإمام من الأشياء المذكورة م: (ما يكفيهم) ش: أي ما يكفي القضاة وعمالهم والعلماء م: (ويدفع منه) ش: أي من الذي جباه أيضاً م: (أرزاق المقاتلة وذراريهم) ش: أي وأرزاق ذراريهم؛ لأن نقصانهم واجب عليهم، فلو لم يكن موقوفاُ لذراري آبائهم لم يتفرغوا للقتال، ولبطل أمر الجهاد الذي من أعظم مصالح المسلمين؛ لاشتغال المقاتلة بأكساب النفقات للذراري. م: (لأنه) ش: أي لأن الذي جباه الإمام م: (مال بيت المال، فإنه وصل إلى المسلمين من غير قتال، وهو) ش: أي المال الذي جباه م: (معد لمصالح المسلمين، وهؤلاء عملتهم) ش: أي القضاة وعمالهم والعلماء عملتهم وهو جمع عامل م: (ونفقة الذراري على الآباء، فلو لم يعطوا كفايتهم لاحتاجوا إلى الاكتساب لا يفرغون للقتال) ش: وقد شرحناه الآن. م: (ومن مات منهم) ش: أي من المذكورين م: (في نصف السنة فلا شيء له من العطاء) ش: وهو ما يكتب للقراء في الديوان ولكل من قام بأمر الدين م: (لأنه نوع صلة وليس بدين، ولهذا سمي عطاء فلا يملك قبل القبض ويسقط بالموت) ش: وإنما وضع المسألة نصف السنة؛ لأنه لو مات في آخر السنة يستحب صرف ذلك إلى قريبه؛ لأنه قد وافى غناءه، ويستحب الصرف إلى قريبه ليكون أقرب إلى الولائم قبل رزق القاضي ومن في معناه في آخر السنة يعطى، ولو أخذ في أولها ثم عزل أو مات قبل نصفها قيل: يجب رد ما بقي من السنة، وقيل على قياس نفقة المرأة لا يجب. وقال محمد وأحب إلي رد الباقي، وكذا لو عجل لها نفقته يسترضيها فمات قبل التزوج الجزء: 7 ¦ الصفحة: 265 وأهل العطاء في زماننا مثل القاضي والمدرس والمفتي، والله أعلم.   [البناية] لعدم حصول المقصود، وعندهما أنها صلة من وجه فيقطع الاسترداد بالموت كالرجوع في الهبة، ذكره في جامع قاضي خان والتمرتاشي. م: (وأهل العطاء في زماننا مثل القاضي والمدرس والمفتي، والله أعلم) ش: إنما قال ذلك لأنه في الابتداء كان يعطى لكل من كان له ضرب من به في الإسلام كأزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأولاد المهاجرين والأنصار. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 266 باب أحكام المرتدين قال: وإذا ارتد المسلم عن الإسلام - والعياذ بالله - عرض عليه الإسلام، فإن كانت له شبهة كشفت عنه؛ لأنه عساه اعترته شبهة فتزاح، وفيه دفع شره بأحسن الأمرين إلا أن العرض على ما قالوا غير واجب؛ لأن الدعوة بلغته. قال: ويحبس ثلاثة أيام، فإن أسلم وإلا قتل. وفي " الجامع الصغير ": المرتد يعرض عليه الإسلام، فإن أبى قتل حرا كان أو عبدا، وتأويل الأول   [البناية] [باب أحكام المرتدين] م: (باب أحكام المرتدين) ش: أي هذا باب في بيان أحكام المرتدين وهو جمع مرتد، وهو الذي يرتد، أي يرجع عن دين الإسلام إلى الكفر - والعياذ بالله تعالى - ولما فرغ من بيان أحكام الكفر الأصلي شرع في بيان أحكام الكفر الطارئ؛ لأن الطارئ إنما هو بعد وجود الأصلي. م: (قال: وإذا ارتد المسلم عن الإسلام - والعياذ بالله - عرض عليه الإسلام) ش: وفي أكثر النسخ، وإذا ارتد المسلم عن الإسلام عرض عليه الإسلام م: (فإن كانت له شبهة كشفت عنه) ش: وفي بعض نسخ القدوري كشفت له. م: (لأنه) ش: أي لأن الذي ارتد م: (عساه) ش: أي لعله م: (اعترته شبهة) ش: وفي بعض النسخ اعترضت له شبهة، يقال عراه أعراه بمعنى إذا أباح م: (فتزاح) ش:، أي تزال من الإزاحة، وفي بعض النسخ: فتزاح عنه أي عن الذي ارتد. م: (وفيه) ش: أي وفي عرض الإسلام م: (دفع شره) ش: أي دفع شر المرتد م: (بأحسن الأمرين) ش: أراد بهما الإسلام والقتل، وأحسنهما الإسلام م: (إلا أن العرض) ش: أي غير أن عرض الإسلام عليه. م: (على ما قالوا) ش: أي المشايخ م: (غير واجب، لأن الدعوة بلغته) ش: أي لأنه عذر، ولكن العرض مستحب. وفي الإيضاح ويستحب عرض الإسلام على المرتدين؛ لأن رجاء عوده إلى الإسلام ثبت على ما يجيء. م: (قال: ويحبس ثلاثة أيام فإن أسلم) ش: فبها ونعمت م: (وإلا قتل) ش: أي وإن لم يسلم بعد ثلاثة أيام قتل. إلى هاهنا كلام القدوري مع شرح المصنف إياه م: (وفي " الجامع الصغير " المرتد يعرض عليه الإسلام فإن أبى قتل) ش: مكانه، وذكره في شرحه: في المسلم يرتد أن يقتل م: (حراً كان أو عبداً) ش: وقال فخر الإسلام: ولا يؤخر إلى أن نتمهل؛ لأنه قد ارتد بعد المعرفة، فلا عفو له م: (وتأويل الأول) ش: وهو قوله ثلاثة أيام. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 267 أنه يستمهل فيمهل ثلاثة أيام لأنها مدة ضربت لإيلاء الإعذار، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله - أنه يستحب أن يؤجله ثلاثة أيام طلب ذلك أو لم يطلب. وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن على الإمام أن يؤجله ثلاثة أيام، ولا يحل له أن يقتله قبل ذلك؛ لأن ارتداد المسلم يكون عن شبهة ظاهرا، فلا بد من مدة يمكنه التأمل، فقدرناه بالثلاثة. ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] من غير قيد الإمهال، وكذا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من بدل دينه فاقتلوه»   [البناية] م: (أنه) ش: أي أن المرتد م: (يستمهل) ش: على صيغة المعلوم من الاستمهال، وهو طلب المهلة. حاصل معناه أنه إذا طلب المهلة م: (فيمهل) ش: على صيغة المجهول من الإمهال م: (ثلاثة أيام؛ لأنها مدة ضربت لإيلاء الإعذار) ش: بكسر الهمزة. أي لاختيار الأعذار كما في شرط خيار قصة موسى، والعبد الصالح وإن لم يطلب المهلة فالظاهر من حالته أنه متعنت في ذلك، فلا بأس بقتله، إلا أن له يستحب أن يستر؛ لأنه بمنزلة كافر بلغته الدعوة. فإن قيل تقدير المدة هاهنا بثلاثة أيام نصب الحكم بالرأي فيما لا مدخل للقتل فيه؛ لأنه المقادير. أجيب: بأن هذا من قبيل إثبات الحكم بدلالة النص؛ لأن ورود النص في خيار البيع بثلاثة أيام، وورد فيه لأن التقدير بثلاثة أيام هناك كان للتأمل. والتقدير هاهنا أيضاً للتأمل. م: (وعن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - أنه يستحب أن يؤجله ثلاثة أيام طلب ذلك) ش: أي الإمهال أو التأجيل م: (أو لم يطلب. وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن على الإمام أن يؤجله ثلاثة أيام ولا يحل له أن يقتله قبل ذلك؛ لأن ارتداد المسلم يكون عن شبهة ظاهراً، فلا بد من مدة يمكنه التأمل. فقدرناه بالثلاثة) . ش: وقال الكاكي: ومدة الاشتباه ثلاثة أيام عندنا ومالك وأحمد والشافعي في قول. وفي أصح قوليه إن تاب في الحال وإلا قتل؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من بدل دينه فاقتلوه» وهو اختيار ابن المنذر. وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يستتاب شهراً. وقال الثوري يستتاب ما رجي عوده. وقال النخغي يستتاب أبداً، وهذا يقتضي أن لا يقتل أبداً، وهو مخالف للسنة والإجماع. م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] من غير قيد الإمهال، وكذا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من بدل دينه فاقتلوه» ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرجه البخاري في حديث استتابة المرتدين وفيه «من بدل دينه فاقتلوه» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 268 ولأنه كافر حربي بلغته الدعوة فيقتل للحال من غير استمهال، وهذا لأنه لا يجوز تأخير الواجب لأمر موهوم. ولا فرق بين الحر والعبد لإطلاق الدلائل. وكيفية توبته أن يتبرأ عن الأديان كلها سوى الإسلام؛ لأنه لا دين له.   [البناية] وروي عن معاوية بن حيدة، أخرجه الطبراني في الكبير قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من بدل دينه فاقتلوه» أن لا تقبل توبته عن الكفر بعد إسلامه. وروي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط عنها مرفوعاً نحوه سواء. م: (ولأنه) ش: أي ولأن المرتد م: (كافر حربي بلغته الدعوة فيقتل للحال من غير استمهال) ش: إنما قال كافر حربي؛ لأنه ليس بذمي ولا مستأمن، إذ لا يقبل الجزية، وما طلب الأمان فكان حربياً فيقتل لإطلاق النص. ولأنه بنفس الردة صار محارباً لأهل الإسلام فيقتل، إلا إذا استمهل فيمهل ثلاثة أيام كما مر. ونقل الناطقي في كتاب " الأجناس " عن كتاب " الارتداد للحبس " فأناب المرتد وعاد إلى الإسلام ثم عاد إلى الكفر حتى فعل ذلك ثلاث مرات، وفي كل مرة طلب من الإمام التأجيل أجله الإمام ثلاثة أيام. فإن عاد إلى الكفر رابعاً ثم طلب التأجيل فإنه لا يؤجله، فإن أسلم وإلا قتل. وقال الكرخي في " مختصره ": فإن رجع أيضاًَ عن الإسلام يأتي به الإمام بعد ثلاثة استتابات أيضاً. فإن لم يتب قتله ولا يؤجله، وإن هو تاب ضربه ضرباً وجيعاً ولا يبلغ به الحد، ثم يحبسه ولا يخرجه من السجن حتى يرى عليه خشوع التوبة، ويرى من حاله حال إنسان قد أخلص، فإذا فعل ذلك خلى سبيله. فإن عاد بعدما خلى سبيله فعل به مثل ذلك أبداً ما دام يرجع إلى الإسلام، ولا يقتل إلا أن يأبى أن يسلم. وقال أبو الحسن الكرخي: هذا قول أصحابنا جميعاً أن المرتد يستتاب أبداً. وروي عن علي وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه لا تقبل توبة بعد المرة الثالثة؛ لأنه مستحق السبي وليس بثابت م: (وهذا) ش: أي قتله للحال من غير إمهال م: (لأنه) ش: أي لأن القتال م: (لا يجوز تأخير الواجب) وهو القتل م: (لأمر موهوم) ش: وهو إسلام المرتد م: (ولا فرق بين الحر والعبد) ش: أي لا فرق في قتل المرتد أن يكون حراً أو عبداً إذا أبى الإسلام م: (لإطلاق الدلائل) ش: هو قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] ، وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من بدل دينه فاقتلوه» وغيرهما من غير فصل بين الحر والعبد. م: (وكيفية توبته) ش: أي توبة المرتد م: (أن يتبرأ عن الأديان كلها سوى الإسلام لأنه لا دين له) ش: يعني لو كان له دين كاليهودية والنصرانية يوجب عليه أن يبرأ عن ذلك، ولكن ليس له دين فلأجل هذا يبرأ عن الأديان كلها سوى دين الإسلام بعد أن يأتي بالشهادتين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 269 ولو تبرأ عما انتقل إليه كفاه لحصول المقصود. قال: فإن قتله قاتل قبل عرض الإسلام عليه كره ولا شيء على القاتل. ومعنى الكراهية هاهنا ترك المستحب، وانتفاء الضمان؛ لأن الكفر مبيح للقتل والعرض بعد بلوغ الدعوة غير واجب. وأما المرتدة فلا تقتل.   [البناية] قال في شرح الطحاوي: سئل أبو يوسف عن المرتد كيف يستتاب فقال: يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. ويقر بما جاء من عند الله من الذي انتحل، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وقال: ولم أدخل في هذا الدين قط وأنا بريء منه، أي من الذي ارتد إليه فهي توبة أيضاً. كذا نقل الشيخ أبو الحسن الكرخي عن أبي يوسف، وقال في شرح الطحاوي: إسلام النصراني أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، ويبرأ من النصرانية، وإن كان يهودياً يبرأ من اليهودية. وكذلك إذا كان كل ملة توقف عليها. وأما إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فإنه لا يكون مسلماً بهذا الاسم؛ لأنهم يقولون هذا إلا أنهم إذا فسروا قالوا: رسول الله إليكم، هذا في اليهود والنصارى والذمي بين ظهراني أهل الإسلام. وأما إذا كان في دار الحرب وحمل عليه رجل من المسلمين فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فهذا دليل الإسلام، أو قال محمد رسول الله، أو قال: دخلت في دار الإسلام، أو قال: دخلت في دين محمد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فهذا دليل إسلامه، ذكره في كتاب المرتد. [المرتد إذا قتله قاتل قبل عرض الإسلام عليه] م: (ولو تبرأ عما انتقل إليه كفاه لحصول المقصود) ش: لأنه مسلمة للمرتد بعد ما كان عليه إذا تبرأ عما انتقل إليه حصل المقصود، والإقرار بالبعث والنشور مستحب، وبه قالت الأئمة الثلاثة. م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإن قتله قاتل قبل عرض الإسلام عليه كره، ولا شيء على القاتل) ش: لأن القتل وجب عليه بالنصوص لمجرد الكفر، فلم يجب الضمان على قاتله لوجود المبيح م: (ومعنى الكراهية هاهنا ترك المستحب) ش: لأن في القتل تفويت الغرض المستحب. وعند من قال بوجوب العرض يحرم قتله م: (وانتفاء الضمان لأن الكفر مبيح للقتل، والعرض بعد بلوغ الدعوة غير واجب) ش: لأن الكافر إذا بلغته الدعوة لا يجب تجديد العرض عليه، بل يستحب، فكذا هنا. وفائدة الاستحباب محل قتله العرض م: (وأما المرتدة فلا تقتل) ش: ولكن حتى تسلم سواء كانت حرة أو أمة، ولو قتلها قاتل لم يجب عليه شيء. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 270 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تقتل لما روينا؛ ولأن ردة الرجل مبيحة للقتل من حيث إنها جناية مغلظة فتناط بها عقوبة مغلظة، وردة المرأة تشاركها فيها فتشاركها في موجبها. ولنا أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن قتل النساء   [البناية] وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تقتل لما روينا؛ ولأن ردة الرجل مبيحة للقتل من حيث إنها جناية مغلظة فتناط بها عقوبة مغلظة، وردة المرأة تشاركها فيها فتشاركها في موجبها. ولنا «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن قتل النساء» م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تقتل) ش: وبه قال مالك وأحمد وأبو الليث والزهري والنخعي والأوزاعي ومكحول وحماد وإسحاق. وهو قول أبي يوسف أولاً، ذكره أبو الليث م: (لما روينا) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من بدل دينه فاقتلوه» ومن تعم الرجال والنساء. وروى الدارقطني «أن امرأة يقال لها مروان ارتدت فأمر - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن تستتاب، فإن تابت وإلا قتلت» م: (ولأن ردة الرجل مبيحة للقتل من حيث إنها جناية مغلظة فتناط بها) ش: أي يتعلق بها م: (عقوبة مغلظة) ش: وهو القتل م: (وردة المرأة تشاركها فيها) ش: أي تشارك ردة الرجل في هذه العقوبة م: (فتشاركها في موجبها) ش: وهو القتل؛ لأن الاشتراك في العلة موجب الاشتراك في المعلول، فصار كالزنا، وشرب الخمر، والسرقة، وفيه نظر؛ لأنه إثبات ما يندرئ بالشبهات بالرأي. م: (ولنا أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن قتل النساء) ش: وروى الجماعة إلا ابن ماجه عن نافع عن ابن عمر «أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فنهى عن قتل النساء والصبيان» . وفي لفظ البخاري ومسلم: «فأنكر قتل النساء والصبيان» . وأخرج أبو داود عن أنس بن مالك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «انطلقوا باسم الله وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخاًَ فانياً ولا طفلاً ولا صغيراً ولا امرأة» .... الحديث، فإذا لم يقتل بالكفر الأصلي فبالطارئ بطريق الأولى كالصبي. وروى الدارقطني في " سننه " عن عبد الله بن عيسى الجزري حدثنا عقال شعير عن عاصم عن أبي ربيعة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تقتل المرأة إذا ارتدت» ، قال الدارقطني: وعبد الله هذا كذاب يضع الحديث على عقال وغيره، هذا لا يصح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. والجواب عن الحديث الذي اتضح به الشافعي أنه عام متروك الظاهر؛ لأن من بدل دينه من اليهودية إلى النصرانية أو من النصرانية إلى اليهودية أو من الكفر إلى الإسلام، لا يقتل مع وجود التبديل على الرجل المرتد توفيقاً بين الحديثين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 271 ولأن الأصل تأخير الأجزية إلى دار الآخرة، إذ تعجيلها يخل بمعنى الابتلاء، وإنما عدل عنه دفعا لشر ناجز وهو الحراب، ولا يتوجه ذلك من النساء لعدم صلاحية البنية. بخلاف الرجال فصارت المرتدة كالأصلية. قال: ولكن تحبس حتى تسلم لأنها امتنعت عن إيفاء حق الله تعالى بعد الإقرار، فتجبر على إيفائه بالحبس كما في حقوق العباد. وفي " الجامع الصغير ": وتجبر المرأة على الإسلام حرة كانت أو أمة، والأمة يجبرها مولاها. أما الجبر فلما ذكرنا من المولى لما فيه من الجمع بين الحقين،   [البناية] م: (ولأن الأصل تأخير الأجزية إلى دار الآخرة، إذ تعجيلها يخل بمعنى الابتلاء) ش: الذي هو من الله إظهار علمه؛ لأن الناس يمتنعون خوفاً من لحوقه، فصاروا في المعنى كالمحورين، وفيه إخلال بالإسلام م: (وإنما عدل عنه) ش: أي عن هذا الأصل م: (دفعاً لشر ناجز) ش: أي واقع م: (وهو الحراب) ش: يقال: ناجزاً مناجزاً، أي يتداخل. م: (ولا يتوجه ذلك) ش: أي الحرب م: (من النساء لعدم صلاحية البنية) ش: يعني بنيتهن غير صالحة لذلك. م: (بخلاف الرجال، فصارت المرتدة كالأصلية) ش: كالكافرة الأصلية والكافرة الأصلية لا تقتل، فكذا المرتدة. وقال الأكمل: ما قيل: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قتل مرتدة فقد قيل: إنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يقتلها لمجرد الردة، بل؛ لأنها كانت شاخة شاعرة تهجو رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان لها ثلاثون ابناً، وهي تحرضهم على قتال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمر بقتلها. م: (قال: ولكن تحبس حتى تسلم؛ لأنها امتنعت عن إيفاء حق الله تعالى بعد الإقرار فتجبر على إيفائه) ش: أي إيفاء حق الله تعالى م: (بالحبس كما في حقوق العباد) ش: حيث تحبس لإيفاء ما عليها من الحق. م: (وفي " الجامع الصغير ") ش: إنما أعاد رواية " الجامع الصغير " لاشتمالها على ذكر الحر والحرة والأمة م: (وتجبر المرأة على الإسلام حرة كانت أو أمة، والأمة يجبرها مولاها، أما الجبر فلما ذكرنا) ش: يعني أنه امتنعت عن إيفاء حق الله بعد الإقرار م: (من المولى) ش: أي وأما الإجبار من المولى م: (لما فيه من الجمع بين الحقين) ش: أي حق الله تعالى وهو الجبر على الإسلام وحق العبد وهو الاستخدام. وفي " الإيضاح " قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن احتاج المولى إلى خدمتها دفعها القاضي إليه وأمره أن يجبرها إلى الإسلام وأرسل إليها القاضي كل أيام يهددها ويضربها أسواطاً حتى تموت أو تسلم. والصحيح أنه يدفعها إلى المولى احتاج أو استغنى طلب أم لا؛ لأن الحبس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 272 ويروى: تضرب في كل أيام مبالغة في الحمل على الإسلام. قال: ويزول ملك المرتد عن أمواله بردته زوالا مراعى، فإن أسلم عادت إلى حالها. قالوا هذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما لا يزول ملكه؛ لأنه مكلف محتاج فإلى أن يقتل بقي ملكه كالمحكوم عليه بالرجم والقصاص. وله أنه حربي مقهور تحت أيدينا حتى يقتل. ولا قتل إلا بالحراب وهذا   [البناية] تصرف فيها، وذا إلى المولى. فإن قيل: للمولى حق الاستخدام في العبد والأمة جميعاً، فكيف دفعت إليه الأمة دون العبد. أجيب: بأن العبد إذا أبى يقتل، فلا فائدة في الدفع إلى المولى. م: (ويروى: تضرب في كل أيام مبالغة في الحمل على الإسلام) ش: وعن الحسن أن المرتدة تضرب كل يوم تسعة وثلاثين سوطا حتى تموت أو تسلم. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويزول ملك المرتد عن أمواله بردته) ش: أي بسبب ردته م: (زوالاً مراعى) ش: أي محفوظاً موقوفاً حتى يتبين حاله. وبه قال الشافعي في الأصح ومالك وأحمد في رواية، وبيانه في قوله م: (فإن أسلم عادت) ش: أي أمواله م: (إلى حالها) ش: أي تبقى ملكاً له كما كانت م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (هذا) ش: أي الذي ذكره القدوري من الزوال المراعى قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وفي بعض النسخ م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو الأصح م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (لا يزول ملكه) ش: وبه قال الشافعي في قوله، واختاره المزني وأحمد في ظاهر الرواية، وبه قال ابن المنذر وأكثر أهل العلم على أنه لا يزول بمجرد الردة م: (لأنه مكلف محتاج فإلى أن يقتل بقي ملكه) ش: ولا يتمكن من إقامة التكلف وأثر الردة في إباحة دمه لا في زوال ملكه كالمقضي عليه بالقود والرجم وهو معنى قوله م: (كالمحكوم عليه بالرجم والقصاص) ش: فإن ملكه لا يزول بإباحة دمه. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي أن المرتد م: (حربي مقهور) ش: أما كونه حربياً، فلأنه كافر غير مستأمن والحربي كذلك؛ لأنه كافر غير مستأمن. وأما كونه مقهوراً فلأنه م: (تحت أيدينا حتى يقتل) ش: وقد زالت عصمة نفسه بالردة حتى يستحق القتل، ولذلك إن زالت عصمة نفسه تبعا له م: (ولا قتل إلا بالحراب) ش: فكان القتل هنا مستلزما للحراب، لأن نفس الكفر ليس مبيح له، ولهذا لا يقتل الأعمى والمقعد والشيخ الفاني، وقد تحقق اللزوم بالاتفاق، وهو كونه: من يقتل، فلا بد من لازمه، وهو كونه حربياً (وهذا) ش: أي كونه حربياً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 273 يوجب زوال ملكه ومالكيته، غير أنه مدعو إلى الإسلام بالإجبار عليه، ويرجى عوده إليه فتوقفنا في أمره، فإن أسلم جعل هذا العارض كأن لم يكن في حق هذا الحكم، وصار كأن لم يزل مسلما ولم يعمل السبب. وإن مات أو قتل على ردته أو لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه استقر كفره فيعمل السبب عمله وزال ملكه. قال: وإن مات أو قتل على ردته انتقل ما اكتسبه في حال إسلامه إلى ورثته المسلمين وكان ما اكتسبه في حال ردته فيئا، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] مقهوراً تحت أيدينا م: (يوجب زوال ملكه ومالكيته) ش: بالجر عطفاً على قوله: ملكه؛ لأن المقهور به أمارة المملوكية، فإذا كان مقهوراً ارتفعت مالكيته وارتفاعها مستلزم ارتفاع الملك؛ لأن ارتفاع المالكية مع بقاء الملك بحال. م: (غير أنه) ش: أي أن المرتد م: (مدعو إلى الإسلام بالإجبار عليه ويرجى عوده إليه) ش: أي على الإسلام، وذلك موجب بقاء المالكيه؛ لأنه حي مكلف يحتاج إلى ما تمكن منه من أداء ما يتكلف به، فبالنظر إلى الأول يزول وبالنظر إلى الثاني لا يزول م: (فتوقفنا في أمره) ش: فقلنا بزوال موقوف. م: (فإن أسلم جعل هذا العارض كأن لم يكن في حق هذا الحكم) ش: أي في حق بقاء ملكه على ماله، واحترز بقوله في حق هذا الحكم عن جبر عليه وعن بينونة امرأته وعن وجوب تجديد كلمة الشهادة؛ لأن ردته لا تجعل كأنه لم تكن في هذه الأحكام م: (وصار كأن لم يزل مسلماً ولم يعمل) ش: على صيغة المجهول م: (السبب) ش: أي سبب المرتد ونكله وهو الارتداد [ميراث المرتد إن مات أو قتل على ردته] م: (وإن مات أو قتل على ردته بدار الحرب وحكم بلحاقه) ش: بدار الحرب م: (استقر كفره فيعمل السبب عمله وزال ملكه) ش: مبتدأ إلى وقت الردة، كما في البيع بشرط الخيار للمشتري. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن مات أو قتل على ردته انتقل ما اكتسبه في حال إسلامه إلى ورثته المسلمين) ش: وقال الأترازي: فلو قال: وإن مات أو قتل على ردته أو لحق بدار الحرب، فحكم بلحاقه كان أولى؛ لأن حكم الحاكم باللحاق مثل موته، انتهى. قلت: لم يقل هكذا هنا لا كفاية بما ذكره قبله، قيل إنه تكرار. قلت: لا؛ لأن الأول لفظه، والثاني لفظ القدوري م: (كان ما اكتسبه في حال ردته فيئاً) ش: يعني غنيمة للمسلمين. م: (وهذا) ش: أي المذكور م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال زفر والحسن، كذا ذكره الكرخي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 274 وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كلاهما لورثته. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كلاهما فيء؛ لأنه مات كافرا، والمسلم لا يرث الكافر، ثم هو مال حربي لا أمان له، فيكون فيئا. ولهما أن ملكه في الكسبين بعد الردة باق على ما بيناه، فينتقل بموته إلى ورثته، ويستند إلى ما قبيل ردته، إذ الردة سبب الموت فيكون توريث المسلم من المسلم. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يمكن الاستناد في كسب الإسلام لوجوده قبل الردة. ولا يمكن الاستناد في كسب الردة لعدمه قبلها، ومن شرطه وجوده، ثم إنما يرثه من كان وارثا له حالة الردة، وبقي وارثا إلى وقت موته في رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا للاستناد. وعنه أنه يرثه من كان وارثا له وقت   [البناية] م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كلاهما) ش: يعني الكسبان جميعاً م: (لورثته. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كلاهما فيء) ش: وبه قال مالك وأحمد م: (لأنه مات كافراً والمسلم لا يرث الكافر ثم هو مال حربي لا أمان له فيكون فيئاً) ش: يعني يوضع في بيت المال ليكون للمسلمين باعتبار أنه مال ضائع. م: (ولهما) ش: أي ولأبي يوسف ومحمد م: (أن ملكه في الكسبين بعد الردة باق على ما بيناه) ش: إشارة إلى قوله: لأنه مكلف يحتاج إلى آخره م: (فينتقل بموته إلى ورثته ويستند إلى ما قبيل ردته) ش: هذا جواب عما يقال: هذا توريث المسلم من الكافر، فأجاب بقوله: ويمتد، أي إلى إرسال. وخرج في " المبسوط " ويستند التوريث إلى ما قبل ردته، فيكون كأنه كسب الردة كسب الإسلام م: (إذ الردة سبب الموت) ش: ولما كان سبب الموت جعل موتاً حكماً، فكان آخر جزء من أجزاء إسلامه آخر جزء من أجزاء حياته حكماً م: (فيكون توريث المسلم من المسلم) ش: بهذه الحيثية. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يمكن الاستناد) ش: أي إسناد التوريث م: (في كسب الإسلام لوجوده) ش: أي لوجود الكسب م: (قبل الردة، ولا يمكن الاستناد في كسب الردة لعدمه قبلها) ش: أي لعدم الكسب قبل الردة. م: (ومن شرطه) ش: أي من شرط إسناد التوريث م: (وجوده) ش: أي وجود الكسب قبل الردة، ليكون توريث المسلم من المسلم؛ لأنا لو قلنا بالتوريث فيما كسب في حال الردة لزم توريث المسلم من الكافر، وذلك لا يجوز م: (ثم إنما يرثه) ش: أي إنما يرث المرتد م: (من كان وارثاً له حالة الردة، وبقي وارثاً إلى وقت موته في رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتباراً للاستناد) ش: ذكر هذا الروايات تفريعاً لمسألة القدوري، وهذه الرواية رواية الحسن م: (وعنه أنه يرثه من كان وارثاً له وقت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 275 الردة، ولا يبطل استحقاقه بموته بل يخلفه وارثه؛ لأن الردة بمنزلة الموت، وعنه أنه يعتبر وجود الوارث عند الموت؛ لأن الحادث بعد انعقاد السبب قبل تمامه كالحادث قبل انعقاده بمنزلة الولد الحادث من المبيع قبل القبض، وترثه امرأته المسلمة إذا مات أو قتل على ردته وهي في العدة؛ لأنه يصير فارا، وإن كان صحيحا وقت الردة.   [البناية] الردة) ش: وولد له من علوق حادث وبقي إلى موته يرثه. ومن حدث بعد ذلك لا يرثه حتى لو أسلم بعض قرابته بعد ردته، وولد من علوق حادث بعد ردته لا يرثه على هذه الرواية م: (ولا يبطل استحقاقه) ش: أي استحقاق الوارث م: (بموته) ش: قبل موت المرتد م: (بل يخلفه وارثه. لأن الردة بمنزلة الموت) ش: في حكم التوريث. ومن مات من الورثة بعد موت مورثه قبل قسمة الميراث لا يبطل استحقاقه، ولكن يخلفه وارثه فيه، وهذا مثله. م: (وعنه) ش: أي وعن أبي حنيفة هذه الرواية رواها محمد عن أبي حنيفة م: (أنه يعتبر وجود الوارث عند الموت) ش: سواء كان موجوداً عند الردة أو حدث بعدها. وفي المبسوط هذا أصح م: (لأن الحادث بعد انعقاد السبب قبل تمامه) ش: أي تمام السبب م: (كالحادث قبل انعقاده) ش: أي قبل السبب فلا جرم تعتبر زمان الموت؛ لأن السبب يتم به حتى يرثه الولد الحادث بعد الردة قبل القتل أو الموت. وهذا م: (بمنزلة الولد الحادث من المبيع قبل القبض) ش: بغير الولد الحادث في المشتراة قبل القبض، حيث يكون له حصة من الثمن غير مضمونة، حتى إذا هلك من يد البائع قبل القبض بغير فعل أحد هلك معه العوض وبقي الثمن كله متعلقاً بالأصل، كما كان كذلك لو كان الولد حادثا قبل انعقاد السبب وهو البيع. قال في " النهاية ": وحاصله أنه على رواية الحسن يشترط الوصفان وهما: كونه وارثاً وقت الردة، وكونه باقياً إلى وقت الموت أو القتل، حتى لو كان وارثاً ثم مات قبل موت المرتد أو جد وارث بعد الردة فإنه لا يرثانه. وعلى رواية أبي يوسف: يشترط الوصف الأول دون الثاني، وعلى رواية محمد: يشترط الوصف الثاني دون الأول. [ميراث زوجة المرتد إذا قتل على ردته وهي في العدة] م: (وترثه) ش: أي ترث المرتد م: (امرأته المسلمة إذا مات) ش: أي المرتد م: (أو قتل على ردته وهي في العدة) ش: الواو فيه للحال م: (لأنه يصير فاراً، وإن كان) ش: أي المرتد والواو للاتصال م: (صحيحاً وقت الردة) ش: لأن الردة سبب الهلاك كالمرض، فأشبه بردته التي حصلت بها بينونة الطلاق في حالة المرض. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 276 والمرتدة كسبها لورثتها؛ لأنه لا حراب منها فلم يوجد سبب الفيء، بخلاف المرتد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويرثها زوجها المسلم إن ارتدت وهي مريضة لقصدها إبطال حقه، وإن كانت صحيحة لا يرثها؛ لأنها لا تقتل فلم يتعلق حقه بمالها بالردة، بخلاف المرتد. قال: وإن لحق بدار الحرب مرتدا وحكم الحاكم بلحاقه عتق مدبروه   [البناية] والطلاق البائن حالة المرض يوجب الإرث إذا كانت في العدة. وفي رواية أبي يوسف: يرث وإن انقطعت العدة؛ لأن العدة تغير قيام السبب وقت الردة، ذكره في " المبسوط ". فإن قيل: أضاف أبو حنيفة التوريث إلى ما قبل الردة، وذلك مستلزم أن لا يتفاوت الحكم بين المدخول بها وغير المدخول؛ لأن الردة موت، وامرأة الميت ترثه سواء كان مدخولاً بها أو لم تكن. أجيب: بأن الموت الحقيقي سبب للإرث حقيقة، يستوي فيه المدخول بها وغيرها. وأما الردة فإنها جعلت موتاً حكماً ليكون توريث المسلم، فهي ضعيفة في السببية فلا من تقررها بما هو من آثار النكاح من الدخول وقيام العدة. م: (والمرتدة كسبها) ش: أي كسب المرتدة م: (لورثتها؛ لأنه لا حراب منها) ش: أي من المرأة. ومعنى هذا أن عصمة المال تبع لعصمة النفس، فالردة لا تزيل عصمة نفسها حتى لا تقتل، فكذا لا تزيل عصمة مالها، فكان الكسبان ملكها فيكون ميراثاً لورثتها. فإذا لم يكن حراب منها م: (فلم يوجد سبب الفيء) ش: فلا يترتب عليه الحكم م: (بخلاف المرتد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن كسبه فيء لكونه محارباً في الحال أو في المآل باللحاق. وحاصل العرف أن عصمة المال تابعة للنفس، فالمرتدة لا تقتل فلا تسقط عصمة نفسها، فكذا لا تسقط عصمة مالها، بخلاف المرتد فإنه يقتل فتسقط عصمة نفسه، فكذا عصمة ماله لما ذكرنا م: (ويرثها) ش: أي المرتدة م: (زوجها المسلم إن ارتدت وهي مريضة) ش: الواو فيه للحال م: (لقصدها إبطال حقه) ش: أي حق الزوج بقصد الفرار من ميراث الزوج. م: (وإن كانت) ش: أي المرتدة م: (صحيحة لا يرثها؛ لأنها لا تقتل، فلم يتعلق حقه بمالها بالردة) ش: لأنها ماتت بنفس الردة، فلم يضر فيه على الهلاك لأنها لا تقتل م: (بخلاف المرتد) ش: فلا يكون في حكم الفارة المريضة، فلا يرث زوجها منها، بخلاف المرتد منفصل بقوله: فلم يتعلق حق بمالها. وفي المرتد يتعلق حقها بماله إذا مات وهي في العدة سواء ارتد في صحته أو في مرضه؛ لأنه مستحق القتل فكان فاراً بالارتداد فورثته. م: (قال: وإن لحق بدار الحرب) ش: حال كونه م: (مرتداً وحكم الحاكم بلحاقه عتق مدبروه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 277 وأمهات أولاده وحلت الديون التي عليه، ونقل ما اكتسبه في حال الإسلام إلى ورثته من المسلمين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يبقى ماله موقوفا كما كان؛ لأنه نوع غيبة فأشبه الغيبة في دار الإسلام. ولنا أنه صار مرتدا باللحاق من أهل الحرب وهم أموات في حق أحكام الإسلام، لانقطاع ولاية الإلزام كما هي منقطعة عن الموتى، فصار كالموت، إلا أنه لا يستقر لحاقه إلا بقضاء القاضي لاحتمال العود إلينا، فلا بد من القضاء. وإذا تقرر موته ثبتت الأحكام المتعلقة به وهي ما ذكرناها، كما في الموت الحقيقي، ثم يعتبر كونه وارثا عند لحاقه في قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن اللحاق هو السبب والقضاء لتقرره بقطع الاحتمال.   [البناية] وأمهات أولاده) ش: من جميع المال، كذا في شرح الطحاوي م: (وحلت الديون التي عليه) ش: يعني ديونه المؤجلة م: (ونقل ما اكتسبه في حال الإسلام إلى ورثته من المسلمين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يبقى ماله موقوفاً كما كان) ش: في دار الإسلام، ويحفظه الحاكم وبه قال مالك وأحمد. والذي نقله المصنف عن الشافعي وأحمد، وأقواله. كذا قاله الأكمل: وليس له إلا قولان، أحدهما: ما نقله، والآخر أن ملكه يزول م: (لأنه) ش: أي لأن إلحاقه بدار الحرب م: (نوع غيبة، فأشبه الغيبة في دار الإسلام) ش: فلا يتغير حكم ماله. م: (ولنا أنه صار مرتداً باللحاق من أهل الحرب وهم أموات في حق أحكام الإسلام) ش: ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] (الأنعام: الآية 122) ، أي كافراً فهديناه م: (لانقطاع ولاية الإلزام) ش: هذا تعليل لقوله: وهم أموات؛ لأنه بإلحاق ينقطع عنه الأحكام كما ينقطع عنه بموته. وهو معنى قوله م: (كما هي) ش: أي أحكام الإسلام م: (منقطعة عن الموتى فصار) ش: أي المرتد باللحاق م: (كالموت إلا أنه) ش: أي غير أنه م: (لا يستقر لحاقه إلا بقضاء القاضي لاحتمال العود إلينا فلا بد من القضاء) ش: لترجح جانب عدم العود إلينا م: (وإذا تقرر موته) ش: أي موته الحكمي بالقضاء م: (ثبتت الأحكام المتعلقة به) ش: أي بالمرتد. م: (وهي ما ذكرناها) ش: أي الأحكام المتعلقة به، ما ذكرناها من عتق مدبريه أو أمهات أولاده وحلول ديونه المؤجلة ونقل كسب الإسلام إلى ورثته م: (كما في الموت الحقيقي) ش: أي كما تثبت هذه الأحكام في الموت الحقيقي. م: (ثم يعتبر كونه) ش: أي كون وارث المرتد م: (وارثاً عند لحاقه) ش: أي عند لحاق المرتد بدار الحرب م: (في قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن اللحاق هو السبب) ش: لزوال ملكه م: (والقضاء لتقرره) ش: أي لتقرير السبب، وقيل: لتقرير اللحاق وهما متفاوتان م: (بقطع الاحتمال) ش: أي احتمال العود إلى دار الإسلام. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 278 وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقت القضاء لأنه يصير موتا بالقضاء. والمرتدة إذا لحقت بدار الحرب فهي على هذا الخلاف، وتقضى الديون التي لزمته في حال الإسلام مما اكتسبه في حال الإسلام، وما لزمه في حال ردته من الديون يقضى مما اكتسبه في حال ردته. قال العبد الضعيف عصمه الله: هذه رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعنه أنه يبدأ بكسب الإسلام، فإن لم يف بذلك يقضي من كسب الردة، وعنه على عكسه، وجه الأول: أن المستحق بالسببين مختلف، وحصول كل واحد من الكسبين باعتبار السبب الذي وجب به الدين، فيقضى كل دين من الكسب المكتسب الذي في تلك الحالة، ليكون الغرم   [البناية] م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقت القضاء) ش: أي يعتبر كونه وارثاً وقت القضاء باللحاق م: (لأنه) ش: أي لأن المرتد م: (يصير موتاً بالقضاء) ش: أي بقضاء القاضي واللحاق غلبة م: (والمرتدة إذا لحقت بدار الحرب فهي على هذا الخلاف) ش: أي على هذا الخلاف بين أبي يوسف ومحمد، فعند أبي يوسف: يعتبر وجود الوارث وقت القضاء، وعند محمد: وقت اللحاق أو معناه على هذا الذي ذكرناه من عتق المدبر وأم الولد وحلول الدين ونقل الكسب إلى الورثة، لكن إلى ورثته قبل اللحاق أو وقت القضاء على الاختلاف م: (وتقضى الديون التي لزمته في حال الإسلام مما اكتسبه في حال الإسلام، وما لزمه في حال ردته من الديون يقضى مما اكتسبه في حال ردته) ش: هذا كله قول القدوري. م: (قال العبد الضعيف -عصمه الله -:) ش: أي المصنف م: (هذه رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعنه) ش: أي وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) . وقال الأترازي: إن الشأن م: (يبدأ) ش: في قضاء الذي م: (بكسب الإسلام) ش: وهذه الرواية رواها الحسن عن أبي حنيفة م: (فإن لم يف بذلك) ش: أي فإن لم يكن في كسب الإسلام وفاء بالدين م: (يقضى من كسب الردة. وعنه) ش: أي وعن أبي حنيفة م: (على عكسه) ش: أي يقضى كسب الردة، فإن لم يف يقضى من كسب الإسلام، وهذه الرواية رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة. م: (وجه الأول) ش: أي وجه المذكور الأول وهو قضاء دين على كل حال من كسب تلك الحال م: (أن المستحق بالسببين مختلف) ش: أحدهما: بالسبب الواقع في حالة الإسلام، والآخر: بالسبب الواقع في حالة الردة مختلف؛ لأن الحد الواقع بالسبب في حالة الإسلام يخالف الدين الواجب بالسبب الواقع في حالة الردة. م: (وحصول كل واحد من الكسبين) ش: أي من كسب الإسلام وكسب الردة م: (باعتبار السبب الذي وجب به الدين فيقضى كل دين من الكسب المكتسب الذي في تلك الحالة ليكون الغرم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 279 بالغنم. وجه الثاني: أن كسب الإسلام ملكه حتى يخلفه الوارث فيه. ومن شرط هذه الخلافة الفراغ عن حق المورث، فيقدم الدين عليه. وأما كسب الردة فليس بمملوك له؛ لبطلان أهلية الملك بالردة عنده، فلا يقضى دينه منه إلا إذا تعذر قضاؤه من محل آخر، فحينئذ يقضى منه كالذمي إذا مات ولا وارث له يكون ماله لجماعة المسلمين. ولو كان عليه دين يقضى منه كذلك هاهنا. وجه الثالث: أن كسب الإسلام حق الورثة وكسب الردة خالص حقه، فكان قضاء الدين منه أولى، إلا إذا تعذر بأن لم يف به، فحينئذ يقضى من كسب الإسلام تقديما لحقه.   [البناية] بالغنم) ش: أي بإزاء الغنم. م: (وجه الثاني) ش: وهو الذي يبدأ فيه بكسب الإسلام م: (أن كسب الإسلام ملكه) ش: أي ملك المرتد وأوضح ذلك بقوله م: (حتى يخلفه الوارث فيه) ش: بضم الفاء؛ لأن حتى للحال. قول فيه: أي في كسب الإسلام م: (ومن شرط هذه الخلافة الفراغ عن حق المورث) ش: أراد أن الوارث إنما يكون خلفاً عن الميت إذا لم يكن عليه دين، فإذا كان عليه دين م: (فيقدم الدين عليه) ش: أي على الوارث. [كسب الردة قضاء الدين منه] م: (وأما كسب الردة فليس بمملوك له لبطلان أهلية الملك بالردة عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (فلا يقضى دينه منه، إلا إذا تعذر قضاؤه من محل آخر) ش: أراد به كسب الإسلام م: (فحينئذ يقضى منه) ش: أي من كسب الردة كالذمي، جواب سؤال يرد عليه، وهو إن كسب الردة لما لم يكن مملوكاً له كيف يؤدى منه دينه إذا لم يكن له كسب الإسلام؟ فأجاب بقوله: م: (كالذمي) ش: يعني هذا غير بعيد، فإن الذمي م: (إذا مات ولا وارث له) ش: الواو فيه للحال م: (يكون ماله لجماعة المسلمين، ولو كان عليه دين يقضى منه، كذلك هاهنا) ش: أي كذلك الحكم في هذا الوجه. م: (وجه الثالث) ش: وهو البداءة من كسب الردة، فإن لم يف فمن كسب الإسلام م: (أن كسب الإسلام حق الورثة، وكسب الردة خالص حقه، فكان قضاء الدين منه) ش: أي من كسب الردة م: (أولى إلا إذا تعذر بأن لم يف به) ش: أي كسب الردة م: (فحينئذ يقضى من كسب الإسلام تقديماً لحقه) ش: أي لحق المرتد؛ لأن الدين مقدم على الإرث وفيه بحث من أوجه: الأول: ما قيل إن هذا ناقض قوله، أما كسب الردة فليس بمملوك؛ لبطلان أهلية الملك بالردة. والثاني: أن كون سبب الإسلام حق الورثة ممنوع، فإن حقهم إنما يكون متعلقاً بالتركة بعد الفراغ عن حق المورث. والثالث: أن قضاء الدين من خالص ماله واجب، ومن حق غيره ممتنع، فلا وجه بقوله: فكان قضاء الدين منه أولى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 280 وقال أبو يوسف ومحمد: تقضى ديونه من الكسبين لأنهما جميعا ملكه حتى يجري الإرث فيهما، والله أعلم. قال: وما باعه أو اشتراه أو رهنه أو أعتقه أو وهبه أو تصرف فيه من أمواله في حال ردته فهو موقوف، فإن أسلم صحت عقوده. وإن مات أو قتل أو لحق بدار الحرب بطلت، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز ما صنع في الوجهين.   [البناية] وأجيب عن الأول: بأن المعنى من خلوص الحق هنا أن لا يتعلق حق الغير به كما يتعلق في مال المريض. ثم لا يلزم من كونه خالص حقه كونه ملكاً له، ألا ترى أن كسب المكاتب خالص حقه وليس بملك له، وكذلك الذي إذا مات ولا وارث له على ما ذكرنا. وعن الثاني: أن الدين إنما يتعلق بماله عند الموت، لا ما زال من قبل، وكسب الإسلام قد زال وانتقل بالردة إلى الورثة، وكسب في الردة هو ماله عند الموت يتعلق الدين به. وعن الثالث: بأن كسب الإسلام بعرضية أن يكون خالص حقه بالتوبة، فكان أحدهما خالص حقه، والآخر بعرضه، أي يصير خالص حقه، ولا شك أن قضاء الدين من الأول أولى، هذا على طريق أبي حنيفة. م: (وقال أبو يوسف ومحمد: تقضى ديونه من الكسبين) ش: أي كسب الإسلام، وكسب الردة م: (لأنهما) ش: أي لأن الكسبين م: (جميعاً ملكه حتى يجري الإرث فيهما، والله أعلم) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وما باعه) ش: أي الذي باعه المرتد م: (أو اشتراه أو رهنه أو أعتقه أو وهبه أو تصرف فيه) ش: أي الذي تصرف فيه م: (من أمواله في حال ردته فهو موقوف) ش: دخل بقوله: ما باعه، والمعطوفات عليه يدخل فيه. فهو جملة اسمية في محل الرفع على أنها خبر المبتدأ، أعني قوله: وما باعه، والمبتدأ إذا تضمن معنى الشرط تدخل في خبره الفاء على ما عرف في موضعه، وأوضح معنى الموقوف بقوله م: (فإن أسلم صحت عقوده) ش: المذكورة م: (وإن مات أو قتل أو لحق بدار الحرب بطلت) ش: هذه العقود. م: (وهذا) ش: أي كون هذه التصرفات موقوفة م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: إنما قال المصنف: هذا؛ لأن القدوري لم يذكر الخلاف في هذا الموضع. م: (وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز ما صنع في الوجهين) ش: أحدهما: الإسلام، والثاني: أخذ الرجف السلامة من الغرق والقتل واللحاق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 281 اعلم أن تصرفات المرتد على أقسام: نافذ بالاتفاق: كالاستيلاد والطلاق؛ لأنه لا يفتقر إلى حقيقة الملك، وتمام الولاية. وباطل بالاتفاق: كالنكاح والذبيحة؛ لأنه يعتمد الملة ولا ملة له.   [البناية] وفي " الشامل ": جمع تصرف المرتد في حالة ردته من بيع وشراء وعتق وتدبير وكتابة ووطء، أو غالبه جائز إن أسلم، وباطل إن لحق السبب فإنه يثبت عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف: يجوز كما يجوز من الصحيح، وعند محمد كما يجوز من المريض. [تصرفات المرتد] م: (اعلم أن تصرفات المرتد على أقسام) ش: قسم منها م: (نافذ بالاتفاق كالاستيلاد والطلاق) . ش: فإن قلنا: كيف يقدم طلاق المرتد وبمجرد الردة تبين المرأة. قلت: هذا ليس بممنوع، ألا ترى أن المسلم إذا أبان زوجته ثم طلقها في عدتها جاز، فكذا هذا. يمكن ألا تقع البينونة بالردة أصلاً كما إذا ارتد الزوجان معاً طلقهما بعد الردة فلا يرد السؤال. وفي " المحيط ": أن التفرقة التي تقع بالارتداد يقع بعدها الطلاق، فكان طلاق المرتد واقعاًَ كما لو طلقت بالإبانة بالطلاق البائن م: (لأنه لا يفتقر إلى حقيقة الملك) ش: قوله: ولا يفتقر إلى حقيقة الملك، يرجع إلى قوله كالاستيلاد، أي لأن الاستيلاد لا يفتقر إلى حقيقة الملك، بدليل أن الاستيلاد يصح في جارية الابن، وإن لم يكن فيها ملك حقيقة، بل له حق التمليك في مال الابن لدفع حاجته، والاستيلاد من حاجته. م: (وتمام الولاية) ش: يرجع إلى الطلاق وفيه لف ونشر، أي لأن الطلاق لا يفتقر إلى تمام الولاية، ألا ترى أن العبد يصح طلاقه مع أنه لا ولاية له على نفسه أصلاً. ومن هذا القسم النافذ تسليم الشفعة وقبول الهبة والحجر على عبده المأذون. م: (وباطل بالاتفاق) ش: أي القسم الثاني من تصرفات المرتد باطل بالاتفاق بين أصحابنا م: (كالنكاح والذبيحة؛ لأنه) ش: أي لأن كل واحد من النكاح والذبيحة م: (يعتمد الملة) ش: بلا اختلاف بين العلماء م: (ولا ملة له) ش: أي للمرتد؛ لأنه ترك ما كان عليه، ولا يقر على ما دخل فيه لوجوب القتل. فإن قيل: أي شيء يريد بالمسألة إن ردت مسألة الإسلام ينقض بأهل الكتاب، وإن أردته الملة السماوية ينقض بصحة نكاح المشرك والمجوسي فيما بينهم، وليس لهم ملة سماوية أصلاً، لا تقرير ولا حجة فيه. قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ولدت من نكاح لا من سفاح» . قلنا: قال الإمام ظهير الدين في فوائده: راجعت الفحول في هذا فلم أجد جواباً شافياً، وكنت في ذلك متملياً حتى هجنت فؤادي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 282 وموقوف بالاتفاق: كالمعاوضة؛ لأنها تعتمد المساواة، ولا مساواة بين المسلم والمرتد ما لم يسلم. ومختلف في توقفه وهو ما عددناه. لهما أن الصحة تعتمد الأهلية والنفاذ يعتمد الملك، ولا خفاء في وجود الأهلية لكونه مخاطبا. وكذا الملك لقيامه قبل موته على ما قررناه من قبل، ولهذا لو ولد له ولد بعد الردة لستة أشهر من امرأة مسلمة يرثه.   [البناية] وقال: المعنى من الملة التي تدينون بذلك النكاح المتوارث؛ لأن عند ذلك حصل ما هو الغرض من النكاح وهو التوالد والتناسل، والمرتد والمرتدة ليسا على تلك الملة، فلا يصح نكاحهما؛ لأن المرتد يقتل والمرتدة تحبس، فكيف ينتظم ما هو الغرض من النكاح. بخلاف المجوس والمشركين، فإنهم يدينون بذلك النكاح المتوارث. م: (وموقوف بالاتفاق) ش: أي القسم الثالث من تصرفات المرتد موقوف باتفاق أصحابنا م: (كالمعاوضة) ش: معناه: أن المرتد إذا فاوض مسلماً يعني شركة المعاوضة، يوقف فإن أسلم نفدت المعاوضة، وإن مات أو قتل أو قضي بلحاقه في دار الحرب بطلت المعاوضة بالاتفاق. م: (لأنها) ش: أي لأن المعاوضة م: (تعتمد المساواة) ش: وقد علم أن المعاوضة أن يضمن وكالة ونكالة وأن يساويا مالاً وتصرفاً وديناً، فلا تصح بين حر وعبد ذمي وبالغ ومسلم وكافر لعدم التساوي م: (ولا مساواة بين المسلم والمرتد ما لم يسلم) ش: وفي " الكافي " إذا بطلت المعاوضة تصير عناناً يعني شركة عنان. وعند أبي حنيفة تبطل أصلاً؛ لأن في اكتنازه وكالة وهي موقوفة. م: (ومختلف في توقفه) ش: أي القسم الرابع من تصرفات المرتد مختلف فيه، هل هو نافذ أم باطل أو موقوف، فقال: هذا القسم مختلف في توقيفه، وأشار إلى بيانه بقوله م: (وهو) ش: أي المختلف فيه م: (ما عددناه) ش: من البيع والشراء والإعتاق والهبة ونحو ذلك، فقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: موقوف، إن أسلم جاز ما صنع، وإن مات أو قتل على ردة أو لحق بدار الحرب، بطل ذلك كله. وقال أبو يوسف ومحمد: نافذ، كذا قال الصدر الشهيد في شرح " الجامع الصغير ". م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن الصحة) ش: أي صحة التصرف م: (تعتمد الأهلية والنفاذ يعتمد الملك ولا خفاء في وجود الأهلية لكونه مخاطباً) ش: ألا ترى أن القتل يحسب عليه بارتداده. ولو كانت أهليته معدومة أو ناقصة لم يجب عليه القتل م: (وكذا الملك) ش: لا شك في بقائه م: (لقيامه قبل موته) ش: أي قيام ملكه قبل موته م: (على ما قررناه من قبل) ش: إشارة إلى قوله لأنه مكلف يحتاج إلى آخره. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل قيام ملكه قبل موته م: (لو ولد له ولد بعد الردة لستة أشهر من امرأة مسلمة يرثه) ش: فلو كان ملكه زائلاً لم يرثه بهذا الوالد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 283 ولو مات ولده بعد الردة قبل الموت لا يرثه فتصح تصرفاته قبل الموت، إلا أن عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تصح كما تصح من الصحيح؛ لأن الظاهر عوده إلى الإسلام إذ الشبهة تزاح فلا يقتل، وصار كالمرتد. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تصح كما تصح من المريض؛ لأن من انتحل إلى نحلة، لا سيما معرضا عما نشأ عليه قلما يتركه، فيفضي إلى القتل ظاهرا، بخلاف المرتدة؛ لأنها لا تقتل. ولأبي حنيفة: أنه حربي مقهور تحت أيدينا على ما قررناه في توقف الملك، وتوقف التصرفات بناء عليه، وصار كالحربي يدخل دارنا بغير أمان فيؤخذ ويقهر، وتتوقف تصرفاته لتوقف حاله، وكذا المرتد   [البناية] م: (ولو مات ولده) ش: أي الولد المولود قبل الردة م: (بعد الردة قبل الموت لا يرثه) ش: فلو لم يكن قائماً بعد الردة لورثة هذا الولد؛ لأنه كان حياً وقت ردة الأب. ولما كان ملكه قائماً م: (فتصح تصرفاته قبل الموت إلا أن عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تصح كما تصح من الصحيح) ش: يعني من جمع المال م: (لأن الظاهر عوده إلى الإسلام، إذ الشبهة تزاح) ش: أي تزال وهو من الإزاحة وهي الإزالة م: (فلا يقتل) ش: حينئذ م: (وصار كالمرتد) ش:، حيث لا يقتل. م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تصح) ش: أي تصرفاته م: (كما تصح من المريض) ش: يعني من ثلث المال؛ لأنه على شرف الهلاك حقيقة م: (لأن من انتحل إلى نحلة) ش: أي لأن من أثبت إلى دين، وفي " ديوان الأدب " يقال: انتحل فلان قول غيره أو شعر غيره إذا ادعاه لنفسه، والنحلة بكسر النون وسكون الحاء المهملة: الدعوى. قال الأترازي: وكأنه أراد به هنا من أثبت إلى الدعوى م: (لا سيما) ش: أي خصوصاً حال كونه م: (معرضاًَ عما نشأ عليه) ش: قوله م: (قلما يتركه) ش: جواب من، أي قلما يترك الذي انتحل، أي م: (فيفضي إلى القتل ظاهراً، بخلاف المرتدة؛ لأنها لا تقتل) ش: فلا يعتبر استمرارها على ما انتحلت إليه أولاً، واحتج محمد على أبي يوسف بأنه إذا أمر لوارث بدين لم يجز. م: (ولأبي حنيفة أنه حربي مقهور تحت أيدينا على ما قررناه في توقف الملك) ش: إشارة إلى ما ذكروا من تعليل أبي حنيفة بقوله: وله أنه حربي مقهور تحت أيدينا عند قوله ويزول ملك المرتد م: (وتوقف التصرفات بناء عليه) ش: أي على توقف الملك. م: (وصار) ش: أي هذا المرتد م: (كالحربي يدخل دارنا) ش: أي دار الإسلام م: (بغير أمان فيؤخذ ويقهر وتتوقف تصرفاته لتوقف حاله) ش: أي حال الحربي بين الاسترقاق والقتل والمن. م: (كذا المرتد) ش: وإن ترك بعد، فكذلك هاهنا. وقال الأترازي في قوله: كالحربي إلى حد وسطه؛ لأن الحربي الداخل دارنا بغير أمان فيء، فكيف تتوقف تصرفاته. فلو قال كالحربي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 284 واستحقاقه القتل لبطلان سبب العصمة في الفصلين فأوجب خللا في الأهلية، بخلاف الزاني وقاتل العمد؛ لأن الاستحقاق في ذلك جزاء على الجناية. وبخلاف المرأة لأنها ليست حربية، ولهذا لا تقتل، فإن عاد المرتد بعد الحكم بلحاقه بدار الحرب إلى دار الإسلام مسلما، فما وجده في يد ورثته من ماله بعينه أخذه؛ لأن الوارث إنما يخلفه فيه لاستغنائه. وإذا عاد مسلما احتاج إليه فيقدم عليه. بخلاف ما إذا أزاله الوارث عن ملكه.   [البناية] الذي أسر عليها أيضاًَ لكان ذكره أولى. انتهى. ونقل الأكمل هذا بقوله: واعترض عليه بأن الحربي الذي دخل دارنا بغير أمان يكون فيئاً، فكيف تتوقف تصرفاته. ثم قال: والاعتراض بجواز المن يسقط الاعتراض. م: (واستحقاقه القتل) ش: جواب عن قولهما: لا خفاء في وجود الأهلية وتقريره لا نسلم وجود الأهلية؛ لأن الصحة تقتضي أهلية كاملة وليست بموجودة في المرتد، كما أنها ليست بموجودة في الحربي؛ لأن كل واحد منهما يتحقق القتل م: (لبطلان سبب العصمة) ش: وزاد بسبب العصمة الإسلام م: (في الفصلين) ش: يعني في فصل الحربي وفصل المرتدة م: (فأوجب) ش: أي بطلان سبب العصمة م: (خللاً في الأهلية) ش:. فإن قيل: لو كان استحقاق القتل موجباً لخلل في الأهلية أثر في توقف التصرفات، لكان تصرف الزاني المحصن الذي استحق القتل، وقاتل العمد موقوفة لاستحقاقهما القتل. فأجاب المصنف عن ذلك بقوله: م: (بخلاف الزاني وقاتل العمد؛ لأن الاستحقاق في ذلك جزاء على الجناية) ش: يعني أن الاستحقاق الموجب للخلل هو ما كان باعتبار بطلان سبب العصمة، والزاني والقاتل ليسا كذلك، لأن الاستحقاق فيهما جزاء على الجناية؛ لأن العصمة باقية فيهما لبقاء الإسلام. م: (وبخلاف المرأة) ش: جواب عن قولهما: وصار كالمرتد م: (لأنها ليست حربية، ولهذا لا تقتل) ش: عندنا إلا إذا لحقت بدارهم فحينئذ تصير حربية والمرتد حربي في الحال لوجوب جزاء المحاربة عليه، فلهذا كانت عقوبة المرتدة كلها جائزة إلا معارضتها، فإنها موقوفة. فإن أسلمت صحت وإلا صارت عناناً. كما قال في المرتد. م: (فإن عاد المرتد بعد الحكم بلحاقه بدار الحرب إلى دار الإسلام) ش: حال كونه م: (مسلماً فما وجده في يد ورثته من ماله بعينه أخذه؛ لأن الوارث إنما يخلفه فيه) ش: أي في ماله م: (لاستغنائه) ش: أي لاستغناء المرتد عنه حيث أدخل دار الحرب م: (وإذا عاد) ش: حال كونه م: (مسلماً احتاج إليه فيقدم عليه) ش: أي على الوارث م: (بخلاف ما إذا أزاله الوارث عن ملكه) ش: سواء كان بسبب يلحقه الفسخ كالبيع والهبة، أو بسبب لا يلحق الفسخ كالإعتاق والتدبير والاستيلاد، فذلك كله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 285 وبخلاف أمهات أولاده ومدبريه؛ لأن القضاء قد صح بدليل مصحح فلا ينقض، ولو جاء مسلما قبل أن يقضي القاضي بذلك، فكأنه لم يزل مسلما لما ذكرنا. وإذا وطئ المرتد جارية نصرانية كانت له في حالة الإسلام فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر منذ ارتد، فادعاه، فهي أم ولد له، والولد حر وهو ابنه ولا يرثه، وإن كانت الجارية مسلمة، ورثه الابن إن مات على الردة أو لحق بدار الحرب، أما صحة الاستيلاد فلما قلنا،   [البناية] مأمن، ولا سبيل للمرتد عليه وهو لا ضمان على الوارث أيضاً؛ لأنه إزالة حين كان له سبيل من الإزالة. وقال الكرخي في " مختصره ": إن كان المكاتب، أي مكاتب المرتد أدى ما عليه من الكتابة إلى الورثة فيعتق، ثم جاء المرتد، لما عتق المكاتب فلا يفسخ، وإن كان ما أداه قائماً في يد ورثته أخذه المرتد. وقال في شرح الطحاوي: الولاء للمرتد. م: (وبخلاف أمهات أولاده ومدبريه) ش: حيث لا يفسخ م: (لأن القضاء) ش: أي قضاء القاضي بعثتهم م: (قد صح بدليل مصحح) ش: وهو قضاؤه عن ولايته، فلا يحتمل الفسخ م: (فلا ينقض) ش: ولايته لما جاء إلينا تائباً صار كأنه حياً بعد أن مات، فلو حيا حقيقة بعد الموت وإن كان ذلك بخلاف الولادة لم يكن له على أمهات الأولاد والمدبرين سبيل، فكذا هذا. م: (ولو جاء مسلماً قبل أن يقضي القاضي بذلك) ش: أي بلحاقه م: (فكأنه لم يزل) ش: بفتح الزاي م: (مسلماً لما ذكرنا) ش: وهو قوله: إلا أنه لا يستقر لحاقه إلا بالقضاء، فلا يعتق عليه شيء من أمهات أولاده ومدبريه. [وطئ المرتد جاريته النصرانية فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر منذ ارتد] م: (وإذا وطئ المرتد جارية نصرانية، كانت له في حالة الإسلام فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر منذ ارتد) ش: أي من حين ارتد م: (فادعاه فهي أم ولد له والولد حر وهو ابنه ولا يرثه) ش: وفي " الكافي " وغيره: فجاءت بولد لسنة فألحقوا السنة بالأكثر، وإنما قيد بالأكثر لأنه لو جاء لأقل من ستة أشهر فالولد يرث من أبيه المرتد، وإن كانت أمه تقر أبيه بتيقن وجوده في البطن قبل الردة فلم ينتقض ما ادعاه وقت الردة فيجعل الولد مسلماً تبعاً للأب، ذكره قاضي خان. م: (وإن كانت الجارية مسلمة ورثه الابن إن مات) ش: أي الأب م: (على الردة أو لحق بدار الحرب، أما صحة الاستيلاد فلما قلنا) ش: إشارة إلى قوله قبل صحته؛ لأنه لا يفتقر إلى حقيقة الملك فصحت دعوته. واعلم أن دعوة الولد صحيحة على قولهما بلا إشكال؛ لأن عقود المرتد عندهما جائزة، فكذلك دعوته. أما أبو حنيفة فإنه جعل عقوده موقوفة، لكن جعل دعوته صحيحة؛ لأن الاستيلاد لا يفتقر إلى حقيقة الملك، ألا ترى أن العبد المأذون إذا ادعى النسب من الجارية التي من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 286 وأما الإرث فلأن الأم إذا كانت نصرانية والولد تبع له لقربه إلى الإسلام للجبر عليه فصار في حكم المرتد، والمرتد لا يرث المرتد، أما إذا كانت مسلمة فالولد مسلم تبعا لها لأنها خيرهما دينا، والمسلم يرث المرتد. وإذا لحق المرتد بماله بدار الحرب ثم ظهر على ذلك المال فهو فيء، فإن لحق ثم رجع وأخذ مالا وألحقه بدار الحرب فظهر على ذلك المال فوجدته الورثة قبل القسمة رد عليهم؛ لأن الأول: مال لم يجر فيه الإرث. والثاني: انتقل إلى الورثة بقضاء القاضي بلحاقه، وكان الوارث مالكا قديما،   [البناية] تجارته جاز، وكذلك الأب إذا ادعى ولد جارية ابنه يرث بالنسب. وتأويل المرتد أكثر من تأويلهما، فإذا ثبت النسب ثبت التفريع المذكور في إرثه وعدمه. فإن قلت: كيف جعلتم الصبي تبعاً للمرتد فيما إذا كانت أمه يهودية أونصرانية ولم يجعلوه مسلما تبعا لدار الإسلام. قلت: تبعية الدار إنما تكون إذا لم يكن معه أحد أبويه. فإذا كان فلاناً، فإن قيل: هذا ينقض بما إذا ارتد الأبوان المسلمان ولهما طفل ولد قبل ردتهما فإنه يبقى مسلماً تبعاً للدار ولا يعتبر مرتداً تبعا لهما. وإن ماتا لا نسلم أنه يبقى تبعاً للدار، بل كان هو مسلماً تبعاً لأبويه، فيبقى على ما كان بعد ردتهما، بخلاف ما يجيء فإن الولد لم يثبت له حكم الإسلام أصلاً، فجعل تبعاً لأبيه المرتد لقربه إلى الإسلام. م: (وأما الإرث فلأن الأم إذا كانت نصرانية والولد تبع له) ش: أي للأب م: (لقربه إلى الإسلام للجبر عليه) ش: لأنه لا يقر على الردة بل يجبر على الإسلام، ولا تجبر الأم. ولما كان تبعاً لأبيه م: (فصار في حكم المرتد، والمرتد لا يرث المرتد) ش: ولا يرث من أحد لا من المسلم ولا من المرتد. م: (أما إذا كانت مسلمة فالولد مسلم تبعاً لها؛ لأنها) ش: أي لأن الأم م: (خيرهما ديناً) ش: والولد يتبع خير الأبوين ديناً م: (والمسلم يرث المرتد. وإذا لحق المرتد بماله بدار الحرب ثم ظهر على ذلك) ش: أي غلب على ذلك م: (المال فهو فيء) ش: أي غنيمة لأنه مال حربي، فيكون حكمه حكم سائر أموال أهل الحرب ولا حق للورثة فيه لتباين الدارين. م: (فإن لحق) ش: أي بدار الحرب م: (ثم رجع) ش: إلى دار الإسلام م: (وأخذ مالاً وألحقه بدار الحرب فظهر على ذلك المال فوجدته الورثة قبل القسمة رد عليهم؛ لأن الأول مال لم يجر فيه الإرث) ش: فهو مال لحربي، وإذا ظهر على مال الحربي فهو فيء لا محالة م: (والثاني) ش: أي المال الثاني م: (انتقل إلى الورثة بقضاء القاضي بلحاقه، وكان الوارث مالكاً قديماً) ش: والمالك القديم إذا وجد ماله في القسمة أخذه مجاناً، فإن لم يكن القاضي حكم بلحاقه والمسألة بحالها ففي ظاهر الرواية رد على الورثة أيضاًَ؛ لأنه شيء لحق بدار الحرب فالظاهر أنه لا يعود، فكان فيئاً ظاهراً. وفي بعض روايات السير يكون فيئاً لا حق للورثة فيه؛ لأن الحق لا يثبت لهم إلا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 287 وإذا لحق المرتد بدار الحرب وله عبد فقضى به لابنه وكاتبه الابن ثم جاء المرتد مسلما فالكتابة جائزة، والكتابة والولاء للمرتد الذي أسلم؛ لأنه لا وجه إلى بطلان الكتابة لنفوذها بدليل منفذ فجعلنا الوارث الذي هو يكون خلفه كالوكيل من جهته وحقوق العقد فيه ترجع إلى الموكل والولاء لمن يقع العتق عنه. وإذا قتل المرتد رجلا خطأ ثم لحق بدار الحرب، أو قتل على ردته فالدية في مال اكتسبه في حال الإسلام خاصة عند أبي حنيفة. وقالا: الدية فيما اكتسبه في حالة الإسلام والردة؛ لأن العواقل لا تعقل المرتد لانعدام النصرة فتكون في ماله، وعندهما الكسبان جميعا ماله لنفوذ تصرفاته في الحالين.   [البناية] بالقضاء. م: (وإذا لحق المرتد بدار الحرب وله عبد فقضى به لابنه وكاتبه الابن ثم جاء المرتد مسلماً فالكتابة جائزة) ش: خلافاً للأئمة الثلاثة. م: (والكتابة والولاء للمرتد الذي أسلم لأنه لا وجه إلى بطلان الكتابة لنفوذها بدليل منفذ) ش: أو أدبه قضاء القاضي باللحاق م: (فجعلنا الوارث الذي) ش: هو ابن المرتد الذي، م: (هو يكون خلفه) ش: أي خلف أبيه المرتد م: (كالوكيل من جهته) ش: أي من جهة المرتد لأنه لما لحق بدار الحرب صار كأنه سلط أبنه على ماله وجعله خلفاً عنه في التصرف، فلما عاد ثبت حكم الإحياء وبطل حكم الموت ولم يفسخ الكتابة لما ذكرنا، وكان بدل الكتابة لأن أبنه كالوكيل من جهته. م: (وحقوق العقد فيه) ش: أي في عقد الكتابة م: (ترجع إلى الموكل) ش: لا إلى الوكيل م: (والولاء لمن يقع العتق عنه) ش: ولم يقع إلا عن المرتد الذي أسلم فيكون الولد ولده بخلاف ما إذا أدى بدل الكتابة للوارث، فإن الولاء حينئذ يكون للوارث لوقوع العتق عنه، وبخلاف ما لو رجع بعد عتق المكاتب، فإن الولاء فيه للابن أيضاً. [قتل المرتد رجلاً خطأ ثم لحق بدار الحرب] م: (وإذا قتل المرتد رجلاً خطأ ثم لحق بدار الحرب أو قتل على ردته فالدية) ش: أي دية القتيل م: (في مال اكتسبه في حال الإسلام خاصة عند أبي حنيفة. وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد م: (الدية فيما اكتسبه) ش: أي يجب فيما اكتسبه م: (في حالة الإسلام والردة) ش: في بعض النسخ جميعاً، وبقولهما قالت الثلاثة. وكذا لو كان حياً في دار الإسلام فالدية في ماله م: (لأن العواقل لا تعقل المرتد لانعدام النصرة) ش: لأن العقل بمعنى النصرة، والمسلم لا يلزمه نصرة المرتد م: (فتكون) ش: أي الدية م: (في ماله) ش: أي في مال المرتد القاتل لانعدام النصرة م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (الكسبان جميعاً) ش: أي كسب الإسلام وكسب المرتد م: (ماله) ش: أي مال المرتد م: (لنفوذ تصرفاته في الحالين) ش: أي في حال كسب الإسلام وحال الردة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 288 ولهذا يجري الإرث فيهما عندهما، وعنده ماله المكتسب في الإسلام لنفاذ تصرفه فيه دون المكسوب في الردة لتوقف تصرفه، ولهذا كان الأول ميراثا عنه، والثاني فيئا عنده، وإذا قطعت يد المسلم عمدا فارتد - والعياذ بالله - ثم مات على ردته من ذلك أو لحق بدار الحرب ثم جاء مسلما فمات من ذلك فعلى القاطع نصف الدية في ماله للورثة، أما الأول فلأن السراية حلت محلا غير معصوم فأهدرت، بخلاف ما إذا قطعت يد المرتد ثم أسلم فمات من ذلك؛ لأن الإهدار لا يلحقه الاعتبار،   [البناية] م: (ولهذا) ش: إيضاح لما قبله م: (يجري الإرث فيهما) ش: أي في كسب الإسلام وكسب الردة م: (عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد. م: (وعنده) ش: أي وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ماله المكتسب في الإسلام) ش: أي مال المرتد هو الذي اكتسبه في الإسلام دون الذي اكتسبه في الردة. فقوله ماله مبتدأ، وقوله: المكتسب خبره وليس بصفة له إذ المعنى لا يستقيم على تقدير الصفة، وكان حق التركيب أن يقول بضمير الفصل حتى لا يتوهم الصفة كما في قَوْله تَعَالَى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254] م: (لنفاذ تصرفه فيه) ش: في كسب الإسلام م: (دون المكسوب في الردة لتوقف تصرفه) ش: في كسب الردة. م: (ولهذا) ش: إيضاح لقوله وماله الكسب في الإسلام م: (كان الأول) ش: أي كسب الإسلام م: (ميراثاً عنه) ش: أي عن المرتد. م: (والثاني) ش: أي كسب الردة أي كان كسب الردة م: (فيئاً) ش: أي غنيمة م: (عنده) ش: أي عند أبي حنيفة. [قطعت يد المرتد ثم أسلم فمات من ذلك] م: (وإذا قطعت يد المسلم عمداً فارتد - والعياذ بالله - ثم مات على ردته من ذلك) ش: أي من القطع م: (أو لحق بدار الحرب ثم جاء مسلماً فمات من ذلك) ش: أي من القطع م: (فعلى القاطع نصف الدية في ماله للورثة) ش: أي لورثة المقطوع يده م: (أما الأول) ش: أي الوجه الأول وهو: ما إذا مات على ردته م: (فلأن السراية) ش: أي سراية القطع إلى الموت م: (حلت محلاً غير معصوم فأهدرت) ش: يعني هدر اعتبارها فلم يجب دية النفس لأنها فور ما حصل في حال لا قيمة لها. ولم يجب القصاص في اليد؛ لأن اعتراض الردة صار شبهة، فإذا لم يجب القطع وجبت دية اليد وهي نصف دية النفس؛ لأن قطع اليد حصل في حال عصمة اليد وهي في حالة الإسلام، وإنما كانت الدية في ماله لكون القطع عمداً، أما إذا كان خطأ فقال الحاكم: هي فيء على عاقلته. م: (بخلاف ما إذا قطعت يد المرتد ثم أسلم فمات من ذلك) ش: يعني لا يجب الضمان أصلاً م: (لأن الإهدار لا يحلقه الاعتبار) ش: يعني الجناية إذا صارت هدراً لا يلحقه الاعتبار بعد ذلك، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 289 أما المعتبر فقد يهدر بالإبراء فكذا بالردة. وأما الثاني: وهو ما إذا لحق ومعناه إذا قضى بلحاقه فلأنه صار ميتا تقديرا، والموت يقطع السراية، وإسلامه حياة حادثة في التقدير فلا يعود حكم الجناية الأولى، فإذا لم يقض القاضي بلحاقه فهو على الخلاف الذي نبينه إن شاء الله تعالى. قال: فإن لم يلحق وأسلم ثم مات فعليه الدية كاملة، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد وزفر - رحمهما الله -: في جميع ذلك نصف الدية؛ لأن اعتراض الردة أهدر السراية فلا ينقلب بالإسلام إلى الضمان. كما إذا قطع يد مرتد فأسلم.   [البناية] يعني إذا لم يقطع معتبراً ابتداء لا يتغلب معتبراً بعد ذلك؛ لأن غير الموجب لا يتغلب موجباً م: (أما المعتبر فقد يهدر بالإبراء، فكذا بالردة) ش: أي فكذا يهدر بالردة، وكذا بالإعتاق وبالبيع أيضاً، حتى لو قطع عبد يد إنسان ثم باعه المولى ثم رد عليه نصيبه ثم مات فلا يضمن البائع ضمان النفس؛ لأنه لما باعه فقد أبرأه عن ضمان السراية من حيث البيع. م: (وأما الثاني) ش: أي الوجه الثاني م: (وهو ما إذا لحق) ش: بدار الحرب م: (ومعناه إذا قضى بلحاقه فلأنه) ش: أي فلأن المرتد اللاحق م: (صار ميتاً تقديراً) ش: من حيث الحكم لا من حيث الحقيقة م: (والموت يقطع السراية) ش: لأن القاضي لما قضى بالحلف صار ميتاً حكماً كما ذكرنا. م: (وإسلامه) ش: بعد ذلك م: (حياة حادثة في التقدير) ش: لأنها نفس أخرى م: (فلا يعود حكم الجناية الأولى) ش: وأورد الولوالجي في فتاواه في هذا الفصل عن أبي يوسف روايتين في رواية يضمن دية النفس، وفي رواية لا يضمن. وأما إذا عاد مسلماً بعد اللحاق قبل قضاء القاضي ثم مات من ذلك فقال فخر الإسلام في شرح " الجامع الصغير ": لا نص فيه. ثم قال: وهو على الاختلاف يعني عند محمد يجب نصف الدية. وعند صاحبيه يجب دية النفس كاملة وإليه أشار المصنف بقوله م: (فإذا لم يقض القاضي بلحاقه فهو على الخلاف الذي نبينه إن شاء الله تعالى) ش: أشار به إلى المسألة التي تلي قوله وإذا لم يقض .... إلى آخره وهو قوله: م: (قال: فإن لم يلحق) ش: أي دار الحرب م: (وأسلم ثم مات فعليه الدية كاملة، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله) . م: (وقال محمد وزفر - رحمهما الله -: في جميع ذلك نصف الدية) ش: أي فيما إذا مات على ردته أو لحق ثم جاء مسلماً أو لم يلحق وأسلم م: (لأن اعتراض الردة أهدر السراية، فلا ينقلب بالإسلام إلى الضمان) ش: لأنه بعد الارتداد صار مباحاً لو قتله قاتل لا يجب عليه شيء، فصارت الردة مهدرة كما في قوله من القطع، وصار م: (كما إذا قطع يد مرتد فأسلم) ش: سواء مات من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 290 ولهما أن الجناية وردت على محل معصوم وتمت فيه فيجب ضمان النفس، كما إذا لم يتخلل الردة، وهذا لأنه لا معتبر بقيام العصمة في حال بقاء الجناية. وإنما المعتبر قيامها في حال انعقاد السبب، وفي حال ثبوت الحكم، وحالة البقاء بمعزل من ذلك كله، وصار كقيام الملك في حال بقاء اليمين. وإذا ارتد المكاتب ولحق بدار الحرب واكتسب مالا فأخذ أسيرا بماله وأبى أن يسلم فقتل، فإنه يوفى مولاه ومكاتبه، وما بقي فلورثته، وهذا ظاهر على أصلهما،   [البناية] القطع أو لم يمت، حيث لا يجب ضمان النفس في الأول، ولا ضمان اليد في الثاني بناء على الأصل المار أن المهدر لا يلحقه الاعتبار. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن الجناية وردت على محل معصوم وتمت فيه) ش: أي في محل معصوم كأنه كان في الحالين مسلماً م: (فيجب ضمان النفس) ش: وهو الدية الكاملة م: (كما إذا لم يتخلل الردة) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (وهذا لأنه لا معتبر بقيام العصمة في حال بقاء الجناية، وإنما المعتبر قيامها) ش: أي قيام العصمة م: (في حال انعقاد السبب) ش: وهو ضمان الجناية م: (وفي حال ثبوت الحكم) ش: يوجب الضمان م: (وحالة البقاء بمعزل من ذلك كله) ش: أي من حال انعقاد السبب من حال ثبوت الحكم، ولا يعتبر بقاء العصمة في هذه الحالة، كما لا يعتبر بنقصان الحول في الزكاة. وقال ابن دريد: أي من هدر الأمر بمعزل، أي ليفسخ. م: (وصار كقيام الملك في حالة بقاء اليمين) ش: يعني إذا قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر ثم باعه ثم اشتراه ثم دخل الدار عتق أعاد على عدم الملك عند اليمين أو عند الجناية ثم يعتق. وفرق بين الردة والبيع بأن الردة ليست بإبراء ولا مستلزم؛ لأنها وضعت لتبديل الدين، وتصح من غير إبراء؛ لأنه إذا مات على الردة لم يجب الضمان لهدر دمه بالردة، بخلاف بيع العبد المجني عليه؛ لأن البيع وضع لقطع ملكه والضمان بدل ملكه. فإذا قطع الأصل قصداً فقد قطع التبدل أيضاً، فصار كالإبراء. ولم يذكر في الكتاب ما إذا ارتد يقتل أو مات المقطوع يده بالسراية مسلماً، فقال في " الشامل " إن كان عمداً فلا شيء عليه؛ لأن القاتل مات، وإن كان خطأ فعلى عاقلته دية النفس؛ لأن الجناية انعقدت موجبة للفعل؛ لأن الجاني كان مسلماً يوم الجناية لا جرم لو كانت الجناية في حال ردته كانت في ماله. [ارتد المكاتب ولحق بدار الحرب واكتسب مالاً فأخذ أسيراً بماله] م: (وإذا ارتد المكاتب ولحق بدار الحرب واكتسب مالاً فأخذ أسيراً بماله وأبى) ش: أي امتنع م: (أن يسلم فقتل فإنه) ش: أي فإن الحكم أن م: (يوفى) ش: على صيغة المجهول من وفاة حقه بالتشديد إذا أعطاه واف م: (مولاه ومكاتبه) ش: أي بدل الكتابة من ماله م: (وما بقي) ش: بعد ذلك م: (فلورثته) ش: أي فلورثة المكاتب م: (وهذا ظاهر على أصلهما) ش: أي هذا المذكور من الحكم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 291 لأن كسب الردة ملكه إذا كان حرا فكذا إذا كان مكاتبا. وأما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلأن المكاتب إنما يملك أكسابه بالكتابة، والكتابة لا تتوقف بالردة، فكذا أكسابه. ألا ترى أنه لا يتوقف تصرفه بالأقوى وهو الرق، فكذا بالأدنى بطريق الأولى. وإذا ارتد الرجل وامرأته - والعياذ بالله - ولحقا بدار الحرب، فحبلت المرأة في دار الحرب، وولدت ولدا، وولد لولدهما ولد، فظهر عليهم جميعا فالولدان فيء؛ لأن المرتدة تسترق فيتبعها ولدها.   [البناية] ظاهر على أصل أبي يوسف ومحمد م: (لأن كسب الردة ملكه) ش: أي ملك المرتد م: (إذا كان حراً فكذا إذا كان مكاتباً) ش: يكون كسباً له. م: (وأما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني هذا مشكل على قول أبي حنيفة؛ لأن كسب الردة لا يكون للمرتد عنده إذا كان حراً، وهاهنا جعله ملكاً للمكاتب، ويحتاج أبو حنيفة إلى الفرق بين المرتد الحر والمكاتب حيث لم يجعل كسبه ملكاً له إذا كان حراً، وجعله ملكاً له إذا كان مكاتباً، ووجه الفرق ما ذكره بقوله م: (فلأن المكاتب إنما يملك أكسابه بالكتابة) ش: أي بعقد الكتابة. م: (والكتابة) ش: أي والكتابة م: (لا تتوقف بالردة) ش: أي لا يبطل بها؛ لأنه لا يبطل بحقيقة الموت، فكذا بالموت حكماً بلحوقه في دار الحرب فتكون مكاتبة كمكاتبة الإسلام وجعل كأنه في دار الإسلام، إذ قيام ملك المولى في رقبته يمنع ضرورته حربياً ويجعل في حكم الردة، وفي دار الإسلام. كذا في جامع شمس الأئمة وقاضي خان. وإذا لم يتوقف عقد الكتابة بالردة م: (فكذا أكسابه) ش: الحاصلة لا تتوقف، واستوضح ذلك بقوله م: (ألا ترى أنه لا يتوقف تصرفه بالأقوى وهو الرق، فكذا بالأدنى) ش: وهو الردة م: (بطريق الأولى) ش: وإنما كان الرق أقوى من الردة في المانعية عن التصرف؛ لأن بعض تصرفات المرتد نافذ بالإجماع كالاستيلاد والطلاق، وعندهما عامة تصرفاته نافذة كالبيع والشراء وغيرهما، فأما العبد فممنوع من التصرفات كلها ثم لما يتوقف تصرفات المكاتب مع كونه رقيقاً لم يتوقف تصرفه أيضاً مع أنه مرتد أولى. [ارتد الرجل وامرأته ولحقا بدار الحرب فحبلت المرأة في دار الحرب] م: (وإذا ارتد الرجل وامرأته - والعياذ بالله - ولحقا بدار الحرب فحبلت المرأة في دار الحرب) ش: وقيد الحبل بدار الحرب وقع اتفاقاً. وإن حبلت في دار الإسلام فكذلك الحكم م: (وولدت ولداً وولد لولدهما ولد فظهر) ش: بضم الظاء، أي فغلب م: (عليهم جميعاً فالولدان فيء) ش: أي الولد وولد الولد غنيمة م: (لأن المرتدة تسترق فيتبعها ولدها) ش: لأن الولد يتبع الأم في الرق والحرية فيكون فيئاً كما يجيء م: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 292 ويجبر الولد الأول على الإسلام، ولا يجبر ولد الولد. وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجبر تبعا للجد وأصله التبعية في الإسلام، وهي رابعة أربعة مسائل كلها على الروايتين والثانية صدقة الفطر، والثالثة جر الولاء، والأخرى الوصية للقرابة، قال: وارتداد الصبي الذي يعقل ارتداد عند أبي حنيفة   [البناية] ويجبر الولد الأول على الإسلام) ش: بإجماع الأئمة الأربعة بعد أن يصير محرراً تبعاً لأبيه م: (ولا يجبر ولد الولد) ش: لأن الأولاد يتبعون الآباء في الدين، والأحفاد لا يتبعون الأجداد. م: (وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي أن ولد الولد م: (يجبر) ش: على الإسلام م: (تبعاً للجد) ش: لأن الجد له حكم الأب في إنكاح الصغير والصغيرة، ولهذا لا يكون لهما الخيار بعد البلوغ، وكذلك في بيع مال الصغير، فكذا في تبعية الإسلام م: (وأصله التبعية في الإسلام) ش: أي أصل الخلاف التبعية في الإسلام م: (وهي) ش: أي التبعية في الإسلام م: (رابعة أربعة مسائل) ش: أي أربع مسائل، حاصل معناه إحدى أربع مسائل. والفرق بين رابع ثلاثة وبين رابع أربعة، هو أن معنى الأول: يصير الثلاثة أربعة. ومعنى الثاني: أحدهما لا يحصل الحاصل بحال فلا يتحقق معنى التصيير م: (كلها على الروايتين) ش: أي كل هذه الأربعة على الروايتين، أحدهما ظاهر الرواية، والأخرى رواية الحسن فالجد فيها على رواية كالأب، وفي ظاهر الرواية. م: (والثاني) ش: أي المسألة الثانية م: (صدقة الفطر) ش: ولا في ظاهر الرواية لا يؤدي الجد صدقة الفطر عن ابن أبيه. وفي رواية الحسن يؤديها إذا لم تكن لابن الابن مالكاً لأب لكن إذا كان الأب فقيراً. م: (والثالثة) ش: أي المسألة الثالثة م: (جر الولاء) ش: قال الحاكم الشهيد في " الكافي " قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: لا يجر الجد الولاء، يعني إذا أعتق الجد والحافد معتق والأب رقيق لا يجر ولاء الحافد إلى مواليه. وعلى رواية الحسن يجر الجد الولاء لأب إذا أعتق. ونقل الحاكم في " الكافي " عن الشعبي أنه إذا أعتق الجد جر الولاء. م: (والأخرى) ش: أي المسألة الأخرى وهي الرابعة م: (الوصية للقرابة) ش: فإذا وصى لقرابته أو لأقربائه لا يدخل في الوصية الوالد؛ لأن الله تعالى جعله أقرب من القرابة، قال الله تعالى: {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] ، ثم الجد لا يدخل أيضاً على رواية الحسن؛ لأنه كالأب. وعلى ظاهر الرواية يدخل لأنه ليس كالأب. م: (قال: وارتداد الصبي الذي يعقل ارتداد) ش: يعني إذا ارتد يصير مرتداً م: (عند أبي حنيفة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 293 ومحمد - رحمهما الله - ويجبر على الإسلام ولا يقتل، وإسلامه إسلام، ولا يرث أبويه إن كانا كافرين. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ارتداده ليس بارتداد وإسلامه إسلام. وقال زفر والشافعي - رحمهما الله - إسلامه ليس بإسلام وارتداده ليس بارتداد، لهما في الإسلام أنه تبع لأبويه فيه فلا يجعل أصلا، ولأنه يلزمه أحكاما يشوبها المضرة فلا يؤهل له. ولنا فيه أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أسلم في صباه، وصحح النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إسلامه وافتخاره بذلك مشهور،   [البناية] ومحمد - رحمهما الله -) ش: وبه قال مالك وأحمد م: (ويجبر على الإسلام ولا يقتل. وإسلامه) ش: أي وإسلام الصبي الذي يعقل م: (إسلام) ش: أي معتد به م: (ولا يرث أبويه إن كانا كافرين. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ارتداده ليس بارتداد) ش: يعني ليس بمعتبر م: (وإسلامه إسلام. وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: إسلامه ليس بإسلام، وارتداده ليس بارتداد) ش: يعتبر كلاهما لا يعتبر لأن م: (لهما) ش: أي لزفر والشافعي م: (في الإسلام أنه تبع لأبويه فيه) ش: أي في الإسلام م: (فلا يجعل أصلاً) ش: لأنه مولى عليه في الإسلام، فلا يكون أصلاً له بنفسه م: (ولأنه) ش: أي ولأن الصبي م: (يلزمه أحكام يشوبها) ش: من الشوب وهو الخلط، يقال شاب الماء اللبن وهي جملة من الفعل والمفعول، وقوله م: (المضرة) ش: فاعل الجملة لحرمان الميراث ونحوه. والصبي أهل الوجه لا المضرة، فلا يعتبر إسلامه بلزوم المضرة، ولأن قول الصبي غير ملتزم، ألا ترى أنه لو طلق أو علق أو باع أو اشترى لا يجوز، فكذا إذا أسلم أو ارتد م: (فلا يؤهل له) ش: أي فلا يجعل الصبي أهلاً للإسلام. م: (ولنا فيه) ش: أي في اعتداد الصبي م: (أن علياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أسلم في صباه وصحح النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: وعن عروة، أن عمره كان حين أسلم سبع سنين أو ثماني سنين. وروى ابن سعد في الطبقات بإسناده عن مجاهد، قال: أول من صلى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو ابن عشر سنين. وعن محمد بن عبد الرحمن بن زرارة قال: أسلم علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو ابن تسع سنين ولم يعبد وثناً. وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": وروي عن أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أسلم علي وهو ابن ثماني سنين، وروي عنه أيضاً أنه أسلم وهو ابن خمس عشرة سنة ولم يصح هذا. وقال: والنصوص عن أحمد صحة إسلام الصبي ابن سبع سنين، فقال إذا بلغ الغلام سبع سنين جاز إسلامه، ويجبر على الإسلام إذا كان أحد أبويه مسلماً، فإن رجع عن الإسلام انتظر به حتى يبلغ. فإن أسلم وإلا قتل. م: (إسلامه، وافتخاره بذلك مشهور) ش: أي وافتخار علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بإسلامه مشهور الجزء: 7 ¦ الصفحة: 294 ولأن الصبي أتى بحقيقة الإسلام وهي التصديق والإقرار معه؛ لأن الإقرار عن طوع دليل على اعتقاده على ما عرف، والحقائق لا ترد، وما يتعلق به سعادة أبدية ونجاة عقباوية، وهي من أجل المنافع وهو الحكم الأصلي، ثم يبتنى عليه غيرها، فلا يبالي بشوبه، ولهم في الردة أنها مضرة محضة، بخلاف الإسلام على أصل أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه تعلق به أعلى المنافع على ما   [البناية] م: (ولأن الصبي أتى بحقيقة الإسلام وهي التصديق والإقرار معه) ش: وهو ركن الإيمان؛ لأن الإيمان هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان، فلذا حصل ذلك والحجر عن الإيمان كفر م: (لأن الإقرار عن طوع دليل على اعتقاده على ما عرف) ش: في علم الكلام م: (والحقائق لا ترد) ش: لأن الشرع ما يسقط اعتبار حقيقة في موضع ما بغير ضرورة، بخلاف الأقارير والطلاق؛ لأن الشرع أسقط اعتبار حقيقتهما ببعض الأعذار م: (وما يتعلق به سعادة أبدية) ش: يجوز أن يكون معطوفاً على التصديق، أي هو التصديق وهو ما يتعلق. ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، ويجوز أن يكون مبتدأ، وخبره قوله هو الحكم الأصلي على تقدير أن يكون بغير واو. ويجوز أن يكون وما يتعلق به مبتدأ، وقوله سعادة أبدية خبره وهو الأولى، وهو جواب عن قولهما ولأنه يلزمه أحكام تشوبها المضرة. وعورض بأنه لو صح إسلامه بنفسه وقع فيئاً؛ لأنه لا نفل في الإيمان. ومن ضرورة كونه فرضاً أن يكون مخاطباً به وهو غير مخاطب بالاتفاق، فإذا لم تكن بصحيحة فرضاً لم تصح، بخلاف سائر العبادات، فإنه يتردد بين الفرض والنفل. والجواب لا نسلم أن من ضرورة كونه فرضاً أن يكون مخاطباً، فإن المسافر إذا حضر جمعة وصلى فرضاً وليس بمخاطب به، ومن صلى في أول الوقت وقع فرضاً وليس بمخاطب عندنا في ذلك الوقت. م: (ونجاة عقباوية) ش: نسبته إلى عقبى، وعقبى كل شيء م: (وهي) ش: أي السعادة الأبدية م: (من أجل المنافع) ش: أي من أعظمها م: (وهو الحكم الأصلي) ش: أي الموضوع له م: (ثم يبتنى عليه غيرها) ش: مثل حرمان الميراث م: (فلا يبالي بشوبه) ش: لأن المنظور إليه في التصرفات الموضوعة الأصلية. وقال تاج الشريعة: المراد من الحكم الأصلي ما وضع ذلك الشيء لأجله، وأما ما ذكر من لزوم أحكام تشوبها المضرة فكذلك [ .... ] . م: (ولهم) ش: أي لأبي يوسف وزفر والشافعي م: (في الردة أنها) ش: أي أن الردة م: (مضرة محضة) ش: أي من التصرفات الضارة المحضة م: (بخلاف الإسلام على أصل أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه تعلق به) ش: أي بالإسلام م: (أعلى المنافع) ش: لأنه منفعة محضة م: (على ما مر) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 295 مر. ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - أنها موجودة حقيقة، ولا مرد للحقيقة كما قلنا في الإسلام، إلا أنه يجبر على الإسلام لما فيه من النفع له ولا يقتل؛ لأنه عقوبة، والعقوبات موضوعة عن الصبيان مرحمة عليهم، وهذا في الصبي الذي يعقل، ومن لا يعقل من الصبيان لا يصح ارتداده؛ لأن إقراره لا يدل على تغيير العقيدة، وكذا المجنون والسكران الذي لا يعقل.   [البناية] ش: وهو قوله: وهي من أجل المنافع، والمقصود به فوز السعادة الأبدية. ومذهب أبي يوسف وهو القياس في الردة. م: (ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - أنها) ش: أي أن الردة م: (موجودة حقيقة، ولا مرد للحقيقة كما قلنا في الإسلام، إلا أنه يجبر على الإسلام لما فيه من النفع له) ش: واعترض بأن هذا اعتبار بما هو مضرة محضة بما هو منفعة محضة، وذلك جمع بين السببين بالقياس فرق الشارع بينهما، ومثله فاسد على ما عرف في الأصول. وأجيب: بأن هذا قياس فيها لوجود شيء آخر وتحققه في عدم جواز الرد ولا نسلم أن الشارع فرق بينهما م: (ولا يقتل لأنه) ش: أي لأن القتل، م: (عقوبة، والعقوبات موضوعة عن الصبيان مرحمة عليهم) ش: أي لأجل الترحم عليهم. قيل في هذا التعليل نظر؛ لأنه سقط عقوبة القتل من الصبي المرتد باعتبار الرحمة بصباه، وما أسقط عقوبة النار مخلداً فإنه ذكر في " الأسرار " و " المبسوط " وجامع التمرتاشي: أنه يعاقب بالردة يوم القيامة. وأحال التمرتاشي هذه الرواية إلى التبصرة وفيه تأمل. م: (وهذا) ش: أي وهذا الخلاف م: (في الصبي الذي يعقل، ومن لا يعقل من الصبيان لا يصح ارتداده؛ لأن إقراره لا يدل على تغيير العقيدة) ش: لعدم تمييزه م: (وكذا) ش: أي لا يصح ارتداد م: (المجنون والسكران الذي لا يعقل) ش: وقال في شرح الطحاوي: ارتداد السكران لا يكون ارتداداً، ولا تبين منه امرأته. وروي عن أبي يوسف أنه قال: تبين امرأته وعقوده نافذة، وطلاقه واقع إلا على قول عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يقع طلاقه. [الشهادة على الردة] 1 فروع: تقبل الشهادة على الردة من عدلين باتفاق أكثر أهل العلم. قال ابن المنذر: لا نعلم أحداً خالفهم إلا الحسن، فإنه قال لا يقبل في القتل إلا أربعة قياساً على الزنا. وقيل المرتد إلى الإمام عند عامة أهل العلم إلا عند الشافعي في وجه في العبد إلى سيده، ومن أصاب حداً ثم ارتد ثم أسلم إن لم يلحق بدار الحرب أقيم عليه الحد، وإن لحق ولي، وبه قال الثوري ومالك وأحمد في رواية. وقال الشافعي وأحمد: أقيم عليه الحد سواء ألحق بدار الحرب أو لا. ولا تقبل توبة الساحر في رواية، وبه قال مالك وأحمد ولا تقبل توبة الزنديق. وقال مالك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 296 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وأحمد في رواية وقال الشافعي وأحمد في رواية: تقبل توبة كل مرتد سواء كان كفره مما سقط هو به وأهله، أو مما نيط به أهله كالزندقة والتعطيل. ثم للسحر حقيقة وله تأثير في آلام الأجسام. وقال بعض أصحاب الشافعي وبعض الظاهرية: لا تأثير له في الجسم ولا حقيقة له، وإنما هو تخييل وتعليمه حرام، وكذا تعلمه بلا خلاف من أهل العلم. ولو اعتقد إباحته كفر. وعن أصحابنا ومالك وأحمد يكفر الساحر لتعلمه وفعله سواء اعتقد تحريمه أو لا، ويقتل. وكذا روي عن عمر وعثمان وابن عمر وجنيد بن عبد الله وأحمد بن كعب وقيس بن سالم وعمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فإنهم قتلوه بدون الاستتابة. وعن الشافعي لا يقتل ولا يكفر إلا إذا اعتقد إباحته. وأما الكاهن: هو الساحر، وقيل هو العراف الذي يحدث ويحرض، وقيل هو الذي له وذي من الجن يأتيه بالأخبار. وقال أصحابنا: إن اعتقد أن الشياطين يفعلون له ما يشاء كفر، وإن اعتقد أنه لا يحل لم يكفر. وعند الشافعي إن اعتقد ما يوجب الكفر مثل التقرب إلى الكواكب السبعة وأنها تفعل بالتيمن يكفر. وعند أحمد حكمه حكم الساحر، في رواية يقتل لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اقتلوا كل ساحر وكاهن، وبالله التوفيق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 297 باب البغاة   [البناية] [باب البغاة] م: (باب البغاة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام البغاة، وهو جمع باغ كقضاة جمع قاض، من البغي وهو الخروج عن طاعة الإمام. وأصل البغي الطلب، قال: ما كنا نبغي، أي ما كنا نطلب ما لا يجوز شرعاً. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: البغي التعدي، وبغي الموالي ظلم، وكل مجاوزة وإفراط على المقدار الذي هو حد الشرع فهو بغي. وفي كتاب أهل الشرع الخروج عن طاعة الإمام. وقال الأترازي: المراد من البغاة الخوارج، ولهذا ذكر هذا الباب في المبسوط بيان الخوارج. وقال في فصول الأستروشني لا بد من معرفة أهل البغي. فأهل البغي هم الخارجون على إمام الحق بغير حق. بيانه أن المسلمين إذا اجتمعوا على إمام، وصاروا آمنين به، فخرج عليه طائفة من المؤمنين، فإن فعلوا الظلم ظلمهم، فهم ليسوا من أهل البغي، وعليه أن يترك الظلم وينصفهم. ولا ينبغي للناس أن يعينوه؛ لأن فيه إعانة على الظلم، وأن لا يعينوا تلك الطائفة على الإمام أيضاً؛ لأن فيه إعانة لهم على خروجهم على الإمام، وإن لم يكن ذلك لظلم ظلمهم، ولكن ادعوا الحق والولاية فقالوا: الحق معنا فهم أهل البغي، فعلى كل من يقوى على القتال أن ينصروا إمام المسلمين على هؤلاء الخارجين لأنهم ملعونون على لسان صاحب الشرع. فإنه قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها» فإن كانوا تكلموا بالخروج لكن لم يعزموا على الخروج بعد فليس للإمام أن يتعرض لهم؛ لأن العزم على الجناية لم يوجد بعد، كذا ذكر في واقعات الإمام اللاسي. وذكر العلامي في تهذيبه قال بعض المشايخ: لولا علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما درئنا القتال مع أهل القبلة، وكان علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وممن تبعه من أهل العدل وخصمه ومن تبعه من أهل البغي وفي زماننا الحكم للقبلة، ولا ندري العادلة والباغية كلهم يطلبون الدنيا، إلى هنا لفظ كتاب الفصول. وقال الكاكي: ثم اعلم أن طاعة الإمام الحق هو الذي أجمع عليه المسلمون أو من ثبتت إمامته بعد إمام الحق واجب وكل من خرج عليه قتاله لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أعطى إماماً صفقة يده وثمرة قلبه فليعطه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» رواه مسلم وأجمعت الأمة على قتال البغاة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 298 وإذا تغلب قوم من المسلمين على بلد وخرجوا من طاعة الإمام دعاهم إلى العود إلى الجماعة وكشف عن شبهتهم؛ لأن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعل كذلك بأهل حروراء قبل قتالهم،   [البناية] وأكثر الفقهاء على عدم جواز تكفيرهم. وفي " المحيط " في تكفير أهل البدع كلام، فبعض العلماء لا يكفرون أحداً منهم وبعضهم يكفرون البعض، وهو أن كل بدعة تخالف دليلاً قطعياً فهو كفر، وكل بدعة لا تخالف دليلاً قطعياً يوجب العلم فهو بدعة ضلالة، وعليه اعتمد جماعة أهل السنة والجماعة. م: (وإذا تغلب) ش: مرة قومهم تغلب على بلد كذا أي استولى عليه قهراً م: (قوم من المسلمين على بلد وخرجوا من طاعة الإمام دعاهم) ش: أي الإمام م: (إلى العود إلى الجماعة وكشف عن شبهتهم) ش: وقال الطحاوي في مختصره: وإذا ظهرت جماعة من أهل القبلة داعية وقاتلت عليه وصار لها منعة ليست عما دعاها إلى الخروج. فإن ذكرت ظلماً أنصفت من ظالمها وإلا دعيت إلى الرجوع عن البدعة. وقال أبو بكر الرازي في شرحه: وإنما سئلت عن ذلك لجواز أن يكون خروجها للامتناع من ظلم جرى عليها أو على غيرها. وإن كانوا ممتنعين من الظلم فهم محقون لا يجب قتالهم، بل يجب معاونتهم؛ لأنهم حينئذ خرجوا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فإذا علم أن خروجهم لم يكن لظلم لحقهم أو لحق غيرهم دعوا إلى الجماعة والدخول في طاعة الإمام. والأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] ..... الآية (الحجرات: الآية 9) فاستفدنا من هذه الآية حكمين، أحدهما: ما كان لنا طمع في استصلاحهم ورجوعهم فعلينا أن ندعوهم ونستصلحهم، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] ، والثاني: أنهم إذا لم يجيبوا إلى الصلح والرجوع وأظهروا البغي وجب علينا قتالهم. م: (لأن علياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعل كذلك بأهل حروراء قبل قتالهم) ش: هذا رواه النسائي في سننه الكبرى. وفي خصائص علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا عكرمة بن عمار حدثني أبو سهيل كمال الحنفي حدثني عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دار وكانوا ستة آلاف، فقلت لعلي: يا أمير المؤمنين، ابرد بالصلاة دعني أكلم هؤلاء القوم، فقال: إني أخفهم عليك. فقلت: كلا، فلبست ثيابي ومضيت حتى دخلت عليهم في دار وهم مجتمعون فيها، فقالوا: مرحباً بك يا بن عباس، ما جاء بك، فقلت: أتيتكم من عند أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المهاجرين والأنصار، ومن عند ابن عم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصهره، وعليهم نزل القرآن فهم أعلم بتأويله منكم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 299 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وليس فيكم منهم أحد لأبلغكم ما يقولون وأبلغهم ما تقولون، فانتحى لي نفر منهم. قلت: هاتوا ما نقمتم على أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وابن عمه وختنه وأول من آمن به، قالوا: ثلاث، قلت: ما هي، قالوا: إحداهن أنه حكم الرجال في دين الله وقد قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57] . قلت: هذه واحدة. قالوا: وأما الثانية فإنه قاتل ولم يسب ولم يغنم، فإن كانوا كفاراً فقد حلت لنا نساؤهم وأموالهم، وإن كانوا مؤمنين فقد حرمت علينا دماؤهم، قلت: هذه أخرى، قالوا: وأما الثالثة فإنه محا نفسه من إمرة المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين. قلت: هل عندكم شيء غير هذا، قالوا: حسبنا هذا، قلت لهم: أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله عز وجل وحدثتكم من سنة نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يرد قولكم هذا أترجعون. قالوا: اللهم نعم. قلت: أما قولكم إنه حكم الرجال في دين الله - عز وجل - فأنا أقرأ عليكم أن الله تعالى حكم الرجال في أرنب ثمنه ربع درهم، قال الله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] إلى قوله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] . وقال في المرأة وزوجها: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] أنشدكم أتعلمون حكم الرجال في حق دمائهم وأنفسهم وإصلاح ذات بينهم أفضل، أو في حكم أرنب ثمنه ربع درهم وفي بضع امرأة؟ قالوا: بلى هذا أفضل، قال: أخرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم. قلت: وأما قولكم إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم، أتسبون أمكم عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فتستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم، لئن فعلتم لقد كفرتم، وإن قلتم: ليست أمنا فقد كفرتم، قال الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] فأنتم بين ضلالتين فأتوا منها بمخرج، أخرجت من هذه الأخرى، قالوا: اللهم نعم. قلت: وأما قولكم إنه محا نفسه من إمرة المؤمنين «فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا قريشاً يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتاباً، فقال: اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقالوا: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله. فقال: والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، يا علي اكتب محمد بن عبد الله،» فرسول الله خير من علي، وقد محا نفسه، ولم يكن محوه ذلك محواً من النبوة، أخرجت من هذه الأخرى، فقالوا: اللهم نعم، فرجع منهم ألفان، وبقي سائرهم فقاتلوا على ضلالتهم، فقتلهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 300 ولأنه أهون الأمرين، ولعل الشر يندفع به فيبدأ به، ولا يبدأ بقتال حتى يبدؤوه، فإن بدؤوه قاتلهم حتى يفرق جمعهم. قال العبد الضعيف: هكذا ذكره القدوري في مختصره. وذكر الإمام المعروف بخواهر زاده أن عندنا يجوز أن يبدأ بقتالهم إذا تعسكروا واجتمعوا، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز حتى يبدؤوا بالقتال حقيقة؛ لأنه لا يجوز قتل المسلم إلا دفعا وهم مسلمون،   [البناية] المهاجرون والأنصار. ورواه ابن عبد الرزاق في " مصنفه " وقال في آخره فرجع منهم عشرون ألفاً وبقي أربعة آلاف فقتلوا على ضلالتهم، وحروراء بفتح الحاء المهملة تمد وتقصر قرية بالكوفة كان لها اجتماع الخوارج فنسبوا إليها، يقال: فلان حروري من الحرورية. م: (ولأنه) ش: كشف شبههم مع دعوتهم إلى الجماعة م: (أهون الأمرين) ش: أحدهما: الدعوة إلى الجماعة، والآخر القتال م: (ولعل الشر يندفع به) ش: أي بكشف شبههم مع دعوتهم إلى الجماعة. في " المبسوط ": الأحسن أن يقدم ذلك على القتال؛ لأن الكي آخر الدواء م: (فيبدأ به) ش: أي بكشف الشبهة مع الدعوة م: (ولا يبدأ) ش: أي الإمام م: (بقتال) ش: البغاة م: (حتى يبدؤوه، فإن بدؤوه) ش: أي بالقتال م: (قاتلهم حتى يفرق جمعهم) . م: (قال العبد الضعيف) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (هكذا ذكره القدوري في مختصره، وذكر الإمام المعروف بخواهر زاده أن عندنا يجوز أن يبدأ) ش: أي الإمام م: (بقتالهم) ش: أي بقتال البغاة م: (إذا تعسكروا واجتمعوا) ش: الإمام خواهر زاده هو الإمام أبو بكر محمد الحسين البخاري، وسمي خواهر زاده؛ لأنه كان ابن أخت القاضي الإمام أبي ثابت قاضي سمرقند صاحب " الذخيرة " و " المبسوط " و " الإيضاح ". وكان خواهر زاده إماماً كاملاً في الفقه بحراً غزيراً صاحب التصانيف ومبسوطه أطول المباسيط، مات في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وهي السنة التي توفي فيها شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكانت وفاة القدوري سنة ثمان وعشرين وأربعمائة. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز) ش: البدء بقتالهم م: (حتى يبدؤوا بالقتال حقيقة) ش: وبه قال مالك وأحمد وأكثر أهل العلم م: (لأنه لا يجوز قتل مسلم) ش: وفي بعض النسخ لا يحل قتل المسلم م: (إلا دفعاً) ش: لقتالهم م: (وهم مسلمون) ش: أي البغاة مسلمون بدليل قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا} [الحجرات: 9] (الحجرات: الآية 9) ، أي إحدى الطائفتين من المؤمنين، وقد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 301 بخلاف الكافر؛ لأن نفس الكفر مبيح عنده. ولنا أن الحكم يدار على الدليل وهو الاجتماع والامتناع، وهذا لأنه لو انتظر الإمام حقيقة قتالهم وربما لا يمكنه الدفع، فيدار الحكم على الدليل ضرورة دفع شرهم. وإذا بلغه أنهم يشترون السلاح، ويتأهبون للقتال ينبغي أن يأخذهم ويحبسهم حتى يقلعوا عن ذلك، ويحدثوا توبة دفعا للشر بقدر الإمكان. والمروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - من لزوم البيت محمول على حال عدم الإمام.   [البناية] سمى البغاة مؤمنين م: (بخلاف الكافر؛ لأن نفس الكفر مبيح عنده) ش: أي عند الشافعي، يعني أن علة إباحة القتال وهي الكفر عنده، وعندنا العلة هو الخراب. م: (ولنا أن الحكم يدار على الدليل) ش: أي دليل القتال م: (وهو الاجتماع والامتناع) ش: يعني إذا اجتمعوا فصارت لهم منعة دفعهم بالقتال. م: (وهذا) ش: يعني دوران الحكم على الدليل م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لو انتظر الإمام حقيقة قتالهم، وربما لا يمكنه الدفع) ش: أي دفعهم بحصول الشوكة لهم والقوة على المؤمنين، فإذا كان الأمر كذلك م: (فيدار الحكم على الدليل) ش: أي دليل قتالهم وهو شجرهم واجتماعهم م: (ضرورة) ش: أي لأجل الضرورة م: (دفع شرهم) ش: وفي " المبسوط " و " الإيضاح ": فحالهم في ذلك كحال المرتدين وأهل الحرب الذين بلغتهم الدعوة. ولهذا يجوز قتالهم بكل ما يجوز قتال أهل الحرب به كالرمي بالنبل والمنجنيق وإرسال الماء والنار عليهم والبيان بالنبل؛ لأن قتالهم حينئذ فرض كقتال أهل الحرب والمرتدين. وعند الأئمة الثلاثة قتالهم بالمنجنيق وإرسال الماء والنار لا يجوز إلا إذا لم يندفعوا بدونه. [إعانة الإمام الحق على قتال البغاة] م: (وإذا بلغه) ش: أي الإمام م: (أنهم) ش: أي أن البغاة م: (يشترون السلاح ويتأهبون للقتال ينبغي أن يأخذهم) ش: أي الإمام م: (ويحبسهم حتى يقلعوا عن ذلك) ش: أي حتى يمتنعوا عما قصدوه، ويقلعوا بضم الياء من الإقلاع وهو الامتناع، ومنه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أقلعوا عن المعاصي قبل أن يأخذكم الله» م: (ويحدثوا توبة) بضم الياء، أي يحدثوا توبة عما هم فيه م: (دفعاً للشر بقدر الإمكان) ش: أي لأجل دفع شرهم بحسب إمكانهم. م: (والمروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - من لزوم البيت محمول على حال عدم الإمام) ش: بيان ذلك أن الشيخ أبا الحسن الكرخي قال في مختصره: قال الحسن بن زياد وقال أبو حنيفة: إذا وقعت الفتنة بين المسلمين فينبغي للرجل أن يعتزل الفتنة ويلزم بيته ولا يخرج في الفتنة، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من فر من الفتنة أعتق الله رقبته من النار» . وقال المصنف: هذا محمول على حال عدم الإمام الداعي إلى القتال، أما إذا كان المسلمون مجتمعين على إمام كانوا آمنين به وإسلامه، فخرج عليه طائفة من المؤمنين فحينئذ يجب على كل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 302 أما إعانة الإمام الحق فمن الواجب عند الغناء والقدرة، فإن كانت لهم فئة أجهز على جريحهم واتبع موليهم دفعا لشرهم كي لا يلتحقوا بهم. وإن لم يكن لهم فئة لم يجهز على جريحهم ولم يتبع موليهم لاندفاع الشر دونه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز ذلك في الحالين؛ لأن القتال إذا تركوه لم يبق قتلهم دفعا، وجوابه ما ذكرناه أن المعتبر دليله لا حقيقته، ولا يسبى لهم ذرية ولا يقسم لهم مال؛ لقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يوم الجمل: ولا يقتل أسير ولا يكشف ستر ولا يؤخذ مال،   [البناية] من يقوى على القتال أن يقاتلهم نصرة لإمام المسلمين. أشار إليه بقوله: م: (أما إعانة الإمام الحق فمن الواجب) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: 9] ... الآية (الحجرات: الآية 9) فإن الأمر للوجوب م: (عند الغناء) ش: بفتح الغين المعجمة وبالمد، وهو الكفاية م: (والقدرة) ش: بالجر عطفاً على ما قبله، ويجوز أن يكون العطف للتفسير. فإن قلت: روي عن ابن عمر وغيره من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قعودهم وترك الإعانة. قلت: هو أيضاً محمول، ولكن على عدم قدرتهم على القتال، والعاجز لا يلزمه الحضور. م: (فإن كانت لهم فئة) ش: أي جماعة غير المصدرين للقتال م: (أجهز) ش: على صيغة المجهول من أجهزت م: (على جريحهم) ش: إذا أسر عن قتله وقد تممت عليه، يعني كان مجروحاً أشرف على الموت قيمة م: (واتبع موليهم) ش: على صيغة المجهول أيضاً وبكسر اللام وسكون الياء. وهو الذي يولي ويهرب خوفاً بنفسه م: (دفعاً لشرهم) ش: أي لأجل دفع شر البغاة م: (كي لا يلتحقوا) ش: أي الجريح والمولي م: (بهم) ش: أي لبغاة فيميلان إليهم م: (وإن لم يكن لهم فئة لم يجهز على جريحهم ولم يتبع موليهم) ش: وكلا اللفظين أيضا على صيغة المجهول م: (لاندفاع الشر دونه) ش: أي دون إجهاز جريحهم واتباع موليهم. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز ذلك في الحالين) ش: أي فيما إذا كانت لهم فئة، وإن لم يكن لهم فئة م: (لأن القتال إذا تركوه لم يبق قتلهم دفعاً) ش: للشر؛ لأن شرهم قد اندفع فلا حاجة إلى الامتناع، وهذا لأنه قتال على وجه الدفع، فصار كقتال غير الخوارج. م: (وجوابه) ش: أي جواب الشافعي م: (ما ذكرناه أن المعتبر دليله) ش: أي دليل القتال وهو الإجماع م: (لا حقيقته) ش: أي لا حقيقة القتال، وبقولنا قال مالك وبعض أصحاب الشافعي: م: (ولا يسبى لهم ذرية ولا يقسم لهم مال لقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يوم الجمل: ولا يقتل أسير ولا يكشف ستر ولا يؤخذ مال) ش: يوم الجمل هو اليوم الذي كان فيه وقعة عائشة مع علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 303 وهو الذي يقتدى به في هذا الباب. وقوله في الأسير: تأويله إذا لم يكن لهم فئة، فإن كانت يقتل الإمام الأسير، وإن شاء حبسه لما ذكرنا، ولأنهم مسلمون والإسلام يعصم النفس والمال، ولا بأس بأن يقاتلوا بسلاحهم إن احتاج المسلمون إليه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز، والكراع على هذا الخلاف. له أنه مال مسلم فلا يجوز الانتفاع به إلا برضاه. ولنا أن عليا -   [البناية] وذلك أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما قتل يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين بويع لعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بالمدينة بالخلافة يوم قتل عثمان، بايعه من كان في المدينة من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم وفيهم طلحة وزيد. وذكر أنهما بايعاه كارهين غير طائعين، فخرجا من مكة ومعهما عائشة إلى البصرة يطالبون بدم عثمان، وبلغ علياً ذلك فخرج من المدينة إلى العراق، وبعث عمار بن ياسر والحسن بن علي إلى الكوفة يستنصر أهلها بالمسير معه، فقدموا عليه فأنزلهم البصرة فلقي طلحة والزبير وعائشة ومن معهم من أهل البصرة وغيرهم، فوقع بينهم قتال عظيم، فظنوهم قتل يومئذ طلحة والزبير وغيرهما، وبلغت القتلى ثلاثة عشر ألف قتيل، وإنما سمي يوم الجمل؛ لأن عائشة كانت يومئذ على جمل يسمى عكرا. وروى ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا عبدة بن سليمان عن جرير عن الضحاك أن علياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما هزم طلحة والزبير وأصحابهما أمر منادياً فنادى أن لا يقتل مقبل ولا مدبر، ولا يفتح باب، ولا يقل قرح، ولا مال. قوله: ولا يكشف ستر أي لا يسبى نساؤهم وهو القدوة عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (وهو الذي يقتدى به في هذا الباب) ش: أي في باب قتال الخوارج م: (وقوله) ش: أي قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (في الأسير) ش: أي: ولا يقتل أسير م: (تأويله) ش: أي تأويل كلامه م: (إذا لم يكن لهم فئة، فإن كانت يقتل الإمام الأسير، وإن شاء حبسه لما ذكرنا) ش: أي عند قوله ويحبسهم إلى قوله دفعاً لشرهم، وعند الأئمة الثلاثة: لا يقتل الأسير بل يحبسه م: (ولأنهم) ش: أي ولأن البغاة م: (مسلمون، والإسلام يعصم النفس والمال) ش: للحديث المشهور. م: (ولا بأس بأن يقاتلوا بسلاحهم إن احتاج المسلمون إليه) ش: أي إلى سلاحهم لأجل القتال م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز) ش: وبه قال أحمد في رواية م: (والكراع على هذا الخلاف) ش: أي الخلاف الذي بيننا وبين الشافعي، يعني: يجوز استعمال الكراع وهو الجمل عند الحاجة عندنا. وقال الشافعي وأحمد في رواية: لا يجوز، وبقولنا قال مالك وأحمد في رواية. م: (له) ش: أي للشافعي م: (أنه مال مسلم فلا يجوز الانتفاع به إلا برضاه. ولنا: أن علياً - الجزء: 7 ¦ الصفحة: 304 - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قسم السلاح فيما بين أصحابه بالبصرة، وكانت قسمته للحاجة لا للتمليك ولأن للإمام أن يفعل ذلك في مال العادل عند الحاجة. ففي مال الباغي أولى. والمعنى فيه إلحاق الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى. ويحبس الإمام أموالهم ولا يردها عليهم، ولا يقسمها حتى يتوبوا فيردها عليهم، أما عدم القسمة فلما بينا. وأما الحبس فلدفع شرهم بكسر شوكتهم، ولهذا يحبسها عنهم: وإن كان لا يحتاج إليها إلا أنه يبيع الكراع؛ لأن حبس الثمن أنظر وأيسر. وأما الرد بعد التوبة فلاندفاع الضرورة ولا استغنام فيها. قال: وما جباه أهل البغي من البلاد التي غلبوا عليها من الخراج والعشر لم يأخذه الإمام ثانيا. لأن ولاية الأخذ له   [البناية] - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قسم السلاح فيما بين أصحابه بالبصرة) ش: وروى ابن أبي شيبة في مصنفه، حدثنا وكيع عن مطرف عن مسند عن ابن الحنفية أن علياً قسم يوم الجمل في العسكر ما أجافوا عليه من كراع وسلاح م: (وكانت قسمته للحاجة لا للتمليك) ش: يعني كانت قسمته قسمة انتفاع لدفع الحاجة، لا قسمة تمليك، ولهذا لما وضعت الحرب أوزارها ردها إليهم. م: (ولأن للإمام أن يفعل ذلك في مال العادل عند الحاجة، ففي مال الباغي أولى، والمعنى فيه) ش: أي المعنى المبيح في استعمال أسلحة أهل البغي وكراعهم م: (إلحاق الضرر الأدنى) ش: وهو ضرر صاحب السلاح وصاحب الكراع م: (لدفع الضرر الأعلى) ش: وهو الضرر العام الواقع على عامة المسلمين، فيحتمل الأدنى لدفع الأعلى م: (ويحبس الإمام أموالهم ولا يردها عليهم ولا يقسمها حتى يتوبوا فيردها عليهم، أما عدم القسمة فلما بينا) ش: إشارة إلى قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا يؤخذ مال. قال الأكمل: قلت: ليس بذلك، بل إشارة إلى قوله: لأنه مال مسلم فلا يجوز الانتفاع به م: (وأما الحبس فلدفع شرهم بكسر شوكتهم) ش: كي لا يستعينوا بها علينا م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كسر شوكتهم م: (يحبسها عنهم، وإن كان لا يحتاج إليها إلا أنه) ش: أي أن الإمام م: (يبيع الكراع؛ لأن حبس الثمن أنظر) ش: للمالك م: (وأيسر) ش: للحافظ؛ لأن إبقاءه يحتاج إلى النفقة والخدمة. م: (وأما الرد بعد التوبة فلاندفاع الضرورة ولا استغنام فيها) ش: يعني أموال أهل البغي لا يبيعها لعصمتها، فلا يقسم لأجل هذا بين أهل العدل، لكنها تجر ضرورة دفع الشر، فإذا اندفعت الضرورة بتوبتهم ردت إليهم. [ما جباه أهل البغي من البلاد التي غلبوا عليها من الخراج والعشر] م: (قال: وما جباه أهل البغي من البلاد التي غلبوا عليها من الخراج والعشر لم يأخذه الإمام ثانياً) ش: وبه قال الشافعي وأحمد وابن الماجشون المالكي وابن القاسم لا يعتبر ذلك. وعلى من أخذ منه الزكاة الإعادة، وبه قال أبو عبيد؛ لأن الأخذ ممن لا ولاية له م: (لأن ولاية الأخذ له) ش: أي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 305 باعتبار الحماية ولم يحمهم، فإن كانوا صرفوه في حقه أجزأ من أخذ منه لوصول الحق إلى مستحقه. وإن لم يكونوا صرفوه في حقه فعلى أهله فيما بينهم وبين الله - تعالى - أن يعيدوا ذلك؛ لأنه لم يصل إلى مستحقه. قال العبد الضعيف: قالوا لا إعادة عليهم في الخراج؛ لأنهم مقاتلة، فكانوا مصارف، وإن كانوا أغنياء، وفي العشر إن كانوا فقراء فكذلك؛ لأنه حق الفقراء، وقد بيناه في الزكاة. وفي المستقبل يأخذه الإمام؛ لأنه يحميهم فيه لظهور ولايته. ومن قتل رجلا وهما من عسكر أهل البغي ثم ظهر عليهم فليس عليهم شيء؛ لأنه لا ولاية لإمام العدل حين القتل. فلم ينعقد موجبا كالقتل في دار الحرب. وإن غلبوا على مصر فقتل رجل من أهل المصر رجلا من أهل المصر عمدا ثم ظهر على المصر، فإنه يقتص منه. وتأويله:   [البناية] الإمام م: (باعتبار الحماية ولم يحمهم) ش: ألا ترى إلى قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إن كنت لا تحمهم فلا تجبهم. م: (فإن كانوا) ش: أي أهل البغي إن كانوا م: (صرفوه) ش: الذي أخذوه م: (في حقه) ش: أي في الجهة التي عينها الشارع له م: (أجزأ من أخذ منه، لوصول الحق إلى مستحقه، فإن لم يكونوا صرفوه في حقه فعلى أهله فيما بينهم وبين الله - تعالى - أن يعيدوا ذلك؛ لأنه لم يصل إلى مستحقه) ش: لأن سقوط المطالبة قضاء لا يوجب سقوطها ديانة. م: (قال العبد الضعيف) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (لا إعادة عليهم في الخراج) ش: ديانة أيضاً؛ لأنهم محل الخراج م: (لأنهم مقاتلة، فكانوا مصارف، وإن كانوا أغنياء، وفي العشر إن كانوا فقراء فكذلك) ش: لا إعادة عليهم م: (لأنه) ش: أي لأن العشر م: (حق الفقراء) ش: من أهل الإسلام وهذا أوجه م: (وقد بيناه في الزكاة) ش: أي وقد بينا الحكم المذكور قبل فصل في الفضة م: (وفي المستقبل يأخذه الإمام) أي في الحول إلا فيء يأخذ الإمام العشر والخراج م: (لأنه) ش: أي لأن الإمام م: (يحميهم فيه) ش: أي في المستقبل من الزمان م: (لظهور ولايته) ش: حينئذ. [المقتول من عسكر أهل البغي] م: (ومن قتل رجلاً وهما) ش: أي والحال أنهما م: (من عسكر أهل البغي ثم ظهر عليهم) ش: بضم الظاء، أي غلب عليهم م: (فليس عليهم شيء) ش: أي لا يجب على القاتل دية ولا قصاص. وقالت الأئمة الثلاثة: يؤخذ بموجب الجناية، أي جناية كانت بعموم الآية والأخبار م: (لأنه لا ولاية لإمام العدل حين القتل، فلم ينعقد موجباً كالقتل في دار الحرب) ش: لعدم الولاية م: (وإن غلبوا) ش: أي البغاة م: (على مصر فقتل رجل من أهل المصر رجلاً من أهل المصر عمداً ثم ظهر على المصر) ش: أي غلب عليه بأن رفعت عنها أيدي البغاة م: (فإنه يقتص منه) ش: أي من القاتل م: (وتأويله) ش: أي تأويل قوله: يقتص منه، وإنما قال المصنف: وتأويله؛ لأن المسألة التي ذكرها من مسائل " الجامع الصغير "، ولم يذكر فيه، أي لم يجر على أهله أحكامهم، وإنما ذكر هذا فخر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 306 إذا لم يجر على أهله أحكامهم وأزعجوا قبل ذلك، وفي ذلك لا تنقطع ولاية الإمام فيجب القصاص. وإذا قتل رجل من أهل العدل باغيا فإنه يرثه، فإن قتله الباغي وقال: قد كنت على حق، وأنا الآن على حق ورثه، وإن قال: قتلته وأنا أعلم أني على الباطل لم يرثه، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يرث الباغي في الوجهين، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأصله أن العادل إذا أتلف نفس الباغي أو ماله لا يضمن ولا يأثم؛ لأنه مأمور بقتالهم دفعا لشرهم، والباغي إذا قتل العادل لا يجب الضمان عندنا ويأثم. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم: إنه يجب، وعلى هذا الخلاف إذا تاب المرتد وقد أتلف نفسا أو مالا. له أنه أتلف مالا معصوما. أو قتل نفسا معصومة فيجب الضمان اعتبارا بما قبل المنعة.   [البناية] الإسلام البزدوي في شرحه " للجامع الصغير " ونقله المصنف منه هكذا حيث قال م: (إذا لم يجر على أهله) ش: أي أهل المصر م: (أحكامهم) ش: أي أحكام البغاة الذين غلبوا عليه. م: (وأزعجوا قبل ذلك) ش: أي أزعج أهل البغي قبل إجراء أحكامهم على أهل المصر وأزعجوا على صيغة المجهول من أزعجه أي قلعه من مكانه م: (وفي ذلك) ش: أي وفيما لم يجر أحكامهم م: (لا تنقطع ولاية الإمام فيجب القصاص) ش: لأن استيلاءهم كان بعارض، وبقاء ولاية الإمام. [قتل رجل من أهل العدل باغياً] م: (وإذا قتل رجل من أهل العدل باغياً فإنه يرثه، فإن قتله الباغي) ش: أي وإن قتل الباغي رجلاً من أهل العدل م: (وقال: قد كنت على حق وأنا الآن على حق ورثه، وإن قال: قتلته وأنا أعلم أني على الباطل لم يرثه، وهذا) ش: أي المذكور من الأحكام م: (عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يرث الباغي في الوجهين) ش: أي فيما إذا قال: كنت على حق، وفيما إذا قال: كنت على باطل م: (وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قول أبي يوسف، وهو قول الشافعي في القديم. م: (وأصله) ش: أي وأصل هذا الخلاف م: (أن العادل إذا أتلف نفس الباغي أو ماله لا يضمن ولا يأثم؛ لأنه مأمور بقتالهم دفعاً لشرهم، والباغي إذا قتل العادل لا يجب الضمان عندنا) ش: وبه قال أحمد م: (ويأثم) ش: لأنه قتل نفساً. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم: إنه يجب) ش: الضمان. وبه قال مالك م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي المذكور م: (إذا تاب المرتد وقد أتلف نفساً) ش: أي والحال أنه قد أتلف نفساً م: (أو مالاً) ش: لا يجب الضمان عندنا، وعلى قول الشافعي في القديم يجب م: (له) ش: أي للشافعي م: (أنه أتلف مالاً معصوماً أو قتل نفساً معصومة فيجب الضمان اعتباراً بما قبل المنعة) ش: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 307 ولنا إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ورواه الزهري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولأنه أتلف عن تأويل فاسد، والفاسد منه ملحق بالصحيح إذا ضمت إليه المنعة في حق الدفع، كما في منعة أهل الحرب وتأويلهم،   [البناية] أي قياس ما إذا تلف قبل أن يكون لهم منعة. م: (ولنا إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ورواه الزهري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي روى محمد بن مسلم الزهري إجماع الصحابة على أنه لا يضمن الباغي إذا قتل العادل. وقال الأترازي: ذكر أصحابنا في كتبهم لفخر الإسلام وغيره عن الزهري أنه قال: وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متوافرون فاتفقوا على أن كل مال استحل بتأويل القرآن فهو موضوع، وكل مال استحق بتأويل القرآن فهو موضوع، وكل فرج استحل بتأويل القرآن فهو موضوع. وما كان قائماً يرد. انتهى. قلت: روى عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا معمر عن الزهري أن سليمان بن هشام كتب إليه يسأله عن امرأة خرجت من عند زوجها وشهدت على قومها بالشرك ولحقت بالحرورية فتزوجت، ثم إنها رجعت إلى أهلها ثانية. قال الزهري: فكتب إليه أما بعد فإن الفتنة الأولى مارت وأصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمن شهد بدراً كريماً فاجتمع رأيهم على أن لا يقيموا على أحد حداً في فرج استحلوه، بتأويل القرآن ولا قصاص في دم استحلوه بتأويل القرآن. ولا يرد مال استحلوه بتأويل القرآن إلا أن يوجد شيء بعينه فيرد على صاحبه، وإن رأى أن يرد على زوجها وأن يحل من افترى عليها، انتهى. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الباغي م: (أتلف عن تأويل فاسد، والفاسد منه) ش: أي من التأويل م: (ملحق بالصحيح) ش: أي بالتأويل الصحيح م: (إذا ضمت إليه المنعة في حق الدفع) ش: أي إلى التأويل يتعلق بقوله: ملحق بالصحيح، أي في دفع الضمان، بيانه أن الخوارج يستحلون دماء المسلمين بالمعصية صغيرة كانت أو كبيرة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} [الجن: 23] (الجن: الآية 23) ، وتأويلهم هذا وإن كان فاسداً لكن اعتبر في دفع الضمان لما روي عن الزهري آنفاً. وقال في " تحفة الفقهاء ": هذا إذا أتلفوا في حال المنعة، فأما إذا أتلفوا مالهم ونفوسهم قبل ظهور المنعة أو بعد الانهزام فإنهم يضمنون لأنهم من أهل دار الإسلام، ثم قال: هذا جواب الحكم، وبمعنى أن يضمن كل واحد من الفريقين للآخر ما أتلف من الأنفس والأموال؛ لكونها معصومة في هذه الحالة إلا بطريق الدفع م: (كما في منعة أهل الحرب وتأويلهم) ش: يعني بعدما أسلموا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 308 وهذا لأن الأحكام لا بد فيها من الإلزام أو الالتزام، ولا التزام لاعتقاد الإباحة عن تأويل، ولا إلزام لعدم الولاية لوجود المنعة، والولاية باقية قبل المنعة، وعند عدم التأويل ثبت الالتزام اعتقادا. بخلاف الإثم لأنه لا منعة في حق الشارع، إذا ثبت هذا فنقول قتل العادل الباغي قتل بحق فلا يمنع الإرث. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قتل الباغي العادل أن التأويل الفاسد إنما يعتبر في حق الدفع. والحاجة هاهنا إلى استحقاق الإرث فلا يكون التأويل معتبرا في حق الإرث. ولهما فيه أن الحاجة إلى دفع الحرمان أيضا، إذ القرابة سبب الإرث فيعتبر الفاسد فيه،   [البناية] م: (وهذا) ش: أشار به إلى قوله: والباغي إذا قتل العادل لا يجب الضمان عندنا ويأثم م: (لأن الأحكام) ش: أي أحكام الشرع في حق الدنيا م: (لا بد فيها من الإلزام أو الالتزام) ش: يعني الباغي م: (ولا التزام لاعتقاد الإباحة عن تأويل) ش: أي الالتزام منه لتأويله الفاسد أن يقال: العادل مباح، ويجوز إراقة دمه لأن من عصى الله صغيرة أو كبيرة فقد كفر م: (ولا إلزام لعدم الولاية) ش: أي ولا إلزام على الباغي لعدم ولاية الإمام م: (لوجود المنعة) ش: أي منعة أهل البغي الحرب، بخلاف ما قبل ظهور المنعة. م: (والولاية) ش: جواب عن قول الثاني اعتباراً بما قبل المنعة، أي ولاية الإمام م: (باقية قبل المنعة) ش: عليهم كما كانت م: (وعند عدم التأويل ثبت الالتزام اعتقاداً) ش: أي من حيث الاعتقاد. م: (بخلاف الإثم) ش: حيث يثبت سواء كانت لهم منعة أو لم تكن م: (لأنه لا منعة في حق الشارع) ش: ومنعتهم في حق الشارع كالمنعة فلا يكون وجود منعتهم دفعاً للإثم م: (إذا ثبت هذا) ش: أشار به إلى قوله: لأن الأحكام لا بد فيها ... إلى آخره، م: (فنقول: قتل العادل الباغي قتل بحق فلا يمنع الإرث) ش: لأن حرمان الإرث جزاء فعل محظور فلا يعطى بمباح. م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قتل الباغي العادل: أن التأويل الفاسد إنما يعتبر في حق الدفع) ش: أي في حق دفع الضمان م: (والحاجة هاهنا إلى استحقاق الإرث فلا يكون التأويل معتبراً في حق الإرث) ش: حاصل هذا الكلام أن التأويل الفاسد يعتبر في حق دفع لا في حق استحقاق الميراث فيحرم الإرث؛ لأنه قتله بغير حق. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (فيه) ش: أي في قتل الباغي العادل م: (أن الحاجة إلى دفع الحرمان أيضاً) ش: أي في دفع الحرمان عن الإرث أيضاً يعني كما أن تأويله يعتبر في حق دفع الضمان يعتبر أيضاً في دفع الحرمان أيضاً م: (إذ القرابة) ش: أي لأن القرابة م: (سبب الإرث فيعتبر الفاسد) ش: أي التأويل الفاسد م: (فيه) ش: أي في دفع الحرمان من شرطه استثناء من قوله: يعتبر الفاسد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 309 إلا أن من شرطه بقاؤه على ديانته، فإذ قال: كنت على الباطل لم يوجد الدافع فوجب الضمان. قال ويكره بيع السلاح من أهل الفتنة وفي عساكرهم؛ لأنه إعانة على المعصية، وليس ببيعه بالكوفة من أهل الكوفة ومن لم يعرفه من أهل الفتنة بأس؛ لأن الغلبة في الأمصار لأهل السلاح، وإنما يكره بيع نفس السلاح لا بيع ما لا يقاتل به إلا بصنعة، ألا ترى أنه يكره بيع المعازف ولا يكره بيع الخشب، وعلى هذا الخمر مع العنب.   [البناية] م: (إلا أن من شرطه) ش: أي من شرط الإرث م: (بقاؤه) ش: أي بقاء الباغي م: (على ديانته) ش: يكون مصراً على دعواه، فإذا رجع فقد بطلت ديانته وهو معنى قوله م: (فإذا قال: كنت على الباطل لم يوجد الدافع) ش: أي الضمان م: (فوجب الضمان) ش: لعدم الدافع. م: (قال: ويكره بيع السلاح من أهل الفتنة وفي عساكرهم) ش: أي عساكر أهل الفتنة م: (لأنه إعانة على المعصية) ش: قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] (المائدة: الآية 2) م: (وليس بيعه) ش: أي بيع السلاح م: (بالكوفة من أهل الكوفة ومن لم يعرفه من أهل الفتنة بأس) ش: بالرفع اسم ليس م: (لأن الغلبة في الأمصار لأهل السلاح) ش: وأهل الفتنة فيها قليل، وتقييده بالكوفة باعتبار أن البغاة خرجوا منها أولاً فالحكم في غيرها كذلك. م: (وإنما يكره بيع نفس السلاح لا بيع ما لا يقاتل به إلا بصنعة) ش: متجددة، فإنه لا بأس من أهل الفتنة. وأوضح ذلك بقوله م: (ألا ترى أنه يكره بيع المعازف) ش: جمع معزف بكسر الميم وهو ضرب من الطنابير تتخذ به أهل اليمن م: (ولا يكره بيع الخشب) ش: أي الذي يتخذ منه المعزف م: (وعلى هذا) ش: أي الحكم م: (الخمر مع العنب) ش: حيث لا يجوز بيع الخمر ويجوز بيع عصير العنب. والفرق لأبي حنيفة بين كراهية بيع السلاح من أهل الفتنة وعدم كراهة بيع العصير ممن يتخذه خمراً أن الضرر هنا يرجع إلى العامة وهناك يرجع إلى الخاصة. فروع: يكره أن يبعث برؤوس البغاة أو الحربي إلى الأماكن إلا إذا كان في ذلك وهن لهم فلا بأس به. قتلى أهل العدل في الحرب شهداء يفعل بهم ما يفعل بالشهداء، وقتلى أهل البغي لا يصلى عليهم سواء كانت لهم فئة أو لا، هو الصحيح، ولكن يغسلون ويكفنون. وإذا أغاروا مستدلين بنصوص غير متأولين على مدينة وقاتلوا وقتلوا الأنفس وأخذوا أموالاً أخذوا بالجميع، وكذا إذا خرج جماعة لا منعة لهم، ولا خلاف فيه لأهل العلم. ولو استعان أهل البغي بأهل الحرب وأودع أهل البغي أهل الحرب فأعانهم أهل الحرب على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 310 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أهل العدل يسبون ويقتلون لأنهم نقضوا العهد. ولو طلب أهل البغي الموادعة أجيبوا إن كان خيراً لنا، ولا يأخذ الإمام منهم شيئاً. ولو نصب أهل البغي قاضياً للقضاء إن كان من أهل العدل يجوز بلا خلاف، وإن كان ممن لا يستحل لا يجوز عندنا ويجوز عند الشافعي وأحمد. ولو كتب قاضيهم إلى قاضي أهل العدل كتاباً يقبل بلا خلاف، والأولى أن لا يقبل كسراً لمواليهم. وعندنا كل متسلط إذا تم تسليطه يصير سلطاناً فيصح تقليده القضاء ويصح منه ما يصح من السلطان العادل، وبالله الرحمة، وهو ولي التوفيق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 311 كتاب اللقيط اللقيط سمي باعتبار مآله، لما أنه يلقط، والالتقاط مندوب إليه لما فيه من إحيائه. وإن غلب على ظنه ضياعه فواجب. قال: اللقيط حر لأن الأصل في بني آدم إنما هو الحرية،   [البناية] [كتاب اللقيط] [حكم الإ لتقاط] م: (كتاب اللقيط) ش: أي هذا الكتاب في بيان أحكام اللقيط. والمناسبة بين كتاب اللقيط وكتاب السير من حيث إن فيهما عرضة الفوات للأنفس والأموال. وقدم اللقيط على اللقطة لما أن ذكر النفس مقدم، وهو على وزن فعيل بمعنى مفعول من اللقط، وهو الرفع. معناه لغة: ما يلقط، أي ما يرفع من الأرض، وفي الشرع: اللقيط اسم المولود طرحه أهله خوفاً من العيلة أو فراراً من تهمة الزنا. قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (اللقيط سمي باعتبار مآله لما أنه يلقط) ش: أشار به إلى أنه في باب تسمية الشيء باعتبار ما يئول إليه، كما في قوله: «من قتل قتيلاً فله سلبه» وكما في قَوْله تَعَالَى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] (يوسف: الآية 36) م: (والالتقاط مندوب إليه) ش: أي رفع اللقيط من الأرض مستحب م: (لما فيه من إحيائه) ش: لأنه على شرف الهلاك وإحياء الحي بدفع سبب الهلاك، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] (المائدة: الآية 32) . ولهذا كان رفعه أفضل من تركه لما في تركه من ترك الرحمة على الصغار، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من لم يرحم صغيرنا .... » الحديث، وفي رفعه إظهار الشفقة على الصغار، وهو أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله، والتعظيم لأمر الله، والشفقة على خلق الله، كذا في " المبسوط ". م: (وإن غلب على ظنه ضياعه) ش: أي على ظن الشخص ضياع اللقيط بتركه م: (فواجب) ش: أي التقاطه حينئذ واجب. وقال الشافعي ومالك وأحمد: رفعه فرض كفاية إلا إذا خاف هلاكه، فحينئذ فرض عين؛ لإجماع الأمة، كمن رأى أعمى يقع في البئر يفرض عليه حفظه عن الوقوع، وتمسكوا على وجوبه بقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] الآية (المائدة: الآية: 2) . م: (قال: اللقيط حر) ش: أي في جميع أحكامه حتى يحد قاذفه، ولا يحد قاذف أمه، ذكره في شرح الطحاوي، ولا خلاف أنه حر إلا ما روي عن النخعي شاذاً أنه قال: إن رفعه حبسه فهو حر. وإن أراد أن يسترقه فهو له، وهذا مخالف لإجماع العلماء، م: (لأن الأصل في بني آدم إنما هو الحرية) ش: إذ الإنسان أولاد آدم وحواء - صلوات الله عليهما وسلامه - وكانا حرين، ولأن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 312 وكذا الدار دار الأحرار، ولأن الحكم للغالب، ونفقته في بيت المال هو المروي عن عمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ولأنه مسلم عاجز عن التكسب، ولا مال له ولا قرابة فأشبه المقعد   [البناية] الرق بعارض الكفر، والأصل عدم العارض. م: (وكذا الدار دار الأحرار) ش: أي الدار دار الإسلام، فيمن كان فيها يكون حراً باعتبار الظاهر م: (ولأن الحكم للغالب) ش: أي لأن الغالب فيمن سكن دار الإسلام الأحرار والعبرة للغالب م: (ونفقته في بيت المال) ش: أي إذا لم يكن معه مال م: (هو المروي عن عمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: أما الرواية عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجها مالك في " الموطأ " في كتاب الأقضية عن ابن شهاب الزهري عن سنين أبو جميلة - رجل من بني سليم - أنه وجد منبوذاً في زمن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: فجئت إلى عمر وقال: ما حملك على حمل هذه التسمية؟ فقال: وجدتها ضائعة فأخذتها. فقال له عريفه: يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح، قال: كذلك، قال: نعم، فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: اذهب به فهو حر وعلينا نفقته. ورواه عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا مالك عن ابن شهاب حدثني أبو جميلة أنه وجد منبوذاً على عهد عمر بن الخطاب فأتاه به فاتهمه عمر، فأثني عليه خيراً، فقال عمر: هو حر وولاؤه لك، ونفقته من بيت المال. ورواه الطبراني في " معجمه " من طريق عبد الرزاق، ورواه الطبراني في كتاب " العلل " وزاد فيه زيادة حسنته، وهي أبو جميلة أدرك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحج حجة الوداع. قلت: اسمه سنين بضم السين المهملة وفتح النون وسكون الياء قبل آخر الحروف، وفي آخره نون، وكنيته أبو جميلة بفتح الجيم. وقال: ولولا أدرك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: إنه شهد معه حنيناً، وحدث عن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وروى عنه ابن شهاب يعني محمد بن مسلم الزهري. وأما الرواية عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجها عبد الرزاق، حدثنا سفيان الثوري عن الزهري عن ثابت عن ذهب بن أوس عن تميم أنه وجد لقيطاً فأتي به إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فألحقه بأمه انتهى. وذكره الكاكي فقال: عن علي أنه قال: نفقته في بيت المال، وولاؤه للمسلمين. م: (ولأنه) ش: أي ولأن اللقيط م: (مسلم عاجز عن التكسب، ولا مال له ولا قرابة فأشبه المقعد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 313 الذي لا مال له ولا قرابة. ولأن ميراثه لبيت المال، والخراج بالضمان، ولهذا كانت جنايته فيه، والملتقط متبرع في الإنفاق عليه لعدم الولاية إلا أن يأمره القاضي به ليكون دينا عليه لعموم الولاية. قال: فإن التقطه رجل لم يكن لغيره أن يأخذه منه؛ لأنه ثبت حق الحفظ له ولسبق يده عليه فإن ادعى مدع أنه ابنه فالقول قوله، معناه إذا لم يدع الملتقط نسبه،   [البناية] الذي لا مال له ولا قرابة) ش:، والجامع بينهما الإسلام، والعجز عن الاكتساب وعدم المال وعدم من يجب عليه نفقته م: (ولأن ميراثه) ش: أي ميراث اللقيط م: (لبيت المال) ش: لعدم وارثه م: (والخراج بالضمان) ش: الخراج ما يخرج من غلة الأرض أو الغلام، يقال: خراج غلامه إذا اتفقا على ضريبة يؤديها إليه في وقت معلوم، ومعنى الخراج بالضمان أي الغلة سبب إن ضمنته لعين أن ميراث اللقيط لما كان لبيت المال كان مؤنة نفقته في بيت المال؛ لأن الغرم بإزاء الغنم. وقال الأكمل: قوله: الخراج بالضمان أي له غنيمته وعليه غرمه، أي على العبد المعيب للمشتري قبل ولائه قبل الرد في ضمانه م: (ولهذا كانت جنايته فيه) ش: أي ولأجل كون الخراج بالضمان، وكانت جناية اللقيط في بيت المال. [الإنفاق علي اللقيط] م: (والملتقط متبرع في الإنفاق عليه) ش: أي على اللقيط م: (لعدم الولاية) ش: أي لعدم ولايته في تقصير حقه فيكون متبرعاً م: (إلا أن يأمره القاضي به) ش: أي بالإنفاق عليه م: (ليكون) ش: ما أنفقه عليه م: (ديناً عليه لعموم الولاية) ش: أي ولاية القاضي، وإن أمره القاضي بذلك مطلقاً، ولم يقل على أن يكون ديناً عليه. ذكر في " مختصر العصام " أنه يكون ديناً عليه، ويرجع عليه إذا كبر، ذكر في " الكافي " أنه لا يكون ديناً عليه، ولا يرجع عليه. وهذا أصح لأن الأمر المطلق محتمل قد يكون للحث في إتمام ما شرع فيه من التبرع. وقد يكون للرجوع، وإنما يزول هذا الاحتمال إذا شرط أن يكون ديناً عليه، وإن كان مع اللقيط مال أو دابة لم ينفق عليه من ماله بأمر القاضي؛ لأن اللقيط حر، وما في يده فهو له لظاهر ما ذكره في فتاوي الولوالجي. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن التقطه رجل لم يكن لغيره أن يأخذه منه لأنه ثبت حق الحفظ له ولسبق يده عليه) ش: أي على اللقيط، فكان أولى به كما في سائر المباحات م: (فإن ادعى مدع أنه ابنه، فالقول قوله) ش: هذا لفظ القدوري. وقال المصنف: م: (معناه) ش: أي معنى كلام القدوري م: (إذا لم يدع الملتقط نسبه) ش: أي نسب اللقيط. أما إذا ادعى الملتقط نسبه فهو أولى لأنهما استويا في الدعوى، ولأحدهما يد وصاحب اليد أولى. وكذا إذا كان الملتقط ذمياً فهو أولى من المسلم الخارج حتى إذا كان في يد ذمي يدعي أنه ابنه، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 314 وهذا استحسان، والقياس أن لا يقبل قوله؛ لأنه يتضمن إبطال حق الملتقط. وجه الاستحسان أنه إقرار للصبي بما ينفعه؛ لأنه يتشرف بالنسب ويعير بعدمه، ثم قيل يصح في حقه دون إبطال يد الملتقط، وقيل يبتنى عليه بطلان يده. ولو ادعاه الملتقط قيل يصح قياسا واستحسانا والأصح أنه على القياس والاستحسان،   [البناية] وأقام أحد من المسلمين أنه ابنه فهو للذمي بحكم يده. وأما لو كان مدعيا اللقيط خارجين أحدهما مسلم والآخر ذمي، وأقاما بينة من المسلمين يقضى للمسلم، فالحاصل أن الترجيح في باب النسب أو على الأمر باليد كذا في " الذخيرة " و " الإيضاح ". وقال الشافعي وأحمد: الترجيح بقول القافة م: (وهذا استحسان) ش: أي هذا الذي ذكره القدوري استحسان م: (والقياس أن لا يقبل قوله؛ لأنه يتضمن إبطال حق الملتقط) ش: من حق اللقيط وما لعامة المسلمين من الولاء، فلا يقبل من غير بينته م: (وجه الاستحسان أنه إقرار للصبي بما ينفعه) ش: من حيث وجوب المنفعة والحضانة فقبل قوله م: (لأنه) ش: أي لأن اللقيط م: (يتشرف بالنسب ويعير بعدمه) ش: أي بعدم النسب. م: (ثم قيل: يصح في حقه) ش: هذه إشارة، إلى خلاف المشايخ في ادعاء الخارج أن اللقيط ابنه، فقال بعضهم: يصح ادعاؤه في حق النسب يعني في حق ثبوته في إبطال يد الملتقط، وهذا معنى قوله م: (دون إبطال يد الملتقط) ش: وقال بعضهم: يقبل قوله فيهما جميعاً. وهو معنى قوله م: (وقيل: يبتنى عليه) ش: أي على ثبوت النسب م: (بطلان يده) ش: أي يد الملتقط؛ لأن الأب أحق بالولد من الأجنبي، ويجوز أن يثبت الشيء ضمناً وإن لم يثبت قصداً، كما يثبت الإرث بشهادة القابلة على الولادة حكماً. م: (ولو ادعاه الملتقط) ش: أي ولو ادعى نسب الملتقط وهو الذي التقطه، وهذا ذكره المصنف تفريعاً لمسألة القدوري م: (قيل: يصح) ش: أي ادعاؤه م: (قياساً واستحساناً) ش: يعني من حيث القياس ومن حيث الاستحسان؛ لأنه لم تبطل دعواه حق أحد، ولا منازع له في ذلك. م: (والأصح أنه على القياس والاستحسان) ش: أي على اختلاف حكم القياس مع حكم الاستحسان، يعني في القياس لا يصح، وفي الاستحسان يصح كما في دعوى غير الملتقط. ولهذا لم يذكرهما الكرخي. وإنما ذكرهما الطحاوي فقال: القياس أن لا تصح دعواه إلا ببينته، وفي الاستحسان تصح بغير بينته. ثم اعلم أن وجه القياس هنا غير وجه القياس في دعوى الأجنبيين، بيانه أن دعوى الأجنبيين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 315 وقد عرف في الأصل وإن ادعاه اثنان ووصف أحدهما علامة في جسده فهو أولى به؛ لأن الظاهر شاهد له. لموافقة العلامة كلامه وإن لم يصف أحدهما علامة فهو ابنهما لاستوائهما في السبب،   [البناية] إنما لا تصح قياساً للزوم بطلان حق الملتقط، ودعوى الملتقط إنما لا تصح قياساً لتناقض كلامه؛ لأنه لما زعم أنه لقيط كان نافياً نسبه لأن ابنه لا يكون لقيطاً في يده، ثم إنه لما ادعى أنه ابنه كان مناقضاً لا محالة، وجه الاستحسان ظاهر وهو أن فيه بقاء الصبي من حيث وجوب النفقة والحضانة وثبوت النسب ويحصل له أسرى بذلك وفاء. قيل: من التناقض في وجه القياس ليس بمعتبر لاشتباه الحال، فربما يكون الصبي منبوذاً بقبض الحوارث، فيظن الملتقط أنه لقيط، ثم تبين أنه ولده فلا تناقض إذاً، ولئن سلمنا التناقض ظاهراً فالتناقض لا يمنع ثبوت النسب كالملاعن إذا كسب نفسه. م: (وقد عرف في الأصل) ش: أي قد عرف حكم هذا في " المبسوط "، وهو ما ذكرناه م: (وإن ادعاه اثنان) ش: أى وإن ادعى اللقيط شخصان من خارج م: (ووصف أحدهما علامة في جسده) ش: أي في جسد اللقيط، مثل ثيابه أو سلعته أو أثر لذلك ونحو ذلك م: (فهو أولى به) ش: أي الذي وصف علامة أولى باللقيط م: (لأن الظاهر شاهد له، لموافقة العلامة كلامه) ش: فيجب على اللقيط دفعه إليه. وقال الشافعي وأحمد وأبو الليث وأبو ثور والأوزاعي: يعتبر قول القافة، وإذا اشتبه على القافة أقرع، وكذا إذا تعارضت بينتاهما لحديث المدلجي. وقال مالك: لا يثبت النسب ببينة، أو يكون لدعوى أحدكم بل عرف أنه لا يعيش له الولد فزعم أنه رماه؛ لأنه سمع إذا طرح نفس عاش، ونحو ذلك مما يدل على صدقه، وقال أشهب: يلحق بمجرد الدعوى إذا ادعاه ملتقطه أو غيره، إلا إن بان كذبه كذا في جواهر المالكية. م: (وإن لم يصف أحدهما علامة فهو ابنهما لاستوائهما في السب) ش: وهو الدعوة لأنها سبب الاستحقاق في حق اللقيط، وقد مر خلاف الشافعي وأحمد في اعتبارهما قول القافة. وإن كان المدعي أكثر من اثنين. روي عن أبي حنيفة أنه جزاء إلى خمسة، ولا يلحق بأكثر من اثنين عند أبي يوسف، وبه قال أحمد في رواية، وقال محمد: يلحق بأكثر من ثلاثة، وبه قال أحمد في رواية. في " الإيضاح ": ولو وافق بعض القافة وخالف البعض سقط الترجيح. وفي " الذخيرة ": وهذا بخلاف في اللقطة لو تنازعا فيها ووصف أحدهما ووافق من حيث لا يرجح صاحب الوصف، بل إذا انفرد الواصف بحل الملتقط دفعها عليه، ولا يجب وهنا يلزمه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 316 ولو سبقت دعوى أحدهما فهو ابنه؛ لأنه ثبت حقه في زمان لا منازع له فيه، إلا إذا أقام الآخر البينة؛ لأن البينة أقوى. وإذا وجد في مصر من أمصار المسلمين، أو في قرية من قراهم فادعى ذمي أنه ابنه ثبت نسبه منه وكان مسلما، وهذا استحسان؛ لأن دعواه تتضمن النسب، وهو نافع للصغير، وإبطال الإسلام الثابت بالدار وهو يضره   [البناية] دفعه، والفرق أن في فصل اللقيط، ألا ترى أنه لو انفرد بدعوى اللقيط قضي له به كما لو أقام البينة فمعتبر الوصف لترجح سبب الاستحقاق. وأما في اللقيط فالدعوى ليست بسبب الاستحقاق حتى يترجح بالوصف، فلو اعتبر الوصف اعتبر أصل الاستحقاق، والوصف لا يصلح سبباً له فافترقا. م: (ولو سبقت دعوى أحدهما فهو ابنه؛ لأنه ثبت حقه في زمان لا منازع له فيه إلا إذا أقام الآخر البينة؛ لأن البينة أقوى) ش: لتأكد دعواه بها، وفي " الشامل " ادعته امرأة أنه ابنها لم يقبل إلا ببينة لأن في دعوى المرأة حمل النسب على الزوج، وإذا ادعته امرأتان وأقامتا البينة فهو ابنهما عند أبي حنيفة في رواية أبي حفص. وعندهما لا يكون ابن واحدة منهما، وهو رواية أبي سليمان عن أبي حنيفة أيضاً، وفي وجيز الشافعية، ولو ازدحم اثنان قدم من سبق فإن استويا قدم الغني على الفقير، والبلدي على القروي والقروي على البدوي، وكل ذلك ينظر للصبي، وظاهر العدالة يقدم على المستور في أحسن الوجهين، فإن تساويا من كل وجه أقرع بينهما، وسلم إلى من خرجت قرعته. [الرجل يلتقط اللقيط فيدعيه النصراني] م: (وإذا وجد) ش: أي اللقيط م: (في مصر من أمصار المسلمين أو في قرية من قراهم فادعى ذمي أنه ابنه ثبت نسبه منه وكان مسلماً) ش: هذا لفظ القدوري في مختصره. وقال المصنف: م: (وهذا استحسان) ش: والقياس أنه لا يثبت نسبه من الذمي؛ لأن المنبوذ في دار الإسلام محكوم عليه بإسلامه، بدليل الصلاة عليه إذا مات ودفنه في مقابر المسلمين، وإذا ثبت إسلامه بحكم دار الإسلام لا يصدق ذمي على دعواه؛ لأن كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، وأشار إلى وجه الاستحسان بقوله م: (لأن دعواه تتضمن النسب وهو نافع للصغير) ش: من حيث وجوب النفقة والحضانة. م: (وإبطال الإسلام) ش: أي يتضمن دعواه أيضاً إبطال الإسلام م: (الثابت بالدار) ش: أي بدار الإسلام م: (وهو يضره) ش: أي وإبطال الإسلام يضر اللقيط. ولا يمنع أن يكون الذمي ولد مسلم، ولهذا يكون ولده مسلماً إذا أسلمت أمه، وقال الكرخي في " مختصره "، وقال ابن سماعة عن محمد في " النوادر " في الرجل يلتقط اللقيط فيدعيه النصراني، قال: فهو ابنه وهو مسلم، وإن كان عليه رأي الإسلام فإني أجعله مسلماً وأثبت نسبته من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 317 فصحت دعوته فيما ينفعه دون ما يضره، وإن وجد في قرية من قرى أهل الذمة، أو في بيعة أو كنيسة كان ذميا، وهذا الجواب فيما إذا كان الواجد ذميا رواية واحدة. وإن كان الواجد مسلما في هذا المكان أو ذميا في مكان المسلمين اختلفت الرواية فيه. ففي رواية كتاب اللقيط اعتبر المكان لسبقه، وفي كتاب الدعوى في بعض النسخ اعتبر الواجد، وهو رواية ابن سماعة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لقوة اليد، ألا ترى أن تبعية الأبوين فوق تبعية الدار حتى إذا سبي مع الصغير أحدهما يعتبر كافرا، وفي بعض نسخه اعتبر الإسلام نظرا للصغير.   [البناية] النصراني؛ لأن ذلك لا يضره، وينفق عليه، قال: وإن كان عليه زي الشرك فهو ابنه وهو نصراني على دينه، وذلك أن يكون في رقبته صليب وعليه قميص ديباج ووسط رأسه مجزوز إلى هنا لفظه. م: (فصحت دعوته) ش: إلى دعوة الذمي م: (فيما ينفعه) ش: أي في الشيء الذي ينفع اللقيط وهو الإسلام م: (دون ما يضره) ش: وهو إبطال الإسلام م: (وإن وجد) ش: أي اللقيط م: (في قرية من قرى أهل الذمة، أو في بيعة) ش: أي وجد في بيعة اليهود م: (أو كنيسة) ش: أي أو وجد في كنيسة النصارى م: (كان) ش: أي الملتقط م: (ذمياً) ش: لأنه لما وجد في مواضع مختصة بهم كان ظاهراً من حاله أنه منهم م: (وهذا جواب فيما إذا كان الواجد ذمياً رواية واحدة) ش: من غير خلاف فيها. م: (وإن كان الواجد مسلماً) ش: في حيز الجواز أن يكون لغيرهم ولهذا يحكم منبوذ وجد في دار الحرب لدلالة الظاهر، وإن جاز أن يكون ولد مسلم تاجر أو أسير وهو الجواب أي الجواب الذي ذكر القدوري. وهو قوله كان ذمياً؛ لأن لفظه في مختصره م: (في هذا المكان) ش: يعني في البيعة والكنيسة م: (أو ذمياً) ش: الواجد ذمياً م: (في مكان المسلمين اختلفت الرواية فيه) ش: أي في هذا الفصل م: (ففي رواية كتاب اللقيط) ش: يعني ففي رواية كتاب اللقيط من " المبسوط " م: (اعتبر المكان لسبقه) ش: أي لسبق المكان على يد الواجد، والسبق من أسباب الترجيح م: (وفي كتاب الدعوى) ش: من " المبسوط " م: (في بعض النسخ) ش: ويروى في بعض نسخه أي في بعض نسخ الدعوى من " المبسوط " م: (اعتبر الواجد وهو رواية ابن سماعة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لقوة اليد) ش: لأنه كالمباحات التي تستحق سبق اليد، فكان اعتبار الواجد أولى. ثم أوضح ذلك بقوله م: (ألا ترى أن تبعية الأبوين فوق تبعية الدار حتى إذا سبي مع الصغير أحدهما) ش: أي أحد الأبوين م: (يعتبر كافراً) ش: لا مسلماً م: (وفي بعض نسخه) ش: أي في بعض نسخ الدعوى من " المبسوط م: (اعتبر الإسلام نظراً للصغير) ش: لأنه ينفعه، والكفر يضره، وقال الشافعي إن كان يوجد في بلد المسلمين وفيه مسلمون أو في بلد كان لهم أخذ الكفار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 318 ومن ادعى أن اللقيط عبده لم يقبل منه لأنه حر ظاهرا إلا أن يقيم البينة أنه عبده، فإن ادعى عبد أنه ابنه ثبت نسبه منه؛ لأنه ينفعه. وكان حرا لأن المملوك قد تلد له الحرة فلا تبطل الحرية الظاهرة بالشك. والحر في دعوته اللقيط أولى من العبد، والمسلم أولى من الذمي ترجيحا لما هو الأنظر في حقه   [البناية] فهو مسلم، وإن وجد في بلد فتحه المسلمون، ولا مسلم فيه أو في بلد الكفار ولا مسلم فيه فهو كافر. وإن وجد في بلد الكفار وفيه مسلمون فهو مسلم، وقيل هو كافر، وبه قال أحمد ومالك اعتبر المكان، وأشهب اعتبر الواجد في مكان أهل الكفر ترجيحاً للإسلام م: (ومن ادعى أن اللقيط عبده لم يقبل منه) ش: هذا لفظ القدوري في مختصره. وقال الكاكي: يجب أن يقيد هذا بقيدين أي ادعى الحر المسلم، وقيد المسلم؛ لأنه إذا كان المدعي ذمياً ففي قبول نسبه تفصيل إن شهد مسلمان تقبل، ويجعل اللقيط حراً مسلماً، وإن شهد كافران لا يقبل، وقبل الجزية لأن المدعي إذا كان عبداً وأضاف ولادته إلى امرأته الأمة فإن فيه خلافاً بين أبي يوسف ومحمد، فذكر في " الذخيرة " أن الولد حر عند محمد، وعبد عند أبي يوسف. م: (لأنه حر ظاهراً) ش: لأن الأصل في بني آدم الحرية؛ لأن الناس كلهم أولاد آدم وحواء صلوات الله عليهما وسلامه، وهما كانا مسلمين حرين فكان أولادهما أحراراً تبعاً لهما، والرق بعارض الكفر، فكأن الحرية هي الظاهر والحكم بالظاهر إلى أن يثبت خلافه بالبينة وهو معنى قوله م: (إلا أن يقيم البينة) ش: أي المدعي الذي ادعى اليتيم م: (أنه عبده) ش: فحينئذ يكون عبده، فإن قيل: البينة لا تقوم إلا على خصم منكر، ولا خصم هنا، أجيب: بأن الملتقط خصم لأنه أحق بحقه، ولا تزول يده إلا بالبينة م: (فإن ادعى عبد أنه ابنه ثبت نسبه منه) ش: هذا لفظ القدوري في مختصره. وقال المصنف: م: (لأنه ينفعه) ش: أي لأن النسب ينفعه لأنه تيسر فيه م: (وكان حراً) ش: من تتمة كلام القدوري قال المصنف: م: (لأن المملوك قد تلد له الحرة فلا تبطل الحرية الظاهرة بالشك) ش: حاصل الكلام أن المملوك قد تلد له الحرة، فلا يكون عبداً وقد تلد له الأمة فيكون عبدا، والظاهر في بني آدم الحرية، فلا يبطل بالشك م: (والحر في دعوته اللقيط أولى من العبد) ش: الحر مرفوع على أنه مبتدأ وقوله: أولى خبره. وقوله: في دعوته مصدر مضاف إلى فاعله، وقوله: اللقيط بالنصب مفعول قوله من العبد أي من دعوى العبد م: (والمسلم أولى من الذمي) ش: أي ودعوى المسلم أولى من دعوى الذمي إذا ادعى كل واحد منهما أن اللقيط ابنه م: (ترجيحاً) ش: أي لأجل الترجيح م: (لما هو الأنظر في حقه) ش: أي في حق اللقيط، إنما ذكر المصنف هذا تفريعا لما قاله القدوري، ثم كون المسلم أولى من الذمي مما إذا ادعيا وهما خارجان، أما إذا كان أحدهما ذا اليد كان هو أولى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 319 وإن وجد مع اللقيط مال مشدود عليه فهو له اعتبارا للظاهر، وكذا إذا كان مشدودا على دابة وهو عليها لما ذكرنا، ثم يصرفه الواجد إليه بأمر القاضي؛ لأنه مال ضائع، وللقاضي ولاية صرف مثله إليه، وقيل يصرفه بغير أمر القاضي، لأن اللقيط ظاهر وله ولاية الإنفاق، وشراء ما لا بد منه كالطعام والكسوة لأنه من الإنفاق له، ولا يجوز تزويج الملتقط، لانعدام سبب الولاية من القرابة والملك والسلطنة. ولا تصرفه في مال الملتقط اعتبارا بالأم وهذا لأن ولاية التصرف لتثمير المال، وذلك إنما يتحقق بالرأي الكامل والشفقة الوافرة والموجودة في كل واحد منهما أحدهما.   [البناية] [وجد مع اللقيط مال مشدود عليه] م: (وإن وجد مع اللقيط مال مشدود عليه فهو له اعتبارا للظاهر) ش: أي لظاهر يده لكونه من أهل الملك لكونه حرا، فيكون ما في يده له م: (وكذا) ش: أي وكذا يكون اللقيط م: (إذا كان) ش: أي المال م: (مشدودا على دابة وهو عليها) ش: أي اللقيط على الدابة م: (لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله اعتبارا للظاهر م: (ثم يصرفه الواجد إليه) ش: الملتقط، ينفق عليه من ذلك المال. م: (بأمر القاضي) ش: لعموم ولاية القاضي، لأنه نصب قاضيا لأمور المسلمين، هو ظاهر الرواية م: (لأنه مال ضائع) ش: أي لأن المال الذي وجد مع هذا اللقيط مال ضائع م: (وللقاضي ولاية صرف مثله إليه) ش: أي مثل مال الضائع إلى اللقيط، وكذا لغيره بأمره، وبه قال الشافعي. وقال ولو أنفقت بغير أمر القاضي ضمنه، وإن لم يكن بحاكم وأنفق بدون الإشهاد ضمن أيضا، وإن أنفق بالإشهاد ففيه قولان، قال في " الشامل " وهو مصدق في نفقة مثله. م: (وقيل يصرفه) ش: أي يصرف الملتقط إلى اللقيط م: (بغير أمر القاضي، لأن) ش: أي لأن المال م: (اللقيط ظاهر) ش: أي بحسب الظاهر م: (وله) ش: أي ولملتقطه م: (ولاية الإنفاق وشراء ما لا بد منه) ش: عطف على قوله ولاية الإنفاق، أي وله شراء ما لا يستغي عنه م: (كالطعام والكسوة، لأنه من الإنفاق له) ش: أي لأن شراء ما لا بد منه من الإنفاق عليه. وبه قال أحمد م: (ولا يجوز تزويج الملتقط) ش: أي تزويجه اللقيط م: (لانعدام سبب الولاية) ش: للملتقط م: (من القرابة والملك والسلطنة) ش: ولم يوجد واحد منهما، فلا يثبت الولاية لعدم سببها م: (ولا تصرفه) ش: أي تصرف الملتقط م: (في مال الملتقط اعتبارا بالأم) ش: أي قياسا على عدم جواز تصرفها في مال ابنها. م: (وهذا) ش: أي عدم جواز تصرف الملتقط في مال اللقيط م: (لأن ولاية التصرف لتثمير المال) ش: أي يكره بالفائدة والربح م: (وذلك) ش: أي تثمير المال م: (إنما يتحقق بالرأي الكامل والشفقة الوافرة والموجودة في كل واحد منهما) ش: أي من الأم والملتقط م: (أحدهما) ش: أي من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 320 قال: ويجوز أن يقبض له الهبة؛ لأنه نفع محض، ولهذا يملكه الصغير بنفسه إذا كان عاقلا وتملكه الأم ووصيها. قال: ويسلمه في صناعة؛ لأنه من باب تثقيفه وحفظ حاله. قال: ويؤاجره، قال العبد الضعيف: وهذا رواية القدوري في مختصره، وفي " الجامع الصغير ": لا يجوز أن يؤاجره، ذكره في الكراهية وهو الأصح، وجه الأول: أنه يرجع إلى تثقيفه، ووجه الثاني: أنه لا يملك إتلاف منافعه فأشبه العم.   [البناية] الرأي الكامل والشفقة الوارفة، وفي الأم الشفقة الوافرة دون الرأي الكامل. وفي الملتقط على العكس فلم يكن لهما ولاية التصرف في المال لعدم المقصود، وهما بخلاف الأب فإن له شفقة وافرة ورأياً كاملاً، فكان له التصرف في النفس والمال جميعاً. م: (قال: ويجوز أن يقبض له الهبة) ش: أي يجوز للملتقط أن يقبض اللقيطة الهبة م: (لأنه) ش: أي ولأن قبض الهبة له م: (نفع محض) ش: لا شك فيه بلا خلاف م: (ولهذا) ش: أي ولكون الهبة نفعاً محضاً م: (يملكه الصغير بنفسه) ش: أي يملك قبض الهبة بيده م: (إذا كان عاقلا) ش: فلا يفعل ذلك ويميزه م: (وتملكه الأم) ش: أي تملك قبض الهبة لابنها م: (ووصيها) ش: أي ويملك أيضاً وصي الأم؛ لأنه نفع محض للصغير. م: (قال: ويسلمه) ش: أي يسلم الملتقط اللقيط م: (في صناعة لأنه من باب تثقيفه) ش: التثقيف تقويم المعوج بالثقاف، وهو ما يسوي به الرماح ويستعار للتأديب والتهذيب م: (وحفظ حاله) ش: من الاشتغال باللعب وتعلم الفساد. م: (قال: ويؤاجره) ش: أي يؤاجر الملتقط اللقيط؛ لأن فيه نفعاً له، ولفظ يؤاجره ليس على قانون اللغة، وإنما هو اصطلاح الفقهاء. م: (قال العبد الضعيف) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهذا رواية القدوري في مختصره) ش: يعني جواز إجارة الملتقط اللقيط على رواية القدوري في مختصره. م: (وفي " الجامع الصغير ": لا يجوز أن يؤاجره ذكره في الكراهية) ش: ذكره محمد في باب الكراهية م: (وهو الأصح) ش: أن المذكور في " الجامع الصغير " هو الأصح مما ذكره القدوري. م: (وجه الأول) ش: أراد به رواية القدوري م: (أنه يرجع إلى تثقيفه) ش: وقد مر معناه آنفاً م: (ووجه الثاني) ش: أراد به رواية الجامع الصغير م: (أنه) ش: أي أن الملتقط م: (لا يملك إتلاف منافعه) ش: أي منافع اللقيط بالاستخدام. م: (فأشبه العم) ش: أي فأشبه الملتقط العم، أي كما لا يجوز لعم إتلاف منافع الصغير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 321 بخلاف الأم؛ لأنها تملكه على ما نذكره في الكراهية، إن شاء الله تعالى.   [البناية] فكذلك لا يجوز للملتقط م: (بخلاف الأم لأنها تملكه) ش: يعني الأم تملك إتلاف منافع الصغير بالاستخدام بلا عوض. فلأن يملكه بالإجارة بعوض أولى م: (على ما نذكره في الكراهية إن شاء الله تعالى) ش: أي في آخر كتاب الكراهية في مسائل متفرقة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 322 كتاب اللقطة قال: اللقطة أمانة إذا أشهد الملتقط أنه يأخذها ليحفظها ويردها على صاحبها؛ لأن الأخذ على هذا الوجه مأذون فيه شرعا،   [البناية] [كتاب اللقطة] [تعريف اللقطة] م: (كتاب اللقطة) ش: أي هذا الكتاب في بيان أحكام اللقطة، اللقطة واللقيط متقاربان لفظاً ومعنى، وخص اللقيط بابن آدم واللقطة لغيره للتمييز بينهما، وقدم الأول لشرف بني آدم، وقيل: خص لفظ اللقطة بالمال؛ لأن الفعلة بضم الفاء وفتح العين نعت للمبالغة في الفاعلية، كالضحكة واللعنة. واللقيط فعيل بمعنى المفعول، فاللقيط الدال على الفاعلية أولى بالمال، [ .... ] على الإسناد الخبري كناية كحلوب وركوب كأنها تحلب نفسها وتركب عليه نفسها على وجه المبالغة لزيادة رغبة من رآها في الحلب والركوب. أما الطفل المفقود لا يميل كل من رآه لرفعه لزيادة ضرر حاضر، فإن أمه نبذته قصد ضرر خاص، بخلاف اللقطة، فإن فيها نفعاً حاضراً، وفي " المغرب " اللقطة الشيء تجده ملقى فتأخذه، وقيل: عين المال الضائع عن صاحبه يلتقطه غيره، وعن الخليل اللقطة بفتح القاف للملتقط؛ لأن ما جاء على فعلة فهو اسم للفاعل، وسكون القاف المال الملتقط مثل الضحكة للذي يضحك منه، وعن الأصمعي وابن الأعرابي، والفراء بفتح القاف اسم للحال أيضاً م: (قال اللقطة أمانة إذا أشهد الملتقط أنه يأخذها ليحفظها ويردها على صاحبها) ش: هذا لفظ القدوري في مختصره، وشرط الإشهاد كما ترى بلا ذكر خلاف، حتى إذا ملك عنده وقد ترك الإشهاد يضمن. وقال الطحاوي في " مختصره ": إن أبا حنيفة كان يقول: إن كان أشهد على ذلك فلا ضمان عليه فيها، وإن لم يشهد على ذلك كان عليه ضمانها، وقال أبو يوسف: للضمان عليه فيها أشهد على أنه أخذها ليعرف بها، وإن لم يشهد بعد أن يحلف بالله ما أخذها إلا ليعرف بها، ثم قال الطحاوي: وبه يأخذ، ولم يذكر الطحاوي قول محمد، وذكر " المتوسطة " و " المختلف " و " الحصة " و " فتاوى الولوالجي ". وخلاصة الفتاوى قول محمد مع أبي حنيفة، وذكر في " التحفة " و " شرح الأقطع " قول محمد مع أبي يوسف ثم علل المصنف ما ذكره القدوري بقوله م: (لأن الأخذ) ش: أي أخذ اللقطة م: (على هذا الوجه) ش: أي على وجه الإشهاد عند الأخذ م: (مأذون فيه شرعاً) ش: لأجل الحفظ على صاحبها، وإذن الشارع ليس أقل من إذن المالك، فإذا أذن المالك فلا ضمان، فكذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 323 بل هو الأفضل عند عامة العلماء. وهو الواجب إذا خاف الضياع   [البناية] إذا أذن الشارع، ألا ترى أن الوديعة لا يجب فيها الضمان لوجود الإذن فكذا هذا، فإن قلت من أين يوجد إذن الشارع فيه. قلت: من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أصاب لقطة فليشهد ذا عدل» . رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " عن عياض بن حمار عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فإنه يدل على أن له أن يأخذها بالإشهاد م: (بل هو الأفضل) ش: أي بل أخذ اللقطة أفضل قال في " الشامل ": أخذ اللقطة مندوب إليه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] (المائدة: الآية 2) . وفي " المبسوط " اختلف في رفعها فالمتقشفة يقولون: لا يحل رفعها؛ لأنه أخذ مال الغير بغير إذنه، وهو حرام شرعاً، وهو مخالف للحديث، وإجماع الأئمة، وقال بعض التابعين: تحل رفعها ولكن الترك أفضل، وبه قال أحمد في الأصح، وأشار المصنف إلى أن رفعها أفضل: (عند عامة العلماء) . ش: إذا وجدها بموضعه فله رفع ذلك وهو رواية عن أحمد واختارها أبو الخطاب الحنبلي، وعن الشافعي في قول إذا لم يأمن عليها رفعها واجب. وقال مالك: إن كان شيئاً له مال فرفعه أحب إلي؛ لأن فيه حفظ مال المسلم، فكان أولى من وضعه وفي شرح الأقطع مستحب أخذ اللقطة، ولا يجب. وقال في " النوازل ": أبو نصر محمد بن محمد بن سلام: ترك اللقطة أفضل في قول أصحابنا من رفعها ورفع اللقيط أفضل من تركه. وقال في " خلاصة الفتاوى ": إن خاف ضياعها يعرض الرفع، وإن لم يخف لا يباح رفعها، وأجمع العلماء عليه، والأفضل الرفع في ظاهر المذهب، وقال في فتاوى الولوالجي اختلف العلماء في رفعها. قال بعضهم: رفعها أفضل من تركها، وقال بعضهم: يحل رفعها وتركها أفضل، وقال الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": ولو رفعها ووضعها في مكانه ذلك فلا ضمان عليه في ظاهر الرواية. وقال بعض مشايخنا: هذا إذا أخذ ولم يبرح عن ذلك المكان حتى وضع هناك، فأما إذا ذهب عن مكانه ذلك ثم أعادها ووضعها فإنه يضمن، وقال بعضهم: إذا أخذها ثم أعادها إلى ذلك المكان فهو ضامن ذهب عن ذلك المكان أو لم يذهب، وهذا خلاف ظاهر الرواية. م: (وهو الواجب) ش: أي رفعها هو الواجب م: (إذا خاف الضياع) ش: أي ضياع اللقطة م: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 324 على ما قالوا، وإذا كان كذلك لا تكون مضمونة عليه، وكذلك إذا تصادقا أنه أخذها للمالك؛ لأن تصادقهما حجة في حقهما، فصار كالبينة، ولو أقر أنه أخذها لنفسه يضمن بالإجماع؛ لأنه أخذ مال غيره بغير إذنه وبغير إذن الشرع، وإن لم يشهد الشهود عليه، وقال الآخذ: أخذته للمالك وكذبه المالك يضمن عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: لا يضمن، والقول قوله لأن الظاهر شاهد له لاختياره الحسبة دون المعصية.   [البناية] (على ما قالوا) ش: أي المشايخ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] : (التوبة: الآية 71) ، فإذا كان وليه وجب عليه حفظ ماله، وفي " الذخيرة " يفترض رفعها إذا خاف ضياعها بتركه. م: (وإذا كان كذلك) ش: وإذا كان أخذ اللقطة مأذونا فيه م: (لا تكون مضمونة عليه) ش: أي على الملتقط لجواز الأخذ له شرعا. م: (وكذلك) ش: أي وكذا لا تكون اللقطة مضمونة م: (إذا تصادقا) ش: أي المالك والملتقط م: (أنه) ش: أي أن الملتقط م: (أخذها للمالك؛ لأن تصادقهما حجة في حقهما فصار) ش: أي فضل فيهما م: (كالبينة) ش: يعني أن البينة إذا وجدت عند الأخذ لا يجب الضمان، فكذا إذا وجد التصادق. م: (ولو أقر أنه أخذها لنفسه يضمن بالإجماع) ش: ذكر هذا تفريعاً لمسألة القدوري. إنما قيد بالإجماع احترازاً عن الضمان الذي يلزم عند عدم الإشهاد عند أبي حنيفة؛ لأن فيه خلاف أبي يوسف م: (لأنه) ش: أي لأن الملتقط م: (أخذ مال غيره بغير إذنه وبغير إذن الشرع) ش: فكان عاصياً، وقال في " شرح الطحاوي ": أخذها ليأكلها لا ليردها على صاحبها ثم هلكت فإنه يضمن ولا يبرأ من ضمانها حتى يدفعها على صاحبها م: (وإن لم يشهد الشهود عليه) ش: أي عند الالتقاط. م: (وقال الآخذ: أخذته للمالك وكذبه المالك يضمن عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: لا يضمن) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد؛ لأن الإشهاد غير واجب بل هو مستحب، وذكر في شرح الأقطع قول محمد مثل قول أبي يوسف. م: (والقول قوله) ش: أي قول الملتقط مع يمينه م: (لأن الظاهر) ش: أي ظاهر الحال م: (شاهد له) ش: أي للملتقط م: (لاختياره الحسبة دون المعصية) ش: أي لاختيار الملتقط وجه الله تعالى، والحسبة أي من الاحتساب كالعدة من الإعداد، وإنما قيد الحسبة عملاً لم ينو به وجه الله تعالى؛ لأن له حينئذ أن يعيد عمله، فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد .... كذا ذكره الزمخشري في " الفائق ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 325 ولهما أنه أقر بسبب الضمان وهو أخذ مال الغير وادعى ما يبرئه وهو الأخذ لمالكه، وفيه وقع الشك، فلا يبرأ وما ذكر من الظاهر يعارضه مثله؛ لأن الظاهر أن يكون المتصرف عاملا لنفسه، ويكفيه في الإشهاد أن يقول من سمعتموه ينشد لقطة فدلوه علي، واحدة كانت اللقطة أو أكثر؛ لأنه اسم جنس.   [البناية] وحاصل الكلام أن مطلق فعل المسلم محمود على ما يحل شرعاً، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تظن بكلمة خرجت من في أخيك سوءاً وأنت تجد لها محملاً من الخير» وإنما كان القول قول صاحبها؛ لأن صاحبها يدعي سبب الضمان وهو ينكر، فالقول له كما في الغصب. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أنه) ش: أي أن الملتقط م: (أقر بسبب الضمان وهو أخذ مال الغير) ش: بغير إذنه م: (وادعى ما يبرئه) ش: بضم الياء من الإبراء أي ما يبرئه عن الضمان وهو الأخذ أي دعواه ما يبرئه. م: (وهو الأخذ لمالكه وفيه) ش: أي وفي قوله هذا وقع الشك، وهو أنه يحتمل أنه أخذه لنفسه فيضمن ويحتمل أنه أخذ لمالك فلا يضمن م: (وقع الشك فلا يبرأ) ش: عن الضمان. م: (وما ذكر) ش: أي والذي ذكر أبو يوسف م: (من الظاهر) ش: وهو قوله لأن الظاهر شاهد له م: (يعارضه مثله) ش: أي مثل هذا الظاهر. وهو أن يقال الأصل م: (لأن الظاهر أن يكون المتصرف عاملاً لنفسه) ش: أي تصرف الإنسان له لا لغيره وذكروا في نسخ الفتاوى هذا الاختلاف إذا كان متمكناً من الإشهاد، فإن لم يكن لعدم من يشهد على ذلك أو لحقوق أن يأخذ منه ظاهر، فالقول قوله مع اليمين بالإجماع، ولا ضمان عليه في ترك الإشهاد. [الإشهاد على اللقطة] م: (ويكفيه) ش: أي ويكفي الملتقط م: (في الإشهاد أن يقول من سمعتموه ينشد لقطة) ش: أي ينادي ويقول من رأى لقطة كذا وكذا م: (فدلوه علي) ش: بضم الدال وتشديد اللام، علي بتشديد الياء، سواء كانت اللقطة م: (واحدة) ش: أو أكثر يعني م: (كانت اللقطة أو أكثر) ش: من جنس واحد أو من أجناس مختلفة، بأن يكون ذهباً وفضة أو أثواباً يكفيه أن يقول من سمعتموه ينشد لقطة ولا يحتاج إلى الزيادة م: (لأنه) ش: أي لأن اللقطة م: (اسم جنس) ش: فيتناول، وعند أحمد ينبغي أن يذكر جنسها من ذهب أو فضة، وفي شرح الطحاوي ولو قال التقطت لقطة أو ضالة أو قال عندي شيء، فمن سمعتموه يسأل شيئا: فدلوه علي، فلما جاء صاحبها قال: هلكت لا ضمان عليه، وكذلك لو وجد لقطتين فقال: من سمعتموه يسأل شيئاً فدلوه علي، ولم يقل عندي لقطتان، وكذلك لو قال عندي لقطة برئ من الضمان، وإن كانت عشراً. وهذا كله إشهاد أنه إنما أخذها ليردها على صاحبها، وقال شمس الأئمة الحلواني: أوفى ما يكون في التعريف أن يشهد عند الأخذ ويقول أخذتها لأردها، فإن فعل ذلك ولم يعد فيها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 326 قال: فإن كانت أقل من عشرة دراهم عرفها أياما، وإن كانت عشرة فصاعدا عرفها حولا. قال: وهذه رواية عن أبي حنيفة، وقوله أياما معناه على حسب ما يرى الإمام، وقدره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل بالحول من غير تفصيل بين القليل والكثير، وهو قول مالك والشافعي لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من التقط شيئا فليعرفه سنة» من غير فصل.   [البناية] بعد ذلك كفى م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن كانت) ش: أي اللقطة م: (أقل من عشرة دراهم عرفها أياماً، وإن كانت عشرة فصاعداً عرفها حولاً) ش: هذا لفظ القدوري في " مختصره ". م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذه رواية عن أبي حنيفة) ش: أي هذه الرواية التي ذكرها القدوري بالترديد رواية عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وأشار بهذا إلى أنها ليست ظاهر الرواية، وفي ظاهر الرواية مدة التعريف مقدرة بالحول، فإن الطحاوي أيضاً قال: وإذا التقط لقطة أنه يعرفها سنة، سواء كان الشيء نفياً أو حبسا في ظاهر الرواية وفي " فتاوى الولوالجي "، وعن أبي حنيفة إن كانت مائتي درهم فما فوقها يعرفها حولاً، وإن كانت أقل من مائتي درهم إلى عشرة يعرفها شهراً، وإن كانت أقل من عشرة يعرفها على حسب ما يرى. وعن أبي حنيفة في رواية أخرى وإن كانت مائتي درهم فصاعداً يعرفها حولاً، وإن كانت عشرة فصاعداً يعرفها شهراً وإن كانت ثلاثة فصاعداً يعرفها عشرة أيام، وإن كانت درهماً فصاعداً يعرفها ثلاثة أيام، وإن كانت دانقاً فصاعدا يعرفها يومان وإن كانت دون ذلك ينظر عنه ويسره ثم يصدقه في كف فقير، وقال شمس الأئمة السرخسي: وشيء من هذا ليس بتقدير لازم؛ بل لا يعرف القليل بقدر ما يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك، وقال أصحاب الشافعي: التعريف واجب منه وهو قول مالك وأحمد. م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري م: (أياماً معناه على حسب ما يرى الإمام) ش: أي أن الملتقط يعرفها على أن يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك، وقال أصحاب الشافعي: التعريف واجب منه وهو قول مالك وأحمد. م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري م: (أياماً معناه على حسب ما يرى الإمام) ش: أي أن الملتقط يعرفها إلى أن يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك م: (وقدره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل) ش: أي في " المبسوط " قدر محمد التعريف م: (بالحول من غير تفصيل بين القليل والكثير) ش: وهكذا روي عن محمد وعلي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولأن السنة لا تأخر عنها القوافل، ويمضي فيها الزمان الذي يقصد فيها البلاد من الخبر والبرد والاعتدال فصلحت قدر المدة أجل العين. م: (وهو) ش: أي قول محمد بالحول م: (قول مالك والشافعي) ش: وأحمد أيضاً م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من التقط شيئا فليعرفه سنة» من غير فصل) ش: هذا الحديث رواه إسحاق بن راهويه بإسناده عن عياض، وعن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد ذكرنا بعضه عن قريب له، وفيه وليعرفها سنة، وإن جاء صاحبها وإلا فهو مال الله يؤتيه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 327 وجه الأول: أن التقدير بالحول ورد في لقطة كانت مائة دينار تساوي ألف درهم، والعشرة وما فوقها في معنى الألف في تعلق القطع به في السرقة وتعلق استحلال الفرج به، وليست في معناها في حق تعلق الزكاة، فأوجبنا التعريف بالحول احتياطا، وما دون العشرة ليس في معنى الألف بوجه ما، ففوضنا إلى رأي المبتلى به،   [البناية] من يشاء. وأخرج الدارقطني في " سننه " عن زيد بن خالد الجهني قال: «سأل رجل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن اللقطة فقال: " عرفها سنة» الحديث، من غير فصل يعني بين القليل والكثير م: (وجه الأول) ش: وهو ما روي عن أبي حنيفة أنه عرفها حولاً إذا كانت عشرة فصاعداً م: (أن التقدير بالحول ورد في لقطة كانت مائة دينار تساوي ألف درهم) ش: يشير به إلى ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «أخذت مرة مائة دينار فأتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " عرفها حولاً " فعرفتها فلم أجد من يعرفها ثم أتيته فقال: " عرفها حولاً " فعرفتها فلم أجد ثم أتيته ثلاثاً فقال: " احفظ وعاءها وعددها ووكاءها فإن بان صاحبها وإلا فاستمتع بها» . وجه الاستدلال أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اعتبر الحول في كل كرة يجب التعريف بالحول مطلقاً، وأجاب المصنف عن هذا بقوله: م: (والعشرة وما فوقها، في معنى الألف في تعلق القطع به في السرقة) ش: لأن اليد تقطع بالعشرة كما تقطع بما فوقها، وكذلك في صلاحية العشرة للمهر فما فوقها، وهو معنى قوله م: (وتعلق استحلال الفرج به) ش: أي وكما في تعلق استحلال الفرج في النكاح. م: (وليست في معناها) ش: أي وليست العشرة في معنى الألف م: (في حق تعلق الزكاة) ش: وهذا ظاهر، وكأن للعشرة جهتين، إحداهما حال كونها في معنى الأول، والأخرى في عدم كونها، فلما كان الأمر كذلك قال المصنف: م: (فأوجبنا التعريف بالحول احتياطاً) ش: نظراً إلى اعتبار الجهة الأولى م: (وما دون العشرة ليس في معنى الألف بوجه ما) ش: أي بوجه من الوجوه. قال: فإذا كان الأمر كذلك م: (ففوضنا) ش: يعني تقدير المدة م: (إلى رأي المبتلى به) ش: أي بما دون العشرة، وقال الكاكي: وما روي عن أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمره بتعريف مائة دينار غير صحيح، قال أبو داود: شك الراوي في ذلك، وقال الراوي: ثلاثة أعوام أو عام واحد. انتهى. قلت: الحديث رواه مسلم أيضاً في " صحيحه "، وفي آخره، فقال: لا أدري بثلاثة أحوال أو حول واحد، وفي لفظ: عامين أو ثلاثة، وفي لفظ: قال: " ثلاثة أحوال ". وفي لفظ: قال عرفها عاماً واحداً، وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": ولا تخلو هذه الروايات عن غلط الجزء: 7 ¦ الصفحة: 328 وقيل: الصحيح أن شيئا من هذه المقادير ليس بلازم، ويفوض إلى رأي الملتقط يعرفها إلى أن يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك، ثم يتصدق بها، وإن كانت اللقطة شيئا لا يبقى عرفها حتى إذا خاف أن يفسد تصدق به، وينبغي أن يعرفها في الموضع الذي أصابها، وفي المجامع فإن ذلك أقرب إلى الوصول إلى صاحبها، وإن كانت اللقطة شيئا يعلم أن صاحبها لا يطلبها كالنواة وقشور الرمان.   [البناية] بعض بدليل أن شعب قال بالتعريف فيه مستحقة يقول: بعد عشر سنين عرفها عاماً واحداً، ويكون - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علم أنه لم يقع تعريفها كما ينبغي فلم يجب له بالتعريف الأول. م: (وقيل الصحيح) ش: أشار به إلى قول شمس الأئمة السرخسي، وقد ذكرناه عن قريب، ولهذا قال بعض أصحاب مالك وأصحاب أحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (أن شيئاً من هذه المقادير ليس بلازم، ويفوض إلى رأي الملتقط يعرفها إلى أن يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك ثم يتصدق بها) ش: أي باللقطة. م: (وإن كانت اللقطة شيئا لا يبقى) ش: قالوا في نسخ " الفتاوى ": وإن كانت اللقطة مما لا تبقى إذا مر عليه يوم أو يومان عرفها، فإذا خاف الفساد تصدق بها م: (عرفها حتى إذا خاف أن يفسد تصدق به) ش: كلمة حتى هنا بمعنى إلى، والمعنى عرفها إلى أن خاف فسادها أي تلفها فحينئذ يتصدق به. والضمير في قوله: عرفها يرجع إلى اللقطة، أو في قوله: به يرجع إلى قوله: شيئاً م: (وينبغي أن يعرفها في الموضع الذي أصابها، وفي المجامع) ش: مجمع الناس كالأسواق وأبواب المساجد، وفي " الشامل ": والتعريف أن ينادي في الأسواق والمساجد من ضاع له شيء فليطلبه عندي م: (فإن ذلك) ش: أشار به إلى الموضع أصابه فيه م: (أقرب إلى الوصول إلى صاحبها) ش: لأن صاحبها يرجع إلى الموضع الذي نسيه فيه. م: (وإن كانت اللقطة شيئاً يعلم أن صاحبها لا يطلبها كالنواة وقشور الرمان) ش: يعني في مواضع مختلفة، فجمعها حتى صارت بحكم الكثرة لها قيمة فلا اعتبار بقيمتها؛ لأنها ظهرت بصيغة وهي جمعه، وله الانتفاع بذلك، وذكر شيخ الإسلام: ولو كانت متفرقة جمعها للمالك أخذها، لأنه يصير ملكاً للأخذ بالجمع. وكذا الجواب في التقاط المسائل، وبه كان يفتي الصدر الشهيد كذا في " الذخيرة " وفي " المحيط ": لو وجد النواة والصور في مواضع متفرقة يجوز الانتفاع بها، أما لو كانت مجتمعة في موضع فلا يجوز الانتفاع بها؛ لأن صاحبها لما جمعها فالظاهر أنه ما ألقى بها، بل سقطت منه .... انتهى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 329 يكون إلقاؤه إباحة حتى جاز الانتفاع به من غير تعريف، ولكنه يبقى على ملك مالكه؛ لأن التمليك من المجهول لا يصح قال: فإن جاء صاحبها وإلا تصدق بها إيصالا للحق إلى المستحق، وهو واجب بقدر الإمكان، وذلك بإيصال عينها عند الظفر بصاحبها، وإيصال العوض وهو الثواب على اعتبار إجازته التصدق بها، وإن شاء أمسكها رجاء الظفر بصاحبها.   [البناية] وكلام المصنف يدل على شيئين أحدهما أنه إذا جمعها يجوز الانتفاع بها؛ لأنه علل بقوله: م: (يكون إلقاؤه إباحة) ش: أي إلقاء الشيء الذي يعلم أن صاحبه لا يطلبه يكون إباحة منه لمن يأخذه م: (حتى جاز الانتفاع به من غير تعريف) ش: لأنه حينئذ من الإباحات. والثاني يدل على أنه لا يخرج من ملك مالكها أشار إليه بقوله: م: (ولكنه يبقى على ملك مالكه) ش: لأنه لم يخرج من ملكه فلا يكون ملكاً لمن أخذه م: (لأن التمليك من المجهول لا يصح) ش: فإذا وجده في يده الملتقط أخذ منه إن شاء، وفي " المبسوط " روى بشر عن أبي يوسف لو جز صوف شاة ميتة ملقاة كان له أن ينتفع به، ولو وجده صاحب الشاة في يده كان له أن يأخذه منه، ولو دفع جلدها كان لصاحبها أن يأخذ الجلد منه بعدما يعطيه ما زاد الدباغ فيه؛ لأن ملكه لم يزل بالإلقاء. وفي " خلاصة الفتاوى ": التفاح والكمثرى والحطب في المال لا بأس أن يأخذها م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن جاء صاحبها) ش: أي صاحب اللقطة إن جاء بعد التعريف، وخبر إن محذوف تقديره دفعها إليه م: (وإلا) ش: أي وإن لم يجئ، يعني إذا لم يظفر الملتقط بصاحبها م: (تصدق بها) ش: والمسألة من القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وتمامها فيه، فإن جاء صاحبها بعد ذلك فهو بالخيار إن شاء أمضى الصدقة وإن شاء ضمن الملتقط. وشرح المصنف كلام القدوري بقوله م: (إيصالاً) ش: أي لأجل الإيصال م: (للحق إلى المستحق وهو) ش: أي إيصال الحق إلى المستحق م: (واجب بقدر الإمكان) ش: ليخرج من عهدته، ولما كان الإيصال أعم من أن يكون لصاحب الحق أو لغيره أوضح ذلك بقوله م: (وذلك) ش: أي إيصال الحق. م: (بإيصال عينها) ش: أي عين اللقطة، م: (عند الظفر بصاحبها وإيصال العوض وهو الثواب على اعتبار إجازته) ش: أي إجازة صاحب اللقطة م: (التصدق بها، وإن شاء أمسكها رجاء الظفر بصاحبها) ش: أي باللقطة أي مستحقة، وإنما قيد به لأنه إذا لم يجز التصدق لا يكون الثواب له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 330 قال: فإن جاء صاحبها يعني بعد ما تصدق بها فهو بالخيار إن شاء أمضى الصدقة، ولو ثوابها؛ لأن التصدق وإن حصل بإذن الشرع لم يحصل بإذنه، فيتوقف على إجازته، والملك يثبت للفقير قبل الإجازة فلا يتوقف على قيام المحل بخلاف بيع الفضولي لثبوته بعد الإجازة فيه، وإن شاء ضمن الملتقط؛ لأنه سلم ماله إلى غيره بغير إذنه،   [البناية] م: (قال: فإن جاء صاحبها يعني بعدما تصدق بها فهو) ش: أي صاحبها م: (بالخيار إن أمضى الصدقة وله ثوابها؛ لأن التصدق وإن حصل بإذن الشرع) ش: حيث جاء في حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه البزار «فإن جاء صاحبها فليرده إليه، وإن لم يأت فليتصدق به ..... » الحديث. فهذا التصدق وإن حصل بإذن الشرع م: (لم يحصل بإذنه) ش: أي بإذن صاحبها الذي هو المالك، فإن كان كذلك م: (فيتوقف على إجازته) ش: أي إجازة صاحب الصدقة م: (والملك يثبت للفقير) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال لما توقف فعاد التصدق على إجازته فينبغي أن يشترط وجود المحل عند الإجازة، لكن لا يشترط حتى إذا هلك المال في يد الفقير، ثم أجاز المالك جاز، وتقدير الجواب أن الملك ثبت للفقير م: (قبل الإجازة) ش: لأن الملتقط لما أذن له الشرع في التصدق ملكه الفقير؛ لأن الصدقة من أسباب الملك م: (فلا يتوقف) ش: أي ثبوت الملك م: (على قيام المحل) ش: حتى لو هلك المال في يد الفقير تجوز الإجازة. فإن قيل: لو ثبت الملك للفقير فالأخذ ينبغي أن لا يأخذه المالك إذا كان قائماً في يده. قلنا: ثبوت الملك لا يمنع صحة الاسترداد كالواهب يملك الرجوع بعد ثبوت الملك للموهوب له. وكالمرتد لو عاد من دار الحرب مسلماً بعد قسمة ماله بين ورثته، فإنه يأخذ ما وجده قائماً بعد ثبوت الملك لهم م: (بخلاف بيع الفضولي) ش: حيث يشترط فيه الإجازة قيام المحل م: (لثبوته) ش: أي لثبوت الملك م: (بعد الإجازة) ش: أي بعد إجازة المالك م: (فيه) ش: أي في بيع الفضولي، وإذا أجاز المالك بيع الفضولي يشترط لصحة الإجازة قيام الأربعة: المالك والمتعاقدان والمقصود عليه إن كان الثمن ديناً. وسيجيء بيانه إن شاء الله تعالى في باب البيوع. م: (وإن شاء ضمن الملتقط) ش: هذا عطف على قوله إن شاء أمضى الصدقة م: (لأنه) ش: أي لأن الملتقط م: (سلم ماله إلى غيره بغير إذنه) ش: أي سلم مال صاحب اللقطة إلى غيره بغير إذن منه فله أن يضمنه، وبه قال مالك والثوري والحسن بن صالح. وقال الشافعي وأحمد فإذا لم يجئ بعد التعريف ملكها الملتقط بحكم القاضي، وصارت من ماله كسائر أمواله غنياً كان الملتقط أو فقيراً، وروي مثله عن عمر وابن مسعود وحارث - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وبه قال عطاء والنخعي وابن المنذر واحتج الشافعي وأحمد بحديث زيد بن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 331 إلا أنه بإباحته من جهة الشرع، وهذا لا ينافي الضمان حقا للعبد كما في تناول مال الغير حال المخمصة وإن شاء ضمن المسكين إذا هلك في يده لأنه قبض ماله بغير إذنه،   [البناية] خالد، فإن لم يعرف فاستنفقها، وفي رواية فاستمتع بها، ولنا حديث أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن اللقطة فقال: «لا تحل اللقطة، فمن التقط شيئاً فليعرفه سنة، فإن جاء صاحبه فليرده إليه، وإن لم يأت فليتصدق به فإن جاء فليخير بين الأجر وبين العطالة» رواه البزار، ولأنها ملك الغير فلا يملكها لغيرها ويملكها الفقير عنه. فلحديث عياض بن حمار والمجاشعي وقد ذكرناه، وفيه «فإن جاء صاحبها وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء» . رواه النسائي وغيره. وما يضاف إلى الله تعالى إنما يملكه من يستحق الصدقة، وعن أحمد مثله، وحديث زيد بن خالد يمكن أن يكون في فقير فيحل عليه جمعاً بين الأحاديث. فإن قلت: قيل إن حديث أبي هريرة غريب. قلت: ليس كذلك بل نقله القدوري وهو موافق للنصوص في عدم جوازه بملك مال الغير بغير إذنه. فإن قلت: كيف يضمن الملتقط وقد تصدق بإذن الشرع؟ قلت: الشرع أباح له التصدق وما ألزمه ذلك وهو يعني قول المصنف م: (إلا أنه) ش: أي أن الملتقط م: (بإباحته من جهة الشرع) ش: يعني أن الإذن كان إباحة منه لا إلزاماً ومثل ذلك الإذن يسقط الإثم لا الضمان وهو معنى قوله. م: (وهذا لا ينافي الضمان حقاً للعبد كما في تناول مال الغير حال المخمصة) ش: فإنه يحل بإباحة شرعية، لكن مع الضمان، وكذا الرمي إلى الصيد مباح، وكذا المشي في الطريق مباح، فإذا هلك بذلك شيء يجب الضمان على الرامي والماشي؛ لأن إسقاط حق محترم لا يجوز. وفي " خلاصة الفتاوى ": إن تصدق الملتقط بإذن القاضي ليس له أن يضمنه، وقال الكاكي: هذا ليس بصواب إذا تصدق الملتقط بإذن القاضي لا يكون أعلى حالاً من تصدق القاضي بنفسه، ويقال يضمن القاضي وهاهنا أولى، كذا في " الذخيرة " و " فتاوى قاضي خان " م: (وإن شاء ضمن المسكين إذا هلك في يده لأنه قبض ماله بغير إذنه) ش: أي لأن المسكين قبض مال مالك اللقطة بغير إذن منه فصار الملتقط كالغاصب والمسكين كغاصب الغاصب، لكن إن ضمن لا يرجع على صاحبه بشيء. أما المسكين؛ فلأنه أخذ لنفسه، ومن أخذ لنفسه لا يرجع على أحد كالمعتبر. وأما الملتقط الجزء: 7 ¦ الصفحة: 332 وإن كان قائما أخذه؛ لأنه وجد عين ماله. قال: ويجوز الالتقاط في الشاة والبقر والبعير، وقال مالك والشافعي: إذا وجد البعير والبقر في الصحراء فالترك أفضل، وعلى هذا الخلاف الفرس لهما، أن الأصل في أخذ مال الغير الحرمة والإباحة مخافة الضياع، وإذا كان معها ما يدفع عن نفسها يقل الضياع ولكنه يتوهم فيقضى بالكراهة والندب إلى الترك، ولنا أنها لقطة يتوهم ضياعها، فيستحب أخذها وتعريفها صيانة لأموال الناس كما في الشاة،   [البناية] فإنه لما ضمن مالك اللقطة وقت التصدق بغير أنه تصدق بملك نفسه م: (وإن كان) ش: أي المال الذي هو لقطة م: (قائماً) ش: في يد الفقير م: (أخذه لأنه وجد عين ماله) ش: وهو حقه فليأخذه إن شاء. [الالتقاط في الشاة والبقر والبعير] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويجوز الالتقاط في الشاة والبقر والبعير) ش: هذا كلام القدوري. وقال المصنف: م: (وقال مالك والشافعي: إذا وجد البعير والبقر في الصحراء فالترك أفضل) ش: وبه قال أحمد، وعن مالك والليث في ضالة الإبل لو وجدها في القرى عرفها، وفي الصحراء لا يتعرض لها وهو رواية المزني عن الشافعي، وعن مالك أن البقر كالشاة، أما إذا وجدها في مكان يغلب على الظن هلاكها أو في قرية لا مرعى فيها فالأولى أخذها عند الكل، وفي " الوجيز ": لو وجدها في بلدة أو قرية أو قريب منهما فوجهان أحدهما لا يجوز وأصحهما يجوز. هذا إذا كان في وقت أمن، أما في زمن النهب والفساد يجوز في الصحراء والعمران. وما لا يمنع من صغار المتاع كالبعير والغنم والفحول والفصلان يجوز التقاطه في المفازة والعمران، في الأصح. وفي " شرح الأقطع ": الخلاف في الجواز، وذكر الكتاب الخلاف في الأفضلية، وروايات كتبهم ومستمسكاتهم تدل على أن الخلاف في الجواز م: (وعلى هذا الخلاف الفرس) ش: وعلى الخلاف المذكور التقاط الفرس م: (لهما) ش: أي للشافعي ومالك م: (أن الأصل في أخذ مال الغير الحرمة والإباحة مخافة الضياع) ش: أي إباحة أخذ مال الغير لأجل الخوف عن ضياعه. م: (وإذا كان معها) ش: أي مع اللقطة م: (ما يدفع عن نفسها) ش: كالعزل ونحوه م: (يقل الضياع ولكنه يتوهم) ش: أي ولكن الضياع يتوهم م: (فيقضى بالكراهة والندب إلى الترك) ش: أي المستحب أن يتركها، وقد ذكرنا الآن عن الأقطع أنه خلاف الجواز م: (ولنا أنها) ش: أي أن البقر والبعير والفرس م: (لقطة يتوهم ضياعها فيستحب أخذها وتعريفها صيانة لأموال الناس كما في الشاة) ش: فإن التقاطها يستحب بالإجماع. وإذا خيف الضياع على البعير ونحوها يستحب أخذها أيضاً صيانة لأموال الناس. فإن قلت: ما تقول في حديث رواه البخاري عن زيد بن خالد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رجلاً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 333 فإن أنفق الملتقط عليها بغير إذن الحاكم فهو متبرع لقصور ولايته عن ذمة المالك. وإن أنفق بأمره كان ذلك دينا على صاحبه؛ لأن للقاضي ولاية في مال الغائب نظرا له، وقد يكون النظر في الإنفاق على ما نبين، إن شاء الله تعالى.   [البناية] سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن اللقطة فقال: " عرفها سنة " إلى أن قال: فضالة الغنم؟ قال: " خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب " قال فضالة الإبل؟ قال: فغضب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى احمرت وجنتاه واحمر وجهه. ثم قال: " مالك ولها معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء، وترعى الشجر، فذرها حتى يلقاها ربها» . قلت: هو محمول على ما إذا لم يخف عليها، أما إذا خيف عليها فأخذها للصيانة أولى، ويدل عليه ما رواه الطحاوي عند عبد الله بن عمرو بن العاص «أن رجلاً من مدينة أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأل كيف ترى في ضالة الغنم قال: " طعام مأكول لك أو لأخيك أو للذئب أحسن على أخيك ضالته " قال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكيف ترى في ضالة الإبل؟ قال: " مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ولا تخاف عليها الذئب تأكل الكلأ وترد الماء فدعا حتى يجيء طالبها .... » انتهى. قوله: سقاؤها بكسر السين وأراد بها إذا وردت الماء تشرب ما يكون بها من ظمأ والحذاء بكسر الحاء المهملة بالذال المعجمة وبالألف ممدودة وأراد بها خفافها التي تقوى بها على السير. فإن قلت: ينبغي أن لا يجوز أخذ اللقطة أصلاً بدليل ما روي في شرح الآثار عن أبي عبادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ضالة المسلم حرق النار» .. قلت: معناه إذا أخذها للركوب لا للتعريف، والحرق بفتحتين اسم الإحراق. وعن ثعلب الحرق: اللهب يعني إن تملكها سبب العقاب في النار. وكذا الجواب عن الحديث الآخر، وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يؤوي الضالة إلا الضال» يعني إذا أخذها لنفسه وإن أبرأها إذا كان لنفسه لا للتعريف م: (فإن أنفق الملتقط عليها) ش: أي على اللقطة م: (بغير إذن الحاكم فهو متبرع لقصور ولايته عن ذمة المالك) ش: فصار لو قضى دين غيره بغير أمره وبغير أمر القاضي م: (وإن أنفق بأمره) ش: أي بأمر القاضي م: (كان ذلك) ش: أي إنفاقه م: (ديناً على صاحبه) ش: أي صاحب اللقطة، وإنما ذكر الضمير باعتبار المال م: (لأن للقاضي ولاية في مال الغائب نظراً له) ش: أي لأجل النظر للغائب؛ لأنه نصب لمصالح المسلمين فتعم ولايته. م: (وقد يكون النظر في الإنفاق) ش: أي وقد يكون نظر الحاكم في الأمر بالإنفاق على اللقطة، فكل ما رآه القاضي أحوط وأصلح كان له ذلك م: (على ما نبين إن شاء الله تعالى) ش: أي بعد خمسة خطوط عند قوله. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 334 وإذا رفع ذلك إلى الحاكم نظر فيه، فإن كان للبهيمة منفعة أجرها وأنفق عليها من أجرتها؛ لأن فيه إبقاء العين على ملكه من غير إلزام الدين عليه وكذلك يفعل بالعبد الآبق. وإن لم يكن لها منفعة وخاف أن تستغرق النفقة قيمتها باعها وأمر بحفظ ثمنها إبقاء له معنى عند تعذر إبقائه صورة، وإن كان الأصلح الإنفاق عليها أذن في ذلك، وجعل النفقة دينا على مالكها لأنه نصب ناظرا، وفي هذا نظر من الجانبين، قالوا: وإنما يأمر بالإنفاق يومين أو ثلاثة أيام على قدر ما يرى رجاء أن يظهر مالكها، فإذا لم يظهر يأمر ببيعها؛ لأن دارة النفقة مستأصلة، فلا ينظر في الإنفاق مدة مديدة، قال في الأصل: شرط إقامة البينة وهو الصحيح   [البناية] وإذا كان الأصلح الإنفاق عليها م: (وإذا رفع ذلك) ش: أي أمر اللقطة م: (إلى الحاكم نظر فيه) ش: أي في أمر اللقطة م: (فإذا كان للبهيمة منفعة) ش: وهي صلاحيتها للإجارة كالحيوان التي تركب م: (أجرها وأنفق عليها من أجرتها لأن فيه) ش: أي لأن في أمر الإجارة م: (إبقاء العين) ش: أي عين اللقطة م: (على ملكه) ش: أي على ملك صاحبها م: (من غير إلزام الدين عليه) ش: أي على صاحبها. م: (وكذلك يفعل) ش: أي الحاكم م: (بالعبد الآبق) ش: فإنه يؤجره وينفق عليه من أجرته؛ لأن فيه إبقاء لملكه م: (وإن لم يكن لها منفعة) ش: كالشاة مثلاً م: (وخاف أن تستغرق النفقة قيمتها باعها وأمر) ش: أي الملتقط م: (بحفظ ثمنها إبقاء له) ش: أي لأجل إبقاء اللقطة للمالك. م: (معنى عند تعذر إبقائه صورة) ش: أي من حيث المعنى بالمالية حيث لم يكن إبقاء الصورة؛ لأنه يخاف عليها أن يستأصل النفقة القيمة م: (وإن كان الأصلح الإنفاق عليها) ش: يعني القاضي لو رأى الإنفاق أصلح م: (أذن في ذلك) ش: أي في الإنفاق. م: (وجعل النفقة ديناً على مالكها لأنه) ش: أي لأن القاضي م: (نصب ناظراً) ش: في أمور المسلمين يفعل ما رآه أحوط وأصلح كان له ذلك بعموم ولايته م: (وفي هذا) ش: أي وفي إذن القاضي للملتقط في الإنفاق وجعل النفقة ديناً على المالك م: (نظر من الجانبين) ش: جانب المالك بإبقاء عين ملكه وجانب الملتقط برجوعه على المالك بما أنفق. م: (قالوا) ش: أي المشايخ: م: (وإنما يأمر بالإنفاق يومين أو ثلاثة أيام على قدر ما يرى رجاء أن يظهر مالكها، فإذا لم يظهر يأمر ببيعها) ش: أي يأمر القاضي ببيع اللقطة م: (لأن دارة النفقة) ش: أي استمرارها م: (مستأصلة) ش: للقيمة م: (فلا ينظر في الإنفاق مدة مديدة) ش: أي طويلة. م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (في الأصل) ش: أي في " المبسوط " م: (شرط إقامة البينة) ش: حيث قال: فإن رفعها إلى قاض وأقام بينة أنه التقطها أمره بأن ينفق عليها م: (وهو الصحيح) ش: وفي بعض النسخ: وهو الصحيح وهو اختيار المصنف، وقال الولوالجي في " فتاواه ": الجزء: 7 ¦ الصفحة: 335 لأنه يحتمل أن يكون غصبا في يده ولا يأمر فيه بالإنفاق بخلاف الوديعة حيث يأمره بالإنفاق فيها، فلا بد من البينة لينكشف الحال، وليست تقام للقضاء، وإن قال: لا بينة لي يقول له القاضي: أنفق عليه إن كنت صادقا فيما قلت حتى يرجع على المالك إن كان صادقا ولا يرجع إن كان غاصبا، وقوله في الكتاب وجعل النفقة دينا على صاحبها إشارة إلى أنه إنما يرجع على المالك بعدما حضر، ولم يبع اللقطة إذا شرط القاضي الرجوع على المالك وهذه رواية وهو الأصح،   [البناية] قالوا: هذا إذا كانت اللقطة شيئاً لا يخاف الهلاك عليه لذلك لم ينفقه إلى أن تقوم البينة. أما إذا كان يخاف أمان القاضي لا يكلفه إقامة البينة لكن يقول له أنفق عليه إن كنت صادقاً م: (لأنه يحتمل أن يكون غصباً في يده ولا يأمر فيه بالإنفاق بخلاف الوديعة حيث يأمره بالإنفاق فيها) ش: خوفاً من ضياعها م: (فلا بد) ش: أي فإذا احتمل في اللقطة الغصب فلا بد م: (من البينة) ش: على أنه التقطها م: (لينكشف الحال) ش: للحاكم حتى يقع أمره على الصواب. م: (وليست تقام) ش: أي البينة م: (للقضاء) ش: أي لأجل الحكم، وهذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: كيف شرط في الأصل إقامة البينة، ولا تقوم البينة إلا على مدع منكر، ولم يوجد ذلك هنا؟، وتقدير الجواب: أن البينة هنا ليست لأجل قضاء القاضي، وإنما لكشف الحال يعني تقام حتى ينكشف حال البهيمة أنها لقطة أو غصب، فإن في الأولى يأمر القاضي بالإنفاق دون الثاني. م: (وإن قال: لا بينة لي) ش: أي وإن قال الملتقط: لا بينة لي على أني التقطها م: (يقول له القاضي أنفق عليه إن كنت صادقاً فيما قلت حتى يرجع على المالك، إن كان صادقاً، ولا يرجع إن كان غاصباً) ش: قوله ولا يرجع بالنصب؛ لأنه عطف على قوله حتى يرجع فإن يرجع فيه منصوب بتقدير أن بعد حتى. م: (وقوله) ش: أي قول القدوري وهو مبتدأ م: (في الكتاب) ش: أي في " مختصر القدوري " م: (وجعل النفقة ديناً على صاحبها) ش: هذا من لفظ القدوري م: (إشارة) ش: بالرفع خبر المبتدأ المذكور م: (إلى أنه إنما يرجع) ش: أي الملتقط م: (على المالك بعد ما حضر، ولم يبع اللقطة) ش: اللقطة، وضبطه بعضهم على صيغة المجهول م: (إذا شرط القاضي الرجوع) ش: هذا متصل بقوله: إنما يرجع الملتقط م: (على المالك) ش: إذا شرط القاضي الرجوع على المالك. م: (وهذه رواية) ش: أي شرط الرجوع رواية، فعلى هذه الرواية إذا أمر القاضي بالإنفاق على اللقطة ولم يشترط الرجوع على المالك لا يرجع عليه، وفي الرواية الأخرى يرجع. م: (وهو الأصح) ش: أي الأصح في الرجوع إن شرط القاضي الرجوع، واحترز به عن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 336 وإذا حضر المالك فللملتقط أن يمنعها منه حتى يحضر النفقة؛ لأنه يحيى بنفقته، فصار كأنه استفاد الملك من جهته فأشبه المبيع، وأقرب ذلك رد الآبق فإن له الحبس لاستيفاء الجعل لما ذكرنا، ثم لا يسقط دين النفقة بهلاكه في يد الملتقط قبل الحبس ويسقط إذا هلك بعد الحبس؛ لأنه يصير بالحبس شبيه الرهن، قال: ولقطة الحل والحرم سواء، وقال الشافعي: يجب التعريف إلى أن يجيء صاحبها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحرم: «لا يحل لقطتها إلا لمنشدها» .   [البناية] قول بعض أصحابنا إن مجرد أمر القاضي يكفي للرجوع. م: (وإذا حضر المالك فللملتقط أن يمنعها منه) ش: أي يمنع اللقطة من المالك م: (حتى يحضر النفقة) ش: الذي أنفقها الملتقط على اللقطة م: (لأنه) ش: أي لأن اللقطة، ذكر الضمير باعتبار المذكور. قاله الكاكي، والأوجه أن يقال: ذكره باعتبار المال، وكذلك الكلام في قوله م: (يحيى بنفقته) ش: أن بنفقة الملتقط م: (فصار، كأنه استفاد الملك من جهته) ش: أي من جهة الملتقط م: (فأشبه المبيع) ش: حيث يجوز للبائع أن يحبس المبيع لاستيفاء الثمن. م: (وأقرب من ذلك) ش: أي أقرب من البيع إلى اللقطة في السيد م: (رد الآبق) ش: أي العبد الهارب؛ لأن الذي رده لحبسه لأجل أخذ الجعل، وهو معنى قوله م: (فإن له) ش: أي الراد دل عليه قوله، رد الآبق م: (الحبس) ش: أي حبس الآبق م: (لاستيفاء الجعل) ش: وهو أربعون درهماً على ما يأتي م: (لما ذكرنا) ش: هو قوله: حتى ينفقه، فكما أن اللقطة حيث ينفقه الملتقط، فكذلك الآبق حتى يرد من مسك م: (ثم لا يسقط دين النفقة بهلاكه) ش: أي بهلاك اللقطة على تأويل المال م: (في يد الملتقط قبل الحبس، ويسقط إذا هلك بعد الحبس؛ لأنه) ش: أي لأن اللقطة على تأويل المال لما ذكرنا م: (يصير بالحبس شبيه الرهن) ش: إذا هلك بعد حبس الرهن بالنفقة. وفي " الذخيرة ": إذا أبى الراهن أن ينفق على الرهن فللمرتهن أن يجب الرهن حتى في النفقة، ولو هلك الرهن بعد ذلك لا شيء على الراهن ثم قال قول زفر، وقال أبو يوسف: ليس له أن يحبس بالنفقة، فإذا هلك في يد المشتري، والنفقة دين على الراهن بحاله. [تعريف لقطة الحرم] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولقطة الحل والحرم سواء) ش: يعني في الحكم م: (وقال الشافعي: يجب التعريف) ش: أي تعريف لقطة الحرم م: (إلى أن يجيء صاحبها) ش: قال أحمد في رواية م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (في الحرم: «لا يحل لقطتها إلا لمنشدها» ش: هذا أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم فتح مكة ... الحديث بطوله وفيه: «ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها» الحديث، وفي لفظ لها: يلتقط شيئاً قطعهما إلا منشد، وقال أبو عبيد: المنشد المعرف، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 337 ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة» من غير فصل، ولأنها لقطة، وفي التصدق بعد مدة التعريف إبقاء ملك المالك من وجه فيملكه كما في سائرها، وتأويل ما روي أنه لا يحل الالتقاط إلا للتعريف والتخصيص بالحرم لبيان أنه: لا يسقط التعريف فيه لمكان أنه للغرباء ظاهرا. وإذا حضر رجل فادعى اللقطة لم تدفع إليه حتى يقيم البينة، فإن أعطى علامتها   [البناية] والناشد: الطالب، معناه: لا يحل لقطة مكة إلا لمن يعرفها. م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اعرف عفاصها، ووكاءها ثم عرفها سنة» من غير فصل) ش: يعني بين لقطة الحل ولقطة الحرم، والحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن زيد بن خالد الجهني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: جاء رجل فسأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن اللقطة فقال: «اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها ... » الحديث، والعفاص الوعاء الذي يكون فيه النفقة من جلد أو خرقة أو غير ذلك، والوكاء بكسر الواو بالمد هو الرباط يشد به. م: (ولأنها) ش: أي ولأن لقطة الحرم م: (لقطة) ش: كسائر اللقطات فأبيح أخذها، وجاز الانتفاع بها بعد الحول كلقطة الحل م: (وفي التصدق بعد مدة التعريف إبقاء ملك المالك من وجه) ش: يعني من حيث يحصل الثواب له م: (فيملكه) ش: أي الملتقط م: (كما في سائرها) ش: أي كما يملك في سائر اللقطات م: (وتأويل ما روي) ش: أي ما رواه الشافعي م: (أنه لا يحل الالتقاط إلا للتعريف) ش: ولهذا ذكر في رواية أخرى: ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها. م: (والتخصيص بالحرم) ش: هذا جواب عما يقال ما وجه تخصيص الحرم في هذا المعنى، وتقدير الجواب أن تخصيص حل الرفع بالحرم يعني بلقطة الحرم م: (لبيان أنه لا يسقط التعريف فيه) ش: أي في الحرم م: (لمكان أنه) ش: أي أن الذي يلتقط فيه م: (للغرباء ظاهراً) ش: أي من حيث الظاهر، بيان ذلك أن مكة مكان الغرباء؛ لأن الناس يأتون إليها من الأقطار من كل فج عميق، ثم يتفرقون في شعابها فالغالب: إن لقطها الغريب لا يدرى عوده إلى مكة، فلا فائدة إذاً في التعريف فينبغي أن يسقط التعريف أصلاً لعدم الفائدة، فأزال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك الوهم، فقال: لا يحل رفع لقطتها إلا لمعرف كما هو الحكم في غيرها من البلاد. وقيل لا يصح عند الشافعي بالحديث المذكور إلا إذا جعل الناشد، وجعل إلا بمعنى ولا، تقديره: لا يحل لقطها لا لغير الملتقط ولا للملتقط .... انتهى. قلت: قد ذكرنا أن المنشد هو المعرف، والناشد هو الطالب ومذهبه ليس كذلك، قال صاحب الوجيز: معنى الحديث لا يحل لقطها إلا لمنشد على الدوام، وإلا لم تظهر فائدة التخصيص م: (وإذا حضر رجل فادعى اللقطة لم تدفع إليه حتى يقيم البينة فإن أعطى علامتها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 338 حل للملتقط أن يدفعها إليه، ولا يجبر على ذلك في القضاء، وقال مالك والشافعي: يجبر والعلامة مثل أن سمى وزن الدراهم وعددها ووكاءها ووعاءها، لهما أن صاحب اليد ينازعه في اليد ولا ينازعه في الملك فيشترط الوصف لوجود المنازعة من وجه، ولا يشترط إقامة البينة لعدم المنازعة من وجه، ولنا أن اليد حق مقصود كالملك فلا يستحق إلا بحجة، وهي البينة اعتبارا بالملك إلا أنه يحل له الدفع عند إصابة العلامة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فإن جاء صاحبها وعرف عفاصها وعددها فادفعها إليه» وهذا للإباحة   [البناية] حل للملتقط أن يدفعها إليه، ولا يجبر على ذلك) ش: أي على الدفع م: (في القضاء) ش: بمعنى الحاكم لا يجبره على الدفع م: (وقال مالك والشافعي: يجبر) ش: على الدفع، قال الكاكي: هذا وقع في نسخ أصحابنا، ولكن القائل بوجوب الدفع بالعلامة، مالك وأحمد وداود وابن المنذر فإن في كتب أصحاب الشافعي قوله كقولنا م: (والعلامة مثل أن سمى وزن الدراهم وعددها ووكاءها ووعاءها) ش: ويصف في ذلك كله، وقد مر عن قريب تفسير الوكاء. م: (لهما) ش: أي لمالك والشافعي م: (أن صاحب اليد) ش: الذي هو الملتقط م: (ينازعه) ش: أن ينازع المدعي؛ لأن اللقطة له م: (في اليد ولا ينازعه في الملك فيشترط الوصف) ش: أي وصف اللقطة بذكر العلامة م: (لوجود المنازعة من وجه) ش: وهي المنازعة في اليد م: (ولا يشترط إقامة البينة لعدم المنازعة من وجه) ش: وهي المنازعة في الملك، وحاصله أن الملتقط لا نزاع له في الملك؛ لأنه لا يدعي الملك، وإنما نزاعه في اليد، فكان نزاعه من وجه دون وجه فاشترط بيان العلامة دون إقامة البينة م: (ولنا أن اليد حق مقصود) ش: للإنسان م: (كالملك) ش: حتى يجب الضمان على الغاصب بإزالة اليد، ألا ترى أن المدبر إذا غصبه غاصب يلزم الضمان لإزالة يد المحرم وإن لم يكن المدبر قابلاً للملك. فإذا كان كذلك م: (فلا يستحق) ش: أي المدعي م: (إلا بحجة وهي البينة اعتباراً بالملك) ش: إذا ادعاه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «البينة على المدعي» م: (إلا أنه) ش: أي غير أن الملتقط م: (يحل له الدفع) ش: أي دفع اللقطة إلى صاحبها م: (عند إصابة العلامة لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فإن جاء صاحبها وعرف عفاصها وعددها فادفعها إليه» ش: .... الحديث رواه مسلم عن أبي كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في اللقطة: «عرفها فإن جاء أحد يخبرك بعددها ووكائها ووعائها فأعطه إياها وإلا فاستمتع بها» ، وفي رواية: «وإلا فهي كسبيل مالك» ، وفي رواية أبي داود: «فإن جاء مالكها فعرف عددها ووكاءها فادفعها إليه» . م: (وهذا) ش: أي قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فادفعها إليه م: (للإباحة) ش: يعني الأمر فيه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 339 عملا بالمشهور، وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «البينة على المدعي» .... الحديث ويأخذ منه كفيلا إذا كان يدفعها إليه استيثاقا، وهذا بلا خلاف؛ لأنه يأخذ الكفيل لنفسه بخلاف التكفيل لوارث غائب عنده، وإذا صدقه قيل لا يجبر على الدفع كالوكيل بقبض الوديعة إذا صدقه   [البناية] للإباحة؛ لأن الأمر يجيء للإباحة م: (عملاً بالمشهور) ش: أي لأجل العمل بالحديث المشهور م: (وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «البينة على المدعي ... » الحديث) ش: أي أتم الحديث، وتمامه: «واليمين على من أنكر» بيانه أن قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " ادفعها إليه " ون لم يحمل على الإباحة، وحمل على الوجوب لزم التعارض على وجه يلزم التنافي وهو الاستحقاق وعدمه. والأصل في التعارض الجمع عملاً بالدليلين، فحملنا ما تمسك به الشافعي على إباحة الدفع دفعاً للتعارض بين الحديثين. وقال الأكمل: ولقائل أن يقول الحمل على الإباحة عملاً بالمشهور يلزم عدم جواز الدفع أيضاً؛ لأن انتفاء الوجوب يلزم انتفاء الجواز وأن الشافعي لم يقل بانتفاء الجواز بانتفاء الوجوب، والمصنف هاهنا في مقام الدفع فجاز أن يدفعه على طريقه فيلزمه الخصم. م: (ويأخذ منه) ش: أي من مدعي اللقطة م: (كفيلاً إذا كان) ش: أي الملتقط م: (يدفعها إليه) ش: أي يدفع اللقطة إلى المدعي م: (استيثاقاً) ش: أي لأجل الاستيثاق لنفسه حتى إذا ظهر الأمر بخلاف، وتقدر الرجوع إليه يرجع على الكفيل. هذا إذا دفعها بالعلامة، أما لو دفعها بالبينة، فلأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان، والصحيح أنه لا يأخذ كفيلاً، كذا في " جامع قاضي خان " م: (وهذا بلا خلاف) ش: يعني أخذ الكفيل سوماً بلا خلاف م: (لأنه يأخذ الكفيل لنفسه) ش: ولا يأخذه لغيره م: (بخلاف التكفيل لوارث غائب عنده) ش: أي عند أبي حنيفة ودل الضمير إليه، وإن لم يسبق ذكره لشهرة حكم تلك المسألة، صورته ميراث قسم بين الغرماء أو الورثة لا يؤخذ من الغريم ولا من الوارث كفيل عند أبي حنيفة. وعندهما تؤخذ، والفرق عند أبي حنيفة أن حق الحاضر هاهنا غير ثابت، فيمكن أن يكون غيره فيضمنه، ولا يمكن الرجوع على الآخذ؛ لأنه قد يتوارى فيحتاط بأخذ الكفيل. أما في الميراث فحق الحاضر ثابت ومعلوم، وحق الآخر موهوم، فلا يجوز أن يأخذ حق الحاضر الثابت لموهوم، وقال الأترازي: قوله ويأخذ منه كفيلاً إلى قوله: وهذا بلا خلاف فيه، تناقض من المصنف؛ لأنه قال في فصل المواريث: فيه روايتان، والأصح أنه على الخلاف. م: (وإذا صدقه) ش: أي إذا صدق الملتقط مدعي اللقطة م: (قيل لا يجبر على الدفع كالوكيل بقبض الوديعة إذا صدقه) ش: أي لا يجبر المودع على الدفع يعني لو جاء رجل إلى المودع وقال أنا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 340 وقيل يجبر لأن المالك هاهنا غير ظاهر، والمودع مالك ظاهر، ولا يتصدق باللقطة على غني؛ لأن المأمور هو التصدق لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فإن لم يأت - يعني صاحبها - فليتصدق به» والصدقة لا تكون على غني فأشبه الصدقة المفروضة، وإن كان الملتقط غنيا لم يجز له أن ينتفع بها، وقال الشافعي: يجوز، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حديث أبي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «فإن جاء صاحبها فادفعها إليه وإلا فانتفع بها» وكان من المياسير،   [البناية] وكيل المودع في استرداد الوديعة منك فصدقه لا يجبر على الدفع إليه؛ لأنه أمر بحق القبض في ملك الغير. م: (وقيل: يجبر لأن المالك هاهنا غير ظاهر) ش: أي مالك آخر غير هذا المدعي في اللقطة غير ظاهر ولما أقر أنه هو المالك يلزمه إقراره فيجب على الدفع. م: (والمودع) ش: بكسر الدال م: (مالك ظاهر) ش: فبالإقرار بالوكالة لا يلزمه الدفع إليه؛ لأنه غير مالك بيقين، ثم في الوديعة إذا دفع إليه بعدما صدقه وهلك في يده ثم حضر المودع وأنكر والوكالة وضمن المودع ليس له أن يرجع على الوكيل بشيء. وهنا للملتقط أن يرجع على القابض؛ لأن هناك في زعم المودع أن الوكيل عامل للمودع في قبضه له لم يأمره، وأنه ليس بضامن بل المودع ظالم في تضمينه إياه، ومن ظلم فليس له أن يظلم غيره وهنا في زعمه أن القابض عامل لنفسه وإنه ضامن بعدما ثبت الملك لغيره بالبينة فكان له أن يرجع عليه بما ضمن لهذا، كذا في " المبسوط ". م: (ولا يتصدق باللقطة على غني لأن المأمور هو التصدق لقوله - عليه السلم -: فإن لم يأت يعني صاحبها - فليتصدق به) ش: أي ما أمر بالصدقة م: (والصدقة لا تكون على غني فأشبه الصدقة المفروضة) ش: حيث لا تصح على غني، والحديث رواه أبو هريرة، أخرجه الدارقطني، وقد تقدم م: (وإن كان الملتقط غنياً لم يجز له أن ينتفع بها) ش: أي باللقطة م: (وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يجوز) ش: وبه قال أحمد م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في حديث أبي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «فإن جاء صاحبها فادفعها إليه وإلا فانتفع بها» ش: حديث أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الصحيحين، وفيه: «فاحفظ عددها ووعاءها ووكاءها، فإن جاء صاحبها وإلا فانتفع بها ... » الحديث. م: (وكان) ش: أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (من المياسير) ش: أي من الأغنياء، وهذا من كلام المصنف وليس من سنن الحديث، والمياسير جمع ميسور ضد المسور، وهما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 341 ولأنه إنما يباح للفقير حملا له على رفعها صيانة لها والغني يشاركه فيه، ولنا أنه مال الغير فلا يباح الانتفاع به إلا برضاه لإطلاق النصوص والإباحة للفقير لما رويناه أو بالإجماع فيبقى ما رواه على الأصل، والغني محمول على الأخذ؛   [البناية] وجهان عند سيبويه، ومصدران عند غيره. قيل: يرد كلام المصنف ما رواه البخاري ومسلم «عن أبي طلحة. قلت: يا رسول الله: إن الله تعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] (آل عمران، الآية: 92) ، وإن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها فما ترى يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اجعلها في فقراء قرابتك " فجعلها أبو طلحة في أبي، وحسان،» فهذا صريح أن أبياً كان فقيراً. قلت: يحتمل أنه أيسر بعد ذلك، وقضايا الأحوال متى تطرق إليها الاحتمال سقط منها الاستدلال. م: (ولأنه) ش: أي لأن الانتفاع باللقطة م: (إنما يباح للفقير حملاً له على رفعها) ش: أي لكونه حاملاً وباعثاً على رفعها أي على رفع اللقطة م: (صيانة لها) ش: أي حفظاً للقطة، يعني حفظاً لها عن الضياع م: (والغني يشاركه فيه) ش: أي يشارك الفقير في الانتفاع بها. حاصله أن حل الانتفاع باللقطة بعد التعريف للفقير لا للتصدق فيصير ذلك سبباً للالتقاط، فيصير المال محفوظاً على المالك. فإنه متى علم أنه يحل له الانتفاع به بعد التعريف يرغب في الالتقاط والغني يشارك الفقير في هذا المعنى، فيشاركه في الانتفاع. م: (ولنا أنه) ش: أي أن اللقطة، ذكر الضمير باعتبار المال م: (مال الغير فلا يباح الانتفاع به إلا برضاه لإطلاق النصوص) ش: الحرية للتعرض لملك مال الغير فلا يباح، قال الله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . م: (والإباحة للفقير لما رويناه) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " فليتصدق به " فعلم أن الإباحة بطريق التصدق. م: (أو بالإجماع) ش: على جواز تعادل الصدقة للفقير دون الغني م: (فيبقى ما رواه على الأصل) ش: أي بقي ما رواه جواز الانتفاع الفقير على الأصل وهو حرمة الانتفاع بمال الغير بغير إذنه. م: (والغني محمول على الأخذ) ش: هذا جواب عما قال الشافعي: يجوز الانتفاع للغني بعد مدة التعريف حتى يكون حاملاً على رفع اللقطة وصيانتها؛ لأنه إذا عرف أن اللقطة يجوز له الجزء: 7 ¦ الصفحة: 342 لاحتمال افتقاره في مدة التعريف، والفقير قد يتوانى لاحتمال استغنائه فيها، وانتفاع أبي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان بإذن الإمام وهو جائز بإذنه،   [البناية] الانتفاع بها بعد التعريف يرفعها رجاء أن يؤول إليه، وتقرير الجواب أن الغني محمول على الأخذ، يعني كونه حاملاً لرفعها م: (لاحتمال افتقاره في مدة التعريف) ش: يعني يحتمل أن يكون فقيراً في مدة التعريف. م: (والفقير قد يتوانى) ش: أي قد يتكاسل في الأخذ م: (لاحتمال استغنائه فيها) ش: أي في مدة التعريف، فيكون الحاصل في كل منهما رفع اللقطة والحاجة إليها، وكذلك في كل منهما مال عدم رفعها، إلا أن الحامل في الغني لا يوجب الانتفاع بها بخلاف الفقير وتطرق الاحتمال في المال لا يؤثر في الحال. فإن قلت: في صحيح البخاري عن زيد بن خالد الجهني: «فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك» فدل على الانتفاع للملتقط غنياً كان أو فقيراً. قلت: معنى شأنك الزم شأنك بها في الحفظ لصاحبها م: (وانتفاع أبي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان بإذن الإمام) ش: هذا جواب عن استدلال الشافعي بحديث أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بيانه أن انتفاع أبي ابن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان بإذن الإمام تخصيصاً له، كما في شهادة خزيمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (وهو جائز بإذنه) ش: أي الانتفاع باللقطة بعد مدة التعريف جائز للغني بإذن الإمام على وجه يكون قرضاً. وهذا الجواب الذي أجاب به المصنف عن حديث أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنما يمشي على كون أبي غنياً؛ لأنه قال فيما مضى وكان من المياسير، وقد قلنا فيما مضى أنه كان فقيراً وبينا ذلك، قال الأترازي في جوابه عن حديث أبي، قال أصحابنا: إنه كان فقيراً وذكر حديث أبي طلحة، وقد ذكرناه. فإن قلت: قال الترمذي عقيب حديث أبي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والعمل عليه عند أهل العلم، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا لصاحب اللقطة أن ينتفع بها إذا كان غنياً. ولو كانت اللقطة لا تحل إلا لمن تحل له الصدقة لم يحل لعلي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد أمره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأكل الدينار حين وجده، ومن لم يعرفه. قلت: أجيب عن هذا بما أجيب عن حديث أبي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه أبو داود في سننه عن سهل بن سعد «أن علي بن أبي طالب دخل على فاطمة وحسين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وهما يبكيان، فقال: ما يبكيكما؟ قالا: الجوع، فخرج علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فوجد ديناراً بالسوق، فجاء فاطمة فأخبرها، فقالت: اذهب إلى فلان اليهودي فخذ لنا دقيقاً، فجاء اليهودي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 343 وإن كان الملتقط فقيرا فلا بأس بأن ينتفع بها لما فيه من تحقيق النظر من الجانبين، ولهذا جاز الدفع إلى فقير غيره، وكذا إذا كان الفقير أباه   [البناية] واشترى به دقيقاً. فقال اليهودي: أنت ختن هذا الذي يزعم أنه رسول الله؟ قال: نعم، قال: فخذ ثم جاء فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فأخبرها، فقالت: اذهب به إلى فلان الجزار فخذ لنا بدرهم لحماً فذهب فرهن الدينار بدرهم، فطبخت وخبزت وأرسلت إلى أبيها، فجاء فقالت: يا رسول الله أذكر لك فإن كان لنا حلالاً أكلناه، من شأنه كذا وكذا، فقال: " كلوا باسم الله " فأكلوا فبينما هم مكانهم إذا غلام ينشد الله والإسلام الدينار. فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدعي، فسأله فقال: سقط مني في السوق، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يا علي اذهب إلى الجزار فقل له إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرسل إلي بالدينار، ودرهمك علي " فأرسل به فدفعه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليه ... » انتهى. واستشكل هذا من جهة أن علياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنفق الدينار قبل التعريف، وأجاب المنذري بأن مراجعة علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ملأ الخلق إعلان به، ثم قال: بهذا يؤيد الاكتفاء بالتعريف مرة واحدة. قلت: هذا رواه عبد الرزاق عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «إن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وجد ديناراً في السوق فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " عرفه ثلاثة أيام " قال: فعرفه ثلاثة أيام فلم يجد من يعرف، فرجع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأخبره فقال: " شأنك ... » الحديث. م: (وإن كان الملتقط فقيراً فلا بأس بأن ينتفع بها لما فيه) ش: أي من الانتفاع م: (من تحقيق النظر من الجانبين) ش: جانب الملتقط بالانتفاع، وجانب المالك بحصول الثواب له. م: (ولهذا) ش: أي ولكون النظر فيه من الجانبين م: (جاز الدفع) ش: أي دفع اللقيط م: (إلى فقير غيره) ش: من الفقراء أو هو وسائر الفقراء سواء في الفقر، فجاز الانتفاع له أيضاً، م: (وكذا) ش: أي وكذا يجوز م: (إذا كان الفقير أباه) ش: أي أب الملتقط. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 344 أو ابنه أو زوجته، وإن كان هو غنيا لما ذكرنا، والله أعلم.   [البناية] م: (أو ابنه أو زوجته، وإن كان هو) ش: أي الملتقط م: (غنياً) ش: وصرفها إلى هؤلاء، وكلمة إن واصلة بما قبلها م: (لما ذكرنا) ش: أي لما فيه من تحقيق النظر من الجانبين، ولو التقط العبد شيئاً بغير إذن مولاه يجوز عندنا ومالك وأحمد والشافعي في قول، فإذا أتوه طولب ربه بقضاء الدين أو البيع فيه سواء أتوه قبل التعريف أو بعده. وبه قال أحمد والشافعي في وجه؛ لأنه ضمان خيانة فتعلق برقبته، ويظهر في حق المولى، وعند مالك إن أتلفه قبل التعريف يؤمر الولي بالدفع أو القدر، وإن أتلف بعد التعريف يطالب العبد بعد العتق؛ لأن الشرع أذن له في الانتفاع فكان ضمان بحصته فلا يظهر في حق المولى م: (والله أعلم) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 345 كتاب الإباق الآبق أخذه أفضل في حق من يقوى عليه لما فيه من إحيائه، وأما الضال فقد قيل كذلك، وقد قيل تركه أفضل؛ لأنه لا يبرح مكانه فيجده المالك ولا كذلك الآبق، ثم آخذ الآبق يأتي به إلى السلطان؛ لأنه لا يقدر على حفظه بنفسه بخلاف اللقطة، ثم إذا رفع الآبق إليه يحبسه، ولو رفع الضال لا يحبسه؛ لأنه لا يؤمن على الآبق الإباق ثانيا   [البناية] [كتاب الإباق] م: (كتاب الإباق) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الإباق وهو الهرب من أبق من باب ضرب يضرب، وفي " المبسوط " الإباق التمرد في الانطلاق وهو من سوء الأخلاق، ورواة الأعراق يطهر العبد عن نفسه فراراً ليصير ماله ضماناً أو رده إلى مولاه إحسان، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان. والآبق هو الذي يهرب عن مولاه قصداً، والضال هو الذي ضل الطريق إلى منزله، وفي النهاية هذا الكسب أعني اللقيط واللقطة والإباق والعتق ركيت يجانس بعضها بعضاً من حيث إن في كل منها عرضة الزوال والهلاك. م: (الآبق) ش: على وزن فاعل مرفوع بالابتداء، وقوله م: (أخذه) ش: مبتدأ ثان وخبره هو قوله م: (أفضل) ش: والجملة خبر المبتدأ الأول م: (في حق من يقوى عليه) ش: أي من يقدر على أخذه ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم م: (لما فيه) ش: أي لما في أخذه م: (من إحيائه) ش: لأنه هالك في حق المولى، فيكون الرد إحياءه. م: (وأما الضال فقد قيل كذلك) ش: أي حكم الآبق أخذه أفضل، لما فيه من إحياء النفس ومن التعاون على البر كالآبق م: (وقد قيل تركه أفضل لأنه لا يبرح مكانه) ش: يعني الضال يطلب مالكه فلا يبرح عن مكانه م: (فيجده المالك ولا كذلك الآبق) ش: بخلاف الآبق؛ لأنه يخفى عن مولاه، وإذا لم يؤخذ يضيع حقه م: (ثم آخذ الآبق) ش: الآخذ على صيغة اسم الفاعل م: (يأتي به) ش: أي بالآبق م: (إلى السلطان) ش: أو نائبه أو القاضي م: (لأنه) ش: أي لأن آخذه م: (لا يقدر على حفظه) ش: أي حفظ الآبق م: (بنفسه) ش: لتمرده أو عجز آخذه، ثم هذا الذي ذكر من الإتيان بالعبد الآبق إلى السلطان اختيار شمس الأئمة السرخسي، وأما اختيار شمس الأئمة الحلواني فالآخذ بالخيار إن شاء حفظه لنفسه وإن شاء دفعه إلى الإمام. وكذلك الضال والضالة الواجد فيهما بالخيار كذا في الذخيرة م: (بخلاف اللقطة) ش: حيث لا يرفعها إلا السلطان؛ لأنه قادر على حفظها بنفسه م: (ثم إذا رفع الآبق إليه) ش: أي إلى السلطان م: (يحبسه، ولو رفع الضال لا يحبسه لأنه لا يؤمن على الآبق الإباق ثانياً) ش: فيكون ترك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 346 بخلاف الضال، قال: ومن رد آبقا على مولاه من مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا فله عليه جعله أربعون درهما، وإن رده لأقل من ذلك فبحسابه، وهذا استحسان، والقياس أن لا يكون له شيء إلا بالشرط وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه متبرع بمنافعه فأشبه العبد الضال. ولنا أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اتفقوا على وجوب أصل الجعل، إلا أن منهم من   [البناية] حبسه تعريضاً على الإباق م: (بخلاف الضال) ش: لأن الظاهر أنه لا يروح إذا لم يحبس. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": وإذا أتى الرجل بالعبد فأخذه السلطان فحبسه فادعاه رجل وأقام البينة أنه عبده قال: يستحلفه ما بعته ولا رهنته، ثم يدفعه إليه ولا أحب أن يأخذ منه كفيلاً. وإن أخذ منه القاضي كفيلاً لم يكن ليأخذه ولكن لا يأخذه أحب إلي، قال الحاكم: هذه رواية أبي حفص ورأيت في بعض روايات سليمان قال: أحب إلي أن يأخذ منه كفيلاً. وإن لم يأخذ منه كفيلاً وسعه ذلك وإن لم يكن للمدعي بينة، وأقر العبد أنه عبده قال: يدفعه إليه ويأخذ منه كفيلاً، وإن لم يجئ للعبد طالب. قال: إذا طال بعد ذلك باعه الإمام وأمسك ثمنه حتى يجيء له طالب ويقيم البينة بأن العبد عبده فيدفع الثمن ولا ينقض بيع الإمام، وينفق عليه الإمام في مدة حبسه من بيت المال ثم يأخذ من صاحبه إن حضر ومن ثمنه إن باعه. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن رد آبقاً على مولاه من مسيرة ثلاثة أيام فصاعداً فله عليه جعله أربعون درهماً، وإن رده لأقل من ذلك) ش: أي من مسيرة السفر م: (فبحسابه) ش: أي فيحسب الجعل بحساب ما دون السفر، والجعل بالضم ما يجعل للعامل على عمله. م: (وهذا استحسان) ش: أي وجوب الجعل استحسان المشايخ لاتفاق الصحابة على ذلك م: (والقياس أن لا يكون له) ش: أي للمسير م: (شيء إلا بالشرط وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال ابن المنذر وبعض أصحاب أحمد، وهو قول إبراهيم النخعي أيضاً. ولكن ما أنفق عليه إنما يجب بالشرط، بأن قال: من رد عبدي علي فله كذا م: (لأنه) ش: أي لأن المراد م: (متبرع بمنافعه) ش: في رده م: (فأشبه العبد الضال) . ش: حيث لا يجب شيء فيه، ولو تبرع عليه يعني من أعيان ماله فلا يرجع عليه، فكذا إذا تبرع بمنافعه، ولا يستوجب الآبق نهياً له عن المنكر، والنهي عن المنكر فرض، فإذاً لا يستوجب فاعل الفرض جعلاً. م: (ولنا أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اتفقوا على وجوب أصل الجعل، إلا أن منهم من أوجب أربعين درهماً، ومنهم من أوجب ما دونها) ش: أي ما دون الأربعين، فمن الصحابة الذين أوجبوا الأربعين درهماً، عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه "، حدثنا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 347 أوجب أربعين درهما، ومنهم من أوجب ما دونها فأوجبنا الأربعين في مسيرة السفر وما دونها فيما دونه، توفيقا وتلفيقا بينهما؛ ولأن إيجاب الجعل أصله حامل على الرد،   [البناية] محمد بن يزيد عن أيوب عن أبي العلاء عن قتادة وأبي هاشم أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " قضى في جعل الآبق أربعين درهماً " ومنهم معاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه ابن أبي شيبة أيضاً، حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أبي إسحاق قال: أعطيت الجعل في زمن معاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أربعين درهماً، ومنهم عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا سفيان الثوري عن أبي رباح عن عبد الله بن رباح عن أبي عمرو الشيباني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: أصبت غلماناً أباقاً بالغين، فذكرت ذلك لابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: الأجر والغنيمة، قلت: هذا الأجر، فما الغنيمة؟ قال: أربعون درهماً من كل رأس. ومن الصحابة الذين أوجبوا أقل من أربعين درهماً علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا محمد بن يزيد ويزيد بن هارون عن حجاج عن حصين عن الشعبي عن الحارث عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه جعل في جعل الآبق ديناراً، أو اثني عشر درهماً، وفيه حديث مرفوع مرسل: أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في " مصنفيهما " عن عمرو بن دينار «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في العبد الآبق يؤخذ خارج الحرم بدينار أو عشرة دراهم» . م: (فأوجبنا الأربعين في مسيرة السفر وما دونها) ش: أي أوجبنا ما دون الأربعين م: (فيما دونه) ش: أي فيما دون السفر م: (توفيقاً) ش: بين الآثار المذكورة م: (وتلفيقاً بينهما) ش: أي جمعاً بين الروايات المتعارضة، والتلفيق الضم يقال: لفقت الثوب ألفقه وهو أن يضم شفة إلى أخرى كذا في " الصحاح ". فإن قلت: كان الواجب أن يؤخذ بأقل المقادير تيقنة. قلت: لم يؤخذ بالأقل لإمكان التوفيق بين أقاويلهم وأشار إليه المصنف بقوله: فأوجبنا الأربعين إلى آخره، وعن أحمد: إن رده من المصر فله عشرة دراهم أو دينار، وإن رده من خارج المصر سواء كان مدة السفر أو لا فله أربعون، وقال مالك: له أجر مثله في قدر تعبه وسفره، وتكلف طلبه ممن شأنه وعادته طلب الإباق، وإن لم يكن ممن نصب نفسه كذلك فله نفقته عليه؛ لأنه اختلف فيه الصحابة، فعلم أنه غير مقدر بشيء معين فيجب أجر المثل م: (ولأن إيجاب الجعل أصله حامل على الرد) ش: هذا دليل عقلي لوجوب الجعل، بيانه أن الأصل في إيجاب الجعل هو أنه يحمل على رد الآبق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 348 إذ الحسبة نادرة فتحصل صيانة أموال الناس، والتقدير بالسمع ولا سمع في الضال فامتنع، ولأن الحاجة إلى صيانة الضال دونها إلى صيانة الآبق؛ لأنه لا يتوارى، والآبق يختفي، ويقدر الرضخ في الرد عما دون السفر باصطلاحهما، أو يفوض إلى رأي القاضي، وقيل: يقسم الأربعون.   [البناية] م: (إذ الحسبة) ش: أي العمل فيه لأجل اعتقاد الأجر م: (نادرة) ش: فإذا كان كذلك م: (فتحصل) ش: بوجوب الجعل م: (صيانة أموال الناس) ش: من الضياع فيرغب كل واحد عن تحصيل الآبق ليرده إلى صاحبه، فيأخذ الجعل. والرد يحتاج إلى عناء فقلما يرغب الناس في التزام ذلك حسبة، ففي إيجاب الجعل يحصل صيانة الأموال م: (والتقدير بالسمع) ش: جواب عن قياس الشافعي الآبق على الضال في عدم وجوب الجعل أي تقدير الجعل في الآبق بدليل سمعي أو هو إجماع الصحابة الذي ورد في حكم الآبق من وجوب الجعل على حسب الاختلاف في كمية المقدار فيه، ولا اختلاف في أصل الوجوب؛ لأنه وقع مجمعاً عليه من غير نكير منهم. م: (ولا سمع في الضال) ش: أي لم يرد شيء في وجوب شيء في رد الضال م: (فامتنع) ش: قياس الآبق على الضال، وكان القياس في رد الآبق عدم الوجوب أيضاً، إلا أنا تركنا القياس فيه لوجود السمع. ولا سمع في الضال، فبقي على أصل القياس م: (ولأن الحاجة) ش: إشارة إلى بقاء إلحاق الآبق بالضال، بيانه أن الحاجة م: (إلى صيانة الضال دونها) ش: أي دون الحاجة م: (إلى صيانة الآبق لأنه) ش: أي لأن الضال م: (لا يتوارى) ش: أي لا يختفي م: (والآبق يختفي) ش: لأنه هارب، والهارب يخفي نفسه. م: (ويقدر الرضخ) ش: تفصيل لقوله: وإن رده لأقل من ذلك فبحسابه بأن عملوا بالقسمة كان لكل يوم ثلاثة عشر درهماً، وثلاثة دراهم، ورد هذا قول من قال: إن قوله رضخ إلى آخره تكرار لما ذكره قبله، وإن رده لأقل من ذلك فبحسابه، بيانه أن هذه الأوجه الثلاثة أعني قوله: الرضخ إلى قوله: وإن كانت تفصيل لما ذكره أولاً. فإن التقدير الشرعي إذا ثبت على خلاف القياس يمنع أن يكون لما دون القدر حكم القدر فقال: لأجل ذلك ويقدر الرضخ بالمعجمتين من قولهم، أرضخ فلان بفلان ماله إذا أعطاه قليلاً من كثير، والاسم الرضيخة يقال: أعطاه رضيخة من ماله ورضاخة كذا ذكره ابن دريد. م: (في الرد عما دون السفر باصطلاحهما) ش: أي باصطلاح الراد والمالك يجب ما يقع عليه اتفاقهما، وهذا أحد الوجوه الثلاثة التي أشرنا إليها م: (أو يفوض إلى رأي القاضي) ش: هذا هو الوجه الثاني أو يفوض أمر الرضخ إلى رأي القاضي على حسب ما يرى. قالوا: هذا هو الأشبه بالاعتبار م: (وقيل: يقسم الأربعون) ش: هذا هو الوجه الثالث أي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 349 على الأيام الثلاثة، إذ هي أقل مدة السفر قال: وإن كانت قيمته أقل من أربعين يقضى له بقيمته إلا درهما، قال: وهذا قول محمد، وقال أبو يوسف: له أربعون درهما؛ لأن التقدير بها ثبت بالنص فلا ينقص عنها، ولهذا لا يجوز الصلح على الزيادة بخلاف الصلح على الأقل؛ لأنه حط منه. ولمحمد أن المقصود حمل الغير على الرد ليحيي مال المالك فينقص درهم ليسلم له شيء تحقيقا للفائدة،   [البناية] يقسم الأربعون التي هي الجعل م: (على الأيام الثلاثة) ش: فيجب بإزاء كل يوم ثلاثة عشر درهماً وثلث درهم م: (إذ هي) ش: أي الأيام الثلاثة م: (أقل مدة السفر) ش: في القصر في الصلاة وغيرها. وفي " فتاوى الولوالجي ": وإذا كان العبد الآبق بين رجلين أو ثلاثة فالجعل عليها على قدر الأنصباء؛ لأن منفعة الرد حصلت لهما ثلاثاً، فكذلك الجعل عليها يكون، وفي " الذخيرة ": ولو كان أحدهما غائباً فليس للحاضر أن يأخذه حتى يعطي الجعل كله أو لا يكون معتبراً في نصيب الغائب بل يرجع عليه. [رد الآبق على مولاه من مسيرة ثلاثة أيام] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن كانت قيمته) ش: أي قيمة الآبق م: (أقل من أربعين يقضى له) ش: أي للراد م: (بقيمته) ش: أي بقيمة العبد الآبق م: (إلا درهماً) ش: ينقص من الأربعين لأن ما دون الدرهم كسور، ولا يجوز اعتباره شرعاً للنص. م: (قال) ش: أي المصنف: م: (وهذا قول محمد، وقال أبو يوسف: له أربعون درهماً) ش: وبه قال أحمد م: (لأن التقدير بها) ش: أي بالأربعين م: (ثبت بالنص) ش: أي بالأثر م: (فلا ينقص عنها) ش: أي عن الأربعين. م: (ولهذا) ش: أي ولكون الأربعين منصوصاً عليها م: (لا يجوز الصلح على الزيادة) ش: أي على الأربعين يعني إذا صالح المالك مع الراد على أكثر من الأربعين درهماً لا يجوز الصلح لتعيين الأربعين بالنص م: (بخلاف الصلح على الأقل) ش: حيث يجوز م: (لأنه حط منه) ش: أي من الأربعين. م: (ولمحمد أن المقصود) ش: يعني من الجعل م: (حمل الغير على الرد) ش: أي رد الآبق م: (ليحيي مال المالك) ش: لأن الآبق كالهالك م: (فينقص درهم ليسلم له شيء) ش: من مالية العبد م: (تحقيقاً للفائدة) ش: وهي حياة مال المالك نظراً له، ولا نظر في إيجاب أربعين كلها في رد ما لا يساوي أربعين. ثم اعلم أن قول أبي يوسف كان أولاً مثل قول محمد، ولهذا لم يذكر الخلاف شيخ الإسلام خواهر زاده في " مبسوطه " أو شمس الأئمة البيهقي في " الشامل " وكذلك في عامة نسخ الفقه، ولم يذكروا قول أبي حنيفة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 350 وأما أم الولد والمدبر في هذا بمنزلة القن إذا كان الرد في حياة المولى، لما فيه من إحياء ملكه، ولو رد بعد مماته لا جعل فيهما؛ لأنهما يعتقان بالموت بخلاف القن، ولو كان الراد أبا المولى أو ابنه وهو في عيال الأب   [البناية] وذكر في " شرح الطحاوي " قوله مع محمد، فقال: لو كان العبد يساوي أربعين أو دونها فإنه ينقص من قيمته درهم واحد عند أبي حنيفة ومحمد، وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولاً، ثم رجع وقال: يجب الجعل درهماً وإن كانت قيمته درهماً. م: (وأما أم الولد والمدبر في هذا) ش: أي في وجوب الجعل م: (بمنزلة القن إذا كان الرد في حياة المولى) ش: لأنهما مملوكان له، ولهذا هو أحق بكسبها، وهما بمنزلة القن، ووجب الجعل لإحياء ما بينهما بالرد، وتعليل المصنف بقوله م: (لما فيه من إحياء ملكه) ش: أولى بتعليل غيره لما فيه إحياء المالية؛ لأن أم الولد لا مالية فيها عند أبي حنيفة. وقال الكاكي: فإن قيل: الجعل يجب لإحياء المالكية، ولا مالية لأم الولد خصوصاً عند أبي حنيفة. قلنا: المالك أحق بكسبها، ولها مالية باعتبار كسبها، وقد أحياها بالرد إليه فيستوجب الجعل بخلاف المكاتب، فإنه أحق بمكاسبه فلا يكون رده إحياء لمالية المولى لا باعتبار الرقبة، ولا باعتبار المكسبة كذا في " المبسوط ". م: (ولو رد بعد مماته) ش: أي ولو رد أم الولد والمدبر بعد موت المولى م: (لا جعل فيهما لأنهما يعتقان بالموت) ش: أي بموت المولى م: (بخلاف القن) ش: حيث يجب الجعل برده بعد موت مولاه، وقوله: يعتقان بموته ظاهر في حق أم الولد. وفي حق المدبر الذي لا سعاية عليه، أما الذي عليه السعاية بأن لم يكن للمولى مال سواه فكذلك لا يستوجب الجعل على الورثة لأن السعي كالمكاتبة عنده، وهو مديون عندهما، ولا جعل لرد المكاتب أو الحر. م: (ولو كان الراد أبا المولى أو ابنه) ش: أو ابن المولى م: (وهو) ش: أي والحال أن الراد م: (في عيال الأب) ش: قيد به إذا لم يكن في عياله يجب الجعل، وحمله ذلك أن الراد إذا كان في عياله مالك العبد أي في مؤنته ونفقته لا جعل له سواء كان الراد أبا المالك أو ابناً له. وأما إذا لم يكن في عياله لا جعل له سواء كان الرد فعل التفضيل إن كان الراد ابن المالك فليس له جعل، وإن كان أباه فله الجعل المشار إليه في " الذخيرة ". وفي " شرح الطحاوي ": ولو كان الراد ذا رحم محرم من المردود عليه فإنه ينظر إن وجد الرجل عبد أبيه، فلا جعل له سواء كان في عياله أو لم يكن، وكذا المرأة والزوج. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 351 أو أحد الزوجين على الآخر فلا جعل؛ لأن هؤلاء يتبرعون بالرد عادة ولا يتناولهم إطلاق الكتاب. قال: وإن أبق من الذي رده فلا شيء عليه؛ لأنه أمانة في يده، لكن هذا إذا أشهد، وقد ذكرناه في اللقطة. قال: وذكر في بعض النسخ أنه لا شيء له، وهو صحيح أيضا لأنه في معنى البائع من المالك، ولهذا كان له أن يحبس الآبق حتى يستوفي الجعل بمنزلة البائع يحبس المبيع لاستيفاء الثمن، وكذلك إذا مات في يده لا شيء عليه لما قلنا. قال: ولو أعتقه المولى كما لقيه صار قابضا بالإعتاق   [البناية] وإن وجد الأب عند أبيه إن لم يكن في عياله فله الجعل، وإن كان في عياله فلا جعل له، وكذلك الأخ وسائر ذوي الأرحام إذا وجد عبد أخيه إن كان في عياله، فلا جعل له، وإن لم يكن في عياله فله الجعل. م: (أو أحد الزوجين على الآخر) ش: أي ورد الآبق أحد الزوجين على الآخر م: (فلا جعل) ش: لهؤلاء م: (لأن هؤلاء يتبرعون بالرد عادة ولا يتناولهم إطلاق الكتاب) ش: أي القدوري، وأراد بإطلاق ما ذكره القدوري بقوله: ومن رد الآبق على مولاه من مسيرة ثلاثة أيام، فصاعداً فله عليه جعل أربعون درهماً. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن أبق) ش: أي العبد م: (من الذي رده فلا شيء عليه) ش: أي لا ضمان عليه م: (لأنه أمانة في يده، لكن هذا) ش: أي عدم وجوب الضمان م: (إذا أشهد) ش: عند الأخذ. م: (وقد ذكرناه في اللقطة) ش: أي وقد ذكرناه في كتاب اللقطة أن الأخذ على هذا الوجه ما دون فيه شرعاً. م: (قال) ش: أي المصنف: م: (وذكر في بعض النسخ) ش: من " المختصر " للقدوري م: (أنه لا شيء له) ش: أي لأجل الراد إذا أبق الآبق منه م: (وهو صحيح أيضاً لأنه) ش: أي لأن الراد م: (في معنى البائع من المالك) ش: لأن عامة منافع العبد زالت بالإباق وإنما سيعيدها المولى والرد بما يجب عليه، والبائع إذا هلك في يده المبيع سقط الثمن. فكذلك هنا سقط الجعل ثم استوضح المصنف ذلك بقوله: م: (ولهذا كان له) ش: أي للراد م: (أن يحبس الآبق حتى يستوفي الجعل) ش: أي حتى يأخذ الجعل، وهذا م: (بمنزلة البائع يحبس المبيع لاستيفاء الثمن) ش: أي يأخذ جميع الثمن. م: (وكذلك إذا مات) ش: أي الآبق م: (في يده) ش: أي في يد الراد م: (لا شيء عيه) ش: أي لا ضمان عليه م: (لما قلنا) ش: أنه أمانة عنده م: (قال: ولو أعتقه المولى كما لقيه) ش: أي أعتقه قبل أن يقبضه وقت لقائه م: (صار قابضاً بالإعتاق) ش: فيجب عليه الجعل، وأشار بقوله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 352 كما في العبد المشترى، وكذا إذا باعه من الراد لسلامة البدل له، والرد وإن كان له حكم البيع لكنه بيع من وجه، فلا يدخل تحت النهي الوارد عن بيع ما لم يقبض فجاز. قال: وينبغي إذا أخذه أن يشهد أنه يأخذه ليرده، فالإشهاد حتم فيه عليه على قول أبي حنيفة ومحمد، حتى لو رده من لم يشهد وقت الأخذ لا جعل له عندهما. لأن ترك الإشهاد أمارة أنه أخذه لنفسه، فصار كما إذا اشتراه من الآخذ أو بهبة   [البناية] بالإعتاق إلى أنه لو دبره فكان الإعتاق لم يصر قابضاً. والفرق بينهما أن الإعتاق إتلاف للمالية فيصير به قابضاً بالإعتاق، وأما التدبير فليس بإتلاف المال، فلا يصير به المولى قابضاً إلا أن يصل إلى يده م: (كما في العبد المشترى، وكذا إذا باعه) ش: أي وكذا يصير قابضاً إذا باع العبد الآبق م: (من الراد لسلامة البدل له) ش: وهو بالثمن لسلامة العين فيجب عليه الجعل. م: (والرد وإن كان له حكم البيع) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر يرد على قوله: لأنه في معنى البائع من المالك، وهو أن يقال لما كان الراد في معنى البائع كان المالك في معنى المشتري، فعلى هذا ينبغي أن يجوز بيعه من الراد قبل القبض لورود النهي عن بيع المشتري قبل القبض. فأجاب بقوله: والراد وإن كان له حكم البيع لكن ليس من كل وجه، وهو معنى قوله م: (لكنه بيع من وجه) ش: عن إعادة ملك التصرف إليه، وهذا لأن ملك الرقبة ليس بزائل على المولى، فلما كان كذلك جاز بيع المالك م: (فلا يدخل تحت النهي الوارد عن بيع ما لم يقبض فجاز) ش: أي البيع لأن النهي ورد مطلقاً، والمطلق يتناول الكامل، وامتناع جواز البيع قبل القبض، وليس من خصائص البيع، أي ليس من لوازمه لا محالة، فإن بيع العقار قبل القبض جائز على قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وينبغي إذا أخذه) ش: أي إذا أخذ الآبق م: (أن يشهد أنه يأخذه ليرده) ش: هذا كلام القدوري في " مختصره "، وقال المصنف: م: (فالإشهاد حتم) ش: أي واجب م: (فيه) ش: أي في الآبق م: (عليه) ش: أي على الآخذ م: (على قول أبي حنيفة ومحمد حتى لو رده من لم يشهد وقت الأخذ لا جعل له عندهما) . ) ش: وعند أبي يوسف والأئمة الثلاثة ليس الإشهاد بشرط، وقد مر في اللقطة م: (لأن ترك الإشهاد أمارة) ش: بفتح الهمزة أي علامة م: (أنه أخذه لنفسه فصار كما إذا اشتراه من الآخذ) ش: إذا رده على مولاه لا جعل له لأنه أخذه لنفسه إلا إذا لم يشهد حين اشتراه أنه إنما اشتراه على صاحبه؛ لأنه لا يقدر عليه إلا بشراء، فله الجعل لأن هذا الشراء لا يعد ملكاً، فكان الآخذ بدون الشراء، وإن لم يشهد لا يستحق الجعل، وإن أشهد استحق، فكذا هذا م: (أو بهبة) ش: أي قبل هبته إن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 353 أو ورثه فرده على مولاه لا جعل له؛ لأنه رده لنفسه إلا إذا أشهد أنه اشتراه ليرده فيكون له الجعل، وهو متبرع في أداء الثمن، فإن كان الآبق رهنا فالجعل على المرتهن؛ لأنه أحيا ماليته بالرد، وهي حقه إذ الاستيفاء منها والجعل بمقابلة إحياء المالية، فيكون عليه، والرد في حياة الراهن وبعده سواء؛ لأن الرهن لا يبطل بالموت وهذا إذا كانت قيمته مثل الدين أو أقل منه، فإن كانت أكثر فبقدر الدين عليه؛ والباقي على الراهن؛ لأن حقه بالقدر المضمون، فصار كثمن الدواء، وتخليصه عن الجناية بالفداء. وإن كان   [البناية] وهبه الآخذ، صورته وهبه الآخذ لرجل فرد الموهوب له على مولاه م: (أو ورثه فرده على مولاه) ش: أي أو ورث الآبق من الآخذ فرده الوارث عن مولاه ففي هذه الصور كلها. م: (لا جعل له لأنه رده لنفسه) ش: لأنه لم يأخذه ليرده بل أخذه لنفسه، مسألة الوصية ذكرها الحاكم، وفي " المبسوط " عبد آبق فأخذه رجل فاشتراه منه رجل آخر فرده على مولاه فلا جعل له، وكذا لو وهب له أو أوصى أو ورثه؛ لأنه ضمنه بالأخذ على هذا الوجه فيكون رده لإسقاط الضمان. م: (إلا إذا أشهد أنه اشتراه ليرده) ش: على مولاه، لأنه لا يقدر على رده إلا بشراء م: (فيكون له الجعل وهو متبرع في أداء الثمن) ش: يعني لا يرجع على سيده قل أو كثر كما لو أنفق عليه بغير أمر القاضي م: (فإن كان الآبق رهناً) ش: فرده، آخذه م: (فالجعل على المرتهن؛ لأنه أحيا ماليته بالرد، وهي حقه) ش: أي مالية العبد حق المرتهن م: (إذ الاستيفاء منها) ش: أي لأن الاستيفاء حقه من مالية العبد م: (والجعل بمقابلة إحياء المالية فيكون عليه) ش: أي فيكون الجعل على المرتهن. وقال الأكمل: والجعل بمقابلة إحياء المالية فيه نظر لأنه يلزمه إذا رد أم الولد، وليس ثم إحياء المالية عند أبي حنيفة واجب بأنه لا مالية فيها باعتبار الرقبة، ولها مالية باعتبار كسبها لأنه أحق بكسبها وقد أحيا الراد ذلك برده. م: (والرد في حياة الراهن وبعده سواء لأن الرهن لا يبطل بالموت) ش: فكان الرد بعد موته وقبله سواء م: (وهذا) ش: أي كون الجعل على الراهن م: (إذا كانت قيمته) ش: أي قيمة الآبق م: (مثل الدين أو أقل منه، فإن كانت أكثر فبقدر الدين عليه) ش: أي فيقدر حصة الدين على المرتهن م: (والباقي على الراهن لأن حقه) ش: أي حق الرهن م: (بالقدر المضمون) ش: لا غير فيجب عليه الجعل بقدره م: (فصار كثمن الدواء) ش: حيث يجب ذلك على المرتهن بقدر دينه والباقي على الراهن. م: (وتخليصه) ش: أي تخليص العبد المرهون م: (عن الجناية بالفداء) ش: فإن البقاء يجب على المرتهن بقدر دينه وحصته على الراهن، فكذلك الجعل م: (وإن كان) ش: أي العبد الآبق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 354 مديونا فعلى المولى إن اختار قضاء الدين وإن بيع بدئ بالجعل، والباقي للغرماء؛ لأنه مؤنة الملك، والملك فيه كالموقوف فيجب على من يستقر له، وإن كان جانيا فعلى المولى إن اختار الفداء لعود المنفعة إليه، وعلى الأولياء إن اختار الدفع لعودها إليهم، وإن كان موهوبا فعلى الموهوب له، وإن رجع الواهب في هبته بعد الرد   [البناية] مأذوناً م: (مديوناً فعلى المولى) ش: أي فالجعل على المولى م: (إن اختار قضاء الدين) ش: لأجل انتفاء العبد على ملكه. م: (وإن بيع) ش: أي العبد بالدين م: (بدئ بالجعل) ش: يعني يستوفي من الجعل أولاً م: (والباقي) ش: من الثمن م: (للغرماء لأنه) ش: أي لأن الجعل م: (مؤنة الملك والملك فيه) ش: أي ملك المولى في العبد لحقوق الدين م: (كالموقوف) ش: بين أن يسد على المولى متى اختار قضاء الدين، وبين أن يصير للغرماء متى اختار البيع. م: (فيجب على من يستقر له) ش: أي فيجب الجعل على من يستقر له الملك، فإن اختار المولى قضاء الدين استقر الملك له فيجب الجعل عليه، وإن بيع العبد المستقر الملك فيه للغرماء فيجب الجعل عليهم. م: (وإن كان) ش: أي الآبق م: (جانياً) ش: بأن أخطأ م: (فعلى المولى) ش: أي فالجعل على المولى م: (إن اختار الفداء لعود المنفعة إليه) ش: أي منفعة الرد إلى المولى م: (وعلى الأولياء) ش: أي والجعل على الأولياء م: (إن اختار) ش: أي المولى م: (الدفع) ش: أي دفع العبد م: (لعودها إليهم) ش: أي إلى الأولياء لأن منفعة الرد سلمت لهم م: (وإن كان موهوباً) ش: أي وإن كان العبد الآبق موهوباً م: (فعلى الموهوب له) ش: أي فالجعل على الموهوب له. م: (وإن رجع الواهب في هبته) ش: كلمة إن للوصل لما قبله م: (بعد الرد) ش: أي بعد رد الآبق، وإنما ذكر أن الواصلة لدفع شبهة ترد على قوله فيجب من يستقر له الملك وعلى قوله فعلى المولى إن اختار الفداء لعود المنفعة إليه، فعلى هذا ينبغي أن يجب الجعل على الواهب لهذين المعنيين. فأجاب بقوله م: (لأن المنفعة للواهب ما حصلت بالرد) ش: أي برد الآبق م: (بل بترك الموهوب له التصرف) ش: من الهبة والبيع وغيرهما من التصرف الذي يمنع الواهب من الرجوع في هبته، وزوال الملك بالرجوع كزواله بموت العبد فلم يبطل الجعل عليه برجوع الواهب كما في الموت. فإن قيل: المنفعة حصلت للواهب بالرد وترك التصرف في الموهوب له فيه قلنا: نعم، لكن ترك الموهوب له التصرف آخرهما وجوداً، فيضاف الحكم إليه كما في القرابة مع الملك يضاف التصرف إلى آخرهما وجوداً كذا هذا م: (فيه) ش: أي في الآبق م: (بعد الرد) ش: أي بعد رد الآبق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 355 لأن المنفعة للواهب ما حصلت بالرد بل بترك الموهوب له التصرف فيه بعد الرد، وإن كان للصبي فالجعل يجب في ماله لأنه مؤنة ملكه، وإن رده وصيه فلا جعل له؛ لأنه هو الذي يتولى الرد فيه.   [البناية] من إباقه م: (وإن كان) ش: أي العبد الآبق م: (للصبي فالجعل يجب في ماله لأنه) ش: أي لأن الجعل م: (مؤنة ملكه) ش: أي ملك الصبي. م: (وإن رده) ش: أي الآبق م: (وصيه) ش: أي وصي الصبي م: (فلا جعل له لأنه هو الذي يتولى الرد فيه) ش: أي في الآبق إذ هو الطالب لآبق اليتيم عادة، وشرعاً يتحقق الرد فيه على نفسه، وكذا لو كان اليتيم في حجر رجل يعوله فيرده الرجل لا جعل له لأنه هو الطالب عادة، وكذا لا جعل للسلطان أو الشحنة أو الظفير لا جعل لهم في رد الآبق، والمال من أيدي قطاع الطريق لوجوب الفعل عليهم. كذا في " المبسوط " و " الذخيرة ". وفي " المحيط " لو أخذ رجل آبقاً فغصبه من الآخذ رجل، وجاء إلى مولاه وأخذ جعله ثم جاء للآخر وأقام بينة أنه أخذ من مسيرة سفر يأخذ الجعل من سيده ثانياً ويرجع السيد على الغاصب بما وقع إليه، ولو جاء رجل بالآبق من مسيرة سفر فلما دخل مصر سيده هرب من الآخذ فوجده آخر وجاء به إلى سيده فلا جعل لواحد منهما، ولو خرج من المصر بعد الهرب وجاء به الآخر مدة سفر فالجعل للثاني. وذكر الحاكم في " الكافي " إذا أبقت الأمة ولها صبي مرضعاً فردهما رجل كان له جعل واحد، فإن كان ابنها غلاماً قد قارب الحلم فله جعل ثمانون درهماً، وعلل في " الشامل " وقال: لأن من لم يراهق لم يقر آبقاً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 356 كتاب المفقود إذا غاب الرجل فلم يعرف له موضع ولا يعلم أحي هو أم ميت نصب القاضي من يحفظ ماله ويقوم عليه ويستوفي حقه؛ لأن القاضي نصب ناظرا لكل عاجز عن النظر لنفسه، والمفقود بهذه الصفة، وصار كالصبي والمجنون، وفي نصب الحافظ لماله والقائم عليه نظر له، وقوله: ليستوفي حقه لإخفاء أنه يقبض غلاته، والدين الذي أقر به غريم من غرمائه لأنه من باب الحفظ، ويخاصم في دين وجب بعقده لأنه أصيل في حقوقه،   [البناية] [كتاب المفقود] [حفظ مال من غاب فلم يعرف له موضع ولا يعلم أحي هو أم ميت] م: (كتاب المفقود) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام المفقود، ووجه مناسبة هذا الباب بالباب الذي قبله قد ذكرناه، يقال فقدت الشيء أي غاب عني فقداً وفقوداً وفقداناً فهو مفقود أي غائب، وهو من الأضداد. يقال فقدت الشيء أي ضللته، وفقدته أي طلبته وكلا المعنيين موجود في المفقود وقد ضل عن أهله وهو في طلبه، إذ هو اسم لحر غائب لم يرد موضعه ولا حياته ولا مماته وأهله في طلبه. وفي " المبسوط " هو حي غائب عن بلده أو أسر وأهله في طلبه، وقد انقطع خبره واستتر عليهم أثره ففي مستقره في الحد قد يصلون إلى المراد وربما يتأخر اللقاء إلى يوم التناد. وفي ذكر المصنف في الكتاب ما ينفر مرامه الشرعي وهو قوله م: (إذا غاب الرجل فلم يعرف له موضع ولا يعلم أحي هو أم ميت نصب القاضي من يحفظ ماله ويقوم عليه) ش: أي على حفظ ماله م: (ويستوفي حقه لأن القاضي نصب ناظراً لكل عاجز عن النظر لنفسه، والمفقود بهذه الصفة) ش: أي الصفة المذكورة وهي قوله إذا غاب الرجل إلى آخره م: (وصار) ش: أي المفقود م: (كالصبي والمجنون) ش: حيث يحتاجان إلى من ينظر في أمرهما م: (وفي نصب الحافظ لماله) ش: أي وفي نصب القاضي الحافظ المقصود م: (والقائم عليه) ش: أي على مال المفقود م: (نظر له) ش: أي للمفقود وارتفاع نظر على أنه مبتدأ وله خبره. م: (وقوله) ش: أي قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ليستوفي حقه) ش: وهذا من لفظه في " مختصره " أي يستوفي الذي نصب له لحفظ ماله، والقيام عليه حق المفقود، ولما كان هذا محتاجاً إلى إيضاحه أوضحه المصنف بقوله م: (لإخفاء أنه يقبض غلاته) ش: لأنها من جملة حقه. م: (والدين) ش: أي ويقبض الدين م: (الذي أقر به غريم من غرمائه) ش: أي من غرماء المفقود م: (لأنه) ش: أي لأن قبض كل واحد من غرمائه الدين المذكور م: (من باب الحفظ ويخاصم) ش: أي الذي نصب له م: (في دين وجب بعقده) ش: أي بعقد الذي له. م: (لأنه) ش: أي لأن الذي نصب له م: (أصيل في حقوقه) ش: أي في حقوق العقد الذي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 357 ولا يخاصم في الذي تولاه المفقود. ولا في نصيب له عقار أو عروض في يد رجل؛ لأنه ليس بمالك ولا نائب عنه إنما هو وكيل بالقبض من جهة القاضي وأنه لا يملك الخصومة بلا خلاف. وإنما الخلاف في الوكيل بالقبض من جهة المالك في الدين، وإذا كان كذلك يتضمن الحكم به قضاء على الغائب، وأنه لا يجوز إلا إذا رآه القاضي وقضى به؛ لأنه مجتهد فيه، ثم ما كان يخاف عليه الفساد يبيعه القاضي لأنه تعذر عليه حفظ صورته فينظر له   [البناية] تولاه المفقود، وفائدته أن لا يقبل البينة عليه لأنه ليس من باب النظر للمفقود، وأنه قضاء على الغائب ولا في نصب له. م: (ولا يخاصم في الذي تولاه المفقود ولا في نصيب له) ش: في نصيب للمفقود كائناً م: (في عقار أو عروض في يد رجل لأنه) ش: أي لأن الذي نصب م: (ليس بمالك ولا نائب عنه) ش: أي عن المفقود م: (إنما هو وكيل بالقبض من جهة القاضي، وأنه لا يملك الخصومة بلا خلاف، وإنما الخلاف في الوكيل بالقبض من جهة المالك في الدين) ش: يعني الوكيل يقبض الدين من جهة المالك ويملك الخصومة عند أبي حنيفة خلافاً لهما. م: (وإذا كان كذلك) ش: أي وإذا كان الوكيل بالقبض من جهة القاضي لا يملك الخصومة م: (يتضمن الحكم به) ش: أي حكم القاضي بثبوت ذلك م: (قضاء على الغائب وأنه) ش: أي وأن قضاء القبض على الغائب م: (لا يجوز إلا إذا رآه القاضي) ش: إلا إذا رأى القاضي ذلك مصلحة. م: (وقضى به) ش: أي بما رآه جاز ذلك م: (لأنه مجتهد فيه) ش: أي في الحكم على الغائب، وعند الشافعي يجوز لأن القضاء إذا لاقى فضلاً مجتهداً فيه بعد. وفي " الخلاصة " ذكر الإمام السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا بناء على أن القاضي هل يقضي على الغائب وهل ينصب وكيلاً على الغائب، فعندنا لا وهي معروفة، أما لو فعل وقضى على الغائب فقد جاز بالإجماع. وهكذا ذكر في الزيادات، فإن قيل المجتهد نفس القضاء فينبغي أن يتوقف على إمضاء قاض آخر. قلنا: لا بل المجتهد سبب القضاء وهو أن البينة هل تكون حجة من غير خصم حاضر للقضاء أم لا، فإذا رآها القاضي حجة وقضى بها بقذف كما لو قضى بشهادة المحدود في القذف ثم قال في " الخلاصة " و " الفتوى " على هذا. ونقل الأستروبشتي في فصوله عن فتاوى ظهير الدين أن نفس القضاء مختلف فيه فيتوقف على إمضاء قاض آخر كما لو كان القاضي محدوداً في القذف م: (ثم ما كان يخاف عليه الفساد) ش: (مثل الثمار ونحوها م: (يبيعه القاضي لأنه تعذر عليه) ش: أي على القاضي م: (حفظ صورته) ش: ومعناه وهو ما ينساه أراد أن حفظ صورته وحفظ ماله كليهما متعذر م: (فينظر له) ش: أي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 358 بحفظ المعنى. ولا يبيع ما لا يخاف عليه الفساد في نفقته ولا في غيرها؛ لأنه لا ولاية له على الغائب إلا في حفظ ماله. فلا يسوغ له ترك حفظ الصورة وهو ممكن. قال: وينفق على زوجته وأولاده من ماله، وليس هذا الحكم مقصورا على الأولاد بل يعم جميع قرابة الولاد، والأصل أن كل من يستحق النفقة في ماله حال حضرته بغير قضاء القاضي ينفق عليه من ماله عند غيبته؛ لأن القضاء حينئذ يكون إعانة، وكل من لا يستحقها في حضرته إلا بالقضاء لا ينفق عليه من ماله   [البناية] للمفقود م: (بحفظ المعنى) ش: وهو المالية وهي تبقى بحفظ الثمن والحفظ من وجه أولى من ترك الحفظ من كل وجه. م: (ولا يبيع) ش: أي القاضي م: (ما لا يخاف عليه الفساد في نفقته) ش: أي لأجل نفقته، وهو يتعلق بقوله ولا يبيع م: (ولا في غيرها) ش: أي ولا في غير النفقة وما لا يخاف عليه الفساد، وسواء كان منقولاً أو عقاراً، وبه صرح خواهر زادة في مبسوطه م: (لأنه) ش: أي لأن القاضي م: (لا ولاية له على الغائب إلا في حفظ ماله فلا يسوغ له) ش: أي فلا يجوز له م: (ترك حفظ الصورة، وهو ممكن) ش: الواو فيه للحال قيد بالإمكان لأن عند عدمه له أن يبيعه م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وينفق على زوجته) ش: أي زوجة المفقود. م: (وأولاده من ماله) ش: أي من مال المفقود، أي هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وليس هذا الحكم مقصوراً على الأولاد بل يعم) ش: أي الحكم م: (جميع قرابة الولاد) ش: كالآباء والأجداد وإن علوا والأولاد وإن سفلوا والجدات وإن علون. م: (والأصل) ش: أي في هذا الباب الذي يبنى عليه أحكام هذا الباب م: (أن كل من يستحق النفقة في ماله) ش: أي مال المفقود م: (حال حضرته بغير قضاء القاضي) ش: كالأبوين والأولاد الصغار ذكوراً كانوا أو إناثاً، والأولاد الكبار من النساء، والزمنى الذكور الكبار، م: (ينفق) ش: أي القاضي. م: (عليه) ش: أي على من يستحق النفقة م: (من ماله عند غيبته؛ لأن القضاء حينئذ) ش: أي حين إنفاق القاضي عليهم م: (يكون إعانة) ش: أي تمكيناً للمستحق من الأخذ، ولهذا لو تمكنوا من ذلك لهم الأخذ فيعينهم القاضي على ذلك إلزاماً إذ اللزوم ثابت قبل القضاء، ولأن للقاضي إن يعين صاحب الحق على إيفاء حقه حال غيبته كما لو علم بوجوب الدين فإنه يعطيه الدين من مال الغائب. م: (وكل من لا يستحقها) ش: أي النفقة م: (في حضرته) ش: أي في حضرة المفقود م: (إلا بالقضاء) ش: كما في الأخ والأخت والخال والخالة م: (لا ينفق عليه من ماله) ش: أي لا ينفق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 359 في غيبته؛ لأن النفقة حينئذ تجب بالقضاء، والقضاء على الغائب ممتنع، فمن الأول الأولاد الصغار والإناث من الكبار والزمنى من الذكور الكبار، ومن الثاني الأخ والأخت والخال والخالة. وقوله: من ماله مراده الدراهم والدنانير؛ لأن حقهم في المطعوم والملبوس، فإذا لم يكن ذلك في ماله يحتاج إلى القضاء بالقيمة وهي النقدان والتبر.   [البناية] القاضي عليه من مال المفقود م: (في غيبته لأن النفقة حينئذ تجب بالقضاء، والقضاء على الغائب ممتنع) ش: خلافاً للشافعي. م: (فمن الأول) ش: أي فمن يستحق النفقة بغير قضاء القاضي م: (الأولاد الصغار والإناث من الكبار والزمنى من الذكور الكبار ومن الثاني) ش: أي وممن لا يستحق النفقة بغير قضاء القاضي م: (الأخ والأخت والخال والخالة) ش: والعم والعمة. وإنما كان هذا من الثاني؛ لأنها نفقة ذي الرحم المحرم وهي مجتهد فيها، فلا تجب إلا بالقضاء والرضاء، ولهذا لم يكن لهم الأخذ بدون القضاء. والعرف بين قرابة الأولاد وغيرهم من سائر المحارم وحيث استحق الأولون النفقة بلا قضاء ولم يستحق الآخرون إلا بالقضاء فإن حق ولاية الأولاد في النفقة مثل الدين من حق غيرهم؛ لأنهم يستحقون النفقة بالقرابة المحرمة للنكاح وبالولاد، وغيرهم بالقرابة المحرمة لا بالولاد. فلما ظهر لهم فضل مزية ثبت استحقاق النفقة بلا قضاء بخلاف قرابة الإخوة والأخوات وسائر المحارم. وممن لا يستحق النفقة بغير قضاء القاضي الأخ والأخت والخال والخالة والعم والعمة. وأما الزوجة فحقها في النفقة آكد أيضاً من قرابة الولاد، ولهذا تستحق النفقة، وإن كانت غنية، وإن كان الورثة كباراً ليس لهم زمانة ولا فيهم امرأة، وكانوا إخوة من الرضاع أو بني عم لم ينفق عليهم القاضي من مال المفقود لأنهم لا يستحقون النفقة حال حضرة المفقود. وكذا حال غيبته، وقال خواهر زاده في " مبسوطه ": وإن استوثق منهم بكفيل فحسن لجواز أنهم أخذوا نفقة هذه المدة من المفقود، ومرة فيأخذ منهم كفيلاً حتى إذا حضر المفقود وأثبت أنه دفع إليهم نفقة هذه المدة مرة وإن لم يقدر عليهم أخذ من الكفيل وإن شاء ضمنهم. م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (من ماله) ش: يعني في قوله وينفق على زوجته وأولاده من ماله م: (مراده) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الدراهم والدنانير؛ لأن حقهم) ش: أي حق قرابة الولاد والزوجة م: (في المطعوم والملبوس) ش: لا في غيرها م: (فإذا لم يكن ذلك) ش: أي المطعوم والملبوس م: (في ماله يحتاج إلى القضاء بالقيمة وهي) ش: أي القيمة م: (النقدان) ش: وهما الدراهم والدنانير فكانت من جنس حقهم م: (والتبر) ش: وهو ما كان غير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 360 بمنزلتهما في هذا الحكم لأنه يصلح قيمة كالمضروب، وهذا إذا كانت في يد القاضي، فإن كانت وديعة أو دينا ينفق عليهم منهما إذا كان المودع والمديون مقرين بالوديعة والدين والنكاح والنسب، وهذا إذا لم يكونا ظاهرين عند القاضي، فإن كانا ظاهرين فلا حاجة إلى الإقرار، وإن كان أحدهما ظاهرا يشترط الإقرار بما ليس بظاهر، هذا هو الصحيح.   [البناية] مضروب من الفضة والذهب كما قاله في " المغرب " م: (بمنزلتهما) ش: أي بمنزلة النقدين م: (في هذا الحكم) ش: أي في القضاء بالقيمة م: (لأنه يصلح قيمة كالمضروب) ش: أي كالدراهم والدنانير فلهم أخذ جنس حقهم، وللقاضي إعانته في ذلك. م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرناه من إنفاق القاضي عليهم من الدراهم والدنانير م: (إذا كانت في يد القاضي، فإن كانت وديعة) ش: عند رجل م: (أو دينا ينفق) ش: أي القاضي م: (عليهم منهما) ش: أي من الوديعة والدين م: (إذا كان المودع) ش: بفتح الدال م: (والمديون مقرين بالوديعة والدين والنكاح) ش: بين المفقود دون وجه م: (والنسب) ش: بينه وبين من يستحق عليه النفقة م: (وهذا) ش: أي الاحتياج إلى الإقرار إنما هو م: (إذا لم يكونا ظاهرين عند القاضي) ش: أي الدين والوديعة والنكاح وبعد النسب جعل الدين والوديعة شيئاً واحداً، والنكاح والنسب كذلك، فكذلك ذكرهما بلفظ التنبيه بدليل قوله بعد م: (فإن كانا ظاهرين) ش: أي الوديعة والدين والنكاح والنسب ظاهرين عند القاضي م: (فلا حاجة إلى الإقرار) ش: أي إقرار المودع أو المديون. م: (وإن كان أحدهما ظاهراً) ش: أي أحد الشيئين اللذين أحدهما الوديعة والدين، وقد ذكرناه أنه جعلهما واحداً، والآخر من الشيئين هو قوله أو النكاح والكسب، أي أو كان الظاهر عند القاضي النكاح والكسب م: (يشترط الإقرار بما ليس بظاهر) ش: مثلها إن لم تكن الزوجية ظاهرة عند القاضي يشترط إقرار المودع والمديون، كأن يقول: هذه زوجة فلان المفقود أو يقول هذا ابن فلان المفقود. وكذا إذا لم يكن الدين أو الوديعة ظاهراً عند القاضي يقول من في يده المال هذه وديعة فلان المفقود أو دين فلان المفقود، وقال خواهر زاده في " مبسوطه ": ولم يذكر في الكتاب يعني في " المبسوط " أنه إذا كان للمفقود ديناً ووديعة ينفق أولاً من الوديعة أو من الدين ثم قال: وذكر في " السير الكبير ": ينفق من الوديعة أولاً؛ لأن النظر للغائب في هذا لأنه إذا أنفق أولاً من الدين ربما تهلك الوديعة في يد المودع في مدة الإنفاق. فإذا حضر الغائب لا يلقى إلا الدين ولا يجد الوديعة، والدين لا ينوى م: (هذا هو الصحيح) ش: أي الإنفاق من الوديعة والدين على الزوجة وقرابة الولاد، هو الصحيح وهو وجه الاستحسان، واحترز بقوله هو الصحيح عن وجه القياس، وهو قول زفر؛ لأنه قضاء على الغائب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 361 فإن دفع المودع بنفسه أو من عليه الدين بغير أمر القاضي يضمن المودع ولا يبرأ المديون؛ لأنه ما أدى إلى صاحب الحق ولا إلى نائبه، بخلاف ما إذا دفع بأمر القاضي؛ لأن القاضي نائب عنه. وإن كان المودع والمديون جاحدين أصلا أو كانا جاحدين الزوجية والنسب، لم ينتصب أحد من مستحقي النفقة خصما في ذلك؛ لأن ما يدعيه للغائب لم يتعين سببا لثبوت حقه، وهو النفقة لأنها كما تجب في هذا المال تجب في مال آخر للمفقود. قال: ولا يفرق بينه وبين امرأته، وقال مالك: إذا مضى أربع سنين يفرق القاضي بينه وبين امرأته وتعتد عدة الوفاة ثم تتزوج من شاءت؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هكذا قضى في الذي استهواه الجن بالمدينة   [البناية] فلا يجوز. وجه الاستحسان: أن الوديعة والدين مال المفقود وهو جنس حقهم، فكان للقاضي أن ينفق عليهم من ذلك كما ينفق من المال الذي في يده أو في بيته. م: (فإن دفع المودع) ش: بفتح الدال م: (بنفسه أو من عليه الدين) ش: أي أو أعطى من عليه الدين م: (بغير أمر القاضي يضمن المودع ولا يبرأ المديون لأنه ما أدى إلى صاحب الحق ولا إلى نائبه بخلاف ما إذا دفع بأمر القاضي؛ لأن القاضي نائب عنه) ش: أي عن المفقود. م: (وإن كان المودع والمديون جاحدين أصلاً) ش: يعني منكرين بالكمية ولا يعتبران لا بالوديعة ولا بالدين ولا بالنكاح والنسب م: (أو كانا جاحدين الزوجية والنسب لم ينتصب أحد من مستحقي النفقة خصماً في ذلك) ش: لأن الخصومة إما دفع من المالك أو نائب المالك، ولم يوجد لا هذا ولا ذاك م: (لأن ما يدعيه) ش: أي الآخذ من المتحققين. م: (للغائب) ش: أي لأجله م: (لم يتعين سبباً لثبوت حقه وهو النفقة؛ لأنها) ش: أي لأن النفقة م: (كما تجب في هذا المال تجب في مال آخر للمفقود) ش: فلم يكن خصماً عن المفقود حكماً، وقال شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حاصله أن ما يدعيه الزوجة والأولاد أن هذا المال هو الدين والوديعة مال للغائب لم يتعين لنفقتهم؛ لأنه كما تجوز النفقة في الدين والوديعة تجوز في مال آخر أيضاً للمفقود فلم ينتصب خصماً. وقوله: لم يتعين سبباً لثبوت حقه أي لم يتعين محلاً لثبوت حق آخذ مستحق النفقة، وإنما ذكر السبب مقام ذكر المحل لمناسبة بينهما، لما أن السبب يعمل في المحل. [حق امرأة المفقود] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا يفرق بينه وبين امرأته، وقال مالك: إذا مضى أربع سنين يفرق القاضي بينه وبين امرأته وتعتد عدة الوفاة ثم تتزوج من شاءت؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هكذا قضى في الذي استهواه الجن بالمدينة) ش: هذا رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه) في الجزء: 7 ¦ الصفحة: 362 وكفى به إماما، ولأنه منع حقها بالغيبة فيفرق القاضي بينهما بعد مضي المدة اعتبارا بالإيلاء والعنة، وبعد هذا الاعتبار أخذ المقدار منهما: الأربع من الإيلاء والسنين من العنة عملا بالشبهين،   [البناية] كتاب " النكاح ". حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن يحيى بن جعدة أن رجلاً استهواه الجن على عهد عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فأتت امرأته عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأمرها أن تتربص أربع سنين ثم أمر وليه بعد أربع سنين أن يطلقها، ثم أمرها أن تعتد، فإذا انقضت عدتها تزوجت، فإن جاء زوجها خير بين امرأته والصداق. ورواه عبد الرزاق أيضاً في " مصنفه "، وفي آخره فخير عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بينها وبين الصداق الذي أصدقها، ورواه من طريق آخر، وفي آخره فقال له عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن شئت رددنا إليك امرأتك وإن شئت زوجناك غيرها، قال: بل زوجني غيرها، ثم جعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يسأله عن الجن، وهو يخبره. قوله: استهواه الجن، قال الكاكي: أي جرته الجن وتهمته. قلت: يقال استهواه أي جره إلى المهاوي وهي المساقط والمهالك. م: (وكفى به) ش: أي بعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (إماماً) ش: أي من حيث الإمامية م: (ولأنه) ش: أي ولأن المفقود م: (منع حقها) ش: أي حق امرأته م: (بالغيبة فيفرق القاضي بينهما بعد مضي المدة اعتباراً بالإيلاء والعنة) ش: يعني يفرق بينه وبين امرأته كما يفرق بين العنين والمولى دفعاً للضرر عنها كي لا تبقى معلقة لا ذات بعل ولا مطلقة. م: (وبعد هذا الاعتبار) ش: أي بالإيلاء والعنة م: (أخذ) ش: أي مالك م: (المقدار) ش: أي المقدار الذي يفرق م: (منهما) ش: أي من الإيلاء والعنة م: (الأربع) ش: أي أخذ الأربع م: (من الإيلاء) ش: لأن مقداره أربعة أشهر م: (والسنين) ش: أي أخذ السنين م: (من العنة) ش: لأن المقدار فيها سنة م: (عملاً بالشبهين) ش: أي شبه الإيلاء وشبه العنة. حاصله أن امرأة المفقود تشبه امرأة المولى من حيث إن حقها في الجماع فات بالسفر كفوات حق امرأة المفقود وشبهه امرأة المولى فالجماع بصفته وهو الإيلاء. وتشبه امرأة العنين من حيث إن حقها في الجماع فات من جهة الزوج بسبب هو فيه معذور؛ لأن العنة مباح كما أن حق امرأة العنين فات في الجماع، ونفقة الزوج وهو فيها معذور فضربناها مدة الخلاص متصل إلى حقها في الجماع أربع سنين اعتباراً بالشبهين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 363 ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في امرأة المفقود: «إنها امرأته حتى يأتيها البيان» وقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيها هي امرأة ابتليت فلتصبر حتى يتبين موت أو طلاق.   [البناية] م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (في امرأة المفقود إنها «امرأته حتى يأتيها البيان» ش: هذا أخرجه الدارقطني في " سننه " عن سوار بن مصعب حدثنا محمد بن شرحبيل الهمداني عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها البيان» ويروى: «حتى يأتيها الخبر» . وهذا حديث ضعيف. قال ابن أبي حاتم في كتاب " العلل ": سألت أبي عن حديث رواه سوار بن مصعب عن محمد بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة، قال أبي: هذا حديث منكر، ومحمد بن شرحبيل: متروك الحديث، يروي عن المغيرة مناكير وأباطيل، وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة الدارقطني، وأعله بمحمد بن شرحبيل وقال: إنه متروك. وقال ابن القطان في " كتابه ": سوار بن مصعب أشهر المتروكين منه، ودونه صالح بن مالك، ولا يعرف، ودونه محمد بن الفضل ولا يعرف حاله. وقال الأترازي: ولنا ما روى علماؤنا في " المبسوط " عن المغيرة بن شعبة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " في امرأة المفقود إنها «امرأته حتى يأتيها البيان» ... انتهى قلت: كأنه لم يقف على رواية الدارقطني فلهذا نسب روايته إلى أصحابنا من غير إسناد، قلت: الأول: مسلم، والثاني: ممنوع على ما لا يخفى. م: (وقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: مرفوع بالابتداء وخبره قوله خرج بياناً، والجملة عطف على قوله: ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (فيها) ش: أي في امرأة المفقود م: (هي امرأة ابتليت فلتصبر حتى يتبين موت أو طلاق) ش: هذا رواه عبد الرزاق في " مصنفه " في كتاب الطلاق أخبرنا محمد بن عبد الله العرزمي عن الحكم بن عتيبة أن علياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال في امرأة المفقود: هي امرأة ابتليت، فلتصبر حتى يأتيها موت أو طلاق. وأخبرنا معمر عن ابن أبي ليلى عن الحكم أن علياً قال، فذكره سواء، أخبرنا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن الحكم بن عتيبة عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال تتربص حتى تعلم أحي هو أم ميت. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 364 خرج بيانا للبيان المذكور في المرفوع، ولأن النكاح عرف ثبوته، والغيبة لا توجب الفرقة والموت في حيز الاحتمال، فلا يزال النكاح بالشك، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رجع إلى قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولا معتبر بالإيلاء؛ لأنه كان طلاقا معجلا، فاعتبر في الشرع مؤجلا، فكان موجبا للفرقة ولا بالعنة؛ لأن الغيبة تعقب الأوبة، والعنة قلما تنحل بعد استمرارها سنة.   [البناية] م: (خرج بياناً) ش: خبر المبتدأ أعني قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كما ذكرنا، أي خرج مظهراً م: (للبيان المذكور في المرفوع) ش: أي لمعنى البيان المذكور في الحديث المرفوع، وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في المفقود: إنها «امرأته حتى يأتيها البيان؛» لأن قوله البيان مجمل في أن إتيان البيان من أي طريق يكون فبين علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذلك المجمل بقوله: حتى يتبين موت أو طلاق، وفي هذا المكان تأمل لا يخفى. م: (ولأن النكاح عرف ثبوته) ش: عمن يعرف المفقود وامرأته م: (والغيبة) ش: أي غيبة المفقود م: (لا توجب الفرقة) ش: كما في غيبة غير المفقود م: (والموت في حيز الاحتمال) ش: أي في جهة الاحتمال، يقال هذا الكلام في حيز التواتر أي في جهته ومكانه وهو مجاز. م: (فلا يزال النكاح) ش: أي الذي بين المفقود وامرأته م: (بالشك) ش: لأن الشك لا يزيل الثابت م: (وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رجع إلى قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: هذا جواب عن استدلال مالك بقوله: لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هكذا قضى في الذي استهوته الجن، ولم يبين وجه الرجوع. وقال الكاكي: وذكر عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رجع عن ثلاث قضيات إلى قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أحدها مال المفقود وغيرها مذكور في " المبسوط ". وقال الأترازي فلما ثبت أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رجع إلى قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، كان ذلك إجماعاً على قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفيه تأمل لا يخفى. م: (ولا معتبر بالإيلاء) ش: هذا جواب عن قياس مالك صورة النزاع على الإيلاء، بيانه ما ذكره من قوله م: (لأنه) ش: أي لأن الإيلاء م: (كان طلاقاً معجلاً) ش: في الابتداء م: (فاعتبر في الشرع مؤجلاً) ش: أي طلاقاً مؤجلاً م: (فكان) ش: أي الطلاق م: (موجباً للفرقة) ش: أي مزيلاً لملك النكاح، وليس كذلك امرأة المفقود؛ لأنه لم يوجد من الزوج طلاق أصلاً، لا طلاق معجل ولا مؤجل. م: (ولا بالعنة) ش: أي ولا معتبر أيضاً بالعنة م: (لأن الغيبة) ش: وفي بعض النسخ لأن الغربة م: (تعقب الأوبة) ش: أي الرجوع إذ الظاهر حال الغائب أنه يؤوب م: (والعنة قلما تنحل بعد استمرارها سنة) ش: أي بعد استحكامها سنة، إيضاح ذلك أنه ثبت في باب العنة حق الفرقة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 365 قال: وإذا تم له مائة وعشرون سنة من يوم ولد حكمنا بموته. قال: وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي ظاهر المذهب يقدر بموت الأقران، وفي المروي عن أبي يوسف بمائة سنة، وقدره بعضهم بتسعين، والأقيس أن لا يقدر بشيء،   [البناية] لفوات حق المرأة في الجماع على التأبيد. لأن أمر العنة متردد بين أن يكون خلقة وبين أن يكون عارضاً، فجعل الشارع العامل الفاصل بينهما مضي سنة لاشتمالها على الفصول الأربعة المشتملة على الطبائع، فإذا مضت منه ولم تزل العنة علم أنها كانت خلقة، وما كان خلقة لا يزول أبداً، وهو الظاهر، ولا يزول غالباً بخلاف امرأة المفقود فإن حقها في الجماع لم يفت على التأبيد؛ لأنه يرجى مجيئه بعد أربع سنين، كما قيل ذلك بعد القياس هذا حاصل ما ذكره خواهر زاده في " مبسوطه ". [إذا تم للمفقود من عمره مائة وعشرون منذ ولدته أمه] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا تم له مائة وعشرون سنة من يوم ولد حكمنا بموته) ش: أي إذا تم للمفقود من عمره مائة وعشرون منذ ولدته أمه حكمنا بموته قبل هذا يرجع إلى أهل قول الطبائع والنجوم، فإنهم يقولون: لا يجوز أن يعيش أحد أكثر من هذه المدة، وقولهم باطل بالنصوص الواردة في طول عمر من كان قبلنا لنوح وغيره - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -. م: (قال) ش: أي المصنف م: (وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي ظاهر المذهب يقدر بموت الأقران) ش: كذا اعتبر محمد في الأصل، ولم يذكر محمد أنه يعتبر موت أقرانه من أهل بلده، وقال خواهر زاده في " مبسوطه ": قال بعضهم: يعتبر أقرانه في السن في جميع البلدان؛ لأنه ذكر الأقران مطلقاً، فيتناول أقرانه في السن في جميع البلدان لا بلده خاصة. وقال بعضهم: يعتبر أقرانه في السن من أهل بلده؛ لأن الأعمار تتفاوت وتختلف باختلاف الأقاليم والبلدان، حتى قالوا: الصقالبة أطول أعماراً من أهل الروم، فإذا كان كذلك يعتبر أقرانه في السن من أهل بلده لا من جميع البلدان، ثم قال خواهر زاده: وهذا القول أصح وأرفق بالناس. م: (وفي المروي عن أبي يوسف بمائة سنة) ش: كذا في " الشامل " وشرح الطحاوي، وفي رواية عنه بثمانية وخمسين سنة م: (وقدره بعضهم بتسعين) ش: لأنه متوسط ليس بغالب ولا نادر، وقال الصدر الشهيد: عليه الفتوى، كذا قال في الخلاصة، وقال المتأخرون من مشايخنا ستين سنة رفقاً بالناس هاهنا لرفع الحرج عنهم. وفي " فتاوى الولوالجي " قال بعضهم: هو مفوض إلى رأي القاضي، يعني أي وقت رأى المصلحة حكم بموته. م: (والأقيس أن لا يقدر بشيء) ش: الأقيس أفعل التفضيل للمفضول كالأشهر في تفضيل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 366 والأرفق أن يقدر بتسعين، وإذا حكم بموته اعتدت امرأته عدة الوفاة من ذلك الوقت، وقسم ماله بين ورثته الموجودين في ذلك الوقت كأنه مات في ذلك الوقت معاينة، إذ الحكمي معتبر بالحقيقي، ومن مات قبل ذلك لم يرث منه لأنه لم يحكم بموته فيها فصار كما إذا كانت حياته معلومة، ولا يرث المفقود أحد مات في حال فقده، لأن إبقاءه حيا في ذلك الوقت باستصحاب الحال وهو لا يصلح حجة في الاستحقاق، وكذلك لو أوصى للمفقود ومات الموصي ثم الأصل أنه لو كان مع المفقود وارث لا يحجب به،   [البناية] المشهور، ولا تفضيل للمفعول إلا شاذاً كما في قولهم اشتعل من ذات الختين كفى من المقادير المذكورة كالمائة والتسعين ونحو ذلك، بل يعتبر بموت الأقران؛ لأن حياة الإنسان بعد موت جميع أقرانه نادر ولا عبرة بالنادر. م: (والأرفق أن يقدر بتسعين) ش: لأن الحياة بعده نادر. وفي " الكافي " وعليه الفتوى م: (وإن حكم بموته اعتدت امرأته عدة الوفاة من ذلك الوقت) ش: أي من وقت الحكم بالموت م: (وقسم ماله بين ورثته الموجودين في ذلك الوقت) ش: أي وقت الحكم بالموت م: (كأنه) ش: أي كأن المفقود م: (مات في ذلك الوقت معاينة) ش: أي عياناً م: (إذ الحكمي) ش: أي الموت الحكمي م: (معتبر بالحقيقي) ش: فلو ثبت موته حقيقة تعتد امرأته، وقسم ماله بين ورثته، فكذلك في الموت الحكمي. م: (ومن مات قبل ذلك) ش: أي من مات من ورثة المفقود م: (لم يرث منه لأنه لم يحكم بموته فيها) ش: أي في مدة الفقد م: (فصار كما إذا كانت حياته معلومة ولا يرث المفقود أحد مات في حال فقده؛ لأن إبقاءه حياً في ذلك الوقت باستصحاب الحال وهو) ش: أي استصحاب الحال م: (لا يصلح حجة في الاستحقاق) ش: واستصحاب الحال عبارة عن بقاء ما كان على ما كان لعدم الدليل المزيل فيصلح الاستصحاب عندنا حجة للدفع لا للاستحقاق. فلهذا اعتبر المقصود حياً في مال غيره حتى لا يرث من المفقود في حال فقده، ولا يرث المفقود عن أحد بل يوقف نصيبه من حال مورثه، فإذا مضت المدة أو علم موته يرد الموقوف لأجله إلى وارث مورثه الذي ورث من ماله. [أوصى للمفقود ومات الموصي] م: (وكذلك لو أوصى للمفقود ومات الموصي) ش: أي لا يقضى للمفقود بالوصية إذا مات الموصي في حال فقده، بل تكون الوصية موقوفة كالميراث إلى أن يظهر حاله، وفي " الذخيرة ": لا يقضى بصحتها. ولا تبطل حتى يظهر حال المفقود، ولأن الوصية أخت الميراث، وفي الميراث يحبس حصة المفقود إلى أن يظهر حاله من الميراث، فكذا في الوصية. م: (ثم الأصل) ش: أي في مال المفقود م: (أنه لو كان مع المفقود وارث لا يحجب به) ش: أي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 367 ولكنه ينتقص حقه به ويعطى أقل النصيبين ويوقف الباقي. وإن كان معه وارث يحجب به لا يعطى أصلا، بيانه: رجل مات عن ابنتين وابن مفقود وابن ابن وبنت ابن والمال في يد الأجنبي، وتصادقوا على فقد الابن.   [البناية] لا يكون محروماً، وما ليست المفقود م: (ولكنه) ش: أي ولكن الوارث م: (ينتقص حقه به) ش: أي بالمفقود م: (ويعطى) ش: على صيغة المجهول أي يعطى الوارث م: (أقل النصيبين ويوقف الباقي) ش: صورته تركت امرأة زوجاً وأماً وأختاً لأم وأخاً كذلك مفقوداً فللأم السدس على تقدير حياته وعلى تقدير موته الربع. وللزوج النصف على تقدير حياته وعلى تقدير موته ربع الثمن، وكذلك الأخت على تقدير مماته وعلى تقدير حياته لها التسع، فيعطى كل واحد منهم الأقل ويوقف الباقي من نصيبه. وهذه المسألة تصح من ثمانية عشر على تقدير الحياة، وعلى تقدير الوفاة من ثمانية بينهما موافقة بالنصف، فإذا ضربت نصف أحدهما في جميع الآخر تصير اثنين وسبعين، فمنه تصح للزوج سبعة وعشرون، وتسعة موقوفة من نصيبه. وللأم اثني عشر وستة موقوفة من نصيبها، وللأخت ثمانية وعشرة موقوفة من نصيبها، فإذا ظهرت حياته كان مستحقاً على ذلك التقدير، فيكون للزوج ستة وثلاثون ويبقى الذي أصاب الأم والأخت بحال. لأن الحاصل لهما على تقدير حياته هو الأقل، والباقي للأخ وهو ستة عشر سهماً، وإن حكم بموته بقي الزوج بحاله، وكمل للأم والأخت ما كان موقوفاً من نصيبهما. م: (وإن كان معه) . أي مع المفقود م: (وارث يحجب به لا يعطى أصلاً، بيانه رجل مات عن ابنتين وابن مفقود وابن ابن وبنت ابن والمال في يد الأجنبي وتصادقوا) ش: أي الورثة المذكورون والأجنبيون م: (على فقد الابن) ش: قبل التصادق؛ لأن الأجنبي الذي في يده المال إذا قال قد مات المفقود قبل ابنه فإنه يجبر على دفع الثلثين إلى البنتين؛ لأن إقرار ذي اليد فيما في يده معتبر. وقد أقر أن ثلثي ما في يده لهما فيجبر على تسليم ذلك إليهما، وقول أولاد الابن: أبونا مفقود لا يمنع إقرار ذي اليد؛ لأنهم لا يدعون لأنفسهم شيئاً بهذا القول ويوقف الباقي على يد ذي اليد، حتى يظهر مستحقه هذا إذ أقر من في يده المال. أما لو جحد أن يكون المال في يده للميت فأقامت البنتان البينة أن أباهما مات، وترك هذا المال ميراثاً لهما ولأخيهما المفقود، فإن كان حياً فهو الوارث معهما وإن كان ميتاً فولده الوارث معهما، فإنه يدفع إلى البنتين النصف لأنهما بهذه البينة ثبت أن الملك لأبيهما في هذا المكان، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 368 وطلبت الابنتان الميراث تعطيان النصف؛ لأنه متيقن به، ويوقف النصف الآخر، ولا يعطى ولد الابن لأنهم يحجبون بالمفقود، ولو كان حيا فلا يستحقون الميراث بالشك، ولا ينزع من يد الأجنبي إلا إذا ظهرت منه خيانة ونظير هذا الحمل، فإنه يوقف له ميراث ابن واحد على ما عليه الفتوى،   [البناية] والأب ميت وأحد الورثة ينتصب خصماً عن الميت في إثبات الملك له بالبينة. وإذا ثبت ذلك يدفع إليهما النصيب وهو النصف ويوقف الباقي على عدل لأن الذي في يده حجة فهو غير مؤتمن عليه، وإنما قيد بقوله والمال في يد أجنبي؛ لأنه إذا كان في يد الابنتين والمسألة بحالها. فإن القاضي لا ينبغي له أن يحول المال من موضعه، ولا يوقِف منه شيئاً للمفقود، ومراده بهذا اللفظ أنه لا يخرج المال من أيديهما؛ لأن النصف صار بينهما بتصرف النصف الباقي للمفقود من وجه، ويريد بقوله: ولا يوقف منه شيئاً للمفقود، أن لا يجعل شيئاً مما في يد الاثنين ما كان للمفقود على الحقيقة. وكذلك لو كان المال في يد ولدي الابن المفقود تطلب النساء ميراثهما، وإن وافقوا أن الابن مفقود فإنه يعطى البنتان النصف، وهو أدنى ما يصيبهما ويترك الباقي في يد ولدي الابن المفقود من غير أن يقضى به لهما ولا لأبيهما لأنا لو قدرنا الابن المفقود كان نصيبهما الثلثين، فكان النصف منقضياً به، وقوله: تصادقوا، قد ذكرنا معناه وذكرنا وجه قيد التصادق. م: (وطلبت الابنتان الميراث تعطيان النصف لأنه) ش: أي لأن النصف م: (متيقن به) ش: لأنا لو قدرنا المفقود ميتاً كان نصيبهما الثلثين، ولو قدرناه حياً كان نصيبهما النصف، فالنصف متيقن به م: (ويوقف النصف الآخر) ش: إلى أن يظهر حال المفقود م: (ولا يعطى ولد الابن لأنهم يحجبون بالمفقود، ولو كان حياً) ش: لأن المفقود لو كان حياً كان ابنه يحجب أولاده، ولما لم يعلم حياة المفقود ولا مماته حصل الشك. م: (فلا يستحقون الميراث بالشك ولا ينزع) ش: أي النصف الموقوف م: (من يد الأجنبي) ش: لأن المال لا يخرج من يد ذي اليد إلا بالخصم م: (إلا إذا ظهرت منه) ش: أي من الأجنبي م: (خيانة) ش: بأن يكون جحده، بأن قال: ليس للميت مال في يدي؛ لأنه لما جحد ظهرت خيانته، فلا يترك مال الغير في يد الخائن، ويوضع على يد عدل إلى أن يظهر المستحق. م: (ونظير هذا) ش: أي نظير المفقود م: (الحمل) ش: في حق وقف النصف م: (فإنه) ش: أي فإن الحمل م: (يوقف له ميراث ابن واحد على ما عليه الفتوى) ش: احترز به عما روي أنه يوقف له نصيب أكثر من واحد، وروى ليث بن سعد عن محمد أنه يوقف نصيب ثلاثة. وفي رواية هشام نصيب ابنتين، وهي إحدى الروايتين عن أبي يوسف، وروى ابن المبارك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 369 ولو كان معه وارث آخر إن كان لا يسقط بحال، ولا يتغير بالحمل يعطى كل نصيبه، فإن كان ممن يسقط بالحمل لا يعطى، وإن كان ممن يتغير به يعطى الأقل للتيقن به كما في المفقود، وقد شرحناه في كفاية المنتهي بأتم من هذا.   [البناية] عن أبي حنيفة أنه يوقف نصيب أربعة بنين ويوقف ثلث ماله، وبه أخذ ابن المبارك وإبراهيم النخعي ومالك وشريك. م: (ولو كان معه) ش: أي مع الحمل م: (وارث آخر) ش: فلا يخلو م: (إن كان) ش: هذا الوارث م: (لا يسقط بحال) ش: كالابن والجدة مثلاً م: (ولا يتغير بالحمل) ش: ولا شك أن الابن يتغير بالحمل فإذا كان كذلك م: (يعطى كل نصيبه) ش: لعدم فائدة تأخيره عما يستحقه من الإرث، وأما إن كان سقط وهو معنى قوله م: (فإن كان) ش: أي الوارث م: (ممن يسقط بالحمل) ش: كابن الابن والأخ والعم م: (لا يعطى، وإن كان ممن يتغير به) ش: أي بالحمل ولكن لا يسقط كالأم والزوجة م: (يعطى الأقل للتيقن به) ش: أي بالأقل م: (كما في المفقود) ش: فإنه إذا مات وترك ابنا مفقودا أو جدة معه أو أخا أو أما فللجدة السدس والباقي موقوف لأن الجدة لا تسقط، ولا يغير نصيبها ولا يعطى الأخ شيئاً لأنه يسقط بالابن. وتعطى الأم السدس لكونه نصيباً؛ لأنه أقل من الثلث؛ لأن المفقود وإن كان حياً استحقت الأم السدس، وإن كان ميتاً استحقت الثلث فيعطى السدس والباقي يوقف إلى أن يظهر حال المفقود م: (وقد شرحناه في كفاية المنتهى بأتم من هذا) ش: أي شرحنا حكم مسألة المفقود في الشرح المسمى " بكفاية المنتهي " ببيان أتم من هذا البيان. وبالله التوفيق وعليه التكلان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 370 كتاب الشركة   [البناية] [كتاب الشركة] [تعريف الشركة] م: (كتاب الشركة) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الشركة، والشرك بمعنى واحد، قال ابن دريد: الشرك مصدر شركته رجلان الشركة شركاه في المال، وشريك الرجل وشاركه سواء، وقال تاج الشريعة: شركته في كذا شركاء، وشركته وهو شريك، وهم شركاء، والتركيب دال على الخليط ومنه الشركة تشابكها واختلاط بعضها ببعض. ولهذا سمي النصيب الشائع شركاء. قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ} [فاطر: 40] (الأحقاف: الآية 4) ، أي نصيب شائع، فسمي هذا العقد بها؛ لأنه سبب لإجماع النصيبين وعشر في المال وتركها في شريك الحال اجتماع النصيبين، وفي شركة العقد الإيجاب والقبول. وقال الكاكي: للشركة مناسبة بالمفقود والإباق واللقطة من حيث إن المال أمانة في يد الشريك، كما أن الآبق واللقطة ومال المفقود في يد من كان في يده أمانة، وللشركة مناسبة خاصة بالمفقود من حيث إن قريب المفقود لو مات كان فيه اختلاط مال المفقود الحاصل من الإرث بمال غيره من الوارث على تقدير الحياة. وفي الشركة اختلاط المالين، فكذلك ذكرها عقيب المفقود وقدم المفقود لمناسبة خاصة له بالإباق، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مناسبة الشركة بالمفقود من حيث إن المال في يد الشريك أمانة كما أن نصيب المفقود أمانة في يد من كان المال في يده. وأيضاً نصيب المفقود من مال مورثه مختلط بنصيب غيره كاختلاط المالين في الشركة، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مثله أو قريباً منه. قلت: إذا كان الذي ذكره الشراح وجهاً معتبراً في وجه المناسبة يمكن أن يذكر أحد عقب الصلاة أو الزكاة ما بأس أي من كان من أبواب الفقه؛ لأنه يمكن ذكر مناسبة بينهما مثلما ذكر. لأنه لا بد من وجه يوجد ولو كان بعيداً فيعتبر الواضع وجه المناسبة، وهذا كله بعيد وتركه أحسن. ثم اعلم أن شرعية الشركة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول، أما الكتاب قَوْله تَعَالَى: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] (النساء: الآية 12) ، وقوله {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص: 24] (ص: الآية 24) ، والخلطاء هم الشركاء، وأما السنة فما رواه أبو داود عن محمد بن الزبرقان عن أبي حيان التيمي عن أبيه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قال الله تعالى: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانا خرجت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 371 الشركة جائزة؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث والناس يتعاملون بها فقرهم عليه.   [البناية] من بينهما» . ورواه الحاكم في " مستدركه " وصححه. وقال الأترازي: قال أصحابنا في كتبهم روي «أن أسامة بن شريك جاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أتعرفني؟ فقال: " وكيف لا أعرفك وكنت شريكي في الجاهلية. فكنت خير شريك لا تداري ولا تماري ... » انتهى. قلت: هذا أخرجه أبو داود وابن ماجه عن سفيان عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن قائد السائب عن السائب بن أبي السائب أنه قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كنت شريكي في الجاهلية فكنت خير شريك لا تداري ولا تماري» ورواه الحاكم وصححه، ورواه أحمد في " مسنده " من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم عن مجاهد عن السائب «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شاركه قبل الإسلام في التجارة فلما كان يوم الفتح جاءه، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مرحباً بأخي وشريكي، كان لا يداري ولا يماري، يا سائب قد كنت تعمل أعمالاً في الجاهلية لا تقبل منك، وهي اليوم تقبل منك، وإن كان ذا سلف وصدقة» . وقال السهيلي في " الروض ": حديث السائب كثير الاضطراب فروي عن السائب ابن أبي السائب، وروي عن قيس بن السائب، وروي عن عبد الله، وهذا اضطراب لا يثبت به شيء ولا تقوم به حجة، والسائب بن أبي السائب من المؤلفة قلوبهم، وممن حسن إسلامه منهم واضطرب في متنه أيضاً، فمنهم من يجعله من قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أبي السائب، ومنهم من يجعله من قول أبي السائب في النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، انتهى. وقد عرفت أن قول الأترازي: إن أصحابنا قالوا: روي أن أسامة بن شريك جاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى آخره ليس مستقيم؛ لأن أحداً من أصحاب الحديث لم يذكر أن هذا الحديث لأسامة بن شريك، وذكره الكاكي وقال: السائب بن شريك ثم قال: وفي " شرح الوجيز ": السائب بن يزيد وهذا أيضاً فيه ما فيه، وذكر " إبراهيم الحربي " في كتابه " غريب الحديث " أن يدارئ مهموز من المدارأة وهي الموافقة، وتمارى غير مهموز من المماراة وهي المجادلة، وأما الإجماع فإن الأئمة أجمعوا على جوازها، وأما المعقول فهي طريق لانتفاء الفضل وهو مشروع بالكتاب. م: (الشركة جائزة لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعث والناس يتعاملون بها فقرهم عليه) ش: يعني لما كان الناس يعقدون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 372 قال: الشركة ضربان: شركة أملاك، وشركة عقود، فشركة الأملاك العين يرثها الرجلان أو يشتريانها فلا يجوز لأحدهما أن يتصرف في نصيب الآخر إلا بإذنه وكل واحد منهما في نصيب صاحبه كالأجنبي، وهذه الشركة تتحقق في غير المذكور في الكتاب كما إذا اتهب الرجلان عينا أو ملكاها بالاستيلاء لو اختلط مالهما من غير صنع أحدهما أو بخلطهما خلطا يمنع التمييز رأسا أو لا يخرج، ويجوز بيع أحدهما نصيبه من شريكه في جميع الصور، ومن غير شريكه بغير إذنه إلا في صورة الخلط والاختلاط فإنه لا يجوز إلا بإذنه، وقد بينا الفرق في " كفاية المنتهي ".   [البناية] عقد الشركة والنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم ينكرها دل ذلك على جوازها، فلو لم تكن جائزة لأنكرها؛ لأنه مبعوث لبيان الحق. [أنواع الشركة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (الشركة ضربان، شركة أملاك وشركة عقود، فشركة الأملاك العين يرثها الرجلان أو يشتريانها فلا يجوز لأحدهما أن يتصرف في نصيب الآخر إلا بإذنه وكل واحد منهما في نصيب صاحبه كالأجنبي) ش: إلى هنا كلام القدوري. وقال المصنف: م: (وهذه الشركة) ش: أي الشركة التي ذكرها القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: فشركة الأملاك إلى آخره م: (تتحقق في غير المذكور في الكتاب) ش: أي في " مختصر القدوري "، والمذكور في الكتاب شيئان الإرث والشراء فقط، ثم أوضح بتحقق غير المذكور من الكتاب بقوله م: (كما إذا اتهب الرجلان عيناً) ش: أي بما وهبت لهما م: (أو ملكاها بالاستيلاء) ش: أي أو ملك العين رجلان بالاستيلاء على مال من أموال أهل الحرب م: (أو اختلط مالهما) ش: أي اختلط مال الرجلين م: (من غير صنع أحدهما) ش: نحوها إذا أشبق الكيسان فاختلط ما فيهما من الدراهم. م: (أو بخلطهما) ش: أي أو اختلط مالهما بخليطهما العماء بأنفسهما م: (خلطاً يمنع التمييز رأساً) ش: يعني بالكلية كخلط الحنطة بالحنطة ونحوها م: (أو لا يخرج) ش: أي أو اختلط خلطاً لا يمكن التمييز كخلط الحنطة بالشعير، فهذه الأنواع أيضاً من شركة الأملاك، وكذا من شركة الأملاك الذي يملك الإنسان بصدقة أو [ .... ] م: (ويجوز بيع أحدهما) ش: أي أحد الشريكين م: (نصيبه من شريكه في جميع الصور) ش: المذكورة. م: (ومن غير شريكه بغير إذنه إلا في صورة الخلط، والاختلاط فإنه) ش: أي فإن بيع أحدهما نصيبه من غير شريكه م: (لا يجوز إلا بإذنه وقد بينا الفرق) ش: أي بين الجواز في الصورة المذكورة مطلقاً وبين عدم الجواز في صورة الخلط والاختلاط إلا بإذن شريكه. وبينه في الكتاب الموسوم ب م: (" كفاية المنتهي ") ش: وإنما أحال بيانه عليه إما طلباً للاختصار، وإما بأن له مصنفاً آخر سمي بكفاية المنتهي، قيل: إن الفرق أن خلط الجنس بالجنس على سبيل التعدي سبب لزوال الملك عن المخلوط الخالط، فإن حصل بغير نقد كان سبب الزوال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 373 والضرب الثاني شركة العقود وركنها الإيجاب والقبول، وهو أن يقول أحدهما شاركتك في كذا وكذا. ويقول الآخر قبلت، وشرطه أن يكون التصرف المعقود عليه عقد الشركة قابلا للوكالة ليكون ما يستفاد بالتصرف مشتركا بينهما فيتحقق حكم المطلوب من الشركة، ثم هي على أربعة أوجه: مفاوضة وعنان وشركة الصناع وشركة الوجوه   [البناية] ماشياً من وجه دون وجه، فاعتبر نصيب كل واحد زائلاً إلى الشريك من حق البيع من الأجنبي غير زائل في حق البيع من الشريك، كأنه بيع ملك نفسه عملاً بالشبهين. م: (والضرب الثاني شركة العقود) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي النوع الثاني من نوع الشركة شركة العقود م: (وركنها الإيجاب والقبول) ش: أي ركن شركة العقود الإيجاب من أحدهما، والقبول من الآخر. وفسر ذلك بقوله م: (وهو أن يقول أحدهما) ش: أي أحد المتعاقدين م: (شاركتك في كذا وكذا) ش: في المال في البر ونحوه ... أو في عموم التجارات م: (ويقول الآخر قبلت) ش: هذه الشركة على هذا الوجه. م: (وشرطه) ش: أي شرط الضرب الثاني وهو شركة العقود م: (أن يكون التصرف المعقود عليه) ش: أي أن يكون التصرف الذي وقع عليه العقد، وقوله: التصرف اسم يكون، وقوله: المعقود عليه بالدفع صفة التصرف. وقوله م: (عقد الشركة) ش: منصوب على المصدر، وقوله م: (قابلاً) ش: نصب على أنه خبر يكون م: (للوكالة) ش: احترز به عن الشركة في التكري والأخشاش والاحتطاب والاصطياد بأن المسألة في هذه الصورة يقع عمن باشر منه خاصة لا على وجه الاشتراك. وعقد الشركة يتضمن الوكالة؛ لأن المقصود من الشركة يحصل بالربح بالتجارة والتصرف في مال الغير لا يجوز إلا بولاية أو وكالة من طريق أو الحكم، ولم يوجد الولاية والمنطق بالتوكيل، فشراء من الثالث لتحقق الحكم المطلوب من الشركة وهو الربح. وهذا معنى قوله م: (ليكون ما يستفاد بالتصرف مشتركاً بينهما) ش: أي بين الشريكين، م: (فيتحقق حكم المطلوب من الشركة) ش: وهو الربح، وهذا معنى قوله ليكون ما يستفاد بالتصرف شركاً بينهما، أي بين الشريكين فتحقق حكم المطلوب منه. أي حكم عقد الشركة المطلوب من عقد الشركة. م: (ثم هي) ش: أي الشركة م: (على أربعة أوجه: مفاوضة وعنان وشركة الصناع وشركة الوجوه) ش: المفاوضة يجوز فيها الرفع والنصب والجر، أما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره أحدها مفاوضة. وأما النصب فعلى تقدير أعني مفاوضة، وأما الجر فعلى أنه عطف بيان وما بعد مفاوضة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 374 فأما شركة المفاوضة فهي أن يشترك الرجلان فيتساويان في مالهما وتصرفهما ودينهما؛ لأنها شركة عامة في جميع التجارات يفوض كل واحد منهما أمر الشركة إلى صاحبه على الإطلاق إذ هي من المساواة. قال قائلهم: لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا   [البناية] داخل في الوجوه المذكورة بحيث العطف ثم شرع بين هذه الأربعة بالفاء التفصيلية بقوله م: (فأما شركة المفاوضة فهي أن يشترك الرجلان فيتساويان في مالهما) ش: المراد من التساوي في المال التساوي في مال يصح فيه الشركة على ما يجيء عن قريب. م: (وتصرفهما ودينهما لأنها شركة عامة في جميع التجارات يفوض كل واحد منهما أمر الشركة إلى صاحبه على الإطلاق) ش: يعني بغير قيد بشيء. م: (إذ هي) ش: أن لأن المعاوضة م: (من المساواة) ش: يعني من حيث المعنى لا من حيث الاشتقاق، ولهذا قال صاحب " المبسوط ": اشتقاق المعاوضة من التعويض، إذ كل واحد منهما مفوض التصرف إلى صاحبه.. انتهى. وليست هي منفعة من المساواة لعدم شرط الاشتقاق بل من جهة المعنى لأن معنى المعاوضة المساواة المشاركة والمفوضة الشركة والناس فوضى في هذا الأمر أي سواء لا تباين بينهم، كذا ذكره الزمخشري في " الفائق " واستدل المصنف على هذا بقوله م: (قال قائلهم) ش: وهو الأفوه الأدوي الشاعر: م: (لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا) ش: وقبله: يهدي الأمور بأهل الرأي ما صلحت ... فإن تولت فبالجهال تنقاد ومعنى البيت إذا لم يكن للناس أمير وسيد كان كل واحدا مستقلاً بنفسه فتتحقق المنازعة والفساد، والاستشهاد في قوله فوضى أي لا يصلح الناس المأذون في الأمر. قوله لا سراة لهم حال، والسراة جمع سري قال في " الصحاح ": هو جمع عزيز لا يعرف غيره جمع فعيل على فعلة، وفي المفصل المسراة اسم جمع السري كركب في الراكب، والسري السيد من سرى فهو سري وهم سرات وسروات أي سارات. كذا في " المغرب "، وفي " الصحاح " [ ..... ] مروة يقال سرى يسرو ويسري بالكسر يسري سرواً فيهما ويسروا سراوة أي سار سرياً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 375 أي متساويين، فلا بد من تحقيق المساواة ابتداء وانتهاء، وذلك في المال والمراد به ما تصح الشركة فيه، ولا يعتبر التفاضل فيما لا يصلح الشركة فيه. وكذا في التصرف لأنه لو ملك أحدهما تصرفا لا يملكه الآخر لفات التساوي، وكذلك في الدين لما سنبين إن شاء الله تعالى. وهذه الشركة جائزة عندنا استحسانا وفي القياس لا يجوز وهو قول الشافعي، وقال مالك لا أعرف ما المفاوضة،   [البناية] وقصر المصنف فوضى بقوله م: (أي متساويين) ش: أي لا يصلح الناس إذا كانوا متساويين في الأمور، فكل منهم يريد مضي أمره فيقع الاختلاف، ولا يصلح الائتلاف. م: (فلا بد من تحقيق المساواة ابتداء وانتهاء) ش: أما ابتداء فظاهر بناء على ما ذكر من مأخذ استقامة، وأما انتهاء فلأن المعاوضة من المفقود الجائزة فإن كان لكل واحد منهما الامتناع بعد عقد الشركة فكان لدوامهما حكم الابتداء في ابتداء المتفاوضة بشرط المساواة، فكذا في الانتهاء، حتى إذا زاد مال أحدهما بعد العقد لا تكون المساواة، فلا يبقى المعاوضة. م: (وذلك) ش: أي تحقق المساواة م: (في المال، والمراد به ما تصح الشركة فيه) ش: أي المراد بالمال الذي اشترط فيه المساواة هو المال الذي تصلح الشركة فيه كالدراهم والدنانير والفلوس أيضاً على قولهما، لا ما لا يصلح فيه الشركة كالعروض والعقار التفاضل فيه يبطل المعاوضة، وهو معنى قوله: [التفاضل فيما لا يصلح الشركة فيه] م: (ولا يعتبر التفاضل فيما لا يصلح الشركة فيه) ش: كالنبات ونحوها، وكذا الديون لا تصلح فيها الشركة حتى لو كان لأحدهما ديون على الناس لا يبطل المعاوضة ما لم ينفر ذكره في " الإيضاح " و " الذخيرة ". م: (وكذا في التصرف) ش: عطف على قوله وذلك في المال، أي وكذا تحقيق المساواة في التصرف م: (لأنه لو ملك أحدهما تصرفاً لا يملكه الآخر لفات التساوي) ش: بأن كان الآخر عبداً أو صبياً أو ذمياً، فلا يصلح المفاوضة بين الحر والعبد والصبي والبالغ والمسلم والذمي م: (وكذا في الدين) ش: عطف على قوله وذلك م: (لما سنبين إن شاء الله تعالى) ش: عن قريب سنبين اشتراط التساوي في هذه الأشياء المذكورة م: (وهذه الشركة) ش: أي شركة المفاوضة م: (جائزة عندنا استحساناً، وفي القياس لا يجوز وهو قول الشافعي) ش: وبه قال أحمد. م: (وقال مالك لا أعرف ما المفاوضة) ش: وفي " الكافي " وهذا تناقض لأنه إذا لم يعرفها كيف يحكم بالفساد إذ لا تصديق بلا تصور، ورد هذا بأن قوله لا أدري ما يكون حكماً بالفساد ولا بالجواز حتى يلزم التناقض. وفي " الحلية ": والمعنى وحكي عن أصحاب مالك أن المفاوضة تجوز في الجملة وصفها عنده أن يفوض كل واحد إلى آخر التصرف مع حضوره وغيبته، وتكون يده كيده، ولا يشترط فيه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 376 وجه القياس أنها تضمنت الوكالة بمجهول الجنس والكفالة بمجهول، وكل ذلك بانفراده فاسد. وجه الاستحسان قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاوضوا فإنه أعظم للبركة، وكذا الناس يتعاملون بها   [البناية] التساوي في المال. م: (وجه القياس أنها) ش: أي إن المفاوضة م: (تضمنت الوكالة بمجهول الجنس) ش: أي بشراء شيء مجهول الجنس م: (والكفالة) ش: أي تضمنت الكفالة م: (بمجهول، وكل ذلك) ش: أي المذكور من الوكالة بمجهول الجنس الكفالة بمجهول. م: (بانفراده فاسد) ش: فعند انضمامهما بالطريق الأولى ألا ترى أنه قال وكلتك بالشراء أو شراء الثوب لا تصح الوكالة والكفالة بمجهول لا يصح أيضاً بخلاف الكفالة بمعدوم، فإنها جائزة كما في قوله ما داب لك على فلان يعني به. فإن قيل: الوكالة العامة جائزة كما إذا قال لآخر وكلتك في مالي اصنع ما شئت، فإنه يجوز له أن يتصرف فيما أصيب بالعموم ليس بمراد هاهنا، فإنه لا تثبت الوكالة في حق شراء الطعام والكسوة لأهله، فإذا لم يكن عاماً كان توكيلاً بمجهول الجنس فلا يجوز. م: (وجه الاستحسان قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «فاوضوا فإنه أعظم للبركة» ش: هذا غريب ليس له أصل، وقال الأترازي وجه الاستحسان ما روى أصحابنا في عامة كتبهم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذا لا يرضى به الخصم. وقال ابن قدامة في " المغني " لا يعرف الخبر ولا رواه أصحاب السنن، وقال الكاكي: قيل له هذا لا يدل على عدم صحته، إذ ليس من شرط صحة الحديث أن يرويه أصحاب السنن. قلت: سلمنا ذلك ولكن لا بد من شرط صحة الحديث أن يروي ثقة عن ثقة إلى أن ينتهي إلى أحد من الصحابة ثم إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وذكر الكاكي أيضاً قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا فاوضتم فأحسنوا المفاوضة» . قلت: أيضاً غريب مثل ذلك، نعم روى ابن ماجه في " سننه " في التجارات عن صالح بن صهيب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثلاث فيهن البركة البيع إلى أجل والمفاوضة واختلاط البر بالشعير للبيت لا للبيع..» انتهى. قوله: المفاوضة بالقاف والواو في بعض نسخ ابن ماجه المفاوضة بالفاء، ورواه إبراهيم الحربي في كتاب " غريب الحديث "، وضبط المعاوضة بالعين والضاد، وفسر المعاوضة بأن بلغ عرضاه بعرض مثله. قال والعرض هو مأجور النفور من دابة أو غيرها، وقال العرض بفتح الراء حطام الدنيا، ومنه قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس» . قلت: هذا أيضاً لا يصح به الاستدلال لوجه الاستحسان م: (وكذا الناس يتعاملون بها) ش: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 377 من غير نكير وبه يترك القياس والجهالة متحملة تبعا كما في المضاربة. ولا تنعقد إلا بلفظة المفاوضة لبعد شرائطها عن علم العوام حتى لو بينا جميع ما تقتضيه المفاوضة تجوز لأن المعتبر هو المعنى قال: فيجوز بين الحرين الكبيرين مسلمين أو ذميين، لتحقق التساوي، وإن كان أحدهما كتابيا والآخر مجوسيا يجوز أيضا لما قلنا ولا تجوز بين الحر والمملوك، ولا بين الصبي والبالغ لانعدام التساوي،   [البناية] أي بالمفاوضة م: (من غير نكير) ش: فكان دليلاً على جوازها. م: (وبه) ش: أي بتعامل الناس بها م: (يترك القياس) ش: قال الكاكي: لأن التعامل كالإجماع، وقال أبو بكر الرازي في " شرحه لمختصر الطحاوي ": وقد رد جواز الشركة المفاوضة عن الشعبي وابن سيرين - رحمهما الله تعالى. م: (والجهالة متحملة تبعاً) ش: هذا جواب عن جهة القياس تقديره أن الجهالة التي ذكرت فيه تحملت تبعاً لا قصداً، وكم من شيء يثبت ضمناً ولا يثبت قصداً بأن الوكالة لمجهولة الجنس لا يثبت قصداً ويثبت ضمناً بالإجماع م: (كما في المضاربة) ش: فإن الضارب وقت تصرفه وكيل عن رب المال لكن بمجهول الجنس فتحملت الجهالة لثبوتها في ضمن عقد المضاربة لا قصداً، ولأن الجهالة تبطل باعتبار المنازعة لا بد ولا منازعة هنا. [حكم شركة المعاوضة] م: (ولا تنعقد) ش: أي شركة المعاوضة م: (إلا بلفظ المفاوضة لبعد شرائطها عن علم العوام) ش: فإن أكثر الناس لا يعرفون جميع أحكامها م: (حتى لو بينا) ش: بلفظ التثنية أي حتى لو بين المتعاقدان م: (جميع ما تقتضيه المفاوضة تجوز لأن المعتبر هو المعنى) ش: لا اللفظ. وهذا يجعل للكفالة بشرط براءة الأصل حوالة، والحوالة بشرط ضمان الأصل كفالة. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فيجوز بين الحرين الكبيرين مسلمين أو ذميين) ش: أي فتجوز المعاوضة بين حرين احترز به عن أن يكون بين الحر والعبد، وقوله: الكبيرين صفة الحرين احترز به عن أن يكون الكبير والصغير. وقوله: مسلمين حال الضرر به عن أن يكون أحدهما مسلماً والآخر ذمياً، وقوله أو ذميين أي أو بين ذميين م: (لتحقق التساوي) ش: في جميع ذلك، ولم يذكر المصنف بعد قوله مسلمين لفظ عاقلين، ولا بد من ذلك. م: (وإن كان أحدهما) ش: أي أحد المتعاوضين م: (كتابياً والآخر مجوسياً يجوز أيضاً لما قلنا) ش: وهو قوله لتحقق التساوي بينهما؛ لأن الكفر كله ملة واحدة. م: (ولا تجوز) ش: أي المفاوضة م: (بين الحر والمملوك ولا بين الصبي والبالغ لانعدام التساوي) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 378 لأن الحر البالغ يملك التصرف والكفالة، والمملوك لا يملك واحدا منهما إلا بإذن المولى، والصبي لا يملك الكفالة ولا يملك التصرف إلا بإذن الولي. قال ولا بين المسلم والكافر. وهذا قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز للتساوي بينهما في الوكالة والكفالة، ولا يعتبر بزيادة تصرف يملكه أحدهما كالمفاوضة بين الشفعوي والحنفي فإنها جائزة، ويتفاوتان في التصرف في متروك التسمية   [البناية] ش: وفي بعض النسخ لعدم المساواة م: (لأن الحر البالغ يملك التصرف والكفالة والمملوك لا يملك واحداً منهما) ش: أي من التصرف والكفالة م: (إلا بإذن المولى) ش: يرجع إلى قوله: بين الحر والمملوك. م: (والصبي لا يملك الكفالة) ش: أذن له وليه أو لا م: (ولا يملك التصرف إلا بإذن الولي) ش: إلى هنا من قوله ولا يجوز بين الحر والمملوك من كلام المصنف شرح لكلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقوله م: (ولا بين المسلم والكافر) ش: من كلام القدوري أي لا يجوز المفاوضة بينهما لعدم التساوي. م: (وهذا) ش: أي وعدم جواز المفاوضة يبن المسلم والكافر م: (قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف يجوز للتساوي بينهما) ش: أي بين المسلم والكافر م: (في الوكالة والكفالة) ش: لأن كل منهما يملك التوكيل والتكفيل. وذكر الشراح أن عند أبي يوسف يجوز ذلك لتساويهما في التصرف؛ لأن كل ما يملكه الذمي من شراء الخمر والخنزير يملكه المسلم أيضاً بالتوكيل، وجوابه أن الذمي يملكه بنفسه، والمسلم لا يملكه بنفسه فانعدم التساوي وصار كالحر مع العبد. م: (ولا يعتبر بزيادة تصرف) ش: هذا جواب من جهة أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عما يقال: كيف يؤخذ التساوي بين المسلم والكافر، فالكافر يجوز له التصرف في الخمر والخنزير، ولا يجوز للمسلم فانعدم التساوي، وتقرير الجواب أنه لا يعتبر بزيادة تصرف م: (يملكه أحدهما) ش: أي أحد المتعاوضين م: (كالمفاوضة بين الشفعوي والحنفي فإنها جائزة) ش: بالاتفاق م: (ويتفاوتان في التصرف في متروك التسمية) ش: عمداً؛ لأنه يعتقد حلالاً بخلاف الحنفي. وحاصل الكلام أن الاعتبار بالتساوي في أصل التصرف كما أن أحدهما يملك التصرف بأمر له أو نيابة، فكذلك الآخر لكن أحدهما اختص بزيادة تصرف، فلا يصرف ذلك كالمفاوضة بين الشافعي والحنفي، كما ذكرنا قوله بين الشفعوي نسبة إلى الشافعي. فكذا لا يصح، بل الصواب أن يقال الشافعي المذهب، كما يقال للإمام الشافعي فإنه منسوب إلى شافع أحد أجداده، وفي نسخة شيخي العلاء بين الشافعي والحنفي على الصحة، وقال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 379 إلا أنه يكره لأن الذمي لا يهتدي إلى الجائز من العقود، ولهما أنه لا تساوي بينهما في التصرف فإن الذمي لو اشترى برأس المال خمورا أو خنازير صح، ولو اشتراها مسلم لا يصح. ولا يجوز بين العبدين ولا بين الصبيين ولا بين المكاتبين لانعدام صحة الكفالة، وفي كل موضع لم تصح المفاوضة لفقد شرطها، ولا يشترط ذلك في العنان كان عنانا لاستجماع شرائط العنان، إذ هو قد يكون خاصا، وقد   [البناية] الكاكي: وفي بعض النسخ بين الشافعي والحنفي يعني بالفاء بعد النون، والصواب الحنفي منسوب إلى أبي حنيفة بالنسبة إلى فعيلة فعلاً بحذف الياء، والحنفي بالياء منسوب إلى الحنف بدون الياء. م: (إلا أنه يكره) ش: استثناء من قوله، وقال أبو يوسف يجوز التساوي بينهما في الوكالة والكفالة، ووجه الكراهة، وهو ما ذكره بقوله م: (لأن الذمي لا يهتدي إلى الجائز من العقود) ش: لأنه لا يحترز من الدين، فلا يؤمن أن يكون شريكه حراماً. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أنه لا تساوي بينهما في التصرف، فإن الذمي لو اشترى برأس المال خموراً أو خنازير صح، ولو اشتراها) ش: أي الخمر والخنازير م: (مسلم لا يصح) ش: فلا يساوي. فإن قلت: لكل معاوضة الكتابي المجوسي بحيث يصح، ولا مساواة في التصرف منها، فإن المجوسي يتصرف في الموقودة؛ لأنه يعتقد المالية، والكتابي لا يتصرف، وكذا الكتابي يؤاجر نفسه للذبح والمجوسي لا يؤاجر نفسه للذبح. قلت: من جعل الموقودة مالاً يفصل بين الكتابي والمجوسي فتحقق المساواة، والمساواة في المؤاجرة ثابتة، يعني فإن كل واحد من المجوسي والكتابي من أجل أن ينقل ذلك العمل عليه أن يقيمه بنفسه أو بنائبه، وإجارة المجوسي للذبح صحيحة مستوجب بها الأجر، وإن كان لا يحل ذبيحته. [المفاوضة بين العبدين والصبيين والمكاتبين] م: (ولا يجوز) ش: أي المفاوضة م: (بين العبدين ولا بين الصبيين ولا بين المكاتبين لانعدام صحة الكفالة) ش: أي من العبد والصبي والمكاتب والمفاوضة تتضمن الكفالة، فلا يصح مفاوضتهم. قال: لا بين المكاتبين. وكذا لا يصح بين المكاتب والحر م. (وفي كل موضع تصح المفاوضة لفقد شرطها، ولا يشترط ذلك في العنان) ش: أي والحال أنه لا يشترط ذلك الشرط في شركة العنان م: (كان عناناً) ش: لأنه أتى بمعنى العنان بعبارة المفاوضة م: (لاستجماع شرائط العنان) ش:. م: (إذ هو) ش: أي عقد شركة العنان م: (قد يكون خاصاً) ش: في نوع من التجارة م: (وقد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 380 يكون عاما. قال: وتنعقد على الوكالة والكفالة، أما الوكالة فلتحقق المقصود وهو الشركة في المال على ما بيناه. وأما الكفالة لتحقق المساواة فيما هو من مواجب التجارات وهو توجه المطالبة نحوهما جميعا. قال ما يشتريه كل واحد منهما تكون على الشركة إطعام أهله وكسوتهم، وكذا كسوته، وكذا الإدام   [البناية] يكون عاماً) ش: في أنواع التجارة، والمفاوضة عامة فيها نظيره ما ذكرناه في " الشامل " في قسم " المبسوط ". وإن تعارض عبدان مسلم وذمي كانت شركة العنان والمفاوضة أعم من العنان، فإذا بطل يعني العموم فبقي معنى الخصوص، فجاز إثبات العنان بلفظ المفاوضة، كما جاز إثبات الخصوص بلفظ العموم. وتنعقد أي المعاوضة في بعض النسخ م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وتنعقد على الوكالة والكفالة) ش: يعني أن كل واحد من الشريكين يكون فيما باشر وكيلاً عن الآخر وكفيلاً عنه م: (أما الوكالة فلتحقق المقصود وهو الشركة في المال) ش: لأن التصرف في مال الغير لا يجوز إلا بولاية أو وكالة، ولم توجد الولاية فتثبت الوكالة لتحقق المقصود من الشركة فيكون كل واحد منهما وكيلاً عن صاحبه في النصف م: (على ما بيناه) ش: يعني عند قوله قبل هذا ليكون ما تستفاد بالتصرف مشتركاً بينهما. م: (وأما الكفالة لتحقق المساواة فيما هو من مواجب التجارات) ش: أي وأما انعقاد المفاوضة على الكفالة فيتحقق معنى المفاوضة وهي المساواة في أمر هو من موجبات التجارة أي من مقتضياتها، أي الأمر الآخر الذي هو من مواجب التجارة ويوجب التجارة. م: (وهو توجه المطالبة نحوهما جميعاً) ش: فيكون كل واحد منهما كفيلاً عن الآخر فيما وجب عليه بسبب التجارة، وإذا كفل أحدهما بمال عن أجنبي لزم الآخر عند أبي حنيفة، وخلافاً لهما على ما يجيء إن شاء الله تعالى. وإذا اشتراه كل واحد منهما وفي أكثر النسخ. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وما يشتريه كل واحد منهما) ش: أي من المتعاوضين م: (تكون على الشركة إطعام أهله وكسوتهم) ش: فإنها تكون الذي اشتراه خاصة. قال المصنف م: (وكذا كسوته) ش: أي وكذا كسوة الذي اشتراه يكون له خاصة م: (وكذا الإدام) ش: يعني يكون الذي اشتراه لا على الشركة، لكن يطالب كل واحد منهما بالثمن، ألا ترى إلى ما قاله الكرخي في " مختصره ". وإذا اشترى أحدهما طعاماً لأهله أو كسوة أو ما لا بد لهم منه، فذلك جائز وهو قول خاصة دون صاحبه، وللبائع أن يطالب بثمن ذلك أيهما شاء على ما يجيء. وكذا إذا اشترى أحدهما جارية ليطأها بإذن شريكه، وليس له أن يشتري جارية للوطء إذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 381 لأن مقتضى العقد للمساواة، وكل واحد منهما قائم مقام صاحبه في التصرف، وكان شراء أحدهما كشرائهما إلا ما استثناه في الكتاب فهو استحسان لأنه مستثنى عن المفاوضة للضرورة، فإن الحاجة الراتبة معلومة الوقوع ولا يمكن إيجابه على صاحبه ولا الصرف من ماله، ولا بد من الشراء فيختص به ضرورة، والقياس أن يكون على الشركة لما بينا، وللبائع أن يأخذ بالثمن أيهما شاء المشتري بالأصالة، وصاحبه بالكفالة، ويرجع الكفيل على المشتري بحصته بما أدى؛ لأنه قبض دينا عليه من مال مشترك بينهما. قال: ولا يلزم كل واحد منهما من الديون بدلا عما يصح فيه الاشتراك فالآخر   [البناية] لم يأذن له شريكه. وكذلك إذا اشترى جارية للخدمة وفي " مختصر الكرخي " - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضاً وإن اشترى أحدهما جارية للوطء بإذن شريكه فاستولدها ثم استحقت فعلى الواطئ العقد يأخذ المستحق بالعقد أيهما شاء. م: (لأن مقتضى العقد) ش: أي عقد شركة المفاوضة م: (للمساواة) ش: وهذا تعليل للمثنى منه، وهو قوله يكون على الشركة م: (وكل واحد منهما) ش: أي من المتعاوضين م: (قائم مقام صاحبه في التصرف وكان شراء أحدهما كشرائهما إلا ما استثناه في الكتاب) ش: أي في القدوري. م: (فهو) ش: أي المستثنى منه م: (استحسان لأنه مستثنى عن المفاوضة للضرورة) ش: لأن كل واحد منهما حين يشارك شارك صاحبه عالم بحاجته إلى ذلك، ومعلوم أن كل واحد منهما لم يقصد بلفظ المفاوضة أن تكون نفقته ونفقة عياله على شريكه. م: (فإن الحاجة الراتبة) ش: أي الراتبة من قولهم رتب الشيء إذا استقر ودام، وأمر مرتب دائم ثابت م: (معلومة الوقوع، ولا يمكن إيجابه) ش: أي إيجاب شراء أحد المتعاوضين م: (على صاحبه ولا الصرف) ش: أي صرف الثمن م: (من ماله، ولا بد من الشراء) ش: أي شراء طعام الأهل وكسوتهم م: (فيختص به) ش: أي يختص المشتري بالطعام والكسوة م: (ضرورة) ش: لأنه لا بد من شراء ذلك. م: (والقياس أن يكون) ش: كل ذلك م: (على الشركة لما بينا) ش: وهو قوله لأن مقتضى العقد المساواة م: (وللبائع أن يأخذ بالثمن) ش: أي بثمن الطعام والكسوة والإدام م: (أيهما) ش: أي المتعاوضين م: (شاء المشتري) ش: أي يطالب المشتري م: (بالأصالة) ش: لأنه هو المباشر م: (وصاحبه) ش: أي يطالب صاحبه م: (بالكفالة) ش: لأنه كفيل عنه م: (ويرجع الكفيل على المشتري بحصته بما أدى) ش: يعني من مال الشركة م: (لأنه قضى ديناً عليه من مال مشترك بينهما) ش: أي بين المتعاوضين م: (وما يلزم كل واحد منهما من الديون بدلاً عما يصح فيه الاشتراك فالآخر) ش: أي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 382 ضامن له تحقيقا للمساواة، فما يصح فيه الاشتراك الشراء والبيع والاستئجار، ومن القسم الآخر الخيانة والنكاح والخلع والصلح عن دم العمد وعن النفقة ولو كفل أحدهما بمال عن أجنبي لزم صاحبه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال لا يلزم لأنه تبرع،   [البناية] فالشريك الآخر م: (ضامن له، تحقيقاً للمساواة) ش: أي يعني المساواة الذي تقتضيه شركة المتعاوضة م: (فما يصح الاشتراك فيه) ش: أي فمن جملة ما يصح الاشتراك فيه. م: (البيع والشراء) ش: صورتهما ظاهرة، لكن الثمن في البيع الجائز، والقيمة في البيع الفاسد م: (والاستئجار) ش: صورته أن مستأجر أحد المتعاوضين أجير في تجارتهما أو دابة أو شيئاً من الأشياء فللمؤجر أن يأخذ الأجر أيهما شاء؛ لأن الإجارة من عقود التجارة، وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه لما يلزمه من التجارة. وكذلك إن استأجره لحاجة نفسه أو استأجر إبلاً إلى مكة تحج عليها فللمكاري أن يأخذ أيهما شاء، إلا أن شريكه إذا أدى من خالص ماله يرجع به عليه؛ لأنه أدى ما كفل عنه بأمره وإن أدى من مال الشركة يرجع عليه نصيبه من الدرئ. وأما في شركة العنان فلا يؤخذ به غير الذي استأجر لأنه هو الذي استأجره؛ لأنه هو الملتزم بالعقد وصاحبه ليس بكفيل عنه م: (ومن القسم الآخر) ش: أي مما لا يصح فيه الاشتراك م: (الخيانة) ش: أراد بها الخيانة على نفي الدم؛ لأن ضمان العقب يلزم الشريك، وفي " المبسوط " إذا ادعى رجل على أحدهما خطأ لهما إن شق مقدورات استحلفه فحلف، ثم أراد أن يستحلف شريكه ليس له ذلك إذ لا خصومة له مع شريكه إذ لا يكون أحد كفيلاً عن الآخر فيما ليس في التجارة. م: (والنكاح والخلع والصلح عن دم العمد) ش: ففي هذه الأشياء إذا ادعى رجل على أحدهما وحلفه ليس له أن يحلف الآخر بخلاف ما لو ادعى على أحدهما ببيع خادم يخدم للمدعي أن يحلف المدعى عليه على الثبات وشريكه على العلم، وصورة الخلع ما لو عقدت المرأة مع آخر عقد مفاوضة ثم خالعت زوجها بمال لا يلزم ذلك على شريكها، كذا لو أقرت ببدل الخلع لا يلزم شريكها. م: (وعن النفقة) ش: أي وكذا الصلح عن النفقة على شيء لا يلزم شريكه شيء من ذلك م: (ولو كفل أحدهما) ش: أي أحد المفاوضين م: (بمال عن أجنبي لزم صاحبه عند أبي حنيفة، وقال: لا يلزمه) ش: أي لأن الكفيل متبرع على صيغة اسم الفاعل وفي بعض النسخ م: (لأنه تبرع) ش: بصفة المصدر أي لأن عقد الكفالة تبرع. وكذا في نسخة شيخي العلاء، وقال الفقيه أبو الليث: وهذا إذا كفل بأن المكفول عنه وإن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 383 ولهذا لا يصح من الصبي والعبد والمأذون والمكاتب ولو صدر من المريض يصح من الثلث وصار كالإقراض والكفالة بالنفس، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه تبرع ابتداء ومعاوضة بقاء؛ لأنه يستوجب الضمان بما يؤدي عن المكفول عنه إذا كانت الكفالة بأمره فبالنظر إلى البقاء صح لتضمنه المفاوضة وبالنظر إلى الابتداء لم تصح ممن ذكره،   [البناية] كفل بغير إذنه ينبغي أن لا يجب شيء على صاحبه في قولهم جميعاً، وفي " شرح الطحاوي " إن كانت الكفالة بالنفس فلا يؤاخذ به صاحبه بالإجماع. م: (ولهذا) ش: أي ولكون عقد الكفالة متبرعاً م: (لا يصح من الصبي والعبد والمأذون والمكاتب) ش: لأنهم ليسوا من أهل التبرع م: (ولو صدر) ش: أي التكفل أو عقد الكفالة م: (من المريض) ش: مرض الموت م: (يصح من الثلث) ش: قال الكاكي: وقيد صدور الكفالة بحالة المرض؛ لأن المريض لو أقر بالكفالة السابقة في حالة الصحة يعتبر ذلك في جميع المال بالإجماع. م: (وصار) ش: أي عقد الكفالة بالمال م: (كالإقراض) ش: حيث لا يلزم الشريك، وقال الكاكي: وفي الإقراض اختلاف فإنه ذكر في " الإيضاح ": لو قرض أحد المتفاوضين مالاً، وأعطاه رجلاً وأخذ الصحة كان جائراً عليهما ولا يضمن ثمن المال أولاً، وفي قياس قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن القرض صحة شريكه. م: (والكفالة بالنفس) ش: حيث لا يؤاخذ به الآخر م: (ولأبي حنيفة) ش: أي عقد الكفالة م: (أنه تبرع ابتداء) ش: أي في ابتداء الأمر، ألا ترى أن المريض لو كفل يعتبر من الثلث، ولو كفل العبد المأذون لا يجوز كفالته م: (ومعاوضة بقاء) ش: أي في حالة البقاء ألا ترى أنه [ ... ] على الأداء م: (لأنه) ش: هذا تعليل لكون الكفالة مفاوضة بقاء، يعني أن الكفيل م: (يستوجب الضمان) ش: أي يستحقه على المكفول عنه م: (بما يؤدي عن المكفول عنه إذا كانت الكفالة بأمره) ش: أي بأمر المكفول عنه. م: (فبالنظر إلى البقاء صح لتضمنه المفاوضة وبالنظر إلى الابتداء لم تصح) ش: وكلامنا في البقاء؛ لأنه يلزم شريكه بعد ما لزم عليه، وفي نسخة شيخنا العلاء لأنه مستوجب الضمان عما يؤدي على المكفول عنه. فإذا كانت الكفالة بأمره فبالنظر إلى البقاء تتضمنه المعاوضة وبالنظر إلى الابتداء لم يصح، وكذا قال الأكمل فبالنظر إلى البقاء تتضمنه المفاوضة يعني وحاجتنا هاهنا إلى البقاء إذ المطالبة متوجه بعد الكفالة لأنها حكمها، فلما لزم المال على الشريك الضامن لزم الأجر. وهذه هي حالة البقاء بخلاف الصبي وغيره لأن كلامنا ثمة في الابتداء بأنه قد يضمنه أولاً، فاعتبرنا [ ... ] النزع فيه ولم يعتبره هاهنا؛ لأن الابتداء ثمة محتاج إليه ولا كذلك هاهنا لصحة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 384 ويصح من الثلث من المريض بخلاف الكفالة بالنفس لأنه تبرع ابتداء وانتهاء، وأما الإقراض فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يلزم صاحبه ولو سلم فهو إعارة فيكون لمثلها حكم عينها لا حكم البدل حتى لا يصح فيه الأجل فلا تتحقق معاوضة.   [البناية] الابتداء، لكن الضامن من أهل الضمان دون الصبي ممن ذكره. قال الأكمل: ويريد به الصبي والمجنون، وقال تاج الشريعة: يريد به المكاتب والصبي والعبد المأذون.. انتهى. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقول. م: (ممن ذكره) ش: أي ذكره أبو يوسف ومحمد لأن القياس أن تقول ذكراه بضمير الاثنين أو القياس أن يترك الضمير المنصوب ويذكر الفعل على صيغة المبني للمفعول، فلعله وقع هكذا من قلم الكاتب.. انتهى. قلت: فيه نسبة المصنف إلى السهو بجنس العبارة وقوله ممن ذكره بضمير الإفراد صحيح لأن المسألة من مسائل " الجامع الصغير " الذي يذكر فيه منسوبًا إلى محمد، وإن كان أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - معه في مواضع وإفراده للضمير بهذا الاعتبار أي ممن ذكره محمد في " الجامع الصغير " فافهم. [عقد الكفالة من المريض] م: (ويصح) ش: أي عقد الكفالة. م: (من الثلث) ش: أي من ثلث المال. م: (من المريض) ش: مرض الموت، وقد مر بيانه. م: (بخلاف الكفالة بالنفس) ش: حيث لا يلزم شريكه. م: (لأنه) ش: أي لأن عقد الكفالة بالنفس. م: (تبرع ابتداء وانتهاء) ش: إذ لا يستوجب الكفيل قبل المكفول عنه شيئًا. م: (وأما الاقتراض) ش: هذا في الحقيقة جواب عن قولهما وصار كالإقراض بطريق المشبع، بيانه أن الإقراض. م: (فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه الحسن. م: (أنه يلزم صاحبه) ش: عند أبي حنيفة ولا نسلم أنه لا يلزمه على رواية الحسن حتى لو فرض أحد المتعاوضين جاز عليه وعلى شريكه، ولا يضمن لشريكه شيئًا. م: (ولو سلم) ش: جواب بطريق التسليم يعني ولو سلمنا أن الإقراض لا يلزم صاحبه عند أبي حنيفة. م: (فهو) ش: أي الإقراض. م: (إعارة) ش: لا معاوضة بدليل جوازه إذ لو كان معاوضة لكان فيه بيع النقد بالنسبة في الأموال الربوية، فإذا كان كذلك. م: (فيكون لمثلها) ش: أي لمثل الإعارة. م: (حكم عينها) ش: أي عين ما أقرضه. م: (لا حكم البدل) ش: كما في الإعارة الحقيقية. م: (حتى لا يصح فيه الأجل) ش: أي لا يلزم لأن تأجيل الإقراض والعارية جائز، ولكنه لا يلزمه المضي على ذلك التأجيل، وإذا كان الأمر كذلك. م: (فلا تتحقق المعاوضة) ش: في الإقراض في الأمراض. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 385 ولو كانت بغير أمره لم تلزم صاحبه في الصحيح لانعدام معنى المفاوضة، ومطلق الجواب في الكتاب محمول على المقيد وضمان الغصب والاستهلاك بمنزلة الكفالة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه معاوضة انتهاء.   [البناية] [الكفالة بغير أمر المكفول] م: (ولو كانت) ش: الكفالة. م: بغير أمره) ش: أي بغير أمر المكفول عنه. م: (فالصحيح أنه لا يلزم صاحبه لانعدام معنى المفاوضة) ش: وإليه ذهب الفقيه أبو الليث في " شرح الجامع الصغير " وتبعه المصنف حيث قال. م: (ومطلق الجواب في الكتاب) ش: أي في " الجامع الصغير " عن قيد الكفالة بأمر المكفول عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا المقدار. هذا إذا كانت الكفالة بأمر المكفول عنه، وعامة المشايخ لم يفرقوا في شروح " الجامع الصغير " بينهما إذا كان بأمره أو بغيره إطلاق جواب كتاب " الجامع الصغير ". م: (محمول على المقيد وضمان الغصب والاستهلاك بمنزلة الكفالة) ش: يعني في أنه يلزم شريكه. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضمان الغصب والاستهلاك بمنزلة الكفالة. م: (عند أبي حنيفة) ش: عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصول أنه لا يلزم الشريك. م: (لأنه معاوضة انتهاء) ش: لأن الغرض عند الطلب. وقال الكاكي: يختص أبو حنيفة في قوله بمنزلة الكفالة عنده، إنما يصح في حق الكفالة لا في حق ضمان الغصب والاستهلاك، فإن فيهما محمدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أنه يلزمه شريكه وفي الكفالة مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكان حق الكلام أن يقول: وضمان الغاصب والاستهلاك بمنزلة الكفالة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد خلافًا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصول أنه لا يلزم الشريك لأنه معاوضة انتهاء؛ لأن الغرض عند الطلب. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تخصيص أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله بمنزلة الكفالة عنه إنما يصح في حق الكفالة لا في حق ضمان الغصب والاستهلاك، فإن سيما محمد مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أنه يلزمه شريكه، وفي الكفالة مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الأترازي: وكان حق الكلام أن يقول: وضمان الغصب والاستهلاك بمنزلة الكفالة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافًا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصول. وقال الأكمل: تلميح تحرير المذاهب على هذا الوجه يظهر لك سقوط ما اعترض به على المصنف في قوله بمنزلة الكفالة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأن محمدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في لزوم ضمان الغصب واستهلاك الشريك فلا يكون لتخصيص أبي حنيفة ولا لقوله بمنزلة الكفالة وجه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 386 وإن ورث أحدهما مالا تصح في الشركة، أو وهب له ووصل إلى يده بطلت المفاوضة وصارت عنانا لفوات المساواة فيما يصلح رأس المال؛ إذ هي شرط فيه ابتداء وبقاء وهذا لأن الآخر لا يشاركه فيما أصابه لانعدام السبب في حقه، إلا أنها تنقلب عنانا للإمكان، فإن المساواة ليست بشرط فيه ولدوامه حكم الابتداء لكونه غير لازم فإن ورث أحدهما عرضا فهو له. ولا تفسد المفاوضة، وكذا العقار لأنه لا تصح فيه الشركة، فلا يشترط المساواة فيه.   [البناية] [بطلان المفاوضة وصيرورتها عنانًا] م: (وإن ورث أحدهما) ش: أي أحد المتعاوضين. م: (مالا تصح فيه الشركة) ش: هذه الجملة صفة لقوله مالًا، والمال كالدراهم والدنانير والفلوس النافقة. م: (أو وهب له) ش: أي لأحد المتعاوضين. م: (ووصل) ش: أي المال. م: (إلى يده بطلت المفاوضة وصارت) ش: أي الشركة. م: (عنانًا لفوات المساواة) ش: التي هي الشرط. م: (فيما يصلح رأس المال إذ هي) ش: أي المساواة. م: (شرط فيه) ش: أي في عقد الشركة المفاوضة. م: (ابتداء وبقاء) ش: أي في حال الابتداء وحالة البقاء. لا قضاء مساواة الدوام. م: (وهذا) ش: أي بطلان المفاوضة وصيرورتها عنانًا. م: (لأن الآخر) ش: أي الشريك الآخر. م: (لا يشاركه) ش: أي لا يشارك صاحبه. م: (فيما أصابه) ش: من المال. م: (لانعدام السبب) ش: أي سبب الشركة وهي التجارة. م: (في حقه) ش: أي في حق الآخر. م: (إلا أنها) ش: أي غير أن المفاوضة. م: (تنقلب عنانًا للإمكان، فإن المساواة ليست بشرط فيه) ش: أي في العنان ابتداء، وكل ما ليس بشرط فيه الابتداء لا يشترط فيه دوامًا. م: (ولدوامه) ش: أي ولدوام العنان. م: (حكم الابتداء لكونه غير لازم) ش: أي لكونه عقدًا غير لازم فإن أحد الشريكين إذا امتنع عن المضي على موجب العقد لا يجبره القاضي على ذلك فصار كالوكالة المفردة، فصار كأنهما إنشاء الشركة في الحال، ولا مساواة بينهما فيكون عنانًا. فإن قيل: الإجارة عقد لازم حتى لا يتفرد كل واحد من المتعاقدين بالفسخ ويجبرهما القاضي على المضي ومع ذلك لدوامها حكم الابتداء حتى لا يبقى بموت أحد المتعاقدين فكيف يصح التعليل بعدم اللزوم لإثبات مدعاه؛ إذ العقد اللازم لدوام حكم الابتداء كما في الإجارة. قيل: في جوابه الإجارة عقد غير لازم كما قال شريح لكون العقود عليه معه، وما في الحال فكان بمنزلة العارية، إلا أنه عند معاوضة واللزوم أصل في المعاوضات تحقيقًا للنظر من الجانبين كما في البيع والإجارة بموت أحدهما لا باعتبار كونه لازمًا باعتبار فوت المستحق؛ لأن رقبة الدار تنتقل إلى الوارث. م: (وإن ورث أحدهما) ش: أي أحد المتعاوضين. م: (عرضًا) ش: أي متاعًا من الأمتعة. م: (فهو له) ش: أي فالعرض له، يعني لا يكون في الشركة. م: (ولا تفسد المفاوضة، وكذا العقار) ش: أي وكذا لا يفسد المفاوضة، إذا ورث أحدهما عقارًا. م: (لأنه لا تصح فيه الشركة ولا شرط المساواة فيه) ش: أي في العنان، والله أعلم بالصواب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 387 فصل ولا تنعقد الشركة إلا بالدراهم والدنانير والفلوس النافقة، وقال مالك: تجوز بالعروض والمكيل والموزون إذا كان الجنس واحدا؛ لأنها عقدت على رأس مال معلوم فأشبه النقود. بخلاف المضاربة؛ لأن القياس يأباها، لما فيها من ربح ما لم يضمن فتقتصر على مورد الشرع.   [البناية] [فصل ولا تنعقد الشركة إلا بالدراهم والدنانير والفلوس النافقة] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان ما يصلح من الأموال لرأس مال الشركة، ولما كان المبحث هنا غير المبحث فيما قبله ذكره بفصل على حدة فقال. م: (ولا تنعقد الشركة إلا بالدراهم والدنانير والفلوس النافقة) ش: قال الكاكي في " المبسوط ": تكون المفاوضة والعنان في شركة البقل والوجوه مع عدم المال فيهما فكان قوله لا تنعقد الشركة إلا بكذا كيف يتحصل. قلت: المراد بقوله لا تنعقد الشركة هي شركة المفاوضة؛ لأن اللام للتعريف في الشركة فيصرف المذكور إلى السابق. وقال صاحب " النهاية " أيضًا: المراد شركة المفاوضة؛ لأنه شرع فيه بعد بيان المفاوضة، ولهذا بدأ بعد هذا ببيان شركة العنان، بقوله أما شركة العنان. بقوله بالفلوس النافقة إلى الرابحة؛ لأن غير النافقة من العروض وكذا يجوز بالبر النافقة ولا خلاف في أن المشتركة تصح بالنقدين والفلوس النافقة والخلاف في العروض، فقال أصحابنا أحمد والشافعي في وجه: لا يجوز، وقال في وجه: إن كانت العروض مثليًا يجوز؛ إذ المثلي نسبة المفقود، ويرجع عند المعاوضة بمثلها. م: (وقال مالك: يجوز بالعروض والمكيل والموزون أيضًا إذا كان الجنس واحدًا؛ لأنها) ش: أي لأن الشركة. م: (عقدت على رأس مال معلوم فأشبه النقود) ش: واشتراط اتحاد الجنس بناء على أن الخلط شرط عنده، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في ذلك خلاف مالك نظر لما تقدم من قوله، وقال مالك: لا أعرف، والمفاوضة إلا إذا ثبت عنه روايتان أو يكون تعريفًا على قول من يقول لها كما نقل عن أبي حنيفة في الزراعة. انتهى. قلت: نقل هذا عن مالك غير صحيح، وإنما هذا منقول عن الشافعي، وعند مالك يجوز لما نقله المصنف، وعن أحمد في رواية تجوز الشركة والمضاربة بالعروض، وبه قال الأوزاعي وطاووس وحماد بن أبي سليمان وابن أبي ليلى. م: (بخلاف المضاربة) ش: من تتمة قول مالك يعني المضاربة مختصة بالدراهم والدنانير. م: (لأن القياس يأباها) ش: أن يمنع جوازها. م: (لما فيها من ربح ما لم يضمن) ش: لأن المال ليس بمضمون على المضاربة بل هو أمانة في يده، فكان ما حصل من الربح ربح بمال غير مضمون، يستحق رب المال؛ لأنه لم يعمل في ذلك الربح، فلا يصح. م: (فيقتصر على مورد الشرع) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 388 ولنا أنه يؤدي إلى ربح ما لم يضمن لأنه إذا باع كل واحد منهما رأس ماله وتفاضل الثمنان فما يستحقه أحدهما من الزيادة في مال صاحبه ربح ما لم يملك وما لم يضمن بخلاف الدراهم والدنانير لأن ثمن ما يشتريه في ذمته؛ إذ هي لا تتعين، فكان ربح ما ضمن، ولأن أول التصرف في العروض البيع وفي النقود الشراء وبيع أحدهما ماله على أن يكون الآخر شريكا في ثمنه لا يجوز، وشراء أحدهما شيئا بماله على أن يكون البيع بينه وبين غيره جائزا   [البناية] ش: وهي الدراهم والدنانير. وأما في الشركة فإن كان واحدًا من الشريكين يعمل في ذلك المال فيستوي فيه العروض والنقود كما لو عمل واحد منهما في مال لنفسه يعتبر شركة يصح. م: (ولنا أنه) ش: أي عقد الشركة بالعروض. م: (يؤدي إلى ربح ما لم يضمن) ش: وأنه لا يجوز لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ذلك وأوضح فيما يروى أن ربح ما لم يضمن لا يجوز بقوله. م: (لأنه إذا باع كل واحد منهما) ش: أي من الشريكين من العروض. م: (رأس ماله وتفاضل الثمنان) ش: بأن باع أحدهما عرضه بأضعاف قيمته والآخر بمثل قيمته فاشتركا في الربح. م: (فما يستحقه أحدهما من الزيادة في مال صاحبه ربح ما لم يضمن) ش: وما لم يملك، وذلك لا يجوز م: بخلاف الدراهم والدنانير؛ لأن ثمن ما يشتريه) ش: كل واحد منهما برأس المال يتعلق الشراء برأس المال بعينه. وإنما يتعلق بمثله دينًا. م: (في ذمته إذ هي) ش: أي الأثمان. م: (لا تتعين) ش: والتغيير. م: (فكان ربح ما يضمن) ش: لتحقق شرط طيب الربح وهو وجوب المال في الذمة. م: (ولأن أول التصرف) ش: دليل آخر، أي أول التصرف في الشركة. م: (في العروض البيع) ش: أنه بيع العروض. م: (وفي النقود) ش: أي وفي الشركة في الدراهم والدنانير. م: (الشراء) ش: وهو ظاهر. م: (وبيع أحدهما) ش: أي أحد الشريكين. م: (ماله على أن يكون الآخر شريكًا في ثمنه لا يجوز) ش: لأن الشركة تقتضي الوكالة والتوكيل على الوجه الذي تضمنه الشركة لا يصح في العروض، فإنه لو قال لغيره: بع عرضك على أن ثمنه بيننا لا يصح. م: (وشراء أحدهما شيئًا بماله على أن يكون البيع بينه وبين غيره جائزًا) ش: ألا ترى أن من قال: اشتر بألف من مالك على أن ما تربح مشترك بيننا فالشركة جائزة وقدر صاحب " النهاية " هذا الدليل الثاني على وجه يئول إلى ربح ما لم يضمن، وذلك لأنه قال: لأن صحة الشركة باعتبار الوكالة في كل موضع لا تجوز الوكالة ملك الصفة لا تجوز الشركة، ومعنى هذا أن الوكيل بالبيع أن يكون أمينًا. فإذا شرط له جزءًا من الربح ما لم يضمن، فأما الوكيل بالشراء فهو من [..] في ذمته، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 389 وأما الفلوس النافقة تروج رواج الأثمان فألحقت بها. قالوا: هذا قول محمد لأنها ملحقة بالنقود عنده حتى لا تتعين بالتعيين، ولا يجوز بيع اثنين بواحد بأعيانها على ما عرف   [البناية] فإذا شرط له جزءًا من الربح كان هذا ربح ما قد ضمن. [الشركة بالفلوس النافقة] م: (وأما الفلوس النافقة) ش: فلأنها. م: (تروج رواج الأثمان) ش: أي كرواج الأثمان. م: (فالتحقت بها) ش: أي بالأثمان. م: (قالوا) ش: أي قال المتأخرون. م: (هذا) ش: أي هذا الذي ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - من جواز الشركة بالفلوس النافقة وهو. م: (قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: كذا فسره الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن ماله الفلوس التي ذكرها في أول الفصل، ذكرها القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مختصره وغيره. قال: قوله هذا أي جواز الشركة بالفلوس النافقة قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لأنها) ش: أي لأن الفلوس النافقة. م: (ملحقة بالنقود عنده) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (حتى لا يتعين بالتعيين) ش: كالدراهم والدنانير. م: (ولا يجوز بيع اثنين بواحد) ش: أي بيع فلسين بفلس واحد. م: (بأعيانها على ما عرف) ش: في نوع، وإنما قيد بأعيانها لتظهر ثمرة الاختلاف، فإنه لو باع فلسين بواحد من الفلوس نسيئة لا يجوز بالإجماع المركب. أما عندهما فله وجه النسبة في الجنس الواحد، وأما عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلهذا أو لمعنى الثمن، وأما إذا كانت بأعيانهما فعندهما يجوز وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز. ولم يذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الفلوس النافقة خلافًا، وإنما ألحقها بالدراهم والدنانير، ولم يذكر الخلاف فيها، وكذلك حكم الشبهة لم يذكر الخلاف فيها. وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": والأموال التي يصح بها عقد الشركة الدراهم والدنانير في قولهم جميعًا، ثم قال: وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصح بالفلوس أيضًا. وفي " الشامل " تجوز الشركة بالفلوس لأنها لا تتغير في العقد، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تصح، وهو رواية عن أبي حنيفة لأنه بيع مكادة وثمن أخرى. وقال الأسبيجابي في " شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولو كان رأس مال أحدهما لم تجز الشركة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الفلوس إنما صارت ثمنًا باصطلاح الناس، وليس بثمن في الأصل، وعند محمد تجوز وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأول. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 390 أما عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - لا تجوز الشركة والمضاربة بها؛ لأن ثمنها يتبدل ساعة فساعة وتصير سلعة، ويروى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والأول أقيس وأظهر، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - صحة المضاربة بها. قال: ولا تجوز الشركة بما سوى ذلك إلا أن تعامل الناس بالتبر والنقرة فتصح الشركة بهما هكذا ذكر في الكتاب. وفي " الجامع الصغير " ولا تكون المعاوضة بمثاقيل ذهب أو فضة، ومراده التبر. فعلى هذه الرواية التبر سلعة تتعين بالتعيين، فلا تصلح رأس المال في المضاربات والشركات.   [البناية] م: (أما عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - لا تجوز الشركة ولا المضاربة بها) ش: أي بالفلوس. م: (لأن ثمنها يتبدل ساعة فساعة وتصير سلعة) ش: فلا تجوز الشركة ولا المضاربة بالسلعة. م: (ويروى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني لا يجوز بيع الفلسين بفلس واحد، وهذا قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولًا. م: (والأول) ش: أي كون أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (أقيس) ش: أي أشبه. م: (وأظهر) ش: لأن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - جوز بيع الفلسين بفلس واحد إذا كانا عينين كأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وجعل الفلوس كالمعروض، فلما كان مذهبه في مسألة البيع مذهب أبي حنيفة كان مذهبه أيضًا في مسألة الشركة، لأن العروض لا تصلح رأس مال الشركة والمضاربة. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي روي عن أبي حنيفة رواه الحسن عنه. م: (صحة المضاربة بها) ش: أي بالفلوس النافقة. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا تجوز الشركة بما سوى ذلك) ش: أي سوى المذكور من الدراهم والدنانير والفلوس النافقة. م: (إلا أن تعامل الناس بالتبر) ش: بكسر التاء المثناة من فوق وسكون الباء الموحدة وهو من الذهب والفضة ما كان غير مصوغ. [عقد الشركة بما سوى المذكور من الدراهم والدنانير والفلوس النافقة] م: (والنقرة) ش: بضم النون وهي القطعة المذابة من الفضة والذهب. م: (فتصح الشركة بهما) ش: أي بالتبر والنقرة. م: (هكذا ذكره في الكتاب) ش: أي في " مختصر القدوري " - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وذكر في الجامع الصغير ولا تكون المعاوضة بمثاقيل ذهب أو فضة ومراده التبر) ش: أي مراد محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " من قوله قبل ذهب أو فضة التبر. م: (فعلى هذه الرواية) ش: أي رواية " الجامع الصغير ". م: (التبر سلعة تتعين بالتعيين، فلا تصلح رأس المال في المضاربات والشركات) ش: لأنه يؤدي إلى ربح ما لم يضمن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 391 وذكر في كتاب الصرف أن النقرة لا تتعين بالتعيين حتى لا ينفسخ العقد بهلاكه قبل التسليم. فعلى تلك الرواية تصلح رأس المال فيهما، وهذا لما عرف أنهما خلقا ثمنين في الأصل، إلا أن الأول أصح لأنها وإن خلقت للتجارة في الأصل لكن الثمنية تختص بالضرب المخصوص؛ لأنه عند ذلك لا يصرف أي شيء آخر ظاهرا، إلا أن يجري التعامل باستعمالهما ثمنا فينزل التعامل بمنزلة الضرب فيكون ثمنا ويصلح رأس المال، ثم قوله: ولا يجوز بما سوى ذلك يتناول المكيل والموزون والعددي المتقارب ولا خلاف فيه بيننا قبل الخلط، ولكل واحد منهما ربح متاعه، وعليه وضيعته، وإن خلطا ثم اشتركا فكذلك لا يجوز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشركة شركة ملك لا شركة عقد وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تصح شركة العقد. وثمرة   [البناية] م: (وذكر في كتاب الصرف) ش: من " الجامع الصغير ". م: (أن النقرة لا تتعين بالتعيين حتى لا ينفسخ العقد بهلاكه قبل التسليم. فعلى تلك الرواية تصلح رأس المال فيهما) ش: أي في المضاربات والشركات. م: (وهذا) ش: إشارة إلى أن النقرة لا تتعين بالتعيين. م: (لما عرف أنهما) ش: أن الذهب والفضة. م: (خلقا ثمنين في الأصل) ش: يعني رواية " الجامع الصغير " لأنها وإن خلقت للتجارة في الأصل لكن الثمنين مختصين بالضرب المخصوص؛ لأن عند ذلك أي عند الضرب المخصوص لا يصرف أي شيء آخر ظاهرًا. م: (إلا) ش: أن يجري التعامل. هذا استثناء من قوله. م: (أن الأول أصح لأنها وإن خلقت للتجارة في الأصل لكن الثمنية تختص بالضرب المخصوص؛ لأنه عند ذلك لا يصرف أي شيء آخر ظاهرًا، إلا أن يجري التعامل باستعمالها ثمنًا فينزل التعامل بمنزلة الضرب فيكون ثمنًا ويصلح رأس المال) ش: يعني أن الأول وهي رواية " الجامع الصغير " وهي أن النقرة لا تصلح إلا إذا جرى التعامل باستعمالها ثمنًا فينزل التعامل منزلة الضرب فيكون ثمنًا ويصلح رأس المال. م: (ثم قوله) ش: أي ثم قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ". م: (ولا يجوز بما سوى ذلك) ش: أي لا يجوز عقد الشركة بما سوى المذكور من الدراهم والدنانير والفلوس النافقة. م: (يتناول المكيل والموزون والعددي المتقارب ولا خلاف فيه بيننا) ش: أي لا خلاف في عدم جواز الشركة بالمكيل والموزون. والعددي المتقارب. م: (قبل الخلط) ش: فيما بينا، أي باتفاق أصحابنا. م: (ولكل واحد فيهما ربح متاعه وعليه وضيعته) ش: أي خسته وفي " المختلف " فإن خلطا ثبت بينهما شركة ملك، فإذا باعا فالربح والوضعية على قدر مالها كسائر الأعيان. م: (وإن خلطا ثم اشتركا فكذلك لا يجوز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشركة شركة ملك لا شركة عقد) ش: أي لا شركة عقد. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تصح شركة العقد، وثمرة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 392 الاختلاف تظهر عند التساوي في المالين، واشتراط التفاضل في الربح فظاهر الرواية ما قاله أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه يتعين بالتعيين بعد الخلط كما يتعين قبله ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها ثمن من وجه حتى جاز البيع بها دينا في الذمة وبيع من حيث إنه يتعين بالتعيين، فعملنا بالشبهين بالإضافة إلى الحالين بخلاف العروض لأنها ليست ثمنا بحال، ولو اختلفا جنسا كالحنطة والشعير والزيت والسمن فخلطا لا تنعقد الشركة بها بالاتفاق، والفرق لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] لاختلاف تظهر عند التساوي في المالين، واشتراط التفاضل في الربح) ش: عند أبي يوسف لا يستحق زيادة الربح بل لكل واحد من الربح بقدر ملكه، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الربح بينهما على ما شرط. م: (وظاهر الرواية ما قاله أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه) ش: أي كل من المذكور من المكيل والموزون والعددي المتقارب. م: (يتعين بالتعيين بعد الخلط كما يتعين قبله) ش: وشرط جواز الشركة أي لا يكون رأس المال مما يتعين بالتعيين لئلا يلزم ربح ما لم يضمن وما يصلح فيكون رأس مال الشركة لا يختلف الحكم فيه بالخلط وعدمه كالتعوذ. فكذا ما لا يصلح رأس مال الشركة لا يختلف الحكم فيه بالخلط وعدمه لأن قبل الخلط إنما لا يجوز شرط العقد بها لأنها متعينة، وأول التصرف فيها بيع فيؤدي إلى ربح ما لم يضمن، وهذا المعنى موجود بعد الخلط بل يزداد، وتقديرًا بالخلط لأن الخلط لا يتقرر إلا في معين، والمخلوط المشترك لا يكون إلا معينًا فيقرر المعنى المقر فلا يكون مصححًا للعقد. م: (ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها) ش: أي أن المكيل والموزون والعددي المتقارب. م: (ثمن من وجه حتى جاز البيع بها) ش: حال كونها. م: (دينًا في الذمة) ش: إذ هو من أحكام الثمن. م: (وبيع من حيث إنه يتعين بالتعيين، فعملنا بالشبهين) ش: أي سبب العرض والثمن. م: (بالإضافة إلى الحالين) ش: أي حالة الخلط وحالة عدمه فأشبها بالعروض لا تجوز الشركة بها قبل الخلط ولشبهها بالأثمان تجوز بعد الخلط. وهذا لأنه باعتبار الشبهين تضعف إضافة عقد الشركة إليها فيتوقف ثبوتها على ما يقويها، وهو الخلط يثبت شركة الملك لا محالة فتناول به شركة العقد لا محالة والعكس يتضمن ربح ما لم يضمن. م: (بخلاف العروض لأنها ليست ثمنًا بحال) ش: معين ليست بها جهة الثمنية، فلم تجز الشركة بها بعد الخلط أيضًا. م: (ولو اختلفا) ش: أي لو اختلف المالان. م: (جنسًا) ش: أي من حيث الجنسية. م: (كالحنطة والشعير والزيت والسمن فخلطا) ش: على صيغة المجهول. م: (لا تنعقد الشركة بها بالاتفاق) ش: فإذا كان كذلك يحتاج محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى الفرق أشار إليه بقوله. م: (والفرق لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 393 أن المخلوط من جنس واحد من ذوات الأمثال، ومن جنسين من ذوات القيم. فتمكن الجهالة كما في العروض، وإذا لم تصح الشركة فحكم الخلط قد بيناه في كتاب القضاء.   [البناية] ش: إنما احتاج إلى الفرق لأنه يقول بانعقاد الشركة بعد الخلط في جنس واحد ولا يقول بانعقادها إذا عقدا عقد الشركة بعد الخلط في جنسين، وبيان الفرق هو قوله. م: (أن المخلوط من جنس واحد من ذوات الأمثال) ش: حتى إن من أتلفه يضمن مثله. م: (ومن جنسين من ذوات القيم) ش: حتى إن من أتلفه ضمن قيمته فيمكن الجهالة؛ لأنه لا يمكن وصول كل واحد منهما إلى عين حقه من رأس المال قبل القسمة فلم تنعقد الشركة للجهالة بخلاف الجنس الواحد. فإن كل واحد منهما يمكنه أن يصل إلى عين حقه من رأس المال قبل القسمة باعتبار الملك. انعقدت الشركة. م: (فتمكن الجهالة كما في العروض) ش: قال تاج الشريعة: قوله من ذوات القيم لهذا يجب مبلغه القيمة، فكان المخلوط بمنزلة العروض، ذكره أبو الفضل. م: (وإذا لم تصح الشركة فحكم الخلط قد بيناه في كتاب القضاء) ش: أي إذا لم تصح شركة العقد يعني إذا عقداها بعد الخلط في جنس، أما شركة الملك فتثبت لا محالة لاختلاط المالين برضا صاحبيهما، ومعنى قوله فحكم الخلط يعني أن الحنطة إذا كانت وديعة عند رجل فخلطها الرجل بغير نفسه والحل بفتح فيقطع حق المالك إلى الضمان، وكذا إذا خلط المودع الحل الوديعة زيت نفسه، والحل بفتح الحاء المهملة، دهن السمسم. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله قد بيناه في كتاب " القضاء " فيه نظر؛ لأن صاحب " الهداية " لم يذكر حكم الخلط فيه، بل ذكره في كتاب الوديعة، وإنما ذكروا حكم الخلط في كتاب القضاء في " شرح الجامع الصغير " والله أعلم بصحة ما قال، إلا إذا قيل إنه بينه في " كفاية المنتهي " فله وجه إن صح ذلك. قال الكاكي: قوله في كتاب القضاء أراد القضاء في " الجامع الصغير "، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كذلك، أي كتاب القضاء الجامع، وأما في هذا الكتاب فقد بينه في كتاب الوديعة والدليل على أن مراده قضاء " الجامع الصغير " قوله: قد بيناه بلفظ الماضي، ولو كان مراده كتاب القضاء من هذا الكتاب لقال بينه، وقال تاج الشريعة قوله في كتاب القضاء، أورد المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذه المسألة في كتاب الوديعة.. انتهى. قلت: قد رأيت أن أحدًا من هؤلاء لم ينف القليل ولم يرو القليل. قلت: إن كان مراده في كتاب القضاء الذي ذكره في " كفاية المنتهي " على ما قيل لا يرد عليه شيء، وإن كان مراده كتاب القضاء الجامع على ما نص عليه أكثر الشراح فيحمل على أنه بينه هناك بكتابة شيء من الحواشي وتقديره بينا في قدريته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 394 قال: وإذا أرادا الشركة بالعروض باع كل واحد منهما نصف ماله بنصف مال الآخر ثم عقد الشركة. قال: وهذه شركة ملك لما بينا أن العروض لا تصلح رأس مال الشركة   [البناية] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مختصره. م: (فإذا أرادا الشركة بالعروض باع كل منهما نصف ماله بنصف مال الآخر ثم عقد الشركة) ش: هذه حيلة في تجويز عقد الشركة بالعروض توسعة على الناس، وقوله باع كل واحد منهما إلى آخره، صورة هذه الشركة إذا باع كل واحد منهما نصف ماله بنصف مال الآخر صار نصف مال واحد منهما مضمونًا على الآخر بالثمن، فيكون الربح الحاصل ربح ماله مضمون، فيكون العقد صحيحًا. م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وهذه شركة ملك لما بينا أن العروض لا تصلح رأس مال الشركة) ش: وفي الكاكي هذا مشكل لأن ذلك يحصل بمجرد البيع فلا يحتاج إلى قوله ثم عقد الشركة إلا أن يقال أراد بقوله عقد الشركة أي شركة ملك وفيه بعد. وقال الأترازي: ظاهر كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن هذا شركة العقد لا شركة الملك لأنه قال ثم عقد الشركة. وقال صاحب " النهاية " وهذه شركة ملك، وهذا عجيب منه وبعيد وقوله عن مثله قضاء تحقيقًا، وملخص النص ما ذكره في " المبسوط " ولو كان لأحدهما عروض وللآخر دراهم فباع هذا نصف العروض بنصف تلك الدراهم وتقابضا واشتركا شركة أو معاوضة جاز والحق العنان والمعاوضة في هذه الشركة وهما من شركة العقود. لأنه شركة الملك وملخص التحقيق أن العروض إنما لا تصلح رأس المال الشركة قبل البيع لأنه يقتضي ربح ما لا يضمن بخلاف ما إذا كان بعد البيع على الوجه المذكور الربح فيه يحصل من مال مضمون كما ذكرناه. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال شيخي العلامة عدم جواز الشركة بالعروض كناية عن معنيين أحدهما: ربح مال يضمن كما بينا. والثاني حرما له رأس المال، فإذا باع أحدهما نصف عرضه بنصف عرض عن الآخر ثم عقد الشركة فقال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وروي يجوز، واختاره شيخ الإسلام وصاحب " الذخيرة " وصاحب " شرح الطحاوي " والمزني من أصحاب الشافعي لأن رأس المال صار معلومًا، وصار نصف مال كل منهما بالبيع مضمومًا على صاحبه بالثمن، فكان الربح الحاصل في ماليهما ربح مال مضمون عليهما فيجوز. ثم قال الكاكي ثم المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اختار عدم الجواز وعدم ما ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وروي ما علله وقال وهو نظير ما ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويستحب للمتأخر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 395 وتأويله إذا كانت قيمة متاعهما على السواء، ولو كانت بينهما تفاوت بيع صاحب الأقل بقدر ما تثبت به الشركة. قال: وأما شركة العنان فتنعقد على الوكالة دون الكفالة وهي أن يشترك اثنان في نوع بز أو طعام أو يشرك في عموم التجارات. ولا يذكرن الكفالة وانعقاده على الوكالة لتحقق مقصوده كما بيناه،   [البناية] أن ينوي الطهارة ثم عدم المصنف بقوله فالنية والوضوء سنة، وله في هذا الكتاب نظائر كثيرة. انتهى. قلت: قد طول الشراح هنا كلامهم، والأحسن أن يقال: إن صاحب القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - اختار ما ذكره واختار صاحب " الهداية " ما ذكره وليس فيه اعتراض لأحدهما على الآخر ولا لغيرهما اعتراض عليها فافهم. م: (وتأويله) ش: أي تأويل ما قاله القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " من بيع نصف عرض أحدهما بنصف عرض الآخر. م: (إذا كانت قيمة متاعيهما على السواء. ولو كانت بينهما) ش: أي بين متاعيهما. م: (تفاوت بيع صاحب الأقل بقدر ما تثبت به الشركة) ش: مثل أن تكون قيمة عرض أحدهما أربعمائة وقيمة عرض الآخر مائة يبيع صاحب الأقل أربعة أخماس عرضه بخمس عرض آخر، فيكون الربح الحاصل في المالين ربح مال مضمون على كل واحد منهما فيطيب ويصير المتاع كله أخماسًا ويكون الربح بينهما على قدر رأس ماليهما. [صورة شركة العنان] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ". م: (وأما شركة العنان) ش: وهذا عطف على قوله فأما شركة المفاوضة في أوائل الكتاب. م: (فتنعقد على الوكالة دون الكفالة) ش: ويجيء بيانه عن قريب. م: (وهي) ش: أي شركة العنان أي صورتها. م: (أن يشترك اثنان في نوع بز) ش: بفتح الباء الموحدة وتشديد الزاء، قال ابن دريد: البز متاع البيت من الثياب خاصة، وعن الليث ضرب من الثياب ومنه البز متاع جاريته إذا جوزها من الثياب. وعن ابن الرنسباري رجل حبس البز أي الثياب، وعن الجوهري وهو من الثياب، وقال في " السير الكبير " عند أهل الكوفة ثياب الكتان والقطن لا ثياب الصوف والخز، ويقال البزاز لبائعه، والبز حرفته، والبز بكسر الباء كقولهم رجل حسن البزة. م: (أو طعام) ش: أي أو اشتركا في طعام أي حنطة. م: (أو يشترك في عموم التجارات) ش: عطف على قوله أن يشترك. م: (ولا يذكرن الكفالة) ش: أي في العقد. م: (وانعقاده) ش: أي انعقاد عقد شركة العنان. م: (على الوكالة لتحقق مقصوده) ش: أي لتحقق المقصود من العقد وهو التصرف في مال الغير فلا يكون ذلك إلا بالوكالة عند عدم الوكالة. م: (كما بيناه) ش: أي فيما مضى في الجزء: 7 ¦ الصفحة: 396 ولا ينعقد على الكفالة لأن اللفظ مشتق من الأعراض يقال عن له أي عرض وهذا لا ينبئ عن الكفالة، وحكم التصرف لا يثبت بخلاف مقتضى اللفظ. ويصح التفاضل في المال للحاجة إليه، وليس من قضية اللفظ المساواة ويصح أن يتساويا في المال ويتفاضلا في الربح، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز   [البناية] أول الكتاب من قوله وشرطه أن يكون التصرف المقصود عليه عقد الشركة قابلًا للوكالة ليكون ما استفاد بالتصرف مشتركًا بينهما فيتحقق حكمه المطلوب له. م: (ولا ينعقد على الكفالة) ش: أي لا تنعقد شركة العنان على الكفالة بأن لا يكون كل واحد منهما كفيلًا عن الآخر. م: (لأن اللفظ) ش: أي لفظ العنان. م: (مشتق من الأعراض) ش: أراد بالاشتقاق من جهة المعنى لا من جهة اللفظ؛ لأن لفظ العنان غير مشتق يجب الاصطلاح من الأعراض بل من حيث المعنى. ولهذا قال. م: (يقال عن له أي عرض) ش: يقال كذا أي عرض؛ قال امرؤ القيس: فعن لنا سرب كأن نعاجه معناه ظهر لنا قطيع من بقر الوحش. وقال ابن المكسر كأنه عن لهما شيء فاشتركا فيه، وقال بعض أهل اللغة هذا شيء أخذ به أهل الكوفة ولم يتكلم به العرب، وليس كذلك بما ذكرنا من شعر امرئ القيس. وقيل هذا مأخوذ من عنان الفرس كما ذهب إليه النسائي والأصمعي إذ كل منهما جعلا عنان التصرف في بعض ماله إلى صاحبه، أو لأنه يجوز أن مقارنًا في المال والربح، كما يتفاوت العنان في يد الراكب حالة المد والادخار، كذا في " المبسوط " و" الإيضاح ". م: (وهذا) ش: أي معنى العنان. م: (لا ينبئ عن الكفالة) ش: أي لا يفهم منه معنى الكفالة فلا ينعقد عليها. م: (وحكم التصرف لا يثبت بخلاف مقتضى اللفظ) ش: أي حكم التصرف في اللفظ لا يثبت بخلاف ما يقتضيه ذلك اللفظ، فلفظ العنان لا يدل على معنى الكفالة فلا يتضمنها. م: (ويصح التفاضل في المال للحاجة إليه) ش: لأنه لا يقتضي المساواة فجاز التفاضل، وهو معنى قوله. م: (وليس من قضية اللفظ المساواة) ش: أي ليس من مقتضى لفظ العنان المساواة مثل المفاوضة. م: (ويصح أن يتساويا) ش: أي الشريكان شركة العنان. م: (في المال ويتفاضلا في الربح) ش: وبه قال أحمد. م: (وقال زفر والشافعي: لا يجوز) ش: وبه قال مالك. وفي " فتاوى قاضي خان " لو شرط المساواة في الربح أو شرطا لأحدهما فضل ربح أي شرطا العمل عليها كان الربح بينهما على ما شرطا عملًا جميعًا أو عمل أحدهما وإن شرطا العمل على أقليهما ربحًا لا يجوز في " الذخيرة ". الجزء: 7 ¦ الصفحة: 397 لأن التفاضل فيه يؤدي إلى ربح ما لم يضمن، فإن المال إذا كان نصفين والربح أثلاثا فصاحب الزيادة يستحقها بلا ضمان إذ الضمان بقدر رأس المال، ولأن الشركة عندهما في الربح للشركة في الأصل لهذا يشترطان الخلط، فصار ربح المال بمنزلة نماء الأعيان فيستحق بقدر الملك في الأصل ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الربح ما على شرطا والوضيعة على قدر المالين، ولم يفصل، ولأن الربح كما يستحق بالمال يستحق بالعمل كما في المضاربة. وقد يكون أحدهما أحذق وأهدى وأكثر عملا وأقوى، فلا يرضى بالمساواة فمست الحاجة إلى التفاضل   [البناية] والأصل أن في هذه الشركة حقوق العقد ترجع إلى العاقد لا غير، وإذا شرطا في هذه الشركة العمل وشرطا التفاوت في الربح مع التساوي في المال جاز عند علمائنا الثلاثة. م: (لأن التفاضل فيه) ش: أي في الربح. م: (يؤدي إلى ربح ما لم يضمن) ش: وهو لا يجوز. م: (فإن المال إذا كان نصفين والربح أثلاثًا) ش: أي وكان الربح أثلاثًا. م: (فصاحب الزيادة يستحقها بلا ضمان إذ الضمان بقدر رأس المال) ش: ولهذا يصح الشرط معه على هذا الوجه. م: (ولأن عقد الشركة عندهما) ش: أي عند زفر والشافعي. م: (في الربح للشركة في الأصل يشترطان الخلط) ش: في المالين حتى لو لم يخلطا رأس مالهما لا تثبت الشركة عندهما. م: (فصار ربح المال بمنزلة نماء الأعيان فيستحق بقدر الملك في الأصل، ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (الربح على ما شرطا والوضيعة على قدر المالين) ش: هذا غريب جدًا وليس له أصل، ويوجد في بعض كتب الأصحاب من قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وعن هذا قال الأترازي: ولنا ما روى أصحابنا في كتبهم عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: الربح على ما اشترط العاقدان والوضيعة على قدر المال، وكذا قال أكثر الشراح. م: (ولم يفصل) ش: يعني بين التساوي والتفاضل، وفي بعض النسخ من غير فصل. م: (ولأن الربح كما يستحق بالمال يستحق بالعمل كما في المضاربة) ش: أي كما يستحق بالعمل في المضاربة. فإن قيل: في المضاربة لو شرطا العمل على رب المال تفسد العقود وهاهنا لا يفسد، فكيف جواز إلحاقه بالمضاربة؟ قلنا: المضاربة أمانة، وتمام الأمانة تقف على التخلية فإذا شرط على رب المال لم توجد التخلية، أما هاهنا فكل واحد كالأجير من مال الآخر فشرطه على رب المال لا يبطل العقد، فإن من استأجر أجيرًا لنفسه على العمل جاز. كذا في " الإيضاح ". م: (وقد يكون أحدهما) ش: أي أحد شريكي العنان. م: (أحذق) ش: بالحاء المهملة والذال المعجمة أي أنفس في أسماء المالية. م: (وأهدى) ش: إلى طريق الصواب في تصرفاته. م: (وأكثر عملًا وأقوى) ش: في عمله من صاحبه. م: (فلا يرضى بالمساواة فمست الحاجة إلى التفاضل) ش: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 398 بخلاف اشتراط جميع الربح لأحدهما؛ لأنه يخرج العقد به من الشركة ومن المضاربة أيضا إلى قرض باشتراطه للعامل أو إلى بضاعة باشتراطه لرب المال، وهذا العقد يشبه المضاربة من حيث إنه يعمل في مال الشريك ويشبه الشركة اسما وعملا فإنهما يعملان فعملنا بشبه المضاربة، وقلنا يصح اشتراط الربح من غير ضمان وبشبه الشركة. حتى لا يبطل باشتراط العمل عليهما. قال ويجوز أن يعقدها كل واحد منهما   [البناية] فيجوز كذلك. م: (بخلاف اشتراط جميع الربح لأحدهما) ش: هذا جواب عما يقال إذا شرط جميع الربح لأحدهما لا يجوز، فكذا إذا شرط الفضل. والجامع القول بالربح عن العيط على قدر المال، وتقدير الجواب هو قوله. م: (لأنه) ش: أي لأن اشتراط الربح أحدهما. م: (يخرج العقد به) ش: أي باشتراط الربح لأحدهما. م: (من الشركة) ش: لأن الشركة هي أن يكون الربح مشتركًا. م: (ومن المضاربة أيضًا) ش: أي ويخرج باشتراط جميع الربح لأحدهما من عقد المضاربة أيضًا. م: (إلى قرض) ش: يتعلق بقوله يخرج العقد به أراد أن اشتراط الربح أحدهما إن كان للعامل فيكون قرضًا، وهو معنى قوله إلى قرض. م: (باشتراطه) ش: أي باشتراط الربح. م: (للعامل أو إلى بضاعة) ش: أي أو يخرج العقد باشتراط الربح لأحدهما إلى بضاعة يعني يصير بضاعة إن كان هو رب المال. وهو معنى قوله إلى بضاعة. م: (باشتراطه لرب المال) ش: ويخرج عن كونه شرطة لأنه إما أن يكون قرضًا وإما أن يكون بضاعة. م: (وهذا العقد يشبه المضاربة) ش: هذا جواب لقول زفر والشافعي - رحمهما الله - إن التفاضل في الربح مع التساوي في المال يؤدي إلى ربح ما لم يضمن بطريق التسليم بيانه أن هذا العقد أي شركة العنان تشبه المضاربة. م: (من حيث إنه يعمل في مال الشريك) ش: لأنه يحل لواحد منهما [أن] يعمل في مال صاحبه كالمضارب يعمل في مال رب المال. م: (ويشبه الشركة) ش: أي شركة المفاوضة. م: (اسمًا) ش: أي من حيث الاسم؛ لأن كل واحد من العنان والمفاوضة يسمى شركة. م: (وعملًا) ش: أي من حيث العمل. م: (فإنهما يعملان) ش: لأن شريك العنان يعمل في نصيب صاحبه كالمفاوضة فصار لهما شبهان شبه المضاربة وشبه بالشركة المفاوضة. م: (فعملنا بشبه المضاربة وقلنا يصح اشتراط الربح من غير ضمان وبشبه الشركة) ش: أي عملها يشبه شركة المفاوضة. م: (حتى لا يبطل باشتراط العمل عليهما) ش: أي على الشريكين. م: (قال) ش: أي القدوري في " مختصره ". م: (ويجوز أن يعقدها) ش: أي أن يعقد شركة العنان. م: (كل واحد منهما) ش: أي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 399 ببعض ماله دون البعض لأن المساواة في المال ليس يشترط فيه إذ اللفظ لا يقتضيه، ولا يصح إلا بما بينا أن المفاوضة تصح للوجه الذي ذكرناه، ويجوز أن يشتركا، من جهة أحدهما دنانير ومن الآخر دراهم. وكذا من أحدهما دراهم بيض ومن الآخر سود. وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا يجوز وهذا بناء على اشتراط الخلط وعدمه فإنه عندهما شرط، ولا يتحقق ذلك في مختلفي الجنس، وسنبينه من بعد إن شاء الله تعالى. قال وما اشتراه كل واحد منهما للشركة طولب بثمنه دون الآخر لما بينا أنه يتضمن الوكالة دون الكفالة، والوكيل هو الأصل في الحقوق. قال ثم يرجع على شريكه بحصته منه معناه إذا أدى من مال نفسه لأنه وكيل من جهته في حصته فإذا نقد من مال نفسه رجع عليه،   [البناية] من الشريكين. م: (ببعض ماله دون البعض) ش: بأن يكون مال آخر مما يجوز عليه الشركة سوى المال الذي اشتركا فيه. م: (لأن المساواة في المال ليست بشرط فيه) ش: أي في العنان. م: (إذ اللفظ) ش: أي لفظ العنان. م: (لا يقتضيه) ش: أي لا يقتضي المساواة بتأويل الاستواء بخلاف لفظ المفاوضة. م: (ولا يصح) ش: أي شركة العنان. م: (إلا بما بينا) ش: عند قوله ولا تنعقد الشركة إلا بالدراهم والدنانير والفلوس النافقة، ولا تصح بالعروض. م: (أن المفاوضة تصح للوجه الذي ذكرناه) ش: يعني ما ذكره في أول هذا الفصل أنه يؤدي إلى ربح ما لم يضمن. م: (ويجوز أن يشتركا، من جهة أحدهما دنانير ومن الآخر دراهم) ش: لفظ القدوري. وقال المصنف. م: (وكذا من أحدهما دراهم بيض ومن الآخر سود) ش: وفي " الأسرار " وكذا الصحاح والكبيرة. م: (وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا يجوز وهذا بناء) ش: أي هذا الخلاف مبني. م: (على اشتراط الخلط وعدمه فإنه عندهما) ش: أي عند زفر والشافعي - رحمهما الله - الخلط. م: (شرط، ولا يتحقق ذلك) ش: أي الخلط. م: (في مختلفي الجنس) ش: لأن الدراهم والدنانير مالان لا يختلطان. م: (وسنبينه من بعد إن شاء الله تعالى) ش: أي سنبين أشياء الخلط في جواز الشركة عند زفر والشافعي - رحمهما الله - وعدم اشتراطه عندنا عند قوله وتجوز الشركة وإن لم يخلطا المال. م: (قال) ش: أي القدوري. م: (وما اشتراه كل واحد منهما) ش: أي من الشريكين العنان. م: (للشركة) ش: أي لأجل الشركة. م: (طولب) ش: أي الذي اشتراه. م: (بثمنه) ش: أي بثمن الذي اشتراه. م: (دون الآخر) ش: أي الشريك الآخر، أي لا يطالب به. م: (لما بينا) ش: فيما مضى. م: (أنه) ش: أي إن العنان. م: (يتضمن الوكالة دون الكفالة، والوكيل هو الأصل في الحقوق) ش: يعني هو الطالب فيها. م: (قال) ش: أي القدوري. م: (ثم يرجع) ش: أي الذي اشتراه. م: (على شريكه بحصته منه) ش: أي من الثمن. م: (معناه) ش: أي معنى كلام القدوري. م: (إذا أدى من مال نفسه لأنه وكيل من جهته في حصته) ش: أي في حصة صاحبه. م: (فإذا نقد من مال نفسه رجع عليه) ش: أي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 400 فإن كان لا يعرف ذلك إلا بقوله فعليه الحجة لأنه يدعي وجوب المال في ذمة الآخر، وهو منكر. والقول للمنكر مع يمينه. قال وإذا هلك مال الشركة أو أحد المالين قبل أن يشتريا شيئا بطلت الشركة لأن المعقود عليه في عقد الشركة المال فإنه يتعين فيه كما في الهبة والوصية وبهلاك المعقود عليه يبطل العقد كما في البيع بخلاف المضاربة والوكالة المفردة؛ لأنه لا يتعين الثمنان فيهما بالتعيين، وإنما يتعينان بالقبض على ما عرف،   [البناية] على شريكه. م: (فإن كان لا يعرف ذلك إلا بقوله) ش: يعني إذا لم يعرف أنه أدى الثمن من مال نفسه أو من مال الشركة إلا بقوله. م: (فعليه الحجة) ش: أي فعليه إقامة البينة. م: (لأنه يدعي وجوب المال في ذمة الآخر، وهو منكر) ش: أي والآخر منكر. م: (والقول للمنكر مع يمينه) ش: بالنص. [هلك مال الشركة أو أحد المالين قبل أن يشتريا شيئًا] م: (قال) ش: أي القدوري في " مختصره ". م: (وإذا هلك مال الشركة أو أحد المالين) ش: أي أو هلك أحد المالين. م: (قبل أن يشتريا شيئًا بطلت الشركة لأن المعقود عليه في عقد الشركة المال) ش: أي المعقود عليه هو المال فإذا فات المعقود عليه لا يبقى العقد كما في البيع. م: (فإنه) ش: أي فإن المال. م: (يتعين فيه) ش: أي في عقد الشركة، وإن كان لا يتعين في سائر المعاوضات عندنا خلافًا لزفر والشافعي - رحمهما الله -. م: (كما يتعين) ش: أي المال. م: (في الهبة والوصية) ش: والوديعة أيضًا. م: (وبهلاك المعقود عليه يبطل العقد كما في البيع) ش: أي كما يبطل في البيع لأن الركن فيه هو المال. م: (بخلاف المضاربة والوكالة المفردة) ش: احترز بالمفردة عن الوكالة الثابتة في ضمن عقد الشركة وفي ضمن عقد الرهن؛ لأن المعقود يتعين فيهما. م: (لأنه) ش: أي لأن الثمنين. م: (لا يتعين الثمنان) ش: أراد بهما الدراهم والدنانير. م: (فيهما) ش: أي المضاربة والوكالة المفردة. م: (بالتعيين وإنما يتعينان بالقبض على ما عرف) ش: في موضعه، والوكالة المفردة، فمن وكل رجلًا بشراء عبد دفع إليه دراهم فهلك فإنها لا تبطل. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيه نظر؛ لأن المعقود يتعين في المضاربة والشركة جميعًا قبل القبض والتسليم حتى إذا هلك قبل التسليم بطلت نص عليه، وفي الزيادات بخلاف الوكالة فإن النقود فيها لا تتعين قبل التسليم. أما بعد التسليم ففي نفسها اختلاف المشايخ، فقال بعضهم: تتعين فيها النقود، وقال بعضهم: لا تتعين. وقال شيخي العلاء: الذي ذكره في الزيادات من اشتراط قبض رأس المال في المضاربة محمول على عقد المضاربة بالتعاطي وهو أن يقول رب المال للمضارب خذ هذا المال مضاربة بالنصف فإن المضاربة رب لو لم تعرف تبطل المضاربة، وهذا يرد نظر الأترازي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 401 وهذا ظاهر فيما إذا هلك المالان، وكذا إذا هلك أحدهما لأنه ما رضي بشركة صاحبه في ماله إلا ليشركه في ماله، فإذا فات ذلك لم يكن راضيا بشركته فيبطل العقد لعدم فائدته أيهما هلك من مال صاحبه إن هلك في يده فظاهر، وكذا إذا كان هلك في يد الآخر؛ لأنه أمانة في يده بخلاف ما بعد الخلط حيث يهلك على الشركة؛ لأنه لا يتميز فيجعل الهلاك من المالين. وإن اشترى أحدهما بماله وهلك مال الآخر قبل الشراء فالمشترى بينهما على ما شرطا؛ لأن الملك حين وقع مشتركا بينهما لقيام الشركة وقت الشراء، فلا يتغير الحكم بهلاك مال الآخر بعد ذلك، ثم الشركة شركة عقد عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا للحسن بن زياد، حتى إن أيهما باع جاز بيعه لأن الشركة قد تمت في المشترى، فلا تنتقض بهلاك المال بعد تمامها. قال ويرجع على شريكه بحصة من ثمنه   [البناية] م: (وهذا ظاهر) ش: أي بطلان الشركة ظاهر. م: (فيما إذا هلك المالان) ش: لفوات المعقود عليه. م: (كذا إذا هلك أحدهما) ش: أي أحد المالين. م: (لأنه) ش: أي لأن الشريك الذي لم يهلك ماله. م: (ما رضي بشركة صاحبه في ماله إلا ليشركه في ماله، فإذا فات ذلك لم يكن راضيًا بشركته فيبطل العقد لعدم فائدته) ش: أي فائدة العقد. م: (وأيهما) ش: أي المالين. م: (هلك من مال صاحبه إن هلك في يده فظاهر) ش: وإن هلك في يد صاحبه فكذلك، وهو معنى قوله: م: (وكذا إذا كان) ش: أي الهالك. م: (هلك في يد الآخر؛ لأنه أمانة في يده) ش: ولا ضمان على الأمين. م: (بخلاف ما بعد الخلط) ش: أي بخلاف ما إذا كان هلاك المال ما بعد الخلط. م: (حيث يهلك على الشركة؛ لأنه لا يتميز فيجعل الهلاك من المالين) . ش: وفي بعض النسخ: فيجعل الهلاك من المالين أي يجعل الهلاك هلاكًا من المالين. م: (وإن اشترى أحدهما) ش: أي أحد الشريكين. م: (بماله وهلك مال الآخر قبل الشراء فالمشترى بينهما على ما شرطا؛ لأن الملك حين وقع مشتركًا بينهما لقيام الشركة وقت الشراء، فلا يتغير الحكم) ش: أي حكم الملك. م: (بهلاك مال الآخر بعد ذلك، ثم الشركة شركة عقد عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافًا للحسن بن زياد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده شركة ملك وفائدة هذا الخلاف تظهر في قوله. م: (حتى إن أيهما باع جاز بيعه) ش: عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ولا يجوز عند الحسن أن يتصرف في نصيب الآخر لأنه شركة ملك، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - شركة عقد. م: (لأن الشركة قد تمت في المشترى، فلا تنتقض بهلاك المال بعد تمامها) ش: فجاز تصرف كل منهما في نصيب الآخر. م: (قال) ش: أي القدوري. م: (ويرجع على شريكه بحصة من ثمنه) ش: أي بحصة الشريك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 402 لأنه اشترى نصفه بوكالته ونقد الثمن من مال نفسه وقد بيناه هذا إذا اشترى أحدهما بأحد المالين أولا ثم هلك مال الآخر، أما إذا هلك مال أحدهما ثم اشترى الآخر بمال الآخر إن صرحا بالوكالة في عقد الشركة، فالمشترى مشترك بينهما على ما شرطا لأن الشركة إن بطلت فالوكالة المصرح بها قائمة، فكان مشتركا بحكم الوكالة وتكون شركة ملك ويرجع على شريكه بحصته من الثمن لما بيناه، وإن ذكرا مجرد الشركة ولم ينص على الوكالة فيها كان المشترى للذي اشتراه خاصة لأن الوقوع على الشركة حكم الوكالة التي تضمنتها الشركة حتى إذا بطلت يبطل ما في ضمنها بخلاف ما إذا صرح بالوكالة لأنها مقصودة. قال وتجوز الشركة وإن لم يخلطا المال، وقال زفر والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجوز لأن الربح فرع المال ولا يقع الفرع على الشركة إلا بعد الشركة في الأصل وإنه   [البناية] ثمن المشتري، وذلك. م: (لأنه اشترى نصفه) ش: وهو حصة الشريك. م: (بوكالته ونقد الثمن من مال نفسه) ش: والوكيل إذا قضى الثمن من مال نفسه يرجع على الموكل، فكذا هنا. م: (وقد بيناه) ش: أي عند قوله إذا أدى من مال نفسه. م: (هذا) ش: أي هذا الذي قلنا فيها. م: (إذا اشترى أحدهما بأحد المالين أولًا ثم هلك المال الآخر) ش: بالرفع صفة للمال، وفي بعض النسخ في مال الآخر، أي الشريك الآخر. م: (أما إذا هلك مال أحدهما) ش: أي أحد المالين. م: (ثم اشترى الآخر بمال الآخر إن صرحا بالوكالة في عقد الشركة فالمشترى مشترك بينهما على ما شرطا لأن الشركة إن بطلت فالوكالة المصرح بها قائمة، فكان مشتركًا بحكم الوكالة) ش: المقصودة لا بحكم عقد الشركة. م: (وتكون شركة ملك) ش: لا فلوس، لا يجوز لأحدهما أن يتصرف في نصيب الآخر إلا بإذنه؛ لأن الملك بالوكالة، والوكيل لا يتصرف في المشترى بدون إذن الوكيل فكذا هذا. م: (ويرجع على شريكه بحصته من الثمن لما بيناه) ش: إشارة إلى قوله لأنه وكيل من جهته. م: (وإن ذكرا مجرد الشركة ولم ينص على الوكالة فيها) ش: أي في الشركة. م: (كان المشترى للذي اشتراه خاصة؛ لأن الوقوع على الشركة حكم الوكالة التي تضمنتها الشركة فإذا بطلت يبطل ما في ضمنها) ش: أي فإذا بطلت الشركة بطلت الوكالة البائعة في عقد الشركة أيضًا. م: (بخلاف ما إذا صرح بالوكالة؛ لأنها مقصودة) ش: أي لأن الوكالة مقصودة، فيكون المشترى بينهما بحكم الوكالة المقصودة. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وتجوز الشركة وإن لم يخلطا المال) ش: وبه قال أحمد ومالك - رحمهما الله - إلا أن مالكًا شرط أن تكون أيديهما عليه بأن يجعل في حانوت لهما أو في يد وكيل لها. م: (وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا تجوز لأن الربح فرع المال ولا يقع الفرع على الشركة إلا بعد الشركة في الأصل) ش: الذي هو المال. م: (وإنه) ش: أي وإن الشركة على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 403 بالخلط، وهذا لأن المحل هو المال، ولهذا يضاف إليه ويشترط تعين رأس المال بخلاف المضاربة؛ لأنها ليست بشركة وإنما هو يعمل لرب المال فيستحق الربح على عمالة عمله، أما هنا بخلافه، وهذا أصل كبير لهما حتى يعتبر اتحاد الجنس ويشترط الخلط ولا يجوز التفاضل في الربح مع التساوي في المال ولا تجوز شركة التقبل والأعمال لانعدام المال. ولنا أن الشركة في الربح مستندة إلى العقد دون المال لأن العقد يسمى شركة. فلا بد من تحقق معنى هذا الاسم فيه فلم يكن الخلط شرطا،   [البناية] تأويل الاشتراك إنما يكون. م: (بالخلط) ش: لأن الشركة عبارة عن الاختلاط. م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله لأن الربح على المال يعني وإنما قلنا إن الربح فرع المال. م: (لأن المحل) ش: أي محلًا للشركة. م: (هو المال، ولهذا يضاف إليه) ش: يقال عقد شركة المال. م: (ويشترط تعيين رأس المال) ش: فتكون الشركة في الثمرة مسندة إلى المال. م: (بخلاف المضاربة) ش: فإنها تصح بدون الخلط. م: (لأنها ليست بشركة وإنما هو) ش: أي المضارب. م: (يعمل لرب المال فيستحق الربح على عمالة عمله، أما هنا بخلافه) ش: بالإضافة قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نصب بنزع الخافض أي من عمالة عمله وهي أجرة العمل، وفي نسخة شيخي العلاء عمالة على عمله، وفسر العمالة بالجهالة، وكون العمالة منصوبًا بنزع الخافض، ليس له وجه على ما لا يخفى لا وجه أن يكون منصوبًا على التعليل أي لأجل عمالة على عمله. م: (وهذا أصل كبير) ش: إشارة إلى قوله لأن الربح فرع المال. م: (لهما) ش: أي لزفر والشافعي - رحمهما الله -، ثم أوضح كون هذا أصلًا كبيرًا عندهما - رحمهما الله - بقوله. م: (حتى يعتبر اتحاد الجنس) ش: يعني بناء على أصلهما ذلك، فإنه إذا كان رأس مال أحدهما دراهم، والآخر دنانير فإنه تنعقد الشركة بينهما صحيحة عندنا، خلافًا لزفر والشافعي - رحمهما الله -. م: (ويشترط الخلط) ش: عندهما. م: (ولا يجوز التفاضل في الربح مع التساوي في المال) ش: هذا أيضًا على أصلهما. م: (ولا تجوز شركة التقبل والأعمال لانعدام المال) ش: هذا أيضًا على أصلهما. م: (ولنا أن الشركة في الربح مستندة إلى العقد دون المال) ش: وكل ما هو مسند إليه هو الأصل. م: (لأن العقد يسمى شركة) ش: لا المال. م: (فلا بد من تحقق معنى هذا الاسم فيه) ش: أي اسم الشركة في العقد إذا كان الأصل هو العقد وهو موجود يثبت الحكم في الفرع وهو الربح. م: (فلم يكن الخلط شرطًا) ش: لأن الشركة حصلت في الأصل وهو العقد بلا خلط، وحصلت في الفرع وهو الربح الذي استعيد من العقد فلم يكن اتحاد الجنس شرطًا ولا الخلط ولا التساوي في الربح على ما يجيء. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 404 ولأن الدراهم والدنانير لا يتعينان، فلا يستفاد الربح برأس المال، وإنما يستفاد بالتصرف؛ لأنه في النصف أصيل وفي النصف وكيل، وإذا تحققت الشركة في التصرف بدون الخلط تحققت في المستفاد به وهو الربح بدونه، وصار كالمضاربة فلا يشترط اتحاد الجنس والتساوي في الربح، وتصح شركة التقبل. قال ولا تجوز الشركة إذا شرط لأحدهما دراهم مسماة من الربح لأنه شرط يوجب انقطاع الشركة فعساه لا يخرج إلا قدر المسمى لأحدهما ونظيره في المزارعة،   [البناية] م: (ولأن الدراهم والدنانير لا يتعينان) ش: هذا دليل ثان هو كالشرح للدليل الأول، ومعنى لا يتعينان في الشراء لا في الشركة، أي لا يتعينان في حق الاستحقاق إذا وجد الشراء بهما، فإذا لم يتعينا. م: (فلا يستفاد الربح برأس المال وإنما يستفاد في التصرف لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الشريكين. م: (في النصف أصيل، وفي النصف وكيل) ش: لأن موجب العقد الوكالة فكان كل واحد منهما موكلًا للآخر في نصيبه فيصرف كل واحد منهما في مال الشركة في بعضه بطريق الأصالة، وفي بعضه بطريق الوكالة. وهذه الوكالة إنما تثبت في ضمن عقد الشركة فلذلك يضاف الربح الحال إلى العقد؛ لأن الحكم كما يضاف إلى العلة يضاف إلى علة العلة فكان الربح مستندًا إلى العقد بهذا الطريق لا إلى المال كما قالا. م: (وإذا تحققت الشركة في التصرف بدون الخلط تحققت في المستفاد به) ش: أي بالتصرف. م: (وهو الربح بدونه) ش: أي المستفاد وهو الربح بدون الخلط. م: (وصار كالمضاربة) ش: أي صار عقد الشركة كالمضاربة يعني أن الربح في المضاربة مستحق بلا شركة في أصل المال فكذلك في عقد الشركة فلم ينزل من الاشتراك في الربح الاشتراك في أصل المال. م: (فلا يشترط اتحاد الجنس) ش: يعني إذا كان عقد الشركة كالمضاربة فلا يشترط اتحاد جنس المال. م: (والتساوي) ش: ولا يشترط التساوي يعني أن الربح في المضاربة مستحق بلا شركة في أصل المال، فكذلك في عقد الشركة فلم يزل من الاشتراك في الربح الاشتراك في أصل المال فلا يشترط اتحاد الجنس يعني إذا كان عقد الشركة كالمضاربة فلا يشترط اتحاد جنس المال والتساوي أو لا يشترط التساوي. م: (في الربح وتصح شركة التقبل) ش: وإن لم يوجد المال. 1 - م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا تجوز الشركة إذا شرط لأحدهما) ش: أي لأحد الشريكين. م: (دراهم مسماة من الربح لأنه شرط يوجب انقطاع الشركة فعساه) ش: أي لعله. م: (لا يخرج إلا قدر المسمى لأحدهما) ش: فيكون الربح لأحدهما خاصة وهو خلاف تقضي الشركة لأن مقتضاها الاشتراط في الربح لا اختصاص واحد منهما. م: (ونظيره في المزارعة) ش: أي نظير ما قالا من عدم جواز الشركة ثابت في المزارعة وهو ما إذا شرطا لأحدهما فقرأنا مسماه فهي باطلة لانقطاع الشركة في الخارج؛ إذ من شرط المزارعة أن يكون الخارج مشتركًا بينهما لأنها تنعقد شركة في الانتهاء. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 405 قال: ولكل واحد من المفاوضين وشريكي العنان أن يبضع المال لأنه معتاد في عقد الشركة، ولأن له أن يستأجر على العمل والتحصيل بغير عوض دونه فيملكه وكذا له أن يودعه لأنه معتاد، ولا يجد التاجر منه بدا، قال ويدفعه مضاربة لأنها دون الشركة فيتضمنها، وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه ليس له ذلك لأنه نوع شركة، والأصح هو الأول وهو رواية الأصل لأن الشركة غير مقصودة وإنما المقصود تحصيل الربح، كما إذا استأجر بأجرة، بل أولى لأنه تحصيل بدون ضمان في ذمته   [البناية] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولكل واحد من المفاوضين وشريكي العنان أن يبضع المال) ش: من الإبضاع يقال: أبضعته إذا رفعت له مالًا يعمل فيه. م: (لأنه) ش: أي لأنه الإبضاع. م: (معتاد في عقد الشركة، ولأن له أن يستأجر على العمل) ش: أي مستأجر أجيرًا على عمل يحصل منه الربح. م: (والتحصيل بغير عوض دونه) ش: أي دون الاستئجار. م: (فيملكه) ش: أي فيملك التحصيل بغير عوض وهو الإبضاع وفيه تحصيل الربح بلا أجر فكان الاستئجار على من ملك إلا على ملك الأدنى. م: (وكذا له) ش: أي لأحد الشريكين. م: (أن يودعه) ش: أي يودع مال الشركة. م: (لأنه) ش: أي لأن الإيداع. م: (معتاد) ش: بين التجار. م: (ولا يجد التاجر منه) ش: أي من الإيداع. م: (بدًا) ش: أي انقطاعًا منه. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويدفعه مضاربة) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويدفعه بالنصب عطفًا على قوله أن يضع. م: (لأنها) ش: أي لأن المضاربة. م: (دون الشركة) ش: ألا ترى أن المضارب ليس عليه شيء من الوضيعة وأن المضاربة لو فسدت لم يكن للمضارب شيء من الربح، وهذا ظاهر الرواية. م: (فيتضمنها، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي روى الحسن عنه. م: (أنه ليس له ذلك) ش: أي ليس له أن يدفع المال مضاربة. م: (لأنه نوع شركة) ش: وليس لأحد الشريكين أن يشارك مع غيره بمال الشركة، فكذا لا يدفعه مضاربة. م: (والأول أصح) ش: أي جواز الدفع مضاربة أصح. م: (وهو رواية الأصل) ش: أي " المبسوط ". م: (لأن الشركة غير مقصودة) ش: في المضاربة. م: (وإنما المقصود تحصيل الربح) ش: وهو ثابت بالمضاربة فيملكه أحد الشريكين. م: (كما إذا استأجر) ش: أحد الشريكين أجيرًا. م: (بأجرة) ش: ليعمل فإنه يجوز قولًا واحدًا لأنه إذا عمل ولم يحصل الربح لا يجب على رب المال شيء. م: (بل أولى) ش: جواب إذا. م: (لأنه) ش: أي لأن عقد المضاربة. م: (تحصيل) ش: أي للربح. م: (بدون ضمان في ذمته) ش: أي في ذمة رب المال فكان أولى بالجواز، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز للشريك التصرف في نصيب صاحبه إلا بإذنه، وفي قوله إلا بتصريح في العهد العقد وفي الأظهر يجوز كقولنا م: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 406 بخلاف الشركة حيث لا يملكها لأن الشيء لا يستتبع مثله. قال ويوكل من يتصرف فيه لأن التوكل بالبيع والشراء من توابع التجارة والشركة انعقدت للتجارة بخلاف الوكيل بالشراء حيث لا يملك أن يوكل غيره لأنه عقد خاص طلب منه تحصيل العين فلا يستتبع مثله. قال ويده في المال يد أمانة؛ لأنه قبض المال بإذن المالك، لا على وجه البدل   [البناية] (بخلاف الشركة حيث لا يملكها) ش: الشريك. م: (لأن الشيء لا يستتبع مثله) ش: إذ يلزم المحال منه وهو أن يكون مثل الشيء دونه فإن قيل: هذا منقوض بالمكاتب فإن له أن يكاتب عنده، وبالعبد المأذون، فإن له أن يأذن عبده، وباقتداء المفترض بالمفترض، وباقتداء المتنفل بالمتنفل، مع أن كل واحد منهما مثل الآخر والإمام يستتبع قومه في حق جواز الصلاة وفسادها ولأن المثل يرفع المثل كالنص الناسخ يرفع النص المنسوخ وهما مثلان. الجواب في المكاتب والمأذون أنهما أطلقا في الكتب وأسبابه، وليس هذا من قبيل الاستيفاء بل من إثبات الكسب المطلق لهما. وأما اقتداء المفترض بمثله فيجوز بالإجماع لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الإمام ضامن» ، ولأن صلاة المقتدي مبنية على صلاة الإمام جوازًا وقضاء بالحديث؛ لأن يكون صلاة تتبعه صلاة المقتدي، وأما الناسخ فهو رافع صورة يتعين معنى، فلم يكن رافعًا في الحقيقة، فلا يرد نقضًا. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ويوكل من يتصرف فيه) ش: بنصب يوكل عطفًا على قوله: أن يضع أي يوكل الشريك من يتصرف في مال الشركة. م: (لأن التوكيل بالبيع والشراء من توابع التجارة، والشركة انعقدت للتجارة) ش: للربح، وكل واحد من الشريكين ربما لا يبيعها له مباشرة تبعًا لها. م: (بخلاف الوكيل بالشراء حيث لا يملك) ش: بنفسه، فلا بد من التوكيل ثبت التوكيل في ضمن التجارة تبعًا لها بدلالة الحال، فصار كل منهما كأنه أمر صاحبه أن توكل بخلاف الوكيل بالشراء حيث لا يملك. م: (أن يوكل غيره لأنه) ش: أي التوكيل بالشراء. م: (عقد خاص طلب منه تحصيل العين) ش: أي لتحصيل شيء معين معلوم جنسه وصفته. م: (فلا يستتبع مثله) ش: لما ذكرنا أنه يلزم فيه المحال. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويده) ش: أي يد كل واحد من المفاوضين وشريكي العنان. م: (في المال يد أمانة) ش: حتى إذا هلك المال في يده هلك بلا ضمان. م: (لأنه قبض المال بإذن المالك لا على وجه البدل) ش: أي على وجه إعطاء البدل، واحترز به عن المقبوض على سوم الشراء؛ لأن المقبوض على سوم الشراء قبض لأجل أن يدفع الثمن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 407 والوثيقة فصار كالوديعة. قال: وأما شركة الصنائع وتسمى شركة التقبل كالخياطين والصباغين يشتركان على أن يقبلا الأعمال ويكون الكسب بينهما، فيجوز ذلك، وهذا عندنا، وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا تجوز لأن هذه شركة لا يفيد مقصودهما وهو التثمير؛ لأنه لا بد من رأس المال، وهذا لأن الشركة في الربح تبتني على الشركة في المال على أصلهما على ما قررناه. ولنا أن المقصود منه التحصيل، وهو يمكن بالتوكيل لأنه لما كان وكيلا في النصف أصيلا في النصف تحققت الشركة في المال المستفاد، ولا يشترط فيه اتحاد العمل والمكان   [البناية] م: (والوثيقة) ش: أي على وجه الوثيقة، واحترز به عن الرهن فإن الرهن مقبوض لأجل الوثيقة؛ لأن الرهن مضمون بأقل من قيمته ومن الدين. م: (فكان كالوديعة) ش: في عدم وجوب الضمان. [شركة الصنائع] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وأما شركة الصنائع وتسمى شركة التقبل كالخياطين والصباغين يشتركان على أن يقبلا الأعمال ويكون الكسب بينهما، فيجوز ذلك، وهذا عندنا) ش: أي جواز هذه الشركة عند أصحابنا. م: (وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا تجوز لأنها شركة لا تفيد مقصودهما) ش: أي مقصود الشريكين، وفي بعض النسخ مقصودها أي الشركة أضاف المقصود إلى الشركة، وإن كان المقصود للشريكين بأدنى بلا نسبة هو ملبس الشريكين فعقد الشركة. م: (وهو التثمير) ش: أي المقصود من التثمير وهو حصول الربح. م: (لأنه لا بد من رأس المال) ش: للتثمير. م: (وهذا) ش: أي قول الشافعي وزفر - رحمهما الله -: لا بد من رأس المال. م: (لأن الشركة في الربح تبتني على الشركة في المال على أصلهما) ش: أي على أصل زفر والشافعي - رحمهما الله -. م: (على ما قررناه) ش: أي عند قوله وتجوز الشركة وإن لم يخلطا المال. م: (ولنا أن المقصود منه) ش: أي من عقد الشركة. م: (التحصيل) ش: أي تحصيل الربح. م: (وهو) ش: أي تحصيل الربح. م: (يمكن بالتوكيل) ش: أي بتوكيل كل واحد من الشريكين صاحبا مقبول العمل. م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد منهما. م: (لما كان وكيلًا في النصف أصيلًا في النصف تحققت الشركة في المال المستفاد) ش: بعقد الشركة حينئذ، ثم إذا عمل فكل واحد مستحق فائدة عمله، وهو كسبه. وإذا عمل أحدهما كان العامل معينًا لشريكه فيما لزمه بالتقبل فوقع عمله فكأن الشريك استعان بأجنبي حتى عمل، وهذا جائز لأن المشروط مطلق العمل لا عمل الصلح بنفسه، فإن القصار إذا استعان بغيره أو استأجر غيره حتى عملا يستحق القصار الأجر. م: (ولا يشترط فيه) ش: أي في عقد شركة الصلح. م: (اتحاد العمل والمكان) ش: حتى إذا كان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 408 خلافا لمالك وزفر - رحمهما الله - فيهما؛ لأن المعنى المجوز للشركة وهو ما ذكرناه لا يتفاوت. ولو شرط العمل نصفين والمال أثلاثا جاز، وفي القياس لا يجوز لأن الضمان بقدر العمل، فالزيادة عليه ربح ما لم يضمن، فلم يجز العقد لتأديته إليه، وصار كشركة الوجوه، لكنا نقول: ما يأخذه لا يأخذه ربحا؛ لأن الربح عند اتحاد الجنس،   [البناية] أحدهما قصارًا والآخر خياطًا أو قعدا في دكاكين جاز عندنا. م: (خلافًا لمالك وزفر - رحمهما الله - فيهما) ش: لأنه إذا كان العمل مختلفًا ففي كل واحد منهما عن عمل صاحبه الذي يتقبله؛ لأن ذلك ليس من صيغته فلا يحصل المقصود من الشركة. ولنا ما قاله المصنف بقوله. م: (لأن المعنى المجوز للشركة وهو ما ذكرناه) ش: أشار إلى قوله ولنا أن المقصود منه التحصيل: وهو يمكن بالتوكيل. م: (لا يتفاوت) ش: خبر إن، أي لا يتفاوت باتحاد العمل والمكان أو اختلافهما فإن قيل قد تقدم أن من الفروع المرتبة على أصل زفر والشافعي - رحمهما الله - في مسألة الخلط أن شركة المستقبل لا تجوز فكيف يصح قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في جوازها إذا كانت الأعمال منفعة، أجيب: بأن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - له في هذه المسألة أعني الخلط قولان، فذكر المصنف في تلك المسألة حكم الرواية التي لا يشترط فيها، ولكن أطلق في اللفظ ولم يذكر اختلاف الروايتين فيرى ظاهره مناقضًا. م: (ولو شرط العمل نصفين) ش: أي شرط الشريكان في شركة الفصل أن يكون العمل نصفين. م: والمال) ش: أي الربح الحاصل. م: أثلاثًا جاز) ش: استحسانًا. م: (وفي القياس لا يجوز) ش: وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لأن الضمان بقدر العلم) ش: أي الضمان في كل واحد منهما بقدر عمله، وعمله في النصف. م: (فالزيادة عليه) ش: أي على عمله في النصف. م: (ربح ما لم يضمن) ش: لأنه يؤجل الزمان فيما زاد على النصف فيكون شرط فصل الربح ربح ما لم يضمن، وهو حرام لنهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك. م: (فلم يجز العقد لتأديته) ش: أي لتأدية هذا العقد. م: (إليه) . ش: أي إلى ربح ما لم يضمن. م: (وصار كشركة الوجوه) ش: في أن التفاوت فيها في الربح لا يجوز إلا إذا كان المشترى بينهما على السواء. وأما إذا شرطا التفاوت في ملك المشترى فيجوز التفاوت حينئذ في الربح في شركة الوجوه أيضًا. م: (لكنا نقول) ش: بيان وجه الاستحسان. م: (ما يأخذه) ش: أي ما يأخذه كل من الشريكين. م: (لا يأخذه ربحًا) ش: أي حال كونه ربحًا. م: (لأن الربح عند اتحاد الجنس) ش: أي لأن الربح لا يكون إلا عند اتحاد الجنس. ولهذا قالوا استأجر دارًا بعشرة دراهم ثم أجرها بثوب يساوي خمسة عشر جاز لما أن الربح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 409 وقد اختلف لأن رأس المال عمل، والربح مال فكان بدل العمل والعمل يتقوم بالتقويم، فيتقدر بقدر ما قوم به فلا يحرم بخلاف شركة الوجوه؛ لأن جنس المال متفق والربح يتحقق في الجنس المتفق، وربح ما لم يضمن لا يجوز إلا في المضاربة. قال: وما يتقبله كل واحد منهما من العمل يلزمه ويلزم شريكه، حتى إن كل واحد منهما يطالب بالعمل ويطالب بالأجر ويبرأ الدافع بالدفع إليه، وهذا ظاهر في المفاوضة وفي غيرها استحسان، والقياس خلاف ذلك لأن الشركة وقعت مطلقة والكفالة تقتضي المفاوضة.   [البناية] لا يتحقق عند اختلاف الجنس، والجنس فيما نحن فيه لم يتحد. م: (وقد اختلف لأن رأس المال عمل والربح مال، فكان) ش: أي ما يأخذه. م: (بدل العمل والعمل يتقوم بالتقويم) ش: فإذا ضيقا بقدر معنى كان ذلك مهمًا تقويمًا للعمل. م: (فيتقدر بقدر ما قوم به فلا يحرم) ش: لأنه لم يتأد إلا ربح ما لم يضمن. م: (بخلاف شركة الوجوه؛ لأن جنس المال متفق) ش: وهو الثمن الواجب في ذمتهما دراهم كانت أو دنانير. م: (والربح يتحقق في الجنس المتفق وربح ما لم يضمن لا يجوز) ش: تقدير هذا الكلام لو جاز اشتراط زيادة الربح كان ربح ما لم يضمن وربح ما لم يضمن لا يجوز. م: (إلا في المضاربة) ش: أي جاز فيها لوقوعه بمعاملة العمل في جانب المضارب المال في جانب رب المال. وليس واحد منهما في شركة الوجوه ولا الضمان بمقابلة الربح موجودًا فلزم ما لم يضمن فلا يجوز. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وما يتقبله كل واحد منهما) ش: أي من شريك التقبل. م: (من العمل يلزمه ويلزم شريكه حتى إن كل واحد من الشريكين يطالب بالعمل ويطالب بالأجر) ش: أي يطالب الأول بفتح اللام. م: (ويبرأ الدافع بالدفع إليه) ش: أي يبرأ الدافع الأجر إلى كل واحد من الشريكين. وقال الكاكي: يجوز أن يراد بالدافع دافع الأجرة إليه، أي كل واحد منهما، وهو الظاهر، ويجوز أن يراد بالدافع كل منهما إليه، أي إلى صاحب الثوب يعني لو أخذ الثوب أحدهما للصبغ، ثم دفعه إلى صاحبه غير الذي أخذه يبرأ الآخذ من الضمان. م: (وهذا) ش: إشارة إلى لزوم العمل على كل واحد منهما وهو معنى الكفالة. م: (ظاهر في المفاوضة وفي غيرها) ش: وهو العنان. م: (استحسان، والقياس خلاف ذلك؛ لأن الشركة وقعت مطلقة) ش: عن ذكر الكفالة وليست الكفالة من مقتضاها حتى تثبت، وإن لم تذكر الكفالة بمقتضى المعاوضة بدون التصريح. م: (والكفالة تقتضي المفاوضة) ش: فلا يثبت معها ما ليس من مقتضاها بدون التصريح بذكر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 410 وجه الاستحسان أن هذه الشركة مقتضية للضمان ألا ترى أن ما تقبله كل واحد منهما من العمل مضمون على الآخر، ولهذا مستوجب الأجر يستحق الأجر بسبب نفاذ تقبله عليه، فجرى مجرى المفاوضة في ضمان العمل واقتضاء البدل. قال وأما شركة الوجوه فالرجلان يشتركان ولا مال لهما على أن يشتريا بوجوههما ويبيعا، فتصح الشركة على هذا سميت به؛ لأنه لا يشتري بالنسيئة إلا من كان له وجاهة عند الناس، وإنما تصح مفاوضة لأنه يمكن تحقيق الكفالة والوكالة في الإبدال، وإذا أطلقت تكون عنانا لأن مطلقه ينصرف إليه   [البناية] م: (وجه الاستحسان، أن هذه الشركة مقتضية للضمان، ألا ترى أن ما تقبله كل واحد منهما من العمل مضمون على الآخر، ولهذا) ش: أي لكون العمل مضمونًا. م: (مستوجب الأجر) ش: أي مستحق الأجر. م: (يستحق الأجر بسبب نفاذ تقبله عليه) ش: أي يقبل صاحبه عليه لو لم يكن مضمونًا عليه لما استحق الأجر. لأن الغرم بالغنم، فإذا كان كذلك. م: (فجرى) ش: أي هذا العقد. م: (مجرى المفاوضة في ضمان العمل واقتضاء البدل) ش: وإنما قال يجريانه مجرى المفاوضة بهذين الشيئين؛ لأنه فيما عدا ذلك لم يجر هذا العقد مجراه، حتى قالوا إذا أقر أحدهما بدين من ثمن أشنان وصابون أو أجر أجير بيتًا لمرة مضت لم يصدق على صاحبه إلا ببينة ويلزمه خاصة؛ لأن التنصيص على مفاوضته لم يوجد، وبقاء الإقرار يوجب المفاوضة. [المراد بشركة الوجوه] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وأما شركة الوجوه فالرجلان يشتركان ولا مال لهما على أن يشتريا بوجوههما) ش: يعني بوجاهتهما، وأمانتهما عند الناس فيبيع الناس فيهما السلعة بالنسبة لأمانتهما، وقال بعضهم: إنما سميت هذه الشركة شركة الوجوه لأنه ليس لهما مال ولا عمل فجلس كل واحد منهما ينظر إلى صاحبه. م: (ويبيعا) ش: عطف على قوله أن يشتريا. م: (فتصح الشركة على هذا) ش: أي على كونهما مشتريين وجوهًا. م: (سميت به) ش: أي شركة الوجوه على تأويل العقد. م: (لأنه لا يشتري بالنسيئة إلا من كان له وجاهة عند الناس) ش: الوجه والجاه بمعنى واحد، يقال فلان وجيه إذا كان ذا جاه عند الناس. قال الله تعالى: {وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69] (الأحزاب: الآية 69) . م: (وإنها) ش: أي شركة الوجوه. م: تصح مفاوضة) ش: إذا كان الرجلان من أهل الكفالة. م: (لأنه يمكن تحقيق الكفالة والوكالة في الإبدال) ش: أي الثمن فيكون ثمن المشترى على كل واحد منهما نصفه، ويكون المشترى بينهما نصفين، ولا بد من التلفظ بلفظ المفاوضة أو ما قام مقامه. م: (وإذا أطلقت) ش: أي أن شركة الوجوه بحيث لم يذكر في الكفالة؛ إذ الوكالة. م: (تكون عنانًا؛ لأن مطلقه) ش: أي لأن مطلق عقد الشركة الصنائع. م: (ينصرف إليه) ش: أي إلى العنان، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 411 وهي جائزة عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والوجه من الجانبين ما قدمناه في شركتنا تقبل. قال وكل واحد منهما وكيل الآخر فيما يشتريه لأن التصرف على الغير لا يجوز إلا بوكالة أو بولاية ولا ولاية فتعين الأول، فإن شرطا أن المشترى بينهما نصفان والربح كذلك يجوز ولا يجوز أن يتفاضلا فيه، وإن شرطا أن يكون المشترى بينهما أثلاثا فالربح كذلك وهذا لأن الربح لا يستحق إلا بالمال أو العمل أو بالضمان. فرب المال يستحقه بالمال والمضارب يستحقه بالعمل والأستاذ الذي يلقي العمل على تلميذه بالنصف بالضمان فلا يستحق بما سواها،   [البناية] لكون المعتاد بين الناس. م: (وهي) ش: أي شركة الضائع. م: جائزة عندنا) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (خلافًا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبقوله قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (والوجه من الجانبين) ش: أي من جانبنا وجانب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ما قدمناه في شركتنا تقبل) ش: وهو أن الربح عنده فرع المال، فإذا لم يعد المال لا تنعقد الشركة، وقلنا: إن الشركة في الربح مسندة إلى العقد شركة إلى آخره. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وكل واحد منهما) ش: أي من الشريكين. م: (وكيل الآخر فيما يشتريه؛ لأن التصرف على الغير لا يجوز إلا بوكالة أو بولاية، ولا ولاية فتعين الأول) ش: أي الوكالة. م: (فإن شرطا) ش: أي الشريكان. م: (أن المشترى بينهما نصفان والربح كذلك) ش: يكون بينهما نصفين. م: (يجوز، ولا يجوز أن يتفاضلا فيه) ش: أي في الربح فإن شرط لأحدهما الفضل يبطل الشرط والربح بينهما على قدر ضمانهما. م: (وإن شرطا أن يكون المشترى بينهما أثلاثًا فالربح كذلك) ش: أي يكون أثلاثًا يجعل لما ذكرنا، وهو إشارة إلى المساواة في اشتراط الربح. م: (وهذا لأن الربح لا يستحق إلا بالمال أو بالعمل أو بالضمان) ش: أشار بهذا إلى أن الاستحقاق يكون بأحد الأمور الثلاثة ثم أوضحها بقوله. م: (فرب المال يستحقه) ش: إلى الربح. م: (بالمال والمضارب يستحقه) ش: أي يستحق المضاربة الربح. م: (بالعمل والأستاذ الذي) ش: يحبس الرجل على دكانه وهو تلميذه الذي يعمل له بالأجر، وبعد ذلك. م: (يلقي العمل) ش: من الإلقاء. م: (على تلميذه) ش: الذي أجلسه على دكانه. م: (بالنصف) ش: يعني نصف الربح. م: (بالضمان) ش: يعني يطالب الأستاذ بتحصيل ذلك العمل فكان العمل مضمونًا على الأستاذ والقيد بالنصف اتفاقي فإنه يجوز أن يبلغ بأقل من النصف. م: (فلا يستحق بما سواها) ش: أي فلا يستحق الربح بما سوى الثلاثة المذكورة، يعني الاستحقاق لا يكون إلا بواحد من الوجوه الثلاثة المذكورة دون غيرها، فإن قيل: لم لا يجوز أن يستحق الزيادة بزيادة اهتدائه ومتانة رأيه وتدبيره في الأمور العامة والخاصة، والعمل بالتجارة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 412 ألا ترى أن ما قال لغيره تصرف في مالك على أن لي ربحه لم يجز لعدم هذه المعاني، واستحقاق الربح في شركة الوجوه بالضمان على ما بينا، والضمان على قدر الملك في المشترى، فكان الربح الزائد عليه ربح ما لم يضمن، فلا يصح اشتراطه إلا في المضاربة. والوجوه ليست في معناها بخلاف العنان لأنه في معناها من حيث إن كل واحد منهما يعمل في مال صاحبه، فيلحق بها، والله أعلم.   [البناية] أجيب: بأن اشتراط الزيادة في الربح بزيادة العمل إنما تجوز إذا كان في مال معلوم كما في العنان أو المضاربة ولم يوجد هاهنا. م: (ألا ترى) ش: توضيح لقوله فلا يستحق بما سواها. م: (أن من قال لغيره: تصرف في مالك على أن لي ربحه لم يجز لعدم هذه المعاني) ش: الثانية المذكورة. م: (واستحقاق الربح في شركة الوجوه بالضمان) ش: هذا عود إلى البحث لإتمام المطلوب، يعني أن صورة النزاع استحقاق الربح فيها بالضمان لا بالمال ولا بالعمل. م: (على ما بينا) ش: إشارة إلى ما ذكره في شركة التقبل بقوله: إن الضمان بقدر العمل فالزيادة عليه ربح ما لم يضمن فلا يجوز العقد لتأديته إليه وصار شركة الوجوه، وقيل هذا إشارة إلى قوله بخلاف شركة الوجوه؛ لأن جنس المال متفق.. إلى آخره، والضمان على قدر الملك يقرر هذا أن استحقاق الربح في شركة الوجوه بالضمان. م: (والضمان على قدر الملك في المشترى فكان الربح الزائد عليه ربح ما لم يضمن، فلا يصح اشتراطه إلا في المضاربة) ش: فإنه يصح منها لما ذكرنا من وجوه مقابلة بالمال والعمل والوجوه أي شركة. م: (والوجوه ليست في معناها) ش: لأن المال فيها مضمون على كل واحد من الشريكين. وأما المال في المضاربة فليس بمضمون على المضارب ولا العمل على رب المال. م: (بخلاف العنان لأنه في معناها من حيث إن كل واحد منهما) ش: من شريكي العنان يعمل في مال صاحبه كالمضارب. م: (يعمل في مال صاحبه) ش: رب المال. م: (فيلحق بها، والله أعلم) ش: أي بالمضاربة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 413 فصل في الشركة الفاسدة ولا تجوز الشركة في الاحتطاب والاصطياد، وما اصطاده كل واحد منهما أو احتطبه فهو له دون صاحبه، وعلى هذا الاشتراك في أخذ كل شيء مباح لأن الشركة متضمنة معنى الوكالة والتوكيل في أخذ المال المباح باطل لأن أمر الموكل به غير صحيح والوكيل يملكه بدون أمره، فلا يصلح نائبا عنه   [البناية] [فصل في الشركة الفاسدة] م: (فصل في الشركة الفاسدة) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الشركة الفاسدة، وأخر الشركة الفاسدة لانحطاطها شرعًا. م: (ولا تجوز الشركة في الاحتطاب والاصطياد وما اصطاده كل واحد منهما أو احتطبه فهو له دون صاحبه، وعلى هذا) ش: كله لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وزاد المصنف عليه بقوله على هذا الحكم. م: (الاشتراك) ش: الأخذ. م: (في أخذ كل شيء مباح) ش: كاحتباء الثمار من الجبال والبراري كالفستق والجوز واللوز وغير ذلك وطلب الكنوز من المعادن، ونقل الطين من موضعه لا يملكانه أو الجص أو الملح أو الكحل وما أشبه ذلك وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعند مالك وأحمد - رحمهما الله - يجوز لأن هذه شركة الأبدان فيجوز كما في الصباغين. وكذلك إن اشتركا على أن يلبثا من طين غير مملوك أو يطبخا آجرًا فإن كان الطين أو النورة أو سهلة الزجاج مملوكًا واشترطا أن يشتريا ذلك وطبخا به ويبيعا جاز وهو شركة الوجوه. م: (لأن الشركة متضمنة معنى الوكالة والتوكيل في أخذ المال المباح باطل؛ لأن أمر الموكل به غير صحيح) ش: هذان دليلان على المطلوب تقرير الأول المدعى أن التوكيل في أخذ المباح باطل لأنه يقتضي صحة أمر الموكل بموكل به. وهو أخذ المباح وأمر الموكل بأخذه غير صحيح لأنه صادق غير محل ولايته، وتقرير الثاني التوكيل بأخذ المباح باطل. أشار إليه بقوله. م: (والوكيل يملكه بدون أمره) ش: أي بدون أمر الموكل ومن ملك شيئًا بدون أمر الموكل. م: (فلا يصلح) ش: أن يكون. م: (نائبًا عنه) ش: أي عن الموكل لأن التوكيل إثبات ولاية التصرف فيما هو ثابت للموكل، وهذا المعنى لا يتحقق فيمن يملك بدون أمره لئلا يلزم إثبات الثابت. فإن قيل: يشكل هذا بالتوكيل بشراء عبد بغير عينه أنه يجوز مع أن التوكيل يملك الشراء لنفسه قبل التوكيل وبعده، فعلم أنه لا يشترط بصحة التوكيل أن لا يملك الوكيل ذلك التصرف قبل التوكيل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 414 وإنما يثبت الملك لهما بالأخذ، وإحراز المباح، فإن أخذاه معا فهو بينهما نصفان لاستوائهما في سبب الاستحقاق، وإن أخذه أحدهما ولم يعمل الآخر شيئا فهو للعامل، وإن عمل أحدهما وأعانه الآخر في عمله بأن قلعه أحدهما وجمعه الآخر أو قلعه وجمعه وحمله الآخر؛ فللمعين أجر مثله بالغا ما بلغ عند محمد وعند أبي يوسف - رحمهما الله - لا يجاوز به نصف ثمن ذلك وقد عرف في موضعه، قال: وإذا اشتركا ولأحدهما بغل وللآخر راوية يستقي عليها الماء فالكسب بينهما لا تصح الشركة، والكسب كله للذي استقى وعليه أجر الراوية، وإن كان العامل صاحب البغل، وإن كان صاحب الراوية فعليه أجر مثل البغل.   [البناية] أجيب: بأنه لا يشكل لما أن التوكيل بالشراء يخالف التوكيل بالاحتطاب؛ لأن التوكيل في الاحتطاب في الحطب المعين وغيره سواء في عدم صحة التوكيل في أمر مباح لها. وقال الأكمل: وجوابه أن معناه يملك بدون أمر الموكل بلا عقد وصورة النفس ليست كذلك فإنه لا يملكه إلا بالشراء. م: (وإنما يثبت الملك) ش: وبما ذكر أن الشركة لا تصح في الأشياء المذكور شرع في بيان أن ملك هذه الأشياء بماذا يثبت؟ فقال: إنما يثبته. م: (لهما بالأخذ، وإحراز المباح) ش: أراد أن سبب تلك المباحات أخذها وحيازتها، فكل من قاربه بالسبب فإن بها. م: (فإن أخذاه معًا) ش: أي فإن أخذ الأشياء المباحة مجتمعين. م: (فهو) ش: أي المأخوذ. م: (بينهما نصفان لاستوائهما في سبب الاستحقاق) ش: وهو الأخذ والحيازة. م: (وإن أخذه أحدهما ولم يعمل الآخر شيئًا فهو للعامل) ش: لوجود السبب فيه أي في الآخذ وهو الأخذ. م: (وإن عمل أحدهما وأعانه الآخر في عمله بأن قلعه أحدهما وجمعه الآخر أو قلعه وجمعه وحمله الآخر؛ فللمعين أجر مثله بالغا ما بلغ) ش: لأنه استوفى منافعه بحكم عقد فاسد فلزمه أجر مثله على الكمال. م: (عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعند أبي يوسف - رحمهما الله - لا يجاوز به نصف ثمن ذلك) ش: فقوله: لا يجوز على بناء المفعول، ونصف ثمن ذلك بالرفع لأنه قائم مقام الفاعل. م: (وقد عرف في موضعه) ش: أي في باب الإجارة الفاسدة، وقال الأترازي: أي في كتاب الشركة من " المبسوط ". م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وإذا اشتركا ولأحدهما بغل وللآخر راوية يستقي عليها الماء فالكسب بينهما لا تصح الشركة، والكسب كله للذي استقى وعليه أجر الراوية، وإن كان العامل صاحب البغل، وإن كان صاحب الراوية فعليه أجر مثل البغل) ش: أي هذا كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 415 أما فساد الشركة فلانعقادها على إحراز المباح وهو الماء، وأما وجوب الأجر فلأن المباح إذا صار ملكا للحرز وهو المستقي فقد استوفى في منافع ملك الغير وهو البغل أو الراوية بعقد فاسد فيلزمه أجره وكل شركة فاسدة فالربح فيها على قدر المال، ويبطل شرط التفاضل؛ لأن الربح فيها تابع للمال فيتقدر بقدره، كما أن الريع تابع للمبذر في المزارعة، والزيادة إنما تستحق بالتسمية وقد فسدت   [البناية] فقال المصنف: م: (أما فساد الشركة فلانعقادها على إحراز المباح وهو الماء) ش: وقد مر أن الشركة في المباحات باطلة كالاصطياد، فإذا فسدت الشركة كان الكسب للمنفي خاصة كما في الشركة في الاصطياد فيكون الصيد لمن أخذ وأحمل معنى فيه وهو الأظهر من قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعلى قياس قول أحمد ومالك - رحمهما الله - ينبغي أن تجوز ذكره في " المغني " لابن قدامة. وقال بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: [ ... ] فيه لأن في قول يصح والثاني أن الكسب للمستسقي، وقال بعض أصحابه: إن كان الماء مملوكًا للبيهقي فالكسب له وعليه أجر ما حمل عليه، وإن كان مباحًا فالكسب على الشركة. م: (وأما وجوب الأجر) ش: أي أجر مثل البغل أو الراوية لصاحب البغل ولصاحب الراوية. م: (فلأن المباح إذا صار ملكًا للحرز) ش: بكسر الراء وهو. م: (وهو المستقي فقد استوفى منافع ملك الغير وهو البغل أو الراوية بعقد فاسد فيلزمه أجره) ش: الراوية في الأصل بغير السقاء؛ لأنه يروي الماء في محله ثم كثر حتى استعمل في المرادة، وهي المرادة هاهنا. قال أبو عبيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: المرادة لا تكون إلا من جلدين مقام بجلد ثالث بينهما للسقي والجمع للمراد ومزائد. م: (وكل شركة فاسدة فالربح فيها على قدر المال ويبطل شرط التفاضل) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قال المصنف: م: (لأن الربح فيها تابع للمال فيتقدر بقدره) ش: أي تقدير الربح بقدر المال. م: (كما أن الريع) ش: بفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وبالعين المهملة وهو النماء والزيادة. م: (تابع للمبذر في المزارعة) ش: كما عرف في موضعه. وقال الأكمل: قوله الربح فيه تابع. إلى آخره فيه نظر لأن الربح عندنا فرع العقد كما مر، وكل فرع تابع وكونه تابعًا للمال إنما هو مذهب الشافعي كما تقدم، فكان الكلام متناقضًا. والجواز أنه تابع للعقد إذا كان العقد موجودًا وهاهنا قد فسر كيد العقد فيكون تابعًا للمال؛ لأنه شرط فإن العلة إذا لم تصح لإضافة الحكم إليها يضاف إلى الشرط. م: (والزيادة إنما تستحق بالتسمية وقد فسدت) ش: أي التسمية لفساد العقد لكونه واجب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 416 فبقي الاستحقاق على قدر رأس المال. وإذا مات أحد الشريكين أو ارتد ولحق بدار الحرب بطلت الشركة لأنها تتضمن الوكالة، ولا بد منها لتتحقق الشركة على ما مر، والوكالة تبطل بالموت، وكذا بالالتحاق مرتدا إذا قضى القاضي بلحاقه؛ لأنه بمنزلة الموت على ما بيناه من قبل، ولا فرق بينهما إذا علم الشريك بموت صاحبه أو لم يعلم؛ لأنه عزل حكمي فإذا بطلت الوكالة بطلت الشركة بخلاف ما إذا فسخ أحد الشريكين الشركة حيث يتوقف على علم الآخر؛ لأنه عزل قصدي، والله أعلم.   [البناية] الدفع فصار كالتسمية لم يوجد أصلًا. م: (فبقي الاستحقاق على قدر رأس المال، وإذا مات أحد الشريكين أو ارتد ولحق بدار الحرب بطلت الشركة) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال المصنف: م: (لأنها) ش: أي لأن الشركة. م: (تتضمن الوكالة، ولا بد منها لتتحقق الشركة على ما مر) ش: فيما مضى في هذا الفصل. م: (والوكالة تبطل بالموت) ش: أي بموت الموكل. م: (وكذا) ش: أي تبطل. م: (بالالتحاق) ش: أي التحاق بدار الحرب حال كونه. م: (مرتدًا إذا قضى القاضي بلحاقه؛ لأنه) ش: أي إلحاق على الوجه المذكور. م: (بمنزلة الموت على ما بيناه من قبل) ش: أي في باب أحكام المرتدين بقوله ولنا أن باللحاق صار من أهل الحرب لهم أمران في أحكام الإسلام لانقطاع ولاية الإلزام كما هي منقطعة عن الموت. م: (ولا فرق بينهما إذا علم الشريك بموت صاحبه أو لم يعلم لأنه) ش: أي لأن الموت. م: (عزل حكمي) ش: لتحول ملكه إلى وارثه فلا يتوقف حكمه على العلم لثبوته ضمنًا، ألا ترى أن الوكيل يعزل بموت الموكل وإن لم يعلم به. [فسخ أحد الشريكين الشركة] م: (فإذا بطلت الوكالة بطلت الشركة بخلاف ما إذا فسخ أحد الشريكين الشركة) ش: ومال الشركة دراهم أو دنانير. م: (حيث يتوقف على علم الآخر؛ لأنه عزل قصدي) ش: أي لأن فسخ أحد الشريكين عزل يقصد فيعتمد العلم؛ لأنه نوع حجر فشرط عليه ثبوت الحجر دفعًا للضرر عنه واعترض بأنه قد تقدم أن الوكالة تثبت في ضمن الشركة، فإذا كان كذلك كانت تابعة لنا ولا يلزم من بطلان التابع بطلان النوع. وأجيب: بأن الوكالة تابعة للشركة من حيث إنها شرطها لا تصح الشركة بدونها أشار المصنف إلى ذلك أيضًا بقوله: ولا بد منها أي من الوكالة لتحقق الشركة، وإذا كانت شرطًا لا يتحقق بقاء المشروط بدونه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 417 فصل وليس لأحد الشريكين أن يؤدي زكاة مال الآخر إلا بإذنه؛ لأنه ليس من جنس التجارة، فإن أذن كل واحد منهما لصاحبه أن يؤدي زكاته، فأدى كل واحد منهما، فالثاني ضامن علم بأداء الأول أو لم يعلم، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يضمن إذا لم يعلم، وهذا إذا أديا على التعاقب أما إذا أديا معا ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه. وعلى هذا الاختلاف المذكور المأمور بأداء الزكاة إذا تصدق على الفقير بعدما أدى الآمر بنفسه. لهما أنه مأمور بالتملك من الفقير، وقد أتى به   [البناية] م: (فصل) ش: أي هذا فصل وقد ذكرنا غير مرة أن لفظ إذا فصل عما بعده لا يكون معربًا؛ لأن من شرط الإعراب التركيب فيكون حكمه مثل أحكام الأسماء المفردة إذا ذكرت بغير تركيب. م: (وليس لأحد الشريكين أن يؤدي زكاة مال الآخر إلا بإذنه) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال المصنف: م: (لأنه) ش: أي لأن دفع زكاة صاحبه. م: (ليس من جنس التجارة، فإن أذن كل واحد منهما لصاحبه أن يؤدي زكاته، فأدى كل واحد منهما فالثاني ضامن علم بأداء الأول أو لم يعلم، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . م: (وقالا: لا يضمن إذا لم يعلم) ش: وإن علم ضمن، هكذا ذكر في كتاب الزكاة في " الزيادات " للعتابي لا يضمن وإن علم عندهما وهو الصحيح عندهما، وعلى هذا الخلاف لو دفع ماله إلى رجل ليكفر عنه كفر الآمر بنفسه ثم كفر المأمور، وعلى هذا الخلاف المأمور بأداء الزكاة وهو إشارة إلى وجوب الضمان. م: (وهذا) ش: على الثاني خاصة. م: (إذا أديا على التعاقب) ش: يعني أحدهما عقيب أداء الآمر. [أداء الزكاة من مال الشريكين] م: (أما إذا أديا معًا ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه) ش: فإن قيل إذا أديا معًا ينبغي أن لا يجب الضمان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لعدم السبق؛ إذ الموكل لم يقع فعلى الوكيل فعلًا. قلنا: الموكل إن لم يسبقه تحقيقًا فقد سبقه اعتبارًا أو تقديرًا؛ لأن يصرف الموكل على نفسه أقرب من تصرف الوكيل إليه فيصير سابقا معنى كالوكيل بالبيع مع الموكل إذا باعا وخرج الوكيل معه فقد تبع الموكل دون الوكيل. م: (وعلى هذا الاختلاف المذكور المأمور بأداء الزكاة إذا تصدق على الفقير بعدما أدى الآمر بنفسه لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -. م: (أنه مأمور بالتمليك من الفقير، وقد أتى به) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 418 فلا يضمن للموكل، وهذا لأن في وسعه التمليك لا وقوعه زكاة لتعلقه بنية الموكل، وإنما يطلب منه ما في وسعه، وصار كالمأمور بذبح دم الإحصار إذا ذبح بعدما زال الإحصار وحج الآمر لم يضمن المأمور علم أو لا. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه مأمور بأداء الزكاة والمؤدى لم يقع زكاة فصار مخالفا، وهذا لأن المقصود من الأمر إخراج نفسه عن عهدة الواجب؛ لأن الظاهر أنه لا يلتزم الضرر إلا لدفع ضرر آخر، وهذا المقصود حصل بأدائه وعري أداء المأمور عنه فصار معزولا علم أو لم يعلم لأنه عزل حكمي، وأما دم الإحصار فقد قيل هو على هذا الاختلاف، وقيل بينهما فرق. ووجهه أن الدم ليس بواجب عليه.   [البناية] ش: أي بما أمر به. م: (فلا يضمن للموكل. وهذا) ش: أي عدم ضمانه للموكل. م: (لأن في وسعه التمليك) ش: من الفقير. م: (لا وقوعه زكاة لتعلقه بنية الموكل، وإنما يطلب منه ما في وسعه) ش: والمرء لا يكلف بما ليس في وسعه فكذا لم يضمن الثاني، وإن لم يقع ما أداه زكاة. م: (وصار) ش: أي المأمور هنا. م: (كالمأمور بذبح دم الإحصار إذا ذبح بعدما زال الإحصار وحج الآمر لم يضمن المأمور علم أو لا. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه مأمور بأداء الزكاة والمؤدى) ش: بفتح الدال المهملة. م: (لم يقع زكاة فصار) ش: أي المأمور. م: (مخالفًا وهذا) ش: أي كونه مخالفًا. م: (لأن المقصود من الأمر إخراج نفسه عن عهدة الواجب؛ لأن الظاهر أنه لا يلتزم الضرر) ش: بيانه أن زوال ملكه في بعض ماله ضرر وفي دفع الوكيل سبيل الزكاة عند ذلك وبقاؤه في عهدة الواجب أيضًا ضرر، وهو لم يلزم ضرر دفع الوكيل ماله. م: (إلا لدفع ضرر آخر) ش: وهو إسقاط الواجب عن ذمته؛ لأن المقصود من الأمر بأداء الزكاة إخراج النفس عن عهدة الواجب. م: (وهذا المقصود حصل بأدائه وعري أداء المأمور عنه) ش: أي عن المقصود. م: (فصار معزولًا علم أو لم يعلم لأنه عزل حكمي) ش: فلا حاجة إلى العلم. م: (وأما دم الإحصار) ش: جواب عن قوله فصار كالمأمور بذبح دم الإحصار. م: (فقد قيل هو على هذا الاختلاف) ش: يعني يضمن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فهذا جواب على سبيل المنع، ثم أجاب بطريق التسليم بقوله. م: (وقيل بينهما فرق) ش: يعني ولئن سلمنا لا يضمن بالاتفاق، ولكن قيل: إن بينهما فرق أشار إلى الفرق بقوله: م: (ووجهه أن الدم ليس بواجب عليه) ش: يعني أن دم الإحصار ليس بواجب لا محالة؛ لأنه لو يصبر إلى أن يزول الإحصار لم يطالب بدم الإحصار، وهو معنى قوله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 419 فإنه يمكنه أن يصبر حتى يزول الإحصار، وفي مسألتنا الأداء واجب فاعتبر الإسقاط مقصودا فيه دون دم الإحصار. قال وإذا أذن أحد المتفاوضين لصاحبه أن يشتري جارية فيطأها ففعل. فهي له بغير شيء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا يرجع عليه بنصف الثمن؛ لأنه أدى دينا عليه خاصة من مال مشترك، فيرجع عليه صاحبه بنصيبه كما في شراء الطعام والكسوة، وهذا لأن الملك واقع له خاصة، والثمن بمقابلة الملك، وله أن الجارية دخلت في الشركة على البتات جريا على مقتضى الشركة؛ إذ هما لا يملكان تغييره فأشبه حال عدم الإذن،   [البناية] م: (فإنه يمكنه أن يصبر حتى يزول الإحصار، وفي مسألتنا) ش: وهي مسألة الزكاة. م: (الأداء) ش: أي أداء الزكاة. م: (واجب فاعتبر الإسقاط) ش: أي إسقاط الواجب. م: (مقصودًا فيه) ش: وقد حصل هذا المقصود بأداء الآمر نفسه فعري فعل المأمور من المقصود فضمن. م: (دون دم الإحصار) ش: لأنه ليس بواجب البتة كما ذكرنا. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا أذن أحد المتفاوضين لصاحبه أن يشتري جارية فيطأها ففعل. فهي له بغير شيء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا يرجع عليه) ش: أي على المأمور. م: (بنصف الثمن؛ لأنه) ش: أي لأن المأمور. م: (أدى دينًا عليه) ش: أي على نفسه. م: (خاصة من مال مشترك، فيرجع عليه صاحبه بنصيبه كما في شراء الطعام والكسوة) ش: تحقيق هذا أن الحاجة إلى الوطء من الحوائج الأصلية إلا أنها ليست بلازمة كالطعام ولم تكن مستثناة من عقد الشركة بلا شرط بخلاف الحاجة إلى الطعام فإنها لازمة فكانت مستثناة بلا شرط ثم بالتصريح على الوطء التحق بحاجة الطعام، فوقع شراء الجارية لشركة المشتري خاصة. م: (وهذا) ش: بيان بقوله: أدى دينًا عليه خاصة. م: (لأن الملك واقع له خاصة) ش: بدليل حل وطئها. م: (والثمن بمقابلة الملك) ش: فكان الدين عليه خاصة. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الجارية دخلت في الشركة على البتات) ش: بعصبته عقد المعاوضة وأدى المشتري ثمنها من مال الشركة وكلما دخل في الشركة فأدى المشتري ثمنها من مال الشركة لا يرجع على صاحبه بشيء كما لو اشترى الجارية قبل الإذن. وأدى ثمنها من مال الشركة فإنه لا يرجع عليه بشيء وبين دخولها في الشركة بقوله. م: (جريًا على مقتضى الشركة) ش: أي شركة المفاوضة، فإن ذلك يقتضي دخول ما ليس بشيء كالطعام والكسوة بحقها وشركة الجارية ليس بشيء فيدخل تحتها. م: (إذ هما لا يملكان) ش: أي الشريكان. م: (تغييره) ش: أي بغير مقتضى شركة مع بقائها. م: (فأشبه حال عدم الإذن) ش: أي صار كما لو اشتراها بغير إذن الشريك، غير أن الإذن يتضمن هبة نصيبه منه أما من قوله فأشبه حال عدم الإذن فكأنه توهم أن يقال: كيف يشبه حال عدم الإذن، وهناك لم يحل وطؤها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 420 غير أن الإذن يتضمن هبة نصيبه منه؛ لأن الوطء لا يحل إلا بالملك، ولا وجه إلى إثباته بالبيع لما بينا أنه يخالف مقتضى الشركة فأثبتناه بالهبة الثابتة في ضمن الإذن بخلاف الطعام والكسوة لأن ذلك مستثنى عنها للضرورة، فيقع الملك له خاصة بنفس العقد، فكان مؤديا دينا عليه من مال الشركة، وفي مسألتنا قضى دينا عليهما لما بينا، وللبائع أن يأخذ بالثمن أيهما شاء بالاتفاق؛ لأنه دين وجب بسبب التجارة، والمفاوضة تضمنت الكفالة فصار كالطعام والكسوة   [البناية] وبعد الإذن يحل أشار إلى ذلك بقوله: م: (غير أن الإذن يتضمن هبة نصيبه منه؛ لأن الوطء لا يحل إلا بالملك، ولا وجه إلى إثباته بالبيع لما بينا أنه يخالف مقتضى الشركة) ش: إشارة إلى قوله جريًا على مقتضى الشركة. م: (فأثبتناه بالهبة الثابتة في ضمن الإذن) ش: فكأنه قال: اشتر جارية بيننا وقد وهبت نصيبي منها لك، فجازت الهبة في السابع لأن الجارية مما لا ينقسم. م: (بخلاف الطعام والكسوة) ش: حيث تقع للمشتري خاصة. م: (لأن ذلك مستثنى عنها للضرورة فيقع الملك له) ش: أي للمشتري. وإنما رجع الضمير إليه وإن لم يذكر لظهور فهم؛ لأن الشهوة قائمة مقام الذكر. م: (خاصة بنفس العقد فكان مؤديًا دينًا عليه من مال الشركة، وفي مسألتنا) ش: أي فيما اشترى أحد المتعاوضين الجارية للوطء بإذن الآخر. م: (قضى دينًا عليهما لما بينا) ش: أنها دخلت في الشركة. م: (وللبائع أن يأخذ بالثمن أيهما) ش: أي الشريكين. م: (شاء بالاتفاق لأنه دين وجب بسبب التجارة، والمفاوضة تضمنت الكفالة) ش: فيطالب المشتري إن شاء وإن شاء يطالب شريكه لأنه كفيل. م: (فصار كالطعام والكسوة) ش: أي فصار حكم الجارية المشتراة للوطء بالإذن كالطعام والكسوة المشترك يطالب البائع أيهما شاء، فإذا استحقت الجارية فعلى الواطئ العقر بأخذ المستحق بالفقر أيهما شاء، والله أعلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 421 كتاب الوقف قال أبو حنيفة: لا يزول ملك الواقف عن الوقف، إلا أن يحكم به الحاكم، أو يعلقه بموته، فيقول: إذا مت فقد وقفت داري على كذا. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يزول ملكه بمجرد القول، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يزول حتى يجعل للوقف وليا ويسلمه إليه.   [البناية] [كتاب الوقف] م: (كتاب الوقف) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الوقف، وقال الشراح كلهم: مناسبة ذكر الوقف بعد الشركة هي أن المقصود بكل منهما الانتفاع بما يزيد على أصل المال وليس بموجبه كما سنبين، والوقف في اللغة: الحبس، من قولهم وقفت الدابة إذا تبعته في السير. وقال ابن دريد: الوقف: مصدر وقفت الدابة أوقفتها وقفًا، ووقف بنفسه وقوفًا يتعدى ولا يتعدى، ومنه وقف الأرض على ولده؛ لأنه جنس الملك عليه. وقيل للموقوف: وقف، تسمية بالمصدر وتجمع على أوقاف كوقت يجمع على أوقات، وقالوا: لا يقال فيه: أوقف إلا في لغة رديئة [ ... ] كذا في " الصحاح ". وقال شمس الأئمة: الوقف شريعة عبارة عن: حبس المملوك عن التمليك من الغير وسيجيء مشروحًا. م: (قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يزول ملك الواقف عن الوقف، إلا أن يحكم به الحاكم، أو يعلقه بموته، فيقول: إذا مت فقد وقفت داري على كذا) ش: هذا كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - غير أن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قدم ذكر لفظ أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يزول ملك الواقف عن الوقف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا مت فقد وقفت داري على كذا. هذا كلام غير المصنف والباقي مثله، وفي " المحيط " لشمس الأئمة الحلواني: بشرط جواز الوقف على قول أبي حنيفة وزفر - رحمهما الله - أن يكون موصى به حتى لو لم يوص به لا يصح ويبقى على ملكه، ويجوز له بيعه، ولو ورث عنه إلا أن يخبر الورثة فيصير جائزًا أو يتأبد الوقف. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يزول ملكه بمجرد القول، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يزول حتى يجعل للوقف وليًا ويسلمه إليه) ش: هذا أيضًا لفظ القدوري. وهذا يدل على أن الوقف عندهما جائز في حال الصحة أو المرض، إلا أنهما اختلفا فيما بينهما، قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز مشاعًا كان أو منوعًا سلمه إلى المتولي أو لم يسلمه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 422 قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الوقف لغة هو الحبس يقول: وقفت الدابة، أو وقفتها بمعنى، وهو في الشرع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة بمنزلة العارية، ثم قيل: المنفعة معدومة، والتصدق بالمعدوم لا يصح، فلا يجوز الوقف أصلا عنده، وهو الملفوظ في الأصل،   [البناية] شرط التأبيد أو لم يشترطه. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز إلا باستجماع شرائطه وهي ثلاثة أن يكون مقسومًا مخرجًا من يده سلمًا إلى المتولي، وإن شرطا فيه التأبيد وهو أن يجعل آخره إلى سبيل خير لا ينقطع أبدًا كذا قال في " الأسبيجابي ". م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (الوقف لغة) ش: أي من حيث لغة العرب. م: (هو الحبس يقول: وقفت الدابة، أو وقفتها بمعنى) ش: أي بمعنى واحد وقد مر الكلام فيه مقتضى. م: (وهو) ش: أي الوقف. م: (في الشرع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة) ش: على الفقراء أو على جهة من سبيل الخيرات. م: (بمنزلة العارية) ش: يعني جواز الوقف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - جواز العارية فيرجع فيه ويباع. وفي " شرح الطحاوي ": الوقف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ثلاثة أوجه: في وجه لا يجوز، وهو ما إذا وقف داره أو أرضه في صحة فلا يجوز، وإن اشترط التأبيد وسلمه إلى المتولي يجوز بيعه، ويكون ميراثًا عن الواقف، وفي وجه: يجوز. وهذا إذا وقفه في حال حياته، وجعل وصية بعد وفاته فإنه يجوز من ثلث ماله، وفي وجه: لا يجوز في ظاهر الرواية، وهو ما إذا وقف في مرض موته، فهو كالوقف في حال صحته. وروى الطحاوي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجوز في هذا كله كالوصية بعد وفاته، وقيل: الوقف جائز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لكن ليس بلازم حتى يجوز إعادته إلى يده، ولو قضى القاضي بلزومه يلزم بالإجماع لأنه مجتهد فيه، وعندهما - رحمهما الله - لازم على كل حال، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ثم قيل: المنفعة معدومة، والتصدق بالمعدوم لا يصح، فلا يجوز الوقف أصلًا، عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وهو الملفوظ في الأصل) ش: يعني عدم جواز الوقف عنده هو الملفوظ في " المبسوط " فإنه قال عنه: فإن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجيز ذلك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 423 والأصح: أنه جائز عنده، إلا أنه غير لازم بمنزلة العارية، وعندهما حبس العين على حكم ملك الله تعالى فيزول ملك الواقف عنه إلى الله تعالى على وجه تعود منفعته إلى العباد، فيلزم، ولا يباع، ولا يوهب، ولا يورث. واللفظ ينتظمهما، والترجيح بالدليل. لهما «قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين أراد أن يتصدق بأرض له تدعى ثمغ: " تصدق بأصلها، لا   [البناية] وقال قاضي خان: وظاهر هذا اللفظ أخذ بعض الناس، فقال: عند أبي حنيفة: لا يجوز الوقف، وليس كما ظن بل هو جائز عند الكل بالأحاديث المشهورة وإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلا عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - وعامة الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إذا صح الوقف يزول ملك الواقف لا إلى مالك. فيلزم ولا يملك، وهو الأصح عند الشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وقال الشافعي في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: ينتقل إلى مال الموقوف عليه إن كان أهلا للملك لامتناع السابعة، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو حبس العين على ملك الواقف فلا يزول ملكه لكن لا يباع ولا يورث ولا يوهب وقال أبو العباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - من أصحاب الشافعي -: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا قول آخر للشافعي وأحمد - رحمهما الله - لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حبس الأصل وسأل الثمرة. [حكم الوقف] م: (والأصح) ش: أي أن الوقف. م: أنه جائز عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (إلا أنه غير لازم بمنزلة العارية) ش: فإنها جائزة غير لازمة، فإذا كان كذلك فتصرف المنفعة إلى جهة الوقف وتبقى العين على ملك الواقف فله أن يرجع، ويجوز بيعه. ويورث عنه. م: (وعندهما حبس العين) ش: أي الوقف حبس العين. م: (على حكم ملك الله تعالى، فيزول ملك الواقف عنه إلى الله تعالى على وجه تعود منفعته إلى العباد، فيلزم، ولا يباع، ولا يوهب، ولا يورث) ش: حاصل هذا أن تقدير الوقف عندهما أن يقول: إزالة العين عن ملكي إلى الله عز وجل وجعلته محبوسًا في ملكه، ومنفعته للعباد، وإذا كان تقدير الوقف هذا عندهما أصح ولو لم يكن يوصي به فيلزم ولا يباع ولا يورث. م: (واللفظ ينتظمهما) ش: أي لفظ الوقف ينتظم أي يتناول ما قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو حبس العين على ملك الواقف ويتناول ما قال صاحباه، وهو حبس العين على ملك الله. م: (والترجيح بالدليل) ش: أي ترجيح أحد المذهبين على الآخر بالدليل وشرع بعد ذلك في بيان الدليل فقال: م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. م: «قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين أراد أن يتصدق بأرض له تدعى ثمغ: " تصدق بأصلها لا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 424 تباع، ولا تورث، ولا توهب» ولأن الحاجة ماسة إلى أن يلزم الوقف منه؛ ليصل ثوابه إليه على الدوام، وقد أمكن دفع حاجته بإسقاط الملك، وجعله لله تعالى،   [البناية] تباع ولا توهب ولا تورث» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كلهم عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «أصاب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بخيبر أرضًا فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " أصبت أرضًا لم أصب مالًا قط أنفس منه فكيف تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها، فتصدق بها عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث في الفقراء والقربى، والرقاب، وفي سبيل الله» وزاد عن بشر: والضيف، ثم اتفقوا: " لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقًا غير متمول فيه "، وفي رواية البخاري: «أن هذا المال كان نخلًا» . وأخرج الطحاوي بإسناده عن نافع عن ابن عمر «أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استشار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أن يتصدق بماله ثمغ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " تصدق به تقسم ثمره وتحبس أصله لا يباع ولا يوهب ".» انتهى. وفيه نص - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن الوقف لازمة الفروع خلافًا لمن يبطله جملة وهو قول شريح - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفيه أن الوقف لا يجوز بيعه ولا هبته. ولا يكون ميراثًا، وفيه أن الوقف يجوز بلفظ: حبسه بل الأصل فيه هذا اللفظ؛ لأن معنى الوقف في اللغة: الحبس، وفيه أن يقسم الموقف له بأن يتناول من عليه الوقف بالمعروف، ولا يتناول أكثر من حاجته، هذا إذا لم يعين له الواقف شيئًا معينًا. فإذا عينه فله أن يأخذ ذلك قليلًا أو كثيرًا، قوله ثمغ بفتح الثاء المثلثة وسكون الميم، وبالغين المعجمة وهي بقعة على نحو ميل من المدينة، [..] تلقاء المدينة كان فيها مال لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فخرج إليه يومًا ففاتته صلاة العصر، فقال [..] تمنع عن الصلاة. أشهدكم أنها صدقة. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقد وقع سماعنا هنا بلا تنوين، وقد أثبت في كتب غرائب الحديث المصححة عند الثقات منسوبًا وغير منسوب كما في " وعد "، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ونسخة مولانا حافظ الدين بغير تنوين للعلمية والتأنيث. انتهى. قلت: سبحان الله هذا الكلام منهما كلام من لم يميز بالنحو، وقد ثبت فيه الأمثل، وهذا يجوز فيه الوجهان عدم المصرف للعلتين المذكورتين. وجواز الصرف بسكون وسطه فإنه يقاوم أحد العلتين فبقي الاسم بعلة واحدة، فلا يمنع من الصرف. م: (ولأن الحاجة ماسة إلى أن يلزم الوقف منه) ش: أي من الوقف. م: (ليصل ثوابه إليه) ش: أي إلى الواقف. م: (على الدوام، وقد أمكن دفع حاجته بإسقاط الملك، وجعله لله تعالى) ش: يمكن أن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 425 إذ له نظير في الشرع وهو المسجد، فيجعل كذلك، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " لا حبس عن فرائض الله تعالى "   [البناية] يكون هذا جوابًا عما يقال كيف يلزم الوقف ويخرج عن ملكه لا إلى مالك؟ وتقدير الجواب أنه يمكن أن يدفع حاجة الواقف عن ملكه بإسقاطه عنه، وجعله لله تعالى، فإذا جعل لله تعالى يلزم، ويدوم ويصل إليه ثوابه. م: (إذ له نظير في الشرع) ش: هذا أيضًا جواب عما يقال كيف يخرج الوقف عن ملكه ولا يدخل في ملك أحد، وهو محال. وتقدير الجواب أن هذا له نظير في الشرع. م: (وهو المسجد) ش: فإن اتخاذ المسجد يلزم بالاتفاق وهو إخراج الملك من المنفعة، وهو مالك، ولا يدخل في ملك أحد، وكالعبد المشترى لخدمة الكعبة، فإنه يصح ولا يدخل في ملك. وفي " المبسوط ": ثم للناس حاجة إلى ما يرجع إلى مصالح معايشهم ومعادتهم كسائر الخانات والرباطات، واتخاذ المقابر، ويستدلون بالعتق أيضًا، فإنه إزالة الملك لا إلى مالك، وصح ذلك على قدر التقرب. م: (فيجعل كذلك) ش: أي فيجعل الوقف كالمسجد، وفي " فتاوى قاضي خان " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولم يأخذ، والقول قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - للآثار المشهورة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصحابة وتعامل الناس باتخاذ الرباطات والخانات أولها أوقاف خليل الرحمن - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -، فهي باقية إلى اليوم، وكذا أوقاف الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - بمكة والمدينة. م: (ولأبي حنيفة قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا حبس عن فرائض الله تعالى» ش: هذا [الحديث] أخرجه الدارقطني في " سننه - في الفرائض " عن عبد الله بن لهيعة عن أخيه عيسى بن لهيعة عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا حبس عن فرائض الله» وعبد الله بن لهيعة وأخوه عيسى ضعيفان، ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " موقوفًا على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقال حدثنا هشام عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: قال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا حبس عن فرائض الله تعالى إلا ما كان من سلاح أو كراع. وعن شريح أنه قال: جاء محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبيع الحبيس، هذا رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه - في البيوع " حدثنا وكيع، وابن أبي زائدة عن مسعر عن ابن عون عن شريح قال: " جاء محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبيع الحبيس " وأخرجه البيهقي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 426 «عن شريح: " جاء محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ببيع الحبس» ؛   [البناية] قوله: لا حبس عن فرائض الله تعالى، أي لا مال يحبس بعد موت صاحبه عن القسمة بين ورثته لكنهم يحملون هذا على ما كان عليه أهل الجاهلية من البحيرة والسائبة والوجلة والحاسي، ويقولون الشرع أبطل ذلك كله. وكنا نقول النكرة في موضع النفي تعم فيتناول كل طريق يكون فيه حبس عن الميراث إلا ما قام عليه الدليل. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - الحبس ما كانوا يفعلونه في الابتداء قبل سورة النساء كانوا [..] العين على ملكهم، ويتصدقون بالعلة ويرون أن بيع الأصل ممتنعًا لمكان الصدقة بالعلة فجاء محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونسخ هذا وجوز بيعه. والمعنى هذه المسألة أن هذا تصدق بالعلة المعدومة لا بالعين فلا يمنع البيع ولا الإرث، إذا لم يكن موصى به قياسًا على ما لو قال: تصدقت بعلة هذه الأرض على الفقراء والمساكين أبدًا. وفي " مبسوط " شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الاستدلال بهذا الحديث غير مستقيم؛ لأنه إنما يستقيم هذا إذا تعلق به حق الوارث، فأما إذا كان الوقف قبل التعلق فليس حبس عن فرائض الله كالتصدق بالمنقولات. فإن قلت: قال ابن حزم - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قولهم لا حبس عن فرائض الله، قول فاسد؛ لأنهم لا يختلفون في جواز الهبة والصدقة في الحياة والوصية بعد الموت، فكل هذا سقط لفرائض الله. قلت: لا نسلم أن هذه الأشياء سقط لفرائض الورثة، أما الهبة والصدقة فإنهما يكونان في حياة الرجل في ذلك الوقت وفرائض للورثة وأما الوصية فإنها لا تنعقد إلا عن الثلث، ففرائض الورثة في الثلثين. فإن قلت: هذا الحديث ضعيف، كما مر من جهة أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -[..] فكيف يستدل به لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: أخرجه الطحاوي بتمامه بإسناد صحيح فقال حدثنا سليمان بن شعيب عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عطاء بن السائب - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال سألت شريحًا ... الحديث، وفيه: «لا حبس عن فرائض الله» ، فإن كان الذي روى عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ضعيف، فهذا الذي روى. م: (وعن شريح) ش: صحيح، ومع هذا جاء عنه أيضًا. م: (" جاء محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ببيع الحبس ") ش: كما ذكرنا وشريح هو ابن الحارث الكندي وهو قاضي عمر وعثمان وعلي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 427 ولأن الملك باق فيه، بدليل أنه يجوز الانتفاع به زراعة، وسكنى، وغير ذلك، والملك فيه للواقف، ألا ترى أن له ولاية التصرف فيه بصرف غلاته إلى مصارفها ونصب القوام فيها، إلا أنه يتصدق بمنافعه فصار شبيه العارية؛ ولأنه يحتاج إلى التصدق بالغلة دائما، ولا تصدق عنه إلا بالبقاء على ملكه، ولأنه لا يمكن أن يزال ملكه لا إلى مالك، ولأنه غير مشروع مع بقائه كالسائبة بخلاف الإعتاق؛ لأنه إتلاف، وبخلاف المسجد؛ لأنه جعل خالصا لله تعالى، ولهذا: لا يجوز الانتفاع به، وهاهنا لم ينقطع حق   [البناية] - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الخلفاء الراشدين المهديين، ومعنى جاء محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: جاء شرعه ببيع الحبس. م: (ولأن الملك باق فيه) ش: أي في الوقف. م: (بدليل أنه يجوز الانتفاع به) ش: أي بالوقف. م: (زراعة، وسكنى، وغير ذلك) ش: نحو إسكانه وإجارته كما يشفع بالمملوكات. م: (والملك فيه للواقف) ش: بدليل تصرفه فيه بالأشياء المذكورة، ثم أوضح ذلك بقوله. م: (ألا ترى أن له ولاية التصرف فيه بصرف غلاته إلى مصارفها ونصب القوام فيه) ش: بضم القاف وتشديد الواو جمع قائم بالأمر، والضمير في مصارفها يرجع إلى الغلات، وفي منصب القوام فيها إلى المصارف. م: (إلا أنه) ش: أي للواقف. م: (يتصدق بمنافعه فصار) ش: أي الوقف. م: (شبيه العارية) ش: من حيث إن ملك الغير قائم فيها، والغير ينتفع بمنافعها. م: (ولأنه يحتاج إلى التصدق بالغلة دائمًا) ش: فاستدعى دوام ملك الواقف وهو معنى قوله. م: (ولا تصدق عنه إلا بالبقاء على ملكه) ش: وفي بعض النسخ إلا بالبقاء على ملكه. م: (ولأنه لا يمكن أن يزال ملكه لا إلى مالك، ولأنه غير مشروع مع بقائه) ش: أي مع بقاء ملكه. م: (كالسائبة) ش: وهي الناقة التي تسيب لنذر، كان الرجل يقول: إذا قدمت من سفري أو برئت من مرضي فناقتي سائبة. ومعناه: أن الوقف بمنزلة تسيب أهل الجاهلية من حيث إن العين لا يخرج من أن يكون مملوكًا له منتفعًا به فإنه لو سيب دابته لم تخرج عن ملكه فكذلك إذا وقف داره أو أرضه. م: (بخلاف الإعتاق) ش: جواب عما يقال لو كان أزال الملك لا إلى ملك غير مشروع لما جاز العتق، فلأنه إزالة الملك الثابت في العبد من غير تمليك لأحد فأجاب عنه بقوله. م: (لأنه إتلاف) ش: أي إسقاط صفة المملوكية. م: (وبخلاف المسجد) ش: وجواب عن قياسهم الوقف على المسجد فأجاب عنه بقوله. م: (لأنه جعل خالصًا لله تعالى) ش: أي لأجل أنه جعل خالصًا لله تعالى. م: (ولهذا: لا يجوز الانتفاع به، وهاهنا) ش: أي لا ينتفع به بشيء من منافع الملك وإن كان يصلح لها، والأصل في الشرع وهو الكعبة، فإنها محرزة عن ملك العباد فألحقت سائر المساجد بها، والموقف ليس بإحالته إلى الله تعالى كما ذكرنا، وهاهنا يعني في الوقف. م: (لم ينقطع حق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 428 العبد عنه، فلم يصر خالصًا لله تعالى. قال - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في " الكتاب ": لا يزول ملك الواقف، إلا أن يحكم به الحاكم أو يعلقه بموته، وهذا في حكم الحاكم صحيح؛ لأنه قضاء في مجتهد فيه، أما في تعليقه بالموت فالصحيح أنه لا يزول ملكه، إلا أنه تصدق بمنافعه مؤبد، فيصير بمنزلة الوصية بالمنافع مؤبدًا فيلزم حينئذ، والمراد بالحاكم: المولى، فأما المحكم ففيه اختلاف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -   [البناية] العبد عنه، فلم يصر خالصًا لله تعالى. فقال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (قال في " الكتاب ") ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ". م: (لا يزول ملك الواقف، عن الوقف إلا أن يحكم به الحاكم أو يعلقه بموته) ش: إلى هنا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - غير أن فيه لا يزول ملك الواقف عند أبي حنيفة، فأسقط المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ثم قال: م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكره القدوري. م: (في حكم الحاكم صحيح؛ لأنه قضاء في مجتهد فيه) ش: صورة الحكم إن سلم الواقف ما وقفه إلى المتولي، ثم يريد أن يرجع عنه فينازعه بعدم اللزوم فيختصمان إلى القاضي فيقضي القاضي بلزومه. م: (أما في تعليقه بالموت فالصحيح أنه لا يزول ملكه) ش: يعني أن المشايخ اختلفوا على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقيل يزول الملك بالتعليق بالموت؛ لأنه وقت خروج الأملاك عن ملكه فالتعليق به يدل على أن مراده الخروج من الملك، وقيل: لا يزول، وهو الصحيح؛ لأن الوقف يصدق بالعلة، وهو ما لا يستدعي زوال أصل الملك. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (إلا أنه تصدق بمنافعه مؤبد) ش: يعني دائمًا. م: (فيصير بمنزلة الوصية بالمنافع مؤبدًا فيلزم حينئذ، والمراد بالحاكم) ش: الذي ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (المولى) ش: بفتح اللام الذي ولاه الإمام عمل القضاء. م: (فأما المحكم) ش: بتشديد الكاف المفتوحة الذي ينفذ عليه الحكم في حادثة معينة باتفاق المتخاصمين. م: (ففيه اختلاف المشايخ) ش: قال في كتاب " القضاء - من خلاصة الفتاوى ": وأما حكم المحكم في اليمين المضافة وسائر المجتهدات، والأصح أن ينفذ، لكن لا يفتى به. كذا ذكر في " الأقضية ". وقال في " الفتاوى الصغرى ": الحاكم المحكم إذا قضى عليه المحكمين فظاهر الجواب " أنه ينفذ، وجواب " فتاوى السمرقندي " أنه لا يبعد زجرًا لهم عن ذلك، وإني أقول: لا يحل لأحد أن يفعل ذلك، يعني في إطلاق المصارف، ولا يفتى على هذا. وحكي عن شمس الأئمة الحلواني - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: مسألة الحاكم المحكم يعلم ولا يفتي به، وكان يقول ظاهر المذهب أنه يجوز، إلا أن القاضي الإمام الأستاذ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أبا علي البيهقي، كان يقول: يكتم هذا الفعل ولا يفتي به لئلا يتطرق الجهال إلى هذا فيؤدي إلى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 429 ولو وقف في مرض موته. وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو بمنزلة الوصية بعد الموت، والصحيح أنه لا يلزمه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما يلزمه، إلا أنه يعتبر من الثلث، والوقف في الصحة في جميع المال، وإذا كان الملك يزول عندهما، يزول بالقول عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بمنزلة الإعتاق لأنه إسقاط الملك عنه، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا بد من التسليم إلى المتولي؛ لأنه حق الله تعالى، وإنما يثبت فيه في ضمن التسليم إلى العبد؛ لأن التمليك من الله تعالى - وهو مالك الأشياء - لا يتحقق مقصودا، وقد يكون تبعا لغيره فيأخذ حكمه   [البناية] هدم مذهبنا، فأما المذهب [..] الأول، إلى هنا لفظ كتاب " الفتاوى الصغرى ". [وقف في مرض موته] م: (ولو وقف في مرض موته، قال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم الحجري البصري الطحاوي ونسبه إلى طحا قرية من أعمال الأشمونين بالصعيد الأدنى، الإمام المحدث الفقيه الحنفي، ولد في سنة تسع وعشرين ومائتين ومائة ليلة الخميس مستهل ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة بمصر، ودفن بالقرافة. م: (هو) ش: أي الوقف. م: (بمنزلة الوصية بعد الموت) ش: يعني يلزم الوقف حينئذ على مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بخلاف الوقف في الصحة فإنه لا يلزم عنده، ثم قال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": وقد روى محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة أن ذلك لا يجوز منه في مرضه، كما لا يجوز في صحته، ثم قال: وهو الصحيح على أصوله. م: (والصحيح أنه لا يلزم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما يلزمه، إلا أنه يعتبر من الثلث، والوقف في الصحة في جميع المال، وإذا كان الملك يزول عندهما، يزول بالقول عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي يزول الملك عن الواقف بمجرد قوله: وقفت. م: (وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأكثر أهل العلم. وفي " التميمة ": والفتوى على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي " المحيط "، والسرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ومشايخنا أخذوا بقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترغيبًا للناس في الوقف، ومشايخ بخارى أخذوا بقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (بمنزلة الإعتاق) ش: حيث يزول ملك المعتق بمجرد قوله: أعتقت عبدي. م: (لأنه) ش: أي لأن الإعتاق. م: (إسقاط الملك عنه) ش: عن الملك. م: (وعند محمد لا بد من التسليم إلى المتولي؛ لأنه حق الله تعالى، وإنما يثبت فيه) ش: أي في الوقف. م: (في ضمن التسليم إلى العبد؛ لأن التمليك من الله تعالى - وهو مالك الأشياء - لا يتحقق مقصودًا) ش: فيأخذ الملك من الله تعالى حكم التمليك من غيره حتى يشترط فيه التسليم والقبض، وقوله وهو مالك الأشياء جملة معترضة بين اسم إن وخبرها. م: (وقد يكون تبعًا لغيره فيأخذ حكمه) ش: أي قد يكون التمليك تبعًا لغيره أي ضمنًا؛ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 430 فينزل منزلة الزكاة والصدقة. قال: وإذا صح الوقف على اختلافهم، وفي بعض النسخ: وإذا استحق مكان قوله: وإذا صح خرج من ملك الواقف، ولم يدخل في ملك الموقوف عليه؛ لأنه لو دخل في ملك الموقوف عليه، لا يتوقف عليه، بل ينفذ بيعه كسائر أملاكه، ولأنه لو ملكه لما انتقل عنه بشرط المالك الأول، كسائر أملاكه، قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقوله: خرج عن ملك الواقف يجب أن يكون قولهما على الوجه الذي سبق ذكره.   [البناية] لأن التمليك من الله قصدًا لا يثبت [..] من شيء، بل يثبت ضمنًا ولا يثبت قصدًا فيأخذ التمليك من الله حكم التمليك من غيره حتى يشترط فيه التسليم والقبض. م: (فينزل منزلة الزكاة والصدقة) ش: يعني ينزل التمليك من الله تعالى في الوقف في ضمن التسليم إلى العبد منزلة تملك المال من الله تعالى في الزكاة حيث يتحقق التمليك منه في ضمن التسليم إلى الفقير. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وإذا صح الوقف على اختلافهم) ش: أي على اختلاف العلماء في صحته حيث لا يصح عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على رواية الأصل خلافًا لصاحبيه. م: (وفي بعض النسخ) ش: أي في بعض نسخ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وإذا استحق مكان قوله، وإذا صح خرج من ملك الواقف، ولم يدخل في ملك الموقوف عليه) ش: خلافًا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. م: (لأنه) ش: أي لأن الوقف. م: (لو دخل في ملك الموقوف عليه، لا يتوقف عليه) ش: أي على ملكه، وجاز له إخراجه عن ملكه كسائر أملاكه وهو معنى قوله. م: (بل ينفذ بيعه كسائر أملاكه) ش: أي كما ينفذ تصرفه في سائر أملاكه. ومع هذا لا يجوز لعدم دخوله في ملكه. م: (ولأنه لو ملكه) ش: دليل بأن في عدم دخوله في ملكه، أي: ولأن الموقوف عليه لو ملك الموقوف. م: (لما انتقل عنه بشرط المالك الأول) ش: وهو الواقف يعني ما كان ينتقل إلى من بعده ممن شرط الوقف بقوله: بعد هذا الموقوف عنه إلى الفقراء رعاية لشرطه. لكن ليس له ذلك بالاتفاق يدل على أنه لا يدخل في ملك الموقوف عليه. م: (كسائر أملاكه) ش: أي كسائر أملاك الموقوف عليه. م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ". م: (خرج عن ملك الواقف يجب أن يكون قولهما على الوجه الذي سبق ذكره) ش: يعني أن الوقف عندهما حبس العين على ملك الله تعالى، وبزوال الملك الواقف عنه إلى الله تعالى، فلما زال ملك الواقف عندهما يجب أن يكون قوله خرج على ملك الواقف قولهما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 431 قال: ووقف المشاع جائز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن القسمة من تمام القبض، والقبض عنده ليس بشرط، فكذا تتمته، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز؛ لأن أصل القبض عنده شرط، فكذا ما يتم به، وهذا فيما يحتمل القسمة، فأما فيما لا يحتمل القسمة فيجوز مع الشيوع   [البناية] بخلاف قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإن بالوقف عنده حبس العين على ملك الواقف، والتصدق بالنفقة. فإذا كان محبوسًا على ملك الواقف لا يصح قوله: خرج عن ملك الواقف، على مذهب، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله يجب أن يكون قولهما مطلقًا لا يستقيم. أجيب عنه: بأنه قال: وإذا صح الوقف لم تدل الصحة على اللزوم كالعقود الصحيحة الغير اللازمة من العارية والوكالة والمضاربة، فكان القول بخروج الوقف عن ملك الواقف إذا صح الوقف، قولهما: إذا حكم به، فحينئذ خروجه قول الكل. [وقف المشاع] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ووقف المشاع جائز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (لأن القسمة من تمام القبض) ش: لأن القبض للخيارة وتمام الخيارة مما يقسم بالقسمة. م: (والقبض عنده) ش: أي عند أبي يوسف. م: (ليس بشرط فكذا تتمته) ش: وهي القسمة وهو كونه مقسومًا مقررًا. وهذا لأن الوقف إسقاط الملك كالإعتاق، والشيوع لا يمنع العتاق فَلَا خَوْفٌ الوقف أيضًا، يؤيده «حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أصاب [..] ، واستأذن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها فأمره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بوقفها» . م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز؛ لأن أصل القبض عنده شرط، فكذا ما يتم به) ش: أي ما يتم به القبض وهو كونه مقسومًا. وقال الولوالجي في " فتاوى مشايخ بلخ ": أخذوا بقول أبي يوسف ومشايخ بخارى - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أخذوا بقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثم قال: وبه يفتى ثم قال: فإن رفع إلى القاضي فقضى بجوازه جاز عند الكل؛ لأنه مختلف فيه فيصير متفقًا عليه باتصال القضاء. وقال في " خلاصة الفتاوى ": ولو وقفت نصف الحمام، جاز يعني بلا خلاف من أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - لأنه لا يحتمل القسمة فصار كسهم المشاع فيما لا يحتمل القسمة. م: (وهذا) ش: أي وهذا الخلاف المذكور بين أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -. م: (فيما يحتمل القسمة، وأما فيما لا يحتمل القسمة) ش: كالحمام والرحى ونحوهما. م: (فيجوز مع الشيوع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 432 عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا؛ لأنه يعتبره بالهبة والصدقة المنفذة إلا في المسجد والمقبرة، فإنه لا يتم مع الشيوع فيما لا يحتمل القسمة أيضا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن بقاء الشركة يمنع الخلوص لله تعالى، ولأن المهايأة فيهما في غاية القبح بأن يقبر فيه الموتى سنة ويزرع سنة، ويصلى فيه في وقت ويتخذ إصطبلا في وقت بخلاف الوقف، لإمكان الاستغلال وقسمة الغلة. ولو وقف الكل، ثم استحق جزءا منه، بطل في الباقي، عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الشيوع مقارن، كما في الهبة، بخلاف ما إذا رجع الواهب في البعض، أو رجع الوارث في الثلثين بعد موت المريض، وقد وهب أو وقف في مرضه،   [البناية] عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا؛ لأنه) ش: أي لأن محمدا. م: (يعتبره) ش: أي الوقف بالنوع. م: (بالهبة) ش: أي لجواز الهبة المشاعة. م: (والصدقة المنفذة) ش: وهي التي سلمت إلى الفقير وجعلت مملوكة له، وفيه لا يمنع الشيوع، وكذا في الصدقة الموقوفة، وهي التي لم يملكها الموقوف عليه إلا إذا تصدق عليه بمنفعتها. م: (إلا في المسجد والمقبرة) ش: استثناء من قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني لا يصح وقف المسجد والمقبرة فيما لا يحتمل القسمة أيضًا بأن كان الموضع صغيرًا لا يصلح بما أراده الواقف من المسجد والمقبرة على تقدير القسمة؛ لأن المسجد خالص لله تعالى، والشيوع بناء في الخلوص، ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] (الجن: الآية 18) . م: (فإنه لا يتم) ش: أي فإن الوقف لا يتم. م: (مع الشيوع فيما لا يحتمل القسمة أيضًا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن بقاء الشركة يمنع الخلوص لله تعالى) ش: كما ذكرناه. م: (ولأن المهايأة فيهما) ش: أي في المسجد والمقبرة. م: (في غاية القبح بأن يقبر بأن يقبر فيه الموتى سنة ويزرع سنة ويصلى فيه في وقت ويتخذ إصطبلًا في وقت بخلاف الوقف) ش: أي وقف المشاع، فإنه لا قبح فيه. م: (لإمكان الاستغلال وقسمة الغلة) ش: بين مستحق الوقف وبين صاحب الملك. م: (ولو وقف الكل) ش: ذكر هذا تفريعًا لمسألة القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو أنه وقف عقارًا كله. م: (ثم استحق جزءًا منه) ش: بأن مالكه مستحقًا في النصف أو الثلث أو الربع ونحوهما. م: (بطل) ش: أي الوقف. م: (في الباقي) ش: بعد الاستحقاق. م: (عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الشيوع مقارن) ش: للقبض؛ لأن حق المستحق كان ثابتًا في الموقوف حال الوقف فلم يتم القبض، وهو شرط عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فبطل في الباقي لانتفاء الشرط. م: (كما في الهبة) ش: المشاعة لمقارنة الشيوع فيه عند القبض. م: (بخلاف ما إذا رجع الواهب في البعض) ش: في النصف مثلًا بعد قبض الموهوب له. م: (أو رجع الوارث في الثلثين) ش: بأن وهب في مرض موته فمات ورجع الوارث. م: (بعد موت المريض، وقد وهب أو وقف في مرضه) ش: والحال أن الواهب وهب في مرضه أو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 433 وفي المال ضيق؛ لأن الشيوع في ذلك طارئ، ولو استحق جزء مميز بعينه لم يبطل في الباقي لعدم الشيوع، ولهذا جاز في الابتداء وعلى هذا الحكم الهبة والصدقة المملوكة. قال: ولا يتم الوقف عند أبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى يجعل آخره لجهة لا تنقطع أبدا. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا سمى فيه جهة تنقطع جاز وصار بعدها للفقراء وإن لم يسمهم، لهما أن موجب الوقف زوال الملك بدون التمليك، وأنه يتأبد كالعتق، فإذا كانت الجهة يتوهم انقطاعها لا يتوفر عليه   [البناية] الواقف وقف في مرضه. م: (وفي المال ضيق) ش: أي والحال أن في المال ضيقًا، يعني لا مال سواه لا يسع المال الهبة ولا الوقف، وأصله أن حكم هبة المريض كحكم الوهب حتى يصير خروجها من الثلث، وكذلك الوقف، ثم إن الوارث لما أبطله فيما زاد على الثلث بقي في الثلث صحيحًا؛ لأن حق الوارث إنما يثبت بعد الموت، فإبطاله بعد الموت في القدر الذي بطل فيقدر على ذلك الوقف ولا يتعين الوقف في الجزء الشائع. م: (لأن الشيوع في ذلك طارئ) ش: وهذا مجرى الرجوع في الهبة ظاهرًا، وكذا في رجوع الورثة؛ لأن حقهم يثبت في المال ثم سد فيكون طارئًا. م: (ولو استحق جزء مميز بعينه) ش: يعني في المسألة المذكورة. م: (لم يبطل) ش: أي الوقف. م: (في الباقي لعدم الشيوع) ش: لأن المفسد هو الشيوع وهو منتف هنا. م: (ولهذا جاز في الابتداء) ش: أي ولكون استحقاق جزء معين في المكان غير مانع جاز الوقف في ابتداء الأمر لعدم الشيوع المفسد. م: (وعلى هذا الحكم الهبة والصدقة المملوكة) ش: أي للفقير، يعني إذا استحق جزءًا معينًا لا تبطل الهبة والصدقة في الباقي. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولا يتم الوقف عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - حتى يجعل آخره لجهة لا تنقطع أبدًا) ش: مثل أن يقول: علي كذا وكذا ثم على فقراء المسلمين حيث ما وجدوا. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا سمى فيه جهة تنقطع جاز، وصار بعدها) ش: أي بعد تلك الجهة. م: (للفقراء وإن لم يسمهم) ش: مثل أن يثبت علي كذا وكذا، وعلى أمهات أولاده، جاز، صار بعدها للفقراء. م: (لهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. م: (أن موجب الوقف زوال الملك بدون التمليك) ش: يعني لا إلى ملك. م: (وأنه) ش: أي وأن زوال الملك بدون التمليك. م: (يتأبد كالعتق) ش: فإنه زوال الملك وهو متأبد. م: (فإذا كانت الجهة) ش: التي عينها الواقف. م: (يتوهم انقطاعها لا يتوفر عليها) ش: أي على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 434 مقتضاه، ولهذا كان التوقيت مبطلا له كالتوقيت في البيع ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المقصود هو التقرب إلى الله تعالى، وهو موفر عليه؛ لأن التقرب تارة يكون في الصرف إلى جهة تنقطع، ومرة بالصرف إلى جهة تتأبد، فيصح في الوجهين، وقيل: إن التأبيد شرط بالإجماع، إلا أن عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يشترط ذكر التأبيد؛ لأن لفظة الوقف والصدقة مبينة عنه، لما بينا أنه   [البناية] الوقف. م: (مقتضاه) ش: وهو التأبيد. م: (ولهذا كان التوقيت) ش: في الوقف. م: (مبطلًا له) ش: أي للوقف كما إذا وقف داره عشرين سنة فلا يجوز. م: (كالتوقيت في البيع) ش: إلى عشرة أيام مثلًا. فإن قيل: كيف يستقيم قوله: إنه زوال الملك بدون التمليك على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن عنده الوقف حبس العين على ملك الواقف، ولم يزل ملكه، وهذا تناقض. أجيب: بأن في " المبسوط " و" الذخيرة " و" التتمة " وغيرها جعل زوال الملك بشرط التأبيد، [وهو] قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خاصة وقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فعلى ما ذكر في الكتاب جاز أن يكون عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان أو أراد هاهنا ما إذا حكم الحاكم بصحته ولزومه فحينئذ يخرج بالاتفاق، وفرع أبو حنيفة على قول من يرى خروجه وهو قولهما كما في المزارعة. م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المقصود) ش: من الوقف. م: (هو التقرب إلى الله تعالى) ش: بالتصدق بالنفقة. م: (وهو موفر عليه) ش: أي بالتقرب إلى الله تعالى موفر على جعل الوقف بجهة تنقطع وبجهة لا تنقطع. م: (لأن التقرب تارة يكون في التصرف إلى جهة تنقطع ومرة بالصرف إلى جهة تتأبد) ش: يعني لا تنقطع. م: (فيصح في الوجهين) ش: فعلى هذا إذا انقطعت الجهة عاد الوقف إلى ملكه إن كان حيّا، وإلى ملك ورثته إن كان ميتًا. ولقائل أن يقول: هذا التعليل غير مطابق لما ذكر عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه قال: وصار بعدها للفقراء فإن لم يسمهم وذلك يدل على أن التأبيد شرط. والجواب: أن المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أمران: أحدهما: أنه لا يشترط التأبيد أصلًا، والثاني: أنه يشترط، لكن لا يشترط ذكره باللسان. والمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أشار إلى القول الأول بالتعليل وإلى الثاني بذكر المذهب، واستدل عليه بقوله. م: (وقيل: إن التأبيد شرط بالإجماع، إلا أن عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يشترط ذكر التأبيد؛ لأن لفظة الوقف والصدقة مبينة عنه) ش: أي عن التأبيد. م: (لما بينا) ش: فيما مضى. م: (أنه) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 435 إزالة الملك بدون التمليك كالعتق، ولهذا قال في " الكتاب " في بيان قوله، وصار بعدها للفقراء، وإن لم يسمهم وهذا هو الصحيح، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر التأبيد شرط؛ لأن هذه صدقة بالمنفعة أو بالغلة، وذلك قد يكون مؤقتا وقد يكون مؤبدا، فمطلقه لا ينصرف إلى التأبيد فلا بد من التنصيص. قال: ويجوز وقف العقار؛ لأن جماعة من الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وقفوه   [البناية] ش: أي أن الوقف. م: (إزالة الملك بدون التمليك كالعتق، ولهذا قال في " الكتاب ") ش: أي قال في " مختصر القدوري ". م: (في بيان قوله) ش: أي قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وصار بعدها للفقراء، وإن لم يسمهم) ش: أي الفقراء. م: (وهذا) ش: أي كون التأبيد شرطًا، وذلك عند غير أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (هو الصحيح، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر التأبيد شرط؛ لأن هذه صدقة بالمنفعة أو بالغلة، وذلك قد يكون مؤقتًا وقد يكون مؤبدًا، فمطلقه لا ينصرف إلى التأبيد فلا بد من التنصيص) ش: على التأبيد، وفي " الذخيرة " و" الأسرار ": لو قال: أرضي هذه صدقة موقوفة مؤبدة تصير وقفًا بالإجماع ولو لم يقل مؤبدة تصير وقفًا في قول عامة من يجيز الوقف أن الصدقة تثبت مؤبدة؛ لأنها تحتمل الفسخ كالإعتاق. وإذا انقطعت الجهة تصرف إلى المساكين، وبه قال مالك، وأحمد في رواية، والشافعي في قول، وقال الشافعي في قول: يصرف إلى أقارب الواقف المحتاجين، وبه قال أحمد في رواية، وفي رواية عن أحمد: يوضع في بيت المال. [وقف العقار] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ويجوز وقف العقار) ش: هذا لفظ، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لأن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وقفوه) ش: أي العقار وقد مر أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقف أرضًا تسمى ثمغ. وفي " الخلافيات " للبيهقي قال أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي: تصدق أبو بكر بداره بمكة على ولده فهي إلى اليوم، وتصدق عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بربعه عند المروة على ولده فهي إلى اليوم، وتصدق علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بأرضه وداره بمصر وبأمواله بالمدينة على ولده فذلك إلى اليوم، وتصدق سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بربعه عند المروة وبداره بالمدينة وبداره في مصر على ولده، فذلك إلى اليوم، وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تصدق بدومة فهي إلى اليوم، وعمرو بن العاص - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالوهد بالطائف وداره بمكة والمدينة على ولده، فذلك إلى اليوم، وإلا يحضر في كثير. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 436 ولا يجوز وقف ما ينقل، ويحول. قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا على الإرسال لقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أبو يوسف: إذا وقف ضيعة ببقرها وأكرتها وهم عبيده، جاز، وكذا سائر آلات الحراثة؛ لأنه تبع للأرض في تحصيل ما هو المقصود، وقد يثبت من الحكم تبعا، ما لا يثبت مقصودا، كالشرب في البيع، والبناء في الوقف، وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - معه فيه؛ لأنه لما جاز إفراد بعض المنقول بالوقف عنده.   [البناية] م: (ولا يجوز وقف ما ينقل ويحول) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وهذا على الإرسال) ش: أي على الإطلاق، ففي قوله في الكتاب: ولا يجوز وقف ما ينقل ويحول مطلقًا من غير ذكر خلاف. م: (لقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا وقف ضيعة ببقرها وأكرتها) ش: [..] وأكرتها بفتح الكاف [..] الأكار وهو الفلاح. م: (وهم عبيده) ش: أي عبيد الواقف. م: (جاز، وكذا سائر آلات الحراثة) ش: أي وكذا يجوز وقف آلات الحراثة مع البقر. م: (لأنه) ش: أي لأن المذكور من هذه الأشياء. م: (تبع للأرض في تحصيل ما هو المقصود) ش: وهو الغلة. م: (وقد ثبت من الحكم تبعًا) ش: أي بطريق التبعية. م: (ما لا يثبت مقصودًا) ش: أي من حيث القصد. م: (كالشرب في البيع) ش: أي لجواز الشرب في بيع الأرض. م: (والبناء في الوقف) ش: أي ولجواز الوقف تبعًا للأرض. ولا يجوز وقفه مقصودًا. م: (وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - معه) ش: أي مع محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (فيه) ش: أي في جواز وقف المنقول. م: (لأنه لما جاز إقرار بعض المنقول بالوقف عنده) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما يتعارف الناس وقفه كالمنشار والفأس والجنازة والمصحف لقراءة القرآن والقدور والمراجيل، وما لم يتعارف الناس وقفه لا يجوز وقفه كوقف الثياب وغيرها من الأمتعة، وقال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يجوز وقف كل ما ينتفع به مع بقاء عينه، وعن مالك في الكراع والسلاح روايتان. وأما وقف ما لا ينتفع به إلا بالإتلاف كالذهب والفضة والمأكول والمشروب، فقيل: جائز في قول عامة الفقهاء وأهل العلم إلا ما حكي عن مالك والأوزاعي - رحمهما الله -: أن وقف الطعام يجوز. ولم يحكمه أصحاب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وليس بصحيح، والمراد بالذهب والفضة الدراهم والدنانير وما ليس بحلي، أما الحلي فيصح وقفه عند أحمد والشافعي - رحمهما الله - الجزء: 7 ¦ الصفحة: 437 فلأن يجوز الوقف فيه تبعا أولى. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز حبس الكراع والسلاح، معناه: وقفه في سبيل الله، وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - معه فيه على ما قالوا، وهذا استحسان، والقياس أن لا يجوز، لما بينا من قبل، وجه الاستحسان الآثار المشهورة فيه منها قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وأما خالد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقد حبس أدرعا وأفراسا له في سبيل الله تعالى»   [البناية] م: (فلأن يجوز الوقف فيه) ش: أي في المنقول. م: (تبعًا) ش: أي من حيث التبعية. م: (أولى) ش: بالجواز. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز حبس الكراع) ش: أي الخيل، قال في " ديوان الأدب ": الكراع: الخيل. وكذا فسره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى، والكراع من البعير والبقر والغنم، ما استدق من الساق يذكر ويؤنث والجمع كرع وأكارع. كذا في " الصحاح "، [و] المراد الأول. م: (والسلاح) ش: أي وحبس السلاح أيضًا، وقال المصنف. م: (معناه) ش: معنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز حبس الكراع والسلاح. م: (وقف في سبيل الله عز وجل، وأبو يوسف معه) ش: أي مع محمد. م: (فيه) ش: أي في الجواز حبس الكراع والسلاح. م: (على ما قالوا) ش: أي المشايخ. م: (وهذا) ش: أي جواز حبس الكراع والسلاح. م: (استحسان) ش: أي بطريق الاستحسان. م: (والقياس أن لا يجوز، لما بينا من قبل) ش: أي من حبس شرط التأبيد؛ لأن المنقول لا يتحقق فيه التأبيد لعدم بقائه. م: (وجه الاستحسان الآثار المشهورة فيه) ش: أي في جواز حبس الكراع والسلام. م: (منها) ش: أي من الآثار. م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (وأما خالد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقد حبس أدرعًا وأفراسًا له في سبيل الله تعالى) ش: هذا الحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «بعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على الصدقة فمنع ابن جميل، وخالد بن الوليد، والعباس، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله، وأما خالد، فإنكم تظلمون خالدًا، فقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله ... » الحديث. قوله: أعتده: جمع قلة عتاد بكسر العين، وتخفيف التاء المثناة من فوق وهو ما أعده الراجل من السلاح والدواب وآلة الحرب، ويروى أنه احتبس أدراعه وأعتاده، وقال الدارقطني: قال أحمد بن حنبل: قال علي بن حفص: [من قال] : وأعتاد أخطأ فيه وصحفه، وإنما هو أعتده، والأدراع جمع درع وهي الزروية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 438 وطلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حبس دروعه في سبيل الله تعالى، ويروى: وأكراعه، والكراع الخيل ويدخل في حكمه الإبل؛ لأن العرب يجاهدون عليها، وكذا السلاح يحمل عليها، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجوز وقف ما فيه تعامل من المنقولات: كالفأس، والمر، والقدو، والمنشار، والجنازة، وثيابها، والقدور، والمراجل، والمصاحف، وعند أبي يوسف: لا يجوز لأن القياس إنما يترك بالنص، والنص ورد في الكرع والسلاح فيقتصر عليه،   [البناية] وقال ابن الأثير: وجاء في رواية وأعبده بالباء الموحدة جمع قلة للعبد، وقال الكاكي: وروي أن خالدًا جمع ثلاثمائة فرس في خلافة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مكتوب على لماذه حبس في سبيل الله. م: (وطلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حبس دروعه في سبيل الله تعالى) ش: هذا غريب جدًا ليس له أصل. م: (ويروى: وأكراعه) ش: والرواية غير صحيحة من وجهين: أحدهما: أنها لم تنقل عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من الرواة الثقات، والآخر من جهة اللفظ؛ لأن كراعًا عليه وزن فعال، ولم يسمع جمعه على أفعال. م: (والكراع: الخيل، ويدخل في حكمه الإبل؛ لأن العرب يجاهدون عليها) ش: وقال الأنباري: كان القياس أن يقول: في حكمها؛ لأن الكراع مؤنث سماعي. قلت: يجوز في المؤنث السماعي التذكير بالنظر إلى ظاهر اللفظ. م: (وكذا السلاح يحمل عليها) ش: أي كما يقوى عليها محمد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أيضًا فيحبس كذلك. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز وقف ما فيه تعامل من المنقولات: كالفأس، والمر) ش: بفتح الميم وتشديد الراء هو الآلة التي يعمل بها في الطين. م: (والقدوم) ش: بفتح القاف وضم الدال المخففة لا غير، وجمعه قدم قاله ابن رزين وهي التي فتحت بها. م: (والمنشار) ش: بكسر الميم الآلة التي ينشر بها الخشب. م: (والجنازة) ش: بكسر الجيم وهي التي يحمل عليها الميت. م: (وثيابها) ش: أي ثياب الجنازة، وهي التي تغطى بها الجنازة. م: (والقدور) ش: جمع قدر. م: (والمراجل) ش: بالجيم جمع مرجل وهو قدر من نحاس، كذا في " ديوان الأدب ". وقال ابن دريد: المرجل بمعروف عرفي صحيح. قلت: الفرق بين القدر والمرجل أن المرجل لا يكون إلا من نحاس، والقدر قد تعمل من طين ويسمى المبيرام. م: (والمصاحف) ش: جمع مصحف وهو مشهور. م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز؛ لأن القياس إنما يترك بالنص، والنص ورد في الكراع والسلاح فيقتصر عليه) ش: أي على النص الجزء: 7 ¦ الصفحة: 439 ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: القياس قد يترك بالتعامل كما في الاستصناع، وقد وجد التعامل في هذه الأشياء. وعن نضر بن يحيى أنه وقف كتبه إلحاقا لها بالمصحف، وهذا صحيح لأن كل واحد تمسك للدين تعليما وتعلما وقراءة، وأكثر فقهاء الأمصار على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وما لا تعامل فيه لا يجوز عندنا وقفه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كل ما يمكن الانتفاع به مع بقاء أصله،   [البناية] م: (ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: القياس قد يترك بالتعامل كما في الاستصناع، وقد وجد التعامل في هذه الأشياء) ش: أي في وقف هذه الأشياء المذكورة، كالفأس والمر إلى آخره. م: (وعن نضر بن يحيى أنه وقف كتبه إلحاقًا لها بالمصحف) ش: أي لأجل إلحاق وقف الكتب يجوز وقف المصاحف، وقال صاحب " التحفة ": وعن نضر بن يحيى أنه وقف كتبه على أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وقال في " النوازل ": سئل أبو نصر عن رجل وقف الكتب قال: كان محمد بن سلمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجيزه، وكان نصر بن يحيى يجيزه وقد وقف كتبه. وقال الفقيه: وكان أبو جعفر يخبر ذلك وبه يأخذ، إلى هنا لفظ كتاب النوازل. ونصر بن يحيى من كبار علمائنا في بلخ مات سنة ثمان وستين ومائتين، وكان تلميذًا للحسن بن زياد، ومات الحسن سنة أربع ومائتين، وهو تلميذ أبي حنيفة ومحمد بن سلمة - رحمهما الله - مات في شوال سنة ثمان وسبعين ومائتين. وأبو نصر محمد بن سلام مات سنة خمس وثلاثمائة وأبو جعفر الهندواني مات ببخارى سنة ست وستين وثلاثمائة وهو ابن اثنين وستين سنة، وكان أستاذ الفقيه أبي الليث، كان أبو نصر تلميذ محمد بن سلمة ونصر جميعًا، وهما تلميذا عصام بن يوسف القاضي، ومات عصام ببلخ سنة خمس عشرة ومائتين. م: (وهذا صحيح) ش: أي قول نصر بن يحيى صحيح. م: (لأن كل واحد) ش: أي من الكتب. م: (يمسك) ش: على صيغة المجهول. م: (للدين) ش: أي لأجل مصالح الدين معلمًا، أي من حيث. م: (تعليمًا وتعلمًا) ش: أي من حيث التعليم. م: (وقراءة) ش: أي من حيث القراءة. م: (وأكثر فقهاء الأمصار على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: في جواز وقف الأشياء المذكورة، وفي " فتاوى قاضي خان "، اختلف المشايخ في وقف الكتب، وجوزه الفقيه أبو الليث، وعليه الفتوى. م: (وما لا تعامل فيه) ش: أي والذي لا يتعامل الناس فيه الوقف من المنقولات كالثياب والحيوان. م: (لا يجوز وقفه عندنا، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كل ما يمكن الانتفاع به مع بقاء أصله) ش: احترز به عن الدراهم والدنانير، فإن الانتفاع الذي خلفته الدراهم والدنانير لأجله وهو الثمنية لا يمكن سهمًا مع بقاء أصله في ملك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 440 ويجوز بيعه ويجوز وقفه؛ لأنه يمكن الانتفاع به فأشبه العقار والكراع والسلاح. ولنا أن الوقف فيه لا يتأبد منه على ما بيناه، فصار كالدراهم والدنانير بخلاف العقار ولا معارض من حيث السمع ولا من حيث التعامل، فبقي على أصل القياس، وهذا لأن العقار يتأبد والجهاد سنام الدين، فكان معنى القربة فيهما أقوى فلا يكون غيرهما في معناهما.   [البناية] م: (ويجوز بيعه) ش: احترز به عن حمل الناقة والجارية فإنه لا يجوز بيعه، فكذا وقفه عنده أيضًا، وقوله. م: (ويجوز وقفه) ش: خبر قوله كلما يمكن. م: (لأنه يمكن الانتفاع به، فأشبه العقار والكراع والسلاح) ش: ووجه أن الأصل لا يجوز وقف الكراع والسلاح، أي فأشبه ما ينتفع به مع بقاء أصل العقار في صحة وقفه. م: (ولنا أن الوقف فيه) ش: أي في النقول التي ذكرها. م: (لا يتأبد منه) ش: أي والحال لا بد من التأبيد، وما لا يتأبد لا يجوز وقفه. م: (على ما بيناه) ش: فيما حتى من اشتراط التأبيد. م: (فصار) ش: أي كل ما ينتفع به مع بقاء أصله. م: (كالدراهم والدنانير) ش: في عدم الجواز. م: (بخلاف العقار) ش: فإن فيه التأبيد، وإن لم يذكر ولم يشترط. م: (ولا معارض من حيث السمع) ش: جواب عن قوله فأشبه العقار والكراع والسلاح أيضًا كالدراهم والدنانير كونه يعارض وأرجح من حيث السمع. م: (ولا من حيث التعامل) ش: جواب عما يقال ترك الأصل في الكراع والسلاح معارض من حيث السمع، وهو ليس بموجود في [ ... ] القدوم وغيرهما، فلتكن صورة النزاع مقيدة على ذلك ووجه أن لها معارضًا من حيث التعامل وليس بموجود في صورة النزاع كالعبيد والإماء والثياب والبسط وأمثالها. م: (فبقي على أصل القياس وهذا) ش: استظهار على أن إلحاق غير العقار والكراع بهما غير جائز فقال. م: (لأن العقار يتأبد والجهاد سنام الدين) ش: أي معظم الدين؛ لأنه من فروض الكفاية وسنام البعير معروف. م: (فكان معنى القربة فيهما) ش: أي في الكراع والسلاح. م: (أقوى) ش: لأن الكراع آلة الجهاد، الذي هو فرض كفاية، والقربة بسائر المقولات تطوع. م: (فلا يكون) ش: في معناه، فلا يكون. م: (غيرهما) ش: أي غير الكراع والسلاح. م: (في معناهما) ش: يقولهما ولم ينكر التعامل اعتمادًا على شهرة كون التعامل أقوى من القياس، فجاز أن يترك في العبد. قال صاحب " المحيط ": وقف مائة وخمسين دينارًا على مرضى الوصية تصح وتدفع الذهب إلى إنسان بمضاربة يتعلمها يستعملها ويصرف الربح، وفي " المحيط ": وكذلك وقف الدراهم، والمكيل والموزون. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 441 قال: وإذا صح الوقف لم يجز بيعه ولا تمليكه إلا أن يكون مشاعا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيطلب الشريك القسمة فيصح مقاسمته، أما امتناع التمليك فلما بينا. وأما جواز القسمة فلأنها تميز وإفراد غاية الأمر أن الغالب في غير المكيل والموزون يكون بمعنى المباذلة، إلا أن في الوقف جعلنا الغالب معنى الإفراز نظرا للوقف، فلم يكن بيعا وتمليكا، ثم إن وقف نصيبه من عقار مشترك فهو الذي يقاسم شريكه؛ لأن الولاية إلى الواقف وبعد الموت إلى وصيه، وإن وقف نصف عقار خالص له، فالذي يقاسمه القاضي أو يبيع   [البناية] قال تاج الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز صرف الأودية الموقوفة في الماشان إلى الغني، ولا يجوز وقف الأودية فيه إلا إذا ذكر الفقراء، ولو قال: على الفقراء والأغنياء يجوز، وتدخل الأغنياء تبعًا. [بيع الوقف أو تمليكه] م: (قال) ش: أي القدوري. م: (وإذا صح الوقف لم يجز بيعه ولا تمليكه إلا أن يكون مشاعًا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيطلب الشريك القسمة، فيصح مقاسمته) ش: إلى هنا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (أما امتناع التمليك فلما بينا) ش: أشار به إلى ما ذكر في أوائل الكتاب من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «تصدقا بأصلها لا تباع ولا تورث ولا توهب» ، ويجوز أن يكون إشارة إلى قوله لهما: إن موجب الوقف زوال الملك بدون التمليك، وهذا قوله: ولا يتم الوقف عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - حتى يجعل آخره لجهة لا يقطع أبدًا. ويجوز أن يكون إشارة إلى ما ذكر من المعنى بقوله، ولأن الحاجة ماسة إلى آخره، وقوله إلا أن يكون مشاعًا استثناء من قوله: لم يجز بيعه وهو منقطع أو متصل؛ لأن معنى المبادلة في قسمة العقار راجح، فجعل كأنه بيع الساعة. م: (وأما جواز القسمة فلأنها) ش: أي فلأن القسمة. م: (تميز وإفراز) ش: أي تميز للحقوق، وإفراد كل نصيب منه والممنوع التمليك لا الإفراد. م: (غاية الأمر أن الغالب في غير المكيل والموزون يكون بمعنى المباذلة) ش: وهي في العقار والعروض والحيوانات للتفاوت المكيل والموزون والعددي الذي لا يتفاوت، فإن الإفراد هو الغالب منها. م: (إلا أن في الوقف جعلنا الغالب معنى الإفراز نظرًا للوقف) ش: في حق الفقراء. م: (فلم يكن) ش: القسمة فيه. م: (بيعًا وتمليكًا) ش: قرع المصنف على مسألة القدوري فقال: م: (ثم إن وقف نصيبه من عقار مشترك، فهو الذي يقاسم شريكه) ش: لا القاضي. م: (لأن الولاية إلى الواقف وبعد الموت إلى وصيه، وإن وقف نصف عقار خالص له فالذي يقاسمه القاضي أو يبيع) ش: أي الواقف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 442 نصيبه الباقي من رجل ثم يقاسمه المشتري ثم يشتري ذلك منه؛ لأن الواحد لا يجوز أن يكون مقاسما ومقاسما، ولو كان في القسمة فضل دراهم إن أعطى الواقف لا يجوز لامتناع بيع الوقف، وإن أعطى الواقف جاز، ويكون بقدر الدراهم شراء. قال: والواجب أن يبتدئ من ارتفاع الوقف بعمارته شرط ذلك الواقف أو لم يشترط؛ لأن قصد الواقف صرف الغلة مؤبدا، ولا تبقى دائمة إلا بالعمارة فيثبت شرط العمارة اقتضاء، ولأن الخراج بالضمان   [البناية] م: (نصيبه الباقي) ش: من العقار وهو النصف. م: (من رجل ثم يقاسمه الواقف المشتري ثم يشتري ذلك منه؛ لأن الواحد لا يجوز أن يكون مقاسمًا) ش: بكسر السين. م: (ومقاسمًا) ش: بفتح السين؛ لأن القسمة تجري بين اثنين، فلا يتأتى في واحد. م: (ولو كان في القسمة فضل دراهم) ش: بأن يكون أحد النصيبين أجود من الآخر، فجعل بأن الجودة دراهم. م: (إن أعطى) ش: أي المشتري. م: (والواقف ذلك) ش: أي فضل دراهم. م: (لا يجوز لامتناع بيع الوقف) ش: لأن الأخذ للدراهم إذا كان الواقف يصير بائعًا بعض الوقف، فلا يجوز بيع الوقف. م: (وإن أعطى الواقف) ش: أي وإن أعطى الواقف الشريك. م: (جاز) ش: لأن الواقف مشتر لا بائع، فكأنه اشترى بعض نصيب شريكه لوقفه. م: (ويكون بقدر الدراهم شراء) ش: أي يكون للمشتري وليس بوقف. كذا في " الفتاوى الظهيرية "، و" الكافي "، وفي " النهاية ": ويصير الواقف مشتريًا بمقابلة الدراهم وقفًا، أي كذلك الشيء الذي اشتراه فيجوز. م: (قال) ش: أي القدوري. م: (والواجب أن يبتدئ من ارتفاع الوقف بعمارته شرط الواقف ذلك أو لم يشترط) ش: إلى هنا كلام القدوري، ثم قال المصنف. م: (لأن قصد الواقف صرف الغلة مؤبدًا، ولا تبقى دائمة إلا بالعمارة فيثبت شرط) ش: الواقف والعمارة اقتضى ضرورة التصدق. م: (ولأن الخراج بالضمان) ش: معناه الغلة سبب أن ضمنت وقد مر بيانه في أول كتاب اللقيط، يعني لما كان صلة الوقف للموقوف عليهم كانت العمارة أيضًا عليهم. (وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: " «الخراج بالضمان» " لفظ الحديث، وهو من جوامع الكلم؛ لإجراء معارضة جرى مجرى المثل واستعمل في كل مرة مقابلة منفعته، ومعناه ما ذكرناه الآن، ولم يبين أصلًا الحديث، فنقول حديث أبي عبيدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في كتاب " غريب الحديث " عن مروان الفزاري، عن ابن أبي ذئب، عن [ ... ]- رَحِمَهُ اللَّهُ -. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 443 وصار كنفقة العبد الموصى بخدمته، فإنها على الموصى له بها، ثم إن كان الوقف على الفقراء، ولا يظفر لهم وأقرب أموالهم هذه الغلة فيجب فيها، ولو كان الوقف على رجل بعينه وأخره للفقراء فهو في ماله أي ماله شاء في حال حياته، ولا يؤخذ من الغلة؛ لأنه معين يمكن مطالبته، وإنما تستحق العمارة عليه بقدر ما تبقى الموقوف على الصفة الذي وقفه، وإن خرب يبنى على ذلك الوصف؛ لأنها بصفتها صارت غلتها مصروفة إلى الموقوف عليه. فأما الزيادة على ذلك فليست بمستحقة عليه، والغلة مستحقة له، فلا يجوز صرفها إلى شيء آخر إلا برضاه.   [البناية] وعن عروة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قضى أن الخراج بالضمان» قال أبو عبيد معناه - والله أعلم -: الرجل يشتري المملوك [..] فقضى أنه يرد العبد على البائع بالعيب، ويرجع بالثمن فيأخذه ويكون له الغلة طيبة وهو الخراج، وإنما طابت له الغلة لأنه كان ضامنًا للعبد، ولو فات من مال المشتري لأنه في يده. إلى هنا لفظ أبي عبيد. م: (وصار) ش: أي حكم. م: (كنفقة العبد الموصى بخدمته فإنها) ش: أي فإن نفقته. م: (على الموصى له بها) ش: أي بالخدمة؛ لأن الغرم بإزاء الغنم والخراج بالضمان. م: (ثم إن كان الوقف على الفقراء، ولا يظفر بهم) ش: أي بالفقراء والظفر الفوز، وإنما لا يظفر بهم لأنهم لا يحصون. م: (وأقرب أموالهم هذه الغلة فيجب فيها) ش: أي فتجب العمارة في الغلة. م: (ولو كان الوقف على رجل بعينه وأخره للفقراء فهي) ش: أي العمارة. م: (في ماله) ش: أي ماله. م: (شاء في حال حياته ولا يأخذ من الغلة) ش: أي لا يأخذ منها صاحبها لأنه قال في مال أي مال شاء. وهذه الغلة أيضًا من ماله، فلو لم يفد بذلك فمقتضى كلامه ما قاله الأكمل. م: (لأنه) ش: أي لأن الموقوف عليه معنى. م: (معين يمكن مطالبته، وإنما تستحق العمارة عليه بقدر ما يبقى الموقوف على الصفة التي وقفه، وإن خرب) ش: أي الوقف. م: (يبنى على ذلك الوصف) ش: أي الذي كان الواقف وقفه عليه. م: (لأنها) ش: أي لأن العمارة. م: (بصفتها صارت غلتها مصروفة إلى الموقوف عليها، فأما الزيادة على ذلك) ش: أي على الوصف الذي وقف الواقف بذلك الوصف. م: (فليست) ش: أي الزيادة. م: (بمستحقة) ش: أي على الموقوف. م: (عليه والغلة مستحقة له) ش: أي للموقوف عليه. م: (فلا يجوز صرفها) ش: أي صرف ما يستحقه. م: (إلى شيء آخر) ش: من زيادة العمارة. م: (إلا برضاه) ش: أي برضاء الموقوف عليه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 444 ولو كان الوقف على الفقراء فكذلك عند البعض وعند الآخرين يجوز ذلك، والأول أصح لأن الصرف إلى العمارة ضرورة إبقاء الوقف ولا ضرورة في الزيادة، وإن وقف دارا على سكنى ولده فالعمارة على من له السكنى؛ لأن الخراج بالضمان على ما مر فصار كنفقة العبد الموصى بخدمته. فإن امتنع من ذلك أو كان فقيرا أجرها الحاكم وعمرها بأجرتها، وإذا عمرها ردها إلى من له السكنى؛ لأن في ذلك رعاية الحقين حق الواقف وحق صاحب السكنى؛ لأنه لو لم يعمرها تفوت السكنى أصلا والأول أولى، ولا يجبر الممتنع على العمارة لما فيه من إتلاف ماله فأشبه امتناع صاحب البذر في المزارعة، فلا يكون امتناعه رضا منه ببطلان حقه لأنه في حيز التردد، ولا يصح إجارة من له السكنى لأنه غير مالك.   [البناية] م: (ولو كان الوقف على الفقراء فكذلك) ش: أي لا تجوز الزيادة على البناء على الصفة التي وقفه الواقف عليها. م: (عند البعض) ش: أي بعض المشايخ. م: (وعند الآخرين يجوز ذلك) ش: أي ما يعمل من الزيادة. م: (والأول) ش: أي عدم جواز الزيادة في البناء. م: (أصح) ش: مما قاله البعض. م: (لأن الصرف إلى العمارة ضرورة إبقاء الوقف ولا ضرورة في الزيادة، وإن وقف دارًا على سكنى ولده فالعمارة على من له السكنى؛ لأن الخراج بالضمان على ما مر) ش: عن قريب. م: (وصار كنفقة العبد الموصى بخدمته) ش: نفقته تجب عليه لأن الغرم بالغنم. م: (فإن امتنع) ش: أي ولده. م: (من ذلك أو كان فقيرًا أجرها الحاكم وعمرها بأجرتها، وإذا عمرها ردها إلى من له السكنى؛ لأن في ذلك رعاية الحقين حق الواقف وحق صاحب السكنى؛ لأنه لو لم يعمرها) ش: أي القاضي. م: (تفوت السكنى أصلًا والأول) ش: أي عمارة القاضي الوقف بالأجرة. م: (أولى) ش: من البطالة؛ لأن يفضي إلى استيصال حق السكنى. م: (ولا يجبر الممتنع) ش: أي عن العمارة من الموقوف عليهم. م: (على العمارة لما فيه من إتلاف ماله) ش: بالنفقة على العمارة، فله الامتناع من الضرر وهو إتلاف ماله. م: (فأشبه امتناع) ش: حال هذا الممتنع. م: (صاحب البذر في المزارعة) ش: بأن عقد اثنان عقد المزارعة وأحدهما عليه البذر، ثم امتنع من عليه البذر من العمل لا يجبر عليه لئلا يلزم الضرر، وهو إتلاف ماله. م: (ولا يكون امتناعه) ش: من العمارة. م: (رضًا منه ببطلان حقه لأنه في حيز التردد) ش: أي في ناحية التردد، وذلك لأنه يحتمل أن يكون امتناعه لعدم القدرة بعدم النفقة، ويحتمل أن يكون لرجائه إصلاح القاضي ومؤنته، ويحتمل أن يكون لإبطال حقه بالنزول عنه، فلما ترددت الدلالة لم يثبت الرضا بالشك. م: (ولا يصح إجارة من له السكنى لأنه غير مالك) ش: للعين لأن الإجارة تملك المنافع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 445 قال: وما انهدم من بناء الوقف وآلته صرفه الحاكم في عمارة الوقف إن احتاج إليه، وإن استغنى عنه أمسكه حتى يحتاج إلى عمارته فيصرفه فيه لأنه لا بد من العمارة ليبقى على التأبيد فيحصل مقصود الواقف، فإن مست الحاجة إليه في الحال صرفها فيها وإلا أمسكها حتى لا يتعذر عليه ذلك أوان الحاجة فيبطل المقصود، وإن تعذر إعادة عينه إلى موضعين وصرف ثمنه إلى المرمة صرفا للبدل إلى مصرف المبدل. ولا يجوز أن يقسمه يعني النقض بين مستحقي الوقف لأنه جزء من العين ولا حق للموقوف   [البناية] بعوض، والتمليك إنما يتحقق من المالك، وهنا من له السكنى ليس بمالك للسكنى، وإنما تجب منفعة السكنى ليسهل الثواب الواقف، ونوقض بالمستأجر فإن له أن يؤجر الدار وليس بمالكها. وأجيب: بأنه مالك المنفعة، ولهذا أقيمت العين في ابتداء العقد مقام المنفعة لئلا يلزم تمليك المنفعة المعدومة، ومن له السكنى أقيمت له النفقة، ولهذا لم يقم العين مقام المنفعة في ابتداء العقد مقام المنفعة في ابتداء الوقف، ولا يلزم من جواز تمليك المالك جواز تمليك غيره. [ما انهدم من آلة الوقف] م: (قال) ش: أي القدوري. م: (ومن هدم من بناء الوقف وآلته) ش: قال صاحب " النهاية " قوله وآلته يحتمل أن يكون مجرورًا بالعطف على النبي بمعنى ما انهدم من آلة الوقف بأن يلي خشب الوقف. وقيد ويحتمل أن يكون مرفوعًا بالعطف على ما الموصولة وهو المنقول عن الثقات لأنه لا يقال انهدمت الآلة. م: (صرفه الحاكم في عمارة الوقف إن احتاج إليه، وإن استغنى عنه أمسكه حتى يحتاج إلى عمارته فيصرفه فيه لأنه لا بد من العمارة ليبقى) ش: أي الوقف. م: (على التأبيد فيحصل مقصود الواقف، فإن مست الحاجة إليه) ش: أي إلى أن يعمر الوقف. م: (في الحال صرفها) ش: أي إلى ما انهدم من البناء وآلته. م: (فيها) ش: أي في العمارة. م: (وإلا أمسكها) ش: أي إن لم يمس الحاجة إلى العمارة في الحال سلمها. م: (حتى لا يتعذر عليه) ش: أي على الحاكم. م: (ذلك) ش: أي الصرف. م: (أوان الحاجة) ش: أي وقت الاحتياج. م: (فيبطل المقصود) ش: من الوقف. م: (وإن تعذر إعادة عينه) ش: أي عين ما انهدم. م: (إلى موضعه بيع) ش: أي باعه القاضي. م: (وصرف ثمنه إلى المرمة) ش: أي إلى الإصلاح، يقال: رم البناء يرمه رمًا ومرمة إذا أصلحه. م: (صرفًا للبدل) ش: وهو الثمن. م: (إلى مصرف المبدل) ش: وهو الوقف. م: (ولا يجوز أن يقسمه) ش: هذا لفظ القدوري، وقال المصنف. م: (يعني النقض) ش: بضم النون وسكون القاف بمعنى المنقوض، وهو اسم للبناء المنقوض. م: (بين مستحقي الوقف) ش: من تتمة كلام القدوري، والنون فيه سقطت للإضافة. م: (لأنه) ش: أي لأن النقض. م: (جزء من العين) ش: أي من عين الوقف. م: (ولا حق للموقوف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 446 عليهم فيه، وإنما حقهم في المنافع والعين حق الله تعالى فلا يصرف إليهم غير حقهم. قال: وإذا جعل الواقف غلة الوقف لنفسه أو جعل الولاية إليه جاز عند أبي يوسف، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذكر فصلين شرط الغلة لنفسه وجعل الولاية إليه، أما الأول فهو جائز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولا يجوز على قياس قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول هلال الرازي وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل إن الاختلاف بينهما بناء على الاختلاف في اشتراط القبض والإفراز، وقيل هي مسألة مبتدأة،   [البناية] عليهم فيه) ش: أي في النقض. م: (وإنما حقهم) ش: أي حق المستحقين. م: (في المنافع والعين حق الله تعالى فلا يصرف إليهم غير حقهم) ش: لما فيه من الظلم، فلا يجوز. [جعل الواقف غلة الوقف لنفسه أو جعل الولاية إليه] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وإذا جعل الواقف غلة الوقف لنفسه أو جعل الولاية إليه جاز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وابن أبي ليلى والزهري وابن شريح من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [شرط الواقف الغلة لنفسه] م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ذكر) ش: أي القدوري. م: (فصلين) ش: أحدهما هو. م: (شرط الغلة لنفسه) ش: والآخر هو قوله: م: (وجعل الولاية إليه) ش: أمام: م: (الأول) ش: وهو جعل الغلة لنفسه. م: (فهو جائز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقال الولوالجي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " فتاواه " ومشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أخذوا بقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضًا كان يفتي به أيضًا ترغيبًا للناس في الوقف. م: (ولا يجوز على قياس قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول هلال الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال مالك وهلال الرازي وأضيف هلال إلى الرازي لكونه من أصحاب الرازي، وفي " المغرب " الرازي تصحيف. قلت: ما وقع في نسخ الهداية إلا الرازي، والصواب ما قاله صاحب " المغرب " وهو هلال بن يحيى البصري هو من أصحاب يوسف بن خالد السمتي البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو من أصحاب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ووصية أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مشهورة يجب حفظها لكل فقيه. وقيل: إن هلالًا أخذ الفقه عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضًا. م: (وقيل إن الاختلاف بينهما) ش: أي بين أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (بناء على الاختلاف في اشتراط القبض والإفراز) ش: يعني عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يشترط ذلك خلافًا لمحمد، فلا جرم أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - صحح شرط الغلة لنفسه لأنه لا يشترط القبض والإفراز ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يصححه لأنه يشترطهما. م: (وقيل هي مسألة مبتدأة) ش: يعني الخلاف واقع فيها ابتداء. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 447 والخلاف فيما إذا شرط البعض لنفسه في حياته وبعد موته للفقراء، وفيما إذا شرط الكل لنفسه في حياته وبعد موته للفقراء، ولو وقف وشرط البعض أو الكل لأمهات أولاده ومدبريه ما داموا أحياء، فإذا ماتوا فهو للفقراء والمساكين، فقد قيل: يجوز بالاتفاق، وقد قيل هو على الخلاف أيضا وهو الصحيح؛ لأن اشتراطه لهم في حياته كاشتراطه لنفسه وجه قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الوقف تبرع على وجه التمليك بالطريق الذي قدمناه، فاشتراط البعض أو الكل لنفسه يبطله؛ لأن التمليك من نفسه لا يتحقق فصار كالصدقة المنفذة، وشرط بعض بقعة المسجد بنفسه، ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما روي «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يأكل من صدقته»   [البناية] وقال الهندواني: ليس في هذا رواية ظاهرة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا شيء ذكره في كتاب الوقف قال: إذا وقف على أمهات أولاده جاز؛ لأن الوقف عليهن بمنزلة الوقف على نفسه؛ لأن ما يكون لأم ولده حال حياته يكون له. م: (والخلاف) ش: أي بين أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (فيما إذا شرط البعض لنفسه في حياته وبعد موته للفقراء، وفيما إذا شرط الكل لنفسه في حال حياته وبعد موته للفقراء سواء) ش: هكذا ذكر الفقيه أبو جعفر الهندواني. م: (ولو وقف وشرط البعض أو الكل) ش: أي بعض العلة أو كلها. م: (لأمهات أولاده ومدبريه ما داموا أحياء، فإذا ماتوا فهو للفقراء والمساكين، فقد قيل: يجوز بالاتفاق، وقد قيل هو على الخلاف أيضًا) ش: عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز. م: (وهو الصحيح) ش: احترازا عن القول الأول، هو القول بالجواز بالاتفاق، ولكنه مخالف لرواية " المبسوط " و" الذخيرة "، و" التتمة "، و" فتاوى قاضي خان "، فإن فيها جعل جواز الوقف علمين بالاتفاق. م: (وجه قول محمد أن الوقف تبرع على وجه التمليك بالطريق الذي قدمناه) ش: أشار به إلى قوله لا بد من التسليم إلى المتوسط. م: (فاشتراط البعض) ش: أي بعض الغلة. م: (أو الكل) ش: أو اشتراطه كل الغلة. م: (لنفسه يبطله؛ لأن التمليك من نفسه لا يتحقق) ش: لأنه جعل فقه ملكه فقه لنفسه. م: (فصار) ش: أي حكم هذا. م: (كما في الصدقة المنفذة) ش: فإنه لا يجوز أن يسلم قدرًا من ماله على وجه الصدقة بشرط أن يكون بعضه له، فهذا الشرط باطل. م: (وشرط بعض بقعة المسجد لنفسه) ش: بالجر عطفًا على الصدقة المتعذرة بأن وقف مسجدًا وشرطه أن يكون البعض من نفقة المسجد له، فهذا غير جائز. م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأكل من صدقته) ش: هذا غريب ليس له أصل. روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " في باب الأحاديث التي اعترض بها على أبي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 448 والمراد منها صدقته الموقوفة، ولا يحل الأكل منها إلا بالشرط، فدل على صحته، ولأن الوقف إزالة الملك إلى الله تعالى على وجه القرابة على ما بيناه، فإذا شرط البعض أو الكل لنفسه فقد جعل ما صار مملوكا لله تعالى لنفسه لا أن يجعل ملك نفسه لنفسه، وهذا جائز كما إذا بنى خانا أو سقاية أو جعل أرضه مقبرة، وشرط أن ينزله أو يشرب منه أو يدفن فيه، ولأن مقصوده القربة، وفي التصرف إلى نفسه ذلك. قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: نفقة الرجل على نفسه صدقة،   [البناية] حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حدثنا ابن عيينة عن ابن طاووس عن أبيه أخبرني حجة الدري، قال صدقة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يأكل منها أهلها بالمعروف. م: (والمراد منها صدقته الموقوفة) ش: بمعنى قوله كان من صدقته الموقوفة وصحة هذا المعنى على صحة هذا الحديث المذكور فلم يصح. وقد قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وجه قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما رواه زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأكل من صدقته» ذكر الحديث شيخ الإسلام خواهر زاده في " مبسوطه ".. انتهى. قلت: هذا لا يغني شيئًا في الاستدلال على المدعى. م: (ولا يحل الأكل منها إلا بالشرط) ش: لأن أكل الواقف لا يخلو من أحد الأمرين إلا أن يكونا شرطًا أولًا، والثاني: لا يحل بالإجماع فتعين الأول. م: (فدل على صحته) ش: أي صحة الشرط. م: (ولأن الوقف إزالة الملك إلى الله تعالى على وجه القربة على ما بيناه) ش: إشارة إلى ما ذكر عند قوله: ولا يتم الوقف عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - حتى يجعل آخر لهجة لا تنقطع أبدًا بقوله لهما: إن موجب الوقف زوال الملك بدون التمليك، وإلى قوله لأبي يوسف أن المقصود هو المعتبر فعلم من هذا المجموع أن الوقف إزالة الملك إلى الله تعالى على وجه القربة. م: (فإذا شرط البعض أو الكل لنفسه فقد جعل ما صار مملوكًا لله تعالى لنفسه لا أن يجعل ملك نفسه لنفسه، وهذا جائز كما إذا بنى خانًا أو سقاية أو جعل أرضه مقبرة وشرط أن ينزله) ش: أي في الخان. م: (أو يشرب منه) ش: أي من السقاية. م: (أو يدفن فيه) ش: أي في المقبرة ويذكر الضمير في الموضعين باعتبار المذكور. م: (ولأن مقصوده) ش: أي مقصود الواقف. م: (القربة وفي التصرف إلى نفسه ذلك) ش: أي حصول التقرب. م: (قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «نفقة الرجل على نفسه صدقة» ش: هذا الحديث رواه ابن ماجه من حديث المقدام بن معد يكرب عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما كسب الرجل كسبًا أطيب من عمل يده، وما أنفق الرجل على نفسه وأهله وولده وخادمه فهو له صدقة» ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 449 ولو شرط الواقف أن يستبدل به أرضا أخرى إذا شاء ذلك فهو جائز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الوقف جائز والشرط باطل، ولو شرط الخيار لنفسه في الوقف ثلاثة أيام جاز الوقف والشرط عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الوقف باطل وهذا بناء على ما ذكرنا، وأما فضل الولاية فقد نص فيه على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول هلال أيضا وهو ظاهر المذهب، وقال هلال في وقفه، وقال أقوام إن شرط الواقف الولاية لنفسه كانت له، وإن   [البناية] وروى ابن حبان عن أبي سعيد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما رجل كسب مالًا من حلال فأطعمه لنفسه أو كساها فمن دونه من خلق الله تعالى فإن له به زكاة» ورواه الحاكم في " مستدركه "، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. [شرط الواقف أن يستبدل بالوقف أرضا أخرى] م: (ولو شرط الواقف أن يستبدل به) ش: أي بوقفه. م: (أرضًا أخرى إذا شاء ذلك، فهو جائز) ش: والشرط باطل وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: والقياس لا يجوز الوقف والشرط، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وفي " الفتاوى الصغرى " عن " السير الكبير " أن استدلال الوقف باطل لا رواية. م: (عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الوقف جائز والشرط باطل، ولو شرط الخيار لنفسه في الوقف ثلاثة أيام جاز الوقف والشرط عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: كما هو مذهبه في التوسع في الوقف. وإنما قيد بقوله ثلاثة أيام لتكون مدة الخيار صدقة حتى لو كانت مجهولة، لا يجوز الوقف على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضًا، وفي " النوازل " قد ذكر هلال بن يحيى هذه المسألة، وقال: إذا وقف على أنه الخيار فالوقف باطل سواء بين الخيار وقفًا أو لم يبين. وروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: يبين للخيار وقتًا معلومًا جاز الوقف والشرط، وإن لم توقت وقتًا فالوقف والشرط باطلان. م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الوقف باطل) ش: وبه قال هلال. م: (وهذا) ش: أي الخلاف المذكور. م: (بناء على ما ذكرنا) ش: أشار به إلى أنه جعل عليه الوقف لنفسه جائز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإنه لما جاز أن بنى الواقف الغلة لنفسه ما دام حيًا، فكذلك يجوز أن يشترط الخيار لنفسه ثلاثة أيام لرأي النظر فيه. م: (وأما فضل الولاية فقد نص فيه) ش: أي فقد نص القدوري في فضل الولاية بالجواز. م: (على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول هلال أيضًا، وهو ظاهر المذهب، وقال هلال في وقفه، وقال أقوام - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: أي بعض المشايخ. م: (إن شرط الواقف الولاية لنفسه كانت له، وإن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 450 لم يشترط لم تكن له ولاية. قال مشايخنا: الأشبه أن يكون هذا قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن من أصله أن التسليم إلى القيم شرط لصحة الوقف، فإذا سلم لم يبق له ولاية فيه. ولنا أن المتولي إنما يستفيد الولاية من جهة الوقت بشرطه فيستحيل أن لا يكون له الولاية وغيره يستفيد الولاية منه، ولأنه أقرب الناس إلى هذا الوقف فيكون أولى لولايته كمن اتخذ مسجدًا يكون أولى بعمارته ونصب المؤذن فيه، وكمن أعتق عبدًا كان الولاء له لأنه أقرب الناس إليه، ولو أن الواقف شرط ولايته لنفسه وكان الواقف غير مأمون على الوقف فللقاضي أن ينزعها من يده نظرًا للفقراء، كما له أن يخرج الوصي نظرًا للصغار، وكذا إذا شرط أن ليس للسلطان ولا للقاضي أن يخرجها من يده ويوليها غيره؛ لأنه شرط مخالف لحكم الشرع فبطل.   [البناية] لم يشترط لم تكن له ولاية، قال مشايخنا الأشبه أن يكون هذا قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أن الذي ذكره هلال في وقفه وهو أن تكون الولاية للواقف إذا شرط وإلا فلا. م: (لأن من أصله أن التسليم إلى القيم شرط لصحة الوقف فإذا سلم لم يبق له ولاية فيه) . فإن قلت: مذهب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن التسليم إلى المتولي شرط الولاية لنفسه هنا في التسليم فما وجهه؟ قلت: لا نسلم المنافاة لأن شرط الولاية سابق، والتسليم لاحق بعد ذلك هل يكون له الولاية أم لا؟ قال: إذا وجد الشرط أولًا كانت له الولاية وإلا فلا. م: (ولنا أن المتولي إنما يستفيد الولاية من جهة الواقف بشرطه، فيستحيل أن لا يكون له الولاية، وغيره يستفيد الولاية منه) ش: قوله: ولنا.. إلى آخره استدلال لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعبر عنه بقوله إشارة إلى أن المختار. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الوقف. م: (أقرب الناس على هذا الوقف فيكون أولى لولايته كمن اتخذ مسجدًا يكون أولى بعمارته ونصب المؤذن فيه) ش: وقال أبو نصر: العمارة للباني، وأما نصب المؤذن والإمام لأهل المحلة، ولا يكون للباني منهم ذلك. وقال أبو بكر الإسكاف: الباني أحق بنصيبهما من غيره كما العمارة كالقاضي، وقال أبو الليث: وبه نأخذ إلا أن يريد الثاني إمامًا ومؤذنًا والقوم يريدون أصلح، فلهم أن يفعلوا ذلك، كذا في " النوازل ". م: (وكمن أعتق عبدًا كان الولاء له؛ لأنه أقرب الناس إليه، ولو أن الواقف شرط ولايته لنفسه، وكان الواقف غير مأمون على الوقف فللقاضي أن ينزعها) ش: أي الولاية. م: (من يده نظرًا للفقراء كما له) ش: أي للقاضي. م: (أن يخرج الوصي نظرًا للصغار، وكذا) ش: أي للقاضي أن يخرجه. م: (إذا شرط أن ليس للسلطان، ولا للقاضي أن يخرجها من يده ويوليها غيره؛ لأنه شرط مخالف لحكم الشرع فبطل) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 451 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ش: لأن الشرع أطلق للقاضي إخراج من كان متهمًا دفعًا للضرر من الفقراء. ولو شرط الولاية لرجل فالولاية له كما شرط بلا خلاف، وأن للواقف إخراجه فذلك. ولو شرط أن ليس له إخراج القيم بطل شرطه؛ لأنه مخالف لحكم الشرع إن لازمه وكالة وهي ليست بلازمة. ولو جعلت الولاية إليه في حياته وبعد مماته كان جائزًا وهو وكيل في حياته ووصي بعد وفاته. فرع: لو قال: أرضي موقوفة إن شئت أو أجيب كان الوقف باطلًا؛ لأن تعليقه بالشرط باطل. وكذا لو قال: أرضي صدقة موقوفة إن شئت ثم قال: شئت وكان الوقف باطلًا، ولو قال: شئت وجعلها صدقة موقوفة صح؛ لأنها ابتداء وقف له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 452 فصل وإذا بنى مسجدا لم يزل ملكه عنه حتى يفرزه عن ملكه بطريقه ويأذن للناس بالصلاة فيه، فإذا صلى فيه واحد زال ملكه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أما الإفراز فلأنه لا يخلص لله تعالى إلا به، وأما الصلاة فيه فلأنه لا بد من التسليم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويشترط تسليم نوعه، وذلك في المسجد بالصلاة فيه أو لأنه لما تعذر القبض يقام تحقق المقصود مقامه، ثم يكتفى بصلاة الواحد فيه في رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكذا عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن فعل الجنس متعذر فيشترط أدناه، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يشترط الصلاة بالجماعة؛ لأن المسجد يبنى لذلك في الغالب.   [البناية] [فصل وإذا بنى مسجدًا لم يزل ملكه عنه حتى يفرزه عن ملكه بطريقه] م: (فصل) ش: لما كان أحكام هذا الفصل غير الأحكام التي قبله فصل ذلك بفصل على حدة. م: (وإذا بنى مسجدًا لم يزل ملكه عنه حتى يفرزه عن ملكه بطريقه، ويأذن للناس بالصلاة فيه، فإذا صلى فيه واحد زال ملكه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هذا كله لفظ القدوري، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أما الإفراز فلأنه لا يخلص لله تعالى إلا به، وأما الصلاة فيه فلأنه لا بد من التسليم عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - ويشترط تسليم نوعه) ش: أي يشترط تسليم كل شيء على ما يليق به. م: (وذلك في المسجد بالصلاة فيه) ش: وهو معنى قوله وذلك بالصلاة فيه. م: (أو لأنه لما تعذر القبض) ش: لعدم نقص حقيقته بعلم. م: (يقام تحقق المقصود) ش: وهو الصلاة فيه. م: (مقامه) ش: أي مقام القبض. م: (ثم يكتفى بصلاة الواحد فيه) ش: أي في المسجد. م: (في رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكذا عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية لأن فعل الجنس) ش: وهو صلاة الكل. م: (متعذر فيشترط أدناه) ش: أي أدنى فعل الجنس وهو صلاة الواحد لتعذر فعل الكل، فإن الواحد عن الكل فيما هو حقهم، وفي " المبسوط ": المسجد موضع المسجد، وقد حصل بصلاة الواحد بلا جماعة. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يشترط الصلاة بالجماعة؛ لأن المسجد يبنى لذلك في الغالب) ش: أي قبل الصلاة بالجماعة في المسجد قبض باتفاق الروايات عن أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله. وإذا صلى فيه واحد أو جماعة وحدانًا قبل أن يكون قبضًا فقال شيخ الإسلام خواهر زاده في " مبسوطه " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان: في رواية لا يكون قبضًا وفي رواية يكون قبضًا، وقال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الصغير ": وإن صلى فيه واحد من المسلمين صح التسليم فيه عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضًا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 453 وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يزول ملكه بقوله جعلته مسجدا؛ لأن التسليم عنده ليس بشرط؛ لأنه إسقاط لملك العبد فيصير خالصا لله تعالى في سقوط حق العبد، وصار كالإعتاق، وقد بيناه من قبل. . قال: ومن جعل مسجدًا تحته سرداب أو فوقه بيت وجعل باب المسجد إلى الطريق وعزله عن ملكه فله أن يبيعه، وإن مات يورث عنه؛ لأنه لم يخلص لله تعالى لبقاء حق العبد متعلقًا به، ولو كان السرداب لمصالح المسجد جاز كما في مسجد بيت المقدس، وروى الحسن عنه أنه قال إذا جعل السفل مسجدًا وعلى ظهره مسكن فهو مسجد؛ لأن المسجد مما يتأبد، وذلك يتحقق في السفل دون العلو،   [البناية] وقال في " الذخيرة " عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنه يشترط الصلاة بالجماعة فحصل حينئذ عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان أيضًا، هذا إذا صلى فيه، أما إذا لم يصل فيه لكنه دفع إلى المتولي، فهل يكون ذلك قبضًا على قولهما، فيه اختلف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ذكره شيخ الإسلام، قيل بأنه قبض؛ لأن المسجد له خادم يكبر ومغلق الباب والتسليم إليه قبض كما في سائر الأوقات، وقيل: يقبض لأن المسجد ليس لها متول كما يكون كسائر الأوقات، واختلف المشايخ إذا جعل أرضه مقبرة، ودفعها إلى المتولي ولم يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المبسوط " فقال بعضهم: إنه قبض كما في الخان والسقاية. وقال بعضهم: ليس بقبض لأن المقبرة لا يكون لها متول، وإنما ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المقبرة أنه إذا دفن فيها واحد أو اثنان فإنه يصير قبضًا. م: (وقال أبو يوسف: يزول ملكه بقوله جعلته مسجدًا؛ لأن التسليم عنده ليس بشرط لأنه إسقاط لملك العبد فيصير خالصًا لله تعالى في سقوط حق العبد، وصار كالإعتاق) ش: لأنه إسقاط للملك، وبه قالت الثلاثة. م: (وقد بيناه من قبل) ش: أشار به إلى قوله ولا يتم الوقف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله لهما: إن موجب الوقف زوال الملك بدون التمليك، وأنه يتأكد كالعتق. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ". م: (ومن جعل مسجدًا تحته سرداب) ش: بكسر السين معرب سرورية وهو بيت يتخذ تحت الأرض للتبريد وهي معروفة سردابة. م: (أو فوقه) ش: أي فوق المسجد. م: (بيت وجعل باب المسجد إلى الطريق وعزله عن ملكه فله أن يبيعه) ش: أي لا يكون مسجدًا. م: (وإن مات يورث عنه لأنه لم يخلص لله تعالى لبقاء حق العبد متعلقًا به) ش: والمسجد ما يكون خالصًا لله تعالى. م: (ولو كان السرداب لمصالح المسجد جاز كما في بيت المقدس) ش: لأنه حينئذ لا يكون السرداب مملوكًا لأحد كما أن سرداب بيت المقدس ليس بمملوك لأحد. م: (وروى الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه) ش: أي عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (أنه قال: إذا جعل السفل مسجدًا وعلى ظهره مسكن فهو مسجد؛ لأن المسجد مما يتأبد، وذلك) ش: أي التأبيد. م: (يتحقق في السفل دون العلو) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 454 وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على عكس هذا؛ لأن المسجد معظم، وإذا كان فوقه مسكن أو مستغل، يتعذر تعظيمه، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه جوز في الوجهين حين قدم بغداد ورأى ضيق المنازل فكأنه اعتبر الضرورة، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه حين دخل الري أجاز ذلك كله لما قلنا. قال: وكذلك إن اتخذ وسط داره مسجدا، وأذن للناس بالدخول فيه، يعني له أن يبيعه، ويورث عنه لأن المسجد ما لا يكون لأحد فيه حق المنع، وإذا كان ملكه محيطا بجوانبه كان له حق المنع، فلم يصر مسجدا؛ لأنه أبقى الطريق لنفسه فلم يخلص لله تعالى، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه   [البناية] ش: فإنه لا يتأبد فيه. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على عكس هذا) ش: أي روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عكس هذا بأن جعل العلو مسجدًا صح، وإذا جعل السفل لا يصح. م: (لأن المسجد يعظم، وإن كان فوقه مسكن أو مستغل) ش: أي يكرى للاستغلال. م: (يتعذر تعظيمه) ش: وعن بعض المشايخ إذا كان العلو مسجدًا والسفل حوانيت موقوفة على المسجد أو على الأغلب لا بأس به؛ لأن الكل منقطع عن حقوق العباد، ولو كان تحته حوض العامة اختلف فيه على قول من يجوز اتخاذ العلو مسجدًا، قيل: لا يجوز قياسًا على الحوض الحاض، وقيل: يجوز. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه جوز في الوجهين) ش: يعني إذا كان تحته سرداب أو فوقه بيت. م: (حين قدم بغداد ورأى ضيق المنازل، فكأنه اعتبر الضرورة، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه حين دخل الري أجاز ذلك كله لما قلنا) ش: أي للضرورة. وإنما أعاد ذكر قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بهذا الطريق ولم يقله عن أبي يوسف ومحمد مع أن هذين القولين في الحكم عندهما سواء [ ... ] ما ذكر لكل واحد من دخول مخصوص في مصر مخصوص، ولزيادة [ ] التعليم بلفظ الكل، وكذلك عطف على قوله، ومن جعل مسجدًا تحته سرداب فله أن يبيعه. م: (قال وكذلك) ش: أي يبيعه. م: (إن اتخذ وسط داره مسجدًا، وأذن في الناس بالدخول فيه) ش: وهذه من مسائل " الجامع الصغير "، وقوله: م: (يعني له أن يبيعه) ش: من كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولقوله وسط بسكون السين؛ إذ المراد غير معين، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا مقيد بقيد العلامة مولانا حافظ الدين. م: (ويورث عنه لأن المسجد ما لا يكون لأحد فيه حق المنع، وإذا كان ملكه محيطًا بجوانبه) ش: أي بجوانب المسجد. م: (كان له حق المنع فلم يصر مسجدًا؛ لأنه أبقى الطريق لنفسه فلم يخلص لله تعالى، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي روي عنه في هذه المسألة أنه قال: م: (أنه) ش: أي أن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 455 لا يباع ولا يوهب ولا يورث يعتبر مسجدا، وهكذا عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يصير مسجدا لأنه لما رضي بكونه مسجدا، ولا يصير مسجدا إلا بالطريق دخل فيه الطريق فصار مستحقا كما يدخل في الإجارة من غير ذكر، قال: ومن اتخذ أرضه مسجدا لم يكن له أن يرجع فيه ولا يبيعه ولا يورث عنه؛ لأنه محرز عن حق العباد فصار خالصا لله تعالى، وهذا لأن الأشياء كلها لله تعالى، وإذا أسقط العبد ما ثبت له من الحق رجع إلى لأصله فانقطع تصرفه عنه كما في الإعتاق، ولو خرب ما حول المسجد، واستغني عنه يبقى مسجدا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه إسقاط منه فلا يعود إلى ملكه، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعود إلى ملك الباني أو إلى وارثه من بعد موته لأنه عينه لنوع قربته، وقد انقطعت فصار كحصير المسجد أو حشيشه إذا استغنى عنه إلا أن أبا يوسف يقول في الحصير والحشيش أنه ينقل إلى مسجد آخر.   [البناية] هذا المسجد. م: (لا يباع ولا يوهب ولا يورث يعتبر) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (مسجدًا، وهكذا) ش: أي روي. م: (عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يصير مسجدًا لأنه لما رضي كونه مسجدًا، ولا يصير مسجدًا إلا بالطريق دخل فيه الطريق فصار مستحقًا كما يدخل) ش: أي الطريق. م: (في الإجارة من غير ذكر) ش: بمعنى وإن لم يذكر ويدخل فيه الطريق، فصار مستحقًا. م: (ومن اتخذ أرضه مسجدًا لم يكن له أن يرجع فيه ولا يبيعه ولا يورث عنه؛ لأنه محرز) ش: أي مخلص. م: (عن حق العباد، فصار خالصًا لله تعالى) ش: لكن هذا إذا سلم إلى المتولي أو صلى فيها بجماعة، أما إذا لم يصل فيه بجماعة، ولم يؤخذ التسليم لا يصح الوقف؛ لأن التسليم أو الصلاة بجماعة شرط عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الصلاة وحدانًا اختلاف الرواية. م: (وهذا) ش: توضيح لقوله. م: (لأن الأشياء كلها لله تعالى، وإذا أسقط العبد ما ثبت له من الحق رجع إلى أصله) ش: وهو كونه لله تعالى. م: (فانقطع تصرفه عنه كما في الإعتاق) ش: فإنه لما أحرز مملوكه رجع إلى أصله وهو الرقة فانقطع حقه عنه. م: (ولو خرب ما حول المسجد واستغني عنه) ش: على صيغة المجهول، أي استغنى أهل المحلة عن الصلاة فيه. م: (يبقى مسجدًا) ش: على حاله. م: (عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه إسقاط منه فلا يعود إلى ملكه، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعود إلى ملك الباني أو إلى وارثه من بعد موته؛ لأنه عينه لنوع قربته، وقد انقطعت) ش: أي القربة. م: (فصار كحصير المسجد أو حشيشه إذا استغنى عنه إلا أن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول في الحصير والحشيش: إنه ينقل إلى مسجد آخر) ش: وكذا قنديله إذا خرب المسجد يعود إلى ملك مسجده، وكما لو كفن ميتًا فافترسه سبع عاد إلى ملك مالكه وكالمحصر إذا بعث الهدي ثم زال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 456 قال: ومن بنى سقاية للمسلمين أو خانا يسكنه بنو السبيل أو رباطا أو جعل أرضه مقبرة لم يزل ملكه، عن ذلك حتى يحكم الله به الحاكم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لم ينقطع عن حق العبد ألا ترى أن له أن ينتفع به فيسكن في الخان وينزل في الرباط ويشرب من السقاية ويدفن في المقبرة فيشترط حكم الحاكم أو الإضافة إلى ما بعد الموت كما في الوقف على الفقراء بخلاف المسجد؛ لأنه لم يبق له حق الانتفاع به فخلص لله تعالى من غير حكم الحاكم، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يزول ملكه بالقول كما هو أصله؛ إذ التسليم عنده ليس بشرط والوقف لازم، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا استقى الناس من السقاية وسكنوا الخان والرباط ودفنوا في المقبرة زال الملك؛ لأن التسليم عنده شرط، والشرط تسليم نوعه وذلك بما ذكرناه.   [البناية] الإحصار فأدرك الحج كان له أن يصنع بهديه ما شاء. وقال أبو العباس الناطفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأجناس ": قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " النوادر ": إذا خرب المسجد حتى لا يصلى فيه، فالذي بناه إن شاء أدخله داره وإن شاء باعه. وكذلك الفرس إذا جعله حبسًا في سبيل الله فصار لا يستطاع أن يركب فإنه يباع ويصير ثمنها لصاحبها أو لورثته فإن لم يعرف للمسجد بانيه فخرب وبنى أهل المسجد آخر ثم أجمعوا على بيعه واستعانوا بثمنه في مكمل المسجد الآخر فلا بأس بذلك. ثم نقل الناطفي عن كتاب " الصلاة " مسجد بأوائله وعطلت الصلاة فيه لم يجز للآخر أن يهدمه، ولا يجبر به منزلًا ولا يبيعه، قال الناطفي: هذا عند قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ومن بنى سقاية للمسلمين أو خانًا يسكنه بنو السبيل أو رباطًا) ش: وهو الموضع الذي يرابط فيه ناس أيام السفر بإزاء العدو. م: (وجعل أرضه مقبرة لم يزل ملكه عن ذلك حتى يحكم به الحاكم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لم ينقطع عنه حق العبد، ألا ترى أن له أن ينتفع به ويسكن في الخان وينزل في الرباط ويشرب من السقاية ويدفن في المقبرة، فيشترط حكم الحاكم أو الإضافة إلى ما بعد الموت، كما في الوقف على الفقراء، بخلاف المسجد؛ لأنه لم يبق له حق الانتفاع به فخلص لله تعالى من غير حكم الحاكم، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يزول ملكه بالقول كما هو أصله إذ التسليم عنده ليس بشرط والوقف لازم. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا استقى الناس من السقاية وسكنوا الخان والرباط ودفنوا في المقبرة زال الملك؛ لأن التسليم عنده شرط، والشرط تسليم نوعه) ش: لأن كل باب يعتبر فيه ما يليق به ففي الخان يحصل التسليم بالسكنى، وفي الرباط بالنزول، وفي السقاية بالشرب، وفي المقبرة بدفنهم. م: (وذلك بما ذكرناه) ش: أي التسليم يحصل بالاستسقاء والسكنى والنزول والدفن في الجزء: 7 ¦ الصفحة: 457 ويكتفى بالواحد لتعذر فعل الجنس كله، وعلى هذا البئر الموقوفة والحوض، ولو سلم إلى المتولي صح التسليم في هذه الوجوه كلها؛ لأنه نائب عن الموقوف عليه وفعل النائب كفعل المنوب عنه، وأما في المسجد فقد قيل: لا يكون تسليما لأنه لا تدبير للمتولي فيه، وقيل يكون تسليما لأنه يحتاج إلى ما يكنسه ويغلق بابه، فإذا سلم إليه صح التسليم، والمقبرة في هذا بمنزلة المسجد على ما قيل لأنه لا متولي له عرفا، وقيل هي بمنزلة السقاية والخان فيصح التسليم إلى المتولي لأنه لو نصب المتولي يصح، وإن كان بخلاف العادة، ولو جعل دارا له بمكة سكنى لحاج بيت الله تعالى والمعتمرين أو جعل داره في غير مكة سكنا للمساكين أو جعلها في ثغر من الثغور سكنى للغزاة والمرابطين أو جعل غلة أرضه للغزاة في سبيل الله تعالى، ودفع ذلك إلى وال يقوم عليه فهو جائز، ولا رجوع فيها   [البناية] السقاية والخان والرباط والمقبرة. م: (ويكتفى بالواحد) ش: أي باستسقاء الواحد وسكنى الواحد ونزول الواحد ودفن الواحد. م: (لتعذر فعل الجنس كله) ش: يعني لتعذر استيفاء جميع الناس من السقاية، وسكن الجميع في الخان والرباط وكذا دفن الجميع. م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الحكم المذكور. م: (البئر الموقوفة والحوض) ش: أي حكم البئر والحوض الموقوفات على الحكم المذكور. [الواقف لو نصب المتولي على المقبرة] م: (ولو سلم إلى المتولي صح التسليم في هذه الوجوه كلها) ش: أي في السقاية والخان والرباط والمقبرة. م: (لأنه) ش: أي المتولي. م: (نائب عن الموقوف عليه وفعل النائب) ش: وهو القبض. م: (كفعل المنوب عنه، وأما في المسجد، فقد قيل: لا يكون تسليمًا لأنه لا تدبير للمتولي فيه، وقيل يكون تسليمًا لأنه يحتاج إلى من يكنسه ويغلق بابه، وإذا سلم إليه صح التسليم والمقبرة في هذا بمنزلة المسجد على ما قيل؛ لأنه لا متولي له عرفًا) ش: أي في عرف الناس فلا يعتبر القبض فيه. م: (وقد قيل هي بمنزلة السقاية والخان فيصح التسليم إلى المتولي لأنه لو نصب المتولي) ش: أي لأن الواقف لو نصب المتولي على المقبرة. م: (يصح) ش: فإذا صح يعتبر قبضه. م: (وإن كان) ش: أي نصب المتولي على المقبرة. م: (بخلاف العادة، ولو جعل دارًا له بمكة سكنى لحاج بيت الله تعالى) ش: وهو اسم جمع بمعنى الحجاج كالسائر بمعنى الماء في قوله أسائرًا تهجرون. م: (والمعتمرين) ش: أي والمعتمرين. م: (أو جعل داره في غير مكة سكنًا للمساكين أو جعلها في ثغر من الثغور) ش: الثغر موضع المخافة من بروج البلدان. م: (سكنى للغزاة والمرابطين) ش: جمع مرابط، يقال رابط الجيش أقام في الثغر بإزاء العدو ومرابطة ورباطًا. م: (أو جعل غلة أرضه للغزاة في سبيل الله ودفع ذلك إلى وال يقوم عليه، فهو جائز ولا رجوع فيها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 458 لما بينا إلا أن في الغلة يحل الفقراء دون الأغنياء وفيما سواه من سكنى الخان والاستقاء من البئر والسقاية وغير ذلك يستوي فيه الغني والفقير، والفارق هو العرف في الفصلين، فإن أهل العرف يريدون بذلك في الغلة الفقراء وفي غيرها التسوية بينهم الأغنياء، ولأن الحاجة تشمل الغني والفقير في الشرب والنزول، والغني لا يحتاج إلى صرف هذه الغلة لغناه، والله أعلم بالصواب   [البناية] لما بينا) ش: أشار به إلى قوله وهذا لأن الأشياء كلها لله تعالى، فإذا أسقط العبد ما ثبت له من الحق رجع إلى أصله فانقطع تصرفه عنه كما في الإعتاق. م: (إلا) ش: هذا الاستثناء لبيان الفرق بين جعل غلة الأرض للغزاة حيث يكون للفقراء منهم وهو معنى قوله. م: (إن في الغلة) ش: أي غلة الأرض. م: (يحل للفقراء دون الأغنياء) ش: إلا بالتنصيص، وبين جعل الدار سكنى إلى آخر ما يذكره، أشار إلى بقوله: م: (وفيما سواه) ش: أي فيما سوى المذكور. م: (من سكنى الخان والاستقاء من البئر والسقاية وغير ذلك يستوي فيه الفقير والغني، والفارق) ش: بين هذا وبين الذي قبله. م: (وهو العرف بين الفصلين، فإن أهل العرف يريدون بذلك في الغلة الفقراء وفي غيرها) ش: أي وفي الغلة المستوية أي يريدون. م: (التسوية بينهم) ش: أي بين الفقراء وبين. م: (الأغنياء، ولأن الحاجة تشمل الغني والفقير في الشرب والنزول، والغني لا يحتاج إلى صرف هذه الغلة لغناه) ش: أي لقيام الغني فإنه مستغنٍ بمال نفسه عن صدقة غيره، وإما لا مستغنٍ عن الحال للنزول. وعن المقبرة للدفن، وعن الماء للشرب منه، إذ كل واحد لا يقدر أن يشتري في كل منزل موضعًا ولا يستصحب الماء لنفسه في كل مكان فتحت للغني والفقير، والله أعلم. [الأوقاف إذا تعطلت وتعذر اشتغالها هل للمتولي بيعها ويشتري مكانها] 1 فروع: وفي " فتاوى الظهيرية " سئل الحلواني عن أوقاف إذا تعطلت وتعذر اشتغالها هل للمتولي بيعها ويشتري مكانها أخرى؟ قال: نعم. وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد يجوز قبل أن يتعطل، ولكن يأخذ ثمنها ما هو خير منها. ومن المشايخ من لم يجوز بيع الوقف تعطل أو لم يتعطل، وبه قال الشافعي ومالك - رحمهما الله -، وكذا لم يجوز الابتداء بما هو خير منها، وهكذا حكي عن شمس الأئمة. قال أبو يوسف: يجوز الاستبدال، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: إذا صار الوقف بحيث لا ينتفع به المساكين للقاضي أن يبيعه ويشتري بثمنه غيره، ولو سكن دار الوقف بغير أجرة بإذن المتولي أو بغير إذنه يجب عليه أجر المثل سواء كانت بعدة الاستغلال أو لا، وعليه الفتوى. وفي " الأجناس " حانوت وقف صحيح احترق السوق والحانوت وصار بحال لا ينتفع به ولا يستأجر بشيء يخرج من الوقفية، وكذا الرباط إذا احترق يبطل الوقف ويصير ميراثًا. ولو بنى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 459 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] رجل على هذه الأرض فالبناء للباني وأصل الوقف لورثة الواقف عند محمد، وفي " العتبية ": قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مبادلة دار الوقف بدار أخرى، إنما يجوز إذا كانتا في محلة واحدة، أو تكون محلة المملوك جزءًا من محلة موقوفة، وعلى عكسه لا يجوز، وإن كانت المملوكة أكبر مساحة وقيمة وأجرة لاحتمال خرابها وقلة رغبات النفس فيها. والله الموفق للصواب. تم الجزء السابع من البناية في شرح الهداية ويليه الجزء الثامن مبتدئًا بكتاب البيوع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 460 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كتاب البيوع   [البناية] [كتاب البيوع] م: (كتاب البيوع) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام البيوع، وهو جمع بيع، وإنما ذكره بالجمع؛ لأن تحته أنواع على ما يأتي، وهو في اللغة عبارة عن تمليك المال بالمال، وكذا في الشرع لكن زيد فيه قيد التراضي، فقيل: هو في الشرع عبارة عن مبادلة المال بالمال على وجه التراضي، وفي النهاية هو من الأضداد، ويقال: باع الشيء إذا شراه أو اشتراه، ويتعدى إلى المفعول الثاني بنفسه وبحرف الجر، يقال: باعه الشيء وباعه منه، انتهى. ثم يحتاج إلى معرفة جوازه، وسببه، وركنه، وشرطه، وحكمه، وأنواعه. فدليل جوازه الكتاب وهو قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] (البقرة: الآية 275) ، والسنة وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يا معشر التجار، إن بيعكم هذا يشوبه اللغو والكذب فشوبوه بالصدقة» . رواه أبو داود من رواية قيس بن أبي عذرة. وفي رواية الترمذي عنه: «خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن نسمى السماسرة، فقال: "يا معشر التجار، إن الشيطان والإثم يحضران البيع، فشوبوا بيعكم بالصدقة» وقال: حديث حسن صحيح. وإجماع الأمة، فإنه منعقد على جواز البيع، وقد بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس يتبايعون فقررهم على ذلك. وأما سببه فتعلق البقاء المقدور بتعاطيه. وأما ركنه فالإيجاب والقبول على ما يأتي. وأما شرطه فأنواع: منها في العاقد، وهو أن يكون عاقلا مميزا، ومنها في الآلة، وهو أن يكون بلفظ الماضي، ومنها في المحل وهو أن يكون مالا متقوما، وأن يكون مقدور التسليم، ومنها التراضي. ومنها شرط النفاذ، وهو الملك أو الولاية. وأما حكمه: فملك البائع الثمن، والمشتري المبيع. وأما أنواعه: بيع المقايضة وهو بيع العين بالعين، وبيع العين بالدين، وبيع الدين بالدين، وهو بيع الثمن المطلق بالثمن المطلق كبيع الدراهم والدنانير بالدراهم والدنانير، وهو بيع الصرف وبيع الدين بالعين، وهو السلم فإن المسلم فيه مبيع، وهو دين، وبيع المرابحة، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3 قال: البيع ينعقد بالإيجاب والقبول إذا كانا بلفظ الماضي، مثل أن يقول أحدهما: بعت، والآخر: اشتريت؛ لأن البيع إنشاء تصرف والإنشاء يعرف بالشرع، والموضوع للإخبار قد استعمل فيه فينعقد البيع به   [البناية] وبيع التولية، وبيع الوضيعة، وبيع الاستبضاع، والبيع بالخيار. فإن قلت: ما المناسبة بين كتاب البيع وبين كتاب الوقف حتى ذكره عقيب الوقف. قلت: المناسبة من حيث إن في كل منهما معنى إزالة الملك، ففي الوقف يزول الملك عن الواقف بعد حكم الحاكم، من غير أن يدخل في ملك الموقوف عليه، وفي البيع يزول الملك عن البائع، ويدخل في ملك المشتري، فكان الوقف كالمفرد والبيع كالمركب والمفرد سابق على المركب، فلذلك أخر ذكر البيع عنه. [أركان البيع] [الإيجاب والقبول في البيع] م: (قال) ش: أي القدوري في "مختصره ": م: (البيع ينعقد بالإيجاب والقبول إذا كانا بلفظ الماضي) ش: هذا لفظ القدوري، وقال المصنف: م: (مثل أن يقول أحدهما: بعت، والآخر: اشتريت) ش: والمراد من الانعقاد انضمام كلام أحد المتعاقدين إلى الآخر على وجه يظهر أثره في المحل شرعا، والإيجاب: عبارة عما صدر عن أحد العاقدين أولا، سمي به؛ لأن الإيجاب نقيض السلب، وهو الإثبات، والمتكلم منهما أولا بقوله: بعت أو اشتريت يريد إثبات العقد بشرط أن ينضم إليه قبول الآخر. وسمي به؛ لأن قوله: بعت أو اشتريت فعل، والفعل صرف، والتمكن من الإمكان إلى الوجوب، وكان قوله بعت أو اشتريت إيجابا؛ لأنه قبل التلفظ به كان في حيز الإمكان، فصار بعد التلفظ به واجب الوجود لغيره، ثم سمي كلام الآخر قبولا لما أوجبه الآخر، وإن كان هو أيضا إيجابا في الحقيقة حتى يمتاز السابق من كلام العاقدين من اللاحق. م: (لأن البيع إنشاء تصرف) ش: الإنشاء إثبات أمر لم يكن، ويراد به الإيجاد للحال، ومعنى قوله: إنشاء أن هذا التصرف إنشاء؛ لأن المبادلة ما كانت ثابتة وقد ثبتت بعد صدور اللفظين، فيكون إنشاء م: (والإنشاء يعرف بالشرع) ش: لا من حيث الحقيقة كالأكل وغيره، فإنه إنشاء حقيقة، فإذا احتاج المكلف إليه لا بد من استعمال لفظ يدل عليه. والشرع قد استعمل الموضوع للإخبار لغة في الإنشاء والواضع ما وضع للإنشاء لفظا خاصا، فيجوز بالشرع استعمال اللفظ الذي وضع للإخبار عن الماضي للإنشاء؛ دفعا لحاجته، وهو معنى قوله: م: (والموضوع للإخبار) ش: وهو لفظ بعت واشتريت م: (قد استعمل فيه) ش: أي في الإنشاء، فإذا كان كذلك م: (فينعقد البيع به) ش: أي بهذا اللفظ الموضوع للإخبار الذي استعمل في الإنشاء، وإنما خص بهذه اللفظة المناسبة بين الإنشاء والإخبار؛ لأن الإنشاء تحقيق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 4 ولا ينعقد بلفظين: أحدهما لفظ المستقبل والآخر بلفظ الماضي بخلاف النكاح، وقد مر الفرق هناك، وقوله: رضيت بكذا، أو أعطيتك بكذا، أو خذه بكذا في معنى قوله: بعت واشتريت؛ لأنه يؤدي معناه، والمعنى هو المعتبر في هذه العقود   [البناية] الشيء. والإخبار يستدعي تحقيق المخبر به سابقا؛ ليصح الكلام حكمة وعقلا، فصار الوجود حقا له بمقتضى الحكمة، فإذا وجد الإنشاء والإيجاد يختار اللفظ الذي يلزمه الوجود، يعني لفظ الإخبار عن الماضي، وهو أن يقول أحدهما: بعت والآخر يقول اشتريت، أما إذا قال: أبيع منك أو قال المشتري: بعني لم ينعقد البيع؛ لأن الأول عده مساومة وإليه أشار المصنف بقوله: م: (ولا ينعقد بلفظين أحدهما لفظ المستقبل والآخر بلفظ الماضي) ش: أي أحد اللفظين لفظ المستقبل، مثل أبيع منك، أو لفظ بعني كما ذكرنا، وقيل: هذا إذا كان اللفظان أو أحدهما مستقبلا بدون نية الإيجاب في الحال، وأما إذا كان المراد ذلك فينعقد البيع، كذا ذكر الطحاوي؛ لأن قوله: أبيع منك أو بعني وضع للحال، وفي وقوعه للاستقبال ضرب تجوز، كذا أورده السيرافي في شرح الكتاب. م: (بخلاف النكاح) ش: يعني أنه ينعقد بذلك فإن أحدهما إذا قال: زوجني فقال الآخر: زوجتك فقد انعقد م: (وقد مر الفرق هناك) ش: أي مر الفرق بين البيع والنكاح في كتاب النكاح، وأشار به إلى ما قال ثمة بقوله: لأن هذا توكيل بالنكاح، والواحد يتولى طرفي النكاح. م: (وقوله) ش: أي قول المشتري م: (رضيت بكذا) ش: في قول البائع بعت م: (أو أعطيتك بكذا) ش: أي قول البائع أيضا في جواب قول المشتري: اشتريت بكذا من الدراهم م: (أو خذه بكذا، في معنى قوله: بعت واشتريت) ش: فيقول في بعني: بعت يرجع إلى قول المشتري أخذت، وقوله اشتريته يرجع إلى قول المشتري في جواب قوله للبائع: أعطيتك بكذا، أو أخذت بكذا وكذا لو قال المشتري: قبلت أو رضيت أو أجزت، وما أشبه ذلك. ولا فرق بين أو يكون البادئ البائع أو المشتري، والحاصل أن انعقاد البيع لا ينحصر في لفظ بعت أو اشتريت، بل كل ما دل على ذلك ينعقد به م: (لأنه يؤدي معناه) ش: أي؛ لأن قوله رضيت إلى آخره يؤدي معنى قوله بعت واشتريت، فإن معنى الإعطاء والأخذ يتضمن معنى البيع؛ لأن الأمر بالأخذ بالبدل يستدعي سبق البيع م: (والمعنى هو المعتبر في هذه العقود) ش: أي في هذه العقود الشرعية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 5 ولهذا ينعقد بالتعاطي في النفيس والخسيس وهو الصحيح لتحقق المراضاة.   [البناية] واحترز به عن الطلاق والعتاق، فإن اللفظ فيهما يقام مقام المعنى، ولا خلاف فيه للأئمة الأربعة، وفي " الإيضاح " هذا أصل لنا في جميع العقود، إلا ما روي عن أبي حنيفة أن المفاوضة لا تنعقد إلا بلفظ المفاوضة؛ لأن هذا العقد يشتمل على معان وشروط، والعوام لا يمكنهم استيفاء ذلك حتى لو استوفى بلفظ آخر جاز. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن المعنى هو المعتبر في العقود م: (ينعقد) ش: أي البيع م: (بالتعاطي) ش: وهو أن البائع يعطي المبيع، ولا يتلفظ بشيء، والمشتري يعطي الثمن كذلك م: (في النفيس والخسيس) ش: قال الأترازي: النفيس هو الذي يكثر ثمنه كالعبد ونحوه، و [الخسيس] ما يقل ثمنه كالبقل والرمانة والخبز واللحم ونحو ذلك. وقال الكاكي: الخسيس ما يكون قيمته دون نصاب السرقة، والنفيس ما يكون قيمته مثله أو فوقه م: (وهو الصحيح) ش: احترز به عن ما روي عن الكرخي: أن البيع بالتعاطي إنما ينعقد بالأشياء الخسيسة دون النفيسة، وعامة المشايخ لم يفرقوا بينهما والمشهور من مذهب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن البيع لا ينعقد بالتعاطي. وقال مالك: ينعقد البيع بكل ما يعده الناس بيعا، وبه قال بعض أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (لتحقق المراضاة) ش: يعني من الجانبين. وفي " الإيضاح " انعقاد البيع يكون بالألفاظ وبالتعاطي، فالألفاظ كل لفظين ينبئان عن معنى التمليك بصيغة الماضي أو الحال، دون الأمر والمستقبل، وفي جميع النوازل قال: أتبيعني عبدك بألف؟ باستفهام، فقال: نعم، فقال: أخذته، فهو بيع لازم. وفي " شرح الإسبيجابي " لو قال: أبيع منك هذا، أو أعطيتكه، فقال: اشتريته بكذا ونوى الإيجاب للحال، ينعقد البيع. وفي " فتاوى قاضي خان " اشتريت منك بألف، فقال: فعلت، أو نعم، أو هات الثمن، صح وإلا فلا، وكذا الإقالة، وفي المحيط: سماع المتعاقدين الإيجاب والقبول شرط للانعقاد، ولو سمع أهل المجلس وقال البائع: لم أسمعه وليس به وقر لم يصدق. ولو قال: كل هذا الطعام بدرهم لي عليك، فأكل تم البيع، وأكله حلال، والأكل والركوب واللبس بعد قول البائع بعت -رضى بالبيع، ولو قال: وهبت لك هذه الدار أو هذا العبد بثوبك هذا فبيع بالإجماع، ولو قال: إن أديت ثمنه فقد بعته منك فأداه ثمنه في المجلس صح استحسانا، ولو قال: هو لك بكذا إن وافقك، أو قال: إن أعجبك أو إن أردت، فقال: وافقني أو أعجبني، أو أردت جاز، ولو قال: وبعته من فلان غائب فحضر الغائب في المجلس وقال: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 6 قال: وإذا أوجب أحد المتعاقدين البيع، فالآخر بالخيار، إن شاء قبل في المجلس، وإن شاء رد، وهذا خيار القبول؛ لأنه لو لم يثبت له الخيار يلزمه حكم البيع من غير رضاه، وإذا لم يفد الحكم بدون قبول الآخر فللموجب أن يرجع عنه قبل قبوله؛ لخلوه عن إبطال حق الغير، وإنما يمتد إلى آخر المجلس   [البناية] اشتريت صح، ولو قال لرسوله فبلغه فقال: اشتريت صح، والواحد لا يتولى طرفي العقد إلا الأب يشتري مال ولده الصغير لنفسه، أو الوصي مال اليتيم لنفسه، أو القاضي بأمره أو العبد نفسه من مولاه بأمره، وفي " أجناس الناطقي " لو قال: بكم تبيع قفيز حنطة، فقال: بدرهم، فقال: اعزله فعزله، فهو بيع، وكذا لو قال مثله للقصاب فوزنه وهو ساكت فهو بيع حتى لو امتنع من دفع الثمن، وأخذ اللحم، أو امتنع القصاب من دفع اللحم أجبره القاضي عليه، وعن محمد أن بيع التعاطي كما يثبت بقبض البدلين يثبت بقبض أحدهما، وقال صدر القضاة وغيره: إن بيع التعاطي بيع وإن لم يوجد تسليم الثمن. [خيار القبول] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا أوجب أحد المتعاقدين البيع فالآخر بالخيار، إن شاء قبل في المجلس وإن شاء رد) ش: انتهى إلى هنا كلام القدوري، ومعنى أوجب أثبت وحقق بأن قال: بعت، أو قال: اشتريت، والمراد بالإيجاب ما يبدي من لفظه بعت أو اشتريت أو ما يقوم مقامهما. قال المصنف: م: (وهذا خيار القبول) ش: أي الخيار الذي ذكره القدوري خيار القبول م: (لأنه) ش: أي؛ لأن أحد المتعاقدين م: (لو لم يثبت له الخيار، يلزمه حكم البيع من غير رضاه) ش: فيكون مجبورا، فينتفي التراضي فما فرضته بيعا لم يكن بيعا، وهذا خلف م: (وإذا لم يفد الحكم) ش: أي إذا لم يفد إيجاب أحدهما الحكم م: (بدون قبول الآخر، فللموجب) ش: أي البائع أو المشتري م: (أن يرجع عنه قبل قبوله) ش: قبل قبول الآخر م: (لخلوه عن إبطال حق الغير) . ش: فإن قلت: يثبت للمشتري حق التملك بقول البائع، فيكون الرجوع إبطالا، قلت: هذا الحق ثبت له من جهة البائع فيكون له إبطال ما أثبت. فإن قيل: يشكل بما إذا عجل الزكاة إلى الساعي قبل الحول حيث لا يجوز له حق الاسترداد لتعلق حق التملك للفقير. أجيب: بأن الأصل موجود وهو النصاب، والوصف ثابت وهو النماء، فلا يرجع لأجل فوات الأصل، ولا كذلك هاهنا؛ لأن الأصل ما وجد بل وجد شطره فلا يكون البيع موجودا. م: (وإنما يمتد إلى آخر المجلس) ش: هذا يجوز أن يكون جوابا عما يقال، ما وجه اختصاص الجزء: 8 ¦ الصفحة: 7 لأن المجلس جامع المتفرقات فاعتبرت ساعاته ساعة واحدة؛ دفعا للعسر وتحقيقا لليسر، والكتاب كالخطاب، وكذا الإرسال حتى اعتبر مجلس بلوغ الكتاب وأداء الرسالة.   [البناية] خيار الرد والقبول بالمجلس؟ ولم لا يبطل الإيجاب عقب خلوه عن القبول، أو يتوقف على ما وراء المجلس؟ وتقريب الجواب أن امتداده إلى آخر المجلس م: (لأن المجلس جامع المتفرقات) ش: كما في الصرف والسلم وخيار المخيرة وقراءة آية السجدة م: (فاعتبرت ساعاته) ش: أي ساعات المجلس م: (ساعة واحدة) ش: كما في الأشياء المذكورة. وإنما فعل كذلك هنا أيضا م: (دفعا للعسر) ش: أي لأجل دفع العسر عن البائع والمشتري جميعا، أما عن المشتري فلأن في إبطاله قبل انقضاء المجلس عسرا له، وأما عن البائع فلأن في إبقائه فيما وراء المجلس عسرا له وفي التوقف على المجلس يسر لهما جميعا، وأشار إليه بقوله: م: (وتحقيقا لليسر) ش: أي ولأجل تحقيق اليسر في حقهما. فإن قيل: فلم يكن الخلع والعتق على مال كذلك. قلنا: فإنهما اشتملا على اليمين من جانب الزوج والمولى، فكان ذلك مانعا عن الرجوع في المجلس فيتوقف الإيجاب فيهما على ما وراء المجلس. م: (والكتاب كالخطاب) ش: إذ الكتاب من الغائب كالخطاب من الحاضر، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يبلغ تارة بالكتاب، وتارة بالخطاب، فلو لم يكن الكتاب كالخطاب لم يكن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مبلغا به، قاله تاج الشريعة. وصورة الكتابة أن يكتب إلى رجل: أما بعد فقد بعت عبدي فلانا منك بكذا، فلما بلغه الكتاب وقرأ وفهم ما فيه، وقبل في المجلس صح البيع م: (وكذا الإرسال) ش: أي وكذا الإرسال كالخطاب، صورته أن يقول الرجل: اذهب إلى فلان وقل له: إن فلانا باع عبده فلانا منك بكذا فجاءه الرسول وأخبره بما قال فقال فلان في مجلسه ذلك: اشتريت أو قبلت، تم البيع، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ينعقد في صورة الكتابة على أصح الوجهين إذا كانت مقرونة بالنية، وفي وجه لا ينعقد، وبالرسالة ينعقد كما في الكفالة، كذا في " شرح الوجيز ". وفي " الحلية ": لو كتب إليه بيع سلعة منه لم يصح في أصح الوجهين. وفي " المجتبى ": يصح الرجوع عن الرسالة، ولو بلغه الرسول بغير أمره فقال: اشتريت لم يجز. ولو كتب إليه يعني بكذا فوصل إليه فكتب إليه بعتك لم يتم، ما لم يقل الكاتب: اشتريت، ولو كتب إليه اشتريت بكذا فكتب إليه بعت تم البيع، ولو قال: بعته من فلان الغائب وحضر الغائب في المجلس وقبل صح. م: (حتى اعتبر مجلس بلوغ الكتاب وأداء الرسالة) ش: هذا نتيجة قوله والكتاب كالخطاب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 8 وليس له أن يقبل في بعض المبيع، ولا أن يقبل المشترى ببعض الثمن؛ لعدم رضا الآخر بتفرق الصفقة إلا إذا بين ثمن كل واحد؛ لأنه صفقتان معنى.   [البناية] ، وكذا الإرسال وقوله -حتى اعتبر مجلس بلوغ الكتاب- يرجع إلى قوله -والكتاب كالخطاب- وقوله- وأداء الرسالة، يرجع إلى - قوله- وكذا الإرسال-. وفي " شرح الطحاوي " بعدما كتب شطر العقد أو بعدما أرسل رسولا إذا رجع عن ذلك صح رجوعه سواء علم الرسول أو لم يعلم، بخلاف ما إذا وكل وكيلا ثم عزله بغير محضر منه، فلا يصح عزله. وفي " التحفة " وعلى هذا الجواب في الإجارة والهبة والكتابة، وأما في الخلع والعتق على مال فإنه يتوقف شطر العقد على قبول الآخر في ذلك المجلس بالإجماع، فإن من قال: خالعت امرأتي فلانة الغائبة على ألف درهم، فبلغها الخبر فأجازت أو قبلت صح. وكذا لو قال: أعتقت عبدي فلان الغائب بألف درهم فإنه يتوقف على إجازة العبد، فأما في جانب المرأة والعبد لا يتوقف إذا كان الزوج والمولى غائبين، وأما في النكاح فلا يتوقف الشطر عند أبي حنيفة ومحمد، وعلى قول أبي يوسف يتوقف. وتفسير ما قال في " شرح الطحاوي ": وهو أن يقول الرجل للشهود: إني قد تزوجت فلانة بكذا، فبلغها الخبر فأجازت، أو قالت المرأة: بكذا فبلغ الزوج الخبر فأجاز لا يجوز عندهما، ويجوز عند أبي يوسف. وفي البيع لا يتوقف بالإجماع، وقال شمس الأئمة السرخسي في كتاب النكاح من " المبسوط ": كما ينعقد النكاح بالكتاب ينعقد البيع وسائر التصرفات بالكتاب أيضا. م: (وليس له) ش: أي للبائع م: (أن يقبل في بعض المبيع) ش: يعني إذا أوجب المشتري في شيء، فليس للبائع أن يقبل في بعض م: (ولا أن يقبل المشترى) ش: بفتح الراء أي المبيع م: (ببعض الثمن) ش: يعني أن البائع إذا أوجب في شيء بأن قال: بعته بألف، فقال المشتري قبلت بخمسمائة فليس له ذلك م: (لعدم رضا الآخر بتفرق الصفقة) ش: فإن من عادة الناس ضم الرديء إلى الجيد في البياعات؛ ليروج الرديء بالجيد. فلو ثبت خيار القبول في أحدهما فالمشتري يقبل العقد في الجيد ويترك الرديء على البائع فيزول الجيد عن ملكه بأقل من ثمنه، وفيه ضرر للبائع، فكان تفريق الصفقة مستلزما للضرر، وفي " المغرب ": الصفقة ضرب اليد على اليد في البيع، ثم جعلت عبارة عن نفس العقد. م: (إلا إذا بين) ش: أي البائع م: (ثمن كل واحد؛ لأنه صفقتان معنى) ش: أي؛ لأن البيع الذي فيه بيان ثمن كل واحد صفقتان من حيث المعنى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 9 أيهما قام عن المجلس قبل القبول بطل الإيجاب   [البناية] وقال الكاكي: ومراده إذا تكرر لفظ البيع بأن قال: بعت هذا بكذا؛ لأن به تتعدد الصفقة لا ببيان ثمن كل واحد، فإنه لو قال: بعتهما بألف: هذا بخمسمائة وهذا بخمسمائة فقبل أحدهما لا يصح، كذا في " المبسوط ". وفي " الكافي ": لو قال: بعتك هذين فقبل أحدهما، أو قال لرجلين: بعتكما هذا العبد فقبل أحدهما لم يجز للزوم تفريق الصفقة، ولو قال: بعتك هذين: هذا بمائة وهذا بمائة للمشتري أن يقبل أيهما شاء؛ لأن البائع فرق. وفي " المحيط ": ولو كان الثمن متفرقا ينظر إن اتحد الإيجاب والقبول فالصفقة متحدة وإن تفرق الإيجاب والقبول فالصفقة متفرقة، وإن تفرق الإيجاب واتحد القبول أو على عكسه، فالصفقة متفرقة قيل: هذا عندهما، وأما عند أبي حنيفة متحدة. [خيار المجلس] م: (وأيهما قام عن المجلس قبل القبول بطل الإيجاب) ش: هذا لفظ القدوري في "مختصره ". وقال الأكمل: هذا متصل بقوله: إن شاء قبل في المجلس وإن شاء رد، وهو إشارة إلى أن رد الإيجاب تارة يكون صريحا وأخرى دلالة، فإن القيام دليل الإعراض والرجوع، والدلالة تعمل عمل الصريح. فإن قيل: نعم هذا إذا لم يوجد صريح يعارضه، وهاهنا لو قال بعد القيام: قبلت وجد الصريح فيرجح على الدلالة، أجيب بأن الصريح إنما وجد بعد عمل الدلالة فلا يعارضها. وقال الكاكي: قوله أيهما قام ذكر على وجه التعميم على المتعاقدين احترازا عن إيجاب الخلع والعتق على مال، فإنه لا يعم المتعاقدين حيث لا يبطل الإيجاب بقيام الزوج والمولى، بخلاف قيام المرأة والعبد، وقيل: المراد بالقيام عن المجلس الذهاب عن ذلك المكان لا مجرد الانتصاب، وإن كان المذكور في عامة الكتب مطلق القيام؛ لأن شيخ الإسلام خواهر زاده ذكره في شرح الجامع إذا قام البائع ولم يذهب عن ذلك المكان قبل المشتري صح. وفي قوله: قام عن المجلس دليل على أن الذهاب عنه شرط؛ لأن القيام عنه يتحقق بالذهاب، أما لو لم يذهب لا يقال: قام عنه بل يقال: قام فيه. وفي شرح " الطحاوي " وإن تعاقدا عقد البيع وهما يمشيان أو يسيران على دابة واحدة أو دابتين فإن أخرج المخاطب جوابه متصلا بخطاب صاحبه تم العقد بينهما وإن فصل عنه وإن قل، فإنه لا يصح وإن كانا على دابة واحدة في محمل واحد؛ لأنه لما وجد سيرا أو مشيا من أحدهما أو منهما معا من بين الخطابين، وإن قل فقد بطل المجلس ووجد الإعراض قبل تمامه فيبطل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 10 لأن القيام دليل الإعراض والرجوع، وله ذلك على ما ذكرناه، وإذا حصل الإيجاب والقبول لزم البيع ولا خيار لواحد منهما إلا من عيب أو عدم رؤية. وقال الشافعي: يثبت لكل واحد منهما خيار المجلس لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا» . ولنا أن في الفسخ   [البناية] م: (لأن القيام دليل الإعراض والرجوع، وله ذلك) ش: أي لكل واحد منهما الإعراض والرجوع عما أوجب الموجب قبل قبول الآخر م: (على ما ذكرناه) ش: إشارة إلى قوله: لأنه لو لم يثبت له الخيار يلزمه حكم العقد من غير رضاه إلى قوله: فللموجب أن يرجع لخلوه عن إبطال حق الغير. م: (وإذا حصل الإيجاب والقبول) ش: يعني عن الأصل مضافا إلى المحل مع شرط النفاذ وهو الملك أو الولاية م: (لزم البيع ولا خيار لواحد منهما) ش: أي لأحد المتعاقدين، وبه قال مالك. وفي " شرح الطحاوي " هذا في البيع الصحيح م: (إلا من عيب أو عدم رؤية) ش: فإن فيهما الخيار على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى. م: (وقال الشافعي: يثبت لكل واحد منهما خيار المجلس) ش: وبه قال أحمد وذكر في كتبهم إذا حصل الإيجاب والقبول انعقد البيع ويثبت لهما الخيار ما لم يتفرقا أو يتخايرا، وهو أن يقول: أجزنا إمضاء البيع أو فسخه م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا» ش: هذا الحديث رواه الأئمة الستة عن نافع عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البيعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا» . وبلفظ الكتاب رواه النسائي. م: (ولنا أن في الفسخ إبطال حق الغير، فلا يجوز) ش: لما قال الشافعي: أثبت الشارع لكل واحد من المتبايعين خيار المجلس على ما دل عليه الحديث المذكور، فعلم أن لكل منهما بعد تمام العقد أن يرد العقد بدون رضى صاحبه ما لم يتفرقا بالأبدان، قال المصنف: م: (ولنا أن في الفسخ) ش: أي في فسخ العقد بعد وقوعه إبطال حق الآخر وهو الساكت عن الفسخ، فلا يجوز لعدم رضاه. والعجب من المصنف أن الخصم مستدل بالحديث الصحيح وهو يستدل بالدليل العقلي، ثم يحمل الحديث على ما ذكره وكان الواجب أن يستدل بدليل نقلي إما من الكتاب أو السنة، ثم يستدل بالدليل العقلي ثم يجيب عن حديث الخصم كما فعله غيره على هذا الوجه، حيث قالوا: ولنا قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] . (المائدة: 1) والبيع عقد يلزم الوفاء به بظاهر الآية فلو كان خيار المجلس ثابتا لم يكن الوفاء بعقد البيع لازما، وقَوْله تَعَالَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 11 إبطال حق الغير فلا يجوز، والحديث محمول على خيار القبول، وفيه إشارة إليه فإنهما متبايعان حالة المباشرة لا بعدها   [البناية] أيضا: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] (البقرة: الآية 282) ندب إلى الإشهاد على العقد توثقة لهما، وفي ثبوت الخيار يسقط معنى التوثيق فكان فيه إبطال معنى الكتاب. وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المسلمون عند شروطهم» ، وقد شرطا إمضاء البيع فيلزمهما، «وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لحبان بن منقذ: "إذا اشتريت فقل: لا خلابة ولي الخيار» . فعلم أن البيع يلزم بالإيجاب والقبول، وفي إثبات الخيار لأحدهما يلزم إبطال حق الآخر فينتفي بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» أي لا يضر الرجل أخاه ابتداء؛ لأن الضرر بمعنى الضر، وهو يكون من واحد، والضرار من اثنين بمعنى المضارة وهو أن تضر من ضرك ذكره في " المغرب ". م: (والحديث محمول على خيار القبول) ش: لأن سياق الحديث يدل على ذلك؛ لأنهما يسميان متبايعين حقيقة حالة التشاغل لفعل البيع بأن يقول أحدهما بعني ويقول: الآخر بعت، فيتخير كل منهما بعد ذلك. أما البائع له الخيار إما أن يثبت على ما قال أو يرجع عنه، وأما المشتري فله الخيار أيضا إما أن يقبل أو يرد ما داما في المجلس، وهذا تأويل قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - م: (وفيه إشارة إليه) ش: أي في الحديث إشارة إلى خيار القبول، وبين ذلك بالفاء التفسيرية بقوله: م: (فإنهما متبايعان حالة المباشرة لا بعدها) ش: يعني أن حقيقة اسم المتبايعين لهما حالة التشاغل بالعقد لا بعد الفراغ منه كالمتقابلين والمتناظرين. وبه نقول: إن لكل واحد من المتساومين الخيار؛ لأن كونهما متبايعتين حالة المباشرة بطريق الحقيقة، لبقاء قوله بعت، إلى قوله اشتريت من حيث الشرع فالحقيقة الشرعية بمنزلة الحقيقة لغة، فيكون ما قلناه حقيقة، وما قاله الخصم مجازا باعتبار ما كان، إذ لو بقي قوله بعد بعت واشتريت بعد التكلم بهما لما جازت الإقالة؛ لأن رفع الشيء في حال ثبوته محال، وهذا؛ لأن البائع والمشتري قد اجتمعا على المبيع، فإذا تم الإيجاب والقبول فقد تفرقا عما اجتمعا عليه. فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون الإيجاب والقبول شرطا باقيا ما داما في المجلس؟ قلت: لم ذكرنا من صحة الإقالة فيكون الباقي بمعنى الذي ثبت بالإيجاب والقبول. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 12 أو يحتمله فيحمل عليه، والتفرق فيه تفرق الأقوال.   [البناية] م: (أو يحتمله فيحمل عليه) ش: أي أو يحتمل ما قاله الخصم، ويحتمل ما قلنا وما قلناه راجح لما ذكرنا أنه حقيقة، والحمل عليه أولى، ولا يقال العقود الشرعية في حكم الجواهر، فيكونان متبايعين بعد وجود كل كلاميهما؛ لأن الباقي بعد كلاميهما حكم كلاميهما شرعا لا حقيقة كلاميهما، والكلام في حقيقة الكلام. م: (والتفرق فيه تفرق الأقوال) ش: أي التفرق المذكور في الحديث تفرق الأقوال، وقال الأكمل: هذا جواب عما قال: التفرق عرض فيقوم بالجوهر، ولقائل أن يقول: حمل التفرق على ذلك يستلزم قيام العرض بالعرض وهو محال بإجماع أهل السنة فيكون إسناد التفرق إليهما مجازا فما وجه ترجيح مجازكم على مجازهم؟ وأجيب بأن إسناد التفريق والتفرق إلى غير الأعيان سائغ وشائع، فصار بسبب فشو الاستعمال فيه بمنزلة الحقيقة، قال الله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البينة: 4] (البينة: الآية 4) وقال تعالى: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] (البقرة: الآية 285) . والمراد التفرق في الاعتقاد، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة» وهو أيضا في الاعتقاد، وفيه نظر؛ لأن المجاز باعتبار ما يئول إليه، أو ما كان عليه أيضا، كذلك على أن ذلك يصح على مذهب أبي يوسف ومحمد لا على مذهب أبي حنيفة. فإن الحقيقة المستعملة أولى من المجاز المتعارف عنده، ولعل الأولى أن يقال: حمله على التفرق بالأبدان رد إلى جهالة، إذ ليس له وقت معلوم، ولا غاية معروفة، فيصير من أشباه بيع المنابذة والملامسة وهو مقطوع بفساده، وهذا معنى قول مالك: ليس لهذا الحديث حد معروف. وفي " المبسوط " راوي حديث مالك وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ومذهبه أن خيار المجلس لا يثبت، وعمل الراوي بخلاف الحديث دليل ضعفه، ولهذا قال ابن العربي: قال مالك: ليس لهذا الحديث عندنا حد معروف، ولا أمر معمول به. وقال الأكمل: أو نقول: التفريق يطلق على الأعيان والمعاني بالاشتراك اللفظي، وترجيح جهة التفرق بالأقوال بما ذكرنا من أداء حمله على التفرق بالأبدان إلى الجهالة. وقال الطحاوي: اختلف الناس في تأويل قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» . فقال قوم هذا على الافتراق بالأقوال، ثم بسط الكلام فيه. قلت: في شرحي الذي سميته " نخب الأفكار في تنقيح مبان الأخبار في شرح معاني الآثار " أراد بالقول هو لإبراهيم النخعي وسفيان الثوري في رواية، وربيعة الرأي ومالكا وأبا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 13 قال: والأعواض المشار إليها لا يحتاج إلى معرفة مقدارها في جواز البيع؛ لأن بالإشارة كفاية في التعريف وجهالة الوصف فيه   [البناية] حنيفة ومحمد بن الحسن، فإنهم قالوا: المراد من قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "ما لم يتفرقا"، هو التفرق بالأقوال، فإذا قال البائع: قد بعت، وقال المشتري: قد اشتريت، فقد تفرقا، ولا شيء لهما بعد ذلك الخيار، ويتم به البيع ولا يقدر المشتري على رد البيع إلا بخيار الرؤية، أو خيار العيب أو خيار الشرط، أي شرطه. وقال عيسى بن أبان: الفرقة التي تقطع الخيار في حديث هي الفرقة بالأبدان، ولكن فسره بقوله: إن الرجل إذا قال للرجل: قد بعتك عبدي بألف درهم فللمخاطب بذلك القول أن يقبل ما لم يفارقه صاحبه، فإذا افترق لم يكن له بعد ذلك أن يرجعه، لولا أن هذا الحديث جاء ما علمنا ما نقطع به للمخاطب من قبول المخاطبة التي خاطبه بها صاحبه، وأوجب له بها البيع فلما جاء هذا الحديث، علمنا أن افتراق أبدانهما بعد المخاطبة بالبيع يقطع قبول تلك المخاطبة، وقد روي هذا التفسير عن أبي يوسف، وقاله الطحاوي. وقال آخرون: هذه التفرقة المذكورة في هذا الحديث هي الفرقة بالأبدان، فلا يتم البيع حتى يكون، فإذا كانت تم البيع. قلت: أراد بالآخرين سعيد بن المسيب، والزهري، وعطاء بن أبي رباح، وابن أبي ذئب، وسفيان بن عيينة، والأوزاعي، والليث بن سعد، وابن أبي ليلى، والحسن البصري، وهشام بن يوسف، وابن عبد الرحمن، وعبد الله بن حسن القاضي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبا ثور، وأبا عبيد، وأبا سليمان، ومحمد بن جرير الطبري، وأهل الظاهر. وقال الأوزاعي: حد التفرق أن يغيب كل واحد منهما عن صاحبه حتى لا يراه وقال عياض: قال الليث: هو أن يقوم أحدهما، وقال آخرون: هو افتراقهما من مجلسهما أو نقلهما. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والأعواض المشار إليها لا يحتاج إلى معرفة مقدارها في جواز البيع) ش: أراد بذلك ما تبع العقد عليه سواء كان من النقدين أو غيرهما، وسواء كانت ثمنا أو مثمنا بعد أن لم يكن في الأموال الربوية، فإنها إذا بيعت بجنسها عند جهالة مقدارها لا يجوز، وإن أشار إليها لاحتمال الربا. والتقييد بالبيع احتراز عن السلم، فإن رأس المال فيه إذا كان مكيلا أو موزونا يشترط معرفة مقداره في جواز السلم عند أبي حنيفة، كما يجيء، ولا يكتفي بالإشارة م: (لأن بالإشارة كفاية في التعريف، وجهالة الوصف فيه) ش: أي جهالة القدر في العوض المشار إليه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 14 لا تفضي إلى المنازعة. والأثمان المطلقة لا تصح إلا أن تكون معروفة القدر والصفة؛ لأن التسليم والتسلم واجب بالعقد، وهذه الجهالة مفضية إلى المنازعة، فيمتنع التسليم والتسلم، وكل جهالة هذه صفتها تمنع الجواز. هذا هو الأصل.   [البناية] قال الكاكي: أي وصف المقدار في التعريف أو في البيع م: (لا تفضي إلى المنازعة) ش: لأنها حاضرة، والتقابض حال بخلاف جهالة وصف المقدار في المسلم فيه حيث لا يجوز، لأدائها إلى المنازعة لعدم حضوره. [الجهالة في الأثمان المطلقة] م: (والأثمان المطلقة) ش: قال الأكمل: أي المطلقة عن الإشارة لا يصح بها العقد، وكل ما هو واجب بالعقد يمتنع حصوله بالجهالة المفضية إلى النزاع، وقال الأترازي: المراد بالأثمان المطلقة الدراهم والدنانير؛ لأنهما أثمان بكل حال؛ لأن الله تعالى خلق الذهب والفضة ثمنا للأشياء، والمعنى بالثمينة كونه بحال يقدر به مالية الأشياء، ويتوصل به إليها ومما بهذه الصفة قبل الصياغة وبعدها، ويجوز أن يراد المطلقة عن قيد الإشارة وقد ذكرنا هذا عن الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الكاكي: ذكر الإطلاق هاهنا للاحتراز عن كونها مشارا إليها لا للاحتراز عن أثمان غير مخلوقة للثمنية؛ لأنه ذكره بعد قوله: والأعواض المشار إليها مع اختلاف الحكم م: (لا تصح إلا أن تكون معروفة القدر) ش: كالخمسة والعشرة م: (والصفة) ش: كالبخاري والسمرقندي. م: (لأن التسليم والتسلم واجب بالعقد، وهذه الجهالة) ش: أي جهالة القدر والصفة م: (مفضية إلى المنازعة) ش: المانعة من التسليم والتسلم م: (فيمتنع التسليم والتسلم) ش: أي من جهة الآخر م: (وكل جهالة هذه صفتها تمنع الجواز) ش: أي جواز العقد م: (هذا) ش: أي كون الجهالة المفضية إلى المنازعة مانعة م: (هو الأصل) ش: أي في كتاب البيوع بالإجماع؛ لأن شرعية المعاملات لقطع المنازعات المفضية إلى الفساد، ثم لا بد من معرفة الأثمان المطلقة. قال في " الكامل ": النقدان والفلوس ثمن كيفما ذكر؛ لأنهما لا يتعينان عندنا خلافا للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فيثبت في الذمة، وعن الفراء الثمن ما يثبت في الذمة، قال صاحب المجتبى: فهو المراد بالأثمان المطلقة هاهنا. وعن الكرخي: ما يتعين في العقد فهو مبيع وما لم يتعين فهو ثمن، وقال الأترازي: ثم الأموال ثلاثة أنواع، ثمن مطلق وسلعة محضة، ودائر بينهما، بيان ذلك فيما قال صاحب التحفة: ثم الدراهم والدنانير أثمان أبدا، سواء كان في مقابلتها أمثالها أو أعيان صحبها حرف الباء أو لا حتى إن في الأثمان يصير صرفا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 15 قال: ويجوز البيع بثمن حال ومؤجل إذا كان الأجل معلوما، لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] (البقرة: الآية 275) ، وعنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أنه اشترى من يهودي طعاما إلى أجل ورهنه درعه» . ولا بد أن يكون الأجل معلوما؛ لأن الجهالة فيه مانعة من التسليم الواجب بالعقد   [البناية] ولو كانت بمقابلتها السلعة تصير ثمنا، والسلعة مبيعا على كل حال؛ لأنها أثمان مطلقة على كل حال، فلا يتعين بالتعيين، وأما الأعيان التي ليست من ذوات الأمثال كالثياب والدور والعقار والعبيد والعدديات المتفاوتة كالبطيخ والثمار، فهي مبيعة ويتعين بالتعيين، ولا يجوز البيع فيها إلا عينا إلا فيما يجوز فيه السلم كالثياب، بخلاف القياس. ثم الثياب كما تثبت بيعا في الذمة مؤجلا بطريق السلم تثبت دينا في الذمة مؤجلا بطريق الثمن، والأجل شرط في الثياب، لا لأنه شرط في الأثمان ولكن شرط لتصير ملحقة بالسلم في كونها دينا في الذمة. وأما المكيل والموزون والعددي المتقارب إن كانت في مقابلتها أثمان فهي مبيعة، وإن كان في مقابلتها أمثالها أعني المكيل والموزون والعددي المتقارب، فكل ما كان موصوفا في الذمة يكون ثمنا، وكل ما كان معينا يكون مبيعا، وإن كان كل واحد منهما موصوفا في الذمة فما صحبه حرف الباء يكون ثمنا، والآخر مبيعا؛ لأن هذا مما يتعين بالتعيين، ويثبت دينا في الذمة أيضا، فتعين أحد الوجهين بالدليل. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجوز البيع بثمن حال ومؤجل) ش: وفي بعض النسخ أو مؤجل، وعليه إجماع العلماء، وفي " الكامل ": لو قال: بعتكه بألف حالا أو بألفين نسيئة لا يجوز لجهالة الثمن م: (إذا كان الأجل معلوما) ش: لأن جهالته مانعة من التسليم والتسلم، فيؤثر في صحة العقد م: (لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] (البقرة: الآية 275) ش: لأنه لم يفصل بين ثمن حال وثمن مؤجل. م: (وعنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي وعن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (أنه اشترى من يهودي طعاما إلى أجل ورهنه درعه) ش: وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم عن الأسود عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشترى من يهودي طعاما إلى أجل ورهنه درعا له من حديد» وفي لفظ البخاري: ثلاثين صاعا من شعير، وهذا اليهودي اسمه: أبو الشحم رجل من بني ظفر، هكذا وقع مسمى في سنن البيهقي، أخرجه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (ولا بد أن يكون الأجل معا؛ لأن الجهالة فيه مانعة من التسليم الواجب بالعقد) ش: هو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 16 فهذا يطالبه به في قريب المدة، وهذا يسلمه في بعيدها. قال: ومن أطلق الثمن في البيع كان على غالب نقد البلد؛ لأنه هو المتعارف، وفيه التحري للجواز فيصرف إليه، فإن كانت النقود مختلفة فالبيع فاسد إلا أن يبين أحدها، وهذا إذا كان الكل في الرواج سواء؛ لأن الجهالة مفضية إلى المنازعة، إلا أن ترتفع الجهالة بالبيان أو يكون أحدها أغلب وأروج، فحينئذ يصرف إليه تحريا للجواز. وهذا   [البناية] التسليم والتسلم م: (فهذا يطالبه به) ش: أي يطالب المشتري بالثمن م: (في قريب المدة، وهذا) ش: أي المشتري م: (يسلمه في بعيدها) ش: أي في بعيد المدة. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أطلق الثمن في البيع) ش: بأن ذكر القدر دون الصفة، مثل أن يقول المشتري مثلا: اشتريت بعشرة دراهم ولم يقيدها بالبخارية أو السمرقندية ونحو ذلك، أو قال: اشتريت بكذا مثقالا ولم يقيده بالخليفتي والركني ونحو ذلك. وقال الكاكي: قوله: ومن أطلق الثمن يعني ذكر القدر، والنوع دون الوصف فإنه لو لم يذكرهما كانت المسألة عين الأولى وهي قوله: والأثمان المطلقة. وفي " البداية ". إنما أورد هذا ليبين أن تعريف الصفة كما يحصل بالتنصيص يحصل بطريق الدلالة باعتبار العرف وكثرة الاستعمال، وفي " الجنازية ": قوله أطلق أي ذكر الوصف وعن نقد البلد بعد أن سمى قدره ونوعه م: (كان على غالب نقد البلد؛ لأنه هو المتعارف) ش: أي؛ لأنه هو المتفاهم في عرف الناس والمطلق من الألفاظ ينصرف إليه بدلالة العرف. وقال تاج الشريعة: نقد البلد أي البلد الذي جرى فيه البيع لا في بلد المتبايعين م: (وفيه التحري للجواز) ش: أي وفي غالب نقد البلد التحري لجواز العقد م: (فيصرف إليه) ش: أي فيصرف إطلاق الثمن إلى غالب نقد البلد. م: (فإن كانت النقود مختلفة) ش: أي إن كانت النقود في البلد على اختلاف الوزن رائحة على السواء م: (فالبيع فاسد) ش: للجهالة المانعة من التسليم والتسلم م: (إلا أن يبين أحدها) ش: استثنى من قوله: فالبيع فاسد أي إلا أن يبين أحد النقود المختلفة فحينئذ يجوز م: (وهذا) ش: أي فساد البيع م: (إذا كان الكل في الرواج سواء؛ لأن الجهالة مفضية إلى المنازعة) . ش: لأنه لا يمكن ترجيح بعضها على البعض لإطلاق التسمية م: (إلا أن ترتفع الجهالة بالبيان) ش: بأن يبين بعض النقود أنه هو المراد م: (أو يكون أحدها) ش: أي أحد النقود م: (أغلب وأروج، فحينئذ يصرف إليه) ش: أي إلى الأغلب الأروج م: (تحريا للجواز) ش: أي طلبا لجواز العقد إذ أمور المسلمين محمولة على الصحة ما أمكن م: (وهذا) ش: أي فساد العقد في المستوية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 17 إذا كانت مختلفة في المالية فإن كانت سواء فيها كالثنائي والثلاثي والنصرتي اليوم بسمرقند، والاختلاف بين العدالي بفرغانة جاز البيع إذا أطلق اسم الدرهم، كذا قالوا. وينصرف إلى ما قدر به من أي نوع كان؛ لأنه لا منازعة ولا اختلاف في المالية. قال: ويجوز بيع الطعام والحبوب مكايلة ومجازفة. وهذا إذا باعه بخلاف جنسه؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم» .   [البناية] الرواج م: (إذا كانت) ش: أي النقود م: (مختلفة في المالية) ش: كالذهب الركني والخليفتي فإن الخليفتي أفضل في المالية من الركني. م: (فإن كانت سواء فيها) ش: أي في المالية م: (كالثنائي) ش: وهو ما كان الاثنان منه يعبر دانقا م: (والثلاثي) ش: وهو ما كان الثلاث منه يعبر دانقا م: (والنصرتي اليوم بسمرقند) ش: وهو بمنزلة الناصري ببخارى، كذا قال الإمام حميد الدين في "فوائده " م: (والاختلاف بين العدالي بفرغانة) ش: قال الأترازي: وهي لغة فقهاء ما وراء النهر ويسمون الدرهم عداليا. وقد استعملوها في كتبهم م: (جاز البيع) ش: جواب قوله: فإن كانت سواء م: (إذا أطلق اسم الدرهم) ش: أي فيما ذكر من هذه الأشياء م: (كذا قالوا) ش: أي كذا قال المتأخرون من المشايخ م: (وينصرف إلى ما قدر به) ش: أي ينصرف اسم الدرهم إلى ما قدر به من المقدار كعشرة ونحوه م: (من أي نوع كان) ش: من غير قيد بنوع معين م: (لأنه لا منازعة) ش: في الاستواء في الرواج م: (ولا اختلاف في المالية) ش: للمساواة فيها. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويجوز بيع الطعام) ش: والمراد بالطعام الحنطة ودقيقها؛ لأنه يقع عليهما عرفا، كذا قاله الشراح، وقيدوا بقولهم: عرفا ويؤيد هذا ما قاله الخليل أن المعالي في لغة العرب أن الطعام هو البر خاصة م: (والحبوب) ش: كالعدس والحمص ونحوهما، ومن جعل الطعام أعم قال ذكر الحبوب مستدرك وليس كذلك؛ لأن الطعام اسم للبر خاصة والحبوب غيره فافهم م: (مكايلة) ش: مصدر من باب المفاعلة يقال: كايلته مكايلة إذا كلت له، وكال لك م: (ومجازفة) ش: وهو أيضا مصدر من جازف. وقال الجوهري: الجزف أخذ الشيء مجازفة فارسي معرب، وفي " المغرب " وهو البيع بالحدس والظن بلا كيل ولا وزن، وفي " الجمهرة " الجزف: الأخذ بكثرة ومن ذلك قولهم: جزف له في الكيل إذا أكثر، ومنه الجزاف والمجازفة في الشرك والبيع وهو يرجع إلى المساهلة. م: (وهذا) ش: أي البيع مجازفة م: (إذا باعه بخلاف جنسه) ش: فحينئذ يجوز م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ غريب، وقد روى الجماعة غير البخاري عن عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 18 بخلاف ما إذا باعه بجنسه مجازفة لما فيه من احتمال الربا. ولأن الجهالة غير مانعة من التسليم والتسلم فشابه جهالة القيمة. قال: ويجوز بإناء بعينه لا يعرف مقداره وبوزن حجر بعينه لا يعرف مقداره؛ لأن الجهالة لا تفضي إلى المنازعة، لما أنه يتعجل فيه التسليم فيندر هلاكه قبله، بخلاف السلم؛ لأن التسليم فيه متأخر، والهلاك ليس بنادر قبله فيتحقق المنازعة   [البناية] والتمر التمر، والملح الملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد» . م: (بخلاف ما إذا باعه بجنسه مجازفة) ش: حيث لا يجوز م: (لما فيه من احتمال الربا) ش: لأنه ربما يزيد أحد الجنسين على الآخر فيصير ربا. وقال الكاكي: قوله: إذا باعه بخلاف جنسه إنما يفيد فيما إذا كان شيئا يدخل تحت الكيل، وأما إذا كان قليلا لا يدخل تحت الكيل، فيجوز بيع بجنسه مجازفة أيضا كذا في " الذخيرة " م: (ولأن الجهالة) ش: عطف على قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أي؛ لأن جهالة بيع الحبوب والطعام مكايلة ومجازفة م: (غير مانعة من التسليم والتسلم فشابه جهالة القيمة) ش: أي شابه المجازفة جهالة القيمة بأن اشترى شيئا بدرهم، ولم يدر قيمته أزيد منه أو أنقص يجوز؛ لأن هذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة، والمانع هي الجهالة المفضية إلى المنازعة. م: (قال) ش: أي القدوري في "مختصره " م: (ويجوز) ش: أي البيع م: (بإناء بعينه) ش: بأن قال: بهذا الإناء وأشار إليه، ولكن م: (لا يعرف مقداره) ش: أي مقدار الإناء م: (وبوزن حجر) ش: أي وكذا يجوز البيع بوزن حجر م: (بعينه لا يعرف مقداره؛ لأن الجهالة لا تفضي إلى المنازعة، لما أنه يتعجل فيه التسليم فيندر هلاكه قبله) ش: أي قبل التسليم؛ لأنه يندر هلاك كل من الإناء والحجر قبل التسليم. وفي " المبسوط ": لو اشترى بهذا الإناء يدا بيد فلا بأس به؛ لأن في "المعين". البيع مجازفة يجوز. م: (بخلاف السلم) ش: حيث لا يجوز فيه بإناء بعينه ولا بحجر بعينه م: (لأن التسليم فيه) ش: أي؛ لأن تسليم المعقود عليه في السلم م: (متأخر) ش: إلى مدة م: (والهلاك) ش: أي هلاك الإناء والحجر المعينين م: (ليس بنادر قبله) ش: أي قبل التسليم م: (فيتحقق المنازعة) ش: عند ذلك فلا يجوز. وقال الكاكي: ويجوز بإناء من حديد أو خشب وما أشبه ذلك، أما إذا جهل كالزنبيل والجوالق والغراير لا يجوز، ولو باعه طعاما على أن يكيله بزنبيل أو بإناء يشبه الزنبيل لا يجوز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وكذا لو اشترط عليه وزن ثوب أو متاع أو ملء جوالق، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 19 وعن أبي حنيفة أنه لا يجوز في البيع أيضا، والأول أصح وأظهر. قال: ومن باع صبرة طعام كل قفيز بدرهم جاز البيع في قفيز واحد عند أبي حنيفة   [البناية] وفي " جمع التفاريق " عن محمد جواز الشراء بوزن هذا الحجر وفيه الخيار، وعن أبي يوسف لا يجوز، وفي " جميع النوازل ": لو اشترى بوزن هذا الحجر ذهبا ثم علم به، جاز وله الخيار، وكذا لو باع عبده بما باع به فلان عبده جاز، وفي " جمع العلوم ": لو يعلم المشتري جاز وبما يبيع الناس لا يجوز، وهكذا ظاهر مذهب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وحكي عنه وجه أنه يجوز، وإن لم يعلم ما باع فلان، وعن أبي جعفر لو قال: بعتك من هذه الحنطة ما يملأ هذا البيت لا يجوز، ومثل ما يملأ هذا الطست يجوز، وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لا يحوز شراء قربة من ماء هذا النهر؛ لأن الماء ليس عنده، ولا يعرف قدر القربة، وأطلق جوازه في " البحر "، وكذا قربة بعينها أو إداوة من ماء الفرات يوفيه في منزله. وجوز أبي يوسف أيضا، وعنه إذا ملأ ثم تراضيا جاز وهذه مجازفة، وقال برهان الدين: باع كل حق له في هذه القربة ولم يعلمها نصيبه لم يجز، ولو علما جاز، ولو علم المشتري دون البائع جاز وبه قال الشافعي ومالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وعلى عكسه لا يجوز عند أبي حنيفة، وبه قال الشافعي، وقال مالك: إن بينه البائع يجوز. م: (وعن أبي حنيفة أنه لا يجوز في البيع أيضا) ش: أي في بيع المساواة أيضا، وهو رواية الحسن عنه، روى ذلك الفقيه أبو الليث في " العيون "، ثم قال: وهو قول أبي يوسف الأول، ثم رجع فقال: إذا كان الإناء مما لا يقع إذا حشى فيه فالبيع جائز مثل الطست ونحو ذلك، وأما الزنبيل والجوالق فلا يجوز لاحتمال الزيادة والنقصان م: (والأول) ش: أراد به ما ذكره القدوري بقوله ويجوز بإناء بعينه لا يعرف مقداره م: (أصح) ش: ودليله مذكور في المتن م: (وأظهر) ش: أي بحسب الرواية والتعليل. [باع صبرة طعام كل قفيز بدرهم] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن باع صبرة طعام كل قفيز بدرهم جاز البيع في قفيز واحد عند أبي حنيفة) ش: الصبرة الطعام المجتمع كالكومة وجمعها صبر بضم الصاد وفتح الباء. وقال الجوهري: الصبرة واحدة صبر الطعام، ويقال: اشتريت الشيء صبرة أو بلا وزن ولا كيل والقفيز مكيال، وجمعه قفزان قاله في " المغرب " ولم يبين قدره. وقال الجوهري: القفيز ثمانية مكاكيك ولم يبين المكوك إلا في باب الكاف، وقال: المكوك مكيال وهو ثلاث كيلجات والكيلجة منان وسبعة أثمان من، والمن رطلان والرطل ثنتا عشرة أوقية، والأوقية أستار وثلثا أستار، والأستار أربعة مثاقيل ونصف، والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم، والدرهم ستة دوانيق، والدانق: قيراطان، والقيراط: طسوجتان، والطسوج: حبتان، والحبة: سدس ثمن درهم وهو جزء من ثمانية وأربعين جزءا من درهم، والجمع مكاكيك، انتهى كلام الجوهري. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 20 إلا أن يسمي جملة قفزانها. وقالا: يجوز في الوجهين. له أنه تعذر الصرف إلى الكل؛ لجهالة المبيع والثمن فيصرف إلى الأقل وهو معلوم إلا أن تزول الجهالة بتسمية جميع القفزان، أو بالكيل في المجلس، ولهما أن الجهالة بيدهما إزالتها ومثل ذلك غير مانع، كما إذا باع عبدا من عبدين   [البناية] م: (إلا أن يسمي جملة قفزانها) ش: في بعض النسخ جمع قفزانها فحينئذ يصح في الكيل، وكذلك إذا كال الصبرة في المجلس صح البيع، وثبت للمشتري الخيار. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد: م: (يجوز في الوجهين) ش: وهو ما إذا ذكر جملة القفزان، وما إذا لم يذكر وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (له) ش: أي لأبي حنيفة م: (أنه تعذر الصرف إلى الكل لجهالة المبيع والثمن) ش: لأن جملة القفزان غير معلوم، فيكون ما بإزائهما غير معلوم أيضا، فإن قيل: سلمنا جهالتهما ولكن جهالة لا تفضي إلى المنازعة فينبغي أن لا يفسد البيع كما في الأعراض المشار إليها؛ لأن كل قفيز بدرهم فبعد ذلك لا يتفاوت أن يكون الصبرة مائة، أو أقل، أو أكثر، قلنا: قد يفضي إلى المنازعة؛ لأن البائع يطالب المشتري بالثمن أولا، والثمن غير معلوم فيعجز عن تسليم الثمن، وكذا البائع يعجز عن تسليم المبيع لعدم عرفانه قدر المبيع، فيتنازعان م: (فيصرف إلى الأقل) ش: أي يصرف البيع إلى الأقل م: (وهو) ش: أي الأقل م: (معلوم) ش: أي معلوم القدر والثمن وجاز إفراده من الجملة؛ لعدم الضرر لأحد صيانة لكلاميهما عن الإلغاء بقدر الإمكان م: (إلا أن تزول الجهالة بتسمية جميع القفزان) ش: بأن يقول: بعتك هذه الصبرة بمائة درهم كل قفيز بدرهم فيصح حينئذ، ويقع البيع على جميعها م: (أو بالكيل) ش: أي أو تزول الجهالة بكيل الصبرة م: (في المجلس) ش: قيد به؛ لأنه إذا كال بعد الافتراق منه لا يصح؛ لأن ساعات المجلس جعلت كساعة واحدة، فالعلم فيه كالعلم في حالة العقد، أما لو افترقا تقرر الفساد فلا ينقلب جائزا. فإن قيل: يشكل بما إذا كان الفساد بأجل مجهول أو بشرط خيار أربعة أيام، فإنه ينقلب جائزا برفع المفسد بعد الافتراق عن المجلس. قلنا: الفساد ثمة لم يتمكن في صلب العقد فلا يتقيد رفع المفسد بالمجلس، فإن أثر الفساد هناك لا يظهر في الحال بل يظهر عند دخول اليوم الرابع وامتداد الأجل إليه. م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن الجهالة بيدهما إزالتها) ش: أي إزالة الجهالة بأن يكيلا الصبرة في المجلس فلا يفضي إلى المنازعة م: (ومثل ذلك غير مانع) ش: أي مثل المذكور من الجهالة غير مانع عن صحة العقد، وفي بعض النسخ: ومثلها غير مانع، أي ومثل الجهالة الغير المفضية إلى المنازعة غير مانع، ونظر لذلك بقوله: م: (كما إذا باع عبدا من عبدين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 21 على أن المشتري بالخيار، ثم إذا جاز في قفيز واحد -عند أبي حنيفة فللمشتري الخيار لتفرق الصفقة عليه، وكذا إذا كيل في المجلس أو سمى جملة قفزانها؛ لأنه علم بذلك الآن فله الخيار. كما إذا رآه ولم يكن رآه وقت البيع. ومن باع قطيع غنم كل شاة بدرهم فسد البيع في جميعها- عند أبي حنيفة، وكذلك من باع ثوبا مذارعة كل ذراع بدرهم ولم يسم جملة الذرعان. وكذا كل معدود متفاوت   [البناية] على أن المشتري بالخيار) ش: إن شاء أخذ هذا وإن شاء أخذ ذلك، فإذا أخذ أيهما شاء ارتفعت الجهالة فكذا هنا. م: (ثم إذا جاز في قفيز واحد -عند أبي حنيفة فللمشتري الخيار لتفرق الصفقة عليه) ش: أي على المشتري ولا خيار للبائع، وإن تفرقت الصفقة عليه أيضا؛ لأن التفرق جاء منه وهو امتناعه عن تسمية جملة القفزان، أو الكيل في المجلس فيكون راضيا به م: (وكذا إذا كيل في المجلس) ش: أي وكذا الخيار للمشتري إذا كيل المذكور من الصبرة في المجلس م: (أو سمى جملة قفزانها) ش: بأن قال: بعتك هذه الصبرة مائة كل قفيز بدرهم فللمشتري الخيار أيضا. م: (لأنه علم بذلك الآن فله الخيار) ش: لأنه ربما كان في حدسه أو ظنه أن الصبرة تأتي بمقدار ما يحتاج إليه فزادت، وليس له في الثمن ما يقابله، ولا يمكن أخذ الزائد مجانا، وفي تركه تفريق الصفقة على البائع أو نقصت فيحتاج أن يشتري في مكان آخر، وهل يوافق أم لا؟ فإذا كان كذلك فله الخيار؛ لأنه يصير م: (كما إذا رآه ولم يكن رآه وقت البيع) ش: فيثبت له الخيار. وقال تاج الشريعة: والجواب لأبي حنيفة من بيع عبد من عبدين أن القياس فيه الفساد فيه أيضا إلا أنا جوزناه استحسانا بالنص. م: (ومن باع قطيع غنم) ش: أي طائفة منه، وكذا من البقر، وفي " المغرب " القطيعة الطائفة م: (كل شاة بدرهم) ش: يجوز في لفظ كل الرفع والنصب، أما الرفع فعلى الابتداء تقديره: كل شاة سميت بدرهم، وأما النصب فيحتمل أن يكون بدلا من القطيع بدل البعض عن الكل. م: (فسد البيع في جميعها عند أبي حنيفة) ش: وهذه المسألة ذكرها القدوري ولم يذكر فيها الخلاف والمصنف ذكره. م: (وكذلك من باع ثوبا مذارعة) ش: أي بشرط الذرع، كذا قاله الأترازي والكاكي، ولكن هذا اللفظ من باب المفاعلة، فالمعنى: من باع ثوبا على أنه والمشتري يذارعانه مذارعة م: كل ذراع بدرهم، ولم يسم جملة الذرعان) ش: بضم الذال جمع ذراع م: (وكذا) ش: أي وكذا فسد البيع إذا باع. م: (كل معدود متفاوت) ش: أي متفاوت في القيمة كالبطيخ والرمان والسفرجل والخشب والأواني، ولم يسم جملة العدد، هذه المسألة على ثلاثة أوجه: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 22 وعندهما يجوز في الكل لما قلنا، وعنده ينصرف إلى الواحد لما بينا، غير أن بيع شاة من قطيع، وذراع من ثوب لا يجوز للتفاوت، وبيع قفيز من صبرة يجوز لعدم التفاوت، فلا تفضي الجهالة إلى المنازعة فيه، وتفضي إليها في الأول فوضح الفرق. قال: ومن ابتاع صبرة طعام على أنها مائة قفيز بمائة درهم فوجدها أقل كان المشتري بالخيار إن شاء أخذ الموجود بحصته من الثمن، وإن شاء فسخ البيع؛ لتفرق الصفقة عليه، فلم يتم رضاه بالموجود. وإن وجدها أكثر فالزيادة للبائع؛ لأن البيع وقع على مقدار معين، والقدر ليس بوصف.   [البناية] أحدها: أن يبين جملة الذرعان، وقال بعده: كل ذراع بدرهم ولم يبين جملة الثمن فهو جائز؛ لأن المبيع معلوم وجملة الثمن معلومة لبيان الذرعان. الثانية: أن يبين جملة الثمن لا المبيع، وقال بعده: كل ذراع بدرهم فهو أيضا جائز؛ لأنه لما بين جملة الثمن، وسمى لكل ذراع درهما صار جميع الذرعان معلوما. والثالثة: ألا يبين جملة المبيع ولا جملة الثمن، وقال بعده: كل ذراع بدرهم فهي مسألة الكتاب، ذكرها في النهاية، وعندهما؛ أي عند أبي يوسف ومحمد. م: (وعندهما يجوز في الكل) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لما قلنا) ش: وهو أن إزالة الجهالة بيدهما م: (وعنده) ش: أي وعند أبي حنيفة م: (ينصرف إلى الواحد لما بينا) ش: وهو قوله ينصرف إلى الأقل وهو معلوم م: (غير أن بيع شاة من قطيع وذراع من ثوب لا يجوز للتفاوت وبيع قفيز من صبرة طعام يجوز؛ لعدم التفاوت، فلا تفضي الجهالة إلى المنازعة فيه، وتفضي إليها) ش: أي وتفضي الجهالة إلى المنازعة. م: (في الأول) ش: وهو بيع شاة من قطيع وذراع من ثوب م: (فوضح الفرق) ش: أي ظهر وانكشف وهو أن الأقل هو الشاة الواحدة من قطيع، والذراع من ثوب لم يصرف إليه للتفاوت، والقفيز الواحد من صبرة يصرف إليه لعدم التفاوت، وهو الفرق. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن ابتاع صبرة طعام) ش: أي من اشتراها م: (على أنها مائة قفيز بمائة درهم فوجدها أقل) ش: أي من المائة وفي بعض النسخ أقل من ذلك م: (كان المشتري) ش: بكسر الراء م: (بالخيار إن شاء أخذ الموجود بحصته من الثمن، وإن شاء فسخ البيع؛ لتفرق الصفقة عليه) ش: أي على المشتري م: (فلم يتم رضاه بالموجود) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (وإن وجدها أكثر) ش: أي وإن وجد الصبرة أكثر من مائة قفيز م: (فالزيادة للبائع؛ لأن البيع وقع على مقدار معين) ش: وهو مائة قفيز. م: (والقدر ليس بوصف) ش: أي القدر الزائد على المقدار المعين ليس بوصف، فالبيع لا يتناوله فكان للبائع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 23 ومن اشترى ثوبا على أنه عشرة أذرع بعشرة، أو أرضا على أنها مائة ذراع بمائة فوجدها أقل، فالمشتري بالخيار إن شاء أخذها بجملة الثمن، وإن شاء ترك؛ لأن الذرع وصف في الثوب، ألا ترى أنه عبارة عن الطول والعرض   [البناية] واعلم أن المشايخ ذكروا في الفرق بين القدر وهو الأصل، والوصف حدودا فقيل: كل ما يتعيب بالتنقيص والتشقيص فهو وصف، وما لا يتعيب بهما فهو أصل. وقيل: ما يكون وجوده جهة في تقوم نفسه وغيره، وعدمه جهة في نقصان نفسه وغيره فهو وصف، وما لا يكون بهذه المثابة فهو أصل فيخرج على هذا المكيلات والموزونات والمذروعات، فإن المكيل لا يتعيب بالتنقيص والمذروع يتعيب، والطول والعرض يزيد في قيمة نفسه وغيره، بخلاف المكيل والموزون، فإن صبرة الأقفزة إذا انتقص منها قفيز يشتري الباقي بالثمن الذي يخصه مع القفيز، والذراع الواحد إذا فات لا يشتري الباقي بالثمن الذي كان يشتري معه. وقال الكاكي: وثمرة كون الذرع وصفا، والقدر أصلا يظهر في مواضع: منها ما ذكر في الكتاب وهو أنه إذا وجده زائدا فهو للبائع، ومنها: أنه لا يجوز للمشتري التصرف في المبيع قبل الكيل والوزن إذا اشتراه بشرط الكيل. وفي المذروع يجوز له التصرف في المبيع قبل الذرع سواء اشتراه مجازفة أو على أنه عشرة أذرع؛ لأنه لما كان وصفا لا يكره اختلاط البيع بغيره، فيجوز التصرف له قبل الذرع؛ لأن الكل له سواء نقص أو زاد، بخلاف المكيل والموزون؛ لأن الزائد أصل لا تبع، فيلزم الاختلاف، فلا يجوز التصرف قبل الكيل أو الوزن، ومنها: أن بيع الواحد للاثنين لا يجوز في المكيلات والموزونات. وفي المذروعات يجوز؛ لأن الزيادة لما كانت أصلا وكانت شيئا يعتد به فلا يجوز بدون المساواة في الأموال الربوية، بخلاف المذروع فلم يعتبر زيادة مانعة لكونه تبعا. م: (ومن اشترى ثوبا على أنه عشرة أذرع بعشرة أو أرضا) ش: أي أو اشترى أرضا م: (على أنها مائة ذراع بمائة فوجدها أقل، فالمشتري بالخيار إن شاء أخذها بجملة الثمن، وإن شاء ترك؛ لأن الذرع وصف في الثوب) ش: لما بينا من ظهور أمارة الوصفية، والتبعية فيه دون غيره من زيادة القوة بزيادته ونقصانه بنقصانه ولعدم تمكن أفراده من الجملة، حتى لو باع ذراعا من ثوب لم يجز؛ لأن المقصود من الثوب هو التزين واللبس لا يحصل بذراع، بخلاف القفيز من الصبرة. م: (ألا ترى أنه عبارة عن الطول والعرض) ش: هذا توضيح لكونه بمنزلة الوصف. فإن قيل: الاستدلال بهذا على أن الذرع وصف غير مستقيم، فإن الطول والعرض كما هو وصف فكذلك القلة والكثرة من حيث الكيل والوزن أيضا وصف، يقال شيء قليل وكثير، فلم يكن القفيز الزائد هنالك وصفا. قلنا: بل إن القلة والكثرة من حيث الكيل والوزن كان أصلا، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 24 والوصف لا يقابله شيء من الثمن كأطراف الحيوان، فلهذا يأخذه بكل الثمن، بخلاف الفصل الأول؛ لأن المقدار يقابله الثمن، فلهذا يأخذه بحصته إلا أنه يتخير لفوات الوصف المرغوب فيه لتغير المعقود عليه فيختل الرضا. وإن وجدها أكثر من الذراع الذي سماه فهو للمشتري، ولا خيار للبائع؛ لأنه صفة فكان بمنزلة ما إذا باعه معيبا فإذا هو سليم. ولو قال: بعتكها على أنها مائة ذراع بمائة   [البناية] ومن حيث الذرع كان وصفا لدخولهما تحت الحدود التي ذكرنا في التفرقة بين الأصل والوصف، فإنه زيادة شبر واحد مثلا على العشرة يوجب زيادة قيمة العشرة، مع أن وصف الكثرة والقلة حصل به؛ لأن الكثرة بكثرة الدخول بخلاف الذرع، فإن زيادته توجب زيادة قيمة لم تكن لها بدون ذلك الذرع، وهذا متعارف بين التجار فكان الذرع وصفا. م: (والوصف لا يقابله شيء من الثمن) ش: إلا إذا كان مقصودا بالتناول حقيقة، كما إذا قطع البائع يد العبد المبيع قبل القبض يسقط نصف الثمن أو حكما لحق البائع، كما إذا حدث عيب آخر عند المشتري أو لحق الشارع، كما إذا خاط المشتري الثوب المبيع، ثم اطلع على عيب يكون للوصف قسط من الثمن م: (كأطراف الحيوان) ش: يعني إذا اشترى جارية فاعورت عند البائع لا ينتقص شيء من الثمن. وكذا المشتري باعها مرابحة إذا اعورت بعدما قبضها بدون البيان، وسيجيء ذلك في باب المرابحة إن شاء الله تعالى. م: (فلهذا) ش: إيضاح لقوله: والوصف لا يقابله شيء من الثمن م: (يأخذه بكل الثمن) ش: أي يأخذ ذاك الثوب الذي اشتراه على أنه عشرة أذرع فوجده أقل، فإنه يأخذه بجملة الثمن إن شاء كما مر الآن م: (بخلاف الفصل الأول) ش: وهو فصل الكيل فإنه يأخذ الموجود بحصته من الثمن م: (لأن المقدار يقابله الثمن) ش: لأنه ليس بوصف م: (فلهذا) ش: أي ولكون المقدار لا يقابله شيء من الثمن م: (يأخذه بحصته) ش: من الثمن م: (إلا أنه يتخير) ش: استثناء من قوله: أي إلا أن المشتري خير بين الأخذ والفسخ م: (لفوات الوصف المرغوب فيه) ش: وفي نسخة شيخنا لفوات الوصف المذكور، ثم كتب تحته: أي المذكور في هذه المسألة في الفصل الأول م: (لتغير المعقود عليه فيختل الرضا) ش: أي رضا المشترى. م: (وإن وجدها أكثر من الذراع الذي سماه فهو للمشتري، ولا خيار للبائع؛ لأنه صفة) ش: أي؛ لأن الذرع صفة، والوصف لا يقابله شيء من الثمن م: (فكان) ش: نظير هذا م: (بمنزلة ما باعه معيبا) ش: بأن باع عبدا على أنه أعمى م: (فإذا هو سليم) ش: أي فإذا العبد وجد سليما أي بصيرا، حيث لا خيار فيه م: (ولو قال: بعتكها) ش: يعني الثياب والمذروعات كذا في " النهاية ". وقال الأكمل: فيه نظر؛ لأن المبيع إذا كان ثيابا لم تكن هذه المسألة، والأولى أن يقال بعني الأرض. وقال الأترازي: أي بعت الأرض والثياب م: (على أنها مائة ذراع بمائة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 25 درهم كل ذراع بدرهم فوجدها ناقصة فالمشتري بالخيار: إن شاء أخذها بحصتها من الثمن، وإن شاء ترك؛ لأن الوصف وإن كان تابعا لكنه صار أصلا بإفراده بذكر الثمن، فينزل كل ذراع منزلة ثوب، وهذا؛ لأنه لو أخذه بكل الثمن لم يكن آخذا لكل ذراع بدرهم. وإن وجدها زائدة فهو بالخيار: إن شاء أخذ الجميع كل ذراع بدرهم، وإن شاء فسخ البيع؛ لأنه إن حصل له الزيادة في الذرع يلزمه زيادة الثمن، فكان نفعا يشوبه ضرر فيتخير، وإنما يلزمه الزيادة لما بينا أنه صار أصلا، ولو أخذه بالأقل لم يكن آخذا بالمشروط.   [البناية] درهم، كل ذراع بدرهم، فوجدها ناقصة، فالمشتري بالخيار، إن شاء أخذها بحصتها من الثمن، وإن شاء ترك؛ لأن الوصف وإن كان تابعا لكنه صار أصلا بإفراده بذكر الثمن، فينزل كل ذراع منزلة ثوب) ش: وهذا معنى قولهم: إن الوصف يقابله شيء من الثمن، إذا كان مقصودا بالتناول. فإن قيل: لو صار كل ذراع بمنزلة ثوب ينبغي أن يفسد البيع إذا وجدها زائدة. كما لو قال: بعتك هذه الرزمة على أنها خمسون ثوبا كل ثوب بعشرين درهما فوجدها زائدة فالبيع فاسد، وكذا لو اشترى عدلا على أنه كذا ثوبا ذكر ثمنا أن المشترى بالخيار. قلنا: الفرق بينهما ما بينا أن في الذرع جهة الوصفية والأصلية، فمن حيث إنه أصل لا نسلم له الزيادة بغير عوض من حيث إنه وصف يكون بعض الذرعان تابعا للبعض، فلا يفسد، وأما بعض الثياب لا يكون تبعا للبعض فيبقى المبيع مجهولا بجهالة تفضي إلى المنازعة؛ لأن الثياب مختلفة كذا في " جامع قاضي خان ". فإن قيل: لو كان أصلا على تقدير الإفراد بذكر الثمن يجب أن يمتنع دخول الزيادة في العقد كما في الصبرة، وقد جوز أخذ الجميع بحكم البيع في هذه المسألة. قلنا الفرق بينهما هو أن الزيادة لو لم تدخل في العقد يفسد العقد؛ لأنه يصير بعض ما مر الثوب وأنه لا يجوز بخلاف الصبرة؛ لأنها لو لم تدخل لا يفسد العقد، كذا في " الفوائد الظهيرية ". م: (وهذا) ش: أي أخذها بحصتها من الثمن إنما هو م: (لأنه لو أخذه بكل الثمن لم يكن) ش: أي المشتري م: (آخذا لكل ذراع بدرهم) ش: وهو لم يبع إلا بشرط أن يكون كل ذراع بدرهم؛ لأن كلمة على تأتي بمعنى الشرط م: (وإن وجدها زائدة) ش: عطف على قوله: فوجدها ناقصة. م: (فهو بالخيار: إن شاء أخذ الجميع كل ذراع بدرهم، وإن شاء فسخ البيع؛ لأنه إن حصل له الزيادة في الذرع يلزمه زيادة الثمن فكان نفعا يشوبه ضرر) ش: لأن الزيادة نفع، ولزوم الثمن بإزائهما ضرر، فإذا كان كذلك م: (فيتخير) ش: بين أخذ الجميع كل ذراع بدرهم وبين الفسخ م: (وإنما يلزمه الزيادة) ش: أي زيادة الثمن م: (لما بينا أنه صار أصلا) ش: مشروطا م: (ولو أخذه بالأقل لم يكن آخذا بالمشروط) ش: وهو أن يكون كل ذراع بدرهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 26 ومن اشترى عشرة أذرع من مائة ذراع من دار أو حمام فالبيع فاسد عند أبي حنيفة، وقالا: هو جائز، وإن اشترى عشرة أسهم من مائة سهم جاز في قولهم جميعا، لهما أن عشرة أذرع من مائة ذراع عشر الدار فأشبه عشرة أسهم، وله أن الذراع اسم لما يذرع به، واستعير لما يحله الذراع، وهو المعين دون المشاع، وذلك غير معلوم بخلاف السهم. ولا فرق عند أبي حنيفة بين ما إذا علم جملة الذرعان، أو لم يعلم وهو الصحيح، خلافا لما يقوله الخفاف، لبقاء الجهالة.   [البناية] م: (ومن اشترى عشرة أذرع من مائة ذراع من دار أو حمام فالبيع فاسد عند أبي حنيفة، وقالا: هو جائز) ش: وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ويعني بقوله وقالا: هو جائز إذا كانت الدار كلها مائة ذراع، هكذا ذكر الصدر الشهيد والإمام الزاهد العتابي في شرحيهما للجامع الصغير ولو كانت أقل من مائة لا يجوز بالإجماع. م: (وإن اشترى عشرة أسهم من مائة سهم جاز في قولهم جميعا، لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن عشرة أذرع من مائة ذراع عشر الدار فأشبه عشرة أسهم) ش: أي في كونهما عشرا فتخصيص الجواز بأحدهما تحكم م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الذراع اسم لما يذرع به) ش: في الحقيقة وإرادة الحقيقة هنا متعذرة فيكون المراد ما يحله الذراع، وتجاوزه مجازا بإطلاق اسم الحال على المحل. وهو معنى قوله: م: (واستعير لما يحله الذراع) ش: يعني استعير للموضع الذي يحل ذلك الخشب فيه؛ لأن المبيع المحل لا الخشب م: (وهو المعين) ش: أي ما يحله الذراع هو المعين، فكان المسمى في العقد جزءا معينا م: (دون المشاع) ش: يعني المشاع ليس كذلك م: (وذلك غير معلوم) ش: أي ما يحله الذراع غير معلوم موضعه لا يدري من أي جانب هو، فيبطل العقد م: (بخلاف السهم) ش: فإنه أمر عقلي لا يقتضي محلا حسيا، فيجوز أن يكون في المشايع فالجهالة لا تفضي إلى المنازعة. م: (ولا فرق عند أبي حنيفة بين ما إذا علم جملة الذرعان أو لم يعلم، هو الصحيح) ش: يعني لا فرق بين ما إذا علم جملة الذرعان، كما إذا قال: عشرة أذرع من هذه الدار من غير ذكر ذرعان جميع الدار، وهو الصحيح لبقاء الجهالة المانعة من الجواز م: (خلافا لما يقوله الخفاف) ش: وهو أبو بكر أحمد بن عمرو من كبار العلماء المتقدمين، وله تصانيف كثيرة، وكان معاصرا مع الشيخ أبي جعفر أحمد بن أبي عمران - رَحِمَهُ اللَّهُ - أستاذ أبي جعفر الطحاوي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تعالى -. والخفاف يقول: إن الفساد إنما هو عند جهالة جملة الذرعان، وأما إذا عرفت مساحتها فإنه يجوز جعل هذه المسألة نظير ما لو باع كل شاة من القطيع بدرهم إذا كان جملة الشياه معلوما، فإنه يجوز عنده م: (لبقاء الجهالة) ش: دليل قوله: ولا فرق عند أبي حنيفة رضي الله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 27 ولو اشترى عدلا على أنه عشرة أثواب فإذا هو تسعة أو أحد عشر فسد البيع، لجهالة المبيع أو الثمن، ولو بين لكل ثوب ثمنا جاز في فصل النقصان بقدره وله الخيار، ولم يجز في الزيادة لجهالة العشرة المبيعة. وقيل: عند أبي حنيفة لا يجوز في فصل النقصان أيضا، وليس بصحيح   [البناية] عنه، يعني أن جملة ذرعان الدار وإن عرفت لا يعلم موضع عشرة أذرع من مائة ذراع منها فبقيت الجهالة. م: (ولو اشترى عدلا) ش: عدل الشيء بكسر العين مثله من جنسه في مقداره ومنه عدل الحمل، وقال الأترازي: العدل العلم إذا عدل بمثله م: (على أنه عشرة أثواب فإذا هو تسعة) ش: أي فظهرت أنها تسعة أثواب م: (أو أحد عشر) ش: أي أو ظهر أنه أحد عشر ثوبا م: (فسد البيع) ش: أما إذا زاد فهو م: (لجهالة المبيع) ش: لأن الزائد لم يدخل تحت العقد، فيجب رده، والأثواب مختلفة وكان المبيع مجهولا جهالة تفضي إلى المنازعة، وأما إذا نقص فلوجوب حصة الناقص عن ذمة المشتري وهي مجهولة؛ لأنه لا يدري أنه كان جيدا أو وسطا أو رديئا، وحينئذ لا يدري قيمته بيقين، حتى يسقط، فكانت جهالتها توجب جهالة الباقي من الثمن فلا يشك في فساده، وإلى هذا أشار بقوله: م: (أو الثمن) ش: أي فسد البيع لجهالة الثمن في صورة النقصان. م: (ولو بين لكل ثوب ثمنا) ش: بأن يقول: كل ثوب بدرهم م: (جاز في فصل النقصان بقدره وله الخيار) ش: أي للمشتري الخيار إذا بين لكل ثوب إن شاء أخذ بحصته من الثمن، وإن شاء ترك م: (ولم يجز في الزيادة لجهالة العشرة المبيعة) ش: لأن العقد يتناول العشرة فعليه رد الثوب الزائد وهو مجهول وبجهالته يصير المبيع مجهولا. م: (وقيل عند أبي حنيفة: لا يجوز في فصل النقصان أيضا) ش: أي قال البعض من مشايخنا: إن البيع فاسد عند أبي حنيفة في فصل النقصان أيضا؛ لأنه جمع بين المعدوم والموجود في صفته فكان قبول البيع في المعدوم شرطا لقبوله في الموجود فيفسد العقد، كما إذا جمع بين حر وعبد في صفقة، وسمى لكل واحد ثمنا، فإنه لا يجوز البيع عنده في القن، خلافا لهما كذلك هنا. وكما لو اشترى هرويين فإذا أحدهما مروي فإن العقد فاسد عنده قال المصنف: م: (وليس بصحيح) ش: أي عدم الجواز في فصل النقصان غير صحيح. وقال الأترازي: أي ما قيل: إن عند أبي حنيفة لا يجوز البيع في فصل النقصان ليس بصحيح؛ لأن ثمن كل ثوب معلوم قطعا، فإذا نقصت يكون باقي الثمن معلوما لا محالة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 28 بخلاف ما إذا اشترى ثوبين على أنهما هرويان، فإذا أحدهما مروي حيث لا يجوز فيهما، وإن بين ثمن كل واحد منهما؛ لأنه جعل القبول في المروي شرطا لجواز العقد في الهروي، وهو شرط فاسد، ولا قبول يشترط في المعدوم فافترقا. ولو اشترى ثوبا واحدا على أنه عشرة أذرع كل ذراع بدرهم فإذا هو عشرة ونصف أو تسعة ونصف. قال أبو حنيفة في الوجه الأول: يأخذه بعشرة من غير خيار   [البناية] م: (بخلاف ما إذا اشترى ثوبين) ش: هذا جواب عما استدل به بعض المشايخ فيما قالوا بمسألة من اشترى ثوبين هرويين، فإذا أحدهما مروي على ما ذكرنا فقاله المصنف، هذا الذي نحن فيه لا يشبه هذه المسألة، وبين ذلك بقوله: بخلاف ما إذا اشترى ثوبين م: (على أنهما هرويان، فإذا أحدهما مروي حيث لا يجوز فيهما، وإن بين ثمن كل واحد منهما؛ لأنه جعل القبول في المروي شرطا لجواز العقد في الهروي وهو شرط فاسد) ش: لأن المروي غير مذكور في العقد، فشرط قبوله مما لا يقتضيه العقد، فكان فاسدا، بيانه أنه شرط لقبول المبيع قبول ما ليس بمبيع، وإنه مفسد للبيع لكونه مخالفا لمقتضى العقد، وهذا لا يوجد هاهنا، فإنه ما شرط قبول العقد في المعدوم وهو معنى قوله: م: (ولا قبول يشترط في المعدوم) ش: ولا قصد إيراد العقد على المعدوم؛ لعدم تصور ذلك فيه، وإنما قصد إيراده على الموجود فقط، ولكنه غلط في العدد. وهروي: بفتح الراء، ومروي بسكونها، قال الكاكي: منسوب إلى هراة ومرو؛ قريتان بخراسان وتبعه الأكمل على ذلك. قلت: هذا عجيب منهما، فإن هراة مدينة عظيمة مشهورة بخراسان، قاله في " المشترك "، ومرو: مدينة قديمة يقال: إنها من بناء طحمورث، وقال في " المشترك " أيضا: مدينة عظيمة بينها وبين كل واحد من نيسابور وهراة وبلخ وبخارى اثنا عشر يوما. م: (فافترقا) ش: أي شراء العدل على أنه عشرة أثواب بمائة كل ثوب بعشرة فإذا هو تسعة، وشراء الثوبين على أنهما هرويان فإذا أحدهما مروي افترقا، حيث جاز البيع في الأول دون الثاني. وقال الكاكي: حاصل الفرق بينهما هو أن الشيئين الموصوفين بوصف إذا دخلا في عقد واحد كان قبول كل واحد منهما شرطا لصحة العقد في الآخر بذلك الوصف، فإذا انعدم ذلك الوصف كان فاسدا بالنظر إلى انعدام ذلك الوصف، وأما إذا كان أحدهما معدوما بذاته ووصفه لم يكن هذا داخلا في نفس العقد حتى يكون قبوله شرطا لصحة العقد في الآخر. م: (ولو اشترى ثوبا واحدا على أنه عشرة أذرع كل ذراع بدرهم فإذا هو عشرة ونصف أو تسعة ونصف، قال أبو حنيفة -في الوجه الأول: يأخذه) ش: أي يأخذ الثوب في الأول، وهو فيما إذا ظهر عشرة ونصف م: (بعشرة) ش: ويسلم له النصف مجانا م: (من غير خيار) ش: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 29 وفي الوجه الثاني: يأخذه بتسعة إن شاء. وقال أبو يوسف: في الوجه الأول يأخذه بأحد عشر إن شاء، وفي الوجه الثاني يأخذه بعشرة إن شاء. وقال محمد في الأول يأخذه بعشرة ونصف إن شاء، وفي الثاني بتسعة ونصف ويخير؛ لأن من ضرورة مقابلة الذراع بالدرهم مقابلة نصفه بنصفه فيجزئ عليه حكمها. ولأبي يوسف أنه لما أفرد كل ذراع ببدل نزل كل ذراع منزلة ثوب على حدة وقد انتقص. ولأبي حنيفة أن الذراع وصف في الأصل، وإنما أخذ حكم المقدار بالشرط وهو مقيد بالذراع فعند عدمه عاد الحكم إلى الأصل، وقيل في الكرباس الذي لا تتفاوت جوانبه: لا يطيب للمشتري ما زاد على المشروط؛ لأنه بمنزلة الموزون حيث لا يضره الفصل   [البناية] متعلق بقوله: يأخذه. م: (وفي الوجه الثاني) ش: وهو فيما إذا ظهر أنه تسعة ونصف م: (يأخذه بتسعة إن شاء) ش: يعني له الخيار م: (وقال أبو يوسف: في الوجه الأول يأخذه بأحد عشر إن شاء) ش: يعني له الخيار م: (وفي الوجه الثاني يأخذه بعشرة إن شاء) ش: يعني له الخيار. م: (وقال محمد: في الأول يأخذه بعشرة ونصف إن شاء، وفي الثاني بتسعة ونصف ويخير) ش: يعني له الخيار في الوجهين م: (لأن من ضرورة مقابلة الذراع بالدرهم مقابلة نصفه بنصفه فيجزئ عليه حكمها) ش: من التجزية وفي بعض النسخ (فيجري عليه) ، أي على النصف حكم المقابلة ويخير كما لو باع عشرة بعشرة فنقص ذراع. م: (ولأبي يوسف أنه لما أفرد كل ذراع ببدل نزل كل ذراع منزلة ثوب على حدة وقد انتقص) ش: والثوب إذا بيع على أنه كذا ذراعا فنقص ذراع لا يسقط شيء من الثمن، ولكن يثبت له الخيار. م: (ولأبي حنيفة أن الذراع وصف في الأصل) ش: لا يقابله شيء من الثمن م: (وإنما أخذ حكم المقدار) ش: وهو الكيل والوزن م: (بالشرط) ش: بأن قال: كل ذراع بدرهم م: (وهو) ش: أي الشرط م: (مقيد بالذراع فعند عدمه) ش: أي عدم الشرط، وهو ما إذا كان أقل من الذراع م: (عاد الحكم إلى الأصل) ش: وهو الوصف وصارت العشرة والنصف بمنزلة العشرة الجيدة، والتسعة والنصف بمنزلة التسعة الجيدة، كذا ذكره فخر الإسلام. م: (وقيل في الكرباس) ش: أشار بهذا إلى أن هذه الأقوال الثلاثة في الثوب الذي يتفاوت كالقميص، والسراويل، والعمائم، والأقبية، أما في الثوب م: (الذي لا تتفاوت جوانبه) ش: كالكرباس الذي لا تتفاوت جوانبه م: (لا يطيب للمشتري ما زاد على المشروط؛ لأنه) ش: أي؛ لأن الكرباس م: (بمنزلة الموزون حيث لا يضره الفصل) ش: بالصاد المهملة، أي المقطع وإن كان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 30 وعلى هذا قالوا: يجوز بيع ذراع منه.   [البناية] متصلا بعضه ببعض لكن ليس في الفصل ضرر كالموزون، فلا يتمكن فيه الضرب لسبب بمنزل البعض عن البعض، فيصير كل ذراع أصلا كالقفيز والكرباس بكسر الكاف فارسي معرب، والجمع الكرابيس م: (وعلى هذا قالوا) ش: أي المشايخ م: (يجوز بيع ذراع منه) ش: وإن لم يعين موضعه كما في الحنطة إذا باع قفيزا منها حيث يجوز، كذا في " الذخيرة "، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لو قال بعت قفيزا من هذه الحنطة يجوز لقولنا، وعن القفال من أصحابه إذا لم يعلما مبلغ قفزان الصبرة لم يصح، وقد خالف نص الشافعي كذا في " الحلية ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 31 فصل ومن باع دارا دخل بناؤها في البيع، وإن لم يسمه؛ لأن اسم الدار يتناول العرصة والبناء في العرف، ولأنه متصل به اتصال قرار فيكون تبعا له. ومن باع أرضا دخل ما فيها من النخل والشجر وإن لم يسمه؛ لأنه متصل به للقرار فأشبه البناء. ولا يدخل الزرع في بيع الأرض إلا بالتسمية؛ لأنه متصل به للفصل فشابه المتاع الذي فيها   [البناية] [فصل في بيان ما يدخل تحت البيع من غير ذكره] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان ما يدخل تحت البيع من غير ذكره، وما لا يدخل وما يلحقهما م: (ومن باع دارا دخل بناؤها في البيع وإن لم يسمه؛ لأن اسم الدار يتناول العرصة) ش: كل بقعة ليس فيها بناء فهي عرصة م: (والبناء في العرف) ش: قيد به؛ لأنه بحسب اللغة لا يتناول البناء، وقد ورد في الأيمان أن البناء في مسألة اليمين حتى لو دخل العرصة بعد انهدام البناء يحنث، ولكن المطلق من الألفاظ ينصرف إلى المتفاهم في العرف، ولا يفهم في العرف من بيع الدار بيع عرصتها لا بناؤها بل بيعهما جميعا. م: (ولأنه متصل به) ش: أي ولأن البناء متصل بالعرصة، ذكر الضمير باعتبار المكان م: (اتصال قرار فيكون تبعا له) ش: أي للعرصة باعتبار المكان أيضا وفي نسخة شيخي تابعا لها، وكذلك قوله متصلا بها على الأصل، فلا يحتاج إلى التأويل ويدخل السلم المتصل والفلق المركب والحجر الأسفل من الرحى، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وكذلك يدخل الحجر الأعلى عندنا وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأظهر، ولا يدخل القفل ومفتاحه والباب الموضوع بالاتفاق. م: (ومن باع أرضا دخل ما فيها من النخل والشجر وإن لم يسمه؛ لأنه) ش: أي؛ لأن الشجر م: (متصل به) ش: أي بالأرض على تأويل المكان م: (للقرار فأشبه البناء) ش: فيكون تبعا له م: (ولا يدخل الزرع في بيع الأرض إلا بالتسمية؛ لأنه) ش: أي؛ لأن الزرع م: (متصل به) ش: أي بالأرض م: (للفصل) ش: يعني ليس اتصاله للتأبيد، ولرفعه غاية معلومة م: (فشابه المتاع الذي فيها) ش: أي في الأرض فلم يدخل في المبيع إلا بالشرط، ونوقص بالحمل، فإنه متصل بالأم للفصل ويدخل في بيع الأم، والجواب أنه غير وارد على التفسير المذكور، فإن البشر ليس في وسعه فصل الحمل عن الأم. وفي " الخلاصة " والقطن فاختلف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فيه، والصحيح أنه لا يدخل، وأما الكتان إن كان ظاهرا فلا يدخل، وإن كان معيبا فالصحيح أنه يدخل، ثم قال: أما الأشجار إن كانت بحال تقطع في كل ثلاث سنين، وإن كانت تقلع من الأصل يدخل تحت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 32 ومن باع نخلا أو شجرا فيه ثمر فثمرته للبائع، إلا أن يشترط المبتاع   [البناية] البيع وهو الشجر الصغير الذي لا يباع في السوق في الربيع، وإن كانت تقطع من وجه الأرض فالصحيح أنها تدخل تحت البيع، أيضا من ذكر مثمرة كانت أو غير مثمرة، صغيرة أو كبيرة، للحطب أو لغيره، وفيه اختلاف المشايخ، واختار الولوالجي في "فتاواه " أنها لا تدخل؛ لأنها بمنزلة الثمر. وفي " الفتاوى الصغرى ": قال مشايخنا: إن كان شجرا يغرس للقطع لا للبقاء كشجر الحطب وغيره لا تدخل؛ لأنها بمنزلة الزرع، وفي " الخلاصة ": وشجرة الخلاف والمغرب للمشتري، وكذا كل ما كان له ساق ولا يقطع أصله حتى كان شجرا، وأصل الآس والزعفران للبائع والقصب في الأرض كالثمرة والرطبة التي يقال لها سبيت كالثمر، وأما عروقها فتدخل في المبيع وقوام الخلاف يدخل في البيع وقوام الباذنجان كذلك، ذكره الإمام السرخسي، والإمام الفضلي جعل قوائم الخلاف كالتمر بلغ أوان القطع وبه قال وبه يفتي. وقال الولوالجي في " فتاواه ": رجل اشترى كرما وفيه ورق التوت والورد، لا يدخل ذلك في البيع؛ لأنه بمنزلة التمر، وفي " المجتبى " يدخل في بيع الدار المخرج والمربط والمطبخ والبئر وبكرتها دون الحبل والدلو، إلا إذا قال مرافقها فيدخلان. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ولا يدخل الشرب والطريق في بيع الأرض والدار إلا بذكر الحقوق ونحوها، وكذا في الإقرار والصلح والوصية وغيرها ويدخلان في الإجارة والقسمة والرهن والوقف وفي جمع البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أراد بالطريق الذي لا يدخل في بيع الدار بلا ذكر الطريق الخاص في ملك إنسان. أما الطريق إلى الطريق الأعظم أو إلى سكة غير نافذة يدخل بلا ذكر، وكذا حق مسيل الماء وحق إلقاء الشلخ في ملك خاص لا يدخل بلا ذكر الحقوق والمرافق. وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وفي " فتاوى قاضي خان ": والبستان الذي في الدار يدخل، وقيل: إن كان من الدار يدخل وإلا فلا، وفي " جمع البخاري " باع دارا لفنائها لم يصح كما إذا جمع بين حر وعبد في بيع الحانوت يدخل ألواحه، وإن لم يقل بمنافعه. وفي " جمع البخاري ": قدور القصارين والصباغين والجاحين الغسالين وخوابي الزياتين ودناتهم، وجذع القصار الذي يدق عليه المثبت في الأرض لا يدخل، وإن قال بحقوقها. [باع نخلا أو شجرا فيه ثمر] م: (ومن باع نخلا أو شجرا فيه ثمر فثمرته للبائع، إلا أن يشترط المبتاع) ش: أي المشتري م: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 33 لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "من اشترى أرضا فيها نخل فالثمرة للبائع، إلا أن يشترط المبتاع"، ولأن الاتصال وإن كان خلقة فهو للقطع لا للبقاء فصار كالزرع، ويقال للبائع: اقطعها وسلم المبيع، وكذا إذا كان فيها زرع؛ لأن ملك المشتري مشغول بملك البائع، فكان عليه تفريغه وتسليمه، كما إذا كان فيه متاع. وقال الشافعي: يترك حتى يظهر صلاح الثمر ويستحصد الزرع؛ لأن الواجب إنما هو التسليم المعتاد. وفي العادة أن لا يقطع كذلك، وصار كما إذا انقضت مدة الإجارة وفي الأرض زرع، قلنا هناك التسليم واجب أيضا حتى يترك بأجر، وتسليم العوض   [البناية] (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من اشترى أرضا فيها نخل فالثمرة للبائع، إلا أن يشترط المبتاع» ش: هذا الحديث غريب بهذا اللفظ، وأخرج الأئمة الستة في كتبهم عن سالم بن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من باع عبدا له مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع، ومن باع نخلا مؤبرا فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع» . م: (ولأن الاتصال) ش: أي اتصال الثمر بالشجر م: (وإن كان خلقة فهو للقطع لا للبقاء فصار كالزرع) ش: حيث لا يدخل في بيع الأرض م: (ويقال للبائع) ش: يعني إذا لم تدخل الثمرة تحت بيع النخل والشجر يقال البائع: م: (اقطعها) ش: أي اقطع الثمرة م: (وسلم المبيع) ش: للمشتري. م: (وكذا) ش: أي وكذا الحكم م: (إذا كان فيها) ش: أي في الأرض م: (زرع) ش: يؤمر البائع بحصاد الزرع وتسليم الأرض للمشتري م: (لأن ملك المشتري مشغول بملك البائع فكان عليه) ش: أي على البائع م: (تفريغه) ش: أي تفريغ ملك المشتري م: (وتسليمه) ش: إلى البائع م: (كما إذا كان فيه) ش: أي في ملك المشتري م: (متاع) ش: بأنه باع أرضا فيها متاعه أو حملا عليه رحله يجب التفريغ والتسليم. م: (وقال الشافعي: يترك) ش: أي على الشجر م: (حتى يظهر صلاح الثمر ويستحصد الزرع) ش: يقال: استحصد الزرع، جاز له أن يحصد أي يقطع بالمنجل، وبقوله قال مالك وأحمد هذا إذا أطلق البيع، ولم يشترط القطع في الحال، وفي وجيزهم قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ليس لمشتري الأشجار أن يكلف البائع بقطع الثمار، بل الإبقاء إلى أوان القطاف للعرف م: (لأن الواجب إنما هو التسليم المعتاد. وفي العادة أن لا يقطع كذلك) ش: أي أن لا تقطع الثمر قبل ظهور صلاحها م: (وصار) ش: أي صار حكم هذا م: (كما إذا انقضت مدة الإجارة، وفي الأرض زرع) ش: حيث يؤخر إلى الحصاد. م: (قلنا هناك) ش: أي في الزرع م: (التسليم واجب أيضا حتى يترك بأجر وتسليم العوض) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 34 كتسليم المعوض. ولا فرق بين ما إذا كان الثمر بحال له قيمة أو لم يكن في الصحيح، ويكون في الحالين للبائع؛ لأن بيعه يجوز في أصح الروايتين على ما نبين، فلا يدخل في بيع الشجر من غير ذكر، وأما إذا بيعت الأرض   [البناية] ش: وهو الأجر م: (كتسليم المعوض) ش: وهو الأرض. فإن قيل: ينبغي أن يجوز أن يستأجر البائع الأرض والشجر من المشتري إلى وقت الإدراك فيكون تسليم الأجرة تسليم الأرض والشجر دفعا للضرر عنه. قلنا: كان القياس في الإجارة والمبيع القطع والتسليم إلا أن في صورة البيع وجد من البائع دلالة الرضاء بقطع الثمر والزرع قبل الإدراك، وهو إقدامه على بيع الأرض والشجر مع علمه أن المشتري يطالبه بتفريغ ملكه عن ملك البائع وتسليمه إليه فارغا عن حق الغير، فلما وجد منه دلالة الرضا بذلك لم يجب رعاية جانبه بتبقية الأرض والشجر على حكم ملكه بالإجارة. بخلاف المستأجر فإنه لم يوجد منه بعد انقضاء مدة الإجارة فعل ما يدل على الرضا بقطع الثمر والزرع، فوجب رعاية جانبه بتبقية الأرض على حكم ملكه بالإجازة، وأما العادة فغير مسلم، ولئن سلمنا كان المشترك؛ لأنهم كما يتركون حتى يستحصد الزرع يبيعون بشرط القطع كذا في " تعليقات البرغري ". م: (ولا فرق) ش: قال الكاكي: كأنه رد لقول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإن عنده غير المؤبرة للمشتري. وقال الأترازي: ولا فرق إلى آخره، يتصل بقوله: ومن باع نخلا أو شجرا فيه ثمر فثمرته للبائع يعني، أن الثمر للبائع في الحالين يعني م: (بين ما إذا كان الثمر بحال له قيمة، أو لم يكن في الصحيح) ش: احترز به عن قول المشعري فإنه قال: إن لم يكن له قيمة يدخل، والصحيح أنه لم يدخل في الحالين؛ لأن بيعه يصح في أصح الروايتين وما يصح بيعه منفردا لا يدخل في بيع غيره. ولا يلزم عليه البقاء فإن بيعه يجوز منفردا، ومع أنه يدخل في بيع الأرض تبعا؛ لأن البناء للقرار فيكون كجزء من أجزاء البيع، بخلاف الثمر، فإنه المفصل فلم يكن كجزء من أجزائه. م: (ويكون في الحالين) ش: أي في حال يكون له قيمة، وفي حال لا يكون له قيمة يكون م: (للبائع؛ لأن بيعه يجوز في أصح الروايتين على ما نبين) ش: أشار به إلى ما ذكره بعد تسعة خطوط بقوله: ومن باع ثمرة لم يبد صلاحها في الحال، أو قد بدا جاز م: (فلا يدخل في بيع الشجر من غير ذكر) ش: يعني إذا كان الأمر كذلك لا يدخل الثمر في بيع الشجر بلا ذكر. م: (وأما إذا بيعت الأرض) ش: قال الأكمل: قوله وإذا بيعت الأرض معطوف على ولا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 35 وقد بذر فيها صاحبها ولم ينبت بعد لم يدخل فيه؛ لأنه مودع فيها كالمتاع، ولو نبت ولم تصر له قيمة فقد قيل: لا يدخل فيه، وقد قيل: يدخل فيه، وكان هذا بناء على الاختلاف في جواز بيعه قبل أن يناله المشافر والمناجل، ولا يدخل الزرع والثمر بذكر الحقوق والمرافق؛ لأنهما ليسا منهما، ولو قال: بكل قليل وكثير   [البناية] فرق، يعني الثمر لا يدخل في البيع وإن لم يكن له قيمة، وأما إذا بيعت الأرض م: (وقد بذر فيها صحابها) ش: أي والحال أن صاحبها قد بذر في الأرض. م: (ولم ينبت) ش: أي والحال أنه لم ينبت م: (بعد لم يدخل فيه) ش: أي في البيع م: (لأنه) ش: أي؛ لأن البذر م: (مودع فيها) ش: أي في الأرض م: (كالمتاع) ش: الموضوع فيها حيث لا يدخل م: (ولو نبت ولم تصر له قيمة فقد قيل: لا يدخل فيه) ش: أي في البيع وهو قول أبي القاسم الصغار م: (وقد قيل: يدخل فيه) ش: وهو قول أبي بكر الإسكاف. وفي " الذخيرة ": هذا إذا لم يفسد البذر في الأرض، فلو فسد وعفن فهو للمشتري؛ لأن العفن لا يجوز بيعه على الانفراد فصار بمنزلة جزء من أجزاء الأرض، فيدخل في بيع الأرض، واختار الفقيه أبو الليث أنه لا يدخل بكل حال، إلا إذا بيع مع الأرض نصا أو دلالة، وهو قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وفي " فتاوى الفضلي " ولو عفن البذر في الأرض فهو للمشتري وإلا فهو للبائع، ولو سقاه المشتري حتى نبت ولم يكن عفن عند البيع فهو للبائع والمشتري متطوع فيما فعل، وكذا إذا نبت ولم يتقوم بعد م: (وكان) ش: قال الأكمل: وصحح بعض الشارحين بتشديد النون. قلت: أراد به الأترازي فإنه قال: وكأن هذا بتشديد النون م: (هذا بناء على الاختلاف في جواز بيعه) ش: يعني فمن جوز بيعه م: (قبل أن يناله المشافر) ش: وهو جمع مشفر البعير، شفته م: (والمناجل) ش: جمع منجل بكسر الميم وهو ما يحصد به الزرع. م: (ولا يدخل الزرع والثمر بذكر الحقوق والمرافق؛ لأنهما) ش: أي؛ لأن الزرع والثمر م: (ليسا منهما) ش: أي من الحقوق والمرافق، الحقوق جمع حق، والمراد به هاهنا ما يثبت له من ذلك، والمرافق: جمع مرفق بفتح الميم وكسر الفاء، قال الجوهري: والمرفق من الأمر ما ارتفقت به، ومرافق الدار مسيل الماء أو نحوها. م: (ولو قال: بكل قليل وكثير) ش: هذا يذكر للمبالغة في إسقاط حق البائع عن المبيع وما يتصل بالبيع. والألفاظ في بيع الأرض المزروعة والشجرة المثمرة أربعة: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 36 وهو له فيها ومنها من حقوقها، أو قال: من مرافقها، لم يدخلا فيه لما قلنا. وإن لم يقل: من حقوقها أو من مرافقها دخلا فيه. أما الثمر المجذوذ والزرع المحصود لا يدخل إلا بالتصريح به؛ لأنه بمنزلة المتاع. قال: ومن باع ثمرة لم يبد صلاحها   [البناية] الأول: أن يقول: بعت الأرض أو الشجر بكل قليل أو كثير م: (وهو له) ش: أي للبائع م: (فيها) ش: أي في الأرض م: (ومنها) ش: أي من الأشجار وقال شيخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه لف ونشر؛ لأن قوله: فيها يرجع إلى الأرض التي فيها الزرع. وقوله: منها يرجع إلى الأشجار التي فيها الثمر م: (من حقوقها) ش: أي قال من حقوقها م: (أو قال: من مرافقها لم يدخلا فيه) ش: أي الزرع والثمر م: (لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله؛ لأنهما ليسا منهما. والثاني: أن يقول: بعت منك قليل أو كثير هو له فيها ولم يقل: من حقوقها وهو معنى قوله م: (وإن لم يقل من حقوقها أو من مرافقها دخلا فيه) ش: أي في البيع لعموم تمام اللفظ. والثالث: أن يقول: بعت الأرض والشجر ولم يزد على ذلك، وقد تقدم بيان ذلك. والرابع: أن يقول: بعت بحقوقها ومرافقها لا يدخلان؛ لأن الحق في العادة يذكر لما هو تبع لا بد للمبيع منه كالطريق والشرب والمرافق، فإنه حقوقه وهو مخصوص بالتوابع كمسيل الماء، والزرع والثمار ليسا كذلك فلا يدخلان. م: (أما الثمر المجذوذ) ش: بذالين معجمتين ويجوز بمهملتين؛ لأن كليهما بمعنى واحد وهو المقطوع، قال الأترازي: الأول بالإهمال لتناسب بينه وبين المحصود، وهو قوله: م: (والزرع المحصود لا يدخل إلا بالتصريح به) ش: أي لا يدخل بمجرد قوله: بكل قليل وكثير هو له فيها، وإن لم يقل من حقوقهما أو من مرافقها م: (لأنه) ش: أي؛ لأن كل واحد من المجذوذ والمحصود م: (بمنزلة المتاع) ش: الموضوع فيها. [باع ثمرة لم يبد صلاحها] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن باع ثمرة لم يبد صلاحها) ش: لا خلاف للعلماء في بيع الثمار بعد بدو الصلاح، لكن الخلاف في تفسير بدو الصلاح، فعندنا هو أن يأمن العاهة والفساد ذكره في " المبسوط ". وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ظهور الصلاح بظهور الفتح ومبادئ الحلاوة، أما قبل بدو الصلاح إذا اشتراها مطلقا يجوز عندنا، وعند الشافعي ومالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لا يجوز البيع، والبيع بشرط القطع قبل بدو الصلاح يجوز فيما ينتفع به بالإجماع وبشرط الترك لا يجوز بالإجماع، وبيع الثمار قبل الظهور لا يجوز بالإجماع، وبعد الظهور على ثلاثة أوجه: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 37 أو قد بدا جاز البيع؛ لأنه مال متقوم، إما لكونه منتفعا به في الحال أو في المآل، وقد قيل: لا يجوز قبل أن يبدو صلاحها، والأول أصح. وعلى المشتري قطعها في الحال تفريعا لملك البائع، وهذا إذا اشتراها مطلقا أو بشرط القطع. وإن شرط تركها على النخيل فسد البيع؛ لأنه شرط لا يقتضيه العقد   [البناية] أحدها: أن يبيعها قبل صيرورتها منتفعا بها، فإن لم يصلح لتناول بني آدم وعلف الدواب فقال شيخ الإسلام: لا يجوز، وذكر القدوري في شرحه والإسبيجابي: أنه يجوز وإليه أشار محمد في كتاب الزكاة في باب العشر والخراج في الجامع وهو الصحيح. والثاني: ما إذا باعه بعدما صار منتفعا به إلا أنه لم يتناه عظمه فالبيع جائز، ... فالبيع فاسد؛ لأنه شرط ما لا يقتضيه العقد وفيه نفع لأحد المتعاقدين. والثالث: إذا باعه بعدما تناهى عظمه فالبيع جائز عند الكل إذا باعه مطلقا أو بشرط القطع، ولو باعه بشرط الترك لا يجوز في القياس، وهو قولهما ويجوز في الاستحسان، وهو قول محمد والشافعي ومالك وأحمد على ما سيأتي عن قريب إن شاء الله تعالى. وقال القدوري: ومن باع ثمرة لم يبد صلاحها م: (أو قد بدا جاز البيع) ش: وقد روي عدم الجواز قبل بدو الصلاح والأول أظهر م: (لأنه مال متقوم إما لكونه منتفعا به في الحال أو في المآل) ش: وفي بعض النسخ، أو في الثاني أو ثاني الحال، كبيع الحجر، ومولود ولد من ساعته، ومهر صغير. وفي " قاضي خان " لم يجوّز عامة مشايخنا بيع الثمار قبل أن تصير منتفعة؛ لنهيه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عن بيعها قبل بدو الصلاح، والمراد بالصلاح الانتفاع وقد قال الفضلي: يجوز بيعها قبل الظهور والنهي محمول على بيعها قبل ظهور صلاحها للانتفاع في الزمان الثاني. م: (وقد قيل: لا يجوز) ش: وهو قول شمس الأئمة السرخسي وشيخ الإسلام خواهر زاده م: (قبل أن يبدو صلاحها، والأول) ش: أي جواز البيع في الحالين م: (أصح) ش: كما قاله الإمام الفضلي واختاره المصنف م: (وعلى المشتري قطعها في الحال تفريغا لملك البائع وهذا) ش: إشارة إلى الجواز أي الجواز إنما يكون م: (إذا اشتراها مطلقا أو بشرط القطع) ش: أي إذا اشتراها بشرط أن يقطعه م: (وإن شرط تركها) ش: بأن قال: اشتريت على أني أتركه م: (على النخيل فسد البيع؛ لأنه) ش: أي؛ لأن شرط الترك م: (شرط لا يقتضيه العقد) ش: لأن مطلق البيع يقتضي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 38 وهو شغل ملك الغير أو هو صفقة في صفقة وهو إعارة أو إجارة في بيع، وكذا بيع الزرع بشرط الترك لما قلنا، وكذا إذا تناهى عظمها -عند أبي حنيفة وأبي يوسف - لما قلنا. واستحسنه محمد للعادة، بخلاف ما إذا لم يتناه عظمها؛ لأنه شرط فيه الجزء المعدوم وهو الذي يزيد بمعنى من الأرض أو الشجر. ولو اشتراها مطلقا وتركها بإذن البائع طاب له الفضل، وإن تركها بغير إذنه تصدق بما زاد في ذاته لحصوله بجهة محظورة، وإن تركها بعدما تناهى عظمها لم يتصدق بشيء؛ لأن هذا تغير حالة لا تحقق زيادة،   [البناية] تسليم المعقود عليه م: (وهو) ش: أي شرط الترك الذي لا يقتضيه العقد م: (شغل ملك الغير أو هو) ش: أي البيع بشرط الترك م: (صفقة في صفقة) ش: وقد ورد النهي عنها وفسرها بقوله: م: (وهو إعارة أو إجارة في بيع) ش: أراد بها إجارة على تقدير أنها بأجرة، وإعارة على تقدير أنها بلا أجرة فيكون إدخال صفقته التي هي للإجارة، أو الإعارة في صفقة وهو البيع. وقال مالك: وفيه تأمل؛ لأن ذلك إنما يكون صفقة إن جاز إعارة الأشجار أو إجارتها وليس كذلك، نعم هو مستقيم فيما إذا باع الفرس بشرط الترك فإن إعارتها أو إجارتها جائزة فيلزم صفقة في صفقة. م: (وكذا بيع الزرع بشرط الترك) ش: أي كذا يفسد البيع بشرط أن يقول المشتري: اشتريته على أني أتركه إلى وقت الحصاد م: (لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: لأنه شرط لا يقتضيه العقد. م: (وكذا) ش: أي وكذا يفسد البيع م: (إذا تناهى عظمها) ش: وشرط فيه الترك م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف لما قلنا) ش: أي؛ لأنه شرط لا يقتضيه العقد م: (واستحسنه محمد) ش: أي استحسن محمد هذا العقد في هذه الصورة، يعني لا يفسد البيع، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (للعادة) ش: أي لتعامل الناس من غير نكير. م: (بخلاف ما إذا لم يتناه عظمها) ش: حيث يفسد م: (لأنه شرط فيه الجزء المعدوم وهو الذي يزيد بمعنى من الأرض أو الشجر) ش: وهو تأثيرهما في الزيادة م: (ولو اشتراها مطلقا) ش: يعني من غير شرط القطع والترك م: (وتركها بإذن البائع طاب له الفضل) ش: أي الفضل له من غير كراهة م: (وإن تركها بغير إذنه) ش: أي بغير إذن البائع م: (تصدق) ش: أي المشتري م: (بما زاد في ذاته) ش: أي يقوم قبل التناهي وبعده فيتصدق بفضل ما بينهما من قيمته م: (لحصوله) ش: أي لحصول ما زاد في ذاته م: (بجهة محظورة) ش: وهي حصولها بقوة الأرض المغصوبة م: (وإن تركها بعدما تناهى عظمها لم يتصدق بشيء؛ لأن هذا) ش: أي الذي زاد بعد التناهي م: (تغير حالة) ش: من النيئ إلى النضج م: (لا تحقق زيادة) ش: في الكم فإن الثمرة إذا صارت بهذه المثابة لا يزاد فيها من ملك البائع شيء بل الشمس تنضجها، والقمر يلونها، والكواكب تعطيها الطعم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 39 وإن اشتراها مطلقا وتركها على النخيل، وقد استأجر النخيل إلى وقت الإدراك طاب له الفضل؛ لأن الإجارة باطلة لعدم التعارف والحاجة، فبقي الإذن معتبرا بخلاف ما إذا اشترى الزرع واستأجر الأرض إلى أن يدرك وتركه، حيث لا يطيب له الفضل؛ لأن الإجارة فاسدة للجهالة فأورثت خبثا. ولو اشتراها مطلقا فأثمرت ثمرا آخر قبل القبض فسد البيع؛ لأنه لا يمكنه تسليم المبيع لتعذر التمييز، ولو أثمرت بعد القبض يشتركان فيه للاختلاط، والقول قول المشتري في مقداره؛ لأنه في يده،   [البناية] م: (وإن اشتراها مطلقا) ش: أي عن القطع والترك م: (وتركها على النخيل وقد استأجر النخيل إلى وقت الإدراك طاب له الفضل؛ لأن الإجارة باطلة) ش: أي؛ لأن إجارة النخيل لا تصح، كمن استأجرها ليجفف عليها الثياب وإنما تبطل الإجارة م: (لعدم التعارف) ش: فإن التعارف لم يجر فيها بين الناس باستئجار الأشجار م: (والحاجة) ش: أي ولعدم الحاجة إلى ذلك؛ لأن الحاجة إلى الترك بالإجارة إنما تخفف إذا لم يكن مخلص سواها، وهاهنا يمكن لمشترٍ أن يشتري الثمار مع أصولها على ما سيأتي، فإذا بطلت الإجارة م: (فبقي الإذن معتبرا) ش: فيطيب له الفضل. فإن قيل: لا نسلم إبقاء الإذن فإنه يثبت في ضمن الإجارة وفي بطلان المتضمن بطلان المتضمن كالوكالة الثابتة، وفي ضمن الرهن تبطل ببطلان الرهن. أجيب بأن الباطل معدوم؛ لأنه هو الذي لا تحقق له أصلا ولا وصفا ولا شرعا على ما عرف، والمعدوم لا يتضمن شيئا حتى يبطل ببطلانه، بل كان ذلك الكلام ابتداء عبارة عن الإذن فكان معتبرا. م: (بخلاف ما إذا اشترى الزرع واستأجر الأرض إلى أن يدرك وتركه، حيث لا يطيب له الفضل؛ لأن الإجارة فاسدة للجهالة) ش: أي لجهالة وقت إدراك الزرع، فإن الإدراك قد يتقدم لشدة الحر وقد يتأخر للبرد، والفاسد ما له تحقق من حيث الأصل، فأمكن أن يكون متضمنا لشيء، ويفسد ذلك الشيء بفساد المتضمن، وإذا انتفى الإذن م: (فأورثت) ش: جهالة مدة الإدراك م: (خبثا) ش: وسبيل التصدق م: (ولو اشتراها مطلقا) ش: أي ولو اشترى الثمار مطلقا عن القطع والترك م: فأثمرت ثمرا آخر) ش: أي في مدة الترك م: (قبل القبض) ش: يعني قبل تخلية البائع بين المشتري والثمار م: (فسد البيع؛ لأنه) ش: أي؛ لأن البائع م: (لا يمكنه تسليم المبيع) ش: إلى المشتري م: (لتعذر التمييز) ش: أي بين الثمر الذي خرج بعد البيع وبين ما خرج قبل البيع. م: (ولو أثمرت) ش: يعني ثمرة أخرى م: (بعد القبض) ش: لم يفسد البيع؛ لأن التسليم قد وجد وحدث ملك البائع واختلط بملك المشتري م: (يشتركان فيه للاختلاط) ش: أي لاختلاط غير المبيع بالمبيع م: (والقول قول المشتري في مقداره؛ لأنه في يده) ش: أي؛ لأن المبيع في يده فكان الظاهر شاهدا له، هذا ظاهر المذهب، وكان شمس الأئمة الحلواني يفتي بجوازه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 40 وكذا في الباذنجان والبطيخ، والمخلص أن يشتري الأصول لتحصل الزيادة على ملكه. قال: ولا يجوز أن يبيع ثمرة ويستثني منها أرطالا معلومة، خلافا لمالك؛ لأن الباقي بعد الاستثناء مجهول، بخلاف ما إذا باع واستثنى نخلا معينا؛ لأن الباقي معلوم بالمشاهدة، قال: قالوا: هذه رواية الحسن، وهو قول الطحاوي.   [البناية] ويزعم أنه مروي عن أصحابنا. وحكي عن الإمام الجليل أبي بكر محمد بن الفضل البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه كان يفتي بجوازه، ويقول: اجعل الموجود أصلا وما يحدث بعد ذلك تبعا، وبهذا شرط أن يكون الخارج أكثر. م: (وكذا) ش: أي وكذا لا يجوز البيع م: (في الباذنجان والبطيخ) ش: إذا حدث شيء قبل القبض، وإذا حدث بعده يشتركان م: (والمخلص) ش: أي الحيلة في جوازه قبل القبض، وقال الأترازي: أي المخلص من فساد البيع م: (أن يشتري الأصول) ش: أي أصول الباذنجان وأصول البطيخ م: (لتحصل الزيادة على ملكه) ش: ليملكها. وفي " الذخيرة " " والمغني ": قال أبو الليث: وفيه طريق آخر، وهو أن يأذن للمشتري في الترك على أنه متى رجع عن الإذن كان مأذونا في الترك بإذن جديد. [يبيع ثمرة ويستثني منها أرطالا معلومة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يجوز أن يبيع ثمرة ويستثني منها أرطالا معلومة) ش: قال تاج الشريعة: أي على الشجرة، أما إذا كان مجذوذا وباع واستثنى أرطالا معلومة جاز، وفي قوله: أرطالا إشارة إلى أن المستثنى لو كان رطلا واحدا يجوز؛ لأنه استثنى القليل من الكثير، بخلاف الأرطال لجواز أن لا يكون إلا ذلك القدر، فيكون استثنى الكل من الكل. وفي " شرح الطحاوي " باع الثمر على رد من النخل إلا صاعا منها يجوز؛ لأن المستثنى معلوم، كما إذا كان الثمر مجذوذا موضوعا على الأرض فباع الكل إلا صاعا. م: (خلافا لمالك) ش: فإنه يجوز كاستثناء شجرة معينة م: (لأن الباقي بعد الاستثناء مجهول) ش: أي وزنا ومشاهدة، وقيل: والاستثناء وإن كان مجهولا وزنا لكنه معلوم مشاهدة، وكان بيع مجازفة وجهالة المجازفة لا يمنع صحة العقد؛ لأنها لا تفضي إلى المنازعة، والجهالة في مسألتنا يفضي فتمنع م: (بخلاف ما إذا باع واستثنى نخلا معينا؛ لأن الباقي معلوم بالمشاهدة) ش: كم هي نخلة فيصح. م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قالوا) ش: المشايخ: م: (هذه) ش: أي قول القدوري: ولا يجوز أن يبيع ثمرة، ويستثني منها أرطالا معلومة م: (رواية الحسن) ش: أي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهو قول الطحاوي) ش: قول الشافعي وأحمد -رحمهما الله- الجزء: 8 ¦ الصفحة: 41 أما على ظاهر الرواية ينبغي أن يجوز؛ لأن الأصل أن ما يجوز إيراد العقد عليه بانفراده يجوز استثناؤه من العقد، وبيع قفيز من صبرة جائز، فكذا استثناؤه بخلاف استثناء الحمل وأطراف الحيوان؛ لأنه لا يجوز بيعه فكذا استثناؤه. ويجوز بيع الحنطة في سنبلها والباقلاء في قشره، وكذا الأرز والسمسم. وقال الشافعي: لا يجوز بيع الباقلاء الأخضر، وكذا اللوز والفستق، والجوز في قشره الأول عنده، وله في بيع السنبلة قولان، وعندنا يجوز ذلك كله، له أن المعقود عليه مستور بما لا منفعة له فيه، فأشبه تراب الصاغة إذا بيع بجنسه   [البناية] أيضا م: (أما على ظاهر الرواية ينبغي أن يجوز) ش: يريد به على ظاهر قياس الرواية. فإن حكم هذه المسألة لم يذكر في ظاهر الرواية صريحا، ولهذا قال: ينبغي أن يجوز م: (لأن الأصل أن ما يجوز إيراد العقد عليه بانفراده يجوز استثناؤه من العقد وبيع قفيز من صبرة جائز، فكذا استثناؤه) ش:. وينعكس إلى أن ما لا يجوز إيراد العقد عليه بانفراده لا يجوز استثناؤه م: (بخلاف استثناء الحمل وأطراف الحيوان؛ لأنه لا يجوز بيعه فكذا استثناؤه) ش: صورة استثنائه الحمل أن يقول: بعتك هذه الشاة إلا حملها، وصورة استثناء أطراف الحيوان بأن يقول: بعتك هذه الشاة إلا جلدها أو غيره، فإنه لا يجوز لا في حضر ولا في سفر. وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أحمد: يجوز ذلك في الرأس والأكارع؛ لعدم الإفضاء إلى المنازعة غالبا، وتوقف في استثناء الشحم، وعن مالك أنه يجوز ذلك في السفر دون الحضر للضرورة فيه. [بيع الحنطة في سنبلها والباقلاء في قشره] م: (ويحوز بيع الحنطة في سنبلها والباقلاء في قشره، وكذا الأرز والسمسم) ش: يعني يجوز في قشرها، والحاصل أن بيع الشيء في خلافه لا يجوز إلا الحبوب مثل هذه المذكورة. م: (وقال الشافعي: لا يجوز بيع الباقلاء الأخضر، وكذا اللوز والفستق والجوز في قشره الأول عنده) ش: أي عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (وله) ش: أي وللشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (في بيع السنبلة قولان) ش: في قوله القديم يجوز، وفي قوله الجديد لا يجوز، وله أيضا وجهان في الباقلاء الأخضر، والمنصوص عليه أنه لا يجوز وهو ظاهر مذهبه. وقال الإصطخري وكثير من أصحابه: يجوز كقولنا. وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله- م: (وعندنا يجوز ذلك كله) ش: أي بيع المذكور في الحبوب كله يجوز عندنا م: (له) ش: أي للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أن المعقود عليه مستور بما لا منفعة له فيه) ش: أي للمشتري في المعقود عليه م: (فأشبه تراب الصاغة إذا بيع بجنسه) ش: يعني لا يجوز لاحتمال الربا. ولا ينصرف إلى خلاف الجنس تحريا للجواز كما في بيع الدرهم والدينارين بدرهمين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 42 ولنا ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه نهى عن بيع النخل حتى يزهى، وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة» ولأنه حب منتفع به فيجوز بيعه في سنبله كالشعير، والجامع كونه مالا متقوما بخلاف تراب الصاغة؛ لأنه إنما يجوز بيعه بجنسه لاحتمال الربا، حتى لو باعه بخلاف جنسه جاز، وفي مسألتنا لو باعه بجنسه لا يجوز أيضا، لشبهة الربا؛ لأنه لا يدري قدر ما في السنابل.   [البناية] ودينار؛ لأن التراب ليس بمال يتقوم، وتراب الصاغة هو التراب الذي فيه برادة الذهب والفضة، والصاغة: جمع صائغ، ووجه المشابهة بينهما استتاره بما لا منفعة فيه. م: (ولنا ما روي «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه نهى عن بيع النخل حتى يزهى، وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة» ش: هذا الحديث رواه الأئمة الستة غير البخاري، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع النخيل» .... إلى آخره نحوه، ولا آخره نحوه نهى البائع والمشتري، قوله: حتى يزهى أي يحمر أو يصفر. وقال أبو زيد والكسائي: زهى يزهو وأزهى يزهى بمعنى، أي احمر الثمر أو اصفر، وقال أبو عبيد: أنكر الأصمعي أزهى ونقل الزمخشري في فائقه عن كتاب العبن يزهو خطأ، إنما هو، يزهى، قوله: العاهة أي الآفة. م: (ولأنه) ش: أي وبمعنى المذكور من الحبوب م: (حب منتفع به) ش: وهذا كأنه جواب عن قوله: إن المعقود عليه مستور بما لا نفع فيه، وتقريره لا نسلم أنه لا منفعة له بل هو حب منتفع به، ومن أكل الفوائت يشهد بذلك، وأن الحبوب المذكورة تدخر في قشرها، قال الله تعالى: {فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ} [يوسف: 47] وهو الانتفاع لا محالة م: (فيجوز بيعه في سنبله كالشعير) ش: في سنبله، فإنه يجوز بالاتفاق م: (والجامع) ش: يعني في تشبيه بيع الحنطة في قشرها، وبيع الشعير في سنبله م: (كونه) ش: أي كون كل واحد منهما م: (مالا متقوما، بخلاف تراب الصاغة؛ لأنه إنما لا يجوز بيعه بجنسه لاحتمال الربا، حتى لو باعه بخلاف جنسه جاز) ش: لعدم ذلك الاحتمال، وقال محمد في الأصل: فإن كان تراب ذهب بتراب فضة فهو جائز، وكل واحد منهما بالخيار إذا رأى ما فيه. واعلم أن بيع تراب الصاغة بخلاف الجنس إنما يجوز إذا وجد فيه الذهب أو الفضة وإذا لم يوجد فلا، ألا ترى إلى ما قال في الفتاوي الولوالجي: رجل اشترى تراب الصواغين بعرض فهذا على وجهين: إن وجد فيها ذهبا أو فضة جاز البيع؛ لأنه تبين أنه اشترى الذهب والفضة بالعروض وإن لم يجد فيها ذهبا أو فضة لا يجوز. م: (وفي مسألتنا) ش: المتنازع فيها م: (لو باعه بجنسه) ش: أي لو باع حب الحنطة في السنبل بالحنطة م: (لا يجوز أيضا لشبهة الربا؛ لأنه لا يدري قدر ما في السنابل) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 43 ومن باع دارا دخل في البيع مفاتيح أغلاقها؛ لأنه يدخل فيه الأغلاق؛ لأنها مركبة فيها للبقاء، والمفتاح يدخل في بيع الغلق من غير تسميته؛ لأنه بمنزلة بعض منه إذ لا ينتفع به بدونه.   [البناية] ش: فإن قيل: ما الفرق بين مسألتنا وبين ما إذا باع حب قطن بعينه أو نوى تمرٍ في تمر بعينه، وهما شيئان في كون المبيع متلفا، أجيب: بأن الغالب في السنبلة الحنطة يقال: هذه حنطة وهي في سنبلها، ولا يقال: هذا حب وهو في القطن، وإنما يقال: هذا قطن، وكذلك في التمر، إليه أشار أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فإن قلت: استدل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا فيما ذهب إليه، «فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع الغرر» وهذا الذي ذكرتم منه لا يدرى قدر الحب في السنابل، واستدل أيضا «بأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن بيع الطعام حتى يفرك» . قلت: حديث النهي عن بيع الغرر محمول على بيع الطير في الهواء، والسمك في الماء؛ لأن الغرر ما له عاقبة مستورة، كذا ذكره في " الصحاح "، أو يحمل على بيعه قبل أن يشتد، وحديث الفرك رواه ابن حبان في رواية عوضا عن قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وعن بيع الحب حتى يشتد» . أخرجه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث حماد بن سلمة. وقوله: حتى يفرك أي حتى يصير بحال يتأتى فيه الفرك، والحمل عليه أولى توفيقا بينه وبين ما روينا فافهم. م: (ومن باع دارا دخل في البيع مفاتيح أغلاقها) ش: الأغلاق بفتح الهمزة جمع غلق بفتحتين وهو ما يغلق ويفتح بالمفتاح م: (لأنه يدخل فيه) ش: أي في البيع م: (الأغلاق؛ لأنها مركبة فيها) ش: في الدار م: (للبقاء) ش: لا للانفصال م: (والمفتاح يدخل في بيع الغلق من غير تسميته؛ لأنه) ش: أي؛ لأن المفتاح م: (بمنزلة بعض منه) ش: أي من الغلق م: (إذ لا ينتفع به) ش: أي بالغلق م: (بدونه) ش: أي ما بالغلق بالمفتاح وفي بعض النسخ إذ لا ينتفع به بدونه، أي بدون المفتاح، وفي " الفوائد الظهيرية ": هذا إذا كانت الأغلاق مركبة في حيطان الدار، أما إذا كانت منفصلة فلا تدخل بدون الذكر. فإن قلت: يرد على هذا التعليل الطريق، حيث لا يدخل في بيع الدار مع أن الدار لا ينتفع إلا بها. قلت: إنما لا يدخل الطريق؛ لأن المقصود من شراء الدار ربما يكون نفس الملك لا الانتفاع بها بأن يكون مراد المشتري بها أخذ دار يجنبها لسبيل الشفعة، حتى إذا كان المقصود الانتفاع بها يدخل الطريق أيضا، كما في الإجارة والقسمة والصدقة الموقوفة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 44 قال: وأجرة الكيال وناقد الثمن على البائع، أما الكيل فلا بد منه للتسليم وهو على البائع، ومعنى هذا إذا بيع مكايلة، وكذا أجرة الوزان والذراع والعداد، وأما النقد فالمذكور رواية ابن رستم عن محمد؛ لأن النقد يكون بعد التسليم، ألا ترى أنه يكون بعد الوزن والبائع هو المحتاج إليه؛ ليميز ما تعلق به حقه من غيره، أو ليعرف المعيب ليرده. وفي رواية ابن سماعة عنه: على المشتري؛ لأنه يحتاج إلى التسليم الجيد المقدر، والجودة تعرف بالنقد كما يعرف القدر بالوزن فيكون عليه. قال: وأجرة وزان الثمن على المشتري؛ لما بينا أنه هو المحتاج إلى تسليم الثمن وبالوزن يتحقق التسليم. قال: ومن باع سلعة بثمن قيل للمشتري ادفع الثمن أولا؛ لأن حق المشتري تعين في المبيع فيقدم دفع الثمن ليتعين حق البائع بالقبض، لما أنه لا يتعين بالتعيين تحقيقا   [البناية] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وأجرة الكيال وناقد الثمن على البائع، أما الكيل فلا بد منه للتسليم وهو) ش: أي التسليم م: (على البائع، ومعنى هذا إذا بيع مكايلة، وكذا أجرة الوزان والذراع والعداد) ش: قيد به؛ لأنه لو بيع مجازفة لا يجب أجرة هؤلاء على البائع إذا باع بشرط الوزن والذرع والعدد؛ لأن تحقق الإبقاء بذلك م: (وأما النقد) ش: أي وأما أجرة ناقد الثمن م: (فالمذكور) ش: أي في القدوري أنه على البائع. م: (رواية ابن رستم عن محمد؛ لأن النقد يكون بعد التسليم، ألا ترى أنه) ش: أي التسليم م: (يكون بعد الوزن) ش: أي بعد وزن الثمن م: (والبائع هو المحتاج إليه ليميز ما تعلق به حقه من غيره) ش: أي من غير حقه من الرديء م: (أو ليعرف) ش: أي البائع م: (المعيب) ش: إذا وجده معيبا م: (ليرده) ش: على المشتري. م: (وفي رواية ابن سماعة عنه) ش: أي عن محمد أجرة النقاد م: (على المشتري؛ لأنه يحتاج إلى التسليم الجيد المقدر) ش: لأن حق البائع في القدر والجودة جميعا م: (والجودة تعرف بالنقد كما يعرف القدر بالوزن فيكون عليه) ش: أي على المشتري، وقال الفقيه أبو الليث "في العيون ": أجرة وزان الثمن والناقد على المشتري؛ لأن عليه أن يوفيه الوزن، وفي " الخلاصة ": والصحيح أنها على المشتري. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وأجرة وزان الثمن على المشتري لما بينا أنه) ش: أي أن المشتري م: (هو المحتاج إلى تسليم الثمن، وبالوزن يتحقق التسليم) ش: فيكون الوزان على المشتري. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن باع سلعة بثمن) ش: أي بالدراهم والدنانير م: (قيل للمشتري: ادفع الثمن أولا؛ لأن حق المشتري تعين في المبيع فيقدم دفع الثمن ليتعين حق البائع بالقبض، لما أنه) ش: أي أن الثمن، قال الشافعي في قول: وبه قال مالك: م: (لا يتعين بالتعيين تحقيقا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 45 للمساواة. قال: ومن باع سلعة بسلعة أو ثمنا بثمن قيل لهما سلما معا؛ لاستوائهما في التعيين وعدمه، فلا حاجة إلى تقديم أحدهما في الدفع.   [البناية] للمساواة) ش: أي في المالية، وبقولنا قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الأصح: إنه يجبر البائع على تسليم المبيع أولا، وبه قال أحمد. وعنه في قول يجبرهما الحاكم على التسليم فيأمر كل واحد منهما إحضار ما عليه، فإذا أحضراه يسلم الثمن إلى البائع والمبيع إلى المشتري. وفي قول: لا يجبرهما ويمنعهما عن التحام، فإذا سلم أحدهما أجبر الآخر، كذا في " شرح الوجيز "، وقال الأترازي: وهذا الذي قلنا من وجوب دفع الثمن أولا على المشتري فيما إذا كان المبيع حاضرا، أما إذا كان غائبا فلم يقص عليه الشيخ أبو الحسن الكرخي في "مختصره". وقال: فإن كان المبيع غائبا عن حضرتهما فللمشتري أن يمتنع من التسليم حتى يحضر المبيع، ويكون بحيث يمكنه قبضه في مكانه إذا دفع الثمن، ثم البيع في زمان الحبس في ضمان البائع إلى أن يسلمه إلى المشتري، حتى إذا هلك في يد البائع انتقض البيع، ويعود الثمن إلى المشتري. [باع سلعة بسلعة أو ثمنا بثمن] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن باع سلعة بسلعة أو ثمنا) ش: أي وباع م: (بثمن قيل لهما: سلما معا) ش: هذا بإجماع الأئمة الأربعة. م: (لاستوائهما) ش: أي باستواء البائع والمشتري م: (في التعيين وعدمه فلا حاجة إلى تقديم أحدهما في الدفع) ش: أي في دفع المبيع والثمن. وفي " المجتبى ": لا بد من معرفة كيفية التسليم والتسلم ومكان التسليم، التخلية بين المشتري وبين المبيع من غير مانع من قبضه، وبه يدخل البيع في ضمان المشتري. قال ابن شجاع: وهذا باتفاق أهل العلم، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: القبض في الدراهم والدنانير لهما بالتزاحم، وفي الثياب ونحوها بنقله من مكان إلى مكان إلا الطعام مكايلة فبالمكيل وفي العقار والشجر بالتخلية، وفي " الغاية ": المحكم فيه العرف فقبض العقار بالتخلية وقبض المنقول النقل إلى مكان لا يختص بالبائع، وبه قال أحمد، وفي " المجتبى ": أمره البائع بالقبض فلم يقبضه حتى أخذه إنسان فإن أمكنه قبضه من غير قيام صح التسليم وإلا فلا. وفي " النظم ": أمر البائع المشتري بحلق شعر العبد أو بالحجامة أو يسقيه دواء، أو بتداوي جرحه ففعل لا يصير قابضا، ولو قبض المشتري فوجد فيه عيبا ففعل هذه الأشياء لا يكون رضا ولو أمره بختان الجارية أو العبد أو الفصد أو ربط جرحه أو قطع عرقه، أو كان ثوبا فقطه أو قصره أو غسله، أو فعلا يحذوه، أو طعاما تطبخه، أو جارية فأمره أن يزوجها فزوجها ودخل بها زوجها - يكون قبضا، ولو لم يدخل لا يكون قبضا، ولو فعل المشتري شيئا من هذه الأشياء بعد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 46 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وجدان العيب به يصير راضيا، ولو لم يكن له الرد فيرجع بالنقصان في هذا كله. وفي " جمع النوازل ": دفع المفتاح في بيع الدار تسليم إذا تهيأ له فتحه من غير كلفة، ولو باع حنطة في بيته ودفع إليه المفتاح ليقبض فإن قال: خليت بينك وبينها فتسلم وإلا فلا تسلم الدار، وهما غائبان عنها، وقال المشتري قبضتها لم يصر قابضا حتى يكون قريبا بحيث يقدر إغلاقها. وفي " جامع شمس الأئمة ": يصح القبض وإن كان العقار غائبا عند أبي حنيفة خلافا لهما اشترى فرسا في حظيرة، فقال البائع: سلمته إليك ففتح المشتري الباب فذهب فإن أمكنه أخذه بيده بلا عون كان تسليما، وإلا فلا، وكذا الطير. وفي جامع شمس الأئمة: إن كان لا يقدر بقبضه إلا مع الحبل وليس معه حبل لا يكون قبضا وعلى هذا العون، ولو كان معه حبل وعون فقبض، وكذا لو اشترى رمكة من الرماك في حظيرة، ولو اشترى الرماك كلها، فالتخلية بينه وبين الحظيرة تسليم، حتى لو غلبته وهلكن هلكن من المشتري، ولو كان في البيت متاعه وإن قل أو ذرعه يمنع التسليم. وعن الوبري: المتاع لغير البائع لا يمنع، فلو أذن له بقبض المتاع والبيت صح وصار المتاع وديعة عنده ولو هلك الثوب وهو في أيديهما بعد التخلية فهو قبض عند محمد خلافا لأبي يوسف. ولو اشترى دهنا ودفع قارورة ليزنه فيها بحضرة المشتري، فهو قبض، وكذلك تعيينه على الأصح وإن كان في بيت البائع، وكذا سائر المكيلات والموزونات إذا وزنها أو كالها في وعاء المشتري بأمره. ولو غصب شيئا بعينه ثم اشتراه صار قابضا بالشراء، وليس للبائع حبسه بالثمن بخلاف الوديعة والعارية إلا إذا وصل إليه بعد التخلية، ولو اشترى حنطة في السواد يجب تسليمها في السواد، ولو اشترى تمرا على الأشجار فجذها على المشتري وفي " الموازنة " على البائع، وكذا قلع الجزر والشلجم ونحوها على المشتري إلا قدر الأنموذج فهو على البائع بكل حال، ولو اشترى حنطة في سنبله أو شيئا في جوالق أو ثوبا في وعاء فالإخراج على المشتري، ولو اشترى وقر حنطة في المصر فحملها على البائع، ولو اشترى حنطة في سنبله فتخليصها بالكربس والتذرية على البائع والتبن للبائع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 47 باب خيار الشرط خيار الشرط جائز في البيع للبائع والمشتري. ولهما الخيار ثلاثة أيام فما دونها، والأصل فيه ما روي أن حبان بن منقذ بن عمرو   [البناية] [باب خيار الشرط] [تعريف خيار الشرط] م: (باب خيار الشرط) ش: أي هذا باب في بيان أحكام خيار الشرط، ولما فرغ عن بيان البيع اللازم وهو الذي ليس فيه خيار بعد وجود شرائطه شرع في بيان البيع الغير اللازم، وهو ما فيه الخيار، ولكون اللازم أقوى قدمه على غيره، ثم قدم خيار الشرط؛ لأنه يمنع ابتداء الحكم على خيار الرؤية؛ لأنه يمنع تمام الحكم، ثم خيار العيب؛ لأنه يمنع لزوم الحكم. والخيار في البيع على أربعة أنواع: خيار الشرط، وخيار الرؤية، وخيار العيب، وخيار التعيين، كما إذا اشترى أحد الثوبين وهو بالخيار على أن يأخذ أيهما شاء، وسيجيء في هذا الباب إن شاء الله تعالى. قوله: خيار الشرط أي خيار يثبت بالشرط، إذ لولا الشرط لما ثبت الخيار بخلاف خيار الرؤية والعيب، فإنهما يثبتان من غير شرط، وهذه الإضافة من باب إضافة الحكم إلى سببه، كصلاة الظهر، وكان من حقه ألا يدخل في البيع لكونه في معنى القمار، ولكن لما جاءت به السنة لم يكن هذا من العمل به فظهر عمله في منع الحكم دون السبب تقليلا لعمله بقدر الإمكان. وشرط الخيار جائز بإجماع العلماء والفقهاء، ولكن اختلفوا في المدة، ويجوز للبائع وللمشتري أو لهما معا أو لغيرهما، وفي غيرهما اختلاف يجيء إن شاء الله تعالى. وقال سفيان الثوري وابن شبرمة: يجوز للمشتري لا للبائع؛ لأنه ثبت بخلاف القياس فيقصر على مورد النص وهو المشتري، قلنا: النص هو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "إذا بايعت" يتناول البيع والشراء فيجوز لهما، وكان بالناس حاجة إليه ليدفع الغبن بالتردي، وفيه يستوي البائع والمشتري م: (خيار الشرط جائز في البيع للبائع والمشتري ولهما الخيار ثلاثة أيام) . قال الأترازي: وقوله ثلاثة أيام يروى بالنصب على أنه ظرف، أي في ثلاثة أيام، وبالرفع على أنه خبر أو خبر مبتدأ محذوف، أي هو ثلاثة أيام. قلت: في قوله خبر بعد خبر تأمل لا يخفى، والأولى أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره مدة الخيار ثلاثة أيام م: (فما دونها) ش: أي فما دون ثلاثة أيام؛ لأنه إذا جاز في ثلاثة أيام ففيما دونها بطريق الأولى. م: (والأصل فيه) ش: أي في جواز شرط الخيار م: (ما روي «أن حبان بن منقذ بن عمرو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 48 الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يغبن في البياعات فقال له النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا بايعت فقل: لا خلابة، ولي الخيار ثلاثة أيام»   [البناية] الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يغبن في البياعات، فقال له النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "إذا بايعت فقل: لا خلابة ولي الخيار ثلاثة أيام» ") . ش: هذا الحديث رواه الحاكم في المستدرك من حديث محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «كان حبان بن منقذ رجلا ضعيفا وكان قد ثقل لسانه، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بع وقل لا خلابة"، فكنت أسمعه يقول: لا خلابة لا خلابة، وكان يشتري الشيء ويجيء به إلى أهله فيقولون له: إن هذا غال، فيقول: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد خيرني في بيعي» وسكت عنه الحاكم. وكذلك رواه الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أخبرنا سفيان عن محمد بن إسحاق به، ومن طريق الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه البيهقي في " المعرفة "، ورواه البخاري في "تاريخه الأوسط "، وقال: حدثنا العباس بن الوليد حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن ابن إسحاق، «حدثني محمد بن يحيى بن حبان قال: كان جدي منقذ بن عمرو أصابته آفة في رأسه فكسرت لسانه، ونازعت عقله، وكان لا يدع التجارة فلا يزال يغبن، فذكر ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "إذا بعت فقل: لا خلابة، وأنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال» . وعاش مائة وثلاثين سنة، وكان في زمن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يبتاع في السوق، فيصير إلى أهله فيلومونه، فيرده، ويقول: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعلني بالخيار ثلاثا، فيمر الرجل من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيقول صدق، ذكره في ترجمة منقذ. فإن قلت: دل حديث الحاكم على أن القضية لحبان بن منقذ، وحديث البخاري في تاريخه دل على أنه لمنقذ بن عمرو والد حبان. قلت: روى الترمذي حدثنا يوسف بن حماد البصري، حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رجلا كان في عقدته ضعف، وكان يبايع، وإن أهله أتوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: يا رسول الله احجر عليه، فدعاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنهاه، فقال يا رسول الله إني لا أصبر عن البيع، فقال: "إذا بايعت فقل هاء وهاء ولا خلابة» ، ثم قال: وحديث أنس حديث حسن صحيح غريب، ورواه بقية أصحاب السنن. وقال شيخنا في "شرحه للترمذي ": الرجل المبهم في هذا الحديث اختلف فيه هل هو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 49 ولا يجوز أكثر منها عند أبي حنيفة، وهو قول زفر والشافعي، وقالا: يجوز إذا سمى مدة معلومة؛ لحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أنه أجاز الخيار إلى شهرين» ولأن الخيار إنما شرع للحاجة   [البناية] حبان بن منقذ، أو والده منقذ بن عمرو، فصحح ابن العربي أنه منقذ بن عمرو، ورجح النووي أنه حبان بن منقذ، قوله: هاء روي بالمد والقصر، ومعناه الأخذ والعطاء، كقوله في حديث الربا: إلا هاء وهاء، والخلابة بكسر الخاء المعجمة وبالباء الموحدة، وهي الخديعة. وروي لا خلانة بالنون مكان الموحدة، وهو تصحيف، وحبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة؛ ابن منقذ بضم الميم وسكون النون وكسر القاف وبالذال المعجمة، ابن عمرو بن مالك شهدا أحدا، ومن ولده يحيى وواسع، وأمه هند بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. كذا ذكره ابن شاهين في كتاب المعجم، وقال ابن ماكولا: ومنقذ بن عمرو المازني الأنصاري، مدني له صحبة، وهو جد محمد بن يحيى بن حبان م: (ولا يجوز أكثر منها) ش: أي من ثلاثة أيام م: (عند أبي حنيفة، وهو قول زفر والشافعي) ش: وقال مالك: شرط الخيار على حسب ما تدعو إليه الحاجة، وذلك يختلف باختلاف الأموال. فإن كان المبيع مما لا يبقى أكثر من يوم كالفاكهة مثلا لم يجز أن يشترط الخيار فيه أكثر من يوم، وإن كان ضيغة لا يمكن الوقوف عليها في ثلاثة أيام يجوز أن يشترط فيها أكثر من ثلاثة أيام. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (يجوز إذا سمى مدة معلومة) ش: سواء كان شهرا أو سنة أو أكثر، ولو شرط الخيار أبدا لا يجوز بالإجماع وبقولهما قال أحمد م: (لحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه أجاز الخيار إلى شهرين) ش: هذا غريب جدا، والعجب من الأكمل أنه قال: ولهما حديث ابن عمر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجاز الخيار إلى شهرين» ونفس إسناده إلى ابن عمر لم يصح، فكيف يرفع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال الأترازي: وقد روى أصحابنا في شروح " الجامع الصغير ": أن ابن عمر شرط الخيار شهرين، كذا ذكر فخر الإسلام. وقال العتابي: إن عبد الله بن عمر باع بشرط الخيار شهرا، وقال في " المختلف " روي عن ابن عمر أنه باع جارية وجعل للمشتري الخيار شهرا، وكل هذا لم يثبت، واستدل الكاكي لهما بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المسلمون عند شروطهم» م: (ولأن الخيار إنما شرع للحاجة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 50 إلى التروي ليندفع الغبن، وقد تمس الحاجة إلى الأكثر، فصار كالتأجيل في الثمن، ولأبي حنيفة أن شرط الخيار يخالف مقتضى العقد، وهو اللزوم، وإنما جوزناه بخلاف القياس لما روينا من النص فيقتصر على المدة المذكورة فيه وانتفت الزيادة إلا أنه إذا أجاز في الثلاث جاز عند أبي حنيفة خلافا لزفر، هو يقول: إنه انعقد فاسدا فلا ينقلب جائزا، وله أنه أسقط المفسد قبل تقرره فيعود جائزا كما إذا باع بالرقم وأعلمه في المجلس   [البناية] إلى التروي) ش: أي التأمل والتفكر م: (ليندفع الغبن وقد تمس الحاجة إلى الأكثر فصار كالتأجيل في الثمن) ش: لأن التأجيل في الثمن يجوز في قليل المدة وكثيرها إن كان يخالف مقتضى العقد لأجل الحاجة، فكذا هذا م: (ولأبي حنيفة أن شرط الخيار يخالف مقتضى العقد، وهو اللزوم، وإنما جوزناه بخلاف القياس لما روينا من النص) ش: وهو حديث حبان بن المنقذ المذكور م: (فيقتصر على المدة المذكورة فيه) ش: أي في النص م: (وانتفت الزيادة) ش: على ثلاثة أيام م: (إلا أنه إذا أجاز في الثلاث جاز عند أبي حنيفة) ش: استثناء من قوله: ولا يجوز أكثر منها، ومعناه لا يجوز أكثر منها، لكن لو ذكر الأكثر منها وأجاز من له الخيار في الثلاث جاز. ويجوز أن يكون استثناء من قوله: فيقتصر على المدة المذكورة بالتوجيه المذكور، والأول أولى لقوله: م: (خلافا لزفر) ش: تأمل م: (هو) ش: أي زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يقول: إنه) ش: أي إن العقد م: (انعقد فاسدا فلا ينقلب جائزا) ش: كما إذا باع الدرهم بالدرهمين، ثم أسقط الدرهم الزائد، كما لو نكح امرأة وتحته أربع نسوة ثم طلق الرابعة لا يحكم بصحة نكاح الخامسة، وكما لو اشترى عبدا بألف ورطل من خمر، ثم أسقط رطل الخمر، فإنه لا يعود إلى الجواز؛ لأن البقاء على وقف الثبوت. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي أن من له الخيار م: (أسقط المفسد) ش: وهو اشتراط اليوم الرابع م: (قبل تقرره) ش: أي لزومه وثبوته بمضي ثلاثة أيام. م: (فيعود جائزا) ش: اعلم أن مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اختلفوا في حكم هذا العقد في الابتداء على قول أبي حنيفة، فذهب العراقيون إلى أنه ينعقد فاسدا، ثم ينقلب صحيحا، بحذف خيار الشرط قبل اليوم الرابع، وذهب أهل خراسان - وإليه مال شمس الأئمة السرخسي - إلى أنه موقوف. فإذا مضى جزء من اليوم الرابع فسد، فقول المصنف أنه أسقط المفسد قبل تقرره تعليل على الرواية الأولى، وذكر النظير لهذا بقوله: م: (كما إذا باع بالرقم وأعلمه في المجلس) ش: الرقم في الأصل الكتابة والختم. وفي " المغرب " التاجر يرقم الثياب أي يعلمها بأن ثمنها كذا وكذا، والمقصود هاهنا أن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 51 ولأن الفساد باعتبار اليوم الرابع، فإذا أجاز قبل ذلك لم يتصل المفسد بالعقد، ولهذا قيل: إن العقد يفسد بمضي جزء من اليوم الرابع، وقيل: ينعقد فاسدا ثم يرتفع الفساد بحذف الشرط، وهذا على الوجه الأول. ولو اشترى على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما جاز، وإلى أربعة أيام لا يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف   [البناية] يعلم البائع على الثوب بعلامة كالكتابة يعلم بها الدلال أو غيره ثمن الثوب، ولا يعلم المشتري ذلك. فإن قال: بعتك هذا الثوب برقمه، وقبل المشتري من غير أن يعلم المقدار انعقد البيع فاسدا، فإن علم المشتري قدر الرقم في المجلس، وقيل: انقلب جائزا بالاتفاق قوله: م: (ولأن الفساد باعتبار اليوم الرابع) ش: تعليل على الرواية الثانية. وتقريره أن اشتراط الخيار غير مفسد للعقد، وإنما المفسد باعتبار اليوم الرابع بالأيام الثلاثة م: (فإذا أجاز قبل ذلك لم يتصل المفسد بالعقد) ش: فكان صحيحا م: (ولهذا قيل) ش: متصل بقوله، ولأن الفساد وهو الذي قرر على مذهب الخراسانيين وهو م: (إن العقد يفسد بمضي جزء من اليوم الرابع) ش: على ما تقرر آنفا. م: (وقيل: ينعقد فاسدا) ش: هذا على مذهب العراقيين م: (ثم يرتفع الفساد بحذف الشرط) ش: على ما مر أيضا م: (وهذا) ش: أي القول بانعقاده فاسدا. ثم ارتفاع الفساد بحذف الشرط إنما يستقيم م: (على الوجه الأول) ش: أي التعليل الأول، وهو قوله: أسقط المفسد إلى آخره، وأما على التعليل الثاني وهو قوله: لأن الفساد، إلى آخره فلا يستقيم؛ لأنه لم ينعقد فاسدا فلا يمكن ارتفاع الفساد بحذف الشرط، والجواب عما قاس عليه زفر من المسائل أن الفساد فيها في صلب العقد، وهو البدل، فلم يمكن دفعه، وفي مسألتنا في شرطه فأمكن م: (ولو اشترى على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينها جاز) ش: ويسمى هذا خيار النقد، والقياس يأبى جوازه، وبه أخذ زفر والشافعي ومالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لأنه شرط لا يقتضيه العقد على ما يجيء. م: (وإلى أربعة أيام) ش: يعني لو قال إن لم ينقد الثمن إلى أربعة أيام فلا بيع بيننا م: (لا يجوز، عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: قال الأترازي: ذكر المصنف قول أبي يوسف مع أبي حنيفة كما ترى، وكذلك ذكر الشهيد أيضا في شرح " الجامع الصغير "، ولم يذكر محمد خلاف أبي يوسف في أصل " الجامع الصغير ". وهذا الذي ذكره قول أبي يوسف الأول، وروى الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف أنه رجع عن هذا القول، وقال: يجوز البيع كما هو قول محمد، كذا ذكر الفقيه أبو الليث في " شرح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 52 وقال محمد: يجوز إلى أربعة أيام أو أكثر، فإن نقد في الثلاث جاز في قولهم جميعا. والأصل فيه أن هذا في معنى اشتراط الخيار، إذ الحاجة مست إلى الانفساخ عند عدم النقد؛ تحرزا عن المماطلة في الفسخ، فيكون ملحقا به، وقد مر أبو حنيفة على أصله في الملحق به، ونفى الزيادة على الثلاث   [البناية] الجامع الصغير ". ولهذا المعنى قال صاحب المنظومة: واضطرب الأوسط فيه فاعقل م: (وقال محمد: يجوز إلى أربعة أيام أو أكثر) ش: كما يجوز عند شرط الخيار أربعة أيام أو أكثر م: (فإن نقد) ش: أي المشتري الثمن م: (في الثلاث) ش: أي في ثلاثة أيام في المسألة المذكورة م: (جاز في قولهم جميعا) ش: أي في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تعالى-. م: (والأصل فيه) ش: أي في الشراء لشرط أنه إذا لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما م: (أن هذا) ش: أي الشراء بهذا الشرط م: (في معنى اشتراط الخيار) ش: لأن معنى الخيار نقد الثمن، على تقدير إجازة البيع، وعدم نقده على تقدير فسخ البيع، فكذا هاهنا إن شاء نقد الثمن فتم البيع، وإن شاء لم ينقد فانفسخ البيع. م: (إذ الحاجة مست إلى الانفساخ عند عدم النقد تحرزا عن المماطلة) ش: أي عن المدافعة م: (في الفسخ) ش: وهذا تعليل لقوله: الحاجة مست إلى الانفساخ عند عدم النقد، كأنه ذكر هذا جوابا لسؤال يرد عليه، بأن يقال: لا نسلم أن الحاجة ماسة إلى الانفساخ؛ لأن الحاجة تندفع بالشراء بشرط الخيار؛ لأنه إذا اشترى بالخيار إن شاء أجاز وإن شاء فسخ، ولا حاجة إلى تصحيح هذا العقد بلا حاجة. فقال في جوابه هذا: إن الفسخ يكون بالشراء لشرط الخيار، لكن ليس لمن له الخيار أن يفسخ بغير حضرة صاحبه عند أبي حنيفة ومحمد، فتحصل المماطلة حينئذ في الفسخ، فإذا كان كذلك م: (فيكون ملحقا به) ش: أي بخيار الشرط. م: (وقد مر أبو حنيفة على أصله في الملحق به) ش: وهو خيار الشرط م: (ونفى الزيادة على الثلاث) ش: فكذا في الملحق، وهو خيار النقد، والحاصل أن أبا حنيفة مشى على أصله في شرط الخيار، حيث لا يجوز عنده أكثر من ثلاثة أيام. فكذا ما هو في معناه إلا إذا نقد الثمن في الثلاث، فكان البيع جائزا لانقطاع المفسدة. م: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 53 وكذا محمد في تجويز الزيادة، وأبو يوسف أخذ في الأصل بالأثر، وفي هذا بالقياس وفي هذه المسألة قياس آخر، وإليه مال زفر، وهو أنه بيع شرط فيه إقالة فاسدة لتعلقها بالشرط، واشتراط الصحيح منها فيه مفسد للعقد، فاشتراط الفاسد أولى، ووجه الاستحسان ما بينا.   [البناية] (وكذا محمد) ش: أي وكذا مر محمد على أصله م: (في تجويز الزيادة) ش: في الأصل والملحق به؛ لأن عنده يجوز شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام إذا كانت المدة معلومة فكذا ما كان في معناه. م: (وأبو يوسف أخذ في الأصل بالأثر) ش: أي أخذ في ثلاثة أيام في قوله: إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بيننا بالأثر، أي بما روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - نقله الفقيه أبو الليث في " شرح الجامع الصغير " عن محمد بن الحسن، عن عبد الله بن المبارك، عن ابن جريج، عن سليمان مولى ابن البرصاء، قال: متى بعت من عبد الله بن عمر جارية على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بيننا، فأجاز ابن عمر هذا البيع، ولم يرد عن أحد من نظرائه خلافه. م: (وفي هذا بالقياس) ش: أي أخذ في الزائد على ثلاثة أيام في خيار النقد بالقياس، يعني النص مقيد بالثلاث في خيار النقد. وما ورد النص في خيار النقد في الزيادة، وقال الأترازي: أبو يوسف مر على أصله أيضا على قوله المرجوع إليه، ولكنه فرق، وهو بين هذا وبين شرط الخيار على قوله الأول، حيث جوز الزيادة على الثلاثة في شرط الخيار. ولم يجوز هاهنا؛ لأنه اتبع أثر ابن عمر وهو الذي ذكرناه، ولم يتجاوز حد الأثر، وفيما زاد على ذلك أخذ بالقياس؛ لأن القياس أن لا يصح هذا البيع أصلا كما قال زفر: لأنه بيع شرط فيه إقالة فاسدة، وهي إقالة معلقة بالشرط، والبيع بشرط الإقالة الصحيحة باطل فبشرط الإقالة الفاسدة أولى. م: (وفي هذه المسألة) ش: المذكورة م: (قياس آخر، وإليه) ش: أي وإلى هذا القياس م: (مال زفر وهو) ش: أي هذا القياس م: (أنه بيع شرط فيه) ش: أي في البيع م: (إقالة فاسدة لتعلقها) ش: أي لتعلق الإقالة م: (بالشرط) ش: وهو عدم النقد م: (واشتراط الصحيح منها) ش: أي من الإقالة بأن قال: بعتك هذا بشرط أن يقبل البيع م: (فيه مفسد للعقد فاشتراط الفاسد) ش: وهو تعليق البيع بالإقالة المعلقة م: (أولى) ش: بأن يفسد البيع. م: (ووجه الاستحسان ما بينا) ش: يعني أن هذا البيع لا يجوز إلى ثلاثة أيام أيضا قياسا، كما قال زفر ولكنا جوزناه استحسانا، ووجهه ما بينا، وهو أن الحاجة مست إلى الانفساخ عند عدم النقد، كذا قاله الأترازي. وقال الأكمل: وجه الاستحسان أن هذا في معنى شرط الخيار من حيث الحاجة، إذ الحاجة مست إلى الانفساخ عند عدم النقد؛ تحرزا عن المماطلة في الفسخ، وإذا كان في معناه كان ملحقا به، ورد بأنا لا نسلم أنه في معناه؛ لأن هناك لو سكت حتى مضت المدة تم العقد، وهاهنا لو سكت حتى مضت المدة بطل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 54 قال: وخيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه؛ لأن تمام هذا السبب بالمراضاة، ولا تتم مع الخيار؛ ولهذا ينفذ عتقه، ولا يملك المشتري التصرف فيه، وإن قبضه بإذن البائع. فلو قبضه المشتري وهلك في يده في مدة الخيار ضمنه بالقيمة؛ لأن البيع ينفسخ بالهلاك؛ لأنه كان موقوفا ولا نفاذ بدون المحل   [البناية] وأجيب بأن النظر في الإلحاق إنما هو إلى المعنى المناط للحكم، وهو الحاجة وهي موجودة فيهما، وأما الزائد على ذلك فلا معتبر به. وقال القاضي الإمام ظهير الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - في فوائده: هاهنا مسألة لا بد من حفظها، وهي أنه إذا لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام يفسد البيع، ولا تنفسخ حتى لو أعتقه المشتري وهو في يده نفذ عتقه، وإن كان في يد البائع لا ينفذ، ثم لو كان هذا الشرط للبائع بأن اشترى رجل عبدا ونقد الثمن على أن البائع إن رد الثمن فلا بيع بينهما جاز البيع بهذا الشرط، ويصير بمنزلة خيار الشرط، حتى إذا قبض المشتري المبيع يكون مضمونا عليه بالقيمة، ولو أعتقه المشتري لا ينفذ عتقه، ولو أعتقه البائع ينفذ. وفي " المجتبى " لو قال أحدهما في البيع: جعلتك بالخيار ثلاثة أيام صح بالإجماع، ولو زاد أو أطلق فسد البيع عند أبي حنيفة وزفر والشافعي، كالشرط الفاسد الملحق بالبيع الصحيح. وقال أبو يوسف ومحمد وأحمد: يجوز، كما في شرط الخيار، ولو قال البائع: خذه وانظر إليه اليوم فإن رضيته أخذته بعشرة فهو خيار، باع على أنه بالخيار، على أن له أن يغله ويستخدمه جاز وهو على خياره، وعلى أن يأكل من ثمره لا يجوز؛ لأن الثمر له حصة من الثمن. [خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه] م: (قال: وخيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه؛ لأن تمام هذا السبب) ش: أي العلة م: (بالمراضاة) ش: لكون الرضاء داخلا في حقيقته الشرعية. م: (ولا تتم) ش: أي المراضاة م: (مع الخيار) ش: لأن البيع به يصير به علة اسما ومعنى لا حكما، فمنع ابتداء الحكم به، وهو الملك فبقي على ملك صاحبه. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونه على ملك صاحبه م: (ينفذ عتقه) ش: أي عتق البائع م: (ولا يملك المشتري التصرف فيه، وإن قبضه بإذن البائع) ش: لأجل خيار البائع م: (فلو قبضه المشتري، وهلك في يده في مدة الخيار ضمنه بالقيمة) ش: وبه قال الشافعي في الوجه المشهور، ومالك، وفي وجه ضمنه بالثمن، وهو قياس قول أحمد، وقال ابن أبي ليلى لا يضمنه؛ لأنه قبضه بإذن المالك فيكون أمينا فلا ضمان عليه م: (لأن البيع ينفسخ بالهلاك) ش: والمنفسخ به مضمون بالقيمة، وذلك؛ لأن المعقود عليه بالهلاك صار إلى حاله لا يجوز ابتداء العقد عليه فيها، فلا تلحقها الإجارة، وهو معنى قوله م: (لأنه كان موقوفا) ش: أي في حق الحكم م: (ولا نفاذ بدون المحل) ش: كأنه جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: لم صار موقوفا؟ فأجاب أنه لا نفاذ للحكم بدون المحل؛ لأنه فات بالهلاك، فإذا كان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 55 فبقي مقبوضا في يده على سوم الشراء، وفيه القيمة، ولو هلك في يد البائع انفسخ البيع ولا شيء على المشتري اعتبارا بالصحيح المطلق. قال: وخيار المشتري لا يمنع خروج المبيع عن ملك البائع؛ لأن البيع في جانب الآخر لازم، وهذا؛ لأن الخيار إنما يمنع خروج البدل عن ملك من له الخيار؛ لأنه شرع نظرا له دون الآخر. قال: إلا أن المشتري لا يملكه عند أبي حنيفة، وقالا: يملكه؛ لأنه لما خرج عن ملك البائع فلو لم يدخل في ملك المشتري يكون زائلا، لا إلى مالك ولا عهد لنا به في الشرع، ولأبي حنيفة أنه لما لم يخرج الثمن عن ملكه، فلو قلنا بأنه يدخل المبيع في ملكه لاجتمع البدلان   [البناية] كذلك م: (فبقي مقبوضا في يده على سوم الشراء) ش: أي على طلب المشتري، م: (وفيه) ش: وفي المقبوض على سوم المشتري يجب م: (القيمة) ش: لأنه مقبوض بالعقد، هذا إذا لم يكن مثليا وإن كان مثليا يجب المثل، كذا في " شرح الأقطع وغيره". وقال الكاكي: وفي " اليتيمة " أن المقبوض على سوم المشتري إنما يكون مضمونا إذا كان الثمن مسمى، حتى إنه إذا قال: قد أذهب بهذا الثوب، فإن رضيته اشتريته فذهب فهلك لا يضمن. ولو قال: إن رضيته اشتريته بعشرة فذهب به فهلك ضمن قيمته، وعليه الفتوى. م: (ولو هلك في يد البائع انفسخ البيع ولا شيء على المشتري اعتبارا بالصحيح) ش: أي البيع الصحيح م: (المطلق) ش: أي المطلق عن الخيار، وهو البيع البات، فإن البيع فيه لو هلك في يد البائع ينفسخ البيع، فكذا هذا. وإنما ذكر الصحيح مع أن الحكم في الفاسد كذلك حملا لحال المسلم على الصلاح؛ إذ الصحيح أليق به دون الفاسد. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وخيار المشتري لا يمنع خروج المبيع عن ملك البائع) ش: وهذا بالاتفاق م: (لأن البيع في جانب الآخر لازم) ش: الآخر هو البائع. ومعنى لازم: ثابت؛ لتمام المرضي منه حتى لا يتمكن البائع من الفسخ م: (وهذا) ش: أي منع خروج المبيع عن ملك البائع عند خيار المشتري م: (لأن الخيار إنما يمنع خروج البدل عن ملك من له الخيار؛ لأنه) ش: أي؛ لأن الخيار إنما يمنع خروج البدل عن ملك من له الخيار؛ لأنه م: (شرع نظرا له دون الآخر) ش: يعنى لم يشرع للآخر الذي ليس له الخيار؛ لأن الخيار مانع للحكم في جانب ثمن الخيار لا في جانب من ليس له الخيار. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (إلا أن المشتري لا يملكه) ش: أي المبيع (عند أبي حنيفة وقالا: يملكه) ش: وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قولٍ، ومالك وأحمد م: (لأنه) ش: أي؛ لأن المبيع م: (لما خرج عن ملك البائع فلو لم يدخل في ملك المشتري يكون زائلا لا إلى مالك ولا عهد لنا به) ش: بعين غير معهود م: (في الشرع) ش: فصار كالسائبة. م: (ولأبي حنيفة أنه) ش: أي الشأن م: (لما لم يخرج الثمن عن ملكه) ش: أي عن ملك المشتري م: (فلو قلنا بأنه يدخل المبيع في ملكه) ش: أي في ملك المشتري م: (لاجتمع البدلان) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 56 في ملك رجل واحد، حكما للمعاوضة، ولا أصل له في الشرع؛ لأن المعاوضة تقتضي المساواة، ولأن الخيار شرع نظرا للمشتري؛ ليتروى فيقف على المصلحة، ولو ثبت الملك ربما يعتق عليه من غير اختياره، بأن يكون قريبه فيفوت النظر. قال: فإن هلك في يده هلك بالثمن   [البناية] ش: أي الثمن والمثمن م: (في ملك رجل واحد حكما للمعاوضة) ش: يعني من حيث حكم المعاوضة، واحترز به عن ضمان غصب المدبر؛ لأن الضمان يجب على الغاصب إذا أبق العبد، ولا يخرج المدبر عن ملك مولاه فيجتمع البدلان؛ لأن ذلك ضمان جناية لا ضمان معاوضة. فإن قلت: المسلم إليه يملك رأس المال والمسلم فيه في ملكه. قلت: المسلم فيه يملكه رب المسلم في ذمة المسلم إليه؛ لأن له حكم الثمن ولهذا جاز فيه صنوب الأجل وهو كسائر البياعات فإن البائع يملك الثمن في ذمة المشتري فلا يجتمع البدلان فإن قلت: يرد عليكم اجتماع الأجرة والمنافع في ملك المؤجر إذا شرط تعجيل الأجرة. قلت: لا نسلم الاجتماع؛ لأن المنافع معدومة فكيف يكون الاجتماع فإذا حدثت ملكها المستأجر ولا اجتماع إذن. م: (ولا أصل له في الشرع) ش: أي الأصل لاجتماع البدلين في ملك رجل واحد حكما للمعاوضة م: (لأن المعاوضة تقتضي المساواة) ش: يعني المساواة المكفية، وهي أن يدخل المبيع في ملك المشتري، والثمن في ملك البائع (ولأن الخيار شرع نظرا للمشتري ليتروى) ش: أي ليتأمل ويتفكر م: (فيقف على المصلحة ولو ثبت الملك) ش: أي في ملك المشتري م: (ربما يعتق عليه بغير اختياره) ش: لا له م: (بأن يكون) ش: أي المبيع م: (قريبه) ش: فيعتق عليه من غير اختياره م: (فيفوت النظر) ش: لأن الأمر يتردد على موضوعه بالنقض. وأما الجواب عن قوله لا نظير له في الشرع، قلنا: يبطل ذلك بما إذا اشترى متولي الكعبة إشارة لها أو عبيدا لسدنتها حيث يزول عن ملك البائع ولا يدخل في ملك المشترى، ويبطل أيضا بالتركة المستغرقة بالدين؛ لأن التركة تزول عن ملك الميت، ولا تدخل في ملك الورثة. فإن قيل: لو لم يثبت الملك للمشتري ينبغي أن لا يكون له حق الشفعة به، كما لا يستحق الشفعة بدار السكنى، وكان له حق الشفعة بالإجماع. قلنا: إنما تستحق الشفعة؛ لأنه بشرائها صار أحق بها تصرفا؛ لأنه ملكها بمنزلة العبد المأذون إذا بيعت دار بجنبه فإنه يستحق الشفعة بهذا الشراء وإن لم يثبت له الملك، ولهذا لو أعتقه المشتري ينفذ عتقه؛ لأنه صار أحق بالتصرف فيه، وإقدامه على الإعتاق إسقاط الخيار منه، كذا في " المبسوط ". م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإن هلك في يده) ش: أي وإن هلك المبيع في يد المشتري م: (هلك بالثمن) ش: سواء هلك في مدة الخيار أو بعدها فعليه الثمن في الوجهين، كذا قال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 57 وكذلك إذا دخله عيب، بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع، ووجه الفرق أنه إذا دخله عيب يمتنع الرد، والهلاك لا يعرى عن مقدمة عيب فيهلك، والعقد قد انبرم فيلزمه الثمن، بخلاف ما تقدم؛ لأن بدخول العيب لا يمتنع الرد حكما لخيار البائع فيهلك، والعقد موقوف.   [البناية] وقال زفر والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في قول: يهلك بالقيمة كخيار البائع، ونقل الأترازي عن المختلف أن عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يجب عليه القيمة إذا هلك في المدة، م: (وكذلك إذا دخله عيب) ش: أي وكذلك يجب الثمن إذا دخل المبيع عيب في مدة الخيار، فتعذر رده يلزمه الثمن لانبرام العقد. وقال الكرخي في مختصره: وإذا قبض المشتري المبيع فدخله في يده عيب ينقص القيمة من فعل المشتري أو غير فعله تم البيع عليه، ويلزمه الثمن. وفي " الإيضاح " إذا كان الخيار للمشتري فحدث في ملكه عيب يجوز ارتفاعه كالمرض فهو على خياره؛ لأنه إذا زال المرض ارتفع النقص، فصار كأن لم يكن، وليس له أن يفتح إلا أن يرفع في الثلاث، فإذا مضت الثلاث والعيب قائم لزم العقد؛ لتعذر الرد م: (بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع) ش: يعني إذا كان الخيار للبائع وهلك المبيع في يد المشتري في مدة الخيار يجب القيمة. م: (ووجه الفرق) ش: يعني بين ما إذا كان الخيار للمشتري وهلك في يده حيث يجب الثمن، وبين ما إذا كان الخيار للبائع، وهلك في يد المشتري في مدة الخيار حيث يجب القيمة م: (أنه) ش: أي أن المبيع م: (إذا دخله عيب) ش: في يد المشتري والخيار له م: (يمتنع الرد، والهلاك لا يعرى عن مقدمة عيب) ش: لأنه بناء على سبب مفض إليه. بيانه أن الهلاك لا يعرى عن عيب يسبق الهلاك، وذلك بسبب عيب فيكون المبيع معيبا حين أشرف على الهلاك، فبالعيب امتنع رده م: (فيهلك والعقد قد انبرم) ش: أي والحال أن العقد قد تم ولزم، ولفظ انبرم مطاوع أبرم الأمر إبراما إذا أحكمه، فإذا كان كذلك م: (فيلزمه الثمن) ش: أي فيلزم المشتري الثمن الذي وقع عليه العقد م: (بخلاف ما تقدم) ش: وهو ما إذا كان الخيار للبائع فهلك في يد المشتري. م: (لأن بدخول العيب) ش: قبل الهلاك م: (لا يمتنع الرد حكما) ش: أي من حيث الحكم م: (لخيار البائع) ش: أي لأجل خياره، فلما لم يمتنع الرد لم يكن العقد منبرما م: (فيهلك والعقد موقوف) ش: حينئذ، فيلزمه القيمة؛ لأنه ليس بأدنى حالا من المقبوض على سوم الشراء ولم يلزمه الثمن لعدم انبرام العقد. وقال الكاكي: ثم هذا في عيب لا يرتفع في مدة الخيار كقطع اليد، وأما لو كان عيبا يجوز ارتفاعه كالمرض فهو على خيار إذا زال في المدة، فله الفسخ بعد ارتفاعه، ولو لم يرتفع بعد مضي المدة لزم العقد لتعذر الرد، كذا في " الإيضاح ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 58 قال: ومن اشترى امرأته على أنه بالخيار ثلاثة أيام لم يفسد النكاح؛ لأنه لم يملكها لما له من الخيار. وإن وطئها له أن يردها؛ لأن الوطء بحكم النكاح إلا إذا كانت بكرا؛ لأن الوطء ينقصها   [البناية] وعن أبي يوسف: يبطل خيار المشتري في كل عيب بأي وجه كان، إلا في خصلة، وهي أن النقصان إذا حصل في يد المشتري بفعل البائع فلا يبطل خياره، إن شاء رده وإن شاء أجاز البيع وأخذ من البائع الأرش، وفي زيادة متصلة متولدة في المبيع، كالحسن والجمال وغيرهما يبطل خياره، ويفسد البيع عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد: لا يمنع الرد وهو على خياره، ولو كانت الزيادة متصلة غير متولدة منه، كالصبغ والخياطة وغيرهما لا يمنع الرد بالإجماع، ولو كانت الزيادة منفصلة متولدة منه كالولد، والأرش، والعقر، والتمر، واللبن والصوف يمنع الرد، ويبطل الخيار، وينعقد العقد. ولو كانت الزيادة منفصلة غير متولدة كالكسب، والغلة، والصدقة، والهبة، لا يمنع الرد، وهو على خياره، إلا أنه إذا اختار للبيع فالزوائد له مع الأصل، وإلا اختار الرد؛ يرد الأصل مع الزوائد عند أبي حنيفة. وعندهما الأصل دون الزوائد. [اشترى امرأته على أنه بالخيار ثلاثة أيام] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى امرأته على أنه بالخيار ثلاثة أيام لم يفسد النكاح) ش" هذه مسائل تترتب على الأصل المتقدم ذكره، وهو أن الخيار إذا كان للمشتري يخرج المبيع عن ملك البائع، ولا يدخل في ملك المشتري عند أبي حنيفة، وعندهما يدخل، فعلى هذا إذا اشترى امرأته على أنه بالخيار ثلاثة أيام لم يفسد النكاح م: (لأنه لم يملكها) ش: أي؛ لأن الزوج لم يملك امرأته. م: (لما له من الخيار، وإن وطئها له أن يردها) ش: وقال أبو يوسف ومحمد: يفسد النكاح، فإن وطئها لم يستطع ردها، وتأويل المسألة فيما إذا كانت المرأة ثيبا؛ لأنها إذا كانت بكرا يأتي حكمها عن قريب، وإنما يجوز له ردها عند أبي حنيفة م: (لأن الوطء بحكم النكاح) ش: وليس بحكم ملك اليمين حتى يسقط الخيار. م: (إلا إذا كانت بكرا) ش: استثناء من قوله - له أن يردها - أي إذا كانت المرأة بكرا ليس له أن يردها م: (لأن الوطء ينقصها) ش: فصار بمنزلة اختيار جزء منها، فإن قيل: رضي بالنقصان؛ لأنه لما زوجها فقد مكنها على الوطء، وإذا ثبت الخيار فقد تمكن من الرد فيكون راضيا بالنقصان؛ لأنه لما زوجها قلنا: لا نسلم أن الرضاء باق بعدما باعها، بل لا يبقى. وللشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في حل وطئها وجهان: أحدهما: يجوز، والثاني: لا يجوز، وهو نصه، أما لو كان البيع غير امرأته لم يحل للمشتري وطؤها على الأقوال كلها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 59 وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: يفسد النكاح؛ لأنه ملكها. وإن وطئها لم يردها؛ لأن وطأها بملك اليمين فيمتنع الرد وإن كانت ثيبا، ولهذه المسألة أخوات كلها تبتنى على وقوع الملك للمشتري بشرط الخيار وعدمه، منها: عتق المشترى على المشتري إذا كان قريبا له في مدة الخيار، ومنها عتقه إذا كان المشتري حلف إن ملكت عبدا فهو حر، بخلاف ما إذا قال: إن اشتريت؛ لأنه يصير كالمنشئ للعتق بعد الشراء فيسقط الخيار   [البناية] وقال أحمد: لا يحل للبائع أيضا م: (وهذا) ش: أي المذكور إلى هنا م: (عند أبي حنيفة، وقالا: يفسد النكاح؛ لأنه ملكها) ش: أي؛ لأن المشتري ملك امرأته م: (وإن وطئها لم يردها؛ لأنه وطأها بملك اليمين فيمتنع الرد وإن كانت ثيبا) ش: لأنه كان مختارا لها، سواء كان الوطء ينقصها أو لم ينقصها؛ لأنه وطئها بملك اليمين والنكاح عندهما قد ارتفع وأجمعوا على أنه لو لم تكن امرأته بوطئها يصير مختارا، سواء نقصها الوطء أو لم ينقصها؛ لأنه يحصل وطؤها بملك اليمين. م: (ولهذه المسألة أخوات) ش: أي نظائر م: (كلها تبتنى على وقوع الملك للمشتري بشرط الخيار) ش: كما هو مذهبهما م: (وعدمه) ش: أي وتبتنى على وقوع الملك للمشتري كما هو مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (منها) ش: أي من الأخوات م: (عتق المشترى) ش: بفتح الراء م: (على المشتري) ش: بكسر الراء م: (إذا كان) ش: أي المشترى م: (قريبا له) ش: أي للمشتري م: (في مدة الخيار) ش: يعني إذا اشترى ذا رحم محرم منه بشرط الخيار لا يعتق عليه في مدة الخيار؛ لأنه لم يملكه، وخياره كما كان، فإن فسخ البيع عاد إلى ملك البائع، وإن أجازه عتق عليه ولزمه الثمن وعندهما يعتق عليه من زمان الشراء؛ لأنه ملكه ويلزمه الثمن ولا يبقى خياره. م: (ومنها) ش: أي من الأخوات م: (عتقه) ش: أي عتق المشتري بفتح الراء م: (إذا كان المشتري) بكسر الراء م: (حلف إن ملكت عبدا فهو حر) ش: يعني إذا قال إن ملكت عبدا فهو حر ثم اشترى عبدا بشرط الخيار لا يعتق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مدة الخيار؛ لأنه لم يملكه خلافا لهما م: (لخلاف ما إذا قال: إن اشتريت) ش: عبدا فهو حر فاشتراه بالخيار يعتق عليه ويبطل خياره ويلزمه الثمن بالإجماع م: (لأنه يصير كالمنشئ) ش: من الإنشاء وهو إثبات أمر لم يكن م: (للعتق بعد الشراء) ش: لأن المعلق بالشرط كالمرسل عنده، ولو أنشأ العتق بعد الشراء بالخيار عتق. م: (فيسقط الخيار) ش: فكذا هذا، فإن قيل: لو كان كالمنشئ ينبغي أن ينوب عن الكفارة، إذا اشترى المحلوف عليه بعتقه ناويا عن الكفارة، أجيب بأنه إنما جعل كالمنشئ لتصحيح قوله: فهو حر، وليس من ضرورة تحريره وقوعه عن الكفارة بعد استحقاقه الحرية وقت اليمين؛ لأنه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 60 ومنها: أن حيض المشتراة في المدة لا يجتزئ به في الاستبراء عنده، وعندهما يجتزئ، ولو ردت بحكم الخيار إلى البائع لا يجب عليه الاستبراء عنده وعندهما يجب إذا ردت بعد القبض، ومنها إذا ولدت المشتراة في المدة بالنكاح لا تصير أم ولد له عنده خلافا لهما.   [البناية] كالمدبر في الاستحقاق، وفيه يعمل الإنشاء للعتق لا عن الكفارة فكذلك هذا. م: (ومنها) ش: أي ومن الأخوات م: (أن حيض المشتراة في المدة) ش: أي في مدة الخيار م: (لا يجتزئ به) ش: أي لا يكتفي به يعني إذا اشترى جارية بالخيار ثلاثة أيام، وقبضها فحاضت عنده في مدة الخيار فاختارها، وصارت للمشتري فلا يجتزئ بتلك الحيضة م: (في الاستبراء) ش: وعليه أن يستبرئها بحيضة أخرى م: (عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعندهما يجتزئ) ش: بها في الاستبراء. م: (ولو ردت) ش: أي الجارية يعنى إن اختيار المشتري فسخ العقد وعادت الجارية م: (بحكم الخيار إلى البائع لا يجب عليه) ش: أي على البائع م: (الاستبراء عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - سواء كان الفسخ قبل القبض أو بعده؛ لأنه لم يملكها على البائع غيره عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعندهما يجب) ش: أي الاستبراء م: (إذا ردت بعد القبض) ش: بحكم الفسخ؛ لأن المشتري ملكها، وإن كان الفسخ قبل القبض لا يجب عليه شيء، وإن كان الخيار للبائع ففسخ العقد فلا يجب عليه الاستبراء؛ لأنها لم تخرج من ملكه، فإن أجاز البيع فعلى المشتري أن يستبرئها بعد جواز البيع، والقبض بحيضة مستأنفة في قولهم جميعا، كذا في شرح الأقطع م: (ومنها) ش: أي من الأخوات م: (إذا ولدت المشتراة في المدة بالنكاح لا تصير أم ولد له عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (خلافا لهما) ش: قال صاحب النهاية: لا بد من أحد تأويلين: إما أن يكون معناه اشترى منكوحة وولدت في مدة الخيار قبل قبض المشتري أو يكون اشترى الأمة التي كانت منكوحته وولدت منه ولدا قبل الشراء، ثم اشتراها بشرط الخيار لا تصير أم ولد له في مدة الخيار عنده خلافا لهما، وعلى هذا كان قوله في المدة ظرفا لقوله: لا تصير أم ولد له لا ظرف الولادة. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وتقدير كلامه إذا ولدت المشتراة بالنكاح لا تصير أم ولد له في مدة الخيار، وفيه تعقيد لفظي كما ترى، قال: إنما احتجنا إلى أحد التأويلين؛ لأنه لو أجرينا على ظاهر اللفظ. وقلنا: إنه إذا اشترى منكوحته بشرط الخيار وقبضها، ثم ولدت في مدة الخيار يلزم البيع بالاتفاق ويبطل خيار الشرط؛ لأن الولادة عيب ولا يمكن ردها بعدما تعيبت الجارية في يد المشتري بشرط الخيار. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ظاهر كلام المصنف مشكل؛ لأن المشتراة بشرط الخيار إذا ولدت في مدة الخيار يبطل الخيار ويلزم الثمن لحدوث العيب؛ لأن الولادة عيب في بني آدم لا في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 61 ومنها إذا قبض المشتري المبيع بإذن البائع ثم أودعه عند البائع، فهلك في يده في المدة هلك من مال البائع لارتفاع القبض بالرد، لعدم الملك عنده، وعندهما من مال المشتري لصحة الإيداع باعتبار قيام الملك.   [البناية] البهائم إلا أن يوجب نقصانا فينبغي على هذا أن تصير الجارية بالولادة في المدة أم ولد بالاتفاق؛ لأن المبيع إذا تعيب في يد المشتري لا يمكنه أن يرده كما قبض سليما فعلى هذا يقول: إن المشتراة ولدت بالنكاح في مدة الخيار لكن الولادة كانت قبل القبض، فلا تصير أم ولد عنده خلافا لهما، وإنما حملنا على هذا الاحتمال كلامه؛ لأن الولادة إما أن تقع بعد القبض أو قبله. وللمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يقول: أردت أحد هذين الوجهين، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: إذا ولدت المشتراة في المدة بالنكاح هذا إذا ولدت قبل القبض فإنه ذكر في " المبسوط " ولو ولدت عند المشتري ينقطع خياره؛ لأنها تعيبت بالولادة وتصير أم ولده بالإجماع، فهذا دليل على أن ما ذكر في المتن إذا كانت الولادة قبل القبض، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تصير أم ولد له على أحد القولين. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أيضا هذا إذا كانت الولادة قبل القبض؛ لأنها لو ولدت بعده يسقطه الخيار ويثبت الملك للمشتري بالاتفاق وتصير أم ولد له. قلت: لو قيل عقيب قوله: لو ولدت المشتراة إلى آخره يعني قبل القبض لحصل المراد واكتفى عن تطويل الكلام. م: (ومنها) ش: أي ومن الأخوات م: (إذا قبض المشتري المبيع بإذن البائع) ش: يعني اشترى شيئا بعينه على أنه بالخيار ثلاثة أيام فقبضه بإذن البائع م: (ثم أودعه عند البائع) ش: في مدة الخيار م: (فهلك في يده) ش: أي فهلك المبيع في يد البائع م: (في المدة) ش: أي في مدة الخيار أو بعدها م: (هلك من مال البائع لارتفاع القبض بالرد لعدم الملك عنده) ش: لأن الوديعة لم تصح لعدم ملك المودع، وإذا ارتفع القبض كان هلاك المبيع قبل القبض وأنه من مال البائع؛ لأن من مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لم يملكه المشتري. م: (وعندهما من مال المشتري) ش: أي الهلاك يكون من مال المشتري م: (لصحة الإيداع باعتبار قيام الملك) ش: لأن المشتري يملكه فصار مودعا ملك نفسه، فصار هلاكه في يد المودع كهلاكه في يده؛ لأن يد المودع كيده، ولو كان الخيار للبائع فسلمه إلى المشتري، ثم إن المشتري أودعه البائع في مدة الخيار، ثم هلك في يد البائع قبل جواز البيع أو بعده يبطل البيع في قولهم جميعا، ولو كان البيع باتا فقبضه المشتري بإذن البائع، أو بغير إذنه والثمن منقود أو مؤجل وله فيه خيار الرؤية أو خيار العيب فأودعه البائع فهلك في يد البائع هلك على المشتري ولزمه الثمن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 62 ومنها: لو كان المشتري عبدا مأذونا له فأبرأه البائع عن الثمن في المدة بقي خياره عنده؛ لأن الرد امتناع عن التملك، والمأذون له يليه، وعندهما بطل خياره؛ لأنه لما ملكه كان الرد منه تمليكا بغير عوض وهو ليس من أهله. ومنها إذا اشترى ذمي من ذمي خمرا على أنه بالخيار، ثم أسلم بطل الخيار عندهما؛ لأنه ملكها فلا يملك ردها وهو مسلم   [البناية] بالإجماع؛ لأن خيار الرؤية وخيار العيب لا يمنعان وقوع الملك فصار مودعا ملك نفسه كذا في " شرح الطحاوي ". م: (ومنها) ش: أي من الأخوات م: (لو كان المشترى عبدا مأذونا له فأبرأه البائع عن الثمن في المدة بقي خياره عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيانه: عبد مأذون له في التجارة اشترى من حر سلعة بدراهم معلومة على أنه بالخيار ثلاثة أيام، ثم إن البائع أبرأه عن الثمن، فالقياس أن لا يصح إبراؤه؛ لأنه لا يملك الثمن. وفي " الاستحسان ": صح إبراؤه؛ لأنه حصل بعد وجود سبب الملك وهو العقد، فإذا صح إبراؤه ففي قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: خياره على حاله إن شاء اختار السلعة، وتكون له بغير ثمن وإن شاء فسخ وعاد إلى البائع بغير ثمن، وعندهما بطل خياره ولا يملك الفسخ والرد؛ لأن مذهبهما أنه ملكها، وفي الفسخ والرد تمليك منه للبائع بغير بدل وهو ليس من أهل ذلك، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يملك فيكون في الفسخ والرد امتناع عن التمليك. م: (لأن) ش: لما ملك م: (الرد) ش: يكون له في الفسخ والرد م: (امتناع عن التملك والمأذون له يليه) ش: أي الامتناع أي له ولاية الامتناع م: (وعندهما بطل خياره؛ لأنه لما ملكه) ش: أي لما ملك البيع م: (كان الرد منه تمليكا بغير عوض) ش: أي بغير ثمن فيكون متبرعا م: (وهو) ش: أي المأذون له م: (ليس من أهله) ش: أي من أهل التمليك، فإذا امتنع الرد بطل الخيار ضرورة، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإن كان الملك للبائع فكما قاله، وإن كان للمشتري فكما قالا. م: (ومنها) ش: أي ومن الأخوات م: (إذا اشترى ذمي من ذمي خمرا) ش: أو خنزيرا م: (على أنه بالخيار ثم أسلم بطل الخيار عندهما) ش: أي ثم أسلم المشتري بطل الخيار عند أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله-: م: (لأنه ملكها فلا يملك ردها وهو مسلم، وعنده يبطل البيع؛ لأنه لم يملكها) ش: لأن المسلم لا يملك تمليك الخمر م: (فلا يتملكها بإسقاط الخيار وهو مسلم) ش: أي والحال أنه مسلم، وذكر خيار المشتري وإسلامه؛ لأنه إذا كان الخيار للبائع وأسلم البائع يبطل البيع بالإجماع. وذكر الإمام التمرتاشي: مسائل على هذا الأصل منها: إذا اشترى مسلم عصيرا بالخيار الجزء: 8 ¦ الصفحة: 63 وعنده يبطل البيع؛ لأنه لم يملكها فلا يتملكها بإسقاط الخيار وهو مسلم. قال: ومن شرط له الخيار فله أن يفسخ في مدة الخيار، وله أن يجيز، فإن أجاز بغير حضرة صاحبه جاز، وإن فسخ لم يجز إلا أن يكون الآخر حاضرا عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-، وقال أبو يوسف: يجوز، وهو قول الشافعي، والشرط هو العلم، وإنما كنى بالحضرة عنه. له أنه مسلط على الفسخ من جهة صاحبه فلا يتوقف على علمه كالإجازة ولهذا لا يشترط رضاه، وصار كالوكيل بالبيع،   [البناية] فتخمر في المدة فسد البيع عنده وعندهما ثم، ومنها: إذا كان المشترى دارا وهو ساكنها بإجارة أو إعارة فاستدام السكنى بعد الشرط قال الإمام السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون اختيارا وابتداء السكنى اختيار؛ لأن الدار لا تمتحن بالسكنى. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ -: استدامة السكنى اختيار عندهما؛ لأنه يملك الثمن، وعنده ليس باختيار؛ لأنه بالإجارة أو الإعارة، ومنها حلال اشترى طيبا بالخيار فقبضه ثم أحرم والطيب في يده ينتقض البيع عنده ويرد إلى البائع وقالا: يلزم المشتري ولو كان الخيار للبائع ينتقض بالإجماع ولو كان الخيار للمشتري فأحرم البائع للمشتري أن يرده. [من شرط له الخيار له أن يفسخ العقد] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن شرط له الخيار) ش: سواء كان بائعا أو مشتريا أو راضيا م: (فله أن يفسخ) ش: أي العقد م: (في مدة الخيار وله أن يجيز، فإن أجاز بغير حضرة صاحبه جاز، وإن فسخ لم يجز إلا أن يكون الآخر حاضرا، عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وقال أبو يوسف: يجوز، وهو قول الشافعي) ش: وأحمد ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (والشرط هو العلم) ش: قال القدوري: بغير حضرة صاحبه وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشرط العلم أي علم صاحبه بالفسخ م: (وإنما كنى بالحضرة عنه) ش: أي عن العلم يعني ذكر السبب فأراد المسبب؛ لأن الحضور سبب العلم وليس المراد منه الكناية الاصطلاحية لأرباب البلاغة لكن المراد به ما استتر به المراد م: (له) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أنه) ش: أي أن من شرط له الخيار م: (مسلط على الفسخ) ش: أي على فسخ العقد م: (من جهة صاحبه) ش: وكل من هو كذلك م: (فلا يتوقف) ش: فعله م: (على علمه كالإجازة) ش: فإن فيها لا يشترط العلم بالإجماع. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عدم توقف فعله على علم صاحبه م: (لا يشترط رضاه) ش: يعني في الفسخ م: (وصار) ش: أي من له الخيار م: (كالوكيل بالبيع) ش: فإن للوكيل أن يتصرف فيما وكل به، وإن كان الموكل غائبا؛ لأنه مسلط على البيع من جهته فكذا هاهنا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 64 ولهما أنه تصرف في حق الغير، وهو العقد بالرفع، ولا يعرى عن المضرة؛ لأنه عساه يعتمد تمام البيع السابق، فيتصرف فيه، فيلزمه غرامة القيمة بالهلاك، فيما إذا كان الخيار للبائع أو لا يطلب لسلعته مشتريا فيما إذا كان الخيار للمشتري، وهذا نوع ضرر فيتوقف على علمه، وصار كعزل الوكيل، بخلاف الإجازة؛ لأنه لا إلزام فيه ولا نقول إنه مسلط، وكيف يقال ذلك وصاحبه لا يملك الفسخ ولا تسليط في غير ما يملكه المسلط، ولو كان فسخ في حال غيبة صاحبه وبلغه في المدة تم الفسخ لحصول العلم به، ولو بلغه بعد مضي المدة تم العقد بمضي المدة قبل الفسخ.   [البناية] م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله- م: (أنه) ش: أي أن الفسخ م: (تصرف في حق الغير) ش: وهو من ليس له الخيار م: (وهو العقد بالرفع) ش: في حق المتعاقدين م: (ولا يعرى عن المضرة) ش: أي لا يخلو عن المضرة م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الذي ليس له الخيار م: (عساه) ش: أي لعله م: (يعتمد تمام البيع السابق فيتصرف فيه) ش: أي في المبيع ثم ليظهر أنه تصرف في مال غيره. م: (فيلزمه غرامة القيمة بالهلاك) ش: أي بهلاك، ولا خفاء في كونه ضررا، هذا م: (فيما إذا كان الخيار للبائع أو لا يطلب) ش: أي البائع م: (لسلعته مشتريا) ش: أي مشتريا آخر، وهذا نوع ضرر م: (فيما إذا كان الخيار للمشتري) ش: لأنه قد تكون المدة أيام رواج بيع المبيع م: (وهذا نوع ضرر) ش: لفواتها، فإذا كان كذلك م: (فيتوقف) ش: أي القول م: (على علمه وصار كعزل الوكيل) ش: فإنه موقوف على علمه بعزل الموكل كيلا يتضرر بلزوم الثمن فيما إذا كان وكيلا بالشراء، ويبطلان قوله فيما إذا كان وكيلا بالبيع م: (بخلاف الإجازة؛ لأنه لا إلزام فيه) ش: لأنها إتمام للعقد السابق فلم يحتج إلى حضور صاحبه. م: (ولا نقول إنه) ش: أي إن من له الخيار م: (مسلط) ش: أي على الفسخ، هذا جواب عن قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه مسلط م: (وكيف يقال ذلك وصاحبه) ش: هو الذي لا خيار له م: (لا يملك الفسخ) ش: للزوم العقد من جانبه فكيف تملك تسليط عليه م: (ولا تسليط في غير ما يملكه المسلط) ش: بكسر اللام م: (ولو كان فسخ في حال غيبة صاحبه وبلغه) ش: أي خبر الفسخ م: (في المدة) ش: أي في مدة الخيار م: (تم الفسخ لحصول العلم به، ولو بلغه) ش: أي ولو بلغ صاحبه م: (بعد مضي المدة تم العقد بمضي المدة قبل الفسخ) ش: لأن تمام المدة دلالة لزوم العقد. واعلم أن مدار دليلها إلزام ضرر زائد غير مرضي به، فإذا فات المجموع أو بعضه في بعض الصور لا يكون نقضا فلا يرد ما قيل: الطلاق والعتاق والعفو عن القصاص يلزم منها في حق غير الفاعل إلزام، وهو مسوغ؛ لأن ذلك من الإسقاطات وما هو كذلك ليس فيه شيء من الإلزام كإسقاط الحمل عن الدابة لا يكون إلزاما عليها إنما اللزوم في جانب من أسقط، وكلامنا في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 65 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الحكم الذي يلزم على الغير ولا ما قيل: الزوج ينفرد بالرجعة وحكمها يلزم المرأة، وإن لم تعلم؛ لأنه ليس فيها إلزام؛ لأن الطلاق الرجعي لا يرفع النكاح حتى تكون الرجعة إلزاما، وإنما هي استدامة ملك النكاح. ولا ما قيل: اختيار المجيزة ينفذ على زوجها وإن لم يعلم به؛ لأن اختيارها لا يتصور بغير حضور زوجها كذا في " مختصر الأسرار " ولا ما قيل: اختيار الأمة المعتقة الفرقة يلزم الزوج بدون علمه وفيه إلزام؛ لأن الملك ازداد عليها بالحرية حيث لزمها المقام في منزل الزوج فكان لها أن تدفع تلك الزيادة برفع العقد. ولا ما قيل: اختيار الملك دفع عقد الفضولي يلزم العاقدين بلا علم، وفيه إلزام عليهما؛ لأنه امتناع عن العقد لا إلزام منه. ولا ما قيل: الطلاق يلزم العدة على المرأة، وإن لم تعلم؛ لأنه لا ضرر في العدة، ولكونه بإيجاب الشرع نصا دون الطلاق بخلاف الضرر المذكور في خيار الشرط فإنه زائد على موجب خيار الشرط وهو الرد أو الإجازة وهو غير مرضي به من جانب الآخر ولا يلزمه إلا بعلمه. ثم اعلم أن شرط الخيار إذا كان للبائع فجواز العقد ونفوذه بأحد معان ثلاثة؛ أما بقوله: أجزت البيع في المدة، ولا يشترط حضرة الآخر، وإما بموت البائع في المدة؛ لأن الخيار لا يورث عندنا، وإما بمضي مدة الخيار من غير فسخ، وأما الفسخ فيثبت بالقول والفعل أما القول فبقوله: فسخت البيع. فإذا قال ولك انفسخ البيع بلا رضا المشتري ولا يحتاج فيه إلى قضاء القاضي، ولكن يشترط حضوره عندهما خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأما الفعل فكما إذا تصرف في المبيع في مدة الخيار تصرف الملاك كالإعتاق والبيع والتقبيل ونحو ذلك، فإن العقد ينفسخ حكما حضر المشتري أو لا بالإجماع. وأما إذا كان الخيار للمشتري فجواز العقد ونفاذه بالمعاني الثلاثة التي ذكرناها وبمعان أخر سواء نحو أن يصير المشترى في يد البائع فالمشترى بحال لا يملك المشتري الفسخ على تلك الحالة كما إذا ملك المعقود عليه أو انتقص في يد المشتري نقصانا يسيرا أو فاحشا بفعل المشتري أو بفعل البائع أو بآفة سماوية أو بفعل الأجنبي أو بفعل المعقود عليه بطل خياره، ونفذ البيع وهذا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - كذلك إلا فيما إذا حصل النقصان بفعل البائع حيث لا يبطل خيار المشتري إن شاء رده عليه وإن شاء اختاره وأخذ من البائع الأرش. وفي " المحيط " إذا كان الخيار للبائع ينفذ العقد بإجازته وبموته وبمضي المدة قبل الفسخ وبالإغماء والجنون وإن أفاق في المدة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 66 قال: وإذا مات من له الخيار بطل خياره ولم ينتقل إلى ورثته. وقال الشافعي: يورث عنه؛ لأنه حق لازم ثابت في البيع فيجري فيه الإرث كخيار العيب والتعيين   [البناية] قال الإسبيجابي: الأصح أنه على خياره، فلو سكر من الخمر لم يبطل خياره بخلاف السكر من البنج، ولو ارتد فعلى خياره، إجماعا، فلو تصرف بحكم خياره يتوقف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما، وأما الفسخ إما بالقول أو بالفعل وهو أن يتصرف البائع تصرف الملاك في مدة الخيار كما إذا أعتقه أو دبره أو كاتبه أو علق بهما فوجد الشرط أو باعه من غيره أو وهبه وسلمه أو رهن أو أجر، وإن لم يسلم على الأصح وهذه التصرفات فسخ بغير علم المشتري إجماعا إلا رواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقبض الثمن من البائع ليس بإجازة وكذا هبته وارتهانه، إلا إذا استفيد له بغيره كالدراهم والدنانير. ولو باع جارية بعبد على أنه بالخيار في الجارية فهبته العبد أو عرضه على البيع إجازة، وعرضها على البيع ليس بفسخ على الأصح ولو أبرأه من الثمن أو اشترى منه به شيئا أو ساومه به فهو إجازة، ولو توارى المشتري في مدة الخيار يبعث إليه القاضي من بعد فإن ظهر وإلا أبطله إلا أن يجيء في المدة، ولو كان الخيار للمشتري فنفاذه بما ذكرناه من الأمور في حق البائع وبالتصرف تصرف الملاك فوطؤه إجازة والاستخدام لا والاستخدام ثانيا إجازة إلا إذا كان في نوع آخر، والركوب امتحانا ليس بإجازة، وكذا لو ركبها لحاجة أو سفر أو حمل عليها إلا علفها عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والركوب للرد والسقي والإعلاف إجازة، وقيل: إن لم يمكن بدون الركوب فلا يكون إجازة كما في خيار العيب ولو أمر الغلام بحمل شيء أو حلق رأسه أو غسله فليس برضا، ولو كان المشتري كتابا ففسخ منه لنفسه أو لغيره لا يبطل خياره، وإن قلبت الأوراق وبالدرس منه يبطل خياره، وقيل: على عكسه وبه أخذ أبو الليث. [مات من له الخيار] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا مات من له الخيار) ش: وهذا التعبير يتناول البائع والمشتري وغيرهما جميعا، وقيل: بموت من له الخيار؛ لأنه بموت من عليه الخيار لا يبطل بالإجماع م: (بطل خياره ولم ينتقل إلى ورثته، وقال الشافعي: يورث عنه) ش: وبه قال مالك م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الخيار م: (حق لازم) ش: حتى إن صاحبه لا يملك إبطاله، وإنما قال حق؛ لأن حق الإنسان ما يتولى إثباته وإسقاطه، ولازم؛ لأن صاحبه لا يتمكن من إبطاله م: (ثابت في البيع فيجري فيه الإرث كخيار العيب) ش: والرؤية م: (والتعيين) ش: أي وكخيار التعيين صورته: رجل اشترى عبدين على أنه بالخيار يأخذ أيهما شاء بألف ويرد الآخر ثم مات المشتري يقوم وارثه مقامه في اختيار أحدهما. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 67 ولنا أن الخيار ليس إلا مشيئة وإرادة ولا يتصور انتقاله، والإرث فيما يقبل الانتقال، بخلاف خيار العيب؛ لأن المورث استحق المبيع سليما، فكذا الوارث، فأما   [البناية] م: (ولنا أن الخيار ليس إلا مشيئة وإرادة) ش: وكلاهما منصوبان على أنهما بدلان عن خبر ليس أي ليس الخيار شيئا إلا مشيئة وإرادة. قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لأن الشاري هو الفاعل عن ملك واختيار لا عن أمر وإجبار، ومشيئة الإنسان تنقطع بموته كقدرته؛ لأنها صفته ولا تبقى بعد الموصوف م: (ولا يتصور انتقاله) ش: أي انتقال الخيار؛ لأنه ليس إلا مشيئة وإرادة، وهما عرضان والعرض لا يقبل الانتقال م: (والإرث فيما يقبل الانتقال) ش: لأنه خلافة عن المورث بنقل الأعيان إلى الوارث، هذا معقول لا معارض له من المنقول، فيكون معمولا به. لا يقال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ترك مالا أو حقا فلورثته» الخيار حق فيكون لورثته؛ لأن المراد به حق قابل للانتقال له بدليل قوله: "فلورثته" الخيار، ليس كذلك فإن قيل: المالكية صفة تنقل من المورث إليه في الأعيان فهل لا يكون الخيار كذلك؟ وأجيب: بأن المنتقل هو العين، فإن قيل: المالكية ضمني فليكن خيار الشرط كذلك بأن ينتقل المبيع من المورث إلى الوارث ثم الخيار يتبعه ضمنا، وأجيب بأن الخيار ليس من لوازم البيع بل الأصل عدمه، وكم من مبيع لا خيار فيه بخلاف المملوك فإنه يستلزم مالكية مالك، وفيه نظر، فإن الكلام في البيع بشرط الخيار لا في مطلقه والخيار يلزمه والصواب أن يقال: الغرض الأصلي من نقل الأعيان ملكيتها وليس الخيار في البيع بشرط الخيار كذلك فلا يلزم من انتقال ما هو الغرض الأصلي انتقال ما ليس كذلك. فإن قيل: القصاص ينتقل من المورث إلى الوارث بذاته من غير تعيين العين فليكن الخيار كذلك. أجيب: بأنه ثبت للوارث ابتداء؛ لأنه شرع للتشفي والخيار يثبت بالعقد والشرط والوارث ليس بعاقد ولا شارط لا يقال: البيع بشرط الخيار غير لازم فتورث كذلك لا بطريق النقل فلا يفيد ما ذكرتم؛ لأن كلامنا مع من يقول بالنقل وما ذكرناه يدل على انتفائه، ولو التزم ملتزم ما ذكره قلنا: البيع بشرط الخيار غير لازم في حق العاقد وفي حق الوارث، والأول مسلم ولا كلام فيه، والثاني عين النزاع، هذا كله لخصه الأكمل من كلام السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وغيره فنقلناه مثل ما نقله تكثيرا للفائدة. م: (بخلاف خيار العيب) ش: جواب عما قاس عليه الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (لأن المورث استحق المبيع سليما، فكذا الوارث) ش: لأنه قائم مقامه فكان ذلك نقلا في الأعيان م: (فأما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 68 نفس الخيار لا يورث، وخيار التعيين يثبت للوارث ابتداء لاختلاط ملكه بملك الغير، لا أن يورث الخيار. قال: ومن اشترى شيئا وشرط الخيار لغيره فأيهما أجاز جاز الخيار، وأيهما نقض انتقض   [البناية] نفس الخيار لا يورث) ش: لأنه لا يتصور انتقاله كما ذكرناه فلا يجري فيه الإرث م: (وخيار التعيين) ش: هذا جواب عما قاسه الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. تقريره أن خيار التعيين م: (يثبت للوارث ابتداء) ش: لا بسبيل الإرث يعني أنه بطل ذلك الخيار الأول، ويجدد للوارث خيار آخر حكما م: (لاختلاط ملكه بملك الغير) ش: لأن ملك أحد العبدين مجهول؛ لأن ملكه أحدهما، وقد اختلف بملك صاحبه فثبت لهما التعيين بعلة مجهولة لملكه، فإما أن يكون ذلك بالإرث فلا م: (لا أن يورث الخيار) ش: كما مر غير مرة. فإن قلت: المكاتب إذا مات وخلف ولدا ولد في الكتابة ينتقل إليه الكتاب مع الأجل والتنجيم. قلت: انتقال الكتابة إلى الولد بسبيل السراية لا بسبيل الإرث؛ لأن المكاتب لا يورث ولا يلزم خيار الصفة وهو ما إذا اشترى على أنه له الخيار؛ لأن فيه معنى المال، ولا يلزم الرهن والكفالة والضمان حيث يورث هذه الأشياء؛ لأن فيه وثيقة ومعنى المال وكذلك القصاص يؤول إلى مال. [اشترى شيئا وشرط الخيار لغيره] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى شيئا وشرط الخيار لغيره) ش: المراد من الغير هاهنا غير العاقدين حتى يأتي خلاف زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فأيهما أجاز) ش: أي من المشتري، ومن الشروط له الخيار م: (جاز الخيار وأيهما) ش: أي الاثنين المذكورين م: (نقض) ش: أي العقد م: (انتقض) ش: أي العقد. وقال الكاكي: فإن قيل قوله: فأيهما أجاز إلى آخره جملة استفهامية لا تصلح خبرا للمبتدأ وهو قوله: ومن اشترى فيبقى المبتدأ بلا خبر، قلنا: في المبتدأ معنيان أحدهما الابتداء والثاني الشرطية فيقتضي الخبر، والجزاء هنا وقع موقع خبر فيكون الخبر محذوفا وهو قوله أجازه. ويتحقق هذا المعنى في ضمن الخبر؛ لأنه لما جاز بالإجازة لا بد وأن يكون الاشتراط للغير جائزا كما في قَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] (النور: الآية 2) ، وقوله {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] لا يصلح خبرا لكونه طلبا، وفي ضمنه خبره وهو وجوب الجلد المستفاد منه تقديره: الزانية والزاني يجب عليهما الحد فاجلدوا .... انتهى. واعترض عليه بعضهم بقوله: ما جواب هذا العامل زيد من أبوه ونحوه قوله، وقال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 69 وأصل هذا أن اشتراط الخيار لغيره جائز استحسانا، وفي القياس لا يجوز، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الخيار من مواجب العقد وأحكامه فلا يجوز اشتراطه لغيره كاشتراط الثمن على غير المشتري. ولنا أن الخيار لغير العاقد قد لا يثبت إلا بطريق النيابة عن العاقد فيقدر الخيار له اقتضاء ثم يجعل هو نائبا عنه تصحيحا لتصرفه،   [البناية] الأكمل: ومن اشترى وشرط الخيار لغيره تقدير كلامه من اشترى وشرط الخيار لغيره جاز حذفه لدلالة قوله فأيهما أجاز جاز. قلت: هذا له وجه وهو أحسن من تطويل الكاكي على أن التقدير في الآية على ما تقتضيه القاعدة الزانية والزاني يقال فيه: فاجلدوا، وكذلك التقدير في قول المعترض بقوله زيد من أبوه؟ زيد يقال فيه: من أبوه؟. وبقولنا فيه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الأصح ومالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ولكن للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه وجهان: أحدهما أنه يصح للغير وحده، والثاني يثبت له مع العاقد وعنه في قول لا يصح وبه قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي فساد البيع وجهان: في وجه يفسد البيع، وفي وجه البيع صحيح والشرط فاسد. م: (وأصل هذا) ش: أي أصل هذا المذكور من المسألة م: (أن اشتراط الخيار لغيره جائز استحسانا، وفي القياس لا يجوز، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الخيار من مواجب العقد) ش: أي من مقتضياته م: (وأحكامه، فلا يجوز اشتراطه لغيره) ش: لأنه خلاف ما يقتضيه العقد م: (كاشتراط الثمن على غير المشتري) ش: أو اشتراط تسليمه على غيره أو اشتراط الكل لغيره. م: (ولنا أن الخيار لغير العاقد قد لا يثبت إلا بطريق النيابة عن العاقد) ش: إذ لا وجه لإثباته للغير أصالة م: (فيقدر الخيار له) ش: أي للعاقد م: (اقتضاء) ش: أي من حيث الاقتضاء تصحيحا لعرف العاقد على حسب الإمكان فيجعل كأنه شرط لنفسه. م: (ثم يجعل هو) ش: أي يجعل من له الخيار م: (نائبا عنه تصحيحا لتصرفه) ش: أي لتصرف العاقد، فكان ثبوت الخيار للعاقد مقتضى صحة ثبوت الخيار للأجنبي وفيه بحث من وجهين: أحدهما: أن شرط الاقتضاء أن يكون المقتضي أو في منزلة من المقتضي ألا ترى أن من قال لعبد له حنث في يمينه كفر عن يمينك بالمال لا يكون ذلك تحريرا اقتضاء؛ لأن التحرير أقوى من تصريف التكفير لكونه أصلا فلا يثبت تبعا لفرعه، ولا خفاء أن العاقد أعلى مرتبة فكيف يثبت الخيار له اقتضاء؟ والثاني: بأن اشتراط الخيار لغيره لو جاز اقتضاء تصحيحا لجاز اشتراط وجوب الثمن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 70 وعند ذلك يكون لكل واحد منهما الخيار فأيهما أجاز جاز وأيهما نقض انتقض. ولو أجاز أحدهما وفسخ الآخر يعتبر السابق لوجوده في زمان لا يزاحمه فيه غيره، ولو خرج الكلامان منهما معا يعتبر تصرف العاقد في رواية وتصرف الفاسخ في أخرى. وجه الأول أن تصرف العاقد أقوى؛ لأن النائب يستفيد الولاية منه، وجه الثاني أن الفسخ أقوى؛ لأن المجاز يلحقه الفسخ، والمفسوخ لا تلحقه الإجازة   [البناية] على الغير بطريق الكفالة بأن يجب الثمن على العاقد أولا ثم على الغير كفالة عنه كذلك. وأجيب عن الأول: بأن الاعتبار للمقاصد والغير هو المقصود باشتراط الخيار فكان هو الأصل بطل إلى الخيار، والعاقد أصل من حيث التمليك لا من حيث الخيار فلا يلزمه ثبوت الأصل تبعية فرعه، وأما الحرية فإنه الأصل في وجوب الكفارة المالية فلا يثبت تبعا لفرعه. وعن الثاني: بأن الدين لا يجب على الكفيل في الصحيح بدون التزام المطالبة، والمذكور هنا هو الثمن على الأجنبي وثبوت المقتضى لتصحيح المقتضي، ولو صحت الكفالة بطريق الاقتضاء كان مبطلا للمقتضي وعاد على موضوعه بالنقص فإن قيل: فليكن بطريق المحالة فإن عنها المطالبة بالدين فالجواب: أن المشتري أصل في وجوب الثمن عليه فلا يجوز أن يكون تابعا لفرعه وهو المحال عليه. م: (وعند ذلك) ش: أي عند ثبوت الخيار لهما م: (يكون لكل واحد منهما الخيار) ش: أي للعاقد ولمن شرط له الخيار م: (فأيهما أجاز) ش: أي العقد م: (جاز وأيهما نقض انتقض، ولو أجاز أحدهما وفسخ الآخر يعتبر السابق لوجوده في زمان لا يزاحمه فيه غيره، ولو خرج الكلامان منهما معا يعتبر تصرف العقد في رواية) ش: وهي رواية كتاب البيوع. م: (وتصرف الفاسخ في أخرى) ش: أي ويعتبر تصرف الفاسخ وهو الذي فسخ العقد في رواية أخرى وهي رواية كتاب المأذون م: (وجه الأول) ش: أي وجه اعتبار تصرف العاقد م: (أن تصرف العقد أقوى؛ لأن النائب يستفيد الولاية منه، وجه الثاني) ش: أي وجه اعتبار تصرف الفسخ وهي رواية كتاب المأذون م: (أن الفسخ أقوى؛ لأن المجاز) ش: بضم الميم م: (يلحقه الفسخ) ش: كما لو أجاز البيع هلك عند البائع. م: (والمفسوخ لا تلحقه الإجازة) ش: فإن العقد إذا انفسخ بهلاك المبيع عند البائع لا تلحقه الإجازة ونوقض بما إذا تراضيا على فسخ الفسخ وعلى إعادة العقد بينهما جاز وفسخ الفسخ ليس إلا هو إجازة البيع في المفسوخ. وأجيب بأن هذا ليس بإجازة للفسخ بل هو بيع ابتداء. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 71 ولما ملك كل واحد منهما التصرف رجحنا بحال التصرف، وقيل الأول قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والثاني قول: أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - واستخرج ذلك مما إذا باع الوكيل من رجل والموكل من غيره معا، فمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر فيه تصرف الموكل، وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبرهما. قال: ومن باع عبدين بألف درهم على أنه بالخيار في أحدهما ثلاثة أيام فالبيع فاسد، فإن باع كل واحد منهما بخمسمائة على أنه بالخيار في أحدهما بعينه جاز المبيع، والمسألة على أربعة أوجه: أحدها: أن لا يفصل الثمن ولا يعين الذي فيه الخيار وهو الوجه الأول في الكتاب، وفساده لجهالة الثمن والمبيع؛ لأن الذي فيه الخيار كالخارج عن العقد؛ إذ العقد مع   [البناية] م: (ولما ملك كل واحد منهما التصرف) ش: هذا كأنه جواب عما يقال: إن كل واحد من الفاسخ والمخير يملك التصرف فأي تصرف من التصرفين يرجح على الآخر فذاك، ولما ملك كل واحد منهما التصرف من الإجازة والفسخ م: (رجحنا بحال التصرف) ش: لأن كل واحد منهما أصل العاقد من حيث التملك والأجنبي من حيث شرط الخيار، فلم يترجح الأمر إلا من حيث التصرف فرجحنا من حيث حال التصرف وهو فوقه والنقض يفسخ الإجازة، والإجازة لا تفسخ النقض، فكان النقض الأولى، لا يقال: النقض والإجازة من توابع الخيار فكان الخيار ترجيح تصرف من له الخيار؛ لأن جهة تملك العاقد عارضة في ذلك. م: (وقيل الأول) هو أن تصرف العاقد أقوى م: (قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والثاني) هو تصرف الفاسخ م: (قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - واستخرج) ش: على صيغة المجهول م: (ذلك) إشارة إلى الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- في ذلك أراد أن المنسوب إليهما ليس بمنقول عنهما وإنما استخرج م: (مما إذا باع الوكيل من رجل والموكل) أي باع الموكل م: (من غيره معا) أي في حالة واحدة م: (فمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر فيه تصرف الموكل، وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبرهما) ش: أي يعتبر تصرفهما ويجعل البيع مشتركا بينهما بالنصف ويخير كل واحد من المشتركين إن شاء أخذ النصف بنصف الثمن وإن شاء نقض البيع. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن باع عبدين بألف درهم على أنه بالخيار في أحدهما ثلاثة أيام فالبيع فاسد، فإن باع كل واحد منهما بخمسمائة على أنه بالخيار في أحدهما بعينه جاز المبيع) ش: أي يختار الشرط في أحد العبدين معينا م: (والمسألة على أربعة أوجه: أحدها:) ش: أي أحد الأوجه م: (أن لا يفصل الثمن ولا يعين الذي فيه الخيار وهو الوجه الأول في الكتاب) ش: أي " الجامع الصغير ". م: (وفساده) ش: أي فساد هذا الوجه م: (لجهالة الثمن والمبيع؛ لأن الذي فيه الخيار كالخارج عن العقد) ش: لأنه يشبه الاستثناء، إما؛ لأن العقد غير لازم في الذي لا خيار فيه م: (إذ العقد مع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 72 الخيار لا ينعقد في حق الحكم فبقي الداخل فيه أحدهما وهو غير معلوم. والوجه الثاني: أن يفصل الثمن ويعين الذي فيه الخيار وهو المذكور ثانيا في الكتاب، وإنما جاز؛ لأن المبيع معلوم والثمن معلوم، وقبول العقد في الذي فيه الخيار وإن كان شرطا لانعقاد العقد في الآخر، ولكن هذا غير مفسد للعقد لكونه محلا للبيع كما إذا جمع بين قن ومدبر. والثالث: أن يفصل ولا يعين. والرابع: أن يعين ولا يفصل، والعقد فاسد في الوجهين، إما لجهالة المبيع أو لجهالة الثمن   [البناية] الخيار لا ينعقد في حق الحكم) ش: أي وهو ثبوت الحكم م: (فبقي الداخل فيه أحدهما وهو غير معلوم) ش: وما هو كذلك فثمنه مثله فيفسد البيع كما في البيع بثمن بطريق الحصة ابتداء. م: (والوجه الثاني:) ش: وهو أن يبيع كل واحد منهما بخمسمائة على أنه بالخيار في أحدهما، وهو معنى قوله م: (أن يفصل الثمن ويعين الذي فيه الخيار، وهو المذكور ثانيا في الكتاب) ش: أي " الجامع الصغير " م: (وإنما جاز) ش: أي البيع هنا م: (لأن المبيع معلوم والثمن معلوم) ش: فجاز لارتفاع الجهالة م: (وقبول العقد) ش: هذا جواب شبهة وهي أن يقال: ينبغي أن يفسد العقد في هذا أيضا لوجود المفسد. وهو قبول العقد في الذي يدخل في العقد؛ لأن العبد الذي فيه الخيار غير داخل حكما، كما إذا جمع بين حر وقن فإنه لا يجوز العقد في القن وإن فصل الثمن لما أنه جعل قبول العقد في الحر شرطا لصحة العقد في القن، فأجاب بقوله وقبول العقد م: (في الذي فيه الخيار وإن كان شرطا لانعقاد العقد في الآخر) ش: أي في العبد الآخر. م: (ولكن هذا غير مفسد للعقد لكونه) ش: أي لكون من فيه الخيار م: (محلا للبيع) ش: فكان داخلا في العقد وإن لم يدخل في الحكم فصار م: (كما إذا جمع بين قن ومدبر) ش: في البيع في أن المدبر محل البيع حتى إن القاضي لو قضى بجواز بيعه نقدا فلم يكن شرط قبول العقد فيه مفسدا للعقد في الآخر بخلاف ما إذا جمع بين حر وقن فإن الحر ليس بمحل للبيع أصلا فلم يكن داخلا لا في العقد ولا في الحكم. فإن قلت: في الجملة هو شرط لا يقتضيه العقد فكان مفسدا. أجيب: بأنه ليس فيه نفع لأحد المتعاقدين ولا للمعقود عليه فلا يكون مفسدا. م: (والثالث) ش: أي الوجه الثالث م: (أن يفصل) ش: أي الثمن م: (ولا يعين) ش: أي الذي فيه الخيار م: (والرابع) ش: أي الوجه الرابع م: (أن يعين) ش: أي الذي فيه الخيار م: (ولا يفصل) ش: أي الثمن م: (والعقد فاسد في الوجهين، إما لجهالة المبيع أو لجهالة الثمن) ش: وكل منهما مفسد للبيع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 73 قال ومن اشترى ثوبين على أن يأخذ أيهما شاء بعشرة وهو بالخيار ثلاثة أيام فهو جائز، وكذلك الثلاثة، فإن كانت أربعة أثواب فالبيع فاسد، والقياس أن يفسد البيع في الكل لجهالة المبيع، وهو قول زفر والشافعي. وجه الاستحسان أن شرع الخيار للحاجة إلى دفع الغبن ليختار ما هو الأرفق والأوفق، والحاجة إلى هذا النوع من البيع متحققة؛ لأنه يحتاج إلى اختيار من يثق به أو اختيار من يشتريه لأجله، ولا يمكنه البائع من الحمل إليه إلا بالبيع، فكان في معنى ما ورد به الشرع غير أن هذه الحاجة تندفع بالثلاث لوجود الجيد والوسط والرديء فيها والجهالة لا تفضي إلى المنازعة في الثلاث لتعيين من له الخيار، وكذا في الأربع إلا أن الحاجة   [البناية] م: (قال) ش: محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى ثوبين على أن يأخذ أيهما شاء بعشرة وهو بالخيار ثلاثة أيام فهو جائز، وكذلك الثلاثة) ش: أي الأثواب الثلاثة م: (فإن كانت أربعة أثواب فالبيع فاسد، والقياس أن يفسد البيع في الكل لجهالة المبيع وهو قول زفر والشافعي. وجه الاستحسان أن شرع الخيار للحاجة إلى دفع الغبن ليختار ما هو الأرفق) ش: أي بالنظر إلى الثمن م: (والأوفق) ش: أي بحاله. م: (والحاجة إلى هذا النوع من البيع) ش: أراد بهذا النوع أن يشتري أحد الثوبين أو أحد العبدين على أن يأخذ أيهما شاء بثمن معلوم م: (متحققة؛ لأنه) ش: ربما م: (يحتاج إلى اختيار من يثق به) ش: لخبرته م: (أو اختيار من يشتريه لأجله) ش: كامرأته وبنته م: (ولا يمكنه البائع) ش: بتشديد الكاف م: (من الحمل إليه) ش: أي إلى من يثق به أو إلى من يشتريه لأجله م: (إلا بالبيع فكان) ش: باعتبار الحاجة م: (في معنى ما ورد به الشرع) ش: وهو شرط الخيار ثلاثة أيام م: (غير أن هذه الحاجة تندفع بالثلاث) ش: أي بالثياب الثلاث م: (لوجود الجيد والوسط والرديء فيها) ش: أي الحاجة إلى الاختيار بالثلاث لاختلاف الأوصاف في الثياب وهي ثلاثة الجيد والوسط والرديء فيها أي في الثياب. م: (والجهالة لا تفضي إلى المنازعة) ش: هذا جواب عما قال الإمام الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومن الجهالة في وجه القياس تقريره أن هذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة م: (في الثلاث) ش: أي في الثياب الثلاث م: (لتعيين من له الخيار) ش: لأنه لما شرط الخيار لنفسه استبد بالتعيين فلم يبق له منازع، فكان علة جوازه من الحاجة وعدم كون الجهالة تفضي إلى المنازعة. فأما عدم المنازعة فإنه ثابت باشتراط الخيار لنفسه سواء كانت الأثواب ثلاثة أو أكثر وأما الحاجة إنما تتحقق في الثلاثة لوجود الجيد والوسط والرديء. م: (وكذا في الأربع) ش: أي في الثياب الأربع لا يفضي إلى المنازعة م: (إلا أن الحاجة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 74 إليها غير متحققة، والرخصة ثبوتها بالحاجة، وكون الجهالة غير مفضية إلى المنازعة فلا تثبت بأحدهما، ثم قيل: يشترط أن يكون في هذا العقد خيار الشرط مع خيار التعيين، وهو المذكور في "الجامع الصغير". وقيل: لا يشترط، وهو المذكور في الجامع الكبير، فيكون ذكره على هذا الاعتبار وفاقا لا شرطا. وإذا لم يذكر خيار الشرط لا بد من توقيت خيار التعيين بالثلاث عنده، وبمدة معلومة أيتها كانت عندهما   [البناية] إليها) ش: أي الأربع م: (غير متحققة) ش: لوجود جميع الأوصاف المذكورة في الثلاث، ولأن في الأربعة قد يتفق ثوبان على صفة واحدة فيحتاج إلى اختيار آخر فتكثر الجهالة. م: (والرخصة) ش: مبتدأ وقوله م: (ثبوتها) ش: مبتدأ آخر وقوله م: (بالحاجة) ش: خبره والجملة خبر المبتدأ الأول م: (وكون الجهالة غير مفضية إلى المنازعة فلا تثبت بأحدهما) ش: بالجر عطفا على قوله بالحاجة، حاصل المعنى جواز البيع مع الشرط رخصة وثبوتها مع الحاجة وقد انعدمت في الأربع، ولكن الرخصة إنما تكون بالحاجة وعدم الإفضاء إلى الجهالة م: (ثم قيل: يشترط أن يكون في هذا العقد خيار الشرط مع خيار التعيين) ش: أشار بهذا إلى بيان اختلاف المشايخ في اشتراط خيار الشرط مع خيار التعيين منهم من قال: يشترط وإليه مال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهو المذكور في الجامع الصغير، وقيل: لا يشترط، وهو المذكور في الجامع الكبير) ش: فإنه ذكر هذه المسألة ولم يذكر فيها خيار الشرط م: (فيكون ذكره) ش: أي ذكر خيار الشرط م: (على هذا الاعتبار) ش: أي على اعتبار " الجامع الكبير " م: (وفاقا لا شرطا) ش: أي على سبيل الاتفاق لا على سبيل الشرط، وقال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "جامعه ": والصحيح عندنا أنه ليس بشرط وهو قول محمد بن شجاع البلخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وإذا لم يذكر خيار الشرط لا بد من توقيت خيار التعيين بالثلاث) ش: أي بثلاثة أيام م: (عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وبمدة معلومة) ش: أي لا بد من توقيت خيار التعيين بمدة معلومة م: (أيتها كانت) ش: أي المدة كانت زائدة على الثلاث أو غير زائدة بعد أن كانت معلومة م: (عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد كما في خيار الشرط. وقال شمس الأئمة في "جامعة ": وهو الصحيح، وهو قول الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإن مات المشتري في الأيام الثلاثة يبطل خيار الشرط ويبقى خيار التعيين للوارث فلا يردهما الوارث، وله أن يعين أحدهما ويرد الآخر. وكذا في " جامع قاضي خان "، وفي " الذخيرة " هذا إذا كان الخيار للمشتري، فإن كان للبائع بأن قال: بعتك هذين الثوبين على أني بالخيار لأعين المبيع في أحدهما، لم يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذه المسألة في بيوع الأصل ولا في " الجامع الصغير ". وذكر الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره ": أنه يجوز استحسانا لا قياسا؛ لأن هذا بيع يجوز مع خيار المشتري فكذا يجوز مع خيار البائع قياسا على خيار الشرط، وذكر في المجرد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 75 ثم ذكر في بعض النسخ: اشترى ثوبين، وفي بعضها: اشترى أحد الثوبين، وهو الصحيح؛ لأن المبيع في الحقيقة أحدهما والآخر أمانة، والأول تجوز واستعارة، ولو هلك أحدهما أو تعيب لزم البيع فيه بثمنه وتعين الآخر للأمانة؛ لامتناع الرد بالتعيب، ولو هلكا جميعا معا يلزمه نصف ثمن كل واحد منهما؛ لشيوع البيع والأمانة فيهما، ولو كان فيه خيار الشرط له أنه يردهما جميعا، ولو مات من له الخيار فلوارثه أن يرد أحدهما؛ لأن الباقي خيار التعيين للاختلاط، ولهذا لا يتوقت في حق الوارث   [البناية] أنه لا يجوز؛ لأن هذا باعتبار الحاجة والبائع لا يحتاج إليها. م: (ثم ذكر في بعض النسخ) ش: أي في بعض نسخ " الجامع الصغير " م: (اشترى ثوبين) ش: كما هو المذكور أولا م: (وفي بعضها اشترى أحد الثوبين) ش: فحاصله أن الرواية اختلفت في نسخ الجامع الصغير. قال المصنف: م: (وهو الصحيح) ش: أي قوله: اشترى أحد الثوبين هو الصحيح م: (لأن المبيع في الحقيقة أحدهما والآخر أمانة، والأول) ش: هو قوله ثوبين م: (تجوز) ش: يعني مجاز؛ لأن المشترى أحد الثوبين فكان من قبيل إطلاق الكل على البعض م: (واستعارة، ولو هلك أحدهما) ش: أي أحد الثوبين م: (أو تعيب لزمه البيع فيه) ش: أي في الهالك أو المتعيب م: (بثمنه) ش: الذي وقع عليه العقد م: (وتعين الآخر) ش: أي الثوب الآخر م: (للأمانة) ش: لأنه إنما اشترى أحدهما لا غير وإنما قبض الآخر؛ ليرد على البائع إذا تعين أحدهما لا ليتملكه ولا على سوم الشراء. وقد تعين أحدهما هنا فيبقى الآخر أمانة؛ لأنه قبضه بإذن البائع لا على حرمة البيع فلم يلزمه شيء بسببه م: (لامتناع الرد بالتعيب) ش: تعليل بقوله أو تعيب م: (ولو هلكا) ش: أي الثوبان م: (جميعا معا يلزمه نصف ثمن كل واحد منهما لشيوع البيع والأمانة فيهما) ش: أي في الثوبين، وقيد بقوله: معا لما أنهما لو هلكا على المتعاقب يتعين الأول للبيع إذا علم السابق، وإذا لم يدر السابق لزمه ثمن نصف كل واحد منهما كما لو هلكا معا. م: (ولو كان فيه) ش: أي في هذا البيع م: (خيار الشرط له أن يردهما جميعا) ش: لأنه أمين في أحدهما فيرده بحكم الأمانة، وفي الآخر مشتر بشرط الخيار فيتمكن من رده، كذا في " المبسوط " م: (ولو مات من له الخيار فلوارثه أن يرد أحدهما؛ لأن الباقي خيار التعيين) ش: لأن خيار الشرط بطل بموت من له الخيار م: (للاختلاط) ش: أي لأجل اختلاط ملكه بملك الغير م: (ولهذا) ش: ولأجل الباقي خيار التعيين م: (لا يتوقف في حق الوارث) ش: لأنه لم يثبت له بسبيل الإرث بل لاختلاط تملكه بملك الغير، فلو كان الباقي خيار الشرط لردهما الوارث جميعا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 76 فأما خيار الشرط لا يورث، وقد ذكرناه من قبل. ومن اشترى دارا على أنه بالخيار فبيعت دار أخرى إلى جنبها فأخذها بالشفعة فهو رضا؛ لأن طلب الشفعة يدل على اختياره الملك فيها؛ لأنه ما ثبت إلا لدفع ضرر الجوار وذلك بالاستدامة، فيتضمن ذلك سقوط الخيار سابقا عليه، فيثبت الملك من وقت الشراء، فيتبين أن الجوار كان ثابتا، وهذا التقرير يحتاج إليه لمذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خاصة. قال: وإذا اشترى الرجلان غلاما على أنهما بالخيار فرضي أحدهما فليس للآخر أن يرده، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: له أن يرده، وعلى هذا الخلاف خيار العيب وخيار الرؤية.   [البناية] م: (فأما خيار الشرط لا يورث، وقد ذكرناه من قبل) ش: يعني عند قوله: وإذا مات من له الخيار بطل خياره م: (ومن اشترى دارا على أنه بالخيار فبيعت دار أخرى إلى جنبها فأخذها بالشفعة فهو رضا) ش: أي الأخذ بالشفعة رضا م: (لأن طلب الشفعة يدل على اختياره الملك فيها) ش: أي في الدار التي اشتراها بالخيار م: (لأنه) ش: أي؛ لأن طلب الشفعة م: (ما ثبت إلا لدفع ضرر الجوار وذلك) ش: أي دفع ضرر الجار م: (بالاستدامة) ش: أعني باستدامة الملك في الدار المشتراة بالخيار. م: (فيتضمن ذلك) ش: أي اختيار الملك م: (سقوط الخيار سابقا عليه) ش: أي على طلب الشفعة م: (فيثبت الملك من وقت الشراء فيتبين أن الجوار كان ثابتا) ش: عند بيع الدار الثانية وهو يوجب الشفعة م: (وهذا التقرير) ش: الذي ذكره من قوله: لأن طلب الشفعة يدل على اختيار الملك إلى آخره م: (يحتاج إليه لمذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خاصة) ش: إنما قال: خاصة؛ لأن عندهما يدخل المبيع في ملك المشتري فلا يحتاج إلى التقرير الذي يؤدي إلى اختيار المالك. قال الإمام السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وجوب الشفعة مذهبهما ظاهر، وأما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلأنه صار أحق بالتصرف فيها وذلك يكفيه لاستحقاق الشفعة بها كالمأذون المستغرق بالدين أو المكاتب فإنهما يستحقان الشفعة، وإن لم يملكا رقبة الدار بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع فالمشتري هناك لم يصر أحق بالتصرف فيها. [اشترى الرجلان غلاما على أنهما بالخيار فرضي أحدهما] م: (قال) ش: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا اشترى الرجلان غلاما على أنهما بالخيار فرضي أحدهما فليس للآخر أن يرده عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا:) ش: أي أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله- م: (له أن يرده، وعلى هذا الخلاف خيار العيب وخيار الرؤية) . ش: وقال صاحب " الخطر والمختلف " إذا اشتريا غلاما ليس لأحدهما أن يرده بخيار الرؤية أو بخيار العيب بدون صاحبه قبل القبض وبعده على الخلاف المذكور. وقال الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير ": رجلان اشتريا غلاما على أنهما بالخيار الجزء: 8 ¦ الصفحة: 77 لهما أن إثبات لهما إثباته لكل واحد منهما، فلا يسقط بإسقاط صاحبه؛ لما فيه من إبطال حقه. وله أن المبيع خرج عن ملكه غير معيب بعيب الشركة، فلو رده أحدهما رده معيبا به وفيه إلزام ضرر زائد، وليس من ضرورة إثبات الخيار لهما الرضا برد أحدهما؛ لتصور اجتماعهما على الرد.   [البناية] فرضي أحدهما فليس للآخر أن يرده في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي قولهما له ذلك. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- م: (أن إثبات الخيار لهما) ش: أي للرجلين المذكورين م: (إثباته) ش: أي إثبات الخيار م: (لكل واحد منهما فلا يسقط بإسقاط صاحبه لما فيه من إبطال حقه) ش: في الخيار. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن المبيع خرج عن ملكه) ش: أي عن ملك البائع م: (غير معيب بعيب الشركة) ش: لأن الشركة في الأعيان المجتمعة عيب فإن البائع قبل البيع كان متمكنا من الارتفاع متى شاء، وبعده إذا أراد البعض لا يتمكن إلا مهاباة، والخيار يثبت نظرا لمن هو له على وجه لا يلحق بالضرر لغيره م: (فلو رده أحدهما رده معيبا به وفيه إلزام ضرر زائد) ش: وقيد الضرر بالزائد؛ لأن في امتناع الرد ضررا أيضا زائدا للرد، ولكن لم يكن من الغير، بل لعجزه عن إيجاد شرط الرد كان دون الأول فإن الضرر الحاصل من الغير أقطع -أنجع- من الحاصل من نفسه. فإن قيل: بيعه منهما رضا منه يعيب التبعيض. أجيب: بأنه إن سلم به فهو رضا به في ملكها لا في ملك نفسه، فإن قيل: حصل العيب في يد البائع بفعله؛ لأن تفرق الملك إنما هو بالعقد قبل القبض. قلنا: بل حصل بفعل المشتري برد نصفه، والمشتري إذا عيب المعقود عليه في يد البائع ليس له أن يرده بحكم خياره، لكن هذا العيب لعرض الزوال بمساعدة الآخر على الرد، فإذا امتنع ظهر عمله. م: (وليس من ضرورة إثبات الخيار لهما) ش: جواب لهما وتقريره أن إثبات الخيار لهما ليس من ضرورته م: (الرضا برد أحدهما لتصور اجتماعهما على الرد) ش: أي اجتماع الشريكين يعني يتصور الانفكاك بتصور اجتماعهما على الرد فلا يلزم من إثبات الخيار لهما الرضا برد أحدهما. وعن أبي حنيفة في غير رواية الأصول: أنه لو رد أحدها يؤمر الآخر برده؛ لأنه لو امتنع عن الرد كان فيه إبطال حق الآخر، وليس له ذلك؛ لأن الخيار بشرط الرد وقد اشترطا. كذا في " جامع الإسبيجابي ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 78 قال: ومن باع عبدا على أنه خباز أو كاتب وكان بخلافه فالمشتري بالخيار، إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء ترك؛ لأن هذا وصف مرغوب فيه فيستحق في العقد بالشرط، ثم فواته يوجب التخيير؛ لأنه ما رضي به دونه، وهذا يرجع إلى اختلاف النوع لقلة التفاوت في الأغراض، فلا يفسد العقد بعدمه بمنزلة وصف الذكورة والأنوثة في الحيوانات، وصار كفوات وصف السلامة.   [البناية] [باع عبدا على أنه خباز أو كاتب وكان بخلافه] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن باع عبدا على أنه خباز أو كاتب) ش: أي عبد حرفته الخبز أو الكتابة م: (وكان بخلافه) ش: أي ظهر أنه ليس بخباز أو ليس بكاتب م: (فالمشتري بالخيار، إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء ترك) ش:. وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول م: (لأن هذا وصف مرغوب فيه) ش: وهو ظاهر وهو احتراز عما ليس بمرغوب فيه كما إذا باع على أنه أعور فإذا هو سليم؛ لأنه لا يوجب الخيار م: (فيستحق) ش: أي الوصف المرغوب فيه م: (في العقد بالشرط ثم فواته) ش: أي فوات الوصف المرغوب فيه م: (يوجب التخيير؛ لأنه ما رضي به دونه) ش: أي ما رضي بالمبيع بدون الوصف المرغوب فيه، وينقض بما إذا باع شاة على أنها حامل أو على أنها تحلب كذا فإن البيع فيه فاسد والوصف مرغوب فيه. وأجيب: بأن ذلك ليس بوصف بل اشتراط مقدر من البيع مجهول وضم المجهول إلى المعلوم يصير الكل مجهولا، ولهذا إذا شرطا أنها حلوب أو لبون لا تفسد لكونه وصفا مرغوبا فيه ذكره الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، سلمناه ولكنه مجهول ليس في وسع البائع تحصيله ولا إلى معرفته سبيل بخلاف ما نحن فيه، فإن له أن يأمره بالخبز والكتابة فيظهر حاله. م: (وهذا) ش: أي الاختلاف في النوع بكونه خبازا أو غير خباز وبكونه كاتبا أو غير كاتب م: (يرجع إلى اختلاف النوع) ش: يعني بمنزلة الاختلاف في النوع حتى لا يفسد العقد بل يكون للمشتري الخيار م: (لقلة التفاوت في الأغراض فلا يفسد العقد بعدمه بمنزلة وصف الذكورة والأنوثة في الحيوانات) ش: كما إذا اشترى شاة على أنها نعجة فإذا هي حمل وقيد فيه بالحيوان؛ لأن في بني آدم يورث اختلاف الجنس لفحش التفاوت، كما إذا باع عبدا فإذا هي جارية ويفسد به العقد. م: (وصار كفوات وصف السلامة) ش: أي صار فوات الخبز والكتابة فيما إذا اشترى على أنه خباز أو كاتب فوجده بخلافه كفوات وصف السلامة، فيما إذا اشترى على أنه سليم فوجده معيبا فثمة له ولاية الرد فكذا هاهنا. والحاصل أن الاختلاف الحاصل بالوصف إن كان مما يوجب التفاوت الفاحش في الأغراض كان راجعا إلى الجنس كما في بيع عبد وظهر جارية فيفسد به العقد، وإن كان مما لا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 79 وإذا أخذه أخذه بجميع الثمن؛ لأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن لكونها تابعة في العقد على ما عرف   [البناية] يوجب، كان راجعا إلى النوع كما في شراء نعجة فظهر أنها حمل فلا يفسد العقد لكنه يوجب التخيير لفوات وصف السلامة. وفي " الذخيرة ": ولو امتنع الرد بسبب من الأسباب رجع المشتري على البائع بحصته من الثمن، فيقوم العبد كاتبا وينظر إلى تفاوت ما بين ذلك، فإن مثل العشر يرجع بعشر الثمن، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يرجع هاهنا بشيء. ولكن المذكور في ظاهر الرواية أصح وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لأن البائع عجز عن تسليم وصف السلامة كما في المعيب، ولو وقع الاختلاف بين المشتري والبائع في هذه الصور بعد ما مضى حين من وقت البيع، فقال المشتري: لم أجده كاتبا، وقال البائع: إني سلمته إليك كذلك، ولكنه نسي عندك وقد ينسى في تلك المدة فالقول للمشتري؛ لأن الاختلاف وقع في وصف عارض إذ الأصل عدم الكتابة والخبز. قال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: 78] (النحل: الآية 78) ، ولو اشترى بقرة على أنها حبلى فولدت عنده وشرب اللبن وأنفق عليها فإنه يردها والولد وما شرب من اللبن؛ لأن البيع وقع فاسدا وكانت في ضمانه والنفقة عليه، ولو اشترى شاة على أنها نعجة فإذا هو معز يجوز البيع وله الخيار؛ لأن حكمها واحد في الصدقات. وكذا لو اشترى بقرة فإذا هي جاموس، ولو اشترى جارية على أنها مولودة الكوفة فإذا هي مولودة بغداد، أو اشترى غلاما على أنه فحل فإذا هو خصي أو على عكسه، أو على أنها بغلة فإذا هو بغل أو على أنها ناقة فإذا هو فحل، أو على أنه لحم ضأن فوجده لحم ماعز أو على عكسه ففيها كلها له الخيار. م: (وإذا أخذه) ش: أي وإذا أخذ العبد الذي اشتراه على أنه خباز أو كاتب فظهر بخلافه م: (أخذه بجميع الثمن؛ لأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن لكونها تابعة في العقد) ش: تدخل فيه من غير ذكر م: (على ما عرف) ش: فيما تقدم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 80 باب خيار الرؤية قال: ومن اشترى شيئا لم يره فالبيع جائز وله الخيار إذا رآه، إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء رده. وقال: الشافعي: لا يصح العقد أصلا؛ لأن المبيع مجهول. ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من اشترى شيئا لم يره فله الخيار إذا رآه» .   [البناية] [باب خيار الرؤية] [اشترى شيئا لم يره] م: (باب خيار الرؤية) ش: أي هذا باب في بيان خيار الرؤية والإضافة فيه من قبيل إضافة المسمى إلى شرطه، وقال تاج الشريعة: من إضافة الحكم إلى سببه. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن اشترى شيئا لم يره فالبيع جائز) ش: صورته أن يقول الرجل لغيره: بعتك الثوب الذي في كمي هذا وصفته كذا، أو الدرة التي في كمي هذا وصفتها كذا ولم يذكر الصفة أو يقول: بعت منك هذه الجارية المتنقبة، أما إذا قال: بعت ما في كمي أو ما في كمي هذه من شيء هل يجوز البيع؟ لم يذكره في المبسوط قال عامة مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إطلاق الجواب يدل على جوازه عندنا وبعضهم قال: لا يجوز لجهالة المبيع. وفي " المبسوط " الإشارة إليه وإلى مكانه شرط الجواز حتى لو لم يشر إليه ولا إلى مكانه لا يجوز بالإجماع، وفي " الأسرار " صورته عبدا أو أمة متنقبة مشارا إليها حاضرة، له الخيار إذا كشف ثم خيار الرؤية لا يثبت إلا في أربعة أشياء: في الشراء، والإجارة، والقسمة، والصلح في دعوى المال على شيء بعينه. م: (وله الخيار إذا رآه، إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء رده، وقال الشافعي: لا يصح العقد أصلا؛ لأن المبيع مجهول) ش: لأنه لم يعرف من المعقود عليه إلا الاسم، وفي " الدراية " وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إن كان جنس المبيع معلوما بأن قال: بعتك ما في هذه الجواليق من الثياب فله قولان، وإن لم يكن معلوما بأن قال: بعت ما في هذه الجواليق. فالمبيع باطل عنده قولا واحدا. وفي " شرح الوجيز، والحلية ": بيع ما لم يره البائع والمشتري يصح في القديم وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وفي الجديد لا يصح؛ لأن المبيع مجهول، وفي " الحلية " يجوز بيع الغائب في القول المختار، وهو قول عثمان وطلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - واختاره القفال وكثير من أصحابنا. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من اشترى شيئا لم يره فله الخيار إذا رآه» ش: الحديث روي مرسلا ومسندا، فالمسند أخرجه الدارقطني في سننه، عن داهر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 81 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بن نوح، حدثنا عمر بن إبراهيم بن خالد الكردي، حدثنا وهب اليشكري، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه» . قال عمر الكردي: وأخبرني فضيل بن عياض عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثله، قال عمر أيضا: وأخبرني القاسم بن الحكم عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن الهيثم عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثله. وأما المرسل فرواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والدارقطني -رحمهما الله- ثم البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في سننيهما، حدثنا إسماعيل بن عياش عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم، عن مكحول رفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: من اشترى .... إلى آخره، وزاد «إن شاء أخذه وإن شاء تركه» . فإن قلت: استدل الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بأحاديث صحاح منها: ما رواه مسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع الغرر» . ومنها، ما رواه الأربعة عن حكيم بن حزام قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تبع ما ليس عندك» . وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا حديث حسن. ومنها: ما رواه الأربعة أيضا عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يحل سلف وبيع ولا شرط في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقالوا: حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذي احتججتم به فيه عمر بن إبراهيم الكردي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 82 ولأن الجهالة بعدم الرؤية لا تفضي به إلى المنازعة؛ لأنه لو لم يوافقه يرده فصار كجهالة الوصف في المعاين المشار إليه   [البناية] قال الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو يضع الأحاديث، وهذا باطل لا يصح؛ لأنه لم يروه غيره، وإنما يروى عن ابن سيرين - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله، وقال ابن القطان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتابه: والراوي عن الكردي داهر بن نوح، وهو لا يعرف، وفي المرسل أبو بكر بن أبي مريم. قال الدارقطني: ضعيف. قلت: أما حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإن أبا حنيفة ومحمد -رحمهما الله- روياه بإسنادهما ذكره صاحب " المبسوط " وغيره من أصحابنا وهم ثقات، وذكر في " المبسوط ": أيضا أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - والحسن البصري وسلمة بن الحسين رووه مرسلا وهو حجة عندنا، والحديث الذي رواه العلماء الكبار إذا كان في طريق منها لا يترك مع أن الطعن المبهم لا يقبل، وعمل بهذا الحديث كثير من العلماء، مثل مالك وأحمد وغيرهما. وفي " نوادر الفقهاء " لابن بنت نعيم: أجمع الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - على جواز بيع الغائب المقدور على تسليمه وأن لمشتريه خيار الرؤية إذا رآه، فإن قيل: بيع الآبق متفق على منعه فكذا الغائب. قلنا: لم يمتنع بيع الآبق لغيبته، بل لتعذر تسليمه كالطير في الهواء والسمك في الماء، والجواب عن النهي عن بيع الغرر أنه لا يدري أيكون أم لا؟ وعلى ما لا يقدر على تسليمه كذا قال أهل اللغة. وقال ابن حزم في " المحلى ": إذا وصف الغائب عن رد دينه وخير ملكه المشتري فأين الغرر ولم يزل المسلمون يتبايعون الضياع في البلاد البعيدة بالصفة، باع عثمان لطلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أرضا بالكوفة لم يرياه، فقضى جبير بن مطعم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الخيار لطلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وما نرى للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سلفا في منع بيع الغائب الموصوف، ولا خلاف في اللسان ما في ملك بائع ما هو عنده، وما ليس في ملكه فليس عنده، وإن كان في يده، والجواب عن حديث حكيم بن حزام أن المراد من قوله: "ما ليس عندك" عدم الملك؛ لأن تمام الحديث يدل على ذلك، وتمامه قال: «سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: يأتيني الرجل فيسألني من البيع ما ليس عندي أبتاع له من السوق ثم أبيعه منه؟ قال: "لا تبع ما ليس عندك» هكذا رواه الترمذي وغيره، وفي رواية النسائي: أبيعه منه ثم أبتاعه له من السوق؟ فقال «لا تبع ما ليس عندك» . م: (ولأن الجهالة بعدم الرؤية لا تفضي به إلى المنازعة؛ لأنه لو لم يوافقه يرده) ش: لأنه لو لم يوافقه بعد الرؤية يرده على بائعه بلا نزاع وإنما يفضي إلى المنازعة لو قلنا بانبرام العقد ولم نقل به م: (فصار كجهالة الوصف في المعاين المشار إليه) ش: بأن اشترى ثوبا مشارا إليه غير معلوم عدد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 83 وكذا إذا قال: رضيت، ثم رآه، له أن يرده؛ لأن الخيار معلق بالرؤية؛ لما روينا، فلا يثبت قبلها، وحق الفسخ بحكم أنه عقد غير لازم لا بمقتضى الحديث، ولأن الرضا بالشيء قبل العلم بأوصافه   [البناية] وزعاته يجوز لكونه معلوم العين وإن لم يكن ثمة جهالة لا يفضي إلى النزاع. م: (وكذا إذا قال: رضيت) ش: وفي بعض النسخ قال: وكذا إذا رضيت ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري، يعني قال المشتري بعد تمام البيع: رضيت بذلك البيع على أي وصف كان م: (ثم رآه، له أن يرده) ش: وهو ظاهر مذهب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وحكي في تتمتهم وجها آخر أنه ينفذ كما إذا اشترى على أن لا خيار م: (لأن الخيار معلق بالرؤية لما روينا) ش: والحديث الذي ذكره م: (فلا يثبت قبلها) ش: أي فلا يثبت الخيار قبل الرؤية على تأويل المذكور؛ لأن المعلق بالشيء لا يثبت قبله؛ لئلا يلزم وجود المشروط بدون الشرط، فإن قيل: المذهب عندنا أن المعلق بالشرط يوجد عند وجوده. ولا يلزم عدمه عند عدمه لجواز أن يوجد بعلة أخرى فكيف يصح قوله: فلا يثبت قبله؛ لأنه دعوى بلا دليل؟ قلنا: هذه وصية متلقاة من جهة صاحب الشرع فتنتهي إلى ما نهانا إليه، والشرع أثبت الخيار بالرؤية فلا يثبت قبلها، ولو يثبت إنما يثبت بدليل آخر، فمن ادعاه فعليه البيان كذا قيل، فإن قيل: يشكل بخيار العيب فإنه إذا قال رضيت به، قيل: إذا أراده فلا خيار له. قلنا: سبب الخيار هناك العيب وهو موجود قبل العلم فيكون الخيار ثابتا، ولا كذلك هاهنا كما بينا فافترقا. م: (وحق الفسخ) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر يرد على قوله: لأن الخيار معلق بالرؤية فلا يثبت قبله بأن يقال: لما لم يثبت قبل الرؤية لما كان له حق الفسخ قبل الرؤية؛ لأنه من نتائج ثبوت الخيار له كالقبول فكان معلقا بها فلا يوجد قبلها. فأجاب بقوله: وحق الفسخ يعني يمكنه من الفسخ م: (بحكم أنه) ش: أي أن العقد بخيار الرؤية م: (عقد غير لازم) ش: لأنه لم يقع منبرما فجاز فسخه لهؤلاء فيه، ألا ترى أن كل واحد من العاقدين في عقد الوديعة والعارية والوكالة يملك الفسخ باعتبار عدم لزوم العقد وإن لم يكن له خيار لا شرطا ولا شرعا. م: (لا بمقتضى الحديث) ش: أي لا للبناء على الخيار الذي اقتضاه الحديث. قال الأكمل: وفيه نظر؛ لأن عدم لزوم هذا العقد باعتبار الخيار ملزوم للخيار، والخيار معلق بالرؤية لا يوجد بدونها فكذا ملزومه؛ لأن ما هو شرط اللازم فهو شرط الملزوم م: (ولأن الرضا بشيء) ش: جواب آخر وتحقيقه أن رضا الشخص بالشيء م: (قبل العلم بأوصافه) ش: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 84 لا يتحقق فلا يعتبر قوله: رضيت قبل الرؤية، بخلاف قوله: رددت. قال: ومن باع ما لم يره فلا خيار له، وكان أبو حنيفة يقول أولا له الخيار اعتبارا بخيار العيب وخيار الشرط، وهذا؛ لأن لزوم العقد بتمام الرضا زوالا وثبوتا، ولا يتحقق ذلك إلا بالعلم بأوصاف المبيع وذلك بالرؤية فلم يكن البائع راضيا بالزوال، ووجه القول المرجوع إليه أنه معلق بالشراء لما روينا فلا يثبت دونه   [البناية] أي قبل أن يعلم بأوصاف ذلك الشيء م: (لا يتحقق) ش: لأن الرضا استحسان الشيء واستحسان ما لم يعلم ما يحسنه غير متصور م: (فلا يعتبر قوله: رضيت قبل الرؤية بخلاف قوله: رددت) ش: لأنه فسخ لعدم الرضا وهو لا يحتاج إلى معرفة المحسنات لا يقال عدم الرضاء لاستقباح الشيء، واستقباح ما لم يعلم ما يقبحه غير متصور؛ لأن عدم الرضا قد يكون باعتبار ما بدا له من انتفاء حاجته إلى المبيع أو ضاع ثمنه أو استغلاه فلا يستلزم الاستقباح. وذكر في " التحفة " أن جواز الفسخ قبل الرؤية لا رواية فيه لكن المشايخ اختلفوا فقال بعضهم: لا يصح قياسا علي الإجارة، وقال بعضهم يصح: دون الإجارة وهو مختار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [باع ما لم يره] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن باع ما لم يره فلا خيار له) ش: صورته ورث شيئا فباعه قبل الرؤية فلا خيار له وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (وكان أبو حنيفة يقول أولا له الخيار) ش: وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في وجه وقال في وجه: لا ينعقد بيعه قولا واحدا م: (اعتبارا) ش: أي قياسا م: (بخيار العيب وخيار الشرط) ش: أما خيار العيب فإنه لا يختص بجانب المشتري بل إذا وجد البائع الثمن زيفا فهو بالخيار إن شاء جوز وإن شاء رد، كالمشيئة إذا وجد المبيع معيبا، لكن لا ينفسخ رد الثمن وينفسخ برد المبيع؛ لأنه أصل دون الثمن، وأما خيار الشرط فإنه يصح من الجانبين كما تقدم. م: (وهذا) ش: أي ثبوت الخيار للبائع م: (لأن لزوم العقد بتمام الرضا زوالا) ش: أي من حيث الزوال من جهة المبيع في حق البائع م: (وثبوتا) ش: أي من حيث الثبوت من جهة الشراء في حق المشتري م: (ولا يتحقق ذلك) ش: أي الرضا م: (إلا بالعلم بأوصاف المبيع وذلك) ش: أي العلم بأوصاف المبيع م: (بالرؤية) ش: فإن بالرؤية يحصل الاطلاع على دقائق لا تحصل بالعبارة م: (فلم يكن البائع راضيا بالزوال) ش: أي قبل الرؤية لعدم تمام الرضا. م: (ووجه القول المرجوع إليه) ش: وهو عدم الخيار م: (أنه) ش: أي أن الخيار م: (معلق بالشراء لما روينا) ش: وهو الحديث المذكور م: (فلا يثبت دونه) ش: أي دون الشراء، ورؤية المشتري، فإن قيل: البائع مثل المشتري في الاحتياج إلى تمام الرضا فيلحق به دلالة. أجيب: بأنهما ليسا سيان فيه؛ لأن الرد من جانب المشتري باعتبار أنه كان يظنه خيرا مما اشترى فيرده الجزء: 8 ¦ الصفحة: 85 وروي أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - باع أرضا بالبصرة من طلحة بن عبيد الله فقيل لطلحة: إنك قد غبنت فقال: لي الخيار؛ لأني اشتريت ما لم أره، وقيل لعثمان: إنك قد غبنت، فقال: لي الخيار؛ لأني بعت ما لم أره، فحكما بينهما جبير بن مطعم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقضى بالخيار لطلحة، وكان ذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. ثم خيار الرؤية غير مؤقت بل يبقى إلى أن يوجد ما يبطله، وما يبطل خيار الشرط   [البناية] لفوات الوصف المرغوب؛ لأن الرد من جانب المشتري باعتبار أن المبيع أزيد مما ظن فصار كما لو باع عبدا بشرط أنه معيب فإذا هو صحيح لم يثبت للبائع خيار، وإذا لم يكن في معناه لم يلحق به فإن قيل: المعلق بالشرط يوجد قبل وجود الشرط لسبب آخر، وهاهنا وجد القياس. أجيب: بأنه ثابت بالنص غير معقول المعنى فلا يجوز فيه القياس سلمناه. ولكن القياس على مخالفة الإجماع باطل، والإجماع في قضية عثمان وطلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - على ما ذكره بقوله م: (وروي أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وهو عثمان بن عفان م: (باع أرضا بالبصرة) ش: أي كانت الأرض بالبصرة وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بالمدينة م: (من طلحة بن عبيد الله) ش: التميمي أحد العشرة المبشرين بالجنة م: (فقيل لطلحة: إنك قد غبنت) ش: على صيغة المجهول من " الغبن " بالغين المعجمة وسكون الباء يقال: غبنته في البيع أي خدعته م: (فقال: لي الخيار؛ لأني اشتريت ما لم أره، وقيل لعثمان: إنك قد غبنت فقال: لي الخيار؛ لأني بعت ما لم أره فحكما بينهما) ش: بتشديد الكاف من التحكيم م: (جبير بن مطعم) ش: بن عدي الصحابي المشهور م: (فقضى بالخيار لطلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وهذا أخرجه الطحاوي ثم البيهقي عن علقمة بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن طلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اشترى من عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما لم يره فقيل لعثمان: إنك قد غبنت .... الحديث. م: (وكان ذلك) ش: أي حكم جبير بن مطعم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان بين عثمان وطلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - م: (بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: ولم ينكر عليه أحد من الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فكان إجماعا بينهم؛ ولهذا رجع أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حين بلغه الخبر. [خيار الرؤية غير مؤقت] م: (ثم خيار الرؤية غير مؤقت) ش: قيل: إنه مؤقت بوقت إمكان الفسخ بعد الرؤية وبه قال بعض أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حتى إذا وقع بصره عليه ولم يفسخه سقط حقه. والأصح ما قاله المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: م: (بل يبقى) ش: أي خياره م: (إلى أن يوجد ما يبطله) ش: لأنه ثبت حكما لانعدام الرضا فيبقى إلى أن يوجد ما يبطل عدم الرضا م: (وما يبطل خيار الشرط) ش: كلمة ما موصولة مبتدأ، ويبطل بضم الياء من الإبطال صلة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 86 من تعيب أو تصرف يبطل خيار الرؤية، ثم إن كان تصرفا لا يمكن رفعه كالإعتاق والتدبير، أو تصرفا يوجب حقا للغير كالبيع المطلق والرهن والإجارة يبطله قبل الرؤية وبعدها؛ لأنه لما لزم تعذر الفسخ فبطل الخيار. وإن كان تصرفا لا يوجب حقا للغير كالبيع بشرط الخيار، والمساومة، والهبة من غير تسليم لا يبطله إذا كان قبل الرؤية؛   [البناية] الموصول وخيار الشرط بالنصب مفعوله، وكلمة من في قوله م: (من تعيب) ش: للبيان أي من تعيب في البيع الذي اشتراه بخيار الشرط م: (أو تصرف) ش: أي أو تصرف في خيار الشرط، وقوله: م: (يبطل خيار الرؤية) ش: خبر المبتدأ وصورة التعيب في خيار الشرط قد مضت هناك، وأما التصرف في خيار الرؤية فعلى ضربين أشار إلى الأول بقوله: م: (ثم إن كان) ش: أي التصرف م: (تصرفا لا يمكن رفعه) ش: يعني بعد وقوعه م: (كالإعتاق) ش: بأن أعتق عبده الذي اشتراه ولم يره. م: (والتدبير) ش: بأن دبره قبل رؤيته م: (أو تصرفا) ش: أي أو تصرف تصرفا م: (يوجب حقا للغير) ش: وهذا هو الضرب الثاني م: (كالبيع المطلق) ش: بأن باع الذي اشتراه ولم يره مطلقا يعني بدون شرط الخيار م: (والرهن) ش: بأن رهن الذي اشتراه قبل الرؤية م: (والإجارة) ش: بأن أجره لأحد قبل رؤيته م: (يبطله) ش: جواب قوله: ثم إن كان، وجواب ما عطف عليه وهو الضرب الثاني من الضربين، أي يبطل خياره للرؤية في الضرب الأول. والضرب الثاني وسواء في البطلان م: (قبل الرؤية وبعدها؛ لأنه لما لزم) ش: أي هذا التصرف إما لعدم إمكان رفعه أو لكونه موجبا حقا للغير م: (تعذر الفسخ فبطل الخيار) ش: ضرورة عدم إمكان العمل بالنص وفي " شرح الأقطع ": لو عاد إلى ملكه بسبب الرد بقضاء أو بفك الرهن، أو فسخ الإجارة لم يرد بخيار الرؤية؛ لأنه يبطل بعقده فلا يعود بسبب ملكه. فإن قيل: بطلان الخيار قبل الرد مخالف لحكم النص؛ لأنه أثبت الخيار إذا رآه. قلنا: ذلك فيما إذا أمكن العمل بحكم النص، وهذه التصرفات مبنية على الملك وصحة هذه التصرفات بناء على قيام الملك وبعد صحتها لا يمكن دفعها فيسقط الخيار ضرورة بطلان العقد، وخيار الرؤية بالنص فيما إذا بقي حكم العقد كذا في " الذخيرة ". م: (وإن كان) ش: أي التصرف م: (تصرفا لا يوجب حقا للغير كالبيع بشرط الخيار) ش: بأن باع ما اشتراه قبل الرؤية بشرط الخيار م: (والمساومة) ش: بأن عرضه على البيع م: (والهبة من غير تسليم) ش: بأن وهبة لشخص ولكن لم يسلمه للموهوب له م: (لا يبطله) ش: جواب قوله: وإن كان تصرفا لا يوجب حقا للغير أي لا يبطل خيار الرؤية لكن ليس على الإطلاق بل إنما لا يبطله م: (إذا كان قبل الرؤية) ش: أي رؤية الشيء الذي اشتراه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 87 لأنه لا يربو على صريح الرضا، ويبطله بعد الرؤية لوجود دلالة الرضا. قال: ومن نظر إلى وجه الصبرة، أو إلى وجه الجارية، أو إلى ظاهر الثوب مطويا، أو إلى وجه الدابة وكفلها فلا خيار له، والأصل في هذا أن رؤية جميع المبيع غير مشروط لتعذره، فيكتفي برؤية ما يدل على العلم بالمقصود ولو دخل في البيع أشياء، فإن كان لا تتفاوت آحادها، كالمكيل، والموزون، وعلامته أن يعرض بالنموذج يكتفي   [البناية] م: (لأنه) ش: أي؛ لأن هذا التصرف م: (لا يربو) ش: أي لا يزيد م: (على صريح الرضا) ش: وصريح الرضا لا يبطله قبل الرؤية، وبدليل الرضا أولى أن لا يبطل؛ لأنه دونه م: (ويبطله بعد الرؤية لوجود دلالة الرضا) ش: وفي " المجتبى ": لا يطالب المشتري بالثمن قبل الرؤية، ولا يتوقف الفسخ على الفضاء والرضاء، بل ينفسخ بمجرد قوله: رددت، سواء كان قبل المشتري أو بعده، لكنه لا يصح إلا بمحضر من البائع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والخلاف فيه كالخلاف في خيار الشرط والإجازة فصح بدونه، وليس في الدراهم والدنانير والديون خيار الرؤية، ولو كان أيضا من النقدين أو تبرا وحلي مصوغ فله الخيار، ولو تبايعا عينا بعين فلهما الخيار، ولو تبايعا عينا بدين فلمشتري العين خياره. [نظر إلى وجه الصبرة أو إلى وجه الجارية فلا خيار له] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن نظر إلى وجه الصبرة أو إلى وجه الجارية) ش: ذكر الجارية وقع اتفاقا، فإن الحكم في الغلام كذلك في " الإيضاح ": المعتبر في العبد والأمة النظر إلى الوجه؛ لأن سائر الأعضاء في العبيد والجواري تبع للوجه. ألا ترى أن القيمة تتفاوت بتفاوت الوجه مع التساوي في سائر الأعضاء م: (أو إلى ظاهر الثوب مطويا) ش: أي أو نظر إلى ظاهر الثوب حال كونه مطويا م: (أو إلى وجه الدابة) ش: أي أو نظر إلى وجه الدابة م: (وكفلها) ش: أي وإلى كفلها م: (فلا خيار له) ش: جواب من وما بعدها. م: (والأصل في هذا) ش: أي في إسقاط خيار الرؤية م: (أن رؤية جميع المبيع غير مشروط لتعذره) ش: أي لتعذر رؤية الجميع على تأويل المذكور، وفي بعض النسخ لتعذرها فلا يحتاج إلى التأويل م: (فيكتفي برؤية ما يدل على العلم بالمقصود) ش: لحصول المقصود م: (ولو دخل في البيع أشياء) ش: يعني متعددة من جنس واحد. م: (فإن كان لا تتفاوت آحادها كالمكيل والموزون) ش: والعددي المتقارب، وقيد بقوله: لا تتفاوت آحادها؛ لأنه إذا كان المكيل أو الموزون من أنواع مختلفة فخياره باق م: (وعلامته) ش: أي علامة الشيء الواحد الذي لا تتفاوت آحاده م: (أن يعرض بالنموذج) ش: بفتح النون وبيان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 88 برؤية واحد منها، إلا إذا كان الباقي أردأ مما رأى فحينئذ يكون له الخيار، وإن كان تتفاوت آحادها كالدواب والثياب لا بد من رؤية كل واحد منها، والجوز والبيض من هذا القبيل، فيما ذكره الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكان ينبغي أن يكون مثل الحنطة والشعير لكونها متقاربة، إذا ثبت هذا فنقول: النظر إلى وجه الصبرة كاف؛ لأنه يعرف وصف البقية؛ لأنه مكيل يعرض بالنموذج، وكذا النظر إلى ظاهر الثوب مما يعلم به البقية إلا إذا كان في طيه ما يكون مقصودا كموضع   [البناية] الأنموذج أيضا بضم الهمزة، وهو تعريب نموذجه كذا في المغرب م: (يكتفي برؤية واحد منها) ش: أي من هذه الأشياء المتعددة. م: (إلا إذا كان الباقي) ش: من الذي ما رآه م: (أردأ مما رأى فحينئذ يكون له الخيار) ش: أطلق المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الخيار، وفي " الينابيع " يثبت له خيار المعيب لا خيار الرؤية سواء كان في وعاء واحد أو أوعية مختلفة بعد أن يتحد الكيل في الجنس والصفة. وفي " جامع قاضي خان " قال مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: برؤية أحد الوعاءين لا يبطل خياره، والصحيح أنه يبطل؛ لأن رؤية البعض تعرف حال الباقي، فإن تغير الباقي له أن يرده. وفي " الذخيرة " المكيل والموزون يكتفي برؤية البعض إذا كان في وعاء واحد، وإن كانا في وعاءين فرأى ما في أحدهما، اختلف المشايخ فيه قال مشايخ العراق - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إذا رضي عما رأى يبطل خياره في الكيل إذا وجد ما في الوعاء الآخر مثل ما رأى أو فوقه، أما إذا وجد دونه فهو على خياره، ولكن إذا أراد الرد يرد الكل. م: (وإن كان تتفاوت آحادها كالدواب والثياب لا بد من رؤية كل واحد منها) ش: لأن رؤية البعض لا تعرف الباقي لتفاوت في آحاده م: (والجوز والبيض من هذا القبيل) ش: أي من قبيل ما تتفاوت آحاده؛ لأنه يختلف بالصغر والكبر وهو اختيار قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فيما ذكره الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ومال المصنف إلى أنه يكتفي برؤية واحد منها ولهذا قال: م: (وكان ينبغي أن يكون) ش: أي الجوز واللوز م: (مثل الحنطة والشعير لكونها) ش: أي لكون آحادهما أي آحاد الجوز واللوز م: (متقاربة) ش: فيكتفي برؤية البعض عن الباقي، وفي " المجرد " وهو الأصح وبه قال بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (إذا ثبت هذا) ش: أي ما ذكرنا من التفصيل والتقرير م: (فنقول: النظر إلى وجه الصبرة كاف؛ لأنه يعرف وصف البقية؛ لأنه مكيل يعرض بالنموذج) ش: وهو ظاهر مذهب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وحكي عنه أنه لا يكفي رؤية ظاهر الصبرة بل لا بد من تقلبها ليعرف حال باطنها، والمذهب المشهور هو الأول عنده. م: (وكذا النظر إلى ظاهر الثوب مما يعلم به البقية إلا إذا كان في طيه ما يكون مقصودا كموضع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 89 العلم، والوجه هو المقصود في الآدمي، وهو والكفل في الدواب فيعتبر رؤية المقصود، ولا يعتبر رؤية غيره. وشرط بعضهم رؤية القوائم. والأول هو المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي شاة اللحم لا بد من الجس لأن المقصود وهو اللحم يعرف به، وفي شاة القنية لا بد من رؤية الضرع   [البناية] العلم) ش: وفي " شرح المجمع " المسألة معروفة في الثوب الذي لا يتفاوت ظاهره وباطنه حتى لو خالف لا بد من رؤية ظاهره وباطنه م: (والوجه هو المقصود في الآدمي) ش: أي العبد والأمة حتى لو نظر إلى غيره لا يبطل خياره، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا بد في العبد من رؤية الوجه والأطراف، ولا يجوز رؤية العورة، وفي باقي البدن ذكره في التهذيب أنه لا بد من رؤية أظهر الوجهين، وفي الأمة له وجوه؛ أحدها: يعتبر رؤية ما يرى من العبد، والثاني: رؤية ما يبدو من الزينة، والثالث: يكفي رؤية الوجه والكفين، وفي رؤية الشعر وجهان، وفي " التهذيب ": أصحهما يشترط، ولا يشترط رؤية اللسان والأسنان في أصح الوجهين كذا في " شرح الوجيز " وفي الغاية: الأولى تحكيم العرف. م: (وهو) ش: أي الوجه م: (والكفل في الدواب فيعتبر رؤية المقصود ولا يعتبر رؤية غيره) ش: أي غير المقصود حتى لو رأى سائر أعضائه دون الوجه يبقى على خياره، وفي بعض النسخ دون غيرها أي غير الثلاثة، وهي الوجه في الآدمي، والوجه والكفل في الدواب، والأول أصح. م: (وشرط بعضهم رؤية القوائم) ش: أي شرط بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - رؤية قوائم الدابة م: (والأول) ش: وهو رؤية الوجه والكفل م: (هو المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواها بشر عنه، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر في الدواب عرف التجار وهو رواية المعلى عنه، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكفي رؤية الوجه اعتبارا بالعبد والأمة، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا بد من رؤية الوجه والكفل والقوائم ويجب رفع السرج والإكاف والحبل، وعند بعض أصحابه أنه لا بد من أن يجري الفرس بين يديه ليعرف سيره. كذا في " شرح الوجيز " م: (وفي شاة اللحم) ش: وهي الشاة التي تشترى للذبح لأجل اللحم م: (لا بد من الجس؛ لأن المقصود وهو اللحم يعرف به) ش: أي بالجس ليعرف أنها سمينة أو مهزولة. م: (وفي شاة القنية) ش: وهي الشاة التي تحبس في البيت لأجل النتاج، وفي " المغرب " قنوت المال حميته قنوا وقنوة وقنية، اتخذته لنفسي قنية أي للنسل لا للتجارة، وقال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قنوت الغنم وغيرها قنوة وقنوه، وقنيت أيضا قنية وقنية إذا اقتنيتها لنفسك لا للتجارة م: (لا بد من رؤية الضرع) ش: وفي " الذخيرة " لا بد من النظر إلى ضرعها وسائر جسدها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 90 وفيما يطعم لا بد من الذوق؛ لأن ذلك هو المعرف للمقصود. قال: وإن رأى صحن الدار فلا خيار له، وإن لم يشاهد بيوتها، وكذلك إذا رأى خارج الدار، أو رأى أشجار البستان من خارج، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا بد من دخول داخل البيوت، والأصح أن جواب الكتاب على وفاق عادتهم في الأبنية، فإن دورهم لم تكن متفاوتة يومئذ، فأما اليوم فلا بد من الدخول في داخل الدار للتفاوت، والنظر إلى الظاهر لا يوقع العلم بالداخل.   [البناية] م: (وفيما يطعم لا بد من الذوق؛ لأن ذلك) ش: أي الذوق م: (هو المعرف للمقصود) ش: وفي بعض النسخ؛ لأن ذلك أي الذوق. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن رأى صحن الدار) ش: قال الجوهري: صحن الدار وسطها م: (فلا خيار له وإن لم يشاهد بيوتها، وكذلك) ش: أي لا خيار له م: (إذا رأى خارج الدار أو رأى أشجار البستان من خارج) ش: لأن كل جزء من أجزائها متعذر الرؤية، كما تحت السور وبين الحيطان من الجذوع والأسطوانات، ولا يشترط رؤية المطبخ والمزبلة والعلو إلا أن يكون العلو مقصودا كما في سمرقند. م: (وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا بد من دخول داخل البيوت) ش: وبه قال ابن أبي ليلى، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا بد مع ذلك من رؤية السقوف والمطبخ والسطوح والجدران خارجا وداخلا، ورؤية المستحم والبالوعة، وبه قال الحسن بن زياد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال في شرح الأقطع: والصحيح ما قاله زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (والأصح أن جواب الكتاب) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (على وفاق عادتهم) ش: أي عادة أهل الكوفة وأهل بغداد في زمن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في الأبنية، فإن دورهم لم تكن متفاوتة يومئذ، فأما اليوم) ش: أي في ديارنا م: (فلا بد من الدخول) ش: كما قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في داخل الدار للتفاوت) ش: لقلة المرافق وكثرتها. م: (والنظر إلى الظاهر لا يوقع العلم بالداخل) ش: وهو الصحيح اليوم، وفي " المحيط " و" الذخيرة ": بعض مشايخنا قال: في الدار يعتبر ما هو المقصود حتى لو كان في الدار بيتان شتويان وبيتان صيفيان يشترط رؤية صحن الدار، وفي البستان يسقط الخيار برؤية خارجه أو رؤوس الأشجار في ظاهر الرواية، وأنكر بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - هذه الرواية، وقال: بأن المقصود من البستان باطنه فلا يبطل برؤية خارجه كذا في شرح المجمع. وفي " جامع قاضي خان " - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الكرم لا يكتفي برؤية الخارج ورؤوس الأشجار، وفي " المحيط " هذا عندهم، أما في بلادنا لا بد من رؤية داخل الكرم، وفي عنب الكرم لا بد أن يرى من كل نوع بيتا، وفي النخل كذلك. وفي الرمان من الحلو والحامض، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في البستان لا بد من رؤية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 91 قال: ونظر الوكيل كنظر المشتري حتى لا يرده إلا من عيب ولا يكون نظر الرسول كنظر المشتري، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: هما سواء وله أن يرده. قال: معناه الوكيل بالقبض؛ فأما الوكيل بالشراء فرؤيته تسقط الخيار بالإجماع. لهما أنه توكل بالقبض دون إسقاط الخيار   [البناية] الأشجار والجدران ومسائل الماء لا رؤية أساس البستان وعروق الأشجار ونحوها، وفي رؤية ظهر الدار ومجرى الماء الذي يدور به المرحاض طريقان كذا في " شرح الوجيز " إذا اشترى دهنا في زجاج فنظر إلى الزجاج لا يكفي ذلك حتى يصبه على الكف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه قال أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يكفي؛ لأن الزجاج لا يخفي صورة الدهن. [نظر الوكيل كنظر المشتري في خيار الرؤية] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ونظر الوكيل كنظر المشتري) ش: صورة التوكيل أن يقول المشتري لغيره: كن وكيلي في قبض المبيع أي وكلتك بقبضه م: (حتى لا يرده إلا من عيب) ش: إذا ظهر فيه أي من عيب لم يعلمه الوكيل. فإن كان قد علم يجب أن يبطل خيار المعيب، كذا ذكره الفقيه أبو جعفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والصحيح أن لا يملك الوكيل بالقبض إبطال خيار العيب فيكون معناه علم أو لم يعلم، هكذا في " الجامع الصغير " لفخر الإسلام البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولا يكون نظر الرسول كنظر المشتري) ش: صورته أن يقول: كن رسولي بقبضه أو قال: أرسلتك لقبضه أو قال: قل لفلان أن يدفع المبيع إليك، والفرق بين الوكيل والرسول أن الوكيل لا يضيف العقد إلى موكله بل يعقد بالاستبداد، والرسول لا يستغني عن الإضافة إلى المرسل، وقيل: لا فرق بين الرسول والوكيل في فصل الأمر بأن قال: اقبض المبيع ولا يسقط الخيار. م: (وهذا) ش: أي عدم كون نظر الرسول كنظره م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: هما سواء) ش: أي الوكيل والرسول سواء م: (وله) ش: أي وللمشتري م: (أن يرده) ش: أي المبيع إذا رآه فإن شاء أخذه وإن شاء تركه م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (معناه) ش: أي معنى قوله في " الجامع الصغير " ونظر الوكيل كنظر المشتري م: (الوكيل بالقبض) ش: أي معنى قوله م: (فأما الوكيل بالشراء فرؤيته تسقط الخيار بالإجماع) ش: وليس للموكل إذا رأى أن يرده؛ لأن حقوق العقد راجعة إلى الوكيل بالشراء م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه توكل بالقبض) ش: أي أن الوكيل بالقبض توكل أي قبل الوكالة للقبض م: (دون إسقاط الخيار) ش: فلا يتعدى الحكم من القبض إلى إبطال الخيار. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 92 فلا يملك ما لم يتوكل به، كخيار العيب والشرط والإسقاط قصدا. وله أن القبض نوعان: تام وهو أن يقبضه وهو يراه؛ وناقص وهو أن يقبضه مستورا، وهذا؛ لأن تمامه بتمام الصفقة، ولا تتم مع بقاء خيار الرؤية، والموكل يملكه بنوعيه، فكذا الوكيل. ومتى قبض الموكل وهو يراه سقط الخيار، فكذا الوكيل لإطلاق التوكيل، وإذا قبضه مستورا انتهى التوكيل بالناقص منه، فلا يملك إسقاطه قصدا بعد ذلك بخلاف خيار العيب؛ لأنه لا يمنع تمام الصفقة   [البناية] م: (فلا يملك ما لم يتوكل به) ش: لأن إبطال الخيار ليس من القبض م: (وصار كخيار العيب) ش: أي صار هذا كمن اشترى شيئا ثم وكل بقبضه فقبض الوكيل معيبا رائيا عيبه لم يسقط خيار العيب للموكل م: (والشرط) ش: أي وصار كخيار الشرط كمن اشترى بخيار الشرط ووكل بقبضه لم يسقط خيار الموكل. م: (والإسقاط قصدا) ش: صورته: أن الوكيل بالقبض إذا قبضه مستورا ثم رآه وأسقط عنه الخيار قصدا لا يسقط الخيار عن الموكل، وقوله: قصدا احترازا عن الإسقاط الضمني فإنه لا يملك بقبض المبيع. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن القبض نوعان: تام وهو أن يقبضه) ش: أي الوكيل م: (وهو يراه، وناقص) ش: أي وقبض ناقص م: (وهو أن يقبضه مستورا) ش: وهو لا يسقط الخيار لعدم الرضا. م: (وهذا) ش: إشارة إلى تنوعه بالنوعين م: (لأن تمامه) ش: أي تمام القبض م: (بتمام الصفقة، ولا تتم) ش: أي الصفقة م: (مع بقاء خيار الرؤية) ش: لأن تمامها بتناهيها واللزوم بحيث لا يرقد إلا برضا أو قضاء وخيار الرؤية والشرط يمنعان عن ذلك م: (والموكل يملكه) ش: أي يملك القبض م: (بنوعيه) ش: أي بنوعي القبض م: (فكذا الوكيل، ومتى قبض الموكل وهو يراه سقط الخيار فكذا الوكيل) ش: أي فكذا وكيله يملكه بنوعيه م: (لإطلاق التوكيل) ش: عملا بإطلاقه. م: (وإذا قبضه مستورا) ش: جواب عما يقال: لا نسلم ذلك فإن الوكيل إذا قبضه قبضا ناقصا ثم رآه فأسقط الخيار قصدا لم يسقط، والموكل لو فعل ذلك سقط الخيار فليس الوكيل كالموكل في القبض الناقص لا محالة، فأجاب بقوله: وإذا قبضه أي الوكيل مستورا م: (انتهى التوكيل بالناقص) ش: أي بالقبض الناقص م: (منه) ش: أي من القبض م: (فلا يملك إسقاطه قصدا بعد ذلك) ش: لأنه لم يفوض إليه الإبطال قصدا وإنما يثبت له الإبطال مقتضى تتميمهم القبض، وهنا لما حصل القبض الناقص، انتهى الوكيل به فليس له بعد ذلك إبطال الخيار م: (بخلاف خيار العيب) ش: جواب عن قولهما: فصار كخيار العيب م: (لأنه لا يمنع تمام الصفقة) ش: لأنه لم يشرع تتميما للقبض بل لتسليم الجزء الفائت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 93 فيتم القبض مع بقائه، وخيار الشرط على الخلاف، ولو سلم فالموكل لا يملك التام منه فإنه لا يسقط بقبضه؛ لأن الاختيار وهو المقصود بالخيار يكون بعده، فكذا لا يملكه وكيله، وبخلاف الرسول؛ لأنه لا يملك شيئا وإنما إليه تبليغ الرسالة، ولهذا لا يملك القبض إذا كان رسولا في البيع. قال: وبيع الأعمى وشراؤه جائز، وله الخيار إذا اشترى؛ لأنه اشترى؛ ما لم يره، وقد قررناه من قبل   [البناية] م: (فيتم القبض مع بقائه) ش: أي بقاء الخيار م: (وخيار الشرط على الخلاف) ش: وهذا جواب عن قولهما: والشرط، أي: وكخيار الشرط، بيانه أن خيار الشرط لا يصلح مقيسا عليه؛ لأنه على هذا الخلاف ذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن من اشترى شيئا على أنه بالخيار يوكل وكيلا بقبضه بعد ما رآه فهو على هذا الخلاف. وقال الأترازي: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: وخيار الشرط على الخلاف ولا نص عن خيار الشرط عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كذا قالوا في " شرح الجامع الصغير "، فعلى هذا يمنع، ويقال: لا نسلم أن خيار الشرط يصلح أن يكون مقيسا عليه؛ لأنه ليس فيه نص على الاتفاق فيه، بل يجوز أن يكون الحكم فيه أيضا كما في خيار الرؤية. م: (ولو سلم) ش: أي بقاء الخيار م: (فالموكل لا يملك التام منه) ش: أي لا يملك القبض التام منه أي من القبض؛ لأن تمامه بتمام الصفقة ولا تتم الصفقة مع بقاء خيار الشرط م: (فإنه) ش: أي فإن الخيار م: (لا يسقط بقبضه؛ لأن الاختيار) ش: وهو التردد والتفكر م: (وهو المقصود بالخيار يكون بعده) ش: أي بعد القبض م: (فكذا لا يملكه وكيله، وبخلاف الرسول فإنه لا يملك شيئا) ش: من القبض لا التام ولا الناقص م: (وإنما إليه تبليغ الرسالة) ش: فيملك أداء الرسالة على أكمل الوجوه. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونه مبلغا للرسالة فقط م: (لا يملك القبض) ش: أي قبض الثمن م: (إذا كان رسولا في البيع) ش: ولا قبض البيع إذا كان رسولا في الشراء، وفي بعض النسخ لا يملك التسليم مكان القبض أي تسليم المبيع أو الثمن باعتبار الحالتين. [بيع الأعمى وشراؤه] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وبيع الأعمى وشراؤه جائز) ش: وبه قال مالك وأحمد والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في قول، وفي قول لا يجوز وهو اختيار المزني - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهذا الخلاف فيمن هو أعمى وقت العقد ولم يكن بصيرا، أما إذا كان بصيرا فعمي بعد ذلك لا خلاف في جواز بيعه. م: (وله الخيار إذا اشترى؛ لأنه اشترى ما لم يره، وقد قررناه من قبل) ش: أي في أول الباب أن شراء ما لم يره جائز وأن له الخيار، والأعمى كالبصير الذي يشتري ما لم يره فيجوز شراؤه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 94 ثم يسقط خياره بجسه المبيع إذا كان يعرف بالجس، وبشمه إذا كان يعرف بالشم، وبذوقه إذا كان يعرف بالذوق كما في البصير، ولا يسقط خياره في العقار حتى يوصف له؛ لأن الوصف يقام مقام الرؤية كما في السلم، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا وقف في مكان لو كان بصيرا لرآه وقال: قد رضيت يسقط خياره؛ لأن التشبيه يقام مقام الحقيقة في موضع العجز، كتحريك الشفتين يقام مقام القراءة في حق الأخرس في الصلاة، وإجراء الموسى مقام الحلق في حق من لا شعر له في الحج، وقال الحسن: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يوكل وكيلا بقبضه وهو يراه، وهذا أشبه بقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن رؤية الوكيل رؤية الموكل على ما مر آنفا. قال: ومن رأى أحد الثوبين فاشتراهما، ثم رأى الآخر جاز له أن يردهما؛ لأن رؤية أحدهما لا تكون رؤية الآخر، للتفاوت في الثياب فبقي الخيار فيما لم يره، ثم لا يرده وحده بل يردهما؛ كيلا يكون تفريقا للصفقة قبل التمام   [البناية] مع ثبوت الخيار له كالبصير م: (ثم يسقط خياره بجسه المبيع إذا كان يعرف بالجس، وبشمه إذا كان يعرف بالشم، وبذوقه إذا كان يعرف بالذوق كما في البصير، ولا يسقط خياره في العقار حتى يوصف له) ش: وفي " الجامع العتابي ": الوصف في العقار أن يقف في مكان لو كان بصيرا لرآه، ثم يذكر له صفة العقار. م: (لأن الوصف يقام مقام الرؤية) ش: وقيل: يمس الحائط والباب م: (كما في السلم) ش: يعني أن الوصف يقوم مقام المسلم فيه، وإن كان المسلم فيه معدوما للعجز، والعجز في حق الأعمى ألزم؛ لأن رؤية المسلم فيه ممكنة، أما رؤية الأعمى غير ممكنة، فيقوم الوصف مقام الرؤية في حقه بالطريق الأولى. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا وقف في مكان لو كان بصيرا لرآه، وقال: قد رضيت يسقط خياره؛ لأن التشبيه يقام مقام الحقيقة في موضع العجز، كتحريك الشفتين يقام مقام القراءة في حق الأخرس في الصلاة، وإجراء الموسى مقام الحلق في حق من لا شعر له في الحج، وقال الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ابن زياد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يوكل وكيلا بقبضه وهو يراه) ش: فتصير رؤية الوكيل كرؤيته، قال المصنف: م: (وهذا) ش: أي قول الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أشبه بقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن رؤية الوكيل رؤية الموكل على ما مر آنفا) ش: أي في المسألة المتقدمة. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن رأى أحد الثوبين فاشتراهما ثم رأى الآخر جاز له أن يردهما؛ لأن رؤية أحدهما لا تكون رؤية الآخر للتفاوت في الثياب، فبقي الخيار فيما لم يره ثم لا يرده وحده بل يردهما؛ كيلا يكون تفريقا للصفقة قبل التمام) ش: وتفريق الصفقة منهم بالإجماع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 95 وهذا؛ لأن الصفقة لا تتم مع خيار الرؤية قبل القبض وبعده، ولهذا يتمكن من الرد بغير قضاء ولا رضا ويكون فسخا من الأصل. ومن مات وله خيار الرؤية بطل خياره؛ لأنه لا يجري فيه الإرث عندنا، وقد ذكرناه في خيار الشرط. ومن رأى شيئا ثم اشتراه بعد مدة فإن كان على الصفة التي رآها فلا خيار له؛ لأن العلم بأوصافه حاصل له بالرؤية السابقة، وبفواته يثبت الخيار إلا إذا كان لا يعلم أنه مرئيه لعدم الرضا به، وإن وجده متغيرا فله الخيار؛ لأن تلك الرؤية لم تقع معلمة بأوصافه، فكأنه لم يره، وإن اختلفا في التغير فالقول قول البائع؛ لأن التغير حادث   [البناية] م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن الصفقة لا تتم مع خيار الرؤية قبل القبض وبعده) ش: أي بعد القبض يعني فيما إذا قبضه مستورا، قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كذا قيل ولا حاجة إلى هذا؛ لأن خيار الرؤية يبقى إلى أن يوجد ما يبطله م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون الصفقة غير تامة م: (يتمكن) ش: أي المشتري م: (من الرد بغير قضاء ولا رضا ويكون فسخا من الأصل) ش: أي يكون الرد بخيار الرؤية فسخا من الابتداء ويكون فسخا من الأصل لعدم تحقق الرضا لعدم العلم بصفات المعقود عليه، فلا يحتاج إلى القضاء والرضا بخلاف خيار المعيب بعد القبض، فإنه لا يرد إلا بالرضا والقضاء لتمام البيع، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في خيار البيع بعد القبض كذلك فهو فسخ من الأصل أيضا. [مات وله خيار الرؤية] م: (ومن مات وله خيار الرؤية بطل خياره؛ لأنه لا يجري فيه الإرث عندنا) ش: خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقد ذكرناه في خيار الشرط) ش: أي قد ذكرنا بطلان خيار الرؤية بالموت في باب خيار الشرط. م: (ومن رأى شيئا ثم اشتراه بعد مدة، فإن كان على الصفة التي رآها فلا خيار له؛ لأن العلم بأوصافه حاصل له بالرؤية السابقة، وبفواته) ش: أي بفوات العلم بأوصافه م: (يثبت الخيار إلا إذا كان لا يعلم أنه مرئيه) ش: أي لا يعلم أنه هو الذي رآه، وكلمة الاستثناء من قوله فلا خيار له م: (لعدم الرضا به) ش: أي لا يكون راضيا به. وفي " الفتاوى الصغرى " صور لهذا بأنه إذا اشترى ثوبا ملفوفا كان رآه من قبل وهو لا يعلم أن المشترى ذلك المرئي ثبت له خيار الرؤية، وصورته في " الخلاصة " رجل رأى جارية عند رجل فساومه بها ولم يشترها ثم رآها بعد ذلك بمدة تتبعها فاشتراها منه منتقبة ولم يعلم أن هي التي رآها فله الخيار لعدم الرضا. م: (وإن وجد متغيرا) ش: أي وإن وجد ما رآه بعد الشراء متغيرا عما رآه م: (فله الخيار؛ لأن تلك الرؤية لم تقع معلمة بأوصافه، فكأنه لم يره، وإن اختلفا في التغير) ش: بأن قال المشتري قد تغير وقال البائع: لم يتغير م: (فالقول قول البائع؛ لأن التغير حادث) ش: لأنه إنما يكون معيبا إذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 96 وسبب اللزوم ظاهر إلا إذا بعدت المدة على ما قالوا؛ لأن الظاهر شاهد للمشتري، بخلاف ما إذا اختلفا في الرؤية؛ لأنها أمر حادث والمشتري ينكره فيكون القول قوله. قال: ومن اشترى عدل زطي ولم يره فباع منه ثوبا أو وهبه وسلمه لم يرد شيئا منها إلا من عيب، وكذلك خيار الشرط؛ لأنه تعذر الرد فيما خرج عن ملكه، وفي رد ما بقي تفريق الصفقة قبل التمام؛ لأن خيار الرؤية والشرط يمنعان تمامها، بخلاف خيار العيب؛ لأن   [البناية] تبدل هيئته، وكل منهما عارض، والمشتري يدعيه والبائع منكر ومتمسك بالأصل. م: (وسبب اللزوم) ش: أي لزوم العقد وهو الرؤية السابقة أو البيع البات الخالي عن الشروط المفسدة أو رؤية جزء من المعقود عليه م: (ظاهر) ش: فالقول قول من يتمسك بالظاهر، وذكر بعض أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن القول للمشتري م: (إلا إذا بعدت المدة) ش: استثناء من قوله: فالقول قول البائع م: (على ما قالوا) ش: أي المتأخرون، فحينئذ يكون القول قول المشتري م: (لأن الظاهر شاهد للمشتري) ش: لأن الشيء قد يتغير بطول الزمان، ومن شهد له الظاهر فالقول قوله وإليه مال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " المبسوط ": فإن بعدت المدة بأن رأى جارية شابة ثم اشتراها بعد عشرين سنة وزعم البائع أنها لم تتغير فالقول للمشتري وبه كان يفتي الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والإمام ظهير الدين المرغيناني - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (بخلاف ما إذا اختلفا في الرؤية) ش: متصل بقوله فالقول للبائع، يعني إذا اختلف البائع والمشتري في رؤية المشتري فالقول قول المشتري م: (لأنها) ش: أي؛ لأن الرؤية م: (أمر حادث والمشتري ينكره فيكون القول قوله) ش: مع يمينه. م: (قال) ش: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى عدل زطي ولم يره) ش: العدل بالكسر المثلي، ومنه عدل المتاع، والزط خيل من الناس، وفي المغرب خيل من الهند ينسب إليهم الثياب الزطية، وقيل: خيل من الناس بسواد العراق، وقوله: ومن اشترى عدل زطي ولم يره، وفي " الكافي ": وقبضه وهو مراد المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا، وقيده بالقبض؛ لأنه لو لم يكن مقبوضا لا يصح تصرف المشتري فيه ببيع أو هبة م: (فباع منه ثوبا أو وهبه وسلمه لم يرد شيئا منها إلا من عيب) ش: ذكر الضمير أولا في قوله منه، وأنثه ثانيا بقوله لم يرد شيئا منها ردا إلى لفظ العدل ومعناه م: (وكذلك خيار الشرط) ش: بأن اشترى عدل زطي بخيار الشرط وقبضه وباع ثوبا منه أو وهب م: (لأنه تعذر الرد فيما خرج عن ملكه، وفي رد ما بقي تفريق الصفقة) ش: على البائع م: (قبل التمام) ش: وتفريق الصفقة قبل التمام لا يجوز، كما في ابتداء الصفقة م: (لأن خيار الرؤية والشرط يمنعان تمامها) ش: أي تمام الصفقة؛ لأن تمامها بالرضا ولا رضا مع وجودهما م: (بخلاف خيار العيب) ش: هذا جواب عن قوله: إلا من خيار عيب م: (لأن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 97 الصفقة تتم مع خيار العيب بعد القبض، وإن كانت لا تتم قبله، وفيه وضع المسألة، فلو عاد إليه بسبب هو فسخ فهو على خيار الرؤية، كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي. وعن أبي يوسف أنه لا يعود بعد سقوطه كخيار الشرط، وعليه اعتمد القدوري.   [البناية] الصفقة تتم مع خيار العيب بعد القبض) ش: قيد به؛ لأنه قبل القبض لو وجد عيبا في ثوب منها يردها، وأما بعد القبض فلا يرد إلا المعيب خاصة م: (وإن كانت) ش: واصل بما قبله. أي وإن كانت الصفقة م: (لا تتم قبله) ش: أي قبل القبض في خيار العيب م: (وفيه) ش: أي وفي المقبوض م: (وضع المسألة) ش: أي مسألة الزطي معنى قيد القبض فيها شرط كما ذكرنا؛ لأنه لو كان قبل القبض لما جاز التصرف فيه م: (فلو عاد) ش: أي الثوب م: (إليه) ش: أي إلى المشتري م: (بسبب هو فسخ) ش: كالرد بخيار الرؤية أو الشرط أو العيب بالقضاء أو الرجوع في الهبة م: (فهو) ش: أي المشتري م: (على خيار الرؤية) ش: لارتفاع المانع من الأصل م: (كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي) ش: في مبسوطه م: (وعن أبي يوسف) ش: وهو رواية علي بن الجعد عنه م: (أنه) ش: أي أن خيار الرؤية م: (لا يعود بعد سقوطه) ش: لأن الساقط لا يعود م: (كخيار الشرط) ش: وفي فتاوى قاضي خان: وهو الصحيح م: (وعليه) ش: أي على ما روي م: (اعتمد القدوري) ش:. فرع: اشترى شيئا مغيبا في الأرض كالجزر والفجل والبصل والثوم وأصول الزعفران وما أشبه ذلك يجوز، وبه قال مالك وأحمد، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز وله الخيار إذا رأى جميعه، ورؤية بعضه لا تبطل الخيار بكل حال عند أبي حنيفة، وقالا: رؤية بعضها كرؤية كلها فافهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 98 باب خيار العيب وإذا اطلع المشتري على عيب في المبيع فهو بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء رده؛ لأن مطلق العقد يقتضي وصف السلامة، فعند فواته يتخير كيلا يتضرر بلزوم ما لا يرضى به، وليس له أن يمسكه ويأخذ النقصان؛ لأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن في مجرد العقد   [البناية] [باب خيار العيب] [اطلع المشتري على عيب في المبيع] م: (باب خيار العيب) ش: أي هذا باب في بيان أحكام خيار العيب وإضافة الخيار إلى العيب من قبيل إضافة الشيء إلى سببه، وقال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: العيب والعيبة والعاب في معنى واحد نقول عاب المباع أي صار ذا عيب وعبته أنا يتعدى ولا يتعدى فهو معيب ومعيوب أيضا على الأصل ويقول: ما به معابة ومعاب أي عيب، وفي " المبسوط ": العيب ما تخلو عنه أصل الفطرة السليمة. م: (وإذا اطلع المشتري على عيب في المبيع فهو بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء رده؛ لأن مطلق العقد يقتضي وصف السلامة) ش: أي سلامة المعقود عليه م: (فعند فواته) ش: أي فوات وصف السلامة م: (يتخير) ش: أي المشتري م: (كيلا يتضرر بلزوم مالا يرضى به) ش: والضرر مدفوع شرعا. م: (وليس له) ش: أي للمشتري م: (أن يمسكه) ش: أي المبيع الذي اطلع فيه على عيب م: (ويأخذ النقصان) ش: أي نقصان العيب، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له أحد الأمرين؛ لأنه حقه، ونقصان العيب إما الثمن أو الإرث، وليس له ذلك؛ لأن العائب وصف؛ لأن العيب إما أن يكون بما يوجب فوات جزء من المبيع أو تغيره من حيث الظاهر كالعمى والعور والشلل والزمانة والسن الساقطة. وإما أن يكون بما يوجب النقصان معنى لا صورة كالسعال القديم وارتفاع الحيض في زمانه، والزنا والدفر، والبخر في الجارية، وفي ذلك كله فوات وصف فلا يصح أن يأخذ النقصان. م: (لأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن) ش: لأن الثمن إما أن يقابل بالوصف، والأصل أو بالأول دون الثاني أو بالعكس لا سبيل إلى الأول، والثاني كيلا يؤدي إلى مزاحمة التبع الأصل فتعين الثالث، وإنما قال: م: (في مجرد العقد) ش: احتراز عما إذا كانت الأوصاف مقصودة بالتناول كما إذا ضربت الدابة فاعورت، أو صارت معيبا، أو قطع البائع يد المبيع قبل القبض فإنه يسقط نصف الثمن؛ لأنه صار مقصودا بالتناول، أو حكما بأن يمتنع الرد بحق البائع بالعيب أو بحق الشرع بالجناية فإن لها قسطا من الثمن حينئذ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 99 ولأنه لم يرض بزواله عن ملكه بأقل من المسمى فيتضرر به، ودفع الضرر عن المشتري ممكن بالرد بدون تضرره، والمراد به عيب كان عند البائع، ولم يره المشتري عند البيع ولا عند القبض؛ لأن ذلك رضا به.   [البناية] وعن هذا قلنا: إن من اشترى شاة أو بقرة فحلبها وشرب لبنها، ثم علم بعيبها لا يردها بالعيب، ولكن يرجع بنقصان العيب عندنا، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يردها بالعيب بجميع الثمن، ولكن ذكر في كتبهم أن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال في القديم: يثبت له الرد، وقال في الجديد: لا يثبت له الرد. م: (ولأنه) ش: دليل آخر على عدم جواز إمساكه يأخذ النقصان، أي ولأن البائع م: (لم يرض بزواله عن ملكه بأقل من المسمى) ش: في العقد م: (فيتضرر به) ش: بزوال ملكه بأقل من المسمى م: (ودفع الضرر) ش: جواب عما يقال: إن المشتري أيضا يتضرر حيث يأخذ المبيع المعيب، فأجاب بقوله: ودفع الضرر م: (عن المشتري ممكن بالرد) ش: أي برد المبيع م: (بدون تضرره) ش: أي تضرر البائع، فإن قيل: البائع إذا باع معيبا فإذا هو سليم البائع يتضرر، لما أن الظاهر أنه نقص الثمن على ظن أنه معيب، ولا خيار له، وعلى هذا فالواجب إما شمول الخيار لهما، أو عدمه لهما. أجيب: بأن المبيع كان في يد البائع وتصرفه وممارسته طول زمانه، تراجع فأنزل عالما بصفة ملكه، فلا يكون له الخيار وإن ظهر بخلافه. وأما المشتري فإنه ما رأى المبيع فلو ألزمنا العقد مع العيب تضرر من غير علم حصل له فيثبت له الخيار م: (والمراد به عيب كان عند البائع) ش: هذا كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يوضح به قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإذا اطلع المشتري على عيب ... إلى آخر هذا من كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والمراد به أي بالعيب الذي ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - عيب كان عند البائع. م: (ولم يره المشتري عند البيع ولا عند القبض؛ لأن ذلك) ش: أي رؤية العيب عند إحدى الحالتين م: (رضا به) ش: أي بالعيب دلالة، والأصل في هذا الباب ما قاله البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويذكر «عن العداء بن خالد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كتب لي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هذا ما اشترى محمد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من العداء بن خالد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بيع المسلم المسلم لا داء ولا خبثة ولا غائلة» . ثم قال في الصحيح: قال قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الغائلة الزنا والسرقة والإباق، والمشتري هو رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما ترى. روى ابن شاهين في معجمه عن أبيه قال: حدثنا عبد العزيز بن معاوية القرشي قال: حدثنا عباد بن ليث قال: حدثنا عبد الحميد بن وهب أبو وهب قال: «قال لي العداء بن خالد بن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 100 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] هوذة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ألا أقرئك كتابا كتبه لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبدا أو أمة؛ لأداء ولا غائلة ولا خبثة بيع المسلم المسلم.» والمشتري: هو العداء كما ترى، وأثبت في الفائق كما في المعجم. وفي " المغرب ": الصحيح أن المشتري كان العداء والبائع هو رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المشتري رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ما ذكره في شروط الخصاف، وشروط الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وتابعهما في ذلك الحاكم السمرقندي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: رواية ابن شاهين - رَحِمَهُ اللَّهُ - تدل على أن المشتري هو العداء. وكذلك رواه الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بلفظ: «هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من محمد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشترى منه» ... الحديث. وكذلك رواه النسائي وابن ماجه - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وكلهم اتفقوا على أن البائع هو النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والمشتري العداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ووقع عند البخاري بالعكس، فقيل: إن الذي وقع عنده مقلوب وقيل: هو صواب وهو من الرواية بالمعنى؛ لأن اشترى وباع بمعنى واحد، ولزم من ذلك تقديم اسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على اسم العداء: وشرحه ابن المعرافي على ما وقع في الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقال فيه: البداءة باسم المفضول في الشروط إذا كان هو المشتري، والعداء بفتح العين وتشديد الدال المهملتين ممدود، وكان إسلامه بعد الفتح وبعد حنين، وبقي إلى زمن يزيد بن المهلب وكان يسكن البادية، وقد استقصينا الكلام فيه في شرحنا للبخاري، وقال الخطابي: الداء ما يكون بالرقيق من الأدواء التي يرد بها، كالجنون والجذام والبرص ونحوها من الآفات، والخبثة ما كان خبيث الأصل، مثل أن يسبى من له عهد، ومعنى " الغائلة ": ما يغتال حقك من حيلة، وما يدلس عليك في المبيع من عيب، وقال الزمخشري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الفائق: الغائلة الخصلة التي تغول المال، أي تهلكه من إباق أو غيره ... انتهى. وتفسير " الداء " فيما رواه الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المرض في الجوف والكبد والرئة، فإن المرض ما يكون في سائر البدن، والداء ما يكون في الجوف من الكبد والرئة، وروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: الداء المرض، والغائلة ما يكون من قبل الأفعال كالإباق والسرقة، والخبثة: هي الاستحقاق، وقيل: هي الجنون، كذا في " المبسوط "، والخبثة بكسر الخاء المعجمة، وسكون الباء الموحدة، وفتح الثاء المثلثة. وقال ابن التين - رَحِمَهُ اللَّهُ - أحد شراح البخاري: ضبطناه في أكثر الكتب بضم الخاء وكذلك سمعناه، وضبط في بعضها بالكسر، وقال الخطابي: خبثة على وزن خبزة، قيل: أراد بها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 101 قال: وكلما أوجب نقصان الثمن في عادة التجار فهو عيب؛ لأن التضرر بنقصان المالية وذلك بانتقاص القيمة والمرجع في معرفته عرف أهله، قال: والإباق والبول في الفراش والسرقة في الصغير عيب ما لم يبلغ، فإذا بلغ فليس ذلك بعيب حتى يعاوده بعد البلوغ   [البناية] الحرام كما عبر عن الحلال بالطيب، وقيل: المراد الأخلاق الخبيثة كالإباق. ثم وجه الاستدلال بهذا الحديث أن فيه تنصيصا على أن البيع يقتضي سلامة المبيع من العيب. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أراد بهذا بيان معرفة العيوب؛ لأنه قال أولا: إذا اطلع المشتري على عيب إلى آخره يحتاج إلى معرفة العيوب فبين المعيب بهذا الكلي، وهو قوله م: (وكل ما أوجب نقصان الثمن في عادة التجارة فهو عيب) ش: هذا ضابط كلي يعلم بها العيوب الموجبة للخيار على سبيل الإجمال م: (لأن التضرر بنقصان المالية وذلك بانتقاص القيمة، والمرجع في معرفته عرف أهله) ش: وفي " الذخيرة ": ففي كل شيء يرجع إلى أهل الصفة فيما يعدونه عيبا فهو عيب، وإن لم يوجب نقصانا في العين ولا في منافعها. [العيب في الصغير] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والإباق والبول في الفراش والسرقة في الصغير عيب ما لم يبلغ) ش: هذه الأشياء الثلاثة عيب في الصغير الذي لم يبلغ، فإن أبق الصغير الذي يعقل من مولاه ما دون السفر من المصر إلى القرية أو بالعكس فهو عيب؛ لأنه يفوت المنافع على المولى، وإذا بال في الفراش وهو مميز يأكل وحده، ويشرب وحده فكذلك عيب، وإن سرق درهما من مولاه أو من غيره فكذلك لإخلاله بالمقصود؛ لأنه لا يأمنه على ماله، ويشق عليه حفظ ماله على الدوام، ولا فرق بين سرقته من مولاه وغيره إلا في المأكولات للأكل، فإن سرقها من مولاه فليس بعيب، فإذا وجدت هذه الأشياء من الصغير عند البائع والمشتري في صغره فهو عيب يرد به. م: (فإذا بلغ فليس ذلك بعيب حتى يعاوده بعد البلوغ) ش: أي حتى يعاوده عند البائع بعد البلوغ ثم عاوده عند المشتري، حاصله: إذا وجد من الصغير أحد هذه الأشياء في صغره، ثم بيع فبلغ في يد المشتري، ثم وجد هذه الأشياء في يده لا يعتبر بذلك عيبا لاختلاف الحالة إلا إذا عاوده بعد البلوغ في يد البائع، ثم باعه فوجد ذلك في يد المشتري يكون ذلك عيبا لاتحاد الحالة. وقد نص في " الكافي " و" المحيط " و" شرح الطحاوي ": على اشتراط المعاودة عند البائع، وفي " الكفاية " و" شرح قاضي خان ": المعاودة في يد البائع ليست بشرط للرد فإن هذه الأفعال في عادة الصبيان فإن امتنع عنها بالبلوغ لم يكن ما سبق عيبا، ولا يرد به، فإن عاوده تبين أنه كان يفعله طبعا لا عادة، وذلك عيب فيرد به. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 102 ومعناه إذا ظهرت عند البائع في صغره، ثم حدثت عند المشتري في صغره فله أن يرده؛ لأنه عين ذلك، وإن حدثت بعد بلوغه لم يرده؛ لأنه غيره، وهذا؛ لأن سبب هذه الأشياء يختلف بالصغر والكبر، فالبول في الفراش في الصغر لضعف المثانة وبعد الكبر لداء في الباطن، والإباق في الصغر لحب اللعب، والسرقة لقلة المبالاة، وهما بعد الكبر لخبث في الباطن   [البناية] وقد أوضح المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - المذكور بقوله م: (ومعناه) ش: أي ومعنى ما قاله القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله: فإذا بلغ إلى آخره م: (إذا ظهرت) ش: أي الأشياء المذكورة م: (عند البائع في صغره ثم حدثت عند المشتري في صغره فله أن يرده؛ لأنه) ش: أي؛ لأن الذي حدث من هذه الأشياء م: (عين ذلك) ش: أي عين ذلك الذي حدث عند البائع. م: (وإن حدثت بعد بلوغه) ش: يعني عند المشتري م: (لم يرده؛ لأنه غيره) ش: أي غير الذي حدث عند البائع م: (وهذا) ش: إشارة إلى إيضاح بيان الفرق بين الحالتين المذكورتين م: (لأن سبب هذه الأشياء) ش: أي الإباق والبول في الفراش والسرقة م: (يختلف بالصغر والكبر، فالبول في الفراش في الصغر لضعف المثانة، وبعد الكبر لداء في الباطن، والإباق في الصغر لحب اللعب، والسرقة لقلة المبالاة وهما) ش: أي الإباق والسرقة م: (بعد الكبر لخبث في الباطن) ش: وفي المبسوط الإباق في الصغر سببه سوء الأدب، وحب اللعب، وبعد البلوغ سببه التمرد وقله المبالاة بالمولى، والسرقة قبل البلوغ لقلة التأمل في عواقب الأمور وبعد البلوغ سببها التمرد. ولهذا يجب على البالغ ما لا يجب على الصبي، وفي " الإيضاح " السرقة والبول في الفراش قبل أن يأكل وحده ويشرب وحده ليس بعيب؛ لأنه لا يعقل ما يفعل وبعد ذلك عيب ما دام صغيرا، وكذا الإباق. وفي " الذخيرة " إن كانت السرقة أقل من عشرة دراهم عيب؛ لأن الإنسان لا يأمن السارق على مال نفسه. وفي ذلك العشرة وما دونها سواء، وقيل: ما دون الدراهم وهو فلس أو فلسان ليس بعيب وإباق ما دون السفر عيب عند المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كإباق مدة السفر، لكن تكلموا هل يشترط الخروج من المدينة، فقيل: شرط حتى لو أبق من محلة إلى محلة لا يكون عيبا ومن القرية إلى المصر إباق ... وكذا على العكس، والبول في الفراش إنما يكون عيبا إذا كان صغيرا ابن خمس سنين. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الأظهر في البول اعتبار الاعتبار إذا كان في غير أوانه، وأما في الصغير فلا، وقدره في " التهذيب " بما دون سبع سنين كذا في " شرح الوجيز "، وهو ظاهر قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندنا الكل عيب عند اتحاد الحالتين في المعاودة سواء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 103 والمراد من الصغير من يعقل، فأما الذي لا يعقل فهو ضال لا آبق فلا يتحقق عيبا. قال: والجنون في الصغر عيب أبدا ومعناه إذا جن في الصغر في يد البائع، ثم عاوده في يد المشتري فيه أو في الكبر يرده؛ لأنه عين الأول؛ إذ السبب في الحالين متحد وهو فساد الباطن، وليس معناه أنه لا يشترط المعاودة في يد المشتري؛ لأن الله تعالى قادر على إزالته، وإن كان قلما ما يزول فلا بد من المعاودة للرد.   [البناية] كان ذلك قبل البلوغ أو بعده. م: (والمراد من الصغير من يعقل) ش: أي المراد من قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الصغير عيب الصغير الذي يعقل، وقال في " التحفة " الصغير: الذي لا يعقل وحده ليس فيه عيب من الأشياء المذكورة، ويفهم منه الذي يعقل هو الذي يأكل وحده. م: (فأما الذي) ش: أي وأما الصغير الذي م: (لا يعقل فهو ضال لا آبق فلا يتحقق عيبا) ش: يعني لا يترتب عليه حكم الآبق؛ لأنه ضال أي تائه م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (والجنون في الصغر عيب أبدا) ش: كذا قاله محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومعناه) ش: أي معنى ما قاله محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إذا جن في الصغر في يد البائع، ثم عاوده في يد المشتري فيه) ش: أي في الصغر م: (أو في الكبر) ش: أي أو عاوده في الكبر م: (يرده؛ لأنه عين الأول) ش: الذي وجد عند البائع. م: (إذ السبب في الحالين متحد) ش: أي في الحال الذي كان عند المشتري وليس مراده محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن عين الجنون لا تزول بل أراد سببه وهو الفساد المتمكن فيكون عيبا أبدا، ففي أي وقت ظهر فهو بذلك السبب فلم يكن عيبا حادثا، وفي المحيط تكلموا في مقدار الجنون قيل ساعة عيب، وقيل: أكثر من يوم وليلة، وقيل: المطبق دون غيره. وقال الإسبيجابي في ظاهر الجواب: إنه لا يشترط المعاودة في يد المشتري، وقيل: تشترط بلا خلاف بين المشايخ في عامة الروايات م: (وهو فساد الباطن) ش: في فحل العقل بل معدن العقل، قيل: القلب وشعاعه إلى الدماغ، والجنون انقطاع ذلك الشعاع من الدماغ، والذي قاله المحققون - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - العقل جوهر مضيء خلقه الله تعالى في هذه الدماغ، وجعل نوره في القلب يدرك به الغائبات بالوسائط والمحسوسات بالمشاهدة م: (وليس معناه أنه لا يشترط المعاودة في يد المشتري؛ لأن الله تعالى قادر على إزالته) ش: ولم يكن من ضرورة وجوده يوما بعاريته أبدا م: (وإن كان قلما يزول، فلا بد من المعاودة للرد) ش: أي لأجل الرد، وقد ذكر آنفا ما قاله المشايخ من الاختلاف فيه، ومال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى قول من يشترط المعاودة كما صرح به. فإن قلت: قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل الجنون الجزء: 8 ¦ الصفحة: 104 قال: والبخر والدفر عيب في الجارية؛ لأن المقصود قد يكون الاستفراش وهما يخلان به، وليس بعيب في الغلام؛ لأن المقصود هو الاستخدام، ولا يخلان به إلا أن يكون من داء؛ لأن الداء عيب: قال: والزنا وولد الزنا عيب في الجارية دون الغلام؛ لأنه يخل بالمقصود في الجارية وهو الاستفراش وطلب الولد   [البناية] عيب إذا جن مرة واحدة فهو عيب لازم أبدا يدل أيضا على أنه لم يشترط فيه المعاودة في يد المشتري فكيف يقول المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وليس معناه إلى آخره. قلت: لا يلزم من عدم ذكره اشتراط المعاودة في هذا الموضع أنه لا يشترطها أصلا، فإنه قال: وإن طعن المشتري بإباق أو جنون ولا يعلم القاضي ذلك فإنه لا يستحلف البائع حتى يشهد شاهدان أنه قد أبق عند المشتري، أو جن عنده، وقد اشترط المعاودة في الجنون كما ترى في اشتراطه في الإباق. [العيوب في الجارية] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره " م: (والبخر) ش: بفتحتين رائحة متغيرة من الفم وكل رائحة ساطعة فهو بخر مأخوذ من بخار القدر أو بخار الدخان وهذا البخور الذي يبخر به من ذلك، كذا في " الجمهرة " م: (والدفر) ش: بالدال المهملة وفتح الفاء نتن ريح الإبط، وفي " الجمهرة ": الدفر النتن، يقال رجل أدفر وامرأة دفراء، ويقال للمرأة يا دافر معدول، وقد سمعت دفر الشيء ودفره بسكون الفاء وفتحها. وأما الذفر بالذال المعجمة فهو حدة من طيب أو نتن وربما خص به الطيب فقيل مسك أذفر، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: السماع هاهنا بالدال غير المعجمة، وفي " شرح الوجيز " المراد من البخر الذي عيب هو الناشئ عن تغير المدة دون ما يكون بفلج في الأسنان، فإن ذلك يزول بتنظيف م: (عيب في الجارية؛ لأن المقصود قد يكون الاستفراش، وهما) ش: أي البخر والدفر م: (يخلان به) ش: أي بالاستفراش م: (وليس بعيب في الغلام) ش: أي وليس كل واحد من الدفر والبخر بعيب في الغلام م: (لأن المقصود هو الاستخدام ولا يخلان به) ش: أي لا يخل البخر والدفر بالاستخدام. وفي " الغاية " وقيل إذا كان العبد أمرد يكون البخر فيه عيبا، والأصح أن الأمرد وغيره سواء، كذا في " خلاصة الفتاوى ". م: (إلا أن يكون) ش: كل واحد من البخر والدفر م: (من داء؛ لأن الداء عيب) ش: في نفسه، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - البخر والدفر عيبان في الغلام أيضا. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والزنا وولد الزنا عيب في الجارية دون الغلام؛ لأنه يخل بالمقصود في الجارية وهو الاستفراش وطلب الولد) ش: يعني كون الجارية ولد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 105 ولا يخل بالمقصود في الغلام وهو الاستخدام إلا أن يكون الزنا عادة له على ما قالوا؛ لأن اتباعهن يخل بالخدمة. قال: والكفر عيب فيهما؛ لأن طبع المسلم ينفر عن صحبته، ولأنه يمتنع صرفه في بعض الكفارات فتختل الرغبة   [البناية] الزنا يخل بمقصود المولى وهو الاستيلاد، فإن ولده يعير بأمه إذا كانت والد الزنا م: (ولا يخل بالمقصود في الغلام وهو الاستخدام) ش:. م: (إلا أن يكون الزنا عادة له) ش: أي للغلام بأن زنى أكثر من مرتين م: (على ما قالوا) ش: أي المشايخ م: (لأن اتباعهن) ش: من إضافة المصدر إلى المفعول أي؛ لأن اتباع الغلام البنات م: (يخل بالخدمة) ش: أي بخدمة مولاه، وفيه إضمار قبل الذكر، ولكن القرينة وهي ذكر الزنا أدل على النساء؛ لأن الزنا لا يكون إلا بهن. فإن قلت: إذا وجده سارقا فله الرد لعدم أمانته على ماله، ففي الزنا لم يكن عيبا لعدم أمانته على الجواري والخدم. قلت: إذا كن مستورات يمكنهن حفظ أنفسهن، وإذا شغله المولى بالعمل وبما لا يتفرغ لذلك الأمر، وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الزنا ليس بعيب في الغلام في معنى المال، وإن كان عيبا في معنى الدين. وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الصغير ": لو اشترى عبدا فوجده زانيا لا يكون عيبا؛ لأن فيه زيادة قوة وزيادة القوة لا تكون عيبا، ألا ترى أنه لو اشترى عبدا فوجده عنينا فله أن يرده. وذكر الحسن بن زياد عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: إذا اشترى عبدا على أنه خصي فإذا هو فحل لزمه ذلك، أما إذا اشتراه على أنه فحل فإذا هو خصي لم يلزمه، وفي " العيون " قال هشام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سمعت أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: لو أن رجلا اشترى عبدا قد احتلم أو جارية حاضت ولم يختتن العبد، ولم تخفض الجارية قال: إن كان مولدا فهو عيب وإن كان جلبا فليس بعيب. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (والكفر عيب فيهما) ش: أي في الغلام والجارية م: (لأن طبع المسلم ينفر عن صحبته) ش: أي عن صحبة الكافر؛ لأن المسلم قلما يرغب في صحبة الكافر وينفر عنه؛ فكان الكفر سببا لنقصان الثمن لفتور الرغبة، وسواء كان الكافر نصرانيا أو يهوديا أو مجوسيا م: (ولأنه) ش: دليل آخر، أي ولأن الكافر م: (يمتنع صرفه في بعض الكفارات) ش: مثل كفارة اليمين والظهار عند بعض الناس وفي كفارة القتل يمنع بالإجماع فإذا كان كذلك م: (فتختل الرغبة) ش: وهي سبب لنقصان الثمن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 106 فلو اشتراه على أنه كافر فوجده مسلما لا يرده؛ لأنه زوال العيب، وعند الشافعي يرده؛ لأن الكافر يستعمل فيما لا يستعمل فيه المسلم وفوات الشرط بمنزلة العيب. قال: فلو كانت الجارية بالغة لا تحيض أو هي مستحاضة فهو عيب؛ لأن ارتفاع الدم واستمراره علامة الداء   [البناية] وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لو أطلق العقد فبان أنه كافر لا خيار له؛ لأن ظاهر الحال لا يدل على الكفر أو الإسلام، كما لو ظن العدل فبان الفسق، وقال أصحابه: هذا إذا كان كفرا يقر عليه، فإذا كانت الجارية مرتدة فله الخيار. وفي " شرح الوجيز " لو وجد الجارية كتابية أو وجد العبد كافرا أي كفر كان فلا رد إن كان قريبا من بلاد الكفر بحيث لا تقل فيه الرغبات، وإن كان في بلاد الإسلام حيث تقل الرغبات وتنقص قيمته فله الرد. م: (فلو اشتراه على أنه كافر فوجده مسلما لا يرده؛ لأنه) ش: أي؛ لأن الإسلام م: (زوال العيب، وعند الشافعي يرده؛ لأن الكافر يستعمل فيما لا يستعمل فيه المسلم وفوات الشرط بمنزلة العيب) ش: وفي نسخة شيخنا؛ لأنه زوال العيب فصار كما لو اشتراه معيبا فإذا هو سليم فلا يرده، وبه قال المزني - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت له الخيار؛ لأنه وجده بخلاف شرطه، وله في هذا الشرط غرض فربما قصد أن يستخدمه في المحقرات من الأمور، ولأن الأولى بالمسلم أن يتبعه الكافر. وكان السلف يستعبدون العلوج. والجواب أن هذا أمر راجع إلى الديانة ولا عبرة به في المعاملات. م: (قال: فلو كانت الجارية بالغة لا تحيض أو هي مستحاضة فهو عيب) ش: قيد بقوله: بالغة؛ لأن عدم الحيض في الصغيرة ليس بعيب بالإجماع، ولو كانت كبيرة قد بلغت سن الإياس فهو غير عيب بإجماع الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أيضا. م: (لأن ارتفاع الدم واستمراره علامة الداء) ش: قال شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الحيض مركب في بنات آدم فإذا لم تحض في أوانه فالظاهر أنه إنما لا تحيض لداء فيها والداء عيب، ولو ادعى المشتري الانقطاع في يده لا تسمع منه الخصومة ما لم يدع ارتفاع الحيض بسبب الداء أو الحبل، فإن ادعى لسبب الحبل تراها النساء، فإن قلن: هي حبلى يحلف البائع أن ذلك لم يكن عنده، وإن قلن: ليست بحبلى لا يمين على البائع، وإن ادعى المشتري ارتفاع الحيض بسبب الداء نريها لاثنين من الأطباء المسلمين، فإن ثبت العيب يحلف البائع كما تقدم، وإن لم يثبت لا يحلف. والمرجع في معرفة الحبل قول النساء، وفي معرفة الداء قول الأطباء، وفي " فتاوى الفضلي ": العيب الذي لا يثبت إلا بقول الأطباء ما لم يتفق عدلان منهم لا يثبت العيب في حق سماع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 107 ويعتبر في الارتفاع أقصى غاية البلوغ وهو سبع عشرة سنة فيها، عند أبي حنيفة ويعرف ذلك   [البناية] الخصومة. وقال الشيخ أبو المعين النسفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الكبير ": وإن كان العيب خفيا لا يطلع عليه إلا الأطباء يثبت بقول واحد عدل منهم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: 43] (النحل: الآية 43) ، وهم أهل الذكر في هذا الباب، وكذا إذا كان لا يطلع عليه إلا النساء يثبت بقول واحدة منهن موصوفة بالعدالة، والثنتان أحوط، وقال صاحب " التحفة ": إذا كان العيب باطنا لا يعرفه إلا الخواص من الناس، كالأطباء والنخاسين فإنه يعرف ذلك ممن له بصارة في ذلك الباب. فإن اجتمع على ذلك العيب رجلان مسلمان أو قال ذلك رجل مسلم عدل فإنه يقبل قوله، ويثبت العيب في حق إثبات الخصومة، ثم بعد هذا يقول القاضي للبائع: هل حدث عندك هذا العيب فإن قال: نعم، قضى عليه بالرد، وإن لم يكن عليه بينة استحلف البائع فإن حلف لم يرد عليه، وإن نكل قضي عليه بالرد إلا أن يدعي الرضا أو الإبراء، وإن كان العيب مما لا يطلع عليه الرجال ويطلع عليه النساء فإنه يرجع إلى قول النساء، فترى امرأة مسلمة عدل والثنتان أحوط، فإذا شهدت على العيب ففي هذه المسألة عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان، وكذا عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان، في رواية فرق أبو يوسف بينهما إذا كان المبيع في يد البائع أو في يد المشتري. فقال: إن كان في يد البائع رد المبيع بشهادتها فيثبت العيب لقولها، والعيب الموجود عند البائع يفسخ به البيع، وإن كان بعد القبض أقبل قولها في إثبات الخصومة، ولا أقبل في حق الرد على البائع؛ لأن المبيع دخل في ضمان المشتري فلا أنقل الضمان إلى البائع بقول النساء، ولكن أثبت حق الخصومة ليثبت الاستحلاف وفي رواية قال: إن كان العيب مما لا يحدثه مثله يفسخ بقولها؛ لأن العيب قد يثبت بشهادتهن، وقد علمنا كون العيب عند البائع يتعين فيثبت حق الفسخ، وإن كان عيبا يحدث مثله لم يثبت حق الفسخ بقولهن، وأما عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية قال: لا يفسخ بقولهن وفي رواية يفسخ قبل القبض وبعده بقولهن؛ لأن قولها فيما لا يطلع عليه الرجال كالبينة. م: (ويعتبر في الارتفاع) ش: أي ارتفاع الحيض م: (أقصى غاية البلوغ وهو سبع عشرة سنة فيها) ش: أي في الجارية م: (عند أبي حنيفة) ش: وعندهما خمس عشرة سنة م: (ويعرف ذلك) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 108 بقول الأمة، فترد إذا انضم إليه نكول البائع قبل القبض وبعده، هو الصحيح.   [البناية] ش: أي ارتفاع الحيض م: (بقول الأمة) ش: قال الإمام العتابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإنما يعرف ذلك عند المنازعة بقول الأمة؛ لأنه لا يقف على ذلك غيرها ويحلف المولى مع ذلك؛ لأنه ما سلمها بحكم المبيع وما بها هذا العيب. وإن نكل يرد من كونه، هذا إذا كان بعد القبض، وإن كان قبل القبض يحلفه بالله ما بها هذا العيب الذي يدعيه المشتري في الحال، وهذا على قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-: في مسألة البكارة إذا اشترى جارية على أنها بكر، فقال المشتري: ليست ببكر وقال البائع: هي بكر في الحال، فإن القاضي يري النساء، فإن قلن: هي بكر لزم المشتري من غير يمين البائع؛ لأن شهادتهن تأيدت بمؤيد، وهو أن الأصل هو البكارة، وإن قلن: هي ثيب لم يثبت حق الفسخ للمشتري بشهادتهن؛ لأن شهادتهن ضعيفة، وحق الفسخ حق قوي، وبشهادتهن يثبت للمشتري حق الخصومة في توجيه النهي على البائع فيحلف البائع بالله لقد سلمها بحكم المبيع وهي بكر إن كان بعد القبض. وإن كان قبل القبض يحلف بالله أنها بكر. روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها ترد على البائع بشهادتهن من غير يمين البائع. م: (فترد) ش: أي الأمة م: (إذا انضم إليه) ش: أي إلى قولها م: (نكول البائع) ش: أي امتناع البائع عن اليمين مع قولها بأنها لا تحيض أو هي مستحاضة م: (قبل القبض وبعده، هو الصحيح) ش: قيد بقوله -الصحيح- احترازا عن قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن عنده يرد بقول الأمة قبل القبض وبشهادة القائلة، وعما روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: إن كانت الخصومة قبل القبض يفسخ العقد بقول النساء. اعلم أن المشتري إذا ادعى انقطاع الحيض فالقاضي يسأله عن مدة الانقطاع فإن ادعاه في مدة قصيرة لا تسمع دعواه وإن ادعاه في مدة مديدة يسمع دعواه. والمديدة مقدرة بثلاثة أشهر عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأربعة أشهر، وعند أبي حنيفة وزفر بسنتين، فإذا عرفت المدة فما دونها قصيرة ثم بعد ذلك إن كان القاضي مجتهدا يقضي بما أدى إليه اجتهاده، إن لم يكن مجتهدا يأخذ بما اتفق عليه أصحابنا وهو سنتان، وفي " الفوائد الظهيرية ": لو شهد للمشتري شهود لا يقبل شهادتهم على الانقطاع بخلاف الاستحاضة حيث يقبل عليها؛ لأنها مما يمكن الاطلاع عليها وانقطاع الدم على وجه يعد عيبا لا يمكن الاطلاع عليه. ولو أنكر البائع الانقطاع في الحال هل يستحلف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أم لا؟ وعندهما يستحلف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 109 قال: وإذا حدث عند المشتري عيب واطلع على عيب كان عند البائع فله أن يرجع بالنقصان ولا يرد المبيع؛ لأن في الرد إضرارا بالبائع؛ لأنه خرج عن ملكه سالما ويعود معيبا فامتنع، ولا بد من دفع الضرر عنه فتعين الرجوع بالنقصان إلا أن يرضى البائع أن يأخذه بعيبه؛ لأنه رضي بالضرر. قال: ومن اشترى ثوبا فقطعه فوجد به عيبا رجع بالعيب؛ لأنه امتنع الرد بالقطع فإنه عيب حادث   [البناية] [حدث عند المشتري عيب واطلع على عيب كان عند البائع] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا حدث عند المشتري عيب) ش: سواء كان بآفة سماوية أو غيرها م: (واطلع على عيب كان عند البائع فله أن يرجع بالنقصان) ش: أي بنقصان العيب بأن يقوم المبيع سليما عن العيب القديم ومعيباته، فما كان بينهما من عشر أو ثمن أو سدس أو غير ذلك يرجع به على البائع م: (ولا يرد المبيع؛ لأن في الرد إضرارا بالبائع؛ لأنه خرج عن ملكه سالما ويعود معيبا فامتنع) ش: أي الرد م: (ولا بد من دفع الضرر عنه) ش: أي عن المشتري م: (فتعين الرجوع بالنقصان) ش: لأن المشتري لم يرض بالمعقود عليه إلا سليما، فلو لم يكن له حق الرجوع لتضرر حقه بإيجاب نقصان العيب، وبقولنا: قال الشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في رواية، وقال مالك وأحمد -رحمهما الله- في رواية، وابن أبي ليلى: رد البيع ورد معه نقصان العيب الحادث. فإن قيل: أين قولكم الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن؟ أجيب: بأنها إذا صارت مقصودة بالتناول حقيقة أو حكما كان لها حصة من الثمن وهاهنا كذلك م: (إلا أن يرضى البائع أن يأخذه بعيبه؛ لأنه رضي بالضرر) ش: والرضا إسقاط لحقه بخلاف ما إذا كان المبيع عصيرا فتخمر في يدي المشتري، ثم اطلع على عيب في العصير فلا يرد للبائع حيث لا يكون للبائع أخذ الخمر، ويرد الثمن وإن وجد منه الرضا بالاختلاف يمنع؛ لأن الامتناع ثمة حق الشرع لما فيه من تمليك الخمر، وتملكها فلا يرتفع بتراضي المتعاقدين، كما لو تراضيا على الخمر ولكن يأخذ المشتري نقصان العصير ما يقوم الشراء بلا عيب ويقوم مع العيب وينظر إلى التفاوت، فإن كان التفاوت مقدار عشر القيمة يرجع بعشر الثمن، وإن كان أقل أو أكثر فبقدره. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى ثوبا فقطعه فوجد به عيبا رجع بالعيب) ش: وبه قال الشافعي وأحمد -رحمهما الله- في رواية خلافا لمالك وأحمد -رحمهما الله- في رواية، وابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن عندهم يرد المبيع ويرد معه نقصان العيب الحارث. م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الثياب م: (امتنع الرد بالقطع فإنه) ش: أي فإن القطع م: (عيب حادث) ش: لا يقال: البائع يتضرر برده معيبا والمشتري لعدم رده فكان الواجب ترجيح جانب المشتري الجزء: 8 ¦ الصفحة: 110 فإن قال البائع: أنا أقبله كذلك كان له ذلك؛ لأن الامتناع لحقه وقد رضي به، فإن باعه المشتري لم يرجع بشيء؛ لأن الرد غير ممتنع برضا البائع فيصير هو بالبيع حابسا للمبيع فلا يرجع بالنقصان، فإن قطع الثوب وخاطه أو صبغه أحمر، أو لت السويق بسمن، ثم اطلع على عيب رجع بنقصانه؛ لامتناع الرد بسبب الزيادة؛ لأنه لا وجه إلى الفسخ في الأصل بدونها؛ لأنها لا تنفك عنه ولا وجه إليه معها؛ لأن الزيادة ليست بمبيعة، فامتنع أصلا   [البناية] في دفع ضرره؛ لأن البائع غره بتدليس العيب؛ لأنا نقول: المعصية لا تمنع عصمة المال كالغاصب إذا صنع الثوب فكان في شرع الرجوع بالعيب نظر إليهما. وفي إلزام الرد بالعيب الحادث إضرار للبائع لا لفعل باشره، وفي عدم الرد، وإن كان إضرارا للمشتري، لكن لعجزه لما باشره فاعتبر ما هو الأنظر لهما. م: (فإن قال البائع أنا أقبله كذلك كان له ذلك؛ لأن الامتناع) ش: أي امتناع الرد كان م: (لحقه) ش: أي لحق البائع م: (وقد رضي به) ش: أي بالثوب المعيب فكان إسقاطا لحقه، فإن قيل: ما الفرق بين هذه المسألة وبين ما إذا اشترى بعيرا فنحره، فلما شق بطنه وجد أمعاءه فاسدة فإنه لا يرجع فيه بنقصان العيب عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؟ أجيب بأن النحر إفساد للمالية لصيرورة البعير به عرضة للنتن والفساد، ولهذا لا يقطع يد السارق بسرقته فيختل معنى قيام البيع. م: (فإن باعه المشتري) ش: يعني بعد القطع م: (لم يرجع بشيء) ش: علم به أو لا، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الأصح م: (لأن الرد غير ممتنع برضا البائع) ش: لأنه جاز أن يقول البائع: كنت أقبله كذلك فلم يكن الرد ممتنعا برضا البائع م: (فيصير هو) ش: أي المشتري م: (بالبيع حابسا للمبيع فلا يرجع بالنقصان) ش: إذ ذاك لإمكان رد البيع وأخذ الثمن لولا البيع م: (فإن قطع الثوب) ش: الذي اشتراه م: (وخاطه أو صبغه أحمر) ش: قيد بالأحمر لتكون الزيادة في المبيع بالاتفاق؛ لأن السواد، نقصان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما زيادة كالحمرة م: (أو لت السويق بسمن، ثم اطلع على عيب، رجع بنقصانه لامتناع الرد بسبب الزيادة؛ لأنه لا وجه إلى الفسخ في الأصل) ش: أي الثوب أو السويق م: (بدونها) ش: أي بدون الزيادة م: (لأنها لا تنفك عنه) ش: أي؛ لأن الزيادة لا تنفك عن الأصل. م: (ولا وجه إليه) ش: أي إلى الفسخ م: (معها) ش: أي مع الزيادة م: (لأن الزيادة ليست بمبيعة فامتنع أصلا) ش: أي فامتنع الرد بالكلية، وفي " الفوائد الظهيرية " و" المبسوط " الأصل في جنس هذه المسائل أن في كل موضع يكون البيع قائما على ملك المشتري فعليه الرد برضا البائع، فإذا أخرجه عن ملكه لا يرجع بالنقصان وفي كل موضع يكون المبيع قائما ولا يمكنه الرد، وإن رضي به البائع فإذا أخرجه عن ملكه يرجع بالنقصان لامتناع الرد بالزيادة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 111 وليس للبائع أن يأخذه؛ لأن الامتناع لحق الشرع لا لحقه، فإن باعه المشتري بعد ما رأى العيب رجع بالنقصان؛ لأن الرد ممتنع أصلا قبله، فلا يكون بالبيع حابسا للمبيع، وعن هذا قلنا: إن من اشترى ثوبا فقطعه لباسا لولده الصغير وخاطه، ثم اطلع على عيب لا يرجع بالنقصان، ولو كان الولد كبيرا يرجع؛ لأن التمليك حصل في الأول قبل الخياطة   [البناية] فإن قيل: يشكل بالزيادة المتصلة المتولدة في البيع كالسمن والجمال فإنها لا تمنع الرد بالعيب في ظاهر الرواية، قلنا: ثم فسخ العقد في الزيادة متمكن؛ لأن الزيادة تبع محض باعتبار التولد والتفرع منه والاتصال به. وحاصله أن الزيادة نوعان: متصلة ومنفصلة، والمتصلة نوعان: متولدة منه كما ذكرنا وهي لا تمنع الرد، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومتصلة غير متولدة منه: كالصنع والخياطة واللت والغرس والبناء وهي تمنع الرد بالاتفاق، وعند الشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لا تمنع كالسمن والجمال. والمنفصلة نوعان: متولدة منه كاللبن والتمر والأرش والولد والعقر وهي تمنع الرد لتعذر الفسخ عليها؛ لأن العقد لم يرد عليها ولا وجه للفسخ عليها لانقطاع التبعية بالانفصال، ويكون هو بالخيار إن شاء ردهما جميعا، وإن شاء رضي بهما بجميع الثمن قبل القبض وبعده، ورد المبيع خاصة بحصته من الثمن، يقسم الثمن على قيمته يوم العقد وعلى قيمة الزيادة وقت القبض. وغير متولدة منه: كالكسب وهي لا تمنع الرد بل يفسخ العقد في الأصل دون الزيادة، وتسليم الزيادة للمشتري مجانا، وبه قال الشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وكذا قالا في المتولدة المنفصلة؛ لإمكان الفسخ على الأصل بدونها والزيادة للمشتري. وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إن كانت الزيادة ولدا رده مع الأصل، وإن كان ثمرة أمسكها ورد الأصل، ولو هلكت الزيادة بآفة سماوية يثبت له الرد كأنها لم تكن، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قبل الحكم بالأرش. م: (وليس للبائع أن يأخذه) ش: أي المبيع مع الزيادة م: (لأن الامتناع لحق الشرع) ش: أي امتناع الرد لحق الشرع بشبهة الربا م: (لا لحقه) ش: أي لا لحق البائع م: (فإن باعه المشتري) ش: أي الثوب المصبوغ أو المخيط م: (بعد ما رأى العيب رجع بالنقصان؛ لأن الرد ممتنع أصلا قبله) ش: أي قبل بيع المشتري للزيادة الحادثة فيه بفعل المشتري. م: (فلا يكون) ش: أي المشتري م: (بالبيع حابسا للمبيع) ش: فيرجع بالنقصان م: (وعن هذا قلنا) ش: أي عن الوجه الذي قلنا وفي بعض النسخ وعلى هذا قلنا، وهو أن المشتري إذا كان حابسا للمبيع لا يرجع بنقصان العيب م: (إن من اشترى ثوبا فقطعه لباسا لولده الصغير وخاطه، ثم اطلع على عيب لا يرجع بالنقصان، ولو كان الولد كبيرا يرجع) ش: بالنقصان م: (لأن التمليك حصل في الأول قبل الخياطة) ش: لأنه بالقطع للصغير صار واهبا للثوب له مسلما إليه، وصار الأب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 112 وفي الثاني بعدها بالتسليم إليه. قال: ومن اشترى عبدا فأعتقه أو مات عنده ثم اطلع على عيب رجع بنقصانه، أما الموت فلأن الملك ينتهي به والامتناع حكمي لا بفعله، وأما الإعتاق فالقياس فيه أن لا يرجع؛ لأن الامتناع بفعله فصار كالقتل. وفي الاستحسان يرجع؛ لأن العتق إنهاء الملك؛ لأن الآدمي ما خلق في الأصل محلا للملك، وإنما يثبت الملك فيه مؤقتا إلى الإعتاق   [البناية] قابضا عنه، وحق الرد الذي هو الحق الأصلي صار باطلا بالقطع فبطل البدل وهو الرجوع بالنقصان؛ لأنه صار حابسا للمبيع. م: (وفي الثاني) ش: وهو صورة كون الولد كبيرا م: (بعدها) ش: أي بعد الخياطة م: (بالتسليم إليه) ش: أي إلى ولده الكبير فيكون له الرجوع بالنقصان؛ لأنه بمجرد القطع لا يكون مسلما إليه؛ لأن الأب لا يصير قابضا عن ولده الكبير فلما خاطه خاطه على ملك نفسه فامتنع الرد بالخياطة رد الشرع لا بالهبة والتسليم فصار وجوه الهبة والتسليم وعدمها سواء فيرجع بالنقصان؛ لأنه لم يكن حابسا للمبيع. قال شيخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذكر الخياطة وعدم ذكرها في هذا الموضع سواء؛ لأن حق الرد المتبع بوجود القطع قبل الخياطة. [اشترى عبدا فأعتقه أو مات عنده ثم اطلع على عيب] م: (قال: ومن اشترى عبدا فأعتقه أو مات عنده ثم اطلع على عيب رجع بنقصانه) ش: هذه مسألة القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - و" الجامع الصغير " أيضا م: (أما الموت فلأن الملك ينتهي به والامتناع حكمي) ش: أي امتناع الرد يثبت حكما للموت م: (لا بفعله) ش: أي لا بفعل المشتري كالبيع والقتل م: (وأما الإعتاق فالقياس فيه أن لا يرجع؛ لأن الامتناع بفعله) ش: أي امتناع الرد بفعل المشتري م: (فصار كالقتل) ش: فإن المشتري إذا قتل العبد الذي اشتراه ثم اطلع فيه على عيب فإنه لا يرجع، وبالقياس قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي " الكافي " وهو قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولكن ذكر في كتبهم أنه يرجع وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما قلنا في الاستحسان، فإن قيل يشكل على هذا إذا صبغه أحمر حيث يرجع بالنقصان، ولا شك أن الصبغ بفعله: أجيب: نعم ذلك بفعله لكن امتناع الرد بسبب وجود الزيادة في البيع بسبب ذلك الفعل فكان الامتناع لحق الشرع، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - ورد بأنه حينئذ يجب أن يقول الامتناع حكمي لا بفعله الذي يوجب الزيادة، والحق أن يقال في الجواب عدم الرد في الصنع بما حصل من فعله من وجود الزيادة لا بفعله. م: (وفي الاستحسان يرجع؛ لأن العتق إنهاء الملك) ش: أي إتمامه م: (لأن الآدمي ما خلق في الأصل محلا للملك، وإنما يثبت الملك منه مؤقتا إلى الإعتاق) ش: أي إلى وقت الإعتاق، والمؤقت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 113 فكان إنهاء فصار كالموت، وهذا؛ لأن الشيء يتقرر بانتهائه فيجعل كأن الملك باق والرد متعذر، والتدبير والاستيلاد بمنزلته؛ لأن تعذر النقل مع بقاء المحل بالأمر الحكمي. وإن أعتقه على مال لم يرجع بشيء؛ لأنه حبس بدله وحبس البدل كحبس المبدل، وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه يرجع؛ لأنه إنهاء للملك، وإن كان بعوض   [البناية] إلى وقت ينتهي بانتائهه م: (فكان) ش: أي الإعتاق م: (إنهاء فصار) ش: أي انتهاؤه م: (كالموت) ش: أي كانتهائه بالموت. م: (وهذا) ش: أي جواز الرجوع بنقصان العيب عند الانتهاء م: (لأن الشيء يتقرر بانتهائه فيجعل كأن الملك باق والرد متعذر) ش: فصار حابسا م: (والتدبير والاستيلاد بمنزلته) ش: أي بمنزلة الإعتاق م: (لأن) ش: أي؛ لأن الشأن م: (تعذر النقل) ش: أي إلى ملك البائع م: (مع بقاء المحل) ش: احتراز عن الموت والإعتاق م: (بالأمر الحكمي) ش: يعني لا بفعل المشتري. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله بالأمر الحكمي احتراز عن القتل، فإن قيل كيف يكون التدبير والاستيلاد كالإعتاق وهو منه دونهما؟ أجيب: أن الإنهاء يحتاج إليه لتقرير الملك يجعل ما لم يكن كائنا وهاهنا الملك متقرر فلا حاجة إليه. م: (وإن أعتقه على مال) ش: أي فإن أعتق العبد الذي اشتراه على مال ثم وجد به عيبا م: (لم يرجع بشيء؛ لأنه) ش: أي المشتري م: (حبس بدله) ش: أي بدل المبيع وأزال ملكه عنه بعوض م: (وحبس البدل كحبس المبدل) ش: فصار كالمبيع. وفي المبيع لا يرجع فكذا هاهنا م: (وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه يرجع) ش: وهو قول أبي يوسف والشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وفي " شرح الأترازي " بخطه، ونقل الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرحه " للجامع الصغير " عن الأمالي قال: إذا اشترى عبدا فأعتقه على مال أو كاتبه أو قتله ثم وجد به عيبا لا يرجع بشيء في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرجع بنقصان العيب وهذا موضع تأمل. م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الإعتاق م: (إنهاء للملك، وإن كان بعوض) ش: يعين منه للملك سواء كان بعوض أو غير عوض. ولهذا ثبتت الولاية في الوجهين. ولو أبق ثم علم بالعيب لم يرجع بالنقصان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما دام حيا وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرجع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 114 قال: فإن قتل المشتري العبد، أو كان طعاما فأكله لم يرجع بشيء، عند أبي حنيفة. أما القتل فالمذكور ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يرجع؛ لأن قتل المولى عبده لا يتعلق به حكم دنياوي، فصار كالموت حتف أنفه، فيكون إنهاء. ووجه الظاهر أن القتل لا يوجد إلا مضمونا، وإنما يسقط الضمان هاهنا باعتبار الملك فيصير كالمستفيد به عوضا، بخلاف الإعتاق؛ لأنه لا يوجب الضمان لا محالة، كإعتاق المعسر عبدا مشتركا، وأما الأكل فعلى الخلاف، عندهما يرجع، وعنده لا يرجع استحسانا، وعلى هذا الخلاف إذا لبس الثوب حتى تخرق لهما   [البناية] وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في وجه لتحقق العجز في الحال. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن قتل المشتري العبد أو كان) ش: أي الذي اشتراه كان م: (طعاما فأكله لم يرجع بشيء عند أبي حنيفة، أما القتل فالمذكور) ش: أي في القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يرجع) ش: ورأي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - معه في رواية التتابع، وبه قال الشافعي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن قتل المولى عبده لا يتعلق به) ش: أي لا يتعلق بقتل م: (حكم دنياوي) ش: من القصاص والدية م: (فصار كالموت حتف أنفه فيكون إنهاء) ش: للملك؛ لأن المقتول ميت بأجله كذا في " المبسوط ". م: (ووجه الظاهر) ش: أي وجه ظاهر الرواية م: (أن القتل لا يوجد إلا مضمونا) ش: لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ليس في الإسلام دم مفرح» أي مبطل وهو بالحاء المهملة، وقال ابن الأثير: ويروى بالجيم، ولهذا لو باشره في ملك غيره كان مضمونا. م: (وإنما يسقط الضمان هاهنا) ش: أي قتل المولى عبده م: (باعتبار الملك فيصير) ش: أي المولى م: (كالمستفيد به) ش: أي ملك العبد م: (عوضا) ش: وهو سلامة نفسه على اعتبار العمد، وسلامة الدية على اعتبار الخطأ فصار كأنه أخذ عوضا بإزالة ملكه بالقتل كما لو باع وأخذ الثمن م: (بخلاف الإعتاق؛ لأنه لا يوجب الضمان لا محالة كإعتاق المعسر عبدا مشتركا) ش: لا ضمان عليه، فعلم أن الإعتاق لا يقتضي الضمان. م: (وأما الأكل فعلى الخلاف، عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- م: (يرجع) ش: بنقصان العيب م: (وعنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (لا يرجع استحسانا) ش: أي من حيث الاستحسان م: (وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور م: إذا لبس الثوب) ش: الذي اشتراه م: حتى تخرق) ش: وتمزق ثم اطلع على عيب عند البائع فعند أبي حنيفة ليس له الرجوع بنقصان العيب خلافا لأبي يوسف ومحمد والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وفي " الخلاصة " و" الفتوى " على قولهما وأجمعوا أنه لو أتلف الطعام أو الثوب بسبب آخر ليس له حق الرجوع كذا في " شرح الطحاوي " م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 115 أنه صنع في المبيع ما يقصد بشرائه ويعتاد فعله فيه فأشبه الإعتاق، وله أنه تعذر الرد بفعل مضمون منه في المبيع فأشبه البيع والقتل، ولا معتبر بكونه مقصودا، ألا ترى أن البيع مما يقصد بالشراء ثم هو يمنع الرجوع، فإن أكل بعض الطعام ثم علم بالعيب، فكذا الجواب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الطعام كشيء واحد، فصار كبيع البعض، وعندهما أنه يرجع بنقصان العيب في الكل، وعنهما أنه يرد ما بقي؛ لأنه لا يضره التبعيض. ومن اشترى بيضا أو بطيخا أو قثاء أو خيارا أو جوزا فكسره فوجده فاسدا، فإن لم ينتفع به رجع بالثمن كله؛   [البناية] رحمهما الله- م: (أنه) ش: أي أن المشتري م: (صنع في المبيع ما يقصد بشرائه) ش: وهو الأكل والشرب. م: (ويعتاد فعله فيه) ش: أي في المبيع، فلا يمنع من الرجوع بنقصان العيب م: (فأشبه الإعتاق) ش: من حيث إنه إنهاء للملك بخلاف الإحراق والاستهلاك. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه تعذر الرد بفعل مضمون منه في المبيع فأشبه البيع والقتل) ش: أي بيع الشيء الذي اشتراه، وقتل العبد الذي اشتراه م: (ولا معتبر بكونه مقصودا) ش: أي بكون الأكل أو اللبس، وهذا جواب عن قولهما إنه صنع في البيع ما يقصد بشرائه تقريره أنه لا يعتبر بكون الأكل أو اللبس مقصودا م: (ألا ترى أن البيع مما يقصد بالشراء) ش: لأنه تصرف مشروع قد يقصد بالشراء م: (ثم هو يمنع الرجوع) ش: أي بالنقصان. م: (فإن أكل بعض الطعام ثم علم بالعيب فكذا الجواب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني لا يرد ما بقي، ولا يرجع بالنقصان م: (لأن الطعام كشيء واحد) ش: ولهذا رؤية بعضه كرؤية كله م: (فصار كبيع البعض) ش: دون البعض م: (وعندهما أنه يرجع بنقصان العيب في الكل) ش: أي فيما أكل وفيما لم يأكل فأكل الكل لا يمنع الرجوع بالعيب عندهما فأكل البعض أولى. م: (وعنهما) ش: أي وعن أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- م: (أنه يرد ما بقي؛ لأنه لا يضره التبعيض) ش: فهو قادر على الرد في البعض كما قبضه ويرجع بنقصان العيب فيما أكله، وفي " المجتبى ": أكل بعضه يرجع بنقصان عيبه ويرد ما بقي، وبه يفتى. ولو أطعم ابنه الصغير أو الكبير أو امرأته أو مكاتبه أو عتيقه لا يرجع بشيء، ولو أطعمه عبده أو مدبره أو أم ولده يرجع؛ لأن ملكه باق اشترى دقيقا وخبز بعضه وظهر أنه مر رد ما بقي ورجع بنقصان ما خبز وهو المختار. ولو كان سمنا ذائبا فأكله ثم أقر البائع أنه كان وقعت فيه فأرة رجع بالنقصان عندهما وبه يفتى. م: (ومن اشترى بيضا أو بطيخا أو قثاء أو خيارا أو جوزا فكسره فوجده فاسدا فإن لم ينتفع به) ش: أي بالمبيع كالقرع إذا وجده مرا أو البيضة إذا وجدها مذرة م: (رجع بالثمن كله) ش: كذا في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 116 لأنه ليس بمال فكان البيع باطلا، ولا يعتبر في الجوز صلاح قشره على ما قيل لأن ماليته باعتبار اللب. وإن كان ينتفع به مع فساده لم يرده؛ لأن الكسر عيب حادث، ولكنه يرجع بنقصان العيب دفعا للضرر بقدر الإمكان، وقال الشافعي: يرده؛ لأن الكسر بتسليطه. قلنا: التسليط على الكسر في ملك المشتري لا في ملكه،   [البناية] " جامع قاضي خان " أيضا. وفي " المبسوط ": وكذلك الفاكهة إذا وجدها فاسدة بعد الكسر فإن كان لا يساوي شيئا يرجع بكل الثمن؛ لأنه تبين بطلان المبيع م: (لأنه ليس بمال فكان البيع باطلا) ش: لعدم المالية، إذ المال ما ينتفع به في الحال أو في ثاني الحال فإذا كان لا ينتفع به أصلا لا يكون محلا للبيع فبطل البيع وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واختاره المزني - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا إذا كسره ولم يعلم بالعيب، أما لو كسره وهو عالم بالعيب صار راضيا به فبطل حقه من كل وجه. م: (ولا يعتبر في الجوز صلاح قشره على ما قيل) ش: أشار به إلى الجواب عما قال بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إذا كان لقشر الجوز قيمة بأن كان في موضع معتبرا الحطب فيه يرجع بحصة اللب ويصح العقد في قشره بحصة من الثمن. لأن العقد في القشر صادف محله وقال: يرده أولا بقوله ولا يعتبر إلى آخره ثم علله بقوله م: (لأن ماليته) ش: أي؛ لأن مالية الجوز قبل الكسر م: (باعتبار اللب) ش: دون القشر. م: (وإن كان ينتفع به مع فساده لم يرده؛ لأن الكسر عيب حادث ولكنه يرجع بنقصان العيب دفعا للضرر بقدر الإمكان) ش: من الجانبين م: (وقال الشافعي يرده) ش: أي إذا كسر مقدار ما لا بد منه للعلم بالعيب، وفي كتبهم فيه قولان في قول لا يرده وهو اختيار المزني - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي قول الرد، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليس له الرد ولا الأرش؛ لأنه ليس من البائع تلبيس فإنه لا يعلم باطنه. قلنا: إن المشتري إنما بذل الثمن في مقابلة التسليم فلا يمكن أن يلزم جميع الثمن في مقابلة العيب؛ لأنه إضرار به، ولو كان كسر زيادة على مقدار ما لا بد منه، للشافعي طريقان: أظهرهما أنه لا يجوز له الرد قولا واحدا وهو قولنا؛ لأن الكسر عيب. والثاني أنه على القولين، وعلى قول من يقول له الرد: هل يغرم أرش الكسر؟ فيه قولان أحدهما يغرم، والثاني لا يغرم؛ لأنه معذور إذ البائع سلطه عليه.. كذا في " شرح الوجيز " م: (لأن الكسر بتسليطه) ش: أي بتسليط البائع فصار كأنه فعله ورضي به. م: (قلنا: التسليط على الكسر في ملك المشتري لا في ملكه) ش: أي في ملك البائع؛ لأنه بالبيع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 117 فصار كما إذا كان ثوبا فقطعه، ولو وجد البعض فاسدا وهو قليل جاز البيع استحسانا؛ لأنه لا يخلو عن قليل فاسد، والقليل ما لا يخلو عنه الجوز عادة كالواحد والاثنين في المائة، وإن كان الفاسد كثيرا لا يجوز ويرجع بكل الثمن؛ لأنه جمع بين المال وغيره فصار كالجمع بين الحر وعبده. قال: ومن باع عبدا فباعه المشتري ثم رد عليه بعيب، فإن قبل بقضاء القاضي بإقرار، أو بينة، أو بإباء يمين   [البناية] لم يبق ملكه فلم يكن التسليط إلا في ملك المشتري وذلك هدر لعدم ولايته عليه م: (فصار كما إذا كان) ش: المبيع م: (ثوبا فقطعه) ش: ثم وجده معيبا فإنه يرجع بالنقصان بالإجماع، وإن حصل التسليط منه لكونه هدرا، هذا إذا وجد الكل فاسدا م: (ولو وجد البعض فاسدا) ش: والبعض صحيحا م: (وهو قليل) ش: أي الفاسد قليل م: (جاز البيع استحسانا؛ لأنه) ش: أي أن الكثير من الجوز م: (لا يخلو عن قليل فاسد) ش: فهو كالتراب في الحنطة، فلو فسد البيع باعتبار فات بيعه عادة، وفي القياس يجوز؛ لأنه كالخمر والميتة بضم إلى المال. ثم بين القليل من الكثير بقوله م: (والقليل ما لا يخلو عنه الجوز عادة، كالواحد والاثنين في المائة) ش: وجعل الفقيه أبو الليث في " شرح الجامع الصغير ": في الجوز الخمسة أو الستة أو نحو ذلك في المائة تعفوا، وفي " الذخيرة ": اشترى مائة بيضة فوجد فيها واحدا أو اثنين أو ثلاثة مذرة لا يرجع بشيء وجعل الثلاثة في المائة قليلا، ولو اشترى عشرة جوزا فوجد فيها خمسة خاوية اختلف المشايخ فيه. قيل: يجوز العقد في الخمسة التي فيها لب بنصف الثمن بالإجماع، وقيل: يفسد في الكل بالإجماع؛ لأن الثمن لم يفصل، وقيل: العقد فاسد في الكل عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لأنه يصير كالجمع بين الحي والميت في البيع وعندهما يصح في الخمسة التي فيها لب بنصف الثمن وهو الأصح؛ لأن هذا بمعنى الثمن المفصل عندهما، فإن الثمن ينقسم على الأجزاء لا على القيمة. م: (وإن كان الفاسد كثيرا لا يجوز) ش: أي في الكل م: (ويرجع بكل الثمن؛ لأنه جمع بين المال وغيره) ش: وذلك مفسد للعقد م: (فصار كالجمع بين الحر وعبده) ش: حيث يفسد في الكل. [باع عبدا فباعه المشتري ثم رد عليه بعيب] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن باع عبدا فباعه المشتري ثم رد عليه) ش: أي على المشتري م: (بعيب) ش: كان قبله. م: (فإن قبل) ش: أي الرد م: (بقضاء القاضي بإقرار) ش: منه بالعيب م: (أو بينة) ش: قامت عليه عند القاضي من جهة المشتري الثاني لما أنكر المشتري الأول قبوله بالرد م: (أو بإباء يمين) ش: أي وبامتناعه عن اليمين يعني لما عجز الخصم عن إقامة البنية وتوجه على المشتري الثاني اليمين فأبى عن اليمين وحكم القاضي عليه بالنكول. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 118 له أن يرده على بائعه؛ لأنه فسخ من الأصل فجعل البيع كأن لم يكن، غاية الأمر أنه أنكر قيام العيب لكنه صار مكذبا شرعا بالقضاء، ومعنى القضاء بالإقرار أنه أنكر الإقرار فأثبت بالبينة،   [البناية] ففي هذه الصور الثلاثة م: (له) ش: أي للمشتري الأول م: (أن يرده) ش: أي المبيع بالعيب م: (على بائعه؛ لأنه) ش: أي؛ لأن المبيع م: (فسخ من الأصل) ش: أي فسخ من كل وجه؛ لأنه تعذر اعتباره. م: (فجعل البيع كأن لم يكن) ش: أي فجعل البيع الثاني كالمعدوم، والبيع الأول قائم فله الخصومة والرد بالعيب م: (غاية الأمر) ش: هذا جواب عما يقال من جهة زفر أنه لما أنكر العيب لم يكن له حق الخصومة؛ لأنه متناقض في كلامه، تقرير الجواب أن غاية أمر المشتري م: (أنه أنكر قيام العيب) ش: أي أنكر الإقرار بقيام العيب م: (لكنه صار مكذبا شرعا) ش: أي من حيث الشرع م: (بالقضاء) ش: أي بقضاء القاضي، ولما صار مكذبا بالقضاء ارتفعت المناقضة وصار كمن اشترى شيئا واقتران البائع باع ملك نفسه ثم جاء إنسان واستحقه بالبينة لا يبطل حقه في الرجوع على البائع بالثمن. م: (ومعنى القضاء بالإقرار) ش: هذا تأويل من المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لمعنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير "، فإن قبله بقضاء القاضي بإقرار وهذا في القدوري أيضا ولكن لفظه: فإن قبله بقضاء القاضي فقط، وليس فيه بإقرار، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - معناه م: (أنه أنكر الإقرار فأثبت بالبينة) ش: وإنما احتاج إلى هذا التأويل؛ لأنه إذا لم ينكر إقراره بعد الإقرار لا يحتاج إلى القضاء بل يرد عليه بإقراره بالعيب وحينئذ ليس له أن يرده على بائعه؛ لأنه أقاله. وفي " الفوائد " قال بعض مشايخنا: الجواب في فضل البينة، والنكول محمول على ما إذا كان المشتري ساكتا فإن البينة على الساكت مسموعة، والساكت يستحلف أيضا؛ لأنه يترك منكرا. أما إذا أنكر المشتري الأول أن يكون هذا العيب عنده ثم كان بالبينة أو النكول فعلى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليس له أن يخاصم بائعه لمكان التناقض، وعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - له ذلك لتكذيب القاضي إياه بالبينة وعامتهم قالوا: إن سبق منه جحود نصا بأن قال وما بها هذا العيب وإنما حدث عندك ثم أقر به ذلك وأبى القبول، فالقاضي له جبره على القبول ولم يكن له أن يخاصم بائعه. وفي " الكافي ": قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعتبر فسخا في حق البائع الأول حتى لا يرد عليه؛ لأن القاضي مضطر إلى القضاء، وهذا الاضطرار جاء بإقراره أو بنكوله فانتقل فعل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 119 وهذا بخلاف الوكيل بالبيع إذا رد عليه بعيب بالبينة حيث يكون ردا على الموكل؛ لأن البيع هناك واحد والموجود هاهنا بيعان، فيفسخ الثاني ولا ينفسخ الأول. وإن قبل بغير قضاء القاضي ليس له أن يرده؛ لأنه بيع جديد في حق ثالث، وإن كان فسخا في حقهما والأول ثالثهما.   [البناية] القاضي إليه؛ لأن فعل المكره ينتقل إلى المكره بكسر الراء وإذا انتقل صار كأنه باشر بنفسه. قلنا: فعل المكره إنما ينتقل إذا صلح آلة للمكره كما في القتل فإنه يمكنه أن يأخذه ويضربه عليه والقاضي لا يصلح آلة له في حق القضاء بالفسخ؛ لأن الفسخ يكون بالكلام، والكلام لا ينتقل إلى المكره؛ لأن التكلم بلسان الغير لا يتصور. م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله: أن يرده من حيث المعنى إذ تقديره والبيع الأول قائم بنفسه فلم ينفسخ بفسخ بيع الثاني م: (بخلاف الوكيل بالبيع) ش: بان جواب عما يقال: إذا رد المبيع بعيب على الوكيل بالبينة كان ذلك ردا على الموكل، وفيما نحن فيه على المشتري ليس ردا على البائع تقريره أن هذا بخلاف الوكيل بالبيع وكل شخصا ببيع عبده مثلا فإنه م: (إذا رد عليه بعيب بالبينة) ش: أي إذا رد على الوكيل بعيب بالبينة أو بالنكول م: (حيث يكون ردا على الموكل؛ لأن البيع هناك) ش: أي في مسألة الوكيل م: (واحد) ش: أي بيع واحد، فكان القضاء عليه بالرد ردا على الموكل. م: (والموجود هاهنا) ش: أي في مسألة بيع المشتري. م: (بيعان فيفسخ الثاني) ش: أي فيفسخ البيع الثاني م: (ولا ينفسخ الأول) ش: أي البيع الأول، فلأجل هذا لم يكن الرد على المشتري الأول ردا على بائعه م: (وإن قبل بغير قضاء القاضي) ش: عطف على قوله فإن قبل بقضاء القاضي أي فإن قبل المشتري الأول بغير قضاء القاضي بل قبل برضا م: (ليس له أن يرده) ش: على بائعه م: (لأنه) ش: أي لأن الرد بالتراضي م: (بيع جديد في حق ثالث) ش: وهو إقالته م: (وإن كان فسخا في حقهما والأول) ش: أي البائع الأول م: (ثالثهما) ش: أي ثالث اثنين وهما المشتري الأول الذي هو البائع الثاني والمشتري الثاني. ولهذا يتحدد الشفيع حق الشفعة؛ لأنه ثالثهما فصار كأن المشتري الأول اشتراه ثانيا ما باع فلا يكون له حق الخصومة، لا في الرد ولا في حق الرجوع بالنقصان. كذا في " الكافي ". وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يرده كما في الرد بالقضاء، فإن قلت: هذا يشكل بمسألة ذكرها في " المحيط ": وهو من اشترى دينارا بدرهم وقبض الدينار وباعه من ثالث ووجد به عيبا فرده على المشتري الأول بغير قضاء كان له أن يرده على بائعه. قلت: لا يشبه الصرف العروض؛ لأن الرد في العروض جعل بيعا جديدا في حق الثالث وهو البائع الأول وهاهنا لا يمكن أن يجعل بيعا جديدا؛ لأن النقود لا تتعين في المعقود، فكان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 120 وفي "الجامع الصغير": وإن رد عليه بإقراره بغير قضاء بعيب لا يحدث مثله لم يكن له أن يخاصم الذي باعه، وبهذا يتبين أن الجواب فيما يحدث مثله وفيما لا يحدث سواء، وفي بعض روايات البيوع: إن فيما لا يحدث مثله يرجع بالنقصان للتيقن بقيام العيب عند البائع الأول. قال: ومن اشترى عبدا، فقبضه، فادعى عيبا، لم يجبر على دفع الثمن حتى يحلف البائع، أو يقيم المشتري البينة؛   [البناية] البيع الثاني لم يكن في حقه. م: (وفي " الجامع الصغير ": وإن رد عليه) ش: أي على المشتري الأول م: (بإقراره بغير قضاء) ش: أي بغير قضاء القاضي بالرد م: (بعيب) ش: أي بسبب عيب م: (لا يحدث مثله) ش: كالأصبع الزائدة أو الناقصة م: (لم يكن له أن يخاصم الذي باعه) ش: صورته في " الجامع الصغير " محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في رجل اشترى من رجل عبدا ثم باعه من آخر فوجد به الآخر عيبا لا يحدث مثله فرده على بائعه وقبل منه عبدا بغير قاض قال: ليس له أن يرده على البائع الأول أبدا. قال المصنف: م: (وبهذا) ش: أي بوضع المسألة في " الجامع الصغير " في العيب الذي لا يحدث مثله م: (يتبين أن الجواب فيما يحدث مثله) ش: كالقروح والأمراض م: (وفيما لا يحدث) ش: كالأصبع الزائدة كما ذكرنا م: (سواء) ش: في الخصومة مع البائع إذا قبله بغير قضاء وذلك؛ لأنه لم يتمكن من الرد فيما لا يحدث مع التيقن بوجوده عند البائع الأول كان أولى أن لا يتمكن من الرد فيما يحدث مثله مع احتمال أنه حدث عند المشتري بهذا هو فائدة وضع الجامع وهو الصحيح. م: (وفي بعض روايات البيوع) ش: أي بيوع الأصل م: (أن فيما لا يحدث مثله يرجع بالنقصان للتيقن بقيام العيب عند البائع الأول) ش: والصحيح رواية " الجامع الصغير "؛ لأن الرد بغير قضاء إقالة معتمد التراضي فيكون بمنزلة بيع جديد في حق غيرهما وهو البائع الأول فلا يعود الملك المستفاد من جهة البائع الأول لتخاصمه. [اشترى عبدا فقبضه فادعى عيبا] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجامع الصغير: م: (ومن اشترى عبدا فقبضه فادعى عيبا لم يجبر على دفع الثمن حتى يحلف البائع أو يقيم المشتري البينة) ش: صورة المسألة في " الجامع الصغير " محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في رجل اشترى من رجل عبدا بألف درهم وقبض العبد ثم جاء البائع يخاصمه في الثمن فقال: قد كنت دلست لي هذا العيب قال: لا يجبر على دفع الثمن حتى يشهد الشهود أو يستحلفه. فإن قال: شهودي بالشام قال: يقال له ادفع الثمن وإن شئت أستحلف لك وادفع الثمن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 121 لأنه أنكر وجوب دفع الثمن حيث أنكر تعين حقه بدعوى العيب، ودفع الثمن أولا ليتعين حقه بإزاء تعين المبيع، ولأنه لو قضى بالدفع فلعله يظهر العيب فينتقض القضاء فلا يقضي به صونا لقضائه، فإن قال المشتري: شهودي بالشام استحلف البائع   [البناية] إلى هنا لفظ " الجامع " فأخذ المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا ونقله بالعبارة المذكورة ثم علل المسألة بقتله. م: (لأنه أنكر) ش: أي؛ لأن المشتري أنكر م: (وجوب دفع الثمن) ش: أي وجوب تسليم الثمن على نفسه لما ادعى العيب م: (حيث أنكر) ش: أي المشتري م: (تعين حقه بدعوى العيب) ش: لأن حقه في التسليم لا في العيب. م: (ودفع الثمن أولا) ش: يعني وجوب دفع الثمن أولا إنما هو م: (ليتعين حقه) ش: أي حق البائع م: (بإزاء تعين المبيع) ش: فحيث أنكر تعين حقه في المبيع؛ لأن حقه في التسليم، فقد أنكر علة وجوب دفع الثمن أولا وفي إنكار العلة إنكار للمعلول، فانتصب خصما ولا بد حينئذ من حجة وهي إما بينة أو يمين البائع، فإن قيل: في هذا التعليل فساد الوضع؛ لأن صفة الإنكار تقتضي إسناد اليمين إليه لا إقامة البينة. فالجواب: أن الاعتبار بالمعنى لا بالصورة وهو فيه مدعى يدعي ما يوجب دفع وجوبه دفع الثمن أولا كان في الصورة منكرا. م: (ولأنه) ش: دليل آخر ولأن القاضي م: (لو قضى بالدفع) ش: أي بدفع الثمن م: (فلعله يظهر العيب فينتقض القضاء فلا يقضي) ش: أي بالدفع م: (به صونا لقضائه) ش: أي حفظا لقضائه عن النقض وهاهنا سؤال وهو أن الموجب للجبر موجود وهو البيع مع القبض وما ادعاه المشتري من العيب موهوم، والموهوم لا يعارض المتحقق. والجواب عنه يفهم من تقرير الدليل الثاني على ما لا يخفى على الفطن، ولكن توضيحه زيادة للبيان وهو وإن كان ما ادعاه المشتري موهوما لكن فيه صيانة القضاء عن النقض؛ لأنه يمكن أن يقيم المشتري البينة بعد الجبر على العيب فيلزم بطلان القضاء في عدم الجبر صون القضاء عن النقض. وسعي الإنسان في نقض ما تم من جهته مردود، ولهذا لو عجل زكاة ماله قبل الحول إلى الساعي لا يسترد لاحتمال أنه يكون زكاة ببقاء المال في يده، ولأن الموجب للجبر لا نسلم أنه متحقق إذ الموجب للجبر البيع مع قبض الحق، وهاهنا قبض الحق غير متعين لإنكاره. م: (فإن قال المشتري: شهودي بالشام استحلف البائع) ش: يعني إذا طلب من المشتري إقامة البينة على ما ادعاه فقال: شهودي غيب في الشام استحلف البائع ولا ينتظر حضور الشهود؛ لأنه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 122 ودفع الثمن يعني إذا حلف ولا ينتظر حضور الشهود؛ لأن في الانتظار ضررا بالبائع، وليس في الدفع كثير ضرر به؛ لأنه على حجته، أما إذا نكل ألزم العيب؛ لأنه حجة فيه. قال: ومن اشترى عبدا فادعى إباقا لم   [البناية] أمر على خطر، أو يكون أم لا يكون فلا يؤخر الواجب بل يحلف البائع. فإن قال: بالله لقد سلمته إليك بحكم البيع وما به هذا العيب أجبر المشتري على دفع الثمن وهو معنى قوله: م: (ودفع الثمن، يعني إذا حلف ولا ينتظر حضور الشهود؛ لأن في الانتظار ضررا بالبائع) ش: لأن التأخير لا إلى غاية يجري مجرى الإبطال. م: (وليس في الدفع كثير ضرر به) ش: جواب عما يقال إن في إلزام المشتري دفع الثمن ضررا له، وتقرير الواجب ليس في دفع الثمن إلى المشتري كثير ضرر به بالمشتري م: (لأنه على حجته) ش: يعني بسبيل من إقامة البينة عند حضور شهوده. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه بحث من وجهين: الأول: ما قيل في بقاء المشتري على حجته بطلان قضاء القاضي. والثاني: أن الانتظار وإقامة الحجة بعد الدفع مؤقتان بحضور الشهود فكيف كان أحدهما ضررا والآخر دونه. والجواب: عن الأول أن القاضي هاهنا قد قضى بأداء الثمن إلى حضور الشهود لا مطلقا فلا يلزم البطلان. وعن الثاني: بأنه في دعوى غيبة الشهود متهم لجواز أن يكون ذلك مماطلة فلا يسمع قوله في حق غيره، م: (أما إذا نكل) ش: أي البائع عن اليمين م: (ألزم العيب؛ لأنه) ش: أي؛ لأن النكول م: (حجة فيه) ش: أي في ثبوت العيب قيل هذا احتراز عن النكول في الحدود والقصاص فإنه ليس بحجة وكذا النكول ليس بحجة في الأشياء الستة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قولهم في بيان هذه المسألة؛ لأن المشتري على حجته دليل أن إقامة البينة بعد حلف المدعى عليه معتبرة. وفي " خلاصة الفتاوى " لو أقام المدعي البينة بعدما حلف المدعى عليه فقيل وكذلك لو قال المدعي للمدعى عليه: احلف وأنت بريء، أو قال: إذا حلفت فأنت بريء، فحلف ثم أقام هو البينة تقبل، أما إذا قال المدعي: لا بينة لي فحلف المدعى عليه ثم أتى هو بالبينة تقبل في رواية الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها لا تقبل. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجامع الصغير: م: (ومن اشترى عبدا فادعى إباقا لم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 123 يحلف البائع حتى يقيم المشتري البينة أنه أبق عنده، والمراد التحليف على أنه لم يأبق عنده؛ لأن القول وإن كان قوله ولكن إنكاره إنما يعتبر بعد قيام العيب به في يد المشتري، ومعرفته بالحجة. فإذا أقامها حلف بالله تعالى لقد باعه وسلمه إليه، وما أبق عنده قط. كذا قال في الكتاب، وإن شاء حلفه بالله ما له حق الرد عليك من الوجه الذي يدعي أو بالله ما أبق عندك قط، أما لا يحلفه بالله لقد باعه وما به هذا العيب، ولا بالله لقد باعه وسلمه، وما به هذا العيب؛ لأن فيه ترك النظر للمشتري، ولأن العيب قد يحدث بعد البيع قبل التسليم وهو موجب للرد.   [البناية] يحلف البائع حتى يقيم المشتري البينة أنه أبق عنده) ش: صورة المسألة فيه محمد عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في رجل باع من رجل عبدا فقال المشتري: بعتني آبقا وكذبه البائع، قال: لا أحلف البائع على الإباق حتى يقيم المشتري البينة أنه أبق عنده، فإذا أقام على ذلك البينة استحلف البائع بالله لقد باعه وقبضه وما أبق قط ... انتهى. وضع المسألة في الإباق والحكم في جميع العيوب التي لا تشاهد عند الخصومة كذلك نحو السرقة والبول على الفراش والجنون إلا أن المعاودة في يد المشتري شرط في العيوب الثلاثة والحالة واحدة، وهل تشترط المعاودة في الجنون؟ فيه كلام قد مر في أول الباب. م: (والمراد التحليف على أنه لم يأبق عنده) ش: أي المراد من قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لم يحلف البائع حتى يقيم المشتري البينة يحلف البائع على أن العبد لم يأبق عند البائع يعني لا يحلف البائع ولا يتوجه عليه الخصومة ما لم يثبت العيب عند المشتري أولا بالحجة م: (لأن القول وإن كان قوله ولكن إنكاره) ش: أي إنكار البائع م: (إنما يعتبر بعد قيام العيب به) ش: أي بالمبيع م: (في يد المشتري) ش: لأن السلامة أصل والعيب عارض. م: (ومعرفته) ش: أي معرفة قيام العيب م: (بالحجة، فإذا أقامها حلف بالله تعالى لقد باعه وسلمه إليه وما أبق عنده قط. كذا قال في الكتاب) ش: أي في " الجامع الصغير "، وقد مر عن قريب. وقال المصنف: م: (وإن شاء حلفه بالله ما له حق الرد عليك من الوجه الذي يدعي) ش: أي ليس للمشتري حق الرد عليك أيها البائع بالسبب الذي يدعيه المشتري م: (أو بالله) ش: أو حلفه بالله م: (ما أبق عندك قط) ش: يعني أو حلفه القاضي بهذا الوجه فيقول البائع: بالله ما أبق قط وإنما قال: عندك؛ لأن القاضي يخاطب البائع كذلك فإذا حلف أضاف إلى نفسه. م: (أما لا يحلفه بالله لقد باعه وما به هذا العيب، ولا بالله لقد باعه وسلمه وما به هذا العيب؛ لأن فيه ترك النظر للمشتري؛ ولأن العيب قد يحدث بعد البيع قبل التسليم وهو موجب للرد والأول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 124 والأول ذهول عنه، والثاني يوهم تعلقه بالشرطين فيتأوله في اليمين عند قيامه وقت التسليم دون البيع، ولو لم يجد المشتري بينة على قيام العيب عنده وأراد تحليف البائع بالله ما نعلم أنه أبق عنده يحلف على قولهما. واختلف المشايخ على قول أبي حنيفة. لهما أن الدعوى معتبرة حتى يترتب عليها البينة، فكذا يترتب التحليف، وله على ما قاله البعض أن الحلف يترتب على دعوى صحيحة وليست تصح إلا من خصم، ولا يصير خصما فيه إلا بعد قيام العيب   [البناية] ذهول عنه) ش: أي التحليف بقوله: بالله لقد باعه وما به هذا العيب غفلة عن حدوث العيب بهذا البيع قبل التسليم، فلأجل هذا لا يحلف بهذا الوجه؛ لأن العيب ربما لا يكون عند البائع ثم يحدث قبل التسليم وهو موجب للرد، فإذا حلف على العيب لم يكن عند البائع يتضرر المشتري؛ لأن البائع صادق في حلفه فلا يحنث. م: (والثاني) ش: أي التحليف بالله لقد باعه وسلمه وما به هذا العيب م: (يوهم تعلقه) ش: أي تعلق العيب م: (بالشرطين) ش: يعني البيع والتسليم م: (فيتأوله) ش: أي البائع م: (في اليمين) ش: ويقول: لم يكن البيع م: (عند قيامه) ش: أي عند قيام المعيب م: (وقت التسليم دون البيع) ش: يعني لم يكن العيب عند الحالتين بل عند التسليم فحسب. فإذا حلف على هذا الوجه يكون صادقا ولا يحنث إذ بانتفاء الجزء لا ينتفي الكل فيتضرر المشتري، وإنما قال: يوهم إشارة إلى أن تأويل البائع ذلك في يمينه ليس بصحيح ولكنه يوهم لذلك. م: (ولو لم يجد المشتري بينة على قيام العيب عنده وأراد تحليف البائع بالله ما نعلم أنه أبق عنده) ش: أي عند المشتري م: (يحلف على قولهما) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد على العلم؛ لأنه تحليف على فعل الغير فيحلف البائع بالله ما يعلم أن هذا العبد جن عند هذا المشتري ولا أبق ولا سرق ولا بال على فراش. كذا ذكر في الجامع الكبير قولهما. ولم يذكر قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (واختلف المشايخ على قول أبي حنيفة) ش: فقيل يحلف عنده أيضا، وقيل: لا يحلف وهو الأصح م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن الدعوى معتبرة حتى يترتب عليها البينة.. فكذا يترتب التحليف) ش: أي صحة التحليف تترتب على إقامة البينة من المشتري. فكذا يصح التحليف. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (على ما قاله البعض) ش: أي بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (أن الحلف يترتب على دعوى صحيحة وليست تصح) ش: على الدعوى الصحيحة م: (إلا من خصم ولا يصير) ش: أي المشتري م: (خصما فيه) ش: أي فيما ذكرنا م: (إلا بعد قيام العيب) ش: عند نفسه، وفي هذا إشارة إلى أنه لا يشترط لترتب البينة على الدعوى كونها صحيحة، بل تقوم البينة فيما لا دعوى فيه أصلا كالحدود، وكذا تصح إقامة البينة على أنه وكيل أو وارث فلان بلا دعوى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 125 وإذا نكل عن اليمين عندهما يحلف ثانيا للرد على الوجه الذي قدمناه. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا كان الدعوى في إباق الكبير يحلف ما أبق منذ بلغ مبلغ الرجال؛ لأن الإباق في الصغر لا يوجب رده بعد البلوغ. قال: ومن اشترى جارية وتقابضا فوجد بها عيبا فقال البائع: بعتك هذه وأخرى معها، وقال المشتري: بعتنيها وحدها فالقول قول المشتري؛ لأن الاختلاف في مقدار المقبوض فيكون القول للقابض، كما في الغصب. وكذا إذا اتفقا على مقدار المبيع واختلفا في المقبوض لما بينا. قال: ومن اشترى عبدين صفقة واحدة فقبض أحدهما ووجد بالآخر عيبا فإنه يأخذهما أو يدعهما؛ لأن الصفقة تتم بقبضهما فيكون تفريقا قبل التمام، وقد ذكرناه،   [البناية] م: (وإذا نكل) ش: أي البائع م: (عن اليمين عندهما يحلف ثانيا للرد) ش: وهذه اليمين تسمى يمين الرد، فإن حلف برئ، وإن نكل يثبت العيب عند البائع فيرد عليه م: (على الوجه الذي قدمناه) ش: أي يحلف على الثبات على ما قدمه من قوله بالله: ما له حق الرد عليك من الوجه الذي يدعي أو بالله ما أبق عندك قط، وفي بعض النسخ يحلف ثانيا للرد إلى آخره. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: هو المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إذا كان الدعوى في إباق الكبير يحلف ما أبق منذ بلغ مبلغ الرجال؛ لأن الإباق في الصغر لا يوجب رده بعد البلوغ) ش: وذلك؛ لأن اتحاد الحالة شرط في العيوب الثلاثة فلا يلزم الرد من وجودها عند المشتري في الكبر إذا كان وجودها عند البائع في الصغر، فإذا حلف البائع مطلقا يكون فيه ترك النظر للبائع؛ لأنه يمنع عن اليمين مطلقا إذا وجدت هذه العيوب عنده في الصغر. م: (قال: ومن اشترى جارية وتقابضا) ش: أي قبض البائع الثمن والمشتري الجارية م: (فوجد بها عيبا فقال البائع: بعتك هذه وأخرى معها، وقال المشتري: بعتنيها وحدها، فالقول قول المشتري؛ لأن الاختلاف في مقدار المقبوض فيكون القول للقابض) ش: لأنه أعرف بما قبضه م: (كما في الغصب) ش: فإنه إذا اختلف الغاصب والمغصوب منه فقال المغصوب منه: غصبت مني غلامين. وقال الغاصب: غلاما واحدا فالقول للغاصب؛ لأنه القابض م: (وكذا إذا اتفقا) ش: أي المتعاقدان م: (على مقدار المبيع واختلفا في المقبوض) ش: بأن كان المبيع جاريتين فاختلفا فقال البائع: قبضتهما وقال المشتري: ما قبضت إلا إحداهما فالقول قول المشتري م: (لما بينا) ش: أن في الاختلاف في مقدار المقبوض القول قول القابض. [اشترى عبدين صفقة واحدة فقبض أحدهما ووجد بالآخر عيبا] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى عبدين صفقة واحدة فقبض أحدهما ووجد بالآخر عيبا فإنه يأخذهما أو يدعهما) ش: أي يأخذهما جميعا أو يتركهما جميعا، وليس له أن يأخذ السليم خاصة م: (لأن الصفقة تتم بقبضهما فيكون) ش: أي قبض أحدهما م: (تفريقا قبل التمام) ش: وهو لا يجوز م: (وقد ذكرناه) ش: يعني قبل باب خيار العيب بقوله؛ لأن الصفقة تتم مع خيار العيب بعد القبض وإن كانت لا تتم قبله. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 126 وهذا؛ لأن القبض له شبه بالعقد فالتفريق فيه كالتفريق في العقد. ولو وجد بالمقبوض عيبا اختلفوا فيه، ويروى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يرده خاصة، والأصح أنه يأخذهما أو يردهما؛ لأن تمام الصفقة تعلق بقبض المبيع وهو اسم للكل فصار كجنس المبيع، لما تعلق زواله باستيفاء الثمن لا يزول دون قبض جميعه، ولو قبضهما ثم وجد بأحدهما عيبا يرده خاصة خلافا لزفر وهو يقول فيه تفريق الصفقة، ولا يعرى   [البناية] م: (وهذا) ش: أي التفريق في القبض لا يجوز م: (لأن القبض له شبه بالعقد) ش: من حيث إن القبض يثبت ملك التصرف وملك اليد كما أن العقد يثبت ملك رقبة والغرض من ملك الرقبة ملك التصرف وملك اليد م: (فالتفريق فيه) ش: أي في القبض م: (كالتفريق في العقد) ش: ولو قال: بعت منك هذين العبدين فقال: قبلت أحدهما لم يصح فكذا هذا. م: (ولو وجد بالمقبوض عيبا) ش: أي لو وجد المشتري بالمقبوض عيبا فيما إذا اشترى عبدين فقبض أحدهما ووجد فيه عيبا م: (اختلفوا) ش: أي المشايخ م: (فيه) ش: أي في حكمه، والصحيح أنه لا يرد المقبوض خاصة، يعني إن شاء ردهما جميعا أو أخذهما، كما يجيء الآن. م: (ويروى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يرده) ش: المقبوض م: (خاصة) ش: لأن الصفقة تمت فيه م: (والأصح أنه يأخذهما أو يردهما؛ لأن تمام الصفقة تعلق بقبض المبيع وهو اسم للكل) ش: أي لكل ما وقع عليه العقد م: (فصار) ش: أي تمام الصفقة م: (كحبس المبيع لما تعلق زواله) ش: أي زوال حبس المبيع م: (باستيفاء الثمن لا يزول) ش: أي حق الحبس م: (دون قبض جميعه) ش: أي جميع الثمن، وقوله لا يزول جواب لما م: (ولو قبضهما) ش: أي العبدين مثلا م: (ثم وجد بأحدهما عيبا يرده) ش: أي المقبوض م: (خاصة، خلافا لزفر) ش: فإن عنده ليس له إلا أن يردهما. وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كذا ذكر قولهما في " الإيضاح " وكذا ذكر شمس الأئمة البيهقي قول زفر في الكفاية، وكذا ذكر شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الكافي " قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقال: على قول زفر يردهما إن شاء. ولكن قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " كتاب التقريب ": قال أصحابنا: إذا اشترى عبدين صفقة واحدة فوجد بأحدهما عيبا بعد القبض رده خاصة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرد المعيب في الوجهين، وعلل لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأن العقد صح فيهما، والعيب وجد بأحدهما فصار كما بعد القبض، وذكر صاحب " التحفة " و" المنظوم " مثل ما ذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيحمل الاختلاف في قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - على اختلاف الرواية عنه م: (وهو يقول) ش: أي زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فيه تفريق الصفقة ولا يعرى) ش: أي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 127 عن ضرر؛ لأن العادة جرت بضم الجيد إلى الرديء فأشبه ما قبل القبض، وخيار الرؤية والشرط. ولنا أنه تفريق الصفقة بعد التمام؛ لأن بالقبض تتم الصفقة في خيار العيب، وفي خيار الرؤية والشرط لا تتم به على ما مر، ولهذا لو استحق أحدهما ليس له أن يرد الآخر. قال: ومن اشترى شيئا مما يكال أو يوزن فوجد ببعضه عيبا رده كله أو أخذه كله، ومراده بعد القبض؛ لأن المكيل إذا كان من   [البناية] تفريق الصفقة م: (عن ضرر؛ لأن العادة جرت) ش: بين التجار م: (بضم الجيد إلى الرديء) ش: لرواج الرديء، فإذا جاز رد أحدهما دون الآخر يفوت غرض البائع وفيه ضرر م: (فأشبه ما قبل القبض) ش: بجامع دفع الضرر. م: (وخيار الرؤية) ش: أي وأشبه خيار الرؤية م: (والشرط) ش: أي وخيار الشرط م: (ولنا أنه) ش: أي أن الرد م: (تفريق الصفقة بعد التمام) ش: أي بعد تمام الصفقة م: (لأن بالقبض تتم الصفقة في خيار العيب) ش: لأن العيب لا يمنع تمام الصفقة فيرد المعيب خاصة، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول م: (وفي خيار الرؤية والشرط لا تتم به) ش: أي لا تتم الصفقة بالقبض فيهما م: (على ما مر) ش: أي في باب خيار الرؤية. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل التفريق بعد التمام م: (لو استحق أحدهما ليس له أن يرد الآخر) ش: أي بعد قبضهما، وهذا كله إذا كان المشترى شيئين يمكن الانتفاع بأحدهما دون الآخر كالعبدين والثوبين، أما إذا كان المشترى شيئين لا يمكن الانتفاع بأحدهما دون الآخر كالخفين ومصراعي باب ونعلين فقبضهما ثم وجد بأحدهما أو بهما عيبا ردهما إن شاء أو أخذهما، وليس له أن يرد أحدهما دون صاحبه. كذا قال الكرخي في مختصره. وفي " الفتاوى الصغرى " إذا اشترى خفين فوجد أحدهما ضيقا إن كان لا يدخله لعلة في الرجل ليس له أن يرده، وإن لم يكن كذلك له أن يرده. [اشترى شيئا مما يكال أو يوزن فوجد ببعضه عيبا] م: (قال: ومن اشترى شيئا مما يكال أو يوزن فوجد ببعضه عيبا رده كله أو أخذه كله، ومراده بعد القبض) ش: أي ومراد محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد القبض؛ لأن المسألة من مسائل " الجامع الصغير "، وفي بعض النسخ والمراد به بعد القبض، وإنما قيد به؛ لأنه إذا كان قبل القبض لا يتفاوت الحكم عندنا بين المكيل والموزون وغيرهما في أنه لا يجوز تفريق الصفقة برد المعيب خاصة. وأما التفريق إذا كان بعد القبض فيجوز تفريق الصفقة فيما عدا المكيل والموزون، وأما فيهما فلا يجوز إذا كانا في وعاء واحد على ما هو اختيار المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وللشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قولان: في الكل قبل القبض وبعده م: (لأن المكيل إذا كان من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 128 جنس واحد فهو كشيء واحد، ألا ترى أنه يسمى باسم واحد وهو الكر ونحوه، وقيل هذا إذا كان في وعاء واحد، وإن كان في وعاءين فهو بمنزلة عبدين حتى يرد الوعاء الذي وجد فيه العيب دون الآخر. ولو استحق بعضه فلا خيار له في رد ما   [البناية] جنس واحد فهو كشيء واحد) ش: احترز به عما إذا كان المكيل من جنسين كالحنطة والشعير فإن للمشتري أن يرد المعيب خاصة، وللشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قولان فيه: بناء على جواز التفريق وعدمه. م: (ألا ترى أنه يسمى باسم واحد) ش: أي حكما وتقديرا لا تحقيقا لأن المالية والتقوم في المكيلات والموزونات باعتبار الاجتماع فإن الحبة الواحدة ليست مقومة حتى لا يصح بيعها فكانت القابلة للبيع باعتبار الاجتماع فصار الكل في حق البيع كشيء واحد، والشيء الواحد لا يرد بعضه بالعيب دون البعض م: (وهو الكر) ش: بضم الكاف وتشديد الراء، وهو مكيال لأهل العراق معروف، وجمعه الكرار، وقال الأزهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الكر ستون قفيزا والقفيز ثمانية مكاكيك والمكوك صاع ونصف صاع م: (ونحوه) ش: أي ونحو الكر كالوسق والفرق والصبرة. م: (وقيل: هذا) ش: أي الذي ذكرنا من أخذ الكل أو رد الكل م: (إذا كان في وعاء واحد، وإن كان في وعاءين فهو بمنزلة عبدين حتى يرد الوعاء الذي وجد فيه العيب دون الآخر) ش: إذا كان قبضهما، لأن ذلك لا يوجب عيبا زائدا، وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرحه " للجامع الصغير ": معنى هذا أن العيب إذا كان مختلطا بالذي لا عيب فيه فليس له أن يرد المعيب، لأنه لو رده على البائع كان ذلك إضرارا به، وأما إذا كان المعيب في جوالق والجيد في جوالق له أن يرد المعيب خاصة لأنه بمنزلة شيئين مختلفين. ثم قال أبو الليث: - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا التأويل يصح على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خاصة، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف، وعلى قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يصح هذا التأويل لأنه روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المجرد " أن رجلا لو اشترى أعدالا من تمر فوجد بعدل منها عيبا، فإن كان التمر كله من جنس واحد فهو بمنزلة شيء واحد فليس له أن يرد بعضه دون بعض، ونقل الناطقي في " الأجناس " عن البيوع في رواية بشر بن الوليد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو اشترى زقين من السمن أو سلتين من زعفران أو حملين من القطن أو الشعير وقد قبض الجميع، له رد المعيب خاصة، إلا أن يكون هذا، والآخر على السواء، فإما أن يرد كله أو يترك كله. م: (ولو استحق بعضه) ش: أي بعض ما يكال أو يوزن بعد القبض م: (فلا خيار له في رد ما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 129 بقي؛ لأنه لا يضره التبعيض، والاستحقاق لا يمنع تمام الصفقة؛ لأن تمامها برضا العاقد لا برضا المالك، وهذا إذا كان بعد القبض، أما لو كان ذلك قبل القبض له أن يرد الباقي لتفرق الصفقة قبل التمام. وإن كان ثوبا فله الخيار لأن التشقيص فيه عيب، وقد كان وقت البيع حيث ظهر الاستحقاق، بخلاف المكيل والموزون. ومن اشترى جارية فوجد بها قرحا فداواها أو كانت دابة فركبها في حاجته فهو رضاء؛ لأن ذلك دليل قصده الاستيفاء، بخلاف خيار الشرط، لأن الخيار هناك للاختبار، وأنه بالاستعمال فلا يكون الركوب مسقطا.   [البناية] بقي لأنه لا يضره التبعيض) ش: والشركة في المكيلات والموزونات لا تعد عيبا باعتبار أن التبعيض لا يضرهما بعد القبض لتمام الصفقة م: (والاستحقاق) ش: جواب إشكال، وهو أن يقال: ينبغي أن يكون له الخيار في رد ما بقي في صورة الاستحقاق كيلا يلزم تفريق الصفقة قبل التمام وتقرير الجواب أنه لا يلزم ذلك لأنه لو لزم ذلك الملزوم بطريق الاستحقاق والاستحقاق م: (لا يمنع تمام الصفقة، لأن تمامها برضا العاقد لا برضا المالك) ش: لأن العقد حق المعاقد، وتمامه يستدعي تمام رضاه وبالاستحقاق لا ينعدم ذلك، ولهذا قلنا في الصرف والسلم إذا جاء المستحق بعد ما افترقا بقي العقد صحيحا فعلم أن تمام العقد يستدعي تمام رضا العاقد لا المالك. م: (وهذا) ش: أي كون الاستحقاق لا يوجب خيار الرد م: (إذا كان بعد القبض، أما لو كان ذلك قبل القبض له أن يرد الباقي لتفرق الصفقة قبل التمام) ش: لأن تمام الصفقة يحتاج إلى رضا العاقد، وقبض المبيع وانتفاء أحدهما يوجب عدم تمامها. م: (وإن كان ثوبا) ش: أي وإن كان المستحق ثوبا م: (فله الخيار؛ لأن التشقيص فيه) ش: أي في الثوب م: (عيب) ش: عرفا م: (وقد كان) ش: أي التشقيص م: (وقت البيع حيث ظهر الاستحقاق) ش: يعني أن عيب الشركة فيه لم يحدث في يد المشتري حتى يمنع الرد الذي كان في يد البائع حيث ظهر الاستحقاق، فلا يكون مانعا م: (بخلاف المكيل والموزون) ش: فإن التشقيص ليس بعيب فيهما حيث لا يضر. م: (ومن اشترى جارية فوجد بها قرحا فداواها أو كانت دابة فركبها في حاجته فهو رضا؛ لأن ذلك دليل قصده الاستيفاء) ش: وإمساك العين الأصل في هذه المسائل أن تصرف المشتري بشيء يدل على الرضا بعد العلم بالعيب يمنع الرد والأرش نحو العرض على البيع والإجارة واللبس والركوب لحاجته والمداواة والرهن والكتابة والاستخدام مرة ثانية لأنه صار راضيا بالعيب م: (بخلاف خيار الشرط؛ لأن الخيار هناك) ش: أي في خيار الشرط م: (للاختيار، وأنه) ش: أي وأن الاختيار يكون م: (بالاستعمال، فلا يكون الركوب مسقطا) ش: للخيار لكون الركوب في شرط الخيار للامتحان فيكون مقصودا من الخيار. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 130 وإن ركبها ليردها على بائعها أو ليسقيها أو ليشتري لها علفا فليس برضا، أما الركوب للرد فلأنه سبب الرد، والجواب في السقي واشتراء العلف محمول على ما إذا كان لا يجد بدا منه إما لصعوبتها، أو لعجزه، أو لكون العلف في عدل واحد، وأما إذا كان يجد بدا منه لانعدام ما ذكرناه يكون رضا. قال: ومن اشترى عبدا قد سرق ولم يعلم به فقطع عند المشتري، له أن يرده ويأخذ الثمن عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقالا: يرجع بما بين قيمته سارقا إلى غير سارق، وعلى هذا الخلاف إذا قتل بسبب وجد في يد البائع.   [البناية] م: (وإن ركبها ليردها على بائعها أو ليسقيها) ش: أي أو ركبها ليسقيها م: (أو ليشتري لها علفا فليس برضا) ش: بالعيب م: (أما الركوب للرد فلأنه سبب الرد، والجواب في السقي واشتراء العلف محمول على ما إذا كان لا يجد بدا منه إما لصعوبتها) ش: أي لصعوبة الدابة. م: (أو لعجزه) ش: أي أو لعجز نفسه م: (أو لكون العلف في عدل واحد، وأما إذا كان يجد بدا منه لانعدام ما ذكرناه يكون رضا) ش:. وفي " خلاصة الفتاوى " فلو حمل علف دابة أخرى وركبها أو لم يركبها فهو رضا، وقال ابن دريد: العدل بالكسر إذا عدل بمثله. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى عبدا قد سرق ولم يعلم به) ش: ولم يعلم المشتري بكون العبد قد سرق لا وقت البيع ولا وقت القبض كذا ذكره التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فقطع عند المشتري) ش: أي قطعت يده عند المشتري لثبوت سرقه م: (له) ش: أي للمشتري م: (أن يرده ويأخذ الثمن عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي جميع الثمن هكذا ذكر في عامة شروح الجامع الصغير، وهكذا في بعض روايات المبسوط في " جامع التمرتاشي "، وبعض روايات " المبسوط " يرجع بنصف الثمن. وقول من قال: يرجع بكل الثمن ينصرف إلى اختيار رد العبد المقطوع، وقول من قال: بالنصف ينصرف إلى اختيار إمساك. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (يرجع بما بين قيمته سارقا إلى غير سارق) ش: يعني يقوم سارقا وغير سارق فيرجع بفضل ما بينهما من الثمن م: (وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (إذا قتل) ش: أي العبد م: (بسبب وجد في يد البائع) ش: صورته اشترى عبدا مباح الدم لقود أو ردة أو قطع طريق فقتل عند المشتري يرجع على البائع بكل الثمن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول وهو اختيار المزني وأبي إسحاق المروزي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما يقوم مباح الدم ومعصوم الدم فيرجع بفضل ما بينهما وبه قال الشافعي - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 131 والحاصل أنه بمنزلة الاستحقاق عنده، وبمنزلة العيب عندهما. لهما أن الموجود في يد البائع سبب القطع والقتل، وأنه لا ينافي المالية فنفذ العقد فيه، لكنه متعيب فيرجع بنقصانه عند تعذر رده، وصار كما إذا اشترى جارية حاملا فماتت في يده بالولادة فإنه يرجع بفضل ما بين قيمتها حاملا إلى غير حامل. وله أن سبب الوجوب في يد البائع، والوجوب يفضي إلى الوجود، فيكون الوجود مضافا إلى السبب السابق،   [البناية] - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: في قول وهو اختيار ابن شريح وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من الصحابة. وفي صحة بيع العبد الجاني له قولان: أحدهما: أنه يصح واختاره المزني - رَحِمَهُ اللَّهُ - والثاني: أنه لا يصح وما ذكرنا من القولين في الرجوع بكل الثمن والنقصان على قول صحة البيع كذا في كتبهم. م: (والحاصل) ش: من هذا الخلاف م: (أنه) ش: أي أن مستحق القطع أو مباح الدم م: (بمنزلة الاستحقاق عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإذا ظهر مستحق يرجع بكل الثمن فكذلك هنا م: (وبمنزلة العيب عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - فإذا ظهر عيب يرجع بنقصان العيب بأن يقوم عبدا قد يوجب عليه القطع وعبدا لم يجب عليه القطع ويرجع بإزاء النقصان من الثمن. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أن الموجود في يد البائع سبب القطع والقتل وأنه) ش: أي وأن سبب القطع والقتل م: (لا ينافي المالية) ش: بدليل صحة البيع ونفاذ تصرفه فيه بالعتق وغيره، ولو كان لحل الدم أثر في انعدام المالية لما صح البيع، كذا في الأسرار م: (فنفذ العقد فيه لكنه متعيب فيرجع بنقصانه عند تعذر رده) ش: أما التعذر في صورة القتل فظاهر، وكذا في صورة قطع اليد فكان بمنزلة عيب حادث عند المشتري والمعيب الحادث عنده يمنع الرد ولكنه يرجع بنقصان عيب السرقة لا بنقصان عيب القطع وبه صرح الزاهد العتابي. لأن القطع وإن كان مضافا إلى السرقة لأنه يستحق بها لم يكن فوات المالية في ضمنه مضافا إليها لأن السرقة لا تفوت المالية والقطع يستحق من حيث إنه أدب لا من حيث إنه مال فلهذا أوجب الرجوع بنقصان عيب السرقة لا عيب القطع م: (وصار) ش: هذا م: (كما إذا اشترى جارية حاملا) ش: ولم يعلم بالحمل وقت الشراء القبض م: (فماتت في يده) ش: أي في يد المشتري م: (بالولادة فإنه يرجع بفضل ما بين قيمتها حاملا إلى غير حامل) ش: ولا يرجع بكل الثمن. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن سبب الوجوب في يد البائع) ش: أي سبب وجوب القطع أو القتل العمد وهو السرقة أو القتل حده في يد البائع م: (والوجوب) ش: أي سبب الوجوب م: (يفضي إلى الوجود، فيكون الوجود مضافا إلى السبب السابق) ش: فصار كالمستحق، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 132 وصار كما إذا قتل المغصوب أو قطع بعد الرد بجناية وجدت في يد الغاصب، وما ذكر من المسألة ممنوعة. ولو سرق في يد البائع ثم في يد المشتري فقطع بهما، عندهما يرجع بالنقصان كما ذكرنا، وعنده لا يرده بدون رضا البائع للعيب الحادث ويرجع بربع الثمن، وإن قبله البائع فبثلاثة الأرباع لأن اليد من الآدمي نصفه وقد تلفت بالجنايتين،   [البناية] والمستحق لا يتناوله العقد فينتقض القبض من الأصل لعدم مصادفة محله م: (وصار) ش: هذا م: (كما إذا قتل المغصوب) ش: أي العبد المغصوب م: (أو قطع بعد الرد) ش: إلى مولاه م: (بجناية) ش: أي بسبب جناية م: (وجدت في يد الغاصب) ش: صورته غصب رجل عبدا فقتل العبد عنده رجلا عمدا فرده على المولى فاقتص منه يده فإن الغاصب يضمن قيمته كما لو قتل في يد الغاصب. م: (وما ذكر من المسألة ممنوعة) ش: أي مسائل الحمل، وجه المنع أنها على قولهما، وأما على قول أبي حنيفة فالمشتري يرجع على البائع بكل الثمن إذا ماتت من الولادة وقيل: إنها على الاختلاف أيضا، وإن لم يذكر الخلاف في كتاب البيوع ولئن سلمنا فنقول: الموجود في يد البائع الإعلاق، وإنه يوجب انفصال الولد ولا يفضي إلى الهلاك غالبا بل الغالب هو السلامة عند الولادة وهو نظير الزاني إذا جلد بخلاف ما إذا غصب جارية فحملت في يد الغاصب فردها فولدت في يد المالك وماتت يرجع على الغاصب. أما هاهنا الحبل لا يمنع صحة التسليم إلى المشتري كذا في جامع العتابي " والمبسوط ". وفائدة الخلاف فيما إذا اطلع على سبب القتل والقطع ولم يقتل ولم يقطع هل يجوز رده أم لا؟ فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز رده لأنه بالاستيفاء يكون بمنزلة الاستحقاق. وعندهما يجوز وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لأنه بمنزلة العيب وكونه مستحقا للقطع أو القتل عيب سواء استوفى أم لا، وفي تتمتهم وفائدة الخلاف يظهر في أمر الكفن والدين فعلى طريقة المروزي على البائع وعلى طريقة ابن شريح على المشتري. م: (ولو سرق) ش: أي العبد المبيع م: (في يد البائع ثم في يد المشتري فقطع بهما) ش: أي بالسرقتين م: (عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يرجع) ش: أي المشتري م: (بالنقصان) ش: أي بنقصان السرقة الموجودة عند البائع م: (كما ذكرنا) ش: يعني عند قوله وإن اشترى عبدا قد سرق ولم يعلم به إلى آخره. م: (وعنده) ش: أي وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لا يرده بدون رضا البائع للعيب الحادث، ويرجع بربع الثمن وإن قبله البائع فبثلاثة الأرباع) ش: أي يرجع بثلاثة أرباع الثمن م: (لأن اليد من الآدمي نصفه وقد تلفت بالجنايتين) ش: وهما اللتان كانت إحداهما في يد البائع والأخرى في يد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 133 وفي إحداهما الرجوع فيتنصف، ولو تداولته الأيدي ثم قطع في يد الأخير رجع الباعة بعضهم على بعض عنده كما في الاستحقاق، وعندهما يرجع الأخير على بائعه ولا يرجع بائعه على بائعه؛ لأنه بمنزلة العيب، وقوله في الكتاب "ولم يعلم المشتري" يفيد على مذهبهما؛ لأن العلم بالعيب رضا به ولا يفيد على قوله في الصحيح؛ لأن العلم بالاستحقاق لا يمنع الرجوع.   [البناية] المشتري م: (وفي إحداهما) ش: وفي إحدى الجنايتين م: (الرجوع) ش: أي رجوع المشترى على البائع بنصف الثمن م: (فيتنصف) ش: أي النصف فينقسم عليها نصفين لكون القطع مضافا إلى السرقتين فيسقط نصف النصف عن البائع وهو الربع ويضاف الربع الباقي إلى النصف فيصير ثلاثة أرباع فيرجع بها على البائع. فإن قيل: إذا حدث عند المشتري عيب ثم اطلع على عيب كان عند البائع فقبله البائع وكذلك رجع المشتري عليه جميع الثمن فلم لم يكن هاهنا؟ كذلك أجيب: بأن هذا على قول أبي حنيفة نظر إلى جريانه مجرى الاستحقاق وما ذكرتم لا يتصور فيه. فإن قلت: أما تذكرون ما تقدم أن حكم العيب والاستحقاق يستويان قبل القبض وهذه في غير المكيل والموزون، فما الذي أوجب الاختلاف هاهنا بينهما؟ قلنا: بلى، لكن ليس كلامنا الآن فيهما بل فيما يكون بمنزلة الاستحقاق والعيب وما ينزل الشيء لا يلزم أن يساويه في جميع الأحكام. م: (ولو تداولته الأيدي) ش: يعني بعد وجود السرقة من العبد في يد البائع تداولته الأيدي يعني اتبع من يد إلى يد م: (ثم قطع في يد الأخير رجع الباعة) ش: وهو جمع بائع كالحاكة جمع حائك م: (بعضهم على بعض) ش: بالثمن م: (عنده كما في الاستحقاق) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وبه قال بعض أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: م: (وعندهما) ش: أي وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (يرجع الأخير على بائعه، ولا يرجع بائعه على بائعه؛ لأنه بمنزلة العيب) ش: فلا يرجع فيه وهذا لأن المشتري الأخير لم يصر حابسا حيث لم يبعه ولا كذلك الآخرون فإن البيع يمنع الرجوع بنقصان العيب. م: (وقوله في الكتاب) ش: أي قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجامع الصغير: م: (ولم يعلم المشتري، يفيد على مذهبهما؛ لأن العلم بالعيب رضا به ولا يفيد على قوله) ش: أي على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في الصحيح؛ لأن العلم بالاستحقاق لا يمنع الرجوع) ش: وقيد بالصحيح احترازا عما روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يرجع لأن حل الدم من وجه كالاستحقاق، ومن وجه كالعيب حتى لا يمنع صحة البيع فالشبهة بالاستحقاق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 134 قال: ومن باع عبدا وشرط البراءة من كل عيب فليس له   [البناية] قلنا: عند الجهل به يرجع بجميع الثمن ولشبهه بالعيب. قلنا: لا يرجع عند العلم بشيء لأنه إنما جعل هذا كالاستحقاق لدفع الضرر عن المشتري وقد اندفع حين علم به واشتراه وفي " شرح الطحاوي " إذا كان المشتري عالما، وقت العقد وقبل القبض صار راضيا بالعيب فلا يرجع على بائعه بشيء في قولهم جميعا. وقال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والصحيح أن العلم والجهل سواء لأنه من قبيل الاستحقاق والعلم بالاستحقاق لا يمنع الرجوع، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيل فيه نظر. قلت: القائل بالنظر هو الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث قال: لأنا نقول سلمنا أن العلم بالاستحقاق لا يمنع الرجوع، لكن لا نسلم أن العلم بالعيب لا يمنع الرجوع، وهذا عيب لأنه موجب لنقصان الثمن. ولكنه أجري مجرى الاستحقاق عند أبي حنيفة -رحمة الله عليه - ونزل منزلته لا حقيقة لأن في حقيقة الاستحقاق سواء كان عالما بذلك أو جاهلا قبل القبض أو بعده يبطل البيع ويرجع بجميع الثمن في قولهم جميعا وبه صرح في " شرح الطحاوي " وهنا لا يبطل البيع، ولهذا لو أعتق المشتري قبل القتل أو القطع صح عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا إلا أنه لا يرجع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بشيء إذا قتل أو قطع بعد الإعتاق بسبب كان عند البائع لأن القتل أو القطع لم يفوت المالية لعدم المالية حينئذ، وعندهما يرجع بالعيب - أعني نقصان عيب السرقة ونقصان كونه حلال الدم - لأن الملك ينتهي ويتقرر بالإعتاق كالموت فلا يبطل الرجوع، هذا آخر كلام الأترازي. والأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يذكر كلام الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بكماله فأخذ بعضه ثم قال: قيل: فيه نظر ثم قال: والجواب أن كونها أصح أو صحيحا ويجوز أن يكون من حيث صحة النقل وشهرته فلا يرد السؤال ويجوز أن يكون من حيث الدليل. وقوله في النظر: وهذا عيب ممنوع لأنهم صرحوا بأنه بمنزلة العيب أو أنه عيب من وجه، وإذا كان كذلك فلا يلزم أن يكون حكمه حكم العيب من كل وجه، وقد ترجح جانب الاستحقاق بالدلائل المتقدمة فأجري مجراه، وهذا آخر كلام الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: جوابه لا يخلو عن خدش على ما لا يخفى، وقوله في النظر: وهذا عيب ممنوع غير مسلم؛ لأن تعليله يدل على جواز القول بأنه عيب فليتأمل. [باع عبدا وشرط البراءة من كل عيب] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن باع عبدا وشرط البراءة من كل عيب فليس له الجزء: 8 ¦ الصفحة: 135 أن يرده بعيب، وإن لم يسم العيوب بعددها، وقال الشافعي: لا تصح البراءة، بناء على مذهبه أن الإبراء عن الحقوق المجهولة لا يصح، وهو يقول: إن في الإبراء معنى التمليك حتى يرتد بالرد،   [البناية] أن يرده بعيب، وإن لم يسم العيوب بعددها) ش: وفي بعض النسخ فليس له أن يرده وإن لم يعدها أي العيوب. قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو الصحيح قوله ليس له أن يرده بعيب لصحة الشرط والبيع، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: البيع صحيح والشرط فاسد إذا كان مجهولا، وفي " المختلف " البيع باطل وعلى قوله فاسد إذا عد العيوب صحة البراءة أيضا. م: (وقال الشافعي: لا تصح البراءة بناء على مذهبه أن الإبراء عن الحقوق المجهولة لا يصح) ش: للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه طريقان أشهرهما وبه قال ابن شريح وابن الوكيل والإصطخري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يبرأ وبه قال علماؤنا: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلمون عند شروطهم» . ويروى ذلك عن ابن عمر وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وثانيها: أنه لا يبرأ عن عيب وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وعنه يبرأ عما لا يعلمه دون ما يعلمه. وثالثها: وهو الأصح. ويروى عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يبرأ في غير الحيوان ويبرأ في الحيوان عما لا يعلمه دون ما يعلمه لما روي أن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - باع عبدا من زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بشرط البراءة فوجد زيد به عيبا فأراد رده فلم يقبله ابن عمر، فترافعا إلى عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال عثمان لابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: تحلف أنك لم تعلم بهذا العيب؟ فقال: لا فرده عليه، فرق عثمان وزيد بين كون العلم معلوما وغير معلوم، والطريق الثاني وبه قال ابن خيران وأبو إسحاق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - القطع بالقول الثالث ونصه في " المختصر " كذا في " شرح الوجيز ". وفي " الحلية " لو قلنا: الشرط باطل فهل يبطل البيع؟ فيه وجهان أظهرهما أنه يبطل م: (هو) ش: أي الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (يقول: إن في الإبراء معنى التمليك حتى يرتد بالرد) ش: حتى إن رب الدين لو أبرأ المديون من دينه فرد المديون إبراءه لم يصح الإبراء وكذا لا يصح تعليق الإبراء بالحظر بأن قال: أبرأتك عن العيب أو الدين إن فعلت كذا لما فيه من معنى التمليك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 136 وتمليك المجهول لا يصح، ولنا أن الجهالة في الإسقاط لا تفضي إلى المنازعة، وإن كان في ضمنه التمليك لعدم الحاجة إلى التسليم فلا تكون مفسدة، ويدخل في هذه البراءة العيب الموجود، والحادث قبل القبض في قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] م: (وتمليك المجهول لا يصح) ش: كبيع شاة من قطيع غنم م: (ولنا أن الجهالة في الإسقاط لا تفضي إلى المنازعة) ش: والإبراء إسقاط لا تمليك حتى يتم بلا قبول لأنه لا يصح تمليك العين بهذه اللفظة، ويصح الإبراء بأسقطت عنك ديني، والجهالة فيه لا تفضي إلى المنازعة، لأن الجهالة إنما أبطلت التمليكات لفوت التسليم الواجب بالعقد وهو لا يتصور في الإسقاط فلا يكون مبطلا له، ولهذا جاز طلاق نسائه وإعتاق عبيده وهو لا يدري عددهم. م: (وإن كان في ضمنه التمليك) ش: هذا جواب عن قوله: يرتد بالرد، وتقريره أن ذلك لما فيه من معنى التمليك ضمنا وهو لا يؤثر في فساد ما قلناه لأنا بينا أن محض التمليك لا يبطل بجهالة م: (لعدم الحاجة إلى التسليم) ش: لأن السقط الساقط مثلا م: (فلا تكون مفسدة) ش: كما إذا باع قفيزا من صبرة. فإن قلت: في " الجامع الصغير " في كتاب الهبة إذا قال من له على آخر ألف درهم: إذا جاء غدا فأنت منها بريء فهو باطل فلا يصح تمليك المجهول. قلت: إنما لا يصح التعليق فيه لأنه إنما يصح في الإسقاط المحض لا في إسقاط فيه معنى التمليك. فإن قلت: إذا قال أبرأتك يصح، وإذا قال أبرأت أحدكما لا يصح فظهر الفرق بين المعلوم والمجهول. قلت: أبرأت أحدكما يصح أيضا عند بعض أصحابنا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويجيز على التعيين. كذا في " الأسرار "، ولئن سلمنا أنه لا يصح فنقول: إنما لم يصح لأن من له الحق مجهول لا لأن الحق مجهول، ألا ترى إلى من قال: لفلان علي شيء يصح، ولو قال لفلان علي ألف درهم لا يصح ولا يلزم على هذا ما إذا قال: لامرأته إحداكما طالق، لأن الطلاق بعد وقوعه يكون حقا لله تعالى وهو معلوم والدليل على أن الحق لله تعالى أنهما لو تراضيا على إسقاطه لا يصح. م: (ويدخل في هذه البراءة) ش: إنما قال في هذه البراءة احترازا عن البراءة التي شرطها البائع في قوله بعته على أني بريء من كل عيب به فإنه لا يبرأ عن الحادث بالإجماع كذا في " الإيضاح " وغيره م: (العيب الموجود) ش: فيه وقت العقد م: (والحادث) ش: أي ويدخل العيب الحادث فيه م: (قبل القبض في قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي في ظاهر الرواية عنه وهو قول أبي حنيفة أيضا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 137 وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يدخل فيه الحادث، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن البراءة تتناول الثابت، ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الغرض إلزام العقد بإسقاط حقه عن صفة السلامة، وذلك بالبراءة عن الموجود والحادث.   [البناية] م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يدخل فيه الحادث، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: والحسن والشافعي ومالك وأبي يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية م: (لأن البراءة تتناول الثابت) ش: فتنصرف إلى الموجود عند العقد م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الغرض إلزام العقد) ش: أي أن المقصود من البراءة إلزام العقد م: (بإسقاط حقه) ش: أي حق المشتري م: (عن صفة السلامة) ش: أي سلامة البيع م: (وذلك) ش: أي التزام العقد يكون م: (بالبراءة عن الموجود والحادث) ش: جميعا. وذكر الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره": فإن قال البائع: أبيعك على أني بريء من كل عيب به لم يدخل في البراءة العيب الحادث في جميع الروايات عن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - ووجهه أنه لما قال به خص الموجود بالبراءة ولم يتجاوز غيره، وروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لو شرط في العقد البراءة من العيوب التي تحدث فسد البيع. وفي الخلاصة ولو تبرأ البائع من كل عيب يدخل فيه العيوب والأدواء، فإن تبرأ من كل داء فهو على المرض ولا يدخل فيه الكمي ولا الأصبع الزائدة ولا أثر جرح قد برأ، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الداء هو المرض الذي في الجوف من طحال أو كبد أو نحو ذلك. وفي " الخلاصة " أيضا رجل باع عبدا أو جارية وقال: أنا بريء من كل داء ولم يقل من كل عيب فإنه لا يبرأ عن العيوب لأن الداء يدخل في العيوب، أما العيب لا يدخل في الداء، ولو قال المشتري: الجارية برئت إليك من كل عيب بعينها، فإذا هي عوراء لا تبرأ، وكذا لو قال برئت إليك من كل عيب بيدها وهي مقطوعة اليد؛ لأن البراءة عن عيب اليد والمعين يكون حال قيام اليد والعين لا حال عدمها. وفي " شرح الطحاوي " ولو اختلفا في العيب في أنه موجود وقت العقد أم لا فقال المشتري: هو حادث فلم يدخل في البراءة، وقال البائع: كان موجودا يدخل في البراءة. فعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا فائدة لهذا الاختلاف لأنه لا يبرأ عنهما جميعا عنده وإنما هو على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فعلى قوله القول قول البائع مع يمينه أنه حادث وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - القول للمشتري. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 138 باب البيع الفاسد وإذا كان أحد العوضين أو كلاهما محرما فالبيع فاسد، كالبيع بالميتة والدم والخمر والخنزير، وكذا إذا كان غير مملوك كالحر. قال العبد الضعيف: هذه فصول جمعها وفيها تفصيل نبينه إن شاء الله تعالى، فنقول: البيع بالميتة والدم باطل، وكذا بالحر؛ لانعدام ركن البيع وهو مبادلة المال بالمال، فإن هذه الأشياء لا تعد مالا عند أحد،   [البناية] [باب البيع الفاسد] [تعريف البيع الفاسد] م: (باب البيع الفاسد) ش: أي هذا الباب في بيان أحكام ولقب الباب بالفاسد، وإن كان مشتملا عليه وعلى الباطل لكثرة وقوعه بتعدد أسبابه، والباطل هو ما لا يكون صحيحا أصلا ووصفا، والفاسد هو ما لا يصح وصفا وكل ما أورث خللا في ركن البيع فهو مبطل، وما أورثه في غيره كالتسليم والتسلم الواجبين به والانتفاع المقصود منه والإطلاق عن شرط لا يقتضيه وغير ذلك فهو مفسد. وحاصل الكلام الباطل ما لا يكون مشروعا بأصله ووصفه لانتفاء ركنه ومحله يقال: بطل اللحم إذا برد وسوس بحيث لا ينتفع به، والفاسد ما يكون مشروعا بأصله دون وصفه ويثبت به الملك إذا اتصل به القبض، يقال: فسد اللحم إذا صار ذا نتن بحيث يمكن الانتفاع به، والمكروه ما كان مشروعا بأصله ووصفه ولكن جاوزه بشيء آخر منهي عنه على هذا تفصل المسائل المذكورة في الكتاب. م: (وإذا كان أحد العوضين) ش: المبيع والثمن م: (أو كلاهما) ش: أي أو كان كلاهما م: (محرما فالبيع فاسد كالبيع بالميتة) ش: والميتة في اللغة هو الذي مات حتف أنفه، وإنما قيدنا باللغة لنخرج المحتوفة وأمثالها، فإن ذلك عند من ليس له دين سماوي بمنزلة الذبيحة عندنا. ولهذا إذا باعوا ذلك فيما بينهم جاز، ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التجنيس، وإن كان ميتة عندنا بخلاف الميتة حتف أنفه، فإن بيعه فيما بينهم لا يجوز، ولأنها ليست بمال عندهم، فعلى هذا يكون قوله فالبيع فاسد بلام الاستغراق على عمومه في بياعات المسلمين وغيرهم. م: (والدم والخمر والخنزير، وكذا إذا كان غير مملوك كالحر) ش: هذا كله لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مختصره، ولهذا م: (قال العبد الضعيف) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (هذه فصول جمعها) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفيها تفصيل نبينه إن شاء الله تعالى فنقول: البيع بالميتة والدم باطل، وكذا بالحر) ش: أي وكذا البيع بالحر م: (لانعدام ركن البيع وهو) ش: أي ركن البيع م: (مبادلة المال بالمال، فإن هذه الأشياء) ش: أي الميتة والدم والخنزير والخمر والحر م: (لا تعد مالا عند أحد) ش: فمن له دين سماوي لأن الذي ليس له دين سماوي كالجماد فلا يعتبر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 139 والبيع بالخمر والخنزير فاسد لوجود حقيقة البيع، وهو مبادلة المال بالمال فإنه مال عند البعض، والباطل لا يفيد ملك التصرف، ولو هلك المبيع في يد المشتري فيه يكون أمانة، عند بعض المشايخ لأن العقد غير معتبر فبقي القبض بإذن المالك، وعند البعض يكون مضمونا لأنه لا يكون أدنى حالا من المقبوض على سوم الشراء،   [البناية] [البيع بالخمر والخنزير] م: (والبيع بالخمر والخنزير فاسد لوجود حقيقة البيع، وهو مبادلة المال بالمال، فإنه مال عند البعض) ش: وهما من أعز الأموال عند أهل الذمة، وفي " المبسوط ": البيع بالخمر عندنا يوجب الملك بالقبض، فإن محل العقد المالية في البدلين وبتخمير العصير لا تنعدم المالية وإنما ينعدم التقوم شرعا. فإن المالية تكون منتفعا بها وقد أثبت الله تعالى ذلك في الخمر بقوله: {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 219] (البقرة: الآية 219) ، ويفيد الملك البيع بها إذا اتصل القبض بإذن البائع صريحا أو دلالة بأن يقبضه المشتري عقيب البيع، ولأنها البائع والفرق بين الفصلين، أعني كون البيع بالدم والميتة باطلا وبالخمر والخنزير فاسدا إن الباطل لا يفيد الملك وإن اتصل به القبض والفاسد يفيد كما ذكرنا الآن. وفائدة هذا أنه لو كان المشتري عبدا فأعتقه المشتري بعد القبض لا ينفذ في الأول وينفذ في الثاني، ولو جاء مستحق فاستحق على المشتري لا خصومة بين المستحق وبين المشتري في الأول، وفي الثاني يكون المشتري خصما حتى يستمع البينة عليه، لأنه ملكه. ثم إذا لم يعد الملك في الوجه الأول هل يصير المقبوض مضمونا عليه بالقبض أم لا؟ اختلف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فيه، أشار إلى بيانه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله م: (والباطل لا يفيد ملك التصرف، ولو هلك المبيع في يد المشتري فيه) ش: أي في البيع الباطل م: (يكون أمانة عند بعض المشايخ) ش: أراد به الشيخ أبا نصر أحمد بن علي الطواديسي وهو أستاذ شيخ الإسلام أبي بكر المعروف بخواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه قال: هو أمانة وليس بمضمون وهو رواية الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإليه ذهب الشيخ أبو الحسن الشرعي م: (لأن العقد غير معتبر) ش: لكونه باطلا م: (فبقي القبض بإذن المالك) ش: فتكون أمانة، وكذا البيع بالبول باطل وكذا بيع المحرم للصيد، لأن صيد البر حرام على المحرم كالميتة، فيكون بيعه باطلا. م: (وعند البعض) ش: أراد به شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وروى ابن سماعة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يكون مضمونا كما قال به البعض: م: (يكون مضمونا لأنه لا يكون أدنى حالا من المقبوض على سوم الشراء) ش: فذاك مضمون فكذا هذا والمضمون بالقيمة أو بالمثل وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وصورة المقبوض على سوم الشراء هو أن يسمي الثمن فيقول: اذهب بهذا فإن رضيت اشتريته بعشرة. أما إذا لم يسم الثمن فذهب به فهلك عنده لا يضمن نص عليه الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - "في العيون ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 140 وقيل الأول قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والثاني قولهما، كما في بيع أم الولد والمدبر، على ما نبينه إن شاء الله تعالى. والفاسد يفيد الملك عند اتصال القبض به، ويكون المبيع مضمونا في يد المشتري فيه، وفيه خلاف الشافعي وسنبينه إن شاء الله تعالى بعد هذا، وكذا بيع الميتة والدم والحر باطل؛ لأنها ليست أموالا فلا تكون محلا للبيع. وأما بيع الخمر والخنزير إن كان قوبل بالدين كالدراهم والدنانير فالبيع باطل، وإن كان قوبل بعين فالبيع فاسد حتى يملك ما يقابله، وإن كان لا يملك عين الخمر والخنزير.   [البناية] م: (وقيل) ش: قائله محمد بن سلمة البلخي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (الأول قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - والثاني قولهما) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كما في بيع أم الولد والمدبر) ش: يعني إذا هلك عند المشتري فهو على هذا الخلاف م: (على ما نبينه إن شاء الله تعالى) ش: يعني في بابه. م: (والفاسد يفيد الملك عند اتصال القبض به) ش: أي بالبيع الفاسد يعني إذا كان القبض بإذن المالك باتفاق الروايات بملكه م: (ويكون المبيع مضمونا في يد المشتري فيه) ش: أي في البيع الفاسد والضمان بالقيمة أو بالمثل. قال مشايخ العراق: إن المشتري شراء فاسدا يملك التصرف فيه باعتبار تسليط البائع على ذلك لا باعتبار تملك العين، بدليل عدم جواز وطء الجارية مشتراة شراء فاسدا، وكذا لا يحل أكل طعام اشتراه شراء فاسدا. وذهب مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إلى أن جواز التصرف بناء على ملك العين، واستدلوا بما إذا اشترى دارا بشراء فاسد وقبضها فبيع بجنبها دار للمشتري له أن يأخذها بالشفعة لنفسه. وكذا لو رد المشتري الجارية المشتراة شراء فاسدا يجب على البائع استبراؤها ولو أعتق المشتري العبد المشترى شراء فاسدا من الأب أو الوصي جاز عتقه ولو كان عتقه على وجه التسليط لما جاز، لأن عتقهما أو تسليطهما على العتق لا يجوز، فعلم بهذه الأحكام أنه يملك العين. م: (وفيه) ش: أي وفي كون البيع مضمونا في يد المشتري في البيع الفاسد م: (خلاف الشافعي) ش: فعنده ليس بمضمون، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - م: (وسنبينه إن شاء الله تعالى بعد هذا) ش: أي في أول الفصل الذي يلي هذا الباب، وفي بعض النسخ وسنبينه بعد إن شاء الله تعالى. [بيع الميتة والدم والحر] م: (وكذا بيع الميتة والدم والحر باطل؛ لأنها ليست أموالا فلا تكون محلا للبيع، وأما بيع الخمر والخنزير إن كان قوبل بالدين) ش: أي بما يجب في الذمة م: (كالدراهم والدنانير فالبيع باطل، وإن كان قوبل بعين) ش: مثل ثوب مثلا م: (فالبيع فاسد حتى يملك ما يقابله) ش: وهو الثوب م: (وإن كان لا يملك عين الخمر والخنزير) ش: كلمة "إن" واصلة بما قبلها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 141 ووجه الفرق أن الخمر مال وكذا الخنزير مال عند أهل الذمة، إلا أنه غير متقوم لما أن الشرع أمر بإهانته وترك إعزازه، وفي تملكه بالعقد مقصود إعزاز له، وهذا لأنه متى اشتراهما بالدراهم فالدراهم غير مقصودة لكونها وسيلة، لما أنها تجب في الذمة، وإنما المقصود الخمر، فسقط التقوم أصلا، بخلاف ما إذا اشترى الثوب بالخمر؛ لأن مشتري الثوب إنما يقصد تملك الثوب بالخمر، وفيه إعزاز الثوب دون الخمر، فبقي ذكر الخمر معتبرا في تملك الثوب لا في حق نفس الخمر حتى فسدت التسمية، ووجبت قيمة الثوب دون الخمر، وكذا إذا باع الخمر بالثوب لأنه يعتبر شراء الثوب بالخمر لكونه مقايضة. قال: وبيع أم الولد والمدبر والمكاتب فاسد ومعناه باطل، لأن استحقاق العتق قد ثبت لأم الولد لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أعتقها ولدها»   [البناية] م: (ووجه الفرق) ش: بين الصورتين م: (أن الخمر مال وكذا الخنزير مال عند أهل الذمة إلا أنه) ش: أي أن كل واحد منهما م: (غير متقوم لما أن الشرع أمر بإهانته وترك إعزازه، وفي تملكه بالعقد مقصود إعزاز له) ش: أي في جعله مبيعا إعزاز له وهو خلاف المأمور به، وأوضح ذلك بقوله م: (وهذا لأنه متى اشتراهما بالدراهم فالدراهم غير مقصودة لكونها وسيلة) ش: إلى تحصيل الخمر أو الخنزير م: (لما أنها) ش: أي أن الدراهم م: (تجب في الذمة، وإنما المقصود الخمر فسقط التقوم أصلا) ش: لئلا يفضي إلى خلاف المأمور به. م: (بخلاف ما إذا اشترى الثوب بالخمر؛ لأن مشتري الثوب إنما يقصد تملك الثوب بالخمر، وفيه إعزاز الثوب دون الخمر، فبقي ذكر الخمر معتبرا في تملك الثوب لا في حق نفس الخمر حتى فسدت التسمية، ووجبت قيمة الثوب دون الخمر، وكذا إذا باع الخمر بالثوب لأنه يعتبر شراء الثوب بالخمر لكونه مقايضة) ش: أي لكون البيع مقايضة وهو بيع العرض بالعرض، والعرض هو المتاع القيمي كائنا ما كان، وفي المجمل بقيض المثل. ويجوز أن يقال على هذا إنما سمي هذا النوع من البيع مقايضة لأن العرض بمثل العرض في العينة، ويقال هما قيضان أي متساويان. فإن قلت: في هذا تعبير للعقد لأن العاقد قد جعل الخمر مبيعا بدلالة الباقي الثوب، وفي هذا يصير ثمنا فيكون تعبيرا. قلت: التعبير أهون من البطلان فلو لم يجعل كذلك يبطل مع أن المقايضة يصلح أن يكون كل واحد ثمنا ومثمنا فلا يلزم التعبير. [بيع أم الولد والمدبر والمكاتب] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وبيع أم الولد والمدبر والمكاتب فاسد ومعناه باطل؛ لأن استحقاق العتق قد ثبت لأم الولد لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «أعتقها ولدها» ش: هذا رواه ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قال: ذكرت أم إبراهيم عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: «أعتقها ولدها» رواه ابن ماجه والدارقطني، وإبراهيم ابن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مارية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 142 ولسبب الحرية قد انعقد في حق المدبر في الحال لبطلان الأهلية بعد الموت، والمكاتب استحق يدا على نفسه لازمة في حق المولى. ولو ثبت الملك بالبيع، لبطل ذلك كله، فلا يجوز، ولو رضي المكاتب بالبيع ففيه روايتان، والأظهر الجواز، والمراد المدبر المطلق دون المقيد.   [البناية] القبطية، وهذا حجة على بشر وداود - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تجويزهما بيعهما ولفظ الحديث يوجب الإعتاق الحقيقي، لكن حمل على حق العتق. وفي شرح " المجمع والمجاز ": مراد في هذا اللفظ بالإجماع م: (ولسبب الحرية قد انعقد في حق المدبر في الحال لبطلان الأهلية بعد الموت) ش: اعتبر التدبير سببا في الحال على خلاف سائر التعليقات، فإن فيها الشرط مانعا لانعقاده سببا في الحال، لأن بعد الموت حال لبطلان الأهلية. فمتى قلنا إنه ينعقد سببا بعد الموت، احتجنا إلى بقاء الأهلية والموت ينافي الأهلية، فدعت الضرورة إلى القول بانعقاده سببا في الحال، فتأخر الحكم إلى ما بعد الموت، فصار طريقه طريق الوصية، فإن الوصية تنعقد سببا في الحال للخلافة بعد الموت، وإذا ثبت القول بانعقاده سببا في البيع، امتنع البيع كذا في " الإيضاح " م: (والمكاتب استحق يدا على نفسه لازمة في حق المولى) ش: بدليل أن المولى لا يملك فسخ الكتابة بدون رضا المكاتب، إنما قال: لازمة في حق المولى لأنها غير لازمة في حق المكاتب بقدرته على فسخ الكتابة. م: (ولو ثبت الملك بالبيع) ش: أي بيع المكاتب م: (لبطل ذلك كله) ش: أي لبطل استحقاق اليد اللازمة م: (فلا يجوز) ش: وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله لبطل ذلك كله، أي لو صح بيع هؤلاء لبطل ما قلنا من المعاني وهي استحقاق أم الولد العتق، وانعقاد سبب الحرية للمدبر في الحال واستحقاق المكاتب يدا على نفسه لازمة في حق المولى فلم يجز بيعهم، لئلا تبطل هذه المعاني. انتهى كلامه، ولهذا لو حلف لا ببيع فباع هؤلاء لا يحنث ذكره في " جامع المحبوبي ". م: (ولو رضي المكاتب بالبيع) ش: أي بيع نفسه م: (ففيه) ش: أي في جوازه م: (روايتان والأظهر الجواز) ش: لأن عدمه كان لحقه، فلما أسقط حقه برضاه، انفسخت الكتابة وجاز البيع. وروي في " النوادر " أنه لا يجوز، وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في بيع المكاتب قولان أصحهما أنه لا يجوز، وبه قال مالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وقال في القديم: يجوز م: (والمراد المدبر) ش: أي المدبر الذي لا يجوز بيعه هو م: (المطلق) ش: وهو الذي علق عتقه بالموت من غير تعرض نصفة، كقوله أنت حر بعد موتي أو إن مت فأنت حر م: (دون المقيد) ش: أي دون المدبر المقيد، مثل قوله إذا قدمت من سفري هذا فأنت حر وإن مت من مرضي هذا فأنت حر ويباع المدبر المقيد بالإجماع. وروى الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن عمر وشريح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 143 وفي المطلق خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد ذكرناه في العتاق. قال: وإن ماتت أم الولد أو المدبر في يد المشتري، فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: عليه قيمتهما، وهو رواية عنه لهما أنه مقبوض بجهة البيع فيكون مضمونا عليه كسائر الأموال، وهذا لأن المدبر وأم الولد يدخلان تحت البيع.   [البناية] وسعيد بن المسيب والشعبي وإبراهيم وعطاء وابن سيرين - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أنهم قالوا: لا يباع المدبر إلا من نفسه، وهو قول أصحابنا وسفيان الثوري ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وفي المطلق) ش: أي في المدبر المطلق م: (خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد ذكرناه في العتاق) ش: وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد وإسحاق - رحمهما الله - يجوز بيع المدبر، لما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باع المدبر» . وجوابه ما رواه محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل عن أبي جعفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما باع خدمة المدبر ولم يبع رقبته أو بقوله المراد منه المدبر المقيد. م: (قال: وإن ماتت أم الولد أو المدبر في يد المشتري فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: صورة المسالة في " الجامع الصغير " محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيمن باع أم ولده أو مدبره له فماتت في يد المشتري قال: لا ضمان عليه. م: (وقالا) ش: أي أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (عليه) ش: أي على المشتري م: (قيمتهما، وهو رواية عنه) ش: أي قولهما رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا هو المعلوم من ظاهر كلام المصنف، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا ليس على ظاهره، بل الروايتان عنه في حق المدبر، روى المعلى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يتضمن قيمة المدبر بالبيع كما يضمن بالغصب، وأما في حق أم الولد فانتفت الروايات عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يضمن بالبيع والغصب لأنه لا يقوم لماليتها. قلت: هذا من كلام السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - نقله الأكمل، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال بعضهم في شرحه: فالروايتان عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في حق المدبر إلى آخر ما ذكره الأكمل وأراد الأترازي بقوله قال بعضهم السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي أن كل واحد من المدبر وأم الولد م: (مقبوض بجهة البيع) ش: لأنهما يدخلان تحت العقد وما هو كذلك م: (فيكون مضمونا عليه) ش: بالقيمة م: (كسائر الأموال) ش: المقبوضة على سوم الشراء م: (وهذا) ش: إشارة إلى كونهما مقبوضين بجهة البيع م: (لأن المدبر وأم الولد يدخلان تحت البيع) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 144 حتى يملك ما يضم إليهما في البيع، بخلاف المكاتب لأنه في يد نفسه فلا يتحقق في حقه القبض، وهذا الضمان به وله أن جهة البيع إنما تلحق بحقيقته في محل يقبل الحقيقة وهما لا يقبلان حقيقة البيع، فصارا كالمكاتب، وليس دخولهما في البيع في حق أنفسهما. وإنما ذلك ليثبت حكم البيع فيما ضم إليهما، فصار كمال المشتري لا يدخل في حكم عقده بانفراده، وإنما يثبت حكم الدخول فيما ضمه إليه، كذا هذا.   [البناية] ش: وأوضح ذلك بقوله م: (حتى يملك ما يضم إليهما في البيع) ش: بأن جمع بين قن وبين أحدهما وسمى الثمن صح البيع في القن بحصته من الثمن م: (بخلاف المكاتب) ش: جواب عما يقال: لو كان الدخول تحت البيع وتملك ما يضم إليه موجبان للضمان لكان في المكاتب كذلك وتقرير الجواب أن المكاتب يخالفه م: (لأنه في يد نفسه فلا يتحقق في حقه القبض وهذا الضمان به) ش: أي بالقبض وبحقيقته أن المدار هو القبض لا الدخول في العقد وتملك المضموم. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن جهة البيع إنما تلحق بحقيقته) ش: أي بحقيقة البيع م: (في محل يقبل الحقيقة) ش: أي حقيقة حكم البيع وهو الملك م: (وهما) ش: أي أم الولد والمدبر م: (لا يقبلان حقيقة البيع فصار كالمكاتب) ش: في كونه غير قابل للحقيقة أي حقيقة البيع وهو الملك م: (وليس دخولهما في البيع) ش: هذا جواب عن قولهما يدخلان تحت البيع، وتقريره أنه ليس دخول أم الولد والمدبر في البيع م: (في حق أنفسهما) ش: لذاتهما بل ليفيد حكم البيع في المضموم إليهما وهو معنى قوله. م: (وإنما ذلك) ش: أي دخولهما في البيع م: (ليثبت حكم البيع فيما ضم إليهما، فصار كمال المشتري لا يدخل في حكم عقده بانفراده) ش: يعني لو اشترى مال نفسه لا يجوز م: (وإنما يثبت حكم الدخول فيما ضمه إليه) ش: أي فيما ضمه المشتري إلى عقده بأن باع عبده مع عبد البائع فاشتراهما المشتري دخل في البيع ليفيد الحكم في مال البائع حتى انقسم الثمن عليهما فصح البيع في مال البائع بحصته من الثمن. م: (كذا هذا) ش: أي كذلك الحكم فيما نحن فيه يعني يثبت حكم الدخول في البيع في حق المضمون إليه وهو القن لا في حكم أم الولد والمدبر، ثم اعلم أن قيمة المدبر ماذا؟ فيه اختلاف المشايخ. قال في " الفتاوى الصغرى ": قال بعضهم: تمام قيمة القن وهذا غير سديد فإنه ذكر في المسألة يضمن ما نقصه التدبير، وذكر الإمام علي السعدي في "فوائده" قيمته ثلثا قيمة القن وذكره خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قال بعضهم: نصف قيمة القن وهكذا في فتاوى أبي الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه يفتى، وبعضهم قالوا: قيمته قيمة الخدمة ينظر بكم يستخدم هو مدة عمره من حيث الحرز والقن، وما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 145 قال: ولا يجوز بيع السمك قبل أن يصطاد؛ لأنه باع ما لا يملكه، ولا في حظيرة إذا كان لا يؤخذ إلا بصيد؛ لأنه غير مقدور التسليم، ومعناه إذا أخذه ثم ألقاه فيها ولو كان يؤخذ من غير حيلة جاز إلا إذا اجتمعت فيها بأنفسها ولم يسد عليها المدخل لعدم الملك   [البناية] قال خواهر زاده: هو الأصح، وعليه الفتوى إلى هاهنا كلام " الفتاوى الصغري ". [بيع السمك قبل أن يصطاد] م: (قال) ش: أي القدوري، - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا يجوز بيع السمك قبل أن يصطاد؛ لأنه باع ما لا يملكه) ش: ولا خلاف فيه بين الأئمة الأربعة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (ولا في حظيرة) ش: أي ولا يجوز بيعه أيضا في حظيرة كالحوض والبركة م: (إذا كان لا يؤخذ إلا بصيد؛ لأنه غير مقدور التسليم) ش: وفي " الجامع الصغير " محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيمن باع سمكة في حظيرة ولا يستطيع أن يخرجهن منها، غير أنهن لا يؤخذون بغير صيد فالبيع فاسد، وإن كن يؤخذن بغير صيد فالبيع جائز، والمشتري بالخيار إذا رآهن. قال فخر الإسلام: معنى المسألة إذا كان البائع أخذها ثم ألقاها في حظيرة ماء فكانت ملكا له، يعني معنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز بيع السمك إذا كان يؤخذ من غير صيد صح البيع لأنه باع ما يملكه وإليه أشار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله م: (ومعناه إذا أخذه) ش: أي السمك م: (ثم ألقاه فيها) ش: أي في الحظيرة. م: (ولو كان يؤخذ من غير حيلة جاز) ش: وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير " ذكر محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "المسائل الرقبانيات": لو أن رجلا اتخذ حظيرة في أرضه فدخل أينما اجتمع فيه السمك فقد ملك السمك وليس لأحد أن يأخذه، ولو اتخذ لحاجة أخرى، فمن اتخذ السمك فهو له. قال: وكذلك الرجل حفر في أرضه حفيرة فوقع صيد فتكسر فإن اتخذ ذلك الموضع للصيد فهو له، وقد ملكه ذلك للصيد إلا فهو لمن أخذه م: (إلا إذا اجتمعت) ش: استثناء من قوله جاز يعني لا يجوز بيع السمك إذا اجتمعت م: (فيها) ش: أي في الحظيرة م: (بأنفسها) ش: من غير اصطياد لها، فإذا اجتمعت فيها باحتيال يجوز بيعها إذا كانت تؤخذ بغير صيد م: (ولم يسد عليها المدخل) ش: أي موضع دخول الماء، وقيد به لأنه لو سد موضع الدخول حتى صار بحيث لا يقدر على الخروج فقد صار أخذا له بمنزلة ما لو وقع في شبكة فيجوز بيعه، وإن لم يفعل ذلك لم يجز بيعه م: (لعدم الملك) ش: وصحة البيع بناء على صحة الملك. وقال الأكمل: هذا الاستثناء منقطع لكونه مستثنى من المأخوذ الملقى في الحظيرة، والمجتمع فيه بنفسه ليس بداخل فيه، وفيه إشارة إلى أنه لو سد صاحب الحظيرة عليها ملكها أما بمجرد الاجتماع في ملكه فلا، كما لو باض الطير في أرض إنسان أو خرجت فإنه لا يملك لعدم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 146 قال: ولا بيع الطير في الهواء لأنه غير مملوك قبل الأخذ، وكذا لو أرسله من يده لأنه غير مقدور التسليم. ولا بيع الحمل ولا النتاج لنهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الحبل وحبل الحبلة.   [البناية] الإحراز، ولا يشكل بما إذا عسل النحل في أرضه فإنه يملك بمجرد اتصاله بملكه من غير أن يحترزه أو يهيئ له موضعا، لأن العسل إذ ذاك قائم بأرضه على وجه القرار فصار كالشجر الثابت فيها بخلاف بيض الطير وفرخها، والسمك المجتمع بنفسه فإنها ليست على وجه القرار. وفي " الحلية " وحكي عن عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - جواز بيع السمك في بركة عظيمة وإن احتيج إلى مؤنة كثيرة، وحكى أبو العباس هذا قولا للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا بيع الطير في الهواء) ش: وفي بعض النسخ ولا يجوز بيع الطير في الهواء م: (لأنه غير مملوك قبل الأخذ، وكذا لو أرسله من يده) ش: أي ولو كان الطير لأحد وأرسله من يده أو انتقلت منه فلا يجوز أيضا وعلل الصورة بقوله: م: (لأنه غير مقدور التسليم) ش: والحاصل أن بيع الطير على ثلاثة أوجه: الأول بيعه في الهواء قبل أن يصطاده، والثاني: بيعه بعد أخذه وأرسله من يده، والثالث: بيع طير يذهب ويجيء كالحمام فالكل لا يجوز. وذكر في " فتاوى قاضي خان ": وإن باع طيرا لدى الهواء إن كان ذا جناح يعود إلى بيته ويقدر على أخذه من غير تكلف جاز بيعه وإلا فلا، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكان صاحب الهداية اختار هذا حيث قال قريبا من ورقة، والحمام إذا علم عددها وأمكن تسليمه جاز بيعها لأنه مقدور التسليم. م: (ولا بيع الحمل) ش: أي الجنين م: (ولا النتاج) ش: أي ولا بيع النتاج وهو حبل الحبل م: «لنهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الحبل وحبل الحبلة» ش: هذا غريب بهذه اللفظة وفيه أحاديث: روى عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مصنفه": أخبرنا محمود بن عيينة عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه نهى عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة» قال: والمضامين ما في أصلاب الإبل، والملاقيح ما في بطونها وحبل الحبلة ولد ولد هذه الناقة. وروى الطبراني في معجمه من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع المضامين والملاقيح وحبل الحبلة،» ورواه البزار - رَحِمَهُ اللَّهُ - مرفوعا نحوه عن أبي هريرة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأخرجت الستة من حديث نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 147 لأن فيه غررا. قال: ولا اللبن في الضرع للغرر فعساه انتفاخ، ولأنه ينازع في كيفية الحلب وربما يزداد، فيختلط المبيع بغيره. قال: ولا الصوف على ظهر الغنم لأنه من أوصاف الحيوان، ولأنه ينبت من أسفل فيختلط المبيع بغيره، بخلاف القوائم   [البناية] النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع حبل الحبلة» والحبل بفتح الباء الموحدة يطلق ويراد به المصدر ويراد به الاسم، كما يقال له الحمل أيضا، وأما دخول تاء التأنيث في الحبلة فقال أبو عبيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - "في غريب الحديث " إنما دخلت عليه للإشعار بالأنوثة فيه، وقيل: إن الهاء فيه للمبالغة كما في صخرة. وقال شيخنا في شرح الترمذي: ويحتمل أن يكون جمع حابلة، فقد حكى صاحب المحكم امرأة حابلة من نسوة حبلة، وروى بعض الفقهاء حبلة بكسر الباء ولم يثبت، م: (ولأن فيه غررا) ش: أي ولأن في بيع الحمل والنتاج غررا أي خطرا الذي لا يدري ليكون أم لا م: (قال: ولا اللبن) ش: يجوز بالرفع والجر على حذف المضاف وإثباته تقديرا، أي لا يجوز بيع اللبن م: في الضرع) ش: وبه قال: الشافعي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال مالك: يجوز أياما معلومة إذا عرف قدر حلابها، ويكون التسليم بالتخلية كالثمار على رؤوس الشجر. وقال الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز في الزمان المعروف لإمكان تسليمه، وعلل المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عدم جوازه بوجوه ثلاثة: الأول: قوله: م: (للغرر) ش: وقد نهي عن الغرر م: (فعساه انتفاخ) ش: أي فعل الضرع منتفخ فيظن لبنا وهو الغرور. والثاني: وهو قوله: م: (لأنه) ش: أي ولأن المشتري م: (ينازع) ش: على صيغة المجهول م: (في كيفية الحلب) ش: فإن المشتري يستقضي في الحلب والبائع ينازعه ويطالبه بأن يترك أوعية اللبن. والثالث: وهو قوله: م: (وربما يزداد) ش: اللبن ساعة فساعة م: (فيختلط المبيع بغيره) ش: على وجه يتعذر تميزه ويبطل البيع، م: (قال: ولا الصوف) ش: أي ولا يجوز بيع الصوف حال كونه م: (على ظهر الغنم) ش: وبه قال الشافعي وأحمد وقال مالك والليث بن سعد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يجوز بشرط الجر لإمكان تسليمه م: (لأنه من أوصاف الحيوان) ش: جعل الصوف وصفا لأنه تبع للحيوان، فلما كان تبعا لم يجز جعله مقصودا بإيراد العقد عليه. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الصوف م: (ينبت من أسفل) ش: بالضم على البناء لأنه أحد الجهات الست م: (فيختلط المبيع بغيره) ش: لأنه يزداد ساعة فساعة م: (بخلاف القوائم) ش: هذا جواب عما يقال القوائم متصلة بالشجر وجاز بيعها، فأجاب بقوله: بخلاف القوائم أي القوائم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 148 لأنها تزيد من أعلى، وبخلاف القصيل لأنه يمكن قلعه، والقطع في الصوف متعين فيقع التنازع في موضع القطع، وقد صح أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن بيع الصوف على ظهر الغنم، وعن لبن في ضرع، وسمن في لبن،   [البناية] الخلاف، م: (لأنها تزيد من أعلى) ش: فلا يلزم الاختلاط حتى لو ربطت خيطا في أعلاها وتركت أياما يبقى الخيط أسفل مما في رأسها الآن، وإلا على ملك المشتري. وما وقع من الزيادة وقع على ملكه، وكان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل يقول: الصحيح عندي أن بيع قوائم الخلاف لا يجوز، وإن كان ينمو من أعلاه لموضع القطع مجهول. م: (وبخلاف القصيل) ش: هذا أيضا جواب عما يقال القصيل، كالصوف وجاز بيعه، فأجاب بخلاف القصيل فإن بيعه يجوز، م: (لأنه يمكن قلعه) ش: يعني إن أمكن وقوع التنازع فيه من حيث القطع لا يمكن وقوعه من حيث القلع فيقلع، وفي " الفتاوى الصغرى " وبيع الكراث يجوز وإن كان ينمو من أسفله للتعامل م: (والقطع في الصوف متعين) ش: يريد بهذا بيان الفرق بين بيع الصوف على ظهر الشاة وبين بيع القصيل، يعني أن بيع القصيل يجوز لأن القلع فيه معتاد كالقطع فلا يقع التنازع في موضع القطع لا محالة، والقطع من الصوف متعين معتاد بين الناس والقلع فيه وهو نتفه ليس بمعهود بين الناس م: (فيقع التنازع في موضع القطع) ش:. فلا يجوز بجهالة موضع القطع م: (وقد صح أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نهى عن بيع الصوف على ظهر الغنم وعن لبن في ضرع وسمن في لبن» ش: روي هذا الحديث موقوفا ومرفوعا ومسندا ومرسلا فالمرفوع المسند رواه الطبراني في معجمه حدثنا عثمان بن عمر الضبي حدثنا حفص بن عمر الحوضي حدثنا عمر بن فروخ حدثنا حبيب بن الزبير عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قد نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يباع ثمرة حتى تطعم ولا يباع صوف على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 149 وهو حجة على أبي يوسف في هذا الصوف، حيث جوز بيعه، فيما يروى عنه. قال: وجذع في السقف، وذراع من ثوب، ذكر القطع أو لم يذكره؛ لأنه لا يمكن تسليمه إلا بضرر، بخلاف ما إذا باع عشرة دراهم من نقرة فضة؛ لأنه لا ضرر في تبعيضه،   [البناية] ظهر ولا لبن في ضرع» . وأخرجه الدارقطني ثم البيهقي في سننيهما عن عمر بن فروخ وقال الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وأرسله وكيع عن عمر بن فروخ ثم أخرجه عن وكيع عن عمر بن فروخ مرسلا لم يذكر ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال البيهقي: تفرد به معه عمر بن فروخ وليس بالقوي. فقلت: نقل الذهبي توهين عمر بن فروخ عن أبي داود وابن معين وأبي حاتم، وأما المرسل فرواه أبو داود في مراسيله عن محمد بن العلاء عن ابن المبارك عن عمر بن فروخ عن عكرمة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يذكر ابن عباس - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا حبيب بن الزبير. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده عن عكرمة عن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه نهى أن يباع لبن في ضرع أو سمن في لبن» م: (وهو حجة) ش: أي الحديث المذكور حجة م: (على أبي يوسف في هذا الصوف) ش: أي في الصوف على ظهر الغنم، وإنما قيد بقوله في هذا الصوف احترازا عن الصوف المجذوذ فإنه يجوز بيعه على جميع الروايات م: (حيث جوز بيعه فيما يروى عنه) ش: أي حيث جوز أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيع الصوف على ظهر الغنم فيما يروى عنه من ذلك، ووجهه أنه باع مالا منتفعا به مقدور التسليم في الحال، وذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الصلح لو صالح على صوف على ظهر الغنم جاز لأنه مستباح الأخذ منه قبل الذبح فجاز بيعه والصلح فيه كالقصل في الأرض. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وجذع في السقف، وذراع من ثوب) ش: يجوز الرفع والجر في إعراب الجذع والذراع على ما تقدم أي لا يجوز بيع جذع حال كونه في سقف ولا بيع ذراع من ثوب والمراد به ثوب يضره القطع كالعمامة والقميص والسراويل أما في الثوب الذي لا يضره القطع يجوز بيع ذراع منه كالكرباس، ويجوز بيع قفيز من صبرة كذا ذكره الإمام المحبوبي، وفي " الإيضاح " وكذا لو باع حلية من سيف لأنه لا يتخلص إلا بضرر أو نصف ذراع لم يدرك لأنه لا يمكن تسليمه إلا بقطع جميعه. وكذا لو باع نصيبه من ثوب مشترك من غير شريكه وكذا لو باع ذراعا من خشبة م: (ذكر القطع أو لم يذكره) ش: يعني سواء ذكر موضع القطع من الثوب أو لم يذكره م: (لأنه لا يمكن تسليمه إلا بضرر) ش: لا يقال إنه رضي بهذا الضرر حيث التزم ذلك لأن التزامه بدون العقد غير معتبر والعقد لم يوجه عليه م: (بخلاف ما إذا باع عشرة دراهم من نقرة فضة لأنه لا ضرر في تبعيضه) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 150 ولو لم يكن معينا لا يحوز لما ذكرنا، وللجهالة، أيضا ولو قطع البائع الذراع أو قلع الجذع قبل أن يفسخ المشتري، يعود صحيحا؛ لزوال المفسد، بخلاف ما إذا باع النوى في التمر أو البذر في البطيخ حيث لا يكون صحيحا، وإن شقهما وأخرج المبيع؛ لأن في وجودهما احتمالا، أما الجذع فعين موجود. قال: وضربة القانص، وهو ما يخرج من الصيد بضرب الشبكة مرة لأنه مجهول ولأن فيه غررا.   [البناية] ش: أي الجذع أو الذراع م: (ولو لم يكن معينا لا يجوز لما ذكرنا) ش: وهو أنه لا يمكن تسليمه إلا بضرر. م: (وللجهالة أيضا) ش: أي ولجهالة المبيع أيضا، ولا خلاف لأحد أن جهالة المبيع يمنع الجواز م: (ولو قطع البائع الذراع أو قلع الجذع قبل أن يفسخ المشتري) ش: البيع م: (يعود) ش: البيع م: (صحيحا لزوال المفسد) ش: فزال المانع م: (بخلاف ما إذا باع النوى في التمر أو البذر) ش: أي أو باع البذر لأن في وجودهما احتمالا، أي في وجوده م: (في البطيخ حيث لا يكون صحيحا، وإن شقهما) ش: أي التمر والبطيخ م: (وأخرج المبيع) ش: وهو النوى أو البذر م: (لأن في وجودهما احتمالا) ش: أي في وجود النوى في التمر والبذر في البطيخ، احتمالا يعني يجوز أن يكون في زمان البيع. م: (أما الجذع فعين موجود) ش: ومحسوس ولا احتمال فيه، وفيه إشارة إلى تمام الفرق بين البذر والنوى والجذع المعين في السقف، فإن الجذع معين موجود، والبذر والنوى ليس كذلك والبذر بكسر الباء وفتحها بذر البقل وغيره. فإن قيل: إذا باع جلد الشاة المعينة قبل الذبح لا يجوز، ولو ذبح الشاة وسلخ جلدها وسلمه لا ينقلب المبيع جائزا، وإن كان الجلد عينا موجودة كالجذع في السقف، وكذا بيع كرشها وأكارعها. أجيب: بأن البيع وإن كان موجودا فيه لكنه متصل بغير انفصال خلقة فكان متابعا فكان العجز عن التسليم هناك معنى أصليا لأنه اعتبر عاجزا حكما لما فيه من إفساد شيء غير مستحق بالعقد، وأما العجز فإنه عين مال نفسه، وإنما ثبت الاتصال بينه وبين غيره بعارض فعل العباد والعجز عن التسليم حكمي لما فيه من إفساد لما هو غير مستحق بالعقد، فإذا أقلع والتزم الضرر زال المانع فيجوز. [بيع ما يخرج من ضربة القانص] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وضربة القانص) ش: أي لا يجوز بيع ما يخرج من ضربة القانص أي الصياد بالشبكة، ولا خلاف فيه لأحد، وفسر المصنف ضربة القانص بقوله: م: (وهو ما يخرج من الصيد بضرب الشبكة مرة لأنه مجهول ولأن فيه غررا) ش: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 151 قال: وبيع المزابنة وهو بيع التمر على النخيل بتمر مجذوذ مثل كيله خرصا؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن المزابنة والمحاقلة.   [البناية] لأنه يحتمل أن يحصل بشيء من الضربة ويحتمل أن لا يحصل، والقانص اسم فاعل من قنص يقنص قنصا إذا صاد من ضرب يضرب، وروي في " تهذيب الأزهري " أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ضربة الغاصي» بالغين المعجمة، والياء آخر الحروف وهو الغواص على اللآلي، وكذلك ذكر الزمخشري في الفائق، وفسر بقوله هي أن يقول للتاجر أغوص غوصة فما أخرجته فهو لك بكذا، وهذا هو الصحيح والمعنى فهما والحد وهو أنه بيع المجهول ولأنه معدوم في الحال. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وبيع المزابنة) ش: وهو عطف على ما ذكر قبل هذا بقوله ولا يجوز بيع السمك قبل أن يصاد، وكذا قاله الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه تعسف تقدير ولا يجوز بيع المزابنة عطفا على ما قبله ويجوز فيه الرفع والجر أيضا كما تقدم. قال الأترازي: بيع الثمر بالثاء المثلثة بثمر مجذوذ بالثاء المثلثة من فوق، كذا وقع سماعنا مرارا بفرغانة وبخارى، وذلك لأن ما على النخل قد يكون رطبا وقد يكون تمرا إذا جف، فقلنا بالمثلثة حتى يعينها جميعا، والثالث من حال المجذوذ أن يكون تمرا فقلنا بالمثناة من فوق ولو رويا بالمثلثة فيهما حتى يعينها جميعا أو بالمثناة فيها جميعا، فالحكم كذلك لأن بيع المزابنة لا يجوز كيف ما كان لشبهة الربا سواء كان الرطب بالرطب أو التمر بالتمر أو أحدهما بالآخر. وفسر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - المزابنة بقوله: م: (وهو بيع التمر على النخيل بتمر مجذوذ) ش: أي مقطوع م: (مثل كيله خرصا) ش: أي من حيث الخرص وهو نصب على التمييز من مثل كيله، يقال: خرص النخل خروصا فيها من باب نصر ينصر كذا في " المغرب "، وفسر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - المزابنة بقوله وهو بيع التمر على النخل بخرصه تمرا، والمزابنة لغة المدافعة من الزبن وهو الدفع، وسمي هذا النوع من البيع بها لأنها تؤدي إلى النزاع والتدافع لأنها مبنية على التخمين والغبن فيها مما يكثر، فيريد المغبون دفعه والغابن إمضاءه فيتدافعان م: (لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «نهى عن المزابنة والمحاقلة» ش:، روي هذا عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وروى البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد الله قال «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المزابنة والمحاقلة، زاد في مسلم في لفظ: وعن التثنية إلا أن يعلم» وأخرجا أيضا من حديث أبي سعيد الخدري - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المزابنة والمحاقلة» والمزابنة شراء التمر في رؤوس النخل والمحاقلة اكتراء الأرض. وأخرج البخاري من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 152 فالمزابنة ما ذكرنا، والمحاقلة بيع الحنطة في سنبلها بحنطة مثل كيلها خرصا، ولأنه باع مكيلا بمكيل من جنسه، فلا يجوز بطريق الخرص، كما إذا كانا موضوعين على الأرض، وكذا العنب بالزبيب على هذا. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يجوز فيما دون خمسة أوسق لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن المزابنة ورخص في العرايا، وهو أن يباع بخرصها تمرا فيما دون خمسة أوسق.   [البناية] المحاقلة والمزابنة» وأخرج أيضا من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المحاقلة والمخابرة والملامسة والمنابذة والمزابنة» . وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نهى عن المزابنة والمحاقلة» وأخرجه الترمذي أيضا عن أبي هريرة نحوه. ثم قال: وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وسعد وجابر ورافع بن خديج وأبي سعيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قلت: حديث ابن عمر عند الشيخين، والثاني وحديث زيد عند الترمذي، وحديث أبي سعيد عند الدارمي والنسائي، وحديث رافع بن خديج عند الستة م: (فالمزابنة ما ذكرنا، والمحاقلة بيع الحنطة في سنبلها بحنطة مثل كيلها خرصا) ش: وبه قال الشافعي، وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وقال مالك: المحاقلة هي اكتراء الأرض ببعض ما يخرج منها من الثلث أو الربع أو غيرهما. وفي " الفائق ": الجعل القراح من الأرض وهي الطيبة التربة الخالصة من شائب النسج الصالحة للزرع ومنه حقل بحقل إذا زرع، والمحاقلة مفاعلة من ذلك وهي المزارعة بالثلث والربع وغيرهما، وقيل: هي اكتراء الأرض بالبر، وقيل: بيع الطعام في سنبله بالبر. وقيل: بيع الزرع قبل إدراكه إلى هاهنا لفظ " الفائق "، وجاء في أمثالهم ينبت البقلة إلا الحقلة. م: (ولأنه باع مكيلا بمكيل من جنسه فلا يجوز بطريق الخرص) ش: لاحتمال الربا م: (كما إذا كانا موضوعين على الأرض) ش: وباع أحدهما بالآخر خرصا م: (وكذا العنب بالزبيب) ش: أي وكذا لا يجوز بيع العنب بالزبيب م: (على هذا) ش: أي على الحكم المذكور وهو ما إذا كانا موضوعين على الأرض فبيع أحدهما بالآخر خرصا لاحتمال الربا م: (وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يجوز) ش: أي شراء التمر بتمر مجذوذ على الأرض خرصا م: (فيما دون خمسة أوسق) ش: ولا يجوز فيما زاد عليها قولا واحدا، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي قدر خمسة أوسق، له قولان في قول يجوز وهو منقول المزني عن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفي قول: لا يجوز وهو مختار المزني وهو مذهب أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والأول هو الأظهر عند صاحب " الوجيز ". م: (لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (نهى عن المزابنة ورخص في العرايا وهو أن يباع بخرصها تمرا فيما دون خمسة أوسق) ش: حديث المزابنة قد تقدم وحديث العرايا أخرجه البخاري ومسلم عن داود بن الحصين عن أبي سفيان عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 153 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق، شك داود فقال: دون خمسة أوسق» والعرايا جمع عرية وهي النخلة التي عريها الرجل محتاجا أي أن يجعل له ثمرتها فرخص للمعري أن يبتاع ثمرتها من العري بتمر لموضع حاجته بسبب عرية؛ لأنه إذا وهب ثمرتها فكأنه جردها من الثمرة وعراها منه، ثم اشتق منه الإعراء كذا قاله في " الفائق "، والكلام في العرايا كثير، وقد وضع الطحاوي لها بابا، فقال: باب العرايا، وقد بسطت الكلام فيه في شرحنا له. فأول ما قلت: العرية فعلية، بمعنى مفعولة من عراه يعروه إذا قصده ويحتمل أن يكون فعلية، بمعنى فاعلة من عري يعري إذا خلع ثوبه كأنها عريت من جملة التحريم، فعريت أي خرجت، وذكر الطحاوي بطرق مختلفة كلها تدل على صحة العرايا، حتى قال الطحاوي: قد جاءت هذه الآثار عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتواترت في الرخصة في بيع العرايا، فقبلها أهل العلم جميعا ولم يختلفوا في صحة مجيئها ولكن تنازعوا في تأويلها، فقال قوم: العرايا أن يكون الرجل له نخلة أو نخلتان في وسط النخيل الكثير لرجل آخر وقد كان أهل المدينة إذا كان وقت الثمار خرجوا بأهليهم إلى حوائطهم فيجيء صاحب النخلة أو النخلتين بأهله فيضر ذلك بصاحب النخيل الكثير، فرخص رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لصاحب النخل الكثير أن يعطي لصاحب النخلة أو النخلتين بخرص ماله من ذلك تمر لينصرف هو وأهله عنه ويخلص تمر الحائط كله لصاحب النخل الكثير، فيكون هو وأهله فيه. وقد روي هذا القول عن مالك بن أنس. قلت: وروي أيضا عن الأوزاعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وسعيد بن جبير - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال قوم مثل هذا، إلا أنهم خصوا بذلك المساكين يجعل لهم تمر النخل فيصعب عليهم القيام عليها، فأبيح لهم أن يبيعوه بما شاءوا من التمر، وهذا قول سفيان بن حسين وسفيان بن عيينة، وأحمد بن حنبل - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وقال قوم: العرية الرجل يعري النخلة أو يستثني من ماله النخلة أو النخلتين بأكلها، فيبيعها بمثل خرصها، وهو قول عبد العزيز بن سعيد الأنصاري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال قوم: العرية أن يأتي أوان الرطب، وهنالك قوم فقراء لا مال لهم، ويريدون ابتياع رطب يأكلونه مع الناس ولهم فضول تمر من أموالهم، فإنه لهم أن يشتروا الرطب بخرصها فيما دون خمسة أوسق، وهو قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأبي ثور، ولا عرية عندهما في غير النخلة والعنب، وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول فيما سمعت أحمد بن عمران يذكر أنه سمع ابن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 154 قلنا: العرية: العطية لغة، وتأويله أن يبيع المعرى له ما على النخيل من المعري بتمر مجذوذ، وهو بيع مجازا لأنه لم يملكه فيكون برءا مبتدأ   [البناية] قال: يعني ذلك عندنا أن يعري الرجل الرجل تمر نخلة من نخله فلم يسلم ذلك إليه حتى يبدو له، فرخص له أن يحبس ذلك. ويعطيه مكانه بخرصه تمرا وكان هذا التأويل أشبه وأولى مما قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن العرية إنما هي العطية، ألا ترى إلى الذي مدح الأنصار كيف مدحهم، إذ يقول: ليست بسنها ولا رجبية ... لكن عرايا في السنين الجوائح أي: إنهم كانوا يعرونها في السنين الجوائح، فلو كانت العرية كما ذهب إليه مالك إذا لما كانوا ممدوحين بها إذا كانوا يصلحون كما يعطون، ولكن العرية بخلاف ذلك. قلت: هذا الشعر لسويد بن الصامت من شعر الأنصار. يقال: نخلة سنها، وهي التي تحمل سنة وتحول سنة فلا تحمل وذلك عيب في النخل، والرجبية بضم الراء وفتح الجيم وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف، وهي النخلة التي ترجب أي يبنى حولها جدار لتعتمد عليه، والجوائح جمع جائحة وهي الشدة التي تجتاح المال من سنة أو فتنة، وجاح الله ماله وأجاحه ماله واجتاحه على واحد، أي أملكه بالجائحة. قوله: أن تباع بخرصها تمرا منصوب على التمييز من بخرصها فإن قوله: أن تباع مسندا إلى ضمير يرجع إلى التمر الذي على رأس النخل، لأن الكلام فيه وأنت ضميره البارز في تخرصها على أنه جمع الثمرة، وفي مثله يجوز التذكير والتأنيث فكان تقديره، وهو أن يبيع العرايا، أن يباع التمر الذي على رأس النخل لخرصها تمرا مجذوذا بمثله خرصا، قوله: أوسق جمع وسق بفتح الواو وهو ستون صاعا وهو ثلاثمائة وعشرون رطلا عند أهل الحجاز وأربعمائة وثمانون رطلا عند أهل العراق على اختلافهم في مقدار الصاع والمد م: (قلنا: العرية: العطية لغة) ش: يعني العرية التي فيها الرخصة معناها في اللغة العطية دون البيع. م: (وتأويله) ش: أي تأويل قوله: ورخص في العرايا م: (أن يبيع المعرى له) ش: أي الغرض م: (ما على النخيل من المعري) ش: بكسر الراء م: (بتمر مجذوذ) ش: أي مقطوع م: (وهو بيع مجازا) ش: نظرا إلى الصورة، حيث أعطي في مقابله شيء تحرزا عن الخلف فألقت أن ذلك كان على خمسة أوسق، فظن الراوي أن اختصار الرخصة على ذلك المقدار م: (لأنه لم يملكه) ش: أي لأن المعري لم يملك التمر الذي على رؤوس النخل لأنه لم يقبضه فكيف يكون بيعا م: (فيكون برءا مبتدأ) ش: أي يكون أعطى العري بكسر الراء التمر المجذوذ برا ابتداء لا بيعا له، قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لأنه أعطى شجرة، وقال: كل من ثمارها ثم أعط مثل ما كان على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 155 قال: ولا يجوز البيع بإلقاء الحجر والمنابذة والملامسة، وهذه بيوع   [البناية] النخل يستقطع دخوله في البستان، وصار كما إذا اشترى المولى من عبده شيئا فأعطاه الثمن فيكون برا ابتداء بالإشراء. فإن قلت: صرح. قلت: في حديث زيد بن ثابت الذي أخرجه الترمذي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع التمر بالتمر ورخص في العرايا» فدل سياق الحديث أن المراد من العرايا بيع تمر بتمر أجيب: بأن القران في النظم لا يدل على القران في الحكم، وقد يقرن الشيء بالشيء وحكمهما مختلف. فإن قلت: جاء في حديث جابر أخرجه الطحاوي عن المزني عن الشافعي عن سفيان عن ابن جريج عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المزابنة، إلا أنه رخص في العرايا» وأخرجه مسلم بأكثر منه، والاستثناء من البيع يدل على أن العرية هي البيع حملا للاستثناء على الحقيقة لأنه الأصل فيه. أجيب: بأنه على ذلك التقدير ينافي قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «التمر بالتمر مثلا بمثل» والمشهور قاض عليه. فإن قلت: في حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «رخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق» وهذا دليل على أنه بيع لأنه ينفي حكم ما فوق الخمسة، ولو لم يكن المراد البيع لم ينتف حكم الرخصة فيما فوقها. أجيب: بأنه لا نسلم أنه ينفي ذلك لأن تخصيص الشيء بالشيء، لا يدل على نفي ما عداه، وفائدة التخصيص في الخمسة لما أنهم كانوا يعرون في هذا القدر، ولم يدل على نفي ما وراء ذلك، وقد ذكرنا عن قريب أن الراوي ظن اختصار الرخصة على ذلك. وقال الأترازي: فإن قلت: إن كان الأمر على ما ذهب إليه أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - من تفسير العرايا فما فائدة الرخصة فيها حينئذ. قلت: فائدته ما روينا من " مختصر الطحاوي " وهو حصول الطيب للمعري، والمعرى وخروج المعرى من حكم الخلاف في الوعد، وخروج العري من حكم من أخذ عوضا من شيء لم يملكه. [البيع بإلقاء الحجر والمنابذة والملامسة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا يجوز البيع بإلقاء الحجر والمنابذة والملامسة) ش: وفي بعض النسخ، ذكر قوله: والمنابذة بعد قوله والملامسة. قلت: هذا هو الأصح، لأنه قال بعد ذلك م: (وهذه بيوع) ش: أشار بها إلى البيع بإلقاء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 156 كانت في الجاهلية وهو أن يتراوض الرجلان على سلعة -أي يتساومان - فإذا لمسها المشتري أو نبذها إليه البائع، أو وضع المشتري عليها حصاة لزم البيع،   [البناية] الحجر والملامسة والمنابذة، وكذا في نسخة شيخنا العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كانت في الجاهلية، وهو أن يتراوض الرجلان) ش: وفي " المغرب " المراوضة المداراة والمخاتلة كفعل الرائض مع الريض، ومنها بيع المراوضة بيع المعاوضة عن الأزهري لأنه لا يخلق عن مداراة ومخاتلة وفي الإجارات، البائع والمشتري إذا تراوضا السلعة، أي تدار ما فيها وترك حرف الجر فيه نظر م: (على سلعة) ش: متعلق بقوله: يتراوض. وفسر قوله: يتراوض الرجلان بقوله م: (أي يتساومان) ش: من التساوم ومن السوم، يقال: سام البائع السلعة، أي عرضها وذكر ثمنها وسامها المشتري، بمعنى استامها، ومنه: لا يسوم الرجل على سوم أخيه، أي لا يشتري، كذا في المغرب م: (فإذا لمسها) ش: أي السلعة م: (المشتري أو نبذها) ش: أي ألقاها م: (إليه) ش: أي إلى المشتري م: (البائع، أو وضع المشتري عليها) ش: أي على السلعة م: (حصاة لزم البيع) ش: وفي " شرح الوجيز ": للملامسة ثلاث تأويلات: أحدها: أنه يأتي بثوب مطوي، أو في ظلمة فيلمسه المستام، فيقول صاحبه بعتك هذا بكذا بشرط أن يقوم المسك هذا مقام نظرت، ولا خيار لك إذا رأيته، فهو تأويل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره"، وهذا البيع باطل. والثاني: أن يجعلا نفس اللمس بيعا بأن يقول البائع للمشتري: إذا لمست ثوبي فهو مبيع، وهذا باطل لما فيه من التعليق. والثالث: أن يبيعه شيئا على أنه متى يلمسه فقد وجب البيع وسقط خيار المجلس وهو فاسد أيضا. وللمنابذة ثلاث تأويلات أيضا: أحدها: أن يجعل نفس نبذ الثوب بأن يقول: انبذ ثوبي إليك وتنبذ ثوبك إلي، على أن كل واحد بالآخر. والثاني: تأويل الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " المختصر ": أن يقول: بعتك هذا بكذا على أني إذا نبذته إليك فقد وجب البيع. والثالث: أن المراد منه نبذ الحصاة، وهو أن يقول: بعتك ثوبا من هذه الأثواب وأرمي به الحصاة فعلى أيها وقعت فهو المبيع، أو يقول: بعتك هذا هكذا على أنك بالخيار إلى أن ترمي بهذه الحصاة فالبيع باطل في الكل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 157 فالأول بيع الملامسة، والثاني بيع المنابذة، والثالث إلقاء الحجر، وقد نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الملامسة والمنابذة. ولأن فيه تعليقا بالخطر. قال: ولا يجوز بيع ثوب من ثوبين لجهالة المبيع، ولو قال على أنه بالخيار في أن يأخذ أيهما شاء، جاز البيع استحسانا، وقد ذكرناه بفروعه. قال: ولا يجوز بيع المراعي ولا إجازتها، والمراد به الكلأ.   [البناية] م: (فالأول: بيع الملامسة، والثاني: بيع المنابذة، والثالث: إلقاء الحجر، وقد «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الملامسة والمنابذة» ش: وقد مر هذا عن قريب من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وغيره، والمنابذة تتناول الكل. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وعبارة الكتاب تشير إلى أن المنهي عنه منع الملامسة والمنابذة وبيع إلقاء الحجر ملحق بهما، لأنه في معناهما. قلت: قد جاء في حديث أخرجه مسلم والأربعة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الغرر وبيع الحصاة» وما وقف الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - على هذا الحديث، فلذلك اقتصر على الكلام الذي قاله. م: (ولأن فيه) ش: أي ولأن في كل واحد من هذه البيوع م: (تعليقا) ش: أي تعليق التمليك م: (بالخطر) ش: وفي " المغرب "، الخطر: الإشراف على الهلاك، قالت الشراح: وفيه معنى القمار لأن التمليك لا يحتمل التعليق لإفضائه إلى معنى القمار. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يجوز بيع ثوب من ثوبين لجهالة المبيع، ولو قال على أنه بالخيار في أن يأخذ أيهما شاء جاز البيع استحسانا) ش: والقياس أنه لا يجوز، وبه قال: زفر والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وقال الكاكي: وكذا عبد من عبدين ولا خلاف فيه لأحد حتى إذا قبضهما وماتا، يضمن نصف قيمة كل واحد، لأن أحدهما مضمون بالقيمة لأنه مضمون بحكم البيع الفاسد، والآخر أمانة، وليس أحدهما بأولى من الآخر، فشاعت خيار الأمانة والضمان م: (وقد ذكرناه بفروعه) ش: أي في باب خيار الشرط. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ولا يجوز بيع المراعي ولا إجارتها) ش: وفسر المصنف قول محمد هذا بقوله م: (والمراد به الكلأ) ش: أي المراد بالمراعي إطلاقا لاسم المحل على الحال، والكلأ واحد الأكلاء وهو كل ما رعته الدواب من الرطب واليابس، كذا في " المغرب "، وروي أن الكلأ ليس له ساق من الحشيش. وقيل: ما له ساق وما ليس له ساق فهو كلأ، وإنما فسر المصنف المراعي بالكلأ، لأن لفظ المرعى يقع على موضع الرعي وهو الأرض، وعلى الكلأ وعلى مصدر رعي ولو لم يفسر بذلك لتوهم أن بيع الأرض وإجارتها لا يجوز وهو غير صحيح، لأن بيع الأرض وإجارتها صحيح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 158 أما البيع فلأنه ورد على ما لا يملكه لاشتراك الناس فيه بالحديث، وأما الإجارة فلأنها عقدت على استهلاك عين مباح، ولو عقدت على استهلاك عين مملوك بأن استأجر بقرة ليشرب لبنها لا يجوز فهذا أولى.   [البناية] سواء كان فيه الكلأ أو لم يكن. م: (أما البيع) ش: أي أما عدم جواز بيع الكلأ غير المحرز م: (فلأنه ورد على ما لا يملكه لاشتراك الناس فيه بالحديث) ش: وهو ما رواه الطبراني في معجمه، بإسناده عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» رواه ابن ماجه من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار، وثمنه حرام".» وفي سنده عبد الله بن خراش وهو ضعيف ضعفه أبو زرعة، وعن البخاري: أنه منكر الحديث. ورواه أبو داود في سننه عن رجل من الصحابة نحو رواية الطبراني م: (وأما الإجازة) ش: أي عدم جواز الإجارة م: (فلأنها) ش: أي الإجارة م: (عقدت على استهلاك عين مباح) ش: فلا يجوز م: (ولو عقدت) ش: أي الإجارة م: (على استهلاك عين مملوك بأن استأجر بقرة ليشرب لبنها لا يجوز فهذا أولى) ش: يعني عدم جواز الإجارة على عين مباح بالطريق الأولى في عدم الجواز، لأن محل الإجارة المنافع لا الأعيان باتفاق الفقهاء، إلا إذا كانت آلة الإقامة لعمل المستحق بالإجارة كالصبغ واللبن في استئجار الصباغ والطير، لأن اللبن آلة للحضانة والطورة والصبغ آلة للصباغ، ولم يذكر أن إجارة الكلأ وقعت فاسدة أو باطلة. وذكر في الشرب أنها فاسدة حتى يملك الآجر الأجرة بالقبض وينفذ تمتعه فيها، وقالوا: معنى شركتهم فيها أن لهم الانتفاع بضوء النار والاصطلاء بها وتجفيف الثياب، أما إذا أراد أن يأخذ الجمر لا يكون له ذلك إلا بإذن صاحبه، كذا ذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذا الانتفاع من الماء بالشرب، وسقي الدواب والاستقاء من الآبار والحياض والأنهار المملوكة في الأراضي المملوكة، وكذلك الانتفاع بالاحتشاش من الأراضي المملوكة، ولكن له أن يمنع من الدخول في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 159 قال: ولا يجوز بيع النحل، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد: يجوز إذا كان محرزا، وهو قول الشافعي لأنه حيوان منتفع به حقيقة وشرعا فيجوز بيعه، وإن كان لا يؤكل، كالبغل والحمار. ولهما أنه   [البناية] أرضه فإن منع كان لغيره أن يقول: إن لي في أرضك حقا، فإما أن توصلني إلى حقي أو تحشه فتدفعه إلي أو تدعني آخذه، كثوب رجل وقع في دار إنسان، هذا إذا ثابت ظاهر. وأما إذا أنبته صاحب الأرض بالسقي ففيه اختلاف الرواية، ذكر في " المحيط "، و" الذخيرة " و" النوازل ": أن صاحبه يملكه وليس لأحد أن يأخذه بغير إذنه، فجاز بيعه، وذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجوز بيعه لأن الشركة في الكلأ ثابتة بالنص، وإنما تنقطع بالحيازة وسوق الماء إلى أرضه، ليس بخياره للكلأ، فبقي على الشركة فلا يجوز بيعه. وفي " فتاوى الولوالجي ": رجل باع حشيشا في أرضه، إن كان صاحب الحشيش هو الذي أنبته بأن سقاها الماء لأجل الحشيش، فثبت بتكلفه جاز بيعه لأنه ملكه، وليس لأحد أن يأخذه بغير إذنه كما لو أخذ السمك وألقاه في الماء، فباع جاز، وإن كان الحشيش ينبت بنفسه، فلا يجوز بيعه لأنه ليس بمملوك له لأنه مباح، ألا ترى أن لكل أحد من الناس أن يأخذه، وذكره قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو باع الكلأ أو الماء بعد الإحراز جاز، لأنه صار أخص به من غيره. وفي " الإيضاح " لا يجوز بيع الكلأ في أرضه ولا ماء نهره أو بئره، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وهكذا ذكره الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه على أصل الإباحة فيما لم يحرزه لم يجز بيعه كبيع الصيد في أرضه ما لم يأخذه، وكذا لا يجوز بيع الكمأة في أرضه ما لم يقلعها، وكذلك بيع السمكة في نهره أو حميه م: (قال: ولا يجوز بيع النحل وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد: يجوز إذا كان محرزا) ش: أي مجموعا م: (وهو قول الشافعي) ش: وفي كتب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في بيع النحل في الكوارة وجهان، أحدهما لا يجوز وهو اختيار أبي حامد هذا إذا لم يشاهده ولو اجتمع في الكوارة وشاهده جاز بيعه. وكذا لو شاهده خارج الكوارة، ففي جواز بيعه له وجهان ومحل الخلاف نحل العسل، أما نحل غير العسل لا يجوز بالإجماع لأنه من الهوام كالزنابير م: (لأنه) ش: أي لأن النحل م: (حيوان منتفع به حقيقة) ش: باستيفاء ما يحدث منه م: (وشرعا) ش: لعدم ما يمنع عنه شرعا وكل ما هو كذلك م: (فيجوز بيعه وإن كان لا يؤكل) ش: كلمة إن واصلة بما قبله م: (كالبغل والحمار) ش: فإن بيعهما يجوز بلا خلاف. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) ش: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 160 من الهوام فلا يجوز بيعه كالزنابير، والانتفاع بما يخرج منه لا بعينه فلا يكون منتفعا به قبل الخروج، حتى لو باع كوارة فيها عسل بما فيها من النحل يجوز تبعا له، كذا ذكره الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ولا يجوز بيع دود القز، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه من الهوام، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز إذا ظهر فيه القز تبعا له، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز كيفما كان لكونه منتفعا به. ولا يجوز بيع بيضه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما يجوز لمكان الضرورة، وقيل: أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، كما في دود القز   [البناية] أي أن النحل م: (من الهوام) ش: جمع هامة وهي دود الأرض م: (فلا يجوز بيعه كالزنابير) ش: والحيات والعقارب والوزغ م: (والانتفاع) ش: جواب عن قوله حيوان منتفع به يعني لا نسلم أنه ينتفع به والانتفاع إنما يحصل م: (بما يخرج منه) ش: وهو العسل م: (لا بعينه) ش: أي لا ينتفع بعين النحل، قيل: هذا احتراز عن المهر والجحش فإنهما وإن كان لا ينتفع بهما في الحال، لكن ينتفع بهما في المآل بأعيانهما، وقال الأكمل: وفيه بعد لخروجهما بقوله، قلت: قابل هذا القول هو الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - شيخه. م: (فلا يكون منتفعا به قبل الخروج حتى لو باع كوارة) ش: بضم الكاف وتشديد الواو وهي معسل النحل إذا استويت من الطين، وفي " التهذيب" كوارة النحل محققة، وفي " المغرب " الكوارة والكوارة بالكسر من غير تشديد وقيده الزمخشري بفتح الكاف، وفي الغريبين بالضم م: (فيها) ش: أي في الكوارة م: (عسل بما فيها من النحل يجوز تبعا له) ش: كما في بيع الأرض مع الشرب، وبيع الشرب وبيع العذرة المختلطة بالتراب م: (كذا ذكره الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: في مختصره. [بيع دود القز] م: (ولا يجوز بيع دود القز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه من الهوام، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز إذا ظهر فيه القز تبعا له) ش: أي للقز لأنه صار منتفعا به في المستقبل م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز كيفما كان) ش: أي سواء كان معه القز أو لا م: (لكونه منتفعا به) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو اختيار الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعليه الفتوى للتعامل كذا في " الذخيرة " و" جامع المحبوبي ". م: (ولا يجوز بيع بيضه) ش: أي بيض دود القز، وهو البذر الذي منه يكون الدود م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لأنه مما لا ينتفع به بعينه بل بما يحدث منه وهو معدوم في الحال (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (يجوز لمكان الضرورة) . ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعليه الفتوى م: (وقيل: أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما في دود القز) ش: في عدم الجواز، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 161 والحمام إذا علم عددها وأمكن تسليمها، جاز البيع لأنه مال مقدور التسليم. ولا يجوز بيع الآبق   [البناية] وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أجاز محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيع النحل إذا كان مجموعا وكذلك دود القز، يجوز بيعه والسلم فيه إذا كان في وقته القز، وجعل أجله في وقته، وكان محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن من قتله، وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا وأجمعوا على أن بيع هوام الأرض لا يجوز، ومنها الحيات، والعقارب، والوزغ والقطاية والقنافذ والجعل والضب وهوام الأرض كلها. وقالوا: لا يجوز بيع شيء في البحر من الضفادع والسرطان والسلاحف وغير ذلك إلا السمك، وفي " الأجناس ": قال محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان الدود من واحد وورق التوت منه والعمل من آخر على أن يكون القز بينهما نصفان أو أقل أو أكثر لا يجوز وكذلك لو كان العمل منهما لا يجوز، إنما يجوز إذا كان البيض منهما والعمل منهما وهو بينهما نصفان، أما إذا كان البذر بينهما على الثلث والثلثين لا يجوز. وقال الولوالجي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في فتاواه: امرأة أعطت بذر القز وهو بذر الغليق بالنصف امرأة فقامت عليه حتى أدرك، فالغليق لصاحبة البذر لأنه حدث من بذرها ولها على صاحبة البذر قيمة الأوراق وأجرة مثلها، وعلى هذا إذا دفع البقرة إلى إنسان بالعلف ليكون الحادث بينهما بالنصف فالحادث كله لصاحب البقرة وله على صاحب البقرة ثمن العلف وأجرة المثل، وكذلك إذا دفع الدجاجة ليكون البيض بالنصف. م: (والحمام إذا علم عددها وأمكن تسليمها، جاز البيع لأنه مال مقدور التسليم) ش: وفي " فتاوى قاضي خان ": لو باع طيرا يطير في الهواء، إن كان داجنا يعود إلى بيته ويقدر على أخذه من غير تكلف جاز بيعه وإلا فلا، وكذا بيع الحمام في البرج. وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ولو باع الحمام الطائر، وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه وجهان فعند بعض أصحابه - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الأصح الجواز لاعتبار العود، وعند أكثرهم الأصح عدم الجواز، وكان حق وضع هذه المسألة ذكرها عند قوله: ولا بيع الطير في الهواء فكأنه اتبع في ذلك الصدر الشهيد فإنه ذكر الحمام بعد ذكر النحل ودود القز في " شرح الجامع الصغير ". م: (ولا يجوز بيع الآبق) ش: وهذا بإجماع الفقهاء الأربعة، عن ابن عمر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز بيعه، وعن محمد بن سيرين - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز بيعه لو عرف موضعه، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز بيعه قبل هذا إذا علم المشتري ولو اختلفا في العلم، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 162 لنهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه، ولأنه لا يقدر على تسليمه، قال: إلا أن يبيعه من رجل زعم أنه عنده؛ لأن المنهي بيع آبق مطلق، وهو أن يكون آبقا في حق المتعاقدين، وهذا غير آبق في حق المشتري، ولأنه إذا كان عند المشتري انتفى العجز عن التسليم وهو المانع، ثم لا يصير قابضا بمجرد العقد إذا كان في يده، وكان أشهد عند أخذه لأنه أمانة عنده، وقبض الأمانة لا ينوب عن قبض البيع، ولو كان لم يشهد عند الأخذ يجب أن يصير قابضا لأنه قبض غصب، ولو قال: هو عند فلان فبعه مني، فباعه لا يجوز؛ لأنه آبق في حق المتعاقدين، ولأنه لا يقدر على تسليمه، ولو باع الآبق ثم عاد من الإباق.   [البناية] فالقول للبائع وأما العبد المرسل في حاجة فيجوز بيعه. كذا في " المحيط " م: (لنهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه) ش: أي في بيع الآبق وهو ما رواه ابن ماجه في سننه من حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع وعن بيع ما في ضروعها وعن شراء العبد وهو آبق، وعن شراء المغانم حتى تقسم، وعن شراء الصدقات حتى تقبض، وعن ضربة القاصي» وضعفوه. ورواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي سعيد الخدري - رَحِمَهُ اللَّهُ - مرفوعا إلا أنه قال: وعن بيع العبد وهو آبق عوض قوله: وشراء م: (ولأنه لا يقدر على تسليمه) ش: أي تسليم الآبق م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إلا أن يبيعه) ش: أي الآبق م: (من رجل زعم أنه عنده لأن المنهي) ش: في الحديث م: (بيع آبق مطلق، وهو أن يكون آبقا في حق المتعاقدين، وهذا غير آبق في حق المشتري) ش: لأنه عنده في زعمه، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الآبق م: (إذا كان عند المشتري انتفى العجز عن التسليم وهو المانع) ش: أي المعجز عن التسليم هو المانع من البيع م: (ثم لا يصير) ش: أي المشتري م: (قابضا بمجرد العقد إذا كان في يده وكان أشهد عند أخذه) ش: أي أشهد عند الأخذ أنه أخذه للرد، ولا يرده على المولى م: (لأنه) ش: يصير م: (أمانة عنده) ش: ولهذا لو هلك قبل الوصول إلى يد المولى فهلك الأمانة م: (وقبض الأمانة لا ينوب عن قبض البيع) ش: لأن الأدنى لا ينوب عن الأعلى م: (ولو كان لم يشهد عند الأخذ) ش: صوابه عند القبض م: (يجب أن يصير قابضا لأنه قبض غصب) ش: وقبض الغصب قبض ضمان، فينوب عن قبض البيع وهو قبض ضمان. م: (ولو قال: هو) ش: أي الآبق م: (عند فلان فبعه مني فباعه لا يجوز لأنه آبق في حق المتعاقدين ولأنه لا يقدر على تسليمه) ش: لأنه آبق مطلق م: (ولو باع الآبق) ش: من رجل م: (ثم عاد من الإباق) ش: وسلمه للمشتري لا يتم ذلك العقد لأنه وقع باطلا لانعدام المحلية كبيع الطير في الهواء وهو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 163 وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يتم العقد إذا لم يفسخ؛ لأن العقد انعقد بقيام المالية، والمانع قد ارتفع، وهو العجز عن التسليم، كما إذا أبق بعد البيع، وهكذا يروى عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قال: ولا يجوز بيع لبن امرأة في قدح، وقال الشافعي: يجوز بيعه لأنه مشروب طاهر. ولنا أنه جزء الآدمي وهو بجميع أجزائه مكرم مصون عن الابتذال بالبيع، ولا فرق في ظاهر الرواية بين لبن الحرة والأمة، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز بيع لبن الأمة لأنه يجوز إيراد العقد على نفسها، فكذا على جزئها. قلنا: الرق قد حل نفسها، فأما اللبن فلا رق فيه؛ لأنه يختص بمحل يتحقق فيه.   [البناية] ظاهر رواية وبه أخذ مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يتم العقد إذا لم يفسخ) ش: يعني إذا عاد العبد من إباقه يتم العقد، ولكن يشترط أن لا يفسخ القاضي العقد قبل عوده، وإن فسخه قبل ذلك فلا بد حينئذ من البيع الجديد م: (لأن العقد انعقد بقيام المالية) ش: لأن الآبق مال مملوك م: (والمانع) ش: من الجواز م: (قد ارتفع وهو) ش: أي المانع م: (العجز عن التسليم) ش: فصار م: (كما إذا أبق بعد البيع) ش: وبه أخذ الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجماعة من المشايخ، كذا ذكره الأسبيجابي. م: (وهكذا يروى عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني مثل ما روي عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (قال) ش: أي محمد في الجامع الصغير: م: (ولا يجوز بيع لبن امرأة) ش: أي ولا يجوز بيع لبن امرأة، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وأبو القاسم بن يسار من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه نجس عنده م: (في قدح) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذكر القدح اتفاقي وإن حرمة بيعه غير موقوفة على كونه في قدح، ولكنه أخرج الكلام مخرج العادة ثم قال: والأصح أن هذا قيد مفيد لأنه لو لم يذكره لتوهم جواز بيعه في القدح، وإنما لا يجوز لكونه في الضرع كما هو الحكم في لبن سائر الحيوانات، فإنه لا يجوز في الضرع ويجوز في القدح وفي غيره من الآنية. وإليه أشار الإمام أبو جعفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " كشف الغوامض ". م: (وقال الشافعي: يجوز بيعه لأنه مشروب طاهر) ش: احترز بالطاهر عن الخمر فإنها نجسة فلا يحل بيعها م: (ولنا أنه جزء الآدمي وهو) ش: أي الآدمي م: (بجميع أجزائه مكرم مصون عن الابتذال بالبيع) ش: أي محفوظ عن الإهانة بسبب البيع. [بيع لبن الأمة] م: (ولا فرق في ظاهر الرواية بين لبن الحر والأمة، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز بيع لبن الأمة لأنه يجوز إيراد العقد على نفسها فكذا على جزئها) ش: اعتبارا للجزء بالكل م: (قلنا: الرق قد حل نفسها، فأما اللبن فلا رق فيه) ش: لأن الرق ضعف حكمي م: (لأنه يختص بمحل يتحقق فيه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 164 القوة التي هي ضده وهو الحي ولا حياة في اللبن. قال: ولا يجوز بيع شعر الخنزير لأنه نجس العين فلا يجوز بيعه إهانة له، ويجوز الانتفاع به للخرز للضرورة، فإن ذلك العمل لا يتأتى بدونه، ويوجد مباح الأصل فلا ضرورة إلى البيع. ولو وقع في الماء القليل أفسده، عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يفسده لأن إطلاق الانتفاع به دليل طهارته ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإطلاق للضرورة فلا تظهر إلا في حالة الاستعمال وحالة الوقوع تغايرها.   [البناية] القوى التي هي ضده) ش: أي ضد الرق يعني العتق م: (وهو) ش: أي المحل م: (الحي) ش: ومعناه أنهما صفتان تتعاقبان على موضوع واحد وهما ضدان. م: (ولا حياة في اللبن) ش: فلا يرد عليه الرق ولا العتق لانتفاء الموضوع، والجواب: عن قوله: مشروب طاهر أن المراد به كونه مشروبا مطلقا أو في حال الضرورة. والأول: ممنوع فلأنه إذا استغنى عنه حرم شربه، والثاني مسلم لأنه غذاء عند الضرورة وليست بمال فلا يجوز بيعه. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ولا يجوز بيع شعر الخنزير) ش: باتفاق الأئمة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لأنه) ش: أي لأن الخنزير م: (نجس العين فلا يجوز بيعه) ش: أي بيع شعره م: (إهانة له) ش: كالخمر لأن النجاسة في الشعر كهواء المحل وجواز البيع يشعر بإعزازه. م: (ويجوز الانتفاع به) ش: أي بشعر الخنزير م: (للخرز للضرورة فإن ذلك العمل لا يتأتى بدونه) ش: أي لأن عمل الخرز لا يتأتى بدونه والضرورة آكد في إثبات التخفيف وسقوط الخطر والانتفاع بلحمه جائز عند الضرورة بالنص، فالانتفاع بشعره كان أولى عند الضرورة لأن الشعر أخف منه بدليل أن شعر الميتة طاهر ولحمها لا. م: (ويوجد مباح الأصل) ش: جواب عما يقال: إذا كان كذلك ينبغي أن يجوز بيعه وتقرير الجواب أن شعر الخنزير يوجد مباح الأصل م: (فلا ضرورة إلى البيع) ش: وعلى هذا قيل: إذا كان لا يوجد إلا بالبيع جاز بيعه، لكن الثمن لا يطيب للبائع، وقال أبو الليث: إن كانت الأساكفة لا يجدون شعر الخنزير إلا بالشراء فينبغي أن يجوز لهم الشراء. م: (ولو وقع) ش: أي شعر الخنزير م: (في الماء القليل أفسده، عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يفسده لأن إطلاق الانتفاع به دليل طهارته) ش: ووقوع الطاهر في الماء لا ينجسه م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإطلاق) ش: أي إطلاق الجواز م: (للضرورة فلا تظهر) ش: أي الضرورة م: (إلا في حالة الاستعمال وحالة الوقوع تغايرها) ش: أي تغاير حالة الاستعمال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 165 ولا يجوز بيع شعر الإنسان ولا الانتفاع به لأن الآدمي مكرم غير مبتذل، فلا يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهانا مبتذلا، وقد قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لعن الله الواصلة والمستوصلة» .... " الحديث. وإنما يرخص فيما يتخذ من الوبر فيزيد في قرون النساء وذوائبهن،   [البناية] ولا بأس للساكنة أن يصلوا مع شعر الخنزير وإن كان أكثر من قدر الدرهم. م: (ولا يجوز بيع شعر الإنسان ولا الانتفاع به) ش: ولا خلاف فيه للفقهاء إلا رواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز الانتفاع بشعر الآدمي، استدلالا بما روي، «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين حلق رأسه قسم شعره بين أصحابه» . وكانوا يتبركون به ولو كان نجسا لما فعل، إذ النجس لا يتبرك به، وجهه الظاهر هو قوله م: (لأن الآدمي مكرم غير مبتذل) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بكسر الذال يعني بالمعجمة ومعناه غير تارك بتهاون نفسه م: (فلا يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهانا مبتذلا) ش: بفتح الذال كيلا يلزم الإهانة. م: (وقد قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لعن الله الواصلة والمستوصلة» . الحديث) ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في كتبهم كلهم من حديث عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة» انتهى. وقال أبو داود: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الواصلة هي التي تصل الشعر بشعر النساء والمستوصلة المعمول بها، والواشمة التي تجعل الخيلان في وجهها بكحل أو مداد والمستوشمة المعمول بها، والاستدلال بهذا الحديث على منع بيع شعر الإنسان والانتفاع به لكرامته غير واضح، كذا قيل. قلت: واضح به لأن المدعي عدم جواز البيع وعدم جواز الانتفاع به واستحقاق اللعن في الوصل يدل على عدم جواز الانتفاع به وعدم جواز الانتفاع يدل على عدم جواز البيع م: (وإنما يرخص فيما يتخذ من الوبر فيزيد في قرون النساء ذوائبهن) ش: وهو اتخاذ القوابيل وهو رخصة، وهو يتخذ من وبر الجمل ليزيد في أصول شعورهن بالتكثير وفي ذوائبهن بالتطويل. وقال الجوهري: القوابل ما تشهرها المرأة من شعرها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 166 قال: ولا بيع جلود الميتة قبل أن تدبغ؛ لأنه غير منتفع به، قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تنتفعوا من الميتة بإهاب» . وهو اسم لغير المدبوغ، على ما مر في كتاب الصلاة. ولا بأس ببيعها والانتفاع بها بعد الدباغ لأنها طهرت بالدباغ، وقد ذكرناه في كتاب الصلاة. ولا بأس ببيع عظام الميتة وعصبها وصوفها وقرنها وشعرها ووبرها والانتفاع بهذا كله؛ لأنها طاهرة لا يحلها الموت لعدم الحياة وقد قررناه من قبل،   [البناية] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ولا بيع جلود الميتة قبل أن تدبغ) ش: أي ولا يجوز بيعها قبل الدباغة قيد بقوله: قبل أن تدبغ لأن بعد الدبغ يجوز بلا خلاف بين الفقهاء. فإن قيل: نجاستها مجاورة باتصال الدسومات، ومثل ذلك يجوز بيعه كالثوب النجس، أجيب: بأنها خلقية فما لم تزايل كالدباغ فهو كعين الجلد بخلاف نجاسة الثوب فإنها بالمجاورة فلا يتغير حكم أصول الثوب م: (لأنه غير منتفع به) ش: أي بجلود الميتة قبل الدباغة: م: (قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا تنتفعوا من الميتة بإهاب» ش: هذا الحديث رواه الأربعة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - من حديث عبد الله بن عكيم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه كتب إلى جهينة قبل موته بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب» . وقد تقدم في كتاب الطهارة في باب الماء الذي يجوز الوضوء به وبسطنا الكلام فيه هناك م: (وهو) ش: أي الإهاب م: (اسم لغير المدبوغ، على ما مر في كتاب الصلاة ولا بأس ببيعها والانتفاع بها بعد الدباغ لأنها طهرت بالدباغ، وقد ذكرناه في كتاب الصلاة) ش: ولم يمر إلا في كتاب الطهارات. م: (ولا بأس ببيع عظام الميتة وعصبها وصوفها وقرنها وشعرها ووبرها والانتفاع بهذا كله) ش: وفي بعض النسخ بذلك كله أشار به إلى المذكورات قبله م: (لأنها) ش: أي لأن هذه الأشياء م: (طاهرة لا يحلها الموت لعدم الحياة) ش: لأن الموت لا يحل إلا في محل الحياة م: (وقد قررناه من قبل) ش: وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب الصلاة: وليس كذلك بل في كتاب الطهارة بقوله: وشعر الميتة وعظمها طاهر وقد تكلمنا هناك بما فيه من الخلاف مبسوطا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 167 والفيل كالخنزير نجس العين عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما، بمنزلة السباع حتى يباع عظمه وينتفع به. قال: وإذا كان السفل لرجل وعلوه لآخر، فسقطا أو سقط العلو وحده، فباع صاحب العلو علوه، لم يجز لأن حق التعلي ليس بمال لأن المال ما يمكن إحرازه، والمال هو المحل للبيع بخلاف الشرب حيث يجوز بيعه تبعا للأرض باتفاق الروايات، ومنفردا في رواية، وهو اختيار مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -؛ لأنه   [البناية] م: (والفيل كالخنزير نجس العين عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فلا يجوز بيعه مطلقا ولا يجوز الانتفاع به لأنه نوع من الخنزير م: (وعندهما) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (بمنزلة السباع) ش: يعني ليس بنجس العين كالخنزير م: (حتى يباع عظمه وينتفع به) ش: أي بالفيل في الركوب والحمل وغير ذلك. ويجوز أن يرجع الضمير إلى المعظم لما ذكره البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في صحيحه عن الزهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في عظام الموتى نحو الفيل وغيره أدركت ناسا من سلف العلماء يمتشطون بها ويدهنون بها لا يرون بأسا، وقال ابن سيرين - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإبراهيم: لا بأس بتجارة العاج. وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " وأما الفيل فأجمعوا على جواز بيعه ولم يذكر الخلاف، وكذلك ذكر في البيوع في " كتاب العيون "، ولكن ذكر في باب الطهارات من العيون عن محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: الفيل لا يقع عليه الزكاة، وإذا دبغ جلده لم يطهر. وروي عن محمد في كتاب الحج عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: لا بأس ببيع عظام الفيل وغيرها من الميتة وكذلك جلدها إذا دبغ، وروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - نحو هذا ذكر في " العيون " أيضا رواية إبراهيم بن رستم عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في امرأة صلت وفي عنقها قلادة فيها من كلب أو أسد أو شعطب فصلاتها تامة لأنه يقع عليها الزكاة. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان السفل لرجل وعلوه لآخر فسقطا، أو سقط العلو وحده فباع صاحب العلو علوه، لم يجز؛ لأن حق التعلي ليس بمال) ش: لأنه يتعلق بالهواء والهواء ليس بمال م: (لأن المال ما يمكن إحرازه، والمال هو المحل للبيع) ش: والهواء ليس بمحل وإنما يجوز قبل الانهدام باعتبار البناء القائم ولم يبق م: (بخلاف الشرب) ش: هذا جواب عما يقال: الشرب حق الأرض، ولهذا قال في كتاب الشرب: إذا اشترى أرضا لم يكن له شرب ينبغي أن لا يجوز. فأجاب بقوله: بخلاف الشرب م: (حيث يجوز بيعه تبعا للأرض باتفاق الروايات، ومنفردا) ش: أي ويجوز بيعه أيضا حال كونه مفردا م: (في رواية، وهو اختيار مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لأنه) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 168 حظ من الماء ولهذا يضمن بالإتلاف وله قسط من الثمن على ما نذكره في كتاب الشرب. قال: وبيع الطريق وهبته جائز، وبيع مسيل الماء وهبته باطل، والمسألة تحتمل وجهين: بيع رقبة الطريق والمسيل، وبيع حق المرور والتسئيل، فإن كان الأول فوجه الفرق بين المسألتين أن الطريق معلوم لأن له طولا وعرضا معلوما، وأما المسيل فمجهول لأنه لا يدرى قدر ما يشغله من الماء،   [البناية] ش: أي لأن الشرب م: (حظ من الماء) ش: والماء عين فكان بيع الشرب بيع العين أو بيع شيء يتعلق بالعين، فإن قيل: فعلى هذا ينبغي أن لا يجوز إذا كان الماء معدوما في الأرض. أجيب: بأنما جوز للضرورة أو بعرضية وجوده كما في السلم والاستصناع. م: (ولهذا) ش: ولكون الشرب حظا من الماء م: (يضمن بالإتلاف) ش: بأن سقى رجل أرضه بشرب غيره يضمن، وهو رواية البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعلى رواية شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يضمن وقيل: يضمن إذا جمع الماء ثم أتلفه ولا يضمن قبل الجمع. وقيل: في المسألة روايتان ونقل عن الإمام جمال الدين ابن المصنف - رحمهما الله - قال: والإتلاف أن يكون بأن يشهد به الآخر ثم رجع بعد القضاء ولا وجه للقول بالضمان بالإتلاف سوى هذه الصورة لأنه لو ضمن بغيرها إما أن يضمن بالسقي أو يمنع حق الشرب ولا وجه إلى الأول لأن الماء مشترك بين الناس بالحديث، ولا وجه إلى الثاني لأنه منع حق الغير ليس بسبب الضمان بل السبب منع الغير ولم يوجد م: (وله) ش: أي للشرب م: (قسط من الثمن) ش: يعني إذا بيعت أرض وفيها نهر يقع الثمن عليهما م: (على ما نذكره في كتاب الشرب) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي في " المبسوط ". قلت: هذا على النسخة التي فيها على ما ذكره، وفي بعض النسخ على ما نذكره بصيغة الجمع، فإن صحت هذه النسخة يكون المراد من قوله في كتاب الشرب مسائل الشرب التي ذكرها في كبرى الأنهار في كتاب إحياء الموات. [بيع الطريق وهبته] م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وبيع الطريق وهبته جائز، وبيع مسيل الماء وهبته باطل) ش: هذا لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والمسألة تحتمل وجهين: بيع رقبة الطريق والمسيل، وبيع حق المرور والتسئيل، فإن كان الأول) ش: وهو بيع رقبة الطريق والمسيل م: (فوجه الفرق بين المسألتين) ش: وهما بيع رقبة الطريق وبيع مسيل الماء م: (أن الطريق معلوم لأن له) ش: أي للطريق م: (طولا وعرضا معلوما) ش: فإن عرضه مقدار باب الدار وطوله إلى السكة النافذة غالبا فيجوز البيع م: (وأما المسيل) ش: أي مسيل الماء م: (فمجهول لأنه لا يدرى قدر ما يشغله من الماء) ش: أي قدر ما يشغل المسيل لأنه يختلف بقلة الماء وكثرته، حتى لو باع رقبة الأرض بمسيل الماء وبين موضعه وحدوده جاز. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 169 وإن كان الثاني ففي بيع حق المرور روايتان، ووجه الفرق على إحداهما بينه وبين حق التسئيل أن حق المرور معلوم لتعلقه بمحل معلوم وهو الطريق. أما المسيل على السطح فهو نظير حق التعلي، وعلى الأرض مجهول لجهالة محله، ووجه الفرق بين حق المرور وحق التعلي -على إحدى الروايتين -، أن حق التعلي يتعلق بعين لا تبقى وهو البناء فأشبه المنافع، أما حق المرور يتعلق بعين تبقى وهو الأرض فأشبه الأعيان. قال: ومن باع جارية فإذا هو غلام فلا بيع بينهما   [البناية] م: (وإن كان الثاني) ش: وهو حق المرور وحق مسيل الماء م: (ففي بيع حق المرور روايتان) ش: إحداهما رواية الزيادات لا يجوز وبه أخذ الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لجهالته، والأخرى رواية كتاب القسمة يجوز وبه أخذ عامة المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (ووجه الفرق على إحداهما) ش: أي على إحدى الروايتين م: (بينه) ش: أي بين حق المرور حيث جاز بيعه على هذه الرواية م: (وبين حق التسئيل) ش: حيث لم يجز بيعه أصلا م: (أن حق المرور معلوم لتعلقه بمحل معلوم وهو الطريق) ش: لأنه معلوم القدر م: (أما المسيل على السطح) . ش: أي أما حق المسيل على السطح م: (فهو نظير حق التعلي) ش: وبيع حق التعلي لا يجوز باتفاق الروايات م: (وعلى الأرض) ش: أي وحق المسيل إن كان على الأرض م: (مجهول لجهالة محله) ش: أي لجهالة قدر ما يشغله الماء م: (ووجه الفرق بين حق المرور) ش: حيث جاز بيعه على هذه الرواية م: (وحق التعلي) ش: أي وبين حق التعلي حيث لم يجز أصلا م: (على إحدى الروايتين) ش: متعلق بحق المرور لأن حق التعلي لا يجوز بيعه في جميع الروايات م: (أن حق التعلي يتعلق بعين لا تبقى وهو البناء) ش: فأخذ حكم ما لا يبقى م: (فأشبه المنافع) ش: لأنها لا بقاء لها م: (أما حق المرور يتعلق بعين تبقى وهي الأرض فأشبه الأعيان) ش: لأن لها بقاء. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن باع جارية فإذا هو غلام) ش: ذكر الضمير باعتبار تذكير الخبر وعكسه، فإن اشترى عبدا فإذا هو جارية م: (فلا بيع بينهما) ش: أي لا يجوز البيع وإنما ذكر هذه العبارة لأنه لم يغير لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع "، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز فصار كأنه اشترى عبدا على أنه خباز فإذا هو لم يكن فصح البيع وثبت له الخيار. وهو قياس مذهب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بفوات الوصف المرغوب فيه، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أثبت له الخيار في مثل هذا ثم اختلف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلا بيع بينهما، أنه إما باطل أو فاسد، وقال صاحب " الإيضاح ": باطل يتعلق العقد بالمسمى وهو معدوم وبيع المعدوم باطل، وقال بعضهم: إنه فاسد، وهو اختيار الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ونقل الأترازي هذا - بعد أن قال بعضهم في شرحه - ثم قال: هذا اختلاف عجيب، ونقل هذا عن الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عجيب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 170 بخلاف ما إذا باع كبشا فإذا هو نعجة حيث ينعقد البيع ويتخير، والفرق يبتنى على الأصل الذي ذكرناه في النكاح لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو أن الإشارة مع التسمية إذا اجتمعتا ففي مختلفي الجنس يتعلق العقد بالمسمى ويبطل لانعدامه، وفي متحدي الجنس يتعلق بالمشار إليه وينعقد لوجوده، ويتخير لفوات الوصف، كمن اشترى عبدا على أنه خباز فإذا هو كاتب، وفي مسألتنا   [البناية] أما الأول: فلأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: لا بيع بينهما فهو تنصيص على البطلان، لأن مثل هذا النفي يدل على الباطل لا الفاسد. أما الثاني: فإن الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - صرح في مختصره، بأن اختلاف الصفة إذا أوجب اختلافا فاحشا كان ذلك بمنزلة الاختلاف في الجنس، ثم في اختلاف الجنس كما إذا باع فضة على أنه ياقوت فكان زجاجا، أو باع هذا الثوب على أنه خزفا فإذا هو مرغزي، قال: فالبيع باطل. قلت: الذي قال هذا هو قول السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكذا نقله الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرحه. قلت: قوله وتنصيص على البطلان غير مسلم لأن البيع الذي وقع بعد كلمة النفي أعم من الباطل والفاسد، ودعوى التعيين تحكم، وأما الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يحتمل أن يكون عنه فيه روايتان م: (بخلاف ما إذا باع كبشا فإذا هو نعجة حيث ينعقد البيع ويتخير) ش: أي المشتري م: (والفرق) ش: يعني بين المسألتين م: (يبتنى على الأصل الذي ذكرناه في النكاح لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وذلك الأصل متفق عليه. ولكن ذكر في كتاب النكاح في وجه قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مسألة التزوج على دن من الخل، إلا أن ذلك الأصل عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولهذا لم يقع الاختلاف بينهم في هذه المسألة. م: (وهو) ش: أي الأصل م: (أن الإشارة مع التسمية إذا اجتمعتا ففي مختلفي الجنس يتعلق العقد بالمسمى) ش: لأن التسمية أبلغ في التعريف من الإشارة لأن الإشارة لتعريف الذات، فإنه إذا قال هذا صار الذات معينا، والتسمية إعلام الماهية وإنه أمر زائد على أصل الذات فكانت أبلغ في التعريف؛ فلذلك تعلق الحكم بالمسمى لا بالمشار إليه. م: (ويبطل لانعدامه) ش: أي ويبطل العقد لانعدام المسمى م: (وفي متحدي الجنس يتعلق) ش: أي العقد م: (بالمشار إليه وينعقد لوجوده ويتخير) ش: أي المشتري م: (لفوات الوصف) ش: المرغوب فيه م: (كمن اشترى عبدا على أنه خباز فإذا هو كاتب) ش: حيث ينعقد العقد ويتخير المشتري م: (وفي مسألتنا) ش: أراد بها المسألة المصدرة وهي قوله ومن باع جارية فإذا هو غلام فلا بيع بينهما. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 171 الذكر والأنثى من بني آدم جنسان للتفاوت في الأغراض. وفي الحيوانات جنس واحد لقلة التفاوت فيها، وهو المعتبر في هذا دون الأصل كالخل والدبس جنسان، والوذاري والزندنيجي - على ما قالوا - جنسان مع اتحاد أصلهما. قال: ومن اشترى جارية بألف درهم حالة أو نسيئة فقبضها ثم باعها من البائع بخمسمائة قبل أن ينقد الثمن لا يجوز البيع الثاني، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز؛ لأن الملك قد تم فيها بالقبض، فصار البيع من البائع ومن غيره سواء، وصار كما لو باع بمثل الثمن الأول أو بالزيادة   [البناية] م: (الذكر والأنثى من بني آدم جنسان للتفاوت في الأغراض) ش: لأن المطلوب من العبد الاستخدام خارج الدار ومن الأمة الاستخدام داخل الدار كالطبخ والكنس والاستفراش والاستيلاد، والغلام لا يصلح للاستفراش والاستيلاد فكان التفاوت بينهما فاحشا. م: (وفي الحيوانات جنس واحد لقلة التفاوت فيها) ش: أي في الأغراض م: (وهو المعتبر) ش: أي التفاوت هو المعتبر م: (في هذا) ش: أي في كونهما جنسين متحدين أو مختلفين م: (دون الأصل) ش: أي أصل المادة والماهية م: (كالخل والدبس جنسان) ش: مع اتحاد أصليهما وهو العنب م: (والوذاري) ش: بكسر الواو وفتحها وبالذال المعجمة، وهو ثوب منسوب إلى وذار وهي قرية بسمرقند م: (والزندنيجي) ش: بفتح الزاي وسكون النون وفتح الدال المهملة وكسر النون وبالياء آخر الحروف الساكنة وبالجيم ثوب منسوب إلى زندنة على خلاف القياس. وهي من أشهر قصبات بخارى م: (على ما قالوا جنسان) ش: أي على ما قال المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في شروح الجامع الصغير أنهما جنسان م: (مع اتحاد أصلهما) ش: يعني مع أن أصلهما متحد. وقالت الحكماء: الذكر والأنثى من بني آدم جنس واحد لاتحادهما في الحقيقة والجنس مقول على كثيرين مختلفين بالحقيقة، وأهل الحق جعلوهما جنسين لتفاوت المقاصد، والحق معهم لأن اختلاف الحقائق يعرف باختلاف الخواص لا بأصل المادة لكونه لو اعتبر أصل المادة ينبغي أن لا يكون الفرس والإنسان جنسين لاتحاد مادتهما وهو النطفة. م: (قال ومن اشترى جارية بألف درهم حالة أو نسيئة، فقبضها ثم باعها من البائع بخمسمائة قبل أن ينقد الثمن لا يجوز البيع الثاني) ش: وبه قال مالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: واعلم أن شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن لا يجوز عندنا. م: (وقال الشافعي: يجوز) ش: وبعد نقد الثمن يجوز عندنا أيضا وبالمثل أو الأكثر يجوز بالإجماع سواء كان قبل نقد الثمن أو بعده، وكذا يجوز قبل نقد الثمن إذا اشترى بعرض قيمته أقل منه م: (لأن الملك) ش: أي ملك المشتري م: (قد تم فيها) ش: أي في الجارية م: (بالقبض، فصار البيع من البائع ومن غيره سواء، وصار) ش: أي حكم هذا م: (كما لو باع بمثل الثمن الأول أو بالزيادة) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 172 أو بالعرض، ولنا قول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لتلك المرأة وقد باعت بستمائة بعدما اشترت بثمانمائة بئس ما شريت واشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أن الله أبطل حجه وجهاده مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن لم يتب.   [البناية] ش: من الثمن الأول م: (أو بالعرض) ش: يعني باعها منه بالعرض قبل نقد الثمن وقيمة العرض أقل من قيمة الألف يجوز بالإجماع وقيد بالعرض لأنه لو باعها منه بالدنانير وقيمة الدنانير أقل من الألف لا يجوز عندنا استحسانا ويجوز قياسا، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي بعض الحواشي مال كثير من مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كالكرخي والزعفراني - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - والصفار إلى قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه المسألة، والقياس ما قاله، ولكن ما وجدته في كتب عندي. م: (ولنا قول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لتلك المرأة وقد باعت بستمائة بعدما اشترت بثمانمائة بئس ما شريت واشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أن الله قد أبطل حجه وجهاده مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن لم يتب) . ش: هذا أخرجه عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مصنفه، أخبرنا معمر والثوري عن أبي إسحاق عن امرأته أنها دخلت على عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في نسوة فسألت امرأة فقالت: يا أم المؤمنين كانت لي جارية فبعتها من زيد بن أرقم بثمانمائة إلى العطاء ثم ابتعتها منه بستمائة فنقدت له الستمائة وكتبت عليه بثمانمائة. فقالت عائشة: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت أخبري زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا أن يتوب، فقالت المرأة لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أرأيت إن أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل فقالت: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] (البقرة: الآية 275) . وأخرجه الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في سننهما عن يونس بن أبي إسحاق الهمذاني - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أمه العالية، قالت: كنت قاعدة عند عائشة - رضي الله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 173 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عنها - فأتتها أم محبة فقالت: إني بعت زيد بن أرقم جارية إلى عطاء فذكر بنحوه، وقال الدارقطني: أم محبة والعالية مجهولتان لا يحتج بهما. قلت: بل أم العالية امرأة معروفة جليلة القدر ذكرها ابن سعد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الطبقات، فقال: أم العالية بنت أيفع بن شراحيل امرأة أبي إسحاق السبيعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سمعت من عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وأم محبة بضم الميم وكسر الحاء كذا ضبطه الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " المؤتلف والمختلف ". ورواه أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مسنده عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأة أبي إسحاق - رحمهما الله - سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقالت: إن زيد بن أرقم باعني جارية بثمانمائة واشتراها مني بستمائة فقالت: أبلغي عني زيد بن أرقم أن الله عز وجل قد أبطل جهاده إن لم يتب. وجه الاستدلال: أنها جعلت جزاء مباشرة هذا العقد بطلان الحج والجهاد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن لم يتب وأجزية الجرائم لا تعلم بالرأي فكان مسموعا من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والعقد الصحيح لا يجازى بذلك فكان فاسدا، وأن زيدا اعتذر إليها وهو دليل على كونه مسموعا لأنه في المجتهد إن كان بعضهم يخالف بعضا وما كان أحدهما يعتذر إلى صاحبه. فإن قلت: يجوز أن يكون إلحاق الوعيد لكون البيع إلى العطاء وهو أجل مجهول. قلت: ثبت من مذهب عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - جواز البيع إلى العطاء وهو مذهب علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وآخرين فلم يكن كذلك. فإن قلت: لم كرهت العقد الأول مع أن الفساد من الثاني؟ قلت: لأنه تطرق به إلى الثاني كالسفر يكون محظورا إذا كان لقطع الطريق وإن كان السفر مباحا في نفسه. فإن قلت: القبض غير مذكور في الحديث فيمكن أن يكون الوعيد للتصرف في المبيع قبل القبض. قلت: تلاوتها آية الربا دليل على أنه للربا لا لعدم القبض. فإن قلت: الوعيد قد لا يستلزم الفساد كما في تفريق الولد عن الوالد بالبيع فإنه جائز مع وجود الوعيد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 174 ولأن الثمن لم يدخل في ضمانه، فإذا وصل إليه المبيع ووقعت المقاصة بقي له فضل خمسمائة وذلك بلا عوض، بخلاف ما إذا باع بالعرض؛ لأن الفضل إنما يظهر عند المجانسة. قال: ومن اشترى جارية بخمسمائة ثم باعها وأخرى معها من البائع قبل أن ينقد الثمن بخمسمائة، فالبيع جائز في التي لم يشترها من البائع، ويبطل في الأخرى؛   [البناية] قلت: الوعيد ليس للبيع ثمة بل ليس التفريق حتى لو فرق بدون البيع كان الوعيد لاحقا. م: (ولأن الثمن لم يدخل في ضمانه) ش: أي في ضمان البائع قبل القبض م: (فإذا وصل إليه المبيع ووقعت المقاصة) ش: أي بين الثمن في الأول وبين الثمن في البيع الثاني إذا عاد إليه الكل الذي زال عنه بعينه م: (بقي له فضل خمسمائة وذلك بلا عوض) ش: فهذا ربح حصل لا على ضمانه. «ونهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ربح ما لم يضمن» م: (بخلاف ما إذا باع بالعرض لأن الفضل إنما يظهر عند المجانسة) ش: لأن الربح لا يظهر عند مخالفة الجنس. وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره": ولا يجوز أن يشتري ذلك أم وكيل البائع ولا عبد البائع مأذون له في التجارة في قولهم جميعا، وإن اشتراه والد البائع أو ولد ولده علا أو سفل أو من يجوز شهادته للبائع ولا شهادة البائع لم يجز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذلك جائز، ولذلك لا يجوز للمولى أن يشتري ما باعه مكاتبه ولا عبده المأذون ولا مضاربه بأقل من الثمن الذي باعوه. فإن وكل البائع من يشتريه بأقل من الثمن الأول فاشتراه، فالشراء جائز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشراء لازم للوكيل ولا يلزم الأمر، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يلزم الأمر شراء فاسدا. وقال في " شرح الطحاوي " إذا مات المشتري فاشتراه البائع من الوارث لا يجوز لأن الوارث يقوم مقام المورث، ولو مات البائع فاشترى وارثه من المشتري جاز الشراء إذا كان الوارث ممن يجوز شهادته للبائع في حال الحياة وقرابته من البائع لا تمنع بخلاف المشتري، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: لا يجوز شراء وارث البائع أيضا كوارث المشتري. [شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى جارية بخمسمائة ثم باعها وأخرى) ش: أي وجارية أخرى م: (معها من البائع قبل أن ينقد الثمن بخمسمائة، فالبيع جائز في التي لم يشترها) ش: أي في الجارية التي لم يشترها م: (من البائع ويبطل) ش: أي البيع م: (في الأخرى) ش: أي في الجارية الأخرى. وهذه المسألة فروع المسألة المتقدمة لأنها مبنية على شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 175 لأنه لا بد أن يجعل بعض الثمن بمقابلة التي لم يشترها منه، فيكون مشتريا للأخرى بأقل مما باع، وهو فاسد عندنا، ولم يوجد هذا المعنى في صاحبتها، ولا يشيع الفساد لأنه ضعيف فيها لكونه مجتهدا فيه، أو لأنه باعتبار شبهة الربا، أو لأنه   [البناية] ولهذا لم يجز البيع في التي اشتراها من البائع، وبين ذلك بقوله م: (لأنه) ش: أي لأن المشتري لما باع الجاريتين بخمسمائة إحداهما هي التي اشتراها من البائع في المرة الأولى بخمسمائة والأخرى هي التي لم يشترها منه م: (لا بد أن يجعل بعض الثمن) ش: في البيع الثاني م: (بمقابلة التي) ش: أي بمقابلة الجارية التي م: (لم يشترها منه) ش: فلا محالة أن يكون ثمن الجارية التي بيعت أولا أقل مما بيعت م: (فيكون مشتريا للأخرى بأقل مما باع، وهو فاسد عندنا) ش: كما في المسألة المتقدمة م: (ولم يوجد هذا المعنى) ش: وهو الشراء بأقل مما باع م: (في صاحبتها) ش: وهي الجارية التي ضمها إلى الجارية المبيعة؛ لأنه ما اشتراها منه حتى باع بأقل منه فيجوز لعدم المفسد م: (ولا يشيع الفساد لأنه ضعيف فيها) ش: أي لأن الفساد ضعيف في الجارية المشتراة، ولما ضعف الفساد لم يتعد إلى المضمومة إليها كما لو باع قنا ومدبرا حيث يصح في القن ولم يتعد فساد البيع في المدبر إلى القن لكون بيع المدبر مجتهدا فيه م: (لكونه) ش: أي لكون الشراء فساد ما باع بأقل مما باع م: (مجتهدا فيه) ش: فإن عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يجوز بخلاف الجمع بين الحر والعبد في عقد واحد حيث يشيع الفساد في القن لأن الفساد في الحر قوي مجمع عليه. فإن قلت: يشكل بما إذا أسلم حنطة في شعير وزيت وبين حصة كل واحد ودفع رأس المال إليه فإن السلم في الزيت لا يجوز، وإن كان الفساد في هذا العقد مجتهدا فيه، فإن أسلم الحنطة في الشعير جائز عن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قلت: مبنى عقد السلم على المضايقة لتوقف الجواز على شرائط لم يتوقف عليها مطلق البيع فلا يلزم من تأثير الضعيف فيه تأثيره فيما بني على التوسع. م: (أو لأنه) ش: أي ولأن الفساد م: (باعتبار شبهة الربا) ش: فلو اعتبرنا تلك الشبهة في الجارية التي ضمت إلى المشتراة الكفارة اعتبرنا شبهة الشبهة، والمعتبر الشبهة لا شبهة الشبهة، وبيان ذلك ما ذكره الإمام قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو أن المسألة الأولى إنما لم يصح شراء ما باع بأقل مما باع لشبهة الربا، وذلك لأن الألف وإن وجب البائع بالعقد الأول لكنها على شرف السقوط لاحتمال أن يجد المشتري بها عيبا فيرده فيسقط الثمن عن المشتري، وبالبيع الثاني يقع الأمن عنه فيصير البائع بالعقد الثاني مشتريا ألفا بخمسمائة من هذا الوجه. والشبهة ملحقة في الحقيقة في باب الربا احتياطا م: (أو لأنه) ش: أي أو لأن الفساد م: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 176 طارئ لأنه يظهر بانقسام الثمن أو المقاصة فلا يسري إلى غيرها. قال: ومن اشترى زيتا على أن يزنه بظرفه فيطرح عنه مكان كل ظرف خمسين رطلا، فهو فاسد، وإن اشترى على أن يطرح عنه بوزن الظرف جاز، لأن الشرط الأول لا يقتضيه العقد والثاني يقتضيه   [البناية] (طارئ) ش: فلا يتعدى إلى الآخر م: (لأنه) ش: أي لأن الفساد م: (يظهر بانقسام الثمن) ش: وحاصل الكلام أن لظهور الفساد في المشتراة وجهين: أحدهما: انقسام الثمن. والآخر: هو قوله م: (أو المقاصة) ش: أما بيان انقسام الثمن فيما قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أو لأنه طارئ يعني أن فساد العقد في البعض إنما يؤثر في الباقي إذا كان المفسد مقارنا، وهاهنا طارئا لأنه ما شرط في العقد أن يكون بإزاء ما باعه بأقل من الثمن الأول بل جعل كل الثمن بمقابلة الجاريتين، ثم ينقسم الثمن إذا وقعت المقاصة بين الثمن الثاني والأول ويبقى من الثمن الأول فضل يستحق الفساد، والمقاصة تقع عقيب وجوب الثمن على البائع الأول بالعقد الثاني فيكون طارئا. وأما بيان المقاصة فلأنه لما باعها بألف ثم اشتراها قبل نقد الثمن بخمسمائة فتقاصا خمسمائة بخمسمائة مثلها، بقي للبائع خمسمائة أخرى مع الجارية، والمقاصة تقع يجب عقيب وجوب الثمن على البائع بالعقد الثاني فيفسد عندها وذلك لا شك في طرفه م: (فلا يسري إلى غيرها) ش: أي فلا يسري الفساد إلى غير المشتراة، كما إذا باع عبدين وفي أحدهما أجل إلى الحصاد، أو جمع بين عبد ومدبر وباعهما فإن البيع لا يفسد في القن ولا في المدبر لأجل فيه. وقاله شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مبسوطه" في هذه المسألة. فإن قيل: ينبغي أن يجعل مقابلة ما باع مثل الثمن الأول احتياطا لتصحيح العقد قلنا: هذا الوجه غير متعين فإنه وإن جعل بمقابلته أكثر من الثمن الأول يجوز العقد أيضا، وعند المقاصة لا يترجح البعض على البعض من غير دليل وفيه نوع تأمل. فإن قيل: ينبغي أن يفسد العقد في الآخر لأن قبول العقد في ذلك شرط لقبول العقد في الآخر وهو شرط فاسد كما هو مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في نظائرها. قلنا: قبول العقد فيه ليس بشرط فاسد، ألا ترى أنه لو كان ثمنه مثل الثمن الأول أو خلاف جنس الثمن الأول كان صحيحا، وإنما الفساد لأجل الربح الحاصل لا على ضمانه، وهذا المعنى يقتصر على العبد الذي باعه ولا يتعدى إلى العقد في العبد الثاني. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى زيتا على أن يزنه بظرفه فيطرح عنه مكان كل ظرف خمسين رطلا فهو فاسد، وإن اشترى على أن يطرح عنه) ش: أي يطرح البائع عن المشتري م: (بوزن الظرف جاز) ش: أي البيع م: (لأن الشرط الأول لا يقتضيه العقد) ش: فإن مقتضاه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 177 قال: ومن اشترى سمنا في زق، فرد الظرف وهو عشرة أرطال، فقال البائع: الزق غير هذا وهو خمسة أرطال فالقول قول المشتري، لأنه إن اعتبر اختلافا في تعيين الزق المقبوض، فالقول قول القابض ضمينا كان أو أمينا، وإن اعتبر اختلافا في السمن فهو في الحقيقة اختلاف في الثمن، فيكون القول قول المشتري لأنه ينكر الزيادة. قال: وإذا أمر المسلم نصرانيا ببيع خمر أو   [البناية] أن يطرح عنه وزن الظرف ما يوجد، وعسى أن يكون وزنه أقل من ذلك أو أكثر، يشترط مقدار معين مخالف لمقتضاه، وأيضا ففيه نفع لأحد المتعاقدين من قبل أن وزن الظرف لو كان أقل من خمسين يجب تكميله فيخرج عن البيع بعض الزيت ولا يدرك ما مقداره، وإن كان وزن الظرف أكثر وجب ضم نفس الظرف إلى الزيت ولا يدري كم يكون. م: (والثاني) ش: أي الشرط الثاني وهو طرح وزن الظرف م: (يقتضيه) ش: أي العقد لأن طرح الظرف بوزنه شرط يوجبه العقد لأن الظرف غير مبيع وطرح وزن الظرف واجب فيكون شرطا ملائما للعقد فلا يفسد العقد به، كذا في " جامع البزدوي ". م: (قال: ومن اشترى سمنا في زق فرد الظرف، وهو عشرة أرطال، فقال البائع: الزق غير هذا وهو خمسة أرطال) ش: صورة المسألة في " الجامع "، محمد عن يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رجل اشترى من رجل السمن الذي في هذا الزق، كل رطل بدرهم فوزن له السمن والزق فبلغ مائة رطل وقبضه المشتري ثم جاء فقال وجدت السمن تسعين رطلا والزق هذا وزنه عشرة أرطال، وقال البائع: الزق غير هذا وزنه خمسة أرطال والسمن خمسة وتسعون رطلا، قال: هذا جائز م: (فالقول قول المشتري) ش: أي مع يمينه إذا لم يقم البائع البينة. م: (لأنه) ش: أي لأن هذا الاختلاف م: (إن اعتبر اختلافا في تعيين الزق المقبوض فالقول قول القابض ضمينا كان) ش: كالغاصب م: (أو أمينا) ش: كالمودع م: (وإن اعتبر اختلافا في السمن فهو في الحقيقة اختلاف في الثمن، فيكون القول قول المشتري لأنه ينكر الزيادة) ش: والقول قول المنكر مع يمينه. فإن قيل: الاختلاف في الثمن يوجب التحالف فما وجه المعدول إلى الحلف؟ أجيب: بأن موجبه إذا كان قصدا وهذا ضمني لوقوعه في ضمن الاختلاف في الزق، والفقه فيه أن الاختلاف الابتدائي في الثمن إنما يوجب التحالف ضرورة أن كل واحد منهما يدع خلاف عقد الآخر، وأما الاختلاف بناء على اختلافهما في الزق فلا يوجب الاختلاف في العقد فلا يوجبه. [أمر المسلم نصرانيا ببيع الخمر أو بشرائها ففعل] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا أمر المسلم نصرانيا ببيع الخمر أو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 178 بشرائها ففعل ذلك، جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا يجوز على المسلم. وعلى هذا الخلاف الخنزير، وعلى هذا توكيل المحرم غيره ببيع صيده. لهما، أن الموكل لا يليه فلا يوليه غيره؛ لأن ما يثبت للوكيل ينتقل إليه فصار كأنه باشره بنفسه فلا يجوز. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن العاقد هو الوكيل بأهليته وولايته، وانتقال الملك إلى الآمر أمر حكمي فلا يمتنع بسبب الإسلام، كما إذا ورثهما. ثم إن كان خمرا يخللها وإن كان خنزيرا يسيبه.   [البناية] بشرائها ففعل ذلك جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا يجوز على المسلم) ش: يعني يبطل ولا ينفذ على المسلم، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (وعلى هذا الخلاف الخنزير) ش: إذا وكل المسلم نصرانيا ببيع خنزير أو شرائه م: (وعلى هذا) ش: الخلاف م: (توكيل المحرم) ش: آخر م: (غيره ببيع صيده. لهما) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أن الموكل لا يليه) ش: أي لا يلي الذي أمره للنصراني م: (فلا يوليه غيره) ش: لأن المسلم لا يملك بنفسه فلا يملك غيره. لأن تمليك ما لا يملك لا يجوز كنكاح المجوسية م: (ولأن ما يثبت للوكيل ينتقل إليه) ش: أي إلى الموكل م: (فصار كأنه باشره بنفسه فلا يجوز) ش: فمباشرته بنفسه لا يجوز فكذا توكيله به م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن العاقد هو الوكيل بأهليته) ش: لأن النصراني أهل لمباشرة ذلك م: (وولايته) ش: أي وولاية العاقد ذلك م: (وانتقال الملك إلى الآمر أمر حكمي) ش:. جواب: عن قولهما كما ثبت للوكيل ينتقل إلى الموكل بيانه: أن انتقال الملك إلى الآمر وهو الموكل حكمي، يعني جبري لا اختياري فلذلك لم يجعل كالمباشر بنفسه م: (فلا يمتنع بسبب الإسلام كما إذا ورثهما) ش: أي كما إذا ورث المسلم الخمر والخنزير بأن كان أبو المسلم نصرانيا أسلم وترك خمرا وخنزيرا فصار كمسلم له عبد نصراني مأذون أو مكاتب اشترى خمرا صح وثبت الملك للمولى. فإن قلت: الوراثة أمر جبري والتوكيل اختياري. فأنى يتشابهان؟ أجيب بأن ثبوت الحكم أعني الملك للموكل بعد تحقق العلة أعني مباشرة الوكيل جبري، لذلك يثبت بدون اختياره شاء أو أبى في غير هذه الصورة بالاتفاق كما في الموت. م: (ثم) ش: لما صح شراء الوكيل م: (إن كان) ش: الموكل به م: (خمرا يخللها) ش: الموكل م: (وإن كان خنزيرا يسيبه) ش: لكن قالوا: هذه الوكالة مكروهة أشد الكراهة. وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فعلى قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما جاز البيع ينبغي للمسلم أن يتصدق بالثمن، وأما قولهما: إن الموكل لا يليه فلا يوليه غيره منقوض بمسائل منها: إن رجلا لو وكل غيره بشراء عبد بعينه فوكل هذا الوكيل غيره بشراء ذلك يجوز الجزء: 8 ¦ الصفحة: 179 قال: ومن باع عبدا على أن يعتقه المشتري أو يدبره أو يكاتبه أو أمة على أن يستولدها، فالبيع فاسد؛ لأن هذا بيع وشرط، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع وشرط، ثم جملة المذهب فيه أن يقال: كل شرط يقتضيه العقد، كشرط الملك للمشتري لا يفسد العقد   [البناية] ويثبت الملك للوكيل ولا يملك هو أن يشتريه لنفسه، ومنها أن القاضي إذا أمر ذميا ببيع خمر أو خنزير خلفه ذمي آخر يصح والقاضي لا يملك التصرف بنفسه. ومنها، أن الذي إذا وصى إلى مسلم وقد ترك خمرا أو خنزيرا فإن الموصي يوكل ذميا بالبيع والقسمة وهو لا يلي ذلك بنفسه، وفي "الجنازية" المريض مرض الموت لو باع بما يتغابن في مثله وعليه ديون مستغرقة لا يجوز، ومن وصيه يجوز بعد موته، وكذا لا يبيع الإمام عروض الولد ووصيها يبيع العروض التي هي من ميراثها، والقياس على تزويج المجوسي مدفوع لأن حقوق العقد في باب النكاح راجعة إلى الموكل لا إلى الوكيل لأنه سفير وفي باب الشراء والبيع على العكس. [باع عبدا على أن يعتقه المشتري أو يدبره أو يكاتبه] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره ": م: (ومن باع عبدا على أن يعتقه المشتري أو يدبره أو يكاتبه، أو أمة) ش: أي أو باع أمة م: (على أن يستولدها، فالبيع فاسد؛ لأن هذا بيع وشرط، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع وشرط» ش: وفي بعض النسخ، وقد «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع وشرط» وهذا رواه أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن "النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع وشرط» . ومطلق النهي يقتضي الفساد ولا خلاف في هذه الجملة بيننا وبين الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا في شرط العتق فعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز ذلك وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كذا في " شرح الأقطع ". واختلف الفقهاء في البيع والشرط على ثلاثة أقوال قال أصحابنا: البيع والشرط كلاهما باطلان. وقال ابن أبي ليلى: البيع جائز والشرط باطل. وقال ابن شبرمة: البيع والشرط كلاهما جائزان. م: (ثم جملة المذهب فيه) ش: أي الجملة الكلية والأصل الشامل بفروع أصحابنا م: (أن يقال: كل شرط يقتضيه العقد) ش: أي يجب بالعقد من غير شرط م: (كشرط الملك للمشتري) ش: وشرط تسليم الثمن أو المبيع أو شرط حبس المبيع لاستيفاء الثمن م: (لا يفسد العقد) ش: لأن كل هذه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 180 لثبوته بدون الشرط، وكل شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين، أو للمعقود عليه، وهو من أهل الاستحقاق يفسده كشرط أن لا يبيع المشتري العبد المبيع؛ لأن فيه زيادة عارية عن العوض فيؤدي إلى الربا،   [البناية] تثبت بمطلق العقد م: (لثبوته بدون الشرط) ش: أي لثبوت مطلق العقد بدون هذا الشرط وذكره لا يفيد إلا تأكيدا م: (وكل شرط لا يقتضيه العقد وفيه) ش: أي والحال أن فيه م: (منفعة لأحد المتعاقدين) ش: بأن اشترى حنطة على أن يطحنها البائع أو ثوبا على أن يخيطه أو باع عبدا على أن يخدمه البائع شهرا مثلا ولو شرطا لا يقتضيه العقد، ولكن ورد الشرع بجوازه كالأجل، والخيار رخصة وتيسيرا فإنه لا يفسد العقد لأنه لما ورد الشرع به دل على أنه من باب المصلحة دون المفسدة والقياس أن يفسد، ولكن أخذنا بالاستحسان للحديث الوارد في باب الخيار ولو شرط شرطا أن يعطي لا يقتضيه العقد ولا ورد الشرع به لكنه يلائم العقد ويوافقه نحو أن يشتري، بشرط البائع كفيلا بالثمن أو رهنا بالثمن ولم يعين الكفيل ولا أشار إلى أحد فالبيع فاسد. وكذلك إذا لم يسم الرهن ولا أشار إليه وإذا عينها بالإشارة أو التسمية فالقياس أن لا يجوز البيع أيضا. وبه أخذ زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " الاستحسان ": يجوز وهو الصحيح والشرط في صحة اشتراط الكفالة حضور الكفيل في المجلس وقبوله، وإذا كان غائبا لا يجوز وإحضار الرهن في المجلس ليس بشرط. وما لم يسلم الرهن إلى البائع لا يثبت فيه حكم الرهن، فإن امتنع عن التسليم لا يجبر عليه، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجبر لكن عندنا يقال المشتري: إما أن تدفع الرهن أو قيمته أو تدفع الثمن أو تفسخ البيع. فإن لم يقبل المشتري شيئا من ذلك فللبائع أن يفسخ البيع لأنه فات غرضه، ثم إنه قال: وفيه منفعة لأحد المتعاقدين لأنه إذا كان في الشرط ضرر لأحدهما بأن باع ثوبا أو حيوانا سوى الرقيق بشرط أن لا يبيعه ولا يهبه، ذكر في المزارعة الكبيرة أنه لا يفسد بهذا الشرط. روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يفسد والأول هو الصحيح م: (أو للمعقود عليه) ش: أي أو في الشرط منفعة للمعقود عليه. م: (وهو) ش: أي المعقود عليه م: (من أهل الاستحقاق) ش: أي من أهل أن يستحق حقا على الغير وهو الآدمي، وقال بعض الشراح: من أهل الاستحقاق أي من أهل الخصومة وليس هذا إلا الآدمي م: (يفسده) ش: جواب قوله: وكل شرط لا يقتضيه العقد، أي يفسد العقد م: (كشرط أن لا يبيع المشتري العبد المبيع؛ لأن فيه) ش: أي في هذا الشرط م: (زيادة عارية عن العوض فيؤدي إلى الربا) ش: لأن الربا عبارة عن فضل حال عن المعوض. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 181 أو لأنه يقع بسببه المنازعة فيعرى العقد عن مقصوده، إلا أن يكون متعارفا لأن العرف قاض على القياس، ولو كان لا يقتضيه العقد، ولا منفعة فيه لأحد، لا يفسده، وهو الظاهر من المذهب   [البناية] هذا الشرط حال عن عوض لأن العاقدين تقابلا العوض مع المعوض والشرط الذي شرطاه ليس في مقابلته عوض، وفيه معنى المال ولهذا يجوز أخذ المعوض عن الشرط ولم يعوض عنه بشيء في العقد فكان ربا ولهذا يجاب عما يقال: لا تطلق الزيادة إلا على المجانس للمزيد عليه والشرط منفعة فكيف يكون ربا؟ م: (أو لأنه) ش: أي ولأن هذا الشرط م: (يقع بسببه المنازعة) ش: لأنه ذريعة إلى وقوع النزاع لتمكن المطالبة بينهما بهذا الشرط م: (فيعرى العقد عن مقصوده) ش: أي مقصود العقد أي منه وهو التملك والتمليك وقيل المقصود من العقد قطع المنازعة. وقال الأترازي: مقصود العقد هو الاسترباح م: (إلا أن يكون متعارفا) ش: هذا استثناء من قوله يفسده، أي إلا أن يكون الشرط متعارفا بين الناس، كما لو اشترى نعلا أو شراكين بشرط أن يحدده البائع فلا يفسد به البيع م: (لأن العرف قاض على القياس) ش: لأن الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي، وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» أو ثابت بالإجماع، فيكون العرف راجحا على القياس إما بالنص أو بالإجماع ولأن التورع من العادة الظاهرة حرج بين، والحرج مدفوع الكل. وفي " المبسوط " لا يقال فساد البيع بشرط ثابت بالحديث، والعرف ليس بقاض عليه لأنه معلوم بوقوع النزاع المخرج للعقد عن المقصود به وهو قطع المنازعة والعرف ينفي النزاع فكان موافقا لمعنى الحديث. م: (ولو كان) ش: أي الشرط م: (لا يقتضيه العقد ولا منفعة فيه لأحد لا يفسده) ش: أي لا يفسد العقد لأن الشرط يلغو أو يصح العقد م: (وهو الظاهر من المذهب) ش: يعني عدم فساد العقد وآخر الشرط هو الظاهر من مذهبنا، واحترز به عما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 182 كشرط أن لا يبيع المشتري الدابة المبيعة؛ لأنه انعدمت المطالبة، فلا يؤدي إلى الربا ولا إلى المنازعة، إذا ثبت هذا نقول: هذه الشروط لا يقتضيها العقد لأن قضيته الإطلاق في التصرف والتخيير لا الإلزام حتما، والشرط يقتضي ذلك وفيه منفعة للمعقود عليه، والشافعي وإن كان يخالفنا في العتق ويقيسه على بيع العبد نسمة، فالحجة عليه ما ذكرناه، وتفسير البيع نسمة أن يباع ممن يعلم أنه يعتقه لأن يشترط فيه،   [البناية] حيث قال: يبطل العقد، ثم ذكر صورة هذا بقوله م: (كشرط أن لا يبيع المشتري الدابة المبيعة لأنه انعدمت المطالبة) ش: أي من الدابة لأنه لا يطالبه بهذا الشرط م: (فلا يؤدي إلى الربا ولا إلى المنازعة) ش: فكان الشرط لغوا. م: (إذا ثبت هذا) ش: يعني ما ذكره في أول المسألة بقوله: ومن باع عبدا على أن يعتقه المشتري أو يدبره أو يكاتبه أو أمة على أن يستولدها، فالبيع فاسد م: (نقول هذه الشروط) ش: أي الإعتاق والتدبير والكتابة، والاستيلاد م: (لا يقتضيها العقد لأن قضيته) ش: أي قضية العقد م: (الإطلاق في التصرف والتخيير) ش: أي إطلاق التصرف في المبيع للمشتري باختياره كيف شاء من غير تقييد تصرف دون تصرف م: (لا الإلزام حتما) ش: أي دون الإلزام على تصرف واحد على سبيل الحتم، أي الوجوب والشرط يقتضي الإلزام حتما وبينهما منافاة ظاهرة وهو معنى قوله م: (والشرط يقتضي ذلك) ش: أي الإلزام م: (وفيه) ش: أي في هذا الشرط أيضا. م: (منفعة للمعقود عليه) ش: وقد بيناه فيما مضى م: (والشافعي، وإن كان يخالفنا في العتق) ش: حيث يقول بيع الرقيق بشرط العتق يجوزه، لكن هذا في قول منه، وفي " شرح الوجيز " في بيع الرقيق بشرط العتق قولان: أحدهما أنه لا يصح. وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية الحسن وفي قول الشرط باطل والبيع جائز م: (ويقيسه) ش: أي الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقيس هذا م: (على بيع العبد نسمة) ش: ومعناه يأتي الآن لأن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره، وقال الأترازي: انتصاب نسمة على الحالة على معنى معرضا للعتق، وذلك أن القسمة لما ذكرها في مثل قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، «فك رقبة وعتق النسمة» صارت كأنها اسم لما هو معرض للعتق فعوملت معاملة الأسماء المتضمنة لمعنى الأفعال، كذا قال المطرزي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والنسمة النفس مشتقة من نسيم الريح. م: (فالحجة عليه) ش: أي على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ما ذكرناه) ش: وهو «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن بيع وشرط» وقد مضى م: (وتفسير البيع نسمة أن يباع ممن يعلم أنه يعتقه لأن يشترط) ش: أي العتق م: (فيه) ش: أي في العبد، وقال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 183 فلو أعتقه المشتري بعدما اشتراه بشرط العتق، صح البيع حتى يجب عليه الثمن، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: يبقى فاسدا حتى تجب عليه القيمة؛ لأن البيع قد وقع فاسدا فلا ينقلب جائزا، كما إذا تلف بوجه آخر، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن شرط العتق من حيث ذاته لا يلائم العقد على ما ذكرناه، ولكن من حيث حكمه يلائمه لأنه منه للملك والشيء بانتهائه يتقرر، ولهذا لا يمنع العتق الرجوع بنقصان العيب، فإذا تلف من وجه آخر لم تتحقق الملائمة   [البناية] ويقيسه على بيع العبد نسمة غير مستقيم على ما ذكره في " المبسوط " من تفسير الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بيع العبد نسمة حيث قال من جانب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأن الشراء بشرط الإعتاق متعارف بين الناس لأن بيع العبد نسمة متعارف في الوصايا وغيرها. ثم قال: وتفسيره البيع بشرط العتق وكان بيع العبد نسمة على ذلك التفسير عن البيع بشرط العتق، فحينئذ يلزم قياس الشيء على نفسه وذلك باطل، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يمكن أن يجاب عنه. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كيف صح تفسير المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - البيع نسمة، صح قياس الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - البيع بشرط العتق عليه لأن المقيس والمقيس عليه غيران أما على ما قال صاحب المبسوط فلا وجه له لأن المقيس هو المقيس عليه بعينه. م: (فلو أعتقه المشتري) ش: أي فلو أعتق العبد المشتري الذي شرط عتقه البائع في العقد م: (بعدما اشتراه بشرط العتق صح البيع حتى يجب عليه الثمن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال: يبقى فاسدا) ش: كما كان م: (حتى تجب عليه القيمة؛ لأن البيع قد وقع فاسدا فلا ينقلب جائزا، كما إذا تلف بوجه آخر) ش: بأن مات أو قتله أو باعه، وفي " المبسوط " قولهما قياس. وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال في " التحفة " لو أعتقه قبل القبض لم ينفذ عتقه وإن أعتقه بعد القبض عتق فانقلب العقد جائزا استحسانا، في قول: أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال لا ينقلب العقد جائزا إذا أعتقه حتى يجب عليه قيمة العبد، ووجوب الثمن دليل الجواز ووجوب القيمة دليل الفساد. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن شرط العتق من حيث ذاته لا يلائم العقد على ما ذكرناه) ش: إشارة إلى قوله لأن قضية الإطلاق في التصرف م: (ولكن من حيث حكمه يلائمه لأنه) ش: أي لأن العتق م: (منه للملك والشيء بانتهائه يتقرر ولهذا) ش: إيضاح لقوله والشيء بانتهائه يتقرر م: (لا يمنع العتق الرجوع بنقصان العيب) ش: يستدل به على أن العتق مقرر للملك ومتمم له، إذ لو كان مزيلا لمنع الرجوع بالنقصان كالعيب. م: (فإذا تلف من وجه آخر لم يتحقق الملائمة) ش: لأنه يقرر الفساد لصورة الشرط دون الجزء: 8 ¦ الصفحة: 184 فيتقرر الفساد، وإذا وجد العتق تحققت الملائمة فيترجح جانب الجواز، فكان الحال قبل ذلك موقوفا. قال: وكذلك لو باع عبدا على أن يستخدمه البائع شهرا، أو دارا على أن يسكنها، أو على أن يقرضه المشتري درهما، أو على أن يهدي له هدية؛ لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين، ولأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن بيع وسلف. ولأنه لو كان الخدمة والسكنى يقابلهما شيء من الثمن يكون إجارة في بيع، ولو كان لا يقابلهما يكون إعارة في بيع، وقد نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صفقتين في صفقة.   [البناية] الحكم وهو معنى قوله م: (فيتقرر الفساد، وإذا وجد العتق تحققت الملائمة) ش: باعتبار الملائمة بالعتق م: (فيترجح جانب الجواز) ش: على جانب الفساد م: (فكان الحال قبل ذلك موقوفا) ش: أي كان حال العقد موقوفا قبل الإعتاق بين بقائه فاسدا أو انقلابه إلى الجواز بالإعتاق، فلما وجد الإعتاق ترجح جانب الجواز فانقلب جائزا. > م: (قال) ش: أي القدوري م: (وكذلك) ش: يفسد م: (لو باع عبدا على أن يستخدمه البائع شهرا أو دارا على أن يسكنها، أو على أن يقرضه المشتري درهما، أو على أن يهدي له هدية) ش: فالبيع فاسد م: (لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين، ولأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «نهى عن بيع وسلف» ش: هذا الحديث رواه أصحاب السنن الأربعة إلا ابن ماجه اختصره من حديث عبد الله بن عمر، وابن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك.» وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حديث حسن صحيح ورواه محمد بن الحسن الشيباني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " الآثار " وفسره. وقال: أما السلف والبيع فالرجل يقول للرجل أبيعك عبدي هذا بكذا أو كذا على أن تقرضني كذا وكذا، وأما الشرطان في البيع فالرجل يبيع الشيء بألف حالا ومؤجلا بألفين، وأما ربح ما لم يضمن فالرجل يشتري الشيء فيبيعه قبل أن يقبضه بربح م: (ولأنه لو كان الخدمة والسكنى يقابلهما شيء من الثمن يكون إجازة في بيع، ولو كان لا يقابلهما) ش: يعني شيئا من الثمن م: (يكون إعارة في بيع) ش: وكل ذلك فاسد. م: (وقد «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صفقتين في صفقة» ش: هذا الحديث رواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 185 قال: ومن باع عينا على أن لا يسلمه إلى رأس الشهر فالبيع فاسد؛ لأن الأجل في المبيع العين باطل، فيكون شرطا فاسدا، وهذا لأن الأجل شرع ترفيها فيليق بالديون دون الأعيان.   [البناية] في مسنده بإسناده إلى عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صفقتين في صفقة» . قال أسود بن عامر أحد رواة الحديث - قال شريك هو الآخر من رواته هو أن يبيع الرجل بيعا فيقول: هذا نقد بكذا ونسيئة بكذا، وروى العقيلي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من طريق سماك مرفوعا «الصفقة في الصفقتين ربا» وروى الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيعين» والصفقة في اللغة ضرب اليد على اليد في البيع كذا ذكره في مجمل اللغة، ويراد بها في العقد لأن أحد المتعاقدين يضع يده على يد الآخر إذا أراد العقد، وروى الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيعتين في بيعة» . قال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال بعض أهل العلم أن يقول الرجل: أبيعك هذا الثوب نقدا بعشرة ونسيئة بعشرين فلا مفارقة على أحد البيعتين، فإذا فارقه على أحدهما فلا بأس إذا كانت العقدة على واحد منهما، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومعنى «نهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيعتين في بيعة» أن يقول أبيعك داري هذه بكذا على أن تبيعني غلامك بكذا، فإذا وجب لي غلامك وجبت لك داري وهذا تفارق عن بيع بثمن معلوم، ولا يدري كل واحد منهما على ما وقعت عليه صفقته، انتهى. وبقولنا قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا شرط من منافع المبيع يسير السكنى في الدار يوما صح، وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أما شرط سكنى الدار يوما أو يومين لم يفسده بعدم الإفضاء إلى المنازعة ظاهرا، وقال ابن أبي ليلى وإبراهيم النخعي والحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ - البيع جائز والشرط فاسد، وقال ابن شبرمة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: البيع صحيح والشرط صحيح وإليه ذهب الأوزاعي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في بيع الدار بشرط سكناها وبيع دابة بشرط ظهرها. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن باع عينا على أن لا يسلمه إلى رأس الشهر، فالبيع فاسد؛ لأن الأجل في المبيع العين باطل فيكون شرطا فاسدا) ش: وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكذا في الثمن المعين عنده لا يصح تأجيله لعدم الفائدة، واحترز بالبيع المعين إذا كان المبيع دينا كالمسلم فيه، فإن الأجل فيه صحيح م: (وهذا) ش: أي بطلان الأجل في المبيع المعين م: (لأن الأجل شرع ترفيها) ش: أي تيسيرا م: (فيليق بالديون دون الأعيان) ش: لأن الدين غير حاصل فكان الأجل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 186 قال: ومن اشترى جارية إلا حملها فالبيع فاسد، والأصل أن ما لا يصح إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه من العقد، والحمل من هذا القبيل، وهذا لأنه بمنزلة أطراف الحيوان لاتصاله به خلقة وبيع الأصل يتناولها، فالاستثناء يكون على خلاف الموجب فلم يصح فيصير شرطا فاسدا، والبيع يبطل به. والكتابة والإجارة والرهن بمنزلة البيع لأنها تبطل بالشروط الفاسدة، غير أن المفسد في الكتابة ما يتمكن في صلب العقد منها،   [البناية] فيه اتباع المدة التي يتمكن المشتري من تحصيله فيها بالكسب، أما المعين فحاصل فلا حاجة فيها إلى ذكر الأجل للترفيه. [اشترى جارية إلا حملها] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن اشترى جارية إلا حملها فالبيع فاسد) ش: وبه قال الشافعي في الأصح م: (والأصل) ش: أي في هذا م: (أن ما لا يصح إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه من العقد، والحمل من هذا القبيل) ش: فإن الجنين ما دام في بطن أمه فهو في حكم جزء منها، كاليد والرجل ألا ترى أنه يقطع عنها بالمقراض. وأجزاء الحيوان لا تقبل العقد مقصودا فلا يكون مقصودا بالاستثناء، وهذا لأن الجنين في البطن مجهول لا يدرى أذكر أم أنثى أو خنثى واحد أو أكثر م: (وهذا) ش: أي كون الجنين من هذا القبيل م: (لأنه بمنزلة أطراف الحيوان) ش: كما ذكرنا وذلك م: (لاتصاله به خلقة) ش: أي لاتصال الجنين بالأم من حيث الخلقة. م: (وبيع الأصل يتناولها) ش: أي يتناول الأطراف، وفي بعض النسخ يتناولهما أي يتناول الأم والحمل، وفي بعض النسخ يتناوله أي يتناول الحمل فإذا كان كذلك م: (فالاستثناء يكون على خلاف الموجب) ش: أي موجب العقد لأن العقد يوجب أن يكون الحمل بيعا غير مقصود م: (فلم يصح فيصير شرطا فاسدا والبيع يبطل به) ش: أي بالشرط الفاسد م: (والكتابة والإجارة والرهن بمنزلة البيع) ش: ذكر هذه المسألة تفريعا لمسألة القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذلك نحو ما إذا كاتب عبده على جارية إلا حملها أو أجر داره على جارية إلا حملها أو رهن جارية إلا حملها، ففي الكل يفسد العقد كما يفسد البيع م: (لأنها) ش: أي لأن الكتابة والإجارة والرهن. م: (تبطل بالشروط الفاسدة، غير أن المفسد في الكتابة) ش: استثناء من قوله: تبطل بالشروط الفاسدة، يعني هذه الأشياء الثلاثة تبطل بالشروط الفاسدة إلا أن المفسد أي الشرط المفسد في الكتابة م: (ما يتمكن في صلب العقد منها) ش: أي من الشروط المفسدة، كالكتابة على الخمر والخنزير أو على قيمته من حيث دخل في البدل، وأما إذا لم يكن في صلب العقد منها كما إذا شرط على المكاتب أن لا يخرج من اليد فله أن يخرج، والعقد صحيح لأن الكتابة تشبه البيع انتهاء لأنه مال في حق المولى ولا يصح إلا ببدل معلوم، ويحتمل الفسخ ابتداء. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 187 والهبة والصدقة والنكاح والخلع والصلح عن دم العمد لا تبطل باستثناء الحمل، بل يبطل الاستثناء لأن هذه العقود لا تبطل بالشروط الفاسدة، وكذا الوصية لا تبطل به لكن يصح الاستثناء حتى يكون الحمل ميراثا والجارية وصية؛ لأن الوصية أخت الميراث، والميراث يجري فيما في البطن، بخلاف ما إذا استثنى خدمتها لأن الميراث لا يجري فيها. ومن اشترى ثوبا على أن يقطعه البائع ويخيطه قميصا أو قباء، فالبيع فاسد؛ لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين، ولأنه يصير صفقة في صفقة.   [البناية] وما يشبه النكاح من حيث إنه ليس بمال في حق نفسه، ولا يحتمل الفسخ بعد تمام المقصود فألحقناه بالبيع في شرط تمكن في صلب العقد، وبالنكاح فيما إذا لم يتمكن منه. م: (والهبة والصدقة والنكاح والخلع والصلح عن دم العمد لا تبطل باستثناء الحمل، بل يبطل الاستثناء؛ لأن هذه العقود لا تبطل بالشروط الفاسدة) ش: لأن الفساد باعتبار إفضائه إلى الربا وذلك لا يتحقق إلا في المعاوضات وهذه تبرعات وإسقاطات، وصور هذه الأشياء بأن قال: وهبت هذه الجارية لك إلا حملها أو تصدقتها عليك إلا حملها أو حبلتها مهر أو بدل الخلع أو بدل الصلح عن دم العمد إلا حملها. فإن قلت: الهبة من قبل التمليكات ينبغي أن يفسد بالاستثناء. قلت: سلمنا ذلك ولكن عرفنا بالنص أن الشرط المفسد لا يفسدها، فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجاز العمرى وأبطل شرطه للمعمر حتى يصير العمرى لورثة الموهوب له لا لورثة المعمر إذا شرط عوده وصح العقد وبطل الاستثناء. م: (وكذا الوصية ولا تبطل به) ش: أي باستثناء الحمل م: (لكن يصح الاستثناء) ش: بأن قال: أوصيت بهذه الجارية لفلان إلا حملها م: (حتى يكون الحمل ميراثا والجارية وصية) ش: يعني يكون للموصي له م: (لأن الوصية أخت الميراث) ش: من حيث إن الملك في كل منهما يحصل بعد الموت م: (والميراث يجري فيما في البطن) ش: لأنه عين م: (بخلاف ما إذا استثنى خدمتها) ش: يعني أوصى بجارية لفلان واستثنى خدمتها، لا يصح الاستثناء وقيل بطل حتى تكون الجارية وخدمتها جميعا للموصى له. م: (لأن الميراث لا يجري فيها) ش: لأنها ليست بعين، وفي بعض النسخ لا يجري فيه ذكر ضمير الخدمة باعتبار المذكور م: (ومن اشترى ثوبا على أن يقطعه البائع ويخيطه قميصا أو قباء، فالبيع فاسد) ش: وهو من مسائل القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا خلاف فيه للأربعة. م: (لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين) ش: يعني للمشتري م: (ولأنه) ش: أي ولأن هذا العقد م: (يصير صفقة في صفقة) ش: يعني إجارة في بيع أو إعارة في بيع م: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 188 على ما مر. ومن اشترى نعلا على أن يحذوه البائع أو يشركه فالبيع فاسد. قال ما ذكره. جواب القياس ووجهه ما بينا، وفي الاستحسان يجوز للتعامل فيه فصار كصبغ الثوب، وللتعامل جوزنا الاستصناع.   [البناية] (على ما مر) ش: أشار به إلى قوله ولأنه لو كانت الخدمة والسكنى يقابلهما شيء من الثمن إلى آخره. م: (ومن اشترى نعلا على أن يحذوه البائع) ش: النعل الصرم تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه قال الجوهري: الصرم الجلد فارسي معرب، ومعنى يحذوها يجعلها مساويا للآخر م: (أو يشركه) ش: من التشريك وهو وضع الشراك وفي الصحاح: شركت نعلي جعلت له شراكا والتشريك عليه، والشراك هو أحد سيور النعل التي تكون على وجهها م: (فالبيع فاسد) ش: وهو القياس فلذلك قال المصنف بقوله م: (قال) ش: أي المصنف بقوله م: (ما ذكره) ش: أي ما ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله فالبيع فاسد. م: (جواب القياس ووجهه) ش: أي وجه القياس م: (ما بينا) ش: أراد به قوله: لأنه شرط لا يقتضيه العقد إلى آخره، وبالقياس قال زفر والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح م: (وفي الاستحسان يجوز للتعامل فيه فصار) ش: أي فصار جواز شراك النعل بشرط حذو البائع وتشريكه. م: (كصبغ الثوب) ش: أي كجواز صبغ الثوب، يعني لو استأجر صباغا ليصبغ ثوبه ففي القياس لا يجوز لأنه عقد على استهلاك العين وهو الصبغ والإجارة، بيع المنافع لا بيع العين وفي صبغه يلزم بيع العين ولهذا لا يجوز استئجار البقرة لشرب اللبن، وكذا ترك القياس في استئجار الحمام والظئر لأن فيهما استهلاك الماء واللبن م: (وللتعامل جوزنا الاستصناع) ش: مع أن القياس يأباه لأنه بيع العدوم. ومن أنواع التعامل ما ذكره في شرح الطحاوي ما لو اشترى صرما أي جلدا على أن يجوز البائع له خفا، أو اشترى قلنسوة بشرط أن يبطن له البائع من عنده، جاز البيع بهذا الشرط للتعادل. وفي " المبسوط " اشترى شاة بشرط أنها حامل فالعقد فاسد، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول وقال: في الأصح يصح وهو رواية الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال بعض أصحابه: القولان في غير الآدمي، أما في الجواري يصح قولا واحدا، وذكر هشام - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - اشترى جارية على أنها حامل يجوز البيع إلا أن يظهر أن المشتري يريدها للظورة فحينئذ يفسد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 189 قال: والبيع إلى النيروز والمهرجان وصوم النصارى وفطر اليهود، إذا لم يعرف المتبايعان ذلك فاسد لجهالة الأجل، وهي مفضية إلى المنازعة في البيع لابتنائه على المماكسة، إلا إذا كانا يعرفانه لكونه معلوما عندهما.   [البناية] وعن الهندواني - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو شرط الحبل من البائع لا يفسد لأن البائع يذكره على بيان العيب عادة، ولو وجد في المشتري يفسد لأنه ذكره على وجه اشتراط الزيادة. م: (قال والبيع إلى النيروز) ش: أصله النوروز ولكن لما لم يكن في أوزان العرب فيعول أبدلوا الواو ياء وهو يوم في طرف الربيع م: (والمهرجان) ش: معرب مهركان وهو يوم في طرف الخريف، وقال في "زيح كوشياء": النيروز أول يوم من فروردي ماه والمهرجان هو اليوم السادس عشر من مهرماه. قلت: "فروردي ماه" أول أشهر الفرس، و "مهرماه" هو الشهر السابع من السنة عندهم. م: (وصوم النصارى وفطر اليهود) ش: خص الصوم بالنصارى، والفطر باليهود لاحتمال أن يكون مبدأ صوم اليهود معلوما دون صومهم، ألا ترى أن التأجيل إذا كان إلى فطر النصارى بعدما شرعوا في صومهم يصح، لأن مدة صومهم بالأيام معلومة وهي خمسون يوما م: (إذا لم يعرف المتبايعان) ش: أي المشتري والبائع م: (ذلك) ش: أي وقت هذه الأشياء م: (فاسد) ش: خبر المبتدأ أعني قوله: والبيع إلى النيروز وما بعده عطف عليه والفساد م: (لجهالة الأجل) ش: لأن هذه الآجال ليست من آجال المسلمين، فإنهم لا يعرفون وقت ذلك عادة حتى لو كانت معلومة عند المتبايعين، جاز البيع بمنزلة الأهلة. م: (وهي) ش: أي جهالة الأجل م: (مفضية إلى المنازعة في البيع لابتنائه) ش: أي لابتناء البيع، وفي بعض النسخ لابتنائها، قال الأترازي " - رَحِمَهُ اللَّهُ - ": أنت الضمير الراجع إلى البيع على تأويل المعاوضة أو الصفقة، وما قيل الضمير راجع إلى المنازعة فليس بشيء م: (على المماكسة) ش: أي على المجادلة في النقصان والمماكسة موجودة في المبايعة إلى هذا الأجل لابتناء المبايعة على المماكسة م: (إلا إذا كانا) ش: استثناء من قوله: فاسد، أي إلا إذا كان المتباعيان م: (يعرفانه) ش: أي الأجل م: (لكونه معلوما عندهما) ش: لارتفاع الجهالة ومعرفة غيرهما لا يعتبر لأن الأجل حق لهما. وقال الفقيه أبو الليث في " شرح الجامع الصغير ": وفي قول ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - جاز البيع إلى هذه الآجال لأن التفاوت قليل، وقال فخر الدين قاضي خان في شرح الجامع الصغير، والتوكيل إلى هذه الأوقات يجوز لأن الكفالة عقد تبرع، ومبنى التبرع على المساهلة. ولهذا صحت الكفالة بالمجهول بأن قال ما كان لك على فلان فهو علي فجهالة الأجل فيها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 190 أو كان التأجيل إلى فطر النصارى بعد ما شرعوا في صومهم لأن مدة صومهم بالأيام معلومة، فلا جهالة فيه. قال: ولا يجوز البيع إلى قدوم الحاج، وكذلك إلى الحصاد والدياس والقطاف والجزاز، لأنها تتقدم وتتأخر، ولو كفل إلى هذه الأوقات جاز لأن الجهالة اليسيرة متحملة في الكفالة، وهذه الجهالة يسيرة مستدركة لاختلاف الصحابة فيها، ولأنه معلوم الأصل.   [البناية] إذا كانت يسيرة مستدركة، لا تمنع صحة الأجل ولو كانت غير مستدركة، كالكفالة إلى هبوب الريح أو إلى أن تمطر السماء صحت الكفالة ولا يصح الأجل ويكون حالا. م: (أو كان التأجيل إلى فطر النصارى بعدما شرعوا في صومهم لأن مدة صومهم بالأيام معلومة) ش: وهي خمسون يوما كما ذكرنا وإذا كانت معلومة م: (فلا جهالة فيه) ش: فلا مانع من الجواز م: (قال: ولا يجوز البيع إلى قدوم الحاج وكذلك إلى الحصاد) ش: أي قطع الزرع، ويجوز في الحاء الفتح والكسر م: (والدياس) ش: من الدوس وأصله دواس قلبت الواو بالانكسار ما قبلها، والدوس شدة وطء الشيء بالقدم وفي الحبوب أن يوطأ بقوائم الدواب. م: (والقطاف) ش: قطع العنب عن الكرم، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: القطاف بالفتح والقطف بالكسر عقود العنب م: (والجزاز) ش: بالزائين المعجمتين من جز الصوف وغيره إذا قطعه. قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والمراد هنا وقت جزاز النخل وبه صرح في " المبسوط "، وقال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": الجز آلة فيما يجز من الرطاب وكذلك جزاز النخل م: (لأنها) ش: أي لأن أوقات هذه الأشياء. م: (تتقدم وتتأخر) ش: وليس لها وقت معلوم قطعا وذلك باختلاف الحر والبرد. م: (ولو كفل إلى هذه الأوقات، جاز لأن الجهالة اليسيرة متحملة في الكفالة، وهذه الجهالة يسيرة مستدركة) ش: أي يمكن تداركها وإزالة جهالتها م: (لاختلاف الصحابة فيها) ش: أي في الحال المذكورة يعني البيع إليها فاسد عند عامة الصحابة، وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها أجازت البيع إلى العطاء، وروى البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " المعرفة " من طريق الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن عبد الكريم الخزري عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: لا تبيعوا إلى العطاء ولا إلى الدر ولا إلى الدياس. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إجازة عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - البيع إلى العطاء محمولة عندنا على أنها إنما أجازت، لأن الخلفاء لم يكونوا يخلفون الميعاد فلم يختلف. فأما بعد ذلك فقد تغير الأمر فصار من جنس ما يتقدم ويتأخر. م: (ولأنه معلوم الأصل) ش: أي ولأن الدين في الكفالة معلوم الأصل، وإنما المجهول وصفه وهو الأجل، والوصف تابع للأصل، والجهالة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 191 ألا ترى أنها تحتمل الجهالة في أصل الدين بأن تكفل بما ذاب على فلان، ففي الوصف أولى، بخلاف البيع، فإنه لا يحتملها في أصل الثمن، فكذا في وصفه بخلاف ما إذا باع مطلقا ثم أجل الثمن إلى هذه الأوقات، حيث جاز لأن هذا تأجيل في الدين، وهذه الجهالة فيه متحملة بمنزلة الكفالة، ولا كذلك اشتراطه في أصل العقد؛ لأنه يبطل بالشرط الفاسد. ولو باع إلى هذه الآجال ثم تراضيا بإسقاط الأجل قبل أن يأخذ الناس في الحصاد والدياس وقبل قدوم الحاج جاز البيع أيضا، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز لأنه وقع فاسدا فلا ينقلب جائزا، وصار كإسقاط الأجل في النكاح إلى أجل، ولنا أن الفساد للمنازعة، وقد ارتفع قبل تقرره، وهذه الجهالة في شرط زائد لا في صلب العقد، فيمكن إسقاطه بخلاف ما إذا باع   [البناية] في أصل العين متحملة، فنفي وصفه بطريق الأولى وهو معنى قوله م: (ألا ترى أنها) ش: أي أن الكفالة م: (تحتمل الجهالة في أصل الدين بأن تكفل بما ذاب) ش: أي بما وجب م: (على فلان ففي الوصف أولى) ش: لأن الوصف لا يفترق من الأصل، فإذا جاز في الأصل الذي هو الأعلى، ففي الوصف الذي هو الأدنى بالطريق الأولى م: (بخلاف البيع، فإنه لا يحتملها) ش: أي الجهالة م: (في أصل الثمن، فكذا في وصفه) ش: وهو الأجل إذ الوصف لا يخالف الأجل م: (بخلاف ما إذا باع مطلقا) ش: أي بدون ذكر الأجل م: (ثم أجل الثمن إلى هذه الأوقات حيث جاز، لأن هذا تأجيل في الدين، وهذه الجهالة فيه متحملة بمنزلة الكفالة ولا كذلك اشتراطه) ش: أي اشتراط التأجيل م: (في أصل العقد لأنه) ش: أي لأن العقد م: (يبطل بالشرط الفاسد، ولو باع إلى هذه الآجال ثم تراضيا) ش: أي المتعاقدان م: (بإسقاط الأجل قبل أن يأخذ الناس في الحصاد والدياس، وقبل قدوم الحاج جاز البيع أيضا) ش: وقوله لو باع إلى قوله جاز البيع، من كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقوله أيضا من كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه قال قبل هذا: بخلاف ما إذا باع مطلقا ثم أجل الثمن إلى هذه الأوقات حيث جاز. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز) ش: أي لا ينقلب إلى الجواز، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الأصح م: (لأنه وقع فاسدا فلا ينقلب جائزا) ش: بإسقاط المفسد م: (وصار كإسقاط الأجل في النكاح إلى أجل) ش: يعني في النكاح المؤقت بقول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا على أصلكم لا يصح النكاح إذا أسقط الوقت، وكذا في المسألة المتنازع فيها، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - النكاح إلى أجل جائز والشرط باطل، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا استدلال من جانب زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - بما لم يقل به وهو ليس على ما يبقى م: (ولنا أن الفساد) ش: في البيع المذكور م: (للمنازعة وقد ارتفع قبل تقرره) ش: أي قبل تقرر الفساد. م: (وهذه الجهالة في شرط زائد) ش: وهو جهالة الأجل المفضي إلى المنازعة المانعة من التسليم والتسلم م: (لا في صلب العقد) ش: وهو أحد البدلين م: (فيمكن إسقاطه بخلاف ما إذا باع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 192 الدرهم بالدرهمين ثم أسقطا الدرهم الزائد؛ لأن الفساد في صلب العقد، وبخلاف النكاح إلى أجل لأنه متعة وهو عقد غير عقد النكاح، وقوله في الكتاب: ثم تراضيا خرج وفاقا؛ لأن من له الأجل يستبد بإسقاطه لأنه خالص حقه. قال: ومن جمع بين حر وعبد، أو شاة ذكية وميتة بطل البيع فيهما، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن سمى لكل واحد منهما ثمنا جاز في العبد والشاة الذكية. وإن جمع بين عبد ومدبر أو بين عبده وعبد غيره صح البيع في العبد بحصته من الثمن عند علمائنا الثلاثة،   [البناية] الدرهم بالدرهمين ثم أسقطا الدرهم الزائد) ش: قبل التقرر وقوله: وهذه الجهالة إلى آخره جواب عما يقال إن الجهالة تقررت في ابتداء العقد فلا يفيد سقوطها، كما إذا باع الدرهم بالدرهمين ثم أسقطا الدرهم الزائد، وقد علم الجواب، وأما القياس على بيع الدرهم بالدرهمين فغير صحيح م: (لأن الفساد في صلب العقد) ش: يعني في أحد العوضين. م: (وبخلاف النكاح) ش: هذا أيضا جواب عن قوله: كإسقاط الأجل بيانه أن النكاح م: (إلى أجل) ش: يعني إلى وقت م: (لأنه متعة وهو عقد غير عقد النكاح) ش: لأن عقد النكاح مندوب إليه، والمتعة منهية فلا يمكن العود إلى النكاح، عند إسقاط الأجل لعدم عقد النكاح رأسا. [جمع بين حر وعبد في البيع] م: (وقوله) ش: أي قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (في الكتاب) ش: أي في مختصره المنسوب إليه م: (ثم تراضيا خرج وفاقا) ش: يعني على سبيل الاتفاق م: (لأن من له الأجل يستبد) ش: أي يستقل وينفرد م: (بإسقاطه لأنه خالص حقه) ش: فيختص به م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن جمع بين حر وعبد) ش: أي في البيع م: (أو شاة) ش: أي أو جمع بين شاة م: (ذكية وميتة بطل البيع فيهما) ش: أي في الصورتين ولم يذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - الخلاف. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهذا) ش: أي البطلان م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني باطل مطلقا سواء وصل الثمن أو لا، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن سمى لكل واحد منهما ثمنا جاز في العبد والشاة الذكية) ش: وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية م: (وإن جمع بين عبد ومدبر أو بين عبده) ش: أي أو جمع في البيع بين عبده م: (وعبد غيره صح البيع في العبد بحصته من الثمن عند علمائنا الثلاثة) ش: أي في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 193 وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فسد فيهما ومتروك التسمية عامدا كالميتة والمكاتب، وأم الولد كالمدبر. له الاعتبار بالفصل الأول إذ محلية البيع منتفية بالإضافة إلى الكل، ولهما أن الفساد بقدر المفسد فلا يتعدى إلى القن، كمن جمع بين الأجنبية وأخته في النكاح بخلاف ما إذا لم يسم ثمن كل واحد لأنه مجهول، ولأبي حنيفة وهو الفرق بين الفصلين أن الحر لا يدخل تحت العقد أصلا لأنه ليس بمال، والبيع صفقة واحدة، فكان القبول في الحر شرطا للبيع في العبد، وهذا شرط فاسد بخلاف النكاح لأنه لا يبطل بالشروط الفاسدة.   [البناية] م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فسد فيهما) ش: أي في المدبر والعبد جميعا، وقيل في الجمعين بين كورين وهو الجمع بين الحر والعبد والجمع بين المدبر والعبد م: (ومتروك التسمية عامدا كالميتة) ش: هذا عن كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره تفريعا على كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني إذا ضم الذكية مع متروك التسمية يبطل البيع، ونصب عامدا على الحال عن المقدر تقديره ومتروك تارك التسمية حال كونه عامدا، وقيد بالعمد لأن بالنسيان لا يضر على ما عرف، فإن قيل: متروك التسمية مجتهد فيه فصار كالمدبر فيجب جواز بيعه مع المذكى كبيع القن مع المدبر، أجيب: بأنه ليس مجتهد فيه بل خطأ بين لمخالفة الدليل الظاهر، وهو قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] (الأنعام: الآية: 161) ، حتى إن القاضي إذا قضى بحله لا ينفذ القضاء فكان بمنزلة من جمع بين الحر والعبد في البيع م: (والمكاتب وأم الولد كالمدبر) ش: يعني إذا ضم المكاتب أو أم الولد مع العبد يصح البيع في العبد بحصته من الثمن م: (له) ش: أي زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الاعتبار بالفصل الأول) ش: يعني الاعتبار بالجمع بين الحر والعبد م: (إذ محلية البيع منتفية) ش: لأن كون المحل لجواز البيع منتفية م: (بالإضافة إلى الكل) ش: يعني بإضافة انتفاء المحلية إلى الجميع، وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي كل واحد منهما ليس بمحل للبيع. م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أن الفساد بقدر المفسد) ش: يعني بقدر ما يفسده إذا سمى لكل واحد منهما ثمنا، إذ الحكم يثبت بقدر دليله والمفسد في الحر كونه ليس بمحل للبيع وهو مختص به م: (فلا يتعدى إلى القن) ش: كما في المدبر إذا ضم مع العبد م: (كمن جمع بين الأجنبية وأخته في النكاح) ش: أي في عقد النكاح م: (بخلاف ما إذا لم يسم ثمن كل واحد) ش: من الحر والعبد حيث يبطل البيع فيهما جميعا م: (لأنه مجهول) ش: أي لجهالة الثمن. م: (ولأبي حنيفة وهو الفرق بين الفصلين) ش: أي بين فصل الحر وفصل المدبر مع القن م: (أن الحر لا يدخل تحت العقد أصلا لأنه ليس بمال والبيع صفقة واحدة) ش: بدليل أن المشتري لا يملك قبول العقد في أحدهما دون الآخر م: (فكان القبول في الحر شرطا للبيع في العبد وهذا شرط فاسد) ش: والبيع يبطل بالشرط الفاسد م: (بخلاف النكاح لأنه لا يبطل بالشروط الفاسدة) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 194 وأما البيع في هؤلاء موقوف وقد دخلوا تحت العقد لقيام المالية، ولهذا ينعقد في عبد الغير بإجازته، وفي المكاتب برضاه في الأصح، وفي المدبر بقضاء القاضي،   [البناية] ش: جواب عن قياسهما على النكاح، وهو قياس بالفارق لأن النكاح لا يبطل بالشرط الفاسد بخلاف المبيع فإنه يبطل، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه بحث. أما أولا: فلأنه إذا بين ثمن كل واحد منهما كانت الصفقة متفرقة، وحينئذ لا يكون قبول العقد في الحر شرطا للبيع في العبد. وأما ثانيا: فلأن الشرط الفاسد وهو ما يكون فيه منفعة لأحد المتعاقدين أو للمعقود عليه حتى يكون في معنى الربا، وليس في قبول العقد في الحر منفعة لأحدهما أو للمعقود عليه فلا يكون شرطا فاسدا. وأما ثالثا: فلأن قبول العقد في الحر إنما يكون شرطا لقبول العقد في العبد إذا صح الإيجاب فيهما لئلا يتضرر البائع بقبول العقد في أحدهما دون الأخر، ولم يوجد فيما نحن فيه فصار كالجمع بين العبد والمدبر، وأجيب عن الأول: بأن الصفقة متحدة في مثله إذا لم يكن البيع أو الشراء. وعن الثاني: بأن في قبول العقد في الحر منفعة للبائع فإنه إذا باعهما بألف والحر ليس بمال يقابله بدل، فكأنه قال: بعت هذا العبد بخمسمائة على أن يتسلم أي خمسمائة أخرى فينتفع بفضل مال عن العوض في البيع وهو الربا. والثالث: بأن الإيجاب إذا صح فيهما صح العبد والشرط جميعا فلا يكون فيما نحن فيه، وإذا ظهر هذا ظهر الفرق بين الفصلين، وثم جواب زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن التزيد بينهما. م: (وأما البيع في هؤلاء موقوف) ش: متصل بقوله: إن الحر لا يدخل تحت العقد، وأراد بهؤلاء المدبر والمكاتب وأم الولد وعبد الغير م: (وقد دخلوا تحت العقد لقيام المالية) ش: فإنهما باعتبار الرق والتقويم وهما موجودان، ولكن حكم البيع لا يثبت فيهم بل يرد صيانة لحقهم، ولهذا لا يخرجون من أن يكونوا محلا للبيع. م: (ولهذا) ش: أي ولكون بيع هؤلاء موقوفا م: (ينعقد) ش: البيع م: (في عبد الغير بإجازته) ش: أي في إجازة الغير وهو مولاه م: (وفي المكاتب) ش: أي ينعقد البيع في المكاتب م: (برضاه في الأصح) ش: احترز به عما روي في " النوادر " عن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، أنه لا يصح م: (وفي المدبر) ش: أي ينعقد البيع في المدبر م: (بقضاء القاضي) ش: فإنه إذا قضى ببيع المدبر فإنه يجوز. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 195 وكذا في أم الولد، عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - إلا أن المالك باستحقاقه المبيع وهؤلاء باستحقاقهم أنفسهم ردوا البيع، فكان هذا إشارة إلى البقاء، كما إذا اشترى عبدين، وهلك أحدهما قبل القبض، وهذا لا يكون شرط القبول في غير المبيع، ولا بيعا بالحصة ابتداء، ولهذا لا يشترط بيان ثمن كل واحد فيه.   [البناية] م: (وكذا) ش: أي وكذا يجوز م: (في أم الولد) ش: أي في بيعها م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكان فيه اختلاف بين الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يجوزه، وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جوزه، ثم من بعدهم من السلف أجمعوا على عدم جواز بيعها، فالحاصل أن إجماع المتأخرين مع الاختلاف المتقدم، فعندهما لا يرفع إذ ليس لإجماع التابعين من القوة ما يرفع خلاف الصحابة، فكان قضى في مجتهد فيه فينفذ، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرفع فكان القضاء مخالفا للإجماع فلا ينفذ والمسألة أصولية. فإن قيل: كيف يصح قوله: موقوف، وقد قال في أول الباب: وبيع أم الولد والمدبر والمكاتب باطل. فالجواب: أنه باطل، إذا لم يجز للمكاتب ولم يقض القاضي بجواز بيع المدبر وأم الولد يدل على ذلك تمام كلامه هناك. م: (إلا أن المالك) ش: استثناء من قوله: دخلوا تحت العقد، يعني أن المالك م: (باستحقاقه المبيع) ش: وهو العبد الذي كان للغير م: (وهؤلاء) ش: أي المدبر والمكاتب وأم الولد م: (باستحقاقهم أنفسهم ردوا البيع) ش: وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لأن المالك إلى آخره جواب من يقول: لما دخل هؤلاء تحت العقد لقيام المالية ينبغي أن لا يكون بيع هؤلاء فاسدا. فأجاب بقوله: إلا أن المالك إلى آخره، يعني أن البيع الموقوف إذا رد من له ذلك بطل، وهنا كذلك فإن المالك وهؤلاء رده، ولهم ذلك لاستحقاق المالك واستحقاق هؤلاء أنفسهم م: (فكان هذا) ش: أي الوجه بالاستحقاق بعد الدخول م: (إشارة إلى البقاء) ش: أي بقاء البيع، لأن الرد بالاستحقاق لا يكون إلا في البقاء فكان م: (كما إذا اشترى عبدين وهلك أحدهما قبل القبض) ش: فإن العقد يبقى في الباقي بحصته من الثمن بقاء الابتداء. م: (وهذا) ش: أي الجمع بين القن وأحد المذكورين م: (لا يكون شرط القبول في غير المبيع ولا بيعا) ش: أي ولا يكون بيعا م: (بالحصة ابتداء) ش: بعدما ثبت دخولهم في البيع م: (ولهذا لا يشترط) ش: حالة العقد م: (بيان ثمن كل واحد) ش: من العبد والمدبر م: (فيه) ش: أي فيما إذا جمع بين القن والمدبر أو عبد غيره، وفي " الكافي ": ولو جمع بين وقف وملك وأطلق صح في الملك في الأصح، ولو باع كرما في مسجد قديم إن كان عامرا نفذ البيع وإلا فلا وكذا في المعتبرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 196 فصل في أحكامه وإذا قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد بأمر البائع، وفي العقد عوضان كل واحد منهما مال، ملك المبيع ولزمته قيمته،   [البناية] [فصل في بيان أحكام البيع الفاسد] [قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد] م: (فصل في أحكامه) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام البيع الفاسد م: (وإذا قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد) ش: إنما عبر بالفاسد، لأن الباطل لا يفيد شيئا م: (بأمر البائع) ش: أي بإذنه صريحا أو دلالة بأن يقبضه في المجلس بحضرته، فإن لم يقبضه بحضرة البائع لم يملكه، بخلاف الصريح فإنه يفيده مطلقا. م: (وفي العقد عوضان كل واحد منهما) ش: يعني مالا قيد به لفائدة وهي أنه إذا كان أحد العوضين أو كلاهما غير مال فالبيع باطل، كالبيع بالميتة والدم، وبالحر والبيع بالخمر والخنزير فاسد، كما ذكره المصنف في أول باب البيع الفاسد، وفي هذا الفصل شرع في بيان حكمها وهو القبض، فقال: وإذا قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد إلى آخره. ثم ذكر خلاف الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بما يدل على أنه لا يفرق بين الفاسد والباطل على ما نقف عليه الآن إن شاء الله تعالى م: (مال ملك المبيع ولزمته قيمته) ش: أي قيمة المبيع وهو قول عامة المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - سوى أهل العراق، فإنهم قالوا: إن المشتري في البيع الفاسد بالقبض يملك التصرف ولا يملك المبيع، استدلالا بما قال في كتاب البيوع: إن المشتري إذا أعتقه جاز عتقه، وكان الولاء له لا للبائع لأن البائع سلطه على ذلك، ولهذا لو كان المبيع جارية لا يجوز للمشتري وطئها. ولو كان دارا لا يجوز فيها الشفعة للشفيع، وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا ليس بصحيح، بل المشتري يملك عين المبيع في قول علمائنا، بدليل أن المبيع لو كان دارا فقبضها فبيعت دار أخرى بجنبها، فللمشتري أن يأخذ الدار بالشفعة. ولو لم يملك عين الدار لم يجب له الشفعة، ولو كان المبيع جارية فقبضها ثم ردها على البائع وجب الاستبراء، وإنما لم يجز للمشتري أن يطأها لأنه وجب عليه ردها لئلا يكون مصرا على المعصية، فاستعماله بالوطء إعراض عن الرد، فلهذا المعنى لم يجز لا لعدم الملك، وإنما لم يجب فيها الشفعة لأن حق البائع لم ينقطع عنها. وقال في " شرح الطحاوي ": والأصل في البيع الفاسد أن كل ما يملك بالبيع الجائز يملك بالبيع الفاسد إذا اتصل به القبض بإذن البائع، وكل ما لا يملك بالبيع الجائز لا يملك بالبيع الفاسد، بيانه: من اشترى من رجل عبدا بخمر أو خنزير وتقابضا وهما مسلمان ملك المشتري الجزء: 8 ¦ الصفحة: 197 وقال الشافعي: لا يملكه، وإن قبضه، لأنه محظور فلا ينال به نعمة الملك، ولأن النهي نسخ للمشروعية للتضاد، ولهذا لا يفيده قبل القبض، وصار كما إذا باع بالميتة أو باع الخمر بالدراهم. ولنا أن ركن البيع صدر من أهله مضافا إلى محله فوجب القول بانعقاده، ولا خفاء في الأهلية والمحلية. وركنه مبادلة المال بالمال، وفيه الكلام، والنهي يقرر المشروعية عندنا لاقتضائه التصور، فنفس البيع مشروع وبه تنال نعمة الملك.   [البناية] العبد إذا قبضه بإذن البائع، ولا يملك الآخر الخمر والخنزير. وكذلك لو اشترى من رجل عبدا بمدبر أو مكاتب أو بأم ولد، وتقابضا ملك المشتري إذا قبضه بإذن البائع، ومشتري المدبر والمكاتب وأم الولد لا يملك، وإن قبض بإذن البائع، وكذلك لو اشترى من رجل عبده بمال الغير بغير إذن صاحبه وتقابضا ملك مشتري العبد، ولا يملك الآخر ما قبض حتى يجيز ماله البيع فيه. م: (وقال الشافعي: لا يملكه، وإن قبضه) ش: وبه قال مالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - م: (لأنه محظور) ش: أي حرام م: (فلا ينال به نعمة الملك، ولأن النهي نسخ للمشروعية للتضاد) ش: أي بين النهي والمشروعية، إذ النهي يقتضي القبح، والمشروعية تقتضي الحسن وبينهما منافاة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (لا يفيده) ش: أي الملك م: (قبل القبض، وصار كما إذا باع بالميتة أو باع الخمر بالدراهم) ش: وقبضها المشتري فإنه لا يفيد الملك. م: (ولنا أن ركن البيع) ش: أي ركن البيع الفاسد وهو البيع بالخمر أو الخنزير، وفيه مبادلة المال بالمال بالتراضي م: (صدر من أهله) ش: وهو كونه عاقلا بالغا حال كونه م: (مضافا إلى محله) ش: لأن المبيع فيه مال، والثمن مال من وجه لميلان طباع الناس إلى الخمر والخنزير غير أنه ليس بمتقوم ولإهانة الشرع، فلما كان الثمن مالا من وجه دون وجه لم يبطل البيع بل فسد، فإذا كان كذلك م: (فوجب القول بانعقاده) ش: لوجود شرائط. م: (ولا خفاء في الأهلية والمحلية، وركنه مبادلة المال بالمال وفيه الكلام) ش: جواب سؤال مقدر بأن يقال: سلمنا بأن ركن البيع مبادلة المال، ولكن لم قلت إنه موجود؟ فأجاب بقوله: وفيه الكلام يعني كلامنا فيما إذا وجد الركن؛ لأن الركن الذي هو المبادلة موجود في جميع البيوع الفاسدة. م: (والنهي يقرر المشروعية) ش: وهذا جواب عما يقال، قد يكون النهي مانعا، فأجاب بقوله: والنهي يقرر المشروعية م: (عندنا لاقتضائه التصور) ش: ليكون النهي عما يكون ليكون العبد مبتلى بين أن يترك باختياره فيثاب، وبين أن يأتي به فيعاقب عليه م: (فنفس البيع مشروع وبه) ش: أي وبالبيع م: (تنال نعمة الملك) ش: لكن لا بد فيه من قبح مقتضى النهي، فجعلناه في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 198 وإنما المحظور ما يجاوره كما في البيع وقت النداء، وإنما لا يثبت الملك قبل القبض كيلا يؤدي إلى تقرير الفساد المجاور، إذ هو واجب الرفع بالاسترداد، فبالامتناع عن المطالبة أولى.   [البناية] وصفه مجاورا وهو معنى قوله م: (وإنما المحظور ما يجاوره كما في البيع وقت النداء) ش: يعني يوم الجمعة فجعل وصفه عملا بالوجهين. فإن قيل: المحظور: وقت النداء مجاور، وأما في المتنازع فيه من قبيل ما اتصل به وصفا، فلا يكون قوله كما في البيع وقت النداء صحيحا، وأيضا الحكم هناك الكراهة، وفي المتنازع فيه الفساد. وأجيب: بأن غرض المصنف في ذكر المجاورة بيان أن المحظور ليس لمعنى في عين النهي عنه كما زعمه الخصم، والمجاور جمعا والمتصل وصفا سببان فيصبح قياس أحدهما على الآخر، وبأن عرضه أن الحكم المنهي عنه ليس البطلان كما يدعيه الخصم، والكراهة والفساد يشتركان في عدم البطلان. م: (وإنما لا يثبت الملك قبل القبض) ش: جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولهذا لا يبيعه قبل القبض، بيانه: أن البيع الفاسد لا يثبت الملك قبل القبض للمبيع. م: (كيلا يؤدي إلى تقرير الفساد المجاور) ش: أي عن جهة الشارع لأن البيع الفاسد منهي عنه، ولو ثبت الملك قبل القبض يكون التسليم والتسلم واجبا شرعا، فيكون الشارع آمرا وناهيا في شيء واحد، وهذا لا يجوز. فإن قيل: لو ثبت الملك بعد القبض يلزم تقربه الفساد أيضا. قلنا: لو ثبت القبض يكون الفساد مضافا إلى نفس البيع. والبيع مشروع الله تعالى فيكون الفساد مضافا إلى الشارع، ولا كذلك بعد القبض لأن الملك مضاف إلى القبض، والقبض يوجب الضمان كما في المقبوض على سوم الشراء فكان تقرير الفساد مضافا إلى العبد، كذا نقل عن القاضي الأرسابندي، وقيل لأن الفاسد لو ثبت قبل الملك قبل القبض وبعده لكان مساويا للصحيح، ولو ألغينا الملك به لكان مساويا للباطل فأثبتنا الملك بعد القبض به عملا بالدليلين وفيه نوع تأمل لأن الفاسد والباطل متساويان عند الخصم. م: (إذ هو) ش: تعليل كقوله: كيلا يؤدي إلى تقرير الفساد المجاور، أي لأن البيع الفاسد م: (واجب الرفع بالاسترداد) ش: أي بطلب رد المبيع من يد المشتري فلا جرم لم يفد الملك قبل القبض م: (فبالامتناع عن المطالبة أولى) ش: يعني أن البيع الفاسد إذا أفاد الملك بالقبض يجب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 199 ولأن السبب قد ضعف لمكان اقترانه بالقبيح فيشترط اعتضاده بالقبض في إفادة الحكم بمنزلة الهبة، والميتة ليست بمال فانعدم الركن، ولو كان الخمر مثمنا فقد خرجناه، وشيء آخر وهو أن في الخمر الواجب هو القيمة وهي تصلح ثمنا له لا مثمنا، ثم شرط أن يكون القبض بإذن البائع وهو الظاهر إلا أنه يكتفى به دلالة، كما إذا قبضه في مجلس العقد استحسانا، وهو الصحيح   [البناية] استرداد المبيع من يد المشتري رفعا للفساد واجتنابا عن المعصية، فبامتناع المشتري عن مطالبة تسليم المبيع منع الفساد أولى من رفع الفساد بالاسترداد، لأن الدفع أسهل من الرفع. م: (ولأن السبب قد ضعف) ش: دليل ثان على عدم ثبوت الملك قبل القبض، يعني أن السبب وهو البيع الفاسد قد ضعف م: (لمكان اقترانه بالقبيح) ش: وهو النهي عنه فلأجل هذا لم يفد الملك م: (فيشترط اعتضاده) ش: أي تقويته م: (بالقبض في إفادة الحكم بمنزلة الهبة) ش: في احتياجها إلى ما بعضه العقد من القبض. م: (والميتة ليست بمال) ش: جواب عن قياس الخصم المتنازع فيه على البيع بالميتة، تقريره أن الميتة ليست بمال، وما ليس بمال لا يجوز فيه البيع لفوات ركنه وهو معنى قوله م: (فانعدم الركن) ش: فلا ينعقد العقد فالقياس فاسد م: (ولو كان الخمر مثمنا فقد خرجناه) ش: هذا جواب لقوله: أو باع الخمر بالدرهم يعني ذكرنا تخريجه في أوائل باب البيع الفاسد، وأراد به ما ذكره ثمة لقوله وأما بيع الخمر والخنزير إن كان بالدين كالدراهم والدنانير فالبيع باطل، وإن كان قوبل بعين فالبيع فاسد حتى يملك ما يقابله إلى آخره. م: (وشيء آخر) ش: أي دليل آخر سوى ما ذكرنا هناك م: (وهو أن في الخمر الواجب هو القيمة) ش: لا عين الخمر لأن المسلم ممنوع عن تسليم الخمر وتسلمها م: (وهي) ش: أي الخمر م: (تصلح ثمنا لا مثمنا) ش: أي مبيعا، فلو قلنا بانعقاد المبيع في هذه الصورة جعلنا القيمة مثمنا، إذ كل عين في مقابلة الدراهم والدنانير في البيع مثمن لتعينها للثمنية خلقة وشرعا، وما عهد في صورة من صور البياعات أن تكون القيمة مثمنا، لأنه يؤدي إلى تغيير المشروع. م: (ثم شرط) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن يكون القبض بإذن البائع) ش: حيث قال: وإذا قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد بأمر البائع م: (وهو الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية م: (إلا أنه يكتفى به) ش: أي بالإذن. م: (دلالة) ش: أي من حيث الدلالة م: (كما إذا قبضه) ش: أي المشتري م: (في مجلس العقد استحسانا) ش: أي يصح من حيث الاستحسان م: (وهو الصحيح) ش: أي الاستحسان هو الصحيح، واحترز به عما ذكره صاحب " الإيضاح " وسماه الرواية المشهورة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 200 لأن البيع تسليط منه على القبض، فإذا قبضه بحضرته قبل الافتراق ولم ينهه كان بحكم التسليط السابق، وكذا القبض في الهبة في مجلس العقد يصح استحسانا، وشرط أن يكون في العقد عوضان كل واحد منهما مال ليتحقق ركن البيع وهو مبادلة المال بالمال، فيخرج عليه البيع بالميتة والدم والحر والريح، والبيع مع نفي الثمن، وقوله لزمته قيمته في ذوات القيم، فأما في ذوات الأمثال يلزمه المثل لأنه مضمون بنفسه بالقبض، فشابه الغصب، وهذا لأن المثل صورة، ومعنى أعدل من المثل.   [البناية] فقال: وما قبضه بغير إذن البائع في البيع الفاسد فهو كما يقبض، وأشار إلى وجه الصحيح بقوله: م: (لأن البيع تسليط منه) ش: أي من البائع م: (على القبض فإذا قبضه بحضرته) ش: أي بحضرة البائع م: (قبل الافتراق ولم ينهه) ش: أي البائع لم ينه المشتري عن القبض م: (كان) ش: أي القبض م: (بحكم التسليط السابق) ش: فيكتفى به م: (وكذا القبض في الهبة في مجلس العقد يصح استحسانا) ش: يعني يكتفى بسكوت الواهب وعدم نهيه الموهوب له عن القبض استحسانا أي من حيث الاستحسان. م: (وشرط) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي بعض النسخ: ويشترط م: (أن يكون في العقد عوضان كل واحد منهما مال ليتحقق ركن البيع، وهو مبادلة المال بالمال فيخرج عليه) ش: أي على قول القدوري م: (البيع بالميتة والدم والحر والريح) ش: بأن قال: بعت هذا الشيء بالريح الشمالي الذي يأتي من هذا الجانب، وذلك المكان ملك المشتري، وفي " الذخيرة ": صورته بأن يكون لإنسان ظرف منقوح فاشترى بذلك الريح الذي في ذلك الظرف ويجعلها في ظرف احترز له م: (والبيع مع نفي الثمن) ش: أي في رواية لأنه إذا نفاه فقد الركن عن العقد فلم يكن بيعا، وفي رواية: ينعقد بيعا لأن نفيه لا يصح، إذ البيع مشتمل على العوضين وما يشتمل على عوضين فهو هبة وصدقة. وإذا لم يصح صار كأنه سكت عن ذكر الثمن، فلو باع وسكت عن ذكر الثمن ينعقد البيع فاسدا ويثبت الملك بالقبض لأن مطلق العقد يقتضي المعاوضة، فإذا سكت كان عوضه قيمة وكأنه بقيمته فيفسد البيع. م: (وقوله) ش: أي قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لزمته قيمته في ذوات القيم) ش: كالحيوانات والعدديات المتفاوتة م: (فأما في ذوات الأمثال) ش: كالمكيلات والموزونات والعدديات غير المتفاوتة م: (يلزمه المثل لأنه مضمون بنفسه بالقبض) ش: واحترز به عن البيع الصحيح، وقالوا جميعا: فالمرجوع في قيمته أو المثل، أي قول المشتري لأنه هو الذي يلزمه الضمان، فالقول قوله واليمين للبائع، كذا في " شرح مختصر الكرخي " م: (فشابه الغصب) ش: والحكم في الغصب كذلك م: (وهذا) ش: أي وجوب المثل في ذوات الأمثال م: (لأن المثل صورة ومعنى أعدل من المثل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 201 معنى قال: ولكل واحد من المتعاقدين فسخه رفعا للفساد، وهذا قبل القبض ظاهر لأنه لم يفد حكمه، فيكون الفسخ امتناعا منه، وكذا بعد القبض إذا كان الفساد في صلب العقد لقوته، وإن كان الفساد بشرط زائد فمن له الشرط ذلك دون من عليه لقوة العقد، إلا أنه   [البناية] معنى) ش: وهو القيمة لأنه إنما يضاف إليها عند العجز عن المثل صورة ومعنى: وإنما لم يلزم الثمن حتى لا يلزم تقرير البيع الفاسد. [فسخ البيع الفاسد] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولكل واحد من المتعاقدين فسخه) ش: أي حق فسخ البيع الفاسد. م: (رفعا للفساد) ش: وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رفعا للفساد بالراء لا بالدال، كذا السماع، وذلك أن رفع الشيء إنما يكون بعد وقوع ذلك الشيء ودفعه يكون قبل وقوعه، والفساد هنا واقع فكان المسموع هو الصحيح. قلت: نسخة شيخي أيضا بالراء، ولكن قوله ودفعه يكون قبل وقوعه، والفساد فيه تأمل لأن الدفع بحسب اللغة لا يختص بالقرب والبعد كيلا يقع بتصرفه على المشتري مكروها أو حراما، فقال في "الإيضاح": ويكره للمشتري أن يتصرف فيه بتمليك أو انتفاع لأن الفسخ مستحق حقا لله تعالى، لأن إعدام الفساد واجب، والتصرف فيه تقرير الفساد م: (وهذا) ش: أي كون حق الفسخ لكل منهما م: (قبل القبض ظاهر لأنه) ش: أي لأن البيع الفاسد م: (لم يفد حكمه) ش: وهو الملك م: (فيكون الفسخ امتناعا منه) ش: أي من الحكم م: (وكذا بعد القبض) ش: لكل واحد منهما فسخه. م: (إذا كان الفساد في صلب العقد) ش: أي في البدل أو المبدل كبيع درهم بدرهمين وبيع ثوب بخمر م: (لقوته) ش: أي لقوة الفساد، ففي الصورتين يملك فسخه بحضرة صاحبه عندهما لأنه إلزام موجب الفسخ، ولا يلزمه إلا بعلمه، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بغير حضرته أيضا. م: (وإن كان الفساد بشرط زائد) ش: بأن باعه على أن يقرضه أو يهبه، كذا أو باعه إلى أجل مجهول، م: (فمن له الشرط ذلك) ش: والنسخة الصحيحة فلمن له الشرط ذلك أي الفسخ ومن له الشرط أي منفعة الشرط هو البائع في صورة الإقراض، والمشتري في صورة الأجل م: (دون من عليه لقوة العقد) ش: دليل قوله: دون من عليه، يعني أن فسخ من عليه لا يجوز لأن العقد قوي لأن الشرط دخل في أمر زائد لا في صلب العقد. م: (إلا أنه) ش: استثنى من قوله: لقوة العقد يعني أن العقد لما كان قويا كان القياس أن لا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 202 لم تحقق المراضاة في حق من له الشرط. قال: فإن باعه المشتري نفذ بيعه لأنه ملكه، فملك التصرف فيه وسقط حق الاسترداد لتعلق حق العبد بالثاني، ونقض الأول لحق الشرع، وحق العبد مقدم لحاجته، ولأن الأول مشروع بأصله. دون وصفه، والثاني مشروع بأصله ووصفه فلا يعارضه مجرد الوصف.   [البناية] يفسخ من له الشرط أيضا إلا أنه م: (لم يتحقق المراضاة في حق من له الشرط) ش: فله أن يفسخه، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أنه إلى آخره جواب سؤال يرد على قوله: لقوة العقد، يعني لما كان العقد قويا ينبغي أن لا يكون لأحد ولاية الفسخ. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فإن باعه المشتري) ش: أي الذي اشترى بالشراء الفاسد م: (نفذ بيعه لأنه ملكه) ش: بالقبض م: (فملك التصرف فيه) ش: سواء كان بيعا أو هبة أو إعتاقا غير أنه لا يحل له الأكل، إن كان مأكولا، وإن كانت جارية لا يحل له وطؤها، كذا في شرح الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال شمس الأئمة الحلواني: يكره له الوطء ولا يحرم، كذا في " الفتاوى الصغرى "، وفي شرح الطحاوي: وإذا باعه المشتري ليس للبائع إبطاله، وعلى المشتري القيمة أو المثل، إن كان مثليا ويطيب ذلك الملك للثاني لأنه ملكه بعقد صحيح بخلاف المشتري الأول لأنه لا يحل له ولا يطيب لأنه ملكه بعقد فاسد. ولو كان المبيع جارية فاستولدها المشتري صارت أم ولد له ويغرم القيمة ولا يغرم العقر في رواية كتاب البيوع، وفي رواية كتاب الشرب عليه العقر ولو رهن المشتري المبيع صح الرهن، وليس للبائع إبطاله، وإن فكه المشتري قبل أن يقضي عليه بالقيمة فإنه يرد على البائع إبطاله، وإن فكه بعد ما قضى عليه بالقيمة فلا سبيل له على المبيع، وإن أجره صحت الإجارة غير أن للبائع أن يبطلها ويسترد المبيع م: (وسقط حق الاسترداد لتعلق حق العبد بالثاني) ش: أي لتعلق حق المشتري الثاني بالعقد الثاني م: (ونقض الأول) ش: أي البيع الأول م: (لحق الشرع) ش: من جهة الفساد فيه وحق الشرع إذا اجتمع مع حق العبد يقدم حق العبد وهو معنى قوله: م: (وحق العبد مقدم لحاجته) ش: لأن الله تعالى غني فالعفو منه أرجى بخلاف حق من الغاصب لأنه تعلق به حق المغصوب منه، وكلاهما حق العبد فيرجح حق المغصوب منه لأنه أسبق، كذا في " المبسوط ". م: (ولأن الأول) ش: هذا دليل على سقوط حق الاسترداد للبائع بعد بيع المشتري من غيره يعني أن البيع الأول م: (مشروع بأصله) ش: لأنه لا فساد في أصل البيع م: (دون وصفه) ش: لدخول الفساد فيه م: (والثاني) ش: أي البيع الثاني م: (مشروع بأصله ووصفه) ش: لأنه لا فساد فيهما جميعا م: (فلا يعارضه مجرد الوصف) ش: أي فلا يعارض المشروع بأصله ووصفه المشروع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 203 ولأنه حصل بتسليط من جهة البائع، بخلاف تصرف المشتري في الدار المشفوعة؛ لأن كل واحد منهما حق العبد، ويستويان في المشروعية وما حصل بتسليط من الشفيع. قال: ومن اشترى عبدا بخمر أو خنزير فقبضه وأعتقه أو باعه أو وهبه وسلمه فهو جائز، وعليه القيمة لما ذكرنا؛ أنه ملكه بالقبض فينفذ تصرفاته، وبالإعتاق قد هلك فتلزمه القيمة، وبالبيع والهبة انقطع حق الاسترداد على ما مر، والكتابة والرهن نظير البيع لأنهما لازمان، إلا أنه يعود حق الاسترداد بعجز المكاتب وفك الرهن   [البناية] بمجرد الوصف، حاصله أن الفساد لا يعارض الصحيح م: (ولأنه) ش: هذا دليل ثالث على سقوط حق الاسترداد بعد بيع المشتري، أي ولأن البيع الثاني م: (حصل بتسليط من جهة البائع) ش: حيث كان القبض بإذنه فاسترداده نقص ما لم يكن من جهته، وذلك باطل. فإن قلت: هذا المعنى وهو التسليط وجد قبل بيع المشتري أيضا، ومع هذا لكل واحد من المتعاقدين فسخه إعداما للفساد فانتقض العلة. قلت: معناه حصل بتسليط من جهة البائع وقد تعلق به حق ثالث فبطل السؤال. م: (بخلاف تصرف المشتري) ش: هذا جواب عما يقال: لو كان تعلق حق الغير بالمشتري مانعا من نقض التصرف لم ينتقض تصرفات المشتري في الدار المشفوعة من البيع والهبة والبناء وغيرها لتعلق حقه بها، لكن للشفيع أن ينقضها. وتقرير الجواب ما قاله من قوله: بخلاف تصرف المشتري م: (في الدار المشفوعة لأن كل واحد منهما) ش: أي من حق الشفيع وحق المشتري م: (حق العبد ويستويان في المشروعية، وما حصل بتسليط من الشفيع) ش: أي لم يوجد التسليط من الشفيع لأن التسليط إنما يثبت بالإذن أو بإثبات الملك المطابق للتصرف، ولم يوجد من الشفيع شيء من ذلك فكان له الاسترداد. [اشترى عبدا بخمر أو خنزير فقبضه] م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن اشترى عبدا بخمر أو خنزير فقبضه) ش: بإذن البائع م: (وأعتقه أو باعه أو وهبه وسلمه فهو جائز) ش: أي هذا لأنه كره أن يغير لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعليه القيمة لما ذكرنا) ش: فيما تقدمه م: (أنه ملكه بالقبض فينفذ تصرفاته) ش: وأصل المسألة أن البيع الفاسد يفيد الملك عند اتصال القبض بالإذن عند أصحابنا، خلافا للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد مر بيان ذلك فيما مضى. م: (وبالإعتاق قد هلك) ش: أي لم يبق مالية بالعتق م: (فتلزمه القيمة، وبالبيع والهبة انقطع حق الاسترداد على ما مر) ش: أشار به إلى قوله: لتعلق العبد الثاني، وهو المشتري الثاني. م: (والكتابة والرهن نظير البيع لأنهما لازمان) ش: فإن الرهن إذا اتصل بالقبض صار لأنه ما في حق الراهن، كالكتابة في حق المولى م: (إلا أنه يعود حق الاسترداد بعجز المكاتب وفك الرهن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 204 لزوال المانع، وهذا بخلاف الإجارة لأنها تفسخ بالأعذار، ورفع الفساد عذر، ولأنها تنعقد شيئا فشيئا فيكون الرد امتناعا. قال: وليس للبائع في البيع الفاسد أن يأخذ المبيع حتى يرد الثمن لأن المبيع مقابل به فيصير محبوسا به كالرهن،   [البناية] لزوال المانع) ش: وهو تعلق حق العبد قبل وليس في تخصيصهما في عود الاسترداد زيادة فائدة لإثبات في جميع الصور إذا انتقض التصرفات حتى لو رد المبيع بعيب قبل القضاء بالقيمة أو رجع الواهب في هبته عاد للبائع، ولأنه الاسترداد لعود قديم ملكه إليه ثم عود حق الاسترداد في جميع الصور، إنما يكون إذا لم يقض على المشتري بالقيمة وأما إذا كان بعد القضاء بذلك عند تحول الحق إلى القيمة فلا يعود إلى الغير كما إذا قضى على الغاصب بقيمة المغصوب الآبق ثم عاد. م: (وهذا) ش: أي انقطاع الاسترداد بالتصرفات المذكورة م: (بخلاف الإجارة) ش: فإن حق الاسترداد فيها لا ينقطع م: (لأنها تفسخ بالأعذار، ورفع الفساد عذر) ش: من أقوى الأعذار، وفي " الذخيرة " و " المبسوط " لا يبطل حق الاسترداد بالإجارة والنكاح، لأن الإجارة عقد ضعيف يفسخ بالأعذار، وقيام حق الشرع في الرد إفساد السبب من أقوى الأعذار فيفسخ به، ألا ترى أن المشتري لو أجر المبيع ثم وجد به عيبا كان له فسخ الإجارة للرد بالعيب، فهذا أولى ولم يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من يفسخ الإجارة. وذكر في " النوادر " أن القاضي يفسخها م: (ولأنها) ش: أي ولأن الإجارة م: (تنعقد شيئا فشيئا فيكون الرد امتناعا) ش: يعني أن الإجارة تنعقد على المنافع وهي تحدث شيئا فشيئا، إلا أن العين أقيمت مقام المنفعة، ففي أي وقت رد العقد كان الرد امتناعا من انعقاد العقد في حق المنفعة التي تحدث بعده لعدم الضرورة، فلا يكون فيه رفع العقد الثابت. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وليس للبائع في البيع الفاسد أن يأخذ المبيع حتى يرد الثمن) ش: الذي أخذه، قال الأترازي: قوله حتى يرد الثمن أي القيمة التي أخذها من المشتري، ذكره بعض الشارحين، وفيه نظر؛ لأن القيمة إنما تجب في البيع الفاسد إذا هلك المبيع، وهنا المبيع قائم، وإنما أثبت محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسم الثمن، وإن كان البيع فاسد التصور بصورة الثمن حيث قوبل بالمبيع. قلت: أراد ببعض الشارحين السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه قال: هكذا فرارا عن المجاز، وقال الإمام التمرتاشي: هذا الحكم ليس بخصوص البيع الفاسد بل هذا الحكم ثابت في الإجارة الفاسدة والرهن الفاسد والعرض الفاسد اعتبارا بالعقد الجائز إذا تفاسخا، لأن هذه عقود معاوضة فيوجب السوية بين البدلين م: (لأن المبيع مقابل به) ش: أي بالثمن الذي أعطاه المشتري م: (فيصير محبوسا به) ش: أي بالثمن م: (كالرهن) ش: بالدين لكنه يفارقه من وجه آخر، وهو أن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 205 وإن مات البائع فالمشتري أحق به حتى يستوفي الثمن؛ لأنه يقدم عليه في حياته، فكذا على ورثته وغرمائه بعد وفاته كالراهن، ثم إن كانت دراهم الثمن قائمة يأخذها بعينها لأنها تتعين في البيع الفاسد، وهو الأصح لأنه بمنزلة الغصب، وإن كانت مستهلكة أخذ مثلها لما بينا. قال: ومن باع دارا بيعا فاسدا، فبناها المشتري فعليه قيمتها، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، رواه يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه في " الجامع الصغير " ثم شك بعد ذلك.   [البناية] الرهن مضمون بقدر الدين لا غير، وهاهنا المبيع مضمون الثمن بجميع قيمته كما في الغصب م: (وإن مات البائع فالمشتري أحق به) ش: أي بالمبيع م: (حتى يستوفي الثمن لأنه يقدم عليه) ش: أي على البائع م: (في حياته فكذا) ش: يقدم م: (على ورثته وغرمائه بعد وفاته كالراهن) ش: فإنه إذا مات وله ورثة وغرماء فالمرتهن أحق بالرهن من الورثة والغرماء حتى يستوفي الدين. م: (ثم إن كانت دراهم الثمن قائمة يأخذها بعينها لأنها تتعين) ش: بالتعيين م: (في البيع الفاسد وهو الأصح) ش: احترز به عن رواية أبي حفص - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه قال: لا يتعين كما في البيع الجائز، وقال علاء الدين العالم - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " طريقة الخلاف " والمختار عدم التعيين يعني في العقود الفاسدة، وإليه ذهب فخر الإسلام والصدر الشهيد - رحمهما الله - لأن البيع الفاسد في حكم النقض والاسترداد. ثم كما تتعين الدراهم والدنانير في العقود الفاسدة فتعين في الوديعة والغصب والهبة والوصية في المضاربة والشركة قبل القبض والتسليم، وقال الإمام البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "جامعه ": إنما يتعين الدراهم والدنانير في البيع الفاسد إذا كان البيع الفاسد صريحا لا يتعين. ألا ترى أن البيع الفاسد بمنزلة الغصب وكان الثمن في يد البائع بمنزلة المغصوب، والدراهم المغصوبة تتعين حتى وجب رد فيها إن كان قائما، وبه صرح الإمام قاضي خان م: (لأنه) ش: أي لأن الثمن م: (بمنزلة الغصب) ش: لأنه مضمون بالقبض كالغصب م: (وإن كانت مستهلكة أخذ مثلها لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأنه بمنزلة الغصب. [باع دارا بيعا فاسدا فبناها المشتري] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن باع دارا بيعا فاسدا فبناها المشتري فعليه قيمتها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رجل باع من رجل دارا بيعا فاسدا فقبضها المشتري فبنى فيها، قال: ليس للبائع أن يأخذها ولكنه يأخذ قيمتها، ثم شك يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه المسألة بعد ذلك، وقال يعقوب ومحمد - رحمهما الله -: ينقض البناء ويرد الدار إلى صاحبها، إلى هنا لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (رواه يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه) ش: أي روى أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في الجامع الصغير ثم شك) ش: أي أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (بعد ذلك) ش: أي بعد الرواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 206 في الرواية. وقالا: ينقض البناء وترد الدار، والغرس على هذا الاختلاف. لهما أن حق الشفيع أضعف من حق البائع، حتى يحتاج فيه إلى القضاء ويبطل بالتأخير بخلاف حق البائع، ثم أضعف الحقين لا يبطل بالبناء فأقواهما أولى. وله أن البناء والغرس مما يقصد به الدوام، وقد حصل بتسليط من جهة البائع فينقطع حق الاسترداد كالبيع، بخلاف حق الشفيع لأنه لم يوجد منه التسليط، ولهذا لا يبطل بهبة المشتري وببيعه،   [البناية] شك في حفظهما عنه، وهو معنى قوله م: (في الرواية) ش: عن أبي حنيفة لا في مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإن ذكر في " جامع البزدوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قال أبو يوسف لمحمد - رحمهما الله -: ما رويت لك عن أبي حنيفة إنما رويت لك أن ينقض البناء، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بل رويت أن يأخذ قيمتها، وقد أشار إلى ذلك في بعض النسخ، فقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثم شك يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه المسألة ولم يزل به أنه شك في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقوله الأول مع محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بل شك في سماعه عنه. وفي " الإيضاح " قاله المعلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - رجع أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقوله الأول مع محمد أشار إليه المصنف بقوله: م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ينقض البناء وترد الدار) ش: أي على صاحبها كما هو مذكور في " الجامع الصغير " م: (والغرس على هذا الاختلاف) ش: يعني ينقطع به حق الفسخ عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما، وقد نص محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على الاختلاف في كتاب الشفعة، فإنه قال: إذا اشترى المشتري شراء فاسدا فبنى فيه أو غرس، لا يثبت حق الشفعة للشفيع، وعندهما وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن حق الشفيع أضعف من حق البائع حتى يحتاج فيه) ش: أي في حق الشفيع م: (إلى القضاء ويبطل) ش: أي حق الشفيع م: (بالتأخير) ش: أي بتأخير المطلب م: (بخلاف حق البائع) ش: فإنه لا يحتاج إلى ذلك م: (ثم أضعف الحقين) ش: وهما حق الشفيع وحق البائع م: (لا يبطل بالبناء فأقواهما) ش: أي فأقوى الحقين الذي هو حق البائع م: (أولى) ش: بأن لا يبطل م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن البناء والغرس مما يقصد به الدوام) ش: احترازا عن الإجارة م: (وقد حصل) ش: أي كل واحد من البناء والغرس م: (بتسليط من جهة البائع فينقطع حق الاسترداد) ش: لأنه لا يجوز للإنسان أن يسعى في نقض ما تم من جهته م: (كالبيع) ش: أي فصار كما إذا باعه المشتري أو وهبه من غيره م: (بخلاف حق الشفيع لأنه لم يوجد منه التسليط ولهذا) ش: أي ولأجل عدم التسليط من الشفيع م: (لا يبطل) ش: أي حق الشفيع م: (بهبة المشتري وبيعه) ش: يعني لو وهبها الإنسان أو باعها من آخر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 207 فكذا ببنائه. وشك يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - في حفظه الرواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقد نص محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على الاختلاف في كتاب الشفعة، فإن حق الشفعة مبني على انقطاع حق البائع بالبناء وثبوته على الاختلاف   [البناية] م: (فكذا ببنائه) ش: أي فكذا لا يبطل ببنائه، وإذا ثبت هذا كان للشفيع أن يأخذ بالشفعة لانقطاع حق البائع في الاسترداد بالبناء، يصير ورثه حينئذ بمنزلة البيع الصحيح فينقض بناء المشتري واعترض بأنه إذا وجب نقض البناء لحق الشفيع وفيه تقرير العقد الفاسد وجب نقضه لحق البائع بطريق الأولى، لأن فيه إعدام الفاسد، قال الأكمل: وإذا لزم ما ذكر فليس بوارد علي إذ البائع دون الشفيع، ولا يلزم من نقضه لمن ليس بمسلط نقضه لمن سلط فانتفى الأولية وبطلت الملازمة. م: (وشك يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هو أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في حفظه الرواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لما كان هذا الموضع محتاجا إلى تأكيد، كرر المصنف قوله: شك يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي كلامه نوع العلاق لأنه قال: رواه يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه في " الجامع الصغير "، والراوي في " الجامع الصغير " محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه تصنيفه، إلا إذا أريد بالجامع الصغير المسائل التي رواها يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة لمحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وشك يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - في حفظ الرواية، قال مشايخنا: شك أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - هل يخالف قولهما أم لا، وقع الشك لا يتحقق الاختلاف والأصح على الخلاف، وشك أبي يوسف في الرواية أنه سمع منه أم لا. م: (وقد نص محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على الاختلاف في كتاب الشفعة) ش: الشفعة للشفيع عندهما وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت م: (فإن حق الشفعة مبني على انقطاع حق البائع بالبناء وثبوته على الاختلاف) ش: فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت حق الشفعة، فكان انقطاع حق البائع في الاسترداد ثابتا، وعندهما: لا يثبت لأنه لم ينقطع حق البائع في الاسترداد، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال بعض الشارحين: قوله: وثبوته بالرفع عطفا على قوله: مبني وهو ضعيف. قلت: أراد بعض الشارحين السفناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وتبعه على ذلك الكاكي أيضا، ولكن الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما بين وجه الضعف صريحا، والذي يظهر لي أن ثبوته مرفوع بالابتداء أو خبره هو قوله على الاختلاف لأن تحرير الكلام هنا، وتحقيق معناه أن حق استحقاق الشفعة مبني على انقطاع حق البائع في الاسترداد بالبناء والغرس، وثبوته مختلف فيه، فمن قال بثبوته الجزء: 8 ¦ الصفحة: 208 قال: ومن اشترى جارية بيعا فاسدا وتقابضا، فباعها وربح فيها تصدق بالربح، ويطيب للبائع ما ربح في الثمن، والفرق أن الجارية مما يتعين فيتعلق العقد بها، فيتمكن الخبث في الربح، والدراهم والدنانير لا يتعينان في العقود، فلم يتعلق العقد الثاني بعينها، فلم يتمكن الخبث فلا يجب التصدق، وهذا في الخبث الذي سببه فساد الملك. أما الخبث لعدم الملك عند أبي حنيفة ومحمد يشمل النوعين   [البناية] قال بانقطاع حق البائع ومن قال بانقطاعه قال بعدم انقطاع حق البائع لأن وجود اللزوم بدون لازمه محال، وعلى هذا فمن حفظه مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ثبوت الشفعة، لا يشك في مذهبه في انقطاع حق البائع في الاسترداد فلم يبق الشك إلا في رواية عنه لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فافهم فإنه موضع دقيق يحتاج إلى فكر عميق. م: (قال: ومن اشترى جارية بيعا فاسدا وتقابضا، فباعها وربح فيها تصدق بالربح، ويطيب للبائع ما ربح في الثمن) ش: البائع هو بائع الجارية م: (والفرق) ش: أي بين الصورتين وهما طيب الربح لبيع الجارية في الثمن، وعدم طيبه لمشتري الجارية م: (أن الجارية مما يتعين فيتعلق العقد بها) ش: أي بعين الجارية. ومعنى تعين الجارية، أنه إذا باع جارية معينة ليس له أن يعطي جارية أخرى مكانها، ولما تعلق العقد بها وحصل الربح من هذه الجارية كان الربح، جاء من بدل المملوك ملكا فاسدا، فيمكن الخبث في الربح ويتصدق به م: (فيتمكن الخبث في الربح) ش: والخبث عدم الطيب م: (والدراهم والدنانير لا يتعينان في العقود) ش: أي في عقود البياعات، واحترز به عن الوديعة والشركة والغصب ونحوها. وعند زفر والشافعي - رحمهما الله - يتعينان حتى لو اشترى بدراهم معينة، فحبسها وأعطى البائع غيرها فللبائع أن يأبى ذلك، ولو هلكت الدراهم أو استحقت يبطل البيع عندهما كما في البيع المعين، وعندنا لا يبطل م: (فلم يتعلق العقد الثاني بعينها) ش: أي بعين الدراهم التي باع المشتري الجارية بها م: (فلم يتمكن الخبث، فلا يجب التصدق) ش: لأن الربح حصل بالعقد لا بالدراهم. م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرنا من الفرق بين ما يتعين وبين ما لا يتعين، حيث لا يطيب الربح في الأول، ويطيب في الثاني م: (في الخبث الذي سببه فساد الملك) ش: والخبث على نوعين: خبث لفساد الملك، وخبث لعدم الملك، كما يجيء الآن، وكذلك المال على نوعين: نوع لا يتعين في العقد كالدراهم والدنانير، ونوع يتعين بخلافهما. م: (أما الخبث لعدم الملك عند أبي حنيفة ومحمد يشمل النوعين) ش: أراد بهما ما يتعين من المال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 209 لتعلق العقد فيما يتعين حقيقة وفيما لا يتعين شبهة، من حيث إنه يتعلق به سلامة المبيع أو تقدير الثمن، وعند فساد الملك تنقلب الحقيقة شبهة، والشبهة تنزل إلى شبهة الشبهة، والشبهة هي المعتبرة دون النازل عنها. قال: وكذا إذا ادعى على آخر مالا فقضاه إياه، ثم تصادقا، أنه لم يكن عليه شيء، وقد ربح المدعي في الدراهم يطيب له الربح، لأن الخبث لفساد الملك هاهنا؛ لأن الدين وجب بالتسمية ثم استحق بالتصادق، وبدل المستحق مملوك فلا يعمل فيما لا يتعين.   [البناية] وما لا يتعين م: (لتعلق العقد) ش: أي بمال الغير م: (فيما يتعين حقيقة) ش: أي من حيث حقيقة الخبث م: (وفيما لا يتعين شبهة) ش: أي من حيث الشبهة، أي شبهة الخبث، وبينه بقوله م: (من حيث إنه يتعلق به) ش: أي بمال يتعين م: (سلامة المبيع) ش: بأن ينقد الدراهم المغصوبة م: (أو تقدير الثمن) ش: عطف على قوله: سلامة المبيع، يعني أن الخبث لعدم الملك إنما يثبت فما لا يتعين بطريق الشبهة لأنه تعلق به سلامة المبيع كما قلنا أو تقدير الثمن بأن يشير إلى الدراهم المغصوبة، ونقد من غيرها م: (وعند فساد الملك تنقلب الحقيقة شبهة) ش: يعني أن الخبث لفساد الملك تنقلب حقيقة شبهة أي ما كان من الخبث بسبيل الحقيقة في الخبث لعدم الملك، كما في ما يتعين يكون ذلك الخبث فيما يتعين شبهة لفساد الملك لأن الخبث لفساد الملك أدنى من الخبث لعدم الملك م: (والشبهة) ش: باعتبار فساد الملك فيما لا يتعين م: (تنزل إلى شبهة الشبهة) ش: فيما لا يتعين م: (والشبهة هي المعتبرة دون النازل عنها) ش: أي من الشبهة لأن شبهة الشبهة إذا اعتبرت، ينسد باب العقود إذ لا يخلو عن شبهة الشبهة. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وكذا إذا ادعى) ش: رجل م: (على آخر مالا) ش: بأن ادعى عليه ألف درهم مثلا م: (فقضاه إياه) ش: أي فقضى الرجل المال م: (ثم تصادقا، أنه لم يكن عليه شيء) ش: والحال م: (وقد ربح المدعي في الدراهم يطيب له الربح؛ لأن الخبث لفساد الملك هاهنا؛ لأن الدين وجب بالتسمية) ش: بدعوى الدعوى م: (ثم استحق بالتصادق وبدل المستحق مملوك) ش: ملكا فاسدا والمستحق هو الدين والبدل الدراهم م: (فلا يعمل) ش: أي الخبث م: (فيما لا يتعين) ش: لأن الخبث لفساد الملك لا أثر له فيما لا يتعين، لأنه شبهة الشبهة، ولهذا طاب له الربح ولم يجب التصدق به. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 210 فصل فيما يكره قال: ونهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النجش، وهو أن يزيد في الثمن ولا يريد الشراء ليرغب غيره، قال عليه الصلاة والسلام: «لا تناجشوا» ، قال: وعن السوم على سوم غيره، قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يستام الرجل على سوم أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه» .   [البناية] [فصل في بيان ما يكره في باب البيوع] [المكروه أدنى درجة من الفاسد] م: (فصل فيما يكره) ش: أي هذا فصل في بيان ما يكره في باب البيوع، والمكروه أدنى درجة من الفاسد، ولكن هو شعبة من شعبه فلذلك ألحقه به وأخره عنه، وقد علم في الأصول أن الفسخ إذا كان لأمر متجاوز كان مكروها، وإذا كان لوصف متصل كان فاسدا م: (قال: «ونهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النجش» ش: بفتحتين، ويروى بالسكون، وقيل: بالتحريك اسم وبالسكون مصدر. وهو مكروه بإجماع الأئمة الأربعة، قوله: «ونهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النجش،» لفظ القدوري وفسره المصنف بقوله: م: (وهو أن يزيد في الثمن ولا يريد الشراء ليرغب) ش: من الترغيب م: (غيره) ش: فيوقعه فيه، ثم ذكر الحديث بقوله: م: (قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا تناجشوا» ش: هذا الحديث رواه البخاري بإسناده عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يبيع حاضر لباد ولا تناجشوا» الحديث، ورى البخاري أيضا: حدثنا عبد الله بن مسلمة، قال: حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النجش".» م: (قال) ش: أي القدوري م: (وعن السوم على سوم غيره) ش: وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا يستام الرجل على سوم أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه» ش: هذا الحديث رواه البخاري، ومسلم من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن تلقي الركبان وأن يبيع حاضر لباد الحديث. وفي آخره: وأن يستام الرجل على سوم أخيه» ورواه محمد في كتاب الآثار: أخبرنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن حماد عن إبراهيم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يستام الرجل على سوم أخيه ولا يخطب على خطبته» الحديث. وفي " شرح الطحاوي ": وصورته أن يتراوض الرجلان على السلعة ويتساومان عليها ويرضى البائع والمشتري بذلك ولم يعقد عقد المبيع حتى ساومه آخر على سومه واشتراه منه، فإنه يجوز في الحكم، ولكنه يكره هذا، إذا جنح قلب البائع إلى البيع من الأول بما طلب منه من الثمن، وأما إذا لم يجنح قلبه ولم يرض بذلك فلا بأس للثاني أن يشتريه لأن هذا بيع من يزيد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 211 ولأن في ذلك إيحاشا وإضرارا، وهذا إذا تراضى المتعاقدان على مبلغ ثمن في المساومة، أما إذا لم يركن أحدهما إلى الآخر فهو بيع من يزيد، ولا بأس به على ما نذكره، وما ذكرناه محمل النهي في النكاح أيضا. قال: وعن تلقي الجلب وهذا إذا كان يضر بأهل البلد، فإن كان لا يضر فلا بأس به إلا إذا لبس السعر على الواردين، فحينئذ يكره لما فيه من الغرر والضرر. وقال: وعن بيع الحاضر للبادي   [البناية] وقد روي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه باع قدحا وحلسا ببيع من يزيد وكذلك الرجل إذا خطب امرأة وجنح قلبها إليه كره لغيره أن يخطبها، وإن لم يجنح قلبها إلى الأول فلا بأس للثاني أن يخطبها. وفي " الكافي ": السوم أن يزيد في الثمن بعد تقرير لإرادة الشراء م: (ولأن في ذلك) ش: أي في السوم على أخيه م: (إيحاشا) ش: أي إلقاء الوحشة في قلبه م: (وإضرارا) ش: في زيادة الثمن م: (وهذا) ش: أي كون السوم مكروها م: (إذا تراضى المتعاقدان على مبلغ ثمن في المساومة، أما إذا لم يركن) ش: أي فإذا لم يرض ولم يجنح م: (أحدهما إلى الآخر فهو) ش: أي السوم م: (بيع من يزيد، ولا بأس به) ش: حينئذ م: (على ما نذكره) ش: إشارة إلى قوله: وقد صح أن «النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - باع قدحا وحلسا ببيع من يزيد» وسيجيء عن قريب وقد ذكرناه أيضا. م: (وما ذكرناه) ش: أراد به قوله: وهذا إذا تراضى المتعاقدان م: (محمل النهي في النكاح أيضا) ش: يعني إذا ركن قلب المرأة إلى الخاطب يكره خطبة غيره فإذا لم يركن فلا يكره. [تلقي الجلب] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وعن تلقي الجلب) ش: أي «ونهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن تلقي الجلب» أي المجلوب، صورته أن واحدا من أهل المصر أخبر بمجيء قافلة بمسيرة عظيمة فيخرج ويتلقاهما ويشتري منهم ما يتمارون ويدخل المصر ويبيعه على ما يريد من الثمن م: (وهذا) ش: أي تلقي الجلب على ما وصفناه إنما يكره م: (إذا كان يضر بأهل البلد) ش: بأن يكونوا في ضيق من جدب وقحط م: (فإن كان لا يضر) ش: أهل البلد ذلك م: (فلا بأس به إلا إذا لبس السعر عل الواردين) ش: بأن يشتري منهم بأرخص من سعر المصر وهم لا يعلمون بالسعر م: (فحينئذ يكره لما فيه من الغرر) ش: في حقهم م: (والضرر) ش: لأهل المصر وكلاهما قبيح. م: (قال) ش: أي القدوري في "مختصره": م: (وعن بيع الحاضر للبادي) ش: وفسره ابن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 212 فقد قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لا يبيع الحاضر للبادي، وهذا إذا كان أهل البلدة في قحط وعوز، وهو أن يبيع من أهل البدو طمعا في الثمن الغالي لما فيه من الإضرار بهم، أما إذا لم يكن كذلك فلا بأس به لانعدام الضرر، قال: والبيع عند أذان الجمعة، قال الله تعالى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] (الجمعة: الآية: 9) ،   [البناية] عباس - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: لا يكون له سمادا وبينه الحلواني حيث قال: صورته أن يجيء القروي بالطعام إلى المصر فلا بد للسمسار الحاضر أن يبيع القروي بنفسه، بل يقول له: لا تفعل شيئا فلا أعلم، فيتوكل هذا السمسار الحاضر من البادي ويبيعه ويعلي على الناس السعر، فلو تركه يبيعه بنفسه ربما يرخص، وهذا مبني لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يبيع حاضر لباد وذروا الناس يرزق الله بعضهم من بعض» رواه مسلم عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وعن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يقول: "لا يبيع حاضر لباد" وهي كلمة جامعة لا يبيع له شيئا، وقال ابن سيرين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هي كلمة جامعة للبيع والشراء ويجيء الآن تفسير المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لقوله: لا يبيع حاضر لباد م: (فقد قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي فقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا يبيع الحاضر للبادي» ش: وقد ذكرنا عن قريب أن هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولفظ الحديث في كتب الحديث بلفظ النكرة في الحاضر والبادي. م: (وهذا) ش: أي كراهة بيع الحاضر للبادي م: (إذا كان أهل البلدة في قحط وعوز) ش: أي ضيق م: (وهو) ش: أي الحاضر م: (أن يبيع من أهل البدو طمعا في الثمن الغالي) ش: ويبيعه من أهل البادية بثمن غال، وأهل المصر يتضررون بذلك فلا يجوز م: (لما فيه من الإضرار بهم) ش: أي بأهل البلد م: (أما إذا لم يكن كذلك فلا بأس به لانعدام الضرر) ش: وهكذا قال في " شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [البيع عند أذان الجمعة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والبيع عند أذان الجمعة) ش: أي ونهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن البيع عند أذان الجمعة هكذا فسره الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو بالجر معطوف على قوله عن النجش، وهو أيضا يؤدي معنى ما قاله الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولكن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يذكر فيه النهي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك صريحا، وإنما قال: م: قال الله تعالى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] (الجمعة: الآية: 9) ، ش: ولكن ما نهى الله عز وجل عن شيء وهو أيضا نهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومعنى ذروا: اتركوا أمرا للجماعة من يذرون ما أتوا ما فيه وأصله اذروا أو ذروا حذفت الواو تبعا لفعله واستغني عن الهمزة فحذفت فصار ذروا، وأقل أحوال النهي الكراهة، ولأن السعي إلى الجمعة واجب بالنص. وفي الاشتغال بالبيع والشراء أو بالنوم ونحو ذلك ترك السعي الواجب، وقد مر الكلام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 213 ثم فيه إخلال بواجب السعي على بعض الوجوه، وقد ذكرنا الأذان المعتبر في كتاب الصلاة. قال: وكل ذلك يكره لما ذكرنا، ولا يفسد به البيع لأن الفساد في معنى خارج زائد لا في صلب العقد ولا في شرائط الصحة، قال: ولا بأس ببيع من يزيد، وتفسيره ما ذكرنا وقد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باع قدحا وحلسا ببيع من يزيد..   [البناية] فيه مستقصى في باب الجمعة م: (ثم فيه) ش: أي في الاشتغال بالبيع م: (إخلال بواجب السعي على بعض الوجوه) ش: بأن عقدا ووقفا ولم يسعيا، وأما إذا كانا يمشيان ويبيعان فلا بأس به، ذكره أبو الليث في أصوله م: (وقد ذكرنا الأذان المعتبر في كتاب الصلاة) ش: أراد به ما ذكره في باب الجمعة، والأصح أن المعتبر هو الأول أي الأذان الأول إذا كان بعد الزوال، لحصول الإعلام به. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وكل ذلك يكره) ش: أي كل ما ذكرنا من أول الفصل إلى هنا مكروه وهو النجش والسوم على سوم غيره، وتلقي الجلب، وبيع الحاضر للباد، والبيع عند أذان الجمعة م: (لما ذكرنا) ش: أي لما ذكرنا من الدلائل في كل واحد منهما بمفرده. م: (ولا يفسد به البيع) ش: أي بالنهي المذكور حتى يجب الثمن ويثبت الملك قبل القبض، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولكن يثبت الخيار في وجه في صورة تلقي الركبان، إذ ليس السعر عليهم، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بيع التناجش باطل، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية ضعيفة، وفي صورة تلقي الركبان البيع باطل عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكذا بيع الحاضر للبادي وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن الفساد في معنى خارج زائد) ش: أي مجاور م: (لا في صلب العقد) ش: أي لا متصل به م: (ولا في شرائط الصحة) ش: من الحرية والعقل والبلوغ، قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وأراد بقوله: خارج مجاور لا مطلق الخارج بدليل قوله: زائد لا في صلب العقد ولا في شرائط الصحة، وإلا يشكل بالبيوع الفاسدة بالشرط، فإن الفساد لمعنى خارج لكن ليس مجاورا، لهذا قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله: لمعنى خارج مشكل إلا أن يؤول خارج بالمجاور. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ولا بأس ببيع من يزيد، وتفسيره ما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله: فإذا لم يركن أحدهما إلى الآخر فهو بيع من يزيد م: (وقد صح «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باع قدحا وحلسا ببيع من يزيد» . ش: هذا الحديث أخرجه الأربعة فأخرجه أبو داود في "الزكاة"، وابن ماجه في "التجارات" عن عيسى بن يونس عن الأخضر بن عجلان عن أبي بكر عبد الله الحنفي عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رجلا من الأنصار أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليسأله، فقال له: " أما في بيتك شيء؟ " الجزء: 8 ¦ الصفحة: 214 .. .... .... .... .... .... .... .... .... ....   [البناية] قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه الماء، قال: "ائتني بهما" فأتاه بهما فأخذهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده وقال: "من يشتري هذين؟ " فقال رجل: أنا آخذهم بدرهم، قال: "من يزيد على درهم؟ " مرتين أو ثلاثا، فقال رجل أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري، وقال: اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر فأسا فائتني به". فأتاه به فشد فيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عودا بيده ثم قال: "اذهب واحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما" فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع» وأخرجه الترمذي مختصرا «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باع حلسا وقدحا فيمن يزيد» وكذلك أخرجه النسائي مختصرا. فإن قلت: كيف يقول المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقد صح، وضعفه العقيلي في كتابه والأخضر بن عجلان ذكره الأزدي في الضعفاء وأبو بكر الحنفي، قال ابن القطان: فيه مجهول لا أعرف أحدا نقل عدالته. قلت: هذا الحديث لما رواه الترمذي حسنه، وعند البعض: الحسن من الصحيح والأخضر ابن عجلان وثقه البخاري، وأبو بكر الحنفي روى عنه جماعة وحسن الترمذي حديثه، ولولا أنه ثقة عنده لما حسن حديثه. فإن قلت: كيف باع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحلس والقدح بغير إذن صاحبهما؟ قلت: قيل: يجوز للحاكم أن يبيع على المعسر. فإن قلت: قال الترمذي: لم ينقل أنه كان معسرا. قلت: كانت نفقة أهله واجبة عليه فهي كالدين، قلت: لا يحتاج إلى هذه التكلفات، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يجوز له التصرف في أموال أمته بما شاء فيتصرف على وجه المصلحة. فإن قلت: قال الترمذي: والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم، لم يروا بما شاء ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث [بأسا] . قلت: قال ابن العربي: والباب واحد والمعنى مشترك لا يختص به غنيمة ولا ميراث والحلس بكسر الحاء المهملة كساء يطرح على ظهر البعير أو الحمار، والجمع أحلاس وحلوس كذا في الجمهرة، ويقال: فلان حلس بيته إذا لم ينزح منه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 215 ولأنه بيع الفقراء والحاجة ماسة إليه نوع منه. قال: ومن ملك مملوكين صغيرين أحدهما ذو رحم محرم من الآخر لم يفرق بينهما، وكذلك إن كان أحدهما كبيرا، والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:   [البناية] قوله: مدقع من الدقعاء وهو التراب، ومعنى فقر مدقع أي شديد يفضي بصاحبه إلى التراب. وقيل: وهو سواء احتمال الفقر، قوله: أو لذي غرم مفظع أي لذي خلعة لازمة من غرامة مثقلة، وقال ابن الأثير: المفظع الشديد الشنيع، وقد أقطع يقطع فهو مقطع وقطع الأمر فهو قطيع، قوله: لذي دم موجع: هو أن يتحمل دية فيسعى فيها حتى يؤديها إلى أولياء المقتول، فإن لم يؤدها قبل التحمل عنه فيوجعه قتله. م: (ولأنه) ش: أي ولأن بيع من يزيد م: (بيع الفقراء والحاجة ماسة إليه) ش: أي الحاجة داعية إلى ذلك، وتوارثها الناس في الأسواق م: (نوع منه) ش: أي من البيع المكروه، وإنما فصل هذا لما أن الكراهة في الدين تذكر بعد لمعنى راجع إلى المعقود عليه، والكراهة فيما ذكر قبل لمعنى يرجع إلى غير المعقود عليه، أو لأن الذي يذكر بعد مسائل مختلفة يجمعها معنى واحد وهو التفريق بخلاف الأول؛ لأن فيها مسائل شتى ولها أصول مختلفة. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولأن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فصل هذا عما تقدم لأن هذا النوع له باب على حدة في الأصل والزيادات، ولهذا ذكره الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مختصره في باب على حدة، قلت: على ما ذكره كان ينبغي أن يذكر له بابا على حدة. م: (قال: ومن ملك مملوكين) ش: إنما قال: ملك، ولم يقل: اشترى لتناول وجوه سبب الملك من قبول الهبة والوصية والإرث والشراء م: (صغيرين أحدهما ذو رحم محرم من الآخر) ش: وقيد بالصغيرين لأنه يكره في الكبيرين م: (لم يفرق بينهما) ش: ومراده بالتفريق أن يكون ذلك في ملك واحد، لأنه إذا كان أحدهما في ملك رجل والآخر في ملك الآخر لم يكره التفريق، ألا ترى إلى ما قال في " الشامل ": ولو كان أحدهما مملوكا له، والآخر لولده الصغير أو مكاتبه أو مضاربه جاز التفريق. قال في " شرح الطحاوي ": إذا كان له ولدان صغيران فدخل أحدهما في ملك أحدهما الآخر فلا بأس ببيع أحدهما، وإن كان يملك بيعهما جميعا، وقال فيه أيضا: وكما يكره التفريق في البيع فكذلك يكره التفريق في القسمة في الميراث والغنائم. م: (وكذلك) ش: أي لم يفرق م: (إن كان أحدهما) ش: أي أحد المملوكين م: (كبيرا) ش: وإلا صغيرا م: (الأصل فيه) ش: أي في هذا النوع م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 216 «من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة» «ووهب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غلامين أخوين صغيرين، ثم قال له: "ما فعل الغلامان؟ "   [البناية] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة» . ش: هذا الحديث رواه الترمذي عن حسين بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن أبي أيوب الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من فرق .... " إلخ نحوه، وقال: حديث حسن غريب. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره": روينا عن أبي أيوب قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته» قال: وهكذا ذكر لفظ الحديث شمس الأئمة البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الشامل " و" الكفاية "، وكذا ذكره في "شرح الأقطع " و" الإيضاح "، ولكن ذكر صاحب " الهداية " بلفظ الأحبة. قلت: المحدثون رووه بلفظ الأحبة، منهم الترمذي كما ذكرنا، والحاكم، والبيهقي، والدارمي، والدارقطني، وأحمد في مسنده بعضه، وقال شيخنا زين الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح الترمذي: استدل أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعموم الحديث على أنه لا يصح التفريق بين الأم وولدها الكبير في البيع ونحوه وهو رواية ابن الحكم عن مالك، وقال أيضا: هل يحصل الحكم بالوالدة أو يدخل فيه الجدة للأب، وكذلك الولد الصغير مع الولد هل يجوز التفريق بينهما بالبيع ونحوه. كذلك الجدة للأب والجد للأب صرح أصحابنا بأن الجدة كالأم عند عدم الأم، وكذلك الجد كالأب عند عدم الأب، فإن كان له أم أو أب رقيقان حرم التفريق بينه وبين الأم، وجاز التفريق بينه وبين الأب، وكذلك لو كان له أم وجدة لم يجز التفريق بينه وبين الأم، فإن بيع مع جدته دون أمه فالأصح أنه حرام. وقال أيضا: فيه حجة للصحيح من الوجهين عند أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لا يزول تحريم التفريق بإذن الأم في أن يفرق بينها وبين ولدها، وبناه بعض العلماء على أن الحق في هذا هل هو لحق الوالدة أو لحق الله تعالى؟ فإن كان لحق الوالدة جاز التفريق بإذنها، وإن كان لحق الولد أو لحق الله تعالى فلا يجوز التفريق وإن أذنت، وجوز مالك التفريق بإذنها. م: «ووهب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غلامين صغيرين ثم قال له: "ما فعل الغلامان؟ "، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 217 فقال: بعت أحدهما فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "أدرك أدرك"، ويروى: "اردد، اردد» ، ولأن الصغير يستأنس بالصغير وبالكبير، والكبير يتعاهده فكان في بيع أحدهما قطع الاستئناس، والمنع من التعاهد، وفيه ترك الرحمة على الصغار وقد أوعد عليه.   [البناية] فقال: بعت أحدهما، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "أدرك أدرك"، ويروى: "اردد، اردد") » ش: هذا رواه الترمذي وابن ماجه عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم بن عتيبة عن ميمون بن أبي شبيب «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: وهب لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غلاماك أخوين فبعت أحدهما، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا علي ما فعل غلاماك" فأخبرته، فقال: "رده".» ثم قال: هذا حديث حسن غريب، وقال أبو داود في "سننه": ميمون بن أبي شبيب لم يدرك عليا فإنه قتل في الجماجم في سنة ثلاث وثمانين. وأخرج الدارقطني في "سننه"، والحاكم في "مستدركه" عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قدم علي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبي فأمرني ببيع أخوين فبعتهما وفرقت بينهما، ثم أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته، فقال: "أدركهما وارتجعهما وهما جميعا، ولا تفرق بينهما» وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. م: (ولأن الصغير يستأنس بالصغير وبالكبير) ش: أي ويستأنس بالكبير أيضا، ففي التفريق زوال الأنس وزيادة الإيحاش فيكره ما لم يبلغ الغلام، أو تحض الجارية، فإذا بلغا لا يكره التفريق م: (والكبير يتعاهده) ش: أي يتعاهد الصغير أي يقوم بحوائجه باعتبار الشفقة الناشئة من قرب القرابة م: (فكان في بيع أحدهما قطع الاستئناس والمنع من التعاهد وفيه ترك الرحمة على الصغار وقد أوعد عليه) ش: أي على ترك المرحمة، وفيه أحاديث: منها: ما رواه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا".» الجزء: 8 ¦ الصفحة: 218 ثم المنع معلول بالقرابة المحرمة للنكاح حتى لا يدخل فيه محرم غير قريب ولا قريب غير محرم، ولا يدخل فيه الزوجان حتى جاز التفريق بينهما، لأن النص ورد بخلاف القياس فيقتصر على مورده،   [البناية] ومنها: حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رواه الترمذي عن عكرمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا. ومنها: حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الترمذي أيضا مرفوعا نحوه. ومنها: حديث رواه أبو يعلى الموصلي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مسنده عن أنس مرفوعا: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا".» م: (ثم المنع) ش: أي المنع من التفريق م: (معلول بالقرابة المحرمة للنكاح) ش: بأن يكون أحدهما ذا رحم محرم من الآخر م: (حتى لا يدخل فيه محرم غير قريب) ش: كأولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات. م: (ولا قريب غير محرم) ش: أي ولا يدخل فيه محرم كالأخت من الرضاع وكامرأة الأب م: (ولا يدخل فيه) ش: أي في المبيع من التفريق م: (الزوجان حتى جاز التفريق بينهما لأن النص ورد بخلاف القياس) ش: فإن القياس أن يتصرف المالك في ملكه كيف شاء م: (فيقتصر على مورده) ش: أي مورد النص وهو القرابة المحرمة للنكاح. فإن قلت: كيف يكون على خلاف القياس، والمعنى هو قطع المعاهدة بالتفريق موجود؟ قلنا: وجود المعنى يدل على أنه لا يكون على خلاف القياس، فإن السلم شرع لحاجة المفاليس، ومع ذلك شرع على خلاف القياس، كذا قيل: لو كان منع التفريق معلوما بالقرابة المحرمة للنكاح لما جاز التفريق عند وجود هذه العلة، وقد جاز في مواضع مع وجودها. أحدها: ما إذا كان أحد المملوكين بحال لا يمكن للمولى أن يبيعه بأن دبره، ولا بأس ببيع الذي هو محل البيع هنا وإن حصل التفريق. والثاني: ما إذا جنى أحدهما، فلا بأس أن يدفعه المولى إلى ولي الجناية مع أن له منع البيع باختيار الفداء. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 219 ولا بد من اجتماعهما في ملكه لما ذكرنا، حتى لو كان أحد الصغيرين له والآخر لغيره   [البناية] والثالث: ما لو استهلك مال أمان يباع فيه مع أن للمولى ولاية المنع بأداء قيمته. والرابع: ما لو كانا مملوكين لحربي مستأمن فإنه يجوز للمسلم أن يشتري أحدهما مع أن كل موضع يكره التفريق بالبيع يكره التفريق بالشراء، وهاهنا لا يكره. والخامس: أنه لو كان ثلاثة إخوة في يد رجل وأحدهم صغير فللمالك أن يبيع أحد الكبيرين استحسانا مع وجود التفريق. والسادس: ما إذا اشتراهما ووجد بأحدهما عيبا فله أن يرده ويمسك الثاني في ظاهر الرواية. والسابع: ما لو كان أحدهما أعتقه على مال أو غير مال فيقع التفريق باعتبار الإخراج عن الملك. الثامن: أنه لو كان في يد رجل أمة، ولها ولد صغير مراهق يجوز بيعه باختياره ورضى أمه، والمسائل من المبسوط والإيضاح وشرح الطحاوي. قلنا: أما الجواب عن الأول: أنه إنما لم يجوز التفريق باعتبار ضرر المملوك، فلو منعناه من بيع الآخر لحق الضرر للمولى فيه، وتعارض الضررين، فنفي الضرر عن المولى أولى لئلا يلزم الحجر عن التصرف في ملكه، وكذلك الجواب في الثاني والثالث. وعن الرابع: أنه لو لم يجز شراء المسلم منه لذهب الحربي بينهما إلى دار الحرب، وضرر فساده في دار الحرب ثابت في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فلعرضية الأمن والقتل إذ الظاهر من حال من يشأ في دارهم كان على دينهم، وأما ضرر الآخر فظاهر. وأما الخامس: بأن المنع لحق الصغير وجه مرعي إذا كان معه أحد الكبيرين ليستأنس به ويقوم بحوائجه، مع أن فيه رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يكره أيضا. وعن السادس: بالجواب عن الثاني. وعن السابع: أن الكتابة والإعتاق هو عين الجمع بأكمل الوجوه، إذ المكاتب أو المعتق صار أحق بنفسه، فيدور هو حيث ما دار أخوه فيتعاهد أموره. وعن الثامن: أنه لما رضيا بالتفريق لم يبق الضرر فيجوز. م: (ولا بد من اجتماعهما) ش: أي اجتماع المملوكين الصغيرين م: (في ملكه لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من فرق بين والدة وولدها» م: (حتى لو كان أحد الصغيرين له والآخر لغيره) ش: وفي بعض النسخ، والآخر لغيره وهو الأظهر، لأن لفظ الغير مطلقا يتناول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 220 لا بأس ببيع واحد منهما، ولو كان التفريق بحق مستحق لا بأس به كدفع أحدهما بالجناية وبيعه بالدين ورده بالعيب؛ لأن المنظور إليه دفع الضرر عن غيره لا الإضرار به. قال: فإن فرق كره له ذلك وجاز العقد، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجوز في قرابة الولادة ويجوز في غيرها. وعنه أنه لا يجوز في جميع ذلك لما روينا، فإن الأمر بالإدراك والرد لا يكون إلا في البيع الفاسد.   [البناية] كل من هو غير المالك م: (لا بأس ببيع واحد منهما) ش: أي من الاثنين المذكورين لأن التفريق إنما يتحقق في ملك واحد لا في ملك اثنين. م: (ولو كان التفريق بحق) ش: أي بسبب حق م: (مستحق لا بأس به) ش: أي بالتفريق ومثل لذلك بقوله: م: (كدفع أحدهما بالجناية) ش: بأن جنى أحدهما فدفعه م: (وبيعه بالدين) ش: بأن كان مأذونا وأحاط به دينه أو وجب الدين على المالك ولا مال له م: (ورده بالعيب) ش: بأن اشتراهما وكان بأحدهما عيب لم يظهر عند العقد، وعلل بقوله: م: (لأن المنظور إليه) ش: في منع التفريق م: (دفع الضرر عن غيره) ش: أي عن غير الصغير م: (لا الإضرار به) ش: أي بالصغير. وحاصل الكلام: أن التفريق إنما نهي عنه لدفع الضرر عن الصغير وليس من شرط دفع الضرر عن شخص إلحاق الضرر بغيره، فإذا تعلق بأحدهما حق فالمنع من إيفاء الحق الضرار بصاحب الحق، وإنما حصل الإضرار بالصغير ضمنا لحق مستحق فلا يلتفت إليه لأنه كم من شيء يثبت ضمنا ولا يثبت قصدا. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن فرق كره له ذلك وجاز العقد) ش: الكراهة بالإجماع وفي الجواز خلاف، فعند أبي حنيفة، ومحمد - رحمهما الله - يجوز وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي أن التفريق م: (لا يجوز في قرابة الولادة) ش: أي في الولدين والمولودين، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الأصح م: (ويجوز في غيرها) ش: أي غير الوالدين والمولودين م: (وعنه) ش: أي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) ش: أي أن التفريق م: (لا يجوز في جميع ذلك) ش: أي في قرابة الولادة وغيرها، وبه قال زفر والحسن وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لما روينا) ش: أشار به إلى قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الحديث: بعت أحدهما وقد مر م: (فإن الأمر بالإدراك) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الحديث المذكور: أدرك. م: (والرد) ش: أي القول بالرد في قوله: ويروى اردد، اردد م: (لا يكون إلا في البيع الفاسد) ش: وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا ينبغي لأحد أن يفرق بين ذي رحم محرم فيهما صغير، فإن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان يكره ذلك، ولا يفسخ البيع، وكان أبو يوسف ومحمد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 221 ولهما أن ركن البيع صدر من أهله في محله، وإنما الكراهة لمعنى مجاور فشبه كراهة الاستيام، وإن كانا كبيرين فلا بأس بالتفريق بينهما؛ لأنه ليس في معنى ما ورد به النص، وقد صح أنه فرق بين مارية وسيرين، وكانتا أمتين أختين   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكرهان ذلك ولا يفسخان البيع. وكذلك الحكم فيه حتى يبلغ الصغير غير أن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في الصبي: إذا كان أخوان أو أختان أو عمتان أو خالتان فإنه لا بأس ببيع واحد من ذلك واحتباس الصغير مع الآخر، هذا لفظ الطحاوي، وقد ذكر قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي يوسف كما ترى، وقد ذكر الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مختصره قول محمد مع أبي حنيفة كما ذكره المصنف. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أن ركن البيع صدر من أهله) ش: وهو العاقل البالغ حال كونه مضافا م: (في محله) ش: وهو المالية م: (وإنما الكراهة لمعنى مجاور) ش: وهو للرخصة الحاصلة بالتفريق م: (فشابه كراهة الاستيام) ش: أي السوم على سوم أخيه فإنه مكروه لا فاسد، والحديث محمول على طلب الإقالة أو بيع آخر ممن باع من أحدهما م: (وإن كانا كبيرين فلا بأس بالتفريق بينهما لأنه ليس في معنى ما ورد به النص) ش: لأن معنى ما ورد به الشرع هو أن التفريق قطع الاستئناس. وترك التعاهد وليس هذا في الكبيرين م: (وقد صح أنه) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (فرق بين مارية وسيرين وكانتا أمتين أختين) ش: بيان هذا ما رواه البزار في مسنده من «حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: أهدى المقوقس القبطي لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاريتين وبغلة كان يركبها، فأما إحدى الجاريتين فتسراها فولدت له إبراهيم - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي مارية أم إبراهيم، وأما الأخرى فوهبها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحسان بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهي أم عبد الرحمن بن حسان» . وأخرج البيهقي من طريق ابن إسحاق في " دلائل النبوة " عن الزهري «عن عبد الرحمن بن عبد القادر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية بكتاب، فقبل الكتاب وأكرم حاطبا، وأحسن نزله ومخرجه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأهدى له مع حاطب كسوة، وبغلة مسروجة وجاريتين، إحداهما أم إبراهيم، وأما الأخرى فوهبها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 222 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لجهم بن قيس العقدي، وهي أم زكريا بن جهم الذي كان خليفة عمرو بن العاص على مصر،» انتهى، وهذا مرسل ومخالف لما رواه البزار كما تراه. ولكن الجمع بينهما بحديث آخر رواه البيهقي أيضا بإسناده إلى «حاطب بن أبي بلتعة قال: بعثني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المقوقس ملك الإسكندرية فجئته بكتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأنزلني في منزله فأقمت عنده ثم بعث إلي وقد جمع بطارقته إلى أن قال: وهذه هدايا أبعث بها معك إلى محمد، فأهدى إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث جوار منهن: أم إبراهيم ابن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وواحدة وهبها - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لأبي جهم بن حذيفة العدوي، وواحدة وهبها لحسان بن ثابت الأنصاري:» انتهى. قلت: أبو جهم ذكره أبو عمر في " الاستيعاب " وقال: قيل اسمه عامر بن حذيفة، وقيل: عبيد بن حذيفة أسلم عام الفتح وصحب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، توفي آخر خلافة معاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وأما جهم بن قيس فذكره أيضا في الاستيعاب، وقال: جهم بن قيس بن عبد بن شراحبيل بن عبد مناف بن عبد الدار. وقال: هاجر إلى الأرض الحبشة مع امرأته، وتوفيت امرأته هناك. ولم يتعرض إلى قضية هبة النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إياه الجارية، ولا في أبي جهم، وأما سيرين فقد ذكرها أبو عمر - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الاستيعاب في باب السين المهملة، وكذا ذكرها الذهبي في تجريد الصحابة وذكرها الأترازي بثلاث نقط على السين، والظاهر أنه سهو. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 223 باب الإقالة الإقالة جائزة في البيع بمثل الثمن الأول لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أقال نادما بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة» . ولأن العقد حقهما فيملكان رفعه دفعا لحاجتهما، فإن شرط أكثر منه أو أقل   [البناية] [باب الإقالة] [تعريف الإقالة] م: (باب الإقالة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الإقالة، قيل: الإقالة مشتق من القول والهمزة للسلب كأشكى يعني أزال القول السابق [ .... .... ] . والجوهري ذكرها في " الصحاح " في القاف مع الياء وأقلته البيع إقالة وهو فسخه ورفعه، وذكر في " مجموع اللغة " قال: أقال البيع قيلا وإقالة فسخ، والمناسبة بين هذا الباب وبين الذي قبله هي أن الخلاص من حيث البيع فاسد والمكروه لما كان بالفسخ كان للإقالة تعلقا خاصا بها فذكر عقبها. [حكم الإقالة] م: (الإقالة جائزة في البيع بمثل الثمن الأول) ش: لا خلاف للأئمة الأربعة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في جواز الإقالة ولكن خلافهم أنها فسخ أو بيع على ما يأتي، والدليل على جوازها الحديث الذي يأتي ولأن الإقالة رفع العقد والعقد حق المتعاقدين وقد انعقد بتراضيهما فكان لهما رفعه دفعا للحاجة م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - م: م: «من أقال نادما بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أقال مسلما ببيعته أقال الله عثرته» ، زاد ابن ماجه يوم القيامة، ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في "مستدركه" وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقال ابن حبان فيه: يوم القيامة دون الحاكم ونادما عند البيهقي. م: (ولأن العقد) ش: أي عقد البيع م: (حقهما فيملكان رفعه) ش: أي رفع العقد الذي وقع بينهما م: (دفعا) ش: أي لأجل الدفع م: (لحاجتهما) ش: لأن كل من كان له حق يملك رفعه م: (فإن شرط أكثر منه) ش: أي من الثمن الأول م: (أو أقل) ش: أي أو شرط الأقل من الثمن الأول م: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 224 فالشرط باطل ويرد مثل الثمن الأول، والأصل أن الإقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق غيرهما، إلا أنه لا يمكن جعله فسخا فتبطل، وهذا عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو بيع إلا أنه لا يمكن جعله بيعا فيجعل فسخا، إلا أنه لا يمكن فتبطل. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو فسخ إلا إذا تعذر جعله فسخا فيجعل بيعا، إلا أنه لا يمكن فتبطل.   [البناية] م: (فالشرط باطل) ش: ولا يسقط رد الثمن من البائع، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الإقالة فاسدة والثمن على حال، وإذا كان الشرط المذكور باطلا م: (ويرد) ش: أي البائع م: (مثل الثمن الأول) ش: الذي وقع العقد عليه. م: (والأصل) ش: أي في هذا الباب م: (أن الإقالة فسخ في حق المتعاقدين) ش: في جميع الأحوال منقولا كان المبيع أو غير منقول، مقبوض أو غير مقبوض م: (بيع جديد) ش: أي الإقالة بيع م: (في حق غيرهما) ش: ولهذا تجب الشفعة للشفيع فيما إذا باع دارا فسلم الشفيع الشفعة ثم تقايلا وعاد المبيع إلى ملك البائع، ولو كانت الإقالة بيعا لما جاز لكونه قبل القبض بل هي جديد في حق غيرهما م: (إلا أنه لا يمكن جعله فسخا فتبطل) ش: أي الإقالة كما إذا ولدت المبيعة بعد القبض ولدا فإن الزيادة المنفصلة تمنع فسخ العقد حقا للشرع. م: (وهذا) ش: أي المذكور كله م: (عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو بيع) ش: أي الإقالة بيع، وإنما ذكر الضمير باعتبار المذكور أو بالنظر إلى أن لفظ الإقالة في الأصل مصدر م: (إلا أنه لا يمكن جعله بيعا) ش: كما إذا تقايلا في المنقول قبل القبض م: (فيجعل فسخا إلا أنه لا يمكن) ش: أي جعله فسخا م: (فتبطل) ش: أي الإقالة كما إذا تقايل في العروض المبيعة بالدراهم بعد هلاكها، أو تقايلا في المنقول قبل القبض على خلاف جنس الثمن الأول، لأن بيع المبيع المنقول قبل القبض لا يجوز والفسخ يكون بالثمن الأول وقد سميا ثمنا آخر. م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو فسخ، إلا إذا تعذر جعله فسخا) ش: أي إلا إذا تعذر جعل عقد الإقالة فسخا، بأن تقايلا بعد القبض بالثمن الأول بعد الزيادة المنفصلة أو تقايلا بعد القبض بخلاف جنس الثمن الأول، م: (فيجعل بيعا إلا أنه لا يمكن) ش: أي جعله بيعا كما في صورة بيع العروض بالدراهم بعد هلاكها م: (فتبطل) ش: أي الإقالة ويبقى العقد على حاله. وفي " الذخيرة ": هذا الخلاف بينهم فيما إذا حصل الفسخ بلفظ الإقالة، أما إذا جعل بلفظ المفاسخة والمبادلة أو الرد فإنها لا تجعل بيعا وإن أمكن أن تجعل بيعا، وفي " شرح الوجيز ": إذا كانت الإقالة بلفظ الإقالة فيه قولان فسخ أو بيع، أما إذا قالا تفاسخنا فهو فسخ لا محالة، وفي " شرح الأقطع ": وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية أخرى أن الإقالة بيع بعد القبض وفسخ قبله. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 225 لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن اللفظ للفسخ والرفع، ومنه يقال أقلني عثرتي فيوفر عليه قضيته، وإذا تعذر يحمل على محتمله وهو البيع، ألا ترى أنه بيع في حق الثالث، ولأبي يوسف أنه مبادلة المال بالمال بالتراضي، وهذا هو حد البيع، ولهذا تبطل بهلاك السلعة وترد بالعيب وتثبت به الشفعة وهذه أحكام البيع. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن اللفظ ينبئ عن الرفع والفسخ كما قلنا، والأصل إعمال الألفاظ في مقتضياتها الحقيقية، ولا يحتمل ابتداء العقد ليحمل عليه عند تعذره لأنه ضده، واللفظ لا يحتمل ضده فتعين البطلان، وكونه بيعا في حق الثالث   [البناية] وفي " شرح الطحاوي ": وروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: الإقالة بيع على كل حال حتى إنه أبطل الإقالة في المنقول قبل القبض لأنه لا يجوز بيعه م: (لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن اللفظ) ش: أي لفظ الإقالة م: (للفسخ والرفع) ش: يعني في اللغة م: (ومنه يقال: أقلني عثرتي) ش: أي ارفعها م: (فيوفر عليه) ش: أي على اللفظ م: (قضيته) ش: أي ما اقتضاه من موضوعه اللغوي. م: (وإذا تعذر) ش: أي الفسخ م: (يحمل على محتمله وهو البيع) ش: بطريق المجاز، ولهذا كانت بيعا في حق الثالث، وإنما يحمل على البيع صيانة لكلام العاقل عن الإلغاء، وقوله: م: (ألا ترى) ش: توضح لكون الإقالة بيعا عند تعذر الفسخ بطريق المجاز وهو احتمال اللفظ إياه م: (أنه) ش: أي أن الإقالة م: (بيع في حق الثالث) ش: وهو الشفيع م: (ولأبي يوسف أنه) ش: أي أن الإقالة م: (مبادلة المال بالمال بالتراضي وهذا) ش: أي المذكور وهو مبادلة المال بالمال بالتراضي م: (هو حد البيع) ش: وإن تلفظا بلفظ الإقالة لأن العبرة للمعاني لا للألفاظ، ولهذا تجعل الكفالة بشرط براءة الأصل حوالة والحوالة بشرط عدم البراءة كفالة. م: (ولهذا) ش: أي ولكون الإقالة مبادلة المال بالمال بالتراضي الذي هو حد البيع م: (تبطل) ش: أي الإقالة م: (بهلاك السلعة وترد بالعيب) ش: كما في البيع م: (وتثبت به الشفعة، وهذه أحكام البيع) ش: فتكون الإقالة بيعا إلا أن المنقول قبل القبض لو حملت على البيع كان فاسدا فحملت على الفسخ حملا لكلامهما على الصحة. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن اللفظ) ش: أي لفظ الإقالة م: (ينبئ عن الرفع والفسخ كما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: إن اللفظ للفسخ والرفع م: (والأصل إعمال الألفاظ في مقتضياتها الحقيقية) ش: فإذا تعذر صير إلى المجاز إن أمكن وإلا بطل م: (ولا يحتمل) ش: أي الإقالة م: (ابتداء العقد ليحمل عليه) ش: أي على العقد مجازا م: (عند تعذره لأنه) ش: لأن العقد م: (ضده) ش: أي ضد الرفع م: (واللفظ لا يحتمل ضده) ش: واستعارة أحد الضدين للآخر لا يجوز كما عرف في موضعه، فإذا كان كذلك م: (فتعين البطلان) ش: أي بطلان الإقالة. م: (وكونه بيعا في حق الثالث) ش: جواب عما يقال: الإقالة بيع جديد في حق الثالث، ولو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 226 أمر ضروري؛ لأنه يثبت به مثل حكم البيع وهو الملك لا مقتضى الصيغة، إذ لا ولاية لهما على غيرهما، إذا ثبت هذا نقول: إذا شرط الأكثر فالإقالة على الثمن الأول، لتعذر الفسخ على الزيادة؛ إذ رفع ما لم يكن ثابتا محال فيبطل الشرط؛ لأن الإقالة لا تبطل بالشروط الفاسدة بخلاف البيع، لأن الزيادة يمكن إثباتها في العقد فيتحقق الربا، أما لا يمكن إثباتها في الرفع،   [البناية] لم يحتمل البيع لم يكن ذلك، تقرير الجواب أن كون الإقالة بيعا في حق الثالث الذي هو الشفيع م: (أمر ضروري) ش: يعني ثبوته بيعا بطريق الضرورة، والمحكم لا باعتبار اللفظ وليس بطريق المجاز إذ الثابت بالمجاز ثابت تقتضيه الصيغة، وهذا ليس كذلك م: (لأنه يثبت به مثل حكم البيع وهو الملك) ش: للبائع ببدل ظهر موجبه في حق ثالث دونهما لامتناع ثبوت الضدين في محل واحد فإذا كان كذلك اعتبر الحكم في الثالث لا الصيغة يعني لا تعتبر الصيغة وهو معنى قوله: م: (لا مقتضى الصيغة) ش: لأن البيع وضع لإثبات الملك قصدا وزوال الملك من ضروراته والإقالة وضعت لإزالة الملك وإبطاله وثبوت الملك من ضروراته فيثبت لكل واحد منهما الملك فيما كان لصاحبه كما ثبت في المبايعة فاعتبر موجب الصيغة في حق المتعاقدين، لأن لهما ولاية على أنفسهما، واعتبر الحكم في حق غيرهما، ولا ولاية لهما في حق غيرهما وهو معنى قوله: م: (إذ لا ولاية لهما) ش: أي للمتعاقدين م: (على غيرهما) ش: بأن يجعلا هذا المبيع فسخا في حق غيرهما، لكون الفسخ إضرارا في حق الغير، وجواب المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الحقيقة .... ... إلخ. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وجواب إخوان المدعي أن كون الإقالة بيعا جديدا في حق ثالث ليس مقتضى الصيغة. لأن كونها فسخا مقتضاها فلو كان كونها بيعا كذلك لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز م: (إذا ثبت هذا) ش: أي ما ذكر من الأصل م: (نقول: إذا شرط الأكثر فالإقالة على الثمن الأول) ش: الذي وقع عليه العقد م: (لتعذر الفسخ على الزيادة) ش: لأن فسخ العقد عبارة عن رفعه على الوصف الذي كان قبله، والفسخ على الزيادة ليس كذلك م: (إذ رفع ما لم يكن ثابتا محال فيبطل الشرط) ش: والإقالة لا تبطل م: (لأن الإقالة لا تبطل بالشروط الفاسدة بخلاف البيع) ش: حيث يبطل بالشروط الفاسدة م: (لأن الزيادة يمكن إثباتها في العقد فيتحقق الربا) ش: لأن في الشرط شبهة الربا. لأن فيه منفعة لأحد المتعاقدين وهو مستحق بعقد المعاوضة خال عن العوض. م: (أما لا يمكن إثباتها) ش: أي إثبات الزيادة م: (في الرفع) ش: أي في رفع العقد لأن الإقالة تشبه البيع من حيث المعنى فكان الشرط الفاسد فيها شبهة الشبهة، فلا يؤثر في صحة الإقالة كما لا يؤثر في صحة البيع بخلاف البيع لأن الزيادة فيه إثبات ما لم يكن بالعقد فيتحقق الربا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 227 وكذا إذا شرط الأقل لما بيناه، إلا أن يحدث في المبيع عيب فحينئذ جازت الإقالة بالأقل؛ لأن الحط يجعل بإزاء ما فات بالعيب. وعندهما في شرط الزيادة يكون بيعا، لأن الأصل هو البيع، عند أبي يوسف، وعند محمد جعله بيعا ممكن، فإذا زاد كان قاصدا بهذا البيع، وكذا في شرط الأقل عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه هو الأصل عنده، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو فسخ بالثمن الأول لأنه سكوت عن بعض الثمن الأول، ولو سكت عن الكل وأقال يكون فسخا، فهذا أولى بخلاف ما إذا زاد، وإذا دخله عيب فهو فسخ بالأقل لما بيناه. ولو أقال بغير جنس الثمن الأول فهو فسخ بالثمن الأول عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويجعل التسمية لغوا، وعندهما بيع لما بينا، ولو ولدت المبيعة ولدا ثم   [البناية] م: (وكذا إذا شرط الأقل) ش: أي من الثمن الأول م: (لما بيناه) ش: من قوله: إذ رفع ما لم يكن ثابتا محال، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إشارة إلى قوله: لتعذر الفسخ م: (إلا أن يحدث في المبيع عيب فحينئذ جازت الإقالة بالأقل؛ لأن الحط يجعل بإزاء ما فات بالعيب) ش: وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا إذا كانت حصة العيب مقدار المحطوط أو زائدا أو أنقص بقدر ما يتغابن الناس فيه م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (في شرط الزيادة يكون بيعا؛ لأن الأصل هو البيع عند أبي يوسف، وعند محمد جعله بيعا ممكن) ش: يعني وإن كانت الإقالة عنده فسخا، لكنها في الزيادة غير ممكن، وجعله بيعا ممكن م: (فإذا زاد كان قاصدا بهذا البيع) ش: لأن في الزيادة تعذر العمل بالحقيقة فيصار إلى المجاز صونا لكلام العاقل عن الإلغاء، ولا فرق عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الزيادة والنقصان، لأن الأصل عنده هو البيع، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو الفسخ. م: (وكذا في شرط الأقل عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي بيع عنده م: (لأنه) ش: أي لأن البيع م: (هو الأصل عنده، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو فسخ بالثمن الأول لأنه سكوت عن بعض الثمن الأول، ولو سكت عن الكل) ش: أي عن جميع الثمن م: (وأقال يكون فسخا، فهذا أولى بخلاف ما إذا زاد) ش: حيث يجعل بيعا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - واعترض بأن كونه فسخا إذا سكت عن كل الثمن إما أن يكون على مذهبه خاصة أو على الاتفاق والأول رد المختلف على المختلف، والثاني غير ناهض، لأن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما يجعله فسخا لامتناع جعله بيعا لانتفاء ذكر الثمن بخلاف صورة النقصان، فإن فيها ما يصلح ثمنا. م: (وإذا دخله عيب فهو فسخ بالأقل لما بيناه) ش: أن الحط يجعل بإزاء ما فاته بالعيب م: (ولو أقال بغير جنس الثمن الأول فهو فسخ بالثمن الأول عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويجعل التسمية لغوا، وعندهما بيع لما بينا) ش: يعني وجه كل واحد منهما في فضل الزيادة م: (ولو ولدت المبيعة ولدا ثم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 228 تقايلا فالإقالة باطلة عنده لأن الولد مانع من الفسخ، وعندهما تكون بيعا، والإقالة قبل القبض في المنقول وغيره فسخ عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وكذا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المنقول لتعذر البيع، وفي العقار يكون بيعا عنده لإمكان البيع فإن بيع العقار قبل القبض جائز عنده، قال: وهلاك الثمن لا يمنع صحة الإقالة وهلاك المبيع يمنع عنها؛ لأن رفع البيع يستدعي قيامه وهو قائم بالمبيع دون الثمن، فإن هلك بعض المبيع جازت الإقالة في الباقي لقيام البيع فيه، وإن تقايضا تجوز الإقالة بعد هلاك أحدهما، ولا تبطل بهلاك أحدهما لأن كل واحد منهما مبيع فكان البيع باقيا، والله أعلم بالصواب.   [البناية] تقايلا فالإقالة باطلة عنده) ش: يعني عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن الولد مانع من الفسخ) ش: لأجل الزيادة م: (وعندهما يكون بيعا) ش: وحاصله ما ذكره في " الذخيرة " أن الجارية إذا ولدت ثم تقايلا فإن كان قبل القبض صحت الإقالة سواء كانت الزيادة متصلة كالسمن والجمال أو منفصلة كالولد والأرش والعقر، لأن الزيادة قبل القبض لا تمنع الفسخ منفصلة كانت أو متصلة، والزيادة بعد القبض إن كانت منفصلة فالإقالة باطلة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا يصححها إلا فسخا، وقد تعذر حقا للشرع، وإن كانت متصلة فهي صحيحة عنده لأن المتصلة لا تمنع الفسخ عنده متى وجد برضا من له الحق في الزيادة ببطلان حقه فيها وقد وجد الرضا لما تقايلا فأمكن تصحيحها فسخا عنده. م: (والإقالة قبل القبض في المنقول وغيره فسخ عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، وكذا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المنقول لتعذر البيع) ش: وذلك أن بيع المنقول قبل القبض لا يجوز بالإجماع، وبيع العقار قبل القبض يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (في العقار يكون بيعا عنده) ش: أي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لإمكان البيع، فإن بيع العقار قبل القبض جائز عنده) ش: أي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [هلاك الثمن لا يمنع صحة الإقالة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وهلاك الثمن لا يمنع صحة الإقالة وهلاك المبيع يمنع عنها) ش: أي صحة الإقالة م: (لأن رفع البيع يستدعي قيامه) ش: أو قيام البيع م: (وهو) ش: أي قيام البيع م: (قائم بالمبيع دون الثمن) ش: لأن الأصل هو المبيع ولهذا شرط وجوده عند البيع بخلاف الثمن فإنه بمنزلة الوصف، ولهذا جاز العقد وإن لم يكن موجودا م: (فإن هلك بعض المبيع جازت الإقالة في الباقي لقيام البيع فيه، وإن تقايضا) ش: أي لو عقدا عقد المقايضة وهي بيع عوض بعوض مأخوذ من قولهم هما قيضان أي مثلان م: (تجوز الإقالة بعد هلاك أحدهما) ش: أي أحد العوضين م: (ولا تبطل بهلاك أحدهما لأن كل واحد منهما مبيع فكان البيع باقيا، والله أعلم بالصواب) ش: لأن الأصل وجود المبيع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 229 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فإن قيل: ما الفرق بين التقايض والتصارف فإن هلاك البدلين في الصرف غير مانع من الإقالة، وفي التقايض مانع مع أن في كل منهما لكل واحد من البدلين حكم المبيع، إذ ليس أحدهما أولى من الآخر في جعله مبيعا أو ثمنا. قلنا: الفرق أن في التصارف لا يلزمه رد المقبوض بعد الإقالة وله الخيار إن شاء رده وإن شاء رد مثله، فلا يكون هلاك المقبوض مانعا لصحة الإقالة، وإن كان في العوضين جميعا لأن الإقالة لا تتعلق بأعيانهما لو كانا قائمين فصار هلاكهما كقيامهما، بخلاف المقايضة لأنهما متى كانا قائمين فتعلق الإقالة بأعيانهما وبهلاكهما لم يبق شيء من المعقود عليه، وشرط قيامه في البيع والإقالة كذا في " المبسوط ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 230 باب المرابحة والتولية قال: المرابحة: نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربح، والتولية: نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول من غير زيادة ربح،   [البناية] [باب المرابحة والتولية] [تعريف المرابحة] م: (باب المرابحة والتولية) ش: أي هذا باب في بيان أحكام المرابحة والتولية، ولما ذكر أنواع البيوع التي ترجع إلى جانب المبيع، شرع في بيان أنواع البيوع التي ترجع أحكامها إلى جانب الثمن من المرابحة والتولية والربا والصرف والبيع بالنسيئة وتقديم الأول على الثاني لأصالة المبيع دون الثمن. م: (قال) ش: أي القدوري م: (المرابحة: نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربح) ش: هذا تعريف المرابحة وهو مصدر رائج من باب المفاعلة الذي يستدعي مشاركة الاثنين، قوله: ما ملكه وفي بعض النسخ ما تملكه من باب التفعل م: (والتولية: نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول من غير زيادة ربح) ش: التولية مصدر وفي غيره أي جعله واليا. هذا بحسب اللغة وأما بحسب اصطلاح الشرع فهو الذي ذكره وفي كل منهما اعتراض. أما تعريف المرابحة: فغير مطرد ولا منعكس، أما الأول: فلأنه من اشترى دنانير بالدراهم لا يجوز بيع الدنانير مرابحة مع صدق التعريف عليه، وأما الثاني: فلأن المغصوب الآبق إذا عاد بعد القضاء بالقيمة على الغاصب جاز بيعه للغاصب مرابحة، والتعريف ليس بصادق عليه لأنه لا عقد فيه. ولأنه مشتمل على إبهام يجب عنه خلو التعريف، وذلك لأن قوله: بالثمن الأول إما أن يراد به عين الثمن الأول أو مثله لا سبيل إلى الأول لأن عين الثمن الأول صار ملكا للبائع الأول، فلا يكون مرادا في البيع الثاني، ولا إلى الثاني، لأنه لا يخلو إما أن يراد المثل من حيث الجنس أو المقدار، والأول ليس بشرط لما ذكر في " الإيضاح " و" المحيط " أنه إذا باعه مرابحة، فإن كان ما اشتراه بدله مثلا جاز جعل الربح من جنس رأس المال للدراهم من الدراهم أومن غير الدراهم من الدنانير أو على العكس، إذا كان معلوما يجوز به الشراء لأن الكل ثمن. والثاني: يقتضي أن لا يضم إلى رأس المال أجرة القصار والصباغ والطراز وغيرها بأنها ليست بثمن في العقد الأول على أن الثمن ليس بشرطه في المرابحة أصلا، فإنه لو ملك ثوبا بهته أو وصبه فقومه ثم باعه مرابحة على ملك والقيمة جاز، والمسألة في " المبسوط ". قيل: فعلى هذا الأولى أن يقال: نقل ما ملكه من السلع بما قام عنده، والجواب عن الأول: أنا لا نسلم صدق التعريف عليه، فإنه إذا لم يجز البيع لا يصدق عليه النقل، وعن الثاني: بأن المراد بالعقد أعم من أن يكون ابتداء أو انتهاء، وإذا قضى بالقيمة عاد ذلك عقدا حتى لا يقدر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 231 والبيعان جائزان لاستجماع شرائط الجواز والحاجة ماسة إلى هذا النوع من البيع؛ لأن الغبي الذي لا يهتدي في التجارة يحتاج إلى أن يعتمد على فعل الذكي المهتدي، ويطيب نفسه بمثل ما اشترى وبزيادة ربح فوجب القول بجوازهما، ولهذا كان مبناهما على الأمانة والاحتراز عن الخيانة وعن شبهتها، وقد صح «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أراد الهجرة ابتاع أبو بكر بعيرين، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ولني أحدهما" فقال: هو لك بغير شيء، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "أما بغير ثمن فلا» .   [البناية] المالك على رد القيمة وأخذ المغصوب، والمراد به بالمثل هو المثل في المقدار، والعادة جرت بإلحاق ما يزيد في البيع أو قيمته إلى رأس المال كان من جملة الثمن الأول عادة، وإذا لم يكن الثمن نفسه مرادا يجعل مجازا عما قام عنده من غير خيانة فيدخل فيه مسألة " المبسوط ". وإنما عبر عنه بالثمن لكونه العادة الغالبة في المرابحات فيكون من باب ترك الحقيقة للعادة، وأما تعريف التولية فإنه يرد عليه ما كان يرد على المرابحة من حيث لفظ العقد والثمن الأول والجواب. م: (والبيعان) ش: أي بيع المرابحة وبيع التولية م: (جائزان لاستجماع شرائط الجواز) ش: لأن المبيع معلوم والثمن معلوم والناس يعاملون بهما من غير نكير، وتعامل الناس من غير نكير حجة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» م: ( والحاجة ماسة إلى هذا النوع من البيع لأن الغبي) ش: بفتح الغين المعجمة وكسر الباء الموحدة وتشديد الياء، هو الذي يخفى عليه الأمور، ويقال: هو قليل الفطنة وهو على وزن فعيل من السواء. وقال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقول غبيت عن الشيء وغبيته أيضا أغبى غباوة إذا لم يفطن له وغبي على الشيء غبيا كذلك إذا لم تعرفه، ووصف المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - المعنى بقوله: م: (الذي لا يهتدي في التجارة إلى أن يعتمد على فعل الذكي المهتدي ويطيب نفسه بمثل ما اشترى وبزيادة ربح) ش: نقدا بأمانته واعتمادا على بصيرته م: (فوجب القول بجوازهما، ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (كان مبناهما) ش: أي مبنى المرابحة والتولية م: (على الأمانة والاحتراز عن الخيانة وعن شبهتها) ش: أي وعن شبهة الخيانة حتى إذا اشترى شيئا مؤجلا ليس له أن يبيعه مرابحة إلا إذا بين الأجل م: (وقد صح «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أراد الهجرة ابتاع أبو بكر بعيرين، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ولني أحدهما"، فقال: هو لك بغير شيء، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أما بغير ثمن فلا» ش: هذا غريب فلذلك قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقد صح التولية من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما ذكره في الكتاب ولم يزد عيه شيئا. وحديث أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في البخاري عن الزهري عن عروة عن عائشة - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 232 قال: ولا تصح المرابحة والتولية حتى يكون العوض مما له مثل؛ لأنه إذا لم يكن له مثل لو ملكه ملكه بالقيمة وهي مجهولة، ولو كان المشتري باعه مرابحة ممن يملك ذلك البدل وقد باعه بربح درهم أو بشيء من المكيل موصوف جاز؛ لأنه يقدر على الوفاء بما التزم، وإن باعه بربح ده يازده لا يجوز؛ لأنه باعه برأس المال وببعض قيمته لأنه ليس من ذوات الأمثال.   [البناية] - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وفيه «أن أبا بكر قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خذ بأبي أنت وأمي يا رسول الله راحلتي هاتين فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بالثمن» الحديث ليس فيه غير ذلك أخرجه في مكرمة الخلق. ورواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مسنده ولفظه: «فأعطى أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إحدى الراحلتين، فقال: خذها يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاركبها، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أخذتها بالثمن» الحديث. وفي " الطبقات لابن سعد "، «وكان أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قد اشتراها بثمانمائة درهم من نعم بني قسر، فأخذ إحداهما وهي القصواء.» م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا تصح المرابحة والتولية حتى يكون العوض) أي الثمن م: (مما له مثل؛ لأنه إذا لم يكن له مثل لو ملكه ملكه بالقيمة وهي مجهولة) ش: تعرف بالحرز والظن، فيتمكن فيه شبهة الخيانة فيحترز عنها كما يحترز عن حقيقة الخيانة إذ مبنى المرابحة على الأمانة، ولهذا لو اشترى عبدين أو ثوبين بثمن مؤجل فباع أحدهما مرابحة بحصة من الثمن أو بغير بيان الأجل لا يجوز عندنا. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يجوز إن قسط الثمن على القيمة وأخبر بما يخصه م: (ولو كان المشتري باعه مرابحة ممن يملك ذلك البدل) ش: قوله: مرابحة نصب على التمييز، وقوله: ممن يملك ذلك البدل خبر كان، صورته رجل باع عبدا بثوب وملك ذلك الثوب غيره من البائع بسبب من الأسباب. وذلك الغير الذي في يده الثوب يشتري هذا العبد بذلك الثوب ويربح درهم، جاز وهو معنى قوله م: (وقد باعه بربح درهم أو بشيء من المكيل موصوف جاز؛ لأنه يقدر على الوفاء بما التزم، وإن باعه بربح ده يازده) ش: أي بربح درهم على عشرة دراهم، وإن كان الثمن عشرين كان الربح بزيادة درهمين. وإن كان ثلاثين فثلاثة ولفظ " ده " بفتح الدال وسكون الهاء وهو اسم العشرة بالفارسية ويازده بالياء آخر الحروف، وسكون الزاي، وده مثل الأول وهو اسم أحد عشر بالفارسية. قال في هذه الصورة: م: (لا يجوز لأنه باعه برأس المال وببعض قيمته، لأنه ليس من ذوات الأمثال) ش: فصار البائع بائعا بذلك الثمن القيمي كالثوب مثلا أو بجزء من أحد عشر جزءا من الثوب، والجزء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 233 ويجوز أن يضيف إلى رأس المال أجرة القصار والطراز والصبغ، والفتل وأجرة حمل الطعام؛ لأن العرف جار بإلحاق هذه الأشياء برأس المال في عادة التجار؛ ولأن كل ما يزيد في المبيع أو في قيمته يلحق به، هذا هو الأصل، وما عددناه بهذه الصفة لأن الصبغ وأخواته يزيد في العين والحمل يزيد في القيمة، إذ القيمة تختلف باختلاف المكان. ويقول: قام علي بكذا، ولا يقول: اشتريته بكذا كيلا يكون كاذبا، وسوق الغنم بمنزلة الحمل بخلاف أجرة الراعي، وكراء بيت الحفظ لأنه لا يزيد في العين والمعنى،   [البناية] الحادي عشر لا يعرف إلا بالقيمة وهي مجهولة فلا يجوز م: (ويجوز أن يضيف إلى رأس المال أجرة القصار والطراز والصبغ) ش: والطراز بكسر الطاء وتخفيف الراء وهو علم بالثوب قاله في " المغرب ". م: (والفتل) ش: من فتلت الحبل وغيره م: (وأجرة حمل الطعام؛ لأن العرف جار بإلحاق هذه الأشياء برأس المال في عادة التجار، ولأن كل ما يزيد في المبيع أو في قيمته يلحق به، هذا هو الأصل وما عددناه بهذه الصفة، لأن الصبغ وأخواته يزيد في العين، والحمل يزيد في القيمة، إذ القيمة تختلف باختلاف المكان) ش: بحسب قرب المسافة وبعدها، وفي " شرح الطحاوي ": وبعض مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أصل في ذلك أصلا، فقال: كل ما يؤثر في المعقود عليه، فإن بدله يلحق برأس المال، وكل ما لا يؤثر في العين، فإنه لا يلحق برأس المال. إلا أن هذا الأصح لا يصح، فإن الكبري وأجرة الثمار وسابق الغنم تضم ولا تؤثر في العين، وفي " الإيضاح " والمعنى الذي اعتمد عليه من اعتبار عادة التجار تعم المواضع كلها م: (ويقول: قام علي بكذا، ولا يقول: اشتريته بكذا كيلا يكون كاذبا) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني في كل موضع يجوز له أن يضم إلى رأس المال بقوله: قام علي بكذا، ولأنه صدق لا يقول: اشتريته بكذا لأنه كذب وهو حرام، وهذا بخلاف ما إذا اشترى متاعا ثم رقمه بأكثر من ثمنه ثم باعه مرابحة على رقمه فهو جائز، هي مسألة الأصل حيث لا يقول: قام علي بكذا ولا اشتريته بكذا لأنه كذب، وإنما يقول: رقمه كذا وكذا فأنا أبيعه مرابحة على كذا، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل: وكذلك لو كان أصله ميراثا أو هبة أو صدقة فقومه قيمة ثم باعه مرابحة على تلك القيمة كان ذلك جائزا، ورقم الثوب وشاه رقما، والتاجر يرقم الثياب أي يعلم بها أن ثمنها كذا ومنه لا يجوز بيع الشيء برقمه كذا في " المغرب ". م: (وسوق الغنم بمنزلة الحمل) ش: يعني في جواز ضم ما أنفق على الغنم في سياقها كما له أن يضم أجرة الحمل م: (بخلاف أجرة الراعي) ش: حيث لا يجوز ضمه م: (وكراء بيت الحفظ لأنه) ش: أي لأن أجرة الراعي، وكذا كراء بيت الحفظ م: (لا يزيد في العين) ش: وهو ظاهر م: (والمعنى) ش: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 234 وبخلاف أجرة التعليم لأن ثبوت الزيادة لمعنى فيه وهو حذاقته، فإن اطلع المشتري على خيانة في المرابحة فهو بالخيار، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء تركه، وإن اطلع على خيانة في التولية أسقطها من الثمن. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحط فيهما،   [البناية] أي ولا يزيد في المعنى وهو القيمة والمالية م: (وبخلاف أجرة التعليم) ش: وهو عطف على قوله: بخلاف أجرة الراعي م: (لأن ثبوت الزيادة لمعنى فيه) ش: أي في المتعلم م: (وهو حذاقته) ش: أي ذكاء ذهنه. وفي " المبسوط ": أنفق على عبده في تعلم الدراهم لا يلحقها برأس المال لأنه ليس فيه عرف، وكذلك في تعلم الشعر والغناء والعربية وتعلم القرآن والحساب حتى لو كان في شيء من ذلك عرف ظاهر يلحقه برأس المال، وكذا لا يلحق أجرة الطبيب والرائض والبيطار والراعي وجعل الآبق والختان والحجام لعدم العرف وفي " التحفة "، وأما أجرة السمسار في ظاهر الرواية ملحق برأس المال وفي البرامكة قال: لا يلحق. وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره": وكذلك إذا كان مضار بما أنفق على الرقيق في طعامهم وكسوتهم، وما لا بد لهم منه إذا كان ما أنفق من ذلك بالمعروف، فإن كان أسرف لم يضم الفضل وضم ما بقي ولا يضم ما أنفق عل نفسه في سفره في كسوته وطعامه ومركبه ودهنه وغسل ثيابه، ولا يضم أيضا ما أنفق على مرض الرقيق في أجرة طبيب أو حجام أو دواء. وقيل: أجرة الدلال لا تضم، وكذا المساح الذي يؤجر في الطريق إلا إذا جرت عادة التجار، وكذا لا يضم كل ما جاوز القوت من الطعام والإمام، وإلا أجرة الكيال في الطعام ونحوه، ويلحق به ثمن علف الدواب وأجرة التجصيص والتطيين وحفر البئر في الدار والقناة في الأرض ونفقة الكراب وكسح الكروم وسقي الزرع والكروم ما بقيت، فإذا ذهبت لم يحسب شيء منه، وأجرة لقاط التمر والسلاح والملاح ونحوها، فإن أنفق على الغنم وأصاب من أصوافها وألبانها يضم ما فضل من قيمتها من الصوف واللبن وكذا الدجاجة إذا باضت. وفي " تتمة الشافعية ": يدخل المسكن الذي يأخذه السلطان م: (فإن اطلع المشتري على خيانة) ش: وفي " التحفة " ظهور الخيانة إما بإقرار البائع أو بالبينة أو بالنكول عن اليمين وكذا في " تتمة الشافعية " م: (في المرابحة فهو بالخيار عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء تركه) ش: وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قوله: [اطلع على خيانة في التولية] م: (وإن اطلع على خيانة في التولية أسقطها من الثمن) ش: أي أسقط الخيانة أي قدرها. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحط فيهما) ش: أي يحط قدر الخيانة في المرابحة والتولية جميعا، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وحكى أبو حامد المروزي قولا آخر عن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن البيع لا يصح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 235 وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يخير فيهما. لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الاعتبار للتسمية لكونه معلوما، والتولية والمرابحة ترويج وترغيب فيكون وصفا مرغوبا فيه كوصف السلامة فيتخير بفواته، ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الأصل فيه كونه تولية ومرابحة، ولهذا ينعقد بقوله: وليتك بالثمن الأول، أو بعتك مرابحة على الثمن الأول، إذا كان ذلك معلوما فلا بد من البناء على الأول وذلك بالحط، غير أنه يحط في التولية قدر الخيانة من رأس المال، وفي المرابحة منه ومن الربح، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لو لم يحط في التولية لا يبقى تولية لأنه يزيد على الثمن الأول فيتغير التصرف فتعين الحط، وفي المرابحة لو لم يحط تبقى مرابحة،   [البناية] وقيل: هو مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخير فيهما) ش: يعني له الخيار، إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء تركه وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول م: (لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الاعتبار للتسمية) ش: لتعلق العقد بالتسمية م: (لكونه) ش: أي لكون التسمية م: (معلوما) ش: لأنه بحسب أن يكون الثمن معلوما والعلم يحصل بالتسمية م: (والتولية والمرابحة ترويج وترغيب فيكون) ش: أي ذكر التولية والمرابحة م: (وصفا مرغوبا فيه كوصف السلامة) ش: أي كوصف سلامة المبيع. فإذا فات الوصف المرغوب فيه بظهور الخيانة كان بمنزلة العيب م: (فيتخير بفواته) ش: كما لو وجد المبيع معيبا م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الأصل فيه) ش: أي في لفظ المرابحة والتولية م: (كونه) ش: أي كون المعقد م: (تولية ومرابحة) ش: لا التسمية م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون العقد تولية ومرابحة م: (ينعقد) ش: أي المعقد م: (بقوله: وليتك بالثمن الأول، أو بعتك مرابحة على الثمن الأول إذا كان ذلك) ش: أي الثمن م: (معلوما) ش: واقتصر هو على التسمية صح العقد والتسمية كالتفسير م: (فلا بد من البناء على الأول) ش: أي فلا بد من بناء العقد الثاني في حق الثمن على العقد الأول، إذ الثاني في حكم الأول، وقدر الخيانة لم يكن ثابتا في العقد الأول فلا يمكن إثباته في العقد الثاني، فيحط ضرورة وهو معنى قوله: م: (وذلك بالحط) ش: أي بحط شيء من الثمن وهو مجهول فبينه بقوله: م: (غير أنه يحط في التولية قدر الخيانة من رأس المال) ش: وهو ظاهر. م: (وفي المرابحة منه) ش: أي ويحط في المرابحة من رأس المال م: (ومن الربح) ش: حتى لو باع ثوبا بعشرة على ربح خمسة فظهر أن الثمن كان ثمانية، يحط قدر الخيانة وهو درهمان من الأصل وما قابله من الربح وهو درهم، فيأخذ الثوب باثني عشر درهما لأن هذا ربح على الكل، وما قابله من الربح وهو درهم، فيأخذ الثوب باثني عشر درهما لأن هذا ربح على الكل، فظهرت الخيانة في الكل، فيظهر الأثر في الربح أيضا. م: (ولأبي حنيفة أنه لو لم يحط في التولية لا يبقى) ش: أي العقد م: (تولية لأنه يزيد على الثمن الأول) ش: لكن لا يجوز أن لا يبقى تولية م: (فتغير التصرف) ش: حينئذ فلا يجوز، فإذا كان كذلك م: (فتعين الحط، وفي المرابحة لو لم يحط تبقى مرابحة) ش: كما كانت من غير تغير التصرف، لكن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 236 وإن كان يتفاوت الربح فلا يتغير التصرف، فأمكن القول بالتخيير، فلو هلك قبل أن يرده أو حدث فيه ما يمنع الفسخ يلزمه جميع الثمن في الروايات الظاهرة، لأنه مجرد خيار لا يقابله شيء من الثمن، كخيار الشرط والرؤية بخلاف خيار العيب؛ لأنه مطالبة بتسليم الفائت فيسقط ما يقابله عند عجزه قال: ومن اشترى ثوبا فباعه بربح ثم اشتراه، فإن باعه مرابحة طرح عنه كل ربح كان قبل ذلك، فإن كان استغرق الثمن لم يبعه مرابحة، وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: يبيعه مرابحة على الثمن الأخير.   [البناية] يتفاوت الربح م: (وإن كان يتفاوت الربح فلا يتغير التصرف فأمكن القول بالتخيير) ش: لفوات الرضا م: (فلو هلك) ش: أي المبيع م: (قبل أن يرده أو حدث فيه ما يمنع الفسخ) ش: عند ظهور الخيانة م: (يلزمه جميع الثمن في الروايات الظاهرة) ش: احترز به عما روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصول، أنه يفسخ البيع على القيمة، إن كانت أقل من الثمن حتى يندفع الضرر عن المشتري بناء على حاصله في مسألة التحالف بعد هلاك السلعة، إنه يفسخ بعد التحالف دفعا للضرر عن المشتري ويرد القيمة ويسترد الثمن كذا هاهنا. وقال الإمام التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من قال بالحط لو هلك المبيع أو استهلكه أو انتقض فله الحط، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قولا واحد وإنما القولان له فيما إذا كانت السلعة قائمة، ومن قال بالفسخ إذا امتنع لزمه جميع الثمن. وفي " الكافي ": لو هلك المبيع قبل أن يرده أو حدث به ما يمنع الفسخ عند ظهور الخيانة لزمه جميع الثمن وسقط خياره عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهو المشهور من قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه مجرد خيار لا يقابله شيء من الثمن كخيار الشرط والرؤية) ش: وقد تعذر الرد بالهلاك أو غيره فيسقط خياره م: (بخلاف خيار العيب) ش: بحيث لا يجب كل الثمن بل ينقص منه مقدار العيب لأجل العيب م: (لأنه) ش: أي لأن خيار العيب م: (مطالبة بتسليم الفائت) ش: أي الجزء الفائت م: (فيسقط ما يقابله) ش: أي ما يقابل العيب من الثمن م: (عند عجزه) ش: أي عجز المشتري عن تسليمه بهلاك المبيع أو بحدوث ما يمنع الفسخ. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى ثوبا فباعه بربح ثم اشتراه فإن باعه مرابحة طرح) ش: أي طرح البائع الأول وهو المشتري الثاني م: (عنه) ش: أي عن ثمن ما اشترى م: (كل ربح كان قبل ذلك) ش: أي قبل الربح الذي حصل في العقد الثاني م: (فإن كان) ش: أي في الربح م: (استغرق الثمن لم يبعه مرابحة، وهذا عند أبي حنيفة) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وقالا: يبيعه مرابحة على الثمن الأخير) ش: في الفصلين، وبه قال الشافعي ومالك - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 237 صورته إذا اشترى ثوبا بعشرة فباعه بخمسة عشر ثم اشتراه بعشرة، فإنه يبيعه مرابحة بخمسة ويقول: قام علي بخمسة، ولو اشتراه بعشرة وباعه بعشرين مرابحة ثم اشتراه بعشرة لا يبيعه مرابحة أصلا، وعندهما يبيعه مرابحة على العشرة في الفصلين. لهما أن العقد الثاني عقد متجدد منقطع الأحكام عن الأول فيجوز بناء المرابحة عليه كما إذا تخلل ثالث. ولأبي حنيفة أن شبهة حصول الربح بالعقد الثاني ثابتة لأنه يتأكد به بعدما كان على شرف السقوط بالظهور على عيب،   [البناية] رحمهما الله - م: (صورته) ش: ما ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من المسألة م: (إذا اشترى ثوبا بعشرة فباعه بخمسة عشر) ش: توضيحه رجل اشترى ثوبا بعشرة دراهم وقبض ثم باعه من غيره بخمسة عشر وسلم المبيع وانتقد الثمن م: (ثم اشتراه بعشرة، فإنه يبيعه مرابحة بخمسة) ش: عن الثمن الثاني الذي ربح وهو خمسة، فيبيعه مرابحة على خمسة عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (ويقول: قام علي بخمسة) ش: ولا يقول: اشتريته بخمسة لئلا يصير كاذبا م: (ولو اشتراه بعشرة وباعه بعشرين مرابحة، ثم اشتراه بعشرة لا يبيعه مرابحة أصلا) ش: عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني لا يبيعه مرابحة من غير بيان، بل يبيعه مساومة لأنه إذا حط عنه الربح لا يبقى الثمن م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - م: (يبيعه مرابحة على العشرة في الفصلين) ش: أي في الفصل الأول والثاني م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله. م: (أن العقد الثاني عقد متجدد منقطع الأحكام عن الأول) ش: وفي " المبسوط ": إنه شراء مستقل فلا يدخل فيه ما قبله من ربح أو وضيعة وكل ما هو كذلك م: (فيجوز بناء المرابحة عليه كما إذا تخلل ثالث) ش: بأن اشترى من مشتريه، توضيحه باعه بعشرين ثم باعه المشتري إلى ثالث، ثم اشتره البائع الأول بعشرة تجوز المرابحة بعشرة. م: (ولأبي حنيفة أن شبهة حصول الربح بالعقد الثاني ثابتة) ش: يعني أن الربح الثاني الذي استفاده بالعقد كان على شرف السقوط بأن يرد بعيب، فإذا اشتراه من المشتري تأكد وهو معنى قوله: م: (لأنه يتأكد به) ش: أي لأن الربح الذي كان على شرف السقوط يتأكد به، أي بالعقد الثاني م: (بعدما كان على شرف السقوط بالظهور على عيب) ش: وللتأكيد في بعض المواضع حكم الإيجاب، كما في شهود الطلاق قبل الدخول، إذا رجعوا يضمنون نصف المهر لتأكد ما كان على شرف السقوط لاحتمال أنه يسقط بتقبيل ابن الزوج أو بالارتداد. فإذا اعتبرنا التأكيد يصير البائع في مسألتنا مشتريا بالعقد الثاني ثوبا وخمسة دراهم بالعشرة، فيكون خمسة بإزاء الخمسة ويبقى الثوب بالخمسة، ويبيعه مرابحة على خمسة احترازا عن شبهة الخيانة فإنها لحقيقتها، وهو معنى قوله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 238 والشبهة كالحقيقة في بيع المرابحة احتياطا، ولهذا لم تجز المرابحة فيما أخذ بالصلح بشبهة الحطيطة، فيصير كأنه اشترى خمسة وثوبا بعشرة، فيطرح خمسة بخلاف ما إذا تخلل ثالث؛ لأن التأكد حصل بغيره. قال: وإذا اشترى العبد المأذون له في التجارة ثوبا بعشرة، وعليه دين يحيط برقبته فباعه من المولى بخمسة عشر فإنه يبيعه مرابحة على عشرة، وكذلك إن كان المولى اشتراه فباعه من العبد؛ لأن في هذا العقد شبهة العدم، لجوازه مع المنافي، فاعتبر عدما   [البناية] م: (والشبهة كالحقيقة في بيع المرابحة احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (لم تجز المرابحة فيما أخذ بالصلح) ش: صورة الصلح ادعى على رجل ألف درهم فصالحه على ثوب أو عبد، فإنه لا يبيعها مرابحة على ألف لأن الصلح بناه على التجوز والحطيطة، ولو وجد حقيقة ما جاز المبيع مرابحة فكذا م: (بشبهة الحطيطة) ش: وهي ما يحط من ثمن السلعة م: (فيصير كأنه اشترى خمسة وثوبا بعشرة فطرح خمسة) ش: يعني إذا كان شبه حصول الربح ثابتة، يصير كأنه اشترى بالعقد الثاني خمسة دراهم وثوبا بعشرة، فالخمسة بإزاء الخمسة، والثوب بخمسة فيبيعه مرابحة على خمسة، وعورض بأنه لو كان كذلك لما جاز الشراء بعشرة فيما إذا باعه بعشرين، لأنه يصير في الشراء الثاني كأنه اشترى ثوبا وعشرة بعشرة فكان ثمنه شبهة الربا وهو حصول الثوب بلا عوض. وأجيب: بأن التأكيد له شبهة الإيجاب في حق العباد واحترازا عن الخيانة لا في حق الشرع، وشرعية جواز المرابحة لمعنى راجع إلى العباد فيؤثر التأكيد في المرابحة، وأما جواز البيع وعدمه في شبهة الربا فحق الشرع فلا يكون التأكيد فيه شبهة الإيجاب، كذا نقل من " فوائد الإمام العلامة حميد الدين" - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (بخلاف ما إذا تخلل ثالث) ش: أي بينهما م: (لأن التأكيد) ش: أي تأكيد الربح م: (حصل بغيره) ش: وهو الثالث فلم يستفد ربح المشتري الأول بالشراء الثاني، فانتفت الشبهة. [اشترى العبد المأذون له في التجارة ثوبا بعشرة وعليه دين يحيط برقبته] م م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا اشترى العبد المأذون له في التجارة ثوبا بعشرة وعليه دين يحيط برقبته) ش: أي والحال أنه مديون بدين يحيط برقبته، وفي " النهاية " إنما قيد به لأنه لو لم يكن على العبد دين وباع من المولى لم يصح، لأن هذا البيع لا يفيد للمولى شيئا لم يكن له قبل البيع لا يملك الرقبة ولا يملك التصرف م: (فباعه من المولى بخمسة عشر فإنه) ش: أي فإن المولى م: (يبيعه مرابحة على عشرة، وكذلك إن كان المولى) ش: هو العقد الذي م: (اشتراه فباعه من العبد) ش: بخمسة عشر، باعه العبد مرابحة على عشرة م: (لأن في هذا العقد) ش: أي بيع العبد من المولى وعكسه م: (شبهة العدم) ش: أي شبهة عدم الجواز لا حقيقة عدم الجواز م: (لجوازه مع المنافي) ش: أي لجواز العقد، لقيام الدين مع وجود المنافي للجواز وهو كون العبد ملكا للمولى فصار كأنه باع ملك نفسه من نفسه وكذا في الشراء م: (فاعتبر عدما) ش: أي فاعتبر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 239 في حكم المرابحة وبقي الاعتبار للأول، فيصير كأن العبد اشتراه للمولى بعشرة في الفصل الأول، وكأنه يبيعه للمولى في الفصل الثاني، فيعتبر الثمن الأول. قال: وإذا كان مع المضارب عشرة دراهم بالنصف، فاشترى ثوبا بعشرة، وباعه من رب المال بخمسة عشر، فإنه يبيعه مرابحة باثني عشر ونصف؛   [البناية] العقد كأن لم يكن م: (في حكم المرابحة) ش: لوجوب الاحتراز فيها عن شبهة الجناية. وإذا عدم البيع الثاني م: (وبقي الاعتبار الأول) ش: أي العقد الأول م: (فيصير كأن العبد اشتراه للمولى بعشرة في الفصل الأول) ش: أي فيما إذا باعه من مولاه م: (وكأنه يبيعه للمولى في الفصل الثاني) ش: أي فيما إذا باعه المولى من عبده م: (فيعتبر الثمن الأول) ش: أي الثمن المذكور في الفصل الأول فلا يبيعه مرابحة على الثمن المذكور فيه وإنما يبيعه على الثمن المذكور في الأول. وقال الكاكي: ذكر هذه المسألة وأخواتها في " المبسوط " من غير ذكر دين العبد فقال: وإذا اشترى شيئا من أبيه، أو أمه، أو ولده، أو مكاتبه، أو عبده، أو اشترى العبد، أو المكاتب من مولاه أشياء بثمن قد قام على البائع بأقل من ثمنه، لم يكن له أن يبيعه مرابحة إلا بالذي قام على البائع من العبد والمكاتب بالاتفاق، لأن بيع المرابحة على ما يتقين بخروجه عن ملكه، لأن كسب العبد لمولاه، وما حصل من مكاتبه من وجه كان له أيضا. وللمولى في حق الملك في كسب المكاتب وينقلب ذلك حقيقة الملك عند عجزه، فأما في غير المماليك من الآباء والأولاد والأزواج فكذلك الجواب عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وبه قال أحمد والشافعي - رحمهما الله - في وجه. وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في قول: له أن يبيعه مرابحة بما اشتراه لتباين الأملاك بينهما. وقال الأترازي: قد اختلف نسخ شروح " الجامع الصغير "، فقد قيد فخر الإسلام دين العبد المستغرق. وقال الصدر الشهيد: بعبد مأذون عليه دين محيط برقبته أو غير محيط. وقاضي خان قيد بالمحيط أيضا، والعتابي قيد بالمأذون فحسب، ولم يذكر الدين أصلا، وقال في " شرح الطحاوي ": لو اشترى من مماليكه ومكاتبه وعبده المأذون الذي عليه دين أو لا دين عليه فإنه يبيعه مرابحة على أقل الضمانين إلا أن يبين الأمر على وجه. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا كان مع المضارب عشرة دراهم بالنصف، فاشترى ثوبا بعشرة، وباعه من رب المال بخمسة عشر فإنه) ش: أي فإن رب المال م: (يبيعه مرابحة باثني عشر ونصف) ش: لأن بيع المرابحة بيع أمانة يحترز فيها عن الخيانة وعن شبهتها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 240 لأن هذا البيع، وإن قضى بجوازه عندنا عند عدم الربح خلافا لزفر، مع أنه اشترى ماله بماله لما فيه من استفادة ولاية التصرف، وهو مقصود، والانعقاد يتبع الفائدة ففيه شبهة العدم، ألا ترى أنه وكيل عنه في البيع الأول من وجه فاعتبر البيع الثاني عدما في حق نصف الربح. قال: ومن   [البناية] م: (لأن هذا البيع، وإن قضى بجوازه عندنا عند عدم الربح خلافا لزفر) ش: فإن عنده لا يجوز بيع رب المال من المضارب، ولا بيع المضارب من رب المال، إذا لم يكن في المال ربح م: (مع أنه اشترى ماله بماله) ش: أي مع أن رب المال يشتري مال نفسه بمال نفسه، لأن رقبة المال له م: (لما فيه) ش: دليل قوله: قضى بجوازه وذلك أن ولاية التصرف انقطعت عن رب المال بتسليم المال إلى المضارب، ثم لما اشترى من المضارب استفاد ولاية التصرف وهو معنى قوله: لما فيه، أي لما في هذا العقد. م: (من استفاد ولاية التصرف) ش: أي ملك اليد، لأن رب المال بالتسليم إلى المضارب قطع ولاية التصرف عن ماله، وبالشراء عن المضارب يحصل له ولاية التصرف، ولهذا لو صار مال المضارب جارية لا يحل لرب المال وطؤها وإن لم يكن فيها ربح، ذكره الإمام التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وللمضارب حق التصرف، ولهذا لا يملك رب المال منع المضارب عن التصرف، ذكره في الإيضاح م: (وهو مقصود) ش: أي حصول ولاية التصرف هو المقصود م: (والانعقاد يتبع الفائدة) ش: أي انعقاد العقد يتبع الفائدة، ولهذا إذا جمع بين عبده وعبد غيره، واشتراهما صفقة واحدة جاز، ودخل عبده في الشراء لحصول الفائدة في حق انقسام الثمن ثم يخرج. فكذا فيما نحن فيه، لأن المال كالمملوك للمضارب في حق التصرف، وكغير المملوك لرب المال في حق التصرف، ولا يملك رب المال إبطال هذا الملك للمضارب إلا بالشراء فجاز ذلك لحصول الفائدة. م: (ففيه شبهة لعدم) ش: جواب قوله: وإن قضى بجوازه، أي عدم الجواز، ثم أوضح المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذلك بقوله: م: (ألا ترى أنه) ش: أي أن المضارب م: (وكيل عنه) ش: أي عن رب المال م: (في البيع الأول من وجه) ش: لأنه يعمل لنفسه ولرب المال، ولهذا يكون الربح لهما بخلاف الوكيل لأنه يعمل للموكل، ولهذا يكون الربح له م: (فاعتبر البيع الثاني) ش: يعني لما كان فيه شبهة العدم اعتبر البيع الثاني م: (عدما في حق نصف الربح) ش: لأن ذلك حق رب المال. وقال تاج الشريعة: في حق نصف الربح وهو نصف حق الربح الذي بحصته ولا يعمل في حق نصف الربح يستحقه المضارب إذ لا شبهة في هذا النصف أصلا. م: (قال) ش: أي محمد - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 241 اشترى جارية فأعورت أو وطئها وهي ثيب يبيعها مرابحة ولا يبين؛ لأنه لم يحتبس عنده شيء يقابله بمقابلة الثمن، لأن الأوصاف تابعة لا يقابلها الثمن، ولهذا لو فاتت قبل التسليم لا يسقط شيء من الثمن. وكذا منافع البضع لا يقابلها الثمن، والمسألة فيما إذا لم ينقصها الوطء.   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن اشترى جارية فأعورت) ش: أي بآفة سماوية أو ثوبا أو طعاما، فأصابه عيب عند المشتري بغير فعل أحد م: (أو وطئها وهي ثيب يبيعها مرابحة، ولا يبين) ش: أي لا يقول: إنها سليمة فأعورت في يدي م: (لأنه لم يحتبس عنده) ش: أي عند المشتري. وفي بعض النسخ لأنه لم يحتبس بفعله أي بفعل المشتري م: (شيء يقابله بمقابلة الثمن؛ لأن الأوصاف تابعة) ش: والغاية وصف م: (لا يقابلها الثمن) ش: أي فلا يقابلها شيء من البدل إذا جاءت بغير صنع أحد، وإنما البدل كله مقابلة الأصل وهو باق على حاله فيبيعه مرابحة بلا بيان. م: (ولهذا) ش: توضيح لقوله: لأنه لم يحتبس عنده شيء بمقابلة الثمن م: (لو فاتت) ش: أي العين م: (قبل التسليم) ش: إلى المشتري م: (لا يسقط شيء من الثمن، وكذا منافع البضع لا يقابلها الثمن) ش: لأنها ليست بمال، فإن قيل: يشكل على قول الغاية وصف لا يقابله شيء من الثمن الآجل، فإنه وصف وعليه أن يبيعه إذا اشتراه بالأجل. قلنا: يعطي في مقابلة الأجل شيء عادة فيكون في مقابلة شيء من الثمن، فيكون كالجزء فيلزمه البيان، فإن قيل: المستوفى من منافع البضع بمنزلة الجزء والجزاء إذا قصد إتلافه كان له قسط من الثمن، بدليل أنه لو اشترى جارية فوطئها، ثم وجد بها عيبا لم يتمكن من الرد، وإن كانت هي ثيبا وقت الشراء، وذلك باعتبار أن المستوفي بالوطء بمنزلة إحباس جزء من البيع عند المشتري. قلنا: عدم جواز الرد باعتبار ما ذكرت غير مسلم، بل لمعنى آخر، وهو لا يخلو: إما أن يردها مع العقد ولا وجه إليه، لأن العقد ما ورد على الزيادة، أو يردها بغير عقد ولا وجه إليه أيضا؛ لأنها تعود إلى قديم ملكه فيكون وطء المشتري بلا ملك وذا لا يجوز م: (والمسألة فيما إذا لم ينقصها الوطء) ش: لأنها إذا نقصها فات الوصف بفعل قصدي، هذا في الثيب لأن الوطء لا ينقصها فإنه يبيعها، مرابحة قبل البيان، بخلاف البكر، فإنه إذا وطئها، فأزال لعذرتها لا يبيعها مرابحة قبل البيان لأنه حبس جزء من العين كما يجيء عن قريب. وفي الثيب المستوفى ليس بمال فلا يقابله البدل، فكان كالاستخدام، ولهذا لو حدث بالمبيع عيب قبل القبض لا يسقط شيء من الثمن غير أن المشتري يخير بين أخذه بكل الثمن وتركه. وفي قول زفر إذا أعورت بآفة سماوية لا يبيعها مرابحة من غير بيان لأنها قد تغير عن حالها التي اشتراها به. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 242 وعن أبي يوسف في الفصل الأول أنه لا يبيع من غير بيان كما إذا احتبس بفعله، وهو قول الشافعي، فأما إذا فقأ عينها بنفسه، أو فقأها أجنبي فأخذ أرشها لم يبعها مرابحة حتى يبين؛ لأنه صار مقصودا بالإتلاف فيقابلها شيء من الثمن، وكذا إذا وطئها وهي بكر لأن العذرة جزء من العين، فيقابلها الثمن وقد حبسها. ولو اشترى ثوبا فأصابه قرض فأر، أو حرق نار يبيعه مرابحة من غير بيان، ولو تكسر بنشره وطيه لا يبيعه حتى يبين، والمعنى ما بيناه.   [البناية] قال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقول زفر أحوط، ثم قال: وبه نأخذ. م: (وعن أبي يوسف في الفصل الأول) ش: وهو ما إذا اشترى جارية فأعورت م: (أنه لا يبيع من غير بيان كما إذا احتبس بفعله) ش: أي كما إذا احتبس الشيء الغائب بفعل المشتري م: (وهو قول الشافعي) ش: وهو زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا، لكنهما اختلفا في التخريج، فعند زفر يجب البيان باعتبار أنه لو علم المشتري أنه اشتراه غير معيب بما سمى من البدل لم يلزم له ربحا على ذلك ما لم يعين بعد ما تعيب. وأما الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيقول وجب البيان بناء على مذهبه أن للأوصاف حصة من الثمن، وأن التعيب بآفة سماوية، ويضع العباد سواء عنده م: (فأما إذا فقأ عينها) ش: وفي بعض النسخ قلنا: إن فقأ عينها، وفي بعضها: وأما إذا فقأ. قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو الأصح، وقال الأكمل: وفي بعض النسخ، قلنا فيكون جوابا لقول أبي يوسف، والشافعي - رحمهما الله -، يعني إذا فقأ المشتري عين الجارية م: (بنفسه أو فقأها أجنبي فأخذ أرشها لم يبعها مرابحة حتى يبين؛ لأنه صار مقصودا بالإتلاف فيقابلها شيء من الثمن) ش: وعبارة المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تدل بالتنصيص عل أخذ أرشها وهو المذكور في لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أصل " الجامع الصغير "، وقال في " النهاية ": كان ذكر الأرش وقع اتفاقا، لأنه لما فقأ الأجنبي وجب عليه ضمان الأرش، وجوب ضمان الأرش سبب لأخذ الأرش فأخذ حكمه. ثم قال: والدليل على هذا الإطلاق ما ذكره في " المبسوط " من غير تعرض لأخذ الأرش، وذكر نقل " المبسوط " كذلك م: (وكذا إذا وطئها وهي بكر) ش: لا يبيعها مرابحة إلا بالبيان م: (لأن العذرة جزء من العين، فيقابلها الثمن وقد حبسها) ش: فلا بد من البيان، ولو فقأت عين نفسها بنفسها فهو كالأعور إذ لا يلزمه البيان كذا في " المبسوط " م: (ولو اشترى ثوبا فأصابه قرض فأر) ش: بالقاف، من قرض الثوب بالمقراض إذا قطعه. ونص أبو اليسر على أنه بالفاء م: (أو حرق نار يبيعه مرابحة من غير بيان) ش: لأن الأوصاف تابعة لا يقابلها الثمن م: (ولو تكسر بنشره وطيه لا يبيعه حتى يبين) ش: لأنه صار مقصودا بالإتلاف م: (والمعنى ما بيناه) ش: يعني في الدليلين، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 243 قال: ومن اشترى غلاما بألف درهم نسيئة فباعه بربح مائة ولم يبين، فعلم المشتري، فإن شاء رده وإن شاء قبل؛ لأن للأجل شبها بالمبيع. ألا ترى أنه يزاد في الثمن لأجل الأجل، والشبهة في هذا ملحقه بالحقيقة فصار كأنه اشترى شيئين وباع أحدهما مرابحة بثمنهما، والإقدام على المرابحة يوجب السلامة عن مثل هذه الخيانة، فإذا ظهرت يخير، كما في العيب. وإن استهلكه ثم علم لزمه بألف ومائة؛ لأن الأجل لا يقابله شيء من الثمن، قال: فإن كان ولاه إياه ولم يبين رده إن شاء؛ لأن الخيانة في التولية مثلها في المرابحة لأنه بناء على الثمن الأول، وإن كان استهلكه ثم علم لزمه بألف حالة لما ذكرناه. وعن أبي يوسف أنه يرد القيمة ويسترد كل الثمن   [البناية] أحدهما في قرض الفأر، والآخر في تكسر الثوب. [اشترى غلاما بألف درهم نسيئة فباعه بربح مائة ولم يبين] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى غلاما بألف درهم نسيئة فباعه بربح مائة ولم يبين) ش: أنه اشتراه نسيئة م: (فعلم المشتري فإن شاء رده وإن شاء قبل) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -. وقال الأوزاعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يثبت الأجل م: (لأن للأجل شبها بالمبيع، ألا ترى أنه يزاد في الثمن لأجل الأجل، والشبهة في هذا) ش: أي في هذا الباب م: (ملحقة بالحقيقة) ش: أي بحقيقة المبيع احتياطا م: (فصار كأنه اشترى شيئين وباع أحدهما مرابحة بثمنهما) ش: أي بثمن الاثنين، وذلك حرام يجب الاحتراز عنه فكذا هذا م: (والإقدام على المرابحة يوجب السلامة عن مثل هذه الخيانة) ش: فإذا لم يبين أنه نسيئة تظهر الخيانة، وظهورها كالعيب فيكون له الخيار وهو معنى قوله م: (فإذا ظهرت) ش: أي الخيانة م: (يخير) ش: أي له الخيار بين الأخذ والترك م: (كما في العيب) ش: أي كما له الخيار عند ظهور العيب في البيع م: (وإن استهلكه) ش: أي وإن استهلك المشتري المبيع المذكور بوجه بأن باعه، أو بوجه آخر. م: (ثم علم لزمه) ش: أي المبيع لزم المشتري لتعذر الفسخ م: (بألف ومائة لأن الأجل لا يقابله شيء من الثمن) ش: حقيقة ولكن فيه لشبهة المقابلة، فباعتبار شبهة الخيانة كان له أن يفسخ البيع إذا كان المبيع قائما، فأما أن يسقط من الثمن شيء بعد الهلاك بمقابلة الأجل فلا. [الخيانة في التولية] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فإن كان ولاه إياه) ش: أي باعه بالتولية م: (ولم يبين) ش: أنه اشتراه بألف نسيئة ثم علم المشتري كان له الخيار م: (رده إن شاء؛ لأن الخيانة في التولية مثلها في المرابحة؛ لأنه بناء على الثمن الأول) ش: فلا زيادة ولا نقصان، فلا يمكن الحط هنا لأن الثمن هو الألف ولا زيادة، فأي شيء يحط م: (وإن كان استهلكه ثم علم لزمه بألف حالة لما ذكرناه) ش: أراد به قوله: لأن الأجل لا يقابله شيء من الثمن م: (وعن أبي يوسف) ش: في " النوادر " أنه قال: م: (أنه) ش: أي أن المشتري م: (يرد القيمة) ش: أي قيمة العين م: (ويسترد كل الثمن وهو) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 244 وهو نظير ما استوفى الزيوف مكان الجياد، وعلم بعد الإنفاق، وسيأتيك من بعد إن شاء الله تعالى. وقيل: يقوم بثمن حال وبثمن مؤجل، فيرجع بفضل ما بينهما، ولو لم يكن الأجل مشروطا في العقد، ولكنه منجم معتاد قيل لا بد من بيانه لأن المعروف كالمشروط، وقيل: يبيعه ولا يبينه لأن الثمن حال. قال: ومن ولى رجلا شيئا بما قام عليه ولم يعلم المشتري بكم قام عليه فالبيع فاسد لجهالة الثمن، فإن أعلمه البائع بثمنه في المجلس فهو بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء تركه؛ لأن الفساد لم يتقرر، فإذا حصل العلم في المجلس جعل كابتداء العقد وصار كتأخير القبول إلى آخر المجلس،   [البناية] ش: أي المذكور من هذا الحكم م: (نظير ما إذا استوفى الزيوف مكان الجياد) ش: بأن كان له على آخر عشرة جياد. فإذا استوفى زيوفا م: (وعلم بعد الإنفاق) ش: يرد زيوفا مثلها ويأخذ الجياد م: (وسيأتيك من بعد إن شاء الله تعالى) ش: أي في مسائل منثورة قبيل كتاب الصرف م: (وقيل) ش: قائله الفقيه أبو جعفر الهندواني - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يقوم بثمن حال وبثمن مؤجل فيرجع) ش: أي البائع م: (بفضل ما بينهما) ش: أي التفاوت الذي بين القيمتين م: (ولو لم يكن الأجل مشروطا في العقد ولكنه منجم معتاد) ش: كعادة بعض البلدان يشترون بعقد ويسلمون الثمن بعد أشهر، إما جملة وإما منجما م: (قيل: لا بد من بيانه لأن المعروف كالمشروط) ش: أي لأن الثابت بالعرف كالمشروط بين العاقدين م: (وقيل: يبيعه ولا يبينه) ش: يعني لا يجب بيانه م: (لأن الثمن حال) ش: لعدم ذكر الأجل، والأصل الحال في الثمن. > م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن ولى رجلا شيئا بما قام عليه) ش: يعني إذا قال: وليتك هذا بما قام علي، يريد به بما اشتراه به مع ما لحقه من المؤن كالصبغ والعقل وغير ذلك، م: (ولم يعلم) ش: أي والحال أنه لم يعلم م: (المشتري بكم قام عليه فالبيع فاسد لجهالة الثمن) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أصح الوجهين. والوجه الثاني أنه لا يفسد البيع م: (فإن أعلمه البائع بثمنه) ش: أي فإن أعلم المشتري البائع بثمنه م: (في المجلس، فهو بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء تركه؛ لأن الفساد لم يتقرر) ش: لأنه في مجلس العقد لا يتقرر لأن ساعات المجلس كساعة واحدة، دفعا للضرر وتحقيقا لليسر م: (فإذا حصل العلم في المجلس جعل كابتداء العقد) ش: العقد لا يتقرر لأن ساعات المجلس كساعة واحدة دفعا للضرر وتحقيقا في وجه، وفي وجه قال: لا ينقلب صحيحا بعد ما انعقد فاسدا م: (وصار كتأخير القبول إلى آخر المجلس) ش: فإن التأخير إلى آخر المجلس عفو كتأخير القبول، فإن التأخير في آخر المجلس يترابط بالإيجاب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 245 وبعد الافتراق قد تقرر فلا يقبل الإصلاح ونظيره بيع الشيء برقمه إذا علم في ذلك المجلس، وإنما يتخير لأن الرضا لم يتم قبله لعدم العلم فيتخير كما في خيار الرؤية.   [البناية] وإن تخللت بينهما ساعات فكذا العلم في آخر المجلس كالعلم الحاصل في أوله، فيصح على تقدير الابتداء م: (وبعد الافتراق قد تقرر) ش: أي الفساد م: (فلا يقبل الإصلاح) ش: وفي " الكافي " هذا فساد لا يحتمل الإصلاح م: (ونظيره) ش: أي نظير هذا الحكم م: (بيع الشيء برقمه) ش: بسكون القاف، صورته أن التاجر يرقم الثياب، أي يعلمها بعلامة بأن ثمنها كذا فيبيع بذلك الثمن الذي هو معلوم للبائع غير معلوم للمشتري م: (إذا علم) ش: أي المشتري إذا علم قدر ذلك الثمن م: (في ذلك المجلس) ش: صح البيع، وإن كان بعد القبول، ويحصل كأنه علم وقت القبول، ولو علم بعد الافتراق لا يصح م: (وإنما يتخير) ش: أي المشتري م: (لأن الرضا لم يتم قبله) ش: أي قبل العلم بمقدار الثمن كما لا يتم بعدم الرؤية م: (لعدم العلم فيتخير) ش: أي المشتري م: (كما في خيار الرؤية) ش: أي كما يتخير في خيار الرؤية إذا رآه إن شاء أخذه وإن شاء رده، لأن ورود الشرع بإثبات الخيار ثمن ورد هاهنا. فإن قيل: ينبغي أن لا يكون للمشتري الخيار لما ذكرنا أن الموجود في آخر المجلس كالموجود في أوله. قلنا: لم يوجد الرضا في آخر المجلس حتى يجعل كالموجود في أوله فلهذا كان له الخيار. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 246 فصل ومن اشترى شيئا مما ينقل ويحول لم يجز له بيعه حتى يقبضه؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن بيع ما لم يقبض؛ لأن فيه غرر انفساخ العقد على اعتبار الهلاك،   [البناية] [بيع ما لم يقبض] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان مسائل غير المسائل التي ذكرت قبله، وإنما ذكرها هنا استطرادا باعتبار تقيدها بقيد زائد على البيع المجرد من الأوصاف كالمرابحة والتولية م: (ومن اشترى شيئا مما ينقل ويحول لم يجز له بيعه حتى يقبضه) ش: قيد بالبيع، ولم يقل لم يجز أن يتصرف فيه لتقع المسألة على الاتفاق. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز جميع التصرفات فيه قبل القبض في غير الطعام، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خص الطعام بالذكر عند النهي بقوله: «من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يقبضه» فدل على تخصيص الحكم وإلا فليس لهذا التخصيص فائدة. قلنا: التخصيص بالشيء لا يدخله على نفي الحكم فيما عداه، وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان البيع مكيلا أو موزونا أو معدودا لم يجز بيعه قبل القبض وفي غيره يجوز م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لأن النبي صلى الله عيه وسلم م: «نهى عن بيع ما لم يقبض» ش: روى النسائي في سننه الكبرى عن يعلى بن حكيم، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عصمة، «عن حكيم بن حزام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: "قلت يا رسول الله، إني رجل أبتاع هذه البيوع وأبيعها، فما يحل لي منها وما يحرم، قال: لا تبيعن شيئا حتى تقبضه» ورواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مسنده" وابن حبان في "صحيحه". وروى الطحاوي بإسناده إلى «حكيم بن حزام قال: كنت أشتري طعاما فأربح فيه قبل أن أقبضه فسألت النبي صلى الله عيه وسلم فقال: لا تبعه حتى تقبض» م: (لأن فيه) ش: أي في المنقول م: (غرر انفساخ العقد على اعتبار الهلاك) ش: أي هلاك المبيع قبل القبض فيتبين حينئذ أنه باع ملك الغير الجزء: 8 ¦ الصفحة: 247 ويجوز بيع العقار قبل القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز، رجوعا إلى إطلاق الحديث، واعتبارا بالمنقول، وصار كالإجارة، ولهما أن ركن البيع صدر من أهله في محله، ولا غرر فيه؛ لأن الهلاك في العقار نادر بخلاف المنقول،   [البناية] بغير إذنه، وذلك مفسد للعقد. وفي " الإيضاح " كل عرض ملك بعقد ينفسخ العقد فيه بهلاكه قبل القبض لم يجز التصرف فيه، كالمبيع والأجرة إذا كانت عينا، ويدل الصلح إذا كان معينا وما لا ينفسخ العقد بهلاكه فالتصرف فيه جائز قبل القبض كالمهر، وبدل الخلع والعتق على مال، وبدل الصلح عن دم العمد. م: (ويجوز بيع العقار قبل القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز) ش: وبه قال زفر والشافعي رحمهما الله، وأحمد وأبو حنيفة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أولا م: (رجوعا) ش: أي راجعا أو لأجل الرجوع م: (إلى إطلاق الحديث) ش: المذكور، فإن كلمة ما في الحديث للتعميم فيما لا ينتقل ولم يلحقه خصوص فلا يجوز تخصيصه بالقياس م: (واعتبارا بالمنقول) ش: أي وبالقياس عليه، لأنه مبيع لم يقبض فلا يجوز بيعه كالمنقول م: (وصار كالإجارة) ش: فإنها في العقار لا يجوز قبل القبض، والجامع اشتمالهما على ربح لم يضمن. فإن المقصود من البيع والربح، وربح ما لم يضمن نهي عنه شرعا، والنهي يقتضي الفساد فيكون البيع فاسدا قبل القبض لأنه لم يدخل في ضمانه كما في الإجارة م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أن ركن البيع) ش: وهو الإيجاب والقبول م: (صدر من أهله) ش: أي من العاقل والبالغ م: (في محله) ش: وهو المال المملوك وهو يقتضي الجواز م: (ولا غرر فيه) ش: لأنه لا يتوهم انفساخ العقد فيه بالهلاك. م: (لأن الهلاك في العقار نادر) ش: إما بغلبة الماء أو الرمل أو لجوار بيت الغال والنادر لا يعتد به م: (بخلاف المنقول) ش: فإن الهلاك من غيره نادر. وقال بعض مشايخنا: في موضع لا يخفى عليه أن يصير لجوار يغلب عليه الرمال، فأما في موضع لا يؤمن ذلك فلا يجوز، كذا ذكره الإمام المحبوبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن قيل: هذا التعليل معارض لمطلق النص، فإن مطلقه يتناول العقار كما بينا، قلنا الحديث مخصوص فإن بيع عقد المهر وبدل الخلع. والصلح عن دم العمد والميراث، والثمن قبل القبض يصح بالاتفاق، فحينئذ يجوز تخصيصه بالقياس، والدليل عليه ثبوت حق الشفعة قبل القبض والشفيع يتملك، فلو كان العقار قبل القبض لا يحتمل الملك ببدل لما جاز للشفيع الأخذ بالشفعة قبل القبض. وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأخذ بالشفعة قبل القبض وجهان: في وجه لا يصح، وفي وجه يصح، وهو الأصح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 248 والغرر المنهي عنه غرر انفساخ العقد، والحديث معمول به، عملا بدلائل الجواز والإجارة. قيل على هذا الخلاف، ولو علم في المعقود عليه في الإجارة المنافع وهلاكها غير نادر. قال ومن   [البناية] فإن قيل: يتوهم انفساخ العقد بالرد بالعيب، وذلك غير نادر، قلنا: لا يتوهم الانفساخ بالرد حتى جاز البيع فيه قبل القبض، لأنه على تقدير جواز البيع قبل القبض يصير ملكا للمشتري، وحينئذ لا يملك المشتري الأول الرد بالعيب فلا يتوهم الانفساخ فيه بالرد حينئذ، كذا في " الفوائد الظهيرية ". م: (والغرر المنهي عنه غرر انفساخ العقد) ش: هذا جواب عما يقال: كيف قلت: ولا غرر فيه لأن الهلاك في العقار نادر، والغرر موجود أيضا بعقد القبض بظهور الاستحقاق فأجاب بقوله: والغرر المنهي عنه في الحديث غرر انفساخ العقد الأول م: (والحديث) ش: أي الحديث المذكور م: (معمول به) ش: أي بغرر انفساخ العقد فيما قبل القبض بهلاك المعقود عليه فيكون مخصوصا بالمنقول، ألا ترى أنه يجوز الإعتاق قبل القبض والوصية قبله م: (عملا بدلائل الجواز) ش: أي جواز البيع من الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] (البقرة: الآية 275) ، وأما السنة فقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يا معشر التجار إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة» هكذا ذكره الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرحه، ثم قال: رواه في السنن قيس بن غرزة. قلت: الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة، ولفظه فيما ذكره الترمذي: حدثنا هناد، ثنا أبو بكر بن عباس، عن عاصم، عن أبي وائل، «عن قيس بن غرزة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عيه وسلم ونحن نسمى السماسرة فقال: "يا معشر التجار إن الشيطان والإثم يحضران البيع فشوبوا بيعكم بالصدقة» ثم قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقيس بن غرزة، بفتح الغين المعجمة، والراء ثم الزاي، غفاري نزل الكوفة ومات بها. وأما الإجماع فإن النبي صلى الله عيه وسلم بعث والناس يتبايعون فلم ينكرهم على ذلك بل قررهم عليه، وقد انعقد إجماع الأمة على ذلك م: (والإجارة) ش: جواب عن قياس محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - صورة النزاع على الإجارة وتقريره أنها لا تصلح مقيسا عليها، لأنها على الاختلاف وهو معنى قوله: م: (قيل على هذا الخلاف ولو علم في المعقود عليه في الإجارة المنافع وهلاكها غير نادر) ش: يعني عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - إجارة العقار قبل القبض جائزة. وقال في " الإيضاح ": ما لا يجوز بيعه قبل القبض لا يجوز إجارته، لأن صحة الإجارة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 249 اشترى مكيلا مكايلة، أو موزونا موازنة فاكتاله أو اتزنه، ثم باعه مكايلة أو موازنة، لم يجز للمشتري منه أن يبيعه ولا أن يأكله حتى يعيد الكيل والوزن؛ لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه صاعان صاع البائع وصاع المشتري.   [البناية] تملك الرقبة، فإذا ملك التصرف في الأصل وهو الرقبة ملك في المنافع، وقيل: لا يجوز بلا خلاف وهو الصحيح، لأن المنافع بمنزلة المنقول. والإجارة تمليك المنافع فيمتنع جوازها لبيع المنقول. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن اشترى مكيلا مكائلة) ش: يعني رد الكيل م: (أو موزونا) ش: أي أو اشترى ما يوزن م: (موازنة) ش: يعني بالوزن قيد بالشراء لأنه إذا ملك مكيلا موزونا أو معدودا بهبة أو وصية أو ميراث جاز لمن ملك أن يتصرف فيه قبل القبض وقبل الكيل والوزن والعدد، قيد بقوله مكائلة أو موازنة، يعني بشرط الكيل والوزن بأن اشترى هذا الطعام على أنه عشرة أقفزة، أو هذا الحديد على أنه كذا كذا منا وقبضه لا يجوز له أن يتصرف فيه قبل الكيل والوزن وبعد المكائلة أيضا يخرج المجازفة، فإنه إذا اشتراه مجازفة وقبضه جاز التصرف فيه قبل الكيل والوزن على ما يجيء عن قريب إن شاء الله تعالى م: (فاكتاله أو اتزنه) ش: الاكتيال الأخذ بالكيل والاتزان الأخذ بالوزن، يقال: كال المعطي فاكتال الآخذ، ووزن المعطي فاتزن الآخذ. م: (ثم باعه مكائلة أو موازنة) ش: أي باعه المشتري بشرط الكيل م: (لم يجز للمشتري منه) ش: أي لم يجز للمشتري الثاني من المشتري الأول الذي اشتراه مكائلة أو موازنة م: (أن يبيعه ولا أن يأكله حتى يعيد الكيل والوزن، لأن «النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه صاعان، صاع البائع وصاع المشتري» ش: هذا الحديث رواه ابن ماجه في "سننه" عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، رواه أبو الزبير عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عيه وسلم نحوه، ورواه أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضا. أخرجه عنه البزار من طريق محمد بن سيرين - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن النبي صلى الله عيه وسلم: نحوه. وزاد فيه، فيكون لصاحبه فيه الزيادة وعليه النقصان، انتهى. وأراد بصاع البائع صاعه لنفسه حتى يشتريه وبصاع المشتري، صاعه لنفسه حتى يبيعه لإجماعهم أن البيع الواحد له يحتاج إلى الكيل مرتين، وبقولنا قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 250 ولأنه يحتمل أن يزيد على المشروط وذلك للبائع، والتصرف في مال الغير حرام فيجب التحرز عنه، وبخلاف ما إذا باعه مجازفة لأن الزيادة له،   [البناية] ومالك وأحمد - رحمهما الله - وكما لا يملك سائر التصرفات المختصة بالملك كالهبة والوصية ونحو ذلك كذا في " المبسوط "، وفي " الجامع الصغير " المحبوبي ولو قبضه بغير كيل وأكله لا يقال إنه حرام لأنه أكل ملك نفسه إلا أنه يأثم لرد ما أمر به من الكيل. وفي الفوائد الظهيرية: المكيلان على أقسام: الأول: ما يحتاج إلى الكيل مرتين وهو السلم على ما يجيء في بابه، وبيع العين المكيل مكايلة بعدما اشتراه مكائلة. والثاني: ما يحتاج إلى كيل واحد، وهو ما إذا اشترى المسلم إليه حنطة مجازفة أو استفادها زراعة أو أرشا، أو استقرض حنطة على أنها كر ثم أدناها رب السلم أو باعها مكايلة احتج فيه إلى كل واحد وكذا فيما استفاد أرشا أو زراعة وكذا فيما استفاده قرضا بشرط الكيل. والثالث: هو ما لا يحتاج فيه إلى الكيل وهو ما إذا اشترى حنطة مجازفة ثم باعها مجازفة في "نوادره" أنه يجوز، واعلم أن الأموال ثلاثة مقدارات كالكيلي والوزني، فإن اشتراه مجازفة وقبضه جاز تصرفه قبل الكيل والوزن على ما يجيء، وإن اشتراه بشرط الكيل والوزن فلا يجوز وقد مر. وعدديات الجوز والبيض، فإن اشتراه بشرط العد فقبضه فهل يجوز له التصرف قبل العد ثانيا؟ لم يذكر جوابه في الكتاب فقد ذكروا في " شرح الجامع الصغير " عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أبطل البيع قبل العد ثانيا كما في الكيل والوزن لأن العدد لمعرفة المقدار، ألا ترى أنه لو اشترى جوازا على أنه مائة فزاد فالزيادة للبائع ولا يدخل في البيع. وروي عنهما أنهما أجازا العقد قبل العد لأن العد يخالف الكيل والوزن، ألا ترى أنه يجري فيه الربا، ولهذا لو باع جوزة بجوزتين جاز. ومذروعات كالثوب والعقار، ونحو ذلك، فإن اشترى مجازفة أو بشرط الذرع بأن اشترى على أنه عشرة أذرع مثلا فقبضه لا يجوز له التصرف فيه لأنه مال الغير وهو حرام فيجب التحرز عنه قبل الذرع، وقد مر في أول كتاب البيوع. م: (ولأنه يحتمل أن يزيد على المشروط وذلك للبائع، والتصرف في مال الغير حرام فيجب التحرز عنه) ش: وهو بترك التصرف م: (بخلاف ما إذا باعه مجازفة لأن الزيادة) ش: يعني الكل م: (له) ش: واعترض بأن الزيادة لا تتصور في المجازفة وأجيب بأن من الجائز أنه اشترى مكيلا مكايلة واكتاله على أنه عشرة أقفزة مثلا، ثم باعه مجازفة فإذا هو اثنا عشر في الواقع فيكون زيادة على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 251 وبخلاف ما إذا باع الثوب مذارعة لأن الزيادة له؛ إذ الذرع وصف في الثوب بخلاف القدر، ولا معتبر بكيل البائع قبل البيع وإن كان بحضرة المشتري؛ لأنه ليس صاع البائع والمشتري وهو الشرط، ولا بكيله بعد البيع بغيبة المشتري لأن الكيل من باب التسليم؛ لأن به يصير المبيع معلوما ولا تسليم إلا بحضرته، ولو كاله البائع بعد البيع بحضرة المشتري فقد قيل لا يكتفى به لظاهر الحديث، فإنه اعتبر صاعين، وقيل: يكتفى به وهو الصحيح؛ لأن المبيع صار معلوما بكيل واحد وتحقق معنى التسليم،   [البناية] الكيل الذي اشتراه المشتري الأول كذا في " الكافي ". قال الأكمل: وفيه من التمحل ما ترى، وقيل المراد الزيادة التي كانت في ذهن البائع وذلك بأنه باع مجازفة، وفي ذهنه أنه مائة قفيز، فإذا هو زائد على ما ظنه، والزائد للمشتري م: (وبخلاف ما إذا باع الثوب مذارعة لأن الزيادة له، إذ الذرع وصف في الثوب) ش: وليس فيه جهالة، ولا اختلاط المبيع بغيره م: (بخلاف القدر) ش: أي الكيل فإنه ليس بوصف، لأن بازدياد القدر لا يزداد قيمة المقدر كخمسين منا من الحنطة إذا زاد عليه خمسون أخرى لا يزداد قيمة الخمسين الأولى. [كيل البائع قبل البيع] م: (ولا معتبر بكيل البائع قبل البيع) ش: المراد من البائع المشتري الأول م: (وإن كان بحضرة المشتري) ش: كلمة إن واصلة بما قبلها وذلك م: (لأنه ليس صاع البائع والمشتري وهو الشرط) ش: أي الشرط هو صاع البائع والمشتري م: (ولا بكيله) ش: أي بكيل البائع م: (بعد البيع بغيبة المشتري، لأن الكيل من باب التسليم لأن به) ش: أي بالكيل م: (يصير المبيع معلوما، ولا تسليم إلا بحضرته) ش: أي بحضرة المشتري إذ لا بد للتسليم من مسلم حاضر، فالتسليم إلى الغائب لا يتحقق م: (ولو كاله البائع بعد البيع بحضرة المشتري، فقد قيل: لا يكتفى به) ش: أي بكيل البائع. م: (لظاهر الحديث فإنه) ش: أي فإن الحديث م: (اعتبر صاعين، وقيل: يكتفى به) ش: أي بكيل البائع م: (وهو الصحيح) ش: أي الاكتفاء بالكيل الواحد هو الصحيح، م: (لأن المبيع صار معلوما بكيل واحد وتحقق معنى التسليم) ش: وانتفى احتمال الزيادة، قيل في كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إيهام التناقض وذلك لأنه وضع المسألة أولا فيما إذا كان العقد أن يشترط الكيل واستدل على وجوب جريان الصاعين بالحديث. ثم ذكر في آخر المسألة أن الصحيح أن يكتفى بالكيل الواحد، وهو يقتضي أن يكون وضع المسألة فيما يكون عقدا واحدا، بشرط الكيل كما أن الاكتفاء بالكيل الواحد في الصحيح من الرواية، إنما هو العقد الثالث بشرط الكيل، وأما إذا وجد العقدان بشرط الكيل، فالاكتفاء بالكيل الواحد فيهما ليس بصحيح من الرواية، بل الجواب فيه على الصحيح من الرواية وجوب الكيلين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 252 ومحمل الحديث اجتماع الصفقتين على ما نبين في باب السلم إن شاء الله تعالى، ولو اشترى المعدود عدا فهو كالمذروع فيما يروى عنهما؛ لأنه ليس بمال الربا وكالموزون، فيما يروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا تحل له الزيادة على المشروط. قال: والتصرف في الثمن قبل القبض جائز   [البناية] وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ودفعه بأن يكون المراد بالبائع في قوله: ولو كاله البائع، المشتري الأول أو بالمشتري هو الثاني وبالبيع البيع الثاني، ومعناه أن المشتري إذا باع مكايلة وكاله بحضرة مشتريه يكتفى بذلك، ويدل على ذلك قوله: م: (ومحمل الحديث اجتماع الصفقتين) ش: فإنه يدل على أن في هذه الصورة اجتماع الصفقتين غير منظور إليه فكأنه يقول: الحديث دليل عل وجوب الصاعين فيما اجتمعت الصفقتان كما في أول المسألة. والأكمل غير منفرد بهذا الكلام، لأن السفناقي: ذكر هذا وتبعه الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا م: (على ما نبين في باب السلم إن شاء الله تعالى) ش: عند قوله: ومن أسلم فلأجل الأجل اشترى المسلم إليه من رجل كرا، فأمر رب السلم بقبضه قضاء لم يكن قضاء، وإن أمره أن يقبضه لنفسه فاكتاله له ثم اكتاله لنفسه جاز. قالوا: الحديث ورد فيما إذا وجد عقدان بشرط الكيل، بأن يشتري المسلم إليه إلى آخر ما ذكرناه، فإنه اشترط فيه صاعان، صاع للمسلم إليه وصاع لرب السلم بكيله للمسلم إليه أولا ثم يكيله لنفسه، لأن هاهنا وجد عقدان بشرط الكيل فيشترط لكل كيل على حدة. وفي " الكافي " قال أيضا: إن محمل الحديث على المسلم إليه فذكر نحوه وقال: فإنه لا يصح إلا بصاعين لاجتماع الصفقتين بشرط الكيل، إحداهما اشترى المسلم إليه والأخرى قبض رب السلم لنفسه وهو كالبيع الجديد فإنه يحتاج فيه إلى الكيلين م: (ولو اشترى المعدود عدا فهو كالمذروع فيما يروى عنهما) ش: أي عن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لأنه ليس بمال الربا) ش: ولهذا جاز بيع الواحد بالاثنين فكان المذروع وحكمه مر م: (وكالموزون فيما يروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو قول الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه لا تحل له الزيادة على المشروط) ش: ألا ترى أنه من اشترى جزافا على أنه ألف فوجدها أكثر لم تسلم له الزيادة ولو وجدها أقل يسترد حصة النقصان من البائع فلا بد لجواز التصرف من العدد كالوزن في الموزون م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والتصرف في الثمن قبل القبض جائز) ش: بأن يأخذ من المشتري مكان الدراهم الثمن ثوبا أو غيره. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 253 لقيام المطلق، وهو الملك، وليس فيه غرر الانفساخ بالهلاك لعدم تعينها بالتعيين بخلاف المبيع. قال: ويجوز للمشتري أن يزيد للبائع في الثمن. ويجوز للبائع أن يزيد المشتري في المبيع، ويجوز أن يحط عن الثمن، ويتعلق الاستحقاق بجميع ذلك   [البناية] وكذا في سائر الديون من المهر والأجرة وضمان المتلفات ونحوها سوى الصرف والسلم جائز م: (لقيام المطلق) ش: بكسر اللام م: (وهو الملك) ش: حتى لو باع إبلا بدراهم أو بكر حنطة جاز له أن يأخذ به له شيئا آخر م: (وليس فيه) ش: أي في التصرف في الثمن م: (غرر الانفساخ بالهلاك) ش: أي انفساخ العقد بهلاك الثمن م: (لعدم تعينها بالتعيين بخلاف المبيع) ش: أي من النقود، وإذا لم يفسخ يبقى الثمن على ذمة المشتري،. [الزيادة في الثمن] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويجوز للمشتري أن يزيد للبائع في الثمن) ش: قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: شرط صحة الزيادة في الثمن في ظاهر الرواية بقاء المبيع وكون المبيع محال للمقابلة في حق المشتري حقيقة، وروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن شرط صحة الزيادة كون المبيع قابلا للمقابلة في نفسه لا في حق المشتري حقيقة، فعلى هذه الرواية تصح الزيادة في الثمن بعدما باع المشتري أو وهب وسلم أو تصدق، لأن البيع بقي محلا للمقابلة في نفسه. وفي ظاهر الرواية لم يصح؛ لأنه لم يبق محلا للمقابلة في حق المشتري، وقال الأترازي: الزيادة في الثمن إنما تصح إذا كان المعقود عليه قائما، أما إذا لم يكن فلا يصح وإن كان الهلاك حقيقة أو حكما، أما حقيقة كما إذا مات، وأما حكما كما إذا اشترى الرجل من الرجل جارية بألف درهم فقبضها المشتري فأعتقها أو دبرها أو كاتبها أو كان استولدها، ثم إن المشتري زاد في ثمنها فالزيادة لا تصح، وكذلك لو باعها أو وهبها من غيره وسلمها إليه. وقال في " شروح الجامع الكبير " ولو رهنها أو أجرها أو قطعت يدها صحت الزيادة لأن المعقود عليه قائم والنصرانيان إذا تبايعا خمرا ثم أسلما لم يجز الزيادة في الثمن لأنه كالهلاك في حق المسلم، ولو زاد في الثمن بعد هلاك الشاة لم يجز لأن المحل ليس بقابل م: (ويجوز للبائع أن يزيد المشتري في المبيع ويجوز أن يحط عن الثمن) ش: زيادة البائع للمشتري في البيع جائزة ما دام المبيع قائما لأن المعقود عليه ما دام قائما كان العقد قائما لقيام أثره وهو الملك المستفاد في العين فإذا هلك لم تصح الزيادة لأن العدم لا يصح تغييره بخلاف الحط فإنه يصح بعد هلاك المعقود عليه، فإنه لو أمكن أن يجعل تغييرا للعقد بأن كان العقد قائما جعل تغييرا وإن لم يكن جعله تغييرا كما في حالة الهلاك جعل برءا عن الدين فصح الحط في الحالين. م: (ويتعلق الاستحقاق بجميع ذلك) ش: أو بالمزيد والمزيد عليه فإن للبائع أن يحبس المبيع ما لم يستوف المزيد والمزيد عليه من الثمن إذا كان الثمن حالا، وليس للمشتري أن يمنع الزيادة بعد ذلك لأنها استحقت بأصل العقد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 254 فالزيادة والحط يلتحقان بأصل العقد عندنا، وعند زفر والشافعي لا يصحان على اعتبار الالتحاق بل يصحان على اعتبار ابتداء الصلة. لهما أنه لا يمكن تصحيح الزيادة ثمنا؛ لأنه يصير ملكه عوض ملكه، فلا يلتحق بأصل العقد، وكذلك الحط لأن كل الثمن صار مقابلا بكل المبيع فلا يمكن إخراجه فصار برءا مبتدأ. ولنا أنهما بالحط والزيادة يغيران العقد، من وصف مشروع إلى وصف مشروع، وهو كونه خاسرا أو رابحا أو عدلا، ولهما ولاية الرفع، فأولى أن يكون لهما ولاية التغيير وصار كما إذا أسقط الخيار أو شرطاه بعد العقد، ثم إذا صح يلتحق بأصل العقد؛ لأن وصف الشيء يقوم به لا بنفسه بخلاف حط الكل؛   [البناية] وكذلك المشتري ليس له مطالبة البائع بتسليم المبيع ما لم يسلم المزيد والمزيد عليه من الثمن، وكذلك المشتري يرجع على البائع بجميع ذلك، أعني بالأصل والزيادة إذا استحق المبيع. وفي صورة الحط للمشتري مطالبة البائع بتسليم المبيع إذا سلم ما بقي من الثمن بعد الحط، وكذلك الشفيع يستحق المبيع بما بقي بعد الحط م: (فالزيادة والحط يلتحقان بأصل العقد عندنا، وعند زفر والشافعي لا يصحان على اعتبار الالتحاق) ش: يعني بأصل العقد م: (بل يصحان على اعتبار ابتداء الصلة) ش: أي الهبة بالزيادة عندهما في الثمن، والثمن هبة ابتداء لا يتم إلا بالتسليم م: (لهما) ش: أي لزفر والشافعي - رحمهما الله - م: (أنه لا يمكن تصحيح الزيادة ثمنا) ش: أي من حيث كونه ثمنا م: (لأنه يصير ملكه) ش: أي ملك المشتري م: (عوض ملكه) ش: لأنه ملك المبيع بالعقد المسمى ثمنا. فالزيادة في الثمن تكون في مقابلة ملك نفسه وهو المبيع، وذلك لا يجوز فحينئذ م: (فلا يلتحق بأصل العقد، وكذلك الحط لأن كل الثمن صار مقابلا بكل المبيع فلا يمكن إخراجه) ش: عند ذلك م: (فصار برءا مبتدأ) ش: يعني ابتداء غير داخل في شيء. م: (ولنا أنهما) ش: أي البائع والمشتري م: (بالحط والزيادة يغيران العقد) ش: لتراضيهما م: (من وصف مشروع) ش: وهو أصل العقد م: (إلى وصف مشروع وهو كونه خاسرا) ش: في الحط م: (أو رابحا) ش: في الزيادة م: (أو عدلا) ش: يعني لا خسارة ولا ربح، والزيادة في المبيع أو الثمن أو الحط يغيره إلى هذه الأوصاف لا يرفع أصله كما شرع باتا وانحيازا م: (ولهما) ش: أي وللبائع والمشتري م: (ولاية الرفع) ش: أي رفع العقد بالإقالة م: (فأولى أن يكون لهما ولاية التغيير) ش: من وصف إلى وصف، والتصرف في وصف الشيء أهون من التصرف في أصله، فالذي يملك التصرف في الأصل أولى بأن يملك التصرف في الوصف م: (وصار كما إذا أسقط الخيار) ش: أي وصار كما إذا كان للعاقدين أو لأحدهما خيار الشرط فأسقطه. م: (أو شرطاه بعد العقد) ش: أي أو شرطا الخيار به، أي وصار كما بعد إتمام العقد م: (ثم إذا صح) ش: أي الحط أو الزيادة م: (يلتحق بأصل العقد) ش: أي بأصل العقد م: (لأن وصف الشيء يقوم به لا بنفسه) ش: أي لا يقوم بنفسه م: (بخلاف حط الكل) ش: هذا جواب عما يقال: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 255 لأنه تبديل لأصله لا تغيير لوصفه فلا يلتحق به، وعلى اعتبار الالتحاق لا تكون الزيادة عوضا عن ملكه، ويظهر حكم الالتحاق في التولية والمرابحة حتى يجوز على الكل في الزيادة، ويباشر على الباقي في الحط وفي الشفعة حتى يأخذ بما بقي في الحط، وإنما كان للشفيع أن يأخذ بدون الزيادة لما في الزيادة من إبطال حقه الثابت فلا يملكانه ثم الزيادة لا تصح بعد هلاك المبيع،   [البناية] لو كان حط البعض صحت لكان حط الكل كذلك اعتبارا للكل بالبعض، فأجاب بقوله بخلاف حط الكل حيث لا يصح م: (لأنه) ش: أي لأن حط الكل م: (تبديل لأصله) ش: أي تغيير لأصل العقد م: (لا تغيير لوصفه) ش: لأن عمل الحط في إخراج القدر المحطوط من أن يكون ثمنا. فالشرط فيه قيام الثمن وذلك في حط البعض لوجود ما يصلح ثمنا، وأما حط الجميع فتبديل العقد لأنه إما أن يبقى بيعا باطلا لعدم الثمن حينئذ، وقد علمنا أنهما لم يقصدا ذلك أو يصير هبة، وقد كان قصدهما التجارة في البيع دون الهبة م: (فلا يلتحق به) ش: أي بأصل العقد لوجود المانع، فلا يلزم من عدم الالتحاق لمانع عدمه لا لمانع فيلحق حط البعض بأصل العقد. م: (وعلى اعتبار الالتحاق) ش: هذا جواب عن تعليل زفر والشافعي - رحمهما الله - أن بالزيادة يصير ملكه عوض ملكه فأجاب بقوله: وعلى اعتبار الالتحاق يعني إذا اعتبرنا الالتحاق م: (لا تكون الزيادة عوضا عن ملكه) ش: أي عن ملك المشتري لأن الزيادة لما التحقت بأصل العقد صارت كالموجود عند العقد فلا يلزم حينئذ ما قالاه. [حكم الالتحاق في التولية والمرابحة] م: (ويظهر حكم الالتحاق في التولية والمرابحة حتى يجوز على الكل في الزيادة، ويباشر على الباقي في الحط) ش: فإن البائع إذا حط بعض الثمن عن المشتري، والمشتري قال الآخر وليتك هذا الشيء وقع عقد التولية على ما بقي من الثمن بعد، فكان الحط بعد العقد ملتحقا بأصل العقد وكان الثمن في ابتداء العقد هو ذلك المقدار وكذلك في الزيادة. م: (وفي الشفعة) ش: أي يظهر حكمه أيضا في الشفعة م: حتى يأخذ) ش: أي الشفيع م: بما بقي في الحط) ش: دون الزيادة لما فيه من إبطال حقه الثابت بالثمن الأول فلا يملكان إبطاله م: (وإنما كان للشفيع) ش: هذا جواب سؤال مقدر تقديره أن يقال: لو كانت الزيادة ملتحقة بأصل العقد لأخذ الشفيع بالزيادة كما لو كانت في ابتداء العقد وتقرير الجواب إنما كان للشفيع م: (أن يأخذ بدون الزيادة) ش: لأن حقه تعلق بالعقد الأول فإذا أخذ بالزيادة يبطل حقه الذي تعلق بالعقد وهو معنى قوله م: (لما في الزيادة من إبطال حقه الثابت) ش: أي الثابت له بالعقد الأول، وليس لها ولاية على إبطال حق الغير، تراضيهما وهو معنى قوله م: (فلا يملكانه) ش: أي التصرف بالزيادة فيما يرجع إليه الشفيع لأنه إضرار به، فلم تظهر الزيادة في حقه م: (ثم الزيادة) ش: أي في الثمن م: (لا تصح بعد هلاك المبيع) ش: لأن الزيادة تغير العقدين من وصف يستدعي قيام العقد وقيامه بقيام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 256 على ظاهر الرواية؛ لأن المبيع لم يبق على حالة يصح الاعتياض عنه، والشيء يثبت ثم يستند، بخلاف الحط؛ لأنه بحال يمكن إخراج البدل عما يقابله فيلتحق بأصل العقد استنادا. قال: ومن باع بثمن حال ثم أجله أجلا معلوما صار مؤجلا؛ لأن الثمن حقه فله أن يؤخره تيسيرا على من عليه، ألا يرى أنه يملك إبراءه مطلقا، فكذا مؤقتا.   [البناية] المعقود عليه م: (على ظاهر الرواية) . ش: احترازا عما روي عن الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصول أن الزيادة تصح كالحط، وأشار إلى وجه ظاهر الرواية بقوله: م: (لأن المبيع لم يبق على حالة يصح الاعتياض عنه) ش: إذ الاعتياض إنما يكون في موجود م: (والشيء يثبت ثم يستند) ش: فلم يستند الزيادة لعدم ما يقابله فلا يستند. وذكر في " الشامل " في رواية " النوادر ": ويجوز الزيادة بعد الهلاك كالحط م: (بخلاف الحط) ش: حيث يصح بعد الهلاك م: (لأنه بحال يمكن إخراج البدل عما يقابله) ش: لكونه إسقاطا والإسقاط لا يستلزم ثبوت ما يقابله فيثبت الحط في الحال م: (فيلتحق بأصل العقد استنادا) ش: أي من حيث الاستناد. وقال تاج الشريعة: قوله: بحال يمكن إخراج البدل إلى آخره فإن الهلاك لا قيمة له، فإخراج البدل عما يقابله ملائم له ولا كذلك الزيادة في الثمن بعد هلاك المبيع ونظيره ما ذكر في كتاب الطلاق إذا قال لامرأته: أنت طالق واحدة فماتت المرأة بعد قوله: أنت طالق قبل قوله واحدة لا يقع الطلاق لأن العدد إذا قرن بالطلاق كان المعتبر هو العدد، وحين قال واحدة ما يثبت المرأة محلا للطلاق فيبطل. ولو قال أنت طالق إن شاء الله، فماتت بعد قوله أنت طالق قبل قوله: إن شاء الله لا يبطل الاستثناء ويعمل عليه بعد الموت، كذلك فيما نحن فيه هلاك المبيع ملائم إخراج الثمن عن مقابلته ولا يلائم جعل الشيء بمقابلته فلهذا يصح الحط ولا تصح الزيادة. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن باع بثمن حال ثم أجله أجلا معلوما صار مؤجلا) ش: وقال الشافعي وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصير مؤجلا حتى يجوز له أن يطالبه في الحال، لأن هذا وعد، وكذا خلافه في كل دين حال إذا أجل فعندنا يصير مؤجلا وبه قال مالك إلا القرض فإن تأجيله لا يصح، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصح ما يجيء عن قريب. م: (لأن الثمن حقه فله أن يؤخره تيسيرا على من عليه) ش: لأن التأجيل براءة مؤقتة إلى حلول الأجل، وهو يملك البراءة المطلقة بالإبراء عن الثمن فلأن يملك البراءة المؤقتة أولى وهو معنى قوله: م: (ألا يرى أنه يملك إبراءه مطلقا فكذا مؤقتا) ش: أي فكذا يملك إبراءه مؤقتا بل هو بطريق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 257 ولو أجله إلى أجل مجهول إن كانت الجهالة متفاحشة كهبوب الريح لا يجوز، وإن كانت متقاربة كالحصاد والدياس، يجوز لأنه بمنزلة الكفالة، وقد ذكرناه من قبل. وكل دين حال إذا أجله صاحبه صار مؤجلا لما ذكرنا إلا القرض. فإن تأجيله لا يصح لأنه إعارة وصلة في الابتداء حتى يصح بلفظ الإعارة ولا يملكه من لا يملك التبرع كالوصي والصبي، ومعاوضته في الانتهاء، فعلى اعتبار الابتداء لا يلزم التأجيل فيه كما في الإعارة إذ لا جبر في التبرع.   [البناية] الأولى. م: (ولو أجله إلى أجل مجهول إن كانت الجهالة متفاحشة كهبوب الريح) ش: ونزول المطر وقدوم الحاج وقدوم رجل من سفره م: (لا يجوز وإن كانت) ش: أي الجهالة م: (متقاربة كالحصاد والدياس) ش: أي حصاد الزرع ودياسه، والجذاذ والنيروز والمهرجان والميلاد م: (يجوز لأنه بمنزلة الكفالة) ش: فإن الأجل لم يشترط في عقد المعاوضة فيصح مع الجهالة اليسيرة بخلاف البيع. م: (وقد ذكرناه من قبل) ش: يعني في أواخر البيع الفاسد. م: (وكل دين حال إذا أجله صاحبه صار مؤجلا لما ذكرنا) ش: أنه حقه فله أن يؤخره م: (إلا القرض فإن تأجيله لا يصح لأنه) ش: أي لأن القرض م: (إعارة وصلة في الابتداء) ش: فبهذا الاعتبار من التبرعات م: (حتى يصح بلفظ الإعارة) ش: حتى لو قال: أعرتك هذه المائة مثلا فيكون قرضا م: (ولا يملكه) ش: أي ولا يملك القرض. م: (من لا يملك التبرع كالوصي) ش: فإنه لا يجوز له أن يقرض مال الصغير م: (والصبي) ش: فإنه لا يملك التصرف فضلا عن القرض الذي هو التبرع م: (ومعاوضته) ش: أي القرض معاوضة م: (في الانتهاء) ش: لأن الواجب بالقرض دون المثل لا رد العين م: (فعلى اعتبار الابتداء لا يلزم التأجيل فيه كما في الإعارة) ش: أي كما لا يلزم في الإعارة م: (إذ لا جبر في التبرع) ش: لأن الأجل لو لزم فيه لصار المتبرع ملزما على المتبرع وهو المكث على المطالبة إلى مضي الأجل وذاتيا في موضوع التبرعات. قال الله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] لو ثبت الجبر لتحقق السبيل وفي " شرح الأقطع " لو شرط الأجل في ابتداء القرض بطل الشرط وصح القرض، وكذلك إذا شرطاه في ثاني الحال ولو مات المقرض وأجل وارثه. قال الإمام قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصح كما لو أجل المقرض وقال صاحب " المحيط " ينبغي أن يصح من الوارث على قول البعض، وقال واحد من الفقهاء: رأيت في المنتقى أن القرض إذا صار مستهلكا يصح تأجيله والصحيح أنه لا يصح. وقال الإمام السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التأجيل في بدل المستهلك صحيح سواء كان المستهلك دراهم أو دنانير أو غير ذلك وعند الجزء: 8 ¦ الصفحة: 258 وعلى اعتبار الانتهاء لا يصح لأنه يصير بيع الدراهم بالدراهم نسيئة وهو ربا، وهذا بخلاف ما إذا أوصى أن يقرض من ماله ألف درهم فلانا إلى سنة، حيث يلزم الورثة من ثلثه أن يقرضوه ولا يطالبوه قبل المدة؛ لأنه وصية بالتبرع بمنزلة الوصية بالخدمة والسكنى فيلزم حقا للموصي.   [البناية] زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يصح والحيلة في تصحيح تأجيل القرض أن يحيل المستقرض المقرض على آخر بدينه وأجل المقرض ذلك الرجل فحينئذ يصح، كذا في " فصول" الأستروشي. م: (وعلى اعتبار الانتهاء لا يصح لأنه يصير بيع الدراهم بالدراهم نسيئة وهو ربا) ش: والمعول على النكتة الأولى لا على النكتة الثانية لأن على النكتة الثانية يلزم أن لا يصح القرض أصلا وهو جائز بالإجماع وكأنه انتفع بالعين وردها م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرنا م: (بخلاف ما إذا أوصى أن يقرض من ماله ألف درهم فلانا إلى سنة، حيث يلزم الورثة من ثلثه أن يقرضوه ولا يطالبوه قبل المدة؛ لأنه وصية بالتبرع، بمنزلة الوصية بالخدمة والسكنى) ش: في كونهما وصية بالتبرع بالمنافع ويلزم في الوصية ما لا يلزم في غيرها ألا ترى أنه لو أوصى بثمرة بستانه إلى فلان صح ولزم وإن كانت معدومة وقت الوصية فلذلك يلزم التأجيل في القرض. وهو معنى قوله: م: (فيلزم حقا للموصي) ش: حتى لا يجوز للورثة مطالبة الموصى له بالاسترداد قبل السنة حقا له. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 259 باب الربا قال: الربا محرم في كل مكيل أو موزون إذا بيع بجنسه متفاضلا، فالعلة عندنا الكيل مع الجنس، أو الوزن مع الجنس، قال: ويقال: القدر مع الجنس وهو أشمل، والأصل فيه الحديث المشهور   [البناية] [باب الربا] [تعريف الربا] م: (باب الربا) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الربا، ولما فرغ من بيان أبواب البيوع التي أمر الشارع بمباشرتها بقوله تعالى: {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] مع أنواعها صحيحها وفاسدها شرع في بيان أبواب البيوع التي نهى الشارع عنها بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران: 130] ، يقال: ربا المال يربو ربوا إذا زاد وارتفع والاسم الربا مقصور، وفي الشرع فضل مال بلا عوض في معاوضة مال بمال. وإذا نسب إليه يقال: هذا مال ربوي بكسر الراء والفتح خطأ، وفي " المبسوط ": الربا فضل خال عن العوض المشروط في البيع. وقال علماؤنا: هو نوع بيع فيه فضل مستحق لأحد المتعاقدين خال عما يقابله من عوض شرط في هذا العقد، وعلى هذا سائر أنواع البيوع الفاسدة من قبيل الربا، وفي جميع المعلوم الربا شرعا عبارة عن عقد فاسد وإن لم يكن زيادة. لأن بيع الدراهم بالدراهم نسيئة ربا، وإن لم يتحقق فيه زيادة، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: البيع هو التصرف المشروع بحده، والربا اسم جعل علما على تصرف يفيد العقد لا على الحد المشروع، انتهى. وليس المراد مطلق الفضل بالإجماع، وإن فتح الأسواق في سائر بلاد المسلمين للاستفضال والاسترباح وإنما المراد فضل مخصوص وهو فضل مستحق لأحد المتعاقدين خال عما يقابله من العوض. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (الربا محرم في كل مكيل أو موزون إذا بيع بجنسه متفاضلا) ش: أي حكم الربا وهو ثبوت الحرمة حاصل في كل مكيل بجنسه أو كل موزون بيع بجنسه، إذا وجد علة تحريم التفاضل كما إذا باع مكيلا، أي مكيل كان بجنسه يحرم الفضل، وكذلك إذا باع الموزون، أي موزون كان بجنسه يحرم الفضل م: (فالعلة) ش: أي علة الربا م: (عندنا الكيل مع الجنس، أو الوزن مع الجنس) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويقال القدر مع الجنس وهو أشمل) ش: لأنه يتناولهما، وليس كل واحد بانفراده يتناول آخر م: (والأصل فيه) ش: أي في باب حكم الربا م: (الحديث المشهور) ش: وهو الذي تلقته الأمة بالقبول ولشهرته ظن بعض العلماء - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أنه متواتر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 260 وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الحنطة بالحنطة مثلا بمثل، يدا بيد والفضل ربا» .   [البناية] وليس كذلك لأنه لا يصدق عليه حد التواتر، ولكنه مشهور تجوز الزيادة به على الكتاب، وقال الجصاص: هذا الحديث يقرب من المتواتر لكثرة رواته م: (وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحنطة بالحنطة مثلا بمثل، يدا بيد، والفضل ربا» ش: الحديث ورد في هذا الباب مروي عن جماعة من الصحابة. وقال الكاكي: ومداره على أربعة نفر من الصحابة: عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعبادة بن الصامت، وأبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ومعاوية بن أبي سفيان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولم يقل شيئا غير ذلك. قلت: روي أيضا عن بلال، وأبي هريرة، ومعمر بن عبد الله، وأبي بكر، وعثمان، وهشام بن عامر، والبراء، وزيد بن أرقم، وخالد بن أبي عبيد، وأبي بكرة، وابن عمر وأبي الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فهؤلاء اثنا عشر نفرا غير الأربعة الذين ذكرهم الكاكي فالجميع ستة عشر نفرا من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أما حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه الأئمة الستة من رواية مالك بن أوس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الورق بالورق ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر إلا هاء وهاء» . وأما حديث عبادة بن الصامت فأخرجه الجماعة غير البخاري، واللفظ للترمذي عن أبي الأشعث عن عبادة بن الصامت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الذهب بالذهب مثلا بمثل، والفضة بالفضة مثلا بمثل، والتمر بالتمر مثلا بمثل، والبر بالبر مثلا بمثل، والملح بالملح مثلا بمثل، والشعير بالشعير مثلا بمثل، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، وبيعوا البر بالشعير كيف شئتم يدا بيد» . وأما حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه مسلم والنسائي عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء» ". وأما حديث معاوية صريحا فلم أقف عليه، وإنما ذكر في حديث أبي الدرداء أخرجه النسائي: حدثنا قتيبة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار «أن معاوية باع سقاية من ذهب أو ورق أكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهى عن مثل هذا إلا مثلا بمثل» . وأما حديث بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعند الطحاوي والطبراني وفيه قال: قال رسول الله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 261 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التمر بالتمر مثلا بمثل، والحنطة بالحنطة مثلا بمثل، والذهب بالذهب وزنا بوزن، والفضة بالفضة وزنا بوزن، فإذا اختلف النوعان فلا بأس واحد بعشرة» . وأما حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعند مسلم عن أبي زرعة عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة» الحديث. وأما حديث معمر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعند مسلم في أفراده وفيه: كنت أسمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «الطعام بالطعام مثلا بمثل» .. " الحديث. وأما حديث أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعند البزار في مسنده عن أبي رافع قال: سمعت أبا بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة مثلا بمثل الزائد والمستزيد في النار» . وأما حديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعند مسلم، والطحاوي، عن سليمان بن يسار أنه سمع مالك بن أبي عامر يحدث عن عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين» . وأما حديث هشام بن عامر، فعند الطبراني بإسناده عنه، وفيه: «نهى رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الذهب بالورق نسيئة» ". وأما حديث البراء وزيد بن أرقم فعند البخاري ومسلم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وفيه كلاهما قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الذهب بالورق، والورق بالذهب دينا» . وأما حديث فضالة بن عبيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فعند أبي داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - والطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم خيبر .... الحديث، وفيه: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 262 وعد الأشياء الستة، الحنطة والشعير والتمر والملح والذهب والفضة على هذا المثال، ويروى بروايتين، بالرفع "مثل" وبالنصب "مثلا"، ومعنى الأول بيع التمر ومعنى الثاني بيعوا التمر،   [البناية] وأما حديث أبي بكرة فعند النسائي والطحاوي قال: «نهانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نبيع الفضة بالفضة إلا عينا بعين سواء بسواء، ولا نبيع الذهب بالذهب إلا عينا بعين سواء بسواء» . وأما حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فعند الطحاوي والحاكم في مستدركه وفيه «أن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما، هذا ما عهد نبينا إلينا وعهدنا إليكم» . وأما حديث أبي الدرداء، فقد مضى عن قريب. ثم اعلم أن المصنف قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحنطة بالحنطة» بدأ بالحنطة، وليس في الأحاديث المذكورة الابتداء بالحنطة كما رأيت، ولكن الحنطة مذكورة في أثناء الحديث، ولكنه ذكر ما ذكر في " المبسوط " فإنه قال فيه: بدأ أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الكتاب بحديث رواه عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الحنطة بالحنطة» ... " الحديث. [ما يجري فيه الربا] ثم قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعد الأشياء الستة) ش: أي وعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما فيه ربا ستة أشياء م: (الحنطة والشعير والتمر والملح والذهب والفضة على هذا المثال) ش: أي مثلا بمثل يدا بيد في جميع ذلك م: (ويروى) ش: يعني يروى قوله مثلا بمثل م: (بروايتين بالرفع مثل، وبالنصب مثلا، ومعنى الأول) ش: أي الرفع م: (بيع التمر) ش: أي بيع التمر بالتمر مثل بمثل، فعلى هذا يكون ارتفاع مثل على أنه خبر للمبتدأ وهو قوله: بيع التمر فإنه مرفوع بالابتداء. م: (ومعنى الثاني) ش: أي النصب م: (بيعوا التمر) ش: فالمعنى على هذا بيعوا التمر بالتمر حال كونه مثلا بمثل، فقوله التمر منصوب على المفعولية، ومثلا نصب على الحال، والتقدير حال كونهما متماثلين، وأما وجه الرفع والنصب في قوله: يدا بيد فما تعرض إليه المصنف ولا غالب الشراح غير أن الأترازي قال: قوله يدا بيد، مثلا بمثل، حال أي قابضا يدا بيد. قلت: فيه ما فيه لأن على تقديره يكون انتصاب يدا على المفعولية لا على الحال، ولا يكون الحال إلا قوله قابضا، والكلام في أن نفس يدا هو حال فكأنه لما علم أن من شرط الحال أن يكون من المشتقات ولفظ يد غير مشتق، فقدر هذا التقدير فوقع فيما ينوب عنه. والقاعدة في وقوع الحال في غير المشتقات أن يؤول بالمشتق فأولوا قوله: يدا بيد على معنى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 263 والحكم معلول بإجماع القائسين، لكن العلة عندنا ما ذكرناه، وعند الشافعي الطعم في المطعومات، والثمنية في الأثمان، والجنسية شرط، والمساواة مخلص، والأصل هو الحرمة عنده لأنه نص على شرطين: التقابض والمماثلة، وكل ذلك يشعر بالعزة والخطر،   [البناية] متناجزين م: (والحكم) ش: وهو حرمة الفضل م: (معلول بإجماع القائسين) ش: وهم الأئمة الأربعة وأصحابهم - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - واحترز به عن أهل الظاهر فإنهم ينفون القياس ويقولون: لا يكون الربا إلا في الأشياء الستة التي ذكرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخصها بالذكر، وهو أيضا منقول عن طاووس وقتادة وعثمان البتي، وأبي سليمان. قلنا: إنما ذكر هذه الأشياء لتكون دلالة على ما فيه الربا مما سواها مما يشبهها، فالعلة فحيثما وجدت تلك العلة يوجد الربا. م: (لكن العلة عندنا ما ذكرناه) ش: وهو قوله: القدر مع الجنس، وعدوا هذا الحكم إلى كل مكيل أو موزون قوبل بجنسه حتى أثبتوا هذا الحكم في الجص والنورة ونحوهما لوجود الكيل وأثبتوه في الحديد والنحاس والرصاص ونحو ذلك لوجود الوزن. م: (وعند الشافعي الطعم) ش: أي العلة في الربا الطعم م: (في المطعومات والثمنية) ش: أي كونها ثمنا م: (في الأثمان) ش: وعدي هذا الحكم إلى كل ما صار ثمنا بالاصطلاح كالدراهم المنقوشة والفلوس الرائجة، وقيل الثمنية المطلقة لا تتعدى إلى الفلوس والقطارفة كذا في المختلف، وفي الروضة: والمراد بالمطعوم ما يعد للطعم غالبا تقوتا أو تأدما، أو تفكها وغيرها، فيدخل فيه الفواكه والحبوب والبقول والتوابل. ويدخل الثمنية والتبر والمضروب والحلي والأواني من الذهب والفضة في تعدي الحكم إلى الفلوس إذا راجت، وجه. والصحيح أنها لا ربا فيها لانتفاء الثمنية الغالية ولا يتعدى إلى غير الفلوس من الحديد والنحاس والرصاص وغيرها قطعا، وبقول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال أبو ثور، وابن المنذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: م: (والجنسية شرط) ش: أي شرط العمل العلة عليها حتى لا تصل العلة المذكورة عنده إلا عند وجود الجنسية، وحينئذ لا يكون لها أثر في تحريم النساء، فلو أسلم هرويا في هروي جاز عنده، وعندنا لا يجوز. م: (والمساواة مخلص) ش: بفتح الميم وسكون الخاء أي موضع الخلاص، يعني يتخلص بالمساواة عن الحرمة م: (والأصل هو الحرمة عنده) ش: أي عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكان حق الكلام أن يقال: والأصل هو الحرمة عنده والمساواة تختلص أي عند الحرمة. م: (لأنه) ش: أي لأن الشارع م: (نص على شرطين) ش: أحدهما هو قوله م: (التقابض) ش: يفهم من قوله: يدا بيد والآخر هو قوله م: (والمماثلة) ش: يفهم من قوله: مثلا بمثل م: (وكل ذلك) ش: أي وكل من الشرطين م: (يشعر بالعزة والخطر) ش: أي عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 264 كاشتراط الشهادة في النكاح فيعلل بعلة تناسب إظهار الخطر والعزة، وهو الطعم لبقاء الإنسان به والثمنية لبقاء الأموال التي هي مناط المصالح بها ولا أثر للجنسية في ذلك، فجعلناه شرطا، والحكم قد يدور مع الشرط. ولنا أنه أوجب المماثلة شرطا في البيع، وهو المقصود بسوقه تحقيقا لمعنى البيع، إذ هو ينبئ عن التقايل   [البناية] م: (كاشتراط الشهادة في النكاح) ش: فإن اشتراط الشهادة في عقد النكاح لأجل إظهار خطرها وعزتها دون سائر المعاملات م: (فيعلل) ش: أي إذا كان الشرطان يشعران بالعزة والخطر فيعلل الربا م: (بعلة تناسب إظهار الخطر والعزة وهو الطعم) ش: في المطعومات م: (لبقاء الإنسان به، والثمنية لبقاء الأموال التي هي مناط المصالح بها) ش: أي تعلق مصالح الإنسان بالأموال والمناط مصدر ميمي من ناط الشيء ينوطه نوطا أي علقه. م: (ولا أثر للجنسية في ذلك) ش: أي في إظهار الخطر والعزة م: (فجعلناه) ش: أي جعلنا الجنس م: (شرطا) ش: لا علة م: (والحكم قد يدور مع الشرط) ش: بيان هذا أن العلة إنما تعرف بالتأثير وللطعم والثمنية أثر كما ذكرنا وليس للجنسية أثر لكن لا تكميل إلا عند وجود الجنس فكان شرطا لأن الحكم يدور مع الشرط وجودا عنده لا وجوبا به. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: والحكم قد يدور لدفع شبهة ترد على جعله الطعم علة أو الثمنية علة، وهو أن الحكم يدور مع الجنسية كما يدور مع الطعم والثمنية عنده فلم يجعل الجنسية علة كما جعلها خصمك علة الربا. فأجاب عنها فقال: نعم كذلك إلا أن العلة للوصف الذي له أثر في استجلاب ذلك الحكم لا لمجرد الدوران فإن الحكم قد يدور مع الشرط، كالرجم مع الإحصان مع الزنا فإنه يدور معه وجودا وعدما، ولا يدل على كونه علة، وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذكر من المطعومات أربعة، وهي أصول الطعم فإن الحنطة أصل لقوت بني آدم، والشعير للدواب، والتمر من الأصول تفكها، والملح أصل لتطيب الأطعمة. فتبين بذلك أن العلة هي الطعم، أما إذا جعلت القدر مع الجنس يتمحض ذكر هذه الأشياء تكرارا إذ صفة القدر فيهما لا يتنوع، وحمل كلام الشارع على ما يفيده فائدة زائدة أولى م: (ولنا أنه) ش: أي أن الحديث المذكور أو أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (أوجب المماثلة شرطا في البيع) ش: بقوله: مثلا بمثل، لما مر أنه حال والأحوال شروط م: (وهو المقصود بسوقه) ش: أي وجوب المماثلة هو المقصود بسوق الحديث لأحد معان ثلاثة. أشار إلى الأول بقوله م: (تحقيقا لمعنى البيع) ش: أي لأجل تحقيق معنى البيع م: (إذ هو) ش: أي لأن البيع م: (ينبئ عن التقايل) ش: لأن البيع مبادلة المال بالمال لأن ما كان من باب المفاعلة يقتضي مقابلة كل جزء من أجزاء الآخر في متحد الجنس، ولو فضل أحد العوضين لخلا ذلك الفضل عن العوض فلا يتحقق معنى التقايل فلا تتحقق المعاوضة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 265 وذلك بالتماثل، أو صيانة لأموال الناس عن التوى، أو تتميما للفائدة باتصال التسليم به، ثم يلزم عند فوته حرمة الربا، والمماثلة بين الشيئين باعتبار الصورة والمعنى،   [البناية] بل يكون استحقاقا لذلك القدر. وذا خلاف قضية المعاوضة م: (وذلك) ش: أي التقايل يحصل م: (بالتماثل) ش: لأنه لو كان أحدهما أنقص من الآخر لم يحصل التقايل من كل وجه، وأشار إلى المعنى الثاني بقوله م: (أو صيانة لأموال الناس عن التوى) ش: أو صيانة عطف على قوله: تحقيقا، أي أو لأجل صيانة أموال الناس عن التوى أي الهلاك والتلف. لأن أحد البدلين إن كان أنقص من الآخر كان التبادل مضيعا لفضل ما عليه الفضل، يوضحه إذا كان الزائد خاليا عن العوض، وفيه تلف الزائد فاشترطت المماثلة حتى يتعين أموال الناس. وإليه أشار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: «والفضل ربا» أي الفضل على المتماثلين ربا، يعني أن الذي نطق به القرآن بقوله: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] المراد به هذا الفضل، وأشار إلى المعنى الثالث بقوله: م: (أو تتميما للفائدة) ش: أي لأجل التتميم لفائدة البيع وهو ملك الرقبة قبل القبض وملك التصرف بعده م: (باتصال التسليم به) ش: أي بالتماثل، يعني أن في النقدين لكونهما لا يتعينان بالتعيين شرطت المماثلة قبضا بعد مماثلة كل منهما للآخر ولتتميم فائدة البيع وهو ثبوت الملك. وفي " المبسوط ": صاحب الشرع أوجب المماثلة في الجنس الواحد تتميما للفائدة في حق المتعاقدين، إذ لو كان أحد المعوضين أقل من الآخر تكون الفائدة تامة في حق أحد المتعاقدين دون الآخر وفي إيجاب المماثلة إتمام الفائدة لكل واحد منهما م: (ثم يلزم عند فوته) ش: أي عند فوت التماثل الذي هو شرط الجواز م: (حرمة الربا) ش: لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «والفضل ربا» م: (والمماثلة بين الشيئين باعتبار الصورة والمعنى) ش: هذا بيان عليه القدر والجنس لوجوب المماثلة، لأن المماثلة بين الشيئين إنما تكون باعتبار الصورة والمعنى، لأن كل محدث موجود بصورته ومعناه، وإنما تقوم المماثلة بهما فالقدر عبارة عن التساوي في المعيار فيحصل به المماثلة صورة، والجنس عبارة عن التشاكل في المعاني فتثبت به المماثلة معنى. فإن قيل: حكم النص وجوب المماثلة فأي أثر للكيل والجنس في وجوب المماثلة؟ بل أثرهما في الوجود. قلنا: المراد المقصود من الوجوب الوجود ولا يمكن الابتداء بالإيجاد إلا بالوجوب لأن الوجود يفضي إلى الوجوب ولا يمكن إيجاد المماثلة إلا بالقدر والجنس فيكون لهما أثر في وجود المماثلة وأضيف إليه لأن حكم النص إيجاب المماثلة، وحرمة الفضل عند فوتهما كذا في " جامع قاضي خان ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 266 والمعيار يسوي الذات، والجنسية تسوي المعنى، فيظهر الفضل على ذلك فيتحقق الربا؛ لأن الربا هو الفضل المستحق لأحد المتعاقدين في المعاوضة الخالي عن عوض شرط فيه، ولا يعتبر الوصف لأنه لا يعد تفاوتا عرفا، أو لأن في اعتباره سد باب البياعات أو لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «جيدها ورديئها سواء» ،   [البناية] م: (والمعيار يسوي الذات) ش: قال الجوهري: المعيار من عايرت المكاييل والموازين عيارا وعارت بمعنى، ومعنى المعيار يسوى الذات أي الصورة، فإن كيلا من البر مماثل كيلا من الذرة من حيث الصورة دون المعنى لعدم الجنسية م: (والجنسية تسوي المعنى) ش: فإن كيلا من بر يساوي كيلا من بر من حيث الصورة والمعنى، أما صورة فظاهر وأما معنى فللجنسية. والقفيز من الحنطة يساوي القفيز من الشعير من حيث الصورة والمعنى، فإذا كان كذلك م: (فيظهر الفضل على ذلك) ش: أي على التساوي من حيث الصورة والمعنى م: (فيتحقق الربا، لأن الربا هو الفضل المستحق لأحد المتعاقدين في المعاوضة الخالي عن عوض شرط فيه) ش: قوله الخالي صفة للفضل، قوله: فيه أي في العقد م: (ولا يعتبر الوصف) ش: هذا جواب عما يقال إذا كانت المماثلة شرطا على ما قلتم، فكيف أهدر التفاوت في الوصف وهو الجودة في أحد البدلين دون الآخر، فأجاب بقوله: ولا يعتبر الوصف أي وصف الجودة والرداءة م: (لأنه) ش: أي لأن الوصف م: (لا يعد تفاوتا عرفا) ش: أي من حيث العرف فإن الناس لا يعدون التفاوت فيه معتبر العلة، ولهذا تصرف الأموال بالعدد دون الوصف فيقال: له مائة درهم أو دينار من غير اعتبار التفاوت بين الجيد والرديء، قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه تأمل؛ لأنه لو كان كذلك لما تفاضلا في القيمة في العرف، انتهى. قلت: الكلام فيه من حيث الوصف لا من حيث الذات، والتفاضل في القيمة يرجع إلى الذات م: (أو لأن في اعتباره) ش: أي في اعتبار التفاوت في الوصف م: (سد باب البياعات) ش: في هذه الأشياء، وهو مفتوح لأن بيع هذه الأشياء لا يجوز متفاضلا ولا مجازفة فلم يبق إلا حالة التساوي، ولو اعتبر المساواة في الوصف تسد بياعات هذه الأشياء بجنسها لأن الحنطة لا تكون مثل حنطة أخرى في الوصف لا محالة، والبياعات بكسر الباء جمع بياعة، وإنما جمعوا المصدر على تأويل الأنواع م: (أو لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي ولا يعتبر الوصف لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «جيدها ورديئها سواء» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 267 والطعم والثمنية من أعظم وجوه المنافع، والسبيل في مثلها الإطلاق بأبلغ الوجوه لشدة الاحتياج إليها دون التضييق فيه، فلا معتبر بما ذكره، إذا ثبت هذا فنقول: إذا بيع المكيل أو الموزون بجنسه يدا بيد مثلا بمثل جاز البيع فيه لوجود شرط الجواز وهو المماثلة في المعيار، ألا ترى إلى ما يروى مكان قوله "مثلا بمثل": كيلا بكيل،   [البناية] ش: وهذا الحديث غريب ومعناه يؤخذ من إطلاق حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد مر في هذا الباب. وذر الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وغيره هذا الحديث وسكتوا عنه م: (والطعم والثمنية من أعظم وجوه المنافع) ش: هذا جواب عن جعل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الطعم والثمنية علة للحرمة، تقريره أن ذلك فاسد لأنهما يقتضيان خلاف ما أضيف إليهما لما كانا من أعظم وجوه المنافع كان الطريق فيه الإطلاق وهو معنى قوله: م: (والسبيل في مثلها) ش: أي في مثل هذه الأشياء التي تتعلق بها أعظم وجوه المنافع م: (الإطلاق) ش: أي التوسعة م: (بأبلغ الوجوه لشدة الاحتياج إليها دون التضييق فيه) ش: فإن السنة الإلهية جرت في حق الإنس وسائر الحيوانات، إنما كان الاحتياج إليها أكثر فكان أمره في الوجود وإطلاق الشرع أوسع كالماء والهواء وعلف الدواب، وعلف الدواب، وإذا كان كذلك كان تعليله بما يوجب التضييق تعليلا بفساد الوضع م: (فلا معتبر بما ذكره) ش: أي بما ذكر الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا أنه علل بعلة وقعت فاسدة في مخرجها. فإن قلت: الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - استدل بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تبيعوا الطعام بالطعام» . قلت: قالوا هذا خبر لا يعرفه هو ولا ذكره أحد في كتاب مسند، وإنما المروي: «الطعام مثلا بمثل كيلا بكيل» ، وهذا لا يتناول إلا ما يكال بعينه كذا في " شرح مختصر" الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إذا ثبت هذا) ش: أي ما ذكرنا أن العلة القدر والجنس عندنا مطعوما كان أو غيره م: (فنقول: إذا بيع المكيل أو الموزون) ش: أي لو بيع الموزون م: (بجنسه يدا بيد مثلا بمثل جاز البيع فيه لوجود شرط الجواز) ش: أي جواز البيع. م: (وهو) ش: أي شرط الجواز م: (المماثلة في المعيار، ألا ترى) ش: توضيح المماثلة في المعيار، فإن قوله: كيلا بكيل بمنزلة التفسير لقوله: مثلا بمثل، إذ كلام الشارع يفسر بعضه بعضا م: (إلى ما يروى مكان قوله: مثلا بمثل كيلا بكيل) ش: أشار به إلى ما قلنا: إن قوله كيلا بكيل بمنزلة التفسير إلى آخره. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 268 وفي الذهب بالذهب وزنا بوزن. وإن تفاضلا لم يجز لتحقق الربا، ولا يجوز بيع الجيد بالرديء مما فيه الربا إلا مثلا بمثل لإهدار التفاوت بالوصف. ويجوز بيع الحفنة بالحفنتين، والتفاحة بالتفاحتين لأن المساواة بالمعيار، ولم يوجد فلم يتحقق الفضل، ولهذا كان مضمونا بالقيمة عند الإتلاف، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - العلة هي الطعم، ولا مخلص وهو المساواة فيحرم، وما دون نصف الصاع فهو في حكم الحفنة لأنه لا تقدير في الشرع بما دونه، ولو تبايعا مكيلا أو موزونا غير مطعوم بجنسه متفاضلا كالجص   [البناية] [بيع الذهب وزنا بوزن] م: (وفي الذهب) ش: أي جاز المبيع أيضا في الذهب إذا بيع م: (الذهب وزنا بوزن) ش: أي من حيث الوزن يعني متساويين م: (وإن تفاضلا لم يجز لتحقق الربا) ش: يفضل أحدهما على الآخر م: (ولا يجوز بيع الجيد بالرديء مما فيه الربا) ش: أي ما يتحقق فيه من الأشياء الربوية م: (إلا مثلا بمثل) ش: يعني متماثلين متساويين م: (لإهدار التفاوت في الوصف) ش: أي لأجل إهدار التفاوت في وصف الجودة والرداءة شرعا وعرفا م: (ويجوز بيع الحفنة) ش: هي ملء الكف. قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال الجوهري: الحفنة ملء الكفين من الطعام م: (بالحفنتين، والتفاحة) ش: أي بيع التفاحة م: (بالتفاحتين لأن المساواة بالمعيار) ش: يعني المساواة بالكيل شرط م: (ولم يوجد) ش: لأنه لا كيل في الحفنة والحفنتين م: (فلم يتحقق الفضل) ش: لأن تحققه مبني على المساواة بالمعيار. فإذا لم يتحقق الفضل فلا يكون ربا واستوضح ذلك بقوله م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن الحفنة والحفنتين لا تدخل تحت المعيار الشرعي م: (كان مضمونا بالقيمة عند الإتلاف) ش: إذ لو كان داخلا تحت المعيار كان مضمونا بالمثل عند الإتلاف كما في سائر المكيلات والموزونات، لأن المكيلات والموزونات كلها في ذوات الأمثال دون القيم م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: العلة) ش: أي علة الربا م: (هي الطعم) ش: فلا يجوز بيع الحفنة بالحفنتين لوجود الطعم م: (ولا مخلص وهو المساواة فيحرم) . ش: وفي " شرح الطحاوي ": ولو باع البطيخة ببطيختين أو تفاحة بتفاحتين أو بيضة ببيضتين أو جوزة بجوزتين يجوز عندنا لعدم الكيل، وعنده لا يجوز لوجود الطعم، وكذلك إذا باع حفنة بحفنتين أو حبة بحبة أو تفاحة بتفاحة يجوز عندنا وعنده لا يجوز م: (وما دون نصف الصاع فهو في حكم الحفنة؛ لأنه لا تقدير في الشرع بما دونه) ش: أي بما دون نصف الصاع بخلاف النصف لأن الشرع ورد بالتقدير فيه كما في صدقة الفطر وغيرها. وفي " المبسوط ": هذا إذا لم يدخل كل واحد من البدلين تحت النصف، أما إذا بلغ أحدهما النصف والآخر لم يبلغ أو أكثر من النصف حتى لو باع حفنة بقفيز لا يجوز، وفي " الأسرار ": ما دون الحبة من الفضة لا قيمة له م: (ولو تبايعا مكيلا أو موزونا غير مطعوم بجنسه متفاضلا كالجص الجزء: 8 ¦ الصفحة: 269 والحديد لا يجوز عندنا لوجود القدر والجنس، وعنده يجوز لعدم الطعم والثمنية. قال: وإذا عدم الوصفان الجنس والمعنى المضموم إليه حل التفاضل والنساء لعدم العلة المحرمة. والأصل فيه الإباحة، وإذا وجدا حرم التفاضل والنساء لوجود العلة المحرمة وإذا وجد أحدهما وعدم الآخر حل التفاضل وحرم النساء، مثل أن يسلم هرويان في هروي أو حنطة في شعير، فحرمة ربا الفضل بالوصفين، وحرمة النساء بأحدهما،   [البناية] والحديد لا يجوز عندنا لوجود القدر والجنس، وعنده) ش: أي وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يجوز لعدم الطعم والثمنية) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: ولو تبايعا وزنا بوزنين وهو مأكول أو مشروب كالدهن، والزيت والرب والخل لا يجوز إلا وزنا بوزن عند الكل لكن باختلاف التخريج أما عندنا فلوجود الجنس والوزن، وأما عند الشافعي وأحمد - رحمهما الله - في رواية لوجود الطعم. وأما عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلوجود الادخار، لأن عنده علة الربا الادخار والاقتيات. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا عدم الوصفان الجنس والمعنى المضموم) ش: المعنى المضموم هو القدر م: (إليه) ش: أي إلى الجنس كبيع الحنطة بالدرهم أو الثياب م: (حل التفاضل والنساء) ش: بفتح النون والمد وهو البيع إلى أجل م: (لعدم العلة المحرمة) ش: معناه أن علة حرمة الربا القدر والجنس فلما انعدم لم تثبت الحرمة وحل التفاضل والنساء؛ لأن الحل هو الأصل لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] . فإن قيل: عدم العلة لا يدل على عدم الحكم. قلنا: الأصل جواز البيع مطلقا والإباحة، إلا أن الشرع اعتبر التحريم بوصفه، فإذا وجد هذا الوصف قلنا بالتحريم وإلا نعمل بالأصل وهو معنى قوله م: (والأصل فيه الإباحة) ش: أي الأصل في البيع الإباحة إلا عند اعتبار الشرع التحريم م: (وإذا وجدا) ش: أي الوصفان م: (حرم التفاضل والنساء لوجود العلة المحرمة وإذا وجد أحدهما) ش: أي أحد الوصفين م: (وعدم الآخر حل التفاضل وحرم النساء مثل أن يسلم هرويان في هروي) ش: أي الثوب الهروي. وفي بعض النسخ: مرويان في مروي، وفيه عدم القدرة الذي هو أحد الوصفين، ويجوز فيه التفاضل بأن يباع واحد باثنين، ولا يجوز أن يباع بالنسيئة م: (أو حنطة في شعير) ش: أي أو أسلم حنطة في شعير وفيه عدم الجنس، فيجوز فيه التفاضل ولا يجوز النساء كما إذا أسلم أحدهما في الآخر م: (فحرمة ربا الفضل بالوصفين) ش: القدر والجنس م: (وحرمة النساء بأحدهما) ش: أي بأحد الوصفين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 270 وقال الشافعي: الجنس بانفراده لا يحرم النساء؛ لأن بالنقدية وعدمها لا يثبت إلا شبهة الفضل، وحقيقة الفضل غير مانع فيه حتى يجوز بيع الواحد بالاثنين فالشبهة أولى. ولنا أنه مال الربا من وجه نظرا إلى القدر أو إلى الجنس، والنقدية أوجبت فضلا في المالية فتحقق شبهة الربا وهي مانعة كالحقيقة،   [البناية] م: (وقال الشافعي: والجنس بانفراده لا يحرم النساء لأن بالنقدية) ش: أي في جانب م: (وعدمها) ش: أي في جانب آخر م: (لا يثبت إلا شبهة الفضل) ش: لأن النسيئة عبارة عن تأخير المطالبة وهي ليست حقيقة الفضل إلا أن فيها تفاوت المالية حكما، والتفاوت في المالية حقيقة أكثر تأثيرا في التفاوت في المالية حكما، ولا أثر له في المنع من جواز العقد حتى يجوز بيع ثوب بثوبين، فالتفاوت حكما أولى. كذا قاله تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ويفهم منه معنى قوله: م: (وحقيقة الفضل غير مانع فيه حتى يجوز بيع الواحد بالاثنين فالشبهة أولى) ش: أي بأن لا تكون مانعة، بيانه على وجه الإيضاح: أن حقيقة الفضل غير مانع في الجنس حتى جاز بيع الهروي بالهرويين، والعبد بالعبدين والشبهة أولى. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيل ليس في تخصيص الجنس بالذكر في عدم تحريم النساء زيادة فائدة فإن القدر عنده كذلك، فإنه يجوز إسلام الموزونات في الموزونات كالحديد والرصاص. ويمكن أن يقال: إنما خصه بالذكر لأن الحكم وهو حرمة النساء إنما لم توجد عنده في صورة الجنس وأما في صورة القدر فقد توجد، فإنه لم يجوز بيع الذهب بالفضة نسيئة، وكذا بيع الحنطة بالشعير وإن كان علة ذلك عنده غير القدر وهو أن التقابض شرط في الصرف وبيع الطعام عنده م: (ولنا أنه) ش: أي أن بيع النسيئة م: (مال الربا من وجه نظرا إلى القدر) ش: أي إلى القدر وحده كما في الحنطة مع الشعير م: (أو إلى الجنس) ش: أي أو نظرا إلى الجنس وحده كالثوب الهروي مع الهروي. م: (والنقدية أوجبت فضلا في المالية فتحقق شبهة الربا) ش: لأن الفضل من حيث النقدية فضل من حيث المعنى، والنقد خير من النسيئة فمن الوجه الذي هو مال الربا أظهر الفضل من حيث النقدية في أحدهما، وذلك شبهة الربا م: (وهي) ش: أي شبهة الربا م: (مانعة) ش: عن الجواز م: (كالحقيقة) ش: قال الأكمل في بحث من وجهين: أحدهما: ما قيل أن كونه من مال الربا من وجه شبهة، وكون الشبهة أوجبت فضلا شبهة فصار بشبهة الشبهة، والشبهة هي المعتبرة دون النازل عنها. والثاني: أن كونها شبهة الربا كالحقيقة إما أن يكون مطلقا أو في محل الحقيقة، والأول ممنوع والثاني مسلم لكنها كانت جائزة فيما نحن فيه، فيجب أن تكون الشبهة كذلك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 271 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] والجواب عن الأول: أن الشبهة الأولى في المحل والثانية في الحكم، وثمة شبهة أخرى، وهي التي في العلة، وبشبهة العلة والعمل يثبت شبهة الحكم لا شبهة الشبهة، وعن الثاني: أن القسمة غير حاضرة بل الشبهة مانعة في محل الشبهة كما أن الحقيقة مانعة في محلها إذا وجدت العلة بكمالها. فإن قيل: بعض الشراح استدل للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بما روي «عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أمره أن يجهز جيشا فبعدت الإبل فأمره أن يأخذ في قلائص الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة» ، رواه أبو داود. واستدل لأصحابنا بما رواه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا من حديث الحسن عن سمرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع الحيوان نسيئة» ورواه بقية الأربعة. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فإن قيل: ما قال المصنف لم يستدل للجانبين بهذه الأحاديث، ثم قال: فالجواب أن جهالة التاريخ وتطرق التأويلات منعاه عن ذلك. قلت: قيل: الجواب عن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه كان في دار الحرب وقد أخذ عبد الله من أهل الحرب ولا ربا بينهما عندنا. وقيل: إن كان قبل تحريم الربا، وقيل: حديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في طريق ابن إسحاق بطريق بقية وهو مدلس فلا يحتج به. ولما أخرج الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حديث سمرة قال: حديث سمرة حسن صحيح، وسماع الحسن عن سمرة صحيح، هكذا قال علي بن المديني وغيره، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وهو قول سفيان الثوري، وأهل الكوفة، وبه يقول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - انتهى كلام الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 272 إلا أنه إذا أسلم النقود في الزعفران ونحوه يجوز، وإن جمعهما الوزن؛ لأنهما لا يتفقان في صفة الوزن، فإن الزعفران يوزن بالأمناء وهو مثمن يتعين بالتعيين، والنقود توزن بالسنجات   [البناية] وروي عن ابن عباس وجابر وابن عمر في هذا الباب أيضا فحديث ابن عباس أخرجه الترمذي في كتاب العلل المفرد من حديث عكرمة عن ابن عباس «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة» وحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه الترمذي في العلل ونحوه، وحديث جابر رواه ابن ماجه بلفظ: «لا بأس بالحيوان واحد باثنين يدا بيد» وكره نسيئة. م: (إلا أنه) ش: استثناء من قوله: وحرم النساء في قوله: فإذا وجد أحدهما وعدم الآخر حل التفاضل وحرم النساء، إلا أن الرجل م: (إذا أسلم النقود في الزعفران ونحوه) ش: كالقطن والحديد م: (يجوز وإن جمعهما الوزن) ش: بيانه أن قوله: وحرم النساء بإطلاقه يتناول أن كل ما يوجد فيه أحد وصفي الربا من الجنس والقدر لا يجوز إلا إسلام أحدهما بالآخر وهاهنا يجوز إسلام النقود بالزعفران ونحوه مع وجود أحد الوصفين وهو الوزن. فقال المصنف: م: (لأنهما) ش: أي لأن النقد والزعفران م: (لا يتفقان في صفة الوزن، فإن الزعفران يوزن بالأمناء) ش: وهو جمع المنا مقصور، والتثنية منوان، وقال الجوهري: المنا الذي يوزن به م: (وهو) ش: أي الزعفران م: (مثمن يتعين بالتعيين) ش: ولهذا إذا اشترى الدنانير أو الدراهم موازنة وقبض كان له أن يبيعه موازنة بدون إعادة الوزن. وفي الزعفران ونحوه يشترط إعادة الوزن إذا اشترى موازنة ثم باع موازنة، وهذا اختلاف بينهما حكما، فإذا وجد الوزن في كل وجه يحرم النساء لوجود أحد وصفي علة الربا؛ لأنه حصل شبهة الربا، وإذا وجد الاتفاق في الوزن من وجه دون وجه نزلت الشبهة إلى شبهة الشبهة، والمعتبر هو الشبهة لا شبهة الشبهة م: (والنقود توزن بالسنجات) ش: بتحريك النون جمع سنجة، وهو بالفارسية سنك ترازو، وعن دريد بن السكيت: لا يقال بالسين بل هي بالصاد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 273 وهو ثمن لا يتعين بالتعيين. ولو باع بالنقود موازنة وقبضها صح التصرف فيها قبل الوزن، وفي الزعفران وأشباهه لا يجوز، فإذا اختلفا فيه صورة ومعنى وحكما لم يجمعهما القدر من كل وجه، فتنزل الشبهة فيه إلى شبهة الشبهة وهي غير معتبرة. قال: وكل شيء نص رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على تحريم التفاضل فيه كيلا فهو مكيل أبدا. وإن ترك الناس الكيل فيه مثل الحنطة والشعير والتمر والملح،   [البناية] صنجات، وفي المغرب: الصنجات بالتحريك جمع صنجة بالتسكين. وعن الفراء: السين أفصح، والكر القبتي السين أصلا، قلت: الصواب مع الفراء لا يعرفه إلا من يعرف اللغة الفارسية م: (وهو) ش: أي النقود على تأويل ما يوزن بالسنجات م: (ثمن لا يتعين بالتعيين) ش: لأن النقدين لا يتعينان بالتعيين وقد مر غير مرة م: (ولو باع بالنقود موازنة) ش: أي لو باع الزعفران بالنقود، وفي بعض النسخ: ولو باع النقود موازنة بلا صرف الباقي أول النقود. م: (وقبضها صح التصرف فيها قبل الوزن، وفي الزعفران وأشباهه لا يجوز) ش: وقد أوضحنا عن قريب م: (فإذا اختلفا) ش: أي النقود والزعفران م: (فيه) ش: أي في الوزن م: (صورة ومعنى وحكما) ش: هذا على طريق اللف والنشر، فقوله: صورة يرجع إلى قوله: يوزن بالأمناء، وقوله: معنى يرجع إلى قوله: يتعين بالتعيين، وقوله: وحكما يرجع إلى قوله: لا يجوز أي التصرف فيها لا يجوز م: (لم يجمعهما القدر من كل وجه) ش: أي لم يجمع النقود والزعفران القدر وهو الوزن من كل وجه، بل من وجه دون وجه، فإذا كان كذلك م: (فتنزل الشبهة فيه إلى شبهة الشبهة) ش: فإن الموزونين إذا اتفقا كان المنع للشبهة، وإذا لم يتفقا كان ذلك شبهة الوزن والوزن وحده شبهة فكان ذلك شبهة الشبهة م: (وهي) ش: أي شبهة الشبهة م: (غير معتبرة) ش: لأن الشبهة هي المعتبرة، ألا يقال: لم يخرجا بذلك عن كونهما موزونين فقد جمعهما الوزن لأن إطلاق اللفظ عليهما حينئذ بالاشتراك اللفظي ليس إلا، وهولا يفيد الاتحاد بينهما، وصار كأن الوزن لم يجمعهما حقيقة. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي عبارة المصنف تسامح، فإنه قال: إذا اختلفا صورة ولم يختلفا صورة ولهذا قال شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بل نقول: اتفاقهما في الوزن صورة لا معنى، وحكما إلا إذا حمل قوله: صورة على أن معناه حقيقة فافهم. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وكل شيء نص رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على تحريم التفاضل فيه كيلا فهو مكيل أبدا، وإن ترك الناس الكيل فيه مثل الحنطة والشعير والتمر والملح) ش: حاصله أن ما كان مكيلا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يغير أبدا عن ذلك بل يعتبر ما كان مكيلا في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 274 وكل ما نص على تحريم التفاضل فيه وزنا فهو موزون أبدا، وإن ترك الناس الوزن فيه مثل الذهب والفضة؛ لأن النص أقوى من العرف والأقوى لا يترك بالأدنى، وما لم ينص عليه فهو محمول على عادات الناس لأنها دالة، وعن أبي يوسف أنه يعتبر العرف على خلاف المنصوص عليه أيضا لأن النص على ذلك لمكان العادة فكانت هي المنظور إليها وقد تبدلت، فعلى هذا لو باع الحنطة بجنسها متساويا وزنا أو الذهب بجنسه متماثلا كيلا لا يجوز عندهما، وإن تعارفوا ذلك لتوهم الفضل على ما هو المعيار فيه كما إذا باع مجازفة، إلا أنه يجوز الإسلام في الحنطة ونحوها وزنا لوجود الإسلام في معلوم.   [البناية] عهده. ويشترط فيه التساوي بالكيل ولا يلتفت إلى التساوي في الوزن دون الكيل حتى لو تساوى الحنطة بالحنطة وزنا لا كيلا لم يجز م: (وكل ما نص) ش: أي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (على تحريم التفاضل فيه وزنا فهو موزون أبدا، وإن ترك الناس الوزن فيه مثل الذهب والفضة) ش: كذلك يعتبر فيه التساوي بالكيل دون الوزن حتى لو تساوى الذهب بالذهب كيلا لا وزنا لم يجز. وكذلك الفضة بالفضة وذلك لأن طاعة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واجبة علينا م: (لأن النص أقوى من العرف) ش: لكون النص حجة على من تعارف وعلى من لم يتعارف، والمعروف ليس بحجة إلا على من تعارف به م: (والأقوى لا يترك بالأدنى، وما لم ينص) ش: من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (عليه فهو محمول على عادات الناس لأنها دالة) ش: أي لأن العادات دالة على جواز الحكم فيما وقعت عليه العادة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» ، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تجتمع أمتي على الضلالة» . م: (وعن أبي يوسف أنه يعتبر العرف على خلاف المنصوص عليه أيضا لأن النص على ذلك) ش: أي على الكيل في المكيل والوزن في الموزون في ذلك الوقت إنما كان م: (لمكان العادة) ش: فيه م: (فكانت) ش: أي العادة م: (هي المنظور إليها) ش: في ذلك الوقت م: (وقد تبدلت) ش: أي تلك العادة فيجب أن يكون الحكم على وفاق ذلك. م: (فعلى هذا لو باع الحنطة بجنسها متساويا وزنا أو الذهب) ش: أي أو باع ذهبا م: (بجنسه متماثلا كيلا لا يجوز عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن تعارفوا ذلك) ش: وكلمة إن واصلة بما قبلها، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز إذا تعارفوا ذلك م: (لتوهم الفضل) ش: من دليلهما م: (على ما هو المعيار فيه كما إذا باع مجازفة إلا أنه يجوز) ش: استثناء من قوله: لا يجوز عندهما أي لكن يجوز م: (الإسلام في الحنطة ونحوها وزنا) ش: على ما اختاره الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لوجود الإسلام في معلوم) ش: فإن المماثلة ليست بمعتبرة فيه، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 275 قال: وكل ما ينسب إلى الرطل فهو وزني، معناه ما يباع بالأواقي لأنها قدرت بطريق الوزن حتى يحتسب ما يباع بها وزنا، بخلاف سائر المكاييل، وإذا كان موزونا فلو بيع بمكيال لا يعرف وزنه بمكيال مثله؛ لا   [البناية] إنما المعتبر هو الإعلام على وجه ينفي المنازعة في التسليم، وذلك كما يحصل بالكيل يحصل بذكر الوزن، ذكر في " التتمة " أنه ذكر في " المجرد " عن أصحابنا أنه لا يجوز فكان في المسألة روايتان. [بيع بمكيال لا يعرف وزنه بمكيال مثله] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وكل ما ينسب إلى الرطل) ش: بكسر الراء وفتحها. قال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الرطل نصف منا مقصور، ثم قال: هو الذي يوزن به، وقال في كتاب يوحنا بن سرافيون: الرطل اثنتا عشرة أوقية، وقال أيضا: الرطل عشرون أستارا والأستار ستة دراهم ودانقان، أو قال: أربعة مثاقيل فعلى هذا فيما قيل إن الأوقية أربعون درهما نظر. وقال أبو عبيد: وزن الرطل مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وزن سبعة، وفي " المغرب ": الرطل الذي يوزن به أو يكال به م: (فهو وزني) ش: خبر المبتدأ أعني قوله، وكلما دخلت الفاء فيه لتضمنه الشرط قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (معناه ما يباع بالأواقي) ش: وكذا قال فخر الدين قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -. تفسيره أن ما يباع بالأواقي فهو وزني م: (لأنها) ش: أي لأن الأواقي م: (قدرت بطريق الوزن حتى يحتسب ما يباع بها وزنا) ش: حتى لو بيع شيء منها بجنسه متساويا كيلا يجوز لجواز التفضيل في الوزن، وهذا لأنه يشق وزن الدهن بالأمناء والسنجات لأنه لا يتمسك إلا في وعاء، وفي وزن كل وعاء نوع خرج فاتخذ الرطل لذلك. " والأواقي " جمع أوقية بالتشديد وهي أربعون درهما وهي أفعولة من الوقاية لأنها تقي صاحبها من الضرر، وعند الأطباء: الأوقية وزن عشرة مثاقيل وخمسة أسباع درهم، وهو أستار وثلثا أستار. وفي " كتاب العين ": الأوقية وزن من أوزان الدهن وهي سبعة مثاقيل م: (بخلاف سائر المكاييل) ش: متصلا بقوله: لأنها قدرت يعني أن سائر المكاييل لم تقدر بالوزن فلا يكون للوزن فيه اعتبار. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: بخلاف سائر المكاييل يعني أن هاهنا القدر بالوزن فيجوز البيع بالأوقية، وإن كانت الأوقية كيلا لأنها قدرت بالوزن م: (وإذا كان موزونا) ش: يعني إذا ثبت أن ما ينسب إلى الرطل وزني م: (فلو بيع بمكيال لا يعرف وزنه بمكيال مثله لا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 276 يجوز لتوهم الفضل في الوزن، بمنزلة المجازفة. قال: وعقد الصرف ما وقع على جنس الأثمان يعتبر فيه قبض عوضيه في المجلس لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الفضة بالفضة هاء وهاء» ، معنا يدا بيد، وسنبين الفضة في الصرف إن شاء الله تعالى. قال: وما سواه مما فيه الربا يعتبر فيه التعيين ولا يعتبر فيه التقابض، خلافا للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في بيع الطعام بالطعام. له قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في الحديث المعروف: "يدا بيد".   [البناية] يجوز) ش: ولو كان سواء بسواء م: (لتوهم الفضل في الوزن بمنزلة المجازفة) ش: إنما قيد بقوله: لا يعرف وزنه بمكيال مثله لأنه إذا عرف وزنه جاز م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره" م: (وعقد الصرف ما وقع على جنس الأثمان) ش: وهي النقود. وقوله: وعقد الصرف كلام إضافي مبتدأ، وقوله: ما وقع خبره، وقوله م: (يعتبر) ش: خبرا بعد خبر أي يجيب م: (فيه قبض عوضيه في المجلس لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «الفضة بالفضة هاء وهاء» ش: هذا الحديث أخرجه محمد بن الحسن في الأصل عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: أشهد أني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة إلا هاء وهاء فمن زاد فقد أربى» . وروى الجماعة في كتبهم عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذهب بالورق ربا، والبر بالبر إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء» . قوله: هاء ممدود على وزن هاع ومعناه خذ، أي كل واحد من المتعاقدين يقول لصاحبه فيتقابضان، وفسر المصنف بقوله م: (معناه يدا بيد) ش: وكذا قال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد أن روى حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معنى قوله: إلا هاء وهاء بقول: يدا بيد، وقال تاج الشريعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قوله يدا بيد أي قبضا بقبض كنى باليد عنه لكونه آلة القبض، ويقال: معنى يدا بيد عينا بعين، وكذا وقع في حديث مسلم عن عبادة وفيه: إلا سواء بسواء وعينا بعين م: (وسنبين الفقه في الصرف إن شاء الله تعالى) ش: هذه حوالة رابحة تأتي في باب المصرف. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وما سواه مما فيه الربا) ش: أي ما سوى عقد الصرف مما يجري فيه ربا كالمكيلات والموزونات غير الذهب والفضة م: (يعتبر فيه التعيين ولا يعتبر فيه التقابض) ش: أي قبل التفرق بالأبدان م: (خلافا للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في بيع الطعام بالطعام) ش: فإن عنده التقابض في المجلس شرط فيه إن اتحد المجلس أو لم يتحد، كأن باع كر حنطة بكر حنطة أو بثمن فافترقا من غير قبض فإنه لا يجوز عنده، وبه قال مالك م: (له) ش: أي للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في الحديث المعروف: يدا بيد) ش: سواء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 277 ولأنه إذا لم يقبض في المجلس يتعاقب القبض، وللنقد مزية فتتحقق شبهة الربا. ولنا أنه مبيع متعين فلا يشترط فيه القبض كالثوب، وهذا لأن الفائدة المطلوبة إنما هو التمكن من التصرف، ويترتب ذلك على التعيين، بخلاف الصرف لأن القبض فيه ليتعين به، ومعنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يدا بيد عينا بعين» كذا رواه عبادة بن الصامت.   [البناية] بسواء م: (ولأنه إذا لم يقبض في المجلس يتعاقب القبض وللنقد مزية) ش: على غيرها م: (فتتحقق شبهة الربا) ش: وهي كالحقيقة في باب الربا. م: (ولنا أنه) ش: أن ما سوى عقد الصرف مما يجري فيه الربا م: (مبيع متعين) ش: وكل ما هو متعين قد تعين بالتعيين م: (فلا يشترط فيه القبض كالثوب) ش: والعبد والدابة وغيرها م: (وهذا) ش: أي عدم اشتراط القبض فيما يتعين م: (لأن الفائدة المطلوبة) ش: بالعقد م: (إنما هو التمكن من التصرف ويترتب ذلك على التعيين) ش: فلا يحتاج إلى القبض م: (بخلاف الصرف) ش: جواب عما يقال: لو كان الأمر كما قلتم لما وجب القبض في الصرف؟ فأجاب بقوله: بخلاف الصرف حيث يشترط فيه القبض م: (لأن القبض فيه) ش: أي في الصرف م: (ليتعين به) ش: أي بالقبض لأن النقود لا تتعين. م: ومعنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: هذا جواب عن استدلال الخصم بالحديث، أي معنى قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «يدا بيد عينا بعين» ش: تقريره أن المعنى إذا كان عينا بعين يعني معينا بعين يدل على أن المراد منه التعيين، إلا أن التعيين في الصرف لا يتحقق قبل التقابض فلأجل هذا اشترط التقابض. م: (كذا رواه) ش: أي كذا روى عينا بعين م: (عبادة بن الصامت) ش: حاصله أن الروايتين أعني يدا بيد وعينا بعين كلتيهما وقعتا في حديث عبادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غير أن رواية عينا بعين وقعت في رواية مسلم عنه وقد مضى كما ينبغي، ثم اشتراط التعيين والتقابض جميعا المدلول عليهما بالروايتين منتف بالإجماع المركب، أما عندنا فلأن الشرط هو التعيين لا القبض، وأما عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فبالعكس فحينئذ لا بد من حمل أحدهما على الآخر. وقوله: يدا بيد يحتمل أن يكون المراد به القبض لأن اليد آلته، ويحتمل أن يكون المراد التعيين لأنه إنما يكون بالإشارة باليد. وقوله: عينا بعين محكم لا يحتمل غيره فيحمل المحتمل على الحكم. فإن قيل: يلزمكم على هذا العمل بعموم المشترك أو الجمع بين الحقيقة والمجاز لأنكم جعلتم يدا بيد بمعنى القبض في الصرف، وبمعنى التعيين في بيع الطعام. قلنا: لا نسلم ذلك لأن المراد في كلتا الصورتين التعيين، إلا أن التعيين في كل موضع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 278 وتعاقب القبض لا يعتبر تفاوتا في المال عرفا بخلاف النقد والمؤجل. قال: ويجوز بيع البيضة بالبيضتين والتمرة بالتمرتين والجوزة بالجوزتين لانعدام المعيار، فلا يتحقق الربا   [البناية] يختلف بحسب حاله ففي الدراهم والدنانير التعيين لا يكون إلا بالقبض إذ هما لا يتعينان في المعقود والفسخ فكان القبض هناك في ضرورة وجوب التعيين. أما الطعام فما يتعين بالتعيين ثمنا كان أو مثمنا فلم يحتج في تعيينه إلى القبض. فإن قيل: يشكل بما إذا باع إبريق فضة بجنسه فإنه يشترط القبض مع أنه يتعين بالتعيين. قلنا: التعيين في الإبريق بعارض الصفة فاعتبر فيما يرجع إلى الاحتياط الأصل وهو الثمنية وعدم التعيين، والشبهة في الربا كالحقيقة فاشترط القبض دفعا لها. وقال الأكمل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: واعترض بأن ما ذكرتم إنما هو على طريقتكم في أن الأثمان لا تتعين، وأما الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فليس بقائل به فلا يكون ملزما. والجواب: أنه ذكره بطريق البادي هاهنا لثبوته بالدلائل الملزمة على ما عرف في موضعه، وقال تاج الشريعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فإن قلت: روي أيضا في رواية في حديث عبادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قبضا بقبض وهذا صريح في الباب. قلت: هذه رواية شاذة فلا يترك الحديث المشهور، وهو قوله: الحنطة بالحنطة، مثلا بمثل عينا بعين بهذه الرواية. م: (وتعاقب القبض) ش: جواب عن قوله: إذا لم يقبض في المجلس يتعاقب القبض فأجاب بقوله: وتعاقب القبض بوجهيه أن تعاقب القبض المانع الذي يعد تفاوتا في المالية وهاهنا ليس كذلك لأن التعاقب هاهنا م: (لا يعتبر تفاوتا في المال عرفا) ش: فإن التجار لا يفصلون بين المقبوض وغيره بعد أن يكون حالا فلا يتحقق فضل أحدهما فيجوز م: (بخلاف النقد) ش: أي الحال م: (والمؤجل) ش: فإن فيهما التعاقب يعد تفاوتا لأنهم يفصلون فيهما. م: (قال) ش: أي محمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " الجامع الصغير " م: (ويجوز بيع البيضة بالبيضتين والتمرة بالتمرتين والجوزة بالجوزتين) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنما كرر هذه المسألة لأنها من مسائل " الجامع الصغير "، وقد علم حكمها قبل ذلك، وكان القياس أن يذكرها عند قوله: ويجوز بيع الحفنة بالحفنتين والتفاحة بالتفاحتين م: (لانعدام المعيار) ش: وهو الكيل م: (فلا يتحقق الربا) ش: يعني حكم النص وجوب التساوي بين البدلين فلا يشرع إلا في محل قابل له وهذا المحل لا يقبله فلم يشترط التساوي فيه فبقي على الأصل وهو الإباحة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 279 والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا فيه لوجود الطعم على ما مر. قال: ويجوز بيع الفلس بالفلسين بأعيانهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز لأن الثمنية ثبت باصطلاح الكل فلا تبطل باصطلاحهما، وإذا بقيت أثمانا لا تتعين، فصار كما إذا كانا بغير أعيانهما، وكبيع الدرهم بالدرهمين   [البناية] وقال الإمام التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا إذا كان البدلين نقدين، أما إذا كان كلاهما أو أحدهما نسيئة لا يجوز لأن الجنس بانفراده يحرم النساء. فإن قيل: الجوز والبيض في ضمان المستهلكات مثليين فينبغي أن لا يجوز بيع الواحد بالاثنين لشبهة الربا. قلنا: لا مماثلة بينهما حقيقة للتفاوت صغرا وكبرا إلا أن الناس اصطلحوا على إهدار التفاوت في حق ضمان العددان فيعمل ذلك في حقهم دون الربا الذي هو حق الشرع، كذا في " الذخيرة ". م: (والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا فيه) ش: أي في بيع البيضة بالبيضتين ونحوها م: (لوجود الطعم على ما مر) ش: من أصله أن علة الربا عنده في المطعومات الطعم، وفي " شرح الطحاوي ": لو باع بطيخة ببطيختين أو تفاحة بتفاحتين أو بيضة ببيضتين أو جوزة بجوزتين أو حفنة من الحنطة بحفنتين يجوز عندنا لعدم الكيل، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يجوز لوجود الطعم. وكذلك إذا باع حفنة بحفنة أو حبة بحبة أو تفاحة بتفاحة يجوز عندنا وعنده لا يجوز م (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويجوز بيع الفلس بالفلسين بأعيانهما) ش: قيد بأعيانهما احترازا عما إذا باع بغير عين أحدهما أو كلاهما فإنه لا يجوز بالاتفاق لأن غير المعين إن كان كلا البدلين يلزم بيع الكالئ بالكالئ. وإن كان أحدهما يلزم النساء. والجنس بانفراده يحرم النساء م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: استحسانا وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز) ش: وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في وجه م: (لأن الثمنية) ش: في الفلوس م: (ثبت باصطلاح الكل) ش: أي كل الناس م: (فلا تبطل باصطلاحهما) ش: لعدم ولايتهما على غيرهما م: (وإذا بقيت أثمانا لا تتعين) ش: بالاتفاق م: (فصار) ش: حكمه م: (كما إذا كانا بغير أعيانهما) ش: حيث لا يجوز بالاتفاق م: (وكبيع الدرهم بالدرهمين) ش: أي وصار أيضا حكمه كحكم بيع الدرهم بالدرهمين حيث لا يجوز بالاتفاق. ولهذا تبين أن الفلوس الرائجة ما دامت رائجة لا تتعين بالتعيين حتى لو قوبلت بخلاف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 280 ولهما أن الثمنية في حقهما تثبت باصطلاحهما، إذ لا ولاية للغير عليهما، فتبطل باصطلاحهما وإذا بطلت الثمنية تتعين بالتعيين، ولا يعود وزنيا؛ لبقاء الاصطلاح على العد، إذ في نقضه في حق العد فساد العقد، فصار كالجوزة بالجوزتين، بخلاف النقود لأنها للثمنية خلقة، وبخلاف ما إذا كانا بغير أعيانهما لأنه كالئ بكالئ وقد نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه،   [البناية] جنسها، كما إذا اشترى ثوبا بالفلوس معينة فهلكت قبل التسليم لم يبطل العقد كالذهب والفضة م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله- م: (أن الثمنية) ش: في الفلوس م: (في حقهما تثبت باصطلاحهما) ش: لا باصطلاح الناس م: (إذ لا ولاية للغير عليهما فتبطل) ش: أي الثمنية م: (باصطلاحهما) ش: يعني إذا ثبت الثمنية في حقهما باصطلاحهما كان لهما أن ينقضا ذلك الاصطلاح باصطلاح آخر. [بيع الجوزة بالجوزتين] م: (وإذا بطلت الثمنية تتعين بالتعيين) ش: لأنه عاد مثمنا كما كان م: (ولا يعود وزنيا لبقاء الاصطلاح) ش: أي اصطلاحهما م: (على العد) ش: تصحيحا لتصرفهما. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: ولا يعود وزنيا جواب لإشكال ذكره في " المبسوط " فقال: فإن قيل: تحت هذا الكلام فساد عظيم، فإنه إذا خرج عن أن يكون ثمنا في حقهما كان هذا قطعة صفر بقطعتي صفر وذلك لا يجوز في الوزني مجازفة فلم يكن في إبطال وصف الثمنية تصحيح هذا العقد، قلنا: الاصطلاح في الفلوس كان على صفة الثمنية والعد، وهما أعرضا في هذه المبالغة عن اعتبار صفة الثمنية وما أعرضا عن اعتبار صفة العد فيها. وليس من ضرورة خروجها من أن يكون بينهما في حقهما خروجهما من أن يكون عدديا كالجوز والبيض فإنه عددي وليس بثمني. ثم إن المصنف استدل على بقاء اصطلاحهما في حق العد بقوله م: (إذ في نقضه) ش: أي في نقض الاصطلاح م: (في حق العد فساد العقد) ش: والحال أنهما قصدا صحة العد ولا صحة إلا بقاء العد م: (فصار كالجوزة بالجوزتين) ش: هذا بيان لانفكاك العددية عن الثمنية. وبيع الجوزة بالجوزتين يجوز لانعدام المعيار فلا ربا فيه م: (بخلاف النقود) ش: جواب عن قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كبيع الدرهم بالدرهمين م: (لأنها) ش: أي لأن النقود م: (للثمنية خلقة) ش: أي من حيث الخلقة لا من حيث الاصطلاح فلا تبطل الثمنية باصطلاحهما م: (وبخلاف ما إذا كانا بغير أعيانهما) ش: جواب عما قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما إذا كان بغير أعيانهما فإن ذلك لم يجز. م: (لأنه كالئ بكالئ) ش: أي لأن هذا العقد نسيئة بنسيئة، وهو منهي عنه، وهو معنى قوله م: (وقد نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه) ش: هذا رواه ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه والبزار - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 281 وبخلاف ما إذا كان أحدهما بغير عينه؛ لأن الجنس بانفراده يحرم النساء، قال: ولا يجوز بيع الحنطة بالدقيق ولا بالسويق؛   [البناية] - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في مسانيدهم من حديث موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يباع كالئ بكالئ، يعني دينا بدين» . ورواه ابن عدي في "الكامل " وأعله بموسى بن عبيدة ونقل تضعيفه عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: قيل لأحمد: إن شعبة يروي عنه قال: لو رأى شعبة ما رأينا منه لم يرو عنه، وقال ابن عدي: والضعف على حديثه بين. ورواه أبو عبيدة في كتاب " غريب الحديث " عن زيد بن الحباب عن موسى بن عبيدة إلى آخره نحوه، وقال أبو عبيدة: هو النسيئة بالنسيئة، وقال في " الفائق ": كلأ الدين كلوءا فهو كالئ إذا تأخر، وذكر الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في المهموز، وقال: وكان الأصمعي يهمزه وينشد: وإذا تباشرك الهمو ... م فإنها كالئ وناجز أي منها ما هو نسيئة ومنها ما هو نقد. وقال أبو عبيدة: تكلأت أي استنسأت نسيئة، وكذلك استكلأت كلأ بالضم وهو من التأخير، وقال أبو زيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كلأت الطعام تكليا أو كلأت أكلأتها إذا أسلفت فيه وما أعطيت في الطعام نسيئة من الدراهم فهو الكلاءة بالضم م: (وبخلاف ما إذا كان أحدهما بغير عينه) ش: هذا جواب عما إذا كان أحدهما غير عين م: (لأن الجنس بانفراده يحرم النساء) . ش: واعلم أن بيع الفلس بجنسه متفاضلا على أربعة أوجه: بيع فلس بغير عينه بفلسين بغير أعيانهما، وبيع فلس بعينه بفلسين بغير أعيانهما، وبيع فلس بغير عينه بفلسين بأعيانهما، وبيع فلس بعينه بفلسين بأعيانهما والكل فاسد سوى الوجه الرابع ففيه الخلاف المذكور. [بيع الحنطة بالدقيق] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا يجوز بيع الحنطة بالدقيق ولا بالسويق) ش: لا متساويا ولا متفاضلا ولا بالكيل ولا بغيره، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 282 لأن المجانسة باقية من وجه؛ لأنهما من أجزاء الحنطة والمعيار فيهما الكيل لكن الكيل غير مسو بينهما وبين الحنطة لاكتنازهما فيه وتخلخل حبات الحنطة فلا يجوز وإن كان كيلا بكيل، ويجوز بيع الدقيق بالدقيق متساويا كيلا   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وهو قول الثوري أيضا، ونقل عن الشافعي وأحمد -رحمهما الله- في رواية أنه يجوز بيع الحنطة بالدقيق متساويا، وبه قال مالك وأحمد -رحمهما الله- في أظهر القولين، إلا أن مالكا يعتبر الكيل، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز بالوزن فقالا: الدقيق نفس الحنطة إلا أن أجزاءها قد تفرقت فأشبه بيع حنطة صغيرة الحبات بحنطة كبيرة الحبات. وكذا الخلاف في بيع الحنطة بالنخالة م: (لأن المجانسة باقية من وجه) ش: لأن بالطحن لم يوجد إلا تفريق الأجزاء م: (لأنهما) ش: أي لأن الدقيق والسويق م: (من أجزاء الحنطة والمعيار فيهما الكيل، لكن الكيل غير مسو بينهما) ش: أي لكن بين الدقيق والسويق م: (وبين الحنطة لاكتنازهما) ش: أي لاجتماعهما م: (فيه) ش: أي في الكيل م: (وتخلخل حبات الحنطة) ش: يقال: أجزاؤه متخلخلة أي في خلالها فرج فإذا كان كذلك صار كالمجازفة في احتمال الربا م: (فلا يجوز وإن كان كيلا بكيل) ش: لعدم إشارة لأنه من جنسه من وجه وإن خص باسم الحر. وفي " المبسوط ": لا يعرف التساوي بين الدقيق والحنطة فإن الدقيق لا يصير حنطة ولكن الحنطة تطحن، ولا بد وإن بعد الطحن متساويان في المكيال أم لا فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر. فإن قيل: ينبغي أن يجوز بيع الحنطة بالسويق لعدم الاكتناز في السويق. قلنا: الحرمة باعتبار الشبهة وهي كافية لثبوت الحرمة فإن السويق في ضمن الحنطة فيتحقق شبهة الجنسية، كما لا يجوز بيع المقلية بغير المقلية م: (ويجوز بيع الدقيق بالدقيق متساويا كيلا) ش: متساويا نصب على الحال، وكيلا نصب على التمييز أي حال كونه متساويا من حيث الكيل. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: متساويا حال، وكذا كيلا حال، والعامل في متساويا بيع وفي كيلا لفظ متساويا، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيل: متساويا وكيلا حالان متداخلان لأن العامل في الأول بيع وفي الثاني متساويا، هذا نقله من كلام الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم قال: ويجوز أن يكونا مترادفين. قلت: الصواب هو الذي قلته لأن من شرط الحال أن يكون من المشتقات، وكيلا اسم غير مشتق لأن المراد به هي الآلة التي يكتال بها لا الكيل الذي هو مصدر كال يكيل كيلا. ولئن سلمنا وقوع الحال من غير المشتقات لكن حينئذ يؤول بالمشتق وهاهنا كيف يؤول فلا يتأتى من لفظه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 283 لتحقق الشرط، وبيع الدقيق بالسويق لا يجوز عند أبي حنيفة متفاضلا ولا متساويا؛ لأنه لا يجوز بيع الدقيق بالمقلية، ولا بيع السويق بالحنطة، فكذا بيع أجزائهما لقيام المجانسة من وجه. وعندهما يجوز؛ لأنهما جنسان مختلفان لاختلاف المقصود. قلنا: معظم المقصود وهو التغذي يشملهما، ولا يبالي بفوات البعض كالمقلية مع غير المقلية   [البناية] م: (لتحقق الشرط) ش: وهو المساواة في الكيل فيما هو مكيل، والكيل معيار شرعي في المكيل، وعن الإمام الفضلي: أنه يجوز إذا تساويا كيلا إذا كانا مكبوسين، وفي الدقيق بالدقيق وزنا روايتان. وفي الشامل: والدقيق بالدقيق، والمقلي بالمقلي، في رواية يجوز متساويا، والمقلي بغير المقلي لا يجوز لانعدام التساوي بينهما. وفي " شرح الأقطع ": يجوز بيع الدقيق بالدقيق إذا كانا على صفة واحدة من النعومة. وفي " خلاصة الفتاوى ": سواء كان أحدهما أحسن أو أدق، وكذا بيع النخالة بالنخالة. م: (وبيع الدقيق بالسويق لا يجوز عند أبي حنيفة متفاضلا ولا متساويا؛ لأنه لا يجوز بيع الدقيق بالمقلية ولا بيع السويق بالحنطة، فكذا بيع أجزائهما) ش: أي أجزاء المقلية وهي السويق وأجزاء الحنطة وهي الدقيق م: (لقيام المجانسة من وجه) ش: لأن السويق أجزاء حنطة مقلية، وبقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال الشافعي. م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (يجوز لأنهما) ش: أي لأن دقيق الحنطة وسويقها: (جنسان مختلفان) ش: لاختلافهما في الاسم والهيئة والمعنى م: (لاختلاف المقصود) ش: لأن المقصود من الدقيق اتحاد الخبز والعصائد، ولا يحصل شيء من ذلك في السويق، بل المقصود منه أن يلت بالسمن أو العسل، أو يشرب بالماء وكان التفاوت بينهما أظهر من التفاوت بين الهروي والمروي. وأشار إلى الجواب عن هذا بقوله: م: (قلنا: معظم المقصود وهو التغذي يشملهما) ش: أي يشمل الدقيق والسويق. فقوله: معظم المقصود مبتدأ، وقوله: يشملهما خبره، وقوله: وهو التغذي جملة معترضة بينهما م: (ولا يبالي بفوات البعض) ش: أي بعض المقصود م: (كالمقلية مع غير المقلية) ش: يعني لا يجوز لأنهما اعتبرا جنسا واحدا، وإن فات بعض المقاصد، لأن معظم المقاصد باق، والمقلية: المشوية من قلى يقلي إذا شوى، وقد طعنوا على محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذا اللفظ؛ لأنه لا يقال إلا مقلوة، والمقلية المبعضة، وطعنهم عليه خطأ، لأن محمدا كان من الفصحاء في اللغة، وهذا اللفظ جاء يائيا وجاء واويا، يقال: قليت السويق واللحم فهو مقلي وقلوت فهو مقلو لغة. كذا قال الجوهري: غاية ما في الباب أن محمدا ذكر الياء لأنه كان هذا المعروف عندهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 284 والعلكة بالمسوسة. قال: ويجوز بيع اللحم بالحيوان عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا باعه بلحم من جنسه لا يجوز إلا إذا كان اللحم المفرز أكثر ليكون اللحم بمقابلة ما فيه من اللحم، والباقي بمقابلة السقط، إذ لو لم يكن كذلك يتحقق الربا من حيث زيادة السقط، أو من حيث زيادة اللحم، فصار كالحل بالسمسم. ولهما أنه باع الموزون بما ليس بموزون، لأن الحيوان لا يوزن عادة،   [البناية] م: (والعلكة بالمسوسة) ش: يعني لا يجوز أيضا، والحنطة العلكة -بفتح العين المهملة وكسر اللام- الجيدة، وقال ابن دريد: طعام علك تبين المضغة وهي التي تكون كالعلك من صلابتها بتمدد من غير انقطاع، والحنطة المسوسة المدودة يقال: سوس الطعام إذا دود من السوس، وهو الذي يقع في الصوف والثياب والطعام، يقال: حنطة مسوسة بكسر الواو المشددة. وفي " الكافي ": بيع الحنطة المقلية بغير المقلية لا يصح في الأصح لعدم التساوي بينهما لاكتناز أحدهما وتخلخل الآخر، وبيع العلكة بالمسوسة يجوز لوجود تساو بينهما. وفي " الذخيرة ": بيع المقلية بالمقلية يجوز متساويا للمجانسة بينهما في كل ذمة، ولكن ذكر في " المبسوط " أنه لا يجوز والله أعلم بصحته. م: (قال: ويجوز بيع اللحم بالحيوان عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: قال المزني وقال الشافعي، ومالك وأحمد: لا يجوز بيع اللحم بالحيوان لا بطريق الاعتبار ولا بغيره م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا باعه) ش: أي إذا باع اللحم م: (بلحم من جنسه لا يجوز) ش: قيد به لأنه باع اللحم بلحم من غير جنسه، كما إذا باع لحم البقرة بلحم الشاة، فإنه يجوز بالإجماع من غير اعتبار القلة والكثرة. م: (إلا إذا كان اللحم المفرز أكثر) ش: أي اللحم الخالص الصافي أكثر من اللحم الذي في الشاة م: (ليكون اللحم) ش: الذي هو المفرز م: (بمقابلة ما فيه) ش: أي في الحيوان م: (من اللحم والباقي بمقابلة السقط) ش: بفتح السين والقاف، وهو ما لا ينطلق عليه اسم اللحم كالجلد والكرش والأمعاء والطحال م: (إذ لو لم يكن كذلك) ش: أي وإن لم يكن اللحم المفرز أكثر م: (يتحقق الربا من حيث زيادة السقط) ش: هذا على تقدير أن يكون اللحم الخالص أقل م: (أو من حيث زيادة اللحم، فصار كالحل) ش: بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام، وهو من السمسم فلا يجوز بيعه م: (بالسمسم) ش: بالاتفاق إذا كان الحل أكثر من الدهن الذي في السمسم. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (لأنه) ش: أي أن البائع م: (باع الموزون) ش: وهو اللحم م: (بما ليس بموزون) ش: وهو الشاة، فصح كبيع السيف بالحديد م: (لأن الحيوان لا يوزن عادة) ش: لأن الموزون حقيقة ما يمكن معرفة مقدار ثقله بالوزن، وهذا لا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 285 ولا يمكن معرفة ثقله بالوزن؛ لأنه يخفف نفسه مرة، ويثقل أخرى، بخلاف تلك المسألة؛ لأن الوزن في الحال يعرف قدر الدهن إذا ميز بينه وبين الثجير ويوزن الثجير. قال: ويجوز بيع الرطب بالتمر مثلا بمثل عند أبي حنيفة وقالا: لا يجوز لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حين سئل عنه: «أوينقص إذا جف؟ فقيل: نعم، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "لا إذا» .   [البناية] يتحقق في لحم الشاة الحية، وهو معنى قوله م: (ولا يمكن معرفة ثقله بالوزن؛ لأنه) ش: أي لأن الحيوان م: (يخفف نفسه مرة ويثقل أخرى) ش: باختصاصه بضرب قوة فيه، فلا يدرى أن الشاة خففت نفسها أو أثقلت. م: (بخلاف تلك المسألة) ش: أشار به إلى مسألة الحل بالسمسم م: (لأن الوزن في الحال يعرف قدر الدهن إذا ميز بينه وبين الثجير) ش: بفتح الثاء المثلثة وكسر الجيم وسكون الياء وآخر الحروف الراء، وهو تفل كل ما يعصر، كذا في "المجمل" م: (ويوزن الثجير) ش: فيقع التمييز بينه وبين الدهن. [بيع الرطب بالتمر] م: (قال) ش: أي القدوري في "مختصره " م: (ويجوز بيع الرطب بالتمر مثلا بمثل عند أبي حنيفة) ش: تفرد به أبو حنيفة بالقول بالجواز، لأن الباقين من أهل العلم لا يجوزون، وفيهم أبو يوسف ومحمد، أشار إليه بقوله م: (وقالا: لا يجوز) ش: وأجمعوا على أن بيع الرطب بالتمر متفاضلا لا يجوز م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي «لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (حين سئل عنه) ش: أي عن بيع الرطب بالتمر م: (أوينقص إذا جف؟ فقيل: نعم، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لا إذا) » ش: هذا رواه مالك في الموطأ والأئمة الأربعة في سننهم عن زيد بن أبي عياش «عن سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسأل عن اشتراء التمر بالرطب، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أينقص الرطب إذا يبس؟ " فقالوا: نعم، فنهاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك» . فإن قلت: قال الخطابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقد تكلم بعض الناس في إسناد هذا الحديث، وقال: زيد: أبو عياش مجهول. قلت: ليس كذلك، فإن أبا عياش هذا مولى لبني زهرة معروف، وقد ذكره مالك - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 286 وله أن الرطب تمر لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حين أهدي إليه رطبا: «أوكل تمر خيبر هكذا؟ " سماه تمرا» وبيع التمر بمثله جائز لما روينا، ولأنه لو كان تمرا جاز البيع بأول الحديث. وإن كان غير تمر فبآخره، وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم» ،   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الموطأ. وأخرج حديثه مع شدة تحريه في الرجال ونقده وتتبعه لأحوالهم، ولما أخرجه الترمذي قال: حديث حسن صحيح. ورواه أحمد في "مسنده "، وابن حبان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه "، ولفظهم «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال: "أينقص الرطب إذا جف؟ "قيل: نعم، قال: "فلا إذن» ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح لإجماع أئمة النقل على إمامة مالك بن أنس، وأنه محكم لكل ما يرويه. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الرطب تمر لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي «لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (حين أهدي إليه رطبا أو كل تمر خيبر هكذا؟ سماه تمرا) » ش: أي سمى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرطب تمرا. قلت: هذا الحديث رواه البخاري عن أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في أربعة مواضع من صحيحه، وليس فيها ذكر الرطب، لأن لفظه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث أخا بني عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر فقدم بتمر خيبر، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أكل تمر خيبر هكذا" قال: لا والله يا رسول الله» الحديث، ولأجل ذلك قال الأترازي حين ذكر الحديث على ما في الكتاب: فيه نظر، لأن الهداية كانت تمرا، والسغناقي والكاكي والأكمل - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لم يحرروا هذا ونقلوا مثل ما في الكتاب، والآفة في ذلك عدم مراجعتهم إلى كتب الحديث. م: (وبيع التمر بمثله جائز لما روينا) ش: وهو «قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "التمر بالتمر مثلا بمثل» وقد مضى في حديث عبادة بن الصامت - رَحِمَهُ اللَّهُ - وغيره م: (ولأنه) ش: أي لأن الرطب م: (لو كان تمرا جاز البيع بأول الحديث) ش: يعني الحديث الذي مضى، فإن في أوله التمر بالتمر م: (وإن كان) ش: أي الرطب م: (غير تمر فبآخره) ش: أي فبآخر الحديث م: (وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي «قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم) » ش: قد ذكرنا في أوائل البيوع أن هذا الحديث بهذا اللفظ غريب، ولكن روى مسلم والأربعة حديث عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وفي آخره: «وإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد» ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 287 ومدار ما روياه على زيد بن عياش - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو ضعيف عند النقلة. قال: وكذلك الزبيب بالعنب،   [البناية] م: (ومدار ما روياه) ش: هذا جواب من جهة أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن الحديث الذي احتجا به، وهو حديث سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور، أي مدار ما رواه أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - من حديث سعد م: (على زيد بن عياش - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو ضعيف عند النقلة) ش: أي نقلة الحديث، وهذا ليس بصحيح، بل هو ثقة عند النقلة ومضى الكلام فيه عن قريب. وقال الأترازي: ونقلوا التضعيف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولكن لم يصح ضعفه في كتب الحديث، فمن ادعى فعليه البيان. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي " المبسوط " دخل أبو حنيفة بغداد فسئل عن هذه المسألة، وكانوا أشداء عليه لمخالفته الخبر، فقال: الرطب لا يخلو إما أن يكون تمرا أو لا إلى آخره، فأوردوا عليه حديث سعد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقال: مداره على زيد بن عياش، وهو ممن لا يقبل حديثه، واستحسن أهل الحديث منه هذا الطعن، حتى قال ابن المبارك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كيف يقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يعرف الحديث، وهو يقول: زيد بن عياش ممن لا يقبل حديثه. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سلمنا قوته في الحديث يعني قوة زيد بن عياش، لكنه خبر واحد لا يعارض به المشهور، ثم قال: واعترض بأن الترديد المذكور يقتضي أن بيع المقلية بغير المقلية جائز، لأن المقلية إما أن تكون حنطة فيجوز بأول الحديث، أو لا تكون، فيجوز بآخره فمنهم من قال: ذلك كلام حسن في المناظرة لدفع استدلال الخصم، والحجة لا تتم به بل بينا من إطلاق اسم التمر عليه، فقد ثبت أن التمر اسم لثمرة خارجة من النخل من حيث تنعقد صورتها إلى أن يدرك، والرطب اسم النوع منه كالبرني وغيره. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله ومدار ما روياه على زيد بن عياش والمذكور في كتب الحديث زيد أبو عياش. قلت: وهم فيه وظن أن ذكر المصنف بأنه ابن عياش غير صحيح، وليس كذلك، بل هو ابن عياش - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكنيته أبو عياش، وكذلك وهم فيه الشيخ علاء الدين التركماني - رَحِمَهُ اللَّهُ - هكذا. وقال صاحب " التنقيح ": زيد بن عياش أبو عياش الزرقي، ويقال: المخزومي، ويقال: مولى بني زهرة المدني ليس به بأس. م: (وقال: وكذلك الزبيب بالعنب) ش: أي كذا الحكم في بيع الزبيب بالعنب وأكثر النسخ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 288 يعني على هذا الخلاف، والوجه فيه ما بيناه، وقيل: لا يجوز بالاتفاق اعتبارا بالحنطة المقلية بغير المقلية. والرطب بالرطب يجوز متماثلا كيلا عندنا؛ لأنه بيع التمر بالتمر، وكذا بيع الحنطة الرطبة أو المبلولة بمثلها أو اليابسة، أو التمر أو الزبيب المنقع   [البناية] وكذلك العنب بالزبيب م: (يعني على هذا الخلاف) ش: فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز إذا تساويا كيلا، وعندهما: لا يجوز تساويا أو تفاضلا كما قالا في الرطب بالتمر م: (والوجه فيه) ش: أي في بيع العنب بالزبيب م: (ما بيناه) ش: في بيع الرطب بالتمر، وهو أن الزبيب مع العنب إن كان جنسا واحدا جاز بيع أحدهما بالآخر متماثلا كيلا، وإن كانا جنسين جاز أيضا لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون يدا بيد» . م: (وقيل: لا يجوز بالاتفاق اعتبارا بالحنطة المقلية بغير المقلية) ش: هذه الرواية تقوي قول من قال: الحجة إنما تتم بإطلاق اسم التمر عليه، فإن النص لما أورد بإطلاق التمر على الرطب جعلا نوعا واحدا فجاز البيع مثلا بثمل، ولم يرد بإطلاق اسم العنب على الزبيب فاعتبر فيه التفاوت الصنفي المفسد، كما في المقلية بغيرها. م: (والرطب بالرطب) ش: أي بيع الرطب بالرطب م: (يجوز متماثلا كيلا) ش: أي من حيث الكيل م: (عندنا) ش: وبه قال مالك وأحمد والمزني، وفي " حلية المؤمن ": وهو الاختيار م: (لأنه بيع التمر بالتمر) ش: وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يجوز، وكذا الخلاف في بيع العنب بالعنب، وكذا في كل ثمرة عنه لها حالة جفاف كالتين والمشمش والخوخ والكمثرى والرمان الحامض والإجاص لا يجوز بيع رطبه برطبه، كما لا يجوز بيع رطبه بيابسه؛ لأنه لا يعرف قدر النقصان بينهما، وقد يكون الناقص من أحدهما أكثر من الآخر، كذا في " شرح جامع الوجيز " وكذا لا يجوز عنده بيع الباقل الأخضر بمثله. م: (وكذا بيع الحنطة الرطبة أو المبلولة بمثلها أو باليابسة) ش: أي أو بيع الحنطة الرطبة باليابسة م: (أو التمر) ش: أي أو بيع التمر م: (أو الزبيب) ش: أي أو بيع الزبيب م: (المنقع) ش: بضم الميم وسكون النون وفتح القاف من أنقع الزبيب إذا ألقي في الخابية ليبتل ويخرج منه الحلاوة. قال الأترازي: كذا قالوا بفتح القاف مخففا، ولكن المشهور بين الفقهاء منقع بالتشديد وعليه بيت المنظومة في باب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت الأصل إثبات التشديد في اللغة، ولم يثبت إلا من باب الأفعال، فقال الجوهري: ونقعت الدواء وغيره في الماء فهو منقع ونقع لما ينقع نقوعا اجتمع. وقال ابن الأثير: وفي حديث الكريم يتخذونه زبيب فينقعونه، أي يخلطونه بالماء ليصير شرابا، وكل ما ألقي في ماء فقد أنقع، يقال: أنقعت الدواء وغيره في الماء فهو منقع والنقوع بالفتح ما ينقع في الماء من الليل ليشرب نهارا وبالعكس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 289 بالمنقع منهما متماثلا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز جميع ذلك؛ لأنه يعتبر المساواة في أعدل الأحوال وهو المال. وأبو حنيفة يعتبر في الحال، وكذا أبو يوسف عملا بإطلاق الحديث، إلا أنه ترك هذا الأصل في بيع الرطب بالتمر لما روينا لهما. ووجه الفرق لمحمد بين هذه الفصول وبين الرطب بالرطب أن التفاوت فيها يظهر مع بقاء البدلين على الاسم الذي عقد عليه العقد،   [البناية] والنقيع شراب يتخذ من زبيب أو غيره ينقع في الماء من غير طبخ م: (بالمنقع) ش: أي بالزبيب والتمر المنقع وغير المنقع، أي وبيع غير المنقع م: (منهما متماثلا) ش: أي من التمر والزبيب م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-) ش: م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز جميع ذلك) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الإمام الحلواني: إن الرواية محفوظة عن محمد أن بيع الحنطة اليابسة بالمبلولة إنما لا يجوز إذا ابتلت الحنطة وانتفخت، أما إذا لم تنتفخ بعد ذلك، لكن ثبت من ساعته يجوز إذا تساويا كيلا. كذا في " المحيط " و" الذخيرة ". وفي " المبسوط "، وذكر في بعض النسخ أبي حفص قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - كقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قوله الأخير أما قوله الأول كقول محمد م: (لأنه) ش: أي لأن محمدا م: (يعتبر المساواة في أعدل الأحوال وهو المال) ش: وهو حالة الجفاف كما ذهب إليه في بيع الرطب بالتمر بحديث سعد، إلا أن بيع الرطب بالرطب اعتبر المساواة في الحال. م: (وأبو حنيفة يعتبر) ش: أي يعتبر أعدل الأحوال م: (في الحال) ش: عملا بإطلاق الحديث المشهور، وهو الحديث الذي اعتبر فيه المماثلة في حالة المبيع، وهو حديث عبادة وغيره م: (وكذا أبو يوسف) ش: أي وكذا يعتبر أبو يوسف أعدل الأحوال في الحال م: (عملا بإطلاق الحديث) ش: يرجع إلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله - جميعا م: (إلا أنه ترك هذا الأصل في بيع الرطب بالتمر لما روينا لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- من بيان دليلهما. وأراد به قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "أينقص إذا جف؟ " إلى آخر الحديث، وهو حديث سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فبقي الباقي على القياس والمخصوص من القياس بالأثر لا يلحق به إلا ما كان في معناه، والحنطة الرطبة ليس في معنى الرطب من كل وجه، فالرطوبة في الرطوبة مقصودة، وفي الحنطة غير مقصودة بل هو عيب، فلهذا أخذ بالقياس. م: (ووجه الفرق لمحمد بين هذه الفصول) ش: أراد بها بيع الحنطة الرطبة أو المبلولة إلى آخره م: (وبين الرطب بالرطب أن التفاوت فيها) ش: أي في هذه الفصول م: (يظهر) ش: في المال م: (مع بقاء البدلين على الاسم الذي عقد عليه العقد) ش: أراد به بقاء اسم الحنطة والزبيب والتمر بعد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 290 وفي الرطب بالتمر مع بقاء أحدهما على ذلك، فيكون تفاوتا في عين المعقود عليه، وفي الرطب بالرطب التفاوت بعد زوال ذلك الاسم، فلم يكن تفاوتا في المعقود عليه، فلا يعتبر. ولو باع البسر بالتمر متفاضلا لا يجوز؛ لأن البسر تمر، بخلاف الكفرى حيث يجوز بيعه بما شاء من التمر اثنان بواحد؛ لأنه ليس بتمر، فإن هذا الاسم له من أول ما تنعقد صورته لا قبله، والكفرى عددي متفاوت حتى لو باع التمر به نسيئة لا يجوز للجهالة. قال: ولا يجوز بيع الزيتون بالزيت والسمسم بالشيرج حتى يكون الزيت والشيرج أكثر مما في الزيتون والسمسم، فيكون الدهن بمثله والزيادة بالثجير، لأن عند ذلك   [البناية] الجفاف، فوجد التغيير في المعقود عليه فلا يجوز م: (وفي الرطب بالتمر مع بقاء أحدهما) ش: أي أحد البدلين م: (على ذلك) ش: أي على اسم التمر م: (فيكون تفاوتا في عين المعقود عليه) ش: فيكون مفسدا للعقد م: (وفي الرطب بالرطب التفاوت بعد زوال ذلك الاسم) ش: أي اسم الرطب على البدلين م: (فلم يكن تفاوتا في المعقود عليه فلا يعتبر) ش: فيصح العقد. م: (ولو باع البسر بالتمر متفاضلا) ش: ومتماثلا م: (لا يجوز لأن البسر تمر) ش: لأن التمر اسم لثمرة النخل من أول ما ينعقد، صورتها وبيعه به متساويا من حيث الكيل يدا بيد جاز بالإجماع م: (بخلاف الكفرى، حيث يجوز بيعه بما شاء من التمر اثنان بواحد) ش: أي الكيلان من التمر بكيل من الكفرى وبالعكس يدا بيد. " الكفرى " بضم الكاف وفتح الفاء وتشديد الراء مقصور، وهو اسم نوع من الطلع. وفي " المغرب ": وهو كم النخل أول ما يشق م: (لأنه) ش: أي لأن الكفرى م: (ليس بتمر، فإن هذا الاسم له) ش: أي التمر م: (من أول ما تنعقد صورته) ش: يعني التمر اسم لما يخرج من النخل من حين ينعقد، صورته إلى أن يدرك م: (لا قبله) ش: أي لا قبل الكفرى؛ لأنه يسبق، واشتقاقه من الكفر وهو الستر، سمي به لأنه يستر ما في جوفه من التمر، ويسمى كافرا وكفرا أيضا. م: (والكفرى عددي متفاوت) ش: فهذا جواب إشكال يرد على قوله: إنه ليس بتمر فإنه إذا لم يكن تمرا ينبغي أن يجوز إسلام التمر في الكفرى. فأجاب بقوله: والكفرى عددي متفاوت في الصغر والكبر، فلا يجوز ثم أوضح ذلك بقوله م: (حتى لو باع التمر به) ش: أي الكفرى م: (نسيئة) ش: أي إلى أجل م: (لا يجوز للجهالة) ش: لتفاوت آحاده؛ لأنه عددي متفاوت. م: (قال) ش: أي القدوري في "مختصره " م: (ولا يجوز بيع الزيتون بالزيت، والسمسم) ش: وبيع السمسم م: (بالشيرج حتى يكون الزيت) ش: في بيع الزيتون به م: (والشيرج) ش: أي ويكون بالشيرج في بيع السمسم به م: (أكثر مما في الزيتون) ش: في بيعه بالزيت م: (والسمسم) ش: في بيعه بالشيرج م: (فيكون الدهن بمثله) ش: أي بمثل الدهن، بيانه أن الدهن الخالص إذا كان أكثره من الدهن الخالص بمقابلة الثجير، وهو النقل م: (والزيادة بالثجير؛ لأن عند ذلك) ش: أي عند الجزء: 8 ¦ الصفحة: 291 يعرى عن الربا إذ ما فيه من الدهن موزون، وهذا لأن ما فيه لو كان أكثر أو مساويا له، فالثجير وبعض الدهن أو الثجير وحده فضل،   [البناية] مقابلة الدهن بالدهن، ومقابلة الزائد بالثجير م: (يعرى) ش: أي العقد م: (عن الربا إذ ما فيه من الدهن موزون) . ش: قال تاج الشريعة: فإن قلت: ينبغي أن يجوز بيع الدهن بالسمسم كيفما كان لأن السمسم كيلي، والدهن وزني. قلت: السمسم اشتمل على الدهن وهو المقصود منه، وأنه وزني، والتمييز ممكن، فاعتبر الدهن الذي فيه احتياطا. فإن قلت: لما كان المقصود هو الدهن ينبغي أن يجوز بيع السمسم بالسمسم متفاضلا، وينصرف الكثير إلى الدهن تصحيحا للعقد. قلت: السمسم له صورة يقصد إليها، ومعنى وهو الدهن، فإذا بيع بجنسه تعتبر الصورة فوجبت التسوية إذا بيع بالدهن يعتبر المعنى، فيجب التسوية بين الدهن المقر فيه، وبين الذي في السمسم عملا بالشبهين. وفي " فتاوي قاضي خان ": إنما يشترط أن يكون الخالص أكثر من التفل في البدل الآخر شيء له قيمته، أما إذا كان شيء لا قيمة له كما في الزبد يجوز بالمثل، يروى ذلك عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال زفر: يجوز الزيتون بالزيت والسمسم بالشيرج مع الجهالة بأنه أكثر منه أو أقل أو متساويا. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يجوز بيع الزيتون بالزيت والسمسم بالشيرج أصلا، وكذا لا يجوز عنده بيع الجوز بدهنه، واللبن بسمنه والعنب بعصيره والتمر بدبسه. وفي " الكافي ": اعلم أن بيع أحدهما بالآخر على أربعة أوجه: إن علم أن الزيت الذي في الزيتون أكثر من الزيت المنفصل لم يصح لتحقق الفضل الخالي عن العوض من حيث زيادة الدهن والثجير، وكذا إن علم أنه مثله، لأن التفل المسيل يكون فضلا، وإن كان الزيت المنفصل أكثر جاز، والفضل بالتفل، وهذه الثلاثة بالإجماع، وإن لم يعلم أنه مثله أو أكثر منه أو أقل منه صح عند زفر، وعندنا لا يصح. م: (وهذا) ش: إيضاح لبيان ما قبله م: (لأن ما فيه) ش: أي في الموزون م: (لو كان أكثر أو مساويا له، فالثجير وبعض الدهن) ش: يعني إذا كان بعض ما فيه أكثر م: (أو الثجير وحده) ش: أي ولو كان ما فيه مساويا، وقوله م: (فضل) ش: خبر قوله: فالثجير، فإذا كان فضلا يكون خاليا عن العوض. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 292 ولو لم يعلم مقدار ما فيه لا يجوز لاحتمال الربا، والشبهة فيه كالحقيقة، والجوز بدهنه، واللبن بسمنه، والعنب بعصيره، والتمر بدبسه على هذا الاعتبار. واختلفوا في القطن بغزله، والكرباس بالقطن يجوز كيفما كان بالإجماع. قال: ويجوز بيع اللحمان المختلفة بعضها ببعض متفاضلا، ومراده لحم الإبل والبقر والغنم، فأما البقر والجواميس فجنس واحد، وكذا المعز مع الضأن، وكذا العراب مع البخاتي.   [البناية] م: (ولو لم يعلم مقدار ما فيه) ش: أي ما في الموزون م: (لا يجوز لاحتمال الربا) ش: لتوهم الفضل الذي كالمتحقق في هذا الباب، وهو معنى قوله م: (والشبهة فيه كالحقيقة) ش: للاحتياط م: (والجوز بدهنه) ش: كلام إضافي مبتدأ، وقوله م: (واللبن بسمنه، والعنب بعصيره، والتمر بدبسه) ش: معطوفات على المبتدأ. وقوله م: (على هذا الاعتبار) ش: خبره، يعني أن الدهن الخالص ينبغي أن يكون أكثر، حتى يجوز، بيانه إذا كان الدهن الخالص أكثر من الدهن الذي في الجوز والسمن الخالص أكثر مما في اللبن والعصير الخالص أكثر مما في العنب والدبس الخالص أكثر مما في التمر جاز، وإلا فلا. [بيع القطن بغزل القطن متساويا وزنا] م: (واختلفوا) ش: أي المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (في القطن بغزله) ش: أي في بيع القطن بغزل القطن متساويا وزنا. قال بعضهم: يجوز، لأن أصلها واحد، وكلاهما موزون. وقال بعضهم: لا يجوز، وإليه ذهب صاحب خلاصة الفتاوى، لأن القطن ينقص إذا غزل، فصار كالحنطة مع الدقيق، واتفقوا في بيع القطن بالقطن أنه جائز، وبيع المحلوج بالقطن إذا كان يعلم أن الخالص أكثر جاز وإلا فلا. وفي " الإيضاح " و" الذخيرة ": بيع غزل القطن بالقطن لا يجوز متساويا. وفي " فتاوي قاضي خان ": لا يجوز إلا متساويا، ولو خرجا أو أحدهما من الموزون فلا بأس ببيعهما متفاضلا، وبيع الغزل بالثوب جائز على كل حال. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بيع القطن بالثوب لا يجوز متفاضلا، وعندنا: لا يجوز مطلقا، وفي " جمع العلوم ": بيع الجوزقة بالغزل جائز كيفما كان على الأصح، وقيل: إنما يجوز بالاعتبار. م: (والكرباس) ش: أي وبيع الكرباس م: (بالقطن يجوز كيفما كان) ش: يعني متساويا أو غير متساو م: (بالإجماع) ش: لاختلافهما من كل وجه لأن الكرباس بالصنعة صار شيئا آخر. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويجوز بيع اللحمان المختلفة بعضها ببعض متفاضلا) ش: وعن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يجوز بيع اللحوم المختلفة متفاضلا. وفي الوجيز: وفي لحوم الحيوانات قولان، أصحهما أنها مختلفة م: (ومراده) ش: أي مراد القدوري من قوله م: (لحم الإبل والبقر والغنم، فأما البقر والجواميس فجنس واحد، وكذا المعز مع الضأن، وكذا العراب مع البخاتي) ش: يعني جنس واحد، وقال الجوهري: الإبل العراب والخيل العراب خلاف البخاتي والبراذين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 293 قال: وكذلك ألبان البقر والغنم. وعن الشافعي لا يجوز لأنهما جنس واحد لاتحاد المقصود. ولنا أن الأصول مختلفة حتى لا يكمل نصاب أحدهما بالآخر في الزكاة، فكذا أجزاؤها إذا لم تتبدل بالصنعة.   [البناية] وفي " المغرب ": يقال فرس عربي، وخيل عراب، وفرقه في الجمع بين الأناسي والبخاتي والبهائم جمع بختي منسوب إلى بخت نصر؛ لأنه أول من جمعه بين العربي والعجمي. وقال الجوهري: البخت من الإبل معرب، وبعضهم يقول: هو عربي الواحد بختي، والأنثى بختية، وجمعه بخاتي غير مصروف لأنه بزنة جمع الجمع، ولك أن تخفف الياء. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وكذلك ألبان البقر والغنم) ش: يعني يصح بيع بعضها بالبعض متفاضلا م: (وعن الشافعي: لا يجوز لأنهما) ش: أي اللحمان والألبان م: (جنس واحد لاتحاد المقصود) ش: أي من اللحم، وهو التغذي والتقوي وائتلاف المقاصد بعد ذلك يرجع إلى الوصف. وفي كتبهم: اللحمان احتباس، وهو ظاهر المذهب، وهو اختيار المزني، انتهى. وقال مالك: اللحوم ثلاثة أجناس: الطيور، والدواب أهليها ووحشيها، والجريات. وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في إحدى روايتيه كقول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وفي رواية كقولنا. وفي " شرح الطحاوي ": ولو باع لحوم الشاة بشحمها أو بأليتها أو لحمها بصوفها يجوز ذلك كيفما كان، ولا يجوز نسيئة، لأن الوزن يجمعهما. وأما صوف الشاة مع شعر البقر جنسان يختلفان، ولو باع بعضها ببعض متفاضلا يجوز، ولا يجوز نسيئة، لأن الوزن يجمعها، وأما الرؤوس والأكارع والجلود يجوز يدا بيد كيفما كان، ولا يجوز نسيئة لأنه لم يضبط بالوصف. ولو باع لحم الإبل بلحم الغنم أو بلحم البقر أو لبنها بلبن الغنم أو بلبن البقر يجوز كيفما كان، ولا يجوز نسيئة، لأن الوزن يجمعهما، وفي " الإيضاح ": روي عن أبي يوسف أنه يجوز بيع لحم الطير بعضه ببعض متفاضلا، وإن كان من نوع واحد لأنه لا يوزن في العادة. م: (ولنا أن الأصول) ش: أي أصول اللحمان م: (مختلفة) ش: فكانت فروعها أجناسا، والدليل على أن أصولها مختلفة قوله: م: (حتى لا يكمل نصاب أحدهما بالآخر في الزكاة) ش: يعني لا تكمل نصاب البقر بالإبل وبالغنم م: (فكذا أجزاؤها) ش: أي أجزاء الأصول م: (إذا لم تتبدل بالصنعة) ش: فإذا تبدلت تصير جنسين بسبب تبدلهما بالصنعة. وإن كان أصلهما واحدا كالنذبنجي مع الودراي والهروي مع المروي، قال الأكمل: فيه نظر، لأن كلامه في اختلاف الأصول لا في اتحادها، فكأنه يقول: اختلاف الأصول يوجب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 294 قال: وكذا خل الدقل بخل العنب للاختلاف بين أصليهما، فكذا بين ماءيهما، ولهذا كان عصيراهما جنسين، وشعر المعز وصوف الغنم جنسان لاختلاف المقاصد. قال: وكذا شحم البطن بالألية أو باللحم؛ لأنها أجناس مختلفة لاختلاف الصور والمعاني والمنافع اختلافا فاحشا.   [البناية] اختلاف الأجزاء إذا لم يتبدل بالصنعة، وأما إذا تبدلت فلا توجبه، وإنما توجب الاتحاد، فإن الصنعة كما تؤثر في تغيير الأجناس مع اتحاد الأصل كالهروي مع المروي مع اتحادهما في الأصل وهو القطن. كذلك يؤثر في اتحادهما مع اختلاف الأصل كالدراهم المغشوشة المختلفة الغش مثل الحديد والرصاص إذا كانت الفضة غالبة. فإنها متحدة في الحكم بالصنعة مع اختلاف الأصول. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وكذا خل الدقل بخل العنب) ش: يعني يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا يدا بيد، والدقل بالفتحتين رديء التمر م: (للاختلاف بين أصليهما) ش: لأن الدقل غير العنب م: (فكذا بين ماءيهما) ش: أي فكذا الاختلاف بين ماءيهما م: (ولهذا) ش: أي ولأجل الاختلاف بين ماءيهما م: (كان عصيراهما جنسين) ش: بإجماع الأئمة الأربعة. فإن قلت: لم خص خل الدقل والحكم في خل كل تمر كذلك. قلت: إجراء الكلام مجرى العادة لأنهم اعتادوا اتخاذ الخل من الدقل. م: (وشعر المعز وصوف الغنم جنسان، لاختلاف المقاصد) ش: فإن الحبال الصلبة والمسوح إنما تتخذ من شعر المعز أو اللفافة، واللبد تتخذ من صوف الغنم. فإن قلت: الشاة والمعز جنس واحد، ولهذا يملك نصاف أحدهما بالآخر، فينبغي أن تكون أجزاؤهما كذلك. قلت: لما اختلفت المقاصد في الأجزاء جعلت مختلفة كألية الشاة مع لحمها، ألا ترى أن أحدهما يصلح لما لا يصلح الآخر، كما ذكرنا م: (قال: وكذا شحم البطن بالألية) ش: يعني يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا م: (أو باللحم) ش: أي أو شحم البطن باللحم فكذلك يجوز م: (لأنها) ش: أي لأن الشحم والألية واللحم م: (أجناس مختلفة لاختلاف الصور) ش: جمع صورة، واختلافها ظاهر، لأن الصور ما يحصل منه في الذهن عند تصوره. ولا شك في ذلك عند تصور هذه الأشياء م: (والمعاني) ش: أي واختلاف المعاني، فلأن حقيقة كل واحد من هذه الأشياء تخالف حقيقة الآخر، ولهذا يقع على أحدهما اسم الشحم، وعلى الآخر اسم الألية، وعلى الآخر اسم اللحم م: (والمنافع اختلافا فاحشا) ش: أي واختلاف المنافع اختلافا فاحشا بحسب اختلاف اللحوم والشحوم والأليات. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 295 قال: ويجوز بيع الخبز بالحنطة والدقيق متفاضلا؛ لأن الخبز صار عدديا أو موزونا، فخرج من أن يكون مكيلا من كل وجه، والحنطة مكيلة. وعن أبي حنيفة أنه لا خير فيه، والفتوى على الأول،   [البناية] فقال الأكمل: وأما اختلاف المنافع فمكانه الطب، وهذا قصور في حق الطالب، أما الألية فإنها حارة رطبة أكثر من الشحم تصلح لمن به برودة ويبوسة، وتنفع العصب الجاسي ورديئة الغذاء والهضم. وأما الشحم فمن ذكور الحيوانات أشد حرارة من شحم الإناث، وشحم الخصي أشد تسخينا، فالجملة في هذا أن أصناف شحوم الحيوانات إنما تكون بحسب مزاجها، وقوة كل شحم تسحق وترطب بدن الإنسان، ولكن إضافته قد تختلف في الزيادة والنقصان بحسب كل واحد من الحيوانات. وأما اللحم فإنه غذاء يقوي البدن، واللحوم الفاضلة في لحوم الضأن والثني من العجاجيل والماعز، ولحوم الصغار منها أقبل للهضم وألطف غذاء، ولحوم الهرم والعجف رديء، ولحم الأسود أخف وألذ، وكذا لحم الذكر، وفي اللحم كلام كثير موضعه كتب الطب. [بيع الخبز بالحنطة والدقيق] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجوز بيع الخبز بالحنطة، والدقيق متفاضلا) ش: يعني إذا كان يدا بيد م: (لأن الخبز صار عدديا أو موزنا، فخرج من أن يكون مكيلا من كل وجه) ش: بواسطة الصنعة م: (والحنطة مكيلة) ش: بالنص، وكذا الدقيق باعتبار أنه جزء الحنطة المكيلة، ومن جعله وزنيا باعتبار العرف لم يثبت الجنسية بينه وبين الخبز فلم يجمعها القدر من كل وجه، فلم تتحقق علة الربا، وهو وجود الوصفين. م: (وعن أبي حنيفة أنه لا خير فيه) ش: أي في بيع الخبز بالحنطة والدقيق، يعني لا يجوز، وهو نفي الجواز على وجه المبالغة لكونه نفي الجنس، وهو قول الشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والفتوى على الأول) ش: يعني على جواز بيع الخبز بالحنطة والدقيق، وهو اختيار المتأخرين، وذكر في " النوادر " عن أبي بكر أن بيع الحنطة بالخبز لا يجوز لا متفاضلا ولا متساويا. وقال أبو الليث: هذا الجواب موافق قول أبي حنيفة خاصة كالحنطة بالدقيق. وفي " فتاوي قاضي خان ": بيع الخبز بالخبر متفاضلا عددا أو وزنا جائز في قول أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- يد بيد. ولا خير فيه نسيئة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذ الخبز ليس بوزني ولا عددي عنده. وقال محمد: هو عددي، وقال أبو يوسف: هو وزني إلا أن يكون قليلا لا يدخل تحت الوزن، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 296 وهذا إذا كانا نقدين، فإن كانت الحنطة نسيئة جاز أيضا، وإن كان الخبز نسيئة يجوز عند أبي يوسف وعليه الفتوى، وكذا السلم في الخبز جائز في الصحيح، ولا خير في استقراضه عددا أو وزنا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه يتفاوت بالخبز والخباز والتنور والتقدم والتأخر.   [البناية] فيجوز الواحد بالاثنين وإن كان كثيرا لا يجوز. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يجوز بيع الخبز بالخبز إذا كانا رطبين أو أحدهما. وقال أحمد: يجوز متماثلا إذا كانا رطبين، ولو كانا يابسين غير مدقوقين ففيه قولان: أحدهما: يجوز، والآخر: لا يجوز، ولو كانا يابسين غير مدقوقين لا يجوز لجهالة التماثل، كما لو كانا رطبين أو أحدهما. م: (وهذا) ش: أي جواز بيع الخبز بالحنطة أو بالدقيق م: (إذا كانا نقدين، فإن كانت الحنطة نسيئة جاز أيضا، وإن كان الخبز نسيئة يجوز عند أبي يوسف، وعليه الفتوى) ش: أي على قول أبي يوسف لا يجوز السلم في الخبز فيجوز عنده كيفما كان. وذكر خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب أن يفتي على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا محالة م: (وكذا السلم في الخبز جائز في الصحيح) ش: وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - واحترز به عن قولهما كذا قاله الأترازي. وقال الكاكي: احترز به بقوله في الصحيح عن ما روي عن أبي حنيفة أنه لا يجوز، وفي " المبسوط ": وأما السلم في الخبز فلا يجوز عند أبي حنيفة ولا يحفظ عنهما خلاف ذلك. ومن أصحابنا من يقول: يجوز عندهما على قياس السلم في اللحم، ومنهم من يقول: لا يجوز لأنه لا يوقف على حدة مضيا، وأنه يتفاوت بالعجز والنضج عند الخبز. م: (ولا خير في استقراضه عددا) ش: أي لا يجوز استقراض الخبز من حيث العدد م: (أو وزنا) ش: أي أو استقراضه من حيث الوزن م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه) ش: أي لأن الخبز بالضم م: يتفاوت بالخبز) ش: بالفتح من حيث الطول والعرض والغلظ والرقة م: (والخباز) ش: أي ويتفاوت أيضا بالخباز، لأن الخباز إذا كان حاذقا في هذا الباب يجيء خبزه أحسن ما يكون، وإلا فلا يجيء كما هو المطلوب م: (والتنور) ش: أي ويتفاوت أيضا بالتنور؛ لأنه إذا كان جديدا يجيء خبزه جيدا، بخلاف ما إذا كان عتيقا، كذا قاله الشراح. قلت: بحسب قوة نار التنور وضعفها، فإن التنور إذا كانت ناره قوية يحترق وجه الخبز ولا ينضج لبابه، وإذا كانت ضعيفة لا يتخبز جيدا، بل ينبغي أن تكون النار معتدلة م: (والتقدم والتأخر) ش: أي ويتفاوت أيضا بحسب تقدم الخبز في أول التنور وتأخره إلى آخر التنور. فإن في آخر التنور النار قوية يحترق الخبز بذلك، وفي أوله: لا ينضج كما ينبغي، والخباز إذا كان حاذقا يدري كيف يرفض الخبز فيه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 297 وعند محمد يجوز بهما للتعامل، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز وزنا، ولا يجوز عددا للتفاوت في آحاده. قال: ولا ربا بين المولى وعبده؛ لأن العبد وما في يده ملك لمولاه، فلا يتحقق الربا، وهذا إذا كان مأذونا له ولم يكن عليه دين، فإن كان عليه دين لا يجوز بالاتفاق؛ لأن ما في يده ليس ملك المولى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما تعلق به حق الغرماء فصار كالأجنبي فيتحقق الربا كما يتحقق بينه وبين مكاتبه.   [البناية] م: (وعند محمد: يجوز بهما) ش: أي العدد والوزن م: (للتعامل) ش: أي لتعامل الناس كذلك، وكذا ذكره قول محمد في " شرح الطحاوي "، و" المختلف والحصر "، و" خلاصة الفتاوى "، وذكر الولوالجي وصاحب " الفتاوى الصغرى " أنه يجوز عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عددا ولم يذكر الوزن، وإن كان لا يجوز السلم فيه عنده لا وزنا ولا عددا قال الولوالجي: وكان محمد ترك القياس في جواز استقراضه عددا لتعارف الناس كما ترك القياس بالعرف في جواز الاستصناع. م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز) ش: أي استقراض الخبز م: (وزنا) ش: أي من حيث الوزن م: (ولا يجوز عددا) ش: أي من حيث العدد م: (للتفاوت في آحاده) ش: أي لأجل التفاوت في أفراد الخبز، فلا يتحقق التساوي فيه وعليه الفتوى. وفي " المجتبى ": باع رغيفا نقدا برغيفين نسيئة يجوز، ولو كان الرغيفان نقدا والرغيف نسيئة لا يجوز. ولو باع كسرات الخبز يجوز نقدا ونسيئة كيفما كان عند صاحبه. وللشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: في الاستقراض وجهان كما في السلم. أحدهما: لا يجوز كما قال أبو حنيفة وهو الأصح عند صاحب " التقريب ". والثاني: يجوز وبه قال أحمد وهو اختيار ابن الصباغ لحاجة العامة وإطباق الناس عليه وعلى قول يجوز استقراضه، ويجب رد مثله وزنا فيجب أن يكون القرض معلوم القدر، كذا في " شرح الوجيز ". [الربا بين المولى وعبده] م: (قال) ش: أي القدوري في "مختصره " م: (ولا ربا بين المولى وعبده، لأن العبد وما في يده ملك لمولاه، فلا يتحقق الربا، وهذا) ش: أي عدم كون الربا بين المولى وعبده م: (إذا كان) ش: أي العبد م: (مأذونا له) ش: في التجارة. م: (ولم يكن عليه دين، فإن كان عليه دين لا يجوز بالاتفاق، لأن ما في يده ليس ملك المولى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما تعلق به) ش: أي بما في العبد م: (حق الغرماء فصار) ش: أي العبد م: (كالأجنبي) ش: من مولاه م: (فيتحقق الربا كما يتحقق) ش: أي الربا م: (بينه) ش: أي بين المولى م: (وبين مكاتبه) ش: لأن المكاتب صار كالحر يدا أو تصرفا في كسبه، فيجري الربا بينه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 298 قال: ولا بين المسلم والحربي في دار الحرب، خلافا لأبي يوسف والشافعي. لهما الاعتبار بالمستأمن منهم في دارنا. ولنا قوله -عليه الصلاة السلام-: «لا ربا بين المسلم الحربي في دار الحرب» .   [البناية] وبين مولاه، كما يجري بينه وبين غيره. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا بين المسلم والحربي في دار الحرب) ش: أي ولا ربا أيضا بين المسلم الذي دخل دار الحرب بأمان وباع درهما بدرهمين، وكذا إذا باع خمرا أو خنزيرا أو ميتة أو قامرهم وأخذ المال كل ذلك يحل له إذا كان في دار الحرب عند أبي حنيفة ومحمد م: (خلافا لأبي يوسف والشافعي) ش: ومالك وأحمد. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف والشافعي م: (الاعتبار بالمستأمن منهم في دارنا) ش: يعني المستأمن من أهل الحرب الذي دخل دارنا بأمان تجري الربا بينه وبين المسلم فكذلك يجري بينه وبين المسلم في دار الحرب قياسا عليه بجامع تحقق الفضل الحالي عن العوض المستحق بعقد البيع. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب» ش: هذا حديث غريب ليس له أصل مسند، وقال الكاكي: ولنا الحديث المذكور في المتن. وفي " المبسوط ": عن مكحول عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا ربا بين المسلم .... » الحديث، وهذا الحديث وإن كان مرسلا فمكحول ثقة والمرسل من مثله مقبول. قال الأكمل: ولأبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله- ما روى مكحول إلى آخره، ثم قال: ذكره محمد بن الحسن، وذكره الأترازي، كذا ثم قال: كذا في شرح أبي نصر. قلت: أسند البيهقي في " المعرفة " في كتاب السير عن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذا لأن بعض المشيخة، حدثنا عن مكحول عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا ربا بين أهل الحرب» أظنه قال: "وأهل الإسلام" قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذا ليس بثابت، ولا حجة فيه، انتهى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 299 ولأن مالهم مباح في دارهم، فبأي طريق أخذه المسلم أخذ مالا مباحا إذا لم يكن فيه غدر، بخلاف المستأمن منهم، لأن ماله صار محظورا بعقد الأمان.   [البناية] قلت: لا نسلم عدم ثبوته لأن جلالة قدر الإمام لا تقتضي أني جعل لنفسه مذهبا من غير دليل واضح، وأما قوله: ولا حجة فيه فبالنسبة إليه، لأن مذهبه عدم العمل بالمرسلات إلا مرسل سعيد بن المسيب والمرسل عندنا حجة على ما عرف في موضعه، والله أعلم. م: (ولأن مالهم) ش: أي مال أهل الحرب م: (مباح في دارهم) ش: لأنه غير معصوم. بل هو على أصل الإباحة م: (فبأي طريق أخذه المسلم أخذ مالا مباحا إذا لم يكن فيه) ش: أي في أخذه م: (غدر) ش: لأن الغدر حرام م: (بخلاف المستأمن منهم) ش: هذا جواب عن قياس أبي يوسف والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تقريره ما قاله بقوله م: (لأن ماله) ش: أي من المستأمن م: (صار محظورا) ش: أي ممنوعا أخذه م: (بعقد الأمان) ش: ولهذا لا يحل تناوله بعد انقضاء المدة. وفي "الحجنى في الكناية مستاه": إن باشر مسلما أو ذميا في دارهم أو من أسلم هناك شيئا من العقود التي لا تجوز فيما بيننا كالربويات وبيع الميتة جاز عندهما خلافا لأبي يوسف والأئمة الثلاثة، والله أعلم بالصواب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 300 باب الحقوق ومن اشترى منزلا فوقه منزل فليس له الأعلى إلا أن يشتريه بكل حق هو له أو بمرافقه أو بكل قليل وكثير هو فيه أو منه ومن اشترى بيتا فوقه بيت بكل حق هو له لم يكن له الأعلى ومن اشترى دارا بحدودها فله العلو والكنيف جمع بين المنزل والبيت والدار، فاسم الدار ينتظم العلو لأنه اسم لما أدير عليه الحدود والعلو من توابع الأصل وأجزائه فيدخل فيه   [البناية] [باب الحقوق] [اشترى منزلا فوقه منزل] م: (باب الحقوق) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الحقوق، وهو جمع حق، وهو ما يستحقه الرجل، وله معان أخرى، منها الحق ضد الباطل. وقال بعض الشراح: كان من حق مسائل هذا الباب أن تذكر في الفصل المتصل بأول كتاب البيوع، إلا أن المصنف التزم ترتيب " الجامع الصغير "، وهناك هكذا وقع، فكذا هنا وقبل الحقوق توابع فيليق ذكرها بعد مسائل البيوع. م: (ومن اشترى منزلا فوقه منزل فليس له الأعلى) ش: أي لا يدخل في بيعه المنزل الأعلى م: (إلا أن يشتريه بكل حق هو له) ش: أي إلا أن يقول وقت شرائه المنزل: اشتريته بكل حق هو له م: (أو بمرافقه) ش: أي أو يشتريه بمرافقه بأن يقول: اشتريته بمرافقه. وفي " المغرب ": مرافق الدار المتوضأ والمطبخ ونحوهما الواحد مرفق بكسر الميم وفتح الفاء لا غير م: (أو بكل قليل وكثير هو فيه) ش: أي أو إلا أن يشتريه بكل قليل وكثير هو فيه، أي في المنزل. م: (أو منه) ش: أي من المنزل، وهنا ثلاثة أشياء: المنزل والبيت والدار، وفسرها المصنف كلها ليتبين ما يترتب على كل اسم منها من الاحتياج إلى تصريح ما يدل على المرافق لدخولها وعدمه، فقال م: (ومن اشترى بيتا فوقه بيت بكل حق هو له لم يكن له الأعلى) ش: أي البيت الأعلى. م: (ومن اشترى دارا بحدودها فله العلو) ش: الذي عليها م: (والكنيف) ش: أي وله الكنيف أيضا، وهو المستراح م: (جمع) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (بين المنزل والبيت والدار، فاسم الدار ينتظم العلو) ش: يعني يشمله من غير نص باسمه الخاص. ومن غير ذكر الحقوق م: (لأنه) ش: أي لأن العلو م: (اسم لما أدير عليه الحدود والعلو من توابع الأصل وأجزائه) ش: فلا يخرج عنها م: (فيدخل فيه) ش: أي في الأصل. وفي شرح نظم " الجامع الكبير ": الدار اسم في اللغة لقطعة أرض ضربت لها الحدود وميزت عما يجاورها بإدارة خط عليها فبين في بعضها دون البعض ليجمع فيها مرافق الصخر للاسترواح ومنافع الأبنية للإسكان وغير ذلك، ولا فرق فيما إذا كانت الأبنية بالماء والتراب أو بالخيام والغاب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 301 والبيت اسم لما يبات فيه، والعلو مثله، والشيء لا يكون تبعا لمثله فلا يدخل فيه إلا بالتنصيص عليه. والمنزل بين الدار والبيت لأنه يتأتى فيه مرافق السكنى مع ضرب قصور؛ إذ لا يكون فيه منزل الدواب، فلشبهه بالدار يدخل العلو فيه تبعا عند ذكر التوابع، ولشبهه بالبيت لا يدخل فيه بدونه. وقيل: وفي عرفنا يدخل العلو في جميع ذلك؛   [البناية] م: (والبيت اسم لما يبات فيه والعلو مثله) ش: أي مثل البيت م: (والشيء لا يكون تبعا لمثله) ش: لأن تبع الشيء أدنى منه لا محالة لا مثله، وبين نتيجة هذا بقوله م: (فلا يدخل فيه) ش: أي يدخل العلو في شراء البيت م: (إلا بالتنصيص عليه) ش: أي على اسم العلو بذكره وإلا لكان الشيء تابعا لمثله وهولا يجوز ولا يرد على هذا المستعير، فإن له أن يعير فيما لا يختلف باختلاف المستعيرين ولا يرد المكاتب أيضا فإن له أن يكاتب. لأن المراد بالتبعية هاهنا أن يكون اللفظ الموضوع لشيء يتبعه ما هو مثله في الدخول تحت الدلالة؛ لأنه ليس بلفظ عام يتناول الأفراد، إذ فرض المسألة في معلوم ولا من لوازمه وليس في الإعادة والكتاب ذلك، فإن لفظ المعير: أعرتك لم يتناول عارية المستعير أصلا لا تبعا ولا أصالة، وإنما ملك الإعارة لأنها تمليك المنافع، ومن ملك شيئا جاز أن يملك لغيره. وإنما لا يملك فيما يختلف باختلاف المستعمل حذاء وقوع التغيير به، والمكاتب لما اختص بمكاتبه كان أحق بتصرف ما يوصله إلى مقصوده في كتابة عبده بسبب إلى ما يوصله إلى ذلك فكانت جائزة. م: (والمنزل بين الدار والبيت؛ لأنه يتأتى فيه مرافق السكنى) ش: أي منافعها م: (مع ضرب قصور) ش: يعني لكن فيه قصور م: (إذ لا يكون) ش: أي لأنه لا يكون م: (فيه منزل الدواب) ش: وما يجري مجرى ذلك م: (فلشبهه) ش: أي فلشبهه المنزل م: (بالدار يدخل العلو فيه تبعا عند ذكر التوابع ولشبهه بالبيت لا يدخل فيه بدونه) ش: أي بدون ذكره، لأن المنزل له منزلة بين المنزلتين. وقال السرخسي: المنزل اسم لما يشتمل على بيوت ومطبخ وموضع قضاء الحاجة، ولكن لا يكون فيه صحن. وفي " الفوائد ": المنزل اسم لبيتين أو ثلاثة ينزل فيه ليلا أو نهارا. والعلو وإن كان محلا للنزول فيه فهو دون السفل في احتمال السكنى، لأن السفل محتمل السكنى لنفسه ودوابه والعلو لا يحتمل السكنى للدواب، فكان أصلا من وجه تبعا من وجه، فلو ذكر الحقوق يدخل، وإلا فلا، فيكون منزلته دون منزلة الدار فوق منزلة البيت، وهكذا ذكره في " جامع قاضي خان ". م: (وقيل: في عرفنا يدخل العلو في جميع ذلك) ش: أي الدار والمنزل والبيت. وقال الإمام الزاهد العتابي في " شرح الجامع الصغير ": هذا - يعني الذي ذكره أولا - في عرفهم وفي عرفنا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 302 لأن كل بيت يسمى بالفارسية خانه ولا يخلو عن علو، وكما يدخل العلو في اسم الدار يدخل الكنيف لأنه من توابعها، ولا تدخل الظلة إلا بذكر ما ذكرنا عند أبي حنيفة لأنه مبني على هواء الطريق فأخذ حكمه. وعندهما إن كان مفتحه في الدار يدخل من غير ذكر شيء مما ذكرنا؛ لأنه من توابعه فشابه الكنيف، قال: ومن اشترى بيتا في دار أو منزلا أو مسكنا لم يكن له الطريق إلا أن يشتريه بكل حق هو له، أو بمرافقه، أو بكل قليل وكثير، وكذا الشرب   [البناية] يدخل العلو من غير ذكر في الفصول كلها، لأن في عرفنا الدار والمنزل والبيت كله واحد. وقال المصنف: م: (لأن كل بيت يسمى بالفارسية خانه) ش: وفي بعض النسخ: لأن كل مسكن يسمى خانه م: (ولا يخلو عن علو) ش: يعني في عرف بلاد العجم يسمى كذلك، سواء كان المسكن صغيرا أو كبيرا، ولفظ خانه بالخاء المعجمة وفتح النون وهو اسم البيت بالعجمي. م: (وكما يدخل العلو في اسم الدار يدخل الكنيف) ش: وهو المستراح م: (لأنه من توابعها) ش: أي من توابع الدار. وفي بعض النسخ من توابعه. قال الكاكي: أي من توابع الدار؛ لأنه يجوز فيه التذكير؛ لأنه مؤنث غير حقيقي، ولأن الدار اسم لما أدير عليه الحائط والكنيف مما أدير عليه الحائط، فيكون من الدار فيدخل تحت بيع الدار بلا ذكر الحقوق. م: (ولا تدخل الظلة) ش: وهي الساباط الذي أحد طرفيه على الدار المبيعة والطرف الآخر على دار أخرى أو على الأسطوانات في السكة ومفتحة في الدار، كذا في " الجامع الصغير لقاضي خان "، وفي " المغرب ": قول الفقهاء ظلة الدار يريدون السدة التي تكون فوق الباب م: (إلا بذكر ما ذكرنا عند أبي حنيفة) ش: وهو قوله بكل حق هو له أو مرافقه أو بكل قليل وكثير هو فيه م: (لأنه مبني) ش: أي لأن الظلة على تأويل الساباط م: (على هواء الطريق فأخذ حكمه) ش: أي حكم الطريق. م: (وعندهما) ش: أي وعند أبي يوسف ومحمد م: (إن كان مفتحه) ش: أي مفتح الظلة م: (في الدر يدخل) ش: أي في البيع م: (من غير ذكر شيء مما ذكرنا) ش: من المرافق والحقوق م: (لأنه) ش: أي لأن الظلة م: (من توابعه) ش: أي من توابع الدار م: (فشابه الكنيف) ش: حيث يدخل من غير ذكر شيء من الحقوق والمرافق. م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى بيتا في دار أو منزلا) ش: أي أو اشترى منزلا م: (أو مسكنا) ش: أي أو اشترى مسكنا م: (لم يكن له) ش: أي للمشتري م: (الطريق إلا أن يشتريه بكل حق هو له أو بمرافقه) ش: أو يشتري بمرافقه م: (أو بكل قليل وكثير) ش: هو منه أو فيه فيكون له الطريق حينئذ. وقال الكاكي: المراد الطريق الخاص في ملك إنسان. قلنا: طريقها إلى مكة غير نافذة وإلى طريق عام فيدخل م: (وكذا الشرب) ش: بكسر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 303 والمسيل؛ لأنه خارج الحدود إلا أنه من التوابع فيدخل بذكر التوابع، بخلاف الإجارة لأنها تعقد للانتفاع، ولا يتحقق إلا به؛ إذ المستأجر لا يشتري الطريق عادة ولا يستأجره، فيدخل تحصيلا للفائدة المطلوبة منها. أما الانتفاع بالمبيع فممكن بدونه لأن المشتري عادة يشتريه وقد يتجر فيه فيبيعه من غيره فحصلت الفائدة.   [البناية] الشين المعجمة، أي لا يدخل في الأرض م: (والمسيل) ش: وكذا مسيل الماء أو إلقاء الثلج في ملك إنسان لا يدخل من غير ذكر مما ذكرنا م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الطريق والشرب والمسيل م: (خارج عن الحدود) ش: أي حدود المبيع فكانت هذه الأشياء أصلا بنفسها من حيث إنه مقصود قيامها بدون المبيع م: (إلا أنه من التوابع) ش: من حيث إنه لا يقصد به. وإنما يقصد بها الانتفاع بالمبيع فكانت تابعة م: (فيدخل بذكر التوابع) ش: أي بذكر الحقوق والمرافق. وفي " الذخيرة " بذكر الحقوق إنما يدخل الطريق الذي يكون عند البيع لا الطريق الذي كان قبل البيع، حتى إن من سد طريق منزله وجعل له طريقا آخر وباع المنزل بحقوقه يدخل تحت البيع الطريق الثاني لا الطريق الأول. م: (بخلاف الإجارة) ش: بهذه تدخل هذه الأشياء في الإجارة بدون ذكر الحقوق، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (لأنها) ش: أي لأن الإجارة م: (تعقد للانتفاع ولا يتحقق) ش: أي الانتفاع م: (إلا به) ش: أي بالطريق م: (إذ المستأجر لا يشتري الطريق عادة ولا يستأجره، فيدخل تحصيلا للفائدة المطلوبة منها) ش: أي من الإجارة، بيان هذا أن البيع شرع لتمليك العين لا لتمليك المنفعة وهذا يصح فيما لا ينتفع به في الحال كالجحش والمهر الصغير والأرض السبخة والإجارة لا تصح فيه والإنسان قد يشتري ليبيعه ليربح، وقد يشتريه للانتفاع. فكان القصد فيه تملك العين لا الانتفاع لا محالة، فلا ضرورة في إدخال هذه الأشياء في البيع، فلا يدخل إلا بالذكر، كذا في " جامع قاضي خان ". وفي " الكافي " ولهذا لو استأجر علوا واستثنى الطريق فسدت الإجارة. بخلاف البيع، فإنه لو اشترى علوا واستثن الطريق صح، لأن موجب البيع تمليك الرقبة والانتفاع من ثمراته، أما الإجارة فللانتفاع، ولا انتفاع بدون الطريق. م: (أما الانتفاع بالمبيع فممكن بدونه) ش: أي بدون الطريق م: (لأن المشتري عادة يشتريه) ش: أي يشتري الطريق والشرب والمسيل، ووحد الضمير لكل واحد أو بتأويل المذكور م: (وقد يتجر فيه) ش: أي في شرائه م: (فيبيعه من غيره فحصلت الفائدة) ش: المطلوبة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 304 باب الاستحقاق ومن اشترى جارية فولدت عنده فاستحقها رجل ببينة فإنه يأخذها وولدها، وإن أقر بها لرجل لم يتبعها ولدها، ووجه الفرق أن البينة حجة مطلقة فإنها كاسمها مبينة فيظهر بها ملكه من الأصل والولد كان متصلا بها، فيكون له. أما الإقرار حجة قاصرة يثبت الملك في المخبر به ضرورة صحة الإخبار، وقد اندفعت بإثباته بعد الانفصال فلا يكون الولد له، ثم قيل: يدخل الولد في القضاء بالأم تبعا.   [البناية] [باب الاستحقاق] [حكم الاستحقاق] م: (باب الاستحقاق) ش: أي هذا باب في بيان حكم الاستحقاق، وهو طلب الحق، وذكر هذا الباب عقيب باب الحقوق للمناسبة التي بينهما لفظا ومعنى. م: (ومن اشترى جارية فولدت عنده) ش: أي عند المشتري ولدت من غير مولاها. وفي " الكافي " ولدت لا باستيلاده م: (فاستحقها رجل ببينة فإنه يأخذها) ش: أي فإن المستحق يأخذ الجارية م: (وولدها) ش: أي يأخذ ولدها معها أيضا م: (وإن أقر بها) ش: أي وإن أقر بالجارية م: (لرجل لم يتبعها) ش: أي لم يتبع الجارية م: (ولدها) ش: أي لا يأخذ المقر له الولد ويأخذ الأمة فقط م: (ووجه الفرق) ش: أي بين البينة والإقرار حيث يأخذ الجارية وولدها بالبينة فقط لا بالإقرار م: (أن البينة حجة مطلقة) ش: يعني غير مقتصرة على المقضي عليه فهي حجة في قول كافة الناس. وفي " الكافي " البينة حجة متعدية حتى تظهر في حق كافة الناس والإقرار حتى لا يقتصر على المقر م: (فإنها) ش: أي فإن البينة م: (كاسمها مبينة) ش: من التبين وهو الإظهار، وأصله من البيان وهو الظهور م: (فيظهر بها) ش: أي بالبينة م: (ملكه) ش: أي ملك الرجل المستحق م: (من الأصل) ش: يعني في حق الجارية والولد جميعا م: (والولد كان متصلا بها) ش: أي بالجارية م: (فيكون) ش: أي الولد م: (له) ش: أي للمستحق، ولهذا يرجع الباعة بعضهم على بعض. م: (أما الإقرار حجة قاصرة) ش: فتظهر في حقه دون غيره م: (يثبت الملك في المخبر به) ش: أي مقصورا على ما أقر به وهو الجارية م: (ضرورة صحة الإخبار) ش: أي لأجل ضرورة صحة إخبار المخبر م: (وقد اندفعت) ش: أي الضرورة م: (بإثباته) ش: أي بإثبات الملك م: (بعد الانفصال) ش: أي انفصال الولد فلا يظهر الإلحاق بالولد م: (فلا يكون الولد له) ش: ولهذا لا يرجع المشتري على البائع بالثمن عند الاستحقاق بالإقرار م: (ثم قيل) ش: أشار بهذا إلى اختلاف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في فصل الاستحقاق بالبينة في أن الولد في القضاء بالأم يدخل تبعا أم لا. فقال بعضهم م: (يدخل الولد في القضاء بالأم تبعا) ش: أي تبعا للأم لأنه لما ظهر الملك في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 305 وقيل: يشترط القضاء بالولد وإليه تشير المسائل، فإن القاضي إذا لم يعلم بالزوائد، قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تدخل الزوائد في الحكم، وكذا الولد إذا كان في يد غيره لا يدخل تحت الحكم بالأم تبعا. قال: ومن اشترى عبدا فإذا هو حر وقد قال العبد للمشتري: اشترني فإني عبد له، فإن كان البائع حاضرا أو غائبا غيبة معروفة لم يكن على العبد شيء، وإن كان البائع لا يدري أين هو رجع المشتري على العبد ورجع هو على البائع، وإن ارتهن عبدا مقرا بالعبودية فوجده حرا لم يرجع عليه على كل حال. وعن أبي يوسف - أنه لا يرجع فيهما؛   [البناية] الجارية من الأصل يدخل في الأولاد م: (وقيل يشترط القضاء بالولد) ش: على حدة؛ لأنه أصل يوم القضاء لكونه منفصلا عن الأم، فلا بد من الحكم كذا قيل وهو الأصح م: (وإليه) ش: أي إلى هذا القول وهو اشتراط القضاء بالولد م: (تشير المسائل) ش: وبين ذلك بقوله م: (فإن القاضي إذا لم يعلم بالزوائد) ش: يعني إذا قضى القاضي بالأصل ولم يعرف الزوائد. م: (قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تدخل الزوائد في الحكم) ش: بالأصل، فيجب الحكم بالزوائد أيضا م: (وكذا الولد إذا كان في يد غيره لا يدخل تحت الحكم) ش: أي حكم القاضي م: (بالأم تبعا) ش: أي من حيث التبعية للأم؛ لأنها منفصلة من الأصل يوم القضاء في الولد لعدم دخوله إذا كان في يد الغائب في القضاء بالأم؛ لأنه إذا دخل حينئذ يكون قضاء على الغائب. [اشترى عبدا فإذا هو حر] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى عبدا فإذا هو حر) ش: كلمة إذا للمفاجأة، أي فظهر أنه حر م: (وقد قال العبد) ش: أي والحال أن العبد قد قال م: (للمشتري اشترني فإني عبد له) ش: إنما قيد بهذين القيدين لأنه لو قال وقت البيع: إني عبد ولم يأمره بالشراء أو قال: اشترني ولم يقل: إني عبد لا يرجع عليه بالثمن في قولهم، كذا ذكره الإمام التمرتاشي في جامعه محالا إلى شيخ الإسلام خواهر زاده. م: (فإن كان البائع حاضرا أو غائبا غيبة معروفة) ش: أي يدري مكانه م: (لم يكن على العبد شيء) ش: لأن البائع هو الذي أخذ ماله فوجب أن يسترد منه، والعبد لم يأخذ منه شيئا م: (وإن كان البائع لا يدري أين هو رجع المشتري على العبد) ش: بالثمن على العبد؛ لأنه غره حيث أمره بالشراء وأتلف ماله م: (ورجع هو) ش: أي العبد م: (على البائع) ش: إذا قدر عليه. لأنه أدى عنه م: (وإن ارتهن عبدا مقرا بالعبودية) ش: يعني إن ارتهن رجل عبدا قد أقر بأنه عبد للمرتهن م: (فوجده حرا) ش: أي فوجد المرتهن العبد وهو حر م: (لم يرجع عليه) ش: أي لم يرجع المرتهن على العبد بشيء م: (على كل حال) ش: أي سواء كان الراهن حاضرا أو غائبا أية غيبة كانت. م: (وعن أبي يوسف أنه لا يرجع فيهما) ش: أي إن كل واحد من البائع والمرتهن لا يرجع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 306 لأن الرجوع بالمعاوضة أو بالكفالة، والموجود ليس إلا الإخبار كاذبا، فصار كما إذا قال الأجنبي ذلك، أو قال العبد: ارتهني فإني عبد، وهي المسألة الثانية. ولهما أن المشتري شرع في الشراء معتمدا على أمره وإقراره إني عبد. إذ القول له في الحرية فيجعل العبد بالأمر بالشراء ضامنا للثمن له عند تعذر رجوعه على البائع دفعا للضرر والغرر، ولا تعذر إلا فيما لا يعرف مكانه، والبيع عقد معاوضة فأمكن أن يجعل الآمر به ضامنا للسلامة كما هو موجبه،   [البناية] على العبد في البيع والرهن م: (لأن الرجوع) ش: إنما يكون م: (بالمعاوضة) ش: في المبايعة م: (أو بالكفالة) ش: أي أو بكفالة العبد بالثمن ولم يوجد واحد منهما م: (والموجود ليس إلا الإخبار كاذبا) ش: بأنه عبد. وقال فخر الدين الحسن بن منصور بن محمود الأوزجندي المعروف بقاضي خان في شرح " الجامع الصغير ": وهذه المسألة دليل على أن العبد إذا كفل بثمن نفسه عن البائع صحت الكفالة، فإذا تعذر استيفاؤه من البائع يرجع عليه ثم يرجع العبد على البائع إذا حضر؛ لأنه أدى ضمانا عليه م: (فصار) ش: حكم هذا م: (كما إذا قال الأجنبي ذلك) ش: بأن قال: اشتره فإنه عبد فظهر حرا إذا اشتراه فهو حر. م: (أو قال العبد: ارتهني فإني عبد) ش: فظهر حرا ليس له عليه شيء م: (وهي المسألة الثانية) ش: وهي قوله وإن ارتهن عبدا مقرا بالعبودية م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله- م: (أن المشتري شرع في الشراء معتمدا على أمره) ش: أي أمر العبد حيث قال: اشترني فأنا عبد م: (وإقراره) ش: بقوله م: (إني عبد، إذ القول) ش: أي لأن القول م: (له في الحرية) ش: أي للعبد لأنه متمسك بالأصل، إذ الأصل الحرية م: (فيجعل العبد بالأمر بالشراء) ش: أي بقوله: اشترني م: (ضامنا للثمن له) ش: أي للمشتري م: (عند تعذر رجوعه) ش: أي رجوع المشتري م: (على البائع دفعا للضرر) ش: عن المشتري م: (والغرر) ش: أي ولأجل الغرور من جهته. والغرور في المعاوضات التي تقتضي سلامة العوض يجعل سببا للضمان دفعا للضرر بقدر الإمكان م: (ولا تعذر إلا فيما لا يعرف مكانه) ش: أي لا يعذر في الرجوع إلا في الذي لا يعرف مكانه لعدم القدرة عليه. م: (والبيع) ش: كأنه جواب عما يقال من جهة أبي يوسف كيف فرقتم بين البيع والرهن في الرجوع وعدمه؟ فأجاب بقوله والبيع م: (عقد معاوضة) ش: يستحق العبد بها السلامة م: (فأمكن أن يجعل الآمر) ش: على وزن اسم الفاعل م: (به ضامنا للسلامة) ش: أي سلامة المبيع للمشتري م: (كما هو موجبه) ش: أي موجب البيع، لأن موجبه سلامة المبيع للمشتري. > الجزء: 8 ¦ الصفحة: 307 بخلاف الرهن؛ فإنه ليس بمعاوضة، بل هو وثيقة لاستيفاء عين حقه حتى يجوز الرهن ببدل الصرف، والمسلم فيه مع حرمة الاستبدال، فلا يجعل الآمر به ضامنا للسلامة. وبخلاف الأجنبي لأنه لا يعبأ بقوله فلا يتحقق الغرور. ونظير مسألتنا قول المولى: بايعوا عبدي هذا فإني قد أذنت له، ثم ظهر الاستحقاق فإنهم يرجعون عليه بقيمته. ثم في وضع المسألة ضرب إشكال على قول أبي حنيفة، لأن الدعوى شرط في حرية العبد عنده، والتناقض يفسد الدعوى،   [البناية] م: (بخلاف الرهن فإنه ليس بمعاوضة) ش: وهو ظاهر م: (بل هو) ش: أي الرهن م: (وثيقة لاسيتفاء عين حقه) ش: من غير عوض م: (حتى يجوز الرهن ببدل الصرف والمسلم فيه مع حرمة الاستبدال) ش: حتى إذا هلك يقع الاستيفاء. ولو كان معاوضة لكان استبدالا برأس مال السلم أو بالمسلم فيه وهو حرام، وكذا في بدل الصرف فلم يكن هذا غرورا في عقد المعاوضة، فلا ينتهض سببا للضمان، ولهذا قلنا: لو سأل رجل غيره عن أمن الطريق فقال: له اسلك هذا الطريق فإنه آمن فسلكه فسلب اللصوص أمواله لا يضمن المخبر بشيء؛ لأنه غرور فيما ليس بمعاوضة. وكذا لو قال: كل هذا الطعام فإنه غير مسموم فأكل ثم ظهر بخلافه لا يضمن أيضا م: (فلا يجعل الآمر به) ش: يعني إذا لم يكن معاوضة لم يجعل الآمر به م: (ضامنا للسلامة) ش: فلا يجب عليه شيء. م: (وبخلاف الأجنبي) ش: عطف على قوله: بخلاف الرهن، يعني إخبار الأجنبي بكونه عبدا لا يفضي إلى البيع م: (لأنه) ش: أي لأن الأجنبي م: (لا يعبأ) ش: أي لا يبالي م: (بقوله) ش: لعدم الاعتماد على قوله م: (فلا يتحقق الغرور) ش: بقوله لعدم الاكتراث به. م: (ونظير مسألتنا) ش: وهي أن الغرور في المعاوضات التي تقتضي سلامة العوض جعل سببا للضمان نظير م: (قول المولى) ش: للناس من أهل السوق م: (بايعوا عبدي هذا فإني قد أذنت له) ش: في التجارة، فبايعوه ولحقه ديون م: (ثم ظهر الاستحقاق) ش: أي ثم ظهر أنه حر م: (فإنهم) ش: أي فإن الذي بايعوه م: (يرجعون عليه) ش: أي على المولى بديونهم م: (بقيمته) ش: أي بقدر قيمته بحكم الغرور م: (ثم في وضع المسألة) ش: بقوله فإذا هو حر م: (ضرب إشكال على قول أبي حنيفة؛ لأن الدعوى شرط في حرية العبد عنده) ش: أي عند أبي حنيفة. وقوله: أنا حر بعد قوله: أنا عبد متناقض م: (والتناقض يفسد الدعوى) ش: فيكف تثبت الحرية. وأجابوا عنه بجوابين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 308 وقيل: إن كان الوضع في حرية الأصل فالدعوى فيها ليس بشرط عنده لتضمنه تحريم فرج الأم. وقيل: هو شرط، لكن التناقض غير مانع لخفاء العلوق، وإن كان الوضع في الإعتاق فالتناقض لا يمنع لاستبداد المولى به، فصار كالمختلعة تقيم البينة على الطلقات الثلاث قبل الخلع والمكاتب يقيمها على الإعتاق قبل الكتابة. قال: ومن ادعى حقا في دار معناه حقا مجهولا، فصالحه الذي في يده على مائة درهم فاستحقت الدار إلا ذراعا   [البناية] أشار المصنف إلى الجواب الأول بقوله م: (وقيل: إن كان الوضع في حرية الأصل) ش: فلقبول البينة وجهان: أحدهما ما قاله عامة المشايخ، وهو عدم اشتراط الدعوى لقبول الشهادة على حرية الأصل وهو معنى قوله م: (فالدعوى فيها ليس بشرط عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (لتضمنه تحريم فرج الأم) ش: أي لتضمن الدعوى، أي دعوى حرية الأصل، وذكر الضمير الراجع إلى الدعوى على معنى الادعاء. وأشار إلى الوجه الثاني بقوله م: (وقيل هو شرط) ش: أي الدعوى شرط على تأويل الادعاء م: (لكن التناقض) ش: هنا لم يمنع صحة الدعوى، فإنه م: (غير مانع لخفاء العلوق) ش: أي حال العلوق، وكل ما كان مبناه على الخفاء فالتناقض معفو، وقوله م: (وإن كان الوضع في الإعتاق) ش: هو الجواب الثاني أراد أنه إن كان المراد به الحرية بعتاق عارض م: (فالتناقض) ش: في الدعوى م: (لا يمنع) ش: صحة الدعوى في المعتق؛ لأنه أمر يجري فيه الخفاء. م: (لاستبداد المولى به) ش: أي لتفرد المولى بالإعتاق، فربما لا يعلم العبد إعتاقه ثم يعلم بعد ذلك م: (فصار) ش: هذا م: (كالمختلعة) ش: أي كالمرأة التي اختلعت م: (تقيم البينة على الطلقات الثلاث قبل الخلع) ش: فإنه يقبل ذلك منها وإن تناقضت للخفاء في تطليقة لاستبداده به، وإنما قيد بالثلاث لأن فيما وراءها يمكن أن يقيم الزوج بينة أنه قد تزوجها بعد الطلاق الذي قد أثبتته المرأة قبل يوم أو يومين. وأما في الثلاث فلا يمكنه ذلك م: (والمكاتب يقيمها) ش: أي يقيم البينة م: (على الإعتاق قبل الكتابة) ش: فإنها تقبل منه لاستبداد سيده بالتحرير، ثم المرأة والمكاتب يستردان بدل الخلع والكتابة بعد إقامتهما البينة على ما ادعياه. وقال الناطفي في " الأجناس ": رجل باع غلاما وهو ساكت ثم قال بعد البيع مع علمه بالبيع: أنا حر لا يقبل قوله وهو عبد، وزاد في " مختصر الطحاوي ": وقيل له بعد البيع: قم مع مولاك فقام فذاك إقرار منه بالرق. [ادعى حقا في دار فصالحه الذي هو في يده] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن ادعى حقا في دار معناه حقا مجهولا) ش: فأنكر المدعى عليه م: (فصالحه الذي هو في يده على مائة درهم، فاستحقت الدار إلا ذراعا منها) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 309 منها لم يرجع بشيء، لأن للمدعي أن يقول دعواي: في هذا الباقي. وإن ادعاها كلها فصالحه على مائة درهم فاستحق منها شيء رجع بحسابه؛ لأن التوفيق غير ممكن فوجب الرجوع ببدله عند فوات سلامة المبدل، ودلت المسألة على أن الصلح عن المجهول على معلوم جائز؛ لأن الجهالة فيما يسقط لا تفضي إلى المنازعة.   [البناية] ش: أي موضع ذراع منها م: (لم يرجع بشيء) ش: أي لم يرجع المدعى عليه على المدعي م: (لأن للمدعي أن يقول دعواي في هذا الباقي) ش: فلا يثبت حق الرجوع بالشك. م: (وإن ادعاها كلها) ش: أي كل الدار م: (فصالحه على مائة درهم فاستحق منها شيء رجع بحسابه، لأن التوفيق غير ممكن) ش: لأنه ادعى كل الدار فصالح على ذلك فاستحق بعض الدار والمائة كانت وقعت بدلا عن كل الدار، لأن البدل يقسم على أجزاء المبدل، فلما استحق بعض المبدل تعين الرجوع م: (فوجب الرجوع ببدله) ش: أي بحصته م: (عند فوات سلامة المبدل) ش: لأنه أخذ ذلك القدر من البدل بغير حق. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ودلت المسألة على أن الصلح عن المجهول على معلوم جائز، لأن الجهالة فيما يسقط لا تفضي إلى المنازعة) ش: ودلت المسألة أيضا على أن صحة الدعوى ليست بشرط لصحة الصلح، لأن دعوى الحق في الدار لا تصح للجهالة، ولهذا لا تقبل البينة على ذلك إلا إذا ادعى إقرار المدعى عليه بالحق فحينئذ تصح الدعوى وتقبل البينة، والإقرار عن المجهول جائز عندنا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 310 فصل في بيع الفضولي قال: ومن باع ملك غيره بغير أمره فالمالك بالخيار إن شاء أجاز البيع وإن شاء فسخ. وقال الشافعي: لا ينعقد لأنه لم يصدر عن ولاية شرعية؛ لأنها بالملك أو بإذن المالك، وقد فقدا ولا انعقاد إلا بالقدرة الشرعية.   [البناية] [فصل في بيع الفضولي] [حكم بيع الفضولي] م: (فصل في بيع الفضولي) ش: أي هذا فصل في بيان حكم بيع الفضولي وهو نسبة إلى الفضول جمع الفضل، يعني الزيادة. وفي " المغرب " وقد غلب جمعه على ما لا خير فيه، حتى قيل فضول بلا فضل وسنا بلا سن وطولا بلا طول وعرضا بلا عرض ثم قيل: لمن يشتغل بما لا يعنيه فضولي وهو في اصطلاح الفقهاء من ليس بوكيل وبفتح الفاء خطأ، انتهى كلامه. وقيل: الفضولي من يتصرف في حق الغير بلا إذن شرعي كالأجنبي يزوج أو يبيع ولم يرد في النسبة إلى الواحد، وإن كان هو القياس لأنه صار بالغلبة كالعلم بهذا المعنى، فصار كالأنصاري والأعرابي. وقال الأكمل: مناسبة هذا الفصل بباب الاستحقاق ظاهرة، لأن بيع الفضولي صورة من صور الاستحقاق، لأن المستحق يقول عند الدعوى. هذا ملكي. ومن باعك فإنما باعك بغير إذني فهو عين بيع الفضولي. قلت: لا يقال مناسبة هذا الفصل بباب الاستحقاق، وإنما يقال: هذا الفصل داخل في هذا الباب الذي قبله، لأن الباب عند المصنفين إذا ذكروا فصلا أو فصلين أو أكثر عقيب باب يقولون هذا داخل في الباب الذي قبله، وإنما يفردونه بالذكر لأنه ليس بداخل فيه من كل وجه فافهم. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن باع ملك غيره بغير أمره فالمالك بالخيار إن شاء أجاز البيع، وإن شاء فسخ) ش: وبه قال مالك وأحمد في رواية م: (وقال الشافعي لا ينعقد) ش: أي بيع الفضولي لا ينعقد أصلا وعنده تصرفات الفضولي كلها باطلة في الجديد، وبه قال أحمد: في رواية، وفي القديم كمذهبنا م: (لأنه) ش: أي لأن بيع ملك غيره م: (لم يصدر عن ولاية شرعية) ش: قال الكاكي، احترز به عن الولاية الحسية، فإنها تثبت بمجرد اليد، سواء كانت اليد حقا أو لا. وقال غيره: يعني لم يصدر عن ولاية شرعية أنه أضاف التصرف إلى محل ليس له ولاية عليه فيلغو م: (لأنها) ش: أي لأن الولاية الشرعية تثبت م: (بالملك) ش: المطلق للتصرفات م: (أو بإذن المالك) ش: الذي له ولاية التصرف م: (وقد فقدا) ش: على صيغة المجهول، أي فقد فقد الملك والمالك، يعني لم يوجدا م: (ولا انعقاد إلا بالقدرة الشرعية) ش: أي بالولاية الشرعية وقد عدمت، ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لحكيم بن حزام: «لا تبع ما ليس عندك» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 311 ولنا أنه تصرف تمليك وقد صدر من أهله في محله، فوجب القول بانعقاده إذ لا ضرر فيه للمالك مع تخييره، بل فيه نفعه حيث يكفي مؤنة طلب المشتري وقرار الثمن وغيره، وفيه نفع العاقد لصون كلامه عن الإلغاء، وفيه نفع المشتري فثبت القدرة الشرعية تحصيلا لهذه الوجوه، كيف وأن الإذن ثابت دلالة؛ لأن العاقل يأذن في   [البناية] م: (ولنا أنه) ش: أي أن بيع الفضولي م: (تصرف تمليك) ش: إلا أنه فيه من قبيل إضافة العام إلى الخاص كعلم الفقه، فلا نزاع في ذلك، وإنما قال تصرف تمليك ولم يقل تمليك، لأن التمليك من غير المالك لا يتصرف، وأما كونه تصرف تمليك فلأن كون المبيع تمليك مال بمال وهو قصد إيقاعه تمليكا في محل قابل للملك. ولكن لا ينفذ في الحال قبل الإجازة لئلا يتضرر المالك. وقال الكاكي: وقيد التصرف بالتمليك احترازا عن تصرف هو إسقاط كالطلاق والعتاق بمال أو بغير مال من الصبي والمجنون. فإن هذه التصرفات منهما لا تصح ولا تتوقف على إجازة الولي ولا على إجازة نفسهما بعد البلوغ والإفاقة، بخلاف ما إذا اشترى الصبي شيئا أو تزوج امرأة أو زوج أمته، فإن هذه التصرفات منه تتوقف على إجازة الولي أو إجازة نفسه بعد البلوغ، ولا يجوز بنفس البلوغ بغير إجازة بعده. م: (وقد صدر) ش: أي والحال أن هذا العقد قد صدر م: (من أهله) ش: وهو كونه عاقلا بالغا م: (في محله) ش: أي في محل العقد وهو كونه مالا متقوما م: (فوجب القول بانعقاده، إذ لا ضرر فيه) ش: أي في هذا العقد م: (للمالك مع تخييره) ش: أي مع كونه مخيرا بين الإجازة والفسخ م: (بل في) ش: أي في هذا العقد م: (نفعه) ش: أي نفع للمالك م: (حيث يكفي مؤنة طلب المشتري وقرار الثمن وغيره) ش: وهو حقوق العبد، فإنها لا ترجع إلى المالك م: (وفيه) ش: أي في هذا العقد م: (نفع العاقد لصون كلامه عن الإلغاء وفيه نفع المشتري) ش: لأنه أقدم عليه طائعا ولولا النفع لما أقدم م: (فثبت القدرة الشرعية) ش: وهو التصرف الذي ينعقد به العقد. وهذا جواب عن قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ولا انعقاد إلا بالقدرة الشرعية م: (تحصيلا لهذه الوجوه) ش: أي لأجل تحصيل هذه الوجوه، وهي كفاية مؤنة طلب المشتري وقرار الثمن ونفع العاقدين لصون كلامهما عن الإلغاء. م: (كيف وأن الإذن ثابت دلالة) ش: فهذا جواب عن قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأن الولاية الشرعية بإذن المالك وقد فقد الإذن فقال كيف لا ينعقد بيع الفضولي لعدم الإذن من المالك والحال أن الإذن ثابت دلالة، أي في حق انعقاد العقد لاشتماله على النفع م: (لأن العاقل يأذن في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 312 التصرف النافع   [البناية] التصرف النافع) ش: وقيل قوله: وكيف لا إلى آخره جواب عما يقال القدرة بالملك أو بالإذن ولم يوجد، فأجاب عن ذلك منكرا بقوله: وكيف لا إلى آخره. فإن قيل: لو كان الإذن ثابتا دلالة فيما هو نافع يكون الرضا من المالك متحققا دلالة، فينبغي أن لا يثبت له الخيار. قلنا: الإذن ثابت دلالة فيما هو نافع لا فيما هو ضار، وفي الانعقاد نفع فيثبت من وجه في انعقاده بغير اختياره ضرر فلا يثبت الإذن في حقه فلذلك يخير. والجواب عن حديث حكيم بن حزام الذي استدل به الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو نهيه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عن بيع ما ليس عنده لأن مطلق النهي يوجب فساد النهي عنه أنه كان يبيعه ثم يشتريه ويزيد تسليمه بحكم ذلك العقد. والدليل عليه أن قال: «يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن الرجل يأتيني فيطلب مني سلعة ليست عندي فأبيعها منه ثم أدخل السوق فأشتريها فأسلمها، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - "لا تبع ما ليس عندك» . وقال الأترازي في استدلال أصحابنا: ولنا ما روى أصحابنا في كتبهم " كالأسرار " وغيره في «حديث عروة البارقي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى له دينارا يشتري به أضحية، فاشترى شاتين، فباع إحداهما بدينار وجاء بالشاة والدينار الآخر إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأخبره بذلك فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بارك الله في صفقتك، فأما الشاة فضح بها وأما الدينار فتصدق به» فقد باع ما اشترى له - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بغير أمره. وأجاز - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بيعه، ثم قال: وفي كتب الحديث وإن عروة البارقي وحكيم بن حزام يعني روى الحديث عن الاثنين. قلت: أما حديث عروة البارقي فرواه الترمذي: حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي ثنا حبان ثنا هارون بن موسى ثنا الزبير بن الحر عن أبي لبيد «عن عروة البارقي قال دفع إلي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دينارا لأشتري له شاة فاشتريت له شاتين، فبعت أحدهما بدينار وجئت بالشاة والدينار إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر له ما كان من أمره فقال: "بارك الله لك في صفقة يمينك"، فكان يخرج بعد ذلك إلى كناسة الكوفة فيربح الربح العظيم فكان من أكثر أهل الكوفة مالا» . وأخرجه ابن ماجه عن أحمد بن سعيد. وأما حديث حكيم بن حزام فرواه الترمذي أيضا حدثنا أبو كريب حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن حبيب بن أبي ثابت «عن حكيم بن حزام أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث حكيم بن حزام يشتري له أضحية بدينار قال فاشترى أضحية فربح فيها دينارا فاشترى أخرى مكانها فجاء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 313 قال: وله الإجازة إذا كان المعقود عليه باقيا والمتعاقدان بحالهما؛ لأن الإجازة تصرف في العقد، فلا بد من قيامه وذلك بقيام العاقدين والمعقود عليه، وإذا أجاز المالك كان الثمن مملوكا له أمانة في يده بمنزلة الوكيل؛ لأن الإجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة،   [البناية] بالأضحية والدينار إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ضح بالشاة وتصدق بالدينار» . ورواه أبو داود أيضا عن محمد بن كثير. ولما أخرج الترمذي الحديثين لم يسكت عنهما، بل قال: وحبيب بن ثابت لم يسمع عندي من حكيم بن حزام، وأبو لبيد اسمه لمازة، وفي إسناد أبي داود مبهم. وقيل: حديث حكيم لا يصح لأنه إما منقطع أو في إسناده مجهول. قلت: الانقطاع في إسناد الترمذي والمجهول في إسناد أبي داود، وقال ابن العربي: حديث عروة صحيح. وأما الإبهام الذي في إسناد أبي داود فإنه روى عن شبيب عن فرقدة حدثني الحي عن عروة البارقي الحديث. وقال الخطابي: يعني الحي حدثوه وما كان سبيله هذا من الرواة لم تقم به الحجة، ووقع في رواية الكرخي عن شبيب عن فرقدة يسمعه من قومه عن عروة البارقي، وروي أيضا من حديث سفيان عن شبيب بن فرقدة قال: أخبرنا الحسن عن عروة البارقي الحديث، وهذا الإسناد ما فيه إبهام وهو صحيح كما قاله ابن العربي. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وله الإجازة) ش: أي وللمالك إجازة البيع الذي عقد الفضولي م: (إذا كان المعقود عليه باقيا والمتعاقدان بحالهما؛ لأن الإجازة تصرف في العقد فلا بد من قيامه) ش: أي من قيام العقد م: (وذلك) ش: أي قيام العقد م: (بقيام العاقدين والمعقود عليه) ش: كما في الإنشاء وبقاء الفضولي إنما يشترط لصحة الإجازة في البيع إلا في النكاح حتى لو زوج رجل ابنته الصغيرة من رجل غائب ثم مات الأب وبلغ الزوج النكاح فأجاز ذلك فهو جائز وهذا نص أن بموت الأب لا ينقطع نكاح الصغيرة، كذا في " فصول الأستروشي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وإذا أجاز المالك) ش: البيع م: (كان الثمن مملوكا له) ش: أي للمالك م: (أمانة في يده) ش: أي في يد الفضولي م: (بمنزلة الوكيل) ش: بالبيع إذا باع وقبض الثمن فإنه أمانة في يده م: (لأن الإجازة اللاحقة) ش: في بيع الفضولي م: (بمنزلة الوكالة السابقة) ش: في البيع بالوكالة من حيث إن كلا منهما يثبت الحكم ويرفع المانع، والمال في يد الوكيل أمانة، فكذا في يد الفضولي. فإن قلت: ليس كذلك، فإن المشتري من الفضولي إذا باع ثم أجاز المالك المبيع بطل البيع الثاني، ولو كان البيع الأول صدر من الوكيل لا يبطل البيع الثاني. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 314 وللفضولي أن يفسخ قبل الإجازة دفعا للحقوق عن نفسه، بخلاف الفضولي في النكاح؛ لأنه معير محض، هذا إذا كان الثمن دينا، فإن كان عرضا معينا إنما تصح الإجازة إذا كان العرض باقيا أيضا.   [البناية] قلت: المالك البات إذا طرأ على ملك موقوف أبطله، وقد طرأ المالك البات للمشتري الأول فأبطل الملك الموقوف الذي كان للمشتري الثاني، ونظيره تزوج أمة بغير إذن مولاها فمات المولى فإنه لا ينعقد بإجازة الوارث، لأن ملك التزوج للأمة موقوف، وملك الوارث فيها ملك بات فيبطل الملك الموقوف بطرآن ذلك الملك بالبات. [للفضولي أن يفسخ قبل إجارة المالك البيع] م: (وللفضولي أن يفسخ قبل الإجازة) ش: أي قبل إجارة المالك البيع م: (دفعا للحقوق عن نفسه) ش: لما أن الحقوق ترجع إلى الوكيل وهو ما بالإجازة وهو ما بالإجازة يصير بمنزلته في رجوع الحقوق إليه فله أن يفسخه لدفع الضرر عن نفسه، وكذلك للمشتري أن يفسخه. فإن قيل: في القول بجواز فسخه قبل الإجازة ضرر للمالك كما ذكرنا أن للمالك فيه نفع فيفوت ذلك بالفسخ. قلنا: ضرر للمالك يحصل في ضمن دفع الضرر عن نفسه فلا يعتبر. م: (بخلاف الفضولي في النكاح) ش: حيث لا يجوز له أن يفسخه قبل إجازة الموقوف له أو فسخه لأن الحقوق لا ترجع إليه م: (لأنه معير محض) ش: وسفير، فإنه لما أعير انتهى أمره فصار بمنزلة الأجنبي، بخلاف الفضولي في البيع؛ لأنه لا يثني أمره بالبيع لما ذكرنا أن الحقوق ترجع إليه. وقال الكاكي: قال شيخي العلامة صاحب " النهاية " - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا إذا كان الفسخ بالقول، أما إذا كان الفسخ بالفعل بأن يتزوج الفضولي امرأة برضاها فقيل إجازة زوج أختها كان ذلك نقضا للنكاح الأول، كذا ذكره في الفضول " الإستروشيني " م: (هذا) ش: أي ما قلنا من قيام المتعاقدين والمعقود عليه م: (إذا كان الثمن دينا) ش: في بيع الفضولي كالدراهم والدنانير والفلوس والكيلي والوزني الموصوف في الذمة بغير عينه. م: (فإن كان عرضا) ش: أي مما يعين بالتعيين م: (معينا) ش: عين في العقد م: (إنما تصح الإجازة إذا كان العرض باقيا أيضا) ش: فهاهنا قيام خمسة أشياء يشترط البائع والمشتري والمالك والمبيع وقيام ذلك العرض فيما إذا كان الثمن دينا يشترط قيام الأربعة من الخمسة المذكورة فقط، والخامس وهو العرض فيما ليس بشرط. وفي الفصل الأول قيام الثمن في يد البائع ليس بشرط، فإن أجاز المالك بعد قيام الأربعة جاز البيع، ولو لم يجز المالك البيع وفسخه انفسخ البيع، وله أن يسترد المبيع ويرجع المشتري بالثمن على البائع إن كان نقده، ولو مات المالك قبل الإجازة انفسخ البيع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 315 ثم الإجازة إجازة نقد لا إجازة عقد، حتى يكون عرض الثمن مملوكا للفضولي، وعليه مثل المبيع إن كان مثليا أو قيمته إن لم يكن مثليا؛ لأنه شراء من وجه، والشراء لا يتوقف على الإجازة. ولو هلك المالك لا ينفذ بإجازة الوارث في الفصلين؛ لأنه توقف على إجازة المورث لنفسه فلا يجوز بإجازة غيره،   [البناية] [الإجازة في بيع المقايضة] م: (ثم الإجازة) ش: أي الإجازة في بيع المقايضة يعني فيما إذا كان الثمن عرضا م: (إجازة نقد) ش: أي ينقد الثمن من ماله، لأن العوضين إذا كان عرضا كان العقد شراء من وجه والشراء لا يتوقف بل ينفذ على الفضولي، فيصير ملكا له. وبإجازة المالك لا ينتقل الملك إليه فيكون تأثير الإجازة في أن ينقد الفضولي الثمن من مال المجيز. وهذا استقراض حصل في ضمن الشراء فيصح حكما له كما لو قال: اشتر لي عبد فلان بعبدك هذا فاشتره جاز وعلى الآمر قيمة عبد المأمور؛ لأنه صار كالمستقرض لعبده فيجب عليه مثله إن كان مثليا وقيمته إن لم يكن م: (لا إجازة عقد) ش: لأنه نقد م: (حتى يكون عرض الثمن مملوكا للفضولي) ش: كما ذكرناه الآن م: (وعليه) ش: أي على الفضولي م: (مثل المبيع إن كان مثليا أو قيمته إن لم يكن مثليا لأنه) ش: أي لأن البيع بالعرض م: (شراء من وجه) ش: لأنه بيع مقايضة م: (والشراء لا يتوقف على الإجازة) ش: أي على إجازة من اشترى له، لأن الأصل في التصرفات النفاذ والتوقف للضرورة، ولأن الأصل في تصرف الإنسان أن يكون واقفا على نفسه. فإن قلت: لو كان كذلك لما صح العقد إذا باع الوكيل بالعرض، لأن الموكل وكله بالبيع لا بالشراء. قلت: صح لأن التوكيل بالبيع مطلق، والبيع يكون بالدين والعين، والموكل عالم بذلك، فلما أطلق الوكالة صار كأنه قال: بعه بأي طريق شئت. فيجوز بأي طريق باع. م: (ولو هلك المالك لا ينفذ بإجازة الوارث) ش: أي وارث المالك م: (في الفصلين) ش: أي فيما إذا كان الثمن عرضا أو دينا. فإن قلت: هو في الفصل الثاني مشتري فكان ينبغي أن ينفذ الشراء في حق الفضولي. قلت: لا ينفذ لعجزه عن تسليم الثمن؛ لأنه ملك الغير وقد مات المالك قبل الإجازة. م: (لأنه) ش: أي لأن بيع الفضولي م: (توقف على إجازة المورث لنفسه فلا يجوز بإجازة غيره) ش: لأن الإجازة عبارة عن اختيار العقد الذي باشره الفضولي والاختيار لا يحتمل النقل لأنه لا يتصور في الأعراض. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 316 ولو أجاز المالك في حياته ولم يعلم حال المبيع جاز البيع في قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا، وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الأصل بقاؤه، ثم رجع أبو يوسف وقال: لا يصح حتى يعلم قيامه عند الإجازة؛ لأن الشك وقع في شرط الإجازة فلا يثبت مع الشك. قال: ومن غصب عبدا فباعه وأعتقه المشتري، ثم أجاز المولى البيع، فالعتق جائز؛ استحسانا، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز؛ لأنه لا عتق بدون الملك، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا عتق فيما لا   [البناية] فإن قلت: يشكل بأمة تزوجت بغير إذن مولاها ثم مات المولى فإنه ينعقد بإجازة الوارث إذا لم يحل له وطؤها. قلت: الأمة تتصرف بأهليتها لأنها باقية على أصل الحرية فيما هو من خواص الآدمية، والنكاح من خواصها. وإنما يتوقف على إجازة المالك كيلا يتضرر والوارث مالك كالمورث، ولم يثبت له ملك بات ليبطل الملك الموقوف. م: (ولو أجاز المالك في حياته) ش: ثم مات م: (ولم يعلم حال المبيع) ش: يعني باق أو غير باق م: (جاز البيع في قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا، وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الأصل بقاؤه، ثم رجع أبو يوسف وقال: لا يصح حتى يعلم قيامه عند الإجازة؛ لأن الشك وقع في شرط الإجازة) ش: وهو بقاء المسمى م: (فلا يثبت مع الشك) ش: فإن قلت: الشك متساوي الطرفين وقد ترجح جانب الوجود هنا. قلت: استصحاب الحال لا يصلح للإثبات، فسقط اعتبار ترجيح جانب الوجود، فصار متساوي الطرفين لتحقق الشك. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن غصب عبدا فباعه وأعتقه المشتري ثم أجاز المولى البيع فالعتق جائز) ش: من المشتري م: (استحسانا، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-) ش: ذكر هذه المسألة في " الجامع الصغير " ولم يذكر فيها الاختلاف، ولهذا قالوا في شروح " الجامع الصغير ": إن العتق جائز اسحتسانا في قول أبي حنيفة وأبي يوسف. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز) ش: قياسا، وبه قال زفر والشافعي ومالك وأحمد وهو رواية عن أبي يوسف، وهذه المسألة هي المسألة التي جرت المحاورة بين أبي يوسف ومحمد حين عرض هذا الكتاب عليه فإن أبا يوسف قال: ما رويت لك عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن العتق جائز، وإنما رويت أن العتق باطل. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بل رويت لي أن العتق جائز م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لا عتق بدون الملك) ش: عن أبي حنيفة م: (قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا عتق فيما لا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 317 يملك ابن آدم» ، والموقوف لا يفيد الملك، ولو ثبت في الآخرة يثبت مستندا، وهو ثابت من وجه دون وجه، والمصحح للإعتاق الملك الكامل لما روينا، ولهذا لا يصح أن يعتق الغاصب ثم يؤدي الضمان، ولا أن يعتق المشتري والخيار للبائع ثم يجيز البائع، ذلك: ، وكذا لا يصح بيع المشتري من الغاصب فيما نحن فيه مع أنه أسرع نفاذا حتى نفذ من الغاصب   [البناية] يملك ابن آدم» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي واللفظ للترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق له فيما لا يملك، ولا طلاق له فيما لا يملك» . وقال: حديث حسن صحيح وقد تقدم في كتاب العتق مع الكلام فيه مقتضى. م: (والموقوف لا يفيد الملك) ش: أي الموقوف نفوذه على إجازة مالك ظاهر الملك وهو المغصوب منه، ألا ترى أن بيع الفضولي لا يفيد الملك للمشتري في الحال بالإجماع ولا ملك للمشتري من الغاصب في الحال. م: (ولو ثبت في الآخرة) ش: بالفتحات بمعنى الأخير م: (يثبت مستندا) ش: إلى سببه وهو بيع الغاصب منه م: (وهو) ش: أي الملك الثابت بطريق الاستناد م: (ثابت من وجه دون وجه، والمصحح للإعتاق الملك الكامل لما روينا) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا عتق فيما لا يملك ابن آدم» م: (ولهذا) ش: هذا استيضاح من المصنف بفروع تؤنس، ذكر منها قوله: م: (لا يصح أن يعتق الغاصب ثم يؤدي الضمان) ش: وهو راجع إلى قوله: لأنه لا عتق بدون الملك. فالغاصب إذا أعتق ثم أدى الضمان لا يعتق، وإن كانت المضمونات تملك مستندة إلى أول السبب لما قلنا: إن الملك المستند ثابت من وجه دون وجه م: (ولا أن يعتق المشتري، والخيار للبائع ثم يجيز البائع ذلك) ش: هذا راجع إلى قوله: والموقوف لا يفيد الملك، حاصله أنه لا ينفذ عتق المشتري العبد، والحال أن البائع كان بالخيار ثم أجاز البيع. م: (وكذا لا يصح بيع المشتري من الغاصب) ش: يعني أن المشتري من الغاصب إذا باع العبد المغصوب من الغير ثم أجاز المالك البيع الأول لا يصح هذا البيع الثاني، فكذلك إذا أعتق ينبغي أن يكون كذلك، وأراد بقوله م: (فيما نحن فيه) ش: المسألة المصدرة بقوله: ومن غصب عبدا فباعه وأعتقه المشتري إلى آخره. فالعتق لا يصح عند محمد كما ذكر م: (مع أنه) ش: أي أن البيع م: (أسرع نفاذا) ش: من العتق أي أقل احتياجا إلى الملك في النفوذ من العتق م: (حتى نفذ) ش: أي البيع م: (من الغاصب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 318 إذا أدى الضمان، وكذا لا يصح إعتاق المشتري من الغاصب إذا أدى الغاصب الضمان، ولهما أن الملك ثبت موقوفا بتصرف مطلق موضوع لإفادة الملك، ولا ضرر فيه، على ما مر، فيتوقف الإعتاق مرتبا عليه وينفذ بنفاذه، وصار كإعتاق المشتري من الراهن، وكإعتاق الوارث عبدا من التركة وهي مستغرقة بالديون يصح وينفذ إذا قضى الديون بعد ذلك، بخلاف إعتاق الغاصب بنفسه؛ لأن الغصب غير موضوع لإفادة الملك.   [البناية] إذا أدى الضمان، وكذا لا يصح إعتاق المشتري من الغاصب إذا أدى الغاصب الضمان) ش: يعني إذا باع الغاصب ثم أدى الضمان يعني المشتري من الغاصب إذا أعتق العبد الذي اشتراه منه ثم ملكه الغاصب بأداء الضمان وأجاز العتق لا ينفذ. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (أن الملك ثبت موقوفا) ش: أي ثبت ملك المشتري من الغاصب موقوفا على إجازة مالك العبد م: (بتصرف مطلق) ش: بفتح اللام وقيل بالكسر، والأول أشهر، واحترز به عن البيع بشرط الخيار، لأن الملك ثمة لم يثبت أصلا لا موقوفا ولا باتا ووصف المطلق بوصفين أحدهما وهو قوله: م: (موضوع لإفادة الملك) ش: واحترز به عن الغصب فإنه لم يوضع لإفادة الملك، والآخر بقوله م: (ولا ضرر فيه) ش: أي في إعتاق المشتري م: (على ما مر) ش: أشار به إلى قوله: إذ لا ضرر فيه للمالك مع تخيره، كذا قاله الكاكي. وقال الأترازي: على ما مر إشارة إلى قوله: ولنا أنه تصرف تمليك وقد صدر من أهله في محله إلى آخره. قلت: الأول أظهر م: (فيتوقف الإعتاق مرتبا عليه) ش: أي على المالك الموقوف م: (وينفذ) ش: أي الإعتاق م: (بنفاذه) ش: أي بنفاذ الملك؛ لأنه من حقوقه، والشيء إذا فقد فقد بحقوقه، وإذا توقف توقف بحقوقه. م: (وصار) ش: أي إعتاق المشتري من الغاصب م: (كإعتاق المشتري من الراهن) ش: فإنه يتوقف نفاذه على إجازة المرتهن أو فك الرهن، والجامع بينهما لأنه إعتاق في بيع موقوف م: (وكإعتاق الوارث عبدا من التركة وهي) ش: أي التركة، والحال أي والحال أن التركة م: (مستغرقة بالديون يصح) ش: أي الإعتاق موقوفا م: (وينفذ إذا قضى الديون بعد ذلك) ش: أي بعد إعتاق الوارث ثم شرع المصنف في الجواب عن المسائل المذكورة التي ذكرها محمد تثبتا لما ذهب إليه. فقال: م: (بخلاف إعتاق الغاصب بنفسه) ش: حيث لم ينفذ بعد ضمان القيمة م: (لأن الغصب غير موضوع لإفادة الملك) ش: لأنه عدوان محض، وهذا التعليل لا يتم؛ لأنه يرد عليه أن ينفذ بيعه أيضا عند إجازة المالك لأنه لم يوضع لإفادة الملك كما لا ينفذ عتقه، لما أن كلا من جواز البيع والعتق يحتاج إلى الملك، ولكن وجه تمام التعليل بما ذكره في " المبسوط " بخلاف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 319 وبخلاف ما إذا كان في البيع خيار للبائع لأنه ليس بمطلق، وقران الشرط به يمنع انعقاده في حق الحكم أصلا. وبخلاف المشتري من الغاصب إذا باع؛ لأن بالإجازة يثبت للبائع ملك بات، فإذا طرأ على ملك موقوف لغيره أبطله   [البناية] الغاصب إذا أعتق ثم ضمن القيمة، لأن المستند له حكم الملك لا حقيقة الملك، ولهذا لا يستحق الزوائد المنفصلة وحكم المالك يكفي لنفوذ البيع دون العتق كحكم ملك المكاتب في كسبه، وهاهنا الثابت للمشتري من وقت العقد حقيقة الملك، ولهذا استحق الزوائد المتصلة والمنفصلة جميعا، لأن الملك ثبت مطلقا لا ضرورة إذا للضمان. م: (وبخلاف ما إذا كان في البيع خيار للبائع) ش: حيث لا ينفذ العتق م: (لأنه) ش: أي لأن البيع بالخيار م: (ليس بمطلق) ش: أي غير تام م: (وقران الشرط به) ش: أي بالبيع أو بالعقد م: (يمنع انعقاده في حق الحكم أصلا) ش: فكان الملك معدوما مع وجود الخيار المانع، فلم يصادف إعتاق المشتري محال مملوكا له فيلغو. م: (وبخلاف المشتري من الغاصب إذا باع) ش: هذا جواب عن المسألة الثالثة، بيانه أن الذي اشترى من الغاصب إذا باع ما اشتراه لا يتوقف بيعه بل يبطل م: (لأن بالإجازة) ش: أي بإجازة المبيع الأول م: (يثبت للبائع) ش: وهو المشتري من الغاصب م: (ملك بات) ش: أي من كل وجه م: (فإذا طرأ) ش: أي الملك البات م: (على ملك موقوف لغيره) ش: أي لغير المشتري من الغاصب وهو المشتري من المشتري من الغاصب م: (أبطله) ش: أي أبطل الملك الموقوف لغيره؛ لأنه لا يتصور اجتماع البات مع الموقوف في محل واحد والبيع بعد ما بطل لا يلحقه الإجازة، وكذا لو وهبه مولاه للغاصب أو تصدق به عليه أو مات فورثه فهذا كله مبطل للملك الموقوف بطروء الملك البات على الملك الموقوف. فإن قيل: يشكل على هذا الأصل ما إذا باع الغاصب ثم أدى الضمان ينقلب بيع الغاصب جائزا، وإن طرأ الملك الذي يثبت للغاصب بأداء الضمان على ملك المشتري الذي اشتراه منه وهو موقوف. قلنا: إن ثبوت الملك للغاصب ضروري ثبت له ضرورة وجوب الضمان، فلم يظهر في حق إبطال ملك المشتري. فإن قيل: لو كان الملك البات يبطل الملك الموقوف فأولى أن يمنعه، لأن المنع أسهل من الرفع، فعلى هذا يجب أن لا ينعقد بيع الفضولي، لأن للمالك ملكا باتا فيجب أن يمنع الفضولي عن الانعقاد لعدم اجتماع الملك الموقوف مع البات. قلنا: البيع الموقوف غير موجود في حق المالك بل يوجد من الفضولي، فالمنع إنما يكون بعد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 320 وأما إذا أدى الغاصب الضمان ينفذ إعتاق المشتري منه، كذا ذكره هلال وهو الأصح. قال: فإن قطعت يد العبد فأخذ أرشها، ثم أجاز البيع؛ فالأرش للمشتري؛ لأن الملك قد تم له من وقت الشراء، فتبين أن القطع حصل على ملكه،   [البناية] الوجود، أي وجود المعارض ولا معارض هنا، بخلاف ما نحن فيه. فإن الملك البات ثبت للفضولي، والملك الموقوف ظهر في حقه فوقع التعارض بين الملكين فيرفع البات الموقوف. وقال الأكمل: وفيه نظر لأن ما يكون بعد الوجود رفع لا منع، وفي الحقيقة هو مغالطة وإن كلامنا في أن طرأ الملك البات يبطل الموقوف وليس ملك المالك طارئا حتى يتوجه السؤال. [إعتاق المشتري من الغاصب] م (وأما إذا أدى الغاصب الضمان) ش: هذا جواب عن المسألة الرابعة بيانه أن الغاصب إذا أدى الضمان فلا نسلم له وأن إعتاق المشتري منه لا ينفذ كما قال محمد م: (ينفذ إعتاق المشتري منه) ش: أي من الغاصب م: (كذا ذكره هلال) ش: وهو هلال الري بن يحيى البصري صاحب " الوقف "، ومن قال: إنه الزازي فقد صحف م: (وهو الأصح) ش: أي نفاذ إعتاق المشتري من الغاصب هو الأصح، وفيه إشارة إلى أن فيه اختلاف المشايخ. وقال علاء الدين العالم في " طريقة الخلاف ": فيه اختلاف المشايخ والأصح أنه ينفذ، وإليه أشار في وقف هلال، فإنه نفذ وقف المشتري من الغاصب إذا ملكه الغائب بالضمان والوقف تحرير الأرض كالإعتاق تحرير العبد. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (فإن قطعت يد العبد) ش: أي في يد المشتري من الغاصب م: (فأخذ) ش: أي المشتري م: (أرشها ثم أجاز) ش: أي المولى م: (البيع) ش: أي بيع الغاصب م: (فالأرش) ش: أي فأرش اليد م: (للمشتري لأن الملك قد تم له) ش: بعد الإجازة م: (من وقت الشراء، فتبين أن القطع حصل على ملكه) ش: قال الأكمل: واعترض بما إذا غصب عبدا فقطعت يده وضمنه الغاصب فإنه لا يملك الأرض، وإن ملك المضمون، والفضولي إذا قال لامرأة: أمرك بيدك فطلقت نفسها ثم بلغ الخبر الزوج فأجاز صح التفويض دون التطليق وإن ثبت المالكية لها من حين التفويض حكما للإجازة. وأجيب عن الأول: بأن الملك في المغصوب ثبت ضرورة على ما عرف وهي تندفع مثبوتة من وقت الأداء فلا تملك الأرش لعدم حصوله في ملكه. وعن الثاني: بأن الأصل أن كل تصرف يوقف حكمه على شيء أن يجعل معلقا بالشرط لا سببا منه وقت وجوده لئلا يتخلف الحكم عن السبب إلا فيما لا يحتمل التعليق بالشرط كالبيع ونحوه، فإنه يعتبر سببا من وقت وجوده متأخرا حكمه إلى وقت الإجازة فعندهما يثبت الملك من وقت العقد والتفويض مما يحتمله، فجعل الموجود من الفضولي معلقا بالإجازة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 321 وهذا حجة على محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والعذر له أن الملك من وجه يكفي لاستحقاق الأرش، كالمكاتب إذا قطعت يده فأخذ الأرش ثم رد في الرق يكون الأرش للمولى، وكذا إذا قطعت يد المشتري في يد المشتري، والخيار للبائع، ثم أجيز البيع؛ فالأرش للمشتري. بخلاف الإعتاق على ما مر.   [البناية] فعندهما يصير كأنه وجد الآن فلا يثبت حكمه إلا من وقت الإجازة. م: (وهذا حجة على محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: قال الأترازي: إن كون أرش اليد للمشتري بعد الإجازة حجة عليه، يعني لما تم الملك من وقت الشراء حتى كان الأرش للمشتري كان ينبغي أن ينفذ إعتاق المشتري من الغاصب أيضا عنده، لأن الإعتاق يكون حينئذ في الملك وفي نسخة شيخي العلاء: وهذه حجة على محمد. قال الكاكي: أي هذه المسألة، وفي بعض النسخ وهو أي قوله: فتبين أن القطع ... إلى آخره، والأول أصح. وجه كونها حجة أن الملك الثابت عنده بطريق الاستناد لا يكفي لنفوذ العتق ويكفي لاستحقاق الأرش، وعندهما يكفي لهما، وفي نسخة " الأكمل " وهذا أي كون الأرش للمشتري حجة على محمد في عدم تجويز الإعتاق في الملك الموقوف لما أنه لو لم يكن للمشتري شيء من الملك لما كان له الأرش عند الإجازة كما في الغصب، حيث لا يكون له ذلك عند أداء الضمان. م: (والعذر له) ش: أي لمحمد، قال الكاكي: أي الجواب عن هذه المسألة. وقال الأترازي: أي جواب محمد عن هذا بأن يقول: م: (أن الملك من وجه يكفي لاستحقاق الأرش) ش: والثابت بالاستناد ملك من وجه دون وجه م: (كالمكاتب إذا قطعت يده فأخذ الأرش ثم رده في الرق يكون الأرش للمولى، وكذا) ش: أي وكذا الحكم م: (إذا قطعت يد المشتري) ش: بفتح الراء وهو العبد م: (في يد المشتري) ش: بكسر الراء م: (والخيار للبائع) ش: الواو فيه للحال م: (ثم أجيز البيع فالأرش للمشتري) ش: بكسر الراء م: (بخلاف الإعتاق) ش: حيث لا ينفذ إعتاق المشتري فيما إذا كان الخيار للبائع م: (على ما مر) ش: إشارة إلى قوله: والمصحح للإعتاق هو الملك الكامل لا الملك من وجه دون وجه. وفي " النهاية ": قوله: على ما مر هو قوله: وبخلاف ما إذا كان في البيع خيار البائع لأنه ليس بمطلق، وقران الشرط به يقع انعقاده. وقال الأكمل: وقيل بخلاف الإعتاق متعلق بقوله إن الملك من وجه لاستحقاق الأرش، يعني أن إعتاق المشتري من الغاصب بعد الإجازة لا ينفذ عند محمد، لأن المصحح للإعتاق وهو الملك الكامل لا الملك من وجه دون وجه. وقوله على ما مر إشارة إلى قوله: والمصحح الإعتاق هو الملك الكامل، وهذا أقرب، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 322 ويتصدق بما زاد على نصف الثمن؛ لأنه لم يدخل في ضمانه أو فيه شبهة عدم الملك. قال: فإن باعه المشتري من آخر ثم أجاز المولى البيع الأول لم يجز البيع الثاني لما ذكرنا، ولأن فيه غرر الانفساخ على اعتبار عدم الإجازة في البيع الأول والبيع يفسد به، بخلاف الإعتاق عندهما لأنه لا يؤثر فيه الغرر.   [البناية] قلت: أي أقرب من الوجه الذي ذكره في النهاية. ووجه الأقربية ما ذكرناه، وهو الذي ذكره الشراح. م: (ويتصدق) ش: أي المشتري من الغاصب م: (بما زاد) ش: من أرش اليد م: (على نصف الثمن) ش: لأن أرش اليد الواحدة في المرء نصف الدية، وفي العبد نصف القيمة والذي دخل في ضمان المشتري بمقابلة اليد المقطوعة نصف الثمن وما زاد عليه لم يدخل في ضمانه فكان ربح ما لم يضمن فيتصدق بالفضل وهو حاصل معنى قوله: م: (لأنه لم يدخل في ضمانه) ش: أي لأن ما زاد على نصف الثمن لم يدخل في ضمان المشتري م: (أو فيه شبهة عدم الملك) ش: تعليل آخر، أي أو في أخذ الأرش بعد القبض شبهة عدم الملك، لأن الملك يثبت يوم القطع مستندا إلى وقت البيع وهو ثابت من وجه دون وجه فيكون فيه شبهة عدم الملك فلا يطيب الربح الحاصل به. وقال الأترازي: وفيه نظر؛ لأنه إذا كان بشبهة العدم اعتبار ينبغي أن يتصدق بجميع الأرش لا بالنظر وحده، انتهى. قلت: كان ينبغي ألا يتصدق بشيء بالنظر إلى ثبوت الملك من كل وجه ولكن لما كان غير ثابت من كل وجه يتصدق بالربح فقط بالنظر إلى عدم ثبوت الملك من كل وجه. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (فإن باعه المشتري من آخر) ش: أي فإن باع المشتري من الغاصب العبد من شخص آخر م: (ثم أجاز المولى البيع الأول لم يجز البيع الثاني لما ذكرنا) ش: أي بالإجازة يثبت للبائع ملك بات، والملك البات إذا طرأ على ملك موقوف لغيره أبطله م: (ولأن فيه) ش: أي في البيع الثاني م: (غرر الانفساخ على اعتبار عدم الإجازة في البيع الأول والبيع يفسد به) ش: أي بالغرر ولورود النهي عن بيع فيه غرر. قيل: هذا التعليل شامل لبيع الغاصب من مشتريه وبيع الفضولي أيضا؛ لأنه يحتمل أن يجيز المالك بيعها وأن لا يجيز، ومع ذلك انعقد بيع الغاصب والفضولي موقوفا. وأجيب: بأن غرر الانفساخ في بيعهما عارضه النفع الذي يحصل للمالك المذكور فيما تقدم، فبالنظر إلى العذر يفسد وبالنظر إلى النفع وعدم الضرر يجوز فقلنا بالجواز الموقوف عملا بهما. م: (بخلاف الإعتاق عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- حيث ينفذ إعتاق المشتري من الغاصب بعد الإجازة على قولهما م: (لأنه) ش: أي لأن الإعتاق م: (لا يؤثر فيه الغرر) ش: بدليل أن المشتري لو أعتق المبيع قبل القبض يجوز، ولو باعه لا يجوز، وقد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 323 قال: فإن لم يبعه المشتري فمات في يده أو قتل، ثم أجاز البيع لم يجز؛ لما ذكرنا أن الإجازة من شرطها قيام المعقود عليه وقد فات بالموت، وكذا بالقتل إذ لا يمكن إيجاب البدل للمشتري بالقتل، حتى يعد باقيا ببقاء البدل؛ لأنه لا ملك للمشتري عند القتل ملكا يقابل بالبدل، فيتحقق الفوات، بخلاف البيع الصحيح؛ لأن ملك المشتري ثابت فأمكن إيجاب البدل له فيكون المبيع قائما بقيام خلفه. قال: ومن باع عبد غيره بغير أمره، وأقام المشتري البينة على إقرار البائع أو رب العبد أنه لم يأمره بالبيع، وأراد رد البيع لم تقبل بينته؛ للتناقض في الدعوى، إذ الإقدام على الشراء إقرار منه بصحتة، والبينة مبنية على صحة الدعوى. وإن أقر البائع بذلك عند القاضي بطل البيع إن طلب المشتري ذلك؛ لأن التناقض لا يمنع صحة الإقرار،   [البناية] روي عن أبي حنيفة أنه يتوقف البيع كما يتوقف الإعتاق. م: (قال) ش: أي المصنف، لأن محمدا لم يذكر هذه المسألة في " الجامع الصغير "، ولكن الشراح ذكروها، وصاحب " الهداية " ذكرها تفريعا كما ذكرها الشراح م: (فإن لم يبعه المشتري) ش: أي المشتري من الغاصب م: (فمات) ش: أي العبد م: (في يده) ش: أي في يد المشتري م: (أو قتل ثم أجاز) ش: أي المالك م: (البيع) ش: أي بيع الغاصب م: (لم يجز) ش: بالاتفاق م: (لما ذكرنا أن الإجازة من شرطها قيام المعقود عليه وقد فات بالموت، وكذا بالقتل إذ لا يمكن إيجاب البدل للمشتري بالقتل حتى يعد باقيا ببقاء البدل؛ لأنه لا ملك للمشتري عند القتل ملكا يقابل بالبدل فيتحقق الفوات. بخلاف البيع الصحيح) ش: يعني البيع الصحيح إذا قتل العبد قبل القبض يمكن إيجاب البدل للمشتري م: (لأن ملك المشتري ثابت فأمكن إيجاب البدل له فيكون المبيع قائما بقيام خلفه) ش: وهو القيمة والمشتري بالخيار فإن اختار البدل كان البدل له. [باع عبد غيره بغير أمره] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن باع عبد غيره بغير أمره) ش: صورته في " الجامع " محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل باع عبد رجل بغير أمر صاحبه فقال المشتري: أرد البيع لأنك بعتني بغير أمر صاحبه وجحد البائع ذلك م: (وأقام المشتري البينة على إقرار البائع أو رب العبد) ش: أي وأقام البينة على رب العبد م: (أنه لم يأمره بالبيع وأراد رد البيع لم تقبل بينته للتناقض في الدعوى) ش: لأن صحة البينة عند صحة الدعوى، وهنا بطلت الدعوى م: (إذ الإقدام) ش: أي لأن إقدام المشتري م: (على الشراء إقرار منه بصحته) ش: أي صحة الشراء وأن البائع ملك البيع م: (والبينة مبنية على صحة الدعوى) ش: والدعوى غير صحيحة لما قلنا. م: (وإن أقر البائع بذلك) ش: أي بأنه باعه بغير أمره عند القاضي أو عند غير القاضي إلا أن البينة تختص بمجلس القاضي فلهذا ذكر م: (عند القاضي بطل البيع إن طلب المشتري ذلك) ش: أي إبطال البيع م: (لأن التناقض لا يمنع صحة الإقرار) ش: ألا ترى أن من أنكر شيئا ثم أقر بذلك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 324 فللمشتري أن يساعده على ذلك فيتحقق الاتفاق بينهما، فلهذا شرط طلب المشتري. قال: وذكر في الزيادات أن المشتري إذا صدق مدعيه ثم أقام البينة على إقرار البائع أنه للمستحق تقبل، وفرقوا أن العبد في هذه المسألة في يد المشتري، وفي تلك المسألة في يد غيره وهو المستحق، وشرط الرجوع بالثمن أن لا يكون العين سالما للمشتري   [البناية] صح إقراره، إلا أن الإقرار حجة قاصرة نافذ في حق الغير خاصة م: (فللمشتري أن يساعده على ذلك) ش: أي يوافق البائع على إقراره. فإذا ساعده م: (فيتحقق الاتفاق بينهما) ش: فينفذ عليهما م: (فلهذا) ش: أي فلأجل ذلك م: (شرط طلب المشتري) ش: حتى يكون نقضا باتفاقهما. ثم ذكر المصنف مسألة الزيادات نقضا على مسألة " الجامع الصغير " بقوله م: (قال) ش: أي المصنف م: (وذكر في الزيادات) ش: في الباب الثالث من الكتاب م: (أن المشتري إذا صدق مدعيه) ش: يوضحه رجل ادعى على المشتري بأن ذلك العبد له وصدقه المشتري في ذلك م: (ثم أقام البينة على إقرار البائع أنه) ش: أي أن البيع م: (للمستحق) ش: أي هذا المستحق م: (تقبل) ش: وإن تناقض في دعواه. م: (وفرقوا) ش: أي المشايخ بين رواية " الجامع الصغير " والزيادات م: (أن العبد في هذه المسألة) ش: أي في مسألة " الجامع الصغير " م: (في يد المشتري) ش: فيكون سالما له فلا يثبت له حق الرجوع بالثمن مع سلامة المبيع، لأن شرط الرجوع بالثمن عدم سلامة المبيع م: (وفي تلك المسألة) ش: أي في مسألة الزيادات م: (في يد غيره) ش: أن العبد المبيع في يد غيره م: (وهو المستحق، وشرط الرجوع بالثمن أن لا يكون العين سالما للمشتري) ش: وهاهنا لم يسلم فله الرجوع لوجدان شرطه. وقال الأترازي: ولنا في هذا الفرق نظر، لأن وضع المسألة في الزيادات أيضا في العبد في يد المشتري، ولئن قلنا: إن العبد في يد المستحق فلا نسلم أن البينة تقبل حينئذ، لأن التناقض في الدعوى موجود لا محالة كما بينا، ومبنى البينة على صحة الدعوى فلم تصح فلا تصح البينة، والأولى أن يقال: إن المشتري أقام البينة على قرار البائع أو رب العبد قبل البيع في مسألة " الجامع الصغير "، فلهذا لم تقبل البينة للتناقض وفي مسألة الزيادات أقام البينة على الإقرار بعد البيع، فلم يلزم التناقض فقبلت البينة، انتهى. وقد نقل الأكمل هذا بقوله: قيل في هذا الفرق نظر إلى آخره. ثم قال: قال صاحب " النهاية ": ولم يتضح لي فيه شيء سوى هذه بعد أن تأملت فيه برهة من الدهر وفيه نظر، لأن التوفيق في وضع " الجامع الصغير " ممكن لجواز أن يكون المشتري أقدم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 325 قال: ومن باع دارا لرجل وأدخلها المشتري في بنائه لم يضمن البائع، عند أبي حنيفة، وهو قول أبي يوسف آخرا، وكان يقول أولا: يضمن البائع، وهو قول محمد، وهي مسألة غصب العقار، وسنبينه في الغصب إن شاء الله تعالى، والله أعلم بالصواب.   [البناية] على الشراء ولم يعلم بإقرار البائع لعدم الأمر، ثم ظهر له ذلك بأن قال عدول: سمعناه قبل البيع أقر بذلك ويشهدون به، ومثل ذلك ليس بمانع، وهذا الموضع موضع تأمل. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن باع دارا لرجل) ش: أي باع دار غيره بغير أمره، وفي جامع فخر الإسلام: ومعنى المسألة إذا باعها ثم اعترف بالغصب وكذبه المشتري م: (وأدخلها المشتري في بنائه) ش: يعني قبضها، وإنما قيد بهذا لأن المسألة هكذا وقعت م: (لم يضمن البائع) ش: أي قيمة الدار إن أقر أنه غصب منه م: (عند أبي حنيفة، وهو قول أبي يوسف آخرا، وكان يقول أولا: يضمن البائع وهو قول محمد، وهي مسألة غصب العقار، وسنبينه في الغصب) ش: أي في كتاب الغصب م: (إن شاء الله تعالى) ش: والله القادر على ذلك. فروع: عقدان موقوفان أجيزا وتوافقا كالبيعين ثبتا، ولو تنافيا ثبت إقرارهما كالبيع والنكاح وإلا بطلا كالنكاحين. ولو اجتمع بيعان في عقد من فضوليين وأجيزا معا أخذ كل واحد النصف أو ترك، لأن كل واحد شرع في العقد على أن العبد كله له، فإذا انتصف يجوز، والبيع أحق من النكاح والإجارة والرهن، حتى لو باعه فضولي والآخر رهنه أو أجره أو زوجه فأجازهما المولى جاز البيع وبطل غيره، لأن البيع أقوى لأنه يفيد ملك الرقبة ولا كذلك غيره، والكتابة والتدبير أحق من غيرهما؛ لأنها لازمة، بخلاف غيرها، والهبة والإجارة أحق من الرهن، لأن الهبة تفيد ملك الرقبة والإجارة ملك المنفعة ولا كذلك الرهن والهبة أحق من الهبة في الدار، فإن الهبة تبطل بالشروع ويبقى البيع بلا مزاحم، وفي العبد استويا لأن الهبة مع القبض تساوي البيع في إفادة الملك، وكل واحد يأخذ بالنصب، لأن هبة المشاع فيما لا يقيم صحيحة، م: (والله أعلم بالصواب) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 326 باب السلم   [البناية] [باب السلم] [تعريف السلم] م: (باب السلم) ش: أي هذا باب في بيان أحكام السلم. ولما فرغ من أنواع البيع التي لا يشترط فيها قبض العوضين أو أحدهما شرع في بيان ما يشترط فيه ذلك وقدم السلم على الصرف لكون الشرط فيه قبض أحد العوضين فهو منزلة المفرد من المركب، والمفرد مقدم. وقال الكاكي: والهمزة فيه للسلب، أي أزال سلامة الدراهم بالتسليم إلى مفلس في مؤجل، أو هو من التسليم، لأن تسليم رأس المال فيه لازم، وفيه تأمل. وفي " الإيضاح " السلم لغة عبارة عن الاستعجال والسلم والسلف، بمعنى واحد وخص هذا النوع بهذا الاسم، لأن شرعيته كانت لمعنى يخص رأس المال وهو استعجاله وتحصيله قبل وجود المبيع، لأن الحاجة إليه. وقيل: سمي به لكون معجلا على وقته، فإن أوان البيع عند وجود المبيع المعقود عليه في ملك العاقد، والسلم عادة إنما يكون فيما ليس بموجود في ملكه فيكون معجلا على وقته، وكذا في " الكافي ". وقال: "صاحب التحفة ": السلم عقد يثبت الملك في الثمن عاجلا. وفي الثمن آجلا يسمى سلما وإسلاما وسلفا وإسلافا لما فيه من تسليم رأس المال للحال. وفي عرف الشرع عبارة عن هذا أيضا مع زيادة شرائط ورد الشرع بها لم يعرفها أهل اللغة. وقال الأكمل: السلم في اصطلاح الفقهاء أخذ عاجل، ورد بأن السلعة إذ بيعت بثمن مؤجل وجد فيه هذا المعنى وليس بسلم، ولو قبل بيع آجل بعاجل لاندفع ذلك، وكذا قال الأترازي: فمن هذا عرفت قسما. وما قيل في بعض الشروح أن السلم أخذ عاجل بآجل، لأن السلعة إذا بيعت بثمن مؤجل يوجد هذا المعنى وليس بسلم، انتهى. قلت: في كلام الأكمل نسبة الفقهاء إلى الخطأ. وفي كلام الأترازي نسبة بعض الشراح إليه ولا ينبغي هذا، والظاهر أنه لم يقل هذا هكذا أحد منهم، وإنما هذا وقع هكذا تحريفا من النساخ الجهلة، فاستمر النقل على هذا التحريف، وإنما قالوا: السلم أخذ آجل بعاجل فلا يرد عليه شيء. وركن السلم الإيجاب والقبول بأن يقول رجل لآخر: أسلمت إليك عشرة دراهم في كر حنطة، أو قال أسلفت وقال الآخر: قبلت، ويسمى صاحب الدراهم رب السلم والمسلم أيضا، ويسمى الآخر المسلم إليه والحنطة المسلم فيه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 327 السلم عقد مشروع بالكتاب، وهو آية المداينة، فقد قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أشهد أن الله أحل السلف المضمون، وأنزل فيها أطول آية في كتابه وتلا قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] (البقرة: الآية 282)   [البناية] ولو قال المسلم إليه لآخر: بعت منك كر حنطة هكذا وذكر شرائط المسلم ينعقد أيضا، لأن السلم نوع بيع وشرائطه تذكر عند قوله: ولا يصح السلم عند أبي حنيفة إلا بسبعة شرائط، وحكمه ثبوت الملك لرب السلم في المسلم فيه مؤجلا بمقابلة ثبوت الملك في رأس العين أو الموصوف للمسلم إليه معجلا بطريق الرخصة دفعا لحاجة الناس. [مشروعية السلم] م: (السلم عقد مشروع بالكتاب، وهو آية المداينة) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: 282] (البقرة: الآية 282) ، وهي أطول آية في القرآن يعني إذا تداينتم بدين مؤجل أي مؤجل إلى أجل مسمى فاكتبوه، وفائدة قوله مسمى الإعلام بأن من حق الأجل أن يكون معلوما، ومعنى تداينتم بدين إذا تداين بعضكم بعضا، يقال: داينت الرجل إذا عاملته بدين معطيا أو آخذا كما تقول بايعته إذا بعته أو باعك. م: (فقد قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أشهد أن الله أحل السلف المضمون، وأنزل فيها أطول آية في كتابه وتلا قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] (البقرة: الآية 282)) ش: هذا رواه الحاكم في مستدركه في تفسير سورة البقرة عن أيوب عن قتادة عن أبي حسام الأعرج عن ابن عباس قال: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه وأذن فيه، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] الآية، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وكذلك رواه الشافعي في مسنده ومن طريقه رواه البيهقي في المعرفة ورواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما وقال مخرج الأحاديث: ورأيت بعض مصنفي زماننا أسندوا هذا الحديث إلى البخاري وهو غلط ولم يخرج البخاري في صحيحه لأبي حسان الأعرج شيئا واسمه مسلم. قوله: أحل السلف المضمون أي المؤجل، وهذا جاء في رواية أخرى أنه تعالى أحل السف المؤجل، وقيل إن السلف الواجب في الذمة. وقوله: المضمون صفة السلف والسلف متميز لا مميز كما في قَوْله تَعَالَى: {النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة: 44] وكقولهم الحبشي الأسود والكافور الأبيض، وهذا لأن المسلم فيه واجب في الذمة لا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 328 وبالسنة، وهو ما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم» والقياس وإن كان يأباه ولكنا تركناه بما رويناه. ووجه القياس أنه بيع المعدوم إذ المسلم فيه هو المبيع.   [البناية] محالة. وقيل مميزه لأن السلف يطلق أيضا على معنى آخر يقال: سلف الرجل آباءه الأقدمين. قوله: وأنزل فيه وفي بعض النسخ وأنزل فيها، وكذا في نسخة شيخي العلاء. وقال الأترازي: في السلف وإنما أنث الضمير على تأويل المداينة، ومثل ذلك حاكما روى صاحب " الجمهرة " عن أبي حاتم الأصمعي قال أبو عمرو بن العلاء: سمعت أعرابيا يمانيا يقول: لفلان لغوب جاءته كتابي فاحتقرها. فقلت: أتقول جاءته كتابي؟ فقال أليس بصحيفة؟ فقلت له ما اللغوب؟ قال: الأحمق. م: (وبالسنة) ش: هو عطف على قوله بالكتاب، أي ومشروع بالسنة م: (وهو ما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم» ش: هذا غريب بهذا اللفظ. وقوله ورخص في السلم من تمام الحديث لا من كلام المصنف. وقال الكاكي: هذا نقل الحديث بالمعنى، ولفظ الحديث "لا «تبع ما ليس عندك» . والصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رووه بهذا اللفظ، والمراد بما ليس عندك ما ليس في ملكه، فإنه لو كان في ملكه يجوز وإن لم يكن حاضرا إذا كان المشتري رآه قبل ذلك، انتهى. قلت: الظاهر أن هذا الحديث مركب من حديثين فحديث النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا تبع ما ليس عندك» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وأما الرخصة في السلم فأخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن أبي المنهال «عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة والناس يسلفون في التمر السنتين والثلاث فقال: "من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم إلى أجل معلوم» . م: (والقياس وإن كان يأباه) ش: أي السلم أي جوازه م: (ولكنا تركناه) ش: أي القياس م: (بما رويناه) ش: وهو الحديث الذي ذكرنا الآن م: (ووجه القياس أنه بيع المعدوم إذ المسلم فيه هو المبيع) ش: وفي أكثر النسخ إذ المبيع هو المسلم فيه وهو معدوم وبيع موجود غير مملوك أو مملوك غير مقدور التسليم لا يصح، فبيع المعدوم أولى وأجدر وانعقد الإجماع على جوازه باعتبار الحاجة والضرورة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 329 قال: وهو جائز في المكيلات والموزونات لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أسلم منكم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» والمراد بالموزونات غير الدراهم والدنانير؛ لأنهما أثمان، والمسلم فيه لا بد أن يكون مثمنا، فلا يصح السلم فيها. ثم قيل: يكون باطلا.   [البناية] فإنه يحتاج إليه الفقير والغني لأنه ربما لا يكون عنده عين مال يبيعها وينفق على نفسه فيحتاج إلى أخذ السلم والغني يحتاج إلى أن ينفق على نفسه وعياله، فيحتاج إلى الاسترباح والاسترباح يحصل بهذا الطريق أكثر مما يحصل بشراء الأعيان، لأن الأعيان تشترى بمثل والدين بأقل يأكل منه فجوز باعتبار الحاجة. [السلم في الدراهم والدنانير] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وهو) ش: أي السلم م: جائز في المكيلات) ش: يعني في كل كيلي م: والموزونات) ش: يعني في كل وزني م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من أسلم منكم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن المنهال قال: سمعت ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الحديث، وقد مضى الآن، ورواه أحمد في مسنده بلفظ «فلا يسلف إلا في كيل معلوم» . قال البيهقي: قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - معناه إذا أسلف أحدكم في كيل فليسلف في كيل معلوم وإن أسلف فليسلف في وزن معلوم، وإذا سمى أجلا فليسلم أجلا معلوما. م: (والمراد) ش: أي مراد القدوري في قوله م: (بالموزونات غير الدراهم والدنانير لأنهما أثمان، والمسلم فيه لا بد أن يكون مثمنا) ش: لكونه مبيعا م: (فلا يصح السلم فيهما) ش: أي في الدراهم والدنانير، صورته أن يسلم عشرة أذرع من الكرباس وغيره من المكيل والموزون في عشرة دراهم أو دنانير، أما لو أسلم عشرة دراهم في عشرة دنانير لا يجوز بالإجماع؛ لأنه ربا. واختلف المشايخ في السلم في الدراهم والدنانير، أشار المصنف إلى بيانه بقوله م: (ثم قيل يكون باطلا) ش: أي يكون السلم باطلا، وهو قول عيسى بن أبان. وقال الكاكي: هذا الاختلاف فيما إذا أسلم الحنطة أو غيرها من المعروض. وفي " المبسوط " لو أسلم الحنطة في الذهب والفضة لا يجوز عندنا، وعند الشافعي في القدر يجوز، وبه قال مالك بناء على أن النقد يصلح أن يكون مبيعا عنده، ولكن ذكر في كتبهم أنه يصح مطلقا ويذكر ستة أوصاف، النوع واللون والجودة وأنه حديث أو عتيق وصغار أو كبار، وعندنا لا يصح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 330 وقيل: ينعقد بيعا بثمن مؤجل تحصيلا لمقصود المتعاقدين بحسب الإمكان، والعبرة في العقود للمعاني، والأول أصح لأن التصحيح إنما يجب في محل أوجبا العقد فيه ولا يمكن ذلك. قال: وكذا في المذروعات؛ لأنه يمكن ضبطها بذكر الذرع والصفة والصنعة، ولا بد منها لترتفع الجهالة فيتحقق شرط صحة السلم،   [البناية] م: (وقيل ينعقد بيعا) ش: وهو قول أبي بكر الأعمش فعنده ينعقد بيعا م: (بثمن مؤجل تحصيلا لمقصود المتعاقدين بحسب الإمكان، والعبرة في العقود للمعاني) ش: لا للألفاظ م: (والأول) ش: وهو قول عيسى بن أبان م: (أصح لأن التصحيح) ش: أي تصحيح العقد م: (إنما يجب في محل أوجبا) ش: أي البائع والمشتري م: (العقد فيه) ش: وهو الدراهم والدنانير م: (ولا يمكن ذلك) ش: أي تصحيحه في محل آخر؛ لأنهما لم يوجبا العقد فيه. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وكذا) ش: أي يجوز م: (في المذروعات) ش: ولا خلاف فيه للأئمة الأربعة م: (لأنه يمكن ضبطها بذكر الذرع) ش: أي طولا وعرضا م: (والصفة والصنعة، ولا بد منها) ش: أي من الصفات الثلاث م: (لترتفع الجهالة فيتحقق شرط صحة السلم) ش: والتفاوت اليسير بعدها غير معتبر لأنه لا يفضي إلى المنازعة المانعة من التسليم والتسلم. وفي " المجتبى " والقياس أن لا يجوز السلم في المذروعات كالثياب والحصر والبواري لتعذر قبولها في الذمة، ولهذا لا يضمن بالمثل بالاستهلاك كالجواهر، لكن ترك ذلك بإجماع الفقهاء، انتهى. وقيل ألحقت المذروعات بالمكيلات والموزونات بدلالة النص، لأن قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: من أسلم منكم.. الحديث يقتضي الجواز في المكيلات والموزونات باعتبار التسوية في التسليم على ما وصف في المسلم فيه، والتسوية تتحقق في المذروعات فيجوز إلحاقها بهما بطريق الدلالة. فإن قيل: إنما يجوز العمل بالدلالة إذا لم يعارضه عبارة النص، وهاهنا عبارة قوله عليه أفضل الصلاة والسلام: «لا تبع ما ليس عندك» نافية لإلحاقها بهما، لأن تلك العبارة لما خصصت بالكيلي والوزني بالحديث انحصر الجواز فيهما وبقي ما وراءهما تحت نفي عبارة قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لا تبع ... الحديث، والمذروع فيما وراءهما فلا يصح العمل بالدلالة. قلنا: هذا الذي ذكرته حجة عليك، لأن العام من الكتاب إذا خص منه البعض لا يبقى الباقي حجة أصلا عند الكرخي، فيكف في السنة؟!، وعلى القول المختار إن بقي حجة ولكن مرتبته دون مرتبة القياس وخبر الواحد ولا شك أن دلالة النص أقوى من القياس وخبر الواحد، فلم يكن ذلك العام معارضا للدلالة، فبقيت الدلالة سالمة عن المعارض فيجوز السلم في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 331 وكذا في المعدودات التي لا تتفاوت كالجوز والبيض؛ لأن العددي المتقارب معلوم، مضبوط الوصف، مقدور التسليم، فيجوز السلم فيه، والصغير والكبير فيه سواء باصطلاح الناس على إهدار التفاوت، بخلاف البطيخ والرمان؛ لأنه يتفاوت آحاده تفاوتا فاحشا، وتفاوت الآحاد في المالية يعرف العددي المتفاوت. وعن أبي حنيفة أنه لا يجوز في بيض النعامة لأنه يتفاوت آحاده في المالية،   [البناية] المذروعات والعدديات الثابت بها مساويا لما ثبت بالنص أو أقوى. وفي " الإيضاح " جواز السلم في الثياب بطريق الاستحسان؛ لأنها مصنوع العبد، والعبد يصنع بالآلة، فإذا اتخذ الآلة والصانع يتخذ المصنوع فلا يبقى بعد ذلك إلا قليل تفاوت، وذا يحتمل في المعاملات دون الاستهلاكات، ألا ترى أن الأب إذا باع مال ولده الصغير بغبن يسير كان متحملا، ولو استهلك شيئا يسيرا يجب عليه ضمانه. م: (وكذا) ش: أي وكذا يجوز السلم م: (في المعدودات التي لا تتفاوت كالجوز والبيض؛ لأن العددي المتقارب) ش: وهو ما لا يتفاوت آحادها بالقيمة ويضمن بالمثل م: (معلوم مضبوط الوصف، مقدور التسليم، فيجوز السلم فيه، والصغير والكبير فيه سواء باصطلاح الناس على إهدار التفاوت) ش: فإن المسامحة تجري فيما بينهم في صغيره وكبيره، فإنك لا ترى جوزة بفلس وجوزة بفلسين، وإنما تفاوت إذا عد في المالية وذلك التفاوت يفوت بذكر النوع، ولهذا جوزوا السلم في الباذنجان والكاغد عددا، وبه قال الشافعي، وفي " شرح الطحاوي " صغير البيض وكبيره سواء بعد إن كان من جنس واحد. وقال الشافعي: يجوز السلم في كل المعدودات المتقاربة والمتفاوت وزنا وهل يجوز كيلا له، فيه وجهان. وقال في الجوز واللوز: يجوز وزنا ولا يجوز كيلا، وقال الأوزاعي: في العدديات المتفاوت وبه مثل مذهبنا واسمه عبد الرحمن بن عمرو. وفي " وجيز الشافعية " ولا يكفي العد في المعدودات، بل لا بد من ذكر الموزون. م: (بخلاف البطيخ والرمان؛ لأنه يتفاوت آحاده تفاوتا فاحشا) ش: فإنك ترى بطيخا بدرهم وبطيخا بدرهمين، وبين الضابط في معرفة العددي المتفاوت عن المتفاوت بقوله م: (وتفاوت الآحاد في المالية يعرف العددي المتفاوت) ش: أي بتفاوت آحاد العددي في المالية دون الأنواع يعرف العددي المتفاوت وهو المروي عن أبي يوسف. وأيد ذلك بقوله م: (وعن أبي حنيفة أنه) ش: أي أن السلم م: (لا يجوز في بيض النعامة لأنه يتفاوت آحاده في المالية) ش: وقال الأترازي: وتفسير العددي المتفاوت ما نقل عن أبي يوسف ما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 332 ثم كما يجوز السلم فيه عددا يجوز كيلا. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز كيلا؛ لأنه عددي وليس بمكيل. وعنه أنه لا يجوز عددا أيضا للتفاوت. ولنا أن المقدار مرة يعرف بالعدد وتارة بالكيل، وإنما صار معدودا بالاصطلاح فيصير مكيلا باصطلاحهما. وكذا في الفلوس عددا. وقيل: هذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد لا يجوز لأنها أثمان. ولهما أن الثمنية في حقهما باصطلاحهما فتبطل باصطلاحهما ولا تعود وزنيا، وقد ذكرناه من قبل. ولا يجوز السلم في الحيوان، وقال الشافعي: يجوز   [البناية] اختلف آحاده في القيمة واختلف أجناسه فلا يجوز السلم فيه وذلك كالدر والجواهر واللآلئ والأدم والجلود والخشب والرؤوس والأكارع والرمان والبطيخ والسفرجل ونحوها، إلا إذا بين من جنس الجلود والأدم والخشب والجذع شيئا معلوما وطولا معلوما وغليظا معلوما وأتى بجميع شرائط السلم والتحق بالمتقاربة يجوز، وكذا السلم في الجوالق والغدائر كذا في " التحفة ". وقال الكاكي والحد الفاصل بين التفاوت والمتقارب أن ما كان مستهلكة بالمثل يكون متقاربا وبالقيمة يكون متفاوتا. م: (ثم كما يجوز السلم فيه) ش: أي في العددي المتقارب م: (عددا) ش: أي من حيث العدد م: (يجوز كيلا) ش: أي من حيث الكيل م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز كيلا؛ لأنه عددي وليس بمكيل. وعنه) ش: أي وعن زفر م: (أنه لا يجوز عددا أيضا للتفاوت) ش: في الآحاد. م: (ولنا أن المقدار مرة يعرف بالعدد وتارة بالكيل، وإنما صار معدودا بالاصطلاح فيصير مكيلا باصطلاحهما) ش: أي باصطلاح المتعاقدين، فلا يفضي إلى المنازعة في التسليم والتسلم م: (وكذا) ش: أي كذا يجوز السلم م: (في الفلوس عددا) ش: أي من حيث العدد، وهو ظاهر الرواية م: (وقيل هذا) ش: أي الجواب م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد لا يجوز؛ لأنها أثمان) ش: والثمن في السلم لا يجوز. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن الثمنية في حقهما) ش: أي في حق المتعاقدين م: (باصطلاحهما) ش: لعدم ولاية الغير عليهما م: (فيبطل باصطلاحهما) ش: أي ولهما إبطال اصطلاحهما، فإذا بطلت الثمنية بقي مثمنا يتعين بالتعيين فجاز السلم م: (ولا تعود وزنيا) ش: هذا رد لقول محمد أنها بعد الكساد تعود وزنيا لأنها قطع صغار موزونة م: (وقد ذكرناه من قبل) ش: أي في باب الربا في مسألة بيع الفلس بالفلسين. [السلم في الحيوان] م: (ولا يجوز السلم في الحيوان) ش: سواء كان دابة أو رقيقا، وبه قال الثوري والأوزاعي م: (وقال الشافعي: يجوز) ش: وبه قال مالك وأحمد إلا في الخلفات، فإن الخلفة اسم لمجهول الحال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 333 لأنه يصير معلوما ببيان الجنس والسن والنوع والصفة والتفاوت بعد ذلك يسير فأشبه الثياب. ولنا أن بعد ذكر ما ذكر يبقى فيه تفاوت فاحش في المالية باعتبار المعاني الباطنة فيفضي إلى المنازعة، بخلاف الثياب؛ لأنه مصنوع العباد، فقلما يتفاوت الثوبان إذا نسجا على منوال واحد،   [البناية] ولمعاد الحيوان المطلق بلا صفة، فيجوز بالاتفاق. قلت: الخلفة بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وبالفاء الحامل من النوق، ويجمع على خلفات وخلائف، وقد خلفت إذا حملت، وأخلفت إذا حالت م: (لأنه) ش: أي لأن الحيوان م: (يصير معلوما ببيان الجنس) ش: بأن قال إبل م: (والسن) ش: بأن قال: بنت مخاض أو جذع أو ثني م: (والنوع) ش: بأن قال بختي أو عربي م: (والصفة) ش: بأن قال: سمين أو هزال، يعني يضبط ماليته بهذه الأربعة، والموصوف بمنزلة المرئي م: (والتفاوت بعد ذلك) ش: أي بعد بيان هذه الأربعة م: (يسير) ش: لقلته م: (فأشبه الثياب) ش: في الجواز، وقد ثبت «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر عمرو بن العاص أن يشتري بعيرا ببعيرين في تجهيز الجيش إلى أجل، وأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - استقرض بكرا وقضاه رباعيا» والسلم أقرب إلى الجواز من الاستقراض. م: (ولنا أن بعد ذكر ما ذكر) ش: أي من الجنس والسن والنوع والصفة م: (يبقى فيه تفاوت فاحش في المالية باعتبار المعاني الباطنة) ش: كالصباحة والملاحة والخلق الحسن والذهن والكياسة وحسن الشهرة والهملجة في الدواب وهي معنى سهل وشدة العدو، فإنك ترى عبدين متفقين في الأوصاف المذكورة مع ذلك يساوي أحدهما ألفا والآخر ألفين، قال الشاعر: الأدب فردا يعدل الألف زائدا ... وألف تراهم لا يساوون واحدا وهذه معاني لا تضبط بالوصف، فبقي جهالة م: (فيفضي إلى المنازعة) ش: فلا يجوز م: (بخلاف الثياب) ش: جوابا عن قياس الشافعي السلم في الحيوان على القياس في الثياب فأجاب بأن هذا القياس غير صحيح م: (لأنه) ش: أي لأن الثياب، وتذكير الضمير باعتبار المذكور م: (مصنوع العباد فقلما يتفاوت الثوبان إذا نسجا على منوال واحد) ش: لأن العبد إنما يصنع بآلة، فإذا اتحد الصانع والآلة اتحد المصنوع، ولا يتفاوت في المالية إلا يسيرا، ولا يعتبر بذلك القدر والحيوان صنع الله تعالى. وذلك يكون على ما يريده تعالى، فقد كان على وجه لا يوجد له نظير، وفي مثله لا يجوز السلم بالاتفاق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 334 وقد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن السلم في الحيوان» ، ويدخل فيه جميع أجناسه حتى العصافير   [البناية] والجواب عن حديث عمرو بن العاص: أنه كان قبل نزول آية الربا، أو كان في دار الحرب ولا ربا بين المسلم والحربي فيها، وتجهيز الجيش وإن كان في دار الإسلام فنقل الآلات كان في دار الحرب لعزتها في دار الإسلام يومئذ. والجواب عن الحديث الثاني: أنه لم يكن القرض ثابتا في ذمة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدليل أنه قضاه من إبل الصدقة والصدقة حرام عليه، فكيف يجوز أن يفعل ذلك. م: (وقد صح «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن السلم في الحيوان» ش: هذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك والدارقطني في سننه عن إسحاق بن إبراهيم بن حربي حدثنا عبد الملك الزماري حدثنا سفيان الثوري عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن السلف في الحيوان» وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال ابن حبان: إسحاق بن إبراهيم منكر الحديث جدا يأتي عن الثقات بالموضوعات لا يحل كتب حديثه إلا على وجهة التعجب م: (ويدخل فيه) ش: أي في قوله في الحيوان م: (جميع أجناسه) ش: أي أجناس الحيوان م: (حتى العصافير) ش: أي حتى يدخل العصافير أيضا، لا يقال النهي عن الحيوان في الوصف والمتنازع فيه هو الموصوف منه فلا يتصل محل النزاع، لأنا نقول إن محمد بن الحسن قد فسر هذا الحديث في أول كتاب المضاربة أن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دفع مالا مضاربة إلى زيد بن خليدة فأسلمها زيد إلى عتريس بن عرقوب في قلائص معلومة. وقال ابن مسعود: اردد مالنا، لا نسلم أموالنا في الحيوان، فعلم أن عدم جواز السلم في الحيوان لم يكن فيه باعتبار ترك الوصف، لأن القلائص كانت معلومة، فكان المنع لكونه حيوانا لا يقال في كلام المصنف تسامح، لأن الدليل المذكور بقوله: ولنا منقوض بالعصافير، لأن ذكر ذلك لم يكن من حيث الاستدلال على المطلوب، بل من حيث جواب الخصم، وأما الدليل على ذلك فهو السنة. فإن قلت: السلم في الحيوان إنما لا يصح لتفاوت يعتبره الناس والتفاوت من العصافير غير معتبر، فينبغي أن يجوز السلم فيها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 335 قال: ولا في أطرافه كالرؤوس والأكارع للتفاوت فيها، إذ هو عددي متفاوت لا مقدار لها. قال: ولا في الجلود عددا، ولا في الحطب حزما، ولا في الرطبة جرزا للتفاوت فيها، إلا إذا عرف ذلك   [البناية] قلنا: العبرة في المنصوص لعين النص لا للمعنى، والنص لم يفصل بين حيوان وحيوان، كذا في " الكافي ". م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا في أطرافه) ش: أي ولا يجوز السلم أيضا في أطراف الحيوان م: (كالرؤوس والأكارع) ش: هو جمع كراع الشاة والبقر، ويجمع على كراع أيضا م: (للتفاوت فيها، إذ هو عددي متفاوت لا مقدار لها) ش: أي لا مقدر له لاختلافها بالصغر والكبر والسمنى والهزال، وتذكير الضمائر باعتبار المذكور، وبقولنا قال الشافعي في الأظهر. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا في الجلود عددا) ش: أي ولا يجوز السلم في الجلود أيضا من حيث العدد لأنها عددية، وفيها الصغير والكبير فيفضي السلم فيها إلى المنازعة ولا يتوهم أنه يجوز وزنا لقيده عددا، لأن معناه أنه عددي فحيث لم يجز عددا لم يجز وزنا بالطريق الأولى؛ لأنه لا يوزن عادة وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأظهر، وقال مالك وأحمد في قول يجوز السلم في الجلود والرؤوس والأكارع عددا أو وزنا. وفي " الذخيرة ": ولو بين للجلود ضربا معلوما يجوز السلم فيه م: (ولا في الحطب حزما) ش: أي ولا يجوز السلم أيضا في الحطب من حيث الحزم وهو جمع حزمة، قال في " الجمهرة " كل شيء جمعته كالإضبارة فقد حزمته، ومنه سميت حزمة الحطب، وإنما لا يجوز لكونه مجهولا من حيث طوله وعرضه وغلظه، فإن عرف ذلك جاز، كذا في " المبسوط " م: (ولا في الرطبة جرزا) ش: أي ولا يجوز السلم أيضا في الرطبة من حيث الجرز بضم الجيم وفتح الراء بعدها الزاي، أي جمع جرزة وهي أي الحزمة والرطبة الاسفيست، والجمع رطاب قاله في " المغرب "، وهي التي تسميها أهل مصر برسيما. وأهل البلاد الشمالية مسخا. وفي " الشامل ": لا خير في السلم في الرطبة لأنها تباع حزما ويجوز في القت لأنه يباع وزنا. وفي " المبسوط ": ولا يجوز أوقارا، أي أحمالا للجهالة م: (للتفاوت فيها) ش: أي لأجل التفاوت في عدد الجلود وحزم الحطب وجرز الرطبة. م: (إلا إذا عرف ذلك) ش: هذا الاستثناء متعلق بمسألة الرطبة جرزا، لأن ما بعده من كلام المصنف يدل على ذلك لا يخفى على المتأمل. قوله: عرف يجوز فيه التخفيف والتشديد، فعلى التخفيف يكون على صيغة المجهول، ويكون قوله ذلك في محل الرفع، وهو إشارة إلى ما ذكر من الجرز. وأما على التشديد من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 336 بأن يبين له طول ما يشد به الحزمة أنه شبر أو ذراع، فحينئذ يجوز إذا كان على وجه لا يتفاوت. قال: ولا يجوز السلم حتى يكون المسلم فيه موجودا من حين العقد إلى حين المحل، حتى لو كان منقطعا عند العقد موجودا عند المحل أو على العكس، أو منقطعا فيما بين ذلك لا يجوز. وقال الشافعي: يجوز إذا كان موجودا وقت المحل لوجود القدرة وله أنه على   [البناية] التعريف فعلى صيغة المعلوم والفاعل فيه فهو الضمير الذي يرجع بالقرينة إلى المسلم إليه، ويجوز أن يرجع إلى رب السلم ويكون قوله ذلك حينئذ في محل النصب على أنه مفعول عرف. ثم بين المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجه التعريف بقوله: م: (بأن يبين له طول ما يشد به الحزمة) ش: وكلمة "أن" مصدرية، أي ببيان طول ما يشد به الحزمة، ولفظ يبين أيضا يحتمل الوجهين المعلوم والمجهول بحسب الوجهين المذكورين في عرف، فعلى كون عرف مجهولا يكون لفظ يبين مجهولا أيضا، وعلى كونه مشددا معلوما يكون يبين أيضا معلوما، والضمير فيه يرجع إلى رب السلم أو المسلم إليه كما ذكرنا الآن في عرف وقوله م: (أنه) ش: بفتح الهمزة بدل من قوله طول، وقوله: م: (شبر) ش: مرفوع لأن خبر أن. وقوله م: (أو ذراع) ش: عطف عليه، وقوله م: (فحينئذ) ش: أي حين يبين طول ما يشد به الحزمة من كونه قدر شبر أو قدر ذراع م: (يجوز) ش: أي السلم م: (إذا كان) ش: أي تشدد الحزمة م: (على وجه لا يتفاوت) ش: أي بالشد، أما إذا كان يتفاوت كالشوك ونحوه فلا يجوز لإفضائه إلى المنازعة، ولم أر أحدا من الشراح حرر هذا الموضوع كما ينبغي فبحمد الله حررناه كما هو المطلوب. [وجود المسلم فيه زمان العقد وزمان المحل وفيما بينهما] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يجوز السلم حتى يكون المسلم فيه موجودا من حين العقد إلى حين المحل) ش: حاصل هذا أنه يشترط وجود المسلم فيه زمان العقد وزمان المحل وفيما بينهما م: (حتى لو كان منقطعا عند العقد موجودا عند المحل أو على العكس) ش: فإن كان موجودا عند العقد ومنقطعا عند المحل م: (أو منقطعا) ش: أي أو كان منقطعا م: (فيما بين ذلك) ش: أي فيما بين وقت العقد ووقت المحل م: (لا يجوز) ش: أي السلم عندنا ولعل المسألة أن السلم في المنقطع لا يجوز عندنا. م: (وقال الشافعي: يجوز إذا كان موجودا وقت المحل لوجود القدرة) ش: فإنه يقول: يشترط أن يكون موجودا عند المحل فحسب، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق. وقال الكاكي والشافعي: يعتبر وجوده عند المحل، ومالك عند العقد وعند المحل، ولا ينقطع الانقطاع فيما بين ذلك م: (وله) ش: أي الشافعي م: (أنه) ش: أي أن المسلم فيه م: (على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 337 التسليم حال وجوبه. ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تسلفوا في الثمار حتى يبدو صلاحها» ولأن القدرة على التسليم بالتحصيل فلا بد من استمرار الوجود في مدة الأجل ليتمكن من التحصيل.   [البناية] التسليم حال وجوبه) ش: وهو زمان حلول الأجل والمعجزة، قيل ذلك لا يعتبر لأنه ليس بأوان توجيه المطالبة. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا تسلفوا في الثمار حتى يبدو صلاحها» ش: وهذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه واللفظ له عن أبي إسحاق عن رجل، قال قلت لعبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ... الحديث، وفي آخره: «ولا تسلفوا في نخل حتى يبدو صلاحها» انتهى. وقال المنذري: في إسناده رجل مجهول، وذكره عبد الحق في "أحكامه " من جهة أبي داود وقال: إسناده منقطع. وأخرج الطبراني في "الأوسط " حديثا عن أبي هريرة وفي آخره «لا تسلموا في ثمرة حتى يأمن عليها صاحبها العاهة» م: (ولأن القدرة على التسليم) ش: أي على تسليم المسلم فيه م: (بالتحصيل) ش: أي تحصيل المسلم فيه م: (فلا بد من استمرار الوجود) ش: أي وجود المسلم فيه م: (في مدة الأجل ليتمكن من التحصيل) ش: ولا يقدر المسلم إليه على اكتساب المنقطع. وقول الشافعي القدرة على التسليم عند المحل موجودة. قلنا: إنما تكون القدرة حينئذ موجودة إذا بقي العاقد حيا إلى ذلك الوقت، وفي بقائه حيا شك فلا تثبت القدرة بأمر مشكوك. فإن قال: الأصل هو الحياة وما يثبت يبقى إلى أن يوجد دليل الزوال. قلنا: الأصل يعتبر لإبقاء ما كان على ما كان، والقدرة على الحال معدومة فلا يعتبر الأصل لإثبات شيء يوجد في المستقبل. وقال الولوالجي في "فتاواه " وحد الانقطاع ما قاله الفقيه أبو بكر البلخي أن لا يوجد في سوقه الذي يخبز ويباع فيه، وإن كان قد يوجد في البيوت. وفي " مبسوط أبي اليسر " ولو انقطع في إقليم دون إقليم لا يصح السلم في الإقليم الذي لا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 338 ولو انقطع بعد المحل فرب السلم بالخيار إن شاء فسخ السلم وإن شاء انتظر وجوده؛ لأن السلم قد صح والعجز الطارئ على شرف الزوال، فصار كإباق المبيع قبل القبض. قال: ويجوز السلم في السمك المالح وزنا معلوما وضربا معلوما؛ لأنه معلوم القدر مضبوط الوصف مقدور التسليم، إذ هو غير منقطع.   [البناية] يوجد فيه؛ لأنه لا يمكن إحضاره إلا بمشقة عظيمة فيعجز عن التسليم حتى لو أسلم في الرطب ببخارى لا يجوز وإن كان يوجد بسجستان. م: (ولو انقطع بعد المحل) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري، أراد أن المسلم فيه كان موجودا من وقت العقد إلى وقت المحل ثم انقطع بعد المحل، أي بعد حلول الأجل م: (فرب السلم بالخيار إن شاء فسخ السلم) ش: ويأخذ رأس المال م: (وإن شاء انتظر وجوده) ش: أي وجود المسلم فيه م: (لأن السلم قد صح) ش: ولكنه قد عجز عن التسليم م: (والعجز الطارئ على شرف الزوال) ش: فيتخير المعاقد م: (فصار) ش: حكم هذا م: (كإباق المبيع قبل القبض) ش: في بقاء العقد، وبقولنا قال الشافعي في الأصح. وقال زفر: يبطل العقد وبه قال الشافعي في قول، وهو رواية عن الكرخي: ويسترد رأس المال للعجز عن التسليم، فصار كما لو ملك المبيع قبل القبض في بيع العين، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي قوله: والعجز الطارئ عن التسليم على شرف الزوال إشارة إلى جواب زفر عن قياسه المتنازع فيه في هلاك المبيع في العجز عن التسليم وفي ذلك يبطل البيع، وكذلك هاهنا. ووجهه أن العجز عن التسليم إذا كان على شرف الزوال لا يكون كالعجز بالهلاك لأنه غير ممكن الزوال عادة، فكان القياس فاسدا. م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (ويجوز السلم في السمك المالح) ش: قال الكاكي: السمك المالح بالفارسية "ما هي خشك" وفي " المغرب ": سمك مليح ومملوح وهو المقدر الذي فيه ملح، ولا يقال سمك مالح إلا في لغة رؤبة، ولكن قال الشاعر. بصرية تزوجت بصريا ... أطعمها المالح والطريا وقال الإمام الزرنوجي: وكفى بذلك حجة للفقهاء. قلت: قال ابن دريد: سمك وملح مليح ولا تلتفتن إلى قول الآخر: أطعمها المالح والطريا، ذلك مولد لا يؤخذ بلغته. وقال في ديوان الأدب. ملح القدر طرح الملح فيها بقدر، فعلى هذا يجوز أن يقال: سمك مملوح م: (وزنا معلوما) ش: أي من حيث الوزن المعلوم م: (وضربا معلوما) ش: أي من حيث الضرب، أي النوع المعلوم م: (لأنه معلوم القدر مضبوط الوصف مقدور التسليم، إذ هو) ش: أي لأن السمك م: (غير منقطع) ش: عن الوجود. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 339 ولا يجوز السلم فيه عددا للتفاوت. قال: ولا خير في السلم في السمك الطري إلا في حينه وزنا معلوما وضربا معلوما؛ لأنه ينقطع في زمان الشتاء، حتى لو كان في بلد لا ينقطع يجوز مطلقا، وإنما يجوز وزنا لا عددا لما ذكرنا. وعن أبي حنيفة أنه لا يجوز في لحم الكبار منها وهي التي تقطع اعتبارا بالسلم في اللحم عنده. قال: ولا خير في السلم في اللحم عند أبي حنيفة.   [البناية] م: (ولا يجوز السلم فيه) ش: أي في السمك م: (عددا) ش: أي من حيث العدد م: (للتفاوت) ش: أي لتفاوت آحاده، فإن قيد الصغير والكبير. وقال صاحب " التحفة " فأما السلم في السمك فقد اضطربت عبارة الروايات عن أصحابنا في الأصل والنوادر. والصحيح من المذهب أن السلم يجوز في السمك الصغار وزنا وكيلا، ويستوي فيه المالح والطري في حينه، وأما الكبار ففيه روايتان عن أبي حنيفة في ظاهر الرواية يجوز كيفما كان، وفي رواية أبي يوسف في كتب " الأمالي " عنه أنه لا يجوز، وعلى قول أبي يوسف ومحمد يجوز في ظاهر الرواية كما في اللحم. وفي رواية أخرى عنهما لا يجوز، بخلاف اللحم. م: (قال: ولا خير في السلم في السمك الطري إلى في حينه وزنا معلوما وضربا معلوما؛ لأنه ينقطع في زمان الشتاء، حتى لو كان في بلد لا ينقطع يجوز مطلقا، وإنما يجوز وزنا لا عددا لما ذكرنا. وعن أبي حنيفة أنه لا يجوز في لحم الكبار منها وهي التي تقطع اعتبارا بالسلم في اللحم عنده) ش: وقال محمد في " الجامع الصغير " عن يعقوب عن أبي حنيفة: لا يجوز السلم في السمك الطري، إلا أن يكون في حينه ضربا معلوما، قال الفقيه أبو الليث السمرقندي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تعالى: قال بعض الناس: هذا الحرف خطأ يعني قوله: في حينه، لأن السمك صيد والصيد لا يكون له حين ففي كل وقت يمكن صيده، ثم قال الصحيح ما ذكره في الكتاب، لأن صفة الانقطاع أن لا يوجد في الأسواق والسمك الطري ربما يوجد في السوق، وربما لا يوجد فإن أسلم في وقت يوجد في السوق جاز السلم، وإن أسلم في وقت لا يوجد في السوق لا يجوز. [السلم في اللحم] م: (قال: ولا خير في السلم في اللحم) ش: أي لا يجوز السلم في اللحم م: (عند أبي حنيفة) ش: وعن العلامة شمس الأئمة الكردي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المجتهد إذا استخرج حكما بالرأي، فإن كان في حيز عدم الجواز يقول: لا خير، وإن كان في حيز الجوز يقول لا بأس تحرزا عن القطع في حكم الله تعالى بالرأي. وفي " المبسوط " وإنما قال: لا خير لأنه مختلف في قول أبي حنيفة. وقال الأكمل: خير نكرة وقعت في سياق النفي فيفيد نفي أنواع الخبر بعمومه، ومعناه لا يجوز على وجه المبالغة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 340 وقالا: إذا وصف من اللحم موضعا معلوما بصفة معلومة جاز؛ لأنه موزون مضبوط الوصف، ولهذا يضمن بالمثل، ويجوز استقراضه وزنا، ويجري فيه ربا الفضل، بخلاف لحم الطيور؛ لأنه لا يمكن وصف موضع منه، وله أنه مجهول للتفاوت في قلة العظم وكثرته أو في سمنه وهزاله على اختلاف فصول السنة، وهذه الجهالة مفضية إلى المنازعة، وفي مخلوع العظم لا يجوز على الوجه الثاني، وهو الأصح. والتضمين بالمثل ممنوع   [البناية] م: (وقالا) ش: أي وقال أبو يوسف ومحمد: م: (إذا وصف) ش: أي رب السلم م: (من اللحم موضعا معلوما بصفة معلومة جاز) ش: يعني إذا بين جنسه ونوعه وصنفه وموضعه كشاة خصي لشيء سمين من الجنب أو الظهر مائة من ربه، قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الحقائق والعيون " والفتوى على قولهما م: (لأنه) ش: أي لأن اللحم م: (موزون) ش: في عادة الناس م: (مضبوط الوصف) ش: ببيان هذه الأشياء. وفي " المبسوط " قيل لا خلاف بينهما وبين أبي حنيفة، بل جواب أبي حنيفة فيما إذا أطلق السلم في اللحم ومما لا يجوز أن ذلك أيضا وجوبهما فيما إذا بينا موضعا معلوما، وأبو حنيفة يجوز ذلك أيضا. والأصح أن الخلاف ثابت وأن عنده لا يجوز السلم وإن بين موضعا معلوما، وعندهما يجوز إذا بينا موضعا معلوما م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونه موزونا مضبوط الوصف م: (يضمن بالمثل) ش: في زمان العدوان إذا أتلفه الغاصب يضمن المثل وزنا وما فيه من العظم غير مانع لجوازه لأنه ثابت بأصل الخلقة كالنوى في التمر، وهكذا يجوز السلم في الألية وإن كانت لا تخلو عن أدنى عظم، ويجوز السلم في الشحم والألية بالإجماع؛ لأنه موزون معلوم الوصف م: (ويجوز استقراضه) ش: أي استقراض اللحم م: (وزنا) ش: أي من حيث الوزن م: (ويجري فيه ربا الفضل) ش: بعلة الوزن م: (بخلاف لحم الطيور) ش: فإنه لا يجوز السلم فيه م: (لأنه لا يمكن وصف موضع منه) ش: لقلة لحمه. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي أن اللحم م: (مجهول للتفاوت في قلة العظم وكثرته) ش: فيؤدي إلى المنازعة م: (أو في سمنه) ش: أي أو للتفاوت في سمنه م: (وهزاله) ش: لأن هذا يختلف م: (على اختلاف فصول السنة) ش: وبقلة الكلأ وكثرته م: (وهذه الجهالة) ش: أشار به إلى الجهالة في الوجهين م: (مفضية إلى المنازعة) ش: والمفضي إلى المنازعة مانع م: (وفي مخلوع العظم لا يجوز على الوجه الثاني) ش: وهو وجه السمن والهزال. قال صاحب " المختلف " وهو رواية أبي شجاع عن أبي حنيفة م: (وهو الأصح) ش: أي وهذا هو الأصح؛ لأنه لا يجوز أن يكون الحكم حلالا بعلتين ولا يلزم من انتفاء إحدى العلتين انتفاء الحكم م: (والتضمين بالمثل ممنوع) ش: هذا جواب عن قولهما، ولهذا يضمن بالمثل بالمنع وبعد التسليم، فالمثل أعدل من القيمة، لأن فيه رعاية الصورة والمعنى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 341 وكذا الاستقراض، وبعد التسليم فالمثل أعدل من القيمة؛ ولأن القبض يعاين فيعرف مثل المقبوض به في وقته، أما الوصف فلا يكتفى به. قال: ولا يجوز السلم إلا مؤجلا. وقال الشافعي: يجوز حالا لإطلاق الحديث ورخص في السلم. ولنا وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إلى أجل معلوم» فيما روينا،   [البناية] وقال الإمام ظهير الدين كان: والذي يقول: إن كان اللحم نضيجا فهو من ذوات القيم وإن كان نيئا ففيه روايتان. وذكر في الجامع الكبير ولو أن رجلا غصب من رجل لحما فشواه ثم جاء إنسان واستحق ذلك لا يسقط ضمان الغصب، وكان للمغصوب منه أن يضمنه قيمة اللحم. وقال الشيخ أبو المعين النسفي في شرح "الجامع الكبير " قول محمد في هذه المسألة كان للمغصوب منه أن يضمنه قيمة اللحم، نص على أن اللحم مضمون بالقيمة دون المثل ولا توجد الرواية أنه من ذوات القيم وليس بمثلي إلا في هذا الموضع، يعني في " الجامع الكبير "، ولهذا قال صاحب " الفتاوى الصغرى " تضمين اللحم بالمثل قولهما، ثم قال: ورأيت وسط غصب المنتفى روى أبو يوسف عن أبي حنيفة إذا استهلك لحما كان عليه قيمته. م: (وكذا الاستقراض) ش: أي ممنوع أيضا وزنا م: (وبعد التسليم) ش: أي وبعد تسليم الجواز في التضمين بالمثل م: (فالمثل أعدل من القيمة) ش: لأن الأصل في ضمان العدلان الماثلة في مثل الشيء صورة ومعنى، فيكون أعدل من القيمة لأنها مثل معنى لا صورة م: (ولأن القبض) ش: يعني في الاستقراض م: (يعاين) ش: فيقبض حالا فترتفع الجهالة فلا تفضي إلى المنازعة، وهو معنى قوله م: (فيعرف مثل المقبوض به في وقته) ش: لأن القبض محسوس معاين م: (أما الوصف فلا يكتفى به) ش: أي السلم يقع على الموصوف في الذمة، ولا يكتفى بالوصف عند العقد حيث لا يعرف الموجود عند المحل، فلا يكتفى به لبقاء الجهالة المفضية إلى المنازعة. [السلم بغير أجل] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يجوز السلم إلا مؤجلا) ش: يعني السلم الحال وهو السلم بغير أجل، لا يجوز عندنا، وبه قال مالك وأحمد م: (وقال الشافعي: يجوز حالا) ش: وفي بعض النسخ وقال الشافعي: يجوز أي السلم بدون الأجل، وبه قال عطاء وأبو ثور واختاره ابن المنذر. وصورة السلم الحال أن يقول: أسلمت عشرة في كر حنطة ولم يذكر الأجل م: (لإطلاق الحديث) ش: وهو ما روي «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان» م: (ورخص في السلم) ش: فالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجاز السلم مطلقا، فاشتراط التأجيل زيادة على النص. م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إلى أجل معلوم" فيما روينا) ش: يعني في أوائل الباب وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أسلم منكم فليسلم في كيل معلوم إلى أجل معلوم» ، وقد مر الكلام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 342 ولأنه شرع رخصة دفعا لحاجة المفاليس فلا بد من الأجل ليقدر على التحصيل فيه فيسلم، ولو كان قادرا على التسليم لم يوجد المرخص فبقي على النافي.   [البناية] فيه هناك. وقد شرط رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأجل كما ترى. فإن قيل: معناه من أراد سلما مؤجلا فليسلم إلى أجل معلوم، وبه نقول، والحصر ممنوع، وحينئذ لم يبق مفيدا فيحمل عليه المطلق، والدليل على ذلك قوله: في كيل معلوم ووزن معلوم فإنه لا يجوز اجتماع الكيل والوزن في شيء واحد، فكان معناه في كيل معلوم إن كان كيليا، ووزن معلوم إن كان وزنيا فيقدر إلى أجل معلوم إن كان مؤجلا. فالجواب: أن قضية العقد كفت مؤنة التمييز، فلا حاجة إلى التقدير؛ لأنه خلاف الأصل سلمناه، ولكن لا يلزم من تحمل المحذور لضرورة تحمله ولا لضرورة في التقدير في الأجل لا يقال العمل بالدليلين ضرورة فيتحمل التقدير لأجله، لأن قوله: رخص في السلم يدل على جوازه بطريق الرخصة وهي إنما تكون لضرورة ولا ضرورة في السلم الحال، على أن سوق الكلام لبيان شروط السلم لا لبيان الأجل فليتأمل. م: (ولأنه) ش: أي ولأن السلم م: (شرع رخصة دفعا لحاجة المفاليس فلا بد من الأجل ليقدر) ش: أي المسلم إليه م: (على التحصيل) ش: أي تحصيل المسلم فيه م: (فيه) ش: أي فيه الأجل الذي عيناه ليحصل م: (فيسلم) ش: أي المسلم فيه م: (ولو كان قادرا على التسليم) ش: في الحال لم يوجد المرخص، لأن الرخصة شرعت لعذر مع قيام المانع وهو بيع المعدوم والعذر هو العجز عن التسليم، ولو قدر على تسليمه م: (لم يوجد المرخص) ش: فيه وهو عجز المسلم إليه م: (فبقي على النافي) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تبع ما ليس عندك» . فإن قيل: لو كانت شرعية السلم دفعا لحاجة المفاليس لكان اختص بحالة الإفلاس؛ لأنه ثبت على خلاف القياس فيقتصر عليه وليس كذلك، ألا ترى أنه يجوز بيع الحنطة سلما وعنده أكرار حنطة. قلنا: إن الشيء لا يباع سلما إلا بأدنى الثمنين والتاجر لا يبيع إلا للربح، فذاك البيع بأدنى التمييز على أنه لا يبيع إلا للعجز عن الربح ولا عجز إلا بأن يجعل ما عنده مستغرقا لحاجته، ولأن حقيقة العدم أمر باطني لا يمكن الوقوف عليه حقيقة، والشرع بنى هذه الرخصة على العدم، فيبني على السبب الظاهر الدال على العدم ليمكننا تعليق الحكم به والبيع بالخسران دليل العدم. والجواب عن الحديث الذي استدل به الشافعي أنه يدل على جواز السلم بطريق الرخصة والضرورة، ونحن نقول به، ولكن لا ضرورة في سلم الحال لأنه إن كان قادرا انتفت الضرورة وإن لم يكن قادرا انتفى الغرض والمقصود. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 343 قال: ولا يجوز إلا بأجل معلوم لما روينا، ولأن الجهالة فيه مفضية إلى المنازعة كما في البيع والأجل أدناه شهر، وقيل: ثلاثة أيام، وقيل: أكثر من نصف اليوم، والأول أصح. قال: ولا يجوز السلم بمكيال رجل بعينه ولا بذراع رجل بعينه، معناه إذا لم يعرف مقداره؛ لأنه يتأخر فيه التسليم فربما يضيع فيؤدي إلى المنازعة،   [البناية] فإن قلت: معاوضة محضة فلا يكون التأجيل فيها شرطا كما في بيوع الأعيان. قلت: يبطل ذلك بالكتابة عند الخصم، فإنه يشترط الأجل فيها ويبطل أيضا بالسلم المعدوم. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا يجوز) ش: أي السلم م: (إلا بأجل معلوم لما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أسلم منكم ... الحديث، وفيه إلى أجل معلوم وقد مر في أوائل الباب، وبه قال الشافعي وأحمد. وقال مالك: يجوز الأجل إلى الحصاد لعدم إفضائه إلى المنازعة غالبا م: (ولأن الجهالة فيه مفضية إلى المنازعة كما في البيع) ش: فيفسد العقد بها م: (والأجل أدناه شهر) ش: قال صاحب " التحفة ": لا رواية عن أصحابنا في المبسوط في مقدار الأجل، واختلفت الروايات عنهم، والأصح ما روي عن محمد أنه مقدر بالشهر؛ لأنه أدنى الأجل وأقصى العاجل م: (وقيل ثلاثة أيام) ش: أي أدنى المدة ثلاثة أيام، وهو قول الشيخ أبي جعفر أحمد بن أبي عمران الشيخ الطحاوي اعتبارا للأجل الذي ورد الشرع بتقديره بثلاثة أيام، وهو رواية عن محمد. وفي " شرح المجمع " وهذا ليس بصحيح، لأن الثلاث هناك أقصى المدة وأدناه غير مقدر، وهكذا في الإيضاح م: (وقيل أكثر من نصف اليوم) ش: وبه قال أبو بكر الرازي وبعض أصحاب زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن المعجل ما كان مقبوضا في المجلس والمؤجل ما يتأخر قبضه عن المجلس ولا يبقى المجلس بينهما في العادة أكثر من نصف يوم. وفي " الذخيرة " عن الكرخي: أنه ينظر إلى مقدار المسلم فيه وإلى عرف الناس في التأجيل فيه فإن كان قدر ما أجل أحد يؤجل مثله في العرف والعادة يجوز السلم م: (والأول أصح) ش: أي تقدير أجل بشهر هو الأصح. وقال الصدر الشهيد في طريقته المطولة: والصحيح ما رواه الكرخي أنه مقدار ما يمكن فيه تحصيل المسلم فيه. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا يجوز السلم بمكيال رجل بعينه ولا بذراع رجل بعينه) ش: وقال المصنف م: (معناه إذا لم يعرف مقداره) ش: يعني إذا كان لا يعرف مقدار المكيال والذارع لا يجوز م: (لأنه يتأخر فيه التسليم) ش: أي تسليم المسلم فيه م: (فربما يضيع) ش: لجواز الهلاك فيعجز عن التسليم م: (فيؤدي إلى المنازعة) ش: وفي " شرح الطحاوي ": ولو أعلم قدره بملء هذا الإناء لم يجز إذا كان لا يدري كم يسع فيه، بخلاف بيع العين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 344 وقد مر من قبل. ولا بد أن يكون المكيال مما لا ينقبض ولا ينبسط كالقصاع مثلا، فإن كان ما ينكبس بالكبس كالزنبيل والجراب لا يجوز للمنازعة إلا في قرب الماء للتعامل فيه، كذا روي عن أبي يوسف. قال: ولا في طعام قرية بعينها؛ أو ثمرة نخلة بعينها؛ لأنه قد يعتريه آفة فلا يقدر على التسليم، وإليه أشار - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، حيث قال: «أرأيت لو أذهب الله تعالى الثمر بم يستحل أحدكم مال أخيه؟»   [البناية] فإنه إذا قال: بعت منك من هذه المصيرة بملء هذا الإناء بدرهم يجوز، وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قال: لا يجوز بيع العين أيضا، ولا يدري كم يسع في الإناء وقيل هذا إذا كان الإناء من حديد أو خشب أو خزف أو ما أشبه ذلك فيما لا يحتمل الزيادة والنقصان. فأما إذا كان الإناء يحتمل الزيادة والنقصان كالزنبيل والجوالق والقرارة وما أشبه ذلك فإنه لا يجوز بيع المعين أيضا، إلا أن أبا يوسف استحسن قرب الماء وأجازه، وإن كان يحتمل الزيادة والنقصان وهو أن يشتري من سقاء كذا كذا قربة من ماء هذه القرية وعينها جاز البيع فيه م: (وقد مر من قبل) ش: أي في أول كتاب البيوع في مسألة: ويجوز البيع بإناء معينة. م: (ولا بد أن يكون المكيال مما لا ينقبض ولا ينبسط كالقصاع مثلا، فإن كان مما ينكبس) ش: من كبس النهر أي طمه م: (بالكبس كالزنبيل) ش: بكسر الزاي وسكون النون وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وباللام، ويقال: الزنبيل بدون النون كذا في بعض النسخ، وفي " المغرب " و" الصحاح ": والزنبيل، والزنبيل بالفتح بدون التشديد وبالكسر مع التشديد؛ لأنه ليس في كلام العرب فقيل بالفتح. م: (والجراب) ش: بكسر الجيم م: (لا يجوز للمنازع إلا في قرب الماء للتعامل فيه، كذا روي عن أبي يوسف) ش: وقد مر بيانه الآن. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا في طعام قرية بعينها) ش: أي ولا يجوز السلم في طعام قرية بعينها لاحتمال الانقطاع عنها م: (أو ثمرة نخلة بعينها) ش: ولا يجوز السلم أيضا في ثمرة نخلة بعينها م: (لأنه قد يعتريه) ش: أي تصيبه م: (آفة فلا يقدر) ش: حينئذ م: (على التسليم، وإليه) ش: أي إلى هذا المعنى م: (أشار - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي أشار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (حيث قال: «أرأيت لو أذهب الله تعالى الثمر بم يستحل أحدكم مال أخيه؟» !) ش: هذا الموضع يحتاج إلى تحرير شاف ولم أر أحدا من الشراح حرر هذا الموضع كما ينبغي. والمصنف استدل بهذا الحديث لما ذكره القدوري وليس بمستقيم؛ لأن هذا الحديث بهذا اللفظ ورد في البيع كما أخرجه البخاري ومسلم «عن حميد عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع ثمر النخل حتى تزهو. فقلت لأنس: وما زهوها، قال: تحمر وتصفر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 345 ولو كانت النسبة إلى قرية لبيان الصفة لا بأس به على ما قالوا كالخشمراني ببخارى والبساخي بفرغانة. قال: ولا يصح السلم عند أبي حنيفة إلا بسبع شرائط: جنس معلوم كقولنا: حنطة أو شعير، ونوع معلوم كقولنا: سقية أو بخسية،   [البناية] أرأيتك إن منع الله الثمرة بم تستحل مال أخيك؟» ! ولم يعرف ورود هذا الحديث في السلم. وقال الأترازي: وقال في " شرح الطحاوي ": ولا يجوز السلم في طعام من موضع بعينه؛ لأنه ورد فيه الخبر وهو ما روي «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه سئل عن السلم في ثمر فلان فقال: أما من ثمر حائط فلان فلا، أرأيت لو أذهبت الله ثمره فبم يستحل أحدكم مال أخيه؟» فنهى عن ذلك، انتهى. ولم يبين من الذي رواه من الصحابة ومن الذي استخرجه من أصحاب الصحاح أو السنن، أفيرضى الخصم بذلك؟! فإن قلت: في الصحيحين عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن لم يثمرها الله فبم يستحل أحدكم مال أخيه» فهل يؤخذ بإطلاق هذا اللفظ فيدخل فيه السلم أيضا. قلت: الظاهر أنه يصرف إلى البيع ولا يؤخذ منه السلم، لأن الروايتين أعني الأولى التي رواها حميد وهذه الرواية حديث واحد وروده في البيع. قوله: أرأيت معناه أخبرني. م: (ولو كانت النسبة إلى قرية لبيان الصفة) ش: أي لبيان أن صفة تلك الحنطة التي هي المسلم فيه مثل صفة حنطة تلك القرية المعينة لا لتعيين المكان، لأن المراد الجودة م: (لا بأس به على ما قالوا) ش: أي على ما قال المشايخ م: (كالخشمراني) ش: أي كالحنطة المنسوبة إلى الخشمران بضم الخاء وسكون الشين المعجمتين وضم الميم وبالراء وفي آخره نون، وهي قرية من قرى بخارى، ونبه عليه المصنف بقوله م: (ببخارى) ش: وبخارى مدينة مشهورة بما وراء النهر م: (والبساخي) ش: أي وكالحنطة المنسوبة إلى بساخ بكسر الباء الموحدة وبالسين المهملة وبعد الألف خاء معجمة، وهي قرية من قرى فرغانة نبه عليه بقوله م: (بفرغانة) ش: بفتح الفاء، وسكون الراء وبالغين المعجمة وبعد الألف نون مفتوحة وهاء، هي بلدة وراء الشاش، وشاش بالمعجمتين مدينة وراء جيحون. [شروط صحة السلم] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يصح السلم عند أبي حنيفة إلا بسبع شرائط) ش: وفي بعض النسخ بسبعة، والأصح هو الأول م: (جنس معلوم كقولنا حنطة أو شعير) ش: والثاني م: (ونوع معلوم كقولنا سقية) ش: أي سقيته. وفي " المغرب " السقية ما يسقى سحا م: (أو بخسيه) ش: بفتح الباء الموحدة وسكون الخاء المعجمة وكسر السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالهاء، وهي الحنطة المنسوبة إلى البخس، وهي الأرض التي تسقيها السماء لأنها مبخوسة الحظ من الماء. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 346 وصفة معلومة كقولنا جيد أو رديء، ومقدار معلوم كقولنا: كذا كيلا بمكيال معروف، أو كذا وزنا، وأجل معلوم. والأصل فيه ما روينا، والفقه فيه ما بينا. ومعرفة مقدار رأس المال إذا كان يتعلق العقد على مقداره كالمكيل والموزون والمعدود، وتسمية المكان الذي يوفيه فيه إذا كان له حمل ومؤنة. وقالا: لا يحتاج إلى تسمية رأس المال إذا كان معينا، ولا   [البناية] والثالث: هو ما ذكره بقوله م: (وصفة معلومة كقولنا جيد أو رديء) ش: وأشار إلى الرابع بقوله م: (ومقدار معلوم كقولنا كذا كيلا بمكيال معروف، أو كذا وزنا) ش: وأشار إلى الخامس بقوله م: (وأجل معلوم) ش: وهذه خمسة متفق عليها، فلذلك ذكرها مقتصرا عليها ولم يذكر السادس والسابع عقيب هذه الخمسة للاختلاف فيهما، وذكرهما بعد بعض ألفاظ وبين الخلاف فيهما. م: (والأصل فيه) ش: أي في اشتراط الشرائط المذكورة م: (ما روينا) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - "من أسلم منكم" ... الحديث وقد مضى م: (والفقه فيه ما بينا) ش: أي الجهالة فيه مفضية إلى النزاع م: (ومعرفة مقدار رأس المال) ش: هذا هو الشرط السادس من الشروط السبعة التي شرطها أبو حنيفة وهو عطف على قوله: وأجل معلوم. وقوله والأصل فيه ما رويناه: الفقه ما بينا، جمل معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه، وقيد بقوله م: (إذا كان) ش: أي رأس المال م: (يتعلق العقد على مقداره) ش: احترازا عما لا يتعلق العقد بمقداره كالمذروعات، فإنه يجب فيه بيان مقداره عند أبي حنيفة وعندهما أيضا، وهو قول مالك وأحمد أيضا، وبه قال الشافعي في قول، وبين قوله إذا كان العقد يتعلق بمقداره بقوله م: (كالمكيل) ش: من المكيلات م: (والموزون) ش: من الموزونات م: (والمعدود) ش: من المعدودات، ووجب في كل منهما إعلام مقداره وإن كان مشارا إليه، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في قول، وهو مروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وقول الفقيه من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مقدم على القياس. م: (وتسمية المكان) ش: وهو الشرط السابع وهو عطف على قوله: ومعرفة مقدار رأس المال م: (الذي يوفيه) ش: أي المسلم م: (فيه) ش: أي في المكان م: (إذا كان له حمل) ش: بالفتح ذكره في المغرب وهو مصدر حمل الشيء يعنون به ما له ثقل يحتاج في حمله إلى ظهر وأجرة حمال م: (ومؤنة) ش: أي كلفة، وهذان الشرطان من السبعة عند أبي حنيفة، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله- م: (لا يحتاج إلى تسمية رأس المال إذا كان معينا) ش: أي إذا كان مشارا إليه لا يحتاج إلى تسمية قدره م: (ولا) ش: أي ولا يحتاج أيضا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 347 إلى مكان التسليم ويسلمه في موضع العقد، فهاتان مسألتان. ولهما في الأولى أن المقصود يحصل بالإشارة فأشبه الثمن والأجرة، فصار كالثوب. وله أنه ربما يوجد بعضها زيوفا ولا يستبدل في المجلس، فلو لم يعلم قدره لا يدري في كم بقي، أو ربما لا يقدر على تحصيل المسلم فيه فيحتاج إلى رد رأس المال،   [البناية] م: (إلى مكان التسليم) ش: أي إلى بيان مكان تسليم المسلم فيه م: (ويسلمه) ش: أي المسلم إليه المسلم فيه م: (في موضع العقد) ش: وبه قال أبو حنيفة أولا والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في الأصح واختاره المزني. وقال أحمد: لا يجب ذكر بيان مكان الإيفاء ولو ذكره فهل يبطل المسلم عنه روايتان م: (فهاتان مسألتان) ش: أي المسألتان اللتان فيهما اختلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه. م: (ولهما) ش: أي ولأبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- م: (في الأولى) ش: أي في المسألة الأولى، وهي إعلام مقدار رأس المال م: (أن المقصود) ش: أي من إعلام مقدار رأس المال القدرة على التسليم وهي م: (يحصل بالإشارة) ش: إلى العين، فيغني ذلك عن الإعلام بالقدر م: (فأشبه الثمن) ش: يعني في البيع م: (والأجرة) ش: يعني في الإجارة يعني إذا جعل المكيل والموزون ثمن المبيع أو أجرة في الإجارة، وأشار إليهما جاز، وإن لم يعرف مقدارهما فكذا ينبغي أن يكتفي بالإشارة في رأس المال بجامع كونه بدلا م: (وصار كالثوب) ش: أي وصار هذا كما إذا كان رأس المال ثوبا فإن الإشارة فيه تكفي اتفاقا وإن لم يعرف ذرعانه. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه ربما يوجد بعضها زيوفا) ش: ثابت لفظ بعضها ليس له وجه، لأن المراد إذا وجد بعض رأس المال زيوفا م: (ولا يستبدل في المجلس) ش: أي في مجلس الرد م: (فلو لم يعلم قدره) ش: وفي بعض النسخ فلو لم يعرف قدره، أي قدر رأس المال م: (لا يدري في كم بقي) ش: بعد إخراج الزيوف وإذا كان معلوما بوزن الزيوف، فيعلم في كم انتقص، وتحقيقه أن جهالة قدر رأس المال تستلزم جهالة المسلم فيه، لأن المسلم إليه يتفق رأس المال شيئا فشيئا وربما يجد بعض ذلك زيوفا، ولا يستبدل له في مجلس الرد فيبطل العقد بقدر ما رده. فإذا لم يكن مقدار قدر رأس المال معلوما لا يعلم في كم انتقص السلم، وفي كم بقي فجهالة المسلم فيه مفسدة بالاتفاق، فكذا ما يستلزمها، وهكذا إذا استحق بعض رأس المال ينفسخ العقد بقدره م: (أو ربما) ش: إشارة إلى وجه آخر لفساده م: (لا يقدر) ش: أي المسلم إليه م: (على تحصيل المسلم فيه، فيحتاج إلى رد رأس المال) ش: لأنه ليس لرب السلم حينئذ إلا رأس ماله، وإذا كان مجهول المقدار تعذر ذلك. فإن قيل: ذلك أمر موهوم لا معتبر به فيما بني على الرخص. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 348 والموهوم في هذا العقد كالمتحقق لشرعه مع المنافي، بخلاف ما إذا كان رأس المال ثوبا، لأن الذرع وصف فيه لا يتعلق العقد على مقداره. ومن فروعه إذا أسلم في جنسين ولم يبين رأس مال كل واحد منهما أو أسلم جنسين ولم يبين مقدار أحدهما. ولهما في الثانية أن مكان العقد يتعين لوجود العقد الموجب للتسليم فيه،   [البناية] أجاب المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن ذلك بقوله م: (والموهوم في هذا العقد كالمتحقق لشرعه) ش: أي لشرع السلم م: (مع المنافي) ش: إذ القياس يخالفه، ألا ترى أنه إذا أسلم بمكيال رجل بعنيه لم يجز، لتوهم هلاك ذلك المكيال وجوده إلى الجهالة. فإن قيل: هذا اعتبار لشبهة الشبهة، وذلك أن وجود بعض رأس المال زيوفا فيه شبهة واحتمال؛ لأنه يحتمل أن لا يجد زيوفا وهو الظاهر، وبعد وجود الرد محتمل وبعد الرد ترك الاستبدال في مجلس الرد محتمل، والمعتبر الشبهة دون النازلة عنها وهي شبهة الشبهة. قلنا: هذا شبهة واحدة لأن كلا منهما مبني على وجوده زيوفا فكان شبهة واحدة فيعتبر. م: (بخلاف ما إذا كان رأس المال ثوبا) ش: هذا جواب عما قاسه عليه من الثوب وتقريره أن الثوب الذي جعل رأس المال الذي قاسا المتنازع فيه عليه لا يصح م: (لأن الذرع وصف فيه) ش: أي في الثوب المعين م: (لا يتعلق العقد على مقداره) ش: ولهذا لو وجده زائدا على المسمى سلم له الزيادة مجانا، ولو وجده ناقصا لم يحط شيئا من الثمن وليس كلامنا في ذلك، وإنما هو فيما يتعلق العقد على مقداره فكان قياسا بالفارق ولم تجب على الثمن والأجرة أن الدليل تضمن ذلك، فإن البيع والإجارة لا ينفسخان برد الثمن والأجرة وترك الاستبدال في مجلس الرد. م: (ومن فروعه) ش: أي ومن فروع الاختلاف في معرفة مقدار رأس المال م: (إذا أسلم في جنسين) ش: بأن قال: أسلمت إليك عشرة دراهم في كر حنطة وكر شعير، أو في ثوبين مختلفين م: ولم يبين رأس مال كل واحد منهما) ش: فعنده لا يجوز، وعندهما يجوز م: (أو أسلم جنسين) ش: بأن فال: أسلمت إليك هذه الدراهم العشرة وهذه الدنانير أو على العكس م: (ولم يبين مقدار أحدهما) ش: أي الدنانير أو الدراهم العشرة وهكذا، فعند أبي حنيفة لا يجوز، وعندهما يجوز لما أن إعلام رأس المال شرط عنده والمالية تنقسم على الحنطة والشعير باعتبار القيمة وطريق معرفة الحرز فلا يكون مقدار رأس المال كل واحد منهما معلوما، وكذلك في المسألة الثانية، كذا في " المبسوط ". م: (ولهما) ش: أي ولأبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- م: (في الثانية) ش: أي في المسألة الثانية م: (أن مكان العقد يتعين) ش: أي للإيفاء، لأن مكان العقد مكان الإلزام متعين لإيفاء ما التزمه في ذمته لوضع الاستقراض والاستهلاك م: (لوجود العقد الموجب للتسليم فيه) ش: أي في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 349 ولأنه لا يزاحمه مكان آخر فيه، فيصير نظير أول أوقات الإمكان في الأوامر، وصار كالقرض والغصب. ولأبي حنيفة أن التسليم غير واجب في الحال فلا يتعين، بخلاف القرض والغصب، وإذا لم يتعين فالجهالة فيه تفضي إلى المنازعة؛ لأن قيم الأشياء تختلف باختلاف المكان، فلا بد من البيان، فصار كجهالة الصفة،   [البناية] مكان العقد، وما كان كذلك يتعين كما في بيع الحنطة بعينها، فإن التسليم يجب في موضع العقد م: (ولأنه) ش: أي ولأن مكان العقد م: (لا يزاحمه مكان آخر فيه) ش: لعدم ما يوجبه ما هو كذلك م: (فيصير نظير أول أوقات الإمكان في الأوامر) ش: لأن الجزء الأول يتعين للسببية لعدم ما يزاحمه، وهذا على قول الكرخي في الأمر المطلق، فإنه يتعين وجوب الأداء في أول أوقات المكنة عند م: (وصار كالقرض والغصب) ش: فإنه يتعين مكان القرض والغصب للتسليم بالإجماع. قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ونوقض بما إذا باع طعاما وهو في السواد. فإنه روي عن محمد: أن المشتري إن كان يعلم مكان الطعام فلا خيار له، وإن لم يعلم فله الخيار، ولو تعين مكان البيع للتسليم لما كان له الخيار وعورض بأن مكان العقد لو تعين لبطل العقد ببيان مكان آخر كما في بيع العين، فإن من اشترى كر حنطة وشرط على البائع الحمل إلى منزله يفسد عقده، سواء اشتراها في المصر أو خارجه بجنسه أو بخلاف جنسه. والجواب على النقص: أن مكان البيع يتعين للتسليم إذا كان المبيع حاضرا والبيع في السلم حاضر لأنه في ذمة المسلم إليه وهو خاص في مكان العقد، فيكون المبيع حاضرا بحضوره، وفيه نظر، لأن فيه قيدا لم يذكر في التعليل، ومثله بعد انقطاعا، وعن المعارضة بأن التعيين بالدلالة، فإذا جاء صريح يخالفها يبطلها، وإنما فسد في بيع العين؛ لأنه قابل الثمن بالمبيع والحمل فيصير صفقة في صفقة. م: (ولأبي حنيفة أن التسليم) ش: أي تسليم السلم فيه م: (غير واجب في الحال) ش: لاشتراط الأجل بالاتفاق وكل ما هو تسليمه غير واجب في الحال م: (فلا يتعين) ش: مكان العقد فيه للتسليم م: (بخلاف القرض والغصب) ش: والاستهلاك، فإن تسليمها يستحق بنفس الالتزام فيتعين موضعه م: (وإذا لم يتعين) ش: أي مكان العقد للإيفاء بقي مكان الإيفاء مجهولا م: (فالجهالة فيه تفضي إلى المنازعة؛ لأن قيم الأشياء تختلف باختلاف المكان) ش: ورب السلم يطالبه في موضع يكثر فيه الثمن والمسلم إليه يسلمه في اختلاف القيم ذلك م: (فلا بد من البيان) ش: دفعا للمنازعة م: (فصار كجهالة الصفة) ش: يعني خلال أن اختلاف الصفة في المسلم فيه تختلف القيمة، فكذلك باختلاف المكان تختلف أيضا، ثم مع جهالة الصفة لا يجوز السلم فكذلك لا يجوز مع جهالة المكان لهذا المعنى فلا بد من البيان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 350 وعن هذا من قال من المشايخ: إن الاختلاف فيه عنده يوجب التحالف كما في الصفة. وقيل على عكسه لأن تعين المكان قضية العقد عندهما. وعلى هذا الخلاف الثمن والأجرة والقسمة. وصورتها إذا اقتسما دارا وجعلا مع نصيب أحدهما شيئا له حمل ومؤنة. وقيل: لا يشترط ذلك في الثمن، والصحيح أنه يشترط إذا كان مؤجلا، وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي. وعندهما يتعين مكان الدار ومكان تسليم الدابة للإيفاء. قال: وما لم يكن له حمل ومؤنة لا يحتاج فيه إلى بيان مكان الإيفاء بالإجماع؛   [البناية] م: (وعن هذا) ش: أي عن هذا الذي قلنا، وهو اختلاف المكان كجهالة الصفة م: (قال من قال من المشايخ: إن الاختلاف فيه) ش: أي في مكان الإيفاء م: (عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (يوجب التحالف كما في الصفة) ش: أي كما إذا اختلفا في صفة الجودة والرداءة في أحد بدلي السلم م: (وقيل على عكسه) ش: أي لا يوجب التحالف عنده بل القول قول المسلم إليه، وعندهما يتحالفان هكذا ذكر الخلاف القدوري وصاحب " الإيضاح " وصاحب " الكفاية "، لأن المكان يتعين عندهما وهو معنى قوله م: (لأن تعين المكان قضية العقد) ش: أي مقتضاه م: (عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد، فكان الاختلاف في المكان كالاختلاف في نفس العقد، وعنده لما لم يكن من مقتضيات العقد صار بمنزلة الأجل، والاختلاف فيه لا يوجب التحالف. م: (وعلى هذا الخلاف) ش: وهو أنه هل يشترط بين مكان إيفاء الثمن في بيع العين إذا كان له حمل ومؤنة م: (الثمن) ش: صورته جعل المكيل أو الموزون دينا في الذمة ثمنا في البيع يشترط بيان مكان الإيفاء عند أبي حنيفة، خلافا لهما م: (والأجرة) ش: صورته منصوص في كتاب الإجارات إذا كان الشيء الذي جعل أجرا دينا ولحمله مؤمنة عند أبي حنيفة لا يصح إلا بتعيين مكان الإيفاء. وعندهما يجوز من غير تعيين كما يجيء الآن [اقتسما دارا وجعلا مع نصيب أحدهما شيئا له حمل ومؤنة] م: (والقسمة، وصورتها إذا اقتسما دارا وجعلا مع نصيب أحدهما شيئا له حمل ومؤنة) ش: يشترط بيان مكان الإيفاء عند أبي حنيفة، وعندهما لا يشترط ويتعين مكان القسمة م: (وقيل: لا يشترط ذلك) ش: أي بيان مكان الإيفاء م: (في الثمن) ش: عند الكل م: (والصحيح أنه) ش: أي أن بيان مكان الإيفاء م: (يشترط إذا كان مؤجلا) ش: عند أبي حنيفة م: (وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي) ش: وبه قال الشافعي. م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (يتعين مكان الدار) ش: أي في إجارة الدار م: (ومكان تسليم الدابة) ش: في إجارة الدابة م: (للإيفاء) ش: أي لأجل إيفاء الأجرة. م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (وما لم يكن له حمل ومؤنة) ش: كالمسك والكافور والزعفران وصغار اللؤلؤ م: (لا يحتاج فيه إلى بيان مكان الإيفاء بالإجماع) ش: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 351 لأنه لا يختلف قيمته ويوفيه في المكان الذي أسلم فيه. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا رواية " الجامع الصغير " والبيوع، وذكر في الإجارات أنه يوفيه في أي مكان شاء وهو الأصح؛ لأن الأماكن كلها سواء ولا وجوب في الحال، ولو عينا مكانا قيل لا يتعين لأنه لا يفيد. وقيل: يتعين لأنه يفيد سقوط خطر الطريق. ولو عين المصر فيما له حمل ومؤنة فيكتفى به لأنه مع تباين أطرافه كبقعة واحدة فيما ذكرنا.   [البناية] أي بإجماع الأئمة الأربعة وأصحابهم م: (لأنه) ش: أي لأن ما ليس له حمل ومؤنة م: (لا يختلف قيمته) ش: لأن الأماكن كلها سواء والمال لا يختلف باختلاف الأماكن فيما لا حمل ولا مؤنة، وإنما تختلف بعبرة الوجود وكثرة رغبات الناس وقلتها. وقيل: ما لم يكن له حمل ومؤنة هو الذي لو أمر إنسانا بحمله إلى مجلس القضاء مجانا وقيل: وهو ما يمكن رفعه بيد واحدة م: (ويوفيه) ش: أي يوفي المسلم إليه المسلم فيه م: (في المكان الذي أسلم فيه) ش: لأنهم اتفقوا على أن بيان مكان الإيفاء فيه ليس بشرط لصحة السلم لعدم اختلاف القيمة، ولكن هل يتعين مكان العقد للإيفاء فيه روايتان. أشار المصنف إليهما بقوله: م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهذا) ش: أي قوله: ويوفيه في المكان الذي أسلم فيه م: (رواية " الجامع الصغير " والبيوع) ش: أي بيوع الأصل وهو " المبسوط " م: (وذكر في الإجارات) ش: أي في كتاب "الإجارات" م: (أنه يوفيه في أي مكان شاء) ش: أي المسلم إليه م: (وهو الأصح) ش: أي المذكور في الإجارات هو الأصح، وبه قال الشافعي في الأصح م: (لأن الأماكن كلها سواء) ش: وقد ذكرناه الآن م: (ولا وجوب في الحال) ش: جواب عن سؤال، وهو أن يقال: يجوز أن يتعين مكان العقد ضرورة وجوب التسليم، فقال: لا يجب التسليم في الحال ليتعين ضرورة اعتباره م: (ولو عينا مكانا) ش: أي فيما لا حمل له ولا مؤنة م: (قيل لا يتعين لأنه) ش: أي لأن التعيين م: (لا يفيد) ش: حيث لا يلزم بثقله مؤنة م: (وقيل: يتعين لأنه يفيد سقوط خطر الطريق) ش: لرب السلم. م: (ولو عين المصر) ش: أي رب السلم م: (فيما له حمل ومؤنة فيكتفى به) ش: وفي بعض النسخ يكتفى به، أي يتعين المصر م: (لأنه) ش: أي لأن المصر م: (مع تباين أطرافه كبقعة واحدة) ش: أي كمكان واحد، لأن القيمة لا تختلف باختلاف المصر عادة، حتى قيل هذا إذا لم يكن المصر عظيما، فلو كان بين نواحيه فرسخ ولم يبين ناحيته منه لا يجوز، لأن هذه جهالة مفضية إلى المنازعة، كذا في " المحيط " م: (فيما ذكرنا) ش: قال الكاكي: أي في اختلاف القيمة. وقال الأترازي: قوله فيما ذكرنا، أي المصر مع تباين أطرافه كبقعة واحدة في القيمة، حيث لا تختلف باختلاف الحال، وهذا لو دفع المال مضاربة ليعمل بالكوفة كان له أن يعمل في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 352 قال: ولا يصح السلم حتى يقبض رأس المال قبل أن يفارقه فيه، أما إذا كان من النقود فلأنه افتراق عن دين بدين، وقد «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الكالئ بالكالئ وإن كان عينا» فلأن السلم أخذ عاجل بآجل، إذ الإسلام والإسلاف يبنيان عن التعجيل فلا بد من قبض أحد العوضين ليتحقق معنى الاسم. ولأنه لا بد من تسليم رأس المال ليتقلب المسلم إليه فيه فيقدر على التسليم،   [البناية] أي مكان شاء منها، وقال الأكمل: ومما ذكرنا من أنه لا يختلف قيمته باختلاف المحلة. وقيل فيما ذكرنا من المسائل وهي الثمن والأجرة والقسمة. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يصح السلم حتى يقبض رأس المال قبل أن يفارقه فيه) ش: أي في المجلس، والمراد منه المفارقة بالأبدان، ألا ترى إلى ما قال في "شرح الطحاوي ": تسليم رأس المال ليس بشرط في مجلس العقد، وإنما تسليمه جعل إلى المسلم إليه شرطا قبل الافتراق بالأبدان. ألا ترى أنهما لو تعاقدا عقد السلم ومكثا بعد ذلك يوما إلى الليل ولم يغب أحدهما عن صاحبه، ثم أسلم رأس المال وافترقا صح السلم. واعلم أن تسليم رأس المال قبل المفارقة شرط. م: (أما إذا كان من النقود) ش: مثل الدراهم والدنانير وافترقا قبل قبض رأس المال السلم فإنه لا يصح م: (فلأنه افتراق عن دين بدين) ش: وذلك لا يجوز م: (وقد «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الكالئ بالكالئ» ش: وهذا الحديث قد تقدم أي النسيئة بالنسيئة م: (وإن كان) ش: أي رأس المال م: (عينا) ش: كالتبر والمصوغ والثوب والحيوان م: (فلأن السلم أخذ عاجل بآجل) ش: لأنه عقد يثبت الملك في الثمن عاجلا، وفي الثمن آجلا، فاشترط تعجيل رأس المال ليستحق به المعنى الذي وضع له الاسم م: (إذ الإسلام والإسلاف يبنيان عن التعجيل) ش: لأن السلم أخذ عاجل بآجل، والسلم فيه آجل، فيجب أن يكون رأس المال عاجلا ليكون حكمه على وقف ما يقتضيه اسمه كما في الصرف والحوالة والكفالة. فإن هذه العقود تثبت أحكامها بمقتضيات أساميها لغة، كذا في " المبسوط "، فإذا كان الاسم كذلك م: (فلا بد من قبض أحد العوضين ليتحقق معنى الاسم) ش: أي اسم السلم أو السلف. م: (ولأنه لا بد من تسليم رأس المال ليتقلب) ش: أي ليتصرف م: (السلم إليه فيه) ش: أي في رأس المال م: (فيقدر) ش: بالنصب عطفا على ليتقلب م: (على التسليم) ش: إذا كان فيه الشرط الجزء: 8 ¦ الصفحة: 353 ولهذا قلنا: لا يصح السلم إذا كان فيه خيار الشرط لهما أو لأحدهما؛ لأنه يمنع تمام القبض لكونه مانعا من الانعقاد في حق الحكم، وكذا لا يثبت فيه خيار الرؤية لأنه غير مفيد، بخلاف خيار العيب لأنه لا يمنع تمام القبض. ولو أسقط خيار الشرط قبل الافتراق ورأس المال قائم جاز، خلافا لزفر وقد مر نظيره، وجملة الشروط جمعوها   [البناية] لهما م: (ولهذا) ش: إيضاح لاشتراط قبض رأس مال السلم م: (قلنا: لا يصح السلم إذا كان فيه خيار الشرط لهما) ش: أي للمتعاقدين م: (أو لأحدهما) ش: أي أو كان خيار الشرط لأحدهما م: (لأنه) ش: أي لأن خيار الشرط م: (يمنع تمام القبض لكنه مانعا من الانعقاد في حق الحكم) ش: وهو ثبوت الملك م: (وكذا لا يثبت فيه) ش: أي في السلم م: (خيار الرؤية لأنه غير مفيد) ش: إذ فائدة الخيار رد المبيع والمسلم فيه دين في الذمة. فإذا رد المقبوض عاد دينا كما كان؛ لأنه لم يرد عين ما تناوله العقد، لأن العقد لم يتناول هذا المقبوض، وإنما تناول مثله دينا في الذمة فلا ينفسخ العقد برده، بل يعود حقه في مثله، فإذا لم يفد فائدته لا يثبت بخلاف بيع العين، فإنه لو رد العين بخيار الرؤية ينفسخ العقد؛ لأنه رد عين ما تناوله العقد فينفسخ العقد برده، كذا ذكره شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الأترازي: قوله: وكذا لا يثبت فيه خيار الرؤية فيه إشكال، لأن الضمير في قوله: فيه إما أن يراد به رأس المال، أو المسلم فيه، فلا يجوز الأول لأن خيار الرؤية ثابت في رأس المال، وبه صرح في " التحفة "، ولا يجوز الثاني أيضا لأنه لا يرتبط به الكلام، لأن سوق كلامه أن تسليم رأس المال شرط قبل المفارقة، وأوضح ذلك بعدم صحة السلم بخيار الشرط، ويبقى قوله: وكذا لا يثبت خيار الرؤية فيه أجنبيا، انتهى. وقال الأكمل: إنه يعود إلى المسلم فيه، وذكره استطرادا ويجوز أن يعود إلى رأس المال. م: (بخلاف خيار العيب؛ لأنه لا يمنع تمام القبض) ش: لأن تمام العقد يتعلق بتمام الصفقة وتمام الصفقة يتعلق بتمام الرضا، والرضا تام وقت العقد، كذا في " المبسوط "، م: (ولو أسقط) ش: أي رب السلم م: (خيار الشرط قبل الافتراق ورأس المال قائم) ش: أي والحال أن رأس المال قائم في يد المسلم إليه م: (خيار الشرط قبل الافتراق ورأس المال قائم) ش: أي والحال أن رأس المال قائم في يد المسلم إليه م: (جاز) ش: أي السلم عندنا، إنما قيد بكون رأس المال قائما؛ لأنه إذا أسقط خياره بعد هلاك رأس المال في يد المسلم إليه وإنفاقه لا يعود السلم جائزا بالإجماع م: (خلافا لزفر) ش: والشافعي ومالك أيضا م: (وقد مر نظيره) ش: أي مر نظير هذا في باب البيع الفاسد وهو أنه إذا باع لأجل مجهول كالحصاد والدياس ونحوهما ثم تراضيا بإسقاط الأجل قبل الأجل جاز عندنا خلافا لهم. م: (وجملة الشروط) ش: أي جملة شروط السلم م: (جمعوها) ش: أي جمعها المشايخ م: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 354 في قولهم: إعلام رأس المال وتعجيله، وإعلام المسلم فيه وتأجيله، وبيان مكان الإيفاء والقدرة على تحصيله. فإن أسلم مائتي درهم في كر حنطة، مائة منها دين على المسلم إليه ومائة نقدا، فالسلم في حصة الدين باطل لفوات القبض، ويجوز في حصة النقد لاستجماع شرائطه، ولا يشيع الفساد؛ لأن الفساد طارئ إذ السلم وقع صحيحا، ولهذا لو نقد رأس المال قبل الافتراق صح، إلا أنه يبطل بالافتراق لما بينا، وهذا لأن الدين لا يتعين في البيع، ألا ترى أنهما لو تبايعا عينا بدين، ثم تصادقا أن لا دين، لا يبطل البيع، فينعقد صحيحا.   [البناية] (في قولهم: إعلام رأس المال) ش: هو مشتمل على بيان جنسه وقدره وصفته م: (وتعجيله) ش: المراد به التسليم قبل الافتراق م: (وإعلام المسلم فيه) ش: أي وفي إعلام المسلم فيه، وهو مشتمل على بيان الجنس والنوع والصفة والقدر م: (وتأجيله) ش: يعني أجل معلوم م: (وبيان مكان الإيفاء) ش: أي وفي بيان مكان إيفاء المسلم فيه م: (والقدرة على تحصيله) ش: أي وفي القدرة على تحصيل المسلم فيه، وهو أن لا ينقطع، وهذه الشروط مر بيانها جميعا عند قوله: ولا يصح السلم عند أبي حنيفة إلا بسبع شرائط. م: (فإن أسلم) ش: وفي نسخة تاج الشريعة، ومن أسلم م: مائتي درهم في كر حنطة) ش: قال الأترازي: الكر ستون قفيزا، والقفيز ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع ونصف، وفي " الجامع الصغير " جاء الكر اسم لأربعين قفيزا كذا في " المغرب "، م: (مائة منها دين على المسلم إليه، ومائة نقدا، فالسلم في حصة الدين باطل) ش: وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (لفوات القبض) ش: في قدر الدين، إذ العقد لا يتعلق بالدين المضاف إليه، وإنما ينعقد بمثله، وهو غير مقبوض م: (ويجوز في حصة النقد لاستجماع شرائطه) ش: أي شرائط السلم م: (ولا يشيع الفساد) ش: جواب عن قول زفر، فإنه يقول: يشيع الفساد ويبطل العقد في حصة النقد أيضا، لأن هذا فساد قوي تمكن في صلب العقد فيفسد به الكل. وقال المصنف: ما يشيع الفساد م: (لأن الفساد طارئ) ش: لأنه ما اقترن بأصل العقد، لأن كونه دينا عفو في المجلس، ألا ترى أنهما لو أخرا التسلم والتسليم إلى آخر المجلس يكون العقد صحيحا م: (إذ السلم وقع صحيحا، ولهذا لو نقد رأس المال قبل الافتراق صح) ش: السلم م: (إلا أنه يبطل بالافتراق لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: وقد نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الكالئ م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله: إذ المسلم وقع صحيحا م: (لأن الدين لا يتعين في البيع) ش: لأن النقود لا تتعين في المعقود إذا كانت عينا، فكذا إذا كانت دينا، فصار الإطلاق والتقييد سواء. م: (ألا ترى أنهما لو تبايعا عينا بدين، ثم تصادقا أن لا دين، لا يبطل البيع، فينعقد صحيحا) ش: ويستدل بهذه المسألة على أن الدين لا يتعين بإضافة العقد إليه، فيكون الإطلاق والتقييد فيه سواء. وفي " النهاية ": وإنما قيد بقوله: مائة منها على المسلم إليه؛ لأنه لو كان دينا على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 355 قال: ولا يجوز التصرف في رأس مال السلم والمسلم فيه قبل القبض، أما الأول فلما فيه من تفويت القبض المستحق بالعقد، وأما الثاني فلأن المسلم فيه مبيع والتصرف في المبيع قبل القبض لا يجوز.   [البناية] الأجنبي والمسألة بحالها يشيع الفساد في الكل؛ لأنها ليست بمال في حقهما، ومذهبنا مروي عن ابن عباس. فإن قيل: هذا منقوض بثلاث مسائل: إحداها: أن الرجل إذا قال: إن بعت هذا العبد بهذا الكر من الحنطة وبهذه الدراهم فهما في المساكين صدقة فباعه بهما يحنث بالكر والدراهم، وهذا آية تعيين النقود. وثانيها: أن الرجل إذا باع دينارا بعشرة فنقد الدينار ولم يقبض العشرة، حتى اشترى بالعشرة ثوبا فالبيع فاسد. ثالثها: أن الرجل إذا باع عينا بدين وهما يعلمان أن لا دين فالبيع فاسد، ولو كان الإطلاق والتقييد سواء لجاز العقدان ولما حنث في المسألة الأولى. قلنا: أما الأولى: فنحن ندعي أن النقود لا تتعين في العقد استحقاقا لا جوازا فلا يلزم لأنها تتعين جوازا لا استحقاقا، وأما الثانية: فلانتقاض الصرف باختلاف الجنس بالاستعمال بالعقد الآخر، فيتحقق البيع بلا ثمن. وأما الثالثة: فإنما لم يجز البيع لمكان الهازل به، لأن هذا بيع بلا ثمن، فيكون منهما تهازلا به وهي تتعين في حق الجواز. [التصرف في رأس مال السلم والمسلم فيه قبل القبض] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يجوز التصرف في رأس مال السلم والمسلم فيه قبل القبض) ش: هذا باتفاق الفقهاء م: (أما الأول) ش: أي التصرف في رأس المال السلم قبل القبض م: (فلما فيه من تفويت القبض المستحق بالعقد) ش: لأن قبض رأس المال في المجلس حق الله تعالى، والتصرف يبطله، وإنما شرط القبض احترازا عن الكالئ بالكالئ، فلو جاز التصرف فيه بالبيع والهبة والوصية ونحوها فات الشرط. م: (وأما الثاني) ش: وهو التصرف في المسلم فيه قبل القبض م: (فلأن المسلم فيه مبيع، والتصرف في المبيع قبل القبض لا يجوز) ش: أما لو دفع إليه أردأ أو أجود برضا المسلم إليه جاز؛ لأنه جنس حقه فلم يكن استبدالا، ولو أبرأه عنه فقيل: يبطل العقد لعدم القبض، ولو رد البراءة لم تبطل والتخلية فيه قبض عند محمد خلافا لأبي يوسف، وإنما قيد بقوله: قبل القبض احترازا عما بعد القبض، ولهذا قال في " شرح الطحاوي ": ولا بأس أن يبيع رب السلم سلمه بعد قبضه إياه مرابحة على رأس المال، وأن يبيعه تولية، وأن يبيعه مواضعة، وأن يشرك فيه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 356 ولا يجوز الشركة والتولية في المسلم فيه؛ لأنه تصرف فيه، فإن تقايلا السلم لم يكن له أن يشتري من المسلم إليه برأس المال شيئا، حتى يقبضه كله؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تأخذ إلا سلمك أو رأس مالك» أي عند الفسخ،   [البناية] غيره. م: (ولا يجوز الشركة والتولية في المسلم فيه) ش: قبل قبضه م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الشركة والتولية م: (تصرف فيه) ش: أي في المسلم فيه والتصرف فيه قبل القبض لا يجوز، وهذا أيضا من لفظ القدوري، وإنما خصهما بالذكر بعدما عمهما بقوله: ولا يجوز التصرف .... إلى آخره؛ لأنهما أكثر وقوعا من المرابحة والمواضعة، وقيل: احترازا عن قول البعض إنه يجوز عنده التولية في بيع العين والسلم، وحكي ذلك عن مالك. م: (فإن تقايلا السلم لم يكن له أن يشتري من المسلم إليه برأس المال شيئا، حتى يقبضه كله) ش: هذه من مسائل " الجامع الصغير "، وصورة المسألة فيه: محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رجل أسلم إلى رجل عشرة دراهم في كر حنطة فتقايلا السلم، فأراد رب السلم أن يشتري برأس المال شيئا قبل أن يقبضه، قال: ليس له ذلك ولا يجوز شراؤه. قوله: لم يكن له أن يشتري، وفي " الإيضاح ": هذا الاستحسان، والقياس لا يجوز، وهو قول زفر والشافعي لأنهما لما تقايلا بطل السلم، وبقي رأس المال دينا في حصته فيصح الاستبدال به كسائر الديون؛ لأنه لا يجب قبضه في المجلس، ودليلنا قول المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا تأخذ إلا سلمك أو رأس مالك» ش: لم أر أحدا من الشراح بين حال هذا الحديث، غير أن الأترازي قال: واحتج أصحابنا بما روي عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره» ورواه الترمذي في علله الكبير، وقال: لا أعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وهو حديث حسن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 357 ولأنه أخذ شبها بالمبيع فلا يحل التصرف فيه قبل قبضه، وهذا لأن الإقالة بيع جديد في حق ثالث، ولا يمكن جعل المسلم فيه مبيعا لسقوطه فجعل رأس المال مبيعا؛ لأنه دين مثله، إلا أنه لا يجب قبضه في المجلس؛ لأنه ليس في حكم الابتداء من   [البناية] ورواه ابن ماجه في سننه عن عطية عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلا ولم يذكر فيه أبا سعيد، ورواه الدارقطني في سننه بلفظ: فلا يأخذ إلا ما أسلم فيه أو رأس ماله، وهذا قريب من لفظ المصنف. وروى عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا معمر عن قتادة عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إذا أسلفت في شيء فلا تأخذ إلا رأس مالك أو الذي أسلمت فيه م: (أي عند الفسخ) ش: هذا تفسير من المصنف، والمعنى لا تأخذ إلا سلمك، أي المسلم فيه حال قيام العقد أو رأس مالك عند الانفساخ إذ لا يمكنه أخذه حال قيام العقد، فقد جعل حق رب السلم أخذ المسلم فيه وبعده أخذ رأس المال. م: (ولأنه) ش: أي ولأن رأس المال م: (أخذ شبها بالمبيع، فلا يحل التصرف فيه قبل قبضه) ش: أي في رأس المال قبل قبضه م: (وهذا) ش: أي كونه مشابها للمبيع م: (لأن الإقالة بيع جديد) ش: أي بيع ابتداء م: (في حق ثالث) ش: أي غير المتعاقدين م: (ولا يمكن جعل المسلم فيه مبيعا لسقوط) ش: أي بالإقالة، هذا جواب سؤال، وهو أن يقال: لم لا يجوز أن يجعل بيعا جديدا في جانب المسلم فيه حتى لا يكون لرأس المال جهة كونه مبيعا. فقال: لا يمكن جعله مبيعا لسقوطه لأنه دين يثبت بالسلم ويسقط بالإقالة. ولهذا إن الإقالة في باب السلم لا تحتمل النقض بعد وقوعها لسقوط المسلم فيه عن الذمة، فلو صح بنقضها لعاد المسلم فيه واجبا، والساقط لا يعود م: (فجعل رأس المال مبيعا لأنه دين مثله) ش: أي مثل المسلم فيه، وجعل الدين مبيعا ليس بمحال فجعل رأس المال مبيعا ضرورة إذ لو لم يجعل مبيعا تبطل الإقالة، ألا ترى أنهما لو تقايلا في باب البيع وهلك المبيع بعد الإقالة قبل القبض تبطل الإقالة، وهاهنا لما تقايلا سقط والمسلم فيه، وصار كالهالك، فلو لم يجعل رأس المال مبيعا لبطلت الإقالة، وقد صحت هاهنا، فلا بد من قيام المعقود عليه. وليس ذلك إلا رأس المال لسقوط المسلم فيه، إلا أنه لا يجب، جواب سؤال وهو أن يقال: لو كان هذا بمنزلة بيع جديد وجب أن يقبض رأس المال في المجلس، لأن إقالة بيع السلم بمنزلة بيع السلم وفيه القبض شرط وبالإجماع لا يجب قبضه في المجلس. فأجاب بقوله: م: (إلا أنه) ش: أي أن رأس المال م: (لا يجب قبضه في المجلس لأنه) ش: أي لأن الإقالة على تأويل تصرف الإقالة م: (ليس في حكم الابتداء) ش: أي ابتداء عقد المسلم م: (من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 358 كل وجه وفيه خلاف زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والحجة عليه ما ذكرناه. قال: ومن أسلم في كر حنطة، فلما حل الأجل اشترى المسلم إليه من رجل كرا، وأمر رب السلم بقبضه قضاء لم يكن قضاء، وإن أمره أن يقبضه له ثم يقبضه لنفسه فاكتاله له ثم اكتاله لنفسه جاز؛ لأنه اجتمعت الصفقتان بشرط الكيل، فلا بد من الكيل مرتين لنهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الطعام حتى يجري فيه صاعان، وهذا هو محمل الحديث على ما مر،   [البناية] كل وجه) ش: لأن المسلم عقد من كل وجه. والإقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع في حق ثالث، فكان عقدا من وجه م: (وفيه) ش: أي وفي جعل رأس المال بعد الإقالة مبيعا م: (خلاف زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: والشافعي أيضا، فإنهما يقولان: لو تقايلا السلم واشتري رب السلم برأس المال شيئا قبل القبض يجوز ذلك، وهو القياس لأنهما لما تقايلا ارتفع العقد وعاد الملك في الدراهم على قديم الملك، فجاز الاستبدال عنه، ولهذا لم يجب قبضه في المجلس فصار كدين القرض والغصب. م: (والحجة عليه) ش: أي على زفر م: (ما ذكرناه) ش: أي من الحديث والمعقول. أما الحديث فهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تأخذ إلا سلمك أو رأس مالك» . وأما المعقول فهو ما ذكره من قوله: " ولأنه أخذ شبها بالمبيع ..... إلى آخره، وقد مر بيانه. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: ومن أسلم في كر حنطة فلما حل الأجل) ش: أي أجل السلم م: اشترى المسلم إليه من رجل كرا) ش: وهو ستون قفيزا م: وأمر رب السلم بقبضه) ش: أي بقبض الكر الذي اشتراه من رجل م: (قضاء) ش: أي لأجل القضاء لحقه م: (لم يكن قضاء) ش: أي لم يكن إذا لحقه، وفي الثاني: إذا أمره بقبضه فاقتضاه رب السلم لم يكن قبضا عن المسلم فيه حتى لو هلك المقبوض في يد رب السلم هلك من مال المسلم إليه م: (وإن أمره أن يقبضه له) ش: أي وإن أمر المسلم إليه رب السلم أن يقبضه، أي يقبض السلم فيه لأجل المسلم إليه م: (ثم يقبضه لنفسه فاكتاله له) ش: أي لأجل المسلم إليه م: (ثم اكتاله لنفسه جاز؛ لأنه اجتمعت الصفقتان بشرط الكيل) ش: أحدهما صفقة عقد السلم، والثانية هي الصفقة التي جرت بين المسلم إليه مع رب السلم م: (فلا بد من الكيل مرتين لنهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الطعام حتى يجري فيه صاعان) ش: تقدم هذا الحديث في المرابحة والتولية م: (وهذا هو محمل الحديث) ش: يعني معنى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: حتى يجري فيه صاعان هو محمل الحديث، يعني اجتماع الصفقتين المذكورتين: م: (على ما مر) ش: في الفصل الذي بعد باب المرابحة والتولية، وهو قوله: ومحمل الحديث اجتماع الصفقتين على ما نبين. والأصل في هذا أن العقد إذا وقع مكايلة أو موازنة لم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 359 والسلم وإن كان سابقا لكن قبض المسلم فيه لاحق، وأنه بمنزلة ابتداء البيع؛ لأن العين غير الدين حقيقة، وإن جعل عينه في حق حكم خاص وهو حرمة الاستبدال فيتحقق البيع بعد الشراء، وإن لم يكن سلما وكان قرضا فأمره بقبض الكر جاز؛ لأن القرض إعارة، ولهذا ينعقد بلفظ الإعارة، فكان المردود عين المأخوذ مطلقا   [البناية] يجز للمشتري أن يتصرف حتى يعيد الكيل أو الوزن ثانيا للحديث المذكور، وهو ما رواه ابن ماجه في سننه عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان» صاع البائع وصاع المشتري، والسلم بيع بشرط الكيل فيشترط الكيل ثانيا؛ لأنه إذا كاله ثانيا ربما يزيد على قدر الكر فلا تسلم له الزيادة، فلو جاز التصرف قبل الكيل ثانيا يلزم التصرف في مال الغير وهو حرام. م: (والسلم وإن كان سابقا) ش: هذا جواب عما يقال: بيع المسلم إليه مع رب المسلم كان سابقا على شراء المسلم إليه من بائعه، فلا يكون المسلم إليه بائعا بعد المشتري فلم تتحقق الصفقة الثانية ليدخل تحت النهي. وتقرير الجواب: القول بموجب العلة سلمنا ذلك، ولكن السلم وإن كان سابقا على شراء المسلم إليه من بائعه م: (لكن قبض المسلم فيه لاحق) ش: في التقدير فتجتمع الصفقتان في التقدير م: (وأنه) ش: أي وأن قبض المسلم فيه م: (بمنزلة ابتداء البيع) ش: تحقيق هذا ما قاله المقبوض في مسائل السلم غير المسلم فيه حقيقة، فباعتبار هذه الحقيقة لم يكن المقبوض عين ما تناوله العقد فلا بد من طريق يجعل بذلك الطريق كأنه عين المعقود عليه، وذلك بأن يجعل عند القبض كأنهما جددا ذلك العقد على المقبوض، وإنما قال: بمنزلة ابتداء البيع، لأن المسلم فيه دين في ذمته والمقبوض عين وهو غير الدين، وهو معنى قوله م: (لأن العين غير الدين حقيقة) ش: وهو ظاهر، وقوله م: (وإن جعل) ش: كلمة إن واصلة بما قبله، أي وإن جعل الدين م: (عينه) ش: أي وإن جعل المقبوض عين الدين م: (في حق حكم خاص وهو حرمة الاستبدال) ش: لأنه لو لم يجعل في حق الاستبدال عين حقه يلزم استبدال المبيع قبل قبضه، وذا لا يجوز. وإذا جعل الدين عين المقبوض الذي هو الدين ضرورة حرمة الاستبدال فلا يتعدى، فبقي ما وراءه كالبيع م: (فيتحقق البيع بعد الشراء) ش: أي بيع السلم إليه من رب المسلم بعد شراء المسلم إليه من بائعه بشرط الكيل، فقد اجتمعت الصفقتان فلا بد من تكرار الكيل. م: (وإن لم يكن) ش: أي الكر م: (سلما وكان قرضا فأمره) ش: أي فأمر المستقرض القرض م: (بقبض الكر جاز، لأن القرض إعارة، ولهذا) ش: أي ولأجل كون القرض إعارة م: (ينعقد) ش: أي القرض م: (بلفظ الإعارة) ش: بأن يقول: أعرتك هذا المبلغ من الدراهم أو الدنانير، فإذا كان إعارة م: (فكان المردود عين المأخوذ) ش: أي عين المقبوض م: (مطلقا) ش: أي سواء كان في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 360 حكما، فلا تجتمع الصفقتان. قال: ومن أسلم في كر فأمر رب السلم أن يكيله المسلم إليه في غرائر رب السلم، ففعل وهو غائب، لم يكن قضاء؛ لأن الأمر بالكيل لم يصح؛ لأنه لم يصادف ملك الأمر؛ لأن حقه في الدين دون العين، فصار المسلم إليه مستعيرا للغرائر منه، وقد جعل ملك نفسه فيها، فصار كما لو كان عليه دراهم دين فدفع إليه كيسا ليزنها المديون فيه لم يصر قابضا؛ ولو كانت الحنطة مشتراة والمسألة بحالها صار قابضا، لأن الأمر قد صح حيث صادف ملكه؛ لأنه ملك العين بالبيع.   [البناية] حق الاستبدال أو غيره م: (حكما) ش: أي تقديرا، ولا يلزم تمليك الشيء بجنسه نسيئة، وهو ربا، فإذا كان كذلك م: (فلا تجتمع الصفقتان) ش: فيكتفى بكيل واحد. وفي " الشامل " في كل موضع وجد عقدان لا يكتفى بكيل واحد، وإن كان بحضرة الآخر وفي كل موضع وجد عقد واحد يكتفى فيه بكيل واحد، وكذلك إذا اشترى موازنة لا يتصرف ما لم يستزنه، فإن اشترى مجازفة أو أخذ قرضا جاز أن يترك الكيل والوزن. ولو اشترى المعدود عدا هل يشترط العد ثانيا، فيه روايتان. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن أسلم في كر فأمر رب السلم أن يكيله المسلم إليه في غرائر رب السلم) ش: الغرائر جمع غرارة بكسر الغين المعجمة، قال الجوهري: الغرارة واحدة الغرائر التي للتبين وما أظنه عربيا م: (ففعل وهو) ش: أي رب السلم م: (غائب لم يكن قضاء) ش: أي قبضا يريد به إذا كان الطعام عينا، وإنما قيد بقوله: وهو غائب لأنه إذا كان حاضرا صار المسلم إليه قابضا سواء كان الغرائر له أو للبائع أو كانت مستأجرة، وبه صرح الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإنما لم يكن قضاء م: (لأن الأمر بالكيل لم يصح؛ لأنه لم يصادف ملك الأمر) ش: لأنه تناول عينا مملوكة للبائع م: (لأنه حقه) ش: أي حق رب السلم م: (في الدين دون العين) ش: لأن جعل العين وهو وصف ثابت في الذمة في غرائر رب السلم محال. وحقه في العين إنما يتحقق بالقبض ولم يوجد م: (فصار المسلم إليه مستعيرا للغرائر منه) ش: أي من رب السلم م: (وقد جعل ملك نفسه إليه) وقد جعل المسلم إليه ملك نفسه في الغرائر فلم يصر رب السلم قابضا حتى إذا هلك الكر هلك من مال المسلم إليه وبقي الدين في ذمته كما كان. م: (فصار) ش: أي رب السلم م: (كما لو كان عليه دراهم دين فدفع إليه) ش: أي فدفع الدائن المديون م: (كيسا ليزنها المديون فيه) ش: أي في الكيس م: (لم يصر قابضا) ش: بوزنه فيه م: (ولو كانت الحنطة مشتراة) ش: بأن اشترى حنطة بعينها م: (والمسألة بحالها) ش: وهي أنه دفع غرائره إلى البائع وقال: اجعلها فيها ففعل والمشتري حاضر أو غائب م: (صار قابضا؛ لأن الأمر قد صح حيث صادف ملكه؛ لأنه ملك العين بالبيع) ش: يعني بنفس العقد فصح الأمر لمصادفة الملك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 361 ألا ترى أنه لو أمره بالطحن كان الطحين في السلم للمسلم إليه، وفي الشراء للمشتري لصحة الأمر، وكذا إذا أمر أن يصبه في البحر في السلم يهلك من مال المسلم إليه، وفي الشراء من مال المشتري، ويتقرر الثمن عليه لما قلنا، ولهذا يكتفى بذلك الكيل في الشراء في الصحيح؛ لأنه نائب عنه في الكيل والقبض بالوقوع في غرائر المشتري، ولو أمره في الشراء أن يكيله في غرائر البائع ففعل لم يصر قابضا؛ لأنه استعار غرائره ولم يقبضها فلا تصير الغرائر في يده، فكذا ما يقع فيها،   [البناية] وإذا صح صار البائع وكيلا عنه في إمساك الغرائر فبقيت الغرائر في يد المشتري حكما، فصار الواقع فيها واقعا في يد المشتري حكما لأن فعل نائبه كفعله، حتى لو كانت الغرائر للبائع لا يصير قابضا في رواية عن محمد. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يصير قابضا سواء كانت الغرائر للمشتري أو للبائع كما في السلم. م: (ألا ترى) ش: توضيح لتملكه بالبيع م: (أنه) ش: أي أن المشتري م: (لو أمره) ش: أي لو أمر البائع م: (بالطحن) ش: أي بطحن الحنطة المشتراة م: (كان الطحين في السلم للمسلم إليه) ش: لأن الأمر بالطحن في السلم لم يصح؛ لأنه تلافى ملك المسلم إليه فلا يصح م: (وفي الشراء) ش: أي وكان الطحين في الشراء م: (للمشتري لصحة الأمر) ش: لأنه لافى ملك المشتري. م: (وكذا) ش: الحكم م: (إذا أمره) ش: أي المشتري م: (أن يصبه في البحر) ش: ففعل م: (في السلم يهلك من مال المسلم إليه، وفي الشراء من مال المشتري) ش: لصحة الأمر م: (ويتقرر الثمن عليه) ش: وليس ذلك إلا باعتبار صحة الأمر وعدمها وصحة موقوفه على الملك، فلولا أنه ملكه لما صح أمره م: (لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله صح الأمر. م: (ولهذا) ش: أي ولكون الأمر قد صح م: (يكتفى بذلك الكيل في الشراء في الصحيح) احترز به عما قيل في الشراء لا يكتفى بكيل واحد، بل يشترط كيلان وعلل الصحيح بقوله: م: (لأنه) ش: أي لأن البائع م: (نائب عنه) ش: أي عن المشتري م: (في الكيل) ش: فيكتفى بكيل واحد م: (والقبض) ش: مرفوع بفعل مقدر، أي وحصل القبض م: (بالوقوع في غرائر المشتري) ش: وهذا جواب عما يقال: البائع مسلم فكيف يكون متسلما؟ وتقرير الجواب أن القبض يتحقق بالوقوع في غرائر المشتري فلا يكون مسلما ومتسلما. [أمر المشتري البائع في الشراء أن يكيله في غرائر البائع] م: (ولو أمره) ش: أي ولو أمر المشتري البائع م: (في الشراء أن يكيله في غرائر البائع ففعل لم يصر قابضا لأنه) ش: أي لأن المشتري م: (استعار غرائره) ش: أي غرائر البائع م: (ولم يقبضها) ش: أي والحال أن المشتري لم يقبض الغرائر م: (فلا تصير الغرائر في يده) ش: لأن الاستعارة تبرع فلا تتم بدون القبض م: (فكذا ما يقع فيها) ش: أي فكذا لا يصير المشتري قابضا ما في الغرائر، وفي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 362 وصار كما لو أمره أن يكيله ويعزله في ناحية من بيت البائع؛ لأن البيت بنواحيه في يده فلم يصر المشتري قابضا. ولو اجتمع الدين والعين والغرائر للمشتري إن بدأ بالعين صار قابضا، أما العين فلصحة الأمر فيه، وأما الدين فلاتصاله بملكه وبمثله يصير قابضا، كمن استقرض حنطة وأمره أن يزرعها في أرضه، وكمن دفع إلى صائغ خاتما وأمره أن يزيده من عنده نصف دينار، وإن بدأ بالدين لم يصر قابضا. أما الدين فلعدم صحة الأمر. وأما العين فلأنه خلطه بملكه   [البناية] بعض النسخ: فيه قال الكاكي: أي في الغرائر على تأويل الظرف أو المذكور وذلك لعدم صحة العارية لعدم القبض، وكذا لا يصير الواقع فيها قبضا. م: (وصار) ش: أي حكم هذا م: (كما لو أمره) ش: أي كحكم ما لو أمر المشتري البائع م: (أن يكيله) ش: أن يكيل الكر م: (ويعزله في ناحية من بيت البائع) ش: أي أمره بأن يعزل الكر في جانب من بيت البائع فعزله لا يكون المشتري قابضا، فكذا هذا م: (لأن البيت بنواحيه) ش: أي بجوانبه الأربعة م: (في يده) ش: أي في يد البائع، فإذا كان كذلك م: (فلم يصر المشتري قابضا، ولو اجتمع الدين والعين) ش: صورته اشترى كرا معينا وله على البائع كر آخر دين وهو المسلم فيه م: (والغرائر للمشتري) ش: أي والحال أن الغرائر للمشتري وأمره أن يجعل الدين والعين فيها م: (إن بدأ) ش: أي إن بدأ البائع وهو المسلم إليه م: (بالعين) ش: أي بالمشترى بفتح الراء م: (صار) ش: أي المشتري بكسر الراء م: (قابضا) ش: أي صار قابضا للكيل والعين والدين. م: (أما العين) ش: أي أما صحة قبض العين م: (فلصحة الأمر فيه) ش: أي في العين م: (وأما الدين) ش: أي وأما صحة قبض الدين م: (فلاتصاله بملكه) ش: أي فلاتصال الدين بملكه، أي بملك المشتري، لأن العين في يده حكما م: (وبمثله يصير قابضا) ش: أي وبمثل اتصال الدين بالكيل بالرضا يثبت القبض، فيصير المشتري قابضا م: (كمن استقرض حنطة) ش: أي نظير الحكم المذكور نظير من استقرض كرا من حنطة م: (وأمره أن يزرعها في أرضه) ش: أي وأمر المقرض المستقرض أن يزرع الحنطة في أرض المستقرض صح القرض، وصار المستقرض قابضا له باتصاله بملكه فكذا هذا. م: (وكمن دفع) ش: أي ونظير الحكم المذكور أيضا نظير من دفع م: (إلى صائغ خاتما وأمره أن يزيده) ش: أي يزيد الخاتم م: (من عنده) ش: أي من عند الصائغ م: (نصف دينار) ش: جاز لأنه يصير قرضا ويصير بالاتصال إلى ملكه قابضا م: (وإن بدأ بالدين) ش: ثم بدأ بالعين م: (لم يصر قابضا، أما الدين فلعدم صحة الأمر) ش: لعدم مصادفة الملك، لأن حقه في الدين لا في العين. وهذا عين فكان المأمور يجعله في الغرائر متصرفا في ملك نفسه فلا يكون فعله كفعل الآمر. م: (وأما العين) ش: أي وأما عدم صحة القبض في العين م: (فلأنه خلطه بملكه) ش: أي فلأن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 363 قبل التسليم، فصار مستهلكا، عند أبي حنيفة فينتقض البيع، وهذا الخلط غير مرضي به من جهته لجواز أن يكون مراده البداية بالعين، وعندهما هو بالخيار إن شاء نقض البيع، وإن شاء شاركه في المخلوط؛ لأن الخلط ليس باستهلاك عندهما. قال: ومن أسلم جارية في كر حنطة وقبضها المسلم إليه، ثم تقايلا، فماتت في يد المشتري، فعليه قيمتها يوم قبضها. ولو تقايلا بعد هلاك الجارية جاز؛ لأن صحة الإقالة تعتمد بقاء العقد   [البناية] البائع خلط كر المشتري بملكه، أي بملك نفسه م: (قبل التسليم) ش: بحيث لا يمتاز م: (فصار) ش: أي البائع م: (مستهلكا) ش: أي المبيع م: (عند أبي حنيفة فينتقض البيع) ش: أي ينفسخ العقد م: (وهذا الخلط) ش: هذا جواب عما يقال: إن الخلط حصل بإذن المشتري فلا ينتقض البيع، وتقرير الجواب: أن هذا الخلط على هذا الوجه م: (غير مرضي به من جهته) ش: أي من جهة المشتري أراد أن الخلط على هذا الوجه ما حصل بإذن المشتري بل الخلط على وجه يصير الآمر به قابضا هو الذي كان مأذونا به، وهاهنا لم يصر الخلط مأذونا مرضيا به، وإنما أذن له بأن يخلط على وجه يصير قابضا بالبداية بالعين. وقال الأكمل: وفي عبارة المصنف تسامح؛ لأنه حكم بكون الخلط غير مرضي به جزما، واستدل بقوله م: (لجواز أن يكون مراده البداية بالعين) ش: فيكون الدليل أعم من المدعى، ولا دلالة للأعم على الأخص. ويجوز أن يقال: كلامه في قوة الممانعة، فكأنه قال: ولا نسلم أن هذا الخلط مرضي به، وقوله: لجواز سند المنع فاستقام الكلام. م: (وعندهما) ش: أي وعند أبي يوسف ومحمد م: (هو) ش: أي المشتري م: (بالخيار إن شاء نقض البيع وإن شاء شاركه في المخلوط، لأن الخلط ليس باستهلاك عندهما) ش: وقال الإمام قاضي خان: ما ذكر من جواب الكتاب قول محمد، أما عند أبي يوسف إذا بدأ بالعين ضرورة اتصاله بملكه في الصورتين، إذ الخلط ليس باستهلاك وعند محمد يصير قابضا للعين دون الدين، قلت: عند الشافعي لا يصير قابضا سواء بدأ بالعين أو بالدين. م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أسلم جارية في كر حنطة وقبضها المسلم إليه ثم تقايلا) ش: أي المسلم م: (فماتت) ش: أي الجارية م: (في يد المشتري) ش: أي المسلم إليه، وإنما سماه مشتريا بالنظر إلى شرائه الجارية بالحنطة، لأن كلا في العينين الثمن والمثمن م: (فعليه) ش: أي فعلى المشتري م: (قيمتها) ش: أي قيمة الجارية م: (يوم قبضها) ش: يعني لما ثبتت الإقالة وجب ردها، وقد عجز فيجب رد بدلها، وبه قال الشافعي وإنما قال: يوم قبضها، لأن السبب الموجب للضمان إنما هو القبض فصار كالغصب. م: (ولو تقايلا بعد هلاك الجارية جاز) ش: أي التقايل م: (لأن صحة الإقالة تعتمد بقاء العقد) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 364 وذلك بقيام المعقود عليه. وفي السلم المعقود عليه إنما هو المسلم فيه فصحت الإقالة حال بقائه. وإذا جاز ابتداء أولى أن يبقى انتهاء؛ لأن البقاء أسهل، وإذا انفسخ العقد في المسلم فيه انفسخ في الجارية تبعا فيجب عليه ردها وقد عجز فيجب عليه رد قيمتها، ولو اشترى جارية بألف درهم ثم تقايلا فماتت في يد المشتري بطلت الإقالة، ولو تقايلا بعد موتها فالإقالة باطلة؛ لأن المعقود عليه في البيع إنما هو الجارية، فلا يبقى العقد بعد هلاكها، فلا تصح الإقالة ابتداء فلا تبقى انتهاء لانعدام محله، وهذا   [البناية] ش: وفي بعض النسخ: يعتمد قيام العقد م: (وذلك) ش: أي بقاء العقد م: (بقيام المعقود عليه، وفي السلم المعقود عليه إنما هو المسلم فيه فصحت الإقالة حال بقائه) ش: أي حال بقاء المعقود عليه م: (وإذا جاز) ش: أي التقايل بعد موتها م: (ابتداء أولى أن يبقى) ش: بعد موتها م: (انتهاء، لأن البقاء أسهل) ش: من الابتداء. فإن قيل: ينبغي أن لا تصح الإقالة بعد هلاك الجارية لأنها بعد الهلاك بمنزلة المسلم فيه من حيث وجوب قيمتها دينا في الذمة والمسلم فيه قد سقط أيضا بالإقالة، فصار بمنزلة العوضين في بيع المقايضة، فإنه إذا هلك أحد العوضين في المقايضة ثم تقايلا ثم هلك العوض الآخر تبطل الإقالة، فكذا هنا ينبغي أن يمتنع التقايل بهلاك العوضين. قلنا: في بيع المقايضة ثم الرد واجب بعد الإقالة، وهلاك المبيع قبل القبض يوجب فسخ العقد. وفي المسلم قامت قيمة الجارية مقامها، فلم يكن رد عين الجارية واجبا، فكان قيام القيمة بمنزلة قيام الجارية. م: (وإذا انفسخ العقد في المسلم فيه انفسخ في الجارية تبعا) ش: يعني تبعا لانفساخ العقد في المسلم فيه وإن لم يصح الفسخ في الجارية بعد هلاكها، هكذا قدره شيخي العلاء. وقال تاج الشريعة. هذا جواب من يقول: إن الانفساخ في حق الجارية الميتة كيف يتحقق، وإنه ليس بمحل لذلك. قال: الانفساخ بطريق التبعية وكم من شيء يثبت تبعا ولا يثبت قصدا م: (فيجب عليه ردها) ش: أي رد الجارية على المسلم إليه م: (وقد عجز) ش: أي والحال أن المسلم إليه قد عجز عن رد الجارية بسبب موتها م: (فيجب عليه رد قيمتها) ش: وقامت القيمة مقام الجارية. [اشترى جارية بألف درهم ثم تقايلا فماتت في يد المشتري] م: (ولو اشترى جارية بألف درهم ثم تقايلا فماتت في يد المشتري بطلت الإقالة، ولو تقايلا بعد موتها فالإقالة باطلة) ش: أيضا م: (لأن المعقود عليه في البيع إنما هو الجارية، فلا يبقى العقد بعد هلاكها، لا تصح الإقالة ابتداء، فلا تبقى انتهاء لانعدام محله) ش: أي محل البيع، لأن الإقالة فسخ العقد ولا قيام لها إلا بقيام العقد ولا قيام العقد إلا بقيام المبيع لأنه هو الأصل وقد فات م: (وهذا) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 365 بخلاف بيع المقايضة حيث تصح الإقالة وتبقى بعد هلاك أحد العوضين، لأن كل واحد منهما مبيع فيه. قال: ومن أسلم إلى رجل دراهم في كر حنطة فقال المسلم إليه: شرطت رديئا، وقال رب السلم: لم تشترط شيئا فالقول قول المسلم إليه؛ لأن رب السلم متعنت في إنكاره الصحة؛ لأن المسلم فيه يربو على رأس المال في العادة   [البناية] ش: أي هذا الذي ذكرناه. م: (بخلاف بيع المقايضة حيث تصح الإقالة وتبقى) ش: أي الإقالة م: (بعد هلاك أحد العوضين، لأن كل واحد منهما مبيع فيه) ش: أي في بيع المقايضة. والحاصل أنه أشار بهذا الكلام إلى الفرق بين السلم حيث تصح الإقالة فيه بعد هلاك الجارية في يد المسلم إليه قبل الرد إلى رب السلم، سواء ماتت قبل الإقالة أو بعدها وبين البيع حيث لا تصح الإقالة إذا هلكت الجارية سواء كانت الإقالة قبل هلاكها أو بعد هلاكها، وقد أوضحنا هذا في السؤال والجواب اللذين ذكرناهما الآن. م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن أسلم إلى رجل دراهم في كر حنطة فقال المسلم إليه: شرطت رديئا) ش: أي طعاما رديئا م: (وقال رب السلم: لم تشترط شيئا فالقول قول المسلم إليه) ش: بالاتفاق، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وفي " الكافي ": كلام المتعنت مردود فبقي قول صاحبه بلا معارض م: (لأن رب السلم متعنت في إنكاره الصحة) ش: التعنت في اللغة من يطلب العنت، وهو الوقوع فيما لا يستطيع الإنسان الخروج عنه، والمراد بالتعنت شرعا من ينكر ما ينفعه ويريد الإضرار بغيره، وبالمخاصم من ينكر ما يضره، كذا في الفوائد الظهيرية م: (لأن المسلم فيه يربو) ش: يزيد م: (على رأس المال في العادة) ش: هذا دليل على قوله: إن رب السلم متعنت لرب المسلم فيه على رأس المال عادة، فكان الخير له في صحة العقد، فإذا أنكر صحته فقد كان متعنتا. فإن قيل: لا نسلم أن المسلم فيه يربو، بل رأس المال خير وإن قل من المسلم فيه، وإن جل، لما أن رأس المال نقد، والمسلم فيه نسيئة، وفي المثل السائر: النقد خير من النسيئة. قلنا: بلى كذلك، إلا أن ذلك متروك بالعرف والعادة، فإن الناس مع وفور عقولهم يقدمون في عقد السلم وما ذاك إلا لفائدة زائدة رأوها، فكان النقد بمقابلة زيادة فائدة مع كونه نسيئة، وإنما ذكروا ربا المسلم فيه لإثبات المعادلة بينه وبين رأس المال، لأن المسلم فيه وإن كان أكثر مالية عادة إلا أنه آجل، ورأس المال وإن قلت ماليته عاجل والعاجل خير من الآجل، فيخير قصور كل واحد منهما بوفور كل واحد منهما فيتعادلان. وذكر الإمام السرخسي: أن القول قول المسلم إليه لأنه هو الذي يلتزم الطعام بعقد السلم فالقول قوله في بيان صفة ما التزم، ثم اتفاقهما على أصل العقد اتفاق على ما هو شرط جواز الجزء: 8 ¦ الصفحة: 366 وفي عكسه قالوا: يجب أن يكون القول لرب السلم عند أبي حنيفة لأنه يدعي الصحة، وإن كان صاحبه منكرا. وعندهما القول للمسلم إليه لأنه منكر وإن أنكر الصحة، وسنقرره من بعد إن شاء الله تعالى. ولو قال المسلم إليه: لم يكن له أجل، وقال رب السلم: بل كان له أجل فالقول قول رب السلم؛ لأن المسلم إليه متعنت في إنكاره حقا له وهو الأجل، والفساد لعدم الأجل غير متيقن   [البناية] العقد، ومن شرط جوازه بيان صفة الطعام، فقول رب السلم: لم يسلم صفة الطعام يكون رجوعا عما أقر به وسعيا منه في نقض ما تم من جهته. م: (وفي عكسه) ش: أي وفي عكس الحكم المذكور، والحكم المذكور هو قول المسلم إليه: شرطت لك رديئا، وقال رب السلم لم تشترط شيئا، وعكسه أن يقول رب السلم: شرطت لي رديئا، ويقول المسلم إليه: لم أشترط لك شيئا. وقال الفقيه أبو الليث: لم يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا الأصل في الكتاب، يعني في " الجامع الصغير ". وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قالوا) ش: أي قال المتأخرون في شروح " الجامع الصغير " مثل فخر الإسلام وغيره: م: (يجب أن يكون القول لرب السلم عند أبي حنيفة) ش: وبه قال الشافعي م: (لأنه يدعي الصحة وإن كان صاحبه منكرا) ش: لأن الظاهر شاهد له، لأن العقد الفاسد معصية، والظاهر من حال المسلم التحادي عن المعصية. م: (وعندهما) ش: أي وعند أبي يوسف ومحمد م: (القول للمسلم إليه؛ لأنه منكر وإن أنكر الصحة) ش: كلمة إن واصلة بما قبلها، وكذلك إن التي قبلها م: (وسنقرره) ش: أي وسنقرر أصل هذا الخلاف م: (من بعد إن شاء الله تعالى) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي في المسألة التي تلي هذه عند قوله: القول لرب السلم عندهما. وفي عبارته تسامح لأنها تستعمل للبعد، أي لأن السين كذلك، والمطابق نقرره يعني بدون السين م: (ولو قال المسلم إليه: لم يكن له أجل) ش: أي لم يكن للسلم أجل م: (وقال رب السلم: بل كان له أجل، فالقول قول رب السلم) ش: أي بالاتفاق، وبه قال الشافعي م: (لأن المسلم إليه متعنت في إنكاره حقا له) ش: أي لرب السلم م: (وهو) ش: أي الحق هو م: (الأجل) ش: حاصله أن الكلام إذا خرج مخرج التعنت لا مخرج الخصومة بطل وكان القول لمدعي الصحة، لأن كلام المتعنت مردود، فإذا رد بقي كلام الآخر بلا معارض، فكان القول قوله. م: (والفساد لعدم الأجل غير متيقن) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر، وهو أن يقال: ينبغي أن لا يكون المسلم إليه متعنتا في إنكاره الأجل؛ لأنه يرد رأس المال لفساد العقد بعدم الأجل، وبرد رأس المال يبقى له المسلم فيه والمسلم فيه خير من رأس المال وارتفع منه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 367 لمكان الاجتهاد، فلا يعتبر النفع في رد رأس المال، بخلاف عدم الوصف، وفي عكسه القول لرب السلم عندهما؛ لأنه ينكر حقا عليه فيكون القول قوله، وإن أنكر الصحة   [البناية] وتقرير الجواب: أن فساد العقد لعدم الأجل غير متقين م: (لمكان الاجتهاد) ش: فإن السلم الحال جائز عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإذا لم يكن متعنتا بعدمه لم يلزم من إنكاره رد رأس المال م: (فلا يعتبر النفع في رد رأس المال) ش: يعني ولا يعتبر جهة كونه منتفعا بهذا الإنكار معارضا لجهة التعنت والتضرر به، إذ الظني لا يعارض القطعي. م: (بخلاف عدم الوصف) ش: قال صاحب النهاية: أي لو قال المسلم إليه: شرطت رديئا، وقال رب السلم: لم تشترط شيئا، وهي المسألة الأولى، كان القول قول المسلم إليه، لأن فساد السلم بسبب ترك الوصف متقين غير مجتهد فيه، فقال رب السلم هناك متعنتا، وقال غيره: فإن الفساد فيه قطعي. وقال الأكمل: وفيه نظر، لأن بناء المسألة على خلاف مخالف لم يوجد عند وضعها غير صحيح، فالأولى أن يقال: إن الاختلاف كان ثابتا بين الصحابة إن ثبت ذلك وليس مطابقا لما ذكره صاحب " النهاية " وغيره. م: (وفي عكسه) ش: يعني فيما إذا ادعى المسلم إليه الأجل وأنكره رب السلم م: (القول لرب السلم عندهما؛ لأنه ينكر حقا عليه فيكون القول قوله، وإن أنكر الصحة) ش: كلمة إن واصلة بما قبله. واعلم أن الاختلاف في الأصل على ثلاثة أوجه: أحدها: في أصل الأجل، ففيه القول قول المدعي للأجل مع يمينه، طالبا كان أو مطلوبا، وعندهما: القول قول الطالب سواء كان مدعيا للأجل أو منكرا. والثاني: في مقدار الأجل مثل أن يدعي أحدهما أنه شهر، وقال الآخر: إنه شهران ففيه القول قول الطالب مع يمينه؛ لأنه ينكر الزيادة، وإن قامت بينته لأحدهما يقضي ببينته، وإن قامت لهما يقضي ببينة المطلوب؛ لأنه يثبت الزيادة. والثالث: في مضي الأجل فإن قال الطالب: كان الأجل شهرا، وقد مضى، وقال المطلوب: كان شهرا ولم يمض فالقول قول المطلوب مع يمينه لأنه ينكر توجه المطالبة، فإن أقام أحدهما البينة يقضي ببينة المطلوب؛ لأنها تثبت زيادة الأجل، ثم ينبغي لك أن تعرف أن الاختلاف في قدر الأجل لا يوجب التحالف عندنا خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن التحالف في البيع ثبت بخلاف القياس، عند اختلاف المتبايعين في المعقود عليه أو بدله، والأجل بمعزل من ذلك. بخلاف ما إذا اختلفا في الوصف فإنهما يتحالفان، لأن الوصف جار مجرى الأصل، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 368 كرب المال إذا قال للمضارب: شرطت لك نصف الربح إلا عشرة، وقال المضارب: لا بل شرطت لي نصف الربح فالقول لرب المال؛ لأنه ينكر استحقاق الربح، وإن أنكر الصحة. وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - القول للمسلم إليه؛ لأنه يدعي الصحة، وقد اتفقا على عقد واحد فكانا متفقين على الصحة ظاهرا، بخلاف مسألة المضاربة؛ لأنه ليس بلازم   [البناية] لأن الدين يعرف به ويختلف أصله باختلافه ما إذا اختلفا، وليس كذلك الأجل. > م: (كرب المال إذا قال للمضارب) ش: نظير المسألة المذكورة بمسألة رب المال إذا قال للمضارب: م: شرطت لك نصف الربح إلا عشرة) ش: قال الكاكي: وفي بعض النسخ شرطت لك نصف الربح وزياة عشرة، وهذه النسخة ليست بصحيحة؛ لأنه على ذلك التقدير القول للمضارب بالإجماع، والصحيح النسخة الأولى؛ لأنه على ذلك التقدير كان القول لرب المال م: (وقال المضارب) ش: أي وقال المضارب ليس الأمر كما ذكرت م: (لا بل شرطت لي نصف الربح فالقول لرب المال؛ لأنه ينكر استحقاق الربح وإن أنكر الصحة) ش: أي صحة العقد. م: (وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - القول للمسلم إليه لأنه يدعي الصحة، وقد اتفقا على عقد واحد) ش: لأن السلم عقد واحد إذ السلم الحال فاسد، وليس بعقد آخر م: (فكانا متفقين على الصحة ظاهرا) ش: أي بحسب الظاهر لوجهين: أحدهما: أن الظاهر من حالهما مباشرة العقد بوصف الصحة. والثاني: أن الإقدام على العقد التزام لشرائطه، والأجل من شرائط السلم فكان اتفاقهما على العقد إقرار بالصحة، فالمنكر بعده ساع في نقض ما تم به، وإنكاره إنكار بعد الإقرار وهو مردود وبقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال الشافعي. م: (بخلاف مسألة المضاربة) ش: جواب عن قياسهما المسألة المذكورة على مسألة المضاربة فإنه قياس غير صحيح، وقال الأكمل: فإنهما إذا اختلفا فيها، أي في المضاربة تنوع محل الاختلاف، فإنها إذا فسدت صار إجارة، وإذا صحت كانت شركة، فإذا اختلفا فالمدعي للصحة مدع لعقد، والمدعي للفساد مدع لعقد آخر خلافه، ووحدة العقد عند الاختلاف في الجواز والفساد يستلزم اعتبار الاختلاف الموجب للتناقض المردود لوحدة المحل، وعدم وحدته يستلزم عدم اعتبار الاختلاف لاختلاف المحل. وأما المضاربة فهي ليست بعقد واحد عند الاختلاف، فكان المحل مختلفا فلا تناقض في ذلك، فلم يكن الاختلاف معتبرا، فكان المضارب يدعي استحقاق شيء في مال رب المال وهو ينكر، فالقول قول المنكر. م: (لأنه) ش: أي لأن عقد المضاربة م: (ليس بلازم) ش: ولهذا يتمكن رب المال من عزله قبل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 369 فلا يعتبر الخلاف فيه، فبقي مجرد دعوى استحقاق الربح. أما السلم فلازم، فصار الأصل أن من خرج كلامه تعنتا فالقول لصاحبه بالاتفاق، وإن خرج خصومة ووقع الاتفاق على عقد واحد فالقول لمدعي الصحة عنده، وعندهما للمنكر وإن أنكر الصحة. قال: ويجوز السلم في الثياب إذا بين طولا وعرضا ورقعة؛ لأنه أسلم في معلوم مقدور التسليم، على ما ذكرنا. وإن كان ثوب حرير لا بد من بيان وزنه أيضا؛ لأنه مقصود فيه.   [البناية] شراء المضارب برأس المال شيئا، وكذا المضارب يتمكن من فسخه. وإذا كان غير لازم يرتفع باختلافهما م: (فلا يعتبر الاختلاف فيه) ش: ولا الدعوى تعتبر فيه م: (فبقي مجرد دعوى استحقاق الربح) ش: والآخر ينكر فالقول للمنكر م: (أما السلم) ش: فإنه عقد م: (فلازم) ش: فلا ينفسخ بفسخ أحدهما، فبالاختلاف لا يرتفع، فإذا بقي العقد كان القول قول مدعي الصحة لشهادة الظاهر ثم لما جعل القول قول المسلم إليه في الأجل كان القول قوله أيضا في مقدار الأجل م: (فصار الأصل) ش: أي الأصل في مسألة السلم المذكورة م: (أن من خرج كلامه تعنتا) ش: أي من حيث التعنت لا مخرج الخصومة، وقد مر تفسيره عن قريب م: (فالقول لصاحبه) ش: وهو مدعي الصحة م: (بالاتفاق) ش: لأن كلام المتعنت مردود. م: (وإن خرج) ش: أي كلامه م: (خصومة) ش: أي من حيث الخصومة بأن ينكر ما يضره م: (ووقع الاتفاق على عقد واحد فالقول لمدعي الصحة عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (وعندهما للمنكر) ش: أي القول قول المنكر م: (وإن أنكر الصحة) ش: كلمة إن واصلة بما قبلها، وقد مر الكلام فيه مستوفى. [السلم في الثياب] م: (قال) ش: أي القدوري في "مختصره": م: (ويجوز السلم في الثياب إذا بين طولا وعرضا) ش: أي من حيث الطول ومن حيث العرض م: (ورقعة) ش: أي من حيث الغلظة والثخانة، كذا في " المغرب ". وقيل: المراد عدد الكرباس، يعني أنه كثير الرقاع أو قليل الرقاع، وقيل: تعريفه بكونه خماسيا أو سداسيا، وقال تاج الشريعة: ورقعة يقال رقعة هذا الثوب جيدة، يراد به غلظته وثخانته وهو مجاز م: (لأنه) ش: أي ولأن السلم م: (أسلم في معلوم مقدور التسليم على ما ذكرنا) ش: أي عند قوله في أول الباب وفي المذروعات م: (وإن كان) ش: أي المسلم م: (ثوب حرير لا بد من بيان وزنه أيضا؛ لأنه) ش: أي لأن الوزن م: (مقصود فيه) ش: أي في السلم في الثوب الحرير، وإذا كان كذلك فلا بد من بيانه، أي بيان الوزن. وعند الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: بيان الوزن ليس بشرط، وفي الإيضاح: وتحتاج إلى بيان الوزن في ثياب الحرير والديباج إذا كان التفاوت بعد ذكر الطول والعرض؛ لأنها تختلف باختلاف الوزن، فإن الديباج كلما ثقل وزنه ازدادت قيمته، والحرير كلما خف وزنه ازدادت قيمته فلا بد من بيانه، انتهى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 370 ولا يجوز السلم في الجواهر ولا في الخرز، لأن آحادها تتفاوت تفاوتا فاحشا، وفي صغار اللؤلؤ التي تباع وزنا يجوز السلم؛ لأنه مما يعلم بالوزن، ولا بأس بالسلم في الآجر واللبن إذا سمي ملبنا معلوما،   [البناية] وقال الشيخ أبو نصر البغدادي: قالوا: إذا كانت الثياب مما يقصد وزنها فلا بد من ذكر الوزن أيضا كثياب الحرير. وقال الولوالجي في فتاواه: ولو بين الذرعان ولم يبين الوزن هل يجوز السلم في الحرير، واختلف المشايخ فيه: منهم من قال: ليس بشرط، ومنهم من قال: شرط، وإليه مال شمس الأئمة السرخسي وهو الصحيح، بخلاف سائر الثياب، فإنه لا يشترط فيها الوزن مع الذرع، لأن الحرير يختلف باختلاف الوزن كما يختلف باختلاف الطول والعرض، ولا كذلك الكرباس. وفي " المنتقى ": إذا باع ثوب حرير يدا بيد لا يجوز إلا وزنا، وفي " المحيط ": لو شرط كذا وكذا ذراعا فله ذراع وسط. واختلف في تفسير الوسط، قيل: أراد به الفعل، يعني لا يمد كل المد ولا يرخي كل الإرخاء، وقيل: أراد به الخشب لأنه لا يتفاوت في الأسواق، قال شيخ الإسلام: والصحيح أنه يحمل عليهما نظرا للجانبين. وقال الكاكي: وكذا يجوز السلم في البواري والجوالق والمسوح والأكسية والبسوط استحسانا إذا بين طوله وعرضه وصفته وصنعته. قال الولوالجي: السلم في الكاغد يجوز عددا؛ لأنه عددي كالجوز والبيض، وكذا الاستقراض عددي. [السلم في الجواهر] م: (ولا يجوز السلم في الجواهر) ش: نحو الياقوت والبلخش واللؤلؤ ونحو ذلك م: (ولا في الخرز) ش: أي ولا يجوز السلم أيضا في الخرز بفتح الخاء والراء ثم الزاي. وقال الجوهري: الخرز بالتحريك الذي ينظم، والواحدة خرزة، وخرزات الملك جواهر تاجه، وعند مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يجوز م: (لأن آحادها) ش: أي آحاد الجواهر الخرز م: (تتفاوت تفاوتا فاحشا) ش: لأن كل معدود تتفاوت آحاده في المالية لا يجوز السلم فيه كالبطيخ والرمان، والذي لا تتفاوت آحاده في المالية جاز السلم فيه كالجوز والبيض إذا كان من جنس واحد، وفيه خلاف زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد مر بيانه في أول الباب م: (وفي صغار اللؤلؤ التي تباع وزنا يجوز السلم؛ لأنه مما يعلم بالوزن) ش: لأنه يدق ويجعل في الدواء ولا خلاف فيه للفقهاء. م: (ولا بأس بالسلم في الآجر) ش: بفتح الهمزة وضم الجيم وتشديد الراء وهو الطوب المشوي م: (واللبن) ش: بفتح اللام وكسر الباء الموحدة وبالنون، وهو الطوب النيئ م: (إذا سمي ملبنا معلوما) ش: الملبن يحتمل أن يكون اسم ما يصنع فيه اللبن، ويحتمل أن يكون المراد به الآلة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 371 لأنه عددي متقارب لا سيما إذا سمي الملبن. قال: وكل ما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه؛ لأنه لا يفضي إلى المنازعة،   [البناية] وفي " المحيط ": يشترط بيان مكانه والآلة، وقيل: لا يشترط بيان مكانه، وبقولنا قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الآجر واللبن م: (عددي متقارب لا سيما إذا سمي الملبن) ش: بكسر الميم وهو الآلة. وقال الولوالجي في فتاواه: ولا بأس بالسلم في اللبن والآجر إذا اشترط فيه ملبنا معروفا؛ لأنه متى بين ملبنا معرفا فما يقع من التفاوت بين لبن ولبن يكون يسيرا، فيكون ساقط الاعتبار، فيلحق بالعدديات المتقاربة، فيجوز فيه السلم. بخلاف ما لو باع مائة آجرة من آتون لم يجز. لأن التفاوت فيه في النضج تفاوت فاحش، فألحقناه بالمتقاربة في حق المسلم وفي المتفاوتة في حق المبيع عملا بهما. وفي شرح " الجامع الصغير " لقاضي خان: أما السلم في الباذنجان عددا لم يذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذكر شمس الأئمة السرخسي أنه يجوز وألحقه بالجوز والبيض. [كل ما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وكل ما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه) ش: هذا أصل كلي يتخرج منه المسائل، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيه بحث من وجهين: أحدهما: أنه عكسها فقال: وما لا يضبط صفته ولا معرفة مقداره لا يجوز السلم فيه ولا ينعكس قولنا: كل إنسان حيوان إلى كل ما ليس بإنسان ليس بحيوان. والثاني: أنه ذكر القاعدة بعد ذكر الفروع والأصل ذكر القاعدة أولا ثم تفريع الفروع عليها. والجواب عن الأول: أن جواز السلم يستلزم أوصاف ضبط الصفة ومعرفة المقدار بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أسلم منكم فليسلم في كيل معلوم» الحديث، وحينئذ كان مثل قولنا: كل إنسان ناطق وهو ينعكس إلى قولنا: كل ما ليس بإنسان ليس بناطق. وعن الثاني: أن تقديم القاعدة على الشروع يليق بوضع أصول الفقه، فالمقصود معرفة المسائل الجزئية، فيقدم الفروع ثم يذكر ما هو الأصل الجامع للفروع المتقدمة. م: (لأنه لا يفضي إلى المنازعة) ش: كما في الأجناس الأربعة من المكيلات والموزونات والمذروعات والعدديات المتقاربة. وقال الكاكي: لا خلاف للفقهاء في جواز السلم في كل ما هو من ذوات الأمثال كالقطن والكتان والإبريسم والنحاس والتبر والحديد والرصاص والصفر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 372 وما لا يضبط صفته ولا يعرف مقداره لا يجوز السلم فيه؛ لأنه دين، وبدون الوصف يبقى مجهولا جهالة تفضي إلى المنازعة، ولا بأس بالسلم في طست، أو قمقمة، أو خفين، أو نحو ذلك إذا كان يعرف؛ لاجتماع شرائط السلم، وإن كان لا يعرف فلا خير فيه؛ لأنه دين مجهول. قال: وإن استصنع شيئا من ذلك بغير أجل جاز استحسانا للإجماع الثابت بالتعامل.   [البناية] والحناء والوسمة والرياحين اليابسة. وفي الجذوع البائن الطول والعرض والغلظ، وكذا الساج وصنوف العيدان والخشب والقصب والغزل، ويجوز السلم في التين كيلا وكيله الغرائر، وقيل: إنه موزون، وقيل: المعتبر هو المتعارف، كذا في " المجتبى ". م: (وما لا يضبط صفته ولا يعرف مقداره لا يجوز السلم فيه؛ لأنه دين) ش: أي لأن السلم دين، والدين يعرف بوصفه م: (وبدون الوصف يبقى مجهولا جهالة تفضي إلى المنازعة) ش: فلا يجوز لأن جهالة المعقود عليه تفسد العقد م: (ولا بأس بالسلم في طست) ش: وفي " المغرب ": الطست إناء وهي أعجمية والطست تعريبها، والجمع طساس وطسوس، وقد يقال الطشوش، ذكره في الشين المعجمة. وقال الجوهري: الطشت الطش بلغة طيء أبدل من إحدى الشينين تاء للاستثقال، فإذا جمعت أو صغرت ردت الشين، لأنك فصلت بينهما بألف أو ياء قلت طشاش وطشيش م: (أو قمقمة) ش: قال الجوهري: القمقمة بالضم معروفة، وقال الأصمعي: هو رومي والجمع قماقم م: (أو خفين أو نحو ذلك) ش: مثل الكوز والآنية من النحاس والصفر والقلنسوة. وبه قال الشافعي إن كان يتساوى جوانبه ويمكن العسارة عن ثخانته وطوله وعرضه وما يختلف به العرض، فأما أن يكون أجزاؤه يختلف كالقماقم والطواجن والأواني المتخذة من الصفر والزجاج والمكيزان والحباب فلا يجوز لتفاوت أجزائها فمنها ما يكون أعلاه أوسع وأسفله أضيق وبالعكس وقد يكون وسطه كذلك كذا في تتمتهم. والشرطان عندنا في جواز ذلك م: (إذا كان يعرف لاجتماع شرائط السلم، وإن كان لا يعرف فلا خير فيه) ش: أي لا يجوز م: (لأنه دين مجهول) ش: والجهالة في الدين تمنع. م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن استصنع شيئا من ذلك) ش: أي من ما ذكر من الطست والقمقمة والخف م: (بغير أجل) ش: أي بغير ذكر مدة فيه م: (جاز استحسانا للإجماع الثابت بالتعامل) ش: في هذه الأشياء، قال أبو أنيس في جامعه: صورة الاستصناع أن يجيء رجل إلى خفاف، ويقول له: اخرز لي خفا صفته كذا وقدره كذا بكذا ويسلم الدراهم أو بعضها أو لا يسلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 373 وفي القياس لا يجوز؛ لأنه بيع المعدوم، والصحيح أنه يجوز بيعا لا عدة، والمعدوم قد يعتبر موجودا حكما، والمعقود عليه العين دون العمل، حتى لو جاء به مفروغا عنه لا من صنعته أو من صنعته قبل العقد   [البناية] م: (وفي القياس: لا يجوز؛ لأنه بيع المعدوم) ش: وبه قال زفر والشافعي، وقد «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع ما ليس عند الإنسان» ورخص في السلم وهذا ليس بمسلم؛ لأنه لم يضرب له أجلا، أشار إليه بقوله: بغير أجل، وجه الاستحسان هو ما ذكره بقوله: للإجماع الثابت بالتعامل، فإن الناس في سائر الأعصار تعارفوا الاستصناع فيما فيه تعامل من غير نكير، والقياس يترك بمثله كدخول الحمام. ولا يشكل بالمذارعة، فإن فيها للناس تعامل وهي فاسدة عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأن الخلاف فيها كان ثابتا في الصدر الأول دون الاستصناع. م: (والصحيح أنه) ش: أشار به إلى أنهم اختلفوا في جواز الاستصناع هل بيع أو عدة؟ فقال: والصحيح أن الاستصناع م: (يجوز بيعا) ش: أي من حيث البيع م: (لا عدة) ش: أي لا من حيث الوعد. وقال فخر الإسلام في شرط " الجامع الصغير ": هو بيع عند عامة مشايخنا، لا مواعدة؛ لأنه سماه في الكتاب بيعا وأثبت فيه خيار الرؤية وهو يثبت في البيع لا في الوعد م: (والمعدوم قد يعتبر موجودا حكما) ش: هذا جواب عما يقال: كيف يجوز أن يكون بيعا والمعدوم لا يصلح أن يكون مبيعا، وتقرير الجواب أن المعدوم قد يعتبر حكما، أي من حيث الحكم كالناسي للتسمية عند الذبح، فإن التسمية جعلت موجودة لعذر النسيان. والطهارة للمستحاضة جعلت موجودة لعذر جواز الصلاة لئلا تتضاعف الواجبات فكذلك المستصنع المعدوم جعل موجودا حكما لتعامل الناس، وقد يكون الشيء موجودا حقيقة ويجعل معدوما حكما كالماء المستحق للعطش، حتى يجوز التيمم مع وجوده. م: (والمعقود عليه العين) ش: هذا جواب عما يقال: إنما يصح ذلك أن لو كان المعقود عليه هو المستصنع، والمعقود عليه هو الصنع. فأجاب: بأن المعقود عليه هو العين لأن المقصود هو المستصنع م: (دون العمل) ش: وفيه نفي لقول أبي سعيد البردعي، فإنه يقول: المعقود عليه العمل، لأن الاستصناع استفعال من الصنع وهو العمل، فتسميته للمعقود به دليل على أنه هو المعقود عليه، والأديم والصرم فيه بمنزلة الآلة للعمل، ولكن الأصح أن المعقود عليه هو العين، لأن المقصود هو المستصنع فيه وذكر الصفة لبيان الوصف، والدليل عليه أن محمدا أثبت خيار الرؤية فيه، وهو إنما يكون في بيع العين، وكذا يدل عليه قول المصنف بقوله م: (حتى لو جاء به مفروغا عنه) ش: أي لو جاء الصانع الذي يعمل بالمستصنع حال كونه مفروغا م: (لا من صنعته أو من صنعته) ش: أي أو جاء به حال كونه من صنعته م: (قبل العقد) ش: أي قبل عقد الاستصناع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 374 فأخذه جاز، ولا يتعين إلا بالاختيار، حتى لو باعه الصانع قبل أن يراه المستصنع جاز، وهذا كله هو الصحيح. قال: وهو بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء تركه؛ لأنه اشترى شيئا لم يره، ولا خيار للصانع، كذا ذكره في المبسوط وهو الأصح؛ لأنه باع ما لم يره. وعن أبي حنيفة أن له الخيار أيضا؛ لأنه لا يمكنه تسليم المعقود عليه إلا لضرر وهو قطع الصرم وغيره. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا خيار لهما. أما الصانع فلما ذكرنا، وأما المستصنع فلأن في إثبات الخيار له إضرار بالصانع؛ لأنه لا يشتريه غيره بمثله.   [البناية] م: (فأخذه) ش: أي فأخذه المستصنع م: (جاز) ش: فلا يجبر على قبوله، ولو كان بعد العقد يجبر الآمر على القبول. كذا في " المبسوط ". م: (ولا يتعين إلا بالاختيار) ش: أي ولا يتعين المستصنع الذي اتخذه الأجل المستصنع إلا باختيار المستصنع، وأوضح ذلك بقوله م: (حتى لو باعه الصانع قبل أن يراه المستصنع جاز) ش: لأنه لو تعين لما جاز بيعه قبل اختياره م: (وهذا كله) ش: أي كونه بيعا لا عدة وكون المعقود عليه العين دون العمل، وكونه لا يتعين إلا باختياره م: (هو الصحيح) ش: لما أن في كل واحد منهما قولا آخر كما يجيء بعد هذا. م: (قال: وهو) ش: أي المستصنع م: (بالخيار) ش: أي إذا رآه م: (إن شاء أخذه وإن شاء تركه؛ لأنه اشترى شيئا لم يره) ش: فله الخيار إذا رآه م: (ولا خيار للصانع) ش: بل يجبر على العمل لأنه باع ما لم يره م: (كذا ذكره في المبسوط وهو الأصح لأنه باع ما لم يره) ش: أشار به إلى نفي ما ذكره في " الذخيرة " من أن للصانع الخيار أشار إليه بقوله: م: (وعن أبي حنيفة أن له الخيار أيضا) ش: أي أن للصانع الخيار أيضا كما للآمر. ذكر هذا في " الذخيرة " من رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة، وكذا في رواية أبي اليسر وقاضي خان م: (لأنه لا يمكنه) ش: أي لأن الصانع لا يمكنه م: (تسليم المعقود عليه إلا لضرر وهو قطع الصرم) ش: بفتح الصاد المهملة وسكون الراء والميم هو الجلد. وفي " المغرب " هو تعريب جرم م: (وغيره) ش: أي وغير الصرم مثل إتلاف الخيط في خرزه. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا خيار لهما) ش: أي للصانع والآمر م: (أما الصانع فلما ذكرنا) ش: أنه لا خيار له لما أن الاستصناع بيع ولا خيار للبائع فيما لم يره م: (وأما المستصنع فلأن في إثبات الخيار له إضرار بالصانع لأنه لا يشتريه غيره بمثله) ش: أي بمثل ما اشتراه المستصنع وقد لا يشتريه غيره أصلا، كما لو استصنع واعظ منبرا يعظ الناس عليه فلم يأخذه فالعامي لا يشتريه أصلا. فإن قيل: الضرر حصل برضاه فلا يكون معتبرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 375 ولا يجوز فيما لا تعامل فيه للناس كالثياب لعدم المجوز، وفيما فيه تعامل إنما يجوز إذا أمكن إعلامه بالوصف ليمكن التسليم، وإنما قال: بغير أجل؛ لأنه لو ضرب الأجل فيما فيه تعامل يصير سلما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما، ولو ضربه فيما لا تعامل فيه يصير سلما بالاتفاق.   [البناية] أجيب: يجوز أن يكون الرضا على ظن أن المستصنع مجبور على القبول، فلما علم اختياره عدم رضاه. فإن قيل: ذلك لجهل منه وهو لا يصلح عذرا في دار الإسلام. أجيب: بأن خيار المستصنع اختيار بعض المتأخرين من أصحابنا ولم يجب على كل واحد من المسلمين في دار الإسلام على أقوال جميع المجتهدين وإنما الجهل ليس بعذر في دار الإسلام في الفرائض التي لا بد لإقامة الدين منها لا في حيازة اجتهاد المجتهدين. قال الأكمل: وفيه نظر، لأن غير الأب والجد إذا زوج الصغيرة ثم بلغت فإن لها خيار البلوغ، فإن سكت لجهلها بأن لها الخيار بطل خيارها، لأن الجهل ليس بعذر مع أنه ليس من الفرائض التي لا بد لإقامة الدين منها. م: (ولا يجوز) ش: أي الاستصناع م: فيما لا تعامل فيه للناس كالثياب) ش: وفي " الكافي ": كالجباب والثياب، وصورته أن يدفع إلى حائك دينارا ليحيك له ثوبا من غزل نفسه، إبقاء له على القياس السالم عن معارضة الاستحسان بالإجماع م: (لعدم المجوز) ش: بكسر الواو من التجويز والمجوز هو التعامل م: (وفيما فيه تعامل) ش: مثل الذي ذكرناه م: (إنما يجوز إذا أمكن إعلامه بالوصف ليمكن التسليم) ش: أي تسليم المستصنع م: (وإنما قال) ش: أي محمد في أول المسألة م: (بغير أجل) ش: في قوله: وإن استصنع في شيء من ذلك بغير أجل م: (لأنه لو ضرب الأجل فيما فيه تعامل يصير سلما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فلا يجوز إلا بشرائط السلم في تعجيل رأس المال واستقصاء الوصف وعدم جواز خيار الرؤية، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك وأحمد -رحمهما الله- لأنهم لا يجوزون الاستصناع م: (خلافا لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد فإنه عندهما استصناع. م: (ولو ضربه) ش: أي الأجل م: (فيما لا تعامل فيه يصير سلما بالاتفاق) ش: المراد بضرب الأجل ما يذكر على سبيل الاستمهال، أما المذكور على سبيل الاستعجال على أنه قال: على أن تفرغ غدا أو بعد غد لا يصير سلما؛ لأنه ذكره حينئذ للفراغ لا لتأخير المطالبة بالتسليم، ويحكى عن الهندواني: أن ذكر المدة إن كان من قبل المستصنع فهو الاستعجال، ولا يصير به سلما، وإن كان من الصانع فهو سلم لأنه يذكره على سبيل الاستمهال، وقيل: إن ذكروا في مدة يتمكن فيها من العمل فهو استصناع، وإن كان أكثر من ذلك فهو سلم، لأن ذلك يختلف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 376 لهما أن اللفظ حقيقة للاستصناع فيحافظ على قضيته، ويحمل الأجل على التعجيل، بخلاف ما لا تعامل فيه؛ لأن ذلك استصناع فاسد فيحمل على السلم الصحيح. ولأبي حنيفة أنه دين يحتمل السلم، وجواز السلم بإجماع لا شبهة فيه، وفي تعاملهم الاستصناع نوع شهبة، فكان الحمل على السلم أولى، والله أعلم.   [البناية] باختلاف المدة فلا يمكن تقديره بشيء معلوم. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد في المسألة الخلافية م: (أن اللفظ) ش: أي لفظ الاستصناع م: (حقيقة للاستصناع فيحافظ على قضيته) ش: الاستصناع أو اللفظ م: (ويحمل الأجل على التعجيل) ش: لأن ذكر الأجل محتمل، فإنه يحتمل أن يكون للتعجيل ويحتمل أن يكون للاستمهال والاستصناع محكم في تناوله ما وضع له غير محتمل لشيء آخر، فيحمل المحتمل على المحكم، فيقال: إن ذكر الأجل للتعجيل م: (بخلاف ما لا تعامل فيه؛ لأن ذلك استصناع فاسد فيحمل على السلم الصحيح) ش: بدلالة الأجل تصحيحا لتصرف العاقل ما أمكن. م: (ولأبي حنيفة أنه) ش: أي أن المستصنع المبيع م: (دين) ش: والمبيع الدين م: (يحتمل السلم) ش: كما لو ذكر لفظ السلم م: (وجواز السلم بإجماع لا شبهة فيه) ش: لأنه ثابت بآية المداينة والسنة م: (وفي تعاملهم الاستصناع نوع شبهة) ش: لكونه مجتهد فيه، ولأن فيه خلاف زفر والشافعي -رحمهما الله- م: (فكان الحمل على السلم أولى، والله أعلم) ش: لكونه أقرب إلى الجواز وأحق بالرخصة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 377 مسائل منثورة قال: ويجوز بيع الكلب والفهد والسباع، المعلم وغير المعلم في ذلك سواء. وعن أبي يوسف أنه لا يجوز بيع الكلب العقور لأنه غير منتفع به.   [البناية] [مسائل منثورة] [بيع الكلب والفهد والسباع] م: (مسائل منثورة) ش: مسائل مرفوعة على أنها خبر مبتدأ محذوف، أي هذه مسائل، ومنثورة صفتها من نثرت الدراهم، والتقدير هذه مسائل من كتاب البيوع نثرت عن أبوابها ولم تذكر ثمة، فاستدركت بذكرها هاهنا. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويجوز بيع الكلب والفهد والسباع) ش: مثل الأسد والدب ونحوهما، فالقدوري أطلق بيع الكلب وما ذكر معه ليتناول م: (المعلم وغير المعلم) ش: وأوضحه المصنف بقوله: وغير المعلم م: (في ذلك سواء) ش: أي المعلم وغير المعلم منها من الكلب والفهد والسباع من المذكور في جواز البيع سواء. وفي " الإيضاح ": بيع كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير جائز معلما كان أو غير معلم في رواية الأصل، أما الكلب المعلم فلا شك في جواز بيعه لأنه آلة الحراسة والاصطياد فيكون محلا للبيع منتفعا به حقيقة وشرعا، فيكون مالا. وأما غير المعلم فلأنه يمكن أن ينتفع به بغير الاصطياد فإن كل كلب يحفظ بيت صاحبه ويمنع الأجانب عن الدخول فيه ويخبر عن الجاني بنباحه عليه فساوى المعلم في الانتفاع به. م: (وعن أبي يوسف أنه لا يجوز بيع الكلب العقور لأنه غير منتفع به) ش: وفي " شرح الإرشاد ": يجب قتله ويحرم اقتناؤه فلا يجوز بيعه كما في الخنزير، وقال شمس الأئمة السرخسي: ولو كان الكلب العقور بحال يقبل التعليم يجوز بيعه في الصحيح من المذهب، ولا يجوز الذي لا يقبل التعليم. ونقل الناطفي في " الأجناس " عن مسائل الفضل بن غانم: قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أجيز بيع كلب الصيد والماشية ولا أجيز بيع الكلب العقور، وقال محمد في " نوادر هشام ": يجوز بيع الكلب العقور. وفي الكيسانيات قال محمد: ومن قتله ضمن قيمته، إلى هنا لفظ " الأجناس ". ونقل في " الأجناس " أيضا عن شرح اختلاف زفر: روى ابن أبي مالك عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز بيع الأسد حيا ويجوز أن يكون مذبوحا. وجاز بيع الفهد، وفي البيوع للحسن: جاز بيع القرد. وذكر في الأجناس قال أبو يوسف: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 378 وقال الشافعي: لا يجوز بيع الكلب؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "إن من السحت مهر البغي وثمن الكلب".   [البناية] أكره بيع المهر لأنه لا منفعة به، وإنما هو للهو. م: (وقال الشافعي: لا يجوز بيع الكلب) ش: مطلقا؛ لأنه لا منفعة به، وبه قال أحمد، وبعض أصحاب مالك يجوز بيع المأذون بإمساكه ويكره، وجوز الشافعي إجارة الكلب المعلم في أصح الوجهين: أما اقتناء الكب للصيد والزرع والبيوت والمواشي فيجوز بالإجماع م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «إن من السحت مهر البغي وثمن الكلب» ش: هذا الحديث بغير هذا اللفظ رواه ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن من السحت مهر البغي وثمن الكلب وكسب الحجام» . وأخرجه الدارقطني أيضا، ولفظه: «ثلاث كلهن سحت أجر الحجام ومهر البغي وثمن الكلب» . وقال الأترازي: وجه قول الشافعي ما وري في صحيح البخاري والسنن مسندا إلى أبي مسعود الأنصاري «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن» وذكر أحاديث أخر من هذا الباب، ولكن هذا غير مناسب للحديث الذي ذكره المصنف، ورعاية المناسبة من التناسب. السحت: الحرام المحض الخالص، وقيل: السحت الحرام المتأصل، من سحته وأسحته أي استأصله، سمي الحرام سحتا لأنه مستأصل دين الآكل ومهر البغي أجرة الزانية، يقال: بغت المرأة بغاء بالكسر، والتي زنت فهي بغي أي زانية، ومن حقه أن يقال: بغية؛ لأنه فعيل بمعنى فاعل، والحكم فيه أن يفرق بين المذكر والمؤنث، إلا أنه قد يشبه فعيلا بمعنى مفعول، فلا يفرق كما في قولهم: ملحفة جديد. قوله: وثمن الكلب، سماه ثمنا باعتبار صورة البيع، وحلوان الكاهن أجرته من الحلاوة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 379 ولأنه نجس العين، والنجاسة تشعر بهوان المحل، وجواز البيع بإعزازه فكان منتفيا. ولنا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نهى عن بيع الكلب إلا كلب صيد أو ماشية» ،   [البناية] وهو الذي يخبر عن الأشياء بإلقاء الشيطان إليه. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الكلب م: (نجس العين) ش: بدلالة نجاسة سؤره، فإنه متولد من اللحم وما كان كذلك لا يجوز بيعه م: (والنجاسة تشعر بهوان المحل) ش: أي بذلته م: (وجواز البيع بإعزازه) ش: أي تشعر بإعزازه م: (فكان منتفيا) ش: أي فكان جواز البيع منتفيا وإلا يلزم اجتماع المتنافيين فلا يجوز. م: (ولنا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «نهى عن بيع الكلب إلا كلب صيد أو ماشية» ش: هذا الحديث غريب بهذا اللفظ، ولكن روى الترمذي عن أبي هريرة قال «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ثمن الكلب إلا كلب الصيد» ثم قال: لا يصح إلا من هذا الوجه، وروى النسائي عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ثمن الكب والسنور إلا كلب الصيد» وقال: حديث منكر، وقال مرة: ليس بصحيح، وقال الكاكي: المدعي جواز بيع جميع الكلب، وهذا الحديث يقتضي جواز بيع كلب الصيد والماشية. قلنا: المقصود من إيراد الحديث إبطال مذهب الخصم، فإنه يدعي شمول عدم الجواز في الكل، أما إثبات المدعي والمذهب بما ذكر في " الأسرار " حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، فإنه قال: «قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كلب بأربعين درهما» فذكره مطلقا من غير تخصيص في أنواع الكلب بالتضمين وتضمين المتلف دليل على تقومه وماليته. أو نقول: ثبت جواز بيع الكلب المعلم بقوله: إلا كلب صيد، وجواز بيع الكلب الغير المعلم سوى العقور بقوله أو ماشية، فإن كل كلب يصلح لحراسة الماشية إذ من عادته النباح عند الجزء: 8 ¦ الصفحة: 380 ولأنه منتفع به حراسة واصطيادا، فكان مالا فيجوز بيعه، بخلاف الهوام المؤذية؛ لأنه لا ينتفع بها، والحديث محمول على الابتداء   [البناية] حضور الذئب، أو السارق فبقي العقور تحت المستثنى منه، كذا في " الأسرار ". قلت: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه الطحاوي بإسناد صحيح مرسلا، حيث قال: وقد روي في ذلك عن من بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي من الصحابة والتابعين، ثم قال: حديث يونس قال حدثنا ابن وهب قال سمعت ابن جريج يحدث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أنه قضى في كلب صيد قتله رجل بأربعين درهما، وقضى في كلب ماشية بكبش. وأخرج ابن أبي شيبة عنه أنه قال: في كلب الصيد أربعون درهما وفي كلب الماشية شاة من الغنم، وفي كلب الحرث فرق من طعام، وفي كلب الدار فرق من تراب حق على الذي أصابه أن يعطيه، وحق على صاحب الكلب أن يقبله. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الكلب م: (منتفع به حراسة واصطيادا) ش: حقيقة وشرعا م: (فكان مالا فيجوز بيعه) ش: لأن المال غير الآدمي خلق لمصالح للآدمي، فيكون محلا للبيع. فإن قيل: الكلب يمسك للانتفاع بمنافعه لا لعينه كالآدمي فإنه ينتفع بمنافعه إجارة وغيرها، ولا يدل على أن عينه مال. قلنا: الانتفاع بمنفعة الكلب يقع تبعا لملك العين لا قصدا في المنفعة إلا أنه يورث والمنفعة وحدها لا تورث، فيجري مجرى الانتفاع بمنافع العبد والأمة والثوب، ولا يقال شعر الخنزير ينتفع به للخرز ولا يجوز بيعه، لأنا نقول: إن الخنزير محرم العين شرعا، لا يباح إمساكه لمنفعة بوجه، فيثبت الحرمة في كل جزء منه وسقطت القيمة، ثم الإباحة لضرورة الخرز لا يدل على رفع الحرمة عن أصله فيما عدا الضرورة كإباحة لحمه حال الضرورة لا يدل على صحة أكله وجواز بيعه، فأما الكلب فما ثبت فيه تحريم مطلق وإباحة للضرورة فيبقى ما وراءها على التحريم، كذا في " الأسرار ". م: (بخلاف الهوام المؤذية) ش: من الحيات والعقارب والوزغ والقنافذ والضب وهوام الأرض جميعا م: (لأنه) ش: أي لأن المذكور من الهوام المؤذية م: (لا ينتفع بها) ش: بل هي مضرة قطعا، والهوام جمع هامة بتشديد الميم، وفي " المغرب " الهامة من الدواب ما يقتل من ذوات السموم كالعقارب والحيات م: (والحديث) ش: أي الحديث المذكور الذي استدل به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (محمول على الابتداء) ش: أي حاله ابتداء الإسلام وتقريره ما روي عن إبراهيم أنه قال: روي عن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه رخص في ثمن كلب الصيد» وذلك دليل على تقديم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 381 قطعا لهم عن الاقتناء، ولا نسلم نجاسة العين، ولو سلم فيحرم التناول دون البيع. قال: ولا يجوز بيع الخمر والخنزير لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيه: «إن الذي حرم شربها حرم بيعها وأكل ثمنها» ، ولأنه ليس بمال في حقنا وقد ذكرناه. قال: وأهل الذمة في البياعات   [البناية] نهي انتسخ، فإنهم كانوا ألفوا اقتناء الكلاب وكانت تؤذي الضيفان والغرباء فنهوا عن اقتنائها، وهو معنى قوله م: (قطعا لهم عن الاقتناء) ش: وفي بعض النسخ قلعا لهم، فشق ذلك عليهم فأمروا بقتل الكلاب ونهوا عن بيعها تحقيقا للزجر عن العادة المألوفة، ثم رخص لهم بعد ذلك في ثمن ما يكون منتفعا به من الكلاب، فالحديث الذي رواه الشافعي، كان في الابتداء أو يجوز أن يقال الحديث مشترك الإلزام؛ لأنه قال: ثمن الكلب والثمن في الحقيقة لا يكون إلا في المبايعة. م: (ولا نسلم نجاسة العين) ش: جواب عن استدلال الشافعي بالمعقول بالمنع، فإن تمليكه في حالة الاجتناب يجوز بالهبة والوصية وليس نجس العين كذلك م: (ولو سلم فيحرم التناول دون البيع) ش: وفي " الإيضاح " فأما نجاسة العين في ذاته -إن سلم له- فتأثيرها في تحريم التناول ووجوب الاجتناب عنه حسنا صونه لنفسه وثيابه عن النجاسة، فأما في حق جواز الانتفاع بها اصطيادا وحراسة فلا. وفي " جامع قاضي خان ": ومثل السرقين عندنا، فإنه يجوز بيعه لانتفاع الناس به من غير نكير، وعند الشافعي: لا يجوز لنجاسة عينه كالعذرة. قلنا: العذرة لا ينتفع بها إلا إذا اختلط بالتراب، فحينئذ يجوز بيعها تبعا. [بيع الخمر والخنزير] م: (قال: ولا يجوز بيع الخمر والخنزير) ش: هذا لفظ القدوري في "مختصره "، والأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90] .... . الآية فقال: رجس، والرجس اسم للحرام النجس، ولا يجوز التصرف في الحرام م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيه) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «إن الذي حرم شربها حرم بيعها وأكل ثمنها» ش: هذا في حديث مسلم عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ولفظه قال: «إن الذي حرم شربها حرم بيعها» ". م: (ولأنه) ش: أي ولأن كل واحد من الخمر والخنزير م: (ليس بمال في حقنا) ش: أي ليس بمال متقوم في حق المسلمين م: (وقد ذكرناه) ش: أي في باب البيع الفاسد. م: (قال) ش: أي قال القدوري في "مختصره ". وقال الأكمل: قال محمد في الأصل: لا يجوز بين أهل الذمة الربا ولا بيع الحيوان بالحيوان، ونقل مطولا من الأصل وكان ينبغي له أن يقول أولا: قال القدوري ثم يقول ما قاله محمد في الأصل تحرزا عن اللبس م: (وأهل الذمة في البياعات) ش: بكسر الباء الموحدة وتخفيف الياء آخر الحروف. قال الجوهري: البياعة السلعة، انتهى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 382 كالمسلمين لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في ذلك الحديث: «فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين» ، ولأنهم مكلفون محتاجون كالمسلمين. قال: إلا في الخمر والخنزير خاصة، فإن عقدهم على الخمر كعقد المسلم على العصير، وعقدهم على الخنزير كعقد المسلم على الشاة؛ لأنها أموال في اعتقادهم، ونحن أمرنا بأن نتركهم وما يعتقدون، دل عليه قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ولوهم بيعها وخذوا العشر من أثمانها   [البناية] فهذا يدل على أن البياعات جمع بياعة، والظاهر من هذا أن المعنى أن أهل الذمة في بيع السلع م: (كالمسلمين) ش: ولكن الظاهر أن الفقهاء أرادوا بالبياعات البيوع، وليس في اللغة ما يدل على هذا م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في ذلك الحديث: «فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين» ش: أراد بذلك الحديث أول حديث معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما بعثه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى اليمن، فإنه حديث أخرجته الأئمة الستة في كتبهم وليس فيه ما ذكر المصنف من قوله ما عليهم.. إلى آخره. وقال مخرج أحاديث الهداية: لم أعرف الحديث الذي أشار إليه المصنف ولم يتقدم في هذا المعنى إلا حديث معاذ، وهو في كتاب الزكاة، وحديث بريدة وهو في كتاب السير وليس فيهما ذلك ولم يتعرض أحد من الشراح إلى تحرير هذا تقصيرا منهم. م: (ولأنهم) ش: أي ولأن أهل الذمة م: (مكلفون) ش: أي بالإيمان م: (محتاجون) ش: أي في المعاملات م: (كالمسلمين) ش: فكانوا محتاجين إلى ما تبقى به أنفسهم، ولا تبقى الأنفس إلا بالطعام والشراب والكسوة والسكنى، ولا تحصل هذه الأشياء إلا بمباشرة الأشياء المشروعة ومنها البيع، فيجب أن يكون مشروعا في حقهم ليمكنوا من تبقية أنفسهم. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (إلا في الخمر والخنزير خاصة، فإن عقدهم على الخمر كعقد المسلم على العصير، وعقدهم على الخنزير كعقد المسلم على الشاة) ش: حاصل الكلام يحل لهم ما يحل لنا، ويحرم عليهم ما يحرم علينا من البيوع سوى الخمر والخنزير، فإنهم أقروا بعقد الأمان على أن يكون ذلك مالا لهم، فلو لم يجز تصرفهم خرج ذلك من أن يكون مالا وفيه نقض الأمان م: (لأنها) ش: أي الخمر والخنزير م: (أموال في اعتقادهم ونحن أمرنا بأن نتركهم وما يعتقدون، دل عليه) ش: أي على ما ذكرنا من أنا أمرنا أن نتركهم وما يعتقدون م: (قول عمر: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولوهم بيعها وخذوا العشر من أثمانها) ش: هذا رواه عبد الرزاق في مصنفه في البيوع أخبرنا سفيان الثوري عن إبراهيم بن عبد الأعلى الحنفي عن سويد بن غفلة قال بلغ عمر بن الخطاب أن عماله يأخذون الجزية من الخمر فناشدهم ثلاثا، وقال له بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنهم ليفعلون ذلك، قال: فلا تفعلوا، قال: فلا تفعلا ولوهم بيعها فإن اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 383 قال: ومن قال لغيره بع عبدك من فلان بألف درهم على أني ضامن لك خمسمائة من الثمن سوى الألف ففعل فهو جائز، ويأخذ الألف من المشتري والخمسمائة من الضامن، وإن كان لم يقل "من الثمن" جاز البيع بألف درهم ولا شيء على الضمين. وأصله أن الزيادة على الثمن والمثمن جائزة عندنا وتلتحق بأصل العقد، خلافا لزفر والشافعي لأنه تغيير للعقد من وصف مشروع إلى وصف مشروع، وهو كونه عدلا أو خاسرا أو رابحا،   [البناية] أثمانها. ورواه أبو عبيد في كتاب الإيمان، وقال فيه ولوهم بيعها وخذوا أنتم من الثمن. م: (قال: ومن قال لغيره: بع عبدك من فلان بألف درهم على أني ضامن لك خمسمائة من الثمن سوى الألف ففعل فهو جائز) ش: هذه المسألة من مسائل " الجامع الصغير "، صورة المسألة أن يطلب إنسان من آخر شراء عبده بألف درهم وهو لا يبيع إلا بألف وخمسمائة والمشتري لا يرغب فيه إلا بالألف فيجيء آخر ويقول لصاحب العبد: بع عبدك هذا من هذا الرجل بألف درهم على أني ضامن لك خمسمائة من الثمن سوى الألف، فيقول صاحب العبد بعت كذا فالبيع جائز م: (ويأخذ الألف) ش: أي يأخذ البائع الألف م: (من المشتري والخمسمائة) ش: أي ويأخذ الخمسمائة م: (من الضامن) ش: وهو الفضولي الذي لا يتعلق له في الوسط. م: (وإن كان) ش: أي الرجل الآخر م: (لم يقل "من الثمن" جاز البيع بألف درهم ولا شيء على الضمين) ش: ذكر الإمام السرخسي الفرق بين المسألتين أن في المسألة الأولى ضمن الأجنبي وصير نفسه زعيما حيث قال من الثمن فيجب عليه، وفي الثانية أنه رشاه على البيع بما سماه من المال والرشوة حرام لا يلزم بالضمان م: (وأصله) ش: أي وأصل ما ذكر من هذه المسألة م: (أن الزيادة على الثمن والمثمن جائزة عندنا، وتلتحق) ش: أي الزيادة م: (بأصل العقد، خلافا لزفر كونه) ش: أي كون الثمن م: (عدلا) ش: بأن يكون مساويا لقيمة البيع م: (أو خاسرا) ش: بأن يكون الثمن أقل من قيمة المبيع م: (أو رابحا) ش: بأن يكون الثمن زائدا على قيمة المبيع وكل ذلك مشروع. فإن قيل: كيف يجب عليه شيء من الثمن بالبيع ولم يدخل في ملكه شيء من المعقود عليه؟ قلنا: التزام الثمن بالبيع مقصودا فصار كبدل الخلع، وقال تاج الشريعة: وإن قلت لو ثبتت هذه الزيادة ثمنا لتوجهت المطالبة بها على المشتري ثم الضامن يتحمل ولا يطالب المشتري بها؛ لأنه لم يلتزمها وإنما يطالب بها من التزمها، لأن من الثمن في حق من التزمها لا في حق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 384 ثم قد لا يستفيد المشتري بها شيئا بأن زاد في الثمن وهو يساوي المبيع بدونها، فيصح اشتراطه على الأجنبي، كبدل الخلع، لكن من شرطها المقابلة تسمية وصورة. فإذا قال "من الثمن" وجد شرطها فيصح، وإذا لم يقل لم يوجد فلم يصح. قال: ومن اشترى جارية ولم يقبضها حتى   [البناية] من لم يلتزمها وثبوت الحكم بحسب السبب كالرجل يقول: لفلان على فلان ألف درهم وأنا به كفيل، وأنكر الأصيل ذلك يصير الكفيل مطالبا دون الأصيل لهذا المعنى، انتهى. وقال بعضهم: القياس يأبى جواز الزيادة من الأجنبي لأنها بدل مال معاوضة من غير أن يحصل ما بإزائه عوض، وذلك لا يجوز اعتبارا بأصل الثمن، إلا أنا تركنا القياس بالنص الوارد بجواز قضاء الدين من الأجنبي شرعا، وهو حديث أبي قتادة حين امتنع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة على رجل من الأنصار لمكان دين عليه، قال أبو قتادة: هو علي وإلي وفي مالي يا رسول الله. وجوز ذلك منه حتى صلى على الميت وذلك إمضاء منه بذلك المال عوضا عن دينه من غير أن يحصل له عوض بإزائه، والزيادة في الثمن من الأجنبي في معناه فيلحق به دلالة. وقال صاحب النهاية: الأولى ما قاله العلماء لأنا لو استدللنا في جواز التزام الزيادة من الأجنبي بهذا الحديث ينبغي أن يجوز للأجنبي التزام أصل الثمن أيضا إذ الحكم لا يفرق بينهما وبالاتفاق لا يجوز التزام أصل الثمن من الأجنبي، ولأن حكم الحديث كان بعد الوجوب والتزام الزيادة من الأجنبي وقت المعاقدة بل وجوب أصل الثمن على المشتري فعلم أن بينهما فرقا. م: (ثم قد لا يستفيد المشتري بها) ش: أي بالزيادة م: (شيئا بأن زاد في الثمن وهو) ش: أي والحال أن الثمن م: (يساوي المبيع بدونها) ش: أي بدون الزيادة، فإذا كان كذلك م: (فيصح اشتراطه) ش: أي اشتراط الثمن. وفي بعض النسخ فيصح اشتراطها أي اشتراط الزيادة م: (على الأجنبي كبدل الخلع) ش: لأن الخلع لا يسلم شيئا للمرأة بمقابلة بدل الخلع لأنه إسقاط محض واشتراط البدل على الأجنبي غير جائز فكذلك اشتراط الضمان هنا على غير المشتري م: (لكن من شرطها) ش: أي من شرط الزيادة م: (المقابلة تسمية) ش: بأن يتكلم المتكلم بلفظه من الثمن م: (وصورة) ش: بأن يكون المسمى بمقابلة المبيع صورة وإن لم يقابله من حيث المعنى لكون جميع المبيع حاصلا للبيع عليه م: (فإذا قال "من الثمن" وجد شرطها) ش: وهو المقابلة م: (فيصح وإذا لم يقل) ش: من الثمن م: (لم يوجد) ش: أي شرطه م: (فلم يصح) ش: لأنها ليست زيادة في الثمن، بل هو التزام مبتدأ فيكون بطريق الرشوة وهو حرام. [اشترى جارية ولم يقبضها حتى زوجها فوطئها الزوج] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى جارية ولم يقبضها حتى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 385 زوجها فوطئها الزوج، فالنكاح جائز لوجود سبب الولاية، وهو الملك في الرقبة على الكمال وعليه المهر، وهذا قبض لأن وطء الزوج حصل بتسليط من جهته فصار فعله كفعله. وإن لم يطأها فليس بقبض. والقياس أن يصير قابضا لأنه تعييب حكمي فيعتبر بالتعييب الحقيقي. وجه الاستحسان: أن في الحقيقي استيلاء على المحل، وبه يصير قابضا ولا كذلك الحكمي   [البناية] زوجها فوطئها الزوج فالنكاح جائز لوجود سبب الولاية) ش: أي ولاية التزويج م: (وهو الملك في الرقبة على الكمال وعليه المهر) ش: قيد بالكمال، لأنه لو ملك نصفها لا يملك التزويج. فإن قيل: ملك الرقبة سبب ولاية التزويج فكذلك سبب ولاية التصرف أيضا، فلم لا يجوز البيع قبل القبض كما قال مالك، فإن عنده يجوز جميع التصرفات قبل القبض، وعندنا لا يجوز البيع وبه قال الشافعي وأحمد، ويجوز التزويج والعتق. قلنا: لورود النهي في ذلك والنكاح ليس ببيع ولا في معناه، 4ولا يثبت حكم البيع فيه، ألا ترى أن البيع ينفسخ بهلاك المعقود عليه قبل القبض، بخلاف النكاح، وشرط البيع أن يكون مقدور التسليم، بخلاف النكاح فإنه ليس بشرط فيه، ولهذا لا يجوز بيع الآبقة ويجوز إنكاحها. وذكر الشهيد في " الفتاوى الكبرى ": جاز نكاحها قبل القبض إن تم البيع، وإن انتقض بطل النكاح في قول أبي يوسف، خلافا لمحمد، والمختار قول أبي يوسف، وذكر الإمام قاضي خان والزدمكري: لو ماتت الجارية قيل لا يبطل النكاح وإن بطل البيع، ومتى لم يطأها حتى مات يجب المهر للمشتري. م: (وهذا) ش: أي وطء الزوج م: (قبض) ش: وعند الشافعي وأحمد، ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لا يصير قبضا م: (لأن وطء الزوج حصل بتسليط من جهته) ش: أي من جهة المشتري م: (فصار فعله كفعله) ش: أي فعل الزوج كفعل المشتري م: (وإن لم يطأها) ش: أي الزوج م: (فليس بقبض، والقياس أن يصير قابضا) ش: أي فيصير المشتري قابضا بمجرد النكاح م: (لأنه) ش: أي لأن التزويج م: (تعييب حكمي، فيعتبر بالتعييب الحقيقي) ش: حتى لو وجدها المشتري ذات زوج كان له أن يردها فيصير كالتعييب الحقيقي كقطع اليد وفقء العين. م: (وجه الاستحسان أن في الحقيقي) ش: أي في التعييب الحقيقي م: (استيلاء على المحل) ش: باتصال فعل منه إليه م: (وبه يصير قابضا) ش: أي بالتعييب الحقيقي يصير قابضا م: (ولا كذلك الحكمي) ش: أي التعييب الحكمي، فلا يصير قابضا. فإن قيل: يشكل هذا بالإعتاق والتدبير فإنهما إبقاء بالاستيلاء على المحل بالفعل الحسي، ومع أنه يصير قابضا بهما بإجماع العلماء قلنا هما إتلاف من وجه، لأن الإعتاق إنهاء للملك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 386 فافترقا. قال: ومن اشترى عبدا فغاب والعبد في يد البائع، وأقام البائع البينة أنه باعه إياه، فإن كانت غيبة معروفة لم يبع في دين البائع؛ لأنه يمكن إيصال البائع إلى حقه بدون البيع، وفيه إبطال حق المشتري، وإن لم يدر أين هو بيع العبد وأوفى الثمن؛ لأن ملك المشتري ظهر بإقراره، فيظهر على الوجه الذي أقر به مشغولا بحقه. وإذا تعذر استيفاؤه من المشتري يبيعه القاضي فيه، كالراهن إذا مات والمشتري إذا مات مفلسا والمبيع لم يقبض، بخلاف ما بعد القبض؛ لأن حقه لم يبق متعلقا به، ثم إن فضل شيء يمسك للمشتري؛   [البناية] وإتلاف للمالية، ولهذا ثبتت الولاية. وله من ضرورته أن يصير قابضا وكذا التدبير في استحقاق الولاء وثبوت حق الحرية كذا في " المبسوط ". م: (فافترقا) ش: أي بالوجه المذكور افترق الحكمان المذكوران. [اشترى عبدا فغاب والعبد في يد البائع] م: (قال: ومن اشترى عبدا فغاب والعبد في يد البائع) ش: أي فغاب المشتري والحال أنه لم يدفع الثمن إلى البائع م: (وأقام البائع البينة) ش: عند القاضي م: (أنه باعه إياه) ش: أي أن البائع باع العبد إياه، أي للذي اشتراه ثم غاب قبل نقد الثمن، وهو معنى قوله: ولم يقبض الثمن وطلب من القاضي أن يبيعه بدينه. م: (فإن كانت غيبة) ش: المشتري م: (معروفة لم يبع في دين البائع) ش: على صيغة المجهول، أي العبد لم يبع م: (لأنه يمكن إيصال البائع إلى حقه بدون البيع وفيه) ش: أي وفي بيع العبد م: (إبطال حق المشتري) ش: لأن البيع يبطل حقه في العبد م: (وإن لم يدر) ش: أي وإن لم يعلم م: (أي هو) ش: أي المشتري يعني في أي مكان هو م: (بيع العبد) ش: في دين البائع م: (وأوفى الثمن) ش: أي ثمن العبد الذي اشتراه الرجل يوفي من ثمنه الذي يباع لأجل دين البائع م: (لأن ملك المشتري ظهر بإقراره) ش: أي بإقرار البائع أنه باعه إياه م: (فيظهر على الوجه الذي أقر به) ش: حال كونه م: (مشغولا بحقه) ش: أي بحق البائع. م: (وإذا تعذر استيفاؤه من المشتري) ش: لأجل غيبة المشتري وعدم معرفة مكانه م: (يبيعه القاضي) ش: لأنه نصب ناظرا لمصالح المسلمين م: (فيه) ش: أي في استيفاء م: (كالراهن إذا مات والمشتري إذا مات مفلسا والمبيع) ش: فإن المرتهن أحق بالمرهون يباع في دينه إذا تعذر الاستيفاء م: (لم يقبض) ش: فإن المبيع يباع بثمنه. م: (بخلاف ما بعد القبض) ش: أي بخلاف ما إذا قبض المشتري المبيع فإن بينه البائع لم تقبل. م: (لأنه حقه) ش: أي حق البائع. م: (لم يبق متعلقا به) ش: أي بالعبد بل صار دينا في ذمة المشتري م: (ثم إن فضل شيء) ش: من ثمن العبد م: (يمسك المشتري) ش: لأن الفاضل له م: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 387 لأنه بدل حقه. وإن نقص يتبع هو أيضا. فإن كان المشتري اثنين فغاب أحدهما فللحاضر أن يدفع الثمن كله ويقبضه. وإذا حضر الآخر لم يأخذ نصيبه حتى ينقد شريكه الثمن وهو قول أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: إذا دفع الحاضر الثمن كله لم يقبض إلا نصيبه وكان متطوعا بما أدى عن صاحبه؛ لأنه قضى دين غيره بغير أمره فلا يرجع عليه، وهو أجنبي عن نصيب صاحبه فلا يقبضه. ولهما أنه مضطر فيه لأنه لا يمكنه الانتفاع بنصيبه إلا بأداء جميع الثمن، لأن البيع صفقة واحدة وله حق الحبس ما بقي شيء منه، والمضطر يرجع   [البناية] لأنه بدل حقه. وإن نقص يتبع هو أيضا. فإن كان المشتري اثنين فغاب أحدهما فللحاضر أن يدفع الثمن كله ويقبضه. وإذا حضر الآخر لم يأخذ نصيبه حتى ينقد شريكه الثمن وهو قول أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: إذا دفع الحاضر الثمن كله لم يقبض إلا نصيبه وكان متطوعا بما أدى عن صاحبه؛ لأنه قضى دين غيره بغير أمره فلا يرجع عليه، وهو أجنبي عن نصيب صاحبه فلا يقبضه. ولهما أنه مضطر فيه لأنه لا يمكنه الانتفاع بنصيبه إلا بأداء جميع الثمن، لأن البيع صفقة واحدة وله حق الحبس ما بقي شيء منه، والمضطر يرجع م: (لأنه بدل حقه) ش: أي لأن الفاضل بدل حق المشتري م: (وإن نقص) ش: حق البائع من ثمن العبد م: (يتبع هو أيضا) ش: أي يتبع البائع المشتري أيضا، يعني يرجع البائع بالنقصان إذا ظفر به. م: (فإن كان المشتري اثنين) ش: أي فإن كان مشتري العبد اثنين م: (فغاب أحدهما فللحاضر أن يدفع الثمن كله ويقبضه) ش: أي ويقبض العبد م: (وإذا حضر الآخر لم يأخذ نصيبه حتى ينقد شريكه الثمن، وهو) ش: أي المذكور من الحكم م: (قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: إذا دفع الحاضر الثمن كله لم يقبض إلا نصيبه وكان متطوعا بما أدى عن صاحبه؛ لأنه قضى دين غيره بغير أمره فلا يرجع عليه، وهو أجنبي عن نصيب صاحبه فلا يقبضه) ش: ذكر هذه المسألة تفريعا لما تقدم، والخلاف في موضعين: في قبض الكل وفي ولاية الرجوع، واعلم أولا أن الحاضر ليس له أن يقبض العبد حتى يؤدي كل الثمن بالاتفاق، لأن للبائع حبس المبيع بكل الثمن، فإذا أدى كل الثمن لا يقبض إلا نصيبه ولا يرجع عليه بما أدى عند أبي يوسف، وعندهما يقبض الكل ويرجع بما أدى. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أنه) ش: أي أن الحاضر م: (مضطر فيه) ش: أي في دفع كل الثمن م: (لأنه لا يمكنه الانتفاع بنصيبه إلا بأداء جميع الثمن؛ لأن البيع صفقة واحدة وله) ش: أي وللبائع م: (حق الحبس) ش: أي حبس المبيع لأجل قبض جميع الثمن م: (ما بقي شيء منه) ش: أي من الثمن فيكون مضطرا في ذلك م: (والمضطر يرجع) . فإن قيل: لو كان التعليل بالاضطرار مقولا عليه لما تفاوت الحكم بين أن يكون الشريك حاضرا أو غائبا كما في صاحب العلو، فإنه يبني السفل ليبني عليه علوه، فإنه لا يكون متبرعا ببناء السفل، سواء كان صاحب السفل حاضرا أو غائبا. وهاهنا لو كانا حاضرين فأراد أحدهما نقد الثمن وقبض نصيبه ليس له ذلك بالإجماع، ولو نقد نصيبه كان متبرعا فيما نقد بالإجماع. قلنا: الملك للغائب إنما يثبت في نصيبه باعتبار قبول الحاضر؛ لأن من خاطب الاثنين بالبيع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 388 كمعير الرهن. وإذا كان له أن يرجع عليه كان له الحبس عنه إلى أن يستوفي حقه، كالوكيل بالشراء إذا قضى الثمن من مال نفسه. قال: ومن اشترى جارية بألف مثقال ذهب وفضة فهما نصفان؛ لأنه أضاف المثقال إليهما على السواء فيجب من كل واحد منهم خمسمائة مثقال لعدم الأولوية. وبمثله لو اشترى جارية بألف من الذهب والفضة يجب من الذهب مثاقيل، ومن الفضة دراهم وزن سبعة؛ لأنه أضاف الألف إليهما فينصرف إلى   [البناية] فقبل أحدهما دون الآخر لم يملك شيئا منه، وإذا ثبت أن الملك له باعتبار قبول الحاضر بمنزلة الوكيل عنه بالشراء، وإذا نقد الثمن يتمكن من قبض المبيع ويثبت له حق الرجوع على صاحبه بنصيبه. وأما صاحب العلو فإنه مضطر إلى أن يتوصل إلى حقه من بناء العلو، سواء كان صاحب السفل حاضرا أو غائبا، لأنه ليس له أن يخاصمه في أن يبني السفل ليبني هو علوه، فلذلك افترقا. فإن قيل: ما الفرق بين هذا وبين ما إذا استأجر رجلان دارا فغاب أحدهما قبل نقد الأجرة فنقد الحاضر الأجر كله فإنه يكون متبرعا بالإجماع. قلنا: إنه غير مضطر في نقد نصيب صاحبه من الأجرة من قبل أنه ليس للآجر حبس الدار لاستيفاء الأجر، كذا ذكره التمرتاشي م: (كمعير الرهن) ش: صورته رجل أعار إنسانا شيئا ليرهنه فرهنه المستعير ثم أفلس أو غاب فأهلكه المعير يرجع بما أدى منه عليه، وإن كان ذلك الأداء بغير أمره لأنه مضطر، فكذا فيما نحن فيه. م: (وإذا كان له) ش: أي للبائع م: (أن يرجع عليه) ش: أي على المشتري م: (كان له الحبس عنه) ش: أي حبس نصيبه م: (إلى أن يستوفي حقه) ش: وهو ادعى عنه م: (كالوكيل بالشراء إذا قضى الثمن) ش: أي ثمن الذي اشتراه م: (من مال نفسه) ش: دون مال الموكل فإنه يرجع عليه بما أدى من الثمن. [اشترى جارية بألف مثقال ذهب وفضة] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى جارية بألف مثقال ذهب وفضة فهما) ش: أي الذهب والفضة م: (نصفان) ش: يعني من الذهب خمسمائة مثقال ومن الفضة خمسمائة مثقال ولم يرجح الذهب لاختصاصه بالمثاقيل، ولم تترجح الفضة لكونها غالبة في المبايعات لأنهما لما تعارضا ولم يوجد المرجح صير إلى قضية الإضافة والبيان فوجب من كل واحد منهما خمسمائة. م: (لأنه أضاف المثقال إليهما على السواء فيجب من كل واحد منهما خمسمائة مثقال لعدم الأولوية) ش: للترجيح م: (وبمثله) ش: أي وبمثل المذكور م: (لو اشترى جارية بألف من الذهب والفضة يجب من الذهب مثاقيل ومن الفضة دراهم وزن سبعة) ش: يعني كل عشرة وزن سبعة م: (لأنه أضاف الألف إليهما) ش: أي إلى الذهب والفضة م: (فينصرف إلى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 389 الوزن المعهود في كل واحد منهما. قال: ومن له على آخر عشرة دراهم جياد، فقضاه زيوفا وهو لا يعلم، فأنفقها، أو هلكت؛ فهو قضاء عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرد مثل زيوفه ويرجع بدراهمه؛ لأن حقه في الوصف مرعي، كهو في الأصل، ولا يمكن رعايته بإيجاب ضمان الوصف؛ لأنه لا قيمة له عند المقابلة بجنسه، فوجب المصير إلى ما قلنا: ولهما أنه من جنس حقه حتى لو تجوز به فيما لا يجوز الاستبدال جاز، فيقع به الاستيفاء، ولا يبقى حقه إلا في الجودة، ولا يمكن تداركها بإيجاب ضمانها لما ذكرنا،   [البناية] الوزن المعهود في كل واحد منهما) ش: وفي بعض النسخ إلا أنه ينصرف المعهود، والمعهود في الذهب المثاقيل وفي الفضة الدراهم. وقال التمرتاشي: لو قال: بألف مثقال من الذهب والفضة فهما نصفان؛ لأنه أضاف العقد إليهما على السواء، ويشترط بيان صفتهما بخلاف الدراهم والدنانير حيث ينصرف إلى الجيد. وكذا لو قال: على مائة مثقال ذهب وفضة فعليه من كل واحد النصف، وهكذا في جميع ما يقر به من المكيل والموزون والثياب وغيرها قرضا أو سلما أو غصبا أو وديعة أو بيعا أو شراء أو مهرا، وجعلا في خلع أو وصية أو كفالة، وكذا لو قال: علي كر حنطة وشعير وسمسم، كان عليه الثلث من كل جنس. [له على آخر عشرة دراهم جياد فقضاه زيوفا] م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن له على آخر عشرة دراهم جياد فقضاه زيوفا) ش: أي دراهم زيوفا م: (وهو لا يعلم) ش: أي والحال أن صاحب الدين لا يعلم زيافتها م: (فأنفقها) ش: أي فأنفق تلك الزيوف رب الدين م: (أو هلكت فهو قضاء عند أبي حنيفة ومحمد) ش: يعني يكون مؤديا ما عليه من تلك الدراهم ولا يبقى عليه شيء. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرد مثل زيوفه ويرجع بدراهمه لأن حقه في الوصف) ش: وهو الجودة أو الرداءة م: (مرعي كهو في الأصل) ش: أي كحقه في القدر حتى لو كان حقه في القدر الذي هو الأصل لم يسقط مطالبته فكذا إذا كان دون حقه وصفا فيرد المقترض إن كان باقيا وبمثله إن كان مستهلكا م: (ولا يمكن رعايته بإيجاب ضمان الوصف) ش: منفردا لعدم انفكاكه م: (لأنه) ش: أي لأن الوصف (لا قيمة له عند المقابلة بجنسه) لأنه يؤدي إلى الربا، فإذا كان الأمر كذلك م: (فوجب المصير إلى ما قلنا) ش: وهو قوله: يرد مثل زيوفه ويرجع بدراهمه. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أنه) ش: أي المؤدَّى وهو الزيوف م: (من جنس حقه) ش: وأوضح ذلك بقوله: م: (حتى لو تجوز به) ش: أي بالمؤدى يعني يؤاخذه مسائلا لنقصان حقه م: (فيما لا يجوز الاستبدال) ش: فيه كما في الصرف والسلم م: (جاز فيقع به الاستيفاء، ولا يبقى حقه إلا في الجودة، ولا يمكن تداركها بإيجاب ضمانها لما ذكرنا) ش: إشارة إلى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 390 وكذا بإيجاب ضمان الأصل؛ لأنه إيجاب له عليه ولا نظير له. قال: وإذا فرخ طير في أرض رجل فهو لمن أخذه، وكذا إذا باض فيها، وكذا إذا تكنس فيها ظبي؛ لأنه مباح سبقت يده إليه، ولأنه صيد وإن كان يؤخذ بغير حيلة والصيد لمن أخذه، وكذا البيض لأنه أصل الصيد، ولهذا يجب الجزاء على المحرم بكسره أو شيه، وصاحب الأرض لم يعد أرضه   [البناية] قوله: لأنه لا قيمة له عند المقابلة بجنسه. م: (وكذا بإيجاب ضمان الأصل) ش: أي وكذا لا يمكن تداركها بإيجاب ضمان الأصل م: (لأنه) ش: أي لأن إيجاب ضمان الأصل م: (إيجاب له عليه) ش: أي إيجاب الأصل عليه م: (ولا نظير له) ش: أي في الشرع. وحاصل الكلام أن الجودة لا يمكن فيها الضمان شرعا لأنها عند المقابل بالجنس هدر ولا عقلا لعدم تصور الانفكاك ولا بإيجاب ضمان الأصل، لأن المضمون حينئذ هو الأصل والفرض أنه من حيث الأصل مستوف بإيجاب الضمان باعتباره إيجاب له عليه ولا نظير له في الشرع، واعترض من وجهين: أحدهما: أن إيجاب الضمان على رجل لنفسه لا يجوز إذا لم يفد، وهاهنا يفيد فصار ككسب المأذون له المديون فإنه مضمون على المولى، وإن كان ملكا له، حتى لو اشترى صح. والثاني: أن المقصود بالأصلي هو وجوب حق صاحبه ووجوب الضمان له عليه ضمنا فلا يعتبر. الجواب عن الأول: أن الفائدة إنما هي للغرماء فكان تضمين الشخص لغيره، بخلاف ما نحن فيه. وعن الثاني: أن الوصف تابع فلا يجوز أن يكون الأصل تابع له. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإذا فرخ طير في أرض رجل فهو لمن أخذه وكذا) ش: أي وكذا لمن أخذ م: (إذا باض فيها) ش: طير في أرض رجل م: (وكذا إذا تكنس) ش: وفي بعض النسخ تكسر أي في كناسة، وهو موضعه، وفيه احتراز بقوله تكسر لأنه لو كسره أحد يكون له م: (فيها) ش: أي في أرض رجل م: (ظبي) ش: مرفوع لأنه فاعل م: (لأنه) ش: أي ولأن كل واحد من الفرخ والبيض والظبي م: (مباح سبقت يده إليه) ش: فاستحق ذلك بالسبق. م: (ولأنه) ش: أي ولأن كل واحد من الفرخ والبيض والظبي م: (صيد) ش: فالذي يأخذه هو حق له بالحديث م: (وإن كان يؤخذ بغير حيلة) ش: كلمة إن واصلة بما قبلها. م: (والصيد لمن أخذه) ش: بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الصيد لمن أخذ» م: (وكذا البيض) ش: حكمه حكم الصيد م: (لأنه) ش: أي لأن البيض م: (أصل الصيد) ش: وأوضح ذلك بقوله: م: (ولهذا يجب الجزاء على المحرم بكسره) ش: أي بكسر البيض م: (أو شيه) ش: أي أو شي البيض، وأشار إلى أن الحكم المذكور فيما إذا لم يعد صاحب الأرض موضعا لفراخ الصيد ليأخذه، وأما إذا أعد في أرضه موضعا لذلك فهو له، وأشار إليه بقوله م: (وصاحب الأرض لم يعد أرضه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 391 لذلك فصار كنصب شبكة للجفاف، وكذا إذا دخل الصيد داره، أو وقع ما نثر من السكر أو الدراهم في ثيابه، لم يكن له ما لم يكفه، وكذا إذا كان مستعدا له، بخلاف ما إذا عسل النحل في أرضه لأنه عد من أنزاله فيملكه تبعا لأرضه كالشجر النابت فيه والتراب المجتمع في أرضه بجريان الماء   [البناية] لذلك) ش: أي لأجل فراخ الصيد، والواو فيه للحال م: (فصار) ش: حكم هذا م: (كنصب شبكة للجفاف) ش: أي لأجل الجفاف فتعلق بها صيد فهو للأخذ، وكذا إذا نصب خيمة. م: (وكذا) ش: أي وكذا الحكم م: (إذا دخل الصيد داره) ش: فهو للأخذ. وقال الأترازي: ولو أن صيدا دخل دار رجل فأغلق عليه الباب فإن كان يقدر على أخذه بغير صيد فقد ملكه، ولو أنه أغلق الباب ولم يرد به الصيد ولم يعلم به فلا يملكه، فإذا خرج منه فهو لمن أخذه م: (أو وقع ما نثر من السكر أو الدراهم في ثيابه لم يكن له) ش: فهو لمن أخذه م: (ما لم يكفه) ش: أي ما لم يضم صاحب الثياب ثيابه، فإذا كان كفه فهو له دون غيره م: (وكذا) ش: أي وكذا يكون لصاحب الثياب م: (إذا كان مستعدا له) ش: بأن قصده وتهيأ له فحينئذ يكون له ما وقع في ثيابه. م: (بخلاف ما إذا عسل النحل في أرضه) ش: بتشديد السين، يقال زنجبيل معسل، أي جعل فيه العسل، وعسلت القوم إذا رددت لهم العسل يكون العسل له مطلقا م: (لأنه) ش: أي لأن العسل م: (عد من أنزاله) ش: الأرض وذكر الضمير وإن كان راجعا إلى الأرض باعتبار المكان، والأنزال بفتح الهمزة جمع النزل وهو الزيادة والفضل، كذا في " المغرب ". والحاصل أنه من ريع الأرض وما فضل منها، فإذا كان كذلك م: (فيملكه) ش: أي يملكه م: (تبعا لأرضه) ش: لأن العسل غالبا لا يحصل في مطلق المواضع ولا يمطر الأغذية فإذا عسل في أرض علم أنه من نبات تلك الأرض م: (كالشجر النابت فيه) ش: يعني إذا ثبتت في أرضه فتكون له م: (والتراب) ش: أي كالتراب م: (المجتمع في أرضه بجريان الماء) ش: يكون أيضا لمالك الأرض، وإذا لم تكن الأرض معدة لذلك بخلاف الصيد كما ذكرنا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 392 كتاب الصرف قال: الصرف هو البيع إذا كان كل واحد من عوضيه من جنس الأثمان، سمي به للحاجة إلى النقل في بدليه من يد إلى يد. والصرف هو النقل والرد لغة، أو لأنه لا يطلب منه إلا الزيادة إذ لا ينتفع بعينه،   [البناية] [كتاب الصرف] م: (كتاب الصرف) ش: أي هذا الكتاب في بيان أحكام الصرف. وجه تأخير كتاب الصرف عن بيان أنواع البيوع أنه ذكر في أول باب السلم، أو لأن الصرف بيع الأثمان والثمن في البياعات يجري مجرى الوصف، والمبيع يجري مجرى الأصل لتوقف جواز البيع إلى وجود المبيع دون الثمن والوصف تابع للأصل. [تعريف الصرف] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (الصرف هو البيع) ش: وفي " المبسوط ": الصرف اسم لنوع بيع وهو مبادلة الأثمان بعضها ببعض، أشار إليه المصنف بقوله: م: (إذا كان كل واحد من عوضيه) ش: أي من عوضي البيع م: (من جنس الأثمان) ش: إنما قال من جنس الأثمان ولم يقل من الأثمان؛ لأن عقد الصرف يشمل التبر والحلي والمضروب والمخلوط، وقال الإمام الأسبيجابي: الصرف اسم لعقود ثلاثة بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة أو أحدهما بالآخر، فما اختص باسم الصرف اختص بشرائط ثلاثة، وجود التقابض من الجانبين جميعا قبل التفرق بالأبدان، وعدم اشتراط الخيار فيه. ولو أبطل صاحب الخيار خياره قبل التفرق انقلب العقد جائزا عندنا خلافا لزفر، ولا يكون فيه تأجيل م: (سمي به) ش: أي سمي هذا العقد بالصرف م: (للحاجة إلى النقل في بدليه من يد إلى يد) ش: أي لحاجة المتصارفين إلى نقل الثمن من يد أحدهما إلى يد الآخر. م: (والصرف هو النقل والرد لغة) ش: أي يعني الصرف لغة هو النقل والرد، كذا قاله الخليل. ومنه سميت العبادة النافلة صرفا، وذكر في كتاب " العين " للخليل: الصرف فضل الدرهم على الدرهم في القيمة، وقال ابن دريد في " الجمهرة ": وقال بعض أهل اللغة: الصرف الفريضة والعدل النافلة. وقال قوم: الصرف الوزن والعدل الكيل م: (أو لأنه) ش: أي لأن الصرف عقد م: (لا يطلب منه إلا الزيادة) ش: أي لأنه عقد يرد على مال لا يطلب منه ذاته، بل يطلب منه الفضل م: (إذ لا ينتفع بعينه) ش: أي بعين ما يكون ثمنا خلقة فإن غير الدراهم والدنانير ينتفع بعينه كاللحم والثوب وغيرهما من أشياء غير النقدين، فيجوز أن تكون الفائدة والمقصود في بيعها الانتفاع بها لا الزيادة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 393 والصرف هو الزيادة لغة، كذا قاله الخليل، ومنه سميت العبادة النافلة صرفا. قال: فإن باع فضة بفضة أو ذهبا بذهب لا يجوز إلا مثلا بمثل، وإن اختلفا في الجودة والصياغة لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الذهب بالذهب مثلا بمثل، وزنا بوزن، يدا بيد والفضل ربا» الحديث، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «جيدها ورديئها سواء» وقد ذكرناه في البيوع.   [البناية] أما في بيع الصرف لو لم يكن المطلوب الزيادة فيخلو عن الفائدة م: (والصرف هو الزيادة لغة، كذا قاله الخليل) ش: فكانت إرادة الزيادة مطلوبة في بيعها، فلهذا اختص هذا البيع بلفظ الصرف، وعن هذا قيل لمن يعرف هذا الفضل والزيادة صراف وصيرفي. م: (ومنه) ش: أي ومن القول بأن الصرف لغة الزيادة م: (سميت العبادة النافلة صرفا) ش: لأنها زائدة على الفرائض. وقال الأترازي: وأما قوله: سميت العبادة النافلة صرفا ففيه نظر، لأن الزمخشري أورد في فائقه في حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذكر المدينة: «من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله إلى يوم القيامة، لا يقبل منه صرف ولا عدل» ، فقال: الصرف التوبة لأنه صرف للنفس إلى البر عن الفجور والعدل العدية من المعادلة انتهى. قلت: لا وجه في هذا النظر أصلا، لأن الصرف ورد لمعان كثيرة وقد ذكرناها الآن. [باع فضة بفضة أو ذهبا بذهب] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن باع فضة بفضة أو ذهبا بذهب لا يجوز إلا مثلا بمثل وإن اختلفا) ش: أي العوضان م: (في الجودة والصياغة) ش: أما في الجودة بأن يكون أحدهم أجود من الآخر في ذاته، وأما الصياغة بأن يكون أحدهما أحسن صياغة من الآخر م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «الذهب بالذهب مثلا بمثل وزنا بوزن يدا بيد والفضل ربا» ش: هذا الحديث قد تقدم في باب الربا م: (الحديث) ش: بالنصب، أي اقرأ هذا الحديث بتمامه، ويجوز بالرفع، أي روي هذا الحديث بتمامه وقد تقدم تمامه هناك. م: (وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «جيدها ورديئها سواء» ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: جيد الأموال الربوية ورديئها سواء في حرمة الزيادة، وهذا الحديث غريب ومعناه يؤخذ من إطلاق حديث أبي سعيد الخدري المتقدم وهو ما رواه مسلم عنه، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الأخذ والعطاء فيه سواء» . وفي حديث عبادة بن الصامت: «الذهب بالذهب» - إلى قوله- «سواء بسواء يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد» م: (وقد ذكرناه) ش: أي الحديث المذكور م: (في البيوع) ش: أي في كتاب البيوع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 394 قال: ولا بد من قبض العوضين قبل الافتراق لما روينا، ولقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وإن استنظرك أن يدخل بيته فلا تنظره. ولأنه لا بد من قبض أحدهما ليخرج العقد عن بيع الكالئ بالكالئ، ثم لا بد من قبض الآخر تحقيقا للمساواة فلا يتحقق الربا.   [البناية] [بيع الكالئ بالكالئ] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا بد من قبض العوضين قبل الافتراق) ش: يعني قبل الافتراق بالأبدان بإجماع العلماء م: (لما روينا) ش: وهو قوله: «يدا بيد» م: (ولقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإن استنظرك أن يدخل بيته فلا تنظره) ش: هذا رواه محمد بن الحسن في أوائل كتاب الصرف، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الذهب بالذهب مثلا بمثل والورق بالورق مثلا بمثل لا تفضلوا بعضها على بعض، لا يباع منها غائب بناجز، فإني أخاف عليكم الربا وإن استنظرك إلى أن يدخل بيته فلا تنظره، انتهى. قوله: استنظرك يخاطب به أحد عاقدي الصرف يعني إن سألك صاحبك أن يدخل بيته لإخراج بدل الصرف فلا تمهله، وقال القدوري في شرحه لمختصر الكرخي: وعن ابن عمر أنه قال: إن وثب من سطح فثب معه. وقال الأترازي: الربا إما بالمد يعني الربا، وهذا الذي ذكرناه كله دليل على وجوب التقابض قبل الافتراق. وفي "فوائد" القدوري: المراد بالقبض هنا القبض بالتزاحم لا بالتخلية، وهذا القبض شرط بقاء العقد على الصحة، لا شرط انعقاده صحيحا، يدل عليه قوله: فإن افترقا بطل العقد، والمشي إنما يبطل بعد وجوده. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الشأن م: (لا بد من قبض أحدهما ليخرج العقد عن بيع الكالئ بالكالئ) ش: أي النسيئة بالنسيئة، «ونهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الكالئ بالكالئ» . رواه ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه والبزار في مسانيدهم من حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قال: «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يباع كالئ بكالئ يعني دينا بدين.» م: (ثم لا بد من قبض الآخر تحقيقا للمساواة فلا يتحقق) ش: بالنصب لأنه جواب النفي، وهو قوله: لا بد، والمعنى كيلا يتحقق م: (الربا) ش: إذ في عدم قبض الآخر شبهة بيع النقد بالنسيئة، فيتحقق شبهة الربا وقد نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فإن قيل: يشكل على هذا التعليل ما إذا باعا المصوغ بالمضروب، فإن المصوغ مما يتعين بالتعيين، ومع ذلك يشترط قبضها إذ النسيئة بالنسيئة أن ما تكون باعتبار عدم التعيين، ومع ذلك يشترط قبضها، لكن فيه شبهة عدم التعيين لكونه ثمنا خلقة فيشترط قبضه اعتبارا بالشبهة في باب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 395 ولأن أحدهما ليس بأولى من الآخر فوجب قبضهما، سواء كانا يتعينان كالمصوغ، أو لا يتعينان كالمضروب أو يتعين أحدهما ولا يتعين الآخر لإطلاق ما روينا. ولأنه إن كان يتعين ففيه شبهة عدم التعيين لكونه ثمنا خلقة، فيشترط قبضه اعتبارا للشبهة في الربا، قال: والمراد منه الافتراق بالأبدان، حتى لو ذهبا عن المجلس يمشيان معا في جهة واحدة، أو ناما في المجلس، أو أغمي عليهما لا يبطل الصرف لقول ابن عمر: وإن وثب من سطح فثب معه،   [البناية] الربا. م: (ولأن أحدهما) ش: دليل آخر، ولأن أحد العوضين م: (ليس بأولى) ش: بالقبض م: (من الآخر فوجب قبضهما سواء كانا يتعينان كالمصوغ) ش: والتبر م: (أو لا يتعينان كالمضروب، أو يتعين أحدهما ولا يتعين الآخر لإطلاق ما روينا) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الذهب بالذهب مثلا بمثل» : وهو يتناول المضروب وغيره م: (ولأنه) ش: أي ولأن بيع المصوغ بالمصوغ م: (إن كان يتعين) ش: يعني بالتعيين م: (ففيه شبهة عدم التعيين لكونه ثمنا خلقة) ش: أي لكونه خلق ثمنا، فإذا كان كذلك م: (فيشترط قبضه اعتبارا للشبهة في الربا) ش: حاصل هذا أن قوله: ولأنه إن كان يتعين جواب عما يقال: بيع المضروب بلا قبض لا يصح لأنه كالئ بكالئ، وبيع المصوغ بالمصوغ ليس كذلك لتعينه بالتعيين فأجاب بقوله ولأنه إلى آخره. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فإن قيل: فعلى هذا -أي على الذي ذكره المصنف- يلزم في بيع المضروب بالمصوغ نسيئة بشبهة الفضل، فإذا بيع مضروب بمصوغ نسيئة وهو مما يتعين كان بالنظر إلى كونه خلق ثمنا شبهة عدم التعيين وتلك شبهة زائدة على الشبهة الأولى، والشبهة هي المعتبرة دون النازل عنها. أجيب: بأن عدم الجواز في المضروب نسيئة بقوله يدا بيد لا بالشبهة، لأن الحكم في موضع النص يضاف إليه لا إلى العلة فتكون الحرمة في هذه الصورة باعتبار النص لا الشبهة. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والمراد منه) ش: أي من قوله قبل الافتراق م: (الافتراق بالأبدان) ش: دون المكان م: (حتى لو ذهبا عن المجلس) ش: أي المتعاقدان بالصرف حال كونهما م: (يمشيان معا في جهة واحدة) ش: قيد بمعا لأنهما لو مشيا في جهتين مختلفتين يبطل الصرف لوجود الافتراق بالأبدان م: (أو ناما في المجلس أو أغمي عليهما لا يبطل الصرف لقول ابن عمر) ش: أي لقول عبد الله بن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - م: (وإن وثب من سطح فثب معه) ش: وقد مر الكلام في قول ابن عمر هذا عن قريب. وقوله: فثب بكسر الثاء المثلثة وسكون الباء أمر من وثب يثب، وأصل يثب يوثب فحذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة، والأمر منه: ثب على وزن عل، لأن المحذوف منها فاء الفعل م: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 396 وكذا المعتبر ما ذكرناه في قبض رأس مال السلم، بخلاف خيار المخيرة لأنه يبطل بالإعراض. وإن باع الذهب بالفضة جاز التفاضل لعدم المجانسة ووجب التقابض لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء» ، فإن افترقا في الصرف قبل قبض العوضين أو أحدهما بطل العقد لفوات الشرط وهو القبض، ولهذا لا يصح شرط الخيار فيه، ولا   [البناية] (وكذا المعتبر ما ذكرناه) ش: أي وكذا الذي يعتبر ما ذكرناه وهو الافتراق بالأبدان م: (في قبض رأس مال السلم) ش: أراد أن قبض رأس المال قبل الافتراق بالأبدان في السلم شرط. م: (بخلاف خيار المخيرة) ش: هذا يرتبط بقوله: لا يبطل الصرف، يعني أن الصرف لا يبطل بذهاب العاقدين معا وخيار المخيرة يبطل م: (لأنه) ش: أي لأن خيارها م: (يبطل بالإعراض) ش: لأن اشتغالها بالمشي وإن كان زوجها معها دليل الإعراض عما جعل إليها فيبطل خيارها وإن لم تفارق الزوج، كذا قال القدوري في شرحه. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية أنه جعل الصرف بمنزلة خيار المخيرة حتى قال: يبطل بما هو دليل الإعراض كالقيام عن المجلس، كذا في " الذخيرة ". [باع الذهب بالفضة] م: (وإن باع الذهب بالفضة جاز التفاضل لعدم المجانسة ووجب التقابض لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء» ش: هذا الحديث رواه الأئمة الستة في كتبهم عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء» . الورق بكسر الراء الفضة. قوله: ربا أي حرام، بطريق إطلاق اسم الملزوم على اللازم مجازا، وذلك لأن الربا يستلزم الحرام، قوله هاء وهاء مقصوران وممدودان ومعنى هاء خذ، ومنه قَوْله تَعَالَى: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] (الحاقة: الآية 19) . وقال الكاكي: وفي بعض الروايات «إلا يدا بيد هاء وهاء» وهو تأكيد لقوله يدا بيد، كأنه قال إلا يدا مع التقابض، كذا في " المغرب ". قلت: ولم أقف على هذه الرواية في كتب الحديث. [افترقا في الصرف قبل قبض العوضين] م: (فإن افترقا في الصرف قبل قبض العوضين) ش: هذا متعلق بقوله: ولا بد من قبض العوضين لبقاء العقد م: (أو أحدهما) ش: أي أو أحد المتعاقدين م: (بطل العقد لفوات الشرط وهو القبض، ولهذا) ش: أي ولأن الافتراق بلا قبض مبطل م: (لا يصح شرط الخيار فيه) ش: أي في الصرف، قيد بشرط الخيار لأن خيار العيب وخيار الرؤية يثبتان في الصرف كما في سائر العقود، إلا أن خيار الرؤية لا يثبت إلا في العين، وقد مر ذلك في أول كتاب الصرف م: (ولا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 397 الأجل؛ لأن بأحدهما لا يبقى القبض مستحقا، وبالثاني يفوت القبض المستحق، إلا إذا أسقط الخيار في المجلس فيعود إلى الجواز لارتفاعه قبل تقرره، وفيه خلاف زفر. قال: ولا يجوز التصرف في ثمن الصرف قبل قبضه، حتى لو باع دينارا بعشرة دراهم، ولم يقبض العشرة حتى اشترى بها ثوبا فالبيع في الثوب فاسد؛ لأن القبض مستحق بالعقد حقا لله تعالى وفي تجويزه فواته، وكان ينبغي أن يجوز العقد في الثوب كما نقل عن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الدراهم لا تتعين فينصرف العقد إلى مطلقها، ولكنا نقول: الثمن في باب الصرف مبيع؛ لأن البيع لا بد له منه ولا شيء سوى الثمنين،   [البناية] الأجل) ش: أي ولا يصح الأجل فيه أيضا م: (لأن بأحدهما) ش: وهو شرط الخيار م: (لا يبقى القبض مستحقا) ش: لأن الخيار يمنع الملك م: (وبالثاني) ش: أي الأجل م: (يفوت القبض المستحق) ش: بالعقد م: (إلا إذا أسقط الخيار في المجلس) ش: يعني منهما إن كان الخيار لهما أو ممن له ذلك م: (فيعود إلى الجواز) ش: أي جواز العقد م: (لارتفاعه قبل تقرره، وفيه خلاف زفر) ش: أي لارتفاع سبب الفساد قبل تقرره، وهذا عن أصحابنا الثلاثة بالاستحسان والقياس أن لا يجوز العقد بعد وقوعه على فساد وهو قول زفر. [التصرف في ثمن الصرف قبل قبضه] م: (قال: ولا يجوز التصرف في ثمن الصرف قبل قبضه) ش: هذا لفظ القدوري. قال الأترازي: اعلم أن أحد المتعاقدين في الصرف إذا أبرأ صاحبه مما عليه قبل القبض أو وهبه أو تصدق به عليه وقبل الآخر بطل الدين وانتقض الصرف، وإن لم يقبل من عليه لم يبطل م: (حتى لو باع دينارا) ش: إيضاح لما قبله، يعني ولو باع شخص دينارا لرجل آخر م: (بعشرة دراهم ولم يقبض العشرة، حتى اشترى بها ثوبا فالبيع في الثوب فاسد، لأن القبض مستحق) ش: أي واجب م: (بالعقد حقا لله تعالى) ش: حتى لا يسقط بإسقاط المتعاقدين م: (وفي تجويزه) ش: أي وفي تجويز بيع الثوب م: (فواته) ش: أي فوات حق الله عز وجل. فإن قيل: في عدم تجويزه فوات حق العبد وحق العبد مقدم على حقه تعالى. قلنا: إنما يكون حق العبد مقدما بعدما ثبت حقه، وهاهنا لم يجز بيعه في الثوب فكيف يكون حقه مقدما؟ م: (وكان ينبغي أن يجوز العقد في الثوب كما نقل عن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الدراهم لا تتعين فينصرف العقد إلى مطلقها) ش: أي مطلق الدراهم، إذ الإطلاق والإضافة إلى بدل عقد الصرف سواء، وإنما قال: عن زفر لأن الظاهر من مذهبه كمذهب أصحابنا الثلاثة م: (ولكنا نقول الثمن في باب الصرف مبيع؛ لأن البيع لا بد له منه) ش: أي من المبيع م: (ولا شيء سوى الثمنين) ش: فجعل كل واحد منهما مبيعا لعدم الأولوية يعني أن عقد الصرف بيع لأنه مبادلة مال بمال، وهذا لو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 398 فيجعل كل واحد منهما مبيعا لعدم الأولوية. وبيع المبيع قبل القبض لا يجوز، وليس من الضرورة كونه مبيعا أن يكون متعينا كما في المسلم فيه. ويجوز بيع الذهب بالفضة مجازفة؛ لأن المساواة غير مشروطة فيه، ولكن يشترط القبض في المجلس لما ذكرنا، بخلاف بيعه بجنسه مجازفة لما فيه من احتمال الربا. قال: ومن باع جارية قيمتها ألف مثقال فضة وفي   [البناية] حلف لا يبيع فصارف يحنث في يمينه، والبيع ما يشتمل على مبيع وثمن وليس كل واحد من بدلي الصرف بأن يجعل مبيعا أولى من الآخر م: (فيجعل كل واحد منهما) ش: ثمنا من وجه م: (مبيعا لعدم الأولوية) ش: من وجه ضرورة انعقاد البيع. م: (وبيع المبيع قبل القبض لا يجوز) ش: كما قلنا في المقايضة م: (وليس من ضرورة كونه مبيعا أن يكون متعينا كما في المسلم فيه) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره بأن يقال: لو كان كل واحد من بدلي الصرف مبيعا لكان متعينا. فأجاب عنه بمنع الملازمة كما في المسلم فيه، لأنه مبيع واجب في الذمة وليس بمتعين. م: (ويجوز بيع الذهب بالفضة مجازفة) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - واعلم أن بيع الذهب بالفضة أو الفضة بالذهب يجوز مجازفة سواء كان متساويين في الوزن أو أقل أو كان أحدهما أكثر من الآخر؛ لأن المساواة ليست بمشروطة عند اختلاف الجنسين لما روي من حديث عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد» فلما لم تكن المساواة مشروطة لم تكن المجازفة حراما، لأن حرمة المجازفة لاحتمال التفاضل وهو معنى قوله م: (لأن المساواة غير مشروطة فيه) ش: أي في بيع الذهب بالفضة م: (ولكن يشترط القبض في المجلس) ش: أي يشترط التقابض قبل الافتراق بالأبدان لهذا الحديث، وهو معنى قوله: م: (لما ذكرنا) ش: أي الحديث الذي ذكره فيما مضى وفي البيوع أيضا. م: (بخلاف بيعه) ش: أي بيع الذهب م: (بجنسه) ش: أي بالذهب م: (مجازفة لما فيه) ش: أي في هذا البيع م: (من احتمال الربا) ش: حاصل المسألة أن بيع الذهب أو الفضة بالجنس لا يجوز إذا لم يعرف المتعاقدان وزن واحد منهما أو كانا يعرفان وزن واحد منهما ولا يعرفان وزن الآخر أو كان أحدهما يعرف الوزن دون الآخر. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا وزنا فوجدهما سواء جاز، سواء عرف في المجلس أو بعد التفرق، وعندنا إذا وزنا في المجلس فكانا سواء جاز، وإن وزنا بعد التفرق فوجدا سواء فسد. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن باع جارية قيمتها ألف مثقال فضة وفي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 399 عنقها طوق فضة قيمته ألف مثقال بألفي مثقال فضة، ونقد من الثمن ألف مثقال، ثم افترقا فالذي نقد ثمن الفضة؛ لأن قبض حصة الطوق واجب في المجلس لكونه بدل الصرف والظاهر منه الإتيان بالواجب، وكذا لو اشتراهما بألفي مثقال، ألف نسيئة وألف نقدا فالنقد ثمن الطوق؛ لأن الأجل باطل في الصرف جائز في بيع الجارية، والمباشرة على وجه الجواز هو الظاهر منهما، وكذا لو باع سيفا محلى بمائة درهم وحليته خمسون ودفع من الثمن خمسين جاز البيع وكان المقبوض حصة الفضة، وإن لم يبين ذلك لما بينا، وكذلك إن قال: خذ هذه الخمسين من ثمنهما؛ لأن الاثنين قد يراد بذكرهما الواحد، قال الله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] (الرحمن: الآية 22) .   [البناية] عنقها طوق فضة قيمته ألف مثقال بألفي مثقال فضة، ونقد من الثمن ألف مثقال، ثم افترقا فالذي نقد ثمن الفضة، لأن قبض حصة الطوق واجب في المجلس) ش: لكونه حقًا للشرع م: (لكونه بدل الصرف، والظاهر منه الإتيان بالواجب) ش: تفريغا للذمة، لأن من حال المسلم أن يؤدي الواجب ولا يخل به، وهذا كما إذا ترك سجدة في صلاة صلبية وسها أيضا ثم أتى بسجدة في السهو في آخر الصلاة وسلم فصرف إحداهما إلى الصلبية وإن لم ينوها لكون الإتيان بها على وجه الصحة. وكذا لو طاف للصدر ولم يطف للزيارة بطواف الصدر إلى طواف الزيارة ليكون الإتيان بالحج على وجه الصحة والخروج عن العهدة بيقين. م: (وكذا لو اشتراهما) ش: أي الجارية والطوق م: (بألفي مثقال ألف نسيئة وألف نقدا فالنقد ثمن الطوق؛ لأن الأجل باطل في الصرف جائز في بيع الجارية) ش: والظاهر من حالهما المباشرة على وجه الجواز، وهو معنى قوله م: (والمباشرة على وجه الجواز هو الظاهر منهما) ش: أي من المتعاقدين م: (وكذا) ش: أي وكذا الحكم م: (لو باع سيفا محلى بمائة درهم وحليته خمسون، ودفع من الثمن خمسين جاز البيع، وكان المقبوض حصة الفضة، وإن لم يبين ذلك لما بينا) ش: من قولنا: إن الظاهر منه الإتيان بالواجب. م: (وكذلك) ش: أي الحكم م: (إن قال: خذ هذه الخمسين من ثمنهما) ش: أي من ثمن الجارية ومن ثمن الطوق، لأن أمور المسلمين محمولة على إصلاح ما أمكن وقد أمكن هنا م: (لأن الاثنين قد يراد بذكرهما الواحد) ش: مجازا عند قيام الدليل، وقد قام الدليل لأن ثمن الطوق واجب في المجلس ونظر المصنف لذلك بقوله م: (قال الله تعال: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] (الرحمن: الآية 22)) ش: أي من البحرين العذب والملح، والمراد أحدهما، إذ اللؤلؤ والمرجان يخرجان من الملح دون العذب لما أن العذب والملح يلتقيان فيكون العذب كالعاج للملح، كما يقال الولد من الذكر والأنثى مع أن الولد تلده الأنثى، كذا في " التيسير ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 400 والمراد أحدهما فيحمل عليه بظاهر حاله، فإن لم يتقابضا حتى افترقا بطل العقد في الحلية؛ لأنه صرف فيها، وكذا في السيف، إن كان لا يتخلص إلا بضرر؛ لأنه لا يمكن تسليمه بدون الضرر، ولهذا لا يجوز إفراده بالبيع كالجذع في السقف. وإن كان يتخلص السيف بغير ضرر جاز البيع في   [البناية] م: (والمراد أحدهما) ش: أي أحد البحرين وهو البحر الملح م: (فيحمل عليه) ش: أي قوله خذ هذه الخمسين من ثمنيهما على أحدهما، وهو الطوق م: (بظاهر حاله) ش: أي حال المسلم أنه لا يباشر إلا على وجه الجواز. [لم يتقابضا حتى افترقا بالأبدان] م: (فإن لم يتقابضا حتى افترقا) ش: بالأبدان م: (بطل العقد في الحلية؛ لأنه صرف فيها) ش: أي في العقد وقد فات شرطه م: (وكذا في السيف) ش: أي وكذا بطل العقد في السيف أيضا م: (إن كان لا يتخلص) ش: أي الحلية م: (إلا بضرر؛ لأنه لا يمكن تسليمه بدون الضرر) ش: كما لا يجب تسليم الجوهر على الغاصب إذا ركبه في حلية ولا يمكن تخليصه إلا بضرر فيلحق بالغصب مع أنه جاز. فإن قيل: ينبغي أن يجعل الحلية تبعا للسيف. قلنا: إنما يجعل الشيء تبعا لغيره إذا كان مكيلا للمعنى المقصود، وهاهنا المقصود من السيف. فإن قيل: إن البائع رضي بضرر التخليص حيث باعه مركبا مع علمه أن البيع يقتضي الرضا ولم يوجد من الغاصب رضا ضرر التخليص. قلنا: لا نسلم أنه رضي به لأنه باع كليهما وظنه وجوب التسليم بالسيف لا بطريق الانفراد. فإن قيل: فيه تفريق الصفقة فينبغي أن لا يجوز في الكل. قلنا: التفريق إنما يكون بعد العقد والعقد لم ينعقد في الحلية لفقد شرط الجواز. فإن قيل: ليس كذلك فإن العقد موجود فيهما بدليل قوله: وبطل العقد. قيل: اختلف المشايخ فيه على أن التفريق إنما يكون أن لو كان هذا مضافا إلى العاقد كما في النظائر ولم يوجد، إذ المراد بالبطلان عدم الانعقاد. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عدم إمكان تسليمه إلا بضرر م: (لا يجوز إفراده) ش: أي إفراد السيف م: (بالبيع كالجذع في السقف) ش: أي كما لا يجوز إفراد بيع الجذع في السقف لعدم إمكان تسليمه إلا بضرر ظاهر م: (وإن كان يتخلص السيف) ش: أي في الحلية م: (بغير ضرر جاز البيع في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 401 السيف وبطل في الحلية؛ لأنه أمكن إفراده بالبيع فصار كالطوق والجارية، وهذا إذا كانت الفضة المفردة أزيد مما فيه، فإن كانت مثله أو أقل منه أو لا يدري لا يجوز البيع للربا أو لاحتماله، وجهة الصحة من وجه وجهة الفساد من وجهين فترجحت. قال: ومن باع إناء فضة ثم افترقا وقد قبض بعض ثمنه بطل البيع فيما لم يقبض وصح فيما قبض، وكان الإناء مشتركا بينهما؛ لأنه صرف كله فصح فيما وجد شرطه وبطل فيما لم يوجد، والفساد طارئ لأنه يصح ثم يبطل بالافتراق فلا يشيع. ولو استحق بعض الإناء فالمشتري بالخيار، إن شاء أخذ الباقي بحصته وإن شاء رده؛ لأن   [البناية] السيف وبطل في الحلية؛ لأنه أمكن إفراده بالبيع فصار كالطوق والجارية) ش: أي فصار حكمه حكم بيع الجارية التي في عنقها طوق فضة وقد مر بيانه م: (وهذا) ش: أي جواز البيع في السيف وبطلانه في الحلية فيما م: (إذا كانت الفضة المفردة أزيد مما فيه) ش: أي في السيف، أي من الفضة الحلية التي في السيف، وهي الفضة المضمومة إلى السيف، لأنه حينئذ تكره الفضة بالفضة، والباقي بمقابلة الفصل والحفر والحمائل، ولكن بطلانه في الحلية لفوات شرط جواز العقد وهو التقابض قبل الافتراق. م: (فإن كانت) ش: أي الفضة المفردة م: (مثله) ش: أي مثل ما في السيف م: (أو أقل منه) ش: أي أقل ما في السيف من الفضة م: (أو لا يدري) ش: أقل أو أكثر أو مثله م: (لا يجوز البيع للربا) ش: لأنه في صورة العقد م: (أو لاحتماله) ش: أي أو لاحتمال الربا على الصورة التي لا يدري م: (وجهة الصحة من وجه، وجهة الفساد من وجهين) ش: المساواة والنقصان م: (فترجحت) ش: أي جهة الفساد. واعترض بأن كل جهة منهما علة للفساد فلا يصلح للتصحيح، وأجاب شمس الأئمة الكردي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأن مراده إذا كان أحدهما يكفي للحكم، فما ظنك بهما إلا بالترجيح الحقيقي إذ لا تعارض بين المفسد والمصحح فيما يلحق الشبهة فيه بالحقيقة. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن باع إناء فضة ثم افترقا وقد قبض بعض ثمنه بطل البيع فيما لم يقبض، وصح فيما قبض، وكان الإناء مشتركا بينهما؛ لأنه) ش: أي هذا العقد م: (صرف كله فصح فيما وجد شرطه) ش: أي شرط الصرف م: (وبطل) ش: أي العقد م: (فيما لم يوجد) ش: أي الشرط وهو التقابض م: (والفساد طارئ) ش: أي عارض، لأن العقد انعقد صحيحا ثم فسد لعدم القبض وهو معنى قوله م: (لأنه) ش: أي لأن العقد م: (يصح ثم يبطل بالافتراق فلا يشيع) ش: أي الفساد، كما إذا باع عبدين ومات أحدهما قبل القبض، فإن البيع يبقى في الباقي ويبطل في الهالك ولا يثبت الخيار للمشتري بفعله وهو عدم النقض في بدل الصرف. م: (ولو استحق بعض الإناء فالمشتري بالخيار إن شاء أخذ الباقي بحصته وإن شاء رده، لأن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 402 الشركة عيب في الإناء. ومن باع قطعة نقرة ثم استحق بعضها أخذ ما بقي بحصته ولا خيار له؛ لأنه لا يضره التبعيض. قال: ومن باع درهمين ودينارا بدرهم ودينارين جاز البيع وجعل كل جنس منهما بخلافه. وقال زفر والشافعي رحمهما الله: لا يجوز، وعلى هذا الخلاف إذا باع كر شعير وكر حنطة بكري شعير وكري حنطة. لهما أن في الصرف إلى خلاف الجنس تغيير تصرفه؛ لأنه قابل الجملة بالجملة، ومن قضيته الانقسام على الشيوع لا على التعيين. والتعيين لا يجوز، وإن كان فيه تصحيح التصرف، كما إذا اشترى قلبا   [البناية] الشركة عيب في الإناء) ش: لأن الشركة في الأعيان المجتمعة عيب لأنها تنقبض بالتبعيض، والإناء ينقبض بالتبعيض، بخلاف ما مر، لأن الشركة فيه وقعت بصنعه. وقال زفر والشافعي -رحمهما الله-: لا يجوز وهو القياس وهو قول أحمد أيضا. م: (ومن باع قطعة نقرة) ش: وهي قطعة فضة مذابة، كذا في " تهذيب الديوان ". قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فعلى هذا تكون الإضافة في قوله قطعة نقرة من قبيل إضافة الجنس إلى النوع. م: (ثم استحق بعضها أخذ ما بقي بحصته ولا خيار له؛ لأنه لا يضره التبعيض) ش: بخلاف الإناء فإذا لم يكن عيبا لم يثبت الخيار لأن الخيار لا يثبت بلا سبب. [باع درهمين ودينارا بدرهم ودينارين] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن باع درهمين ودينارا بدرهم ودينارين جاز البيع وجعل كل جنس منهما بخلافه) ش: تصحيحا للعقد، وكذا على هذا إذا باع كر حنطة وكر شعير بكري حنطة وكري شعير، أو باع السيف المحلى بفضة بسيف محلى بفضة ولا يعلم حكمهما يصح البيع عندنا م: (وقال زفر والشافعي -رحمهما الله-: لا يجوز) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بيننا وبين الشافعي وزفر م: (إذا باع كر شعير وكر حنطة بكري شعير وكري حنطة) ش: يصح البيع عندنا خلافا م: (لهما) ش: أي لزفر والشافعي. م: (أن في الصرف إلى خلاف الجنس تغيير تصرفه) ش: أي تصرف البائع م: (لأنه قابل الجملة بالجملة، ومن قضيته) ش: أي ومن قضية التقابل م: (الانقسام على الشيوع لا على التعيين) ش: ومعنى الشيوع هو أن يكون الكل واحدا من البدلين حظ من جملة الآخر. م: (والتغيير لا يجوز وإن كان فيه تصحيح التصرف) ش: لأنه يعتبر المقابلة غير الأولى، ويكون التصرف تصرفا آخر. والواجب تصحيح تصرف العاقل على الوجه الذي باشره وقصده لا على خلاف ذلك والعاقد إن قصد المقابلة المطلقة لا مقابلة الجنس إلى خلاف الجنس، وهي إنشاء تصرف آخر وفسخ التصرف الأول. م: (كما إذا اشترى قلبا) ش: بضم القاف وسكون اللام وبالباء الموحدة وهو السوار ذكر هذه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 403 بعشرة وثوبا بعشرة ثم باعهما مرابحة لا يجوز، وإن أمكن صرف الربح إلى الثوب. وكذا إذا اشترى عبدا بألف درهم، ثم باعه قبل نقد الثمن من البائع مع عبد آخر بألف وخمسمائة لا يجوز في المشترى بألف، وإن أمكن تصحيحه بصرف الألف إليه، وكذا إذا جمع بين عبده وعبد غيره، وقال: بعتك أحدهما لا يجوز، وإن أمكن تصحيحه بصرفه إلى عبده، وكذا إذا باع درهما وثوبا بدرهم وثوب وافترقا من غير قبض فسد العقد في الدرهمين، ولا يصرف الدرهم إلى الثوب لما ذكرنا. ولنا أن المقابلة المطلقة تحتمل مقابلة الفرد بالفرد كما في مقابلة الجنس بالجنس، وأنه طريق متعين لتصحيحه فتحمل عليه تصحيحا لتصرفه.   [البناية] المسألة دليلا على صحة وقوع المسألة المذكورة، صورتها إذا اشترى قلبا م: (بعشرة) ش: يعني سوارا وزنه عشرة دراهم م: (وثوبا بعشرة) ش: أي ثوبا قيمة عشرة دراهم بعشرة دراهم م: (ثم باعهما مرابحة) ش: يعني بعشرين درهما م: (لا يجوز وإن أمكن صرف الربح إلى الثوب) ش: خاصة تصحيحا لتصرفه م: (وكذا) ش: أي نظيرها م: (إذا اشترى عبدا بألف درهم ثم باعه قبل نقد الثمن من البائع مع عبد آخر بألف وخمسمائة لا يجوز) ش: أي العقد م: (في المشتري) ش: بفتح الراء م: (بألف) ش: درهم لأنه شراء ما باع بأقل مما باع، وهذا لا يجوز عندهم أيضا م: (وإن أمكن تصحيحه) ش: أي تصحيح العقد م: (بصرف الألف إليه) ش: أي إلى المشتري، والباقي إلى العبد الآخر. م: (وكذا إذا جمع بين عبده وعبد غيره، وقال: بعتك أحدهما لا يجوز وإن أمكن تصحيحه بصرفه إلى عبده) ش: أي نظيرها، م: (وكذا إذا باع درهما وثوبا بدرهم وثوب، وافترقا من غير قبض فسد العقد في الدرهمين، ولا يصرف الدرهم إلى الثوب) ش: وإن أمكن تصحيح التصرف يصرف الجنس إلى خلاف الجنس م: (لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله: ومن قضية الانقسام على الشيوع لا على التعيين. م: (ولنا أن المقابلة المطلقة) ش: يعني المقابلة التي ذكراها مطلقة. م: (تحتمل مقابلة الفرد بالفرد) ش: قال تاج الشريعة: يعني يحتمل أن يقابل أحد الجنسين بالجنس الآخر بأن يقابل الدرهمان بالدينارين، والدينار بالدرهم م: (كما في مقابلة الجنس بالجنس) ش: بأن باع دينارين بدينارين يكون الفرد بمقابلة الفرد بالاتفاق، ألا ترى أنه لو قبض كل واحد منهما دينارا لجاز العقد، ولو كان مقابلا بالآخر يكون العقد فاسدا، لأن المقبوض حينئذ يكون مقابلا بالمقبوض وغير المقبوض م: (وأنه) ش: أي وأن مقابلة الفرد على تأويل التقابل م: (طريق متعين لتصحيحه) ش: أي لتصحيح العقد بأن يكون الواحد بالواحد والاثنان بالاثنين فيلزم منه صرف شيء إلى خلاف جنسه فيصح العقد م: (فتحمل عليه تصحيحا لتصرفه) ش: أي على مقابلة الفرد بالفرد على تأويل التقابل إذ تصحيح كلام العاقد تقتضيه ديانته وعقله واجب ما أمكن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 404 وفيه تغيير وصفه لا أصله؛ لأنه يبقى موجبه الأصلي وهو ثبوت الملك في الكل بمقابلة الكل، وصار هذا كما إذا باع نصف عبد مشترك بينه وبين غيره ينصرف إلى نصيبه تصحيحا لتصرفه. بخلاف ما عد من المسائل. أما مسألة المرابحة لأنه يصير تولية في القلب بصرف الربح كله إلى الثوب، والطريق في المسألة الثانية غير متعين؛ لأنه يمكن صرف الزيادة على الألف إلى المشتري، وفي الثالثة: أضيف البيع إلى المنكر وهو ليس بمحل للبيع والمعين ضده.   [البناية] م: (وفيه) ش: أي فيما قلنا من مقابلة الفرد بالفرد م: (تغيير وصفه) ش: أي وصف العقد وهو بطلان صفة الشيوع م: (لا أصله) ش: أي لا تغيير أصل العقد كما قاله خصم لأن تغيير أصل العقد الصحيح يوجب الملك قبل القبض. فلو قلنا: بانقسام على طريق الشيوع كما قاله الخصم يفسد العقد ولا يثبت الكل قبل القبض فيلزم تغيير أصل العقد لرعاية وصف العقد، فكان ما قلنا أهون التغييرين، فكان أولى م: (لأنه) ش: أي لأن تغيير الوصف لا الأصل م: (يبقى موجبه الأصلي) ش: ويبقى من الإبقاء وموجبه منصوب به، والأصلي بالنصب صفته م: (وهو) ش: أي الموجب الأصلي م: (ثبوت الملك في الكل بمقابلة الكل) ش: الكل الأول هو الدرهمان والدينار، والكل الثاني هو الدرهم والديناران. م: (وصار هذا) ش: أي صار حكم هذا م: (كما إذا باع نصف عبد مشترك بينه وبين غيره ينصرف) ش: أي بيعه م: (إلى نصيبه تصحيحا لتصرفه) ش: أراد أن العقد يصرف إلى نصف البائع لا إلى النصف الشائع بين النصيبين م: (بخلاف ما عد من المسائل. أما مسألة المرابحة) ش: هذا شروع في الجواب عن المسائل المشتبهة بها، فقوله: خلاف مسألة المرابحة جواب عن المسألة الأولى وهو بنظيرها بمسألة المرابحة المذكورة على المسألة الخلافية، أراد أن مسألة المرابحة ليست كذلك م: (لأنه) ش: أي لأن عقد المرابحة م: (يصير تولية في القلب بصرف الربح كله إلى الثوب) ش: فإن الربح لو صرف إلى الثوب خاصة كان بائعا للقلب الذي وزنه عشرة دراهم بعشرة دراهم، وهو تولية في القلب، والتولية ضد المرابحة، والشيء لا يتناول ضده. م: (والطريق في المسألة الثانية غير متعين) ش: لأنه متعدد فيبقى الثمن مجهولا فيفسد العقد م: (لأنه يمكن صرف الزيادة على الألف إلى المشتري) ش: وهذا لأنا لو صرفنا خمسمائة أو أقل من ذلك بدرهم أو درهمين أو ثلاثة ونحو ذلك إلى العبد الآخر لا يلزم شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن، بخلاف ما نحن فيه، فإن طريق التصحيح متعين وهو صرف الجنس إلى خلاف الجنس. م: (وفي الثالثة) ش: أي وفي المسألة الثالثة م: (أضيف البيع إلى المنكر) ش: وهو قوله: وكذا إذا اشترى عبدا م: (وهو ليس بمحل للبيع) ش: أي المنكر لجهالته م: (والمعين ضده) ش: أي المنكر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 405 وفي الأخيرة: انعقد العقد صحيحا والفساد في حالة البقاء، وكلامنا في الابتداء. قال: ومن باع أحد عشر درهما بعشرة دراهم ودينار جاز البيع ويكون العشرة بمثلها والدينار بدرهم؛ لأن شرط البيع في الدراهم التماثل على ما روينا، فالظاهر أنه أراد به ذلك، فبقي الدرهم بالدينار، وهما جنسان، ولا يعتبر التساوي فيهما. ولو تبايعا فضة بفضة، أو ذهبا بذهب، وأحدهما أقل ومع أقلهما شيء آخر يبلغ قيمته باقي الفضة جاز البيع من غير كراهية، وإن لم تبلغ فمع الكراهية،   [البناية] والشيء لا يتناول ضده، ويشكل عليه مسألة عبدي أو حماري حر، فإن عند أبي حنيفة يعتق العبد لاستعارة المنكر المعرفة. م: (وفي الأخيرة) ش: أي في المسألة الأخيرة وهي ما إذا باع درهما أو ثوبا بدرهم وثوب وافترقا من غير قبض م: (انعقد العقد صحيحا) ش: سواء كان الجنس مقابلا بالجنس أو بخلافه م: (والفساد في حالة البقاء) ش: يعني الفساد وقع في حالة البقاء بالافتراق من غير قبض م: (وكلامنا في الابتداء) ش: يعني الذي نحن فيه لا يصح العقد فيه ابتداء بدون صرف الجنس إلى خلاف الجنس فافترقا. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن باع أحد عشر درهما بعشرة دراهم ودينار جاز البيع، ويكون العشرة بمثلها والدينار بدرهم؛ لأن شرط البيع في الدراهم التماثل على ما روينا) ش: من الحديث المشهور م: (فالظاهر أنه أراد به) ش: أي بالبيع م: (ذلك) ش: أي التماثل م: (فبقي الدرهم بالدينار وهما جنسان ولا يعتبر التساوي فيهما) ش: لاختلاف الجنسين، وإنما جوزنا على هذا الوجه حملا لأمور المسلمين على الصلاح، ولأن كل عين جاز بيعها بجنسها جاز بغير جنسها كالثياب. م: (ولو تبايعا فضة بفضة) ش: ذكر هذه المسألة تفريعا وليست مذكورة في " الجامع الصغير " ولا في القدوري م: (أو ذهبا بذهب وأحدهما أقل ومع أقلهما شيء آخر) ش: أي والحال أن مع أقل الوزنين منهما شيء آخر من خلاف جنسه م: (يبلغ قيمته) ش: أي قيمة ذلك الشيء م: (باقي الفضة جاز البيع من غير كراهية، وإن لم يبلغ فمع الكراهية) ش: أي يجوز مع الكراهية. وذكر هذه المسألة في " الإيضاح " على الخلاف فقال: روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا باع الدراهم بالدراهم وفي أحدهما فضل من حيث الوزن وفي الجانب الذي لا فضل فيه فلوس قال: هو جائز في الحكم ولكني أكرهه حتى روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قيل له: كيف تجد ذلك في قلبك؟ قال: مثل الجبل. وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس به؛ لأنه أمكن تصحيحه بأن يجعل الجنس بالجنس الجزء: 8 ¦ الصفحة: 406 وإن لم يكن له قيمة كالتراب لا يجوز البيع لتحقق الربا، إذ الزيادة لا يقابلها عوض فيكون ربا، ومن كان له على آخر عشرة دراهم، فباعه الذي عليه العشرة دينارا بعشرة دراهم ودفع الدينار وتقاصا العشرة بالعشرة فهو جائز، ومعنى المسألة: إذا باع بعشرة مطلقة. ووجهه: أنه يجب بهذا العقد ثمن يجب عليه تعيينه بالقبض لما ذكرنا، والدين ليس بهذه الصفة، فلا يقع بالمقاصة بنفس البيع لعدم المجانسة، فإذا تقاصا تضمن ذلك فسخ الأول والإضافة إلى الدين،   [البناية] والزيادة بإزاء الفلوس. م: (وإن لم يكن له قيمة) ش: أي وإن لم يكن للشيء الآخر قيمة م: (كالتراب) ش: ونحوه م: (لا يجوز البيع لتحقق الربا، إذ الزيادة لا يقابلها عوض فيكون ربا. ومن كان له على آخر عشرة دراهم فباعه الذي عليه العشرة دينارا بعشرة دراهم ودفع الدينار وتقاصا العشرة بالعشرة فهو جائز) ش: هذه من مسائل الجامع الصغير، وهذه المسألة على وجهين: أما إن باع الدينار بالعشرة التي عليه، أو باعه بعشرة مطلقة وقبض الدينار وجعل ثمن الدينار قصاصا بالعشرة. فالأول: جائز بلا خلاف، والثاني: جائز استحسانا، والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر والشافعي وأحمد، - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (ومعنى المسألة) ش: هذا من كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي: معنى المسألة المذكورة م: (إذا باع بعشرة مطلقة) ش: يعني لم يقيده بالعشرة التي عليه، لأنه لو أضاف العقد إلى العشرة التي عليه يجوز البيع بلا خلاف، وفي المطلقة يجوز عندنا استحسانا، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز قياسا، وجه القياس: أن هذا استبدال ببدل الصرف، فلا يجوز، كما لو أخذ ببدل الصرف عرضا أو دينارا، أشار إلى وجه الاستحسان بقوله م: (ووجه) ش: أي وجه الجواز الذي هو استحسان م: (أنه يجب بهذا العقد ثمن يجب عليه تعيينه بالقبض) ش: لأن العقد لما أطلق وجب به ثمن يجب تعيينه بالقبض كيلا يلزم الربا م: (لما ذكرنا، والدين ليس بهذه الصفة) ش: إشارة إلى قوله: ولا بد من قبض العوضين قبل الافتراق م: (فلا يقع بالمقاصة بنفس البيع) ش: لأن الدين لا يصلح وفاء لذلك، فلم يكن قصاصا م: (لعدم المجانسة) ش: من العين والدين. م: (فإذا تقاصا) ش: يعني بالتراضي جاز ذلك عندنا لأنه م: (تضمن ذلك فسخ الأول) ش: أي الصرف الأول وهو الصرف المطلق وهو بيع الدينار بعشرة مطلقة م: (والإضافة) ش: أي وتضمن ذلك أيضا إضافة العقد م: (إلى الدين) ش: وهو بيع الدينار بالعشرة التي هي دين، فصار كأنه قال: اشتريت هذا الدينار منك بالعشرة التي لك علي وقبل الآخر يعني عند اتفاقهما على المقاصة يجعل كأنهما فسخا الأول ثم جددا العقد مضافا إلى ذلك الدين لأنهما قصدا تصحيح هذه المقاصة ولا طريق له سوى هذا، ولهذا شرطنا تراضيهما على المقاصة هاهنا، وإن كان في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 407 إذ لولا ذلك يكون استبدالا ببدل الصرف. وفي الإضافة إلى الدين تقع المقاصة بنفس العقد على ما نبينه. والفسخ قد يثبت بطريق الاقتضاء، كما إذا تبايعا بألف ثم بألف وخمسمائة، وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا فيه لأنه لا يقول بالاقتضاء، وهذا   [البناية] سائر الديون تقع المقاصة بدون التراضي م: (إذ لولا ذلك) ش: يعني لولا تحويل العقد إلى صرف آخر وهو بيع الدينار بالعشرة التي هي دين م: (يكون استبدالا ببدل الصرف) ش: قبل القبض وهو لا يجوز. م: (وفي الإضافة إلى الدين تقع المقاصة بنفس العقد) ش: هذا في الحقيقة جواب عن سؤال مقدر، وهو أن يقال: المقاصة إنما تصح إذا كان وجوب بدل الصرف قائما، فإذا بطل عقد الصرف بالفسخ، كيف توجد المقاصة، لأن الفائت بالاقتضاء يجب أن يثبت على وجه لا يبطل به المقتضى، فإذا ثبت الفسخ المقتضي بطل المقتضى وهو المقاصة، لأن المقتضي قيام العشرة الثابت بالعقد وقد فات بالفسخ. وتحرير الجواب أن يقال: إضافة أي بإضافة العقد ابتداء إلى الدين أي العشرة التي عليه تقع المقاصة بنفس العقد، وإنما تبطل المقاصة عند فسخ الأول إذا لم يتجدد عقد جديد، وهاهنا جدد العقد فصح المقاصة به. فإن قيل: لو فسخ الصرف ضمنا ينبغي أن يشترط القبض، لأن الإقالة بيع في حق الثالث. قلنا: صارت الإقالة هاهنا في ضمن المقاصة فجاز أن لا يثبت حكم البيع لمثل هذه الإقالة، بل يثبت حكم البيع إذا كانت الإقالة قصدا م: (على ما نبينه) ش: إشارة إلى قوله: فكفى ذلك للجواز، أي: الإضافة إلى الدين كاف للجواز؛ لأنه دين يسقط لا خطر فيه. م: (والفسخ قد يثبت بطريق الاقتضاء) ش: هذا جواب أيضا عما يقال: إن العقد لو فسخ للمقاصة وجب قبض الدينار عل البائع بحكم الإقالة، لأن للإقالة حكم الصرف. وتقرير الجواب: أن الفسخ ضمني يثبت في ضمن المقاصة بطريق الاقتضاء، فجاز أن لا يثبت بعد هذا حكم البيع م: (كما إذا تبايعا بألف) ش: يعني عقدا بألف درهم م: (ثم بألف وخمسمائة) ش: أي ثم تبايعا، فإن العقد الأول ينفسخ ضرورة بثبوت الثاني. م: (وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا فيه) ش: أي فيما ذكرنا من الحكم المذكور م: (لأنه) ش: أي لأن زفر م: (لا يقول بالاقتضاء) ش: وخالفنا فيه كما خالف في قوله: أعتق عبدك أعني بألف درهم. فإن قيل: يشكل عليه الشراء بأن قال: إن شريتك فإن الملك يثبت عنده فيه بطريق الاقتضاء. قلنا: لا نسلم أنه يثبت بطريق الاقتضاء بل يثبت بطريق الدلالة م: (وهذا) ش: أي ما ذكرنا من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 408 إذا كان الدين سابقا، فإن كان لاحقا فكذلك في أصح الروايتين لتضمنه انفساخ الأول والإضافة إلى دين قائم وقت تحويل العقد، فكفى ذلك للجواز. قال: ويجوز بيع درهم صحيح ودرهمين غلتين بدرهمين صحيحين ودرهم غلة، والغلة ما يرده بيت المال ويأخذه التجار، ووجهه: تحقيق المساواة في الوزن، وما عرف من سقوط اعتبار الجودة   [البناية] التقاص والفسخ والإضافة إلى الدين م: (إذا كان الدين سابقا) ش: أي على العقد م: (فإن كان) ش: أي الدين م: (لاحقا) ش: بأن اشترى دينارا بعشرة دراهم وقبض الدينار، ثم إن مشتري الدينار باع ثوبا من بائع الدينار بعشرة دراهم ثم أراد أن يتقاصا م: (فكذلك) ش: تقع المقاصة م: (في أصح الروايتين) ش: وهي رواية أبي حفص سليمان، وهي التي اختارها فخر الإسلام والمصنف، - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي رواية أبي حفص: لا تقع المقاصة وهي التي اختارها شمس الأئمة وقاضي خان، لأن الدين لاحق والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جوز المقاصة في دين سابق؛ «لحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فإنه روي أنه قال لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إني أكري إبلا بالبقيع إلى مكة بالدراهم وآخذ مكانها دنانير، أو قال بالعكس، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا بأس بذلك إذا افترقتما وليس بينكما عمل") » . وأشار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى وجه الأصح بقوله: م: (لتضمنه انفساخ الأول) ش: أي لتضمن التقاصص انفساخ الصرف الأول وإن شاء صرف آخر، لأنهما لما تقاصا صار كأنهما جددا عقدا آخر جديدا، فكان الدين سابقًا على المقاصة، وهو معنى قوله: م: (والإضافة) ش: أي إضافة عقد الصرف م: (إلى دين قائم) ش: أي ثابت م: (وقت تحويل العقد) ش: فيكون الدين حينئذ سابقًا على المقاصة م: (فكفى ذلك للجواز) ش: أي الإضافة إلى الدين كان للجواز، لأنه دين يسقط لا خطر فيه. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويجوز بيع درهم صحيح ودرهمين غلتين بدرهمين صحيحين ودرهم غلة) ش: بفتح العين المعجمة وتشديد اللام، قال في " المغرب ": الغلة من الدراهم المقطعة التي في القطعة منها قيراط أو طسوج أو حتة. ونقله المطرزي هكذا عن أبي يوسف في رسالته. وفي بعض الحواشي: دراهم غلة أي منكسرة. وفي " زاد الفقهاء " الغلة من الغلول وهي الخيانة، يقال غل وأغل أي خان، وقال المصنف: م: (والغلة ما يرده بيت المال ويأخذه التجار) ش: أي يردها بيت المال لكونها قطعا لا لزيافتها. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز هذا البيع. م: (ووجهه) ش: أي وجه جواز هذا البيع م: (تحقيق المساواة في الوزن) ش: لأن المساواة هي شرط الجواز، فإذا وجدت فلا مانع أصلا م: (وما عرف من سقوط اعتبار الجودة) ش: هذا عطف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 409 قال: وإذا كان الغالب على الدراهم الفضة فهي فضة، وإذا كان الغالب على الدنانير الذهب فهي ذهب، ويعتبر فيهما من تحريم التفاضل ما يعتبر في الجياد حتى لا يجوز بيع الخالصة بها ولا بيع بعضها ببعض إلا متساويا في الوزن، وكذا لا يجوز الاستقراض بها إلا وزنا؛ لأن النقود لا تخلو عن قليل غش عادة لأنها لا تنطبع إلا مع الغش. وقد يكون الغش خلقيا كما في الرديء منه فيلحق القليل بالرداءة، والجيد والرديء سواء. وإن كان الغالب عليهما الغش فليسا في حكم الدراهم والدنانير اعتبارا للغالب،   [البناية] على قوله: تحقيق المساواة بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «جيدها ورديئها سواء» . م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا كان الغالب على الدراهم الفضة) ش: بالنصب لأنه خبر كان م: (فهي فضة) ش: أي حكمها حكم الدراهم، الأصل أن النقود لا تخلو عن قليل غش خلقة أو عادة، فالأول كما في الرديء، والثاني ما يخلط للانطباع، فإنها بدونه تتفتت، فإذا كان كذلك يعتبر الغالب، لأن المغلوب في مقابلة الغالب كالمستهلك. م: (وإذا كان الغالب على الدنانير الذهب فهي ذهب، ويعتبر فيهما) ش: وفي بعض النسخ: ويعتبر فيها، وعلى التقديرين الضمير يرجع إلى الدراهم والدنانير م: (من تحريم التفاضل ما يعتبر في الجياد، حتى لا يجوز بيع الخالصة بها) ش: أي بالمغشوشة. م: (ولا بيع بعضها ببعض إلا متساويا في الوزن) ش: وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز بيع الخالصة منها بالدراهم المغشوشة، بعضها ببعض، سواء كان الغش غالبا أو النقرة، ويجوز أن يشتري بها سلعة في أظهر الوجهين، كذا في " الحلية ". م: (وكذا لا يجوز الاستقراض بها إلا وزنا) ش: أي إلا متساويا في الوزن. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إلا وزنا، أي لا عددا كما في الفلوس م: (لأن النقود لا تخلو عن قليل غش عادة، لأنها لا تنطبع إلا مع الغش) ش: لأنا قد ذكرنا الآن أنها بدون بعض الغش تتفتت ولا يجتمع بعضها ببعض م: (وقد يكون الغش خلقيا) ش: أي من حيث الخلقة وذلك م: (كما في الرديء منه) ش: أي من كل واحد من الذهب والفضة م: (فيلحق القليل بالرداءة) ش: أي يلحق القليل من الغش بالرداءة الفطرية والمتساوي كغالب الفضة في التبايع والاستقراض وفي الصرف كغالب الغش م: (والجيد والرديء سواء) ش: بالنص. م: (فإن كان الغالب عليهما الغش فليسا في حكم الدراهم والدنانير اعتبارا للغالب) ش: هذا أيضا لفظ القدوري، غير أن قوله اعتبارا للغالب من كلام المصنف. وقال الأقطع: المراد به إذا كانت الفضة لا تتخلص من الغش؛ لأنها صارت مستهلكة فلا اعتبار بها، فأما إذا كانت تتخلص من الغش فليست مستهلكة، فإذا بيعت بفضة خالصة فهي كبيع نحاس بنحاس وفضة بفضة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 410 فإن اشترى بها فضة خالصة فهو على الوجوه التي ذكرناها في حلية السيف. وإن بيعت بجنسها متفاضلا جاز صرفا للجنس إلى خلاف الجنس، وهي في حكم شيئين فضة وصفر، ولكنه صرف حتى يشترط القبض في المجلس لوجود الفضة من الجانبين، وإذا شرط القبض في الفضة يشترط في الصفر؛ لأنه لا يتميز عنه إلا بضرر. قال: ومشايخنا - رحمهم الله تعالى- لم يفتوا بجواز ذلك في العدالي والغطارفة؛ لأنها أعز الأموال في ديارنا، فلو أبيح التفاضل فيه ينفتح باب الربا.   [البناية] فيجوز على هذا الاعتبار م: (فإن اشترى بها) ش: أي بالمغشوشة م: (فضة خالصة فهو على الوجوه التي ذكرناها في حلية السيف) ش: يعني إن كانت الفضة الخالصة مثل تلك الفضة التي في الدراهم المغشوشة أو أقل، أو لا يدري لا يصح. وإن كانت أكثر يصح. م: (وإن بيعت) ش: أي الدراهم المغشوشة م: (بجنسها) ش: أي بالدراهم المغشوشة م: (متفاضلا) ش: أي بيعا متفاضلا. م: (جاز) ش: أي البيع م: (صرفا) ش: أي من حيث الصرف م: (للجنس إلى خلاف الجنس) ش: تحرزا عن الربا م: (وهي) ش: أي الدراهم المغشوشة التي بيعت بالدراهم المغشوشة م: (في حكم شيئين فضة وصفر) ش: وبيع الفضة بالصفر أو العكس متفاضلا يجوز، فكذلك بيع الدراهم المغشوشة بالمغشوشة بطريق صرف الجنس إلى خلاف الجنس م: (ولكنه صرف) ش: هذا جواب إشكال، وهو أن يقال: ينبغي أن لا يشترط القبض في هذه الصورة، لأنه لما صرف الجنس إلى خلاف الجنس، أي الفضة إلى الصفر لم يبق صرفا، فيكف يشترط التقابض. فأجاب بقوله: ولكنه صرف، تقريره: أن هذا البيع صرف م: (حتى يشترط القبض في المجلس لوجود الفضة من الجانبين) ش: أي من جانب الثمن، لأن الأصل في المقابلة المطلقة الشيوع م: (وإذا شرط القبض في الفضة يشترط في الصفر؛ لأنه لا يتميز عنه إلا بضرر) ش: لأن صرف الجنس إلى خلاف جنسه كان لضرورة تصحيح التصرف فيما رواءه يكون العقد عقد صرف، فيشترط القبض فيه. م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومشايخنا) ش: يريد به علماء ما وراء النهر فدعي لهم بقوله م: (- رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تعالى، لم يفتوا بجواز ذلك) ش: أي بجواز التفاضل م: (في العدالي) ش: بفتح العين المهملة وتخفيف الدال المهملة وباللام المكسورة، أي الدراهم المنسوبة إلى العدالي وكأنه اسم ملك نسب إليه درهم فيه غش م: (والغطارفة) ش: أي الدراهم الغطرفية وهي المنسوبة إلى غطريف بكسر الغين المعجمة وسكون الطاء وكسر الراء بعدها الياء آخر الحروف الساكنة، وفي آخره فاء وهو ابن عطاء الكندي أمير خراسان أيام هارون الرشيد. وقيل: هو خال الرشيد م: (لأنها) ش: أي لأن العدالي والغطارفة م: (أعز الأموال في ديارنا) ش: أي في بخارى وسمرقند م: (فلو أبيح التفاضل فيه) ش: أي في المذكور من العدالي والغطارفة م: (ينفتح باب الربا) ش: ويندرجون إلى الذهب والفضة بالقياس على ذلك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 411 ثم إن كانت تروج بالوزن فالتبايع والاستقراض فيهما بالوزن، وإن كانت تروج بالعد فبالعد، وإن كانت تروج بهما فبكل واحد منهما؛ لأن المعتبر هو المعتاد فيهما إذا لم يكن فيهما نص. ثم هي ما دامت تروج تكون أثمانا فلا تتعين بالتعيين. وإذا كانت لا تروج فهي سلعة تتعين بالتعيين، وإذا كانت يتقبلها البعض دون البعض فهي كالزيوف لا يتعلق العقد بعينها، بل بجنسها زيوفا، إن كان البائع يعلم بحالها لتحقق الرضا منه، وبجنسها من الجياد. إن كان لا يعلم لعدم الرضا منه. وإذا اشترى بها سلعة فكسدت وترك الناس المعاملة بها بطل البيع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] م: (ثم إن كانت) ش: أي الدراهم والدنانير التي غلب الغش عليها والدنانير التي كذلك م: (تروج بالوزن فالتبايع والاستقراض فيهما) ش: أي في الدراهم والدنانير التي غلب الغش عليهما م: (بالوزن، وإن كانت تروج بالعد فبالعد) ش: أي يعتبران بالعدد م: (وإن كانت تروج بهما) ش: أي بالوزن وبالعد م: (فبكل واحد منهما) ش: أي فيعتبر بكل واحد منهما م: (لأن المعتبر هو المعتاد فيهما إذا لم يكن فيهما نص) ش: قال الأكمل: حيث لم يكن منصوصا عليهما، فهذا التفسير يدل على أن قوله: "إذا لم يكن" ليس هكذا، بل "إذ لم يكن" بدون الألف بعد الذال، ولكن غالب النسخ "إذا" بالألف بعد الذال، والذي يظهر لي أن الصواب مع الأكمل. م: (ثم هي) ش: أي الدراهم المغشوشة والدنانير المغشوشة م: (ما دامت تروج) ش: فيقبلها الناس م: (تكون أثمانا) ش: يعني يكون حكمها حكم الأثمان م: (فلا تتعين بالتعيين) ش: فإن هلكت قبل التسليم لا يبطل العقد بينهما ويجب عليه مثلها. م: (وإذا كانت لا تروج فهي سلعة) ش: أي حكمها حكم السلعة م: (تتعين بالتعيين) ش: كالرصاص والستوقة م: (وإذا كانت يتقبلها البعض) ش: أي بعض الناس م: (دون البعض فهي كالزيوف لا يتعلق العقد بعينها بل بجنسها) ش: حال كونها م: (زيوفا إن كان البائع يعلم بحالها) ش: أي بحال الدراهم والدنانير المغشوشة م: (لتحقق الرضا منه) ش: أي من البائع م: (وبجنسها) ش: أي ويتعلق العقد بجنسها م: (من الجياد إن كان لا يعلم لعدم الرضا منه) ش: أي بالزيوف. م: وإذا اشترى بها) ش: أي بالدراهم التي غشها غالب م: (سلعة فكسدت وترك الناس المعاملة بها بطل البيع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وتفسير الكساد مذكور في البيوع أنها لا تروج في جميع البلدان، هذا على قول محمد، أما عندهما: الكساد في بلد يكفي لفساد البيع في تلك البلدة. وفي " العيون ": إن عدم الرواج إنما يوجب فساد البيع إذا كان لا يروج في جميع البلدان، لأنه حينئذ يصير هالكا ويبقى البيع بلا ثمن، فأما إذا كان لا يروج في هذه البلدة ويروج في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 412 وقال أبو يوسف -رحمة الله عليه-: قيمتها يوم البيع. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيمتها آخر ما تعامل الناس بها. لهما أن العقد قد صح إلا أنه تعذر التسليم بالكساد وأنه لا يوجب الفساد، كما إذا اشترى بالرطب فانقطع. وإذا بقي العقد وجبت القيمة، ولكن عند أبي يوسف وقت البيع لأنه مضمون به. وعند محمد: يوم الانقطاع؛ لأنه أوان الانتقال إلى القيمة. ولأبي حنيفة: أن الثمن يهلك بالكساد؛ لأن الثمنية بالاصطلاح   [البناية] غيرها لا يفسد البيع، لأنه لم يهلك ولكنه تعييب، فكان للبائع الخيار إن شاء قال: أعط مثل النقد الذي وقع عليه العقد، وإن شاء أخذ قيمة ذلك دنانير. م: (وقال أبو يوسف -رحمة الله عليه-: قيمتها يوم البيع) ش: لأنها كانت مضمونة م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قيمتها آخر ما تعامل الناس بها) ش: أي بالدراهم المغشوشة والبيع لا يبطل عندهما. وكذا عند الشافعي وأحمد -رحمهما الله- ولكن عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب ذلك الكاسد؛ لأنه مال عنده في وجه يخير البائع إن شاء أجاز البيع بذلك، وإن شاء فسخه لتعينه. وعند أحمد: يجب النقد الجديد بالقيمة. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن العقد قد صح) ش: وقال الكاكي: أي بالإجماع لوجود مبادلة المال بالمال م: (إلا أنه تعذر التسليم بالكساد) ش: أي لأن الشأن تعذر تسليم الثمن وهي المغشوشة بالكساد لانعدام الثمنية ويجوز أن يكون الضمير في "لأنه" للثمن، أي لأن الثمن تعذر تسليمه بالكساد. م: (وأنه) ش: أي وإن تعذر التسليم أو الكساد م: (لا يوجب الفساد) ش: لأنه صفة عارضة قابلة للزوال ساعة فساعة بالرواج م: (كما إذا اشترى) ش: أي نظير هذا كما إذا اشترى رجل شيئا م: (بالرطب فانقطع) ش: بأن لا يوجد في الأسواق لا يبطل البيع بالاتفاق، ويجب القيمة ولا ينتظر إلى زمان الرطب في السنة الثانية فكذا هذا م: (وإذا بقي العقد وجبت القيمة لكن عند أبي يوسف وقت البيع لأنه مضمون به) ش: أي لأن الثمن مضمون بالبيع فكان كالمغصوب يعتبر قيمته يوم الغصب، لأنه مضمون فيه، وعليه الفتوى، فإنه ذكر في " الذخيرة " وعليه قيمة الدراهم يوم وقع البيع في قول أبي يوسف الآخر وعليه الفتوى. م: (وعند محمد يوم الانقطاع لأنه) ش: أي لأن يوم الانقطاع م: (أوان الانتقال إلى القيمة) ش: يعني يوجب العقد رد ما انعقد به العقد والانتقال إلى القيمة بالانقطاع فيعتبر يوم الانقطاع. وفي " المحيط " و" التتمة " و" الحقائق ": وبقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفْتَى رِفْقًا للناس. م: (ولأبي حنيفة أن الثمن يهلك بالكساد لأن الثمنية بالاصطلاح) ش: أي ثمنية الدراهم التي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 413 وما بقي فيبقى بيعا بلا ثمن فيبطل. وإذا بطل البيع يجب رد المبيع إن كان قائما، وقيمته إن كان هالكا، كما في البيع الفاسد. قال: ويجوز البيع بالفلوس؛ لأنه مال معلوم، فإن كانت نافقة جاز البيع بها وإن لم تعين؛ لأنها أثمان بالاصطلاح. وإن كانت كاسدة لم يجز البيع بها حتى يعينها؛ لأنها سلع، فلا بد من تعيينها. وإذا باع بالفلوس النافقة ثم كسدت بطل البيع عند أبي حنيفة خلافا لهما.   [البناية] غشها غالب، إنما جعلت ثمنا بالاصطلاح، فإذا ترك الناس المعاملة بها بطل الاصطلاح م: (وما بقي) ش: أي الاصطلاح م: (فيبقى) ش: أي العقد م: (بيعا بلا ثمن فيبطل، وإذا بطل البيع يجب رد المبيع إن كان قائما، وقيمته) ش: أي تجب قيمته م: (إن كان هالكا) ش: لا يقال: العقد تناول عينها وهو باق بالكساد وهو مقدور التسليم، لأنا نقول: إن العقد تناولها بصفة الثمنية لأنها ما دامت رائجة فهي تثبت دينا في الذمة، وبالكساد ينعدم منها صفة المالية وصفة الثمنية في الفلوس والدراهم المغشوشة التي غلب غشها كصفة المالية في الأعيان، ولو انعدمت المالية بهلاك المبيع قبل القبض أو بتخمر العصير فسد البيع، فكذا هذا. وأما الجواب عن البيع بالرطب أن الرطب مرجو الوصول في العام الثاني غالبا، فلم يكن هذا هالكا من كل وجه، فلم يبطل المثمن أصلا، وفي الدراهم المغشوشة بعد الكساد لا يرجى الوصول إلى ثمنها في الحال، لأن الكساد أصلي في الشيء إذا رجع أصله، فلما ينتقل عنه. م: (كما في البيع الفاسد) ش: فإن الحكم فيه أنه يجب على المشتري رد المبيع فيه على البائع إن كان قائما، وإن كان هالكا يجب عليه رد قيمته يوم القبض. [البيع بالفلوس] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجوز البيع بالفلوس؛ لأنه مال معلوم) ش: هذا بالإجماع م: (فإن كانت نافقة) ش: أي رائجة م: (جاز البيع بها وإن لم تعين) ش: الفلوس م: (لأنها أثمان بالاصطلاح) ش: فلا يتعين في البيع كالدراهم والدنانير، وإن شرط المتبايعان أعيانهما ويكون ما أوجب كل واحد منهما في العقد على نفسه دينا في ذمته ولا يجبر كل واحد منهما أن يسلمها ما شرط من العين إن شاء أعطى العين، وإن شاء أعطى مثلها. وإن هلكت لم ينفسخ العقد بهلاكها لأنه لم يقع عليها م: (وإن كانت) ش: أي الفلوس م: (كاسدة) ش: يعني لا تروج م: (لم يجز البيع بها حتى يعينها؛ لأنها سلع فلا بد من تعيينها) ش: فإذا لم يعينها يصح العقد. م: (وإذا باع بالفلوس النافقة ثم كسدت بطل البيع عند أبي حنيفة) ش: قيد بالكساد لأنها إذا غلت أو رخصت كان عليه رد المثل بالاتفاق، ذكره في " شرح الطحاوي " م: (خلافا لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - هذا الخلاف الذي ذكره القدوري خلاف ما ذكر في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 414 وهو نظير الاختلاف الذي بيناه. ولو استقرض فلوسا نافقة فكسدت، عند أبي حنيفة يجب عليه مثلها؛ لأنه إعارة وموجبه رد العين معنى، والثمنية فضل فيه؛ إذ القرض لا يختص به. وعندهما يجب قيمتها؛ لأنه لما بطل وصف الثمنية تعذر ردها كما قبض،   [البناية] الأصل و" شرح الطحاوي " و" الأسرار " و" الإشارات "، لأنه ذكر بطلان البيع عند الكساد فيها بلا خلاف، قال في الإشارات: إذا اشترى شيئا بفلوس فكسدت قبل القبض فسد العقد عندنا خلافا لزفر. وفي " شرح الطحاوي ": وقال بعض مشايخنا: إنما يبطل العقد إذا اختار المشتري إبطاله فسخا، لأن كسادها بمنزلة يجب فيها، والأول أظهر، ولو نقد الدرهم وقبض من الفلوس نصفها خمسين ثم كسدت الفلوس قبل أن ينقد النصف الآخر بطل البيع في نصفها وله أن يسترد نصف الدراهم. ولو اشترى فاكهة أو شيئا بعينه بفلوس ثم كسدت الفلوس قبل أن ينقدها وقد قبض المبيع فسد البيع، وله أن يرد المبيع إن كان قائما أو قيمته أو مثله إن كان هالكا. وعن أبي يوسف أن عليه قيمة الفلوس ولا يفسد البيع م: (وهو نظير الاختلاف الذي بيناه) ش: أي الاختلاف في كساد الفلوس نظير الاختلاف في كساد الدراهم الذي غشها غالب، يعني يبطل البيع عند أبي حنيفة بكساد الفلوس، وعندهما لا يبطل، لكن عند أبي يوسف يجب قيمتها يوم البيع. وعند محمد: آخر ما يتعامل الناس بها وهو يوم الانقطاع في السوق. م: (ولو استقرض فلوسا نافقة فكسدت عند أبي حنيفة يجب عليه مثلها لأنه إعارته) ش: أي لأن الاستقراض المثلي إعارة كما أن إعارته قرض وموجب استقراض المثلي رد عينه، وهو معنى قوله م: (وموجبه رد العين معنى) ش: أي موجب عقد الإعارة رد المعين من حيث المعنى لا من حيث الحقيقة، وذا لا يكون إلا بالمثل. م: (والثمنية فضل فيه) ش: جواب عما يقال: كيف يكون المثل بمعنى العين وقد فات وصف الثمنية، وإنما كان بمعنى العين أن لو رد مثله حال كونه نافقا. فقال: فأجاب المصنف بقوله: والثمنية فضل، تقريره: أن الثمنية بمعنى صحة استقراض كونه ثمنا فضل في القرض م: (إذ القرض لا يختص به) ش: أي بمعنى الثمنية يعني صحة استقراض الفلس لم يكن باعتبار الثمنية، بل لأنه مثلي وبالكساد لم يخرج من أن يكون مثليا، ولهذا صح استقراضه بعد الكساد. م: (وعندهما) ش: أي وعند أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- م: (يجب قيمتها) ش: أي قيمة الفلوس التي كسدت بعد رواجها م: (لأنه لما بطل وصف الثمنية تعذر ردها كما قبض) ش: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 415 فيجب رد قيمتها، كما إذا استقرض مثليا فانقطع، لكن عند أبي يوسف يوم القبض. وعند محمد يوم الكساد على ما مر من قبل. وأصل الاختلاف فيمن غصب مثليا فانقطع. وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنظر، وقول أبي يوسف أيسر. قال: ومن اشترى شيئا بنصف درهم فلوس جاز وعليه ما يباع بنصف درهم من الفلوس، وكذا إذا قال: بدانق فلوس، أو بقيراط فلوس جاز. وقال زفر: لا يجوز في جميع ذلك لأنه اشترى بالفلوس، وإنما تقدر بالعدد لا بالدانق ونصف الدرهم، فلا بد   [البناية] وليس المثل المجرد عنها في معناها م: (فيجب رد قيمتها، كما إذا استقرض مثليا فانقطع لكن عند أبي يوسف: يوم القبض، وعند محمد: يوم الكساد على ما مر من قبل) ش: عند قوله: وعند أبي يوسف وقت البيع. م: (وأصل الاختلاف) ش: أي بين أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- في اعتبار القيمة يوم القبض أو الكساد. فرع: الاختلاف م: (فيمن غصب مثليا فانقطع) ش: فعند أبي يوسف تجب القيمة يوم الغصب. وعند محمد: يوم الانقطاع، وسيجيء بيانه إن شاء الله تعالى في أول كتاب الغصب. م: (وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنظر) ش: أي للجانبين. وفي بعض النسخ: أنظر للجانبين جانب المقرض والمستقرض، أما جانب المقرض فبالنسبة إلى قول أبي حنيفة؛ لأن في رد المثل إضرارا به، وأما في حق المستقرض فلانتقاص قيمته يوم الكساد، وفي اعتبار قيمته يوم القبض إضرار به م: (وقول أبي يوسف أيسر) ش: أي للمفتي وفي بعض النسخ أيسر للمفتي؛ لأن يوم الكساد قيمته غير مضبوطة، ويوم القبض مضبوطة، فاعتبار المضبوط أيسر من اعتبار غير المضبوط. وقال الأترازي: لأن قيمته يوم القبض معلومة للمقرض والمستقرض وسائر الناس وقيمته يوم الانقطاع تشتبه على الناس ويختلفون فيها، فكان قول أبي يوسف أيسر. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن اشترى شيئا بنصف درهم فلوس جاز) ش: قيد بنصف درهم، لأنه لو قال بدرهم فلوس لا يجوز عند محمد على ما يجيء م: (وعليه) ش: أي وعلى المشتري م: (ما يباع بنصف درهم من الفلوس) ش: لأن ذلك النصف من الدراهم فلوس لا نقرة، وذلك معلوم عند الناس وقت العقد فيجب عليه الوفاء بذلك م: (وكذا) ش: أي وكذا الحكم م: (إذا قال بدانق فلوس أو بقيراط فلوس جاز) ش: الدانق سدس الدرهم والقيراط ست حبات. م: (وقال زفر: لا يجوز في جميع ذلك؛ لأنه اشترى بالفلوس وإنما تقدر بالعدد لا بالدانق ونصف الدرهم) ش: فإذا لم يبين عدد الفلوس كان مجهولا فلا يجوز، وهو معنى قوله م: (فلا بد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 416 من بيان عددها، ونحن نقول: ما يباع بالدانق ونصف الدرهم من الفلوس معلوم عند الناس الكلام فيه فأغنى عن بيان العدد. ولو قال: بدرهم فلوس أو بدرهمين فلوس، فكذلك عند أبي يوسف؛ لأن ما يباع بالدرهم من الفلوس معلوم وهو المراد، لا وزن الدرهم من الفلوس. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجوز بالدرهم ويجوز فيما دون الدرهم؛ لأن في العادة المبايعة بالفلوس فيما دون الدرهم فصار معلوما بحكم العادة ولا كذلك الدرهم. قالوا: وقول أبي يوسف أصح لا سيما في ديارنا. قال: ومن أعطى صيرفيا درهما، وقال: أعطني بنصفه فلوسا وبنصفه نصفا إلا حبة جاز البيع في الفلوس وبطل فيما بقي عندهما؛ لأن بيع نصف درهم بالفلوس جائز وبيع النصف بنصف إلا حبة ربا فلا يجوز، وعلى قياس قول أبي حنيفة بطل في الكل؛ لأن الصفقة متحدة والفساد قوي   [البناية] من بيان عددها) ش: لنفي الجهالة م: (ونحن نقول: ما يباع بالدانق ونصف الدرهم من الفلوس معلوم عند الناس الكلام فيه) ش: أي فيما إذا كان معلوما، يعني فرض المسألة فيما إذا كان ما يباع بنصف درهم من الفلوس معلوما حين العقد، فكان مغنيا عن ذكر العدد. وقال الإمام الحلواني: هذا إذا كان الدانق والقيراط معلوما، فإن عند الناس لا تختلف معاملتهم فيه، فأما إذا كان مختلفا فكما قاله زفر لمكان المنازعة. م: (فأغنى عن بيان العدد) ش: يعني إذا كان معلوما أغنى ذلك عن بيان العدد. م: (ولو قال: بدرهم فلوس أو بدرهمين فلوس فكذلك عند أبي يوسف) ش: يجوز م: (لأن ما يباع بالدرهم من الفلوس معلوم، وهو المراد) ش: أي كونه معلوما هو المراد م: (لا وزن الدرهم من الفلوس) ش: أي ليس المراد علم وزن الدرهم من الفلوس م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجوز بالدرهم) ش: أي أن الشراء بدرهم فلوس أو بدرهمين لا يجوز م: (ويجوز فيما دون الدرهم، لأن في العادة المبايعة بالفلوس فيما دون الدرهم، فصار معلوما بحكم العادة ولا كذلك الدرهم) ش: م: (قالوا) ش: أي مشايخنا، م: (وقول أبي يوسف أصح لا سيما) ش: أي خصوصا م: (في ديارنا) ش: بما وراء النهر، لأن ما يباع بالدرهم من الفلوس معلوم. وقال الأترازي: قوله سيما في ديارنا هذا تركيب عجيب، فينبغي أن يقال: لا سيما، كما قال امرؤ القيس: ولا سيما يوم بدار جلجل م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أعطى صيرفيا درهما وقال: أعطني بنصفه فلوسا وبنصفه نصفا إلا حبة جاز البيع في الفلوس وبطل فيما بقي عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- م: (لأن بيع نصف درهم بالفلوس جائز، وبيع النصف بنصف إلا حبة ربا فلا يجوز، وعلى قياس قول أبي حنيفة بطل في الكل؛ لأن الصفقة متحدة والفساد قوي) ش: لأنه متمكن في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 417 فيشيع وقد مر نظيره. ولو كرر لفظ الإعطاء كان جوابه كجوابهما هو الصحيح، لأنهما بيعان. ولو قال: أعطني نصف درهم فلوسا ونصفا إلا حبة جاز؛ لأنه قابل الدرهم بما يباع من الفلوس بنصف درهم وبنصف درهم إلا حبة فيكون نصف درهم إلا حبة بمثله، وما وراءه بإزاء الفلوس. قال: وفي أكثر نسخ "المختصر" ذكر المسألة الثانية، والله أعلم بالصواب.   [البناية] صلب العقد، ولأنه يجمع عليه لمعنى الربا م: (فيشيع وقد مر نظيره) ش: أي في البيع، وهو ما إذا جمع بين حر وعبد في البيع يبطل البيع عنده في الكل. م: (ولو كرر لفظ الإعطاء) ش: بأن قال: أعطني فلوسا وأعطني بنصفه نصفا إلا حبة م: (كان جوابه) ش: أي جواب أبي حنيفة م: (كجوابهما هو الصحيح) ش: أي كجواب أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- في الأصح لتفرق الصفقة بتكرر لفظ الإعطاء وفساد أحد البيعين لا يوجب فساد الآخر، وأشار إليه المصنف بقوله م: (لأنهما بيعان) ش: يعني بتكرر لفظ الإعطاء. م: (ولو قال: أعطني نصف درهم فلوسا ونصفا إلا حبة جاز، لأنه قابل الدرهم بما يباع من الفلوس بنصف درهم وبنصف درهم إلا حبة فيكون نصف درهم إلا حبة بمثله، وما وراءه بإزاء الفلوس) ش: وفي الأصل: ولو اشترى فقال: أعطني كذا كذا فلسا ودرهما صغيرا وزنه نصف درهم إلا قيراطا كان هذا جائزا كله إذا تقابضا قبل أن يتفرقا. م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي أكثر نسخ المختصر) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ذكر المسألة الثانية) ش: وهي قوله أعطني نصف درهم فلوسا ونصفا إلا حبة جاز، يعني لم يذكر في أكثر نسخ المختصر المسألة الأولى، وهو قوله من أعطى الصيرفي درهما وقال: أعطني بنصفه فلوسا وبنصفه نصفا إلا حبة جاز البيع في الفلوس وبطل فيما بقي، ولهذا قال في " شرح الأقطع ": وهو غلط من الناسخ. وقال الكاكي: إنما ذكر المصنف هذا، يعني قوله نسخ المختصر دفعا لمؤاخذة ترد على صاحب القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه ذكر في بعض النسخ المسألة، وأجاب بالجواز مطلقًا، وليس كذلك بالإجماع، أما عنده فظاهر لأنه يبطله في الكل. وأما عندهما يجوز في الفلوس ويبطل في الباقي، فعلم أن الجواز ليس بمطلق في المسألة الأولى، فذكر الجواب مطلقًا في بعض النسخ محمول على خطأ من الكاتب، والدليل عليه أن أكثر النسخ ذكر المسألة الثانية وأجاب بالجواز مطلقًا. م: (والله أعلم بالصواب) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 418 كتاب الكفالة قال: الكفالة هي الضم لغة، قال الله تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] (آل عمران: الآية 37) ثم قيل: هي ضم الذمة إلى الذمة في المطالبة، وقيل: في الدين، والأول أصح.   [البناية] [كتاب الكفالة] [تعريف الكفالة] م: (كتاب الكفالة) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الكفالة، وإنما عقب البيوع بذكر الكفالة؛ لأنها تكون في البياعات غالبا، ولأن في الكفالة إذا كانت بأمر معنى المعاوضة انتهى، فناسب ذكرها عقيب البيوع التي هي معاوضة. م: (قال: الكفالة هي الضم لغة) ش: من كفلت به كفالة وكفلت عنه المال لغريمه، والكفيل أيضا من أكفلته المال أي ضمنته إياه، وكفل هو به كفلا وكفولًا، والتكفيل مثله ومكفل بذمته تكفلا، واستشهد المصنف في قوله الكفالة الضم لغة بقوله: م: (قال الله تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] (آل عمران: الآية 37) وضمها إلى نفسه، وقرئ بتشديد الفاء ونصب زكريا أي جعله كافلا لها وضامنا لمصالحها. وذكر الأخفش أنه قرئ أيضا: "وكفلها" بكسر الفاء، والضمير المنصوب في "كفلها" يرجع إلى مريم أم عيسى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وقصتها مشهورة. م: (ثم قيل) ش: قائله أكثر الأصحاب م: (هي) ش: أي الكفالة في معناها الشرعي م: (ضم الذمة إلى الذمة في المطالبة) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك وأحمد في رواية، وعنه: أن الدين ينتقل في الكفالة عن الميت. ونقل الشيخ أبو حفص أن الدين يسقط عن الأصيل بالكفالة عند مالك، والمشهور عنه خلاف ذلك م: (وقيل في الدين) ش: أي الكفالة ضم الذمة إلى الذمة في أصل الدين، وهو اختيار بعض المشايخ. وقال الأترازي: وهو مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والأول أصح) ش: أي القول الأول الذي قاله أكثر الأصحاب هو الأصح، لأن الكفالة كما تصح بالمال تصح بالنفس ولا دين ثمة. ولأنه لو ثبت الدين في ذمة الكفيل ولم يبرأ الأصيل صار الدين دينين، وأورد ما إذا وهب رب المدين دينه فإنه يصح ويرجع به الكفيل على الأصيل، ولو لم يصر الدين عليه لما ملك قبل الكفالة، لأن تمليك الدين من غير من عليه الدين لا يجوز. وأجيب: بأن رب الدين لما وهب للكفيل صح فجعلنا الدين عليه حينئذ لضرورة تصحيح التصرف، وجعلناه في حكم دينين. وأما قبل ذلك فلا ضرورة فلا يجعل في حكم دينين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 419 قال: الكفالة ضربان: كفالة بالنفس، وكفالة بالمال، فالكفالة بالنفس جائزة والمضمون بها إحضار المكفول به، وقال الشافعي: لا يجوز؛ لأنه كفل بما لا يقدر على تسليمه إذ لا قدرة له على نفس المكفول به، بخلاف الكفالة بالمال؛ لأن له ولاية على مال نفسه. ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الزعيم غارم» . وهذا يفيد مشروعية الكفالة بنوعيها.   [البناية] وركن الكفالة الإيجاب والقبول عند أبي حنيفة ومحمد والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف آخرا والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، ومالك وأحمد -رحمهما الله- الكفالة تتم بالكفيل وحده وجد القبول أو لا. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الكفالة ضربان: كفالة بالنفس وكفالة المال، فالكفالة بالنفس جائزة، والمضمون بها إحضار المكفول به) ش: وبه قال أحمد وعمر وعثمان وابن مسعود وابن عمر وحمزة بن عمر الأسلمي وجرير بن عبد الله وأبي بن كعب وعمران بن الحصين والأشعث بن قيس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - م: (وقال الشافعي: لا يجوز) ش: هذا ليس بمشهور من مذهبه. فإن الصحيح عنده كمذهبنا م: (لأنه كفل بما لا يقدر على تسليمه، إذ لا قدرة له على نفس المكفول به، بخلاف الكفالة بالمال؛ لأن له ولاية على مال نفسه، ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «الزعيم غارم» ش: هذا الحديث رواه أبو داود مطولا عن أبي أمامة، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه ... » الحديث، وفي آخره: «والزعيم غارم» . ورواه ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الزعيم غارم» أخرجه ابن عدي في "الكامل"، ومعناه: الكفيل غارم من غير فصل بين الكفالة بالمال والكفالة بالنفس، وألفاظ المال وكفالة الكفالة. أنا زعيم، أنا ضامن بما عليه، أو كفيل بذلك أو قبيل بذلك، أو قبيل، أو هو علي، أو إلي، أو هو عندي، أو هو لك قبلي. م: (وهذا) ش: أي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الزعيم غارم» م: (يفيد مشروعية الكفالة بنوعيها) ش: أي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 420 ولأنه يقدر على تسليمه بطريقه بأن يعلم الطالب مكانه فيخلي بينه وبينه، أو يستعين بأعوان القاضي في ذلك، والحاجة ماسة إليه. وقد أمكن تحقيق معنى الكفالة، وهو الضم في المطالبة فيه. قال: وتنعقد إذا قال: تكفلت بنفس فلان أو برقبته، أو بروحه، أو بجسده، أو برأسه، وكذا ببدنه وبوجهه؛ لأن هذه الألفاظ يعبر بها عن البدن إما حقيقة أو عرفا، على ما مر في الطلاق. وكذا إذا قال: بنصفه أو بثلثه أو بجزء منه؛ لأن النفس الواحدة في حق الكفالة لا تتجزأ، فكان ذكر بعضها شائعا كذكر كلها. بخلاف ما إذا قال: تكفلت بيد فلان أو برجله؛ لأنه لا يعبر بهما عن البدن حتى لا تصح إضافة الطلاق إليهما،   [البناية] بنوعي الكفالة وهما كفالة المال وكفالة النفس، لأنه مطلق يشملهما. وفي بعض النسخ بنوعيه، قال الأترازي: الضمير راجع إلى الكفالة على تأويل عقد الكفالة. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الكفيل جواب عن قياس الشافعي. م: (يقدر على تسليمه) ش: أي تسليم المكفول عنه م: (بطريقه بأن يعلم الطالب مكانه فيخلي بينه وبينه) ش: أي بين المكفول له والمكفول عنه م: (أو يستعين) ش: أي الكفيل م: (بأعوان القاضي) ش: الأعوان جمع عون وهو الظهير على الآخر. والحاصل: أن أعوان القاضي هم الرجال الذين في خدمته يساعدونه في مهمات الأمور الشرعية. م: (في ذلك والحاجة ماسة إليه) ش: أي مهمة إلى عقد الكفالة بالنفس وهي ضرورة. أما حقوق العباد لأنه ربما يعيب بنفسه فيتضرر صاحب الحق م: (وقد أمكن تحقيق معنى الكفالة وهو الضم في المطالبة فيه) ش: أي في هذا النوع م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وتنعقد) ش: أي الكفالة م: (إذا قال: تكفلت بنفس فلان أو برقبته أو بروحه أو بجسده أو برأسه) ش: هذا كله كلام القدوري، وقوله م: (وكذا ببدنه وبوجهه) ش: من كلام المصنف م: (لأن هذه الألفاظ يعبر بها عن البدن إما حقيقة) ش: كقوله تكلفت بنفس فلان أو ببدنه أو بجسده م: (أو عرفا) ش: كقوله تكفلت بوجهه أو برأسه أو برقبته م: (على ما مر في الطلاق) ش: أنه قال: نفسك طالق أو بدنك طالق أو جسدك طالق فإنها تطلق. وإذا قال: يدك طالق أو رجلك طالق أو دبرك طالق لا يقع شيء. م: (وكذا) ش: أي وكذا تنعقد الكفالة م: (إذا قال: بنصفه أو بثلثه أو بجزء منه) ش: أي قال: تكفلت بجزء من فلان بأن قال تكفلت بيده أو رجله م: (لأن النفس الواحدة في حق الكفالة لا تتجزأ فكان ذكر بعضها) ش: أي ذكر بعض النفس الواحدة حال كونه م: (شائعا كذكر كلها) ش: كما في الطلاق؛ لأن إضافة الكفالة إلى جزء شائع تثبت، وترى إلى الجملة كما في الطلاق والعتاق. م: (بخلاف ما إذا قال: تكفلت بيد فلان أو برجله) ش: حيث لا تصح الكفالة م: (لأنه لا يعبر بهما عن البدن حتى لا تصح إضافة الطلاق إليهما) ش: أي إلى اليد والرجل فكانت إضافة الكفالة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 421 وفيما تقدم يصح، وكذا إذا قال: ضمنته لأنه تصريح بموجبه، أو قال: هو علي؛ لأنه صيغة الالتزام، أو قال: إلي؛ لأنه في معنى علي في هذا المقام. قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ترك مالا فلورثته، ومن ترك كلا أو عيالا فإلي» . وكذا إذا قال: أنا زعيم به أو قبيل؛   [البناية] إليهما كإضافة الطلاق إليهما على ما مر. م: (وفيما تقدم) ش: أي في الجزء الشائع كالنصف م: (يصح) ش: إضافة الكفالة إليه كما تصح إضافة الطلاق. وقال الشافعي: تجوز الكفالة بما يعبر به عن البدن وجزء شائع أو بجزء لا يمكن فصله عنه كالقلب والكبد، وبه قال أحمد في رواية. وقال مالك: يصح لكل عضو من بدنه حتى لو قال بوجهه أو بعينه، فهو كفالة بالنفس، وبه قال الشافعي في وجه وأحمد، وعندهما: لو كفل بعينه لم يذكره محمد. وعن أبي بكر البلخي: لا يصح كما في الطلاق، ولو برئ البدن يصح، كذا في " المحيط ". م: (وكذا) ش: أي وكذا تنعقد الكفالة م: (إذا قال: ضمنته لأنه تصريح بموجبه) ش: أي بموجب عقد الكفالة، لأنه يصير ضامنا للتسليم والعقد ينعقد بالتصريح بموجبه كالبيع ينعقد بلفظ التمليك. م: (أو قال: هو علي لأنه صيغة الالتزام) ش: لأنه من ألفاظ الوجوب فأفاد الضمان فصحت الكفالة م: (أو قال إلي؛ لأنه في معنى "علي" في هذا المقام) ش: فكأنه قال ضمانه بوجه إلي. م: (قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من ترك مالا فلورثته، ومن ترك كلا أو عيالا فإلي» ش: هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ترك كلا فإلي، ومن ترك مالا فلورثته، وأنا وارث من لا وارث له» ... الحديث، ورواه ابن حبان في "صحيحه"، وفي لفظ لأبي داود قال: «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، فمن ترك دينا فإلي» . وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من ترك مالا فلورثته، ومن ترك كلا فإلينا» والكل بفتح الكاف وتشديد اللام اليتيم هنا بدليل عطف العيال عليه، وإن كان الكل يجيء بمعنى العيال والجمع الكلول والعيال من يعوله أي يصونه وينفق عليه. م: (وكذا إذا قال) ش: أي وكذا تنعقد الكفالة بقوله م: (أنا زعيم به) ش: أي بفلان، وليس في بعض النسخ لفظ به، وزعيم من زعم به، أي كفل به يزعم زعامة م: (أو قبيل) ش: أي أو قال: أنا قبيل بفلان فهو بمعنى كفيل من قولهم قبل به أي كفل به بفتح العين في الماضي وكسرها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 422 لأن الزعامة هي الكفالة وقد روينا فيه، والقبيل هو الكفيل، ولهذا سمي الصك قبالة، بخلاف ما إذا قال: أنا ضامن لمعرفته؛ لأنه التزم المعرفة دون المطالبة.   [البناية] في المضارع قبالة م: (لأن الزعامة هي الكفالة) ش: يعني معناهما واحد م: (وقد روينا فيه) ش: أي روينا الحديث، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الزعيم غارم» وفي بعض النسخ روينا الحديث. وقوله: فيه أي في معنى أن الزعامة هي الكفالة والحميل أيضا بمعنى الكفيل، يقال حمل به يحمل حمالة بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع، أي كفل به، وروى الزمخشري في " الفائق ": الحميل غارم. م: (والقبيل هو الكفيل، ولهذا سمي الصك قبالة، بخلاف ما إذا قال: أنا ضمن لمعرفته) ش: يعني لا يكون كفيلا بهذا اللفظ م: (لأنه التزم المعرفة دون المطالبة) ش: أي لأن الرجل الذي قال هذا اللفظ التزم لمن يطلب الكفيل معرفة الرجل الذي عليه الدين وما التزم مطالبته الدين. وفي الأصل: لو قال أنا ضامن لمعرفة فلان أو ضامن لأن أدلك عليه، أو لأن أدل على منزله لا يكون كفالة. ولو قال: أنا ضامن تعريفه أو علي تعريفه ففيه اختلاف المشايخ، كذا نقل في " خلاصة الفتاوى " عن " شرح الشافي ". وقال الفقيه أبو الليث: روي عن علي بن أحمد عن نصير قال: سئل ابن محمد بن الحسن أبا سليمان الجوزجاني عن رجل قال لآخر: أنا ضامن لمعرفة فلان، أما في قول أبي حنيفة ومالك: لا يلزمه شيء، وأما أبو يوسف قال: هذا على معاملة الناس وعرفهم، ثم قال الفقيه أبو الليث في " النوازل ": هذا القول عن أبي يوسف غير مشهور. والظاهر ما روي عن أبي حنيفة ومحمد، وقال في خزانة الواقعات: وبه يُفتى، أي بظاهر الرواية، وقال في " الفتاوى الصغرى ": "أسنائي فلان برمن" قال الفقيه أبو جعفر: يكون كفيلا. وقال أبو الليث: لا وعليه الفتوى. ثم نقل في " الفتاوى الصغرى " عن " الواقعات ": أن الفتوى على أنه يصير كفيلا، ثم قال فيهم إذا قال فلان - أسناي من است، أو قال أثناست صارت كفالة بالنفس عرفا. ولو قال - آن: جه ترا بر فلان إست جواب كريم - فهو كفالة بحكم العرف. ولو قال: أن جه ترا بر فلان است من بدهم - لا يكون كفالة بحكم العرف، ومن وعد غيره أن يقضي دينه بأن قال: بدهم، لا يجب، ونقله عن مأذون شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 423 فإن شرط في الكفالة بالنفس تسليم المكفول به في وقت بعينه لزمه إحضاره إذا طالبه في ذلك الوقت وفاء بما التزمه. فإن أحضره وإلا حبسه الحاكم لامتناعه عن إيفاء حق مستحق عليه، ولكن لا يحبسه أول مرة فلعله ما درى لماذا يدعى. ولو غاب المكفول بنفسه أمهله الحاكم مدة ذهابه ومجيئه، فإن مضت ولم يحضره يحبسه لتحقق امتناعه عن إيفاء الحق.   [البناية] [شرط في الكفالة بالنفس تسليم المكفول به في وقت بعينه] م: (فإن شرط في الكفالة بالنفس تسليم المكفول به في وقت بعينه لزمه إحضاره إذا طالبه به في ذلك الوقت وفاء بما التزمه) ش: أي لأجل وفاء ما التزمه في الوقت المعين، والأصل فيه أن الكفالة بالنفس نوع ضمان، فيصح التأجيل فيها كالكفالة بالمال، فإذا حل الأجل يجب الإحضار م: (فإن أحضره) ش: فلا كلام فيه م: (وإلا) ش: أي وإن لم يحضره بأن امتنع عن إحضاره م: (حبسه الحاكم لامتناعه عن إيفاء حق مستحق عليه) ش: لأنه يصير ظالما والحبس جزاؤه. م: (ولكن لا يحبسه أول مرة) ش: لأن الحبس عقوبة على الظالم ولا يظهر في أول الوهلة م: (فلعله ما درى لماذا يدعى) ش: على صيغة المجهول. م: (ولو غاب المكفول بنفسه) ش: أي المدعى عليه م: (أمهله الحاكم مدة ذهابه ومجيئه) ش: هذا إذا علم مكان المكفول به، أما إذا لم يعلم سقطت المطالبة عن الكفيل للحال لعجزه. وفي " الذخيرة ": ولو كان الكفيل يعرف مكانه أمهله قدر ذهابه ومجيئه، فإن لم يعلم سقطت المطالبة. ولو وقع الاختلاف فقال الطالب: تعرف مكانه. وقال الكفيل: لا أعرف، فإن كان له خرجة معروفة تخرج إلى موضع معلوم للتجارة في كل وقت فالقول للطالب ويؤمر الكفيل بالذهاب إليه، لأن الظاهر شاهد له. وإن لم يكن ذلك معروفا منه فالقول للكفيل، لأنه متمسك بالأصل وهو الجهل ومنكر لزوم المطالبة فإن أقام الطالب البينة أنه في موضع كذا يؤمر الكفيل بالذهاب إليه. وقال الكاكي: وفي بعض النسخ: وكذا إذا ارتد ولحق بدار الحرب، وهذه المسألة ليست في بعض النسخ إلى قوله: وإذا أحضره وسلمه، ثم معنى قوله: وكذا إذا ارتد ولحق بدار الحرب يعني يمهله الحاكم مدة ذهابه إلى دار الحرب ومجيئه، وينبغي أن يبرأ الكفيل كما في الموت، لأن إلحاق المرتد موت حكمي. والفرق أن اللحاق موت حكمي في قسمة ماله بين ورثته دون الحقوق الثابتة في ذمته. م: (فإن مضت) ش: المدة م: (ولم يحضره يحبسه لتحقق امتناعه عن إيفاء الحق) ش: مع إمكانه وبيان مطله. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 424 قال: وإذا أحضره وسلمه في مكان يقدر المكفول له أن يخاصمه فيه، مثل أن يكون في مصر برئ الكفيل من الكفالة؛ لأنه أتى بما التزمه وحصل المقصود به، وهذا لأنه ما التزم التسليم إلا مرة. وإذا كفل على أن يسلمه في مجلس القاضي فسلمه في السوق برئ لحصول المقصود. وقيل في زماننا: لا يبرأ؛ لأن الظاهر المعاونة على الامتناع لا على الإحضار، فكان التقييد مفيدا. وإن سلمه في برية لم يبرأ؛ لأنه لا يقدر على المخاصمة فيها فلم يحصل المقصود، وكذا إذا سلمه في السواد لعدم قاض يفصل الحكم فيه. ولو سلم في مصر آخر غير المصر الذي كفل فيه برئ عند أبي حنيفة للقدرة على المخاصمة فيه، وعندهما لا يبرأ لأنه قد يكون شهوده فيما عينه   [البناية] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وكذا إذا أحضره وسلمه في مكان يقدر المكفول له أن يخاصمه فيه مثل أن يكون في مصر برئ الكفيل من الكفالة؛ لأنه أتى بما التزمه وحصل المقصود به، وهذا) ش: يعني ما ذكرنا من إتيانه بما التزمه. م: (لأنه ما التزم التسليم إلا مرة) ش: فحصل التسليم. م: (وإذا كفل على أن يسلمه في مجلس القاضي فسلمه في السوق برئ لحصول المقصود) ش: وهو القدرة على المحاكمة م: (وقيل في زماننا لا يبرأ؛ لأن الظاهر المعاونة على الامتناع لا على الإحضار، فكان التقييد مفيدا) ش: وقال الأئمة الثلاثة: إذا عين مكانا وفي تسليمه في غيره ضرر يتعين ذلك المكان. وفي " الشامل " شرط على الكفيل أن يسلمه في المسجد الأعظم فسلمه في السوق برئ، لأن المصر كبقعة واحدة، ثم قال فيه: عن أبي يوسف أنه لا يبرأ، لأن الناس لا يعينونه للإحضار، ثم قال: ويجب أن يكون الفتوى على هذا اليوم. م: (وإن سلمه في برية لم يبرأ لأنه لا يقدر على المخاصمة فيها فلم يحصل المقصود، وكذا إذا سلمه في السواد لعدم قاض يفصل الحكم فيه) ش: قال الجوهري: سواد الكوفة، والبصرة قرى، والمفهوم من كلام المصنف أن السواد هي القرى التي ليس فيها قضاة، وأما إذا كان فيها قضاة ينبغي أن يبرأ لقدرته على المخاصمة. م: (ولو سلم في مصر آخر غير المصر الذي كفل فيه برئ -عند أبي حنيفة - للقدرة على المخاصمة فيه) ش: لأن المحاكمة تحقق عنه كل قاض، فصار التسليم في البلدين سواء م: (وعندهما لا يبرأ) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (لأنه قد يكون شهوده فيما عينه) ش: فيتعسر عليه إقامة البينة في بلد آخر. فقيل: هذا اختلاف عصر وزمان، لا اختلاف حجة وبرهان. فأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القرن الثالث والغلبة لأهل الصلاح والقضاة لا يرغبون في الميل إلى الرشوة وتغير الحال في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 425 ولو سلمه في السجن وقد حبسه غير الطالب لا يبرأ لأنه يقدر على المخاصمة فيه. قال: وإذا مات المكفول به برئ الكفيل بالنفس من الكفالة؛ لأنه عجز عن إحضاره، ولأنه سقط الحضور عن الأصيل فيسقط الإحضار عن الكفيل، وكذا إذا مات الكفيل لأنه لم يبق قادرا على تسليم المكفول بنفسه، وماله لا يصلح لإيفاء هذا الواجب بخلاف الكفيل بالمال.   [البناية] زمانهما فظهر الفساد والميل إلى الرشوة وعامل كل مصر لا ينقاد لأمر الخليفة فيفيد التقييد. م: (ولو سلمه في السجن وقد حبسه غير الطالب) ش: أي والحال أن القاضي قد حبسه لأجل غير الطب م: (لا يبرأ لأنه لا يقدر على المخاصمة فيه) ش: وعند مالك يبرأ، وعند أحمد: إن كان في سجن القاضي الذي يرجع الحكم إليه يبرأ وإلا فلا. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا مات المكفول به) ش: وهو المدعى عليه م: (برئ الكفيل بالنفس من الكفالة) ش: وبه قال الشافعي في وجه وأحمد. وقال في أصح الوجهين: يطالب بإحضار الميت ما لم يدفن إذا أراد المكفول إقامة الشهادة على مورثه كما لو تكفل ابتداء ببدن الميت، وعلل المصنف ما ذهب إليه أصحابنا بوجهين: الأول: هو قوله م: (لأنه عجز عن إحضاره) ش: أي إحضار المكفول به وهو المدعى عليه. والثاني: هو قوله م: (ولأنه سقط الحضور عن الأصيل فيسقط الإحضار عن الكفيل) ش: لأن الكفيل الأصيل من الحق المضمون يوجب براءة الكفيل. م: (وكذا) ش: أي وكذا تسقط الكفالة م: (إذا مات الكفيل لأنه لم يبق قادرا على تسليم المكفول) ش: إلا بإحضار النفس وقد سقط الحضور عن الأصيل، فكذا عن الكفيل، لأن براءة المكفول. م: (بنفسه وماله) ش: أي ومال الكفيل م: (لا يصلح لإيفاء هذا الواجب) ش: وهو الإحضار وتسليم المكفول به. حاصله: أنه لا يؤدي ما على المكفول به من تركه الكفيل، لأنه ما التزم بأداء المال، وإنما التزم بتسليم النفس، والمال لا يصلح وفاء لهذا الواجب، وبه قال أحمد والشعبي وشريح وحماد بن أبي سليمان والشافعي في أصح الوجهين وقال مالك والليث: يلزمه ما عليه، وبه قال ابن شريح من أصحاب الشافعي. م: (بخلاف الكفيل بالمال) ش: إذا مات حيث يُؤدى المال من تركه، إذ المقصود هنا إيفاء حق المكفول له في الحال والمآل، والكفيل صالح له فلا تبطل الكفالة فتؤخذ من تركته ويرجع ورثته على المكفول عنه إذا كانت الكفالة بأمره كما في حال الحياة. ولو كان الدين مؤجلا ومات الكفيل قبل الأجل يؤخذ من تركته حالا، ولكن ورثته ترجع على الذي عليه الأصل بعد حلول الأجل، لأنه باق في حق الأصيل لبقاء حاجته، أما الكفيل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 426 ولو مات المكفول له فللوصي أن يطالب الكفيل، وإن لم يكن فلوارثه لقيامه مقام الميت. قال: ومن كفل بنفس آخر ولم يقل إذا دفعت إليك فأنا بريء فدفعه إليه فهو بريء، لأنه موجب التصرف فيثبت بدون التنصيص عليه. ولا يشترط قبول الطالب التسليم كما في قضاء الدين. ولو سلم المكفول به نفسه من كفالته صح لأنه مطالب بالخصومة فكان له ولاية الدفع.   [البناية] فقد استغنى عن الأجل بالموت. كذا في " المبسوط "، وبقولنا قال الشافعي وأحمد. وعن زفر: أن للورثة مطالبته حالا لأنه أدخله في ذلك مع علمه أنه يحل بموته. قلنا: إنه دين مؤجل فلا يجوز قبل الأجل. م: (ولو مات المكفول له فللوصي أن يطالب الكفيل) ش: لقيامه مقام المكفول له م: (وإن لم يكن) ش: أي للوصي م: (فلوارثه) ش: المطالبة م: (لقيامه) ش: أي لقيام الوارث م: (مقام الميت) ش: ويجوز أن يكون الضمير في لقيامه راجعا إلى كل واحد من الوصي والوارث لأن كلا منهما يقوم مقام الميت. م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن كفل بنفس آخر) ش: بالإضافة م: (ولم يقل) ش: أي والحال أنه لم يقل م: (إذا دفعت إليك فأنا بريء فدفعه إليه فهو بريء لأنه) ش: أي لأن دفع المكفول به إلى الطالب، كذا قاله الكاكي. وقال الأكمل: لأنه يعني البراءة وذكره لتذكير الخير وهو الموجب م: (موجب التصرف فيثبت) ش: أي الموجب م: (بدون التنصيص عليه) ش: كثبوت الملك بالشراء وإن لم يصرح به وكحل الاستمتاع يثبت بمجرد النكاح الصحيح فإنه موجبه. وكذا في سائر الموجبات م: (ولا يشترط قبول الطالب التسليم كما في قضاء الدين) ش: إذا سلمه الغاصب إذا رد المغصوب على المالك، والبائع إذا سلم المبيع إلى المشتري، وبه قال مالك وأحمد. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لزمه القبول. ولو امتنع من القبول، قال بعض أصحابه: يرفع الأمر إلى القاضي ويسلمه حتى يبرأ، فإن لم يجدها أو امتنع أحضر شاهدين ليشهدوا على امتناعه، وبه قال بعض أصحاب أحمد، - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولو سلم المكفول به نفسه من كفالته صح) ش: هذه من مسائل " المبسوط " ذكرها تفريعا على ما تقدم م: (لأنه) ش: أي لأن المكفول به م: (مطالب بالخصومة) ش: أي بخصومة المدعي أو مرض من الكفيل، قال شيخنا م: (فكان له ولاية الدفع) ش: أي دفع الخصومة. وفي بعض النسخ: لأنه يطالب بالخصومة. وقال الأترازي: مطالب صح بفتح اللام سماعا، قلت: وكذا قال شيخنا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 427 وكذا إذا سلمه إليه وكيل الكفيل أو رسوله لقيامهما مقامه. قال: فإن تكفل بنفسه على أنه إن لم يواف به إلى وقت كذا فهو ضامن لما عليه، وهو ألف فلم يحضره إلى ذلك الوقت لزمه ضمان المال؛ لأن الكفالة بالمال معلقة بشرط عدم الموافاة، وهذا التعليق صحيح. فإذا وجد الشرط لزمه المال، ولا يبرأ عن الكفالة بالنفس، لأن وجوب المال عليه بالكفالة لا ينافي الكفالة بنفسه، إذ كل واحد منهما للتوثيق. وقال الشافعي: لا تصح هذه الكفالة؛ لأنه   [البناية] العلاء بفتح اللام م: (وكذا) ش: أي وكذا صح م: (إذا سلمه إليه) ش: إذا سلم الكفيل إلى المكفول له م: (وكيل الكفيل أو رسوله) ش: أي أو أسلمه إليه رسول الكفيل م: (لقيامهما) ش: أي لقيام وكيل الكفيل ورسوله م: (مقامه) ش: أي مقام الكفيل. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن تكفل بنفسه على أنه لم يواف به) ش: أي إن لم يأت به وهو من الموافاة، وهو مفاعلة من الوفاء م: (إلى وقت كذا فهو ضامن لما عليه وهو ألف) ش: وقال الكاكي: والتقييد بما عليه مقيد؛ لأنه إذا لم يقل لما عليه لا يلزمه شيء عند عدم الموافاة خلافا لأبي حنيفة وأبي يوسف. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تصح الكفالة، وسيجيء بعد هذا إن شاء الله تعالى. وقال الكاكي أيضا: والتقييد بقوله: وهو ألف غير مفيد، لأنه إذا قال: ما عليه ولم يسم كم هو جاز، لأن جهالة المكفول به لا تمنع صحتها لأنها مبنية على التوسع كضمان الدرك وضمان الشجة، فإنه يصح مع أنه مجهول لا يعلم أنها تسري إلى النفس أم لا. م: (فلم يحضره) ش: أي الألف م: (إلى ذلك الوقت لزمه ضمان المال؛ لأن الكفالة بالمال معلقة بشرط عدم الموافاة، وهذا التعليق صحيح) ش: لأنه متعارف بين الناس وإن كان القياس يأباه، كما لو اشترى نعلا على أن يحذوه البائع. م: (فإذا وجد الشرط لزم المال، ولا يبرأ عن الكفالة بالنفس، لأن وجوب المال عليه بالكفالة لا ينافي الكفالة بنفسه، إذ كل واحد منهما) ش: أي لأن كل واحد من الكفالتين شرع م: (للتوثيق) ش: فيجوز أن يدعي عليه دينا آخر. م: (وقال الشافعي: لا تصح) ش: ذكر في " المبسوط " موضع الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال ابن أبي ليلى م: (هذه الكفالة) ش: إنما قيد بقوله: هذه الكفالة للاحتراز عن سائر الكفالات بالمال بدون النفس بالشرط لا للاحتراز عن الكفالة بالمال، فإن عنده كلتيهما باطلتين، كذا ذكره قاضي خان والمرغيناني. وقال الكاكي على قوله المنصوص بصحة الكفالة بالنص: وتبطل الكفالة بالمال فقط، ويفهم ذلك من كتبهم، وتعليل الكتاب أيضا يدل عليه م: (لأنه) ش: أي لأن هذا التعليق. وفي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 428 تعليق سبب وجوب المال بالخطر فأشبه البيع. ولنا: أنه يشبه البيع ويشبه النذر من حيث إنه التزام، فقلنا: لا يصح تعليقه بمطلق الشرط كهبوب الريح ونحوه، ويصح بشرط متعارف عملا بالشبهين والتعليق بعدم الموافاة متعارف. ومن كفل بنفس رجل، وقال: إن لم يواف به غدا فعليه المال، فإن مات المكفول عنه ضمن المال لتحقق الشرط، وهو عدم الموافاة   [البناية] بعض النسخ هذه الكفالة؛ لأنها م: (تعليق سبب وجوب المال بالخطر) ش: أراد بالسبب الكفالة بالمال؛ لأنها سبب وجوب المال، فيكون تعليقها بالشرط تعليق سبب وجوب المال فلا يصح، لأن المال لا يحتمل التعليق بالخطر لإفضائه إلى معنى القمار م: (فأشبه البيع) ش: أي تعليق البيع بالمال وصار كما إذا قال: إن دخلت الدار فأنا كفيل بمالك على فلان. م: (ولنا أنه) ش: أي أن عقد الكفالة م: (يشبه البيع) ش: أي انتهاء من حيث إن الكفيل يرجع على الأصيل إذا كان يأمره م: (ويشبه النذر من حيث إنه التزام) ش: يعني التزام شيء غير لازم، فعملنا بالشبهين. م: (فقلنا: لا يصح تعليقه بمطلق الشرط) ش: عملا بشبه البيع. م: (كهبوب الريح ونحوه) ش: أراد به دخول الدار ومجيء المطر م: (ويصح بشرط متعارف) ش: عملا بشبه النذر م: (عملا بالشبهين، والتعليق بعدم الموافاة متعارف) ش: وبدخول الدار غير متعارف. م: (ومن كفل بنفس رجل، وقال: إن لم يواف به غدا فعليه المال، فإن مات المكفول عنه ضمن المال لتحقق الشرط وهو عدم الموافاة) ش: لأنه علق الكفالة بالمال بشرط عدم الموافاة بالمكفول به، وقد تحقق الشرط فيوجب المال. فإن قيل: هذه المسألة عين الأولى غير أن في الأولى لم يذكر موت المكفول به وهاهنا ذكره وبه لا يقع الفرق، إذ لزوم المال بموته وعدم موته لا يتفاوت. قلنا: بل بينهما فرق، وهو أنه لم يذكر في بعض النسخ " الجامع " لفظ الغد في هذه المسألة، فكان تعليق الكفالة بالمال بعدم الموافاة مطلقًا وهنا مقيدا، فكان بينهما فرق، إذا المطلق غير المقيد. وقال الأترازي: والفرق بين هذه المسألة ومسألة القدوري التي تقدمت أن في هذه لم يذكر لفظ الغد في أكثر نسخ الجامع الصغير، ولهذا لم يذكره فخر الإسلام والصدر الشهيد وقاضي خان، وإنما ذكر بعضهم فكانت مسألة القدوري مقيدة بوقت وهذه مطلقة عنه فحصل الفرق. والوجه الثاني من الفرق: أن المكفول به هنا مات قبل الغد وفي مسألة القدوري هو حي، ولكن الكفيل لم يواف به في ذلك الوقت فذكر مسألة " الجامع الصغير " إزاحة لوهم بعض الناس أنه ربما يكون فرق بين عدم الموافاة وهو حي وعدم الموافاة وهو ميت، فقال: لا فرق بينهما، بل يجب المال إذا وجد الشرط وهو عدم الموافاة في الوقت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 429 قال: ومن ادعى على آخر مائة دينار، بينها أو لم يبينها، حتى تكفل بنفسه رجل على أنه إن لم يواف به غدا فعليه المائة، فإن لم يواف به غدا فعليه المائة عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-، وقال محمد: إن لم يبينها حتى تكفل به رجل ثم ادعى بعد ذلك لم يلتفت إلى دعواه؛ لأنه علق مالا مطلقا بحظر، ألا يرى أنه لم ينسبه إلى ما عليه، ولا تصح الكفالة على هذا الوجه وإن بينها ولأنه لم تصح الدعوى من غير بيان فلا يجب إحضار النفس، وإذا لم يجب لا تصح الكفالة بالنفس فلا تصح بالمال؛ لأنه بناء عليه، بخلاف ما إذا بين. ولهما أن المال ذكر معرفا فينصرف إلى ما عليه، والعادة جرت بالإجمال في الدعاوي   [البناية] م: (قال: ومن ادعى على آخر مائة دينار بينها) ش: أي بين صفة مائة دينار أنها جيدة أو رديئة أو خليقة أو ركينة. م: (أو لم يبينها حتى تكفل بنفسه رجل على أنه إن لم يواف به غدا فعليه المائة، فإن لم يواف به غدا فعليه المائة عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: وبه قال أحمد م: (وقال محمد: إن لم يبينها حتى تكفل به رجل ثم ادعى بعد ذلك لم يلتفت إلى دعواه) ش: أي إلى دعوى الطالب، وبه قال الشافعي م: (لأنه) ش: أي لأن الكفيل م: (علق مالا مطلقا) ش: أراد بإطلاقه عدم نسبة المائة إلى المال المدعى به حيث لم يقل: تكفلت بمالك عليه م: (بحظر) ش: أي بتردد وهو شرط عدم الموافاة م: (ألا يرى) ش: توضيح لما قبله م: (أنه لم ينسبه إلى ما عليه) ش: حيث لم يقل التي لك على فلان. م: (ولا تصح الكفالة على هذا الوجه وإن بينها) ش: أي لا تصح الكفالة على وجه تعليق المال مطلقا بحظر، وإن بين صفة المائة من الجودة والرداءة والوسط، وذلك لاحتمال أن يلتزم المائة على وجه الرشوة للمدعي حتى يترك المدعى عليه في الحال، هكذا ذكر الماتريدي. م: (ولأنه لم تصح الدعوى) ش: هذا وجه آخر منسوب إلى الشيخ الإمام أبي الحسن الكرخي م: (من غير بيان فلا يجب إحضار النفس) ش: إلى مجلس القاضي لفساد الدعوى بجهالة المدعى به م: (وإذا لم يجب لا تصح الكفالة بالنفس فلا تصح بالمال لأنه بناء عليه) ش: أي لأن عقد الكفالة بالمال بناء على عقد الكفالة بالنفس، وهذا يوجب أن تصح الكفالة بالنفس إذا بين المال، وهو معنى قوله م: (بخلاف ما إذا بين) ش: أي المال، حيث تصح الكفالة بالنفس. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- م: (أن المال ذكر معرفا فينصرف إلى ما عليه) ش: يعني أن المال في قول الكفيل ذكر معرفا، حيث قال: إن لم يواف به غدا فعليه المال فينصرف إلى ما على الأصيل لأنه هو المعهود م: (والعادة جرت بالإجمال في الدعاوي) ش: أي العادة جرت بين الناس أنهم يحملون الدعوى أولا في غير مجلس القاضي، وبينوه عند القاضي دفعا لحيل الخصوم وصرفا لكلامهم إلى وقت الحاجة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 430 فتصح الدعوى على اعتبار البيان، فإذا بين التحق البيان بأصل الدعوى فتبين صحة الكفالة الأولى فيترتب عليها الثانية. قال: ولا يجوز الكفالة بالنفس في الحدود والقصاص عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - معناه لا يجبر عليها عنده   [البناية] فإذا كان كذلك م: (فتصح الدعوى على اعتبار البيان) ش: من جهته م: (فإذا بين التحق البيان بأصل الدعوى) ش: يعني إلى ابتداء الدعوى، فإذا كان كذلك م: (فتبين صحة الكفالة الأولى) ش: وهي الكفالة بالنفس م: (فيترتب عليها الثانية) ش: أي الكفالة الثانية وهي الكفالة بالمال، ويكون القول له في هذا الباب، لأنه يدعي صحة الكفالة، والكفيل يدعي الفساد. [الكفالة بالنفس في الحدود والقصاص] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يجوز الكفالة بالنفس في الحدود والقصاص عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: إلى هنا لفظ القدوري، وقوله م: (معناه لا يجبر عليها عنده) ش: من كلام المصنف، أي معنى قول القدوري: لا تجوز الكفالة بالنفس لا يجبر من عليه الحد أو القصاص على الكفالة، حاصل الكلام: من توجه عليه الحد أو القصاص إذا طلب منه كفيل بنفسه بأن يحضره في مجلس القضاء لإثبات ما يدعيه المدعى عليه فامتنع عن إعطائه لا يجبر عليه عند أبي حنيفة، وعلى هذا يكون معنى قوله: ولا تجوز الكفالة لا يجوز إجبار الكفالة بحذف المضاف وإسناد الجواز إلى الكفالة مجازا. وقال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ": معنى قول محمد: لا كفالة في الحدود والقصاص - أن القاضي لا يفعل ذلك، لأن فيه احتيالا للإثبات، والشرع أمر بالدرء وهو خلافه، ثم قال فخر الإسلام: وهذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذكر الشيخ الإمام علاء الدين الأسبيجابي في أول باب الكفالة من " شرح مختصر الكافي " أن الكفالة بنفس من عليه حد القذف وحد السرقة ومن عليه القصاص في النفس وما دون النفس يصح، وإنما الخلاف في الجبر على إعطاء الكفيل في الحدود، لا يجبر بالإجماع. وفي القصاص لا يجبر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعند صاحبيه يجبر. وفي " الشامل " وفي القصاص وحد القذف والسرقة جازت الكفالة بالنفس ولا تجوز الكفالة بنفس الحد، وفيه أيضا: لا تجوز كفالة في قصاص واحد، ويقول القاضي لمدعي القذف: الزمه إلى قيامي إن كانت بينتك حاضرة، عند أبي حنيفة. وعندهما يأخذ كفيلا ثلاثة أيام، ثم قال: والخلاف في أمر القاضي بإعطائه لا في الصحة، فإنه لو كفل إنسان صح، وذكر الكرخي: أن الكفالة بالنفس في الحدود والقصاص جائزة في قولهم جميعا إذ بدلهما المطلوب بنفسه، ولكن هل للقاضي أن يأمره بالكفيل إذا طلب الخصم؟ قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يأخذ القاضي منه كفيلا، ولكن يحبسه حتى تقام عليه البينة أو تستوفى، كذا ذكر صاحب " التحفة "، ثم لا يحبسه القاضي في الحدود والقصاص حتى يشهد شاهدان مستوران أو شاهد عدل يعرفه القاضي فيشهد أنه زنى أو قتل فيحبسه القاضي حينئذ لثبوت التهمة بأحد شطري الشهادة من العدد والعدالة حتى يشهد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 431 وقالا: يجبر في حد القذف لأن فيه حق العبد وفي القصاص لأنه خالص حق العبد،   [البناية] عليه الشهود العدول، وقد صح «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حبس رجلا بالتهمة» . بخلاف الأموال حيث لا يحبس فيها بشهادة الواحد. وفي " شرح الأقطع " فإن قيل: فقد قال أبو حنيفة: يحبس، والتوثق بالحبس أعظم من التوثق بالكفيل. قيل له: ليس الحبس للتوثق، وإنما هو للتهمة والحبس بها واجب، ونقل الناطقي في "أجناسه" عن " نوادر ابن رستم " في التعزير: لا يحبس حتى يسأل عن عدالة الشهود وتقبل فيه الشهادة على شهادة النساء مع الرجال، ويجوز فيه العفو وتصح فيه الكفالة وهو حق الآدمي. وفي " نوادر أبي يوسف " رواية ابن سماعة في الذي يجمع الخمر ويشربه، ويترك الصلاة: أحبسه وأؤدبه ثم أخرجه ومن يتهم بالقتل والسرقة وضرب الناس فإني أحبسه وأخلده في السجن إلى أن يتوب، لأن شر هذا على الناس وشر الأول على نفسه وبقول أبي حنيفة في هذا الباب قال أحمد والشافعي في قول وقول أكثر أهل العلم. م: (وقالا: يجبر في حد القذف) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد: يجبر المدعى عليه في حد القذف على الكفالة، وبه قال الشافعي في قول، وعن مالك مثله م: (لأن فيه) ش: أي في حد القذف م: (حق العبد) ش: ولهذا يشترط الدعوى فيه، وإن كان الغالب حق الله تعالى والمدعي يحتاج إلى أن يجمع بين الشهود وبين المطلوب، والمطلوب قد يخفي نفسه فيحتاج إلى أن يأخذ منه كفيلا، وألحق الإمام المحبوبي حد السرقة بحد القذف في الجبر بالكفالة على قولهما، وفي الجواز بغير الجبر على قول أبي حنيفة لأنه من الحدود التي يتعلق بها حق العباد. وقال المرغيناني: ليس نفس الجبر هنا الحبس لكن يأمره بالملازمة وليس تفسير الملازمة المنع من الذهاب لكن يذهب الطالب مع المطلوب فيدور ومعه أينما دار كيلا يغيب، فإذا انتهى إلى باب الدار وأراد الدخول ليستأذنه الطالب في الدخول فإن أذن له في الدخول يدخل معه وليكن حيث يسكن وإن لم يأذن يحبسه في باب داره ويمنعه من الدخول. م: (وفي القصاص) ش: أي يجبر في القصاص أيضا م: (لأنه خالص حق العبد) ش: فيجري الجبر في أخذ الكفيل كما في سائر حقوقه. وقال الأترازي: وفيه نظر، لأن القصاص مما اجتمع فيه الحقان حق الله تعالى من حيث إخلاء العالم عن الفساد، وحق العبد من حيث يشفي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 432 بخلاف الحدود الخالصة لله تعالى. ولأبي حنيفة قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "لا كفالة في حد" من غير فصل، ولأن مبنى الكل على الدرء فلا يجب فيها الاستيثاق، بخلاف سائر الحقوق لأنها تندرئ بالشبهات فيليق بها الاستيثاق كما في التعزير. ولو سمحت نفسه به   [البناية] الصدور. ولكن حق العبد فيه غالب لصحة الاعتياض والعفو م: (بخلاف الحدود الخالصة لله تعالى) ش: أراد بها حد الزنا وشرب الخمر، يعني لا يجوز الكفالة فيها بالاتفاق. م: (ولأبي حنيفة قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا كفالة في حد» ش: قال الأكمل: قيل: هذا من كلام شريح لا من كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكره الخصاف في أدب القاضي عن شريح، وقال الصدر الشهيد في " أدب القاضي ": روي هذا الحديث مرفوعا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكذا قاله الأترازي بعينه، ثم قال في آخره: ولنا في رفعه نظر. قلت: هذا أخرجه البيهقي في سننه عن بقية عن عمر بن أبي عمر الكلاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا كفالة في حد» . وقال: تفرد به عمر بن أبي عمر الكلاعي، وهو من مشايخ بقية المجهولين ورواياته منكرة، انتهى. ورواه ابن عدي في "الكامل" عن عمر الكلاعي، فأعله به، وقال: إنه مجهول لا أعلم أنه روى عنه غير بقية كما يروي عن سائر المجهولين وأحاديثه منكرة غير محفوظة. م: (من غير فصل) ش: يعني لم يفرق بين حد فيه حق العبد وبين حد هو خالص حق الله تعالى، فلا تجوز الكفالة في جميع الحدود. م: (ولأن مبنى الكل على الدرء) ش: أي على الدفع. م: (فلا يجب فيه الاستيثاق) ش: يعني بالتكفل، فإذا لم يكفل عنده ماذا يصنع به. قال في " جامع البرهاني ": يلازمه إلى وقت قيام القاضي عن المجلس، فإن أحضر البينة فيها وإلا خلى سبيله، هذا إذا لم يكن شاهدا عدلا أو شاهدين غير مستورين، فإن أقام يحبس لا للتكفيل بل للتهمة م: (بخلاف سائر الحقوق) ش: حيث يجب فيه الاستيثاق بالتكفيل م: (لأنها تندرئ بالشبهات فيليق بها الاستيثاق كما في التعزير) ش: أي يحبس المطلوب على إعطاء الكفيل فيما يجب فيه التعزير؛ لأنه محض حق العبد ويثبت مع الشبهات، وبالشهادة على الشهادة ويحلف فيه فيجبر فيه كالأموال. م: (ولو سمحت نفسه به) ش: أي نفس المدعى عليه بإعطاء الكفيل للطالب من غير جبر عليه، يعني لو تبرع بإعطاء الكفيل وسامح في ذلك نفس المطلوب وبدل الكفيل بنفسه في القصاص الجزء: 8 ¦ الصفحة: 433 يصح بالإجماع، لأنه أمكن ترتيب موجبه عليه؛ لأن تسليم النفس فيها واجب فيطالب به الكفيل فيتحقق الضم. قال: ولا يحبس فيها حتى يشهد شاهدان مستوران أو شاهد عدل يعرفه القاضي؛ لأن الحبس للتهمة هاهنا، والتهمة تثبت بأحد شطري الشهادة، إما العدد أو العدالة، بخلاف الحبس في باب الأموال لأنه أقصى عقوبة فيه فلا يثبت إلا بحجة كاملة   [البناية] وحد القذف والسرقة م: (يصح) ش: أي الكفالة م: (بالإجماع) ش: وفي " الجنازية ": هذا في حد للعباد فيه حق كحد القذف، أما في حد ليس للعبد فيه حق لا يجوز الكفالة وإن سمحت به نفسه. وقال أحمد والشافعي بعدم المطالبة فيه م: (لأنه أمكن ترتيب موجبه عليه) ش: موجبه التزام المطالبة. وقال تاج الشريعة: أي موجب عقد الكفالة وهو ضم الذمة في المطالبة، والضمير فيه يرجع إلى التكفيل، وفي "عليه" إلى التكفيل م: (لأن تسليم النفس فيها) ش: أي في الحدود، ويروى "فيهما" بضمير التثنية، أي في حد القذف والقصاص م: (واجب فيطالب به الكفيل فيتحقق الضم) ش: وهو ضم الذمة إلى الذمة في المطالبة. م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير " - وليس في كثير من النسخ لفظ قال - م: (ولا يحبس فيهما) ش: أي في الحدود، وفي بعض النسخ فيهما أي في حد القذف والقصاص م: (حتى يشهد شاهدان مستوران أو شاهد عدل يعرفه القاضي) ش: أي يعرف كونه عدلا قيد به لأنه لو كان مجهولا لا يحبسه م: (لأن الحبس للتهمة هاهنا) ش: التهمة بضم التاء وفتح الهاء، ويجوز بالإسكان أيضا. وقال ابن الأثير: التهمة فعلة من الوهم والتاء بدل من الواو وقد تفتح الهاء واتهمته أي ظننت فيه ما نسب إليه، من وهمت الشيء أهمه وهما من باب ضرب أي وقع في خلدي، والوهم ما يقع في القلب من الخاطر، ومعنى الحبس للتهمة تهمة الفساد، وهنا للاحتياط وشهادة المستورين تصلح لإثبات الحكم فيصلح لإثبات التهمة، وخبر الواحد حجة في الديانات والمعاملات فيثبت بشهادة العدل التهمة وإن لم تثبت أصل الحق، والحبس لتهمة الفساد مشروع، لما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده «عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه حبس رجلا بالتهمة» . م: (والتهمة تثبت بأحد شطري الشهادة إما العدد أو العدالة) ش: العدد اثنان، والعدالة في الواحد وقد مر أن الحبس للتهمة من باب دفع الفساد وهو من الديانات فيثبت بأحد شطريها م: (بخلاف الحبس في باب الأموال) ش: حيث لا يحبس فيه بشهادة الواحد م: (لأنه) ش: أي لأن الحبس م: (أقصى عقوبة فيه) ش: أي في باب الأموال م: (فلا يثبت إلا بحجة كاملة) ش: فلا يجوز أن يعاقب به قبل ثبوت الحدود والقصاص به، أما في الحدود والقصاص والتعزير أقصى العقوبة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 434 وذكر في " أدب القاضي " أن على قولهما لا يحبس في الحدود والقصاص بشهادة الواحد لحصول الاستيثاق بالكفالة. قال: والرهن والكفالة جائزان في الخراج؛ لأنه دين مطالب به ممكن الاستيفاء فيمكن ترتيب موجب العقد عليه فيهما. قال: ومن أخذ من رجل كفيلا بنفسه ثم ذهب وأخذ منه كفيلا آخر فهما كفيلان؛ لأن موجبه التزام المطالبة وهي متعددة؛   [البناية] القتل، إذ الضرب والحبس نوع عقوبة، فجاز أن يعاقب به قبل ثبوت الحد والقصاص م: (وذكر في أدب القاضي) ش: ذكر على صيغة المجهول م: (أن على قولهما) ش: أي على قول أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- م: (لا يحبس في الحدود والقصاص بشهادة الواحد لحصول الاستيثاق بالكفالة) ش: يعني أن عندهما لما كانت الكفالة ثابتة في الحدود والقصاص لم تقع الحاجة إلى الحبس، لأن الاستيثاق يحصل بالكفالة. وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا كفالة فيها جبرا فيحبس كي يشهد عليه الشهود العدول. م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (والرهن والكفالة جائزان في الخراج لأنه) ش: أي لأن الخراج م: (دين مطالب به) ش: ألا ترى أنه يحبس به ويلازم لأجله ومنع وجوب الزكاة فيجوز الكفالة والرهن به كسائر الديون، كذا في " الفوائد الظهيرية ". فإن قيل: يشكل على هذا الزكاة فإنه دين مطالب من جهة العباد في الأموال الظاهرة الإمام، وفي الباطنة نائبه وهو المالك كما مر في الزكاة، ولا يجوز الكفالة بدين الزكاة. قلنا: قال التمرتاشي: إنما لا يصح لأن الزكاة ليست بدين بل هو تمليك المال، ولهذا لا يؤخذ من تركته عندنا بخلاف الخراج، فإنه يؤخذ من تركته. م: (ممكن الاستيفاء) ش: راجع إلى الرهن، لأن الرهن توثيق لجانب الاستيفاء فهذا من باب اللف والنشر الغير مرتب، لأن قوله: دين يطالب به يرجع إلى الكفالة م: (فيمكن ترتيب موجب العقد عليه فيهما) ش: المراد بالعقد الكفالة والرهن وموجب الكفالة كونها مشروعة لتحمل المطالبة، وموجب الرهن كونه مشروعا بمضمون يمكن استيفاؤه من الرهن والضمير في "عليه" يرجع إلى الخراج، وفي "فيهما" يرجع إلى الرهن والكفالة. [أخذ من رجل كفيلا بنفسه ثم ذهب وأخذ منه كفيلا آخر] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أخذ من رجل كفيلا بنفسه ثم ذهب وأخذ منه كفيلا آخر فهما كفيلان) ش: أي ذهب الطالب وأخذ من المطلوب وهو المديون كفيلا آخر، فهما -أي الأول والثاني- كفيلان م: (لأن موجبه) ش: أي موجب عقد الكفالة م: (التزام المطالبة وهي متعددة) ش: ألا ترى أنهما لو كفلا جميعا بنفسه معا جاز، فكذا إذا كفلا على التعاقب ثم أسلم أحدهما نفس الأصيل إلى الطالب برئ هو دون الآخر وليس هذا كالدين، فإنه لو قضى أحد الكفيلين لدين واحد يبرآن، وفي " التفاريق ": والكفلاء الثلاثة في العقد الواحد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 435 والمقصود التوثق، وبالثانية يزداد التوثق فلا يتنافيان. وأما الكفالة بالمال فجائزة، معلوما كان المكفول به أو مجهولا إذا كان دينا صحيحا، مثل أن يقول: تكفلت عنه بألف، أو بما لك عليه، أو بما يدركك في هذا البيع؛ لأن مبنى الكفالة على التوسع فيحتمل فيها الجهالة،   [البناية] أيهم سلم الأصيل كتسليمهم. وفي " الشافي ": ثلاثة كفلوا بألف طالب كل واحد بثلث الألف، وإن كفلوا على التعاقب يطالب كل واحد بالألف، كذا ذكره شمس الأئمة والمرغيناني والتمرتاشي، ومذهب الشافعي لا يتأتى هنا؛ لأن الكفالة بالنفس عنده لا تصح، كذا قاله الأترازي، وفي قول ابن أبي ليلى يرى الكفيل الأول م: (والمقصود) ش: من عقد الكفالة م: (التوثيق، وبالثانية) ش: أي وبالكفالة الثانية م: (يزداد التوثق فلا يتنافيان) ش: أي الكفالتان. فإن قيل: لما أخذ الطالب والمطلوب وأخذ منه كفيلا فقد صار مستوفيا للنفس حين صارت في يده فلم لا يبرأ الكفيل الأول بمنزلة الكفيل بالدين إذا أخذ الطالب من المطلوب الدين برئ الكفيل. قيل له: لأن الطالب إذا أخذ الدين لم يبق له حق، وهاهنا حقه باق وتسليم النفس إليه يحتاج إليه في كل وقت حتى يستخرج حقه، انتهى. قلت: نفس السؤال دليل ابن أبي ليلى على قوله برئ الكفيل الأول، والجواب جواب عنه فافهم. م: (وأما الكفالة بالمال) ش: لما قسم المصنف الكفالة على قسمين كفالة بالنفس وكفالة بالمال وبين الأول فشرع في بيان الثاني بقوله م: (فجائزة) ش: وهو جواب أما، وهذا لا خلاف فيه إذا كان المال معلوما، وأما إذا كان المال مجهولا فكذلك جائز عندنا، وهو معنى قوله م: (معلوما كان المكفول به أو مجهولا) ش: وقال الشافعي: لا يجوز إذا كان مجهولا، وصورة المعلوم مثل قوله تكفلت عنه بألف، وصورة المجهول مثل قوله: تكفلت عنه بمالك عليه. والآن بينه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولكن فيه شرط عندنا، أشار إليه بقوله م: (إذا كان دينا صحيحا) ش: احترز به عن بدل الكتابة، ويجيء الآن أيضا م: (مثل أن يقول: تكفلت عنه بألف) ش: هذا صورة المعلوم م: (أو بما لك عليه) ش: أي أو قال: تكفلت عنه بما لك عليه، وهذا هو صورة المجهول م: (أو بما يدركك في هذا البيع) ش: أي أو يقول: تكفلت عنه بما يدركك من العوارض في هذا البيع م: (لأن مبنى الكفالة على التوسع) ش: لأنها تبرع ابتداء فلا يمنع صحتها الجهالة المستدركة اليسيرة م: (فيحتمل فيها) ش: أي في الكفالة م: (الجهالة) ش: أي جهالة المكفول به، وبقولنا قال مالك وأحمد والشافعي في القديم. وقال في الجديد: لا يصح ضمان المجهول وهو قول الليث والثوري وابن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 436 وعلى الكفالة بالدرك إجماع، وكفى به حجة، وصار كما إذا كفل لشجة صحت الكفالة وإن احتملت السراية أو الاقتصار. وشرط أن يكون دينا صحيحا، ومراده أن لا يكون بدل الكتابة، وسيأتيك في موضعه إن شاء الله تعالى. قال: والمكفول له بالخيار إن شاء طالب الذي عليه الأصل، وإن شاء طالب كفيله لأن الكفالة ضم الذمة إلى الذمة في المطالبة، وذلك يقتضي قيام الأول لا البراءة عنه،   [البناية] أبي ليلى وابن المنذر قالوا لأنه التزام، قال: فلم يصح مجهولا كالثمن في البيع. ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] (يوسف: الآية 72) . لأن حمل البعير يختلف باختلاف البعير، وعموم قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الزعيم غارم» . م: (وعلى الكفالة بالدرك إجماع) ش: إجماع مبتدأ وخبره هو قوله: مقدما على الكفالة بالدرك، وأراد به زيادة الإيضاح على صحة الكفالة بجهالة المكفول به فإنه يصح بالإجماع، وفي " الأقطع ": ونص الشافعي على جواز ضمان الدرك، وهو عبارة عن ضمان الاستحقاق وهو مجهول، وهو أن يقول للمشتري: أنا ضامن للثمن إن استحق المبيع أحد والدرك بتحريك الراء وتسكينها التبعة، يقال: ما لحقك من درك فعلي خلاصه. فإن قيل: هذا ضمان مال مجهول فلا يصح كما لو قال: ضمنت لك بعض مالك على فلان. فقيل له: هذا يصح عندنا والخيار فيه إلى الضامن يبين أي مقدار شاء م: (وكفى به) ش: أي بالإجماع م: (حجة) ش: والإجماع من أقوى الحجج م: (وصار) ش: أي حكم هذا المذكور م: (كما إذا كفل لشجة) ش: أي خطأ م: (صحت الكفالة) ش: مع أن فيها جهالة. م: (وإن احتملت السراية) ش: إلى النفس م: (أو الاقتصار) ش: عليه بدون السراية بخلاف الكفالة بشجة عمدا لأن فيها القصاص ولا تصح الكفالة بالقصاص م: (وشرط) ش: أي القدوري م: (أن يكون) ش: المكفول به م: (دينا صحيحا) ش: وذلك في قوله: وأما الكفالة بالمال فجائزة، معلوما كان المكفول به أو مجهولا إذا كان دينا صحيحا، وهذا لفظ القدوري في "مختصره" م: (ومراده) ش: أي مراد القدوري من قوله إذا كان دينا صحيحا م: (أن لا يكون بدل الكتابة) ش: لأن الكفالة ببدل الكتابة لا تصح، لأنه ليس بدين صحيح، لأن الدين الصحيح لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء فيسقط بدل الكتابة بدونهما بتعجيز النفس م: (وسيأتيك في موضعه إن شاء الله تعالى) ش: في كتاب المكاتب. م: (قال) ش: أي القدوري م: (والمكفول له بالخيار إن شاء طالب الذي عليه الأصل) ش: أي الدين م: (وإن شاء طالب كفيله؛ لأن الكفالة ضم الذمة إلى الذمة في المطالبة، وذلك يقتضي قيام الأول) ش: أي الذمة الأولى م: (لا البراءة عنه) ش: أي لا يستدعي البراءة عنها خلافا لما يقول ابن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 437 إلا إذا شرط فيه البراءة، فحينئذ تنعقد حوالة اعتبارا للمعنى كما أن الحوالة بشرط أن لا يبرأ بها المحيل يكون كفالة. ولو طالب أحدهما له أن يطالب الآخر وله أن يطالبهما؛ لأن مقتضاه الضم، بخلاف المالك إذا اختار تضمين أحد الغاصبين، لأن اختياره أحدهما يتضمن التمليك منه فلا يمكنه التمليك من الثاني، أما المطالبة بالكفالة فلا يتضمن التمليك فوضح الفرق. قال: ويجوز تعليق الكفالة بالشروط، مثل أن يقول: ما بايعت فلانا فعلي أو ما ذاب لك   [البناية] أبي ليلى: إن الكفالة توجب براءة الأصيل. وقال الكاكي: قوله وإن شاء طالب الكفيل. قاله أكثر العلماء، وعن مالك في رواية عنه أنه لا يطالب الكفيل إلا إذا تعذر المطالبة عن الأصيل م: (إلا إذا شرط فيه البراءة) ش: أي إلا إذا شرط عقد الكفالة براءة الأصيل م: (فحينئذ تنعقد) ش: أي الكفالة م: (حوالة اعتبارا للمعنى) ش: وهو أنه أتى بخاصية الحوالة. فإن نوى على ما في الكفيل يرجع على الأصيل عندنا خلافا للشافعي والثوري بأحد الأمور الثلاثة، وسيجيء بيانه في "كتاب الحوالة" إن شاء الله تعالى. م: (كما أن الحوالة بشرط أن لا يبرأ بها) ش: أي بالكفالة م: (المحيل يكون كفالة، ولو طالب أحدهما) ش: أي ولو طالب المكفول له أحد الاثنين وهما الكفيل والأصيل م: (له أن يطالب الآخر) ش: لأن مطالبة أحدهما لا تسقط مطالبة الآخر م: (وله أن يطالبهما) ش: أي الكفيل والأصيل جميعا م: (لأن مقتضاه) ش: أي مقتضى عقد الكفالة م: (الضم) ش: أي ضم الذمة إلى الذمة. م: (بخلاف المالك) ش: أي مالك الشيء الذي غصب منه غاصب وغصب من الغاصب غاصب آخر م: (إذا اختار تضمين أحد الغاصبين) ش: وهما الغاصب وغاصب الغاصب فليس له أن يضمن الآخر بعد ذلك م: (لأن اختياره) ش: أي اختيار المالك تضمين م: (أحدهما) ش: أي أحد الغاصبين م: (يتضمن التمليك منه) ش: أي من الذي اختار تضمينه يعني إذا قضى القاضي بذلك، كذا في " المبسوط " م: (فلا يمكنه التمليك من الثاني) ش: أي من الغاصب الثاني، لأنه من المحال أن يملك العين الواحدة جميعا لاثنين في زمان واحد. م: (أما المطالبة بالكفالة فلا يتضمن التمليك) ش: ما لم يوجد الاستيفاء حقيقة فلا يمنع مطالبة أحدهما مطالبة الآخر. م: (فوضح الفرق) ش: بين المسألتين. [تعليق الكفالة بالشروط] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجوز تعليق الكفالة بالشروط مثل أن يقول: ما بايعت فلانا فعلي) ش: قيد بقوله: فلانا ليصير المكفول له معلوما، إذ جهالته تمنع صحة الكفالة، حتى لو قال: ما بايعت من الناس فأنا لذلك ضامن، لا يجوز لجهالة المكفول عنه والمكفول به فتفاحشت الجهالة، بخلاف الأول، لأن الجهالة فهي يسيرة متحملة، كذا في " الإيضاح " م: (أو ما ذاب لك) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 438 عليه فعلي، أو ما غصبك فعلي، والأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] (يوسف: الآية 72) . والإجماع منعقد على صحة ضمان الدرك. ثم الأصل أنه يصح تعليقها بشرط ملائم لها مثل أن يكون شرطا لوجوب الحق كقوله: إذا استحق المبيع أو لإمكان الاستيفاء مثل قوله: إذا قدم زيد وهو مكفول عنه، أو لتعذر الاستيفاء مثل قوله: إذا غاب عن البلدة، وما ذكر من الشروط في معنى ما ذكرناه، فأما لا يصح التعليق بمجرد الشرط كقوله: إن هبت الريح أو جاء المطر، وكذا إذا جعل واحدا منهما آجلا إلا أنه تصح الكفالة ويجب المال حالا؛ لأن الكفالة لما صح تعليقها بالشرط لا تبطل بالشروط الفاسدة   [البناية] ش: أي أو يقول ما ذاب لك أي ما وجب وثبت لك م: (عليه) ش: أي على فلان فهو م: (فعلي) ش: ولفظ ذاب مستعار من ذوب الشحم، كذا في " المغرب ". م: (أو ما غصبك) ش: أي أو يقول: ما غصبك فلان أي ما غصب منك م: (فعلي) ش: أي فهو علي، والياء مشددة في لفظة علي في ثلاثة مواضع م: (والأصل فيه) ش: أي في باب تعليق الكفالة بالشروط الملائمة م: (قَوْله تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] (يوسف: الآية 72)) ش: فإنه يدل على أن جهالة المكفول به لا تمنع صحة الكفالة، إذ حمل البعير مجهول، وقد مر بيانه. والأصل فيه أن شرائع من قبلنا تلزمنا ما لم ينص الله تعالى على إنكاره م: (والإجماع منعقد على صحة ضمان الدرك) ش: أي الإجماع انعقد على صحة ضمان الدرك، وقد مر الكلام فيه عن قريب. م: (ثم الأصل) ش: في هذا الباب م: (أنه يصح تعليقها) ش: أي تعليق عقد الكفالة م: (بشرط ملائم لها) ش: لمقتضى العقد م: (مثل أن يكون شرطا لوجوب الحق كقوله: إذا استحق المبيع) ش: فأنا ضامن لذلك م: (أو لإمكان الاستيفاء مثل قوله: إذا قدم زيد وهو مكفول عنه أو لتعذر الاستيفاء مثل قوله: إذا غاب عن البلدة) ش: أي إذا غاب المكفول عنه عن البلدة فأنا ضامن لك بما عليه م: (وما ذكر من الشروط) ش: أي في أصل المسألة مثل: ما بايعت، وما ذاب، وما غصب م: (في معنى ما ذكرناه) ش: أي بمعنى الأصل الذي ذكرناه وهو أن كل شرط ملائم لعقد الكفالة يصح تعليقها به. م: (فأما لا يصح التعليق بمجرد الشرط) ش: يعني غير ملائم م: (كقوله إن هبت الريح) ش: فأنا كفيل لك بما عليه م: (أو جاء المطر) ش: أي إن جاء المطر فأنا كفيل م: (وكذا) ش: أي وكذا لا يصح م: (إذا جعل واحدا منهما آجلا) ش: يعني إذا جعل هبوب الريح أو مجيء المطر آجلا لكفالة يبطل الأجل م: (إلا أنه تصح الكفالة ويجب المال حالا؛ لأن الكفالة لما صح تعليقها بالشروط لا تبطل بالشروط الفاسدة) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 439 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقال الكاكي: قوله إلا أن تصح الكفالة إلى آخره، اعلم أن في هذا اللفظ نوع اشتباه، لأنه إن أراد بقوله لما يصح تعليقها بالشرط لا تبطل بالشروط الفاسدة ابتداء تعليق الكفالة بالشرط، فإن هناك لا يصير كفيلا أصلا، ذكره في " المبسوط "، وإن أراد بهذا اللفظ تأجيل الكفالة إلى هذه الشروط الفاسدة فهذا تأجيل. والتأجيل غير التعليق ذكره في " فتاوى قاضي خان "، فكيف يصح تعليله بقوله: لما صح تعليقها بالشرط لا تبطل بالشروط الفاسدة، إلا إن أراد بالتعليق التأجيل بجامع أن في كل منهما عدم ثبوت الحكم في الحال فحينئذ يصح، وقلد المصنف في هذا الاستعمال لفظ " المبسوط "، فإنه ذكرها هكذا وذكر التعليق وأراد التأجيل. وقال الأكمل هنا: وفي كلامه نظر من أوجه: الأول: أن قوله: لا يصح التعليق يقتضي نفي جواز التعليق لا نفي جواز الكفالة، مع أن الكفالة لا تجوز. الثاني: أن قوله: وكذا إذا جعل معطوفا على قوله: فأما لا يصح فيكون تقديره وكذا لا يصح إذا جعل ولا يخلو، إما أن يكون فاعل يصح هو التعليق أو الكفالة، إذ لم يذكر المصنف ثالثا. والأول: لا يجوز، إذ لا معنى لقوله وكذا لا يصح التعليق إذا جعل كل واحد منهما آجلا. والثاني: كذلك لقوله بعده: إلا أنه تصح الكفالة. والثالث: أن الدليل لا يطابق المدلول؛ لأن المدلول بطلان الأجل مع صحة الكفالة والدليل صحة تعليقها بالشرط، وعدم بطلانها بالشروط الفاسدة، ومع ذلك فليس بمستقيم، لأنها تبطل بالشرط المحض وهو أول المسألة. ويمكن أن يجاب عن الأول بأن حاصل الكلام ينفي جواز الكفالة المعلقة بهما، والمجموع ينتفي بانتفاء جزئه، لا يقال نفي الكفالة المؤجلة كنفي المعلقة، ولا تنتفي الكفالة بانتفاء الأجل، لأن الإيجاب المعلق نوع، إذ التعليق يخرج العلة عن العلية، كما عرف في موضعه، والأجل عارض بعد العقد، فلا يلزم من انتفائه انتفاء معروضه. وعن الثاني بأن فاعل يصح المقدر وهو الأجل، وتقديره: وكما لا يصح الأجل إذا جعل كل واحد منهما آجلا. وعن الثالث بأن الراد بالتعليق بالشرط الأجل مجازا بقرينة قوله، ويجب المال حالا، وتقديره لأن الكفالة لما صح تأجيلها بأجل متعارف لم تبطل بالأجل الفاسد كالطلاق والعتاق، ويجوز المجاز وعدم الثبوت في الحال في كل واحد منهما. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 440 كالطلاق والعتاق. فإن قال: تكفلت بما لك عليه فقامت البينة بألف عليه ضمنه الكفيل؛ لأن الثابت بالبينة كالثابت معاينة فيتحقق ما عليه فيصح الضمان به. وإن لم تقم البينة فالقول قول الكفيل مع يمينه في مقدار ما يعترف به؛ لأنه منكر للزيادة، فإن اعترف المكفول عنه بأكثر من ذلك لم يصدق على كفيله؛ لأنه إقرار على الغير ولا ولاية له عليه. ويصدق في حق نفسه لولايته عليها.   [البناية] م: (كالطلاق والعتاق) ش: أي كما أن الشرط المجهول في الطلاق والعتاق يبطل ويصح الطلاق والعتاق بأن قال: أعتقت عبدي، أو قال: طلقت امرأتي إلى قدوم الحاج أو الحاصد أو القطاف م: (فإن قال: تكفلت عنه بما لك عليه) ش: فإن قال شخص لآخر: تكفلت عنه بما لك عليه من المال م: (فقامت البينة بألف عليه ضمنه الكفيل) ش: أي ضمن الألف الكفيل م: (لأن الثابت بالبينة كالثابت معاينة فيتحقق ما عليه) ش: أي ما على الكفيل م: (فيصح الضمان به) ش: فصار كأنه ضمن بالألف الذي عليه فلزمه ذلك م: (وإن لم تقم البينة فالقول قول الكفيل مع يمينه في مقدار ما يعترف به) ش: لأنه مال مجهول لزمه بقوله فالقول قوله، كما لو أقر بشيء مجهول م: (لأنه منكر للزيادة) ش: فالقول قول المنكر مع يمينه كالمدعى عليه بالمال م: (فإن اعترف المكفول عنه بأكثر من ذلك) ش: أي مما يعترف به الكفيل م: (لم يصدق على كفيله؛ لأنه إقرار على الغير ولا ولاية له عليه ويصدق في حق نفسه لولايته عليها) ش: أي على نفسه. والحاصل أن إقرار المكفول عنه تضمن شيئين، أحدهما على نفسه، والآخر على الكفيل، فيصدق في إقراره على نفسه، لأن له ولاية على نفسه، ولا يصدق على الكفيل لعدم ولايته عليه. وفي " الشامل ": ما ذاب لك على فلان فهو علي أو ثبت، أو ما قضي عليه فأقر المطلوب يلزم الكفيل، إلا قوله: ما قضي عليه، لم يلزمه إلا أن يقضي القاضي. ولو أبى المطلوب اليمين فألزمه القاضي لم يلزمه الكفيل؛ لأن النكول ليس بإقرار بل بدل، وقال الكاكي: قوله ولا ولاية له عليه. فإن قيل: يشكل هذا بما يكفل بما ذاب له على فلان ثم بعد ذلك قال الطالب: هو ألفان وقال المطلوب ألف، وقال الكفيل: لا شيء لك عليه فيلزم هناك على الكفيل ألف التي أقر بها الطالب، مع أنه لا ولاية له على الكفيل، ذكره في " المبسوط ". قلنا: هذا إيجاب المال على الكفيل بكفالته، لا بقوله المطلوب؛ لأنه لما قيد الكفالة بالذوب، مع علمه أن الذوب قد يحصل عليه بإقراره، وقد صار ملتزما ذلك لكفالته، وهذا استحسان، وفي القياس لا يجب على الكفيل شيء كما في مسألتنا لإنكاره الوجوب على المطلوب، كذا في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 441 قال: وتجوز الكفالة بأمر المكفول عنه وبغير أمره لإطلاق ما روينا، ولأنه التزام المطالبة، وهو تصرف في حق نفسه وفيه نفع الطالب، ولا ضرر فيه على المطلوب بثبوت الرجوع إذ هو عند أمره وقد رضي به، فإن تكفل عنه بأمره رجع بما أدى عليه؛ لأنه قضى دينه بأمره. وإن كفل بغير أمره لم يرجع بما يؤديه لأنه متبرع بأدائه، وقوله: رجع بما أدى، معناه إذا أدى ما ضمنه. أما إذا أدى خلافه رجع بما ضمن؛   [البناية] " المبسوط ". [الكفالة بأمر المكفول عنه وبغير أمره] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وتجوز الكفالة بأمر المكفول عنه وبغير أمره لإطلاق ما روينا) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الزعيم غارم» . م: (ولأنه التزام المطالبة، وهو تصرف في حق نفسه، وفيه نفع الطالب، ولا ضرر فيه على المطلوب بثبوت الرجوع، إذ هو) ش: أي الرجوع م: (عند أمره) ش: أي أمر المطلوب م: (وقد رضي به) ش: أي رضي المكفول عنه بالرجوع عليه هذا جواب لإشكال يقال: لم قلتم إن في الكفالة نفعا للمكفول عنه أو لا ضرر عليه. ورجوع الكفيل عليه بما أدى ضرر فقال لا نسلم أنه ضرر مع وجود الرضا بالرجوع، م: (فإن تكفل عنه بأمره رجع بما أدى عليه) ش: أي: رجع بما أدى للمكفول له على المكفول عنه بالإجماع. وفي " النهاية " ليس على إطلاقه بل مقيد بما إذا كان الأمر وهو المطلوب ممن يجوز إقراره على نفسه بالديون ويملك المتبرع، حتى لو كان المطلوب صبيا محجورا وأمر رجلا بأن يكفل عنه فالكفالة صحيحة، ولكن لو أدى الكفيل ما أمره به لا يرجع على الصبي الآمر، وكذا الحكم في العبد المحجور، ذكره في " التحفة ". وفي " أحكام الصغار " للإستروشني: لو كان الصبي مأذونا له صح أمره ويرجع الكفيل بما أدى عليه بصحة أمره بالإذن، وفي " شرح الأقطع " وهذا الذي ذكره المصنف إنما يصح إذا قال: اضمن عني لفلان كذا، فإن قال له: اضمن الألف التي لفلان علي لم يرجع عليه عند الأداء، لأن قوله اضمن يحتمل أن يكون على وجه التبرع وأن يكون غيره فلا يجوز إيجاب الضمان إلا بلفظ مختص به، فإذا قال: اضمن عني دل على الضمان فلزمه ولا يلزم غيره بالشك، ولكن هذا الذي ذكره مذهب أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله- خلافا لأبي يوسف. م: (لأنه قضى دينه بأمره) ش: أي لأن المأمور قضى دين الآمر بأمره فيرجع عليه م: (وإن كفل بغير أمره لم يرجع بما يؤديه لأنه متبرع بأدائه) ش: وبه قال الشافعي، وأحمد -رحمهما الله- في رواية. وقال مالك، وأحمد في رواية: يرجع كما لو كفل بأمره م: (وقوله رجع بما أدى معناه) ش: أي قول القدوري يرجع بما أدى معناه م: (إذا أدى ما ضمنه، أما إذا أدى خلافه رجع بما ضمن) ش: لا بما أدى، حتى لو كفل بالجياد وأدى الزيوف، ويجوز للطالب أن يرجع على المطلوب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 442 لأنه ملك الدين بالأداء فنزل منزلة الطالب كما إذا ملكه بالهبة أو بالإرث، وكما إذا ملكه المحتال عليه بما ذكرنا في الحوالة، بخلاف المأمور بقضاء الدين حيث يرجع بما أدى لأنه لم يجب عليه شيء حتى يملك الدين بالأداء، وبخلاف ما إذا صالح الكفيل الطالب عن الألف على خمسمائة؛ لأنه إسقاط فصار كما إذا أبرأ الكفيل.   [البناية] بالجياد. ولو كفل بالزيوف وأدى بالجياد رجع بالزيوف م: (لأنه) ش: أي لأن الكفيل م: (ملك الدين بالأداء فنزل منزلة الطالب كما إذا ملكه بالهبة) ش: يعني ملك إذن الكفيل المكفول به بأن يهبه المكفول له الكفيل، يرجع الكفيل على المكفول عنه بالمكفول. فإن قيل: هبة الدين من غير من عليه الدين إنما لا يجوز إذا لم يأذنه بقبضه، وأما إذا أذنه بقبضه يجوز استحسانا، وهاهنا لما أدى الدين فقد سلطه الطالب على قبضه من المطلوب فيصح هبة أو يجعل ذلك نقل الدين إليه فيقضي الهبة فتصير هبة لمن عليه الدين م: (أو بالإرث) ش: بأن مات المكفول له فورثه الكفيل يرجع على المكفول عنه بالمكفول به كما لو ملك ذلك بالأداء. م: (وكما إذا ملكه المحتال عليه) ش: يعني إذا أحال المديون غريمه على رجل ليس للمديون على رجل دين فتقبل الحوالة فأدى، يرجع المحتال عليه على المحيل بما يضمن لا بما أدى، لأنه ملك الدين بالأداء كالكفيل م: (بما ذكرنا في الحوالة) ش: أي في حوالة كفاية المنتهي م: (بخلاف المأمور بقضاء الدين حيث يرجع بما أدى لأنه لم يجب عليه شيء حتى يملك الدين بالأداء) ش: هذا جواب كفل تقديره الكفيل لا يرجع إلا إذا أدى بأمر المكفول عنه، وحينئذ لا فرق بينه وبين المأمور بقضاء الدين والمأمور يرجع بما أدى، فكذلك الكفيل، وتوجيهه أن يقال: المأمور بقضاء الدين لم يجب له على الآمر شيء، حيث لم يلزم بالكفالة فلا يملك الدين بالأداء حتى ينزل منزلة الطالب فيرجع بما ضمن، وإنما الرجوع بحكم الآمر بالأداء فلا بد من اعتبارهما. فلو أدى الزيوف عن الجياد ويجوز له ذلك رجع بها دون الجياد، لأن أداء المأمور به لم يوجد، وإن عكس فكذلك لأن الآمر لم يوجد في حق الزيادة فكان متبرعا بها، فقوله: رجع بما أدى بإطلاقه، فيه تسامح. م: (وبخلاف ما إذا صالح الكفيل الطالب عن الألف على خمسمائة) ش: حيث يرجع بما أدى وهو خمسمائة لا بما ضمن وهو الألف م: (لأنه إسقاط) ش: عن بعض الدين وليس مبادلة، إذ لو جعل مبادلة لكان ربا، وإن كان إسقاطا للبعض م: (فصار كما إذا أبرأ الكفيل) ش: أي أخذ من الكفيل خمسمائة وأبرأ نفسه بدفع خمسمائة لا يرجع الكفيل على المكفول عنه بما أدى وهو خمسمائة لا بما ضمن، وكذا إذا أبرأ الكفيل عن مجموع الدين لا يرجع على المكفول عنه، فكذا إذا صالح الكفيل إياه على بعض الدين لأنه جمع بالباقي مطلقًا باعتبار البعض بالكل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 443 قال: وليس للكفيل أن يطالب المكفول عنه بالمال قبل أن يؤدي عنه؛ لأنه لا يملكه قبل الأداء بخلاف الوكيل بالشراء، حيث يرجع قبل الأداء؛ لأنه انعقد بينهما مبادلة حكمية. قال: فإن لوزم بالمال كان له أن يلازم المكفول عنه حتى يخلصه، وكذا إذا حبس كان له أن يحبسه لأنه لحقه ما لحقه من جهته فيعامله بمثله. وإذا أبرأ الطالب المكفول عنه أو استوفى منه برئ الكفيل؛ لأن براءة الأصيل توجب براءة الكفيل، لأن الدين عليه في الصحيح. وإن أبرأ الكفيل لم يبرأ الأصيل عنه لأنه تبع، ولأن عليه المطالبة وبقاء الدين على الأصيل بدونه   [البناية] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وليس للكفيل أن يطالب المكفول عنه بالمال قبل أن يؤدي عنه، لأنه لا يملكه) ش: أي لأن الكفيل لا يملك الدين م: (قبل الأداء) ش: لأن الكفيل كالمقرض، يعني والمقرض لا يرجع على المستقرض ما لم يقرض م: (بخلاف الوكيل بالشراء، حيث يرجع قبل الأداء لأنه انعقد بينهما) ش: أي بين الوكيل والموكل م: (مبادلة حكمية) ش: ألا ترى أن الملك ينتقل إلى الموكل من جهة الوكيل، ولهذا يتحالفان إذا اختلفا في الثمن، وللوكيل بالشراء حبس المبيع بالثمن فلا تثبت المبادلة الحكمية وكان الوكيل مع الموكل كالبائع مع المشتري، فللبائع حبس المبيع لاستيفاء الثمن، فكذا الوكيل. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فإن لوزم) ش: أي الكفيل م: (بالمال كان له أن يلازم المكفول عنه حتى يخلصه) ش: أي حتى يخلص المكفول عنه الكفيل؛ لأن الأصيل هو الذي أوقعه في هذه الورطة فعليه خلاصه عنها، م: (وكذا إذا حبس كان له) ش: أي الكفيل م: (أن يحبسه) ش: أي أن يحبس المكفول عنه م: (لأنه لحقه) ش: أي لحق الكفيل م: (ما لحقه من جهته) ش: أي من جهة المكفول عنه م: (فيعامله بمثله) ش: أي فيقابل الكفيل المكفول عنه بمثل ما قابله. وبقولنا قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، ومالك وأحمد -رحمهما الله- إذا كانت الكفالة بأمره، قال الشافعي في الأصح: لا يحبسه. م: (وإذا أبرا الطالب المكفول عنه أو استوفى منه) ش: يعني أخذ الذي كان عليه م: (برئ الكفيل، لأن براءة الأصيل توجب براءة الكفيل) ش: بلا خلاف بين الفقهاء بخلاف ما إذا كفل بشرط الأصيل فبراءته لا توجب براءة الكفيل، لأنه في معنى الحوالة، والاعتبار للمعاني لا للعبارة. م: (لأن الدين عليه) ش: أي على المكفول عنه م: (في الصحيح) ش: أي في القول الصحيح، وهو احتراز عن قول بعض المشايخ، حيث قالوا: الكفالة ضم الذمة إلى الذمة في الدين، فوجب أصل الدين في ذمة الكفيل وقد مر هذا في أول الكتاب. م: (وإن أبرأ الكفيل) ش: أي وإن أبرأ المكفول له الكفيل عن الدين م: (لم يبرأ الأصيل عنه لأنه تبع ولأن عليه المطالبة وبقاء الدين على الأصيل بدونه) ش: أي بدون المطالبة على تأويل الطلب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 444 جائز. وكذا إذا أخر الطالب عن الأصيل فهو تأخير عن الكفيل، ولو أخر عن الكفيل لم يكن تأخيرا عن الذي عليه الأصل؛ لأن التأخير إبراء مؤقت فيعتبر بالإبراء المؤبد، بخلاف ما إذا كفل بالمال الحال مؤجلا إلى شهر فإنه يتأجل عن الأصيل لأنه لا حق له إلا الدين حال وجود الكفالة، فصار   [البناية] م: (جائز) ش: وفي " شرح الطحاوي ". وإذا أبرأ المكفول له المطلوب عن الدين وقبل ذلك برئ الأصيل والكفيل جميعا، لأن براءة الأصيل توجب براءة الكفيل وبراءة الأصيل، إلا أنه اشترط في ذلك، قوله: أو بموت قبل القبول أو الرد فقام ذلك مقام القبول، ولو رده ارتد وأدين الطالب على حاله. واختلف مشايخنا في ذلك: أن الدين هل يعود إلى الكفيل أم لا؟ قال بعضهم: يعود، وقال بعضهم: لا يعود، ولو أبرأ الكفيل صح الإبراء قبل أو لم يقبل، ولا يرجع على الأصيل. ولو وهب الدين أو تصدق عليه يحتاج إلى القبول. فإن قيل: كان له أن يرجع على الأصيل، كما إذا أدى، وفي الكفيل حكم إبرائه والهبة تختلف، ففي الإبراء لا يحتاج إلى القبول. وفي الهبة والصدقة يحتاج إلى القبول. وفي الأصل يتفق حكم إبرائه والهبة والصدقة فيحتاج إلى القبول في الكل. ولو كان الإبراء والهبة والصدقة بعد موته فقبل ورثته صح، وبرد ورثته ارتد وبطل الإبراء عند أبي يوسف، لأن الإبراء بعد الموت إبراء للورثة، وقال محمد: لا يرتد بردهم كما لو أبرأهم في حال حياته ثم مات. م: (وكذا إذا أخر الطالب عن الأصيل فهو تأخير عن الكفيل، ولو أخر عن الكفيل لم يكن تأخيرا عن الذي عليه الأصل) ش: وهو المكفول عنه ولا نعلم فيه خلافا. م: (لأن التأخير إبراء مؤقت فيعتبر بالإبراء المؤبد) ش: فإن قيل: الإبراء المؤبد لا يرتد برد الكفيل والمؤقت يرتد برده، وبرد الأصيل يرتدان كلاهما، والرواية في التتمة، فكيف يعتبر المؤقت بالمؤبد؟ قلنا: كلامنا في السقوط والثبوت، أما قبول الارتداد وعدم قبوله حكم آخر سوى ما نحن فيه، فلا يلزم من اعتبارهما حكم اعتبارهما في جميع الأحكام، م: (بخلاف ما إذا كفل بالمال الحال مؤجلا) ش: نصب على الحال من قوله كفل. م: (إلى شهر فإنه يتأجل عن الأصيل) ش: وقال الشافعي وأحمد ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية: لا يتأجل على الأصيل، بل يتأجل على الكفيل، م: (لأنه) ش: أي لأن الطالب م: (لا حق له إلا الدين حال وجود الكفالة فصار الجزء: 8 ¦ الصفحة: 445 الأجل داخلا فيه، أما هاهنا فبخلافه. فإن صالح الكفيل رب المال عن الألف على خمسمائة فقد برئ الكفيل والذي عليه الأصل؛ لأنه أضاف الصلح إلى الألف الدين، وهي على الأصيل فبرئ عن خمسمائة لأنه إسقاط، وبراءته توجب براءة الكفيل، ثم برئا جميعا عن خمسمائة بأداء الكفيل، ويرجع الكفيل على الأصيل بخمسمائة إن كانت الكفالة بأمره، بخلاف ما إذا صالح على جنس آخر لأنه مبادلة حكمية فملكه فيرجع بجميع الألف. ولو كان صالحه عما استوجب بالكفالة لا يبرأ الأصيل؛ لأن هذا إبراء الكفيل عن المطالبة. قال: ومن قال لكفيل ضمن له مالا: قد برئت إلي من المال، رجع الكفيل على المكفول عنه، معناه بما ضمن له بأمره؛ لأن البراءة التي ابتداؤها من المطلوب وانتهاؤها إلى الطالب لا يكون إلا بالإيفاء فيكون هذا إقرارا بالأداء فيرجع   [البناية] الأجل داخلا فيه) ش: لأنه أضاف الأجل إلى نفس الدين لأنه لا شيء سوى الدين حتى يصرف الأجل فيه فصار التأجيل وصفا لأجل الدين فيظهر الأجل في حقهما ضرورة. م: (أما هاهنا فبخلافه) ش: يعني فيما كفل حالا، ثم أخر عنه الطالب لم يكن ذلك تأخيرا عن الأصيل. وفي " الفتاوى الصغرى ": الكفيل بالدين المؤجل إذا أدى قبل حلول الأجل لا يرجع على المكفول عنه حتى يحل الأجل. م: (فإن صالح الكفيل رب المال عن الألف على خمسمائة فقد برئ الكفيل والذي عليه الأصل) ش: وهو الدين م: (لأنه أضاف الصلح إلى الألف الدين، وهي على الأصيل فبرئ عن خمسمائة لأنه إسقاط، وبراءته توجب براءة الكفيل، ثم برئا جميعا عن خمسمائة بأداء الكفيل، ويرجع) ش: أي م: (الكفيل على الأصيل بخمسمائة إن كانت الكفالة بأمره) ش: وإن كانت بغير أمره لا يرجع وإن صالحه مطلقًا أو أبرأه بطلت المطالبة عن الكفيل وبقي الحق على الأصيل، وكذا قال فخر الإسلام وغيره. م: (بخلاف ما إذا صالح على جنس آخر) ش: أي صالح عن ألف هي دراهم على ثوب مثلا حيث يرجع الكفيل إذا أدى بجميع الألف م: (لأنه مبادلة حكمية) ش: وهو جعل الثوب بدل الألف م: (فملكه) ش: أي فملك الألف م: (فيرجع بجميع الألف) ش: هذا نتيجة ملك الألف م: (ولو كان صالحه عما استوجب بالكفالة) ش: الذي استوجب بالكفالة هو المطالبة م: (لا يبرأ الأصيل لأن هذا إبراء الكفيل عن المطالبة) ش: لأن هذا فسخ الكفالة لا إسقاط لأصل الدين. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن قال لكفيل ضمن له مالا: قد برئت إلي من المال رجع الكفيل على المكفول عنه، معناه) ش: أي معنى ما قاله محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله: ضمن له مالا. م: (بما ضمن له بأمره؛ لأن البراءة التي ابتداؤها من المطلوب وانتهاؤها إلى الطالب لا يكون إلا بالإيفاء فيكون هذا) ش: أي قوله برئت إلي. م: (إقرارا بالأداء) ش: أي بالإيفاء م: (فيرجع) ش: فكأنه قال: استوفيت منك حقي فإذا أقر الطالب بالإيفاء يرجع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 446 وإن قال: أبرأتك لم يرجع الكفيل على المكفول عنه؛ لأنه براءة لا تنتهي إلى غيره وذلك بالإسقاط فلم يكن إقرارا بالإيفاء. ولو قال: برئت، قال محمد: هو مثل الثاني؛ لأنه يحتمل البراءة بالأداء إليه والإبراء فيثبت الأدنى إذ لا يرجع الكفيل بالشك. وقال أبو يوسف: هو مثل الأول لأنه أقر ببراءة ابتداؤها من المطلوب، وإليه الإيفاء دون الإبراء.   [البناية] الكفيل فكذا هذا. م: (وإن قال) ش: أي الطالب م: (أبرأتك لم يرجع الكفيل على المكفول عنه لأنه براءة لا تنتهي إلى غيره، وذلك) ش: يكون م: (بالإسقاط فلم يكن إقرارا بالإيفاء) ش: لأن البراءة في هذه الصورة ابتداؤها من الطالب، وهذا لا يكون إلا بالإسقاط، فإذا أسقط من الكفيل لا يرجع؛ لأن براءة الكفيل لا توجب براءة الأصيل م: (ولو قال: برئت) ش: ولم يقل إلي م: (قال محمد: هو مثل الثاني) ش: أي مثل قوله: أبرأتك م: (لأنه يحتمل البراءة بالأداء إليه والإبراء) ش: ويحتمل البراءة بالإبراء، فإذا كان كذلك م: (فيثبت الأدنى) ش: وهو البراءة بالإبراء لا البراءة بالأداء وهو الإسقاط، وبقوله قالت الثلاثة م: (إذ لا يرجع الكفيل بالشك) ش: هذا نسخة بكلمة أو لا يرجع، والظاهر أن هذا دليل آخر وهو أنه لا يرجع بالشك لاحتمال الأمرين المذكورين فافهم فإن هذا موضع لا يتيقظ فيه كل أحد. م: (وقال أبو يوسف: هو مثل الأول) ش: وهو قوله برئت إلي من المال م: (لأنه أقر ببراءة ابتداؤها من المطلوب) ش: فإنه ذكر حرف الخطاب وهو التاء، وذلك إنما يكون بفعل مضاف إليه على الخصوص كما إذا قيل قمت وقعدت مثلا م: (وإليه) ش: أي وإلى المطلوب م: (الإيفاء دون الإبراء) ش: تقرير هذا أنه أخبر على البراءة بفعل يتعدى عن المطلوب وهو الكفيل إلى الطالب، وذلك بالإيفاء يكون لأنه هو الذي يتعدى من المطلوب إلى الطالب دون الإبراء إذ الإبراء يتعدى من الطالب إلى المطلوب. وقيل: أبو حنيفة مع أبي يوسف في هذه المسألة، وكان المصنف اختاره فأخره وهو أقرب الاحتمالين، فالمصير إليه أولى، وما قاله محمد إنما يستقيم إذا كان الاحتمالان على السواء وقد يرجح أحد الاحتمالين وهو البراءة بالقبض، لأنه كالحقيقة والآخر كالمجاز. وقيل: برئت مطاوع أبرأتك فتكون حقيقة أيضا. واختلف مشايخنا المتأخرون فيما إذا قال المدعى عليه أبرأني المدعي من الدعوى التي يدعي علي يكون إقرارا، كما لو قال: أبرأني من هذا المال. وقيل: لا يكون إقراره لأن الدعوى قد تكون حقًّا وباطلا، ولو قال الطالب للكفيل: أنت في حل من المال فهو كقوله أبرأتك بإجماع الأئمة الأربعة، لأن لفظ الحل يستعمل في البراءة بالإبراء دون البراءة بالقبض، كذا ذكره المحبوبي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 447 وقيل في جميع ما ذكرنا: إذا كان الطالب حاضرا يرجع في البيان إليه لأنه هو المجمل. قال: ولا يجوز تعليق البراءة من الكفالة بالشرط لما فيه من معنى التمليك كما في سائر البراءات، ويروى أنه يصح لأن عليه المطالبة دون الدين في الصحيح،   [البناية] م: (وقيل في جميع ما ذكرنا) ش: من الوجوه الثلاثة م: (إذا كان الطالب حاضرا يرجع في البيان إليه لأنه هو المجمل) ش: لأن الأصل في الإجمال الرجوع إلى بيان المجمل. فإن قيل: المجمل ما لا يمكن العمل به إلا بالبيان، وهاهنا العمل ممكن في الأوجه الثلاثة بدون البيان على ما ذكر من وجوه البيان خصوصا في الوجه الأول، لأنه بين أن البراءة التي ابتداؤها من الكفيل وانتهاؤها إلى الطالب بمنزلة قوله دفعت إلي وقبضته منك فلا يكون فيه إجمال. وكذا في الشافعي، وهذا لا خلاف فيه أنه أبرأ بدون القبض. وفي الوجه الثالث عمل محمد يتعين. وأبو يوسف رجح الإبراء بالقبض فلا يكون مجملا. قيل: في جوابه قوله برئت إلي وإن كان بمنزلة الصريح في حق الإيفاء والقبض من حيث الاستدلال، لكنه ليس بصريح فيه بل هو قابل للاستعارة بأن قال: برئت إلي لأني أبرأتك، وإن كان بعيدا عن الاستعمال وما ذكروا في تعليل الأوجه الثلاثة كله استدلال لا صريح في الإيفاء وغير الإيفاء. ولهذا جعلت الأئمة الثلاثة الكل الإبراء بدون الإيفاء فكان العمل به عند العجز عن العمل بالصريح، فلما أمكن العمل بصريح البيان من الطالب سقط العمل به بالاستدلال وفيه تأمل. [تعليق البراءة من الكفالة بالشرط] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا يجوز تعليق البراءة من الكفالة بالشرط) ش: أراد به الشرط الغير المتعارف، كما إذا قال: إذا جاء غدا فأنت بريء من الكفالة. حاصله: أن المراد به الشرط المحض الذي لا منفعة للطالب فيه أصلا كدخول الدار ومجيء الغد لأنه غير متعارف، أما إذا كان متعارفا يجوز كله في تعليق الكفالة. فإنه ذكر في " الإيضاح " لو كفل بالمال وبالنفس أيضا، وقال: إن وافيتك غدا فأنت بريء من المال فوافاه غدا يبرأ من المال. وكذا لو علق البراءة باستيفاء البعض يجوز أو علق البراءة عن البعض يجوز ذكره في " مبسوط شيخ الإسلام " م: (لما فيه) ش: أي تعليق البراءة من الكفالة بالشرط م: (من معنى التمليك) ش: ولهذا يرجع الكفيل بما أدى عن المكفول عنه إذا كان بأمره والتمليكات لا يجوز تعليقها بالشروط لإفضائه إلى معنى القمار م: (كما في سائر البراءات) ش: لا يجوز فيها التعليق بالشرط م: (ويروى أنه يصح) ش: أي أن في تعليق البراءة من الكفالة بالشرط م: (لأن عليه) ش: أي على الكفيل م: (المطالبة دون الدين في الصحيح) ش: أي في القول الصحيح من المشايخ، فإذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 448 فكان إسقاطا محضا كالطلاق، ولهذا لا يرتد الإبراء عن الكفيل بالرد، بخلاف إبراء الأصيل. وكل حق لا يمكن استيفاؤه من الكفيل لا تصح الكفالة به كالحدود والقصاص، معناه بنفس الحد لا بنفس من عليه الحد؛ لأنه يتعذر إيجابه عليه، وهذا لأن العقوبة لا تجري فيها النيابة. وإذا تكفل عن المشتري بالثمن جاز؛ لأنه دين كسائر الديون، وإن تكفل عن البائع بالمبيع لم تصح؛ لأنه عين مضمون بغيره وهو الثمن، والكفالة بالأعيان المضمونة   [البناية] كان كذلك م: (فكان) ش: أي إبراء الكفيل م: (إسقاطا محضا) ش: والإسقاط المحض يصح تعليقه م: (كالطلاق) ش: فإنه إسقاط محض يصح تعليقه بالشرط م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونه إسقاطا محضا م: (لا يرتد الإبراء عن الكفيل بالرد بخلاف إبراء الأصيل) ش: فإنه يرتد بالرد م: (وكل حق لا يمكن استيفاؤه من الكفيل لا تصح الكفالة به كالحدود والقصاص) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره"، قوله لا يمكن أي لا يصح، لأن إمكان الضرب أو جر الرقبة ليس بمنفعة لا محالة، لكنه لا يصح شرعا، وعبر عنه بعدم الإمكان مبالغة في نفي الصحة. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (معناه بنفس الحد) ش: يعني بنفس الحد لا يجوز م: (لا بنفس من عليه الحد) ش: فإن الكفالة بنفس من عليه الحد تجوز، لأنه تعليق لقوله: معناه بنفس الحد م: (لأنه) ش: أي لأن الاستيفاء م: (يتعذر إيجابه عليه) ش: أي على الذي يكفل م: (وهذا) ش: أي عدم الإيجاب عليه المتعذر م: (لأن العقوبة لا تجري فيها النيابة) ش: لعدم حصول المقصود لأن المقصود الزجر وهو لا يتحقق بالنائب. م: (وإذا تكفل عن المشتري بالثمن جاز) ش: هذا لفظ القدوري إنما جاز الكفالة بالثمن. م: (لأنه دين كسائر الديون) ش: لأنه دين صحيح يمكن استيفاؤه من الكفيل فصحت الكفالة به كما في سائر الديون وكالقرض م: (وإن تكفل عن البائع بالمبيع لم تصح) ش: وهذا أيضا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي بعض النسخ لم يجز، م: (لأنه) ش: أي لأن المبيع. م: (عين مضمون بغيره وهو الثمن) ش: ولا يمكن أداؤه عن الكفيل إذا هلك فإنه لو هلكت العين سقط الثمن م: (والكفالة بالأعيان المضمونة) ش: الأعيان على نوعين أمانة ومضمونة والكفالة بالأمانة لا تصح كالودائع والعواري ومال المضاربة والشركة والعين المستأجرة، غير أن العارية والعين المستأجرة واجبة الرد إن كان لها حمل ومؤنة، بخلاف الودائع ومال المضاربة والشركة فإنها ليست بواجبة الرد، بل الواجب التخلية، فلو كفل بتسليم العارية والمستأجرة صح، أما الأعيان المضمونة فعلى نوعين: الأول: ما كان مضمونا بنفسه على معنى أنه يجب رد عينها إن كانت باقية، وقيمتها إن هلكت تصح الكفالة وهي كالعين المغصوبة والمقبوض على سوم الشراء والمبيع بيعا فاسدا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 449 وإن كانت تصح عندنا خلافا للشافعي، لكن بالأعيان المضمونة بنفسها كالمبيع بيعا فاسدا، والمقبوض على سوم الشراء والمغصوب لا بما كان مضمونا بغيره كالمبيع والمرهون، ولا بما كان أمانة كالوديعة والمستعار والمستأجر ومال المضاربة والشركة. ولو كفل بتسليم المبيع قبل القبض، أو بتسليم الرهن بعد القبض إلى الراهن، أو بتسليم المستأجر إلى المستأجر جاز؛ لأنه التزم فعلا واجبا. ومن استأجر دابة للحمل عليها؛ فإن كانت بعينها لا تصح الكفالة   [البناية] الثاني: غير مضمون بنفسه بل هو مضمون بغيره كالمبيع في يد البائع، والمرهون في يد المرتهن، لأن المبيع مضمون بالثمن والرهن مضمون بالدين لا تصح الكفالة به، وإذا تكفل بتسليم المبيع صح. وقال تاج الشريعة: كون الشيء مضمونا بنفسه أن لا يزول عنه الزمان أصلا كالمقبوض على سوم الشراء والمغصوب، فإنه يجب رد عينه أو قيمته والأعيان المضمونة لغيرها ليست كذلك، إذ المبيع لو هلك يهلك على حكم ملك للمالك وينفسخ البيع، والإنسان لا يضمن مال نفسه. م: (وإن كانت تصح عندنا) ش: كلمة إن واصلة بما قبله م: (خلافا للشافعي) ش: فإن عنده في وجه لا تصح الكفالة بالأعيان غير ثابتة في الذمة م: (لكن بالأعيان المضمونة بنفسها) ش: هذا في محل الخبر عن قوله والكفالة بالأعيان المضمونة إنما تصح إذا كانت مضمونة بنفسها لا مطلقا، ومثل لذلك بقوله م: (كالمبيع بيعا فاسدا، والمقبوض على سوم الشراء والمغصوب لا بما كان) ش: يعني لا تصح الكفالة بما كان م: (مضمونا بغيره كالمبيع) ش: فإنه مضمون بالثمن م: (والمرهون) ش: فإنه مضمون بالدين م: (ولا بما كان) ش: أي ولا تصح الكفالة أيضا بالشيء يكون م: (أمانة كالوديعة والمستعار والمستأجر، ومال المضاربة والشركة) ش: وقد ذكرنا الجميع آنفا. م: (ولو كفل بتسليم المبيع قبل القبض أو بتسليم الرهن بعد القبض) ش: أي قبض الدين م: (إلى الراهن أو بتسليم المستأجر) ش: بفتح الجيم، م: (إلى المستأجر) ش: بكسرها م: (جاز لأنه التزم فعلا واجبا) ش: أي لأن الكفيل التزم فعلا واجبا على الأصيل وهو تسليم المبيع والمرهون والمستأجر، فلو هلك المبيع أو الرهن أو المستأجر بطلت الكفالة، ولم يكن على الكفيل شيء لأنه ما ضمن الثمن إلا في المبيع أو القيمة في غيره. وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: العين في يد الأجير المشتركة مضمونة فتصح الكفالة بهما عندهما خلافا لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " الذخيرة ": الكفالة بتمكين المودع من الأخذ صحيحة، وكذا الكفالة بتسليم العارية صحيحة لكن بعينها لا تجوز. وقال " شمس الأئمة ": الكفالة بتسليم العارية باطلة وهذا ليس بصواب، فقد نص محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع " أن الكفالة بتسليم العارية صحيحة، وهكذا في " المبسوط " الجزء: 8 ¦ الصفحة: 450 بالحمل؛ لأنه عاجز عنه. وإن كانت بغير عينها جازت الكفالة لأنه يمكنه الحمل على دابة نفسه، والحمل هو المستحق، وكذا من استأجر عبدا للخدمة فكفل له رجل بخدمته فهو باطل لما بينا. قال: ولا تصح الكفالة إلا بقبول المكفول له في المجلس، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز إذا بلغه فأجاز ولم يشترط في بعض النسخ الإجازة.   [البناية] و" الإيضاح ". وقال الأكمل: في قوله وهذا ليس بصواب نظر، فإن شمس الأئمة ليس ممن لم يطلع على الجامع، بل لعله قد اطلع عل رواية أخرى أقوى من ذلك فاختارها، وفيه تأمل، وعند أحمد يجوز ضمان العارية لأنه مضمون عنده كالمغصوب. [الكفالة بالحمل] م: (ومن استأجر دابة للحمل عليها فإن كانت) ش: أي الدابة م: (بعينها لا تصح الكفالة بالحمل؛ لأنه عاجز عنه) ش: أي لأن الكفيل عاجز عن تسلم الدابة المعينة لأنها ملك الغير والمستحق الحمل عليها م: (وإن كانت بغير عينها جازت الكفالة لأنه يمكنه الحمل على دابة نفسه والحمل هو المستحق) ش: يعني إذا لم تكن الدابة بعينها م: (وكذا) ش: الحكم في م: (من استأجر عبدا) ش: أي معينا م: (للخدمة فكفل له رجل بخدمته هو باطل لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: لأنه عاجز. م: (قال: ولا تصح الكفالة) ش: سواء كانت بالنفس أو بالمال م: (إلا بقبول المكفول له في المجلس) ش: أي في مجلس عقد الكفالة م: (هذا) ش: أي اشتراط قبول المكفول له. م: (عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز) ش: وبه قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في وجه م: (إذا بلغه فأجاز) ش: أي إذا بلغ المكفول له بالتكفيل فأجاز م: (ولم يشترط في بعض النسخ) ش: أي نسخ كفالة " المبسوط " م: (الإجازة) ش: على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الأكمل: قبل أي نسخ كفالة " المبسوط "، وفيه نبوة، لأن نسخ كفالة المبسوط لم تتعدد، وإنما هي نسخة واحدة، فالموجود في بعضها دون بعض يدل على ترك في بعض أو زيادة في آخر. قلت: النبوة فيما قاله لا فيما قيل. وفي " الكافي ": واختلفوا في قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقيل: يجوز عنده بوصف التوقف حتى لو رضي به الطالب ينفذ. وقيل: يجوز لوصف النفاد، قيل رضاء الطالب ليس بشرط وهو الأصح عنده. وفي " شرح المجمع " وأفتى بعض المشايخ بقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - رفقا بالناس. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والحاصل أن الكفالة بالنفس أو بالمال إذا كانت بحضرة المكفول له والمكفول عنه صحت بالإجماع، فإن كان الطالب غائبا فهي جائزة عند أبي يوسف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 451 والخلاف في الكفالة بالنفس والمال جميعا. له أنه تصرف التزام فيستبد به الملتزم، وهذا وجه هذه الرواية عنه، ووجه التوقف ما ذكرناه في الفضولي في النكاح. ولهما أن فيه معنى التمليك، وهو تمليك المطالبة منه فيقوم بهما جميعا، والموجود شطره فلا يتوقف على ما رواء المجلس، قال: إلا في مسألة واحدة وهي أن يقول المريض   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا يجوز إلا أن يقبل عنه قابل فيتوقف على إجازته، كذا في المختلف. م: (والخلاف) ش: بين أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله- وبين أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في الكفالة بالنفس والمال جميعا له) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إنه) ش: أي أن عقد الكفالة م: (تصرف التزام) ش: للغير م: (فيستبد به) ش: أي فينتقل به م: (الملتزم) ش: كالإقرار والنذر، ولهذا يصح مع الجهالة م: (وهذا) ش: أي هذا التعليل وهو أنه تصرف التزام م: (وجه هذه الرواية عنه) ش: أي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ووجه التوقف) ش: يعني أن وجه الرواية التي أجازت الكفالة عند غيبة المكفول له موقوفة على الإجازة م: (ما ذكرناه) ش: في كتاب النكاح م: (في الفضولي في النكاح) ش: وهو أن شطر العقد يتوقف على ما وراء المجلس عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والجامع عدم الضرر. وعندهما لا يتوقف شطر العقد على ما وراء المجلس كما في البيع. حاصل الكلام من جعل الخلاف في التوقف جعله فرعا للفضولي في النكاح، إذا تزوج امرأة وليس عنها قابل يتوقف عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - على إجازتها فيما وراء المجلس لأنه لا ضرر في هذا التوقف على أحد. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن فيه) ش: في عقد الكفالة، م: (معنى التمليك وهو تمليك المطالبة منه) ش: أي من المكفول عنه، كذا قال شيخنا العلاء، ثم قال: ويحتمل أن يرجع الضمير إلى الكفيل لأن الكفيل ملك المطالبة للمكفول عنه. وقال تاج الشريعة: منه، أي من الكفيل. ومتى ثبت معنى التملك لم ينفرد الواحد به؛ لأن شطر العقد م: (فيقوم بهما جميعا) ش: أي فيقوم التمليك بالكفيل والطالب، م: (والموجود شطره) ش: أي شطر العقد م: (فلا يتوقف على ما وراء المجلس) ش: فعلى هذا لو قبله عن الطالب فضولي توقف على إجازته لوجود شطريه. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (إلا في مسألة واحدة) ش: وهو استثناء من قوله ولا تصح الكفالة إلا بقبول المكفول له في المجلس حيث يصح استحسانا، والقياس عدمهما على قولهما، م: (وهي أن يقول المريض) ش: وفي " القدوري ": وهي أن يقول المريض وهذا على الأصل، لأن الضمير يرجع إلى المسألة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 452 لوارثه: تكفل عني بما علي من الدين فكفل به مع غيبة الغرماء جاز؛ لأن ذلك وصية في الحقيقة، ولهذا تصح وإن لم يسم المكفول لهم، ولهذا قالوا: إنما تصح إذا كان له مال، أو يقال إنه قائم مقام الطالب لحاجته إليه تفريغا لذمته، وفيه نفع الطالب، كما إذا حضر بنفسه، وإنما يصح بهذا اللفظ، ولا يشترط القبول   [البناية] ووجه تذكير الضمير في الكتاب باعتبار المذكور في القدوري أن يقول المريض م: (لوارثه تكفل عني بما علي من الدين فكفل به) ش: أي فتكفل الوارث لما عليه من الدين م: (مع غيبة الغرماء جاز) ش: حيث تصح استحسانا م: (لأن ذلك وصية في الحقيقة) ش: أي يصير كأنه أوصى إليه بقضاء ديونه فيشترط قبول من أوصى إليه ليصير وصيا لا قبول غيره، كذا قاله تاج الشريعة. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيل في تعليل الكتاب بقوله: لأن ذلك وصية في الحقيقة نظرا، إذ لو كان وصية حقيقة لما اختلف الحكم بين حالة الصحة وحالة المرض، وقد ذكرنا من " المبسوط " أن هذا لا يصح في حالة الصحة، إلا أن يأول هذا ويقال لأن ذلك في معنى الوصية في الحقيقة وفيه بعد، وقد نقل الأكمل هذا ثم قال: مثل هذه العبارة يستعمل عند المحصلين فيما إذا دل لفظ بظاهره على معنى. وإذا نظرت في معناه يأول إلى معنى آخر وحينئذ لا فرق بين أن يقول في معنى الوصية أو وصية في الحقيقة، وفيه تأمل. وفي " الشامل ": الإيصاء بقضاء الدين يصح. وفي الخلاصة: ثم هذا من المريض يصح وإن لم يسم الدين ولا صاحب الدين، وأشار إليه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: م: (ولهذا تصح وإن لم يسم المكفول لهم) ش: أي ولأجل أن ذاك وصية. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك أيضا م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (إنما تصح) ش: أي عقد الكفالة بدون قبول الطالب م: (إذا كان له) ش: أي للمريض م: (مال) ش: عند الموت إذ الوصية تصح في المال عند الموت م: (أو يقال) ش: إشارة إلى بيان وجه آخر في صحة قول المريض لوارثه: تكفل بما علي من الديون. تقريره أن يقال م: (إنه) : أي المريض م: (قائم مقام الطالب) ش: وهو المكفول له م: (لحاجته إليه) ش: أي لحاجة المريض إلى إقامة نفسه مقام الطالب م: (تفريغا لذمته) ش: أي لأجل تفريغ ذمته عن الدين فصار كأن الطالب حضر بنفسه على ما يجيء م: (وفيه) ش: أي وفي إقامة نفسه مقام الطالب م: (نفع الطالب) ش: وهو حصول حقه إليه، فصار حكمه م: (كما إذا حضر) ش: أي الطالب م: (بنفسه، وإنما يصح بهذا اللفظ) ش: متصل بقوله لأن ذلك وصية، يعني أن قول المريض: لوارثه تكفل عني أيضا، ولهذا تصح إذا لم يكن مال ولكن الإيصاء صح بلفظ الضمان. م: (ولا يشترط القبول) ش: أي قبول المريض، هذا جواب سؤال مقدر، وهو أن يقال: لو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 453 لأنه يراد به التحقيق دون المساومة ظاهرا في هذه الحالة فصار كالأمر بالنكاح. ولو قال المريض ذلك لأجنبي اختلف المشايخ فيه، قال: وإذا مات الرجل وعليه ديون ولم يترك شيئا فتكفل عنه رجل للغرماء لم تصح عند أبي حنيفة، وقالا: تصح؛ لأنه كفل بدين ثابت لأنه وجب لحق الطالب ولم يوجد المسقط، ولهذا يبقى في حق أحكام الآخرة. ولو تبرع به إنسان وله مال يصح،   [البناية] كان المرض نازلا منزلة الطالب لكان قبوله شرطا كقبول الطالب. وتقرير الجواب: أنه لا يشترط القبول م: (لأنه يراد به التحقيق) ش: أي المريض يريد بقوله تكفل عني تحقيق الكفالة م: (دون المساومة) ش: نظرا إلى ظاهر حالته التي هو عليها، وهو معنى قوله م: (ظاهرا في هذه الحالة فصار) ش: فصار هذا م: (كالأمر بالنكاح) ش: لو قال لامرأة زوجيني نفسك، فقالت: زوجت نفسي منك يكون ذلك بالقبول فكأنها قالت زوجت، وقال: قبلت. م: (ولو قال المريض ذلك لأجنبي) ش: أي لو قال المريض لأجنبي تكفل عني بما علي من الدين ففعل الأجنبي ذلك، م: (اختلف المشايخ فيه) ش: فمنهم من لم يصح ذلك؛ لأن الأجنبي غير مطالب بقضاء دينه لا في الحياة ولا بعد موته بدون الالتزام، فكان المريض والصحيح في حقه سواء، ولو قال الصحيح ذلك لأجنبي أو لوارثه لم يصح بدون قبول المكفول له، فكذا المريض. ومنهم من صححه؛ لأن المريض قصد به النظر لنفسه والأجنبي إذا قضى دينه بأمره يرجع في تركته فيصح هذا من المريض، على أن يجعل قائما مقام الطالب لتضيق الحال عليه بمرض الموت؛ لكونه على شرف الهلاك. ومثل ذلك لا يوجد في الصحيح فأخذناه بالقياس. [مات الرجل وعليه ديون ولم يترك شيئا فتكفل عنه رجل للغرماء] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا مات الرجل وعليه ديون ولم يترك شيئا فتكفل عنه رجل للغرماء لم تصح عند أبي حنيفة) ش: أي لم تصح الكفالة عنده، سواء كان ذلك الرجل أجنبيا أو وارث الميت، م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله- م: (تصح) ش: الكفالة، وبه قال مالك والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لأنه) ش: أي لأن الرجل، م: (كفل بدين ثابت لأنه) ش: أي لأن الدين م: (وجب لحق الطالب ولم يوجد المسقط) ش: أي مسقط الدين، لأن الإسقاط إنما يكون بالإيفاء أو الإبراء أو انفساخ سبب وجوبه وبالموت لا يتحقق شيء من ذلك. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ما ذكرنا من عدم الإسقاط م: (يبقى) ش: أي الدين م: (في حق أحكام الآخرة) ش: فيطالب به في الآخرة. م: (ولو تبرع به) ش: أي بأداء الدين م: (إنسان وله مال) ش: أي والحال أن للميت مالا م: (يصح) ش: أي التبرع به، ولو برئ المفلس من الدين بالموت لما حل لصاحب الدين الأخذ من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 454 وكذا يبقى إذا كان به كفيل أو مال. وله أنه كفل بدين ساقط لأن الدين هو الفعل حقيقة، ولهذا يوصف بالوجوب؛ لكنه في الحكم مال؛ لأنه يئول إليه في المال، وقد عجز بنفسه وبخلفه، ففات عاقبة الاستيفاء فيسقط ضرورة، والتبرع لا يعتمد قيام الدين   [البناية] المتبرع م: (وكذا يبقى) ش: أي الدين م: (إذا كان به كفيل أو مال) ش: ويبقى هو على كفالته ولو سقط الدين بالموت ليسقط عن الكفيل، لأن سقوط الدين عن الأصيل يوجب براءة الكفيل. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (أنه) ش: أي أن الرجل م: (كفل بدين ساقط) ش: لأن محل الدين قد فات وقيام الدين من غير محل محال م: (لأن الدين هو الفعل حقيقة) ش: لأن المقصود والفائدة الحاصلة منه هو فعل الأداء. م: (ولهذا) ش: أي ولكون الدين هو الفعل حقيقة م: (يوصف بالوجوب) ش: يقال دين واجب كما يقال الصلاة واجبة والوصف بالوجوب حقيقة إنما هو في الأفعال م: (لكنه في الحكم مال) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر وهو أن يقال: لزم حينئذ قيام العرض بالعرض هو غير جائز عند المتكلمين من أهل السنة. وتقرير الجواب هو ما قاله، لكنه أي لكن الدين في الحكم مال، لأن تحقيق ذلك الفعل في الخارج ليس إلا بتمليك طائفة من المال فوصف المال بالوجوب م: (لأنه) ش: أي لأن الأداء الموصوف به م: (يؤول إليه في المال) ش: فكان وصفا مجازيا، وكونه مالا بواسطة الاستيفاء م: (وقد عجز) ش: أي والحال أنه قد عجز عنه م: (بنفسه وبخلقه) ش: أي كفيله م: (ففات عاقبة الاستيفاء فيسقط) ش: في أحكام الدنيا م: (ضرورة) ش: لأن الكفالة من أحكام الدنيا فانعدم أثر الوجوب في حق الميت فلم تصح الكفالة؛ لأنها بناء على الوجوب في جانب من عليه. فإن قلت: العجز بنفسه وبخلقه يدل على تعذر المطالبة منه، وذلك لا يستلزم بطلان الدين في نفسه كمن كفل عن عبد محجور أقر بدين فإنها تصح، فإن تعذرت المطالبة في حال الرق. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قلنا غلط بعدم التفرقة بين ذمة صالحة بوجوب الحق عليها ضعفت بالرق وبين ذمته خربت بالموت ولم يبق أهلا للوجوب عليها. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا وهذا التقرير كما ترى يشير إلى أن المصنف ذكر دليل أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بطريق المعارضة. ولو أخرجه إلى سبيل الممانعة بأن يقول: لا نسلم أن الدين ثابت بل هو ساقط ويذكر السند بقوله فإن الدين هو الفعل، كان أحدث في وجوه النظر على ما لا يخفى. قلت: الذي قرره المصنف يتناول كل واحد من طريق الممانعة وطريق المعارضة على ما لا يخفى. م: (والتبرع لا يعتمد قيام الدين) ش: هذا جواب عما قال: ولو تبرع به إنسان، تقريره أن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 455 وإذا كان به كفيل أوله مال فخلفه أو الإفضاء إلى الأداء باق.   [البناية] الشرع لا يعتمد قيام الدين، فإن من قال: لفلان على فلان ألف درهم وأنا كفيل صحت الكفالة وعليه أداؤه وإن لم يوجد الدين أصلا. وقال تاج الشريعة: والتبرع لا يعتمد قيام الدين أي في حق المكفول عنه، بل يعتمد قيامه في حق الكفيل؛ ولهذا لو أقر رجل أن لفلان على فلان كذا وأنا كفيل بذلك وأنكر المكفول عنه تصح الكفالة وعليه أداء الدين م: (وإذا كان به كفيل) ش: جواب عن قولهما: وكذا يبقى إذا كان به كفيل م: (أو له مال) ش: بيان هذا أن القدرة شرط الفعل إما بنفس القادر أو بخلفه، فإذا كان به كفيل أو له مال وانتفى القادر م: (فخلفه) ش: وهو الوكيل أو المال في حق بقاء الدين م: (أو الإفضاء إلى الأداء) ش: هذا غير موجود في بعض النسخ. وقال الأترازي: هكذا وقع السماع مرارا، وقد كانت نسخة شيخ الإسلام حافظ الدين الكبير البخاري هكذا أيضا. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقوله هو الإفضاء على ما هو السماع، وعليه أكثر النسخ، وكأنه قال: الكفيل والمال إن لم يكونا خلفين فالإفضاء إلى الأداء بوجودهما، م: (باق) ش: بخلاف ما إذا عدما. ويجوز أن يكون في الكلام لف ونشر، وتقريره فخلفه وهو الكفيل أو الإفضاء، أي ما يفضي إلى الأداء، وهو المال باق، وعلى هذا يشترط في القدرة، إما نفس القادر أو خلفه أو ما يفضي إلى الأداء، وقد وقع في بعض النسخ، إذ الإفضاء على وجه التعليل لقوله فخلفه. وعلى هذا يكون تقرير الكلام فخلفه باق حذفه لدلالة المذكور عليه، كما في قول الشاعر: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف، ومعناه كل واحد من الكفيل والمال خلف للميت، لأن رجاء الأداء منهما باق، فإن الخلف ما به تحصل كفاية أمر الأصيل عند عدمه، وهما كذلك فكانا خلفين، انتهى. وقال شيخنا العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله إذا كان به كفيل، أي إذا كان بالدين كفيل فخلفه باق، وكذا إذا له مال فالتقضي إلى الأداء باق، لأنه يستوفي من المال فتحقق باقيا في أحكام الدنيا. وقوله: فخلفه أي إذا كان له كفيل والإفضاء إليه فيما إذا كان له مال باق، انتهى. قلت: هنا تكلفات كثيرة، فالمختصر من الكلام أن يقال: فخلفه أي الكفيل أو الإفضاء بالنظر إلى وجود المال، وإعراب ما وقع في المتن أن قوله: فخلفه مبتدأ. وقوله: أو الإفضاء إلى الأداء عطف عليه. وفي بعض النسخ بدون الألف. وقول: باق خبر المبتدأ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 456 قال: ومن كفل عن رجل بألف عليه بأمره فقضاء الألف قبل أن يعطيه صاحب المال فليس له أن يرجع فيها؛ لأنه تعلق به حق القابض على احتمال قضائه الدين، فلا تجوز المطالبة ما بقي هذا الاحتمال. كمن عجل زكاته ودفعها إلى الساعي، ولأنه ملكه بالقبض على ما نذكر، بخلاف ما إذا كان الدفع على وجه الرسالة لأنه تمحض أمانة في يده. وإن ربح الكفيل فيه فهو له لا يتصدق به؛ لأنه ملكه حين قبضه، أما إذا قضى   [البناية] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن كفل عن رجل بألف عليه بأمره) ش: أي على الرجل بأمره، وهو المديون م: (فقضاه الألف) ش: أي فقضى الرجل الألف الكفيل م: (قبل أن يعطيه صاحب المال) ش: أي قبل أن يعطي الألف صاحب المال وهو منصوب على أنه مفعول ثان للإعطاء م: (فليس له) ش: أي للرجل المذكور وهو المكفول عنه م: (أن يرجع فيها) ش: أي في الألف على تأويل الدراهم م: (لأنه) ش: أي لأن الألف م: (تعلق به حق القابض) ش: وهو الكفيل م: (على احتمال قضائه الدين، فلا تجوز المطالبة ما بقي هذا الاحتمال) ش: يعني ما لم يبطل هذا الاحتمال بأداء الأصل بنفسه حق الطالب ليس له أن يسترده، لأن النفع الدفع إذا كان الفرض لا يجوز الاسترداد فيه ما دام باقيا كيلا يكون سعيا في نقض ما أوجبه. وهذا م: (كمن عجل زكاته ودفعها إلى الساعي) ش: وهو المصدق الذي يتولى أخذ الزكاة فإنه ليس له أن يستردها، لأن الدفع كان لفرض، وهو أن يصير زكاته بعض الحول، فما دام الاحتمال ليس له الرجوع م: (ولأنه) ش: أي ولأن الكفيل م: (ملكه) ش: أي الألف م: (بالقبض) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه. وقال في وجه: لا يملكه وفي يده أمانة فيسترده قبل أداء الكفيل به، وبه قال مالك وأحمد -رحمهما الله- م: (على ما نذكر) ش: إشارة إلى قوله بعد خطين، أما إذا قضى الدين فظاهر إلى آخره. م: (بخلاف ما إذا كان الدفع) ش: أي الدفع إلى الكفيل م: (على وجه الرسالة) ش: يعني يرجع الأصيل على الكفيل بالمدفوع إليه م: (لأنه تمحض أمانة في يده) ش: صورته أن يقول الأصيل للكفيل: خذ هذا المال، وادفع إلى الطالب، فإنه لا يصير ملكا للكفيل، بل هو أمانة في يده، ولكن لا يكون للمطلوب أن يسترده من يد الكفيل، لأنه تعلق بالمؤدى حق الطالب فالمطلوب بالاسترداد يريد إبطال ذلك فلا يقدر عليه، لكنه لم يملكه لكونه إصابة. م: (وإن ربح الكفيل فيه) ش: أي في الألف المقبوض بأن تصرف فيه وربح م: (فهو له) ش: أي الربح له م: (لا يصدق به) ش: يعني لا يجب أن يتصدق به م: (لأنه ملكه حين قبضه) ش: والربح الحاصل من ملكه طيب له لا محالة، وإنما قلنا: إنه ملكه حين قبضه لأن قضاء الدين إما أن يحصل من الكفيل أو من الأصيل، فإن كان الأول فظاهر، وهو معنى قوله: م: (أما إذا قضى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 457 الدين فظاهر، وكذا إذا قضى المطلوب بنفسه وثبت له حق الاسترداد؛ لأنه وجب له على المكفول عنه مثل ما وجب للطالب عليه، إلا أنه أخرت المطالبة إلى وقت الأداء فنزل منزلة الدين المؤجل. ولهذا لو أبرأ الكفيل المطلوب قبل أدائه يصح، فكذا إذا قبضه يملكه، إلا أن فيه نوع خبث نبينه، فلا يعمل مع الملك فيما لا يتعين.   [البناية] الدين فظاهر) ش: لأنه قبض ما وجب له فيه فيملكه من حيث قبض؛ كمن قبض الدين المؤجل معجلا. م: (وكذا) ش: أي وكذا الحكم م: (إذا قضى المطلوب بنفسه) ش: أي الأصيل أداه بنفسه حيث يملكه الكفيل م: (وثبت له حق الاسترداد لأنه) ش: أي لأن الكفيل م: (وجب له على المكفول عنه مثل ما وجب للطالب عليه) ش: أي على الكفيل، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقيل على المكفول له، لأن الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة لا في الدين، ولكن ذكر في " جامع المحبوبي " و" قاضي خان ": أن الدين وجب للطالب على الكفيل فيكون الضمير في "عليه" راجعا إلى الكفيل. وفي " المبسوط " الكفالة توجب الدينين دينا للكفيل على الأصيل ودينا للطالب، لكن دين الكفيل مؤجل إلى وقت الأداء، لأن له مطالبة الأصيل بعد الأداء، ولهذا لو أخذ الكفيل من الأصيل رهنا بهذا المال يصح بمنزلة ما لو أخذ رهنا بدين مؤجل. م: (إلا أنه) ش: استثناء من قوله: لأنه وجب له على المكفول عنه فعل ما وجب للطالب عليه، أي إلا أنه م: (أخرت المطالبة) ش: أي مطالبة للكفيل الأصيل م: (إلى وقت الأداء) ش: أي أداء الكفيل م: (فنزل منزلة الدين المؤجل) ش: أي نزل بناء على المكفول عنه الكفيل منزلة الدين المؤجل م: (ولهذا) ش: أي ولأجل تنزله منزلة الدين المؤجل م: (لو أبرأ الكفيل المطلوب قبل أدائه) ش: أي قبل أداء الكفيل للطالب م: (يصح) ش: حتى لم يكن له الرجوع بعد الأداء م: (فكذا إذا قبضه يملكه) ش: أي فكذا إذا قبض الكفيل الدين يملكه، وهذا أيضا يدل على أن الكفالة تقتضي دينين كما ذكرناه عن " المبسوط ". م: (إلا أن فيه) ش: أي في الربح الحاصل للكفيل بتصرفه في المقبوض على وجه الاقتضاء وقد أدى الأصيل الدين م: (نوع خبث نبينه) ش: أي نبين نوع الخبث ونبينه في مسألة الكفالة بالكبر، والآن نذكرها، م: (فلا يعمل) ش: أي الخبث م: (مع الملك فيما لا يتعين) ش: كغير النقود، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا استثناء من قوله فهو له ولا يتصدق به، فكأنه ذكره جوابا لسؤال بأن يقال في هذا الربح نوع خبث، فينبغي أن يتصدق به، لأن حق المال الخبيث التصدق به فأجاب عنه وقال: لكن فيه نوع خبث مع الملك، فلا يعمل الخبيث مع الملك فيما لا يتعين، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 458 وقد قررناه في البيوع. ولو كانت الكفالة بكر حنطة فقبضها الكفيل فباعها وربح فيها فالربح له في الحكم لما بينا أنه ملكه. قال: وأحب إلي أن يرده على الذي قضاه الكر ولا يجب عليه في الحكم، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية " الجامع الصغير "، وقالا: هو له   [البناية] فلأجل هذا لم يؤمر بالتصدق. وذكر في شروح " الجامع الصغير " هذا الفصل على وجهين: فإما أن يدفع الأصيل إليه على وجه الرسالة، أو على وجه الاقتضاء، وكل ذلك على وجهين، إما إن كان الدفع مما لا يتعين بالتعيين كالنقود أو مما يتعين كالعروض. فإن دفع على وجه الرسالة بأن قال: خذ هذا المال وادفع إلى الطالب لا يطيب الربح، سواء كان المدفوع مما لا يتعين أو يتعين في قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ومحمد -وطالب له- عند أبي يوسف، لأن الخبث يثبت لعدم الملك، لأن تصرفه وجد في غير ملكه فاستوى فيه المال لأنه وإن دفع على وجه الاقتضاء بأن قال الأصيل للكفيل: إني لا آمن أن يأخذ الطالب حقه منك فأنا أقضيك قبل أن تؤدي طاب له الربح إذا كان المدفوع مما لا يتعين كالنقود لأنه ملكها بالقبض، وإن كان المدفوع مما يتعين كغير النقود. قال أبو حنيفة -في رواية-: هذا الكتاب يستحب أن يرده على الأصيل، وقال في كتاب الكفالة من الأصل يتصدق به، وقال في كتاب البيوع منه: يطيب له. وعند أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- يطيب له ولا يرده، ولا يتصدق به، وقال فخر الإسلام: ويستوي في هذا أن أداء المطلوب إلى الطالب بنفسه أو أداء الكفيل م: (وقد قررناه في البيوع) ش: أي في آخر فصل أحكام البيع الفاسد. م: (ولو كانت الكفالة بكر حنطة فقبضها الكفيل) ش: أي فقبض الكفيل الكر من الأصيل فتصرف فيها م: (فباعها وربح فيه فالربح له) ش: أي الكفيل م: (في الحكم) ش: أي في القضاء م: (لما بينا أنه ملكه) ش: أي أن الكفيل ملك الذي قبضه. م: (قال) ش: أي قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " لما روى محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا كانت الكفالة بكر حنطة فقضاه الذي عليه الأصيل فباعه الكفيل فربح فيه فإن الربح له إلا أنه أحب إلي أن يدفعه إلى الذي قضاه ويرده عليه، ولا أجبره على ذلك في القضاء ونقل المصنف هذا بقوله م: (وأحب إلي أن يرده على الذي قضاه الكر، ولا يجب عليه في الحكم، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية " الجامع الصغير ") ش: أي ولا يجب الرد على الذي قضاه في الحكم، أي في القضاء، ثم إن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما نقل هذا عن " الجامع الصغير ". ثم قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقالا هو له) ش: أي وقال أبو يوسف ومحمد: الربح له، م: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 459 ولا يرده على الذي قضاه الكر وهو رواية عنه. وعنه أنه يتصدق به. لهما أنه ربح في ملكه على الوجه الذي بيناه فيسلم له. وله أنه تمكن الخبث مع الملك، إما لأنه بسبيل من الاسترداد بأن يقضيه بنفسه، أو لأنه رضي به على اعتبار قضاء الكفيل، فإذا قضاه بنفسه لم يكن راضيا به، وهذا الخبث يعمل فيما يتعين فيكون سبيله التصدق في رواية ويرده عليه في رواية؛ لأن الخبث لحقه، وهذا أصح، لكنه استحباب لا جبر لأن الحق له   [البناية] (ولا يرده على الذي قضاه الكر) ش: وهذا لفظه في " الجامع الصغير "، وقال يعقوب ومحمد: هو له ولا يرده على الذي قضاه الكر م: (وهو رواية عنه) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد رواية عن أبي حنيفة أيضا وهو أن الربح للكفيل ولا يرده على الأصيل وهو رواية كتاب البيوع م: (وعنه أنه) ش: أي أن الكفيل م: (يتصدق به) ش: أي بالربح، وهو رواية كتاب الكفالة. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه تمكن الخبث مع الملك) ش: لأحد الوجهين إشارة إلى الوجه الأول بقوله م: (إما لأنه) ش: أي لأن الأصيل م: (بسبيل من الاسترداد بأن يقضيه) ش: أي يقضي الكر م: (بنفسه) ش: فإذا كان كذلك كان الربح حاصلا في ملك متردد بين أن يقر وأن لا يقر. ومثل ذلك قاصر، ولو عدم الملك أصلا كان خبيثا، فإذا كان قاصرا تمكن فيه شبهة الخبث. وأشار إلى الوجه الثاني بقوله م: (أو لأنه) ش: أي أو لأن الأصيل م: (رضي به) ش: أي يكون المدفوع ملكا للكفيل م: (على اعتبار قضاء الكفيل) ش: الدين (فإذا قضاه بنفسه لم يكن راضيا به) ش: فتمكن الخبث م: (وهذا الخبث) ش: أي الخبيث الذي يكون مع الملك م: (يعمل فيما يتعين) ش: كغير النقود م: (فيكون سبيله التصدق في رواية) ش: عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ويرده عليه) ش: أي على الأصيل. م: (في رواية) ش: أخرى عن أبي حنيفة، فإن رده على الأصيل فإن كان الأصيل فقيرا طاب له، وإن كان غنيا ففيه روايتان في كتاب الغصب. قال فخر الإسلام في "شرح الجامع الصغير ": والأشبه أي يطب له، لأنه إنما يرده عليه على أنه حقه م: (لأن الخبث لحقه) ش: أي لحق الأصيل لا لحق الشرع. م: (وهذا أصح) ش: أي الرد، لأن يرد الربح على المكفول عنه أصح من القول بالتصدق م: (لكنه استحباب) ش: أي لكن الرد عليه مستحب، لأن الملك لكفيل م: (لا جبر، لأن الحق له) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 460 قال: ومن كفل عن رجل بألف عليه بأمره، فأمره الأصيل أن يتعين عليه حريرا ففعل؛ فالشراء للكفيل والربح الذي ربح البائع فهو عليه، ومعناه الأمر ببيع العينية، مثل أن يستقرض من تاجر عشرة، فيتأبى عليه، ويبيع منه ثوبا يساوي عشرة بخمسة عشر مثلا رغبة في نيل الزيادة ليبيعه المستقرض بعشرة ويتحمل عليه خمسة،   [البناية] ش: أي لا يجبر على دفعه إلا أنه لما تمكن الخبث يستحب الدفع إليه، بخلاف الربح في الغصب حيث يجبر الغاصب على الدفع لأنه لا حق للغاصب في الربح. وفي " الكافي ": هذا إذ أعطاه على وجه القضاء، أما لو أعطاه على وجه الرسالة فتصرف فيه الرسول وربح لم يطب له الربح، سواء كان ثمنا أو مما يتعين لأنه مودع والمودع إذا تصرف فيه الوديعة وربح لم يطب له الربح عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله- وطاب له عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما عرف. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن كفل عن رجل بألف عليه بأمره فأمره الأصيل أن يتعين عليه حريرا) ش: أي على الأصيل، أي أمره أن يشتري له حريرا بطريق العينية م: (ففعل) ش: أي الكفيل م: (فالشراء للكفيل والربح الذي ربح البائع فهو عليه) ش: أي الربح على الكفيل. م: (ومعناه) ش: أي معنى قوله أن يتعين عليه حريرا م: (الأمر ببيع العينية) ش: يعني أمره أن يشتري حريرا بطريق العينة فعين ذلك بقوله م: (مثل أن يستقرض من تاجر عشرة) ش: أي يطلب من تاجر عشرة دراهم على سبيل الفرض م: (فيتأبى عليه) ش: أي فيمتنع أن يقرضه عشرة م: (ويبيع منه ثوبا يساوي عشرة بخمسة عشر مثلا رغبة في نيل الزيادة) ش: يعني طمعا في الفضل الذي لا يناله المقرض بالقرض ويقول لا يتيسر لي القرض ثم يبيعه ثوبا م: (ليبيعه المستقرض بعشرة ويتحمل عليه خمسة) ش: أي يتحمل المقرض خمسة دراهم يحصل له عشرة دراهم، ولرب الثوب خمسة دراهم بطريق البيع، هذا الذي ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - من جملة صور العينة. ومن صورها ما ذكره " قاضي خان " وهو أن يجعل المقرض والمستقرض بينهما ثالثا فيبيع صاحب الثوب باثني عشر من المستقرض، ثم إن المستقرض يبيعه من الثالث بعشرة ويسلم ثم يبيع الثالث من المقرض بعشرة ويأخذ منه عشرة ويدفعها إلى المستقرض فتندفع حاجته، وإنما خللا ثالثا تحرزا عن شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن. وفي " فتاوى الكردي ": صورته أن يبيع المستقرض سلعة من المقرض بعشرة ويسلم إليه، ثم قال المستقرض يعني باثني عشر فباعه جاز. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 461 سمي به لما فيه من الإعراض عن الدين إلى العين، وهو مكروه لما فيه من الإعراض عن مبرة الإقراض مطاوعة لمذموم البخل. ثم قيل: هذا ضمان لما يخسر المشتري نظرا إلى قوله "علي" وهو فاسد.   [البناية] وفي " محيط السرخسي ": صورته باع متاعه بالعين في المستقرض إلى أجل ثم يبعث متوسطا ليشتري المتاع لنفسه بألف حالة ويقبضه ثم يبيعه من البائع الأول بألف، ثم يحيل المتوسط بائعه على البائع الأول بالثمن الذي عليه ويخرج من الوسط فيدفع البائع الأول ألفا حالة إلى المستقرض ويأخذ منه ألفين عند حلول الأجل وهذا البيع جائز في الحكم، فقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكره، لأنه فعل ذلك كثير من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولم يعدوه من الربا. وقال محمد: هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال أي لها شبهة كأمثال الجبال اخترعه أكلة الربا وقد ذمهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر ذللتم وظفر عليكم عدوكم» . وفي رواية: «سلط الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لكم» . وقيل: إياك والعينة فإنها لعينة، والمراد باتباع أذناب البقر الزراعة. م: (سمي به) ش: أي سمي هذا البيع بيع العينة. وفي نسخة شيخنا: سمي بعينه م: (لما فيه) ش: أي في بيع العينة م: (من الإعراض عن الدين إلى العين وهو مكروه) ش: أي بيع العينة مكروه، إما كراهة تحريم أو كراهة تنزيه على الاختلاف م: (لما فيه من الإعراض عن مبرة الإقراض) ش: المبرة اسم للبر. وقال الجوهري: البر خلاف العقوق والمبرة مثله تقول بررت والدي بالكسر أبره برا فأنا بر به وبار، وجمع البر الأبرار، وجمع البار البررة، وروى: المصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر، م: (مطاوعة لمذموم البخل) ش: يعني لأجل المطاوعة للبخل الذي هو مذموم وكان الكره حصل من المجموع فإن الإعراض عن الإقراض ليس بمكروه، والبخل الحاصل من طلب الربح في التجارات كذلك وإلا لكانت المرابحة مكروهة. م: (ثم قيل هذا ضمان) ش: أي قوله أن يتعين عليه ضمان م: (لما يخسر المشتري نظرا) ش: أي بالنظر م: (إلى قوله علي) ش: بالتشديد، لأن كلمة علي تعني الالتزام م: (وهو فاسد) ش: أي الضمان بالخسران فاسد، لأن الخسران ليس بمضمون على أحد لأن الكفالة والضمان إنما يصح بما هو مضمون فلا يصح ضمانه. كم قال لآخر: بائع في هذا السوق على أن كل وضيعة وخسران يصيبك فأنا ضامن به الجزء: 8 ¦ الصفحة: 462 وليس بتوكيل، وقيل: هو توكيل فاسد، لأن الحرير غير متعين، وكذا الثمن غير متعين لجهالة ما زاد على الدين، وكيفما كان فالشراء للمشتري وهو الكفيل والربح، أي الزيادة عليه لأنه هو العاقد. قال: ومن كفل عن رجل بما ذاب له عليه، أو بما قضى له عليه فغاب المكفول عنه، فأقام المدعي البينة على الكفيل بأن له على المكفول عنه ألف درهم ولم يقبل ببينته؛ لأن المكفول به مال مقضي به، وهذا في لفظة القضاء ظاهر، وكذا في الأخرى، لأن معنى ذاب تقرر وهو بالقضاء أو مال يقضي به،   [البناية] لك كان باطلا، كذا في " جامع المحبوبي " م: (وليس بتوكيل) ش: لأنه لم يقل: تعين لي، بل قال: تعين علي وهي ليست بكلمة وكالة. م: (وقيل: هو توكيل فاسد، لأن الحرير غير متعين) ش: إذ الحرير أجناس مختلفة م: (وكذا الثمن غير متعين لجهالة ما زاد على الدين) ش: أي على قدر الدين، وقال الأكمل: فإن قيل: الدين معلوم والمأمور به هو مقداره، فكيف يكون الثمن مجهولا، أجاب بقوله: لجهالة ما زاد على الدين فإنه داخل في الثمن. م: (وكيفما كان) ش: سواء كان قوله: تعين علي وكالة أو كفالة فاسدة م: (فالشراء للمشتري) ش: بفتح الراء وصح بكسر الراء م: (وهو الكفيل والربح أي الزيادة) ش: أي الزيادة على الدين م: (عليه لأنه هو العاقد قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: ومن كفل عن رجل بما ذاب له) ش: أي بما وجب وثبت له م: عليه أو بما قضى له عليه) ش: أي بما حكم له عليه من الحق م: (فغاب المكفول عنه فأقام المدعي البينة على الكفيل بأن له على المكفول عنه ألف درهم، ولم يقبل ببينته) ش: أي بينة المدعي على الكفيل حتى يحضر المكفول عنه فيقضي به عليه م: (لأن المكفول به مال مقضي به) ش: على الأصيل؛ لأن الكفيل التزم ما لا يقضي به في المستقبل، فما لم يقض به لا يجب شيء على الكفيل القضاء على الأصيل ولم يوجد الشرط ولا يوجد القضاء على الأصيل بهذه البينة حال غيبته، لأنه يكون قضاء على الغائب، وهو لا يصح عندنا خلافا للشافعي ومالك، رحمهما الله. م: (وهذا في لفظة القضاء) ش: وهو قوله أو بما قضى له عليه م: (ظاهر) ش: لدلالة ما قضى بصراحة عبارته. م: (وكذا في الأخرى) ش: وكذا ظاهر في المسألة الأخرى وهو قوله: ما ذاب له عليه لأنه يستلزم ذلك م: (لأن معنى ذاب تقرر) ش: وهو بالقضاء وقد قلنا إنه مستعار من ذوب الشحم م: (وهو) ش: أي التقرر م: (بالقضاء) ش: أي إنما هو بالقضاء والدعوى مطلق غير ذلك، فلا مطابقة بينهما م: (أو مال يقضي به) ش: معطوف على قوله: أو بما قضي له، يعني كفل بمال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 463 وهذا ماض أريد به المستقبل كقوله: أطال الله بقاءك، والدعوى مطلق عن ذلك فلا تصح. ومن أقام البينة أن له على فلان كذا وأن هذا كفيل عنه بأمره فإنه يقضي به على الكفيل وعلى المكفول عنه. وإن كانت الكفالة بغير أمره يقضي به على الكفيل خاصة، وإنما تقبل لأن المكفول به مال مطلق بخلاف ما تقدم، وإنما يختلف بالأمر وعدمه لأنهما   [البناية] يقضي به بعد الكفالة، فلم توجد هذه الصفقة لا يكون كفيلا به م: (وهذا ماض) ش: أي قوله ذاب أو قضى له ماض، ولكن م: (أريد به المستقبل) ش: وفي نسخة شيخنا أريد به المستأنف، أي يجعل لفظ الماضي بمعنى المستقبل م: (كقوله) ش: أي كقول الداعي لشخص م: (أطال الله بقاءك) ش: فهو وإن كان ماضيا يراد به المستقبل م: (والدعوى مطلق عن ذلك فلا تصح) ش: أي دعوى المدعي على الكفيل مطلقة عن ذلك حيث لم يتعرض لموجب المال بعد الكفالة بل يحتمل أنه كان واجبا قبل الكفالة وذلك لا يدخل تحت الكفالة ففسدت الدعوى فلم تسمع البينة، حتى لو أقام البينة أنه وجب له على الغائب ألف درهم بعد عقد الكفالة قبلت بينته، كذا قالوا في " شرح الجامع الصغير ". م: ومن أقام البينة أن له على فلان كذا وأن هذا كفيل عنه) ش: أي عن فلان م: بأمره) ش: أي بأمر فلان م: (فإنه) ش: أي فإن المال الذي قامت به البينة م: (يقضى به على الكفيل، وعلى المكفول عنه) ش: الذي هو الغائب م: (وإن كانت الكفالة بغير أمره) ش: أي بغير أمر فلان م: (يقضي به) ش: أي المدعي م: (على الكفيل خاصة) ش: يعني دون الغائب م: (وإنما تقبل) ش: إقامة البينة حتى يقضي بالمال على الكفيل م: (لأن المكفول به مال مطلق) ش: أي عن التوصيف بكونه مقضيا به أو يقتضي به فكانت الدعوى مطابقة للمدعى به فصحت وقبلت البينة لابتنائها على دعوى صحيحة. م: (بخلاف ما تقدم) ش: أي بخلاف المسألة المتقدمة وهي قوله: ومن كفل عن رجل بما ذاب له ..... إلى آخره، حيث لا يقبل بينة المدعي على الكفيل، لأن ثمة المكفول به مال مقيد وهو ما يجب على الكفيل بعد عقد الكفالة ودعوى المدعي وقعت مطلقة لم يتعرض لذلك ففسدت الدعوى فلم تقبل. ثم اعلم أن فائدة القضاء على الكفيل وعلى المكفول عنه أنه لو حضر المكفول عنه لا يحتاج إلى إقامة البينة عليه، لأنه لما أثبت الكفالة على الحاضر بأمر الغائب وقضى القاضي بذلك ثبت أمر الغائب بالكفالة عنه وثبت إقراره بالدين وانتصب الحاضر خصما عن الغائب، بخلاف ما إذا أقام البينة على أنه كفيل بغير أمر الغائب ثبت الدين على الكفيل خاصة ولا يثبت على الغائب شيء لأنه لما لم يثبت الأمر من الغائب لم يتعد القضاء إليه، كذا قال الإمام الزاهد العتابي. م: (وإنما يختلف) ش: أي حكم القاضي بالرجوع على الأصيل م: (بالأمر وعدمه لأنهما) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 464 يتغايران لأن الكفالة بأمر تبرع ابتداء ومعاوضة انتهاء، وبغير أمر تبرع في الحالين، فبدعواه أحدهما لا يقضى له بالآخر. وإذا قضى بها بالأمر ثبت أمره وهو يتضمن الإقرار بالمال فيصير مقضيا عليه، والكفالة بغير أمره لا تمس جانبه؛ لأنه يعتمد صحتها قيام الدين في زعم الكفيل فلا يتعدى إليه. وفي الكفالة بأمره يرجع الكفيل بما أدى على الآمر. وقال زفر: لا يرجع لأنه لما أنكر فقد ظلم في زعمه فلا يظلم غيره. ونحن نقول: صار مكذبا شرعا فبطل ما في زعمه. قال: ومن باع دارا وكفل رجل عنه بالدرك فهو تسليم.   [البناية] ش: أي لأن الكفالة بأمره والكفالة بغير أمره م: (يتغايران، لأن الكفالة بأمر تبرع ابتداء، ومعاوضة انتهاء، وبغير أمر تبرع في الحالين) ش: أي في الابتداء والانتهاء م: (فبدعواه أحدهما) ش: أي أحد عقدي الكفالة م: (لا يقضى له بالآخر) ش: لأن ذلك غير مشهور به م: (وإذا قضى بها) ش: أي بالكفالة، م: (بالأمر ثبت أمره) ش: أي أمر الأصيل، وهو الآمر بالكفالة، م: (وهو) ش: أي الآمر بالكفالة م: (يتضمن الإقرار بالمال) ش: لأنه لا يأمر الكفيل بأن يؤدي عنه إلا إذا كان مقرا بالمال م: (فيصير مقضيا عليه والكفالة بغير أمره لا تمس جانبه) ش: أي جانب المكفول عنه م: (لأنه) ش: أي لأن الأمر أو الشأن م: (يعتمد صحتها) ش: أي صحة الكفالة م: (قيام الدين) ش: ولفظ صحتها مرفوع بقوله يعتمد. وقوله قيام الدين بالنصب مفعول، م: (في زعم الكفيل) ش: لأن المرء يؤاخذ بزعمه والزعم بفتح الزاي وهو لغة أكثر القراء في قَوْله تَعَالَى: {هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ} [الأنعام: 136] (الأنعام الآية: 136) وقرأ الكسائي بالضم م: (فلا يتعدى إيه) ش: أي إلى المكفول عنه، لأنها لم تكن بأمره فلم يمس جانبه. م: (وفي الكفالة بأمره يرجع الكفيل بما أدى على الآمر. وقال زفر: لا يرجع) ش: أي الكفيل على الأصيل م: (لأنه) ش: أي لأن الكفيل م: (لما أنكر فقد ظلم في زعمه) ش: يعني أن الكفيل لما أنكر بزعم أن الطالب ظلمه م: (فلا يظلم غيره ونحن نقول صار مكذبا شرعا) ش: لأن القاضي لما قضى عليه فقد أكذبه فيما زعمه م: (فبطل ما في زعمه) ش: كمن اشترى شيئا وأقر أن البائع باع ملكه ثم استحقه آخر بالبينة لا يبطل حقه في الرجوع بالثمن على البائع، كذا ذكره شمس الأئمة وقاضي خان. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن باع دارا وكفل رجل عنه بالدرك) ش: الدرك عبارة عن قبول ثمن الدار عند استحقاق الدار وضمان الدرك صحيح بإجماع الفقهاء وهو المنصوص عن الشافعي، وأخرج أبو العباس عن الشافعي قولا آخر: أنه لا يصح م: (فهو) ش: أي فضمان الدرك م: (تسليم) ش: من الكفيل وتصديق بأن البائع باع ملك نفسه، والمسألة في " الجامع الصغير ": وصورتها فيه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في الرجل يبيع الدار ويكفل رجل للمشتري بما أدركها من درك ثم جاء الكفيل يدعيها، قال: كفالة تسليم للبيع، فإن شهد على البائع وختم لم تكن شهادته وختمه تسليما للبيع، إلى هنا لفظ محمد فيه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 465 لأن الكفالة لو كانت مشروطة في البيع فتمامه بقبوله، ثم بالدعوى يسعى في نقض ما تم من جهته، وإن لم تكن مشروطة فيه فالمراد بها إحكام البيع وترغيب المشتري فيه إذ لا يرغب فيه، دون الكفالة فنزل منزلة الإقرار بملك البائع. قال: ولو شهد وختم ولم يكفل لم يكن تسليما وهو على دعواه، لأن الشهادة لا تكون مشروطة في البيع ولا هي إقرارا بالملك؛ لأن البيع مرة يوجد من المالك وتارة من غيره، ولعله كتب الشهادة ليحفظ الحادثة بخلاف ما تقدم، قالوا: إذا كتب في الصك باع وهو يملكه أو بيعا باتا نافذا وهو كتب شهد بذلك فهو تسليم إلا إذا كتب الشهادة على إقرار المتعاقدين.   [البناية] قال المصنف م: (لأن الكفالة لو كانت مشروطة في البيع فتمامه) ش: يعني لو باع بشرط الكفالة كان تمام البيع متعلقا م: (بقبوله) ش: أي بقبول الكفيل فصار كأنه هو الموجب للعقد ولا يصح دعواه بعد ذلك، وهو معنى قوله م: (ثم بالدعوى) ش: بعد ذلك م: (يسعى في نقض ما تم من جهته) ش: فلا يجوز ذلك م: (وإن لم تكن) ش: أي الكفالة م: (مشروطة فيه) ش: أي في البيع م: (فالمراد بها) ش: أي بالكفالة م: (إحكام البيع) ش: بكسر الهمزة أي إتقانه م: (وترغيب المشتري فيه) ش: أي في البيع م: (إذ لا يرغب) ش: المشتري م: (فيه دون الكفالة) ش: خوفا من الاستحقاق م: (فنزل منزلة الإقرار بملك البائع) ش: أي بمنزلة قوله: اشتر هذه الدار ولا تبالي فإنها ملك البائع. ومن أقر بملك البائع لا تصح دعواه بعد ذلك، وإنما قال: ينزل منزلة الإقرار لأنه يئول إليه في المعنى. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولو شهد) ش: أي لو شهد الشاهد على بيع الدار م: (وختم) ش: شهادته بأن كتب اسمه في الصك وجعل اسمه تحت رصاص مكتوبا ووضع عليه نقش خاتمه حتى لا يجري فيه التزوير والتبديل، كذا ذكره شمس الأئمة الحلواني - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيل لفظ ختم وقع اتفاقا باعتبار عادة العرب، وهذا عرف زمانهم، أما في زماننا هذا العرف لم يبق م: (ولم يكفل لم يكن تسليما. وهو على دعواه؛ لأن الشهادة لا تكون مشروطة في البيع) ش: لعدم الملازمة م: (ولا هي) ش: أي الشهادة م: (إقرارا بالملك لأن البيع مرة يوجد من المالك وتارة من غيره، ولعله كتب الشهادة ليحفظ الحادثة بخلاف ما تقدم) ش: من ضمان الدرك، فإنه إقرار بالملك. م: (قالوا) ش: مشايخنا م: (إذا كتب في الصك باع) ش: فلان م: (وهو) ش: أي والحال أنه م: (يملكه أو بيعا باتا) ش: أي أو باع بيعا باتا م: (نافذا وهو) ش: أي الشاهد م: (كتب شهد بذلك فهو تسليم) ش: فلا تصح دعواه م: (إلا إذا كتب الشهادة على إقرار المتعاقدين) ش: فإنه ليس بتسليم وإن كان المكتوب فيما يدل على الصحة والنفاذ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 466 فصل في الضمان قال: ومن باع لرجل ثوبا وضمن له الثمن أو مضارب ضمن ثمن متاع رب المال فالضمان باطل؛ لأن الكفالة التزام المطالبة وهي إليهما فيصير كل واحد منهما ضامنا لنفسه، ولأن المال أمانة في أيديهما والضمان تغيير لحكم الشرع فيرد عليه كاشتراطه على المودع والمستعير   [البناية] [فصل في الضمان] [باع لرجل ثوبا وضمن له الثمن] م: (فصل في الضمان) ش: أي هذا فصل في بيان الضمان، والضمان والكفالة بمعنى واحد، ولكن لما كان هذا الفصل في مسائل " الجامع الصغير ": ووردت فيه بلفظ الضمان فلذلك فصلها لتغاير في اللفظ، ولهذا سمى أكثر الفقهاء باب الكفالة باب الضمان. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن باع لرجل ثوبا وضمن له الثمن) ش: أي باع لأجل رجل ثوبا وضمن البائع للآمر الثمن، صورته في " الجامع ": محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في الرجل يعطي الرجل ثوبا ليبيعه بعشرة ففعل ثم ضمن البائع الثمن للآمر، قال: الضمان باطل. م: (أو مضارب ضمن ثمن متاع رب المال) ش: أي أو باع مضارب من المتاع شيئا وضمن لرب المال م: (فالضمان باطل) ش: في الصورتين م: (لأن الكفالة التزام المطالبة وهي) ش: أي المطالبة م: (إليهما) ش: أي إلى الوكيل والمضارب أو حقوق العقد يرجع إلى العقد فاختصت المطالبة به، فلو صح الضمان منهما م: (فيصير كل واحد منهما ضامنا لنفسه) ش: وإنه لا يجبر يجوز، بخلاف الوكيل بالنكاح، فإن ضمن المهر من الزوج يصح، لأنه سفير، ولهذا لا يلي قبض المهر فلا يصير ضامنا لنفسه، كذا ذكره المرغيناني، والمحبوبي، وعلى قياس من قول الأئمة الثلاثة ينبغي أن يصح هذا الضمان، لأن للموكل ولاية مطالبة الثمن فلا يكون ضامنا لنفسه كما في النكاح. م: (ولأن المال) ش: هذا وجه آخر في تعليل المسألتين المذكورتين وهو أن المال م: (أمانة في أيديهما) ش: أي في يد الوكيل والمضارب والأمين لا يكون ضمينا م: (والضمان تغيير لحكم الشرع) ش: لأنه يناقضه م: (فيرد عليه) ش: أي على الضامن م: (كاشتراطه) ش: أي كاشتراط الضمان م: (على المودع) ش: بفتح الدال. م: (والمستعير) ش: فإنه لا ضمان عليهما شرعا، فاشتراطه يكون تغييرا للمشروع فلا يجوز، وكمن عليه السهو إذا سلم بنية قصد الخروج، يرد عليه، ولا يخرج حتى كان له أن يعود إلى سجدتي السهو، وكمن نذر أن يصوم غدا وعليه قضاء رمضان يجوز له صوم القضاء، فيرد عليه نية تعيينه الغد لصوم النذر؛ لأنه تغيير المشروع وهو صلاحية الغد لصوم القضاء. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 467 وكذلك رجلان باعا عبدا صفقة واحدة وضمن أحدهما لصاحبه حصته من الثمن؛ لأنه لو صح الضمان مع الشركة يصير ضامنا لنفسه. لو صح في نصيب صاحبه خاصة يؤدي إلى قسمة الدين قبل قبضه ولا يجوز ذلك. بخلاف ما إذا باعا بصفقتين؛ لأنه لا شركة، ألا ترى أن للمشتري أن يقبل نصيب أحدهما ويقبض إذا نقد ثمن حصته وإن قبل الكل. قال: ومن ضمن عن آخر خراجه ونوائبه.   [البناية] م: (وكذلك) ش: أي وكذلك لا يصح الضمان إذا كان م: (رجلان باعا عبدا صفقة واحدة وضمن أحدهما لصاحبه حصته من الثمن؛ لأنه لو صح الضمان مع الشركة) ش: أي مع بقاء الشركة الشائعة م: (يصير ضامنا لنفسه) ش: لأن ما من جزء من الثمن إلا وهو مشترك بينهما م: (ولو صح) ش: أي الضمان م: (في نصيب صاحبه خاصة يؤدي إلى قسمة الدين قبل قبضه) ش: حيث امتاز نصيب أحدهما والدين لا يحتمل قسمة قبل القبض، لأن القسمة إفراز، والإفراز يتحقق في الأعيان لا في الأوصاف. والدين وصف، ولأن في القسمة معنى التمليك، وتمليك الدين من غير من عليه الدين لا يجوز، كذا في " جامع قاضي خان " م: (ولا يجوز ذلك) ش: أي قسمة الدين قبل قبضه. م: (بخلاف ما إذا باعا) ش: عبدا م: (بصفقتين) ش: بأن سمى كل واحد منهما لنفسه ثمنا ثم ضمن أحدهما الآخر صح ضمانه، م: (لأنه لا شركة) ش: إذ نصيب كل منهما ممتاز عن نصيب الآخر، م: (ألا ترى) ش: توضيح لما قبله م: (أن للمشتري أن يقبل نصيب أحدهما ويقبض إذا نقد ثمن حصته وإن قبل الكل) ش: أي: وإن قبل المشتري الكل بكلام واحد. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن ضمن عن آخر خراجه ونوائبه) ش: جمع نائبة. واختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: المراد منه ما يكون بحق كأجر الحارس كري نهر العامة، وأنه دين وسمى نائبه، وقال بعضهم: هو ما يحتاج الإمام إليه نحو تجهيز المقاتلين. وكفداء الأسارى بأن لا يكون في بيت المال شيء فيوظف ما على الناس فيجوز ذلك، فيجب أداؤه على كل موسر نظرا للمسلمين فضمن إنسان قسمة صاحبه أي نصيبه من ذلك يجوز. وأما النوائب التي يوظفها السلطان على الناس كالجبايات في زماننا بسبيل الظلم فقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: لا تصح الكفالة بها لأنه لا دين عليه فلا تصح. وقال بعضهم: يصح حتى إذا أدى بعدما ضمن بأمره يرجع عليه، لأن العبرة في الكفالة لتوجه المطالبة حسا، فكان بمنزلة دين واجب، وإليه ذهب فخر الإسلام البزدوي. وأما النوائب الكبرى الداهية الدهياء التي هي المكس فهي حرام قطعا، فلا تجوز الكفالة بها، ولا التصرف فيها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 468 وقسمته فهو جائز. أما الخراج فقد ذكرناه وهو يخالف الزكاة لأنها مجرد فعل، ولهذا لا تؤدى بعد موته من تركته إلا بوصيته. وأما النوائب فإن أريد بها ما يكون بحق ككري النهر المشترك، وأجرة الحارس والموظف لتجهيز الجيش وفداء الأسارى وغيرها جازت الكفالة بها على الاتفاق. وإن أريد   [البناية] بوجه من الوجوه أصلا وقد لعن الشارع صاحب المكس م: (وقسمته) . ش: قال الفقيه أبو الليث السمرقندي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذكر عن أبي بكر بن أبي سعيد أنه قال: وقع هذا الحرف غليظا لأنه لا معنى له، يعني أن القسمة مصدر والمصدر فهو الفعل غير مضمون، وكان الفقيه أبو جعفر يقول: معناه إذا طلب أحد الشريكين القسمة من صاحبه وامتنع صاحبه من ذلك، فإن القسمة واجبة عليه، فإذا ضمن إنسان ليقوم مقامه في القسمة يجوز ذلك، لأنه ضمن شيئا مضمونا وهو يقدر على ذلك، يعني على إيفائه، وقال بعضهم، منهم فخر الإسلام البزدوي: يحتمل أن يكون المراد بالقسمة ما وظف عليه من النوائب الراتبة كأجرة الحارس ونحوها. وقيل: القسمة تجيء بمعنى النصيب، قال الله تعالى: {ونبئهم أن الماء قسمة بينهم} [القمر: 28] (القمر: الآية 28) ، والمراد النصيب، وقال بعضهم: معناه إذا اقتسما ثم منع أحد الشريكين قسم صاحبه. قال الأكمل: فتكون الرواية على هذا قسمة بالضمير لا بالتاء. م: (فهو جائز) ش: جواب عن قوله ومن ضمن. م: (أما الخراج) ش: هذا مشروع في بيان قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجامع وهو الذي ذكره أولا بقوله: ومن ضمن إلى آخره، م: (فقد ذكرناه) ش: أي قبل هذا الفصل بقوله والرهن والكفالة في الخراج بلا خلاف، م: (وهو يخالف الزكاة لأنها) ش: أي لأن الزكاة م: (مجرد فعل) ش: وهو تمليك المال من غير أن يكون دينا. وفي " الفوائد الظهيرية ": الخراج دين كسائر الديون، كأنه أراد به الموظف مخالف الزكاة في الأموال الظاهرة حيث لا يجوز الضمان لها، لأن الواجب جزء من النصاب وهو غير مضمون بدليل أنه لو هلك لا يضمن شيئا والكفالة بأعيان غير مضمونة باطلة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون الزكاة مجرد فعل م: (لا تؤدى بعد موته) ش: أي بعد موت من عليه الزكاة م: (من تركته إلا بوصيته) ش: منه وقد عرف في موضعه. م: (وأما النوائب فإن أريد بها ما يكون بحق ككري النهر المشترك وأجرة الحارس والموظف) ش: من جهة الإمام م: (لتجهيز الجيش) ش: عند خلو بيت المال م: (وفداء الأسارى) ش: وهو تخليصهم من الأسر من أيدي الكفرة م: (وغيرها) ش: كإطفاء النائرة، م: (جازت الكفالة بها) ش: أي من النوائب بالحق م: (على الاتفاق) ش: بين أصحابنا وغيرهم من الفقهاء م: (وإن أزيد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 469 بها ما ليس بحق كالجبايات في زماننا ففيه اختلاف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وممن يميل إلى الصحة الإمام علي البزدوي. وأما القسمة فقد قيل: هي النوائب بعينها أو حصة منها، والرواية "بأو" وقيل: هي النائبة الموظفة الراتبة، والمراد بالنوائب ما ينوبه غير راتب والحكم ما بيناه. ومن قال لآخر: لك علي مائة إلى شهر، وقال المقر له: هي حالة، فالقول قول المدعي. ومن قال: ضمنت لك عن فلان مائة إلى شهر، وقال المقر له: هي حالة، فالقول قول الضامن. ووجه الفرق أن المقر أقر بالدين، ثم ادعى حقا لنفسه وهو تأخير المطالبة إلى أجل،   [البناية] بها) ش: أي من النوائب م: (ما ليس بحق) ش: بل لظلم من الملوك الظلمة م: (كالجبايات) ش: وهي الصادرات م: (في زماننا ففيه اختلاف المشايخ) ش: وقد ذكرناه عن قريب مفصلا م: (وممن يميل إلى الصحة) ش: أي صحة الكفالة بها م: (الإمام علي البزدوي) ش: وهو فخر الإسلام علي بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم النسفي لا أخوه صدر الإسلام محمد بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم النسفي وعبد الكريم هذا كان تلميذ الشيخ الإمام أبي المنصور محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي. م: (وأما القسمة فقد قيل: هي النوائب بعينها أو حصة منها) ش: أي أو حصة الرجل من النوائب، يعني إذا قسم الإمام ما ينوب العامة نحو مؤنة ككري النهر المشترك فأصاب واحدا شيء من ذلك فكفل به رجل صحت الكفالة بالإجماع، قيل: ولكن كان ينبغي أن يذكر الرواية على هذا التقدير وقسمته بالواو ليكون عطف الخاص على العام كما في قوله عز وجل: {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال} [البقرة: 98] م: (البقرة الآية 98) ش: وقال المصنف م: (والرواية بأو) ش: أي بكلمة أو على تقدير أن تكون القسمة حصة من النوائب، لأن القسمة إذا كانت حصة منها فهو محل أو، أما إذا كانت هي النوائب بعينها فهو محل الواو. م: (وقيل: هي النائبة الموظفة الراتبة) ش: أي المقاطعات الديوانية في كل شهر أو ثلاثة أشهر، كذا في " الفوائد الظهيرية "، وفسروها في شروح " الجامع الصغير " بأجرة الحارس ونحوها م: (والمراد بالنوائب) ش: أي بالنوائب المذكورة أولا م: (ما ينوبه غير راتب) ش: أي ما ينوب الشخص مما هو غير متعارف ولا موظف م: (والحكم ما بيناه) ش: يعني جواز الكفالة فيما كان بحق بالاتفاق، واختلاف المشايخ فيما كان بغير حق. م: (ومن قال لآخر: لك علي مائة إلى شهر، وقال المقر له: هي حالة فالقول قول المدعي) ش: وهذه والتي بعدها من مسائل " الجامع الصغير " وهي قوله م: (ومن قال: ضمنت لك عن فلان مائة إلى شهر، وقال المقر له: هي حالة فالقول قول الضامن) ش: أي في ظاهر الرواية، وقال قاضي خان في " شرح الجامع الصغير ": قال الشافعي: القول قول المقر في الفصلين على ما يجيء م: (ووجه الفرق) ش: بين المسألتين م: (أن المقر أقر بالدين ثم ادعى حقا لنفسه وهو تأخير المطالبة إلى أجل) ش: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 470 وفي الكفالة ما أقر بالدين؛ لأنه لا دين عليه في الصحيح، إنما أقر بمجرد المطالبة بعد الشهر، ولأن الأجل في الديون عارض حتى لا يثبت إلا بالشرط، فكان القول قول من أنكر الشرط كما في الخيار. أما الأجل في الكفالة فنوع منها حتى يثبت من غير شرط إن كان مؤجلا على الأصيل، والشافعي ألحق الثاني بالأول.   [البناية] والمقر له ينكر ذلك، فالقول قول المنكر في الشرع. م: (وفي الكفالة ما أقر) ش: أي الكفيل م: (بالدين لأنه لا دين عليه في الصحيح) ش: من الجواب، ولهذا لو أقر بدين الطالب الكفيل فرده الكفيل لا يرتد برده فعلم أن لا دين عليه م: (إنما أقر بمجرد المطالبة بعد الشهر) ش: والمكفول له يدعي حق المطالبة لنفسه في الحال، والضامن ينكر ذلك القول فالقول للمنكر. فإن قيل: فعلي هذا التقدير تتعطل الكفالة عن موجبها، وهو إلزام المطالبة، فينبغي ألا يكون القول للضامن، قلنا: لا يتعطل لأن التزام المطالبة إما للحال أو في المستقبل، وقد وجد منها التزام المطالبة في المستقبل، فكانت صحيحة، إليه أشار في " الفوائد الظهيرية ". م: (ولأن الأجل في الديون عارض) ش: هذا بيان فوق آخر ذكره لمن له زيادة استكبار في الاستقضاء، لأن الفرق الأول إقناعي جدلي لدفع الخصم في المجلس، ومبنى هذا الفرق على ما لا يثبت لشيء إلا بشرط لم يثبت له ذلك، فكان عارضا. والأجل في الديون بهذه المثابة، م: (حتى لا يثبت إلا بالشرط) ش: لأن ثمن البياعات والمهور وقيم المتلفات حالة لا يثبت الأجل إلا بالشرط م: (فكان القول قول من أنكر الشرط كما في الخيار) ش: إذا ادعى أحد المتعاقدين خيار الشرط وينكر الآخر فالقول لمنكر الشرط مع اليمين. م: (أما الأجل في الكفالة فنوع منها) ش: أي نوع من الكفالة، يعني أن الكفالة الموجلة أحد نوعي الكفالة م: (حتى يثبت من غير شرط، إن كان مؤجلا على الأصيل) ش: لأن الأجل في الكفالة ذاتي، فإذا كان ذاتيا كان إقراره نوعا منها فلا يحكم بغيره، فكان القول قوله. م: (والشافعي ألحق الثاني بالأول. وأبو يوسف فيما يروى عنه ألحق الأول بالثاني) ش: هكذا وقع في عامة النسخ وليس بصحيح، بل الصحيح عكسه، فإن الشافعي ألحق الأول بالثاني، وأبا يوسف ألحق الثاني بالأول، وذلك لأن الشافعي قال: القول للمقر في الفصلين جميعا. وبيانه أن الشافعي ألحق الإقرار بالدين، بالإقرار بالكفالة، حيث صدق المقر بالدين الموجل كما صدقنا المقر بالكفالة، وأبو يوسف ألحق الإقرار بالكفالة المؤجلة بالإقرار بالدين المؤجل حيث لم يصدق المقر فيهما جميعا. وفي " الكافي ": ما ذكر في الهداية أن الشافعي ألحق الثاني بالأول - مشكل، لأن مذهبه على عكسه فيحتمل أن يكون له قولان، أو لفظ المصنف الشافعي: ألحق الأول بالثاني وأبو يوسف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 471 وأبو يوسف فيما يروى عنه ألحق الأول بالثاني، والفرق قد أوضحناه، قال: ومن اشترى جارية فكفل له رجل بالدرك فاستحقت لم يأخذ الكفيل، حتى يقضى له بالثمن على البائع؛ لأن بمجرد الاستحقاق لا ينتقض البيع على ظاهر الرواية ما لم يقض له بالثمن على البائع فلم يجب له على الأصيل رد الثمن، فلا يجب على الكفيل، بخلاف القضاء بالحرية؛ لأن البيع يبطل بها لعدم المحلية فيرجع على البائع والكفيل، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يبطل البيع بالاستحقاق، فعلى قياس قوله يرجع بمجرد الاستحقاق، وموضعه أوائل الزيادات في ترتيب الأصل   [البناية] الثاني بالأول، وهكذا في شرح البزدوي الظهيري وقع الخطأ من الكاتب. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فمن الشارحين من حمل على الروايتين عن كل واحد منهما. ومنهم من حمله على الغلط، ولعله أظهر، م: (والفرق) ش: بين المسألتين م: (قد أوضحناه) ش: عند قوله: ووجه الفرق أن المقر أقر بالدين ثم ادعى حقا لنفسه ... إلى آخره. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى جارية فكفل له رجل بالدرك) ش: وتفسير الدرك مر م: (فاستحقت لم يأخذ الكفيل حتى يقضى له بالثمن على البائع لأن بمجرد الاستحقاق) ش: أي القضاء بالاستحقاق والقضاء بالمبيع للمستحق م: (لا ينتقض البيع على ظاهر الرواية ما لم يقض له بالثمن على البائع) ش: لأن احتمال الإجازة ثابت، أي لأن احتمال إجازة المستحق البيع ثابت م: (فلم يجب له على الأصيل رد الثمن، فلا يجب على الكفيل) ش: لأن الكفالة محل للضمان عن غيره فلم يقض على الأصيل، لأنه قد يجب التحمل على الكفيل، وإنما قيد بقوله: في ظاهر الرواية احترازا عن رواية " الأمالي "، قال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع "، قال أبو يوسف في " الأمالي ": له أن يأخذ الكفيل قبل أن يقضي على البائع، وهو رواية عن أبي حنيفة، وبه قالت الأئمة الثلاثة. م: (بخلاف القضاء بالحرية؛ لأن البيع يبطل بها) ش: حيث ينتقض البيع بمجرد القضاء بها م: (لعدم المحلية) ش: أي محلية البيع، م: (فيرجع) ش: أي المشتري م: (على البائع والكفيل) ش: أي وعلى الكفيل أيضا إن شاء م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يبطل البيع بالاستحقاق، فعلى قياس قوله يرجع بمجرد الاستحقاق وموضعه) ش: أي موضع هذا، م: (أوائل الزيادات في ترتيب الأصل) ش: أراد بترتيب الأصل المحلية، أي ترتيب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه افتتح كتاب الزيادات بباب المأذون مخالفا لترتيب سائر الكتب تبركا بما أملى به أبو يوسف، فإن محمدا أخذ ما أملى أبو يوسف بابا بابا وجعله أصلا وزاد عليه من عنده ما يتم به تملك الأبواب، فكان أصل الكتاب من تصنيف أبي يوسف وزيادته من تصنيف محمد، فلذلك سماه كتاب " الزيادات ". وكان ابتداء إملاء أبي يوسف في هذا الكتاب من أبواب المأذون، ولم يغيره محمد تبركا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 472 ومن اشترى عبدا فضمن له رجل بالعهدة فالضمان باطل، لأن هذه اللفظة مشتبهة قد تقع على الصك القديم وهو ملك البائع فلا يصح ضمانه، وقد تقع على العقد وعلى حقوقه وعلى الدرك وعلى الخيار، ولكل ذلك وجه، فتعذر العمل بها، بخلاف الدرك لأنه استعمل في ضمان الاستحقاق عرفا، ولو ضمن الخلاص لا يصح عند أبي حنيفة.   [البناية] به، ثم رتبها الزعفراني على هذا الترتيب الذي عليه اليوم، والزعفراني هذا تلميذ محمد بن الحسن. [اشترى عبدا فضمن له رجل بالعهدة] م: (ومن اشترى عبدا فضمن له رجل بالعهدة فالضمان باطل) ش: هنا ثلاث مسائل: ضمان العهدة وضمان الدرك وضمان الخلاص. فضمان الدرك جائزة باتفاق أصحابنا، وضمان العهدة باطل عندهم بالاتفاق، وضمان الخلاص باطل عند أبي حنيفة وجائز عندهما، وأما ضمان العهدة فقد ذكر في " الجامع الصغير " أنه باطل ولم يحك خلافا، وذكر بعض مشايخنا أن عند أبي حنيفة ضمان العهدة ضمان الدرك. وذكر الصدر الشهيد في " أدب القاضي " للخصاف: أن تفسير الخلاص والدرك والعهدة واحد عند أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- وهو الرجوع بالثمن على البيع عند الاستحقاق. وبه قالت الأئمة الثلاثة، وعند أبي حنيفة شرط. وفي تفسير الصك الأصل الذي كان عند البائع يشترط أن يسلمه إليه، وهذا شرط لا يقتضيه العقد أو لأحد المتعاقدين فيه منفعة فكان باطلا والضمان به باطل أيضا، لأنه التزام شيء لا يقدر عليه، م: (لأن هذه اللفظة) ش: أي لفظة العهدة م: (مشتبهة) ش: في المراد لاشتراكها فلا يجب العمل به قبل البيان؛ لأنها م: (قد تقع) ش: أي قد تطلق م: (على الصك القديم) ش: لأنه وثيقة بمنزلة كتاب العهد فسمي عهدة لأنه م: (وهو) ش: أي الصك القديم م: (ملك البائع فلا يصح ضمانه، وقد تقع على العقد) ش: لأن العهدة أخذت من العهد، والعهد والعقد سواء م: (وعلى حقوقه) ش: أي وقد تقع هذه اللفظة على حقوق العهد؛ لأنها من ثمرات العقد م: (وعلى الدرك) ش: أي وقد يقع على الحديث عهدة الرقيق ثلاثة أيام، م: (وعلى الخيار) ش: أي خيار الشرط م: (ولكل ذلك وجه) ش: يجوز الحمل به عليه فصار بهما، م: (فتعذر العمل بها) ش: قبل البيان فيبطل الضمان للجهالة. م: (بخلاف الدرك) ش: حيث يصح ضمان الدرك م: (لأنه) ش: أي لأن ضمان الدرك، م: (استعمل في ضمان الاستحقاق عرفا) ش: فيصح. م: (ولو ضمن الخلاص لا يصح عند أبي حنيفة) ش: وبه قال أحمد في رواية واختاره القاضي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 473 لأنه عبارة عن تخليص المبيع وتسليمه لا محالة، وهو غير قادر عليه. وعندهما هو بمنزلة الدرك وهو تسليم المبيع أو قيمته فيصح   [البناية] الحنبلي م: (لأنه) ش: أي لأن ضمان الخلاص م: (عبارة عن تخليص المبيع) ش: الاستحقاق م: (وتسليمه) ش: أي وتسليم المبيع إلى المشتري م: (لا محالة وهو غير قادر عليه) ش: لأن المبيع إذا خرج حرا أو مستحقا كيف يخلصه. م: (وعندهما) ش: أي وعند أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- م: (هو) ش: أي ضمان الخلاص، م: (بمنزلة الدرك) ش: أي بمنزلة ضمان الدرك، م: (وهو تسليم المبيع) ش: وهو أن يشترط على البائع أن المبيع إن استحق من يده يخلصه م: (أو قيمته) ش: أو أن يسلم قيمة المبيع إن عجز عن تسليم المبيع، فإذا كان كذلك م: (فيصح) ش: أي ضمان الخلاص، هذا الذي ذكره المصنف، ذكره المحبوبي في جامعه وقاضي خان. وقال شمس الأئمة: تفسير شرط الخلاص أن يشترط على البائع أن المبيع إن استحق من يده يخلصه ويسلمه بأي طريق يقدر عليه وهذا باطل لأنه شرط لا يقدر عليه الوفاء به، إذ المستحق ربما لا يساعده عليه، ولهذا ذكر أبو زيد في شروطه أن أبا حنيفة وأبا يوسف - رحمهما الله - كانا يكتبان في الشروط: فما أدرك فلان بن فلان قبل فلان خلصه أو رد الثمن، وإن لم يذكر رد الثمن يفسد البيع لأنه يبقى الضمان بتخليص المبيع، وأنه باطل، وعلم من هذا أن الخلاف فيما إذا ذكر ضمان الخلاص مطلقا. أما إذا ذكر بخلاص المبيع أو رد الثمن يجوز بالإجماع، والله أعلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 474 باب كفالة الرجلين وإذا كان الدين على اثنين وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه، كما إذا اشتريا عبدا بألف درهم، وكفل كل واحد منهما عن صاحبه، فما أدى أحدهما لم يرجع على شريكه حتى يزيد ما يؤديه على النصف فيرجع بالزيادة؛ لأن كل واحد منهما في النصف أصيل، وفي النصف الآخر كفيل، ولا معارضة بين ما عليه بحق الأصالة وبحق الكفالة؛ لأن الأول دين والثاني مطالبة، ثم هو تابع للأول فيقع عن الأول، وفي الزيادة لا معارضة فيقع عن الكفالة ولأنه لو وقع في النصف عن صاحبه فيرجع عليه فلصاحبه أن يرجع عليه.   [البناية] [باب كفالة الرجلين] [كان الدين على اثنين وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه] م: (باب كفالة الرجلين) ش: أي هذا باب في بيان حكم كفالة الرجلين، ولما ذكر كفالة الواحد عقبه بكفالة الاثنين، إذ الاثنان بعد الواحد وجودا، وكذا ذكرا. م: (وإذا كان الدين على اثنين وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه) ش: أي لرب الدين، وهذا لفظ القدوري في "مختصره" وذكر المصنف نظير الدين الكائن على اثنين من " الجامع الصغير " بقوله م: (كما إذا اشتريا) ش: أي الاثنان م: (عبدا بألف درهم وكفل كل واحد منهما عن صاحبه) ش: لما ذكر هذا من " الجامع " أتم لفظ القدوري بقوله م: (فما أدى أحدهما لم يرجع على شريكه حتى يزيد ما يؤديه على النصف فيرجع بالزيادة) ش: هذا جواب المسألتين، ثم عللهما بقوله م: (لأن كل واحد منهما في النصف أصيل، وفي النصف الآخر كفيل، ولا معارضة بين ما عليه بحق الأصالة وبحق الكفالة؛ لأن الأول دين) ش: الأول هو الأصالة وهو دين، لأنه أداء بحقيقة الدين. م: (الثاني) ش: هو حق الكفالة م: (مطالبة) ش: لأن ما عليه بطريق الكفالة من ثمرات الدين وهو المطالبة م: (ثم هو) ش: أي الثاني وهو المطالبة بالدين بالكفالة م: (تابع للأول) ش: أي الدين، وفي " المحيط ": الدين أقوى من المطالبة، ألا ترى أن الطالب يمكن إخراجه عن المطالبة ولا يملك في حق ما لزم الأصيل، فلما لم يستويا في القوة لم تثبت المعارضة م: (فيقع عن الأول) ش: أي عن حق الأصالة لأنه أقوى، لأن الأصل فرق التبع. م: (وفي الزيادة) ش: أي على النصف م: (لا معارضة) ش: لأنه لم يبق معارضة الأصل م: (فيقع عن الكفالة) ش: فيرجع فيما أدى فيما وراءه النصف م: (ولأنه) ش: دليل آخر على ذلك أورده بقياس الخلف، فإنه جعل نقيض المدعي وهو الرجوع على صاحبه مستلزما لمحال وهو رجوع صاحبه المستلزم للدور فإنه قال م: (لو وقع في النصف عن صاحبه فيرجع عليه فلصاحبه أن يرجع عليه) ش: لكن ليس لصاحبه أن يرجع عليه لأنه يؤدي إلى الدور، فلم يرجع في النصف عن صاحبه ليرجع عليه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 475 لأن أداء نائبه كأدائه فيؤدي إلى الدور، وإذا كفل رجلان عن رجل بمال على أن كل واحد منهما كفيل عن صاحبه فكل شيء أداه أحدهما رجع على صاحبه بنصفه قليلا كان أو كثيرا. ومعنى المسألة في الصحيح أن تكون الكفالة بالكل عن الأصيل وبالكل عن الشريك، والمطالبة متعددة فيجتمع الكفالتان على ما مر، وموجبها التزام المطالبة فتصح الكفالة عن الكفيل كما تصح الكفالة عن الأصيل، وكما تصح الحوالة من المحتال عليه. وإذا عرف هذا فما أداه أحدهما وقع شائعا عنهما، إذ الكل كفالة.   [البناية] وقوله م: (لأن أداء نائبه كأدائه) ش: بيان للملازمة، وتقريره أن صاحب المؤدي يقول له: أنت أديت عني بأمري فيكون ذلك كأدائه، ولو أديت بنفسي كان لي أن أجعل المؤدي عنك فإن رجعت علي وأنا كفيل عنك قائما أجعله عنك فأرجع عليك، لأن ذلك الذي أديته عني فهو كأدائي في التقدير. ولو أديت حقيقة رجعت عليك ففي تقدير أدائي كذلك، والشريك الآخر يقول مثل ما قال، م: (فيؤدي إلى الدور) ش: ولم يكن في الرجوع فائدة فجعلنا المؤدي عن نصيبه خاصة إلى تمام النصف لينقطع الدور، بخلاف الزيادة على النصف، فإنه لو رجع على شريكه بذلك لم يكن لشريكه أن يرجع عليه، إذ ليس على شريك بحكم الأصالة إلا النصف، فيفيد الرجوع. م: (وإذا كفل رجلان عن رجل بمال على أن كل واحد منهما كفيل عن صاحبه، فكل شيء أداه أحدهما رجع على صاحبه بنصفه قليلا كان أو كثيرا، ومعنى المسألة في الصحيح) ش: قال تاج الشريعة: قوله في الصحيح، أي كفل كل واحد منهما مجموع الدين لرب الدين ثم صار كل واحد كفيلا عن صاحبه بجميع المال. وقال الأكمل: وإنما قال في الصحيح لتتأتى الفروع المبينة على ذلك، فإنه قال على الأصيل .... إلى آخره، على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى. وقال الكاكي: إنما قال في الصحيح لأنه لو جعل كل واحد منهما كفيلا بالنصف لما صح النصف الذي يأتي م: (أن تكون الكفالة بالكل عن الأصيل وبالكل عن الشريك والمطالبة متعددة) ش: لأن كل واحد من الكفيلين مطالب بالكل من جهة الأصيل، ومطالبة بالكل أيضا من جهة الكفيل م: (فيجتمع الكفالتان) ش: فتعددت المطالبتان لتعدد الكفالتين م: (على ما مر) ش: إشارة إلى أن الكفالة التوثق، وعند اجتماع الكفالتين يزداد التوثق م: (وموجبها) ش: أي موجب الكفالة، م: (التزام المطالبة فتصح الكفالة عن الكفيل، كما تصح الكفالة عن الأصيل، وكما تصح الحوالة من المحتال عليه) ش: أي كما تصح حوالة المحتال عليه بما جعل ما عليه على آخر، والجامع بينهما التزام ما وجب. م: (وإذا عرف هذا) ش: أي الذي ذكرناه م: (فما أداه أحدهما وقع شائعا عنهما إذ الكل كفالة) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 476 فلا ترجيح للبعض على البعض، بخلاف ما تقدم فيرجع على شريكه بنصفه، ولا يؤدي إلى الدور؛ لأن قضيته الاستواء، وقد حصل برجوع أحدهما بنصف ما أدى، فلا ينقض برجوع الآخر عليه، بخلاف ما تقدم، ثم يرجعان على الأصيل؛ لأنهما أديا عنه أحدهما بنفسه والآخر بنائبه، وإن شاء رجع بالجميع على المكفول عنه لأنه كفل بجميع المال عنه بأمره. قال: وإذا أبرأ رب المال أحدهما أخذ الآخر بالجميع؛ لأن إبراء الكفيل لا يوجب براءة الأصيل، فبقي المال كله على الأصيل، والآخر كفيل عنه بكله على ما بيناه، ولهذا يأخذه به.   [البناية] ش: فيقع شائعا م: (فلا ترجيح للبعض على البعض) ش: لأن الكل كفالة م: (بخلاف ما تقدم) ش: أي في المسألة الأولى حيث لا يرجع على صاحبه ما لم يزد على النصف، لأن أداء النصف كان بحق الأصالة، والنصف الآخر بحق الكفالة م: (فيرجع على شريكه بنصفه ولا يؤدي إلى الدور، لأن قضيته الاستواء) ش: الاستواء بهما في العلة وهي ضمان الكفالة، فلما كان كذلك كان لمن أدى ولاية الرجوع على صاحبه بنصف ما أدى، لأنه مستو لصاحبه في التزام بجهة، فوجب أن يستويا في العزم بسببه. م: (وقد حصل) ش: أي الاستواء م: (برجوع أحدهما بنصف ما أدى فلا ينقض برجوع الآخر عليه) ش: لأنه لو رجع الشريك على هذا المؤدي ما بقيت المساواة م: (بخلاف ما تقدم) ش: لأن كل واحد منهما لم يلتزم جميع المال بحكم الكفالة بل التزم نصف المال بشرائه بنفسه بكفالة ولو لم يكن عن شريكه وجعل المؤدي عن الكفالة يؤدي إلى الدور كما تقدم. م: (ثم يرجعان على الأصيل لأنهما أديا عنه أحدهما بنفسه والآخر بنائبه) ش: وهو صاحبه الذي كفل عنه م: (وإن شاء رجع) ش: عطف على قوله رجع شريكه بنصفه قليلا كان أو كثيرا، أي وإن شاء من أدى فيهما شيئا رجع م: (بالجميع) ش: أي بجميع ما أدى م: (على المكفول عنه لأنه كفل بجميع المال عنه بأمره) ش: ولو كان أحدهما كفيلا عن المكفول فقط لم يكن له رجوع على الأصيل. م: (قال) ش: قيل: الظاهر أن قائله محمد. قلت: الظاهر أن قائله المصنف لأن المسألة ما ذكرها إلا شرح الجامع الصغير، وقال الأترازي: قالوا في شروح الجامع الصغير م: (وإذا أبرأ رب المال أحدهما) ش: أي أحد الكفيلين م: (أخذ الآخر) ش: أي الكفيل الآخر م: (بالجميع) ش: أي بجميع الدين م: (لأن إبراء الكفيل لا يوجب براءة الأصيل، فبقي المال كله على الأصيل، والآخر كفيل عنه بكله) ش: أي بكل الدين فيطالب بذلك م: (على ما بيناه) ش: إشارة إلى قوله: وبالكل عن الشريك. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل بقاء المال كله على الأصيل م: (يأخذه به) ش: أي يأخذ رب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 477 قال: وإذا افترق المتفاوضان فلأصحاب الديون أن يأخذوا أيهما شاءوا بجميع الدين، لأن كل واحد منهما كفيل عن صاحبه على ما عرف في الشركة، ولا يرجع أحدهما على صاحبه حتى يؤدي أكثر من النصف؛ لما مر من الوجهين في كفالة الرجلين. قال: وإذا كوتب العبدان كتابة واحدة وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه فكل شيء أداه أحدهما رجع على صاحبه بنصفه. ووجهه: أن هذا العقد جائز استحسانا، وطريقه: أن يجعل كل واحد منهما أصيلا في حق وجوب الألف عليه، فيكون عتقهما معلقا بأدائه ويجعل كفيلا بالألف في حق صاحبه، وسنذكره في المكاتب إن شاء الله تعالى، وإذا عرف ذلك فما أداه أحدهما رجع بنصفه على صاحبه لاستوائهما، ولو رجع بالكل لا تتحقق المساواة.   [البناية] المال الكفيل الذي لم يبرأ به بجميع الدين. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: وإذا افترق المتفاوضان) ش: أي شريكا المفاوضة وعليهما دين م: (فلأصحاب الديون أن يأخذوا أيهما شاءوا بجميع الدين، لأن كل واحد منهما كفيل عن صاحبه على ما عرف في الشركة) ش: أي المفاوضة شركة عامة تُبتنى على التوكيل من كل واحد منهما صاحبه فيما كان من أعمال التجارة، وعلى الكفالة بما كان من ضمان التجارة م: (ولا يرجع أحدهما) ش: أي أحد المتفاوضين م: (على صاحبه حتى يؤدي أكثر من النصف لما مر من الوجهين في كفالة الرجلين) ش: في مسألة أول الباب. م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كوتب العبدان كتابة واحدة) ش: بأن قال: كاتبتكما على ألف إلى سنة قيد بالكفالة الواحدة، لأن المولى إذا كاتب كل واحد منهما على حدة وكفل أحدهما عن الآخر لا يصح ذلك قياسا واستحسانا، إذ الكفالة ببدل الكتابة لا تصح بإجماع الأئمة الأربعة، أما لو كانت الكتابة واحدة تصح استحسانا عندنا ولا يصح قياسا، وبه قالت الأئمة الثلاثة، م: (وكل واحد منهما) ش: أي من العبدين م: (كفيل عن صاحبه فكل شيء أداه أحدهما رجع على صاحبه بنصفه ووجهه) ش: أي وجه هذا المذكور، م: (أن هذا العقد جائز استحسانا) ش: لا قياسا لأنه باطل قياسا؛ لأن الكفالة تبرع، والمكاتب لا يملك التبرع، م: (وطريقه) ش: أي طريق جوازه استحسانا م: (أن يجعل كل واحد منهما أصيلا في حق وجوب الألف عليه، فيكون عتقهما معلقا بأدائه) ش: أي بأداء كل واحد منهما كأنه قال لكل واحد منهما: إن أديت الألف فأنت حر، م: (ويجعل كفيلا بالألف في حق صاحبه، وسنذكره في المكاتب) ش: أي في كتاب المكاتب، م: (إن شاء الله تعالى، وإذا عرف ذلك) ش: أي ما ذكره، م: (فما أداه أحدهما رجع بنصفه على صاحبه لاستوائهما) ش: في العلة وهي أن كل البدل مضمون على أحدهما بعقد الكتابة، ولهذا لا يعتق واحد منهما ما لم يؤد جميع البدل. م: (ولو رجع بالكل) ش: أي بكل الألف الذي هو البدل م: (لا تتحقق المساواة) ش: وكذا إذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 478 قال: ولو لم يؤديا شيئا حتى أعتق المولى أحدهما جاز العتق لمصادفته ملكه، وبرئ عن النصف لأنه ما رضي بالتزام المال إلا ليكون المال وسيلة إلى العتق، وما بقي وسيلة فيسقط ويبقى النصف على الآخر، لأن المال في الحقيقة مقابل برقبتهما، وإنما جعل على كل واحد منهما احتيالا لتصحيح الضمان، وإذا جاء العتق استغنى عنه فاعتبر مقابلا برقبتهما، فلهذا يتنصف، وللمولى أن يأخذ بحصة الذي لم يعتق أيهما شاء المعتق بالكفالة وصاحبه بالأصالة، فإن أخذ الذي أعتق رجع على صاحبه بما يؤدي، لأنه مؤد عنه بأمره، وإن أخذ الآخر لم يرجع على المعتق بشيء، لأنه أدى عن نفسه، والله أعلم.   [البناية] لم يرجع بشيء، م: (قال: ولو لم يؤديا شيئا حتى أعتق المولى أحدهما جاز العتق لمصادفته ملكه) ش: أي لمصادفة العتق المولى م: (وبرئ عن النصف) ش: أي وبرئ العتق عن نصف البدل م: (لأنه ما رضي بالتزام المال إلا ليكون المال وسيلة إلى العتق، وما بقي وسيلة فيسقط) ش: أي النصف م: (ويبقى النصف على الآخر) ش: أي يبقى النصف الآخر على العبد الآخر م: (لأن المال في الحقيقة مقابل برقبتهما) ش: حتى يكون موزعا منقسما عليهما م: (وإنما جعل على كل واحد منهما احتيالا لتصحيح الضمان) ش: بأن يجعل كأن كل البدل على كل واحد منهما بحكم الأصالة لا الكفالة، فكان ضروريا لا يتعدى غير موضعهما. م: (وإذا جاء العتق استغنى عنه) ش: أي عن الاحتمال، م: (فاعتبر مقابلا برقبتهما، فلهذا يتنصف) ش: وعورض بأنه إذا كان مقابلا بهما كان على كل واحد منهما بعضه فيجب أن لا يصح الرجوع ما لم يزد المؤدي على النصف لئلا يلزم الدور كما مر. وأجيب: بأن الرجوع بنصف ما أدى إنما هو للتحرز عن تفرق الصفقة على المولى، لأن المؤدي لو وقع عن المؤدي على الخصوص برئ بأدائه عن نصيبه وعتق، لأن المكاتب إذا أدى ما عليه من بدل الكتاب عتق والمولى شرط عليهما أن يؤديا جميعا ويعتقا جميعا، فكان كالتخصيص إضرار للمولى بتفريق الصفقة، فأوقعنا المؤدى عنهما جميعا، وإذا بقي النصف على الآخر. م: (وللمولى أن يأخذ بحصة الذي لم يعتق أيهما شاء) ش: أي العبدين المكاتبين م: (المعتق) ش: بفتح التاء أي يأخذ المعتق م: (بالكفالة وصاحبه بالأصالة فإن أخذ الذي أعتق رجع على صاحبه بما يؤدي لأنه مؤد عنه بأمره، وإن أخذ الآخر لم يرجع) ش: أي الآخر م: (على المعتق بشيء، لأنه أدى عن نفسه، والله أعلم) ش: قال الأترازي: ولنا فيه نظر، لأن مطالبة المولى المعتق بحكم الكفالة، والكفالة ببدل الكتابة لا تجوز، وإذا سقط النصف بالعتق سقط مطالبة بالأصالة وبقي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 479 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] المطالبة بالكفالة وهي باطلة، فينبغي أن لا يطالبه المعتق أصلا، انتهى. والجواب عنه: أن الكفالة ببدل الكتابة ابتداء لا تجوز، ولهذا جعلنا البدل على كل واحد منهما تصحيحا للكتابة على هذا الوجه بقدر الإمكان، أما بعد عتق أحدهما صار كفيلا عن العتق ببدل الكتابة بقاء، فيجوز ذلك بقاء، وإن لم يجز ابتداء، والله أعلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 480 باب كفالة العبد وعنه ومن ضمن عن عبد مالا لا يجب عليه حتى يعتق ولم يسم حالا ولا غيره فهو حال؛ لأن المال حال عليه لوجود السبب وقبول الذمة، إلا أنه لا يطالب به لعسرته، إذ جميع ما في يده ملك المولى ولم يرض بتعلقه به، والكفيل غير معسر، فصار كما إذا كفل عن غائب أو مفلس، بخلاف الدين المؤجل لأنه متأخر بمؤخر، ثم إذا أدى رجع على العبد بعد العتق؛ لأن الطالب لا يرجع عليه إلا بعد العتق، فكذا الكفيل لقيامه مقامه. قال: ومن ادعى على عبد مالا وكفل له رجل   [البناية] [باب كفالة العبد وعنه] [ضمن عن عبد مالا] م: (باب كفالة العبد وعنه) ش: أي هذا باب في بيان كفالة العبد عن الآخر وكفالة الآخر عن العبد، وأخر هذا الباب لأن الحر مقدم على العبد لشرفه. م: (ومن ضمن عن عبد مالا لا يجب عليه حتى يعتق) ش: لا يجب عليه صفة لقوله: مالا لا يجب، جواب المسألة، إذ هي جملة فعلية وقعت صفة للنكرة، وجواب المسألة هو قوله فهو حال، صورة المسألة في " الجامع الصغير ": محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في العبد الذي يستهلك المال الذي لا يجب عليه حتى يعتق فضمنه رجل ولم يسم حالا ولا غير حال، وهو معنى قوله: م: (ولم يسم حالا ولا غيره فهو حال) ش: أي الضمان على الكفيل حال م: (لأن المال حال عليه) ش: أي على العبد م: (لوجود السبب وقبول الذمة، إلا أنه) ش: أي أن العبد م: (لا يطالب به لعسرته، إذ جميع ما في يده ملك المولى ولم يرض) ش: أي المولي م: (بتعلقه به) ش: أي بتعلق الدين بالعبد. م: (والكفيل غير معسر فضار كما إذا كفل عن غائب) ش: فإن الكفيل يؤخذ به في الحال إن عجز الطالب عن مطالبة الأصيل م: (أو مفلس) ش: بتشديد اللام المفتوحة، أي فصار أيضا كما إذا كفل عن مفلس فإنه يؤاخذ به في الحال. م: (بخلاف الدين المؤجل) ش: حيث يؤخذ الكفيل به بعد الأجل م: (لأنه) ش: أي لأن الدين م: (متأخر بمؤخر) ش: بكسر الخاء المشددة، أراد أن الدين المؤجل إذا كفل بواحد لا يطالب قبل حلول الأجل، لأن الدين ثمة أخر بمؤخر وقد التزم الكفيل ذلك فلزمه كذلك مؤجلا م: (ثم إذا أدى) ش: أي الكفيل عن العبد المكفول م: (رجع على العبد بعد العتق؛ لأن الطالب لا يرجع عليه إلا بعد العتق فكذا الكفيل) ش: لا يرجع عليه إلا بعد العتق م: (لقيامه مقامه) ش: أي لقيام الكفيل مقام الطالب في المطالبة. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن ادعى على عبد مالا وكفل له رجل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 481 بنفسه فمات العبد برئ الكفيل لبراءة الأصيل، كما إذا كان المكفول بنفسه حرا. قال: فإن ادعى رقبة العبد فكفل به رجل فمات العبد فأقام المدعي البينة أنه كان له ضمن الكفيل قيمته؛ لأن على المولى ردها على وجه تخلفها قيمتها، وقد التزم الكفيل ذلك، وبعد الموت تبقي القيمة واجبة على الأصيل، فكذا على الكفيل بخلاف الأولى. قال: وإذا كفل العبد عن مولاه بأمره فعتق فأداه، لو كان المولى كفيلا عنه فأداه بعد العتق لم يرجع واحد منهما على صاحبه. وقال   [البناية] بنفسه فمات العبد برئ الكفيل لبراءة الأصيل) ش: لأنه كفل عن العبد بتسليم نفسه فسقط التسليم عن الأصيل بموته فيسقط عن الكفيل أيضا، لأن براءة الأصيل توجب براءة الكفيل م: (كما إذا كان المكفول بنفسه حرا) ش: حيث يبرأ الكفيل ببراءة الأصيل هنا أيضا، والحاصل أن الكفالة بالنفس لا تتفاوت بين ما إذا كان المكفول بنفسه حرا أو عبد. وقال الكاكي: وهذا الحكم لا يختلف إلا أنه ذكر العبد هاهنا ليبني المسألة الثانية عليها ويفرق بينهما م: (قال: فإن ادعى رقبة العبد فكفل به) ش: أي بالعبد م: (رجل فمات العبد فأقام المدعي البينة أنه كان له ضمن الكفيل قيمته) ش: قبل إثبات ذلك بالبينة لأنه لو ثبت ملك المدعي بإقرار ذي اليد أو بنكوله عند التحليف وقد مات العبد في يد ذي اليد، قضى بقيمة العبد على المدعى عليه ولا يلزم على الكفيل شيء، لأن إقراره غير حجة على الكفيل إلا إذا أقر الكفيل بما أقر به الأصيل. وقال التمرتاشي: لا يصدق ذو اليد في موت العبد ويحبس هو والكفيل، فإن طال الحبس ضمناه القيمة، وكذا الوديعة المجحودة م: (لأن على المولى ردها) ش: أي رد الرقبة على ذي اليد م: (على وجه تخلفها قيمتها) ش: أي تخلف نفس العبد قيمة نفس العبد عند العجز عن ردها م: (وقد التزم الكفيل ذلك) ش: لأن الكفالة تحمل الضمان عن المغير م: (وبعد الموت تبقي القيمة واجبة على الأصيل فكذا على الكفيل) ش: لأن ضمان القيمة وجب على الأصيل ووجب على الكفيل أيضا؛ لأنه التزم المطالبة بما على الأصيل، وقد انتقل الضمان في حق الأصيل إلى القيمة فينتقل في حق الكفيل أيضا م: (بخلاف الأولى) ش: أي المسألة الأولى حيث لم يجب الضمان على المولى فلا يجب على الكفيل أيضا، وفي بعض النسخ بخلاف الأول، قال الأكمل: أي بخلاف الضمان الأول لأن محل ما التزمه وهو العبد قد مات، ويسقط عن العبد تسليم نفسه، فكذا عن كفيله. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كفل العبد عن مولاه بأمره) ش: قيد بالأمر، إذ كفالة العبد بغير إذن سيده لا يجوز بإجماع الفقهاء، إلا عند الشافعي في وجه، وبإذن سيده يجوز إلا في المأذون المستغرق بالدين، لا تجوز الكفالة، وبه قال مالك م: (فعتق فأداه لو كان المولى كفيلا عنه فأداه) ش: أي المال المكفول به م: (بعد العتق) ش: أي بعد أن أعتقه مولاه م: (لم يرجع) ش: جواب المسألتين م: (واحد منهما) ش: أي من المولى والعبد م: (على صاحبه. وقال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 482 زفر: يرجع، ومعنى الوجه الأول أن لا يكون على العبد دين حتى تصح كفالته بالمال على المولى إذا كان بأمره، أما كفالته عن العبد فتصح على كل حال. له أنه تحقق الموجب للرجوع وهو الكفالة بأمره والمانع وهو الرق قد زال. ولنا: أنها وقعت غير موجبة للرجوع؛ لأن المولى لا يستوجب على عبده دينا، وكذا العبد على مولاه فلا تنقلب موجبة أبدا كمن كفل عن غيره بغير أمره فأجازه. ولا تجوز الكفالة بمال الكتابة حر تكفل به أو عبد؛ لأنه دين ثبت مع المنافي فلا يظهر في حق صحة الكفالة.   [البناية] زفر: يرجع) ش: أي كل واحد منهما م: (ومعنى الوجه الأول) ش: وهو كفالة العبد عن مولاه بأمره م: (أن لا يكون على العبد دين حتى تصح كفالته بالمال عن المولى إذا كان بأمره) ش: وفي بعض النسخ أن يكون على العبد دين، وهذا كان مصححا بخط الثقات وهو الأصح، لأنه لو كان على العبد دين مستغرق لم تصح كفالة لحق الغرماء، وإن كان بإذن السيد م: (أما كفالته) ش: أي كفالة المولى م: (عن العبد فتصح على كل حال) ش: يعني سواء كانت الكفالة بالمال أو بالنفس أو على العبد دين أو لا. م: (له) ش: أي لزفر، وبه قال الشافعي م: (أنه) ش: أي أن الشأن م: (تحقق الموجب) ش: بكسر الجيم م: (للرجوع وهو الكفالة بأمره والمانع وهو الرق قد زال) ش: يعني امتناع الكفالة كان المانع الرق، لأن العبد لا يستوجب على مولاه دينا وقد زال المانع فيرجع. م: (ولنا أنها) ش: أي أن الكفالة م: (وقعت) ش: حال كونها م: (غير موجبة للرجوع، لأن المولى لا يستوجب على عبده دينا) ش: أي لا يستحق م: (وكذا العبد) ش: لا يستوجب م: (على مولاه فلا تنقلب) ش: أي الكفالة م: (موجبة أبدا كمن كفل عن غيره بغير أمره فأجازه) ش: أي الغير أو جاز ذلك لا يرجع، فكذا هذا. م: (ولا تجوز الكفالة بمال الكتابة حر تكفل به) ش: أي بمال الكتابة م: (أو عبد) ش: أي أبو العبد تكفل به م: (لأنه دين) ش: أي لأن مال الكتابة دين غير مستقر، لأنه م: (ثبت مع المنافي) ش: وهو الرق م: (فلا يظهر) ش: أي دين بدل الكتابة م: (في حق صحة الكفالة) ش: وبه قال أكثر أهل العلم. وعن أحمد في رواية: تصح؛ لأنه دين كسائر الديون، والأصح عنده أيضا لأن الكفالة به غير جائزة. وفي " النهاية ": التخصيص بمال الكتابة غير مفيد، فإنه كما لا تجوز الكفالة بمال الكتابة عن المكاتب للمولى لا تجوز بدين آخر للمولى سوى مال الكتابة على المكاتب، ذكره في " المبسوط ". ولو كان للمكاتب دين على مولاه ولم يكن ذلك الدين من جنس الكفالة فكفل به رجل للمكاتب عن المولي صح، لأن الأصيل مطلوب بهذا المال مطلقا فتصح الكفالة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 483 ولأنه لو عجز نفسه سقط، ولا يمكن إثباته على هذا الوجه في ذمة الكفيل، وإثباته مطلقا ينافي معنى الضم، لأن من شرطه الاتحاد. وبدل السعاية كمال الكتابة عند أبي حنيفة، لأنه كالمكاتب عنده.   [البناية] وأما العبد التاجر إذا ادَّان مولاه دينا ولا دين على العبد وأخذ منه كفيلا بذلك فالكفالة باطلة وإن كان العبد مديونا صحت الكفالة، لأن كسبه حق الغرماء فكان الدين واجبا في ذمته كما في ذمة غيره فصحت الكفالة، والكفالة بالنفس مثل ذلك، فإن العبد إن كان لا دين عليه لا يصح، وإن كان عليه دين صح. م: (ولأنه) ش: دليل آخر على عدم استقرار مال الكتابة، أي ولأن المكاتب م: (لو عجز نفسه سقط) ش: أي بدل الكتاب م: (ولا يمكن إثباته على الوجه في ذمة الكفيل) ش: دليل آخر على المدعي وهو عدم صحة الكفالة ببدل الكتابة، ويدل على هذا الوجه، أي إثبات عقد الكفالة مع سقوط بدل الكتابة بتعجيز النفس في ذمة الكفيل لا يمكن م: (وإثباته مطلقا) ش: أي وإثبات دين الكتابة مطلقا م: (ينافي معنى الضم) ش: الذي هو ركن الكفالة. وفي " المبسوط ": ولو أثبتناه مطلقا على الكفيل كنا أوجبناه في ذمة الكفيل أكثر ما هو واجب في ذمة الأصيل، وذا لا يجوز إذ يجب على الكفيل بالصفة التي تجب على الأصيل تحقيقا لمعنى الضم م: (لأن من شرطه) ش: أي من شرط الضم م: (الاتحاد) ش: في صفة الواجب بالكفالة تحقيقا لمعنى الضم والمطلق غير المقيد. م: (وبدل السعاية كمال الكتابة عند أبي حنيفة) ش: يعني أن الكفالة ببدل الكتابة لا تجوز، فكذلك لا تجوز ببدل السعاية م: (لأنه) ش: أي لأن المستسعى، م: (كالمكاتب عنده) ش: أي عند أبي حنيفة في عدم قبول الشهادة وتزوج المرأتين والحدود وغيرها، لكن على اعتبار النكتة الأولى، وهو قوله: لأنه ثبت مع المنافي ... إلى آخره، لا على اعتبار النكتة الثانية؛ لأن المستسعى لا يسقط عنه بدل السعاية بتعجيز النفس، والله أعلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 484 كتاب الحوالة قال: وهي جائزة بالديون،   [البناية] [كتاب الحوالة] [تعريف الحوالة] م: (كتاب الحوالة) ش: أي هذا الكتاب في بيان أحكام الحوالة، وجه المناسبة بين الحوالة والكفالة ظاهرة لما في كل منهما التزام ما على الأصيل، ولهذا يجوز استعارة إحداهما للأخرى، حتى كانت الحوالة بشرط عدم براءة الأصيل كفالة، والكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة اعتبارا للمعنى. وأما وجه تأخير الحوالة لأنها مبرئة عندنا، والكفالة غير مبرئة، والأصل عدم البراءة بعد ثبوت المطالبة، والحوالة في اللغة النقل. وفي " المغرب " أصل تركيب الحوالة يدل على الزوال والنقل، ومنه التحويل وهو نقل الشيء من محل إلى محل، يقال أحلت زيدا بما على رجل فاحتال، أي قبل الحوالة، وهنا أربعة أشياء: المحيل وهو الذي عليه الدين، والمحتال له وهو الدائن، والمحتال عليه وهو الذي قبل الحوالة، والمحتال به وهو المال. وأصل محتال محتول بكسر الواو في الفاعل وبفتحها في المفعول، وفي اصطلاح الفقهاء: تحويل الدين من ذمة الأصيل إلى ذمة المحتال عليه على سبيل التوثق به. واختلف المتأخرون من مشايخنا أن الحوالة توجب البراءة عن الديون والمطالبة جميعا، أو عن المطالبة دون الدين، فقال بعضهم: عن المطالبة والدين جميعا، حتى إن المحتال له لو أبرأ المحتال عليه عن دين الحوالة أو وهب منه صح. ولو أبرأ المحيل أو وهب منه لم يصح، ولو بقي الدين على المحيل صح. وقال بعضهم: توجب البراءة عن المطالبة دون الدين، حتى إن المحتال له متى أبرأ المحتال عليه عن الدين فالمحتال عليه لا يرجع على المحيل بشيء وإن كانت الحوالة بأمر المحيل. ولو وهب الدين من المحتال عليه رجع إن لم يكن للمحيل عليه دين كالجواب في الكفيل. وكذا لو أبرأ المحتال عليه لا يرتد برده، ولو وهب يرتد برده كالجواب في الكفيل. ولو كان على المحتال عليه المطالبة والدين جميعا كان الإبراء والهبة في حقه سواء، فيرتد برده كما في حق الأصيل. ولو وكل المحتال له المحيل بقبض ما على المحتال عليه لا يصح، ولو لم يكن عليه الدين صح. م: (قال: وهي) ش: أي الحوالة م: (جائزة بالديون) ش: لأنها مأخوذة من التحويل وتحويل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 485 لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أحيل على مليء فليتبع» ولأنه التزم ما يقدر على تسليمه فتصبح كالكفالة، وإنما اختص بالديون لأنها تنبئ عن النقل والتحويل، والتحويل في الدين لا في العين. قال: وتصح الحوالة برضا المحيل والمحتال والمحتال عليه. أما المحتال فلأن الدين حقه، وهو الذي ينتقل بها، والذمم متفاوتة فلا بد من رضاه، وأما المحتال عليه فلأنه يلزمه الدين ولا لزوم بدون التزامه.   [البناية] الدين من ذمة إلى ذمة ممكن، فأما الأعيان فالحق المتعلق بها التسليم وذلك لا يكون تحويله إلى غيره، فلهذا لم تصح الكفالة فيها، م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من أحيل على مليء فليتبع» ش: الحديث رواه أحمد في مسنده عن سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مطل الغني ظلم، ومن أحيل على مليء فليحتل» . ورواه البخاري ومسلم عن أبي الزناد به بلفظ: «وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع» ، وبلفظ المصنف رواه الطبراني في "معجمه الأوسط" مع زيادة في أوله عن محمد بن عجلان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مطل الغني ظلم، ومن أحيل على مليء فليتبع» . وكذلك رواه الترمذي، ومعناه: إذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل، وكذا فسره الترمذي. م: (ولأنه) ش: أي ولأن المحتال عليه م: (التزم ما يقدر على تسليمه) ش: أي على إيفاء ما التزمه م: (فتصح كالكفالة) ش: لأن كل واحد منهما التزم بما على الأصيل فيصح دفعا للحاجة م: (وإنما اختص) ش: أي عقد الحوالة أو الحوالة باعتبار التحويل، م: (بالديون لأنها) ش: أي لأن الحوالة م: (تنبئ عن النقل والتحويل، والتحويل) ش: الشرعي م: (في الدين لا في العين) ش: في التحويل في العين الحسي. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وتصح الحوالة برضا المحيل والمحتال والمحتال عليه، أما المحتال) ش: وهو الدائن م: (فلأن الدين حقه وهو الذي ينتقل بها) ش: أي الدين الذي ينتقل بالحوالة م: (والذمم متفاوتة) ش: في المطالبة م: (فلا بد من رضاه) ش: أي رضا المحتال له، ولا خلاف في اشتراط رضاه لأهل العلم. م: (وأما المحتال عليه) ش: أي وأما رضا المحتال عليه م: (فلأنه يلزمه الدين ولا لزوم بدون التزامه) ش: وبه قال الشافعي في وجه، وقيل: إنه منصوص في الإمام، وأصحهما عنده أنه لا حاجة إلى رضاه إذا كان عليه دين للمحيل، وبه قال مالك وأحمد، لأنه محل التصرف فلا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 486 وأما المحيل فالحوالة تصح بدون رضاه، ذكره في الزيادات؛ لأن التزام الدين من المحتال عليه تصرف في حق نفسه، وهو لا يتضرر به، بل فيه نفعه؛ لأنه لا يرجع عليه إذا لم يكن بأمره. قال: وإذا تمت الحوالة برئ المحيل من الدين بالقبول. وقال زفر: لا يبرأ اعتبارا بالكفالة؛ إذ كل واحد منهما عقد توثق. ولنا أن الحوالة: النقل لغة، ومنه حوالة الغراس، والدين متى انتقل عن الذمة لا يبقى فيها، أما الكفالة فللضم،   [البناية] يشترط رضاه كما لو باع عبدا لا يشترط رضا العبد. وأما إذا لم يكن للمحيل عليه دين فيشترط رضاه بالإجماع. م: (وأما المحيل) ش: أي المديون م: (فالحوالة تصح بدون رضاه، ذكره في الزيادات) ش: والقدوري شرط رضاه كما نقل المصنف عنه بقوله: ويصح برضا المحيل والمحتال والمحتال عليه، قيد بشرط رضا الثلاثة. قال الأكمل: عسى يعلل القدوري بأن ذوي المروءات قد يأنفون بتحمل غيرهم ما عليهم من الدين فلا بد من رضاهم. ثم قال: ولعل موضع ما ذكر أن يكون المحيل على المحتال عليه دين بقدر ما يقبل الحوالة، فإنها حينئذ تكون إسقاط مطالبة المحيل على المحتال عليه فلا تصح إلا برضاه، م: (لأن التزام الدين من المحتال عليه تصرف في حق نفسه، وهو) ش: أي المحيل وهو المديون، م: (لا يتضرر به) ش: أي بتصرف المحتال عليه في حق نفسه م: (بل فيه نفعه) ش: أي نفع المحيل م: (لأنه لا يرجع عليه إذا لم يكن بأمره) ش: هذا فائدة عدم اشتراط رضا المحيل أنه إذا كان له عليه دين لا يرجع المحتال عليه بما أدى، بل يتقاصان. م: (قال) ش: أي القدوري م: وإذا تمت الحوالة) ش: بقبول المحتال له والمحتال عليه والمحيل م: (برئ المحيل من الدين بالقبول) ش: ولا يرجع الطالب بالدين عليه أبدا إلا بالتوى، وهذا عند عامة الفقهاء. وعن الحسن: أنه لا يرى الحوالة براءة إلا أن يبرئه، م: (وقال زفر: لا يبرأ اعتبارا بالكفالة، إذ كل واحد منهما عقد توثق) ش: أي لأن كل واحد من الحوالة والكفالة عقد توثق بحق الكفالة. م: (ولنا أن الحوالة النقل لغة) ش: أي معناها من حيث اللغة بدل كما مر، والكفالة الضم لغة، ويختص كل اسم بموجب معنى ذلك الاسم، م: (ومنه حوالة الغراس) ش: جمع غرس بالفتح. وفي " العباب ": الغرس الشجر الذي يغرس، والجمع غراس وأغراس، م: (والدين متى انتقل عن الذمة لا يبقى فيها) ش: أي في الذمة، وتبقى الذمة الأولى فارغة، لأنك إذا حولت الشيء من موضع إلى موضع بقي مكان الأول فارغا لا محالة. م: (أما الكفالة فللضم) ش: لأنها مشتقة من الكفل وهو ضم الشيء إلى الشيء، وضم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 487 والأحكام الشرعية على وفاق المعاني اللغوية، والتوثق باختيار الأملأ والأحسن في القضاء، وإنما يجبر على القبول إذا فقد المحيل؛ لأنه يحتمل عود المطالبة إليه بالتوى فلم يكن متبرعا، قال: ولا يرجع المحتال على المحيل إلا أن يتوي حقه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يرجع وإن توى؛ لأن البراءة قد حصلت مطلقة فلا يعود إلا بسبب جديد.   [البناية] الشيء إلى الشيء لا يوجب فراغ الأول إلا أن يكون بشرط براءة الأصيل فتصير حوالة، لأنها في معنى الحوالة م: (والأحكام الشرعية على وفاق المعاني اللغوية) ش: يعني أن العمل بمعاني اللغات واجب في الأحكام الشرعية، فلما كان كذلك قلنا: إن الكفالة هي الضم لغة وهو لا يقتضي البراءة، والحوالة والنقل وهو يقتضي البراءة. واعترض بالحوالة بغير أمر المحيل، فإنها حوالة صحيحة كما مر ولا نقل فيها ولا تحويل، وهذا نقض إجمالي. والجواب: أنا لا نسلم أن لا نقل فيها، فإنه بسداد الدين ظاهر متحقق، ولهذا لا يبقي على المحيل شيء. م: (والتوثق) ش: جواب عن قول زفر أن الحوالة ليست مبرئة لأنها للتوثق. وتقرير الجواب: أن معنى التوثق ليس كما ذكره، بل معناه م: (باختيار الأملأ) ش: أي الأقدر على الإيفاء م: (والأحسن في القضاء) ش: حتى لا يماطل في قضاء الدين ويؤديه أجدر وأرجح مما كان، وهذا لا يدل على أن الحوالة ليست بمبرئة م: (وإنما يجبر على القبول) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر، وهو أن في الحوالة لو كانت نقل كما أخبر الطالب المحيل إذا نقد المحيل لأنه حينئذ يكون متبرعا في قضاء الدين، والمتبرع لو قضى دين غيره لا يجبر الدائن على القبول، وتقرير الجواب أن يقال: إنما يجبر المحتال له على القبول، م: (إذا فقد المحيل، لأنه يحتمل عود المطالبة إليه) ش: أي إلى الدائن م: (بالتوى) ش: وسيجيء معناه عن قريب، لأنه إنما ينتقل إلى ذمة أخرى بشرط السلامة، فإذا توى يرجع، م: (فلم يكن) ش: أي المحيل م: (متبرعا) ش: يعني في القضاء. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولم يرجع المحتال على المحيل إلا أن يتوي حقه) ش: هذا عطف على قوله برئ المحيل، يعني إذا تمت الحوالة بالقبول يرى المحيل ولم يرجع المحتال على المحيل بشيء إلا أن يتوى حقه على ما يأتي في معنى التوى، م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يرجع وإن توى) ش: بموت أو إفلاس أو غير ذلك، وبه قال أحمد والليث وأبو عبيد وابن المنذر. وعن أحمد: إذا كان المحتال عليه مفلسا ولم يعلم المطالب بذلك فله الرجوع إلا أن يرضى به بعد العلم، وبه قال مالك، م: (لأن البراءة قد حصلت مطلقة) ش: أي لأن البراءة للمحيل قد حصلت مطلقة عن قيد الرجوع على المحيل عند التوى، م: (فلا يعود إلا بسبب جديد) ش: كما في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 488 ولنا: أنها مقيدة بسلامة حقه له إذ هو المقصود، أو تفسخ الحوالة لفواته لأنه قابل للفسخ، فصار كوصف السلامة في المبيع. قال: والتوى عند أبي حنيفة أحد الأمرين، وهو: إما أن يجحد الحوالة ويحلف، ولا بينة له عليه، أو يموت مفلسا؛ لأن العجز عن الوصول يتحقق بكل واحد منهما، وهو التوى في الحقيقة. وقالا هذان الوجهان، ووجه ثالث: وهو أن يحكم الحاكم بإفلاسه حال حياته، وهذا الاختلاف بناء على أن الإفلاس لا يتحقق بحكم القاضي عنده خلافا لهما؛ لأن المال غاد ورائح   [البناية] الإبراء. وقال تاج الشريعة: قوله إلا بسبب جديد وذلك أن يحيل المحتال عليه المحتال على المحيل. م: (ولنا أنها) ش: أي البراءة م: (مقيدة بسلامة حقه له) ش: يعني أنها مقيدة بشرط السلامة، يعني وإن كانت مطلقة لفظا بدلالة الحال م: (إذ هو المقصود) ش: أي وصول الحق إلى المحتال له سالما هو المقصود من الحوالة م: (أو تفسخ الحوالة لفواته) ش: أي لفوات المقصود م: (لأنه) ش: أي لأن عقد الحوالة م: (قابل للفسخ) ش: لأنهما لو تفاسخا عقد الحوالة ينفسخ ولو لم يكن قابلا للفسخ لما انفسخ م: (فصار كوصف السلامة في المبيع) ش: يعني أن المشتري إذا وجد بالمبيع عيبا رجع بنقصان العيب، وإن لم يشترط الرجوع فكذلك هاهنا لما حصل التوى فات المقصود وهو سلامة الحق في البيع؛ لأنه سلامة المبيع فيرجع بالدين على المحيل. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والتوى عند أبي حنيفة أحد الأمرين، وهو إما أن يجحد) ش: أي المحتال عليه م: (الحوالة ويحلف ولا بينة له) ش: أي للمحتال له م: (عليه) ش: أي على المحتال عليه م: (أو يموت) ش: أي المحتال عليه حال كونه (مفلسا) ولم يترك كفيلا على نفسه للمحتال عليه ولا مالا معينا ولا دينا، وفي الطلبة يقال: ذا فلس أي صار أفلس بعد أن كان صاحب دراهم أو دنانير، فاستعمل مكان افتقر، وفلسه القاضي أي قضي بإفلاسه حين ظهر له حاله م: (لأن العجز عن الوصول يتحقق بكل واحد منهما) ش: أي من الوجهين المذكورين م: (وهو التوى في الحقيقة) ش: أي هذا المذكور هو التوى، وهو من تَوِيَ الشيء يَتْوَى تَوًى إذا تلف، مقصور غير مهموز، وهو توى وقا، وكذا في "الجمهرة" لابن دريد. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (هذان الوجهان) ش: أي التوى م: (ووجه ثالث وهو أن يحكم الحاكم بإفلاسه حال حياته) ش: بالشهود م: (وهذا الاختلاف) ش: بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (بناء على أن الإفلاس لا يتحقق بحكم القاضي عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (خلافا لهما) ش: فإن عندهما يتحقق بحكم القاضي، وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - حتى يعتبر في حق إخراجه من السجن، وكذا في حق غيره م: (لأن المال غاد ورائح) ش: هذا دليل أبي حنيفة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 489 قال: وإذا طالب المحتال عليه المحيل بمثل مال الحوالة، فقال المحيل: أحلت بدين لي عليك لم يقبل قوله إلا بحجة، وكان عليه مثل الدين؛ لأن سبب الرجوع قد تحقق وهو قضاء دينه بأمره إلا أن المحيل يدعي عليه دينا وهو منكر والقول للمنكر، ولا تكون الحوالة إقرارا منه بالدين عليه لأنها قد تكون بدونه. قال: وإذا طالب المحيل المحتال بما أحاله به، فقال: إنما أحلتك لتقبضه لي، وقال المحتال: لا بل أحلتني بدين كان لي عليك فالقول قول المحيل، لأن المحتال يدعي عليه الدين، وهو ينكر، ولفظة الحوالة مستعملة في الوكالة، فيكون القول قوله مع يمينه، قال: ومن أودع رجلا ألف درهم وأحال بها عليه آخر فهو جائز   [البناية] وفي " المبسوط ": قد يصبح الرجل فقيرا ويمسي غنيا بأن مات قريب له وترك مالا كثيرا ميراثا ولا يعلم به. قوله: غاد، فاعل من غدا يغدو غدوا، والغدو نقيض الرواح، وغاد مثل قاض، ورائح من راح يروح رواحا، وهو نقيض الغدو، صح من زوال الشمس إلى الليل. [طالب المحتال عليه المحيل بمثل مال الحوالة] م: (قال) ش: أي القدوري، م: (وإذا طالب المحتال عليه المحيل بمثل مال الحوالة فقال المحيل أحلت بدين لي عليك لم يقبل قوله إلا بحجة، وكان عليه) ش: أي على المحيل م: (مثل الدين؛ لأن سبب الرجوع) ش: وهو قضاء الدين بالأمر كما يقول المصنف م: (قد تحقق وهو) ش: أي سبب الرجوع م: (قضاء دينه) ش: أي دين المحيل م: (بأمره) ش: أي بأمر المحيل م: (إلا أن المحيل يدعي عليه دينا وهو منكر، والقول للمنكر) ش: لأن الفراغ أصل في الذمم، والمحيل متمسك بالأصل والطالب يدعي العارض، فكان اعتبار الأصل أولى، وبه قال الشافعي في وجه القول للطالب، وبه قال أحمد في الصحيح عنه. م: (ولا تكون الحوالة) ش: جواب عما يقال: لم لا يجوز أن تكون الحوالة م: (إقرارا منه بالدين عليه) ش: وتقرير الجواب أن يقال: إن الحوالة لا تكون إقرارا منه بالدين م: (لأنها) ش: أي لأن الحوالة م: (قد تكون بدونه) ش: أي بدون الدين على المحال عليه فيجوز انفكاكها عنه. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا طالب المحيل المحتال بما أحاله به، فقال: إنما أحلتك لتقبضه لي، وقال المحتال: لا بل أحلتني بدين كان لي عليك، فالقول قول المحيل، لأن المحتال يدعي عليه الدين وهو ينكر، ولفظه الحوالة) ش: جواب عما يقال الحوالة حقيقة في نقل الدين، ودعوى المحيل أنه أحاله ليقبضه له خلاف الحقيقة بلا دليل، فأجاب بقوله: ولفظة الحوالة م: (مستعملة في الوكالة) ش: يعني مجازا لما في الوكالة من نقل التصرف من الموكل إلى الوكيل فيجوز أن يكون مراده من لفظه ذلك فيصدقه، م: (فيكون القول قوله مع يمينه) ش: لأن في ذلك نوع مخالفة للظاهر. م: (قال: ومن أودع رجلا ألف درهم وأحال بها) ش: أي بالألف م: (عليه آخر) ش: أي على المودع شخصا آخر، م: (فهو جائز) ش: هذه من مسائل " الجامع الصغير "، وصورتها فيه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل أودع رجلا ألف درهم ولرجل على المودع ألف درهم، فأحال المودع الذي له الجزء: 8 ¦ الصفحة: 490 لأنه أقدر على القضاء، فإن هلكت برئ لتقيدها بها، فإنه ما التزم الأداء إلا منها، بخلاف ما إذا كانت مقيدة بالمغصوب؛ لأن الفوات إلى خلف كالفوات، وقد تكون الحوالة مقيدة بالدين أيضا، وحكم المقيدة في هذه الجملة أن لا يملك المحيل مطالبة المحتال عليه، لأنه تعلق به حق المحتال على مثال الرهن وإن كان أسوة للغرماء بعد موت المحيل.   [البناية] الألف بألفه على المستودع بالألف الذي عنده قال: جائز وهو ضامن م: (لأنه أقدر على القضاء) ش: دليل الجواز، أي لأن المودع بفتح الدال وهو المحتال عليه أقدر على قضاء مال الحوالة من الوديعة م: (فإن هلكت) ش: أي الألف الوديعة م: (برئ) ش: أي المودع وهو المحتال عليه م: (لتقيدها بها) ش: أي لتقيد الحوالة بالألف الوديعة م: (فإنه ما التزم الأداء إلا منها) ش: أي من الألف الوديعة وذلك كالزكاة المتعلقة بنصاب معين تسقط بهلاك ذلك النصاب المعين. م: (بخلاف ما إذا كانت) ش: أي الحوالة م: (مقيدة بالمغصوب) ش: المعين حيث لا تبطل بهلاكه بل تبقى الحوالة متعلقة بمثله أو بقيمته، إذ هلاك المغصوب في يد الغاصب يوجب المثل أو القيمة، فصار كالفوات، أشار إليه بقوله م: (لأن الفوات إلى خلف) ش: وهو القيمة (كالفوات) ش: فكان باقيا حكما، وَقَيْدُ الحوالة بالمغضوب بيانٌ لجواز الحوالة بالعين المغصوبة، وأنها إذا هلكت لا يبرأ الغاصب، لأن المغصوب إذا هلك وجب على الغاصب بمثله إن كان مثليا، وقيمته إن كان قيميا. [الحوالة مقيدة بالدين] م: (وقد تكون الحوالة مقيدة بالدين أيضا) ش: يعني أن الحوالة المقيدة كما تكون بالعين كالوديعة والغصب، تكون مقيدة بالدين أيضا، مثل ثمن المبيع. وفي " الكافي ": الأصل أن الحوالة نوعان: مقيدة بدين على المحتال عليه أو بعين في يده بغصب أو بوديعة أو غير ذلك، ومطلقة وهو أن لا يقيدها المحيل بالدين الذي على المحتال عليه ولا بالعين الذي في يده أو يحيله على رجل ليس عليه دين ولا في يده عين، فالحوالة المقيدة كما تبطل بموت المحتال عليه مفلسا، تبطل بفوات ما قيد به الحوالة إذا كان الفوات لا إلى خلف، وأما إذا كان الفوات إلى خلف فلا تبطل الحوالة، لأن الحوالة إلى خلف كالفوات. م: (وحكم المقيدة في هذه الجملة) ش: يعني حكم الحوالة المقيدة بالعين وديعة كانت أو غصبا أو بالعين، م: (أن لا يملك المحيل مطالبة المحتال عليه؛ لأنه تعلق به حق المحتال) ش: حتى إذا دفع المحتال عليه ذلك إلى المحيل ضمن، م: (على مثال الرهن) ش: لما تعلق به حق المرتهن لم يكن للراهن مطالبة قبل أداء الدين. م: (وإن كان) ش: أي المحتال م: (أسوة للغرماء بعد موت المحيل) ش: كلمة "إن" واصلة بما قبلها، وهذا إشارة إلى حكم آخر به يخالف حكم الحوالة حكم الرهن بعدما اتفقا في عدم بقاء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 491 وهذا لأنه لو بقيت له مطالبة به فيأخذه منه لبطلت الحوالة وهي حق المحتال، بخلاف المطلقة لأنه لا تعلق لحقه به، بل بذمته فلا تبطل الحوالة بأخذ ما عليه أو ما عنده. قال: ويكره السفاتج، وهو قرض استفاد به المقرض سقوط خطر الطريق   [البناية] حق الأخذ للمحيل والراهن، وهو أن الحوالة إذا كانت مقيدة بالعين أو بالدين وعلى المحيل ديون كثيرة ومات ولم يترك شيئا سوى العين التي له بيد المحتال عليه أو الدين الذي عليه فالمحتال عليه أسوة الغرماء بعد موته خلافا لزفر. وأما المرتهن فإنه هلك الرهن يدا وحبسا فثبت له نوع اختصاص بالمرهون شرعا لم يثبت لغيره فلا يكون لغيره أن يشاركه فيه. م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله: أن لا يملك المحيل مطالبة المحتال عليه وقد قررناه م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لو بقيت له) ش: أي للمحيل م: (مطالبة به) ش: أي مطالبة المحتال عليه م: (فيأخذه منه) ش: أي من المحتال عليه م: (لبطلت الحوالة وهي) ش: أي الحوالة، وفي بعض النسخ: وهو بالتذكير على تأويل عقد الحوالة م: (حق المحتال) ش: أي الطالب م: (بخلاف المطلقة) ش: أي الحوالة المطلقة، أي غير المقيدة بالعين أو الدين م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لا تعلق لحقه به) ش: أي بحق المحتال بذلك العين أو الدين م: (بل) ش: يتعلق م: (بذمته) ش: أي بذمة المحتال عليه. وفي الذمة سعة، فيجب عليه أداء دين المحيل من مال نفسه وللمحيل أن يأخذ دينه ووديعته وغصبه منه ولا تبطل الحوالة بأخذه. وهو معنى قوله: م: (فلا تبطل الحوالة بأخذ ما عليه) ش: أي من الدين أو الغصب م: (أو ما عنده) ش: أي أو يأخذ عينه الذي عنده، أي عنده من الوديعة، ويحتمل أن يراد بما عليه الدين خاصة، وبقوله: عنده أي عنده من العين سواء كان وديعة أو غصبا. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويكره السفاتج) ش: وهو جمع سفتجة بضم السين وفتح التاء تعريب سفته بمعنى الحكم، وسمي هذا القرض به لإحكام أمره. وقال في " الفتاوى الصغرى ": السفتج إن كان مشروطا في القرض فهو حرام، والقرض بهذا الشرط فاسد، وإن لم يكن مشروطا جاز، م: (وهو) ش: أي السفاتج ذكر الضمير باعتبار الخبر، وهو قوله م: (قرض استفاد به المقرض سقوط خطر الطريق) ش: صورته أن يدفع إلى تاجر عشرة دراهم قرضا ليدفعه إلى صديقه في بلد آخر ليستفيد به سقوط خطر الطريق. وقيل: هو أن يقرض إنسانا مالا ليقبضه المستقرض في بلد يريده المقرض، وإنما يدفعه على سبيل الأمانة ليستفيد به سقوط خطر الطريق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 492 وهذا نوع نفع استفيد به، وقد نهى الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن قرض جر نفعا.   [البناية] م: (وهذا نوع نفع استفيد به) ش: أي بالقرض م: (وقد «نهى الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن قرض جر نفعا» ش: الحديث رواه علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولفظه: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل قرض جر نفعا فهو ربا» أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده، وفي سنده سوار بن مصعب، قال عبد الحق في أحكامه بعد أن أخرجه: هو متروك. وروي عن جابر بن سمرة أنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السفتجات حرام» . أخرجه ابن عدي في " الكامل " وأعله بعمرو بن موسى بن وجيه، وضعفه عن البخاري والنسائي وابن معين، ووافقهم، وقال: إنه في عداد من يضع الحديث. وقال الأترازي: مع دعاويه العريضة، والأصل فيه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن قرض جر نفعا» وسكت عنه، وكذا قال الأكمل وسكت عنه، مع أنه كان في ديار الحديث وكتبها المتنوعة، والله أعلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 493 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كتاب أدب القاضي   [البناية] [كتاب أدب القاضي] [شروط تولى القضاء] م: (كتاب أدب القاضي) ش: أي هذا كتاب في بيان أدب القاضي. والأدب الخصال الحميدة، سيمت به لأنها تدعو إلى الخيرات والحسنات، من الأدب بسكون الدال، وهو الدعاء. قال طرفة الشاعر: نحن في المشتاة ندعو الجفلى ... لا ترى الآدب فينا ينتقر والأدب فاعل من أدب يأدب أدبا، إذا دعا، وسمي الأدب أدبا؛ لأنه يدعو الناس إلى المحامد. وعن أبي يزيد: الأدب يقع على رياضة محمودة، فيخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل. والمراد من أدب القاضي هو الخصال المدعو إليها، والقضاء يستعمل في أشياء، ويراد به في الشرع الإلزام، وقيل: القضاء الحكم. وقال ابن أبي قتيبة: القضاء يجيء لمعان مختلفة كلها تعود إلى واحد أصله الحتم والفراغ عن الأمر، وبه يجري ألفاظ القرآن. وفي الشرع يراد به الإلزام، وفصل الخصومات وقطع المنازعات، وسمي حكما لما فيه من منع الظالم عن المظلوم، وأصله قضاي؛ لأنه من قضيت، إلا أن الياء لما جاءت بعد الألف همزت، كرداء أصله رداي. ولما كان وضع القضاء لفصل الخصومات، وتنفيذ الأحكام، وأكثر الخصومات يقع في البياعات والديون، ذكر بعدها كتاب القضاء لمساس الحاجة إلى القضاء. وفي الزاد القضاء فريضة محكمة وشرعة متبعة، وعبادة شريفة لأجل ذلك أثبت الله تعالى لآدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الخلافة بقوله: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] (البقرة: الآية 30) ولداود - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بقوله تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً} [ص: 26] (ص: الآية 26) ، وبه أمر كل نبي مرسل حتى خاتم الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، ثم القضاء مشروع بالكتاب كما ذكرنا، وبالسنة لما روي أنه عليه أفضل الصلاة والسلام قال: «إذا اجتهد الحاكم فأخطأ، فله أجر، وإن أصاب فله أجران» ، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3 قال: ولا تصح ولاية القاضي حتى يجتمع في المولى شرائط الشهادة ويكون من أهل الاجتهاد   [البناية] وحديث معاذ لما بعثه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظاهر وبالإجماع، وهو ظاهر وبالمعقول وهو أن في القضاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودفع الظلم عن المظلوم، ودفع التهارج، وقطع المنازعات، وفصل الخصومات، والكل حسن عقلا وهو فرض كفاية بالإجماع، وإن لم يصلح للقضاء إلا واحد، تعين عليه ووجب عليه بالإجماع. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا تصح ولاية القاضي حتى يجتمع في المولى) ش: بفتح اللام اسم مفعول من التولية، وإنما قال: المولى ولم يقل: المتولي ليكون فيه دلالة على تولية غيره إياه بدون طلبه م: (شرائط الشهادة) ش: وهي الإسلام، والعقل، والبلوغ، والعدالة؛ لأن مبنى القضاء على حكم الشهادة م: (ويكون) ش: بالنصب عطفا على قوله حتى يجتمع م: (من أهل الاجتهاد) ش: الصحيح عندنا أن هذا شرط الأولوية، لا شرط الجواز، وقيل شرط الجواز وإليه مال صاحب شرح الأقطع. وفي " وجيز الشافعية "، لا بد للقضاء من صفات، وهو أن يكون ذكرا حرا، مجتهدا، بصيرا عدلا، فلا يجوز قضاء المرأة، والأعمى، والصبي، والفاسق، والجاهل، والمقلد انتهى. وقد ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل أن المقلد لا يجوز أن يكون قاضيا. وذكر الخصاف: ما يدل على جوازه، لأنه قال: القاضي يقضي باجتهاد نفسه إذا كان له رأي، فإن لم يكن له رأي، وسأل فقيها، أخذ بقوله. والدليل على أن الاجتهاد ليس بشرط الجواز ما أخرجه أبو داود عن شريك - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن سماك عن حنش «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، قال: "بعثني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى اليمن قاضيا، فقلت: يا رسول الله، ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء، فقال: إن الله سيهدي قلبك، ويثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان، فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء، قال: فما زلت قاضيا، وما شككت في قضاء بعد» ، ورواه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4 أما الأول، فلأن حكم القضاء يستقى من حكم الشهادة؛ لأن كل واحد منهما من باب الولاية،   [البناية] الحاكم - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا في مستدركه، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وعلي لم يكن حينئذ من أهل الاجتهاد، وقال الأستروشني في "فصوله ": قال بعضهم إذا كان صوابه أكثر من خطأه حل له الاجتهاد، وقاله البستي في "أصوله ". قال بعض أصحابنا: إذا كان عالما في مسألة تعرف حقيقتها، ولا يخفى عليه دقيقتها يكون من أهل الاجتهاد في تلك المسألة، وأما المجتهد الذي ذكره أهل الأصول، فهو أن يكون عالما بالنصوص من الكتاب والسنة مما يتعلق به الأحكام الشرعية، ولا يشترط أن يكون عالما بجميع ما في الكتاب والسنة، وهذا عزيز، والرخصة في ذلك أن يكون بحال يمكنه طلب الحادثة الواقعة من النصوص التي تتعلق بها الأحكام، ويشترط أيضا أن يكون عالما بوجوه العمل بالكتاب والسنة والإجماع على ما عرف في أصول الفقه، وإذا بلغ الرجل هذا الحد يصير مجتهدا، ويجب عليه العمل باجتهاده، ويحرم عليه تقليد غيره، كذا في الميزان. وقال صدر الإسلام البزدوي في "أصوله "، وأهل الاجتهاد من يكون عالما بالكتاب ناسخه ومنسوخه، وعالما بالسنن ناسخها ومنسوخها، وعالما بمعاني الكتاب والسنن التي هي أقيسة. وإلى هذا أشار محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب الحدود، وبعضهم قالوا: يجب أيضا أن يكون عالما بعرف بلده وكلامهم ولغتهم من الصريح والكناية، والصحيح أن أهل الاجتهاد في مسائل الفقه، من يكون عالما بدلائل الفقه، وهي الكتاب والسنة وإجماع الأمة، والقياس، إلى هنا لفظ صدر الإسلام. وأما المفتي فقد قال صدر الإسلام البزدوي في أصوله: أجمع الفقهاء والعلماء، أن المفتي يجب أن يكون من أهل الاجتهاد، فإنه لا يقدر أن يفتي الناس إذا لم يكن من أهل الاجتهاد، فإنه يحتاج إلى الاجتهاد لا محالة، وإن لم يكن من أهل الاجتهاد، لا يحل له أن يفتي إلا بطريق الحكاية، فيحكي ما يحفظ من أقوال الفقهاء، ولا يحل له أن يفتي فيما لا يحفظ فيه قولا من أقوال المتقدمين، إلى هنا لفظ صدر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (أما الأول) ش: يعني اشتراط شرائط الشهادة وقد ذكرناها م: (فلأن حكم القضاء يستقى) ش: أي يستفاد، وهكذا وقع في نسخة شيخي بلفظ يستفاد في الكتاب. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يستقى من حكم الشهادة، أي يؤخذ ويستنبط ويستخرج ويستفاد بطريق ترشيح الاستعارة، لمشابهة العلم بالماء، إذ به حياة الأرواح، كما أن بالماء حياة الأشياء م: (من حكم الشهادة لأن كل واحد منهما) ش: لأنه مبنى القضاء على الشهادة كما مر م: (من باب الولاية) ش: إذ كل واحد منهما تنفيذ القول على الغير، ولأن كل واحد منهما إلزام، فالشهادة ملزمة على القاضي والقضاء ملزم على الخصم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 5 فكل من كان أهلا للشهادة يكون أهلا للقضاء، وما يشترط لأهلية الشهادة يشترط لأهلية القضاء. والفاسق أهل للقضاء حتى لو قلد يصح، إلا أنه لا ينبغي أن يقلد كما في حكم الشاهدة، فإنه لا ينبغي أن يقبل القاضي شهادته، ولو قبل جاز عندنا ولو كان القاضي عدلا، ففسق بأخذ الرشوة.   [البناية] م: (فكل من كان أهلا للشهادة يكون أهلا للقضاء) ش: هذا نتيجة ما قبله من الكلام، وكذلك قوله م: (وما يشترط لأهلية الشهادة يشترط لأهلية القضاء) ش: بل اشتراطها في القضاء أولى؛ لأن القضاء ولاية عامة م: (والفاسق أهل للقضاء حتى لو قلد يصح) ش: أي تقليده م: (إلا أنه لا ينبغي أن يقلد كما في حكم الشهادة، فإنه لا ينبغي أن يقبل القاضي شهادته، ولو قبل جاز عندنا) ش: وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك وأحمد - رحمهما الله -: لا يصح تقليده، وبه قال بعض مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قلت: الصواب معهم، ولا سيما قضاة هذا الزمان. وقال أصبغ المالكي: يصح، ولكن يجب عزله. وفي " وسيط الغزالي ": اجتماع هذه الشرائط من الاجتهاد والعدالة وغيرهما مستعذر في عصرنا بخلو العصر عن المجتهد والولي، فالوجه تنفيذ قضاء كل من ولاه سلطان ذو شوكة وإن كان جاهلا فاسقا. وفي " خلاصة الفتاوى ": واختلفت الروايات في تقليد الفاسق للقضاء، والأصح أنه يصح التقليد، ولا ينعزل بالفسق، ثم قال، قال في " المحيط ": يستحق العزل عند عامة المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إلا إذا شرط في التقليد أنه متى جاء ينعزل. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينعزل، والإمام يصير إماما مع الفسق، ولا ينعزل بالفسق بلا خلاف، إلى هنا لفظ الخلاصة. وفي " نوادر هشام "، قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو فسق القاضي ثم تاب، فهو على قضائه، وحكي عن الكرخي: أنه ينعزل بفسقه، وعن علي المرازي صاحب أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنه ينعزل القاضي بفسقه، ولا ينعزل الخليفة بفسقه إلى هنا لفظ كتاب " الأجناس " وقال فيه أيضا: وفي " أدب القاضي " للحسن بن زياد: وفي قاضي خان مكث وهو تقي، ثم فسق بعد ذلك وارتشى، وقد كان قضى بقضايا، قيل أن يفسق، وبقضايا بعد ما فسق أبطل كل قضية قضى بها، بعد ما فسق، وأنفذت القضايا التي قضى بها قبل أن يفسق. وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو أن قاضيا قضى بين الناس زمانا، وأنفذ قضايا كثيرة، ثم علم أنه فاسق مرتش، لم يزل منذ ولي على ذلك، ينبغي للقاضي الذي يختصمون إليه أن تبطل كل قضية قضى بها ذلك القاضي إلى هنا لفظ الأجناس. م: (ولو كان القاضي عدلا، ففسق بأخذ الرشوة) ش: الرشوة بكسر الراء وضم الراء لغة فيه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 6 أو غيره لا ينعزل ويستحق العزل، وهذا هو ظاهر المذهب وعليه مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وقال الشافعي: الفاسق لا يجوز قضاؤه، كما لا تقبل شهادته عنده. وعن علمائنا الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في "النوادر" أنه لا يجوز قضاؤه، وقال بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إذا قلد الفاسق ابتداء يصح، ولو قلد وهو عدل ينعزل بالفسق؛ لأن المقلد اعتمد عدالته فلم يكن راضيا بتقليده دونها، وهل يصلح الفاسق مفتيا؟ قيل لا، لأنه من أمور الدين وخبره غير مقبول في الديانات، وقيل يصلح؛ لأنه يجتهد الفاسق حذرا عن النسبة إلى الخطأ.   [البناية] مأخوذة من الرشا بالمد، فإن نازح البئر لا يتصل إليه إلا به، فلذلك الإنسان لا يتوصل إلى مقصوده الحرام إلا بها والرشوة على أربعة أوجه: منها ما هو حرام للآخذ والمعطي، وهو الرشوة في تقليد القضاء، فإنه لا يصير قاضيا بالرشوة بالإجماع سواء كان قضاؤه بحق أم بغير حق، ومنها ما يأخذه القاضي على القضاء، وهو حرام من الجانبين أيضا، ولا ينفذ قضاؤه بحق أو بغير حق، ومنها ما يدفعها لخوف على نفسه أو ماله فهذا حرام على الآخذ لا الدافع، ومنها ما لو دفعها ليستوي أمره عند السلطان حل الدفع، ولا يحل الأخذ، فلو أراد الآخذ أن يحل، يستأجر الدافع الآخذ يوما إلى الليل بما يريد أن يدفع إليه فإنه يجوز هذه الإجارة، ثم المستأجر إن شاء استعمله في هذا العمل، وإن شاء استعمله في غيره. كذا في " فتاوى قاضي خان " - رَحِمَهُ اللَّهُ - و " أدب القاضي " للصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أو غيره) ش: أي أو في غير أخذ الرشوة كالزنا وشرب الخمر ونحو ذلك من المعاصي م: (لا ينعزل ويستحق العزل، وهذا هو ظاهر المذهب، وعليه مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: أي علماء بخارى وسمرقند - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (وقال الشافعي: الفاسق لا يجوز قضاؤه كما لا تقبل شهادته عنده) ش: أي: عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعن علمائنا الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: وهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (في " النوادر ": أنه لا يجوز قضاؤه) ش: أي قضاء الفاسق، كما هو مذهب الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (وقال بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إذا قلد الفاسق ابتداء يصح، ولو قلد وهو عدل ينعزل بالفسق؛ لأن المقلد اعتمد عدالته فلم يكن راضيا بتقليده دونها) ش: أي دون العدالة م: (وهل يصلح الفاسق مفتيا قيل: لا) ش: أي لا يصلح م: (لأنه) ش: أي لأن الإفتاء م: (من أمور الدين وخبره غير مقبول في الديانات) ش: لأن مبناه على الأمانة والاحتراز عن الجناية، وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - م: (وقيل يصلح لأنه) ش: أي لأن المفتي م: (يجتهد الفاسق) ش: كل الجهد في إصابة الحق م: (حذرا عن النسبة إلى الخطأ) ش: وقال أبو العباس الناطفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في آخر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 7 وأما الثاني، فالصحيح أن أهلية الاجتهاد شرط الأولوية، فأما تقليد الجاهل، فصحيح عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو يقول: إن الأمر بالقضاء يستدعي القدرة عليه، ولا قدرة دون العلم، ولنا أنه يمكنه أن يقضي بفتوى غيره، ومقصود القضاء يحصل به وهو إيصال الحق إلى مستحقيه، وينبغي للمقلد أن يختار من هو الأقدر والأولى؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من قلد إنسانا عملا وفي رعيته من هو أولى منه، فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين» .   [البناية] أدب القاضي من كتاب " الأجناس "، للفقيه إذا كان فاسقا، هل يجوز أن يستفتى منه فيه كلام بين المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. ذكر محمد بن شجاع - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "نوادره " سمعت بشر بن غياث - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: أرى الحجر على ثلاثة، قاض فاسق، وطبيب جاهل، ومكار مفلس. وقال محمد بن شجاع - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قول نفسه: لا بأس بأن يستفتى من الفقيه الفاسق؛ لأنه يكره أن يخطئه الفقهاء، فيجيب بما هو الصواب. م: (وأما الثاني) ش: أي الشرط الثاني في الولي، وهو شرط الاجتهاد، وقد مر الكلام فيه، ولكن نتكلم في حل المتن م: (فالصحيح أن أهلية الاجتهاد شرط الأولوية) ش: والمجتهد أحب من غيره م: (فأما تقليد الجاهل فصحيح عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبقوله قال مالك وأحمد - رحمهما الله - م: (وهو) ش: أي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يقول: إن الأمر بالقضاء يستعدي القدرة عليه) ش: لأنه مأمور بالقضاء بالحق، ولا أمر بلا قدرة، ولا قدرة بلا علم، وهو معنى قوله م: (ولا قدرة دون العلم) ش: لأن الجاهل يخبط خبط العشو، ولا يميز بين الحق والباطل م: (ولنا أنه) ش: أي أن الجاهل م: (يمكنه أن يقضي بفتوى غيره، ومقصود القضاء يحصل به وهو إيصال الحق إلى مستحقه) ش: وفي بعض النسخ إلى المستحق. فإن قلت: روى أبو داود عن ابن بريدة عن أبيه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «القضاة ثلاثة، اثنان في النار، وواحد في الجنة، رجل عرف الحق فقضى به، فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقض به، وجار في الحكم، فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق، فقضى بين الناس على جهل، فهو في النار» . وقيل له: الحديث محمول على الجاهل الذي يعمل بجهله ولا يرجع إلى الغير. م: (وينبغي للمقلد) ش: بكسر اللام م: (أن يختار من هو الأقدر) ش: على القضاء م: (والأولى) ش: لعلمه ودينه وأمانته، م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قلد إنسانا عملا، وفي رعيته من هو أولى منه، فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين» روى الحاكم - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 8 وفي حد الاجتهاد كلام عرف في أصول الفقه، وحاصله أن يكون صاحب حديث له معرفة بالفقه ليعرف معاني الآثار أو صاحب فقه له معرفة بالحديث لئلا يشتغل بالقياس في المنصوص عليه، وقيل أن يكون مع ذلك صاحب قريحة،   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مستدركه " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من استعمل رجلا على عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين» . وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ورواه الطبراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "معجمه " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ولي من أمور المسلمين شيئا فاستعمل عليهم رجلا، وهو يعلم أن فيهم من هو أولى بذلك وأعلم منه بكتاب الله وسنة رسوله، فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين» . وروى أبو يعلى الموصلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في "مسنده "، عن حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما رجل استعمل رجلا على عشرة أنفس وعلم أن في العشرة من هو أفطن منه، فقد غش الله ورسوله وجماعة المسلمين» . فانظر إلى ملوك زماننا هذا، كيف يولون قضاة ونوابا، مع علمهم أن في رعيتهم من هو أفضل منهم وأعلم وأدين، وغالب توليتهم بالرشاء والبواطيل. وقد روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «لعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الراشي والمرتشي.» وروى الخصاف من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لعن الله الراشي والمرتشي، والرائش ملعون، والراشي المعطي، والمرتشي الآخذ، والرائش الذي يسعى بينهما ليسوي أمره» . م: (وفي حد الاجتهاد كلام عرف في أصول الفقه) ش: أي في أصول الفقه لفخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - وغيره في باب معرفة المجتهدين، وقد ذكرنا فيما مضى في هذا الباب مما فيه الكفاية م: (وحاصله) ش: أي حاصل ما قيل في حد الاجتهاد م: (أن يكون) ش: أي الذي يدعي الاجتهاد م: (صاحب حديث له معرفة بالفقه ليعرف معاني الآثار أو صاحب) ش: أي أو يكون صاحب م: (فقه له معرفة بالحديث لئلا يشتغل بالقياس في المنصوص عليه، وقيل: أن يكون مع ذلك صاحب قريحة) ش: قال صاحب "الجمهرة ": القريحة خالص الطبيعة، ومنه اشتقاق القراح، وهو الخالص الذي لم يمزج بغيره من السبخ، وغيره في "تهذيب الديوان ": قريحة البئر أول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 9 يعرف بها عادات الناس؛ لأن من الأحكام ما يبتني عليها. قال: ولا بأس بالدخول في القضاء لمن يثق بنفسه أنه يؤدي فرضه، لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تقلدوه وكفى بهم قدوة ولأنه فرض كفاية لكونه أمرا بالمعروف. قال: ويكره الدخول فيه لمن يخاف العجز عنه   [البناية] مائها، والقريحة الطبيعة، ومنه يقال لفلان قريحة جيدة براه استنباط العلم، وهي على وزن فعيلة بمعنى مفعولة اسم للبئر من قرحتها، إذا حفرتها ثم سموا الماء بذلك لملابسته بينهما، ثم قالوا فلان حسن القريحة، إذا ابتدع شعرا أو خطبة أجاد فيهما، فاستعاروها للطبع، وهو من مستعار المجاز؛ لأن أصل القرح الجرح والشق ومنه القارح، وهو الفرس الذي قرح نابه أي شق. م: (يعرف بها) ش: أي بالقريحة م: (عادات الناس؛ لأن من الأحكام ما يبتني عليها) ش: أي على العادات، لأن العرف قد يغلب على القياس، كما في الاستصناع جوزوا بخلاف القياس. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا بأس بالدخول في القضاء لمن يثق بنفسه أنه يؤدي فرضه) ش: أي فرض القضاء وهو الحق، لأن القضاء بالحق فرض أمر به الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - م: (لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تقلدوه) ش: أي القضاء، وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - "تقلد القضاء من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". روى البيهقي أيضا أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، استعمل عبد الله بن مسعود على القضاء وبيت المال، وروى ابن سعد في "الطبقات " عن نافع لما استعمل عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على القضاء فرض له رزقا م: (وكفى بهم قدوة) ش: أي كفى بالصحابة أسوة. قال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: القدوة الأسوة، يقال فلان قدوة يقتدى به، وقد يضم فيقال لي بك قدوة وقدوه م: (ولأنه) ش: أي ولأن القضاء م: (فرض كفاية لكونه أمرا بالمعروف) ش: والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض. فإن قيل: قوله فرض كفاية يوجب أن الدخول فيه مستحب كما في صلاة الجنازة وغيرهما قلنا: نعم، لكن فيه خطر عظيم، وأمر مخوف، لا يسلم في بحره كل سائح، فبالنظر إلى كونه فرض كفاية وبالنظر إلى كونه متضمنا أمرا مخوفا يكره، فقلنا لعدم البأس. م: (قال:) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويكره الدخول فيه) ش: أي في القضاء م: (لمن يخاف العجز عنه) ش: أي عن القضاء وكره بعض العلماء - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أو بعض السلف - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 10 ولا يأمن على نفسه الحيف فيه، كيلا يصير شرطا لمباشرته القبيح. وكره بعضهم الدخول فيه مختارا، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من جعل على القضاء فكأنما ذبح بغير سكين» .   [البناية] - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الدخول فيه سواء، وثقوا بأنفسهم أو خافوا عليها العجز عنه، وفسروا الكراهة هنا بعدم الجواز. فقال الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أدب القاضي ": ومنهم من قال: لا يجوز الدخول فيه إلا مكرها. ألا ترى أن أبا حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - دعي إلى القضاء ثلاث مرات فأبى حتى ضرب في كل مرة ثلاثين سوطا، فلما كان في المرة الثالثة، قال: حتى أستشر أصحابي، فاستشار أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو تقلدت لنفعت الناس، فنظر إليه أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - نظر المغضب وقال: أرأيت لو أمرت أن أعبر البحر سباحة أكنت أقدر عليه، وكأني بك قاضيا، ويروى أنه قال: أراك أن تبتلى بالقضاء، وكذا دعي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى القضاء فأبى حتى قيد وحبس فاضطر ثم تقلد. م: (ولا يأمن على نفسه الحيف فيه؛ كيلا يصير شرطا) ش: أي كيلا يصير الدخول في القضاء وسيلة م: (لمباشرته القبيح) ش: وهو الحيف في القضاء، وإنما عين بلفظ الشرط لأنه أكثر ما يقع من الحيف إنما هو بالميل إلى حطام الدنيا بأخذ الرشاء، وفي الغالب يكون ذلك مشروطا بمقدار معين مثل أن يقول: لي على فلان أو له علي مطالبته بكذا، فإن قضيت لي فلك كذا. م: (وكره بعضهم الدخول فيه) ش: أي في القضاء حال كونه م: (مختارا لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من جعل على القضاء فكأنما ذبح بغير سكين» ش: هذا الحديث رواه أصحاب السنن الأربعة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين» :. ورواه الحاكم - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مستدركه " وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. رواه ابن عدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الكامل " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من استقضى فقد ذبح بغير سكين» وروي: "ذبح بسكين" وذكر الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أدب القاضي ": وجه التشبيه أن السكين تؤثر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 11 والصحيح أن الدخول فيه رخصة طمعا في إقامة العدل   [البناية] في الظاهر والباطن جميعا، والذبح بغير سكين، ذبح بطريق الخنق والفم ونحو ذلك، فإنه يؤثر في الباطن، والقضاء لا يؤثر في الظاهر، فإنه في ظاهره جاه وفي باطنه هلاك. وكان شمس الأئمة الحلواني - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: لا ينبغي لأحد أن يزدري هذا اللفظ كيلا يصيبه ما أصاب ذلك القاضي، فقد حكي أن قاضيا روى له هذا الحديث، فازدراه وقال: كيف يكون هذا، ثم دعا في مجلسه من يسوي شعره، فجعل الحلاق يحلق بعض الشعر من تحت ذقنه، إذ هو عطس فأصابه الموسي، وألقى رأسه بين يديه. وقد جاء في التحذير عنه آثار، وقد اجتنبه أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فصبر على الضرب واجتنبه كثير من السلف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وقيد محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - نيفا وثلاثين يوما أو نيفا وأربعين يوما، حتى تقلده هذا كله ليس بموجود في بعض النسخ، وروايته موجودة في نسخة شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فلذلك استدركه وكتبه على الحاشية، وشرحه مضى عن قريب. والذي ضرب أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على تركه القضاء، هو أبو جعفر المنصور ثاني الخلفاء العباسيين، وكان الذي قلد القضاء لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو الرشيد ثم عزله [ ... ] . وقد جاء في التحذير، أي عن الدخول في القضاء، آثار أي أخبار كثيرة منها حديث أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، رواه مسلم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: «يا أبا ذر إني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم» ومنها حديث ابن أبي بريدة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبيه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «القضاة ثلاثة» ... " الحديث، ومنها حديث رواه ابن حبان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "صحيحه" عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «يدعى بالقاضي العادل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في عمره» . م: (والصحيح أن الدخول فيه) ش: أي في القضاء م: (رخصة طمعا في إقامة العدل) ش: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عدل ساعة خير من عبادة سنة".» وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن المقسطين في الدنيا على منابر من نور عن يمين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 12 والترك عزيمة، فلعله يخطئ ظنه ولا يوفق له، أو لا يعينه عليه غيره ولا بد من الإعانة، إلا إذا كان هو الأصل للقضاء دون غيره، فحينئذ يفترض عليه التقلد صيانة لحقوق العباد وإخلاء للعالم عن الفساد. قال: وينبغي أن لا يطلب الولاية ولا يسألها لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من طلب القضاء، وكل إلى نفسه، ومن أجبر عليه، نزل ملك عليه يسدده» .   [البناية] الرحمن، وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا» م: (والترك) ش: أي ترك القضاء م: (عزيمة) ش: من العزم، وهو الجد والصبر م: (فلعله يخطئ ظنه ولا يوفق له) ش: يعني أنه أراد أن يقضي بالحق في الابتداء في ظنه ثم لا يقدر عليه م: (أو لا يعينه عليه غيره ولا بد من الإعانة) ش: أي على القضاء بالحق أنه ربما لا يمكنه القضاء في الأمر إلا بإعانة غيره عليه، ولعل غيره لا يعينه عليه م: (إلا إذا كان هو الأصل للقضاء دون غيره، فحينئذ يفترض عليه التقلد صيانة لحقوق العباد وإخلاء للعالم عن الفساد) ش: هذا بلا خلاف بين الفقهاء كصلاة الجنازة إذا تعين واحد لإقامتها يفترض، ومعنى إخلاء العالم عن الفساد في الحدود والقصاص، وقيد بقوله: " إذا كان هو الأهل للقضاء" يعني وحده؛ لأنه إذا كان في البلد قوم يصلحون للقضاء، فامتنع كل واحد منهم عن الدخول فيه، أثموا إن كان السلطان، بحيث لا يفصل بينهم، وإلا فلا، ولو امتنع الكل حتى قلد جاهل، اشتركوا في الإثم لأدائه إلى تضييع أحكام الله تعالى. [حكم طلب تولى القضاء] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وينبغي أن لا يطلب الولاية ولا يسألها) ش: أي لا يطلب ولاية القضاء بقلبه ولا يسألها بلسانه م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من طلب القضاء وكل إلى نفسه، ومن أجبر عليه نزل ملك عليه يسدده» ش: هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من سأل القضاء وكل إلى نفسه» ... " الحديث، ولفظة أبي داود - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «من طلب القضاء» ، كما في رواية المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وزاد عليه قوله: «واستعان عليه وكل إليه، ومن لم يطلبه ولم يستعن عليه أنزل الله ملكا يسدده.» ولفظ الترمذي: «من ابتغى القضاء وسأل شفعا وكل إلى نفسه، ومن أجبر عليه أنزل الله عليه ملكا يسدده» قوله: و"كل" على صيغة المبني للمجهول، بتخفيف الكاف، أي فوض أمره إليها، ومن فوض أمره إلى نفسه، كان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 13 ولأن من طلبه يعتمد على نفسه فيحرم، ومن أجبر عليه يتوكل على ربه فيلهم، ثم يجوز التقلد من السلطان الجائر كما يجوز من العادل؛ لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تقلدوا من معاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والحق كان بيد علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في نوبته، والتابعين تقلدوه من الحجاج   [البناية] مخذولا غيره مرشد إلى الصواب، لكون النفس أمارة بالسوء، قوله يسدده أي يلهمه الرشد ويوفقه للصواب. م: (ولأن من طلبه) ش: أي القضاء م: (يعتمد على نفسه) ش: من الورع والعلم والفطنة، فيصير معجبا، فلا يلهم الرشد، ويحرم التوفيق، وهو معنى قوله: م: (فيحرم ومن أجبر عليه يتوكل على ربه) ش: ومن يتوكل على الله فهو حسبه م: (فيلهم) أي الرشد والصواب م: (ثم يجوز التقلد) ش: أي تقليد القضاء م: (من السلطان الجائر كما يجوز من العادل؛ لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تقلدوا) ش: أي القضاء م: (من معاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: ابن أبي سفيان لما انفرد بالإمرة وخالف عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (والحق) ش: أي والحال أن الحق م: (كان بيد علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في نوبته) ش: أي في خلافته؛ لأن الخلافة كانت له بعد عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بالنص، وقيد بقوله: "في نوبته" احترازا عن مذهب الروافض، فإنهم يقولون الحق مع علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، في جميع نوب الخلفاء، في نوبة أبي بكر وعمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ومع أولاده بعد علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وعند أهل السنة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - معاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان باغيا في نوبة علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وبعده إلى زمان ترك أمير المؤمنين حسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الخلافة إليه فانعقد الإجماع على خلافة معاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعده م: (والتابعين) ش: بالنصب عطفا على قوله؛ لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (تقلدوه) ش: أي القضاء م: (من الحجاج) ش: ابن يوسف الثقفي عامل عبد الملك بن مروان على العراق وخراسان، ومات في رمضان أو شوال سنة خمسة وتسعين، وعمره ثلاث أو أربع وخمسون سنة. ولما سمع الحسن البصري بموته سجد، يعني شكرا لله تعالى، وقال: اللهم إنك قد أمته، فأمت عنا سننه. وعن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا أنه قال: لو جاءت كل أمة بخبثها، وجئنا به لغلبناهم، وظلمه مشهور. وتولى أبو الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - القضاء بالشام، ولما مات وكان معاوية يستشيره، واستشاره فيمن يولي بعده، فأشار إليه بفضالة بن عبيدة الأنصاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - فولاه الشام بعده. وقال البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "تاريخه الوسيط" بإسناده إلى أبي إسحاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 14 وهو كان جائرا، إلا إذا كان لا يمكنه من القضاء بحق؛ لأن المقصود لا يحصل بالتقلد، بخلاف ما إذا كان يمكنه. قال ومن قلد القضاء يسلم إليه عن ديوان القاضي الذي كان قبله، وهو الخرائط التي فيها السجلات وغيرها؛ لأنها وضعت فيها لتكون حجة عند الحاجة، لتجعل في يد من له ولاية القضاء، ثم إن كان البياض من بيت المال فظاهر،   [البناية] قال: كان أبو بريدة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على الكوفة، فعزله الحجاج وجعل أخاه مكانه، وقال في موضع آخر حدثنا الحسن بن رافع حدثنا ضمرة قال: استقضى الحجاج أبا بردة بن أبي موسى، وأجلس معه سعيد بن جبير، ثم قتل سعيد بن جبير، ومات الحجاج بعده بستة أشهر، ولم يقتل بعده أحدا. وفي " تاريخ أصفهان " للحافظ أبي نعيم، في باب العين المهملة: عبد الله بن أبي مريم الأموي ولي القضاء بأصبهان للحجاج، ثم عزله الحجاج، فأقام محبوسا بواسط، فلما هلك الحجاج رجع إلى أصبهان ومات بها. م: (وهو) ش: أي الحجاج م: (كان جائرا) ش: أي ظالما شديد الظلم مشهورا م: (إلا إذا كان) ش: استثنى من قوله يجوز التقليد من السلطان الجائر إلا إذا كان م: (لا يمكنه من القضاء بحق) ش: أي إلا إذا كان السلطان الجائر لا يمكنه من التمكين من الحكم بحق م: (لأن المقصود) ش: وهو العمل بحق م: (لا يحصل بالتقلد) ش: من السلطان الجائر م: (بخلاف ما إذا كان يمكنه) ش: حيث يجوز له التقليد منه، والضمير فيما كان يرجع إلى السلطان ويمكنه من التمكن. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن قلد القضاء يسلم إليه ديوان القاضي الذي كان قبله، وهو الخرائط التي فيها السجلات) ش: وفي المغرب الديوان الجديدة من دون الكتب، أو أجمعها لأنها قطع من القراطيس مجموعة. ويروى أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أول من دون الدواوين، أي رتب الجراية للولاة والقضاء، وأصله بدون تشديد الواو فعوض من إحدى الواوين، لأنه يجمع على دواوين. ولو كانت الياء أصلية لقالوا دياوين. وفسر المصنف الديوان بقوله وهو الخرائط، جمع خريطة. قال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعامة من الأدم وغيره بشرح علي فيها، والسجلات جمع سجل، وهو كتاب الحكم، وقد سجل عليه القاضي م: (وغيرها) ش: أي غير السجلات من المحاضر والصكوك، وكتاب نصب الأوصياء، وتقدير النفقات، والقيم في أموال الوقف م: (لأنها) ش: أي السجلات وغيرها م: (وضعت فيها) ش: أي في الخرائط م: (لتكون حجة عند الحاجة، فتجعل في يد من له ولاية القضاء) ش: وهو القاضي المولى؛ لأنه يحتاج إلى معرفة ما فيها، فكان له أخذها. م: (ثم إن كان البياض) ش: الذي كتب عليه السجلات ونحوها م: (من بيت المال فظاهر) ش: أي يجبر المعزول على دفعه؛ لأن ذلك إنما كان في يده لعمله وقد صار العمل لغيره، فلا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 15 وكذا إذا كان من مال الخصوم في الصحيح؛ لأنهم وضعوها في يده لعمله وقد انتقل إلى المولى، وكذا إذا كان من مال القاضي هو الصحيح؛ لأنه اتخذه تدينا لا تمولا، ويبعث أمينين ليقبضاها بحضرة المعزول أو أمينه ويسألانه شيئا فشيئا، ويجعلان كل نوع فيها في خريطة كيلا يشتبه على المولى وهذا السؤال لكشف الحال لا للإلزام   [البناية] يترك في يده، أي وكذا يجعل في يد من له ولاية القضاء م: (وكذا إذا كان) ش: أي البياض م: (من مال الخصوم) ش: لأنه وضع عنده لصيانة حقوق الناس تدينا لا تمولا (في الصحيح) احترز به عما قال المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إذا كان البياض من ماله أو من مال الخصوم لا يجبر على الدفع لأنه ملكه أو وهب له، وفي الصحيح يجبر م: (لأنهم وضعوها في يده لعمله وقد انتقل إلى المولَّى) ش: بتشديد اللام المفتوحة. م: (وكذا) ش: أي يجبر على الدفع م: (إذا كان) ش: أي البياض م: (من مال القاضي هو الصحيح) ش: احترز به عن مثل ما مضى في الصورة الأولى م: (لأنه) ش: أي لأن القاضي المعزول م: (اتخذه تدينا) ش: أي وضع عندهم بطريق الديانة والأمانة م: (لا تمولا) ش: أي ما وضع عنده من حيث أن يتمول به م: (ويبعث) ش: أي القاضي الجديد المولَّى اثنين م: (أمينين ليقبضاها) ش: أي الخرائط التي فيها السجلات وغيرها، والواحد يكفي والاثنان أحوط م: (بحضرة) ش: القاضي م: (المعزول أو أمينه) ش: أي الأمين من جهة المعزول. م: (ويسألانه) ش: أي يسألان المعزول م: (شيئا فشيئا) ش: يعني واحدا بعد واحد م: (ويجعلان كل نوع فيها في خريطة) ش: وينسخ الأوصياء في خريطة، وكل نوع في خريطة؛ لأن هذه النسخ كانت في خريطة تحت يد المعزول، فلا يشتبه عليه شيء من ذلك متى احتاج إليه بخلاف المولَّى؛ لأنه لا علم له بذلك، فيجعل كل نوع في خريطة م: (كيلا يشتبه على المولى) ش: شيء منها، أي من هذه السجلات وغيرها. م: (وهذا السؤال) ش: أي سؤال أحوال الديوان والمحبوسين وسبب الحبس م: (لكشف الحال لا للإلزام) ش: لأن قول المعزول ليس بحجة لالتحاقه بالعزل بواحد من الرعايا، ومتى قبضا ذلك، يختمان ذلك احترازا عن الزيادة والنقصان، وهذا ينبغي أن يكون في حق كل قاض. كذا في " المحيط " وفي " أدب القاضي " للصدر الشهيد. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيل: والسؤال يعني الاستعلام، يتعدى إلى المفعول الثاني بغير، وهنا قال: يسألانه شيئا فشيئا بدون عن، وأجيب بأن انتصاب شيئا بعامل مضمر يدل عليه قوله: يسألان، تقديره يسألانه عن أحوال السجلات وكيفياتها، أي يسألان شيئا فشيئا عنها. ونقل الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - جميع ما قاله شيخه الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم قال: وليس بشيء؛ لأن الكلام في الثاني كالكلام في الأول، والأولى أن يجعل حالا، بمعنى مفصلا كما في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 16 قال: وينظر في حال المحبوسين؛ لأنه نصب ناظرا فمن اعترف بحق ألزمه إياه؛ لأن الإقرار ملزم. ومن أنكر لم يقبل قول المعزول عليه إلا ببينة؛ لأنه بالعزل التحق بالرعايا، وشهادة الفرد ليست بحجة. لا سيما إذا كانت على فعل نفسه فإن لم تقم بينة، لم يعجل بتخليته حتى ينادي عليه وينظر في أمره؛ لأن فعل القاضي المعزول حق ظاهر، فلا يعجل كيلا يؤدي إلى إبطال حق الغير   [البناية] قوله: بينت له حسابه بابا بابا انتهى. إنما قال بمعنى مفصلا؛ لأن من شرط الحال، أن يكون من المشتقات. [وظائف القاضي] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وينظر في حال المحبوسين) ش: أي ينظر القاضي الجديد في حال المحبوسين. وفي بعض النسخ في حال المحتبسين م: (لأنه) ش: أي لأن القاضي الجديد م: (نصب ناظرا) ش: لأمور المسلمين م: (فمن اعترف بحق ألزمه إياه؛ لأن الإقرار ملزم، ومن أنكر لم يقبل قول المعزول) ش: أي القاضي المعزول م: (عليه إلا ببينة؛ لأنه) ش: أي لأن المعزول م: (بالعزل التحق بالرعايا، وشهادة الفرد ليست بحجة لا سيما إذا كانت) ش: أي شهادته على تأويل الأخبار م: (على فعل نفسه) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: يقبل قوله بعد العزل، كما قبل العزل، لأنه أمين الشرع، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقبل قوله قبل العزل إلا بحجة. م: (فإن لم تقم بينه لم يعجل) ش: القاضي م: (بتخليته حتى ينادي عليه) ش: وصفته أن يأمر كل يوم إذا جلس مناديا ينادي في محلته، [من] كان يطلب فلان ابن فلان المحبوس الفلاني بحق فليحضر، ينادي كذلك أياما، فإذا حضر أحد وادعى عليه، وهو على جحوده، ابتدأ الحكم بينهم، فلا يقبل قول المعزول. وإن لم يحضر خصم أخذ منه كفيلا بنفسه، ولعله محبوس بحق غائب، وقد قامت عليه إمارة، وهو حبس القاضي المعزول. فصل قسمة الميراث عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث يؤخذ الكفيل هناك عنده، على ما يجيء؛ لأن في مسألة الميراث، الحق ظاهر لهذا الوارث وفي ثبوت حق الآخر شك، فلا يجوز تأخيره، كموهوم، أما هناك الحق ثابت، فيحمل فعل القاضي على الصلاح، ولكنه مجهول فلا يكون أخذ الكفالة لموهوم، وقيل: أخذ الكفيل هنا على الخلاف أيضا. وفي " المحيط ": الصحيح أن أخذ الكفيل هاهنا بالاتفاق. م: (وينظر في أمره لأن فعل القاضي المعزول حق ظاهر) ش: أي من حيث الظاهر م: (فلا يعجل كيلا يؤدي إلى إبطال حق الغير) ش: أي لا يعجل القاضي بإطلاق المحبوس، بل يتأنى وينادي على المحبوس أياما في مجلسه من كان يطلب فلان بن فلان الفلاني المحبوس بحق، فليحضر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 17 وينظر في الودائع وارتفاع الوقوف، فيعمل فيه على ما تقوم به البينة، أو يعترف به من هو في يده، لأن كل ذلك حجة، ولا يقبل قول المعزول لما بيناه إلا أن يعترف الذي هو في يده، أن المعزول سلمها إليه، فيقبل قوله فيها، لأنه ثبت بإقراره، أن اليد كانت للقاضي، فيصبح إقرار القاضي، كأنه في يده في الحال، إلا إذا بدأ بالإقرار لغيره، ثم أقر بتسليم القاضي، فيسلم ما في يده إلى المقر له الأول لسبق حقه، ويضمن قيمته للقاضي بإقراره الثاني ويسلم إلى المقر له من جهة القاضي.   [البناية] وقال أبو داود الناصحي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: "في أدب القاضي " للخصاف: فإن قال واحد من المحبوسين: حبست بغير حق، ولم يحضر له خصم، تأنى القاضي، ونادى أياما، فإن لم يحضر له خصم أطلقه وأخذ منه كفيلا بنفسه ويطلقه، فإن قال: لا كفيل لي، أو لا أعطي كفيلا فإنه لا يجب عليه شيء نادى عليه شهرا ثم تركه، لأن الحق لم يثبت عليه، فلا يلزمه إعطاء الكفيل وإنما طلبه القاضي به احتياطا، فإذا لم يعطه، وجب عليه أن يحتاط بنوع آخر، فينادي عليه شهرا، فإذا مضت المدة أطلق عنه، كذا قاله الإمام الناصحي. م: (وينظر في الودائع وارتفاع الوقوف) ش: أي التي وضعها المعزول في أيدي الأمناء م: (فيعمل فيه على ما تقوم به البينة أو يعترف به من هو في يده؛ لأن كل ذلك) ش: أي كل واحد من قيام البينة، واعتراف من هو في يده م: (حجة ولا يقبل قول المعزول لما بيناه) ش: إشارة إلى قوله، لأنه بالعزل التحق بالرعايا إلى آخره م: (إلا أن يعترف الذي هو في يده أن المعزول سلمها إليه فيقبل قوله فيها) ش: أي يقبل قول المعزول حينئذ فيها، أي في الودائع وارتفاع الأوقات م: (لأنه ثبت بإقراره) ش: أي بإقرار ذي اليد م: (أن اليد كانت للقاضي) ش: المعزول م: (فيصح إقرار القاضي) ش: المعزول به. م: (كأنه في يده في الحال) ش: ولو كانت بيده عيانا، صح إقراره به، فكذا إذا كان بيد مودعه؛ لأن يد المودع كيد المودع م: (إلا إذا بدأ) ش: استثناء من قوله فيقبل، أي إلا إذا بدأ به ذوي اليد م: (بالإقرار لغيره، ثم أقر بتسليم القاضي) ش: إلى الغير من أقر له القاضي م: (فيسلم ما في يده إلى المقر له الأول لسبق حقه) ش: أي يسبق حق المقر له الأول، وهو الذي أقر له ذو اليد م: (ويضمن) ش: أي ذو اليد م: (قيمته للقاضي وبإقراره الثاني ويسلم إلى المقر له من جهة القاضي) ش:. وقال الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حاصل ذلك أن المسألة على أربعة أوجه: إما أن يقول دفعه إلى المعزول، وقال هو لفلان بن فلان، أو قال دفعه إلى المعزول ولا أدري لمن هو، وأنكر ما قوله المعزول أو قال دفعه إلى المعزول، وهو لفلان آخر. ففي الوجه الأول والثاني يقبل قول المعزول والمال للمقر له؛ لأن المال وصل إلى يده من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 18 قال: ويجلس للحكم جلوسا ظاهرا في المسجد كيلا يشتبه مكانه على الغرباء وبعض المقيمين، والمسجد والجامع أولى؛ لأنه أشهر. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكره الجلوس في المسجد للقضاء؛ لأنه يحضره المشرك وهو نجس بالنص والحائض وهي ممنوعة عن دخوله. ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنما بنيت المساجد لذكر الله تعالى والحكم»   [البناية] جهة المعزول، فكان المال في يد المعزول معنى، ومن في يده المال إذا أقر لإنسان يقبل فكذا هذا وفي الوجه الثالث: القول لصاحب اليد. وفي الوجه الرابع المسألة على وجهين، أما إن بدأ صاحب اليد وقال دفعه إلى المعزول، وهو لفلان آخر، أو بدأ بالإقرار فقال هو المال لفلان ابن فلان غير الذي أقر له المعزول له، ثم قال دفعه إلى المعزول، ففي الوجه الأول: القول قول المعزول ويؤمر بالدفع إلى من أقر له المعزول وفي الوجه الثاني يؤمر بالدفع إلى من أقر له، ويضمن مثله إن كان من ذوات الأمثال، أو قيمته للمعزول ثم يسلمه المعزول إلى من أقر له. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ويجلس) ش: أي القاضي م: (للحكم جلوسا ظاهرا في المسجد كيلا يشتبه مكانه على الغرباء) ش: جمع غريب م: (وبعض المقيمين) ش: الذين ليس لهم اختلاط بالقضاء م: (والمسجد والجامع أولى؛ لأنه أشهر) ش: المواضع. وقال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا إذا كان الجامع في وسط البلدة، ولو كان في طرف البلدة، يختار مسجدا في وسط البلدة، كيلا يلحق الناس مشقة الذهاب إلى طرف البلدة ويختار مسجد السوق لأنه أشهر، وفي " المبسوط ": أحب إلي أن يقضي حيث تقام جماعة الناس، يعني في المسجد الجامع أو غيره من مساجد الجماعات، لأن ذلك عن التهمة أبعد. وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - وفي " وجيز الشافعية " - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: ويكره أن يتخذ المسجد مجلسا للقضاء، وقال في " خلاصة الفتاوى ": وأفضل ما يجلس في المسجد الجامع، وفي مسجد حيه أو بيته لا بأس به عندنا. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكره الجلوس في المسجد للقضاء لأنه) ش: أي لأن القاضي م: (يحضره المشرك) ش: للدعوى م: (وهو نجس بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] : (التوبة: الآية 28) ، م: (والحائض) ش: أي ويحضره الحائض م: (وهي) ش: أي الحائض م: (ممنوعة عن دخوله) ش: أي دخول المسجد م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «إنما بنيت المساجد لذكر الله تعالى والحكم» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ غريب، ورواه مسلم ليس فيه "الحكم"، رواه في الطهارة من حديث أنس مطولا، وفي آخره: «إنما هي لذكر الله تعالى» أي المساجد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 19 وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يفصل الخصومة في معتكفه، وكذا الخلفاء الراشدون كانوا يجلسون في المساجد لفصل الخصومات؛ ولأن القضاء عبادة فيجوز إقامتها في المسجد، كالصلاة، ونجاسة المشرك في اعتقاده لا في ظاهره، فلا يمنع من دخوله، والحائض تخبر بحالها، فيخرج القاضي إليها أو إلى باب المسجد، أو يبعث من يفصل بينها وبين خصمها، كما إذا كانت الخصومة في الدابة. ولو جلس في داره لا بأس به، ويأذن للناس بالدخول فيها   [البناية] م: (وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يفصل الخصومة في معتكفه) ش: فيه أحاديث منها ما خرج البخاري ومسلم عن سهل بن سعد في قصة اللعان «أن رجلا قال: يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا؟ إلى أن قال: فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد» . ومنها ما أخرجه الطبراني في معجمه من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «بينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب يوم الجمعة إذ أتى رجل فتخطى الناس حتى قرب إليه، فقال: يا رسول الله أقم علي الحد، الحديث وفيه: "فاجلدوه مائة جلدة ولم يكن تزوج» . م: (وكذا الخلفاء الراشدون كانوا يجلسون في المسجد لفصل الخصومات) ش: هذا حديث غريب. وفي "صحيح البخاري " في باب من قضى ولاعن في المسجد، ولاعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في المسجد عن منبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقضى شريح والشعبي ويحيى بن معمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في المسجد. م: (ولأن القضاء عبادة، فيجوز إقامتها في المسجد كالصلاة ونجاسة المشرك في اعتقاده) ش: هذا جواب عن دليل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وتقريره نجاسة المشرك في اعتقاده الباطن، فإنه ثبت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان ينزل للوفود في المسجد م: (لا في ظاهره) ش: أي لا نجاسة في ظاهره م: (فلا يمنع من دخوله) ش: إذ لا يصيب الأرض منه شيء م: (والحائض تخبر بحالها، فيخرج القاضي إليها أو إلى باب المسجد، أو يبعث) ش: أي القاضي م: (من يفصل بينها) ش: أي بين الحائض م: (وبين خصمها، كما إذا كانت الخصومة في الدابة) ش: فإن قيل: يجوز أن تكون الحائض غير مسلمة لا تعتقد حرمة الدخول في المسجد، فتخبر عن حالها، قلنا: الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، فلا بأس بدخولها. م: (ولو جلس) ش: أي القاضي م: (في داره لا بأس به) ش: ذكر هذا تفريعا على ما تقدم. وقال شمس الأئمة السرخسي: وإن اختار أن يجلس في داره، فله ذلك بشرط أن لا يمنع أحدا من الدخول عليه؛ لأن لكل أحد حقا في مجلسه م: (ويأذن للناس بالدخول فيها) ش: أي في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 20 ويجلس معه من كان يجلس قبل ذلك؛ لأن في جلوسه وحده تهمة. قال: ولا يقبل هدية   [البناية] داره م: (ويجلس معه من كان يجلس) ش: معه م: (قيل ذلك لأن جلوسه وحده تهمة) ش: أي تهمة الظلم والرشوة. وقد روي أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما كان يحكم حتى يحضر أربعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ويستحب أن يحضر مجلسه جماعة من الفقهاء، ويشاورهم، لما روي أن الخلفاء الراشدين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -[الذين] كانوا يحضرون عبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حق، قال أحمد: يحضر مجلس الفقهاء من كل مذهب ويشاورهم فيما يشكل عليه. [قبول الهدية للقاضي] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا يقبل) ش: أي القاضي م: (هدية) ش: الأصل في هذا الباب ما قاله في " المبسوط ": الهدية في الشرع منه وبه، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نعم الشيء الهدية» [ .... ] " وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الهدية تذهب وحر الصدر» أي غشه، والوعد يوقظ له البغض في الصدر. وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «تهادوا تحابوا» ولكن بهذا في حق من لم يتعين العمل من أعمال المسلمين، فأما من تعين لذلك كالقاضي والوالي، فعليه التحرز عن قبول الهدية خصوصا ممن كان لا يهدي قبل ذلك، إذ هو نوع من الرشوة والسحت. وعن مسروق قال: القاضي إذا أخذ الهدية فقد أكل السحت، وإذا أخذت الرشوة، فقد بلغت به الكفر. وروى البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - بإسناده عن أبي حميد الساعدي قال: «استعمل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلا من الأزد يقال له ابن الأسد على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا أهدي لي، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه، فينظر أيهدى له أم لا؟!» واستعمل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أبا هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقدم بمال، فقال: من أين لك هذا؟، قال: تناتجت الخيول، وتلاحقت الهدايا، فقال: أي عدو الله هل قعدت في بيتك فتنظر أيهدى إليك أم لا؟ فأخذ ذلك منه، وجعله في بيت المال، فعرفنا أن قبول الهدية من الرشوة إذا كانت بهذه الصفة، فلا يقبل الحاكم الهدية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 21 إلا من ذي رحم محرم، أو ممن جرت عادته قبل القضاء بمهاداته؛ لأن الأول صلة الرحم، والثاني ليس للقضاء، بل جرى على العادة، وفيما وراء ذلك يصير آكلا بقضائه حتى لو كانت للقريب خصومة لا يقبل هديته، وكذا إذا زاد المهدي على المعتاد أو كانت له خصومة؛ لأنه لأجل القضاء فيتحاماه، ولا يحضر دعوة إلا أن تكون عامة؛ لأن الخاصة لأجل القضاء فيتهم بالإجابة بخلاف العامة، ويدخل في هذا الجواب قريبه وهو قولهما. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجيبه   [البناية] م: (إلا من ذي رحم، أو ممن جرت عادته قبل القضاء) ش: أي قبل أن يصير المهدى إليه قاضيا م: (بمهاداته؛ لأن الأول صلة الرحم، والثاني ليس للقضاء، بل جرى على العادة، وفيما وراء ذلك) ش: أي فيما وراء الأول والثاني م: (يصير آكلا بقضائه) ش: والأكل للقضاء حرام وسحت م: (حتى لو كانت للقريب خصومة، لا يقبل هديته) ش:. م: (وكذا إذا زاد المهدي على المعتاد، أو كانت له خصومة، لأنه لأجل القضاء فيتحاماه) ش: أي يحترز عنه ولا يأخذه، ثم إذا أخذ الهدية ممن لا يجوز الأخذ منه، اختلف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فيه، قيل يضعها في بيت المال كما مر من قضية عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه. وعامة المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قالوا: يردها على أربابها إن عرف المهدي، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه آخر أشار إليه محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " السير الكبير "، وإن لم يعرف المهدي أو كان بعيدا حتى تعذر الرد عليها، حكمها حكم اللقطة، يضعها في بيت المال لأنه أخذها لعمله، وفي عمله نائب عن المسلمين، فكانت الهدايا من حيث المعنى للمسلمين. م: (ولا يحضر) ش: أي القاضي م: (دعوة إلا أن تكون عامة) ش: وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره ": ولا تجب الدعوة الخاصة للقرابة، ويجيء هذه الآن م: (لأن الخاصة) ش: أي الدعوة الخاصة تكون م: (لأجل القضاء، فيتهم بالإجابة بخلاف العامة) ش: أي الدعوة العامة، فإنها لا تكون للقضاء. قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبو علي النسفي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دعوة العامة عرس وختان، وما سوى ذلك خاصة، وقيل في الحد الفاصل إذا جاوز العشرة فهي عامة، ويجيء الآن ما قاله المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ويدخل في هذا الجواب) ش: أي إطلاق قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا يحضر دعوة الخاصة م: (قريبه) ش: أي قريب القاضي م: (وهو قولهما) ش: أي قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجيبه) ش: أي القاضي يجيب قريبه في الدعوى الخاصة. وذكر الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجيب دعوة الخاصة لقريبه بلا خلاف؛ لأن إجابة دعوته صلة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 22 وإن كانت خاصة كالهدية. والخاصة ما لو علم المضيف أن القاضي لا يحضرها لا يتخذها. قال: ويشهد الجنازة، ويعود المريض؛ لأن ذلك من حقوق المسلمين. قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «للمسلم على المسلم ستة حقوق» ، وعد منها هذين، ولا يضيف أحد الخصمين دون   [البناية] للرحم، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحضر الولائم لغير الخصم، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحضر الخاصة ويحضر العامة إن شاء. وتركها أفضل، إن كانت وليمة النكاح، ولغير النكاح كره ذكره في " الجواهر " وفي " الحلية ": اختلف أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فيمن ولي أمرا من أمور المسلمين، كالقضاة والأئمة، في حضور الولائم على ثلاثة أوجه: أحدها: أنه كغيرهم، والثاني: أنه سقط فرض الإجابة، والثالث: أنه إن كان مرتزقا لم يحضر وإلا يحضر م: (وإن كانت خاصة) ش: واصل بما قبله أي وإن كانت الدعوة خاصة يجيبه لقريبه م: (كالهدية) ش: أي كما في الهدية، حيث يجوز له أخذها من قريبه. ثم أشار إلى تعريف الدعوة الخاصة بقوله: م: (والخاصة ما لو علم المضيف أن القاضي لا يحضرها لا يتخذها) ش: إيضاح ذلك أن صاحب الدعوة إن كان بحال لو علم أن القاضي لا يحضر، لا يمتنع من اتخاذ الدعوة، فإن القاضي لا يجيب هذه الدعوة، فهذه دعوة عامة. وإن كان بحال لو علم صاحب الدعوة أنه لو اتخذ الدعوة لا يحضرها القاضي، يمتنع ولا يتخذ الدعوة، فهذه دعوة خاصة، فلا يجيبها القاضي؛ لأنها اتخذت له. فإذا حضرها كان آكلا بقضائه. وذكر صدر الإسلام وأبو اليسر - رحمهما الله -: إذا كانت الدعوة عامة، والمضيف خصم، فينبغي أن لا يجيب القاضي دعوة، وإن كانت عامة لأنه يؤدي إلى إيذاء الآخر وإلى التهمة. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره": م: (ويشهد) ش: أي القاضي م: (الجنازة، ويعود المريض؛ لأن ذلك) ش: أي المذكور من شهود الجنازة وعيادة المريض م: (من حقوق المسلمين) ش: لأنه أمر مندوب إليه، وليس فيه تهمة أيضا. م: (قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: ("للمسلم على المسلم ستة حقوق ") ش: الحديث رواه مسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «حق المسلم على المسلم ست، قال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما هن؟ قال: إذا لقيته فسلم، وإذا دعاك فأجب، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه» وفي رواية أخرى عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خمس يجب للمسلم على أخيه؛ رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض واتباع الجنائز» م: (وعد منها) ش: أي من الست م: (هذين) ش: وهما شهادة الجنازة وعيادة المريض. م: (ولا يضيف أحد الخصمين دون الجزء: 9 ¦ الصفحة: 23 خصمه، لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن ذلك، ولأن فيه تهمة. قال: وإذا حضرا سوى بينهما في الجلوس والإقبال؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا ابتلي أحدكم بالقضاء فليسو بينهم في المجلس والإشارة والنظر» ولا يسار أحدهما ولا يشير إليه ولا يلقنه حجة للتهمة، ولأن فيه مكسرة لقلب الآخر فيترك حقه. ولا يضحك   [البناية] خصمه، لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن ذلك) ش: الحديث رواه الطبراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في معجمه "الأوسط" عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يضيف أحد الخصمين دون الآخر» م: (ولأن فيه تهمة) ش: أي تهمة الميل. [تسوية القاضي بين الخصمين] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا حضرا) ش: أي الخصمان م: (سوى بينهما في الجلوس والإقبال) ش: أراد بالإقبال تسوية النظر من الجانبين. وكتب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى أبي موسى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وسو بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك، والمستحب باتفاق أهل العلم أن يجلسهما بين يديه، ولا يجلس أحدهما على يساره والآخر على يمينه؛ لأن لليمين فضلا على اليسار. وفي " المغني " و " النوازل " و" الفتاوى الكبرى ": تخاصم السلطان مع رجل فجلس السلطان مع القاضي في مجلسه، ينبغي للقاضي أن يقوم من مقامه ويجلس خصم السلطان فيه، ويقعد هو على الأرض، ثم يقضي بينهما حتى لا يكون مفضلا أحدهما، وهذه المسألة تدل على أن القاضي يصلح قاضيا على السلطان الذي قلده، والدليل عليه قصة علي عند شريح - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإن شريحا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قام عن مجلسه وأجلس عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في مجلسه، وقال المرغيناني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وينبغي للخصمين أن يجثوا بين يدي القاضي ولا يتربعان ولا يقعيان ولو فعلا ذلك منعهما القاضي تعظيما للحكم كما يجلس المتعلم بين يدي العالم تعظيما للعلم، ويقف أعوان القاضي بين يديه، ليكون أهيب في أعين الناظرين. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا ابتلي أحدكم بالقضاء فليسو بينهم في المجلس والإشارة والنظر» الحديث رواه إسحاق بن راهويه في "مسنده " - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ابتلى بالقضاء بين المسلمين، فلسوا بينهم في المجلس والإشارة والنظر ولا يرفع صوته على أحد الخصمين أكثر من الآخر» . م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا يسار أحدهما) ش: يعني لا يتكلم مع أحدهما سرا م: (ولا يشير إليه) ش: لا بالرأس ولا بالعين ولا بالحاجب، وكل ذلك منهي شرعا م: (ولا يلقنه حجة للتهمة) ش: أي تهمة الميل، ولأن فيه إعانة لأحد الخصمين، وكسر قلب الآخر، وهو معنى قوله م: (ولأن فيه مكسرة لقلب الآخر) ش: المكسرة بفتح الميم مصدر ميمي بمعنى الكسر م: (فيترك حقه) ش: لأنه يتجنب عن طلب حقه فيترك حقه م: (ولا يضحك) ش: أي القاضي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 24 في وجه أحدهما لأنه يجترئ على خصمه ولا يمازحهم ولا واحدا منهما؛ لأنه يذهب بمهابة القضاء. قال: ويكره تلقين الشاهد. ومعناه أن يقول له: أتشهد بكذا وكذا، وهذا لأنه إعانة لأحد الخصمين فيكره كتلقين الخصم. واستحسنه أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير موضع التهمة؛ لأن الشاهد قد يحصر لمهابة المجلس، فكان تلقينه إحياء للحق بمنزلة الأشخاص والتكفيل.   [البناية] م: (في وجه أحدهما) ش: أي أحد الخصمين م: (لأنه يجترئ على خصمه) ش: بسبب ضحك القاضي في وجهه م: (ولا يمازحهم) ش: في الاختصام م: (ولا واحدا منهما) ش: أي ولا يمازح واحدا من الأخصام م: (لأنه) ش: لأن مزح القاضي م: (يذهب بمهابة القضاء) ش: ولهذا قالوا: ينبغي أن يكون القاضي عبوسا، متواضعا في أفعاله، وفي " الجواهر ": يستحب أن يكون فيه عبوسة من غير غضب. م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ويكره تلقين الشاهد ومعناه) ش: أي معنى ما قاله محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من كراهته تلقين الشاهد م: (أن يقول له:) ش: أي أن يقول القاضي للشاهد: م: (أتشهد بكذا وكذا، وهذا لأنه إعانة لأحد الخصمين فيكره كتلقين الخصم) ش: حيث يكره م: (واستحسنه) ش: أي تقليد الشاهد م: (أبو يوسف في غير موضع التهمة؛ لأن الشاهد قد يحصر) ش: أي ينحبس لسانه عن البيان م: (لمهابة المجلس فكان تلقينه إحياء للحق) ش: وقيد بقوله في غير موضع التهمة، لأن في موضع التهمة لا يجوز ذلك، مثل أن يدعي المدعي ألفا وخمسمائة، والمدعى عليه ينكر خمسمائة، وشهد الشاهد بالألف، فالقاضي إن قال يحتمل أنه إبراء لخمسمائة، واستفاد الشاهد، علما بذلك، ووقف في شهادته كما في وقف القاضي، فهذا لا يجوز بالاتفاق، وتأخير قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يشير إلى اختيار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (بمنزلة الأشخاص) ش: وهو إرسال شخص فليحضر خصمه، ويقال شخص من بلد إلى بلد شخوصا، أي يذهب من حد منع وأشخصه غيره م: (والتكفيل) ش: وهو أخذ الكفيل لأحد الخصمين لأنه لم يكن ذلك من جنس إعانة أحد الخصمين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 25 فصل في الحبس قال: وإذا ثبت الحق عند القاضي، وطلب صاحب الحق حبس غريمه لم يعجل بحبسه، وأمره بدفع ما عليه؛ لأن الحبس جزاء المماطلة فلا بد من ظهورها،   [البناية] [فصل في الحبس] [الحبس جزاء المماطلة] م: (فصل في الحبس) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الحبس، ولما كان الحبس من أنواع حكم القاضي، ذكره في فصل على حدة، وهو مشروع بالكتاب، وهو قَوْله تَعَالَى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33] (المائدة الآية 33) ، فإن المراد به المجلس، وبالسنة وهو ما روي: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حبس رجلا بالتهمة» ، غير أنه لم يكن في زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - سجن وكان يحبس في المسجد أو الدهليز حيث أمكن، ولما كان زمن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أحدث السجن بناه من قصب وسماه فقيه اللصوص، فبنى سجنا من مدر فسماه محبسا. ثم قال الأترازي: كيسا مكيسا بنيت بعد نافع محبسا بابا حصينا، وأمينا كيسا رواه الزمخشري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الفائق ". والمحبس موضع التجنيس، وهو التذليل والكيس حسن الثاني في الأمور، والمكيس منسوب إلى الكيس المعروف به قوله، وأمينا أي ونصف أمينها بعين السجان كذا في "الفائق ". وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يكن سجن حتى اشترى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دارا بالمدينة بأربعة آلاف درهم واتخذه محبسا. م: (قال: وإذا ثبت الحق عند القاضي، وطلب صاحب الحق حبس غريمه لم يعجل بحبسه، وأمره بدفع ما عليه؛ لأن الحبس جزاء المماطلة، فلا بد من ظهورها) ش: أي ظهور المماطلة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مطل الغني ظلم» فاستحق الحبس، والمال غير مقدر في حق الحبس يحبس في الدراهم وما دونه؛ لأن مانع ذلك ظلم، فيجازى به والمحبوس في الدين لا يخرج لمجيء رمضان، والفطر والأضحى والجمعة، وصلاة مكتوبة، وحجة فريضة، وحضور جنازة بعض أهله، وموت والده وولده إذا كان ثمة من يكفنه ويغسله، بخلاف ما إذا لم يكن؛ لأنه لزم القيام حينئذ بحق الوالدين. وقيل: يخرج بكفيله لجنازة الوالدين والأجداد والجدات والأولاد وفي غيرهم لا، وعليه الفتوى. وإن مرض وله خادم لا يخرج، وإلا يخرج لأنه ربما يموت بسببه، وهو ليس بمستحق عليه، ولو احتاج إلى الجماع، دخلت عليه زوجته وجاريته، فيطأهما حيث لا يطلع عليه أحد، وقيل: الوطء ليس من أصول الحوائج، فيجوز أن يمنع بخلاف الطعام. ولا يمنع من دخول أهله وجيرانه عليه، يشاورهم في قضاء الدين، ويمنعون من طول المكث عنده. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 26 وهذا إذا ثبت الحق بإقراره؛ لأنه لم يعرف كونه مماطلا في أول الوهلة فلعله طمع في الإمهال، فلم يستصحب المال، فإذا امتنع بعد ذلك حبسه لظهور مطله، أما إذا ثبت بالبينة حبسه كما ثبت لظهور المطل بإنكاره. قال: فإن امتنع حبسه في كل دين لزمه بدلا عن مال حصل في يده كثمن المبيع أو التزمه بعقد كالمهر والكفالة   [البناية] م: (وهذا) ش: أي ترك القاضي عجلته بحبس الغريم م: (إذا ثبت الحق بإقراره؛ لأنه لم يعرف كونه مماطلا في أول الوهلة) ش: يقال: لقيته أول وهلة، أي أول شيء م: (فلعله طمع في الإمهال، فلم يستصحب المال، فإذا امتنع بعد ذلك حبسه لظهور مطله، أما إذا ثبت بالبينة حبسه كما ثبت لظهور المطل بإنكاره) ش: وقال قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": وعلى قول الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في البينة أيضا، لا يحبسه في أول الوهلة. وقال في " الأجناس ": قال في كفالة الأصل: قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ينبغي للإمام أن يحبس في الديون قرضا كان أو غصبا أو ثمن مبيع أو مهر، لكن لا يحبسه في أول ما يقدم إليه، ويقال له: قم فأرضه فإن عاد إليه حبسه، وهو قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله. وقال الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والصواب عندي أن لا يحبسه حتى يقول له: ألك مال، ويستحلفه على ذلك، فإن أقر أن له مالا حبسه، وإن قال: لا مال لي، قال للطالب: أثبت أن له مالا حتى أحبسه، وهو مذهب بعض القضاة. ثم اعلم إذا ثبت إعسار المديون لا يجوز حبسه بلا خلاف ولا بلازمته، بل يمهل إلا أن يوسر. قال عز وجل: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] (البقرة: الآية 280) ، وعندنا لا يحبس، ولكن للغريم ملازمته ولا يمنعه من الكسب، وهل يلزمه الكسب وإجارة نفسه ليصرف الأجرة والكسب إلى رب الدين عندنا والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا، وعند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يلزمه، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان ممن يعتاد إجارة نفسه لزمه به، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه: وعليه عمل القضاة لظهور المماطلة، وفي وجه: يبيع ماله الظاهر، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - أما لو امتنع من أداء الدين يحبس بلا خلاف. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن امتنع) ش: أي الغريم م: (حبسه في كل دين لزمه عن مال حصل في يده كثمن المبيع أو التزمه بعقد كالمهر والكفالة) ش: ولكنه إنما يحبسه إذا طلب المدعي ذلك. وقال قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": ولا يحبسه عندنا في الإقرار والبينة إلا عند طلب المدعي. وقال شريح - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحبسه من غير طلبه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 27 لأنه إذا حصل المال في يده ثبت غناه به وإقدامه على التزامه باختياره دليل يساره إذ هو لا يلتزم إلا ما يقدر على أدائه،   [البناية] وفي " الذخيرة " لو قال المديون بعد ثبوت الدين: أنا معسر، أو قال: موسر، ولا بينة له، فالقول للمديون مع يمينه، وهو رواية أصحابنا واختيار الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه؛ لأن الأصل الفقر. وعن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: إن كان في كل دين أصله مال، كثمن المبيع والقرض، فالقول للمدعي، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه وفي كل دين لا يقابله مال، كالمهر وبدل الخلع، وما أشبه ذلك، فالقول للمديون، إليه أشار محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب النكاح، وفي مسألة ادعاء المرأة نفقة الموسرين، وزعم الزوج أنه معسر، فقال: القول للزوج، وقال بعضهم: كل دين لزمه بسبب معاقدته واختياره، فالقول لرب الدين، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه لأن اختيار لزومه بالعقد دليل اليسار. م: (لأنه) ش: استدلال لما ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لقوله: حبسه لكل دين ... إلخ أي لأن الغريم م: (إذا حصل المال) ش: أي المال الذي هو ثمن المبيع ونحوه من أي جهة كان م: (في يده ثبت غناه به) ش: وزواله عن الملك محتمل، والثابت لا يترك بالمحتمل. والأصل في ذلك أن الأصل في الإنسان الفقر والغنى حادث، فوجب استصحاب المال حتى يعلم حدوث ما يخالفه، وما كان بدلا عن مال، فقد علم حصول الغنى به، فسقط حكم الأصل. ووجب استصحاب الغنى حتى يعلم زواله، فلهذا لم يصدق في الاعتبار، وصار امتناعه ظلما، فحبس لأجله. م: (وإقدامه على التزامه) ش: بعقد كالمهر والكفالة م: (باختياره دليل يساره إذ هو) ش: أي لأنه م: (لا يلتزم إلا ما يقدر على أدائه) ش: فإذا ادعى الإعسار يريد إسقاطها عن نفسه، فلا يقبل قوله ويحبس، وهو الذي ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وشرحه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، [و] هو رواية ابن سماعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يحبس في ذلك ولا يقبل قوله في الإعسار. وذكر الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أصحابنا: أنه يحبس فيما إذا كان بدلا عن مال حصل في يده خاصة، ولا يحبس فيما سوى ذلك، لأن الحبس عقوبة تستحق بالامتناع مع الغنى، فلا يجوز إثابتها بالظاهر، كسائر العقوبات. وحاصل المذهب عندنا: أن القاضي لا يسأل المدعي المال إلا إذا ادعى المديون الإعسار، فحينئذ يسأل. فإن قال المدعي: إنه معسر، خلى سبيله، وإن قال: إنه موسر، وقال المديون: إني الجزء: 9 ¦ الصفحة: 28 والمراد بالمهر معجله دون مؤجله. قال: ولا يحبسه فيما سوى ذلك إذا قال: إني فقير إلا أن يثبت غريمه أن له مالا فيحبسه، لأنه لم توجد دلالة اليسار، فيكون القول قول من عليه الدين، وعلى المدعي إثبات غناه، ويروى أن القول لمن عليه الدين في جميع ذلك لأن الأصل هو العسرة،   [البناية] معسر، ففيه اختلاف المشايخ، ورأي الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن القول قول المديون لأنه متمسك بالأصل. وقيل: إن كان الدين وجب عليه بدلا عن مال، كثمن متاع، أو بدل. قرض، فالقول قول المدعي، وإن كان بدلا عما ليس بمال، كالمهر ونحوه، فالقول قول المدعى عليه. ونسب الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا القول في " أدب القاضي " إلى أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله. ومن العلماء من قال: يحكم في الزاي، إن تزيا بزي الفقر، كان المقول قول المديون، وإن تزيا بزي الأغنياء، كان القول قول الطالب؛ لأن ذلك علامة ودليل إلا في حق العلوية والفقهاء، فإنهم يتكلفون في لباسهم، حتى لا يذهب ماء وجههم مع حاجتهم، فلا يكون الزي دليلا وعلما على اليسار في حقهم، فإن كان المطلوب ادعى الفقراء، وادعى الطالب أنه غير زيه، وقد كان عليه زي الأغنياء قبل أن يحضر مجلس القاضي فإن القاضي يسأل البينة، فإن أقام البينة على أنه كان عليه زي الأغنياء قبل ذلك، سمع منه البينة، ويجعل القول قوله، وإن لم يمكنه إقامة البينة، يحكم بزيه في الحال، ويجعل القول قول المطلوب، كذا في " شرح آداب القاضي ". م: (والمراد بالمهر معجله دون مؤجله) ش: لأن العادة جارية بتسليم المعجل، فكان الإقدام على النكاح دليلا على القدرة، والوفاء بالمعجل، فلا يقبل قوله أنه معسر. قال فخر الإسلام البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا في المعجل، أما إذا طلبت المرأة المؤجل بعد ما بنى بها، فإن القول قول الزوج أنه عسر؛ لأنه لا دلالة هاهنا على القدرة منه على آدابه؛ فأما في النفقة، فإن القول قول الزوج أنه معسر في تقدير النفقة. [أقام المدعي بينة على يساره وأقام المديون بينة على إعساره] م: (قال: ولا يحسبه فيما سوى ذلك) ش: أي فيما سوى المذكور كضمان المتلف والغصب وأرش الجناية. م: (إذا قال: إني فقير، إلا أن يثبت غريمه أن له مالا فيحبسه؛ لأنه لم توجد دلالة اليسار، فيكون القول قول من عليه الدين، وعلى المدعي إثبات غناه، ويروى أن القول لمن عليه الدين في جميع ذلك لأن الأصل هو العسرة) ش: أي في ثمن المبيع والمهر وغير ذلك. وفي " الذخيرة ": إذا أقام المدعي بينة على يساره، وأقام المديون بينة على إعساره، فبينة رب الدين أولى، لأن شهود المديون شهدوا بشيء لم يعرفوه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 29 ويروى أن القول له إلا فيما بدله مال. وفي النفقة القول قول الزوج أنه معسر، وفي إعتاق العبد المشترك القول للمعتق. والمسألتان تؤديان القولين الأخيرين، والتخريج على ما قاله في الكتاب إنه ليس بدين مطلق، بل هو صلة حتى تسقط النفقة بالموت على الاتفاق، وكذا عند أبي حنيفة ضمان الإعتاق، ثم فيما كان القول قول المدعي، إن له مالا أو ثبت ذلك بالبينة فيما كان القول قول من عليه، يحبسه شهرين أو ثلاثة، ثم يسأل عنه،   [البناية] م: (ويروى) ش: عن الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه نسبه إلى أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقد مر بيانه م: (أن القول له) ش: أي لمن عليه الدين م: (إلا فيما بدله مال) ش: يعني القول فيما بدله مال للمدعي م: (وفي النفقة القول قول الزوج إنه معسر) ش: يعني إذا ادعت المرأة على زوجها أنه موسر، وادعت نفقة الموسرين، وزعم الزوج أنه معسر، وعليه نفقة المعسرين، فالقول قول الزوج. م: (وفي إعتاق العبد المشترك القول للمعتق) ش: يعني إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد. وزعم أنه معسر، كان القول قوله م: (والمسألتان) ش: وهما مسألة النفقة ومسألة إعتاق العبد المشترك م: (تؤيدان القولين الأخيرين) ش: وبعض النسخ الأخير، وأراد بالقولين الأخيرين قوله ويروى أن القول لمن عليه الدين في جميع ذلك، ويروى أن القول له إلا فيما بدله مال. م: (والتخريج) ش: أي تخريج مسألة الإنفاق والإعتاق م: (على ما قاله في الكتاب) ش: أي على ما قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره "، حيث القول المدعي في كل دين التزمه بعقد مع وجود الالتزام، لم يكن القول للمدعي في المسألتين، فأجاب عنه وقال م: (إنه) ش: أي أن النفقة على تأويل الإنفاق م: (ليس بدين مطلق، بل هو صلة حتى تسقط النفقة بالموت على الاتفاق) ش: فلو كان دينا مطلقا لم يسقط إلا بالأداء أو بالإبراء م: (وكذا) ش: أي ولكذا ليس بدين مطلق م: (عند أبي حنيفة ضمان الإعتاق) ش: فإن المريض إذا أعتق في مرض موته عبدا مشتركا، لا يجب عليه الضمان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلما كان كذلك، لم ترد هاتان المسألتان بقضاء القول الأول، وهو قوله حبسه في كل دين ... إلى آخره؛ لأن المراد بالدين هو المطلق منه، إذ به يحصل الاستدلال على القدرة. م: (ثم فيما كان القول قول المدعي إن له مالا أو ثبت ذلك بالبينة فيما كان القول قول من عليه يحبسه) ش: أي الحاكم م: (شهرين أو ثلاثة ثم يسأل) ش: جيرانه وأهل الخبرة م: (عنه) ش: عن يساره وإعساره، وهذا التقدير رواية محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 30 فالحبس لظهور ظلمه في الحال، وإنما يحبسه مدة ليظهر ماله لو كان يخفيه فلا بد من أن تمتد المدة ليفيد هذه الفائدة، فقدره بما ذكره، ويروى غير ذلك من التقدير بشهر أو أربعة إلى ستة أشهر، والصحيح أن التقدير مفوض إلى رأي القاضي لاختلاف أحوال الأشخاص فيه. قال: فإن لم يظهر له مال خلى سبيله، يعني بعد مضي المدة،   [البناية] كتاب الحوالة، والكفالة، وروى الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن التقدير فيه بأربعة أشهر، على قياس مدة الإيلاء. وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن التقدير فيه بشهر. وقال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أدب القاضي ": ثم قال: والحاصل أنه ليس فيه مضي وقت مقدر، بل الأمر مفوض إلى رأي القاضي، فإن مضى أربعة أشهر، ووقع له أنه متعنت، يستديم حبسه، وإن كان دون ذلك، بأن كان شهرين أو شهرا أو دونه ووقع أنه عاجز لا مال له، أطلقه من السجن. وقال شمس الأئمة الحلواني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما قال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أوفق الأقاويل، وقال الناصحي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " تهذيب أدب القاضي ": قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يحبسه شهرين أو ثلاثة، وعلى رواية محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قر وفيه أربعة أشهر، وعلى رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ستة أشهر، ثم قال: وهو موقوف على رأي القاضي. م: (فالحبس لظهور ظلمه في الحال) ش: وفي بعض النسخ لظهور مظلمة م: (وإنما يحبسه مدة ليظهر ماله لو كان يخفيه فلا بد من أن تمتد المدة ليفيد هذه الفائدة) ش: أراد بهذه ظهور ماله لو كان [يخفيه] م: (فقدره بما ذكره) ش: أي قدر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بما ذكره من الحبس أنه شهران أو ثلاثة م: (ويروى غير ذلك) ش: أي غير الشهرين أو الثلاثة م: (من التقدير بشهر أو أربعة) ش: أشهر م: (إلى ستة أشهر) ش: وقد مر ذلك كله، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والصحيح أن التقدير) ش: في مدة الحبس م: (مفوض إلى رأي القاضي لاختلاف أحوال الأشخاص فيه) ش: أي من الحبس لأن بعض الناس، يضجر بالحبس في مدة قليلة ما لا يضجر آخر في مدة كثيرة. وبه قال الشافعي، وأحمد ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وقال ابن الماجشون المالكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحبس في القليل أكثر من نصف الشهر، وفي الكثير يبلغ أربعة أشهر، وفيما بين ذلك الشهرين ونحوهما بالنسبة. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن لم يظهر له) ش: أي الغريم م: (مال خلى سبيله) ش: ولا يحول بينه وبين غرمائه، قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يعني بعد مضي المدة لأنه استحق النظرة) ش: بكسر الظاء م: (إلى الميسرة، فيكون حبسه بعد ذلك ظلما. ولو قامت البينة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 31 لأنه استحق النظرة إلى الميسرة فيكون حبسه بعد ذلك ظلما، ولو قامت البينة على إفلاسه قبل المدة تقبل في رواية ولا تقبل في رواية، وعلى الثانية عامة المشايخ. قال في الكتاب: خلي سبيله ولا يحول بينه وبين غرمائه، وهذا كلام في الملازمة وسنذكره في كتاب الحجر إن شاء الله تعالى. قال وفي " الجامع الصغير " رجل أقر عند القاضي   [البناية] على إفلاسه قبل المدة) ش: أي المدة التي رآها القاضي برائة، أو بعد مضي المدة التي اختارها بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كشهر أو شهرين أو أربعة أشهر على ما تقدم م: (تقبل) ش: أي م: (البينة في رواية) ش: وبه قال الشافعي، وأحمد - رحمهما الله - م: (ولا تقبل في رواية) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعلى الثانية) ش: أي الرواية الثانية م: (عامة المشايخ) ش:. وقال الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أدب القاضي ": هو الصحيح، وفي " الذخيرة ": لو أخبره عن إعساره قبل الحبس واحد عدل أو اثنان، أو شهد بذلك شاهدان، فعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان، في رواية: لا يحبسه وبه يفتي الفضلي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول إسماعيل ابن حماد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهكذا قال نصر بن يحيى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الإسكاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعامة مشايخ ما وراء النهر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يحبسه ولا تقبل هذه البينة؛ لأنه بينة على النفي، إلا إذ تأيدت بمؤيده بعد مضي المدة تأيدت. وقال شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سؤال القاضي عن المحبوس بعد حبسه احتياط، وليس بواجب، ولو طلب يمين الطالب عنه لا يعرف أنه معدم، يحلف، فإن نكل أطلقه، وإن حلف أبد الحبس. وقال أبو القاسم - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كيفية الشهادة: أن يقول: أشهد أنه مفلس، لا نعلم له مالا سوى كسوته التي عليه، وثياب ليله، وقد اختبرنا أمره سرا وعلانية. م: (قال في الكتاب) ش: أي وقول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (خلى سبيله ولا يحول بينه وبين غرمائه، وهذا كلام في الملازمة) ش: يعني المنع عن ملازمة المديون بعد إخراجه من الحبس في الملازمة هل للطالب ذلك أم لا؟ م: (وسنذكره في كتاب الحجر إن شاء الله تعالى) ش: أي المنع في باب الحجر بسبب الدين عند قوله، ولا يحول بينه وبين غرماء بعد خروجه من الحبس، يلازمونه ... إلى آخره والمراد من الملازمة الطواف معه، أي طاف حتى يأخذ وأفضل كسبه لا المطالبة. م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي " الجامع الصغير " رجل أقر عند القاضي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 32 بدين فإنه يحبسه ثم يسأل عنه، فإن كان موسرا أبد حبسه، وإن كان معسرا خلى سبيله، ومراده إذا أقر عند غير القاضي أو عنده مرة وظهرت مماطلته، والحبس أولا ومدته قد بيناه فلا نعيده. قال: ويحبس الرجل في نفقة زوجته لأنه ظالم بالامتناع ولا يحبس الوالد في دين ولده، لأنه   [البناية] بدين فإنه يحبسه ثم يسأل عنه، فإن كان موسرا أبد حبسه، وإن كان معسرا خلى سبيله) ش: إنما ذكر رواية الجامع الصغير دفعا لتوهم التناقض بين روايته ورواية القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا لأنه روى لفظ القدوري في أول الفصل بقوله، وإذا ثبت الحق عند القاضي، وطلب صاحب الحق حبس غريمه، لم يعجل بحبسه، ثم قال: وهذا إذا ثبت الحق بإقراره. ولفظ " الجامع الصغير " يدل على جواز الحبس متصلا بالإقرار، وبينهما وهم التناقض، فدفع هذا الوهم بقوله م: (ومراده) ش: يعني مراد محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إذا أقر عند غير القاضي أو عنده مرة وظهرت مماطلته) ش:. قال الأترازي يعني مراد محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا ثبت الحق بالإقرار، ثم ثبتت المماطلة، فترافعا إلى القاضي فحينئذ يحبسه لا بمجرد الإقرار، فاندفع ذلك الوهم. وقال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: معنى المسألة إذا كان جاحدا، فأقر عنده، وظهر القاضي جحوده عند غيره، ومماطلته، أو ظهر له مماطلته بعدما أقر عنده، فحينئذ يحبسه، فأما إذا أقر مرة فلا يحبسه. م: (والحبس أولا ومدته قد بيناه فلا نعيده) ش: أي الحبس المذكور أولا قبل السؤال في " الجامع الصغير " في قوله: يحبسه، ثم يسأل عنه، قد بينا ذلك قبل هذا في رواية القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنده يحبسه شهرين أو ثلاثة، ثم يسأل عنه، وبينا مدة الحبس أيضا مع الاختلاف المذكور فيها فلا حاجة إلى الإعادة، وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وروي والحبس ومدته بالنصب فيهما. قلت: إعراب الرفع أن قوله: و"الحبس" مبتدأ أولا نصب على الظرف، ومدته عطف على المبتدأ، وقوله: وقد بيناه، خبر المبتدأ. وأما وجه النصب، فعلى تقدير بينا الحبس، ومدته بالنصب أيضا عطفا عليه، وقوله: قد بيناه مفسر لذلك المقدر. م: (قال: ويحبس الرجل في نفقة زوجته؛ لأنه ظالم بالامتناع) ش: وفي أكثر النسخ. قال، أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويحبس الرجل إلى آخره؛ لأنه ظالم فيحبس وإن كان مقدار النفقة يسيرا، بأن كان درهما أو دنقا م: (ولا يحبس الوالد في دين ولده لأنه) ش: أي لأن الحبس م: (نوع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 33 نوع عقوبة فلا يستحقه الولد على الوالد كالحدود والقصاص إلا إذا امتنع من الإنفاق عليه، لأن فيه إحياء لولده، ولأنه لا يتدارك لسقوطها بمضي الزمان، والله أعلم بالصواب.   [البناية] عقوبة فلا يستحق الولد على الوالد، كالحدود والقصاص) ش: فإن الوالد لا يؤاخذ بهما لأجل ولده م: (إلا إذا امتنع من الإنفاق عليه) ش: أي على ولده؛ لأن فيه إهلاكه، وفي الإنفاق عليه إحياءه، وهو معنى قوله م: (لأن فيه) ش: أي في الإنفاق عليه م: (إحياء لولده، ولأنه) ش: أي ولأن الإنفاق م: (لا يتدارك لسقوطها) ش: أي لسقوط نفقة الولد م: (بمضي الزمان، والله أعلم بالصواب) ش: أي الزمان، بخلاف الدين حيث لا يسقط بمضي الزمان، فافترقا في هذا الحاكم، فيفترقان في حق الحبس. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 34 باب كتاب القاضي إلى القاضي قال: ويقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحقوق إذا شهد به عنده، للحاجة على ما نبين فإن شهدوا على خصم حاضر،   [البناية] [باب كتاب القاضي إلى القاضي] [حكم كتاب القاضي إلى القاضي] م: (باب كتاب القاضي إلى القاضي) ش: أي هذا باب في بيان حكم كتاب القاضي إلى القاضي، أورد هذا في هذا الكتاب بعد فصل الحبس، لأن هذا من عمل القضاة أيضا، إلا أن السجن يتم بقاض واحد، وهذا باثنين، والواحد قبل الاثنين والقياس يأبى جواز العمل به، لما فيه من شبهة التزوير، إذ الخط يشبه الخط والخاتم يشبه الخاتم، إلا أنه جوز لحاجة الناس إليه، لحديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه جوزه لحاجة الناس إلى ذلك وعليه أجمع الفقهاء. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحقوق) ش: التي تثبت مع الشبهات دون ما يندرئ بها م: (إذا شهد به عنده) ش: أي إذا شهد بالكتاب عند القاضي المكتوب إليه، وشهد على صيغة المجهول م: (للحاجة) ش: أي لحاجة الناس إليه م: (على ما نبين) ش: إشارة إلى قوله بعد هذا لمساس الحاجة ... إلى آخره. وفي " الأجناس " لا يكتب القاضي إلى القاضي فيما ينقل ويمول مثل العبد والدابة، والثوب، ويكتب في العقار، ويسمع شهادة المشهور على ذلك إذا بين حدودها الأربع. وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو كتبت في العبد، لكتب في الناقة والحمار وفي هذين لا أكتب، فكذلك في العبد ولا جعل الآبق. قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الكتب في العبد وفي الجارية لا يكتب في قولهم. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أدب القاضي ": أصله رواية بشر بن الوليد في الجارية. إلى هنا لفظ " الأجناس ". وقال في شرح الطحاوي " وقال ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقبل في جميع ذلك، أي يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في المنقول وغيره، ثم قال فيه: والفتوى على هذا لتعامل الناس. م: (فإن شهدوا على خصم حاضر) ش: المراد من الخصم هنا، الوكيل عن الغائب أو المسخر الذي جعل وكيلا لأجل إثبات الحق عليه، والمسخر هو الشخص الذي ينصبه القاضي من جهة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 35 حكم بالشهادة لوجود الحجة وكتب بحكمه وهو المدعو سجلا، وإن شهدوا به بغير حضرة الخصم لم يحكم؛ لأن القضاء على الغائب لا يجوز، وكتب بالشهادة ليحكم المكتوب إليه بها، وهذا هو الكتاب الحكمي، وهو نقل الشهادة في الحقيقة، ويختص بشرائط نذكرها إن شاء الله وجوازه لمساس الحاجة؛ لأن المدعي قد يتعذر عليه الجمع بين شهوده وخصمه، فأشبه الشهادة على الشهادة،   [البناية] الخصم، لإثبات الحق، ولو لم يكن خصما أصلا لا المدعى عليه ولا نائبه وقد حكم القاضي بالشهادة، كان قضاء على الغائب، وهو لا يجوز عندنا. وعند الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يجوز الحكم على الغائب فلا يحتاج إلى خصم م: (حكم بالشهادة لوجود الحجة، وكتب بحكمه وهو المدعو سجلا) ش: إذ السجل لا يكون إلا بعد الحكم م: (وإن شهدوا به بغير حضرة الخصم لم يحكم؛ لأن القضاء على الغائب لا يجوز، وكتب بالشهادة) ش: أي كتب القاضي بما يسمعه من الشهادة إلى القاضي م: (ليحكم المكتوب إليه) ش: أي القاضي المكتوب إليه م: (بها) ش: أي بهذه الشهادة، لكن إذا ثبت عنده أنه كتاب القاضي الكاتب، وهو بمنزلة نقل الشهادة. م: (وهذا هو الكتاب الحكمي) ش: أي وهذا الكتاب إلى القاضي يسمى الكتاب الحكمي؛ لأنه يكتب ليحكم به القاضي المكتوب إليه م: (وهو نقل الشهادة في الحقيقة) ش: ألا ترى أن للقاضي الأول أن يبطله قبل أن يبعث به إلى الثاني، وكذا للثاني أن لا ينفذ بكتابه، إلا أن يكون ذلك برأيه كذا في " المبسوط " م: (ويختص) ش: أي كتاب القاضي إلى القاضي م: (بشرائط نذكرها إن شاء الله) ش: في هذا الباب، ومن الشرائط المعلومة خمسة. ذكرها في " الذخيرة ": وهو أن يكون القاضي الكاتب معلوما، والقاضي المكتوب إليه معلوما، والمدعى به معلوما، والمدعى عليه معلوما، والمدعى به المعلوم ثم إعلام كل واحد من هؤلاء المذكورين يكون بذكر اسمه واسم أبيه واسم جده أو قبيلته؛ لأن إعلام الإنسان إذا كان غائبا بهذه الأشياء، ولو لم يذكر اسم أبيه وجده لا يحصل التعريف بالاتفاق، وبذكر أبيه دون جده وقبيلته يحصل التعريف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن كان مشهورا. م: (وجوازه) ش: أي جواز نقل كتاب الناس إلى القاضي، وهذا هو الموعود بقوله على ما نبين م: (لمساس الحاجة) ش: أي لشدة حاجة الناس إليه م: (لأن المدعي قد يتعذر عليه الجمع بين شهوده وخصمه فأشبه الشهادة على الشهادة) ش: تقرير هذا أن جوازه ثابت لمشابهة الشهادة على الشهادة لاتحاد المناط، وهو تعذر الجمع بين الشهود والخصم، فكما تجوز الشهادة على الشهادة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 36 وقوله في الحقوق يندرج تحته الدين والنكاح والنسب والمغصوب والأمانة المجحودة والمضاربة المجحودة؛ لأن كل ذلك بمنزلة الدين، وهو يعرف بالوصف لا يحتاج فيه إلى الإشارة، ويقبل في العقار أيضا لأن التعريف فيه بالتحديد، ولا يقبل في الأعيان المنقولة للحاجة إلى الإشارة، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقبل في العبد دون الأمة؛ لغلبة الإباق فيه دونها.   [البناية] لإحياء حقوق الناس، فكذلك جواز الكتاب لذلك ولا يراد بالشاهد القياس لما ذكرنا أنه مخالف للقياس فيراد به الاتحاد في مناط الاستحسان. م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في الحقوق يندرج تحته الدين والنكاح) ش: بأن ادعى رجلا نكاحا على امرأة، أو بالعكس، وكذلك الطلاق، إذا ادعت امرأة على زوجها م: (والنسب) ش: بأن ادعى نسبا من الميت م: (والمغصوب) ش: بأن ادعى غصبا على رجل م: (والأمانة المجحودة) ش: الوديعة التي جحدها المودع م: (والمضاربة المجحودة) ش: التي جحدها المضارب، وإنما قيد بالجحد فيهما؛ لأن المودع والمضارب لو كانا مقرين، فلا حاجة إلى كتاب القاضي. م: (لأن ذلك كله) ش: أي لأن المذكور من هذه الأشياء كله م: (بمنزلة الدين) ش: والدين يجوز فيه الكتاب، فكذا يجوز فيما كان بمنزلته. م: (وهو) ش: أي الدين م: (يعرف بالوصف لا يحتاج فيه إلى الإشارة) ش: فإن قيل: لا نسلم عدم الاحتياج في الإشارة فيما سوى الدين، فإن الشاهد يحتاج أن يشير إلى الرجل والمرأة عند دعوى النكاح من الجانبين، وكذلك في الأمانة والمغصوب. قلنا: لا بل النكاح ونظائره المذكورة، لا يحتاج إلى الإشارة؛ لأن دعوى المدعي يضمن النكاح لا نفس المرأة، وكذلك نظائره؛ لأنها من الأفعال، وإن كان يلزم في ضمنه الإشارة، والمدعى هو العقد م: (ويقبل في العقار أيضا) ش: أي يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في دعوى العقار أيضا م: (لأن التعريف فيه) ش: أي في العقار م: (بالتحديد) ش: أي ببيان حدوده الأربعة. م: (ولا يقبل) ش: أي كتاب القاضي إلى القاضي م: (في الأعيان المنقولة للحاجة إلى الإشارة) ش: عند الدعوى والشهادة، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله - في العبيد والجوار، وهو القياس المنصوص عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يجوز في المنقول، وهو أصح الروايتين عنه. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه) ش: أي أن كتاب القاضي إلى القاضي م: (يقبل في العبد دون الأمة؛ لغلبة الإباق فيه دونها) ش: أي في العبد دون الأمة، لأن العبد يخدم خارج البيت، فيقدر على الإباق غالبا فتمس الحاجة إلى الكتاب، بخلاف الأمة، فإنها تخدم في البيت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 37 وعنه: أنه يقبل فيهما بشرائط تعرف في موضعها.   [البناية] فلا تقدر على الإباق غالبا، فلا تمس الحاجة. كذا في " شرح أدب القاضي " للصدر الشهيد، قلت: أكثر جوار أهل مصر تخرج إلى الأسواق وغيرها في أكثر الأوقات. م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواها عنه بشر بن الوليد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه يقبل) ش: كتاب القاضي إلى القاضي م: (فيهما) ش: أي في العبد والأمة م: (بشرائط تعرف في موضعها) ش: وموضعه كتاب الإباق من " المبسوط "، وأراد بها بيان حلية العبد وصفته، ونسبه الذي أخذه، والختم في عنقه، وأخذ الكفيل. وصفة ذلك: بخارى أبق له عبد إلى سمرقند مثلا، فأخذه سمرقندي، ويجوز المولى ببخارى، فطلب من قاضي بخارى أن يكتب بشهادة شهوده عنده بحسب إلى ذلك، ويكتب شهد عندي فلان وفلان بأن العبد الذي من صفته كيت وكيت ملك فلان المدعي وهو اليوم بسمرقند بيد فلان بغير حق، ويشهد على كتابه شاهدين، ويعلمهما ما فيه، ويرسلهما إلى سمرقند، فإذا انتهى المكتوب إليه يحضر العبد مع من هو بيده ليشهدا عنده بالكتاب وبما فيه، فيقبل شهادتهما ويفتح الكتاب ويدفع العبد إلى المدعي، ولا يقضي له لأن شهادة شاهدين الملك لم يكن بحضرة العبد، ويأخذ كفيلا من المدعي بنفس العقد. ويجعل في عتق العب خاتما من رصاص كيلا يتهم المدعي بالسرقة، ويكتب كتابا إلى قاضي بخارى ويشهد شاهدين على كتابه وختمه، وعلى ما في الكتاب فإذا وصل إلى قاضي بخارى ويشهد بالكتاب وختمه أمر المدعي بشهادة شهوده ليشهدوا بالإشارة إلى العبد، أنه حقه وملكه، فإذا شهدوا بذلك، قضى له بالعبد وكتب إلى ذلك القاضي بما ثبت عنده ليبرئ كفيله. وفي رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن قاضي بخارى لا يقضي للمدعي بالعبد، لأن الخصم غائب، ولكن يكتب كتابا آخر إلى قاضي سمرقند فيه ما جرى عنده، ويشهد شاهدين على كتابه وختمه وما فيه، ويبعث بالعبد إلى سمرقند حتى يقضي له بحضرة المدعى عليه، فإذا وصل الكتاب إليه يفعل ذلك ويبرئ الكفيل وصفة الكتاب في الجواري صفته في العبد، غير أن القاضي لا يدفع الجارية إلى المدعي، ولكنه يبعث بها معه على يد أمين، لئلا يطأها قبل القضاء بالملك، زاعما أنها ملكه. ولكن أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قالا: هذا استحسان، فيه بعض قبح، فإنه إذا دفع العبد يستخدمه قهرا، ويستعمله، فيأكل من غلبته قبل القضاء بالملك، وربما يظهر العبد لغيره؛ لأن الحلية والصفة يشتبهان، فإن المختلفين متفقان في الحلي والصفات الجزء: 9 ¦ الصفحة: 38 وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقبل في جميع ما ينقل ويحول وعليه المتأخرون - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قال، ولا يقبل الكتاب إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين؛ لأن الكتاب يشبه الكتاب، فلا يثبت إلا بحجة تامة وهذا لأنه ملزم، فلا بد من الحجة،   [البناية] فالأخذ بالقياس أولى. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه) ش: أي أن كتاب القاضي إلى القاضي م: (يقبل في جميع ما ينقل ويحول وعليه) ش: أي وعلى قول محمد والمشايخ المتأخرون - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وهو مذهب مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في قول، وقال الأسبيجابي: وعليه الفتوى. وفي " الخلاصة ": ولو كتب اسم القاضي ونسبه، ولم يكتب اسم القاضي والمكتوب إليه ونسبه ولكن كتب إلى من بلغ كتابي هذا من قضاة المسلمين وحكامهم لا يجوز، وأبي يوسف وسع وأجاز وعليه عمل الناس اليوم، ولو لم يكتب في الكتاب التاريخ لا يقبله، وإن كتب فيه تاريخا ينظر هل هو كان قاضيا في ذلك الوقت أم لا، ولا يكتفي بالشهادة، إذا لم يكتب مكتوبا. وكذا كونه كتاب القاضي، لا يثبت بمجرد شهادتهم بدون الكتابة وكذا لو شهدوا على أصل الحادثة، ولم يكن مكتوبا، كذا كونه لم يعمل به إلى هنا لفظ " الخلاصة ". وفي " شرح الطحاوي ": وكتاب القاضي إلى القاضي، في حقوق الناس من الطلاق والعتاق وغيرها جائز إلا في الحدود والقصاص، وفي خزانة الفقه ويجوز كتاب القاضي إلى القاضي في المصرين أو من قاضي مصر إلى قاضي رستاق، ولا يجوز من القاضي الرستاق إلى قاضي مصر. م: (وقال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا يقبل الكتاب إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين) ش: يعني لا يقبل القاضي المكتوب إليه، كتاب القاضي إليه إلا بحجة تامة، وهي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين كما في سائر الحقوق. وكان الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: بجواز كتاب القاضي إلى القاضي بغير بينة، قياسا على كتاب أهل الحرب ويجيء الجواب عنه عن قريب م: (لأن الكتاب يشبه الكتاب، فلا يثبت إلا بحجة تامة وهذا) ش: أي اشتراط الحجة م: (لأنه) ش: أي لأن كتاب القاضي إلى القاضي م: (ملزم، فلا بد من الحجة) ش: وهذا عليه عامة الفقهاء. وعن الحسن البصري والعنبري وأبي ثور والإصطخري، وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 39 بخلاف كتاب الاستئمان من أهل الحرب؛ لأنه ليس بملزم، وبخلاف رسول القاضي إلى المزكي ورسوله إلى القاضي؛ لأن الإلزام بالشهادة لا بالتزكية. قال: ويجب أن يقرأ الكتاب عليهم؛ ليعرفوا ما فيه أو يعلمهم به، لأنه لا شهادة بدون العلم، ثم يختمه بحضرتهم ويسلمه إليهم كيلا يتوهم التغيير، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -؛ لأن علم ما في الكتاب والختم بحضرتهم شرط.   [البناية] رواية ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية مثل قول الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنهم قالوا: إذا كان القاضي المكتوب إليه يعرف خط القاضي الكاتب وختمه قبله كما في سائر الاستئمان بقوله: م: (بخلاف كتاب الاستئمان من أهل الحرب؛ لأنه ليس بملزم) ش: فإن الإمام بالخيار إن شاء أعطى الأمان وإن شاء لم يعطه، فلا يشترط فيه البينة، وأجاب عن قولهم كما م: (وبخلاف رسول القاضي إلى المزكي ورسوله) ش: أي ورسول المزكي م: (إلى القاضي) ش: حيث يقبل من غير حجة تامة م: (لأن الإلزام بالشهادة) ش: إذ القضاء مضاف إلى الشهادة م: (لا بالتزكية) ش: أي ليس الإلزام بالتزكية، وهذا لو قضى بدون التزكية صح قضاؤه، وإنما التزكية لنوع رجحان الصدق. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقبل قوله يشير إلى أن رسول القاضي إلى القاضي غير معتبر أصلا في حق لزوم القضاء عليه ببينة وغيرها، والقياس يقتضي اتحاد كتابه ورسوله في القبول كما في البيع، فإنه ينعقد بكتابه وينعقد برسول أو اتحادهما في عدمه؛ لأن القياس يأبى جوازها وفرق بينهما بوجهين: أحدهما: ورود الأثر في جواز الكتاب، وإجماع التابعين على الكتاب دون الرسول، فبقي على القياس. والثاني أن الكتاب كالخطاب، والكتاب وجد من موضع القضاء، فكان الخطاب من موضع القضاء فيكون حجة، وأما الرسول فقائم مقام الرسل والمرسل في هذا الموضع من يقال، وقول القاضي في غير موضوع قضائه كقول واحد من الرعايا. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ويجب أن يقرأ) ش: القاضي الكتاب م: (الكتاب عليهم) ش: أي على الشهود م: (ليعرفوا فيه) ش: أي في الكتاب م: (أو يعلمهم) ش: أي أو يعلم القاضي الشهود م: (به) ش: أي بما في الكتاب م: (لأنه لا شهادة بدون العلم ثم يختمه) ش: أي الكتاب م: (بحضرتهم ويسلمه إليهم؛ كيلا يتوهم التغيير، وهذا) ش: أي ما ذكر من الوجهين م: (عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش: وبه قال الشافعي وأحمد ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية م: (لأن علم ما في الكتاب والختم بحضرتهم شرط) ش: ارتفاع شرط على الخبر والمبتدأ هو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 40 وكذا حفظ ما في الكتاب عندهما، ولهذا يدفع إليهم كتابا آخر غير مختوم ليكون معهم معاونة على حفظهم. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخرا: شيء من ذلك ليس بشرط، والشرط أن يشهدهم أن هذا كتابه وختمه. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الختم ليس بشرط أيضا فسهل في ذلك لما ابتلي بالقضاء وليس الخبر كالمعاينة. واختار شمس الأئمة السرخسي قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] قوله هذا، وقوله: إن علم ما في الكتاب معناه، لا نعلم ما في الكتاب، فإن كان عند أحد وجه غير هذا فليبين. م: (وكذا) ش: أي وكذا بشرط م: (حفظ ما في الكتاب عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله. م: (ولهذا) ش: أي ولكون اشتراط حفظ ما في الكتاب م: (يدفع إليهم) ش: أي إلى الشهود م: (كتابا آخر غير مختوم ليكون معهم معاونة على حفظهم) ش: فإن فات شيء من الأمور لا يقبل الكتاب عندهما م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخرا) ش: أي في قوله الأخير، إنما قال ذلك لأن قوله الأول مثل قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (شيء من ذلك) ش: هذا مقول القول ولفظ شيء مبتدأ، وإن كان نكرة، لأنه تخصيص بقوله من ذلك إلى شيء كائن من ذلك، أي علم ما في الكتاب، وحفظه والختم بحضرتهم وقوله م: (ليس بشرط) ش: خبر المبتدأ المذكور م: (والشرط) ش: أي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن يشهدهم أن هذا كتابه وختمه) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الختم ليس بشرط أيضا فسهل في ذلك لما ابتلي بالقضاء وليس الخبر كالمعاينة) ش: لأن الخبر يحتمل الصدق والكذب، وليس في المعاينة احتمال م: (واختار شمس الأئمة السرخسي قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: تيسيرا على الناس وأجمعوا في الصك أن الإشهاد عليه لا يصح ما لم يعلم الشاهد ما في الكتاب. قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فاحفظ هذا، فإن الناس اعتادوا بخلاف ذلك يشهدون على ما في الصك غير قراءة الحدود وغير ذلك. كذا في " مختلفات القاضي " وما قالاه احتياط وما قاله أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - توسع. ومن الشرائط عندهما، أن يحفظوا شهادة ما في الكتاب من وقت التحمل إلى وقت الأداء كما في جميع الشهادات. كذا في " الذخيرة ". ومن الشرائط عندهما أن يكون الكتاب معنونا، بأن يكتب فيه: هذا كتاب من فلان بن فلان القاضي ببلد كذا إلى فلان بن فلان القاضي، والشرط العنوان الباطن عندهما، لا على الجزء: 9 ¦ الصفحة: 41 قال، فإذا وصل إلى القاضي لم يقبله إلا بحضرة الخصم، لأنه بمنزلة أداء الشهادة فلا بد من حضوره بخلاف سماع القاضي الكاتب، لأنه للنقل لا للحكم.   [البناية] عنوان الظاهر، حيث لو ترك العنوان الظاهر انتفى المكتوب إليه بالعنوان، وجاز ذلك، وعلى العكس لا يجوز. وصورة الظاهر في زماننا: أن يكتب قبل كتابة التسمية على جانب اليسار من فلان بن فلان إلى القاضي الإمام فلان بن فلان قاضي بلد كذا، ويكتب في جانب اليمين فوق كتابه: بسم الله الحق المبين ونحو ذلك إلى القاضي الإمام فلان بن فلان قاضي بلد كذا، وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين وحكامهم فإن كتب إلى قاضي فلان كذا، وفي البلد قاضيان لا يصح، ولو كان قاض واحد يصح ثم يكتب على ظهر الكتاب من قبل اليسار على الصدر من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان قاضي بلد كذا ونواحيها، ويكتب على الظهر من قبل اليمين بسم الله الملك الحق المبين إلى قاضي بلد كذا فلان بن فلان وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين وحكامهم، ثم يكتب البسملة هذا كتابي أطال الله بقاء فلان القاضي إلى آخره، كما هو الرسم في الكتاب ثم يكتب: أما بعد. ثم اعلم أنهم اختلفوا في تقدير المسافة التي يجوز كتاب القاضي فيها، وكثير منهم قالوا: لا يجوز فيما دون مسافة السفر به. قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - في وجه، وحكى الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأصحابه: أنه يجوز فيما دون السفر، وقال بعض المتأخرين من أصحابنا: هذا مذهب أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [شروط قبول كتاب القاضي إلى القاضي] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإذا وصل) ش: أي كتاب القاضي م: (إلى القاضي لم يقبله) ش: وفي بعض النسخ لم يفتكه من الافتكاك. والأول أوقف لرواية الكتب في " الجوامع " " وفتاوى قاضي خان " م: (إلا بحضرة الخصم لأنه) ش: أي لأن الكتاب م: (بمنزلة أداء الشهادة، فلا بد من حضوره) ش: أي حضور الخصم م: (بخلاف سماع القاضي الكاتب) ش: حيث يسمع الشهادة وإن كان الخصم وهو المدعى عليه غائبا م: (لأنه) ش: أي لأن سماعه م: (للنقل لا للحكم) ش: فكان سماع تلك الشهادة بمنزلة تحمل الفرع شهادة الأصول، وفي التحمل لم يشترط حضور الخصم فكذا هنا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 42 قال: فإذا سلمه الشهود إليه نظر إلى ختمه، فإذا شهدوا أنه كتاب فلان القاضي سلمه إلينا في مجلس حكمه وقضائه وقرأه علينا وختمه ففتحه القاضي وقرأه على الخصم، وألزمه ما فيه، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا شهدوا أنه كتابه وخاتمه قبله على ما مر، ولم يشترط في الكتاب ظهور العدالة للفتح، والصحيح أنه يفض الكتاب بعد ثبوت العدالة، كذا ذكره الخصاف لأنه ربما يحتاج إلى زيادة الشهود، وإنما يمكنهم أداء الشهادة بعد قيام الختم، وإنما يقبله المكتوب إليه إذا كان الكاتب على القضاء حتى لو مات أو عزل أو لم يبق أهلا للقضاء قبل وصول الكتاب،   [البناية] وقال في " شرح الأقطع ": وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقبله من غير حضور خصم؛ لأن الكتاب يختص بالمكتوب إليه، فكان له أن يقبله، والحكم بعد ذلك يقع بما علمه من الكتاب، فاعتبر حضور الخصم عند الحكم به. م: (قال: فإذا سلمه الشهود إليه) ش: وفي بعض النسخ قال أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا سلم الشهود الكتاب إلى القاضي المكتوب إليه م: (نظر إلى ختمه، فإذا شهدوا أنه كتاب فلان القاضي سلمه إلينا في مجلس حكمه وقضائه وقرأه علينا وختمه ففتحه القاضي) ش: المكتوب إليه م: (وقرأه على الخصم وألزمه ما فيه) ش: أي في الكتاب م: (وهذا) ش: أي المذكور م: (عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) : م: (إذا شهدوا أنه كتابه وخاتمه قبله على ما مر) ش: أشار إلى ما قال قبل هذا: وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخر شيء من ذلك ليس بشرط، والشرط أن يشهدهم أن هذا كتابه وختمه. م: (ولم يشترط) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في الكتاب) ش: أي في "مختصره " م: (ظهور العدالة للفتح) ش: أي فتح الكتاب لأنه قال: فإذا شهدوا أنه كتاب فلان القاضي سلمه إلينا في مجلس حكمه، وقرأه علينا وختمه: فتحه القاضي، ولم يقل فإذا شهدوا وعدلوا، فعلم أنه لم يشترط العدالة وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والصحيح أنه يفض الكتاب) ش: أي يفتحه ويفك ضمته م: (بعد ثبوت العدالة) . م: (كذا ذكره الخصاف؛ لأنه ربما يحتاج) ش: أي المدعي م: (إلى زيادة الشهود) ش: إذا لم تظهر العدالة م: (وإنما يمكنهم أداء الشهادة بعد قيام الختم) ش: ليشهدوا أن هذا كتاب فلان القاضي وختمه، [ ... ] ، فلا يمكنهم ذلك م: (وإنما يقبله المكتوب إليه) ش: ذكر هذا تعريفا على ما تقدم من مسائل القدوري، أي وإنما يقبل الكتاب القاضي المكتوب إليه م: (إذا كان الكاتب على القضاء حتى لو مات أو عزل) ش: أي القاضي الكاتب م: (أو لم يبق أهلا للقضاء قبل وصول الكتاب) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 43 لا يقبله؛ لأنه التحق بواحد من الرعايا، ولهذا لا يقبل إخباره قاضيا آخر في غير عمله، أو في غير عملهما، وكذلك لو مات المكتوب إليه إلا إذا كتب إلى فلان بن فلان قاضي بلد كذا، وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين؛ لأن غيره صار تبعا له، وهو معروف، بخلاف ما إذا كتب ابتداء إلى كل من يصل إليه على ما عليه مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لأنه غير معرف.   [البناية] ش: بأن فسق أو جن أو ارتد أو لحق بدار الحرب م: (لا يقبله) . ش: وقال الشافعي وأبو يوسف - رحمهما الله - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقبله ويعمل به، واستدل المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - على عدم القبول بقوله م: (لأنه) ش: أي لأن القاضي الكاتب بالأمور المذكورة م: (التحق بواحد من الرعايا) ش: لأنه حينئذ خرج من أن يكون حاكما فلا ينفذ الحكم بكتابه. م: (ولهذا) ش: أي ولكونه ملتحقا بواحد من الرعايا م: (لا يقبل إخباره قاضيا آخر في غير عمله أو في غير عملهما) ش: يعني إذا أخبر القاضي قاضيا آخر في غير عمل المخبر لا يقبل كتابه، فلأن لا يقبل كتابه إذا عزل أو مات بالطريق الأولى، كذا قاله تاج الشريعة. وفي " الذخيرة " [قال] قاضي خان: التقيا في عمل أحدهما أو في مصر ليس من عملهما، فقال أحدهما للآخر: ثبت عندي لفلان كذا فاعمل بما يحق لك لم يقبل منه، ولم ينفذه؛ لأن الخطأ والسماع أو أحدهما وجد من غير القاضي، حيث لم يكن في مكان ولايته م: (وكذلك) ش: أي وكذا لا يقبله قاضي آخر م: (لو مات المكتوب إليه) ش: لأنه كتب إلى غيره، وقد مات م: (إلا إذا كتب إلى فلان بن فلان قاضي بلد كذا، وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين) ش: فحينئذ يقبل الكتاب بعد موت قاضي تلك البلدة المكتوب إليه م: (لأن غيره) ش: أي غير المكتوب إليه م: (صار تبعا له، وهو معروف) ش: أي معلوم الذي صار تبعا معلوم. م: (بخلاف ما إذا كتب ابتداء) ش: من قاضي كورة كذا فلان بن فلان الفلاني م: (إلى كل من يصل إليه) ش: من قضاة المسلمين، حيث لم يقبل م: (على ما عليه مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لأنه غير معرف) ش: أي مجهول حاصل الكلام أما في الصورة الأولى صرح الكتاب باعتماده على الكل بعد تعريف واحد منهم، بقوله إلى فلان بن فلان قاضي بلد كذا، أو إلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين؛ لأنه أتى بما هو شرط، وهو أن يكون من معلوم، ثم صير غيره تبعا له. وأما في الصورة الثانية، فإن كتب ابتداء من فلان بن فلان قاضي بلد كذا إلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين، فإنه لا يصلح لأنه معلوم إلى مجهول، والعلم فيه شرط، وهو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 44 ولو كان مات الخصم ينفذ الكتاب على وارثه لقيامه مقامه، ولا يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود والقصاص؛ لأن فيه شبهة البدلية فصار كالشهادة على الشهادة ولأن مبناهما على الإسقاط وفي قبوله سعي في إثباتهما.   [البناية] مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل: الظاهر أن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - معه وقيل رد لقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في جوازه، فإنه حين ابتلي بالقضاء وسع كثيرا، تسهيلا للأمر على الناس. م: (ولو كان مات الخصم) ش: يعني لو مات المدعى عليه قبل وصول كتاب القاضي إلى القاضي م: (ينفذ) ش: القاضي المكتوب إليه م: (الكتاب على وارثه) ش: أي ورثة الخصم م: (لقيامه) ش: أي لقيام الورثة م: (مقامه) ش: أي مقام الخصم م: (ولا يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود والقصاص) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وفي قول آخر: يقبل، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - لأن الاعتماد على الشهود [ ... ] م: (لأن فيه) ش: أي في كتاب القاضي م: (شبهة البدلية) ش: لأن للمكتوب إليه صار بدلا عن الكاتب، لأنه لم يشاهد الشهادة م: (فصار كالشهادة على الشهادة) ش: وهي غير مقبولة فيهما، فلا يقبل فيما يسقط بالشبهات م: (ولأن مبناهما) ش: أي مبنى الحدود والقصاص م: (على الإسقاط وفي قبوله) ش: أي وفي قبول كتاب القاضي إلى القاضي فيهما م: (سعى في إثباتهما) ش: فلا يجوز، والله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 45 فصل آخر ويجوز قضاء المرأة في كل شيء إلا في الحدود والقصاص اعتبارا بشهادتها فيهما وقد مر الوجه، وليس للقاضي أن يستخلف على القضاء إلا أن يفوض إليه ذلك، لأنه قلد القضاء دون التقليد به، فصار كتوكيل الوكيل، بخلاف المأمور بإقامة الجمعة حيث يستخلف؛   [البناية] [فصل قضاء المرأة] فصل آخر أي هذا فصل آخر، قيل لم يمض في هذا الباب فصل قبل هذا حتى يقول فصل آخر، وأجيب بأن هذا فصل آخر في كتاب " أدب القاضي "، فإنه تقدم فصل في الحبس وهذا فصل آخر م: (ويجوز قضاء المرأة في كل شيء) ش: وقال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا يجوز لأن المرأة ناقصة للعقل غير أهل للحضور مع الرجال ومحافل الخصوم م: (إلا في الحدود والقصاص) ش: مجمع عليه في عدم الجواز م: (اعتبارا بشهادتهما فيهما) ش: أي قياسا على شهادتهما فإن شهادتها جائزة م: (وقد مر الوجه) ش: أي مر وجه هذا في أول أدب القاضي "، أن حكم القضاء يستقي من حكم الشهادة، لأن كل واحد منهما من باب الولاية، فكل من كان أهلا للشهادة يكون أهلا للقضاء، وهي أهل للشهادة في غير الحدود والقصاص، فهي أهل للقضاء في غيرهما. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقيل: أراد به ما مر من قبل بخطوط من قوله لأن فيه شبهة البدلية، فإنه يدل على أن ما فيه شبهة البدلية لا يعتبر فيها فشهادتها كذلك، وقضاؤها مستفاد من شهادتها، انتهى. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: وقد مر الوجه أي في كتاب الحدود، أن فيها شبهة البدلية، قال الله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ} [البقرة: 282] ... الآية (البقرة الآية: 282) . [استخلاف القاضي] م: (وليس للقاضي أن يستخلف على القضاء إلا أن يفوض إليه ذلك) ش: أي الاستخلاف، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، ولو أذن له في الاستخلاف يجوز بلا خلاف. ولو نهاه عن الاستخلاف لا يجوز بلا خلاف. ولو ولاه وسكت عن الإذن والنهي، فعندنا لا يجوز، وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وعن الإصطخري من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز إذا ولاه في عمل لا يقدر أن يتولاه بنفسه م: (لأنه) ش: أي لأن القاضي م: (قلد القضاء دون التقليد به) ش: أي بالقضاء م: (فصار) ش: أي حكمه م: (كتوكيل الوكيل) ش: فإن الوكيل لا يملك إلا إذا فوض إليه ذلك، لأنه مطلق التفويض ليس بإذن الاستخلاف م: (بخلاف المأمور بإقامة الجمعة حيث يستخلف) ش: أي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 46 لأنه على شرف الفوات لتوقته فكان الأمر به إذنا في الاستخلاف دلالة ولا كذلك القضاء، ولو قضى الثاني بمحضر من الأول، أو قضى الثاني فأجاز الأول جاز كما في الوكالة، وهذا لأنه حضره رأي الأول   [البناية] حيث يجوز له الاستخلاف. وإن لم يأذن له بذلك م: (لأنه) ش: أي لأن أداء الجمعة م: (على شرف الفوات لتوقته) ش: أي لتوقت أداء الجمعة بوقف تفوت بانقضائه؛ لأن الموانع من إقامتها من المرض والحدث في الصلاة وغيرهما، قد يعتبر به شيء من ذلك، مع ضيق الوقت، ولا يمكن انتظار الإمام الأعظم، لأنها لا تحتمل التأخير عن الوقت م: (فكان الأمر به) ش: أي بأداء الجمعة م: (إذنا بالاستخلاف دلالة) ش: أي من حيث الدلالة وإن لم يكن صريحا. لكن إنما يجوز ذلك إذا كان ذلك الغير سمع الخطبة؛ لأنها من شرائط افتتاح الجمعة، فلو افتتح الأول الصلاة ثم سبقه الحدث، فاستخلف من لم يشهدها جاز؛ لأن المستخلف [ ... ] مفتتح، واعترض بمن أفسد صلاته، ثم افتتح بهم الجمعة، فإنه جاز وهو مفتتح في هذه الحالة، لم يشهد الخطبة، وأجيب بأنه لما صح شروعه في الجمعة وصار خليفة للأول، التحق بمن يشهد الخطبة. م: (ولا كذلك القضاء) ش: أي ليس القضاء كالجمعة؛ لأنه غير موقت يفوت بالتأخير عند العذر م: (ولو قضى الثاني) ش: يعني لو استخلف القاضي بدون الإذن من الإمام، وقضى هذا النائب كيف يكون حكمه؟ قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولو قضى الثاني) ش: أي ولو حكم نائبه الذي ولاه م: (بمحضر من الأول) ش: وهو القاضي المولى من الإمام م: (أو قضى الثاني) ش: وهو النائب عند غيبة المستنيب م: (فأجاز الأول) ش: وهو القاضي المستخلف م: (جاز) ش: إذا كان من أهل القضاء م: (كما في الوكالة) ش: فإن الوكيل إذا لم يأذن له الموكل بالتوكيل، فوكل وتصرف بحضرة الأول وأجازه الأول جاز م: (وهذا) ش: أي وجه الجواز م: (لأنه) ش: هذا يصلح أن يكون دليلا للمسألتين. أما في هذه المسألة فلأنه، أي فلأن الخليفة م: (حضره رأي الأول) ش: أي رأي القاضي الأول الذي ولاه الخليفة وقت قعوده لاعتماده على علمه وعمله والحكم الذي حضره القاضي، أو أجازه قضاء حضره رأي القاضي فيكون راضيا به. وأما في الولاية فيجيء في كتابها، فإن قيل: الإذن في الابتداء كالإجازة في الانتهاء فلم اختلف في الجواز وعدمه؟ فأجيب بالمنع، فإن الالتفات أسهل من الابتداء، وإن الحكم الذي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 47 وهو الشرط. وإذ فوض إليه يملكه فيصير الثاني نائبا عن الأصل حتى لا يملك الأول عزله إلا إذا فوض إليه العزل هو الصحيح قال: وإذا رفع إلى القاضي حكم حاكم أمضاه إلا أن يخالف الكتاب أو السنة أو الإجماع، بأن يكون قولا لا دليل عليه. وفي " الجامع الصغير ": وما اختلف فيه الفقهاء فقضى به القاضي، ثم جاء قاض آخر يرى   [البناية] أدى له القاضي به في الابتداء لم يحضره رأي القاضي فكأنه رضي الخليفة بتولية القاضي مقيدا به. م: (وهو الشرط) ش: أي حضور رأي الأول هو شرط الجواز م: (وإذا فوض إليه يملكه) ش: أي إذا قال الخليفة القاضي: ولمن شئت كان له أن يولي غيره م: (فيصير الثاني نائبا عن الأصل) ش: أي فيصير النائب الذي ولاه القاضي المفوض إليه نائبا عن الخليفة م: (حتى لا يملك الأول عزله، إلا إذا فوض إليه العزل وهو الصحيح) ش: أي القاضي الأول لا يملك عزل القاضي الثاني الذي هو نائب القاضي المولى من جهة الخليفة؛ لأنه صار قاضيا من جهة الخليفة، فلا يملك القاضي المستنيب عزله، وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: يملك عزله لأنه نائبه، فصار كوكيله. قلنا: إنه صار قاضيا من جهة الخليفة إلا أن يقول له الخليفة: ولي من شئت واستبدل من شئت، فصار كالوكيل إذا قال له الموكل: اعمل برأيك، صح توكيله على الموكل وصار الثاني وكيله الموكل حتى لو مات الموكل، انعزل الأول والثاني، ولو مات الأول، لا ينعزل وكيله. فكذا إذا عزله الأول. [الحكم إذا رفع إلى القاضي حكم حاكم] م: (وإذا رفع إلى القاضي حكم حاكم أمضاه) ش: أي نفذه م: (إلا أن يخالف الكتاب أو السنة أو الإجماع) ش: كالحكم ببطلان قضاء القاضي في المجتهدات كالحكم بحل متروك التسمية عامدا، فإنه مخالف لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] م: (الأنعام: الآية 121) ش: أي أو سنته المشهورة كالحكم بحل المطلقة ثلاثا بمجرد نكاح الزوج الثاني بلا دخول على مذهب سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وسعيد بن جبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإن اشتراط الدخول ثابت بالحديث المشهور وهو حديث العسيلة م: (بأن يكون قولا لا دليل عليه) ش: بيان لمخالفة الإجماع، كما إذا مضى على الدين سنون، فحكم بسقوط الدين عمن عليه. لتأخير المطالبة، فإنه لا دليل شرعي على ذلك، وعلى النسخة الأولى يكون قوله بأن يكون تعليلا للاستثناء فكأنه يقول عدم تنفيذه إذا كان مخالفا للأدلة المذكورة، بسبب أنه يكون قولا لا دليل عليه. م: (وفي " الجامع الصغير ": وما اختلف فيه الفقهاء فقضى به القاضي، ثم جاء قاض آخر يرى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 48 غير ذلك أمضاه والأصل أن القضاء متى لاقى فصلا مجتهدا فيه ينفذ ولا يرده غيره؛ لأن اجتهاد الثاني كاجتهاد الأول، وقد يرجح الأول باتصال القضاء به، فلا ينقض بما هو دونه، ولو قضى في المجتهد فيه، مخالفا لرأيه، ناسيا لمذهبه، نفذ عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن كان عابدا، ففيه روايتان،   [البناية] غير ذلك أمضاه) ش: أي غير ما قضى به الأول، إنما ذكر لفظ " الجامع الصغير " بهذا للفظ؛ لأن فيه فائدتين: إحداهما: أنه قيد بالفقهاء؛ لأن القاضي إذا كان غير عالم بموضع الاجتهاد، فاتفق قضاؤه، فعلى قول عامة المشايخ لا يجب على الثاني تنفيذه. كذا ذكره في " فصول الاستروشيني " - رَحِمَهُ اللَّهُ - محالا إلى " المحيط ". وفي " الذخيرة ": لا ينفذه المدفوع إليه على قول العامة. والفائدة الثانية: أنه قيد بقوله يرى غير ذلك، ففي رواية القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لم يتعرض بذلك فيحتمل أن قوله أمضاه فيما إذا كان رأي القاضي موافقا لحكم الأول، فإذا كان مخالفا لا يمضيه، فأبانت رواية " الجامع " بأن ذلك الإمضاء عام، فيما سوى المستثنيات، سواء كان يوافق رأيه أو يخالفه؛ لأن الحكم لاقى مجتهدا فيه، ولا ينقضي باجتهاد آخر. وقد صح عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قلد القضاء لأبي الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعد كثرة اشتغاله، فاختصم إلى أبي الدرداء رجلان في شيء فقضى لأحدهما، ثم لقي عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المقضى عليه، فسأله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن حاله، فقال قضى علي، فقال عمر: لو كنت مكانه لقضيت لك، فقال المقضى عليه وما يمنعك من القضاء فقال عمر: ليس هنا نص والرأي مشترك، ويروى أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استعان بزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقضى زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بين رجلين ثم لقي عمر أحد الخصمين، فقال: إن زيدا قضى علي، والباقي نحوه، وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى في حادثة بقضية، ثم قضى فيها بخلاف ذلك، فقيل له في ذلك فقال تلك كما قضيناه هذه كما نقضي. م: (والأصل) ش: أي في تنفيذ القاضي ما رفع إليه إذا لم يكن مخالفا للأدلة المذكورة م: (أن القضاء متى لاقى فصلا مجتهدا فيه) ش: وفي بعض النسخ: محلا مجتهدا فيه م: (ينفذ ولا يرده غيره؛ لأن الاجتهاد الثاني كاجتهاد الأول) ش: في أن كلا منهما يحتمل الخطأ م: (وقد يرجح الاجتهاد الأول باتصال القضاء به، فلا ينقض بما هو دونه) ش: درجة، وهو لم يتصل القضاء به م: (ولو قضى في المجتهد فيه مخالفا لرأيه) ش: حال كونه م: (ناسيا لمذهبه، نفذ عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن كان عابدا ففيه روايتان) ش: وفي بعض النسخ: فعنه أي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 49 ووجه النفاذ أنه ليس بخطأ بيقين. وعندهما لا ينفذ في الوجهين؛ لأنه قضى بما هو خطأ عنده وعليه الفتوى. ثم المجتهد فيه أن لا يكون مخالفا لما ذكرنا، والمراد بالسنة المشهورة منها وفيما اجتمع عليه الجمهور لا يعتبر مخالفة البعض   [البناية] في رواية: لا ينفذ وبه يفتي شمس الأئمة، والأوزجندي؛ لأنه زعم فساد قضائه فتعامل في حقه بزعمه، وفي رواية ينفذ وبه كان يفتي الصدر الشهيد والمرغيناني - رحمهما الله - وأشار إلى وجه هذا بقوله: م: (ووجه النفاذ أنه ليس بخطأ بيقين) ش: لأن كل مجتهد لا يقطع القول بأن الصواب اجتهاده دون اجتهاد خصمه، بل الأمر محتمل عنده، فتعين الصواب فيما اتصل به القضاء حملا للأمر القضاء على الصواب. وذكر في " الذخيرة " الاختلاف في نفاذ القضاء، وفي بعض المواضع ذكر الخلاف في حل الإقدام على القضاء. م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (لا ينفذ في الوجهين) ش: أي النسيان والعمد وبه قال الشافعي، ومالك وأحمد - رحمهما الله تعالى - م: (لأنه قضى بما هو خطأ عنده) ش: فيعمل بزعمه قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وعليه الفتوى) ش: لأنه زعم فساد قضائه والمرء مؤاخذ بزعمه، كذا في " المحيط ". وذكر في " الفتاوى الصغرى " الفتوى على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في نفاذ القضاء على خلاف المذهب، وفي " فتاوى ظهير الدين " - رَحِمَهُ اللَّهُ - استحق للسلطان أن ينقض ذلك. م: (ثم المجتهد فيه أن لا يكون مخالفا لما ذكرنا) ش: من الكتاب والسنة المشهورة والإجماع م: (والمراد بالسنة المشهورة) ش: بالرفع لأن خبر لقوله والمراد أي المراد من السنة ليس مطلق السنة بل السنة المشهورة م: (منها) ش: أي من السنة. والمراد من مخالفة الكتاب مخالفة نص الكتاب الذي لم يختلف السلف في تأويله كقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] (النساء: الآية 22) ، فإن السلف اتفقوا على عدم جواز تزوج امرأة الأب وجاريته ووطئها إن وطئها الأب، فلو حكم حاكم بجواز ذلك نقضه، من دفع إليه م: (وفيما اجتمع عليه) ش: أي في الذي اجتمع عليه م: (الجمهور) ش: أي جمهور العلماء - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أي أكثرهم، وأجلهم م: (لا يعتبر مخالفة البعض) ش: أي بعض العلماء - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا إذا حكم الحاكم بخلاف ما عليه الأكثر كان حكمه على خلاف الإجماع نقضه من رفع إليه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 50 وذلك خلاف وليس باختلاف، والمعتبر الاختلاف في الصدر الأول. قال: وكل شيء قضى به القاضي في الظاهر بتحريمه، فهو في الباطن كذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - ناقلا عن السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وينبغي أن يحمل كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا على ما إذا كان الواحد المخالف ممن لم يسوغ اجتهاده، وذلك لقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في جواز ربا الفضل، فإنه لم يسوغ له ذلك فلم يتبعه أحد وأنكروا عليه، فإذا حكم حاكم بجواز ذلك، وجب نقضه لأن الإجماع منعقد على الحرمة بدونه، فأما إذا سوغ له ذلك، لم ينعقد الإجماع بدونه، كقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في اشتراط حجب الأم من الثلث إلى السدس بالجمع من الإخوة وفي إعطائها ثلث الجميع بعد فرض أحد الزوجين، فإن حكم به لم يكن مخالفا للإجماع، وهذا هو المختار عند شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولعله اختاره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا يحمل على قول من يرى أن خلاف الأقل غير مانع لانعقاده، لأنه ليس بصحيح عند عامة العلماء - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (وذلك) ش: أي مخالفة البعض لما اجتمع عليه الجمهور م: (خلاف) ش: أي مخالفة للأكثر م: (وليس باختلاف) ش: لم يذكر أحد الفرق حينما وقعت عليه من الشروح والفرق بينهما إن الاختلاف أن يكون الطريق مختلفا. والمقصود واحد كخلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والخلاف هو أن يكون الطريق مختلفا والمقصد مختلفا، فافهم فإنه دقيق م: (والمعتبر الاختلاف في الصدر الأول) ش: وهم الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وفي " الذخيرة ": إنما اعتبر الخصاف الخلاف بين المتقدمين، والمراد من المتقدمين الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ومن معهم من السلف، ولم يعتبر الخلاف بيننا وبين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والعبرة لحقيقة الاختلاف في صيرورة المحل مجتهدا فيه. انتهى. والخلاف الذي يجعل المحل مجتهدا فيه هو الاختلاف الذي كان بين الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والتابعين - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لا الذي يقع بعدهم، فعلى هذا إذا حكم الشافعي والمالكي برأيه بما يخالف رأي من تقدم عليه من الصدر الأول، ورفع ذلك إلى حاكم لم ير بذلك كان له أن ينقضه. [حكم الباطن فيما قضى به القاضي في الظاهر] م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وكل شيء قضى به القاضي في الظاهر) ش: أي فيما بينا م: (بتحريمه، فهو في الباطن) ش: أي عند الله م: (كذلك) ش: أي حرام م: (عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: ومن صور التحريم ادعت على زوجها أنه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 51 فالقاضي يقضي وكذا إذا قضى بإحلال، وهذا إذا كانت الدعوى بسبب معين، وهي مسألة قضاء القاضي في العقود والفسوخ بشهادة الزور، وقد مرت في النكاح. قال: ولا يقضي القاضي على غائب إلا أن يحضر من يقوم مقامه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز   [البناية] طلقها ثلاثا، أو أقامت بينة كاذبة وقضى القاضي بالفرقة، وتزوجت بآخر بعد انقضاء العدة، فعلى قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا: لا يحل للزوج الأول وطئها ظاهرا أو باطنا، ويحل للثاني ظاهرا وباطنا علم بحقيقة الحال أولا. وعلى قول أبي يوسف آخرا ومحمد والشافعي ومالك وأحمد - رحمهما الله - لا يحل للثاني وطئها إذا كان عالما بحقيقة الحال، ومن صورة التحريم أيضا وصبي وصبية سبيا وهما صغيران، فكبرا وأعتقا، ثم تزوج أحدهما الآخر، فجاء حربي مسلما، وأقام بينة أنهما ولداه. م: (فالقاضي يقضي) ش: بنسبهما ويفرق بينهما، فإن رجع الشهود، أو تبين أنهم زور، لا يسع للزوج وطأها عنده، لأن القضاء بالحرمة نفذ ظاهرا وباطنا، وكذا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا يعلم حقيقة كذب الشهود. م: (وكذا إذا قضى) ش: القاضي م: (بإحلال) ش: يعني إذا قضى القاضي بإحلال شيء في الظاهر، فهو في الباطن كذلك، ومن صوره رجل ادعى على امرأة نكاحا، وهي تجحد، فأقام عليها شاهدي زور، وقضى القاضي بالنكاح بينهما، حل للزوج وطأها، وحل للمرأة التمكين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله الأول. وعند محمد وأبي يوسف في قوله الأخير، وزفر والأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا يحل لهما ذلك م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرناه م: (إذا كانت الدعوى بسبب معين، وهي مسألة قضاء القاضي في العقود والفسوخ بشهادة الزور، وقد مرت في النكاح) ش: كنكاح وبيع وطلاق وعتاق لا في الأملك المرسلة مثل أن يدعي الملك، ولم يذكروا السبب، فإن الحكم فيها بشهادة الزور، لا ينفذ باطنا بالإجماع. ومن صور البيع: ما إذا قضى القاضي بالبيع بشهادة الزور، سواء كانت الدعوى من جهة المشتري، مثل أن قال: بعتني هذه الجارية، أو من جهة البائع مثل أن يقول: اشتريت مني هذه الجارية، فإنه يحل للمشتري وطؤها في الوجهين جميعا. [القضاء على الغائب] م: (ولا يقضي القاضي على غائب) ش: ولا يقضي له أيضا عندنا م: (إلا أن يحضر من يقوم مقامه) ش: مثل وكيل الغائب أو وصيه. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز) ش: إذا كان غائبا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 52 لوجود الحجة وهي البينة فظهر الحق. ولنا: أن العمل بالشهادة لقطع المنازعة، ولا منازعة بدون الإنكار، ولم يوجد، ولأنه يحتمل الإقرار والإنكار من الخصم فيشتبه وجه القضاء؛ لأن أحكامهما مختلفة، ولو أنكر ثم غاب، فكذلك الجواب؛ لأن الشرط قيام الإنكار وقت القضاء،   [البناية] عن البلد أو عن مجلس الحكم إذا كان مستترا في البلد قولا واحداَ، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - ولو كان غائبا في مجلس الحكم غير مستتر في البلد فقولان أصحهما: أنه لا يحكم بدون حضوره، وبه قال مالك وأحمد، إذ في المستتر تضييع الحقوق، وفي غيره: لا. والثاني أنه يجوز م: (لوجود الحجة وهي البينة فظهر الحق) ش: فيحل للقاضي العمل بمقتضاها م: (ولنا: أن العمل بالشهادة لقطع المنازعة) ش: لأن الشهادة خبر تحتمل الصدق والكذب، ولا يجوز بناء الحكم على الدليل المحتمل، لأن الشرع جعلها حجة ضرورة قطع المنازعة، ولهذا إذا كان الخصم حاضرا وأقر بالحق لا حاجة إليها م: (ولا منازعة بدون الإنكار) ش: يعني لا تكون المنازعة إلا بالإنكار م: (ولم يوجد) . ش: فإن قيل: قد قلتم بالشهادة بدون الإنكار إذا حضر الخصم وسكت. أجيب: بأن الشرع أنزله منكرا حملا لأمره على الصلاح، إذ الظاهر من حال المسلم أن لا يسكت إن كان عليه حق، وكذا في " المبسوط " و" الأسرار " و" الذخيرة ". فإن قيل: وقف الحكم إلى الحضور المدعى عليه بعد ثبوت البينة غير مفيد، لأن المدعى عليه لو حضر، فإما أن يقر أو ينكر، فعلى الوجهين كان الدعوى لازمة. قلنا: بل هو مفيد، لأنه يحتمل أن يطعن في البينة، ويثبت طعنه بالحجة ويحتمل أنه يسلم الدعوى، ثم ادعى الأداء إلى المدعي ويثبت بالحجة. م: (ولأنه) ش: دليل آخر على المطلوب أي ولأن البيان م: (يحتمل الإقرار والإنكار من الخصم فيشتبه وجه القضاء) ش: على الحاكم م: (لأن أحكامهما) ش: أي أحكام القضاء بالبينة، والإقرار م: (مختلفة) ش: فإن حكم القضاء بالبينة وجوب الضمان على الشهود عند الرجوع، ويظهر في الزوائد المتصلة والمنفصلة، فإن الرجل إذا اشترى جارية مولده عنده، فاستحقها رجل بالبينة، فإنه يأخذها وولدها، وإن أقر بها لرجل لم يأخذ ولدها، لأن البينة حجة مطلقة بخلاف الإقرار، فإنه حجة قاصرة لانعدام الولاية على الغير م: (ولو أنكر) ش: المدعى عليه م: (ثم غاب فكذلك الجواب) ش: يعني لا يقضي القاضي في غيبته م: (لأن الشرط قيام الإنكار وقت القضاء) ش: لأن البينة إنما تظهر حجة بالقضاء، وبقاؤه شرط وهو محتمل هاهنا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 53 وفيه خلاف أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومن يقوم مقامه قد يكون نائبا بإنابته كالوكيل أو بإنابة الشرع كالوصي من جهة القاضي،   [البناية] م: (وفيه) ش: أي وفي الوجه م: (خلاف أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه يقول الشرط الإصرار على الإنكار إلى وقت القضاء، وهو ثابت بعد غيبته بالاستصحاب، وأجيب أن الاستصحاب يصلح للدفع لا للإثبات. فإن قلت: احتج الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «البينة على المدعي» ، فاشتراط حضور الخصم لإقامة البينة زيادة عليه، وما قالت هند - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: "يا رسول الله إن أبا سفيان شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف» فقد قضى عليه وهو غائب. قلت: حجتنا نحن بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «لا تقض لأحد الخصمين بشيء حتى تسمع كلام الآخر، فإنك لا تدري بما تقضي» رواه الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال: هذا حديث حسن. وأما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البينة على المدعي» فدليلنا لأن البينة اسم لما يحصل به التبيان، وليس المراد بالبيان في حق المدعي؛ لأنه حاصل بقوله، ولا في حق القاضي، لأنه حاصل بقول المدعي إذا لم يكن له منازع إنما الحاجة إلى البيان في حق الخصم الجاهد، وذلك إلا بحضوره. وأما الجواب: عن حديث هند - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فهو أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان عالما باستحقاق النفقة على أبي سفيان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ألا ترى أنها لم تقم البينة، وقيل: كان هذا فتوى وليس بحكم. م: (ومن يقوم مقامه) ش: لما ذكر إن القضاء على الغائب لا يجوز إلا أن يحضر من يقوم مقامه بين ذلك بقوله، ومن يقوم مقامه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي مقام المدعى عليه الغائب، ولا يخلو هذا إلا بأن يكون م: (قد يكون نائبا بإنابته، كالوكيل أو بإنابة الشرع كالوصي من جهة القاضي) ش: قيد به احترازا عن المسخر من جهة القاضي، فإن فيه اختلاف الروايتان. وذكر في " الذخيرة ": وتفسير المسخر أن ينصب القاضي وكيلا عن الغائب ليسمع القاضي الخصومة عليه وكذا لو أحضر المدعي رجلا غير الخصم ليسمع القاضي الخصومة عليه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 54 وقد يكون حكما بأن كان ما يدعي على الغائب سببا لما يدعيه على الحاضر، وهذا في غير صورة في الكتب. أما إذا كان شرطا لحقه فلا معتبر به في جعله خصما عن الغائب،   [البناية] والقاضي يعلم أنه ليس بخصم لا يسمع الخصومة عليه، ولا على المسخر، وإنما يجوز نصب الوكيل عن خصم اختفى في بيته، ولا يحضر مجلس الحكم ولكن بعد بعث في بعثائه إلى باب داره ونادى على باب داره، وقال: احضر مجلس الحكم وإلا يحكم عليك. أما في غير ذلك الموضع فلا. م: (وقد يكون حكما) ش: هذا عطف على قوله: قد يكون بإنابته، أي قد يكون من يقوم مقامه حكما م: (بأن كان يدعي على الغائب سببا لما يدعيه على الحاضر) ش: أي يكون سببا لا محالة، أما إذا كان سببا في وقت دون وقت، لا ينصب الحاضر خصما عن الغائب. كما إذا قال رجل لامرأة رجل غائب: إن زوجك وكلني أن أحملك إليه، فقالت: قد طلقني ثلاثا، وبرهنت قبلت في حق قصر يد الوكيل عنها لا في حق إثبات الطلاق على الغائب حتى لو حضر الغائب وأنكر الطلاق، أعادت البينة. وأما صورة كون ما يدعي على الغائب سببا لما يدعيه على الحاضر فكثيرة، منها رجل أقام بينة على آخر أن هذه الدار له، اشتراها من فلان الغائب وهو يملكها، وذو اليد غصبها منه وهو ينكر قبلت بينته، ويكون ذلك قضاء على الحاضر والغائب، حتى لو حضر الغائب، وأنكر البيع، لا يلتفت إلى إنكاره؛ لأن الشراء من المالك سبب لما يدعي على الحاضر فصار الحاضر كالوكيل عن الغائب فصار إنكاره كإنكار الغائب. م: (وهذا) ش: أي ما يدعي على الغائب سببا لا محالة لما يدعيه على الحاضر م: (في غير صورة في الكتب) ش: ولهذا قال شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وتفسير ذلك في مسائل منها ما ذكرناه الآن، ومنها إذا ادعى على رجل أنه كفيل عن فلان بما يذوب له عليه، فأقر المدعى عليه بالكفالة وأنكر الحق، فبرهن أنه ذاب له على فلان ألف درهم، فإنه يقضي بها، ومنها إذا ادعى الشفعة في دار إنسان، وقال ذو اليد ما اشتريتها من أحد والدار داري، فيبرهن المدعي أنه اشتراها من فلان الغائب، وهو يملكها وأنه شفيعها، ويقضي بالشراء في حق ذي اليد والغائب جميعا. م: (أما إذا كان شرطا) ش: يعني أما إذا كان ما يدعي على الغائب شرطا م: (لحقه) ش: أي لحق المدعي على الحاضر كمن قال لامرأته: إن طلق فلان امرأته فأنت طالق، فادعت امرأة الحالف عليه أن فلانا طلق امرأته وأقامت على ذلك بينة، فلا تصح هذه البينة ولا يقضي بوقوع الطلاق عليها أشار بقوله م: (فلا معتبر به في جعله خصما عن الغائب) ش: وهو قول عامة المشايخ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 55 وقد عرف تمامه في " الجامع ". قال: ويقرض القاضي أموال اليتامى ويكتب ذكر الحق؛ لأن في الإقراض مصلحتهم لبقاء الأموال محفوظة مضمونة. والقاضي يقدر على الاستخراج والكتابة ليحفظه، وإن أقرض الوصي ضمن؛ لأنه لا يقدر على الاستخراج. والأب بمنزلة الوصي في أصح الروايتين   [البناية] - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لأن بينتها على فلان الغائب لا تصح، لأن ذلك ابتداء القضاء على الغائب. وقال فخر الإسلام الأوزجندي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن البينة تقبل، ويجعل الحاضر خصما عن الغائب كما في السبب، لأن الدعوى والمدعي كما يتوقف على السبب يتوقف على الشرط. فإن قيل: أليس لو قال لها: إن دخل فلان الدار فأنت طالق، فأقامت المرأة البينة أنه دخل وفلان غائب، كانت البينة صحيحة. الجواب: إنما صحت هناك لأنه ليس فيها إبطال حق الغائب، فلا يكون قضاء على الغائب. م: (وقد عرفت تمامه) ش: أي تمام هذا المذكور من المسألة م: (في الجامع) ش: الصغير. [إقراض القاضي من مال اليتامى] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ويقرض) ش: من الإقراض بالضاد المعجمة وفاعله م: (القاضي أموال اليتامى) ش: قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي إلى الثقات والثقة الملي الحسن المعاملة. وفي الأقضية إنما يملك القاضي الإقراض إذا لم يحصل غلبة لليتيم، أما إذا وجد فلا يملكه، هكذا روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ويكتب ذكر الحق) ش: أي يكتب كتابا وهو الصك لأجل ذكر الحق، وهو الإقراض م: (لأن في الإقراض) ش: أي في إقراض أموالهم م: (مصلحتهم) ش: أي مصلحة اليتامى م: (لبقاء الأموال محفوظة) ش: فإن القاضي لكثرة اشتغاله قد يعجز عن الحفظ بنفسه م: (مضمونة) ش: لأن بالقرض تصير أموالهم مضمونة، فيقرضها، بخلاف الوديعة فإنه وإن حصل الحفظ بها فليست بمضمونة بالهلاك فلم تكن مضمونة. فإن قيل: نعم هو كذلك، لكن لو لم يؤمن التوى بجحود المستقرض، أجاب المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن هذا بقوله: م: (والقاضي يقدر على الاستخراج) ش: لكونه معلوما له م: (والكتابة ليحفظه) ش: أي لتحفيظ القاضي بالكتابة، وينتفي النسيان بها م: (وإن أقرض الوصي) ش: أي مال اليتيم م: (ضمن لأنه لا يقدر على الاستخراج) ش: لبقاء مخافة التوى، وإن كان الحفظ والضمان موجودين م: (والأب) ش: في إقراض مال الصغير م: (بمنزلة الوصي) ش: حيث لا يجوز له الإقراض م: (في أصح الروايتين) ش: وهو اختيار الإمام فخر الإسلام والصدر الشهيد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 56 لعجزه عن الاستخراج   [البناية] والعتابي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لعجزه) ش: [أي] الأب م: (عن الاستخراج) ش: وفي رواية يجوز له ذلك، لأن ولاية الأب تعم المال والنفس، كولاية القاضي وشفقته تمنعه من ترك النظر له، والظاهر أنه يقرضه ممن يأمن جحوده، وإن أخذه الأب قرضا لنفسه، قالوا: يجوز، وروى الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه ليس له ذلك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 57 باب التحكيم وإذا حكم رجلان رجلا فحكم بينهما ورضيا بحكمه جاز؛ لأن لهما ولاية على أنفسهما فصح تحكيمهما، وينفذ حكمه عليهما، وهذا إذا كان المحكم بصفة الحاكم؛ لأنه بمنزلة القاضي فيما بينهما   [البناية] [باب التحكيم] [تعريف التجكيم ومشروعيته] م: (باب التحكيم) ش: أي هذا باب في بيان التحكيم، وهو مصدر من حكم بالتشديد، يقال: حكمه، أي فوض إليه الحكم، وهو أيضا من أنواع القضاء، إلا أنه أخر ذكره؛ لأن حكمه أدنى حالا من حكم القاضي، وهذا إذا خالف حكمه مذهب القاضي الذي ينمي إليه أبطله، ولهذا لا يجوز حكمه في الحدود والقصاص، بخلاف حكم القاضي. ويجوز حكم القاضي رضي الخصم بذلك أم لا، ولا يجوز حكم المحكم إلا برضى الخصمين، وهو مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] (النساء الآية 35) ، فلما جاز التحكيم بين الزوجين دل على جوازه في سائر الخصومات. وأما السنة ما «روى أبو شريح - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم، فرضي عني الفريقان، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " ما أحسن هذا» ، رواه النسائي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأما الإجماع فإن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا مجمعين على جواز التحكيم. م: (وإذا حكم رجلان رجلا فحكم بينهما ورضيا بحكمه جاز؛ لأن لهما ولاية على أنفسهما فصح تحكيمهما، وينفذ حكمه عليهما) ش: ولا ينفذ على غيرهما حتى لو ظفر المشتري بعيب، فحكم هو والبائع رجلا فرده على البائع بحكمه لم يكن للبائع أن يرده على بائعه ولو اصطلح البائع الأول والثاني. والمشتري جميعا على حكمه يرده على البائع الأول استحسانا، والوكيل بالبيع إذا ظفر المشتري بعيب فاصطلحا على حكم فرده بعيب لا يحدث مثله، جاز على الأمر في رواية. وفي رواية: جاز عليه دون الأمر، وإن كان عيب محدث مثله يلزم البائع إلا إذا حكماه برضا الأمر كذا في " المحيط " م: (وهذا) ش: أي وهذا الذي ذكرناه إنما يصح م: (إذا كان المحكم) ش: بتشديد الكاف المفتوحة م: (بصفة الحاكم) ش: المولى م: (لأنه) ش: أي لأن الحكم م: (بمنزلة القاضي فيما بينهما) ش: أي فيما بين المحكمين. واعترض بأنه لو كان كذلك، لما وقع التفرقة بينهما في حق التعليق وبالإضافة إلى المستقبل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 58 فيشترط أهلية القضاء، ولا يجوز تحكيم الكافر والعبد والذمي والمحدود في القذف والفاسق والصبي لانعدام أهلية القضاء اعتبارا بأهلية الشهادة، والفاسق إذا حكم يجب أن يجوز عندنا كما مر في المولى، ولكل واحد من المحكمين أن يرجع ما لم يحكم عليهما؛ لأنه مقلد من جهتهما فلا يحكم إلا برضاهما جميعا.   [البناية] على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لكنها وقعت، فإنهما جائزان في القضاء دون التحكيم عنده، وأجيب بأن التحكيم صلح معنى حيث لا يثبت إلا بتراضي الخصمين. والمقصود به قطع المنازعة، والصلح لا يعلق ولا يضاف بخلاف القضاء، والإمارة؛ لأنه تعريض م: (فيشترط أهلية القضاء) ش: هذا نتيجة قوله: لأنه بمنزلة القاضي، فلذلك ذكره بالفاء أي يشترط أهلية القضاء ووقت التحكيم ووقت الحكم، حتى لو حكما عبدا ثم أعتق أو صبيا ثم بلغ، أو ذميا فأسلم، وحكم لا ينفذ حكمه كما في المولى، وكذا لو كان مسلما وقت التحكيم، ثم ارتد وكذا على القلب في الكل لا ينفذ حكمه، كذا في " المغني " و " المحيط ". م: (ولا يجوز تحكيم الكافر والعبد والذمي والمحدود في القذف والفاسق والصبي) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره"، وهذا كله من إضافة المصدر إلى المفعول، لأنه لو جعل من قبيل إضافة المصدر إلى الفاعل، ينقلب حكم المسألة، فإن ذلك جائز، وفي " المغني " يجوز تحكيم المكاتب، والعبد المأذون كالحر، وتحكيم الذمي لا يجوز بين المسلمين، أما لو كان حكما فيما بين الذميين يجوز؛ لأنه من أهل الشهادة بين أهل الذمة دون المسلمين، م: (لانعدام أهلية القضاء) ش: أي في المذكورين م: (اعتبارا بأهلية الشهادة) ش: أي لأجل الاعتبار بأهلية الشهادة، فإنهم غير أهل الشهادة والقضاء مبني عليها. م: (والفاسق) ش: مبتدأ م: (إذا حكم) ش: على صيغة المجهول بتشديد الكاف م: (يجب أن يجوز) ش: خبر المبتدأ م: (عندنا) ش: خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كما مر في المولى) ش: أي وفي القاضي الفاسق المولى في أول كتاب " أدب القاضي "، يعني إذا حكم الفاسق ينبغي أن يجوز قياسا على الفاسق إذا ولي القضاء، ولكن لا ينبغي أن يتولى الفاسق القضاء، وكذا لا يحكم الفاسق. وقد مر الكلام فيه مستوفى هناك م: (ولكل واحد من المحكمين) ش: بتشديد الكاف المكسورة وفتح الميم م: (أن يرجع ما لم يحكم) ش: أي المحكم م: (عليهما) ش: أي على المحكمين م: (لأنه) ش: أي لأن المحكم م: (مقلد) ش: بفتح اللام المشددة م: (من جهتهما) ش: أي من جهة المحكمين م: (فلا يحكم إلا برضاهما جميعا) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 59 وإذا حكم لزمهما لصدور حكمه عن ولاية عليهما، وإذا رفع حكمه إلى القاضي فوافق مذهبه أمضاه، لأنه لا فائدة في نقضه ثم في إبرامه على ذلك الوجه. وإن خالفه أبطله؛ لأن حكمه لا يلزمه لعدم التحكيم منه. ولا يجوز التحكيم في الحدود والقصاص،   [البناية] م: (وإذا حكم) ش: أي المحكم م: (لزمهما) ش: أي لزم المحكمين ما حكم به م: (لصدور حكمه) ش: أي حكم المحكم م: (عن ولاية عليهما) ش:، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول مالك، وأحمد عن الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا بد من تراضيهما بعد الحكم، وهو اختيار المزني م: (وإذا رفع حكمه) ش: أي حكم المحكم م: (إلى القاضي فوافق مذهبه أمضاه، لأنه لا فائدة في نقضه) ش: أي في نقض القاضي حكم هذا المحكم م: (ثم في إبرامه) ش: أي في حكمه قطعا م: (على ذلك الوجه) ش: أي الوجه الذي حكم به المحكم، وفائدة إمضاء الحاكم المحكم أنه لو رفع أي حاكم يخالف مذهبه، لم يتمكن من نقضه ولم يمضه لتمكن، لأن إمضاء الأول بمنزلة حكم نفسه. م: (وإن خالفه أبطله) ش: أي وإن خالف حكم المحكم من مذهب الحاكم الذي رفع إليه أبطل حكم المحكم م: (لأن حكمه) ش: أي حكم المحكم م: (لا يلزمه) ش: أي لا يلزم الحاكم م: (لعدم التحكيم منه) ش: أي من المحكم بخلاف حكم الحاكم، فإنه لا يبطله الثاني، وإن خالف مذهبه لعموم ولايته، فكان قضاؤه حجة في حق الكل، فلا يجوز لقاض آخر أن يرده، وعند مالك وابن أبي ليلى - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: حكم المحكم في المجتهدات نافذ كالمولى فلا يبطله وإن خالف رأيه إلا أن يكون جورا بينا لم يختلف فيه أهل العلم. [التحكيم في الحدود والقصاص] م: (ولا يجوز التحكيم في الحدود والقصاص) ش: هذا مذهب الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه قال: التحكيم لا يجوز في الحدود والقصاص، واختاره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره "، وكذلك اختاره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والمراد بالحدود: التي هي الواجب حقا لله تعالى. وأما في حد القذف والقصاص فقد اختلفت الروايات فيهما، فقال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح أدب القاضي ": من أصحابنا من قالوا: إنه يجوز هذا في الحدود الواجبة لله تعالى؛ لأن الإمام هو المتعين لاستيفاء حقوق الله تعالى. وأما في القصاص وحد القذف فيجوز التحكيم؛ لأن الاستيفاء إليها. وفي " الذخيرة "، يجوز التحكيم في القصاص؛ لأنه من حقوق العباد. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز في غير الأموال وما في معناها، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى لا يجوز في حد ولا في لعان ولا في قصاص أو قذف أو طلاق أو عتاق أو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 60 لأنه لا ولاية لهما على دمهما، ولهذا لا يملكان الإباحة، فلا يستباح برضاهما. قالوا: وتخصيص الحدود والقصاص يدل على جواز التحكيم في سائر المجتهدات، كالطلاق والنكاح، وغيرهما، وهو صحيح. إلا أنه لا يفتي به، ويقال: يحتاج إلى حكم المولى دفعا لتجاسر العوام فيه، وإن حكماه في دم خطأ فقضى بالدية على العاقلة لم ينفذ حكمه؛ لأنه لا ولاية له عليهم إذ لا تحكيم من جهتهم. ولو حكم على القاتل بالدية في ماله رده القاضي ويقضي بالدية على العاقلة؛ لأنه مخالف لرأيه   [البناية] نسب أو ولاء؛ لأنها مبنية على الاحتياط، فيتعين القاضي المولى كالحدود م: (لأنه لا ولاية لهما على دمهما) ش: هذا دليل القصاص، ولم يذكر دليل الحدود أي؛ لأن الشأن لا ولاية للمحكمين على دمهما م: (ولهذا لا يملكان الإباحة فلا يستباح برضاهما) ش: ولو علل المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل ما علل؛ لأن حكم المحكم ليس بحجة في غير المحكمين، فكانت فيه شبهة والحدود والقصاص لا يستوفي بالشبهات فكان أشمل. م: (قالوا) ش: أي المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - من المتأخرين: م: (وتخصيص) ش: القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الحدود والقصاص يدل على جواز التحكيم في سائر المجتهدات، كالطلاق والنكاح وغيرهما) ش: كالكنايات في جعلها رجعية والطلاق المضاف، وهو الظاهر عند أصحابنا، لكن مشايخنا امتنعوا عن هذه الفتوى، وقالوا: يحتاج إلى حكم المولى، كما في الحدود والقصاص كيلا يتجاسر العوام، كذا ذكره الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - " في أدب القاضي". وفي " الذخيرة " " وفتاوى العتابي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز حكم المحكم في اليمين المضافة، لكن لا يفتى كيلا يتجاسر الناس. وقال شمس الأئمة الحلواني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مسألة حكم المحكم تعلم ولا يفتى بها، وكان يقول: ظاهر المذهب أنه يجوز، إلا أن الإمام الأستاذ أبا علي النسفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان يقول: فكتم هذا الفصل، ولا يفتى به كيلا يتطرق الجهال إلى ذلك فيؤدي إلى هدم مذهبنا م: (وهو صحيح) ش: أي التحكيم في سائر المجتهدات صحيح؛ لأنه هو الظاهر عن أصحابنا. م: (إلا أنه لا يفتى به ويقال) ش: عند السؤال م: (يحتاج إلى حكم المولى) ش: أي القاضي المولى م: (دفعا) ش: أي للدفع م: (لتجاسر العوام فيه) ش: وقد ذكرناه. م: (وإن حكماه) ش: أي فإن حكم المحكمان المحكم م: (في دم خطأ فقضى بالدية على العاقلة لم ينفذ حكمه؛ لأنه لا ولاية له) ش: أي للمحكم م: (عليهم) ش: أي على العاقلة م: (إذا لا تحكيم من جهتهم) ش: وحكم المحكم لا ينفذ على غير المحكمين م: (ولو حكم على القاتل بالدية في ماله رده القاضي ويقضي بالدية على العاقلة لأنه) ش: أي لأن حكم المحكم على القاتل م: (مخالف لرأيه) ش: أي لرأي القاضي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 61 ومخالف للنص أيضا، إلا إذا ثبت القتل بإقراره؛ لأن العاقلة لا تعقله، ويجوز أن يسمع البينة ويقضي بالنكول، وكذا بالإقرار؛ لأنه حكم موافق للشرع، ولو أخبر بإقرار أحد الخصمين أو بعدالة الشهود وهما على تحكيمهما يقبل قوله؛ لأن الولاية قائمة، ولو أخبر بالحكم لا يقبل قوله لانقضاء الولاية كقول المولى بعد العزل. وحكم الحاكم لأبويه وزوجته وولده باطل، والمولى والمحكم فيه سواء وهذا لأنه لا تقبل شهادته لهؤلاء لمكان التهمة. فكذلك لا يصح القضاء لهم بخلاف ما إذا حكم عليهم؛ لأنه تقبل شهادته عليهم لانتفاء التهمة، فكذا القضاء،   [البناية] م: (ومخالف للنص أيضا) ش: وهو حديث حمل بن مالك قوموا قدره، كما سيأتي في كتاب المعاقل - إن شاء الله تعالى - م: (إلا إذا ثبت القتل بإقراره) ش: هذا استثناء من قوله: "رده القاضي" أي رد القاضي قضاءه بالدية في ماله، إلا إذا ثبت القتل بإقرار القاتل، فحينئذ يجوز الحكم بالدية في مال القاتل م: (لأن العاقلة لا تعقله) ش: أي لا تعقل الإقرار ولا الصلح ولا العمد. م: (ويجوز أن يسمع) ش: أي المحكم م: (البينة ويقضي بالنكول) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وكذا بالإقرار لأنه) ش: أي لأن كل واحد من سماع البينة والقضاء بالنكول وبالإقرار م: (حكم موافق للشرع) ش: لأنه ليس الحكم إلا بواحد من هذه الأشياء. م: (ولو أخبر) ش: أي المحكم م: (بإقرار أحد الخصمين) ش: بأن قال لأحدهما: اعترفت عندي لهذا بكذا م: (أو بعدالة الشهود) ش: مثل أن يقول: قامت عندي وقد ألزمتك بهذا أو حكمت به لهذا عليك، فأنكر المقضي عليه أن يكون أقر عنده بشيء أو قامت عليه بينة بشيء له يلتفت إلى قوله، وقضى القاضي ونفذ؛ لأن المحكم يملك إنشاء الحكم عليه بذلك. م: (وهما) ش: أي والحال أن المحكمين م: (على تحكيمهما يقبل قوله) ش: أي قول الحكم م: (لأن الولاية قائمة) ش: فيملك إنشاء الحكم، ويملك الإخبار بهذه الأشياء م: (ولو أخبر بالحكم) ش: بأن يقول: كنت حكمت عليك لهذا بكذا م: (لا يقبل قوله لانقضاء الولاية كقوله المولى بعد العزل) ش: لأنه لما حكم صار معزولا، ولا يقبل قوله "إني حكمت بكذا"، كالقاضي المولى إذا قال بعد عزله: حكمت بكذا، لا يقبل قوله فكذا هذا. [حكم الحاكم لأبويه وزوجته وولده] م: (وحكم الحاكم لأبويه وزوجته وولده باطل، والمولى) ش: أي القاضي المولى م: (والمحكم) ش: أي الذي جعل حكما م: (فيه) ش: أي في بطلان الحكم م: (سواء، وهذا) ش: أي بطلان الحكم م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لا تقبل شهادته) ش: أي شهادة المحكم م: (لهؤلاء) ش: أي للوالدين والولد والزوجة م: (لمكان التهمة) ش: وهو ظاهر م: (فكذلك لا يصح القضاء لهم بخلاف ما إذا حكم عليهم؛ لأنه تقبل شهادته عليهم لانتفاء التهمة، فكذا القضاء) ش: إذا قضى عليهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 62 ولو حكما رجلين لا بد من اجتماعهما؛ لأنه أمر يحتاج فيه إلى الرأي، والله أعلم بالصواب.   [البناية] م: (ولو حكما رجلين لا بد من اجتماعهما) ش: حتى لو حكم أحدهما ولم يحكم الآخر لا يجوز م: (لأنه) ش: أي لأن التحكيم م: (أمر يحتاج فيه إلى الرأي، والله أعلم بالصواب) ش: لأن رأي الواحد ليس كرأي الاثنين، ولا يصدقان على ذلك الحكم بعد القيام من مجلس الحكومة حتى يشهد على ذلك غيرهما؛ لأنها بعد القيام كسائر الرعايا، فلا تقبل شهادتهما على فعل ما سواه، والله أعلم بالصواب. وفي " المحيط ": ولو حكم حرا وعبدا محكما لم يجز، ولو حكم مسلم ومرتد رجلا فحكم بينهما، ثم قتل المرتد أو لحق بدار الحرب لم يجز حكمه عليهما، ولو أمر الإمام رجلا أن يحكم بين الناس، وهو ممن يجوز شهادته جاز، ويصير كالقاضي، ولو أمر القاضي رجلا لم يجز إلا بإذن الإمام ولو حكم لا يجوز إلا أن يجيزه القاضي بعد الحكم، أو يتراضى به الرجلان بعد الحكم. ولو حكما رجلا فأخرجه القاضي من الحكومة، فحكم بعده فأجاز جاز، وليس للمحكم أن يفوض التحكيم إلى غيره، ولو فرض، وحكم الثاني بغير رضاهما، فأجاز الأول لم يجز إلا أن يخيرا بعد الحكم. وقيل: ينبغي أن يجوز كالوكيل الأول إذا جاز بيع الثاني ولو حكما واحدا، فحكم لأحدهما ثم حكما آخر ينفذ حكم الأول إن كان جائزا عنده، وإلا أبطله. وكتاب الحكم إلى القاضي لا يجوز، كما لا يجوز كتاب القاضي إليه. ولا يحكم الحكم بكتاب قاض إلا إذا رضي الخصمان، والله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 63 مسائل شتى من كتاب القضاء قال: وإذا كان علو لرجل وسفل آخر، فليس لصاحب السفل أن يتد فيه وتدا ولا ينقب فيه كوة وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - معناه بغير رضا صاحب العلو،   [البناية] [مسائل شتى في كتاب القضاء] [التصرف في محل تعلق به حق محترم للغير] م: (مسائل شتى) ش: أي هذه مسائل شتى م: (من كتاب القضاء) ش: أي مسائل متفرقة متعلقة بكتاب القضاء وأصل شتى من شت الأمر يشت شتا إذا تفرق. يقال: أمر مشت أي متفرق. وجاءوا أشتاتا، أي متفرقين، وقوم شتى، وأشياء شتى. قال الله تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4] (الليل الآية: 4) أي إن عملكم لمختلف، وفي تفسير إن أعمالكم لمختلفة، وقد جرت عادة المصنفين أن يذكروا ما شذ من المسائل في آخر الكتاب استدراكا للغاية، ويترجموه بقولهم، مسائل متفرقة أو بقولهم: مسائل شتى، أو بقولهم مسائل منثورة. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وكان القياس على هذا أن يذكر صاحب " الهداية " مسائل هذا الفصل في آخر كتاب "أدب القاضي "، انتهى. قلت: الذي ذكره صاحب " الهداية " هاهنا، هو القياس؛ لأن كل شيء قيل: مسائل شتى من الأبواب والفصول من كتاب " أدب القاضي " ومتعلقاته، فافهم. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا كان علو لرجل وسفل لآخر فليس لصاحب السفل أن يتد فيه وتدا) ش: أصل يتد يوتد حذف الياء لوقوعها بين الياء والكسرة، والوتد بفتح الواو وكسر التاء. وقال الجوهري: الوتد بالكسر واحد الأوتاد وبالفتح لغة، وكذلك الود في لغة من يدغم، تقول: وتد الوتد ثم وتدا، وإذا أمرت. قلت: تد وتدك بالميتدة، وهي المدق، انتهى. قلت: الوتد في لغة البلدتين، الخازوق، وهو قطعة من الخشب أو الحديد يدق في الحائط ليعلق عليه شيء أو يربط به شيء م: (ولا ينقب فيه كوة) ش: قاله الأترازي: الكوة بفتح الكاف كذا في "الديوان " هي الروزن. وفي " المغرب": الكوة نقب البيت والجمع كوى. وقد يضم الكاف في الفرد والجمع - ويستدار مفتاح الماء إلى المزارع والجداول، فيقال: كوى النهر. وقال الجوهري: الكوة نقب البيت والجمع كوا بالمد، وكوى أيضا مقصور. والكوة بالضم لغة ويجمع على كوى. قلت: الكوة بخش في الحائط غير نافذ من ورائها يحط فيها شيء م: (وهذا) ش: أي الذي ذكرها من عدم جواز دق الوتد ونقب الكوة م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وكذا لا يفتح بابا ولا يدخل جذعا فيه، ولا يهدم سفله، وكذا لم يكن لصاحب العلو أن يحدث في بنائه إلا أن يضع عليه جذعا، ولا كنيفا لم يكن م: (معناه بغير رضا صاحب العلو) ش: أي معنى قول محمد - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 64 وقالا: يصنع ما لا يضر بالعلو، وعلى هذا الخلاف إذا أراد صاحب العلو أن يبني على علوه، قيل: ما حكي عنهما تفسير لقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلا خلاف فيه. وقيل: الأصل عندهما الإباحة؛ لأنه تصرف في ملكه، والملك يقتضي الإطلاق والحرمة بعارض الضرر، فإذا أشكل لم يجز المنع، والأصل عنده الحظر؛ لأنه تصرف في محل تعلق به حق محترم للغير، كحق المرتهن والمستأجر والإطلاق بعارض، فإذا أشكل لا يزول المنع على أنه لا يعرى عن نوع ضرر بالعلو من توهين بناء أو نقضه، فيمنع عنه.   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع ": ليس لصاحب السفل أن يتد فيه وتدا ولا ينقب فيه كوة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (بغير رضا صاحب العلو) ش: حاصله كما يجيء الآن أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما أراد بالمنع ما فيه ضرر ظاهر. قيل: بل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الحظر أصل والإطلاق يعارض لعدم الضرر، ولا خلاف فيما لم يضر لصاحبه، فإن له أن يصنع ما لا يضر به بالاتفاق وإنما الخلاف في حالة الإشكال أنه يضر به أم لا؟ فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس له ذلك إلا يرضي صاحبه (وقالا:) أي قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (يصنع ما لا يضر بالعلو) ش: لأن التصرف حصل في ملكه م: (وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (إذا أراد صاحب العلو أن يبني على علوه) ش: بيتا أو يضع عليه جزوعا ونحو ذلك م: (قيل ما حكي عنهما) ش: أي عن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (تفسير لقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلا خلاف فيه) ش: قال بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أراد بالمنع ما فيه ضرر ظاهر، فيكون فصلا مجمعا عليه؛ لأن التصرف حصل في ملكه. م: (وقيل:) ش: بل بينهم خلاف لأن م: (الأصل عندهما الإباحة؛ لأنه تصرف في ملكه، والملك يقتضي الإطلاق والحرمة بعارض الضرر) ش: أي إطلاق التصرف م: (فإذا أشكل) ش: ولم يعلم أنه يضره أم لا م: (لم يجز المنع) ش: لأن الأصل الإطلاق في تصرف ملكه م: (والأصل عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الحظر) ش: أي المنع م: (لأنه تصرف في محل تعلق به حق محترم للغير) ش: وتعلق حق الغير بملكه بين تصرفه فصار هذا م: (كحق المرتهن والمستأجر) ش: في منع المالك عن التصرف في المرهون والمستأجر. م: (والإطلاق) ش: أي إطلاق التصرف م: (بعارض) ش: عدم الضرر م: (فإذا أشكل) ش: بأن لم يعلم فيه ضرر أم لا م: (لا يزول المنع على أنه) ش: أي مع أن التصرف فيه م: (لا يعرى عن نوع ضرر بالعلو من توهين البناء ونقضه، فيمنع عنه) ش: ولهذا لا يملك صاحب السفل أن يهدم كل الجدار أو السقف. فكذا بعضه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 65 قال: وإذا كانت زائغة مستطيلة تنشعب منها زائغة مستطيلة، وهي غير نافذة   [البناية] وقال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": وقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قياس. وقال قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو تصرف صاحب السفل في ساحة السفل بأن حفر بئرا أو ما أشبه، ويتضرر به صاحب العلو له ذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما الحكم معلول لعلة الضرر، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» ، وفي الأقضية لو انهدم السفل لا يجبر صاحب السفل على البناء، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجديد، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وقالوا في رواية أخرى: يجبر ويخير صاحب العلو، فإن شاء بنى السفل إلى موضع علوه ثم يبني علوه ويمنع صاحب السفل عن السكن فيه حتى يؤدي قيمة السفل. والصحيح أنه يعتبر قيمته يوم البناء لا وقت الرجوع بخلاف ما لو انهدم دار مشتركة، فبنى أحدهما بغير إذن صاحبه، لا يرجع على صاحبه بشيء، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح، لأنه هنا غير مضطر إلى البناء في نصيب شريكه، لأنه يمكنه أن يقاسم المساحة ولهذا لا يجبر الشريك على بناء الجدار المشترك بعد انهدامه عندنا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وأحمد ومالك - رحمهما الله - في رواية. ولو كان البيت صغيرا فانهدم، ولا يمكن قسمة الساحة، لا يكون متبرعا في البناء، وهكذا تقول في الطاحون والحمام حتى لو انهدم بعضه يرجع بحصة صاحبه عليه، ولو انهدم كله فإن أمكن إلينا بعد القسمة يكون في البناء متطوعا، وإلا لا، كذا ذكره التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كانت زائغة) ش: أي سكة. قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله "زائغة" أي سكة غير نافذة وفي حجة الشرع الزائغة كوجه، سميت بذلك لزيغها عن الطريق الأعظم. وقال الأترازي: الزائغة المحلة سميت بها لميلها من طرف إلى طرف، من زاغت الشمس إذا مالت. وفي "تهذيب ديوان الأدب ": الزائغة الطريق الذي جاز عن الطريق الأعظم م: (مستطيلة) ش: أي طويلة من استطال يعني طال م: (تنشعب عنها زائغة مستطيلة وهي نافذة) ش: أي الزائغة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 66 فليس لأهل الزائغة الأولى أن يفتحوا بابا في الزائغة القصوى؛ لأن فتحه للمرور ولا حق لهم في المرور إذ هو لأهلها خصوصا حتى لا يكون لأهل الأولى فيما بيع فيها حق الشفعة، بخلاف النافذة؛ لأن المرور فيها حق العامة، قيل: المنع من المرور لا من فتح الباب؛ لأنه رفع بعض جداره. والأصح أن المنع من الفتح لأن بعد الفتح لا يمكنه المنع من المرور في كل ساعة، ولأنه عساه يدعي الحق في القصوى بتركيب الباب. وإن كانت مستديرة قد لزق طرفاها فلهم أن يفتحوا بابا، لأن لكل واحد منهم حق المرور في كلها، إذ هي ساحة مشتركة، ولهذا يشتركون في الشفعة إذا بيعت دار منها.   [البناية] المنشعبة غير نافذة، وكذلك الزائغة الأولى أيضا غير نافذة. كذا ذكره التمرتاشي والفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث قالا: سكة طويلة غير نافذة، وسكة أخرى عن يمينها أو شمالها غير نافذة ولكن في أكثر الكتب لم يقيد الأولى بكونها غير نافذة، وتعليل الكتاب يقتضي ذلك. وصورتها هكذا م: (فليس لأهل الزائغة الأولى أن يفتحوا بابا في الزائغة القصوى) ش: أي السفلى م: (لأن فتحه للمرور لاحق لهم في المرور إذ هو لأهلها خصوصا) ش: أي خاصته م: (حتى لا يكون لأهل الأولى) ش: أي السكة الأولى م: (فيما بيع فيها) ش: أي في السكة القصوى م: (حق الشفعة) ش: لأن السكة لهم خاصة م: (بخلاف النافذة؛ لأن المرور فيها حق العامة) ش: وليست للسكان فيها خاصة م: (قيل: المنع من المرور لا من فتح الباب لأنه) ش: أي لأن الفتح م: (رفع بعض جداره) ش: ولأن يرفع جميع جداره بالهدم، فرفع بعضه أولى، ولهذا لو فتح كوة أو بابا للاستضاءة دون المرور لم يمنع. م: (والأصح أن المنع من الفتح، لأن بعد الفتح لا يمكنه المنع من المرور وفي كل ساعة ولأنه) ش: إذا فعل ذلك م: (عساه) ش: أي لعله م: (يدعي الحق في القصوى بتركيب الباب) ش: ويكون القول قوله من هذا الوجه فيمنع. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن كانت) ش: أي الزائغة القصوى م: (مستديرة قد لزق طرفاها) ش: يعني سكة اعوجاج حتى بلغ اعوجاجها رأس السكة، والسكة غير نافذة م: (فلهم أن يفتحوا بابا) ش: أي فلكل واحد منهم أن يفتح بابه م: (لأن لكل واحد منهم حق المرور في كلها، إذ هي ساحة مشتركة ولهذا يشتركون في الشفعة إذا بيعت دار منها) ش: بهذه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 67 قال: ومن ادعى في دار دعوى، وأنكرها الذي هي في يده ثم صالحه منها، فهو جائز وهي مسألة الصلح على الإنكار، وسنذكرها في الصلح إن شاء الله تعالى. والمدعي وإن كان مجهولا، فالصلح على معلوم عن مجهول جائز عندنا؛ لأنه جهالة في الساقط فلا تقضي إلى المنازعة على ما عرف. قال: ومن ادعى دارا في يد رجل أنه وهبها له في وقت كذا فسئل البينة فقال: جحدني الهبة، فاشتريتها منه، وأقام المدعي البينة على الشراء قبل الوقت الذي يدعي فيه الهبة لا تقبل بينته لظهور التناقض، إذ هو يدعي الشراء بعد الهبة وهم يشهدون به قبلها.   [البناية] الصورة: [ادعى في دار دعوى وأنكرها الذي هي في يده ثم صالحه منها] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن ادعى في دار دعوى وأنكرها الذي هي في يده ثم صالحه منها فهو جائز) ش: قيل: أراد به إذا كان المدعي به مقدرا معلوما، كالثلث، ونحوه حتى تكون الدعوى صحيحة؛ لأن الصلح إذا كانت الدعوى صحيحة، أما إذا كانت فاسدة أي هذه المسألة م: (وهي مسألة الصلح على الإنكار، وسنذكرها في الصلح - إن شاء الله تعالى -) ش: والصلح على [ ... ] جائز عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا جواب عما يقال كيف يصح الصلح مع جهالة المدعي ومعلومية مقداره شرط صحة الدعوى، ألا ترى أنه لو ادعى على إنسان شيئا لا يصح دعواه، أجاب المنصف بقوله: م: (والمدعى وإن كان مجهولا فالصلح على معلوم عن مجهول جائز عندنا) ش: ثم علله بقوله م: (لأنه) ش: أي لأن المجهول م: (جهالة في الساقط فلا تفضي إلى المنازعة) ش: والأصل فيه أن ما يجب تسليمه يشترط العلم به، لأن الجهالة تفضي إلى المنازعة المانعة من التسليم والتسلم، وما لا يجب تسليمه لا تضر الجهالة فيه م: (على ما عرف) ش: في كتاب الصلح. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن ادعى دارا في يد رجل أنه وهبها له في وقت كذا) ش: يعني أنه سلمها إليه في وقت م: (فسئل البينة) ش: على دعواه م: (فقال:) ش: أي المدعي: م: (جحدني الهبة) ش: ولم يكن لي بينة في حق الهبة م: (فاشتريتها منه وأقام المدعي البينة على الشراء قبل الوقت الذي يدعي فيه الهبة لا تقبل بينته لظهور التناقض) ش: والتناقض يمنع صحة الدعوى م: (إذ هو يدعي الشراء بعد الهبة وهم يشهدون به) ش: أي بالشراء م: (قبلها) ش: أي قبل الهبة، أي قبل عقدها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 68 ولو شهدوا به بعدها تقبل لوضوح التوفيق. ولو كان ادعى الهبة ثم أقام البينة على الشراء قبلها ولم يقل جحدني الهبة فاشتريتها، لم تقبل أيضا، ذكره في بعض النسخ؛ لأن دعوى الهبة إقرار منه بالملك للواهب عندها ودعوى الشراء رجوع عنه فعد مناقضا، بخلاف ما إذا ادعى الشراء بعد الهبة؛ لأنه تقرير ملكه عندها. ومن قال لآخر: اشتريت مني هذه الجارية فأنكر الآخر إن أجمع البائع على ترك الخصومة وسعه أن يطأها؛ لأن المشتري لما جحده كان فسخا من جهته إذ الفسخ يثبت به   [البناية] م: (ولو شهودا به) ش: أي بالشراء م: (بعدها) ش: أي بعد الهبة م: (تقبل لوضوح التوفيق) ش: وهذا لأنه يمكنه أن يقول: وهب لي منذ شهر ثم جحدني الهبة فاشتريتها منه منذ أسبوع، فلا تناقض، وفي الوجه الأول: التوفيق غير ممكن، فيتحقق التناقض إذ لا يمكنه أن يقول: وهب لي منذ شهر، ثم جحدني الهبة فاشتريتها منذ سنة. وهذه المسألة تدل على أن التناقض إنما يمنع صحة الدعوى إذا لم يمكن التوفيق، وأما إذا أمكن فلا. م: (ولو كان ادعى الهبة ثم أقام البينة على الشراء قبلها) ش: أي قبل الهبة م: (ولم يقل جحدني الهبة فاشتريتها، لم تقبل أيضا، ذكره في بعض النسخ) ش: أي بعض نسخ " الجامع الصغير "، ثم ذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجه عدم قبول البينة هنا للتناقض بقوله: م: (لأن دعوى الهبة إقرار منه بالملك للواهب) ش: في ذلك الوقت م: (ودعوى الشراء) ش: قبل الهبة م: (رجوع عنه) ش: أي الإقرار للواهب م: (فعد مناقضا) ش: فلا يقبل بينته م: (بخلاف ما إذا ادعى الشراء بعد الهبة) ش: حيث تقبل بينته م: (لأنه تقرير ملكه) ش: أي ملك الواهب م: (عندها) ش: أي عند الهبة، فإن قبل ينبغي أن لا تقبل في هذه الصورة أيضا، لأنه ادعى شراء باطلا، لأنه ادعى شراء يملكه بالهبة، أجيب بأنه لا جحد الهبة، فقد فسخها من الأصل وتوقف الفسخ في حق المدعي على رضاه، فإذا قدم على الشراء منه، فقد رضي بذلك الفسخ فيهما بينهما فإذا انفسخت الهبة بتراضيهما، واشترى ما لا يملكه فكان صحيحا. [قال لآخر اشتريت مني هذه الجارية فأنكر الآخر] م: (ومن قال لآخر: اشتريت مني هذه الجارية فأنكر الآخر) ش: أي الآخر المخاطب م: (إن أجمع البائع) ش: أي إن قصد وعزم بقلبه، وقيل يشهد بلسانه على العزم بالقلب م: (على ترك الخصومة وسعه) ش: أي حل له أي للبائع م: (أن يطأها) ش: أي الجارية وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحل. وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه لأنه لما باعها فيه على ملك المشتري ما لم يبعها من البائع أو يتقايلا م: (لأن المشتري لما جحده) ش: أي البيع م: (كان فسخا من جهته إذ الفسخ يثبت به) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 69 كما إذا تجاحدا، فإذا عزم البائع على ترك الخصومة تم الفسخ وبمجرد العزم، وإن كان لا يثبت الفسخ فقد اقترن بالفعل اقترن الفعل، وهو إمساك الجارية ونقلها وما يضاهيه، ولأنه لما تعذر استيفاء الثمن من المشتري فات رضا البائع فيستبد بفسخه. قال: ومن أقر أنه قبض من فلان عشرة دراهم، ثم ادعى أنها زيوف صدق. وفي بعض النسخ: اقتضى،   [البناية] ش: أي بالجحود م: (كما إذا تجاحدا) ش: البيع لأن الإقالة قد تكون بلفظ الإقالة، وبلفظ الرد وبجحودهما، بأن تجاحد البائع لأن الفسخ رفع العقد من الأصل، والجحود إنكار من الأصل فيجعل أحدهما مجازا عن الآخر. م: (فإذا عزم البائع على ترك الخصومة تم الفسخ) ش: بينهما، ألا ترى إلى ما قالوا في " شرح الجامع الصغير ": إذا قال لآخر: أجرتك هذه الدار بكذا أو بعتك هذا الثوب بكذا، فأخذ الدار أو الثوب وذهب به، كأن ذلك قبولا منه، كذا هذا، فإن قيل: لو جاز قيام الجحود والعزم على ترك الخصومة مقام الفسخ لجاز لامرأة جحد زوجها النكاح، وحرمت على الخصومة أن تتزوج بزوج آخر إقامة لهما مقام الفسخ، لكن ليس لها ذلك، وأجيب بأن الشيء يقوم مقام غيره، إذا احتمل المحل ذلك الغير بالضرورة والنكاح لا يحتمل الفسخ بعد اللزوم، فكيف يقوم غيره مقامه بخلاف البيع م: (وبمجرد العزم) ش: هذا جواب عما يقال: الفسخ لا يثبت بمجرد العزم على الفسخ، ألا ترى أن من له خيار الشرط إذا عزم بقلبه على فسخ العقد، لا ينفسخ العقد بمجرد عزمه فأجاب المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله م: (وبمجرد العزم) ش: أي بمجرد عزم الرجل. م: (وإن كان لا يثبت الفسخ، فقد اقترن بالفعل) ش: أي فقد اقترن العزم بالفعل م: (وهو إمساك الجارية ونقلها) ش: أي نقل الجارية من موضع الخصومة إلى بيته م: (وما يضاهيه) ش: أي وما يشابه ذلك من الأفعال كالكتابة والعرض على البيع والاستخدام؛ لأن إمساكها لا يحل بدون الفسخ فيتحقق الانفساخ دلالة كمن قال لآخر: أجرتك هذه الدابة يوما بكذا لتركبها إلى مكان كذا، فأخذ المستأجر ليركبها كان ذلك قبولا دلالة؛ لأن الأخذ والاستعمال لا يحل بدون القبول م: (ولأنه) ش: دليل آخر، أي ولأن الشأن م: (لما تعذر استيفاء الثمن من المشتري) ش: بجحود العقد م: (فات رضا البائع) ش: وفواته يوجب الفسخ لفوات ركن البيع م: (فيستبد بفسخه) ش: فيستقل البائع بفسخ العقد فيجعل عزمه فسخا، والفرق بين الدليلين أن الانفساخ كان في الأول مترتبا على الفسخ من الجانبين، وجعل جحوده فسخا من جانبه. والعزم على ترك الخصومة من جانب البائع، وفي الثاني مترتب على الفسخ من جانب البائع باستبداده. [أقر الطالب أنه قبض ماله على فلان مائة ثم قال وجدتها زيوفا] م: (قال: ومن أقر أنه قبض من فلان عشرة دراهم) ش: أي بسبب من الأسباب من استقراض أو ثمن سلعة أو غصب أو وديعة م: (ثم ادعى أنها زيوف صدق) ش: أي القول قوله مع يمينه م: (وفي بعض النسخ) ش: أي في بعض نسخ " الجامع الصغير " م: (اقتضى) ش: أي لفظ اقتضى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 70 وهو عبارة عن القبض أيضا ووجهه أن الزيوف من جنس الدراهم، إلا أنها معيبة، ولهذا لو تجوز بها في الصرف والسلم جاز، والقبض لا يختص بالجياد فيصدق؛ لأنه أنكر قبض حقه، بخلاف ما إذا أقر قبض الجياد أو حقه أو الثمن أو استوفى لإقراره بقبض الجياد صريحا أو دلالة فلا يصدق.   [البناية] موضع قبض م: (وهو) ش: أي لفظ اقتضى م: (عبارة عن القبض أيضا) ش: ولكن لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أصل " الجامع الصغير " اقتضى. وفي " المبسوط " أقر الطالب أنه قبض ماله على فلان مائة، ثم قال: وجدتها زيوفا، فالقول قوله وصل أم فصل، وقوله في الكتاب: "ثم ادعى أنها زيوف صدق" محمول على هذا الرأي وصل أم فصل، وبه صرح المحبوبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "جامعه" فقال: هو مصدق وصل أم فصل. وفي " المبسوط ": في باب الإقرار بالدين: لو قال: لفلان علي ألف من ثمن مبيع، إلا أنها زيوف أو مبهرجة لم يصدق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في دعوى الزيافة وصل أم فصل في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما يصدق إن وصل، ولا يصدق إن فصل. ولو أقر بالمال غصبا أم وديعة، وقال: هي نبهرجة أو زيوف صدق فصل أو وصل، ولو قال: علي ألف من غير ذكر التجارة والغصب، فقال بعض مشايخنا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فهو على الخلاف المذكور. وقيل: يصدق هاهنا إذا وصل بالاتفاق، وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: إذا فصل لا يقبل في جميع الصور. م: (ووجهه) ش: أي وجه ما ذكر من تصديقه م: (أن الزيوف من جنس الدراهم، إلا أنها معيبة، ولهذا) ش: أي ولكونها من جنس الدراهم م: (لو تجوز بها في الصرف، والسلم جاز) ش: إذ لو لم تكن من جنسها، كان التجويز استبدالا وهو فيهما لا يجوز، وقد تقدم م: (والقبض لا يختص بالجياد) ش: هذا جواب عما يقال، الإقرار بالقبض يستلزم الإقرار بقبض الحق، وهو الجياد حملا لجهالته على ما له حق قبضه لا ما ليس له ذلك، ولو أقر بقبض حقه، ثم ادعى أنه زيوف، لم يسمع منه، فكذا هذا، فأجاب بقوله والقبض لا يختص بالجياد، للملازمة والزيوف له حق قبضه، لأنه دون حقه، والممنوع من القبض ما يزيد على حقه، وإذا لم يكن القبض مختصا بالجياد، فالإقرار به لا يستلزم الإقرار بقبض الجياد، فبدعواه الزيوف لم يكن متناقضا بل هو ينكر قبض حقه م: (فيصدق لأنه أنكر قبض حقه) ش: لأن القول قول المنكر مع يمينه. م: (بخلاف ما إذا أقر قبض الجياد أو حقه) ش: أي وأقر أنه قبض حقه م: (أو الثمن) ش: أي أو أقر أنه قبض م: (أو استوفى) ش: أي أقر أنه استوفى حيث لا يصدق م: (لإقراره بقبض الجياد صريحا) ش: في قوله: إنه قبض الجياد م: (أو دلالة) ش: في الثلاثة البقية م: (فلا يصدق) ش: لأنه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 71 والنبهرجة كالزيوف وفي الستوقة لا يصدق؛ لأنه ليس من جنس الدراهم حتى لو تجوز به فيما ذكرنا لا يجوز. والزيف ما زيفه بيت المال. والنبهرجة ما يرده التجار، والستوقة ما يغلب عليها الغش. قال: ومن قال لآخر: لك علي   [البناية] متناقض. أما في الأول فظاهر وكذا في غيره، لأن حقه في الجياد، فكان الإقرار بقبض حقه مطلقا أقر بقبض الجياد والاستيفاء عبارة عن القبض بوصف التمام فكان عبارة عن قبض حقه أيضا. وقال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "النهاية": جمع المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بين هذه المسائل الأربع في الجواب بأنه لا يصدق، وليس الحكم فيها على السواء، فإنه إذا أقر بقبض الجياد، ثم ادعى أنها زيوف لا يصدق لا موصولا ولا مفصولا، وفيما بقي يصدق موصولا، ولا يصدق مفصولا، ثم أطال الكلام فيه. [قال اقتضيت من فلان كذا درهما ثم ادعى أنها نبهرجة] م: (والنبهرجة كالزيوف) ش: أي في حكم التصديق إذا قال: اقتضيت من فلان كذا درهما، ثم ادعى أنها نبهرجة يصدق، كما إذا قال: إنها زيوفا م: (وفي الستوقة لا يصدق؛ لأنه ليس من جنس الدراهم) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس هذا الحكم على إطلاقه، فإنه ذكر في " المبسوط " في الإقرار: ولو أقر قبض خمسمائة مما له على الديون، ثم قال بعد أن سكت: هي رصاص لم يصدق؛ لأن اسم الدراهم لا يتناول الرصاص حقيقة، وإن كان موصولا فالقول قوله؛ لأن الرصاص من الدراهم صورة، وإن لم يكن منها معنى، فكان بيانا مغير الظاهر كلامه إلى ما هو محتمل، فيصح موصولا، وكذلك في الستوقة، لأن الرصاص أبعد من الستوقة في اسم الدراهم، والحكم في الرصاص هكذا، فيجب أن يكون كذلك بالطريق الأولى م: (حتى لو تجوز به فيما ذكرنا) ش: أي في الصرف والسلم م: (لا يجوز) ش: لأنه ليس من جنس الدراهم. ثم بين الزيوف والنبهرجة والستوقة ما هي بقوله: م: (والزيف ما زيفه بيت المال) ش: أي رده، وفي المغرب زافت عليه دراهمه، أي صارت مردودة عليه لغش فيها م: (والنبهرجة ما يرده التجار) ش: وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " النبهرج ": الدراهم التي فضتها رديئة، وقيل: التي فيها الغلبة للفضة، وقد استعير لكل باطل ومنه يهرج دمه إذا بطل. م: (والستوقة ما يغلب عليها الغش) ش: وهو بالفتح أردأ من النبهرجة. وفي " النوازل ": قال أبو نصر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الزيوف هي الدراهم المغشوشة، والنبهرجة هي التي تضرب من غير دار السلطان، والستوقة صفر مموه بالفضة، وكان الفقيه أبو جعفر يقول: الزيوف ما زيفه بيت المال، والنبهرجة ما يهرجه التجار، و"الستوقة" فارسية معربة، وهي تعريب سدبر. وفي " المبسوط ": الستوقة كالفلوس، فإنه صفر مموه من الجانبين، وقيل: معرب سرطاقة أي الطاقة الأعلى والأسفل فضة والأوسط صفر. [قال لك علي ألف درهم فقال ليس لي عليك شيء ثم قال في مكانه بل لي عليك] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: ومن قال لآخر: لك علي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 72 ألف درهم فقال: ليس لي عليك شيء ثم قال في مكانه: بل لي عليك ألف درهم فليس عليه شيء؛ لأن إقراره هو الأول وقد ارتد برد المقر له. والثاني دعوى فلا بد من الحجة أو تصديق خصمه، بخلاف ما إذا قال لغيره: اشتريت وأنكر الآخر له أن يصدقه؛ لأن أحد المتعاقدين لا يتفرد بالفسخ كما لا يتفرد بالعقد، والمعنى أنه حقهما، فبقي العقد فعمل التصديق. أما المقر له يتفرد برد الإقرار فافترقا. قال: ومن ادعى على آخر مالا، فقال: ما كان لك علي شيء قط، فأقام المدعي البينة على ألف، وأقام هو البينة على القضاء قبلت بينته وكذلك على الإبراء،   [البناية] ألف درهم فقال) ش: أي المقر له م: ليس لي عليك شيء ثم قال في مكانه: بل لي عليك ألف درهم فليس عليه) ش: أي على المقر م: (شيء، لأن إقراره) ش: المعتبر م: (هو الأول وقد ارتد برد المقر له. والثاني) ش: وهو قوله: بل لي عليك ألف درهم م: (دعوى فلا بد من الحجة) ش: أي البينة م: (أو تصديق خصمه) ش: حتى لو صدقه المقر ثانيا، لزمه المال استحسانا م: (بخلاف ما إذا قال لغيره: اشتريت) ش: مني هذا العبد م: (وأنكر الآخر) ش: يعني أقر بالشراء منه وأنكر المقر له م: (له أن يصدقه) ش: بعد ذلك لأن إقراره، وإن كان مما يحتمل الإبطال، لكن المقر لم يستقل بإثباته، فلا ينفرد أحد المتعاقدين بالفسخ، وهو معنى قوله م: (لأن أحد المتعاقدين لا يتفرد بالفسخ كما لا يتفرد بالعقد) ش: يعني أن المقر له لا ينفرد بالرد كما أن المقر لا ينفرد بإثباته. م: (والمعنى أنه) ش: أي أن الفسخ م: (حقهما، فبقي العقد فعمل التصديق) ش: بخلاف الأول فإن أحدهما ينفرد بالإثبات، فينفرد الآخر بالرد وإليه أشار بقوله م: (أما المقر له يتفرد برد الإقرار فافترقا) ش: أي الحكمان المذكوران. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قلت: إن عزم المقر على ترك الخصومة، وجب أن لا يفيد التصديق بعد الإنكار، فإن الفسخ قد تم، ولهذا، لو كانت جارية حل وطؤها كما تقدم، ويجوز أن يقال: إن قوله: "ثم قال في مكانه" إشارة إلى الجواب عن ذلك فإن العزم والنقل كان دليل الفتح، وبه سقط. قال في " الكافي ": ذكر في " الهداية " أن أحد العاقدين لا ينفرد بالفسخ، وذكر قبله، ولأنه لما تعذر استيفاء الثمن من المشتري، فات رضا البائع، فيستبد بفسخه، والتوفيق بين كلامه صعب، وذلك أنه قال لما تعذر استيفاء الثمن يستبد، وهاهنا قال: لما أقر المشتري في مكانه بالشراء، لم يتعذر الاستيفاء فلا يستبد بالفسخ. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن ادعى على آخر مالا فقال: ما كان لك علي شيء قط، فأقام المدعي البينة على ألف، وأقام هو البينة على القضاء قبلت بينته وكذلك على الإبراء) ش: يعني لما تقبل البينة على القضاء، فقيل أيضا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 73 وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقبل؛ لأن القضاء يتلو الوجوب وقد أنكره فيكون مناقضا. ولنا أن التوفيق ممكن؛ لأن غير الحق قد يقضى ويبرأ منه دفعا للخصومة والشغب، ألا ترى أنه يقال قضى بباطل، وقد يصالح على شيء فيثبت ثم يقضي، وكذا إذا قال: ليس لك علي شيء قط، لأن التوفيق أظهر. ولو قال: ما كان لك علي شيء قط، ولا أعرفك، لم تقبل بينته على القضاء، وكذا على الإبراء لتعذر التوفيق؛ لأنه لا يكون بين اثنين أخذ وإعطاء وقضاء واقتضاء، ومعاملة ومصالحة بدون المعرفة. وذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه تقبل أيضا؛ لأن المحتجب   [البناية] على الإبراء. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقبل) ش: وبه قال ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن القضاء يتلو الوجوب) ش: لأنه تسليم مثل الواجب م: (وقد أنكره فيكون مناقضا) ش: في دعواه، وقبول النية تقتضي دعوى صحيحة م: (ولنا أن التوفيق ممكن لأن غير الحق قد يقضي ويبرأ منه دفعا للخصومة والشغب) . م: (ألا ترى) ش: توضيح لما قبله م: (أنه يقال قضى بباطل) ش: كما يقال قضى بحق م: (وقد يصالح على شيء) ش: بالإنكار م: (فيثبت ثم يقضي) ش: أي يؤدي، والقضاء يجيء بمعنى الأداء. قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} [الجمعة: 10] (الجمعة: الآية 10) فإذا أديت م: (وكذا إذا قال) ش: أي الرجل المخاطب عند دعوى المال عليه: م: (ليس لك علي شيء قط؛ لأن التوفيق أظهر) ش: لأن يقول ليس لك علي شيء في الحال لأني قد قضيتك حقك، أو لأنك أبرأتني، ألا ترى أنه لو صرح به يصح، وهذا لأن ليس لنفي الحال. فإذا أقام المدعي البينة على المدعى به والمدعى عليه على القضاء أو الإبراء قبل زمان الحال لم يتصور تناقض أصلا ما لو دلت المسألة على قبول البينة عند إمكان التوفيق من غير دعواه. واستدلال الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لمسألة الكتاب بفصل دعوى القصاص، والرق فقال: ألا ترى أنه لو ادعى على رجل دم عمد، فلم تثبت عليه أقام المدعى عليه بينة على الإبراء أو العفو أو الصلح معه على مال قبلت، وكذا لو ادعى رقبة جارية، فأنكرت وأقام البينة على رقبتها ثم أقامت هي بينة على أنه أعتقها أو كاتبها أو ألف وأنها أدت إليه قبلت. م: (ولو قال: ما كان لك علي شيء قط، ولا أعرفك، لم تقبل بينته على القضاء وكذا على الإبراء) ش: أي وكذا لا تقبل بينته على الإبراء م: (لتعذر التوفيق؛ لأنه لا يكون بين اثنين أخذ وإعطاء وقضاء واقتضاء ومعاملة ومصالحة بدون المعرفة) ش: فتعذر التوفيق فبطلت البينة. م: (وذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي عن أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: م: (أنه) ش: أي أن بينته على تأويل البرهان م: (تقبل أيضا) ش: على القضاء م: (لأن المحتجب) ش: أي الرجل المحتجب، وهو الذي لا يراه كل أحد لعظمته. وقال تاج الشريعة: المحتجب الذي لا يتولى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 74 أو المخدرة قد يؤدي بالشغب على بابه، فيأمر بعض وكلائه بإرضائه ولا يعرفه، ثم يعرفه بعد ذلك فأمكن التوفيق. قال: ومن ادعى على آخر أنه باعه جاريته، فقال: لم أبعها منك قط، فأقام المشتري البينة على الشراء، فوجد بها أصبعا زائدة فأقام البائع البينة أنه برئ إليه من كل عيب لم تقبل بينة البائع. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه تقبل اعتبارا بما ذكرنا. ووجه الظاهر أن شرط البراءة تغيير للعقد من اقتضاء وصف السلامة إلى غيره، فيستدعي وجود البيع وقد أنكره فكان مناقضا بخلاف الدين؛ لأنه قد يقضي وإن كان باطلا على ما مر. قال: ذكر حق   [البناية] الأمور بنفسه م: (أو المخدرة) ش: أي المرأة المخدرة وهي التي لم تجر عادتها بالبروز وحضور مجلس الحكم م: (قد يؤدي بالشغب على بابه) ش: الشغب بفتح الشين وسكون الغين المعجمتين، وقال الجوهري: الشغب بالتسكين تهييج الشر ولا يقال شغب م: (فيأمر بعض وكلائه بإرضائه ولا يعرفه، ثم يعرفه بعد ذلك فأمكن التوفيق) ش: من حيث أنه عرفه بعد إرضائه بلا معرفة. وقال فخر الدين قاضي خان في "شرح الجامع الصغير ": فعلى هذا لو كان المدعى عليه يتولى الأعمال بنفسه، لا تقبل بينته؛ لأنه لا يمكنه التوفيق من هذا الوجه، وقيل: تقبل البينة على الإبراء في هذا الفصل اتفاق الروايات، لأن الإبراء يتحقق بلا معرفة. [ادعى على آخر أنه باعه جاريته فقال لم أبعها منك قط فأقام المشتري البينة] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن ادعى على آخر أنه باعه جاريته، فقال: لم أبعها منك قط، فأقام المشتري البينة) ش: أي أقام المدعي البينة م: (على الشراء) ش: منه م: (فوجد) ش: أي المشتري م: (بها) ش: أي الجارية م: (أصبعا زائدة) ش: خص هذا العيب بالذكر دون عيب آخر، لما أنه عيب قديم لا يحدث مثله في مثل تلك المدة م: (فأقام البائع البينة أنه برئ إليه من كل عيب لم تقبل بينة البائع) ش: لأن التوفيق بين الكلامين متعذر. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي بينة البائع م: (تقبل اعتبارا بما ذكرنا) ش: أراد به ما ذكره في مسألة البائع وكيلا من المالك في البيع، فكان المالك في قوله ما بعتها صادقا ثم المالك في دعواه السواء من كل عيب، لا يكون مناقضا م: (ووجه الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية م: (أن شرط البراءة) ش: عن العيب م: (تغيير للعقد من اقتضاء وصف السلامة إلى غيره، فيستعدي وجود البيع) ش: لأن الصفة بدون الموصوف غير مقصودة م: (وقد أنكره) ش: أي والحال أن البائع قد أنكر م: (فكان مناقضا) ش: لأن دعوى البراءة تقضي سابقة العقد فلا تسمع بينته م: (بخلاف الدين) ش: فإن هناك تقبل بينة المطلوب على القضاء والإبراء بعد إنكاره أصل الدين إذ التوفيق ممكن، بأن يقول: ما كان لك علي شيء قط، غير أني دفعت المال قطعا للخصومة والملامة، فلما جحدتني أثبته، كذا ذكره المحبوبي م: (لأنه) ش: أي لأن الدين م: (قد يقضى وإن كان باطلا على ما مر) ش: عند قوله لأن غير الحق قد يقضى ويبرأ منه م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ذكر حق) ش: قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 75 كتب في أسفله، ومن قام بهذا الذكر الحق فهو ولي ما فيه إن شاء الله تعالى، أو كتب في شراء فعلى فلان خلاص ذلك وتسليمه إن شاء الله تعالى بطل الذكر كله، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: إن شاء الله تعالى هو على الخلاص، وعلى من قام بذكر الحق، وقولهما استحسان ذكره في الإقرار؛ لأن الاستثناء ينصرف إلى ما يليه؛ لأن الذكر للاستيثاق، وكذا الأصل في الكلام الاستبداد، وله أن الكل كشيء واحد   [البناية] أي كتاب إقرار بدين، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله ذكر حق أي صك يعني لو كتب ذكر إقرار على نفسه ثم م: (كتب في أسفله، ومن قام بهذا الذكر الحق فهو ولي فيه إن شاء الله تعالى، أو كتب في شراء) ش: يعني كتب ذكر إقرار في شراء، يعني في صك الشراء، ثم كتب في آخره وما أدرك فلانا من الدرك م: (فعلى فلان خلاص ذلك وتسليمه إن شاء الله تعالى بطل الذكر كله) ش: يعني يبطل الصك كله حتى يبطل الدين الذي فيه، ويفسد الشراء، وصورتها في " الجامع الصغير " محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في الرجل يكتب على نفسه ذكر الحق، فيكتب في أسفله إن شاء الله تعالى، أو يكتب الشراء فيكتب في أسفله فما أدرك فيه فلانا من درك، فعلى فلان خلاصه إن شاء الله تعالى، قال: إن شاء الله يبطل الدين، ويفسد الشراء وهذا معنى قوله م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني بطلان الصك كله. م: (وقالا) ش: أي أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (إن شاء الله تعالى هو على الخلاص) ش: يعني قوله إن شاء الله تعالى ينصرف إلى قوله على فلان خلاصه م: (وعلى من قام بذكر الحق) ش: والشراء صحيح والمال المقر به لازم م: (وقولهما) ش: أي قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (استحسان ذكره) ش:، أي ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في الإقرار) ش: من " المبسوط " م: (لأن الاستثناء ينصرف إلى ما يليه) . ش: أي لأن الصك يشتمل على إنشاء ولا تعلق للبعض بالبعض فانصرف إلى الذي يليه م: (لأن الذكر) ش: أي الصك يكتب م: (للاستيثاق) ش: والتأكيد لا للإبطال فكان ذلك دلالة على قصر الاستثناء على الذي يليه م: (وكذا الأصل في الكلام الاستبداد) ش: أي الاستقلال فلا يكون ما في الصك بعضه مرتبا ببعض فينصرف الاستثناء إلى ما يليه. والجواب: أن الذكر للاستيثاق مطلقا، وإذا لم يكتب في آخره إن شاء الله تعالى، والثاني مسلم، والأول عين النزاع، والأصل في الكلام الاستبداد إذ لم يوجد ما يدل على خلافه، وقد وجد ذلك وهو العطف. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن الكل) ش: فيما نحن فيه م: (كشيء واحد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 76 بحكم العطف فيصرف إلى الكل كما في الكلمات المعطوفة، مثل قوله عبده حر وامرأته طالق، وعليه المشي إلى بيت الله تعالى إن شاء الله تعالى، ولو ترك فرجة قالوا: لا يلتحق به ويصير كفاصل السكوت، والله أعلم بالصواب.   [البناية] بحكم العطف فيصرف إلى الكل كما في الكلمات المعطوفة) ش: بعضها على بعض م: (مثل قوله عبده حر وامرأته طالق، وعليه المشي إلى بيت الله تعالى إن شاء الله تعالى) ش: فإنه ينصرف إلى الجميع ولا يلزمه شيء م: (ولو ترك فرجة) ش: أي موضع بياض قبل قوله، ومن قام بهذا الذكر الحق فهو ولي ما فيه إن شاء الله تعالى. م: (قالوا) ش: المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: م: (لا يلتحق) ش: أي قوله: "إن شاء الله" حينئذ م: (به) ش: أي بجميع الصك، بل يلتحق بقوله من قام بذكر الحق م: (ويصير كفاصل السكوت) ش: أي تلك الفرجة كالسكوت في المنطق، فإن قيل: ينبغي أن لا يكتب قوله، ومن قام الآخر أنه توكيل، ولا يصح التوكيل على هذا الوجه، لأنه توكيل لمجهول، والمجهول لا يصلح وكيلا، قلنا: الغرض من كتابته إثبات رضا المعز بتوكيل من يوكله المقولة بالخصومة معه على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإن التوكيل بالخصومة عنده من غير رضا الخصم لا يصح وكونه توكيلا مجهولا ليس بصائر؛ لأنه في الإسقاط، والإسقاطات تصح مع الجهالة، كما في الصلح على الإنكار. وقيل: هو للاحتراز عن قول ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز التوكيل بالخصومة من غير رضا الخصم، إلا إذا رضي بوكالة وكيل مجهول لا عن مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فإن الرضا بالوكالة المجهولة عنده لا تثبت، فوجوده كعدمه، قلت ذكر في كتب المذاهب الأربعة أن عند ابن أبي ليلى يجوز التوكيل بغير رضا الخصم مطلقا، والله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 77 فصل في القضاء بالمواريث قال: وإذا مات نصراني فجاءت امرأته مسلمة، وقالت: أسلمت بعد موته، وقالت الورثة: أسلمت قبل موته فالقول قول الورثة، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: القول قولها؛ لأن الإسلام حادث فيضاف إلى أقرب الأوقات. ولنا أن سبب الحرمان ثابت في الحال، فيثبت فيما مضى تحكيما للحال، كما في جريان ماء الطاحونة، وهذا ظاهر، نعتبره للدفع وما ذكره يعتبره للاستحقاق، ولو مات المسلم وله امرأة نصرانية فجاءت مسلمة بعد موته، وقالت: أسلمت قبل موته، وقالت الورثة: لا بل أسلمت بعد موته، فالقول قولهم أيضا ولا يحكم الحال، لأن تحكيمه يؤدي إلى جعله حجة للاستحقاق وهي محتاجة إليه أما الورثة فهم الدافعون، ويشهد لهم ظاهر الحدوث أيضا،   [البناية] [فصل في القضاء بالمواريث] [مات نصراني فجاءت امرأته وقالت أسلمت بعد موته وقالت الورثة أسلمت قبل موته] أي هذا فصل في بيان أحكام القضاء بالمواريث، وهو جمع ميراث، أصله متوارث، قلبت الواو ياء لسكونها، وإنكار ما قبلها وهو اسم مثل الإرث ولما كان الموت آخر أحوال البشر ذكر الأحكام المتعلقة به آخرا م: (قال: وإذا مات نصراني فجاءت امرأته مسلمة، وقالت: أسلمت بعد موته، وقالت الورثة: أسلمت قبل موته فالقول قول الورثة) ش: هذه من مسائل " الجامع الصغير ". وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - القول قولها) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن الإسلام حادث فيضاف إلى أقرب الأوقات) ش: فيجعل موجودا بعد الموت لا قبله. م: (ولنا أن سبب الحرمان) ش: أي سبب حرمان المرأة وهو إسلامها من ميراث زوجها النصراني م: (ثابت في الحال، فيثبت فيما مضى تحكيما للحال) ش: أي باستصحاب الحال وتحكيم المال عند عدم دليل آخر واجب والحال يصلح للدفع لا للاستحقاق. م: (كما في جريان ماء الطاحونة) ش: فإن ربها مع المستأجر إذا اختلفا بعد مضي المدة في جريان الماء وانقطاعه بحكم الحال، فإن كان جاريا في الحال، كان القول قول رب الطاحونة، وإن لم يكن جاريا كان القول قول المستأجر م: (وهذا) ش: أي تحكيم الحال م: (ظاهر) ش: نحن م: (نعتبره للدفع) ش: أي لدفع استحقاقها الميراث م: (وما ذكره) ش: أي: زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يعتبره للاستحقاق) ش: وفي بعض النسخ: وما ذكره أي زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والظاهر يعتبر للدفع لا للاستحقاق. م: (ولو مات المسلم وله امرأة نصرانية فجاءت مسلمة بعد موته، وقالت: أسلمت قبل موته، وقالت الورثة: لا بل أسلمت بعد موته، فالقول قولهم أيضا) ش: أي للورثة م: (ولا يحكم الحال) ش: أي لا يقال إنها مسلمة في الحال فتكون مسلمة قبل موته فلا يحكم الحال م: (لأن تحكيمه يؤدي إلى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 78 قال: ومن مات وله في يد رجل أربعة آلاف درهم وديعة، فقال المستودع: هذا ابن الميت لا وارث له غيره، فإنه يدفع المال إليه، لأنه أقر أن ما في يده حق الوارث خلافة، فصار كما إذا أقر   [البناية] جعله حجة للاستحقاق وهي محتاجة إليه) ش: أي إلى الاستحقاق وهو لا يصلح لذلك، وبه يتم الدليل وقوله م: (أما الورثة، فهم الدافعون) ش: إشارة إلى معنى آخر، وهو أن في كل مسألة منها اجتمع نوعا الاستصحاب، أما في الأولى، فلأن نصرانية امرأة النصراني كانت لما تبعه فيما مضى، ثم جاءت مسلمة، فادعت إسلاما حادثا، فبالنظر إلى ما كانت فيما مضى الأصل فيه أن يبقى هو من النوع الأول، وبالنظر إلى ما هو موجود في الحال الأصل فيه أن يكون موجودا فيما مضى، وهو من النوع الثاني. فلو اعتبرنا الأول حتى كان القول قولها، كان استصحاب الحال مثبتا، وهو باطل، فاعتبرنا الثاني ليكون دافعا، فبالنظر إلى النصرانية يقتضي بقاءها إلى ما بعد الموت، وبالنظر إلى الإسلام يقتضي أن يكون ثابتا قبل موته. فلو اعتبرناه لزم أن يكون الحال مثبتا، وهو لا يصلح، فاعتبرنا الأول ليكون دافعا، والورثة هم الدافعون فيتقيد بهم الاستبدال به وقوله: م: (ويشهد لهم ظاهر الحدوث أيضا) ش: دليل آخر وهو أن الإسلام حادث، والحادث يضاف إلى أقرب الأوقات. فإن قيل: إن كان ظاهر الحدوث معتبرا في الدلالة، كان ظاهر في المسألة الأولى معارضا للاستصحاب ويحتاج إلى مرجع. والأصل عدمه، فالجواب: أنه معتبر في الدفع لا في الإثبات. وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبره للإثبات. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ونوقض بنقض إجمالي، وهو أن ما ذكرتم على الاستصحاب لا يصلح للإثبات، ولو كان صحيحا بجميع مقدماته لما قضى فيه بالأجر على المستأجر، إذا كان ماء الطاحونة جاريا عند الاختلاف، لأنه استدلال به لإثبات الأجر. والجواب: أنه استدلال به لدفع ما يدعي المستأجر على الأجر من ثبوت العيب الموجب بسقوط الأجر، فإنه بالعقد السابق الموجب له، فيكون دافعا لا موجبا. إلى هنا كلامه، ثم قال: واعتبر هذا واستغنى عما في " النهاية ". م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن مات وله في يد رجل أربعة آلاف درهم وديعة فقال المستودع) ش: أي الذي عنده الوديعة م: (هذا ابن الميت لا وارث له غيره، فإنه) ش: أي فإن المستودع م: (يدفع المال إليه) ش: أي إلى ابن الميت م: (لأنه أقر أن ما في يده حق الوارث خلافة) ش: أي من حيث الخلافة عن الميت. م: (فصار) ش: حكم هذا م: (كما إذا أقر) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 79 أنه حق المورث وهو حي أصالة، بخلاف ما إذا أقر لرجل أنه وكيل المودع بالقبض، أو أنه اشتراه منه حيث لا يؤمر بالدفع إليه؛ لأنه أقر بقيام حق المودع، إذ هو حي فيكون إقرارا على مال الغير ولا كذلك بعد موته، بخلاف المديون إذا أقر بتوكيل غيره بالقبض؛ لأن الديون تقضى بأمثالها، فيكون إقرارا على نفسه فيؤمر بالدفع إليه ولو قال المودع لآخر: هذا ابنه أيضا، وقال الأول: ليس له ابن غيري قضى بالمال للأول؛ لأنه لما صح إقراره للأول انقطع يده عن المال فيكون هذا إقرارا على الأول، فلا يصح إقراره للثاني كما إذا كان الأول ابنا انقطع يده عن المال، فيكون هذا إقرارا على الأول فلا يصح إقراره للثاني كما لو كان الأول ابنا معروفا، ولأنه حين أقر للأول لا مكذب له فصح، وحين أقر للثاني له مكذب فلم يصح.   [البناية] ش: أي المستودع م: (أنه حق المورث) ش: بكسر الراء م: (وهو حي) ش: أي والحال أنه حي م: (أصالة) ش: أي من حيث الأصالة م: (بخلاف ما أقر) ش: أي المستودع م: (لرجل أنه وكيل المودع) ش: بكسر الدال م: (بالقبض أو أنه اشتراه منه) . ش: أي أقر أن الرجل المقر له عين الوديعة من المودع م: (حيث لا يؤمر بالدفع إليه؛ لأنه أقر بقيام حق المودع) ش: بكسر الدال م: (إذ هو حي) ش: أي والحال أنه حي م: (فيكون) ش: إقراره م: (إقرارا على مال الغير) ش: فلا يصح لأن إقراره حجة قاصرة عليه، فلا يصح في حق الغير م: (ولا كذلك) ش: أي وليس الحكم كما ذكره م: (بعد موته) ش: أي بعد موت المودع. م: (بخلاف المديون إذا أقر بتوكيل غيره بالقبض) ش: يعني إذا أقر المديون لرجل أنه وكيل صحاب الدين يقبض الدين حيث يؤمر بالدفع م: (لأن الديون تقضى بأمثالها) ش: لا بأعيانها م: (فيكون إقرارا على نفسه فيؤمر بالدفع إليه) ش: ومن أقر على نفسه يؤمر بالخروج عن عهدته. م: (ولو قال المودع) ش: بفتح الدال م: (لآخر) ش: أي لشخص آخر م: (هذا ابنه أيضا، وقال الأول) ش: أي الابن الأول م: (ليس له ابن غيري قضى بالمال للأول؛ لأنه لما صح إقراره للأول انقطع يده عن المال، فيكون هذا إقرارا على الأول، فلا يصح إقراره للثاني كما إذا كان الأول ابنا) ش: أي الابن الأول ليس له ابن غيري يقضي بالمال للأول؛ لأنه لما صح إقراره للأول م: (انقطع يده عن المال، فيكون هذا إقرارا على الأول، فلا يصح إقراره للثاني كما لو كان الأول) ش: أي الابن الأول م: (ابنا معروفا) ش: لأنه لا مزاحم له م: (ولأنه حين أقر للأول لا مكذب له) ش: يعني لم يكذب به أحد م: (فصح) ش: أي إقراره م: (وحين أقر للثاني) ش: أي للابن الثاني م: (له مكذب) ش: وهو الابن الأول م: (فلم يصح) ش: واعترض بأن تكذيب غيره ينبغي أن لا يؤثر في إقراره، فيجب عليه ضمان نصف ما أدى للأول. وأجابوا بالتزام ذلك إذا دفع الجميع بلا قضاء كالذي أقر بتسليم الوديعة من القاضي بعدما أقر لغير من أقر له القاضي، وأما إن كان الدفع بقضاء، كان في الإقرار الثاني مكذبا شرعا، فلا يلزمه الإقرار. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 80 قال: وإذا قسم الميراث بين الغرماء والورثة، فإنه لا يؤخذ منهم كفيل ولا من وارث وهذا شيء احتاط به بعض القضاة، وهو ظلم وهذا وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يأخذ الكفيل، والمسألة فيما إذا ثبت الدين والإرث بالشهادة، ولم يقل الشهود: لا نعلم له وارثا غيره.   [البناية] [أخذ الكفيل من الغرماء والوارث] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا قسم الميراث بين الغرماء والورثة، فإنه لا يؤخذ منهم كفيل) ش: أي من الغرماء م: (ولا من وارث) ش: أي ولا يؤخذ أيضا كفيل من وارث م: (وهذا شيء) ش: أي أخذ الكفيل الشيء م: (احتاط به بعض القضاة) ش: وكان ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - يفعل كذلك بالكوفة في قضائه م: (وهو ظلم) ش: هذا دليل على أن المجتهد يخطئ ويصيب، ونص على أن الإمام أسبق الأئمة أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأصحابه براءة عن مذهب أهل الاعتزال، حيث قالوا: كل مجتهد مصيب. م: (وهذا) ش: أي عدم أخذ الكفيل من الغرماء والوارث م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . م: (وقالا: يأخذ الكفيل) ش: أي لا يدفع المال إليهم حتى يأخذ الكفيل، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال في قول آخر: لا يجب أخذ الكفيل؛ بل يستحب. وقيل: إن كان الوارث ممن يحجب وجب، وإلا فلا، وقيل: إن كان الوارث مأمونا لا يجب، وإن كان غير مأمون يجب، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا الدفع إلى الوارث، إنما يصح إذا كان وارثا لا يحجب بغيره، وإن كان يحجب بغيره لا يدفع المال إليه. وإن كان وارثا يختلف نصيبه ولا يحجب، ويدفع إليه أقل النصيبين عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أوفر النصيبين، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، وقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مضطرب، ذكره الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أدب القاضي ". م: (والمسألة فيما إذا ثبت الدين والإرث بالشهادة، ولم يقل الشهود: لا نعلم له وارثا غيره) ش: قيد بقوله ولم يقل الشهود.. إلى آخره؛ لأنهم إذا قالوا ذلك، يدفع إليه المال بلا أخذ كفيل بالاتفاق، وعند ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يثبت إرثه حتى يقول الشهود: لا وارث له سواه، ويأخذ الكفيل عنده في هذه الصورة أيضا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، وقال في وجه: يجب أخذ الكفيل في جميع الصور. وإذا شهدوا أنه ابن فلان مالك هذه الدار، ولم يشهدوا على عدد الورثة، ولم يقولوا في شهادتهم: لا نعلم له وارثا غيره، فإن القاضي يتلوم زمانا على قدر ما يرى، وقدر الطحاوي مدة التلوم بالحول فإن حضر وارث غيره قسمت فيما بينتهم، وإن لم يحضر دفع الدار إليه إن كان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 81 لهما أن القاضي ناظر للغيب. والظاهر أن في التركة وارثا غائبا أو غريما غائبا؛ لأن الموت قد يقع بغتة فيحتاط بالكفالة، كما إذا دفع الآبق واللقطة إلى صاحبه أو أعطى امرأة الغائب النفقة من ماله. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن حق الحاضر ثابت قطعا أو ظاهرا فلا يؤخر لحق موهوم إلى زمان التكفيل، كمن أثبت الشراء ممن في يده أو أثبت الدين على العبد حتى يبيع في دينه لا يكفل، ولأن المكفول له مجهول، فصار كما إذا كفل لأحد الغرماء، بخلاف النفقة   [البناية] الحاضر ممن لا يحجب حرمانا كالأب والابن وإن كان يحجب بغيره كالجد والأخ، فإنه لا يدفع إليه، وإن كان ممن يحجب نقصانا كالزوج والزوجة يدفع إليه أوفر النصيبين، وهو النصف والربع عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأقلهما وهو الربع والثمن عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مضطرب. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن القاضي ناظر للغيب) ش: بضم الغين المعجمة وتشديد الياء جمع غائب م: (والظاهر أن في التركة وارثا غائبا أو غريما غائبا؛ لأن الموت قد يقع بغتة فيحتاط بالكفالة، كما إذا دفع) ش: القاضي اللقطة إلى رجل أثبت عنده أنه صاحبه، فإنه يأخذ منه كفيلا م: (الآبق واللقطة) ش: أي وكما إذا دفع العبد الآبق م: (إلى صاحبه) ش: فإنه يأخذ منه كفيلا احتياطا م: (أو أعطى) ش: أي وكما إذا أعطى م: (امرأة الغائب النفقة من ماله) ش: أي من مال الزوج بأن كان عند إنسان وديعة يقر بها المودع ويقر بقيام النكاح، فإنه يفرض لها النفقة ويأخذ منها كفيلا احتياطا. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن حق الحاضر ثابت قطعا) ش: فيما إذا كان القاضي يعرف يقينا أنه لا وارث لميت غير الحاضر م: (أو ظاهرا) ش: فيما إذا لم يعرف القاضي وارثا آخر واحتمل وجود الآخر وعدمه، فإذا كان الأمر كذلك م: (فلا يؤخر) ش: أي حق الحاضر م: (لحق موهوم إلى زمان التكفيل) ش: لأن القاضي ليس بمكلف بإظهاره، بل بما ظهر عنده من الحجة، فكان العمل بالظاهر واجبا عليه م: (كمن أثبت الشراء ممن في يده أو أثبت الدين على العبد حتى يبيع في دينه لا يكفل) ش: أي من المشتري أو من رب الدين مع احتمال مشتر آخر ودين آخر. فلو أخذ الكفيل بناء على هذا الاحتمال يكون الأدنى معارضا على الحجة الأعلى وأنه لا يجوز م: (ولأن المكفول له مجهول) ش: هذا دليل آخر على عدم جواز أخذ الكفيل، وذلك لما تقدم أن جهالة المكفول له تمنع صحة الكفالة، وهنا المكفول له مجهول فلا يصح. م: (فصار كما إذا كفل لأحد الغرماء) ش: ولم يعين من هو، فإنه لا يصح م: (بخلاف النفقة) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 82 لأن حق الزوج ثابت وهو معلوم. وأما الآبق واللقطة ففيه روايتان. والأصح أنه على الخلاف، وقيل: إن دفع بعلامة اللقطة أو إقرار العبد، يكفل بالإجماع؛ لأن الحق غير ثابت. ولهذا كان له أن يمنع. وقوله: ظلم، أي ميل عن سواء السبيل، وهذا يكشف عن مذهبه - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المجتهد يخطئ ويصيب، لا كما ظنه البعض. قال: وإذا كانت الدار في يد رجل وأقام الآخر البينة أن أباه مات وتركها ميراثا بينه وبين أخيه فلأن الغائب قضي له بالنصف وترك النصف الآخر في يد الذي هي في يده،   [البناية] ش: هذا جواب عما استشهد به من المسائل أما النفقة م: (لأن حق الزوج ثابت) ش: في الوديعة م: (وهو) ش: أي الزوج م: (معلوم) ش: أيضا فصحت الكفالة. م: (وأما الآبق واللقطة ففيه) ش: أي ففي كل واحد منهما م: (روايتان) ش: قال في رواية: لا أحب أن يأخذ منه كفيلا، وقال في رواية: أحب إلي أن يأخذ منه كفيلا م: (والأصح أنه على الخلاف) ش: المذكور إذا ظهر الاستحقاق بالبينة، وقالوا في " شروح الجامع الصغير "، والصحيح أن الرواية الأولى قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فعلى ما قالوا لا يصح قياسا على تلك المسألة. م: (وقيل: إن دفع بعلامة اللقطة أو إقرار العبد) ش: فإنه لمن يطلبه م: (يكفل بالإجماع؛ لأن الحق غير ثابت) ش: لأن العلامة أو قول العبد لا يوجب الاستحقاق م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (كان له) ش: أي للقاضي م: (أن يمنع) ش: أي من الدفع، فصح تأخيره للتكفيل صيانة للقضاء. م: (وقوله) ش: أي وقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " حين سأله أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن مسألة قسمة الميراث بين الغرماء م: (ظلم أي ميل عن سواء السبيل) ش: إنما ذكره تمهيدا لما ذكره بقوله: م: (وهذا) ش: أي إطلاق الظلم على المجتهد فيه م: (يكشف عن مذهبه - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن المجتهد يخطئ ويصيب لا كما ظنه البعض) ش: وهم المعتزلة أن كل مجتهد مصيب، على مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإنما وقعوا في هذا الظن بسبب ما نقل عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال ليوسف بن خالد السمتي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كل مجتهد مصيب، والحق عند الله واحد، قلنا: معناه مصيب في الاجتهاد، حتى يكون مثابا، وإن وقع اجتهاده مخالفا عند الله عز وجل. فقد قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو تلاعنا ثلاثا ففرق القاضي بينهما، فقد قضاه وقد أخطأ السنة جعل قضاءه صوابا، مع فتواه أنه يخطئ بالحق عند الله عز وجل، كذا في "التقويم ". م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -[في] " الجامع الصغير " م: (وإذا كانت الدار في يد رجل وأقام الآخر) ش: أي رجل آخر م: (البينة أن أباه مات وتركها) ش: أي الدار م: (ميراثا بينه وبين أخيه فلأن الغائب قضي له بالنصف) ش: أي بنصف الدار م: (وترك النصف الآخر في الذي هي في يده، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 83 ولا يستوثق منه بكفيل، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: إن كان الذي هي في يده جاحدا، أخذ منه وجعل في يد أمين، وإن لم يجحد ترك في يده، لهما أن الجاحد خائن فلا يترك المال في يده، بخلاف المقر لأنه أمين، وله أن القضاء وقع للميت مقصودا واحتمال كونه مختارا للميت ثابت، فلا تنقض يده كما إذا كان مقرا وجحوده قد ارتفع بقضاء القاضي، والظاهر عدم الجحود في المستقبل لصيرورة الحادثة معلومة له وللقاضي. ولو كانت الدعوى في منقول فقد قيل: يؤخذ منه بالاتفاق؛ لأنه يحتاج فيه إلى الحفظ والنزع أبلغ فيه، بخلاف العقار لأنها محصنة بنفسها، ولهذا   [البناية] ولا يستوثق منه) ش: أي من صاحب اليد م: (بكفيل) ش: أي لا يؤخذ من ذي اليد كفيل م: (وهذا) ش: أي ترك النصف الآخر في يد من في يده م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش:. وعدم الاستيثاق بالكفيل هنا فبالإجماع، والخلاف في الذي ذكرناه. م: (وقالا) ش: أي أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (إن كان الذي هي في يده جاحدا أخذ منه) ش: أي أخذ منه الكفيل م: (وجعل في يد أمين) ش: حتى تقدم الغائب م: (وإن لم يحجد ترك في يده) ش: لأنه أمين م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أن الجاحد خائن فلا يترك المال في يده، بخلاف المقر لأنه أمين) ش: فترك في يده م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن القضاء وقع للميت مقصودا) ش: لأن القضاء بالإرث قضاء للميت، ولهذا يقضي ديونه منه وينفذ وصاياه م: (واحتمال كونه) ش: أي كون صاحب اليد م: (مختارا للميت ثابت، فلا تنقض يده) ش: بقيد من غير مختار له، وإنما قال واحتمال كونه، لأن كون المال بيد من لو بيده باختيار الميت ليس بقطعي. واحتمال ذلك يفيد المطلوب فاكتفى به م: (كما إذا كان) ش: من بيده م: (مقرا) ش: فإنه إنما يترك الباقي بيده كذلك. م: (وجحوده) ش: هذا جواب عما ذكراه، ووجهه أن الخيانة الجحود م: (قد ارتفع بقضاء القاضي) ش: وكذا لازمه م: (والظاهر عدم الجحود في المستقبل لصيرورة الحادثة معلومة له) ش: أي للابن م: (وللقاضي) ش: فالظاهر أنه إنما جحد لاشتباه الأمر عليه، وقد زال ذلك بالحجة. م: (ولو كانت الدعوى في منقول) ش: والمسألة بحالها. م: (فقد قيل: يؤخذ) ش: أي النصف الآخر م: (منه) ش: أي من الذي يده م: (بالاتفاق؛ لأنه يحتاج فيه إلى الحفظ والنزع أبلغ فيه) ش: أي في القول لأنه لما جحد ربما يتصرف فيه إما لخيانة أو لزعمه أنه ملكه، فالأخذ منه أبلغ في الحفظ. م: (بخلاف العقار؛ لأنها محصنة بنفسها، ولهذا) ش: أي ولكون العقار محصنة بنفسها الجزء: 9 ¦ الصفحة: 84 يملك الوصي بيع المنقول على الكبير الغائب دون العقار، وكذا حكم وصي الأم والأخ والعم على الصغير. وقيل: المنقول على الخلاف أيضا، وقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه أظهر لحاجته إلى الحفظ، وإنما لا يؤخذ الكفيل لأنه إنشاء الخصومة، والقاضي إنما نصب لقطعها لا لإنشائها، وإذا حضر الغائب لا يحتاج إلى إعادة البينة ويسلم النصف إليه بذلك القضاء؛ لأن أحد الورثة ينتصب خصما عن الباقين فيما يستحق له عليه دينا كان أو عينا؛ لأن المقضي له وعليه إنما هو   [البناية] م: (يملك الوصي بيع المنقول على الكبير الغائب دون العقار، وكذا حكم وصي الأم والأخ والعم على الصغير) ش: من بيع العروض على الكبير، وإنما خصهم بالذكر إذ ليس لهم ولاية التصرف ولهم ولاية الحفظ، وهذا من باب الحفظ م: (وقيل: المنقول على الخلاف أيضا) ش: يعني لا يؤخذ نصيب الغائب من يد المدعى عليه على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما. وقال الأستروشني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "فصوله": وأما المنقول فلا شك أن على قولهما يؤخذ نصيب الغائب من يده ويوضع على يدي عدل. واختلف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قال بعضهم: لا ينزع من يده، وقال بعضهم: ينزع من يده. م: (وقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه) ش: أي في المنقول م: (أظهر) ش: من قوله في العقار م: (لحاجته إلى الحفظ) ش: أي لحاجة المنقول إلى الحفظ، فإذا لم ينزع من يده كان مضمونا عليه، وإذا نزع منه لم يبق مضمونا عليه، فكان الحفظ في عدم النزع أكثر م: (وإنما لا يؤخذ الكفيل) ش: هذا راجع إلى قوله، ولا تستوثق منه بكفيل، ومعناه أخذ الكفيل م: (لأنه إنشاء الخصومة) ش: لأن من بيده الباقي قد لا تصح نفسه بإعطائه، والقاضي يطالبه فتنشأ الخصومة والقاضي لم ينصب لإنشائها بل لقطعها، وهو معنى قوله م: (والقاضي إنما نصب لقطعها) ش: أي لقطع الخصومة م: (لا لإنشائها) . فإن قيل: هب أن القاضي لم ينصب لذلك، فيكون الخصم هو الحاضر يطالبه بالكفيل، والقاضي يقطعها بحكمه بإعطائه. أجاب الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه بقوله: يجعل تركيب الدليل هكذا طلب الكفيل هاهنا إنشاء خصومة وهو مشروع لقطع الخصومة ورفعها، فلما فرضناه رافعا لشيء كان منشأ له، وهذا خلف باطل. م: (وإذا حضر الغائب) ش: وأخذ نصيبه هل يكلف إلى إعادة البينة أم لا، فقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لا يحتاج إلى إعادة البينة) ش: في أخذ نصيبه من ذي اليد م: (ويسلم النصف إليه بذلك القضاء) ش: لأن بينة الحاضر كانت له ولأخيه الغائب م: (لأن أحد الورثة ينتصب خصما عن الباقين فيما يستحق له) ش: أي للميت. م: (وعليه) ش: أي وعلى الميت سواء كان م: (دينا كان أو عينا؛ لأن المقضي له وعليه إنما هو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 85 الميت في الحقيقة، وواحد من الورثة يصلح خليفة عنه في ذلك، بخلاف الاستيفاء لنفسه؛ لأنه عامل فيه لنفسه، فلا يصلح نائبا عن غيره، ولهذا لا يستوفي إلا نصيبه، وصار كما إذا قامت البينة بدين الميت إلا أنه إنما يثبت استحقاق الكل على أحد الورثة إذا كان الكل في يده. ذكره في " الجامع "؛ لأنه لا يكون خصما بدون اليد فيقتصر القضاء على ما في يده. قال: ومن قال مالي في المساكين صدقة فهو على ما فيه الزكاة،   [البناية] الميت في الحقيقة، وواحد من الورثة يصلح خليفة عنه) ش: أي عن الميت م: (في ذلك) ش: الأمر وهو اختيار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - واختيار فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - والخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومنهم من قال: يكلف بإعادة البينة على قياس قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قتل العمد إذا أقام الحاضر البينة: أن فلانا قتل أباه عمدا ثم حضر الغائب، يحتاج إلى إقامة البينة. م: (بخلاف الاستيفاء) ش: جواب عما يقال: لو صلح أحدهم للخلافة كان كالميت، وجاز له استيفاء الجميع كالميت لكن لا يدفع إليه سوى نصيبه بالإجماع. تقرير الجواب: أن الاستيفاء م: (لنفسه) ش: خلاف ذلك م: (لأنه) ش: أي لأن المستوفي م: (عامل فيه لنفسه فلا يصلح نائبا عن غيره) ش: ولقائل أن يقول: فليكن عاملا لنفسه في نصيبه، ونائبا عن غيره فيما زاد ولا محظور فيه. وجوابه: في المسائل قال: لكن لا يدفع إليه سوى نصيبه بالإجماع وما كان كذلك لا يقبل التشكيك م: (ولهذه) ش: أي ولأجل كون العامل لنفسه لا يصلح أن يكون نائبا لغيره م: (لا يستوفي) ش: الحاضر م: (إلا نصيبه، وصار كما إذا قامت البينة بدين الميت) ش: فإنه يقضي بالكل، ولا يأخذ إلا نصيب نفسه م: (إلا أنه) ش: استثناء من قوله: لأن أحد الورثة ينتصب خصما إلى قوله له وعليه، يعني أنه لو ادعى أحد على أحد الورثة دينا على الميت يكون هو خصما في جميع التركة لا يكون قضاء على جميع الورثة إن كانت التركة جميعها في يده، وهو معنى قوله: إلا أنه أي إلا أن الشأن م: (إنما يثبت استحقاق الكل على أحد الورثة إذا كان الكل) ش: أي كل التركة م: (في يده) ش: أي في يد الحاضر م: (ذكره في " الجامع ") ش: أي " الجامع الكبير " في باب الشهادة في المواريث م: (لأنه) ش: أي لأن الحاضر م: (لا يكون خصما بدون اليد فيقتصر القضاء على ما في يده) ش: وفي " الكافي ": أن دعوى العين لا يتوجه إلا على ذي اليد، وإنما ينتصب أحد الورثة خصما عن الباقين إذا كان المدعي في يده، وهذا بخلاف دعوى الدين، فإن أحد الورثة ينتصب خصما، وإن لم يكن في يده شيء من التركة، وكذا ذكره في " المحيط " و" الذخيرة ". [قال مالي في المساكين صدقة] م: (قال: ومن قال: مالي في المساكين صدقة فهو على ما فيه الزكاة) ش: أي يجب عليه أن يتصدق بجميع ما يملكه من أجناس الأموال التي يجب فيها الزكاة، كالنقدين والسوائم وأموال التجارة بلغ النصاب أم لا، إلا أن المعتبر هو جنس مال الزكاة، والقليل منه، ولهذا قالوا: إذا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 86 وإن أوصى بثلث ماله فهو على ثلث كل شيء، والقياس أن يلزمه التصدق بالكل، وبه قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لعموم اسم المال كما في الوصية. وجه الاستحسان أن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى فينصرف إيجابه إلى ما أوجب الشارع فيه الصدقة من المال.   [البناية] نذر أن يتصدق بماله وعليه دين يحيط بماله لزمه التصدق به، فإن قضى به دينه لزمه التصدق بقدره عند تملكه، ولا يجب التصدق بالأموال التي لا يجب في جنسها الزكاة كالعقار والرقين وأثاث المنازل وثياب البذلة وغير ذلك. م: (وإن أوصى بثلث ماله فهو على ثلث كل شيء، والقياس) ش: في الأول أيضا م: (أن يلزمه التصدق بالكل، وبه) ش: أي بالقياس م: (قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قول النخعي والليثي - رحمهمها الله -، واستدل زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نذر أن يطيع الله فليطيعه» . والجواب عنه: أنا نحن نقول به، وقد بينا الفرق بين الوصية والنذر، وقال الزهري ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يتصدق بثلث ماله، سواء كان زيوفا أم لا، لما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأبي لبابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين قال: إن من توبتي يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أنخلع من مالي، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يجزئك الثلث» ، والجواب عليه أنه ليس بنذر، وليس هو محل النزاع. وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": ذكر أبو يوسف [في] " الأمالي " حكاه عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعن نفسه أنه إذا قال: مالي في المساكين صدقة انصرف إلى مال الزكاة، وإذا قال: ما أملك صدقة انصرف إلى جميع الأموال، وفي قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتصدق بثلث ماله. وفي قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه كفارة اليمين. وروي عن الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يجب عليه شيء، إلى هنا لفظ الفقيه أبي الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وجه القياس في التصدق بالكل، ما قاله زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لعموم اسم المال) ش: فإنه عام يتناول ما تجب فيه الزكاة، وما لا يجب فيه الزكاة فينصرف إلى الكل م: (كما في الوصية) ش: فإنه إذا أوصى بثلث ماله ينصرف إلى الكل، ولا يختص بما فيه الزكاة م: (وجه الاستحسان أن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى) ش: فإيجاب الله الصدقة في مطلق المال ينصرف إلى مال الزكاة، فكذا إيجاب العبد م: (فينصرف إيجابه) ش: أي إيجاب العبد م: (إلى ما أوجب الشارع فيه الصدقة من المال) ش: ولا يرد الاعتكاف حيث لم يوجب في الشرع من جنسه، وهو معتبر لأنه لبث في مسجد جماعة عبادة، وهو من جنس الوقوف الجزء: 9 ¦ الصفحة: 87 أما الوصية فأخت الميراث؛ لأنها خلافة كهي، فلا تختص بمال دون مال، ولأن الظاهر التزام الصدقة من فاضل ماله، وهو مال الزكاة. أما الوصية فتقع في حال الاستغناء، فينصرف إلى الكل، وتدخل فيه الأرض العشرية عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنها سبب الصدقة، إذ جهة الصدقة في العشرية راجحة عنده. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تدخل لأنها سبب المؤنة إذ جهة المؤنة راجحة عنده، ولا تدخل أرض الخراج بالإجماع؛ لأنه يتمحض مؤنة. ولو قال: ما أملكه صدقة في المساكين، فقد قيل: يتناول كل مال؛ لأنه أعم من لفظ المال،   [البناية] بعرفات، أو لأنه في معنى الصلاة، لأنه انتظار أوقات الصلاة، ولهذا اختص بمسجد جماعة والمنتظر للصلاة كأنه في الصلاة. م: (أما الوصية فأخذت الميراث لأنها) ش: أي لأن الوصية م: (خلافة كهي) ش: أي كالوراثة أن في كل منهما تمليك مضافا إلى ما بعد الموت م: (فلا تختص) ش: أي الوصية م: (بمال دون مال) ش: كالميراث لا يختص بمال الزكاة م: (ولأن الظاهر) ش: دليل آخر، أي ولأن الظاهر من حال الناذر م: (التزام الصدقة من فاضل ماله، وهو مال الزكاة) ش: لأن الحياة مظنة الحاجة إلى ما تقوم به حوائجه الأصلية فيختص النذر بمال الزكاة. م: (أما الوصية فتقع في حال الاستغناء) ش: عن الأموال م: (فينصرف إلى الكل) ش أي كل الأموال م: (وتدخل فيه) ش: أي في النذر م: (الأرض العشرية عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنها) ش: أي لأن الأرض العشرية م: (سبب الصدقة) ش: وهي العشر، فكانت الأرض العشرية بمنزلة مال التجارة من حيث أنها من جنس مال الزكاة التي تجب فيها الصدقة. ولا يقال في عشر يعني المؤنة بالحديث، فقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (إذ جهة الصدقة) ش: أي العبادة م: (في العشرية راجحة عنده) ش: أي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تدخل لأنها) ش: أي لأن الأرض العشرية على تأويل المكان أو لتذكير الخبر، كما في قوله: هذا ربي م: (سبب المؤنة إذ جهة المؤنة راجحة عنده) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذكر الإمام التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا تدخل) ش: أي في النذر م: (أرض الخراج بالإجماع) ش: لأن مصرفة المقاتلة وفيهم الأغنياء وقوله م: (لأنه يتمحض مؤنة) ش: يتعلق بقوله: ولا يدخل. م: (ولو قال: ما أملكه صدقة في المساكين، فقد قيل: يتناول كل مال) ش: وهو رواية أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره في " الأمالي " وإليه ذهب محمد بن إبراهيم الميداني - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه أعم من لفظ المال) ش: إذ الملك يطلق على المال وعلى غيره، يقال النكاح، وملك القصاص وملك المتعة، بخلاف ما لو قال: عبده حر إن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 88 والمقيد إيجاب الشرع، وهو مختص بلفظ المال، فلا مخصص في لفظ الملك، فبقي على العموم، والصحيح أنهما سواء؛ لأن الملتزم باللفظين الفاضل عن الحاجة على ما مر، ثم إذا لم يكن له مال سوى ما دخل تحت الإيجاب يمسك من ذلك قوته، ثم إذا أصاب شيئا تصدق بمثل ما أمسك؛ لأن   [البناية] أملك إلا خمسين درهما، فإن ذلك ينصرف إلى مال الزكاة، وإن نص على لفظ الملك ذكره في " الجامع "، لأن بقرينة الاستثناء أن المراد من الملك المال، إذ استثناء الدراهم يدل أن المستثنى من جنسه. كذا ذكره المحبوبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والمقيد) ش: بتشديد الياء المكسورة، هذا جواب عما يقال الصدقة بالأموال مقيدة في الشرع بأموال الزكاة، فزيادة التعميم خروج عن الاعتبار الواجب الرعاية، وتقرير الجواب أن المقيد م: (إيجاب الشرع) ش: أي المقيد بمال الزكاة إيجاب الشرع م: (وهو مختص بلفظ المال) ش: قال الله عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] (التوبة: الآية 103) . وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هاتوا ربع عشر أموالكم» م: (فلا مخصص في لفظ الملك) ش: إذ لم يوجد من الله عز وجل إيجاب الصدقة مضافا إلى الملك تخصيصا بأموال الزكاة م: (فبقي على العموم) ش: وفيه نظر؛ لأنه حينئذ لا يكون إيجاب العبد معتبرا بإيجاب الشرع. م: (والصحيح أنهما) ش: أي أن لفظ "مالي وما أملك" م: (سواء) ش: فيما نحن فيه، يعني يختصان بالأموال الزكوية، وهو اختيار شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره في "مبسوطه" وهو اختيار أبي بكر البلخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ م: (لأن الملتزم باللفظين الفاضل عن الحاجة) ش: الملتزم بفتح الزاي. وأراد باللفظين قوله: مالي في المساكين صدقة، وقوله: ما أملك صدقة في المساكين ببيان هذا أن الملتزم بالصدقة، والصدقة إنما تجب على العبد شرعا في المال الفاضل عن الحاجة. وكذا في إيجاب العبد على نفسه، والفاضل عن الحاجة مال الزكاة، فلذلك اختص لفظ الملك والمال بمال الزكاة بدلالة لسان لفظ الصدقة، هكذا بخط شيخي العلامة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (على ما مر) . ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إشارة إلى ما ذكر من وجه الاستحسان بقوله: إن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى، وليس بواضح، لأنه أبطل ذلك الوجه بقوله م: (والمقيد إيجاب الشرع) ش: وهو بلفظ المال، ولعله إشارة إلى قوله: "ولأن الظاهر التزام الصدقة من فاضل ماله". م: (ثم إذا لم يكن له مال سوى ما دخل تحت الإيجاب يمسك من ذلك قوته) ش: لأن حاجته هذه مقدمة، إذ لو لم يمسك لاحتاج أن يسأل الناس من يومه، وقبيح أن يتصدق بماله ويسأل الناس من يومه م: (ثم إذا أصاب شيئا) ش: يعني إذا حصل له شيء من الدنيا م: (تصدق بمثل ما أمسك؛ لأن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 89 حاجته هذه مقدمة، ولم يقدر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لاختلاف أحوال الناس فيه. وقيل: المحترف يمسك قوته ليوم وصاحب الغلة لشهر، وصاحب الضياع لسنة على حسب التفاوت في مدة وصولهم إلى المال. وعلى هذا صاحب التجارة يمسك بقدر ما يرجع إليه ماله. قال: ومن أوصى إليه ولم يعلم بالوصاية حتى باع شيئا من التركة، فهو وصي والبيع جائز، ولا يجوز بيع الوكيل حتى يعلم، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجوز في الفصل الأول أيضا؛ لأن الوصاية إنابة بعد الموت، فتعتبر بالإنابة قبله، وهي الوكالة.   [البناية] حاجته هذه مقدمة) ش: على الصدقة وغيرها م: (ولم يقدر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: على صيغة المجهول يعني لم يبين في " المبسوط " مقدار ما يمسك م: (لاختلاف أحوال الناس فيه) ش: بكثرة العيال وقلتها. م: (وقيل: المحترف يمسك قوته ليوم) ش: أي لأجل نفقة يوم؛ لأن يده تصل إلى ما ينفق يوما فيوما م: (وصاحب الغلة) ش: أي صحاب الدور والحوانيت والبيوت التي يؤجرها م: (لشهر) ش: أي يمسك منه لأجل قوته لشهر واحد م: (وصاحب الضياع لسنة) ش: أي يمسك صاحب الضيعة لأجل قوت سنة، لأن يد الدهقان إنما يصل إلى ما ينفق سنة فسنة م: (على حسب التفاوت في مدة وصولهم إلى المال) ش: تارة يصل إلى المال عند معنى نصف سنة، وتارة في آخر سنة م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الاعتبار م: (صاحب التجارة يمسك بقدر ما يرجع إليه ماله) ش: اعتبارا لتفاوت وصولهم إلى المال. [أوصى إليه ولم يعلم حتى باع شيئا من التركة] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى إليه) ش: على صيغة المجهول م: (ولم يعلم بالوصاية) ش: أي ولم يعلم أنه وصي م: (حتى باع شيئا من التركة، فهو وصي والبيع جائز، ولا يجوز بيع الوكيل حتى يعلم) ش: إنه وكيل لتوقف التوكيل على العلم. وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يتوقف التوكيل على العلم، كالوصاية. وفي " الجامع " فإذا أعلمه إنسان فباع فهو جائز، ولا يكون نهيا عن الوكالة، حتى يشهد عنده شاهدان أو رجل عدل، هذا لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه، وفي شروحه أن عندهما يثبت العزل بخبر الواحد، سواء كان عدلا أو فاسقا أو عبدا أو حرا أو غير ذلك كالوكالة. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يجوز في الفصل الأول أيضا) ش: يعني لا يجوز بيع الوصي أيضا، قيل: العلم بالوصاية اعتبارا بالوكالة م: (لأن الوصاية إنابة بعد الموت فتعتبر بالإنابة قبله) ش: أي قبل الموت م: (وهي الوكالة) ش: أي الإنابة قبل الموت هي الوكالة. قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: لأن الوصاية إنابة، أي جعل الوصي نائبا عن نفسه، والإنابة يعني جعل الغير نائبا عن نفسه لم يوجد في كتب اللغة المتداولة بين الناس، بل هي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 90 ووجه الفرق على الظاهر أن الوصاية خلافة لإضافتها إلى زمان بطلان الإنابة، فلا يتوقف على العلم كما في تصرف الوارث أما الوكالة فإنابة لقيام ولاية المنوب عنه، فيتوقف على العلم، وهذا لأنه لو توقف على العلم لا يفوت النظر لقدرة الموكل، وفي الأول يفوت العجز الموصي، ومن أعلمه من الناس بالوكالة   [البناية] مستعملة فيها بمعنى الرجوع، كقولهم أناب إلى الله أي رجع. فلهذا عيب على صاحب الكتاب استعمال الإنابة، بمعنى جعل الغير نائبا عن نفسه، قال شيخي العلامة صاحب " النهاية ": ليس هذا هو موضع عيب إذ صاحب " الكشاف " استعملها في ذلك في "الكشاف " في سورة الروم، وكفى قوله حجة في اللغة؛ انتهى. قلت: لا يحتاج إلى هذه الحوالة، فإن الجوهري قال: ناب عني فلان أي قام مقامي، ويستخرج منه صحة قول المصنف. م: (ووجه الفرق) ش: بينهما م: (على الظاهر أن الوصاية خلافة لإضافتها إلى زمان بطلان الإنابة) ش: وهو بعد الموت م: (فلا يتوقف على العلم كما في تصرف الوارث) ش: بالبيع ولم يعلم بموت المورث فإنه صحيح. م: (أما الوكالة فإنابة لقيام ولاية المنوب عنه، فيتوقف على العلم، وهذا) ش: أي توقف الوكالة على العلم وعدم توقف الوصية عليه. م: (لأنه) ش: أي لأن التوكيل م: (لو توقف على العلم) ش: أي على العلم، وفي بعض النسخ لأنها لو توقفت عليه أي توقفت الوكالة على العلم م: (لا يفوت النظر لقدرة الموكل، وفي الأول يفوت لعجز الموصي) ش: أراد بالأول من الوصاية لو توقف على العلم يفوت النظر لعجز الموصي، لعدم قدرته، ثم اعلم أن هذا الذي ذكره من عدم جواز التصرف قبل العلم بالوكالة إذا ثبتت مقصودة، وكذلك إذن الصبي والعبد بالتجارة، إن كان قصدا لا يثبت بدون العلم؛ لأن الإذن من الآذان، يعني الإعلام، والإعلام لا يتصور بدون العلم. أما إذا ثبتت الوكالة في ضمن أمر الحاضر بالتصرف، ففيه روايتان: نحو أن يقول الموكل لرجل: اذهب بعبدي إلى فلان فيبيعه فلان منك، فذهب الرجل بالعبد إليه، وأعلمه أن صاحب العبد أمره ببيعه، فاشتراه صح شراؤه منه، وإن لم يخيره بذلك، واشتراه منه، ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب "الوكالة " أن البيع جائز، وجعل معرفة المشتري بالتوكيل كمعرفة البائع. وذكر في كتاب " الزيادات " أنه لا يجوز البيع، وأما العزل القصدي لا يصح بدون العلم، والحكم يصح بدونه، كما إذا مات الموكل، ونحو ذلك، وكذلك الحي. م: (ومن أعلمه) ش: أي من أعلم الوكيل م: (من الناس بالوكالة) ش: أطلق اسم الناس الجزء: 9 ¦ الصفحة: 91 يجوز تصرفه؛ لأنه إثبات حق لا إلزام أمر. قال: ولا يكون النهي عن الوكالة حتى يشهد عنده شاهدان أو رجل عدل، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: وهو والأول سواء؛ لأنه من المعاملات وبخبر الواحد فيها كفاية. وله أنه خبر ملزم فيكون شهادة من وجه، فيشترط أحد شطريها وهو العدد أو العدالة، بخلاف الأول، وبخلاف رسول الموكل؛ لأن عبارته كعبارة المرسل للحاجة إلى الإرسال، وعلى هذا الخلاف   [البناية] ليتناول كل مميز صغير أو كبير أو كافر أو مسلم م: (يجوز تصرفه، لأنه إثبات حق لا إلزام أمر) ش: أي إطلاق محض لا يشتمل على شيء من الإلزام، وما كان كذلك فقول الواحد فيه كاف. وفي " أصول شمس الأئمة " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المعاملات لا إلزام فيها، كالوكالات، والمضاربات، والإذن للعبد في التجارة يكفي فيها خبر الواحد. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - لا يثبت الوكالة والعزل عنها بخبر الواحد، وهذا من باب المعاملات، ولهذا لا يشترط فيه لفظ الشهادة م: (ولا يكون النهي عن الوكالة حتى يشهد عنده) ش: أي عند الوكيل م: (شاهدان أو رجل عدل) ش: والمراد من الشهادة الإخبار، إذ لفظ الشهادة ليس بشرط، ذكره في " جامع قاضي خان " - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهذا) ش: أي اشتراط الشاهدين أو رجل عدل م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . م: (وقالا: هو) ش: أي النهي عن الوكالة م: (والأول) ش: هو الإعلام بالوكالة م: (سواء) ش: في الاكتفاء بخبر الواحد م: (لأنه) ش: أي لأن العزل م: (من المعاملات وبخبر الواحد) ش: أي وبإخبار الواحد م: (فيها) ش: أي في المعاملات م: (كفاية) ش: فيثبت بخبر الفاسق اعتبارا بالوكالة، والإذن للعبد في التجارة بخلاف الديانات، فإنها لا تثبت بخبر الفاسقين، فلأن لا تثبت بخبر الواحد الفاسق أولى، كذا ذكره المحبوبي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أنه) ش: أي أن العزل م: (خبر ملزم) ش: أما كونه خبر فلأنه كلام يحتمل الكذب يحصل به الإعلام، وأما كونه ملزم لأنه يلزم الامتناع عن التصرف م: (فيكون شهادة من وجه) ش: دون وجه. فمن حيث إنه ضرر يلزم الوكيل من حيث منعه عن التصرف تشترط الشهادة م: (فيشترط أحد شطريها) ش: أي أحد شطري الشهادة م: (وهو) ش: أي أحد شطري الشهادة م: (العدد) ش: بأن يكون اثنان م: (أو العدالة) ش: بأن يكون واحدا عدلا م: (بخلاف الأول) ش: أي التوكيل؛ لأنه لا إلزام فيه بوجه م: (وبخلاف رسول الموكل) ش: فإنه لا يشترط فيه أيضا شيء من ذلك م: (لأن عبارته) ش: أي عبارة الرسول م: (كعبارة المرسل للحاجة إلى الإرسال) ش: إذ ربما لا يتفق لكل أحد في كل وقت بالغ عدل يرسله إلى وكيله. م: (وعلى هذا الخلاف) ش: يعني الذي ذكره بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه في اشتراط أحد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 92 إذا أخبر المولى بجناية عبده، والشفيع والبكر والمسلم الذي لم يهاجر إلينا، قال: وإذا باع القاضي أو أمينه عبدا للغرماء وأخذ المال فضاع واستحق العبد لم يضمن؛ لأن أمين القاضي قائم مقام القاضي، والقاضي قائم مقام الإمام، وكل واحد منهم   [البناية] شطريها، وهاهنا ست مسائل ذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - منها خمسة منها: عزل الوكيل وقد مضى ذكر الأربعة بعد ذلك، الأولى قوله م: (إذا أخبر المولى بجناية عبده) فإن أخبره اثنان أو واحد عدل، فتصرف فيه بعده بعتق أو بيع، كان اختيارا منه للغد، أو إن أخبره فاسق فصدقه فكذلك، وإلا فعلى الاختلاف فعنده لا يكون اختيارا خلافا لهما. الثانية: في قوله م: (والشفيع) ش: إذا أخبره اثنان أو عدل بالبيع، فسكن سقطت شفاعته وإن أخبره فاسق فعلى الاختلاف. الثالثة: هي قوله: م: (والبكر) ش: إذا بلغها تزوج الولي، فسكتت، فإن أخبرها اثنان أو عدل كان رضاء بلا خلاف، وإن أخبرها فاسق، فعلى الاختلاف، الرابعة: هي قوله: م: (والمسلم الذي لم يهاجر إلينا) ش: إذا أخبره اثنان أو عدل مما عليه من الفرائض لزمته وبتركها يجب القضاء. وإن أخبره فاسق وكذبه، فعلى الاختلاف فعنده لا يلزمه خلافا لهما. والسادسة: التي لم يذكرها المصنف: عزل المأذون إذا أخبره واحد بالحجر من تلقاء نفسه وهو عدل، أو اثنان ثبت الحجر صدق العبد أو كذب، وإن كان فاسقا وكذبه ثبت الحجر عندهما، خلافا لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيد بتلقاء نفسه؛ لأن حكم الرسول حكم مرسله كما ذكرنا. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا باع القاضي أو أمينه عبدا للغرماء وأخذ المال) ش: أي الثمن م: (فضاع) ش: أي الثمن م: (واستحق العبد لم يضمن) ش: أي القاضي أو أمينه صورة المسألة في " الجامع ": محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عنه في الرجل يموت وعليه دين مائة درهم لرجل وله عبد يساوي مائة درهم، فيرفع الغريم الوصي إلى القاضي، فيأمر بالبيع للغريم في دينه، فيبيعه بمائة درهم لقبض الوصي الثمن، فيهلك ثم يستحق العبد من يد المشتري. قال: يرجع المشتري على الغريم بالثمن، والوارث إذا بيع له بمنزلة الغريم سواء. إلى هنا لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أصل " الجامع الصغير "، والمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر بيع القاضي وبيع أمينه. ثم ذكر أن أمين القاضي لم يضمن م: (لأن أمين القاضي قائم مقام القاضي، والقاضي قائم مقام الإمام) ش: والإمام لا يضمن، فكذا القاضي أو أمينه وهو معنى قوله م: (وكل واحد منهم) ش: أي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 93 لا يلحقه ضمانا كيلا يتقاعد الناس عن قبول هذه الأمانة فتضيع الحقوق ويرجع المشتري على الغرماء؛ لأن البيع واقع لهم، فيرجع عليهم عند تعذر الرجوع على العاقد، كما إذا كان العاقد محجورا عليه ولهذا يباع بطلبهم، وإن أمر القاضي الوصي ببيعه للغرماء، ثم استحق أو مات قبل القبض وضاع المال، رجع المشتري على الوصي لأنه عاقد نيابة عن الميت، وإن كان بإقامة القاضي عنه فصار كما إذا باعه بنفسه. وقال: ويرجع الوصي على الغرماء لأنه عامل لهم، وإن ظهر للميت مال يرجع الغريم فيه بدينه.   [البناية] من الإمام والقاضي وأمينه م: (لا يلحقه ضمانا كيلا يتقاعد الناس) ش: أي كل واحد منهم م: (عن قبول هذه الأمانة) ش: خوفا من الضمان م: (فتضيع الحقوق) ش: أي حقوق المسلمين م: (ويرجع المشتري على الغرماء؛ لأن البيع واقع لهم) ش: أي للغرماء فإذا كان ذلك م: (فيرجع عليهم) ش: أي على الغرماء م: (عند تعذر الرجوع على العاقد، كما إذا كان العاقد محجورا عليه) ش: عند تعذر الرجوع. أطلق لفظ المحجور ليتناول العبد المحجور والصبي المحجور، فإن من وكل صبيا محجورا يعقل البيع والشراء، أو عبدا محجورا جاز العقد بمباشرتهما، ولا يتعلق حقوق العبد بهما، بل يتعلق بموكلهما. وإذا تعذر تعليق الحقوق هنا على العاقد، يتعلق بأقرب الناس إلى العاقد كما في توكيل المحجور، وأقرب الناس فيما نحن فيه الغريم، لوقوع العقد له كما في الوكيل. م: (ولهذا) ش: أي لأجل وقوع البيع لأجل الغرماء م: (يباع) ش: أي العبد م: (بطلبهم) ش: أي بطلب الغرماء م: (وإن أمر القاضي الوصي ببيعه للغرماء) ش: أي ببيع العبد م: (ثم استحق أو مات) ش: أي العبد م: (قبل القبض وضاع المال، رجع المشتري على الوصي لأنه) ش: أي لأن الوصي م: (عاقد نيابة عن الميت) ش: هذا ظاهر إذا كان الميت أوصى إليه م: (وإن كان) ش: أي الوصي م: (بإقامة القاضي عنه) ش: أي عن الميت م: (فصار كما إذا باعه) ش: أي كما إذا باعه الميت م: (بنفسه) ش: حال حياته وثمة كان يرجع الحقوق إليه، فكذا هنا لأن القاضي إنما أقامه نائبا عن الميت، لا عن نفسه، وعقد النائب كعقد المنوب عنه. م: (وقال) ش: يجوز أن يكون فاعله محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه كذا حكي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ويجوز أن يكون فاعله المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فتأمل م: (ويرجع الوصي على الغرماء لأنه عامل لهم) ش: أي لأن الوصي عامل للغرماء. ومن عمل عملا لغيره ولحقه ضمان، يرجع على من وقع له العمل م: (وإن ظهر للميت مال) ش: آخر بعد ذلك م: (يرجع الغريم فيه بدينه) ش: أي يأخذ دينه من ذلك، وهل يرجع بما غرم للوصي في ذلك المال، ففيه اختلاف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 94 قالوا: ويجوز أن يقال يرجع بالمائة التي غرمها أيضا؛ لأنه لحقه في أمر الميت، والوارث إذا بيع له بمنزلة الغريم؛ لأنه إذا لم يكن في التركة دين، كان العاقد عاملا له.   [البناية] م: (قالوا) ش: أي المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: م: (ويجوز أن يقال: يرجع بالمائة التي غرمها أيضا) ش: كما رجع بدينه، وإنما قيد بهذا اللفظ؛ لأن فيه اختلاف. قال أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز أن يقال: يرجع بما ضمن للوصي أو للمشتري م: (لأنه) ش: أي لأن الضمان م: (لحقه في أمر الميت) ش:. وعن بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا يرجع لأن الضمان إنما لحقه بفعله؛ لأن قبض الوصي كقبض الميت. وفي " الكافي ": الأصح الرجوع لأنه قبض ذلك وهو مضطر فيه م: (والوارث إذا بيع له) ش: أي لأجله يعني إذا احتاج إلى بيع شيء من التركة، وهو صغير فباعه الوصي، ثم اشترى، رجع المشتري بالثمن على الوصي، والوصي على الوارث أشار إليه بقوله م: (بمنزلة الغريم) ش: حيث يرجع م: (لأنه إذا لم يكن في التركة دين كان العاقد عاملا له) ش: أي للوارث. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 95 فصل آخر وإذا قال القاضي: قد قضيت على هذا بالرجم، فارجمه، أو بالقطع فاقطعه، أو بالضرب فاضربه وسعك أن تفعل، وعن محمد أنه رجع عن هذا، وقال: لا تأخذ بقوله حتى تعاين الحجة؛ لأن قوله يحتمل الغلط والخطأ، والتدارك غير ممكن، وعلى هذه الرواية لا يقبل كتابه، واستحسن المشايخ هذه الرواية لفساد حال أكثر القضاة في زماننا، إلا في كتاب القاضي للحاجة إليه.   [البناية] [قول القاضي بانفراده قبل العزل وبعده] [قال القاضي قد قضيت على هذا بالرجم فارجمه] م: (فصل آخر) ش: أي هذا فصل آخر، ومسائل يجمعها أصل واحد يتعلق بكتاب القضاء، وهو أن قول القاضي بانفراده قبل العزل وبعده مقبول أم لا. فلذلك ذكرها في فصل على حدة. م: (وإذا قال القاضي: قد قضيت على هذا بالرجم فارجمه) ش: يعني إذا قال القاضي لك: قد قضيت على هذا بالرجم فارجمه وسعك أن ترجمه م: (أو بالقطع فاقطعه) ش: أي وإذا قال لك قضيت عليه بالقطع وسعك أن تقطعه. م: (أو بالضرب فاضربه) ش: أي وإذا قال: قضيت عليه بالضرب فاضربه. وقوله: م: (وسعك أن تفعل) ش: جواب قوله: " وإذا قال القاضي" في ثلاث صور. م: (وعن محمد أنه رجع عن هذا) ش: لأنه كان حكي هذا عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير "، ثم رجع عنه م: (وقال: تأخذ بقوله) ش: أي بقول هذا القاضي: م: (حتى تعاين الحجة) ش: أي الشهادة بحضرتك. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أو يشهد على ذلك مع القاضي عدل، وهذه رواية ابن سماعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن قوله) ش: أي قول القاضي م: (يحتمل الغلط والخطأ، والتدارك) ش: بعد وقوع الأمر م: (غير ممكن) ش: لفواته وبه أخذ مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لفساد قضاة هذا الزمان، لا سيما قضاة مصر؛ لأن أكثرهم يقولون بالراشي، فأحكامهم باطلة. وصدق خبر الواحد بيقين مرتبة الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، وغيرهم غير معصومين عن الكذب والغلط على الخصوص في قضاة هذا الزمان بغلط الجهل والفسق فيهم. م: (وعلى هذه الرواية) ش: أي الرواية التي رويت عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لا يقبل كتابه) ش: أي كتاب القاضي إلى القاضي. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (واستحسن المشايخ هذه الرواية) ش: وقالوا: ما أحسن هذا في زماننا م: (لفساد حال أكثر القضاة في زماننا) ش: فلا يؤتمنون م: (إلا في كتاب القاضي) ش: إلى القاضي لم يأخذوا بهذه الرواية م: (للحاجة إليه) ش: أي إلى كتاب القاضي إلى القاضي للضرورة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 96 وجه ظاهر الرواية أنه أخبر عن أمر يملك إنشاءه فيقبل لخلوه عن التهمة، ولأن طاعة أولي الأمر واجبة، وفي تصديقه طاعة. وقال الإمام أبو منصور - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان عدلا عالما يقبل قوله لانعدام تهمة الخطأ والخيانة، وإن كان عدلا جاهلا يستفسر، فإن أحسن التفسير وجب تصديقه، وإلا فلا. وإن كان جاهلا فاسقا أو عالما لا يقبل إلا أن يعاين سبب الحكم لتهمة الخطأ والخيانة. قال: وإذا عزل القاضي، فقال لرجل: أخذت منك ألفا ودفعتها إلى فلان قضيت بها عليك فقال: الرجل أخذتها ظلما، فالقول قول القاضي، وكذا لو قال: قضيت بقطع يديك في حق هذا   [البناية] م: (وجه ظاهر) ش: أي وجه ظاهر الرواية م: (أنه) ش: أي أن القاضي م: (أخبر عن أمر يملك إنشاءه) ش: لأن المتولي يتمكن من إنشاء القضاء، ومن [ ... ] تمكن به من الإنشاء لا يرد م: (فيقبل لخلوه عن التهمة) ش: وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه بحث، وهو أنه يتمكن من ذلك بحجة أو بدونها، والثاني ممنوع، والأول [ ] إلى غير ظاهر الرواية من معاينة الحجة م: (ولأن طاعة أولي الأمر واجبة) ش: هذا دليل آخر، لأن القاضي من أولي الأمر وطاعة أولي الأمر واجبة م: (وفي تصديقه طاعة) ش: أي طاعة القاضي. وكان ينبغي أن يقال: إطاعته. م: (وقال الإمام أبو منصور - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: الماتريدي، واسمه محمد بن محمد بن محمود ونسبته إلى " ماتريد " محله من سمرقند، ويقال: ماتريت أيضا بالتاء، م: (إن كان) ش: أي القاضي م: (عدلا عالما يقبل قوله لانعدام تهمة الخطأ والخيانة، وإن كان عدلا جاهلا يستفسر) ش: أي قضائه لتهمة الخطأ م: (فإن أحسن التفسير) ش: القضاء بأن فسر على وجه اقتضاه الشرع أن يقول مثلا: استفسرت المقر بالزنا، كما هو المعروف فيه وحكمت عليه بالرجم، وثبت عندي بالحجة أنه أخذ نصابا من حرز لا شبهة فيه، وأنه قتل عمدا بلا شبهة، فحينئذ م: (وجب تصديقه) ش: وقبول قوله م: (وإلا فلا) ش: أي فلا يحسن تفسيره، فلا يجب تصديقه ولا يقبل قوله. م: (وإن كان) ش: أي القاضي م: (جاهلا فاسقا أو عالما لا يقبل إلا أن يعاين سبب الحكم لتهمة الخطأ) ش: في الجهل م: (والخيانة) ش: أي ولتهمة الجناية في الفسق، وهذا على أربعة أقسام، ذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - منها ثلاثة، ولم يذكر القسم الرابع من القسمة العقلية، وهو أن يكون عالما عادلا؛ لأنه يقبل قوله بدون الاستفسار. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا عزل القاضي، فقال لرجل: أخذت منك ألفا ودفعتها إلى فلان قضيت بها عليك، فقال: الرجل أخذتها ظلما، فالقول قول القاضي، وكذا لو قال) ش: أي القاضي: م: (قضيت بقطع يديك في حق هذا) ش: فالقول قول القاضي، وهذا أي كون القول قول القاضي في تأمين الصورتين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 97 إذا كان الذي قطعت يده والذي أخذ منه المال مقرين أنه فعل ذلك وهو قاض. ووجهه أنهما لما توافقا أنه فعل ذلك في قضائه كان الظاهر شاهدا له، إذ لا يقضي بالجور ظاهرا ولا يمين عليه، لأنه ثبت فعله في قضائه بالتصادق ولا يمين على القاضي، ولو أقر القاطع والآخذ بما أقر به القاضي لا يضمن أيضا؛ لأنه فعله في حال القضاء، ودفع القاضي صحيح كما إذا كان معاينا. ولو زعم المقطوع يده أو المأخوذ ماله أنه فعل ذلك قبل التقليد أو بعد العزل، فالقول للقاضي أيضا، وهو الصحيح؛ لأنه أسند فعله إلى حالة معهودة منافية للضمان، فصار   [البناية] م: (إذا كان الذي قطعت يده، والذي أخذ منه المال) ش: حال كونه م: (مقرين أنه) ش: أي أن القاضي م: (فعل ذلك) ش: أي كل واحد من أخذ المال وقطع إليه م: (وهو قاض) ش: يعني في حال قضائه م: (ووجهه) ش: أي وجه كون القول قول القاضي في الوجهين م: (أنهما) ش: أي أن القاضي والمأخوذ منه المال أو المقطوع يده م: (لما توافقا) ش: أي انقضاء م: (أنه) ش: أي أن القاضي م: (فعل ذلك) ش: أي أخذ المال أو القطع حال كونه م: (في قضائه) ش: يعني في حال ولايته فلما اتفقا م: (كان الظاهر) ش: أي ظاهر الحال م: (شاهدا له) ش: أي للقاضي م: (إذ) ش: وفي بعض النسخ م: (لا يقضي بالجور) ش: أي بالظلم والخروج عن الحق م: (ظاهرا) ش: والقول قول من يشهد له الظاهر. م: (ولا يمين عليه) ش: أي على القاضي م: (لأنه ثبت فعله في قضائه بالتصادق ولا يمين على القاضي) ش: لأن إيجابها عليه يقضي إلى تعطيل أمور الناس، بامتناع الدخول في القضاء، ولأنا لو ألزمنا عليه اليمين، لكان خصما، وقضاء الخصم لا يجوز م: (ولو أقر القاطع) ش: أي بأمر القاضي م: (والآخذ) ش: أو أقر أخذ المال بأمر القاضي م: (بما أقر به القاضي) ش: أي بالقطع أو الأخذ م: (لا يضمن) ش: القاضي م: (أيضا لأنه) ش: أي لأن القاطع أو الآخذ م: (فعله في حالة القضاء) ش: وهو صحيح. م: (ودفع القاضي صحيح) ش: أي دفع القاضي المال إلى رب الدين أو المستحق صحيح، لأنه دفع في حالة القضاء، والظاهر أنه محق م: (كما إذا كان) ش: أي دفع القاضي المال إلى الآخذ بحكم القضاء م: (معاينا) ش: يعني في معاينة المأخوذ منه المال لا يضمن الآخذ، وكذا أقر بما أقر به القاضي م: (ولو زعم المقطوع يده أو المأخوذ ماله أنه) ش: أي أن القاضي م: (فعل ذلك قبل التقليد أو بعد العزل) ش: أي أو فعل بعد عزله م: (فالقول للقاضي أيضا، وهو الصحيح) ش: احترز به عما ذكره شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "جامعه " أن القول للمدعي إذا قال فعله بعد العزل م: (لأنه) ش: أي لأن القاضي م: (أسند فعله إلى حالة معهودة منافية للضمان) ش: لأنه إذا عرف أنه كان قاضيا، صحت إضافة القطع أو الأخذ إلى حالة القضاء، لأن حالة القضاء معهودة فيتقي بها الضمان، وهو اختيار فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - والصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فصار) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 98 كما إذا قال: طلقت أو أعتقت، وأنا مجنون والجنون منه كان معهودا. ولو أقر القاطع أو الآخذ في هذا الفصل بما أقر به القاضي يضمنان؛ لأنهما أقرا بسبب الضمان، وقول القاضي مقبول في دفع الضمان عن نفسه لا في إبطال سبب الضمان على غيره بخلاف الأول؛ لأنه ثبت فعله في قضائه بالتصادق، ولو كان المال في يد الآخذ قائما، وقد أقر بما أقر به القاضي والمأخوذ منه المال صدق القاضي في أنه فعله في قضائه أو ادعى أنه فعله في غير قضائه، يؤخذ منه؛ لأنه أقر أن اليد كانت له فلا يصدق في دعوى تملكه إلا بحجة، وقول المعزول فيه ليس بحجة.   [البناية] ش: إسناد القضاء هما م: (كما إذا قال) ش: من عهد منه الجنون: م: (طلقت) ش: امرأتي م: (أو أعتقت) ش: أي قال: أعتقت عبدي م: (وأنا مجنون والجنون) ش: أي والحال أن الجنون م: (منه كان معهودا) ش: أي معلوما بين الناس، فإن القول قوله حتى لا يقطع الطلاق ولا العتاق لإضافته إلى حالة منافية الإيقاع. م: (ولو أقر القاطع والآخذ في هذا الفصل) ش: وهو فصل أن المقطوع يده والمأخوذ ماله يزعم أن القاضي قطع وأخذ قبل التقليد أو بعد العزل م: (بما أقر به القاضي يضمنان؛ لأنهما أقرا بسبب الضمان) ش: وهو أخذ المال وقطع اليد م: (وقول القاضي مقبول في دفع الضمان عن نفسه لا في إبطال سبب الضمان على غيره) ش: يعني لا يقبل في ذلك، فإن قيل: ينبغي أن لا يضمن الآخذ والقاطع أيضا؛ لأنهما أسندا الفعل أيضا إلى حالة معهودة للضمان. والجواب أن جهة الضمان راجحة؛ لأن إقرار الرجل على نفسه بسبب الضمان حجة قطعية، وقضاء القاضي حجة ظاهرا والظاهر لا يعارض القطعي. م: (بخلاف الأول) ش: أي الفصل الأول م: (لأنه ثبت فعله) ش: أي فعل القاضي م: (في قضائه بالتصادق) ش: فكان بمنزلة الثابت معاينة م: (ولو كان المال في يد الآخذ قائما وقد أقر بما أقر به القاضي والمأخوذ منه المال صدق القاضي في أنه فعله في قضائه أو ادعى أنه فعله في غير قضائه يؤخذ منه؛ لأنه أقر أن اليد كانت له) ش: أي للمأخوذ منه م: (فلا يصدق في دعوى تملكه إلا بحجة) ش: لأنه لم يكن له ولاية الآخذ إلا بحجة ظاهرة. م: (وقول المعزول) ش: أي القاضي المعزول م: (فيه ليس بحجة) ش: لكون شهادة فرد، بخلاف ما لو كان المال هالكا وأن القاضي ينكر وجوب الضمان، والقول قول المنكر، والله أعلم بالصواب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 99 كتاب الشهادة قال: الشهادة فرض تلزم الشهود ولا يسعهم كتمانها إذا طالبهم المدعي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] (البقرة الآية: 282) ، وقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] م: (البقرة الآية: 283) .   [البناية] [كتاب الشهادة] [حكم الشهادة إذا طلبها المدعي] م: (كتاب الشهادة) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الإشهادات وهو جمع شهادة، والشهادة لغة إخبار قاطع، كذا في " الصحاح " يعني الإخبار بالشيء عن شهادة وعيان، لا عن تخمين وحسبان. ومن هذا قالوا: مشتقة من المشاهدة، وعلى المعاينة وإليه الإشارة النبوية بقوله: «إذا رأيت مثل الشمس فاشهد» . وما في الشريعة إخبار عن صدق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء والحكم وسببها في حق التحمل الشهادة، وفي حق الأداء طلب المدعي وركنها استعمال لفظة الشهادة. وشروطها كثيرة تأتي في أثناء المسائل، وحكمها وجوب الحكم على القاضي بما يثبت بها. وفي " المبسوط " والقياس يأتي على كون الشهادة حجة تلزمه؛ لأنه خبر يحتمل الصدق والكذب والمحتمل لا يكون حجة، إلا أن القياس ترك بالنصوص والإجماع. ووجه ذكر هذا الكتاب عقيب كتاب "أدب القاضي" ظاهر جدا لأن القاضي يحتاج في حكمه إلى الشاهد فكان ذلك من تتمة حكمه. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الشهادة فرض) ش: أي أداؤها وتحملها إذا تعين، وفرض كفاية إذا لم يتعين بالإجماع م: (تلزم الشهود، ولا يسعهم كتمانها إذا طالبهم المدعي) ش: وقوله: لا يسعهم، تأكيد لقوله يلزم الشهود م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] ش: (البقرة الآية: 282) هذا دليل على أن الطلب من المدعي شرط الفريضة، والنهي عن الإباء عند الدعوى أمر بالحضور للأداء. م: (وقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] ش: (البقرة الآية: 283) ، إنما خص القلب، وإن كانت الجملة آثمة؛ لأنه رأس الأعضاء والمضغة التي إن صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد كله. كما جاء في الحديث؛ لأنه قيل قد تمكن الإثم في أصله، وملك أشرف شيء منه، ولأن أفعال القلوب أعظم من سائر الجوارح، فأصل الحسنات والسيئات الإيمان والكفر وهما من أفعال القلوب، فإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب، كان من أعظم الذنوب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 100 وإنما يشترط طلب المدعي، لأنها حقه، فيتوقف على طلبه كسائر الحقوق، والشهادة في الحدود يخبر فيها الشاهد بين الستر والإظهار، لأنه بين حسبتين: إقامة الحد والتوقي عن الهتك،   [البناية] وقال الزمخشري - رَحِمَهُ اللَّهُ - كتمان الشهادة هو أن يضمرها، ولا يتكلم بها، فلما كان آثما مقترفا بالقلب أسند إليه؛ لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ. م: (وإنما يشترط طلب المدعي؛ لأنها حقه، فيتوقف على طلبه كسائر الحقوق) ش: لأن الحق لما كان له لم يلزمهم الشهادة قبل طلبه، بل يتوقف على الطلب كما في سائر الحقوق، ونوقض بما إذا علم الشاهد الشهادة، ولم يعلم بها المدعي، ويعلم الشاهد أنه إن لم يشهد يضع حقه، فإنه يجب عليه الشهادة، ولا طلب ثمة. والجواب أنه ألحق بالمطلوب دلالة، فإن الموجب للأداء عند الطلب إحياء الحق وهو فيما ذكرتم موجود، فكان في معناه فألحق به لا يقال: قد مر آنفا أن طلب المدعي سببا لأداء الشهادة وهو خلاف ما ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله، وإنما يشترط طلب المدعي فإنه يدل على أن طلبه شرط، وهو غير السبب؛ لأن معنى كلامه وإنما يشترط وجود سبب الأداء وهو طلب المدعي. فالطالب سبب وجوده شرط فلا يخالفه حينئذ. فإن قلت: إنما جعله شرطا، وقَوْله تَعَالَى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ} [البقرة: 282] ، {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] سببا. قلت: نعم؛ لأنه خطاب وضع يدل على سبب، وغيره كقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] (الإسراء: الآية 78) . [الشهادة في الحدود] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والشهادة في الحدود يخير فيها الشاهد بين الستر والإظهار لأنه) ش: أي لأن الشاهد م: (بين حسبتين) ش: بكسر الحاء تثنية حسبة، والحسبة ما ينتظر به الأجر في الآخرة، وفي "الصحاح" احتسب بهذا جزاء عند الله، والاسم الحسبة بالكسر، وبين الأجر والجمع الحسب، وفلان محتسب البلد ولا تقل محتسب م: (إقامة الحد) ش: حسبة لله تعالى، فيقام عليه الحد والحسبة الأخرى م: (والتوقي عن الهتك) ش: أي التحفظ عن هتك المسلم حسبة لله تعالى، فإن قيل: هذا الذي ذكره معارض لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] (البقرة: الآية 283) ، وتقييد المطلق بخبر الواحد لا يجوز. الجواب: أن الآية محمولة على الشهادة في حقوق العباد، بدليل سياق الآية، وهي آية المداينة وبالإجماع والنص قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} [النور: 19] إلى قوله: {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النور: 19] (النور: الآية 19) ، والمعنى أن الستر والكتمان إنما يحرم لخوف فوت حق المدعي المحتاج إلى إحياء حقه من الأموال وغيرها. فأما الحدود فهي حقوق الله تعالى، والله - عز وجل - موصوف بالعطاء والكرم، وليس فيه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 101 والستر أفضل لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - للذي شهد عنده: «لو سترته بثوبك لكان خيرا لك» .   [البناية] خوف فوت حقه، فجاز له ذلك أن يختار الشاهد جانب الستر، وإليه أشار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: م: (والستر أفضل لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (للذي شهد عنده: «لو سترته بثوبك لكان خيرا لك» ش: الذي قال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا القول لم يشهد عنده بشيء، ولكنه حمل ماعزا إلى أن اعترف عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالزنا كما رواه أبو داود والنسائي عن سفيان عن زيد بن أسلم عن يزيد بن نعيم عن أبيه نعيم بن هزال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، «أن ماعزا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأقر عنده أربع مرات، فأمر برجمه. وقال لهزال: "لو سترته بثوبك كان خيرا لك» . ثم أخرج أبو داود عن ابن المنكدر: «أن هزالا أمر ماعزا أن يأتي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيخبره» انتهى بلفظ أبي داود. ورواه عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مصنفه" ولفظه: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لهزال: لو سترت بثوبك كان خيرا» . قلت: لم أر أحدا من الشراح حرر هذا الموضع، حتى قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الذي شهد عنده وهو رجل يقال له: هزال الأسلمي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو سترته بثوبك"، وفي رواية: "بردائك لكان خيرا لك". انتهى. وقد قلنا: إن الذي قال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا القول لم يشهد عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكيف يقول الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - شهد عنده رجل يقال له: " هزال الأسلمي - رَحِمَهُ اللَّهُ -" و" هزال " لم يشهد أصلا وإنما حمل ماعزا على أن يعترف عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالزنا، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهزال: «لو سترت بثوبك كان خيرا» . و" هزال " بفتح الهاء وتشديد الزاي وباللام أسلمي سكن المدينة، وقال المنذري: نعيم بن هزال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قيل: لا صحبة له وإنما الصحبة لأبيه هزال، وصاحب الذنب اسمه ماعز بن مالك الأسلمي، معدود في المدنيين، والمرأة التي وقع عليها اسمها فاطمة جارية هزال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 102 وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة» ، وفيما نقل من تلقين الدرء عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وأصحابه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - دلالة ظاهرة على أفضلية الستر   [البناية] م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة» ش: هذا أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا «ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» م: (وفيما نقل من تلقين الدرء عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وأصحابه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - دلالة ظاهرة على أفضلية الستر) . ش: لم يتعرض أحد من الشراح على حل هذا التركيب، "قبوله دلالة" مبتدأ وخبره مقدما"، هو قوله: "وفيما نقل من التلقين" إلى آخر قوله: "للدرء" أي لدفع الحد. أما الذي نقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من تلقينه للدرء عن حد الزنا، فما رواه البخاري عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في حديث ماعز، قال له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟. قال: لا، قال: أفنكتها؟، قال نعم، قال: فعند ذلك أمر برجمه» . والذي نقل عن الدرء عن حد السرقة ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبي المنذر مولى ذر عن أبي أمية المخزومي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتي بلص قد اعترف اعترافا، ولم يوجد معه متاع، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما أخالك سرقت؟. قال: بلى، فأعادها عليه مرتين أو ثلاثا، فأمر به فقطع» . وأما الذي نقل عن أصحابه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من التلقين للدرء، فما رواه عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مصنفه "، أخبرنا معمر عن طاوس عن عكرمة بن خالد قال: " أتى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رجل، فسأله أسرقت؟ فقال: لا، فتركه. وروى أبو يعلى الموصلي في مسنده بإسناده إلى أبي مطر قال: رأيت عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أتي برجل قيل له: إنه سرق جملا، فقال الجزء: 9 ¦ الصفحة: 103 إلا أنه يجب له أن يشهد بالمال في السرقة، فيقول: أخذ إحياء لحق المسروق منه، ولا يقول: سرق محافظة على الستر، ولأنه لو ظهرت السرقة لوجب القطع، والضمان لا يجامع القطع فلا يحصل إحياء حقه. قال: والشهادة على مراتب: منها الشهادة في الزنا يعتبر فيها أربعة من الرجال لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] (النساء الآية: 15) ، ولقوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] (النور الآية: 4)   [البناية] له: ما أراك سرقت؟، قال: بلى، قال: فلعله شبه عليك؟، قال: بلى سرقت، قال: يا قنبر اذهب به فأوقد النار وادع الجزار وشد يده حتى أجيء، فلما جاء إليه قال له: أسرقت، قال: لا، فتركه ". وروى ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مصنفه " عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أتي بسارق، وهو يومئذ أمير، فقال: أسرقت؟ أسرقت؟ فقال: لا، مرتين أو ثلاثا. وروى محمد في كتاب " الآثار ": أخبرنا الإمام الأعظم أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: أتي أبو مسعود الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بامرأة سرقت جملا، فقال: أسرقت؟ قولي لا، فقالت: لا، فتركها". وروى عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مصنفه " أخبرنا الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن علي بن الأقمر عن يزيد بن أبي كثير عن أبي الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنه أتي بامرأة سرقت، يقال لها: سلامة، فقال لها: يا سلامة سرقة؟ قولي: لا، قالت: لا. فدرء عنها. م: (إلا أنه) ش: استثنى من قوله: يخبر فيها الشاهد وهو منقطع أي إلا أن الشاهد م: (يجب له أن يشهد بالمال في السرقة، فيقول: أخذ إحياء لحق المسروق منه، ولا يقول: سرق محافظة على الستر) ش: أي لحفظ الستر على السارق م: (ولأنه) ش: دليل آخر، أي ولأن الشأن م: (لو ظهرت السرقة لوجب القطع، والضمان لا يجامع القطع فلا يحصل إحياء حقه) ش: لأنه إذا قال: سرق يسقط الضمان حينئذ، فيضيع حق صاحب المال، فلهذا كانت الشهادة بالأخذ أولى من الشهادة بالسرقة؛ لأنها شهادة على وجه يثبت المال، ولا يثبت الحد وفيها رعاية الجانبين. [مراتب الشهادة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والشهادة على مراتب؛ منها الشهادة في الزنا، يعتبر فيها أربعة من الرجال لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] (النساء: الآية 15)) . م: ولقوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] (النور الآية: 4) ش: لفظ "أربعة"، نص في المعدود، والذكورة لا يقبل فيه إلا أربعة رجال عدول مسلمين، وهم أحرار، وهم يشهدون أنهم رأوا كالميل في المكحلة، وقيل: لأن الزنا فعل اثنين، فيشترط على كل واحد منهما اثنان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 104 ولا تقبل فيها شهادة النساء لحديث الزهري: "مضت السنة من لدن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ - وسلم والخليفتين من بعده أن لا شهادة للنساء في الحدود والقصاص "، ولأن فيها شبهة البدلية لقيامها مقام شهادة الرجال، فلا تقبل فيما يندرئ بالشبهات، ومنها الشهادة ببقية الحدود والقصاص تقبل فيها شهادة رجلين لِقَوْلِهِ تَعَالَى:   [البناية] م: (ولا تقبل فيها) ش: أي في شهادة الزنا م: (شهادة النساء؛ لحديث الزهري: "مضت السنة من لدن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ - وسلم والخليفتين من بعده: أن لا شهادة للنساء في الحدود والقصاص) ش: هذا أخرجه ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مصنفه ". حدثنا حفص عن حجاج عن الزهري.. إلى آخره، واسم الزهري محمد بن مسلم المدني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سكن الشام، ومات بأداما وهي أول عمل [ ... ] وعمره اثنان وسبعون سنة روى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن خلق كثير من الصاحبة والتابعين، وإنما خص الخليفتين أبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ لأن تمهيد قواعد الشرع وإظهار طرق الأحكام كان أكثر في خلافتهما. وعن عطاء وحماد بن أبي سليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه يقبل شهادة النساء فيها، حتى لو شهد ثلاثة رجال في الزنا وامرأتان يقبل. قلنا: على قولهما لا يبقى فائدة في قوله: "أربعة منكم" م: (ولأن فيها) ش: أي في شهادة النساء م: (شبهة البدلية) ش: أي من حيث الصورة. قال شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: شبهة البديلة أي صورة لا حقيقة، لأنه لو كانت البدلية حقيقية، لما اعتبر شهادة النساء، وعند إمكان العمل بشهادة الرجال كالتيمم مع الوضوء، وما اعتبر شهادتهن مع إمكان شهادتهم، على أنه ليست في شهادتهم حقيقة البدلية لكن فيها شبهة البدلية باعتبار الصورة، فإن قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] (البقرة: الآية 89) ، خرج على ما يشابهه قوله: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] (المائدة: الآية 89) ، فلهذا أورثت شبهة البدلية. م: (لقيامها مقام شهادة الرجال) ش: أي لقيام شهادتين مع إمكان العمل بشهادة الرجلين إذا كان كذلك م: (فلا تقبل) ش: أي شهادتهن م: (فيما يندرئ بالشبهات) ش: لأنها حقيقة غير متحملة في الحدود حتى لا تقبل الشهادة على الشهادة فيها، ولا كتاب القاضي إلى القاضي، فكذلك شبهة البدلية اعتبار التشبهة بالحقيقة؛ لأن الشبهة فيما يسقط بالشبهات كالحقيقة. وحكي عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يقبل شهادة النساء مع الرجال إلا عند عدم الرجلين، نظرا إلى ظاهر الآية، فحينئذ في شهادتهن حقيقة البدلية م: (ومنها) ش: أي ومن مراتب الشهادة م: (الشهادة ببقية الحدود) ش: كحد الشرب والسرقة م: (والقصاص تقبل فيها شهادة رجلين لِقَوْلِهِ تَعَالَى .... .... : الجزء: 9 ¦ الصفحة: 105 {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] : (البقرة: الآية 282) . ولا يقبل فيها شهادة النساء لما ذكرنا. قال: وما سوى ذلك من الحقوق يقبل فيها شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، سواء كان الحق مالا أو غير مال مثل النكاح، والطلاق، والوكالة والوصية ونحو ذلك، وقال الشافعي: لا تقبل شهادة النساء مع الرجال إلا في الأموال وتوابعها؛ لأن الأصل فيها عدم القبول لنقصان العقل واختلال الضبط وقصور الولاية، فإنها لا تصلح للإمارة، ولهذا لا تقبل في الحدود، ولا تقبل شهادة الأربعة منهن وحدهن، إلا أنها قبلت في الأموال ضرورة والنكاح أعظم خطرا   [البناية] {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] (البقرة: الآية 282) ش: وعن الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ - الله: لا يقبل في القتل إلا أربعة كالزنا، وعن عطاء: يقبل فيها شهادة النساء. م: (ولا يقبل فيها) ش: أي في الحدود والقصاص م: (شهادة النساء لما ذكرنا) ش: إشارة إلى حديث الزهري، وما ذكره من شبهة البدلية، وفي بعض النسخ: "لما قلنا". وقال في " الأجناس ": قال في " نوادر ابن رستم ": ويقبل فيه، أي في التقرير الشهادة على الشهادة، والشهادة من النساء مع الرجال، ويجوز فيه العفو، ويصح فيه الكفالة، وهو حق الآدمي. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وما سوى ذلك من الحقوق يقبل فيها شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، سواء كان الحق مالا أو غير مال مثل النكاح، والطلاق، والوكالة، والوصية) ش: أي الوصاية، لأنه في مقدار غير المال م: (ونحو ذلك) ش: كالعتاق والرجعة، والنسب وتوابعها، كالإعارة والكفالة لأجل، وشرط الخيار ذكره في " مبسوط شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [شهادة النساء مع الرجال] م: (وقال الشافعي: لا تقبل شهادة النساء مع الرجال إلا في الأموال وتوابعها) ش: وهي التي ذكرناها، كالإعارة.. إلى آخره. وبقوله قال مالك وأحمد - رحمهما الله - في رواية، وفي رواية أخرى كقولنا م: (لأن الأصل فيها) ش: أي في شهادتهن م: (عدم القبول لنقصان العقل واختلال الضبط) ش: لغلبة النسيان فيهن م: (وقصور الولاية، فإنها لا تصلح للإمارة) ش: بكسر الهمزة إلى الخلافة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن الأصل عدم القبول م: (لا تقبل في الحدود، ولا تقبل شهادة الأربعة منهن وحدهن) . م: (إلا أنها) ش: استثنى من قوله: "لأن الأصل فيها" أي في شهادة النساء عدم القبول أي إلا أن شهادتهن م: (قبلت في الأموال ضرورة) ش: كثرة وقوع أسبابها؛ لأنه يلحقهم الحرج بإشهاد رجلين في كل حادثة، فإذا لم يسمع فيها تفوت حقوق الناس لكثرة وقوعها، ولو حظرها فلا يلحق بها ما هو أعظم خطرا أو أقل وجودا كالنكاح، وهو معنى قوله: م: (والنكاح أعظم خطرا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 106 وأقل وقوعا، فلا يلحق بما هو أدنى خطرا وأكثر وجودا. ولنا أن الأصل فيها القبول؛ لوجود ما يبتنى عليه أهلية الشهادة، وهو المشاهدة والضبط والأداء، إذ بالأول يحصل العلم للشاهد، وبالثاني يبقى، وبالثالث يحصل العلم للقاضي، ولهذا يقبل إخبارها في الأخبار، ونقصان الضبط بزيادة النسيان انجبر بضم الأخرى إليها، فلم يبق بعد ذلك إلا الشبهة،   [البناية] وأقل وقوعا، فلا يلحق بما هو أدنى خطرا وأكثر وجودا) . ش: وكذلك الطلاق والرجعة، والإسلام، والردة والبلوغ، والولاء، والعدة والجرح، والتعديل والعفو عن القصاص، حاصل مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو ما ذكره في "وجيزهم": لا تقبل شهادة النساء إلا في الأموال، وحقوقها كالأجل، والخيار، والشفعة، والإجارة، وقتل الخطأ، وكل جرح لا يوجب إلا الحال، فيثبت برجل وامرأتين. وكذا نسخ العقود وقبض نجوم الكتابة، إلا النجم الأخير ففيه الوجهان لترتب العتق عليه وما ليس بمال، ولا يؤول إلى مال، كالنكاح والرجعة والطلاق والعتق، والإسلام والردة، والبلوغ والولاء والعدة والجرح، والتعديل، والعفو عن القصاص، عن الوصاية والوكالة، فيثبت برجلين ولا يثبت برجل وامرأتين. وأما ما لا يظهر للرجال كالولادة وعيوب النساء، والرضاع، فإنه يثبت بأربعة نسوة، فلا تثبت الولادة بقول القابلة وحدها. م: (ولنا أن الأصل فيها) ش: أي في شهادة النساء م: (القبول لوجود ما يبتنى عليه أهلية الشهادة، وهو) ش: أي ما يبتنى عليه م: (المشاهدة) ش:. وفي بعض النسخ: وهي المشاهرة، أي المعاينة، وبها يحصل العلم المشاهر م: (والضبط) ش: وهو حسن السماع والفهم والحفظ. م: (والأداء) ش: الذي يحصل به للقاضي، م: (إذ بالأول يحصل العلم للشاهد) ش: أي المشاهرة م: (وبالثاني يبقى) ش: أي بالضبط يبقى العلم للشاهد م: (وبالثالث) ش: أي بالأداء م: (يحصل العلم للقاضي، ولهذا) ش: أي ولكون القبول أصلا فيها م: (يقبل إخبارها) ش: بكسر الهمزة م: (في الأخبار) ش: بفتح الهمزة وهي الأحاديث والآثار. م: (ونقصان الضبط) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإحلال الضبط تقريره أن يقال: إن ذلك بعد التسليم أن نقصان الضبط م: (بزيادة النسيان انجبر بضم الأخرى) ش: أي بالمرأة الأخرى م: (إليها) ش: أي إلى المرأة الواحدة م: (فلم يبق بعد ذلك إلا الشبهة) ش: أي شبهة البدلية، ولم يذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - "لنقصان العقل"، ولا عن قوله "لقصور الولاية". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 107 فلهذا لا تقبل فيما يندرئ بالشبهات، وهذه الحقوق تثبت مع الشبهات وعدم قبول الأربع على خلاف القياس كيلا يكثر خروجهن، قال: وتقبل في الولادة، والبكارة والعيوب بالنساء في موضع لا يطلع عليه الرجال شهادة امرأة واحدة؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع   [البناية] والجواب عن الأول: أنه لا نقصان في عقلهن، فما هو مناط التكليف؟ وبيان ذلك، أن للنفس الإنسانية أربع مراتب: الأولى: استعداد الفعل ويسمى العقل الهيولاني وهو حاصل لجميع أفراد الإنسان في مبدأ فطرتهم، والثانية: أن تحصل البديهيات وهو مناط التكليف. والثالثة: أن يحصل النظريات المفروغ منها متى شاء من غير افتقار إلى اكتساب، ويسمى العقل بالعقل. والرابعة: هو أن يستحضرها ويتلفت إليها مشاهرة، ويسمى العقل المستفاد وليس فيما هو مناط التكليف منها، وهو العقل بالملكة فيهن نقصان بمشاهدة حالتهن في تحصيل البديهيات واستعمال الحواس في الجزئيات، فإنه لو كان في ذلك نقصان، لكان تكليفهن دون تكليف الرجال في الأركان، وليس كذلك، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ناقصات عقل» ، المراد به العقل بالفعل، فلذلك لم يصلحن للولاية والخلافة والإمارة، وبهذا ظهر الجواب عن الثاني أيضا، فتأمل. م: (فلهذا) ش: أي فلأجل شبهة البدلية م: (لا تقبل) ش: أي شهادتهن م: (فيما يندرئ بالشبهات) ش: وتقبل فيما يثبتها م: (وهذه الحقوق تثبت مع الشبهات) ش: أراد به النكاح والطلاق، فظاهر ثبوتها مع الهزل، وأما الوكالة، والإيصاء، والأموال، فإنه يجزئ فيها كتاب القاضي إلى القاضي والشهادة على الشهادة، وذلك أمارة ثبوتها مع الشبهة، فكذلك تثبت بشهادة النساء مع الرجال. م: (وعدم قبول الأربع) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا يقبل شهادة الأربع منهن وحدهن إلى عدم قبول شهادة الأربع م: (على خلاف القياس) ش: لأن القياس يقتضي قبول ذلك، ولكنه ترك ذلك م: (كيلا يكثر خروجهن) ش: لأن في كثرة خروجهن كشفهن وافتضاحهن، وهو ممنوع. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وتقبل في الولادة، والبكارة، والعيوب بالنساء في موضع لا يطلع عليه الرجال شهادة امرأة واحدة) ش: وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويحوز شهادة امرأتين منفردتين في الولادة والاستهلال وعيوب الآباء، ولا يجوز في ذلك شهادة امرأة واحدة، وبه قال ابن أبي ليلى، كذا في " المبسوط "، وهو قول الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 108 الرجال النظر إليه» . والجمع المحلى بالألف واللام يراد به الجنس، فيتناول الأقل، وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اشتراط الأربع،   [البناية] الرجال النظر إليه» ش: هذا غريب. وروى عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مصنفه ": أخبرنا ابن جريج عن ابن شهاب الزهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: مضت السنة في أن تجوز شهادة النساء ليس معهن رجل فيما يلين من ولادة المرأة واستهلال الجنين، وفي غير ذلك من أمر النساء الذي لا يطلع عليه ولا يليه إلا هن. وقال أيضا: أخبرنا أبو بكر عن أبي سبرة عن موسى بن عقبة عن القعقاع بن الحكيم عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: لا يجوز شهادة النساء وحدهن إلا على ما لا يطلع عليه إلا هن من عورات النساء، وما يشبه ذلك من حملهن وحيضهن. وقال أيضا: أخبرنا الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن جابر الجعفي عن عبد الله بن يحيى: أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أجاز شهادة المرأة القابلة وحدها في الاستهلال، والجعفي ضعيف وكذلك ابن يحيى، وقال أيضا: أخبرنا إبراهيم بن أبي يحيى السلمي، أخبرني إسحاق عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أجاز شهادة امرأة في الاستهلال. م: (والجمع المحلى بالألف واللام) ش: أراد بهذا وجه بيان الاستدلال بالحديث الذي ذكره وهو أن الألف واللام إذا دخلا على الجمع م: (يراد به الجنس) ش: لأنه ليس ثمة معهود م: (فيتناول الأقل) ش: وهو الواحد، لبطلان العدد بواسطة الجنسية. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يؤيده أن حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - روى الحديث: «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجاز شهادة القابلة في الولادة.» وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أصحابنا رووا في " الأسرار " وغيره عن حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجاز شهادة القابلة في الولادة» انتهى. قلت: رواه محمد بن عبد الملك الواسطي، عن أبي عبد الرحمن المدائني عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى آخره. وقال: هذا لا يصح، وقال الدارقطني: أبو عبد الرحمن المدائني: مجهول. م: (وهو) ش: أي الحديث الذي ذكره م: (حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اشتراط الأربع) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 109 ولأنه إنما سقطت الذكورة ليخف النظر؛ لأن نظر الجنس إلى الجنس أخف، فكذا يسقط اعتبار العدد، إلا أن المثنى والثلاث أحوط لما فيه من معنى الإلزام ثم حكمها في الولادة، شرحناه في الطلاق وأما حكم البكارة، فإن شهدن أنها بكر يؤجل في العنين سنة، ويفرق بعده؛ لأنها تأيدت بمؤيد، إذ البكارة أصل،   [البناية] ش: من النساء، وهو قول عطاء أيضا. وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يقول: هذا الحديث غير صحيح فكيف يكون حجة له؟! وليس لنا إلا ما ذكرناه عن عبد الرزاق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وبقولنا قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول الحسن البصري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (ولأنه) ش: دليل معقول لنا، أي ولأن الشأن م: (إنما سقطت الذكورة) ش: يعني إنما سقطت صفة الذكورة والاتفاق م: (ليخف النظر) ش: أي النظر إلى العورة حرام، إلا أنا اعتبرنا نظر جنسها م: (لأن نظر الجنس إلى الجنس أخف) ش: لأن نظر المرأة إلى عورة المرأة أخف؛ لأن شهوتهن إليهن أقل من نظر الرجل إلى عورتها. م: (فكذا) ش: أي فلأجل ذلك م: (يسقط اعتبار العدد) ش: لأن نظر الواحدة أخف من نظر الجماعة. م: (إلا أن المثنى والثلاث أحوط) ش: لزيادة طمأنينة القلب م: (لما فيه من معنى الإلزام) ش: لأن فيه شبها بالشهادة. وقال تاج الشريعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قوله: من معنى الإلزام النسبة، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - واعترض بأن في هذا التعليل نوع مناقضة؛ لأن لو كان جواز الاكتفاء بنظر الواحدة لحقة نظرها، لما كان نظر الاثنين والثلاث أحوط من نظر الواحدة، والجواب أن يقال: خفة النظر يوجب عدم وجود اعتبار العدد. ومعنى الإلزام يقتضي وجوبه [ ... ] فقلنا بعدم الوجوب والجواز احتياطا م: (ثم حكمها) ش: أي حكم شهادة امرأة واحدة م: (في الولادة شرحناه في الطلاق) ش: يعني في باب ثبوت النسب عند قوله، فإن صحة الولادة تثبت بشهادة امرأة واحدة تشهد بالولادة، فينظر فيه هناك. م: (وأما حكم البكارة) ش: فإنها سواء كانت المرأة مهنيرا ومبيعة، لا بد من نظر النساء إليها للحاجة إلى فصل الخصومة بينهما، فإذا نظرت إليها وشهدت، فإما أن يؤيد شهادتهن بمؤيد أو لا، فإن كان الأول، كانت شهادتهن حجة، وإن كان الثاني، فلا بد أن يضم إليها ما يؤيدها، فعلى هذا. م: (فإن شهدن أنها بكر) ش: فإن كانت معزة م: (يؤجل في العنين سنة ويفرق بعدها) ش: أي بعد سنة م: (لأنها) ش: أي لأن شهادتهن م: (تأيدت بمؤيد، إذ البكارة أصل) ش: بيانه أن امرأة العنين مع زوجها، إذا اختلفا بعد مضي المدة، فقال: هو وصلت إليها، فقالت هي: لم يصل إلي فإنها ترى النساء، فإن قلن: هي بكر، فإنها تخير، فلو اختارت الفرقة، فرق القاضي بينهما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 110 وكذا في رد المبيعة، إذا اشتراها بشرط البكارة، فإن قلن: إنها ثيب، يحلف البائع لينضم نكوله إلى قولهن، والعيب يثبت بقولهن، فيحلف البائع. وأما شهادتهن على استهلال الصبي لا تقبل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في حق الإرث؛ لأنه مما يطلع عليه الرجال إلا في حق الصلاة؛ لأنها من أمور الدين. وعندهما تقبل في حق الإرث أيضا؛ لأنه صوت عند الولادة، ولا يحضرها الرجال عادة، فصار   [البناية] وأثبت الفرقة بقولهن لفائدة بشهادة الأصل وهي البكارة. م: (وكذا في رد المبيعة) ش: إذا كان جارية م: (إذا اشتراها بشرط البكارة) ش: بيانه إذا اشترى رجل جارية على أنها بكر، ثم اختلفا قبل القبض أو بعده، فقال البائع: هي بكر في الحال، فإن القاضي يريها النساء م: (فإن قلن: إنها ثيب) ش: لم يثبت حق الفسخ بشهادتهن؛ لأن الفسخ حق قوي، وشهادتهن حجة ضعيفة، لم تتأيد بمؤيد، لكن ثبت حق الخصومة لتوجه اليمين على البائع م: (يحلف البائع) ش: لقد سلمتها بحكم البيع وهي بكر، فإن لم يكن قبضها بالله لقد بعتها وهي بكر، فإن نكل يرد عليه، وإن حلف لزم المشتري م: (لينضم نكوله) ش: أي نكول البائع م: (إلى قولهن) ش: فترد م: (والعيب يثبت بقولهن) ش: هذا جواب بما يقال: شهادة النساء حجة فيما لا يطلع عليه الرجال، فيجب الرد بقولهن، والتحليف ترك العمل بالحديث أجاب بقوله، والعيب يثبت بقولهن أي في حق سماع الدعوى وحق التحليف م: (فيحلف البائع) ش: فإن المشتري إذا ادعى عيبا في المبيع لا بد له من إثبات قيامه به في الحال ليثبت له ولاية التحليف، وإلا كان القول للبائع لتمسكه بالأصل، فإذا قلن: إنها ثيب، يثبت العيب في الحال، وعمل بالحديث ثم يحلف البائع على أنه لم يكن بها ذلك العيب في الوقت الذي كانت في يده. م: (وأما شهادتهن على استهلال الصبي لا تقبل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في حق الإرث؛ لأنه مما يطلع عليه الرجال) ش: أي لأن الاستهلال وهو صوت الصبي عند الولادة، وهذا مما يطلع الرجال، فلا يكون شهادته فيه حجة، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وإن لم يحضر الرجال فشهادتهن كشهادتهن على جراحات الدنيا في الجماعات، وإن لم يحضر الرجال بخلاف الولادة، فإنها انفصال الولد من الأم، فلا يطلع عليه الرجال م: (إلا في حق الصلاة) ش: أي تقبل شهادة المرأة الواحدة الحرة على استهلال الصبي في حق الصلاة عليه فإنها تجوز بالاتفاق م: (لأنها) ش: أي لأن حق الصلاة م: (من أمور الدين) ش: فشهادة الواحدة حجة في ذلك، كشهادتها هلال رمضان. م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (تقبل في حق الإرث أيضا لأنه) ش: أي لأن استهلال الصبي م: (صوت عند الولادة، ولا يحضرها الرجال عادة، فصار الجزء: 9 ¦ الصفحة: 111 كشهادتهن على نفس الولادة. قال: ولا بد في ذلك كله من العدالة، ولفظه الشهادة، فإن لم يذكر الشاهد لفظة شهادة، وقال: أعلم أو أتيقن لم تقبل شهادته، أما العدالة فلقوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] (البقرة الآية: 282) . والمرضي من الشاهد هو العدل، ولقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] (الطلاق الآية: 2) . ولأن العدالة هي المعينة للصدق؛ لأن من يتعاطى غير الكذب قد يتعاطاه. وعن أبي يوسف أن الفاسق إذا كان وجيها في الناس ذا مروءة، تقبل شهادته؛ لأنه لا يستأجر لوجاهته، ويمنع عن الكذب لمروءته. والأول أصح   [البناية] كشهادتهن على نفس الولادة) ش: وبه قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في قول. [اشتراط العدالة في الشهادة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا بد في ذلك كله) ش: أي في جميع ما ذكر من أنواع الشهادة م: (من العدالة ولفظة الشهادة، فإن لم يذكر الشاهد لفظة شهادة، وقال: أعلم أو أتيقن لم تقبل شهادته. أما العدالة فلقوله عز وجل: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] (البقرة: الآية 282) والمرضي من الشاهد هو العدل، ولقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] (الطلاق: الآية 2)) ش: والفاسق ليس بمرضي. ولا خلاف فيه للفقهاء، ولو أن الشهادة حجة باعتبار الصدق، وهو معنى قوله م: (ولأن العدالة هي المعينة للصدق؛ لأن من يتعاطى) ش: من التعاطي، وهو التناول م: (غير الكذب قد يتعاطاه) ش: أي لأن من يتعاطى غير الكذب من محظورات دينه، فقد يتعاطاه أيضا ويقدم على شهادة الزور أيضا، فترد شهادته للتهمة. م: (وعن أبي يوسف أن الفاسق إذا كان وجيها) ش: أي ذا قدر وشرف م: (في الناس ذا مروءة) ش: أي إنسانية، وفي المروءة لغتان، الهمزة وتشديد الواو م: (تقبل شهادته لأنه لا يستأجر لوجاهته ويمنع عن الكذب لمروءته) ش: لأنه لا يرضى أن يعرف بين الناس بالكذب، فمروءته تمنعه عن ذلك، وكذلك لا يرى لنفسه أن يستأجر على شهادة الزور خوفا من أن يسلم في وجاهته م: (والأول) ش: وهو عدم قبول شهادة الفاسق مطلقا ذا وجاهة أو لا م: (أصح) ش: لإطلاق قوله عز وجل: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] ش: (الطلاق: الآية 2) وقوله: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] (الحجرات: الآية 6) . ولأن قبول الشهادة والعمل بها إكرام الشهادة وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أكرموا الشهود» ... " الحديث، وفي حق الفاسق أمرنا بخلاف ذلك، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا لقيت الفاسق، فالقه بوجه مكفهر» أي شديد العبوسة، ولا مروءة لمن يكون معلنا بفسق شرعا، كذا في " المبسوط ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 112 إلا أن القاضي لو قضى بشهادة الفاسق، يصح عندنا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصح، والمسألة معروفة. وأما لفظة الشهادة، فلأن النصوص نطقت باشتراطها، إذ الأمر فيها بهذه اللفظة، ولأن فيها زيادة توكيد، فإن قوله: أشهد من ألفاظ اليمين، كقوله: أشهد بالله فكان الامتناع عن الكذب بهذه اللفظة أشد، وقوله في ذلك كله إشارة إلى جميع ما تقدم حتى يشترط العدالة، ولفظة الشهادة في شهادة النساء في الولادة وغيرها هو الصحيح؛   [البناية] م: (إلا أن القاضي) ش: أي لكن القاضي م: (لو قضى بشهادة الفاسق يصح عندنا، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصح) ش: وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقبل شهادة الفاسق ولا يجوز قضاؤه. م: (والمسألة معروفة) ش: وقد مر الكلام فيها في أوائل كتاب "أدب القاضي" م: (وأما لفظ الشهادة فلأن النصوص نطقت باشتراطها، إذ الأمر فيها) ش: أي في النصوص م: (بهذه اللفظة) ش: أي لفظة الشهادة. قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] (الطلاق: الآية 2) {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] (البقرة: الآية 282) ، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا علمت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع» م: (ولأن فيها) ش: أي لفظ الشهادة م: (زيادة توكيد) ش: لدلالتها على الشهادة. م: (فإن قوله: أشهد من ألفاظ اليمين، كقوله: أشهد بالله، فكان الامتناع عن الكذب بهذه اللفظة) ش: أي بلفظة الشهادة م: (أشد) ش: والنصوص وردت بقبولها بهذه اللفظة فيقتصر على مورد النص، ولا يقال: جاء الأمر بالتكبير بلفظ التكبير، قال الله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] (المدثر: الآية 3) ، ومع ذلك أجاز أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تبديله بلفظ آخر، مثل الله أجل وأعظم؛ لأنا نقول: إن التكبير للتعظيم. وفي قوله: "أعظم" صريح التعظيم، فكان مثله من كل وجه بل أزيد، فيلحق به دلالة أما الشهادة فتنبني عن المشاهدة والعيان، ولهذا يذكر للقسم فكانت له زيادة وكادة في الإخبار على قوله: أتيقن أو أعلم، فلا يمكن إلحاقها بلفظ الشهادة. م: (وقوله) ش: أي قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره " م: (في ذلك كله) ش: أي في جميع ما تقدم م: (إشارة إلى جميع ما تقدم) ش: من أنواع الشهادة م: (حتى يشترط العدالة. ولفظة الشهادة في شهادة النساء في الولادة وغيرها هو الصحيح) ش: احترز به عن قول العراقيين فإنهم لا يشترطون فيها لفظة الشهادة. وفي " المنتقى " إن لفظة الشهادة والحرية غير معتبرة. وحكي عن الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الشهادة على الولادة ليست بشهادة، وإنما هي خبر وإليه ذهب صاحب " المختلف "، والذي قاله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 113 لأنها شهادة لما فيه من معنى الإلزام، حتى اختص بمجلس القضاء، ويشترط فيه الحرية والإسلام، قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقتصر الحاكم على ظاهر العدالة في المسلم، ولا يسأل عن حال الشهود حتى يطعن الخصم؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدودا في قذف» ،   [البناية] القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو الذي اختاره مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وعليه مشايخنا. وقال التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال في " شرح بكر ": قال مشايخ بخارى وبلخ: يشترط لفظة الشهادة، وقال مشايخ العراق: لا يشترط كما في شهادة هلال رمضان م: (لأنها) ش: أي لفظ شهادة النساء بالولادة م: (شهادة) ش: وليست بمجرد إخبار م: (لما فيه من معنى الإلزام) ش: أي إلزام النسب م: (حتى اختص) ش: أي لفظ شهادة النساء م: (بمجلس القضاء) ش: فلا يعتبر في غير مجلس القضاء. م: (ويشترط فيه) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي في الشاهد: م: (الحرية والإسلام) ش: في جميع ما ذكرنا من مراتب الشهادة، والظاهر أن الضمير في قوله فيه، أي في اشتراط لفظة الشهادة في شهادة النساء بالولادة يشترط الحرية والإسلام أيضا، ويؤيده نسخة شيخنا العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولهذا يشترط الحرية والإسلام أي ولأجل ما فيه من معنى الإلزام، واختصاصه بمجلس القضاء، يشترط في شهادة النساء بالولادة الحرية والإسلام حتى لو كانت أمة أو كافرة لا تقبل. م: (قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقتصر الحاكم على ظاهر العدالة في المسلم، ولا يسأل عن حال الشهود حتى يطعن الخصم، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدودا في قذف» ش: هذا الحديث رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه "، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... إلى آخره م: (ومثل ذلك مروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي مثل ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - روي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذا رواه الدارقطني في "سننه " مطولا جدا عن عبد الله بن أبي المليح الهذلي، قال: كتب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة ... الحديث، وفيه: "المسلمون عدول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 114 ومثل ذلك مروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولأن الظاهر هو الانزجار عما هو محرم دينه، وبالظاهر كفاية، إذ لا وصول إلى القطع إلا في الحدود والقصاص، فإنه يسأل عن الشهود لأنه يحتال لإسقاطها، فيشترط الاستقصاء فيها، ولأن الشبهة فيها دارئة، وإن طعن الخصم فيهم يسأل عنهم في السر والعلانية، لأنه تقابل الظاهران فيسأل طلبا للترجيح.   [البناية] بعضهم على بعض إلا محدودا في حد أو مخبر بما في شهادة زور، أو ظنينا في ولادة أو قرابة. وقال الدارقطني: وعبد الله بن حميد ضعيف، وقال النسائي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: متروك الحديث، وقال البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: منكر الحديث، واسم أبي حميد عالية بن الخطاب الهذلي الكوفي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولأن الظاهر) ش: في حال المسلم م: (هو الانزجار عما هو محرم دينه، وبالظاهر كفاية) ش: فإن قيل: الظاهر يكفي للدفع لا يكفي للاستحقاق، وهاهنا يثبت المدعي استحقاق المدعى به بإقامة البينة. قيل في جواب: ما أشار إليه المصنف بقوله: م: (إذ لا وصول إلى القطع) ش: أي لا إمكان للوصول إلى الدليل القطعي، إلا الظاهر لأنه لو لم يكتف بالظاهر، احتيج إلى التزكية، وقبول قول المزكي في التعديل أيضا عمل بالظاهر، إذ لو لم يعمل بقوله لاحتيج إلى مزك آخر، ويرد ذلك في الثالث والرابع، فيؤدي إلى الدور والتسلسل. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز أن يقال: الظاهر هنا، اعتبر للدفع لا للاستحقاق؛ لأن دعوى المدعي وإنكاره الخصم تعارضا، وشهادة الشهود وبراءة الذمة كذلك، وبظاهر العدالة اندفع معارضة الذمة، فكان واقعا م: (إلا في الحدود والقصاص) ش: استثناء من قوله ولا يسأل حتى يطعن الخصم إلا في الحدود والقصاص م: (فإنه) ش: أي فإن الحاكم م: (يسأل عن الشهود لأنه يحتال لإسقاطها) ش: أي لإسقاط الحدود، لأن مبناها على الدرء م: (فيشترط الاستقصاء فيها) ش: إذ السؤال عن العدالة ربما يفضي إلى الدرء فيجب السؤال احتيالا له م: (ولأن الشبهة فيها) ش: أي في الحدود م: (دارئة) ش: أي العدالة وإن كانت ظاهرة، وكذا احتمال كونه غير عدل ثابت، فتعمل هذه الشبهة بالدرء. م: (وإن طعن الخصم فيهم) ش: أي في الشهود م: (يسأل عنهم في السر والعلانية) ش: يعني في غير الحدود والقصاص، لأن في الحدود والقصاص يسأل قبل الطعن م: (لأنه تقابل الظاهران) ش: يعني كما أن الظاهر أن الشهود لا يكذبون، فكذا الظاهر أن الخصم لا يكذب في طعنه، فإذا كان كذلك م: (فيسأل) ش: الحاكم عنهم أي عن الشهود م: (طلبا للترجيح) ش: بين المتعارضين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 115 وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: لا بد أن يسأل عنهم في السر والعلانية في سائر الحقوق، لأن القضاء مبناه على الحجة، وهي شهادة العدول، فيتعرف عن العدالة وفيه صون قضائه عن البطلان وقيل هذا اختلاف عصر وزمان والفتوى على قولهما في هذا الزمان، قال: ثم التزكية في السر أن يبعث المستورة إلى المعدل فيها النسب والحلي والمصلى ويردها المعدل، وكل ذلك في السر كيلا يظهر فيخدع أو يقصد   [البناية] م: (وقال أبو يوسف ومحمد: - رحمهما الله -: لا بد أن يسأل عنهم في السر والعلانية في سائر الحقوق) ش: يعني سواء طعن الخصم أو لم يطعن في جميع الدعوى. وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من كان مشهودا [له] بالعدالة، لم تسأل عنه، ومن عرف جرحه رد شهادته وإنما يجب السؤال مهما شك. م: (لأن القضاء مبناه على الحجة، وهي شهادة العدول، فيتعرف عن العدالة) ش: يقال: تعرفت ما عنده أي تطلبته منه حتى عرفته م: (وفيه) ش: أي في تعرفه م: (صون قضائه) ش: أي حفظه م: (عن البطلان) ش: على تقدير ظهور الشهود عبيدا أو كفارا، فيبطل القضاء. م: (وقيل: هذا) ش: أي هذا الخلاف م: (اختلاف عصر وزمان) ش: لا اختلاف حجة وبرهان، بيانه أن أبا حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان في القرن الثالث الذي شهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالخيرية لأهله حيث قال: «خير القرون رهطي الذي أنا فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ثم يفشوا الكذب حتى يحلف الرجل قبل أن يستحلف، ويشهد قبل أن يستشهد» وهذا كان في القرن الرابع الذي شهد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بفشو الكذب في أهله، فلهذا شرط الاستكشاف، ولو شاهد أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذلك لقال بقولهما، ولهذا المصنف: م: (والفتوى على قولهما في هذا الزمان) ش: أي على قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله. م: (قال: ثم التزكية في السر أن يبعث المستورة) ش: أي الرقعة يكتب فيها القاضي أمام الشهود وحلاهم م: (إلى المعدل) ش: بكسر الدال سميت بالمستورة؛ لأنها تستر عن نظر العوام م: (فيها) ش: أي المستورة بيان م: (النسب) ش: أي نسب الشهود م: (والحلي) ش: بكسر الحاء المهملة وتخفيف اللام مقصورا جمع حلية. وفي " المغرب " حلية الإنسان صفته وجاء الضم في الحاء في الجمع والكسر أفصح م: (والمصلى) ش: أي قيل: أراد به الجلسة والظاهر أن المراد به مسجد المحلة م: (ويردها المعدل) ش: أي يرد المعدل المستورة م: (وكل ذلك في السر كيلا يظهر) ش: أي المعدل م: (فيخدع) على صيغة المجهول بالنصب لأنه جواب النفي، أي يخدع بالمال م: (أو يقصد) ش: مجهول أيضا منصوب، لأنه عطف على يخدع، أي يقصد بالإضرار إذا كان ظاهرا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 116 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وفي " المحيط " و" فتاوى قاضي خان ": وينبغي للقاضي أن يختار للمسألة عن الشهود من هو أوثق الناس وأورعهم وأكرمهم أمانة وخبرة، وأعلمهم بالتمييز فطنة قبولية المسألة، ثم يكتب في رقعة أسماء الشهود حماية بأنسابهم وحلاهم وقبائلهم ومحلاتهم ورخائهم، ويبعث ملك الرقعة على يد أمين مختومة ولا يطلع أحد على ما في يد أمين حتى لا يخدع بالرشوة. ولو كان المزكي بعيدا ويجعل أجرة الأمين على المدعي، وثمن الصحيفة الذي يكتب فيها أساميهم عليه أيضا، ثم المزكي يسأل عنهم من أهل حرفتهم، ومن جيرانهم وأهل محلتهم، فإن لم يجد فمن أهل سوقهم، فإذا قال المسئول عنه: هو عدل، يكتب المزكي في آخر الرقعة أنه عدل مرضي عندي جائز الشهادة، ولا يكتب أنه غير عدل غير مرضي. وفي " فتاوى قاضي خان " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من عرف فسقه لا يكتب ذلك تحت اسمه، بل يكتب احترازا عن هتك الستر، ويقول: الله أعلم، إلا إذا خاف أن القاضي يقضي بشهادته بتعديل غيره، فحينئذ يصرح بذلك. ومن لم يعرفه لا بالعدل ولا بالفسق يكتب تحت اسمه في كتاب القاضي مستور، ثم يبعثه بتلك الرقعة إلى القاضي سرا، ثم القاضي إن شاء جمع بين تزكية السر وبين تزكية العلانية. وفي " الذخيرة ": ينبغي أن يكون المزكي صاحب خبرة، ولا يكون منزويا لا يخالط الناس، لأنه إذا لم يخالطهم لا يعرف العدل من غير عدل، وينبغي أن لا يكون طماعا ولا فقيرا، حتى لا ينخدع بالمال. فإذا لم يجد المزكي أهل مسجده أو أهل محلته أو سوقه يسأل أهل مجلسه، فإن وجد كلهم غير ثقات يعتبر في ذلك تواتر الأخبار، ولو لم يعرف الشهود بالعدالة، فأخبره رجلان عدلان عين النسب. وعن ابن سماعة عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز في تزكية السر المرأة والعبد والمحدود في القذف إذا كانوا عدولا، ولا يجوز في تزكية العلانية، إلا من يجوز شهادته لأن تزكية السر من الإخبار بأمر ديني، وقول هؤلاء في الأمور الدينية إذا كانوا عدولا مقبول في روايتهم الإخبار شهادتهم بهلال رمضان، أما العلانية نظير الشهادة من حيث أن القضاء لا يجب إلا بها كالشهادة، ويشترط فيها ما يشترط في الشهادة سوى لفظة الشهادة، حتى لا يجوز تزكية الوالد لولده، وعلى العكس في السر جائز. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 117 وفي العلانية لا بد أن يجمع بين المعدل والشاهد لتنتفي شبهة تعديل غيره، وقد كانت العلانية، وحدها في الصدر الأول، ووقع الاكتفاء في السر في زماننا تحرزا عن الفتنة، ويروى عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تزكية العلانية بلاء وفتنة، ثم قيل: لا بد أن يقول المعدل: هو، حر، عدل، جائز الشهادة، لأن العبد قد يعدل، وقيل: يكتفى بقوله: هو عدل؛ لأن الحرية ثابتة بالدار، وهو أصح، قال: وفي قول من رأى أن يسأل عن الشهود لم يقبل قول الخصم أنه عدل معناه قول المدعى عليه.   [البناية] م: (وفي العلانية) ش: أي وفي التزكية العلانية م: (لا بد أن يجمع) ش: الحاكم في مجلس القضاء م: (بين المعدل والشاهد لتنتفي شبهة تعديل غيره) ش: لأن الشخصين قد يتفقان في الاسم والنسبة، فيقول المعدل: هذا الذي عدالته يشير إلى الشاهد م: (وقد كانت العلانية) ش: أي التزكية العلانية م: (وحدها) ش: يعني بدون تزكية السر م: (في الصدر الأول) ش: أي الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لأن القوم كانوا صلحاء، والمعدل كان لا يوفي عن الجرح؛ لأنهم كانوا لا يقابلونه بالأذى لو جرحهم، وفي زماننا ليس كذلك م: (ووقع الاكتفاء بالسر في زماننا تحرزا عن الفتنة، ويروى عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تزكية العلانية بلاء وفتنة) ش: لأن الشهود يقابلون المزكي إذا جرحهم بالأذى ويقع بينه وبينهم العداوة. م: (ثم قيل: لا بد أن يقول المعدل: هو) ش: أي الشاهد م: (حر، عدل، جائز الشهادة، لأن العبد قد يعدل، وقيل: يكتفي بقوله) ش: أي بقول المعدل م: (هو عدل) ش: ولا يشترط أن يقول: هو عدل جائز الشهادة م: (لأن الحرية ثابتة بالدار) ش: لأن الدار دار الإسلام. وقال المصنف: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهو أصح) ش: وبه قال أصحاب الشافعي، وأحمد - رحمهما الله -، وقال مالك: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بد من ذكر العدالة والرضاء، بأن يقول: هو عدل مرضي، ولا يقتصر على أحد الوصفين، ذكره في " الجواهر ". م: (قال: وفي قول من رأى أن يسأل عن الشهود) ش: بيان هذا أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: على طريقة قوله في المزارعة من التخريج على قول من يقول بالسؤال إذا سئل م: (لم يقبل قول الخصم) ش: وهو المدعى عليه م: (أنه عدل) . ش: وفسر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الخصم بقوله: م: (معناه قول المدعى عليه) ش: وكذا فسرناه، ولفظ " الجامع الصغير ": محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال في قوله: من رأى أن يسأل عن الشهود بأنه لا يجوز إذا قال: "الخصم المشهود عليه" هو عدل حتى يسأل عنه، انتهى. وذلك لأن من أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن القاضي لا يسأل عن الشهود في غير الجزء: 9 ¦ الصفحة: 118 وعن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - أنه يجوز تزكيته، لكن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضم تزكية الآخر إلى تزكيته؛ لأن العدد عنده شرط. ووجه الظاهر أن في زعم المدعي وشهوده أن الخصم كاذب في إنكاره، مبطل في إصراره فلا يصلح معدلا، وموضوع المسألة إذا قال: هم عدول، إلا أنهم أخطؤوا أو نسوا، أما إذا قال: أو هم عدول صدق فقد اعترف بالحق.   [البناية] الحدود والقصاص إلا إذا طعن الخصم وهذا إذا سئل عنهم على قول من رأى ذلك، فقال المشهود عليه: هو عدل، لا يكفي ذلك، حتى يسأل غيره لأن تعديل المشهود عليه ليس بتعديل على الكمال، بل هو تعديل من وجه وجرح من وجه حيث لم يصدقه على شهادته. م: (وعن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: أنه يجوز تزكيته) ش: أي تزكية الخصم، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وفي قول آخر: لا تجوز. م: (لكن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: إنما يجوز م: (يضم تزكية الآخر إلى تزكيته؛ لأن العدد عنده شرط) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي بعض النسخ؛ لأن العدد عنده شرط. وفي " جامع قاضي خان " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا إذا كان المدعى عليه يصلح مزكيا، فإن كان فاسقا أو مستورا أو سكت عن جواب المدعي، ولم يجحد فلما شهدوا قال: هم عدول، لا يصح هذا التعديل، لأن العدالة في المزكي شرط عند الكل، ولم يوجد وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن القاضي يسأل عن المدعى عليه شهدوا عليك بحق أو بغير حق، فإن قال بحق فهو إقرار، وإن قال بغير حق، لا يقضى بشيء. م: (ووجه الظاهر) ش: أي وجه ظاهر الرواية م: (أن في زعم المدعي وشهوده أن الخصم كاذب في إنكاره، مبطل في إصراره) ش: بالصاد المهملة، والإصرار هو الثبات على الشيء أي الخصم مبطل في ثباته على الإنكار م: (فلا يصلح معدلا) ش: لاشتراط العدالة فيه بالاتفاق. م: (وموضوع المسألة) ش: هذا جواب عما يقال تعديل الخصم إقرار منه بثبوت الحق عليه فكان مقبولا؛ لأن العدالة ليست بشرط فيه بالاتفاق. فأجاب المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: وموضوع المسألة، يعني الذي يثبت عليه هذه المسألة م: (إذا قال) ش: أي المدعي: م: (هم عدول إلا أنهم أخطئوا أو نسوا) ش: ومثل هذا ليس بإقرار بالحق وفيه نظر؛ لأن هذا الكلام مشتمل على الإقرار وغيره، فيصدق في الإقرار على نفسه، ويرد الغير للتهمة. وأجيب: بأن الإقرار فيه بالنسبة إلى ما عليه؛ لأنه نسبهم في ذلك إلى الخطأ والنسيان، فأنى يكون إقرارا. م: (أما إذا قال: صدقوا أو هم عدول صدقة) ش: جمع صادق م: (فقد اعترف بالحق) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 119 قال: وإذا كان رسول القاضي الذي يسأل عن الشهود واحدا جاز، والاثنان أفضل، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز إلا اثنان والمراد منه المزكي، وعلى هذا الخلاف رسول القاضي إلى المزكي والمترجم عن الشاهد. له أن التزكية في معنى الشهادة؛ لأن ولاية القضاء تبتنى على ظهور العدالة وهو بالتزكية، فيشترط فيه العدد كما تشترط العدالة فيه، وتشترط الذكورة في المزكي في الحدود والقصاص.   [البناية] ش: فيقضي القاضي عليه باعترافه لا بالشاهدة. م: (قال) ش: أي محمد: - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا كان رسول القاضي الذي يسأل) ش: عن صيغة المجهول م: (عن الشهود واحدا جاز) ش: لأنه ليس بشهادة، فلا يشترط في الخبر العدد م: (والاثنان أفضل) ش: لأنه أحوط م: (وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز إلا اثنان) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - في رواية م: (والمراد منه) ش: أي من رسول القاضي الذي يسأل عن الشهود م: (المزكي) ش: وهو المرسل إليه فكان قوله الذي يسأل عن الشهود صفته الرسول، وتفسيره والذي يسأل عنه عن الشهود هو المزكي م: (وعلى هذا الخلاف رسول القاضي إلى المزكي والمترجم عن الشاهد) ش: يعني يكفي الواحد للتزكية والرسالة والترجمة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بد من اثنين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والترجمة جائزة إذا كان القاضي لا يعرف نساءهم. والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صنع في حق سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقال: ترجم كلامه إذا فسره بلسان آخر. وفي " الخلاصة " الترجمان: إذا كان أعمى، فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجوز م: (له) ش: أي لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن التزكية في معنى الشهادة، لأن ولاية القضاء تبتنى على ظهور العدالة وهو بالتزكية، فيشترط فيه العدد كما تشترط العدالة فيه، وتشترط الذكورة في المزكي في الحدود والقصاص) ش: بإجماع الأئمة الأربعة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وكذلك في القصاص. وذكره في " المختلف والحصر " في كتاب الحدود من باب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يشترط الذكورة في المزكي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما، ويشترط أيضا عند الأئمة الثلاثة فيما لا يثبت بشهادة النساء، وعلى هذا الخلاف الجرح، فعندهما يثبت بواحد، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله -. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بد من اثنين. وبه قال الشافعي وأحمد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 120 ولهما أنه ليس في معنى الشهادة، ولهذا لا يشترط فيه لفظة الشهادة. ومجلس القضاء، واشتراط العدد أمر حكمي في الشهادة، فلا يتعداها، ولا يشترط أهلية الشهادة في المزكي في تزكية السر حتى صلح العبد مزكيا، فأما في تزكية العلانية، فهو شرط، وكذا العدد بالإجماع على ما قاله الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لاختصاصها بمجلس القضاء، قالوا: يشترط الأربعة في تزكية شهود الزنا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أنه) ش: أي أن التزكية م: (ليس في معنى الشهادة، ولهذا) ش: أي لعدم كونه في معنى الشهادة، م: (لا يشترط فيه لفظة الشهادة ومجلس القضاء) ش: فلا يشترط فيها ما يشترط في الشهادة م: (واشتراط العدد أمر حكمي) ش: أي تعبدي ثبت بالنص على خلاف القياس م: (في الشهادة فلا يتعداها) ش: أي فلا يتعدى اشتراط العدد من الشهادة إلى التزكية م: (ولا يشترط أهلية الشهادة في المزكي في تزكية السر حتى صلح العبد مزكيا) ش: لمولاه وغيره. م: (فأما في تزكية العلانية، فهو شرط وكذا العدد بالإجماع) ش: شرط م: (على ما قاله الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لاختصاصها بمجلس القضاء) ش: وقال في " الخلاصة ": شرط الخصاف أن يكون المزكي في العلانية غير المزكي في السر. أما عندنا فالذي تزكيهم في العلانية ذكره في الفصل الثاني من كتاب القضاء. م: (قالوا) ش: أي المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: م: (يشترط الأربعة في تزكية شهود الزنا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: الأربعة من الذكور في الزكيين، ذكره في " الذخيرة ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 121 فصل وما يتحمله الشاهد على ضربين: أحدهما: يثبت حكمه بنفسه مثل الربيع والإقرار والغصب والقتل وحكم الحاكم، فإذا سمع الشاهد أو رآه، وسعه أن يشهد به، وإن لم يشهد عليه؛ لأنه علم ما هو الموجب بنفسه، وهو الركن في إطلاق الأداء قال الله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] (الزخرف الآية 86) ش: وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ - وسلم: «إذا علمت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع» .   [البناية] [فصل ما يتحمله الشاهد] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام تتعلق بأداء الشهادة، بأن الشاهد كيف يشهد عند القاضي م: (وما يتحمله الشاهد على ضربين) ش: أي على نوعين م: (أحدهما يثبت حكمه بنفسه) ش: أي بلا احتياج إلى الإشهاد م: (مثل البيع والإقرار والغصب والقتل وحكم الحاكم، فإذا سمع ذلك الشاهد أو رآه) ش: الذي سمعه مثل البيع والإقرار، وحكم الحاكم هذا من المسموعات، والذي رآه مثل الغصب والقتل، ونحو ذلك من المبصرات م: (وسعه) ش: ويسع الشاهد م: (أن يشهد وإن لم يشهد عليه؛ لأنه علم ما هو الموجب بنفسه، وهو الركن) ش: أي العلم بالموجب بنفسه هو الركن م: (في إطلاق الأداء) ش: أي في جواز أداء الشهادة. م: (قال الله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] (الزخرف: الآية 68) ش: بيانه أن الله تعالى جوز أداء الشهادة بعد العلم، وقد حصل العلم بالرؤية والسماع، فتصح الشهادة، يدل عليه الإجماع أيضا. ألا ترى أن رجلا لو طلق امرأته ثلاثا أو أعتق عبده أو أمته، وسمع الرجلان ذلك فجاءت المرأة أو العبد يطلب شهادتهما لم يسعهما، ترك الشهادة لئلا يقع الرجل في الوطء الحرام في المرأة والأمة، قالوا: إنما يجوز ذلك إذا رأوه أن يفعل ذلك وعرفوا صحته، فإن سمعا كلامه من وراء حجاب غليظ وحائط لا يرونه، لم يسمعهم الشهادة؛ لأن الصوت يشبه الصوت فلا يجوز الشهادة بالشك. م: (وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ - وسلم: «إذا علمت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع» ش: هذا الحديث رواه البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "سننه "، والحاكم في "المستدرك "، عن محمد بن سليمان بن مشمول، حدثنا عبيد الله بن سلمة بن وهرام عن أبيه عن طاووس عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رجلا سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الشهادة، فقال: "هل ترى الشمس؟ قال: نعم، قال: على مثلها فاشهد أو دع» قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه وتعقبه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 122 قال: ويقول: أشهد أنه باع، ولا يقول: أشهدني؛ لأنه كذب، ولو سمع من وراء الحجاب لا يجوز له أن يشهد، ولو فسر للقاضي لا يقبله لأن النغمة تشبه النغمة، فلم يحصل العلم إلا إذا كان دخل البيت، وعلم أنه ليس فيه أحد سواه ثم جلس على الباب وليس في البيت مسلك غيره، فسمع إقرار الداخل ولا يراه، له أن يشهد؛ لأنه حصل العلم في هذه الصورة ومنه ما لا يثبت الحكم   [البناية] الذهبي في "مختصره "، فقال: بل هو حديث واه، فإن محمد بن سليمان بن مشمول ضعفه غير واحد، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه في إسناده، ولا في متنه. فإن قيل: جعل العلم بالموجب ركنا في الأداء مخالف للنصين جميعا، فإنهما لا بد؛ لأنه على شرطيته وعلى ركنيته، إذ الأحوال شروط وهي موضوعة للشرط. أجيب: بأنه مجاز عن الشرط وإنما غير عنه بذلك إشارة إلى شدة احتياج الأداء إليه. م: (قال: ويقول: أشهد أنه باع) ش: يعني إذا سمع المبايعة ولم يشهد عليها، واحتيج إلى الشهادة يقول الشاهد: إنه باع م: (ولا يقول: أشهدني لأنه كذب) ش: لأنه ما أشهده. وفي " الذخيرة ": هذا في البيع الصريح، أما في البيع على سبيل التعاطي، يشهدون على الآخذ والإعطاء؛ لأن التعاطي بيع حكمي، وقيل: لو شهدوا على البيع يجوز. م: (ولو سمع من وراء الحجاب) ش: أي قول واحد: بعت، وقول آخر: اشتريت, م: (لا يجوز له أن يشهد ولو فسر للقاضي) ش: بأن قال: أشهد بالسماع من رواء الحجاب م: (لا يقبله؛ لأن النغمة تشبه النغمة، فلم يحصل العلم) ش: وهي الكلام الخفي من حد ضرب، يقال: فلان حسن النغمة إذا كان حسن الصوت في القراءة م: (إلا إذا كان) ش: استثناء من قوله: لا يجوز له أن يشهد إلا إذا كان، أي الشاهد م: (دخل البيت وعلم أنه ليس فيه) ش: أي في البيت م: (أحد سواه ثم جلس على الباب وليس في البيت مسلك غيره) ش: أي غير الباب م: (فسمع إقرار الداخل ولا يراه) ش: فحينئذ يجوز م: (له أن يشهد) ش: على إقراره م: (لأنه حصل العلم في هذه الصورة) ش: وكان ابن مقاتل لم يجوز الشهادة بالسماع من وراء الحجاب مطلقا. وقال أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا رأى شخصها حال إقرارها يجوز، وإلا لا شرط رؤية شخصها لا رؤية وجهها كما في " الذخيرة " م: (ومنه) ش: هذا بيان للضرب الثاني من الضربين الذين ذكرهما بقوله: ما يتحمله الشاهد على ضربين أي ما يتحمله الشاهد. م: (ما لا يثبت الحكم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 123 فيه بنفسه مثل الشهادة على الشهادة، فإذا سمع شاهدا يشهد بشيء، لم يجز له أن يشهد على شهادته إلا أن يشهده عليه؛ لأن الشهادة غير موجبة بنفسها، وإنما تصير موجبة بالنقل إلى مجلس القضاء، فلا بد من الإنابة والتحميل ولم يوجد وكذا لو سمعه يشهد الشاهد على شهادته لم يسع للسامع أن يشهد، لأنه ما حمله وإنما حمل غيره. ولا يحل للشاهد إذا رأى خطه أن يشهد إلا أن يتذكر الشهادة؛ لأن الخط يشبه الخط، فلم يحصل العلم، قيل هذا على قول لأبي حنيفة - رحمه الله - وعندهما يحل له أن يشهد، وقيل هذا بالاتفاق، وإنما الخلاف فيما إذا وجد   [البناية] فيه بنفسه مثل الشهادة على الشهادة) ش: فإنها لا يثبت بها الحكم ما لم يشهد. م: (فإذا سمع شاهدا يشهد بشيء لم يجز له أن يشهد على شهادته إلا أن يشهده عليه) ش: بضم الباقي يشهد لأنه مجهول م: (لأن الشهادة) ش: أي شهادة الأصول م: (غير موجبة بنفسها) ش: وفي بعض النسخ: غير مثبتة بنفسها م: (وإنما تصير) ش: أي الشهادة م: (موجبة بالنقل إلى مجلس القضاء، فلا بد من الإنابة والتحميل) ش: أي لا بد من الإنابة بتحمل الشهادة في الفرع حتى ينقلها الفرع إلى مجلس القاضي. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والأول يعني قوله: "الإنابة" إشارة إلى مذهب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يقول بطريق التوكيل، ولا توكيل إلا بأمر الموكل، والثاني يعني قوله، و"التحمل" إشارة إلى مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -؛ فإنهما لم يجعلاه بطريق التوكيل بل بطريق التحميل م: (ولم يوجد) ش: أي كل واحد من الإنابة والتحميل. م: (وكذا لو سمعه) ش: أي إذا سمع الشاهد م: (يشهد الشاهد على شهادته، لم يسع للسامع أن يشهد؛ لأنه) ش: أي لأن ذلك الشاهد م: (ما حمله السامع) على شهادته م: (وإنما حمل غيره) ش: غير السامع، وهذا بخلاف القاضي إذا شهد على قضيته، وسمع بذلك آخرون، وسمعهم أن يشهدوا؛ لأن قضاءه حجة بمنزلة الإقرار والبيع وغير ذلك، فيصح التحميل من غير إشهاد. كذا ذكره فخر الإسلام البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ". م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا يحل للشاهد إذا رأى خطه أن يشهد إلا أن يتذكر الشهادة؛ لأن الخط يشبه الخط، فلم يحصل العلم) ش: وهذا كما رأيت، لم يذكر القدوري فيه الخلاف، وكذا لم يذكر في " شرح الأقطع "، وكذلك الخصاف لم يذكر الخلاف في " أدب القاضي " فلأجل هذا قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (قيل: هذا على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما يحل له أن يشهد) ش: وكذا ذكر الخلاف في " المختلف "، وذكر أي القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ورووا الخبر كذلك على الخلاف. م: (وقيل: هذا) ش: أي عدم الحل بدون تذكر الحادثة م: (بالاتفاق، وإنما الخلاف فيما إذا وجد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 124 القاضي شهادته في ديوانه أو قضيته؛ لأن ما يكون في قمطره فهو تحت ختمه يؤمن عليه من الزيادة والنقصان فحصل له العلم بذلك، ولا كذلك الشهادة في الصك؛ لأنه في يد غيره، وعلى هذا إذا تذكر المجلس الذي كان فيه الشهادة، أو أخبره قوم ممن يثق بهم أنا شهدنا نحن وأنت.   [البناية] القاضي شهادته) ش: أي شهادة شاهد م: (في ديوانه أو قضيته) ش: أو وجد حكمه مكتوبا في خريطته م: (لأن ما يكون في قمطره) ش: في خريطته، وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: القمطر بكسر القاف وفتح الميم وسكون الطاء ما يضاف فيه الكتب. قال: ليس العلم ما بقي القمطر وما العلم إلا ما وعا الصدر م: (فهو تحت ختمه يؤمن عليه من الزيادة والنقصان فحصل له) ش: أي للقاضي م: (العلم بذلك، ولا كذلك الشهادة في الصك؛ لأنه في يد غيره) ش:. وفي "أدب القاضي": من " المبسوط " هاهنا ثلاثة فصول أحدها: القاضي إذا وجد في ديوانه صحيفة شهادة، ولم يتذكر أنهم شهدوا بذلك ولا حكمه فعلى قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحكم بدون الذكر، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وعند أبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله -: إذا وجد ذلك في قطرة تحت خاتمه يجوز أن يقضي به وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. والثاني: الشاهد يجد شهادته في صك وعلم أنه خطه وهو معروف، ولم يتذكر الحادثة، والثالث: إذا سمع حديثا فوجده مكتوبا بخطه ووجد سماعه مكتوبا بخط غيره، لا يحل له الرواية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بدون التذكر، ولهذا قلت روايته لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخذ في الفصول الثلاثة بالرخصة تيسيرا. وقال: يعتمد خطه إذا كان معروفا. وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مسألة القضاء والرواية أخذا بالرخصة؛ لأن المكتوب كان في يده، وفي مسألة الشهادة أخذ بالعزيمة، ولو نسي القاضي قضاءه، ولم يكن مسجلا فشهد حكمه ولم يمضه عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعند محمد وأحمد وابن أبي ليلى - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يقضي به ويمضيه. م: (وعلى هذا) ش: هذا عطف على قوله: ولا يحل للشاهد إذا رأى خطه أي على ما قيل: من الوجهين من وجه بالاتفاق والاختلاف. م: (إذا تذكر المجلس الذي كان فيه الشهادة) ش: ولم يتذكر الحادثة. م: (أو أخبره قوم ممن يثق بهم أنا شهدنا نحن وأنت) ش: لا يحل له أن يشهد بالاتفاق، وقيل: لا يحل ذلك على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 125 قال: ولا يجوز للشاهد أن يشهد بشيء لم يعاينه إلا في النسب والموت والنكاح والدخول وولاية القضاء، فإنه يسعه أن يشهد بهذه الأشياء إذا أخبره بها من يثق به، وهذا استحسان، والقياس أن لا تجوز؛ لأن الشهادة مشتقة من المشاهدة، وذلك بالعلم ولم يحصل، فصار كالبيع. وجه الاستحسان أن هذه أمور تختص بمعاينة أسبابها خواص من الناس، ويتعلق بها أحكام تبقى على انقضاء القرون، فلم لم يقبل فيها الشهادة بالتسامع أدى إلى الحرج وتعطيل الأحكام   [البناية] [شهادة الشاهد بشيء لم يعاينه] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا يجوز للشاهد أن يشهد بشيء لم يعاينه إلا في النسب) ش: طريق معرفة النسب أن يسمع من فلان بن فلان من جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما إذا أخبره عدلان أنه ابن فلان تحل له الشهادة م: (والموت) ش: إذا سمع من الناس أن فلانا مات أو رآهم صنعوا ما يصنع بالموتى وسعه أن يشهد على موته وإن لم يعاين ذلك. وروى ابن سماعة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا أخبرك واحد عدل بالموت وسعك أن تشهد م: (والنكاح) ش: إذا رأى رجلا يدخل على امرأة وسمع من الناس أن فلانا زوجه فلا وسعه أن يشهد أنها زوجته، وإن لم يعاين عقد النكاح. م: (والدخول) ش: أن يسمع ناسا يقولون: إن فلانا تزوج بفلانة م: (وولاية القاضي) ش: إذا رأى رجلا قضى لرجل بحق من الحقوق وسمع من الناس أنه قاضي هذه البلدة وسعه أن يشهد أنه قاضي بلدة كذا، قضى لفلان بكذا، وإن لم يعاين تقليد الإمام إياه م: (فإنه) ش: أي فإن الشاهد م: (يسعه أن يشهد بهذه الأشياء) ش: الخمسة المذكورة، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: إن كان في غاية الشهرة. وقال بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز في النكاح، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية م: (إذا أخبره بها) ش: أي إذا أخبر المشاهد بهذه الأشياء م: (من يثق به) . م: (وهذا استحسان والقياس أن لا تجوز) ش: الشهادة بالتسامع م: (لأن الشهادة مشتقة من المشاهدة، وذلك) ش: يحصل م: (بالعلم ولم يحصل، فصار) ش: حكم هذا م: (كالبيع) ش: حيث لا يجوز الشهادة فيه بالتسامع لعدم المشاهدة م: (وجه الاستحسان أن هذه أمور تختص بمعاينة أسبابها خواص من الناس) ش: لا يطلع عليها إلا هم م: (ويتعلق بها أحكام تبقى على انقضاء القرون) ش: كالإرث والنسب والموت والنكاح وثبوت الملك في قضاء القاضي، وكثبوت كمال المهر في الدخول ونحو ذلك مثل النسب والعدة والإحسان. م: (فلو لم يقبل فيها الشهادة بالتسامع أدى إلى الجرح وتعطيل الأحكام) ش: لأن العادة لم تجر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 126 بخلاف البيع؛ لأنه يسمعه كل أحد، وإنما يجوز للشاهد أن يشهد بالاشتهار، وذلك بالتواتر أو بإخبار من يثق به، كما قال في الكتاب، ويشترط أن يخبره رجلان عدلان أو رجل وامرأتان ليحصل له نوع علم، وقيل في الموت: يكتفي بإخباره واحد أو واحدة؛   [البناية] بحضور الناس الولادة، وإنما يرون الصبي مع أمه، وينسبونه إلى الأب، ويقولون: هو ابن فلان، وكذلك عند الموت لا يحضره إلا الأقارب، فإذا رأوا الجنازة تحكموا بأن فلانا مات، وكذلك النكاح لا يحضره كل أحد، فإذا أخبر بعضهم بعضا أن فلانا نكح فلانة، يقتصرون على ذلك في التحقيق. وكذلك لا يعلم إلا بأمارته، وكذلك ولاية القاضي، لا يحضر بها كل أحد، فإذا قرئ الحكم وحبس القاضي في مجلس الحكام، ونظر بين الخصوم وتحققوا أنه قاضي، ألا ترى أنا نشهد أن عليا بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإن لم نعاين الولادة، ونشهد أن أبا بكر وسائر الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ماتوا وإن لم نعاين الموت، ونشهد أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - زوجة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن لم نعاين النكاح، وكذا نشهد أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دخل بها وإن لم نعاين الدخول، وكذا نشهد أن شريح بن الحارث كان قاضيا وإن لم نعاين ذلك. م: (بخلاف البيع؛ لأنه يسمعه كل أحد) ش: وسبب الملك وهو البدو هو مما يعاينه كل واحد م: (وإنما يجوز للشاهد) ش: هذا جواب عما يقال هذا الاستحسان مخالف للكتاب، فإن العلم مشروط في الكتاب، ولا علم فيما نحن فيه، وتقرير الجواب أن يقال لا نسلم أن لا علم فيما نحن فيه، فإنما يجوز للشاهد م: (أن يشهد بالاشتهار، وذلك) ش: أي الاشتهار م: (بالتواتر أو بإخبار من يثق به) ش: فالأول اشتهار حقيقة، والثاني اشتهار حكما م: (كما قال في الكتاب) ش: أي " مختصر القدوري " - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا إشارة إلى ما ذكره بقوله قبل هذا إذا أخبره بها من يثق به. وبين المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن العدد فيمن يثق به شرط بقوله م: (ويشترط أن يخبره رجلان عدلان أو رجل وامرأتان ليحصل له نوع علم) ش: وهذا على قول أبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأما على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلا تجوز الشهادة ما لم يسمع ذلك من العامة بحيث يقع في قلبه صدق الخبر، وإذا ثبتت الشهرة عندهم بخبر عدلين يشترط أن يكون الإخبار بلفظة الشهادة على ما قالوا؛ لأنها توجب زيادة علم شرعا لا يوجبها لفظ الخبر. [الشهادة بالتسامع على الموت] م: (وقيل في الموت: يكتفى بإخبار واحد أو واحدة) ش: إنما قال بلفظ قيل؛ لأن في الموت اختلاف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عامتهم على أنه يكتفى بإخبار واحد عدل، وهو المروي عن ابن سماعة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: إذا أخبرك عدل بالموت وسعك أن تشهد به، وبعضهم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 127 لأنه قلما يشاهد حالة غير الواحد، إذ الإنسان يهابه ويكرهه، فيكون في اشتراط العدد بعض الحرج ولا كذلك النسب والنكاح، وينبغي أن يطلق أداء الشهادة ولا يفسر، أما إذا فسر للقاضي أنه يشهد بالتسامع لم تقبل شهادته، كما أن معاينة اليد في الأملاك مطلق للشهادة، ثم إذا فسر لا تقبل، كذا هذا، وكذا لو رأى إنسانا جلس مجلس القضاء يدخل عليه الخصوم، حل له أن يشهد على كونه قاضيا، وكذا إذا رأى رجلا وامرأة يسكنان بيتا وينبسط كل واحد منهما إلى الآخر انبساط الأزواج، كما إذا رأى عينا في يد غيره. ومن شهد أنه شهد دفن فلان أو صلى على جنازته، فهو معاينة حتى لو فسر للقاضي قبله،   [البناية] قالوا: لا يكتفى بخبر الواحد، كما في النكاح، وإليه ذهب ظهير الدين في "فتاواه "، وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لأنه) ش: أي لأن الإنسان م: (قلما يشاهد حاله) ش: أي حال الموت م: (غير الواحد، إذ الإنسان يهابه) ش: أي الموت م: (ويكرهه، فيكون في اشتراط العدد بعض الحرج ولا كذلك النسب والنكاح) ش: فإن فيهما لا بد من عدلين. وقال شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهاهنا مسألة عجيبة لا رواية بها، وهو أن الموت إذا لم يعاينه إلا واحد، فلو شهد عند القاضي، لا يقضي بشهادته وحده ماذا يصنع، قالوا: يخبر بذلك عدلا مثله، فإذا سمع منه حل له أن يشهد على موته، فيشهد هو مع ذلك الشاهد حتى يقضي القاضي بشهادتهما. ولو شهد واحد بالموت، وأخبر بالحياة، فامرأته تأخذ بقول من يخبر بالموت؛ لأنه يثبت العارض ذكره رشيد الدين في فتاواه، وذكر فيه إنما تجوز الشهادة بالتسامع على الموت إذا كان الرجل معروفا، بأن كان عالما أومن العمال، أما إذا كان تاجرا أو من هو مثله لا يجوز إلا بالمعاينة. [أداء الشهادة بالتسامع] م: (وينبغي أن يطلق أداء الشهادة) ش: هذا بيان لكيفية الأداء. قوله: "أن يطلق" أي يقول: أشهد أن فلان بن فلان كما نشهد أن أبا بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ابن أبي قحافة والخطاب ولم نشاهد شيئا من ذلك م: (ولا يفسر، أما إذا فسر للقاضي أنه يشهد بالتسامع لم تقبل شهادته، كما أن معاينة اليد في الأملاك مطلق الشهادة، ثم إذا فسر) ش: إنما يشهد لأنه رآه في يده م: (لا تقبل، كذا هذا، وكذا) ش: لأنه إذا أطلق يعلم أنه وقع في قلبه صدقه، فتكون الشهادة من علم ولا كذلك إذا فسر، ويقول: سمعت هذا م: (لو رأى إنسانا جلس مجلس القضاء يدخل عليه الخصوم، حل له أن يشهد على كونه قاضيا، وكذا إذا رأى رجلا وامرأة يسكنان بيتا، وينبسط كل واحد منهما إلى الآخر انبساط الأزواج كما إذا رأى عينا في يد غيره) ش: جاز له أن يشهد أنه امرأته [كما إذا رأى عينا في يد غيره] جاز له أن يشهد له به. [شهد أنه شهد دفن فلان أو صلى على جنازته] م: (ومن شهد أنه شهد دفن فلان أو صلى على جنازته، فهو معاينة حتى لو فسر للقاضي قبله) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 128 ثم قصر الاستثناء في الكتاب على هذه الأشياء الخمسة ينفي اعتبار التسامع في الولاء والوقف. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخرا أنه يجوز في الولاء؛ لأنه بمنزلة النسب؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الولاء لحمة كلحمة النسب» وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز في الوقف؛ لأنه يبقى على مر الأعصار، إلا أنا نقول: الولاء يبتنى على زوال الملك، ولا بد فيه من المعاينة، فكذا فيما يبتنى عليه.   [البناية] ش: لأنه لا يدفن إلا الميت ولا يصلى إلا عليه م: (ثم قصر الاستثناء في الكتاب) ش: يعني قصر اعتبار التسامع في " كتاب القدوري " - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (على هذه الأشياء) ش: أي على الأشياء م: (الخمسة) ش: في قوله إلا النسب والموت والنكاح والدخول وولاية القاضي م: (ينفي اعتبار التسامع في الولاء والوقف) ش: قوله ينفي خبر لقوله قصر الاستثناء، وهو مرفوع على الابتداء، مصدر مضاف إلى مفعوله، حاصل المعنى لا تجوز الشهادة بالتسامع في الولاء والوقف. وفي " شرح الأقطع ": قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: لا تجوز الشهادة بالولاء، أي يسمعا المعتق، هكذا ذكر في الأصل في رواية أبي حفص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأول، ثم رجع وقال: شهدوا علي ولا شهود جاز، وهو إحدى الروايتين عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو معنى قوله: م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخراً: أنه يجوز في الولاء؛ لأنه بمنزلة النسب) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - وبعض أصحاب الشافعي م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الولاء لحمة كلحمة النسب» ش: والشهادة على النسب جائزة بالتسامع فكذا على الولاء، ألا ترى إنما نشهد أن قنبر مولى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأن عكرمة مولى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وإن لم ندرك. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه) ش: أي التسامع أي الشهادة به م: (يجوز في الوقف؛ لأنه يبقى على مر الأعصار) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والإصطخري من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إلا أنا نقول:) ش: جواب عن قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (الولاء يبتنى على زوال الملك) ش: وهو إزالة ملك اليمين م: (ولا بد فيه من المعاينة) ش: لأنه يحصل بكلام يسمعه الناس م: (فكذا فيما يبتنى عليه) ش: أي فكذا لا بد من المعاينة فيما يبتنى على زوال الملك، وهو الولاء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 129 وأما الوقف، فالصحيح أنه تقبل الشهادة في التسامع في أصله دون شرائطه؛ لأن أصله هو الذي يشتهر، قال: ومن كان في يده شيء سوى العبد والأمة وسعك أن تشهد أنه له؛ لأن اليد أقصى ما يستدل به على الملك، إذ هي مرجع الدلالة في الأسباب كلها فيكتفى بها.   [البناية] وفي " أدب القاضي " للشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن الحلواني: أن الخلاف ثابت في العتق أيضاً؛ لأن الشهادة على الولاء شهادة على العتق أيضاً. وذكر شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الشهادة على العتق بالتسامع لا تقبل بالإجماع. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وأحمد ومالك - رحمهما الله -: يقبل في العتق أيضاً، ثم الخصاف شرط لسماع الشهادة بالتسامع الولاء عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي " المبسوط " شرط لم يشترطه محمد، فقال: إنما يقبل إذا كان المعتق مشهوراً، وللعتق أبوان أو ثلاثة في الإسلام. [الشهادة بالوقف بالاستفاضة] م: (وأما الوقف، فالصحيح أنه يقبل الشهادة بالتسامع في أصله دون شرائطه؛ لأن أصله هو الذي يشتهر) ش: وشرائطه لا تشتهر، وإليه مال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الأصح. وفي " شرح الأقطع ": ولا يجوز الشهادة بالوقف بالاستفاضة. وقال محمد: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال المرغيناني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بد من بيان الجهة بأن يشهد بأن هذا وقف على المسجد أو على المقبرة أو ما أشبهه، حتى لو لم يذكر ذلك لا تقبل شهادته، وفي " المجتبى ": والمختار أن يقبل على شرائط الوقف أيضاً. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن كان في يده شيء سوى العبد والأمة وسعك أن تشهد أنه له) ش: وفي " جامع قاضي خان " صورة المسألة رجل رأى عيناً في يد إنسان، ثم رآها في يد الآخر، والأول يدعي الملك، وسعه أن يشهد أنه للمدعي؛ لأن الملك في الأشياء لا يعرف بطريق التعيين، وإنما يعرف بطريق الظاهر، واليد بلا منازع دليل الملك ظاهراً، بل لا دليل لمعرفة الملك للشاهد سوى اليد بلا منازعة م: (لأن اليد أقصى ما يستدل به على الملك إذ هي) ش: أي اليد م: (مرجع الدلالة في الأسباب كلها) ش: من الشراء والهبة ونحو ذلك م: (فيكتفى بها) ش: أي باليد، فجاز للشاهد أن يشهد بدلالة اليد على الملك، ولكن لا يقول عند الشهادة: أشهد بأنه ملكه؛ لأني رأيته في يده؛ لأن الظاهر هو يكفي لأداء الشهادة ما لا يكفي للقضاء، إلا في العبد والأمة إذا كانا كبيرين يعبران عن أنفسهما؛ لأنهما في يد أنفسهما، فلأن يكون مجرد استعمالهما دليل الملك؛ لأن الحر قد يخدم الحر إعارة أو إجارة، كأنه عبد، وهو إذا كان له يعرف أنهما رقيقان، أما إذا عرفا أنهما رقيقان، فتجوز الشهادة؛ لأن العبد والأمة لا بد لهما على الجزء: 9 ¦ الصفحة: 130 وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يشترط مع ذلك أن يقع في قلبه أنه له، قالوا: ويحتمل أن يكون هذا تفسيرا لإطلاق محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الرواية فيكون شرطا على الاتفاق، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - دليل الملك اليد مع التصرف، وبه قال بعض مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لأن اليد متنوعة إلى أمانة وملك. قلنا: والتصرف يتنوع أيضا إلى نيابة وأصالة،   [البناية] أنفسهما، وكذا تجوز الشهادة إذا كانا صغيرين لا يعتبران عن أنفسهما، وإن لم يعرفا أنهما رقيقان ولهذا المعنى. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يشترط مع ذلك) ش: أي مع رؤية اليد والتصرف م: (أن يقع في قلبه أنه له) ش: أي أن هذا الشيء لمن في يده، وفي " الفوائد الظهيرية ": أسند هذا القول إلى أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقال: وعنهما، ووجهه أن الأصل في الشهادة الإحاطة واليقين، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا علمت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع» . وعند [ ... ] أن ذلك يصار إلى ما يشهد به القلب، ولهذا قيل: إذا رأى إنسان درة ثمينة في يد كناس أو كتاباً في يد جاهل، ليس في أمانة من هو أهل لذلك، لا يسعه أن يشهد بالملك له. م: (قالوا) ش: أي المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: م: (ويحتمل أن يكون هذا) ش: أي ما ذكر من شهادة القلب م: (تفسيراً لإطلاق محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الرواية فيكون شرطاً على الاتفاق) ش: وهو قوله: " وسعك أن تشهد أنه له "، وذكر الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أدب القاضي ": ويحتمل أن يكون قوله قول الكل، وبه نأخذ. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دليل الملك اليد مع التصرف) ش: أي التصرف مدة طويلة، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبو حامد الحنبلي م: (وبه قال بعض مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: وهو الخصاف م: (لأن اليد متنوعة إلى أمانة وملك) ش: وكذا إلى ضمان الإنابة كالوكيل والمضارب م: (قلنا: والتصرف يتنوع أيضا إلى نيابة وأصالة) ش: بضم، يحتمل إلى محتمل يريد الاحتمال فبقي العلم. وعند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والإصطخري من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز أن يشهد في الكل بالاستفاضة؛ لأنه موجب للعلم الظاهر، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح: لا يجوز؛ لاحتمال أنه أشهر من رجل، ويكون لغيره، وهو كثير فلا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 131 ثم المسألة على وجوه: إن عاين المالك الملك حل له أن يشهد، وكذا إذا عاين الملك بحدوده دون المالك استحسانا؛ لأن النسب يثبت بالتسامع، فيحصل معرفته، وإن لم يعاينها، أو عاين المالك دون الملك لا يحل له، وأما العبد والأمة، فإن كان يعرف أنهما رقيقان، فكذلك؛ لأن الرقيق لا يكون في يد نفسه، وإن كان لا يعرف أنهما رقيقان، إلا أنهما صغيران لا يعبران عن أنفسهما فكذلك؛ لأنه   [البناية] يفيد علماً. م: (ثم المسألة على وجوه) ش: أي هذه المسألة على وجوه أربعة بالقسمة العقلية، الأول: هو قوله م: (إن عاين المالك الملك) ش: جميعاً فحينئذ م: (حل له أن يشهد) ش: لأن شهادته عن علم وبصيرة؛ لأنه عرف المالك بوجهه واسمه ونسبه، وعرف الملك بحدوده وحقوقه ورآه في يده، الثاني: هو قوله: م: (وكذا إذا عاين الملك بحدوده) ش: تنسب إلى فلان بن فلان الفلاني، ولم يعاينه بوجهه ولم يعرفه بنسبه، وهو معنى قوله م: (دون المالك) ش: يجوز أن يشهد م: (استحساناً) ش: والقياس أن لا يجوز؛ لأنها شهادة بالملك، ثم المالك مع جهالة المشهود له وجه الاستحسان هو قوله م: (لأن النسب) ش: أي نسب المالك م: (يثبت بالتسامع) ش: والشهرة م: (فيحصل معرفته) ش: أي معرفة المالك، فكانت شهادة بمعلوم. ألا ترى أن صاحب الملك إذا كانت امرأة لا تبرز ولا تخرج، كان اعتبار مشاهدتها وتصرفها بنفسها لجواز الشهادة مبطلاً لحقها ولا يجوز ذلك. وعورض بأنه يستلزم الشهادة بالتسامع في الأموال، وهي باطلة. وأجيب: بأن الشهادة بالنسبة إلى المال ليست بالتسامع بل بالعيان. والتسامع إنما هو بالنسبة إلى النسب قصداً، وهو مقبول فيه كما تقدم في خبر ذلك ببيت المال، والاعتبار للتضمن، والثالث: وهو قوله: م: (وإن لم يعاينها) ش: أي وإن لم يعاين الملك المالك جميعاً، بأن سمع من الناس أن لفلان بن فلان ضيعة في بلد كذا، حدودها كذا وكذا، ولا يشهد لأنه مجازف في الشهادة، والرابع: وهو قوله م: (أو عاين المالك دون الملك) ش: فكذلك لا يشهد بجهالة المشهود به، وقوله م: (لا يحل له) ش: جواب الوجهين الأخيرين. م: (وأما العبد والأمة) ش: مردود إلى قوله سوى العبد والأمة، تقريره إذا رأى عبداً أو أمة في يد شخص م: (فإن كان يعرف أنهما رقيقان فكذلك) ش: أي حل للرائي أن يشهد لذي اليد بالملك م: (لأن الرقيق لا يكون في يد نفسه) ش: بل يكون في يد المستولي عليه م: (وإن كان لا يعرف أنهما رقيقان إلا أنهما صغيران لا يعبران عن أنفسهما فكذلك) ش: يعني يحل له أن يشهد م: (لأنه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 132 لا بد لهما، وإن كانا كبيرين فذلك مصرف الاستثناء لأن لهما يدا على أنفسهما، فيدفع يد الغير عنهما فانعدم دليل الملك وعن أبي حنيفة - رحمه الله- أنه يحل له أن يشهد فيهما أيضاً اعتباراً بالثياب، والفرق ما بيناه، والله أعلم بالصواب.   [البناية] لا بد لهما) ش: أي الصغيرين م: (وإن كانا كبيرين) ش: أي العبد والأمة م: (فذلك مصرف الاستثناء) ش: بقوله سوى العبد والأمة م: (لأن لهما يداً على أنفسهما، فيدفع يد الغير عنهما فانعدم دليل الملك) ش: حتى إن الصبي الذي يعقل إن أقر بالرق على نفسه لغيره جاز، ويصنع به المقر به ما يصنع بمملوكه. واعترض بأن الاعتبار في الحرية والرق لو كان لتعبيرهما عن أنفسهما لاعتبر دعوى الحرية منهما بعد الكبر في يد من ادعى رقيقاً، وأجيب: بأنه إنما لم يعتبر ذلك لثبوت الرق عليهما للولي في الصغر، وإنما المعتبر بذلك إذا لم يثبت لأحد عليهما رق وأجيب. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يحل له أن يشهد فيهما أيضاً) ش: أي في الكبيرين م: (اعتباراً بالثياب) ش: والدواب لدلالة اليد على الملك م: (والفرق ما بيناه) ش: وهو قوله لأن لهما يداً على أنفسهما يدفعان بها يد الغير عنها، بخلاف الثياب والدواب؛ لأنه لا يد لهما على أنفسهما. م: (والله أعلم بالصواب) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 133 باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل قال: ولا تقبل شهادة الأعمى، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تقبل فيما يجري فيه التسامع؛ لأن الحاجة فيه إلى السماع ولا خلل فيه. وقال أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله -: يجوز إذا كان بصيرا وقت التحمل لحصول العلم بالمعاينة، والأداء يختص بالقول، ولسانه غير موف، والتعريف يحصل بالنسبة كما في الشهادة على الميت.   [البناية] [باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل شهادته] [شهادة الأعمى] م: (باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل شهادته) ش: أي هذا باب في بيان من تقبل شهادته ولا تقبل، ولما فرغ عن بيان ما يسمع من الشهادة وما لا يسمع شرع في بيان من تسمع منه الشهادة ومن لا تسمع، إلا أنه قدم الأول لأن المحال مشروط، والشرط مقدم كالطهارة، وأصل رد الشهادة ومبناه التهمة. قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا شهادة لمتهم» ، وهي قد تكون بمعنى في الشاهد كالفسق، وقد تكون لمعنى في المشهود له من قرابة متهم بإيثار المشهود له على المشهود عليه، كالولادة، وقد تكون لخلل في أداة التمييز كالعمى، وقد تكون تهمة الكذب مع قيام العدالة بدليل شرعي، وهو المحدود في القذف بعد التوبة عندنا وقبل التوبة عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا تقبل شهادة الأعمى، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تقبل فيما يجري فيه التسامع) ش: كالنسب والموت م: (لأن الحاجة فيه إلى السماع ولا خلل فيه) ش: أي في السماع. وبه قال الشافعي ومالك - وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وهو قول النخعي والثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - والحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وسعيد بن جبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تقبل فيما طريقه السماع أيضاً، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - واختاره المزني، وهو قول الزهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وربيعة والليث وشريح، وعطاء وابن أبي ليلى - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وكذا يقبل في الترجمة عند الكل؛ لأن العلم يحصل له فيها كالبصير، إذ حصول العلم بالسماع، وهو كالبصير في السماع، ويعرف القائل باسمه ونسبه. م: (وقال أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله -: يجوز إذا كان بصيراً وقت التحمل لحصول العلم بالمعاينة، والأداء يختص بالقول، ولسانه غير موف) ش: يعني لم تصبه آفة، فقال آيف فلان على ما لم يسم فاعله، أي أصابته آفة فهو مؤوف على مثال مصوف، والآفة العاهة م: (والتعريف) ش: أي تعريف الشهود له وعليه م: (يحصل بالنسبة) ش: بأن يقول أشهد على فلان بن فلان م: (كما في الشهادة على الميت) ش: إذا شهد عليه بأن لفلان عليه كذا من الدين فإنها تقبل بالاتفاق إذا ذكر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 134 ولنا أن الأداء يفتقر إلى التمييز بالإشارة بين المشهود له والمشهود عليه، ولا يميز الأعمى إلا بالنغمة، وفيه شبهة يمكن التحرز عنها بجنس الشهود، والنسبة لتعريف الغائب، دون الحاضر، فصار كالحدود والقصاص، ولو عمي بعد الأداء يمتنع القضاء عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -؛ لأن قيام الأهلية للشهادة شرط وقت القضاء لصيرورتها حجة عنده، وقد بطلت وصار كما إذا خرس، أو جن، أو فسق بخلاف ما إذا ماتوا أو غابوا؛ لأن الأهلية بالموت قد انتهت وبالغيبة ما بطلت. قال: ولا المملوك   [البناية] بعضه م: (ولنا أن الأداء يفتقر إلى التمييز بالإشارة بين المشهود له والمشهود عليه، ولا يميز الأعمى إلا بالنغمة) ش: أي الصوت م: (وفيه) ش: أي وفي النغمة بتأويل الصوت م: (شبهة يمكن التحرز عنها بجنس الشهود) ش: فإن للشهود البصر أكثره فيهم غنية عن شهادة الأعمى. م: (والنسبة لتعريف الغائب دون الحاضر) ش: هذا جواب عن قوله والتعريف يحصل بالنسبة، تقريره أن النسبة إنما تكون مقام الإشارة عند موت الشهود عليه أو غيبته، على أن هناك تقع الإشارة إلى وصي الميت، وهو في ذلك قائم مقامه م: (فصار كالحدود والقصاص) ش: يعني أن في الحدود والقصاص لا تقبل شهادة للشاهد، فكذا هذا. م: (ولو عمي بعد الأداء) ش: أي ولو عمي الشاهد بعد أداء الشهادة قبل الحكم بها م: (يمتنع القضاء) ش: يعني لم يجز الحكم بها م: (عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - لأن قيام الأهلية للشهادة شرط وقت القضاء لصيرورتها) ش: أي لصيرورة الشهادة م: (حجة عنده وقد بطلت) ش: أي عند القضاء، ولا قيام لها م: (وصار كما إذا خرس، أو جن، أو فسق) ش: بعد الأداء قبل العقد ألا يقضي القاضي بشهادته، والأمر الكلي في هذا إنما يمنع الأداء منع القضاء؛ لأن المقصود من أدائها القضاء، وهذه الأشياء تمنع الأداء بالإجماع، فمع القضاء والعمى بعد التحمل يمنع الأداء عندهما، فيمنع القضاء، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يمنع الأداء، فلا يمنع القضاء. م: (بخلاف ما إذا ماتوا أو غابوا) ش: هذا جواب عما يقال: لا نسلم أن قيام الأهلية وقت القضاء شرط، فإن الشاهد إذا مات أو غاب قبل الأداء، لا يمنع القضاء، وتقرير الجواب أن الشهود إذا ماتوا أو غابوا لا يمنع القضاء م: (لأن الأهلية بالموت انتهت) ش: والشيء يتقرر بانتهائه م: (وبالغيبة ما بطلت) ش: أي الشهادة. ألا ترى أن شاهد الفرع إذا شهد بعد موت الأصل تقبل شهادته، القضاء يكون بشهادة الأصول، فكذلك اعتراض الموت لا يمنع القضاء بالشهادة. [شهادة المملوك] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا المملوك) ش: وهذا عطف على قوله شهادة الأعمى، أي ولا تقبل شهادة المملوك، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 135 لأن الشهادة من باب الولاية، وهو لا يلي نفسه فأولى أن لا تثبت له الولاية على غيره ولا المحدود في القذف وإن تاب؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] م: (النور الآية: 4) ولأنه من تمام الحد لكونه مانعا، فيبقى بعد التوبة كأصله   [البناية] وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: أقبل شهادة العبيد بعضهم على بعض، ولا أقبلها على حر. وعن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه يقبل على الأحرار والعبيد، وبه قال عثمان البتي - وإسحاق - وأحمد وداود - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وعن الشعبي والنخعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أنهما قالا: تقبل في القليل دون الكثير. ولا تقبل شهادة الصبيان عندنا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد وعامة العلماء، وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تقبل شهادة الصبيان في الجراح إذا كانوا قد اجتمعوا لأمر مباح قبل أن يتفرقوا. وروي ذلك عن ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وعن أحمد رواية أيضاً، وعن مالك: أنه يقبل في كل شيء لإطلاق النصوص، والعبد أو الصبي عدل، قلنا: الشهادة من باب الولاية، ولا ولاية لهما على أنفسهما، ففي غيرهما أولى، إلا أن يؤديا في الحرية والبلوغ ما تحملا قبلهما؛ لأنهما من أهل الولاية عند الأداء، وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -. م: (لأن الشهادة من باب الولاية) ش: لأنها تنفذ القول على الغير م: (وهو) ش: أي العبد م: (لا يلي على نفسه، فأولى أن لا تثبت له الولاية على غيره) ش: وقال الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أدب القاضي ": حدثنا عبد الله بن محمد، قال حدثنا حفص بن غياث، عن الحجاج، عن عطاء، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: لا تجوز شهادة العبد [شهادة المحدود في القذف] م: (ولا المحدود في القذف وإن تاب) ش: أي ولا تقبل أيضاً شهادة المحدود في القذف. وقوله: " وإن تاب " واصل بما قبله م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] (النور: الآية 4)) ش: وجه الاستدلال أن الله تعالى نص على الأبد وهو ما لا نهاية له، والتنصيص عليه ينافي القبول في وقت ما م: (ولأنه) ش: يعني ولأن رد الشهادة م: (من تمام الحد لكونه) ش: أي لكون تمام الحد م: (مانعاً) ش: أي عن القذف، لكونه زاجراً إلا أنه لم يؤلم عليه كالحد يؤلم بدونه. ولأن المقصود من الحد دفع العار عن المقذوف، وذلك في إهدار قبول القاذف أظهر؛ لأنه القذف أذى قلبه، فجزاؤه أن لا تقبل شهادته؛ لأنه فعل لسانه وفاقاً لجريمته، فيكون من تمام الحد م: (فيبقى) ش: أي الرد م: (بعد التوبة كأصله) ش: أي كأصل الحد اعتباراً له بالأصل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 136 بخلاف المحدود في غير القذف؛ لأن الرد للفسق وقد ارتفع بالتوبة، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تقبل إذا تاب لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] : (النور الآية: 5) ، استثنى التائب. قلنا الاستثناء ينصرف إلى ما يليه، وهو قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] ، (النور الآية: 4)   [البناية] م: (بخلاف المحدود في غير القذف) ش: هذا جواب عما يقال المحدود في القذف فاسق بقوله تعالى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] (النور: الآية 4) والفاسق إذا تاب تقبل شهادته كالمحدود في غير القذف، فأجاب بقوله بخلاف المحدود في غير القذف نحو السرقة والزنا وشرب الخمر، حيث تقبل شهادته بعد التوبة م: (لأن الرد) ش: أي رد الشهادة م: (للفسق وقد ارتفع بالتوبة) ش: وفي المحدود في القذف الرد من تمام التوبة فظهر الفرق بينهما. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تقبل) ش: أي توبته م: (إذا تاب لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] (النور: الآية 5) استثنى التائب) ش: بيانه أن المانع من قبول شهادته الفسق، وبالتوبة ارتفع الفسق فتقبل شهادته قياساً على المحدود في الزنا، أو السرقة أو شرب الخمر إذا تاب فإن شهادته تقبل بالاتفاق إلا عند الحسن بن حي والأوزاعي - رحمهما الله - فإن عندهما لا تقبل شهادة من حد في الإسلام بعد التوبة في قذف أو غيره، كذا ذكر أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الطحاوي " وبقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، واختلفوا في توبته، فقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: توبته إكذابه نفسه، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: توبة القاذف إكذابه نفسه بأن يقول: كان قذفي باطلاً، وبه قال ابن أبي هبيرة - رَحِمَهُ اللَّهُ - من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الإصطخري، من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: توبته أن يقول كذبت فيما قلت، ولا أعود إلى مثله وهل تعتبر مع التوبة إصلاح العمل؟ فيه قولان. م: (قلنا: الاستثناء ينصرف إلى ما يليه وهو قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] (النور: الآية 4)) ش: يعني الاستثناء ليس براجع إلى جميع ما تقدم لأن من جملته قَوْله تَعَالَى: {فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] (النور: الآية 4) ، ولا يرتفع الجلد بالتوبة فعلم أن الاستثناء ليس براجع إلى جميع ما تقدم بل إلى ما يليه، وهو قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] (النور: الآية 4) ، وليس من رفع الفسق قبول الشهادة كالعدل يوضحه قَوْله تَعَالَى في قصة لوط - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} [الحجر: 58] {إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 59] {إِلَّا امْرَأَتَهُ} [الحجر: 60] (الحجر: الآيات 58، 59، 60) ، إن الاستثناء راجع إلى المنجين لا إلى المهلكين، ونقول أيضاً: إن الاستثناء ينصرف إلى ما يليه وهو قوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] (النور: الآية 4) ، وليس بمعطوف على أن ما قبله طلبي وهو إخباري، فإن قلت: فاجعله بمعنى الطلب ليصح كما في قَوْله تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83] (البقرة: الآية 83) ، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 137 أو هو استثناء منقطع بمعنى لكن ولو حد الكافر في قذف ثم أسلم تقبل شهادته؛ لأن للكافر شهادة فكان ردها من تمام الحد، وبالإسلام حدثت له شهادة أخرى، بخلاف العبد إذا حد ثم أعتق؛ لأنه لا شهادة للعبد أصلا فتمام حده شهادته بعد العتق.   [البناية] قلت: يأباه ضمير الفصل، فإنه يفيد حصر أحد المسندين في الآخر، وهو مؤكد الإخبار به م: (أو هو استثناء منقطع بمعنى لكن) ش: كما في قَوْله تَعَالَى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا} [مريم: 62] (مريم: الآية 62) معناه والله أعلم: ولكن سلاماً. وهذا لأن من شرط الاستثناء كون المستثنى من جنس المستثنى منه وإن يكن له خبر على حدة، وها هنا المستثنى هو الاسم، والمستثنى منه الفعل فلا يكون من جنسه، وله خبر على حدة أيضاً، والاستثناء المنقطع يعمل بطريق المعارضة، ولا معارضة بين حكمه ورد الشهادة، وليس من ضرورة كونه تائباً كونه مقبول الشهادة كالعبد التائب التقي. وقولنا في هذا هو قول سعيد بن المسيب والحسن وشريح وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وهكذا روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. م: (ولو حد الكافر في قذف ثم أسلم، تقبل شهادته) ش: ذكر هنا تفريعاً على ما تقدم صورته الذمي إذا حد في قذف لم تجز شهادته بعد ذلك على أهل ذمته، ثم إذا أسلم جازت شهادته على أهل الذمة، وعلى أهل الإسلام جميعاً م: (لأن للكافر شهادة فكان ردها من تمام الحد) ش: أي رد شهادته لأجل قذفه كان من تتمة حده م: (وبالإسلام حدثت له شهادة أخرى) ش: أي غير الأولى المردودة تتمة للحد. م: (بخلاف العبد إذا حد ثم أعتق) ش: حيث لا تقبل شهادته عندنا، وقالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: تقبل كما في الكافر م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لا شهادة للعبد أصلاً) ش: في حال رقه لا على المسلم ولا على الكافر م: (فتمام حده برد شهادته بعد العتق) ش: لأنه لا بد في حد القذف من رد الشهادة، وإنما حصلت له الشهادة بعد العتق، فترد شهادته الآن تتميماً للحد، وللكافر شهادة على جنسه، فيترتب عليه حكم المسلمين بإسلامه فتقبل شهادته. فإن قيل يشكل بمن زنا في دار الحرب وهو مسلم، ثم خرج إلى دار الإسلام حيث لا يقام عليه حد الزنا، فتوقف المؤثر في العبد ولم يتوقف في الزنا. الجواب أن الزنا في دار الحرب لم يقع موجباً أصلاً، لعدم ولاية الإمام، وإقامة الحد للإمام. وأما قذف العبد موجب للحد، وتمامه برد شهادته، وقيل في قول المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بخلاف العبد إذا حد لم تقبل شهادته، لا فائدة في ذكر الحد إذ لو لم يحد ثم أعتق وحد لم تقبل شهادته أيضاً. وأجيب: إنما ذكره لبيان الفرق بينه وبين الكافر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 138 قال: ولا شهادة الوالد لولده وولد ولده، ولا شهادة الولد لأبويه ولأجداده، والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تقبل شهادة الولد لوالده، ولا الوالد لولده، ولا المرأة لزوجها، ولا الزوج لامرأته، ولا العبد لسيده، ولا المولى لعبده، ولا الأجير لمن استأجره» ولأن المنافع بين الأولاد والآباء متصلة. ولهذا لا يجوز أداء الزكاة إليهم،   [البناية] أما الكافر لو قذف مسلماً، ثم أسلم ثم حد، لم تقبل شهادته، ولو حد بعض الحد في حال كفره، وبعضه في حال إسلامه ففيه اختلاف الروايتين، وفي الكافر عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في هذه المسألة ثلاث روايات: إحداها: أنه لا تسقط شهادته ما لم يضرب تمام الحد؛ لأن ما دون الحد تقرير، وهو لا يسقط الشهادة، والثانية: إذا أقيم عليه الأكثر تقوم مقام الكل، والثالثة: إذا ضرب سوط سقطت شهادته، والله أعلم. [شهادة الوالد لولده] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا شهادة الوالد لولده وولد ولده ولا شهادة الولد) ش: أي ولا تقبل شهادة الولد م: (لأبويه ولأجداده) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا الذي ذكره بالإجماع. قلت: عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تقبل شهادة الولد لوالده، وعنه: تقبل شهادة أحدهما للآخر، وهو قول أبي ثور والمزني وداود - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وحكي في القديم عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذكر صاحب " النهاية " ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يخالفنا فيه، فيجوز شهادة الوالد لولده، وشهادة الولد لوالده. م: (والأصل فيه) ش: أي في رد شهادة هؤلاء بعضهم لبعض م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا تقبل شهادة الولد لوالده، ولا الوالد لولده، ولا المرأة لزوجها ولا الزوج لامرأته، ولا العبد لسيده، ولا المولى لعبده، ولا الأجير لمن استأجره» ش: قال مخرج الأحاديث: هذا غريب لم يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثم قال: قال في " الخلاصة " رواية الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بإسناده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قلت: قال الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " أدب القاضي ": حدثنا صالح بن زريق، وكان ثقة، قال حدثنا مروان بن معاوية الثراري عن يزيد بن زياد الشامي عن الزهري عن عروة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا يجوز شهادة الولد لوالده، ولا المرأة لزوجها، ولا الزوج لامرأته، ولا العبد لسيده، ولا السيد لعبده، ولا الشريك لشريكه ولا الأجير لأجيره» . م: (ولأن المنافع بين الأولاد والآباء متصلة) ش: أي ولأن منافع الأملاك متصلة في قرابة الأولاد م: (ولهذا) ش: أي ولاتصال المنافع فيهم م: (لا يجوز أداء الزكاة إليهم) ش: فلو جاز شهادة الوالد لولده أو على العكس كان ذلك شهادة نفسه من وجه، فلم يجز وهو معنى قوله م: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 139 فتكون شهادة لنفسه من وجه أو تتمكن فيه التهمة. قال: والمراد بالأجير على ما قالوا: التلميذ الخاص الذي يعد ضرر أستاذه ضرر نفسه ونفعه نفع نفسه، وهو معنى قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا شهادة للقانع بأهل البيت» ،   [البناية] (فتكون شهادة لنفسه من وجه، أو تتمكن فيه التهمة) ش: وهو ظاهر. [شهادة الأجير لأستاذه] م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والمراد بالأجير) ش: أي المذكور في الحديث المذكور م: (على ما قالوا) ش: أي المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: م: (التلميذ الخاص الذي يعد ضرر أستاذه ضرر نفسه ونفعه نفع نفسه) ش: أي يعد نفع أستاذه نفع نفسه، وفي " الخلاصة ": ولا يجوز شهادة الأجير لأستاذه، أراد به التلميذ الخاص، والتلميذ الخاص الذي أكل معه وفي عياله، وليس له أجرة المعلومة، وأما الأجير المشترك إذا شهد للمستأجر تقبل، وأما الأجير الواحد وهو الذي استأجره مياومة أو مشاهرة أو مسانهة بأجرة معلومة لا تقبل. وقال أبو العباس الناطفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأجناس " يقبل شهادة الأجير، ثم قال أبو العباس - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا محمول على الأجير المشترك؛ لأنه قد ذكر في " نوادر ابن رستم " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا أجيز شهادة الأجير مشاهرة، وإن كان أجير مشترك قبلت شهادته م: (وهو معنى قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا شهادة للقانع بأهل البيت» ش: أي التلميذ الخاص، وهو المراد من القانع المذكور في الحديث والحديث أخرجه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " سننه " عن محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رد شهادة الخائن والخائنة وذي الغمر على أخيه، ورد شهادة القانع لأهل البيت وأجازها لغيرهم» . وقال أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والغمر الشحناء وأخرجه الترمذي من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وقال حديث غريب والغمر العداوة، وقال أبو عبيد: - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " غريب الحديث ": الغمر العداوة، وقال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الغمر الحقد والغل، هو بكسر الغين المعجمة وسكون الميم وفي آخره راء مهملة، والقانع والتابع لأهل البيت كالخادم. وفي " المغرب ": المتعلم الذي يأكل في بيت أستاذه يكون في معنى القانع المذكور في الحديث الجزء: 9 ¦ الصفحة: 140 وقيل: المراد به الأجير مسانهة أو مشاهرة أو مياومة فيستوجب الأجر بمنافعه عند أداء الشهادة فيصير كالمستأجر عليها. قال: ولا تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تقبل؛ لأن الأملاك بينهما متميزة، والأيدي متحيزة ولهذا يجري القصاص والحبس بالدين بينهما، ولا معتبر بما فيه من النفع لثبوته ضمنا كما في الغريم إذا شهد لمديونه المفلس. ولنا ما رويناه، ولأن الانتفاع متصل عادة وهو المقصود فيصير شاهدا لنفسه من   [البناية] م: (وقيل: المراد به الأجير مسانهة أو مشاهرة أو مياومة فيستوجب الأجر) ش: أي يستحق الأجرة م: (بمنافعه عند أداء الشهادة فيصير كالمستأجر عليها) ش: أي على الشهادة؛ لأن شهادته عمل من أعماله، وجميع أعماله للمستأجر في مدة الإجارة. [شهادة أحد الزوجين للآخر] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تقبل) ش: وقال ابن أبي ليلى والثوري والنخعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا تقبل شهادة الزوجة لزوجها لأن لها حقاً في ماله لو حدث بعشقها فيه، وتقبل شهادة الزوج لها لعدم التهمة م: (لأن الأملاك بينهما) ش: أي بين الزوجين م: (متميزة) ش: بحيث لا يتصرف أحدهما في مال الآخر م: (والأيدي متحيزة) ش: أي مجتمعة بنفسها غير متصرفة في ملك الغير غير متقدمة إليه، إذ الزوجية قد تكون سبباً للتأخر والعداوة. وقد تكون سبباً للميل والإيثار م: (ولهذا) ش: أي ولأجل تميز الأملاك بينهما وتحيز الأيدي م: (يجري القصاص والحبس بالدين بينهما) ش: أي بين الزوجين يعني يقتص من أحدهما للآخر، ويحبس أحدهما بدين الآخر، وكل من كان كذلك تقبل شهادته في حق صاحبه كالأخوين وأولاد العم م: (ولا معتبر بما فيه من النفع) ش: أي لا معتبر بما في قبول شهادة أحدهما لصاحبه من النفع الحصال منه للشاهد؛ لأن كل واحد منهما بعد نفع صاحبه نفع نفسه معين لا يتهم الشاهد بهذا العذر من النفع م: (لثبوته ضمناً) ش: أي لثبوت هذا النفع من حيث الضمن في الشهادة وليس بقصدي فلا يعتبر. م: (كما في الغريم) ش: وهو رب الدين م: إذا شهد لمديونه المفلس) ش: حيث تقبل شهادته، وإن كان له فيه نفع؛ لأن النفع حصل ضمناً لا قصداً، م: (ولنا ما رويناه) ش: أراد به الحديث الذي ذكره الآن؛ لأن فيه، ولا المرأة لزوجها ولا الزوج لامرأته م: (ولأن الانتفاع متصل عادة) ش: بينهما عرفاً ولهذا لو وطئ جارية امرأته وقال: ظننت أنها تحل لي لا يحد م: (وهو) ش: أي الانتفاع هو م: (المقصود) ش: من الزوجية حتى بعد الزوج غنياً بما لها قبل في تأويله قَوْله تَعَالَى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] (الضحى الآية: 8) . فأغناك بمال خديجة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وهذا لأن الاتحاد بينهما أكثر ما يكون بين الوالد والولد في العادة والشريعة فإنهما بالزوجة يصيران كشخص واحد في إقامة الأسباب المعنية، فإن الإنسان قد يعادي والديه لرضى زوجته ولهذا يستحق أحدهما الميراث من الآخر بغير حجب وإذا كان كذلك م: (فيصير شاهداً لنفسه من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 141 وجه أو يصير متهما بخلاف شهادة الغريم لأنه لا ولاية له على المشهود به. ولا شهادة المولى لعبده؛ لأنه شهادة لنفسه من كل وجه إذا لم يكن على العبد دين أو من وجه إن كان عليه دين؛ لأن الحال موقوف مراعى ولا لمكاتبه لما قلنا ولا شهادة الشريك لشريكه فيما هو من شركتهما لأنه شهادة لنفسه من وجه   [البناية] وجه أو يصير متهماً) ش: في شهادته تجر النفع إلى نفسه وشهادة المتهم مردودة. م: (بخلاف شهادة الغريم) ش: جواب عما ذكره الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذلك م: (لأنه) ش: أي لأن الغريم م: (لا ولاية له على المشهود به) ش: إذ هو مال المديون ولا تعرف له عليه، فلم يكن متهماً فجازت شهادته لا يقال: الغريم إذا ظفر بجنس حقه يأخذوه؛ لأن الظفر أمر موهوم وحق الأخذ بناء عليه، ولا كذلك الزوجان. فإن قلت: إن فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ادعت فدك بين يدي أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فجوز ذلك حيث شهد لها، وفاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - جوزت ذلك أيضاً، حيث استشهدت علياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولم ينقل عن غيرهم خلاف ذلك، فكان إجماعاً، والإجماع مقدم على القياس، وخبر الواحد. قلت: الصحيح من الرواية: أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رد دعواها، فإنها ادعت فدك ميراثاً من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فرد دعواها وقال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» . [شهادة المولى لعبده] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا شهادة المولى لعبده) ش: أي ولا تقبل شهادة المولى لعبده م: (لأنه شهادة لنفسه من كل وجه إذا لم يكن على العبد دين) ش: لأن العبد وما في يده لمولاه م: (أو من وجه) ش: أي أو شهادة لنفسه من وجه م: (إن كان عليه) ش: أي على العبد م: (دين لأن الحال) ش: أي حال العبد م: (موقوف مراعى) ش: بين أن يصير العبد مقوماً بسبب بيعهم في دينهم، وبين أن يبقى للمولى كما كان بسبب قضاء دينه م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا لمكاتبه) ش: أي ولا تقبل شهادة المولى لمكاتبه م: (لما قلنا) ش: من قوله شهادة لنفسه من وجه أو من كل وجه، وفي بعض النسخ لما قلنا. وكذا لا يجوز شهادته لمدبره وأم ولده وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (ولا شهادة الشريك لشريكه) ش: أي ولا تقبل شهادة أحد الشريكين للآخر م: (فيما هو من شركتهما) ش: أي من الذي هو مشترك بينهما م: (لأنه شهادة لنفسه من وجه) ش: لأن كل ما يحصل للمشهود له الجزء: 9 ¦ الصفحة: 142 لاشتراكهما، ولو شهد بما ليس من شركتهما تقبل لانتفاء التهمة وتقبل شهادة الرجل لأخيه، وعمه لانعدام التهمة؛ لأن الأملاك ومنافعها متباينة، ولا بسوطة لبعضهم في مال البعض. قال: ولا تقبل شهادة مخنث، ومراده المخنث في الرديء من الأفعال   [البناية] للشاهد فيه نصيب وهو معنى قوله م: (لاشتراكهما) ش: أي في الذي يحصل بسبب تلك الشهادة. م: (ولو شهد) ش: أي الشريك م: (بما ليس من شركتهما تقبل لانتفاء التهمة) ش: لأنه شهادة عدل لغيره. وفي " الشامل " ولا تقبل شهادة الشريك المفاوض وإن كان عدلاً فيما خلا الحدود والقصاص، وغير المفاوض أيضاً في تجارته. م: (قال) ش: أي القدوري: - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وتقبل شهادة الرجل لأخيه وعمه) ش: ولا خلاف فيه إلا أن مالكاً شرط أن لا يكون في عياله. قال بعض أصحابه: يجوز بشرط أن لا يكون مبرزاً له، وقيل: بشرط إن لم ينله صلته، وقال أشهب - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز في اليسير دون الكثير إلا أن يكون مبرزاً له فيجوز في الكثير. وقيل: يقبل إلا فيما تتصفح فيه التهمة مثل أن يشهد له بما يكتسب به الشاهد شرفاً وجاهاً، أو يدفع به معرة أو يقضي الطباع والعصبية فيه العصب والحمية كشهادته بأن فلاناً قتله أو جرحه، كذا في " جواهرهم " م: (لانعدام التهمة) ش: يعني في الشهادة لأخيه وعمه م: (لأن الأملاك ومنافعها متباينة) ش: بينهم م: (ولا بسوطة لبعضهم في مال البعض) ش: وهذا ظاهر، ولأن العداوة والتحاسد بين الإخوة ظاهرة فتنتفي التهمة المانعة في الشهادة. ألا ترى أن العداوة بين الإخوة أول ما ظهرت في قصة قابيل وهابيل، وكذلك في قصة يوسف - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وإخوته. وفي " الشامل ": قبل لولد الرضاع ولأم المرأة. وفي " الخلاصة ": وتقبل لأم امرأته [ ... ] ، ولزوج ابنته، ولامرأة ابنه، ولامرأة أبيه، ولأخت امرأته، ومن السلف من قال: لا تقبل شهادة الأخ لأخيه، ذكره شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح أدب القاضي ". [شهادة المخنث] م: (قال) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا تقبل شهادة مخنث) ش: قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومراده) ش: أي مراد القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (المخنث في الرديء من الأفعال) ش: أي أفعال النساء من التزين بزيهن والتشبه بهن في الفعل والقول، فالفعل مثل كونه محلاً للواطة، والقول مثل تليين كلامه باختياره تشبهاً بالنساء، وإليه أشار العلامة مولانا حميد الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي " الذخيرة ": التخنيث الفاسق في فعله، فلا تقبل لمعصيته، قال - عليه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 143 لأنه فاسق، فأما الذي في كلامه لين، وفي أعضائه تكسر فهو مقبول الشهادة، ولا نائحة ولا مغنية؛ لأنهما ترتكبان محرما «فإنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن الصوتين الأحمقين النائحة والمغنية» .   [البناية] السلام -: «لعن الله المؤنثين من الرجال والمذكرات من النساء» وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لأنه) ش: أي لأن المخنث م: (فاسق) ش: في فعله فلا تقبل شهادة الفاسق. م: (فأما الذي) ش: أي فأما المخنث الذي م: (في كلامه لين) ش: مثل كلام النساء م: (وفي أعضائه تكسر) ش: لخلقه م: (فهو مقبول الشهادة) ش: ألا ترى " أن هنا المخنث كان يدخل بيوت أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى سمع منه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " كلمة شنيعة فأمر بإخراجه ". م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا نائحة) ش: أي ولا تقبل شهادة نائحة، لأن النوح لما كان منهياً عنه وقد باشرته النائحة لم تؤمن من أن تباشر شهادة الزور أيضاً، فلا تقبل شهادتها. وفي " الذخيرة " لم يرد بالنائحة التي تنوح في مصيبتها، وإنما أراد به التي تنوح في مصيبة غيرها واتخذت ذلك مكسبة. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولنا فيه نظر؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن النياحة مطلقاً من غير فصل. قلت: يؤيد كلامه أن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يقيد بقوله " للناس " م: (ولا مغنية) ش: التغني للهو ولجمع المال حرام بلا خلاف، ولا سيما إذا كان من المرأة؛ لأن رفع الصوت منها حرام، وأما التغني لدفع ضرر نفسه مباح بلا خلاف، والنوح كذلك قاله الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنهما) ش: أي لأن النائحة والمغنية م: (ترتكبان محرماً) . م: (فإنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نهى عن الصوتين الأحمقين النائحة والمغنية» ش: هذا الحديث أخرجه الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مطولاً وفيه: «نهى عن صوتين أحمقين صوت عند نغمة لعب ولهو ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة بخمش وجوه، وشق جيوب ورنة شيطان» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 144 قال: ولا مدمن الشرب على اللهو لأنه ارتكب محرم دينه   [البناية] قال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث [حسن] ، وفي ذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - النائحة والمغنية وصف بصفة صاحبه والتقدير صوت النائحة، وصوت المغنية، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقد روى أصحابنا في كتبهم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن الصوتين الأحمقين النائحة والمغنية» . قلت: ذهل عن إخراج الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلذلك قال: وقد روى أصحابنا وذكر صاحب " الأجناس " عن " أدب القاضي " إملاء قال: لا تقبل شهادة أصحاب المعصية وقطاع الطريق، وأصحاب الفجور بالنساء، ومن يعمل عمل قوم لوط، ومن يقعد مع الغناء والنائحة والنائح، والمغني والمغنية لا تقبل شهادة واحد من هؤلاء إلى هنا لفظه. [شهادة مدمن الشرب] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا مدمن الشرب على اللهو لأنه ارتكب محرم دينه) ش: أي ولا تقبل شهادة مدمن الشرب على اللهو. قال في " الصحاح ": يقال رجل مدمن خمر أي مداوم شربها، وإنما أطلق إدمان الشرب على اللهو ليتناول جميع الأشربة المحرمة من الخمر والسكر، وليقع الزبيب والتمر من غير طبخ والفضيخ، والباذق والفضيخ البسر إذا خرج من الماء وغلي واشتد وقذف بالزبد، وذلك بأن كسر ويدق، والباذق، وهو المطبوخ أقل من الثلثين وكل ذلك محرم شرب قليلها وكثيرها. إلا أن منكر حرمة الخمر يكفر، ومنكر حرمة هذه الأشربة لا يجب الحد إلا بالسكر، ويشترط الإدمان في الخمر وهذه الأشربة لسقوط العدالة ولهذا قال قاضي خان في " فتاواه "، إنما شرط الإدمان ليظهر ذلك عند الناس، فإن من اتهم في شرب الخمر في بيته، لا تبطل عدالته وإن كانت كبيرة، وإنما تبطل إذا ظهر ذلك أو خرج سكران ليعجز منه الصبيان؛ لأن مثله لا يحترز عن الكذب. وفي " الفتاوى الصغرى " في مسائل الجرح والتعديل: شرب الخمر في السر لا تسقط العدالة؛ لأن محمداً - رَحِمَهُ اللَّهُ - شرط الإدمان في كتاب الشهادات، وأما ما سوى هذه الأشربة ما يتخذ من الحنطة والشعير والذرة والسكر والفانية والتين فهي مباحة، وإن سكر منها ولا حد على الصحيح من الرواية. كذا قال " صاحب التحفة "، قال: لأن هذا من جملة الأطعمة، ولا عبرة بالسكر، فإن في بعض البلاد قد يسكر المؤمن الخبر ونحوه البنج يسكر ولبن الرمكة يسكر، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المسكر منه حرام كما في المثلث، ولكن إذا سكر منه لا حد عليه بخلاف المثلث. كذا في " التحفة ". قلت: لا ينبغي أن يفتى في هذا الزمان إلا بحرمة في الكل، وبالتقرير البالغ غير الخمر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 145 قال: ولا من يلعب بالطيور؛ لأنه يورث غفلة، ولأنه قد يقف على عورات النساء، بصعوده على سطحه ليطير طيره، وفي بعض النسخ: ولا من يلعب بالطنبور وهو المغني. قال: ولا من يغني للناس؛ لأنه يجمع الناس على ارتكاب كبيرة   [البناية] لفساد غالب أهل هذا الزمان، ورأيت بخط شيخي العلامة: المراد من قوله ولا مدمن الشرب على اللهو شرب غير الخمر؛ لأن في الخمر الإدمان، واللهو ليس بشرط، بل صار مردود الشهادة بمجرد شرب الخمر لفسقه. [شهادة من يلعب بالطيور] م: (قال) ش: أي القدوري: - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا من يلعب بالطيور) ش: ولا خلاف فيه لأهل العلم. وفي قوله " يعلب " إشارة إلى أنه لو اتخذ الحمام في بيته ليستأنس بها، أو لحمل الكتب كما في ديار مصر والشام لا يكون حراماً ولا تسقط عدالته. وفي " المبسوط ": اتخاذ الحمام في البيوت للاستئناس مباح، وكذا اتخاذ برج الحمام. وفي " الذخيرة " ناقلاً عن شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا إذا كان لا يطيره، أما لو كان يأتي بيت حمامات غيره فيفرخ ثم هو يبيع ذلك ويأكل ولا يعرف حمامه من حمام غيره يصير مرتكباً محرماً وآكلاً حراماً، فعلى هذا التقدير لا تقبل شهادته وإن لم يقف على عورات النساء لصعوده سطحه م: (لأنه يورث غفلة) ش: ولا يأمن على العقل من الزيادة والنقصان، فلا تقبل شهادته م: (ولأنه قد يقف على عورات النساء بصعوده على سطحه ليطير طيره) ش: والنظر على عورات الأجانب والمحرمات حرام، فلا يجوز شهادة مرتكب الحرام. م: (وفي بعض النسخ) ش: أي وفي بعض نسخ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا من يلعب بالطنبور) ش: بضم الطاء كذا في " دستور اللغة ". وقال الجوهري: الطنبور فارسي معرب والطنبار لغة م: (وهو) ش: أي الذي يلعب بالطنبور هو م: (المغني) ش: قيل يستغني عن هذا بقوله من يغني للناس لأنه أعم من أن يكون مع آلة لهو أو لا؟، أجيب: بأن يقال لئن سلمنا هذا، ولكنه قصد تخصيص الطنبور بالذكر لكونه من أعظم آلات اللهو عند العجم من الترك وغيرهم. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا من يغني للناس) ش: أي ولا تقبل شهادة من يغني للناس م: (لأنه يجمع الناس على ارتكاب كبيرة) ش: لا يقال: إن فيه تكراراً؛ لأن من يغني للناس يكون من الرجال والنساء، والمغنية في النساء خاصة. وقيل: الأصح من الجواب أنه إنما ذكر النائحة والمغنية هناك، مع أن النوح والغناء مشترك بين الرجال والنساء لورود الحديث بذلك اللفظ، ويفهم منه حكم الرجال تبعاً فأعاد حكم الرجال جرياً على الأصل، إذ الأصل أن حكم النساء يستفاد من حكم الرجال، إذ لو اقتصر على الأول لتوهم أن ذلك حكم مخصوص بالنساء، وقيد بقوله " للناس "؛ لأن التغني للناس مكروه باتفاق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 146 قال: ولا من يأتي بابا من الكبائر التي يتعلق بها الحد للفسق   [البناية] المشايخ، والتغني لإسماع الغير مكروه عند عامة المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ومن الناس من أباح ذلك في العرس والوليمة كما أبيح ضرب الدف فيهما، وإن كان فيه نوع لهو ومنهم من قال إذا تغنى ليستفيد منه نظم القوافي ويصير به فصيح اللسان لا بأس به. وأما التغني لنفسه فقيل: لا يكره، وبه أخذ السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولما روي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه دخل على أبيه البراء بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهو من زهاد الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وكان يغني، وقيل جميع ذلك مكروه، وبه أخذ شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ويحمل حديث البراء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على أنه كان ينشد الأشعار المباحة التي فيها ذكر الوعظ والحكمة. وإنشاد الشعر لا بأس به وإن كان فيه صفة المرأة، فإن كانت حية يكره، وإن كانت ميتة لا يكره هذا في " الذخيرة "، وأما القراءة بالألحان أباحها قوم وحظرها قوم. والمختار إذا كانت الألحان لا يغير الحروف من نظمها مباح، وإلا غير مباح ذكره في " الحلية " بلا خلاف، وفي " التنبيه "، ولا تقبل شهادة القرار والرقاص، والمشعوذ، وقوله " على كبيرة " هو اللهو واللعب، ونص على نوع فسق، فلا يمنع عادة عن المحارم والكذب وسنذكر الخلاف في الكبيرة عن قريب. [شهادة من يأتي بابا من الكبائر] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا من يأتي باباً من الكبائر التي يتعلق بها الحد للفسق) ش: ولا خلاف فيه، واختلفوا في تفسير الكبيرة، قيل: هي السبع التي ذكرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما هي؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» . وروى مسلم - رَحِمَهُ اللَّهُ - في حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الكبائر قال: «الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وقول الزور» . وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن من الكبائر شتم الرجل والديه، قالوا: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه، فيسب أمه» . وروي من «حديث عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " قال سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك قال: قلت له: إن ذلك لعظيم قال: قلت له: ثم أي؟ قال: ثم أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قال: قلت: ثم أي؟ قال: ثم أن تزني بحليلة جارك» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 147 قال: ولا من يدخل الحمام من غير إزار لأن كشف العورة حرام أو يأكل الربا، أو يقامر بالنرد والشطرنج؛ لأن كل ذلك من الكبائر، وكذلك من تفوته الصلاة للاشتغال بهما، فأما مجرد اللعب بالشطرنج، فليس بفسق مانع من الشهادة؛ لأن للاجتهاد فيه مساغا،   [البناية] وفي " الفتاوى الصغرى ": ذكر الإمام شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الشهادات " حد الكبيرة ما كان حراماً محصناً يسمى فاحشة في الشرع، كاللواطة أو لم يسم في الشرع فاحشة، لكن يشرع عليها عقوبة محضة بنفس قاطع، أما في الدنيا بالحد كالسرقة والزنا وقتل نفس بغير حق أو بالوعيد بالنار في الآخرة، كأكل مال اليتيم. وقال بعضهم: ما فيه حد فهو كبيرة وقيل ما كان حراماً بالعينة، وقيل: وأصح ما نقل عن الحلواني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما كان شنيعاً بين المسلمين وفيه هتك حرم الله تعالى والدين فهو كبيرة، وكذا الإعانة على المعاصي والفجور والحث عليها من جملة الكبائر، كذا في " الذخيرة " و " المحيط "، وقيل: ما أصر عليه المرء فهو كبيرة، وما استغفر عنه فهو صغيرة والأوجه ما ذكره المتكلمون، أن كل ذنب فوقه ذنب وتحته ذنب، فهو بالنسبة على ما فوقه صغيرة، وإلى ما تحته كبيرة؛ لأن الأشياء الإضافية لا تقترن إلا بالإضافة. [شهادة من يدخل الحمام بغير إزار] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا من يدخل الحمام من غير إزار) ش: أي ولا تقبل شهادة من يدخل الحمام بغير إزار يستر عورته م: (لأن كشف العورة حرام) ش: لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لعن الله الناظر والمنظور إليه» . والشهادة كرامة، فلا يستحقها من يستحق اللعن ولا خلاف فيه م: (أو يأكل الربا أو يقامر بالنرد والشطرنج) ش: هذا عطف على قوله من يدخل الحمام بغير إزار، وهكذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي بعض النسخ قال: ولا من يأكل الربا والمقامر بالنرد والشطرنج م: (لأن كل ذلك من الكبائر) ش: وقد مر عن قريب في حديث البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن أكل الربا من الكبائر. وقال صاحب " الأجناس ": ناقلاً عن الأصل: ولا تقبل شهادة آكل الربا إذا كان مشهوراً؛ لأنه إذا لم يكن مشهوراً فطريقه التهمة وعدالته ظاهرة فلا تبطل بتهمة معصية لم يتحقق على ما يأتي الآن. وأما المقامر بالنرد والشطرنج ففيه تفصيل على ما يذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الآن م: (وكذلك) ش: أي لا تقبل شهادة م: من تفوته الصلاة للاشتغال بهما) ش: أي بالنرد والشطرنج. م: (فأما مجرد اللعب بالشطرنج، فليس بفسق مانع من الشهادة؛ لأن للاجتهاد فيه مساغاً) ش: فإن الشافعي ومالكاً - رحمهما الله - أباحاه مع الكراهة، وعندنا وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - حرام الجزء: 9 ¦ الصفحة: 148 وشرط في الأصل أن يكون أكل الربا مشهورا به؛ لأن الإنسان قلما ينجو عن مباشرة العقود الفاسدة، وكل ذلك ربا، قال: ومن لا يفعل الأفعال المستحقرة كالبول على الطريق، والأكل على الطريق؛ لأنه تارك للمروءة، وإذا كان لا يستحي عن مثل ذلك لا يمتنع عن الكذب، فيتهم   [البناية] لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من لعب بالنردشير فقد عصى الله ورسوله» رواه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - قيل: هو الشطرنج، أما النرد فحرام بالإجماع. قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من لعب بالنرد فهو ملعون» ذكره في " الذخيرة "، واللعب بالشطرنج يمنع قبول الشهادة بالإجماع، إذا كان مدمناً عليه أو مقامراً وتفوته الصلاة أو أكثر عليه الحلف الكذب والباطل، وفي " التنبيه ": ومن لعب بالشطرنج في الطريق لا تقبل شهادته. م: (وشرط في الأصل) ش: أي شرط محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المبسوط " م: (أن يكون أكل الربا مشهوراً به) ش: أي بأكل الربا م: (لأن الإنسان قلما ينجو عن مباشرة العقود الفاسدة، وكل ذلك رباً) ش: أي في معنى الربا فعلم أن عدالته لا تسقط بمجرد أكل الربا إذا لم يكن مشهوراً به مصراً عليه. وعن هذا وقع الفرق بين الربا وأكل مال اليتيم، فإن الإدمان فيه غير شرط. [شهادة من يفعل الأفعال المستحقرة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا من يفعل) ش: أي ولا تقبل شهادة من يفعل م: الأفعال المستحقرة) ش: هكذا وقع في بعض نسخ القدوري المستحقرة، وقال: الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله: م: (ولا من يفعل الأفعال المستحقرة كالبول على الطريق والأكل على الطريق) ش: ثم قال: هذا لفظ القدوري، في " مختصره "، يعني لفظ المستحقرة، من الاستحقار، ثم قال: وهنا نسخ المستحقرة والمستخفة، والمستخبثة. وكلها على صيغة اسم المفعول. روي المستخفة بالخاء المشددة المكسورة، وهي أصح النسخ من السخيف، وهو النسبة إلى السخف، وهو رقة العقل في قولهم ثوب سخيف، إذا كان قليل الغزل، وقيل المستخفة بكسر الخاء، أي الأفعال المستخفة بصاحبها م: (لأنه تارك للمروءة) ش: أي الإنسانية. قال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولك أن تشدد، وقال أبو يزيد: مر الرجل صار ذا مروءة فهو مريء على فعيل م: (وإذا كان) ش: أي الرجل م: (لا يستحي عن مثل ذلك) ش: أي البول على الطريق والأكل عليه م: (لا يمتنع عن الكذب فيتهم) ش: فلا تقبل شهادة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 149 ولا تقبل شهادة من يظهر سب السلف   [البناية] المتهم. وكل فعل فيه ترك المروءة يوجب سقوط شهادته بلا خلاف بين الأئمة الأربعة، حتى لو مشى في السوق أو في مجامع الناس بسراويل واحد لا تقبل شهادته، وكذا من يمدر رجليه عند الناس ويكشف رأسه في موضع لا عادة فيه، وما أشبه ذلك مما تجتنبه أهل المروءات بلا خلاف، وفي أصحاب الصنائع الدنيئة كالكساح والزبال والكناس والحجام والحائل فيه وجهان. قال بعض العلماء: لا تقبل شهادة أهل الصناعات، وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - لكثرة خلفهم في الوعد، ودناة صنعتهم في المدينة، وقال عامة العلماء: يجوز إذا كانوا عدولاً، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه وأحمد ومالك - رحمهما الله - وهو الأصح؛ لأنه قد تولاها كثير من الصالحين وأهل المروءة. وفي " المحيط " لا تقبل شهادة النخاسين والدلالين؛ لأنهم يكذبون كثيراً، فأما من عدل منهم تقبل شهادته، وبياع الأكفان لا تقبل شهادته، قال شمس الأئمة: هذا إذا ترصد لذلك العمل، فأما إذا كان يبيع ويشتري الثياب، ويشتري منه الأكفان ويقبل لعدم تمنيته الموت والطاعون. وفي " الذخيرة ": لا تقبل شهادة الصكاكين؛ لأنهم يكتبون هذا ما اشترى فلان، وقبض المبيع والبائع ابن فلان قبض الثمن وضمن الدرك، ولم يكن شيء من ذلك، فيكون كذباً محضاً، ولا فرق في الكذب بين القول والكتابة. والصحيح أنه يقبل إذا كان غالب أحوالهم الصلاح، ولا تقبل شهادة القروي والأعرابي البدوي عند بعض العلماء. وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقبل شهادة القروي البدوي في غير الدماء، ذكره في " الجواهر "، وقال عامة العلماء: تقبل إذا كان عدلاً عالماً بكيفية الشهادة تحملاً وأداء. وفي " مناقب أبي حنيفة " - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تقبل شهادة البخيل، وقال مالك: - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن أفرط في البخل لا تقبل ولا تقبل شهادة الطفيلي والمشعوذ والرقاص والمسخرة بلا خلاف. وقال نصير بن يحيى: من شتم أهله ومماليكه كثيراً في كل ساعة لا تقبل شهادته، وإن كان أحياناً تقبل، وفي " المحيط ": لا تقبل شهادة القيام للناس والجباة، وفي " جامع شمس الأئمة " - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تقبل شهادة من يجازف في كلامه، ولا خلاف فيه. [شهادة من يظهر سب السلف] م: (ولا تقبل شهادة من يظهر سب السلف) ش: المراد من السلف الصحابة والتابعون - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - والسلف جمع سالف، وهو الدهر الماضي، وفي الشرع: اسم لكل من تقلد مذهبه ويقتفى أثره في الدين كأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأصحابه، فإنهم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 150 لظهور فسقه بخلاف ما يكتمه وتقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقبل؛ لأنه أغلظ وجوه الفسق. ولنا أنه فسق من حيث الاعتقاد   [البناية] سلف لأبي حنيفة وأصحابه والتابعون - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (لظهور فسقه) ش: والفاسق لا تقبل شهادته. م: (بخلاف من يكتمه) ش: أي من يكتم سب السلف؛ لأنه إذا اعتقد ذلك ولم يظهره، وهو عدل في أفعاله، فإن شهادته تقبل. كذا في " شرح الأقطع " [شهادة أهل الأهواء] م: (وتقبل شهادة أهل الأهواء) ش: أي أصحاب البدع كالخارجي والرافضي، والجبري والقدري، والمشبه، والمعطل وسمي أهل البدع أهل الأهواء لميلانهم إلى محبوب نفوسهم بلا دليل شرعي، أو عقلي، والهوى محبوب النفس من هوى الشيء إذا أحبه، وفي " الذخيرة " تقبل شهادته إذا كان هوى لا يكفر به صاحبه، ولا يكون شاحنا، ويكون عدلا في تعاطيه، وهو الصحيح، وأصول أهل الأهواء ستة الجبر والقدر والرفض والخروج والشيعة، والتعطيل، وكل واحد يصير اثني عشر فرقة، فتبلغ إلى اثنين وسبعين فرقة م: (إلا الخطابية) ش: لا تقبل شهادتهم. وفي " شرح الأقطع " اسم قوم ينسبون إلى ابن الخطاب رجل كان بالكوفة قتله عيسى بن موسى، وكان يزعم أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الإله الأكبر، وجعفر الصادق الإله الأصغر. وكانوا يعتقدون أن من ادعى منهم شيئا على غيره يجب أن يشهد له تقية شيعة، وقيل: الخطابية قوم من الروافض ينسبون إلى الخطاب المذكور، قتله عيسى بن موسى المذكور وصلبه بالكنائس، وفي " المغرب ": الخطابية من الروافض ينسبون إلى أبي الخطاب حمد بن أبي وهب الأجذع. وقال أبو حاتم الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اسم أبي الخطاب محمد بن أبي ربيب الأسدي الأجذع، وكان يقول بإمامة إسماعيل بن جعفر، فلما مات إسماعيل، رجعوا إلى القول بإمامة جعفر وغلوا في القول غلوا كبيرا. وخرج أبو الخطاب في حياة جعفر بالكوفة فحارب عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن العباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأظهر الدعوة إلى جعفر، فتبرأ منه جعفر ولعنه، وادعى عليه، وقتل هو وأصحابه كلهم. وأما رواية الأخبار من أهل الأهواء، اختلف فيه مشايخنا، والأصح عندي لا تقبل، كذا في " المبسوط ". م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقبل) ش: أي شهادة أهل الأهواء، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أحمد: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقبل شهادة ثلاثة منهم العذرية والجهمية، والرافضية م: (لأنه أغلظ وجوه الفسق) ش: لأن الفسق من حيث الاعتقاد شر من الفسق من حيث التعاطي م: (ولنا أنه) ش: أي أن ما ذهبوا إليه م: (فسق من حيث الاعتقاد) ش: لا من حيث الجزء: 9 ¦ الصفحة: 151 وما أوقعه فيه إلا تدينه، وصار كمن يشرب المثلث، أو يأكل متروك التسمية عامدا مستبيحا لذلك، بخلاف الفسق من حيث التعاطي، أما الخطابية فهم قوم من غلاة الروافض يعتقدون الشهادة لكل من حلف عندهم. وقيل: يرون الشهادة لشيعتهم واجبة، فتمكنت التهمة في شهادتهم لظهور فسقهم. قال: وتقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض وإن اختلفت مللهم، وقال مالك والشافعي - رحمهما الله -: لا تقبل لأنه فاسق، قال الله تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254] فيجب التوقف في خبره، ولهذا لا تقبل شهادته على المسلم، فصار كالمرتد. ولنا ما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أجاز شهادة النصارى بعضهم على بعض،   [البناية] التعاطي م: (وما أوقعه فيه) ش: أي في ذلك الهوى م: (إلا تدينه) ش: أي لعمقه في الدين بذلك الاعتقاد، ألا ترى أن منهم من يعظم الذنب حتى يجعله كفراً، فيكون ممتنعاً عن الكذب م: (وصار) ش: هذا م: (كمن يشرب المثلث) ش: من الحنفية م: (أو يأكل متروك التسمية عامداً) ش: من الشافعية حال كونه م: (مستبيحاً لذلك) ش: أي معتقداً إباحته، فإنه لا ترد شهادته كذا هذا، كذا في " المبسوط ". م: (بخلاف الفسق من حيث التعاطي) ش: أي من حيث المباشرة حيث ترد شهادته م: (أما الخطابية فهم قوم من غلاة الروافض) ش: الغلاة بالضم جمع غالي من غلاني الأمر يغلو غلواً، أي جاوز فيه الحد م: (يعتقدون الشهادة لكل من حلف عندهم) ش: أي يعتقدون جواز الشهادة، وإذا حلف المدعي بين يديهم أنه محق في دعواه، ويقولون: المسلم لا يحلف كاذباً م: (وقيل: يرون الشهادة لشيعتهم) ش: أي فكل من يذهب إلى مذهبهم ويعتقدون كاعتقادهم م: (واجبة) ش: عليهم م: (فتمكنت التهمة في شهادتهم لظهور فسقهم) ش: فترد. [شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض] م: (قال) ش: أي القدوري: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وتقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض وإن اختلفت مللهم) ش: أي ملل بالكسر جمع ملة، وهي الدين والشريعة كاليهودي مع النصراني. وقال ابن أبي ليلى: إن اتفقت مللهم تقبل، وإن اختلف لا تقبل، كشهادة اليهودي على النصراني وبالعكس. م: (وقال مالك والشافعي - رحمهما الله -: لا تقبل) ش: شهادة الكافر م: (لأنه فاسق. قال الله تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254] فيجب التوقف في خبره) ش: بالنص م: (ولهذا) ش: أي ولكونه فاسقاً م: (لا تقبل شهادته) ش: أي شهادة الكفار م: (على المسلم فصار كالمرتد) ش: في عدم قبول شهادتهم؛ لأن الشهادة من باب الولاية والكرامة، والكافر من أهل الإهانة، فلا تقبل شهادته كالمرتد والحربي. م: (ولنا ما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أجاز شهادة النصارى بعضهم على بعض) ش: هذا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 152 ولأنه من أهل الولاية على نفسه وعلى أولاده الصغار، فيكون من أهل الشهادة على جنسه والفسق من حيث الاعتقاد غير مانع؛ لأنه يجتنب ما يعتقده محرم دينه، والكذب محظور الأديان كلها بخلاف المرتد؛ لأنه لا ولاية له، وبخلاف شهادة الذمي على المسلم   [البناية] حديث غريب لم يثبت بهذا اللفظ، وإنما روى ابن ماجه - رَحِمَهُ اللَّهُ - في سننه عن مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجاز شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض» -، وفي مجالد مقال. وقال مخرج الأحاديث: هذا - أي الحديث الذي ذكره المصنف - غير مطابق للحكمين، ولو قال " أهل الكتاب " عوض " النصارى "، لكان موافقاً للحكمين عن اتحاد الملة واختلافها كما أخرجه ابن ماجه - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ثم حكي عن شيخه علاء الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: ويوجد في بعض نسخ الهداية اليهود عوض النصارى، واحتج له مقلداً لغيره بحديث رواه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالإسناد المذكور عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا، فقال: ائتوني بأعلم رجلين منكم فأتوه بابني صوريا فأنشدهما كيف تجدان أمر هذين في التوراة؟ قالا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة منهم رأوا ذكره في فرجها، مثل الميل في المكحلة رجما فقال: ما يمنعكما أن ترجموهما؟ قال: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل، فدعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالشهود فجاءوا أربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجمهما» . انتهى. قال مخرج الأحاديث: وجدت في نسخة علاء الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - بخط يده فدعا باليهود، وهذا تصحيف، وإنما هو " فدعا بالشهود " كشفته في نحو عشرين نسخة، ورواه كذلك إسحاق بن راهويه، وأبو يعلى الموصلي والبزار في مسانيدهم، والدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " سننه " وكلهم قالوا: " فدعا بالشهود ". م: (ولأنه) ش: أي ولأن الذمي م: (من أهل الولاية على نفسه وعلى أولاده الصغار) ش: وكل من هو كذلك م: (فيكون من أهل الشهادة على جنسه) ش: فتقبل شهادته على جنسه كالمسلم م: (والفسق من حيث الاعتقاد غير مانع) ش: هذا جواب عن قوله لأنه فسق. وتقريره أن الفسق مانع من حيث تعاطي محرم الدين أو من حيث الاعتقاد، والثاني ممنوع والأول مسلم إليه بقوله، م: (لأنه يجتنب ما يعتقده محرم دينه، والكذب محظور الأديان كلها) ش: وفي بعض النسخ محظور الأديان كلها. م: (بخلاف المرتد) ش: جواب عن قوله وصار كالمرتد م: (لأنه لا ولاية له) ش: على نفسه ولا على أولاده، وهي ركن الدليل م: (وبخلاف شهادة الذمي على المسلم) ش: جواب عن قوله: ولهذا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 153 لأنه لا ولاية له بالإضافة إليه، ولأنه يتقول عليه لأنه يغيظه قهره إياه، وملل الكفر وإن اختلفت فلا قهر، فلا يحملهم الغيظ على التقول. قال: ولا تقبل شهادة الحربي على الذمي، أراد به والله أعلم المستأمن؛ لأنه لا ولاية له عليه؛ لأن الذمي من أهل دارنا وهو أعلى حالا منه، وتقبل شهادة الذمي عليه كشهادة المسلم عليه وعلى الذمي، وتقبل شهادة المستأمنين، بعضهم على بعض إذا كانوا من أهل دار واحدة   [البناية] لا تقبل شهادته على المسلم م: (لأنه) ش: أي لأن الذمي وفي النهاية الضمير في لأنه للشأن أي لأن للشأن إذ لا ولاية للذمي على المسلم م: (لا ولاية له بالإضافة إليه) ش: أي إلى المسلم يعني ولايته بالنسبة إلى المسلم معدومة، وبه احترز عن الإضافة إلى الكافر، فإن له ولاية على ذمي آخر، أو حربي م: (ولأنه) ش: جواب آخر، أي ولان الذمي م: (يتقول عليه) ش: أي يفترض على المسلم م: (لأنه) ش: قال الكاكي: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي لأن المسلم، وفي " النهاية " الضمير للشأن أي لأن الشأن هو م: (يغيظه) ش: أي يغيظ الذمي، أي يسخطه م: (قهر إياه) ش: أي قهر المسلم الذمي، فإن قهر المسلم إياه يحمل على التقول على المسلم. م: (وملل الكفر وإن اختلفت فلا قهر) ش: هذا جواب عن سؤال يرد على أصل المسألة، وهو قوله " وتقبل شهادة بعضهم على بعض وإن اختلفت مللهم "، بأن يقال: المعاداة ظاهرة بين اليهود والنصارى وهم غير مخفين في ذلك قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ} [البقرة: 113] (البقرة: الآية 113) ، فينبغي أن يقبل كما هو مذهب ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - فأجاب عنه بقوله: وملل الكفر وإن اختلفت، فلا قهر، يعني وإن اختلفت مللهم لم يغير بعضهم بعضاً لأنهم مقهورون تحت أيدي المسلمين ويعطون الجزية، فلا قهر م: (فلا يحملهم الغيظ على التقول) ش: أي فلا قهر لتحملهم ذلك على التقول على المسلمين. [شهادة الحربي على الذمي] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا تقبل شهادة الحربي على الذمي، أراد به والله أعلم المستأمن) ش: إنما قيد به لأن الحربي لو دخل بغير استئمان يؤخذ قهراً ويسترق، ويصير عبداً، فلا تقبل شهادة العبد على أحد م: (لأنه) ش: أي لأن الحربي المستأمن م: (لا ولاية له عليه) ش: أي على الذمي م: (لأن الذمي من أهل دارنا) ش: والمستأمن من أهل دار الحرب، واختلاف الدارين حكماً يقطع الولاية م: (وهو) ش: أي الذمي م: (أعلى حالاً منه) ش: أي من المستأمن؛ لأن الذمي أقرب إلى الإسلام منه. ولهذا يقتل المسلم بالذمي دون المستأمن م: (وتقبل شهادة الذمي عليه) ش: أي على المستأمن، وذلك معلوم بالنسبة إليه يجعله ولاية عليه م: (كشهادة المسلم عليه) ش: أي على المستأمن م: (وعلى الذمي) ش: أي وكشهادة المسلم على الذمي. م: (وتقبل شهادة المستأمنين بعضهم على بعض إذا كانوا من أهل دار واحدة) ش: يعني تقبل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 154 فإن كانوا من دارين كالروم والترك، لا تقبل؛ لأن اختلاف الدارين يقطع الولاية. ولهذا يمنع التوارث بخلاف الذمي؛ لأنه من أهل دارنا، ولا كذلك المستأمن، وإن كانت الحسنات أغلب من السيئات والرجل يجتنب الكبائر قبلت شهادته، وإن ألم بمعصية   [البناية] شهادة بعضهم على بعض، بشرط اتحاد دارهم؛ لأن للاتحاد تأثيراً في ذلك م: (فإن كانوا من دارين) ش: مختلفين م: (كالروم والترك، لا تقبل) ش: أي شهادة بعضهم على بعض م: (لأن اختلاف الدارين يقطع الولاية) ش: والعصمة م: (ولهذا يمنع التوارث) ش: عند اختلاف الدارين. م: (بخلاف الذمي) ش: هذا جواب عما يقال اختلاف الدارين لو قطع الولاية لما قبلت شهادة الذمي على المستأمن لوجوده لكنها قبلت. وتقرير الجواب أن يقال: إن الذمي يخالفه م: (لأنه من أهل دارنا) ش: ومن هو كذلك فله الولاية العامة لشرفها، فكان الواجب قبول شهادة الذمي على المسلم كعكسه، لكن تركناه بالنص كما مر، ولا نص في المستأمن فتقبل شهادة الذمي عليه م: (ولا كذلك المستأمن) ش: لأنه ليس من أهل دارنا، وفيه إشارة إلى أن أهل الذمة إذا كانوا من أهل دارين مختلفين، قبلت شهادة بعضهم على بعض؛ لأنهم من دارنا، فهي تجمعهم بخلاف المستأمن. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن كانت الحسنات) ش: في بعض النسخ وإن كانت الحسنات م: أغلب من السيئات) ش: يعني الصغائر م: (والرجل يجتنب الكبائر قبلت شهادته وإن ألم بمعصية) ش: أي وإن أذنب بمعصية صغيرة، وألم مشتق من اللمم، وهو ما دون الفاحشة، من صغار الذنوب، وفي " تهذيب الديوان ": ألم أي من اللمم وهو دون الكبيرة من الذنوب. وفي " الذخيرة ": الحاصل أن ارتكاب الكبيرة يوجب سقوط العدالة، وارتكاب الصغيرة لا توجب سقوطها، إلا أن يصير على الصغيرة كبيرة بالإصرار؛ لأن أحداً من الناس لا يخلو عن صغيرة، ولهذا روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إن تغفر اللهم فاغفر جماً، وأي عبد لك ما ألما» ، انتهى. قلت: كيف نسب هذا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد ذكر ابن قتيبة في " غريب الحديث " من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: حدثني عبد الرحمن عن عمه عن يعقوب بن مسلم عن أبيه أبي طرفة الهذلي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: مر أبو خراش يسعى بين الصفا والمروة وهو يقول: لا حم هذا خامس إن تما ... أتمه الله وقد أتما إن تغفر اللهم فاغفر جماً ... وأي عبد لك ما ألما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 155 هذا هو الصحيح في حد العدالة المعتبرة، إذ لا بد له من توقي الكبائر كلها، وبعد ذلك يعتبر الغالب كما ذكرنا، فأما الإلمام بمعصية لا ينقدح به العدالة المشروطة فلا ترد به الشهادة المشروعة؛ لأن في اعتبار اجتنابه الكل سد بابه، وهو مفتوح إحياء للحقوق   [البناية] وكذلك نسب البيت في " تهذيب الديوان " إلى أبي خراش، ولكن قال أبو سليمان الخطابي في " شرح صحيح البخاري " في كتاب الصوم: إنه قول أبيه. م: (هذا هو الصحيح) ش: أي المذكور من كون الحسنات، أكثر من السيئات، والرجل ممن يجتنب الكبائر هو الصحيح م: (في حد العدالة المعتبرة) ش: في الشرع م: (إذ لا بد له من توقي الكبائر كلها) ش: وقد مر بيان الكبيرة مع الاختلاف فيها م: (وبعد ذلك) ش: أي بعد التوقي عن الكبائر كلها م: (يعتبر الغالب) ش: يعني في حق الصغائر، فإن كان غالب أحواله الإتيان بما هو مأذون به شرعاً وإن لم يخلو عن الصغيرة كان جائز الشهادة م: (كما ذكرنا) ش: أراد به قوله، وإذا كانت الحسنات أكثر من السيئات ... إلى آخره. م: (فأما الإلمام بمعصية) ش: من الصغائر م: (لا ينقدح به العدالة المشروطة) ش: في الشرع م: (فلا ترد به الشهادة المشروعة لأن في اعتبار اجتنابه الكل) ش: أي الصغائر كلها أو جميع الذنوب كلها م: (سد بابه) ش: أي باب الشهادة والتذكير باعتبار المذكور؛ لأن أحداً لا يمكنه الاجتناب عن جميع الذنوب الكبائر والصغائر إلا الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فلو اشترط الاجتناب عن جميع ذلك في العدالة انسد باب الشهادة م: (وهو) ش: أي باب الشهادة م: (مفتوح إحياء) ش: أي لأجل الإحياء م: (للحقوق) ش: أي لحقوق الناس. [شهادة من ترك الصلاة في الجماعة استخفافا ا] 1 فروع: وفي " أدب القاضي ": وإذا ترك الرجل الصلاة في الجماعة استخفافاً أو مخافة لم تقبل شهادته. قال أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لم يرد بالاستخفاف الاستهزاء؛ لأن الاستهزاء لشيء من الشرائع كفر. وفي " الفتاوى الصغرى ": تفويت الجماعة كما يفعله العوام، وكذا ترك الجمعة من غير عذر تسقط العدالة. وذكر الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في موضعين، فذكر في أحدهما للترك، ثلاثاً وهو الذي اختاره شمس الأئمة السرخسي، ولم يذكر في الموضع الثاني تكرار الترك، قال: من ترك الجمعة رغبة عنها على غير تأويل، فشهادته غير جائزة، وهو الذي اختاره شمس الأئمة الحلواني، وأما إذا تركها لمرض، أو لبعد المصر أو يتأول بأن كان الإمام لفسق لا تسقط عدالته. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التأويل أن يكون الإمام ظالماً، أو يؤخر الأداء، وهو يعتقد في أول الوقت، قال الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من أكل فوق الشبع سقطت عدالته عند الأكثر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 156 قال: وتقبل شهادة الأقلف؛ لأنه لايخل بالعدالة، إلا إذا تركه استخفافا بالدين لأنه لم يبق بهذا الصنيع عدلا.   [البناية] ومن خرج للنظر عند قدوم الأمير، لا تقبل شهادته. وعن شداد أنه رد شهادته شيخ صالح لمحاسبة ابنه في النفقة في طريق مكة. وقال الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ركوب البحر للتجارة والتفرج مسقط للشهادة، وكذا التجارة إلى أرض الكفار وقرى فارس وأشباهه؛ لأنه خاطر بدينه ونفسه ليتناول مالاً فلا بد من أن يكذب ويأخذ المال، وقرى فارس يطعمونه الربا. وقيل: من سمع الأذان وانتظر الإقامة سقطت عدالته، ومن أخذ سوق النخاسين مقاطعة وأشهد على وثيقها شهوداً فلو شهدوا حل لهم اللعن؛ لأنه شهادة على الباطل، وكذا لو شهد ما على إقراره، وهكذا لو شهدوا في كل إقرار بناء على باطل، والفاسق تقبل شهادته بعد ستة أشهر وقيل بعد سنة. قال الفضلي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه قال اتركيه بعد ستة أشهر ثم رجع، وقال: بعد سنة. وقال محمد: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يسعه ما لم يمتحنه في المعقود، وترك الأمانة وقيل لا يكفيه ذلك ما لم يمتحنه في كل الأمانات مراراً، ولو عرف عدالته ثم انقطع عنه إن لم يتطاول الوقت وسعه أن يزكيه بتلك المعرفة، وإلا فلا، ومدة التطاول قبل ستة أشهر، وقيل سنة، وقيل من وقت التزكية فهو محظي، وهذا على ما يقع القلب، فربما يعرف أحد في شهر والآخر لا يعرفه سنة. [شهادة الأقلف] 1 م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وتقبل شهادة الأقلف) ش: وهو الذي لم يختتن م: (لأنه) ش: أي لأن ترك الختان م: (لا يخل بالعدالة) ش: لأن الختان سنة عند علمائنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وترك السنة لا يخل بالعدالة. وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ظاهر مذهبه، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنه واجب م: (إلا إذا تركه) ش: أي الختان م: (استخفافاً بالدين؛ لأنه لم يبق بهذا الصنيع عدلاً) . ش: وأما إذا تركه بعذر لا تسقط عدالته، والعذر في ذلك الكبر وخوف الهلاك، وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يقدر للختان وقتاً معيناً، إذ المقادير بالشرع، ولم يرد في ذلك نص، والإجماع والمتأخرون بعضهم قدره من سبع سنين إلى عشر، وبعضهم اليوم السابع من ولادته، أو بعد السابع إن احتمل الصبي ذلك ولم يهلك، لما روي أن الحسن والحسين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ختنا ليوم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 157 قال: والخصي، فإن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قبل شهادة علقمة الخصي؛ ولأنه قطع عضو منه ظلما، فصار كما إذا قطعت يده، قال وولد الزنا   [البناية] السابع، ولكنه شاذ، كذا ذكره في " الذخيرة "، وعن بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا، حتى يصير ابن عشر سنين؛ لأنه حينئذ أمر بالضرب على ترك الصلاة. وقال أصحابه: ختانه يجب عليه بعد بلوغه، ويستحب في اليوم السابع، وقال أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فإن كان لا يخاف فتركه تهوناً بالسنة، فإنه يصير فاسقاً، ولا تقبل شهادته. وروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه لا تقبل شهادة الأقلف، ولا تقبل له صلاة، ولا تؤكل ذبيحته وهو مذهبه، كذا في " فتاوى الولوالجي "، وقال الشيخ أبو نصر البغدادي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإنما أراد به المجوس. [شهادة منزوع الخصيتين] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الخصي) ش: على وزن فعيل، وهو منزوع الخصيتين، يقال: خصاه، أي نزع خصيتيه، والخصي الجمع على خصيان م: (لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قبل شهادة علقمة الخصي) ش: على قدامة بن مظعون، رواه ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه ": حدثنا ابن علية عن ابن عون عن ابن سيرين أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أجاز شهادة علقمة الخصي على ابن مظعون. انتهى. وقدامة بن مظعون بن حبيب القرشي الجمحي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من الصحابة، شهد بدراً وسائر المشاهد، استعمله عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على البحرين ثم عزله، وهو خال عبد الله وحفصة ابني عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مات سنة ست وثلاثين، وهو ابن ثمان وستين، وقصته طويلة، ملخصها: أن الجارود سيد عبد القيس من البحرين شهد على قدامة أنه يشرب الخمر. قال عمر: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هل معك شاهد آخر؟ قال علقمة الخصي إني أشهد أني قد رأيته يعبها، ثم إن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جلد قدامة الحد. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الخصي م: (قطع عضو منه ظلما، فصار كما إذا قطعت يده) ش: فإن قطع سائر الأعضاء لا تسقط العدالة، فكذا هذا. [شهادة ولد الزنا] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وولد الزنا) ش: أي تقبل شهادة ولد الزنا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 158 لأن فسق الأبوين لا يوجب فسق الولد ككفرهما، وهو مسلم وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقبل في الزنا؛ لأنه يجب أن يكون غيره كمثله فيتهم. قلنا: العدل لا يختار ذلك ولا يستحبه، والكلام في العدل. قال: وشهادة الخنثى جائزة؛ لأنه رجل أو امرأة، وشهادة الجنسين مقبولة بالنص، وشهادة العمال جائزة، والمراد عمال السلطان عند عامة المشايخ؛ لأن نفس العمل ليس بفسق إلا إذا كانوا أعوانا على الظلم، وقيل: العامل إذا كان وجيها في الناس ذا مروءة لا يجازف في كلامه تقبل شهادته كما مر عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] م: (لأن فسق الأبوين لا يوجب فسق الولد ككفرهما وهو مسلم) ش: أي ككفر أبويه، فلا يؤخذ بكفرهما، قال عز وجل: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] (الأنعام: الآية 164) م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقبل) ش: أي شهادة ولد الزنا م: (في الزنا) ش: أي في الشهادة على الزنا م: (لأنه يجب أن يكون غيره كمثله) ش: والكاف زائدة، كما في قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ} [الشورى: 11] م: (فيتهم) ش: فلا تقبل م: (قلنا: العدل لا يختار ذلك) ش: أي لا يختار أن يكون غيره مثله م: (ولا يستحبه، والكلام في العدل) ش: يعني الكلام في قبول شهادة ولد الزنا إذا كان عدلاً؛ لأن فسق أبويه لا يضره كما ذكرناه. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وشهادة الخنثى جائزة) ش: والخنثى هو الذي له آلة الرجل وآلة المرأة م: (لأنه) ش: أي لأن الخنثى م: (رجل أو امرأة وشهادة الجنسين مقبولة بالنص) ش: قال الله عز وجل: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] (البقرة: الآية 282) ، ويشهد مع رجل وامرأة للاحتياط، وينبغي أن لا تقبل شهادته في الحدود والقصاص كالنساء، لاحتمال أن يكون امرأته. [شهادة العمال] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وشهادة العمال) ش: بضم العين وتشديد الميم جمع عامل م: (جائزة) ش: هو من مسائل " الجامع الصغير "، وصورتها فيه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه كان يجيز شهادة العمال. قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والمراد عمال السلطان) ش: يعني الذين كانوا أعوان السلطان في ذلك العصر؛ لأن الصلاح كان غالباً عليهم، وهذا م: (عند عامة المشايخ) ش: لأنهم كانوا يعينونه في أخذ الحقوق الواجبة كالخروج وزكاة السوائم م: (لأن نفس العمل ليس بفسق إلا إذا كانوا أعواناً على الظلم) ش: كما في زماننا، فلا تقبل شهادتهم؛ لأن الظلم غالب فيهم، وانظر إلى عمال سلطان مصر هل ترى أظلم منهم، ومع ظلمهم أكثرهم فسقة. م: (وقيل: العامل إذا كان وجيهاً) ش: أي ذا وجاهة وشرف م: (في الناس ذا مروءة) ش: أي إنسانية م: (لا يجازف في كلامه تقبل شهادته كما مر عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: في أوائل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 159 في الفاسق؛ لأنه لوجاهته لا يقدم على الكذب حفظا للمروءة، ولمهابته لا يستأجر على الشهادة الكاذبة. قال: وإذا شهد الرجلان أن أباهما أوصى إلى فلان والوصي يدعي ذلك فهو جائز استحسانا، وإن أنكر الوصي لم يجز، وفي القياس لا يجوز وإن ادعى، وعلى هذا إذا شهد الموصي لهما بذلك أو غريمان لهما على الميت دين أو للميت عليهما دين أو شهد الوصيان أنه أوصى إلى هذا الرجل معهما.   [البناية] كتاب الشهادات م: (في الفاسق؛ لأنه لوجاهته لا يقدم على الكذب حفظاً للمروءة، ولمهابته لا يستأجر على الشهادة الكاذبة) ش: لأنه يأنف عن ذلك حافظاً على حرمته. وقال قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقيل: أراد العمال الذين يعملون بأيديهم ويؤاجروا أنفسهم؛ لأن من الناس من لا تقبل شهادة أهل الصناعات الخسيسة، وإنما أورد لهذا القول؛ لأن كسبهم أطيب الكسب على ما جاء في الحديث «أفضل الناس عند الله تعالى من يأكل من كسب يده» ، فلا يوجب ذلك جرحاً. وذكر الصدر الشهيد: أن شهادة الريس والخاني في السكة الذي يأخذ الدراهم والضراب الذي يجمع عنده الدراهم يأخذها طوعاً لا تقبل. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا شهد الرجلان أن أباهما أوصى إلى فلان والوصي يدعي ذلك) ش: أي الوصاية م: (فهو جائز استحساناً، وإن أنكر الوصي) ش: أي الوصاية م: (لم يجز) ش: أي شهادتهما م: (وفي القياس لا يجوز وإن ادعى) ش: أي الوصاية، وهنا خمس مسائل، أحدها ما ذكره بقوله وإذا شهد الرجلان إلى آخره. وأشار إلى الأربعة الأخرى بقوله م: (وعلى هذا) ش: أي على ما ذكر من الجواز عند دعوى الوصي بذلك، وعدمه عند عدم دعواه بذلك. الأولى من الأربعة: هو قوله: م: (إذا شهد الموصى لهما بذلك) ش: أي بأن أباهما أوصى إلى فلان، توضيحه أن الموصى لهما بشيء من المال شهد أن الميت أوصى إلى زيد مثلاً يكون وصياً على أولاده وأمواله. الثانية: هو قوله: م: (أو غريمان لهما على الميت دين) ش: أي أو شهد الغريمان لهما على الميت دين، والضمير في لهما يرجع إلى الغريمين. الثالثة: هو قوله: م: (أو للميت عليهما دين) ش: أي أو شهد الغريمان للميت عليهما، أي على الغريمين دين وقوله دين يشمل هذا والمسألة التي قبلها أيضاً. الرابعة: هو قوله: م: (أو شهد الوصيان أنه) ش: أي أن الميت م: (أوصى إلى هذا الرجل معهما) ش: أي مع الوصيين، ويشهد كل فريق أن الميت أوصى إلى هذا وهو يدع ذلك جازت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 160 وجه القياس أنها شهادة للشاهد لعود المنفعة إليه، وجه الاستحسان أن للقاضي ولاية نصب الوصي إذا كان طالبا والموت معروفا، فيكفي القاضي بهذه الشهادة مؤنة التعيين لا أن يثبت بها شيء فصار كالقرعة، والوصيان إذا أقرا أن معهما ثالثا يملك القاضي نصف ثالث معهما لعجزهما عن التصرف باعترافهما، بخلاف ما إذا أنكر ولم يعرف الموت؛ لأنه   [البناية] الشهادة، ولا يجوز قياساً، ولو أنكر الوصي ذلك لم يجز ذلك قياساً واستحساناً. م: (وجه القياس: أنها شهادة للشاهد لعود المنفعة إليه) ش: وهذا لأن الوارثين قصدا بهذه الشهادة نصب من يتصرف لها، ويقوم بإحياء حقوقهما، والغريمين قصدا من يستوفيان منه حقهما، ويبرآن بالدفع إليه، والوصيين قصدا نصب من يعينهما على التصرف في مال الميت والوصي لهما قصدا نصيب من يدفع إليهما حقوقهما، فكان الكل يجران إلى أنفسهما نفعاً بشهادتهما فترد، وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لأن شهادة الجار لنفسه نفعاً لا يقبل بالإجماع. م: (ووجه الاستحسان أن للقاضي ولاية نصب الوصي إذا كان) ش: أي الوصي م: (طالباً والموت معروفاً) ش: يعني: ظاهر؛ لأن القاضي، لا يثبت له بهذه الشهادة، ولاية لم تكن. م: (فيكفي القاضي بهذه الشهادة مؤنة التعيين) ش: لأن القاضي يلزمه أن يتأمل في هذا الوصي أنه هل يصلح للوصاية لأمانته وديانته وهدايته، وهما بهذه الشهادة زكياه. وأخبر القاضي أنه أهل لذلك، فكفيت عنه مؤنة التعيين، أي تعيين الوصي. م: (لا أن يثبت بها شيء) ش: أي بهذه الشهادة شيء يعني من ولاية لم تكن م: (فصار) ش: هذا م: (كالقرعة) ش: في أنها ليست بحجة، هي دافعة مؤنة تعيين القاضي لدفع التهمة، وأراد به القرعة التي بعد القسمة لتعيين الأنصباء، وأنها ليست بحجة، ومع هذا يجوز استعمالها في تعيين الأنصباء لدفع التهمة عن القاضي، فصلحت دافعة لا موجبة، فكذا هذه الشهادة تدفع عن القاضي مؤنة التعيين إلا أن يثبت شيئاً لم يكن، فافهم. [شهادة الوصيين إذا أقرا أن معهما ثالثا] م: (والوصيان إذا أقرا) ش: هذا جواب عما يقال ليس للقاضي نصب وصي ثالث، فكانت الشهادة موجبة عليه ما لم يكن له، وتقرير الجواب أن الوصيين إذا أقرا، يعني إذا اعترفا م: أن معهما ثالثاً) ش: أي وصياً ثالثاً، واعترافهما بذلك لأجل عجزهما، فحينئذ م: (يملك القاضي نصف ثالث) ش: أي وصي الثالث. م: (معهما) ش: أي مع الوصيين م: (لعجزهما عن التصرف باعترافهما) ش: أي عن التصرف بعدم استقلالهما به. م: (بخلاف ما إذا أنكر) ش: أي الوصي م: (ولم يعرف الموت) ش: لا تقبل الشهادة م: (لأنه) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 161 ليس له ولاية نصب الوصي، فتكون الشهادة هي الموجبة، وفي الغريمين للميت عليهما دين تقبل الشهادة وإن لم يكن الموت معروفا؛ لأنهما يقران على أنفسهما، فيثبت الموت باعترافهما في حقهما، وإن شهدا أن أباهما الغائب وكله بقبض ديونه بالكوفة، فادعى الوكيل أو أنكره لا تقبل شهادتهما؛ لأن القاضي لا يملك نصب الوكيل عن الغائب، فلو ثبت إنما يثبت بشهادتهما، وهي غير موجبة لمكان التهمة. قال: ولا يسمع القاضي الشهادة على جرح مجرد ولا يحكم بذلك؛ لأن الفسق بما لا يدخل تحت الحكم؛ لأن له الدفع بالتوبة، فلا يتحقق الإلزام،   [البناية] ش: أي لأن القاضي م: (ليس له ولاية نصب الوصي) ش: بغير رضاه أو برضاه، والموت ليس بمعروف م: (فتكون الشهادة هي الموجبة) ش: أي كثبوت الوصاية، فلا تقبل بسبب التهمة م: (وفي الغريمين للميت عليهما دين تقبل الشهادة، وإن لم يكن الموت معروفاً؛ لأنهما يقران على أنفسهما) ش: بحق قبض الدين، فانتفت التهمة؛ لأن ضررهما في ذلك أكثر من نفعهما فكانت الشهادة على أنفسهما، وشهادة الإنسان على نفسه مقبولة، وهي الإقرار م: (فيثبت الموت باعترافهما في حقهما) ش: أي يثبت موت رب الدين بإقرارهما في حق الدين م: (وإن شهدا أن أباهما الغائب وكله بقبض ديونه بالكوفة فادعى الوكيل) ش: أي الوكالة م: (أو أنكره) ش: أي الوكالة. م: (لم تقبل شهادتهما؛ لأن القاضي لا يملك نصب الوكيل عن الغائب فلو ثبت) ش: أي التوكيل م: (إنما يثبت بشهادتهما وهي) ش: أي هذه الشهادة م: (غير موجبة) ش: للثبوت م: (لمكان التهمة) ش: لأنهما يشهدان لأبيهما. [الشهادة على جرح مجرد] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يسمع القاضي الشهادة على جرح مجرد) ش: أي جرح مجرد يتضمن لتعيق الشهود من غير أن يضمن إيجاب حق من حقوق الشرع أو من حقوق العباد، نحو أن يشهد أن الشهود فسقة أو زناة أو أكلة ربا، أو شربة خمر، أو على إقرارهم أنهم شهدوا بالزور، أو إقرارهم أنهم أجرتي إذا هذه الشهادة، أو على إقرارهم أن المدعي مبطل في هذه الدعوى، أو على إقرارهم أن لا شهادة لهم على المدعى عليه في هذه الحادثة ففي هذه الوجوه لا تقبل شهادتهم. م: (ولا يحكم) ش: أي القاضي م: (بذلك) ش: أي بالجرح المجرد م: (لأن الفسق مما لا يدخل تحت الحكم؛ لأن له) ش: أي للمقضى عليه م: (الدفع بالتوبة) ش: أي دفع الحكم والإلزام بإظهار التوبة، وسماع الشهادة، إنما هو بالحكم والإلزام م: (فلا يتحقق الإلزام) ش: لذلك. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيل قوله ولا يحكم بذلك تكراره؛ لأن بقوله: " لا تسمع الشهادة على جرح يفهم "، أجيب: بأنه ممكن أن لا يسمع ويحكم بعلمه في صورة، فجاز الجزء: 9 ¦ الصفحة: 162 ولأنه هتك الستر والستر واجب، والإشاعة حرام، وإنما يرخص ضرورة إحياء الحقوق، وذلك فيما يدخل تحت الحكم إلا إذا شهدوا على إقرار المدعي بذلك تقبل؛ لأن الإقرار مما يدخل تحت الحكم. قال: ولو أقام المدعى عليه البينة أن المدعي استأجر الشهود، لم تقبل؛ لأنه شهادة على جرح مجرد، والاستئجار وإن كان أمرا زائدا عليه،   [البناية] الانفكاك بينهما في الجملة أورده لنفي الاحتمال في هذه الصورة. م: (ولأنه) ش: أي في الجرح المجرد م: (هتك الستر والستر واجب) ش: وهو إظهار الفاحشة م: (والإشاعة حرام، وإنما يرخص ضرورة إحياء الحقوق، وذلك فيما يدخل تحت الحكم) ش: بالنص هو قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} [النور: 19] الآية (النور: الآية 19) . وفي بعض النسخ: واجب دون الإشاعة وإنها حرام، فيكون المشاهد فاسقاً بهتك واجب الستر، وتعاطي إظهار الحرام، فلا يسمعها الحاكم م: (إلا إذا شهدوا) ش: استثناء من قوله؛ لأن الفسق، وهو منقطع لكن إلا إذا شهد شهود المدعى عليه. م: (على إقرار المدعي بذلك تقبل) ش: أي بالجرح بأنه إقران شهودي فسقة فإنها تقبل م: (لأن الإقرار مما يدخل تحت الحكم) ش: أي ما لم تظهره الفاحشة، وإنما حكوها عن غيرهم، وهو المدعي والحاكي لإظهارها ليس كمظهرها - وفي بعض النسخ -: ولو شهدوا على إقرار المدعي بذلك وتقبل. [أقام المدعى عليه البينة أن المدعي استأجر الشهود] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ولو أقام المدعى عليه البينة أن المدعي استأجر الشهود، لم تقبل؛ لأنه شهادة على جرح مجرد) ش: صورتها في " الجامع ": محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رجل أقام البينة أن هذا استأجر الشهود، قال: لا أقبل البينة على استئجار الشهود، انتهى. وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": وفي قول ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تقبل؛ لأنه أثبت أنهم فسقة وشهادة الفسقة لا تقبل. ثم قال الفقيه: وهذا القول أحسن، وذكر فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - وغيره في " شرح الجامع الصغير ": ذكر الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجرح المجرد أنه مقبول، وقال الناطفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " تهذيب أدب القاضي ": وظاهر الرواية عن أصحابنا أنه لا تقبل الشهادة على الجرح المجرد. م: (والاستئجار وإن كان أمراً زائداً عليه) ش: هذا جواب عما يقال: إن قول المدعي استأجرهم ليس بجرح مجرد، بل فيه إثبات أمر زائد وهو الاستئجار، وهو حق المدعي، فيثبت الجرح في ضمنه، وأجاب: بأن الاستئجار، وإن كان أمراً زائداً عليه، أي على الجرح المجرد م: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 163 فلا خصم في إثباته؛ لأن المدعى عليه في ذلك أجنبي عنه، حتى لو أقام المدعى عليه البينة أن المدعي استأجر الشهود بعشرة دراهم ليؤدوا الشهادة وأعطاهم العشرة من مالي الذي كان في يده تقبل؛ لأنه خصم في ذلك، ثم يثبت الجرح بناء عليه. وكذا إذا أقامها على أني صالحت هؤلاء الشهود على كذا من المال، ودفعته إليهم على أن لا يشهدوا علي بهذا الباطل، وقد شهدوا، وطالبهم برد ذلك المال، ولهذا قلنا: إنه لو أقام البينة أن الشاهد عبد أو محدود في قذف، أو شارب خمر، أو قاذف أو شريك المدعي، تقبل. قال: ومن شهد ولم يبرح حتى قال: أوهمت بعض شهادتي، فإن كان عدلا، جازت شهادته.   [البناية] (فلا خصم في إثباته؛ لأن المدعى عليه في ذلك أجنبي عنه) ش: إذ لا تعلق بالأجرة، فبقي جرحاً مجدداً. م: (حتى لو أقام المدعى عليه البينة أن المدعي استأجر الشهود بعشرة دراهم ليؤدوا الشهادة وأعطاهم العشرة من مالي الذي كان في يده تقبل؛ لأنه خصم في ذلك) ش: أي لأن المدعي خصم للمدعى عليه فيما يدعيه م: (ثم يثبت الجرح بناء عليه) ش: لأن الجرح تحت الحكم، ويثبت بناء عليه؛ لأنه جرح مركب فافهم. م: (وكذا) ش: وكذا يقبل م: (إذا أقامها) ش: أي لو أقام المدعى عليه البينة م: (على أني صالحت هؤلاء الشهود على كذا من المال، ودفعته إليهم على أن لا يشهدوا علي بهذا الباطل وقد شهدوا وطالبهم برد ذلك المال) ش: لما ذكرنا أنه خصهم في ذلك فتقبل بينته. م: (ولهذا قلنا) ش: ولما قلنا: إنه لو أقام البينة على جرح فيه حق من حقوق العباد، أو من حقوق الشرع. كذا قاله الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كذا قيل، وليس له ذكر المتن، وقيل " لما قلنا " من الدليلين في الجرح المجرد، قلنا كذا وهو بعيد، فكان المناسب أن يقول: ولذلك وهو أسهل. والمعنى إذا أقام المدعى عليه البينة وهو معنى قوله م: (إنه) ش: أي أن المدعى عليه م: (لو أقام البينة أن الشاهد عبد، أو محدود في قذف، أو شارب خمر أو قاذف، أو شريك المدعي تقبل) ش: أي البينة لما كان الحاجة إلى إحياء هذه الحقوق، وفيما قال: إنه محدود في قذف ليس إشاعة الفاحشة؛ لأن الإظهار حصل بقضاء القاضي، وإنما حكوا عن إظهار الفاحشة عن الغير. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن شهد ولم يبرح) ش: أي لم يزل في مكانه م: (حتى قال: أوهمت بعض شهادتي، فإن كان عدلاً) ش: أي عدالته إن كانت ظاهرة عند القاضي م: (جازت شهادته) ش: وإن لم يكن يسأل عنه، فقيل: إنه عدل، جازت شهادته. كذا في " الجامع البرهاني ". وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ناقلاً عن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 164 ومعنى قوله: أوهمت، أي: أخطأت بنسيان ما كان يحق علي ذكره أو بزيادة كانت باطلة. ووجهه أن الشاهد قد يبتلى بمثله لمهابة مجلس القضاء، فكان العذر واضحا، فتقبل إذا تداركه في أوانه وهو عدل، بخلاف ما إذا قام عن المجلس ثم عاد وقال: أوهمت لأنه يوهم الزيادة من المدعي بتلبيس وخيانة فوجب الاحتياط، ولأن المجلس إذا اتحد لحق الملحق بأصل الشهادة، فصار ككلام واحد، ولا كذلك إذا اختلف، وعلى هذا وقع الغلط في بعض الحدود أو في بعض النسب،   [البناية] فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومعنى قوله أوهمت، أي أخطأت بنسيان ما كان يحق علي ذكره أو بزيادة كانت باطلة) ش: قوله كانت باطلة جملة فعلية وقعت صفة لقوله بزيادة م: (ووجهه) ش: أي وجه جواز شهادته م: (أن الشاهد قد يبتلى بمثله) ش: أي بمثل ما ذكر من قوله أوهمت م: (لمهابة مجلس القضاء) ش: لأن مهابة مجلس القضاء يوقع عليه الغلط بالزيادة أو النقصان م: (فكان العذر واضحاً) ش: فإن كان كذلك م: (فتقبل) ش: أي شهادته م: (إذا تداركه في أوانه) ش: وأوانه قبل البراح من مكانه، فإذا تدارك الغلط قبل البراح م: (وهو عدل) ش: قبل ذلك منه فكان ذلك ملحقاً بأصل شهادته. م: (بخلاف ما إذا قام عن المجلس ثم عاد وقال: أوهمت) ش: حيث لا تقبل شهادته م: (لأنه يوهم الزيادة من المدعي بتلبيس وخيانة) ش: وذلك بالجماعة الشاهد بحطام الدنيا، فإذا كان كذلك م: (فوجب الاحتياط) ش:. قالوا: هذا إذا كان الموضع موضع الشبهة، يعني شبهة التلبيس. أما إذا لم يكن، فلا بأس بإعادة الكلام إذا كان عدلاً، سواء اتحد المجلس أو اختلف، كما إذا ترك لفظ الشهادة أو مثلها، يجوز أن يترك لفظ اسم المدعي أو المدعى عليه، أو يترك الإشارة إلى المدعي أو المدعى عليه. م: (ولأن المجلس إذا اتحد) ش: هذا دليل آخر على المعنى، يعني إن اتحد المجلس م: (لحق الملحق) ش: بفتح الحاء أي الذي لحقه من الكلام بأول كلامه م: (بأصل الشهادة، فصار ككلام واحد) ش: لأن اتحاد المجلس بجمع المتفرقات، وهذا يوجب العمل بالشهادة الثانية في الزيادة والنقصان؛ لأن الحادثة بعد الشهادة من العدل في المجلس كالقرون بأصلها، وإليه مال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولا كذلك إذا اختلف) ش: أي لا يلحق الملحق بأصل الشهادة إذا اختلف المجلس للانقطاع بين الكلامين باختلاف المجلس. [شهادة من ذكر الجانب الشرقي مكان الجانب الغربي أو على العكس] م: (وعلى هذا) ش: أي على اعتبار المجلس في دعوى التوهم م: (إذا وقع الغلط في بعض الحدود) ش: بأن ذكر الجانب الشرقي مكان الجانب الغربي أو على العكس م: (أو في بعض النسب) ش: بأن ذكر محمد بن أحمد بن عمرو - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال محمد بن علي بن عمر: مثلاً تقبل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 165 وهذا إذا كان موضع شبهة. فأما إذا لم يكن فلا بأس بإعادة الكلام، مثل أن يدع لفظة الشهادة وما يجري مجرى ذلك، وإن قام عن المجلس بعد أن يكون عدلا. وعن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: أنه يقبل قوله في غير المجلس إذا كان عدلا، والظاهر ما ذكرناه، والله أعلم.   [البناية] شهادته إذا تداركه في المجلس ولا تقبل بعده. م: (وهذا) ش: أي باعتبار اتحاد المجلس في عدم التلبيس، واعتبار اختلافه في وجود التلبيس م: (إذا كان موضع شبهة) ش: يعني إذا كان ذلك الموضع موضع شبهة التلبيس. م: (فأما إذا لم يكن) ش: موضع شبهة التلبيس م: (فلا بأس بإعادة الكلام) ش: يعني باستئنافه م: (مثل أن يدع) ش: أي يترك م: (لفظة الشهادة وما يجري مجرى ذلك) ش: بأن يترك اسم المدعي أو المدعى عليه أو يترك الإشارة إلى أحدهما. م: (وإن قام عن المجلس) ش: واصل بما قبله م: (بعد أن يكون عدلاً) ش: وقد مر هذا عن قريب. م: (وعن أبي حنيفة) ش: فيما روى الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه م: (وأبي يوسف -رحمهما الله) ش: فيما روى بشر عنه م: (أنه يقبل قوله) ش: أي قول الشاهد م: (في غير المجلس) ش: أي في جميع المجالس م: (إذا كان عدلاً) ش: أي إذا كان الشاهد عدلاً. م: (والظاهر ما ذكرناه) ش: يعني أن ظاهر الرواية ما ذكرناه، وهو أن شهادته تجوز إذا قال: أوهمت إذا لم يبرح مكانه، بعد أن كان عدلاً. فإن برح فلا هكذا فسر الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: والظاهر ما ذكرناه، وهو أن يقبل في المجلس، أي في موضع شبهة التلبيس وبعده وفي غير موضع شبهة التلبيس يقبل في جميع الأوقات. وفي " نوادر ابن سماعة " - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا شهد بالدار للمدعي، وقضى القاضي بشهادتهما، ثم قالا لا ندري لمن إلينا لا أضمنهما قيمة البناء، كأننا شككنا في شهادتنا. وإن قالا: ليس البناء للمدعي ضمنا قيمة البناء للمشهود عليه، فعلم بقول الشهود شككنا، لا يختلف الحكم بعد القضاء وقبله في أنه يقبل هذا القول منهم إذا كانوا عدولاً. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 166 باب الاختلاف في الشهادة قال: الشهادة إذا وافقت الدعوى قبلت، وإن خالفتها لم تقبل؛ لأن تقدم الدعوى في حقوق العباد شرط قبول الشهادة، وقد وجدت فيما يوافقها وانعدمت فيما يخالفها.   [البناية] [باب الاختلاف في الشهادة] [كيفية موافقة الشهادة للمدعي] م: (باب الاختلاف في الشهادة) ش: أي هذا باب في بيان حكم الاختلاف في الشهادة، ولها فرع من مسائل الاتفاق في الشهادة شرع في بيان مسائل الاختلاف فيها، والمناسبة لقضية الطبع؛ لأن الاتفاق أصل، والاختلاف إنما هو يعارض الجهل والكذب فأضر لذلك. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (الشهادة إذا وافقت الدعوى قبلت، وإن خالفتها لم تقبل) ش: موافقة الشهادة للمدعي أن تتحد أنواعاً، وكماً، وكيفاً، وزماناً، ومكاناً وفعلاً وانفعالاً، ووضعاً، وملكاً، ونسبة. فإنه إذا ادعى على آخر عشرة دراهم، وشهد الشاهد بعشرة دراهم، أو ادعى عشرة دراهم، ويشهد بثلاثين، إذا ادعى سرقة ثوب أحمر وشهد بأبيض، أو ادعى أنه قتل ولده يوم النحر بالكوفة وشهد بذلك يوم الفطر بالبصرة، أو ادعى شق زقه وإتلاف ما فيه، شهد بانشقاقه عنده، أو ادعى عقاراً بالجانب الشرقي من ملك فلان، وشهد بالغربي منه، أو ادعى أنه ملكه وشهد أنه ملك ولده، أو ادعى أنه عبده ولدته الجارية الفلانية، وشهد بولادة غيرها، لم تكن الشهادة موافقة للدعوى. وأما الموافقة بين لفظيهما فليست بشرط. ألا ترى أن المدعي يقول ادعى علي غريمي هذا والشاهد يقول: أشهد بذلك، واستدل المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ذلك بقوله: م: (لأن تقدم الدعوى في حقوق العباد شرط قبول الشهادة، وقد وجدت فيما يوافقها وانعدمت فيما يخالفها) . ش: أما اشتراط تقدم الدعوى، فإن القاضي نصب لفصل الخصومات، فلا بد منها، ولا يغني بالخصومة إلا الدعوى، وأما وجودها عند الموافقة فلعدم ما يهدها من التكذيب، وأما عدمها عند المخالفة، فلوجود ذلك؛ لأن الشهادة لتصديق الدعوى، فإذا خالفتها وقد كذبتها، فصار وجودها وعدمها سواء، وإنما قيد بقوله في حقوق العباد احترازاً عن حقوق الله تعالى، فإن الشهادة فيها تقبل بدون الدعوى إذ حقوق الله تعالى واجبة على كل أحد، فكان كل واحد خصماً في إثباتها، قوله: " وانعدمت " أي الدعوى فيما يخالفها؛ لأن الشهادة لتصديق الدعوى، فإذا خالفها فقد كذبتها كما ذكرنا الآن، ويعتبر صدق الشاهد لا صدق المدعي في المخالفة. لأن الأصل في الشهود والعدول الصدق لا في المدعي لعدم شرطية العدالة فيه. وفي " الذخيرة ": كما يشترط التوافق بين الدعوى والشهادة تشترط الموافقة بين الشاهدين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 167 قال: ويعتبر اتفاق الشاهدين في اللفظ والمعنى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن شهد أحدهما بألف والآخر بألفين لم تقبل الشهادة عنده، وعندهما تقبل على الألف إذا كان المدعي يدعي الألفين وعلى هذا المائة والمائتان، والطلقة والطلقتان، والطلقة والثلاث. لهما أنهما اتفقا على الألف أو الطلقة وتفرد أحدهما بالزيادة، فيثبت ما اجتمعا عليه دون ما تفرد به أحدهما، فصار كالألف والألف والخمسمائة.   [البناية] أيضا؛ لأن القضاء إنما يجوز بالحجة، والحجة شهادة المثنى، وبالمخالفة تنعدم الحجة. [اتفاق الشاهدين في اللفظ والمعنى عند أداء الشهادة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": م: (ويعتبر اتفاق الشاهدين في اللفظ والمعنى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: والمراد باتفاقهما لفظاً تطابق لفظهما على عادة المعنى بطريق الوضع، كما قال أحدهما: الهبة. وقال الآخر: المعطية لا بطريق التضمن، ثم مثل المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لذلك بقوله م: (فإن شهد أحدهما بألف والآخر بألفين لم تقبل الشهادة عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (وعندهما) ش: أي وعند أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله -: م: (تقبل على الألف إذا كان المدعي يدعي الألفين) ش: وبه قال الشافعي في وجه وأحمد - رحمهما الله - في رواية، وقالا: يحلف ويستحق الألف الأخرى م: (وعلى هذا المائة والمائتان) ش: أي وعلى هذا الخلاف إذا شهد أحدهما بالمائة والآخر بالمائتين. وقال الشافعي وأحمد -رحمهما الله -: يستحق المائة الأخرى بالحلف م: (والطلقة والطلقتان، والطلقة والثلاث) ش: أي وكذا على الخلاف إذا شهد أحدهما بأنه طلق امرأته واحدة، والآخر شهد بأنه طلقها ثنتين أو ثلاث طلقات. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد: م: (أنهما) ش: أي أن الشاهدين م: (اتفقا على الألف) ش: في شهادة أحدهما بالألف والآخر بألفين م: (أو الطلقة) ش: أي أو أنهما اتفقا على المطلقة شهادة أحدهما بالطلقة، والآخر بطلقتين أو بالثلاث م: (وتفرد أحدهما) ش: أي أحد الشاهدين م: (بالزيادة) ش: وهي زيادة الألف من أحدهما في شهادتهما بالألف. وزيادة المطلقة الثانية أو الثلاث م: (فيثبت ما اجتمعا عليه) ش: وهو الألف والطلقة الواحدة م: (دون ما تفرد به أحدهما) ش: وهو في زيادة الألف الآخر وزيادة الطلقة الثانية والثلاث يعني لا تقبل في تلك الزيادة م: (فصار) ش: أي حكم هذا م: (كالألف والألف والخمسمائة) ش: أي وكما إذا ادعى ألفاً وخمسمائة، وشهد أحدهما بالألف والآخر بالألف وخمسمائة والمدعي يدعي الأكثر قبلت الشهادة على الألف لاتفاق الشاهدين على الألف لفظاً ومعنى، وسيجيء الكلام فيه عن قريب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 168 ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنهما اختلفا لفظا وذلك يدل على اختلاف المعنى؛ لأنه يستفاد باللفظ، وهذا لأن الألف لا يعبر به عن الألفين، بل هما جملتان متباينتان، فحصل على كل واحد منهما شاهد واحد، فصار كما إذا اختلف جنس المال. قال: وإذا شهد أحدهما   [البناية] م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنهما) ش: أن الشاهدين م: (اختلفا لفظاً) ش: لأن أحدهما فرد والآخر مجتمع م: (وذلك) ش: أي الاختلاف من حيث اللفظ م: (يدل على اختلاف المعنى؛ لأنه) ش: أي لأن المعنى م: (يستفاد باللفظ وهذا) ش: أي دلالة اختلاف اللفظ على اختلاف المعنى الذي يستفاد من اللفظ م: (لأن الألف لا يعبر به عن الألفين، بل هما جملتان متباينتان) ش: أي كلمتان متباينتان كزيد وعمرو، ولم يرد به الجملة المركبة من فعل وفاعل، أو مبتدأ وخبر كما في النحو م: (فحصل على كل واحد منهما شاهد واحد) ش: فلا تقبل م: (فصار) ش: حكم هذا م: (كما إذا اختلف جنس المال) ش: كما إذا شهد أحدهما بألف درهم، والآخر بمائة دينار أو شهد أحدهما بكر حنطة، والآخر بكر شعير. فإن قيل: الألف موجود في الألفين. قلنا: نعم إذا ثبت الألفان يثبت في ضمنه الألف، وإذا لم يثبت التضمن كيف يثبت التضمن. ألا ترى أنه لو شهد أحدهما بأنه قال لامرأته: أنت خلية وشهد الآخر بأنه قال: أنت برية لا يثبت شيء، وإن اتفق المعنى. فإن قيل: يشكل على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما لو ادعى ألفين وشهد بألف يقبل بالاتفاق، ذكره في " المبسوط "، مع أن شرط صحة القضاء الموافقة بين الدعوى والشهادة، ولم يوجد. قلنا: الاتفاق في اللفظ بين الدعوى والشهادة ليس بشرط لصحة الدعوى حسب اتفاقه بين الشاهدين. ألا ترى أنه لو ادعى الغصب أو القتل وشهدا بإقراره به يقبل، ولو شهد أحدهما بالغصب والآخر بالإقرار بالغصب لا تقبل، وهذا لأن الشهادة التلفظ، ألا ترى أنها لا تقبل ما لم تقل أشهد بخلاف الدعوى، فإنه لو صحح دعواه في الكتابة تقبل دعواه، ولا يلزم أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. إذا قال زوجها: طلقي نفسك ثلاثاً. فطلقت واحدة كان ذلك منها جواباً فوقعت واحدة، ولا ما إذا قال لها: أنت طالق ألفا فإنه يقع ثلاثاً؛ لأن الأكثر في ذلك ثابت فيضمن الأقل، وليس فيما نحن فيه كذلك؛ لأن الأكثر شهد به واحد، فلا يثبت به شيء. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا شهد أحدهما) ش: أي أحد الشاهدين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 169 بألف والآخر بألف وخمسمائة، والمدعي يدعي ألفا وخمسمائة قبلت الشهادة على الألف لاتفاق الشاهدين عليهما لفظا ومعنى؛ لأن الألف والخمسمائة جملتان عطفت أحدهما على الأخرى، والعطف يقرر الأول، ونظيره الطلقة والطلقة والنصف والمائة والمائة والخمسون بخلاف العشرة والخمسة عشر؛ لأنه ليس بينهما حرف العطف، فهو نظير الألف والألفين. ، وإن قال المدعي: لم يكن لي عليه إلا الألف، فشهادة الذي شهد بالألف والخمسمائة باطلة؛ لأنه كذبه المدعي في المشهود به. وكذا إذا سكت إلا عن دعوى الألف لأن التكذيب ظاهر، فلا بد من   [البناية] م: (بألف والآخر بألف وخمسمائة، والمدعي يدعي ألفاً وخمسمائة قبلت الشهادة على الألف لاتفاق الشاهدين عليهما) ش: أي على الألف م: (لفظاً ومعنى؛ ولأن الألف والخمسمائة جملتان عطفت إحداهما على الأخرى، والعطف يقرر الأول) ش: أي يقرر المعطوف عليه م: (ونظيره) ش: أي ونظير المذكور م: (الطلقة والطلقة والنصف) ش: بأن شهد أحدهما بطلقة، والآخر بطلقة ونصف م: (والمائة والمائة والخمسون) ش: بأن شهد أحدهما بمائة، والآخر بمائة وخمسين يقبل شهادته على الطلقة بالاتفاق وكذلك على المائة م: (بخلاف العشرة والخمسة عشر) ش: يعني إذا شهد أحدهما بعشرة والآخر بخمسة عشر يعني إذا ادعى المدعي خمسة عشر حيث لا يثبت العشر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الموافقة بين اللفظين شرط ولم يوجد م: (لأنه ليس بينهما حرف العطف) . ش: فصارا متباينين؛ لأن خمسة عشر تذكير بغير حرف العطف، فكانت كلمة واحدة غير العشرة، فلم يوجد الموافقة. وفي " النهاية ": هذا كله فيما إذا لم يدع المدعي عقداً. أما إذا كان في دعوى العقد، فهي ثمان مسائل: البيع، والإجارة، والكتابة، والرهن، والعتق على مال، والصلح عن دم العمد، والخلع، والنكاح ... وسيجيء كل هذا مشروحاً في هذا الباب إن شاء الله تعالى م: (فهو نظير الألف والألفين) ش: أي المذكور نظير ما إذا شهد أحدهما بألف والآخر شهد بألفين، لا تقبل الشهادة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد مر عن قريب. م: (وإن قال المدعي: لم يكن عليه إلا الألف فشهادة الذي شهد بالألف والخمسمائة باطلة؛ لأنه) ش: أي لأن الشاهد م: (كذبه المدعي في المشهود به) ش: وتكذيب الشاهد تفسيق له فكان مبطلاً شهادته، فبقي شاهد واحد. م: (وكذا) ش: أي الحكم م: (إذا سكت) ش: أي المدعي م: (إلا عن دعوى الألف) ش: يعني ادعى الألف ولم يتعرض للخمس مائة لا بالنفي ولا بالإثبات م: (لأن التكذيب ظاهر فلا بد من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 170 التوفيق. ولو قال: كان أصل حقي ألفا وخمسمائة، ولكني استوفيت خمسمائة أو أبرأته عنها، قبلت لتوفيقه قال: وإذا شهد بألف، وقال أحدهما قضاه خمسمائة قبلت شهادتهما بالألف لاتفاقهما عليه، ولم يسمع قوله أنه قضاه خمسمائة لأنه شهادة فرد إلا أن يشهد معه آخر. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقضي بخمسمائة؛ لأن شاهد القضاء مضمون شهادته أن لا دين إلا خمسمائة، وجوابه ما قلنا. قال: وينبغي للشاهد إذا علم بذلك أن لا يشهد بألف حتى يقر المدعي أنه قبض خمسمائة كيلا يصير معينا على الظلم. وقال وفي " الجامع الصغير ": رجلان شهدا على رجل بقرض ألف درهم، فشهد أحدهما أنه قد   [البناية] التوفيق) ش: ولم يوجد حتى لو وقف قبلت الشهادة، وأشار إلى التوفيق بقوله: م: ولو قال: كان أصل حقي ألفاً وخمسمائة) ش: كما شهد م: ولكني استوفيت خمسمائة أو أبرأته عنها) ش: أي عن الخمس مائة م: (قبلت لتوفيقه) ش: أي لزوال التكذيب. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا شهدا بألف، وقال أحدهما قضاه خمسمائة قبلت شهادتهما بالألف) ش: وفي بعض النسخ بألف م: (لاتفاقهما عليه) ش: أي لاتفاق الشاهدين على الألف م: (ولم يسمع قوله) ش: أي قول الشاهد الذي قال: م: (إنه قضاه) ش: يعني قضاه م: (خمسمائة لأنه شهادة فرد، إلا أن يشهد معه آخر) ش: هذا هو المشهور. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يقضي بخمسمائة؛ لأن شاهد القضاء مضمون شهادته أن لا دين إلا خمسمائة) ش: فلا يجوز أن يثبت أكثر من ذلك م: (وجوابه) ش: أي جواب ما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ما قلنا) ش:، أشار به إلى قوله لأنه شهادة فرد، كذا قاله الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وجوابه ما قلنا: إنهما اتفقا على وجوب الألف، وتفرد أحدهما بالقضاء، والقضاء يتلوا الوجوب لا محالة. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وينبغي للشاهد إذا علم بذلك) ش: يعني الشاهد بقضاء خمس مائة إذا علم بذلك م: (أن لا يشهد بألف حتى يقر المدعي أنه قبض خمسمائة كيلا يصير معيناً على الظلم) ش: لعلمه بدعواه بغير حق. وفي " جامع أبي الليث ": لا يحل للشاهد الذي يعلم القضاء أن يشهد على أصل الدين لعلمه بأن المدعي يدعي بغير حق. م: (قال وفي " الجامع الصغير ": رجلان شهدا على رجل بقرض ألف درهم فشهد أحدهما أنه قد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 171 قضاها، فالشهادة جائزة على القرض لاتفاقهما عليه، وتفرد أحدهما بالقضاء على ما بينا. وذكر الطحاوي عن أصحابنا: أنه لا تقبل وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن المدعي أكذب شاهد القضاء. قلنا: هذا إكذاب في غير المشهود به الأول وهو القرض، ومثله لا يمنع القبول. قال: وإذا شهد شاهدان أنه قتل زيدا يوم النحر بمكة، وشهد آخران أنه قتله يوم النحر بالكوفة، واجتمعوا عند الحاكم، لم يقبل الشهادتين؛ لأن إحداهما كاذبة بيقين   [البناية] قضاها، فالشهادة جائزة على القرض لاتفاقهما عليه، وتفرد أحدهما بالقضاء على ما بينا) ش: من أن القضاء يثبته بتفرد أحد الشاهدين. والفرق بين مسألة الجامع وبين المسألة التي ذكرها قبلها أن مسألة " الجامع " شهد أحدهما بقضاء كل الدين وفي التي قبلها، شهد بقضاء بعض الدين. م: (وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أصحابنا: أنه لا تقبل) ش: يعني في القرض والدين جميعاً م: (وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المدعي أكذب شاهد القضاء) ش: وهو تفسيق له. م: (قلنا: هذا إكذاب في غير المشهود به الأول وهو القرض) ش: أي المشهود به الأول وهو القرض، لم يوجد في حقه التكذيب وهو له، وإنما وجد التكذيب لأنه أكذبه فيما عليه، وهو الشهادة بالقضاء، وهو غير المشهود به الأول م: (ومثله لا يمنع القبول) . ش: ولهذا لو شهد بألف ومائة دينار، إذا ادعى المدعي ألف درهم تقبل شهادتهما، وإن كذبهما المدعي في المائة. إليه أشار في " الجامع ". م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا شهد شاهدان أنه) ش: أي أن عمراً مثلاً م: (قتل زيداً يوم النحر بمكة، وشهد آخران أنه قتله يوم النحر بالكوفة واجتمعوا عند الحاكم لم يقبل الشهادتين لأن إحداهما) ش: أي لأن إحدى الشهادتين م: (كاذبة) ش: ظاهراً م: (بيقين) . ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي " الذخيرة ": ولو شهد أحدهما بالقتل والآخر بالإقرار بالقتل لا تقبل؛ لأن القتل فعل والإقرار قول، والقول غير الفعل، فاختلف المشهود به، وكذا لو شهدا بالقتل واختلفا في الزمان والمكان؛ لأن الفعل الثاني غير الفعل الأول. وفي " المغني ": وكل شهادة على فعل اختلاف الزمان أو المكان يمنع القبول، إلا في مسألة واحدة ذكرها داود بن رستم - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد في نصراني شهدا عليه، فقال أحدهما: يصلي في مسجد بني زائدة شهراً، وآخر يصلي في مسجد بني عامر شهراً، أو قال أحدهما: يصلي بالكوفة شهراً، وقال أحدهما: رأيته يصلي بالشام. قال أجيز شهادتهما وأجبره على الإسلام. وفي " الكافي ": اختلافهما في الزمان أو المكان في البيع والشراء والطلاق والعتاق والوكالة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 172 وليست إحداهما بأولى من الأخرى. فإن سبقت إحداهما وقضى بها، ثم حضرت الأخرى، لم تقبل؛ لأن الأولى قد ترجحت باتصال القضاء بها فلا تنتقض بالثانية. قال: وإذا شهدا على رجل أنه سرق   [البناية] والوصية والرهن والدين والقرض والبراءة والكفالة والحوالة، والقذف، لا يمنع القبول. وفي الجناية والغصب والقتل والنكاح يمنع، والأصل فيه أن المشهود به إن كان قولاً كالبيع ونحوه، فاختلافهما في الزمان، أو المكان لا يمنع. ورواه أحمد في رواية؛ لأن القبول مما يعاد ويكرر، وإن كان المشهود به فعلاً كالغصب ونحوه، أو قولاً لكن الفعل شرط صحته كالنكاح، فإنه قول وحضور الشاهدين فعل، وهو شرط فاختلافهما في الزمان والمكان يمنع القول؛ لأن الفعل في زمان أو مكان غير الفعل في زمان أو مكان غيره، فاختلف المشهود به. وقال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في ظاهر روايته: اختلافهما في الزمان أو المكان يمنع في الجميع إلا فيما شهد أحدهما أنه طلقها يوم الخميس، وقال الآخر: أقر بطلاقها يوم الجمعة، فإنه يقبل. وكذا في البيع والنكاح وغيرهما فلا ينقض بالثانية؛ لأن القضاء بالأول قضاء ببطلان الثاني ضمناً. إذ قتل شخص واحد لا يكون في موضعين. وفي " الفتاوى الصغرى ": لو سكت شاهدا البيع عن بيان الوقت والمكان، فسألهما القاضي فقالا: لا نعلم ذلك يقبل شهادتهما؛ لأنهما لم يكلفا حفظ ذلك. م: (وليست إحداهما بأولى من الأخرى) ش: يمكن أن هذا جواب عما يقال: فلم لا يسمع القاضي أحدهما. فقال: وليست إحداهما إلى إحدى الشهادتين بأولى من الشهادة الأخرى لعدم المرجح، فإن كان كذلك م: (فإن سبقت إحداهما) ش: أي إحدى الشهادتين م: (وقضى بها) ش: أي وقضى القاضي بها م: (ثم حضرت الأخرى) . ش: أي الشهادة الأخرى م: (لم تقبل؛ لأن الأولى قد ترجحت باتصال القضاء بها فلا تنتقض بالثانية) ش: لأن الحكم بالثانية ينافي الحكم بالأول، وقد صحت ظاهراً حيث اتصل الحكم بها ينتقض بالكذب، فبقيت كما كانت، ونظيره رجل معه ثوبان، أحدهما نجس فوقع تحريه على أحدهما وصلى فيه، ثم وقع تحريه على الآخر لا يجوز الصلاة فيه؛ لأن الأول اتصل به حكم فلا ينتقض بتحرٍ آخر. [شهدا على رجل أنه سرق بقرة واختلفا في لونها] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا شهد على رجل أنه سرق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 173 بقرة، واختلفا في لونها قطع، وإن قال أحدهما: بقرة، والآخر ثوراً، لم يقطع. وهذا عند أبي حنيفة - رحمه الله -. وقالا: لا يقطع في الوجهين جميعاً. وقيل: الاختلاف في لونين يتشابهان كالسواد والحمرة، لا في السواد والبياض وقيل: هو في جميع الألوان. لهما أن السرقة في السوداء غيرها في البيضاء، فلم يتم على كل فعل نصاب الشهادة، وصار كالغصب بل أولى؛ لأن أمر الحد أهم، فصار كالذكورة والأنوثة. وله أن التوفيق ممكن؛ لأن التحمل في الليالي من   [البناية] بقرة واختلفا في لونها) ش: بأن قال أحدهما: إنها سوداء، وقال الآخر: بأنها صفراء م: (قطع وإن قال أحدهما: بقرة) ش: أي بأنه سرق بقرة م: (والآخر ثوراً) ش: أي وقال الآخر: إنه سرق ثوراً م: (لم يقطع، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . م: (وقالا: لا تقطع في الوجهين جميعاً) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وقال التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا الخلاف بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه فيما إذا سرق بقرة فقط، أما إذا ادعى سرقة بقرة بيضاء أو سوداء، لا تقبل شهادتهما إجماعاً؛ لأن كذب أحد الشاهدين، وكذا الخلاف فيما إذا ادعى سرقة ثوب فقط، أحدهما هروي، وقال الآخر: مروزي: فإن اختلفا في الزمان والمكان يقبل بالإجماع. م: (وقيل: الاختلاف في لونين يتشابهان كالسواد والحمرة) ش: لأن الحمرة الشديدة تظهر م: (لا في السواد والبياض) ش: لأنهما لا يتشابهان أصلاً م: (وقيل: هو) ش: أي الاختلاف بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه - رحمهما الله - م: (في جميع الألوان) ش: وذكر في " المبسوط " أن الكل على الخلاف في الأصح. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن السرقة في السوداء غيرها في البيضاء، فلم يتم على كل فعل نصاب الشهادة) ش: فلا اختلاف في المشهود به فلا يقبل م: (وصار كالغصب) ش: يعني شهد الغصب بقرة واختلفا في لونها. م: (بل أولى؛ لأن أمر الحد أهم) ش: لأن الثابت بالغصب ضمان لا يسقط بالشبهات، والثابت هنا قد يسقط بالشبهات. ولأن الاختلاف لما منع قبول الشهادة في المال، فلأن يمنع في الحر أولى، كما لو اختلفا في قدر القيمة م: (فصار كالذكورة والأنوثة) ش: في المغايرة. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن التوفيق ممكن؛ لأن التحمل في الليالي من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 174 بعيد، واللونان يتشابهان أو يجتمعان في واحد، فيكون السواد من جانب وهذا يبصره، والبياض من جانب آخر، وهذا الآخر يشاهده، بخلاف الغصب؛ لأن التحمل فيه بالنهار على قرب منه، والذكورة والأنوثة لا يجتمعان في واحدة. وكذا الوقوف على ذلك بالقرب منه فلا يشتبه.   [البناية] بعيد) ش: إذ أكثر السرقات تكون في الليالي، وتحمل الشهادة من بعيد م: (واللونان يتشابهان) ش: كالحمرة والصفرة م: (أو يجتمعان) ش: أي اللونان بين ذلك بقوله: م: (في واحد فيكون السواد من جانب وهذا يبصره، والبياض من جانب آخر، وهذا) ش: أي الآخر م: (يشاهده) ش: وكل واحد يشهد بما رآه. فإن قيل: لو كانت البقرة على هذه الصفة، يقال لها: أبلقاً لا سوداء ولا بيضاء. قلت: نعم، كذلك لمح، ولكن في حق من يعرف اللونين. أما في حق من لا يعرف إلا أحدهما يكون عنده ذلك اللون، كذا في " المبسوط ". وإذا كان التوافق ممكناً وجب القبول، كما إذا اختلف شهود الزنا في سبب واحد، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه بحث من وجهين: أحدهما: أن طلب التوفيق ها هنا لاحتيال أسباب الحد، وهو القطع، والحد يحتال لدونه لا لإثباته. والثاني: أن التوفيق وإن كان ممكناً، ليس بمعتبر ما لم يصرح به فيما لم يثبت بالشبهات، فكيف يمكن اعتباره فيما يدربها. والجواب عن الأول: أن ذلك إنما كان احتيالاً لإثباته، إذ لو كان في اختلاف ما كلفنا نقله، وهو من صلب الشهادة، كبيان قيمة المسروق ليعلم هل كان نصاباً تقطع به أو لا. وأما إذا كان في اختلاف ما لم يكلفنا نقله كلون ثياب السارق وأمثاله، فاعتبار التوفيق فيه ليس احتيالاً لإثبات الحد، لإمكان ثبوته به. ألا ترى أنهما لو سكتا عن بيان لون البقرة ما كلفهما القاضي بذلك، فتبين أنه ليس من صلب الشهادة، ولم يكلفنا نقله إلى مجلس الحكم، بخلاف الذكورة والأنوثة، فإنهما يكلفان النقل بذلك؛ لأن القيمة تختلف باختلافهما، فكان اختلاف في صلب العقد. وعن الثاني بأنه جواب القياس؛ لأن القياس اعتبار مكان التوفيق، أو يقال التصريح بالتوفيق يعتبر فيما كان في صلب الشهادة وإمكانه فيما لم يكن فيه هذا. [شهد لرجل أنه اشترى عبدا من فلان بألف وشهد آخر أنه اشترى بألف وخمسمائة] م: (بخلاف الغصب) ش: هذا جواب عن مسألة الغصب وهو قوله م: (لأن التحمل فيه بالنهار على قرب منه) ش: أي لأن تحمل الشهادة في الغصب يكون بالنهار، إذ الغصب يكون فيه غالباً م: (والذكورة والأنوثة) ش: جواب عما استشهدا به من الاختلاف بهما فإنهما م: (لا يجتمعان في واحدة. وكذا الوقوف على ذلك بالقرب منه فلا يشتبه) ش: أي في حيوان عادة، ولأن الشاهدين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 175 قال: ومن شهد لرجل أنه اشترى عبدا من فلان بألف، وشهد آخر أنه اشترى بألف وخمسمائة، فالشهادة باطلة؛ لأن المقصود إثبات السبب وهو العقد، ويختلف باختلاف الثمن فاختلف المشهود به، ولم يتم العدد على كل واحد، ولأن المدعي يكذب أحد شاهديه. وكذلك إذا كان المدعي هو البائع، ولا فرق بين أن يدعي المدعي أقل المالين أو أكثرهما لما بينا. وكذلك الكتابة   [البناية] يكلفان بيان الذكورة والأنوثة؛ لأن القيمة تختلف باختلافهما، فكان اختلافهما فيهما في نفس الشهادة م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن شهد لرجل أنه اشترى عبداً من فلان بألف، وشهد آخر أنه اشترى بألف وخمسمائة، فالشهادة باطلة) . ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كان المناسب ذكر هذه المسألة بعد قوله: وإن شهد أحدهما بألف، والآخر بألف وخمسمائة. قلت: تلك المسألة في دعوى المال، وهذه في دعوى العقد م: (لأن المقصود إثبات السبب، وهو العقد، ويختلف باختلاف الثمن، فاختلف المشهود به ولم يتم العدد على كل واحد) ش: لأن اختلاف المشهود به يمنع قبول الشهادة، وكذا نقصان العدد يمنع. م: (ولأن المدعي) ش: دليل آخر على ذلك م: (بكذب أحد شاهديه) ش: صورة المسألة في " الجامع الصغير ": محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال في الرجل يدعي على رجل أنه باعه هذا العبد بألف وخمسمائة فينكر البائع البيع، فيقيم عليه شاهداً بألف وخمسمائة، وشاهداً بألف، قال: هذا باطل. م: (وكذلك) ش: أي وكذا الشهادة باطلة م: (إذا كان المدعي هو البائع، ولا فرق بين أن يدعي المدعي أقل المالين أو أكثرهما) ش: يعني سواء ادعى أقل المالين أو أكثر، وفي " الفوائد الظهيرية " عن السيد الإمام الشهيد أبي القاسم السمرقندي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقبل؛ لأن الشراء لواحد قد يكون بألف، ثم يصير بألف وخمسمائة، بأن اشترى ثم زاد في الثمن، فقد انقضى على الشراء الواحد م: (لما بينا) ش: وهو أن المقصود إثبات السبب. م: (وكذلك الكتابة) ش: أي كالبيع؛ لأن عقد الكتابة يختلف باختلاف البدل كالبيع، [و] هنا تسع مسائل: البيع، والكتابة، والخلع، والطلاق، والإعتاق على مال، والصلح على دم العمد، والرهن والنكاح، والإجارة. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد أن نقل ما ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": وهذه ثمان مسائل؛ لأنه لم يذكر الطلاق. وأشار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى الكتابة بقوله: وكذلك الكتابة بعد أن ذكر البيع، فالبيع هو المسألة الأولى والكتابة هي الثانية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 176 لأن المقصود هو العقد إن كان المدعي هو العبد فظاهر. كذا إذا كان هو المولى؛ لأن العتق لا يثبت قبل الأداء، فكان المقصود إثبات السبب. وكذا الخلع والإعتاق على مال، والصلح عن دم العمد إذا كان المدعي هو المرأة أو العبد أو القاتل؛ لأن المقصود إثبات العقد والحاجة ماسة إليه. وإن كانت الدعوى من جانب آخر، فهو بمنزلة دعوى الدين فيما ذكرنا من الوجوه؛ لأنه ثبت العفو والعتق والطلاق باعتراف صاحب الحق، فبقي الدعوى في الدين وفي الرهن   [البناية] وفي " قاضي خان " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بمنزلة البيع إذ كان الدعوى من العبد؛ لأنه يدعي العقد أشار إليه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: م: (لأن المقصود هو العقد) ش: أي عقد الكتابة م: (إن كان المدعي هو العبد فظاهر) ش: فلا تقبل الشهادة إذا اختلف الشاهدان في بدل الكتابة كما في البيع والشراء. م: (وكذا) ش: أي وكذا لا تقبل الشهادة م: (إذا كان) ش: أي المدعي م: (هو المولى؛ لأن العتق لا يثبت قبل الأداء) ش: أي قبل إذا بدل الكتابة، وبدل الكتابة لا يكون إلا بعقد الكتابة وهو معنى قوله: م: (فكان المقصود إثبات السبب) ش: أي العقد، والثالثة من المسائل الخلع أشار إليه بقوله م: (وكذا الخلع) ش: بأن ادعت المرأة الخلع وأنكر الزوج، والرابعة منها هو قوله م: (والإعتاق على مال) ش: والخامسة هو قوله م: (والصلح عن دم العمد) ش: فالحكم في هذه المسائل الثلاث م: (إذا كان المدعي هو المرأة) ش: في مسألة الكتابة م: (أو العبد) ش: أي وإن كان المدعي هو المرأة في مسألة الخلع م: (أو القاتل) ش: أي وإن كان المدعي هو القاتل في مسألة الصلح عن دم العمد فلا خفاء في هذه الثلاثة م: (لأن المقصود إثبات العقد والحاجة ماسة إليه) ش: أي إلى إثبات العقد ليثبت الطلاق والعتاق والعفو بناء عليه. م: (وإن كانت من جانب آخر) ش: وهو المولى وولي القصاص، بأن قال المولى: أعتقتك على ألف وخمس مائة، والعبد يدعي الألف وقال الزوج: خالعتك على ألف وخمسمائة، والمرأة تدعي الألف، وقال ولي القصاص: صالحتك على ألف وخمسمائة والقاتل يدعي الألف م: (فهو بمنزلة دعوى الدين) ش: أي كانت الدعوى مثل دعوى الدين وهو البدل وهو المبدل لوقوع العتق والطلاق والعفو بإقرار المولى والزوج وولي القصاص م: (فيما ذكرنا من الوجوه) ش: المذكورة من أنه يقبل على الألف إذا ادعى ألفا وخمسمائة بالاتفاق، وإذا ادعى ألفين لا تقبل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما، وإن ادعى أقل المالين يعتبر الوجوه الثلاثة من التوفيق والتكذيب والسكوت عنهما م: (لأنه ثبت العفو والعتق والطلاق باعتراف صاحب الحق) ش: وهو المعتق والزوج والولي م: (فبقي الدعوى في الدين) ش: وهو البدل، والمسألة السادسة هي قوله م: (وفي الرهن) ش: أي إذا شهد أحد الشاهدين بالألف والآمر بألف وخمسمائة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 177 إن كان المدعي هو الراهن لا يقبل؛ لأنه لا حظ له في الرهن، فعريت الشهادة عن الدعوى، وإن كان هو المرتهن فهو بمنزلة دعوى الدين، وفي الإجارة إن كان ذلك في أول المدة فهو نظير البيع، وإن كان بعد مضي المدة والمدعي هو الآجر فهو دعوى الدين. قال: فأما النكاح، فإنه يجوز بألف استحسانا. وقالا: هذا باطل في النكاح أيضا،   [البناية] م: (إن كان المدعي هو الراهن لا يقبل) ش: الشهادة م: (لأنه) ش: أي لأن الراهن م: (لا حظ له في الرهن) ش: لأنه لما لم يكن له أن يسترد الرهن قبل قضاء الدين كانت دعواه غير مفيدة، فكانت كأن لم يكن وهو معنى قوله م: (فعريت الشهادة عن الدعوى) ش: فلا تقبل. م: (وإن كان) ش: أي المدعي م: (هو المرتهن فهو بمنزلة دعوى الدين) ش: يقضى بأقل المالين إجماعا. فإن قيل: الرهن لا يثبت إلا بالإيجاب والقبول فكان عقدا كسائر العقود فينبغي أن يكون اختلاف الشاهدين في قدر المال بمنزلة اختلافهما في البيع أو الشراء، وإن كانت الدعوى من المرتهن. قلنا: لما كان عقد الرهن غير لازم في حق المرتهن كان له أن يرد الرهن متى شاء، بخلاف الراهن لأنه ليس له استرداد الرهن متى شاء، فكان الاعتبار دعوى الدين في جانب المرتهن؛ لأن الرهن لا يكون بالدين فتقبل البينة كما في سائر الديون، ويثبت الرهن بالألف ضمنا، وتبعا للدين، والمسألة السابعة هي قوله: م: (وفي الإجارة) ش: أي اختلاف الشهادة إذا كان في الإجارة م: (إن كان ذلك) ش: أي الدعوى على تأويل الادعاء م: (في أول المدة) ش: قبل استيفاء المنفعة م: (فهو نظير البيع) ش: يعني لا تقبل الشهادة كما في البيع؛ لأن المقصود إثبات العقد، وقد اختلف باختلاف البدل م: (وإن كان بعد مضي المدة) ش: واستيفاء المنفعة م: (والمدعي) ش: أي والحال أن المدعي. م: (هو الآجر فهو دعوى الدين) ش: أي المال فيقضي بأقل المالين إذا ادعى الأكثر، إذ لا حاجة هنا إلى إثبات العقد، وإن كان المدعي هو المستأجر بعد مضي المدة كان ذلك منه اعترافا بمال الإجارة، فيجب عليه ما اعترف، فلا حاجة فيه حينئذ إلى اتفاق الشاهدين أو اختلافهما. [اختلاف الشهود في النكاح] والمسألة الثانية هي قوله: م: (قال) ش: أي أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: فأما النكاح) ش: يعني إذا اختلف الشهود فيه، فقال أحدهما بألف والآخر بألف وخمسمائة م: (فإنه) ش: أي فإن النكاح م: (يجوز بألف استحسانا) ش: كما في دعوى الدين. م: (وقالا: هذا باطل في النكاح أيضا) ش: يعني كما هو باطل في البيع، يعني فلا تقبل الشهادة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 178 وذكر في الأمالي قول أبي يوسف مع قول أبي حنيفة - رحمهما الله - لهما أن هذا اختلاف في العقد؛ لأن المقصود من الجانبين السبب فأشبه البيع. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المال في النكاح تابع، والأصل فيه الحل والازدواج والملك، ولا اختلاف فيما هو الأصل فيثبت، ثم إذا وقع الاختلاف في التبع يقضى بالأقل لاتفاقهما عليه، ويستوي دعوى أقل المالين أو أكثرهما في الصحيح،   [البناية] ولا يقضي بالنكاح. م: (وذكر في " الأمالي " قول أبي يوسف مع قول أبي حنيفة - رحمهما الله -) ش: قال فخر الدين قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": وذكر في الدعوى عن " الأمالي " قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لهما) ش: أي ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن هذا اختلاف في العقد) ش: لأن النكاح بألف غير النكاح بألف وخمسمائة. م: (لأن المقصود من الجانبين السبب) ش: والاختلاف في السبب يمنع قبول الشهادة م: (فأشبه البيع) ش: كما إذا اختلف الشاهدان فيه بأن شهد أحدهما بألف، والآخر بألفين فلا تقبل، كذا هذا م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المال في النكاح تابع) ش: ولهذا يصح بلا تسمية مهر وملك التصرف في النكاح من لا يملك التصرف في المال، كالعم، والأخ، والاختلاف في البائع لا يوجب اختلافا في الأصل. م: (والأصل فيه) ش: أي في النكاح هذا دليل أخذ تقريره أن الأصل في النكاح م: (الحل) ش: هو حل البضع م: (والازدواج والملك) ش: هو ملك البضع؛ لأن شرعيته كذلك ولزوم المهر لمصون الحل الخطر عن الاستبذال بالتسلط عليها مجانا م: (ولا اختلاف) ش: للشاهدين م: (فيما هو الأصل فيثبت) ش: أي الأصل. م: (ثم إذا وقع الاختلاف في التبع يقضى بالأقل) ش: أي بأقل المالين م: (لاتفاقهما عليه) ش: أي لاتفاق الشاهدين على الأقل. واعترضوا عليه بأن هذا تكذيب لأحد الشاهدين، وأجيب بأن التكذيب فيما ليس بمقصود، وهو المال، والتكذيب فيه لا يوجب التكذيب في الأصل وهو العقد. م: (ويستوي دعوى أقل المالين أو أكثرهما) ش: قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويستوي دعوى أقل المالين أو أكثرهما بكلمة " أو "، والصواب كلمة الواو بلالة يستوي، انتهى. قلت: كان في نسخه بكلمة " أو "، فكذلك اعترض، وليس كذلك، فإن النسخ كلها بالواو، حتى في نسخة شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - التي هي العمدة م: (في الصحيح) ش: احترازا عما قال الجزء: 9 ¦ الصفحة: 179 ثم قيل: الاختلاف فيما إذا كانت المرأة هي المدعية وفيما إذا كان الزوج هو المدعي إجماع، على أنه لا تقبل؛ لأن مقصودها قد يكون المال، ومقصوده ليس إلا بالعقد. وقيل الاختلاف في الفصلين وهذا أصح، والوجه ما ذكرناه.   [البناية] بعضهم، وأنه لما كان كالدين وجب أن يكون الدعوى بأكثر المالين كما في الدين، وإليه ذهب شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ثم قيل: الاختلاف) ش: أي بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (فيما إذا كانت المرأة هي المدعية وفيما إذا كان الزوج هو المدعي إجماع) . م: (على أنه لا يقبل لأن مقصودها قد يكون المال ومقصوده ليس إلا العقد) ش: فيكون الاختلاف فيه يمنع القبول. م: (وقيل: الاختلاف) ش: أي الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (في الفصلين) ش: جميعا، يعنى فيما إذا كان مدعي النكاح الرجل والمرأة م: (وهذا أصح) ش: أي الخلاف بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه في الفصلين جميعا أصح. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولنا في قوله: وهذا أصح نظرا لما أنهم لم يذكروا الخلاف في " شرح الجامع الصغير " و " شرح الطحاوي " فيما إذا كان المدعي هو الزوج، بل قالوا: لا تقبل الشهادة لأن الاختلاف وقع في العقد، انتهى. قلت: عدم ذكرهم في " شرح الجامع الصغير " [و] " شرح الطحاوي " لا يستلزم عدم ذكر غيرهم م: (والوجه ما ذكرناه) ش: أشار به إلى ما ذكر في دليل الطرفين عند قوله: لهما أن هذا اختلاف في العقد ... إلى آخر ما ذكره. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 180 فصل في الشهادة على الإرث قال: ومن أقام بينة على دار أنها كانت لأبيه أعارها وأودعها الذي هي في يده، فإنه يأخذها ولا يكلف البينة أنه مات وتركها ميراثا له. وأصله أنه متى ثبت الملك للمورث لا يقضى به للوارث حتى يشهد الشهود أنه مات وتركها ميراثا له عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، هو يقول: إن ملك الوارث ملك المورث فصارت الشهادة بالملك للمورث شهادة به للوراث وهما يقولان: إن ملك الوارث متجدد.   [البناية] [فصل في الشهادة على الإرث] م: (فصل في الشهادة على الإرث) ش: أي هذا فصل في بيان حكم الشهادة على الإرث، ولما ذكر أحكام الشهادة المتعلقة بالإحياء شرع يذكر أحكام الشهادة المتعلقة بالميت، بحسب مقتضى الوقائع. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن أقام بينة على دار أنها كانت لأبيه أعارها وأودعها الذي هي في يده، فإنه يأخذها) ش: أي فإن المدعي الذي أقام البينة يأخذ الدار بهذه البينة م: (ولا يكلف البينة) ش: أي يشهدوا م: (أنه) ش: أي أن أباه م: (مات وتركها ميراثا له) ش: أي لابنه. وفي " الفوائد الظهيرية ": هذا بالإجماع، لكن على اختلاف التخريج. فأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقول في الميراث باشتراط الجر والانتقال من المورث إلى الوارث في قبول البينة، وأبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وإن كانا يشترطان ذكر الجر والانتقال، بأن يقول الشاهد عند الشهادة: هذا المدعي وارث الميت مات وتركها ميراثا له. أما ها هنا لم يشترطا؛ لأن المدعي أثبت لمورثه يدا إلى المدعي بما أقام من البينة؛ لأن يد المستودع والمستعير، يد المودع والمعير، فصار كأنه أقام البينة بأن أباه مات والدار في يده، ولو كان كذلك كانت البينة مقبولة فكذا هذا. م: (وأصله) ش: أي أصل حكم الشهادة على الإرث م: (أنه) ش: أي الشأن م: (متى ثبت الملك للمورث لا يقضى به للوارث) ش: أي لا يحكم له بذلك الملك م: (حتى يشهد الشهود أنه) ش: أي أن المورث م: (مات وتركها) ش: أي ترك تركة م: (ميراثا له) ش: أي لهذا الوارث م: (عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هذا الخلاف مبني على الأصل المذكور، وهو أن الشهادة بالميراث يحتاج إلى الجر والانتقال عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - ولا تحتاج إلى ذلك عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو يقول أي أبو يوسف يقول: م: (هو يقول: إن ملك الوارث ملك المورث) ش: لكون الوراثة خلافه، ولهذا يرد بالعيب ويرد عليه به، وإذا كان كذلك م: (فصارت الشهادة بالملك للمورث شهادة به) ش: أي بالملك م: (للوارث) . م: (وهما) ش: أي أبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (يقولان: إن ملك الوارث متجدد في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 181 في حق العين حتى يجب عليه الاستبراء في الجارية الموروثة، ويحل الوارث الغني ما كان صدقة على المورث الفقير، فلا بد من النقل، إلا أنه يكتفى بالشهادة على قيام ملك المورث وقت الموت لثبوت الانتقال ضرورة، وكذا على قيام يده على ما نذكره إن شاء الله تعالى. وقد وجدت الشهادة على اليد في مسألة الكتاب لأن يد المستعير والمودع والمستأجر قائمة مقام يده، فأغنى ذلك عن الجر والنقل. وإن شهدوا أنها كانت في يد فلان مات وهي في يديه جازت   [البناية] حق العين حتى يجب عليه) ش: أي على الوارث م: (الاستبراء في الجارية الموروثة، ويحل الوارث الغني ما كان صدقه على المورث الفقير) ش: وإن كان المورث غنيا، فلما كان ملكه متجددا، فلا بد من إثبات الملك له ابتداء وهو معنى قوله م: (فلا بد من النقل) ش: بأن يقول الشهود: إنه مات وترك هذا الشيء ميراثا لهذا لئلا يكون استصحاب الحال مثبتا. م: (إلا أنه يكتفي بالشهادة) ش: هذا استثناء من قوله: لا بد من النقل، يعني عندهما لا بد من الجر والنقل إلا أن الشهادة يكتفى بها م: (على قيام ملك المورث وقت الموت لثبوت الانتقال ضرورة، وكذا على قيام يده) ش: أي يكتفى بالشهادة على قيام يده عند الموت؛ لأن اليد حينئذ تصير يد ملك بالضمان. لأن الظاهر من حال من حضره الموت أن يسوي أسبابه ويعطي ما كان عنده من الودائع والغصوب، فإذا لم يبين فالظاهر أن ما في يده ملكه والأمانات تصير مضمونة بالتحصيل بأن مات ولم يبين أنها وديعة فلان؛ لأنه حينئذ ترك الحفظ وهو متعة يجب الضمان به. وإذا ثبت هذا لمن قام بينة على دار أنها كانت لأبيه أعارها أو أودعها الذي في يده، فإنه يأخذها ولا يكلف البينة أنه مات وتركها ميراثا له بالاتفاق. أما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فلأنه لا يوجب الجر في الشهادة. وأما عندهما فلأن قيام اليد عند الموت يغني عن الجر م: (على ما نذكره إن شاء الله تعالى) ش: هذا إشارة إلى ما نذكره عن قريب بقوله: لأن الأيدي عند الموت تنقلب يد ملك. م: (وقد وجد الشهادة على اليد في مسألة الكتاب) ش: أي هذا الكتاب وهي المسألة التي ذكرها عقيب الفصل بقوله: ومن أقام بينة على دار بها كانت لأبيه ..... إلى آخرها، والحاصل: أنه أشار بهذا إلى أن هذه المسألة متفق عليها، وأشار إلى بيان وجهها بقوله م: (لأن يد المستعير والمودع) ش: بفتح الدال م: (والمستأجر) ش: بكسر الجيم ويد المستأجر م: (قائمة مقام يده) ش: أي يدأب المدعي الذي أقام بينة أنها كانت لأبيه م: (فأغنى ذلك) ش: إلى قيام يده عند الموت م: (عن الجر والنقل) . م: (وإن شهدوا أنها) ش: أي أن هذه الدار م: (كانت في يد فلان مات وهي في يديه، جازت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 182 الشهادة؛ لأن الأيدي عند الموت تنقلب يد ملك بواسطة الضمان والأمانة تصير مضمونة بالتجهيل، فصار بمنزلة الشهادة على قيام ملكه وقت الموت. وإن قالوا لرجل حي نشهد أنها كانت في يد المدعي منذ أشهر لم تقبل. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها تقبل؛ لأن اليد مقصودة كالملك، ولو شهدوا أنها كانت ملكه تقبل، فكذا هذا، فصار كما إذا شهدوا بالأخذ من المدعي. وجه الظاهر وهو قولهما أن الشهادة قامت بمجهول؛ لأن اليد منقضية   [البناية] الشهادة) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله " وإن شهدوا أنها كانت في يد فلان " أي يد أبيه، وصرح صدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير " حيث قال: وإن شهدوا أنها كانت في يد أبيه مات وهي في يده جازت الشهادة؛ م: (لأن الأيدي عند الموت تنقلب يد ملك بواسطة الضمان) ش: لأنهم لما شهدوا له باليد وقت الموت فلا يخلو إما أن يكون يد ملك أو يد أمانة فإن كانت يد ملك فلا شك، وإن كانت يد غصب تصير يد ملك بالضمان، وإن كانت أمانة تصير يد غصب بالتجهيل وهو معنى قوله م: (والأمانة تصير مضمونة بالتجهيل) ش: فيصير يد ملك م: (فصار) ش: أي قول الشاهد بأنها كانت في يده وقت الموت م: (بمنزلة الشهادة على قيام ملكه وقت الموت) ش: فيثبت النقل إلى الورثة بالضرورة. وروي عن الحسن: أنها لا تقبل؛ لأنهم شهدوا بيد منقضية، والأصح أنها تقبل لما مر. م: (وإن قالوا لرجل حي:) ش: ذكر هذه المسألة استطرادا، إذ هي ليست من باب الميراث، أي وإن قال الشهود لرجل حي، يعني إذا كانت الدار في يد رجل حي، فادعاها رجل آخر، وليست الدار في يده، فقالوا: إنها له فشهدوا أنها له وقيد بقوله " حي "؛ لأنهم لو شهدوا للميت بأنها كانت في يده وقت الموت تقبل بالإجماع، وقيد بقوله: م: (نشهد أنها كانت في يد المدعي) ش: لأنهم لو شهدوا أنها كانت له تقبل بالإجماع، كذا في " قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - "، وقوله م: (منذ أشهر) ش: وجوده كعدمه؛ لأن الخلاف ثابت فيما لم يذكره م: (لم تقبل) ش: أي هذه الشهادة. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها تقبل؛ لأن اليد مقصودة كالملك) ش: إذا ثبت يبقى إلى أن يوجد المزيد فكذا في اليد م: (ولو شهدوا أنها كانت ملكه تقبل، فكذا هذا فصار) ش: هذا م: (كما إذا شهدوا بالأخذ من المدعي) ش: يعني لو شهدوا أنها كانت في المدعي، وأخذها المدعى عليه الذي هو صاحب اليد يقبل الشهادة وترد الدار إلى المدعي، وكذا إذا اقر المدعى عليه بأنها كانت في يد المدعي ترد على ما ذكر في الكتاب. م: (وجه الظاهر وهو قولهما) ش: أي قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: م: (أن الشهادة قامت بمجهول؛ لأن اليد منقضية) ش: أي زائلة، يعني يد المدعي زائلة في الحال، وليست بقائمة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 183 وهي متنوعة إلى ملك وأمانة وضمان، فتعذر القضاء بإعادة المجهول؛ بخلاف الملك لأنه معلوم غير مختلف، وبخلاف الأخذ؛ لأنه معلوم وحكمه معلوم وهو وجوب الرد ولأن يد ذي اليد معاين ويد المدعي مشهود به، وليس الخبر كالمعاينة وإن أقر بذلك المدعى عليه دفعت إلى المدعي؛ لأن الجهالة في المقربة لا تمنع صحة الإقرار. وإن شهد شاهدان أنه أقر أنها كانت في يد المدعي دفعت إليه؛ لأن المشهود به هاهنا الإقرار وهو معلوم.   [البناية] حتى تحمل على الملك باعتبار الظاهر م: (وهي) ش: أي اليد م: (متنوعة إلى ملك وأمانة وضمان) ش: فإذا كان كذلك كانت مجهولة. م: (فتعذر القضاء بإعادة المجهول) ش: تعذر الحكم بإعادتها مع قيام الجهالة م: (بخلاف الملك لأنه معلوم غير مختلف، وبخلاف الأخذ؛ لأنه معلوم وحكمه معلوم وهو وجوب الرد) ش: كيف ما كان. قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «على اليد ما أخذت حتى ترد» م: (ولأن يد ذي اليد معاين، ويد المدعي مشهود به) ش: والشهادة خبر. م: (وليس الخبر كالمعاينة) ش: لاحتمال زوال اليد بعد ما كانت والمعاين راجح؛ لأن المعاينة توجب العلم والشهادة عليه الظن، فما كان موجبا للعلم أولى، قال: ليس في كثير من النسخ لفظ قال م: (وإن أقر بذلك المدعى عليه) ش: أي أقر بأن الدار في يد المدعي م: (دفعت إلى المدعي؛ لأن الجهالة في المقر به لا تمنع صحة الإقرار) ش: بل يجب عليه بيانه كما لو أقر لفلان بشيء يجب عليه بيانه. م: (وإن شهد شاهدان أنه أقر) ش: أي المدعى عليه أقر م: (أنها كانت في يد المدعي دفعت إليه؛ لأن المشهود به ها هنا الإقرار وهو معلوم) ش: أي المشهود به وهو الإقرار معلوم، والمجهول هو المقر به والجهالة فيه ليست بمانعة لصحة الإقرار. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 184 باب الشهادة على الشهادة قال: الشهادة على الشهادة جائزة في كل حق لا يسقط بالشبهة، وهذا استحسان لشدة الحاجة إليها، إذ شاهد الأصل قد يعجز عن أداء الشهادة لبعض العوارض، فلو لم تجز الشهادة على الشهادة أدى إلى إتواء الحقوق. ولهذا جوزنا الشهادة على الشهادة وإن كثرت، إلا أن فيها شبهة من حيث البدلية، أو من حيث أن فيها زيادة احتمال،   [البناية] [باب الشهادة على الشهادة] [حكم الشهادة على الشهادة] م: (باب الشهادة على الشهادة) ش: أي هذا باب في بيان حكم الشهادة على الشهادة، ولما كانت الشهادة على الشهادة فرع شهادة الأصول استحقت التأخير؛ لأن الأصل مقدم على الفرع. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": م: (الشهادة على الشهادة جائزة في كل حق لا يسقط بالشبهة) ش: أراد به غير الحدود والقصاص، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقبل في كل الحقوق سواء كان حدا أو غيره، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح م: (وهذا) ش: أي جواز الشهادة على الشهادة م: (استحسان لشدة الحاجة إليها) ش: والقياس يأتي بجوازها لتمكن الشبهة فيها، إذ الأخبار إذا تداولتها الألسن يتمكن فيها زيادة ونقصان، ولأن أداء الشهادة عبادة، والعبادة لا تجري فيها النيابة؛ لأنها جوزت استحسانا م: (إذ شاهد الأصل قد يعجز عن أداء الشهادة لبعض العوارض) ش: كالموت والسفر والغيبة. م: (فلو لم تجز الشهادة على الشهادة أدى إلى إتواء الحقوق) ش: أي ضياعها وهلاكها م: (ولهذا) ش: أي ولأجل إتواء الحقوق عند عدم جواز الشهادة على الشهادة م: (جوزنا الشهادة على الشهادة وإن كثرت) ش: أي الشهادة على الشهادة وإن بعدت. م: (إلا أن فيها) ش: أي لكن في الشهادة م: (شبهة من حيث البدلية) ش: لأن البدل محالا لا يصار إليه إلا عند العجز عن الأصل، وهذه كذلك، فإن قيل: لو كان فيها معنى البدلية ينبغي أن لا يجوز الجمع بين الأصل والفرع، فإن القاضي لو قضى بشاهد أصل وشاهدين فرعين يجوز، وتكميل الجمع بين الأصل بالخلف لا يجوز كما في الوضوء والتيمم، ذكره في " الكافي ". أجيب: بأن البدلية إنما هي في المشهود به، فشهادة الفروع هي شهادة الأصول، والمشهود به بشهادة الأصول هو ما عاينوه مما يدعيه المدعي، وإذا كان كذلك لم يكن شهادة الفروع بدلا عن شهادة الأصول فلم يمنع إتمام الأصول بالفروع م: (أو من حيث أن فيها زيادة احتمال) ش: معطوف على قوله من حيث البدلية، يعني أن فيها شبهة من حيث إن فيها زيادة احتمال، فإن في شهادة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 185 وقد أمكن الاحتراز عنه بجنس الشهود فلا تقبل فيما يندرئ بالشبهات كالحدود والقصاص. وتجوز شهادة شاهدين على شهادة شاهدين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز إلا الأربع على كل أصل اثنان؛ لأن كل شاهدين قائمان مقام شاهد واحد، فصار كالمرأتين. ولنا قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يجوز على شهادة رجل إلا شهادة رجلين،   [البناية] الأصول تهمة الكذب لعدم العصمة، وفي شهادة الفروع تلك التهمة مع زيادة تهمة كذبهم. م: (وقد أمكن الاحتراز عنه بجنس الشهود) ش: يعني بشهود الأصل م: (فلا تقبل فيما يندرئ بالشبهات كالحدود والقصاص) ش: فالشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول يوافقنا في الحدود لا في القصاص. فإن قيل: ذكر في " المبسوط ": أن الشاهدين لو شهدا على شهادة شاهدين أن قاضي كذا ضرب فلانا حدا في قذف تقبل حتى يرد شهادة فلان. قلنا: المشهود به فعل القاضي لا نفس الحد، وفعل القاضي مما يثبت بالشبهات، وإنما الذي لا يثبت مع الشبهات إلا يناب لموجب العقوبة وإقامة القاضي حد القذف ليس بسبب موجب للعقوبة. فإن قيل: أليس أن إقامة الحد مسقط للشهادة بطريق العقوبة؟. قلنا: لا، ولكن رد شهادة من تمام الحد، فيكون ما هو السبب الموجب للحد وهو القذف. [شهادة شاهدين على شهادة شاهدين] م: (وتجوز شهادة شاهدين على شهادة شاهدين، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز إلا الأربع على كل أصل اثنان) ش: أي شاهدان من الأربع، وبه قال عبد الملك المالكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، واختاره المزني - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (لأن كل شاهدين قائمان مقام شاهد واحد) ش: فلا تتم حجة القضاء بشهادتهما. م: (ولنا قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يجوز على شهادة رجل إلا شهادة رجلين) ش: هذا غريب، يعني لم يثبت، والذي روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما رواه عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه " أخبرنا إبراهيم بن أي يحيى الأسلمي، عن حسين، عن أبيه، عن جده، عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: " لا يجوز على شهادة الميت إلا رجلين ". وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولنا ما روى أصحابنا في كتبهم عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه جوز شهادة رجلين على شهادة رجل إلا شهادة رجلين، وجه الاستدلال بذلك: أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جوز شهادة رجلين على شهادة رجل، على شهادة رجل آخر، ولم يشترط أن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 186 ولأن نقل شهادة الأصل من الحقوق فهما شهدا بحق ثم شهدا بحق آخر، فتقبل. ولا تقبل شهادة واحد على شهادة واحد لما روينا، وهو حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولأنه حق من الحقوق، فلا بد من نصاب الشهادة، وصفة الإشهاد أن يقول شاهد الأصل لشاهد الفرع: أشهد على شهادتي أني أشهد أن فلان بن فلان أقر عندي بكذا، وأشهدني على نفسه؛ لأن الفرع كالنائب عنه، فلا بد من التحميل والتوكيل على ما مر، ولا بد أن يشهد كما يشهد عند القاضي   [البناية] يكون بإزاء كل أصل فرعان على حدة [ ...... ] إطلاقه على جواز شهادة الفرعين جميعا على شهادة الأصلين، ولم يرد عن غير علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خلافه، فحل محل الإجماع. قلت: فيه تأمل. م: (ولأن نقل شهادة الأصل من الحقوق) ش: يعني حق من الحقوق، إذ طريق جواز الشهادة على الشهادة نقل الشهادة م: (فهما شهدا بحق ثم شهدا بحق آخر) ش: فكمل نصاب الشهادة م: (فتقبل) ش: لكمال النصاب. م: (ولا تقبل شهادة واحد على شهادة واحد لما روينا) ش: أي من قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (وهو) ش: أي قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه قال في كتبنا: وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز شهادة الواحد على شهادة الواحد، ولكن ذكر في " جواهر المالكية ": لا يجوز، وكذا ذكر في " الحلية "، فإذا كان كذلك كيف يكون قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " الحلية ": أنه على قول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن أبي ليلي وعبد الله بن شبرمة والحسن البصري وعبد الله بن الحسن العنبري وعثمان البتي وإسحاق - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. يثبت بشهادة واحد شهادة الأصل الواحد، لأن الفرع قائم مقام الأصل م: (ولأنه) ش: أي ولأن نقل الشهادة م: (حق من الحقوق، فلا بد من نصاب الشهادة) ش: إذ النصاب شرط فلا بد منه. [صفة الإشهاد في الشهادة على الشهادة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وصفة الإشهاد أن يقول شاهد الأصل لشاهد الفرع: أشهد على شهادتي أني أشهد أن فلان بن فلان أقر عندي بكذا وأشهدني على نفسه؛ لأن الفرع كالنائب عنه) ش: أي عن الأصل، وإنما قال كالنائب، ولم يقل نائب عنه؛ لأنه لو كان نائبا عنه حقيقة، لما جاز الجمع عند فرعين، وأصل بيانه أن للقاضي أن يقضي بشهادة أصل واحد وفرعين عن أصل آخر. ولو كان الفرع نائبا حقيقة لما جاز الجمع بين الأصل والخلف، كما لا يجوز الجمع بين الوضوء والتيمم م: (فلا بد من التحميل والتوكيل) ش: لأن الشهادة على الشهادة إنما تصير حجة بنقل شهادة الأصل م: (إلى مجلس القضاء) ش:، فلا بد من التحميل، والفرع وكيل عن الأصل فلا بد من التوكيل م: (على ما مر) ش: أي الذي مضى قبله في فصل ما يتحمله الشاهد. م: (ولا بد أن يشهد) ش: أي الأصل م: (كما يشهد عند القاضي) ش: أي كما يشهد الأصل عند الجزء: 9 ¦ الصفحة: 187 لينقله إلى مجلس القضاء، وإن لم يقل أشهدني على نفسه جاز؛ لأن من سمع إقرار غيره حل له الشهادة، وإن لم يقل له أشهد، ويقول شاهد الفرع عند الأداء: أشهد أن فلانا أشهدني على شهادته أن فلانا أقر عنده بكذا، وقال لي: أشهد على شهادتي بذلك، لأنه لا بد من شهادته. وذكر شهادة الأصل وذكر التحميل، ولها لفظ أطول من هذا، وأقصر منه وخير الأمور أوسطها.   [البناية] القاضي بلا تفاوت في القول، بأن يقول إني أشهد أن فلان ابن فلان أقر عندي بكذا فأشهد أنت على شهادتي م: (لينقله إلى مجلس القضاء) ش: أي لينقل الفرع إلى ما أشهده الأصل إلى مجلس القاضي م: (وإن لم يقل) ش: أي الأصل عند الفرع م: (أشهدني على نفسه) ش: أي المقر أو المدعى عليه م: (جاز لأن من سمع إقرار غيره حل له الشهادة وإن لم يقل له:) ش: أي وإن لم يقل الغير م: (أشهد) ش: علي. م: (قال:) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويقول شاهد الفرع عند الأداء أشهد أن فلانا أشهدني على شهادته أن فلانا أقر عنده بكذا، وقال لي أشهد على شهادتي بذلك لأنه لا بد من شهادته) ش: أي شهادة الفرع م: (وذكر شهادة الأصل وذكر التحميل) ش: أما شهادة الأصل فلا بد له ثم يخبر بعد ذلك بصفة ما نفع عليه شهادته وهو التحميل. م: (ولها) ش: أي لشهادة الفرع عند الأداء م: (لفظ أطول من هذا) ش: أي من الذي ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو كما قال الخصاف وغيره: إن الفرع يقول عند القاضي أشهد أن فلانا شهد عندي أن لفلان على فلان كذا من المال وأشهدني على شهادته، وأمرني أن أشهد على شهادته، وأنا أشهد على شهادته بذلك الآن، فيحتاج إلى ثمان شيئات، واختاره أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأستاذه أبو جعفر الهندواني - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفيما ذكر في الكتاب خمس شيئات واختاره الحلواني م: (وأقصر منه وخير الأمور أوسطها) ش: وهذا أن يقول الفرع: أشهد على شهادة فلان بكذا جاز فيه شيئان، واختاره أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأستاذه أبو جعفر الهندواني - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهكذا حكى فتوى السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهكذا ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " السير الكبير "، وبه قالت الأئمة الثلاثة. وذكر الخصاف أنه يكفي ثلاث شيئات في الإشهاد، وست في الأداء، وهو أن يقول في الإشهاد: أشهد أن فلانا أقر عندي لفلان بكذا، فأشهد عندي أن لفلان على فلان كذا، وأشهدني على شهادته إلا أن أنا أشهد على شهادة أن لفلان على فلان كذا، وهذا معنى ما قاله في " نظم الجامع "، ويؤتي بشيئات ثلاث لحملها، وبالست في حال الأداء مردود. وفي " الفتاوى الصغرى ": شهود الفرع يجب أن يذكروا أسماء الأصول وأسماء آبائهم وأجدادهم حق لو قالا للقاضي: نشهد أن رجلين نعرفهما أشهدانا على شهادتهما، يشهدان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 188 ومن قال أشهدني فلان على نفسه، لم يشهد السامع على شهادته حتى يقول له: أشهد على شهادتي لأنه لا بد من التحميل. وهذا ظاهر عند محمد؛ لأن القضاء عنده بشهادة الفروع والأصول جميعا حتى اشتركوا في الضمان عند الرجوع، وكذا عندهما؛ لأنه لا بد من نقل شهادة الأصول لتصير حجة، فيظهر تحميل ما هو حجة. قال: ولا تقبل شهادة شهود الفرع إلا أن يموت شهود الأصل أو يغيبوا مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا،   [البناية] بكذا، وقالا للقاضي: لا نسميها لك أو قالا: لا نعرف اسما لهما، لم تقبل حتى يسميا؛ لأنهما تحملا مجازفة لا عن معرفة. [قال أشهدني فلان على نفسه في شهادة الأصول على الفروع] م: (ومن قال: أشهدني فلان على نفسه، لم يشهد السامع على شهادته حتى يقول له: أشهد على شهادتي؛ لأنه لا بد من التحميل. وهذا هو ظاهر عند محمد لأن القضاء عنده بشهادة الفروع والأصول جميعا حتى اشتركوا في الضمان عند الرجوع) ش: يعني اشتراكهم في الضمان أن المشهود عليه بالخيار بين تضمين الأصول وبين تضمين الفروع، فليس معناه أن يقضي بنصف الضمان على الأصول وبنصفه على الفروع، بل هذا كالغاصب مع غاصب الغاصب. وفي " الذخيرة ": لو ضمن الفروع لا يرجعون على الأصول كما في الغصب، وإن ضمن الأصول لا يرجعون على الفروع بخلاف لو ضمن الغاصب حتى رجع على غاصب الغاصب. م: (وكذا عندهما) ش: أي وكذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بد من التحميل. إن كان القضاء مضافا إلى الفروع حتى وجب الضمان على الفروع، خاصة عند رجوع الأصول والفروع جميعا فلا بد من التحميل. وليس للفروع أن ينقلوا شهادتهم بدون تحميلهم م: (لأنه لا بد من نقل شهادة الأصول لتصير حجة، فيظهر تحميل ما هو حجة) ش: أي يظهر بالنقل تحمل ما هو حجة، ولولا التحميل لم يوجد الفعل والنقل إلى مجلس القاضي حجة حتى يتبين أنهم تحملوا ما هو حجة، والنقل لا بد له من التحميل والتوكيل. قوله: م: (فيظهر) ش: بالنصب لأنه جواب النفي، وهو قوله: لا بد. ويجوز أن يكون معطوفا على قوله: ليصير وهذا أظهر. [شهادة شهود الفرع] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا تقبل شهادة شهود الفرع إلا أن يموت شهود الأصل أو يغيبوا مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا) ش: قدر الغيبة بمدة السفر لتعلق الأحكام بمدة السفر كقصر الصلاة والإفطار في العموم وابتداء مسح الخف، وكتكبيرات التشريق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - والأضحية والجمعة، وخروج المرأة بلا محرم، به قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 189 أو يمرضوا مرضا لا يستطيعون معه حضور مجلس الحكم؛ لأن جوازها للحاجة، وإنما تمس عند عجز الأصل. وبهذه الأشياء يتحقق العجز، وإنما اعتبرنا السفر لأن المعجز بعد المسافة ومدة السفر بعيدة حكما حتى أدير عليها عدة من الأحكام فكذا سبيل هذا الحكم، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إن كان في مكان لو غدا لأداة الشهادة لا يستطيع أن يبيت في أهله صح الإشهاد إحياء لحقوق الناس. قالوا الأول أحسن، والثاني أرفق. وبه أخذ الفقيه أبو الليث.   [البناية] أحمد في رواية، م: (أو يمرضوا مرضا لا يستطيعون معه) ش: أي مع المرض م: (حضور مجلس الحكم؛ لأن جوازها للحاجة) ش: أي لأن جواز الشهادة على الشهادة لأجل حاجة الناس مع أن القياس يأباها م: (وإنما تمس) ش: أي الحاجة م: (عند عجز الأصل) ش: أي شهود الأصل. م: (وبهذه الأشياء) ش: وهي الموت والغيبة والمرض م: (يتحقق العجز، وإنما اعتبرنا السفر) ش: أي مدة السفر في الغيبة م: (لأن المعجز) ش: اسم فاعل من التعجيز م: (بعد المسافة ومدة السفر بعيدة حكما) ش: أي من حيث الحكم م: (حتى أدير عليها) ش: أي على مدة السفر م: (عدة من الأحكام) ش: وهي التي ذكرناها الآن م: (فكذا سبيل هذا الحكم) ش: أي حكم غيبة شهود الأصل. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي الشاهد القرى م: (إن كان في مكان لو غدا) ش: أي أذهب بكرة النهار م: (لأداء الشهادة لا يستطيع أن يبيت في أهله) ش: بعد الرواح من مجلس القاضي م: (صح الإشهاد إحياء لحقوق الناس) ش:، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو كان بمكان لا يلزمه الحضور، وقال بعض أصحاب مالك: لا ينقل في الحدود والأغيبة بعيدة، فأما اليومان والثلاثة فلا، إلا المرأة، فإنه ينقل عنهما مع حضورها في البلد. وفي " الذخيرة ": روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز كيف ما كان، حتى إذا كان الأصل في رواية المسجد، والفرع في رواية أخرى من ذلك المسجد تقبل، وقال شمس الأئمة السرخسي والسعدي - رحمهما الله - في " شرح أدب القاضي " للخصاف: شهادة الفروع والأصول في المصر يجب أن يجوز على قولهما، وعلى قول أبي حنيفة: لا يجوز في " الفتاوى الصغرى ". قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أقبل الشهادة على الشهادة والشهود على شهادتهم في المصر من غير مرض ولا علة. م: (قالوا) ش: أي المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: م: (الأول) ش: أي التقدير بثلاثة أيام م: (أحسن) ش: لأن العجز شرعا يتحقق فيه م: (والثاني) ش: وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أرفق) ش: لأن فيه رفقا بالناس م: (وبه) ش: أي وبالثاني م: (أخذ الفقيه أبو الليث) ش: وكثير من المشايخ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 190 قال: فإن عدل شهود الأصل شهود الفرع جاز؛ لأنهم من أهل التزكية، وكذا إذا شهد شاهدان فعدل أحدهما الآخر صح لما قلنا غاية الأمر أن فيه منفعة له من حيث القضاء بشهادته، لكن العدل لا يتهم بمثله، كما لا يتهم في شهادة نفسه، كيف وإن قوله مقبول في حق نفسه، وإن ردت شهادة صاحبه فلا تهمة. قال: وإن سكتوا عن تعديلهم جاز. وينظر القاضي في حالهم، وهذا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقبل لأنه لا شهادة إلا بالعدالة. فإذا لم يعرفوها، لم ينقلوا الشهادة فلا تقبل.   [البناية] - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن عدل شهود الأصل شهود الفرع جاز) ش: بنصب شهود الأصل على المفعولية، وشهود الفرع بالرفع على الغائبة، أي عدل الفروع الأصول جاز بإجماع الأئمة الأربعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (لأنهم) ش: أي لأن شهود الأصل م: (من أهل التزكية) ش: فحينئذ لا فرق بين تزكيتهم وتزكية غيرهم. وذكر الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يسأل القاضي للفروع عن الأصول، ولا يقضي قبل السؤال، فإن عدلوهم ثبتت عدالتهم في ظاهر الرواية، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تثبت عدالتهم بتعديل الفروع؛ لأن فيه تقبل بشهادة أنفسهم، الصحيح ظاهر الرواية لأن العدل لا يتهم بمثله. [شهد شاهدان فعدل أحدهما الآخر] م: (وكذا) ش: أي كذا الحكم م: (إذا شهد شاهدان فعدل أحدهما الآخر صح لما قلنا) ش: أراد به قوله أنه من أهل التزكية م: (غاية الأمر أن فيه) ش: أي غاية ما يرد فيه من أمر الشهادة أن يقال ينبغي أن لا يصح تعديله؛ لأنه متهم بسبب تعينه أي تعديله م: (منفعة له من حيث القضاء بشهادته، لكن العدل لا يتهم بمثله كما لا يتهم في شهادة نفسه، كيف وإن قوله:) ش: أي لا يصح تعديل الفرع بالأصل والحال أن قوله م: (مقبول في حق نفسه وإن ردت شهادة صاحبه) ش: حتى إذا انضم إليه غيره من العدول، حكم القاضي بشهادتهما، وإذا كان الأمر كذلك م: (فلا تهمة) ش: حينئذ. م: (قال: وإن سكتوا عن تعديلهم) ش: أي وإن سكت الفروع عن تعديل الأصول م: (جاز) ش: أي شهادة الفروع م: (وينظر القاضي في حالهم) ش: أي في حال شهود الأصل، يعني ينظر القاضي عن عدالة شهود الأصل عن شهود الفرع م: (وهذا) ش: أي وهذا المذكور م: (عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقبل لأنه لا شهادة إلا بالعدالة، فإذا لم يعرفوها) ش: أي إذا لم يعرف الفروع عدالة الأصول م: (لم ينقلوا الشهادة فلا تقبل) ش: كما لو شهدوا على من لا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 191 ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المأخوذ عليهم النقل دون التعديل؛ لأنه قد يخفى عليهم. وإذا نقلوا يتعرف القاضي العدالة كما إذا حضروا بأنفسهم وشهدوا. قال: وإن أنكر شهود الأصل الشهادة لم تقبل شهادة شهود الفرع؛ لأن التحميل لم يثبت للتعارض بين الخبرين، وهو شرط. وإذا شهد رجلان على شهادة رجلين على فلانة بنت فلان الفلانية بألف درهم، وقالا: أخبرانا أنهما يعرفانها، فجاء بامرأة، وقالا: لا ندري أهي هذه أم لا، فإنه يقال للمدعي: هات شاهدين يشهدان أنها فلانة؛ لأن الشهادة على المعرفة بالنسبة قد تحققت،   [البناية] يعرفون عقله م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المأخوذ عليهم) ش: أي أن الواجب عل شهود الفرع م: (النقل دون التعديل لأنه) ش: أي لأن التعديل م: (قد يخفى عليهم) ش: فيرجع الأمر إلى القاضي. م: (وإذا نقلوا) ش: أي شهادتهم م: (يتعرف القاضي العدالة) ش: أي يتكلف في السؤال عن عدالتهم م: (كما إذا حضروا) ش: أي شهود الأصل م: (بأنفسهم وشهدوا) ش: قال القاضي: يتعرف عدالتهم فكذا هذا، وإذا قالوا: لا نعرف أن الأصول عدول أو لا؟ قال السعدي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا وقولهم لأخبرك سواء فإذا قالوا لا نخبرك لا يقبل القاضي شهادتهم ويسأل من غيرهم عن حال الأصول، وهو الصحيح. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن أنكر شهود الأصل الشهادة لم تقبل شهادة شهود الفرع) ش: وفي " الكافي " معنى المسألة أنهم قالوا: ما لنا شهادة على هذه الحادثة وماتوا أو غابوا ثم جاء الفروع يشهدون على شهادتهم بهذه الحادثة أما مع حضورهم فلا يلتفت إلى شهادة الفروع وإن لم ينكروا م: (لأن التحميل لم يثبت للتعارض بين الخبرين) ش: أي بين خبر الفروع وخبر الأصول م: (وهو) ش: أي التحميل م: (شرط) ش: لصحة شهادة الفروع. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا شهد رجلان على شهادة رجلين على فلانة بنت فلان الفلانية بألف درهم، وقالا) ش: أي قال الفرعان: م: (أخبرانا) ش: أي الأصلان م: (أنهما) ش: أي أن الأصلين م: (يعرفانها) ش: أي يعرفان فلانة م: (فجاء بامرأة) ش: أي فجاء الفرعان بامرأة، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فجاء بامرأة بتوحيد الفعل، أي فجاء المدعي بامرأة في بعض النسخ فجاء بلفظ التثنية م: (وقالا) ش: أي الفرعان م: (لا ندري أهي هذه) ش: أي فلانة هذه م: (أم لا فإنه) ش: أي فإن الشأن م: (يقال للمدعي هات شاهدين يشهدان) ش: بكسر التاء، يقال هات يا رجل أي أعطني، وللمرأة هاتي بالياء. وذكر الجوهري في الأجوف اليائي وبه قال الخليل م: (أنها فلانة؛ لأن الشهادة على المعرفة) ش: على وزن اسم المفعول من التعريف م: (بالنسبة قد تحققت) ش: كما تحملوها، فصح الفعل. ولكن قولهم: لا ندري هي هذه أم لا يوجب جرحا في شهادتهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 192 والمدعي يدعي الحق على الحاضرة، ولعلها غيرها، فلا بد من تعريفها بتلك النسبة، ونظير هذا إذا تحملوا الشهادة ببيع محدودة بذكر حدودها، وشهدوا على المشتري لا بد من آخرين يشهدان على أن المحدود بها في يد المدعى عليه. وكذا إذا أنكر المدعى عليه أن الحدود المذكورة في الشهادة حدود ما في يديه. قال: وكذا كتاب القاضي إلى القاضي؛ لأنه في معنى الشهادة على الشهادة إلا أن القاضي   [البناية] م: (والمدعى يدعي الحق على الحاضرة، ولعلها غيرها) ش: أي ولعل للمرأة الحاضرة غير تلك المرأة فوجب التوقف م: (فلا بد من تعريفها) ش: أي من تعريف المرأة الحاضرة م: (بتلك النسبة) ش: المذكورة، وهي أن يأتي المدعي بشاهدين يشهدان أن الحاضرة فلانة بنت فلان الفلانية المعروفة بتلك النسبة. م: (ونظير هذا) ش: نظير حكم المسألة المذكورة م: (إذا تحملوا الشهادة) ش: أي إذا تحملت جماعة الشهادة م: ببيع محدودة بذكر حدودها وشهدوا على المشتري) ش: بعدما أنكر أن يكون الحدود بها في يده م: (لا بد من آخرين يشهدان على أن الحدود بها في يد المدعى عليه) ش: توضيحه ما قال العتابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وغيره: نظيره إذا ادعى رجل على رجل محدوداً في يده، وشهد شهوداً أن هذه الحدود المذكورة بهذه الحدود. ملك هذا المدعي في يد المدعى عليه بغير حق، فقال المدعى عليه: الذي في يدي غير محدود بهذه الحدود التي ذكرها الشهود، فيقال للمدعي هات شاهدين أن الذي في يديه محدودة بهذه الحدود ليصح القضاء. م: (وكذا إذا أنكر المدعى عليه أن الحدود المذكورة في الشهادة حدود ما في يديه) ش: قال التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعني لو قال المدعي: إن المذكور بهذه الحدود ملكه في يد المدعى عليه بغير حق، فقال المدعى عليه: الذي في يد غيره محدود بهذه الحدود، فلا بد من شاهدين آخرين يشهدان أن الحدود المذكورة حدود ما في يده ليصح القضاء م: (قال: وكذا كتاب القاضي إلى القاضي) ش: يعني كتب في كتابه شهد عدلان لأن، عندي أن لفلان ابن فلان الفلاني على فلانة بنت فلان الفلاني كذا، فاقض عليها أنت بذلك، فأحضر المدعي امرأة في مجلس المكتوب إليه، ودفع الكتاب إليه وأنكرته أنها فلانة يقول القاضي: هات شاهدين يشهدان أن هذه التي أحضرتها هي الفلانية المذكورة بهذا الكتاب تمكن الإشارة إليها في القضاء م: (لأنه) ش: أي لأن كتاب القاضي إلى القاضي م: (في معنى الشهادة على الشهادة) . م: (إلا أن القاضي) ش: جواب إشكال مقدر هو أن يقال: إن القاضي الكاتب بمنزلة الشاهد الفرعي سمع الشهادة من الشاهدين، ونقل شهادتهما بالكتاب، فصار كأنه حضر مجلس الجزء: 9 ¦ الصفحة: 193 لكمال ديانته ووفور ولايته ينفرد بالنقل. ولو قالوا في هذين البابين التميمية لم يجز حتى ينسبوها إلى فخذها وهي القبيلة الخاصة، هذا لأن التعريف لا بد منه في هذا، ولا يحصل بالنسبة إلى العامة، وهي عامة بالنسبة إلى بني تميم، لأنهم قوم لا يحصون ويحصل بالنسبة إلى الفخذ لأنها خاصة. وقيل: الفرغانية نسبة عامة والأوزجندية خاصة. وقيل: السمرقندية والبخارية عامة،   [البناية] المكتوب إليه وشهد. وهناك يشترط اثنان، فلذلك ينبغي أن يشترط في القاضي الكاتب أن يكون اثنين، فأجاب بقوله - إلا أن القاضي .... إلى آخره، تقديره أن القاضي م: (لكمال ديانته ووفور ولايته ينفرد بالنقل) ش: فلا يشترط به قاض آخر. م: (ولو قالوا:) ش: أي الشهود م: (في هذين البابين) ش: أي باب الشهادة على الشهود وباب كتابة القاضي فلانة بنت فلان م: التميمية) ش: أي المنسوبة إلى بني تميم م: (لم يجز) ش: أي الشهادة م: (حتى ينسبوا إلى فخذها وهي القبيلة الخاصة) ش: يعني التي لا خاصة دونها أي المنسوبة، أي الشهادة حتى إلى فخذ الخاصة، يعني التي لا خاصة فوقها. وقال في " الصحاح ": الفخذ آخر القبائل الست، أولها الشعب، ثم القبيلة ثم الفصيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ. وقال في غيره. إن الفضيلة بعد الفخذ، فالشعب بكسر الشين تجمع القبائل، والقبائل تجمع العمائر، والعمارة بكسر العين تجمع البطون، والبطن يجمع الأفخاذ، والفخذ بسكون الخاء لجمع الفصائل، خذيمة شعب، وكنانة قبيلة، وقريش عمارة، وقصي بطن، وهاشم فخذ، والعباس فصيلة. م: (وهذا) ش: أي عدم الجواز م: (لأن التعريف لا بد منه في هذا، ولا يحصل) ش: أي التعريف م: (بالنسبة العامة، وهي) ش: أي التميمية م: (عامة بالنسبة إلى بني تميم؛ لأنهم قوم لا يحصون ويحصل) ش: أي التعريف م: (بالنسبة إلى الفخذ لأنها خاصة) ش: المصنف فسر الفخذ بالقبيلة الخاصة، وفسر العتابي بالأب الأعلى الذي ينسب أبوها إليه. م: (وقيل: الفرغانية نسبة عامة والأوزجندية خاصة) ش: أي الفرغانية نسبة إلى فرغانة بفتح الفاء وسكون الراء وبالغين المعجمة بعدها ألف ونون وهاء، اسم لإقليم فيما وراء النهر وفيها مدن كثيرة وفيها سكك منها أوزجند، وأشار بهذا إلى أن التعريف لا يحصل بالنسبة العامة؛ لأن الفرغانية عامة بالنسبة إلى الأوزجندية؛ لأن فرغانة فيها نساء كثير اتحدت أساميهن وأسامي آباءهن، بخلاف الأوزجندية فإنها خاصة؛ لأن أوزجند اسم حارة خاصة. م: (وقيل: السمرقندية والبخارية عامة) ش: يعني النسبة إلى سمرقند أو إلى بخارى عامة، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 194 وقيل: إلى السكة الصغيرة خاصة وإلى المحلة الكبيرة والمصر عامة، ثم التعريف وإن كان يتم بذكر الجد عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ظاهر الروايات، فذكر الفخذ يقوم مقام الجد لأنه اسم الجد الأعلى، فنزل منزلة الجد الأدنى والله أعلم.   [البناية] وكل واحدة منهما فيما وراء النهر وهما مشهورتان، والنسبة إلى كل واحدة منهما عامة. م: (وقيل: إلى السكة الصغيرة) ش: أي النسبة إلى السكة الصغيرة م: (خاصة وإلى المحلة الكبيرة والمصر عامة) ش: حاصل الكلام إلى النسبة إلى ما هي خاصة مبنيا يحصل التعريف بخلاف النسبة إلى ما هي عامة فيها، حيث لا يحصل التعريف بها؛ لأن المحلة الكبيرة ومصر يشتمل كل منهما على ناس كثير يتحد أساميهم وأسامي آبائهم، فلا يحصل التعريف بذلك. وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو شهد على فلانة البلخية لا يقع بهذا التعريف ما لم ينسباها إلى محلها وسكنها، م: (ثم التعريف وإن كان يتم بذكر الجد عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ظاهر الروايات، فذكر الفخذ يقوم مقام الجد لأنه) ش: أي لأن الفخذ م: (اسم الجد الأعلى) ش: في القبيلة الخاصة م: (فنزل منزلة الجد الأدنى والله أعلم) ش: في النسبة وهو أب الأب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 195 فصل قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: شاهد الزور أشهره في السوق ولا أعذره. وقالا: نوجعه ضربا ونحبسه، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لهما ما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه ضرب شاهد الزور أربعين سوطا وسخم وجهه.   [البناية] [شهادة الزور] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في ذكر شهادة الزور، ذكره بفصل على حدة؛ لأن لها أحكاما مخصوصة وآخرها لأن الأصل هو الصدق. م: (قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: شاهد الزور أشهره في السوق ولا أعذره) ش: قوله: شاهد الزور كلام إضافي مبتدأ، وقوله: أشهره خبره والجملة مقول القول م: (قالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (نوجعه ضربا) ش: بنون الجماعة وضربا على التمييز م: (ونحبسه) ش: كذلك بنون الجماعة م: (وهو) ش: أي قولهم م: (قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش:، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - وعامة العلماء - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (ما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه ضرب شاهد الزور أربعين سوطا وسخم وجهه) ش: هذا رواه ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه " في الحدود: حدثنا أبو خالد، عن حجاج، عن مكحول، عن الوليد بن مالك، أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كتب إلى عماله بالشام في الشاهد الزور يضرب أربعين سوطا ويسخم وجهه ويحلق رأسه، ويطال الحبس. وروى عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه ": أخبرنا ابن جريج قال: حديث عن مكحول أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضرب شاهد الزور أربعين سوطا، قوله: سخم من التسخيم ومن السخام وهو سواد القدر. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من السخام بالخاء المعجمة أو بالحاء المهملة من سخم وهو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 196 ولأن هذه كبيرة يتعدى ضررها إلى العباد وليس فيها حد مقدر فيعزر، وله أن شريحا كان يشهره ولا يضرب، ولأن الانزجار يحصل بالتشهير فيكتفى به، والضرب وإن كان مبالغة في الزجر، ولكنه يقع مانعا عن الرجوع، فوجب التحقيق نظرا إلى هذا الوجه   [البناية] الأسود ثم قال: لا يقال الاستدلال به غير مستقيم على مذهبهما لأنهما لا يقولان بجواز التسخيم لأنه مثلة وهو غير مشروع، ولا تبليغ التعزير إلى أربعين لأن مقصودهما إثبات ما نفاه أبو حنيفة من التعزير بالضرب، فإنه يدل على أصل الضرب مشروع في التعزير، وما زاد على ذلك كان محمولا على السياسة. م: (ولأن هذه) ش: أي شهادة الزور م: (كبيرة) ش: وعدت في الحديث الصحيح من الكبائر م: (يتعدى ضررها) ش: أي ضرر شهادة الزور م: (إلى العباد) ش: بإتلاف أموالهم م: (وليس فيها حد مقدر) ش: من حيث الشرع م: (فيعزر) ش: بالتعزير المذكور. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن شريحا) ش: وهو شريح بن الحارث الكندي القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كان يشهره) ش: شاهد الزور م: (ولا يضرب، ولأن الانزجار يحصل بالتشهير فيكتفى به، والضرب وإن كان مبالغة في الزجر، ولكنه يقع مانعا عن الرجوع) ش: فإنه إذا تصور الضرب يخاف، فلا يرجع، وفيه تضييع للحقوق م: (فوجب التحقيق نظرا إلى هذا الوجه) ش: فإن قلت: قال في " المبسوط ": شاهد الزور عندنا هو المقر على نفسه بذلك؛ لأنه لا يتمكن تهمة الكذب إلا في إقراره على نفسه ولا طريق لإثبات ذلك بالبينة عليه؛ لأنه نفى الشهادة والبينة للإثبات دون النفي. وقال شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مبسوطه ": شاهد الزور هو الذي يقر على نفسه بالكذب متعمدا، أو يشهد بقتل رجل ثم يجيء المشهود بقتله حيا حتى يثبت كذبه بيقين، فأما لو قال: غلطت أو أخطأت أو أردت شهادة بتهمة أو المخالفة بين الدعوى والشهادة لا يعزر أصلا. وقال أبو محمد الكاتب - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذه المسألة على ثلاثة أوجه: إما أن يرجع على سبيل التوبة والندامة لا يعزر بلا خلاف، وإن رجع على سبيل الإقرار يعزر بالضرب بلا خلاف، وإن كان لا يعلم فعلى الاختلاف. ثم قال: لو تاب شاهد الزور هل تقبل شهادته بعد ذلك. فعلى الوجهين: إن كان فاسقا تقبل توبته؛ لأن الذي حمله على شهادة الزور فسقه، فإذا تاب وظهرت توبته فقد زال فسقه فيقبل، ولم يعين في الكتاب مدة ظهور توبته، فقال بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: سنة، وقيل: ستة أشهر، والصحيح أنه مفوض إلى رأي القاضي. أما لو كان مستورا لا تقبل شهادته أبدا، وكذا إذا كان عدلا فشهد بالزور ثم تاب لا تقبل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 197 وحديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - محمول على السياسة بدلالة التبليغ إلى الأربعين والتسخيم، ثم تفسير التشهير منقول عن شريح - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه كان يبعثه إلى سوقه إن كان سوقيا، وإلى قومه إن كان غير سوقي بعد العصر، أجمع ما كانوا. ويقول إن شريحا يقرأ عليكم السلام ويقول: إنا وجدنا هذا شاهد زور، فاحذروه وحذروا الناس منه. وذكر شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يشهر عندهما أيضا. والتعزير والحبس على قدر ما يراه القاضي عندهما،   [البناية] شهادته أبدا على رواية بشر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وروى أبو جعفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقبل، قالوا: والفتوى على هذا، كذا ذكره المحبوبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " جامعه ". م: (وحديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - محمول على السياسة) ش: هذا جواب عما استجابه من حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بيانه أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعل ذلك على طريق السياسة لا على طريق التعزير م: (بدلالة التبليغ إلى الأربعين) ش: لأنه لو كان على سبيل التعزير لم يبلغ الأربعين لبلوغه حدا في غير حد م: (والتسخيم) ش: بالجر عطفا على قوله: بدلالة التبليغ، وهو أيضا يدل على ما قلنا؛ ولأنه مثلة وهي منسوخة بالإجماع. م: (ثم تفسير التشهير منقول عن شريح - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه كان يبعثه إلى سوقه إن كان سوقيا، وإلى قومه) ش: أي أو يبعثه إلى قومه م: (إن كان غير سوقي بعد العصر أجمع ما كانوا) ش: مجتمعين أو إلى موضع يكون أكثر جمعا للقوم م: (ويقول) ش: أي الذي يبعثه م: (إن شريحا يقرأ عليكم السلام ويقول: إنا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه وحذروا الناس منه) ش: حتى لا يستشهدوا به. فإن قيل: أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يرى تقليد التابعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى روي عنه أنه قال: هم رجال اجتهدوا ونحن رجال يجتهدون، وقلنا: ذكر في " النوادر " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تقليد التابعي الذي زحم الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في الفتوى قال: أنا أقلده، فعلى هذه الرواية ظاهر. وعلى ظاهر الرواية قالوا: لم يذكر قوله محتجا به، وإنما ذكره لبيان أن احتجاجه بتجويز الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فعله فإنه كان قاضيا في زمن عمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ومثل هذا التشهير لا يخفى على الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولم ينكره أحد من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فحل محل الإجماع، وكان احتجاجا بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لا تقليد لشريح. م: (وذكر شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه) ش: أي أن شاهد الزور م: (يشهر عندهما أيضا، والتعزير والحبس على قدر ما يراه القاضي عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 198 وكيفية التعزير ما ذكرناه في الحدود. وفي " الجامع الصغير ": شاهدان أقرا أنهما شهدا بزور لم يضربا، وقالا: يعزران وفائدته: أن شاهد الزور في حق ما ذكرنا من الحكم هو المقر على نفسه بذلك، فأما لا طريق إلى إثبات ذلك بالبينة؛ لأنه نفي الشهادة، والبينات للإثبات والله أعلم.   [البناية] - رحمهما الله - م: (وكيفية التعزير ما ذكرناه في الحدود. وفي " الجامع الصغير ": شاهدان أقرا أنهما شهدا بزور لم يضربا) ش: يعني عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (يعزران وفائدته) ش: أي وفائدة وضع " الجامع الصغير " بقوله: شاهدان أقرا إلى آخره م: (أن شاهد الزور في حق ما ذكرنا من الحكم هو المقر على نفسه بذلك) ش: أي بالزور، يعني أنه لا يثبت كذب الشاهد إلا بإقراره م: (فأما لا طريق إلى إثبات ذلك بالبينة؛ لأنه نفي الشهادة) ش: فلا تسمع م: (والبينات للإثبات والله أعلم) ش: أي مشروعية البينات لإثبات الأحكام، وقد مر الكلام فيه قريب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 199 كتاب الرجوع عن الشهادة قال: وإذا رجع الشهود عن شهادتهم قبل الحكم بها سقطت؛ لأن الحق إنما يثبت بالقضاء. والقاضي لا يقضي بكلام متناقض، ولا ضمان عليهما؛ لأنهما ما أتلفا شيئا لا على المدعي ولا على المدعى عليه، فإن حكم بشهادتهم ثم رجعوا لم يفسخ الحكم؛ لأن آخر كلامهم يناقض أوله فلا ينقض الحكم بالتناقض، ولأنه في الدلالة على الصدق مثل الأول، وقد ترجح الأول باتصال القضاء به، وعليهم ضمان ما أتلفوه بشهادتهم لإقرارهم على أنفسهم بسبب الضمان. والتناقض لا يمنع صحة الإقرار،   [البناية] [كتاب الرجوع عن الشهادة] [رجع الشهود عن شهادتهم قبل الحكم بها] م: (كتاب الرجوع عن الشهادة) ش: أي: هذا كتاب في بيان أحكام الرجوع عن الشهادات. وجه المناسبة بين الكتابين من حيث إن الرجوع يقتضي سابقة الشهادة لا محالة. قيل ركنه قول الشاهد شهدت بزور شرطه أن يكون عند القاضي، وحكمه إيجاب التعزير على كل حال، سواء رجع قبل اتصال القضاء بالشهادة أو بعده، والضمان مع التعزير إن رجع بعد القضاء، أو كان المشهود به مالا وقد أزاله بغير عوض، والرجوع عن الشهادة مشروع بالإجماع، وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا رجع الشهود عن شهادتهم قبل الحكم بها سقطت) ش: أي الشهادة ولا خلاف فيه م: (لأن الحق إنما يثبت بالقضاء) ش: أي بالحكم م: (والقاضي لا يقضي بكلام متناقض) ش: لأن الشاهد لما أكذب نفسه بالرجوع تناقض كلامه، والقضاء بالكلام المتناقض لا يجوز م: (ولا ضمان عليهما؛ لأنهما ما أتلفا شيئا لا على المدعي ولا على المدعى عليه، فإن حكم بشهادتهم ثم رجعوا) ش: يعني بعد الحكم م: (لم يفسخ الحكم؛ لأن آخر كلامهم يناقض أوله، فلا ينقض الحكم بالتناقض) ش: لأنه لو اعتبر رجوعه في إبطال القضاء أدى إبطاله إلى ما لا يتناهى؛ لأنه يأتي بعد ذلك فيرجع عن هذا الرجوع، فيجب إعادة الرضاء الأول، كذا في " المبسوط " م: (ولأنه) ش: أي ولأن الكلام الآخر م: (في الدلالة على الصدق مثل الأول) ش: وكلما كان كذلك ساواه واحتيح إلى الترجيح م: (وقد ترجح الأول باتصال القضاء به) ش: فلا ينقضه به. م: (وعليهم) ش: أي وعلى الشهود م: ضمان ما أتلفوه بشهادتهم لإقرارهم على أنفسهم بسبب الضمان) ش: فقضاه القاضي، وإن كان علة للتلف لكنه كالملجأ من جهتهم فكان السبب منهم تعديا، فيضاف الحكم إليهم كما في حفر البئر على قارعة الطريق م: (والتناقض لا يمنع صحة الإقرار) ش: هذا جواب عما يقال كلامهم متناقض، وذلك ساقط العبرة، فعلى ما الضمان ووعد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 200 وسنقرره من بعد إن شاء الله تعالى. ولا يصح الرجوع إلا بحضرة الحاكم؛ لأنه فسخ للشهادة، فيختص بما تختص به الشهادة من المجلس، وهو مجلس القاضي أي قاض كان، ولأن الرجوع توبة، والتوبة على حسب الجناية، فالسر بالسر، والإعلان بالإعلان.   [البناية] تقريره من بعد بقوله م: (وسنقرره من بعد إن شاء الله تعالى) ش: وفي " المغني " كان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا يقول فيما رجع بعد القضاء: ينظر إلى حال الراجع، إن كان حاله عند الرجوع أفضل من حاله وقت الشهادة في العدالة، صح رجوعه في حق نفسه وفي حق غيره، حتى وجب عليه التعزير، وينقض القضاء ويرد المال على المشهود عليه، وإن كان حاله عند الرجوع مثل حاله عند الشهادة في العدالة ودونه يجب عليه التعزير. ولا ينقض القضاء ولا يجب الضمان عليه، وهو قول أستاذه حماد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثم رجع عن هذا وقال: لا يصح رجوعه في حق غيره، وعلى كل حال لا ينقض القضاء، ولا يرد المشهود به على المشهود عليه، وهو قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - والأئمة الثلاثة، وذكر شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " أدب القاضي " للخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وروي عن إبراهيم النخعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه كان حال المشهود، فذكر مثل ما ذكرناه الآن .... .. إلى آخره. [كيفية الرجوع عن الشهادة] م: قال: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا يصح الرجوع إلا بحضرة الحاكم) ش: سواء كان هو الحاكم الأول أو غيره. م: (لأنه) ش: أي لأن الرجوع عن الشهادة م: (فسخ للشهادة فيختص بما تختص به الشهادة من المجلس، وهو مجلس القاضي أي قاض كان) ش: وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا الدليل لا يتم إلا إذا ثبت أن فسخ الشهادة يختص بما تختص به الشهادة وهو ممنوع، فإن الرجوع إقرار بضمان مال المشهود عليه على نفسه بسبب الإتلاف بالشهادة الكاذبة، والإقرار بذلك لا يختص بمجلس الحكم. والجواب: أن الاستحقاق لا يرتفع ما دامت الحجة باقية، فلا بد من رفعها، والرجوع في غير مجلس الحكم ليس برفع للحجة؛ لأن الشهادة في غير مجلسه ليست بحجة، والإقرار بالضمان مرتب على ارتفاعها أو تثبت في ضمنه فكان من توابعه. م: (ولأن الرجوع توبة) ش: أي لأن الرجوع عن الشهادة توبة عن جناية الكذب، م: (والتوبة على حسب الجناية، فالسر بالسر، والإعلان بالإعلان) ش: فالشهادة كانت بالإعلان، والرجوع أيضا كذلك، وهذا للفظ جاء في حديث معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثه إلى اليمن فقال معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أوصني يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " عليك بتقوى الله تعالى ما استطعت، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 201 وإذا لم يصح الرجوع في غير مجلس القاضي، فلو ادعى المشهود عليه رجوعهما وأراد يمينهما لا يحلفان. وكذا لا تقبل بينته عليها؛ لأنه ادعى رجوعا باطلا، حتى لو أقام البينة أنه رجع عند قاضي كذا وضمنه المال تقبل؛ لأن السبب صحيح. . قال: وإذا شهد شاهدان بمال، فحكم الحاكم به ثم رجعا ضمنا المال للمشهود عليه؛ لأن التسبيب على وجه التعدي سبب الضمان كحافر البئر، وقد سببا للإتلاف تعديا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يضمنان؛ لأنه لا عبرة للتسبيب عند وجود المباشرة.   [البناية] واذكر الله تعالى عند كل شجر وحجر، وإذا علمت شرا فأحدث توبة، السر بالسر، والعلانية بالعلانية» . م: (وإذا لم يصح الرجوع في غير مجلس القاضي، فلو ادعى المشهود عليه رجوعهما وأراد يمينهما لا يحلفان) ش: لأنه البينة، واليمين يترتبان على دعوى صحيحة، ودعوى الرجوع في غير مجلس الحكم باطلة م: (وكذا لا تقبل بينته) ش: أي بينة المشهود عليه م: (عليها) ش: أي على الشاهدين م: (لأنه ادعى رجوعا باطلا) ش: إذ الرجوع في غير مجلس القاضي باطل م: (حتى لو أقام) ش: أي المشهود عليه م: (البينة أنه رجع عند قاضي كذا وضمنه المال تقبل) ش: أي بينته م: (لأن السبب صحيح) . قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الضمير المستكن في ضمنه يجوز أن يكون للقاضي، ومعناه حكم عليه بالضمان، لكنه لم يعط شيئا إلى الآن، ويجوز أن يكون للمدعي، ومعناه طلب من القاضي تضمنه وإلا كف، واللام في قوله لأن السبب بدل من المضاف إليه وهو قبول البينة، أي لأن سبب قبول البينة صحيح، وهو دعوى الرجوع في مجلس حكم، وقيل هو الضمان، ومعناه: لأن سبب الضمان صحيح، وهو الرجوع عند الحاكم، وليس بصحيح؛ لأن الدعوى حينئذ ليست بمطابقة للدليل، فإنها قبول البينة لا وجوب الضمان. [شهد شاهدان بمال فحكم الحاكم به ثم رجعا] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا شهد شاهدان بمال فحكم الحاكم به ثم رجعا ضمنا المال للمشهود عليه) ش: وبه قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في القول الأصح، وعنه في قول لا يضمنان م: (لأن التسبيب على وجه التعدي سبب الضمان كحافر البئر) ش: وواضع الحجر م: (وقد سببا) ش: أي الشاهدان م: (للإتلاف تعديا) ش: أي من حيث التعدي فوجب الضمان على الشهود. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يضمنان؛ لأنه لا عبرة للتسبيب عند وجود المباشرة) ش: هذا ينتقض بشهود القصاص إذا رجعوا على أصله، وبالمحرم إذا أمسك صيدا حتى قتله محرم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 202 قلنا تعذر إيجاب الضمان على المباشر وهو القاضي؛ لأنه كالملجأ إلى القضاء، وفي إيجابه صرف الناس عن تقلده وتعذر استيفاؤه من المدعي؛ لأن الحكم ماض، فاعتبر التسبيب، وإنما يضمنان إذا قبض المدعي المال دينا كان أو عينا؛ لأن الإتلاف به يتحقق. ولأنه لا مماثلة بين أخذ العين وإلزام الدين. قال: فإن رجع أحدهما ضمن النصف، والأصل   [البناية] آخر لا يقال: إن الشهود لم يوجد منهم إلا مجرد القول، ومجرد القول لا يوجب الضمان، لأنا نقول: يبطل ذلك بشهود العتق والطلاق قبل الدخول إذا رجعوا. م: (قلنا: تعذر إيجاب الضمان على المباشر وهو القاضي؛ لأنه كالملجأ إلى القضاء) ش: لأن القضاء فرض عليه بما يثبت عنده ظاهرا حتى لو لم يرد وجوب القضاء عليه يكفر، ولو رأى ذلك ومع هذا أخر القضاء يفسق، وإذا كان كالملجأ معذورا في قضائه، وإنما قال " كالملجأ " ولم يقل " أنه ملجأ حقيقة "، إذ لو كان ملجأ حقيقة على الحكم بعد الشهادة لوجب القصاص على الشاهدين في الشهادة بالقتل العمد، إذا ظهر كذبه كما في المكره، كما هو مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وليس كذلك، وهذا لأن الملجأ حقيقة من يخاف العقوبة الدنيوية، والقاضي إنما يخاف عقوبة الآخرة، ولا يصير به ملجأ؛ لأن كل واحد يقيم الطاعة خوفا من العقوبة على تركها في الآخرة ولا يصير به مكرها، ولكن لا يجب الضمان على القاضي لأنه غير متعمد. م: (وفي إيجابه) ش: أي وفي إيجاب الضمان على القاضي م: (صرف الناس عن تقلده) ش: أي عن تقلد القضاء، وفي ذلك ضرر عام فيحتمل الضرر الخاص م: (وتعذر استيفاؤه من المدعي) ش: أيضا م: (لأن الحكم ماض فاعتبر التسبيب) ش: لأن الشهود صاروا لأجله سببا لإزالة مال متقوم للغير بغير حق، كما لو شهدوا بالعتق ثم رجعوا م: (وإنما يضمنان) ش: أي الشاهدان م: (إذا قبض المدعي المال) ش: سواء م: (دينا كان أو عينا؛ لأن الإتلاف به) ش: أي بالقبض م: (يتحقق) ش: وفي ذلك لا يتفاوت بين العين والدين، وهو اختيار شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفرق شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - بين العين والدين، فقال: إن كان المشهود به عينا يضمن للمشهود عليه قبض المدعي العين أولا، وإن كان المشهود به دينا يضمنه إذا استوفاه المدعى عليه. م: (ولأنه لا مماثلة بين أخذ العين وإلزام الدين) ش: بيان ذلك أنهما إذا لزما دينا بشهادتهما فلو ضمنا قبل الأداء إلى المدعي كان قد استوفى منهما عينا بمقابلة دين، ولا مماثلة بينهما، وقال الأترازي: يعني أن المشهود به إذا كان دينا لم يستوفه المشهود له لا يجب الضمان على الشهود؛ لأن الضمان يعتمد على المماثلة، ولا مماثلة بين العين والدين. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: فإن رجع أحدهما) ش: أي أحد الشاهدين م: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 203 أن المعتبر في هذا إبقاء من بقي لا رجوع من رجع، وقد بقي من بقي بشهادته نصف الحق. وإن شهد بالمال ثلاثة، فرجع أحدهم فلا ضمان عليه؛ لأنه بقي من يبقى بشهادته كل الحق، وهذا لأن الاستحقاق باق بالحجة، والمتلف متى استحق سقط الضمان فأولى أن يمتنع. فإن رجع آخر ضمن الراجعان نصف الحق؛ لأن ببقاء أحدهم يبقى نصف الحق.   [البناية] (ضمن النصف) ش: أي النصف المشهود به م: (والأصل) ش: هنا ما ذكروا في " شرح الجامع الكبير " م: (أن المعتبر في هذا بقاء من بقي لا رجوع من رجع، وقد بقي من بقي بشهادته نصف الحق) ش: لأن وجوب الحق في الحقيقة بشهادة الشاهدين، وما زاد فهو فضل في حق القضاء، إلا أن الشهود إذا كانوا أكثر من الاثنين يضاف القضاء، ووجوب الحق إلى الكل لاستواء حالهم، وإذا رجع واحد زال الاستواء وجلت إضافة القضاء إلى الشيء. وعلى هذا رجع أحد الاثنين ضمن النصف؛ لأنه بقي من شهادة من بقي نصف الحق، فإن قيل: لا نسلم ذلك وأن الباقي فرد لا يصح لإثبات شيء به ابتداء فكذا بقاء. أجيب بأن البقاء أسهل من الابتداء، فيجوز أن يصلح في البقاء للإثبات ما لا يصلح في الابتداء لذلك كما في النصاب، فإن بعضه لا يصلح في الابتداء لإثبات الوجوب، ويصلح في البقاء بقدره. م: (وإن شهد بالمال ثلاثة، فرجع أحدهم فلا ضمان عليه) ش: أي على الراجع م: (لأنه بقي من يبقى بشهادته كل الحق) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وقال أحمد: يغرم ثلث الحق، وبه قال الشافعي في قول آخر، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (وهذا) ش: يعني عدم الضمان على الثالث الذي رجع، وقال الأترازي: وهذا، إشارة إلى قوله: لأنه بقي من يبقى بشهادته كل الحق م: (لأن الاستحقاق) ش: أي المدعي للشهود به م: (باق بالحجة) ش: التامة. م: (والمتلف متى استحق سقط الضمان) ش: أي عن المتلف بكسر اللام، صورته فيما إذا أتلف إنسان مال زيد فقضى القاضي له على المتلف بالضمان، ثم استحق المتلف عمرو، وأخذ الضمان من المتلف سقط الضمان الثابت لزيد بقضاء القاضي على المتلف م: (فأولى أن يمتنع) ش: أي الضمان من الراجع؛ لأن ابتداء استحقاق التلف يسقط الضمان، فبقاؤه أولى أن يمنع؛ لأن المنع أسهل من الدفع. م: (فإن رجع آخر) ش: أي من الثلاثة م: (ضمن الراجعان نصف المال؛ لأن ببقاء أحدهم يبقى نصف الحق) ش: هذا أيضا بناء على الأصل المتقدم؛ لأن العبرة لما كان لبقاء من بقي كان الباقي نصف الحق، فإذا بقي نصف الحق كان الثالث بالرجوع نصف الحق لا محالة فيضمنه الراجعان؛ لأن أحدهما ليس أولى من الآخر، فكان ضمان النصف عليهما على السواء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 204 وإن شهد رجل وامرأتان، فرجعت امرأة وضمنت ربع الحق لبقاء ثلاثة الأرباع ببقاء من بقي، وإن رجعتا ضمنتا نصف الحق؛ لأن بشهادة الرجل بقي نصف الحق. وإن شهد رجل وعشر نسوة، ثم رجع ثمان فقط فلا ضمان عليهن؛ لأنه بقي من يبقى بشهادته كل الحق، فإن رجعت أخرى كان عليهن ربع الحق؛ لأنه بقي النصف بشهادة الرجل والربع بشهادة الباقية، فبقي ثلاثة الأرباع. وإن رجع الرجل والنساء فعلى الرجل سدس الحق، وعلى النسوة خمسة أسداسه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: على الرجل النصف، وعلى النسوة النصف؛ لأنهن وإن كثرن يقمن مقام رجل واحد، ولهذا لا تقبل شهادتهن إلا بانضمام رجل. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن كل امرأتين قامتا مقام رجل واحد. قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -   [البناية] فإن قيل: ينبغي أن يضمن الراجع الثاني فقط؛ لأن التلف إنما أضيف إليه. قلنا: التلف مضاف إلى المجموع، إلا أن برجوع الأول لم يظهر أثره لمانع وهو بقاء من بقي، فإذا رجع الباقي ظهر أن التلف بهما. [شهد رجل وامرأتان فرجعت امرأة] م: (وإن شهد رجل وامرأتان فرجعت امرأة وضمنت ربع الحق لبقاء ثلاثة الأرباع ببقاء من بقي، وإن رجعتا) ش: أي المرأتان م: (ضمنتا نصف الحق؛ لأن بشهادة الرجل بقي نصف الحق) . م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن شهد رجل وعشرة نسوة ثم رجع ثمان فقط) ش: من النساء م: (فلا ضمان عليهن؛ لأنه بقي من يبقى بشهادته كل الحق) ش: وبه قال مالك والشافعي - رحمهما الله - في قول. وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب عليهن أربعة أسدسة من الضمان، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح، م: (فإن رجعت أخرى كان عليهن) ش: أي على تسع نسوة م: (ربع الحق) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول. م: (لأنه بقي النصف بشهادة الرجل والربع) ش: أي ربع الحق م: (بشهادة الباقية فبقي ثلاثة الأرباع، وإن رجع الرجل والنساء فعلى الرجل سدس الحق وعلى النسوة خمسة أسداسه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (وقالا:) ش: أي وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (على الرجل النصف وعلى النسوة النصف) ش: وبه قال أبو العباس - رَحِمَهُ اللَّهُ - من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنهن وإن كثرن يقمن مقام رجل واحد، ولهذا لا تقبل شهادتهن إلا بانضمام رجل) ش: معهن، فلا تقبل شهادتهن وحدهن، فصارت شهادة عشر نسوة كشهادة امرأتين، فصار الضمان على الرجل والنسوة إنصافا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 205 في نقصان عقلهن: " عدلت شهادة اثنتين منهن بشهادة رجل واحد " فصار كما إذا شهد بذلك ستة رجال، ثم رجعوا، وإن رجع النسوة العشرة دون الرجل كان عليهن نصف الحق على القولين لما قلنا. " ولو شهد رجلان وامرأة بما ثم رجعوا، فالضمان عليهما دون المرأة؛ لأن الواحدة ليست بشهادة، بل هي بعض الشاهد فلا يضاف إليه الحكم. قال: وإن شهد شاهدان على امرأة بالنكاح بمقدار مهر مثلها ثم رجعا، فلا ضمان عليهما. وكذلك إذا شهدا بأقل من مهر مثلها؛ لأن منافع البعض غير متقومة عند الإتلاف؛ لأن التضمين يستدعي المماثلة على ما عرف، وإنما تضمن وتتقوم بالتملك؛ لأنها تصير متقومة ضرورة الملك إبانة لخطر المحل.   [البناية] م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن كل امرأتين قامتا مقام رجل واحد. قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في نقصان عقلهن: «عدلت شهادة كل اثنتين منهن بشهادة رجل واحد» ش: أخرجه البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث أبي سعيد الخدري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يا معشر النساء ..... " الحديث، وفيه " أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل بشهادة رجل .» الحديث " م: (فصار) ش: يعني إذا كانت امرأتان كرجل صار م: (كما إذا شهد بذلك ستة رجال ثم رجعوا، وإن رجع النسوة العشرة دون الرجل كان عليهن نصف الحق على القولين) ش: أي على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقول صاحبيه - رحمهما الله - م: (لما قلنا) ش: إن المعتبر هو بقاء من بقي، فالرجل يبقى ببقائه نصف الحق. [شهد رجلان وامرأة بمال ثم رجعوا] م: (ولو شهد رجلان وامرأة بمال ثم رجعوا فالضمان عليهما) ش: أي على الرجلين م: (دون المرأة؛ لأن الواحدة ليست بشاهدة، بل هي بعض الشاهد فلا يضاف إليه) ش: أي إلى بعض الشاهد م: (الحكم) ش: لأن القضاء يضاف إلى شهادة رجلين دون المرأة. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن شهد شاهدان على امرأة بالنكاح بمقدار مهر مثلها ثم رجعا فلا ضمان عليهما) ش: أي على الشاهدين م: (وكذلك إذا شهدا بأقل من مهر مثلها؛ لأن منافع البضع غير متقومة) ش: فلا تكون مضمونة م: (عند الإتلاف؛ لأن التضمين يستدعي المماثلة) ش: أي لا ضمان عليهما، وعند الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يضمنان لها ما زاد على ما شهدا إلى تمام مهر المثل م: (على ما عرف) ش: يعني بالنصف وهو قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] (البقرة: الآية 194) . ولا مماثلة بين العين والمنفعة التي هي العوض، أعني منفعة البضع، فلا يجب الضمان كما في إتلاف سائر منافع المغصوب، حيث لا يجب الضمان عندنا خلافا للشافعي. م: (وإنما تضمن) ش: جواب عما يقال لو لم يكن المنافع متقومة لكانت بالتملك بذلك فأجاب بقوله: إنما تضمن أي المنافع م: (وتتقوم بالتملك لأنها) ش: أي لأن المنافع م: (تصير الجزء: 9 ¦ الصفحة: 206 وكذلك إذا شهدا على رجل بتزوج امرأة بمقدار مهر مثلها؛ لأنه إتلاف بعوض لما أن البضع متقوم حال الدخول في الملك والإتلاف بعوض كلا إتلاف، وهذا لأن مبنى الضمان على المماثلة، ولا مماثلة بين الإتلاف بعوض وبينه بغير عوض. وإن شهدا بأكثر من مهر المثل، ثم رجعا ضمنا الزيادة؛ لأنهما أتلفاها من غير عوض. قال: وإن شهدا ببيع شيء بمثل القيمة أو أكثر ثم رجعا لم يضمنا؛ لأنه ليس بإتلاف معنى نظرا إلى العوض. وإن كان بأقل من القيمة ضمنا النقصان؛ لأنهما أتلفا هذا الجزء بلا عوض، ولا فرق بين أن يكون البيع باتا أو فيه خيار البائع. لأن السبب هو البيع السابق، فيضاف الحكم عند سقوط الخيار إليه، فيضاف التلف إليهم   [البناية] متقومة ضرورة الملك إبانة) ش: أي إظهارا م: (لخطر المحل) ش: حتى يكون مصونا عن الابتذال م: (وكذلك) ش: أي لا ضمان م: (إذا شهدا على رجل بتزوج امرأة بمقدار مهر مثلها؛ لأنه إتلاف بعوض لما أن البضع متقوم حال الدخول في الملك والإتلاف بعوض كلا إتلاف) ش: كما لو شهد بشراء شيء بمثل قيمته ثم رجعا لا يضمنان م: (وهذا لأن مبنى الضمان على المماثلة) ش: معناه لعدم المماثلة بينهما وهو معنى قوله: م: (ولا مماثلة بين الإتلاف بعوض وبينه بغير عوض، وإن شهدا بأكثر من مهر ثم رجعا ضمنا الزيادة؛ لأنهما أتلفها) ش: أي الزيادة م: (من غير عوض) ش: وهو يوجب الضمان. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن شهدا ببيع شيء بمثل القيمة أو أكثر ثم رجعا لم يضمنا) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا إذا كان المدعي هو المشتري، ولو كان المدعي هو البائع بأن ادعى رجل أنه باع عبده منه بألف درهم والمشتري ينكر، وقيمة العبد خمسمائة وشهدا بذلك ثم رجعا يضمنان خمسمائة، ولو كان المشتري يدعي المبيع بخمسمائة والعبد يساوي ألف درهم فشهد المشتري ثم رجعا يضمنان للبائع خمسمائة ذكره في " شرح الطحاوي " م: (لأنه ليس بإتلاف معنى) ش: أي من حيث المعنى م: (نظرا إلى العوض) ش: لأنهما لما أخرجا البيع من ملكه فقد أدخلا في ملكه بإزائه مثله، م: (وإن كان أقل من القيمة ضمنا النقصان) ش: أي للبائع إن كان المدعي هو المشتري م: (لأنهما أتلفا هذا الجزء بلا عوض) ش: أي الجزء الذي هو في مقابله الألف من قيمته بلا عوض. م: (ولا فرق بين أن يكون البيع باتا أو فيه خيار البائع؛ لأن السبب هو البيع السابق) ش: أي لأن السبب المزيل للملك هو العقد السابق على مضي المدة أو على سقوط بمضي المدة م: (فيضاف الحكم) ش: وهو زوال الملك م: (عند سقوط الخيار إليه) ش: أي إلى ذلك السبب، وقد حصل سبب الزوال بشهادة الشهود م: (فيضاف التلف إليهم) ش: يجب عليهم ضمان النقصان. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا الذي ذكره جواب سؤال بأن يقال: ينبغي أن لا يجب الضمان على الشاهدين إذا شهدا بالبيع بشرط الخيار؛ لأنهما لم تبلغا شيئا على البائع؛ لأنهما أثبتا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 207 وإن شهدا على رجل أنه طلق امرأته قبل الدخول بها، ثم رجعا ضمنا نصف المهر؛ لأنهما أكدا ضمانا على شرف السقوط، ألا ترى أنها لو طاوعت ابن الزوج أو ارتدت سقط المهر أصلا، ولأن الفرقة قبل الدخول في معنى الفسخ،   [البناية] البيع بشرط الخيار، والبائع لم يزل ملكه عن البيع بعد، وإنما يزول إذا مضت المدة وهو ساكت، فإذا سكت عن الرد كان راضيا بزوال ملكه، فكيف يجب الضمان على الشهود حينئذ؟، فقال: لأن السبب هو السابق ...... إلى آخره. [شهدا على رجل أنه طلق امرأته قبل الدخول بها ثم رجعا] م: (وإن شهدا على رجل أنه طلق امرأته قبل الدخول بها، ثم رجعا ضمنا نصف المهر) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية ابن القاسم - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية الربيع عنه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية المزني عنه: يضمن مهر المثل؛ لأن البضع عنده متقوم دخولا وخروجا. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية أشهب عنه: لا ضمان على الشهود م: (لأنهما) ش: أي لأن الشاهدين م: (أكدا ضمانا على شرف السقوط) ش: بارتدادها وتقبيلها ابن زوجها وهو معنى قوله م: (ألا ترى أنها) ش: أي أن المرأة م: (لو طاوعت ابن الزوج أو ارتدت سقط المهر أصلا) ش: أي لأنه حينئذ يسقط عنه جميع المهر، والتأكيد شبهة بالإيجاب، ولهذا إذا أكره الرجل على طلاق امرأته قبل الدخول بها، كان له أن يرجع بنصف المهر على الذي أكرهه. م: (ولأن الفرقة قبل الدخول) ش: أي قبل دخول الزوج عليها م: (في معنى الفسخ) ش: يعود المبدل وهو البضع إليها كما كان، فصار بمنزلة الفسخ قبل قبض المبيع، وإنما قال في معنى الفسخ ولم يقل هو فسخ؛ لأن النكاح بعد اللزوم لا يقبل الفسخ، لكن لما عاد المبدل إليها قبل الدخول كما كان صار بمنزلة الفسخ، فيكون وجوب نصف المهر ابتداء بشهادتهما. وإنما قال: النكاح بعد اللزوم لا تقبل الفسخ، فيكون وجوب نصف المهر بشهادتهما، وإنما قال النكاح بعد اللزوم لا تقبل الفسخ؛ لأنه قبل اللزوم يقبله، كما لو نكح الصغيرة أخره، فلها خيار الفسخ بعد البلوغ لما أن النكاح لم يقع لازما، وإنما قيد قبل الدخول؛ لأنه لو طلقها بعد الدخول لم يجب شيء عليهما بالرجوع عندنا ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب مهر المثل عليهما والمسألة مشهورة، وفي " الكافي ": لو شهدا بالطلاق قبل الدخول ثم رجعا بعد موته عزما لورثته نصف المهر، ولم ترث لأنا حكمنا بالبينونة قبل الموت في حال الحياة، ولو شهدا بعد موت الزوج أنه طلقها قبل الدخول في حياته، ثم رجعا لم يضمنا للورثة؛ لأن الشهادة وقعت لهم وضمنا للمرأة نصف المهر والميراث، وبه قال الجزء: 9 ¦ الصفحة: 208 فيوجب سقوط جميع المهر كما مر في النكاح، ثم يجب نصف المهر ابتداء بطريقة المتعة، فكان واجبا بشهادتهما. قال: وإن شهدا على أنه أعتق عبده ثم رجعا، ضمنا قيمته لأنهما أتلفا مالية العبد عليه من غير عوض والولاء للمعتق؛ لأن العتق لا يتحول إليهما بهذا الضمان، فلا يتحول الولاء إليهما.   [البناية] مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (فيوجب) ش: أي الفرقة م: (سقوط جميع المهر كما مر في النكاح) ش: أي في باب المهر عند قوله: وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا لمطلقة واحدة، وهي التي طلقها قبل الدخول بها وقد سمى لها مهرا. وفي " التحفة ": ولو شهدا على رجل أنه طلق امرأته ثلاثا، وقد دخل بها وقضى القاضي ثم رجعا يضمنان الأمان أو على مهر المثل؛ لأن بقدر المهر إتلاف بعوض وهو استيفاء منافع البضع؛ لأن قبل الدخول إن كان المهر مسمى ضمنا النصف وإن لم يكن مسمى يضمنان المتعة؛ لأن ذلك تلف بشهادتهما، ولم يحصل له بمقابلته عوض. م: (ثم يجب نصف المهر ابتداء بطريقة المتعة) ش: ولهذا لا يجمع بينهما وبين مهر المثل. حاصل الكلام: أن نصف المهر إنما يجب في الطلاق قبل الدخول ابتداء على طريق المتعة، وقد ألزمه الشاهدان على الزوج ولم يكن واجب عليه م: (فكان واجبا بشهادتهما) ش: فوجب الضمان عليهما كما إذا شهدا بمال فقضى به ثم رجعا. [شهدا على أنه أعتق عبده ثم رجعا] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن شهدا على أنه أعتق عبده، ثم رجعا ضمنا قيمته) ش: أي قيمة العبد، ولا خلاف فيه موسرين كانا أو معسرين م: (لأنهما أتلفا مالية العبد عليه) ش: أي على مولى العبد م: (من غير عوض والولاء للمعتق؛ لأن العتق لا يتحول إليهما) ش: أي إلى الشاهدين م: (بهذا الضمان) ش: لأنه مما لا يحتمل الفسخ، فإذا كان كذلك م: (فلا يتحول الولاء إليهما) ش: لأن الولاء لمن أعتق، فإن قيل ينبغي أن لا يكون الولاء للمولى لأنه ينكر العتق، قلنا صار مكذبا شرعا بالقضاء؛ لأن القاضي لما قضى عليه بالعتق تبعه بالولاء. وفي " المبسوط ": لو شهدا أنه دبره فقضى بذلك ثم رجعا ضمنا ما نقضه التدبير؛ لأن ملك المالية للموصي ينتقض بالتدبير فيضمنان النقصان؛ ولو شهدا بالكتابة فقضى بذلك، ثم رجعا ضمنا قيمة العبد، ويتبعان المكاتب ببدل الكتاب على نحوهما؛ لأنهما قاما مقام المولى في ذلك حتى ضمنا قيمته، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهكذا قال في المدبر. وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في المكاتب يرجع بالنقصان ولا يعتق المكاتب حتى يؤدي ما عليه إليهما، فإذا أداه إليهما، فالولاء للذي كاتبه، ولو عجز ورد إلى الرق كان لمولاه؛ لأن رقبته لم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 209 وإن شهدوا بقصاص، ثم رجعوا بعد القتل ضمنوا الدية، ولا يقتص منهم. وقال الشافعي: يقتص منهم لوجود القتل منهم تسبيبا، فأشبه المكره بل أولى؛ لأن الولي يعان والمكره يمنع. ولنا: أن القتل مباشرة لم يوجد، وكذا تسبيبا؛ لأن التسبيب ما يفضي إليه غالبا. وهاهنا لا يفضي؛ لأن العفو مندوب بخلاف المكره؛ لأنه يؤثر حياته ظاهرا،   [البناية] تعد مملوكة لهما، ولو شهدا بإقرار المولى أن أمته أم ولده والمولى ينكر فقضى بذلك ثم رجعا، فإن لم يكن معها ولد ضمنا نقصان قيمتها، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ضمنا قيمتها للمولى. [شهدوا بقصاص ثم رجعوا بعد القتل] م: (وإن شهدوا بقصاص ثم رجعوا بعد القتل ضمنا الدية) ش: وبه قال ابن القاسم المالكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا يقتص منهم) ش: أي من الشاهدين م: (وقال الشافعي: يقتص منهم) ش: وبه قال أحمد وأشهب المالكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لوجود القتل منهم تسبيبا) ش: أي من حيث السببية م: (فأشبه المكره) ش: بكسر الراء، أي فأشبه المسبب ها هنا وهو الشاهد المكره. قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الشاهد المكره إن كان اسم فاعل أو أشبه القاضي المكره؛ لأنه كالملجأ بشهادتهما حتى لو لم ير الوجوب كفر إن كان اسم مفعول، وقيل: أشبه الولي المكره وهو ليس بشيء؛ لأنه ليس بملجأ إلى القتل م: (بل أولى) ش: أي التشبيه ها هنا أولى من الإكراه؛ لأن التشبيه موجب من حيث الإفضاء، ولا إفضاء ها هنا أكثر م: (لأن الولي يعان) ش: على الاستيفاء م: (والمكره) ش: بفتح الراء م: (يمنع) ش: لأن الشاهد بمنزلة المكره بكسر الراء، والولي بمنزلة المكره بفتح الراء. م: (ولنا أن القتل مباشرة) ش: أي من حيث المباشرة م: (لم يوجد، وكذا) ش: أي وكذا لم يوجد م: (تسبيبا) ش: أي من حيث السببية، وكل واحد من قوله مباشرة وتسبيبا نصب على التمييز لما قدرنا. م: (لأن التسبيب ما يفضي إليه غالبا، وها هنا لا يفضي) ش: فيما نحن فيه م: (لأن العفو مندوب) ش: من الولي. قال الله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] (البقرة الآية: 237) . م: (بخلاف المكره) ش: بفتح الراء م: (لأنه يؤثر حياته ظاهرا) ش: والإكراه يفضي إلى القتل غالبا. وفي " الكافي ": وقوله في " الهداية " ولنا أن القتل مباشرة لم يوجد، إلى قوله: لأنه يؤثر حياته ظاهرا، مشكل لأن الأمر على القلب والظاهر، أن الولي يقدم على القتل لكونه مباحا، وبه يدرك تارة، والظاهر أن المكره لا يقتل لأنه لا يباح له قتله، ويحتمل أن يرتدع المكره عنه أو يلحقه الفوت، أجيب عنه بأنه إنما قال الشيخ ظاهرا بالنظر إلى حال المسلم المتدين؛ لأنه لا يلحقه بعفوه ضرر بنفسه وماله، ويحصل له للأجر الكثير، فأما المكره يختار حياته بأدنى رخصة في الشرع، وترجحه على حياة غيره، واحتمال الفوت نادر، وعلى تقدير لحوق الفوت لم يبق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 210 ولأن الفعل الاختياري مما يقطع النسبة، ثم لا أقل من الشبهة وهي دارئة للقصاص، بخلاف المال؛ لأنه يثبت مع الشبهات والباقي يعرف المختلف. قال: وإذا رجع شهود الفرع ضمنوا   [البناية] الإكراه وكلامنا في الإكراه. م: (ولأن الفعل الاختياري) ش: هذا جواب عما يقال ظهور إيثار حياته، إما أن يكون شرعا أو طبعا، فالأول ممنوع لأن المسلم مندوب إلى الصبر على القتل، فصار كالعفو عن القصاص، والثاني مسلم ولكنه معارض بطبع ولي المقتول، فإنه يؤثر السعي في القصاص ظاهرا، فأجاب المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بطريق التبدل فقال: ولأن الفعل الاختياري - يعني سلمنا أن ثمة سبب ولكن الفعل الاختياري م: (مما يقطع النسبة) ش: أي نسبة ذلك العقل إلى غيره، والفعل ها هنا وهو القتل وجد من المولى باختياره الصحيح، فيقطع نسبته إلى الشهود، سلمنا أنه لا يقطع نسبته إلى الشهود، ولكن من شبهة هو معنى قوله: م: (ثم لا أقل من شبهة) ش: أي لا أقل أن يورث شبهته، أي شبهة قطع النسبة م: (وهي دارئة للقصاص) ش: أي مانعة من القصاص. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولأن الفعل الاختياري ..... إلى آخره، وهو قتل الولي يعني بعد الشهادة وحكم القاضي، وجد فعل الولي وهو ذلك مختار، فيقطع النسبة عن الشهود، كما إذا اشتكى إنسان كلبا على آخر فخرق ثوب المشتكى عليه لا يضمن المشتكى شيئا؛ لأن الخوف فعل اختياري من الكلب فيقطع النسبة عن المشتكى، وكمن فتح باب القفص حتى طار الطير، بخلاف المكره، فإنه وإن كان مختارا لكنه فاسد الاختيار، فصار كالآلة، بخلاف شق الذق بعدم إمكان الإضافة إلى المائع لعدم الاختيار. م: (بخلاف المال) ش: أي الدية م: (لأنه) ش: أي لأن المال م: (يثبت مع الشبهات) ش: فلا يلزم من سقوط ما يسقط بالشبهات سقوط ما يثبت بها. فإن رجع أحدهما فعليه نصف الدية، فإن رجع الولي معهما، أو جاء المشهود بقتله حيا فلولي المقتول الخيار بين تضمين الشاهدين، أو تضمين القاتل لأن القاتل متلف حقيقة، والشاهدين حكما، فإن ضمن الولي لم يرجع على الشاهدين بشيء. وإن ضمن الشاهدين لم يرجعا على الولي في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما م: (والباقي يعرف في المختلف) ش: أي في مختلف الرواية تصنيف الفقيه أبي الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا مصنف علاء الدين العالم. [رجوع شهود الفرع عن شهادتهم في مجلس القاضي بعد القضاء بشهادتهم] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا رجع شهود الفرع ضمنوا) ش: يعني إذا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 211 لأن الشهادة في مجلس القضاء صدرت منهم، فكان التلف مضافا إليهم. ولو رجع شهود الأصل وقالوا: لم نشهد شهود الفرع على شهادتنا، فلا ضمان عليهم؛ لأنهم أنكروا السبب وهو الإشهاد. فلا يبطل القضاء لأنه خبر محتمل، فصار كرجوع الشاهد بخلاف ما قبل القضاء. وإن قالوا: أشهدناهم وغلطنا ضمنوا، وهذا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: لا ضمان عليهم؛ لأن القضاء وقع بشهادة الفروع؛ لأن القاضي يقضي بما يعاين من الحجة وهي شهادتهم، وله: أن الفروع نقلوا شهادة الأصول، فصار كأنهم   [البناية] رجعوا عن شهادتهم في مجلس القاضي بعد القضاء بشهادتهم ضمنوا المشهود به م: (لأن الشهادة في مجلس القضاء صدرت منهم، فكان التلف مضافا إليهم) ش: فوجب عليهم الضمان. م: (ولو رجع شهود الأصل وقالوا لم نشهد شهود الفرع على شهادتنا، فلا ضمان عليهم لأنهم أنكروا السبب وهو الإشهاد) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة، وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه: يضمنون كالمرتهن، م: (فلا يبطل القضاء لأنه خبر محتمل) ش: للصدق والكذب، فلا يبطل القضاء بالاحتمال. م: (فصار كرجوع الشاهد) ش: أي شاهد الأصل، كما لو شهد بنفسه وقضى القاضي بشهادته، ثم رجع لا يبطل القضاء بالرجوع، فكذا لا يبطل بإنكار الإشهاد م: (بخلاف ما قبل القضاء) ش: يعني إذا أنكر شهود الأصل الإشهاد قبل القضاء بشهادة الفروع لا يقضي القاضي بشهادة الفروع بعد ذلك، كما إذا رجع الشهود قبل القضاء حيث لا يحكم القاضي بذلك. م: وإن قالوا:) ش: أي الأصول م: أشهدنا وغلطنا ضمنوا) ش: أي الأصول م: (وهذا) ش: أي وجوب الضمان م: (عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - لا ضمان عليهم، لأن القضاء وقع بشهادة الفروع؛ لأن القاضي يقضي بما يعاين من الحجة وهي) ش: أي الحجة م: (شهادتهم) ش: فالمسألة ذكرها القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولم يذكر الخلاف، وذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومثل ما ذكره ذكر " شرح الطحاوي " وعامة " شروح الجامع الكبير " و " الشامل ". وقال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح أدب القاضي ": وروى محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أصحابنا أنه لا شيء عليهم. وروى أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الإملاء ": أن عليهم ضمان ذلك عاما في ظاهر الرواية، فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - لا يضمنون، وعلى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمنون كما روى أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الإملاء ". م: (وله: أن) ش: أي ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الفروع نقلوا شهادة الأصول، فصار كأنهم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 212 حضروا، ولو رجع الأصول والفروع جميعا يجب الضمان عندهما على الفروع لا غير؛ لأن القضاء وقع بشهادتهم. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - المشهود عليه بالخيار إن شاء ضمن الأصول، وإن شاء ضمن الفروع؛ لأن القضاء وقع بشهادة الفروع من الوجه الذي ذكرا، وبشهادة الأصول من الوجه الذي ذكر، فيتخير بينهما. والجهتان متغايرتان، فلا يجمع بينهما في التضمين. وإن قال شهود الفرع: كذب شهود الأصل أو غلطوا في شهادتهم لم يلتفت إلى ذلك؛ لأن ما أمضى من القضاء لا ينتقض بقولهم، ولا يجب الضمان عليهم؛ لأنهم ما رجعوا عن شهادتهم إنما شهدوا على غيرهم بالرجوع.   [البناية] حضروا) ش: وشهدوا ثم حضروا ورجعوا م: (ولو رجع الأصول والفروع جميعا) ش: أي فعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (يجب الضمان عندهما على الفروع لا غير؛ لأن القضاء وقع بشهادتهم) ش: وهذا لأن سبب الإتلاف الشهادة القائمة في مجلس القاضي، وإذا وجد من الفروع فيجب عليهم الضمان عند الرجوع. م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المشهود عليه بالخيار إن شاء ضمن الأصول، وإن شاء ضمن الفروع؛ لأن القضاء وقع بشهادة الفروع من الوجه الذي ذكرا) ش: أي أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله -: وهو أن القاضي يقضي بما يعاين من الحجة، وهي شهادتهم م: (وبشهادة الأصول) ش: أي القضاء وقع بشهادة الأصول م: (من الوجه الذي ذكر) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قوله - إن الفروع نقلوا شهادة الأصول - م: (فيتخير بينهما) ش: أي يتخير الشهود عليه في التضمين بينهما، أي بين الوجهين إن شاء ضمن الأصول، وإن شاء ضمن الفروع على مذهب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (والجهتان متغايرتان) ش: هذا جواب عما يقال لم لا يجمع بين الجهتين حتى يضمن كل فريق نصف التلف، وتقريره أن الجهتين متغايرتان؛ لأن شهادة الأصول كانت على أصل الحق وشهادة الفروع على شهادة الأصول ولا مجانسة بينهما م: (فلا يجمع بينهما) ش: أي بين الأصول والفروع م: (في التضمين) ش: بأن يقال: يضمن الفريقان حق المدعي عليه أيضا قابل له الخيار وفي تضمين أي الفريقين شاء. [قال شهود الفرع كذب شهود الأصل وغلطوا في شهادتهم] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن قال شهود الفرع: كذب شهود الأصل وغلطوا في شهادتهم لم يلتفت إلى ذلك) ش: أي إلى قولهم، وهذا القول بعد القضاء بشهادتهما، ولم يكن مهما ضمان ذلك؛ لأنهما يقران على غيرهما بأنهما كذبا، فلا يقبل قولهما فيه م: (لأن ما أمضى من القضاء لا ينتقض بقولهم، ولا يجب الضمان عليهم؛ لأنهم ما رجعوا عن شهادتهم، إنما شهدوا على غيرهم بالرجوع) ش: وذلك لا يفيد شيئا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 213 قال: وإن رجع المزكون عن التزكية ضمنوا، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا يضمنون لأنهم أثنوا على الشهود خيرا، فصاروا كشهود الإحصان. وله أن التزكية إعمال للشهادة، إذ القاضي لا يعمل بها إلا بالتزكية، فصارت بمعنى علة العلة. بخلاف شهود الإحصان؛ لأنه شرط محض. قال: وإذا شهد شاهدان باليمين وشاهدان بوجود الشرط ثم رجعوا، فالضمان على شهود اليمين خاصة؛ لأنه هو السبب، والتلف يضاف إلى مثبتي السبب دون الشرط المحض.   [البناية] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن رجع المزكون عن التزكية ضمنوا) ش: لم يذكر القدوري فيه الخلاف، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش:، وبه قال مالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقالا: لا يضمنون؛ لأنهم أثنوا على الشهود خيرا) ش: ولم يشهدوا بحق م: (فصاروا كشهود الإحصان) ش: إذا شهدوا بإحصان المشهود عليه، فإذا رجعوا بعد ذلك لا يضمنون. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن التزكية إعمال للشهادة) ش: أي هي التي تميز الشهادة ويعمل بها م: (إذ القاضي لا يعمل بها) ش: أي بالشهادة م: (إلا بتزكية فصارت) ش: أي التزكية. م: (في معنى علة العلة) ش: والحكم يضاف إلى علة العلة كما يضاف إلى العلة، وإنما قال في معنى علة العلة؛ لأن الشهادة ليست بعلة، وإنما هي سبب أضيف الحكم إليه لتعذر الإضافة إلى العلة. م: (بخلاف شهود الإحصان لأنه شرط محض) ش: لأن الشهادة على الزنا بدون الإحصان موجبة للعقوبة، وشهود الإحصان ما جعلوا غير الموجب موجبا، والحاصل أن الإحصان ليس فيه معنى العلة؛ لأن الإحصان علامة معرفة لحكم الزنا الصادر بعد الإحصان، فلا يتوقف بثبوت الزنا على ثبوت الإحصان، ويتوقف الحكم بشهود الزنا على التزكية فظهر الفرق، ولو رجع شهود الإحصان لم يضمنوا عندنا، وعند الشافعي في قول، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: سواء رجعوا مع الشهود أو وحدهم، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي في قول، ومالك في رواية، وأحمد في رواية - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمنون. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا شهد شاهدان باليمين وشاهدان) ش: أي وشهد شاهدان آخران م: (بوجود الشرط) ش: بيانه إذا شهد شاهدان على رجل أنه قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر وشهد آخران أنه دخل الدار، وقضى القاضي بعتقه. م: (ثم رجعوا فالضمان) ش: أي ضمان قيمة العبد أو ضمان العبد م: (على شهود اليمين خاصة) ش: لفظ خاصة احتراز عن قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن الضمان عنده على الجميع م: (لأنه) ش: أي لأن اليمين م: (هو السبب، والتلف يضاف إلى مثبتي السبب دون الشرط المحض) ش: لأن السبب إذا صلح لإضافة الحكم إليه لا يضاف إلى الشرط كحافر البئر مع الملقي، فإن الضمان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 214 ألا ترى أن القاضي يقضي بشهادة اليمين دون شهود الشرط، ولو رجع شهود الشرط وحدهم اختلف المشايخ فيه. ومعنى المسألة يمين العتاق والطلاق قبل الدخول.   [البناية] عليه دون الحافر، ثم أوضح المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذلك بقوله. م: (ألا ترى أن القاضي يقضي بشهادة شهود اليمين دون شهود الشرط) ش: يعني أن القاضي يسمع الشهادة باليمين ويحكم بها، وإن لم يشهد بالدخول، وإن لم يتعلق بشهادتهم حق صاروا كشهود الإحصان، فلا يلزمهم الضمان كذا في " شرح الأقطع ". م: (ولو رجع شهود الشرط وحدهم اختلف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فيه) ش: وقال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إلى عدم وجوب الضمان على شهود الشرط. وفي " المبسوط ": ظن بعض مشايخنا أن شهود الشرط يضمنون بالرجوع فيما إذا كان اليمين ثابتا بإقرار الولي، وقالوا: لأن العلة لا تصلح لإضافة الحكم إليها؛ لأنها ليست تنفذ، فيكون الحكم مضافا إلى الشرط، إذ الشرط يخلف العلة، وهو غلط، بل الصحيح من المذهب: أن شهود الشرط لا يضمنون، نص عليه في الزيادات؛ لأن قوله أنت حر مباشرة للإتلاف عند وجود المباشرة يضاف الحكم إليه لا إلى الشرط، سواء كان الشرط بطريق التعدي أو لا. م: (ومعنى المسألة) ش: يريد به صورة المسألة م: (يمين العتق والطلاق قبل الدخول) ش: يعني شهد رجلان على أنه على عتق عبده أو طلاق امرأته بدخول الدار، وشهد آخران أنه وجد الشرط، فقضى القاضي بوقوع العتق والطلاق، ثم رجعوا جميعا، فالضمان على شهود اليمين دون الشرط لما قلنا، وإنما قيد بقوله قبل الدخول؛ لأن رجوع الشهود بالطلاق عن الشهادة إذا كان بعد دخول الزوج لا يضمنون شيئا، والله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 215 كتاب الوكالة   [البناية] [كتاب الوكالة] [تعريف الوكالة وحكمها] م: (كتاب الوكالة) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الوكالة، وجه المناسبة بينه وبين كتاب الشهادات من حيث أن كلا منهما إعانة الغير واجبا حقه. والوكالة بكسر الواو وفتحها، التفويض والتسليم من وكل إليه الأمر إذا فوضه إليه. ويقال: الوكالة لغة الحفظ، ومنه الوكيل في أسماء الله تعالى بمعنى الحافظ، وهو اسم للتوكيل من وكله، يوكله، توكيلا، والتوكيل إظهار العجز والاعتماد على الغير، والاسم التكلان، والوكيل القائم بما فوض إليه، والجمع الوكلاء فعيل بمعنى مفعول، ومعناه شرعا إقامة الإنسان غيره مقام نفسه في تصرف معلوم وركنها لفظ وكلت وأشباهه. وروى بشر عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا قال الرجل لغيره أحببت أن تبيع عبدي هذا أو هويت أو رضيت، أو شئت، أو أردت، فذلك توكيل وأمر بالبيع، وشرطها أن يملك الموكل تصرفا ويلزم الأحكام، كما سيجيء إن شاء الله تعالى، وحكمها جواز مباشرة الوكيل، فوض إليه وصفتها أنه عقد جائز، يملك كل من الموكل والوكيل العزل بدون رضى صاحبه، وسببها ما هو السبب في سائر المعاملات، وهو تعلق بناء المقدور تعاطيها، ومشروعيتها بالكتاب هو قَوْله تَعَالَى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: 19] (الكهف: الآية 19) . ولم يلحقه النكير. وبالسنة وهو ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكل حكيم بن حزام بشراء الأضحية، وعروة البارقي به أيضا، وعمرو بن أمية بقبول نكاح أم حبيبة بنت أبي سفيان، وأبا رافع بقبول نكاح ميمونة،» وبإجماع الأمة على جوازها من لدن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا، وكذا المعقول يدل عليه، إذ الإنسان قد يعجز عن حفظ ماله عند خروجه للسفر، وقد يعجز عن التصرف في ماله، إما لقلة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 216 قال: كل عقد جاز أن يعقده الإنسان بنفسه جاز أن يوكل به غيره؛ لأن الإنسان قد يعجز عن المباشرة بنفسه على اعتبار بعض الأحوال،   [البناية] هديته أو لكثرة أشغاله أو لكثرة ماله، أو لضعفه أو لوجاهته لا يتولى الأمور بنفسه فاقتضى هذا المعنى جوازها. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (كل عقد جاز أن يعقده الإنسان بنفسه جاز أن يوكل به غيره) ش: هذه ضابطة يتبين بها ما يجوز للوكيل به وما لا يجوز، واعترض عليها بأنها غير متطردة منعكسة. أما الأول: فلأن الإنسان جاز له أن يستقرض بنفسه، والتوكيل به باطل وتبع على المستقرض الذي هو التوكيل لا على الموكل، والوكيل يعقد بنفسه، وإذا وكل غيره ولم يؤذن له في ذلك لا يجوز له. والذي إذا وكل مسلما في الخمر لم يجز، وجاز أن يعقد الذي بنفسه فيها. وأما الثاني: فإن المسلم لا يجوز له عقد بيع الخمر وشراءها بنفسه، ولو وكل ذميا بذلك جاز عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. والجواب عن الأول: أن محل العقد من شروطه كون المحل ملكا مشروطا كما عرف وليس بموجود في التوكيل بالاستقراض؛ لأن الدراهم التي يستقرضها الوكيل ملك المقرض، والأمر بالتصرف في ملك الغير باطل. وفي " الذخيرة ": لو أخرج الوكيل كلامه في الاستقراض مخرج الرسالة، بأن قال: فلان يستقرض منك كذا، ففعل المقرض تكون الدراهم للآمر حتى لا يكون للوكيل أن يمنع ذلك منه، ولو أخرج الكلام مخرج الوكالة بأن قال: أقرضني عشرة فالعشرة للوكيل، وله أن يمنعها من الآمر؛ لأن التوكيل بالاستقراض باطل، بخلاف الرسالة، والمراد من قوله " أن يعقده بنفسه " هو أن يكون مستبدا به، والوكيل ليس كذلك، والذي جاز له توكيل المسلم والممتنع توكيل المسلم عنه ليس كلامنا في ذلك لجواز أن يمنع مانع عن التوكيل، وإن صح التوكيل فقد وجد المانع وهو حرمة اقتراضه منها. والجواب عن الثاني: بأن العكس غير لازم وليس بمقصود. م: (لأن الإنسان قد يعجز عن المباشرة بنفسه على اعتبار بعض الأحوال) ش: بأن يكون مريضا أو شيخا فانيا أو ذا وجاهة لا يتولى الأمور بنفسه، والتوكيل صحيح بدون هذه العوارض؛ لأن حكمة الحكم تراعى في الجنس لا في الإفراد كالسفر مع المسنة، وبهذا يجاب عما قيل بأن قوله " لأن الإنسان قد يعجز " دليل أخص من المدلول وهو جواز الوكالة فإنها جائزة. وإن لم يكن ثمة عجز الجزء: 9 ¦ الصفحة: 217 فيحتاج إلى أن يوكل به غيره، فيكون بسبيل منه دفعا للحاجة. وقد صح أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وكل بالشراء حكيم بن حزام وبالتزويج عمر بن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -   [البناية] أصلا، وتقرير الجواب كان ذلك بيان حكمة الحكم، وهي تراعي في الجنس لا في الإفراد، ويجوز أن يقال: ذكر الخاص وأراد العام، وهو الحاجة لأن الحاجة للعجز حاجة خاصة، وهو مجاز شائع وحينئذ يكون المناط وهو الحاجة، وقد يوجد بلا عجز م: (فيحتاج إلى أن يوكل به غيره فيكون بسبيل منه) ش: أي من التوكيل م: (دفعا للحاجة) ش: أي لأجل دفع الحاجة. م: (وقد صح «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكل بالشراء حكيم بن حزام» ش: هذا رواه أبو داود في " سننه " حدثنا محمد بن كثير عن سفيان، حدثني أبو حصين عن شيخ من أهل المدينة «عن حكيم بن حزام أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث معه بدينار يشتري له أضحية، فاشتراها بدينار فباعها بدينارين، فرجع واشترى أضحية بدينار وجاء بدينار إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتصدق به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودعا له أن يبارك له في تجارته» وفي إسناده مجهول ورواه الترمذي. حدثنا أبو كريب عن أبي حفص عن حبيب بن أبي ثابت عن حكيم بن حزام فذكره، وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وحبيب لم يسمع عندي عن حكيم، انتهى. وهكذا كما رأيت رواية أبي داود فيه مجهول، ورواه الترمذي منقطعا، فكيف يكون صحيحا حتى يقول المصنف، وقد صح؟! ولكن يمكن أن أستدل هنا بحديث عروة البارقي، فإن البخاري أخرجه في " صحيحه " عن على بن عبد الله، عن سفيان «عن شبيب بن غرقدة قال: سمعت الحي يتحدثون عن عروة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطاه دينارا ليشتري به شاة، فاشترى له به شاتين. فباع إحداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة، فدعى له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه» . فإن قلت: قالوا البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - بما أخرجه بغير الاحتجاج به وذكروا فيه كلاما كثيرا. قلت: قال ابن العربي: إنه حديث صحيح، وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث، وقالوا به، وهو قول أحمد وإسحاق - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وكفى بهذين الإمامين حجة، وحكيم بن حزام بكسر الحاء المهملة وبالزاي ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ويكنى أبا خالد يوم الفتح، وشهد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسلما، وكان من وجوه قريش وأشرافها، وعاش في الجاهلية ستين عاما، وفي الإسلام ستين عاما، ومات بالمدينة في خلافة معاوية - رَحِمَهُ اللَّهُ - سنة أربع وخمسين، وهو ابن مائة وعشرين سنة، وذهب بصره قبل أن يموت. م: (وبالتزويج عمر بن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: أي وكل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالتزويج عمر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 218 قال: وتجوز الوكالة بالخصومة في سائر الحقوق   [البناية] ابن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وهذا رواه النسائي في " سننه " في النكاح عن حماد بن سلمة، أنبأنا ثابت، حدثني ابن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه «عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث إليها يخطبها ..... الحديث، وفي آخره: فقالت أم سلمة: قم يا عمر فزوج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فزوجه إياها ".» وقال الأترازي: ولنا في توكيل عمر بن أبي سلمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - نظر؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوج أم سلمة بعد واقعة بدر في سنة اثنين، كذا قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكان عمر ابن أبي سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يوم توفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابن تسع سنين، قاله الواقدي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ويكون على هذا الحساب سن عمر بن أبي سلمة سنة واحدة، فكيف يوكله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم تزوج أم سلمة وهو طفل لا يعقل؟! انتهى. قلت: منه والذي قاله سبق به ابن الجوزي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فقال في " التحقيق " في هذا الحديث نظر؛ لأن عمر - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان له من العمر يوم تزوجها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث سنين، وكيف يقال لمثل هذا أن يزوج؟!، بيانه: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوجها في سنة أربع، ومات - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولعمر تسع سنين، فعلى هذا يحمل قولها لعمر: قم فزوج، على الداعية للصغير، ولو صح أن الصغير زوجها فلأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لا يحتاج إلى ولي؛ لأنه مقطوع بكفاية. وقال صاحب " التنقيح ": قوله: " أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مات ولعمر تسع سنين " بعيد وإن كان قد قاله الكلاباذي وغيره. قال ابن عبد البر: قال: إنه ولد في السنة الثانية من الهجرة إلى الحبشة، ويقوي هذا ما أخرجه مسلم في " صحيحه " «عن عمر بن أبي سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيقبل الصائم؟ فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " سل هذه "، فأخبرته أم سلمة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصنع ذلك، الحديث» . فظاهر هذا أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان كبيرا، وعرفت هذا أن الأترازي تكلم في هذا من غير تحرير ولا مراجعة إلى كتب الحديث، والحديث أخرجه أيضا أحمد وإسحاق بن راهويه، وأبو يعلى في " مسانيدهم "، ورواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه " وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. [الوكالة بالخصومة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وتجوز الوكالة بالخصومة في سائر الحقوق) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في سائر الحقوق أي جميعا، ثم قال: وفي الصحاح سائر الناس جميعهم. قلت: ذكر الجوهري هذا في كتاب " الراء في فصل السين مع الياء "، سائر الناس جميعهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 219 لما قدمنا من الحاجة، إذ ليس كل أحد يهتدي إلى وجوه الخصومات، وقد صح أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكل فيها عقيلا وبعدما أسن وكل عبد الله بن جعفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكذا بإيفائها واستيفائها، إلا في الحدود والقصاص، فإن الوكالة لا تصح باستيفائها مع غيبة الموكل عن المجلس   [البناية] قالوا إنه وهم من وجهين، أحدهما في تفسيره؛ لأن السائر بمعنى الباقي لا بمعنى الجميع، والثاني أنه أورد في الأجوف وهو مهموز العين، وفي المثل السائر: اليوم وقد زال الظهر من سار، يعني نفي يضرب لطالب الشيء من بعد اليأس منه. قلت: ذكر الجوهري أيضا أن كونه من مهموز العين لغة م: (لما قدمنا من الحاجة) ش: أشار به إلى قوله - " لأن الإنسان قد يعجز .... " إلى آخره م: (إذ ليس كل أحد يهتدي إلى وجوه الخصومات، وقد صح أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكل فيها عقيلا وبعدما أسن وكل عبد الله بن جعفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: هذا أخرجه البيهقي عن عبد الله بن جعفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كان علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يكره الخصومة، وكان إذا كانت له خصومة وكل فيها عقيل بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فلما كبر عقيل وكلني. وأخرج أيضا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان وكل عبد الله بن جعفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بالخصومة. وقال الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أدب القاضي ": حدثنا معاذ بن أنس الخرساني، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، عن محمد بن إسحاق، عن جهم بن أبي الجهم، أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان لا يحضر الخصومة، وكان يقول: إن لها قحما ويحضرها الشيطان، فجعل علي الخصومة إلي، فلما كبر ورق حولها إلي، فكان علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: ما قضى لوكيل وما قضى على وكيلي فعلي. وفي " الفائق ": لكن [ ..... ] أنه وكل أخاه عقيلا بالخصومة، ثم وكل بعده عبد الله بن جعفر وقال: لا يحضر الخصومة ويقول: إن لها قحما وإن الشياطين تحضرها إلى مهالك وشدائد، وقحم الطريق ما صعب منه وشق على سالكه، وفي هذا الحديث دليل أيضا على أن لا يحضر مجلس الخصومة بنفسه، وهو مذهبنا ومذهب عامة العلماء لصنيع علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال بعض العلماء: الأولى أن يحضر بنفسه؛ لأن الامتناع من الحضور إلى مجلس القاضي من علامات المنافقين، وقد ورد الذم على ذلك، قال الله تعالى {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور: 48] (النور: الآية 48) ، وفيه تأمل. م: (وكذا) ش: أي وكذا يجوز م: (بإيفائها) ش: أي بإيفاء الحقوق وهو أداؤها م: (واستيفائها) ش: أي وباستيفاء الحقوق وهو قبضها م: (إلا في الحدود والقصاص، فإن الوكالة لا تصح باستيفائهما مع غيبة الموكل عن المجلس) ش: قيد به لأنه يجوز استيفاء القصاص والقذف في حضوره بإجماع الأئمة الأربعة، وفي غيبته لا يجوز عندنا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وهو نصه: ويقضي به القاضي الروياني من أصحابه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 220 لأنها تندرئ بالشبهات. وشبهة العفو ثابتة حال غيبة الموكل، بل هو الظاهر للندب الشرعي، بخلاف غيبة الشاهد؛ لأن الظاهر عدم الرجوع، وبخلاف حالة الحضرة لانتفاء هذه الشبهة، وليس كل أحد يحسن الاستيفاء، فلو منع عنه ينسد باب الاستيفاء أصلا، وهذا الذي ذكرناه قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجوز الوكالة بإثبات الحدود والقصاص بإقامة الشهود أيضا، وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقيل: مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل: هذا الاختلاف في غيبته دون حضرته؛   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح، ومالك وأحمد: يجوز له استيفاء القصاص والقذف في غيبة الموكل، م: (لأنها تندرئ بالشبهات) . م: (وشبهة العفو) ش: يعني في القصاص لأن الحدود لا يعفى عنها، وشبهة عفو ولي القصاص م: (ثابتة حال غيبة الموكل، بل هو الظاهر) ش: أي بل العفو هو الظاهر م: (للندب الشرعي) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] (البقرة الآية) م: (بخلاف غيبة الشاهد) ش: حيث يستوفى الحدود والقصاص مع غيبة الشهود وإن كان رجوعهم محتملاً م: (لأن الظاهر عدم الرجوع) ش: احترازاً عن الكذب والفسق. م: (وبخلاف حالة الحضرة) ش: أي حضرة الموكل في المجلس م: (لانتفاء هذه الشبهة) ش: أي شبهة العفو. م: (وليس كل أحد يحسن الاستيفاء) ش: هذا جواب إشكال، وهو أن يقال: إذا كان الموكل حاضراً لم يحتج إلى التوكيل بالاستيفاء، إذ هو يستوفيه بنفسه، فأجاب بقوله " وليس كل أحد يحسن الاستيفاء "، يعني لقلة هدايته، أو لأن قلبه لا يحتمل ذلك، فيجوز التوكيل بالاستيفاء عند حضوره استحساناً م: (فلو منع عنه) ش: أي عن التوكيل م: (ينسد باب الاستيفاء أصلاً) ش: فلا يبقى. م: (وهذا الذي ذكرناه) ش: يعني جواز التوكيل بإثبات الحدود والقصاص م: (قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لا. [الوكالة بإثبات الحدود والقصاص بإقامة الشهود] م: (لا تجوز الوكالة بإثبات الحدود والقصاص بإقامة الشهود أيضاً) ش: وبه قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل: مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وفي " شرح الطحاوي قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مضطرب، وفي بعض الروايات ذكر قوله مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي بعضها مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذكر الطحاوي في " مختصره " قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقيل: هذا الاختلاف في غيبته) ش: أي في غيبة الموكل م: (دون حضرته) ش: فإن في حضرته يجوز التوكيل بلا خلاف م: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 221 لأن كلام الوكيل ينتقل إلى الموكل عند حضوره، فصار كأنه متكلم بنفسه. له أن التوكيل إنابة وشبهة النيابة يتحرز عنها في هذا الباب، كما في الشهادة على الشهادة، وكما في الاستيفاء. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الخصومة شرط محض؛ لأن الوجوب مضاف إلى الجناية والظهور إلى الشهادة، فيجري فيه التوكيل كما في سائر الحقوق. وعلى هذا الخلاف التوكيل بالجواب من جانب من عليه الحد والقصاص، وكلام أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه أظهر؛ لأن الشبهة لا تمنع الدفع غير أن إقرار الوكيل غير مقبول عليه لما فيه من شبهة عدم الأمر به.   [البناية] (لأن كلام الوكيل ينتقل إلى الموكل عند حضوره فصار كأنه متكلم بنفسه له) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن التوكيل إنابة) ش: أي بدل عن خصومة الموكل والإنابة فيها شبهة م: (وشبهة الإنابة يتحرز عنها في هذا الباب) ش: أي في باب الحدود والقصاص م: (كما في الشهادة على الشهادة) ش: أي كما يتحرز عن الإنابة في الشهادة، يعني لا تجوز م: (وكما في الاستيفاء) ش: أي وكما يتحرز عن الإنابة، أي عن التوكل باستيفاء الحدود والقصاص مع اتفاقاً بالجواب مع غيبة الموكل. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الخصومة شرط محض) ش: يعني ليس لها حظ في الوجوب ولا في الظهور م: (لأن الوجوب مضاف إلى الجناية، والظهور إلى الشهادة، فيجري فيه التوكيل كما في سائر الحقوق) ش: لأن " التوكيل " بها إثبات حق لا تؤثر فيه الشبهة. م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (التوكيل بالجواب من جانب من عليه الحد والقصاص) ش: أي الحد، يعني إذا وكل مطلوب وهو من عليه الحد أو القصاص رجلاً بالجواب عنه في دفع ما يطالبه عليه، قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز. وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مضطرب، وقوله " التوكيل " مبتدأ وخبره مقدماً عليه هو قوله " وعلى هذا الخلاف بالجواب " أي بأن يجيب عنه. م: (وكلام أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه) ش: أي في - التوكيل من جانب من عليه الحد م: (أظهر؛ لأن الشبهة لا تمنع الدفع) ش: أي لأن الشبهة المذكورة وهي شبهة البدلية على تقدير كونها معتبرة لا تمنع الدفع إلى الدار، ألا ترى الشهادة على الشهادة النساء مع الرجال في العفو صحيحة. م: (غير أن إقرار الوكيل غير مقبول عليه) ش: يعني إذا أقر هذا الوكيل في مجلس القضاء بوجوب القصاص على موكله لا يصح استحساناً م: (لما فيه من شبهة عدم الأمر به) ش: أي في باب الإقرار من شبهة عدم الأمر بالإقرار. وفي " المبسوط ": لو أقر في مجلس القضاء بوجوب القصاص على موكله يصح قياساً؛ لأنه قام مقام الموكل كما في سائر الحقوق. وفي الاستحسان لا يجوز كما ذكره المصنف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 222 وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز التوكيل بالخصومة من غير رضا الخصم، إلا أن يكون الموكل مريضا أو غائبا مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا، وقالا: يجوز التوكيل بغير رضا الخصم، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ولا خلاف في الجواز، إنما الخلاف في اللزوم،   [البناية] م: (وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز التوكيل بالخصومة من غير رضا الخصم) ش: سواء كان التوكيل من جانب المدعي أو من جانب المدعى عليه، ويستوي عنده الموكل إذا كان رجلاً أو امرأة، بكراً كانت أو ثيباً م: (إلا أن يكون الموكل مريضاً أو غائباً مسيرة ثلاثة أيام فصاعداً، وقالا يجوز التوكيل بغير رضا الخصم وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله -. وفي " فتاوى قاضي خان ": كان أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولاً يقول: لا تقبل الوكالة بغير رضى الخصم من الرجال وتقبل من النساء، ثم رجع وقال: تقبل من الرجال والنساء، ويستوي فيه الوضيع والشريف. وهو قول محمد والشافعي رحمهما الله، وبه أخذ الصفار. وقال الإمام السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا علم القاضي التعنت من المدعي في إباء التوكيل يقبل التوكيل بغير رضاه وهو الصحيح عندي. وإن علم المقصد أي الاضطرار من الموكل بالمدعي ليشغل الوكيل بالحيل والأباطيل والتلبيس لا يقبل. م: (ولا خلاف في الجواز) ش: أي لا خلاف بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبين صاحبيه في جواز التوكيل بالخصومة، م: (إنما الخلاف في اللزوم) ش:، فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يلزم، وعندهما يلزم معناه، وهل ترتد الوكالة برد الخصم أم لا عنده ترتد خلافاً لهما، فعلى هذا يكون معنى قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز التوكيل بالخصومة إلا برضى الخصم، أي لا يلزم إطلاق الاسم اللازم على الملزوم؛ لأن الجواز من لوازم اللزوم، هكذا قاله الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه نظر؛ لأنا لا نسلم أن الجواز لازم للزوم عرف ذلك في أصول الفقه سلمنا لكن ذلك ليس مجازاً. والحق: أن قوله: لا يجوز التوكيل بالخصومة إلا برضى الخصم في قوة قولنا التوكيل بالخصومة غير لازم، بل إن رضي به الخصم صح، وإلا فلا حاجة إلى قوله، ولا خلاف في الجواز وإلى التوجيه يجعله مجازاً، وفي " فتاوى العتابي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التوكيل بغير رضى الخصم لا يجوز، معناه لا يجبر خصمه على قبول الوكالة، وهو المختار. قال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التوكيل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بغير رضى الخصم صحيح، ولكن للخصم أن يطالب الموكل بأن يحضر بنفسه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 223 لهما: أن التوكيل تصرف في خالص حقه، فلا يتوقف على رضاء غيره، كالتوكيل بتقاضي الديون. وله: أن الجواب مستحق على الخصم، ولهذا يستحضره. والناس متفاوتون في الخصومة، فلو قلنا بلزومه، يتضرر به فيتوقف على رضاه كالعبد المشترك إذا كاتبه أحدهما يتخير الآخر بخلاف المريض والمسافر؛ لأن الجواب غير مستحق عليهما هنالك، ثم كما يلزم التوكيل عنده من المسافر يلزم إذا أراد السفر لتحقق الضرورة.   [البناية] م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد رحمهما الله م: (أن التوكيل تصرف في خالص حقه) ش: أي في حق الموكل، وهذا لأنه وكله إما بالجواب أو بالخصومة، وكلاهما حق الموكل، فإذا كان كذلك م: (فلا يتوقف على رضاء غيره كالتوكيل بتقاضي الديون وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن الجواب مستحق على الخصم) ش: أي على الخصم م: (ولهذا يستحضره) ش: في مجلس القاضي. م: (والناس متفاوتون في الخصومة) ش: وفي جوابها، فرب إنسان يصور الباطل بصورة الحق، ورب إنسان لا يمكنه تمشية الحق على وجه، فيحمل أن الوكيل ممن له حذق في الخصومات فيتضرر بذلك الخصم فيتشرط رضاه م: (فلو قلنا بلزوم) ش: أي بلزوم التوكيل بالخصومة م: (يتضرر به) ش: أي الخصم. فإذا كان كذلك م: (فيتوقف على رضاه) ش: أي على رضى الخصم ثم نظر هذا بقوله: م: (كالعبد المشترك إذا كاتبه أحدهما) ش: أي أحد الشريكين م: (يتخير الآخر) ش: أي الشريك الآخر بين أن يرضى به وبين أن يفسخه دفعاً للضرر عنه. م: (بخلاف المريض والمسافر) ش: أما المريض فلعجزه بالمرض، وأما المسافر فلغيبته م: (لأن الجواب غير مستحق عليهما) ش: لو لم يسقط عنهما لزم الحرج. قال الله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] (الحج: الآية 78) . م: (هنالك) ش: أي في المكان الذي كان فيه. وفي " فتاوى قاضي خان " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثم المريض إذا كان لا يستطيع أن يمشي على قدميه، ولكن يمكنه بركوب الدابة أو أيدي الناس، فإن ازداد مرضه بالركوب صح توكيله بغير رضى الخصم، وإن كان لا يزداد اختلفوا فيه على الخلاف أيضاً، وقيل له أن يوكل بغير رضاء وهو الصحيح م: (ثم كما يلزم التوكيل عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (من المسافر يلزم إذا أراد السفر لتحقق الضرورة) ش: إذ لو لم يجز يلحقه الحرج بالانقطاع عن مصالحه. وقال قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في فتاواه ": لكن لا يصدق أنه يريد السفر، ولكن القاضي ينظر إلى زيد وعدة سفره، أو يسأل عمن يريد أن يخرج معه فيسأله عن رفقائه، كما في فسخ الإجازة إذا أراد المستأجر فسخها بعذر السفر، فبمجرد قوله أريد السفر لا يثبت العذر إذا لم يصدقه الآجر، لكن يسأله القاضي فيقول له مع من تريد الخروج؟ ثم يسأل رفقته فإن قالوا: نعم تحقق العذر، وهو السفر في فسخ الإجارة فكذا هنا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 224 ولو كانت المرأة مخدرة لم تجر عادتها بالبروز وحضور مجلس الحكم قال الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يلزم التوكيل؛ لأنها لو حضرت لا يمكنها أن تنطق بحقها لحيائها فيلزم توكيلها. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهذا شيء استحسنه المتأخرون. قال: ومن شرط الوكالة أن يكون الموكل ممن يملك التصرف.   [البناية] م: (ولو كانت المرأة مخدرة) ش: قال البزدوي: المخدرة هي التي لا يراها غير المحارم من الرجل، أما التي جلست على المنصة فرآها الأجانب لا تكون مخدرة، فلو وكلت بالخصومة، فوجب عليها اليمين وهي لا تعرف بالخروج ومخالطة الرجال في الحوائج يبعث القاضي إليها ثلاثة من العدول ويستحلفها أحدهم، ويشهد الآخران على حلفها. وكذا في المريضة إذا وجب عليها يمين؛ لأن النيابة لا تجري في الأيمان. هكذا ذكر الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أدب القاضي "، وذكر فيه: وإن كان يبعث إلى المخدرة والمريضة وإلى المريض خليفته فيفصل الخصومة هنالك يجوز؛ لأن مجلس الخليفة كمجلسه. وفي " الذخيرة ": ومن الأعذار التي توجب لزوم التوكيل بغير رضى الخصم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الحيض في المرأة، إذا كان القاضي يقضي في المسجد، وهذه المسألة على وجهين: إن كانت الحائض طالبة قبل منها التوكيل بغير رضى الخصم، وإن كانت مطلوبة أو أخرها الطالب حتى يخرج القاضي من المسجد لا يقبل توكيلها بغير رضى خصمه، وإلا يقبل ولو كان الموكل محبوساً فهو على وجهين، إن كان محبوساً في سجن هذا القاضي لا يقبل التوكيل بغير رضى خصمه؛ لأن القاضي يخرجه حتى يخاصم ثم يعيده إلى السجن. وإن كان محبوساً في سجن الوالي ولا يمكنه الوالي من الخروج يلزم توكيله بغير رضى خصمه. م: (لم تجر عادتها بالبروز وحضور مجلس الحكم. قال الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يلزم التوكيل؛ لأنها لو حضرت لا يمكنها أن تنطق بحقها لحيائها فيلزم توكيلها) ش: والمراد بالرازي أبو بكر الخصاف أحمد بن علي - رَحِمَهُ اللَّهُ - صاحب التصانيف الكثيرة في الأصول والفروع وأحكام القرآن، وإليه انتهت رئاسة أصحاب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ببغداد بعد الشيخ أبي الحسن الكرخي، وكانت ولادته سنة خمس وثلاثمائة ومات سنة سبع وثلاثمائة م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهذا شيء استحسنه المتأخرون) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي قال أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال الأكمل، أي قال المصنف وشيخي العلاء - رحمهما الله - قال مثل ما قال الأترازي، وهو الظاهر. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن شرط الوكالة أن يكون الموكل ممن يملك التصرف) ش: أي التصرف الذي وكل به. وفي " الذخيرة ": هذا القيد، وقع على قولهما لا على الجزء: 9 ¦ الصفحة: 225 وتلزمه الأحكام،   [البناية] قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن عنده شرط الوكالة كون التوكيل حاصلاً بما يملكه، بيانه أن الشرط عنده أن يكون الوكيل مالكاً لذلك التصريف الذي وكل به، ولهذا قالا: كل عقد لا يجوز للموكل أن يباشره بنفسه لا يجوز للموكل أن يباشره له كما وكله ببيع الدم والميتة. قلنا: ينتقض هذا الكلي بعقد الصرف، فإنه لا يجوز للموكل أن يباشره بنفسه إذا كان غائباً، ويجوز للوكيل أن يتولاه، وكذلك الحاكم لا يجوز أن يحكم لنفسه، ويجوز أن يحكم له غيره، والقياس على الدم والميتة ضعيف؛ لأن أهل الذمة لا يعتقدونه مالاً، فلا يملك الوكيل تصرفه. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا الشرط الذي يشرطه القدوري يستقيم على مذهب الكل، وإنما خص هذا القائل للاستقامة على مذهبهما؛ لأنه لم يدرك كنه كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذ مضمونه كلامه: أن الوكالة لها شرط في الموكل وشرط في الوكيل: فالأول: أن يكون الموكل ممن يملك التصرف ويلزمه الأحكام. والثاني: أن يكون الوكيل ممن يعقل البيع ويقصده، ومعنى قوله: أن يكون ممن يملك التصرف، أن يكون له ولايته شرعاً في جنس التصرف بأهلية نفسه، بأن يكون عاقلاً بالغاً على وجه يلزمه حكم التصرف، وهذا المعنى حاصل في توكيل المسلم الذمي في الخمر والخنزير بيعاً وشراء؛ لأن المسلم الموكل عاقل بالغ له ولاية شرعاً في جنس التصرف، إلا في كل الأفراد على وجه يلزمه التصرف فيما يتصرف بولايته. والشرط الآخر: وهو أن يعقل البيع ويقصده حاصل في الوكيل أيضاً وهو الذمي؛ لأنه يعقل معنى البيع والشراء، أو يقصده، فصح الشرط إذن على مذهب الكل. وقال الأكمل: - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد قوله المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: ومن شرط الوكالة أن يكون الموكل ممن يملك التصرف ويلزمه الأحكام. قال صاحب " النهاية " إن هذا القصد وقع على قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -، وأما على قول أبي حنيفة فمن شرطها أن يكون الوكيل ممن يملك التصرف؛ لأن المسلم لا يملك التصرف في الخمر، ولو وكل به جاز عنده، ومنشأ هذا التوهم أن جعل اللام في قوله يملك التصرف للعبد أي يملك التصرف الذي وكل به. وأما إذا جعلت للجنس حتى يكون معناه يملك جنس التصرف احترازاً عن الصبي والمجنون فيكون على مذهب الكل. م: (وتلزمه الأحكام) ش: قيل هذا احتراز عن الوكيل، فإن الوكيل لا يثبت له حكم تصرفه حتى لا يملك الوكيل بالشراء المبيع ولا الوكيل بالبيع الثمن، فلا يصح توكيل الوكيل غيره، وقيل: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 226 لأن الوكيل يملك التصرف من جهة الموكل، فلا بد من أن يكون الموكل مالكا ليملكه من غيره. ويشترط أن يكون الوكيل ممن يعقل العقد ويقصده؛ لأنه يقوم مقام الموكل في العبارة، فيشترط أن يكون من أهل العبارة حتى لو كان صبيا لا يعقل أو مجنونا كان التوكيل باطلا. وإذا أوكل الحر العاقل البالغ، أو المأذون مثلهما جاز؛ لأن الموكل مالك للتصرف، والوكيل من أهل العبارة. وإن وكل صبيا محجورا يعقل البيع والشراء، أو عبدا محجورا جاز، ولا يتعلق بهما الحقوق، وتتعلق بموكلهما؛ لأن الصبي من أهل العبارة. ألا ترى أنه ينفذ تصرفه بإذن وليه،   [البناية] احتراز عن الصبي المحجور، فإنهما لو اشتريا شيئاً لا يملكانه فلذلك لم يصح توكيلهما م: (لأن الوكيل يملك التصرف من جهة الموكل، فلا بد من أن يكون الموكل مالكاً ليملكه من غيره، ويشترط أن يكون الوكيل ممن يعقل العقد) ش: بأن يعرف أن البيع سالب للملك، والشراء جالب وعرف الغبن اليسير من الفاحش م: (ويقصده) ش: أي يقصد العقد بمباشرة السبب لثبوت الملك ولا يكون هازلاً فيه م: (لأنه) ش: أي لأن الوكيل م: (يقوم مقام الموكل في العبارة، فيشترط أن يكون من أهل العبارة) ش: في الكلام فلا بد أن يكون من العبارة ولا يكون هذا إلا بالعقل والتمييز؛ لأن كلام غير المميز كألحان الطيور ونتيجة هذا هو قوله م: (حتى لو كان) ش: أي الوكيل م: (صبياً لا يعقل أو مجنونا كان التوكيل باطلاً) ش: إذ لا يتعلق بقولهما حكم وليس لهما قول صحيح. [أوكل الحرالعاقل البالغ أو المأذون مثلهما] م: (وإذا أوكل الحر العاقل البالغ، أو المأذون مثلهما جاز) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا غير منحصر على المثلية في صفة الحرية والرقية، بل يجوز للموكل أن يوكل من فوقه كتوكيل العبد المأذون الحر، أو من دونه كتوكيل الحر العبد المأذون لأن التعليل بقوله م: (لأن الموكل مالك للتصرف، والوكيل من أهل العبارة) ش: يشمل الأوجه الثلاثة من المثلية والفوقية والدونية. وقال الأترازي: كان ينبغي أن يقيد قوله " الحر البالغ " بالعاقل أيضاً؛ لأن المجنون إذا وكل غيره لا يصح، وكأنه إنما لم يقيد الحر بذلك بناء على الغالب، وإن الغالب أحوال الحر البالغ أن يكون عاقلاً، وكونه مجنوناً نادر، إنما أطلق المأذون حتى يشمل العبد والصبي الذي يعقل البيع والشراء، إذا كان مأذوناً له في التجارة؛ لأن توكيل الصبي المأذون غيره جائز كسائر تصرفاته، بخلاف ما إذا كان الصبي محجوراً حيث لا يجوز له أن يوكل غيره. م: (وإن وكل) ش: يعني أحد م: (صبياً محجوراً يعقل البيع والشراء، أو عبداً محجوراً جاز) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز م: (ولا يتعلق بهما الحقوق) ش: كالقاضي وأمينه، حيث لا عهدة عليهما فيما فعلا، وفيه إشارة إلى أنهما لو كانا مأذونين تتعلق الحقوق بهما لا بموكلهما م: (وتتعلق بموكلهما) ش: أي وتتعلق الحقوق لموكل الصبي المحجور والعبد المحجور م: (لأن الصبي من أهل العبارة، ألا ترى أنه ينفذ تصرفه بإذن وليه) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 227 والعبد من أهل التصرف على نفسه مالك له، إنما لا يملكه في حق المولى. والتوكيل ليس تصرفا في حقه، إلا أنه لا يصح منهما التزام العهدة. أما الصبي لقصور أهليته والعبد لحق سيده، فتلزم الموكل. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المشتري إذا لم يعلم بحال البائع ثم علم أنه صبي أو مجنون أو محجور له خيار الفسخ؛ لأنه دخل في العقد على أن حقوقه تتعلق بالعاقد، فإذا ظهر خلافه يتخير. كما إذا عثر على عيب قال: والعقد الذي يعقده الوكلاء على ضربين كل عقد يضيفه الوكيل إلى نفسه كالبيع والإجارة، فحقوقه تتعلق بالوكيل دون الموكل. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تتعلق بالموكل؛ لأن الحقوق تابعة لحكم التصرف، والحكم هو الملك يتعلق بالموكل، فكذا توابعه وصار كالرسول والوكيل في النكاح.   [البناية] م: (والعبد من أهل التصرف على نفسه مالك له، وإنما لا يملكه) ش: أي التصرف م: (في حق المولى) ش: دفعاً للضرر م: (والتوكيل ليس تصرفاً في حقه) ش: أي في حق المولى، إذ صحة التوكيل تتعلق بعبارته وأهليته والعبد يبقى على أصل الحرية في ذلك؛ لأن صحة العبارة بكونه آدمياً. م: (إلا أنه) ش: جواب إشكال وهو أن يقال إنهما لو كانا من أهل التصرف، ينبغي أن يصح منهما التزام العهدة، فأجاب بقوله " إلا أنه " أي ضمير أن الشأن م: (لا يصح منهما) ش: أي من الصبي والعبد م: (التزام العهد. أما الصبي لقصور أهليته) ش: بعدم البلوغ م: (والعبد لحق سيده) ش: لئلا يلزم الضرر به، وإذا كان كذلك م: (فتلزم) ش: أي الحقوق م: (الموكل) ش: لأنه لما تعذر التزام العهدة بهما تعلق بأقرب الناس إليهما، وهو من انتفع بهذا التصرف وهو الموكل. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المشتري إذا لم يعلم بحال البائع ثم علم أنه صبي أو مجنون) ش: قيل في " حاشية نسخة المصنف " - أو محجور - ومتنها " مجنون "، في بعض النسخ " أو عبد محجور " ولهذا قال في الكافي " -: ثم علم أنه صبي محجور أو عبد محجور م: (له خيار الفسخ) ش: وذلك م: (لأنه) ش: أي لأن المشتري م: (دخل في العقد على أن حقوقه تتعلق بالعاقد، فإذا ظهر خلافه يتخير، كما إذا عثر) ش: أي اطلع م: (على عيب) ش: الجامع بينهما عدم الرضى. [أضرب العقد الذي يعقده الوكلاء] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والعقد الذي يعقده الوكلاء على ضربين كل عقد يضيفه الوكيل إلى نفسه كالبيع والإجارة، فحقوقه تتعلق بالوكيل دون الموكل. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تتعلق بالموكل) ش: قال مالك وأحمد - رحمهما الله - م: (لأن الحقوق تابعة لحكم التصرف، والحكم هو الملك يتعلق بالموكل، فكذا توابعه) ش: أي توابع الملك م: (وصار) ش: أي الوكيل م: (كالرسول) ش: بأن قال لآخر: كن رسولي في بيع عبدي م: (والوكيل في النكاح) ش: فإن حقوق عقد النكاح تتعلق بالموكل اتفاقاً. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 228 ولنا: أن الوكيل هو العاقد حقيقة؛ لأن العقد يقوم بالكلام وصحة عبارته لكونه آدميا. وكذا حكما؛ لأنه يستغني عن إضافة العقد إلى الموكل، ولو كان سفيرا عنه لما استغنى عن ذلك كالرسول، وإذا كان كذلك كان أصيلا في الحقوق فتتعلق به. ولهذا قال في الكتاب: يسلم المبيع ويقبض الثمن ويطالب بالثمن إذا اشترى، ويقبض المبيع ويخاصم في العيب ويخاصم فيه؛ لأن كل ذلك من الحقوق والملك يثبت للموكل له خلافة عنه اعتبارا للتوكيل السابق،   [البناية] م: (ولنا أن الوكيل هو العاقد حقيقة) ش: أي من حيث الحقيقة م: (لأن العقد يقوم بالكلام وصحة عبارته) ش: أي عبارة العاقد م: (لكونه آدمياً) ش: عاقلاً أهلاً للتصرف، فقضيته تستدعي أن يكون الحاصل بالتصرف واقعاً له، غير أن الموكل استنابه في تحصيل الحكم وجعلناه نائباً في حق الحكم وراعينا الأصل في حق الحقوق. م: (وكذا حكماً) ش: أي وكذا العاقد هو العاقد من حيث الحكم، واستدل المصنف على ذلك بقوله م: (لأنه) ش: أي لأن الوكيل م: (يستغني عن إضافة العقد إلى الموكل، ولو كان سفيراً عنه لما استغنى عن ذلك) ش: أي من إضافة العقد إليه م: (كالرسول) ش: فإنه لا يستغنى عن إضافة العقد إلى الرسول م: (وإذا كان كذلك كان) ش: أي الوكيل م: (أصيلاً في الحقوق فتتعلق به) ش: أي بالوكيل. م: (ولهذا) ش: أي فلأجل كون الوكيل أصيلاً في الحقوق م: (قال في الكتاب) ش: أي: قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " و " المبسوط ". وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " وهذا هو الظاهر فإنه قال في " مختصره ": م: (يسلم المبيع ويقبض الثمن) ش: إذا كان وكيلاً بالبيع م: (ويطالب) ش: على صيغة المجهول أي الوكيل يطالب م: (بالثمن إذا اشترى، ويقبض المبيع ويخاصم) ش: بفتح الصاد على بناء المجهول أي يخاصم الوكيل م: (في العيب ويخاصم فيه) ش: إذا اشترى م: (لأن كل ذلك من الحقوق) ش: أي من حقوق العقد. م: (والملك يثبت) ش: جواب سؤال مقدر وهو أن يقال كما ثبت الملك م: (للموكل) ش: ينبغي أن تثبت الحقوق له كما قاله الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فأجاب عنه بقوله: والملك يثبت م: (له) ش: أي للموكل م: (خلافه عنه) ش: أي بطريق الخلافة عن الوكيل لا أصالة م: (اعتباراً للتوكيل السابق) ش: يعني يقوم الموكل مقامه في ثبوت الملك له للاعتبار للتوكيل الذي سبق. واعلم أن المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اختلفوا في أن الملك يثبت للوكيل بالشراء ثم ينتقل إلى الموكل منه أو يثبت للموكل ابتداء. قال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ومن تابعه بالأول وإليه ذهب بعض أصحابنا وهو اختيار الجزء: 9 ¦ الصفحة: 229 كالعبد يتهب ويصطاد ويحتطب هو الصحيح. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفي مسألة العيب تفصيل نذكره إن شاء الله تعالى. قال: وكل عقد يضيفه إلى موكله كالنكاح والخلع والصلح عن دم العمد، فإن حقوقه تتعلق بالموكل دون الوكيل، فلا يطالب وكيل الزوج بالمهر، ولا يلزم وكيل المرأة تسليمها؛ لأن الوكيل فيها سفير محض. ألا ترى أنه لا يستغنى عن إضافة العقد إلى الموكل، ولو أضافه إلى   [البناية] قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقاله أبو طاهر الدباس - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالثاني، وهو مذهب الجماعة من أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (كالعبد يتهب ويصطاد) ش: أي كالعبد يقبل الهبة ويصطاد الصيد فإنه يثبت الملك للمولى م: (ويحتطب) ش: ابتداء م: (هو الصحيح) ش: احترز به عن قول الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي " الفتاوى الصغرى " قال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قول أبو طاهر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أصح، وقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كقول أبي طاهر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وذكر الصدر الشهيد: أن القاضي أبا زيد خالفهما، فقال الوكيل نائب في حق الحكم أصيل في حق الحقوق يثبت له ثم ينتقل إلى الموكل من قبله، فوافق الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في حق الحقوق، ووافق أبا طاهر في حق الحكم وهذا أحسن. وقال في الفتاوى الصغرى: الوكيل ما دام حياً وإن كان غائباً لا تنتقل الحقوق إلى الموكل، وقال أيضاً: ذكر الفضيل - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الوكيل بالبيع إذا مات عن وصي فالحقوق تنتقل إلى وصيه دون الموكل، ولو مات ولم يوص يرفع الأمر إلى القاضي لينصب وصياً وهو قول بعض مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال بعضهم ينتقل إلى موكله ولأنه قبض الثمن. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وفي مسألة العيب تفصيل نذكره إن شاء الله تعالى) ش: نذكره بعد هذا عند قوله: وإن اشترى الوكيل ثم اطلع على عيب. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وكل عقد) ش: هذه ضابطة الضرب الثاني م: (يضيفه) ش: أي الوكيل م: (إلى موكله كالنكاح والخلع والصلح عن دم العمد، فإن حقوقه تتعلق بالموكل دون الوكيل) ش: فإذا كان كذلك م: (فلا يطالب وكيل الزوج بالمهر ولا يلزم وكيل المرأة تسليمها) ش: أي تسليم المرأة إلى موكله م: (لأن الوكيل فيها) ش: أي في هذه الأشياء المذكورة م: (سفير محض) ش: كالرسول. م: (ألا ترى أنه) ش: أي أن الوكيل م: (لا يستغنى عن إضافة العقد إلى الموكل ولو أضافه إلى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 230 نفسه كان النكاح له، فصار كالرسول وهذا لأن الحكم فيها لا يقبل الفصل عن السبب؛ لأنه إسقاط فيتلاشى فلا يتصور صدوره من شخص وثبوت حكمه لغيره فكان سفيرا. والضرب الثاني من أخواته العتق على مال، والكتابة والصلح عن الإنكار. فأما الصلح الذي هو جار مجرى البيع فهو من الضرب الأول، والوكيل بالهبة والتصدق والإعارة والإيداع والرهن والإقراض سفير أيضا؛ لأن الحكم فيها يثبت بالقبض، وأنه يلاقي محلا مملوكا للغير فلا يجعل أصيلا.   [البناية] نفسه كان النكاح له فصار كالرسول) ش: في باب البيع م: (وهذا) ش: أي كونه كالرسول فيها م: (لأن الحكم فيها) ش: أي في هذه العقود وهي النكاح وأمثاله م: (لا يقبل الفصل عن السبب) ش: وهو العقد، ولهذا لا يدخل فيها خيار الشرط؛ لأنه من قبيل الإسقاطات، فلا يقبل تراخي الحكم بالخيار وغيره، وأشار إلى هذا بقوله: م: (لأنه إسقاط فيتلاشى) ش: أي فيضمحل. م: (فلا يتصور صدوره) ش: أي صدور السبب بطريق الأصالة م: (من شخص وثبوت حكمه لغيره فكان سفيراً) ش: بخلاف البيع، فإن حكمه ينفصل عن السبب كما في البيع بشرط الخيار، فجاز أن يصدر السبب من شخص أصالة ويقع الحكم لغيره خلافة، وقيدنا بقوله " أصالة " إذ السبب يصدر من الوكيل نيابة في النكاح. م: (والضرب الثاني من أخواته) ش: أي ومن أخوات الضرب الثاني، م: (العتق على مال) ش: قوله " الضرب الثاني " مبتدأ وقوله " من أخواته " جملة وقعت خبراً له، وأراد بالضرب الثاني كل عقد يضيفه الوكيل إلى موكله، قاله الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والصواب: أن يكون الضرب الثاني مبتدأ وقوله " من أخواته " خبراً لقوله " العتق على مال " مقدماً على المبتدأ، والجملة خبر المبتدأ الأول، وصورة العتق على مال أن يوكل أحداً على أن يعتق عبده على مال م: (والكتابة والصلح عن الإنكار) ش: جعل من هذا القبيل؛ لأن بدل الصلح بمقابلة دفع الخصومة في حق المدعى عليه. م: (فأما الصلح الذي هو جار مجرى البيع) ش: أراد به الصلح عن إقرار وجعله جار مجرى البيع؛ لأنه مبادلة مال بمال، فكان حكمه حكم البيع م: (فهو من الضرب الأول) ش: متعلق الحقوق بالوكيل دون الموكل. م: (والوكيل بالهبة) ش: يعني إذا وكل رجلاً بأن يهب عبده لفلان م: (وبالتصدق) ش: بأن وكله أن يتصدق على فلان م: (والإعارة) ش: بأن وكله أن يؤجر فلاناً داره م: (والإيداع) ش: بأن وكله أن يودع متاعه. م: (والرهن) ش: بأن وكله بأن يرهن متاعه م: (والإقراض) ش: بأن وكله بأن يقرض فلاناً م: (سفير أيضاً) ش: هذا خبر لقوله " والوكيل بالهبة " فإذا كان الوكيل في هذه الأشياء سفيراً تعلقت حقوق العقد بموكله م: (لأن الحكم فيها) ش: أي في العقود المذكورة م: (تثبت بالقبض وأنه) ش: أي وأن القبض م: (يلاقي محلاً مملوكاً للغير فلا يجعل أصيلاً) ش: أي فلا يجعل الوكيل في هذه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 231 وكذا إذا كان الوكيل من جانب الملتمس، وكذا الشركة والمضاربة، إلا أن التوكيل بالاستقراض باطل حتى لا يثبت الملك للموكل بخلاف الرسالة فيه. قال: وإذا طالب الموكل المشتري بالثمن، فله أن يمنعه إياه؛ لأنه أجنبي عن العقد وحقوقه، لما أن الحقوق إلى العاقد، فإن دفعه إليه جاز ولم يكن للوكيل أن يطالبه به ثانيا؛ لأن نفس الثمن المقبوض حقه، وقد وصل إليه ولا فائدة في الأخذ منه ثم الدفع إليه،   [البناية] الأشياء أصيلاً؛ لأنه أجنبي عن المحل الذي يلاقي القبض، فكان سفيراً ومعبراً عن المالك. م: (وكذا) ش: يعني يكون سفيراً م: (إذا كان الوكيل من جانب الملتمس) ش: لذلك، نحو أن وكله بالاستعارة أو الارتهان أو الاستيهاب، فالحكم والحقوق كلها تتعلق بالموكل م: (وكذا الشركة والمضاربة) ش: يعني إذا وكل بالشركة أو بالمضاربة، فالوكيل فيهما سفير أيضاً، لا تتعلق حقوق العقد به بل تتعلق بالموكل؛ لأن الوكيل لا بد له من إضافة العقد إلى موكله، فكان سفيراً حتى لو أضاف العقد إلى نفسه لا يقع عن موكله. م: (إلا أن التوكيل بالاستقراض باطل) ش: هذا استثناء من قوله: وكذا إذا كان الوكيل من جانب الملتمس بيان بطلان استقراض الوكيل بأن العبارة للوكيل والمحل الذي أمره بالتصرف ملك الغير، فإن الدراهم التي يستقرضها الوكيل ملك المقرض، والأمر بالتصرف في ملك [الغير] باطل م: (حتى لا يثبت الملك للموكل) ش: حتى لو هلك الذي استقرضه هلك على الوكيل، م: (بخلاف الرسالة فيه) ش: أي في الاستقراض، فإن الرسالة فيه تصح بأن يقول: أرسلني فلان إليك يستقرض منك، ويثبت الملك للمستقرض. [طالب الموكل المشتري بالثمن] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا طالب الموكل المشتري بالثمن فله أن يمنعه إياه) ش: أي فللمشتري منعه إياه خلافاً للأئمة الثلاثة؛ لأن الحقوق ترجع إلى الموكل عندهم م: (لأنه) ش: أي لأن الموكل م: (أجنبي عن العقد وحقوقه، لما أن الحقوق إلى العاقد فإن دفعه إليه) ش: أي ولو دفع المشتري الثمن إلى الموكل م: (جاز) ش: دفعه م: (ولم يكن للوكيل أن يطالبه به) ش: أي أن يطالب المشتري بالثمن م: (ثانياً) ش: أي ثاني مرة م: (لأن نفس الثمن المقبوض حقه) ش: أي حق الموكل م: (وقد وصل إليه) ش: أي وقد وصل حقه إليه، وإذا كان كذلك م: (ولا فائدة في الأخذ منه) ش: أي من الموكل م: (ثم الدفع إليه) ش: وهذا بخلاف الوكيل في بيع الصرف، فإن هناك لو قبض الموكل بدل الصرف لا يجوز لأن بيع الصرف يتعلق بالقبض، فكان القبض فيه بمنزلة الإيجاب والقبول. ولو ثبت للوكيل حق القبول، وقبل الموكل لم يجز، فكذا إذا ثبت له حق القبض. وفي " الذخيرة ": ونقل من " مختلف الرواية " أن المشتري من الوصي لو دفع الثمن إلى الصبي، فللوصي أن يرجع إلى المشتري. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 232 ولهذا لو كان للمشتري على الموكل دين يقع المقاصة، ولو كان له عليهما دين يقع المقاصة بدين الموكل أيضا دون دين الوكيل، وبدين الوكيل إذا كان وحده يقع المقاصة عند أبي حنيفة، ومحمد - رحمهما الله - لما أنه يملك الإبراء عنه عندهما، ولكنه يضمنه للموكل في الفصلين.   [البناية] م: (ولهذا) ش: توضيح لقوله: أن نفس الثمن المقبوض حقه فإنه م: (لو كان للمشتري على الموكل دين يقع المقاصة، ولو كان له عليهما دين يقع المقاصة بدين الموكل أيضاً دون دين الوكيل) ش: لأن دين المقاصة إبراء بعوض، فيعتبر بالإبراء بغير عوض، وله إبراء المشتري من الثمن وخرج الكلامان معاً، فالمشتري يرى ببراءة الآمر لا ببراءة المأمور حتى لا يرجع الأمر على المأمور بشيء، فكذا هنا م: (وبدين الوكيل) ش: أي تقع المقاصة بدين الوكيل م: (إذا كان وحده يقع المقاصة عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - لما أنه) ش: أي أن الوكيل م: (يملك الإبراء عنه) ش: أي إبراء المشتري عن الثمن م: (عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وهو إبراء بعوض؛ لأن القبض حقه، فيملك المقاصة أيضاً؛ لأنه إبراء أيضاً ولكنه بعوض، فكان بالطريق الأولى أن يملكه م: (ولكنه يضمنه) ش: أي ولكن الوكيل يضمن الثمن م: (للموكل في الفصلين) ش: أي في فصل: الإبراء وفصل المقاصة بدين الوكيل. ولا يقال: ينبغي أن لا يجوز من الوكيل بالبيع مثل هذا البيع الذي يوجب المقاصة بدين الموكل؛ لأنه خالف الموكل؛ لأنه وكله ببيع يصل الثمن إليه، وها هنا لا يصل، فإذا خالف ينبغي أن لا يجوز هذا البيع لأنا نقول وصل إليه الثمن قبل البيع؛ لأنه بالبيع صار دينه قصاصاً بدين الآمر بالإجماع، كذا في " الذخيرة ". وفي " المبسوط ": قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز إبراء الوكيل للمشتري عن الثمن؛ لأنه تصرف في ملك الغير، وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إذ الثمن ملك الموكل، ولهما أن الإبراء إسقاط لحق القبض، والقبض خالص حق الوكيل حتى لا يمنع الموكل عن ذلك وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وفي " الفتاوى الصغرى ": الوكيل بالبيع يملك إسقاط الثمن عن المشتري بالإقالة والإبراء والمقاصة بما على الوكيل عندهما. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يملك ذلك، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأصل ": ولو كان البائع أبرأ المشتري، يعني أن الوكيل أبرأه من الثمن فهو جائز، وهو له ضامن وكذلك لو وهبه له، وكذلك لو اشترى متاعاً أو كانت دنانير فأخذ بها منه أو كانت دراهم فأخذ بها منه [كان] ضامناً للثمن. والذي اشترى هو له، وكذلك لو صالحه عليه صلحاً ولم يشتر، وكذلك لو أخر عن الثمن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 233 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] إلى أجل، كان ضامناً للثمن وجاز التأخير، ولو حط عنه كان ضامناً لما حط عنه، وهذا كله قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز شيء مما صنع من هذا من هبة وغيرها، والمال على حالته على المشتري. وفي " الفتاوى الصغرى ": ثم في وقوع المقاصة إن كان دين المشتري على الموكل وهو مثل الثمن صار قصاصاً إجماعاً وإن كان دينه على الوكيل فعلى الاختلاف، وإن كان عليهما يصير قصاصاً بدين الموكل. أما عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فظاهر، وأما عندهما: فلأن الثمن لو صار بدين الوكيل لاحتجنا إلى قضاء الوكيل للموكل، وصار قصاصاً بدين الموكل لا يحتاج قضاء آخر فقصرنا المسافة، ولأن الموكل يملك إسقاط الثمن عن المشتري بالإجماع فعلى هذا الحيلة في موضعين: أحدهما: إذا كان لرجل على زيد دين لا يؤديه، فيتوكل الدائن عن الغير في شرحين من زيد فإذا اشترى تقع المقصاة بين دين الوكيل على البائع وبين دين وجب للبائع على الوكيل ثم الوكيل يأخذ الثمن من موكله، والثاني: أن يوكل رب الدين غيره بالشراء من المديون، فتقع المقاصة بين دين الموكل وبين ما وجب على البائع على الوكيل، والله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 234 باب الوكالة بالبيع والشراء فصل في الشراء قال ومن وكل رجلا بشراء شيء، فلا بد من تسمية جنسه وصفته أو جنسه ومبلغ ثمنه ليصير الفعل الموكل به معلوما، فيمكنها الائتمار، إلا أن يوكله وكالة عامة، فيقول ابتع لي ما رأيت،   [البناية] [باب الوكالة بالبيع والشراء] [فصل في الشراء] [وكل رجلاً بشراء شيء هل يلزم تسمية الجنس والصفة] م: (باب الوكالة بالبيع والشراء) ش: أي هذا باب في بيان حكم الوكالة بالبيع والشراء. قدم هذا الباب على سائر الأبواب لكثرة وقوع البيع والشراء ومساس الحاجة إليه في ذلك. م: (فصل في الشراء) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الشراء، وقدم هذا الفصل على الفصول التي تأتي بعده لأن الشراء مثبت لما هو الأصل في فقد البيع وهو البيع، والبيع مزيل له والثبوت قبل الزوال فكان الشراء أولى بالتقدم. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن وكل رجلاً بشراء شيء) ش: أي غير معين لأن في المعين لا يحتاج إلى تسمية الجنس والصفة، م: (فلا بد من تسمية جنسه) ش: كالعبد والجارية، إذ العبد جنس بلسان الشرع، وكذا الجارية باعتبار اختلاف الأحكام وأراد بالجنس النوع لا مصطلح أهل النطق، فإن الجنس عندهم هو المقبول على كثيرين مختلفين بالحقيقة في جواب ما هو كالحيوان، والنوع هو المقول على كثيرين متفقين بالحقيقة في جواب ما هو، كالإنسان مثلاً. والصنف هو النوع المقيد بقيد عرض كالتركي والهندي، والمراد هنا بالجنس: ما يشمل أصنافاً على اصطلاح أولئك وبالنوع الصنف م: (وصفته) ش: أي نوعه كالتركي والهندي ولا خلاف فيه للفقهاء م: (أو جنسه ومبلغ ثمنه) ش: أي أو تسمية جنسه مقدار ثمنه، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وقال في وجه: لا يصح حتى يذكر نوعه، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشرط أن يكون معلوماً في الجملة، قيل: هو الذي ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: استحساناً، والقياس عدم الجواز، وجه الاستحسان: حديث عروة البارقي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقد مر لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر الجنس وقدر الثمن وسكت عن الصفة. م: (ليصير الفعل الموكل به معلوماً فيمكنها الائتمار) ش: أي فيمكن الوكيل الامتثال لأمر الموكل م: (إلا أن يوكله) ش: هذا استثناء من قوله " فلا بد من تسمية جنسه " يعني إذا وكله م: (وكالة عامة فيقول ابتع لي ما رأيت) ش: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 235 لأنه فوض الأمر إلى رأيه، فأي شيء يشتريه يكون ممتثلا. والأصل فيه أن الجهالة اليسيرة تتحمل في الوكالة كجهالة الوصف استحسانا؛ لأن مبنى التوكيل على التوسعة؛ لأنه استعانة وفي اعتبار هذا الشرط بعض الحرج وهو مدفوع. ثم إن كان اللفظ يجمع أجناسا أو ما هو في معنى الأجناس لا يصح التوكيل وإن بين الثمن؛ لأن بذلك الثمن يوجد من كل جنس، فلا يدري مراد الأمر لتفاحش الجهالة، وإن كان جنسا يجمع أنواعا لا يصح إلا ببيان الثمن أو النوع؛ لأنه بتقدير الثمن يصير النوع معلوما، وبذكر النوع تقل الجهالة، فلا يمنع الامتثال. مثاله: إذا وكله بشراء عبد أو جارية لا يصح؛ لأنه يشمل أنواعا، فإن بين النوع التركي والحبشي أو الهندي أو السندي أو المولد   [البناية] فلا يحتاج إلى ذكر الجنس وغيره م: (لأنه) ش: أي لأن الموكل م: (فوض الأمر إلى رأيه) ش: أي إلى رأي الوكيل م: (فأي شيء يشتريه يكون متمثلاً) ش: لأمر الموكل، وفيه خلاف لأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يقول: لا تصح هذه الوكالة العامة. [الجهالة اليسيرة في الوكالة بالبيع والشراء] م: (والأصل فيه) ش: أي في هذا الباب: م: (أن الجهالة اليسيرة تتحمل في الوكالة كجهالة الوصف استحسانا) ش: الجهالة اليسيرة جهالة النوع كالتوكيل بشراء الحمار والفرس والبغل والثوب الهروي والمروي، فإنها لا تمنع صحة الوكالة وإن لم يبين بالثمن. وقال بشر المريسي: لا تصح الوكالة، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه وأحمد في رواية؛ لأن التوكيل بالبيع والشراء يعتبر بنفس البيع والشراء، فلا تصح إلا ببيان وصف المعقود عليه، قلنا: تصح هذه الوكالة م: (لأن مبنى التوكيل على التوسعة لأنه استعانة وفي اعتبار هذا الشرط) ش: يعني اشتراط بيان الوصف م: (بعض الحرج وهو مدفوع) ش: شرعاً. م: (ثم إن كان اللفظ) ش: أي اللفظ الذي يذكره الموكل م: (يجمع أجناساً) ش: كالدابة والثوب م: (أو ما هو في معنى الأجناس) ش: كالدار والرقيق م: (لا يصح التوكيل وإن بين الثمن؛ لأن بذلك الثمن يوجد من كل جنس، فلا يدري مراد الأمر لتفاحش الجهالة) ش: والوكيل لا يقدر على الامتثال. وفي " الكافي ": الجهالة ثلاثة أنواع، فاحشة ويسيرة ومتوسطة. وقد ذكر المصنف اليسيرة والفاحشة، ويذكر عن قريب المتوسطة. م: (وإن كان) ش: أي اللفظ م: (جنساً يجمع أنواعاً) ش: كالعبد والأمة والدار م: (لا يصح إلا ببيان الثمن أو النوع لأنه بتقدير الثمن يصير النوع معلوماً، وبذكر النوع تقل الجهالة فلا يمنع الامتثال) ش: أي امتثال أمر الآمر م: (مثاله إذا وكله) ش: أي مثال هذا النوع: إذا وكل رجل رجلاً م: (بشراء عبد أو جارية لا يصح؛ لأنه) ش: أي لأن لفظ عبد أو لفظ جارية م: (يشمل أنواعاً فإذا بين النوع كالتركي أو الحبشي أو الهندي أو السندي أو المولد) ش: في المغرب المولد الذي ولد في دار السلام، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 236 جاز، وكذا إذا بين الثمن لما ذكرناه. ولو بين النوع أو الثمن ولم يبين الصفة الجودة والرداءة والسطة جاز؛ لأنه جهالة مستدركة. ومراده من الصفة المذكورة في الكتاب النوع. وفي " الجامع الصغير " ومن قال لآخر اشتر لي ثوبا أو دابة أو دارا، فالوكالة باطلة للجهالة الفاحشة، فإن الدابة في حقيقة اللغة اسم لما يدب على وجه الأرض. وفي العرف يطلق على الخيل والحمار والبغل فقد جمع أجناسا، وكذا الثوب لأنه يتناول الملبوس من الأطلس إلى الكساء، ولهذا لا يصح تسميته مهرا، وكذا الدار تشمل ما هو في معنى الأجناس؛ لأنها تختلف اختلافا فاحشا باختلاف الأغراض والجيران والمرافق والمحال والبلدان، فيتعذر الامتثال.   [البناية] وقيل: العبد الذي تولد بين العرب ونشأ بين أولادهم، م: (جاز) ش: أي التوكيل م: (وكذا) ش: أي وكذا جاز م: (إذا بين الثمن لما ذكرناه) ش: أشار به إلى قوله: لأن تقدير الثمن يصير النوع معلوماً. م: (ولو بين النوع أو الثمن ولم يبين الصفة الجودة والرداءة والسطة) ش: أي الوسط وأصله وسط حذفت الواو منه كما في عدة وغطة، وعوضت التاء في آخرها عن الواو، م: (جاز) ش: أي التوكيل م: (لأنه جهالة مستدركة) ش: أي يسيرة م: (ومراده) ش: أي مراد القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (من الصفة المذكورة) ش: وهي قوله: وصفته م: (في الكتاب النوع) ش: أي في " مختصر القدوري " ومن الكلام فيه أول الفصل. [قال لآخر اشتر لي دابة أو ثوبا أو دارا] م: (وفي " الجامع الصغير ") ش: وفائدة ذكر وضع " الجامع الصغير " بيان اشتمال لفظه على أجناس مختلفة، م: (ومن قال لآخر اشتر لي دابة أو ثوباً أو داراً، فالوكالة باطلة) ش: وإن عين الثمن حتى لو اشترى كان الشراء واقعاً على الوكيل، وبه صرح في " نسخ الجوامع " م: (للجهالة الفاحشة فإن الدابة في حقيقة اللغة اسم لما يدب على وجه الأرض، وفي العرف يطلق على الخيل والحمار والبغل، فقد جمع أجناساً وكذا الثوب لأنه يتناول الملبوس من الأطلس إلى الكساء) ش: كأنه أراد به الأرفع من الثياب ومن الكساء دونها، ولكن لم يرد في اللغة ما أراده من هذا. قال صاحب " الجمهرة ": أطلسته كدره في غيره والذئب أطلس وكذلك كل شيء يشبه وقال في " تهذيب ديوان الأدب ": الأطلس على لون الذئب، يقال ذئب أطلس، والأطلس الخلق من الثياب، ولبعض الفضلاء: أنس مشتق من الإنس، والأنس إن ثناه عن الإنس ثيابهم ملبس، ولكنها على ذباب منهم طلس. م: (ولهذا) ش: أي ولكون الثوب الملبوس من الأطلس إلى الكساء م: (لا يصح تسميته مهراً) ش: للجهالة الفاحشة، م: (وكذا الدار) ش: أي لا يصح توكيله بشراء الدار مطلقاً لأنها م: (تشمل ما هو في معنى الأجناس؛ لأنها تختلف اختلافاً فاحشاً باختلاف الأغراض والجيران والمرافق والمحال) ش: جمع محلة م: (والبلدان) ش: جمع بلد وإذا كان الاختلاف فيها فاحشاً م: (فيتعذر الامتثال) ش: أي امتثال أمر الآمر بشراء الدار مطلقاً. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 237 قال، وإن سمى ثمن الدار ووصف جنس الدار والثوب جاز معناه نوعه. وكذا إذا سمى نوع الدابة بأن قال حمارا أو نحوه. قال: ومن دفع إلى آخر دراهم وقال اشتر لي بها طعاما فهو على الحنطة ودقيقها استحسانا. والقياس أن يكون على كل مطعوم اعتبارا للحقيقة كما في اليمين على الأكل إذ الطعام اسم لما يطعم، وجه الاستحسان: أن العرف أملك وهو على ما ذكرنا إذا ذكر مقرونا بالبيع والشراء، ولا عرف في الأكل، فبقي على الوضع. وقيل إن كثرت   [البناية] م: (قال وإن سمى ثمن الدار ووصف جنس الدار) ش: بأن قال: في محلة كذا م: (والثوب) ش: أي وسمى عين الثوب م: (جاز) ش: أي التوكيل م: (معناه) ش: أي معنى قوله في " الجامع الصغير " ووصف جنس الدار. م: (نوعه) ش: لأن تفاحشهم يرتفع بذكر الوصف والثمن، م: (وكذا إذا سمى نوع الدابة، بأن قال: حمار أو نحوه) ش: مثل بغل جاز، وإن لم يبين الثمن. كذا في " المبسوط "؛ لأن الجنس صار معلوماً بالتسمية وإنما بقيت الجهالة بالوصف فتصح الوكالة بدون تسمية الثمن. فإن قيل: الحمير أنواع، منها ما يركبه العظماء، ومنها ما لا يصلح إلا للحمل. قلت: هذا اختلاف للوصف مع أن ذلك يصير معلوماً بمعرفة حال الموكل، حتى قالوا: إن القاضي أو الوالي لو أمر بشراء حمار يصرف إلى ما يركب مثله حتى لو اشتراه مقطوع الذنب أو الأذنين لا يجوز، بخلاف ما لو أمر القاضي ليرى بذلك، كذا في المبسوط. [دفع إلى آخر دراهم وقال اشتري لي حنطة] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (ومن دفع إلى آخر دراهم) ش: قيد بالدفع لأنه إذا لم تدفع الدراهم، وقال: اشتري لي حنطة أو شعيراً لم يجز؛ لأنه لم يبين المقدار، وجهالة المقدار في المكيلات كجهالة الجنس م: (وقال اشتر لي بها طعاماً فهو على الحنطة ودقيقها استحساناً، والقياس أن يكون على كل مطعوم اعتباراً للحقيقة) ش: لأن الطعام اسم للمطعوم م: (كما في اليمين على الأكل) ش: إذا حلف لا يأكل طعاماً، فأكل فاكهة يحنث م: (إذ الطعام اسم لما يطعم) ش: بحسب العرف على ما يجيء بيانه مشروحاً إن شاء الله تعالى. م: (وجه الاستحسان: أن العرف أملك) ش: أي أقوى وأرجح بالاعتبار من القياس م: (وهو على ما ذكرنا) ش: أي العرف على ما ذكرناه من أنه واقع على الحنطة ودقيقها م: (إذا ذكر مقروناً بالبيع والشراء) ش: ولهذا يسمى عندهم السوق الذي يباع فيه الحنطة ودقيقها سوق الطعام، وإذا كان السوق هكذا ترك القياس به؛ لأن العرف أقوى من القياس؛ لأن الثابت بالعرف كالثابت بالنص م: (ولا عرف في الأكل) ش: أي في اليمين بالأكل م: (فبقي على الوضع) ش: وهو أن الطعام اسم لما يطعم. م: (وقيل) ش: هو قول الفقيه أبي جعفر الهندواني - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإنه قال: م: (إن كثرت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 238 الدراهم فعلى الحنطة، وإن قلت فعلى الخبز، وإن كان فيما بين ذلك فعلى الدقيق. قال: وإذا اشترى الوكيل وقبض ثم اطلع على عيب، فله أن يرده بالعيب ما دام المبيع في يده؛ لأنه من حقوق العقد وهي كلها إليه. فإن سلمه إلى الموكل.   [البناية] الدراهم فعلى الحنطة) ش: أي الوكالة تقع على الحنطة. وقال تاج الشريعة: قوله هو على ما ذكرناه. قالوا: هذا عرف أهل الكوفة، فإن سوق الحنطة ودقيقها عندهم يسمى سوق الطعام له هو في عرف غير أهل الكوفة ينصرف التوكيل إلى شراء كل مطعوم م: (وإن قلت: فعلى الخبز) ش: أي فتقع الوكالة على الخبز م: (وإن كان فيما بين ذلك) ش: أي بين القليل والكثير م: (فعلى الدقيق) ش: وقال شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كانت الدراهم كثيرة بحيث يشتري الحنطة والدقيق والخبز، فاشترى بها الوكيل الخبز أو الدقيق لا يجوز على الموكل، وإن كانت وسطاً اشترى بها الحنطة أو الدقيق فاشترى بها الوكيل الحنطة أو الدقيق جاز، ولو اشترى بها الخبز لا يجوز، وإن كانت قليلة بحيث لا يشتري بمثلها في العرف إلا الخبز، فإنه يحوز إذا اشترى الخبز. وفي " الفتاوى الصغرى ": ما ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في عرفهم. أما في عرفنا: فالطعام ما يمكن أكله من غير دم كاللحم المطبوخ والمشوي ونحوه، فتصرف الوكالة إلى ذلك دون الحنطة والدقيق والخبز والفتوى على هذا. وفي " القدوري " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان شهد وليمة فدفع إليه دراهم كثيرة، فهو على الخبز، وإذا وكله بشراء لحم بدرهم فاشترى المطبوخ أو المشوي منه لا يجوز على الأمر إلا إذا كان مسافراً نزل خاناً، ولحم الطير الوحشي يجوز عليه إن كان في بلد يباع في أسواقه منه فيشتري الناس. وشراء الشاة الحية أو المذبوحة لا يجوز عليه، وإن سمى فهي للآمر بعشرة دراهم إلا أن تكون مسلوخة، ولو أمره بشراء البيض فهو على بيض الدجاجة، بخلاف اليمين على أكل البيض حيث يقع على بيض الطير. هذا كله من " الفتاوى الصغرى ". [اشترى الوكيل وقبض ثم اطلع على عيب] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا اشترى الوكيل وقبض ثم اطلع على عيب، فله أن يرده بالعيب ما دام المبيع في يده لأنه) ش: أي فللوكيل أن يرده بالعيب م: (من حقوق العقد وهي كلها إليه) ش:، أي الحقوق كلها إلى الوكيل م: (فإن سلمه إلى الموكل) ش: أي وإن أسلم الوكيل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 239 لم يرده إلا بإذنه؛ لأنه انتهى حكم الوكالة، ولأن فيه إبطال يده الحقيقية، فلا يتمكن منه إلا بإذنه، ولهذا كان خصما لمن يدعي في المشتري دعوى كالشفيع وغيره قبل التسليم إلى الموكل لا بعده. قال: ويجوز التوكيل بعقد الصرف والسلم؛ لأنه عقد يملكه بنفسه، فيملك التوكيل به دفعا للحاجة على ما مر، ومراده التوكيل بالإسلام دون قبول السلم؛ لأن ذلك لا يجوز، فإن الوكيل يبيع طعاما في ذمته على أن يكون الثمن لغيره، وهذا لا يجوز.   [البناية] المبيع إلى الموكل م: (لم يرده إلا بإذنه) ش: أي بإذن الموكل، م: (لأنه انتهى حكم الوكالة) ش: لأنه خرج من الوكالة وانقطع حقه م: (ولأن فيه) ش: أي في الرداء م: (إبطال يده الحقيقية) ش: أي يد الموكل. م: (فلا يتمكن منه) ش: أي من الرد م: (إلا بإذن الموكل ولهذا) ش: أي ولأجل أن حقوق العقد كلها إلى الوكيل م: (كان) ش: أي الوكيل م: (خصماً لمن يدعي في المشتري دعوى كالشفيع وغيره قبل التسليم إلى الموكل لا بعده) ش: يعني كون الوكيل خصماً لمن يدعي إنما يكون قبل تسليم الوكيل المبيع إلى الموكل لا بعد التسليم؛ لأن الحقوق ترجع اليد قبل التسليم إلى الموكل. [التوكيل بعقد الصرف والسلم] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويجوز التوكيل بعقد الصرف والسلم لأنه) ش: أي لأن عقد الصرف والسلم م: (عقد يملكه بنفسه، فيملك التوكيل به دفعاً للحاجة على ما مر) ش: في أول كتاب الوكالة ويرد عليه الاستقراض فإنه ملك الموكل ولا يملك التوكيل، وكذا يرد عليه مسألة الوكالة من جانب المسلم إليه، فإن المسلم إليه باشره بنفسه لقبول السلم يجوز. ولو وكل غيره لا يجوز. وأجاب الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن الثاني بقوله فجوابه: أن القياس أن لا يملكه المسلم لكونه بيع للمعدوم، إلا أنه جوز ذلك من المسلم إليه رخصة له دفعاً لحاجة المفاليس، وما ثبت بخلاف القياس يقتصر على مورد النص فلم يجز توكيله غيره أو نقول جاز بيع المعدوم ضرورة دفع حاجة المفاليس؛ والثابت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة فلم يظهر أثره في التوكيل، ولم يرد نقصاً على الكلي الذي قاله القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، انتهى. قلت: هذا ذكره غيره أيضاً. م: (ومراده التوكيل بالإسلام) ش: يعني أن المراد منه: التوكيل بعقد السلم من جهة رب السلم م: (دون قبول السلم لأن ذلك لا يجوز) ش: وهذا لا يجوز وهو معنى قوله: فإن ذلك لا يجوز، م: (فإن الوكيل يبيع طعاماً في ذمته على أن يكون الثمن لغيره) ش: وهو الموكل م: (وهذا لا يجوز) ش: لأن من باع ملك نفسه من الأعيان على أن يكون الثمن لغيره لم يجز، فكذلك في الديون لا يجوز، نص على ذلك محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في باب: الوكالة في السلم، فإن بطل التوكيل بقي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 240 فإن فارق الوكيل صاحبه قبل القبض بطل العقد لوجود الافتراق من غير قبض. ولا يعتبر مفارقة الموكل لأنه ليس بعاقد، والمستحق بالعقد قبض العاقد وهو الوكيل، فيصح قبضه. وإن كان لا يتعلق به الحقوق كالصبي والعبد المحجور عليه، بخلاف الرسول؛   [البناية] الوكيل عاقداً لنفسه فملك رأس المال، فلما أسلمه إلى الموكل على وجه التمليك كان قرضاً عليه فإن قيل: قد يجوز التوكيل بشيء يجب في ذمة الغير كما في الوكيل بالشراء فإن الوكيل هو المطالب بالثمن، والثمن يجب في ذمة الموكل، فينبغي أن يجوز فيما نحن فيه لجامع معنى الرسم، فإن السلم فيه دين في ذمة المسلم إليه، كالثمن؟ . قلنا: المسلم فيه دين له حكم المبيع حتى لا يجوز الاستبدال به قبل القبض، وليس للثمن حكم المبيع فلا يلزم من الجواز هناك. م: (فإن فارق الوكيل صاحبه قبل القبض بطل العقد) ش: هذا لفظ القدوري في " مختصره " أي فارق الوكيل بعقد الصرف والسلم صاحبه الذي عقد معه قبل القبض بطل العقد م: (لوجود الافتراق من غير قبض) ش: لأن القبض في المجلس شرط ولم يوجد م: (ولا يعتبر مفارقة الموكل) ش: قبل القبض م: (لأنه ليس بعاقد، والمستحق بالعقد قبض العاقد وهو الوكيل، فيصح قبضه) ش: أي قبض الوكيل بدل الصرف. م: (وإن كان لا يتعلق به الحقوق) ش: كلمة " إن " للوصل، والضمير في كان يرجع إلى الوكيل والمعنى يصح قبض الوكيل، وإن كان مما لا يلزم العهدة م: (كالصبي والعبد المحجور عليه) ش: يعني كما إذا كان الوكيل صبياً أو عبداً محجوراً لأنه العاقد. قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا جواب سؤال يرد على أصل الوكالة، فإن الصبي والعبد المحجورين إذا توكلا يصح، ولا يرجع عليهما حقوق العقد من التسليم والتسلم، فكيف يتعلق ها هنا بهما التسليم؟ والتسليم في بدل الصرف وهما وكيلان فيه حتى بطل الصرف بمفارقتها قبل القبض، فأجاب عنه: أن قبضهما صحيح وإن كان لا يلزمهما الحقوق؛ لأن القبض في الصرف من تتمة صحة العقد فيصح ممن يوجد عند العقد. م: (بخلاف الرسول) ش: أن في باب الصرف وفي باب السلم. وفي بعض النسخ: الرسولين أي الرسول في الصرف والرسول في السلم، وليس معناه الرسول من الجانبين في الصرف، والرسول من الجانبين في السلم، أي من جانب رب السلم ومن جانب المسلم إليه؛ لأنه كما لا تجوز الوكالة من جانب المسلم إليه فكذلك الرسول، ومعناه: أن الرسول إذا قبض لا يصح العقد بقبضه على ما يجيء، وقوله: " بخلاف الرسول " مرتبط بقوله: " فيصح قبضه "، أي يصح قبض الوكيل بخلاف قبض الرسول فإنه لا يصح، والمعتبر قبض الجزء: 9 ¦ الصفحة: 241 لأن الرسالة في العقد لا في القبض، وينتقل كلامه إلى المرسل فصار قبض الرسول قبض غير العاقد فلم يصح. قال: وإذا دفع الوكيل بالشراء الثمن من ماله، وقبض المبيع فله أن يرجع به على الموكل؛ لأنه انعقدت بينهما مبادلة حكمية، ولهذا إذا اختلفا في الثمن يتحالفان، ويرد الموكل بالعيب على الوكيل، وقد سلم المشتري للموكل من جهة الوكيل، فيرجع عليه، ولأن الحقوق لما كانت راجعة إليه وقد علمه الموكل، فيكون راضيا بدفعه من ماله، فإن هلك المبيع في يده قبل حبسه هلك من مال الموكل ولم يسقط الثمن؛ لأن يده كيد الموكل، فإذا لم يحبس يصير الموكل قابضا بيده. وله أن يحبسه حتى يستوفي الثمن   [البناية] المرسل م: (لأن الرسالة في العقد) ش: أي حصل فيه م: (لا في القبض. وينتقل كلامه إلى المرسل فصار قبض الرسول قبض غير العاقد فلم يصح) ش: أي قبض الرسول. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا دفع الوكيل بالشراء الثمن من ماله وقبض المبيع فله أن يرجع به) ش: أي بالثمن م: (على الموكل) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (انعقدت بينهما) ش: أي بين الوكيل والموكل م: (مبادلة حكمية) ش: أي صار الوكيل كالبائع من المشتري، والدليل على المبادلة ما أشار إليه بقوله: م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون معنى المبادلة فيه م: (إذا اختلفا) ش: أي الوكيل والموكل م: (في الثمن يتحالفان) ش: والتحالف من خواص المبادلة، م: (ويرد الموكل بالعيب على الوكيل) ش: هذا أيضاً من كون معنى المبادلة فيه، حيث يكون للموكل أن يرد المبيع على الوكيل بالشراء بالعيب م: (وقد سلم المشتري للموكل من جهة الوكيل فيرجع عليه) ش: أي يرجع الوكيل على الموكل، يعني لما كان الموكل كالمشتري من الوكيل وقد سلم له المشتري، أي: الذي اشترى له من جهة يرجع عليه، (ولأن الحقوق) دليل آخر (لما كانت إليه) أي إلى الوكيل م: (وقد علمه الموكل) ش:، أي والحال أن الموكل قد علم كون الحقوق راجعاً إليه، م: (فيكون) ش: أي الموكل م: (راضياً بدفعه) ش: أي بدفع الثمن م: (من ماله) ش: أي مال الوكيل. فإذا دفع الوكيل بسبب أمر الموكل زيادة بالشراء، كان الموكل راضياً أيضاً برجوع الوكيل بما أدى، ولم يسقط الثمن ولا خلاف فيه للأئمة الثلاثة. م: فإن هلك المبيع في يده) ش: أي في يد الوكيل م: (قبل حبسه هلك من مال الموكل ولم يسقط الثمن؛ لأن يده كيد الموكل، فإذا لم يحبس يصير الموكل قابضاً بيده) ش: أي حكماً والهلاك في يده كالهلاك في يد الموكل، فلا يبطل الرجوع، ويقال: لأن المبيع أمانة في يد الوكيل لأنه قبضه للموكل، فليس على الأمين شيء ما لم يحدث مساً، فلا يضمنه، كما إذا هلكت الوديعة في يد المودع، م: (وله) ش: أي للوكيل م: (أن يحبسه) ش: أي المبيع م: (حتى يستوفي الثمن) ش: سواء دفع الوكيل الثمن إلى البائع أو لم يدفع كذا في " المبسوط "، وقالت الأئمة الثلاثة ليس له حبسه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 242 لما بينا أنه بمنزلة البائع من الموكل. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس له ذلك؛ لأن الموكل صار قابضا بيده فكأنه سلمه إليه فيسقط حق الحبس. قلنا: هذا مما لا يمكن التحرز عنه، فلا يكون راضيا بسقوط حقه في الحبس، على أن قبضه موقوف فيقع للموكل إن لم يحبسه ولنفسه عند حبسه.   [البناية] وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس له حق الحبس، فإذا حبسه صار غاصباً على ما يجيء الآن. وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه: إذا نقد الثمن له حبسه. وفي " الذخيرة ": لم يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شيء من الكتب: أن للوكيل حبس المبيع قبل نقد الثمن، وحكى عن الإمام الحلواني: أن له ذلك، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا كلام عجيب من صاحب " الذخيرة "، وكيف خفي عليه. وقد صرح محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأصل " في باب الوكالة في الشراء، فقال: وإذا وكل الرجل رجلاً أن يشتري له عبداً بألف درهم بعينه فاشتراه الوكيل وقبضه، فطلب الآمر أخذ العبد من الوكيل وأبى الموكل أن يدفعه، فللوكيل أن يمنعه ذلك حتى يستوفي الثمن، في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن كان الوكيل نقد الثمن أو لم ينقد فهو سواء إلى هنا لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل، وفي " الفتاوى الصغرى " الوكيل بالشراء إذا اشترى بالنسبة فحل عليه الثمن بموته لا يحل على الآمر. م: (لما بينا أنه بمنزلة البائع من الموكل) ش: كأنه أشار بهذا إلى قوله لأنه انعقدت بينهما مبادلة حكمية، والمبادلة هو البيع. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس له ذلك) ش: أي حق الحبس، م: (لأن الموكل صار قابضاً بيده) ش: أي بيد الوكيل بدليل أن هلاكه في يد الوكيل كهلاكه في يد الموكل، فكأنه قبضه حقيقة، م: (فكأنه سلمه إليه فيسقط حق الحبس) ش: ولو وقع في يد الموكل حقيقة لا يكون للوكيل حق الحبس، فكذا إذا وقع في يده حكماً. م: (قلنا: هذا مما لا يمكن التحرز عنه) ش: يعني دخول البيع في يد الوكيل على وجه لا يكون ولاية الحبس، لا يمكن التحرز عنه، وما لا يمكن التحرز عنه فهو عفو، فلا يسقط حقه في الحبس لأن سقوط حقه باعتبار رضاه بتسليمه، فلا يتحقق منه الرضا فيما لا طريق له إلى التحرز عنه؛ فإذا كان كذلك م: (فلا يكون راضياً بسقوط حقه في الحبس على أن قبضه موقوف) ش: يعني لا نسلم أنه صار قابضاً بيده بل قبضه موقوف. فإذا كان موقوفاً: م: (فيقع للموكل إن لم يحبسه ولنفسه) ش: أي ويقع لنفسه أي لنفس الوكيل م: (عند حبسه) ش: حاصل الكلام: أن قبضه موقوف للتردد بين أن يكون تتميم مقصود الموكل وبين أن يكون لإحياء حق نفسه، فإذا حبسه تبين أنه قبضه لإحياء حق نفسه، فلم يكن الموكل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 243 فإن حبسه فهلك كان مضمونا ضمان الرهن عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وضمان البيع عند محمد وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وضمان الغصب عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه منع بغير حق. لهما أنه بمنزلة البائع منه، فكان حبسه لاستيفاء الثمن فيسقط بهلاكه. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وأنه مضمون بالحبس للاستيفاء بعد أن لم يكن وهو الرهن بعينه، بخلاف المبيع؛ لأن البيع ينفسخ بهلاكه، وهاهنا لا ينفسخ أصل العقد.   [البناية] قابضاً حكماً فلا يسقط حقه للضرورة. [حبس الوكيل المبيع فهلك عنده] م: (فإن حبسه) ش: أي فإن حبس الوكيل المبيع م: (فهلك كان مضموناً ضمان الرهن عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: حتى لو كان فيه وفاء بالثمن يسقط وإلا رجع بالفضل على الموكل م: (وضمان البيع عند محمد) ش: قلت قيمته أو كثرت، م: (وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش:، أي قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وضمان الغصب عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه منع بغير حق) ش:، وبه قالت الأئمة الثلاثة. وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا كان الثمن خمسة عشر مثلاً وقيمة المبيع عشرة، فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرجع الوكيل على الموكل بالفضل وهو الخمسة فتظهر فائدة ضمان الغصب، في عكس هذا وهو أن يكون قيمة المبيع خمسة عشر والثمن عشرة، يرجع الموكل على الوكيل بخمسة، فعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرجع الموكل على الوكيل بمثله إن كان مثلياً، وبقيمته بالغة ما بلغت. وعلى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يتفاوت الحال بين أن يكون الثمن كثيراً أو قليلاً؛ لأنه يسقط بهلاك المبيع، فلا يجب شيء أصلاً. م: (لهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: م: (أنه) ش: أي أن الوكيل م: (بمنزلة البائع منه) ش: أي من الوكيل، م: (فكان حبسه لاستيفاء الثمن فيسقط) ش: أي الثمن م: (بهلاكه) ش: أي بهلاك المبيع. م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه مضمون بالحبس للاستيفاء بعد أن لم يكن) ش: لأنه لم يكن مضموناً قبل الحبس وصار مضموناً بعد الحبس، م: (وهو الرهن بعينه) ش: يعني بمعنى الرهن لا بمعنى المبيع، فإن المبيع مضمون قبل الحبس بنفس العقد، م: (بخلاف المبيع) ش: فإنه ليس كذلك م: (لأن البيع ينفسخ بهلاكه) ش: أي بهلاك المبيع م: (وها هنا لا ينفسخ أصل العقد) ش: بل يبقى بين الوكيل وبائعه، فلا يكون نظير المبيع، فأجاب المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه بقوله: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 244 قلنا: ينفسخ في حق الموكل والوكيل، كما إذا رده الموكل بعيب ورضي الوكيل به. وقال: وإذا وكله شراء عشرة أرطال لحم بدرهم فاشترى عشرين رطلا بدرهم من لحم يباع منه عشرة أرطال بدرهم، لزم الموكل منه عشرة أرطال بنصف درهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يلزمه العشرون بدرهم وذكر في بعض النسخ قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع قول أبي حنيفة، ومحمد لم يذكر الخلاف في الأصل. لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه أمر بصرف الدرهم في اللحم وظن أن سعره عشرة أرطال، فإذا اشترى به عشرين فقد زاده خيرا وصار كما إذا وكله ببيع عبده بألف، فباعه بألفين.   [البناية] م: (قلنا ينفسخ في حق الموكل والوكيل، كما إذا رده الموكل بعيب ورضي الوكيل به) ش: فإنه يلزم الوكيل وينفسخ العقد فيما بين الموكل والوكيل؛ وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذه مغالطة على أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه يفرق بين هلاك المبيع قبل القبض في يد البائع وبين هلاكه في يد الوكيل بالشراء بعد حبسه عن الموكل لاستيفاء الثمن، ففي الأول: ينفسخ البيع وفي الثاني: لا؛ وانفساخ البيع بين الوكيل والموكل بالرد بالعيب لا يدل على انفساخه إذا هلك في يد الوكيل فخرج الجواب عن موضع النزاع انتهى. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيل وهذه مغالطة على أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ... إلى آخر ما ذكره الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم قال وإنه كما ترى فاسد؛ لأنه إذا فرض أن الوكيل بائع كان الهلاك في يده كالهلاك في يد بائع ليس بوكيل، فاستويا في وجود الفسخ وبطل الفرق، بل إذا تأملت وجدت ما ذكر عن جانب أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - غلطاً أو مغالطة، وذلك لأن البائع من الوكيل بمنزلة بائع البائع، وإذا انفسخ العقد بين المشتري وبائعه لا يلزم منه الفسخ بين البائع وبائعه، فكان ذكره أحدهما يعني غلطاً أو مغالطة. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا وكله شراء عشرة أرطال لحم بدرهم، فاشترى عشرين رطلاً بدرهم من لحم يباع منه عشرة أرطال بدرهم) ش: أي إذا كانت عشرة أرطال من ذلك اللحم يساوي قيمته درهماً قيد به؛ لأنه إذا كانت عشرة أرطال منهما تساوي درهماً نفذ الكل على الوكيل بالإجماع، ذكره في " الذخيرة "، م: (لزم الموكل منه عشرة أرطال بنصف درهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يلزمه العشرون بدرهم) ش: إلى هنا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وذكر في بعض النسخ) ش: أي في بعض نسخ " مختصر القدوري " - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع قول أبي حنيفة ومحمد لم يذكر الخلاف في " الأصل ") ش: أي في " المبسوط " م: (لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أمره) ش: أي أن الموكل أمر الوكيل م: (بصرف الدراهم في اللحم، وظن أن سعره عشرة أرطال، فإذا اشترى به عشرين فقد زاده خيراً، وصار كما إذا وكله ببيع عبده بألف، فباعه بألفين) ش: جاز هذا فكذا ذاك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 245 ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه أمره بشراء عشرة ولم يأمره بشراء الزيادة فينفذ شراؤها عليه، وشراء العشرة على الموكل. بخلاف ما استشهد به؛ لأن الزيادة هناك بدل ملك الموكل فتكون له بخلاف ما إذا اشترى ما يساوي عشرين رطلا بدرهم حيث   [البناية] م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه أمره) ش: أي أن الموكل أمر الوكيل م: (بشراء عشرة ولم يأمره بشراء الزيادة فينفذ شراؤها عليه) ش: أي شراء الزيادة على الوكيل م: (وشراء العشرة على الموكل) ش: أي وينفذ شراء العشرة التي أمر الوكيل بها على الموكل؛ لأنه خالفه فيما أمره به. فإن قيل: يجب أن لا يلزم الآمر شيء من ذلك؛ لأن العشرة تثبت ضمناً للعشرين لا قصداً وقد وكله بشراء عشرة قصداً، ومثل هذا لا يجوز على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، كما إذا قال الرجل: طلق امرأتي واحدة فطلقها ثلاثاً: لا يقع واحدة لثبوتها في ضمن الثلاث، والمتضمن لم يثبت لعدم التوكيل، فلا يثبت ما في ضمنه أيضاً تبعاً له. فأجاب عنه حميد الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بأن في مسألة الطلاق وقوع الواحدة ضمني، وها هو كذلك لا يقع إلا في ضمن ما تضمنه، وما تضمنه لم يصح لعدم الأمر به. فكذا ما في ضمنه. وأما فيما نحن فيه، فكل قصدي لأن أجزاء الثمن تتوزع على أجزاء المبيع، فلا يتحقق التضمن في الشراء، فإن قيل يشكل بأن إذا أمره أن يشتري له ثوباً هروياً فاشترى له هرويين بعشرة، كل واحد يساوي عشرة لا ينفذ بيع واحد منهما على الموكل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره في " الذخيرة " ناقلاً عن " المنتقى ". وأجاب صاحب " النهاية " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من هذا يجعل اللحم من ذوات الأمثال ولا تفاوت في قيمتها إذا كانت من جنس واحد وصفة واحدة وكلامنا فيه، وحينئذ كان للوكيل أن يجعل للموكل أي عشرة شاء بخلاف الثوب، فإنه من ذوات القيم والثوبان وإن تساويا في القيمة لكن يعرف ذلك بالحزر والظن وذلك لا يعين حق الموكل، فثبت مجهولاً، فلا ينفذ عليه، انتهى. قلت: هذا لا شيء إلا على قول من جعل اللحم من ذوات الأمثال وهو مختار صاحب " المحيط " - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (بخلاف ما استشهد به) ش: جاوب عن تمثيل أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - المتنازع فيه بتوكيل بيع العبد بألف وبيعه بألفين، م: (لأن الزيادة هناك بدل ملك الموكل فتكون له) ش: أي لأن الزيادة عوض ملك الأمر فلا يجوز أن يستحقه الوكيل إلا بإذن الموكل ولا بغير إذنه. ولهذا لو قال: بع ثوبي هذا على أن ثمنه لك لا يجوز؛ م: (بخلاف ما إذا اشترى ما يساوي عشرين رطلاً بدرهم حيث الجزء: 9 ¦ الصفحة: 246 يصير مشترياً لنفسه بالإجماع؛ لأن الأمر يتناول السمين وهذا مهزول فلم يحصل مقصود الأمر. قال: ولو وكله بشراء شيء بعينه، فليس له أن يشتريه لنفسه؛ لأنه يؤدي إلى تغرير الأمر حيث اعتمد عليه، ولأن فيه عزل نفسه فلا يملكه على ما قيل إلا بمحضر من الموكل. فلو كان الثمن مسمى فاشترى بخلاف جنسه، أو لم يكن مسمى فاشترى بغير النقود، أو وكل وكيلا بشرائه فاشترى الثاني وهو غائب يثبت الملك للوكيل الأول في هذه الوجوه لأنه خالف أمر الآمر فينفذ عليه. ولو اشترى الثاني بحضرة الوكيل الأول نفذ على الموكل الأول؛   [البناية] يصير مشترياً لنفسه بالإجماع) ش: لوجود المخالفة م: (لأن الأمر يتناول السمين) ش: أي اللحم السمين م: (وهذا) ش: أي وهذا الذي اشتراه م: (مهزول فلم يحصل مقصود الأمر) ش: فلا يكون له م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولو وكله بشراء شيء بعينه، فليس له أن يشتريه لنفسه؛ لأنه يؤدي إلى تغرير الأمر حيث اعتمد عليه) ش: وذلك لا يجوز م: (ولأن فيه) ش: أي في شرائه لنفسه م: (عزل نفسه) ش: عن الوكالة م: (فلا يملكه) ش: لأن عزله يكون بالخلاف لا بالوفاق م: (إلا بمحضر من الموكل) ش: أي إلا بحضور من وكله فلا يغيبه. قال في " التتمة ": هذا إذا كان الموكل غائباً، فإن كان حاضراً وصرح الوكيل بالشراء لنفسه يصير مشترياً لنفسه؛ لأنه خالف أمر الآمر، فنفذ الشراء على نفسه بخلاف الوكيل بنكاح امرأة بعينها تزوجها لنفسه بنفسه يصح، والفرق بينهما أن النكاح الذي أتي به الوكيل غير داخل تحت الأمر، إذ الآمر أمره بنكاح مضاف إليه، وقد أتى بنكاح مضاف إلى نفسه، فإن الوكيل بالنكاح يضيفه إلى الموكل، وفي الشراء مأمور بالشراء مطلقاً لا مضافاً إلى الأمر، فقد أتى بما دخل تحت الوكالة فيقع لموكله. م: (فلو كان الثمن مسمى) ش: إلى الآخر ثلاثة أوجه، ذكر المصنف تفريعاً على مسألة القدوري، الأولى هو قوله فلو كان الثمن مسمى يعني وكله بالشراء بثمن مسمى م: (فاشترى بخلاف جنسه) ش: أي بخلاف جنس المسمى، بأن سمى دراهم فاشترى بخلاف جنسه بدنانير، الوجه الثاني: هو قوله م: (أو لم يكن مسمى فاشترى بغير النقود) ش: وهو المكيلات والموزونات، الوجه الثالث: هو قوله م: (أو وكل) ش: أي الوكيل وكل م: (وكيلاً بشرائه فاشترى الثاني) ش: أي فاشترى الوكيل الثاني م: (وهو) ش: وكيل الوكيل م: (غائب) ش: أي والحال أن الوكيل الأول غائب م: (يثبت الملك للوكيل الأول) ش: أي لموكل الوكيل الثاني م: (في هذه الوجوه) ش: الثلاثة المذكورة م: (لأنه خالف أمر الآمر فينفذ عليه) ش: أي لأن الوكيل الذي وكل خالف أمر الوكيل الذي وكله بشراء شيء بثمن مسمى.. إلى آخره م: (ولو اشترى الثاني) ش: أي الوكيل الثاني. م: (بحضرة الوكيل الأول) ش: يثبت الملك للوكيل الأول، وفي بعض النسخ: ولو اشترى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 247 لأنه حضره رأيه فلم يكن مخالفا. قال: وإن وكله بشراء عبد بغير عينه، فاشترى عبدا فهو للوكيل، إلا أن يقول: نويت الشراء للموكل أو يشتريه بمال الموكل. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذه المسألة على وجوه، إن أضاف العقد إلى دراهم الآمر كان للآمر وهو المراد عندي بقوله أو يشتريه بمال الموكل دون النقد من ماله؛ لأن فيه تفصيلا وخلافا، وهذا بالإجماع وهو مطلق. وإن أضافه إلى دراهم نفسه كان لنفسه حملا لحاله على ما يحل له شرعا.   [البناية] الثاني بحضرة الوكيل الأول م: (نفذ على الموكل الأول؛ لأنه حضره رأيه فلم يكن مخالفاً) ش:. فإن قيل: يشكل هذا بما لو أوكل الوكيل بطلاق أو عتاق لآخر، فطلق الوكيل الثاني وأعتق بحضرة الوكيل الأول، لا يقع. ذكره في " الذخيرة " و " التتمة ". قلنا: إن الوكيل بالطلاق والعتاق رسول لأن العمل بحقيقة الوكالة متعذر؛ لأن التوكيل تفويض الرأي إلى الوكيل، وجعله بمنزلة المالك، وتفويض الرأي إلى الوكيل، إنما يتحقق فيما يحتاج فيه إلى الرأي، والطلاق المفرد والعتاق المفرد لا يحتاج إلى الرأي، فلما تعذر العمل بحقيقة الوكالة جعلناها مجازاً عن الرسالة؛ لأن الوكالة تتضمن معنى الرسالة، والرسول ينقل عبارة المرسل فصار المأمور مأموراً ينقل العبارة من الآمر، أما البيع وغيره فيما يحتاج فيه إلى الرأي فيعمل بحقيقة الوكالة، كذا في " الذخيرة ". [وكله بشراء عبد بغير عينه فاشترى عبدا] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن وكله بشراء عبد بغير عينه فاشترى عبداً فهو للوكيل، إلا أن يقول: نويت الشراء للموكل أو يشتريه بمال الموكل) ش: هذا كله لفظ القدوري والمصنف - رحمهما الله -. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذه المسألة على وجوه) ش: أشار إلى الوجه الأول بقوله: م: (إن أضاف) ش: أي الوكيل م: (العقد إلى دراهم الآمر كان للآمر) ش: وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهو المراد عندي) ش: بمعنى أن المراد من قول القدوري عندي وهو قوله: " أو يشتريه بمال الموكل " أشار إليه بقوله م: (أو يشتريه بمال الموكل دون النقد من ماله؛ لأن فيه) ش: أي في النقد بعد الشراء مطلقاً م: (تفصلاً) ش: أراد به صورة التكاذب والتوافق، ففي التكاذب بحكم النقد اتفاقاً م: (وخلافاً) ش: أي في التوافق على عدم النية بحكم النقد عند أبي يوسف وعند محمد - رحمهما الله - هو للوكيل على ما يأتي بيانه مشروحاً م: (وهذا بالإجماع) ش: أي الذي ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالاتفاق إذا اشترى بمال الموكل م: (وهو مطلق) ش: أي الذي ذكره القدوري مطلق لا تفصيل فيه. والوجه الثاني: هو قوله: م: (وإن أضافه إلى دراهم نفسه) ش: أي نصف الوكيل العقد إلى دراهم لنفسه م: (كان لنفسه) ش: يعني يقع العقد له م: (حملاً لحاله) ش: أي لحال الوكيل م: (على ما يحل له شرعاً) ش: لأنه لما أضاف العقد إلى دراهم الآمر يقع له؛ لأنه لو لم يقع له كان واقعاً للوكيل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 248 أو يفعله عادة، إذ الشراء لنفسه بإضافة العقد إلى دراهم غير مستنكر شرعا وعرفا، وإن أضافه إلى دراهم مطلقة، فإن نواها للآمر فهو للآمر، وإن نواها لنفسه فلنفسه؛ لأن له أن يعمل لنفسه ويعمل للآمر في هذا التوكيل. وإن تكاذبا في النية يحكم النقد بالإجماع؛ لأنه دلالة ظاهرة على ما ذكرنا، وإن توافقا على أنه لم تحضره النية. قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو للعاقد؛ لأن الأصل أن كل واحد يعمل لنفسه، إلا إذا ثبت جعله لغيره ولم يثبت. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحكم النقد فيه؛ لأن ما أوقعه مطلقا يحتمل الوجهين، فيبقى موقوفا.   [البناية] وإذا كان وقع العقد للوكيل كان غاصباً لدراهم الآمر، وهو لا يحل شرعاً م: (أو يفعله عادة) ش: عطف على قوله " يحل له "، يعني أن العادة جرت بأن الشراء إذا كان مضافاً إلى دراهم فإنه يقع الشراء لصاحب الدراهم، م: (إذ الشراء) ش: أي لأن الشراء م: (لنفسه بإضافة العقد إلى دراهم غير مستنكر شرعاً) ش: لأن الأصل هو الوفاء عند العهد بالنص م: (وعرفاً) ش: لأن الأصل هو الوفاء بالعادة. والوجه الثالث: هو قوله: م: (وإن أضافه) ش: أي العقد م: (إلى دراهم مطلقة) ش: يعني من غير إضافة إلى دراهم أحد ففيه تفصيل أشار إليه بقوله م: (فإن نواها) ش: أي فإن نوى نية الشراء م: (للآمر فهو للآمر، وإن نواها لنفسه فلنفسه) ش: أي فكان لنفسه م: (لأن له) ش: أي للوكيل م: (أن يعمل لنفسه ويعمل للآمر في هذا التوكيل) ش: أي في التوكيل بشراء عبد بغير عينه فيعمل فيه لنفسه أصالة، ويعمل بغيره وكالة؛ لأن المأمور به غير معين، فكانت نيته معتبرة. والوجه الرابع: هو قوله: م: (وإن تكاذبا) ش: أي الموكل والوكيل م: (في النية) ش: بأن قال الموكل: اشتريته لي وقال الوكيل: اشتريته لنفسي م: (يحكم النقد) ش: على صيغة المجهول من التحكيم، فأي من نقد الثمن من ماله فهو له م: (بالإجماع لأنه) ش:، أي لأن تحكيم النقد م: (دلالة ظاهرة على ما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله: حملاً لحلاله على ما يحل له شرعاً. والوجه الخامس: هو قوله: م: وإن توافقا) ش: أي الموكل والوكيل م: على أنه) ش: أي على أن الوكيل م: لم تحضره النية) ش: ففيه اختلاف بين أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -. م: (قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو للعاقد؛ لأن الأصل أن كل واحد يعمل لنفسه إلا إذا ثبت جعله) ش: أي جعل العمل م: (لغيره ولم يثبت) ش: م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحكم النقد فيه؛ لأن ما أوقعه مطلقاً) ش: يعني من غير تعيين نية. م: (يحتمل الوجهين) ش: أراد بهما وقوع الشراء للموكل ووقوعه للوكيل م: (فيبقى موقوفاً الجزء: 9 ¦ الصفحة: 249 فمن أي المالين نقد فقد فعل ذلك المحتمل لصاحبه، ولأن مع تصادقهما يحتمل النية للآمر. وفيما قلناه حمل حاله على الصلاح كما في حالة التكاذب والتوكيل بالإسلام في الطعام على هذه الوجوه. قال: ومن أمر رجلا بشراء عبد بألف، فقال: قد فعلت ومات عندي، وقال الآمر: اشتريته لنفسك، فالقول قول الآمر. فإن كان دفع إليه الألف، فالقول قول المأمور،   [البناية] فمن أي المالين نقد فقد فعل ذلك المحتمل لصاحبه، ولأن مع تصادقهما) ش: يعني على أنه لم يحضره النية م: (يحتمل النية للآمر) ش: لاحتمال أن يكون نوى الآمر ثم نسبه. م: (وفيما قلناه) ش: أي في تحكيم النقد م: (حمل حاله) ش: أي حمل حال الوكيل م: (على الصلاح) ش: وهو أن لا يكون الوكيل غاصباً على تقدير النقد من مال الآمر م: (كما في حالة التكاذب) ش: بحمله النقد لأجل حال الوكيل على الوكيل على الصلاح. فإن قلت: كيف قلتم إذا أضاف العقد إلى دراهم الآمر يقع الشراء له وإن أضافه الوكيل إلى دراهم نفسه يقع الشراء له. والدنانير لا يتعينان في العقود والفسوخ عندنا، فكانت الإضافة وعدم الإضافة سواء؟ قلت: لا نسلم إنها لا تتعين مطلقاً، بل تتعين في الوكالات، وبه صرح المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أواخر هذا الفصل في تعليل قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وسيجيء بيان تمامه إن شاء الله تعالى، أو نقول، لا يريد بتعيينها تعلق الشراء بعينها على وجه يكون هي مستحقة لا محالة، بل يريد تقييد الوكالة به، فإذا تعددت الوكالة بها، حتى إذا هلكت قبل الشراء بطلت الوكالة وصلحت الإضافة إلى أحدهما معينة لوقوع العقد منه. م: (والتوكيل بالإسلام في الطعام على هذه الوجوه) ش: أي على الوجوه المذكورة في الوكيل بالشراء، فإن أضاف الوكيل بالسلم العقد إلى دراهم الآمر، كان السلم له، وإن أضافه إلى دراهم لنفسه كان له، وإن عقده مطلقاً من غير إضافة إلى دراهم أحد، فإن نوى السلم للموكل كان له، وإن نوى لنفسه، وإن تكاذبا بحكم النقد، وإن توافقا على أنه لم يحضره النية كان السلم للوكيل عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحكم النقد فعن دراهم أيهما نقد فالعقد له. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن أمر رجلاً بشراء عبد بألف، فقال: قد فعلت ومات عندي، وقال الآمر: اشتريته لنفسك فالقول قول الآمر) ش: هذا إذا لم يدفع الثمن فالقول له، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وقالا في وجه آخر: القول للمأمور. م: (فإن كان دفع إليه) ش: أي إلى الوكيل م: (الألف فالقول قول المأمور) ش: بلا خلاف الجزء: 9 ¦ الصفحة: 250 لأن في الوجه الأول أخبر عما لا يملك استئنافه، وهو الرجوع بالثمن على الآمر وهو ينكر، والقول للمنكر. وفي الوجه الثاني هو أمين يريد الخروج عن عهدة الأمانة فيقبل قوله، ولو كان العبد حيا حين اختلفا إن كان الثمن منقودا، فالقول للمأمور لأنه أمين، وإن لم يكن منقودا. فكذلك عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -؛ لأنه يملك استئناف الشراء فلا يتهم في الإخبار عنه، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: القول للآمر لأنه موضع تهمة بأن اشتراه لنفسه. فإذا رأى الصفقة خاسرة ألزمها الآمر، بخلاف ما إذا كان الثمن منقودا لأنه أمين فيه، فيقبل قوله تبعا لذلك، ولا ثمن في يده هاهنا. وإن كان أمره بشراء عبد بعينه ثم اختلفا والعبد حي،   [البناية] م: (لأن في الوجه الأول) ش: وهو الوجه الذي لم يدفع الثمن فيه م: (أخبر عما لا يملك استئنافه) ش: أي يقدر على إنشائه، أي إنشاء العقد، إذ العبد ميت، ومن أخبر عما لا يملك إنشاءه في الحال لا يكون القول له، كما لو قال راجعت إن كانت العدة باقية فإنه يصدق؛ لأنه يملك إنشاءه وإلا فلا. كذا ها هنا م: (وهو الرجوع على الآمر بالثمن) ش: وإنما لم يقل: وهو العقد؛ لأن مقصود الوكيل من ذكر العقد الرجوع بالثمن على الآمر، فكأنه ذكر السبب وأراد المسبب، وهو جائز؛ لأن الرجوع بالثمن مختص بالشراء لأجل الآمر م: (وهو) ش: أي الآمر م: (ينكر والقول للمنكر) . م: (وفي الوجه الثاني) ش: وهو الذي دفع الثمن فيه م: (هو) ش: أي للوكيل م: (أمين يريد الخروج عن عهدة الأمانة فيقبل قوله) ش: لأنه أمين م: (ولو كان العبد حياً حين اختلفا) ش: فقال للمأمور اشتريته لك، وقال الآمر اشتريته لنفسك م: (إن كان الثمن منقوداً فالقول للمأمور لأنه أمين) ش: وأخبر عما يملك إنشاؤه للحال م: (وإن لم يكن) ش: أي الثمن م: (منقوداً فكذلك) ش: القول لمأمور م: (عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - لأنه يملك استئناف الشراء فلا يتهم في الإخبار عنه) . م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: القول للآمر لأنه موضع تهمة) ش: لأنه ربما اشتراه لنفسه ووجد به عيباً أو لم يعبه، فلما لم يوافقه أراد أن يلزمه الآمر لخسارة الصفقة ومثله متعارف بين الوكلاء، فلا يقبل قوله لهذه التهمة، وهذا حاصل معنى قوله م: (بأن اشتراه لنفسه فإذا رأى الصفقة خاسرة ألزمها الآمر) ش: أي ألزم الصفقة الآمر. م: (بخلاف ما إذا كان الثمن منقوداً لأنه أمين، فيقبل قوله تبعاً لذلك) ش: أي يقبل قول الوكيل: اشتريت لك عبداً ومات عندي تبعاً لخروج الوكيل عن عهدة الأمانة التي هي الألف المنقودة م: (ولا ثمن في يده ها هنا) ش: أي إذا كان العبد حياً والثمن غير منقود فلم يوجد المتبوع وهو كون الوكيل أميناً، فلا يوجد البيع وهو قبول قوله بطريق التبعية لخروج الوكيل عن عهدة الأمانة، فكذلك لا يقبل قوله ها هنا. م: (وإن كان أمره بشراء عبد بعينه ثم اختلفا) ش: بأن قال الآمر: اشتريته لنفسك، وقال المأمور: بل اشتريته لك م: (والعبد حي) ش: أي والحال أن العبد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 251 فالقول للمأمور سواء كان الثمن منقودا أو غير منقود، وهذا بالإجماع؛ لأنه أخبر عما يملك استئنافه ولا تهمة فيه؛ لأن الوكيل بشراء شيء بعينه لا يملك شراءه لنفسه بمثل ذلك الثمن في حال غيبته على ما مر. بخلاف غير المعين على ما ذكرناه لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ومن قال لآخر: بعني هذا العبد لفلان، فباعه ثم أنكر أن يكون فلان أمره، ثم جاء فلان وقال: أنا أمرته بذلك، فإن فلانا يأخذه؛ لأن قوله السابق إقرار منه بالوكالة عنه، فلا ينفعه الإنكار اللاحق، فإن قال فلان: لم آمره لم يكن ذلك له؛ لأن الإقرار يرتد برده.   [البناية] حي م: (فالقول للمأمور سواء كان الثمن منقوداً أو غير منقود، وهذا بالإجماع؛ لأنه أخبر عما يملك استئنافه) ش: على قولهما م: (ولا تهمة فيه) ش: على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - هكذا قاله بعض الشارحين. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا بعيد عن التحقيق؛ لأن المجموع دليل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا قوله ولا تهمة فيه بعد، انتهى. قلت: لا بعد فيه؛ لأن المسألة متفقة مع اختلاف التخريج. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويمكن أن يقع قوله لا يملك استئنافه قول الكل م: (لأن الوكيل بشراء شيء بعينه لا يملك شراءه لنفسه بمثل ذلك الثمن في حال غيبته) ش: أي في حال غيبة الموكل قيد به إذ في حال حضرة الموكل يملك م: (على ما مر) ش: أشار به إلى ما ذكر قبل صفحة بقوله ولو وكله بشراء شيء بعينه، فليس له أن يشتريه لنفسه. م: (بخلاف غير المعين) ش: أي بخلاف ما إذا كان العبد غير معين م: (على ما ذكرناه لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أشار به إلى دليل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قبل خطوط وهو قوله لأنه موضع التهمة. م: (ومن قال لآخر: بعني هذا العبد لفلان، فباعه ثم أنكر أن يكون فلان أمره، ثم جاء فلان وقال: أنا أمرته بذلك، فإن فلاناً يأخذه) ش: هذا من مسائل " الجامع الصغير " قوله: لفلان، أي لأجل فلان، يعني أن فلاناً أمرني أن أشتري هذا العبد لأجله، فباعه صاحب العبد ثم أنكر المقر أمر فلان بعد الشراء وقال لم يكن فلاناً أمرني بل اشتريته لنفسي، ينعقد البيع للحال قوله، فإن فلاناً يأخذه يعني له ولاية أخذه م: (لأن قوله السابق) ش: أي قول المشتري السابق وهو معنى قوله: هذا العبد م: (إقرار منه بالوكالة عنه فلا ينفعه الإنكار اللاحق) ش: بعد ذلك لأنه مناقض، ولا قول للمناقض. م: (فإن قال فلان: لم آمره لم يكن ذلك له) ش: أي لفلان على العبد سبيل م: (لأن الإقرار) ش: أي لأن إقرار المقر م: (يرتد برده) ش: أي برد المقر له، فإذا عاد إلى تصديقه بعد ذلك لم ينفعه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 252 قال: إلا أن يسلمه المشتري له فيكون بيعا عنه، وعليه العهدة لأنه صار مشتريا بالتعاطي، كمن اشترى لغيره بغير أمره حتى لزمه ثم سلمه المشترى له ودلت المسألة على أن التسليم على وجه البيع يكفي للتعاطي، وإن لم يوجد نقد الثمن وهو يتحقق في النفيس والخسيس لاستتمام التراضي وهو المعتبر في الباب.   [البناية] لأنه عاد حين انتفى الإقرار، فلم يصح له تصديقه ولزم الشراء للمشتري. م: (قال) ش: فالظاهر أن قائله محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المسألة من مسائل " الجامع الصغير " م: (إلا أن يسلمه المشتري له) ش: استثناء من قوله: لم يكن له، أي لم يكن له إلا في صورة التسليم إليه، وإنما ذكر صورة التسليم إليه؛ لأن فلاناً لو قال أمرت بعد قوله لم آمره، لم يعتبر ذلك، بل يكون العبد للمشتري وقوله إلا أن يسلمه المشتري، روى المشتري بكسر الراء وفتحها، فعلى الكسر يكون المشتري فاعلاً، وقوله له أي لأجله، ويكون المفعول الثاني محذوفاً وهو إليه، أي إلا أن يسلمه الفضولي العبد الذي اشتراه لأجل فلان إليه، وعلى الفتح يكون المشتري له مفعولا ثانيا بدون حرف الجر وهو فلان، والفاعل مضمر، أي ألا يسلم الفضولي العبد إلى المشتري له وهو فلان م: (فيكون بيعاً عنه) ش: مبتدأ م: (وعليه العهدة) ش: أي على فلان الآمر العهدة، أي عهدة الأخذ بتسليم الثمن. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعني لما انعقد بينهما بيع بالتعاطي، كانت العهدة للأخذ على المشتري، كذا فسره فخر الدين قاضي خان، وفخر الإسلام البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو المفهوم من كلام محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لأنه) ش: أي لأن الآخذ م: (صار مشترياً بالتعاطي، كمن اشترى لغيره بغير أمره حتى لزمه) ش: أي لزم المشتري م: (ثم سلمه المشتري له) ش: بفتح الراء. قال تاج الشريعة: يكون المشتري له عبارة له بحق الموكل، يعني يسلم المشتري العبد إلى الموكل م: (ودلت المسألة) ش:، أي المسألة المذكورة م: (على أن التسليم على وجه البيع يكفي للتعاطي وإن لم يوجد نقد الثمن) . ش: قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وغيره في شروح " الجامع الصغير ": ثبت بهذا أن بيع التعاطي كما يكون بأخذ وإعطاء، فقد ينعقد بالتسليم على جهة البيع والتمليك، وإن كان أخذاً بلا إعطاء كعادة الناس. م: (وهو يتحقق) ش: أي البيع بالتعاطي م: (في النفيس والخسيس) ش: يعني من خسيس الأشياء ونفيسها م: (لاستتمام التراضي وهو المعتبر) ش: أي التراضي هو المعتبر م: (في الباب) ش: أي في باب البيع، ولما وجد التراضي انعقد البيع في النفيس والخسيس خلافاً لما يقوله الكرخي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 253 قال: ومن أمر رجلا أن يشتري له عبدين بأعيانهما ولم يسم لهما ثمنا، فاشترى له أحدهما جاز؛ لأن التوكيل مطلق فيجري على إطلاقه، وقد لا يتفق الجمع بينهما في البيع إلا فيما لا يتغابن الناس فيه؛ لأنه توكيل بالشراء وهذا كله بالإجماع. ولو أمره بأن يشتريهما بالألف وقيمتهما سواء. فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن اشترى أحدهما بخمسمائة أو أقل جاز، فإن اشترى بأكثر يلزم الآمر؛ لأنه قابل الألف بهما وقيمتهما سواء، فيقسم بينهما نصفين دلالة، فكان أمرا بشراء كل واحد منهما بخمسمائة، ثم الشراء بها موافقة وبأقل منها مخالفة إلى خير وبالزيادة إلى شر، قلت الزيادة أو كثرت فلا يجوز إلا أن يشتري الباقي ببقية الألف قبل أن يختصما استحسانا؛ لأن شراء الأول قائم وقد حصل غرضه المصرح به وهو تحصيل العبدين بالألف، وما ثبت الانقسام إلا دلالة، والصريح يفوقها.   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن بيع التعاطي لا ينعقد إلا في الأشياء الخسيسة. [أمر رجلان أن يشتري له عبدين بأعيانهما ولم يسم لهما ثمنا فاشترى أحدهما] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - له في " الجامع الصغير " م: (ومن أمر رجلان أن يشتري له عبدين بأعيانهما ولم يسم لهما ثمنا فاشترى أحدهما جاز؛ لأن التوكيل مطلق فيجري على إطلاقه) ش: يعني عن قيد شرائهما متفرقين أو مجتمعين م: (وقد لا يتفق الجمع بينهما) ش: أي بين العبدين م: (في البيع إلا فيما لا يتغابن الناس فيه) ش: فإنه لا يجوز م: (لأنه توكيل بالشراء) ش: وهو لا يحتمل الغبن الفاحش م: (وهذا كله بالإجماع) ش: بين الأصحاب، وهو احتراز عما إذا وكل بالبيع. م: (ولو أمره بأن يشتريهما بألف وقيمتهما سواء، فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن اشترى أحدهما بخمسمائة أو أقل جاز، فإن اشترى بأكثر لم يلزم الآمر؛ لأنه) ش: أي لأن الآمر. م: (قابل الألف بهما وقيمتهما سواء) ش: أي والحال أن قيمة العبدين سواء، م: (فيقسم بينهما نصفين دلالة) ش: أي من حيث الدلالة فيعمل بها عند عدم الصريح، وعند وجوده يعمل به لقوته م: (فكان أمراً بشراء كل واحد منهما بخمسمائة، ثم الشراء بها) ش: أي بخمسمائة م: (موافقة وبأقل منها مخالفة إلى خير وبالزيادة إلى شر) ش: أي مخالفة إلى شر سواء. م: (قلت الزيادة أو كثرت فلا يجوز إلا أن يشتري الباقي ببقية الألف قبل أن يختصما) ش: أي قبل الاختصام لثبوت المخالفة م: (استحساناً) ش: قيد به إذ في القياس لا ينفذ على الآمر؛ لأنه صار مخالفاً، والشراء فيما لا يتوقف فينفذ عليه، وهو قياس الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وجه الاستحسان هو قوله، م: (لأن شراء الأول قائم وقد حصل غرضه المصرح به) ش: أي غرض الآمر الذي صرح به م: (وهو تحصيل العبدين بالألف، وما ثبت الانقسام إلا دلالة، والصريح يفوقها) ش: أي يفوق الدلالة، حاصل المعنى الانقسام بالسوية كان ثابتا بطريق الدلالة، وإذا جاء الصريح وأمكن العمل به بطل الدلالة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 254 وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: إن اشترى أحدهما بأكثر من نصف الألف بما يتغابن الناس فيه وقد بقي من الألف ما يشتري بمثله الباقي جاز؛ لأن التوكيل مطلق، لكنه يتقيد بالمتعارف وهو فيما قلنا، ولكن لا بد أن يبقى من الألف باقية يشتري بمثلها الباقي ليمكنه تحصيل غرض الآمر. قال: ومن له على آخر ألف درهم فأمره أن يشتري بها هذا العبد فاشتراه جاز؛ لأن في تعيين المبيع تعيين البائع، ولو عين البائع يجوز على ما نذكره إن شاء الله تعالى. قال: وإن أمره أن يشتري بها عبدا بغير عينه، فاشتراه فمات في يده قبل أن يقبضه الآمر مات من مال المشتري، وإن قبضه الآمر فهو له. وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: وهو لازم للآمر إذا قبضه المأمور، وعلى هذا إذا أمره أن يسلم ما عليه أو يصرف ما عليه.   [البناية] م: (وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: إن اشترى أحدهما بأكثر من نصف الألف بما يتغابن الناس فيه، وقد بقي من الألف ما يشتري بمثله الباقي جاز؛ لأن التوكيل مطلق) ش: يعني غير مقيد بخمسمائة م: (لكنه يتقيد بالمتعارف) ش: وهو فيما يتغابن الناس فيه م: (وهو فيما قلنا) ش: أي المتعارف فيما يتغابن الناس فيه م: (ولكن لا بد أن يبقى من الألف باقية يشتري بمثلها الباقي ليمكنه تحصيل غرض الآمر) ش: وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": احتمل أن المسألة لا اختلاف فيها؛ لأن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما قال: لم يجز شراؤه على الآمر إذا أراد زيادة لا يتغابن الناس في مثلها، وأبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - قالا في الذي يتغابن الناس في مثله: إنه لا يلزم الآمر، فإذا حملت على هذا الوجه لا يكون في المسألة اختلاف، واحتمل أن في المسألة اختلاف في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا زاد على خمسمائة قليلاً أو كثيراً لا يجوز على الآمر، وفي قولهما: يجوز إذا كانت الزيادة قليلة. [له على آخر ألف درهم فأمره أن يشتري بها هذا العبد فاشتراه] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن له على آخر ألف درهم فأمره أن يشتري بها هذا العبد فاشتراه جاز؛ لأن في تعيين المبيع تعيين البائع ولو عين البائع يجوز على ما نذكره إن شاء الله تعالى) ش: إشارة إلى ما ذكره لقوله بعد عشرة خطوطاً. وبخلاف ما إذا عين البائع لأنه يصير وكيلاً عنه بالقبض، م: (قال: وإن أمره أن يشتري بها) ش: أي بالألف التي على الآخر م: (عبداً بغير عينه فاشتراه فمات في يده قبل أن يقبضه الآمر مات من مال المشتري وإن قبضه الآمر فهو له وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (هو) ش: أي العبد م: (لازم للآمر) ش: في الوجهين وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: م: (إذا قبضه المأمور) ش: أي الوكيل م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الخلاف م: (إذا أمره) ش: أي إذا أمر من عليه الدين م: (أن يسلم ما عليه) ش: أي يعقد عقد السلم م: (أو يصرف ما عليه) ش: أي أو يعقد عقد العرف من غير تعيين من يسلم إليه أو يعقد عقد الصرف بأن قال: أسلم أو أصرف مالي عليك في كذا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 255 لهما: أن الدراهم والدنانير لا تتعينان في المعاوضات دينا كانت أو عينا، ألا ترى أنه لو تبايعا عينا بدين ثم تصادقا أن لا دين لا يبطل العقد، فصار الإطلاق والتقييد فيه سواء، فيصح التوكيل ويلزم الآمر؛ لأن يد الوكيل كيده. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها تتعين في الوكالات. ألا ترى أنه لو قيد الوكالة بالعين منها أو بالدين منها ثم استهلك العين أو أسقط الدين بطلت الوكالة، فإذا تعينت كان هذا تمليك الدين من غير من عليه الدين من غير أن يوكله بقبضه   [البناية] كان على الاختلاف وإن عين المسلم إليه ومن يعقد به عقد الصرف صح بالاتفاق، وإنما خصهما بالذكر لدفع ما عسى يتوهم أن التوكيل فيهما لا يجوز لاشتراط القبض في المجلس. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أن الدراهم والدنانير لا تتعينان في المعاوضات ديناً كانت أو عيناً) ش: يعني لا يكون في الذمة، ثم أوضح ذلك بقوله م: (ألا ترى أنه لو تبايعا عينا بدين ثم تصادقا أن لا دين لا يبطل العقد) ش: ووجب مثل ذلك الدين فإذا لم يتعين دراهم الدين صار التقييد والإطلاق سواء، وهو معنى قوله: م: (فصار الإطلاق) ش: بأن قال: بألف ولم يضفه إلى ما عليه م: (والتقييد) ش: بأن أضافه إلى ما عليه م: (فيه) ش: أي في عقد تبائع العين بالدين م: (سواء) ش: فإذا كان كذلك م: (فيصح التوكيل ويلزم الآمر لأن يد الوكيل كيده) ش: فصار كما لو قال: تصدق بمالي عليك على المساكين، فإنه يجوز وكذا لو آجر حماراً أو دابة أو أمر المستأجر بالمرمة من الأجرة، أو يشتري بالأجرة عبداً يسوق الدابة وينفق عليهما فصار هذا كما لو كان البائع أو المبيع متعيناً. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها) ش: أي أن الدراهم والدنانير م: (تتعين في الوكالة) ش: قال شيخ الإسلام: تتعين بعد القبض أما قبل القبض لا تتعين بلا خلاف، ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الزيادات " ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أنه لو قيد الوكالة بالعين منها) ش: أي بالدراهم والدنانير م: (أو بالدين منها ثم استهلك) ش: أي الآمر أو الوكيل م: (العين أو أسقط الدين) ش: أي الموكل أسقط الدين بأن أبرأه عن الدين بعد التوكيل بشراء العبد به م: (بطلت الوكالة) ش: ألا ترى أن الناطفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - نقل في " الأجناس " عن " الأصل ": الوكيل بالشراء إذا قبض الدنانير من الموكل وقد أمره أن يشتري بها طعاما فاشترى بدنانير غيرها ثم نقد دنانير الموكل فالطعام للوكيل وهو ضامن لدنانير الموكل، ثم قال الناطفي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذه المسألة تدل على أن الدراهم والدنانير يتعينان في الوكالة. [تمليك الدين من غير من عليه الدين] م: (فإذا تعينت) ش: أي الدراهم والدنانير في الوكالات هو من تتمة الدليل أنها تتعين في الوكالات، وإذا تعينت م: (كان هذا تمليك الدين من غير من عليه الدين من غير أن يوكله بقبضه) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 256 وذلك لا يجوز، كما إذا اشترى بدين على غير المشتري، أو يكون أمرا بصرف ما لا يملكه إلا بالقبض قبله، وذلك باطل كما إذا قال: أعط مالي عليك من شئت بخلاف ما إذا عين البائع لأنه يصير وكيلا عنه في القبض ثم يتملكه. وبخلاف ما إذا أمره بالتصدق لأنه جعل المال لله تعالى وهو معلوم. وإذا لم يصح التوكيل نفذ الشراء على المأمور فيهلك من ماله إلا إذا قبضه الآمر منه لانعقاد البيع تعاطيا.   [البناية] ش: وذلك لا يجوز لعدم القدرة على التسليم، م: (وذلك لا يجوز) ش: أي تمليك الدين من غير من عليه الدين لا يجوز م: (كما إذا اشترى بدين على غير المشتري) ش: بأن كان لزيد على عمرو مثلًا دين فاشترى زيد من آخر شيئًا بذلك الدين الذي له على عمرو، فإنه لا يجوز م: (أو يكون أمرًا) ش: عطف على قوله: لأن هذا تمليك الدين من عليه الدين، أي أو أن يكون آمرًا م: (بصرف ما لا يملكه إلا بالقبض قبله) ش: أي أو يكون أمرًا يصرف أي يدفع مالا يملكه إلا بالقبض قبل القبض، وذلك لأن الديون تقضى بأمثالها، فكان ما أدى الديون إلى البائع أو إلى رب الدين ملك المديون ولا يملك الدائن قبل القبض م: (وذلك باطل) ش: أي الأمر بدفع ما ليس يملكه باطل، وصار هذا م: (كما إذا قال: أعط مالي عليك من شئت) ش: فإنه باطل لأنه أمر بصرف مالا يملكه الآمر إلا بالقبض إلى من يختاره المديون بنفسه. م: (بخلاف ما إذا عين البائع) ش: أي بخلاف ما إذا عين الموكل عين البائع م: (لأنه يصير وكيلًا عنه بالقبض) ش: تصحيحًا لتصرفه بقدر الإمكان، م: (ثم يتملكه) ش: أي ثم يتملكه البائع واعترض بأنه لو اشترى شيئا بدين على آخر ينبغي أنه يجوز بجعله وكيلًا بالقبض أولًا لكونه معينًا، وأجيب: بأن عدم الجواز هاهنا لكونه بيعًا بشرط وهو أداء الثمن على الغير. م: (وبخلاف ما إذا أمره بالتصدق) ش: هذا جواب عن قياسهما على الأمر بالتصدق م: (لأنه جعل المال لله تعالى وهو معلوم) ش: لأنه إخراج المال إلى الله تعالى وهو معلوم، م: (وإذا لم يصح التوكيل) ش: وهذا رجوع إلى أول البحث يعني لما ثبت بالدليل أن التوكيل بشراء عبد غير معين لم يعلم بائعه غير صحيح م: (نفذ الشراء على المأمور) ش: فإذا هلك عنده م: (فيهلك من ماله إلا إذا قبضه الآمر منه لانعقاد البيع تعاطيًا) ش: أي من حيث التعاطي يعني إذا قبضه الآمر عنه انعقد بينهما بيع بالتعاطي، فإن هلك عنده كان من ماله فائدة الدراهم والدنانير لا يتعينان في عقود المعاوضات. وفسوخها عندنا خلافا لزفر والشافعي - رحمهما الله - كما لا يتعينان إذا كانتا عينًا لا يتعينان إذا كانتا دينًا، ولهذا إذا اشترى شيئًا بدين له على البائع ثم تصادقا على أنه لا دين له لا يبطل الشراء ووجب مثل ذلك الدين، وذكر في " الزيادات ": أن الدراهم والدنانير يتعينان في الهبة والوصية والمضاربة والشركة قبل القبض والتسليم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 257 قال: ومن دفع إلى آخر ألفا وأمره أن يشتري بها جارية فاشتراها، فقال الآمر: اشتريتها بخمسمائة، وقال المأمور: اشتريتها بألف فالقول قول المأمور ومراده إذا كانت تساوي ألفا لأنه أمين فيه وقد ادعى الخروج عن عهدة الأمانة والآمر يدعي عليه ضمان خمسمائة وهو ينكر، فإن كانت تساوي خمسمائة فالقول قول الآمر لأنه خالف حيث اشترى جارية تساوي خمسمائة والآمر تناول ما يساوي ألفا فيضمن. قال: وإن لم يكن دفع إليه الألف فالقول قول الآمر. أما إذا كانت قيمتها خمسمائة فللمخالفة. وإن كانت قيمتها ألفا فمعناه   [البناية] وقال الشيخ أبو المعين النسفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الكبير ": اختلف مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في الدراهم والدنانير أنهما عند الإشارة إليهما هل يتعينان في العقود أم لا؟ قاله أبو طاهر الدياس - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنهما لا يتعينان، وحكاه عن القاضي أبو حازم - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قول أكثر مشايخ بلخ، ونسبه الشيخ أبو سهل الشرعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى عامة المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا أشار إليه لتعينت، ولكن مع هذا للمشتري أن يمنعها ويدفع غيرها لعدم التفاوت بينهما وبين غيرها، وفسر الشيخ أبو المعين - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بأنهما يتعينان في العقود، جوازًا لا وجوبًا، ثم قال: وعن أصحابنا روايتان في الدراهم والدنانير هل يتعينان في العقود الفاسدة والمختار: عدم التعيين. ثم اعلم أن عدم تعين الدراهم والدنانير في حق الاستحقاق لا غير، فإنهما يتعينان جنسًا وقدرًا ووصفا، بالاتفاق، وبه صرح الإمام العتابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "شرح الجامع الصغير ". م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن دفع إلى آخر ألفًا وأمره أن يشتري بها جارية فاشتراها، فقال الآمر: اشتريتها بخمسمائة، وقال المأمور اشتريتها بألف، فالقول قول المأمور) ش: إلى هاهنا لفظ " الجامع الصغير " وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومراده) ش: أي مراد محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إذا كانت) ش: أي الجارية م: (تساوي ألفًا لأنه أمين فيه وقد ادعى الخروج عن عهدة الأمانة والآمر يدعي عليه ضمان خمسمائة وهو ينكر) ش: فالقول قوله أي قول المنكر مع يمينه م: (فإن كانت تساوي خمسمائة فالقول قول الآمر لأنه خالف حيث اشترى جارية تساوي خمسمائة والآمر تناول ما يساوي ألفًا فيضمن) . م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن لم يكن دفع إليه الألف فالقول قول الآمر؛ أما إذا كانت قيمتها خمسمائة فللمخالفة) ش: لأنه أمره أن يشتري جارية تساوي ألفًا وقد خالف الشراء فيلزم المأمور م: (وإن كانت قيمتها ألفًا فمعناه) ش: أي فمعنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 258 أنهما يتحالفان لأن الموكل والوكيل في هذا ينزلان منزلة البائع والمشتري وقد وقع الاختلاف في الثمن وموجبه التحالف ثم يفسخ العقد والذي جرى بينهما فيلزم الجارية المأمور. قال: ولو أمره أن يشتري له هذا العبد ولم يسم له ثمنا، فاشتراه فقال الآمر: اشتريته بخمسمائة، وقال المأمور: بألف وصدق البائع المأمور، فالقول قول المأمور مع يمينه قيل: لا تحالف هاهنا لأنه ارتفع الخلاف بتصديق البائع إذ هو حاضر وفي المسألة الأولى وهو غائب، فاعتبر الاختلاف. وقيل يتحالفان لما ذكرنا، وقد ذكر معظم يمين التحالف وهو يمين البائع، والبائع بعد استيفاء الثمن أجنبي عنهما وقبله أجنبي عن الموكل، إذ لم يجر بينهما   [البناية] الجارية للمأمور م: (أنهما يتحالفان لأن الموكل والوكيل في هذا) ش: أي في هذا الفصل م: (ينزلان منزلة البائع والمشتري، وقد وقع الاختلاف في الثمن وموجبه التحالف ثم يفسخ العقد الذي جرى بينهما فيلزم الجارية المأمور) ش: لأن بعد التحالف ينفسخ العقد التقديري الذي جرى بين الآمر والمأمور. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولو أمره أن يشتري له هذا العبد ولم يسم له ثمنًا فاشتراه فقال الآمر: اشتريته بخمسمائة وقال المأمور بألف وصدق البائع المأمور) ش: أي صدق بائع العبد الوكيل فيما قاله، م: (فالقول قول المأمور مع يمينه) ش:، وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: م: (قيل: لا تحالف هاهنا) ش: وهو قول أبي جعفر الهندواني - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (لأنه ارتفع الخلاف بتصديق البائع إذ هو حاضر) ش: يعني يجعل تصادقهما بمنزلة إنشاء عقد، ولو أنشأ العقد يلزم الجارية للآمر فكذا هنا م: (وفي المسألة الأولى) ش: وهي التي سبقت الآن م: (وهو) ش: أي البائع م: (غائب، فاعتبر الاختلاف) ش: الذي كان بين الآمر والمأمور ووجب التحالف، وهاهنا البائع الحاضر. م: (وقيل: يتحالفان) ش: وهو قول أبي منصور الماتريدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله: لأنهما نزلا منزلة البائع والمشتري، م: (وقد ذكر) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا جواب عمال يقال المذكور فيه، فالقول قول المأمور مع يمينه، فالتحالف يخالفه. أجاب بقوله: وقد ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الأصل": م: (معظم يمين التحالف وهو يمين البائع) ش: لأن البائع هو الوكيل جعله معظم يمين التحالف لأن يمين البائع مخصوص بصورة التحالف وليس المشتري كذلك لأنه يجب عليه اليمين بكل حال لكونه منكرًا. م: (والبائع بعد استيفاء الثمن أجنبي) ش: هذا جواب عن قول أبي جعفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ارتفع الخلاف بتصادقهما، وتقرير الجواب: أن البائع بعد استيفاء الثمن أجنبي م: (عنهما) ش: أي عن الوكيل والموكل م: (وقبله) ش: أي وقبل استيفاء الثمن م: (أجنبي عن الموكل، إذ لم يجر بينهما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 259 بيع فلا يصدق عليه فبقي الخلاف، وهذا قول الإمام أبي منصور وهو أظهر والله أعلم بالصواب   [البناية] بيع فلا يصدق عليه) ش: أي الوكيل م: (فبقي الخلاف) ش: أي بين الآمر والمأمور والتخالف، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا قول الإمام أبي منصور وهو) ش: أي قول الإمام أبي منصور - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أظهر) ش: أي أصح، وفي "جامع قاضي خان" - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول أبي جعفر أصح. وفي " الكافي ": هو الصحيح؛ وقال الإمام المحبوبي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في "جامعه" بعد هذا: إذا تصادقا على الثمن عند التوكيل وإن اختلفا فقال الوكيل: أمرتني بالشراء بالألف، وقال الآمر: بخمسمائة، فالقول للآمر، وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فيلزم العبد الوكيل دون الآمر لأن يستفاد من جهته، فكان القول له، ولو أقام البينة فبينة الوكيل أولى لما فيها من زيادة الإثبات، م: (والله أعلم بالصواب) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 260 فصل في التوكيل بشراء نفس العبد قال: وإذا قال العبد لرجل: اشتر لي نفسي من مولاي بألف ودفعها إليه، فإن قال الرجل للمولى: اشتريته لنفسه فباعه على هذا فهو حر والولاء للمولى لأن بيع نفس العبد منه إعتاق وشراء العبد نفسه قبول الإعتاق ببدل والمأمور سفير عنه، إذ لا يرجع عليه   [البناية] [فصل في التوكيل بشراء نفس العبد] م: (فصل في التوكيل بشراء نفس العبد) ش: أي هذا فصل في بيان حكم التوكيل بشراء نفس العبد، والمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر في هذا الفصل مسألتين: أولهما: توكيل العبد رجلًا ليشتريه من مولاه، والثانية: أن يوكل الرجل العبد ليشتريه له من مولاه. فالعبد في الأولى موكل، والثانية وكيل. وتحل الترجمة على طبق الوجهين، لمقتضى أن الألف واللام في التوكيل بدلًا من المضاف إليه، فالتقدير في الوجه الأول: فصل في توكيل العبد رجلًا ليشتريه لنفسه من مولاه، وفي الوجه الثاني: فصل في توكيل الرجل العبد ليشتريه له من مولاه، وعلى التقديرين المصدر مضاف إلى فاعله في الوجهين، ولكنه يختلف أيضًا، ففي الأول المفعول هو الرجل، وفي الثاني هو العبد، والأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - سعى هنا حيث جعل المصدر مضافًا إلى الفاعل والمفعول وليس كذلك والوجه ما قلناه. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا قال العبد لرجل اشتر لي نفسي من مولاي بألف درهم ودفعها إليه) ش:، أي دفع العبد الألف إلى الرجل الذي وكله م: (فإن قال الرجل) ش: أي الوكيل م: (للمولى: اشتريته) ش: أي العبد م: (لنفسه) ش: أي لنفس العبد م: (فباعه على هذا) ش: أي على هذا الوجه م: (فهو حر) ش: أي العبد يصير حرًا م: (والولاء للمولى لأن بيع نفس العبد منه) ش: أي من العبد م: (إعتاق وشراء العبد نفسه قبول الإعتاق ببدل) ش: لأن العبد لا يملك، وإن ملك لأنه ليس بأهل أن يملك مالًا فصار مجازًا عن الإعتاق إذ البيع إزالة ملك بعوض، والإعتاق إزالة لا إلى أحد، فجاز أن يستعار منه؛ كذا قاله تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. حاصل الكلام: ما قاله المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن بيع العبد من نفسه إعتاق على مال، والإعتاق على مال يتوقف على وجود القبول من المعتق وقد وجد ذلك بأن شراء العبد لنفسه قبول منه للمعتق ببدل. م: (والمأمور سفير عنه) ش: أي عن العبد حيث أضاف العقد إلى موكله م: (إذ لا يرجع عليه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 261 الحقوق، فصار كأنه اشترى بنفسه. وإذا كان إعتاقا أعقب الولاء وإن لم يعين للمولى فهو عبد للمشتري لأن اللفظ حقيقة للمعاوضة وأمكن العمل بها إذا لم يعين فيحافظ عليها. بخلاف شراء العبد نفسه لأن المجاز فيه متعين، وإذا كان معاوضة يثبت الملك له والألف للمولى لأنه كسب عبده وعلى المشتري ألف مثله ثمنا للعبد. فإنه في ذمته حيث لم يصح الأداء بخلاف الوكيل بشراء العبد من غيره حيث لا يشترط بيانه لأن العقدين هنالك   [البناية] الحقوق) ش: هذا تعليل لقوله: سفير عنه، أي لأن حقوق العبد لا ترجع إليه كما إذا كان كذلك م: (فصار كأنه) ش: أي كأن العبد م: (اشترى بنفسه) ش: من نفسه. م: (وإذا كان إعتاقًا أعقب الولاء) ش: لأن الولاء للمعتق م: (وإن لم يعين للمولى) ش: أي وإن لم يقل الوكيل اشتريت العبد لنفس العبد م: (فهو عبد للمشتري) ش: أي يكون العبد للمشتري م: (لأن اللفظ) ش: أي قوله اشتريت عبدك بكذا موضوع م: (حقيقة للمعاوضة) ش: لأن المولى قال بعت هذا العبد بألف، وقال الوكيل اشتريت وليس بحقيقة للإعتاق م: (وأمكن العمل بها) ش: أي بحقيقة اللفظ م: (إذا لم يعين) ش: أي إذا لم يقل: اشتريت عبدك لأجل عبدك، م: (فيحافظ عليها) ش: أي على المعاوضة. م: (بخلاف شراء العبد نفسه) ش: حيث يجعل الإعتاق لتعذر العمل بالمعاوضة فإنه ليس بأهل أن يملك مالًا فصار مجازًا عن الإعتاق. وهو معنى قوله: م: (لأن المجاز فيه متعين) ش: والمجاز معنى إزالة الملك فإن البيع يزيل الملك بعوض على آخر، والإعتاق يزيل لا إلى آخر، وقد مر الكلام فيه. م: (وإذا كان معاوضة يثبت المالك له) ش: أي المشتري م: (والألف للمولى لأنه كسب عبده وعلى المشتري ألف مثله) ش: أي مثل ذلك الألف حال كونه م: (ثمنًا للعبد) ش: وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثمنًا نص على التمييز، قلت: الأوجه أنه يكون حالًا بتأول تثمينًا م: (فإنه) ش: أي فإن الثمن م: (في ذمته) ش: أي في ذمة المشتري م: (حيث لم يصح الأداء) ش: المشتري هو المأمور. قال في "النهاية": وهذا ظاهر فيما إذا وقع الشراء للمشتري، وأما إذا وقع الشراء للعبد حتى يعتق هل يجب على العبد ألف أخرى. قال الإمام قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لم يذكره في الكتاب ولكن يجب عليه ألف أخرى. لأن الأول مال المولى فلا يصلح بدلًا عن ملكه. م: (بخلاف الوكيل بشراء العبد من غيره) ش: أي من غير العبد بأن وكل أجنبي أجنبيًا آخر بشراء العبد من مولاه م: (حيث لا يشترط بيانه) ش: بأن يقول وقت الشراء: اشتريته لموكل لوقوع الشراء للموكل م: (لأن العقدين) ش: يعني الذي يقع له والذي للموكل م: (هنالك) ش: أي في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 262 على نمط واحد، وفي الحالين المطالبة تتوجه نحو العاقد. أما هاهنا فأحدهما إعتاق معقب للولاء ولا مطالبة على الوكيل والمولى عساه لا يرضاه ويرغب في المعاوضة المحضة فلا بد من البيان. ومن قال لعبد: اشتر لي نفسك من مولاك، فقال لمولاه: بعني نفسي لفلان بكذا ففعل فهو للآمر، لأن العبد يصلح وكيلا عن غيره في شراء نفسه؛ لأنه   [البناية] حق البائع م: (على نمط واحد) ش: أي على نوع واحد وهو المبايعة والنمط والنوع والطريقة أيضًا م: (وفي الحالين) ش: أي في حال الإضافة إلى نفسه والإضافة إلى موكله م: (المطالبة تتوجه نحو العاقد) ش: فلا يحتاج إلى البيان م: (أما هاهنا) ش: أي في صورة توكيل العبد بشراء نفسه م: (فأحدهما) ش: وفي بعض النسخ: أما هاهنا فأحدهما بدون لفظة فإن أي أحد الحالين م: (إعتاق معقب للولاء ولا مطالبة فيه على الوكيل) ش: لأنه سفير. هذه رواية كتاب الوكالة في باب الوكالة بالعتق: أن العبد يعتق والمال على العبد دون الوكيل، وذكر في باب الوكالة المأذون والمكاتب من كتاب "الوكالة": أن العبد يعتق والمال على الوكيل، وهكذا ذكر في وكالة الجامع: ولو بين للمولى أنه يشتريه لنفسه لكن أضاف الشراء لنفسه، ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب الوكالة: أن العبد يعتق والثمن على العبد لا الوكيل، وذكر في " الجامع الكبير ": وجب الثمن على الوكيل ويرجع به على العبد. وعن عيسى ابن أبان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الصحيح أن الثمن على العبد. م: (والمولى عساه لا يرضاه) ش: أي الإعتاق لأنه لو أعتق والمولى لا يعلم به يلزمه الضرر ولا يرضى به، لأن ولاءه يكون له، فهو موجب جنايته يكون أيضًا عليه بحكم الولاء، فتعذر تنفيذه على المولى وأمكن تنفيذه على الوكيل والآخر معاوضة محضة، والمطالبة على الموكل م: (ويرغب) ش: أي المولى عساه يرغب م: (في المعاوضة المحضة فلا بد من البيان) ش: قوله عساه لا يرضاه، حق الكلام أن يقال: عساه وأن لا يرضاه، لأن قوله: لا يرضاه في محل النصب، يعني ولكنه شبه عسى بكاد، فاستعمل استعماله وذكر ضمير الغائب مقام الظاهر أحد المذاهب الثلاثة كما عرف في موضعه. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن قال لعبد: اشتر لي نفسك من مولاك) ش: هذه هي المسألة الثانية من المسألتين اللتين شملتا هذا الفصل م: (فقال) ش: أي العبد م: (لمولاه: بعني نفسي لفلان بكذا ففعل) ش: أي المولى م: (فهو) ش: أي العقد والعبد م: (للآمر لأن العبد يصلح أن يكون وكيلًا عن غيره في شراء نفسه) ش:، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول: لا يصلح فلا يجوز هذا التوكيل م: (لأنه) ش: أي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 263 أجنبي عن ماليته، والبيع يرد عليه من حيث إنه مال إلا أن ماليته في يده، حتى لا يملك البائع الحبس بعد البيع لاستيفاء الثمن، فإذا أضافه إلى الآمر صلح فعله امتثالا، فيقع العقد للآمر. وإن عقد لنفسه فهو حر، لأنه إعتاق، وقد رضي به المولى دون المعاوضة، والعبد وإن كان وكيلا بشراء شيء معين ولكنه أتى بجنس تصرف آخر وفي مثله ينفذ على الوكيل.   [البناية] لأن العبد م: (أجنبي عن ماليته) ش: لأنها لمولاه، ولهذا لو أقر بماليته لغيره لا يصلح م: (والبيع يرد عليه) ش: أي على العبد م: (من حيث إنه مال) ش: فكان توكيله بشرائها كتوكيله بغيره من أموال المولى وكتوكيل أجنبي بشراء نفسه م: (إلا أن ماليته في يده) ش: استثناء عن قوله لأنه أجنبي عن ماليته لأنها لمولاه إلا أنها بيده م: (حتى لا يملك البائع) ش: وهو المولى م: (الحبس بعد البيع) ش: لاستيفاء الثمن لأن ماليته في يده لكونه مأذونًا له كالمودع إذا اشترى الوديعة وهي في يده لم يكن للبائع حبسه م: (لاستيفاء الثمن فإذا أضافه إلى الآمر صلح فعله) ش: أي فعل العبد نتيجة الدليل. وتقريره العبد يصلح وكيلًا عن غيره في شراء نفسه لأنه مال وكل من يصلح وكيلًا عن غيره في شراء مال إذا أضاف العقد إلى الآمر صح فعله م: (امتثالًا) ش: فالعبد إذا أضافه إلى الآمر صلح فعله امتثالًا م: (فيقع العقد للآمر) ش: قياسًا على حر توكل بشيء وفعله، وقوله ففعل فهو للآمر يشير إلى أن العقد يتم بقول المولى بعت. وهو يخالف ما ذكر في " الجامع " فإن إضافة العقد إلى الموكل إنما تفيد الملك إذ وجد الإيجاب من المولى والقبول من العبد حتى لو قال العبد: بعني نفسي من فلان فقال: بعت لا يتم العقد حتى يقول العبد قبلت بناء على أن الواحد لا يتولى طرفي البيع، بخلاف ما إذا اشترى لنفسه كما يأتي، فإنه إعتاق على مال مقدر والواحد يتولى طرفيه، فيتم بقول المولى بعت مسبوقًا بقول العبد بعني نفسي. فإن قلت: إذا أضاف إلى الموكل فمن الطالب بالثمن؟. أجيب: بأنه في ذمة العبد لكونه العاقد، فإن قلت قد يكون محجورًا عليه ومثله لا يرجع إليه الحقوق؟، وأجيب: بأن الحجر زال بالعقد الذي باشره مع مولاه، فإن المباشرة تستدعي به تصور صحة المباشرة، وهو إذن. م: (وإن عقد لنفسه فهو حر) ش: يعني إذا قال: بعني نفسي مني فقال: المولى بعت، فهو حر م: (لأنه إعتاق وقد رضي به المولى دون المعاوضة) ش: لأنه علم أن البيع منه إعتاق م: (والعبد وإن كان وكيلًا) ش: هذا جواب إشكال وهو أن يقال: ينبغي أن لا يجوز بيعه لنفسه لأنه وكيل بشراء معين لا يتمكن من أن يشتريه لنفسه، فينبغي أن لا يتمكن العبد من ذلك فأجاب بقوله: والعبد وإن كان وكيلًا م: (بشراء شيء معين ولكنه أتى بجنس تصرف آخر) ش: وهو الإعتاق على مال فكان مخالفًا، م: (وفي مثله ينفذ الشراء على الوكيل) ش: والوكيل إذا خالف نفذ الشراء على الجزء: 9 ¦ الصفحة: 264 وكذا لو قال: بعني نفسي، ولم يقل لفلان فهو حر لأن المطلق يحتمل الوجهين، فلا يقع امتثالا بالشك، فيبقى التصرف واقعا لنفسه.   [البناية] الوكيل. م: (وكذا لو قال: بعني نفسي ولم يقل لفلان فهو حر لأن المطلق) ش: وهو قوله "بعني نفسي" م: (يحتمل الوجهين) ش: أي يحتمل أن يكون مشتريًا بنفسه لنفسه ويحتمل أن يكون مشتريًا لغيره م: (فلا يقع امتثالًا بالشك فيبقى التصرف واقعًا لنفسه) ش: لأن الظاهر أن الإنسان يتصرف لأجل نفسه لا سيما تصرفًا يحص منه الإعتاق. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وعورض بأن اللفظ حقيقة للمعاوضة كما تقدم، وإذا تردد اللفظ بين أن يحمل على حقيقته وعلى مجازه حمل على الحقيقة بالنية. وأجيب: بأن اللفظ للحقيقة إذا لم يكن ثمة قرينة للمجاز، وقد وجدت فيما نحن فيه وهي إضافة العبد العقد إلى نفسه، فإن الحقيقة بالنسبة إليه غير مقصودة ورضي المولى بذلك، وإليه أشار بقوله: وقد رضي المولى به دون المعاوضة لا يقال فعلى هذا لا يكون قوله: لأن المطلق يحتمل الوجهين صحيحًا، لأنا نقول: الاحتمال إنما هو من حيث إطلاق اللفظ، وذلك لا يحتمل الإنكار والترجيح من حيث الإضافة إلى نفسه، وهي خارجة عن مفهوم اللفظ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 265 فصل في البيع قال: والوكيل بالبيع والشراء لا يجوز له أن يعقد مع أبيه وجده ومن لا تقبل شهادته له عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يجوز بيعه منهم بمثل القيمة إلا من عبده أو مكاتبه،   [البناية] [فصل في البيع] م: (فصل في البيع) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام التوكيل بالبيع ولما فرغ عن بيان أحكام التوكيل بالشراء شرع في بيان التوكيل بالبيع، وأخر هذا الفصل عن بيان الفصل المتقدم لأنه يتضمن الإزالة وذلك يتضمن الإثبات وهو مقدم. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والوكيل بالبيع والشراء لا يجوز له أن يعقد مع أبيه وجده ومن لا تقبل شهادته له) ش: مثل ابنه وأخيه م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول ومالك وأحمد - رحمهما الله - في وجه. م: (وقالا: يجوز بيعه منهم بمثل القيمة) ش: أي وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - يجوز بيعه من الأقارب الذين لا تقبل شهادته لهم بمثل القيمة، إشارة إلى أنه لا يجوز بغبن يسير وإلا لم يكن للتخصيص بمثل القيمة فائدة، ولكن ذكر في "الذخيرة" أنه يجوز بيعه من هؤلاء بالغبن اليسير لأن اليسير ملحق بمثل القيمة. وقال فيها: لو باع ممن لا تقبل شهادته له بأكثر من القيمة يجوز بيعه بلا خلاف وبالغبن الفاحش لا يجوز بلا خلاف، وفي الغبن اليسير يجوز عندهما ولا يجوز عنده. وبمثل القيمة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان في رواية الوكالة والبيوع لا يجوز، وفي رواية المضاربة يجوز وبيع المضارب وشراؤه ممن لا تقبل شهادته له بغبن يسير لا يجوز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبيعه منهم بأكثر من القيمة وشراؤه منهم بأقل من القيمة يجوز بلا خلاف، وبمثل القيمة يجوز عندهما، وكذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - باتفاق الروايات. م: (إلا من عبده أو مكاتبه) ش: فإنه لا يجوز عندهما أيضًا لأن البيع من هؤلاء كالبيع من نفسه فلا يجوز وقيد في " المبسوط" بقوله: إلا من عبده الذي لا دين عليه لأن كسبه لمولاه فيبيعه منه كبيعه من نفسه، فكان فيه إشارة إلى أنه إذا كان عليه دين يجوز في تعميم المشيئة ثم الوكيل بالبيع لا يجوز أن يبيعه من نفسه عندنا والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ظاهر مذهبه. وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يجوز، وبه قال مالك والأوزاعي -رحمهما الله -: إذا لم يخاف لعدم التهمة، قلنا: لو جاز يؤدي إلى التضاد في الأحكام فإنه يكون مستزيدًا ومستنقصًا أيضًا ومخاصمًا في العيب وفيه من التضاد ما لا يخفى. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 266 لأن التوكيل مطلق ولا تهمة إذ الأملاك متباينة. والمنافع منقطعة بخلاف العبد؛ لأنه بيع من نفسه لأن ما في يد العبد للمولى وكذا للمولى حق في كسب المكاتب وينقلب حقيقة بالعجز. وله: أن مواضع التهمة مستثناة عن الوكالات، وهذا موضع التهمة بدليل عدم قبول الشهادة، ولأن المنافع بينهم متصلة، فصار بيعا من نفسه من وجه   [البناية] وفي "المبسوط ": المراد من عدم الجواز في البيع من هؤلاء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مطلق، الوكالة؛ أما لو قيد الوكالة بتعميم المشيئة بأن قال: بع لمن شئت يجوز البيع من هؤلاء بلا خلاف، بخلاف البيع من نفسه أو من ابن صغير له حيث لا يجوز فإن قيل يشكل على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيع المضارب من هؤلاء بمثل القيمة حيث يجوز سهوا ظهور الربح أم لا، والمضارب قبل ظهور الربح وكيل. قلنا: قال بعض مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عدم الجواز عنده مطلقًا على ما إذا باعه بالغبن، أما البيع بمثل القيمة فجائز في المضاربة من هؤلاء. م: (لأن التوكيل مطلق) ش: أي عن التقييد بشخص دون آخر، والمطلق يعمل بإطلاقه م: (ولا تهمة) ش: أي في البيع بمثل القيمة هذا نفي التهمة من حيث المالية وقوله م: (إذ الأملاك متباينة والمنافع منقطعة) ش: ففي التهمة إيثار الغبن. فكان هذا جواب عن قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن في البيع بمثل القيمة تهمة إيثار الغبن. فلما كانت المنافع منقطعة لم يكن الوكيل مبيعًا بذلك الغبن فلا يورث التهمة، والدليل على تباين الأملاك حل وطء الابن جاريته، ولا يحل وطء جارية أبيه لتباين ملك أبيه عن ملكه وتباين الأملاك يوجب انقطاع المنافع. م: (بخلاف العبد) ش: فإنه لا يجوز بيع الوكيل من عبده الذي لا دين عليه م: (لأنه بيع من نفسه) ش: أي لأن بيع الوكيل من عبده بيع من نفسه م: (لأن ما في يد العبد حق المولى وكذا للمولى حق في كسب المكاتب) ش: حتى لا تصلح تبرعاته ولا تزويج عبده م: (فينقلب) ش: أي حق المولى م: (حقيقة) ش: أي ينقلب حق المولى في كسب المكاتب إلى حقيقة الملك م: (بالعجز) ش: أي بعجز المكاتب عن أداء بدل الكتابة لأن المولى يملك حينئذ جميع المال في يده. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن مواضع التهمة مستثناة عن الوكالات) ش: لأن الوكالة شرعت للأمانة، فيكون الوضع موضع الأمانة فلو كانت التهمة داخلة فيها لعاد على موضوعه بالنقض م: (وهذا موضع التهمة) ش: التهمة مأخوذة من وهم بالفتح، أي ذهب يعني يذهب الوهم أنه إنما يختار هذا النفع لنفسه فيكون عاملًا لنفسه والوكيل يعمل بغيره م: (بدليل عدم قبول الشهادة) ش: فيما بينهم لتهمة الانتفاع بمال آخر م: (ولأن المنافع بينهم متصلة فصار) ش: أي بيع الوكيل من هؤلاء م: (بيعًا من نفسه من وجه) ش: وصار مال كل واحد منهم كمال صاحبه من وجه، وفي البيع إخراج وإدخال من الجانبين، وفي البيع من هؤلاء إخراج إلى نفسه من وجه فلا يجوز. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 267 والإجارة والصرف على هذا الخلاف. قال: والوكيل بالبيع يجوز بيعه بالقليل والكثير والعرض عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا يجوز بيعه بنقصان لا يتغابن الناس فيه، ولا يجوز إلا بالدراهم والدنانير، لأن مطلق الأمر يتقيد بالمتعارف؛ لأن التصرفات لدفع الحاجات فتتقيد بمواقعها، والمتعارف البيع بثمن المثل وبالنقود، ولهذا يتقيد التوكيل بشراء الفحم والجمد   [البناية] م: (والإجارة والصرف على هذا الخلاف) ش: أي الوكالة بالإجارة والصرف على الخلاف المذكور، وإنما خصها بالذكر لأن الإجارة شرعت على خلاف القياس والصرف مشروط بشروط عرى عنها البيع، وكان يجب أن لا يجوز مع هؤلاء، فبين أنهما على الاختلاف أيضًا، وفي " الكافي ": ولو اشترى من هؤلاء عينًا بثمن معلوم وأراد بيعه مرابحة لم يجز بلا بيان عنده، خلافًا لهما بناء على هذا الأصل. [الوكيل بالبيع يجوز بيعه بالقليل والكثير والعرض] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والوكيل بالبيع يجوز بيعه بالقليل والكثير والعرض عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ليست هذه المسألة الوكيل بالبيع مطلقًا يملك البيع بما عز وهان وبأي من كان وإلى أجل كان متعارفًا وغير متعارف. م: (وقالا: لا يجوز بيعه بنقصان لا يتغابن الناس فيه) ش: أي قاله أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله -، لا يجوز الغبن الفاحش ويجوز الغبن اليسير م: (ولا يجوز إلا بالدراهم والدنانير) ش: أي لا يجوز بغير النقود. وقال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يجوز بثمن المثل وبنقد البلد، فإن كانت النقود مختلفة بعقير الأغلب ولا يبيع إلا حالًا، وإن استويا باع بما هو أنفع للموكل، وفي "الذخيرة": إذا باع بأجل متعارف فيما بين الناس في تلك الساعة، بأن باع مثلًا إلى خمسين سنة وما أشبه ذلك. فعند أبي حنيفة - رحمة الله تعالى عليه -: يجوز، وعندهما: لا يجوز، ثم قال: إنما يجوز البيع بالنسبة إذا لم يكن في اللفظ ما يدل على البيع بالنقد، أما إذا كان لا يجوز وذلك نحو أن يقول: بعه واقض ديني. أو قال: بعه فإن الغرماء يلازمونني، أو قال: بعه فإني أحتاج إلى نفقة عيالي، ففي هذه الصور لا يجوز بيعه نسيئة بالاتفاق. م: (لأن مطلق الأمر يتقيد بالمتعارف) ش: أي لأن المطلق بالأمر يتقيد بما هو متعارف بين الناس م: (لأن التصرفات لدفع الحاجات فتتقيد بمواقعها، والمتعارف البيع بثمن المثل وبالنقود ولهذا) ش: أي ولأجل تقيد التصرفات بمواقعها م: (يتقيد التوكيل بشراء الفحم) ش: وفي بعض النسخ بشراء الفحم وهو أليق بقران قوله. بزمان الحاجة، إذ كل الأزمان زمان الحاجة إلى اللحم م: (والجمد) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 268 والأضحية بزمان الحاجة. ولأن البيع بغبن فاحش بيع من وجه وهبة من وجه، وكذا المقايضة، بيع من وجه وشراء من وجه، فلا يتناوله مطلق اسم البيع. ولهذا لا يملكه الأب والوصي، وله: أن التوكيل بالبيع مطلق، فيجري على إطلاقه في غير موضع التهمة والبيع بالغبن أو بالعين متعارف عند شدة الحاجة إلى الثمن والتبرم من العين، والمسائل ممنوعة على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما هو المروي عنه   [البناية] ش: بسكون الميم لا غير ما جمد من الماء م: (والأضحية بزمان الحاجة) ش: في تلك السنة لا السنة الآتية. الحاصل: أن التوكيل بشراء الفحم يتقيد بأيام البرد والجمد بأيام الصيف والأضحية بأيام النحر أو قبلها كل ذلك من تلك السنة، حتى لو اشترى ذلك في السنة الثانية لم يلزم الآمر، وقيل هذا قولهما، أما على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يتقيد ولو وكله بشراء اللحم يدخل فيه لحم البقر والإبل والضأن وقيل: إن كان الأمر غريبا يتصرف إلى المطبوخ ولا يدخل الكرش والبطون والأكباد والرؤوس والأكارع واللحم القديد ولحم الطيور والوحوش، وكذا لا تدخل الشاة حية أو مذبوحة غير مسلوخة، وعند الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يقع على ما يباع في العادة في الكل. م: (ولأن البيع بغبن فاحش بيع من وجه) ش: وهو ظاهر م: (وهبة من وجه) ش: ألا ترى أنه لو باع مريض بالغبن الفاحش يعتبر من الثلث، والأب والوصي لا يملكان البيع بالغبن الفاحش م: (وكذا المقايضة) ش: أي البيع بالعرض م: (بيع من وجه وشراء من وجه) ش: وهو وكيل بالبيع لا بالشراء م: (فلا يتناوله) ش: أي فلا يتناول التوكيل بالبيع في البيع بغبن فاحش وفي بيع المقايضة م: (مطلق اسم البيع ولهذا لا يملكه الأب والوصي) ش: لأن المطلق ينصرف إلى الكامل. م: (وله: أن التوكيل بالبيع مطلق) ش: يعني غير مقيد بشيء م: (فيجري على إطلاقه في غير موضع التهمة) ش: فيتناول كل ما يطلق عليه البيع م: (والبيع بالغبن) ش: وبالغين المعجمة والباء الموحدة م: (أو بالعين) ش: بالعين المهملة وسكون الياء آخر الحروف، وهو العرض، وهذا جواب عن قولهما: يعني سلمنا أن المطلق يتقيد بالمتعارف، لكن البيع بالغبن والعين م: (متعارف عند شدة الحاجة إلى الثمن والتبرم) ش: بالعين، من تبرم به إذا شبه وكذا برم به بالكسر، وعند العامة م: (من العين) ش: لا يبالي بقلة الثمن وكثرته م: (والمسائل) ش: أي مسائل شراء الفحم والجمد م: (ممنوعة على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما هو المروي عنه) . ويقال من جهة أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولئن سلمنا أن التوكيل يتقيد فنقول إنما يتقيد بدلالة العرض لا بدلالة العادة، لأن الغرض من شراء الفحم دفع ضرر البرد وذلك يختص بالشتاء، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 269 وأنه بيع من كل وجه حتى إن من حلف لا يبيع يحنث به، غير أن الأب والوصي لا يملكانه مع أنه بيع؛ لأن ولايتهما نظرية ولا نظر فيه. والمقايضة شراء من كل وجه وبيع من كل وجه لوجود حد كل واحد منهما. قال والوكيل بالشراء يجوز عقده بمثل القيمة وزيادة يتغابن الناس في مثلها، ولا يجوز بما لا يتغابن الناس في مثله،   [البناية] والغرض من شراء الجمد دفع ضرر الحر، وذلك يختص بالصيف حتى لو انعدمت هذه الدلالة بأن وجد التوكيل ممن يعتاد تربص العين كالحدادين وغيرهم أو تربص الجمد، كالفقاعيين وغيرهم لا يتقيد، كذا قال الإمام علاء الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - في طريقة الخلاف، وكذلك التوكيل بالأضحية، يتقيد بأيام النحر بالغرض لا بالعادة، لأن غرض الموكل خروجه عن عهدة الوجوب الذي يلحقه في أيام تلك السنة. م: (وأنه) ش: أي وأن البيع بالغبن أو العين م: (بيع من كل وجه حتى إن من حلف أن لا يبيع يحنث به) ش: أي بالبيع بالغبن أو العين، فلما جعل هذا بيعا مطلقا في اليمين جعل في الوكالة كذلك م: (غير أن الأب الوصي) ش: جواب عما يقال لو كان ذلك بيعا من كل وجه لملكه الأب والوصي، وتقرير الجواب: أن الأب والوصي م: (لا يملكانه) ش: أي البيع بالعين م: (مع أنه بيع) ش: يعني يطلق عليه أنه بيع، م: (لأن ولايتهما نظرية) ش: أي لأن ولاية الأب والوصي على الصغير من حيث النظر في أمرهما بالشفقة وأيضا النفع إليه م: (ولا نظر فيه) ش: أي في بيع الغبن. م: (والمقايضة) ش: جواب عن قولهما، وكذا المقايضة، وتقرير الجواب أن المقايضة م: (شراء من كل وجه وبيع من كل وجه لوجود حد كل واحد منهما) ش: وهو مبادلة المال بالمال على وجه التراضي، وكل ما صدق عليه هذا الحد فهو بيع من كل وجه وشراء من كل وجه، فإن قيل: فمن المحال أن يوصف الشيء الواحد بصفة وبضدها في حالة واحدة. قلنا: إنما كان محالا إذا كان ذلك من وجهة واحدة، وليس كذلك، فإنه بيع من كل وجه بالنسبة إلى غرض نفسه، وشراء بالنسبة إلى غرض صاحبه. فإن قيل: إذا كان الأمر كذلك، فمن أي وجه رجح أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - جانب البيع. قلنا: ذكر في " المبسوط ": جانب البيع يرجح على جانب الشراء في البيع بالغرض. ألا ترى أن أحد المضاربين إذا اشترى بغير إذن صاحبه، كان مشتريا لنفسه، ولو باع بغير إذن صاحبه شيئا من مال المضاربة يوقف على إجازة صاحبه، فإنه باعه بغرض. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والوكيل بالشراء يجوز عقده بمثل القيمة وزيادة يتغابن الناس في مثلها، ولا يجوز بما لا يتغابن الناس في مثله) ش: وهو الغبن الفاحش ولا خلاف فيه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 270 لأن التهمة فيه متحققة فلعله اشتراه لنفسه، فإذ الم يوافقه ألحقه بغيره على ما مر حتى لو كان وكيلا بشراء شيء بعينه، قالوا: ينفذ على الآمر؛ لأنه لا يملك شراءه لنفسه وكذا الوكيل بالنكاح، إذا زوجه امرأة بأكثر من مهر مثلها جاز عنده؛ لأنه لا بد من الإضافة إلى الموكل في العقد، فلا تتمكن هذه التهمة ولا كذلك الوكيل بالشراء لأنه يطلق العقد.   [البناية] بين الأئمة الأربعة م: (لأن التهمة فيه متحققة) ش: أي في هذا الشراء لتحقق التهمة فيه، والتهمة معتبرة في باب الوكالة، ألا ترى أن الوكيل بالبيع لا يبيع من أبيه وابنه للتهمة م: (فلعله) ش: أي ولعل الوكيل م: (اشتراه) ش: أي اشترى الشيء الذي وكل به م: (لنفسه) ش: أي لأجل نفسه م: (فإذا لم يوافقه ألحقه بغيره) ش: أي لغير نفسه لأنه لما رأى الخسران في الشراء ألحقه بالموكل م: (على ما مر) ش: إشارة إلى ما ذكر في المتن قبل ورقة بقوله: "لأنه موضع تهمة" بأن اشتراه لنفسه فإذا رأى الصفقة خاسرة ألزمها الآمر م: (حتى لو كان وكيلا بشراء شيء بعينه) . م: (قالوا:) ش: أي قال المشايخ وأراد به عامة المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فإن بعضهم قال يتحمل فيه الغبن اليسير لا الفاحش، وقال: لا يتحمل فيه اليسير أيضا م: (ينفذ على الآمر) ش: لانتفاء التهمة م: (لأنه لا يملك شراءه لنفسه) ش: أي لأن الوكيل لا يملك أن يشتريه لنفسه، وإن نوى الشراء لنفسه وصرح بذلك، بأن قال: اشهدوا أني قد اشتريتها لنفسي إلا إذا خالف في الثمن لا إلى خبر. أو خالف إلى جنس آخر على ما مر مرة. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جواز عقد الوكيل بالشراء بزيادة يتغابن الناس في مثلها فيما ليس له قيمة معلومة عند أهل البلد، فأما ما له قيمة معلومة عندهم كالخبز واللحم إذا زاد الوكيل بالشراء على ذلك لا يلزم الآمر قلت الزيادة أو كثرت قال في "بيوع التتمة " وبه يفتى. م: (وكذا الوكيل بالنكاح) ش: على الخلاف المذكور م: (إذا زوجه) ش: أي موكله م: (امرأة بأكثر من مهر مثلها جاز عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ووقع في بعض النسخ جاز عقده بالقاف. والظاهر أنه تصحيف وإن كان له وجه م: (لأنه لا بد من الإضافة) ش: أي من إضافة العقد م: (إلى الموكل في العقد فلا تتمكن هذه التهمة) ش: وأشار به إلى قوله لأن التهمة فيه متحققة، قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأصل " وإذا وكل رجل رجلا أن يزوجه امرأة بعينها، فزوجها إياه فهو جائز، فإن زادها على مهر مثلها فهو جائز في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - إذا زوجها بما يتغابن الناس في مثله، فهو جائز، وإذا أكثر في ذلك لم يلزم الزوج النكاح إلا أن ترضاه م: (ولا كذلك الوكيل بالشراء لأنه يطلق العقد) ش: أي لأنه لا يضيف العقد إلى الموكل حيث يقول اشتريت، ولا يقول فلان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 271 قال: والذي لا يتغابن الناس فيه ما لا يدخل تحت تقويم المقومين، وقيل في العروض دهنيم، وفي الحيوانات ده يازده، وفي العقارات ده دوازده لأن التصرف يكثر وجوده في الأول ويقل في الأخير ويتوسط في الأوسط وكثرة الغبن لقلة التصرف.   [البناية] [الذي لا يتغابن الناس فيه] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والذي لا يتغابن الناس فيه ما لا يدخل تحت تقويم المقومين) ش: لما ذكر الغبن اليسير والفاحش شرع أن يبين كيفيتهما فقال والذي ... إلى آخره، وقوله والذي مبتدأ وخبره هو قوله ما لا يدخل، ومقابل هذا مما يتغابن فيه، وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره "، والمقدار الذي يتغابن الناس نصف العشرة وأقل منه، وهذا غير منصوص عنهم، ولكن مذاهبهم تدل عليه. وقال الشيخ أبو المعين النسفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الكبير ": اختلف المشايخ في الحد الفاصل بين القليل والكثير، منهم من قال ما يتغابن الناس فيه قليل وما لا يتغابن الناس فيه كثير، ومنهم من قال ما يدخل تحت تقويم المقومين فهو قليل، وما لا يدخل فهو كثير، ومنهم من قال: ذلك مفوض إلى رأي القاضي. م: (وقيل) ش: هذا معطوف على ما تضمن قوله ما يدخل تحت تقويم المقومين وهو بيان للغبن اليسير، وقال نصير بن يحيى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنه قال قدر ما يتغابن الناس فيه م: (في العروض دهنيم) ش: بفتح الدال المهملة وسكون الهاء اسم عشرة بالفارسي ونيم بكسر النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره ميم وهو اسم النصف والمراد هنا نصف درهم م: (وفي الحيوانات: ده يازده) ش: وهذا اسم لأحد عشر وزيادة بالياء آخر الحروف بعدها ألف ثم زاي ساكنة ثم دال مهملة مفتوحة ثم هاء ساكنة م: (وفي العقارات ده دو أزده) ش: وهذا اسم لاثني عشر ودو نزده بضم الدال المهملة وبالواو وسكون النون بعد الألف وسكون الزاي والتقاء الساكنين عندهم مفتقر كثير وبعد الزاي دال مهملة مفتوحة ثم هاء ساكنة. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ناقلا عن لفظ الشيخ أبي المعين النسفي ومحمد - رحمهما الله -: قدر في هذا الكتاب بده نيم يعني في " الجامع الكبير " ومشايخ بلخ أدخلوا ذلك على ما قال الفقيه أبو القاسم بن شعيب بن إدريس - رَحِمَهُ اللَّهُ - حكى عنهم أنهم قدروا اليسير في العقار بده دوا زاد، وفي الحيوان بده يازده وفي العروض: بده نيم. م: (لأن التصرف يكثر وجوده في الأول) ش: وهو قوله في العروض ده نيم م: (ويقل في الأخير) ش: وهو قوله في العقارات: ده دو أزده م: (ويتوسط في الأوسط) ش: وهو قوله في الحيوانات: ده يازده م: (وكثرة الغبن لقلة التصرف) . ش: وأوضح ذلك الشيخ الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: بلا، فإذا كان الغبن إلى هذا المبلغ كان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 272 قال: وإذا وكله ببيع عبد له فباع نصفه، جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن اللفظ مطلق عن قيد الافتراق والاجتماع، ألا ترى أنه لو باع الكل بثمن النصف يجوز عنده، فإذا باع النصف به أولى. وقالا: لا يجوز لأنه غير متعارف؛ ولما فيه من ضرر الشركة، إلا أن يبيع النصف الآخر قبل أن يختصما لأن بيع النصف قد يقع وسيلة إلى الامتثال بأن لا يجد من يشتريه جملة، فيحتاج إلى أن يفرق فإذا باع الباقي قبل نقض البيع.   [البناية] يسيرا لزم الآمر، وإن زاد على ذلك لزم الموكل، والتقدير على هذا الوجه لأن الغبن يزيد بقلة التجربة وينقص من كثرتها وقلتها، وكثرتها بقلة وقوع التجارات وكثرته. وفي القسم الأول كثير، وفي الأخير قليل، وفي الأوسط متوسط، وعشرة دراهم نصاب يقطع به يد محترمة فجعل أصلا والدرهم مال يحبس لأجله، فقد لا يتسامح به وفي المماكسة، فلم يعتبر فيما كثر وقوعه يسيرا والنصف من النصفة فكان يسيرا وضوعف بعد ذلك بحسب المواقع، فما كان أقل وقوعا منه اعتبر ضعفه وما كان أقل من الأقل اعتبر ضعف ضعفه. [وكله ببيع عبد له فباع نصفه] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجامع الصغير م: (وإذا وكله ببيع عبد له فباع نصفه جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني إذا وكل رجل رجلا ببيع عبده أي مطلقا، وإنما وضع المسألة في العبد ليترتب عليه هذا الاختلاف المذكور لأنه إذا باع نصف ما وكل ببيعه وليس في تفريعه ضرر، كالحنطة والشعير يجوز بالاتفاق، ذكره في " الإيضاح " م: (لأن اللفظ مطلق عن قيد الافتراق والاجتماع) ش: فيجري على إطلاقه، واستوضح بقوله: م: (ألا ترى أنه لو باع الكل بثمن النصف يجوز عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: م: (فإذا باع النصف به) ش: أي بذلك الثمن م: (أولى) ش: لأن إمساك البعض مع بيع البعض بهذا الثمن أنفع له من بيع الكل بذلك الثمن، وإنما قيد بقوله " عنده " لأنه لا يجوز عندهما لأنه غبن فاحش، وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -، فإن قيل: إنما يجوز بيع الكل بثمن النصف لعدم الشركة، أما في بيع النصف بنصف الثمن يلزم الشركة وهي عيب في الأعيان، فكان يحالفه إلى الشراء. قلنا: ضرر الشركة أهون من ضرر بيع الكل بثمن النصف، فلما جاز ذلك على قوله فلان يجوز هذا وهو أهون أولى. م: (وقال: لا يجوز لأنه غير متعارف) ش: لأن التوكيل به ينصرف إلى التعارف وبيع النصف غير متعارف م: (ولما فيه من ضرر الشركة) ش: أي لما في بيع النصف من ضرر الشركة لأنها عيب م: (إلا أن يبيع النصف الآخر قبل أن يختصما) ش: أي الوكيل والموكل م: (لأن بيع النصف قد يقع وسيلة إلى الامتثال بأن لا يجد من يشتريه جملة، فيحتاج إلى أن يفرق فإذا باع الباقي قبل نقض البيع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 273 الأول تبين أنه وقع وسيلة. وإذ لم يبع ظهر أنه لم يقع وسيلة فلا يجوز، وهذا استحسان عندهما، وإن وكله بشراء عبد فاشترى نصفه فالشراء موقوف، فإن اشترى باقيه لزم الموكل لأن شراء البعض قد يقع وسيلة إلى الامتثال بأن كان موروثا بين جماعة، فيحتاج إلى شرائه شقصا شقصا، فإذا اشترى الباقي قبل رد الآمر البيع تبين أنه وقع وسيلة، فينفذ على الآمر وهذا بالاتفاق. والفرق لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن في الشراء تتحقق التهمة   [البناية] الأول تبين أنه وقع وسيلة) ش: إلى الامتثال م: (وإذا لم يبع ظهر أنه لم يقع وسيلة فلا يجوز وهذا) ش: أي كون البيع موقوفا إلى أن يبيع النصف الآخر قبل الخصومة م: (استحسان عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -، لأن القياس أن لا يتوقف لثبوت المخالفة ببيع النصف. وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": وفي قوله زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكون الشراء لنفسه في الأحوال كلها، وفي شرح الطحاوي "، ولو اختصم الوكيل مع الموكل إلى القاضي قبل أن يشتري الوكيل الباقي وألزم القاضي الوكيل، ثم إن الوكيل اشترى الباقي بعد ذلك يلزم الوكيل بالإجماع، وكذلك هذا الحكم في جميع الأشياء التي في تنقيصها مضرة، ويكون التنقيص فيه عيبا كالعبد والأمة والدابة والثوب وما أشبه ذلك، والذي ليس فيه التنقيص عيبا، فاشترى بعضه لزم الآمر، وقد مر هذا عن قريب، ولو وكله بشراء عبدين فاشترى له أحدهما لزم الآمر بالإجماع، وكذا لو وكله بشراء جماعة من العبيد فاشترى واحدا منها لزم الآمر. م: (وإن وكله) ش: وفي بعض النسخ وإن وكله أي وإن وكل رجل رجلا م: (بشراء عبد فاشترى نصفه فالشراء موقوف) ش: بالاتفاق وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وقالا في قول ورواية: لا ينفذ على الآمر م: (فإن اشترى باقيه لزم الموكل لأن شراء البعض قد يقع وسيلة إلى الامتثال، بأن كان موروثا من جماعة فيحتاج إلى شرائه شقصا شقصا) ش: الشقص القطعة من الأرض، والطائفة من الشيء، فإذا اشترى شقصا شقصا حتى اشترى الباقي كان وسيلة إلى تحصيل مقصود الآمر فجاز، وإليه أشار بقوله: م: (فإذا اشترى الباقي قبل رد الآمر البيع تبين أنه وقع وسيلة، فينفذ على الآمر) ش: لأنه يصير كأن اشترى جملة، وزالت التهمة م: (وهذا بالاتفاق) ش: لأنه لما اشترى باقيه ارتفع الخلاف. وقال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتابه المسمى " بالتقريب ": قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا وكل رجل رجلا أن يشتري له عبدا فاشترى نصفه جاز عتق الآمر فيه، ولم يجز عتق الوكيل، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز عتق الوكيل فيه دون الموكل م: (والفرق لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي بين البيع والشراء م: (أن في الشراء تتحقق التهمة) ش: لأن صحة الأمر بتسمية العبد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 274 على ما مر، وآخر أن الآمر بالبيع يصادف ملكه فيصح فيعتبر فيه إطلاقه، والآمر بالشراء صادف ملك الغير فلم يصح فلا يعتبر فيه التقييد والإطلاق. قال: ومن أمر رجلا ببيع عبده فباعه وقبض الثمن أو لم يقبض فرده المشتري عليه بعيب لا يحدث مثله لقضاء القاضي ببينة أو بإباء يمين أو بإقراره، فإنه يرده على الآمر لأن القاضي تيقن بحدوث العيب في يد البائع،   [البناية] ونصف العبد ليس بعبد، فلا يصير به ممثلا أمر الآمر، وأما في جانب البيع فصحة التوكيل باعتبار ملك العين وذلك موجود في البعض فيعتبر فيه إطلاقه. وتحقيق الكلام فيه: أن أبا حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يعتبر العموم والإطلاق في التوكيل بالبيع. وأما في التوكيل بالشراء فيعتبر المتعارف الذي لا ضرر فيه ولا تهمة وعندهما كلاهما سواء م: (على ما مر) ش: إشارة إلى قوله الذي تقدم لأن التهمة فيه متحققة، م: (وآخر) ش: أي فرق آخر بين البيع والشراء م: (أن الآمر في البيع) ش: أي في صورة التوكيل بالبيع م: (يصادف ملكه) ش: أي ملك الآمر م: (فيصح) ش: أي أمره لولايته على ملكه م: (فيعتبر فيه إطلاقه) ش: أي إطلاق الأمر، فجاز بيع النصف لأن الأمر وقع مطلقا عن الجمع والتفريق. م: (والأمر بالشراء) ش: أي الأمر بالتوكيل في الشراء م: (صادف ملك الغير) ش: وهو مال البائع م: (فلم يصح) ش: أي الأمر مقصودا لأنه لا ملك للآمر في مال الغير، وإنما صح ضرورة لحاجته إليه ولا عموم لما ثبت ضرورته م: (فلا يعتبر فيه التقييد والإطلاق) ش: فلم يجز شراء البعض لأن الثابت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة وذلك يتأدى بالتعارف وهو شراء الكل لا البعض، لأن الغرض المطلوب من الكل لا يحصل بشراء البعض، إلا إذا اشترى البعض قبل أن يختصما على ما مر. [أمر رجلا ببيع عبده فباعه وقبض الثمن أو لم يقبض فرده المشتري عليه] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجامع الصغير م: (ومن أمر رجلا ببيع عبده فباعه وقبض الثمن أو لم يقبض فرده المشتري عليه) ش: أي على البائع م: (بعيب لا يحدث مثله) ش: كالإصبع الزائدة، والسن الشاغية م: (لقضاء القاضي) ش: إما م: (بينة) ش: قامت على المأمور م: (أو بإباء يمين) ش: أي القضاء بنكول المأمور عن اليمين عند توجهها إليه م: (أو بإقراره) ش: أي القضاء بإقرار المأمور بالعيب م: (فإنه) ش: أي فإن المأمور م: (يرده) ش: أي يرد العبد م: (على الآمر) ش: من غير خصومة، إذ الرد على الوكيل رد على الموكل م: (لأن القاضي تيقن بحدوث العيب في يد البائع) ش: فإن قيل إذا كان الوكيل مقرا بالعيب يرد عليه فلا حاجة إلى قضاء القاضي فما فائدة من ذكره. أجيب: بأنه يحتاج في صورة الإقرار إلى القضاء، لأنه يمكن أن يقر بالعيب ويمتنع عن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 275 فلم يكن قضاؤه مستندا إلى هذه الحجج، وتأويل اشتراطها في الكتاب: أن القاضي يعلم أنه لا يحدث مثله في مدة شهر مثلا، لكنه اشتبه عليه تاريخ البيع، فيحتاج إلى هذه الحجج لظهور التاريخ، أو كان عيبا لا يعرفه إلا النساء والأطباء، وقولهن وقول الطبيب حجة في توجه الخصومة لا في الرد، فيفتقر إليها في الرد، حتى لو كان القاضي عاين البيع والعيب ظاهر لا يحتاج إلى شيء منها، وهو رد على الموكل فلا يحتاج الوكيل إلى رد وخصومة. قال وكذلك إن رد عليه بعيب يحدث مثله ببينة أو بإباء يمين، لأن البينة حجة مطلقة، والوكيل مضطر في النكول   [البناية] القبول فالقاضي يجبره على القبول م: (فلم يكن قضاؤه مستندا) ش: هذا جواب عما يقال: لما كان العيب لا يحدث مثله لم يتوقف القضاء إلى هذه الحجج، بل تقضى بدونها لعلة قطعها بوجود العيب عند البائع، وتقرير الجواب بأن يقال لم يكن قضاؤه مستندا م: (إلى هذه الحجج) ش: وهي البينة، والإقرار، والإباء عن اليمين م: (وتأويل اشتراطها في الكتاب) ش: أي اشتراط الحجج المذكورة في " الجامع الصغير ". م: (أن القاضي يعلم أنه) ش: أي أن العيب المذكور م: (لا يحدث مثله في مدة شهر مثلا، لكنه اشتبه عليه تاريخ البيع، فيحتاج إلى هذه الحجج لظهور التاريخ) ش: يوضح هذا أن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - شرط في " الجامع الصغير " البينة أو الإباء أو الإقرار لاشتباه الأمر على القاضي بأن العيب قديم أو لا إذ يعلم القاضي منها أن مثل هذا العيب لا يحدث مدة شهر مثلا. ولكنه لا يعلم تاريخ البيع متى كان، فيحتاج المشتري إلى واحدة من هذه الحجج على أن تاريخ البيع منذ شهر حتى يظهر عند القاضي أن هذا العيب كان في يد البائع فيرد المبيع عليه وهذا بيان ما ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أو كان عيبا) ش: أي أو كان العيب الذي يريد المشتري الرد به عيبا م: (لا يعرفه النساء) ش: كالقرن في الفرج، والمرض الدق م: (والأطباء) ش: أي أو عيبا لا يعرفه إلا الأطباء. كالسعال القديم م: (وقولهن وقول الطبيب حجة في توجه الخصومة) ش: للمشتري م: (لا في الرد) ش: أي ليس بحجة في رد المبيع على البائع، فإذا كان كذلك م: (فيفتقر) ش: أي القاضي م: (إليها في الرد) ش: أي إلى الحجج المذكورة وهي البينة والإقرار والإباء م: (حتى لو كان القاضي عاين البيع، والعيب ظاهر لا يحتاج إلى شيء منها) ش: أي من الحجج المذكورة م: (وهو) ش: أي الرد على الوكيل م: (رد على الموكل فلا يحتاج الوكيل إلى رد وخصومة قال: وكذلك إن رده عليه) ش: أي إن رد المشتري المبيع على البائع م: (بعيب) ش: أي بسبب عيب م: (يحدث مثله) ش: أي مثل هذا العيب م: (ببينة) ش: يتعلق بقوله إن رده م: (أو بإباء يمين) ش: أي أو بالنكول عن اليمين م: (لأن البينة حجة مطلقة) ش: أي مثبته عند الناس كافة، فيثبت بها قيام العيب عند الموكل فنفذ الرد على الموكل م: (والوكيل مضطر في النكول) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا جواب عن قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره في " المبسوط ". فعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو رده الجزء: 9 ¦ الصفحة: 276 لبعد العيب عن علمه باعتبار عدم ممارسة المبيع فلزم الأمر، قال: فإن كان ذلك بإقراره لزم المأمور لأن الإقرار حجة قاصرة، وهو غير مضطر إليه لإمكانه السكوت والنكول، إلا أن له أن يخاصم الموكل فيلزمه ببينة أو بنكوله. بخلاف ما إذا كان الرد بغير قضاء. والعيب يحدث مثله حيث لا يكون له أن يخاصم بائعه   [البناية] بنكوله لم يكن له أن يرده على الموكل ولو اشترى شيئا وباعه من غيره ثم المشتري الثاني رده على المشتري الأول بنكوله لم يكن له أن يرده على بائعه. وتقرير الجواب: أن الوكيل مضطر في هذا النكول م: (لبعد العيب عن علمه باعتبار عدم ممارسة المبيع فلزم الأمر) ش: تقريره إنما اضطر إلى ذلك بعمل باشره الآمر، يعني أنه لم يباشر أحوال العبد فلا يعرف بعيب ملك الغير، والآمر هو الذي أوقعه فيه فكان الرد عليه ردا على الموكل عبدا، فأما إذا أقر فإنه مختار فيه لا مضطرا وبخلاف المشتري فإنه مضطر في النكول ولكنه بعمل باشره بنفسه فلا يرجع على غيره، كذا في " المبسوط ". وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان الرد بالبينة ظاهر، وإذا كان بالنكول ففيه نوع إشكال لأنه جعل النكول هنا بمنزلة البينة، وفي فصل الاستحقاق بمنزلة الإقرار ألا ترى أن من اشترى عبدا فادعى رجل أنه عبده واستحلف المشتري فنكل، فقضى القاضي بنكوله فالمشترى لا يرجع بالثمن كما أقر به المشتري. والجواب هو الفرق بين المسألتين، أن في مسألة الشراء سبق من المشتري ما يطلق له اليمين لكون المبيع ملكه لما أن الشراء من أسباب الملك فلم يكن مضطرا في النكول فاعتبر نكوله بإقراره، وأما في حق الوكيل فلم يسبق منه ما يطلق له اليمين، فكان مضطرا في النكول كما هو مضطر عند إقامة البينة، فيعتبر نكوله بالبينة في هذا الوجه. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فإن كان ذلك) ش: أي العيب م: (بإقراره لزم المأمور) وهو الوكيل م: (لأن الإقرار حجة قاصرة) ش: لا يظهر إلا في حق المقر دون غيره م: (وهو غير مضطر إليه) ش: أي إلى الإقرار م: (لإمكانه السكوت والنكول) ش: حتى يقضي عليه اليمين، ويقضي بالنكول والسكوت، والنكول مرفوعان، أي لأنه يمكنه السكوت والنكول م: (إلا أن له) ش: أي غير أن له م: (أن يخاصم الموكل فيلزمه ببينة أو بنكوله) ش: أي نكول الموكل؛ لأن الرد بالقضاء فسخ لعموم ولاية القاضي غير أن الحجة قاصرة، وهي الإقرار فمن حيث الفسخ كان له أن يخاصمه، ومن حيث القصور لا يلزمه وهذه فائدة الحاجة إلى القضاء مع الإقرار، فيسقط ما قال في النهاية " إذا أقر الوكيل بالعيب لا حاجة حينئذ إلى قضاء القاضي، لأنه يقبله لا محالة. م: (بخلاف ما إذا كان الرد بغير قضاء والعيب يحدث مثله حيث لا يكون له أن يخاصم بائعه) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 277 لأنه بيع جديد في حق ثالث، والبائع ثالثهما، والرد بالقضاء فسخ لعموم ولاية القاضي غير أن الحجة قاصرة وهي الإقرار، فمن حيث الفسخ كان له أن يخاصمه، ومن حيث القصور في الحجة لا يلزم الموكل إلا بحجة، ولو كان العيب لا يحدث مثله، والرد بغير قضاء بإقراره يلزم الموكل من غير خصومة في رواية، لأن الرد متعين، وفي عامة الروايات ليس له أن يخاصمه لما ذكرنا، والحق في وصف السلامة، ثم ينتقل إلى الرد، ثم إلى الرجوع بالنقصان، فلم يتعين الرد، وقد بيناه   [البناية] ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كان ينبغي أن يقول يخاصم موكله، أو يقول أمره وكان ينبغي أيضا أن يقول مكان قوله والبائع ثالثهما والموكل ثالثهما، لأن الكلام في مخاصمة الوكيل مع الموكل وهو ليس ببائع انتهى قبل غير بالبائع عن قوله يخاصم أمره لأن البيع لما انتقل إلى الموكل وتقرر عليه بأمر قد حصل من جهته فكأنه باعه إياه م: (لأنه بيع جديد في حق ثالث والبائع ثالثهما) ش: وهو الموكل والآمر. م: (والرد بالقضاء فسخ) ش: هذا جواب سؤال، وهو أن يقال: ينبغي أن لا يكون له حق الخصومة مع الموكل، إذ قد حصل الرد بإقرار الوكيل فكان بيعا جديدا في حق الكل، وتقرير الجواب: أن الرد بقضاء القاضي فسخ م: (لعموم ولاية القاضي) ش: على الوكيل والموكل فلا يحتمل أن يكون عقدا مبتدأ لفقد التراضي لأن القاضي يرده على كره منه فيجعل فسخا م: (غير أن الحجة) ش: وهي الإقرار م: (قاصرة وهي الإقرار) يعني دليل قاصر فعملنا بهما م: (فمن حيث الفسخ) ش: أي فمن حيث إن الرد بالقضاء م: (كان له) ش: أي الوكيل م: (أن يخاصمه) ش: الموكل م: (ومن حيث القصور في الحجة) ش: أي ومن حيث إن الإقرار حجة قاصرة م: (لا يلزم الموكل إلا بحجة) ش: وهي إقامة البينة على الموكل م: (ولو كان العيب لا يحدث مثله والرد بغير قضاء بإقراره يلزم الموكل من غير خصومة في رواية) ش: وهي رواية كتاب البيوع من الأصل م: (لأن الرد متعين) ش: في هذا لأن الخصمين فعلا عين ما يفعله القاضي، فإذا كان الرد متعينا صار تسليم الخصم، وتسلم القاضي سواء كتسليم الشفعة، وقضاء الدين، والرجوع في الهبة م: (وفي عامة الروايات) ش: أي من " المبسوط " م: (ليس له أن يخاصمه لما ذكرنا) ش: إشارة إلى قوله لأنه بيع جديد في حق ثالث. م: (والحق في وصف السلامة) ش: جواب من قال: إن الرد متعين يعني حكم الأصل المطالبة بوصف السلامة م: (ثم ينتقل إلى الرد) ش: بضرورة العجز م: (ثم إلى الرجوع) ش: أي ثم ينتقل إلى الرجوع م: (بالنقصان) ش: وهي حصة العيب م: (فلم يتعين الرد) ش: وفيما ذكر من المسائل متعين لا يحتمل التحول إلى غيره، تفسير القياس لعدم الجامع م: (وقد بيناه) ش: أي حكم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 278 في الكفالة بأطول من هذا. قال: ومن قال لآخر: أمرتك ببيع عبد بنقد فبعته بنسيئة، وقال المأمور. أمرتني ببيعه ولم تقل شيئا، فالقول قول الآمر، لأن الأمر يستفاد من جهته ولا دلالة على الإطلاق، قال: وإن اختلف في ذلك المضارب ورب المال فالقول قول المضارب، لأن الأصل في المضاربة العموم، ألا ترى أنه يملك التصرف بذكر لفظة المضاربة، فقامت دلالة الإطلاق بخلاف ما إذا ادعى رب المال المضاربة في نوع والمضارب في نوع آخر، حيث يكون القول لرب المال لأنه سقط الإطلاق فيه بتصادقهما فنزل إلى الوكالة المحضة، ثم مطلق الأمر بالبيع ينتظمه نقدا أو نسيئة إلى أي أجل كان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما: يتقيد بأجل متعارف والوجه قد تقدم، قال: ومن أمر رجلا ببيع عبده   [البناية] المسائل المذكورة م: (في الكفالة) ش: اسم الكتاب ألفه المصنف م: (بأطول من هذا) ش: أي من الذي بيناه هنا. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن قال لآخر أمرتك ببيع عبد بنقد فبعته بنسيئة وقال المأمور أمرتني ببيعه ولم تقل شيئا، فالقول قول الآمر) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية، وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كانت السعلة قائمة فالقول للموكل وإن كانت هالكة فالقول للوكيل، وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: القول للوكيل م: (لأن الأمر يستفاد من جهته) ش: أي من جهة الآمر م: (ولا دلالة على الإطلاق) ش: إذ الأمر بالبيع قد يكون مقيدا وقد يكون مطلقا، ولا دليل على أحد الوجهين، والأمر يستفاد من جهته فكان القول قوله كما لو أنكر أصل الوكالة. م: (قال: وإن اختلف في ذلك) ش: أي في النقد وعدمه م: (المضارب ورب المال) ش: بأن قال رب المال: أمرتك بالنقد وقال المضارب: بل دفعت مضاربة ولم يعين شيئا م: (فالقول قول المضارب لأن الأصل في المضاربة العموم) ش: والإطلاق م: (ألا ترى أنه يملك التصرف بذكر لفظة المضاربة) ش: ويثبت الإذن عاما م: (فقامت دلالة الإطلاق) ش: وليس كالوكيل لأن الوكالة عقد خاص م: (بخلاف ما إذا ادعى رب المال المضاربة في نوع والمضارب في نوع آخر) ش: أي وادعى المضارب المضاربة في نوع آخر من البز م: (حيث يكون القول لرب المال لأنه سقط الإطلاق بتصادقهما فنزل إلى الوكالة المحضة) ش: وفي الوكالة المحضة القول للآمر كما مر. م: (ثم مطلق الأمر بالبيع ينتظمه نقدا أو نسيئة إلى أي أجل كان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما: يتقيد بأجل متعارف والوجه قد تقدم) ش: أي الوجه من الجانبين تقدم في مسألة الموكل بالبيع، والوجه هو: أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعمل بالإطلاق، وهما بالمتعارف. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن أمر رجلا ببيع عبده الجزء: 9 ¦ الصفحة: 279 فباعه وأخذ بالثمن رهنا فضاع في يده أو أخذ به كفيلا فتوى المال عليه فلا ضمان عليه لآن الوكيل أصيل في الحقوق وقبض الثمن منها، والكفالة توثق به والارتهان وثيقة لجانب الاستيفاء فيملكهما بخلاف الوكيل بقبض الدين لأنه يفعل نيابة وقد انابه في قبض الدين دون الكفالة وأخذ الرهن، والوكيل بالبيع يقبض أصالة ولهذا لا يملك الموكل حجره عنه.   [البناية] فباعه وأخذ بالثمن رهنا فضاع في يده، أو أخذ به كفيلا فتوى المال عليه) ش: أي على الكفيل م: (فلا ضمان عليه) ش: أي على الكفيل؛ قيل: المراد من الكفالة هنا الحوالة لأن التوى لا يتحقق في الكفالة. وقال التمرتاشي: الوكيل بالبيع لما احتال بالثمن لم يجز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الحوالة تتضمن إبراء الأصيل، والوكيل لا يملك ذلك عنده، قيل: بل على حقيقتها، والتوى يتحقق في الكفالة بأن مات الكفيل، والمكفول عنه مفلسا، وفي " جامع" النهاجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التوى على الكفيل بأن يموت مفلسا، وفي الكفالة التوى على الكفيل؛ بأن رفع الأمر إلى القاضي يرى براءة الأصيل بنفس الكفالة، كما هو مذهب الإمام مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لأن الوكيل أصيل في الحقوق وقبض الثمن منها) ش: أي من الحقوق م: (والكفالة توثق به) ش: أي بالثمن م: (والارتهان وثيقة الجانب الاستيفاء) ش: ولو استوفى الثمن وهلك عنده لم يضمن م: (فيملكهما) ش: أي فيملك الوكيل الكفالة والرهن م: (بخلاف الوكيل بقبض الدين) ش: أي أخذ رهنا، أو كفيلا فإنه لا يجوز م: (لأنه يفعل نيابة) ش: حتى إذا نهاه عن القبض يصح نهيه م: (وقد أنابه في قبض الدين دون الكفالة وأخذ الرهن، والوكيل بالبيع يقبض أصالة) ش: لا نيابة م: (ولهذا) ش: أي فلأجل كون الوكيل بالبيع يقبض أصالة م: (لا يملك الموكل حجره) ش: أي عجز الوكيل م: (عنه) ش: أي عن قبض الثمن عندنا، وقالت الأئمة الثلاثة: يملك؛ والله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 280 فصل وإذا وكل وكيلين فليس لأحدهما أن يتصرف فيما وكلا به دون الآخر وهذا في تصرف يحتاج فيه إلى الرأي كالبيع والخلع وغير ذلك؛ لأن الموكل رضي برأيهما لا برأي أحدهما، والبدل وإن كان مقدرا،   [البناية] [فصل في بيان وكالة الاثنين] م: (فصل) ش: أي: هذا فصل في بيان وكالة الاثنين، ووجه تأخيره عن وكالة الواحد ظاهر طبعا ووضعا قيل لم يكن لذكر الفصل كثير حاجة، وقيل: بأنه ذكر هنا أشياء أخر غير الوكالة بالبيع وهو الوكالة بالخلع والطلاق، والتزويج والكتابة والإعتاق، والإجارة م: (وإذا وكل وكيلين فليس لأحدهما أن يتصرف فيما وكلا به دون الآخر وهذا في تصرف يحتاج فيه إلى الرأي كالبيع والخلع وغير ذلك) ش: قال الطحاوي في " مختصره "، وإذا وكل الرجل رجلين ببيع عبد أو بابتياعه أو بتزويج امرأة أو بخلع امرأته منه على مال، أو بعتق عبده على مال، أو بمكاتبة ففعل ذلك أحدهما دون الآخر لم يجز إلا أن يجيزه الآخر فيجوز، وإن وكلهما بعتق عبده بغير مال أو بطلاق امرأته بغير ماله فعل ذلك أحدهما دون الآخر جاز. وقال الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": الوكيلان بالتزويج والخلع والكتابة على مال إذا فعله أحدهما لا يجوز حتى يجيز الموكل أو الوكيل الآخر. وفي " المبسوط ": هذا الذي ذكره فيما إذا وكلهما بكلام واحد، فأما إذا وكلهما بكلامين فيجوز لكل منهما أن يتصرف بدون الآخر، لأنه إذا وكلهما بكلامين فقد رضي برأي أحدهما، بخلاف الوصيين إذا أوصى كل واحد منهما بكلام واحد حيث لم ينفرد أحدهما بالتصرف في أصح القولين. في " شرح الطحاوي ": أما الوصيان فليس لأحدهما التصرف إلا بإذن صاحبه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله إلا في أشياء معروفة، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لكل واحد منهما ولاية التصرف على حدة. قلت: الأشياء المعروفة سبعة، شراء الكفن، وقضاء الدين من المعين، وتنفيذ الوصية في عين، ورد الوديعة، وشراء الطعام، والكسوة للصغير، والخصومة، وقبول الهدية. م: (لأن الموكل رضي برأيهما لا برأي أحدهما) ش: حتى لو باع أحدهما والآخر حاضر لا يجوز إلا أن يجيز الآخر جاز، ولو كان الآخر غائبا عنه فأجاز لم يجز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره في " الذخيرة " وفي " المبسوط "، ولو كان أحدهما صبيا أو عبدا محجورا لم يجز للآخر أن ينفرد بالتصرف، ولو مات أحدهما أو ذهب عقله لم يجز للآخر أن يتصرف لأنه ما رضي برأي أحدهما م: (والبدل وإن كان مقدرا) ش: هذا جواب عما يقال إذا قدر الموكل البدل فلا يحتاج إلى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 281 ولكن التقدير لا يمنع استعمال الرأي في الزيادة واختيار المشتري، قال إلا أن يوكلهما بالخصومة لأن الاجتماع فيها متعذر للإفضاء إلى الشعب في مجلس القضاء والرأي يحتاج إليه سابقا لتقويم الخصومة.   [البناية] رأيهما، فيجوز أن يتصرف أحدهما؛ وتقرير الجواب أن البدل وهو الثمن وإن كان قدره الموكل، م: (ولكن التقدير لا يمنع استعمال الرأي في الزيادة) ش: بأن يزداد الثمن عند اجتماع الرأي لذكاء أحدهما ومعرفته التامة م: (واختيار المشتري) ش: أي وفي اختيار المشتري يشتري ما وكلا به لأن من المشتريين من يماطل في أداء الثمن فيختار الآخر من لا يماطل. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في " الأصل " ولو كان الموكل يسمي لها ثمنا فباع أحدهما به لم يجز وإن باعا جميعا بذلك الثمن فهو جائز وأن يسمي لهما ثمنا فباعا جميعا بثمن نسيئة، فإن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان يقول: هو جائز، وإن باعا بدرهم ثمنا يساوي ألفا، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: إذا أخطأ من الثمن ما لا يتغابن الناس في مثله لم يجز. قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وكلهما أن يشتريا له شيئا فزاد على ثمنه مال يتغابن الناس في مثله فإنه لا يلزمه، وقال: البيع والشراء في ذلك مختلف في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: هما سواء، لا يجوز على الآمر إلا ما يتغابن الناس في مثله م: (قال) ش: أي القدوري: م: (إلا أن يوكلهما بالخصومة) ش: هذا استثناء من قوله " ليس لأحدهما أن يتصرف فيما وكلا به دون الآخر "، يعني لو وكلهما بالخصومة جاز انفراد أحدهما بالتصرف. وقال زفر: لا يصح الانفراد فيها أيضا، وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -، لأنه يحتاج فيهما إلى الرأي، ورأي الاثنين لا يكون كرأي واحد. وقال المصنف: - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن الاجتماع فيها) ش: أي في الخصومة م: (متعذر للإفضاء إلى الشغب) ش: بفتح الشين المعجمة وسكون الغين المعجمة تهييج الشر م: (في مجلس القضاء) ش: لأن فيه مهابة مجلس القضاء م: (والرأي يحتاج إليه سابقا لتقويم الخصومة) ش: هذا إشارة إلى دفع قول من قال، ليس لأحدهما أن يخاصم دون صاحبه، لأن الخصومة تحتاج فيها إلى الرأي والموكل رضي برأيهما، ووجه ذلك أن المقصود وهو اجتماع الرأيين يحصل في تقويم الخصومة سابقا عليها فيكتفى بذلك ولا يشترط حضرة صاحبه في خصومته عند الجمهور وإطلاق محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يدل على هذا، وقيل: يشترط. وقال الإمام الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الطحاوي ": الوكيلان بالخصومة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 282 قال أو بطلاق زوجته بغير عوض، أو بعتق عبده بغير عوض، أو برد وديعة عنده، أو قضاء دين عليه، لأن هذه الأشياء لا يحتاج فيها إلى الرأي بل هو تعبير محض، وعبارة المثنى والواحد سواء، وهذا بخلاف ما إذا قال لهما: طلقاها إن شئتما، أو قال: أمرها بأيديكما؛ لأنه تفويض إلى رأيهما، ألا ترى أنه   [البناية] لأحدهما أن يخاصم إلا أنه إذا انتهى إلى قبض المال لا يجوز قبض أحدهما حتى يجتمعا، لأن الخصومة مما لا يتأتى فيها اثنان، والقبض مما يتأتى فيه الاجتماع. [يوكلهما بطلاق زوجته بغير مال] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أو بطلاق زوجته بغير عوض) ش: هذا عطف على المستثنى وهو قوله بالخصومة، أي ويوكلهما بطلاق زوجته بغير مال، فلأحدهما أن يطلق خلافا للشافعي وأحمد - رحمهما الله. وقد ذكرنا عن الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه وكلهما بطلاق امرأته على مال ففعل ذلك أحدهما لا يجوز م: (أو بعتق عبده بغير عوض) ش: أي أو يوكلهما بأن يعتقا عبده بغير مال فلأحدهما أن يعتقه م: (أو برد وديعة عنده) ش: أي يوكلهما برد وديعة إلى صاحبهما فلأحدهما أن يردها، قيد بردها لأنهما إذا كانا قد قبضاها لا ينفرد أحدهما، وعند الشافعي وأحمد - رحمهما الله - الرد كالقبض. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لما في " الأصل ": لو وكلهما بقبض وديعة وقبضها أحدهما بغير إذن صاحبه يضمن، لأنه شرط اجتماعهما على القبض ولم يوجد، فإن قيل: ينبغي أن يضمن النصف، قلنا: مأمور بقبض النصف إذا قبض مع صاحبه وبدونه لا م: (أو قضاء دين عليه) ش: أي وكلهما بقضاء دين عليه فلأحدهما أن يقضيه. وقال فخر الدين قاضي خان في " شرح الجامع الصغير ": لا ينفرد أحد الوكيلين إلا في أربعة، إذا وكلهما بالطلاق، والثاني إذا وكلهما بالعتاق، والثالث: إذا وكلهما برد وديعة أو عارية، أو غصب، أو دين عليه لرجل، والرابع: إذا وكلهما بالخصومة م: (لأن هذه الأشياء) ش: وهي الطلاق بلا عوض، والعتاق بلا عوض، ورد الوديعة، وقضاء الدين م: (لا يحتاج فيها) ش: أي في هذه الأشياء م: (إلى الرأي بل هو) ش: أي بل الوكالة في هذه الأشياء، وفي بعض النسخ: بل هو، أي التوكيل م: (تعبير محض) ش: يعني تعبير كلام الموكل م: (وعبارة المثنى) ش: أي الاثنان م: (والواحد) ش: أي وعبارة الواحد م: (سواء) ش: لا اختلاف فيه. م: (وهذا) ش: أي جواز انفراد أحدهما م: (بخلاف ما إذا قال لهما) ش: أي للوكيلين م: (طلقاها إن شئتما، أو قال أمرها) ش: أي أو امرأته م: (بأيديكما) ش: فلا يجوز انفراد أحدهما في هذا م: (لأنه تفويض إلى رأيهما) ش: وأوضح ذلك بقولهما م: (ألا ترى أنه) ش: أي قوله طلقاها الجزء: 9 ¦ الصفحة: 283 تمليك مقتصر على المجلس، ولأنه علق الطلاق بفعلهما فاعتبره بدخولهما. قال: وليس للوكيل أن يوكل فيما وكل به لأنه فوض إليه التصرف دون التوكيل به، وهذا لأنه رضي برأيه والناس متفاوتون في الآراء. قال إلا أن يأذن له الموكل لوجود الرضا أو يقول له: اعمل برأيك لإطلاق التفويض إلى رأيه، وإذا جاز في هذا الوجه يكون الثاني   [البناية] أو أمرها بأيديكما م: (تمليك مقتصر على المجلس) ش: وإذا كان تمليكا لا يجوز لأحدهما التصرف بغير إذن صاحبه، قيل: ينبغي أن يقدر أحدهما على إيقاع نصف تطليقة، وأجيب بأن فيه إبطال حق الآخر لأن بإيقاع النصف يقع تطليقة واحدة. فإن قيل: الإبطال ضمني فلا يعتبر، أجيب بأنه لا حاجة إلى ذلك الإبطال مع قدرتهما على الاجتماع، م: (ولأنه) ش: أي ولأن الآمر بقوله: طلقاها إن شئتما م: (علق الطلاق بفعلهما) ش: أي بفعل المأمورين وهو التطليق م: (فاعتبره بدخولهما) ش: أي بالطلاق المعلق بدخولهما الدار، فإن بدخول أحدهما لا يقع الطلاق فكذا هاهنا بيانه، لو قال: إن دخلتما الدار فهي طالق لا تطلق ما لم يوجد الدخول منهما جميعا. وكذا في قوله طلقاها إن شئتما، لا يقع الطلاق ما لم يوجد فعل التطليق منهما جميعا، وقد ضبط الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله، فاعتبره على صورة الأمر من الاعتبار، وكذا ضبط شيخنا العلاء، ثم كتب بيده على الحاشية، أي اعتبر التطليق بتطليقهما بالتعليق بدخولهما. [يوكل فيما وكل به] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وليس للوكيل أن يوكل فيما وكل به لأنه فوض إليه التصرف دون التوكيل به، وهذا) ش: أي عدم جواز توكيل الوكيل م: (لأنه رضي برأيه والناس متفاوتون في الآراء) ش: فلا يكون راضيا بغيره م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (إلا أن يأذن له الموكل لوجود الرضا) ش: المسألة على ثلاثة أوجه. أحدهما: أن يوكله ولم يأذن له، ولم ينهه عن التوكل، فليس له أن يوكل غيره عندنا وعند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال مالك والشافعي - رحمهما الله -: إن كان الوكيل ممن يلي ذلك بنفسه عادة فليس له أن يوكل غيره، وإن كان يعجز عنه، أو ممن لم يباشر ذلك الفعل بنفسه لوجاهته له أن يوكل، وبه قال أحمد في رواية. الوجه الثاني: أن يأذن له في التوكيل يوكل غيره بلا خلاف، الوجه الثالث: أن ينهاه عن توكيل غيره لا يوكل بلا خلاف م: (أو يقول له) ش: أي للوكيل م: (اعمل برأيك) ش: فله التوكيل عندنا وعند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أصحاب الشافعي: ليس له التوكيل في أحد الوجهين م: (لإطلاق التفويض إلى رأيه) ش: وذلك يدل على تساويه مع غيره. م: (وإذا جاز في هذا الوجه) ش: يعني في قوله " اعمل برأيك " م: (يكون الثاني) ش: يعين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 284 وكيلا عن الموكل حتى لا يملك الأول عزله، ولا ينعزل بموته، وينعزلان بموت الأول، وقد مر نظيره في أدب القاضي. قال: فإن وكل بغير إذن موكله فعقد وكيله بحضرته جاز، لأن المقصود حضور رأي الأول وقد حضر وتكلموا في حقوقه؛ وإن عقد في حال غيبته لم يجز، لأنه فات رأيه، إلا أن يبلغه فيجيزه، وكذا لو باع غير الوكيل فبلغه فأجازه، لأنه حضر رأيه، ولو قدر الأول الثمن الثاني   [البناية] وكيل الوكيل م: (وكيلا عن الموكل حتى لا يملك الأول) ش: أي الوكيل الأول م: (عزله) ش: أي عزل الوكيل الذي وكله م: (ولا ينعزل بموته) ش: أي ولا ينعزل الوكيل الثاني بموت الوكيل الأول وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال في الأصح: ينعزل بعزله وبموته وله بموت الأول قولان. م: (وينعزلان) ش: أي الوكيل الأول والوكيل الثاني م: (بموت الأول) ش: أي الموكل الأول م: (وقد مر نظيره في " أدب القاضي ") ش: وهو ما ذكره في أول فصل قبل باب التحكم بقوله " وليس للقاضي أن يستخلف على القضاء، إلا أن يفوض إليه ذلك " إلى أن قال: - جاز كما في " الوكالة ". [عقد الوكيل الثاني بحضرة الوكيل الأول] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن وكل) ش: أي الوكيل م: (بغير إذن موكله فعقد وكيله بحضرته جاز) ش: أي بحضرة الوكيل الأول جاز التوكل م: (لأن المقصود حضور رأي الأول وقد حضر) ش: فيجوز استحسانا، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز، وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - كما في غيبته. وقال ابن أبي ليلى: يجوز مع الوكيل الثاني بحضور الأول بغير حضرته. م: (وتكلموا) ش: أي تكلم المشايخ م: (في حقوقه) ش: أي في حقوق عقد الثاني بحضرة الأول يعني إذا عقد الوكيل الثاني بحضرة الوكيل الأول جاز، لكن في حقوق العقد كلام، قال بعضهم يرجع إلى الأول، لأن الموكل رضي بلزوم العهدة على الأول دون الثاني، كذا في " الفتاوى الصغرى "، عن " فتاوى البقالي "، وقال بعضهم: يرجع إلى الثاني لأن العقد وهو السبب وجد من الثاني، وإليه ذهب أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " جبل العيون ". م: (وإن عقد في حال غيبته) ش: أي في حال غيبة الوكيل الأول م: (لم يجز لأنه فات رأيه إلا أن يبلغه فيجيزه) ش: جاز م: (وكذا لو باع غير الوكيل) يعني إذا باع الأجنبي م: (فبلغه) ش: أي فبلغ الوكيل م: (فأجازه) ش: بعد بلوغ الخبر جاز؛ م: (لأنه حضر رأيه) ش: بإجازته. م: (ولو قدر الأول) ش: أي الوكيل الأول م: (الثمن الثاني) ش: أي للوكيل الثاني الذي وكله بغير موكله بأن قال له: بعه بكذا، فباعه الثاني بالثمن الأول الذي قدره الوكيل الأول، وهو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 285 فعقد بغيبته يجوز، لأن الرأي فيه يحتاج إليه لتقدير الثمن ظاهرا، وقد حصل. وهذا بخلاف ما إذا وكل وكيلين وقدر الثمن لأنه لما فوض إليهما مع تقدير الثمن ظهر أنه غرضه اجتماع رأيهما في الزيادة واختيار المشتري على ما بيناه أما إذا لم يقدر الثمن وفوض إلى الأول كان غرضه رأيه في معظم الأمر، وهو التقدير في الثمن قال: وإذا زوج المكاتب أو العبد أو الذمي ابنته وهي صغيرة حرة مسلمة أو باع أو اشترى لها لم يجز، معناه   [البناية] معنى قوله: م: (فعقد بغيبته) ش: أي بغيبة الأول م: (يجوز) ش: في رواية كتاب الرهن، اختارها المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي رواية كتاب الوكالة: لا يجوز لأن تقدير الثمن يمنع النقصان ولا يمنع الزيادة، فربما يزيد الأول على هذا الثمن لو كان هو المباشر للبيع لذكائه وهدايته، وجه رواية كتاب الرهن: أن المقصود حصل بحضور رأيه م: (لأن الرأي فيه يحتاج إليه) ش: أي في العقد م: (لتقدير الثمن ظاهرا وقد حصل) ش: أي تقدير الثمن، وإنما قال: ظاهرا احترازا عن المسألة التي يذكرها الآن عقيب المسألة التي ذكرها وهو قوله: م: (وهذا بخلاف ما إذا وكل وكيلين وقدر الثمن) ش: فإنه لا يجوز بيع أحدهما بذلك المقدار. م: (لأنه لما فوض إليهما مع تقدير الثمن ظهر أنه غرضه اجتماع رأيهما في الزيادة واختيار المشتري) ش: أي الذي لا يماطل في تسليم الثمن م: (على ما بيناه) ش: إشارة إلى قوله في المسألة المتقدمة والبدل، وإن كان مقدرا، ولكن التقدير لا يمنع استعمال الرأي في الزيادة، م: (أما إذا لم يقدر الثمن وفوض إلى الأول) ش: أي فوض الموكل الأول إلى الوكيل الأول م: (كان غرضه) ش: أي غرض الموكل الأول م: (رأيه) ش: أي رأي الوكيل الأول م: (في معظم الأمر، وهو التقدير في الثمن) ش: وهذا لأن المقصود من البياعات الاسترباح، وذلك إنما يكون بالبيع بتقدير ثمن كان يحصله في تحصيل زيادة الربح وقد حصل ذلك بتقدير الوكيل الأول ثمن المبيع ورأيه إنما يطلب لهذا. [زوج العبد أو المكاتب أو الذمي ابنته وهي صغيرة حرة مسلمة] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا زوج العبد أو المكاتب أو الذمي ابنته وهي صغيرة حرة مسلمة) ش: فإن قلت: كيف تكون المسلمة تحت الذمي؟. قلت: يجوز أن يكون طلقها ثم أسلمت، وماتت وبقيت البنت م: (أو باع) ش: أي واحد منهم م: (أو اشترى لها) ش: أي الصغيرة المذكورة م: (لم يجز) يعني تصرفهم في مالها بالبيع والشراء لا يجوز، ولكن قوله أو باع أو اشترى لها لما كان يحتمل وجهين. أحدهما: أن يشتري لها شيئا بمال نفسه، والآخر: أن يشتري لها بمالها، قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (معناه) ش: أي معنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يجز في " الجامع الصغير " الجزء: 9 ¦ الصفحة: 286 التصرف في مالها؛ لأن الرق والكفر يقطعان الولاية، ألا ترى أن المرقوق لا يملك إنكاح نفسه فكيف يملك إنكاح غيره، وكذا الكافر لا ولاية له على المسلم حتى لا تقبل شهادته عليه، ولأن هذه ولاية نظرية فلا بد من التفويض إلى القادر المشفق ليتحقق معنى النظر، والرق يزيل القدرة، والكفر يقطع الشفقة على المسلم فلا تفوض إليهما. وقالا المرتد إذا قتل على ردته والحربي كذلك لأن الحربي أبعد من الذمي   [البناية] م: (التصرف في مالها) ش: وهو معظم شراؤه لها بمالها وهو المراد هنا من الوجه الثاني، يعني لأن كل واحد منهم إذا اشترى لها من مال نفسه يجوز لا محالة. واعلم أن في تركيب المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - نوع مناقشة، لأن قوله " أولا " لم يجز يشمل التزويج والبيع والشراء، ثم قوله، معناه التصرف في مالها، توهم أن عدم الجواز في التصرف في مالها فقط، وعدم الجواز في الفصلين جميعا، ولهذا قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع ": محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في الذمي أو المكاتب، أو العبد يزوج واحد منهم ابنته، وهي صغيرة حرة مسلمة، قال يجوز، وكذلك إذا باع لها أو اشترى لم يجز، هكذا لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه. م: (لأن الرق) ش: في العبد والمكاتب م: (والكفر) ش: في الذمي م: (يقطعان الولاية) ش: أما العبد فلأنه لا ولاية له على نفسه فعلى غيره بالطريق الأولى، وأما المكاتب فإنه عبد ما بقي عليه درهم، وأما الذمي فلقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] (النساء: الآية 141) ، ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أن المرقوق لا يملك إنكاح نفسه فكيف يملك إنكاح غيره، وكذا الكافر لا ولاية له على المسلم حتى لا تقبل شهادته عليه، ولأن هذه الولاية ولاية نظرية) ش: نظرا للصغار والصغار لعجزهم، م: (فلا بد من التفويض) ش: أي تفويض أمرهم م: (إلى القادر المشفق ليتحقق معنى النظر) ش: بالقدرة والشفقة، وفي بعض النسخ إلى العاقد المشفق مكان القادر. م: (والرق يزيل القدرة) ش: قال الله تعالى: {عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] (النحل: الآية 75) م: (والكفر يقطع الشفقة على المسلم فلا تفوض إليهما) ش: أي إلى العبد والكافر م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -، وفي بعض النسخ صرح قال: وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (المرتد إذا قتل على ردته، والحربي كذلك) ش: أي تصرفهما على المسلم لا يجوز، وإنما خص قولهما مع أن هذا حكم مجمع عليه لأن الشبهة إنما ترد على قولهما، لأن تصرفات المرتد بالبيع والشراء نافذة وإن قتل ردته عندهما بناء على الملك، ولكن تصرفاته على ولده موقوفة بالإجماع م: (لأن الحربي أبعد من الذمي) ش: لأن الذمي من أهل دارنا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 287 فأولى بسلب الولاية، وأما المرتد فتصرفه في ماله إن كان نافذا عندهما لكنه موقوف على ولده ومال ولده بالإجماع؛ لأنها ولاية نظرية وذلك باتفاق الملة وهي مترددة ثم تستقر جهة الانقطاع إذا قتل على الردة فيبطل وبالإسلام يجعل كأنه لم يزل كان مسلما فيصح.   [البناية] م: (فأولى) ش: أي الحربي أولى م: (بسبب الولاية) ش: لأنها إذا لم تثبت للذمي فأولى أن لا تثبت للحربي، ولهذا لا تجوز شهادة الحربي على الذمي. م: (وأما المرتد فتصرفه في ماله إن كان نافدا عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (لكنه موقوف على ولده ومال ولده بالإجماع لأنها ولاية نظرية وذلك) ش: أي الولاية النظرية بتأويل المذكور، أو بأن استعمال مشترك م: (باتفاق الملة وهي) ش: أي الملة م: (مترددة) ش: لكونها معلومة معدومة في الحال لكنها مرجوة الوجود لأنه محمول عليه فيجب التوقف م: (ثم تستقر جهة الانقطاع) ش: أي انقطاع الولاية م: (إذا قتل على الردة فيبطل) ش: أي تصرف المرتد م: (وبالإسلام يجعل كأنه لم يزل مسلما فيصح) ش: أي تصرفه، والله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 288 باب الوكالة بالخصومة والقبض قال: الوكيل بالخصومة وكيل بالقبض عندنا خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو يقول: إنه رضي بخصومته والقبض غير الخصومة ولم يرض به. ولنا: أن من ملك شيئا ملك إتمامه وإتمام الخصومة وانتهاؤها بالقبض، والفتوى اليوم على قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لظهور الخيانة في الوكلاء وقد يؤتمن على الخصومة من لا يؤتمن على المال، ونظيره الوكيل بالتقاضي يملك القبض على أصل الرواية لأنه في معناه وضعا،   [البناية] [باب الوكالة بالخصومة والقبض] [الوكيل بالخصومة وكيل بالقبض] م: (باب الوكالة بالخصومة والقبض) ش: أي هذا باب في بيان الوكالة بالخصومة والقبض ولما كانت الخصومة مهجورة شرعا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} [الأنفال: 46] (الأنفال: الآية 46) استحق بابها التأخير بما ليس بمهجور م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": م: (الوكيل بالخصومة وكيل بالقبض عندنا) ش: أطلق القدوري كلامه ليتناول الوكيل بالخصومة في العين والدين، وهو وكيل بالقبض فيهما عند علماؤنا الثلاثة. وقال في " إشارات الأسرار ": الوكيل بالخصومة بملك قبض الدين عندنا خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال في " الواقعات ": الوكيل بالتقاضي أو بالخصومة ليس له أن يقبض الدين في زماننا، لأن الخيانة ظهرت فيما بين الناس، وهو اختيار مشايخ بلخ خصوصا في الوكلاء على باب القاضي، به أخذ الفقيه أبو الليث م: (خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه يقول - لا يكون وكيلا بالقبض، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في الأظهر، ومالك وأحمد - رحمهما الله -، وفي وجه عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يملك كقولنا م: (هو) ش: أي زفر م: (يقول: إنه) ش: أي لأن الموكل م: (رضي بخصومته والقبض غير الخصومة) ش: لأن الخصومة لإظهار الحق، ويختار فيها ألج الناس للقبض أمن الناس ممن يصلح للخصومة لا يرضى بأمانته عادة، وهو معنى قوله: م: (ولم يرض به) ش: أي القبض. م: (ولنا: أن من ملك شيئا ملك إتمامه وتمام الخصومة وانتهاؤها بالقبض) ش: لأن الخصومة قائمة ما لم يقبض م: (والفتوى اليوم على قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لظهور الخيانة في الوكلاء، وقد يؤتمن على الخصومة من لا يؤتمن على المال) ش: وبه أفتى الصدر الشهيد، م: (ونظيره) ش: أي نظير هذا التوكيل: م: (الوكيل بالتقاضي يملك القبض على أصل الرواية لأنه في معناه) ش: أي لأن القاضي في معنى القبض م: (وضعا) ش: أي من حيث الوضع في اللغة يقال تقاضيته ديني وبديني، واقتضيته واستقضيته طلبت قضاءه واقتضيت منه حقي أي أخذته، ذكره في " الأساس ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 289 إلا أن العرف بخلافه وهو قاض على الوضع فالفتوى على أن لا يملك. قال: فإن كانا وكيلين بالخصومة لا يقبضان إلا معا لأنه رضي بأمانتهما لا بأمانة أحدهما واجتماعهما ممكن بخلاف الخصومة على ما مر. قال والوكيل بقبض الدين يكون وكيلا بالخصومة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى لو أقيمت عليه البينة على استيفاء الموكل أو إبرائه تقبل عنده،   [البناية] وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في معناه وضعا أي لأن التقاضي في معنى القبض فيه نظر، لأنه قال في المغرب تقاضيته ديني إلى آخر ما ذكرناه. قلت: لم أدر وجه النظر فيه لأنه لم يقل " التقاضي هو القبض " بل قال في معنى القبض، م: (إلا أن العرف بخلافه) ش: أي بخلاف الوضع فإن الناس لا يفهمون المعنى الموضوع من التقاضي بل يفهمون منه المطالبة م: (وهو قاض) ش: أي العرف حاكم وراجح م: (على الوضع) ش: لأن وضع الألفاظ لحاجة الناس وهم لا يفهمون المعنى الموضوع بل يفهمون المجاز فصار المجاز بمنزلة الحقيقة العرفية، فإن قلت: الحقيقة مستعملة والمجاز متعارف وهي أولى منه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: إن ذلك وجه لأصل الرواية، والكلام فيه وإنما الكلام في أن الفتوى على أصل الرواية، أو على العرف لظهور الخيانة في الوكلاء. قالوا: على العرف فلا يملك القبض، وإليه أشار بقوله: م: (فالفتوى على أن لا يملك) ش: يعني أن الوكيل يتقاضى الدين بملك القبض بالاتفاق، ولكن فتوى المشايخ على أن لا يملك لفساد الزمان. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (فإن كانا) ش: أي الرجلان م: (وكيلين بالخصومة لا يقبضان إلا معا) ش: أي لا يقبضان الدين إلا مجتمعين. م: (لأنه) ش: أي لأن الموكل م: (رضي بأمانتهما لا بأمانة أحدهما واجتماعهما ممكن) ش: أي اجتماع الوكيلين على القبض ممكن فإنهما يصيران قابضين بالتخلية م: (بخلاف الخصومة) ش: فإن اجتماعهما عليها غير ممكن م: (على ما مر) ش: في أول الفصل المتقدم عند قوله -: وإذا وكل وكيلين فليس لأحدهما أن يتصرف فيما وكل به دون الآخر إلا أن يوكلهما بالخصومة، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما مر أنه يقضي إلى الشغب في مجلس القضاء وهو مذهب الهامية، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس للوكيل بالخصومة أن يقبض الدين وقد مر. م: (قال: والوكيل يقبض الدين يكون وكيلا بالخصومة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قوله، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: م: (حتى لو أقيمت عليه) ش: أي على الوكيل م: (البينة على استيفاء الموكل أو إبرائه تقبل عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 290 وقالا لا يكون خصما، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن القبض غير الخصومة وليس كل من يؤتمن على المال يهتدي في الخصومات، فلم يكن الرضا بالقبض رضا بها، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه وكله بالتملك؛ لأن الديون تقضى بأمثالها إذ قبض الدين نفسه لا يتصور، إلا أنه جعل استيفاء لعين حقه من وجه، فأشبه الوكيل بأخذ الشفعة والرجوع في الهبة والوكيل بالشراء والقسمة والرد بالعيب، وهذه أشبه بأخذ الشفعة حتى يكون خصما   [البناية] م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (لا يكون خصما) ش: أي الوكيل يقبض الدين م: (وهو) ش: أي قولهما م: (رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش:، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الأصح، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ظاهر الرواية، م: (لأن القبض غير الخصومة) ش: فلا يكون وكيلا بهما م: (وليس كل من يؤتمن على المال يهتدي في الخصومات، فلم يكن الرضا بالقبض رضا بها) ش: أي بالخصومة. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه وكله بالتملك) ش: أي أن الوكيل يقبض دين وكيله بالتمليك والتملك لأنه توكيل تملك، والمقبوض يقابله في الذمة قصاصا م: (لأن الديون تقضى بأمثالها لا بأعيانها إذ قبض الدين نفسه) ش: بالجر، قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بدل من الدين قلت: هو تأكيد. م: (لا يتصور) ش: لأنه وصف ثابت في الذمة م: (إلا أنه) ش: استثناء من قوله " لأن الديون تقضى بأمثالها لا بأعيانها "، أي غير أنه م: (جعل استيفاء لعين حقه من وجه) ش: بدليل أن رب الدين يجبر على القبض، فلو كان تمليكا محضا معنى استيفاء عين الحق لم يجبر على القبض، وكذا إذا ظفر بجنس حقه حل له التناول م: (فأشبه الوكيل بأخذ الشفعة) ش: أي فأشبه الوكيل يقبض الدين الوكيل بأخذ الشفعة، يعني أنه خصم فكذا هذا. م: (والرجوع في الهبة) ش: بالجر عطفا على قوله: " بأخذ الشفعة "، يعني: إذا وكل وكيلا بالرجوع في الهبة كان خصما حتى إذا أراد الرجوع فأقام الموهوب له البينة أن الواهب أخذ المعوض تقبل بينته، م: (والوكيل بالشراء) ش: بالجر أيضا، يعني: لو أقام أحد الشريكين بينة على الوكيل أن الموكل أخذ نصيبه تقبل بينته لأنه خصم، م: (والقسمة) ش: بالجر أيضا، يعني أحد الشريكين، إذا وكل رجلا بأنه يقاسمه شريكه فأراد الموكل المقاسمة وأقام الشريك الآخر البينة أن الموكل أخذ نصيبه تقبل بينته، لأن الوكيل خصم، لأن القسمة معنى التمليك. م: (والرد بالعيب) ش: بالجر أيضا، يعني أن المشتري رضي بذلك قبلت بينته م: (وهذه) ش: أي مسألة التوكيل م: (أشبه بأخذ الشفعة) ش: وفي بعض النسخ: وهذا، أي التوكيل بقبض الدين، أشبه بأخذ الشفعة من المسائل الثلاث الأخر م: (حتى يكون) ش: أي الوكيل م: (خصمًا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 291 قبل القبض كما يكون خصما قبل الأخذ هنالك، والوكيل بالشراء لا يكون خصما قبل مباشرة الشراء، وهذا لأن المبادلة تقتضي حقوقا وهو أصيل فيها فيكون خصما فيها. قال: والوكيل بقبض العين لا يكون وكيلا بالخصومة بالاتفاق لأنه أمين محض والقبض ليس بمبادلة فأشبه الرسول، حتى إن من وكل وكيلا بقبض عين له فأقام الذي هو في يديه البينة على أن الموكل باعه إياه وقف الأمر حتى يحضر الغائب، وهذا استحسان، والقياس أن يدفع الوكيل لأن البينة قامت لا على خصم فلم تعتبر. وجه الاستحسان أنه خصم في قصر يده لقيامه مقام الموكل في القبض فتقصر يده وإن لم يثبت البيع حتى لو حضر الغائب تعاد البينة على البيع، فصار كما إذا أقام البينة على أن الموكل عزله عن ذلك فإنها تقبل في يده كذا هذا قال وكذلك العتاق والطلاق   [البناية] قبل القبض كما يكون خصما قبل الأخذ هنالك) ش: أي في أخذ الشفعة م: (والوكيل بالشراء لا يكون خصما قبل مباشرة الشراء، وهذا) ش: إشارة إلى مطلع نكتة أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله " أنه وكله بالتملك " يعني أنه لما وكل الوكيل بالقبض بالتملك كان فيه معنى المبادلة وهذا م: (لأن المبادلة تقتضي حقوقا) ش: من التسليم والتسلم والرد بالعيب م: (وهو) ش: أي الوكيل م: (أصيل فيها) ش: أي في الحقوق م: (فيكون خصما فيها) ش: أي في الحقوق، م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والوكيل بقبض العين لا يكون وكيلا بالخصومة بالاتفاق) ش: بالإجماع م: (لأنه أمين محض والقبض ليس بمبادلة) ش: لكونه يقبض عين الموكل من كل وجه م: (فأشبه الرسول، حتى إن من وكل وكيلا بقبض عبد له فأقام الذي هو في يديه البينة أن الموكل باعه إياه) ش: أي العبد م: (وقف الأمر حتى يحضر الغائب) ش: أي الأمر. م: (وهذا استحسان، والقياس أن يدفع) ش: أي العبد م: (إلى الوكيل لأن البينة قامت لا على خصم) ش: لأن الوكيل يقبض الوديعة ليس بخصم م: (فلم تعتبر) ش: أي بينة ذي اليد في قطع يد الوكيل بالقبض م: (وجه الاستحسان أنه) ش: أي أن الوكيل يقبض الوديعة م: (خصم في قصر يده) ش: أي يد نفسه، أي قصر يد الوكيل م: (لقيامه مقام الموكل في القبض فتقصر يده وإن لم يثبت البيع) ش: أي بالوكيل. م: (حتى لو حضر الغائب تعاد البينة على البيع فصار) ش: هذا م: (كما إذا أقام) ش: أي ذو اليد م: (البينة على أن الموكل عزله عن ذلك) ش: أي عن القبض م: (فإنها) ش: أي فإن البينة م: (تقبل في قصر يده) ش: أي في يد الوكيل م: (كذا هذا) ش: أي فكذا حكم المسألة المذكورة، م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وكذلك العتاق والطلاق) ش: أي وكالمذكور حكم العتاق والطلاق، والمصنف يذكر الآن صورتهما. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 292 وغير ذلك ومعناه إذا أقامت المرأة البينة على الطلاق والعبد والأمة على العتاق على الوكيل بنقلهم تقبل في قصر يده حتى يحضر الغائب استحسانا دون العتق والطلاق. قال: إذا أقر الوكيل بالخصومة على موكله عند القاضي جاز إقراره عليه، ولا يجوز عند غير القاضي عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - استحسانا إلا أنه يخرج عن الوكالة. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز إقراره عليه وإن أقر في غير مجلس القضاء. وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا يجوز في الوجهين، وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا وهو القياس لأنه مأمور بالخصومة وهي منازعة،   [البناية] م: (وغير ذلك) ش: كما إذا ادعى صاحب اليد الارتهان من الموكل وأقام بينة على ذلك يقبل في حق قصر يده لا في ثبوت الارتهان في حق الموكل، م: (ومعناه) ش: أي معنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في العتاق والطلاق م: (إذا أقامت المرأة البينة على الطلاق) ش: على أن زوجها طلقها م: (والعبد) ش: أي إذا أقام العبد م: (والأمة) ش: أي إذا أقامت البينة م: (على العتاق على الوكيل بنقلهم) ش: أي بنقل المرأة والعبد والأمة م: (تقبل) ش: أي البينة م: (في قصر يده حتى يحضر الغائب استحسانا) ش: فإذا حضر الغائب تعاد عليه البينة العتاق والطلاق، لأن هذه البينة اشتملت على معنيين إثبات العتق وإبطال حق الوكيل، فتقبل بينته على الحاضر دون الغائب، ويؤخذ من العبد كفيل نظرا للغائب م: (دون العتق والطلاق) ش: أي لا يقبل في حق العتق والطلاق، لأن الوكيل ليس بخصم فيها، ولكنه خصم في قصر يده، وليس من ضرورة قصر يده القضاء والطلاق على الغائب فيقبل في قصد دون غيره. [أقر الوكيل بالخصومة على موكله عند القاضي] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا أقر الوكيل بالخصومة على موكله عند القاضي جاز إقراره عليه) ش: أطلق الإقرار والموكل ليتناول اسم الموكل للمدعي والمدعى عليه؛ لأن جواز الإقرار على الموكل لا يتفاوت بين أن يكون موكله مدعيا أو مدعى عليه، سوى أن معنى الإقرار يختلف بحسب اختلاف الموكل فبإقرار وكيل المدعي هو أن يقر بقبض الموكل المال وإقرار وكيل المدعى عليه هو أن يقر بوجوب المال على موكله م: (ولا يجوز عند غير القاضي عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - استحسانا إلا أنه يخرج عن الوكالة) ش: فلا يدفع إليه المال لزعمه بانتفاء حقه في الأخذ. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز إقراره عليه وإن أقر في غير مجلس القاضي، وقال زفر والشافعي - رحمهما الله - لا يجوز في الوجهين) ش: أي في مجلس القاضي وغيره، وبه قال مالك وأحمد وابن أبي ليلى - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (وهو) ش: أي قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا وهو) ش: أي قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو م: (القياس لأنه) ش: أي لأن الوكيل م: (مأمور بالخصومة وهي) ش: أي الخصومة م: (منازعة) ش: لأنها اسم لكلام الجزء: 9 ¦ الصفحة: 293 والإقرار يضاده لأنه مسالمة والأمر بالشيء لا يتناول ضده، ولهذا لا يملك الصلح والإبراء ويصح إذا استثنى الإقرار، وكذا لو وكله بالجواب مطلقا يتقيد الجواب هو خصومة لجريان العادة بذلك، ولهذا يختار فيه الأهدى فالأهدى. وجه الاستحسان أن التوكيل صحيح قطعا وصحته بتناوله ما يملكه قطعا وذلك مطلق الجواب دون أحدهما عينا،   [البناية] يجري بين اثنين على سبيل المنازعة والمشاجرة. م: (والإقرار يضاده) ش: أي يضاد ما أمر به من الخصومة، م: (لأنه) ش: أي لأن الإقرار م: (مسالمة) ش: لأنه يجري على سبيل المسالمة والموافقة فكان ضد ما أمر به، م: (والأمر بالشيء لا يتناول ضده ولهذا) ش: أي ولأجل عدم تناول الأمر بالشيء ضده م: (لا يملك) ش: أي الوكيل بالخصومة م: (الصلح والإبراء) ش: بوجود المضادة، لأن الصلح حط البعض والوكيل مأمور باستيفاء الكل، والإبراء إسقاط وهو مأمور بالاستيفاء. م: (ويصح) ش: هذا جواب سؤال يرد على قولهم، لأن الوكيل بالخصومة إذا لم يتناول الإقرار كيف يصح استثناؤه - فقال ويصح أي التوكيل م: (إذا استثنى الإقرار) ش: بأن قال: وكلتك بالخصومة بشرط أن لا تقر عليه فأقر الوكيل لم يصح إقراره لأن لفظ التوكيل بالخصومة لم يتناول الإقرار، فلو تناوله بطل الاستثناء وصح الإقرار، لأن الخصومة شيء واحد والاستثناء من شق واحد لا يجوز؛ لأنه يلزم استثناء الكل من الكل. م: (وكذا لو وكله بالجواب مطلقا يتقيد الجواب هو خصومة لجريان العادة بذلك) ش: قال في " النهاية ": هي مسألة مبتدأة خلافية لم يردها على وجه الاستشهاد، يعني لو وكله بالجواب مطلقا أيضا فهو أيضا على هذا الخلاف وكذا في " المختلفات البرهانية "، فعندهم يتقيد بجواب هو خصومة، إذ العادة جرت في التوكيل بذلك. م: (ولهذا) ش: أي والأصل هذا م: (يختار فيه) ش: أي في الخصومة، أي في التوكيل بها م: (الأهدى فالأهدى) ش: أي من كان أكثر هداية في طرق الخصومة، وفي الإقرار لا يحتاج إلى زيادة الهداية. م: (وجه الاستحسان أن التوكيل) ش: المذكور م: (صحيح قطعا) ش: أي ثابت من كل وجه بلا شبهة بالإجماع م: (وصحته يتناوله ما يملكه قطعا) ش: أي ما يملك التوكيل من مطلق الجواب من حيث القطع؛ لأن التوكيل في غير المملوك تصرف في غير ملكه وهو غير صحيح، م: (وذلك مطلق الجواب) ش: أي الذي يملك مطلق الجواب، ومطلق الجواب يتناول الإنكار والإقرار جميعا فكما أن إنكار الوكيل يصح من حيث إنه جواب فكذا يصح الإقرار من حيث إنه جواب م: (دون أحدهما عينا) ش: يعني لا يملك أحدهما وهو الإقرار والإنكار معينا، لأنه ربما يكون الجزء: 9 ¦ الصفحة: 294 وطريق المجاز موجود على ما نبينه إن شاء الله تعالى، فيصرف إليه تحريا للصحة قطعا، ولو استثنى الإقرار فعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يصح لأنه لا يملكه. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يصح لأن للتنصيص زيادة دلالة على ملكه إياه وعند الإطلاق يحمل على الأول، وعنه أنه فصل بين الطالب والمطلوب ولم يصححه في الثاني لكونه مجبورا عليه ويخير الطالب فيه.   [البناية] الجواب بأحدهما معينًا حرامًا لأنه لو كان خصمه محقا لا يملك الإنكار شرعًا، ولو كان مبطلا يكون حقه في الإنكار لا غير، فلا يملك المعين منهما قطعا، فلا يجوز التوكيل به قطعا فيصح من وجه دون وجه فحملنا على المجاز وهو الجواب مطلقا تحريا لصحته قطعا. م: (وطريق المجاز موجود) ش: أي بين الخصومة ومطلق الجواب لأن الخصومة سبب الجواب، وإطلاق السبب وإرادة المسبب طريق من طرق المجاز م: (على ما نبينه إن شاء الله تعالى) ش: إشارة إلى ذكره عند قوله " هما يقولان إن التوكيل يتناول جوابا يسمى رخصة " م: (فيصرف إليه) ش: أي إلى مطلق الجواب م: (تحريا للصحة قطعا) ش: أي للتحري لصحة كلامه من حيث القطع لأن كلام العاقل يصان عن الإلغاء. م: (ولو استثنى الإقرار فعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يصح) ش: هذا جواب عن مستند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - ووجه لا نسلم صحة الاستثناء، بل لا يصح على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (لأنه لا يملكه) ش: أي لأن الوكيل لا يملك الاستثناء؛ لأن ملكه مستلزم بقاء الإنكار عينا، وقد لا يحل له ذلك كما مر. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يصح) أي أن استثناء الإقرار يصح م: (لأن للتنصيص) ش: أي لأنه لما نص على الإنكار باستثناء الإقرار بضمير م: (زيادة دلالة على ملكه إياه) ش: أي على ملك الموكل إياه فيملك الوكيل به، م: (وعند الإطلاق) ش: أي عند إطلاق التوكيل بالخصومة في غير استثناء الإقرار م: (يحمل على الأول) ش: أي على ما هو الأولى وهو مطلق الجواب. م: (وعنه) ش: أي وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أنه فصل بين الطالب والمطلوب) ش: بأن قال بصحة من حمل وكيل المدعي وعدمها من وكيل المدعى عليه، م: (ولم يصححه في الثاني) ش: أي لم يصحح محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - استثناء الإقرار في المطلوب م: (لكونه مجبورا عليه) ش:، أي لكون المطلوب مجبورا على ترك الإنكار م: (ويخير الطالب فيه) ش: أي يخير بين الإقرار والإنكار، فيكون الاستثناء مقيدا. وفي " التتمة " عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يصح الاستثناء من الطالب؛ لأنه مجبور ولا يصح من المطلوب لأنه مجبور عليه، يعني المدعي لما كان مخيرا بين الإقرار والإنكار أفاد الاستثناء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 295 فبعد ذلك يقول أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن الوكيل قائم مقام الموكل وإقراره لا يختص بمجلس القضاء فكذا إقرار نائبه، وهما يقولان: إن التوكيل يتناول جوابا يسمى خصومة حقيقة أو مجازا، والإقرار في مجلس القضاء خصومة مجازا إما لأنه خرج في مقابلة الخصومة أو لأنه سبب له لأن الظاهر إتيانه بالمستحق عند طلب المستحق، وهو الجواب في مجلس القضاء فيختص به، لكن إذا أقيمت البينة   [البناية] فائدته في حقه، أما من المطلوب لا يصح استثناء الإقرار لأنه لا يفيد ذلك، لأن المدعي لما صحح دعواه، والمطلوب مضطر ومجبور على الإقرار لعرض اليمين عليه فيكون مجبورا عليه. م: (فبعد ذلك يقول أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هذا مشروع في بيان المحاجة مع أبي يوسف بعد فراغ المحاجة مع زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (إن الوكيل قائم مقام الموكل وإقراره لا يختص بمجلس القضاء فكذا إقرار نائبه) ش: لا يختص بمجلس القاضي؛ لأنه موجب بنفسه، وإنما يختص بمجلس القضاء ما لا يكون موجبا إلا بانضمام القضاء. م: (وهما) ش: أي أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (يقولان: إن التوكيل يتناول جوابا يسمى خصومة حقيقة) ش: كالإنكار م: (أو مجازا) ش: كالإقرار بمجلس القضاء، تقريره أن توكيله يصرف إلى مطلق الجواب ومطلق الجواب مجازا عام يتناول بعمومه الحقيقة وهي الخصومة والمجاز وهو مطلق الإقرار، والإقرار لا يكون خصومة مجازا إلا في مجلس القضاء فما كان منه في غيره فليس بخصومة لا حقيقة وهو ظاهر ولا مجاز، إذ الإقرار خصومة مجازا من حيث إنه جواب ولا جواب في غير مجلس القضاء، فالإقرار خصومة مجازا في غيره. م: (والإقرار في مجلس القضاء خصومة مجازا إما لأنه خرج في مقابلة الخصومة) ش: فكان مجازه التضاد وهو مجاز لغوي؛ لأنه لا يصح أن يكون مجازا شرعيا م: (أو لأنه) ش: أي أو لأن الخصومة على تأويل التخاصم، وفي بعض النسخ أو لأنها م: (سبب له) ش: أي الإقرار والمجوز السببية، وهو مجوز شرعي لأن الجواب تارة يكون بلا وتارة يكون بنعم، فكانت الخصومة سببا للإقرار بالواسطة وإطلاق اسم السبب على المسبب مجازا. م: (لأن الظاهر إتيانه بالمستحق عند طلب المستحق) ش: فتكون الخصومة سببا له حيث أفضى إليه ظاهرا م: (وهو) ش: أي المستحق م: (الجواب في مجلس القضاء فيختص به) ش: أي يختص جواب الخصومة بمجلس القضاء، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولو قال: لأن الواجب عليه إتيانه بالمستحق بدل لأن الظاهر كان أوفى تأدية للمقصود م: (لكن إذا أقيمت البينة) ش: هذا استدراك من قوله " فيختص به ": وفيه إشارة إلى دفع ما يقال إذا كان الإقرار في غير مجلس القاضي ليس بجواب، كان الجواب: أن لا يكون معتبرا ولا يخرج به عن الوكالة، ولكن إذا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 296 على إقراره في غير مجلس القضاء يخرج من الوكالة حتى لا يؤمر بدفع المال إليه لأنه صار مناقضا، وصار كالأب أو الوصي إذا أقر في مجلس القضاء لا يصح ولا يدفع المال إليهما، قال: ومن كفل بمال عن رجل فوكله صاحب المال بقبضه عن الغريم لم يكن وكيلا في ذلك أبدا، لأن الوكيل من يعمل لغيره، ولو صححناها صار عاملا لنفسه في إبراء ذمته فانعدم الركن، ولأن قبول قوله ملازم للوكالة لكونه أمينا ولو صححناها لا يقبل لكونه مبرئا لنفسه فينعدم بانعدام لازمه وهو نظير   [البناية] أقيمت عليه البينة م: (على إقراره في غير مجلس القضاء يخرج من الوكالة حتى لا يؤمر بدفع المال إليه لأنه صار مناقضا) ش: في كلامه، فلو بقي وكيلا لبقي وكيلا بجواب مقيد وهو الإقرار وما وكله بجواب مقيد وإنما وكله بالجواب مطلقا، قاله في " الكافي ". م: (وصار) ش: أي الوكيل المقر في غير مجلس القضاء م: (كالأب والوصي إذا أقر في مجلس القضاء لا يصح ولا يدفع المال إليهما) ش: أي إلى الأب الوصي، بيانه الأب والوصي إذا ادعى شيئا للصغير فأنكر المدعى عليه، فصدقه الأب، والوصي ثم جاء يدعي ذلك المال لا يدفع المال إليهما، لأنهما خرجا عن الولاية والوصاية في حق هذا المال بإقرارهما على الصبي فكذلك هنا لما خرج الوكيل من الوكالة بالإقرار في غير مجلس القضاء لا يدفع المال إليه. [كفل بمال عن رجل فوكله صاحب المال بقبضه عن الغريم] م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن كفل بمال عن رجل فوكله صاحب المال بقبضه عن الغريم لم يكن وكيلا في ذلك أبدا) ش: أي قبل براءة الكفيل وبعدها، م: (لأن الوكيل من يعمل لغيره، ولو صححناها) ش: أي الوكالة م: (صار عاملا لنفسه في إبراء ذمته) ش: لأن قبضه يقوم مقام قبض الموكل، وبقبضه تبرأ ذمة الكفيل فكذا بقبض وكيله م: (فانعدم الركن) ش: أي ركن الوكالة وهو العمل للغير. قالوا في " شروح الجامع الصغير ": نظير هذا ما ذكر في المأذون: أن المولى إذا أعتق عبده المأذون المديون ضمن قيمته، والعبد يطالب بجميع الدين كان المولى كفيلا عنه، فإن وكل الطالب المولى بقبض الدين من العبد كان باطلا، لأن المولى بقبض الدين من العبد كان عاملا لنفسه فلا يصح وكيلا عن غيره م: (ولأن قبول قوله) ش: دليل آخر، أي قبول قول الوكيل م: (ملازم للوكالة) ش: يعني الوكالة تستلزم قبول قوله: م: (لكونه أمينا ولو صححناها) ش: أي الوكالة م: (لا يقبل) ش: لما يلزم من انتقاء اللازم وهو قبول قوله م: (لكونه مبرئا لنفسه فينعدم) ش: أي التوكيل م: (بانعدام لازمه) ش: أي لازمه التوكيل، وهو قبول قول الوكيل لأن اللزوم ينتفي بانتفاء اللازم. م: (وهو نظير) ش: أي نظير بطلان الوكالة فيما نحن فيه بطلانها في عبد مديون، وفي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 297 عبد مأذون مديون أعتقه مولاه حتى ضمن قيمته للغرماء ويطالب العبد بجميع الدين، فلو وكله الطالب بقبض المال عن العبد كان باطلا لما بيناه. قال: ومن ادعى أنه وكيل الغائب في قبض دينه فصدقه الغريم أمر بتسليم الدين إليه لأنه إقرار على نفسه؛ لأن ما يقبضه خالص ماله فإن حضر الغائب فصدقه وإلا دفع إليه الغريم الدين ثانيا لأنه لم يثبت الاستيفاء حيث أنكر الوكالة والقول في ذلك قوله مع يمينه   [البناية] بعض النسخ: وهو نظير م: (عبد مأذون مديون أعتقه مولاه حتى ضمن قيمته) ش: أي قيمة العبد سواء كان موسرا أو معسرا م: (للغرماء ويطالب العبد بجميع الدين، فلو وكله الطالب) ش: أي طلب مال المولى الطالب م: (بقبض المال عن العبد كان باطلا) ش: أي كان التوكيل باطلا م: (لما بيناه) ش: وهو أنه يصير عاملا لنفسه لأنه مبرئ نفسه. وفي " شرح الطحاوي ": المولى إذا أعتق عبده المديون جاز عتقه، لأن ملكه باق فيه والغرماء بالخيار إن شاءوا اتبعوا العبد بالدين وإن شاءوا اتبعوا المولى بالأقل من قيمته، ومن الدين سواء كان عالما بالدين أو لم يكن، بخلاف الجناية فإن العبد إذا جنى فأعتقه المولى إن كان عالما بالجناية صار مختارا للعذر، وإن كان غير عالم لم يلزمه شيء إلا قدر القيمة لا غير، وفي باب الدين: يلزمه القيمة وإن كان عالما، بخلاف الغاصب وغاصب الغاصب إذا اختار المغصوب منه تضمين أحدهما انقطع حقه عن الآخر. [ادعى أنه وكيل الغائب في قبض دينه فصدقه الغريم] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن ادعى أنه وكيل الغائب في قبض دينه فصدقه الغريم أمر بتسليم الدين إليه) ش: وفي بعض النسخ سلم المال إليه، أي الدين، وبه قال المزني - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: لم يؤمر بالتسليم بالتصديق لا في الدين ولا في الوديعة، إلا أن يقيم الوكيل ببينته على وكالته فحينئذ يؤمر بالتسليم في الدين والوديعة وعندنا في الوديعة لم يؤمر بالتسليم بالتصديق. م: (لأنه إقرار على نفسه) ش: بحق وهو استحقاق القبض، وليس فيه إبطال حق للغائب بل هو إقرار حق على نفسه، م: (لأن ما يقبضه خالص ماله) ش: أي خالص مال المديون، فيجوز إقراره عليه لأن الديون تقضى بأمثالها، فما أداه المديون مثل مال رب المال لا عينه، فكان تصديقه إقرارا على نفسه، ومن أقر على نفسه بشيء أمر بتسليمه إلى المقر له م: (فإن حضر الغائب فصدقه) ش: فيها م: (وإلا دفع إليه) ش: أي وإن لم يصدقه م: (الغريم الدين ثانيا، لأنه لم يثبت الاستيفاء حيث أنكر الوكالة فالقول في ذلك قوله) ش: أي القول في إنكار الوكالة قول رب الدين م: (مع يمينه) ش: وبه قال الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه: له الرجوع على القابض، وبقولنا قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في الأصح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 298 فيفسد الأداء ويرجع به على الوكيل إن كان باقيا في يده لأن غرضه من الدفع براءة ذمته ولم تحصل فله أن ينقص قبضه، وإن كان ضاع في يده لم يرجع عليه لأنه بتصديقه اعترف أنه محق في القبض وهو مظلوم في هذا الأخذ والمظلوم لا يظلم غيره. قال: إلا أن يكون ضمنه عند الدفع لأن المأخوذ ثانيا مضمون عليه في زعمهما، وهذه كفالة أضيفت إلى حالة القبض فتصح بمنزلة الكفالة بما ذاب له على فلان،   [البناية] م: (فيفسد الأداء ويرجع به على الوكيل إن كان باقيا في يده لأن غرضه) ش: أي غرض المديون م: (من الدفع براءة ذمته ولم تحصل) ش: أي براءة الذمة م: (فله أن ينقض قبضه) ش: أي فللمديون أن ينقض قبض الوكيل م: (وإن كان ضاع في يده) ش: أي وإن كان ضاع المال في يد الوكيل م: (لم يرجع عليه) ش: أي لم يرجع المديون على الوكيل، م: (لأنه) ش: أي لأن المديون م: (بتصديقه) ش: أي بتصديق الوكيل م: (اعترف أنه) ش: أي الوكيل م: (محق في القبض وهو) ش: أي المديون م: (مظلوم في هذا الأخذ) ش: أي أخذ رب الدين ثانيا. م: (والمظلوم) ش: أي المديون م: (لا يظلم غيره) ش: فلا يأخذ من الوكيل بعد الهلاك لأن الوكيل في زعمه محق في قبض الدين عنه وبعدها هلك المدفوع الأخذ منه ظلم، وفي " الذخيرة " و " المبسوط " المسألة على أوجه: إما أن يصدق الغريم القديم وكالة أولا فإن صدقه ولم يدفع المال أجبر على الأداء خلافا لابن أبي ليلى والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وأنكر وكالته وأراد الوكيل استحلافه بعد وكالة استحلف، فإن حلف برأ، وإن نكل قضي عليه بالمال للوكيل. وذكر الخصاف: لا يحلف المطلوب على الوكالة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما: يحلف على العلم، ولو أقر الغريم بالوكالة وأنكر الدين فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يستحلف المطلوب، وعندهما: لا يستحلف. م: (قال) ش: أي محمد والمصنف - رحمهما الله -: م: (إلا أن يكون ضمنه) ش: يجوز فيه التخفيف والتشديد م: (عند الدفع) ش: هذا استثناء من قوله -: وإن كان ضاع من يده لم يرجع عليه إلا أن يضمن المطلوب الوكيل عند دفع المال إليه بأن يقول أصدقك في الوكالة ولكن لا آمن أن يجحد الطالب إذا حضر فاضمن لي ما يقبضه الطالب مني ثانيا وهذا ضمان صحيح م: (لأن المأخوذ ثانيا مضمون عليه) ش: أي على رب الدين م: (في زعمهما) ش: أي في زعم الوكيل والغريم م: (وهذه كفالة أضيفت إلى حالة القبض) ش: أي قبض رب الدين ثانيا، فإذا كان الوكيل م: (فتصح) ش: أي الكفالة م: (بمنزلة الكفالة بما ذاب) ش: أي بما ثبت ووجب م: (له على فلان) ش: معناه بما يذوب لفلان على فلان، وهذا ماض أريد به المستقبل وقد مر في الكفالة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 299 ولو كان الغريم لم يصدقه على الوكالة ودفعه إليه على ادعائه فإن رجع صاحب المال على الغريم رجع الغريم على الوكيل؛ لأنه لم يصدقه بالوكالة وإنما دفعه إليه على رجاء الإجازة فإذا انقطع رجاؤه رجع عليه وكذا إذا دفعه إليه على تكذيبه إياه في الوكالة. وهذا أظهر لما قلنا وفي الوجوه كلها ليس له أن يسترد المدفوع حتى يحضر الغائب؛ لأن المؤدى صار حقا للغائب إما ظاهرا أو محتملا، فصار كما إذا دفعه إلى فضولي على رجاء الإجازة لم يملك الاسترداد لاحتمال الإجازة ولأن من باشر التصرف لغرض ليس له أن ينقضه ما لم يقع اليأس عن غرضه ومن قال: إني وكيل بقبض الوديعة فصدقه المودع لم يؤمر بالتسليم إليه لأنه أقر له بمال الغير بخلاف الدين،   [البناية] م: (ولو كان الغريم لم يصدقه على الوكالة) ش: ولم يكذبه أيضا بل سكت م: (ودفعه إليه على ادعائه) ش: أي على دعوى التوكيل م: (فإن رجع صاحب المال على الغريم رجع الغريم على الوكيل لأنه لم يصدقه على الوكالة، وإنما دفعه إليه على رجاء الإجازة، فإذا انقطع رجاؤه رجع عليه، وكذا إذا دفعه إليه على تكذيبه إياه في الوكالة، وهذا أظهر) ش: أي جواز الرجوع في صورة التكذيب أظهر منه في الصورتين الأوليين، وهو التصديق مع التضمين والسكوت؛ لأنه إذا كذبه صار الوكيل في حقه بمنزلة الغاصب، وللمغصوب منه حق الرجوع على الغاصب م: (لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله: دفع إليه على رجاء الإجازة، فإذا انقطع رجاؤه رجع عليه. م: (وفي الوجوه كلها) ش: وهي الأربعة المذكورة، وهي الدفع مع التصديق، والتضمين، والدفع بلا تصديق ولا تكذيب، والدفع مع التكذيب، م: (ليس له) ش: أي للغريم م: (أن يسترد المدفوع حتى يحضر الغائب؛ لأن المؤدى صار حقا للغائب؛ إما ظاهرا) ش: أي في حالة التصادق، أو حالة ظهور العدالة في الوكيل لأن الوكيل إذا كان عدلا كان صادقا ظاهرا م: (أو محتملا) ش: أي في حالة كون الوكيل فاسقا أو مستورا لاحتمال الصدق. م: (فصار) ش: حكم هذا م: (كما إذا دفعه) ش: أي الدين الذي عليه م: (إلى فضولي) ش: أي لأنه تعلق في الوسط م: (رجاء الإجازة) ش: من المالك م: (لم يملك الاسترداد لاحتمال الإجازة ولأن من باشر التصرف لغرض ليس له أن ينقضه ما لم يقع اليأس عن غرضه) ش: لأن سعي الإنسان في نقض ما تم من جهته مردود. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن قال: إني وكيل بقبض الوديعة فصدقه المودع لم يؤمر بالتسليم إليه لأنه أقر له بمال الغير) ش: وهو لا يملك ذلك م: (بخلاف الدين) ش: أي بخلاف ما إذا صدق الوكيل بقبض الدين، حيث يؤمر بالتسليم إليه لأنه إقرار في خالص ماله على ما مر أن الديون تقضى بأمثالها، فكان إقراره إقرارا على نفسه بحق المطالبة والقبض. ثم إذا أخذ الوكيل الوديعة في الغائب فصدقه في الوكالة برئا جميعا، وإن أنكر الوكالة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 300 ومن ادعى أنه مات أبوه وترك الوديعة ميراثا له ولا وارث له غيره وصدقه المودع أمر بالدفع إليه لأنه لا يبقى ماله بعد موته فقد اتفقا على أنه مال الوارث، ولو ادعى أنه اشترى الوديعة من صاحبها فصدقه المودع لم يؤمر بالدفع إليه؛ لأنه ما دام حيا كان إقراره بملك الغير لأنه من أهله فلا يصدقان في دعوى البيع عليه.   [البناية] وحلف على ذلك فله أن يضمن المودع، فإذا ضمنه فإن كانت العين قائمة في يد الوكيل رجع بها المودع على الوكيل فإن ضاعت في يده فهل للمودع أن يرجع عليه؟ فهو على وجوه: أحدها أن يدفعها إليه المودع مع التصديق بلا تضمين فلا رجوع فيه. والثاني: أن يدفع بالتصديق، وشرط الضمان فله الرجوع، والثالث: أن يدفع مع التكذيب، فإذا ضمنه الغائب فله الرجوع على الوكيل، والرابع: أن يدفع بلا تصديق ولا تكذيب، فإذا ضمنه الغائب فله الرجوع أيضا. م: (ومن ادعى) ش: ذكر هذا تعريضا على مسألة القدوري، أي فلو ادعى من قال: إني وكيل م: (أنه) ش: أي أن فلانا م: (مات أبوه وترك الوديعة ميراثا له) ش: أي لابن الميت م: (ولا وارث له غيره وصدقه المودع أمر بالدفع إليه) ش: أي إلى الذي قال: إنه مات أبوه م: (لأنه لا يبقى ماله بعد موته) ش: ماله بالنصب، وفي " النهاية ": هكذا معربا بإعراب شيخي على تأويل الحال، كما في كلمة فاه إلى في، أي مشافهة. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يبقى ماله بالنصب، ثم قال مثل ما قال صاحب " النهاية " - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أرى أنه ضعيف، لأن المال مقيد للعامل، فكلمته يجوز أن يكون مقيدا بالمشافهة، أي كلمته في حالة المشافهة، والظاهر في إعرابه الرفع على أنه فاعل لا يبقى، أي لأن المودع لا يبقى ماله بعد موته لانتقاله إلى الوارث. والصواب الرفع على ما قاله الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد فاته شيء آخر، وهو أن من شرط الحال أن يكون من المشتقات، والمال ليس منها إلا أنه يجوز بالتأويل. ولو قال صاحب " النهاية " - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومن تبعه في أنه نصب على الحال أنه حال على تأويل متمولا أي لا يبقى الميت بعد موته متمولا لكان أوجه، م: (فقد اتفقا) ش: أي الذي ادعى الوكالة والمودع م: (على أنه) ش: أي أن الذي قال إنه وديعة م: (مال الوارث) ش: فلا بد من الدفع إليه م: (ولو ادعى أنه اشترى الوديعة من صاحبها وصدقه المودع) ش: فيما قاله م: (لم يؤمر بالدفع إليه لأنه) ش: أي لأن المودع بكسر الدال م: (ما دام حيا كان إقراره بملك الغير لأنه من أهله) ش: أي من أهل الملك م: (فلا يصدقان في دعوى البيع عليه) ش: أي على رب المال. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 301 قال فإن وكل وكيلا بقبض ماله فادعى الغريم أن صاحب المال قد استوفاه فإنه يدفع المال إليه؛ لأن الوكالة قد ثبتت بالتصادق والاستيفاء لم يثبت بمجرد دعواه فلا يؤخر الحق. قال: ويتبع رب المال فيستحلفه رعاية لجانبه، ولا يستحلف الوكيل لأنه نائب، قال: وإن وكله بعيب في جارية فادعى البائع رضا المشتري لم يرد عليه حتى يحلف المشتري بخلاف مسألة الدين، لأن التدارك ممكن هنالك باسترداد ما قبضه الوكيل إذا ظهر الخطأ عند نكوله، وهاهنا غير ممكن لأن القضاء بالفسخ ماض على الصحة، وإن ظهر الخطأ عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما هو مذهبه، ولا يستحلف المشتري عنده بعد ذلك لأنه لا يفيد، وأما عندهما قالوا: يجب أن يتحد   [البناية] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (فإن وكل وكيلا بقبض ماله فادعى الغريم أن صاحب المال قد استوفاه فإنه يدفع إليه المال، لأن الوكالة قد ثبتت بالتصادق والاستيفاء لم يثبت بمجرد دعواه) ش: أي دعوى الغريم م: (فلا يؤخر الحق) ش: إلى تحليف رب الدين م: (قال: ويتبع) ش: أي الغريم م: (رب المال فيستحلفه رعاية لجانبه) ش: أي لجانب الغريم، وهو المديون م: (ولا يستحلف الوكيل لأنه نائب) ش: لأن النيابة لا تجري فيها الأيمان. [وكله بعيب في جارية فادعى البائع رضا المشتري] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - " في الجامع الصغير " م: وإن وكله بعيب) ش: أي بسبب عيب م: (في جارية فادعى البائع رضا المشتري لم يرد عليه حتى يحلف المشتري بخلاف مسألة الدين) ش: التي مضت حيث يؤمر بدفع الدين بدون تحليف الوكيل م: (لأن التدارك ممكن هنالك) ش: أي في مسألة الدين م: (باسترداد ما قبضه الوكيل إذا ظهر الخطأ عند نكوله) ش: أي عند نكول رب الدين عن اليمين على أنه لم يستوف الدين. م: (وهاهنا) ش: أي وفي المسألة الثانية م: (التدارك غير ممكن لأن القضاء بالفسخ ماض على الصحة وإن ظهر الخطأ) ش: لأن قضاء القاضي بالفسخ والعقد بل بالشاهد الباطل ينفذ ظاهرا وباطنا م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما هو مذهبه) ش: والمراد بالنفاذ ظاهرا: أن يثبت فيما بيننا، ومن نفاذه باطنا أن يثبت فيما بينه وبين الله تعالى. م: (ولا يستحلف المشتري بعد ذلك) ش: أي بعد نكول الموكل م: (عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (لأنه) ش: أي لأن الاستحلاف م: (لا يفيد) ش: يعني متى نفذ قضاء القاضي ظاهرا وباطنا لا يكون للبائع أن يستحلف المشتري إذا حضر على الرضا؛ لأنه لا فائدة في استحلافه؛ لأن فائدته أن ينكل فيظهر أنه كان راضيا بالعيب وأن الحق الفسخ لم يكن ثابتا للمشتري وأن القاضي أخطأ في قضائه بعد الفسخ، ولكن عند ظهور الخطأ في القضاء وبالفسخ لا يبطل قضاؤه بالفسخ عنده. م: (وأما عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (قالوا يجب أن يتحد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 302 الجواب على هذا في الفصلين، ولا يؤخر لأن التدارك ممكن عندهما لبطلان القضاء، وقيل: الأصح عند أبي يوسف -رحمه الله -أن لا يؤخر في الفصلين لأنه يعتبر النظر حتى يستحلف المشتري لو كان حاضرا من غير دعوى البائع فينتظر للنظر، قال ومن دفع إلى رجل عشرة دراهم لينفقها على أهله فأنفق عليهم عشرة من عنده فالعشرة بالعشرة لأن الوكيل بالإنفاق وكيل بالشراء والحكم فيه ما ذكرناه وقد قررناه فهذا كذلك، وقيل: هذا استحسان، وفي القياس ليس له ذلك   [البناية] الجواب على هذا في الفصلين) ش: يعني في فصل الدين وفصل الرد بالعيب م: (ولا يؤخره) ش: أي ولا يؤخر القضاء بالرد م: (لأن التدارك ممكن عندهما لبطلان القضاء) ش: لأن قضاء القاضي في مثل ذلك نافذ ظاهرا لا باطنا، فإذا ظهر خطأ القاضي عند نكول المشتري ردت الجارية على المشتري فلا يؤخر إلى التحليف. م: (وقيل: الأصح عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن يؤخر) ش: أي الرد م: (في الفصلين) ش: أي فصل الدين وفصل العيب، م: (لأنه) ش: أي لأن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يعتبر النظر) ش: للبائع م: (حتى يستحلف المشتري لو كان حاضرا من غير دعوى البائع) ش: قوله " يستحلف بالرفع " لأن حتى ابتدائية يعني يستحلف المشتري نظرا للبائع، لأن من مذهب أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن القاضي لا يرد المبيع على البائع إذا كان المشتري حاضرا أو أراد الرد ما لم يستحلفه القاضي بالله ما رضيت بهذا البائع وإن لم يدع العيب، فإذا كان المشتري لا يرد عليه ما لم يستحلف صيانة لقضائه عن البطلان، ونظرا للبائع والمديون فصار عنه روايتان: في رواية مثل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي رواية: يؤخر فيهما اعتبارا للنظر م: (فينتظر للنظر) ش: إذا كان المشتري غائبا. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن دفع إلى رجل عشرة دراهم لينفقها على أهله فأنفق عليهم عشرة من عنده فالعشرة بالعشرة) ش: أي العشرة التي أنفقها من ماله بمقابلة العشرة التي أخذها من الوكيل م: (لأن الوكيل بالإنفاق وكيل بالشراء والحكم فيه ما ذكرناه) ش: أي الحكم في الوكيل بالشراء أن يرجع على الموكل بما أداه، م: (وقد قررناه) ش: أي في باب الحوالة بالبيع والشراء عند قوله: " وإذا دفع الوكيل بالشراء من ماله وقبض المبيع فله أن يرجع به على الموكل ". م: (فهذا كذلك) ش: أي ما نحن فيه من التوكيل بالإنفاق كذلك، لأن الوكيل بالشراء ربما يحتاج إليه الأهل قد يضطره إلى شراء شيء يصلح لنفقتهم، ولم يكن مال الوكالة معه في تلك الحالة، لأن لا يمكن أن يستصحب دراهم الموكل في الأحوال كلها فيحتاج أن يؤدي ثمنه من مال نفسه، فكان في التوكيل بذلك يجوز الاستبدال م: (وقيل هذا استحسان وفي القياس ليس له ذلك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 303 ويصير متبرعاً، وقيل: القياس والاستحسان في قضاء الدين لأنه ليس بشراء، فأما الإنفاق فيتضمن الشراء فلا يدخلانه والله أعلم بالصواب.   [البناية] ويصير متبرعا) ش: فيما أنفق من ماله ويرد الدراهم المأخوذة من الموكل عليه، وإن استهلكها ضمن، لأن الدراهم تتعين في الوكالات حتى لو هلك قبل الإنفاق بطلت الوكالة، فإذا أنفق من مال نفسه فقد أنفق بغير أمره فيكون متبرعا. م: (وقيل القياس والاستحسان في قضاء الدين) ش: هو أن يدفع المديون إلى رجل ألفا ويوكله بقضاء دينه بها فيدفع الوكيل غير ذلك من مال نفسه قضاء عنه، فإنه في القياس متبرع حتى إذا أراد المأمور أن يحبس الألف دفعت إليه لا يكون له ذلك، وفي الاستحسان ذلك وليس بمتبرع على ما نذكره الآن، قوله م: (لأنه ليس بشراء) ش: هو دليل القياس لأنه لما لم يكن قضاء الدين شراء لم يكن الأمر راضيا بثبوت الدين في ذمته للوكيل، فلو لم تجعله متبرعا لألزمناه دينا لم يرض به فجعلناه متبرعا قياسا، م: (وأما الإنفاق فيتضمن الشراء فلا يدخلانه والله أعلم بالصواب) ش: إلى القياس والاستحسان لا يدخلان فيما ذكرنا في باب الشراء، فلا يكون متبرعا قياسا واستحسانا. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وأما مسألة الإنفاق رضا الآمر بثبوت الدين في ذمة الوكيل لأنه أمره بالإنفاق، والأمر بالإنفاق أمر بشراء الطعام، والشراء لا يتعلق بعين تلك الدراهم، بل يتعلق بمثلها في الذمة، ثم يثبت به حق الرجوع على الأمر فكان راضيا بثبوت الدين فلم يجعل متبرعا قياسا أيضا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 304 باب عزل الوكيل قال: وللموكل أن يعزل الوكيل عن الوكالة؛ لأن الوكالة حقه، فله أن يبطله إلا إذا تعلق به حق الغير بأن كان وكيلا بالخصومة بطلب من جهة الطالب لما فيه من إبطال حق الغير وصار كالوكالة التي تضمنها عقد الرهن. قال: فإن لم يبلغه العزل فهو على وكالته وتصرفه جائز حتى يعلم؛ لأن في العزل إضرارا به من حيث إبطال ولايته أو من حيث رجوع الحقوق إليه فينقد من مال الموكل   [البناية] [باب عزل الوكيل] [حكم عزل الوكيل] م: (باب عزل الوكيل) ش: أي هذا باب في بيان حكم عزل الوكيل وأخر باب العزل لأنه بعد الإثبات، م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وللموكل أن يعزل الوكيل عن الوكالة لأن الوكالة حقه، فله أن يبطله إلا إذا تعلق به حق الغير بأن كان وكيلا بالخصومة بطلب من جهة الطالب) ش: أي بالقياس من جهة المدعي م: (لما فيه من إبطال حق الغير) ش:، وقبل بهذين القيدين لأنه لو وكل المدعى عليه لا يطلب المدعي لملك المدعى عليه عزله، وكذا إذا كان الوكيل من جانب الطالب بملك الطالب عزله سواء كان ذلك بطلب المدعى عليه أو لا. وعدم صحة العزل إذا كان يطلب من جهة الطالب فيما إذا كان العزل عند غيبة الطالب وبحضوره يصح عزله، سواء رضي به الطالب أو لا، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا ثبت بالخصومة ما تعلق به حق الغير لا يجوز عزله في الغيبة والحضور. وعند الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: يجوز عزل الوكيل بالخصومة تعلق به حق الغير أم لا، لأن الوكالة عقد جائز غير لازم، م: (وصار) ش: أي الوكيل من جهة الطالب إذا كان يطلب من جهة الطالب م: (كالوكالة التي تضمنها عقد الرهن) ش: بأن وضع الرهن على يدي عدل وشرط في الرهن أن يكون العدل مسلطا على البيع، ثم أراد الراهن أن يعزل العدل عن البيع لا يصح وإن كان بحضرة المرتهن ما لم يرض به، بخلاف عزل الموكل وكيله بالخصومة فإنه يصح إذا كان لم يحضره الطالب، رضي به أو لا. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن لم يبلغه العزل) ش: أي فإن لم يبلغ الوكيل عزل الموكل إياه م: (فهو على وكالته وتصرفه جائز حتى يعلم) ش: أي الوكيل عزله، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وقال الشافعي في الأصح: ينعزل، وبه قال مالك في رواية، وأحمد في رواية - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (لأن في العزل إضرار به) ش: أي بالوكيل م: (من حيث إبطال ولايته) ش: من غير علمه م: (أو من حيث) ش: أي أو يكون الإضرار به من حيث م: (رجوع الحقوق إليه) ش: أي إلى الوكيل وبين ذلك بقوله م: (فينقد من مال الموكل) ش: إذا كان وكيلا بالشراء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 305 ويسلم المبيع فيضمنه فيتضرر به ويستوي الوكيل بالنكاح وغيره للوجه الأول، وقد ذكرنا اشتراط العدد أو العدالة في المخبر فلا نعيده قال: وتبطل الوكالة بموت الموكل وجنونه جنونا مطبقا، ولحاقه بدار الحرب مرتدا لأن التوكيل تصرف غير لازم، فيكون لدوامه حكم ابتدائه، فلا بد من قيام الآمر وقد بطل بهذه العوارض،   [البناية] م: (ويسلم المبيع) ش: إلى المشتري إذا كان وكيلا بالبيع، ثم إذا نفذ أو سلم م: (فيضمنه) ش: لأن فعله بعد العزل م: (فيتضرر به) ش:، فلا يجوز لأن الضرر مدفوع شرعا، م: (ويستوي الوكيل بالنكاح وغيره) ش: أي وغير النكاح مثل البيع والشراء ونحو ذلك م: (للوجه الأول) ش: وهو إبطال الولاية يعني أن العزل لا يصح قبل علم الوكيل أصلا، والوكيل بالنكاح وغيره سواء نظرا إلى الوجه الذي في الإضرار بالوكيل من حيث إبطال ولايته. وكذا عزل الوكيل بالطلاق لا يصح من غير علمه، ذكره في " مختصر الكافي " م: (وقد ذكرنا اشتراط العدد أو العدالة في المخبر فلا نعيده) ش: ذكره في فصل القضاء بالموارث من " أدب القاضي " بقوله: ولا يكون النهي عن الوكالة حتى يشهد عنده شاهدان أو رجل عدل وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - والوكالة تثبت بخبر الواحد حرا كان أو عبدا، عادلا كان أو فاسقا، رجلا كان أو امرأة، صبيا كان أو بالغا، وكذلك العدل عندهما. وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يثبت العزل إلا بخبر الواحد العدل، أو بخبر الاثنين إذا لم يكونا عدلين والوكيل، لو عزل نفسه بغير علم الموكل لا ينعزل ولا يخرج عن الوكالة، وعند الشافعي وأحمد ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية: ينعزل، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان في عزله ضرر على الموكل لم ينعزل بدون علمه، وفي " الذخيرة ": بإنكار الموكل الوكالة لا ينعزل. [مبطلات الوكالة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وتبطل الوكالة بموت الموكل وجنونه جنونا مطبقا ولحاقه بدار الحرب) ش: حال كونه م: (مرتدا) ش:، ولا خلاف في هذه الأشياء م: (لأن التوكيل تصرف غير لازم) ش: لأنه يمكنه أن يعزله م: (فيكون لدوام حكم ابتدائه) ش: لأن كل تصرف غير لازم لدوامه حكم ابتدائه، لأن المتصرف بسبيل من نقضه في كل لحظة فصار كأنه يتجدد عقد الوكالة في كل ساعة، وكان على جزء منه بمنزلة ابتداء العقد م: (فلا بد من قيام الآمر) ش: أي أمر الموكل بالتوكيل في كل ساعة. م: (وقد بطل) ش: أي أمر التوكيل م: (بهذه العوارض) ش: وهي الموت والجنون، والارتداد لا يشكل بالبيع الخيار، فإنه غير لازم، ومع ذلك لا يبطل بالموت بل يتقرر لأن الأصل في البيع اللزوم وعدم اللزوم بسبب العوارض، وهو الخيار، فإذا مات تقرر الأصل وبطل العارض لعدم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 306 وشرط أن يكون الجنون مطبقا لأن قليله بمنزلة الإغماء وحد المطبق شهر عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا بما يسقط به الصوم، وعنه: أكثر من يوم وليلة، لأنه تسقط به الصلوات الخمس، فصار كالميت، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حول كامل لأنه يسقط جميع العبادات فقدر به احتياطا. قالوا: الحكم المذكور في اللحاق قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن تصرفات المرتد موقوفة عنده فكذا وكالته فإن أسلم نفذت، وإن قتل أو لحق بدار الحرب بطلت الوكالة، فأما عندهما تصرفاته نافذة فلا تبطل وكالته إلا أن يموت أو يقتل على ردته أو يحكم بلحاقه وقد مر في السير، وإن كان الموكل امرأة فارتدت فالوكيل على وكالته حتى تموت أو تلحق بدار الحرب لأن ردتها لا تؤثر في عقودها   [البناية] بقاء الخيار بموته، م: (وشرط) ش: أي القدوري: م: (أن يكون الجنون مطبقا) ش: بكسر الباء أي دائما، ويليه الحمى المطبقة، أي الدائمة، وقيل: مطبقا أي مستوعبا، من طبق الغيم السماء إذا استوعبها. م: (لأن قليله بمنزلة الإغماء وحد المطبق شهر عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا بما يسقط به الصوم) ش: أي صوم شهر رمضان، روى هذه الرواية أبو بكر الرازي عن أبي حنيفة - رحمهما الله - م: (وعنه) ش: أي وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أكثر من يوم وليلة؛ لأنه تسقط به الصلوات الخمس فصار كالميت، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - حول كامل) ش: أي الجنون المطبق يقدر بحول كامل، م: (لأنه يسقط به جميع العبادات فقدر به احتياطا) . ش: وقال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " التقريب ": قال في " الأصل ": إذا ذهب عقل الموكل زمانا خرج الوكيل من الوكالة، ولو ذهب عقله ساعة والوكيل على وكالته، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا ينعزل حتى يجن أكثر السنة، وروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يوم وليلة، ثم رجع فقال: شهر، ثم رجع فقال: سنة، وذكر الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في حد الجنون المطبق عند أبي يوسف شهر م: (قالوا) ش: أي قال المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (الحكم المذكور في اللحاق) ش: في " مختصر القدوري " م: (قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن تصرفات المرتد موقوفة عنده، فكذا وكالته) ش: موقوفة م: (فإن أسلم نفذت، وإن قتل أو ألحق بدار الحرب بطلت الوكالة، فأما عندهما تصرفاته نافذة فلا تبطل وكالته إلا أن يموت أو يقتل على ردته أو يحكم بلحاقه، وقد مر في السير) ش: أي يصرف المرتد موقوفا أو نافذا في " السير " في باب أحكام المرتدين، عند قوله -: " وما باعه أو اشتراه أو وهبه أو تصرف فيه، من أمواله في حال ردته فهو موقوف". م: (وإن كان الموكل امرأة فارتدت فالوكيل على وكالته حتى تموت أو تلحق بدار الحرب لأن ردتها لا تؤثر في عقودها) ش: لأن المرتدة لا تقتل بالحرب ولم يوجد؛ لأنه ليس لها بينة صالحة للحراب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 307 على ما عرف. قال: وإذا وكل المكاتب ثم عجز أو المأذون له ثم حجر عليه، أو الشريكان فافترقا فهذه الوجوه تبطل الوكالة على الوكيل، علم أو لم يعلم.   [البناية] م: (على ما عرف) ش: في موضعه في كتب السير. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا وكل المكاتب ثم عجز أو المأذون له) ش: أي ووكل العبد المأذون له م: (ثم حجر عليه) ش: أي على العبد المأذون له م: (أو الشريكان فافترقا) ش: يعني أحد شريكي العنان، أو المفاوضة إذا وكلا وكيلا ثم افترقا م: (فهذه الوجوه) ش: أي عجز المكاتب أو الحجر على المأذون له وافتراق الشريكين م: (تبطل الوكالة على التوكيل علم أو لم يعلم) ش: أي علم الوكيل بذلك أو لم يعلم. وقال أبو النصر - رَحِمَهُ اللَّهُ - " في شرحه ": هذا الذي ذكره القدوري جميعه جائز على الأصل إلا في الشريكين، لأن ذلك خلاف الرواية، لأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في " الأصل ": وإذا وكل أحد المتفاوضين وكلا بشيء ثم افترقا واقتسما أو شهدا أنه لا شركة بينهما، ثم إن الوكيل أمضى الذي كان وكل به وهو يعلم أو لا يعلم فإنه يجوز ذلك كله عليهما جميعا، وكذلك لو كانا وكلاه جميعا؛ لأن وكالة أحدهما جائزة على الآخر وليس تفرقهما ينقض الوكالة. وكذلك قال الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الكافي " للحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وليس تفرقهما نقضا للوكالة لأن أثر النقض لا يظهر في توابع عقود بأثرها أحدهما قبل ذلك. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والعجب من صاحب " الهداية " أنه أبهم الأمر ولم يتعرض لكلام القدوري، والغالب على ظني أن القدوري أراد بذلك الوكالة الثابتة في ضمن عقد الشركة لا الوكالة الابتدائية القصدية، لأن المتضمن وهو عقد الشركة إذا بطل بطل ما في ضمنه لا محالة ولا يلزم أن يكون قوله مخالفا للرواية لا محالة.. انتهى. ورد عليه الأكمل: بأن هذا على تقدير صحته يختص بمال الشركة لا غير، على أنه مخالف لعبارة الكاتب، انتهى. وفي " المبسوط ": هذا يعني قوله: فهذه الوجوه تبطل الوكالة إذا كانت الوكالة بالبيع والشراء، أما لو كان التوكيل بقضاء الدين والتقاضي لا يبطل لعجز المكاتب وحجر المأذون، لأن في كل عمل وليه العبد لا تسقط المطالبة عنه بالحجر بل يبقى مطالبا بإيفائه، وبهذا ليس لولي العبد أن يتقاضى دينه إن كان عليه دين أو لا، لأنه إن كان عليه دين فكسبه حق عن مائة والمولى فيه كالأجانب، وإن لم يكن عليه دين فوجب المال بعقد العبد، ولا يكون هو في هذا دون الوكيل، وما وجد من الثمن بعقد الوكيل لا بملك الوكيل المطالبة به فهاهنا أولى. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 308 لما ذكرنا أن بقاء الوكالة يعتمد قيام الآمر وقد بطل بالحجر والعجز والافتراق، ولا فرق بين العلم وعدمه لأن هذا عزل حكمي فلا يتوقف على العلم كالوكيل بالبيع إذا باعه الموكل. قال: وإذ مات الوكيل أو جن جنونا مطبقا بطلت الوكالة لأنه لا يصح أمره بعد جنونه وموته وإن لحق بدار الحرب مرتدا لم يجز له التصرف إلا أن يعود مسلما، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فأما عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تعود الوكالة، لمحمد: أن الوكالة إطلاق؛ لأنه رفع المانع أما الوكيل يتصرف بمعان قائمة به، وإنما عجز بعارض اللحاق لتباين الدارين، فإذا زال العجز والإطلاق باق عاد وكيلا، ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إثبات ولاية التنفيذ، لأن ولاية أصل التصرف بأهليته وولاية التنفيذ بالملك   [البناية] م: (لما ذكرنا أن بقاء الوكالة يعتمد قيام الآمر وقد بطل) ش: أي قيام الأمر م: (بالحجر) ش: في المأذون له م: (والعجز) ش: في المكاتب م: (والافتراق) ش: في الشريكين، م: (ولا فرق بين العلم) ش: أي علم الوكيل م: (وعدمه لأن هذا عزل حكمي) ش: أي عزل من طريق الحكم، م: (فلا يتوقف على العلم) ش: كالموت م: (كالوكيل بالبيع إذا باعه) ش: أي إذا باع المبيع الموكل حيث يصير الوكيل معزولا حكما لفوات محل تصرف الوكيل. م: (قال: وإذا مات الوكيل أو جن) ش: أي الوكيل م: (جنونا مطبقا بطلت الوكالة لأنه لا يصح أمره بعد جنونه وموته) ش: ولو جن ساعة ثم أفاق فهو على وكالته وجعل هذا كالنوم، كذا في " التتمة "، م: (وإن لحق) ش: أي الوكيل م: (بدار الحرب) ش: حال كونه م: (مرتدا لم يجز له التصرف إلا أن يعود) ش: من دار الحرب إلى دار الإسلام حال كونه م: (مسلما) ش:، وقال شيخ الإسلام في " مبسوطه " هذا إذا حكم القاضي بلحاقه، وإليه أشار في " مبسوط شمس الأئمة " لأنه لما قضى بلحاقه بعد موته. أو جعله من أهل دار الحرب فتبطل الوكالة، أما قبل القضاء باللحاق لا يخرج عن الوكالة باتفاقهم. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا) ش: أي جواز تصرف الوكيل عند عوده مسلما م: (عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فأما عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تعود الوكالة؛ ولمحمد: أن الوكالة إطلاق لأنه رفع المانع) ش: ومعناه أن الوكيل كان ممنوعا شرعا أن يتصرف في كل شيء لموكله فإذا وكله رفع المانع م: (أما الوكيل يتصرف بمعان قائمة به) ش: أي بالوكيل من الحرية والعقل والبلوغ. والقصد في ذلك التصرف، والكل قائم، وصحة التوكيل لحق الموكل وحقه قائم أيضا بعد لحاقه، م: (وإنما عجز بعارض اللحاق لتباين الدارين، فإذا زال العجز والإطلاق باق عاد وكيلا، ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه) ش: أي التوكيل م: (إثبات ولاية التنفيذ؛ لأن ولاية أصل التصرف بأهليته وولاية التنفيذ بالملك) ش: أي ولاية التنفيذ ملصق بالملك؛ لأن التمليك بلا ملك غير متحقق، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 309 وباللحاق لحق بالأموات، وبطلت الولاية، فلا تعود كملكه في أم الولد والمدبر، ولو عاد الموكل مسلما وقد لحق بدار الحرب مرتدا لا تعود الوكالة في الظاهر، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها تعود كما قال في الوكيل، والفرق له على الظاهر أن مبنى الوكالة في حق الموكل على الملك وقد زال، وفي حق الوكيل على معنى قائم به ولم يزل باللحاق. قال: ومن وكل آخر بشيء ثم تصرف بنفسه فيما وكل به بطلت الوكالة وهذا اللفظ ينتظم وجوها مثل أن يوكله بإعتاق عبده أو بكتابته، فأعتقه أو كاتبه الموكل بنفسه، أو يوكله بتزويج امرأة أو بشراء شيء   [البناية] فكان الوكيل مالكا للتنفيذ بالوكالة. م: (وباللحاق) ش: أي بدار الحرب م: (لحق بالأموات وبطلت الولاية، فلا تعود كملكه في أم الولد والمدبر) ش: يعني يعتق أم ولده ومدبره بالقضاء بلحاقه، وبعوده مسلما لا يعود ملكه، فيهما، ولا يرتفع العقد فكذا الوكالة التي بطلت لا تعود، م: (ولو عاد الموكل مسلما) ش: أي عاد بعد القضاء بلحاقه وبه صرح في " المبسوط " م: (وقد لحق) ش: أي والحال أنه قد لحق م: (بدار الحرب مرتدا لا تعود الوكالة في الظاهر) ش: أي في ظاهر الرواية. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها) ش: أي أن الوكالة م: (تعود كما قال في الوكيل) ش: أي كما قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الوكيل إذا عاد مسلما: تعود وكالته لأن الموكل إذا عاد مسلما عاد على ماله على قديم ملكه، وقد تعلقت الوكالة بقديم ملكه، فيعود الوكيل على وكالته كما لو وكل ببيع عبده ثم باعه الموكل بنفسه ورد عليه بعيب بقضاء القاضي عاد الوكيل على وكالته، م: (والفرق له على الظاهر) ش: أي الفرق لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ظاهر الرواية م: (أن مبنى الوكالة في حق الموكل على الملك وقد زال) ش: فبطلت الوكالة على البيان م: (وفي حق الوكيل على معنى قائم به) ش: أي بالوكيل م: (ولم يزل) ش: بضم الزاي، أي المعنى القائم به لم يزل م: (باللحاق) ش: بدار الحرب، ولكنه عجز عن التصرف بعارض على شرف الزوال، فإذا زال العارض صار كأن لم يكن. [تصرف بنفسه فيما وكل به الوكيل] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن وكل رجلا بشيء) ش: وفي بعض النسخ: ومن وكل آخر بشيء م: (ثم تصرف بنفسه فيما وكل به) ش: أي الذي وكل به، بأن باعه أو وهبه لأحد أو تصدق به م: (بطلت الوكالة) ش: انتهى كلام القدوري، وقال المصنف: م: (وهذا اللفظ) ش: من كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أي هذا اللفظ الذي قاله القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ينتظم وجوها) ش: أي يشمل وجوها كثيرة من المسائل، ثم أوضح ذلك بقوله: م: (مثل أن يوكله) ش: أي أو يوكل أحدا م: (بإعتاق عبده أو بكتابته) ش: أي: أو أن يكاتب عبده م: (فأعتقه) ش: أي الموكل أعتق عبده بنفسه م: (أو كاتبه الموكل بنفسه) ش: بطلت الوكالة م: (أو يوكله) ش: أي أو يوكل أحدا م: (بتزويج امرأة) ش: أي بأن يزوجه امرأة م: (أو بشراء شيء) ش: أي أو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 310 ففعله بنفسه، أو يوكله بطلاق امرأته فطلقها الزوج ثلاثا أو واحدة، وانقضت عدتها، أو بالخلع فخالعها بنفسه لأنه لما تصرف بنفسه تعذر على الوكيل التصرف فبطلت الوكالة، حتى لو تزوجها بنفسه وأبانها لم يكن للوكيل أن يزوجها منه؛ لأن الحاجة قد انقضت، بخلاف ما إذا تزوجها الوكيل وأبانها له أن يزوج الموكل لبقاء الحاجة، وكذا لو وكله ببيع عبده فباعه بنفسه، فلو رد عليه بعيب بقضاء قاض، فعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ليس للوكيل أن يبيعه مرة أخرى لأن بيعه بنفسه منع له من التصرف فصار كالعزل، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - له أن يبيعه مرة أخرى لأن الوكالة باقية؛ لأنه   [البناية] يوكله بشراء شيء م: (ففعله بنفسه) ش: أي فعله الموكل بنفسه بأن يزوجها بنفسه أو اشتراه بنفسه كان ذلك عزلا، حتى لو أباناها بعد الزواج لم يجز للوكيل أن يزوجها إياه، م: (أو يوكله) ش: أي يوكل أحدا م: (بطلاق امرأته فطلقها الزوج ثلاثا) ش: أي ثلاث طلقات م: (أو واحدة) ش: أي أو طلقها واحدة م: (وانقضت عدتها) ش: فليس للوكيل أن يطلقها بعد ذلك، لا في العدة ولا بعدها وإنما قيد بقوله " وانقضت عدتها " لأنه إذا طلقها بنفسه واحدة ولم تنقض عدتها، كان للوكيل أن يطلقها ما دامت في العدة. م: (أو بالخلع) ش: أي أو يوكله بأن يخالع امرأته م: (فخالعها) ش: أي الزوج م: (بنفسه لأنه) ش: أي لأن الموكل م: (لما تصرف بنفسه) ش: أي لما فعل الذي وكله فيه بنفسه م: (تعذر على الوكيل التصرف فبطلت الوكالة) ش: ثم بين نتيجة ذلك بقوله م: (حتى لو تزوجها بنفسه) ش: أي لو تزوج المرأة التي وكل الرجل بأن يزوجها إياه م: (وأبانها) ش: أي بعد التزوج بنفسه بالطلاق م: (لم يكن للوكيل أن يزوجها منه) ش: أي أن يزوج المرأة البائنة من الوكيل م: (لأن الحاجة قد انقضت) ش: أي لأن حاجته كانت في تزوجها وقد حصلت م: (بخلاف ما إذا تزوجها الوكيل) ش: أي المرأة التي وكل بتزويجها إياه وبعد أن تزوجها م: (وأبانها له) ش: أي للوكيل م: (أن يزوج الموكل) ش: الذي كان وكل لرجل بتزويجها إياه، حيث يجوز تزويجه إياها منه م: (لبقاء الحاجة) ش: أي حاجة الموكل فيها. م: (وكذا لو وكله ببيع عبده فباع بنفسه) ش: أي فباعه الموكل بطلت الوكالة، م: (فلو رد عليه) ش: أي فلو رده العبد م: (بعيب) ش: ظهر فيه على الموكل م: (بقضاء قاض) ش: قيد به لأنه لو رده بالتراضي بغير قضاء فليس للوكيل أن يبيعه من أخذه بالإجماع، م: (فعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه ليس للوكيل أن يبيعه) ش: أي هذا العبد م: (مرة أخرى لأن بيعه بنفسه) ش:، أي لأن بيع الموكل بنفسه العبد م: (منع له) ش: أي الوكيل م: (من التصرف فصار كالعزل) ش: صريحا. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له أن يبيعه مرة أخرى لأن الوكالة باقية لأنه) ش: أي لأن عقد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 311 إطلاق والعجز قد زال، بخلاف ما إذا وكله بالهبة فوهب بنفسه ثم رجع لم يكن للوكيل أن يهب ثانيا لأنه مختار في الرجوع فكان دليل عدم الحاجة، أما الرد بقضاء بغير اختياره فلم يكن دليل زوال الحاجة فإذا عاد إليه قديم ملكه كان له أن يبيعه والله أعلم.   [البناية] الوكالة أو لأن التوكل م: (إطلاق) ش: أي إطلاق للتصرف، ولم يوجد العزل صريحا وكان ممنوعا لعارض لعجزه عن ذلك م: (والعجز قد زال) ش: فلا يمنع الوكيل عن بيعه مرة أخرى م: (بخلاف ما إذا وكله) ش: وكل واحدا م: (بالهبة) ش: بأن يهب عبدا من فلان أو غيره من نحو ذلك م: (فوهب بنفسه) ش:، أي فوهب الموكل بنفسه م: (ثم رجع) ش: عن هبته م: (لم يكن للوكيل أن يهب ثانيا) ش: بعد ذلك م: (لأنه) ش: أي لأن الواهب م: (مختار في الرجوع فكان ذلك) ش: أي الرجوع من الواهب مختارا. م: (دليل عدم الحاجة) ش: أي إلى الهبة إذا لو كان محتاجا لما رجع، فكان دليلا على نقض الوكالة، م: (أما الرد بقضاء) ش: أي أما رد الهبة بقضاء القاضي م: (بغير اختياره) ش: أي اختيار الواهب م: (فلم يكن دليل زوال الحاجة، فإذا أعاد إليه قديم ملكه كان له) ش: أي للوكيل م: (أن يبيعه والله أعلم) ش: وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأصل ": وإذا وكل الرجل رجلا ببيع عبد له، ثم إن الموكل باع العبد، أو دبره، أو كاتبه، أو وهبه، أو تصدق به، أو رهنه، وقبض منه أو أجره، أو كاتب أمته فوطئها فولدت أو لم تلد، فإن ذلك كله نقض للوكالة، ما خلا الوطئ إذا لم تلد، وما خلا الإجارة والرهن، وكذلك الخدمة ليس تنقض الوكالة. وقال الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولو وكله أن يزوجه امرأة بينهما فأذن لها الزوج فمات عنها أو طلقها وانقضت العدة، ثم زوجها إياه الوكيل جاز لأنه أمره بإنكاحها إياه، وهو متصور بواسطة الموت وانقضاء العدة، فانصرف التوكيل إليه، وصار كأنه نص على إضافة التوكيل إلى تلك الحالة والوكالات مما لا يقبل التعليق والإضافة إلى زمان في المستقبل، والله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 312 كتاب الدعوى   [البناية] [كتاب الدعوى] [تعريف الدعوى وأركانها] م: (كتاب الدعوى) ش: أي هذا كتاب في بيان الأحكام المتعلقة بالدعوى، وهي في اللغة: اسم لادعاء الذي هو مصدر ادعى زيد على عمرو مالا، وبفتح الواو لا غير، كفتوى وفتاوى، وقيل: الدعوى لغة قول يقصد به إيجاب حق على الغير. وذكر شيخ الإسلام المحبوبي -: الدعوى لغة: إضافة الشيء إلى نفسه بأن قال: لي ذمته دعوة الولد. وذكرت في " شرحي الكنز " أن الدعوى فعلى من الدعاء وهو الطلب، والفعل منه ادعى يدعي وادعاء فهو مدع، والعين الذي يدعي مدع، ولا يقال مدعى فيه ولا به، وأصل دعا ادتعى، وأصل مدع مدتعي، قلبت التاء دالا وأدغمت الدال في الدال، والدعوة بفتح الدال الدعاء إلى الطعام وبكسرها في النسب، وبضمها في دار الحرب فافهم. وفي الشرع: الدعوى: إضافة الشيء إلى نفسه في حالة المنازعة، وقيل: هي مطالبة حق في مجلس من له الخلاص عند ثبوته، ولها ركن وشرط وحكم وسبب، أما ركنها هو معناها لغة، وهي إضافة الشيء إلى نفسه، لأن ركن الشيء ما يقوم به الشيء، والدعوى إنما تقوم بإضافة المدعي إلى نفسه فكان ركنا، وأما شرطها مجلس القضاء لأن الدعوى لا تصح في غير مجلس القاضي حتى لا يجب على المدعى عليه جواب المدعي، وأما حكمها: فوجوب الجواب على الخصم إما بنعم أو بلا، وأما سببها: فما هو السبب الذي ذكرناه في النكاح والبيوع!. وفي " المبسوط " وغيره: سبب فسادها شيئان، جهالة المدعي، وكونها لا تكون ملزما على الخصم وهي مشروعة بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة، أما الكتاب: قَوْله تَعَالَى في قصة داود - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 20] (سورة ص: الآية 20) وفسر علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بقوله: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» . وأما السنة: فما رواه عمرو بن شعيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبيه عن جده عن رسوله الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» ، وأما الإجماع: فقيل: انعقد إجماع الأمة عليها من لدن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا. ووجه المناسبة بين هذا الكتاب وبين كتاب الوكالة هو أن الوكالة كانت بالخصومة لأجل الدعوى. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 313 قال: المدعي من لا يجبر على الخصومة إذا تركها، والمدعى عليه من يجبر على الخصومة، ومعرفة الفرق بينهما من أهم ما يبتنى عليه مسائل الدعوى. وقد اختلفت عبارات المشايخ فيها، فمنها ما قال في الكتاب، وهو حد عام صحيح، وقيل: المدعي من لا يستحق إلا بحجة كالخارج، والمدعى عليه من يكون مستحقا بقوله من غير حجة كذي اليد، وقيل: المدعي من يتمسك بغير الظاهر، والمدعى عليه من يتمسك بالظاهر، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل: المدعى عليه هو المنكر وهذا صحيح، لكن الشأن في معرفته والترجيح بالفقه عند الحذاق من أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -؛ لأن الاعتبار للمعاني دون الصور،   [البناية] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " م: (المدعي من لا يجبر على الخصومة إذا تركها، والمدعى عليه من يجبر على الخصومة) ش: هذا الحد هو الذي اختاره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومعرفة الفرق بينهما) ش: أي بين المدعي والمدعى عليه م: (من أهم ما يبتنى عليه مسائل الدعوى) ش:، وذلك لأن الإنسان قد يكون مدعيا صورة، ومع ذلك القول قوله "مع يمينه "، كالمودع إذا ادعى رد الوديعة على ما ذكرنا في الكتاب. م: (وقد اختلفت عبارات المشايخ فيها،) ش: أي في الفرق بين المدعي والمدعى عليه م: (فمنها) ش: أي فمن جملة عبارات المشايخ م: (ما قال في الكتاب) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهو حد عام صحيح) ش: أما عمومه فلأنه يتناول كل حد من الحدود التي ذكرت في المدعي والمدعى عليه، وأما صحته فلأنه جامع مانع على ما لا يخفى، فلذلك اختاره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. م: (وقيل: المدعي من لا يستحق إلا بحجة) ش: يعني البينة والإقرار م: (كالخارج) ش: الذي يدعي عينا في يد رجل فإنه لا يستحق إلا بحجة، يعني البينة أو الإقرار م: (والمدعى عليه من يكون مستحقا بقوله من غير حجة كذي اليد) ش: أي كصاحب اليد فإنه لا يحتاج إلى بينته واستحقاقه بقوله هذا ملكي وأنا واضع اليد. وقال الأكمل: هو ليس بعام لعدم تناوله لصورة المودع إذا ادعى رد الوديعة، ولعله غير صحيح. م: (وقيل: المدعي من يتمسك بغير الظاهر) ش: إذ الظاهر أن الأملاك في يد المالك وبراءة الذمة م: (والمدعى عليه من يتمسك بالظاهر) ش: لأنه يدعي قرار يده وملكه على ظاهره، وهذا منقوض بالمودع فإنه مدعى عليه، وليس بتمسك بالظاهر، لأن رد الوديعة ليس بظاهر، لأن الفراغ ليس بأصل بعد الاشتغال؛ م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأصل ": المدعى عليه هو المنكر وهذا صحيح، لكن الشأن في معرفته) ش: أي في معرفة المنكر م: (والترجيح بالفقه) ش: يعني باعتبار المعنى دون الصورة م: (عند الحذاق من أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -؛ لأن الاعتبار للمعاني دون الصور) ش: بيانه إذا تعارضت الجهتان في صورة فالترجيح لأحدهما على الآخر يكون بالفقه كما ذكرنا، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 314 فإن المودع إذا قال: رددت الوديعة فالقول قوله مع اليمين ينكر، وإن كان مدعيا للرد صورة لأنه ينكر الضمان معنى. قال: ولا تقبل الدعوى حتى يذكر شيئا معلوما في جنسه وقدره لأن فائدة الدعوى الإلزام بواسطة إقامة الحجة والإلزام في المجهول لا يتحقق.   [البناية] ثم أوضح ذلك بقوله: م: (فإن المودع إذا قال: رددت الوديعة فالقول قوله مع اليمين ينكر، وإن كان مدعيا للرد صورة لأنه ينكر الضمان معنى) ش: فلو أقام على ذلك بينة قبلت، لأنه متمسك بالأصل إذ الأصل في الذمم البراءة، ويحلف القاضي أنه لا يلزمه رد ولا ضمان، ولا يحلفه على أنه رده لأن اليمين أبدا يكون على النفي، فلو أقام على بينة قبلت والقول قوله مع يمينه أيضا فكان مدعى عليه، فإذا أقام البينة اعتبر الصورة، وإذا عجز عنها اعتبر معناها فإنه ينكر الضمان والقول قول المنكر مع يمينه، فإن قيل: المودع بدعوى الرد يتمسك بما ليس بثابت وهو الرد، إذ الرد لم يكن ثابتا، والمودع متمسك بما هو ثابت، وهو عدم الرد، فإن كان ثابتا فينبغي أن يكون الأمر على العكس. قلت: المودع يدعي براءة ذمته عن الضمان معنى، وهو أصل المودع يدعي الشغل، ولم يكن ثابتا، ولهذا تقبل بينته اعتبارا للصورة، ويجبر على الخصومة، ويحلف اعتبارا للمعنى، فإن قيل: يشكل هذا بما إذا ادعى المديون رفع الدين إلى وكيل رب الدين، ثم حضر رب الدين وأنكر الوكالة فالقول له على ما مر في باب الوكالة، مع أن المديون يدعي البراءة؟. قلنا: المديون يدعي البراءة هنا بعد الشغل، فكان الشغل أصلا والبراءة عارضا، أما في رد الوديعة فالبراءة أصل والشغل عارض ما ذكرنا فالقول له. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا تقبل الدعوى حتى يذكر شيئا معلوما في جنسه وقدره) ش: قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (لأن فائدة الدعوى الإلزام) ش: أي إلزام الخصم م: (بواسطة إقامة الحجة) ش: أي بواسطة الحجة وهي البينة والإقرار م: (والإلزام في المجهول لا يتحقق) ش: لأن يلتفت القاضي إذا ادعى شيئا مجهولا، ولا يكلف المدعى عليه الجواب، لأنه إن أنكر لا يصح إقامة البينة عليها مع الجهالة، وإن نكل عن اليمين لا يمكن القضاء بالمجهول فسقطت الدعوى، فإذا كان كذلك اعتبرت الدعوى الصحيحة، وهي بأن يكون المدعي معلوما في جنسه كالدراهم والدنانير والحنطة وغير ذلك وقدره مثل كذا وكذا درهما أو دينارا، أو كرا ويذكر مع ذلك صفتها، كالحنطة البيضاء أو الحمراء، ويذكر أنها جيدة أو رديئة كذا في " الذخيرة ". وإذا كان المدعي مجهولا في نفسه لا تسمع ولا تعلم فيه خلافا إلا في الوصية؛ فإن الأئمة الثلاث يجوزون دعوى المجهول في الوصية بأن ادعى حقا من وصية أو إقرارا فإنهما يصحان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 315 فإن كان عينا في يد المدعى عليه كلف إحضارها ليشير إليها بالدعوى، وكذا في الشهادة والاستحلاف؛ لأن الإعلام بأقصى ما يمكن شرط، وذلك بالإشارة في المنقول لأن النقل ممكن، والإشارة أبلغ في التعريف، ويتعلق بالدعوى وجوب الحضور، وعلى هذا القضاة من آخرهم في كل عصر، ووجوب الجواب إذا حضر ليفيد حضوره ولزوم إحضار العين المدعاة لما قلنا، واليمين إذا أنكره وسنذكره إن شاء الله تعالى.   [البناية] بالمجهول، وتصح دعوى الإبراء بالمجهول بلا خلاف، ولا يشترط لسماع الدعوى المخالطة والمعاملة، ولا فرق فيه بين طبقات الناس، وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يسمع دعوى الذمي الزاني على الشريف إذا لم يعرف بينهما نسب. م: (فإن كان) ش: أي المدعي م: (عينا في يد المدعى عليه كلف إحضارها ليشير إليه) ش: المدعي م: (بالدعوى) ش: فيقول: هذا الذي أدعيه، لأن المنقول لا يحيط بالوصف فيجب إحضاره، فيجب العلم بأقصى ما يمكن، ويرتفع الاشتباه، لأن الإشارة أبلغ في التعريف، م: (وكذا في الشهادة) ش: أي المدعى عليه بإحضار المدعي ليشير إليه عند أداء الشهادة، وقالوا في المنقولات التي يتعذر نقلها كالرحى ونحوه: يحضر الحاكم عندها أو يبعث أمينا، وفي " المجتبى ": قال الأسبيجابي في مسألة سرقة البقرة: " لو اختلفا في ألوانها تقبل الشهادة عنده خلافا لهما". وهذه المسألة تدل على أن إحضار المنقول ليس بشرط لصحة الدعوى، إذ لو شرط ألوانها لأحضرت، ولما وقع الاختلاف عند المشاهدة، ثم قال: والناس عنها غافلون، م: (والاستحلاف) ش: يعني إذا استحلف المدعى عليه على العين المدعاة كلف إحضارها، م: (لأن الإعلام بأقصى ما يمكن شرط وذلك) ش: أي الإعلام م: (بالإشارة في المنقول لأن النقل ممكن والإشارة أبلغ في التعريف ويتعلق بالدعوى وجوب الحضور) ش: يعني يتعلق بالدعوى الصحيحة الحضور م: (وعلى هذا القضاة من آخرهم) ش: أي بأجمعهم، كذا قاله [في] " الكافي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الأكمل: من أولهم إلى آخرهم م: (في كل عصر) ش: أي من كل زمان من أزمنة الفقهاء والمجتهدين م: (ووجوب الجواب إذا حضر) ش: أو يتعلق بالدعوى أيضا وجوب الجواب على المدعى عليه بنعم أو بلا إذا حضر م: (ليفيد حضوره) ش: لأن المقصود من حضوره الجواب م: (ولزوم إحضار العين المدعاة) ش: أي ويتعلق بالدعوى أيضا وجوب إحضار العين المدعاة مجلس القاضي على المدعى عليه إذا كانت منقولة قائمة في يده م: (لما قلنا:) ش: أشار به إلى قوله: ليشير إليها بالدعوى م: (واليمين) ش: بالجر عطفا على إحضار العين أي يتعلق بالدعوى أيضا لزم اليمين على المدعى عليه م: (إذا أنكره) ش: الحق إذا لم يقدر المدعي على إقامة البينة، م: (وسنذكره إن شاء الله تعالى) ش: أي سنذكر وجوب اليمين على المدعى عليه في آخر هذا الباب، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 316 قال: وإن لم تكن حاضرة ذكر قيمتها ليصير المدعي معلوما لأن العين لا تعرف بالوصف والقيمة تعرف به وقد تعذر مشاهدة العين، وقال الفقيه أبو الليث: يشترط مع بيان القيمة ذكر الذكورة والأنوثة.   [البناية] م: (قال: وإن لم تكن) ش: أي العين المدعاة م: (حاضرة ذكر قيمتها ليصير المدعى معلوما) ش: وعدم حضور العين أعم من أن يكون لهلاكها أو للتعذر. وقال شمس الأئمة الحلواني -رحمه لله-: ومن المنقولات ما لا يمكن إحضاره عند القاضي كالصبرة من الطعام، والقطيع من الغنم، فالقاضي بالخيار إن شاء حضر ذا الموضع إن تيسر له، وإلا بعث خليفته إن كان مأذونا بالاستخلاف، وإذا رفعت الدعوى في جملة ولا يسع باب داره فإنه يخرج إلى باب داره أو يأمر نائبه حتى يخرج ليشير إليه الشهود لحضرته. وذكر الإمام القاضي ظهير الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا إنما يستقيم إذا كانت العين المدعاة في المصر، أما إذا كانت خارج المصر كيف يقضي القاضي به والمصر شرط جواز القضاء في ظاهر الرواية، لكن الطريق فيه أن يبعث واحدا من أعوانه حتى يسمع الدعوى والبينة ويقضي، ثم بعد ذلك يمضي قضاؤه. م: (لأن العين لا تعرف بالوصف) ش: لأنه ربما توجد أعيان كثيرة بهذا الوصف فلا يصير المدعى معلوما مع وجود المزاحم م: (والقيمة تعرف به) ش: أي بالوصف لأنه إذا قيل: عشرة دراهم من الفضة وكذا دينارا من الذهب، الركن يصير قيمته معلومة بهذا الوصف. قال تاج الشريعة: وقال الأكمل - رحمهما الله-: وإذا لم تكن حاضرة لزمه ذكر قيمتها يعني إذا وقع الدعوى في عين غائبة لا يدري مكانها لزم المدعي ذكر قيمتها، فيصير المدعى معلوما، وذكر الوصف بكاف لأن العين لا تعرف الوصف وإن بويع فيه لإمكان المشاركة فيه فذكره في تعريفه غير مفيد، والقيمة شيء يعرف به المعين فبذكرها يكون مفيدا، وقوله: م: (وقد تعذرت مشاهدة العين) ش: جملة حالية بمن قوله لأن العين لا تعرف بالوصف، يعني والحال أن المشاهدة تعذرت، وأغلاق تركيبه لا يخفى انتهى. قلت: لا إغلاق في تركيبه على ما لا يخفى، بل التحقيق على ما ذكره تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومثله قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله -: وقد تعذرت مشاهدة العين الوصف والقيمة في الغائب مقام المشاهدة، م: (وقال الفقيه أبو الليث: يشترط مع بيان القيمة ذكر الذكورة والأنوثة) ش:، وقال محمد بن محمود الأستروشني في " فصوله ": وإذا ادعى قيمة دابة مستهلكة هل يحتاج إلى ذكر الأنوثة والذكورة؟، اختلف المشايخ فيه، وذكر الصدر الشهيد: لا بد من ذكر الأنوثة والذكورة، ولا بد من بيان السن، ومن المشايخ من أبى ذكر الذكورة والأنوثة، لأن المقصود في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 317 قال: وإن ادعى عقارا وحدده وذكر أنه في يد المدعى عليه وأنه يطالبه به لأنه تعذر التعريف بالإشارة لتعذر النقل فيصار إلى التحديد، فإن العقار يعرف به ويذكر الحدود الأربعة، ويذكر أسماء أصحاب الحدود وأنسابهم ولا بد من ذكر الحد؛ لأن تمام التعريف به عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما عرف هو الصحيح ولو كان الرجل مشهورا يكتفى بذكره، فإن ذكر ثلاثة من الحدود يكتفى بها عندنا خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لوجود الأكثر، بخلاف ما إذا غلط في الرابعة؛ لأنه يختلف به المدعي ولا كذلك بتركها، وكما يشترط التحديد في الدعوى يشترط في الشهادة وقوله في الكتاب، وذكر أنه   [البناية] دعوى الدابة المستهلكة القيمة فلا حاجة إلى ذكرهما. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": م: (وإن ادعى عقارا وحدده) ش: أي ذكر حدوده م: (وذكر أنه في يد المدعى عليه وأنه يطالبه به) ش: أي وأن المدعي يطالب المدعى عليه بالمدعى م: (لأنه تعذر التعريف بالإشارة لتعذر النقل فيصار إلى التحديد، فإن العقار يعرف به) ش: أي بالتحديد م: (ويذكر الحدود الأربعة ويذكر أسماء أصحاب الحدود وأنسابهم) ش: ويذكر أصحاب حدود العقار، ويذكر أنساب أصحاب الحدود بأن يقال: فلان بن فلان بن فلان م: (ولا بد من ذكر الجد لأن تمام التعريف به عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي يذكر الجد م: (على ما عرف هو الصحيح) ش: احترز به عما روي عنهما أن ذكر الأب يكفي م: (ولو كان الرجل مشهورا) ش: كأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد بن الحسن، وابن أبي ليلى، وأبي جعفر الكبير البخاري - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - جميعا - م: (يكتفي بذكره) ش: أي بذكر الرجل بدون نسبته. م: (فإن ذكر ثلاثة من الحدود يكتفى بها عندنا خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هو يقول: التعريف لم يتم بدون ذكره وقوله م: (لوجود الأكثر) ش:، دليلنا أن إقامة الأكثر مقام الكل أصل في الشرع، ثم مقدار الطول يعرف بالحدين، ومقدار العرض بذكر أحد الحدين، وقد يكون الأصل مثليه م: (بخلاف ما إذا غلط في الرابعة) ش: يعني إذا ذكر الحدود الثلاثة وسكت عن الرابعة جاز، أي عن الحد الرابع وإنما أنثه باعتبار الجهة وإنما قلنا: " وسكت عن الرابعة " لأنه إذا ذكر الرابع وغلط فيه لا يجوز باتفاق بيننا وبين زفر. م: (لأنه يختلف به) ش: أي بالغلط م: (المدعي ولا كذلك بتركها) ش: أي بترك الرابعة، كما لو شهد شاهدان بالبيع وقبض الثمن، وتركا ذكر الثمن جاز، ولو غلطا في الثمن لا تجوز شهادتهم، لأنه صار عقد آخر بالغلط م: (وكما يشترط التحديد في الدعوى يشترط في الشهادة) ش: حتى لو ذكروا ثلاثة في الحدود في الشهادة قبلت شهادتهم خلافا لزفر كما مر. م: (وقوله في الكتاب) ش: أي قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": م: (وذكر أنه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 318 في يد المدعى عليه لا بد منه؛ لأنه إنما ينتصب خصما إذا كان في يده وفي العقار لا يكتفى بذكر المدعي وتصديق المدعى عليه أنه في يده بل لا تثبت اليد فيه إلا بالبينة أو علم القاضي هو الصحيح نفيا لتهمة المواضعة إذ العقار عساه في يد غيرهما، بخلاف المنقول لأن اليد فيه مشاهدة، وقوله أنه يطالبه به؛ لأن المطالبة حقه فلا بد من طلبه،   [البناية] في يد المدعى عليه لا بد منه لأنه) ش: أي لأن المدعى عليه م: (إنما ينتصب خصما) ش: دعواه، في " الخلاصة " ادعى على آخر دارا في يده، وقال: في ملكي وفي يدي، وأنكر المدعى عليه أنها ملك المدعي، فإن القاضي لا يقضي بهذه البينة ما لم يشهدوا أنها في يد المدعى عليه، وفي " أدب القاضي " للخصاف: لو أقام أحدهما البينة أنها في يديه وقام الآخر البينة على أنها له فهو لصاحب الملك دون صاحب اليد. قال مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: نصفه على وجه القضاء، ونصفه على وجه الترك، كان الكلام فيما م: (إذا كان في يده) ش: والظاهر أن كله وجه القضاء، وقال الأسبيجابي في " شرح الكافي " للحاكم الشهيد: وإذا كانت الدار في يدي رجلين، كل واحد منهما يدعي أنها له، فكل واحد منهما مدعى لما في يد صاحبه وعليه البينة. ولكل واحد منهما على صاحبه اليمين فأيهما حلف على دعوى صاحبه برئ عنها، وأيهما نكل عن اليمين ألزمته ثمنه صاحبه، لأن يد كل واحد منهما ثابتة على النصف، فكان خارجا فيما في يد صاحبه، فتكون البينة بينة على ما في يد الآخر، واليمين يمين على صاحبه، وكذلك الحيوان والعروض، م: (وفي العقار لا يكتفي بذكر المدعي وتصديق المدعى عليه أنه في يده، بل لا تثبت اليد فيه) ش: أي في العقار م: (إلا بالبينة) ش: بأن يشهدوا أنهم عاينوا أنه في يده، حتى لو قالوا: سمعنا ذلك لم يقبل وكذا في غير هذه الصورة لا بد في الشهادة على اليد من ذلك، م: (أو علم القاضي) ش: بأنه في يده م: (وهو الصحيح) ش: احترز به عن قول من يقول: يكتفي بتصديق المدعى عليه أنه في يده. م: (نفيا لتهمة المواضعة إذ العقار عساه) ش: أي لعله م: (في يد غيرهما) ش: الحاصل: أنه يحتمل أنهما تواصفا على أن يصدق المدعى عليه المدعي بأن العقار في يد المدعى عليه ليحكم القاضي باليد للمدعى عليه، حتى يتصرف فيه المدعي، فكان القضاء فيه قضاء بالتصرف في مال الغير، وذلك يقضي إلى نقض القضاء عند ظهوره في يد ثالث، م: (بخلاف المنقول لأن اليد فيه مشاهدة) ش: فلا حاجة إلى اشتراط الزيادة. م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (إنه يطالبه به لأن المطالبة حقه فلا بد من طلبه) ش: أي لأن المطالبة حق المدعي فلا بد من طلبه حتى تجب على القاضي إعانته، وقال الجزء: 9 ¦ الصفحة: 319 ولأنه يحتمل أن يكون مرهونا في يده أو محبوسا بالثمن في يده وبالمطالبة يزول هذا الاحتمال، وعن هذا قالوا في المنقول: يجب أن يقول في يده بغير حق. قال: وإن كان حقا في الذمة ذكر أنه يطالبه به لما قلنا، وهذا لأن صاحب الذمة قد حضر فلم يبق إلا المطالبة، لكن لا بد من تعريفه بالوصف لأنه يعرف به.   [البناية] الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: في عبارته تسامح، لأنه إلى تقدير فلا بد من طلب المطالبة فتأمل، ثم قال: ويمكن أن يجاب عنه بأن المطالبة مصدر بمعنى المفعول فكان معناه المطالب حقه فلا بد من طلبه، انتهى. قلت: إنما قال " فيه تسامح " لأنه توهم من ذلك أن الضمير في طلبه يرجع إلى حقه كما يدل عليه تقديره، ولأن المطالبة حقه فلا بد من طلب حقه فوقع فيما وقع فيه، وإنما الضمير في" طلبه " يرجع إلى المدعي. والمعنى أصح، على أن في قوله " ولأن المطالبة " مصدر بمعنى المفعول في كلام يتأمل فيه، م: (ولأنه) ش: أي ولأن المدعي م: (يحتمل أن يكون مرهونا في يده) ش: أي ولأن المدعي يحتمل أن يكون مرهونا في يده أي في يد المدعى عليه م: (ومحبوسا بالثمن في يده) ش: فلا تصح الدعوى قبل أداء الدين أو أداء الثمن، م: (وبالمطالبة يزول هذا الاحتمال) ش: لأنه لو كان مرهونا أو محبوسا بالثمن، لا يطالب بالانقطاع من ذي اليد بخلاف مجرد الدعوى أنه ملكه، إذ مجرد الملك لا يدل على أن اليد له م: (وعن هذا قالوا في المنقول) ش: إشارة إلى قوله: يحتمل أن يكون مرهونا أو محبوسا بالثمن لم يطالب م: (يجب أن يقول: في يده بغير حق) ش: لهذا المعنى الذي ذكر وهو احتمال كونه مرهونا أو محبوسا بالثمن، وفي " الفتاوى الصغرى " و" التتمة ": أنه إذا ملك المدعي ولم يشهد أنه في هذا بغير حق، يعني أنه يقبل؛ وسمعت أنه ذكر شمس الأئمة الحلواني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع ": أنه اختلف المشايخ فيه، قال: والأوضح أنه لا يقبل؛ وذكر نجم الدين النسفي عن أبي الحسن السعدي والبزدوي: أنه شرط ما لم يثبت أنه في يده بغير حق لا يمكنه المطالبة بالتسليم، وبه كان يفتي أكثر مشايخنا، وقال صاحب " التتمة ": وهو الصحيح وعليه الفتوى. م: (قال) ش: القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " م: (وإن كان حقا في الذمة ذكر أنه يطالبه به لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله: إن المطالبة حقه فلا بد من طلبه م: (وهذا) ش: يعني قوله: أن يطالبه م: (لأن صاحب الذمة قد حضر فلم يبق إلا المطالبة ولكن لا بد من تعريفه) ش: أي تعريف ما في الذمة م: (بالوصف) ش: مثل أن يقول: - كذا درهما أو دينارا - فبعد ذلك إن كان مضروبا بذكر نوعه كبخاري الضرب أو نيسابوري الضرب، م: (لأنه يعرف به) ش: أي لأن ما في الذمة يعرف بالوصف بأنه جيد أو وسط أو رديء، وإنما يحتاج إلى ذكر الصفة إذا كان في البلد نقود مختلفة، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 320 قال: وإذا صحت الدعوى سأل القاضي المدعى عليه عنها لينكشف له وجه الحكم فإن اعترف قضى عليه بها لإن الإقرار موجب بنفسه فيأمره بالخروج عنه، وإن أنكر سئل المدعي البينة لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ألك بينة "؟ فقال: لا، فقال: " لك يمينه» سأل ورتب اليمين على فقد البينة فلا بد من السؤال ليمكنه الاستحلاف. قال: فإن أحضرها قضى بها لانتفاء التهمة عنها   [البناية] أما إذا كان نقدا واحدا فلا يحتاج. ولو كان في البلد نقود مختلفة والكل في الرواج سواء، والأفضل للمبعض على البعض المبيع ويعطي المشتري البائع أي نقد شاء، إلا أن في الدعوى لا بد من تعيين أحدهما، وإن كان أحدهما أروج يصير ذلك [ ... ] في البيع والدعوى، فلا حاجة إلى البيان، وإن كانت الدعوى لسبب القرض أو استهلاكه فلا بد من بيان صفته على كل حال. [إقرار المدعى عليه بصحة الدعوى وما يترتب عليه] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا صحت الدعوى سأل القاضي المدعى عليه عنها) ش: أي عن الدعوى م: (لينكشف له وجه الحكم) ش: لأن الأشياء التي تنقطع بها المنازعة الإقرار والبينة واليمين، م: (فإن اعترف قضى عليه بها) ش: أي يقضي القاضي على المدعى عليه بالدعوى ولفظ القضاء هنا مجاز للزومه، فإقراره فلا حاجة إلى القضاء، م: (لأن الإقرار موجب بنفسه) ش: فلا يتوقف على القضاء، وإذا كان كذلك م: (فيأمره بالخروج عنه) ش: موجب إقراره. م: (وإن أنكر) ش: أي المدعى عليه م: (سئل المدعي البينة لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألك بينة؟ فقال: لا، فقال: لك يمينه» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن وائل بن حجر قال: «جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال الحضرمي: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي، وقال الكندي: هي أرض في يدي أزرعها، ليس له فيها حق، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - للحضرمي: " ألك بينة "؟ قال: لا، قال: " فلك يمينه "، قال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه وليس يتورع عن شيء، فقال: " ليس لك منه إلا ذلك "، فانطلق ليحلف فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أما الذي حلف على مال يأكله ظلما ليلقين الله تعالى وهو عنه غير راض ".» م: (سأل) ش: أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المدعي والمدعى عليه م: (ورتب اليمين على فقد البينة فلا بد من السؤال) ش: عن البينة أولا م: (ليمكنه الاستحلاف) ش: أي فيمكن القاضي طلب اليمين من المدعى عليه، م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن أحضرها) ش: أي فإن أحضر المدعي البينة على وفق دعواه م: (قضى بها) ش: أي قضى القاضي بالبينة م: (لانتفاء التهمة عنها) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 321 وإن عجز عن ذلك وطلب يمين خصمه استحلفه عليها لما روينا، ولا بد من طلبه لأن اليمين حقه، ألا ترى أنه كيف أضيف إليه بحرف اللام فلا بد من طلبه.   [البناية] ش: أي عن الدعوى لرجحان جانب المصدق في خبر المدعي بالبينة، م: (وإن عجز عن ذلك) ش: أي وإن عجز المدعي عن الإثبات بالبينة، م: (وطلب يمين خصمه) ش: وهو المدعى عليه م: (استحلفه عليها) ش: أي على دعواه م: (لما روينا) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " لك يمينه " م: (ولا بد من طلبه) ش: أي من طلب المدعي استحلاف خصمه، م: (لأن اليمين حقه) ش: ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أنه كيف أضيف إليه؟) ش: أي كيف أضيف اليمين إلى المدعي؟، إنما ذكر أضيف وإن كان مسندا إلى ضمير اليمين التي هي مؤنثة على تأويل القسم أو الحلف م: (بحرف اللام فلا بد من طلبه) ش: أي لام الاختصاص، ففي قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " فلك يمينه "، نعلم أن اليمين حقه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 322 باب اليمين وإذا قال المدعي: لي بينة حاضرة وطلب اليمين لم يستحلف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - معناه حاضرة في المصر، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يستحلف، لأن اليمين حقه بالحديث المعروف فإذا طالبه به يجيبه ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن ثبوت الحق في اليمين مرتب على العجز عن إقامة البينة لما روينا، فلا يكون حقه دونه كما إذا كانت البينة حاضرة في المجلس ومحمد مع أبي يوسف - رحمهما الله - فيما ذكره الخصاف، ومع أبي حنيفة فيما ذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] [باب اليمين] [قال المدعي لي بينة حاضرة وطلب اليمين] م: (باب اليمين) ش: أي هذا باب في بيان أحكام اليمين، قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما كان يحتاج هنا إلى الفصل بالباب، بل كان ينبغي أن يسوق الكلام متواليا، لأنه لما ذكر صحة الدعوى ترتب عليها الحكم بالإقرار والبينة واليمين، قلت: الذي رتبه المصنف هو الأصل لأنه لما كانت اليمين مشروعة بعد فقد البينة تعين ذكرها بعدها بأحكامها وشرائطها. قال: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا قال المدعي: لي بينة حاضرة وطلب اليمين لم يستحلف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (معناه) ش: أي معنى قول القدوري: م: (حاضرة في المصر) ش: واحترز به عن البينة الحاضرة في مجلس الحكم فحينئذ لا يجوز الحكم باليمين بالإجماع، وإن طلب الخصم واحترز به أيضا عما إذا كانت البينة غائبة عن المصر، فحينئذ يستحلف بالاتفاق. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يستحلف؛ لأن اليمين حقه بالحديث المعروف) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " لك يمينه "، وقد مر عن قريب، م: (فإذا طالبه) ش: أي فإذا طالب المدعي المدعى عليه باليمين م: (يجيبه) ش: أي يجيب القاضي المدعي ويستحلف المدعى عليه م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن ثبوت الحق في اليمين مرتب على العجز عن إقامة البينة لما روينا) ش: إشارة إلى قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ألك بينة؟ " فقال: لا، قال: "لك يمينه» . فإنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رتب اليمين على فقد البينة، م: (فلا يكون حقه دونه) ش: أي لا تكون اليمين حق المدعي دون العجز عن البينة، يعني لا تكون ولاية الاستحلال دون العجز عن إقامة البينة، م: (كما إذا كانت البينة حاضرة في المجلس) ش: أي في مجلس القاضي حيث لا يجوز الاستحلاف، م: (ومحمد مع أبي يوسف - رحمهما الله - فيما ذكر الخصاف، ومع أبي حنيفة فيما ذكره الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وأنكر الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على المصنف في جعل محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما ذكره الخصاف، فقال: لأن الخصاف لم يذكر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 323 قال: ولا ترد اليمين على المدعي لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» قسم، والقسمة تنافي الشركة وجعل جنس الأيمان على المنكرين وليس وراء الجنس شيء   [البناية] الخلاف في "أدب القاضي" إلا بين أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-، ولم يذكر لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قولًا. وكذلك فعل أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "شرح أدب القاضي" للخصاف، ولم يذكر قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أصلًا، وكذا قال الإمام أبو محمد الناصحي النيسابوري في "تهذيب أدب القاضي" للخصاف، فقال: ولم يذكر الخصاف قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثم قال: وذكر أبو علي بن موسى: إن قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما روى عبد الرحمن البزدي وغيره من أصحاب محمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وأنكر الأترازي أيضًا عليه في جعل محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما ذكره الطحاوي، ثم قال: لأن الطحاوي ذكر هذه المسألة في "مختصره" وذكر الخلاف بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثم قال: ولم نجد هذه الرواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأنكر الرواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أصلًا ومع هذا كيف يدعي صاحب " الهداية " أن محمدا مع أبي حنيفة - رحمهما الله- فيما ذكره الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؟، قلت: لا وجه لهذا الإنكار، لأن عدم وقوف الطحاوي على أن محمدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة لا يستلزم عدم وقوف غيره من المصنف وغيره. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا ترد اليمين على المدعي) ش:، وقال مالك والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية: ترد، وقول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الظاهر كقولنا، م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «البينة على المدعي، واليمين على من أنكر» ش: الحديث أخرجه البيهقي في "سننه" عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر» . وروى محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» وجه الاستدلال به هو: ما قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: م: (قسم) ش: أي قسم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين الخصمين، فجعل البينة على المدعي واليمين على من أنكر، م: (والقسمة تنافي الشركة وجعل) ش: أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (جنس الأيمان على المنكرين وليس وراء الجنس شيء) ش: بيانه: أنه ذكر اليمين محلى بالألف واللام وأنه للجنس إذا لم يكن ثمة معهود. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 324 وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قال: ولا تقبل بينة صاحب اليد في الملك المطلق   [البناية] ويقال: جعل البينة حجة جنس المدعين، واليمين حجة جنس المنكرين، فتكون جميع الأيمان على المنكرين فمن رد اليمين على المدعي لم يجعل جميعها على المنكرين، فيكون ذلك نسخًا للحديث المشهور، ولأنه عمل به الأئمة، وأنه لا يجوز بخبر الواحد ولا بالقياس، م: (وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: قد ذكرنا رد حجته ومن معه في مسألة القضاء بشاهد ويمين. روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى بيمين وشاهد» والجواب عنه من وجهين، أحدهما: أنه معلول بالانقطاع لأن فيه عمرو بن دينار عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقال الترمذي في "علله الكبير": إن هذا الحديث قاله عمرو بن دينار ولم يسمعه من ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال ابن القطان في كتابه: والحديث وإن كان مسلمًا أخرجه عن قيس بن سعد وعمرو بن دينار، عن ابن عباس، ولكنه يروى بالانقطاع، وقال الطحاوي: وقيس بن سعد لا نعلمه إلا بحديث عمرو بن دينار. الوجه الثاني: أن هذا على صحته لا يفيد العموم. قال الإمام فخر الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قول الصحابي: نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كذا، وقضى بكذا لا يفيد العموم، لأن الحجة في المحكي عنه لا في الحكاية، والمحكي قد يكون خاصًا وأيضًا فالقضاء له.. قد وجد البياض في السختين .... ، أقر بها إلا في هذا الموضع فعل الخصومات، وهذا مما يتعين به الخصومات، إذ لا يأتى فيه الحكم يعمل من شاهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى قيام الساعة، بل إنما يقتضي شاهد خاص. فإن قلت: روى سهل بن أبي حثمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القسامة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للأنصار: "تبرئكم يهود بخمسين يمينًا" فقالوا: كيف نقبل أيمان قوم كفار؟، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتحلفون وتستحقون» . فهذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل الأيمان على المدعين بعد أن جعلها على المدعى عليهم فعلم أن رد اليمين جائز، والجواب: أنه لا دليل فيه لخصم، لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال ذلك على سبيل الإنكار عليهم، بدليل أن اليمين عند المخالف لا ترد على المدعي إلا بعد أن يمتنع المدعى عليه، واليهود لم يمتنعوا من اليمين، وإنما قالت الأنصار: لا نرضى بأيمانهم، فدل على أن الكلام خرج على وجه الإنكار. [بينة صاحب اليد في الملك المطلق] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا تقبل بينة صاحب اليد في الملك المطلق) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 325 وبينة الخارج أولى، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويقضي ببينة ذي اليد لاعتضادها باليد، فيتقوى الظهور وصار كالنتاج والنكاح ودعوى الملك مع الإعتاق والاستيلاء والتدبير. ولنا: أن بينة الخارج أكثر إثباتا أو إظهارا   [البناية] ش: وأراد بالمطلق أن يدعي الملك من غير أن يتعرض للسبب، بأن يقول "هذا ملكي" ولم يقل ملكه بسبب الشراء والإرث ونحو ذلك، لأن المطلق ما يتعرض الذات دون الصفات لا بالنفي ولا بالإثبات، فلذلك قيد به احترازًا عن الملك المقيد بدعوى النتاج، وبسبب لا يتكرر، وعن ماذا ادعيا الملك من واحد وأحدهما قابض؟، وعن ماذا ادعيا الشراء من اثنين وتارخ أحدهما أسبق؟، فإن هذه الصورة تقبل بينة ذي اليد بالإجماع. فإن قلت: أما انتقض مقتضى القسمة حيث قبلت بينة ذي اليد وهو مدعى عليه؟ قلت: نعم، لأن قبولها من حيث ما ادعى من زيادة النتاج، والقبض، وسبق التاريخ، فهو من تلك الجهة مدعى عليه، والبينة للمدعي. فإن قلت: فهل تجب على الخارج اليمين لكونه إذ ذاك مدعى عليه، قلت: لا، لأن اليمين إنما تجب عند عجز المدعي عن البينة، وهاهنا لم يعجز، وإذا تعارضت بينة الخارج وذي اليد في ملك المطلق فبينة الخارج أولى لعدم زيادة يصير بهما ذو اليد مدعيًا. م: (وبينة الخارج أولى) ش: إن أقاما بينة م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقضي ببينة ذي اليد) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والقاضي منه من أصحاب أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كقولنا م: (لاعتضادها باليد) ش: أي لتقوية البينة باليد، إذ اليد دليل الملك م: (فيتقوى الظهور) ش: لأن بينة الخارج أكثر إثباتًا م: (وصار) ش: أي وصار حكم ذي اليد بالقضاء بينة م: (كالنكاح) ش: بأن ادعى نكاح امرأة وهي في يد أحدهما يقضي لصاحب اليد بالإجماع م: (والنتاج) ش: بأن أقاما بينة على نتاج دابة وهي في يد أحدهما يقضي لصاحب اليد. م: (ودعوى الملك مع الإعتاق) ش: بأن ادعى عبدًا في يد رجل وأقام بينة أنه عبده وأعتقه وأقام ذو اليد بينة أنه أعتقه وهو يملكه فبينة ذي اليد أولى، م: (والاستيلاء) ش: بأن أدعى أنها أمته استولدها وهي في يد أحدهما فبينة ذي اليد أولى، م: (والتدبير ولنا: أن بينة الخارج أكثر إثباتًا) ش: بأن ادعيا أنه عبده ومدبره فبينة ذي اليد أولى في كل وجه، وبينة ذي اليد لا تثبت الملك من كل وجه، بل من وجه، لأن اليد دليل الملك، ولهذا لو رأى عينًا في يد إنسان يتصرف فيها تصرف الملاك جاز لمن رأى أن يشهد بالملك له م: (أو إظهارًا) ش: يعني في الواقع، فإن بينته تظهر ما كان ثابتًا في الواقع. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 326 ؛ لأن قدر ما أثبتته اليد لا يثبته ببينة ذي اليد إذ اليد دليل مطلق الملك بخلاف النتاج لأن اليد لا تدل عليه، وكذا على الإعتاق وأختيه، وعلى الولاء الثابت بها. قال وإذا نكل المدعى عليه عن اليمين قضى عليه بالنكول وألزمه ما ادعى عليه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقضي به بل يرد اليمين على المدعي، فإذا حلف يقضي به   [البناية] م: (لأن قدر ما أثبتته اليد لا يثبته ببينة ذي اليد، إذ اليد دليل مطلق الملك) ش: فبينته لا تثبت لئلا يلزم تحصيل الحاصل بخلاف بينة الخارج فإنها تثبت الملك وتظهره، وما هو أكثر إثباتًا، من البينات فهو أولى لتوفر ما شرعت البينات لأجله فيه، فإن قيل: بينة الخارج تزيل ما أثبته ذو اليد من الملك فبينة ذي اليد تفيد الملك، ولا يلزم تحصيل الحاصل، أجيب بأنها ليست موجبة بنفسها حتى يزيل ما ثبت باليد، وإنما تصير موجبة عند اتصال القضاء بها، فقبله يكون الملك ثابتا للمدعى عليه، وإثبات الثابت لا يتصور، فلا يكون بينة مثبتة بل مؤكدة لملك ثابت والتأسيس أولى من التأكيد. م: (بخلاف النتاج، لأن اليد لا تدل عليه) ش: فكانت البينة مثبتة لا مؤكدة، فكان كل واحد من البينتين للإثبات فترجح إحداهما باليد، م: (وكذا على الإعتاق وأختيه) ش: أي وكذا اليد لا تدل على أختي الإعتاق، وهما التدبير والاستيلاد فتعارضه بينة الخارج، وذي اليد ثم ترجحت بينة ذي اليد م: (وعلى الولاء الثابت بها) ش: أي بالإعتاق والاستيلاد والتدبير ومعناه: أن البينتين في الإعتاق وأختيه يدلان على الولاء، إذ العتق حاصل للعبد بتصادقهما، وهما استويا في ذلك، وترجح صاحب اليد بحكم يده، ثم يستوي الجواب بين أن يكون الخارج مسلما أو ذميا، أو عبدًا أو حرا أو امرأة أو رجلا، والمدعى عليه كذلك والمدعي به كذلك أي مال كان. [نكل المدعى عليه عن اليمين] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا نكل المدعى عليه عن اليمين قضي عليه بالنكول) ش: أي قضي القاضي على المدعى عليه بالنكول م: (وألزمه ما ادعى عليه) ش: أي ألزم القاضي المدعى عليه بما ادعى عليه المدعي، وفي بعض النسخ: ولزمه، م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقضي به) ش: أي بالنكول م: (بل ترد اليمين على المدعي، فإذا حلف يقضي به) ش: أي إذا حلف المدعي يقضي له بما يدعيه. وفي " التفريع " للمالكية: وإذا ادعى على رجل دعواه لم يحلف له بمجرد دعواه حتى يثبت أن بينهما خلطة، فإذا ثبت ذلك حلف المدعى عليه وبرئ، فإن نكل عن اليمين لم يحكم عليه بمجرد النكول، وحلف المدعي على ما ادعاه واستحق ما ادعاه بيمينه ونكول خصمه، فإن لم يحلف لم يحكم له بشيء، انتهى. وروي عن أحمد أنه قال: إذا نكل المدعى عليه حبسته أبدا حتى يحلف فيبرأ، أو يقر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 327 لأن النكول يحتمل التورع عن اليمين الكاذبة والترفع عن الصادقة واشتباه الحال فلا ينتصب حجة مع الاحتمال ويمين المدعي دليل الظهور فيصار إليه. ولنا: أن النكول دل على كونه باذلا أو مقرا، إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين إقامة للواجب ودفعا للضرر عن نفسه فترجح هذا الجانب، ولا وجه لرد اليمين على المدعي لما قدمناه. قال: وينبغي للقاضي أن يقول له إني أعرض عليك اليمين ثلاثا، فإن حلفت وإلا قضيت عليك بما ادعاه، وهذا الإنذار لإعلامه بالحكم، إذ هو موضع الخفاء،   [البناية] فيحكم عليه، وبقولنا قال سفيان بن سعيد الثوري، م: (لأن النكول يحتمل التورع عن اليمين الكاذبة والترفع عن الصادقة) ش: أي عن اليمين الصادقة م: (واشتباه الحال) ش: يعني ويحتمل أن يكون الحال مشتبهة عليه، لا يدري أصادق في الإنكار فيحلف، أو كاذب فيمتنع، م: (فلا ينتصب) ش: أي يمين المدعي عليه م: (حجة مع الاحتمال، ويمين المدعي دليل الظهور) ش: لما كانت يمين المدعي عليه، وينكر له، وبنكوله صار الظاهر شاهدا للمدعي، فإذا كان كذلك م: (فيصار إليه) ش: أي إلى المدعي. م: (ولنا أن النكول) ش: أي نكول المدعى عليه م: (دل على كونه باذلا) ش: أي كان النكول بذلا كما هو مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (أو مقرا) ش: أي كان إقرار كما هو مذهبهما م: (إذ لولا ذلك) ش: أي لولا أن اليمين بذل أو إقرار م: (لأقدم على اليمين الصادقة إقامة للواجب) ش: لأن اليمين واجبة عليه، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «واليمين على من أنكر» وكلمة " على " للوجوب م: (ودفعا للضرر عن نفسه) ش: وهو بذل المال م: (فترجح هذا الجانب) ش: أي جانب كون الناكل باذلا ومقرا على الوجه المحتمل، وهو كونه متورعا، أو نحو ذلك. م: (ولا وجه لرد اليمين على المدعي لما قدمناه) ش: إشارة إلى قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» وفي " المبسوط " و " الأسرار ": مذهبنا مؤيد بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - على ذلك، فإن قيل: كيف يكون إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وقد روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه حلف المدعي بعد نكول المنكر؟ . قلت: وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في المنكر طلب منه رد اليمين إلى المدعي فقال: ليس لك عليه سبيل، وقضى بالنكول بين يدي علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقال له علي: قالون، بلغة الروم، أي: أصبت. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وينبغي للقاضي أن يقول له) ش: أي للمدعى عليه م: (إني أعرض عليك اليمين ثلاثا، فإن حلفت وإلا فقضيت عليك بما ادعاه) ش: أي المدعي م: (وهذا الإنذار لإعلامه بالحكم، إذ هو موضع الخفاء) ش: أي الحكم بالنكول موضع الخفاء لأنه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 328 قال: فإذا كرر العرض عليه ثلاث مرات قضى عليه بالنكول وهذا التكرار ذكره الخصاف لزيادة الاحتياط والمبالغة في إبلاء العذر، وأما المذهب إنه لو قضى بالنكول بعد العرض مرة جاز لما قدمناه هو الصحيح، والأول أولى، ثم النكول قد يكون حقيقيا كقوله - لا أحلف - وقد يكون حكميا بأن يسكت، وحكمه حكم الأول إذا علم أنه لا آفة به من طرش أو خرس هو الصحيح.   [البناية] مجتهد فيه، ولعدم دلالة النص على ذلك فيجوز أن يلتبس عليه ما يلزمه النكول. م: (قال: فإذا كرر العرض عليه ثلاث مرات قضى عليه بالنكول، وهذا التكرار ذكره الخصاف) ش: لأن التكرار ليس بشرط على ما ذكره في الأصل، بل إذا قضى بالنكول مرة جاز، وإنما ذكره الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لزيادة الاحتياط والمبالغة في إبلاء العذر) ش: فصار كإمهال المرتد ثلاثة أيام م: (وأما المذهب فإنه لو قضى بالنكول بعد العرض مرة جاز لما قدمناه) ش: إشارة إلى ما ذكر إذ النكول دل على كونه باذلا أو مقرا، كذا قاله الأترازي، والكاكي، والأكمل - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال تاج الشريعة: قوله: م: (لما قدمنا) ش: يعني أنه لولا كونه كاذبا لأقدم على اليمين إقامته للجواب م: (هو الصحيح) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: احتراز عن قول الخصاف فإنه يشترط التكرار، وقال الأكمل: احتراز عما قيل - لو قضى بالنكول مرة واحدة لا ينفذ وهذا هو الأوجه، م: (والأول أولى) ش: أي ما ذكره الخصاف أولى، كما في الإمهال للمرتد، فإن قتل بلا إمهال جاز. وفي " الكافي ": والتقدير بالثلاث في العرض لازم في المروي عن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -، وبه قال أحمد والجمهور- رحم الله الجميع - على أنه للاحتياط، وبه قال مالك والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (ثم النكول قد يكون حقيقيا كقوله: لا أحلف، وقد يكون حكميا بأن يسكت وحكمه) ش: أي حكم السكوت م: (حكم الأول) ش: وبه قال الثلاثة م: (إذا علم أنه لا آفة به من طرش) ش: بفتح الراء من يطرش طرشا، من باب علم، أي صار أطروشا، وهو الأصم، والطرش أهون من الصمم م: (أو خرس) ش: بفتح الراء، وهو آفة باللسان تمنع الكلام أصلا م: (هو الصحيح) ش: أشار به إلى اختلاف الروايات فيما إذا سكت المدعى عليه بعد عرض اليمين عليه ولم يقل - لا أحلف. فقال بعض أصحابنا: إذا سكت المدعى عليه سأل القاضي: هل به خرس أو طرش؟ فإذا قالوا: لا، جعله ناكلا، وقضى عليه، ومنهم من قال: يحبس حتى يجيب، والأول هو الصحيح، كذا في " شرح الأقطع "، وفي " الفصول ": لو كان استحلاف عند غير القاضي كان المدعي على دعواه، لأن المعتبر يمين قاطعة للخصومة، واليمين عند القاضي قاطعة لها. ولو قال المدعي: إن حلف المدعى عليه فأنا بريء، أو قال: فدعواه باطلة لا تبطل دعواه، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 329 قال: وإذا كانت الدعوى نكاحا لم يستحلف المنكر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولا يستحلف عنده في النكاح والرجعة والفيء في الإيلاء والرق والاستيلاد والنسب والولاء والحدود واللعان،   [البناية] حتى لو أقام بينة بعد يمين الخصم تقبل بينته، وفي " المبسوط ": بعض القضاء من السلف لا يسمع البينة بعد يمين الخصم، ولسنا نأخذ بذلك، وإنما نأخذ فيه بقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فإنه جوز قبول بينة المدعي بعد حلف المدعى عليه، وبه قالت الثلاثة. وفي " النوازل ": لو ادعى دواعي متفرقة لا يحلفه القاضي على كل شيء لملكه جمعها في يمين واحدة، وفي " التتمة ": لو ادعى دينًا في التركة وصلت في يد هذا يحلف بالله وحده، بالله ما وصل إليه شيء من التركة ولا يعلم أن له دينًا على أبيه، وقيل: يحلف يمينين على الوصول على البتات، وعلى الدين على العلم، وبه قال عامة المشايخ، وأجمعوا: أن المدعي بعد إقامة البينة يحلف أنه ما استوفاه ولا أبرأه، وإن لم يدع الخصم ولا يعلم فيه خلاف. [ادعى رجل على امرأة أنه تزوجها وأنكرت المرأة وبالعكس] م: (وقال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن كانت الدعوى نكاحًا لم يستحلف المنكر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ادعى رجل على امرأة أنه تزوجها وأنكرت المرأة وبالعكس، فلا استحلاف فيه عنده. م: (ولا يستحلف عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في النكاح) ش: سواء كان الرجل مدعيًا أو المرأة , م: (والرجعة) ش: أي ولا يستحلف أيضًا في الرجعة، بأن ادعى الزوج بعد انقضاء العدة أنه كان راجعًا في العدة، وهي تجحد أو ادعت هي كذلك وهو يجحد، م: (والفيء في الإيلاء) ش: أي ولا يستحلف في الفيء في الإيلاء أيضًا، بأن ادعى بعد مضي هذه الإيلاء أنه فاء إليها في المدة وهي تجحد، أو ادعت المرأة كذلك وهو يجحد م: (والرق) ش: أي ولا يستحلف أيضًا في الرق بأن ادعى على مجهول النسب أنه عبده أو ادعى مجهول النسب، م: (والاستيلاد) ش: بأن ادعت الأمة على مولاها أنها ولدت منه وأنكر المولى، ولا يتصور العكس من قبله عليها، لأن الاستيلاد يثبت بإقراره. م: (والنسب) ش: أي ولا يستحلف في الولاء أيضًا بأن ادعى على معروف النسب أنه معتقه أو بالعكس م: (والولاء) ش: أي ولا يستحلف أيضًا في النسب، بأن ادعى الوالد على الولد وأنكر الآخر م: (والحدود واللعان) ش: أي ولا يستحلف أيضًا فيهما. أما الدعوى في الحد بأن قال رجل لآخر: لي عليك حد قذف وهو ينكر لا يستحلف بالإجماع، لأنه يندرأ بالشبهات، إلا إذا تضمن حقًا بأن علق عتق عبد بالزنا، وقال: إن زنيت فأنت حر، وادعى العبد: أني زنيت، ولا بينة له عليه يستخلف المولى حتى إذا نكل ثبت العتق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 330 وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله- يستحلف في ذلك كله إلا في الحدود واللعان. وصورة الاستيلاد: أن تقول الجارية: أنا أم ولد لمولاي وهذا ابني منه وأنكر المولى؛ لأنه لو ادعى المولى ثبت الاستيلاد بإقراره، ولا يلتفت إلى إنكارها، لهما أن النكول إقرار، لأنه يدل على كونه كاذبا في الإنكار على ما قدمناه، إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين الصادقة إقامة للواجب، فكان إقرارا أو بدلا عنه.   [البناية] دون الزنا، كذا ذكره الصدر الشهيد في " أدب القاضي ". وقال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح كتاب الاستحلاف " وقد قالوا إنه يستحلف في التعزير لأنه في حكم الأموال، وهذا يصح فيه العفو والإبراء، وقال القدوري فيه أيضًا: قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإذا تعلق بهذه الأشياء استحقاق مال استحلف القاضي في المال وإن كان لا يستحلف في سببه كالمرأة إذا ادعت النكاح والمهر، والرجل إذا ادعى النسب والنفقة. أما الدعوى في اللعن بأن ادعت المرأة على زوجها أنه قذفها قذفًا يوجب اللعان وأنكر الزوج لا يستحلف بالإجماع، فإنه في معنى الحد. م: (وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله-: يستحلف في ذلك كله إلا في الحدود واللعان) ش: فلا يستحلف فيهما بالإجماع كما ذكرنا، وبقولهما قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لكن عنده: يجري في حد القذف والقصاص، ولا يجري في الحدود الخالصة. وقال مالك وأحمد - رحمهما الله-: لا يجري التحالف إلا فيما لا يثبت إلا بشاهدين، وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يجري في القصاص وحد القذف والطلاق، والعتاق م: (وصورة الاستيلاد: أن تقول الجارية: أنا أم ولد مولاي وهذا ابني منه، وأنكر المولى؛ لأنه لو ادعى المولى ثبت الاستيلاد بإقراره، ولا يلتفت إلى إنكارها) ش:، وإنما ذكر صورة الاستيلاد فقط لأن في الباقي من صور التنازع فيه الدعوى في الجانبين سوى هذه الصورة، وقد مر الكلام فيه م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله- م: (أن النكول إقرار لأنه يدل على كونه كاذبًا في الإنكار) ش: السابق م: (على ما قدمناه) ش: يعني قوله: م: (إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين إقامة للواجب) ش: ودفعًا للضرر عن نفسه. م: (فكان) ش: أي النكول م: (إقرارًا أو بدلًا) ش: بفتح الدال المهملة، أي خلفًا م: (عنه) ش: أي عن الإقرار، هذا في الحقيقة جواب عن شبه، ترد على كون النكول إقرار عندهما. أحدها: ما لو اشترى نصف عبد ثم اشترى النصف الثاني، ثم وجد به عيبًا فخاصمه في النصف الأول فنكل، ولو كان النكول إقرارًا لزمه النصف بنكوله في المرة الأولى، كما لو أقر في تلك المرة، وأجيب: بأن النكول ليس بإقرار في نفسه، ولكن يجعل مقام الإقرار خلفًا عنه لقطع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 331 والإقرار يجري في هذه الأشياء لكنه إقرار فيه شبهة، والحدود تندرئ بالشبهات، واللعان في معنى الحد، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أنه بذل لأن معه لا يبقى اليمين واجبة لحصول المقصود وإنزاله باذلا أولى كي لا يصير كاذبا في الإنكار، والبذل لا يجري في هذه الأشياء،   [البناية] الخصومة، فيقوم النكول مقام الإقرار بقدر الحاجة إلى دفع الخصومة، فكان كالإقرار في المرة الأولى لا في الثانية. الشبهة الثانية: الوكيل بالبيع إذا ادعى عليه عيب في المبيع فنكل فإنه يلزم الموكل، ولو جعل إقرارًا للزم الوكيل كما في الإقرار به، وأجيب: بأنه وإن كان الإقرار فهو أمر لزمه بسبب البيع، بحيث لا اختيار أمر الموكل أدخله فعليه خلاصه، أما إذا أقر فهو شيء لزمه باختيار الإقرار، فإنه كان ينقضي في عهدة الدعوى بالسكوت أو النكول فيلزمه الضمان، ولا يرجع به على الموكل. الشبهة الثالثة: هي ما إذا كفل بما وجب على فلان، فادعى المكفول له مالًا على فلان فنكل فلان لا تقضى بالمال على الكفيل، ولو كان المنكول إقرارًا لقضي به على الكفيل كما لو أقر، وأجيب: أن أبا يوسف ومحمدًا - رحمهما الله- يقولان: إن النكول يدل على الإقرار في قطع الخصومة، لأنه يكون إقرار حقيقة، ولهذا لا يثبت المدعي بنفس النكول بخلاف الإقرار، كذا في " المبسوط " وغيره. وذكر الأكمل هذه الشبهة بقوله "وعليه تفرض إجمالية" م: (والإقرار يجري في هذه الأشياء) ش: المذكورة م: (لكنه إقرار فيه شبهة) ش: هذا جواب من يقول "لو كان النكول إقرارًا ينبغي أن يجب الحد "، فأجاب بقوله: فإنه إقرار فيه شبهة، م: (والحدود تندرئ بالشبهات، واللعان في معنى الحد) ش: لأنه قائم مقام القذف في حق الزوج، وقائم مقام حد الزنا في حق المرأة، وقد مر ذلك في اللعان. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أنه) ش: أي أن النكول م: (بذل) ش: وإباحة وهذه الحقوق لا يجري فيها البذل والإباحة، فلا يقضى فيها بالنكول، كالقصاص في النفس وعليها الأموال م: (لأن معه) ش: أي مع البذل م: (لا يبقى اليمين واجبة لحصول المقصود) ش: ولا تبقى لليمين فائدة، وتحقيق الكلام هاهنا: أن النكول وإن كان بدلًا لكنه يحتمل أن يكون كذبًا م: (وإنزاله باذلا أولى) ش: حملًا لحاله على الصلاح م: (كي لا يصير كاذبا في الإنكار) ش: السابق لأنه كان أنكر أولًا فلا يظن بينكم الكذب فجعل بذلًا. م: (والبذل لا يجري في هذه الأشياء) ش: أي الأشياء المذكورة التي لا يستحلف فيها، فإذا كان كذلك لا يقضي فيها بالنكول، فإنه إذا قال مثلًا: أنا حر وهذا الرجل يؤويني فدفعت إليه نفسي أن يسترقني، أو قال: أنا ابن فلان، ولكن أحب أن يدعي نسبي، أو قالت: أنا لست الجزء: 9 ¦ الصفحة: 332 وفائدة الاستحلاف القضاء بالنكول فلا يستحلف، إلا أن هذا بذل لدفع الخصومة فيملكه المكاتب، والعبد المأذون بمنزلة الضيافة اليسيرة، وصحته في الدين بناء على زعم المدعي وهو ما يقبضه حقا لنفسه، والبذل معناه هاهنا ترك المنع، وأمر المال هين. قال: ويستحلف السارق، فإن نكل ضمن ولم يقطع   [البناية] بامرأته، لكن دفعت إليه نفسي وأبحت له الإمساك لا يصح، م: (وفائدة الاستحلاف القضاء بالنكول) ش: يعني أن البذل فيها لا يجري وفات فائدة الاستحلاف، لأن فائدة القضاء بالنكول، والنكول بذل والبذل فيها لا يجري. م: (فلا يستحلف) ش: فيها لعدم الفائدة م: (إلا أن هذا بذل لدفع الخصومة) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر وهو أن يقال: إن النكول لو كان بدلًا ينبغي أن لا يملكه المكاتب والمأذون لأنهما لا يملكون البذل، فأجاب بقوله: م: (فيملكه المكاتب والعبد المأذون) ش: له يحتمل م: (بمنزلة الضيافة اليسيرة) ش: وتقدير الجواب: أنهما ملكاه باعتبار ما فيه من دفع الخصومة في حق المدعي، وإن كان لا يملك أنه بانفراده كالضيافة منهما لأنها من توابع التجارة، م: (وصحته في الدين) ش: أي صحة القضاء بالنكول م: (بناء على زعم المدعي) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقريره بأن يقال: لو كان النكول بدلًا لم يصح القضاء بالنكول في الدين، لأن البذل لا يتحقق فيه، لأن الدين وصف ثابت في الذمة، والبذل لا يجري فيه. وتقرير الجواب: أن صحة البذل في الدين بناء على زعم المدعي م: (وهو ما يقبضه حقًا لنفسه) ش: تقرير هذا: أن البذل لم يصح في الدين فيما يكون من جهة القابض، ومن جهة الدافع، فإن كان الأول فلا مانع لأنه يقبضه حقًا لنفسه بناءًا على زعمه وإن كان الثاني وهو قوله: م: (والبذل معناه هاهنا) ش: أي في الدين م: (ترك المنع) ش: وجاز له أن يترك المنع م: (وأمر المال هين) ش: جواب عما يقال: فهلا جعل أيضًا في الأشياء، والسبعة المذكورة تركًا للمنع، فأجاب: بأن أمر المال هين أي سهل، لأنه خلق في الأصل مباحًا مبذولًا لمصالح الناس، ولم يصح في الأشياء السبعة، لأن أمرها ليس بهين. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ويستحلف السارق) ش: يعني إذا كان مراد المسروق منه المال يستحلف بالله ما له عليك هذا المال، لأنه يثبت بالشبهات، فجاز أن يثبت بالنكول. م: (فإن نكل ضمن ولم يقطع) ش: ولا خلاف فيه، وقال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "شرح كتاب الاستحلاف": قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يستحلف شيء من الحدود، لا في الزنا، ولا في السرقة، ولا في القذف، ولا شرب الخمر، ولا السكر، إلا أنه طالب المسروق منه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 333 لأن المنوط بفعله شيئان الضمان ويعمل فيه المنكول، والقطع ولا يثبت به فصار كما إذا شهد عليه رجل وامرأتان. قال: وإذا ادعت المرأة طلاقا قبل الدخول، استحلف الزوج فإن نكل ضمن نصف المهر في قولهم جميعا، لأن الاستحلاف يجري في الطلاق عندهم، لا سيما إذا كان المقصود هو المال، وكذا في النكاح إذا ادعت هي الصداق لأن ذلك دعوى المال، ثم يثبت المال بنكوله ولا يثبت النكاح، وكذا في النسب، إذا ادعى حقا كالإرث، والحجر في اللقيط   [البناية] ضمان المال، استحلف، فإن نكل عن اليمين ضمنه المال ولم يقطع، هـ م: (لأن المنوط بفعله) ش: أي لأن المتعلق بفعل السارق م: (شيئان) ش: أحدهما: م: (الضمان) ش: أي ضمان المال م: (ويعمل فيه المنكول) ش: يعني يثبت بالنكول لأنه يجري فيه البذل، ويثبت بها فيه شبهة، م: (والقطع) ش: والثاني: القطع. م: (ولا يثبت به) ش: أي ولا يثبت القطع بالنكول لأنه لا يجري البذل بالنكول، لأنه لا يجري البذل في الحدود، ولا يثبت بما فيه شبهة الإقرار م: (فصار) ش: حكم هذا م: (كما إذا شهد عليه) ش: أي على السرقة م: (رجل وامرأتان) ش: حيث يثبت المال فلا يثبت القطع. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا ادعت امرأة طلاقًا قبل الدخول) ش: وفائدة تعيين صورة المسألة في الطلاق قبل طلاق الدخول حتى يعلمهم أن الدعوى في كل المهر أو نصفه سواء كان دعوى المهر في ضمن أو بدونه هذا، قاله الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الأكمل: فيه نظر، لأن الطلاق يغني عن ذلك، وليس فيه توهم التقيد بذلك م: (استحلف الزوج، فإن نكل ضمن نصف المهر في قولهم جميعًا؛ لأن الاستحلاف يجري في الطلاق عندهم، لا سيما إذا كان المقصود هو المال، وكذا في النكاح) ش: أي وكذا يجري الاستحلاف إذا كان دعوى المال في النكاح، وهو معنى قوله م: (إذا ادعت هي الصداق، لأن ذلك دعوى المال، ثم يثبت المال بنكوله ولا يثبت النكاح) ش: في النكاح. فإن قلت: وجب أن يثبت النكاح أيضًا لأنه يثبت بالشبهات؟. قلت: البذل لا يجري فيه كما ذكرنا. م: (وكذا) ش: أي وكذا يستحلف م: (في النسب إذا ادعى حقًا كالإرث) ش: بأن ادعى رجل على رجل آخر أنه أخ المدعى عليه، مات أبوهما وترك مالا في يد المدعى عليه، أو طلب من القاضي فرض النفقة على المدعى عليه بسبب الأخوة فإنه يستحلف على النسب، فإن حلف برئ، وإن نكل يقضى بالمال والنفقة دون النسب م: (والحجر في اللقيط) ش: أي وكذا إذا ادعى الحجر في اللقيط إن كان صبيا لا يعبر عن نفسه في يده ملتقط، فادعت إخوته امرأة تريد قصر يد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 334 والنفقة، وامتناع الرجوع في الهبة لأن المقصود هذه الحقوق، وإنما يستحلف في النسب المجرد عندهما، إذا كان يثبت بإقراره، كالأب والابن في حق الرجل، والأب في حق المرأة؛ لأن في دعواها الابن تحميل النسب على الغير والمولى والزوج في حقهما.   [البناية] الملتقط لحق حضانتها، وأرادت استحلافه فنكل، ثبت لها الحجر دون النسب. م: (والنفقة) ش: بأن ادعى النفقة بسبب الإخوة وهو زمن، فأنكر المدعى عليه الأخوة يستحلف بالإجماع، فإن حلف برئ وإن نكل يقضى بالبينة بالنفقة، ولا يقضى بالنسب م: (وامتناع الرجوع في الهبة) ش: أي وكذا يستحلف في امتناع الرجوع في الهبة، صورته أن الواهب أراد الرجوع فقال الموهوب له: أنا أخوك فلا رجوع لك، فالواهب يستحلف، فإن نكل ثبت الامتناع من الرجوع ولا يثبت النسب. م: (لأن المقصود هذه الحقوق) ش: هذا دليل " المجموع "، أي لأن المقصود في الصور المذكورة إثبات المال، فعند النكول يثبت المال ولا يثبت النسب، لأن فيه تحميل له على الغير، وهو لا يجوز، م: (وإنما يستحلف في النسب المجرد) ش: قيد به احترازًا عما هو مقرون بدعوى المال، فإنه يثبت المال ولا يثبت النسب م: (عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله-، م: (إذا كان يثبت بإقراره) ش: المدعى عليه، فإن النكول عندهما إقرار. بيان ذلك في قوله: م: (كالأب والابن في حق الرجل) ش: فإن إقراره يصح بالأب والابن م: (والأب في حق المرأة) ش: كما إذا ادعت أنه أبوها م: (لأن في دعواها الابن) ش: أي في إقرارها به م: (تحميل النسب على الغير) ش: فلا يجوز، حاصله: أنه يصح إقرار المرأة بأربعة بالوالدين، والزوج والمولى، ولا يصح بالولد لما قلنا. وإقرار الرجل يصح بخمسة: بالوالدين، والولد، والزوجة والمولى، لأنه أقر بما يلزمه، وليس فيه تحميل النسب على الغير، ولا يصح إقراره بما سواهم م: (والمولى والزوج في حقهما) ش: أي في حق الرجل والمرأة، وهو متعلق بقوله: والمولى والزوج جميعًا، لأن إقرار الرجل والمرأة جميعًا بالمولى والزوج يصح. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مبسوطه": الأصل في هذا الباب أن المدعى عليه النسب إذا أنكر هل يستحلف، إن كان بحيث لو أقر به لا يصح إقراره عليه فاستحلف عندهم جميعًا، لأن اليمين لا تفيد، فإن فائدة اليمين النكول، حتى يجعل النكول بدلًا وإقرارًا فيقضى عليه لو أقر فإنه لا يستحلف عندهم جميعًا إن كان المدعى عليه حيث لو أقر به لزمه ما أقر به، وإذا أنكر هل يستحلف على ذلك؟، فالمسألة على الاختلاف، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يستحلف، وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله-: يستحلف، فإن حلف الجزء: 9 ¦ الصفحة: 335 قال: ومن ادعى قصاصا على غيره فجحده استحلف بالإجماع، ثم إن نكل عن اليمين فيما دون النفس يلزمه القصاص، وإن نكل في النفس حبس حتى يحلف أو يقر وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لزمه الأرش فيهما، لأن النكول إقرار فيه شبهة عندهما، فلا يثبت به القصاص ويجب به المال خصوصا إذا كان امتناع القصاص لمعنى من جهة من عليه، كما إذا أقر بالخطأ والولي يدعي العمد، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال فيجري فيها البذل بخلاف الأنفس، فإنه لو قال: أقطع يدي، فقطعها لا يجب الضمان، وهذا إعمال للبذل، إلا أنه لا يباح   [البناية] برئ عن الدعوى وإن نكل عن اليمين لزمته الدعوى، فعلى هذا الأصل يخرج مسائل الباب. [ادعى قصاصا على غيره فجحده] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره": م: (ومن ادعى قصاصًا على غيره فجحده استحلف بالإجماع) ش: ولا خلاف فيه م: (ثم إن نكل عن اليمين فيما دون النفس لزمه القصاص) ش: عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه قال القاضي ومالك - رحمهما الله- بعد حلف المدعي، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، م: (وإن نكل في النفس حبس حتى يحلف أو يقر، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي الذي ذكر من النكول فيما دون النفس، والنكول في النفس. م: (وقالا:) ش: أي أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله-: م: (لزمه الأرش فيهما) ش: أي يلزمه المال في النفس والطرف جميعًا، وهذا الاختلاف فرع اختلافهم في معنى النكول، فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو في معنى البذل، وعندهما في مضي إقرار فيه شبهة، لأنه لم يصرح بالإقرار، وهو معنى قوله: م: (لأن النكول إقرار فيه شبهة) ش: أي شبهة البدلية، أو شبهة الإقرار، لأن النكول إقرار فيه شبهة الإنكار م: (عندهما فلا يثبت به القصاص ويجب به المال خصوصًا إذا كان امتناع القصاص لمعنى من جهة من عليه) ش: قيد به لأنه لو كان امتناعه من جهة من له القصاص لا يجب القصاص، ولا المال أيضًا، كما إذا أقام مدعي القصاص رجلا أو امرأتين أو الشهادة على الشهادة، حيث لا يقضى بشيء، فامتنع القصاص، قوله فلا يجب المال ونظائره بقوله: م: (كما إذا أقر بالخطأ والولي يدعي العمد) ش: يجب المال وبعكسه لا يجب. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال) ش: لأنها خلقت وقاية النفس، كالأموال فإذا كانت كذلك فيجب، أي فيه البذل، كما في الأموال م: (بخلاف الأنفس) ش: حيث لا يجري البذل فيها، وأوضح ذلك بقوله م: (فإنه لو قال) ش: أي فإن أحدًا لو قال لآخر: م: (اقطع يدي فقطعها لا يجب عليه الضمان، وهذا) ش: أي عدم الضمان م: (إعمال للبذل) ش: وهو بذل مقيد لكونه دافعًا للخصومة م: (إلا أنه لا يباح) ش: جواب إشكال، وهو أن يقال لو كانت الأطراف الأموال، ينبغي أن يباح القطع بالبذل، كما يباح المال بالبذل، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 336 لعدم الفائدة، وهذا البذل مفيد لاندفاع الخصومة، فصار كقطع اليد للآكلة وقلع السن للوجع وإذا امتنع القصاص في النفس، واليمين حق مستحق عليه يحبس به كما في القسامة. قال: وإذا قال المدعي: لي بينة حاضرة قيل لخصمه: أعطه كفيلا بنفسك ثلاثة أيام، كي لا يغيب نفسه فيضيع حقه والكفالة بالنفس جائزة عندنا، وقد مر من قبل، وأخذ الكفيل بمجرد الدعوى استحسان عندنا؛ لأن فيه نظرا للمدعي وليس فيه كثير ضرر بالمدعى عليه، وهذا لأن الحضور مستحق عليه بمجرد الدعوى حتى يعدى عليه   [البناية] فأجاب: بأنه لا يباع القطع م: (لعدم الفائدة) ش: أي كما إذا قال له الغير، احرق ثوبي، أو أتلف مالي لا يباح لعدم الفائدة. م: (وهذا البذل مفيد لاندفاع الخصومة) ش: أي بهذا البذل م: (فصار مقطع اليد للآكلة) ش: على وزن الفاعلة، وهي قرحة غائرة في البدن ينحر العفن، وسببها دم فاسد عفن يستحيل إلى السواد، وأول علاجها استنزاع الخط السوداوي، م: (وقلع السن للوجع) ش: عطف على قوله: "تقطع اليد للآكلة" فإن القطع هاهنا مفيد، فلو قطعه لا يجب عليه شيء بخلاف القطع السرقة، فإن القطع فيها خالص حق الله تعالى، فلا يثبت حق الشبهة. م: (وإذا امتنع القصاص في النفس) ش: لكونه حق الله تعالى خالصًا، ولا يجري البذل في حقوقه م: (واليمين حق مستحق عليه يحبس به) ش: أي بحق اليمين، قاله الكاكي، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بالحق المستحق م: (كما في القسامة) ش: فإنهم إذا نكلوا عن اليمين يحسبون حتى يقروا أو يحلفوا. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا قال المدعي: لي بينة حاضرة، قيل لخصمه: أعطه كفيلًا بنفسك ثلاثة أيام كي لا يغيب نفسه فيضيع حقه) ش: أي حق المدعي، وقد اختلف السلف في أخذ الكفيل. وروى قتادة والشعبي: أنه لا يجوز، وروي عن إبراهيم النخعي: أنه يجوز م: (والكفالة بالنفس جائزة عندنا) ش: وهذا استحسان كما يجيء وبه أخذ علماؤنا، والقياس: أنه لا يجوز كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه مجرد الدعوى ليس سبب الاستحقاق م: (وقد مر من قبل) ش: أي في أول كتاب الكفالة، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجوز الكفالة بالنفس م: (وأخذ الكفيل بمجرد الدعوى استحسان عندنا) ش: قيد به، لأن في القياس أن لا يؤخذ كفيل قبل إقامة البينة، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لأن فيه) ش: أي في أخذ الكفيل م: (نظرًا للمدعي وليس فيه كثير ضرر بالمدعى عليه لأن الحضور مستحق) ش: أي على المدعي م: (عليه بمجرد الدعوى حتى يعدى عليه) ش: بلفظ المجهول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 337 ويحال بينه وبين أشغاله، فصح التكفيل بإحضاره، والتقدير بثلاثة أيام مروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الصحيح، ولا فرق في الظاهر بين الخامل والوجيه، والحقير من المال والخطير، ثم لا بد من قوله لي بينة حاضرة للتكفيل ومعناه في المصر، حتى لو قال المدعي لا بينة لي أو شهودي غيب   [البناية] في الإعداد، يقال: استعدي فلان الأمير علي في ظلمه، أن استعان به، فأعداه الأمير أن أعانه عليه ونصره. وفي " المبسوط ": الأشخاص إلى بابه يثبت بمجرد الدعوى لما فيه من النظر له، وليس في التكفيل كثير ضرر بالمدعى عليه، لأنه إن لم يكن من فعل الاختفاء لا يتضرر به، وإن كان من قصد الاختفاء يكون ظالمًا فلا ينظر له. م: (ويحال) ش: على صيغة المجهول بالنصب، عطفًا على قوله: حتى يعدى عليه، وهي من الحيلولة م: (بينه) ش: أي بين المدعى عليه م: (وبين أشغاله، فصح التكفيل بإحضاره) ش: وفي بعض النسخ: فتصح التكفيل م: (والتقدير بثلاثة أيام مروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الصحيح) ش: واحترز به عما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يؤخذ الكفيل إلى المجلس م: (ولا فرق في الظاهر) ش: أي في ظاهر الرواية م: (بين الخامل) ش: بالخاء المعجمة. من خمل الرجل خمولًا إذا كان ساقط القدر م: (والوجيه) ش: وهو الذي له وجاهته وقدره بين الناس. وروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان الرجل معروفًا، الظاهر من حاله أنه لا يخفى شخصه بذلك القدر من المال فإنه لا يجبر على إعطاء الكفيل، ولكنه أعطى بنفسه كفيلًا مختارًا يؤخذ منه، وإن لم يعطه لا يجبره القاضي على ذلك، م: (والخطير من المال) ش: أي ولا فرق أيضًا بين الخطير وهو الذي له كثرة، م: (والحقير) ش: أي بين الحقير الذي ليس له قدر في الاتصاف بالمالية. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان المال حقيرًا لا يخفي المرء نفسه بذلك القدر من المال لا يجبر ولكنه إن أعطى من غير جبر يقبل وإلا فلا، ولو ادعى أنه معسر فإن القاضي يحكم فيه الزي إلا إذا كان المرء من العلماء أو من المعادية لأنهم يتكلفون في لبساهم مع فقرهم، فأما في حق الغير بحكم الزي، وإن كان زي الفقر كان القول قوله: وإن كان عليه زي الأغنياء لا يكون القول قوله، وتحكيم الثياب والزي جائز، قال الله تعالى: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ} [يوسف: 26] الآيتين (يوسف: الآيتين 26، 27) ، فعلم أن تحكيم العلامة جائز. م: (ثم لا بد من قوله: لي بينة حاضرة للتكفيل ومعناه في المصر، حتى لو قال المدعي لا بينة لي أو شهودي غيب) ش: أي لو قال: شهودي غيب، بفتحتين على التخفيف، وهو جمع غائبة، مثل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 338 لا يكفل لعدم الفائدة. قال: فإن فعل وإلا أمر بملازمته كيلا يذهب حقه، إلا أن يكون غريبا فيلازم مقدار مجلس القاضي، وكذا لا يكفل إلا إلى آخر المجلس، فالاستثناء منصرف إليهما،   [البناية] خدم وخادم، ويجوز غيب بضم الغين وتشديد الياء، وهو أيضًا جمع غائب على القياس م: (لا يكفل لعدم الفائدة) ش: لأن الفائدة هي الخصومة عند حضور الشهود وذلك في الهالك محال، كالغائب والهالك من وجه، إذا ليس كل غائب يؤوب. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن فعل) ش: أي فإن أعطى الكفيل م: (وإلا أمر) ش: أي وإن لم يعط م: (بملازمته) ش: أي سار معه حيث سار م: (كيلا يذهب حقه) ش: أي حق المدعي. م: (إلا أن يكون غريبًا) ش: إلا أن يكون المدعى عليه غريبًا حال كونه على الطريق، أي مسافرًا فإذا كان كذلك م: (فيلازم مقدار مجلس القاضي) ش: لأن هذا القدر لا يقطعه عن المرفقة ويحصل النظر للمدعي. فأما في إمساكه على باب القاضي يومًا أو أكثر ليحضر المدعي بينة ضرر على المطلوب، فإذا جاء أو أن قيام القاضي عن مجلسه ولم يحضر المدعي بينته فإن القاضي يحلفه ويخلي سبيل المطلوب ليذهب حيث شاء. فإن اختلف المطالب والمطلوب وقال المطلوب: أنا مسافر وقال المطالب: إنه لا يريد السفر ففيه أقوال. قال بعضهم: القول قوله المدعي لأنه يتمسك بالأصل، وهو الإقامة والسفر عارض، وقال بعضهم: فالقاضي يسأله مع من يريد السفر، فإن أخبره مع فلان فالقاضي يبعث إليه من يسأله، هل أستعد للخروج معكم، فإن قالوا: نعم، يقبل ذلك منه فيمهله إلى آخر المجلس، فإن أحضر المدعي بينة في هذه المدة وإلا خلي سبيل المطلوب، وإن لم يعلم من حاله فنحن نعلم أنه يبقى ثلاثة أيام لأجل الاستعداد، فقلنا بأنه يجبره على إعطاء الكفيل ثلاثة أيام. م: (وكذا لا يكفل إلى آخر المجلس) ش: أي إلى آخر مجلس القاضي م: (فالاستثناء) ش: أي الاستثناء المذكور بقوله- إلا أن يكون غريبًا- م: (منصرف إليهما) ش: أي إلى الملازمة والتكفيل، وهذا التقدير إنما يحتاج إليه على رواية القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لم يذكر هناك مقدار مجلس القاضي في تقدير الملازمة ومدتها، ولا الكفيل ومدته. فإن فعل والأمر بملازمته إلا أن يكون غريبًا على الطريق، وأما هاهنا قد ذكر الملازمة مدتها ومدة التكفيل، فلا يحتاج إلى قوله "والاستثناء منصرف" لأنه ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مدة كل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 339 لأن في أخذ الكفيل والملازمة زيادة على ذلك إضرارا به بمنعه عن السفر، ولا ضرر في هذا المقدار ظاهرا، وكيفية الملازمة نذكرها في كتاب الحجر إن شاء الله تعالى.   [البناية] واحد باستثناء واحد. م: (لأن في أخذ الكفيل والملازمة زيادة على ذلك) ش: أي على مقدار مجلس القاضي م: (إضرارًا به) ش: أي بالغريب الذي على الطريق م: (بمنعه عن السفر) ش: أي لمنع الكفيل إياه عن السفر والذهاب إلى منزله، فيؤدي إلى إلحاق الضرر به. وإن كان المدعي يتضرر بذلك لأن ضرر المسافر حقيقة وضرر المدعي موهوم، وربما يكون صادقًا في الدعوى أو كاذبًا والموهوم لا يعارض المحقق، م: (ولا ضرر في هذا المقدار) ش: أي في مقدار مجلس القاضي م: (ظاهرًا) ش: أي حيث الظاهر، لأنه بهذا القدر لا ينقطع عن الرفقة. م: (وكيفية الملازمة نذكرها في كتاب الحجر إن شاء الله تعالى) ش: وتفسير الملازمة أن يدور معه حيث دار، ويبعث أمينًا حتى يدور معه أينما دار، لكن لا يحبسه في موضع لأن ذلك حبس، وهو غير مستحق عليه بنفس الدعوى، ولا يشغله عن التصرف بل يتصرف والمدعي يدور معه ولا يمنعه من الدخول إلى أهله. لكن المطلوب يجلس على باب داره، وفي " الفتاوى الصغرى ": المطلوب إذا أراد أن يدخل داره، فإما أن يأذن للمدعي بالدخول معه أو يحبس معه على باب الدار، لأنه لو تركه حتى يدخل الدار وحده ربما يهرب من جانب آخر فيفوت المقصود من الملازمة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 340 فصل في كيفية اليمين والاستحلاف قال: واليمين بالله عز وجل دون غيره لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «من كان منكم حالفا فليحلف بالله أو ليذر» ، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من حلف بغير الله فقد أشرك» ، وقد يؤكد بذكر أوصافه وهو التغليظ، وذلك مثل قوله: قل: والله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم، الذي يعلم من السر والخفاء ما يعلم من العلانية ما لفلان هذا عليك ولا قبلك هذا المال الذي ادعاه، وهو كذا وكذا ولا شيء منه وله أن يزيد في التغليظ على هذا وله أن ينقص إلا أنه يحتاط كيلا يتكرر عليه اليمين لأن المستحق عليه يمين واحدة،   [البناية] [فصل في كيفية اليمين والاستحلاف] م: (فصل في كيفية اليمين والاستحلاف) ش: أي هذا فصل في بيان كيفية اليمين، وكيفية الشيء صفته ولا ذكر نفس اليمين في أي موضع يكون وفي أي موضع لا يكون. شرع في بيان كيفيتها لأن الصفة تتبع الموصوف م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (واليمين بالله عز وجل دون غيره) ش: أي غير الله تعالى م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من كان منكم حالفًا فيحلف بالله أو ليذر» ش: تقدم هذا الحديث في الأيمان م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من حلف بغير الله فقد أشرك» ، وقد يؤكد) ش: أي اليمين م: (بذكر أوصافه) ش: أي أوصاف الله تعالى، هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهو التغليظ، وذلك مثل قوله: قل: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم، الذي يعلم من السر والخفاء ما يعلم من العلانية ما لفلان هذا عليك ولا قبلك هذا المال الذي ادعاه، وهو كذا وكذا ولا شيء منه) ش: وإنما ذكر: ولا شيء منه، لجواز أنه قد أدى البعض، ويذكر صفاته بدون حرف العطف، حتى لو قال: "والله" "والرحمن الرحيم"، ويكون أيمانًا. م: (وله أن يزيد في التغليظ على هذا) ش: أي وللقاضي أو المحلف من جهد الزيادة في تغليظ الزيادة على هذا المذكور م: (وله أن ينقص منه) ش: أي عن المذكور، وذلك لأن أحوال الناس فيه مختلفة فمنهم من يمتنع عن التغليظ، ومنهم من يتجاسر ولا يبالي م: (إلا أنه يحتاط) ش:، والمراد من الاحتياط ما ذكرنا من أنه بذكر الأسماء والصفات بدون حرف العطف. م: (كيلا يتكرر عليه اليمين) ش: لأنه ذكر الواو صارت أيمانًا كما ذكرنا، م: (لأن المستحق عليه يمين واحدة) ش: فلا يزاد عليها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 341 والقاضي بالخيار إن شاء غلظ، وإن شاء لم يغلظ فيقول: قل بالله أو والله، وقيل لا يغلظ على المعروف بالصلاح ويغلظ على غيره، وقيل: يغلظ في الخطير من المال دون الحقير قال: ولا يستحلف بالطلاق ولا بالعتاق لما روينا، وقيل: في زماننا إذا ألح الخصم ساغ للقاضي أن يحلف بذلك لقلة المبالاة باليمين بالله وكثرة الامتناع بسب الحلف بالطلاق قال: ويستحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والنصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لابن صوريا الأعور: "أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى إن حكم الزنا في كتابكم هذا»   [البناية] م: (والقاضي بالخيار إن شاء غلظ، وإن شاء لم يغلظ فيقول: قل بالله، أو: والله، وقيل: لا يغلظ على المعروف) ش: أي الرجل المعروف م: (بالصلاح ويغلظ على غيره) ش: أي غير المعروف بالصلاح م: (وقيل: يغلظ في الخطير من المال دون الحقير) ش: والمال الخطير هو المال العظيم، وفي الإقرار إذا قال لفلان علي مال عظيم يلزمه النصاب الشرعي. م: (وقال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا يستحلف بالطلاق ولا بالعتاق) ش: وفي " الفتاوى الصغرى ": التحليف بالطلاق والعتاق لم يجوزه أكثر أصحابنا، وأجازه البعض، وبه أفتى الإمام أبو علي بن الفضل بسمرقند. ويفتي: أنه لا يجوز وإن مست الضرورة يجوز، فإذا بلغ المستفتي في الفتوى يفتي: أن الرأي إلى القاضي اتباعًا لهؤلاء السلف، وفي " خلاصة الفتاوى ": فلو حلفه القاضي بالطلاق فنكل وقضى بالمال لا ينفذ قضاؤه، وفي "الأصل": لا يحلف بالطلاق ولا بالعتاق ولا بالحج م: (لما روينا) ش:، أراد به الحديث المذكور. م: (وقيل: في زماننا إذا ألح الخصم) ش: بأن كان لحوحًا متفتًا لا يبالي باليمين بالله فحينئذ م: (ساغ للقاضي أن يحلف) ش: من التحليف م: (بذلك) ش: أي بالطلاق وبالعتاق. م: (لقلة المبالاة باليمين بالله تعالى، وكثرة الامتناع بسبب الحلف بالطلاق) ش: وفي "الفصول" للأستروشني: لو أنكر الشاهد الشهادة لا يحلفه القاضي، وفي " المبسوط ": لأن الاستحلاف يغني عن الخصومة، ولا خصم ولا شاهد، وفي " الفصول ": ولو قال المنكر الشاهد كاذب وأراد تحليف المدعي ما يعلم أنه كاذب لا يحلفه. [استحلاف اليهودي والنصراني] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ويستحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والنصراني) ش: أي يحلف النصراني م: (بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي «لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (لابن صوريا الأعور: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن حكم الزنا في كتابكم هذا") » ش: هذا الحديث أخرجه مسلم في الحدود عن عبد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 342 ولأن اليهودي يعتقد نبوة موسى، والنصراني بنبوة عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فيغلظ على كل واحد منهما بذكر المنزل على نبيه ويستحلف المجوسي بالله الذي خلق النار وهكذا ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل.   [البناية] الله بن مرة، عن البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «مر على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يهودي محمم، فدعاهم، فقال: "هكذا تجدون حد الزنا في كتابكم؟ " فقالوا: نعم، فدعا رجلًا فقال له: " أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: هكذا تجدون حد الزنا في كتابكم؟ " فقال: اللهم لا، فلولا أنك نشدتني بهذا لم أحدثك بحد الزنا في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الرجل الشريف تركناه، وإن أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا: تعالوا، فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والضعيف فاجتمعنا على التحميم والجلد، وتركنا الرجم فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، فأمر به فرجم".» قاله الشارح، وهذا الرجل هو عبد الله بن صوريا، وكان أعلم من بقي منهم بالتوراة، قد صرح باسمه في " سنن أبي داود ". وعن سعد عن قتادة، عن عكرمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: يعني لابن صوريا ... الحديث، وهذا مرسل. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: روي في " السنن " مسندًا إلى البراء بن عازب، ثم ذكر الحديث، وليس كذلك، بل الحديث في " صحيح مسلم " كما ذكرناه، وإذا أراد "بالسنن" سنن أبي داود فليس بصحيح، لأنه في " سنن أبي داود " معلقًا، إن أراد غيره فما روي إلا عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وصوريا بضم الصاد المهملة، وكسر الراء بالقصر، وهو اسم أعجمي، وهو ولد عبد الله كما ذكرنا، قوله أنشدك من نشد ينشد، من باب نصر، وفي " المغرب ": نشد الضالة طلبها، ومنه قولهم في الاستعطاف: نشدك وناشدتك الله وبالله، أي سألتك بالله وطلبت إليك بحقه. م: (ولأن اليهودي يعتقد بنبوة موسى، والنصراني نبوة عيسى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -) ش: أي يعتقد نبوة عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (فيغلظ على كل واحد منهما) ش: أي من اليهود والنصارى م: (بذكر المنزل) ش: بفتح الزاء م: (على نبيه، ويستحلف المجوسي بالله الذي خلق النار) ش: لأنه يعتقد الحرمة في النار فيمتنع من اليمين الكاذبة، فيحصل المقصود. م: (وهكذا ذكر محمد في الأصل) ش: أي في " المبسوط "، وكأنه وقع عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المجوس من يعظمون النار تعظيم العباد، فالمقصود من اليمين، وهي المنكول، قال: يذكر في اليمين، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، وهو اختيار بعض مشايخنا - رحمهم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 343 ويروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في النوادر لأنه لا يستحلف أحدا إلا بالله خالصا، وذكر الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يستحلف غير اليهودي والنصراني إلا بالله، تعالى وهو إخبار بعض مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -؛ لأن في ذكر النار مع اسم الله تعالى تعظيمها وما ينبغي أن تعظم بخلاف الكتابين، لأن كتب الله معظمة والوثني لا يحلف إلا بالله لأن الكفرة بأسرهم يعتقدون الله تعالى، قال الله تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] (لقمان: الآية 25) ،   [البناية] الله- م: (ويروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " النوادر ": لأنه) ش: أي أن القاضي م: (لا يستحلف أحدا إلا بالله خالصًا) ش: يعني لما يذكر غير اسم الله تعالى وصفاته، لا في حق المسلمين ولا في حق الكفار. م: (وذكر الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يستحلف غير اليهودي والنصراني إلا بالله تعالى، وهو إخبار بعض مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لأن في ذكر النار مع اسم الله تعالى تعظيمها) ش: أي تعظيم النار، م: (وما ينبغي أن تعظم) ش: أي النار م: (بخلاف الكتابين) ش: يعني التوراة والإنجيل. م: (لأنم كتب الله تعالى معظمة) ش: لأن الكتب الأربعة كلام الله عز وجل، وتعظيمها واجب م: (والوثني لا يحلف إلا بالله لأن الكفرة بأسرهم يعتقدون بالله تعالى، قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] (لقمان: 25) فإن قلت: لو كانوا يعتقدون بالله تعالى لم يعبدوا الأوثان والأصنام؟، قلت: إنما يعبدونها تقربًا إلى الله تعالى على زعمهم، ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] (الزمر: 3) . فإذا ثبت أنهم يعتقدون بالله تعالى يمتنعون عن الإقدام على اليمين الكاذبة بالله عز وجل، فتحصل الفائدة المطلوبة من اليمين وهي النكول. وفي " شرح الأقطع ": وأما الصابئة فإن كانوا يؤمنون بإدريس - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، استحلفوا بالله الذي أنزل الصحف على إدريس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإن كانوا يعبدون الكواكب استحلفوا بالله الذي خلق الكواكب. م: (والوثني) ش: نسبته إلى عبادة الوثن وهو ماله خبة من خشب أو حجر، أو فضة، أو جوهر ينحت، والجمع أوثان، وكانت العرب تنصبها وتعبدها، والصبئة جنس من الكفار، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 344 قال: ولا يحلفون في بيوت عبادتهم لأن القاضي لا يحضرها، بل هو ممنوع عن ذلك. قال: ولا يجب تغليظ اليمين على المسلم بزمان ولا مكان   [البناية] قاله الجوهري، من صبا إذا خرج من دين إلى دين آخر. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا يحلفون في بيوت عبادتهم؛ لأن القاضي لا يحضرها بل هو ممنوع عن ذلك) ش: أي عند الحضور في بيوت عبادتهم، لأن في تعظيم ذلك المكان، ففي أي مكان حلفهم جاز، وفي " الأجناس " قال في المأخوذ للحسن: وإن سئل المدعي القاضي أن يبعث به إلى بيته، أو كنيته فيحلف هناك فلا بأس أن يحلفه إذا اتهمه، وعند أبي خطاب الحنبلي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان لهم مواضع يعظمونها، ويتوقون أن يحلفوا كذبًا حلفوا فيها، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا يجب تغليظ اليمين على المسلم بزمان ولا مكان) ش: أما التغليظ بالزمان ففي يوم الجمعة بعد العصر، أما التغليظ بالمكان فبين الركن والمقام إن كان بمكة وعند قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان بالمدينة، وعند الصخرة إن كان في بيت المقدس، وفي سائر الجوامع في سائر البلاد. وبقولنا قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيما يستحب التغليظ بمكان وزمان، وفي قول: يجب التغليظ بهما. وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في دعوى دم، ونكاح، وطلاق ورجعه وإيلاء، ولعان وعتق، وحد ووكالة، وولاء، وجناية، وكل ما ليس بمال والمقصد منه المال حتى يجري في الولادة والرضاع، وعيوب النساء، ومال كثير، وهو النصاب من الذهب عشرون مثقالًا، ومن الفضة مائتا درهم، وفيما دون ذلك لا يغلظ في كل قليل وكثير، ومن به مرض أو زمانة لا يغلظ عليه بالمكان، وكذا الحائض، والمخدرة على وجه لا يجب عليهما حضور مجلس القاضي. ويحلف الحائض والمخدرة على باب الجامع، وفي كتاب " التفريع " للمالكية: ويحلف الناس في المساجد، ولا يحلف عند منبر من المنابر، إلا عند منبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا يحلف عنده إلا على ربع دينار فصاعدًا. ويحلف على أقل من ذلك في سائر المساجد، وإذا وجبت يمين على امرأة حلفت في المسجد ليلًا إن كانت ممن لا تخرج نهارًا. وفي " المستوعب " للحنابلة: والتغليظ بالزمان بعد صلاة العصر، أو بين الأذان والإقامة، ولا تغليظ اليمين إلا فيما له حطم، مثل الجنايات والحدود والعتاق والطلاق ونحو ذلك وفي المال الجزء: 9 ¦ الصفحة: 345 لأن المقصود تعظيم المقسم به وهو حاصل بدون ذلك وفي إيجاب ذلك خرج على القاضي حيث يكلف حضورها وهو مدفوع، قال: ومن ادعى أنه ابتاع من هذا عبده بألف فجحده استحلف بالله ما بينكما بيع قائم فيه ولا يستحلف بالله ما بعت لأنه قد يباع العين ثم يقال فيه ويستحلف في الغصب بالله ما يستحق عليك رده، ولا يحلف بالله ما غصبت، لأنه قد يغصب ثم يفسخ بالهبة والبيع وفي النكاح بالله ما بينكما قائم في الحال، لأنه قد يطرأ عليه الخلع   [البناية] الذي تجب فيه الزكاة وقيل فيما تقطع فيه يد السارق، م: (لأن المقصود) ش: يعني من اليمين م: (تعظيم المقسم به) ش: أي تعظيم المقسم به. م: (وهو حاصل بدون ذلك وفي إيجاب ذلك) ش: أي بدون تعيين الزمان والمكان م: (حرج على القاضي حيث يكلف حضورها) ش: أي حضور بقعة معينة من المكان، أو ساعة معينة من الزمان م: (وهو) ش: أي الخروج م: (مدفوع) ش: شرعًا. فإن قلت: استدل الخصم بما روى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من حلف عند منبري هذا بيمين هذا بيمين كاذبة تبوأ مقعدًا من النار» وربما روي أن عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رأى قومًا يحلفون بين المقام والبيت، فقال: علي دم؟، فقالوا: لا، قال: أفعظيم من المال؟، قالوا: لا، قال: خشية أن يتهاون الناس بهذا البيت. الجواب: أن هذا الحديث ليس حديثًا صحيحًا، وهذا ينافي إطلاق قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» ، والتخصيص بالزمان والمكان زيادة عليه بأخبار غريبة لا يعلم صحتها فلا يجوز. [كيفية تحليف من ادعى أنه ابتاع من هذا عبده بألف فجحده] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن ادعى أنه ابتاع من هذا عبده بألف فجحده) ش: أي أنكره م: (استحلف بالله ما بينكما بيع قائم فيه لا يستحلف بالله ما بعت لأنه قد يباع العين ثم يقال فيه) ش: لأنه إذا حلف على البيع يضطر إلى اليمين الكاذبة، أو إلى تسليم العبد إلى مالكه بالإقالة وكل ذلك ضرر، هذا هو اليمين على الحاصل على ما يأتي - إن شاء الله تعالى - أي وفي دعوى الغصب إذا أنكر. م: (ويستحلف وفي الغصب بالله ما يستحق عليك رده ولا يحلف بالله ما غصبت لأنه قد يغصب ثم يفسخ بالهبة والبيع وفي النكاح) ش: على امرأته أنه تزوجها فأنكرت هي أو بالعكس م: (بالله) ش: أي يحلف بالله م: (ما بينكما نكاح قائم في الحال لأنه قد يطرأ عليه) ش: أي على النكاح م: (الخلع) ش: بأن خلعها بعد النكاح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 346 وفي دعوى الطلاق بالله ما هي بائن منك الساعة بما ذكرت، ولا يستحلف بالله ما طلقها، لأن النكاح قد يجدد بعد الإبانة فيحلف على الحاصل في هذه الوجوه؛ لأنه لو حلف على السبب يتضرر المدعى عليه، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحلف في جميع ذلك على السبب إلا إذا عرض للمدعى عليه بما ذكرنا فحينئذ يحلف على الحاصل،   [البناية] م: (وفي دعوى الطلاق) ش: أي يحلفه في دعوى الطلاق بأن ادعت على رجل أنه طلقها ثلاثًا وهو ينكر م: (بالله ما هي بائن منك الساعة بما ذكرت) ش: وفي بعض النسخ كما ذكرت: م: (ولا يستحلف بالله ما طلقها لأن النكاح قد يحدد بعد الإبانة فيحلف على الحاصل) ش:، أي على ثبوت الحكم في الحال م: (في هذه الوجوه) ش: أي الوجوه المذكورة، وهي دعوى ابتياع العبد والغصب والنكاح والطلاق م: (لأنه) ش: أي لأن المدعي يتوجه اليمين في هذه الصور م: (لو حلف على السبب يتضرر المدعى عليه، وهذا) ش: أي الحلف على الحاصل في الوجوه المذكورة م: (قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله-: أما على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحلف في جميع ذلك على السبب) ش:، لأن اليمين يستوفي حق المدعي فوجب أن تكون مطابقة لدعواه والمدعي يدعي السبب، والضابط في الحلف على الحاصل وعلى السبب أن السبب إما هو كان ما يرتفع برافع أولًا، فإن كان الثاني والمتحلف على السبب بالإجماع، وإن كان الأول بأن تضرر المدعي بالتحليف على الحاصل فكذلك وإن لم يتضرر ويحلف على الحاصل عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله- على السبب عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (إلا إذا عرض للمدعى عليه) ش: أي المدعى عليه م: (بما ذكرنا) ش: يعني من قوله "بل يبتاع العين"، ثم يقال فيه وفي الغصب: قد يصح بالهبة وفي النكاح، وقد يطوى عليه الخلع، وفي الطلاق قد يتجددا بعد الإبانة. ومراده من التعريض هذه الأشياء بأن يقول المدعى عليه: أيها القاضي الإنسان قد يبيع شيئًا ثم يقال فيه: وكذلك بقية الصور، م: (فحينئذ يحلف) ش: أي يحلف القاضي م: (على الحاصل) ش: وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: خلاف التصريح، والفرق بينه وبين الكناية أن التعريض تضمين الكلام دلالة ليس فيه ذكر كقولك، ما أقبح البخل، تعريض بأنه بخيل، والكناية ذكر الرديف وإرادة المردوف كقولك فلان طويل النجاد، كثير رماد القدر، يعني طويل القامة ومضياف. ثم قال: ويريد به هاهنا المدعى عليه عند عرض اليمين عليه على السبب يعرض بشيء يعرفه القاضي، فيحلفه على الحاصل كما إذا ادعى رجل أنه اشترى من هذا هذه الصيغة التي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 347 وقيل: ينظر إلى إنكار المدعى عليه إن أنكر السبب يحلف عليه، وإن أنكر الحكم يحلف على الحاصل، فالحاصل هو الأصل عندهما إذا كان سببا يرتفع برافع إلا إذا كان فيه ترك النظر في جانب المدعي، فحينئذ يحلف على السبب بالإجماع، وذلك مثل أن تدعي مبتوتة نفقة العدة والزوج ممن لا يراها، أو ادعى شفعة بالجوار والمشتري لا يراها؛ لأنه لو حلف على الحاصل يصدق في يمينه في معتقده، فيفوت النظر في حق المدعي، وإن كان   [البناية] حدها كذا وأنكر المدعى عليه وأراد استحلافه يحلف على الحاصل بالله ما بينكما بيع قائم الساعة. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحلف على السبب بالله ما بعت هذه الصيغة بهذا الثمن الذي يدعى، إلا أن يعرض المدعى عليه للقاضي فيقول: بيع الرجل بالشيء، ثم يرجع إليه بإقالة أو بوجه من الوجوه، ولا يمكنني أن أقر بالبيع ثم ادعى الفتح فحينئذ يحلف على الحاصل. م: (وقيل:) ش: قائله شمس الأئمة الحلواني - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ينظر إلى إنكار المدعى عليه إن أنكر السبب يحلف عليه) ش: أي على السبب م: (وإن أنكر الحكم) ش:، بأن قال: ليس له علي هذا المال، فإن قال: ما غصبت ولا استقرضت الذي يدعى ولا شيئًا فيه م: (يحلف على الحاصل) ش: وقال في "الذخيرة": هو الأحسن، وعليه عمل أكثر القضاة. وقال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يفوض إلى رأي القاضي، ويقول الحلواني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في وجه: وفي وجه كقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (فالحاصل) ش: أي التحليف على الحاصل م: (هو الأصل عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله-، وهو أن يقول بالله ما له حق الرد بهذا العيب الذي يدعيه م: (إذا كان سببًا يرتفع برافع) ش: كالبيع، يقال فيه: والغصب يفسخ بالهبة والنكاح يفسخ بالخلع والطلاق يتجدد فيه بعد الإبانة. م: (إلا إذا كان فيه) ش: أي في التحليف على الحاصل م: (ترك النظر في جانب المدعي، فحينئذ يحلف على السبب بالإجماع) ش:، وأوضح ذلك بقوله: م: (وذلك) ش: أي ترك النظر م: (مثل أن تدعي مبتوتة) ش: أي امرأة مبانة تدعي على زوجها م: (نفقة) ش: أي نفقة العدة م: (والزوج ممن لا يراها) ش: أي من لا يرى نفقة المثبوتة بأن كان شافعي المذهب فإنه لا يحلف على الحاصل لأن الزوج يكون صادقًا في اعتقاده، لأنه لا نفقة لها، فلا يمنع عن اليمين، ويكون فيه ترك النظر بل يحلف على السبب لئلا يكون ترك النظر، م: (أو ادعى شفعة بالجوار والمشتري لا يراها) ش: إن كان شافعيًا م: (لأنه لو حلف على الحاصل يصدق في يمينه في معتقده، فيفوت النظر في حق المدعي وإن كان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 348 سببا لا يرتفع برافع، فالتحليف على السبب بالإجماع كالعبد المسلم إذا ادعى العتق على مولاه، بخلاف الأمة والعبد الكافر، لأنه يكرر الرق عليها بالردة واللحاق وعليه نقض العهد واللحاق، ولا يكرر على العبد المسلم. قال: ومن ورث عبدا وادعاه آخر يستحلف على علمه. لأنه لا علم له بما صنع المورث، فلا يحلف على البتات،   [البناية] سببًا لا يرتفع برافع، فالتحليف على السبب بالإجماع) ش: كذلك يحلف على السبب بأن قيل في التحليف على السبب: ضرر بالمنكر أيضًا بجواز أنه اشترى ولا شفعة بأن سلم أو سكت عن المطلب؟، قلنا: القاضي لا يجد بدًا من إلحاق الضرر بأحدهما، فكان مراعاة جانب المدعي أولى لأن السبب الموجب للحق هو الشراء وإذا ثبت له الحق، وسقوطه إنما يكون بأسباب عارضة. وإن كان ثم أوضح ذلك بقوله: م: (كالعبد المسلم إذا ادعى العتق على مولاه) ش:، فإنه يحلف بقوله: والله ما أعتقت، لأن السبب لا ينكر هنا. م: (بخلاف الأمة) ش: إذا ادعت على مولاها أنه أعتقها فإنه لا يحلف بالله ما أعتقها، لأنه لا يجوز أن يعتقها ثم ارتدت ولحقت بدار الحرب، ثم سبيت ولكن يحلف بالله ما أعتقها في الرق القائم في الحال في ملكه هذا م: (والعبد الكافر) ش: أي وبخلاف العبد الكافر فإنه لا يحلف بالله ما أعتقه، لأنه تكرر العتق يحلف فيه بأن نقض العهد ولحق بدار الحرب ثم سبي، ويحلف بالله ما أعتقه في الرق القائم في الحال في ملكه. م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن أنه م: (يكرر الرق عليها) ش: أي على الأمة م: (بالردة واللحاق) ش: بدار الحرب كما قلنا م: (وعليه ينقض العهد واللحاق) ش: أي يتكرر الرق على العبد ينقص عن كونه ذهب ولحق بدار الحرب، م: (ولا يكرر) ش: أي الرق م: (على العبد المسلم) ش: لأنه بعد الحرية لا يستحق رقبة. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن ورث عبدًا وادعاه آخر يستحلف على علمه) ش: هذا نوع آخر من كيفية اليمين على العلم أو الثبات، وصورة المسألة في الجامع لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في الرجل يرث العبد، فيجيء رجل فيزعم أنه له، ولا بينة له على أي شيء يستحلف، قال: على علمه م: (لأنه لا علم له بما صنع المورث فلا يحلف على البتات) ش: وقال شريح وابن أبي ليلى: يحلف على الثبات، وبقولنا قال إبراهيم النخعي والحسن والشعبي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، والحلف بالعلم أن يحلف بالله ما يعلم أن هذا الشيء الذي في يدك لهذا المدعي، والحلف بالثبات أي بالقطع على عدم الاستحقاق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 349 وإن وهب له أو اشتراه يحلف على البتات لوجود المطلق لليمين، إذ الشراء سبب لثبوت الملك وضعا وكذا الهبة. قال: ومن ادعى على الآخر مالا فافتدى يمينه أو صالحه منها على عشرة دراهم فهو جائز وهو مأثور عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -   [البناية] والأصل في ذلك أن من ادعى عليه فعل من جهة أو ادعى عليه حتى في شيء استفاده بفعله فإن اليمين إذا وجهت في ذلك كانت على البتات، وكل من ادعى عليه فعل غيره أو حق في شيء ملكه بغير فعله فاليمين في ذلك على العلم، وكلاهما مشروع. وقال الحلواني: هذا أصل مستقيم أي التحليف على فعل الغير في المسائل؛ إلا في الرديء بالعيب، فإن المشتري ادعى أن العبد سارق أو آبق، وأثبت إباقته وسرقته في يد نفسه، أو ادعى أنه سرق أو أبق في يد البائع وأراد تحليف البائع يحلف على البتات مع أنهما فعل الغير، لما أن البائع ضمن بتسليم المبيع تسليمًا عن العيب، فالتحليف يرجع إلى ما ضمن بنفسه فيكون على البتات. وقيل: التحليف على فعل الغير، إنما يكون على العلم إذا قال الحالف: لا علم لي بذلك، أما لو قال: لي علم بذلك يحلف على البتات، ألا ترى أن المودع إذا قال قبض صاحب الوديعة مني فإنه يحلف المودع على البتات، وكذلك الوكيل بالبيع إذا باع وسلم إلى المشتري ثم أقر البائع أن الموكل قبض الثمن، وجحد الموكل فالقول قول الوكيل مع يمينه، ويحلف على البتات وهذا تحليف على فعل الغير. ولكن الوكيل يدعي أن له علمًا بذلك بأن قال: قبض الوكيل الثمن، فكان علم بذلك فيحلف على البتات، كذا في " الفصول ". وأجيب عليه: بأن هذا تحليف على فعل نفسه، وهو التسليم والرد من حيث المعنى. م: (وإن وهب له أو اشتراه يحلف على البتات) ش: وهذا من قيمة مسألة " الجامع " أي وإن وهب لرجل عبدًا وقبضه أو اشترى به وجاء يزعم أنه له فإنه يستحلف البينة م: (لوجود المطلق لليمين إذ الشراء سببا لثبوت الملك وضعًا وكذلك الهبة) . ش: فإن قيل: الإرث كذلك؟، أجيب بأن معنى قوله: "سبب لثبوت الملك" سبب اختياري فباشره بنفسه فيعلم ما صنع. م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن ادعى على الآخر مالًا فافتدى يمينه أو صالحه منه) ش: أي من يمينه م: (على عشرة دراهم فهو جائز وهو) ش: أي افتدى اليمين م: (مأثور عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: روى أصحابنا في " شرح الجامع الصغير " عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه دفع المال ولم يحلف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 350 وليس له أن يستحلفه على تلك اليمين أبدا، لأنه أسقط حقه.   [البناية] قلت: قال البيهقي في كتاب" المعرفة" في كتاب"أدب القاضي": قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بلغني أن عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ردت عليه اليمين فافتداها بمال ثم قال: أخاف أن يوافق قدري فيقال: هذا يمينه. وفي كتاب "المخرج" لأبي الوليد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بإسناد صحيح عن الشعبي وفيه إرسال: أن رجلًا استقرض من عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سبعة آلاف درهم، فلما تقاضاه قال له: إنما هي أربعة آلاف فخاصمه إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقال: تحلف أنها سبعة آلاف، عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: [ ... ] فأبى عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يحلف، فقال له عمر: خذ ما أعطاك. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اختلفت روايات الكتب أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان مدعى عليه من ذلك المال، ادعيا في " الفوائد الظهيري " كان مدعى عليه فافتدى يمينه فقال، أخاف أن يوافق قدر يميني فيقال: هذا بسبب يمينه. وفي " المبسوط ": ذكر أنه كان مدعيًا، فادعى مالًا للمقداد، قلت: الأول هو الصحيح م: (وليس له) ش: أي للمدعي م: (أن يستحلفه) ش: أي المدعى عليه م: (على تلك اليمين أبدًا لأنه أسقط حقه) ش: أي بالصلح والافتداء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 351 باب التحالف قال: وإذا اختلف المتبايعان في البيع فادعى أحدهما ثمنًا وادعى البائع أكثر منه، أو اعترف البائع بقدر من المبيع وادعى المشتري أكثر منه وأقام أحدهما البينة قضى له بها، لأن في الجانب الآخر مجرد الدعوى، والبينة أقوى منها، وإن أقام كل واحد منهما بينة كانت البينة المثبتة للزيادة أولى، لأن البينات للإثبات ولا تعارض في الزيادة ولو كان الاختلاف في الثمن والمبيع جميعًا فبينة البائع أولى في الثمن، وبينة المشتري أولى في المبيع نظرًا إلى زيادة الإثبات، وإن لم يكن لكل واحد منهما بينة، قيل للمشتري: إما أن ترضى بالثمن الذي ادعاه البائع وإلا فسخنا البيع، وقيل للبائع: إما أن تسلم ما ادعاه المشتري من البيع وإلا فسخنا البيع؛ لأن المقصود قطع المنازعة وهذه جهة فيه لأنه ربما لا يرضيان بالفسخ، فإذا علما به يتراضيان به،   [البناية] [باب التحالف] م: (باب التحالف) ش: أي هذا باب في بيان التحالف بين الاثنين، ولما ذكر حكم يمين الواحد شرع في بيان اليمين بين الاثنين، والاثنان بعد الواحد في الوجود. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا اختلف المتبايعان في البيع فادعى أحدهما ثمنًا وادعى البائع أكثر منه أو اعترف البائع بقدر من المبيع) ش: بأن قال: كر من الحنطة. م: (وادعى المشتري أكثر منه) ش: بأن قال: كران م: (وأقام أحدهما البينة قضى له بها) ش: أي بالبينة، م: (لأن في الجانب الآخر مجرد الدعوى، والبينة أقوى منها) ش: لأنها توجب الحكم على القاضي والدعوى لا توجبه م: (وإن أقام كل واحد منهما بينة كانت البينة المثبتة للزيادة أولى لأن البينات للإثبات ولا تعارض في الزيادة) ش: لأن البينة المثبتة للأول للأقل لا تتعرض للزيادة، فكانت بالبينة المثبتة للزيادة سألت عن المعارض. م: (ولو كان الاختلاف في الثمن والمبيع جميعًا فبينة البائع أولى في الثمن، وبينة المشتري أولى في المبيع نظرًا إلى زيادة الإثبات) ش: بأن قال البائع: بعتك هذه الجارية واحدها بمائة دينار، وقال المشتري: بعني مع هذا الوصف بخمسين دينارًا وأقام البينة. وقيل: هذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخرًا، وكان يقول أولًا وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقضي بهما للمشتري بمائة وخمسة وعشرين م: (وإن لم يكن لكل واحد منهما بينة قيل للمشتري: إما أن ترضى بالثمن الذي ادعاه البائع وإلا فسخنا البيع، وقيل للبائع: إما أن تسلم ما ادعاه المشتري من البيع وإلا فسخنا البيع لأن المقصود قطع المازعة، وهذه جهة فيه لأنه ربما لا يرضيان بالفسخ فإذا علما به يتراضيان به) ش: من المشتري وإلا فسخنا المبيع جميعًا للمشتري بمائة دينار، فإذا علم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 352 فإن لم يتراضيا استحلف الحاكم كل واحد منهما على دعوى الآخر، وهذا التحالف قبل القبض على وفاق القياس؛ لأن البائع يدعي زيادة الثمن، والمشتري ينكره، والمشتري يدعي وجوب تسليم المبيع بما نقد والبائع ينكره، فكل واحد منهما منكر فيحلف، فأما بعد القبض فمخالف للقياس لأن المشتري لا يدعي شيئًا؛ لأن المبيع سالم له فبقي دعوى البائع في زيادة الثمن والمشتري ينكرها فيكتفي بحلفه لكنا عرفناه بالنص وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بعينها تحالفا وترادا» ، قال: ويبتدئ بيمين المشتري وهذا قول محمد وأبي يوسف -رحمهما الله- آخرا وهو رواية عن أبي حنيفة -رحمه الله- وهو الصحيح   [البناية] به، أي بالفسخ يتراضيان، أي ما ادعى كل واحد منهما. م: (فإن لم يتراضيا استحلف الحاكم كل واحد منهما على دعوى الآخر، وهذا التحالف قبل القبض) ش: أي قبل قبض المشتري السلعة م: (على وفاق القياس؛ لأن البائع يدعي زيادة الثمن المشتري ينكره، والمشتري يدعي وجوب تسليم المبيع بما نقد والبائع ينكره، فكل واحد منهما منكر) ش: لأن المقصود قطع المنازعة، وهذا جهة فيه، أي قطع المنازعة لأنهما ربما تراضيا فانفسخ، واليمين على من أنكر بالحديث المشهور م: (فيحلف) ش: أي فأما تحالف البائع المشتري م: (فأما بعد القبض فمخالف للقياس، لأن المشتري لا يدعي شيئا؛ لأن المبيع سالم له فبقي دعوى البائع في زيادة الثمن والمشتري ينكرها، فيكتفي بحلفه، لكنا عرفناه بالنص وهو) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بعينها تحالفا وترادا» ش: بهذا الحديث روي عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من طرق، وقال المنذري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: روى هذا الحديث من طرق عن عبد الله بن مسعود - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكلها لا تثبت وقد وقع في بعضها: «إذا اختلف البيعان والمبيع قائم بعينه» . وفي لفظ: "والسلعة قائمة" وهو لا يصح، فإنه من رواية ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي بعض طرقه انقطاع، وفيه عبد الرحمن بن قيس - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو مجهول الحال، وفي بعض الطرق عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وهو لم يسمع من أبيه، وقيل: إنه من قول بعض الرواة، والعجب من بعض "شراح الهداية " أنه يقول: هذا الحديث صحيح مشهور. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويبتدئ) ش: أي القاضي م: (بيمين المشتري وهذا قول محمد وأبي يوسف رحمهما الله آخرًا وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الصحيح) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 353 ؛ لأن المشتري أشدهما إنكارًا لأنه يطالب أولًا بالثمن، ولأنه يتعجل فائدة النكول. وهو إلزام الثمن، ولو بدأ بيمين البائع تتأخر المطالبة بتسليم المبيع إلى زمان استيفاء الثمن. وكان أبو يوسف -رحمه الله- يقول أولًا يبدأ بيمين البائع لقوله عليه الصلاة والسلام «إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قاله البائع»   [البناية] ش: احترز به عن قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأول، رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يبتدأ بيمين البائع. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وصححه، قال زفر والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الأترازي: عن زفر يبدأ بيمين البائع، كذا في " التقريب "، وقال أصحاب الشافعي في المسألة ثلاثة أقوال، إحداها: يبدأ بيمين البائع، والثاني: يبدأ بيمين المشتري، والثالث: الحكم بالخيار، ومنهم من قال: يبدأ بيمين البائع بكل حال، كذا في " شرح الأقطع ". وقال القدوري في " شرح كتاب الاستحلاف ": وهو أن المشتري إن كان ابتدأ بالخصومة وادعى على البائع ابتداء الخصومة وادعى على المشتري ابتدأ بيمين المشتري، م: (لأن المشتري أشدهما إنكارًا لأنه يطالب أولًا بالثمن) ش: فيكون بادئًا بالإنكار، والبادئ أظلم، م: (أو لأنه يتعجل فائدة النكول) ش:، واليمين شرعت لفائدة النكول حتى لا يستحلف فيما لا يستوفي في النكول. م: (وهو) ش: أي التعجيل بفائدة النكول م: (إلزام الثمن) ش: والبائع يتأخر فائدة، لأن تسليم المبيع يؤخر إلى زمان استيفاء الثمن، وهو معنى قوله: م: (ولو بدأ) ش: أي القاضي. م: (بيمين البائع تتأخر المطالبة بتسليم المبيع إلى زمان استيفاء الثمن) ش: لأنه يقال: أمسك المبيع حتى يستوفي الثمن، فكل تقديم ما تعجل فائدته بالنكول أولًا م: (وكان أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول أولًا: يبدأ بيمين البائع لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قاله البائع» ش: هذا الحديث رواه أبو داود عن الأعمش عن عبد الرحمن بن قيس بن محمد عن أبيه عن جده أن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - باع إلى أشعب بن قيس رقيقًا من رقيق الخمس بعشرين ألف درهم، فأرسل عبد الله إليه ثمنهم، فقال: إنما أخذتم بعشرة آلاف؛ فقال عبد الله: إن شئت حدثتك بحديث سمعته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول «إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركا".» ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال ابن القطان: وفيه انقطاع بين محمد بن الأشعث وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومع الانقطاع فإن عبد الرحمن بن الأشعث مجهول. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 354 خصه بالذكر وأقل فائدة التقديم وإن كان بيع عين بعين أو ثمن بثمن، بدأ القاضي بيمين أيهما شاء لاستوائهما. وصفة اليمين أن يحلف البائع بالله ما باعه بألف، ويحلف المشتري بالله ما اشتراه بألفين وقال في " الزيادات ": يحلف بالله ما باعه بألف، ولقد باعه بألفين، ويحلف المشتري بالله ما اشتراه بألفين، ولقد اشتراه بألف، يضم الإثبات إلى النفي تأكيدا، والأصح الاقتصار على النفي؛ لأن الأيمان على ذلك وضعت، دل عليه حديث القسامة «بالله ما قتلتم ولا علمتم له قاتلا» ،   [البناية] وأخرجه الترمذي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع، والمبتاع يختار» وقال: حديث مرسل، فإن عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود وجه الاستدلال: أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (خصه بالذكر) ش: أي خص البائع بالمذكور حيث جعل القول قول البائع م: (وأقل فائدته التقديم) ش: أي أقل أقوال هذا التخصيص أن يقيد التقديم. وأجاب الأقطع بأنه إنما خص البائع بالذكر لأن بينة المشتري معلومة لا يشكل، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «واليمين على من أنكر» ، وقد مضى فسكت - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عما تقدم بيانه، وبين ما يشكل ولم يتقدم بيانه. م: (وإن كان بيع عين بعين) ش: وهو المقايضة م: (أو ثمنًا بثمن) ش: وهو الصرف م: (بدأ القاضي بيمين أيهما شاء لاستوائهما) ش: أي في فائدة النكول، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كل البيوع فوجهه، وإنما ذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا تفريعًا على مسألة القدوري. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع ". [صفة اليمين في التحالف] م: (وصفة اليمين: أن يحلف البائع بالله ما باعه بألف ويحلف المشتري بالله ما اشتراه بألفين، قال في " الزيادات ": يحلف بالله ما باعه بألف، ولقد باعه بألفين، ويحلف المشتري بالله ما اشتراه بألفين ولقد اشتراه بألف، يضم الإثبات إلى النفي تأكيدًا) ش: بيانه: أنه لو حلف المشتري بالله ما اشتراه بألفين ربما يحلف ويكون بارًا في يمينه، فلقد اشتراه بألف وتسعمائة فيبطل حق البائع في الزيادة، وكذا البائع، لو حلف بالله ما باعه بألف ربما يحلف ويكون صادقًا لجواز أنه باعه بألف درهم فيبطل حق المشتري، م: (والأصح الاقتصار على النفي؛ لأن الأيمان على ذلك وضعت) ش: أي على النفي، والبينات وضعت على الإثبات. م: (دل عليه) ش: أي أنه وضعت على النفي م: «حديث القسامة: "بالله ما قتلتم ولا علمتم له قاتلًا» ش: وسيأتي حديث القسامة في بابه إن شاء الله تعالى. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 355 قال: فإن حلفا فسخ القاضي البيع بينهما وهذا يدل على أنه لا ينفسخ بنفس التحالف. لأنه لم يثبت ما ادعاه كل واحد منهما فيبقى بيع مجهول فيفسخه القاضي قطعا للمنازعة، أو يقال: إذا لم يثبت البدل يبقى بيعا بلا بدل وهو فاسد ولا بد من الفسخ في البيع الفاسد. قال وإن نكل أحدهما عن اليمين لزمه دعوى الآخر لأنه جعل بازلا فلم يبق دعواه معارضا لدعوى الآخر فلزم القول بثبوته، قال: وإن اختلفا في الأجل أو في شرط الخيار أو في استيفاء بعض الثمن فلا تحالف بينهما، لأن هذا   [البناية] م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإن حلفا فسخ القاضي البيع بينهما) ش: هذا كلام القدوري وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهذا يدل على أنه) ش: أي أن المبيع م: (لا ينفسخ بنفس التحالف) ش: ما لم يفسخ القاضي، وبه صرح في كتاب "الاستحلاف" لأبي حازم القاضي حيث قال إذا تحالفا فسخ الحاكم البيع، ولم ينفسخ بالتحالف. وقال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": فإن حلف، القياس أن يلتزم البائع للمشتري بما قال، وفي الاستحسان يترادان ولا ينفسخ البيع بينهما بنفس التحالف ما لم يفسخ الحاكم بينهما، حتى إن أحدهما لو أراد أن يلتزم البيع بما قال صاحبه قبل فسخ الحاكم كان له ذلك، وقال بعضهم: بنفس التحالف ينفسخ، والأول أصح انتهى. وقال الإمام الناصحي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " تهذيب أدب القاضي ": وإن حلفا لا ينقض القاضي المبيع بينهما حتى يطلبا ذلك أو يطلب أحدهما، لأن الفسخ حق لهما؛ بدليل قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: "تحالفا وترادا". م: (لأنه لم يثبت ما ادعاه كل واحد منهما فيبقى بيع مجهول فيفسخه القاضي قطعًا للمنازعة) ش: بينهما، م: (أو يقال: إذا لم يثبت البدل) ش: للتعارض م: (يبقى بيعًا بلا بدل وهو فاسد ولا بد من الفسخ في البيع الفاسد) ش: والاختلاف في البدل يوجب الاختلاف في العقد لأن كل واحد منهما ادعى عقدًا غير الذي ادعاه الآخر فكان البيع مجهولًا لجهالة البدل. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن نكل أحدهما عن اليمين لزمه دعوى الآخر) ش: وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لأنه جعل بازلًا) ش: فيصح البدل في الأعراض م: (فلم يبق دعواه معارضًا لدعوى الآخر فلزم القول بثبوته) ش: لعدم المعارض. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن اختلفا في الأجل) ش: أي في أصله أو قدره م: (أو في شرط الخيار أو في استيفاء بعض الثمن) ش:، وكذا لو اختلفا كل الثمن م: (فلا تحالف بينهما) ش: عندنا، وبه قال أحمد، وقال زفر والشافعي ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: تحالفا، ولو اختلفا في أصل البيع لم يتحالفا بالإجماع، م: (لأن هذا) ش: أي الاختلاف في الأصل أو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 356 اختلافا في غير المعقود عليه والمعقود به فأشبه الاختلاف في الحط والإبراء، وهذا لأن بانعدامه لا يختل ما به قوام العقد بخلاف الاختلاف في وصف الثمن أو جنسه حيث يكون بمنزلة الاختلاف في القدر في جريان التحالف لأن ذلك يرجع إلى نفس الثمن فإن الثمن دين وهو يعرف بالوصف ولا كذلك الأجل لأنه ليس بوصف، ألا ترى أن الثمن موجود بعد مضيه قال والقول قول من ينكر الخيار والأجل مع يمينه لأنهما يثبتان بعارض الشرط والقول لمنكر العوارض قال: فإن هلك   [البناية] شرط الخيار استيفاء بعض الثمن م: (اختلافًا في غير المعقود عليه) ش: وهو البيع م: (والمعقود به) ش: وهو الثمن م: (فأشبه الاختلاف في الحط) ش: أي في الحط من الثمن م: (الإبراء) ش: أي من الثمن وفيها لا يجب التحالف فكذا. م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله: واختلاف في غير المعقود عليه والمعقود به، م: (لأن بانعدامه) ش: أي بانعدام الأجل م: (لا يختل ما به قوام العقد) ش:، لأن الأجل وشرط الخيار أمر زائد في العقد، لأن العقد يصح بدونهما، ولهذا لو اختلفا في الثمن فشهد أحد الشاهدين بالبيع بألف درهم والآخر بالدنانير لا يقبل. ولو اختلفا في الأجل فشهد أحد الشاهدين بالبيع بألف إلى شهر والآخر بالبيع بألف يقبل ويقضى بالبيع بألف حالة، وكذلك لو شهد أحدهما أنه باعه بشرط الخيار ثلاثة أيام والآخر شهد أنه باعه ولم يذكر الخيار جازت الشهادة، م: (بخلاف الاختلاف في وصف الثمن) ش: أي في جودته ورداءته م: (أو جنسه) ش: وهو كون الثمن دراهم أو دنانير، م: (حيث يكون بمنزلة الاختلاف في القدر) ش: أي في قدر الثمن م: (في جريان التحالف) ش: أي في وجوبه، م: (لأن ذلك) ش: أي الاختلاف في الوصف والجنس م: (يرجع إلى نفس الثمن فإن الثمن دين وهو يعرف بالوصف) ش: بأنه جيد أو رديء أو وسط. م: (ولا كذلك الأجل لأنه ليس بوصف) ش: بل هو أصل بنفسه لكنه يثبت بواسطة الشرط، وأوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أن الثمن موجود بعد مضيه) ش: أي بعد مضي الأجل فلا يسقط بسقوط الأجل. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والقول قول من ينكر الخيار والأجل مع يمينه) ش: لأنهما إذا لم يتحالفا يكون القول قول المنكر، لأن ذلك أمر عارض والقول قول المنكر في العوارض، وهو معنى قوله: م: (لأنهما) ش: أي لأن الأجل والخيار م: (يثبتان بعارض الشرط) ش: يعني بشرط عارض على أصل العقد، م: (والقول لمنكر العوارض) ش: وهذا ظاهر الرواية. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن القول قول من يدعي الخيار، كذا في التحليف لأنه ينكر له عن ملكه أو وجوب الثمن عليه، م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن هلك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 357 المبيع ثم اختلفا لم يتحالفا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله- والقول قول المشتري وقال محمد - رحمه الله-: يتحالفان وينفسخ البيع على قيمة الهالك وهو قول الشافعي -رحمه الله- وعلى هذا إذا خرج المبيع عن ملكه أو صار بحال لا يقدر على رده بالعيب لهما: أن كل واحد منهما يدعي غير العقد الذي يدعيه صاحبه والآخر ينكره وأنه يفيد دفع زيادة الثمن فيتحالفان كما إذا اختلفا في جنس الثمن بعد هلاك السلعة   [البناية] المبيع) ش: بعد قبض المشتري م: (ثم اختلفا) ش: يعني في مقدار الثمن م: (لم يتحالفا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله- والقول قول المشتري) ش: مع يمينه، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتحالفان وينفسخ البيع على قيمة الهالك) ش: يعني بعد التحالف يترادان العقد بالقيمة، م: (وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: في رواية، وقول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية وقول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. ولمالك أربع روايات: إذا اختلفا في مقدار الثمن اثنان ما ذكرنا، والثالثة: يتحالفان قبل قبض المشتري السلعة، والرابعة: يتحالفان بعد القبض ما لم يبرهنا. م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الخلاف م: (إذا خرج المبيع عن ملكه) ش: أي عن ملك المشتري بالمبيع أو بالهبة م: (أو صار) ش: أي المبيع م: (بحال لا يقدر) ش: أي المشتري م: (على رده بالعيب) ش: أي بحدوث المعيب فيه في يده م: (لهما) ش: أي لمحمد والشافعي - رحمهما الله- م: (أن كل واحد منهما) ش: أي من المتعاقدين م: (يدعي غير العقد الذي يدعيه صاحبه والآخر ينكره) ش: لأن كل واحد منهما مدعي ومدعى عليه، فإن البائع يدعي عقدًا ينكره المشتري والمشتري يدعي عقدًا ينكره البائع. م: (وأنه) ش: أي وأن التحالف م: (يفيد دفع زيادة الثمن) ش: عن المشتري لو نكل البائع فلا يدفع المشتري زيادة على ما اعترف به المشتراة حينئذ، فما فائدة تحليف البائع؟ قلنا: لم يحصل فيكون مفيدًا، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا جواب سؤال مقدار وهو أن يقال: ما فائدة التحليف عندك؟، فإن فائدته التراد وامتنع التراد بالهلاك. فقال: بل فيه فائدة، وقع الزيادة التي يدعيها البائع على تقدير نكول المشتري، فإن قيل: هذا يحصل بتحليف المشتراة حينئذ، فما فائدة تحليف البائع؟ قلنا: لم يحصل المشتري، فإن المشتري إذا نكل يلزمه ما ادعاه البائع، والبائع إذا نكل يندفع عن المشتري ما ادعاه البائع، فإذا كان كذلك م: (فيتحالفان كما إذا اختلفا في جنس الثمن بعد هلاك السلعة) ش:، بأن ادعى أحدهما الدنانير والآخر الدراهم بعد هلاك المبيع يتحالفان ويلزم المشتري رد القيمة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 358 ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-: أن التحالف بعد القبض على خلاف القياس لما أنه سلم للمشتري ما يدعيه، وقد ورد الشرع به في حال قيام السلعة والتحالف فيه يفضي إلى الفسخ، ولا كذلك بعد هلاكها لارتفاع العقد فلم يكن في معناه، ولأنه لا يبالي بالاختلاف في السبب بعد حصول المقصود، وإنما يراعى من الفائدة ما يوجبه العقد   [البناية] م: (ولأبي يوسف وأبي حنيفة - رحمهما الله-: أن التحالف بعد القبض) ش: أي بعد قبض السلعة م: (على خلاف القياس لما أنه سلم للمشتري ما يدعيه) ش:، ولا يدعي على البائع شيئًا ينكره، لأن المبيع مملوك له سلم إليه باتفاقهما، م: (وقد ورد الشرع به) ش: أي بالتحالف م: (في حال قيام السلعة) ش: فلا يتعدى إلى حال هلاك السلعة، لأن حال هلاكها ليس كحال قيامها، لأن عند قيامها يندفع الضرر عن كل واحد منهما، فإنه يفسخ العقد فيعود كل واحد منهما إلى رأس ماله بعينه، وبعد الهلاك لم يحصل ذلك إذ العقد لا يحتمل الفسخ بالإقالة وبالرد بالعيب بعد الهلاك فكذا بالتحالف. م: (والتحالف فيه) ش: أي في حال قيام السلعة م: (يفضي إلى الفسخ) ش:، وهذا جواب عما يقال: إن لم يتعد إلى غيره يلحق به بالدلالة، فأجاب بقوله والتحالف فيه يفضي إلى الفسخ فيندفع به الضرر عن كل واحد منهما؟ كما ذكرنا الآن م: (ولا كذلك بعد هلاكها) ش: أي بعد هلاك السلعة م: (لارتفاع العقد) ش: بالهلاك م: (فلم يكن في معناه) ش: فبطل الإلحاق بالدلالة، م: (ولأنه لا يبالي) ش:، هذا جواب عن قولهما: إن كل واحد منهما يدعي غير العقد الذي يدعيه صاحبه وهو قول بموجب العلة، أي سلمنا ذلك لكن لا يضرنا فيما نحن فيه لأنه لا يبالي م: (بالاختلاف في السبب بعد حصول المقصود) ش: وهو سلامة المبيع للمشتري حيث سلم له وهلك على ملكه، وليس يدعي على البائع شيئًا ينكره ليجب عليه اليمين. قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ونوقض بحال قيام السلعة وبما إذا اختلفا بيعًا وهبة فإن في كل منهما المقصود، وحاصل التحالف موجود لاختلاف السبب. وأجيب عن الأول ثبوته بالنص على خلاف القياس وعلى الثاني بأنه على الاختلاف، والمذكور في بعض الكتب: قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإنما يراعى) ش: جوابًا عن قولهما وأنه يفيد دفع زيادة الثمن تقديره المراعاة م: (من الفائدة) ش: التي تثبت م: (ما يوجبه العقد) . ش: والفائدة التي قال أليست من موجبات العقد؟، والمراد من موجبات العقد: ما لا يكون للعقد وجود بدونه، والذي ذكراه من موجبات النكول والنكول من موجبات التحالف والتحالف ليس من موجبات العقد، فلا يترك ما هو من موجباته وهو ملك المبيع وقبضه وفيه نظر؛ لأنا قد اعتبرنا حال قيام السلعة فائدة للتحالف وليس من موجباته، وهو ملك المبيع وقبضه، وفيه نظر؛ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 359 وفائدة دفع زيادة الثمن ليست من موجباته وهذا إذا كان الثمن دينا، فإن كان عينا يتحالفان لأن المبيع في أحد الجانبين قائم فتوفر فائدة الفسخ ثم يرد مثل الهالك إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل قال وإن هلك أحد العبدين ثم اختلفا في الثمن لم يتحالفا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يرضى البائع أن يترك حصة الهالك وفي " الجامع الصغير ": القول قول المشتري مع يمينه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يشاء البائع أن يأخذ العبد الحي ولا شيء له من قيمة الهالك،   [البناية] لأنا قد اعتبرنا حال قيام السلعة فائدة للتحالف وليس من موجبات العقد، والجواب: أنه يثبت بالنص على خلاف القياس. م: (وفائدة دفع زيادة الثمن ليست من موجباته) ش: من تتمة الجواب العقد لأن العقد لا يحتاج لأن فائدة دفع زيادة الثمن من موجبات نكول البائع، م: (وهذا) ش: أي الاختلاف م: (إذا كان الثمن دينًا) ش: ثابتًا في الذمة كالدراهم والدنانير والمكيلات والموزونات والموصوفة الثابتة في الذمة، م: (فإن كان عينًا) ش: فإن كان العقد مقايضة وهلك أحد المعوضين م: (يتحالفان لأن المبيع في أحد الجانبين قائم فتوفر فائدة الفسخ) ش: أي الرد م: (ثم يرد مثل الهالك إن كان له مثل أو قيمته) ش: أي أو يرد قيمته م: (إن لم يكن له مثل) ش: كالحيوان فيما إذا تبايعا حيوانًا بحيوان. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن هلك أحد العبدين) ش: يعني باع الرجل عبدين صفقة واحدة وقبضهما المشتري فهلك أحدهما م: (ثم اختلفا في الثمن) ش: فقال البائع بعتهما منك بألفي درهم وقال المشتري: اشتريتهما منك بألف درهم م: (لم يتحالفا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يرضى البائع أن يترك حصة الهالك) ش: والهلاك على نوعين: هلاك العبد والطعام إذا أكله والثوب إذا احترق وذلك مما يوجب الفوات، وهلاك حكمي وهو أن يخرج من ملكه كله أو بعضه، وخروج البعض من ملكه كخروج الكل عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خروج الكل من ملكه لا يسقط التحالف كذلك خروج البعض، فإذا تحالفا أن خروج الكل من ملكه فعلى المشتري رد القيمة، ومثله إن كان مثلنا وإن خرج البعض فإن كان المبيع مما في تبعيضه ضرر، ويكون التبعيض عيبًا فالبيع بالخيار بعد التحالف إن شاء أخذ الباقي وقيمة الهلاك، وإن شاء رد الثاني وأخذ قيمته، وإن لم يكن في تبعيضه ضرر، وليس التبعيض بعيب فللبائع أن يأخذ الباقي وقيل الغائب، وإن عاد إلى ملكه ثم اختلفا ينظر إن كان العود فيتخالفان ويستردان العين، وإن عاد بحكم ملك جديد لا يتحالفان في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-، وقال: يتحالفان ويترادان القيمة دون العين. م: (وفي " الجامع الصغير ": القول قول المشتري مع يمينه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يشاء البائع) ش: إلا أن يرضى البائع م: (أن يأخذ العبد الحي، ولا شيء له من قيمة الهالك) ش: أي من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 360 وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتحالفان في الحي ويفسخ العقد في الحي، والقول قول المشتري في قيمة الهالك، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتحالفان عليهما ويرد الحي وقيمة الهالك لأن هلاك كل السلعة لا يمنع التحالف عنده فهلاك البعض أولى، ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن امتناع التحالف للهلاك فيتقدر بقدره. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن التحالف على خلاف القياس في حال قيام السلعة، وهي اسم لجميع أجزائها فلا تبقى السلعة بفوات بعضها ولأنه لا يمكن التحالف في القائم إلا على اعتبار حصته من الثمن فلا بد من القسمة على القيمة وهي تعرف بالحزر والظن فيؤدي إلى التحالف مع الجهل وذلك لا يجوز   [البناية] ثمن الميت. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتحالفان في الحي، ويفسح العقد في الحي والقول قول المشتري في قيمة الهالك، وقال - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتحالفان عليهما ويرد الحي وقيمة الهالك لأن هلاك كل السلعة لا يمنع التحالف عنده) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (فهلاك البعض أولى) ش: والجواب أن هلاك البعض محمول إلى معرفة القيمة بالحرز وذلك يحل في القسمة عليه فلا يجوز. م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن امتناع التحالف للهلاك) ش: أي لأجل هلاك أحد العبدين م: (فيتقدر بقدره) ش: أي فيقدر الامتناع بقدر الهلاك، لأن الحكم لا يزيد على العلة، والجواب عنه هو الجواب المذكور. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن التحالف) ش: بعد القبض يثبت م: (على خلاف القياس في حال قيام السلعة) ش:، لما عرف أن البائع غير منكر وإنما يثبت بالسنة وورد عند قيام السلعة م: (وهي اسم لجميع أجزائها) ش: يعني اسم لجميع أجزاء المبيع، م: (فلا تبقى السلعة بفوات بعضها) ش: لأن بفوات بعضها يفوت الشرط فذلك الحكم الذي تعلق به غير معقول م: (ولأنه) . ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا جواب عن قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أي ولأن الشأن م: (لا يمكن التحالف في القائم إلا على اعتبار حصته من الثمن، فلا بد من القسمة على القيمة) ش: باعتبار القيمة م: (وهي) ش: أي القيمة م: (تعرف بالحزر والظن، فيؤدي إلى التحالف مع الجهل وذلك لا يجوز) ش: فإن قيل يشكل على أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما لو أقام القصار بعض العمل ثم اختلفا في الأجرة ففي حصة ما أقام العمل القول لرب الثوب مع يمينه، وفي حصة ما بقي يتحالفان بالإجماع اعتبارًا للبعض بالكل، واستيفاء بعض المنفعة بمنزلة هلاك بعض، فينبغي أن يبقى التحالف عنده. قلنا: عقد الإجارة في حكم عقود مختلفة يتحد العقد بحسب ما يتم من العمل فإن تعذر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 361 إلا أن يرضى أن يترك حصة الهالك أصلا لأنه حينئذ يكون الثمن كله بمقابلة القائم، ويخرج الهالك عن العقد فيتحالفان. وهذا تخريج بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ويصرف الاستثناء عندهم إلى التحالف كما ذكرنا. وقالوا: إن المراد من قوله في " الجامع الصغير ": يأخذ الحي ولا شيء له معناه: لا يأخذ من ثمن الهالك شيئا أصلا، وقال بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يأخذ من ثمن الهالك بقدر ما أقر به المشتري وإنما لا يأخذ الزيادة،   [البناية] فسخه في البعض لا يتعذر الفسخ في الباقي، وأما عقد البيع في العبدين عقد واحد، فإذا تعذر فسخه في البعض تعذر في الباقي. م: (إلا أن يرضى) ش: أي البائع م: (أن يترك حصة الهالك أصلًا) ش: لأن الهالك كأن لم يكن وكأن العقد يصير لم يكن إلا على القائم، م: (لأنه حينئذ يكون الثمن كله بمقابلة القائم ويخرج الهالك عن العقد) ش: فإذا كان كذلك الأمر م: (فيتحالفان) ش: كما هو الحكم في الاختلاف عند قيام السلعة، وهذا إشارة إلى قوله لأنه حينئذ.. إلخ، وفي إشارة أيضا إلى اختلاف المشايخ في الاستثناء المذكور في " الجامع الصغير " في قوله إلا أن يشاء البائع أن يأخذ الحي ولا شيء له، فالذي ذكره قول عامة المشايخ أشار إليه بقوله: م: (وهذا تخريج بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ويصرف الاستثناء) ش: المذكور في " الجامع الصغير " م: (عندهم إلى التحالف) ش: بيانه أنهم قالوا: الاستثناء عندهم إلى التحالف: أي لا يتحالفان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يشاء البائع أن يأخذ الحي، ولا يأخذ شيئًا من ثمن الهالك أصلًا فيتحالفان، لأنه حينئذ صار المبيع كل الحي م: (كما ذكرنا) ش:، أشار به إلى قوله: لأنه حينئذ يكون الثمن كله بمقابلة القائم ويحتاج الهلاك عن العقد ويتحالفان. م: (وقالوا) ش: أي بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: م: (إن المراد من قوله) ش: أي من قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في الجامع الصغير) ش: في رواية عن يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أن يشاء البائع م: (يأخذ الحي ولا شيء له معناه: لا يأخذ من ثمن الهالك شيئًا أصلًا) ش:. كما ذكرنا أنه حينئذ جاز المبيع كل الحي م: (وقال بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: وهم مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (يأخذ من ثمن الهالك بقدر ما أقر به المشتري وإنما لا يأخذ الزيادة) ش: مع اليمين إلا أن يشاء البائع أن يأخذ الحي، فلا يضمنه شيئًا مما يدعي من الزيادة من الثمن في حق الميت بل يأخذ ما يقر به المشتري، وحينئذ لا يحلف المشتري لأن الاستحلاف إنما شرع في حق المشتري إذا كان ينكر ما يدعيه البائع في الزيادة، فإذا ترك البائع دعوى الزيادة فلا حاجة إلى استحلاف المشتري. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 362 وعلى قول هؤلاء لا ينصرف الاستثناء إلى يمين المشتري لا إلى التحالف لأنه لما أخذ البائع بقول المشتري فقد صدقه فلا يحلف المشتري، ثم تفسير التحالف على قول محمد ما بيناه في القائم، وإذا حلفا ولم يتفقا على شيء فادعى أحدهما الفسخ أو كلاهما يفسخ العقد بينهما ويأمر القاضي المشتري برد الباقي وقيمة الهالك. واختلفوا في تفسيره على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والصحيح أنه يحلف المشتري بالله ما اشتريتهما بما يدعيه البائع فإن نكل لزمه دعوى البائع وإن حلف يحلف البائع بالله ما بعتهما بالثمن الذي يدعيه المشتري، فإن نكل لزمه دعوى المشتري، وإن حلف يفسخان العقد في القائم ويسقط حصته ويلزم المشتري حصة الهالك ويعتبر قيمتها في الانقسام يوم القبض.   [البناية] م: (وعلى قول هؤلاء) ش: أي قول بعض المشايخ الذين ذكرهم م: (لا ينصرف الاستثناء) ش: وهو قوله: إلا أن يشاء البائع أن يأخذ الحي ولا شيء له م: (إلى يمين المشتري) ش: معناه أن البائع يأخذ الحي صلحًا على ما يدعيه من الزيادة قبل المشتري، فيجعل صلحهما على هذا العبد كصلحهما على عبد آخر، وصار تقديره على قولهم إلا أن يأخذ البائع الحي ولا يأخذ شيئًا آخر فحينئذ لا يحلف المشتري م: (لا إلى التحالف لأنه لما أخذ البائع بقول المشتري فقد صدقه فلا يحلف المشتري) . ش: وقال شيخ الإسلام: هذا لا يقوى لأن الأخذ معلق بمشيئة البائع ولو كان كذلك لكان معلقًا بمشيئتهما، م: (ثم تفسير التحالف على قول محمد) ش: لما كان قول أبي حنيفة عدم وجوب التحالف استغنى عن التفسير ففسره على قولهما م: (ما بيناه في القائم) ش: أي في المبيع الباقي أراد به ما ذكره بقوله وصفة اليمين أن يحلف البائع بالله ما باعه بألف إلخ. م: (وإذا حلفا ولم يتفقا على شيء) ش: يعني من الثمن م: (فادعى أحدهما الفسخ أو كلاهما يفسخ العقد بينهما ويأمر القاضي المشتري برد الباقي وقيمة الهالك) ش: أي ويرد قيمة الهالك والقول في قيمة المشتري، لأن البائع يدعي زيادة قيمته وهو ينكر فيكون القول له كما في قيمة المغصوب أو المقبوض بعقد فاسد، م: (واختلفوا في تفسيره) ش: أي اختلف المشايخ في تفسير التحالف، م: (على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فيتحالفان في القائم دون الهالك. قال بعضهم: يتحالفان على القائم، لأن العقد ينفسخ في حقه لا غير، م: (والصحيح أنه يحلف المشتري بالله ما اشتريتهما بما يدعيه البائع، فإن نكل لزمه دعوى البائع وإن حلف يحلف البائع بالله ما بعتهما بالثمن الذي يدعيه المشتري فإن نكل لزمه) ش: أي البائع م: (دعوى المشتري وإن حلف يفسخان العقد في القائم ويسقط حصته) ش: القائم م: (من الثمن ويلزم المشتري حصة الهالك) ش: من الثمن الذي أقر به المشتري، ولا يلزمه قيمة الهالك، م: (ويعتبر قيمتها) ش: أي قيمة الهالك وقيمة الباقي م: (في الانقسام يوم القبض) ش:، فإن اتفقا أن قيمتها يوم القبض كانت على السواء لزم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 363 وإن اختلفا في قيمة الهالك يوم القبض فالقول قول البائع، وأيهما أقام البينة تقبل بينته، وإن أقاماها فبينة البائع أولى وهو قياس ما ذكر في بيوع الأصل اشترى عبدين وقبضهما ثم رد أحدهما بالعيب وهلك الآخر عنده يجب عليه ثمن ما هلك عنده ويسقط عنه ثمن ما رده، وينقسم الثمن   [البناية] المشتري نصف الثمن الذي أقر به وسقط نصفه، وإن تصادقا أن قيمتها كانت على التفاوت يسقط في الثمن بقدر قيمة الهالك. م: (وإن اختلفا في قيمة الهالك يوم القبض) ش: فقال المشتري: كانت قيمته يوم القبض خمسمائة، وقيمة القائم يوم القبض كانت ألفًا، وقال البائع على عكس هذا م: (فالقول قول البائع) ش: لأن البائع ينكر سقوط زيادة الثمن، والمشتري يدعي السقوط بعد اتفاقهما على وجوب الثمن، فكان البائع متمسكًا بالأصل، كذا في " جامع قاضي خان "، فإن قيل مسائل الزيادات تدل على اعتبار قيمتهما يوم العقد حتى قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيمة الأم تعتبر يوم القيمة، وقيمة الزيادة يوم الزيادة، وقيمة الولد يوم القبض، لأن الأم صارت مقصودة بالعقد والزيادة بالزيادة والولد بالقبض، وكل واحد من بينهما صار مقصودًا بالعقد، فوجب اعتبار قيمتهما يوم العقد لا يوم القبض. وفي " الفوائد الظهيرية " فهذا إشكال هائل أوردته على قوم تحرير فلم يهتد أحد إلى جوابه، ثم قال: والذي يخايل لي بعد طول الجسم فما ذكر من المسائل لم يتحقق ما يوجب الفسخ، فما صار مقصودًا بالعقد، وفيما نحن فيه تحقيق ما يوجب الفسخ فيما صار مقصودًا لعقد وهو التحالف. أما في الحي فظاهر، وكذا في الميت، لأنه إن تقذر الفسخ في الهالك لم يتعذر اعتبار ما هو من لوازم الفسخ في الهالك وهو اعتبار قيمته يوم القبض، لأن الهالك مضمون بالقيمة يوم القبض على تقدير الفسخ كما هو مذهب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى قال: يضمن المشتري قيمة الهالك على تقدير التحالف، ويجب إعمال التحالف في اعتبار قيمة الهالك يوم القبض، فلهذا يعتبر قيمتها يوم القبض، م: (وأيهما أقام البينة تقبل بينته) ش: لأنه نور دعواه بالحجة. م: (وإن أقاماها فبينة البائع أولى) ش: لأنه أكثر إثباتًا بالزيادة في قيمة الهالك ولا معتبر لدعوى المشتري زيادة في قيمة القائم لأنها ضمينته، والاختلاف المقصود وهو ما كان في قيمة الهالك. ثم ذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما هو على قياس القول: م: (وهو قياس ما ذكر في بيوع الأصل) ش: أي " المبسوط " وهو قوله: م: (اشترى عبدين وقبضهما) ش: ولم يرد الثمن م: (ثم رد أحدهما بالعيب وهلك الآخر، عنده يجب عليه ثمن ما هلك عنده ويسقط عنه ثمن ما رده وينقسم الثمن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 364 على قيمتهما، فإن اختلفا في قيمة الهالك فالقول قول البائع لأن الثمن قد وجب باتفاقهما، ثم المشتري يدعي زيادة السقوط بنقصان قيمة الهالك، والبائع ينكره والقول للمنكر وإن أقاما البينة، فبينة البائع أولى لأنها أكثر إثباتا ظاهرا لإثباتها الزيادة في قيمة الهالك وهذا الفقه، وهو أن في الأيمان تعتبر الحقيقة لأنها تتوجه على أحد العاقدين وهما يعرفان حقيقة الحال فبني الأمر عليها والبائع منكر حقيقة، فلذا كان القول قوله، وفي البينات يعتبر الظاهر لأن الشاهدين لا يعلمان حقيقة الحال فاعتبر الظاهر في حقهما، والبائع مدع ظاهرا فلهذا تقبل بينته أيضا وتترجح بالزيادة الظاهرة على ما مر، وهذا يبين لك معنى ما ذكرنا من قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: ومن اشترى جارية وقبضها ثم تقايلا ثم اختلفا في الثمن   [البناية] على قيمتهما) ش: أي قيمة العبدين م: (فإن اختلفا في قيمة الهالك فالقول قول البائع لأن الثمن قد وجب باتفاقهما، ثم المشتري يدعي زيادة السقوط بنقصان قيمة الهالك والبائع ينكره، والقول للمنكر وإن أقام البينة، فبينة البائع أولى لأنها أكثر إثباتًا ظاهرًا لإثباتها الزيادة في قيمة الهالك) ش: والبينات شرعته للإثبات، فما كان أكثره إثباتًا كان أولى م: (وهذا) ش: أي اعتبار يمين البائع وبينته م: (لفقه) ش: أي المعنى، وبين الفقه بقوله: وهو أن في الأيمان يعتبر الحقيقة إلخ. كذا أقره الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله: "وهذا الفقه" أي قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أن القول قول البائع والبينة بينته، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: "قوله وهذا الفقه" إلخ، يعني أن في البينات تعتبر الدعوى من حيث الظاهر، فإنه يدعي زيادة القيمة للهالك فتكون البينة بينته. قلت: هذا هو المناسب لما ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله م: (وهو) ش: أي الفقه م: (أن في الأيمان تعتبر الحقيقة) ش: أي حقيقة الحال م: (لأنها) ش: أي لأن البينة م: (تتوجه على أحد العاقدين وهما يعرفان حقيقة الحال فبني الأمر عليها) ش: أي على حقيقة الحال م: (والبائع منكر حقيقة) ش: لأنه ينكر سقوط الزيادة م: (فلهذا كان القول قوله، وفي البينات يعتبر الظاهر لأن الشاهدين لا يعلمان حقيقة الحال فاعتبر الظاهر في حقهما) ش: أي في حق الشاهدين م: (والبائع مدع ظاهرًا فلهذا تقبل بينته أيضًا وتترجح بالزيادة الظاهرة على ما مر) ش: وهو قوله: لأنه أكثر ثباتًا ظاهرًا، م: (وهذا) ش: أي الذي ذكره بيوع الأصل بيعه م: (يبين لك معنى ما ذكرنا من قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: من تفسيره في التحالف وتفريعاته التي ذكرت في مسألة " الجامع الصغير ". [اختلفا البائع والمشتري في الثمن] م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن اشترى جارية) ش: بألف درهم م: (وقبضها) ش: أي قبض الجارية م: (ثم تقايلا) ش: أي المبيع حال قيام الجارية م: (ثم اختلفا في الثمن) ش: بأن قال المشتري: كان الثمن ألفًا فعليك أن ترد الألف، وقال البائع: كان خمسمائة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 365 فإنهما يتحالفان ويعود البيع الأول ونحن ما أثبتنا التحالف فيه بالنص؛ لأنه ورد في البيع المطلق والإقالة فسخ في حق المتعاقدين، وإنما أثبتناه بالقياس لأن المسألة مفروضة قبل القبض والقياس يوافقه على ما مر، ولهذا نقيس الإجارة على البيع قبل القبض والوارث على العاقد والقيمة على العين فيما إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري   [البناية] فعلي رد الخمسمائة م: (فإنهما يتحالفان) ش:، لأن الإقالة بمنزلة بيع جديد في حق الشرع وقطع المنازعة حق الشرع م: (ويعود البيع الأول) ش: حتى يكون حق البائع في الثمن وحق المشتري في المبيع كما كان قبل الإقالة، ولا بد من الفسخ سواء فسخاها بأنفسهما أو فسخا لأنها كالبيع لا ينفسخ إلا بالفسخ ونحن ما أثبتنا. هذا جواب عما يقال: النص لم يتناول الإقامة فما وجه جريان التحالف فيها؟ فأجاب بقوله م: (ونحن ما أثبتنا) ش: أي في التقايل م: (التحالف فيه بالنص لأنه) ش: أي لأن النص هو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا اختلف البيعان تحالفا وترادا» م: (ورد في البيع المطلق والإقالة فسخ في حق المتعاقدين) ش: بيع في حق غيرهما، فإذا كان كذلك ما أثبتناه بالنص، م: (وإنما أثبتناه) ش: أي التحالف م: (بالقياس لأن المسألة مفروضة قبل القبض) ش: أي قبل قبض البائع المبيع بعد الإقالة، وصار التحالف معقولًا وهو معنى قوله: م: (والقياس يوافقه على ما مر) ش: أي في أول الباب م: (ولهذا) . ش: توضيح لقوله: وإنما أثبتناه بالقياس م: (نقيس الإجارة على البيع قبل القبض) ش: يعني إذا اختلف المؤجر والمستأجر قبل استيفاء المعقود عليه في الأجرة، م: (والوارث على العاقد) ش: يعني وارث البائع والمشتري إذا اختلفا في الثمن يجري التحالف بينهما، وبه قالت الأئمة الثلاثة. م: (والقيمة على العين فيما إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري) ش: يعني إذا استهلك غير المشتري العين المبيعة في يد البائع وضمن القيمة قامت القيمة مقام العين المستهلكة، فإن اختلف العاقدان في الثمن قبل القبض يجري التحالف بينهما بالقياس على جريان التحالف عندنا تبعًا لعين المشتري، لكون النص إذ ذاك معقول المعنى. وقال الأترازي: قوله والقيمة على العين فيهما إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري، وهذا في النسخة المقابلة بنسخة المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي بعض النسخ فيما إذا استهلك المشتري، يعني بفتح الراء وفي بعضها فيما إذا استهلك المبيع. وقال الإمام حافظ الدين الكبير البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - على "حاشية كتابه الصحيح ": استهلك المشترى بضم التاء على بناء المفعول والمشترى على صيغة المفعول أي نقيس قيمة المشترى المستهلك الذي استهلك في يد البائع. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 366 قال: ولو قبض البائع المبيع بعد الإقالة فلا تحالف عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله- خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه يرى النص معلولا بعد القبض أيضا. قال: ومن أسلم عشرة دراهم في كر حنطة ثم تقايلا ثم اختلفا في الثمن، فالقول قول المسلم إليه ولا يعود السلم، لأن الإقالة في باب السلم لا تحتمل النقض؛ لأنه إسقاط فلا يعود السلم بخلاف الإقالة في البيع، ألا ترى أن رأس مال السلم لو كان عرضا فرده بالعيب وهلك قبل التسليم إلى رب السلم لا يعود السلم، ولو كان ذلك في بيع العين بعود البيع دل على الفرق بينهما. قال: وإذا اختلف الزوجان في المهر فادعى الزوج أنه تزوجها بألف وقالت: تزوجتني بألفين، فأيهما أقام البينة تقبل بينته لأنه نور دعواه بالحجة   [البناية] وفي " المبسوط ": إذا قتل المبيع قبل البعض في يد البائع فالقيمة هناك واجبة على القاتل وهي قائمة مقام العين في إمكان فسخ العقد عليها م: (قال: ولو قبض البائع المبيع بعد الإقالة فلا تحالف عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله- خلافًا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه) ش: أي لأن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يرى النص معلولًا بعد القبض أيضًا) ش: لأنه معلول بوجود الإنكار من كل واحد من المتبايعين لما يدعيه الآخر، وهذا المعين لا يتفاوت بين كون المبيع مقبوضًا أو غير مقبوض. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن أسلم عشرة دراهم في كر حنطة) ش: بضم الكاف وتشديد الراء، وهو مكيال لأهل العراق معروف، وقال الأزهري: الكر ستون قفيزًا والقفيز ثمانية مكاكيك والمكوك صاع ونصف صاع وهو ثلاث كيلجات، قال: وهو من الحساب اثنا عشر وسقًا، والوسق ستون صاعًا، م: (ثم تقايلا) ش: أي السلم م: (ثم اختلفا في الثمن) ش: يعني رأس المال م: (فالقول قول المسلم إليه ولا يعود السلم) ش: مع يمينه، لأن رب السلم يدعي زيادة وهو ينكر وإلا يتحالفان، م: (لأن الإقالة في باب السلم لا تحتمل النقض) ش: أي الفسخ م: (لأنه) ش: أي الإقالة على تأويل النقائل م: (إسقاط) ش: للمسلم فيه وهو دين، والدين الساقط لا يعود م: (فلا يعود السلم) . م: (بخلاف الإقالة في البيع) ش: فإنها تحتمل الفسخ فيعود المبيع لكونه عينًا إلى المشتري بعد عوده إلى البائع، ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أن رأس مال السلم لو كان عرضًا فرده بالعيب) ش: يعني بحكم القاضي بذلك م: (وهلك قبل التسليم إلى رب السلم، لا يعود السلم، ولو كان ذلك في بيع العين بعود البيع دل) ش: أي ما ذكرنا م: (على الفرق بينهما) ش: أي بين السلم وبين العين. [اختلف الزوجان في المهر] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا اختلف الزوجان في المهر فادعى الزوج أنه تزوجها بألف، وقالت تزوجني بألفين فأيهما أقام البينة تقبل بينته لأنه نور دعواه بالحجة) ش: أما قبول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 367 وإن أقاما البينة فالبينة بينة المرأة لأنها تثبت الزيادة، معناه: إذا كان مهر مثلها أقل مما ادعته وإن لم تكن لهما بينة تحالفا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا يفسخ النكاح، لأن أثر التحالف في انعدام التسمية وأنه لا يخل بصحة النكاح لأن المهر تابع فيه بخلاف البيع، لأن عدم التسمية يفسده على ما مر فيفسخ ولكن يحكم مهر المثل فإن كان مثل ما اعترف به الزوج أو أقل قضى بما قال الزوج لأن الظاهر شاهد له، وإن كان مثل ما ادعته المرأة أو أكثر، قضي بما ادعته المرأة وإن كان مهر المثل أكثر مما اعترف به الزوج وأقل مما ادعته المرأة قضي لهما بمهر المثل لأنهما لما تحالفا لم تثبت الزيادة على مهر المثل ولا انحط عنه قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذكر التحالف أولا ثم التحكيم،   [البناية] بينة المرأة فظاهر لأنها تدعي الزيادة وإنما الإشكال في قبول بينة الزوج لأنه ينكر الزوج مادة فكان عليه اليمين لا البينة، وإنما قبلت لأنه يدعي في الصورة وهي كافية لقبولها م: (وإن أقاما) ش: أي الزوجان م: (البينة فالبينة بينة المرأة لأنها تثبت الزيادة معناه) ش: أي معنى قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره " فالبينة بينة المرأة م: (إذا كان مهر مثلها أقل مما ادعته) ش: قيد به، لأنه إذا كان مثل ما ادعته المرأة أو أكثر فبينة الزوج أولى لأنها تثبت الحط وبينتها لا تثبت شيئًا، لأن ما ادعته ثابت بشهادة مهر المثل. إليه أشار الإمام قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (وإن لم تكن لهما) ش: أي للزوجين م: (بينة) ش: بعد الاختلاف في المهر عجزا عن إقامة البينة م: (تحالفا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا يفسخ النكاح لأن أثر التحالف في انعدام التسمية وأنه لا يخل بصحة النكاح لأن المهر تابع فيه بخلاف البيع، لأن عدم التسمية يفسده) ش: أي لأن عدم تسمية الثمن في البيع تفسد البيع لأنه ركن فيه م: (على ما مر) ش: في "كتاب البيوع" وفي "كتاب النكاح" أيضًا م: (فيفسخ) ش: أي البيع بخلاف النكاح فإنه لا ينفسخ م: (ولكن يحكم) ش: بتشديد الكاف من التحكيم على صيغة المجهول مسندًا إلى قوله م: (مهر المثل) ش: أي يجعل من المثل حكمًا. وبين تفصيل ذلك بقوله م: (فإن كان) ش: أي مهر مثلها م: (مثل ما اعترف به الزوج أو أقل) ش: مما اعترف به الزوج م: (قضى بما قال الزوج لأن الظاهر شاهد له) ش: أي ظاهر الحال يشهد للزوج لموافقة قوله من المثل م: (وإن كان) ش: أي مهر مثلها م: (مثل ما ادعته المرأة أو أكثر) ش: مما ادعته م: (قضى بما ادعته المرأة) ش: لأن الظاهر يشهد لها م: (وإن كان مهر المثل أكثر مما اعترف به الزوج وأقل مما ادعته المرأة قضى لهما بمهر المثل، لأنهما لما تحالفا) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لم تثبت الزيادة على مهر المثل، ولا انحط عنه) ش: أي عن مهر المثل. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ذكر) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (التحالف أولًا ثم التحكيم،) ش: أي ثم ذكر التحكيم بعده، حاصله أنه ذكر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 368 وهذا قول الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن مهر المثل لا اعتبار له مع وجود التسمية وسقوط اعتبارها بالتحالف فلهذا يقدم في الوجوه كلها، ويبدأ بيمين الزوج عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله- تعجيلا لفائدة النكول كما في المشتري، وتخريج الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بخلافه، وقد استقصيناه في النكاح وذكرنا خلاف أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلا نعيده ولو ادعى الزوج النكاح على هذا العبد والمرأة تدعيه على هذه الجارية فهو كالمسألة المتقدمة   [البناية] التحالف أولًا إذا اختلفا في المهر إذا لم يكن لها، ثم ذكر بعد ذلك تحكيم مهر المثل، م: (وهذا) ش: أي الذي ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، هكذا م: (قول الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن مهر المثل لا اعتبار له مع وجود التسمية وسقوط اعتبارها) ش: أي اعتبار القسمة م: (بالتحالف فلهذا يقدم) ش: أي التحالف م: (في الوجوه كلها) ش: يعني إذا كان مهر المثل مثل ما اعترف به الزوج أو أقل منه أو مثل ما ادعته المرأة أو أكثر منه أو كان بينهما فهذه خمسة أوجه. م: (ويبدأ بيمين الزوج عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (تعجيلًا لفائدة النكول) ش:، لأن أول التسليمتين عليه فأول اليمينين عليه، لأن الزوج بمنزلة المشتري والمهر كالثمن والبضع كالمبيع، وإليه ذهب الإمام الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الطحاوي "، وإليه ذهب المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضًا في هذا المقام، ولكن لم يعرض له في باب المهر م: (كما في المشتري) ش: فإنه يبدأ بيمينه أولًا. وقالوا في " شرح الجامع الصغير ": يبدأ التحالف بالقرعة لأنه لا رجحان لأحدهما عن الآخر م: (وتخريج الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بخلافه، وقد استقصيناه في النكاح) ش: أي وقد استقصينا الكلام فيه في كتاب النكاح م: (وذكرنا خلاف أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: حيث قال: إن القول قول الزوج عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في جميع ذلك، إلا أن يأتي بشيء مستنكر. م: (فلا نعيده) ش: أي فلا نعيد بيان قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هناك للاكتفاء بما ذكره هناك م: (ولو ادعى الزوج النكاح على هذا العبد والمرأة تدعيه) ش: أي تدعي النكاح م: (على هذه الجارية فهو كالمسألة المتقدمة) ش: يعني أنه بحكم مهر المثل أولًا، فمن شهد له فالقول له، وإن كان بينهما فيتحالفان؛ وقد أوضح ذلك صاحب " الإيضاح " حيث قال: وإن ادعى الزوج أن المهر هو هذا العبد، وقالت المرأة: هذه الجارية فالكلام فيه كالألف والألفين إلا فصل واحد، وهو أن مهر مثلها إذا كان مثل قيمة الجارية، أو أكثر فلها قيمة الجارية، لأن تملك الجارية لا يكون إلا بالتراضي، فإذا لم يتفقا على ذلك فقد تعذر التسليم فوجبت القيمة. وقال شمس الأئمة البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الكفاية ": إذا كان مهر مثلها مثل قيمة الجارية أو أكثر لها مهر مثلها لا يتجاوز قيمة الجارية، وإن كان أقل من قيمة العبد لها مهر مثلها، إلا أن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 369 إلا أن قيمة الجارية إذا كانت مثل مهر المثل يكون لها قيمتها دون عينها لأن تملكها لا يكون إلا بالتراضي ولم يوجد فوجبت القيمة وإن اختلفا في الإجارة قبل استيفاء المعقود عليه تحالفا وترادا، معناه: اختلفا في البدل أو في المبدل لأن التحالف في البيع قبل القبض على وفاق القياس على ما مر، والإجارة قبل قبض المنفعة نظير البيع قبل قبض المبيع، وكلامنا قبل استيفاء المنفعة فإن وقع الاختلاف في الأجرة يبدأ بيمين المستأجر لأنه منكر لوجوب الأجرة، وإن وقع في المنفعة يبدأ بيمين المؤجر وأيهما نكل لزمه دعوى صاحبه   [البناية] ترضى بأخذ العبد، لأن تمليك عين الحيوان لا يمكن إلا إذا اتفقا عليه، ولم يتفقا على ملك الجارية فيرجع إلى قيمتها، وهذا الذي ذكره هو الذي ذكره المصنف بقوله: م: (إلا أن قيمة الجارية إذا كانت مثل مهر المثل يكون لها قيمتها دون عينها؛ لأن تملكها لا يكون إلا بالتراضي ولم يوجد فوجبت القيمة) ش: أي قيمة الجارية. [اختلف المتآجران في الإجارة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن اختلفا في الإجارة) ش: أي وإن اختلف المتآجران في الإجارة م: (قبل استيفاء المعقود عليه تحالفا وترادا) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (معناه اختلفا في البدل أو في المبدل) ش: أراد بالبدل الأجرة، والمبدل المنافع التي وقع عند الإجارة عليها م: (لأن التحالف في البيع قبل القبض) ش: أي قبل قبض المبيع م: (على وفاق القياس على ما مر) ش: أشار إلى قوله في أول الباب لأن البائع يدعي زيادة الثمن والمشتري ينكر.. إلخ. م: (والإجارة قبل قبض المنفعة نظير البيع قبل قبض المبيع) ش: في كونهما عقد معاوضة يقبل الفسخ فألحقت الإجارة به، فإن قيل قيام المعقود عليه شرط والمنفعة معدومة قلنا الدار أقيمت مقام المنفعة في حق إيراد العقد عليها، فكأنها قائمة تقديرًا. م: (وكلامنا قبل استيفاء المنفعة) ش: أي كلامنا الذي ذكرناه إنما هو عند الاختلاف في الإجارة قبل استيفاء المعقود عليه، وأما إذا اختلفا في استيفاء المعقود عليه فسيأتي عن قريب إن شاء الله تعالى، م: (فإن وقع الاختلاف في الأجرة يبدأ بيمين المستأجر لأنه منكر لوجوب الأجرة) ش: فإن قيل: كان الواجب أن يبدأ بيمين المؤجر لتعجيل فائدة النكول فإن تسليم المعقود عليه واجب أولًا على الأجر ثم تجب الأجرة على المستأجر بعده؟ أجيب: بأن الأجرة إن كانت مشروطة التعجيل فهو السبق إنكارًا فيبدأ به، وإن لم يشترط لا يمتنع الأجر من تسليم العين المستأجرة، لأن تسليمه لا يتوقف على تسليم الأجرة فيبقى إنكار المستأجر لزيادة الأجرة فيحلف، م: (وإن وقع) ش: أي الاختلاف م: (في المنفعة يبدأ بيمين المؤجر) ش: هذا على غير القاعدة، والأصل أن يقال: المؤجر أو الأجير م: (وأيهما نكل لزمه دعوى صاحبه) ش: قال شمس الأئمة البيهقي في كتاب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 370 وأيهما أقام البينة قبلت، ولو أقاماها فبينة المؤجر أولى إن كان الاختلاف في الأجرة. وإن كان في المنافع فبينة المستأجر أولى وإن كان فيهما قبلت بينة كل واحد منهما فيما يدعيه من الفضل نحو أن يدعي هذا شهرا بعشرة والمستأجر شهرين بخمسة يقضي شهرين بعشرة. قال: وإن اختلفا بعد الاستيفاء لم يتحالفا وكان القول قول المستأجر، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- ظاهر لأن هلاك المعقود عليه يمنع التحالف عندهما، وكذا على أصل محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الهلاك إنما يمنع عنده في المبيع لما أن له قيمة تقوم مقامه فيتحالفان عليها، ولو جرى التحالف هاهنا وفسخ العقد، فلا قيمة لأن المنافع لا تتقوم بنفسها بل بالعقد وتبين أنه لا عقد، وإذا امتنع فالقول للمستأجر مع يمينه لأنه هو المستحق عليه وإن اختلفا   [البناية] "الإجارات": اختلفا في الأجرة قبل القبض فقال المستأجر: بخمسة وقال المؤجر: بعشرة، أو في المدة، فقال المؤجر: شهرًا، وقال المستأجر: شهرين أو المسافة، قال: هذا إلى البصرة، وذلك إلى الكوفة، يتحالفان وتفسخ الإجارة وأيهما نكل لزمه دعوى صاحبه، ومن أقام بينة تقبل، فإن أقاما فالبينة للمؤجر إن كان الخلاف في قدر الأجر ونوعها أو جنسها، وهذا كالشرح لقول المصنف: م: (أيهما أقام البينة قبلت، ولو أقاماها) ش: أي كل واحد أقام بينة م: (فبينة المؤجر أولى إن كان الاختلاف في الأجرة) ش: لأنه أكثر ثباتًا. م: (وإن كان في المنافع فبينة المستأجر أولى وإن كان فيهما) ش: أي وإن كان الاختلاف في الأجرة والمنافع م: (قبلت بينة كل واحد منهما فيما يدعيه من الفضل، نحو أن يدعي هذا شهرًا بعشرة والمستأجر شهرين بخمسة يقضي شهرين بعشرة) ش: نظرًا إلى كثرة الإثبات م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن اختلفا بعد الاستيفاء) ش: أي بعد استيفاء المعقود عليه م: (لم يتحالفا وكان القول قول المستأجر، وهذا) ش: أي عدم التحالف م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- ظاهر، لأن هلاك المعقود عليه يمنع التحالف عندهما) ش: أي عند أبي يوسف وأبي حنيفة، م: (وكذا على أصل محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني هاهنا م: (لأن الهلاك إنما يمنع) ش: أي التحالف م: (عنده في المبيع لما أن له قيمة تقوم مقامه) ش: لأن العين متقومة بنفسها فكانت القيمة قائمة مقام العين م: (فيتحالفان عليها) ش: أي على القيمة م: (ولو جرى التحالف هاهنا وفسخ العقد، فلا قيمة) ش: حتى يكون التحالف عليها م: (لأن المنافع لا تتقوم بنفسها) ش: لأنها عوض لا يبقى زمانين م: (بل بالعقد) ش: أي بل يتقوم بواسطة العقد م: (وتبين أنه لا عقد) ش: يعني ظهر يخلصهما أن لا عقد بينهما لانفساخه في الأصل، فلا يكون لها قيمة يرد عليها الفسخ. م: (وإذا امتنع) ش: أي التحالف به بالإجماع م: (فالقول للمستأجر مع يمينه، لأنه هو المستحق عليه) ش: ومتى وقع الخلاف في الاستحقاق كان القول قول المستحق عليه مع يمينه م: (وإن اختلفا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 371 بعد استيفاء بعض المعقود عليه تحالفا وفسخ العقد فيما بقي وكان القول في الماضي قول المستأجر لأن العقد ينعقد ساعة فساعة فيصير في كل جزء من المنفعة كان ابتداء العقد عليها بخلاف البيع؛ لأن العقد فيه دفعة واحدة فإذا تعذر في البعض تعذر في الكل. قال: وإذا اختلف المولى والمكاتب في مال الكتابة لم يتحالفا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يتحالفان وتفسخ الكتابة وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه عقد معاوضة يقبل الفسخ فأشبه البيع، والجامع أن المولى يدعي بدلا زائدا ينكره العبد، والعبد يدعي استحقاق المعتق عليه عند أداء القدر الذي يدعيه، والمولى ينكره فيتحالفان كما إذا اختلفا في الثمن. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن البدل مقابل بفك الحجر في حق اليد والتصرف للحال وهو سالم للعبد، وإنما ينقلب مقابلا للعتق عند الأداء فقبله لا مقابلة، فبقي اختلافا في قدر البدل لا غير   [البناية] بعد استيفاء بعض المعقود عليه تحالفا وفسخ العقد فيما بقي، وكان القول في الماضي قول المستأجر) ش: لأنه هو المتفق عليه فيما مضى. وهو المدعى عليه م: (لأن العقد) ش: يعني في الإجارة م: (ينعقد ساعة فساعة فيصير في كل جزء من المنفعة كان ابتداء العقد عليها بخلاف البيع لأن العقد فيه دفعة واحدة، فإذا تعذر في البعض تعذر في الكل) ش: فإذا تعذر الفسخ في بعضه بالهلاك تعذر في الكل ضرورة فظهر الفرق. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا اختلف المولى والمكاتب في مال الكتابة لم يتحالفا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فالقول للعبد مع يمينه م: (وقالا: يتحالفان وتفسخ الكتابة وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه عقد معاوضة يقبل الفسخ فأشبه البيع،) ش: عند الاختلاف في الثمن م: (والجامع) ش: بينهما: م: (أن المولى يدعي بدلًا زائدًا ينكره العبد والعبد المدعي استحقاق المعتق عليه عند أداء القدر الذي يدعيه والمولى ينكر فيتحالفان كما إذا اختلفا) ش: أي المتبايعان م: (في الثمن) ش: أي في ثمن البيع، م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن البدل) ش: أي بدل الكتاب م: (مقابل بفك الحجر في حق اليد والتصرف للحال وهو) ش: أي التصرف م: (سالم للعبد) ش: لاتفاقهما على ثبوت الكتابة. م: (وإنما ينقلب) ش: أي البدل م: (مقابلًا للعتق عند الأداء) ش: يعني إذا أدى بدل الكتابة ينقلب من كونه مقابلًا في الحجر إلى كونه مقابلًا بالحجرية فهاهنا هي المقصود، كما جعل وجوب الأجرة في ابتداء عقد الإجارة مقابلًا برقبة الدار ثم يصير مقابلًا بالمنافع المطلوبة عند حدوثها فكذا هنا م: (فقبله) ش: أي قبل الأداء م: (لا مقابلة، فبقي اختلاف في قدر البدل لا غير) ش: يعني لا في المبدل. والعبد لا يدعي شيئًا بل هو منكر لما يدعيه المولى من الزيادة والقول قول المنكر، فإذا كان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 372 فلا يتحالفان. قال وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت فما يصلح للرجال فهو للرجال كالعمامة. لأن الظاهر شاهد له، وما يصلح للنساء فهو للمرأة كالوقاية لشهادة الظاهر لها، وما يصلح لهما كالآنية فهو للرجل، لأن المرأة وما في يدها في يد الزوج، والقول في الدعاوى لصاحب اليد بخلاف ما يختص بها لأنه   [البناية] كذلك م: (فلا يتحالفان) ش: لان التحالف في المبيع يثبت نصًا بخلاف القياس فلا يلحق به ما ليس في معناه، والكتابة ليست في معنى البيع؛ لأن التحالف في المفاوضات عندنا يتحد بالحقوق اللازمة من الجانبين، وبدل الكتابة ليس بلازم على العبد لقدرته على تعجيز نفسه فيدافع عن نفسه، ولهذا لا تصح الكفالة به ولا يصح إلحاقه بالبيع، فيكون القول للعبد مع يمينه. [اختلف الزوجان في متاع البيت والنكاح بينهما قائم] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت فما يصلح للرجال فهو للرجال كالعمامة) ش: وقال قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت والنكاح بينهما قائم أو طلقها وادعى كل واحد منهما أنه له، قال أصحابنا ما يصلح للرجال مثل العمامة والقلنسوة والخفين والأسلحة والكتب ونحو ذلك، فالقول فيها قول الرجل. م: (لأن الظاهر شاهد له) ش: وفي الدعاوى: القول قول من يشهد له الظاهر، وقال الشافعي وزفر وعثمان الليثي وأصحاب الظاهر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: ما يصلح له أو لها والمشكل فهو بينهما بعد التحالف، وكذا في يد ورقهما. وقال أحمد وابن أبي ليلى والثوري: ما يصلح له فهو له مع يمينه، وما يصلح لها فهو لها مع يمينها والمشكل بينهما نصفان بعد التحالف، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - نحوه، إلا أنه قال: المشكل للرجل، وقال ابن شبرمة: الكل للرجل إلا ما على المرأة من ثياب بدنها: وقال الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان البيت لها فالكل لها مع يمينها، إلا ما على الرجل من ثياب بدنه وإن كان البيت له فالكل له لأن البيت وما فيه في يده م: (وما يصلح للنساء فهو للمرأة كالوقاية) ش: والملاءة، والوقاية ما تشده المرأة على [ ... ] رأسها كالعصابة سميت بذلك لأنها مع الخمار كالملحفة م: (لشهادة الظاهر لها) ش: أي للمرأة م: (وما يصلح لهما) ش: أي للزوجين م: (كالآنية فهو للرجل) ش: وقال قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المشكل ما يصلح لها كالفرن والشاة والعبد والخادم والأواني والأمتعة والذهب والفضة والعقار، وقال التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما يصلح للنساء فهو لها مع اليمين، إلا أن يكون الرجل صائغًا وله أساوير وخواتيم النساء وحلي وخلخال وأمثال ذلك، فحينئذ لا تكون هذه الأشياء لها. وكذلك إذا كانت المرأة تبيع ثياب الرجال كالعمامة [ ... ] والمنطقة م: (لأن المرأة وما في يدها في يد الزوج، والقول في الدعاوى لصاحب اليد بخلاف ما يختص بها، لأنه) ش: أي لأن ظاهر اليد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 373 يعارضه ظاهرا أقوى منه، ولا فرق بين ما إذا كان الاختلاف في حال قيام النكاح أو بعدما وقعت الفرقة فإن مات أحدهما واختلفت ورثته مع الآخر فما يصلح للرجال والنساء فهو للباقي منهما لأن اليد للحي دون الميت، وهذا الذي ذكرناه قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يدفع إلى المرأة ما يجهز به مثلها والباقي للزوج مع يمينه لأن الظاهر أن المرأة تأتي بالجهاز وهذا أقوى فيبطل به ظاهر يد الزوج، ثم في الباقي لا معارض لظاهره فيعتبر، والطلاق والموت سواء لقيام الورثة مقام موروثهم، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما كان للرجال فهو للرجل وما كان للنساء فهو للمرأة، وما يكون لهما فهو للرجل أو لورثته لما قلنا لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] م: (يعارضه ظاهرًا أقوى منه،) ش: وهو بدل الاستعمال فكان القول لها، كرجلين اختلفا في ثوب أحدهما لابسه والآخر متعلق بكمه، فإن اللابس أولى، بخلاف الإسكاف والعطار إذا اختلفا فيه، لأن الأساكفة والعطارين وهي في أيديهما فيكون بينهما نصفين عند علمائنا، ولم يترجح بالاختصاص، لأن المراد به ما هو بالاستعمال لا بالشبهة، ولم يشاهد استعمال الأساكفة والعطارين، وشاهدنا: كون هذه الآن في أيديهما على السواء فجعلناها بينهما نصفين. م: (ولا فرق بين ما إذا كان الاختلاف في حال قيام النكاح أو بعد ما وقعت الفرقة فإن مات أحدهما) ش: أي أحد الزوجين م: (واختلفت ورثته) ش: أي ورثة الميت م: (مع الآخر) ش: وهو الحي منهما م: (فما يصلح للرجال والنساء) ش: كالأواني والبسط ونحوها م: (فهو للباقي منهما) ش: أي من الزوجين م: (لأن اليد للحي دون الميت) ش: لأنه لا يد له. م: (وهذا الذي) ش: وهذا المجموع الذي م: (ذكرناه) ش: من حيث الجملة لا من حيث التفصيل من أول المسألة إلى آخرها م: (قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لأن المذكور من حيث التفصيل ليس قوله خاصة، فإن كون ما يصلح للرجال فهو للرجل وما يصلح للنساء فهو للمرأة بالإجماع فلا اختصاص له بذلك، وعلى هذا قوله: م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ يدفع إلى المرأة ما يجهز به مثلها) ش: معناه مما يصلح لها م: (والباقي للزوج مع يمينه لأن الظاهر أن المرأة تأتي بالجهاز، وهذا) ش: أي ظاهر المرأة م: (أقوى) ش: لجريان العادة بذلك م: (فيبطل به ظاهر يد الزوج، ثم في الباقي لا معارض لظاهره فيعتبر) ش: فكان معتبرًا. م: (والطلاق والموت سواء لقيام الورثة مقام موروثهم، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما كان للرجال فهو للرجل وما كان للنساء فهو للمرأة وما يكون لهما) ش: أي وما كان يصلح للزجين م: (فهو للرجل أو لورثته لما قلنا لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: في "الدليل"، وهو أن المرأة وما في يدها للزوج والقول لصاحب اليد وهذا بالنسبة إلى الحياة، وأما بالنسبة إلى الممات الجزء: 9 ¦ الصفحة: 374 والطلاق والموت سواء لقيام الوارث مقام المورث وإن كان أحدهما مملوكا فالمتاع للحر في حالة الحياة لأن يد الحر أقوى، وللحي بعد الممات لأنه لا يد للميت فخلت يد الحي عن المعارض، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: العبد المأذون له في التجارة والمكاتب بمنزلة الحر لأن لهما يدا معتبرة في الخصومات.   [البناية] فقوله: م: (والطلاق والموت سواء لقيام الوارث مقام المورث) ش: وفي الفوائد، قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ورثة الزوج يقومون مقام الزوج لأنهم خلفاؤه فيما له فكما أن المشكل له في حياته مع يمينه، فكذا كان القول لورثته م: (وإن كان أحدهما) ش: أي أحد الزوجين. م: (مملوكًا فالمتاع للحر في حالة الحياة؛ لأن يد الحر أقوى وللحي بعد الممات لأنه لا يد للميت فخلت يد الحي عن المعارض، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: العبد المأذون له في التجارة والمكاتب بمنزلة الحر لأن لهما يدًا معتبرة في الخصومات) ش: حتى لو اختصم الحر والمكاتب في شيء في يديهما قضى به بينهما لاستوائهما في اليد، ولو كان في يد ثالث وأقام البينة استويا فيه. فكما لا يترجح الحر بالحرية في سائر الخصومات فكذلك في متاع البينة، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله: "وللحي بعد الممات" سواء كان الحي حرًا أو مملوكًا، هكذا ذكره في نسخ " شرح الجامع الصغير ". ولكن ذكر فخر الإسلام شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شروح الجامع الصغير ": لو كان أحدهما حرًا والآخر مملوكًا فالمتاع للحر منهما، وكذا إن مات أحدهما كان المتاع للحر منهما، ثم قال: وما وقع في بعض النسخ "للحي منهما" سهو. وفي رواية محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والزعفراني للحر بالراء، وذكر في " المختصر السراجي السعيد ": ولو كان أحدهما مملوكًا فاختلفا بعد الفرقة في الأمتعة المشكلة فالقول قول الحر لقوة يده عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما: سواء. وذكر في " جامع البزدوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والمتاع للحر منهما غير مقيدة بالمشكل وجرح به في مختلف العقبة، والأقضية أن المتاع كله للحر عنده، وعندهما على التفاصيل التي عرفت فيما إذا كانا حرين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 375 فصل فيمن لا يكون خصما وإن قال المدعى عليه: هذا الشيء أودعنيه فلان الغائب، أو رهنه عندي، أو غصبته منه وأقام بينة على ذلك فلا خصومة بينه وبين المدعي وكذا إذا قال أجرنيه وأقام البينة لأنه أثبت ببينته أن يده ليست بيد خصومة. وقال ابن شبرمة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تندفع الخصومة لأنه تعذر إثبات الملك للغائب لعدم الخصم عنه ودفع الخصومة بناء عليه قلنا: مقتضى البينة شيئان: ثبوت الملك للغائب ولا خصومة فيه فلم يثبت، ودفع خصومة المدعي، وهو خصم   [البناية] [فصل فيمن لا يكون خصما] م: (فصل فيمن لا يكون خصمًا) ش: أي هذا فصل في بيان من لا يكون خصمًا عند الدعوى، ولما ذكر فيما مضى من يكون خصمًا ذكر هنا من لا يكون خصمًا، وبضدها تتبين الأشياء قيل: الفصل مشتملًا أيضًا على ذكر من يكون خصمًا، وأجيب: نعم من حيث الفرق لا من حيث القيد الأصلي م: (وإن قال) ش: و"في بعض النسخ" فإن قال م: (المدعى عليه: هذا الشيء أودعنيه فلان الغائب أو رهنه عندي أو غصبته منه وأقام بينة على ذلك فلا خصومة بينه وبين المدعي) ش: صورته دار أو ثوب في يد إنسان ادعى رجل عليه أنها له، فقال ذو اليد: هو لفلان الغائب أودعنيه.. إلخ. وأقام ذو اليد بينة على ما قاله فلا خصومة بين ذي اليد الذي هو المدعى عليه وبين المدعي. وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله- والشافعي في الأظهر، وقال ابن شبرمة له يندفع به، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المنصوص عليه، م: (وكذا) ش: أي لا خصومة م: (إذا قال) ش: ذو اليد م: (أجرنيه) ش: فلان م: (وأقام البينة لأنه) ش: أي وكذا لأن ذا اليد م: (ثبت ببينته أن يده ليست بيد خصومة. وقال ابن شبرمة:) ش: هو عبد الله بن شبرمة بن الطفيل بن حسان الطبي أبو شبرمة الكوفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - القاضي فقيه أهل الكوفة، عدداه في التابعين، روى عن أنس بن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال العجلي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كان قاضيًا لأبي جعفر على سواد الكوفة وضياعها، وكان فاضلًا ناسكًا ثقة في الحديث، مات سنة أربع وأربعين ومائة. م: (لا تندفع) ش: أي الخصومة م: (لأنه تعذر إثبات الملك للغائب لعدم الخصم عنه) ش: أي عن الغائب، وإثبات الملك للغائب بدون الخصومة متعذر، إذ ليس لأحد ولاية إدخال شيء في ملك غيره بغير رضاه، م: (ودفع الخصومة بناء عليه) ش: أي على إثبات الملك والبناء على المتعذر متعذر م: (قلنا مقتضى البينة شيئان: ثبوت الملك للغائب) ش: أي أحدهما ثبوت الملك للغائب. م: (ولا خصومة فيه فلم يثبت، ودفع خصومة المدعي) ش: أي والثاني: دفع الخصومة عن نفسه م: (وهو خصم فيه) ش: لأن مقصود ذي اليد إثبات أن يده يد حفظ لا يد خصومة، ولا إثبات الملك للغائب أو فيما هو المقصود، والمدعي خصم له فيه فتقبل بينته. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 376 فيه فيثبت وهو كالوكيل بنقل المرأة كإقامتها البينة على الطلاق كما بيناه من قبل، ولا تندفع بدون إقامة البينة كما قاله ابن أبي ليلى؛ لأنه صار خصما بظاهر يده فهو بإقراره يريد أن يحول حقا مستحقا على نفسه فلا يصدق إلا بحجة، كما إذا ادعى تحويل الدين عن ذمته إلى ذمة غيره. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخرا إن كان الرجل صالحا فالجواب كما قلناه، وإن كان معروفا بالحيل لا تندفع عنه الخصومة؛ لأن المحتال من الناس قد يدفع ماله إلى مسافر يودعه إياه. ويشهد عليه الشهود فيحتال لإبطال حق غيره، فإذا اتهمه القاضي به لا يقبله،   [البناية] م: (فيثبت) ش: يد الحفظ م: (وهو كالوكيل بنقل المرأة) ش: إلى زوجها م: (كإقامتها البينة على الطلاق) ش: فإنها تقبل بقصر يد الوكيل عنها، ولم يحكم بوقوع الطلاق ما لم يحضر الغائب م: (كما بيناه من قبل) ش: أي في باب الوكالة بالخصومة. والقبض يعني أن بينة المرأة على الطلقات الثلاث تقبل في حق قصر يد الوكيل عن نقلها لا في حق الطلاق، م: (ولا تندفع) ش: أي الخصومة م: (بدون إقامة البينة كما قاله ابن أبي ليلى) ش: هو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، أبو عبد الرحمن الكوفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الفقيه قاضي الكوفة، فيه مقال، مات سنة ثمان وأربعين ومائة. ومذهبه أنه يخرج من الخصومة بمجرد الدعوى بغير بينة لأنه لا تهمة فيما يقر به على نفسه فيثبت ما أقر به بمجرد إقراره أن يده يد حفظ لا يد خصومة. م: (لأنه صار خصمًا) ش: دليلها يعني توجهت الخصومة إليه م: (بظاهر يده) ش:، وهذا يبين ما كان للقاضي إحضاره ويكتب إليه بالجواب م: (فهو بإقراره يريد أن يحول حقًا مستحقًا على نفسه) ش: فهو متهم في إقراره م: (فلا يصدق إلا بحجة) ش: كما لا يصدق المدعي دعوى الملك إلا بحجة. وكذا م: (كما إذا ادعى تحويل الدين عن ذمته إلى ذمة غيره) ش: بالحوالة، فإنه لا يصدق إلا بحجة. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - آخرا:) ش: تندفع الخصومة كما كانت البينة م: (إن كان الرجل) ش: أي ذو اليد م: (صالحًا) ش: أي غير معروف إلا بالخير والصدق، م: (فالجواب كما قلناه) ش: أي تندفع الخصومة كما قامت البينة، م: (وإن كان معروفًا بالحيل لا تندفع عنه الخصومة لأن المحتال من الناس قد يدفع ماله) ش: أي المال الذي غصبه من إنسان م: (إلى مسافر يودعه إياه ويشهد عليه الشهود) ش: حتى جاء المالك وأراد أن يثبت ملكه م: (فيحتال لإبطال حق غيره) ش: بأن يقيم بينة على أن فلانا أودعه فيبطل حقه وتندفع الخصومة عنه. م: (فإذا اتهمه القاضي به لا يقبله) ش: وقال شيخ الإسلام خواهر زاده في " المبسوط " ما ذهب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 377 ولو قال الشهود: أودعه رجل لا نعرفه لا تندفع عنه الخصومة لاحتمال أن يكون المودع هو هذا المدعي، ولأنه ما أحاله إلى معين ليمكن المدعي من اتباعه، فلو اندفعت لتضرر به المدعي، ولو قالوا: نعرفه بوجهه ولا نعرفه باسمه ونسبه، فكذلك الجواب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - للوجه الثاني، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - تندفع لأنه أثبت بينته أن العين وصل إليه من جهة غيره، حيث عرفه الشهود بوجهه، بخلاف الفصل الأول فلم تكن يده يد خصومة، وهو المقصود، والمدعي هو الذي أضر بنفسه حيث نسي خصمه أو أضره شهوده   [البناية] إليه أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صح استحسان ذهب إليه بعدما ابتلي بالقضاء، لأنه لما رضي بالقضاء فوقف على أحوال الناس ما لا يعرفه غيره، وما قالا قياس، لأن البينات حجج متى قامت يجب العمل بها، ولا يجوز تعطيلها بمجرد الوهم. قلت: زماننا هذا أكثر فسادًا لغلبة التزوير وكثرة الحيل بالاحتياط فيه واجب، م: (ولو قال الشهود: أودعه رجل لا نعرفه لا تندفع عنه الخصومة لاحتمال أن يكون المودع هو هذا المدعي ولأنه) ش: أي ولأن ذي اليد م: (ما أحاله إلى معين ليمكن المدعي من اتباعه، فلو اندفعت الخصومة لتضرر به المدعي، ولو قالوا: نعرفه بوجهه ولا نعرفه باسمه ونسبه فكذلك الجواب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - للوجه الثاني) ش: أي الشهود ما أحاله إلى معين يمكن للمدعي اتباعه. م: (وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تندفع) ش: الخصومة، م: (لأنه أثبت بينته أن العين وصل إليه من جهة غيره، حيث عرفه الشهود بوجهه، بخلاف الفصل الأول) ش: وهو ما إذا قال الشهود أودعه رجل لا نعرفه للعلم بيقين، حينئذ أن المودع غير المدعي، فإذا الشهادة تفيد أن يده ليست بيد خصومة وهو المقصود، م: (فلم تكن يده يد خصومة وهو المقصود، والمدعي هو الذي أضر بنفسه) ش: هذا جواب عن قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو اندفعت الخصومة لتضرر المدعي. ووجهه أن المدعي أضر نفسه بالضرر اللاحق م: (حيث نسي خصمه أو أضره شهوده) ش: أي شهود المدعى عليه، وهذا الاختلاف إنما يكون إذا كانت العين قائمة في يد المدعى عليه، وإليه أشار بقوله: "هذا الشيء أو دعته فلان" فإن الإشارة الحسية لا تكون إلا إلى موجود في الخارج؛ وأما إذا هلكت فلا تندفع الخصومة، وإن أقام البينة لأنها إذا كانت قائمة فذو اليد ينتصب خصما للمدعي في العين بظاهر يده فإن ظاهر اليد يدل على الملك إلا أنه يحتمل أنه ليس يد ملك، وبإقامة البينة أن العين وديعة عنده يظهر أن يده ليست يد ملك فتندفع عنه الخصومة، أما إذا كانت العين هالكة فالدعوى تقع في الدين، ومحل الدين الذمة، فالمدعى عليه يثبت خصمًا للمدعي بذمته وبما أقام المدعي من البينة، على أن العين كانت في يده وديعة لا تبين أن ذمته كانت لغيره، فلا تتحول عنه الخصومة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 378 دون المدعى عليه، وهذه المسألة مخمسة كتاب الدعوى وذكرنا الأقوال الخمسة وإن قال ابتعته من الغائب فهو خصم لأنه لما زعم أن يده يد ملك اعترف بكونه خصما، وإن قال المدعي: غصبته مني أو سرقته مني لا تندفع الخصومة وإن أقام ذو اليد البينة على الوديعة، لأنه إنما صار خصما بدعوى الفعل عليه لا بيده، بخلاف دعوى الملك المطلق لأنه خصم فيه باعتبار يده حتى لا يصح دعواه على غير ذي اليد، ويصح دعوى الفعل وإن قال المدعي سرق مني وقال صاحب اليد: أودعنيه فلان، وأقام البينة لم تندفع الخصومة، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وهو استحسان، وقال محمد: تندفع لأنه لم يدع الفعل عليه فصار كما إذا قال غصب   [البناية] م: (دون المدعى عليه وهذه المسألة مخمسة كتاب الدعوى) ش: أي هذه المسألة من مسائل كتاب الدعوى من "الأصل" تسمى المخمسة لما فيها من خمسة أوجه، لأن ذا اليد قال: هذه وديعة أو عارية أو إجارة أو رهن، أو غصب أو تسمى بخمسة لأن فيها خمسة أقاويل، أشار إليه بقوله: م: (وذكرنا الأقوال الخمسة) ش: لعلمائنا الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ولابن أبي ليلى ولابن شبرمة. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن قال: ابتعته من الغائب فهو خصم) ش: يعني إذا ادعى على ذا اليد عينًا، فقال ذو اليد "اشتريتها من الغائب" لا تندفع الخصومة م: (لأنه لما زعم أن يده يد الملك اعترف بكونه خصمًا) ش: كما لو ادعى ذو اليد ملكًا مطلقًا م: (وإن قال المدعي: "غصبته مني" أو "سرقته مني" لا تندفع الخصومة، وإن أقام ذو اليد البينة على الوديعة) ش: بيانه: أن المدعي إذا ادعى فعلًا على ذي اليد، وقال: الدار داري أودعتها عندك أو استأجرتها مني أو غصبتها مني أو ارتهنتها مني، وقال المدعى عليه الذي في يده الدار: إنها لفلان الغائب أودعها أو غصبتها منه وغير ذلك، وأقام على ذلك البينة؛ فإن الخصومة لا تندفع عنه، م: (لأنه) ش: أي لأن ذا اليد م: (إنما صار خصمًا بدعوى الفعل عليه لا بيده) ش: وصيرورته خصمًا في دعوى الفعل لا يفتقر إلى اليد أصلًا فضلًا عن أن يفتقر إلى ملك ويد خصومة، ولهذا اتضح دعوى الملك المطلق باعتبار يده، حتى لا تصبح دعواه أي دعوى المدعي على غير ذي اليد. ويصح دعوى الفعل على غير ذي اليد م: (بخلاف دعوى الملك) ش: أي دعوى المدعي لما ملك م: (المطلق، لأنه خصم فيه) ش:، أي لأن ذا اليد خصم في دعوى الملك المطلق م: (باعتبار يده حتى لا تصح دعواه) ش: أي دعوى المدعي م: (على غير ذي اليد ويصح دعوى الفعل) ش: أي غير ذي اليد م: (وإن قال المدعي سرق مني وقال صاحب اليد: أودعنيه فلان وأقام البينة لم تندفع الخصومة، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وهو استحسان، وقال محمد: تندفع) ش: أي الخصومة م: (لأنه لم يدع الفعل عليه) ش: أي على ذي اليد. بل هذا دعوى الفعل على مجهول وهي باطلة فألحقت بالعدم م: (فصار كما إذا قال: غصب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 379 مني على ما لم يسم فاعله. ولهما: أن ذكر الفعل يستدعي الفاعل لا محالة، والظاهر أنه هو الذي في يده إلا أنه لم يعينه درءًا للحد شفقة عليه، وإقامة لحسبة الستر فصار كما إذا قال سرقت، بخلاف الغصب لأنه لا حد فيه فلا يحترز عن كشفه، وإن قال المدعي: ابتعته من فلان وقال صاحب اليد: أودعنيه فلان ذلك أسقطت الخصومة بغير بينة، لأنهما لما توافقا على أن أصل الملك فيه لغيره فيكون وصولها إلى ذي اليد من جهته، فلم تكن يده يد خصومة إلا أن يقيم البينة أن فلانًا وكله بقبضه؛ لأنه أثبت بينته كونه أحق بإمساكها والله أعلم.   [البناية] مني على ما لم يسم فاعله) ش: لأن فيه تجهيل الغاصب م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ولأبي يوسف - رحمهما الله-: م: (أن ذكر الفعل يستدعي الفاعل لا محالة) ش: لأن الفعل بدون الفاعل لا يتصور. م: (والظاهر: أنه هو الذي في يده إلا أنه لم يعينه) ش: أي لم يعين السارق م: (درءًا) ش: أي دفعًا م: (للحد شفقة عليه وإقامة لحسبة الستر فصار كما إذا قال: سرقت) ش: بالخطاب المذكر م: (بخلاف الغصب، لأنه لا حد فيه فلا يحترز عن كشفه) ش: فإنه غير معذور في التجهيل م: (وإن قال المدعي ابتعته من فلان وقال صاحب اليد أودعنيه فلان ذلك أسقطت) ش: أي أشد إسقاطًا م: (الخصومة بغير بينة، لأنهما لما توافقا على أن أصل الملك فيه لغيره فيكون وصولها إلى ذي اليد من جهته فلم تكن يده يد خصومة، إلا أن يقيم البينة أن فلانا وكله بقبضه، لأنه أثبت بينته كونه أحق بإمساكها) ش: ولو طلب المدعي بينة على ما ادعى من الإيداع يحلف على الثبات. ولو قال ذو اليد: أودعني وكيله لا يصدق إلا ببينة، لأن الوكالة لا تثبت إلا بقوله، م: (والله أعلم) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 380 باب ما يدعيه الرجلان قال: وإذا ادعى اثنان عينا في يد آخر كل واحد منهما يزعم أنها له وأقاما البينة قضى بها بينهما. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: تهاترتا، وفي قول: يقرع بينهما، لأن إحدى البينتين كاذبة بيقين الاستحالة اجتماع الملكين في الكل في حالة واحدة، وقد تعذر التمييز فيتهاتران أو يصار إلى القرعة؛ لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أقرع فيه، وقال: " اللهم أنت الحكم بينهما ".   [البناية] [باب ما يدعيه الرجلان] م: (باب ما يدعيه الرجلان) ش: أي هذا باب في بيان ما يدعيه الرجلان، ولما فرغ من بيان حكم الواحد شرع في بيان حكم الاثنين؛ لأنه بعد الواحد. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا ادعى اثنان عينًا في يد آخر كل واحد منهما يزعم أنها له وأقاما البينة قضى بها بينهما. وقال الشافعي، في قول: تهاترتا) ش: أي البينتان تساقطتا من التهر بكسر الهاء، وهو السقط من الكلام والخطأ، وهذا قوله القديم، وبه قال مالك في رواية وأحمد في رواية، م: (وفي قول يقرع بينهما) ش: ويقضي لمن خرجت قرعته، وبه قال أحمد في رواية. وفي قول للشافعي وأحمد في رواية: يقضي لمن خرجت قرعته بيمين، وعن مالك: يقضي بأعدل البينتين، فإذا تساويا في العدالة يقسم بينهما نصفين. وقال الأوزاعي وابن الماجشون المالكي: يقضي بأكثرهم عددًا لزيادة طمأنينة القلب إلى قول الأكثر. م: (لأن إحدى البينتين كاذبة بيقين لاستحالة اجتماع المالكين في الكل) ش: يعني في كل العين م: (في حالة واحدة، وقد تعذر التمييز) ش: أي تمييز العادلة من الكاذبة، فإذا كان كذلك م: (فيتهاتران) ش: أي فيتساقطان م: (أو يصار إلى القرعة، لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (أقرع فيه وقال: " اللهم أنت الحكم بينهما ") » ش: هذا رواه الطبراني في " معجمه الأوسط " بإسناده إلى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: «أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شيء فأقام كل واحد منهما البينة، فأقرع بينهما» هكذا ذكر الأترازي لفظه، ولفظ الطبراني: «فأقام كل واحد منهما بشهود عدول في عدة واحدة، فساهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهما، وقال: " اللهم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 381 ولنا حديث تميم بن طرفة «أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ناقة وأقام كل واحد منهما البينة فقضى بها بينهما نصفين» وحديث القرعة كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ، ولأن المطلق للشهادة في حق كل واحد منهما محتمل الوجود بأن يعتمد أحدهما سبب الملك، والآخر اليد، فصحت الشهادتان فيجب العمل بهما ما أمكن، وقد أمكن بالتنصيف، إذ المحل يقبله،   [البناية] اقض بينهما» ، ورواه أبو داود عن ابن المسيب مرسلًا، وكذا رواه عبد الرزاق مرسلًا، ورواه عبد الحق في أحكامه. وقال: وهذا مرسل ضعيف؛ لأن عبد الرزاق رواه عن نعيم بن يحيى الأسلمي، قال: هو متروك. م: (ولنا «حديث تميم بن طرفة أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ناقة وأقام كل واحد منهما البينة، فقضى بها بينهما نصفين) » ش: هذا الحديث رواه ابن أبي شيبة: حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن تميم بن طرفة أن رجلين ...... إلخ، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " عن سماك بن حرب، ورواه البيهقي في كتاب " المعرفة " عن الحاكم بسنده عن أبي عوانة أخبرنا سماك بن حرب به، وقال هذا [ ] . قلت: تميم بن طرفة الطائي المسلمي الكوفي من التابعين الثقات مات سنة خمس وتسعين، وروى عنه مسلم بن طرفة، ولا يحتج بهذا لانقطاعه، ويحتج بحديث أبي هريرة، رواه إسحاق بن راهويه وابن حبان في " صحيحه ": «أن رجلين ادعيا دابة فأقام كل واحد منهما شاهدين فقضى بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهما نصفين» . وروى الطبراني في " معجمه " بإسناده عن جابر بن سمرة: «أن رجلين اختصما إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعير، فأقام كل واحد منهما شاهدين أنه له، فجعله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهما.» م: (وحديث القرعة كان في الابتداء) ش: أي في ابتداء الإسلام م: (ثم نسخ) ش: بما حرم القمار وكان مباحًا، م: (ولأن المطلق) ش: بكسر اللام، أي المجوز م: (للشهادة في حق كل واحد منهما محتمل الوجود بأن يعتمد أحدهما سبب الملك والآخر اليد) ش: أي اعتمد اليد، لأن الشهادة لا تعتمد وجود الملك حقيقة، لأن ذلك يثبت لا يطلع عليه العباد، فجاز أن يكون أحدهما اعتمد شبهة الملك بأن رآه يشتري فشهد على ذلك، والآخر اعتمد اليد فشهد على ذلك م: (فصحت الشهادتان، فيجب العمل بهما ما أمكن، وقد أمكن بالتنصيف، إذ المحل يقبله) ش: أي يقبل التنصيف الجزء: 9 ¦ الصفحة: 382 وإنما ينصف لاستوائهما في سبب الاستحقاق. قال: فإن ادعى كل واحد منهما نكاح امرأة، وأقاما بينة لم يقض بواحدة من البينتين لتعذر العمل بهما؛ لأن المحل لا يقبل الاشتراك. قال: ويرجع إلى تصديق المرأة لأحدهما؛ لأن النكاح مما يحكم به بتصادق الزوجين، وهذا إذا لم تؤقت البينتان، فأما إذا وقتا فصاحب الوقت الأول أولى، وإن أقرت لأحدهما قبل إقامة البينة فهي امرأته لتصادقهما. وإن أقام الآخر البينة قضي بها، لأن البينة أقوى من الإقرار، ولو تفرد أحدهما بالدعوى والمرأة تجحد فأقام البينة وقضى بها القاضي ثم ادعى الآخر وأقام البينة على مثل ذلك لا يحكم بها، لأن القضاء الأول قد صح فلا ينقض بما هو مثله بل هو دونه، إلا أن يؤقت شهود الثاني سابقا، لأنه أظهر الخطأ في الأول بيقين، وكذا إذا كانت.   [البناية] وصار هذا كالمعلل سرجه، نحو إن باع فضولي مال آخر، وباع فضولي من آخر ذلك المال وأجاز مالك البيعين ثبت الملك لكل واحد منهما في النصف، فكذا هذا. م: (وإنما ينصف لاستوائهما في سبب الاستحقاق) ش: إن المدعي قابل للاشتراك، فيستويان في الاستحقاق كالغريمين في الشركة. [ادعى كل واحد منهما نكاح امرأة وأقاما بينة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن ادعى كل واحد منهما نكاح امرأة وأقاما بينة لم يقض بواحدة من البينتين لتعذر العمل بهما؛ لأن المحل لا يقبل الاشتراك. قال:) ش: أي القدوري (ويرجع إلى تصديق المرأة لأحدهما، لأن النكاح مما يحكم به بتصادق الزوجين) ش: قال السعدي: لا يترجح أحدهما إلا بإحدى معان ثلاث: أحدهما: إقرار المرأة، والثاني: كونها في يد أحدهما، والثالث: دخول أحدهما بها إلا أن يقيم الآخر أن نكاحه أسبق، كذا في " الخلاصة ". م: (وهذا) ش: أي الحكم المذكور م: (إذا لم تؤقت البينتان) ش: أي إذا لم يذكر تاريخا، م: (فأما: إذا وقتا) ش: أي ذكر كل واحد منهما تاريخا م: (فصاحب الوقت الأول) ش: أي التاريخ السابق م: (أولى) ش: لما فيه من زيادة الإثبات، ولأنه لا معارض له في ذلك الزمان فقضى به في ذلك الزمان م: (وإن أقرت لأحدهما قبل إقامة البينة فهي امرأته لتصادقهما) ش: على الزوجية؛ لأنها ليست في يد أحد وهي في يد نفسها، فيعتبر إقرارها بالزوجية م: (وإن أقام الآخر البينة قضى بها؛ لأن البينة أقوى من الإقرار) ش: لأن البينة حجة متعدية والإقرار حجة قاصرة. م: (ولو تفرد أحدهما بالدعوى والمرأة تجحد فأقام البينة وقضى بها القاضي ثم ادعى الآخر وأقام البينة على مثل ذلك لا يحكم بها؛ لأن القضاء الأول قد صح فلا ينقض بما هو مثله بل هو دونه) ش: أي دعوى المدعي الآخر مع شهادته دون الأول لاتصال القضاء بالأول م: (إلا أن يؤقت شهود الثاني سابقا) ش: على شهود، فحينئذ ينتقض الأول م: (لأنه أظهر الخطأ في الأول بيقين، وكذا إذا كانت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 383 المرأة في يد الزوج ونكاحه ظاهر لا تقبل بينة الخارج إلا على وجه السبق. قال: ولو ادعى اثنان كل واحد منهما أنه اشترى منه هذا العبد معناه من صاحب اليد وأقاما بينة فكل واحد منهما بالخيار إن شاء أخذ نصف العبد بنصف الثمن، وإن شاء ترك، لأن القاضي يقضي بينهما نصفين لاستوائهما في السبب فصارا كالفضوليين إذا باع كل واحد منهما من رجل وأجاز المالك البيعين يخير كل واحد منهما   [البناية] المرأة في يد الزوج ونكاحه ظاهر لا تقبل بينة الخارج إلا على وجه السبق) ش: أي إلا على وجه: أن بينته تشهد أن نكاحه قبل نكاح الأول، فحينئذ ينتقض نكاح الأول لظهور الخطأ فيه بيقين، وهذا كله إذا كان التنازع حال قيام المرأة، أما إذا كان بعد وفاة المرأة فهذا على وجوه، ولا يعتبر فيه الإقرار واليد، فإن أرخا وتاريخ أحدهما أسبق يقضى بالنكاح له والميراث له ويجب عليه تمام المهر؛ وإن لم يؤرخا أو أرخا على السواء فإنه يقضي بالنكاح بينهما، ويجب على كل واحد من الزوجين نصف المهر ويرثان منهما ميراث زوج واحد. فرق بين الدعوى في حالة الحياة وبين الدعوى بعد الوفاة، والفرق أن المقصود في حالة الحياة هي المرأة وهي لا تصلح مشتركة بينهما، والمقصود بعد الوفاة ميراث ابن كامل لأن البنوة لا تتجزأ. هكذا ذكر في " الفضول ". [ادعى اثنان كل واحد منهما أنه اشترى منه هذا العبد] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولو ادعى اثنان كل واحد منهما أنه اشترى منه هذا العبد) ش: قال المصنف: م: (معناه) ش: أي معنى كلام القدوري م: (من صاحب اليد) ش: إنما قال هذا احترازًا عما سيأتي بعد هذه المسألة وهي أنه لو ادعى كل واحد الشراء من غير ذي اليد فهو لا يخلو إما أن يدعي الشراء من واحد أو اثنين فالحكم على التفصيل يجيء في الكتاب م: (وأقاما بينة) ش: بينة من غير توقيت م: (كل واحد منهما بالخيار إن شاء أخذ نصف العبد بنصف الثمن وإن شاء ترك؛ لأن القاضي يقضي بينهما نصفين لاستوائهما في السبب) ش: وبه قال مالك في رواية، وأحمد في رواية، والشافعي في رواية - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول آخر: يقرع؛ وبه قال أحمد في رواية. وعن الشافعي قول: " تسقط البينتان " ويرجع إلى البائع فإن صدق أحدهما سلم إليه، وهل يحلف الآخر على القولين؟ والأصح لا يرجح بإقرار البائع. وبه قال أكثر أصحابه بل يقسم نصفين أو يقرع، م: (فصار كالفضوليين إذا باع كل واحد منهما من رجل، وأجاز المالك البيعين) ش: قضى بينهما نصفين م: (يخير كل واحد منهما) ش: أي من الاثنين الذي ادعى كل واحد أنه اشترى هذا العبد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 384 لأنه تغير عليه شرط عقده، فلعل رغبته في تملك الكل فيرده ويأخذ كل الثمن لو أراد. وإن قضى القاضي به بينهما فقال أحدهما: لا أختار النصف لم يكن للآخر أن يأخذ جميعه، لأنه صار مقضيا عليه في النصف فانفسخ البيع فيه، وهذا لأنه خصم فيه لظهور استحقاقه بالبينة لولا بينة صاحبه، بخلاف ما لو قال ذلك قبل تخيير القاضي حيث يكون له أن يأخذ الجميع؛ لأنه يدعي الكل ولم يفسخ سببه والعود إلى النصف   [البناية] لأنه تغير عليه شرط عقده، فلعل رغبته في تملك الكل فيرده ويأخذ كل الثمن لو أراد. وإن قضى القاضي به بينهما فقال أحدهما: لا أختار النصف لم يكن للآخر أن يأخذ جميعه، لأنه صار مقضيا عليه في النصف فانفسخ البيع فيه، وهذا لأنه خصم فيه لظهور استحقاقه بالبينة لولا بينة صاحبه، بخلاف ما لو قال ذلك قبل تخيير القاضي حيث يكون له أن يأخذ الجميع؛ لأنه يدعي الكل ولم يفسخ سببه والعود إلى النصف م: (لأنه تغير عليه شرط عقده) ش: وهو رضاه، لأنه ما رضي بالعقد إلا ليسلم له كل المبيع، فإذا لم يسلم اختل رضاه بتفريق المصنفة عليه م: (فلعل رغبته في تملك الكل) ش: أي كل العبد م: (فيرده ويأخذ كل الثمن) . ش: فإن قيل: كذب أحد البينتين متيقن لاستحالة توارد العقدين على عين واحدة كاملا في وقت واحد، فينبغي أن تبطل البينات؟. أجيب: بأنهم لم يشهدوا بكونهما في وقت واحد، بل شهدوا بنفس العقد، فجاز أن يكون كل منهم اعتمد سببا في وقت أطلق له الشهادة به م: (لو أراد) . م: (وإن قضى القاضي به بينهما فقال أحدهما: لا أختار النصف لم يكن للآخر أن يأخذ جميعه لأنه صار مقضيا عليه في النصف، فانفسخ البيع فيه) ش: أي في النصف، لأنه صار مقضيا عليه بالنصف لما قضى القاضي بينهما بالبيع تضمن قضاؤه فسخ العقد في حق كل واحد منهما في النصف، فلا يعود إلا بتجديد العقد، م: (وهذا لأنه خصم فيه لظهور استحقاقه) ش: أي لثبوت استحقاقه م: (بالبينة) ش: وهذا جواب عما يقال: وهو يدع، فكيف يكون مقضيا عليه؟، فأجاب: بقوله " لظهور استحقاقه "، أي لثبوت استحقاقه بالبينة، وهذا لأن استحقاق كل واحد للكل ثابت نظرا إلى بينته، وإذا لم يظهر في النصف لوجود بينة صاحبه " وهو معنى قوله: م: (لولا بينة صاحبه) ش: يعني لولا بينة صاحبه أظهر استحقاقه في الكل وقد انفسخ بقضاء القاضي لا يعود إلا بإسناد جديد. م: (بخلاف ما لو قال ذلك) ش: أي قوله " لا أختار " م: (قبل تخيير القاضي) ش: وهو القضاء عليه م: (حيث يكون له أن يأخذ الجميع لأنه يدعي الكل ولم يفسخ سببه) ش: أي أثبت شراءه في الكل بالبينة ولم يفسخ القاضي بيعه في شيء، وإنما كان القضاء له بالنصف لمزاحمة صاحبه له، فإذا زالت المزاحمة قضى له بالكل. وفي نسخة شيخي العلامة العلاء بعد قوله " ولم يفسخ سببه " م: (والعود إلى النصف الجزء: 9 ¦ الصفحة: 385 للمزاحمة ولم توجد، ونظيره تسليم أحد الشفيعين قبل القضاء، ونظير الأول تسليمه بعد القضاء. ولو ذكر كل واحد منهما تاريخا فهو للأول منهما، لأنه أثبت الشراء في زمان لا ينازعه فيه أحد، فاندفع الآخر به. ولو وقتت إحداهما ولم تؤقت الأخرى فهو لصاحب الوقت لثبوت الملك في ذلك الوقت، واحتمل الآخر أن يكون قبله أو بعده فلا يقضى له بالشك، وإن لم يذكرا تاريخا ومع أحدهما قبض فهو أولى، ومعناه أنه في يده   [البناية] للمزاحمة ولم توجد، ونظيره تسليم أحد الشفيعين قبل القضاء، ونظير الأول تسليمه بعد القضاء) ش: انتهى بيانه فيما ذكرنا الآن بقولنا: لأن القضاء له بالنصف إلى آخر قوله: ونظيره إلى نظير ما إذا قال أحد المدعيين: لا أختار الأخذ قبل تخيير القاضي، حيث يكون للآخر أخذ الجميع تسليم أحد الشفيعين، يعني إذا سلم أحدهما قبل القضاء يقضي للآخر بجيمع الدار إن سلم بعد القضاء لا يكون للآخر إلا نصف الدار وهو معنى قوله: نظائر الأول تسليمه بعد القضاء. م: (ولو ذكرنا كل واحد منهما تاريخا) ش: أي من الاثنين اللذين ادعى كل واحد منهما أنه اشترى منه هذا العبد وأقام كل منهما بينة بالتاريخ م: (فهو للأول منهما) ش: أي للأسبق منهما بالتاريخ، وبه قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، واختاره المزني ويحكم من نص الشافعي في قول البويطي: أنه لا ترجيح فيه بالسبق م: (لأنه) ش: أي لأن الذي قامت بينته بالسبق م: (أثبت الشراء في زمان لا ينازعه فيه أحد فاندفع الآخر به) ش: أي اندفع الآخر من الاثنين المذكورين به، أي بإثبات الشراء في زمن لا تعارضه البينة الأخرى، وهو استحقها في ذلك الوقت، فتبين أن الآخر اشتراه من غير المالك، فكان باطلا بخلاف ما إذا كانت البينتان مطلقتين ومؤرختين بتاريخ واحد، فإنه لا يعلم شراء أحدهما من غير المالك، فتعارضتا. م: (ولو وقتت إحداهما) ش: أي ولو ذكر أحد البينتين التاريخ م: ولم تؤقت الأخرى) ش: أي البينة الأخرى م: (فهو لصاحب الوقت) ش: وبه قال مالك والشافعي في قول، وفي قول أحدهما سواء، وبه قال أحمد م: (لثبوت الملك) ش: أي ملك صاحب الوقت م: (في ذلك الوقت، واحتمل الآخر) ش: أي الوقت الآخر م: (أن يكون قبله) ش: أي قبل الوقت الأول م: (أو بعده) ش: أو يكون بعد الوقت الأول، فإذا كان كذلك م: (فلا يقضى له بالشك) ش: لأن الحكم لا يثبت بالشك. م: (وإن لم يذكرا تاريخا ومع أحدهما قبض فهو أولى) ش: هذا كلام القدوري، وقال المصنف: م: (ومعناه) ش: أي معنى كلام القدوري ومع أحدهما قبض م: (أنه في يده) ش: أي القبض ثابت في يد معاينة، وإنما احتاج إلى التفسير بهذا لأن قوله " ومع أحدهما قبض " يجوز أن يحمل على أن يكون معناه أثبت قبضه بالبينة فيما مضى من الزمان، وهو في الحال في يد البائع. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 386 لأن تمكنه من قبضه يدل على سبق شرائه، ولأنهما استويا في الإثبات فلا تنقض اليد الثابتة بالشك، وكذا لو ذكر الآخر وقتا لما بيناه إلا أن يشهدوا أن شراءه كان قبل شراء صاحب اليد؛ لأن الصريح يفوق الدلالة. قال: وإن ادعى أحدهما شراء الآخر هبة وقبضا معناه من واحد وأقاما بينة ولا تاريخ معهما فالشراء أولى، لأن الشراء أقوى لكونه معاوضة من الجانبين، ولأنه يثبت الملك بنفسه، والملك في الهبة يتوقف على القبض وكذا الشراء والصدقة مع القبض لما بينا، والهبة والقبض والصدقة مع القبض سواء حتى يقضى بينهما لاستوائهما في وجه التبرع ولا ترجيح باللزوم؛ لأنه يرجع إلى المال؛   [البناية] ويجوز أن يكون الحكم هناك على خلاف هذا، حيث ذكر في " الذخيرة " ثبوت يد أحدهما بالمعاينة، م: (لأن تمكنه من قبضه يدل على سبق شرائه، ولأنهما) ش: أي ولأن الاثنين م: (استويا في الإثبات فلا تنقض اليد الثابتة بالشك، وكذا إذا ذكر الآخر وقتا) ش: أي إذا ذكر بينة الآخر وقتا لم ينتفع به ولا يعلم فيه خلاف، لأن القبض إذا وجد ولم ينتقض بالشك ووقت الآخر يحتمل، فلا ينتقض اليد الثابتة بيقين م: (لما بيناه) ش: أشار به إلى قوله لأن تمكنه من قبضة ...... إلخ. م: (إلا أن يشهدوا) ش: أي الشهود الخارج م: (أن شراءه كان قبل شراء صاحب اليد لأن الصريح يفوق الدلالة) ش: فإذا كان كذلك فينتقض به إليه. [ادعى أحدهما شراء والآخر هبة وقبضا وأقاما بينة ولا تاريخ معهما] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن ادعى أحدهما شراء والآخر هبة وقبضا) ش: أي ادعى هبة وقبضا، وهذا كلام القدوري. وقال المصنف: م: (معناه من واحد) ش: أي كلام القدوري من رجل واحد، لأنه إذا ادعى كل واحد منهما تلقى الملك من رجل آخر يكون بينهما نصفين، فلا يكون الشراء أولى وسيجيء ذلك، م: (وأقاما بينة) ش: إن أقام كل واحد بينة بما ادعاه م: (ولا تاريخ معهما) ش:، أو والحال أن واحدا منهما ليس معه تاريخ م: (فالشراء أولى، لأن الشراء أقوى لكونه معاوضة من الجانبين) ش: أي من جانب البائع وجانب المشتري بخلاف الهبة فإنها ليست بمعاوضة. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الشراء م: (يثبت الملك بنفسه، والملك في الهبة يتوقف على القبض) ش: لأنها لا تتم إلا بالقبض، م: (وكذا الشراء والصدقة مع القبض) ش: يعني إذا ادعى أحدهما الشراء والآخر ادعى الصدقة مع القبض م: (لما بينا) ش: أشار بها إلى قوله: " لأن الشراء أقوى من الهبة " م: (والهبة والقبض والصدقة مع القبض سواء حتى يقضى بينهما لاستوائهما في وجه التبرع) ش: والافتقار إلى القبض، م: (ولا ترجيح باللزوم) ش: هذا جواب عما يقال: لا نسلم التساوي، فإن الصدقة لازمة لا تقبل الرجوع دون الهبة. وتقرير الجواب: أنه لا ترجيح باللزوم؛ م: (لأنه يرجع إلى المال) ش: أي مما يظهر أثره في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 387 والترجيح بمعنى قائم في الحال. وهذا فيما لا يحتمل القسمة صحيح، وكذا فيما يحتملها عند البعض؛ لأن الشيوع طارئ. وعند البعض: لا يصح لأنه تنفيذ الهبة في الشائع. قال: وإذا ادعى أحدهما الشراء وادعت امرأة أنه تزوجها عليه فهما سواء لاستوائهما في القوة، فإن كل واحد منهما معاوضة يثبت الملك بنفسه،   [البناية] ثاني الحال، إذ اللزوم عبارة عن عدم صحة الرجوع في المستقبل م: (والترجيح بمعنى قائم في الحال) ش: يعني الأصل أن الترجيح إنما يكون بمعنى قائم في الحال لا في المال. وقال شيخ الإسلام علاء الدين الإسبيجاني: إن الشراء أقوى من الهبة، لأنه يقبل الملك بنفسه والهبة لا تقبل الملك بدون القبض، وكذا الشراء أولى من الصدقة والرهن والنكاح عليها في قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذلك قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إلا في الشراء والنكاح فإنها تكون بينهما نصفين، والرهن أولى من الهبة، والصدقة والنكاح أولى من الهبة، والصدقة والهبة سواء. م: (وهذا) ش: أي الحكم بالتنصيف بينهما م: (فيما لا يحتمل القسمة صحيح) ش: كالحمام والرحى، م: (وكذا فيما يحتملها) ش: أي فيما يحتمل القسمة كالدار والبستان صحيح م: (عند البعض) ش: لأن كل واحد يثبت استحقاقه في الكل، إلا أنه لأجل المزاحمة سلم له البعض م: (لأن الشيوع طارئ) ش: فلا تبطل الهبة م: (وعند البعض: لايصح، لأنه تنفيذ الهبة في الشائع) ش: وصار كإقامة البينتين على الارتهان. قيل: هذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أما عند أبي يوسف ومحمد: فينبغي أن يقضى لكل واحد منهما بالنصف على قياس هبة الدار لرجلين، م: (وهذا أصح) ش: أي قول البعض أصح، يعنى لا يصح في قولهم جميعا، لأنا لو قضينا لكل واحد منهما بالنصف على قياس هبة الدار، فإنما يقضى بالعقد الذي شهد به شهوده، وعند اختلاف العقد لا تجوز الهبة لرجلين عندهم جميعا، وإنما يثبت الملك بقضاء القاضي وتمكن الشيوع في الملك المستفاد بالهبة مانع صحتها. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا ادعى أحدهما الشراء وادعت امرأة أنه تزوجها عليه) ش: صورته: ادعى أحد الاثنين أنه اشترى هذا العبد من فلان ذي اليد، وادعت امرأة أنه، أي هذا المدعى عليه، تزوجها عليه أي على العبد، وأقام كل منهما البينة م: (فهما سواء) ش: يعني المدعي والمرأة سواء، يعني يقضى بالعبد بينهما نصفين م: (لاستوائهما في القوة) ش: أي في قوة الدعوة بالبينة، ثم أوضح ذلك بقوله: م: (فإن كل واحد منهما) ش: أي من الشراء والتزوج م: (معاوضة يثبت الملك بنفسه) ش: فتحقق المساواة بينهما في الاستحقاق، هذا إذا لم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 388 وهذا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشراء أولى، ولهما على الزوج القيمة لأنه أمكن العمل بالبينتين بتقديم الشراء إذ التزوج على عين مملوك للغير صحيح وتجب قيمته عند تعذر تسليمه. وإن ادعى أحدهما رهنا وقبضا والآخر هبة وقبضا وأقاما بينة فالرهن أولى، وهذا استحسان. وفي القياس الهبة أولى؛ لأنها تثبت الملك، والرهن لا يثبته. وجه الاستحسان أن المقبوض بحكم الرهن مضمون، وبحكم الهبة غير مضمون، وعقد الضمان أقوى، بخلاف الهبة بشرط العوض لأنه بيع انتهاء والبيع أولى   [البناية] يؤرخا، أو أرخا وتاريخهما سواء، وإذا أرخا وتاريخ أحدهما أسبق فالسابق أولى. فإن قيل: الشراء مبادلة مال بمال موجب للضمان في الموضعين، والنكاح مبادلة مال بما ليس بمال غير موجب الضمان في المنكوحة، فكان الشراء أقوى؟. قلنا: بل النكاح أقوى من الشراء من وجه، لأن الملك في الصداق يثبت بنفس العقد متأكدا حتى لا يبطل بالهلاك قبل التسليم، بخلاف الملك في المشتري ويجوز التصرف في الصداق قبل القبض، بخلاف المشتري فإن لم يرجح جانب النكاح بهذا فلا أقل من المساواة. ثم للمرأة نصف القيمة على الزوج، ويرجع المشتري عليه بنصف الثمن إن كان نقد إياه. م: (وهذا) ش: أي قوله: " فهما سواء، أو يقضى بينهما " م: (عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشراء أولى، ولهما) ش: أي للمرأة م: (على الزوج القيمة) ش: أي قيمة العبد م: (لأنه أمكن العمل بالبينتين) ش: لأن تصحيح البينات واجب ما أمكن حسنا للظن بالشهود، وذلك م: (بتقديم الشراء) ش: فتحا بسبق الشراء صح، وصحة التسمية في النكاح، لأن التزوج على عبد الغير صحيح، وهو معنى قوله: م: (إذ التزوج على عين مملوك للغير صحيح وتجب قيمته عند تعذر تسليمه) ش: ومتى قلنا بسبق النكاح بطل البيع، فإذا كان كذلك قلنا بسبق الشراء، لأنه يقضي إلى تصحيح البينتين جميعا، فكان الشراء أولى، ووجب للمرأة على الزوج قيمة ذلك، لأن من تزوج امرأة على عبد الغير صح، ووجبت القيمة فكذلك هذا. [ادعى أحدهما رهنا وقبضا والآخر هبة وقبضا وأقاما بينة] م: (وإذا ادعى أحدهما رهنا وقبضا والآخر هبة وقبضا وأقاما بينة فالرهن أولى، وهذا استحسان. وفي القياس الهبة أولى؛ لأنها تثبت الملك والرهن لا يثبته) ش: لأن الرهن يثبت اليد، والملك أقوى من اليد، فكانت الهبة أولى. م: (وجه الاستحسان: أن المقبوض بحكم الرهن مضمون) ش: ولهذا قلنا: إن الرهن مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين، م: (وبحكم الهبة) ش: أي المقبوض بحكم الهبة م: (غير مضمون، وعقد الضمان أقوى) ش: لأنه أكثر إثباتا م: (بخلاف الهبة بشرط العوض لأنه بيع انتهاء، والبيع أولى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 389 من الرهن؛ لأنه عقد ضمان يثبت الملك صورة ومعنى، والرهن لا يثبت إلا عند الهلاك معنى لا صورة، فكذا الهبة بشرط العوض، وإن أقام الخارجان البينة على الملك والتاريخ فصاحب التاريخ والأقدم أولى لأنه أثبت أنه أولى المالكين فلا يتلقى الملك إلا من جهته، ولم يتلق الآخر منه قال: ولو ادعيا الشراء من واحد معناه من غير صاحب اليد وأقاما البينة على تاريخين فالأول أولى لما بينا أنه أثبته في وقت لا منازع له فيه.   [البناية] من الرهن لأنه) ش: أي لأن البيع م: (عقد ضمان يثبت الملك صورة) ش: أي من حيث الصورة في الحال م: (ومعنى) ش: أي من حيث المعنى في المال م: (والرهن لا يثبته) ش: أي الملك م: (إلا عند الهلاك معنى) ش: أي من حيث المعنى، يعني إذا هلك حتى لو مات العبد المرهون يجب الكفن على الراهن دون المرتهن، لأنه لم يثبت ملكه، وقوله: م: (لا صورة) ش: أي لا من حيث الصورة في الحال م: (فكذا الهبة بشرط العوض) ش: أي وكذا أقوى من الرهن لما ذكرنا الآن. م: (وإن أقام الخارجان البينة على الملك) ش: صورته إذا ادعى اثنان على آخر في عين وأقام كل منهما بينة على الملك يعني بأنه ملكه مطلقاً م: والتاريخ) ش: بأن شهد بينة كل منهما بالتاريخ م: (فصاحب التاريخ الأقدم أولى) ش: فإن كان تاريخ أحدهما شهر مثلا، وتاريخ الآخر بأكثر منه فيهما كان السابق في التاريخ أولى م: (لأنه أثبت أنه أولى المالكين، فلا يتلقى الملك إلا من جهته) ش: أي إلا من جهة أنه أول المالكين، م: (ولم يتلق الآخر منه) ش: فلا شيء له. [ادعى كل منهما أنه اشترى هذه العين من واحد] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولو ادعيا الشراء من واحد) ش: أي ادعى كل منهما أنه اشترى هذه العين من واحد، كذا قال القدوري. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (معناه) ش: أي معنى قول القدوري من واحد م: (من غير صاحب اليد) . ش قال الأترازي: فيه نظر، لأن معنى دعوى الشراء من واحد معنى تلقي الشراء من واحد لا من اثنين، وذلك الواحد هو الثالث ثم بعد ذلك لا يخلو إما أن تكون العين التي وقع فيها الدعوى في يد ذلك الثالث، أو في يد أحدهما، أو في أيديهما، ولا معنى لقوله: " معناه من غير صاحب اليد "، انتهى. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: في تقييده بهذا القيد، معناه من غير صاحب اليد ليست زيادة فائدة، فإن في الحكم المرتب عليه وفي سائر الأحكام لا يتفاوت أن يكون دعواها الشراء من صاحب اليد أو غيره بعد أن يكون البائع وجد أو لا يعلم فيه خلافا، ذكره في " الذخيرة " م: (وأقاما البينة على تاريخين) ش: أي أو أقام المدعيان المذكوران بينة على تاريخين مختلفين، م: (فالأول) ش: أي صاحب التاريخ الأول م: (أولى لما بينا أنه أثبته في وقت لا منازع له فيه) ش: أي في ذلك الوقت. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 390 وإن أقام كل واحد منهما البينة على الشراء من آخر، وذكرا تاريخا فهما سواء، لأنهما يثبتان الملك لبائعيهما، فيصير كأنهما حضرا ثم يخير كل منهما كما ذكرنا من قبل. ولو وقتت إحدى البينتين وقتا ولم توقت الأخرى قضى بينهما نصفين، لأن توقيت إحداهما لا يدل على تقدم الملك لجواز أن يكون الآخر أقدم، بخلاف ما إذا كان البائع واحدا لأنهما اتفقا على أن الملك لا يتلقى إلا من جهته، فإذا أثبت أحدهما بالبينة تاريخا يحكم به حتى يتبين أنه تقدمه شراء غيره. ولو ادعى أحدهما الشراء من رجل والآخر الهبة والقبض من غيره، والثالث الميراث من أبيه، والرابع الصدقة والقبض من آخر فقضى بينهم أرباعا، لأنهم يتلقون الملك من باعتهم فيجعل كأنهم حضروا وأقاموا البينة على الملك المطلق. قال: فإن أقام الخارج البينة على ملك مؤرخ ولصاحب اليد بينة على ملك أقدم تاريخا كان أولى، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وهو رواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] م: (وإن أقام كل واحد منهما البينة على الشراء) ش: أي على كل واحد اشترى م: (من آخر) ش: أي أقام أحدهما على الشراء من زيد مثلا، وآخر على الشراء من عمرو م: (وذكرا تاريخا) ش: واحدا م: (فهما سواء، لأنهما يثبتان الملك لبائعيهما فيصير كأنهما حضرا) ش: وادعيا وتاريخا واحدا م: (ثم يخير كل واحد منهما كما ذكرنا من قبل) ش: أن كل واحد منهما بالخيار إن شاء أخذ نصف العبد بنصف الثمن، وإن شاء ترك. م: (ولو وقتت إحدى البينتين وقتا ولم توقت الأخرى قضى بينهما نصفين؛ لأن توقيت إحداهما لا يدل على تقدم الملك لجواز أن يكون الآخر أقدم، بخلاف ما إذا كان البائع واحدا، لأنهما اتفقا على أن الملك لا يتلقى إلا من جهته، فإذا أثبت أحدهما بالبينة تاريخا يحكم به حتى يتبين أنه تقدمه شراء غيره، ولو ادعى أحدهما الشراء من رجل والآخر) ش: أي وادعى الآخر م: (الهبة والقبض من غيره، والثالث) ش: وادعى الثالث م: (الميراث من أبية، والرابع) ش: أي وادعى الرابع م: (الصدقة والقبض من آخر) ش: وأقاموا البينة م: (فقضى بينهم أرباعا؛ لأنهم يتلقون الملك من باعتهم) . ش: وفي بعض النسخ: م: (من باعتهم) ش: كلاهما بطريق التغليب، لأن البائع واحد من المالكين الأربع، فكان المراد من مملكتهم. وفي بعض النسخ: من متلقيهم استدلالا بلفظ يتلقون، وكذا في نسخة شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (فيجعل كأنهم حضروا وأقاموا البينة على الملك المطلق) ش: لأنهم استووا في دعوى الملك، وقد اثبتوه بالحجة، فيوزع بينهم. [أقام الخارج البينة على ملك مؤرخ وصاحب اليد بينة على ملك أقدم تاريخا] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن أقام الخارج البينة على ملك مؤرخ وصاحب اليد بينة) ش: أي أقام البينة م: (على ملك أقدم تاريخا كان أولى) ش: وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وهو رواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 9 ¦ الصفحة: 391 وعنه - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا تقبل بينة ذي اليد رجع إليه، لأن البينتين قامتا على مطلق الملك، ولم يتعرضا لجهة الملك، فكان التقدم والتأخر سواء. ولهما: أن البينة مع التاريخ متضمنة معنى الدفع، فإن الملك إذا ثبت لشخص في وقت فثبوته لغيره بعده لا يكون إلا بالتلقي من جهته، وبينة ذي اليد على الدفع مقبولة. وعلى هذا الاختلاف لو كانت الدار في أيديهما والمعنى ما بيناه. ولو أقام الخارج وذو اليد البينة على ملك مطلق، ووقتت   [البناية] وعنه - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه لا تقبل بينة ذي اليد رجع إليه) ش: أي رجع محمد إلى القول بأن بينة ذي اليد في الصور كلها لا تقبل إلا في النتاج، وعند الأئمة الثلاثة: بينة ذي اليد أولى في كل الوجوه لترجحها باليد، وفي " المبسوط "، ذكر ابن سماعة في " نوادره ": أن محمداً رجع عن هذا القول بعد انصرافه من الرقة. وقال: لا أقبل من ذي اليد بينة على تاريخ، ولا عبرة للتاريخ إلا في النتاج وما في معناه، لأن التاريخ ليس بسبب الأولية الملك، بخلاف النتاج م: (لأن البينتين قامتا على مطلق الملك، ولم يتعرضا لجهة الملك) ش: يعني بالشراء ونحوه، وهو معنى قوله: م: (فكان التقدم والتأخر سواء) ش: يعني في التاريخ، لأن التاريخ لا يدل على صفة الملك أولا وآخراً أو صار وجوده وعدمه سواء لا يملك على صفة الملك أولا وأخيراً، فصار وجوده وعدمه سواء. وقال الكاكي: قوله " لم يتعرضا لجهة الملك " احترازا عما لو قامتا على تاريخ في الشراء أو أحدهما أسبق فالأسبق أولى، سواء كان البائع واحدا أو اثنين عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله - م: (أن البينة مع التاريخ متضمنة معنى الدفع) ش: أي دفع بينة الخارج على معنى أنها لا تصح إلا بعد إثبات تلقي الملك من قبله. م: (فإن الملك إذا ثبت لشخص في وقت فثبوته لغيره بعده لا يكون إلا بالتلقي من جهته) ش: أي من جهة ذلك الشخص م: (وبينة ذي اليد على الدفع) ش: أي دفع الخصومة م: (مقبولة) ش: فإن من ادعى على ذي اليد عينا وأنكر ذو اليد ذلك وأقام البينة أنه اشتراه منه تندفع الخصومة. م: (وعلى هذا الاختلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وأبي يوسف وبين محمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لو كانت الدار في أيديهما) ش: فتوقتا، فصاحب الوقت الأقدم أولى عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد لا عبرة بالوقت م: (والمعنى ما بيناه) ش: أراد به ما ذكره من الدليل في الطرفين. م: (ولو أقام الخارج وذو اليد البينة على ملك مطلق) ش: يعنى من غير ذكر سبب م: (ووقتت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 392 أحدهما دون الأخرى، فعلى قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رحمهما الله - الخارج أولى. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية عن أبي حنيفة صاحب الوقت أول؛ لأنه أقدم فصار كما في دعوى الشراء إذا أرخت: إحداهما كان صاحب التاريخ أولى. ولهما: أن بينة ذي اليد إنما تقبل لتضمنها معنى الدفع، ولا دفع ههنا حيث وقع الشك في التلقي من جهته، وعلى هذا إذا كانت الدار في أيديهما. ولو كانت في يد ثالث والمسألة بحالها فهما سواء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف: الذي وقت أولى. وقال محمد: الذي أطلق أولى؛ لأنه ادعى أولية الملك بدليل استحقاق الزوائد ورجوع الباعة بعضهم على البعض.   [البناية] أحدهما) ش: أي أحد البينتين م: (دون الأخرى، فعلى قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - الخارج أولى. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو رواية عن أبي حنيفة صاحب الوقت أول؛ لأنه أقدم) ش: لأن بينته قد دلت على تقدم الملك، فكانت أولى م: (فصار كما في دعوى الشراء إذا أرخت إحداهما) ش: يعني إذا ادعيا من واحد وأرخ أحدهما يقضي للمؤرخ، وهو معنى قوله: م: (كان صاحب التاريخ أولى) . ش: م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: م: (أن بينة ذي اليد إنما تقبل لتضمنها معنى الدفع، ولا دفع ههنا) ش: لأنه إنما يكون إذا تعين التلقي من جهة، وها هنا لم يتعين م: (حيث وقع الشك في التلقي من جهته) ش: أي من جهة ذي اليد، لأن بذكر تاريخ أحدهما لم يحصل اليقين بأن الآخر تلقاه من جهة الإمكان أن الأخرى إذا وقتت كانت أقدم تاريخاً، م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الخلاف م: (إذا كانت الدار في أيديهما) ش: وأرخت إحداهما على ملك مؤرخ، والأخرى على مطلق الملك فقط سقط التاريخ عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله - خلافاً لأبي يوسف فإنه يقول الذي وقت أولى. م: (ولو كانت) ش: أي الدار م: (في يد ثالث، والمسألة بحالها) ش: أي أرخت إحداهما فقط م: (فهما سواء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي الخارجان سواء عنده، وبه قال الشافعي في الأصح، ومالك وأحمد. م: (وقال أبي يوسف: الذي وقت أولى. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الذي أطلق أولى لأنه) ش: أي لأن الإطلاق م: (ادعى أولية الملك) ش: فيدل على ملك الأصل، م: (بدليل استحقاق الزوائد) ش: المتصلة كالسمن، والمنفصلة كالأكساب والأولاد، يعني إذا ادعى رجل ملكاً مطلقاً كانت الزوائد كلها له، م: (ورجوع الباعة بعضهم على بعض) ش: أي وبدليل رجوع البائعين بعضهم على بعض عند استحقاق الملك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 393 ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن التاريخ يوجب الملك في ذلك الوقت بيقين، والإطلاق يحتمل غير الأولية، والترجيح بالتيقن كما لو ادعيا الشراء. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن التاريخ يضامه احتمال عدم التقدم، فسقط اعتباره، فصار كما إذا أقاما البينة على ملك مطلق، بخلاف الشراء لأنه أمر حادث، فيضاف إلى أقرب الأوقات، فيترجح جانب صاحب التاريخ. قال: وإن أقام الخارج وصاحب اليد كل واحد منهما بينة على النتاج فصاحب اليد أولى، لأن البينة قامت على ما لا تدل عليه اليد، فاستويا وترجحت بينة ذي اليد باليد، فيقضى له وهذا هو الصحيح، خلافا لما يقوله عيسى بن أبان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه تتهاتر البينتان ويترك في يده لا على طريق القضاء،   [البناية] م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن التاريخ يوجب الملك في ذلك الوقت بيقين، والإطلاق) ش: يعني من غير التاريخ م: (يحتمل غير الأولية، والترجيح بالتيقن) ش: يعني العمل باليقين راجح على المحتمل م: (كما لو ادعيا الشراء) ش: أولاً أحدهما دون الآخر، كان صاحب التاريخ أولى. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن التاريخ يضامه) ش: يعني يزاحمه م: (احتمال عدم التقدم فسقط اعتباره) ش: أي اعتبار التاريخ م: (فصار كما إذا أقاما البينة على ملك مطلق) ش: ولم يؤرخا كان بينهما م: (بخلاف الشراء) ش: جواب عن قول أبي يوسف م: (لأنه أمر حادث) ش: أي لأن الشراء أمر حادث باتفاقهما عليه. وإذا كان كذلك م: (فيضاف إلى أقرب الأوقات) ش: لأنه لا بد للحدوث من التاريخ م: (فيترجح جانب صاحب التاريخ) ش: فيرجح المؤرخ. [أقام الخارج وصاحب اليد كل واحد منهما بينة على النتاج] م: (قال) ش: القدوري م: (وإن أقام الخارج وصاحب اليد كل واحد منهما بينة على النتاج فصاحب اليد أولى) ش: سواء أقامها قبل القضاء للخارج أو بعد القضاء له وبه قالت الأئمة الثلاثة. وقال الشافعي في وجه: بين الخارج أولى بعد القضاء له، لأن ملك اليد يقضي بزوالها، فلا ينقضي القضاء. وقال في الأصح: بينة ذي اليد أولى بعد القضاء للخارج وقبله. وقال ابن أبي ليلى: بينة الخارج أولى، م: (لأن البينة قامت على ما لا تدل عليه اليد) ش: أي النتاج م: (فاستويا، وترجحت بينة ذي اليد باليد، فيقضى له، وهذا) ش: أي ما ذكر من القضاء لذي اليد م: (هو الصحيح، خلافا لما يقوله عيسى بن أبان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه تتهاتر البينتان ويترك في يده) ش: أي في يد ذي اليد م: (لا على طريق القضاء) ش: بل لعدم القضاء بالخاص. حاصل الكلام: أن عيسى بن أبان - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول عندي في النتاج تتهاتر البينتان لتيقن القاضي بكذب إحداهما، إذ لا يتصور نتاج دابة من دابتين، فصار كأنهما لم يقيما بينة ولو لم يقيما بينة يقضى لصاحب اليد قضاء ترك، حتى يحلف ذو اليد له للخارج، كذا ها هنا، وهذا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 394 ولو تلقى كل واحد منهما الملك من رجل وأقام البينة على النتاج عنده فهو بمنزلة إقامتها على النتاج في يد نفسه. ولو أقام أحدهما البينة على الملك والآخر على النتاج فصاحب النتاج أولى أيهما كان، لأن بينته قامت على أولية الملك، فلا يثبت الملك للآخر إلا بالتلقي من جهته، وكذلك إذا كانت الدعوى بين خارجين فبينة النتاج أولى لما ذكرنا. ولو قضى بالنتاج لصاحب اليد ثم أقام ثالث البينة على النتاج يقضى له إلا أن يعيدها ذو اليد، لأن الثالث لم يصر مقضيا عليه بتلك القضية، وكذا المقضي عليه بالملك المطلق   [البناية] ليس بصحيح، فإن محمداً ذكر في خارجين أقاما بينة على النتاج أنه يقضى بينهما نصفين، ولو كان الطريق ما قاله لكان يترك في يد ذي اليد، فعلم أن القضاء لذي اليد قضاء استحقاق، حتى لا يحلف ذي اليد، كذا في " الذخيرة " و " المبسوط ". م: (ولو تلقى كل واحد منهما) ش: أي من صاحب اليد والخارج م: (الملك من رجل وأقام البينة على النتاج عنده) ش: أي عند الرجل، كذا قاله الكاكي: - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الأكمل: - رَحِمَهُ اللَّهُ - عند من تلقى منه. وفي " الذخيرة " صورة المسألة عبد في يد رجل ادعاه آخر أنه عبده اشتراه من فلان وأنه ولد له في ملك فلان الذي باعه وأقام على ذلك بينة، وأقام صاحب اليد بينة أنه عبده واشتراه من فلان يريد رجل آخر، وأنه قد ولد في ملك فلان الذي باعه قضى لذي اليد، لأن كل واحد خصم في إثبات نتاج بائعه كما هو خصم في إثبات ملك بائعه. ولو حضر البائعان وأقام البينة، على النتاج كان ذو اليد أولى، فهذا مثله. وهذا معنى قوله م: (فهو بمنزلة إقامتها على النتاج في يد نفسه) ش: فيقضى به لذي اليد. م: (ولو أقام أحدهما البينة على الملك) ش: المطلق م: (والآخر) ش: وأقام آخر البينة م: (على النتاج فصاحب النتاج أولى أيهما كان) ش: يعني سواء كان صاحب اليد أو الخارج م: (لأن بينته) ش: أي بينة صاحب النتاج م: (قامت على أولية الملك، فلا يثبت للآخر إلا بالتلقي من جهته) ش: أي من جهة صاحب النتاج، م: (وكذا إذا كانت الدعوى بين خارجين فبينة النتاج أولى لما ذكرنا) ش: أي يد على أولية الملك. م: (ولو قضى بالنتاج لصاحب اليد ثم أقام ثالث البينة على النتاج يقضى له إلا أن يعيدها ذو اليد) ش: على النتاج م: (لأن الثالث لم يصر مقضيا عليه بتلك القضية) ش: لأن المقضى به الملك بالبينة في حق شخص لا يقضى ثبوته في حق آخر، م: (وكذا المقضي عليه بالملك المطلق) ش: يعني ادعى الخارج وذو اليد الملك المطلق وبرهنا، فقضى على ذي اليد بالملك عندنا خلافا للشافعي ومالك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 395 إذا أقام البينة على النتاج تقبل وينقض القضاء به؛ لأن بمنزلة النص، والأول بمنزلة الاجتهاد. قال: وكذلك النسج في الثياب التي لا تنسج إلا مرة كغزل القطن وكذلك كل سبب في الملك لا يتكرر لأنه في معنى النتاج كحلب اللبن واتخاذ الجبن واللبد والمعزى وجز الصوف. وإن كان يتكرر قضى به للخارج بمنزلة الملك المطلق وهو مثل الخز   [البناية] ثم إن ذا اليد المقضى عليه بالملك المطلق م: (إذا أقام البينة على النتاج تقبل وينقض القضاء به) ش: الأول، م: (لأنه بمنزلة النص والأول بمنزلة الاجتهاد) ش: أي نص يدل بخلاف الاجتهاد، فينتقض الاجتهاد به، فكذا هنا فسره الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الأكمل: لأنه بمنزلة النص لدلالته على الأولية قطعاً، فكان القضاء واقعاً على خلافه كالقضاء الواقع على خلاف النص. [أقاما الخارج وصاحب اليد البينة على نسج ثوب فيما لا يتكرر نسجه كغزل القطن] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وكذلك النسج في الثياب التي لا تنسج إلا مرة كغزل القطن) ش: هذا عطف على قوله: وإن أقام الخارج وصاحب اليد كل واحد منهما بينة بالنتاج، فصاحب النتاج أولى، يعني كذا الحكم إذا أقاما البينة على نسج ثوب فيما لا يتكرر نسجه كغزل القطن كان ذو اليد أولاً، لأنه ما لا يتكرر في معنى النتاج وهو لا تكرر. وفي " المحيط ": النتاج عبارة عن أولية الملك، وكل سبب يشعر بأولية الملك فهو كالنتاج، وكل ما يتكرر وفيه سبب الملك، ويضع مرتين لم يكن في معنى النتاج وإن كان مشكلاً، بل يتكرر أم لا، في رواية أبي حفص: يلتحق بما يتكرر. وفي رواية أبي سليمان: لا يلحق بما يتكرر، فالبناء وغرس الشجر والقطن النائب وزرع الحنطة، والجواب: يتكرر، تشوية اللحم وكتابة المصحف واحتياط الدار وضرب اللبن والخياطة والقطع والحشو والصباغة يتكرر أيضاً، لأن هذه الأشياء تفعل مرتين، واتخاذ الجبن والطحن وجز الصوف وغزل القطن لا يتكرر، والثج في الثوب المتخذ من غزل القطن والإبريسم لا يتكرر، وفي الثوب المنسوج من الصوف والشعر يتكرر. م: (وكذلك كل سبب في الملك لا يتكرر) ش: يعني يقضى به لذي اليد م: (لأنه في معنى النتاج كحلب اللبن واتخاذ الجبن واللبد والمعزى) ش: بكسر الميم والعين، فإذا شدت الزاي قصرت، وإذا خففت مدت، وقد يقال: معزا بفتح الميم مخففا ممدودا، وهي كالصوف تحت شعر الغنم، والميم فيه زائدة م: (وجز الصوف) ش: بأن أقام رجل البينة أن صوفه جزه من غنمه وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك كان ذو اليد أولى. م: (وإن كان يتكرر قضى به للخارج بمنزلة الملك المطلق، وهو مثل الخز) ش: وهو بفتح الخاء المعجمة وتشديد الزاي وهو اسم دابة، ثم سمي الثوب المتخذ من وبره خزاً، قيل: وهو نسيج، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 396 والبناء والغرس وزراعة الحنطة والحبوب، فإن أشكل يرجع إلى أهل الخبرة لأنهم أعرف به، فإن أشكل عليهم قضى به للخارج؛ لأن القضاء ببينته هو الأصل، والعدول عنه بخبر النتاج، فإذا لم يعلم يرجع إلى الأصل، قال: وإن أقام الخارج البينة على الملك المطلق وصاحب اليد البينة على الشراء منه كان صاحب اليد أولى، لأن الأول إن كان يدعي أولية الملك فهذا تلقى منه وفي هذا لا تنافي، فصار كما إذا أقر بالملك له ثم ادعى الشراء منه. قال: وإن أقام كل واحد منهما البينة على الشراء من الآخر ولا تاريخ معهما تهاترت البينتان وتترك الدار في يد ذي اليد، قال: وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله -، وعلى قول محمد يقضى بالبينتين ويكون للخارج؛ لأن العمل بهما ممكن، فيجعل كأنه اشترى ذو اليد من الآخر وقبض ثم باع الدار، لأن القبض دلالة   [البناية] فإذا بلي يغزل أخرى ثم ينسج م: (والبناء والغرس وزراعة الحنطة والحبوب، فإن أشكل) ش: بأن لم يدر هل يكرر أم لا م: (يرجع إلى أهل الخبرة لأنهم أعرف به) ش: والواحد منهم يكفي، والاثنان أحوط؛ قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] (النحل: الآية 43) ، م: (فإن أشكل عليهم) ش: أي على أهل الخبرة م: (قضى به للخارج، لأن القضاء ببينته) ش: أي بينة الخارج م: (هو الأصل) ش: عندنا م: (والعدول عنه) ش: أي عن الأصل م: (بخبر النتاج) ش: وهو ما روي: " أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قضى في تعارض بينتي الخارج لذي اليد "، وهذا رواه محمد عن أبي حنيفة عن الهيثم عن رجل عن جابر: «أن رجلاً ادعى ناقة في يد رجل وأقام البينة أنها ناقته ينحرها عنه، وأقام الذي هي في يده البينة أنها ناقته فقضى بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للذي هي في يده» م: (فإذا لم يعلم يرجع إلى الأصل) ش: وهو بينة الخارج. [أقام الخارج البينة على الملك المطلق وصاحب اليد البينة على الشراء منه] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن أقام الخارج البينة على الملك المطلق وصاحب اليد البينة على الشراء منه) ش: أي من الخارج م: (كان صاحب اليد أولى؛ لأن الأول) ش: أي الخارج م: (وإن كان يدعي أولية الملك فهذا) ش: أي ذو اليد م: (تلقى منه وفي هذا لا تنافي) ش: بين الأمرين، فيقضى ببينة ذي اليد م: (فصار كما إذا أقر بالملك له ثم ادعى الشراء منه) ش: فيقضى ببينته. [أقام الخارج وصاحب اليد البينة على الشراء من الآخر ولا تاريخ معهما] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن أقام كل واحد منهما البينة على الشراء من الآخر ولا تاريخ معهما تهاترت) ش: أي تساقطت م: (البينتان وتترك الدار في يد ذي اليد، قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا عند أبي حنيفة - رحمهما الله - وأبي يوسف وعلى قول محمد يقضى بالبينتين، ويكون للخارج؛ لأن العمل بهما) ش: أي بالبينتين، م: (ممكن) ش: وذلك بأن يجعل كأن ذا اليد قد اشتراها من الآخر وقبض ثم باع ولم يقبض، وهو معنى قوله م: (فيجعل كأنه اشترى ذو اليد من الآخر وقبض ثم باع) ش: أي من الخارج م: (الدار) ش: إليه م: (لأن القبض دلالة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 397 السبق على ما مر، ولا يعكس الأمر؛ لأن البيع قبل القبض لا يجوز وإن كان في العقار عنده ولهما: أن الإقدام على الشراء إقرار منه بالملك للبائع، فصار كأنهما قامتا على الإقرارين وفيه التهاتر بالإجماع، كذا هاهنا.   [البناية] السبق على ما مر) ش: من قوله، لأن تمكنه من قبضه يدل على سبق شرائه، م: (ولا يعكس الأمر) ش: أي لا يجعل كأن الخارج اشتراه من ذي اليد أولا ثم باعه من ذي اليد، لأن في ذلك يلزم بيع المبيع قبل القبض، فلا يجعل كذلك. م: (لأن البيع قبل القبض لا يجوز وإن كان في العقار عنده) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإيضاح هذه المسألة فيما قال شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مبسوطه ": إذا ادعى كل واحد منهما تلقي الملك من جهة صاحبه كدار في يد رجل جاء رجل وادعى أنه اشتراها من الخارج اليد بألف درهم ونقده الثمن، وادعى ذو اليد أنه اشتراها من الخارج بخمسمائة درهم ونقده الثمن، وأقاما جميعاً البينة على ما ادعيا، فهذا لا يخلو من أربعة أوجه إن لم يؤرخا، أو أرخا وتاريخهما على السواء، أو أرخ أحدهما أسبق دون الآخر. فعلى قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تهاترت البينتان وتترك الدار في يد ذي اليد قضاء ترك لا قضاء استحقاق، سواء شهد الشهود بالشراء والقبض جميعا أو شهدوا بالشراء ولم يشهدوا بالقبض. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تقبل البينتان جميعا ويقضى بعقدين إلا إنهم إن شهدوا بالشراء ولم يشهدوا بالقبض، فإن شراء ذي اليد يقدم على شراء الخارج، فيجعل كأن ذا اليد اشترى أولا من الخارج قبض ثم باع من الخارج ولم يسلم إليه، فيؤمر بالتسليم إلى الخارج وإن شهدوا بالقبض والشراء جميعا فإنه يقدم شراء الخارج على شراء ذي اليد كأن الخارج اشترى أولا من ذى اليد وقبض ثم باع من ذي اليد بعد ذلك وسلم إليه فيقضى لذي اليد شراء من الخارج. م: (ولهما) ش: لأبي حنيفة وأبي يوسف: م: (أن الإقدام على الشراء إقرار منه) ش: أي من المشتري م: (بالملك للبائع، فصار كأنهما) ش: أي كأن الشهادتين م: (قامتا على الإقرارين) ش: يعني صار هذا بمنزلة ما لو قام كل واحد منهما البينة على إقرار صاحبه بالملك؛ فلو كان كذلك تهاتر الإقراران جميعا، لأن الثابت من الإقرارين بالبينة كالثابت بالمعاينة. ولو عاينا إقرار كل واحد منهما بالملك لصاحبه فأبطلنا الإقرارين جميعا، وهذا مثله، يعني أن شهود كل واحد منهما لم يشهد بالتاريخ، وكل واحد منهما لم يشهد بالتاريخ، وكل إقرارين ظهرا ولا يعرف سبق أحدهما جعلاً لأنهما وقعا معاً، فبطلا للمنافاة بينهما م: (وفيه التهاتر بالإجماع) . ش: قال تاج الشريعة: قبل ذكر الإجماع وقع سهو، لأن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بينة ذي اليد أولى، وكذا في " الجامع "، وفي " المنظومة " حيث قال: وذو اليد المالك منهما أثبتا قبضين، والخارج منهما سكتا م: (كذا ههنا) ش: أي فكذا ما نحن فيه من تهاتر البينتين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 398 ولأن السبب يراد لحكمة وهو الملك، وهاهنا لا يمكن القضاء لذي اليد إلا بملك مستحق، فبقي القضاء له بمجرد السبب وأنه لا يفيده، ثم لو شهدت البينتان على نقد الثمن فالألف بالألف قصاص عندهما إذا استويا الوجود قبض مضمون من كل جانب وإن لم يشهدوا على نقد الثمن فالقصاص مذهب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - للوجوب عنده. ولو شهد الفريقان بالبيع والقبض تهاترا بالإجماع؛ لأن الجمع غير ممكن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لجواز كل واحد من البيعين بخلاف الأول.   [البناية] م: (ولأن السبب يراد لحكمة وهو الملك) ش: هذا جواب عن قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني أن السبب إذا كان مقيدا للحكم يعتبر، وإلا فلا، وهاهنا السبب وهو شراء كل منهما من صاحبه لا يفيد الحكم وهو الملك، لأن القضاء بالملك لأحدهما لا يمكن إلا على وجه يستحق عليه صاحبه م: (وههنا لا يمكن القضاء لذي اليد إلا بملك مستحق) ش: أي بملك استحقه الخارج عليه، فإذا كان كذلك م: (فبقي القضاء له) ش: أي لذي اليد م: (بمجرد السبب) ش: دون الحكم م: (وإنه) ش: أي وإن القضاء بمجرد السبب دون الحكم م: (لا يفيده) ش: فلا يجوز. م: (ثم لو شهدت البينتان) ش: المذكورتان م: (على نقد الثمن) ش: في شراء كل منهما الآخر بألف مثلا م: (فالألف قصاص عندهما) ش:، أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف م: (إذا استويا) ش: أي الثمنان في الجنس والصفة م: (بالوجود قبض مضمون من كل جانب، وإن لم يشهدوا على نقد الثمن فالقصاص) ش: أي المقاصة م: (مذهب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - للوجوب عنده) ش:، أي لوجوب الثمن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن البينتين لما ثبتا عنده كان كل واحد منهما موجبا للثمن عند مشتريه فيتقاص الوجوب بالوجوب. م: (ولو شهد الفريقان) ش: أي فريقا شهود الخارج وذي اليد م: (بالبيع والقبض تهاترتا) ش: أي تساقطتا م: (بالإجماع) ش: لكن على اختلاف التخريج، فعندهما باعتبار أن دعواهما هذا البيع إقرار من كل منهما بالملك لصاحبه؛ وفي مثل هذا يتهاتر الشهود، فكذلك هاهنا. أما عند محمد: هو قوله: م: (لأن الجمع) ش: أي إمكان العمل بهما م: (غير ممكن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لجواز كل واحد من البيعين) ش: باعتبار أنهم لما أثبتوا البيع والقبض لكل واحد منهما كان بيعهما جائزاً، وليس أحدهما بأولى من الآخر، فتساقطتا للتعارض فتبقى العين على يد صاحب اليد كما كانت، فصار كأنهم لم يشهدوا م: (بخلاف الأول) ش: وهو ما إذا لم يشهدوا بالقبض حتى يقضى بالبينتان، وتكون للخارج عنده، لأن الجمع بين البينتين ممكن، لأنا لو جعلنا بيع الخارج لاحقا يلزم البيع قبل القبض، وهو لا يجوز فيجعل بيعه سابقاً. وفي " الكافي ": وهذا يخالف ما ذكر في " المبسوط " و " الجامع الكبير " وغيرهما، فإنه ذكر فيهما: لو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 399 وإن وقتت البينتان في العقار ولم تثبتا قبضا ووقت الخارج أسبق يقضى لصاحب اليد عندهما، فيجعل كأن الخارج اشترى أولا ثم باع قبل القبض من صاحب اليد وهو جائز في العقار عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقضى للخارج لأنه لا يصح بيعه قبل القبض، فبقي على ملكه، وإن أثبتا قبضا يقضى لصاحب اليد؛ لأن البيعين جائزان على القولين، وإن كان وقت صاحب اليد أسبق يقضى للخارج في الوجهين، فيجعل كأنه اشتراها ذو اليد وقبض ثم باع ولم يسلم أو سلم ثم وصل إليه بسبب آخر. قال: وإن أقام أحد المدعيين شاهدين، والآخر أربعة فهما سواء، لأن شهادة كل شاهدين علة تامة، كما في حالة الانفراد والترجيح لا يقع بكثرة العلل بل بقوة فيها   [البناية] شهدوا بالعقد القبض يقضى بالبينتين عنده لذي اليد، إذ العمل بالبينتين ممكن بأن يجعل كأن ذا اليد باعها وسلمها، ثم الخارج باعها وسلمها، بخلاف ما إذا لم يذكروا القبض حيث يقضى بها للخارج، لأنهما ما أثبتا القبض بالشهادة، وقد ثبت القبض عياناً وهي دلالة السبق، فجعلنا ذا اليد مشترياً من الخارج أولا، وقد قبضها ثم باعها من الخارج، فيؤمر بتسليمها إليه. م: (وإن وقتت البينتان في العقار) ش: فيه العقار لتظهر ثمرة الخلاف كما ذكر م: (ولم تثبتا قبضاً، ووقت الخارج أسبق يقضى لصاحب اليد عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (فيجعل كأن الخارج اشترى أولا ثم باع قبل القبض من صاحب اليد، وهو) ش: أي البيع قبل القبض م: (جائز في العقار عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقضى للخارج لأنه لا يصح بيعه) ش: أي بيع العقار م: (قبل القبض، فبقي على ملكه، وإن أثبتا قبضا يقضى لصاحب اليد، لأن البيعين جائزان على القولين) ش: أي قولهما وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن كان وقت صاحب اليد أسبق يقضى للخارج في الوجهين) ش: أي في الوجه الذي شهدوا بالقبض في الوجه الذي لم يشهدوا به م: (فيجعل كأنه اشتراها ذو اليد وقبض) ش: كأنه اشتراه م: (ثم باع ولم يسلم) ش: أي المشتري م: (أو سلم ثم وصل إليه) ش: أي إلى ذي اليد م: (بسبب آخر) ش: من عارية أو إجارة. [أقام أحد المدعين شاهدين والآخر أربعة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن أقام أحد المدعين شاهدين والآخر أربعة) ش: أي وأقام المدعي للآخر أربعة من الشهود م: (فهما سواء) ش: يعني لا يترجح أحد المدعيين على الآخرين بزيادة العدد في بينته وبه قال الشافعي في الجديد ومالك في المشهور عنه وأحمد، وقال الشافعي، في القديم ومالك في رواية: ترجح بزيادة العدد، لأن القلب إلى قولهم أميل وعند مالك: يرجح زيادة العدالة، فيقضى بأعدل البينتين م: (لأن شهادة كل شاهدين علة تامة كما في حالة الانفراد والترجيح لا يقع بكثرة العلل، بل بقوة فيها) ش: أي بل الترجيح بقوة فيها أي في الشهادة والترجيح عبارة عن تقوية أحد الطرفين على الطرف الآخر ليعمل به، والتقوية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 400 على ما عرف. قال: وإذا كانت دار في يد رجل ادعاها اثنان أحدهما جميعها والآخر نصفها وأقاما البينة فلصاحب الجميع ثلاثة أرباعها، ولصاحب النصف ربعها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا بطريق المنازعة، فإن صاحب النصف لا ينازع الآخر في النصف، فسلم له بلا منازع واستوت منازعتهما في النصف الآخر فينصف بينهما. وقالا: هي بينهما أثلاثا، فاعتبرا طريق العول   [البناية] بالوصف يكون، وهو معنى الصدق في الشهادة. وذلك في أن يتعارض شهادة المستور مع شهادة العدل بأن أقام أحد المدعيين مستورين والآخر عدلين فإنه يترجح الذي شهد له العدلان بظهور ما يؤكد معنى الصدق في شهادة شهوده، وكذلك في النسب والنكاح لو ترجح حجة الخصمين باتصال القضاء، لأن ذلك مما يؤكد ركن الحجة، فإن لقضاء القاضي يتم معنى الحجة في الشهادة، ويتبين جانب الصدق. وعلى هذا قلنا في العلتين: إذا تعارضتا لا يترجح أحدهما بانضمام علة أخرى إليها وإنما يترجح بقوة الآخر فيها إذ به يتأكد ما هو الركن في صحة العلة، وكذلك الخبران إذا تعارضا لا يترجح أحدهما على الآخر بخبر آخر، بل بما فيه يتأكد معنى الحجة، وهو الاتصال برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويترجح بعفة الراوي وحسن ضبطه وإتقانه، لأنه يتقوى به، يعني الاتصال برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الوجه الذي وصل إلينا بالنقل م: (على ما عرف) ش: أي في أصول الفقه. [دارا في يد رجل ادعاها اثنان أحدهما جميعها والآخر نصفها وأقاما البينة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا كانت دارا في يد رجل ادعاها اثنان أحدهما جميعها والآخر نصفها وأقاما البينة فلصاحب الجميع ثلاثة أرباعها، ولصاحب النصف ربعها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا بطريق المنازعة، فإن صاحب النصف لا ينازع الآخر في النصف فسلم له) ش: أي النصف م: (بلا منازع واستوت منازعتهما في النصف الآخر فينصف بينهما) ش: توضيح ذلك: أنا نحتاج إلى حساب له نصف، ولنصف نصف صحيح، وأقل ذلك أربعة أسهم، فأصل الدار على أربعة أسهم يقول لا منازعة لمدعي النصف فيما زاد على النصف وهو سهمان، ويدعيه صاحب الجيمع فيكون له نصف الدار، فيبقى النصف وذلك سهمان استوت منازعتهما فيه، فيصير بينهما نصفان لكل واحد منهما سهم، فقد جعل المدعي الجميع مرة سهمان بلا منازعة، وسهم مع المنازعة، وذلك ثلاثة أرباع الدار، فكان له ثلاثة أسهم، ولمدعي النصف سهم. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله: - م: (هي) ش: أي الدار م: (بينهما) ش: أي بين المدعيين م: (أثلاثا، فاعتبرا طريق العول) ش: والعول في اللغة: الارتفاع، ومنه عال الميراث؛ وذلك إذا اجتمع في مخرج فروض كثيرة بحيث لا يكفي آخره المجموع لذلك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 401 والمضاربة، فصاحب الجميع يضرب كل حقه سهمين، وصاحب النصف يضرب بسهم فتقسم أثلاثا، ولهذه المسألة نظائر وأضداد لا يحتملها هذا المختصر، وقد ذكرناها في الزيادات.   [البناية] فيحتاج إلى العول. م: (والمضاربة فصاحب الجميع يضرب بكل حقه سهمين وصاحب النصف يضرب بسهم واحد، فتقسم أثلاثا) ش: إيضاح ذلك: أن يدعي الجميع يضرب بالكل والآخر بالنصف، فاجعل الدار على سهمين لحاجتك إلى النصف يضرب مدعي الجميع بالكل، وذلك سهمان، ومدعي النصف بالنصف وذلك سهم، فتصير الدار بينهما على ثلاثة أسهم ثلثا الدار لمدعي الجميع والثلث لمدعي النصف. وفي الميراث: يقسم على طريق العول بالإجماع كما في امرأة ماتت وتركت زوجا وأخت لأب، وأماً وأختاً الأن للزوج النصف والأخت لأب وأم النصف وللأخت من الأب السدس تكملة للثلثين، فتعول الفرضية إلى سبعة، وكانت في الأصل من ستة، وكذلك هنا على قولهما. م: (ولهذه المسألة نظائر) ش: أي أشباه م: (وأضداد) ش: يعني الخلاف فيه على عكس هذا عندهما يقسم على طريق المنازعة، وعنده على طريق العول م: (لا يحتملها) ش: أي النظائر الأضداد م: (هذا " المختصر ") ش: أراد به " الهداية " م: (وقد ذكرناها) ش: أي الأشباه والأضداد م: (في الزيادات) ش: أي في الكتاب الذي جمعه وسماه " الزيادات ". اعلم: أن جنس القسمة على أربعة أنواع: أحدها: ما يقسم على طريق العول إجماعا، وهي ثمان مسائل: الأولى: التركة إذا لم تعرف بالديون، فإن أصحابها يقسمونها فيما بينهم بطريق العول. [ ..... ] الثالثة: إذا أوصى بثلث ماله لرجل وبربعه لرجل وبسدسه لرجل ولم تجز الورثة على حالة الوصايا إلى الثلث يقسم الثلث بينهم على العول. الرابعة: الوصية بالمحاباة لهما بثلاثة آلاف درهم، فإنه يقسم المحاباة بين الموصى لهما أثلاثاً بطريق العول. الخامسة: الوصية بالعتق، وصورتها: أوصى أن يعتق من هذا العبد نصفه، وأوصى بأن يعتق من عبد آخر ثلثه وذلك لا يخرج من ثلث المال، فيقسم الثلث بينهما بطريق العول فيسقط من كل واحد حصته من السعاية. السادسة: الوصية بالألف مرسلة، أي مطلقة، والآخر بالغبن، كذلك يكون الثلث بينهما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 402 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بطريق العول. السابعة: عبد فقأ عين رجل حر وقتل آخر خطأ، يقسم الجاني بينهما على سبيل العول ثلثاه لولي القتيل، وثلثه للآخر. الثامنة: مدبر جنى على هذا الوجه ودفعت قيمته إلى ولي الجنايتين تكون القسمة بينهما بطريق العول. النوع الثاني: ما يقسم بطريق المنازعة إجماعا، وهي مسألة واحدة: فضولي باع عبد الغير من رجل، وفضولي آخر باع نصفه من آخر فأجاز المولى البيعين، فاختار المشتريان الأخذ يكون لمشتري الكل ثلاثة أرباعه، ولمشتري النصف الربع بطريق المنازعة. النوع الثالث: ما يقسم بطريق المنازعة عند أبي حنيفة، وعندهما بطريق العول وهي ثلاثة: مسألة الكتاب. والثانية: إذا أوصى لرجل بجميع ماله وأجازه الورثة. والثالثة: إذا أوصى لرجل بعبد بعينه ولآخر بنصف ذلك العبد وليس له مال غيره. النوع الرابع: بطريق العول عند أبي حنيفة، وعندهما بطريق المنازعة وهي خمس مسائل: أحدها: عبد مأذون له في التجارة بين رجلين أدانه أحدهما مائة وأدانه أجنبي مائة، فدين المولى يسقط نصفه لاستحالة وجوب الدين على عبده، ويثبت نصفه الذي في نصيب شريكه، فإذا بيع بالدين يقسمان الثمن على الخلاف الذي ذكرناه. والثانية: إذا أدانه أجنبيان، أحدهما: مائة والآخر: مائتان يقسمان عنه على هذا. والثالثة: عبد قتل رجلاً خطأ، وآخر عمداً، وللمقتول عمداً وليان فعفى أحدهما فدفع بها كان على الخلاف المذكور. والرابعة: لو كان الجاني مدبرا على هذا الوجه فدفعت قيمته، كانت بينهما كذلك. والخامسة: أم ولد قتلت مولاها وأجنبياً عمداً ولكل واحد منهما وليان، فعفى ولي كل واحد منهما على التعاقب فإنه يسعى في ثلاثة أرباع قيمتها، فتقسم بين الساكنين فيعطوا الرابع لشريك العافي، فآجرا والنصف الآخر بينه وبين شريك العافي أولا أثلاثاً، ثلثاه لشريك العافي أولا، والثلث لشريك العافي آخرا عنده، وعندهما أربعا. أما الأضداد فهي ثلاث مسائل: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 403 قال: ولو كانت في أيديهما سلم لصاحب الجميع نصفها على وجه القضاء، ونصفها لا على وجه القضاء، لأنه خارج في النصف، فيقضى ببينته والنصف الذي في يديه صاحبه لا يدعيه؛ لأن مدعاه النصف وهو في يده سالم له، ولو لم ينصرف إليه دعواه كان ظالما بإمساكه ولا قضاء بدون الدعوى، فيترك في يده.   [البناية] أحدها: مدبر قتل رجلاً خطأ وآخر عمداً وله وليان، فعفى أحدهما فدفع المولى قيمته، كانت القيمة عنده بين ولي الخطأ، والذي لم يعف أثلاثا على طريق العول، وعندهما أرباعا على طريق المنازعة. والثانية: ما إذا كان القاتل عبداً ووقع المولى بالجنايتين. والثالثة: عبد بين رجلين أذنا له في التجارة، وقد مرت هذه الثلاث مسائل في النوع الرابع بطريق العول. [ادعى أحدهما نصفها والآخر كلها] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولو كانت في أيديهما) ش: ادعى أحدهما نصفها، والآخر كلها م: (سلم لصاحب الجميع نصفها على وجه القضاء، ونصفها لا على وجه القضاء) ش: وبه قال أحمد؛ وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية مالك: تبقى الدار في أيديهما كما كانت، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، م: (لأنه) ش: أي لأن صاحب الجميع وهو مدعي الجميع م: (خارج في النصف) ش: الذي في يد صاحبه وبرهنا م: (فيقضى ببينته) ش: أي ببينة صاحب الجميع، م: (والنصف الذي بين يديه) ش: أي في يدي صاحب الجميع م: (صاحب لا يدعيه؛ لأن مدعاه النصف) ش: فإذا كان كذلك سلم النصف الذي في يد صاحب الجميع، فسلم ذلك النصف له بلا قضاء وهو معنى قوله م: (وهو في يده سالم له) ش: أي والنصف الذي في يد صاحب الجميع. م: (ولو لم ينصرف إليه) ش: أي إلى النصف، قال تاج الشريعة: هذا جواب إشكال، وهو أن يقال لا نسلم أن دعواه في النصف الذي في يده حتى يسلم له، بل حقه ثابت في الكل. فأجاب عنه: بأنه لو لم ينصرف إليه م: (دعواه) ش: أي إلى النصف الذي في يده م: (كان ظالماً بإمساكه) ش: والأصل: أن لا يحمل فعل المسلم على الظلم والفساد إذا أمكن حمله على الصحة والسداد. م: (ولا قضاء بدون الدعوى) ش: لأن دعوى صاحب النصف ينصرف إلى النصف الذي في يده ولم توجد الدعوى من صاحب النصف في النصف الذي في يد صاحب الجميع، وإذا كان كذلك لا قضاء بدون الدعوى، م: (فيترك في يده) ش: أي يترك النصف الذي في يد صاحب الجميع لا على وجه القضاء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 404 قال: وإذا تنازعا في دابة وأقام كل واحد منهما بينة أنها نتجت عنده وذكرا تاريخا وسن الدابة يوافق أحد التاريخين فهو أولى، لأن الحال تشهد له فيترجح. وإن أشكل ذلك كانت بينهما، لأنه سقط التوقيت، فصار كأنهما لم يذكرا تاريخا. وإن خالف سن الدابة الوقتين بطلت البينتان، كذا ذكره الحاكم الشهيد، لأنه ظهر كذب الفريقين، فتترك في يد من كانت في يده. قال: وإذا كان العبد في يد رجل أقام رجلان عليه البينة أحدهما بغصب والآخر بوديعة فهو بينهما لاستوائهما في الاستحقاق.   [البناية] [تنازعا في دابة والدابة في يد ثالث وأقام كل واحد منهما بينة أنها نتجت عنده] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: وإذا تنازعا في دابة) ش: والدابة في يد ثالث م: وأقام كل واحد منهما بينة أنها نتجت عنده) ش: قال الجوهري: نتجت الناقة على ما لم يسم فاعله نتج نتاجا وقد نتجها أهلها نتجا م: (وذكرا تاريخا وسن الدابة يوافق أحد التاريخين فهو أولى) ش: أي لأن علامة صدق شهوده قد ظهرت بشهادة الحال، وهو معنى قوله: م: (لأن الحال يشهد له) ش: فإذا كان كذلك م: (فيترجح) ش: أي صاحب اليد. م: (وإن أشكل ذلك كانت بينهما) ش: أي وإن أشكل سن الدابة بينهما م: (لأنه سقط التوقيت) ش: لأنه لا دلالة فيه فكأنهما أقاما البينة على النتاج م: (فصار كأنهما لم يذكرا تاريخا. وإن خالف سن الدابة الوقتين) ش: أي في دعوى الخارجين م: (بطلت البينتان، كذا ذكره الحاكم الشهيد لأنه ظهر كذب الفريقين، فتترك في يد من كانت في يده) ش: وقال في " شرح الأقطع ": فإن خالف سن الدابة الوقتين قضى لصاحب اليد، ثم قال: قال الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الصحيح أن تبطل البينتان. وقال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - " في شرح الكافي " للحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإن كانت على غير الوقتين أو كانت مشكلة قضيت بينهما نصفين، لأنه لم يثبت الوقت فصار كأنهما لم يوقتا. وفي رواية أبي الليث الخوارزمي: إذا كانت الدابة على غير الوقتين فالبينتين باطلة لأنه ظهر كذبهما. في " المبسوط " من مشايخنا من قال: تبطل البينتان، والأصح ما قاله محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو أن الدابة بينهما في الفصلين، يعني إذا كان سن الدابة مشكلة، وفيما إذا كان غير الوقتين في دعوى الخارجين، وبه قالت الأئمة الثلاثة. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان عبد في يد رجل فأقام رجلان عليه البينة أحدهما بغصب والآخر بوديعة فهو بينهما لاستوائهما في الاستحقاق) ش: في سبب الاستحقاق، وذلك لأن المودع لما جحد الوديعة صار كالغاصب، فصار دعوى الوديعة والغصب سواء، والتهاوي في سبب الاستحقاق يوجب التساوي في نفس الاستحقاق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 405 (فصل في التنازع بالأيدي) قال: وإذا تنازعا في دابة أحدهما راكبها والآخر متعلق بلجامها فالراكب أولى، لأن تصرفه أظهر، فإنه يختص بالملك، وكذا إذا كان أحدهما راكبا في السرج، والآخر رديفه فالراكب أولى، بخلاف ما إذا كانا راكبين حيث تكون بينهما لاستوائهما في التصرف، وكذا إذا تنازعا في بعير وعليه حمل لأحدهما وللآخر كوز معلق فصاحب الحمل أولى، لأنه هو المتصرف، قال: وكذا إذا تنازعا في قميص، أحدهما لابسه، والآخر متعلق بكمه فاللابس أولى، لأنه أظهرهما تصرفا. ولو تنازعا في بساط   [البناية] [فصل في التنازع بالأيدي] م: (فصل في التنازع بالأيدي) ش: أي هذا الفصل في بيان حكم التنازع بالأيدي. ولما فرغ من بيان وقوع الملك بالبينة شرع في بيان وقوعه بظاهر اليد. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا تنازعا في دابة أحدهما راكبها والآخر متعلق بلجامها فالراكب أولى) ش: ولا خلاف فيه بين الأئمة الأربعة، وفي " الذخيرة " لو تعلق أحدهما بلجامها والآخر بذنبها فالمتعلق باللجام أولى، لأنه لا يتعلق باللجام غالبا إلا المالك، أما الذنب فقد يتعلق به غيره م: (لأن تصرفه) ش: أي تصرف الراكب م: (أظهر فإنه يختص بالملك وكذا إذا كان أحدهما راكبا في السرج والآخر رديفه فالراكب أولى) ش: من الرديف، وكذا إذا تنازعا في الدار وأحدهما ساكنها والآخر آخذ بحلقة الباب أن الساكن أولى. وقال الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": ولو كانا جميعا راكبين أحدهما في السرج والآخر خارج السرج قضي بالدابة بينهما بالإجماع؛ وروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: يقضى بالدابة للراكب في السرج. ونقل الناطفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأجناس " عن " نوادر العلي ": رجلان على دابة أحدهما راكب في السرج والآخر رديف فادعى الدابة، ففي الراكب السرج، فإن كان في السرج فهي بينهما نصفان، فعلم بما ذكر في " شرح الطحاوي " و " الأجناس ": أن الدابة في ظاهر الرواية بينهما نصفان، وما ذكره المصنف بقوله: وكذا إذا كان أحدهما راكبا في السرج والآخر رديفه، فالراكب أولى من الرديف، فذلك على رواية " النوادر ". م: (بخلاف ما إذا كانا راكبين) ش: أي في السرج، م: (حيث تكون) ش: أي الدابة م: (بينهما لاستوائهما في التصرف، وكذا إذا تنازعا في بعير وعليه حمل لأحدهما وللآخر كوز معلق، فصاحب الحمل أولى؛ لأنه هو المتصرف. قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وكذا إذا تنازعا في قميص أحدهما لابسه والآخر متعلق بكمه فاللابس أولى؛ لأنه أظهرهما تصرفاً. ولو تنازعا في بساط الجزء: 9 ¦ الصفحة: 406 أحدهما جالس عليه، والآخر متعلق به فهو بينهما، معناه لا على طريق القضاء؛ لأن القعود ليس بيد عليه فاستويا. قال: وإذا كان ثوب في يد رجل وطرف منه في يد آخر، فهو بينهما نصفان، لأن الزيادة من جنس الحجة، فلا يوجب زيادة في الاستحقاق. قال: وإذا كان الصبي في يد رجل وهو يعبر عن نفسه فقال: أنا حر فالقول قوله، لأنه في يد نفسه،   [البناية] أحدهما جالس عليه، والآخر متعلق به فهو بينهما) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (معناه) ش: أي ما قاله القدوري: م: (على طريق القضاء) ش: يترك في يدهما م: (لأن القعود ليس بيد عليه فاستويا) ش: أي لأن اليد على البساط لا تثبت إلا بالنقل والتحويل أو يكون في يده حكما بأن كان في بيته ولم يوجد شيء من ذلك، ولهذا لا يصير غاصباً بمجرد القعود عليه، بخلاف الراكب على الدابة، فإنه يصير غاصباً بمجرد الركوب عليه بغير الإذن. [كان ثوب في يد رجل وطرف منه في يد آخر] م: (قال) ش: أي محمد: م: (وإذا كان ثوب في يد رجل وطرف منه في يد آخر، فهو بينهما نصفان؛ لأن الزيادة من جنس الحجة) ش: لأن كل واحد يمسك باليد، إلا أن أحدهما أكثر استمساكا م: (فلا يوجب زيادة في الاستحقاق) ش:، كما لو تنازعا في دابة ولواحد عليها مائة من والآخر خمسون منا كانت بينهما نصفين، وكما لو أقام أحدهما اثنين من الشهود والآخر أربعة. فإن قيل: يشكل على هذا الذي ذكره بعده وإن كان جذوع أحدهما أقل من ثلاثة والآخر ثلاثة فهو لصاحب الثلاثة، حيث جعل الزيادة من جنس الحجة موجبة للترجيح، إذ الشاهد من الطرفين وضع الجذع. وأجيب: بأن وضع الخشبة حجة لثبوت الاستعمال فلا يترجح بزيادة الخشبات، لأن الحجة لا تترجح بزيادة من جنسها وفيه تأمل. [ادعيا عبدا وهو في أيديهما] 1 م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان الصبي في يد رجل وهو يعبر عن نفسه) ش: والحال أنه يعبر عن نفسه، أي يتكلم ويعقل ما يقوله م: (فقال: أنا حر فالقول قوله لأنه في يد نفسه) ش: وفي " الذخيرة ": [إذا] ادعيا عبداً وهو في أيديهما، فإن كان العبد لا يعبر عن نفسه، فالقاضي لا يقضي لأحدهما بالملك ما لم يقم البينة، ولكن يجعله في يديهما لأنه إذا لم يعبر عن نفسه فهو والبهيمة سواء. وعرف القاضي يدهما ولا يعرف الملك لهما فيحكم باليد دون الملك، وعند الثلاثة: يحكم بالملك أيضاً، لأن اليد عليه دليل الملك، وإن كان العبد يعبر عن نفسه وقال " أنا حر " فالقول له، ولا يقضى لهما بشيء، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية؛ وفي وجه قال: هذا كالذي لا يعبر عن نفسه، وبه قال أحمد في رواية، ولو قال: أنا عبد أحدهما لم يصدق، وهو عبدهما. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 407 ولو قال: أنا عبد فلان فهو عبد للذي في يده لأنه أقر بأنه لا يد له حيث أقر بالرق، وإن كان لا يعبر عن نفسه فهو عبد للذي هو في يده، لأنه لا يد له على نفسه لما كان لا يعبر عنها، وهو بمنزلة متاع، بخلاف ما إذا كان يعبر، فلو كبر وادعى الحرية لا يكون القول قوله؛ لأنه ظهر الرق عليه في حال صغره. قال: وإذا كان الحائط لرجل عليه جذوع أو متصل ببنائه وللآخر عليه هرادي فهو لصاحب الجذوع والاتصال، والهرادي ليست بشيء، لأن صاحب الجذوع صاحب استعمال، والآخر   [البناية] [قال أنا عبد لفلان] م: (ولو قال أنا عبد لفلان فهو عبد للذي في يده، لأنه أقر بأنه لا يد له حيث أقر بالرق وإن كان لا يعبر عن نفسه فهو عبد للذي هو في يده؛ لأنه لا يد له على نفسه لما كان لا يعبر عنها، وهو بمنزلة المتاع) ش: لا يدل له على نفسه، واعترض باللقيط إذا ادعى في لقيط لا يعبر عن نفسه، فإنه لا يكون عبدا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد، أجيب بأن يد الملتقط ثابت من وجه دون وجه، فلم تصح الدعوى منه بالشك، بخلاف غيره لأن يده عليه ثابتة، فتصح الدعوى منه. فإن قيل: وجب أن لا يصدق في دعوى الرق، لأن الحرية هي الأصل، والرق عارض فلا تقبل إلا بالحجة، أجيب بأنه اعترض على الأصل ما يدل على خلافه، فيبطل الأصل وفيه نوع تأمل؛ م: (بخلاف ما إذا كان يعبر) ش: أي عن نفسه، فإنه إذا قال: " أنا حر " فالقول قوله كما مر، م: (فلو كبر وادعى الحرية لا يكون القول قوله، لأنه ظهر الرق عليه في حال صغره) ش: فلا تزول يد من هو يده إلا بدليل. [كان الحائط لرجل عليه جذوع أو متصل ببنائه وللآخر عليه هرادي وتنازعا فيه] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجامع الصغير م: (وإذا كان الحائط لرجل عليه جذوع أو متصل ببنائه) ش: أو الحائط متصل ببنائه م: (وللآخر عليه) ش: أي على الحائط م: (هرادي) ش: وهو جمع هردية، قصبات تضم ملتوية بطاقات من الكرم فترسل عليها قضبان الكرم كذا في " ديوان الأدب "، ولكن صحح فيه الهاء والحاء جميعاً. وفي " الصحاح ": الحردي من القصب فهو نبطي معرب، ولا يقال: الهردي. وفي " مختصر الكرخي ": الحردي بالحاء، وفي " الجمهرة ": لأن الحردي مد في باب الحاء والدال والراء، أما الذي تسميه البصريون الحردي من القصب فهو ينظر معرب، وقال " صاحب الديوان " أيضاً: الحردي واحد حرادي القصبة، فعلى هذا يجوز أن يقال بالهاء والحاء جميعاً. وقال الأترازي: والرواية في الأصل و " الكافي " للحاكم الشهيد. وفي " الجامع الصغير " و " شرح الكافي " وقعت بالهاء لا غير. وفي " دستور اللغة ": هرادي السقف خشب بابه بالفارسية وفي المغرب يقال له بالفارسي: وردوك م: (فهو) ش: أي الحائط م: (لصاحب الجذوع والاتصال، والهرادي ليست بشيء؛ لأن صاحب الجذوع صاحب استعمال، والآخر) ش: أي صاحب الهرادي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 408 صاحب تعلق فصار كدابة تنازعا فيها، ولأحدهما عليها حمل، وللآخر كوز معلق بها. والمراد بالاتصال مداخلة لبن جداره فيه ولبن هذا في جداره، وقد يسمى اتصال تربيع. وهذا شاهد ظاهر لصاحبه لأن بعض بنائه على بعض بناء هذا الحائط، وقوله الهرادي ليست بشيء يدل على أنه لا اعتبار للهرادي أصلا. وكذا البواري؛ لأن الحائط لا يبنى لهما أصلا، حتى لو تنازعا في حائط ولأحدهما عليه هرادي وليس للآخر عليه شيء فهو بينهما.   [البناية] م: (صاحب تعلق) ش: أي بالحائط، لأن الحائط يبنى لوضع الجذوع عليه دون وضع الهرادي ويظن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هذا بقوله: م: (فصار كدابة تنازعا فيها ولأحدهما عليها حمل، وللآخر كوز معلق بها) ش: حيث تكون الدابة لصاحب الحمل، وللآخر نوع تعلق بها، ولكن لا يؤمر برفع الهرادي والبواري؛ لأن القضاء وقع له بالحائط بناء على الظاهر، والظاهر يصلح حجة للدفع دون إبطال الاتصال الثابت للغير ظاهراً. م: (والمراد بالاتصال) ش: أي المراد بالاتصال المذكور في قوله " أو متصل ببنائه " م: (مداخلة لبن جداره فيه) ش: أي في المتنازع فيه، م: (ولبن هذا في جداره، وقد يسمى اتصال تربيع) ش: وتفسير التربيع إذا كان الحائط من مدر أو آجر أن يكون اتصاف لبن الحائط المتنازع فيه داخلة في تصاف لبن غير المتنازع فيه، وبالعكس؛ وإن كانت من خشب فالتربيع أن يكون بناحية أحدهما مركبة في الأخرى، وأما إذا نقل ما دخل لا يكون تربيعاً. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكان الكرخي يقول: صفة هذا الاتصال أن يكون الحائط المتنازع فيه من الجانبين متصلا بحائطين لأحدهما، والحائطان متصلان بحائط له مقابلة بالاتصال بحائط المتنازع وهذا ظاهر. قال الكاكي: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويروي هذا ظاهر الرواية. م: (وهذا شاهد ظاهر لصاحبه لأن بعض بنائه على بعض بناء هذا الحائط) ش: فهو أولى، به قال الشافعي وأحمد في رواية م: (وقوله) ش: أي وقول محمد في الجامع: م: (الهرادي ليست بشيء يدل على أنه لا اعتبار للهرادي أصلاً، وكذا البواري) ش: جمع بارية، وهي التي تعمل من القصب، وهي الحصرة، وقال الأصمعي: البور بالفارسية وبالعربية باري وبوري وبارية م: (لأن الحائط لا يبنى لهما أصلاً، حتى لو تنازعا في حائط ولأحدهما هرادي، وليس للآخر عليه شيء فهو) ش: أي الحائط م: (بينهما) ش: لاستوائهما، وهذا باتفاق الأئمة الأربعة؛ لأن وضع الهرادي والبواري لا يثبت لصاحبها على الحائط يد لأن الحائط للتسقيف، وذلك بوضع الجذوع عليه، لا بوضع الهرادي والبواري، وإنما توضع الهرادي والبواري للاستظلال، والحائط لا يبنى للاستظلال، فيصار كما لو كان لأحدهما على ثوب مبسوط ولا شيء للآخر. وهناك يقضى بينهما، فكذا هذا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 409 ولو كان لكل واحد منهما عليه جذوع ثلاثة، فهو بينهما لاستوائهما، ولا معتبر بالأكثر منها بعد الثلاثة، وإن كان جذوع أحدهما أقل من ثلاثة فهو لصاحب الثلاثة، وللآخر موضع جذعه في رواية. وفي رواية لكل واحد منهما ما تحت خشبه، ثم قيل: ما بين الخشب إلى الخشب بينهما. وقيل: على قدر خشبهما. والقياس أن يكون بينهما نصفين؛ لأن لا معتبر بالكثرة في نفس الحجة. ووجه الثاني: أن الاستعمال من كل واحد بقدر خشبته. ووجه الأول: أن الحائط يبنى لوضع كثير الجذوع دون الواحد والمثنى، فكان الظاهر شاهدا لصاحب الكثير إلا أنه يبقى له حق الوضع، لأن الظاهر ليس بحجة في استحقاق يده. ولو كان لأحدهما جذوع وللآخر اتصال   [البناية] م: (ولو كان لكل واحد منهما عليه جذوع ثلاثة فهو بينهما لاستوائهما، ولا معتبر بالأكثر منها) ش: أي من الجذوع م: (بعد الثلاثة) ش: يعني لو كان لكل منهما جذوع ثلاثة فهو بينهما لاستوائهما، ولا اعتبار للجذوع الأكثر من الثلاثة. م: (وإن كان جذوع أحدهما أقل من ثلاثة فهو) ش: أي الحائط م: (لصاحب الثلاثة، وللآخر موضع جذعه في رواية) ش: صاحب " الإملاء " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي رواية) ش: كتاب الدعوى م: (لكل واحد منهما ما تحت خشبه) ش: وذكر محمد في كتاب الإقرار أن الحائط لصاحب الخشب الكثير، ولصاحب الخشبة الواحدة ما تحت خشبه يعني حق الوضع م: (ثم قيل: ما بين الخشب إلى الخشب بينهما) ش: يعني بينهما نصفان، لأن لا يد لأحدهما فيه فلم يكن أحدهما بأولى من الآخر كرجلين تنازعا في دار وفي يد أحدهما بيت منهما، وفي يد الآخر بيتان أن الباقي بينهما نصفان، كذلك ما بين الخشب، م: (وقيل: على قدر خشبهما) ش: أي على قدر الخشب كل منهما حتى يكون لصاحب الجذعين خمسان، ولصاحب الجذوع الثلاثة أخماس. م: (والقياس: أن يكون بينهما نصفين، لأنه لا معتبر بالكثرة في نفس الحجة) ش: وهو رواية عن أبي حنيفة وقياس قول الشافعي وأحمد، م: (ووجه الثاني) ش: وهو رواية كتاب الدعوى م: (أن الاستعمال من كل واحد بقدر خشبته) ش: لأن ذلك الموضع به مشغول بجذعه م: (ووجه الأول) ش: هو رواية كتاب الإقرار وهو الاستحسان: م: (أن الحائط يبنى لوضع كثير الجذوع دون الواحد والمثنى، فكان الظاهر شاهداً لصاحب الكثير، إلا أنه يبقى له) ش: أي لصاحب الجذع الواحد م: (حق الوضع) ش: أي حق وضع خشبه، م: (لأن الظاهر ليس حجة في استحقاق يده) ش: فلا يستحق دفع الخشبة الموضوعة، إذ من الجائز أن يكون أصل الحائط لرجل ويثبت للآخر حق الوضع عليه، فإن القسمة لو وقعت على هذا الوجه كان جائزاً. م: (ولو كان لأحدهما جذوع وللآخر اتصال) ش: وفي نسخة: لو كان لأحدهما اتصال الجزء: 9 ¦ الصفحة: 410 فالأول أولى، ويروى أن الثاني أولى. وجه الأول: أن لصاحب الجذوع التصرف ولصاحب الاتصال اليد والتصرف أقوى. ووجه الثاني: أن الحائطين بالاتصال يصيران كبناء واحد. ومن ضرورة القضاء له ببعضه القضاء بكله، ثم يبقى للآخر حق وضع جذوعه لما قلنا. وهذه رواية الطحاوي وصححها الجرجاني. قال: وإذا كانت دار منها في يد رجل عشرة أبيات، وفي يد آخر بيت فالساحة بينهما نصفان لاستوائهما في استعمالها وهو المرور فيها. قال: وإذا ادعى رجلان أرضا يعني يدعي كل واحد منهما أنها في يده لم يقض أنها في يد واحد منهما حتى يقيما البينة أنها في أيديهما، لأن اليد فيها غير مشاهدة لتعذر إحضارها وما غاب عن علم القاضي فالبينة تثبته   [البناية] وللآخر جذوع وهو الصحيح من النسخ ليوافق الدليل المدعى. وفي " شرح الأقطع ": إذا اختلفا في الحائط ولأحدهما اتصال به من أحد الجوانب ولآخر عليه جذوع، والاتصال هو مداخلة اللبن بعضه في بعض، م: (فالأول أولى) ش: أي صاحب الاتصال، وبه قال شيخ الإسلام الطحاوي؛ م: (ويروى أن الثاني أولى) ش: وهو صاحب الجذوع، وبه قال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وجه الأول: أن لصاحب الجذوع التصرف ولصاحب الاتصال اليد والتصرف أقوى ووجه الثاني) ش: وهو القول بأولوية الاتصال: م: (أن الحائطين بالاتصال يصيران كبناء واحد ومن ضرورة القضاء له ببعضة القضاء بكله، ثم يبقى للآخر حق وضع جذوعه لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله لأن الظاهر ليس بحجة في الاستحقاق، حتى لو ثبت ذلك بالبينة أمر برفعها لكونها حجة مطلقة م: (وهذه رواية الطحاوي) ش: أي كون صاحب الاتصال أولى من صاحب الجذوع م: (وصححها الجرجاني) ش: أي صحح رواية الطحاوي أبو عبد الله الجرجاني. [دار منها في يد رجل عشرة أبيات وفي يد آخر بيت وتنازعا] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا كانت دار منها في يد رجل عشرة أبيات، وفي يد آخر بيت فالساحة) ش: بالمهملتين العرصة في الدار وبين يديها م: (بينهما نصفان، لاستوائهما في استعمالها) ش: أي في استعمال الساحة، م: (وهو) ش: أي الاستعمال م: (المرور فيها) ش: ووضع الأمتعة فيها وصب الوضوء وكسر الحطب. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا ادعى رجلان أرضاً يعني يدعي كل واحد منهما في يده لم يقض أنها في يد واحد منهما حتى يقيما البينة أنها في أيديهما لأن اليد فيها غير مشاهدة لتعذر إحضارها) ش: أي لأن اليد حق مقصود، فلا يجوز للقاضي أن يحكم به ما لم يعلم، لأن الأرض غير مشاهدة لتعذر إحضارها، فإذا كان كذلك فلا بد من البينة، م: (وما غاب) ش: أي والذي غاب م: (عن علم القاضي فالبينة تثبته) ش: لتعذر المشاهدة. وقوله: وما مبتدأ وغاب صلته. وقوله: فالبينة تثبت خبره، وهي جملة اسمية وقعت خبراً الجزء: 9 ¦ الصفحة: 411 وإن أقام أحدهما البينة جعلت في يده لقيام الحجة؛ لأن اليد حق مقصود. وإن أقاما البينة جعلت في أيديهما لما بينا، فلا تستحق لأحدهما من غير حجة. وإن كان أحدهما قد لبن في الأرض أو بنى أو حفر فهي يده لوجود التصرف والاستعمال فيها.   [البناية] ودخلت الفاء عليها لتضمن المبتدأ معنى الشرط. م: (وإن أقام أحدهما البينة جعلت في يده لقيام الحجة؛ لأن اليد حق مقصود) ش: فلا يستحق أحدهما بغير حجة م: (وإن أقاما البينة جعلت في أيديهما لما بينا) ش: أشار إلى قوله لقيام الحجة، فإن طلبا القسمة بعد ذلك لم تقسم بينهما ما لم يقيما البينة على الملك. قال بعض مشايخنا: هذا قول أبي حنيفة، وقالا: يقسم بينهما م: (فلا تستحق لأحدهما من غير حجة، وإن كان أحدهما قد لبن في الأرض أو بنى أو حفر في يده لوجود التصرف والاستعمال فيها) ش: لأن من ضرورة الاستعمال إثبات اليد كالركوب على الدابة واللبس في الثياب، ذكره البزدوي، والله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 412 (باب دعوى النسب) قال: وإذا باع جارية فجاءت بولد فادعاه البائع، فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من يوم باع فهو ابن للبائع وأمه أم ولد له، وفي القياس وهو قول زفر والشافعي - رحمهما الله - دعوته باطلة؛ لأن البيع اعتراف منه بأنه عبد فكان في دعواه متناقضا ولا نسب بدون الدعوى. وجه الاستحسان أن اتصال العلوق بملكه شهادة ظاهرة على كونه منه؛ لأن الظاهر عدم الزنا، ومبنى النسب على الخفاء، فيعفى فيه التناقض، وإذا صحت الدعوى استندت إلى وقت العلوق فتبين أنه باع أم ولده فيفسخ البيع، لأن بيع أم الولد لا يجوز ويرد الثمن، لأنه قبضه بغير حق.   [البناية] [باب دعوى النسب] [باع جارية فجاءت بولد فادعاه البائع] م: (باب دعوى النسب) ش: أي هذا الباب في بيان حكم دعوى النسب، ولما ذكر دعوى المال شرع في دعوى النسب وقدم دعوى المال لكثرة وقوعها، فكان أهم. وفي " الصحاح ": الدعوة بالكسر في النسب، وبالفتح في الطعام، وقيل على العكس. قلت: وبالضم في الجهاد. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا باع جارية فجاءت بولد فادعاه البائع فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من يوم باع فهو ابن البائع وأمه أم ولد له) ش: وتفسخ البيع ويرد الثمن. م: (وفي القياس وهو قول وزفر والشافعي - رحمهما الله تعالى - لأن دعوته باطلة؛ لأن البيع اعتراف منه) ش: أي من البائع م: (بأنه عبد) ش: أي بأن الولد عبد، لأن إقدامه على البيع يدل على ذلك م: (فكان في دعواه مناقضاًَ) ش: ودعوى التناقض مردود م: (ولا نسب بدون الدعوى) ش: أي ولا يثبت النسب بدون الدعوى. م: (وجه الاستحسان: أن اتصال العلوق بملكه) ش: أي بملك المدعي وهو البائع م: (شهادة ظاهرة على كونه منه) ش: وذلك بمنزلة البينة العادلة حكماً في حق ثبوت النسب وحرية الولد في الأصل وصيرورة الجارية أم ولد له م: (لأن الظاهر عدم الزنا، ومبنى النسب على الخفاء) ش: جواب عن المناقض، لأن الإنسان قد لا يعلم ابتداء بكون العلوق منه ولم يتبين له أنه منه م: (فيعفى فيه التناقض) ش: لأجل الخفاء. م: (وإذا صحت الدعوى) ش: أي دعوى البائع م: (استندت إلى وقت العلوق) ش: منه م: (فتبين أنه باع أم ولده، فيفسخ البيع، لأن بيع أم الولد لا يجوز ويرد الثمن لأنه) ش: أي لأن البائع م: (قبضه بغير حق) ش: فيجب عليه رده. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 413 وإن ادعاه المشتري مع دعوى البائع أو بعده فدعوة البائع أولى، لأنها أسبق لاستنادها إلى وقت العلوق، وهذه دعوى استيلاد. وإن جاءت به لأكثر من سنتين من وقت البيع لم تصح دعوى البائع، لأنه لم يوجد اتصال العلوق بملكه تيقنا وهو الشاهد والحجة، إلا إذا صدقه المشتري فيثبت النسب ويحمل على الاستيلاد بالنكاح ولا يبطل البيع، لأنا تيقنا أن العلوق لم يكن في ملكه فلا يثبت حقيقة العتق ولا حقه، وهذه دعوى تحرير وغير المالك ليس من أهله. وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر من وقت البيع ولأقل من سنتين لم تقبل دعوى البائع فيه، وإلا أن يصدقه المشتري، لأنه احتمل أن لا يكون العلوق في ملكه فلم توجد الحجة، فلا بد من تصديقه. وإذا صدقه يثبت النسب ويبطل البيع والولد حر والأم أم ولد له   [البناية] م: (وإن ادعاه المشتري مع دعوى البائع أو بعده) ش: دعوى البائع م: (فدعوى البائع أولى، لأنها أسبق لاستنادها إلى وقت العلوق) ش: إنما عينه بقوله " مع دعوى " لأنه لو ادعاه المشتري أولا يثبت النسب منه ولا يثبت نسب البائع بعد ذلك لاستغناء الولد عن النسب م: (وهذه دعوى استيلاد) ش: هذا جواب دخل تقديره كيف تصح الدعوى والملك معدوم، فأجاب بقوله " وهذه " أي دعوى البائع استيلاد ودعوى المشتري دعوى تحرير، إذ الأصل العلوق لم يكن في ملكه، ودعوى الاستيلاد أولى لاستنادها إلى وقت العلوق. ودعوى الاستيلاد لا تفتقر إلى حقيقة الملك، ودعوى التحرير تفتقر إليها. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله " دعوى استيلاد " في الحقيقة، هذا جواب عن قول إبراهيم النخعي حيث قال فيها: يثبت النسب من المشتري، لأن حقيقة الملك فيها وفي ولدها، وللبائع حق، والحق لا يعارض الحقيقة، قلنا: هذه دعوى استيلاد .... إلخ. م: (وإن جاءت به لأكثر من سنتين من وقت البيع لم تصح دعوة البائع، لأنه لم يوجد اتصال العلوق بملكه يقيناً وهو) ش: أي اتصال العلوق بملكه م: (الشاهد والحجة) ش: في ثبوت النسب م: (إلا إذا صدقه المشتري، فيثبت النسب ويحمل على الاستيلاد بالنكاح) ش: حملاً لأمره على الصلاح م: (ولا يبطل البيع، لأنا تيقنا أن العلوق لم يكن في ملكه فلا يثبت حقيقة العتق) ش: في حق الولد م: (ولا حقه) ش: ولا حق المعتق في الجارية م: (وهذه دعوى تحرير) ش: يعني إذا لم تصر الجارية أم ولد تبقى الدعوى في الولد دعوى تحرير م: (وغير المالك ليس من أهله) ش: والبائع ليس بمالك فلا بد من تصديق المشتري. م: (وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر من وقت البيع ولأقل من سنتين لم تقبل دعوى البائع فيه، إلا أن يصدقه المشتري، لأنه احتمل) ش: أي لأن الشأن أنه احتمل م: (أن لا يكون العلوق في ملكه فلم توجد الحجة فلا بد من تصديقه، وإذا صدقه يثبت النسب ويبطل البيع والولد حر والأم أم ولد له الجزء: 9 ¦ الصفحة: 414 كما في المسألة الأولى لتصادقهما واحتمال العلوق في الملك. قال: فإن مات الولد فادعاه البائع وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر لم يثبت الاستيلاد في الأم لأنها تابعة للولد، ولم يثبت نسبة بعد الموت لعدم حاجته إلى ذلك، فلا يتبعه استيلاد الأم. وإن ماتت الأم فادعاه البائع وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر يثبت النسب في الولد وأخذه البائع، لأن الولد هو الأصل في النسب فلا يضره فوات التبع وإنما كان الولد أصلا لأنها تضاف إليه، يقال أم الولد وتستفيد الحرية من جهته لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أعتقها ولدها» والثابت لها حق الحرية وله حقيقتها،   [البناية] كما في المسألة الأولى لتصادقهما واحتمال العلوق في الملك) ش: وإن ادعاه المشتري وحده صحت دعوته، لأن دعوته دعوى استيلاد، حتى يكون الولد حر الأصل، ولا يكون له ولاء على الولد، لأن العلوق في ملكه يمكن، وإن ادعياه معاً أو متعاقباً فالمشتري أولى، لأن البائع في هذه الحالة كالأجنبي، هذا الذي ذكرناه كله إذا علم مدة الولادة بعد البيع، فإذا لم يعلم أنها جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر فصاعداً ما بينهما وبين سنتين أو لأكثر من سنتين، فالمسألة على أربعة أوجه أيضاً. فإن ادعاه البائع فإنها لا تصح دعوته، إلا أن يصدقه المشتري لعدم تيقن العلوق في ملكه؛ وإن ادعاه المشتري صح؛ لأن أكثر ما في الباب أن علوق الولد في ملك البائع بأن جاءت به لأقل من ستة أشهر، ولكن هذا لا يمنع دعوى المشتري، ولو سبق أحدهما صاحبه في الدعوى إن سبق المشتري صحت دعوته، وإن سبق البائع ثم ادعى المشتري لا تصح دعوى واحدة منهما لوقوع الشك في إثبات النسب من كل واحد منهما. وإن ادعيا معاً فإنه لا تصح دعوى واحد منهما، وإن ادعيا معا فإنه لا تصح دعوى واحد منهما، ويكون الولد عبد المشتري. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن مات الولد فادعاه البائع وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر لم يثبت الاستيلاد في الأم؛ لأنها تابعة للولد ولم يثبت نسبه بعد الموت لعدم حاجته إلى ذلك فلا يتبعه استيلاد الأم) ش: لأنه فرع النسب. م: (وإن ماتت الأم فادعاه البائع وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر يثبت النسب في الولد وأخذه البائع؛ لأن الولد هو الأصل في النسب) ش: والاستيلاد فرع النسب كما ذكرنا. م: (فلا يضره) ش: أي فلا يضر نسب الولد م: (فوات التبع) ش: وهو الأم أو أمومية الولد م: (وإنما كان الولد أصلاً لأنها) ش: أي لأن الأم م: (تضاف إليه، يقال " أم الولد " وتستفيد) ش: أي الأم م: (الحرية من جهته) ش: أي من جهة الولد م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «أعتقها ولدها» ش: هذا تقدم في باب الاستيلاد، رواه ابن ماجه. م: (والثابت لها) ش: أي للأم م: (حق الحرية، وله) ش: أي وللولد م: (حقيقتها) ش: أي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 415 والأدنى يتبع الأعلى ويرد الثمن كله في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يرد حصة الولد ولا يرد حصة الأم، لأنه تبين أنه باع أم ولده وماليتها غير متقومة عنده في العقد والغصب فلا يضمنها المشتري، وعندهما متقومة فيضمنها. وفي " الجامع الصغير ": وإذا حبلت الجارية في ملك رجل فباعها فولدت في يد المشتري فادعى البائع الولد وقد أعتق المشتري الأم فهو ابنه يرد عليه بحصته من الثمن. ولو كان المشتري إنما أعتق الولد فدعواه باطلة.. ووجه الفرق أن الأصل في هذا الباب   [البناية] حقيقة الحرية، وهو ظاهر م: (والأدنى يتبع الأعلى ويرد الثمن كله في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا يرد حصة الولد ولا يرد حصة الأم؛ لأنه تبين انه باع أم ولده وماليتها) ش: أي ومالية أم الولد م: (غير متقومة عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في العقد والغصب) ش:، حتى إذا اشترى أم الغير وماتت في يده لا يضمن المشتري قيمتها، وكذلك لو غصبها فماتت عنده م: (فلا يضمنها المشتري) ش: أي عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (وعندهما متقومة فيضمنها) ش: أي المشتري في العقد، والغاصب في الغصب. م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وفي " الجامع الصغير ") ش: إنما ذكر المصنف رواية " الجامع الصغير " إعلاماً بأن حكم الإعتاق فيما نحن فيه حكم الموت،. م: (وإذا حبلت الجارية في ملك رجل فباعها فولدت في يد المشتري) ش: لأقل من ستة أشهر من بيعها م: (فادعى البائع الولد، وقد أعتق المشتري الأم فهو ابنه) ش: أي ابن البائع م: (ويرد عليه بحصته من الثمن) ش: يعني يقيم الثمن على قيمة الولد وقيمة أمه، فما أصاب الأم يلزم المشتري، وما أصاب الولد سقط عنه، ولا تصير الجارية أم ولد للبائع، لأنه يثبت فيها للمشتري ما لا يحتمل الإبطال وهو الولد وكذا الحكم فيها إذا دبرها أو استولدها، ذكره التمرتاشي. وقال قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": ذكره شمس الأئمة السرخسي أن هذا قول أبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أما على قول أبي حنيفة: يرد الولد بجميع الثمن، لأنه لا مالية لأم الولد. قال الأترازي: فيه نظر، لأن محمداً - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نقل في " الجامع الصغير " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - صريحاً: أنه يرد الولد بحصته من الثمن، وكذا ذكر في " الأصل " يرد إليه بحصته من الثمن. م: (ولو كان المشتري إنما أعتق الولد فدعواه باطلة) ش: يعني إذا كان المشتري أعتق الولد فدعوته باطلة إذا لم يصدقه المشتري م: (ووجه الفرق) ش: أي بينهما: إذا أعتق المشتري الأم ولم يعتق الولد حيث تكون دعوى البائع صحيحة في حق الولد خاصة وبينهما إذا أعتق المشتري الولد دون الأم حيث تبطل دعوى البائع أصلاً م: (أن الأصل في هذا الباب) ش: أي في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 416 الولد، والأم تابعة له على ما مر. وفي الفصل الأول قام المانع من الدعوى والاستيلاد وهو العتق في التبع وهو الأم، فلا يمتنع ثبوته في الأصل وهو الولد وليس من ضروراته كما في ولد المحرور، فإنه حر وأمه أمة لمولاها، وكما في المستولدة بالنكاح. وفي الفصل الثاني قام المانع بالأصل وهو الولد فيمتنع ثبوته فيه وفي التبع وإنما كان الإعتاق مانعا، لأنه لا يحتمل النقض كحق استلحاق النسب، وحق الاستيلاد فاستويا من هذا الوجه، ثم الثابت من المشتري حقيقة الإعتاق، والثابت في الأم حق الحرية وفي الولد للبائع حق   [البناية] باب ثبوت النسب م: (الولد، والأم تابعة له على ما مر) ش: من قوله " لأن الولد هو الأصل " في النسب. م: (وفي الفصل الأول) ش: أي فيما إذا أعتق المشتري أم الولد: م: (قام المانع من الدعوى والاستيلاد وهو العتق في التبع وهو الأم، فلا يمتنع ثبوته في الأصل وهو الولد) ش:. فإن قيل: إذا لم تمتنع الدعوى في الولد يثبت العتق فيه والنسب لكون العلوق في ملكه يتيقن، لأن الكلام فيما إذا حبلت الجارية في ملك البائع، ومن حكم ثبوت النسب للولد صيرورة أمه أم ولد للبائع، فكان ينبغي أن يبطل البيع، وإلحاق المشتري. أجاب المصنف بقوله: م: (وليس من ضروراته) ش: حرية الأم، أي ثبوت الاستيلاد في حق الأم من ضرورات ثبوت المعتق والنسب للولد لانفكاكه عنه م: (كما في ولد المحرور) ش: وهو ما إذا اشترى الرجل أمة من رجل يزعم أنها ملكه فاستولدها فاستحقت م: (فإنه) ش: أي فإن الولد م: (حر) ش: عتيق بالقيمة، وهو ثابت النسب من أبيه، م: (وأمه أمة لمولاها) ش: وليست أم ولد لأبيه، م: (وكما في المستولدة بالنكاح) ش: بأن تزوج امرأة على أنها حرة فولدت فإذا هي أمة فإنه يثبت نسب ولدها، ولا تثبت أمومية أم الولد منها. م: (وفي الفصل الثاني) ش: وهو ما إذا أعتق المشتري الولد ثم ادعاه البائع أنه ولد م: (قام المانع بالأصل وهو الولد فيمتنع ثبوته) ش: أي ثبوت ما ذكرنا من الاستيلاد والدعوى م: (فيه) ش: أي في الأصل م: (وفي التبع) ش: وهو الأم م: (وإنما كان الإعتاق مانعاً) ش: أي إنما كان إعتاق المشتري الولد مانعاً لدعوى البائع م: (لأنه) ش: أي لأن الإعتاق م: (لا يحتمل النقض كحق استلحاق النسب) أي من البائع في حق الولد م: (وحق الاستيلاد) ش: أي وكحق استيلاد البائع في حق الأم م: (فاستويا) ش: أي استوى إعتاق المشتري وحق استحقاق البائع م: (من هذا الوجه) ش: أي من حيث أنهما لا يحتملان النقض. م: (ثم الثابت من المشتري) ش: هذا بيان ترجيح الإعتاق على الاستحقاق يعني الثابت من المشتري م: (حقيقة الإعتاق) ش: أي في الولد م: (والثابت في الأم حق الحرية، وفي الولد للبائع حق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 417 الدعوة، والحق لا يعارض الحقيقة والتدبير بمنزلة الإعتاق، لأنه لا يحتمل النقض، وقد ثبت به بعض آثار الحرية. وقوله في الفصل الأول يرد عليه بحصته من الثمن قولهما وعنده يرد بكل الثمن وهو الصحيح كما ذكرنا في فصل الموت. قال: ومن باع عبدا ولد عنده وباعه المشتري من آخر ثم ادعاه البائع الأول فهو ابنه ويبطل البيع، لأن البيع يحتمل النقض وماله من حق الدعوى لا يحتمله فينقض البيع لأجله، وكذا إذا كاتب الولد أو رهنه أو أجره أو كاتب الأم أو رهنها أو زوجها، ثم كاتب الدعوى، لأن هذه العوارض تحتمل النقض فينقض ذلك كله وتصح الدعوى، بخلاف الإعتاق والتدبير على ما مر،   [البناية] الدعوى، والحق لا يعارض الحقيقة) ش: لأن الحقيقة أقوى من الحق، فكذلك لم يقل بصحة دعوى البائع فيما إذا أعتق المشتري الولد م: (والتدبير بمنزلة كالإعتاق) ش: أي في الحكم م: (لأنه لا يحتمل النقض وقد ثبت به) ش: أي بالتدبير م: (بعض آثار الحرية) ش: وهو عدم جواز النقل من ملك إلى ملك. م: (وقوله:) ش: أي قوله من نقل في " الجامع الصغير ": م: (في الفصل الأول) ش: وهو ما إذا أعتق المشتري الأم م: (يرد عليه بحصته من الثمن قولهما) ش: أي قول أبي حنيفة وأبي يوسف م: (وعنده) ش: أي وعند محمد م: (يرد بكل من الثمن هو الصحيح) ش: احترز به كما ذكره شمس الأئمة وقاضي خان والمحبوبي بأن البائع يرد ما يخص الولد من الثمن لا كل الثمن، وقد ذهب المصنف إلى صحة هذا ولكن هذا خلاف ما نص عليه محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة في " الجامع الصغير " وغيره صريحاً أنه يرد الولد بحصته من الثمن، وقد ذكرنا. وفي " المبسوط ": يرد في الموت كل الثمن عند أبي حنيفة. وفي الإعتاق حصة الولد وفرق بين الموت والعتق م: (كما ذكرنا في فصل الموت) ش: أي موت الأم في المشتري ودعوى البائع. [باع عبدا ولد عنده وباعه المشتري من آخر ثم ادعاه البائع الأول] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن باع عبداً ولد عنده وباعه المشتري من آخر ثم ادعاه البائع الأول فهو ابنه، ويبطل البيع لأن البيع يحتمل النقض) ش: إنما خص البيع للاحتراز عن الإعتاق والتدبير، فإنهما لا يحتملان النقض م: (وما له من حق الدعوى لا يحتمله) ش: أي النقض م: (فينقض البيع لأجله) ش: أي لأجل ماله في حق الدعوة م: (وكذا) ش: أي الحكم م: (إذا كاتب الولد أو رهنه أو أجره أو كاتب الأم أو رهنها أو زوجها ثم كاتب الدعوة) ش: أي وجدت الدعوى للبائع بعد وجود كتابة المشتري أو رهنه أو كتابته أو كتابة الأم أو رهنها أو تزويجها تصح هذه الدعوى، وتنقض هذه الأشياء م: (لأن هذه العوارض) ش: وهي الأشياء المذكورة م: (تحتمل النقض فينتقض ذلك كله، وتصح الدعوى) ش: أي من البائع. م: (بخلاف الإعتاق والتدبير على ما مر) ش: أشار به إلى قوله " لأنه لا يحتمل النقض " الجزء: 9 ¦ الصفحة: 418 وبخلاف ما إذا ادعاه المشتري أولا ثم ادعاه البائع حيث لا يثبت النسب من البائع لأن النسب الثابت من المشتري لا يحتمل النقض، فصار كإعتاقه. قال: ومن ادعى نسب أحد التوأمين ثبت نسبهما منه لأنهما من ماء واحد، فمن ضرورة ثبوت نسب أحدهما ثبوت نسب الآخر، وهذا لأن التوأمين ولدان بين ولادتهما أقل من ستة أشهر، فلا يتصور علوق الثاني حادثا، لأنه لا حبل لأقل من ستة أشهر. وفي " الجامع الصغير ": إذا كان في يده غلامان توأمان ولدا عنده فباع أحدهما وأعتقه المشتري، ثم ادعى البائع الذي في يده فهما ابناه، وبطل عتق المشتري لأنه لما ثبت نسب الولد الذي عنده لمصادفة العلوق والدعوى ملكه، إذ المسألة مفروضة فيه ثبت به حرية الأصل، فيثبت نسب الآخر وحرية الأصل فيه ضرورة لأنهما توأمان، فتبين أن عتق المشتري وشراءه لاقى حرية الأصل، فبطل   [البناية] م: (وبخلاف ما إذا ادعاه المشتري أولا ثم ادعاه البائع حيث لا يثبت النسب من البائع، لأن النسب الثابت من المشتري لا يحتمل النقض، فصار كإعتاقه) ش: أي إعتاق المشتري، وذكر هذه المسائل من " المبسوط " تفريعاً على مسألة " الجامع الصغير ". [ادعى نسب أحد التوأمين] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن ادعى نسب أحد التوأمين) ش: التوأم اسم للولد إذا كان معه آخر في بطن واحد، ويقال هما توأمان كما يقال: هما زوجان قولهما هما توأم زوج خطأ؛ كذا في " المغرب ". وقال شمس الأئمة: يجوز أن يقال: غلامان توأم وتوأمان، قال: ذكر التوأم مكان التوأمين صحيح في اللغة م: (ثبت نسبهما منه) ش: أي نسب التوأمين من المدعي م: (لأنهما) ش: خلقاً م: (من ماء واحد، فمن ضرورة ثبوت نسب أحدهما ثبوت نسب الآخر، وهذا) ش: أشار به إلى قوله فمن ضرورة ثبوت نسب أحدهما ثبوت الآخر "، م: (لأن التوأمين ولدان بين ولادتهما أقل من ستة أشهر) ش: إنما قيد بذلك لأنه إذا كان بينهما ستة أشهر فصاعداً بتوأمين، لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر م: (فلا يتصور علوق الثاني حادثاً، لأنه لا حبل في أقل من ستة أشهر) . م: (وفي " الجامع الصغير ") ش: إنما أعاد لفظ " الجامع " لما فيه من زيادة وهي قوله " ولداً عنده " م: (إذا كان في يده غلامان توأمان ولدا عنده فباع أحدهما وأعتقه المشتري ثم ادعى البائع الذي في يده) ش: أنه ابنه م: (فهما ابناه وبطل عتق المشتري لأنه لما ثبت نسب الولد الذي عنده لمصادفة العلوق ولدعوى ملكه، إذا المسألة مفروضة فيه) ش: أي لأن المسألة مقدرة فيما إذا كان أصل العلوق في ملكه، وذلك فيما إذا جاء بهما لأقل من ستة أشهر من يوم باع، وقوله م: (ثبت به حرية الأصل) . ش: جواب: لما إذا كان كذلك، م: (فيثبت نسب الآخر وحرية الأصل) ش: أي وتثبت حرية الأصل م: (فيه) ش: أي في الآخر م: (ضرورة) ش: بالنصب، أي من حيث الضرورة، وعلله بقوله: م: (لأنهما توأمان فتبين أن عتق المشتري وشراءه لاقى حرية الأصل فبطل) ش: أي عتق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 419 بخلاف ما إذا كان الولد واحدا؛ لأن هناك يبطل العتق فيه مقصودا لحق دعوى البائع، وهنا ثبت تبعا لحريته في حرية الأصل فافترقا. وإن لم يكن أصل العلوق في ملكه ثبت نسب الولد الذي عنده، ولا ينقض البيع فيما باع، لأن هذه دعوى تحرير لانعدام شاهد الاتصال، فيقتصر على محل ولايته. قال: وإن كان الصبي في يد رجل فقال هو ابن عبدي فلان الغائب، ثم قال: هو ابني لم يكن ابنه أبدا، وإن جحد العبد أن يكون ابنه   [البناية] المشتري؛ وقال الكاكي: والضمير المستكن في " بطل " راجع إلى كل واحد من العتق والشراء. م: (بخلاف ما إذا كان الولد واحدا، لأن هناك يبطل العتق فيه مقصوداً) ش: أي بالقصد م: (لحق دعوى البائع) ش: أي لأجل حق دعوى البائع م: (وهنا) ش: أي في مسألة التوأمين م: (ثبت تبعاً) ش: أي يثبت بطلان عتق المشتري بطريق التبعية م: (لحريته فيه حرية الأصل) ش: أي لحرية المشتري بفتح الراء الذي كانت الحرية في حرة الأصل، ومن ضرورته ثبوت حرية الأصل فيه ثبوت حرية الأصل الآخر ضمناً وتبعاً، لأنهما توأمان، وعلى هذا قوله " حرية الأصل " مجرور بدل من قوله " لحريته ". وقال الأترازي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويجوز أن يكون منصوباً على الاختصاص بسبيل المدح بتأويل أعنى؛ وقال الأكمل: ولحريته حرية الأصل بدل من قوله " لحريته " م: (فافترقا) ش: أي حكم ما إذا كان الولد واحداً وحكم التوأمين. م: (وإن لم يكن) ش: وفي بعض النسخ: فإن لم يكن م: (أصل العلوق في ملكه) ش: أي في ملك المدعي م: (ثبت نسب الولد الذي عنده) . ش: وقال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في " شرح الكافي "، للحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإذا ولدت أمة الرجل ولدين في بطن واحد ولم يكن أصل الحبل عنده، فباع أحدهما وأعتقه المشتري ثم ادعاهما البائع فهما ابناه م: (ولا ينقض البيع فيما باع، لأن هذه دعوى تحرير) ش: لأنه لم يكن أصل علوقها في ملك البائع. وقال المصنف: م: (لانعدام شاهد الاتصال) ش: أي اتصال العلوق بملكه يقيناً م: (فيقتصر) ش: هذا العتق م: (على محل ولايته) ش: وصار كالبائع أعتقها فتعتق على من في ملكه فحسب. [الصبي في يد رجل فقال هو ابن عبدي فلان الغائب ثم قال هو ابني] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإن كان الصبي في يد رجل فقال هو ابن عبدي فلان الغائب، ثم قال: هو ابني لم يكن ابنه أبداً، وإن جحد العبد أن يكون ابنه) ش: كلمة " إن " واصلة بما قبلها. قال الكاكي: قوله " عبداً " يعني سواء صدقه العبد الغائب أو كذبه أو لم يعرف منه تكذيب ولا تصديق، لأن إقراره بثبوت نسبه من الغير ينفي ثبوت النسب منه، إذا إقراره حجة في حقه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 420 وهذا عند أبي حنيفة. وقالا: إذا جحد العبد فهو ابن المولى. وعلى هذا الخلاف إذا قال: هو ابن فلان ولد على فراشه ثم ادعاه لنفسه. لهما: أن الإقرار يرتد برد العبد، فصار كأن لم يكن الإقرار والإقرار بالنسب يرتد بالرد. وإن كان لا يحتمل النقض، ألا ترى أنه يعمل فيه الإكراه والهزل، فصار كما إذا أقر المشتري على البائع بإعتاق المشتري فكذبه البائع ثم قال: أنا أعتقته يتحول الولاء إليه. بخلاف ما إذا صدقه لأنه يدعي بعد ذلك نسبا ثابتا من الغير، وبخلاف ما إذا لم يصدقه ولم يكذبه لأنه تعلق به حق المقر له على اعتبار تصديقه، فيصير كولد الملاعنة فإنه لا يثبت نسبه من غير الملاعن؛ لأن له أن يكذب نفسه ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن النسب مما لا يحتمل النقض بعد ثبوته والإقرار بمثله لا يرتد بالرد،   [البناية] م: (وهذا) ش: أي الذي ذكر م: (عند أبي حنيفة) . م: (وقالا: إذا جحد العبد فهو ابن المولى) ش: يعني إذا ادعى لنفسه بعد جحود العقد. وفي " جامع المحبوبي " فلو حضر العبدان صدق المولى أو كذبه أو لم يكذبه، ففي الوجه الأول والثالث: تصح دعوى المولى بعد ذلك إجماعاً. وفي الوجه الثاني لم تصح دعوته خلافاً لهما، لكن يعتق عليه وإن لم يثبت نسبه من المولى، م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور م: (وإذا قال: هو ابن فلان ولد على فراشه ثم ادعاه لنفسه) ش: حيث لا يكون ابنه عنده، خلافا لهم. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (أن الإقرار يرتد برد العبد، فصار كأن لم يكن الإقرار، والإقرار بالنسب يرتد بالرد، وإن كان لا يحتمل النقض) ش: أي وإن كان النسب لا يحتمل أن ينقض، ثم أوضح ذلك بقوله م: (ألا ترى أنه) ش: أي أن الإقرار بالنسب م: (يعمل فيه الإكراه) ش: حتى لو أكره بالإقرار بنبوة عبد فأقر لا يجوز م: (والهزل) ش: أي ويعمل فيه الهزل بأن أقر به هازلاً فإنه لا يثبت م: (فصار) ش: هذا نظير م: (كما إذا أقر المشتري على البائع بإعتاق المشتري فكذبه البائع، ثم قال) ش: أي المشتري: م: (أنا أعتقته يتحول الولاء إليه) ش: أي إلى المشتري. م: (بخلاف ما إذا صدقه) ش: مولى، أي البائع م: (لأنه يدعي بعد ذلك نسباً ثابتا من الغير) ش: وهو لا يصح م: (وبخلاف ما إذا لم يصدقه ولم يكذبه، لأنه تعلق به حق المقر له على اعتبار تصديقه) ش: فلا تصح دعوى المولى بعد ذلك، م: (فيصير كولد الملاعنة فإنه لا يثبت نسبه من غير الملاعن، لأن له) ش: أي للملاعن م: (أن يكذب نفسه) ش: فتصح دعوته. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن النسب مما لا يحتمل النقض بعد ثبوته) ش: وهذا بالاتفاق، وما كان كذلك لا يرتد، م: (والإقرار بمثله) ش: أي بمثل ما لا يحتمل النقض م: (لا يرتد بالرد) ش: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 421 فبقي فتمتنع دعوته كمن شهد على رجل بنسب صغير فردت شهادته لتهمة ثم ادعاه لنفسه، وهذا لأنه تعلق به حق المقر له على اعتبار تصديقها، حتى لو صدقه بعد التكذيب يثبت النسب منه، وكذا تعلق به حق الولد فلا يرتد برد المقر له. ومسألة الولاء على هذا الخلاف، ولو سلم فالولاء قد يبطل باعتراض الأقوى كجر الولاء من جانب الأم إلى قوم الأب، وقد اعترض على الولاء الموقوف ما هو أقوى، وهو دعوى المشتري فيبطل به، بخلاف النسب على ما مر، وهذا يصلح مخرجا على أصله فيمن يبيع الولد ويخاف عليه الدعوة بعد ذلك فيقطع دعواه بإقراره بالنسب لغيره.   [البناية] بعد ثبوته بالتكذيب م: (فبقي) ش: أي فبقي الإقرار في حق المقر وإن لم يثبت في حق المقر له، كما إذا أقر بعتق عبد الغير وكذبه الملك، ثم اشتراه يعتق عليه م: (فتمتنع دعوته) ش: أي دعوة المقر م: (كمن شهد على رجل بنسب صغير فردت شهادته لتهمة) ش: من قرابة أو فسق م: (ثم ادعاه لنفسه) ش: أي ثم ادعاه الشاهد لنفسه لم تصح دعوته، م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله " لا يحتمل النقض " م: (لأنه تعلق به حق المقر له على اعتبار تصديقها، حتى لو صدقه بعد التكذيب يثبت النسب منه) ش: فصار كالذي لم يصدقه ولم يكذبه، ولا يلزم على هذا إذا أقر بمال فرد المقر له ثم ادعاه، لأن الأملاك تنفسخ بالرد فيبطل الإقرار ولم يبق إلا حق المقر، فجاز أن يدعي. م: (وكذا تعلق به حق الولد يرتد برد المقر له) ش: لأن المقر لا يقدر على إبطاله، لأن ليس حقه على الخلوص م: (ومسألة الولاء) ش: هذا جواب عن استشهادهما بها، تقريره: أن مسألة الولاء ليس بحجة على أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنها م: (على هذا الخلاف) ش: فلا ينتهض شاهد، م: (ولو سلم) ش: يعني ولئن سلمنا أنها على الاتفاق فنقول بين الولاء وبين النسب فرق، أشار إليه بقوله م: (فالولاء قد يبطل باعتراض الأقوى) ش: أي باعتراض ما هو الأقوى م: (كجر الولاء من جانب الأم إلى قوم الأب) ش: صورته معتقة تزوجت بعبد وولدت منه أولاداً، فإذا أعتق العبد جر الولاء إلا الأولاد إلى نفسه، هكذا روي عن محمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (وقد اعترض) ش: هنا م: (على الولاء الموقوف) ش: هو الولاء من جانب البائع وسماه موقوفاً لأنه على فرضية التصديق بعد التكذيب م: (ما هو أقوى، وهو دعوى المشتري) ش: ودعواه أقوى لقيام ملكه في الحال، فكان دعوى الولاء إلى نفسه بسبب الاعتقاد مصادفا محله لوجود شرطه، وهو قيام الملك م: (فيبطل) ش: أي الولاء م: (بخلاف النسب) ش: حيث لا يجوز نقضه بعد ثبوته فلم يبطل، فلم تصح دعوى المولى بعد إقراره أنه ابن عبدي م: (على ما مر) ش: أشار به إلى قوله: " إن النسب مما لا يحتمل النقض " م: (وهذا) ش: أي قوله " هذا ابن عبدي فلان الغائب " م: (يصلح مخرجاً) ش: أي حيلة م: (على أصله) ش: أي على أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فيمن يبيع الولد ويخاف عليه الدعوة بعد ذلك، فيقطع دعواه بإقراره النسب لغيره) ش: توضيحه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 422 قال: وإذا كان الصبي في يد مسلم ونصراني فقال النصراني: هو ابني، وقال المسلم: هو عبدي فهو ابن النصراني وهو حر، لأن الإسلام مرجح فيستدعي تعارضا، ولا تعارض لأن نظر الصبي في هذا أوفر، لأنه ينال شرف الحرية حالا وشرف الإسلام مآلا إذ دلائل الوحدانية ظاهرة، وفي عكسه الحكم بالإسلام تبعا، وحرمانه عن الحرية لأنه ليس في وسعه اكتسابها. ولو كانت دعوتهما دعوة البنوة فالمسلم أولى ترجيحا للإسلام وهو أوفر النظرين. قال: وإذا ادعت امرأة صبيا أنه ابنها لم يجز دعواها حتى تشهد امرأة على الولادة.   [البناية] رجل في يد وصي ولد على ملكه ويبيعه ولا ما من المشتري أن يدعيه فينقض البيع مخيلة إلا من انتقاض البيع أن يقر البائع أنه ابن عبدي الغائب، فإن بعد هذا الإقرار لا تصح دعوته عبداً فيأمن المشتري من انتقاض البيع. وفي " الفوائد الظهيرية ": الحيلة في هذه المسألة على قول الكل أن يقر البائع أن هذا ابن عبدي الميت حتى لا يأتي فيه تكذيب، فيكون مخرجا على قول الكل. [الصبي في يد مسلم ونصراني فقال النصراني هو ابني وقال المسلم هو عبدي] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان الصبي في يد مسلم ونصراني فقال النصراني: هو ابني، وقال المسلم: هو عبدي فهو ابن النصراني وهو حر، لأن الإسلام مرجح) ش: بكسر الجيم م: (فيستدعي تعارضاً) ش: لأن الترجيح يستدعي التعارض م: (ولا تعارض) ش: ها هنا م: (لأن نظر الصبي في هذا) ش: أي في كونه ابن النصراني، وكونه حراً م: (أوفر) ش: أي أكثر منفعة م: (لأنه ينال شرف الحرية حالاً وشرف الإسلام مآلا إذ دلائل الوحدانية ظاهرة) ش: فيمكنه اكتساب الإسلام بنفسه م: (وفي عكسه الحكم بالإسلام تبعاً) ش: إما لأبيه أو لمولاه م: (وحرمانه عن الحرية؛ لأنه ليس في وسعه اكتسابها) ش: أي اكتساب الحرية. ولقائل أن يقول: هذا مخالف الكتاب وهو قَوْله تَعَالَى {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: 221] (البقرة: الآية 221) ، ودلائل التوحيد، وإن كانت ظاهرة، لكن الإلف بالدين مانع قوي ألا ترى إلى كفر آبائه مع ظهور دلائل التوحيد. وأجيب: بأن قَوْله تَعَالَى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] (الأحزاب: الآية 5) ، يوجب دعوة الأولاد لآبائهم بدعوى النسب، لأن دعوته لا تحتمل النقض فتعارضت الآيتان. وفي الأحاديث الدلالة على الرحمة بالصبيان [ ..... ] ، وكانت أقوى من التابع، وكفور الآباء جحود، والأصل عدمه م: (ولو كانت دعوتهما) ش: أي دعوة المسلم والنصراني م: (دعوة البنوة فالمسلم أولى ترجيحاً للإسلام وهو أوفر النظرين:) ش: نظر الإسلام ونظر البنوة؛ وقال زفر: يستويان؛ وقال الشافعي: بحكم العائف. [ادعت امرأة صبيا أنه ابنها] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي " الجامع الصغير ": م: (وإذا ادعت امرأة صبياً أنه ابنها لم تجز دعواها، حتى تشهد امرأة على الولادة) ش: هذا لفظ " الجامع ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 423 ومعنى المسألة: أن تكون المرأة ذات زوج لأنها تدعي تحميل النسب على الغير فلا تصدق إلا بحجة، بخلاف الرجل لأنه يحمل نفسه النسب ثم شهادة القابلة كافية فيها لأن الحاجة إلى تعيين الولد. أما النسب يثبت بالفراش القائم، وقد صح أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قبل شهادة القابلة على الولادة. ولو كانت معتدة فلا بد من حجة تامة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقد مر في الطلاق. وإن لم تكن منكوحة   [البناية] وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومعنى المسألة: أن تكون المرأة ذات زوج لأنها تدعي تحميل النسب على الغير، فلا تصدق إلا بحجة) ش: وهي شهادة القابلة، لأن الولادة مما لا يحضرها الرجال، فإذا شهدت قابلة يثبت النسب، وإذا لم يكن لها زوج فالقول لها من غير بينة كما في الرجل. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده: لم يكن ثمة منازع، وأما إذا كان المنازع ينكر بأن ادعت النسب من رجل والرجل حاضر ينكر ذلك، فإنه لا يثبت ذلك بشهادة القابلة عندهم جميعاً، وإنما يثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين عندهم جميعاً. وإذا كانت المنازعة لها بامرأة أخرى ففي رواية أبي سليمان يقضى بالنسب بينهما إذا أقامت كل واحدة منهما امرأة واحدة، وفي رواية أبي حفص لا يقضى بالنسب من واحدة منهما ما لم تقم كل واحدة منهما رجلين أو رجل وامرأتين. م: (بخلاف الرجل لأنه يحمل نفسه النسب) ش: فلا يحتاج فيه إلى حجة م: (ثم شهادة القابلة كافية فيها لأن الحاجة إلى تعيين الولد. أما النسب يثبت بالفراش القائم، وقد صح: «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قبل شهادة القابلة على الولادة» . ش: هذا الحديث رواه الدارقطني في " سننه " عن محمد بن عبد الملك الواسطي عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أجاز شهادة القابلة» . ثم قال الدارقطني: محمد بن عبد الملك لم يسمع من الأعمش، بينهما رجل مجهول، وهو أبو عبد الرحمن المدايني. وقال في " التنقيح ": هذا حديث لا أصل له، وتقدم الكلام فيه في كتاب الشهادات. م: (ولو كانت معتدة) ش: أي ولو كانت المرأة التي تدعي نسب ابن على زوجها معتدة من طلاق أو وفاة م: (فلا بد من حجة تامة) ش: هي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: إلا أن يكون هناك حبل ظاهر أو اعتراف من قبل الزوج، فيثبت النسب من غير شهادة. وقال أبو يوسف ومحمد في الجميع بشهادة امرأة واحدة، م: (وقد مر في الطلاق) ش: أي في كتاب الطلاق في باب ثبوت النسب، م: (وإن لم تكن) ش: أي المرأة م: (منكوحة) ش: أي غير الجزء: 9 ¦ الصفحة: 424 ولا معتدة. قالوا: يثبت النسب منها بقولها، لأن فيه إلزاما على نفسها دون غيرها. وإن كان لها زوج وزعمت أنه ابنها منه وصدقها الزوج فهو ابنهما. وإن لم تشهد امرأة لأنه التزم نسبته فأغنى ذلك عن الحجة. وإن كان الصبي في أيديهما وزعم الزوج أنه ابنه من غيرها، وزعمت أنه ابنها من غيره فهو ابنهما، لأن الظاهر أن الولد منهما لقيام أيديهما أو لقيام الفراش بينهما، ثم كل واحد منهما يريد إبطال حق صاحبه، فلا يصدق عليه، وهو نظير ثوب في يد رجلين يقول كل واحد منهما هو بيني وبين رجل آخر غير صاحبه يكون الثوب بينهما، إلا أن هناك يدخل المقر له في نصيب المقر؛ لأن المحل يحتمل الشركة، وهاهنا لا يدخل لأن النسب لا يحتملها. قال: ومن اشترى جارية فولدت   [البناية] ذات زوج م: (ولا معتدة) ش: أي وإن لم تكن معتدة أيضاًَ؛ م: (قالوا) ش: أي المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تعالى - م: (يثبت النسب منها بقولها، لأن فيه إلزاما على نفسها دون غيرها) ش: دون نفس غيرها. م: (وإن كان لها زوج وزعمت أنه ابنها منه) ش: أي أن الولد من زوجها م: (وصدقها الزوج) ش: أي صدقها في دعواها م: (فهو ابنهما، وإن لم تشهد امرأة لأنه) ش: أي لأن الزوج م: (التزم نسبته فأغنى ذلك عن الحجة) ش: إذ ليس فيه تجهيل النسب على الغير. [الصبي في أيديهما وزعم الزوج أنه ابنه من غيرها وزعمت أنه ابنها من غيره] م: (وإن كان الصبي في أيديهما وزعم الزوج أنه ابنه من غيرها، وزعمت أنه ابنها من غيره فهو ابنهما) ش: هذا إذا كان الصبي لا يعبر عن نفسه، فإن كان يعبر عن نفسه فالقول له أيهما صدق ثبت نسبته منه بتصديقه؛ وعند الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا يعتبر تصديقه. وقال التمرتاشي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - التناقض لا يمنع صحة دعوى النسب، حتى لو قال رجل هو ابني منك في نكاح، وقالت ابنك مني من زنا لم يثبت النسب بينهما لعدم اتفاقهما في النكاح. فلو قالت بعد ذلك: ابنك مني في نكاح يثبت لما قلنا. وفي " الإيضاح ": دعوى النسب لا تبطل بالتناقض، لأن التناقض يكون بين المتساويين، ولا مساواة بينهما، فإن دعوى النسب أقوى من النفي، م: (لأن الظاهر أن الولد منهما لقيام أيديهما أو لقيام الفراش بينهما، ثم كل واحد منهما يريد إبطال حق صاحبه فلا يصدق عليه، وهو نظير ثوب في يد رجلين يقول كل واحد منهما هو بيني وبين رجل آخر غير صاحبه يكون الثوب بينهما) ش: فكذا هذا، م: (إلا أن هناك) ش: أي في مسألة الثوب الذي في يد رجلين، م: (يدخل المقر له في نصيب المقر، لأن المحل يحتمل الشركة، وههنا) ش: أي في مسألة دعوى النسب م: (لا يدخل لأن النسب لا يحتملها) ش: أي الشركة. [اشترى جارية فولدت ولدا عنده فاستحقها رجل] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى جارية فولدت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 425 ولدا عنده فاستحقها رجل غرم الأب قيمة الولد يوم يخاصم، لأنه ولد المغرور، فإن المغرور من يطأ امرأة معتمدا على ملك يمين أو نكاح، فتلد منه ثم تستحق، وولد المغرور حر بالقيمة بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولأن النظر من الجانبين واجب، فيجعل الولد حر الأصل في حق أبيه رقيقا في حق مدعيه نظرا لهما، ثم الولد حاصل في يده من غير صنعه، فلا يضمنه إلا بالمنع كما في ولد المغصوبة، فلهذا تعتبر قيمة الولد يوم الخصومة، لأنه يوم المنع. ولو مات الولد لا شيء على الأب لانعدام المنع، وكذا لو ترك مالا، لأن الإرث ليس ببدل عنه والمال لأبيه لأنه حر الأصل في حقه فيرثه. ولو   [البناية] ولداً عنده فاستحقها رجل غرم الأب قيمة الولد يوم يخاصم، لأنه ولد المغرور) ش: وفسر المغرور بقوله: م: (فإن المغرور من يطأ امرأة معتمداً على ملك يمين أو نكاح فتلد منه ثم تستحق، وولد المغرور حر بالقيمة بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: كذا قال أبو بكر الرازي في " شرحه لمختصر الطحاوي " في كتاب النكاح. قال: لا خلاف بين الصدر الأول وفقهاء الأمصار: أن ولد المغرور حر الأصل، ولا خلاف أيضاً بين السلف: أنه مضمون على الأب، إلا أن السلف اختلفوا في كيفية ضمانه. وقال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تبدلا الغلام بالغلام والجارية بالجارية، يعني إن كان الولد غلاماً فعلى الأب غلام مثله، وإن كان جارية فعليه جارية. وقال علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قيمتها، وإليه ذهب أصحابنا. م: (ولأن النظر من الجانبين) ش: جانب المغرور وجانب المستحق م: (واجب فيجعل الولد حر الأصل في حق أبيه رقيقاً في حق مدعيه نظراً لهما) ش: أي للمغرور والمستحق م: (ثم الولد حاصل في يده) ش: هذا بيان لسبب الضمان وهو المنع، أي الولد في يده م: (من غير صنعه) ش: يعني من غير تعد منه م: (فلا يضمنه إلا بالمنع كما في ولد المغصوبة) ش: أي الجارية المغصوبة فإن ولدها أمانة لا يضمن إلا بالمنع م: (فلهذا) ش: أي فلأجل كون الضمان بالمنع م: (تعتبر قيمة الولد يوم الخصومة؛ لأنه يوم المنع) ش: في " شرح الطحاوي ": تعتبر قيمته يوم القضاء بالقيمة. م: (ولو مات الولد) ش: أي قبل الخصومة م: (لا شيء على الأب لانعدام المنع، وكذا) ش: لا شيء عليه م: (لو ترك مالاً) ش: أي لو مات ولد المغرور وترك مالاً ميراثاً لأبيه م: (لأن الإرث ليس ببدل عنه) ش: أي عن الولد حتى يكون منعه كمنع الولد، إنما قال ذلك مع احتراز عن الدية فإنها بدله عنه وكان هذا الدفع شبهة وهي أن يقال: لما توجد دية تقوم الدية مقام الولد في المنع فينبغي أن يجعل منع تركته كمنع ديته. فقال في جوابه: الإرث ليس ببدل عنه م: (والمال لأبيه، لأنه حر الأصل في حقه فيرثه. ولو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 426 قتله الأب يغرم قيمته لوجود المنع، وكذا لو قتله غيره فأخذ ديته لأن سلامة بدله له كسلامته ومنع بدله كمنعه فيغرم قيمته. كما إذا كان حياً ويرجع بقيمة الولد على بائعه لأنه ضمن له سلامته كما يرجع بثمنها، بخلاف العقد لأنه لزمه لاستيفاء منافعها، فلا يرجع به على البائع والله أعلم بالصواب.   [البناية] قتله الأب يغرم قيمته لوجود المنع) . م: (وكذا لو قتله غيره) ش: أي غير الأب م: (فأخذ) ش: أي الأب م: (ديته، لأن سلامة بدله له كسلامته) ش: أي كسلامة نفسه م: (ومنع بدله كمنعه فيغرم قيمته، كما إذا كان حياً ويرجع) ش: أي المشتري المغرور بما ضمن م: (بقيمة الولد على بائعه؛ لأنه) ش: أي لأن البائع م: (ضمن له) ش: أي للمشتري م: (سلامته) ش: أي سلامة العبد بجميع أجزائه م: (كما يرجع بثمنها) ش: أي بثمن الأم، لأن المغرور بثمنهما م: (بخلاف العقر) ش: يعني أن المغرور لا يرجع على بائعه بعقد وجب عليه، لأن ضمان المنفعة وهي ليست من أجزاء المبيع حقيقة. وعند الشافعي: يرجع بالعقد عليه، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - م: (لأنه لزمه) ش: لأن العقد لزم المغرور م: (لاستيفاء منافعها، فلا يرجع به على البائع والله أعلم بالصواب) ش: أي لأنه عوض عما استوفاه من منافع البضع فلا يستوجب الرجوع على غيره، لأنه لو رجع به سلم المستوفى له مجاناً، والوطء في ملك الغير لا يجوز أن يسلم مجاناً. وفي " المبسوط " ولا يرجع على الواهب والمتصدق والموصي بشيء من قيمة الولد عندنا، وعند الشافعي: يرجع به. ولو باعها المشتري من آخر واستولدها المشتري الثاني يرجع على البائع الثاني بالثمن وبقيمة الولد، ويرجع المشتري الأول على البائع الأول بالثمن، ولا يرجع بقيمة الولد التي رجع عليه المشتري بها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما: يرجع عليه بقيمة الولد أيضاً، والله أعلم بالصواب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 427 (كتاب الإقرار) قال: وإذا أقر الحر البالغ العاقل بحق لزمه إقراره مجهولا كان ما أقر به أو معلوما. اعلم أن الإقرار إخبار عن ثبوت الحق، وأنه ملزم   [البناية] [كتاب الإقرار] [أقر الحر البالغ العاقل بحق] م: (كتاب الإقرار) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الإقرار. ولما فرغ عن الدعوى شرع في بيان الإقرار لأن جواب الدعوى إما بالإقرار أو بالإنكار، فمن هذه الحيثية نظر المناسبة بين الكتابين. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا أقر الحر البالغ العاقل بحق لزمه إقراره مجهولاً كان ما أقر به أو معلوماً) ش: لما ذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - شرع في شرحه بقوله: م: (اعلم أن الإقرار إخبار عن ثبوت الحق) . ش: هذا الذي ذكره تفسير الإقرار شرعاً، ولكنه لو قيده بقوله على نفسه، وكان الحد أتم مثل ما قال حافظ الدين النسفي والإقرار إخبار عن ثبوت الحق للغير على نفسه. فقوله عن ثبوت الحق للغير كالجنس لأنه يتناول الشهادة فإنها أيضاً إخبار عن ثبوت الحق للغير، وقوله: على نفسه كالفصل يخرج ذلك، وهذا شأن الحد أن يكون مشتملاً على الجنس والفصل. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الإقرار خلاف الجحود، وأصله من القرار وهو السكون والثبات، وفي عرف أهل الشرع: عبارة عن خبر يوجب شيئاً على المخبر م: (وأنه ملزم) ش: وإن الإقرار ملزم على المقر ما أقر به، وهذا حكم الإقرار وليس هذا من حده وحد ما ذكرنا. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وحكمة ظهور ما أقر به ولزومه لا إثباته ابتداء، ألا ترى أنه لا يصح الإقرار بالطلاق والعتاق مع الإكراه، والإنشاء يصح مع الإكراه عندنا ولهذا قالوا لو أقر بمال لغيره كاذباً والمقول له يعلم أنه كاذب لا يحل له أخذه عن كره منه ديانة إلا أن يسلمه بطيب نفس، فيكون كالتمليك المبتدأ. وقيل حكمة لزوم ما أقر به على المقر، وعمله إظهار ما أقر به لا التمليك به ابتداء، ويدل عليه مسائل منها لو أقر بصير لا يملكها صح إقراره به، وإن لم يملك تمليكه حتى لو تملكه المقر يوماً من الدهر يؤمر بتسليمه إلى المقر. ومنها: أن إقرار المسلم بالخمر يصح وإن لم يملك تمليكاً مبتدأ. ومنها أن المريض الجزء: 9 ¦ الصفحة: 428 لوقوعه دلالة، ألا ترى كيف ألزم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ماعزا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الرجم بإقراره، وتلك المرأة باعترافها، وهو حجة قاصرة لقصور ولاية المقر عن غيره، فيقتصر عليه وشرط الحرية ليصح إقراره مطلقا، فإن العبد المأذون له، وإن كان ملحقا بالحر في حق الإقرار، لكن المحجور عليه لا يصح إقراره بالمال،   [البناية] الدهر يؤمر بتسليمه إلى المقر. ومنها: أن إقرار المسلم بالخمر يصح وإن لم يملك تمليكاً مبتدأ. منها أن المريض الذي لا دين عليه إذا أقر بجميع ماله لأجنبي صح إقراره ولا يتوقف على إجازة الورثة ولو كان تمليك لا ينفذ إلا بقدر الثلث عند عدم الإجازة. ومنها أن العبد المأذون له لو أقر بما في يده صح، ولو تبرع به ابتداء لا يجوز. وسبب الإقرار إرادة سقوط الواجب عن ذمته. وركنه: ألفاظ فيما يجب به موجب الإقرار وشرطه: العقل والبلوغ بلا خلاف، وفي كون المقر غير سفيه ولا سكون اختلاف. ومحاسنه كثيرة، منها إسقاط الواجب عن ذمته، ومنها إيصال الحق لصاحبه وإرضاء الخالق، ومنها حمد الناس المقر بصدق القول ووفاء العهد. وهو مشروع بالكتاب قال تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] (النساء: الآية 135) ، قال المفسرون: شهادة المرء على نفسه إقرار. وقال تعالى {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} [البقرة: 282] (البقرة: الآية 282) ، والإملاء إقرار. وبالسنة لما روي: «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجم ماعزاً بإقراره» . وبالدليل العقلي وهو أن الإقرار خبر يحتمل الصدق والكذب، فرجح جانب الصدق لأنه غير متهم فيه، فإن المال محبوب المرء طبعاً، ولا يقر لغيره كاذباً مع كمال عقله ودينه، فالزواجر شرعاً عن الكذب. م: (لوقوعه دلالة) ش: أي لوقوع الإقرار دلالة على وجود المخبر به، لأن الإقرار دائر بين الصدق والكذب ويترجح جانب الصدق لما ذكرنا الإقرار، هذا إيضاح لقوله وأنه ملزم م: (ألا ترى كيف ألزم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ماعزاً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الرجم بإقراره) ش: أي بسبب إقراره م: (وتلك المرأة باعترافها،) ش: أي كيف ألزم المرأة، يعني الغامدية امرأة من غامد الأزد بالرجم بسبب اعترافها بالزنا، وقد مر قصتها في الحدود م: (وهو) ش: أي الإقرار م: حجة قاصرة) ش: على نفسه م: (لقصور ولاية المقر عن غيره، فيقتصر عليه) ش: بخلاف البينة فإنها حجة متعدية. م: (وشرط الحرية) ش: يعني في صحة الإقرار م: (ليصح إقراره مطلقاً) ش: أي في المال وغيره م: (فإن العبد المأذون له، وإن كان ملحقاً بالحر في حق الإقرار، لكن المحجور عليه لا يصح إقراره بالمال) ش: أما المأذون له: فلأنه مسلط على الإقرار من جهة المولى، وأما المحجور: عليه لا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 429 ويصح بالحدود والقصاص؛ لأن إقراره عهد موجبا لتعلق الدين برقبته وهي مال المولى فلا يصدق عليه، بخلاف المأذون له، لأنه مسلط عليه من جهته، وبخلاف الحد والدم لأنه يبقى على أصل الحرية في ذلك، حتى لا يصح إقرار المولى عليه فيه، ولا بد من البلوغ والعقل لأن إقرار الصبي والمجنون غير لازم لانعدام أهلية الالتزام، إلا إذا كان الصبي مأذونا له لأنه ملحق بالبالغ بحكم الإذن وجهالة المقر به لا تمنع صحة الإقرار؛ لأن   [البناية] يصح إقراره بالمال فلعدم أهليته لذلك م: (ويصح بالحدود والقصاص) ش: أي ويصح إقرار العبد المحجور عليه بالحدود والقصاص لأنه مبقي على الحرية فيها على ما بينه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مفصلاً، م: (لأن إقراره) ش: دليل ذلك المجموع، أي لأن إقرار العبد المحجور م: (عهد) ش: أي عرف م: (موجباً لتعلق الدين برقبته وهي) ش: أي رقبته م: (مال المولى، فلا يصدق عليه) ش: لقصور الحجة. م: (بخلاف المأذون له، لأنه مسلط عليه) ش: أي على الإقرار م: (من جهته) ش: أي من جهة المولى، لأن الإذن بالتجارة إذن بما يلائمها، وهو دين التجارة، لأن الناس لا يتابعونه إذا علموا أن إقراره لا يصح، هذا قد لا يتهيأ لهم الإشهاد في كل تجارة يعملونها معه. م: (وبخلاف الحد والدم) ش: وهو القصاص م: (لأنه) ش: أي لأن العبد م: (يبقى على أصل الحرية في ذلك، حتى لا يصح إقرار المولى عليه) ش: أي على العبد م: (فيه) ش: أي في ذلك، وبه قال الشافعي: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومالك وأبو الخطاب الحنبلي. وعن أحمد أن إقرار العبد بالحد والقصاص فيما دون النفس يصح، وإقراره إنما يوجب القصاص في النفس لا يقبل ويتبع بعد العتق، وبه قال: زفر والمزني وداود ومحمد بن جرير الطبري - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. [إقرار الصبي والمجنون] م: (ولا بد من البلوغ والعقل؛ لأن إقرار الصبي والمجنون غير لازم لانعدم أهلية الالتزام) ش: فلا يلزم بإقراره شيء، م: (إلا إذا كان الصبي مأذوناً له) ش: في التجارة م: (لأنه ملحق بالبالغ بحكم الإذن) ش: فيصح إقراره لاعتبار زائد برأي المولى، فيعتبر كالبالغ، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يصح إقراره مطلقاً، ثم لو ادعى البلوغ بالاحتلام في وقت إمكانه صدق فيه، وبالسن لا يصدق إلا ببينته، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله -: في رواية، والنائم والمغمى عليه كالمجنون لعدم معرفتهما، ولا نعلم فيه خلافاً. وإقرار السكران يصح بالحقوق كلها إلا بالحدود الخالصة والردة وينفذ سائر التصرفات من السكران كما تنفذ في الصاحي، وقد مر في الطلاق م: (وجهالة المقر به لا تمنع صحة الإقرار؛ لأن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 430 الحق قد يلزمه مجهولا بأن أتلف مالا لا يدري قيمته أو يجرح جراحة لا يعلم أرشها أو تبقى عليه باقية حساب لا يحيط به علمه، والإقرار إخبار عن ثبوت الحق فيصح به بخلاف الجهالة في المقر له؛ لأن المجهول لا يصح مستحقا ويقال له بين المجهول لأن التجهيل من جهته، فصار كما إذا أعتق أحد عبديه، فإن لم يبين أجبره القاضي على البيان، لأنه لزم الخروج عما لزمه بصحيح إقراره، وذلك بالبيان. قال: فإن قال: لفلان علي شيء لزمه أن يبين ما له قيمة، لأنه أخبر عن الوجوب في ذمته، وما لا قيمة له لا يجب فيها، فإذا بين غير ذلك يكون رجوعا.   [البناية] الحق قد يلزمه مجهولاً بأن أتلف مالاً لا يدري قيمته أو يجرح جراحة لا يعلم أرشها أو تبقى عليه باقية حساب لا يحيط به علمك، والإقرار إخبار عن ثبوت الحق، فيصح به) ش: أي يكون المقر به مجهولاً. م: (بخلاف الجهالة في المقر له؛ لأن المجهول لا يصح مستحقاً) ش:، وفي " الذخيرة ": جهالة المقر له إنما يمنع صحة الإقرار إذا كانت متفاحشة، بأن قال هذا العبد لواحد من الناس، أما إذا لم تكن متفاحشة لا يمنع بأن قال: هذا العبد لأحد هذين الرجلين. وقال شمس الأئمة السرخسي: لا يصح في هذه الصورة أيضاً، لأنه إقرار للمجهول م: (ويقال له) ش: أي للمقر م: (بين المجهول لأن التجهيل من جهته فصار كما إذا أعتق أحد عبديه) ش: فإنه يبين أي العبدين أراد م: (فإن لم يبين أجبره القاضي على البيان، لأنه لزم الخروج عما لزمه بصحيح إقراره، وذلك بالبيان) ش: لأن الإجمال وقع من جهته فعليه البيان، ولكن يبين شيئاً يثبت ديناً في الذمة قل أو كثر، نحو أن يبين له حبة أو فلساً أو جزرة أو ما أشبه ذلك، أما إذا بين شيئاً لا يثبت في الذمة لا يقبل منه، نحو أن يقول: عنيت حق الإسلام، أو كفاً من تراب ونحوه. كذا في " شرح الطحاوي ". وبقولنا قالت الأئمة الثلاثة. وعن الشافعي في قول: إن وقع الإقرار المبهم في جواب دعوى، وامتنع عن التفسير يجعل ذلك إنكاراً ويعرض عليه اليمين، فإن أقر جعل ناكلاً عن اليمين، ويحلف المدعي. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن قال لفلان علي شيء لزمه أن يبين ما له قيمة) ش: قل أو أكثر نحو حبة وفلسى كما ذكرنا، لأن ما ليس له قيمة لا يثبت في الذمة، فإذا فسر ما أقر له بذلك صار كالرجوع عما أقر به فلا يقبل منه م: (لأنه أخبر عن الوجوب في ذمته وما لا قيمة له لا يجب فيها) ش: أي في الذمة م: (فإذا بين غير ذلك) ش: أي غير ما لا قيمة له م: (يكون رجوعاً) ش: عن إقراره فلا يسمع ويقبل تفسيره بالكل. وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقبل. ولو فسر ميتة أو خنزير أو خمر قبل قوله في قول مشايخ العراق، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، وأحمد في رواية. وعند مشايخ ما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 431 قال: والقول قوله مع يمينه إن ادعى المقر له أكثر من ذلك لأنه هو المنكر فيه. وكذا إذا قال: لفلان علي حق لما بينا. وكذا لو قال: غصبت منه شيئا ويجب عليه أن يبين ما هو مال يجري فيه التمانع تعويلا على العادة. ولو قال: لفلان علي مال فالمرجع إليه في بيانه لأنه هو المجمل ويقبل قوله في القليل والكثير، لأن كل ذلك مال فإنه اسم لما يتمول به، إلا أنه لا يصدق في أقل من درهم لأنه لا يعد مالا عرفا.   [البناية] وراء النهر لا يقبل، لأنه لا قيمة لهذه الأشياء، وبه قال مالك والشافعي في وجه م: (قال: والقول قوله مع يمينه، إن ادعى المقر له أكثر من ذلك، لأنه هو المنكر فيه) ش: والقول قول المنكر بالحديث. م: (وكذا) ش: أي وكذا يلزمه أن يبين بما له قيمة م: (إذا قال: لفلان علي حق لما بينا) ش: أشار به إلى قوله " أخبر عن الوجوب في ذمته ". وفي " المحيط ": لو قال لفلان " علي حق "، ثم قال: عنيت به حق الإسلام لا يصدق. وإن قال: موصولاً يصدق لأنه بيان تغيير باعتبار العرف. وقالت الأئمة الثلاثة: لا يصدق في الوجهين م: (وكذا لو قال: غصبت منه شيئاً ويجب عليه أن يبين ما هو مال يجري فيه التمانع) ش: أي الشيخ [ ... ] م: (تعويلاً على العادة) ش: لأن مطلق اسم العصب يدل في العرف على مال مقوم. [قال لفلان علي مال] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولو قال: لفلان علي مال فالمرجع إليه في بيانه لأنه هو المجمل، ويقبل قوله في القليل والكثير) ش: وبه قال الشافعي وأحمد ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في وجه. وحكي عن مالك ثلاثة أوجه: أحدها: كقولنا. وثانيها: لا يقبل إلا أول نصب عن نصب الزكاة من نوع من أنواعها. وثالثها: لا يقبل، إلا فيما يستباح به العضو، والقطع في السرقة، إلا أنه لا يقبل عندنا في أقل من عشرة دراهم، لأن الكسور لا تعد مالاً، كذا في " المبسوط " م: (لأن كل ذلك مال) ش: أي القليل والكثير مال م: (فإنه) ش: أي فإن المال م: (اسم لما يتمول به، إلا أنه لا يصدق في أقل من درهم؛ لأنه لا يعد مالاً عرفاً) ش: أي الأقل من درهم لا يعد مالاً في عرف الناس. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده في " مبسوطه " في باب الإقرار: بدراهم غيره مسماة في هذه المسألة إذا بين ما دون الدرهم نصف أو دانق قالوا: القياس أن يصدق. وفي الاستحسان لا يصدق فيما دون الدراهم. وقال الناطفي في " أجناسه ": وفي " نوادر هشام " قال محمد: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولو قال لفلان علي مال له أن يقر بدرهم ثم قال: وقال في " النهار ": ولو قال: لفلان علي مال، قال: هو عشرة دراهم جياد ولا يصدق في أقل منه في قول أبي حنيفة وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 432 ولو قال: مال عظيم لم يصدق في أقل من مائتي درهم، لأنه أقر بمال موصوف فلا يجوز إلغاء الوصف والنصاب مال عظيم حتى اعتبر صاحبه غنيا به والغني عظيم عند الناس. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يصدق في أقل من عشرة دراهم وهي نصاب السرقة؛ لأنه عظيم حيث يقطع به اليد المحترمة، وعنه مثل جواب الكتاب، وهذا إذا قال من الدراهم. أما إذا قال من الدنانير فالتقدير فيها بالعشرين، وفي الإبل بخمس وعشرين لأنه أدنى نصاب يجب فيه من جنسه،   [البناية] يوسف: يصدق في ثلاثة دراهم ولا يصدق في أقل منه. م: (ولو قال: مال عظيم لم يصدق في أقل من مائتي درهم) ش: وفي بعض النسخ لا يجوز تصديقه في أقل من مائتي درهم م: (لأنه أقر بمال موصوف، فلا يجوز إلغاء الوصف والنصاب مال عظيم حتى اعتبر صاحبه غنياً به) ش: أي بالنصاب م: (والغني عظيم عند الناس وعن أبي حنيفة أنه لا يصدق في أقل من عشرة دراهم، وهي نصاب السرقة؛ لأنه عظيم حيث تقطع به اليد المحترمة، وعنه) ش: أي وعن أبي حنيفة م: (مثل جواب الكتاب) ش: أي مثل جواب القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في: أنه لا يصدق في أقل من مائتي درهم. وقال الشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يقبل تفسيره في قوله مال عظيم أو كثير أو جليل أو خطير بالقليل والكثير. وقال بعض أصحاب مالك: قدر الدية. وقال الليث: الكثير اثنان وسبعون لأن الله تعالى قال: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} [التوبة: 25] (التوبة: الآية 25) ، وغزواته اثنان وسبعون وفيه بعد. وفي " الفتاوى الصغرى ": لو قال: مالي نفيس أو كثير أو خطير أو جليل. قال الناطفي: لم أجده منصوصاً. كان الجرجاني يقول: مائتان. ونقل في " الأجناس " عن " نوادر هشام " عن محمد لو قال: علي مال لا قليل ولا كثير يلزمه مائتي درهم. وقال شمس الأئمة البيهقي في " كفايته " عن أبي يوسف: قال لفلان علي دراهم مضاعفة يلزمه ستة، لأن أقل الدراهم ثلاثة والتضعيف أقله مرة فيضعف مرة. ولو قال له: علي دراهم أضعافاً مضاعفة. وقال: مضاعفة أضعافاً عليه ثمانية عشرة. ولو قال: علي عشرة وأضعافها مضاعفة عليه ثمانون درهماً. م: (وهذا) ش: أي ما ذكرنا أنه لا يصدق في أقل من مائتي درهم م: (إذا قال) ش: مال عظيم م: (من الدراهم، أما إذا قال: من الدنانير فالتقدير فيها بالعشرين) ش: لأنه النصاب من الدنانير م: (وفي الإبل بخمس وعشرين، لأنه أدنى نصاب يجب فيه من جنسه) ش: كالعشرين من الدنانير والمائتين في الدراهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 433 وفي غير مال الزكاة بقيمة النصاب. ولو قال: أموال عظام فالتقدير بثلاثة نصب من فن ما سماه اعتبارا لأدنى الجمع. ولو قال دراهم كثيرة لم يصدق أقل من عشرة، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما لم يصدق في أقل من مائتي، لأن صاحب النصاب مكثر حتى وجب عليه مواساة غيره. بخلاف ما دونه. وله أن العشرة أقصى ما ينتهى إليه اسم الجمع، يقال: عشرة دراهم. ثم يقال: أحد عشر درهما، فيكون هو الأكثر من حيث اللفظ وينصرف إليه.   [البناية] فإن قلت: ينبغي أن يقدر في الإبل بخمسة، لأن صاحبها غني بها وجبت عليه شياه والغني العظيم عند الناس؟ قلت: الخمسة من الإبل عظيم لوجوب الشاة، حقير لعدم الوجوب من جنسه، فيشترط الخمسة والعشرون ليكون عظيماً مطلقاً لإطلاقه، فانصرف المطلق إلى الكامل. وقال الكاكي: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنما اشتراط ما يجب فيه من جنسه حتى يكون عظيماً، لأن إيجاب خلاف جنسه إيجاب شاة في خمس من الإبل دليل حقارته وقصوره وقلته. م: (وفي غير مال الزكاة بقيمة النصاب) ش: أي التقدير في غير مال الزكاة، فلا بد من بيان قيمة النصاب. م: (ولو قال: أموال عظام) ش: يعني لو قال لثلاث: علي أموال عظام م: (فالتقدير بثلاثة نصب من فن ما سماه) ش: يعني من الدراهم ستمائة ومن الدنانير، وعلى هذا قياس الإبل والغنم ولو أقر بهما م: (اعتباراً لأدنى الجمع) ش: وهو ثلاثة م: (ولو قال: دراهم كثيرة) ش: أي ولو قال لفلان علي دراهم كثيرة م: (لم يصدق في أقل من عشرة) ش: دراهم م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . م: (وعندهما لم يصدق في أقل من مائتي درهم) ش: وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصدق في ثلاثة دراهم ولا يصدق في أقل من ذلك. وكذا لو قال: علي دنانير كثيرة، ذكر الخلاف شيخ الإسلام خواهر زاده في " مبسوطه ". وقال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " كتاب التقريب ": روى ابن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة مثل قولهما، م: (لأن صاحب النصاب مكثر حتى وجب عليه مواساة غيره) ش: بدفع زكاته وتصدق على الفقير م: (بخلاف ما دونه) ش: لأن من ملك ما دون النصاب لا يسمى تكثراً، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وعند الشافعي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يلزمه مائتين. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن العشرة أقصى ما ينتهي إليه اسم الجمع) ش: يعني من حيث التمييز، لأن ما بعد العشرة التمييز بالمقرر فيقال أحد عشر درهما، لأنه م: (يقال: عشرة دراهم ثم يقال أحد عشر درهماً، فيكون) ش: أي العشرة م: (هو الأكثر من حيث اللفظ) ش: أي من حيث دلالة اللفظ عليه م: (وينصرف إليه) ش: لأن العمل بما دل عليه اللفظ، ولا مانع من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 434 ولو قال: دراهم فهي ثلاثة، لأنها أقل الجمع الصحيح إلا أن يبين أكثر منها لأن اللفظ يحتمله، وينصرف إلى الوزن المعتاد. ولو قال: كذا كذا درهما لم يصدق في أقل من أحد عشر درهما، لأنه ذكر عددين مبهمين ليس بينهما حرف العطف، وأقل ذلك من المفسر أحد عشر. ولو قال: كذا وكذا لم يصدق في أقل من أحد وعشرين، لأنه ذكر عددين مبهمين بينهما حرف العطف وأقل ذلك من المفسر أحد وعشرون فيحمل كل وجه على نظيره. ولو قال: كذا درهما فهو درهم، لأنه تفسير للمبهم   [البناية] الصرف إليه فلا يعدل إلى غيره. م: (ولو قال دراهم فهي ثلاثة، لأنها أقل الجمع الصحيح) ش: الذي لا خلاف فيه، م: (إلا أن يبين أكثر منها) ش: أي من الثلاثة، م: (لأن اللفظ يحتمله) ش: وكونه والأعلية فلا تهمة، م: (وينصرف إلى الوزن المعتاد) ش: بين الناس، لأن المطلق من الألفاظ ينصرف إلى المتعارف وهو غالب نقد البلد. وفي " تحفة الفقهاء ": لو قال علي بألف درهم فهو على ما يتعارفه أهل البلد من الأوزان أو العدد، وإن لم يكن شيئاً متعارفاً فيحمل على وزن سبعة، فإنه الوزن المعتبر في الشرع، وكذلك في الدينار يعتبرون المثاقيل إلا في موضع يتعارف فيه بخلافه. م: (ولو قال: كذا كذا درهماً لم يصدق في أقل من أحد عشر درهماً) ش: هذا لفظ القدوري في " مختصره "، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لأنه ذكر عددين مبهمين ليس بينهما حرف العطف وأقل ذلك من المفسر أحد عشر) ش: وأكثره تسعة عشر، لأنه يقال: أحد عشر درهما إلى تسعة عشر، إلا أن الأقل يلزمه من غير بيان، والزيادة تعفف على بيانه. م: (ولو قال: كذا وكذا) ش: درهماً م: (لم يصدق في أقل من أحد وعشرين) ش: درهماً م: (لأنه ذكر عددين مبهمين بينهما حرف العطف، وأقل ذلك من المفسر أحد وعشرون) ش: درهما م: (فيحمل كل وجه على نظيره) ش: تقدير هذا الكلام أن " كذا " كناية عن العدد، والأصل في استعمال اعتباره بالمفسر فما له نظير في الأعداد المفسرة حمل على أقل ما يكون من ذلك النوع وما ليس له ذلك بطل، فإذا قال: كذا درهماً كان كما إذا قال له علي درهم، وإذا قال: كذا كذا كان أحد عشر، وإن ثلث بغير واو لم يزد على ذلك لعدم النظير. وإذا قال: كذا وكذا كان أحد وعشرين، وإن ثلث بالواو كان مائة وأحد وعشرين، وإن ربع يزاد ألف على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى الآن. م: (ولو قال: كذا درهماً فهو درهم) ش: أي الذي يلزمه درهم م: (لأنه) ش: أي لأن قوله " درهماً " م: (تفسير للمبهم) ش: وهو قوله " كذا " لأنه كناية عن العدد على سبيل الإبهام، هكذا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 435 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أورده المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تفريعاً على مسألة القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولم يذكره في الأصل. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله لأنه تفسير للمبهم، يعني أن درهماً منصوب على التمييز، فلزم أن يكون هو المجمل والمبهم. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال الإمام شرف الدين أبو حفص عمر بن محمد بن عمر الأنصاري العقيلي في " كتاب المنهاج ": وإن قال: له علي كذا درهماً لزمه ما بينه، ثم قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كان ينبغي أن يلزمه في هذا أحد عشر، لأنه أول العدد الذي يقع تمييزها منصوباً، هكذا نقل عن أهل اللغة. وإذا كان كذلك ينبغي أن لا يصدق في بيانه بدرهم، والقياس فيه ما قاله في " مختصر الأسرار " إذا قال علي كذا درهما لزمه عشرون، لأنه ذكر جملة وفسرها بدرهم منصوب، وذلك يكون من عشرين إلى تسعين فيجب الأقل، وهو عشرون، لأنه بدرهم منصوب متيقن. وقال تاج الشريعة: فإن قلت: ينبغي أن يجب أحد عشر درهماً، لأنه أقل عدد يجيء تمييزاً منصوباً. قلت: الأصل براءة الذمة فيثبت الأدنى للتيقن. وفي " الذخيرة " و " التتمة " محال إلى " الجامع الصغير ": يلزمه درهمان، لأن كذا كناية عن العدد وأقل العدد درهمان، والواحد لا يكون عدداً، وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: في قوله كذا درهماً وكذا وكذا، ففيه أربعة أوجه: أحدهما: أن يقول: درهماً بالرفع يلزمه درهم، وتقديره شيء هو درهم فيجعل الدرهم بدلاً من كذا. وثانيها: أن يقول درهم بالجر يلزمه خبر درهم، وكذا يكون كفاية عن خبر درهم. وثالثها: أن يقول درهماً بالنصب ونصب على التفسير وهو التمييز، فيلزمه درهم. ورابعها: أن يذكره بالوقف فيقبل تفسيره بجزء درهم أيضاً، لأنه يجوز أن يكون أسقط حركة الجر للوقف. وقال القاضي الحنبلي وبعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يلزمه درهم في الحالات. وقال خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: كذا درهم بالجر يلزمه مائة درهم، كذا روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه ذكر عدداً مبهماً مرة واحدة، وذكر الدرهم عقيبه بالخفض فيعتد بعدد واحد فصرح ليستقيم ذكر الدرهم عقيبه بالخفض. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 436 ولو ثلث كذا بغير واو فأحد عشر، لأنه لا نظير له سواه. وإن ثلث بالواو فمائة وأحد وعشرون، وإن ربع يزاد عليها ألف، لأن ذلك نظيره. قال: وإن قال: له علي أو قبلي فقد أقر بالدين، لأن علي صيغة إيجاب وقبلي ينبئ عن الضمان على ما مر في الكفالة   [البناية] وأقل ذلك مائة درهم، وإن قال: كذا كذا درهم يعني بالجر يلزمه ثلاثمائة، لأنه ذكر عددين مبهمين بلا واو العطف وذكر الدرهم عقيبهما بالخفض، وأقل ذلك من العدد المصرح ثلاثمائة، لأن ثلاث عدد ومائة عدد وليس بينهما عاطف، ويستقيم ذكر الدرهم عقيبها بالخفض. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وما نقله ابن قدامة في " المغني " وصاحب الحنبلي عن محمد أنه ذكر إذا قال كذا درهم لزمه عشرون خلاف ما ذكره في " الهداية " و " التتمة " وفتاوى قاضي خان، ولم أجد في الكتب المشهورة لأصحابنا، وعند ابن الحكم المالكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يلزمه عشرون. م: (ولو ثلث كذا بغير واو) ش: أي بغير واو العطف م: (فأحد عشر) ش: أي فيلزمه أحد عشر درهماً م: (لأنه لا نظير له سواه) ش: أي لا نظير للتثليث بلا واو، وتقديره: أنه يحمل الواحد منها على التكرار ضرورة عدم ثلاثة أعداد، ويجمع بينهما ذكراً بلا ذكر عاطف، ويحمل الاثنان على أقل ما يعتاد التعبير عنه بذكر عددين بلا عاطف، وهو أحد عشر. م: (وإن ثلث بالواو) ش: بأن قال: كذا وكذا وكذا م: (فمائة وأحد وعشرون) ش: أي يلزمه مائة وأحد وعشرون درهماً، لأنه عدد يعتاد التعبير عنه بثلاثة أعداد مع العاطف. م: (وإن ربع) ش: بأن قال: كذا وكذا وكذا وكذا م: (يزاد عليها الألف) ش: فتكون ألف ومائة وأحد وعشرين م: (لأن ذلك نظيره) ش: أي لأن الذي ربعه بواو العطف نظيره في العدد والمفسر، يعني لو قال. علي لفلان ألف ومائة وأحد وعشرون يلزمه ذلك لصراحته، فكذا يلزمه إذا ذكره بلفظ الكناية على العدد. [قال له علي أو قبلي] م: (قال وإن قال له: علي أو قبلي فقد أقر بالدين، لأن علي صيغة إيجاب) ش: قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] (آل عمران: الآية 97) ، ومحل الإيجاب الذمة م: (وقبلي) ش: أي لفظ قبلي م: (ينبئ عن الضمان) ش: يقال فلان قبل عن فلان أي ضمن، وسمي الكفيل قبيلاً لأنه ضامن للمال، وسمي الصك والذي هو حجة الدين قبالة، وهو ظاهر قول الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (على ما مر في الكفالة) ش: ومر هذا في أوائل كتاب الكفالة، وهو قوله: وكذا إذا قال: أنا به زعيم وقبيل، لأن الزعمة هي الكفالة، وقد مر بنا فيه، والقبيل هو الكفيل ولهذا سمي الصك قبالة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 437 ولو قال المقر: هو وديعة ووصل صدق، لأن اللفظ يحتمل مجازا حيث يكون المضمون عليه حفظه والمال محله، فيصدق موصولا لا مفصولا، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفي بعض نسخ " المختصر " في قوله قبلي أنه إقرار بالأمانة لأن اللفظ ينتظمها، حتى صار قوله: لا حق لي قبل فلان إبراء عن الدين والأمانة جميعا، والأمانة أقلهما، والأول أصح. ولو قال: عندي أو معي أو في بيتي أو في كيسي أو في صندوقي فهو إقرار بأمانة في يده، لأن كل ذلك إقرار بكون الشيء في يده، وذلك يتنوع إلى مضمون وأمانة، فيثبت أقلهما وهو الأمانة.   [البناية] م: (ولو قال المقر: هو وديعة) ش: أي في قوله: " علي " أو " قبلي " م: (ووصل) ش: أي بقوله وديعة م: (صدق، لأن اللفظ يحتمل مجازاً) ش: أي من حيث المجاز، وبينه بقوله م: (حيث يكون المضمون عليه حفظه والمال محله) ش: فكان إطلاق وصف الضمان على الوديعة تسمية للمحل باسم الحال، كما يقال فهو جار لكنه مجاز مخالف للحقيقة فيصدق فيه إذا وصل كالاستثناء، وهو معنى قوله: م: (فيصدق موصولاً لا مفصولا) ش: كما في الاستثناء. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي بعض نسخ " المختصر ") ش: يعني مختصر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في قوله: قبلي أنه إقرار بالأمانة، لأن اللفظ ينتظمهما) ش: أي الدين والأمانة م: (حتى صار قوله: لا حق لي قبل فلان إبراء عن الدين والأمانة جميعاً، والأمانة أقلهما) ش: فيحمل عليها م: (والأول أصح) . ش: وهو أنه إقرار بالدين أصح، ذكره في " المبسوط "، وعلل بأن استعماله في الدين أغلب، فكان الحمل عليه أولى. وقال بعض الشراح: وكان قياس ترتيب وضع المسألة أن يذكر ما ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثم يذكر ما ذكره في الأصل لأن البداية شرح " مسائل الجامع الصغير " و " القدوري "، إلا أن المذكور في " الأصل " هو التصحيح فقدمه في الذكر. [الإقرار بكون الشيء في يده] م: (ولو قال: عندي أو معي أو في بيتي أو في كيسي أو في صندوقي فهو إقرار بأمانة في يده؛ لأن كل ذلك إقرار بكون الشيء في يده) ش: لا في ذمته م: (وذلك) ش: أي الإقرار بكون الشيء في يده م: (يتنوع إلى مضمون وأمانة فيثبت أقلهما وهو الأمانة) ش: وهو ظاهر من مذهب الأئمة الثلاثة. وقال الأكمل: ونوقض بما إذا قال: له قبلي مائة درهم دين ووديعة ودين. فإنه دين ولم يثبت أقلهما، وهو الأمانة. وأجيب بأنه ذكر لفظين أحدهما: يوجب الدين، والآخر: يوجب الوديعة والجمع بينهما غير ممكن، وإهمالهما لا يجوز، وحمل الدين على الوديعة حمل الأعلى على الأدنى وهو لا يجوز، لأن الشيء لا يكون تابعاً لما دونه، فتعين العكس. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 438 ولو قال له رجل: لي عليك ألف فقال: اتزنها أو انتقدها أو أجلني بها أو قد قضيتكها فهو إقرار، لأن الهاء في الأول والثاني كناية عن المذكور في الدعوى، فكأنه قال: اتزن الألف التي لك علي حتى لو لم يذكر حرف الكناية لا يكون إقرارا لعدم انصرافه إلى المذكور، والتأجيل إنما يكون في حق واجب والقضاء يتلو الوجوب، ودعوى الإبراء كالقضاء لما بينا. وكذا دعوى الصدقة والهبة   [البناية] م: (ولو قال له رجل: لي عليك ألف درهم، فقال: اتزنها أو انتقدها أو أجلني بها أو قد قضيتكها فهو إقرار) ش: هذا كله لفظ القدوري، وقال المصنف: م: (لأن الهاء في الأول) ش: وهو قوله: اتزنها م: (والثاني كناية عن المذكور في الدعوى، فكأنه قال: اتزن الألف التي لك علي حتى لو لم يذكر حرف الكناية) ش: وهو قوله وهو الهاء م: (لا يكون إقراراً لعدم انصرافه إلى المذكور) ش: أي لعدم انصراف حرف الكناية إلى قوله " انتقد " أو " اتزن ". وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - في قوله " اتزن " و " انتقد " لا يكون إقرارا بالهاء وغيره، وبه قال بعض أصحاب مالك، لأنه لم يوجد مثل ذلك فيمن يستهزئ ويبالغ في الجحود فلا يكون إقرارا بالشك. وعن بعض أصحاب الشافعي: إذا كان بحرف الكناية يكون إقرارا كقولنا. وقال ابن سحنون المالكي: يكون إقراراً في الوجهين، إلا إذا اتزن أو اتزنها ما أبعدك من ذلك، أو قال: من أي ضرب تأخذها ما أبعدك من ذلك، فليس بإقرار. م: (والتأجيل إنما يكون في حق واجب) ش: لأنه لا يطلب التأجيل في غير دين لازم م: (والقضاء يتلو الوجوب) ش: يعني في قوله " قضيتك " فيلزمه. وبه قالت الأئمة الثلاثة، م: (ودعوى الإبراء كالقضاء) ش: يعني قوله: " أبرني " كالقضاء فيلزمه. وعن بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن قوله: أبرأتني عنه ليس بإقرار م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: " إن القضاء يتلو الوجوب ". وفي " المحيط " لو قال لي عليك ألف فقال اتزنها أو انتقدها أو اقعد فاقبضها أو خذها أو لم تحل بعد هذا، أو قال غداً أو أرسل من يتزنها أو يقضيها أو قال ليست مهيأة أو ميسرة اليوم. أو قال ما أكثر ما تتقاضى أو عممتني أو حتى يدخل على مالي، أو حتى يجيء غلامي أو يقدم، فهذه كلها تدل على الوجوب. ولو قال: اتزن أو انتقد أو أخر أو سوف أعطيك، ولم يذكر مع حرف الكناية لا يكون إقراراً. ولو قال: لي عليك ألف فقال: نعم، إقراراً، لأن نعم لا تستقل بنفسه، أما لو قال: لي عليك ألف فأومأ برأسه بنعم لا يكون إقراراً، لأن الإشارة لا تقوم مقام الكلام من غير الأخرس. م: (وكذا دعوى الصدقة والهبة) ش: بأن قال: تصدقت به علي أو وهبت لي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 439 لأن التمليك يقتضي سابقة الوجوب، وكذا لو قال: أحلتك بها على فلان؛ لأنه تحويل الدين. قال ومن أقر بدين مؤجل فصدقه المقر له في الدين وكذبه في التأجيل لزمه الدين حالا، لأنه أقر على نفسه بمال وادعى حقا لنفسه فيه، فصار كما إذا أقر بعبد في يده وادعى الإجارة، بخلاف الإقرار بالدراهم السود؛ لأنه صفة فيه وقد مرت المسألة في الكفالة. قال: ويستحلف المقر له على الأجل لأنه منكر حقا عليه، واليمين على المنكر. وإن قال: له علي مائة درهم لزمه كلها دراهم. ولو قال: مائة وثوب لزمه ثوب واحد، والمرجع في تفسير المائة إليه وهو القياس في الأول، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المائة مبهمة والدرهم معطوف عليها بالواو والعاطفة لا تفسير لها،   [البناية] م: (لأن التمليك يقتضي سابقة الوجوب) ش: يعني هذا معنى التمليك منه وهذا لا يكون إلا بعد وجوب المال عليه في ذمته م: (وكذا) ش: أي وكذا يدل على الوجوب. م: (لو قال: أحلتك بها على فلان؛ لأنه تحويل الدين) ش: من ذمة إلى ذمة. [أقر بدين مؤجل فصدقه المقرله في الدين وكذبه في الأجل] م: (قال) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن أقر بدين مؤجل فصدقه المقر له في الدين وكذبه في الأجل لزمه الدين حالاً) ش: وبه قال أبو الخطاب الحنبلي. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: لزمه الدين حالاً، م: (لأنه أقر على نفسه بمال) ش: أي بمال المقر له م: (وادعى حقاً لنفسه فيه) ش: أي في المال فلا يصدق م: (فصار) ش: هذا م: (كما إذا أقر بعبد في يده وادعى الإجارة) ش: لا يصدق في دعوى الإجارة. م: (بخلاف الإقرار بالدراهم السود) ش: يعني إذا أقر أن لفلان علي دراهم، ولكنها تصدق م: (لأنه) ش: أي لأن للسواد م: (صفة فيه) ش: أي صفة أصلية في الدراهم، لأن الدراهم لا تنطبع إلا بنش، والأجل في الدين عارض لا يثبت بلا شرط. والقول لمنكر العارض، م: (وقد مرت المسألة في الكفالة) ش: أي في باب الضمان ببيان الفرق، م: (قال ويستحلف المقر له على الأجل؛ لأنه منكر حقاً عليه واليمين على المنكر) ش: بالحديث. [قال له علي مائة ودرهم] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن قال له علي مائة ودرهم) ش: بالرفع م: (لزمه كلها دراهم، ولو قال مائة وثوب، لزمه ثوب واحد، والمرجع في تفسير المائة إليه) . ش: أي إلى المقر، م: (وهو القياس في الأول) ش: أي لزوم درهم وتفسير المائة في قوله علي مائة ودرهم م: (وبه) ش: أي وبالقياس م: (قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد في رواية م: (لأن المائة مبهمة والدرهم معطوف عليها بالواو العاطفة لا تفسير لها) ش: للتغاير بين المعطوف عليه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 440 فبقيت المائة على إبهامها كما في الفصل الثاني. وجه الاستحسان وهو الفرق أنهم استثقلوا تكرار الدراهم في كل عدد واكتفوا بذكره عقيب العددين، وهذا فيما يكثر استعماله، وذلك عند كثرة الوجوب بكثرة أسبابه وذلك في الدراهم والدنانير والمكيل والموزون. أما الثياب وما لا يكال ولا يوزن فلا يكثر وجوبها، فبقي على الحقيقة وكذا إذا قال: مائة وثوبان لما بينا، بخلاف ما إذا قال مائة وثلاثة أثواب لأنه ذكر عددين مبهمين وأعقبهما تفسيرا إذ الأثواب لم تذكر بحرف العطف، فانصرف إليهما لاستوائهما في الحاجة إلى التفسير فكانت كلها ثيابا.   [البناية] م: (فبقيت المائة على إبهامها كما في الفصل الثاني) ش: وهو قوله: علي مائة وثوب. م: (وجه الاستحسان وهو الفرق) ش: بين الفصلين م: (أنهم) ش: أي العلماء م: (استثقلوا تكرار الدراهم في كل عدد واكتفوا بذكره) ش: أي بذكر الدرهم م: (عقيب العددين) ش: ألا ترى أنهم يقولون أحد وعشرون درهماً يكتفون بذكر الدرهم مرة ويجعلون ذلك تفسيراً للكل م: (وهذا) ش: أي الاستثقال قاله شيخي العلاء. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي كون العطف للبيان م: (فيما يكثر استعماله وذلك) ش: أي كثرة الاستعمال. م: (عند كثرة الوجوب بكثرة أسبابه وذلك) ش: فيما يثبت في الذمة، وهو معنى قوله: م: (في الدراهم والدنانير والمكيل والموزون) ش: لثبوتها في الذمة في جميع المعاملات حالة ومؤجلة، ويجوز الاستقراض بها، فإذا كثر وجوبها كثر الذكر. فيعتبر ذلك الجنس في كل عدد، فاكتفى ذكر الجنس في العدد الأخير عن ذكره فيما سبق. م: (وأما الثياب وما لا يكال ولا يوزن فلا يكثر وجوبها) ش: وهذا لا يثبت الثياب في الذمة ديناً إلا سلماً، والشاة لا تثبت ديناً في الذمة أصلاً، م: (فبقي على الحقيقة) ش: أي على الأصل، وهو أن يكون بيان المجمل موقوفا على المجمل لعدم صلاحية العطف للتفسير إلا عند الضرورة، وقد انعدمت. م: (وكذا) ش: أي يرجع إلى المجمل في البيان م: (إذا قال: مائة وثوبان) ش: فيرجع في بيان المائة إلى المقر م: (لما بينا) ش: أي الثياب وما لا يكال ولا يوزن لا يكثر وجوبها. م: (بخلاف ما إذا قال: مائة وثلاثة أثواب؛ لأنه ذكر عددين مبهمين) ش: وما مائة وثلاثة وإنما كانا مبهمين، لأنه لا دلالة لهما على جنس من الأجناس م: (وأعقبهما تفسيراً، إذ الأثواب لم تذكر بحرف العطف) ش: حتى تدل على المغايرة م: (فانصرف إليهما) ش: أي إلى العددين م: (لاستوائهما في الحاجة إلى التفسير فكانت كلها ثياباً) ش: لا يقال الأثواب جمع لا يصلح تمييزاً للمائة لأنها لما اقترنت بالثلاثة صار العدد واحداً. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 441 قال: ومن أقر بتمر في قوصرة لزمه التمر والقوصرة وفسره في الأصل بقوله غصبت تمرا في قوصرة، ووجهه أن القوصرة وعاء وظرف له وغصب الشيء وهو مظروف لا يتحقق بدون الظرف فيلزمانه، وكذا الطعام في السفينة والحنطة في الجوالق، بخلاف ما إذا قال: غصبت تمرا من قوصرة؛ لأن كلمة من للانتزاع فيكون إقرارا بغصب المنزوع.   [البناية] [أقر بتمر في قوصرة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن أقر بتمر في قوصرة) ش: بالتشديد والتخفيف وهي وعاء للتمر منسوج من قصب، وقيل: إنما يسمى بذلك ما دام فيها التمر، وإلا فهي زنبيل، وهذا عرفهم. وقال صاحب " الجمهرة ": أما القوصرة فأحسبها دخيلاً، وقد روي: أفلح من كانت له قوصرة ... يأكل منها كل يوم مرة جميعاً ثم قال: ولا أدري صحة هذا البيت، م: (لزمه التمر والقوصرة) ش: هذا كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفسره في " الأصل ") ش: أي " المبسوط " م: (بقوله: غصبت تمراً في قوصرة، ووجهه) ش: أي وجه لزوم التمر والقوصرة جميعاً م: (أن القوصرة وعاء) ش: أي للتمر م: (وظرف له) ش: أي للتمر م: (وغصب الشيء وهو مظروف) ش: أي والحال أنه في الظرف م: (لا يتحقق بدون الظرف فيلزمانه) ش: أي فيلزم التمر والقوصرة للمقر. م: (وكذا) ش: أي وكذا الحكم فيما إذا قال: غصبت م: (الطعام في السفينة) ش: لأن السفينة ظرف له فلا يتحقق بدون المظروف م: (والحنطة في الجوالق) ش: فيما إذا قال: غصبت الحنطة في الجوالق بفتح الجيم جمع جولق بالضم، والجواليق بالياء تسامح م: (بخلاف ما إذا قال: غصبت تمراً من قوصرة، لأن كلمة من للانتزاع) ش: أي لنزع الشيء من الشيء م: (فيكون إقراراً بغصب المنزوع) ش: وبقولنا قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية: يكون الإقرار بالمظروف لا بالظرف، والأصل في جنس هذه المسائل أن من أقر بشيئين أحدهما ظرف للآخر، فإن كان ذكرهما بكلمة " في " فيلزم الظرف والمظروف، وإن كان بكلمة من يلزم المظروف دون الظرف. ولو أقر بشيئين لم يكن كذلك كقوله: غصبت درهماً في درهم، لم يلزمه الثاني، لأنه لا يصلح ظرفاً للأول. ولو قال: غصبت إكافاً على حمار، أو سرجاً على فرس، كان إقراراً بغصب الإكاف خاصة وبه قالت الأئمة الثلاثة. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مبسوطه ": لو أقر أنه غصب ثوباً في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 442 قال: ومن أقر بدابة في إصطبل لزمه الدابة خاصة، لأن الإصطبل غير مضمون بالغصب عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وعلى قياس قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمنهما ومثله الطعام في البيت. قال: ومن أقر لغيره بخاتم لزمه الحلقة والفص، لأن اسم الخاتم يشمل الكل ومن أقر له بسيف فله النصل والجفن والحمائل، لأن الاسم ينطوي على الكل ومن أقر بحجلة فله العيدان والكسوة لإطلاق الاسم على الكل عرفا،   [البناية] منديل كان مقرا بالثوب والمنديل، وكذلك لو قال: غصبتك عشرة أثواب في عشرة كان مقراً بهما. وقال شيخ الإسلام الأسبيجابي في " شرح الكافي ": ولو قال: غصبتك كذا وكذا وكذا مع كذا وقال كذا بكذا وقال عليه كذا لزماه جميعاً. ولو قال: كذا من كذا وكذا على كذا لزمه الأول فقط يعلم وجهها ما ذكرناه. [أقر بدابة في إصطبل] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن أقر بدابة في إصطبل لزمه الدابة خاصة) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وإنما قال لزمه ولم يقر إقراراً بالدابة إما هذا الكلام إقرار بهما جميعاً، إلا أن اللزوم على قول أبي حنيفة وأبي يوسف في الرواية خاصة. وإليه أشار بقوله: م: (لأن الإصطبل غير مضمون بالغصب عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وعلى قياس قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمنهما) ش: أي الدابة والإصطبل، وقد علم أن غصب العقار لا يتحقق عندهما خلافاً لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومثله الطعام في البيت) ش: أي ومثل إقرار بالدابة في الإصطبل قوله: غصبت الطعام في البيت فلا يلزم إلا الطعام عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يلزمانه. قال الأسبيجابي في " شرح الكافي ": ولو قال غصبتك مائة كر حنطة من بيت ضمن الطعام والبيت عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه بريء الغصب في البيت، وهما لا يريانه فيضمن الطعام لا غير. [أقر لغيره بخاتم] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن أقر لغيره بخاتم لزمه الحلقة والفص؛ لأن اسم الخاتم يشمل الكل) ش: وهذا يدخل الفص في بيع الخاتم من غير تسمية، م: (ومن أقر له بسيف فله النصل) ش: وهو حديدة السيف م: (والجفن) ش: هو غمده، أي بخلافه م: (والحمائل) ش: جمع حِمالة بكسر الحاء وهي علاقة السيف م: (لأن الاسم) ش: أي اسم السيف م: (ينطوي على الكل) ش: أي ينطلق على كل السيف. م: (ومن أقر بحجلة) ش: وهو بيت يزين بالثياب م: (فله العيدان) ش: برفع النون جمع عود وهو الخشب كالديدان جمع دود م: (والكسوة لإطلاق الاسم على الكل عرفاً) ش: ولا نعلم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 443 وإن قال غصبت ثوبا لزماه جميعا، لأنه ظرف، لأن الثوب يلف فيه، وكذا لو قال علي ثوب في ثوب لأنه ظرف، بخلاف قوله: درهم في درهم حيث يلزمه واحد، لأنه ظرف لا ظرف. وإن قال: ثوب في عشرة أثواب لم يلزمه إلا ثوب واحد عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد: لزمه أحد عشر ثوبا، لأن النفيس من الثياب قد يلف في عشرة أثواب فأمكن حمله على الظرف، ولأبي يوسف أن حرف " في " يستعمل في البين والوسط أيضا، قال الله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] (الفجر الآية 29) أي بين عبادي فوقع الشك، والأصل براءة الذمم على أن كل ثوب موعى وليس بوعاء، فتعذر حمله على الظرف فتعين الأول محملا.   [البناية] خلافاً في هذه المسائل م: (وإن قال: غصبت ثوباً في منديل لزماه جميعاً لأنه) ش: أي لأن المنديل م: (ظرف؛ لأن الثوب يلف فيه) ش: والخلاف فيه كالخلاف في الإقرار بالتمر في القوصرة. م: (وكذا لو قال: علي ثوب في ثوب) ش: أي يلزمه الثوبين جميعاً م: (لأنه ظرف) ش: ولا يتحقق ذلك الإبهام م: (بخلاف قوله: درهم في درهم) ش: يعني لو قال: علي لفلان درهم في درهم م: (حيث يلزمه واحد) ش: أي درهم واحد م: (لأنه ضرب) ش: أي ضرب حساب م: (لا ظرف) ش:، وقد مر. م: (وإن قال: ثوب في عشرة أثواب لم يلزمه إلا ثوب واحد عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد: لزمه عشر ثوباً، لأن النفيس من الثياب قد يلف في عشرة أثواب فأمكن حمله على الظرف) ش: قيل: إنه منقوض على أصله بأن قال غصبته كرباساً في عشرة أثواب حرير لزمه الكل عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أن عشرة أثواب حرير لا تجعل وعاء للكرباس عادة. م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن حرف في يستعمل في البين والوسط أيضاً، قال الله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] (الفجر: الآية 29) أي بين عبادي فوقع الشك) ش: لأن كلمة في لما استعملت في معنى " بين " كما استعملت للظرف، لم يلزمه إلا ثوب واحد لوقوع الشك فيما زاد عليه، فلا يجوز والمال لا يجب بالشك والاحتمال. م: (والأصل براءة الذمم) ش: لأنها خلقت برية عرية عن الحقوق، فلا يجوز شغلها إلا بحجة قوية، فلما لم يصلح العشرة للظرف صار كقوله غصبتك درهماً في درهم. م: (على أن كل ثوب) ش: أي مع أن كل ثوب م: (موعى) ش: أي مظروف في حق ما وراءه م: (وليس بوعاء، فتعذر حمله على الظرف) ش: كذلك م: (فتعين الأول) ش: هو كونه بمعنى البين م: (محملاً) ش: بفتح الميم وسكون الحاء المهملة، أي من حيث الحمل على معنى البين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 444 ولو قال: لفلان علي خمسة في خمسة يريد الضرب والحساب لزمه خمسة لأن الضرب لا يكثر المال. وقال الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - يلزمه خمسة وعشرون، وقد ذكرناه في الطلاق ولو قال: أردت خمسة مع خمسة لزمه عشرة، لأن اللفظ يحتمله. ولو قال: له علي من درهم إلى عشرة، أو قال: ما بين درهم إلى عشرة لزمه تسعة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] [قال لفلان علي خمسة في خمسة يريد الضرب والحساب] م: (ولو قال: لفلان علي خمسة في خمسة يريد الضرب والحساب لزمه خمسة) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لأن الضرب لا يكثر المال) ش: يعني أثر الضرب في تكثير الأجزاء لإزالة الكسر لا في زيادة المال. م: (وقال الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يلزمه خمسة وعشرون) ش: أي قال الحسن بن زياد يلزمه خمسة وعشرون إن أراد الضرب، وبه قال أحمد ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وقال زفر يلزمه العشر إذا أطلق م: (وقد ذكرناه في الطلاق) ش: أي في باب إيقاع الطلاق. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولم يذكر صاحب " الهداية " ثمة صريحاً بل فهم ذلك بالإشارة من الخلاف الواقع بيننا وبين زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: أنت طالق ثنتين في ثنتين، وقد أراد الضرب والحساب فعندنا: يقع ثنتان. وعنده: يقع الثلاث، وإنما ذكر مسألة الإقرار صريحاً في كتاب الطلاق في " الجامع الصغير ". قال في " شرح الكافي ": لو قال: له علي درهم مع درهم، أو معه درهم لزمه درهمان، وكذلك لو قال: قبله درهم أو بعده درهم، ولو قال: درهم فدرهم أو درهم ودرهم، لزماه جميعاً. ولو قال: درهم درهم لزمه درهم واحد، فرق بين هذا وبين قوله لامرأته: أنت طالق طالق، حيث يقع ثنتان، لأن الإقرار إخبار فيجعل الثاني مؤكداً للأول والطلاق إنشاء والتأكيد لا يدخل في الإنشاء، فكان الثاني غير الأول فاقتضى وقوع طلاق آخر. ولو قال: له علي درهم بدرهم لزمه درهم، لأن الباء البدلية يعني عوضه درهم، وكذا إذا قال: له علي درهم، لأنه وصف الأول بالوجوب والثاني يكون موضوعاً له فلا ينتصف الثاني بالوجوب فيلزمه درهم واحد، ولو قال: له علي درهم ثم درهمان لزمه ثلاثة دراهم. [قال له علي من درهم إلى عشرة] م: (لو قال: أردت خمسة مع خمسة لزمه عشرة؛ لأن اللفظ يحتمله) ش: لأن مع للمصاحبة م: (ولو قال: له علي من درهم إلى عشرة، أو قال: ما بين) ش: أي أو قال له علي ما بين م: (درهم إلى عشرة لزمه تسعة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله مالك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 445 فيلزمه الابتداء وما بعده، وتسقط الغاية، وقالا: يلزمه العشرة كلها فتدخل الغايتان. وقال زفر: يلزمه ثمانية ولا تدخل الغايتان، ولو قال له: من داري ما بين هذا الحائط إلى هذا الحائط فله ما بينهما وليس له من الحائطين شيء وقد مرت الدلائل في الطلاق.   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية وأحمد في وجه م: (فيلزمه الابتداء وما بعده وتسقط الغاية) ش: وهي العاشرة من العشرة. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (يلزمه العشرة كلها فتدخل الغايتان) ش: أي الابتداء والانتهاء، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول ومالك في رواية وأحمد في وجه ومالك في رواية في قوله ما بين درهم إلى عشرة. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يلزمه ثمانية ولا تدخل الغايتان) ش: أي الابتداء أو الانتهاء كما ذكرنا م: (ولو قال له من داري ما بين هذا الحائط إلى هذا الحائط فله ما بينهما وليس له من الحائطين شيء) ش: أي له أي للمقولة ما بين الحائطين شيء م: (وقد مرت المسائل مع الدلائل في الطلاق) ش: الشراح كلهم ما تكلموا هنا شيء اكتفاء بما ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب الطلاق، وبالله التوفيق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 446 (فصل) قال: ومن قال: لحمل فلانة علي ألف درهم فإن قال أوصى له فلان، أو مات أبوه فورثه فالإقرار صحيح، لأنه أقر بسبب صالح لثبوت الملك له ثم إذا جاءت به حيا في مدة يعلم أنه كان قائما وقت الإقرار لزمه، وإن جاءت به ميتا فالمال للموصي والمورث حتى يقسم بين ورثته، لأنه إقرار في الحقيقة لهما، وإنما ينقل إلى الجنين بعد الولادة ولم ينتقل. ولو جاءت بولدين حيين فالمال بينهما.   [البناية] [فصل في بيان مسائل الحمل] [قال لحمل فلانة علي ألف درهم] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان مسائل الحمل ذكرها بفصل على حدة إلا أنه ألحق مسائل الخيار بها اتباعاً " للمبسوط ". م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن قال: لحمل فلانة علي ألف درهم، فإن قال أوصى له فلان أو مات أبوه فورثه فالإقرار صحيح؛ لأنه أقر بسبب صالح لثبوت الملك له) ش: أي للحمل، وذلك لأن هذا الإقرار صدر من أهله مضافاً إلى محله ولم يتيقن بكذب ما أقر به، فكان صحيحاً كما لو أقر به بعد الانفصال، لأن الجنين أهل أن يستحق شيئاً بالميراث أو الوصية وإن كان بين وجهاً لا يستقيم وجوب المال به للجنين فإنه لا يصح إقراره ولا يلزمه شيء. كما إذا قال لما في بطن فلانة علي ألف درهم بالبيع أو الإجارة أو الإقراض، فإن الإقرار لم يضف على محله وهو ظاهر، كما لو أقر أنه قطع يد فلان عمداً أو خطأ ويد فلان صحيحة لا يلزمه بهذا الإقرار شيء، لأنه كذب بيقين. م: (ثم إذا جاءت حياً) ش: أي ثم إذا جاءت فلانة بالولد م: (في مدة يعلم أنه كان قائماً وقت الإقرار) ش: أي كان موجوداً وقت الإقرار بأن ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار م: (لزمه) ش: أي لزم الرجل ما أقر به، وإن جاءت به لأكثر من سنتين وهي معتدة فكذلك، وأما إذا جاءت به لأكثر من ستة أشهر وهي غير معتدة لم يلزمه م: (وإن جاءت به ميتاً فالمال للموصي والمورث حتى يقسم بين ورثته) ش: أي بين ورثة كل واحد من الموصي والمورث م: (لأنه إقرار في الحقيقة لهما) ش: أي للموصي والمورث م: (وإنما ينقل إلى الجنين بعد الولادة ولم ينتقل) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يبطل إقراره لعدم مستحقه. [قال لحمل فلانة علي ألف من ثمن شيء باعني] م: (ولو جاءت بولدين حيين فالمال بينهما) ش: أي إن كانا ذكرين أو أنثيين، وإن كان أحدهما ذكراً والآخر أنثى ففي الوصية بينهما نصفين، وفي الميراث: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 447 ولو قال المقر: باعني أو أقرضني لم يلزمه شيء، لأنه بين سببا مستحيلا. قال فإن أبهم الإقرار لم يصح عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصح لأن الإقرار من الحجج فيجب إعماله وقد أمكن بالحمل على السبب الصالح، ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الإقرار مطلق ينصرف إلى الإقرار بسبب التجارة، ولهذا حمل إقرار العبد المأذون له وأحد المتفاوضين عليه يصير كما إذا صرح به، قال: ومن أقر بحمل جارية أو حمل شاة لرجل صح إقراره ولزمه، لأن له وجها صحيحا، وهو الوصية به من جهة غيره فحمل عليه. قال: ومن أقر بشرط الخيار بطل الشرط، لأن الخيار   [البناية] م: (ولو قال المقر: باعني) ش: يعني لو قال: لحمل فلانة علي ألف من ثمن شيء باعني م: (أو أقرضني) ش: أي أو قال حمل فلانة أقرضني ألف درهم م: (لم يلزمه شيء لأنه بين سبباً مستحيلاً) ش: إذ البيع أو الإقراض من الجنين حقيقة وهو ظاهر، وكذا حكماً لأنه لا ولاية لأحد على الجنين حتى يصير تصرفه كتصرفه، فصار كلامه لغواً فلا يلزمه شيء. م: (قال فإن أبهم الإقرار) ش: إن لم يعين سببه م: (لم يصح عند أبي يوسف) ش: وقيل أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - معه، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصح) ش: وبه قال أحمد والشافعي - رحمهما الله - في الأصح وهو قول مالك م: (لأن الإقرار من الحجج، فيجب إعماله وقد أمكن بالحمل على السبب الصالح) ش: بأن يقول: أوصى له فلان، أو مات أبوه فورثه تصحيحاً لكلام المعاقل. م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الإقرار مطلق ينصرف إلى الإقرار بسبب التجارة، ولهذا حمل إقرار العبد المأذون له وأحد المتفاوضين عليه) ش: أي على الإقرار بسبب التجارة، ولا يحمل إقرارهما على دين المهر وأرش الجناية حتى لا يؤاخذ العبد في حال رقه ولا يؤاخذ الشريك الآخر م: (يصير كما إذا صرح به) ش: أي يصير المقر به كما إذا صرح بدين التجارة بدلالة العرف. [أقر بحمل جارية أو حمل شاة لرجل] م: (قال) ش: أي القدروي: م: (ومن أقر بحمل جارية أو حمل شاة لرجل صح إقراره ولزمه لأن له) ش: أي بهذا الإقرار م: (وجهاً صحيحاً وهو الوصية به من جهة غيره) ش: بأن أوصى به له مالك الجارية ومالك الشاة، فإذا كان كذلك م: (فحمل عليه) ش: بالوجه المذكور. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن أطلق لا يصح في قول نقله المزني عنه، وفي قول: يصح وهو الأصح وبه قال أحمد ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن تيقن بوجوده عند الإقرار. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن أقر بشرط الخيار بطل الشرط) ش: صورته: إن أقر لرجل بدين من قرض أو غصب أو وديعة قائمة أو مستهلكة على أنه بالخيار ثلاثة أيام فالإقرار جائز ويبطل الشرط م: (لأن الخيار) ش: لا يليق بالإخبار لأنه لا يتغير به الإخبار، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 448 للفسخ والإخبار لا يحتمله ولزمه المال لوجود الصيغة الملزمة ولم ينعدم بهذا الشرط الباطل.   [البناية] ولأنه أي لأن الخيار في الحقيقة م: (للفسخ والإخبار لا يحتمله) ش: لأن الخبر إن كان صادقاً بمطابقته للواقع فلا يتغير باختياره وعدم اختياره، وإن كان كاذباً لم يتغير باختياره م: (ولزمه المال لوجود الصيغة الملزمة) ش: وهي قوله: علي ونحوه، م: (ولم ينعدم بهذا الشرط الباطل) ش: لأن الباطل لا تأثير له. أما لو أقر بدين من ثمن مبيع على أنه فيه بالخيار فإن هناك يثبت الخيار إذا صدقه صاحبه، لأن سببه يقبل الخيار، وإن كذبه صاحبه لم يثبت الخيار، لأن مطلق البيع اللزوم، والخيار أمر عارض فلا يثبت إلا بحجة. ولو أقر بدين من كفالة على شرط الخيار مدة معلومة طويلة أو قصيرة فإن صدقه المقر له فهو كما قال، والخيار ثابت له إلى آخر المدة، لأن الكفالة عقد يصح اشتراط الخيار فيه، فيجعل ما تصادقاً كالمعاين في جهتهما، كذا في " المبسوط ". الجزء: 9 ¦ الصفحة: 449 باب الاستثناء وما في معناه قال: ومن استثنى متصلا بإقراره صح الاستثناء ولزمه الباقي؛ لأن الاستثناء مع الجملة عبارة عن الباقي، ولكن لا بد من الاتصال وسواء استثنى الأقل أو الأكثر،   [البناية] [باب الاستثناء وما في معناه] [معنى الاستثناء] م: (باب الاستثناء وما في معناه) ش: أي هذا باب في بيان حكم الاستثناء وما في معناه، والاستثناء: استفعال من الثني وهو الصرف، وهو متصل، وهو الإخراج والتكلم بالباقي ومنفصل، وهو ما لا يصح إخراجه، قوله: " وما في معناه "، أي وما في معنى الاستثناء في كونه مغيراً وهو الشرط. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن استثنى متصلاً بإقراره صح الاستثناء ولزمه الباقي) ش: لا بد من الاتصال، وهو مذهب الأئمة الأربعة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وفيه خلاف بعض العلماء. ونقل عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - جواز التأخير، واستدل بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «والله لأغزون قريشاً، ثم قال: بعد سنة إن شاء الله» . وأجيب: بأن هذا لم يكن على وجه الاستثناء، بل هو امتثال لما أمر به في قوله عز وجل: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] . وعن عبد الملك المالكي: لا يصح الاستثناء، وعنه أنه لا يصح استثناء الآحاد من العشرات ولا المئين من الألوف، بل يصح استثناء الآحاد والعشرات من المئين والألوف، واستثناء الأقل والأكثر يجوز. وقال الفراء: لا يجوز استثناء الأكثر من الأقل. وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثله. وفي " الكافي ": وعن أبي يوسف ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مثله وفي " الحلية ": وبه قال ابن درستويه النحوي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولكن ما ذكره من قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يكن مشهوراً عند أصحابه، واستثناء الكل من الكل لا يجوز بلا خلاف. وذكر المصنف في زياداته هذا إذا استثنى معين بذلك اللفظ بأن قال: نسائي طوالق إلا نسائي، أما لو قال: نسائي طوالق إلا عمرة وزينب وفاطمة، حتى أتى على الكل صح، وكذا لو قال: نسائي طوالق إلا هؤلاء، صح الاستثناء ولم تطلق واحدة منهن. م: (لأن الاستثناء مع الجملة) ش: أي الصدر م: (عبارة عن الباقي) ش: لأن معنى قوله: " علي عشرة إلا درهماً " معنى قوله: " علي تسعة " م: (ولكن لا بد من الاتصال) ش: أي اتصال الاستثناء بقوله وإلا لا يصح وقد مر بيانه الآن م: (وسواء استثنى الأقل أو الأكثر) ش: أي أقل من الباقي وأكثر منه كما في قوله: لفلان علي ألف درهم إلا أربعمائة، ولفلان علي ألف إلا ستمائة والدليل على ذلك قوله عز وجل {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل: 2] {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} [المزمل: 3] {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [المزمل: 4] (المزمل: الآية 2 - 4) ، لأن طريق صحة الاستثناء أن يجعل عبارة إلا وراء المستثنى، ولا فرق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 450 فإن استثنى الجميع لزمه الإقرار وبطل الاستثناء؛ لأنه تكلم بالحاصل بعد الثنيا، ولا حاصل بعده فيكون رجوعا وقد مر الوجه في الطلاق. ولو قال: له علي مائة درهم إلا دينارا أو إلا قفيز حنطة لزمه مائة درهم إلا قيمة الدينار أو القفيز، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله - ولو قال له: علي مائة درهم إلا ثوبا لم يصح الاستثناء. وقال محمد -رحمه الله -: لا يصح فيهما. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصح فيهما. لمحمد: أن الاستثناء ما لولاه لدخل تحت اللفظ، وهذا لا يتصور في خلاف الجنس، وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنهما اتحدا جنسا من حيث المالية.   [البناية] في ذلك بين الاستثناء في الأقل أو الأكثر. م: (فإن استثنى الجميع لزمه) ش: أي لزم المقر م: (الإقرار) ش: أي كل ما أقر به م: (وبطل الاستثناء، لأنه) ش: أي الاستثناء م: (تكلم بالحاصل بعد الثنيا) ش: أي المستثنى م: (ولا حاصل بعده) ش: أي بعد استثناء الكل عن المقدر م: (فيكون رجوعاً) ش: والرجوع عن الإقرار لا يصح م: (وقد مر الوجه في الطلاق) ش: أي قد مر وجه ذلك في كتاب الطلاق في فصل الاستثناء. [قال له علي مائة درهم إلا ديناراً أو إلا قفيز حنطة] م: (ولو قال: له علي مائة درهم إلا ديناراً أو إلا قفيز حنطة لزمه مائة درهم إلا قيمة الدينار أو القفيز، وهذا) ش: أي هذا الحكم م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. ولو قال: له علي مائة درهم إلا ثوباً لم يصح الاستثناء) ش: أما صحة الوجه الأول فلأنه استثناء القدر من المقدر، وهو صحيح استحساناً، ويطرح قدر قيمة المستثنى بما أقر به، وأما عدم جواز الوجه الثاني فلا بد من استثناء غير المقدر فلا يصح الاستثناء. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصح فيهما) ش: وهو القياس، وبه قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصح فيهما) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لمحمد: أن الاستثناء ما لولاه لدخل تحت اللفظ) ش: يعني إن الاستثناء تصرف في اللفظ وهو إخراج بعض ما تناوله صدر الكلام على معنى أنه لولا الاستثناء لكان داخلاً تحت الصدر م: (وهذا لا يتصور في خلاف الجنس) ش: وفي بعض النسخ: وهذا لا يتحقق في خلاف الجنس. م: (وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنهما) ش: أي أن المستثنى والمستثنى منه م: (اتحدا جنساً) ش: أي من حيث الجنس م: (من حيث المالية) ش: حاصله أن اشتراط اتحاد الجنس وهو موجود من حيث المالية فانتفى المانع بعد تحقيق المقتضى وهو التصرف اللفظي. وقال الأكمل وكلام المصنف كما ترى يشير إلى أن المجانسة بين المستثنى والمستثنى منه شرط عند الشافعي أيضاً، وهو الحق. وقرر الشارحون كلامه على أنها ليست بشرط، بناه على أن الاستثناء يعارض الصور وليس من شرطه المجانسة وليس بصحيح، لأنه يقول بالإخراج بعد الدخول بطريق المعارضة، ونحن نقول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 451 ولهما أن المجانسة في الأول ثابتة من حيث الثمنية، وهذا في الدينار ظاهر، والمكيل والموزون أوصافها أثمان، أما الثوب فليس بثمن أصلا، ولهذا لا يجب بمطلق عقد المعاوضة وما يكون ثمنا صلح مقدرا للدراهم، فصار بقدره مستثنى من الدراهم، وما لا يكون ثمنا لا يصلح مقدرا، فبقي المستثنى من الدراهم مجهولا فلا يصح. ، قال: ومن أقر بحق، وقال: إن شاء الله متصلا بإقراره لا يلزمه الإقرار لأن الاستثناء بمشيئة الله، إما إبطال أو تعليق،   [البناية] بأن الاستثناء لبيان أن الصدر لم يتناول المستثنى، فهو إخراج إلى إثبات المجانسة لأجل الدخول هنا. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أن المجانسة في الأول) ش: أي في الوجه الأول وهو قوله " علي مائة درهم إلا ديناراً أو إلا قفيز حنطة " م: (ثابتة من حيث الثمنية) ش: لأنها تثبت في الذمة ثمناً م: (وهذا في الدينار ظاهر، والمكيل والموزون أوصافهما أثمان) ش: فإنهما إذا وصفت تثبت في الذمة حالاً ومؤجلاً، وجاز الاستقراض بها. ولو عين يتعلق بأعيانهما، ولو وصف ولم يعينا صار حكمهما حكم الدينار، وهذا يستوي الجيد والرديء فيهما، فكان في حكم الثبوت في الذمة كجنس واحد معنى. م: (أما الثوب فليس بثمن أصلاً، ولهذا لا يجب بمطلق عقد المعاوضة) ش: احترز به عن السلم فإنه يجب في السلم م: (وما يكون ثمناً صلح مقدراً) ش: بكسر الدال على صيغة الفاعل م: (للدراهم فصار بقدره مستثنى من الدراهم) ش: فيكون تقديره: له علي ألف إلا قدر قيمة المستثنى م: (وما لا يكون ثمناً لا يصلح مقدراً) ش: لعدم المجانسة م: (فبقي المستثنى من الدراهم مجهولاً) ش: فجهالة المستثنى توجب جهالة المستثنى منه م: (فلا يصح) ش: أي الاستثناء فتعتبر على البيان. وفي " الذخيرة ": وإذا صح الاستثناء يطرح قدر قيمة المستثنى على المقر، وإن كانت قيمة المستثنى تفترض ما أقر به لا يلزمه شيء، ثم ما ذكر أن جهالة المستثنى تلزم جهالة المقر به مخالفاً لما ذكر في " الذخيرة " محالاً إلى " المنتقى ". قال أبو حنيفة: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو قال: لفلان علي مائة درهم إلا قليلاً فعليه أحد وخمسون درهماً، وكذا في نظائرها نحو قوله " الأشياء "، لأن الشيء استثناء الأقل. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو قال: علي عشرة إلا بعضاً؛ فعليه أكثر من النصف. [أقر بحق وقال إن شاء الله متصلاً بإقراره] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن أقر بحق وقال: إن شاء الله متصلاً بإقراره لا يلزمه الإقرار لأن الاستثناء بمشيئة الله تعالى، أما إبطال) ش: عند محمد م: (أو تعليق) ش: عند أبي يوسف، قاله الأترازي، ثم قال: بيانه فيما قال في كتاب الطلاق عن " الفتاوى الصغرى " والقسمة إذا قال: أنت طالق إن شاء الله تعالى فهو يمين عند أبي يوسف حتى لو قال لامرأته: إن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 452 فإن كان الأول فقد أبطل، وإن كان الثاني فكذلك، إما لأن الإقرار لا يحتمل التعليق بالشرط، أو لأنه شرط لا يوقف عليه كما ذكرنا في الطلاق، بخلاف ما إذا قال: لفلان علي مائة درهم إذا مت أو إذا جاء رأس أو إذا أفطر الناس؛ لأنه في معنى بيان المدة فيكون تأجيلا لا تعليقا حتى لو كذبه المقر له في الأجل يكون المال حالا.   [البناية] حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال لها: أنت طالق إن شاء الله تعالى يحنث، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون يميناً حتى لا يحنث به عنده. فإن قلت: قال الأكمل: وغيره الاستثناء بمشيئة الله تعالى إبطال، كما هو مذهب أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أو تعليق كما هو مذهب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهذا مخالف لما قاله الأترازي. قلت: لا مخالفة، لأن الكاكي لما قال: قال محمد: إبطال، وقال أبو يوسف: تعليق، قال: وقيل: الاختلاف على العكس ثم قال الأكمل: وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا قدم المشيئة فقال: إن شاء الله تعالى أنت طالق عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقع الطلاق لأنه إبطال. وعند محمد لا يقع لأنه تعليق، فإذا قدم الشرط ولم يذكر حرف الجزاء لم يتعلق وبقي الطلاق من غير شرط فيقع، وكيفما كان لم يلزمه الإقرار. م: (فإن كان الأول) ش: وهو الإبطال م: (فقد أبطل، وإن كان الثاني) ش: وهو التعليق م: (فكذلك) ش: أي بطل م: (إما لأن الإقرار لا يحتمل التعليق بالشرط) ش: لأن الإقرار إخبار بما سبق والتعليق إنما يكون بالنسبة إلى المستقبل وبينهما منافاة م: (أو لأنه) ش: أو لأن التعليق م: (شرط لا يوقف عليه) ش: والتعليق بمثله يكون إعداماً من الأصل، فيصير بمنزلة الإبطال م: (كما ذكرنا في الطلاق) ش: أي فصل الاستثناء م: (بخلاف ما إذا قال: لفلان علي مائة درهم إذا مت أو إذا جاء رأس الشهر أو إذا أفطر الناس؛ لأنه في معنى بيان المدة) ش: وذلك من حيث العرف، لأن الناس يعتبرون بذكر هذه الأشياء محل الأجل فحسب، لأن الدين المؤجل يصير حالاً بالموت ومجيء رأس الشهر، ومع هذا من آجال الناس فتركت الحقيقة للعرف م: (فيكون تأجيلا لا تعليقاً) ش: فيلزمه الإقرار م: (حتى لو كذبه المقر له في الأجل يكون المال حالاً) ش: وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب المال مؤجلاً. وفي " شرح الكافي ": لو قال: لفلان علي ألف درهم إن شاء فلان فقال فلان شئت فهذا الإقرار باطل، لأنه علق واللزوم حكم الشرط لا حكم التعليق، وكذلك لكل إقرار علق بمطر أو شرط نحو قوله " إن دخلت الدار " و " إن مطرت السماء " أو " إن هبت الريح "، أو " إن قضى الله "، أو " إن أراده "، أو " إن رضيه "، أو " إن أحب "، أو " إن أصبت مالاً "، أو إن كان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 453 قال: ومن أقر بدار واستثنى بناءها لنفسه فللمقر له الدار والبناء، لأن البناء داخل في هذا الإقرار معنى لا لفظا، والاستثناء تصرف في المفلوظ والفص في الخاتم والنخلة في البستان نظير البناء في الدار، لأنه يدخل فيه تبعا لا لفظا، بخلاف ما إذا قال: إلا ثلثها أو إلا بيتا منها لأنه داخل فيه لفظا. ولو قال: بناء هذه الدار لي والعرصة لفلان فهو كما قال، لأن العرصة عبارة عن البقعة دون البناء، فكأنه قال: بياض هذه الأرض دون البناء لفلان، بخلاف ما إذا قال: مكان العرصة أرضا   [البناية] كذلك " أو " إن كان ذلك حقاً "، لأنه تعليق الإقرار بالشرط؛ فلا يكون إقراراً للحال، ولا يمكن جعله إقراراً للحال، ولا يمكن جعله إقراراً عند وجود الشرط لأنه ليس بموجود في تلك الحالة، بخلاف تعليق الطلاق والعتاق. [قال هذه الدار لفلان واستثنى بناءها لنفسه] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن أقر بدار) ش: بأن قال: هذه الدار لفلان م: (واستثنى بناءها لنفسه فللمقر له الدار والبناء، لأن البناء داخل في هذا الإقرار معنى لا لفظا) ش: يعني اسم الدار لا يتناول البناء مقصوداً، لأن البناء، وصف فيه، والوصف يدخل تبعاً لا قصداً م: (والاستثناء تصرف في الملفوظ) ش: يجعل الملفوظ عبارة عما وراء المستثنى فيما لا يتناوله اسم الدار ولا يتحقق فيه عمل الاستثناء. فإن قلت: يشكل بما إذا قال: لفلان علي ألف درهم إلا قفيز حنطة، فإن الحنطة دخلت في الدار معنى لا لفظاً حتى صح استثناؤه. قلت: الدراهم تتناول الحنطة من حيث المعنى، فتناولها من حيث اللفظ من جهة المعنى فيصح الاستثناء، ولا كذلك الدار فإنها ليست باسم العرصة والبناء حتى يكون ذكر الدار ذكراً للبناء بطريق التناول، بل الدار اسم العرصة، والبناء صفة والوصف يدخل تبعاً لا قصداً فلا يصح استثناء الوصف فافترقا. م: (والفص في الخاتم والنخلة في البستان نظير البناء في الدار) ش: يعني كما لا يصح استثناء البناء، لا يصح استثناء الفص والحلقة م: (لأنه يدخل فيه) ش: أي يدخل تحت الصدر م: (تبعاً لا لفظاً، بخلاف ما إذا قال: إلا ثلثها) ش: بأن قال: هذه الدار لفلان إلا ثلثها م: (أو إلا بيتاً منها) ش: أي أو قال: هذه الدار لفلان إلا بيتاً منها م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الثلث والبيت م: (داخل فيه لفظاً) ش: ومقصوداً، حتى لو استحق البيت في بيع الدار سقط حصته من الثمن. [قال بناء هذه الدار لي والعرصة لفلان] م: (ولو قال: بناء هذه الدار لي والعرصة لفلان فهو كما قال) ش: يعني يكون البناء للمقر والعرصة لفلان، م: (لأن العرصة عبارة عن البقعة دون البناء، فكأنه قال: بياض هذه الأرض لفلان دون البناء) ش: والبناء لا يتبعها م: (بخلاف ما إذا قال: مكان العرصة أرضاً) ش: يعني قال: بناء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 454 حيث يكون البناء للمقر له لأن الإقرار بالأرض إقرار بالبناء كالإقرار بالدار. ولو قال: له علي ألف درهم من ثمن عبد اشتريته منه ولم أقبضه، فإن ذكر عبدا بعينه قيل للمقر له: إن شئت فسلم العبد وخذ الألف وإلا فلا شيء لك، قال: هذا على وجوه: أحدها: هذا، وهو أن يصدقه ويسلم العبد، وجوابه ما ذكرنا، لأن الثابت بتصادقهما كالثابت معاينة. والثاني: أن يقول المقر له: العبد عبدك ما بعتكه، وإنما بعتك عبدا غير هذا، وفيه المال اللازم على المقر لإقراره به عند سلامة العبد له، وقد سلم فلا يبالي باختلاف السبب بعد حصول المقصود.   [البناية] هذه الدار لي والأرض لفلان م: (حيث يكون البناء للمقر له) ش: مع الأرض خلافاً للأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، م: (لأن الإقرار بالأرض إقرار بالبناء كالإقرار بالدار) ش: حيث تكون الأرض والبناء للمقر وإن استثنى البناء، لأن البناء داخل في الإقرار، كما أن الإقرار بالأرض إقرار بالبناء، لأن الإقرار بالأصل إقرار بالتبع. [قال له علي ألف درهم من ثمن عبد اشتريته منه ولم أقبضه] م: (ولو قال: له علي ألف درهم من ثمن عبد اشتريته منه ولم أقبضه، فإن ذكر عبداً بعينه قيل للمقر له: إن شئت فسلم العبد وخذ الألف، وإلا فلا شيء لك) ش: إلى هنا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (هذا) ش: أي المذكور م: (على وجوه: أحدها: هذا) ش: أي الذي ذكره القدوري. م: (وهو أن يصدقه) ش: أي يصدق المقر له المقر. م: (ويسلم العبد، وجوابه) ش: أي جواب هذا الوجه م: (ما ذكرنا) ش: وهو أن يقال للمقر له: إن شئت فسلم العبد وخذ الألف وإلا فلا شيء لك، م: (لأن الثابت بتصادقهما كالثابت معاينة) ش: فلو علمنا أنه اشترى منه هذا العبد في يده كان عليه ألف درهم، كذا ها هنا. م: (والثاني) ش: أي الوجه الثاني. م: (أن يقول المقر له: العبد عبدك ما بعتكه وإنما بعتك عبداً غير هذا وفيه المال اللازم على المقر لإقراره به عند سلامة العبد له وقد سلم فلا يبالي باختلاف السبب بعد حصول المقصود) ش: كما لو قال: لك علي ألف عصبة صك. وقال: لا بل استقرضت مني، ولا تفاوت في هذا بين أن يكون العبد في يد المقر أو المقر له. وقال الكاكي: لأن الأسباب مطلوبة بأحكامها لا بأعيانها، ولا يعتبر التكاذب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 455 والثالث: أن يقول العبد عبدي ما بعتك، وحكمه أن لا يلزم المقر شيء؛ لأنه ما أقر بالمال إلا عوضا عن العبد، فلا يلزمه دونه. ولو قال مع ذلك: إنما بعتك غيره يتحالفان؛ لأن المقر يدعي تسليم من عينه، والآخر ينكر، والمقر له يدعي عليه الألف ببيع غيره، والآخر ينكر، فإذا تحالفا بطل المال. وهذا إذا ذكر عبدا بعينه. وإن قال: من ثمن عبد ولم يعينه لزمه الألف ولا يصدق في قوله: ما قبضت عند أبي حنيفة وصل أم فصل، لأنه رجوع، فإنه أقر بوجوب المال رجوعا إلى كلمة " علي " وإنكاره القبض في غير المعين ينافي الوجوب أصلا؛ لأن الجهالة مقارنة كانت أو طارئة بأن اشترى عبدا ثم نسياه عند الاختلاط بأمثاله توجب هلاك المبيع، فيمتنع بوجوب نقد الثمن، وإذا كان كذلك كان رجوعا فلا يصح وإن كان موصولا.   [البناية] في السبب بعد اتفاقها على وجوب أصل المال. م: (والثالث) ش: أي الوجه الثالث: م: (أن يقول: العبد عبد ما بعتك، وحكمه: أن لا يلزم المقر شيء، لأنه ما أقر بالمال إلا عوضاً عن العبد فلا يلزمه دونه) ش: فإذا لم يسلم له العبد لا يسلم للمقر له بدله، وفي هذا أيضاً لا تفاوت بين كون العبد في يد المقر له، لأنه إذا كان في يد المقر يأخذ العبد. [قال المقر له مع إنكار العبد المقر به ما بعتكه إنما بعتك غيره] م: (ولو قال مع ذلك) ش: أي ولو قال المقر له مع إنكار العبد المقر به: ما بعتكه م: (إنما بعتك غيره يتحالفان) ش: لأن كل واحد مدع ومنكر، أشار إليه بقوله: م: (لأن المقر يدعي تسليم من عينه، والآخر ينكر، والمقر له يدعي عليه الألف ببيع غيره، والآخر ينكر فإذا تحالفا بطل المال) ش: يعني بطل المال من المقر والعبد سالم لمن هو في يده، م: (وهذا) ش: أي هذا المذكور م: (إذا ذكر عبداً بعينه وإن قال من ثمن عبد ولم يعينه لزمه الألف ولا يصدق في قوله: ما قبضت، عند أبي حنيفة وصل أم فصل، لأنه رجوع، فإنه أقر بوجوب المال رجوعاً إلى كلمة علي وإنكاره القبض في غير المعين ينافي الوجوب أصلاً) ش: لأن ما لا يكون بعينه فهو في حكم المستهلك إذ لا طريق للتوصل إليه، لأن ما من عبد يحضره إلا والمشتري يقول المبيع غير هذا، وتسليم الثمن لا يجب إلا بعد إحضار المعقود عليه، فعرفنا إنه في حكم المستهلك وثمن المستهلك غير واجب، إلا أن يكون مقبوضاً فيكون الإقرار بوجوب ثمنه إقراراً بقبضه. وإذا أقر بالقبض يكون قوله لم أقبضه رجوعاً بعد الإقرار. م: (لأن الجهالة مقارنة كانت أو طارئة، بأن اشترى عبداً ثم نسياه عند الاختلاط بأمثاله توجب هلاك المبيع، فيمتنع وجوب نقد الثمن، وإذا كان كذلك كان رجوعاً فلا يصح وإن كان موصولاً) ش: بيانه: أن أول كلامه إقراراً يوجب الثمن، وآخر يوجب سقوطه وذلك رجوعاً فلا يصح وإن كان موصولاً. م: (وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: إن وصل صدق ولم يلزمه شيء) ش: كما في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 456 وقال أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله -: إن وصل صدق ولم يلزمه شيء، وإن فصل لم يصدقه إذا أنكر المقر له أن يكون ذلك من ثمن عبد، وإن أقر أنه باعه متاعا فالقول قول المقر. ووجه ذلك أنه أقر بوجوب المال عليه وبين سببا وهو البيع، فإن وافقه الطالب في السبب وبه لا يتأكد الوجوب إلا بالقبض والمقر ينكره فيكون القول قوله وإن كذبه في السبب كان هذا من المقر بيانا مغيرا؛ لأن صدر كلامه للوجوب مطلقا وآخره يحتمل انتفاءه على اعتبار عدم القبض والمغير يصح موصولا لا مفصولا. ولو قال: ابتعت منه عينا إلا أني لم أقبضه فالقول قوله بالإجماع؛ لأنه ليس من ضرورة البيع القبض، بخلاف الإقرار بوجوب الثمن. قال: وكذا لو قال: من ثمن خمر أو خنزير، ومعنى المسألة إذا قال: لفلان علي ألف درهم من ثمن خمر أو خنزير لزمه الألف ولم يقبل تفسيره عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصل أم   [البناية] المتن وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (وإن فصل لم يصدقه إذا أنكر المقر، له أن يكون ذلك من ثمن عبد. وإن أقر أنه) ش: أي أن المقر له م: (باعه متاعاً فالقول قول المقر. ووجه ذلك) ش: أي وجه كون القول للمقر م: (أنه أقر بوجوب المال عليه وبين سبباً) ش: يعني أن قوله: لفلان علي ألف درهم إقرار بوجوب المال عليه، وقوله من ثمن متاع اشتريته بيان لسبب الوجوب م: (وهو البيع، فإن وافقه الطالب) ش: وهو المقر له م: (في السبب) ش: قال الأكمل: [وفيه]- رَحِمَهُ اللَّهُ - ونظر، لأن قوله: " فإن وافقه الطالب في السبب " شرط، فلا بد من جوابه، وقوله م: (وبه لا يتأكد الوجوب إلا بالقبض) ش: لا يصلح لذلك، أي كالبيع لا يتأكد وجوب الثمن على المشتري، أي وجوب الثمن عليه قبل قبض المبيع متزلزل لأنه عسى يهلك المبيع فيسقط الثمن، والمدعي الذي هو المقر له يدعي قبض الثمن، م: (والمقر ينكره، فيكون القول قوله) ش: أي للمنكر. م: (وإن كذبه في السبب كان هذا من المقر بياناً مغيراً؛ لأن صدر كلامه للوجوب مطلقاً) ش: لأن مقتضى أول الكلام أن يكون مطالباً بالمال في الحال رجوعاً على كلمة " علي " م: (وآخره) ش: أي وآخر الكلام م: (يحتمل انتفاءه) ش: أي انتفاء الوجوب، م: (على اعتبار عدم القبض والمغير يصح موصولاً لا مفصولاً) ش: كالاستثناء. م: (ولو قال: ابتعت منه عيناً) ش: أي مبيعاً م: (إلا أني لم أقبضه فالقول قوله بالإجماع) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (لأنه ليس من ضرورة البيع القبض) ش: فإن الشراء بشرط الخيار لا يوجب الثمن عليه في الحال م: (بخلاف الإقرار بوجوب الثمن) ش: فإن من ضرورته القبض. [قال لفلان علي ألف درهم من ثمن خمر أو خنزير] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وكذا لو قال: من ثمن خمر أو خنزير) ش: وقال المصنف: م: (ومعنى المسألة) ش: أي المسألة التي ذكرها القدوري م: (إذا قال: لفلان علي ألف درهم من ثمن خمر أو خنزير لزمه الألف ولم يقبل تفسيره عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصل أم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 457 فصل، لأنه رجوع، لأن ثمن الخمر والخنزير لا يكون واجبا، وأول كلامه للوجوب. وقالا: إذا وصل لا يلزمه شيء، لأنه بين بآخر كلامه أنه ما أراد به الإيجاب وصار كما إذا قال في آخره: إن شاء الله. قلنا ذاك تعليق، وهذا إبطال. ولو قال: له علي ألف درهم من ثمن متاع، أو قال: أقرضني ألف درهم ثم قال: هي زيوف   [البناية] فصل، لأنه رجوع، لأن ثمن الخمر والخنزير لا يكون واجباً، وأول كلامه للوجوب) ش: وهو قوله: " علي " فيكون رجوعاً عن الإقرار فلا يصدق، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولم يذكر القدوري في " مختصره " الخلاف، وإنما ذكره الأسبيجابي. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (إذا وصل لا يلزمه شيء) ش: وبه قال مالك والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وإسحاق، واختاره المزني م: (لأنه) ش: أي لأن المقر م: (بين بآخر كلامه أنه ما أراد به الإيجاب) ش: وقال الأسبيجابي: مما مرا على أصلهما، لأن هذا بيان مغير، ولكن هذا فيما إذا كذبه الطالب، أما إذا صدق في ذلك لا يلزمه شيء في قولهم جميعاً، لأن الثابت يتصادقهما كالثابت معاينة، وكذا الحكم فيها إذا قال: من ثمن خمر أو ميتة أو دم. وفي " الأجناس ": رواية هشام لو قال: لفلان علي ألف درهم من ثمن خمر أو خنزير وهما مسلمان. وقال الطالب: بل هو من ثمن المال لازم للمطوب في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع يمين الطالب، وقال: القول قول المطلوب مع يمينه ولا شيء عليه، ألا ترى أنه لو قال علي درهم ثمن ميتة أو رطل خمر كان باطلاً، ثم قال في " الأجناس ": من ذكر " في نوادر أبي يوسف " - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية ابن سماع: لو قال: لفلان علي ألف درهم حرام أو باطل لزمه في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي " الذخيرة ": لو قال: له علي ألف درهم حرام أو ربا لزمه الألف، لأن الحرام عنده لعله يكون حلالاً عند غيره، ولعل الربا عنده ليس بربا عند غيره. ولو قال: له علي ألف زوراً وباطل إن صدقه فلان فلا شيء عليه، وإن كذبه فعليه الألف. م: (وصار) ش: أي حكم هذا م: (كما إذا قال في آخره: إن شاء الله تعالى) ش: يعني إن وصل يصدق، وإن فصل لا يصدق فلذا م: (قلنا) ش: هذا جواب عن قياسها على مسألة الاستثناء بالمشيئة، تقريره أن يقال: م: (ذاك تعليق) ش: بالشرط، والتعليق بالشرط من باب التغيير، فيصح موصولاً م: (وهذا) ش: أي الذي نحن فيه م: (إبطال) ش: والإبطال رجوع فلا يصح. [قال أقرضني ألف درهم ثم قال هي زيوف] م: (ولو قال: له علي ألف درهم من ثمن متاع، أو قال: أقرضني ألف درهم ثم قال: هي زيوف) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 458 أو نبهرجة، وقال المقر: له جياد لزمه الجياد في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: إن قال: موصولا يصدق، وإن قال: مفصولا لا يصدق، وعلى هذا الخلاف إذا قال: هي ستوقة أو رصاص وعلى هذا إذا قال: إلا أنها زيوف، وعلى هذا إذا قال: لفلان علي ألف درهم زيوف من ثمن متاع. لهما: أنه بيان مغير فيصح بشرط الوصل كالشرط والاستثناء، وهذا لأن اسم الدراهم يحتمل الزيوف بحقيقته والستوقة بمجازه، إلا أن مطلقه ينصرف إلى الجياد فكان بيانا مغيرا من هذا الوجه، وصار كما إذا قال: إلا أنها وزن خمسة. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن هذا رجوع؛ لأن مطلق العقد يقتضي وصف السلامة عن العيب والزيافة عيب، ودعوى العيب رجوع عن بعض موجبه،   [البناية] ش: جمع زيف، وهو الذي يقبله التجار ويرده بيت المال م: (أو بنهرجة) ش: هو دون الزيوف، لأن التجارة ترده، م: (وقال المقر له: جياد لزمه الجياد في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وصل أم فصل م: (وقالا) ش: أي قال: أبو يوسف ومحمد م: (إن قال: موصولاً يصدق وإن قال: مفصولاً لم يصدق) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعلى هذا الخلاف إذا قال: هي ستوقة) ش: وهي أردأ من النبهرجة م: (أو رصاص) ش: أي أو قال: هي رصاص؛ فلا يصدق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصل أم فصل، وعندهما: يصدق إن وصل. وفي " جامع قاضي خان ": عن أبي يوسف فيه روايتان في رواية مع أبي حنيفة، وفي رواية مع محمد م: (وعلى هذا) ش: الخلاف م: (إذا قال: إلا أنها زيوف، وعلى هذا إذا قال: لفلان علي ألف درهم زيوف من ثمن متاع) ش: تجري الزيوف وتجري الصفة على المعدود دون العدد، كقوله تعالى: {سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} [يوسف: 46] (يوسف: الآية 46) . م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (أنه بيان مغير فيصح بشرط الوصل كالشرط) ش: والتعليق م: (والاستثناء، وهذا) ش: توضيح لما قبله، م: (لأن اسم الدراهم يحتمل الزيوف بحقيقته) ش: لأنها من جنس الدراهم حتى يحصل بها الاستيفاء في الصرف والسلم، ولا يصير استبدالاً م: (والستوقة بمجازه) ش: لأن الستوقة تسمى دراهم مجازاً والنقل من الحقيقة إلى المجاز بيان تغير، فيصح موصولاً ومفصولاً م: (إلا أن مطلقه) ش: أي مطلق اسم الدراهم م: (ينصرف إلى الجياد) ش: لأن أكثر النقود تكون جياداً، إلا أن بياعات الناس تكون بالجياد عادة م: (فكان بياناً مغيراً من هذا الوجه) ش: أي من الوجه المذكور، فلذلك شرط له الوصل م: (وصار) ش: أي حكم هذا م: (كما إذا قال: إلا أنها وزن خمسة) ش: أو ستة، ونقد بلدهم وزن سبعة صدق إن كان موصولاً ولم يصدق إن كان مفصولاً. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن هذا رجوع؛ لأن مطلق العقد يقتضي وصف السلامة عن العيب، والزيافة عيب، ودعوى العيب رجوع عن بعض موجبه) ش: أي موجب العقد؛ لأن إبطال الجزء: 9 ¦ الصفحة: 459 وصار كما إذا قال: بعتكه معيبا. وقال المشتري: بعتنيه سليما، فالقول للمشتري لما بينا، والستوقة ليست من الأثمان، والبيع يرد على الثمن، فكان رجوعا. وقوله: إلا أنها وزن خمسة يصح الاستثناء؛ لأنه مقدار بخلاف الجودة، لأن استثناء الوصف لا يجوز كاستثناء البناء في الدار، بخلاف ما إذا قال: علي كر حنطة من ثمن عبد إلا أنها رديئة، لأن الرداءة نوع لا عيب، فمطلق العقد لا يقتضي السلامة عنها. وعن أبي حنيفة في غير رواية الأصول في القرض: أنه يصدق في الزيوف إذا وصل؛ لأن القرض يوجب رد مثل المقبوض، وقد يكون زيفا كما في الغصب.   [البناية] بعض ما هو مستحق بالعقد فلا يصدق، وإن وصل م: (وصار) ش: أي حكم هذا م: (كما إذا قال: بعتكه معيباً، وقال المشتري: بعتنيه سليماً، فالقول للمشتري لما بينا) ش: أشار به إلى قوله " مطلق العقد يقتضي السلامة عن العيب ". م: (والستوقة ليست من الثمان) ش: أي ليست من جنس الأثمان، م: (والبيع يرد على الثمن فكان) ش: أي فكان دعواه على تأويل الادعاء، يعني دعواه الستوقة م: (رجوعا) ش: عن الإقرار فلا يصح، م: (وقوله إلا أنها وزن خمسة) ش: هذا جواب عما استشهد به، تقريره: أنه ليس مما نحن فيه، لأن قوله هذا م: (يصح الاستثناء، لأنه مقدار بخلاف الجودة، لأن استثناء الوصف لا يجوز كاستثناء البناء في الدار) ش: لأنه لا يجوز. توضيحه: أن الجودة صفة فلا يصح استثناء الوصف، لأن الصفة مما لم يتناوله وله اسم الدراهم حتى يستثنى، وإنما يثبت صفة الجودة في مطلق العقد بالعرف والعادة. م: (بخلاف ما إذا قال: علي كر حنطة من ثمن عبد إلا أنها رديئة لأن الرداءة نوع لا عيب) ش: لأن العيب ما يخلو عند الفطرة السليمة والحنطة قد تكون رديئة م: (فمطلق العقد لا يقتضي السلامة عنها) ش: أي عن الرداءة، ولهذا لا يصح شراء الحنطة ما لم يبين أنها جيدة أو وسط أو رديئة فليس في بيانه تغيير موجب أو لكلامه، فيصح وصل أم فصل، إذ مقتضى العقد لا يقتضي نوعاً دون نوع، فلا يستحق نوع بمطلق العقد، بخلاف الزيادة فإنها عيب، ومطلق العقد لا يقتضي السلامة عنها. م: (وعن أبي حنيفة في غير رواية الأصول في القرض) ش: المراد بالأصول الجامعان و " الزيادات " و " المبسوط " وغيرها ظاهر الرواية. وعن الأمالي والنوادر والورقيات فإنها روايات، والكيسانيات بغير ظاهر الرواية م: (أنه يصدق في الزيوف إذا وصل) ش: إذا قال لفلان علي ألف درهم قرض، أما إذا قطع كلامه ثم قال: بعد زمان هي زيوف، لا يصدقه باتفاق الروايات، م: (لأن القرض يوجب رد مثل المقبوض وقد يكون) ش: المقبوض م: (زيفاً) ش: والقرض يقضي بالمثل، م: (كما في الغصب) ش: يكون المغصوب زيفاً، لأن الواجب فيه مثل المقبوض، والجامع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 460 ووجه الظاهر أن التعامل بالجياد فانصرف مطلقه إليها. ولو قال: لفلان علي ألف درهم زيوف ولم يذكر البيع والقرض، قيل: يصدق بالإجماع؛ لأن اسم الدراهم يتناولها، وقيل: لا يصدق لأن مطلق الإقرار ينصرف إلى العقود لتعينها مشروعة لا إلى الاستهلاك المحرم. ولو قال: اغتصبت منه ألفا أو قال: أودعني ثم قال: هي زيوف أو نبهرجة صدق، وصل أم فصل؛ لأن الإنسان يغصب ما يجد ويودع ما يملك فلا مقتضى له في الجياد ولا تعامل، فيكون بيان النوع فيصح وإن فصل، ولهذا لو جاء زاد المغصوب والوديعة بالمعيب كان القول قوله. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يصدق فيه مفصولا اعتبارا بالقرض، إذ القبض فيهما هو الموجب للضمان،   [البناية] بينهما أن كلا منهما يوجب الضمان بالقبض، م: (ووجه الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية: م: (أن التعامل) ش: يكون بين الناس م: (بالجياد فانصرف مطلقه) ش: أي مطلق القرض م: (إليها) ش: أي إلى الجياد، فيجب عليه ذلك ثم دعواه الزيافة لا تقبل، لأنه رجوع عما أقر به. [قال لفلان علي ألف درهم زيوف ولم يذكر البيع والقرض] م: (ولو قال: لفلان علي ألف درهم زيوف، ولم يذكر البيع والقرض، قيل: يصدق بالإجماع لأن اسم الدراهم يتناولها) ش: أي الزيوف م: (وقيل: لا يصدق) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصل أم فصل م: (لأن مطلق الإقرار بالدين ينصرف إلى العقود لتعينها مشروعة لا إلى الاستهلاك المحرم) ش: وهو الغصب المحرم فصار كما لو بين سبب التجارة، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يبطل إقراره إذا قال المقر: له جياد. م: (ولو قال اغتصبت منه ألفاً أو قال: أودعني ثم قال: هي زيوف أو نبهرجة صدق وصل أم فصل، لأن الإنسان يغصب ما يجد ويودع ما يملك فلا مقتضى له في الجياد) ش: لأن المقتضى في عقود المعاوضة م: (ولا تعامل) ش: أي في غصب الجياد ولا في إيداع الجياد بخلاف الاستقراض، فإن المتعامل فيه بالجياد، كذا قاله تاج الشريعة. وقال شيخ العلاء: وهذا إشارة إلى الجواب عن فصل القرض، فإن في القرض إن لم يوجد المقتضى، فقد وجد التعامل والناس يتعاملون بالجياد فينصرف إلى الجياد ولم يوجد التعامل هنا فلا ينصرف إلى الجياد، م: (فيكون) ش: أي قول المقر م: (بيان النوع فيصح وإن فصل) ش: وقال الشافعي وأحمد: إذا فصل لم يصدق، وهو رواية عن أبي يوسف في الغصب م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن لا مقتضى له في الجياد م: (لو جاء زاد المغصوب والوديعة بالمعيب كان القول قوله) ش: فإن الاختلاف متى وقع وصفه المقبوض فالقول للقابض ضميناً أو أميناً. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يصدق فيه) ش: أي في الغصب م: (مفصولاً اعتباراً بالقرض إذ القبض فيهما) ش: أي في الغصب والقرض م: (هو الموجب للضمان) ش: وجوابه يعلم مما تقدم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 461 ولو قال: هي ستوقة أو رصاص بعدما أقر بالغصب والوديعة ووصل صدق، وإن فصل لم يصدق؛ لأن الستوقة ليست من جنس الدراهم، لكن الاسم يتناولها مجازا، فكان بيانا مغيرا فلا بد من الوصل وإن قال: في هذا كله ألفا ثم قال: إلا أنه ينقص كذا لم يصدق، وإن وصل صدق، لأن هذا استثناء المقدار والاستثناء يصح موصولا، بخلاف الزيافة؛ لأنها وصف واستثناء الأوصاف لا يصح، واللفظ يتناول المقدار دون الوصف وهو تصرف لفظي كما بينا. ولو كان الفصل ضرورة انقطاع الكلام بانقطاع نفسه فهو واصل لعدم إمكان الاحتراز عنه. ومن أقر بغصب ثوب ثم جاء بثوب معيب فالقول قوله، لأن الغصب لا يختص بالسليم. ومن قال لآخر: أخذت منك ألف درهم وديعة فهلكت فقال: لا بل أخذتها غصبا فهو ضامن،   [البناية] [قال هي ستوقة أو رصاص بعدما أقر بالغصب والوديعة ووصل] م: (ولو قال: هي ستوقة أو رصاص بعدما أقر بالغصب والوديعة ووصل صدق، وإن فصل لم يصدق؛ لأن الستوقة ليست من جنس الدراهم، لكن الاسم) ش: أي اسم الدراهم م: (يتناولها) ش: أي الستوقة م: (مجازاً) ش: لمشابهة الستوقة والدراهم من حيث الصورة م: (فكان بياناً مغيراً فلا بد من الوصل) ش: أي فكان مغيراً لما اقتضاه أول كلامه، لأن أول كلامه يتناول الدراهم صورة وحقيقة وآخر كلامه يبين أن مراده الدراهم صورة لا حقيقة، وبين التفسير يصح موصولاً لا مفصولاً. م: (وإن قال: في هذا كله ألفاً) ش: يعني المذكور من البيع والقرض والغصب، صورته إذا أقر وقال: لفلان علي ألف درهم، أو قال: أودعني ألف درهم، أو قال: غصبت ألف درهم أو أقرضني ألف درهم، أو قاضى ألف درهم، م: (ثم قال: إلا أنه ينقص كذا لم يصدق؛ وإن وصل صدق لأن استثناء المقدار) ش: أي استثناء لبعض ما أقر به من المقدار م: (والاستثناء يصح موصولاً، بخلاف الزيافة، لأنها وصف واستثناء الأوصاف لا يصح، واللفظ يتناول المقدار دون الوصف وهو) ش: فيصير الكلام عبارة عما وراء المستثنى م: (تصرف لفظي) ش: يعني تصرف في الملفوظ لا فيما في غيره، م: (كما بينا) ش: أنه لا يصح إلا موصولاً. م: (ولو كان الفصل ضرورة انقطاع الكلام، بانقطاع نفسه فهو واصل) ش: يعني يصح الاستثناء إذا كان الفصل للضرورة المذكورة م: (لعدم إمكان الاحتراز عنه) ش: لأن الإنسان يحتاج أن يتكلم بكلام كثير مع الاستثناء، ولا يقدر أن يتكلم بكلام كثير بنفس واحد، فجعل ذلك عفواً وعليه الفتوى، وبه قالت الأئمة الثلاثة. [أقر بغصب ثوب ثم جاء بثوب معيب] م: (قال) ش: أي القدروي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن أقر بغصب ثوب ثم جاء بثوب معيب فالقول قوله؛ لأن الغصب لا يختص بالسليم) ش: وسواء وصل أم فصل م: (ومن قال لآخر: أخذت منك ألف درهم وديعة فهلكت فقال) ش: أي لقوله: م: (لا بل أخذتها غصباً فهو ضامن) ش: أي المقر ضامن، والقول قوله مع يمينه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 462 فإن قال: أعطيتنيها وديعة فقال: لا بل غصبتنيها لم يضمن. والفرق أن في الفصل الأول أقر بسبب الضمان، وهو الأخذ ثم ادعى ما يبرئه وهو الإذن والآخر ينكره، فيكون القول له مع اليمين. وفي الثاني أضاف الفعل إلى غيره وذاك يدعي عليه سبب الضمان وهو الغصب، فكان القول لمنكره مع اليمين، والقبض في هذا كالأخذ، والدفع كالإعطاء. فإن قال قائل: الإعطاء والدفع إليه لا يكون إلا بقبضه. فنقول: قد يكون بالتخلية والوضع بين يديه. ولو اقتضى ذلك، فالمقتضى ثابت ضرورة، فلا يظهر في انعقاده سبب الضمان، وهذا بخلاف ما إذا قال: أخذتها منك وديعة، وقال الآخر: بل قرضا حيث يكون القول للمقر، وإن أقر بالأخذ؛ لأنهما توافقا هناك على أن الأخذ كان بالإذن، إلا أن المقر له يدعي سبب الضمان وهو القرض والآخر ينكره فافترقا.   [البناية] م: (فإن قال: أعطيتنيها وديعة فقال) ش: أي المقر له م: (لا بل غصبتنيها لم يضمن، والفرق) ش: بين المسألتين م: (أن في الفصل الأول) ش: هو قوله: أخذت منك ألف درهم وديعة م: (أقر بسبب الضمان وهو الأخذ) ش: لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «على اليد ما أخذت حتى ترد» . وهذا يتناول رد العين حال بقائها ورد المثل حال زوالها لكون المثل قائماً مقام الأصل، م: (ثم ادعى ما يبرئه وهو الإذن) ش: من الإبراء وهو الإذن بالأخذ م: (والآخر ينكره، فيكون القول له مع اليمين) ش: إلا أن ينكل المقر له عن اليمين م: (وفي الثاني) ش: وفي نظر الثاني م: (أضاف الفعل إلى غيره) ش: وهو المقر له م: (وذاك) ش: أي ذلك الغير وهو المقر له م: (يدعي عليه سبب الضمان وهو الغصب، فكان القول لمنكره مع اليمين، والقبض في هذا كالأخذ) ش: يعني لو قال المقر: قبضت منك ألف درهم وديعة، فقال المقر له: غصبتها كان ضامناً، كان إذا قال: أخذتها وديعة م: (والدفع كالإعطاء) ش: يعني لا يضمن المقر إذا قال: دفعت إلي ألف درهم وديعة فقال المقر له: غصبتها، كما لو قال: أعطيتني. [قال أخذتها منك وديعة وقال الآخر بل قرضا] م: (فإن قال قائل: الإعطاء والدفع إليه لا يكون إلا بقبضه فنقول: قد يكون) ش: أي القبض م: (بالتخلية والوضع بين يديه) ش: وهو الجواب بطريق المنع، ثم قال بطريق التسليم: م: (ولو اقتضى ذلك) ش: أي وإن سلمنا أنه اقتضى ذلك كل واحد من التخلية، والموضع بين يديه قبض ثابت ضرورة، يعني بطريق الضرورة، فلا يشهر في انعقاد سبب الضمان، م: (فالمقتضى ثابت ضرورة فلا يظهر في انعقاده) ش: فلا يقتضي ثبوته بالضرورة يكون م: (سبب الضمان، وهذا) ش: أي وهذا الذي قلنا من ضمان المقر بالأخذ وديعة إذا قال المقر له: أخذتها غصباً. م: (بخلاف ما إذا قال: أخذتها منك وديعة؛ وقال الآخر: بل قرضاً حيث يكون القول للمقر، وإن أقر بالأخذ؛ لأنهما توافقا هناك) ش: أي في القرض م: (على أن الأخذ كان بالإذن) ش: وهو السبب مسقط للضمان م: (إلا أن المقر له يدعي سبب الضمان وهو القرض والآخر ينكره فافترقا) ش: أي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 463 فإن قال: هذه الألف كانت وديعة لي عند فلان فأخذتها منه، فقال فلان: هي لي فإنه يأخذها؛ لأنه أقر باليد له وادعى استحقاقها عليه وهو ينكر والقول للمنكر. ولو قال: أجرت دابتي هذه فلانا فركبها وردها، أو قال آجرت ثوبي هذا فلانا فلبسه ورده، وقال فلان: كذبت وهما لي فالقول قوله، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: القول قول الذي أخذ منه الدابة والثوب وهو القياس، وعلى هذا الخلاف الإعارة والإسكان، ولو قال خاط فلان ثوبي هذا بنصف درهم ثم قبضته وقال فلان: الثوب ثوبي فهو على هذا الخلاف في الصحيح. وجه القياس ما بيناه في الوديعة. وجه الاستحسان وهو الفرق: أن اليد في الإجارة والإعارة ضرورية تثبت ضرورة استيفاء المعقود عليه، وهو المنافع فيكون عدما   [البناية] حكم الوديعة والقرض. [قال هذه الألف كانت وديعة لي عند فلان فأخذتها منه فقال فلان هي لي] م: (فإن قال: هذه الألف كانت وديعة لي عند فلان فأخذتها منه، فقال فلان: هي لي، فإنه) ش: أي فإن فلانا م: (يأخذها، لأنه) ش: أي لفلان وادعى استحقاقها عليه، أي لأن المقر م: (أقر باليد له) ش: أي لفلان م: (وادعى استحقاقها عليه وهو ينكر والقول للمنكر. ولو قال: أجرت دابتي هذه فلاناً فركبها وردها، أو قال: أجرت ثوبي هذا فلاناً فلبسه ورده، وقال فلان: كذبت وهما لي فالقول قوله؛ وهذا) ش: أي كون القول قوله م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . م: (وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: القول قول الذي أخذ منه الدابة أو الثوب وهو القياس) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة. وفي " المبسوط " و " الإيضاح ": وهذا كله إذا لم تكن الدابة والثوب للمقر، أما إذا كان معروفاً فإن الدابة والثوب والدار للمقر، فقال: أعرته لفلان وقبضه فالقول قوله بالإجماع م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور م: (الإعارة والإسكان) ش: بأن قال: أعرتك داري هذه ثم رددتها علي، وأسكنتك داري ثم رددت، وقال الآخر: داري. [قال خاط فلان ثوبي هذا بنصف درهم ثم قبضته وقال فلان الثوب ثوبي] م: (ولو قال: خاط فلان ثوبي هذا بنصف درهم ثم قبضته، وقال: فلان الثوب ثوبي فهو على هذا الخلاف في الصحيح) ش: احترز به عن قول بعضهم فإنهم قالوا: القول قول المقر بالإجماع، ويكون ذلك دليلا لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولكن مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قالوا: على الاختلاف أيضاً. م: (وجه القياس: ما بيناه في الوديعة) ش: وهو قوله: " إن المقر أقر باليد لفلان ثم ادعى الاستحقاق عليه " فوجب عليه الرد كما في الوديعة. م: (وجه الاستحسان وهو الفرق: أن اليد في الإجارة والإعارة) ش: بين الإجارة والوديعة: أن اليد في الإجارة والإعارة م: (ضرورة تثبت ضرورة استيفاء المعقود عليه وهو المنافع، فيكون عدماً) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 464 فيما وراء الضرورة، فلا يكون إقرارا له باليد مطلقا بخلاف الوديعة؛ لأن اليد فيها مقصودة، والإيداع إثبات اليد قصدا فيكون الإقرار به اعترافا باليد للمودع. ووجه آخر أن في الإجارة والإعارة والإسكان أقر بيد ثابتة من جهته فيكون القول قوله في كيفيته، ولا كذلك في مسألة الوديعة؛ لأنه قال فيها: كانت وديعة وقد تكون من غير صنعه، حتى لو قال: أودعتها كان على هذا الخلاف، وليس مدار الفرق على ذكر الأخذ في طرف الوديعة وعدمه في الطرف الآخر وهو الإجارة وأختاها؛ لأنه ذكر الأخذ في وضع الطرف الآخر وهو الإجارة في كتاب الإقرار أيضا، وهذا بخلاف ما إذا قال: اقتضيت من فلان ألف درهم كانت لي عليه، أو أقرضته ألفا ثم أخذتها منه وأنكر المقر له حيث يكون القول قوله؛   [البناية] ش: أي اليد م: (فيما وراء الضرورة، فلا يكون إقرارا له مطلقاً) ش: أي قصداً من كل وجه م: (بخلاف الوديعة؛ لأن اليد فيها مقصودة، والإيداع إثبات اليد قصداً فيكون الإقرار به اعترافاً باليد للمودع) . م: (ووجه آخر) ش: أي في الفرق م: (أن في الإجارة والإعارة والإسكان أقر بيد ثابتة من جهته فيكون القول قوله في كيفيته) ش: أي في كيفية ثبوت اليد بالطريق، كان كما لو قال: هذا عبدي بعته من فلان ولم يقم العبد إليه بعد، فقال المقر: لم اشتره كان القول قول المقر. وإن زعم الآخر خلاف، م: (ولا كذلك في مسألة الوديعة؛ لأنه قال فيها كانت وديعة، وقد تكون من غير صنعه) ش: بأن هبت الريح وألقته في داره، وكاللقطة فإنها وديعة في يد الملتقط وإن لم يدفع إليه صاحبها م: (حتى لو قال: أودعتها كان على هذا الخلاف) ش: المذكور، م: (وليس مدار الفرق على ذكر الأخذ في طرف الوديعة وعدمه في الطرف الآخر وهو الإجارة وأختاها) ش: أي الإعارة والإسكان، وإنما ذكر ضمير الراجع على الإجارة على تأويل العقد احترز بهذا عن قول الإمام علي القمي فإنه ذكر في الفرق أنه في مسألة الوديعة أخذتها منه يلزم جزاء الأخذ الرد، وهنا قال فردها علي فافترقا لافتراقهما في الوضع. وقالوا في شروح " الجامع الصغير ": هذا الفرق ليس بشيء م: (لأنه) ش: أي لأن محمداً م: (ذكر الأخذ في وضع الطرف الآخر وهو الإجارة في كتاب الإقرار أيضاً) ش: فعلم أنه ليس يدري الفرق عليه؛ وأما علي القمي فهو علي بن موسى تلميذ محمد بن شجاع البلخي، وهو تلميذ الحسن بن زياد، وهو تلميذ أبي حنيفة، ونسبه إلى قم القاف وتشديد الميم وهي بلدة معروفة بالعراق. م: (وهذا) ش: أي الذي ذكر في الإجارة وأختيها م: (بخلاف ما إذا قال: اقتضيت من فلان ألف درهم كانت لي عليه، أو أقرضته ألفاً ثم أخذتها منها وأنكر المقر له، حيث يكون القول قوله) ش: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 465 لأن الديون تقضى بأمثالها، وذلك إنما يكون بقبض مضمون، فإذا أقر بالاقتضاء فقد أقر بسبب الضمان، ثم ادعى تملكه عليه بما يدعيه عليه من الدين مقاصة والآخر ينكره. أما ههنا المقبوض عين ما ادعى فيه الإجارة وما أشبهها فافترقا. ولو أقر أن فلانا زرع هذه الأرض أو بنى هذه الدار أو غرس هذه الكرم وذلك كله في يد المقر فادعاها فلان وقال المقر: لا، بل ذلك كله لي استعنت بك ففعلت أو فعلته بأجر، فالقول للمقر لأنه ما أقر له باليد، وإنما أقر بمجرد فعل منه، وقد يكون ذلك في ملك يد المقر، وصار كما إذا قال خاط   [البناية] أي كون المقر مع يمينه، م: (لأن الديون تقضي بأمثالها، وذلك) ش: أي قضاء الديون بأمثالها م: (إنما يكون بقبض المضمون) ش: ليصير ديناً على الدائن ثم يتقاصان، م: (فإذا أقر بالاقتضاء فقد أقر بسبب الضمان ثم ادعى تملكه عليه بما يدعيه عليه من الدين مقاصة) ش: أي ثم ادعى عليه ما يبرئه وهو المقاصة م: (والآخر ينكره) ش: فكان القول للمنكر. م: (أما ههنا) ش: يعني في صورة الإجارة وأختيها م: (المقبوض عين ما ادعى فيه الإجارة وما أشبهها فافترقا) ش: أي الحكمان حكم الإقرار باقتضاء الدين، وحكم الإجارة يوضحه أن الدين يقضي بالمثل، فإذا أقر باقتضاء الدين كان مقدراً بأصل مثل حقه والمثل ملك المقر في الأصل، فيكون مقراً به فيرد على المقر له. وأما في صورة الإجارة فالمقبوض غير ما ادعى فيه هذه الأشياء، فلا يكون مقراً بالملك للمقر له. [أقر أن فلانا زرع هذه الأرض] م: (ولو أقر أن فلاناً زرع هذه الأرض أو بنى هذه الدار أو غرس هذه الكرم) ش: هذه مسائل " المبسوط " ذكرها تقريباً م: (وذلك كله) ش: أي والحال أن ذلك كله م: (في يد المقر فادعاها فلان) ش: أنها له م: (وقال المقر: لا بل ذلك كله لي استعنت بك) ش: أي على الزراعة وعلى البناء وعلى الغرس م: (ففعلت) ش: أي هذه الأشياء م: (أو فعلته بأجر فالقول للمقر) ش: أي المقر يده في الحال، م: (لأنه ما أقر له) ش: أي لفلان م: (باليد، وإنما أقر بمجرد فعل منه) ش: أي من فلان، وذا لا يدل على اليد، لأن العمل قد يكون من العين والأجير، واحترز بقوله بمجرد الفعل ما لو أقر أن فلاناً ساكن في هذا البيت، وادعى فلان البيت، فإنه يقضى به للساكن على المقر؛ لأن السكنى تثبت اليد على المسكن، فقال: إقرار باليد للغير مع الفعل وإقراره حجة عليه، وما يثبت بإقراره كالعائن في حقه، كذا في " المبسوط ". م: (وقد يكون ذلك) ش: أي الفعل في الغير م: (في ملك يد المقر) ش: فإنه لا يؤمر بالرد عليه لأنه لم يقر بالقبض معه بعدما أقر بهذه الأشياء م: (وصار) ش: أي حكم هذا م: (كما إذا قال: خاط الجزء: 9 ¦ الصفحة: 466 لي الخياط قميصي هذا بنصف درهم، ولم يقل قبضته منه لم يكن إقراراً باليد، ويكون القول للمقر؛ لأنه أقر بفعل منه وقد يخيط ثوباً في يد المقر كذا هذا.   [البناية] لي الخياط قميصي هذا بنصف، درهم ولم يقل: قبضته منه لم يكن إقراراً باليد، ويكون القول للمقر؛ لأنه بفعل منه) ش: وذا لا يدل على اليد م: (وقد يخيط) ش: الخياط م: (ثوباً في يد المقر) ش: بأن خاطه في بيت المقر فلا يثبت يد الخياط عليه م: (كذا هذا) ش: أي وكذا حكم المسألة المذكورة في عدم لزوم الرد على المقر، والله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 467 باب إقرار المريض قال: وإذا أقر الرجل في مرض موته بديون وعليه ديون في صحته وديون لزمته في مرضه بأسباب معلومة فدين الصحة والديون المعروفة الأسباب مقدم، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دين المرض ودين الصحة يستويان لاستواء سببهما، وهو الإقرار الصادر عن عقل ودين، ومحل الوجوب الذمة القابلة للحقوق فصار كإنشاء التصرف مبايعة ومناكحة. ولنا: أن الإقرار لا يعتبر دليلا إذا كان فيه إبطال حق الغير، وفي إقرار المريض ذلك لأن حق غرماء الصحة تعلق بهذا المال استيفاء ولهذا منع من التبرع والمحاباة إلا بقدر الثلث.   [البناية] [باب إقرار المريض] [حكم إقرار المريض] م: (باب إقرار المريض) ش: أي هذا باب في بيان حكم إقرار المريض، وإنما أفرده بباب على حدة لاختصاصه بأحكام ليست للصحيح، وأخره لأن المرض بعد الصحة. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا أقر الرجل في مرض موته بديون وعليه ديون في صحته وديون لزمته في مرضه بأسباب معلومة) ش: مثل بدل مال ملكه أو استهلكه أو مهر مثل امرأة تزوجها وعلم معاينة، وأقر أيضاً بديون غيره معلومة الأسباب م: (فدين الصحة والديون المعروفة الأسباب مقدم) ش: على ما أقر به في مرضه. وقال القاضي الحنبلي: قياس من مذهب أحمد أن دين الصحة أولى إذا ضاق مال عنها وهو قولنا، وبه قال النخعي والثوري. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - دين المرض ودين الصحة يستويان لاستواء سببهما، وهو الإقرار الصادر عن عقل ودين ومحل الوجوب الذمة القابلة للحقوق) ش: وهي في الحالين م: (فصار كإنشاء التصرف مبايعة ومناكحة) أي صار إقراره في المرض كتصرفه بالبيع والنكاح فيستوي الحالان، وبه قال مالك: - رَحِمَهُ اللَّهُ - والمزني والتهمي -من أصحاب أحمد - وأبو ثور وأبو عبيدة. وذكر أبو عبيدة أنه مذهب أهل المدينة. م: (ولنا: أن الإقرار لا يعتبر دليلاً إذا كان فيه) ش: أي في الإقرار م: (إبطال حق الغير) ش: كما رهن أو أجر ثم أقر أنه بغيره لا ينفذ إقراره في حق المرتهن والمستأجر لتعلق حقهما به م: (وفي إقرار المريض ذلك) ش: أي إبطال حق الغير م: (لأن حق غرماء الصحة تعلق بهذا المال استيفاء) ش: أي من حيث الاستيفاء م: (ولهذا منع) ش: أي المريض م: (من التبرع والمحاباة إلا بقدر الثلث) ش: إذا أحاطت الديون بماله، وبالزيادة على الثلث إذا لم يكن عليه دين. وفي هذا التوضيح جواب عما ادعى الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من الاستواء بين حالة الصحة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 468 بخلاف النكاح لأنه من الحوائج الأصلية وهو بمهر المثل. وبخلاف المبايعة بمثل القيمة لأن حق الغرماء تعلق بالمالية لا بالصورة. وفي حال الصحة لم يتعلق حقهم بالمال لقدرته على الاكتساب فيتحقق التثمير، وهذه حالة العجز، وحالتا المرض   [البناية] وحالة المرض، فإنه لو كانتا متساويتين لما منع من التبرع والمحاباة في حالة المرض كما في حالة الصحة. فإن قيل: الإقرار بالوارث في المرض صحيح وقد يضمن إبطال حق بقية الورثة؟. أجيب: بأن استحقاق الوارث المال والمورث جميعاً، فالاستحقاق يضاف إلى أحدهما وجوباً وهو الموت، بخلاف الدين فإنه يجب بالإقرار لا بالموت. م: (بخلاف النكاح) ش: جواب عما استشهد به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من إنشاء النكاح؛ وتقريره: أن يقال: لا يلزمنا إنشاء النكاح، م: (لأنه من الحوائج الأصلية) ش: والمرء غير ممنوع منها، لأن بقاء النفس بالتناسل ولا طريق إليه إلا بالنكاح م: (وهو) ش: أي النكاح م: (بمهر المثل) ش: هو من الحوائج الأصلية، وهذه جملة حالية، تقريره: أن النكاح من الحوائج الأصلية حال كونه بمهر المثل والزيادة عليه باطلة، والنكاح جائز. فإن قيل: لو تزوج شيخ فان رأسه جاز، وليس بمحتاج إليها فلم يكن من الحوائج الأصلية؟. أجيب: بأن النكاح في أصل الوضع من مصالح الميت، والعبرة لأصل الوضع لا للحال، فإن الحال مما لا يوقف عليها. م: (وبخلاف المبايعة بمثل القيمة) ش: يعني المبايعة بمثل القيمة لا تبطل حق الغرماء، م: (لأن حق الغرماء تعلق بالمالية لا بالصورة) . ش: والمالية باقية م: (وفي حال الصحة لم يتعلق حقهم بالمال) ش: هذا جواب عما يقال: لو تعلق حق الغرماء بمال المديون بطل إقراره بالدين بالصحة، لأن الإقرار المتضمن لإبطال حق الغير غير معتبر؛ أجاب بقوله: وفي حال الصحة لم يتعلق الدين بالمال م: (لقدرته على الاكتساب فيتحقق التثمير) ش: أي تثمير المال وهو تثمير، ومنه قولهم ثمرة ماله، أي كثرة فإذا تحقق التثمير لم يحتج إلى تعليق حق الغرماء بماله، م: (وهذه) ش: أي حالة المرض م: (حالة العجز) ش: أي على الاكتساب فتعلق حقهم به حذراً عن الهوى، وكذا في المرض جواب عما يقال: سعى إذا أقر في حالة المرض سائبا لا يصح لتعلق حق المقر الأول بماله، كما لا يصح إقراره في المرض في حق غرماء الصحة لتعلق حقهم بماله. فأجاب عنه بقوله: م: (وحالتا المرض) ش: أي حالة أول المرض وحالة آخر المرض بعد أن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 469 حالة واحدة لأنه حالة الحجر بخلاف حالتي الصحة والمرض، لأن المولى حالة إطلاق وهذه حالة عجز فافترقا، وإنما تقدم الديون المعروفة الأسباب لأنه لا تهمة في ثبوتها إذ المعاين لا مرد له، وذلك مثل بدل مال ملكه لو استهلكه وعلم وجوبه بغير إقراره أو تزوج امرأة بمهر مثلها، وهذا الدين مثل دين الصحة لا يقدم أحدهما على الآخر لما بينا ولو أقر بعين في يده لآخر لم يصح في حق غرماء الصحة لتعلق حقهم به، ولا يجوز للمريض أن يقضي دين بعض الغرماء دون البعض؛ لأن في إيثار بعض إبطال حق الباقين، وغرماء الصحة والمرض في ذلك سواء   [البناية] يتصل بهما الموت م: (حالة واحدة) ش: في حق الحجر، فكانا بمنزلة إقرار واحد لما أن حالة الصحة حالة واحدة فيعتبر الإقراران جميعاً، م: (لأنه) ش: أي لأن المرض م: (حالة الحجر) ش: عن التصرف فيما لا يجوز. م: (بخلاف حالتي الصحة والمرض؛ لأن الأولى) ش: أي حالة الصحة م: (حالة إطلاق) ش: للتصرف م: (وهذه) ش: أي حالة المرض م: (حالة عجز فافترقا) ش:، ولو قال: حالة العجز لكان أولى لكونه أشد مناسبة بالإطلاق، أي المذكورين من الحكمين دين الصحة ودين المرض، وبقي الكلام في تقديم الديون المعروفة الأسباب فقال: م: (وإنما تقدم الديون المعروفة الأسباب لأنه لا تهمة في ثبوتها إذ المعاين لا مرد له) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المعاين لا يرد» م: (وذلك) ش: إشارة إلى مثال الديون المعروفة الأسباب. فقال: م: (مثل بدل مال ملكه) ش: كالثمن في البيع والقرض م: (لو استهلكه) ش: أي مثل بدل مال استهلكه م: (علم وجوبه) ش: أي وجوب بدل المال المذكور م: (بغير إقراره) ش: إما بالبينة أو بعلم القاضي، م: (أو تزوج امرأة بمهر مثلها) ش: فإنه أيضاً من المعروفة الأسباب، م: (وهذا الدين) ش: يعني الدين وقع في مرضه على الوجه المذكور م: (مثل دين الصحة لا يقدم أحدهما على الآخر لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: إذ المعائن لا مرد له كذا قاله الأترازي، وقال: لما بينا إشارة إلى قوله: إنه من الحوائج الأصلية. [أقر المريض بعين في يده لآخر] م: (ولو أقر بعين في يده لآخر) ش: يعني إذا أقر بعين سواء كانت أمانة أو مضمونة م: (لم يصح) ش: أي إقراره م: (في حق غرماء الصحة، لتعلق حقهم به) ش: وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك وأحمد - رحمهما الله - في رواية يصح لما في الدين، وكذا يجوز عندهم أن تقضي دين بعض الغرماء به ما دون البعض بناء على أصلهم أن بسبب المرض لا يلحقه الحجر، فكان في رقبته من الدين، وقضاءه بالمرض والصحة سواء. م: (ولا يجوز للمريض أن يقضي دين بعض الغرماء دون البعض، لأن في إيثار البعض إبطال حق الباقين، وغرماء الصحة والمرض في ذلك سواء) ش: إذا كانت معروفة الأسباب سواء لأن حق الكل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 470 إلا إذا قضى ما استقرض في مرضه أو نقد ثمن ما اشترى في مرضه وقد علم بالبينة. وقال وإذا قضيت يعني الديون المقدمة وفضل شيء يصرف إلى ما أقر به في حالة المرض، لأن الإقرار في ذاته صحيح، وإنما رد في حق غرماء الصحة، فإذا لم يبق حقهم ظهرت صحته. قال: فإذا لم يكن عليه ديون في صحته جاز إقراره، لأنه لم يتضمن إبطال حق الغير وكان المقر له أولى من الورثة لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا أقر المريض بدين جاز ذلك عليه في جميع تركته ولأن قضاء الدين من الحوائج الأصلية وحق الورثة يتعلق بالتركة بشرط الفراغ، ولهذا تقدم حاجته في التكفين.   [البناية] يتعلق بالمال م: (إلا إذا قضى ما استقرض) ش: استثناء من قوله ولا يجوز للمريض، ومعناه: إذا قضى ما استقرض م: (في مرضه) ش: أي حال كونه في مرضه م: (أو نقد ثمن ما اشترى في مرضه وقد علم) ش: أي والحال أنه قد علم وجوبه م: (بالبينة) ش: أو بالمعاينة جاز ذلك وسلم المقبوض للقابض لا يشاركه غيره، لأنه لو لم يبطل حق الغرماء وإنما حوله من محل إلى محل يعد له. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا قضيت) ش: على صيغة المجهول م: (يعني الديون المقدمة) ش: وهي ديون الصحة والديون اللازمة بأسباب معلومة م: (وفضل شيء يصرف إلى ما أقر به في حالة المرض؛ لأن الإقرار في ذاته صحيح، وإنما رد في حق غرماء الصحة) ش: لئلا تضيع حقوقهم م: (فإذا لم يبق حقهم) ش: أي حق غرماء الصحة م: (ظهرت صحته) ش: أي صحة إقراره في مرضه، لأنه حينئذ كأنه لم يبق دين الصحة. [أقر الرجل في مرضه بدين] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإذا لم يكن عليه ديون في صحته جاز إقراره) ش: لعدم المانع م: (لأنه لم يتضمن) ش: أي لأن إقراره هذا لم يتضمن م: (إبطال حق الغير، وكان المقر له أولى من الورثة لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا أقر المريض بدين جاز ذلك عليه في جميع تركته) ش: هذا غريب لم يتصل ثبوته، وأيضاً نسبته إلى عمر غير صحيح، وإنما هو عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنه روى في " مبسوط خواهر زاده " وغيره عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وكذلك روى في " الأصل " جده محمد بن الحسن فيه عن يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد بن عبيد الله العرزمي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: إذا أقر الرجل في مرضه بدين لرجل غير وارث فإنه جائز، وإن أحاط ذلك بماله وزاد على ذلك الأترازي: وأما الكمال وشيخه الكاكي فقد مشيا على ما هو المذكور في " الهداية " ولم ينبه أحد منهما على ما قلنا، م: (ولأن قضاء الدين من الحوائج الأصلية وحق الورثة يتعلق بالتركة بشرط الفراغ) ش: الحاجة م: (ولهذا تقدم حاجته في التكفين) ش: والتجهيز على الإرث. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 471 قال: ولو أقر المريض لوارثه لا يصح إلا أن يصدق فيه بقية الورثة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أحد قوليه يصح؛ لأنه إظهار حق ثابت لترجح جانب الصدق فيه، وصار كالإقرار لأجنبي وبوارث آخر وبوديعة مستهلكة للوارث. ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا وصية لوارث ولا إقرار له بالدين» .   [البناية] [أقرالمريض لوارثه] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولو أقر المريض لوارثه) ش: بدين أو غيره م: (لا يصح، إلا أن يصدق فيه) ش: أي في إقراره ببينة الورثة م: (بقية الورثة) ش: وبه قال أحمد، وهو قول شريح وإبراهيم النخعي ويحيى الأنصاري والقاسم بن سالم وأبو هاشم والشافعي في قول. م: (وقال الشافعي في أحد قوليه يصح) ش: وهو الأصح، وبه قال أبو ثور - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قول عطاء والحسن البصري - رحمهما الله -. وقال مالك: يصح إذا لم يتهم، ويبطل إزاءهم كمن لم يثبت وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وابن عمر فأقر لا بينة لم يقبل؛ ولو أقر لابن عمه قبل، واختاره الروياني من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لفساد الزمان. وقال مالك: لو أقر لأجنبي لا يصح في رواية إذا كان متهماً بأن الأجنبي صديقاً له ملاطفاً، والمقر يورث كلالة، م: (لأنه) ش: أي لأن الإقرار م: (إظهار حق ثابت) ش: يعني إخبار عن حق لازم عليه م: (لترجح جانب الصدق فيه) ش: أي في هذا الإقرار، لأن حال المريض أدل على الصدق لأنه حال تدارك الحقوق، فكان كحال الصحة، بل أدل فلا أثبت الحجر عن الإقرار به م: (وصار) ش: أي حكم هذا م: (كالإقرار لأجنبي وبوارث آخر) ش: نحو أن يقر المجهول النسب أنه يصح وأن يضمن وصول شيء من التركة إليه م: (وبوديعة مستهلكة للوارث) ش: أي وكالإقرار باستهلاك وديعة معروفة للوارث فإنه صحيح. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا وصية لوارث ولا إقرار له بالدين» ش: هذا الحديث رواه الدارقطني في " سننه " عن نوح بن دراج عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عن أبيه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا وصية ... إلى آخره. وهو مرسل. ونوح بن دراج ضعيف، نقل عن أبي داود أنه قال: أبان يضع الحديث. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولنا حديث الدارقطني وساقه إلى آخره ولم يقف على حاله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 472 ولأنه تعلق حق الورثة بماله في مرضه، ولهذا يمنع من التبرع على الوارث أصلا، ففي تخصيص البعض به إبطال حق الباقين، ولأن حالة المرض حالة الاستغناء، والقرابة سبب التعلق إلا أن هذا التعلق لم يظهر في حق الأجنبي لحاجته إلى المعاملة في الصحة؛ لأنه لو انحجر عن الإقرار بالمرض يمتنع الناس عن المعاملة معه، وقلما تقع المعاملة مع الوارث ولم يظهر في حق الإقرار بوارث آخر لحاجته أيضا، ثم هذا التعليق حق بقية الورثة، فإذا صدقوه فقد أبطلوه فيصح إقراره. قال: فإن أقر لأجنبي جاز وإن أحاط بماله لما بينا. والقياس: أن لا يجوز إلا في الثلث، لأن الشرع قصر تصرفه عليه إلا أنا نقول لما صح إقراره في الثلث كان له التصرف في ثلث الباقي،   [البناية] وكذا قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ... الحديث، ثم قال: وهو نص في الباب، لكن شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: هذه الزيادة غير مشهورة، يعني قوله: والإقرار له بدين، والمشهور قول ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وقد مر عن قريب، م: (ولأنه تعلق حق الورثة بماله في مرضه، ولهذا) ش: أي ولأجل تعلق حق الورثة بماله في مرضه م: (يمنع من التبرع على الوارث أصلا) ش: مثل الوصية والهبة م: (ففي تخصيص البعض به) ش: أي التبرع م: (إبطال حق الباقين، ولأن حالة المرض حالة الاستغناء) ش: أي عن المال لظهور آثار الموت فيه، م: (والقرابة سبب التعلق) ش: أي سبب تعلق حقهم بماله. م: (إلا أن هذا التعلق لم يظهر في حق الأجنبي لحاجته إلى المعاملة في الصحة) ش: أي في حالة الصحة م: (لأنه لو انحجر عن الإقرار بالمرض يمتنع الناس عن المعاملة معه) ش: أي مع المريض، م: (وقلما تقع المعاملة مع الوارث) ش: هذا جواب عما يقال: الحاجة موجودة في حق الوارث أيضاً لأن الناس كما يعاملون مع الأجنبي يعاملون مع الوارث، فأجاب عنه بقوله وقل ما يقع المعاملة مع الوارث. اعلم أن قل فعل دخلت عليه كلمة ما ومعناه إخبار عن وقوع هذا الفعل بقلة، ووجه ذلك كان البيع للاسترباح، والاسترباح مع الوارث لأنه يستحي من المماكسة معه فلا يحصل الربح م: (ولم يظهر) ش: أي هذا التعليق. م: (في حق الإقرار بوارث آخر لحاجته أيضاً) ش: أي بقاء نسله والإقرار بالنسب بفعل، لأنه من الحوائج الأصلية، ولأن فيه حمل النسب على نفسه وصح، وإذ ثبت النسب ثبت الميراث ضرورة. م: (ثم هذا التعليق حق بقية الورثة، فإذا صدقوه فقد أبطلوه فيصح إقراره) ش: وهذا ظاهر م: (فإن أقر الأجنبي جاز وإن أحاط) ش: أي إقراره م: (بماله لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأنه لو أنحجر عن الإقرار بالمرض يمتنع الناس عن المعاملة معه م: (والقياس: أن لا يجوز إلا في الثل؛ لأن الشرع قصر تصرفه عليه إلا أنا نقول: لما صح إقراره في الثلث كان له التصرف في ثلث الباقي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 473 لأنه الثلث بعد الدين ثم، وثم حتى يأتي على الكل. قال: ومن أقر لأجنبي ثم قال: هو ابني ثبت نسبه منه وبطل إقراره له، فإن أقر لأجنبية ثم تزوجها لم يبطل إقراره لها. وجه الفرق أن دعوى النسب تسند إلى وقت العلوق، فتبين أنه أقر لابنه فلا يصح، ولا كذلك الزوجية، لأنها تقتصر على زمان التزوج فبقي إقراره لأجنبية. قال ومن طلق زوجته في مرضه ثلاثا ثم أقر لها بدين ومات فلها الأقل من الدين ومن ميراثها منه لأنهما متهمان فيه لقيام العدة، وباب الإقرار مسدود للورثة، فلعله أقدم على هذا الطلاق ليصح إقراره لها زيادة على ميراثها ولا تهمة في أقل الأمرين فيثبت   [البناية] لأنه الثلث بعد الدين) ش: محل التصرف فينفذ الإقرار في الثلث الثاني م: (ثم وثم حتى يأتي على الكل) ش: هكذا ذكر في " الإيضاح " أيضاً. [أقر لأجنبي ثم قال هو ابني] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن أقر لأجنبي ثم قال: هو ابني ثبت نسبه منه وبطل إقراره له، فإن أقر لأجنبية ثم تزوجها) ش: وبه قال أحمد والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول لا يصح إقراره للوارث، وبه قال أحمد في الأصح والشافعي في القديم ومالك، واختاره الروياني وأبو إسحاق من أصحابه. وقال في الجديد وهو الأظهر في مذهبه وأحمد في رواية، م: (لم يبطل إقراره لها وجه الفرق) ش: أي بين المسألتين م: (أن دعوى النسب تستند إلى وقت العلوق، فتبين أنه أقر لابنه فلا يصح) ش: معناه أن النسب إذا ثبت يثبت مستنداً إلى وقت العلوق، فيتبين بثبوت النسب أن إقرار المريض وقع لوارثه وذلك باطل م: (ولا كذلك الزوجية، لأنها) ش: أي لأن الزوجية م: (تقتصر على زمان التزوج) ش: قضاه إذا ثبتت الزوجية تثبت مقتصرة على زمان العقد، م: (فبقي إقراره لأجنبية) ش: فلا يبطل وفي قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يبطل الإقرار لها بالدين، بخلاف الزوجية م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن طلق امرأته) ش: وفي نسخة: زوجته م: (في مرضه ثلاثاً ثم أقر لها بدين ومات فلها الأقل من الدين ومن ميراثها) ش: أي من الزوج م: (منه لأنهما متهمان فيه لقيام العدة وباب الإقرار مسدود للوارث، فلعله أقدم على هذا الطلاق ليصح) ش: لأن هذا إذا كانت مؤقتة قبل انقضاء العدة، فإن مات مثلاً جاز م: (إقراره لها زيادة على ميراثها ولا تهمة في أقل الأمرين فيثبت) ش: أي أقل الأمرين. وقال الأسبيجابي في " شرح الكافي ": ولو أقر لامرأته بدين من مهرها صدق فيما بينه وبين مهر مثلها ويحاص غرماء الصحة. ولو أقرت في مرضها بقبض المهر من زوجها لم تصدق. وفي " الفتاوى الصغرى ": المريضة إذا أقرت باستيفاء مهر فإن ماتت وهي منكوحة أو معتدة لا يصح إقرارها وإن ماتت غير منكوحة ولا معتدة بأن طلقها قبل الدخول يصح، والله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 474 فصل قال: ومن أقر بغلام يولد مثله لمثله وليس له نسب معروف أنه ابنه وصدقه الغلام ثبت نسبه منه وإن كان مريضا، لأن النسب مما يلزمه خاصة فيصح إقراره به، وشرط أن يولد مثله لمثله كيلا يكون مكذبا في الظاهر، وشرط أن لا يكون له نسب معروف؛ لأنه يمنع ثبوته من غيره، وإنما شرط تصديقه لأنه في يد نفسه، إذ المسألة ووضعها في غلام يعبر عن نفسه، بخلاف الصغير على ما مر من قبل ولا يمتنع بالمرض لأن النسب من الحوائج الأصلية ويشارك الورثة في الميراث لأنه لما ثبت نسبه منه صار كالوارث المعروف فيشارك ورثته.   [البناية] [أقر بغلام يولد مثله لمثله وليس له نسب معروف أنه ابنه] فصل أي هذا فصل في بيان الإقرار بالنسب ولعلته بالنسبة إلى الإقرار بالمال أخر ذكره. م: (قال: ومن أقر بغلام يولد مثله لمثله وليس له نسب معروف أنه ابنه) ش: أي مثل هذا الغلام فولد لمثل هذا الرجل لئلا يكون مكذباً في الظاهر، م: (وصدقه الغلام ثبت نسبه منه) ش: أي فيما إذا كان الغلام يعبر عن نفسه، أما إذا كان لا يعبر عن نفسه يثبت نسبه منه بدون تصديقه. وهذان شرطان شرطهما القدوري لأن المسألة من مسائله في " مختصره "، وسيذكره المصنف، م: (وإن كان مريضاً) ش: واصل بما قبله أي وإن كان المقر مريضاً م: (لأن النسب مما يلزمه خاصة) ش: لأنه حمل النسب على نفسه لا على غيره م: (فيصح إقراره به) ش: لأن النسب عما يحتاط فيه، م: (وشرط) ش: أي القدوري: م: (أن يولد مثله لمثله كيلا يكون مكذباً في الظاهر) ش: وعند الشافعي وأحمد: لا يشترط تصديقه وتكذيبه إذا لم يكن مكلفاً كالصغير والمجنون عبر عن نفسه أولاً. وفي " الكبير ": يشترط تصديقه. وقال مالك: لا يشترط تصديقه إذا لم يكذبه الحس أو الشرع سواء كان كبيراً أو صغيراً، وإن كذبه الحس بأن يكون لا يولد مثله لئلا يثبت نسبه بلا خلاف. وقال مالك أيضاً: لو كذبه العرف بأن يتيقن الناس بأنه ليس بولده كما إذا كان الغلام سندياً والرجل فارسياً لا يثبت نسبه، ولا يكون الغلام حراً ذكره في " الجواهر ". م: (وشرط) ش: أي القدوري أيضاً: م: (أن لا يكون نسب معروف لأنه يمنع ثبوته من غيره، وإنما شرط) ش: أي القدوري م: (تصديقه) ش: أي تصديق الغلام م: (لأنه في يد نفسه إذ المسألة ووضعها في غلام يعبر عن نفسه، بخلاف الصغير على ما مر من قبل) ش: أي في باب دعوى النسب من كتاب الدعوى في قوله: وإن كان الدعوى الصبي في يديهما م: (ولا يمتنع بالمرض) ش: أي لا يمتنع الإقرار بالنسب بسبب المرض م: (لأن النسب من الحوائج الأصلية ويشارك الورثة في الميراث، لأنه لما ثبت نسبه منه صار كالوارث المعروف فيشارك ورثته) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 475 قال: ويجوز إقرار الرجل بالوالدين والولد والزوجة والمولى، لأنه أقر بما يلزمه وليس فيه تحميل النسب على الغير ويقبل إقرار المرأة بالوالدين والزوج والمولى لما بينا ولا يقبل بالولد لأن فيه تحميل النسب على الغير، وهو الزوج لأن النسب منه إلا أن يصدقها الزوج لأن الحق له أو تشهد بولادته قابلة، لأن قول القابلة في هذا مقبول وقد مر في الطلاق. وقد ذكرنا في إقرار المرأة تفصيلا في كتاب الدعوى ولا بد من تصديق هؤلاء، ويصح التصديق في النسب بعد موت المقر لأن النسب يبقى بعد الموت، وكذا يصح تصديق الزوجة لأن حكم النكاح باق، وكذا يصح تصديق الزوج بعد موتها؛ لأن الإرث من أحكامه وهذا.   [البناية] [إقرار الرجل بالوالدين والولد والزوجة والمولى] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجوز إقرار الرجل بالوالدين والولد والزوجة والمولى، لأنه أقر بما يلزمه وليس فيه تحميل النسب على الغير) ش: كل ذلك يجوز بالشرائط المذكورة، ويشترط أن يصدقه الأب والأم إذا كانا عاقلين، وفي هذا إجماع لا خلاف فيه، وإنما أطلق المولى ليشتمل الأعلى والأسفل جميعا م: (ويقبل إقرار المرأة بالوالدين والزوج والمولى لما بينا) ش: وهو: أن موجب الإقرار يثبت لهما بينهما بتصادقهما، وليس فيه حمل الغيب على الغير، ويشترط أن تكون المرأة خالية عن الزوج وعدته، ولا يكون تحت المقر له بالزوجية أختاً وأربع سواها، م: (ولا يقبل بالولد) ش: أي ولا يقبل إقرار المرأة بالولد م: (لأن فيه تحميل النسب على الغير، وهو الزوج؛ لأن النسب منه) ش: أي من الزوج م: (إلا أن يصدقها الزوج، لأن الحق له أو تشهد بولادته قابلة، لأن قول القابلة في هذا مقبول، وقد مر في الطلاق) ش: أي في باب ثبوت النسب عند قوله فإن حجة الولادة بشهادة امرأة واحدة تشهد بولادة حتى لو نفاه الزوج الملاعن م: (وقد ذكرنا في إقرار المرأة تفصيلا في كتاب الدعوى) ش: فهو عند قوله: وإذا ادعت امرأة صبياً أنه ابنها، لم تجز دعواها حتى تشهد امرأة على الولادة. م: (ولا بد من تصديق هؤلاء) ش: بلا خلاف لأنه في أيدي أنفسهم، فيتوقف نفاذ الإقرار على تصديقهم، م: (ويصح التصديق في النسب بعد موت المقر، لأن النسب يبقى بعد الموت) ش: ذكر هذا تفريعاً على مسألة القدوري، معناه: أن المقر بالنسب إذا كان يعبر عن نفسه فلا بد من تصديقه لأنه في يد نفسه، فإذا صدق في حال حياة المقر صح، فكذا إذا صدق بعد موته لبقاء النسب بعد الممات. م: (وكذا يصح تصديق الزوجة) ش: أي زوجها في إقراره بالنكاح بعد موته م: (لأن حكم النكاح باق) ش: أي بعد الموت وهو العدة، وهذا بالاتفاق م: (وكذا يصح تصديق الزوج بعد موتها) ش: أي وكذا يصح تصديق زوج المرأة بعد موتها إذا أقرت بالنكاح، وهذا عند أبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى يجب عليه مهرها وله الميراث منها م: (لأن الإرث من أحكامه) ش: أي من أحكام النكاح وهو مما يبقى بعد النكاح كالعدة م: (وهذا) ش: أي تصديق الزوج بعد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 476 وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يصح لأن النكاح انقطع بالموت، ولهذا لا يحل له غسلها عندنا، ولا يصح التصديق على اعتبار الإرث لأنه معدوم حالة الإقرار، وإنما يثبت بعد الموت والتصديق يستند إلى أول الإقرار. قال: ومن أقر بنسب من غير الوالدين والولد نحو الأخ والعم لا يقبل إقراره في النسب، لأن فيه حمل النسب على الغير، فإن كان له وارث معروف قريب أو بعيد فهو أولى بالميراث من المقر له، لأنه لما لم يثبت نسبه منه لا يزاحم الوارث المعروف، وإن لم يكن له وارث استحق المقر له ميراثه، لأن له ولاية التصرف في مال نفسه عند عدم الوارث ألا ترى أن له أن يوصي بجميعه عند عدم   [البناية] موتها م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يصح؛ لأن النكاح انقطع بالموت، ولهذا لا يحل له غسلها عندنا) ش: حتى لا يجوز له أن يتزوج أختها وأربعاً سواها م: (ولا يصح التصديق على اعتبار الإرث) ش: هذا جواب عما يقال على وجه الإيراد على قول أبي حنيفة وهو أن يقال: سلمنا أن تصديق الزوج في إقرار الزوجة بعد موتها لا يصح نظراً إلى انقطاع حكم التزوج بدليل أن الزوج لا يحل له أن يغسل زوجته بعد موتها باتفاق أصحابنا خلافاً للشافعي، ولكن لا يجوز تصديق الزوج إياها بعد موتها على اعتبار الإرث، لأن التصديق إذا ثبت يستند إلى أول الإقرار، وفي تلك الحالة لا يوجد الإرث لأنه لا يتحقق إلا بعد الموت، وهو معنى قوله: م: (لأنه) ش: أي لأن الإرث م: (معدوم حالة الإقرار، وإنما يثبت) ش: أي الإرث م: (بعد الموت والتصديق يستند إلى أول الإقرار) ش: وفي هذه الحالة لم يوجد الإرث كما ذكرنا. [أقر بنسب من غير الوالدين والولد نحو الأخ والعم] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن أقر بنسب من غير الوالدين والولد نحو الأخ والعم لا يقبل إقراره في النسب) ش: وإن صدق المقر له بالنسب لا بد له من البينة، كذا في " التحفة " م: (لأن فيه) ش: أي لأن في هذا الإقرار م: (حمل النسب على الغير) ش: لأن في إقراره بالأخ يكون حمل النسب على الأب، وفي إقراره بالعم يكون حمل النسب على الجد م: (فإن كان له) ش: أي لهذا المقر بالأخ أو بالعم م: (وارث معروف قريب) ش: كصاحب الفرض أو العصبة م: (أو بعيد) ش: كذي رحم م: (فهو بالميراث) ش: أي بميراث هذا المقر إذا مات كان أولى م: (من المقر له) ش: بالأخ أو بالعم. م: (لأنه لما لم يثبت نسبه) ش: أي نسب المقر له م: (منه لا يزاحم الوارث المعروف، وإن لم يكن له وارث استحق المقر له) ش: وهو الأخ أو العم م: (ميراثه؛ لأن له ولاية التصرف في مال نفسه عند عدم الوارث) ش: فيتصرف بما شاء ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أن له أن يوصي بجميعه) ش: أي بجميع ماله، فإذا كان كذلك عند عدم الوارث فيستحق المقر له المذكور م: (عند عدم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 477 الوارث فيستحق جميع المال وإن لم يثبت نسبه منه لما فيه من حمل النسب على الغير، وليست هذه وصية حقيقية حتى إن من أقر بأخ ثم أوصى لآخر بجميع ماله كان للموصى له ثلث جميع المال خاصة ولو كان الأول وصية لاشتركا نصفين لكنه بمنزلته حتى لو أقر في مرضه بأخ وصدقه المقر له ثم أنكر المقر وراثته ثم أوصى بماله كله لإنسان كان المال للموصى له، ولو لم يوص لأحد كان لبيت المال؛ لأن رجوعه صحيح، لأن النسب لم يثبت فبطل الإقرار. قال: ومن مات أبوه فأقر بأخ لم يثبت نسب أخيه لما بينا ويشاركه في الميراث، لأن إقراره تضمن شيئين حمل النسب على الغير، ولا ولاية له عليه والاشتراك في المال وله فيه ولاية فيثبت كالمشتري إذا أقر على البائع بالعتق لم يقبل إقراره عليه حتى لا يرجع عليه بالثمن ولكنه يقبل في   [البناية] الوارث فيستحق جميع المال وإن لم يثبت نسبه منه لما فيه من حمل النسب على الغير، وليست هذه وصية حقيقية) ش: بيان هذا أن المقر له المذكور إذا لم يكن وارثاً كان له أن يتصرف في ماله بما شاء حتى يجوز له أن يوصي بجميع ماله، فإذا أقر بما لا يثبت نسبه صار كأنه أقر من حبه تصرف ماله فكأنه أوصى له به، وليس هذا بوصية في الحقيقة أوضح ذلك بقوله: م: (حتى إن من أقر بأخ ثم أوصى لآخر بجميع ماله كان للموصى له ثلث جميع المال خاصة. ولو كان الأول) ش: أي الإقرار بالأخ م: (وصية لاشتركا) ش: أي الأخ والموصى له بجميع ماله م: (نصفين لكنه) ش: استدراك من قوله: وليست هذه وصية حقيقة، أي لكن الإقرار بنسب الأخ أو العم م: (بمنزلته) ش: أي بمنزلة الوصية بدليل صحة الرجوع، ولو لم يكن بمنزلة الوصية لما صح الرجوع ثم أوضح ذلك أيضاً بقوله: م: (حتى لو أقر في مرضه بأخ وصدقه المقر له ثم أنكر المقر وراثته، ثم أوصى بماله كله لإنسان كان المال للموصى له) ش: بالجميع م: (ولو لم يوص لأحد كان لبيت المال؛ لأن رجوعه صحيح لأن النسب لم يثبت فبطل الإقرار) ش: وينبغي أن يعرف أن الرجوع عن الإقرار بالنسب إنما يصح إذا كان الرجوع قبل ثبوت كما نحن فيه، فإذا ثبت النسب لا يصح الرجوع بعد ذلك لأن النسب لا يحتمل النقض بعد ثبوته. [مات أبوه فأقر بأخ] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (من مات أبوه فأقر بأخ لم يثبت أخيه لما بينا) ش: وهو أن فيه حمل النسب على الغير م: (ويشاركه في الميراث) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - وأكثر أهل العلم، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يشارك في الإرث لعدم ثبوت النسب، وحكي ذلك عن ابن سيرين، م: (لأن إقراره تضمن شيئين حمل النسب على الغير ولا ولاية له عليه، والاشتراك في المال وله فيه ولاية فيثبت كالمشتري إذا أقر على البائع بالعتق) ش: يقبل إقراره بالعتق ولا يقبل إقراره، أي في عدم الرجوع بالثمن، لكن لا يعتبر في حق الرجوع بالثمن على البائع وهو معنى قول: م: (لم يقبل إقراره عليه، حتى لا يرجع عليه بالثمن، ولكنه يقبل في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 478 حق العتق قال من مات وترك ابنين وله على آخر مائة درهم فأقر أحدهما أن أباه قبض منها خمسين لا شيء للمقر وللآخر خمسون، لأن هذا إقرار بالدين على الميت؛ لأن الاستيفاء إنما يكون بقبض مضمون، فإذا كذبه أخوه استغرق الدين نصيبه كما هو المذهب عندنا. غاية الأمر أنهما تصادقا على كون المقبوض مشتركا بينهما، لكن المقر لو رجع على القابض بشيء لرجع القابض على الغريم ورجع الغريم على المقر فيؤدي إلى الدور.   [البناية] حق العتق) ش: حتى يعتق عليه. [مات وترك ابنين وله على آخر مائة درهم فأقر أحدهما أن أباه قبض منها خمسين] م: (وقال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن مات وترك ابنين وله على آخر مائة درهم فأقر أحدهما أن أباه قبض منها خمسين لا شيء للمقر وللآخر خمسون؛ لأن هذا إقرار بالدين على الميت؛ لأن الاستيفاء إنما يكون بقبض مضمون) ش: لأن الديون تقضى بأمثالها م: (فإذا كذبه أخوه استغرق الدين نصيبه كما هو المذهب عندنا) . ش: قال الأترازي: احترز عن قول ابن أبي ليلى، فإن عند هلاك الدين تسبب الإقرار ليستتبع في النصين. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله كما هو المذهب عندنا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يلزمه نصف الدين، وهو قياس مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبه قال النخعي والحسن والحكم وإسحاق وأبو عبيدة وأبو ثور. م: (غاية الأمر) ش: هذا جواب عما يقال: إن زعم المقر يعارضه زعم المنكر، فإن في زعمه أن المقبوض عن التركة كما في زعم المقر والمنكر يدعي زيادة على المقبوض فتصادقا على كون المقبوض مشتركاً بينهما، فما المرجع لزعم المقر على زعم المنكر حتى انصرف المقر له، أي نصيب المقر خاصة ولم يكن المقبوض مشتركاً بينهما؟ فأجاب بقوله: غاية الأمر: م: (أنهما) ش: أي المقر والمكذب م: (تصادقا على كون المقبوض مشتركاً بينهما، لكن المقر لو رجع على القابض بشيء لرجع القابض على الغريم) ش: لزعمه أن أباه لم يقبض شيئاً، وله تمام الخمسين بسبب سابق قبل القرض، وقد انتقض في هذا المقدار، م: (ورجع الغريم على المقر) ش: لإقراره بدين على الميت مقدم على الميراث م: (فيؤدي إلى الدور) . انتهى الجزء التاسع يليه الجزء العاشر: أوله كتاب " الصلح " الجزء: 9 ¦ الصفحة: 479 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كتاب الصلح قال: الصلح على ثلاثة أضرب: صلح مع إقرار، وصلح مع سكوت، وهو: أن لا يقر المدعى عليه ولا ينكر، وصلح مع إنكار، وكل ذلك جائز؛ لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] (النساء: الآية 128) ،   [البناية] [كتاب الصلح] [تعريف الصلح] م: (كتاب الصلح) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الصلح بأنواعه، وجه المناسبة بين الكتابين من حيث إن في الإقرار ترك المخاصمة وهو صلح بعينه. قال الجوهري: الصلاح ضد الفساد، يقول صلح الشيء يصلح صلوحا مثل دخل يدخل دخولا. قال الفراء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وحكى أصحابنا صلح أيضا بالضم، والصلاح بكسر الصاد مصدر المصالحة، واسم الصلح يذكر ويؤنث وقد اصطلحا وتصالحا وهما اصلحا أيضا مشددة الصاد، ويقال الصلح اسم للمصالحة، بخلاف المخاصمة. وفي " اصطلاح الفقهاء ": عقد وضع لرفع المنازعة، وسببه تعلق البقاء المقدر بتعاطيه، وشرطه كون المصالح عنه يجوز الاعتياض عنه، وله تفصيل سيأتي إن شاء الله عز وجل، وركنه الإيجاب مطلقا والقبول فيما يتعين بالتعيين، وأما إذا وقع الدعوى في الدراهم والدنانير وطلب الصلح على ذلك الجنس فقد تم الصلح بقول المدعي قد فعلت ولا يحتاج فيه إلى قبول المدعى عليه، لأنه إسقاط لبعض الحق وهو يتم بالمسقط، وحكمه تملك المدعي المصالح عليه منكرا كان الخصم أو مقرا، وأنواعه مذكورة في الكتاب وجوازه بقوله تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] (النساء: الآية 128) والحديث المذكور في الكتاب. [أقسام الصلح] [الصلح مع الإقرار] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الصلح على ثلاثة أضرب: صلح مع إقرار، وصلح مع سكوت، وهو أن لا يقر المدعى عليه ولا ينكر، وصلح مع إنكار، وكل ذلك جائز) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله -، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحوز إلا مع الإقرار. وفي " التحفة ": الصلح مع إنكار لا يجوز عند ابن أبي ليلى، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويجوز الصلح أيضا عند سكوت المدعى عليه عند ابن أبي ليلى كمذهبنا، وقال الشافعي: لا يجوز م: (لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] (النساء: الآية 128)) . فإن قيل: النكرة إذا أعيدت معرفة كان الثاني غير الأول، فإن الآية سيقت في الصلح بين الزوجين بدليل سياق الآية {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} [النساء: 128] ... الآية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 3 ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " كل صلح جائز فيما بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا ". وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز مع إنكار أو سكوت لما روينا، وهذا بهذه الصفة؛ لأن البدل كان حلالا على الدافع حراما على الآخذ فينقلب الأمر. ولأن المدعى عليه يدفع المال لقطع الخصومة عن نفسه، وهذا رشوة. ولنا ما تلونا من الآية وأول ما روينا وتأويل آخره.   [البناية] قلت: قال في " الأسرار ": في قوله {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] كلام مستقل بذاته، فلا يربط بسببه. م: (ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي ولقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، م: «كل صلح جائز فيما بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا» ش: الحديث رواه الترمذي عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: «الصلح جائز إلى آخره» وزاد الترمذي: «والمسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا» ، وقال: حديث حسن صحيح. م: وقال الشافعي: (لا يجوز مع إنكار أو سكوت لما روينا) ش: وهو الحديث المذكور، وهو يستدل بآخر الحديث م: (وهذا) ش: أي الصلح على الإنكار م: (بهذه الصفة، لأن البدل كان حلالا على الدافع حراما على الآخذ فينقلب الأمر) ش: أي يصير حراما على الدافع حلالا على الآخذ. م: (ولأن المدعى عليه يدفع المال لقطع الخصومة عن نفسه، وهذا رشوة) ش: وقد لعن الشارع الراشي والمرتشي. م: (ولنا ما تلونا من الآية) ش: من غير فصل م: (وأول ما روينا) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل صلح جائز بين المسلمين» فإنه بإطلاقه يتناول الصلح مع الإنكار والسكوت م: (وتأويل آخره) ش: أي آخر الحديث، وهو قوله: «إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا» م: (أحل حراما بعينه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4 أحل حراما بعينه كالخمر أو حرم حلالا بعينه كالصلح على أن لا يطأ الضرة ولأن هذا صلح بعد دعوى صحيحة فيقضي بجوازه؛ لأن المدعي يأخذه عوضا عن حقه في زعمه، وهذا مشروع، والمدعى عليه يدفعه لدفع الخصومة عن نفسه، وهذا مشروع أيضا؛ إذ المال وقاية الأنفس، ودفع الرشوة لدفع الظلم أمر جائز. قال: فإن وقع الصلح عن إقرار اعتبر فيه ما يعتبر في البياعات إن وقع عن مال بمال لوجود معنى البيع، وهو مبادلة المال بالمال، في حق المتعاقدين بتراضيهما، فتجري فيه الشفعة إذا كان عقارا ويرد بالعيب ويثبت فيه   [البناية] كالخمر، أو حرم حلالا بعينه كالصلح على أن لا يطأ الضرة) ش: أي كالصلح مع امرأته أن لا يطأ ضرتها أو أمته. وهذا النوع من الصلح باطل عندنا. م: (ولأن هذا) ش: دليل آخر، أي ولأن هذا الصلح مع الإنكار م: (صلح بعد دعوى صحيحة) ش: ولهذا يستحلف المدعى عليه م: (فيقضي بجوازه، لأن المدعي يأخذه عوضا عن حقه في زعمه، وهذا مشروع) ش: لا حرج عينا. م: (والمدعى عليه يدفعه لدفع الخصومة عن نفسه، وهذا مشروع أيضا؛ إذ المال وقاية الأنفس) ش: والناس يحتاجون إلى هذا الصلح لقطع المنازعات ودفع الخصومة. ولهذا قال الشيخ أبو منصور الماتريدي: لم يعمل الشيطان في إيقاع العداوة والبغضاء بين الناس مثل من عمل في إبطال الصلح على الإنكار لما فيه من امتداد المنازعات بين الناس، كذا في " المحيط ". م: (ودفع الرشوة) ش: هذا جواب عن قوله وهذا رشوة، تقريره أن دفع الرشوة إلى ظالم م: (لدفع الظلم أمر جائز) ش: لأن المال خلق لصيانة الأنفس. وقال محمد: فهذا لا بأس به، وليس هذا سحت إلا على من أكله، فأما من أعطاه لمنفعة في دار الإسلام أيضا، أي رشا إنسانا يخاف ظلمه وحبسه فلا بأس بذلك، ويكره للمرتشي. ونقل أبو الليث عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - جواز المصالحة للأوصياء في أموال اليتامى مخافة أخذ المتغلب، وبه يفتى. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن وقع الصلح عن إقرار اعتبر فيه ما يعتبر في البياعات إن وقع) ش: أي الصلح م: (عن مال) ش: أي عن دعوى مال م: (بمال لوجود معنى البيع، وهو مبادلة المال بالمال في حق المتعاقدين بتراضيهما) ش: فإذا تحقق فيه معنى المبيع م: (فتجري فيه الشفعة إذا كان عقارا ويرد بالعيب ويثبت فيه) ش: إذا كان الصلح خيار الرؤية ويشترط، أي ويثبت فيه أيضا م: (خيار الشرط والرؤية ويفسده) ش: أي ويفسد الصلح م: (جهالة البدل، لأنها هي المفضية إلى المنازعة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5 خيار الشرط والرؤية ويفسده جهالة البدل لأنها هي المفضية إلى المنازعة دون جهالة المصالح عنه لأنه يسقط ويشترط القدرة على تسليم البدل. وإن وقع عن مال بمنافع يعتبر بالإجارات لوجود معنى الإجارة وهو تمليك المنافع بمال والاعتبار في العقود لمعانيها فيشترط التوقيت فيها ويبطل الصلح بموت أحدهما في المدة لأنه إجارة. قال: والصلح عن السكوت والإنكار في حق المدعى عليه لافتداء اليمين وقطع الخصومة وفي حق المدعي لمعنى المعاوضة لما بينا. ويجوز أن يختلف حكم العقد في حقهما كما يختلف حكم الإقالة في حق المتعاقدين وغيرهما.   [البناية] دون جهالة المصالح عنه لأنه يسقط) ش: أي لأن المصالح عنه يسقط كما يقول السفراء بين المتخاصمين كل دعوى لك على فلان صالحته على هذا المقدار، وبه قال مالك وأحمد، وقال الشافعي: يفسد جهالة المصالح عنه أيضا كما في البيع. م: (ويشترط القدرة على تسليم البدل) ش: حتى لو صالح على عبد آبق لم يصح م: (وإن وقع) ش: أي الصلح م: عن مال بمنافع يعتبر بالإجارات لوجود معنى الإجارة وهو تمليك المنافع بمال والاعتبار في العقود لمعانيها) ش: ولهذا كان البيع بالتعاطي صحيحا، وكانت الهبة بشرط العوض بيعا، وكانت الحوالة بشرط مطالبة الأصيل كفالة، والكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة، فإذا اعتبر بالإجازة م: (فيشترط التوقيت فيها) ش: حتى لو وقع الصلح على سكنى بيت بعينه، إلى مدة معلومة جاز، وإذا لم تكن المدة معلومة فلا يجوز. م: (ويبطل الصلح بموت أحدهما) ش: أي أحد المتعاقدين في الصلح م: (في المدة) ش: كالإجارة م: (لأنه) ش: أي لأن الصلح عن مال بمنافع م: (إجارة) ش: لصدق معناه عليه فيرجح المدعي في دعواه بقدر ما لم يستوف من المنفعة. [الصلح عن السكوت والإنكار في حق المدعى عليه والمدعي وسببه] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والصلح عن السكوت والإنكار في حق المدعى عليه لافتداء اليمين وقطع الخصومة، وفي حق المدعي لمعنى المعاوضة لما بينا) ش: أشار به إلى ما ذكر قريبا بقوله لأن المدعي يأخذه عوضا عن حقه في زعمه ..... إلى آخره. وذلك لأن المدعي يزعم أنه محق في دعواه، والذي أخذه عوض حقه، والمدعى عليه يزعم أن المدعي يبطل في دعواه، والذي يعطيه لدفع الخصومة والشغب والذب عن نفسه، وليس بممتنع اختلاف الحكم في حق المتعاقدين. أشار إليه بقوله م: (ويجوز أن يختلف حكم العقد في حقهما) ش: أي حكم عقد الصلح في حق المدعي والمدعى عليه م: (كما يختلف حكم الإقالة في حق المتعاقدين) ش: فإنها فسخ في حقهما بيع جديد ثالث م: (وغيرهما) ش: أي وغير المتعاقدين فإنها بيع في حق غيرهما. م: (وهذا) ش: أي كونه الافتداء باليمين وقطع الخصومة م: (في الإنكار ظاهر، وكذا في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 6 وهذا في الإنكار ظاهر وكذا في السكوت لأنه يحتمل الإقرار والجحود، فلا يثبت كونه عوضا في حقه بالشك. قال: وإذا صالح عن دار لم يجب فيها الشفعة، قال: معناه إذا كان عن إنكار أو سكوت لأنه يأخذها على أصل حقه ويدفع المال دفعا لخصومة المدعي، وزعم المدعي لا يلزمه بخلاف ما إذا صالح على دار حيث يجب فيها الشفعة لأن المدعي يأخذها عوضا عن المال، فكان معاوضة في حقه فتلزمه الشفعة بإقراره وإن كان المدعى عليه يكذبه قال: وإذا كان الصلح عن إقرار واستحق بعض المصالح عنه رجع المدعى عليه بحصة ذلك من العوض لأنه معاوضة مطلقة كالبيع وحكم الاستحقاق في البيع هذا وإن وقع الصلح عن سكوت أو إنكار فاستحق المتنازع فيه رجع المدعي بالخصومة ورد العوض؛ لأن المدعى عليه ما بذل العوض إلا ليدفع الخصومة عن نفسه، فإذا ظهر الاستحقاق تبين أن لا خصومة له فيبقى العوض في   [البناية] السكوت، لأنه يحتمل الإقرار والجحود، فلا يثبت كونه عوضا في حقه) ش: أي في حق المدعى عليه م: (بالشك) ش: لأنه على تقدير الإقرار يكون عوضا مع أن حمل السكوت على الإنكار أولى، لأن فيه تفريغ الذمة وهو الأصل. [الحكم لو صالح عن دار هل يجب فيها الشفعة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا صالح عن دار لم يجب فيها الشفعة، قال) ش: المصنف م: (معناه) ش: أي معنى كلام القدوري م: (إذا كان عن إنكار أو سكوت لأنه) ش: ألمدعى عليه م: (يأخذها) ش: أي الدار م: (على أصل حقه) ش: يستبقي الدار على ملكه لا أنه يشتريها م: (ويدفع المال دفعا لخصومة المدعي) ش: على زعمه. والمدعي يؤاخذه بما في زعمه م: (وزعم المدعي لا يلزمه، بخلاف ما إذا صالح على دار حيث يجب فيها الشفعة، لأن المدعي يأخذها عوضا عن المال فكان معاوضة في حقه فتلزمه الشفعة بإقراره وإن كان المدعى عليه يكذبه) ش: فصار كأنه قال: اشتريتها من المدعى عليه وهو ينكر فتجب فيها الشفعة. [كان الصلح عن إقرار واستحق بعض المصالح عنه] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا كان الصلح عن إقرار واستحق بعض المصالح عنه رجع المدعى عليه بحصة ذلك من العوض) ش: أي بدل الصلح م: (لأنه معاوضة مطلقة كالبيع وحكم الاستحقاق في البيع هذا) ش: أي الرجوع بالحصة من العوض م: (وإن وقع الصلح عن سكوت أو إنكار فاستحق المتنازع فيه رجع المدعي بالخصومة) ش: أي إلى المستحق، لأنه قام مقام المدعى عليه. م: (ورد العوض) ش: أي بدل الصلح م: (لأن المدعى عليه ما بذل العوض إلا ليدفع الخصومة) ش: أي خصومة المدعي م: (عن نفسه، فإذا ظهر الاستحقاق تبين أن لا خصومة له فيبقى العوض في يده غير مشتمل على غرضه فيسترده) ش: كالمكفول عنه إذا دفع المال إلى الكفيل تعرض دفعه إلى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 7 يده غير مشتمل على غرضه، فيسترده وإن استحق بعض ذلك رد حصته ورجع بالخصومة فيه؛ لأنه خلا العوض في هذا القدر عن الغرض. ولو استحق المصالح عليه من إقرار رجع بكل المصالح عنه لأنه مبادلة وإن استحق بعضه رجع بحصته، وإن كان الصلح عن إنكار أو سكوت رجع إلى الدعوى في كله أو بقدر المستحق إذا استحق بعضه؛ لأن المبدل فيه هو الدعوى، وهذا بخلاف ما إذا باع منه على الإنكار شيئا حيث يرجع بالمدعي؛ لأن الإقدام على البيع إقرار منه بالحق له، ولا كذلك الصلح؛ لأنه قد يقع لدفع الخصومة، ولو هلك بدل الصلح قبل التسليم فالجواب فيه كالجواب في الاستحقاق في الفصلين. قال: وإن ادعى حقا في دار ولم يبينه فصولح من ذلك ثم استحق   [البناية] رب الدين ثم أرمى بنفسه قيل إذا الكفيل، فإنه يسترده لعدم اشتماله إلى عوضه. م: (وإن استحق بعض ذلك) ش: أي المصالح عند م: (رد حصته) ش: أي من بدل الصلح م: (ورجع بالخصومة فيه) ش: أي في بعض المستحق على المستحق لقيامه مقام المدعى عليه اعتبارا للبعض بالكل م: (لأنه خلا العوض في هذا القدر عن الغرض) ش: أي عن غرض المدعى عليه م: (ولو استحق المصالح عليه) ش: وكان الصلح م: (من إقرار) ش: الواو فيه للحال م: (رجع بكل المصالح عنه لأنه مبادلة) ش: لأنه إنما ترك الدعوى ليسلم له بدل الصلح ولم يسلم فيرجع بمبدله كما في البيع م: (وإن استحق بعضه رجع بحصته) ش: أي بحصة الاستحقاق، لأن المبدل هو الدعوى، أي لأن المبدل فيه هو الدعوى، وقد فاتت الدعوى فيعود إلى البدل. م: (وإن كان الصلح عن إنكار أو سكوت رجع إلى الدعوى في كله أو بقدر المستحق إذا استحق بعضه؛ لأن المبدل فيه هو الدعوى، وهذا) ش: أي المذكور من الحكم إذا لم يجر لفظ البيع في الصلح. أما إذا أجرى يكون الحكم فيه ما أشار إليه بقوله: م: (بخلاف ما إذا باع منه على الإنكار شيئا حيث يرجع بالمدعي) ش: صالح ذو اليد المنكر مع المدعى عليه عبد فقال بعت منك هذا العبد بهذا الدار ثم استحق العبد حيث يرجع المدعي على المدعى عليه بالدار لا بالدعوى م: (لأن الإقدام) ش: أي إقدام المدعى عليه م: (على البيع إقرار منه بالحق له) ش: أي للمدعي إذ الإنسان لا يشتري ملك نفسه، فكان حكمه حكم المبيع م: (ولا كذلك الصلح، لأنه قد يقع لدفع الخصومة ولو هلك بدل الصلح قبل التسليم) ش: إلى المدعي م: (فالجواب فيه) ش: أي في الهلاك م: (كالجواب في الاستحقاق في الفصلين) ش: أي في فصل الإقرار والإنكار، فإن كان عن إقرار رجع بعد الهلاك إلى المدعي، وإن كان عن إنكار رجع بالدعوى. [ادعى حقا في دار ولم يبينه فصولح من ذلك ثم استحق بعض الدار] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن ادعى حقا في دار ولم يبينه فصولح من ذلك ثم استحق بعض الدار لم يرد شيئا من العوض، لأن دعواه يجوز أن تكون فيما بقي) ش: أي في الذي بقي بعد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 8 بعض الدار لم يرد شيئا من العوض؛ لأن دعواه يجوز أن تكون فيما بقي، بخلاف ما إذا استحق كله لأنه يعرى العوض عند ذلك عن شيء يقابله فرجع بكله على ما قدمناه في البيوع، ولو ادعى دارا وصالح على قطعة منها لم يصح الصلح؛ لأن ما قبضه من عين حقه وهو على دعواه في الباقي، والوجه فيه أحد أمرين: إما أن يزيد درهما في بدل الصلح فيصير ذلك عوضا عن حقه فيما بقي أو يلحق به ذكر البراءة عن دعوى الباقي.   [البناية] الاستحقاق. م: (بخلاف ما إذا استحق كله) ش: يعني جميع الدار م: (لأنه يعرى العوض عند ذلك عن شيء يقابله فرجع بكله على ما قدمناه في البيوع) ش: أي في آخر باب الاستحقاق م: (ولو ادعى دارا وصالح على قطعة منها) ش: أي من الدار م: (لم يصلح الصلح) ش: وبه قال: مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في وجه م: (لأن ما قبضه من عين حقه وهو على دعواه في الباقي) ش: أي في باقي الدار. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والوجه فيه) ش: أي في وجه الصحة، أي الحلية في صحة الصلح م: (أحد أمرين إما أن يزيد درهما في بدل الصلح فيصير ذلك عوضا عن حقه فيما بقي، أو يلحق به) ش: هو الوجه الثاني، أي وأن يلحق به أي بهذا الصلح م: (ذكر البراءة عن دعوى الباقي) ش: بأن يقول المدعي أبرأتك، أو برئت من دعوى هذا الدار فيصح الإبراء لأن الإبراء عن دعوى العين جائز، فلو قال: أبرأتك من هذه الدار ومن خصومته في هذا الدار فهذا الإبراء لا يصح وله أن يخاصم بعد ذلك، لأن هذا إبراء عن ضمانها لا عن دعواها. وعن هذا قالوا: لو أن عبدا في يد رجل لو قال: قاله آخر برئت منه كان مبرأ منه ولو قال: أبرأتك منه وإن له أن يدعيه، وإنما أبرأه من ضمانه كذا في " الذخيرة ". الجزء: 10 ¦ الصفحة: 9 فصل والصلح جائز عن دعوى الأموال لأنه في معنى البيع على ما مر والمنافع لأنها تملك بعقد الإجارة، فكذا بالصلح والأصل فيه أن الصلح يجب حمله على أقرب العقود إليه وأشبهها به احتيالا لتصحيح تصرف العاقد ما أمكن قال: ويصح عن جناية العمد والخطأ، أما الأول فلقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ} [البقرة: 178] ...... (البقرة الآية 178) .   [البناية] ش: أي هذا فصل في بيان ما يجوز وما لا يجوز. [فصل في الصلح عن دعوى الأموال] م: (والصلح جائز عن دعوى الأموال) ش: هذا لفظ القدوري م: (لأنه في معنى البيع) ش: فما جاز بيعه جاز الصلح عنه م: (على ما مر) ش: في البيع م: (والمنافع) ش: بالجر أي والصلح أيضا يجوز عن دعوى المنافع بأن ادعى في دار سكنى سنة وصية من رب الدار فجحده الوارث أو أقر به وصالحه على شيء جاز، لأن أخذ العوض عن المنافع جائز بالإجارة، فكذا بالصلح م: (لأنها) ش: أي لأن المنافع م: (تملك بعقد الإجارة، فكذا بالصلح) ش: أي فكذا تملك بالصلح م: (والأصل فيه) ش: أي في هذا الفصل م: (أن الصلح يجب حمله على أقرب العقود إليه وأشبهها به) ش: أي وأشبه العقود بالصلح م: (احتيالا لتصحيح تصرف العاقد ما أمكن) ش: أي بقدر الإمكان، فإن كان عن مال بمال اعتبر بالشبهات، وإن كان على منافع اعتبر بالإجارات. [الصلح عن جناية العمد والخطأ وحق الشفعة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويصح عن جناية العمد والخطأ) ش: وكذا عن كل حق بجواز أخذ العوض عنه بلا خلاف م: (أما الأول) ش: أي الصلح عن جناية العمد م: (فلقوله تعالى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ} [البقرة: 178] ...... (البقرة: الآية 178) ش: عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - هذه الآية نزلت في الصلح عن دم العمد. وفي التفسير للآية معنيان: أحدهما: ما قاله ابن عباس والحسن والضحاك {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ} [البقرة: 178] أي أعطي له من دم أخيه بسهولة بطريق الصلح فاتباع، أي فلولي القتيل اتباع المصالح بعد الصلح بالمعروف، أي على محاقا وحسن معاملة، وإذا أرى على المصالح إذ ذاك إلى ولي القتيل بإحسان في الأداء، فهذا ظاهر الدلالة على جواز الصلح عن جناية القتل العمد. المعنى الثاني: وهو يروى عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن الآية في عفو بعض الأولياء ويدل عليه قوله: شيء فإنه يراد به البعض، وتقديره {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ} [البقرة: 178] وهو القتل من أخيه في الدين وهو المقتول شيء من القصاص ما كان للقتيل أولياء يعفى بعضهم. فقد صار نصيب الباقين مالا وهو الآية على حصصهم من الميراث {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] فيتبع الذين لم يعفو القاتل بطلب حصصهم بالمعروف أي بقدر حقوقهم من غير زيادة وأداء إليه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 10 قال: ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إنها نزلت في الصلح، وهو بمنزلة النكاح حتى إن ما صالح مسمى فيه صلح بدلا هاهنا؛ إذ كل واحد منهما مبادلة المال بغير المال إلا أن عند فساد التسمية هاهنا يصار إلى الدية؛ لأنها موجب الدم. ولو صالح على خمر لا يجب شيء؛ لأنه لا يجب بمطلق العفو. وفي النكاح يجب مهر المثل في الفصلين لأنه الموجب الأصلي، ويجب مع السكوت عنه حكما، ويدخل في إطلاق جواب الكتاب الجناية في النفس وما دونها.   [البناية] بإحسان وليؤد القاتل إلى غير العافي حقه وافيا غير ناقص فليس فيه دليل على المطلوب ظاهرا. فلهذا قال: المصنف: م: (قال: ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إنها نزلت في الصلح) ش: أي أن هذه الآية نزلت في الصلح أي عن دم العمد م: (وهو بمنزلة النكاح) ش: أي الصلح عن جناية العمد بمنزلة النكاح. وفي " المبسوط ": ما يصلح مهرا يصلح بدلا في الصلح لأنه مال يستحق عوضا عما ليس بمال في العقد، وهو معنى قوله م: (حتى إن ما صالح مسمى فيه) ش: أي في النكاح. م: (صلح بدلا هاهنا) ش: أي في الجناية عن العمد م: (إذ كل واحد منهما) ش: أي من النكاح والصلح عن دم العمد م: (مبادلة المال بغير المال) ش: وهو ظاهر. م: (إلا أن عند فساد التسمية هاهنا) ش: هذا استثناء عن قوله إلا ما صالح مسمى فيه صلح هاهنا، أي لكن عند فساد التسمية في الصلح عن الجناية عن العمد على ثواب أدائه غير معينين م: (يصار إلى الدية) ش: أي في مال القاتل، لأنه وجب بعقده، فكان عليه خاصة م: (لأنها) ش: أي لأن المصير إلى الدية م: (موجب الدم ولو صالح على خمر لا يجب شيء) ش: لأنه لما لم يسم مالا متقوما صار ذكره والسكوت عنه شيئان، ولو سكت بعد العفو مطلقا وفيه لا يجب شيء فكذا في ذكر الخمر م: (لأنه) ش: أي لأن المال م: (لا يجب بمطلق العفو) ش: فلا يكون من ضرورة الصلح عن العود وجوب المال، فإنه لو عفا ولم يسم مالا صح، فصار ذكر الخمر وعدمه سواء، فيبقى مطلق العفو، وفي مطلق العفو لا يجب شيء فكذا في ذكر الخمر م: (وفي النكاح يجب مهر المثل في الفصلين) ش: أي في فصل فساد التسمية للجهالة، وفي فصل ذكر ما لا يصلح مهرا كالخمر، لأن النكاح لم يشرع بلا مال م: (لأنه) ش: أي لأن مهر المثل م: (الموجب الأصلي) ش: في النكاح. م: (ويجب) ش: أي مهر المثل م: (مع السكوت عنه) ش: أي عن ذكر المهر م: (حكما) ش: أي شرعا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] م: (ويدخل في إطلاق جواب الكتاب) ش: أي القدوري، وهو قوله ويصح عن جناية العمد والخطأ م: (الجناية في النفس وما دونها) ش: لأن الجناية أعم من أن تكون واقعة على النفس أو ما دونها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 11 وهذا بخلاف الصلح عن حق الشفعة على مال حيث لا يصح؛ لأنه حق التملك ولا حق في المحل قبل التملك، أما القصاص فملك المحل في حق الفعل فيصح الاعتياض عنه، وإذا لم يصح الصلح تبطل الشفعة؛ لأنه تبطل بالإعراض والسكوت والكفالة بالنفس بمنزلة حق الشفعة، حتى لا يجب المال بالصلح عنه غير أن في بطلان الكفالة روايتين على ما عرف في موضعه.   [البناية] وقال شمس الأئمة البيهقي في " الكفاية ": يجوز الصلح من القصاص في نفسه وما دونه على أكثر من دية، وفي الخطأ لا يجوز على الزيادة، لأن الواجب في الصورة الأولى ليس بمال، فجاز كيفما كان، وفي الثانية الواجب مال مقدر شرعا، بخلاف القياس فلا يتجاوز عنه. م: (وهذا) ش: أي الصلح عن جناية العمد م: (بخلاف الصلح عن حق الشفعة على مال) ش: وهو أن يصالح على أن يترك الشفعة بمال يأخذه من المشتري م: (حيث لا يصح) ش: هذا الصلح فتبطل الشفعة ولا يجب المال، وبه قالت الثلاثة م: (لأنه) ش: أي لأن حق الشفعة م: (حق التملك ولا حق في المحل قبل التملك) ش: وأخذ البدل أخذ مال في مقابلة ما ليس بشيء ثابت في المحل وذلك رشوة حرام. م: (أما القصاص فملك المحل في حق الفعل) ش: أي في حق فعل القصاص م: (فيصح الاعتياض عنه) ش: لأنه اعتياض عما هو ثابت له في المحل فكان صحيحا م: (وإذا لم يصح الصلح) ش: أي عن حق الشفعة م: (تبطل الشفعة، لأنه تبطل بالإعراض والسكوت) ش: وبقوله حق الشفعة على مال احترازا عن الصلح على أخذ يعطيه بعينه من الدار بثمن معلوم، فإن الصلح مع الشفيع فيه جائز، وعن الصلح على بيت بعينه من الدار بحصته من الثمن فإنه لا يصلح فإن حصته مجهولة، لكن لا تبطل شفعته، لأنه لم يجد منه الإعراض عن الأخذ بالشفعة. وفي " المبسوط ": صلح الشفيع على ثلاثة أوجه، في وجه يصح، وهو أن يصالح على أخذ نصف الدار بنصف الثمن، وفي وجه لا يصح ولا تبطل شفعته، وأن يصالح على أخذ بيت معين منها بحصته من الثمن لا يصح، لأن حصته مجهولة ولا تبطل شفعته، لأنه لم يوجد منه الإعراض عن الشفعة، وفي وجه لا يصح وتبطل شفعته وهو أن يصالح على مال، وهاهنا تبطل شفعته لوجود الإعراض منه عن الأخذ بالشفعة، ولا يجب المال، وقد ذكرناه. م: (والكفالة بالنفس بمنزلة حق الشفعة، حتى لا يجب المال بالصلح عنه) ش: أي في عدم جواز الكفالة، صورته صالح المكفول والكفيل على شيء من المال على أن يخرجه عن الكفالة لا يصلح الصلح ولا نعلم فيه خلافا م: (غير أن في بطلان الكفالة روايتين) ش: ففي رواية أبي حفص: تبطل الكفالة، وبه يفتى، وفي رواية أبي سليمان: لا تبطل م: (على ما عرف في موضعه) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 12 وأما الثاني وهو جناية الخطأ فلأن موجبها المال، فيصير بمنزلة البيع إلا أنه لا تصح الزيادة على قدر الدية؛ لأنه مقدر شرعا فلا يجوز إبطاله فترد الزيادة، بخلاف الصلح عن القصاص، حيث تجوز الزيادة على قدر الدية؛ لأن القصاص ليس بمال، وإنما يتقوم بالعقد، وهذا إذا صالح على أحد مقادير الدية، أما إذا صالح على غير ذلك جاز؛ لأنه مبادلة بها، إلا أنه يشترط القبض في المجلس كي لا يكون افتراقا عن دين بدين. ولو قضى القاضي بأحد مقاديرها فصالح على جنس آخر منها بالزيادة جاز؛ لأنه تعين الحق بالقضاء، فكان مبادلة بها بخلاف الصلح ابتداء؛ لأن تراضيهما على بعض المقادير بمنزلة القضاء في حق التعيين فلا يجوز الزيادة على ما تعين   [البناية] ش: قال: الأترازي أي في " المبسوط ": وقال الكاكي في كتاب الشفعة والحوالة والكفالة. م: (وأما الثاني وهو جناية الخطأ) ش: وهذا عطف على قوله أما الأول، وأراد بالثاني في الصلح عن جناية الخطأ فإنه يجوز م: (فلأن موجبها المال فيصير بمنزلة البيع) ش: فجاز أن في مقابلتها عوض عن المال م: (إلا أنه) ش: أي أن الصلح م: (لا تصح الزيادة على قدر الدية لأنه) ش: أي لأن قدر الدية م: (مقدر شرعا، فلا يجوز إبطاله فترد الزيادة) ش: على قدر الدية لئلا يلزم المجاوزة عن التقدير الشرعي م: (بخلاف الصلح عن القصاص، حيث تجوز الزيادة على قدر الدية، لأن القصاص ليس بمال، وإنما يتقوم بالعقد) ش: لأن المال لم يجب بالعمد وإنما وجب بالعقد كالنكاح فيقوم بقدر ما وقع عليه العقد قل أو كثر م: (وهذا) ش: أي عدم صحة الزيادة على قدر الدية م: (إذا صالح على أحد مقادير الدية) ش: كالإبل والذهب والفضة، وهي أنواع الدية. م: (وأما إذا صالح على غير ذلك) ش: أي على غير مقادير الدية بأن صالح على مكيل أو موزون م: (جاز) ش: الصلح على الزيادة م: (لأنه مبادلة بها) ش: أي بالدية، فيجوز لأن اختلاف الجنس لا يظهر الزيادة م: (إلا أنه يشترط القبض في المجلس كي لا يكون افتراقا عن دين بدين) ش: وهو دين الدين بدين بدل الصلح. وهذا الذي قلنا من عدم جواز الزيادة على قدر الدين فيما إذا لم يقض القاضي بذلك م: (ولو قضى القاضي بأحد مقاديرها) ش: مثل أن يقضي القاضي بألف دينار م: (فصالح على جنس آخر منها بالزيادة) ش: بأن صالح على خمسة عشر ألف درهم م: (جاز) ش: أي الصلح م: (لأنه تعين الحق بالقضاء فكان مبادلة بها) ش: أي مبادلة الخمسة عشر ألفا بألف دينار، وعند الشافعي وأحمد لا يجوز. م: (بخلاف الصلح ابتداء) ش: أي لا يجوز الصلح بالزيادة على نوع من مقادير الدية قبل قضاء القاضي على نوع آخر منها م: (لأن تراضيهما على بعض المقادير بمنزلة القضاء في حق التعيين، فلا يجوز الزيادة على ما تعين) ش: بالشرع. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 13 قال: ولا يجوز من دعوى حد؛ لأنه حق الله تعالى لا حقه، ولا يجوز الاعتياض عن حق غيره، ولهذا لا يجوز الاعتياض إذا ادعت المرأة نسب ولدها؛ لأنه حق الولد لا حقها وكذا لا يجوز الصلح عما أشرعه إلى طريق العامة، فلا يجوز أن يصالح واحدا على الانفراد عنه؛ لأنه حق العامة،   [البناية] [الصلح في حقوق الله كالحدود] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا يجوز) ش: أي الصلح م: (من دعوى حد؛ لأنه حق الله تعالى لا حقه) ش: صورته أخذ زانيا أو سارقا أو شارب الخمر فصالح على مال أن لا يرفعه إلى الحاكم فهو باطل، ولا نعلم فيه خلافا م: (ولا يجوز الاعتياض عن حق غيره) ش: لأن هذا حق الله تعالى لا حق العبد. والاعتياض عن حق الغير لا يجوز فيرد ما أخذه. م: (ولهذا) ش: أي ولعدم جواز الاعتياض عن حق الغير م: (لا يجوز الاعتياض إذا ادعت المرأة نسب ولدها لأنه) ش: أي النسب م: (حق النسب لا حقها) ش: أي لا حق الزوجين، صورته: ادعت المرأة على رجل أن هذا الصبي الذي في يدها ابنه وجحد الرجل، ولم تدع المرأة النكاح وقالت قد طلقني وأقر الزوج أنه قد طلقها وبانت وصالح من النسب على مائة فالصلح باطل، لأن النسب حق الصبي فلا يجوز للأم إسقاطه. كذا في شرح القدوري، ونسب هذه الرواية إلى أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الإيضاح "، وقال: النسب حق الصبي فلا تملك الأم إسقاطه بعوض وغير عوض. [الصلح عما أشرعه إلى طريق العامة] م: (وكذا لا يجوز الصلح عما أشرعه إلى طريق العامة) ش: هذا أيضا إيضاح لقوله فلا يجوز الاعتياض عن حق الغير. وتمام البيان فيه ما ذكره شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في شرح " الكافي " في باب " الصلح في العقار ". قال: ولو كان لرجل ظله أو كنيف شارع على طريق نافذ فخاصمه رجل فيه وأراد طرحه فصالحه من ذلك على دراهم مسماة ليتركه كان باطلا وهذا على وجهين: أما إن كان هذا على طريق نافذ أو غير نافذ والصلح على الترك أو على الطرح. ونعني النافذ ما لا يكون لقوم خاص، وقد يكون النافذ خاصا ولكن الظاهر أنه متى كان المشروع للعامة كان حق العامة لا يخلو إما أن يكون ذلك بحق أو بغير حق والصلح على الطرح أو الترك. أما إذا كان الطريق مملوكا للعامة، وعليها ظله أو كنيف لرجل فصالحه رجل على الطرح فيعطي له شيئا أو على الترك فيأخذ منه شيئا، أي كان بغير حق كان باطلا، لأن طرحه واجب عليه لكونه شاغلا طريق المسلمين بغير حق فواجب على واحد من آحاد الناس أن يأمره بالطرح على سبيل الأمر بالمعروف وإن كانت الظلة أو الكنيف بحق ويتصور ذلك بأن اختط الإمام موضعا لإنسان عين فتح البلد وسواه لآخر فالصلح فيها على الطرح جائز لأنه يسقط حقه وهو للتعالي بمال وفيه نفع هذه المصالح وللناس كافة فيصح، وإن صالح على الترك لا يجوز لأنه لا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 14 ويدخل في إطلاق الجواب حد القذف؛ لأن المغلب فيه حق الشرع قال: وإذا ادعى رجل على امرأة نكاحا وهي تجحد فصالحته على مال بذلته حتى يترك الدعوى جاز، وكان في معنى الخلع   [البناية] يستفيد بهذا الصلح شيئا، وإن كان على طريق مملوك إن كان بحق فصالح على الطرح جاز وعلى الترك لا يجوز لما قلنا، وإن كان بغير حق إن صالح على الترك جاز لأنه ليس فيه نزع حق، فهذا يسقط حقه بأداء ما أخذ وفيه نوع نفع للمصالح وأهل السكة فيجوز وإن صالح على الترك جاز. م: (فلا يجوز أن يصالح واحدا على الانفراد عنه، لأنه حق العامة) ش: وقيل بقوله إلى طريق العامة، لأن الظلة إذا كانت على طريق غير نافذ وصالح رجل من أهل الطريق جاز الصلح وقيد بقوله واحدا على الانفراد لأن صاحب الظلة لو صالح الإمام على دراهم ليترك الظلة جاز إذا كان في ذلك صلاح للمسلمين ويضعها في بيت المال لأن الاعتياض لإمام عن الشركة التامة جائز ولهذا لو باع شيئا من بيت المال صح. م: (ويدخل في إطلاق الجواب حد القذف) ش: أي يدخل حد القذف في إطلاق جواب القدوري، وهو قوله: ولا يجوز من دعوى حد، لأن الحد بإطلاقه يشمل كل حد م: (لأن المغلب فيه حق الشرع) ش: أي في حد القذف الغالب حق الشرع، وهذا لا يورث ولا يسقط بالعفو عندنا وأخذ العوض على حق الغير لا يجوز. وعند الشافعي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن كان المغلب في حق العبد ولكن حق غير مالي فلا يجوز أخذ المعوض عنه، وعند مالك هو مشترك فلا يجوز أخذ العوض عنه. وقال شمس الأئمة البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في " الكفاية ": صالح من حد القذف على مال لا يصح ويسترد المال، وهو على حجته، لأن المغلب حق الله تعالى كما لو أخذ مرتكب كبيرة على أن لا يرفعه إلى السلطان. وقال أيضا: دفع مالا إلى شاهد لئلا يشهد فهو باطل ويسترد المال، أو يصير الشاهد فاسقا لا تقبل شهادته، إلا إذا تاب كسائر الفسقة. [ادعى رجل على امرأة نكاحا وهي تجحد فصالحته على مال] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا ادعى رجل على امرأة نكاحا وهي تجحد) ش: أي المرأة تنكر م: (فصالحته على مال بذلته حتى يترك الدعوى جاز) ش: أي هذا الصلح، يعني نفاذه في الظاهر، فأما فيما بينه وبين الله تعالى، فإن كان على خلاف ما قال: لا يحل له أخذه، كذا في شرح الأقطع. ويجيء الآن أيضا م: (وكان في معنى الخلع) ش: أي في زعم الزوج إذ أن الخلع بلفظ المرأة صحيح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 15 لأنه أمكن تصحيحه خلعا في جانبه بناء على زعمه وفي جانبها بذلا للمال لدفع الخصومة قالوا: ولا يحل له أن يأخذ فيما بينه وبين الله تعالى إذا كان مبطلا في دعواه. قال: وإن ادعت امرأة نكاحا على رجل فصالحها على مال بذله لها جاز قال: هكذا ذكره في بعض نسخ " المختصر "، وفي بعضها قال: لم يجز، وجه الأول: أن يجعل زيادة في مهرها. ووجه الثاني أنه بذل لها المال لتترك الدعوى، فإن جعل ترك الدعوى منها فرقة فالزوج لا يعطي العوض في الفرقة وإن لم يجعل فالحال على ما كان عليه قبل الدعوى فلا شيء يقابله العوض فلم يصح.   [البناية] وبه قال بعض أصحاب أحمد، وقال بعض أصحابه: لا يجوز م: (لأنه أمكن تصحيحه خلعا في جانبه بناء على زعمه، وفي جانبها بذلا للمال لدفع الخصومة، قالوا) ش: أي المشايخ المتأخرون م: (ولا يحل له أن يأخذ فيما بينه وبين الله تعالى إذا كان) ش: أي الرجل م: (مبطلا في دعواه) . ش: وفي " النهاية ": هذا عام في جميع أنواع الصلح، بدليل ما ذكر في كتاب الإقرار، ولو أقر لغيره لمال والمقر له يعلم أنه كاذب لا يحل له أخذ ذلك المال ديانة، إلا أن يسلمه بطيب نفس فيكون تمليكا بطريق الهبة ابتداء، وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. [ادعت امرأة نكاحا على رجل فصالحها على مال بذله لها] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن ادعت امرأة نكاحا على رجل فصالحها على مال بذله لها جاز) ش: هذا لفظ القدوري م: (قال) ش: أي المصنف م: (هكذا ذكره في بعض نسخ المختصر) ش: أي هكذا ذكر القدوري في بعض نسخ المختصر، يعني قال: جاز هذا الصلح م: (وفي بعضها) ش: أي وفي بعض نسخ " مختصر القدوري ". م: (قال) ش: أي القدوري: م: (لم يجز) ش: أي لم يجز هذا الصلح وقال الأترازي: ورأيت في نسخة ثقة من نسخ القدوري مكتوبة في تاريخ سنة خمس وعشرين وخمسمائة: عدم الجواز. م: (وجه الأول) ش: أي وجه جواز الصلح الذي ذكره م: (أن يجعل زيادة في مهرها) ش: يعني يجعل كأنه زاد في مهرها ثم خلعها على أصل المهر دون الزيادة. م: (ووجه الثاني) ش: أي وجه عدم الجواز م: (أنه بذل لها المال) ش: أي أن الرجل أعطى للمرأة المال م: (لتترك الدعوى فإن جعل ترك الدعوى منها فرقة فالزوج لا يعطي العوض في الفرقة) ش: إذ العوض في الفرقة من جانب الزوج إذ لا نسلم بشيء من هذه الفرقة، وأما المرأة هي التي نسلم لها نفسها وتخلص عن الزوج. م: (وإن لم يجعل) ش: أي فرقة م: (فالحال على ما كان عليه قبل الدعوى) ش: يعني تكون هي على دعواها م: (فلا شيء يقابله العوض) ش: يعني فلا يكون ما أحدثه عوضا عن شيء م: (فلم يصح) ش: لأنه رشوة محضر من غير دفع خصومة، ويلزمها رده. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 16 قال: وإن ادعى على رجل أنه عبده فصالحه على مال أعطاه جاز، وكان في حق المدعي بمنزلة الإعتاق على مال لأنه أمكن تصحيحه على هذا الوجه في حقه لزعمه، ولهذا يصح على حيوان في الذمة إلى أجل وفي حق المدعى عليه يكون لدفع الخصومة لأنه يزعم أنه حر الأصل فجاز إلا أنه لا ولاء له لإنكار العبد إلا أن يقيم البينة فتقبل ويثبت الولاء قال: وإذا قتل العبد المأذون له رجلا عمدا لم يجز له أن يصالح عن نفسه وإن قتل عبد له رجلا عمدا فصالح عنه جاز ووجه الفرق أن رقبته ليست من تجارته، ولهذا لا يملك التصرف فيه بيعا فكذا استخلاصا بمال المولى   [البناية] وإنما قلنا لم يقابله شيء، لأن النكاح ما ثبت ضمنا وهي لم تترك الدعوى، لأن الفرقة لم توجد فكان دعواها في زعمها على حالها لبقاء النكاح فلم يفد دفع المال فائدته فلا يجوز. [ادعى على مجهول الحال فأنكر الرجل أنه عبده فصالحه على مال] م: (قال) ش: القدوري: م: (وإن ادعى على رجل) ش: مجهول الحال فأنكر الرجل م: (أنه عبده فصالحه على مال أعطاه جاز، وكان في حق المدعي بمنزلة الإعتاق على مال) ش: لأنه أقرب العقود إليه شبها بالعتق على مال فيجعل في متوليه م: (لأنه أمكن تصحيحه على هذا الوجه في حقه لزعمه، ولهذا) ش: إيضاح لقوله: وكان في حق المدعي بمنزلة الإعتاق على مال م: (يصح على حيوان في الذمة إلى أجل) ش: أي: ولكون هذا لا يصح إعتاقا، على مال يصح الصلح على حيوان في الذمة، إذا لو كان مبادلة لما صح، ألا ترى أنه لا يصح السلم في الحيوان، أما الإعتاق على حيوان فصحيح، فعلم أنه طريقة الإعتاق على مال. م: (وفي حق المدعى عليه يكون لدفع الخصومة لأنه يزعم أنه حر الأصل فجاز إلا أنه لا ولاء له) ش: أي المدعي م: (لإنكار العبد إلا أن يقيم البينة) ش: بعد ذلك على أنه عبد م: (فتقبل ويثبت الولاء) ش: لأنه صالحه على مال فيكون صلحه بمنزلة الإعتاق على مال فيثبت الولاء. [قتل العبد المأذون له رجلا عمدا فصالحه على مال] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا قتل العبد المأذون له رجلا عمدا لم يجز له أن يصالح عن نفسه) ش: أي لم يجز للعبد المأذون له أن يصالح عن نفسه على مال سواء كان عليه دين أو رجع فساد الصلح لا يجوز لولي القتيل أن يقتله بعد الصلح لأنه لما صالحه فقد عفي عنه ببدل فصح العفو ولم يجب البدل في حق المولى فتأخر البدل إلى ما بعد العتق م: (وإن قتل عبد له) ش: أي للعبد المأذون له م: (رجلا عمدا فصالح عنه جاز) ش: سواء كان عليه دين أو لا م: (ووجه الفرق) ش: أي بين المسألتين م: (أن رقبته ليست من تجارته، ولهذا لا يملك التصرف فيه) ش: أي في رقبته على تأويل العضو أو الجزء م: (بيعا) ش: أي من حيث البيع، قيد بالبيع لأنه يملك التصرف فيه إجارة، كذا ذكره التمرتاشي. م: (فكذا) ش: أي فكذا لا يملك م: (استخلاصا) ش: أي استخلاص رقبته م: (بمال المولى، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 17 وصار كالأجنبي أما عبده من تجارته وتصرفه نافذ فيه بيعا، فكذا استخلاصا، وهذا لأن المستحق كالزائل عن ملكه، وهذا شراؤه فيملكه، قال: ومن غصب ثوبا يهوديا قيمته دون المائة فاستهلكه فصالحه منها على مائة درهم جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يبطل الفضل على قيمته بما لا يتغابن الناس فيه   [البناية] وصار كالأجنبي) ش: أي وصار العبد المأذون له كالأجنبي في حق نفسه، لأن نفسه مال المولى والأجنبي إذا صالح عن مال مولاه بغير إذن لا يجوز، فكذا هذا. م: (أما عبده) ش: المأذون له فهو م: (من تجارته) ش: وكسبه م: (وتصرفه نافذ فيه بيعا) ش: أي من حيث البيع م: (فكذا) ش: أي فكذا تصرفه نافذ م: (استخلاصا) ش: أي من حيث استخلاص رقبته. م: (وهذا) ش: يريد به أن تحقيق هذا م: (لأن المستحق كالزائل عن ملكه) ش: لأن الأجنبي يصير مستحقا بالجناية، فكأنه زال عن ملكه فصار كأنه مملوك للمولى، وهذا كان له أن [ .... ..] م: (وهذا شراؤه) ش: أي وهذا الصلح كان شراؤه م: (فيملكه) ش: أي فيملك ذلك، بخلاف نفسه فإنه إذا زال عن ملك المولى لا يملك شراؤه. فكذا لا يملك الصلح وطولب بالتفريق بينه وبين المكاتب، فإنه لو قتل عمدا وصالح عن نفسه جاز، وأجيب بأن المكاتب حرير فإكسابه له، بخلاف المأذون له فإنه عبد من كل وجه وكسبه لمولاه. [غصب ثوبا يهوديا وصالح عنه بأكثر من قيمته] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن غصب ثوبا يهوديا) ش: قال الأكمل: يهود قوم من أهل الكتاب ينسب إليهم الثوب، يقال ثوب يهودي، وقال الكاكي والأترازي: والذي يظهر لي أن لفظ يهود هنا اسم موضع ينسب إليه الثوب المعلوم القيمة م: (قيمته دون المائة فاستهلكه فصالحه منها على مائة درهم جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وضع المسألة في الأصل في العبد، وكذا الخلاف في كل ما لا مثل له. م: (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (يبطل الفضل على قيمته بما لا يتغابن الناس فيه) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - ثم قرر بالغصب لاستدعاء الصلح ذلك فإن الحكم في المستهلك، وكذلك وقيد بالثوب احترازا عن غصب المثلي، فإن الصلح فيه بالدراهم والدنانير بالزيادة يجوز بالإجماع، وقد يكون يهوديا ليعرف قيمته إذ لا بد أن يكون الثوب المدعى به موصوفا، يعني يعرف قيمته. وقيد بالاستهلاك لأن الثوب إذا كان قائما يجوز الصلح على أكثر من قيمته بالإجماع، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 18 لأن الواجب هي القيمة وهي مقدرة فالزيادة عليها تكون ربا، بخلاف ما إذا صالح على عرض؛ لأن الزيادة لا تظهر عند اختلاف الجنس، وبخلاف ما يتغابن الناس فيه لأنه يدخل تحت تقويم المقومين فلا تظهر الزيادة. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن حقه في الهالك باق، حتى لو كان عبدا وترك المولى أخذ القيمة يكون الكفن عليه أو حقه في مثله صورة ومعنى؛ لأن ضمان العدوان بالمثل وإنما ينتقل إلى القيمة بالقضاء فقبله إذا تراضيا على الأكثر كان اعتياضا فلا يكون ربا، بخلاف الصلح بعد القضاء؛ لأن الحق قد انتقل إلى القيمة. قال: وإذا كان العبد بين رجلين أعتقه أحدهما وهو موسر فصالحه الآخر على أكثر من نصف قيمته فالفضل باطل، وهذا بالاتفاق،   [البناية] وقيد بقوله على مائة درهم لأنه لو صالحه على طعام موصوف في الذمة حاله وقبضه قبل الافتراق عن المجلس جاز بالإجماع. ثم هذا الخلاف فيما إذا لم يقض القاضي بالقيمة على الغاصب، أما بعد القضاء لو صالح على أكثر منها لا يجوز بالإجماع م: (لأن الواجب هي القيمة وهي مقدرة) ش: أي القيمة مقدرة بالنقود شرعا م: (فالزيادة عليها) ش: أي على القيمة م: (تكون ربا) ش: كالصلح في الدية بأكثر من ألف دينار أو بأكثر من عشرة آلاف درهم. م: (بخلاف ما إذا صالح على عرض) ش: قيمة زائدة على قيمة المغصوب المستهلك م: (لأن الزيادة لا تظهر عند اختلاف الجنس) ش: فلا يكون ربا م: (وبخلاف ما يتغابن الناس فيه، لأنه يدخل تحت تقويم المقومين، فلا تظهر الزيادة) ش: لأنه لما دخل تحت تقويم المقومين لم يعد ذلك فضلا فلم يكن ربا. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن حقه) ش: أي حق المالك م: (في الهالك باق) ش: ولم يزل ملكه عنه م: (حتى لو كان) ش: أي الهالك م: (عبدا وترك المولى أخذ القيمة يكون الكفن عليه) ش: أي على المغصوب منه، ولو كان آبقا فعاد من إباقه كان مملوكا له. م: (أو حقه في مثله) ش: أي: في مثل الهالك م: (صورة ومعنى) ش: أي من حيث الصورة ومن حيث المعنى، تقرير هذا أن الحق على الرضا بالمثل هو الأصل م: (لأن ضمان العدوان بالمثل، وإنما ينتقل إلى القيمة بالقضاء فقبله) ش: أي فقبل القضاء م: (إذا تراضيا على الأكثر كان اعتياضا) ش: عن حقه في العين والاستيفاء لعين حقه بأكثر منه م: (فلا يكون ربا، بخلاف الصلح بعد القضاء) ش: يعني بخلاف الصلح على الأكثر بعد قضاء القاضي بالقيمة م: (لأن الحق قد انتقل إلى القيمة) ش: فتكون الزيادة ربا لا محالة. [عبد بين رجلين أعتقه أحدهما فصالحه الآخر على أكثر من نصف قيمته] م: (قال) ش: أي محمد في الجامع الصغير م: (وإذا كان العبد بين رجلين أعتقه أحدهما وهو موسر فصالحه الآخر على أكثر من نصف قيمته فالفضل باطل وهذا بالاتفاق) ش: بين أصحابنا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 19 أما عندهما فلما بينا، وللفرق لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن القيمة في العتق منصوص عليها، وتقدير الشرع لا يكون دون تقدير القاضي فلا تجوز الزيادة عليه، بخلاف ما تقدم؛ لأنها غير منصوص عليها. وإن صالحه على عروض جاز لما بينا، أنه لا يظهر الفضل والله أعلم بالصواب.   [البناية] الثلاثة. م: (أما عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (فلما بينا) ش: أي في المسألة المتقدمة أيهما لما بطلا الفضل بالغبن الفاحش لكونه ربا وهنا كذلك. م: (وللفرق لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: بين المسألتين م: (أن القيمة في العتق منصوص عليها) ش: بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «من أعتق شقصا من عبد مشترك بينه وبين شريكه قوم عليه نصيب شريكه» م: (وتقدير الشرع لا يكون دون تقدير القاضي فلا تجوز الزيادة عليه بخلاف ما تقدم) ش: وهو العبد المستهلك أو الثوب. م: (لأنها) ش: أي لأن القيمة م: (غير منصوص عليها) ش: فلم تقم فيه دلالة التقدير بها، ولهذا يكون مخيرا بين تضمين الغاصب وإبرائه، والشريك الساكت مخير على إزالة ملك نصيبه بالإعتاق أو بالضمان أو بالسعاية، إليه أشار في " المبسوط ". م: (وإن صالحه على عروض جاز) ش: أي الصلح على الفضل م: (لما بينا) ش: عن قريب م: (أنه لا يظهر الفضل) ش: أي عند اختلاف الجنس، فلا يتحقق الربا، م: (والله أعلم بالصواب) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 20 باب التبرع بالصلح والتوكيل به قال: ومن وكل رجلا بالصلح عنه فصالح لم يلزم الوكيل ما صالح عنه إلا أن يضمنه والمال لازم للموكل، وتأويل هذه المسألة إذا كان الصلح عن دم العمد أو كان الصلح على بعض ما يدعيه من الدين لأنه إسقاط محض، فكان الوكيل فيه سفيرا ومعبرا فلا ضمان عليه كالوكيل بالنكاح، إلا أن يضمنه لأنه حينئذ مؤاخذ بعقد الضمان لا بعقد الصلح. أما إذا كان الصلح عن مال بمال فهو بمنزلة البيع فترجع الحقوق إلى الوكيل، فيكون المطالب بالمال هو الوكيل دون الموكل. قال: وإن صالح عنه رجل بغير أمره فهو على أربعة أوجه، إن صالح بمال وضمنه تم الصلح؛ لأن الحاصل للمدعى عليه ليس إلا البراءة وفي حقها لأجنبي والمدعى عليه سواء وصلح   [البناية] [باب التبرع بالصلح والتوكيل به] م: (باب التبرع بالصلح والتوكيل به) ش: أي هذا باب في بيان حكم التبرع بالصلح وحكم التوكيل به، ولما بين صلح المرء بنفسه شرع في بيان صلح الغير عنه إذ الأول هو الأصل. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن وكل رجلا بالصلح عنه فصالح لم يلزم الوكيل ما صالح عنه) ش: هكذا في رواية الشيخ أبي نصير: ما صالح عليه. والضمير صالح راجع إلى ما، والمراد منه بدل الصلح، وعلى رواية صاحب " الهداية " ما صالح عنه، والضمير راجع إلى " من ". م: (إلا أن يضمنه) ش: أي إلا أن يضمن الوكيل المال م: (والمال لازم للموكل) ش: أي على الموكل كما في قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أي فعليها. م: (وتأويل هذه المسألة) ش: هذا قول المصنف يقول تأويل المسألة التي ذكرها القدوري م: (إذا كان الصلح عن دم العمد أو كان الصلح عن بعض ما يدعيه من الدين، لأنه إسقاط محض، فكان الوكيل فيه سفيرا ومعبرا فلا ضمان عليه، كالوكيل بالنكاح) ش: فإنه معبر وسفير فيه فلا يلزمه شيء م: (إلا أن يضمنه) ش: أي إلا أن يضمن الوكيل المصالح به فيلزمه. م: (لأنه حينئذ مؤاخذ بعقد الضمان لا بعقد الصلح، أما إذا كان الصلح عن مال بمال فهو بمنزلة البيع فترجع الحقوق. إلى الوكيل، فيكون المطالب بالمال هو الوكيل دون الموكل.) . [صلح الفضولي] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن صالح عنه رجل بغير أمره فهو على أربعة أوجه، إن صالح بمال وضمنه تم الصلح) ش: هذا الذي ذكره القدوري أحد الوجوه الأربعة. وذكر المصنف وجها بقوله م: (لأن الحاصل للمدعى عليه ليس إلا البراءة) ش: لأنه صح تعليق الإسقاط م: (وفي حقها) ش: أي وفي حق البراءة م: (لأجنبي والمدعى عليه سواء) ش: لأن الساقط يتلاشى، ومثله لا يختص بأحد، فإذا كان كذلك م: (وصلح) ش: أي الأجنبي أن يكون الجزء: 10 ¦ الصفحة: 21 أصيلا فيه إذا ضمنه كالفضولي بالخلع إذا ضمن البدل ويكون متبرعا على المدعى عليه كما لو تبرع بقضاء الدين. بخلاف ما إذا كان بأمره ولا يكون لهذا المصالح شيء من المدعي. وإنما ذلك للذي في يده لأن تصحيحه بطريق الإسقاط ولا فرق في هذا بين ما إذا كان مقرا أو منكرا، وكذلك إذا قال: صالحتك على ألفي هذه أو على عبدي هذا، صح الصلح لزمه تسليمه؛ لأنه لما أضافه إلى مال نفسه فقد التزم تسليمه فصح الصلح، وكذلك لو قال: علي ألف   [البناية] م: (أصيلا فيه) ش: أي في هذا الضمان م: (إذا ضمنه) ش: إضافة إلى نفسه م: (كالفضولي بالخلع) ش: من جانب المرأة م: (إذا ضمن البدل) ش: أي المال م: (ويكون متبرعا على المدعى عليه) ش: لا يرجع عليه بشيء م: (كما لو تبرع بقضاء الدين بخلاف ما إذا كان بأمره) ش: أي لا يكون متبرعا ويرجع عليه بما ضمن، وعند الشافعي وأحمد - رحمهما الله - يرجع إن أدى بأمره م: (ولا يكون لهذا المصالح شيء من المدعي) ش: أي لا يصير الدين المدعى به ملكا للمصالح، وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - وإن كان المدعى عليه مقرا. م: (وإنما ذلك) ش: أي الدين م: (للذي في يده) ش: وفي بعض النسخ للذي في ذمته أي في يده م: (لأن تصحيحه) ش: أي تصحيح الصلح م: (بطرق الإسقاط) ش: لا بطريق المبادلة، والساقط يتلاشى ويضمحل. م: (ولا فرق في هذا) ش: أي في أن المصالح لا يملك الدين المدعى به م: (بين ما إذا كان) ش: أي الخصم م: (مقرا أو منكرا) ش: أما إذا كان منكرا فظاهر، لأنه في زعم المدعى عليه أنه لا شيء عليه فيكون متبرعا في إسقاط الخصومة منه وزعم المدعي لم ينفذ إليه. وأما إذا كان مقرا بالدين وبالصلح ينبغي أن يصير مشتريا ما في ذمته بما أدى، إلا أن شراء الدين من غير المذكور لا يصح لأن فيه تمليك الدين من غير من عليه الدين، وذا لا يجوز وبه قال أحمد والشافعي - رحمهما الله - في الأصح. بخلاف ما لو كان المدعى به عينا والمدعى عليه مقرا، فإنه يصير مشتريا لنفسه إذا كان بغير أمره، لأن شراء الشيء من مالكه صحيح وإن كان في يد غيره. م: (وكذلك) ش: أي وكذلك يصلح الصلح، وهذا هو الوجه الثاني من الوجوه الأربعة م: (إذا قال صالحتك على ألفي هذه أو على عبدي، هذا صح الصلح، ولزمه تسليمه) ش: أي لزم الفضولي تسليم الألف م: (لأنه لما أضافه) ش: أي لما أضاف المال المعقود عليه م: (إلى مال نفسه فقد التزم تسليمه) ش: ولما لزمه التسليم بالإضافة م: (فصح الصلح) ش: لأنه تم عقده. م: (وكذلك لو قال: علي ألف) ش: هذا هو الوجه الثالث، أي وكذا يصح الصلح لو قال: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 22 وسلمها؛ لأن التسليم إليه يوجب سلامة العوض له فيتم العقد لحصول مقصوده. ولو قال: صالحتك على ألف فالعقد موقوف، فإن أجازه المدعى عليه جاز ولزمه الألف، وإن لم يجزه بطل؛ لأن الأصل في العقد إنما هو المدعى عليه لأن دفع الخصومة حاصل له، إلا أن الفضولي يصير أصيلا بواسطة إضافة الضمان إلى نفسه فإذا لم يضفه بقي عاقدا من جهة المطلوب فيتوقف على إجازته، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ووجه آخر وهو أن يقول: صالحتك على هذه الألف أو على هذا العبد ولم ينسبه إلى نفسه؛ لأنه لما عينه للتسليم صار شارطا سلامته له فيتم بقوله. ولو استحق العبد ووجد به عيبا فرده فلا سبيل له على المصالح،   [البناية] علي ألف مطلقة م: (وسلمها) ش: أي الألف م: (لأن التسليم إليه) ش: أي إلى المدعي م: (يوجب سلامة العوض له) ش: أي للمدعي، فإذا كان كذلك م: (فيتم العقد) ش: أي عقد الصلح م: (لحصول مقصوده) ش: وهو سلامة البدل وللمدعي، فإذا حصل المقصود تم العقد لا محالة. م: (ولو قال: صالحتك على ألف فالعقد موقوف، فإن أجازه المدعى عليه جاز ولزمه الألف، وإن لم يجزه بطل) ش: هذا لفظ القدوري وهو الوجه الرابع من الوجوه الأربعة وقال المصنف: م: (لأن الأصل في العقد إنما هو المدعى عليه لأن دفع الخصومة حاصل له) ش: لأن المدعى عليه هو المحتاج إلى إسقاط الخصومة عن نفسه. م: (إلا أن الفضولي يصير أصيلا بواسطة إضافة الضمان إلى نفسه) ش: بدليل أنه يجبر على الأداء كما يجبر الأصيل. لأن الزعيم غارم والوفاء بالشرط لازم خصوصا إذا كان الشرط في عقد لازم م: (فإذا لم يضفه) ش: لم يكن عليه شيء. ولكنه م: (بقي عاقدا من جهة المطلوب، فيتوقف على إجازته) ش: أي على إجازة المدعى عليه. فإن قبل لزمه المال، وإن رده بطل الصلح. م: (قال) ش: أي المصنف: وفي نسخة الأترازي قال العبد الضعيف: وفي نسخة شيخنا العلاء. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: م: (ووجه آخر) ش: أي غير الوجوه الأربعة التي ذكرها م: (وهو أن يقول: صالحتك على هذه الألف أو على هذا العبد ولم ينسبه إلى نفسه، لأنه لما عينه للتسليم صار شارطا سلامته له فيتم بقوله) ش: أي سلامة المصالح عليه للمدعي فيتم، أي الصلح بقول المصالح، ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري. م: (ولو استحق العبد) ش: أي العبد الذي صالحه عليه م: (ووجد به عيبا فرده فلا سبيل له على المصالح) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 23 لأنه التزم الإيفاء من محل بعينه ولم يلتزم شيئا سواه، فإن سلم المحل له تم الصلح، وإن لم يسلم له لم يرجع عليه بشيء. بخلاف ما إذا صالح على دراهم مسماة وضمنها ودفعها ثم استحقت ووجدها زيوفا حيث يرجع عليه؛ لأنه جعل نفسه أصيلا في حق الضمان، ولهذا يجبر على التسليم، فإذا لم يسلم له ما سلمه يرجع عليه ببدله، والله أعلم بالصواب.   [البناية] ش: وكذا لو وجد حرا أو مكاتبا أو مدبرا م: (لأنه) ش: أي لأن المصالح م: (التزام الإيفاء من محل بعينه ولم يلتزم شيئا سواه) ش: أي سوى ما عين م: (فإن سلم المحل له تم الصلح وإن لم يسلم له لم يرجع عليه بشيء) ش: أي على المصالح، ولكن يرجع إلى دعواه. م: (بخلاف ما إذا صالح على دراهم مسماة وضمنها ودفعها ثم استحقت) ش: أي الدراهم م: (ووجدها زيوفا حيث يرجع عليه) ش: أي على الذي صالحه م: (لأنه) ش: أي لأن المصالح م: (جعل نفسه أصيلا في حق الضمان) ش: فصار دينا في ذمته حيث ضمنه م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (يجبر) ش: أي المصالح م: (على التسليم) ش: أي تسليم الدراهم إذا ضمنه، بخلاف ما إذا لم يضمن حيث لا يجبر م: (فإذا لم يسلم له ما سلمه يرجع عليه يبدله) ش: أي ببدل ما لم يسلم إليه، م: (والله أعلم بالصواب) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 24 باب الصلح في الدين قال: وكل شيء وقع عليه الصلح وهو مستحق بعقد المداينة لم يحمل على المعاوضة، وإنما يحمل على أنه استوفى بعض حقه وأسقط باقيه، كمن له على آخر ألف درهم فصالحه على خمسمائة، وكمن له على آخر ألف جياد فصالحه على خمسمائة زيوف جاز.   [البناية] [باب الصلح في الدين] [له على آخر ألف درهم فصالحه على خمسمائة] م: (باب الصلح في الدين) ش: أي هذا باب في بيان حكم الصلح عن عموم الدعاوي، شرع في هذا الباب حكم الخاص وهو دعوى الدين لأن الخصوص أبدا يكون بعد العموم. م: (قال: وكل شيء وقع عليه الصلح وهو مستحق بعقد المداينة) ش: أي من جنس ما يستحقه المدعي على المدعى عليه بعقد المداينة البيع بالدين. وإنما وضع المسألة في الدين وإن كان الحكم في الغصب كذلك حملا لأمر المسلم على الصلاح، لأنه هو المشروع إلى الغصب. وهو نظير قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من نام عن صلاة أو نسيها..» الحديث " مع أن الحكم في العمد كذلك، قال الكاكي: وهاهنا ينبغي أن يزاد قيد آخر، وهو أن يقال: وكل شيء وقع عليه الصلح وهو مستحق بعقد المداينة، ولا يمكن حمله على بيع الصرف لم يحمل على المعاوضة. لأنه لو أمكن حمله على بيع الصرف مع أنه مستحق بعقد المداينة يحمل على المعاوضة لا على إسقاط البعض م: (لم يحمل على المعاوضة) ش: لما فيه من الربا. م: (وإنما يحمل على أنه استوفى بعض حقه وأسقط باقيه، كمن له على آخر ألف درهم فصالحه على خمسمائة، وكمن له على آخر ألف جياد فصالحه على خمسمائة زيوف جاز) ش: أي الصلح م: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 25 وكأنه أبرأه عن بعض حقه، وهذا لأن تصرف العاقل يتحرى تصحيحه ما أمكن، ولا وجه لتصحيحه معاوضة لإفضائه إلى الربا، فجعل إسقاطا للبعض في المسألة الأولى، وللبعض والصفة في الثانية، ولو صالح على ألف مؤجلة وكأنه أجل نفس الحق؛ لأنه لا يمكن جعله معاوضة؛ لأن بيع الدراهم بمثلها نسيئة لا يجوز، فحملناه على التأخير. ولو صالحه على دنانير إلى شهر لم يجز؛ لأن الدنانير غير مستحقة بعقد المداينة، فلا يمكن حمله على التأخير، ولا وجه له سوى المعاوضة وبيع الدراهم بالدنانير نسيئا لا يجوز فلم يصح الصلح. . قال: ولو كانت له ألف مؤجلة فصالحه على خمسمائة حالة لم يجز؛ لأن المعجل خير من المؤجل وهو غير مستحق بالعقد فيكون بإزاء ما حطه عنه وذلك اعتياض عن الأجل وهو حرام،   [البناية] (وكأنه أبرأه عن بعض حقه وهذا) ش: أي عكس عدم الحمل على المعاوضة م: (لأن تصرف العاقل يتحرى تصحيحه ما أمكن، ولا وجه لتصحيحه معاوضة لإفضائه إلى الربا، فجعل إسقاطا للبعض) ش: أي لبعض الدين م: (في المسألة الأولى) ش: وهي مسألة مسامحة الألف بخمسمائة م: (وللبعض) ش: أي وجعل إسقاطا لبعض الدين م: (والصفة) ش: أي وإسقاطا للصفة م: (في الثانية) ش: أي في المسألة الثانية وهي مصالحة الجياد بالزيوف. م: (ولو صالح على ألف مؤجلة جاز) ش: أي الصلح، يعني إذا صالح الطالب على ألف درهم مؤجلة جاز لما قلنا أن أمور المسلمين محمولة على الصلاح ما أمكن م: (كأنه أجل نفس الحق؛ لأنه لا يمكن جعله معاوضة؛ لأن بيع الدراهم بمثلها نسيئة لا يجوز) ش: شرعا؛ لأن ذلك بيع الدين بالدين م: (فحملناه على التأخير) ش: أي تأخير الدين؛ لأن التأخير تصرف في حقه لا في حق غيره. م: (ولو صالحه على دنانير إلى شهر لم يجز) ش: هذا لفظ القدوري، أي لو صالح الطالب المطلوب عن الدراهم الحالة على دنانير مؤجلة م: (لأن الدنانير غير مستحقة بعقد المداينة فلا يمكن حمله على التأخير) ش: أي تأخير الحق، لأن حق الطالب كان في الدراهم لا في الدنانير ولما لم يكن ذلك ولا غيره م: (ولا وجه له سوى المعاوضة وبيع الدراهم بالدنانير نسيئا لا يجوز، فلم يصح الصلح) ش: لأنه يؤدي إلى الربا. [كانت له ألف مؤجلة فصالحه على خمسمائة حالة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولو كانت له ألف مؤجلة فصالحه على خمسمائة حالة لم يجز، لأن المعجل خير من المؤجل وهو) ش: أي المعجل م: (غير مستحق بالعقد فيكون) ش: أي تعجيل الخمسمائة التي كانت عوض عن الأجل م: (بإزاء ما حطه عنه) ش: فيكون بمقابلة الخمسمائة المحطوطة المؤجلة. م: (وذلك اعتياض عن الأجل وهو حرام) ش: ألا ترى أن ربا النساء حرام لشبهة مبادلة المال بالأجل، فلأن تحرم حقيقة أولى، وبه قالت الأئمة الثلاثة وأكثر العلماء. م: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 26 وإن كان له ألف سود فصالحه على خمسمائة بيض لم يجز؛ لأن البيض غير مستحقة بعقد المداينة وهي زيادة وصفا فيكون معاوضة الألف بخمسمائة وزيادة وصف فيكون ربا، بخلاف ما إذا صالح عن الألف البيض على خمسمائة سود؛ لأنه إسقاط بعض حقه قدرا ووصفا. وبخلاف ما إذا صالح على قدر الدين وهو أجود؛ لأنه معاوضة المثل بالمثل ولا معتبر بالصفة، إلا أنه يشترط القبض في المجلس. ولو كان عليه ألف درهم ومائة دينار فصالحه على مائة درهم حالة أو إلى شهر صح الصلح؛ لأنه أمكن أن يجعل إسقاطا للدنانير كلها والدراهم إلا مائة وتأجيلا للباقي، فلا يجعل معاوضة تصحيحا للعقد، أو لأن معنى الإسقاط فيه ألزم. قال: ومن له على آخر ألف درهم فقال: أد إلي غدا منها خمسمائة على أنك بريء من الفضل ففعل فهو بريء،   [البناية] (وإن كان له ألف سود وصالحه على خمسمائة بيض لم يجز) ش: المراد من السود الدراهم المضروبة من النقرة السود م: (لأن البيض غير مستحقة بعقد المداينة وهي زيادة وصفا) ش: أي البيض زائدة من حيث الوصف م: (فيكون معاوضة الألف بخمسمائة وزيادة وصف، فيكون ربا) ش: وفي بعض النسخ: فهو ربا. م: (بخلاف ما إذا صالح عن الألف البيض على خمسمائة سود، لأنه إسقاط بعض حقه قدرا ووصفا) ش: أي: من حيث القدر والوصف، حيث يجوز م: (وبخلاف ما إذا صالح على قدر الدين وهو أجود) ش: أي قدر الدين أجود من الدين، حيث يحوز، ومعناه ما قاله في شرح " الكافي "، ولو كان له عليه ألف درهم غلة فصالحه منها على ألف درهم حالة فإن قبض قبل أن يعتبر، فأجاز وإن تفرقا قبل أن يقبض بطل م: (لأنه معاوضة المثل بالمثل، ولا معتبر بالصفة، إلا أنه يشترط القبض في المجلس) ش: لأنه صرف، والنخبة اسم لما هو الموجود من الدراهم السود. [كان عليه ألف درهم ومائة دينار فصالحه على مائة درهم حالة] م: (ولو كان عليه ألف درهم ومائة دينار فصالحه على مائة درهم حالة أو إلى شهر صح الصلح، لأنه أمكن أن يجعل إسقاطا للدنانير كلها والدراهم إلا مائة وتأجيلا للباقي) ش: يعني يحمل على أنه إسقاط حقه في الدنانير أصلا، وأسقط حقه في الدراهم إلا مائة، وإذا كان كذلك جاز التأجيل في المائة. م: (فلا يجعل معاوضة تصحيحا للعقد) ش: وتحرزا عن الربا م: (أو لأن معنى الإسقاط فيه) ش: أي في الصلح م: (ألزم) ش: لأنه مبني على الحطيطة والحط هاهنا أكثر، فيكون الإسقاط ألزم. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن له على آخر ألف درهم) ش: أي حالة م: (فقال: أد إلي غدا منها خمسمائة على أنك بريء من الفضل ففعل فهو بريء) ش: أي من الفضل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 27 فإن لم يدفع إليه الخمسمائة غدا عاد عليه الألف وهو قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعود عليه؛ لأنه إبراء مطلق، ألا ترى أنه جعل أداء الخمسمائة عوضا حيث ذكره بكلمة " على " وهي للمعاوضة، والأداء لا يصلح عوضا لكونه مستحقا عليه فجرى وجوده مجرى عدمه، فبقي الإبراء مطلقا فلا يعود كما إذا بدأ بالإبراء ولهما أن هذا إبراء مقيد بالشرط فيفوت بفواته؛ لأنه بدأ بأداء الخمسمائة في الغد، وأنه يصلح غرضا حذار إفلاسه وتوسلا إلى تجارة أربح منه، وكلمة " على " وإن كانت للمعاوضة، فهي محتملة للشرط لوجود معنى المقابلة فيه فيحمل عليه عند تعذر الحمل على المعاوضة تصحيحا لتصرفه،   [البناية] م: (فإن لم يدفع إليه الخمسمائة غدا عاد عليه الألف وهو قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله) . م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يعود عليه لأنه إبراء مطلق) ش: فثبت البراءة مطلق سواء أعطى أو لم يعط م: (ألا ترى أنه جعل أداء الخمسمائة عوضا) ش: أي عن الإبراء م: (حيث ذكره بكلمة على وهي للمعاوضة) ش: أي كلمة على للمعاوضة. م: (والأداء لا يصلح عوضا) ش: لأن حد المعاوضة أن يستفيد كل واحد ما لم يكن مخالفا م: (لكونه مستحقا عليه) ش: لم يستفد منه شيء لم يكن وإذا كان كذلك م: (فجرى وجوده مجرى عدمه) ش: أي جرى وجود الأداء عوضا مجرى عدمه م: (فبقي الإبراء مطلقا ولا يعود كما إذا بدأ بالإبراء) ش: بأن قال: أبرأتك على خمسمائة من ألف على أن تؤدي غدا خمسمائة من الألف. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أن هذا إبراء مقيد بالشرط) ش: أي بشرط مرغوب فيه، فيكون إبراء مقيدا م: (فيفوت بفواته) ش: أي عند فواته، فإن انتفاء الشرط ليس علة لانتفاء المشروط عندنا، لكنه عند انتفائه فات لبقائه على العدم الأصلي، وإنما قلنا إنه مقيد بالشرط. م: (لأنه بدأ بأداء الخمسمائة في الغد، وأنه يصلح غرضا حذار إفلاسه وتوسلا إلى تجارة أربح منه) ش: وصلح أن يكون شرطا من حيث المعنى م: (وكلمة على وإن كانت للمعاوضة فهي محتملة للشرط لوجود معنى المقابلة فيه) ش: أي في الشرط، فإنه فيه مقابلة الشرط بالخبر لما كان بين العوضين وقد تعذر والعمل معنى المعاوضة. فإذا كان كذلك م: (فيحمل عليه) ش: أي على الشرط م: (عند تعذر الحمل على المعاوضة تصحيحا لتصرفه) ش: وقال الأكمل، وكان منهما قول بموجب العلة، أي سلمنا أنه لا يصح أن يكون مقيدا بالعوض لكن لا ينافي أن يكون مقيدا بوجه آخر وهو الشرط. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 28 أو لأنه متعارف، والإبراء مما يتقيد بالشرط، وإن كان لا يتعلق به كالحوالة وسنخرج البداءة بالإبراء إن شاء الله تعالى. قال: وهذه المسألة على وجوه، أحدها: ما ذكرناه، والثاني: إذا قال: صالحتك من الألف على خمسمائة تدفعها إلي غدا وأنت بريء من الفضل على أنك إن لم تدفعها إلي غدا فالألف عليك على حاله. وجوابه أن الأمر على ما قال؛ لأنه أتى بصريح التقييد فيعمل به. والثالث: إذا قال: أبرأتك من خمسمائة من الألف على أن تعطيني الخمسمائة غدا فالإبراء فيه واقع.   [البناية] م: (أو لأنه متعارف) ش: معطوف على قوله لوجود المقابلة، يعني أن حمل كله على الشرط لأحد معنيين: إما لوجود المقابلة، وإما لأن مثل هذا الشرط في الصلح متعارف بأن يكون تعجيل البعض مقيدا الإبراء الباقي، والمعروف عرفا كالمشروط شرطا، وصار كما لو قال إن لم تنفذ غدا فلا صلح بيننا. م: (والإبراء مما يتقيد بالشرط) ش: هذا جواب عما يقال تعليق الإبراء بالشرط مثل أن يقول لغريم أو كفيل: إذا أديت أو متى أديت إلي خمسمائة فأنت بريء من الباقي: باطل بالاتفاق، والتقييد بالشرط وهو التعلق به، فكيف كان جائزا أو تقديرا. الجواب أن الإبراء مما يتقيد بالشرط. م: (وإن كان لا يتعلق به) ش: يعني يجوز أن يكون الإبراء مقيدا بشروط، مرغوب فيه وإن كان لا يتعلق به، أي بالشرط حتى إذا قال الشرط انتقض الإبراء م: (كالحوالة) ش: فإنه مقيده بشرط سلامة الدين من ذمته، حتى إذا مات المحتال عليه مفلسا انتقضت الحوالة وعاد الدين إلى ذمة المحيل ولكن يجوز تعليق الإبراء بالشرط أصلا لما فيه من معنى التمليك م: (وسنخرج البداءة بالإبراء إن شاء الله تعالى) ش: هذا عذر من تأخير جواب ما قاس عليه أبو يوسف بقوله: كما إذا بدأ بالإبراء، يعني: بذكر الفرق بين المقيس عليه عند قوله: والثالث إذا قال أبرأتك إلى آخره. م: (قال) ش: أي المصنف م: (وهذه المسألة) ش: أشار به إلى قوله ومن له على آخر ألف درهم.. إلى آخره م: (على وجوه: أحدها: ما ذكرناه) ش: وهو قوله ومن له على آخر.. إلى آخره. م: (والثاني) ش: أي الوجه الثاني م: (إذا قال صالحتك من الألف على خمسمائة تدفعها إلي غدا وأنت بريء من الفضل على أنك إن لم تدفعها إلي غدا فالألف عليك على حاله، وجوابه أن الأمر على ما قال) ش: أي بالإجماع م: (لأنه أتى بصريح التقييد فيعمل به والثالث) ش: أي الوجه الثالث م: (إذا قال أبرأتك من خمسمائة من الألف على أن تعطيني الخمسمائة غدا فالإبراء فيه واقع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 29 أعطى الخمسمائة أو لم يعط؛ لأنه أطلق الإبراء أولا، وأداء الخمسمائة لا يصلح عوضا مطلقا، ولكنه يصلح شرطا فوقع الشك في تقييده بالشرط فلا يتقيد به. بخلاف ما إذا بدأ بأداء خمسمائة لأن الإبراء حصل مقرونا به، فمن حيث إنه لا يصلح عوضا يقع مطلقا، ومن حيث إنه يصلح شرطا لا يقع مطلقا، فلا يثبت الإطلاق بالشك فافترقا. والرابع: إذا قال: أد إلي خمسمائة على أنك بريء من الفضل ولم يوقت للأداء وقتا. وجوابه أنه يصح الإبراء ولا يعود الدين لأن هذا إبراء مطلق؛ لأنه لما لم يوقت للأداء وقتا لا يكون الأداء غرضا صحيحا لأنه واجب عليه في مطلق الأزمان فلم يتقيد، بل يحمل على المعاوضة ولا يصلح عوضا، بخلاف ما تقدم؛ لأن الأداء في الغد غرض صحيح. والخامس: إذا قال: إن أديت إلي خمسمائة أو قال: إذا أديت أو متى أديت فالجواب فيه أنه لا يصح الإبراء؛ لأنه علقه بالشرط صريحا وتعليق البراءة بالشروط باطل لما فيها من معنى التمليك، حتى يرتد بالرد، بخلاف ما تقدم؛ لأنه ما أتى بصريح الشرط فحمل على التقييد به. قال: ومن قال لآخر: لا أقر لك بمالك حتى   [البناية] أعطى) ش: أي على م: (الخمسمائة أو لم يعط؛ لأنه أطلق الإبراء أولا وأداء الخمسمائة لا يصلح عوضا مطلقا، ولكنه يصلح شرطا فوقع الشك في تقييده) ش: أي يعتبر الإبراء م: (بالشرط فلا يتقيد به، بخلاف ما إذا بدأ بأداء خمسمائة؛ لأن الإبراء حصل مقرونا به) ش: أي بالأداء. م: (فمن حيث إنه لا يصلح عوضا يقع مطلقا، ومن حيث إنه يصلح شرطا لا يقع مطلقا فلا يثبت الإطلاق بالشك فافترقا) ش: أي الوجهان، وهو ما إذا بدأ بالإبراء، أو إذا بدأ بأداء الخمسمائة. م: (والرابع:) ش: أي الوجه الرابع م: (إذا قال: أد إلي خمسمائة على أنك بريء من الفضل ولم يوقت للأداء وقتا، وجوابه أنه يصح الإبراء ولا يعود الدين، لأن هذا إبراء مطلق لأنه لما لم يوقت للأداء وقتا لا يكون الأداء غرضا صحيحا؛ لأنه واجب عليه في مطلق الأزمان فلم يتقيد، بل يحمل على المعاوضة ولا يصلح عوضا بخلاف ما تقدم) ش: أي بخلاف ما إذا وقت للأداء وقتا كما في قوله أد إلي غدا منها خمسمائة على أنك بريء منها من الفضل م: (لأن الأداء في الغد غرض صحيح) . م: (والخامس:) ش: أي الوجه الخامس م: (إذا قال: إن أديت إلي خمسمائة أو قال: إذا أديت أو متى أديت فالجواب فيه أنه لا يصح الإبراء؛ لأنه علقه بالشرط صريحا، وتعليق البراءة بالشروط باطل لما فيها) ش: أي في البراءة م: (من معنى التمليك حتى يرتد بالرد " بخلاف ما تقدم لأنه ما أتى بصريح الشرط) ش: يعني أن الإبراء فيه معنى الإسقاط ومعنى التمليك، فإذا صرح بالتعليق لم يصح اعتبارا بسبب التمليك، وإذا لم يصرح به صح اعتبار الشبه والإسقاط، فإذا كان كذلك م: (فحمل على التقييد به) ش: أي بالشرط. [قال له لا أقر لك بمالك حتى تؤخره عني أو تحط عني ففعل] م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن قال لآخر لا أقر لك بمالك حتى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 30 تؤخره عني أو تحط عني ففعل جاز عليه؛ لأنه ليس بمكره، ومعنى المسألة إذا قال ذلك سرا، أما إذا قال علانية يؤخذ به.   [البناية] تؤخره عني أو تحط عني ففعل) ش: أخر دينه أو حط شيئا من دينه م: (جاز عليه) ش: أي هذا التصرف وهو التأخير أو الحط جاز على رب الدين حتى لا يتمكن من مطالبته في الحال ولا مطالبة ما حط عنه، وعند الشافعي وأحمد - رحمهما الله - يتمكن م: (لأنه) ش: أي لأن رب الدين م: (ليس بمكره) ش: لأنه يمكن دفع هذا بإقامة البينة أو بالتحليف م: (ومعنى المسألة إذا قال ذلك سرا، أما إذا قال علانية يؤخذ به) ش: أي يؤخذ المقر بجميع المال في الحال بلا خلاف، لأنه إقرار منه بالحق. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 31 فصل في الدين المشترك وإذا كان الدين بين شريكين، فصالح أحدهما من نصيبه على ثوب، فشريكه بالخيار: إن شاء اتبع الذي عليه الدين بنصفه، وإن شاء أخذ نصف الثوب، إلا أن يضمن له شريكه ربع الدين، والأصل في هذا أن الدين المشترك بين اثنين إذا قبض أحدهما شيئا منه فلصاحبه أن يشاركه في المقبوض لأنه ازداد بالقبض، إذ مالية الدين باعتبار عاقبة القبض، وهذه الزيادة راجعة إلى أصل الحق، فتصير كزيادة الولد والثمرة فله حق المشاركة، ولكنه قبل المشاركة باق على ملك القابض؛ لأن العين غير الدين   [البناية] [فصل في الدين المشترك] [كان الدين بين شريكين فصالح أحدهما من نصيبه على ثوب] م: (فصل في الدين المشترك) ش: أي هذا فصل في بيان حكم الدين المشترك، أخر هذا عن المفرد لأن المركب يتلو المفرد. م: (وإذا كان الدين بين شريكين فصالح أحدهما من نصيبه على ثوب فشريكه بالخيار إن شاء اتبع الذي عليه الدين بنصفه، وإن شاء أخذ نصف الثوب إلا أن يضمن له شريكه ربع الدين) ش: هذا لفظ القدوري، والاستثناء من قوله فشريكه بالخيار، يعني إذا ضمن الشريك المصالح ربع الدين ليس للشريك غير المصالح الخيار، لأن حقه في الدين ولا يكون له سبيل في الثوب. وإنما وضع المسألة في الدين بين شريكين، لأنه إذا ادعى اثنان في دار فصالح أحدهما من نصيبه من الدار على مال لم يشركه الآخر بلا خلاف بين العلماء سواء كان المدعى عليه منكرا أو مقرا، لأن الصلح بإقرار معاوضة فيجوز، وبإثبات معاوضة في زعم المدعى عليه فلا يثبت للشريك حق الشركة. م: (والأصل في هذا) ش: الفصل م: (أن الدين المشترك بين اثنين إذا قبض أحدهما شيئا منه فلصاحبه أن يشاركه في المقبوض؛ لأنه ازداد بالقبض) ش: أي لأن الدين ازداد خيرا بسبب كونه مقبوضا أو منقودا م: (إذ مالية الدين باعتبار عاقبة القبض) ش: لأن الدين قبل القبض وصف شرعي، وبعد القبض صار عينا منتفعا قابلا للتصرفات، ولأن الدين ليس بمال، ولهذا لو حلف على أن لا مال له وله ديون على الناس لا يحنث وبعدما قبض صار مالا. م: (وهذه الزيادة راجعة إلى أصل الحق، فتصير كزيادة الولد والثمرة فله حق المشاركة) ش: في أصل الحق م: (ولكنه قبل المشاركة) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر وهو أن يقال لو كانت زيادة الدين بالقبض كالثمر والولد ينبغي أن لا يجوز تصرف القابض قبل أن يختار الشريك مشاركته كما في الثمر والولد لا يجوز التصرف بغير إذن الآخر. وتقدير الجواب ما قاله، ولكنه أي ولكن المقبوض قبل المشاركة، أي أن يختار الشريك مشاركة القبض م: (باق على ملك القابض، لأن العين غير الدين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 32 حقيقة وقد قبضه بدلا عن حقه فيملكه حتى ينفذ تصرفه فيه ويضمن لشريكه حصته، والدين المشترك أن يكون واجبا بسبب متحد كثمن المبيع إذا كان صفقة واحدة وثمن المال المشترك والمورث بينهما وقيمة المستهلك المشترك، إذا عرفنا هذا فنقول في مسألة الكتاب له أن يتبع الذي عليه الأصل لأن نصيبه باق في ذمته؛ لأن القابض قبض نصيبه لكن له حق المشاركة وإن شاء أخذ نصف الثوب؛ لأن له حق المشاركة إلا أن يضمن له شريكه ربع الدين؛ لأن حقه في ذلك. قال: ولو استوفى أحدهما نصف نصيبه من الدين كان لشريكه أن يشاركه فيما قبض لما قلنا ثم يرجعان على الغريم بالباقي؛ لأنهما لما اشتركا في المقبوض لا بد أن يبقى الباقي على الشركة. قال: ولو اشترى أحدهما بنصيبه من الدين سلعة كان لشريكه أن يضمنه ربع الدين؛ لأنه صار قابضا حقه بالمقاصة كملا،   [البناية] حقيقة وقد قبضه بدلا عن حقه فيملكه حتى ينفذ تصرفه فيه ويضمن لشريكه حصته) . ش: ثم عرف المصنف الدين المشترك بقوله م: (والدين المشترك أن يكون واجبا بسبب متحد كثمن المبيع إذا كان صفقة واحدة) ش: قيد به، لأنه لو باع أحدهما نصيبه بخمسمائة والآخر نصيبه بخمسمائة وكتبا عليه صلحا واحدا بألف ثم قبض أحدهما شيئا لم يكن للآخر أن يشاركه فيه لأن تفرق التسمية في حق القابض كتفرق الصفقة م: (وثمن المال المشترك) ش: أي والدين المشترك أيضا ثمن المال المشترك بين الاثنين م: (والمورث بينهما) ش: أي بين الاثنين أي والثمن المورث بينهما بأن باع رجل عينا ومات قبل قبض الثمن وله وارث م: (وقيمة المستهلك المشترك) ش: بين الاثنين. م: (إذا عرفنا هذا) ش: لما فرغ المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - من بيان الأصل قال: إذا عرفنا م: (هذا) ش: وترك عليه م: (فنقول في مسألة الكتاب) ش: أي القدوري م: (له أن يتبع الذي عليه الأصل) ش: أي للساكت أن يتبع المديون م: (لأن نصيبه باق في ذمته) ش: ولم يستوفه م: (لأن القابض قبض نصيبه لكن له حق المشاركة وإن شاء أخذ نصف الثوب) ش: ونصف الثوب قدر ربع الدين، لأن الثوب صولح عليه بنصف الدين فيكون الثوب قدر نصف الدين ونصف النصف ربع لا محالة م: (لأن له حق المشاركة إلا أن يضمن له شريكه ربع الدين، لأن حقه في ذلك) ش: أي لأن حقه في الأصل كان في الدين. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولو استوفى أحدهما نصف نصيبه من الدين كان لشريكه أن يشاركه فيما قبض لما قلنا) ش: أي قبض هذا أن الدين المشترك بين اثنين إذا قبض أحدهما شيئا منه فلصاحبه أن يشاركه في المقبوض م: (ثم يرجعان على الغريم بالباقي، لأنهما لما اشتركا في المقبوض لا بد أن يبقى الباقي على الشركة قال) ش: أي القدوري م: (ولو اشترى أحدهما بنصيبه من الدين سلعة كان لشريكه أن يضمنه ربع الدين، لأنه صار قابضا حقه بالمقاصة كملا) ش: أي من الجزء: 10 ¦ الصفحة: 33 لأن مبنى البيع على المماكسة، بخلاف الصلح لأن مبناه على الإغماض والحطيطة فلو ألزمناه دفع ربع الدين يتضرر به فيتخير القابض كما ذكرناه، ولا سبيل للشريك على الثوب في البيع لأنه ملكه بعقده، والاستيفاء بالمقاصة بين ثمنه وبين الدين وللشريك أن يتبع الغريم في جميع ما ذكرنا؛ لأن حقه باق في ذمته؛ لأن القابض استوفى نصيبه حقيقة لكن له حق المشاركة في المقبوض فله أن لا يشاركه   [البناية] غير حطيطة. بيان هذا أن رب الدين لما اشترى بنصيبه من الدين من المديون سلعة وجب على سلعة ذمة مثل ما وجب في ذمة المديون فالتقيا قصاصا فصار كأنه قبض نصف الدين كان لشريكه أن يرجع عليه بحصته من ذلك فكذا هذا. م: (لأن مبنى البيع على المماكسة) ش: دليل قوله صار قابضا حقه بالمقاصة كملا م: (بخلاف الصلح) ش: يعني ما إذا صالح من نصيبه على سلعة كالثوب مثلا حيث يكون المصالح بالخيار إن شاء دفع إليه نصف الثوب، وإن شاء دفع إليه ربع الدين. وعند زفر: يلزمه أن يؤدي إليه ربع الدين بلا خيار م: (لأن مبناه) ش: أي مبنى الصلح م: (على الإغماض والحطيطة) ش: وهذا لا يملك بيعه مرابحة، فكان المصالح بالصلح أبرأه عن بعض حقه وقبض البعض م: (فلو ألزمناه دفع ربع الدين يتضرر) ش: أي المصالح م: (به) ش: لأنه لم يستوف نصف الدين كملا، فإذا كان كذلك م: (فيتخير القابض كما ذكرناه) ش: أشار به إلى قوله إلا أن يضمن له شريكه " أي إلا أن يضمن القابض للساكت ربع الدين م: (ولا سبيل للشريك على الثوب في البيع، لأنه ملكه بعقده) ش: أي لأن الذي اشترى نصيبه من الدين ثوبا ملكه بعقد البيع لا بسبب الدين. وقال الأترازي: لا يكون للشريك الساكت سبيل على الثوب في البيع يبقى في صورة الشراء، ولكن مع هذا لو اتفقا على الشركة في الثوب جاز؛ لأن الثوب على ملك القابض، فإذا سلم إلى الشريك الساكت نصفه ورضي هو بذلك صار كأنه باع منه نصف الثوب. م: (والاستيفاء بالمقاصة) ش: بالرفع، جواب عما يقال هب أن ملكه بعقده إنما كان ببعض دين مشترك، وذلك يقتضي الاشتراك في المقبوض. وتقدير الجواب أن يقال الاستيفاء بالمقاصة أي استيفاء الشريك بالتقاصص م: (بين ثمنه وبين الدين) ش: أي وبين دينه الخاص لا بدين مشترك، فلا يكون للشريك الساكت سبيل على الثوب. م: (وللشريك أن يتبع الغريم في جميع ما ذكرنا) ش: أي وللشريك الساكت اتباع المديون حصة في صورة الصلح على الثوب وصورة أخذ الدين من الدراهم أو الدنانير، وصورة شراء السلعة م: (لأن حقه) ش: أي لأن حق الساكت م: (باق في ذمته) ش: أي في ذمة المديون م: (لأن القابض استوفى نصيبه حقيقة، لكن له حق المشاركة في المقبوض فله أن لا يشاركه) ش: يعني لا يلزمه المشاركة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 34 فلو سلم ما قبض ثم توى ما على الغريم له أن يشارك القابض؛ لأنه إنما رضي بالتسليم ليسلم له ما في ذمة الغريم ولم يسلم. ولو وقعت المقاصة بدين كان عليه من قبل لم يرجع عليه الشريك لأنه قاض بنصيبه لا مقتض. ولو أبرأه عن نصيبه فكذلك؛ لأنه إتلاف وليس بقبض. ولو أبرأه عن البعض كانت قسمة الباقي على ما يبقى من السهام. ولو أخر أحدهما عن نصيبه صح عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا بالإبراء المطلق ولا يصح عندهما؛ لأنه يؤدي إلى قسمة الدين قبل القبض.   [البناية] م: (فلو سلم له ما قبض) ش: أي فلو سلم الشريك الساكت له أي للقابض ما قبضه وهو الثوب الذي بدل الصلح أو ثوب المشتري أو الدراهم أو الدنانير م: (ثم توى ما على الغريم) ش: بأن مات مفلسا م: (له أن يشارك القابض لأنه إنما رضي بالتسليم ليسلم له ما في ذمة الغريم ولم يسلم) ش: يعني إنما رضي بالتسليم على رجاء سلامة ما في ذمة الغريم، فإذا توى لم يسلم فيرجع كما في الحوالة إذا مات ليحتال عليه مفلسا فيرجع المحتال له على المحيل. م: (فلو وقعت المقاصة بدين كان عليه) ش: أي على أحد الشريكين م: (من قبل) ش: أي من قبل الدين المشترك بأن أقر أحد الشريكين أن للمديون عليه حقا قبل ثبوت الدين المشترك م: (لم يرجع عليه الشريك لأنه) ش: أي لأن القابض م: (قاض بنصيبه) ش: أي مؤديه نصيبه م: (لا مقتض) ش: أي لا مستوف دينه لما أخر الدينين يصير قضاء على أوليائه. م: (ولو أبرأه عن نصيبه) ش: أي لو أبرأ أحد الشريكين المديون عن نصيبه من الدين م: (فكذلك) ش: أي لم يرجع على شريكه م: (لأنه إتلاف وليس بقبض) ش: أي لأن الإبراء إتلاف نصيبه فلم يزد له شيء بالبراءة فلا يرجع عليه م: (ولو أبرأه عن البعض) ش: أي لو أبرأه أحد الشريكين المديون عن بعض نصيبه م: (كانت قسمة الباقي) ش: أي باقي الدين م: (على ما يبقى من السهام) ش: أي من سهامها من الدين كما إذا أبرأ أحدهما عن نصف دينه والدين عشرون درهما يكون للمشتري المطالبة بخمس دراهم. م: (ولو أخر أحدهما عن نصيبه) ش: أي لو أخر أحد الشريكين المطالبة عن الديون عن نصيبه م: (صح عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا بالإبراء المطلق ولا يصح عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذا مخالف لعامة روايات الكتب في " المبسوط " و" الأسرار " و" الإيضاح " وغيرها، فإن المذكور فيها قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والخلاف هكذا مشهور في المنظومة في باب أبي حنيفة خلافا لصاحبيه حيث قال فيها والدين بين اثنين، هذا قد جعل نصيبه مؤجلا شهرا بطل. وكذا ذكر الخلاف في " المختلف " والحصر م: (لأنه) ش: أي لأن تأخير أحد الشريكين عن نصيبه م: (يؤدي إلى قسمة الدين قبل القبض) ش: لأن في القسمة معنى التمليك فيكون فيه تمليك الجزء: 10 ¦ الصفحة: 35 ولو غصب أحدهما عينا منه أو اشتراه شراء فاسدا وهلك في يده فهو قبض، والاستئجار بنصيبه قبض. وكذا الإحراق عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والتزوج به إتلاف في ظاهر الرواية وكذا الصلح عليه عن جناية العمد، قال: وإذا كان السلم بين الشريكين فصالح أحدهما عن نصيبه على   [البناية] الدين من غير على من يحصل عليه الدين. م: (ولو غصب أحدهما عينا منه) ش: أي ولو غصب أحد الشريكين عينا من المديون م: (أو اشتراه شراء فاسدا وملك في يده فهو قبض) ش: أي قبض نصيبه من الدين المشترك م: (والاستئجار بنصيبه قبض) ش: بأن استأجر أحدهما من المديون دارا بنصيبه من الدين وقبض كان للساكت أن يأخذ منه ربع الدين. وفي" المبسوط ": استأجر نصيبه دارا من الغريم وسكنها يرجع الشريك عليه بنصف نصيبه، وروى ابن سماعة عن محمد هذا إذا استأجر بخمسمائة مطلقا، أما لو استأجر بحصته من الدين لا يرجع الآخر عليه بشيء. م: (وكذا الإحراق عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي لو أحرق أحدهما ثوب المديون وهو يساوي نصيب المحرق وهو نصف الدين فعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا قبض حتى يثبت للساكت أن يطالبه بربع الدين؛ لأن الإحراق إتلاف لمال مضمون فيكون كالغصب " والمديون صادقا راضيا بنصيبه بطريق المقاصة، فيجعل المحرق مقتضيا وهذا إذا ألقى النار على الثوب، أما إذا أخذ الثوب ثم أحرقه فإن الساكت يضمنه بربع الدين. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يرجع عليه بشيء لأنه متلف نصيبه بما صنع م: (والتزوج به) ش: أي بنصيبه، يعني إذا تزوج أحد ربي الدين امرأة بنصيبه من دين لهما عليها لا يكون ذلك قبضا للدين، بل هو م: (إتلاف في ظاهر الرواية) ش: احترز به عن رواية بشر عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يرجع بنصف حقه لو وقع القبض بطريق المقاصة. وجه الظاهر أنه لم يسلم له شيء يمكنه المشاركة فيه إذ البضع لا يحتمل الشركة فلم يظهر معنى الزيادة، فصار كما لو أبرأ. [كان السلم بين شريكين فصالح أحدهما عن نصيبه على رأس المال] م: (وكذا الصلح عليه عن جناية العمد) ش: أي وكذا هو إتلاف لا قبض بأن جنى أحد الشريكين على المديون عمدا فيما دون النفس. وقيل بجناية العمد، لأن في جناية الخطأ يرجع، ولكن ذكر في " الإيضاح " مطلقا فقال: ولو شج المطلوب موضحة فصالحه على حصته لم يرجع شريكه بشيء؛ لأن الصلح عن الموضحة بمنزلة النكاح. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا كان السلم بين شريكين فصالح أحدهما عن نصيبه على الجزء: 10 ¦ الصفحة: 36 رأس المال لم يجز عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف يجوز الصلح اعتبارا بسائر الديون، وبما إذا اشتريا عبدا فأقال أحدهما في نصيبه. ولهما أنه لو جاز في نصيبه خاصة يكون قسمة الدين في الذمة، ولو جاز في نصيبهما لا بد من إجازة الآخر، بخلافه شراء العين، وهذا لأن المسلم فيه صار واجبا بالعقد والعقد قام بهما فلا يتفرد أحدهما برفعه، ولأنه لو جاز لشاركه في المقبوض، فإذا شاركه فيه رجع المصالح على من عليه بذلك فيؤدي إلى عود السلم بعد سقوطه، قالوا: هذا إذا خلطا رأس المال، فإن لم يكونا قد خلطاه فعلى الوجه الأول هو على الخلاف، وعلى الوجه الثاني هو على الاتفاق.   [البناية] رأس المال لم يجز عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف: يجوز الصلح اعتبارا بسائر الديون وبما إذا اشتريا عبدا فأقال أحدهما في نصيبه) ش: فإنه يجوز بدون رضا الآخر ولأن ملك كل واحد منهما ممتازا عن الآخر، فجاز تفرده بالفسخ. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أنه) ش: أي أن الصلح أحدهما م: (لو جاز في نصيبه خاصة يكون قسمة الدين في الذمة) ش: قبل القبض، لأن خصومة نصيبه لا تظهر إلا بالتمييز ولا تمييز إلا بالقسمة وقد تقدم بطلانها م: (ولو جاز) ش: أي الصلح م: (في نصيبهما لا بد من إجازة الآخر) ش: ولم يوجد م: (بخلاف شراء العين) ش: هذا جواب عن قياس أبي يوسف المتنازع على شراء العبد، وبينه بقوله: م: (وهذا لأن المسلم فيه صار واجبا بالعقد) ش: أي ثابتا به م: (والعقد قام بهما فلا يتفرد أحدهما برفعه) ش: أي برفع العقد القائم بهما م: (ولأنه) ش: دليل آخر له أي ولأن الصلح المذكور م: (لو جاز لشاركه) ش: الشريك الآخر م: (في المقبوض) ش: عن رأس المال م: (فإذا شاركه فيه رجع المصالح على من عليه بذلك) ش: أي من عليه بالقدر من المسلم فيه الذي قبضه الشريك حيث لم يسلم له ذلك القدر وقد كان ساقطا بالصلح م: (فيؤدي إلى عود السلم بعد سقوطه) ش: وذلك باطل لأنه يلزم من نفيه ثبوته. م: (قالوا) ش: أي قال المتأخرون من مشايخنا م: (هذا) ش: أي هذا الخلاف م: (إذا خلطا رأس المال) ش: وكان رأس المال مشتركا بينهما م: (فإن لم يكونا قد خلطاه فعلى الوجه الأول) ش: أراد به النكتة الأولى، وهي لزوم قسمة الدين في الذمة م: (هو على الخلاف) ش: المذكور م: (وعلى الوجه الثاني) ش: أراد به النكتة الثانية م: (هو) ش: قوله ولأنه لو جاز لشاركه ... إلى آخره م: (على الاتفاق) ش: أي صح صلح أحدهما على الاتفاق على رأس ماله لأن رأس المال إذا لم يكن مخلوطا وقبضه صاحبه لم يكن لشريكه أن يشاركه فيه، لأنه لا حق له فيه لأنه مال الغير. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 37 فصل في التخارج قال: وإذا كانت التركة بين ورثة فأخرجوا أحدهم منها بمال أعطوه إياه والتركة عقار أو عروض جاز قليلا كان ما أعطوه إياه أو كثيرا؛ لأنه أمكن تصحيحه بيعا وفيه أثر عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه صالح تماضر الأشجعية امرأة عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن ربع ثمنها على ثمانين ألف دينار قال: وإن كانت التركة فضة فأعطوه ذهبا، أو كان ذهبا فأعطوه فضة فهو كذلك؛ لأنه بيع الجنس بخلاف الجنس فلا يعتبر التساوي ويعتبر التقابض في المجلس؛ لأنه صرف غير أن الذي في يده بقية التركة إن كان جاحدا   [البناية] [فصل في التخارج] [تعريف التخارج] م: (فصل في التخارج) ش: أي هذا فصل في بيان حكم التخارج. والتخارج لغة: إخراج كل واحد من الرفقة نفقة على قدر نفقة صاحبه، كذا في " الصحاح "، وشرعا: إخراج بعض الورثة عما يستحقه في التركة بمال يدفع إليه وسببه طلب الخارج من الورثة عند رضى غيره، وشرطه أن لا تكون التركة مشغولة بالدين كلها أو بعضها، وأن يكون ما أعطاه أكثر من نصيبه من ذلك الجنس، وشرطه عند البعض أيضا أن تكون أعيان التركة معلومة بأنها من أي جنس عند الصلح. [كانت التركة بين ورثة فأخرجوا أحدهم منها بمال أعطوه إياه] 1 م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا كانت التركة بين ورثة فأخرجوا أحدهم منها بمال أعطوه إياه والتركة عقار أو عروض جاز قليلا كان ما أعطوه إياه أو كثيرا) ش: قيد بقوله: والتركة عقار أو عروض؛ لأنها إذا كانت ذهبا أو فضة يجيء حكمها بعد هذا م: (لأنه أمكن تصحيحه بيعا) ش: إنما تعين البيع فيه لجواز دون الإبراء عما زاد من نصيبه، لأن الإبراء عن الأعيان غير المضمونة لا يصح فتعين البيع م: (وفيه) ش: أي وفي جواز التخارج م: (أثر عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه صالح تماضر الأشجعية امرأة عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن ربع ثمنها على ثمانين ألف دينار) ش: هذا غريب بهذا اللفظ. وروى عبد الرزاق في مصنفه في البيوع أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار أن امرأة عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجها أهله من ثلث الثمن بثلاثة وثمانين ألف درهم. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإن كانت التركة فضة فأعطوه ذهبا أو كان ذهبا) ش: أي أو كانت التركة ذهبا م: (فأعطوه فضة فهو كذلك) ش: يعني جاز قليلا كان ما أعطوه أو كثيرا م: (لأنه بيع الجنس، بخلاف الجنس فلا يعتبر التساوي ويعتبر التقابض في المجلس؛ لأنه صرف غير أن الذي في يده) ش: أي غير أن الوارث الذي في يده م: (بقية التركة إن كان جاحدا) ش: أي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 38 يكتفى بذلك القبض لأنه قبض ضمان فينوب عن قبض الصلح، وإن كان مقرا لا بد من تجديد القبض؛ لأنه قبض أمانة فلا ينوب عن قبض الصلح. وإن كانت التركة ذهبا وفضة وغير ذلك، فصالحوه على فضة أو ذهب، فلا بد أن يكون ما أعطوه أكثر من نصيبه من ذلك الجنس، حتى يكون نصيبه بمثله والزيادة بحقه من بقية التركة احترازا عن الربا، ولا بد من التقابض فيما يقابل نصيبه من الذهب والفضة لأنه صرف في هذا القدر. ولو كان بدل الصلح عرضا جاز مطلقا لعدم الربا. ولو كان في التركة دراهم ودنانير وبدل الصلح دراهم ودنانير أيضا جاز الصلح كيفما كان صرفا للجنس إلى خلاف الجنس كما في البيع لكن يشترط التقابض للصرف. قال: وإن كان في التركة دين على الناس فأدخلوه في الصلح على أن يخرجوا المصالح عنه ويكون الدين لهم فالصلح باطل؛   [البناية] التركة م: (يكتفى بذلك القبض) ش: أي القبض السابق يعني لا يحتاج إلى تجديد القبض م: (لأنه قبض ضمان فينوب عن قبض الصلح) ش: وهو قبض ضمان لأنه مثله. م: (وإن كان) ش: أي الذي في يده بقية التركة م: (مقرا) ش: أي بالتركة م: (لا بد من تجديد القبض، لأنه قبض أمانة فلا ينوب عن قبض الصلح) ش: لأنه إن كان مقرا فلا بد من تجديد القبض بالتخلية بالانتهاء إلى أن يتمكن فيه من قبضه، لأن قبضه قبض أمانة فلا ينوب عن قبض الضمان والأصل أن القبض إذا تجانسا أمانة أو ضمانا ناب أحدهما مناب الآخر، وإن اختلفا بأن قبض الضمان عن قبض الأمانة ولا ينعكس. م: (وإن كانت التركة ذهبا وفضة وغير ذلك فصالحوه على فضة أو ذهب فلا بد أن يكون ما أعطوه أكثر من نصيبه من ذلك الجنس حتى يكون نصيبه بمثله والزيادة بحقه من بقية التركة احترازا عن الربا ولا بد من التقابض فيما يقابل نصيبه من الذهب والفضة؛ لأنه صرف في هذا القدر. ولو كان بدل الصلح عرضا جاز مطلقا لعدم الربا) ش: يعني جاز هو قل بدل الصلح أو كثر لأنه لا يلزم الربا ولا يشترط فيه التقابض أيضا، لأنه ليس بصرف. م: (ولو كان في التركة دراهم ودنانير وبدل الصلح دراهم ودنانير أيضا جاز الصلح كيفما كان) ش: يعني بلا اشتراط التساوي في الجنس والزيادة على ذلك قل بدل الصلح أو كثر م: (صرفا للجنس إلى خلاف الجنس) ش: تصحيحا للعقد م: (كما في البيع) ش: حيث يصرف الجنس إلى خلاف الجنس تحرزا عن الربا م: (لكن يشترط التقابض للصرف) ش: أي لأجل كونه صرفا. [كان في التركة دين على الناس فأدخلوه في الصلح] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن كان في التركة دين على الناس فأدخلوه في الصلح) ش: أي أدخلوا الدين في الصلح م: (على أن يخرجوا المصالح) ش: بكسر اللام على صيغة اسم الفاعل م: (عنه) ش: أي عن الدين م: (ويكون الدين لهم فالصلح باطل) ش: أي في الكل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 39 لأن فيه تمليك الدين من غير من عليه وهو حصة المصالح. وإن شرطوا أن يبرأ الغرماء منه ولا يرجع عليهم بنصيب المصالح فالصلح جائز؛ لأنه إسقاط أو هو تمليك الدين ممن عليه الدين وهو جائز، وهذه حيلة الجواز. وأخرى أن يعجلوا قضاء نصيبه متبرعين. وفي الوجهين ضرر لبقية الورثة، والأوجه أن يقرضوا المصالح مقدار نصيبه ويصالحوا عما وراء الدين ويحيلهم على استيفاء نصيبه من الغرماء، ولو لم يكن في التركة دين وأعيانها غير معلومة والصلح على المكيل والموزون قيل: لا يجوز لاحتمال الربا، وقيل يجوز لأنه شبهة الشبهة،   [البناية] في العين والدين م: (لأن فيه تمليك الدين من غير من عليه) ش: أي الدين م: (وهو حصة المصالح) ش: أي تمليك الدين من غير من عليه حصة المصالح بكسر اللام. م: (وإن شرطوا أن يبرأ الغرماء منه) ش: يعني إذا شرط الورثة أن يبرأ المصالح من نصيبه من دين الغرماء وهم المديون م: (ولا يرجع) ش: أي الورثة م: (عليهم) ش: أي على الغرماء م: (بنصيب المصالح فالصلح جائز لأنه إسقاط) ش: أي إسقاط من ذمة المديون م: (أو هو تمليك الدين ممن عليه الدين وهو جائز، وهذه حيلة الجواز وأخرى) ش: أي وحيلة أخرى م: (أن يعجلوا) ش: الورثة م: (قضاء نصيبه) ش: أي نصيب المصالح من الدين حال كونهم م: (متبرعين، وفي الوجهين ضرر لبقية الورثة) ش: أما في الوجه الأول فلعدم تمكنهم من الرجوع على الغرماء. وفي الوجه الثاني لزوم النقد عليهم بمقابلة الدين الذي هو نسيئة، والنقد خير من الدين. م: (والأوجه) ش: أي في جواز م: (أن يقرضوا المصالح مقدار نصيبه) ش: من الدين م: (ويصالحوا عما وراء الدين ويحيلهم) ش: أي ويحيل المصالح الورثة م: (على استيفاء نصيبه من الغرماء) ش: وذكر الخصاف هذا الوجه في كتابه " الحيل " م: (ولو لم يكن في التركة دين وأعيانها غير معلومة والصلح على المكيل والموزون) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري، يعني إذا لم يكن في التركة دين على الناس ولكن أعيان التركة ليست معلومة فصالح بعض الورثة من نصيبه على كيلي كالحنطة والشعير ووزني كالحديد والصفر، فهل يجوز هذا الصلح أم لا؟ اختلف المشايخ فيه. م: (قيل: لا يجوز لاحتمال الربا) ش: لأنه يجوز أن يكون في التركة كيلي ووزني وبدل الصلح مثل نصيب المصالح من مثالي ذلك أو أقل، لأن ما زاد على بدل الصلح من نصيب المصالح يكون ربا. م: (وقيل يجوز لأنه شبهة الشبهة) ش: وإنما المعتبر الشبهة لا شبهة الشبهة وذلك لأنه لو علم أعيان التركة ولكن جهل قدر بدل الصلح من نصيب المصالح يكون شبهة، فإذا لم يعلم أعيان التركة يكون شبهة الشبهة لأنه يحتمل أن يكون في التركة كيلي ووزني، ويحتمل أن لا يكون، والقائل بعدم الجواز المرغيناني، والقائل بالجواز هو أبو جعفر الهندواني. وفي " فتاوى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 40 ولو كانت التركة غير المكيل والموزون لكنها أعيان غير معلومة، قيل لا يجوز لكونه بيعا، إذ المصالح عنه عين والأصح أنه يجوز لأنها لا تفضي إلى المنازعة لقيام المصالح عنه في يد البقية من الورثة، وإن كان على الميت دين مستغرق لا يجوز الصلح ولا القسمة؛ لأن التركة لم يتملكها الوارث، وإن لم يكن مستغرقا لا ينبغي أن يصالحوا ما لم يقضوا دينه فتقدم حاجة الميت، ولو فعلوا قالوا يجوز. وذكر الكرخي في القسمة أنها لا تجوز استحسانا وتجوز قياسا.   [البناية] قاضي خان ": والصحيح ما قاله أبو جعفر. م: (ولو كانت التركة غير المكيل والموزون لكنها أعيان غير معلومة قيل لا يجوز لكونه بيعا) ش: أي لكون الصلح بيعا م: (إذ المصالح عنه عين) ش: وبيع المجهول لا يصلح وهو قياس مذهب الشافعي م: (والأصح أنه يجوز) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنها) ش: أي أن الجهالة م: (لا تفضي إلى المنازعة لقيام المصالح عنه في يد البقية عن الورثة) ش: ولا يطلبوا شيئا آخر من المصالح مقابل بدل الصلح. م: (وإن كان على الميت دين مستغرق لا يجوز الصلح ولا القسمة، لأن التركة لم يتملكها الوارث) ش: وبه قال الشافعي في وجه م: (وإن لم يكن مستغرقا) ش: أي وإن لم يكن الدين مستغرقا للتركة م: (لا ينبغي أن يصالحوا ما لم يقضوا دينه) ش: أي دين الميت م: (فتقدم حاجة الميت، ولو فعلوا قالوا يجوز) ش: جاز لأن القليل لا يمنع الإرث وبه قال الشافعي في وجه. م: (وذكر الكرخي في القسمة أنها لا تجوز استحسانا وتجوز قياسا) ش: وذكر في " الذخيرة ": القياس والاستحسان من غير نسبته إلى الكرخي، وهكذا في " مبسوط شيخ الإسلام "، وفيه: إذا كان الدين غير مستغرق فالقياس أن لا يقسم ولكن يوقف الكل، وفي " الاستحسان ": يحبس قدر الدين للغرماء ويقسم الباقي بينهم بناء على أن الدين إذا لم يكن مستغرقا هل يمنع ملك الوارث في التركة أم لا، فالقياس أن يمنع؛ لأن ما من جزء إلا وهو مشغول بالدين وفي " الاستحسان ": لا يمنع حتى لو كان المورث جارية حل وطؤها نفيا للضرورة عن الوارث، إذ لا تخلو التركة عن قليل الدين والله أعلم بالصواب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 41 كتاب المضاربة المضاربة مشتقة من الضرب في الأرض، سمي به؛ لأن المضارب يستحق الربح بسعيه وعمله، وهي مشروعة للحاجة إليها فإن الناس بين غني بالمال غبي عن التصرف فيه،   [البناية] [كتاب المضاربة] [تعريف المضاربة ومشروعيتها] م: (كتاب المضاربة) ش: وجه المناسبة بين الكتابين من حيث إن كلا منهما مشتمل على الاسترباح. أما المضاربة فإن مبناها على هذا، وأما الصلح فإن المصالح سعي المدعى عليه مستربح، سواء كان الصلح عن إقرار أو عن إنكار أو عن سكوت. م: (المضاربة) ش: على وزن مفاعلة م: (مشتقة من الضرب في الأرض) ش: وهو السير فيها، قال الله عز وجل: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) . أعني بالضرب السفر للتجارة سمي هذا العقد لأن المضارب يسير في الأرض غالبًا طلبا للربح. وتسمية أهل المدينة هذا العقد معاوضة وقراضا مشتقا من القرض وهو القطع، وصاحب المال يقطع قدرًا من المال عن تصرفه ويجعل التصرف فيه للعامل بهذا العقد، واختار هذا أصحاب الأئمة الثلاثة، وقالوا: كتاب القراض واختار أصحابنا لفظ المضاربة لموافقة الكتاب. وفي الاصطلاح: هي إعارة المال إلى من يتصرف فيه ليكون الربح بينهما على ما شرطا م: (سمي به) ش: ذكر الضمير في الموضعين باعتبار العقد أي سمي عند المضاربة بهذا اللفظ م: (لأن المضارب يستحق الربح بسعيه وعمله) ش: وفيه مناقشة، لأن المضارب لا يستحق الربح بسعيه وعمله حتى لو سعى وعمل ولم يظهر ربح لا يستحق شيئًا، والكلام الموجه أن يقال لأن المضارب يسير في الأرض طلبًا للربح كما ذكرنا. م: (وهي مشروعة للحاجة إليها) ش: أشار بهذا إلى مشروعية بيان هذا النوع من التصرف وذلك بالكتاب: وهو قَوْله تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) ، أعني بالضرب السفر للتجارة، وبالسنة على ما يأتي. ولأجل احتياج الناس إلى هذا التصرف وبين هذا بالفاء التفسيرية لقوله م: (فإن الناس بين غني بالمال غبي عن التصرف فيه) ش: أي في المال و " الغبي " بفتح الغين المعجمة وكسر الباء الموحدة على وزن فعيل من الغباوة وهي: قلة الفطنة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 42 وبين مهتد في التصرف صفر اليد عنه فمست الحاجة إلى شرح هذا النوع من التصرف لينتظم مصلحة الغبي والذكي والفقير والغني، وبعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس يباشرونه فقررهم عليه وتعاملت به الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -   [البناية] م: (وبين مهتد في التصرف صفر اليد عنه) ش: أي عن المال والصفر بكسر الصاد المهملة وسكون الفاء الخالي، يقال بيت صفر من المتاع، ورجل صفر اليدين م: (فمست الحاجة) ش: أي إذا كان الأمر كذلك مست الحاجة م: (إلى شرح هذا النوع من التصرف لينتظم مصلحة الغبي والذكي والفقير والغني) ش: لأن الله تعالى خلق الخلق أطواراً مختلفة الطبائع مباين التصرفات والحرف، مشتملين على الفقير والغني، محتاجين إلى إعانة بعضهم بعضاً، فلا جرم شرع هذا التصرف ونحوه ليقوم بها معاشهم وتحصل بها أغراضهم. م: «وبعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس يباشرونه فقررهم عليه» ش: الواو في والناس للحال والضمير المنصوب في يباشرونه والمجرور عليه يرجعون إلى عقد المضاربة لا إلى المضاربة لفظها. وقد ذكر السغناقي ناقلاً عن " المبسوط ": ثم جواز هذا العقد عرف بالسنة والإجماع: فالسنة ما «روي أن العباس بن عبد المطلب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان إذا دفع مالاً مضاربة شرط على المضارب أن لا يسلك به بحراً وأن لا ينزل وادياً ولا يشتري ذات كبد رطب فإن فعل ذلك ضمن، فبلغ ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستحسنه» . وتبعه على ذلك الكاكي وصاحب " العناية " وغيرهما، ولم أر واحداً منهم بين أصل الحديث، وحاله ومن خرجه. فأقول: هذا الحديث أخرجه البيهقي عن يونس بن أرقم حدثنا أبو الجارود وعن حبيب بن يسار عن ابن عباس، قال: «كان العباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا دفع مالا مضاربة اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحرا ولا ينزل به واديا ولا يشتري به ذات كبد رطبة، فإن فعل فهو ضامن فوقع شرطه إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأجازه» وأبو الجارود: زياد بن المنذر كذبه ابن معين. م: (وتعاملت به الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أي بعقد المضاربة كما ذكرنا، روى مالك في الموطأ عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده أنه عمل في مال لعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على أن الربح بينهما، وروى البيهقي من حديث ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه سأله عن الرجل يعطي المال رجلا قراضاً فيشترط له كما الجزء: 10 ¦ الصفحة: 43 ثم المدفوع إلى المضارب أمانة في يده لأنه قبضه بأمر مالكه لا على وجه البدل والوثيقة،   [البناية] أعطى نحو يوم أخذ، قال: لا بأس بذلك. وأخرج الدارقطني عن ابن لهيعة قال: حدثنا أبو الأسود عن عروة بن الزبير وغيره أن حكيم بن حزام صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالا مقارضة فضرب له به أن لا تجعل مالي في كبد رطبة ولا تحمله في بحر ولا تنزل به في بطن مسيل، فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي. وأخرج البيهقي في " المعرفة " من طريق الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه بلغه عن حميد بن عبد الله بن عبيد الأنصاري عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أعطى مال يتيم مضاربة وكان يعمل به بالعراق ولا يدري كيف قاطعه على الربح، وأخرج أيضاً عن حماد عن إبراهيم أن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أعطى زيد بن خليدة مالاً مقارضة. وأخرج هذا أيضاً الحسن بن زياد في كتاب " المجرد " وقال: أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن عبد الله بن مسعود أنه أعطى زيد بن خليدة البكري مالا مضاربة فأسلم زيد بن خليدة المضاربة إلى رجل من بني شيبان يقال له عتريس بن عرقوب في قلائص إبل فحلت فأدى بعضها فذكر ذلك لعبد الله فقال: خذ منه رأس مالك فلا تسلم في شيء من الحيوان م: (ثم المدفوع إلى المضارب أمانة في يده) ش: وليس فيه خلاف. وفي " شرح الطحاوي ": أن يصير المال مضموناً عند المضارب أن يقرض من المضارب ويشهد عليه ويسلمه إليه، ثم يأخذه منه مضاربة بالنصف أو بالثلث ثم يدفع إليه يستعين به في العمل حتى لو هلك به هلك كالقرض وإذا ربح ولم يهلك يكون الربح بينهما على الشركة. وحيلة أخرى أن يقرض جميع المال من المضارب إلا درهما واحدا ويسلمه إليه ثم إنهما يشتركان في ذلك شركة عنان، على أن يكون رأس مال المقرض درهماً، ورأس مال المستقرض جميع ما استقرض، على أن يعملا جميعا وشرطا على أن الربح بينهما، ثم بعد ذلك يعمل المستقرض خاصة في المال فإن هلك المال في يده فالقرض عليه، ولو ربح فالربح بينهما على الشرط. م: (لأنه) ش: أي لأن المضارب م: (قبضه بأمر مالكه لا على وجه البدل) ش: احترز عن المقبوض على سوم الشراء والقرض، فإنه مضمون م: (والوثيقة) ش: أي ولا على وجه الوثيقة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 44 وهو وكيل فيه لأنه يتصرف فيه بأمر مالكه. وإذا ربح فهو شريك فيه لتملكه جزءا من المال بعمله، فإذا فسدت ظهرت الإجارة حتى استوجب العامل أجر مثله، وإذا خالف كان غاصبا لوجود التعدي منه على مال غيره، قال: المضاربة عقد يقع على الشركة بمال من أحد الجانبين ومراده الشركة في الربح وهو يستحق بالمال من أحد الجانبين والعمل من الجانب الآخر ولا مضاربة بدونها، ألا ترى أن الربح لو شرط كله لرب المال كان بضاعة، ولو شرط جميعه للمضارب كان قرضا.   [البناية] واحترز به عن الرهن فإنه مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين م: (وهو وكيل فيه) ش: أي المضارب وكيل في المدفوع إليه، وقال الأترازي: وكيل في العمل والأول أقرب وأصوب. م: (لأنه يتصرف فيه بأمر مالكه) ش: ولهذا يرجع عليه بما لحقه من العهدة على رب المال كالوكيل. م: (وإذا ربح فهو شريك فيه) ش: أي في الربح وليس المراد أنه شريك في رأس المال مع الربح، لأنه لم يشركه في رأس المال وإنما شركه في الربح م: (لتملكه جزءا من المال بعمله) ش: أي لتملك المضارب جزءا من المال وهو الربح الشائع فيه وذلك بسبب عمله وسعيه. م: (فإذا فسدت) ش: المضاربة م: (ظهرت الإجارة) ش: لأنه يعمل لرب المال في ماله فيصير ما شرط من الأجر كالأجرة على عمله م: (حتى استوجب العامل أجر مثله) ش: لأنه يكون في الإجارات م: (وإذا خالف كان غاصبا لوجود التعدي منه على مال غيره) ش: فيصير المال مضمونًا عليه وبه قالت الثلاثة وأكثر أهل العلم. وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا ضمان على من شركه في الربح، وبه قال الحسن والزهري - رحمهما الله -. م: (قال) ش: أي القدوري م: (المضاربة، عقد يقع على الشركة بمال من أحد الجانبين) ش: هذا تفسير للمضاربة على الاصطلاح، ولكن لما كان فيه نوع حقار لأنه قال عقد على الشركة ولم يبين أن الشركة فيما إذا فسر المصنف بقوله م: (ومراده) ش: أي مراد القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله عقد على م: (الشركة في الربح) ش: لا في رأس مال مع الربح، لأن رأس المال لرب المال. م: (وهو) ش: أي الربح م: (يستحق بالمال من أحد الجانبين، والعمل من الجانب الآخر) ش: وهو المضارب وقوله: يستحق على صيغة المجهول م: (ولا مضاربة بدونها) ش: أي بدون الشركة وأشار به إلى أن العقد ينتفي بانتفائها. م: (ألا ترى) ش: إيضاح لقوله: عقد على الشركة وقوله: لا مضاربة بدونها م: (أن الربح لو شرط كله لرب المال كان بضاعة، ولو شرط جميعه للمضارب كان قرضًا) ش: وقال مالك: يكون مضاربة صحيحة في الوجهين. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: إذا قال: خذه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 45 قال: ولا تصح إلا بالمال الذي تصح به الشركة وقد تقدم بيانه من قبل. ولو دفع إليه عرضا وقال: بعه واعمل مضاربة في ثمنه جاز؛ لأنه يقبل الإضافة من حيث إنه توكيل وإجارة فلا مانع من الصحة،   [البناية] مضاربة والربح لي أو لك يفسد عقد المضاربة ولا ينصرف إلى شيء. [شروط رأس مال المضاربة] [أن يكون رأس مال المضاربة دراهم أو دنانير أو فلوس] م: (قال: ولا تصح إلا بالمال الذي تصح به الشركة) ش: أي قال القدوري: وهو أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير عندهما أو فلوسًا رائجة عند محمد وبما سواها لا يجوز، وبه قالت الأئمة الثلاثة، ونص في " الذخيرة " أنه إجماع. وقال السغناقي: العروض لا تصلح لرأس المال عندنا خلافًا للإمام مالك. وكذا الكيلي والوزني خلافا لابن أبي ليلى، وقد نظر فيه الكاكي بقوله: وما كتب في بعض كتب أصحابنا أن عند الإمام مالك تصح المضاربة بالعروض لم نجده في كتبهم، بل ذكر فيها لا يصح بالعروض. قلت: قد ذكر في " جواهر المالكية " ما هو أبلغ منها وهو أنه لا يجوز بالنقرة التي ليست مضروبة إذا كان التعامل بالمسكوك ولا يجوز بالفلوس عند ابن القاسم، وأجازه أشهب، ولا بالدراهم المغشوشة م: (وقد تقدم بيانه من قبل) ش: أراد به باب الشركة. م: (ولو دفع إليه عرضا وقال بعه واعمل مضاربة في ثمنه جاز) ش: وجه ذكره تفريعا على مسألة القدوري ويعني بهذا، وجه الحيلة في جواز المضاربة بالعرض وأخرى ذكرها الخصاف في الحيل، وقال: قلت: أرأيت رجلاً أراد أن يدفع إلى رجل مضاربة وليس عنده إلا متاع كيف يصنع، قال: يبيع المتاع من رجل يثق به ويقبض المال فيه ويدفعه إلى المضارب مضاربة ثم يشتري المضارب هذا المتاع من الرجل الذي ابتاعه من صاحبه، وفي مسألة الكتاب خلافا للثلاثة فعندهم لا يجوز لجهالته. م: (لأنه) ش: عند المضاربة م: (يقبل الإضافة من حيث إنه توكيل وإجارة فلا مانع من الصحة) ش: يعني أنه مشتمل على التوكيل، والإجارة بالراء المهملة أو بالزاي، وكل منهما يقبل الإضافة إلى زمان المستقبل فيجب أن يكون عقد المضاربة كذلك لئلا يخالف الكل الجزء، وصورة إضافة التوكيل إلى المستعمل بأن يقول وكلتك بأن تبيع عبدي هذا غدًا فإنه يصير وكيلا غدًا وبعده، ولا يصير وكيلا قبل الغد، وصورة إضافة الإجارة أن يقول آجرتك داري غدًا فإن الإجارة تنعقد عند مجيء الغد لا قبله. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 46 وكذا إذا قال له اقبض مالي على فلان واعمل به مضاربة جاز لما قلنا، بخلاف ما إذا قال له اعمل بالدين الذي في ذمتك حيث لا يصح المضاربة لأن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يصح هذا التوكيل على ما مر في البيوع وعندهما يصح لكن يقع الملك في المشترى للآمر فتصير مضاربة بالعرض. قال: ومن شرطها أن يكون الربح بينهما مشاعا لا يستحق أحدهما دراهم مسماة من الربح؛ لأن شرط ذلك يقطع الشركة بينهما، ولا بد منها كما في عقد الشركة،   [البناية] [الحكم لو قال له اقبض مالي على فلان واعمل به مضاربة] م: (وكذا إذا قال له اقبض مالي على فلان واعمل به مضاربة جاز لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله لأنه يقبل الإضافة م: (بخلاف ما إذا قال له اعمل بالدين الذي في ذمتك حيث لا يصح المضاربة) ش: بالاتفاق بين أصحابنا مع اختلاف التخريج، أشار إليه بقوله م: (لأن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يصح هذا التوكيل) ش: وهو أنه لو وكله بشراء بما في ذمته لا يصح عنده م: (على ما مر في البيوع) ش: أراد به بيوع الوكالة لا كتاب البيوع. وفي بعض النسخ وقد مر في البيوع وذلك لأنه يؤدي إلى ربح ما لم يضمن وهو حرام، والذي ذكره في كتاب الوكالة في البيع والشراء من كتاب الوكالة هو قوله ومن له على آخر ألف درهم فأمره أن يشتري بهذا العبد .... إلى آخره. م: (وعندهما يصح) ش: أي هذا التوكيل ومع هذا لا تصح المضاربة، أشار إليه بقوله م: (لكن يقع الملك في المشتري) ش: بفتح الراء يقع م: (للآمر فتصير مضاربة بالعرض) ش: فتصير فاسدة، واستشكل على المسألة الأولى بما إذا قال اقبض جميع الألف التي لي على فلان ثم اعمل بها مضاربة فقبض المأمور نصف ما على المديون وعمل به مضاربة فإنه لا يجوز. وأجيب: بأنه ثم للتعقيب مع التراخي وقد أخر الأمر بالعمل مضاربة عن قبض جميع المال، فما لم يقبض جميع الألف لا يصح، وأيضًا يكون مخالفا بالعمل بالبعض قبل قبض الكل فلا يصح، كما إذا قال لزوجته اقبضي جميع المال الذي على فلان وأنت طالق، فقبضت البعض لم تطلق ولو قال اقبضي جميع المال الذي على فلان أنت طالق طلقت للحال للقبض إذا لم يرو الزوج واو الحال. [أن يكون الربح مشاعا في المضاربة] م: (قال: ومن شرطها) ش: أي قال القدوري: ومن شرط المضاربة م: (أن يكون الربح بينهما مشاعا لا يستحق أحدهما دراهم مسماة من الربح) ش: وفي بعض النسخ لا يشترط لأحدهما دراهم مسماة م: (لأن شرط ذلك يقطع الشركة بينهما) ش: أي بين رب المال والمضارب، لأنه ربما لا يكون الربح إلا ذلك القدر م: (ولا بد منها) ش: أي من الشركة، فإذا انتفت الشركة المشروطة لجوازها انتفت المضاربة، لأن المنافي لشرط جواز الشيء مناف له وإذا ثبت أحد المنافيين انتفى الآخر م: (كما في عقد الشركة) ش: حيث لا يكون عقد من عقود الشركة إلا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 47 قال: فإن شرط زيادة عشرة فله أجر مثله؛ لفساده فلعله لا يربح إلا هذا القدر فتنقطع الشركة في الربح، وهذا لأنه ابتغى عن منافعه عوضا ولم ينل لفساده والربح لرب المال لأنه نماء ملكه، وهذا هو الحكم في كل موضع لم تصح المضاربة، ولا تجاوز بالأجر القدر المشروط عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما بينا في الشركة. ويجب الأجر وإن لم يربح في رواية الأصل؛ لأن أجر الأجير يجب بتسليم المنافع أو العمل وقد وجد، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجب اعتبارا بالمضاربة الصحيحة مع أنها فوقها،   [البناية] بالاشتراك. م: (قال) ش: أي في الجامع الصغير: م: (فإن شرط زيادة عشرة) ش: هذا تفسير لما قبله، أي إن شرط في العقد زيادة عشرة دراهم مثلا على ما شرطا م: (فله أجر مثله) ش: أي فللعامل أجر مثله م: (لفساده) ش: أي لفساد عقد المضاربة، وهذا لا خلاف فيه. قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على فساد المضاربة إذا شرط لأحدهما دراهم مسماة م: (فلعله لا يربح إلا هذا القدر فتنقطع الشركة في الربح) ش: الضمير في لعله يجوز أن يعود إلى المضاربة ويجوز أن يعود إلى المال والأول أقرب. م: (وهذا) ش: أي وجوب أجر المثل م: (لأنه ابتغى) ش: أي لأن المضارب طلب يعني لرب المال بالعقد وابتغى به م: (عن منافعه عوضًا ولم ينل) ش: أي العوض م: (لفساده) ش: أي لفساد العقد ولا بد من عوض منافع تلفت بالعقد وليس ذلك في الربح لأنه لرب المال، أشار إليه بقوله م: (والربح لرب المال، لأنه نماء ملكه) ش: وإذا كان كذلك فله أجر المثل. م: (وهذا هو الحكم في كل موضع لم تصح المضاربة ولا تجاوز بالأجر القدر المشروط عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فكان وجوده كعدمه. وقيل: الثلث أو الربع المشروط في العقد م: (خلافًا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده يجب بالغًا ما بلغ وبه قالت الثلاثة م: (كما بينا في الشركة) ش: أي كما بينا هذا الحكم مع الخلاف في كتاب الشركة ولم يبين في الشركة شيئًا إنما قال في الشركة الفاسدة فللمعين يعني في الاحتطاب ونحوه أجر مثله بالغا ما بلغ عند محمد. وعند أبي يوسف لا تجاوز به نصفا عن ذلك أي بيان في هذا م: (ويجب الأجر وإن لم يربح) ش: أي المضارب م: (في رواية الأصل) ش: أي " المبسوط "، وبه قال الشافعي وأحمد في رواية م: (لأن أجر الأجير يجب بتسليم المنافع) ش: كما في الأجير الخاص، فإن في تسليم نفسه تسليم منافعه م: (أو العمل) ش: كما في الأجير المشترك م: (وقد وجد) ش: أي المذكور من تسليم المنافع والعمل. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجب اعتبارًا بالمضاربة الصحيحة مع أنها فوقها) ش: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 48 والمال في المضاربة الفاسدة غير مضمون بالهلاك اعتبارا بالصحيحة، ولأنه عين مستأجرة في يده وكل شرط يوجب جهالة في الربح يفسده لاختلال مقصوده وغير ذلك من الشروط الفاسدة   [البناية] قول المضاربة الفاسدة في إمضاء حكمها وفي استحقاق الربح، فإذا لم يجب في الصحيحة إذا لم يربح ففي الفاسدة أولى أن لا يجب. قال السغناقي: فإن قلت: ما جواب وجه ظاهر الرواية عن هذا التعليل، فإنه قول بأن العقد الفاسد يؤخذ حكمه من الصحيح من جنسه كما في البيع الفاسد. قلت: الفاسد إنما يعتبر بالجائز إذا كان انعقاد الفاسد مثل انعقاد الجائز كالبيع، وهاهنا المضاربة الصحيحة تنعقد شركة الإجارة والفاسد تنعقد إجارة فتعتبر بالإجارة في استحقاق الأجر عند إيفاء العمل، انتهى. قلت: بل اعتبار فاسد المضاربة بصحيحها أولى من جعلها إجارة لأنهما قد تراضيا أن يكون العامل جزء من الربح إن حصل ربح، وبالحرمان إن لم يحصل ولم يرض رب المال يكون في ذمته شيء في مقابلة عمل العامل، فإذا أوجبتم في ذمته شيئًا كان إيجابًا بغير دليل وهدم الأصل الضعيف أولى من إلغاء التعليل الصحيح. [المال في المضاربة الفاسدة] م: (والمال في المضاربة الفاسدة غير مضمون بالهلاك اعتبارًا بالصحيحة) ش: وبه قالت الثلاثة، وفي " المبسوط ": عن ابن سماعة عن محمد: أنه يضمن المال م: (ولأنه عين مستأجرة في يده) ش: أو لأن المال عين مستأجرة في يد المضارب، وفي بعض النسخ عين مستأجر أي عين استوجد المضارب ليعمل به هو لا غيره فلا يضمن كالأجير الواحد، وهذا التعليل يشير إلى المضارب بمنزلة أجير الواحد من حيث إنه لا يمكنه أن يؤاجر نفسه في ذلك الوقت لآخر، وهذا قول أبي جعفر الهندواني. وقيل: المذكور هنا قول أبي حنيفة، وعندهما ضامن إذا هلك في يده بما يمكن التحرز عنه، وهذا قول الطحاوي، وهذا بناء على أن المضارب بمنزلة الأجير المشترك وهو لا يضمن إذا تلف المال في يده من غير صفة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافاً لهما، قال الإمام الأسبيجابي في شرح " الكافي ": ولا يصح أنه لا ضمان على قول الكل. [حكم جهالة الربح في المضاربة] م: (وكل شرط يوجب جهالة في الربح يفسده) ش: أي يفسد عقد المضاربة كما إذا قال لك نصف الربح أو ثلثه وشرط أن يدفع المضارب داره إلى رب المال ليسكنها أو أرضه سنة ليزرعها لأنه جعل نصف الربح عوضًا عن عمله وأجرة الدار فصارت حصة العمل مجهولة فلم يصح م: (لاختلال مقصوده) ش: وهو الربح. م: (وغير ذلك من الشروط الفاسدة) ش: أي الشروط التي لا توجب الجهالة في الربح م: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 49 لا يفسدها ويبطل الشرط كاشتراط الوضيعة على المضارب. قال: ولا بد أن يكون المال مسلما إلى المضارب، ولا يد لرب المال فيه؛ لأن المال أمانة في يده، فلا بد من التسليم إليه، وهذا بخلاف الشركة؛ لأن المال في المضاربة من أحد الجانبين والعمل من الجانب الآخر فلا بد من أن يخلص المال للعامل ليتمكن من التصرف فيه، أما العمل في الشركة من الجانبين فلو شرط خلوص اليد لأحدهما لم تنعقد الشركة، وشرط العمل على رب المال مفسد للعقد؛ لأنه يمنع خلوص يد المضارب، فلا يتمكن من التصرف فلا يتحقق المقصود،   [البناية] (لا يفسدها) ش: أي المضاربة م: (ويبطل الشرط) ش: أي بل يبطل نفس ذلك الشرط، وبه قالت الثلاثة، وعن الشافعي وأحمد يفسد العقد م: (كاشتراط الوضيعة) ش: أي الجنسين. وقيل: الوضيعة اسم لجزء هالك من المال م: (على المضارب) ش: وفي الإيضاح والذخيرة عليهما، وفي " التحفة ": عليه أو عليهما، قيل: شرط العمل على رب المال لا يوجب جهالة في الربح ولا يبطل في نفسه، بل يبطل المضاربة كما سيجيء فلم تكن القاعدة مطردة. أجيب: بأنه قال وغير ذلك من الشروط الفاسدة لا يفسدها، وإذا شرط العمل على رب المال فليس ذلك بمضاربة، وسلب الشيء عن المعدوم صحيح يجوز أن يقال: زيد المعدوم ليس ببصير، وقوله بعد هذا مخطوط وشرط العمل على رب المال مفسد للعقد، معناه عن تحققه فافهم. [اشتراط تسليم المال للمضارب] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا بد أن يكون المال مسلمًا إلى المضارب ولا يد لرب المال فيه) ش: أي بتصرف أو عمل م: (لأن المال أمانة في يده فلا بد من التسليم إليه) ش: كالوديعة م: (وهذا بخلاف الشركة؛ لأن المال في المضاربة من أحد الجانبين والعمل من الجانب الآخر فلا بد من أن يخلص المال للعامل ليتمكن من التصرف فيه) ش: وبقاؤه لا يمنع الخلوص. م: (أما العمل في الشركة من الجانبين، فلو شرط خلوص اليد لأحدهما لم تنعقد الشركة) ش: لأنها انعقدت على العمل بينهما فمتى شرط انتفاء يد رب المال لم ينعقد أصلاً كذا في " الإيضاح ". م: (وشرط العمل على رب المال مفسد للعقد، لأنه يمنع خلوص يد المضارب فلا يتمكن من التصرف، فلا يتحقق المقصود) ش: ولا يعلم فيه خلاف. ولكن ذكر في " الذخيرة ": حكي عن الفقيه محمد بن إبراهيم الضرير أنه لو شرط رب المال لنفسه أن يتصرف في المال بانفراده متى بدا له وأن يتصرف المضارب في جميع المال متى بدا له جازت المضاربة. وإنما لا يجوز شرط عمله رب المال مع المضارب إذا شرط العمل جملة، لأنه حينئذ لا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 50 سواء كان المالك عاقدا أو غير عاقد كالصغير؛ لأن يد المالك ثابتة له وبقاء يده يمنع التسليم إلى المضارب. وكذا أحد المتفاوضين وأحد شريكي العنان إذا دفع المال مضاربة وشرط عمل صاحبه لقيام الملك له وإن لم يكن عاقدا، واشتراط العمل على العاقد مع المضارب وهو غير مالك يفسده إن لم يكن من أهل المضاربة فيه كالمأذون، بخلاف الأب والوصي لأنهما من أهل أن يأخذا مال الصغير مضاربة بأنفسهما، فكذا اشتراطه عليهما بجزء من المال. قال: وإذا صحت المضاربة مطلقة   [البناية] يصير المال مسلمًا إلى المضارب م: (سواء كان المالك عاقدًا أو غير عاقد كالصغير) ش: إذا دفع أبوه أو وليه أو وصيه ماله مضاربة وشرط عمل الصغير فإنه لا يجوز م: (لأن يد المالك ثابتة له) ش: أي للصغير م: (وبقاء يده يمنع التسليم إلى المضارب) ش: كما في " الكبير ". [أحد الشريكين إذا دفع المال مضاربة وشرط عمل صاحبه] م: (وكذا أحد المتفاوضين وأحد شريكي العنان إذا دفع المال مضاربة وشرط عمل صاحبه) ش: فسدت المضاربة م: (لقيام الملك له) ش: تعليل لقوله وكذا أحد المتفاوضين يعني يفسد العقد إذا عقد أحد الشريكين وشرط عمل صاحبه لقيام الملك لصاحبه م: (وإن لم يكن عاقدًا) ش: فيمنع وإن لم يكن صاحبه عاقدًا. فإذا كان كذلك فيمنع صحة الدفع مع قيام يد المالك م: (واشتراط العمل على العاقد، مع المضارب وهو غير مالك يفسده) ش: عقد المضاربة م: (إن لم يكن من أهل المضاربة فيه) ش: أي في المال م: (كالمأذون) ش: يدفع ماله مضاربة ويشترط عمله على المضاربة يفسد العقد، لأن يد التصرف ثابتة له في هذا المال ويده يد نفسه ينزل منزلة المالك فيما يرجع إلى التصرف فكان قيام يده مانعًا لصحة المضاربة، هذا وليس بقياس، بل هو تنظير لما إذا كان العاقد غير مالك. [الأب والوصي إذا دفعا مال الصغير مضاربة وشرطا العمل بجزء مع الربح] م: (بخلاف الأب والوصي) ش: إذا دفعا مال الصغير مضاربة وشرطا العمل بأنفسهما مع المضارب بجزء مع الربح فهو جائز م: (لأنهما من أهل أن يأخذا مال الصغير مضاربة بأنفسهما، فكذا اشتراطه) ش: أي اشتراط العمل م: (عليهما بجزء من المال) ش: لأن كل مال يجوز أن يكون الوصي مضاربًا وحده جاز أن يكون مضاربًا فيه مع غيره. وهذا لأن تصرف الأب أو الوصي واقع للصغير حكمًا بطريق النيابة فسار دفعه كدفع الصغير وكشرطه فتشترط التخلية من قبل الصغير؛ لأنه رب المال وقد تحققت. [المضاربة المطلقة] [المسافرة بمال المضاربة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا صحت المضاربة مطلقة) ش: بأن لم تكن مقيدة بزمان ومكان، فإذا قال: دفعت إليك هذا المال مضاربة ولم يزد على ذلك فهذه مضاربة مطلقة، كذا في " الذخيرة ". الجزء: 10 ¦ الصفحة: 51 جاز للمضارب أن يبيع ويشتري ويوكل ويسافر ويبضع ويودع لإطلاق العقد، والمقصود منه الاسترباح ولا يتحصل إلا بالتجارة فينتظم العقد صنوف التجارة وما هو من صنيع التجار والتوكيل من صنيعهم، وكذا الإيداع والإبضاع والمسافرة، ألا ترى أن المودع له أن يسافر فالمضارب أولى كيف وأن اللفظ دليل عليه؛ لأنها مشتقة من الضرب في الأرض وهو السير. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ليس له أن يسافر. وعنه عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إن دفع في بلده ليس له أن يسافر به لأنه تعريض على الهلاك من غير ضرورة وإن دفع في غير بلده له أن يسافر إلى بلده؛ لأنه هو المراد في الغالب. والظاهر ما ذكر في الكتاب. . قال: ولا يضارب إلا أن يأذن له رب المال أو يقول له: اعمل برأيك لأن الشيء لا يتضمن مثله لتساويهما في القوة فلا بد من التنصيص عليه، أو التفويض المطلق إليه،   [البناية] م: (جاز للمضارب أن يبيع ويشتري ويوكل ويسافر ويبضع ويودع لإطلاق العقد والمقصود منه) ش: أي من عقد المضاربة م: (الاسترباح ولا يتحصل) ش: أي الاسترباح م: (إلا بالتجارة فينتظم العقد) ش: أي العقد المطلق م: (صنوف التجارة وما هو من صنيع التجار والتوكيل من صنيعهم، وكذا الإيداع والإبضاع والمسافرة) ش: أي السفر والمفاعلة هذه ليست على بابها كما في المسارعة إلى الخير. م: (ألا ترى أن المودع له أن يسافر، فالمضارب أولى) ش: بأن يسافر م: (كيف وأن اللفظ دليل عليه) ش: أي كيف لا يسافر والحال أن لفظ المضاربة دليل على السفر، أي على جوازه. م: (لأنها) ش: أي لأن المضاربة م: (مشتقة من الضرب في الأرض وهو السير، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ليس له أن يسافر) ش: قيل هذا إذا لم يقل له اعمل برأيك. م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف م: (عن أبي حنيفة أنه - رحمه لله - إن دفع في بلده) ش: أي في بلد المضارب م: (ليس له أن يسافر به لأنه تعريض على الهلاك من غير ضرورة، وإن دفع في غير بلده له أن يسافر إلى بلده؛ لأنه هو المراد في الغالب) ش: إذ الإنسان لا يستديم الغربة مع إمكان الرجوع، فلما أعطاه عالمًا بغربته كان دليل الرضى بالمسافرة عند رجوعه إلى وطنه م: (والظاهر) ش: أي ظاهر الرواية عن أصحابنا جميعاً م: (ما ذكر في الكتاب) ش: أي القدوري في مختصره وهو جواز المسافرة بمال المضاربة وإن لم يقل له اعمل برأيك وبه قال مالك. [قول رب المال للمضارب اعمل برأيك] م: (قال) ش: أي القدوري في مختصره: م: (ولا يضارب) ش: أي المضارب م: (إلا أن يأذن له رب المال أو يقول له اعمل برأيك، لأن الشيء لا يتضمن مثله لتساويهما) ش: أي لتساوي الشيئين المتماثلين م: (في القوة فلا بد من التنصيص عليه أو التفويض المطلق إليه) ش: التنصيص بالإذن وليس يعلم فيه خلاف، والتفويض المطلق بقوله اعمل برأيك. وعند الشافعي وأحمد: لا يجوز فيه أيضًا إلا بإذن، وأورد على هذا المستعير والمكاتب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 52 وكان كالتوكيل، فإن الوكيل لا يملك أن يوكل غيره فيما وكله به إلا إذا قيل له اعمل برأيك، بخلاف الإيداع والإبضاع؛ لأنه دونه فيتضمنه. وبخلاف الإقراض حيث لا يملكه وإن قيل له: اعمل برأيك لأن المراد منه التعميم فيما هو من صنيع التجار وليس الإقراض منه وهو تبرع كالهبة والصدقة فلا يحصل له به الغرض وهو الربح؛ لأنه لا تجوز الزيادة عليه. أما الدفع مضاربة فمن صنيعهم، وكذا الشركة والخلط بمال نفسه فيدخل تحت هذا القول. قال: وإن خص له رب المال التصرف في بلد بعينه أو في سلعة بعينها لم يجز له أن يتجاوزها   [البناية] والمستأجر فإنه يجوز للمستعير أن يعير، وللمستأجر أن يؤجر، وللمكاتب أن يكاتب، وكذا العبد المأذون له أن يؤذن عبده. وأجيب: بأن الكلام في التصرف نيابة وهم لا يتصرفون بحكم المالية، لأن المستعير والمستأجر ملكا المنفعة، والمكاتب صار حرًا يدًا، والعبد المأذون يتصرف بحكم المالكية الأصلية، إذ الإذن بالتجارة فك الحجر، وأما المضارب فإنه يعمل بطريق النيابة؛ لأن فيها معنى الوكالة والوكيل لا يوكل غيره فكذا هذا م: (وكان كالتوكيل) ش: أي وكان أمر المضاربة كأمر التوكيل م: (فإن الوكيل لا يملك أن يوكل غيره فيما وكله به، إلا إذا قيل له اعمل برأيك) ش: فكذا المضارب لا يملك أن يضارب إلا إذا قيل له اعمل برأيك. م: (بخلاف الإيداع والإبضاع، لأنه دونه) ش: أي لأن حكمهما دون حكم المضاربة م: (فيتضمنه) ش: أي إذا كان كذلك فيتضمن حكم المضاربة حكم الإيداع والإبضاع م: (وبخلاف الإقراض حيث لا يملكه) ش: أي المضارب لا يملك الإقراض. م: (وإن قيل له اعمل برأيك لأن المراد منه التعميم فيما هو من صنيع التجار وليس الإقراض منه) ش: أي من صنيع التجار م: (وهو) ش: أي الإقراض م: (تبرع كالهبة والصدقة، فلا يحصل له به الغرض وهو الربح؛ لأنه لا تجوز الزيادة عليه) ش: أي على الإقراض عشرة، فإنه لو أقرض عشرة ليستوفي أحد عشر لا يجوز، فلما لم يحصل للربح به لا يكون من صنيع التجار فلا يتناوله التعميم. م: (أما الدفع مضاربة فمن صنيعهم، وكذا الشركة والخلط بمال نفسه) ش: يعني من صنيعهم وبه قال الثوري ومالك وأحمد والشافعي: ليس له الشركة والخلط، ولو فعل يضمن م: (فيدخل تحت هذا القول) ش: وهو قوله: اعمل برأيك والضمير في يدخل يرجع إلى الشركة والخلط على تأويل كل واحد منهما. [المضاربة المقيدة] [خص رب المال للمضارب التصرف في بلد بعينه أو في سلعة بعينها] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن خص له رب المال التصرف في بلد بعينه أو في سلعة بعينها لم يجز له أن يتجاوزها) ش: كل واحد من البلد والسلعة بعينها وبه قال أحمد - رحمه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 53 لأنه توكيل، وفي التخصيص فائدة فيتخصص. وكذا ليس له أن يدفعه بضاعة إلى من يخرجها من تلك البلدة لأنه لا يملك الإخراج بنفسه فلا يملك تفويضه إلى غيره. قال: فإن خرج إلى غير تلك البلدة فاشترى ضمن، وكان ذلك له وله ربحه؛ لأنه تصرف بغير أمره، وإن لم يشتر حتى رده إلى الكوفة، وهي التي عينها برئ من الضمان كالمودع إذا خالف في الوديعة ثم ترك ورجع المال مضاربة على حاله لبقائه في يده بالعقد السابق،   [البناية] الله - قال الشافعي ومالك - رحمهما الله - إذا شرط أن لا يشتري إلا من رجل بعينه أو سلعة بعينها أو ما معهم وجوده لا تصح المضاربة. ويحترز بقوله في بلد بعينه عن السوق بعينه، فإنه لا يتقيد بذلك بالإجماع، إلا إذا صرح التخصيص بالمنهي بأن قال: لا يعمل في غير هذا السوق، فحينئذ يتقيد م: (لأنه توكيل) ش: أي لأن المضاربة توكيل، والتذكير باعتبار عقد المضاربة أو حكمها م: (وفي التخصيص فائدة فيتخصص) ش: والفائدة من وجوه: أحدها: صيانة ماله من خطر الطريق، والثاني: صيانة ماله عن خيانة المضارب فإنه لو عين عليه بلدًا لو قصد الخيانة لمنعه عنها. والثالث: أن الأسعار بحسب الغلاء والرخص تختلف باختلاف البلدان وكذا النقود فكان الشرط مقيدًا. والرابع: أن المضارب ما دام في المصر لا يستحق المنفعة في مال المضارب وفي السفر يستحقها فيه. م: (وكذا ليس له أن يدفعه بضاعة) ش: أي وكذا ليس للمضارب أن يدفع المال بضاعة، أراد ليس له الإبضاع م: (إلى من يخرجها) ش: أي البضاعة م: (من تلك البلدة) ش: أي البلدة التي عينها رب المال م: (لأنه لا يملك الإخراج بنفسه فلا يملك تفويضه إلى غيره) ش: أي تفويض الإخراج إلى غيره. م: (قال) ش: أي في الجامع الصغير م: (فإن خرج إلى غير تلك البلدة فاشترى ضمن) ش: لأنه تصرف فيه بخلاف أمره، فكان غاصبًا، ولم يرد من قوله فاشترى ضمن أن الضمان يترتب على الشراء، لأن الضمان يجب عليه بمجرد الإخراج، وإنما مراده استقرار الضمان على ما يجيء في الكتاب م: (وكان ذلك له) ش: أي الذي اشتراه كان له م: (وله ربحه) ش: أي كان له ربحه الذي حصل منه ولكن يتصدق به على قولهما. وعلى قول أبي يوسف يطيب له الربح فلا يلزمه التصدق م: (لأنه تصرف بغير أمره) ش: أي لأن الإخراج بتصرف في ملك غيره بغير أمره فيصير غاصبًا فلم يبق مضاربًا. م: (وإن لم يشتر حتى رده على الكوفة وهي) ش: أي والحال أن الكوفة هي م: (التي عينها) ش: أي رب المال م: (برئ) ش: أي المضارب م: (من الضمان كالمودع إذا خالف في الوديعة ثم ترك) ش: أي المخالفة م: (ورجع المال مضاربة على حاله لبقائه في يده بالعقد السابق) ش: الضمير في الموضعين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 54 وكذا إذا رد بعضه واشترى ببعضه في المصر كان المردود والمشتري في المصر على المضاربة لما قلنا، ثم شرط الشراء بها هنا وهو رواية " الجامع الصغير ". وفي كتاب المضاربة ضمنه بنفس الإخراج، والصحيح أن بالشراء يتقرر الضمان لزوال احتمال الرد إلى المصر الذي عينه. أما الضمان فوجوبه بنفس الإخراج وإنما شرط الشراء للتقرر لا لأصل الوجوب   [البناية] يرجع إلى المضاربة، والتذكير في الأول باعتبار العقد، وفي الثاني باعتبار المال. فإن قيل: قوله ورجع المال صح مضاربة يدل على أنها زائلة، وإذا قال العقد لا يرجع إلا بالتجديد، أجيب: بأنه على رواية الجامع الصغير لم يزل، لأن الخلاف إنما يتحقق بالشراء والفرض خلافه وإنما قال: رجع بناء على أنه صار على شرف الزوال، وأما على رواية " المبسوط " فإنها زالت زوالاً موقوفًا حيث ضمنه بنفس الإخراج. م: (وكذا إذا رد بعضه) ش: أي وكذا تكون المضاربة على حالها إذا رد المضارب بعض المال إلى الموضع الذي عينه م: (واشترى ببعضه في المصر) ش: أي والحال أنه قد اشترى ببعض المال في المصر الذي عينه م: (كان المردود والمشتري في المصر على المضاربة لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: لبقائه في يده بالعقد السابق في الإيضاح ما اشترى ببعضه فهو له، وما رد على المضاربة. م: (ثم شرط الشراء بها هنا) ش: أي شرط في " الجامع الصغير " في الضمان الشراء، حيث قال فإن خرج إلى غير ذلك البلد فاشترى ضمن، والضمير في بها يرجع إلى المضاربة يعني المراد منه مال المضاربة. ثم فسر قوله ثم شرط الشراء بها هنا بقوله: م: (وهو رواية الجامع الصغير) ش: أي المذكور في شرط الشراء هو رواية " الجامع الصغير ". م: (وفي كتاب المضاربة) ش: يعني في " المبسوط " م: (ضمنه بنفس الإخراج) ش: أي ضمن المضارب بنفس الإخراج مال المضاربة سواء اشترى بها أو لا م: (والصحيح أن بالشراء يتقرر الضمان لزوال احتمال الرد إلى المصر الذي عينه، أما الضمان فوجوبه بنفس الإخراج، وإنما شرط الشراء للتقرر لا لأصل الوجوب) ش: يعني لتقرر الوجوب لا لأصل وجوب الضمان. حاصله أن الضمان يجب بنفس الإخراج ولكنه على شرف الزوال، فإذا اشترى به تقرر وتأكد، أشار له بقوله لزوال احتمال الرد. وأما إذا اشترى ببعضه فيه وببعض آخر في غيره فهو ضامن لما اشتراه في غيره وله ربحه وعليه وضيعته لتحقق الخلاف منه في ذلك القدر والباقي على المضاربة، إذ ليس من ضرورة صيرورته ضامنًا لبعض المال انتفاء حكم المضاربة فيما بقي، قيل: فيه نظر لأن الصفقة متحدة وفي ذلك تفريقها. قلنا: الجزء معتبر بالكل وتفريق الصفقة موضوع إذا استلزم ضررًا ولا ضرر عند الضمان. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 55 وهذا بخلاف ما إذا قال على أن يشتري في سوق الكوفة حيث لا يصح التقييد؛ لأن المصر مع تباين أطرافه كبقعة واحدة فلا يفيد التقييد إلا إذا صرح بالنهي بأن قال اعمل في السوق ولا تعمل في غير السوق؛ لأنه صرح بالحجر والولاية إليه. ومعنى التخصيص أن يقول له على أن تعمل كذا   [البناية] م: (وهذا بخلاف ما إذا قال على أن يشتري في سوق الكوفة حيث لا يصح التقييد) ش: أشار بهذا إلى قوله وإن خص له رب المال التصرف في بلد بعينه م: (لأن المصر مع تباين أطرافه كبقعة واحدة فلا يفيد التقييد إلا إذا صرح بالنهي بأن قال اعمل في السوق ولا تعمل في غير السوق، لأنه صرح بالحجر، والولاية إليه) ش: أي ولاية الحجر إليه، أي إلى رب المال. فإن قيل: ينتقض هذا بما لو قال بع بالنسيئة ولا تبع بالنقد أو على العكس، حيث لو باعها بالنقد أو بالنسيئة لا يكون مخالفًا مع صريح النهي إذا كان السعر بالنقد والنسيئة لا يتفاوت. الجواب عن هذا: مبني على أصل وهو أن القيد المقيد من كل وجه متبع وغير المقيد من كل وجه لغو، والمقيد من وجه دون وجه متبع عند النهي الصريح ولغو عند السكوت عنه. فالأول: كالتخصيص ببلد وسلعة وقد تقدم، والثاني: كصورة النقض، فإن البيع نقدًا بثمن كان خيرًا، فكان التقييد مضرًا. والثالث كالنهي عن السوق فإنه مقيد من وجه من حيث إن البلدة ذات أماكن مختلفة حقيقة وهو ظاهر، وحكمًا فإنه إذا شرط الحفظ على المودع في محلة ليس له أن يحفظها في غيرها، وقد تختلف الأسعار أيضًا باختلاف أماكنه. وغير مقيد من وجه وهو أن المصر مع تباين أطرافه جعل كمكان واحد كما إذا اشتراط الاثنان السلم بأن يكون في المصر ولم يبين المحلة، فاعتبرناه حالة التصريح بالنهي لولاية الحجر، ولم يعتبر عند السكوت. م: (ومعنى التخصيص أن يقول له على أن تعمل كذا) ش: لما قال فيما مضى وإن خص له رب المال .... إلى آخره، شرع هنا يبين معنى التخصيص ما هو وذكر ألفاظًا تدل على التخصيص، والتقدير: ومعنى التخصيص يحصل بأن يقول كذا وكذا أي بهذه الألفاظ والغرض من ذكره التمييز بين ما يدل منها على التخصيص وما لا يدل، ومجموع ذلك ثمانية، ستة منها تقييد التخصيص، واثنان منها تعتبر مشورة. والضابط لتمييز ما يفيد التخصيص عما لا يفيده، هو أن رب المال إذا أعقب لفظ المضاربة كلامًا لا يصح الابتداء به ويصح متعلق بما تقدم، جعل متعلقًا به لئلا يلغو، وإذا أعقب ما يصلح الابتداء لم يجعل متعلقًا بما تقدم لانتفاء الضرورة، وعلى هذا إذا قال خذ هذا المال على أن تعمل كذا، يكون تخصيصًا، لأنه أعقب لفظ المضاربة ما لا يصح الابتداء، حيث لا يصح أن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 56 أو في مكان كذا وكذا إذا قال خذ هذا المال تعمل به في الكوفة لأنه تفسير له، أو قال فاعمل به في الكوفة لأن الفاء للوصل. أو قال خذه بالنصف بالكوفة لأن الباء للإلصاق. أما إذا قال: خذ هذا المال واعمل به بالكوفة فله أن يعمل فيها وفي غيرها؛ لأن الواو للعطف. فيصير بمنزلة المشورة. ولو قال: على أن تشتري من فلان وتبيع منه صح التقييد،   [البناية] يبتدئ بقوله على أن تعمل م: (أو في مكان كذا) ش: لكونه مثلاً. والثالث: هو قوله م: (وكذا إذا قال خذ هذا المال تعمل به في الكوفة) ش: يجوز في اللام الجزم على أنه جواب الأمر، يجوز الرفع على تفسير أنت تعمل به، وكلام المصنف يحتمل الوجهين م: (لأنه تفسير له) ش: أي لأن قوله تعمل به في الكوفة بأن قال خذ هذا المال م: (أو قال فاعمل به في الكوفة، لأن الفاء للوصل) ش: والتعقيب والمتصل المتعقب إليهم تفسير له، والخامس هو قوله م: (أو قال خذه بالنصف بالكوفة) ش: بأن قال خذ هذا المال بالنصف بالكوفة م: (لأن الباء للإلصاق) ش: فتقتضي الإلصاق بموجب الكلام وهو العمل بالمال ملصقًا بالكوفة، وهو أن يكون العمل فيها. السادس: لم يذكره المصنف، وهو أن يقول خذه بالنصف لتعمل به في الكوفة، وجعل الكاكي النوع الثالث على قسمين باعتبار الجزم والرفع، ولم يذكر قوله على أن تعمل كذا وجعل صاحب العناية هذا قسمًا واحدًا، وجعل السادس ما ذكرناه. والصواب: أن الذي ذكره المصنف ستة وهي أن تعمل كذا وفي مكان كذا، أو خذ هذا المال تعمل به في الكوفة بالرفع وتعمل به بالجزم أو فاعمل في الكوفة، وبقي لفظًا بعد مشورة، ولا بعد شرط أحدهما أن يقول دفعت إليك هذا الألف مضاربة بالنصف اعمل بها في الكوفة. والثاني: أن يقول واعمل بها بالكوفة بالواو، أشار إليه بقوله م: (أما إذا قال: خذ هذا المال واعمل به بالكوفة فله أن يعمل فيها وفي غيرها؛ لأن الواو للعطف) ش: والشيء لا يعطف على نفسه بل على غيره فاعتبر كلامًا مبتدأ م: (فيصير بمنزلة المشورة) ش: كأنه قال إن فعلت كذا كان أنفع. والمشورة بفتح الميم وضم الشين وهو استخراج رأي على غالب الظن. فإن قيل: فلم تجعل واو الحال كما في قوله أد إلى ألفًا وأنت حر. أجيب: بعد صلاحية ذلك هاهنا، لأن العمل أن يكون بعد الأخذ لا حال الأخذ. قلت: لم لا يجوز أن يكون حالاً منتظرة كما في قَوْله تَعَالَى {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} [الفتح: 27] ذكر تفريعًا على ما تقدم. [قال رب المال خذه مضاربة على أن تشتري من فلان وتبيع منه] م: (ولو قال: على أن تشتري من فلان وتبيع منه صح التقييد) ش: ذكر هذا تفريعًا على ما تقدم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 57 لأنه مفيد لزيادة الثقة به في المعاملة، بخلاف ما إذا قال على أن تشتري بها من أهل الكوفة أو دفع مالا في الصرف على أن تشتري به من الصيارفة وتبيع منهم فباع بالكوفة من غير أهلها أو من غير الصيارفة جاز؛ لأن فائدة الأول التقييد بالمكان، وفائدة الثاني التقييد بالنوع وهذا هو المراد عرفا لا فيما وراء ذلك. قال: وكذلك إن وقت للمضاربة وقتا بعينه، يبطل العقد بمضيه؛ لأنه توكيل فيتوقت بما وقته، والتوقيت مفيد، فإنه تقييد بالزمان فصار كالتقييد بالنوع والمكان. قال: وليس للمضارب أن يشتري من يعتق على رب المال لقرابة   [البناية] يعني لو قال رب المال خذه مضاربة على أن تشتري إلى آخره م: (لأنه) ش: أي لأن تقييده م: (مفيد لزيادة الثقة به) ش: أي بفلان م: (في المعاملة) ش: لتفاوت الناس في المعاملات قضاء واقتضاء ومسافة في الحساب، وفي التنزه عن الشبهات، وبقولنا قال أحمد. وقال الشافعي ومالك - رحمهما الله -: لا يصح هذا التقييد فلا تصح المضاربة ولنا ما ذكرنا. م: (بخلاف ما إذا قال على أن تشتري بها) ش: أي المضاربة. وأراد بها مال المضاربة م: (من أهل الكوفة أو دفع مالا في الصرف على أن تشتري به من الصيارفة وتبيع منهم فباع بالكوفة من غير أهلها) ش: أي من غير أهل الكوفة م: (التقييد بالمكان) ش: وهو الكوفة م: (وفائدة الثاني) ش: وهو قوله: على أن تشتري من الصيارفة م: (التقييد بالنوع) ش: وهو بيع الصرف م: (وهذا هو المراد عرفًا) ش: جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال في هذا عدول عن ظاهر اللفظ، فإن ظاهره يقتضي شراءه من كوفي لا من غيره، سواء كان في الكوفة أو في غيرها. وتقدير الجواب: أن مقتضى اللفظ قد يترك به بدلالة العرف، والعرف في ذلك والمنع عن الخروج من الكوفة صيانة لماله، وقد حصل. ولما لم يخص المعاملة في الصرف بشخص بعينه مع تفاوت الأشخاص دل على أن المراد به فرع الصرف وقد حصل م: (لا فيما وراء ذلك) ش: يعني غير المكان في الأول والنوع في الثاني. [الحكم لو وقت رب المال للمضاربة وقتًا بعينه] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وكذلك إن وقت للمضاربة وقتًا بعينه يبطل العقد بمضيه) ش: يعني أن التوقيت بالزمان مفيد، فكان كالتقييد بالنوع والمكان م: (لأنه) ش: أي لأن عقد المضاربة م: (توكيل فيتوقف بما وقته) ش: كالوكالة الموقتة، وبه قال أحمد في ظاهر روايته وقال الشافعي ومالك وأحمد في رواية: لا يصح توقيته، لأنه يؤدي إلى ضرر بالعامل. وقال بعض أصحاب الشافعي: إن شرط المدة على أن يبيع بعدها لم يصح وإن شرط على أن لا يشتري بعدها صح. ولنا ما ذكره من قوله م: (والتوقيت مفيد، فإنه تقييد بالزمان، فصار كالتقييد بالنوع) ش: نحو الطعام م: (والمكان) ش: نحو الكوفة. [حكم شراء المضارب من يعتق على رب المال] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وليس للمضارب أن يشتري من يعتق على رب المال لقرابة) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 58 أو غيرها؛ لأن العقد وضع لتحصيل الربح، وذلك بالتصرف مرة بعد أخرى ولا يتحقق فيه لعتقه، ولهذا لا يدخل في المضاربة شراء ما لا يملك بالقبض كشراء الخمر والشراء بالميتة، بخلاف البيع الفاسد لأنه يمكنه بيعه بعد قبضه فيتحقق المقصود. قال: ولو فعل صار مشتريا لنفسه دون المضاربة؛ لأن الشراء متى وجد نفاذا على المشتري نفذ عليه كالوكيل بالشراء إذا خالف.   [البناية] ش: مثل أبيه وابنه م: (أو غيرها) ش: أي أو غير قرابة، يعني يعتق عليه، ولكن قرابة بل لوجه آخر، نحو المحلوف بعتقه، وبه قال أكثر الفقهاء إذا كان بغير إذن رب المال وإذا كان بإذنه يصح وتنفع المضاربة م: (لأن العقد وضع لتحصيل الربح، وذلك) ش: أي تحصيل الربح م: (بالتصرف مرة بعد أخرى ولا يتحقق) ش: أي التصرف مرة بعد أخرى، م: (فيه) ش: أي في شراء من يعتق عليه. م: (لعتقه) ش: أي لعتق من يعتق عليه بالشراء فلا يبقى التصرف بعد ذلك، وفي هذا إشارة على الفرق بين المضاربة والوكالة، فإن الوكيل بشراء عبد مطلقًا إن اشترى من يعتق على موكله لم يكن مخالفًا، وذلك لأن الربح المحتاج إلى تكرر التصرف ليس بمقصود في الوكالة، حتى لو كان مقصود الموكل وقيد بقوله اشتر لي عبدًا أبيعه فاشترى من يعتق عليه كان مخالفًا. م: (ولهذا) ش: أي ولكون هذا العقد وضع لتحصيل الربح م: (لا يدخل في المضاربة شراء ما لا يملك بالقبض كشراء الخمر والشراء بالميتة) ش: لانتفاء التصرف فيه لتحصيل الربح. م: (بخلاف البيع الفاسد) ش: يعني يدخل في المضاربة البيع الفاسد، لأن المبيع يملك بالقبض فيدخل م: (لأنه يمكنه بيعه بعد قبضه) ش: أي لأن المضارب يمكنه بيع المبيع في البيع الفاسد بعد قبضه إياه، فلا يكون مخالفًا بالبيع الفاسد م: (فيتحقق المقصود) ش: وهو تحصيل الربح، وعند الثلاثة يصير مخالفًا بالبيع الفاسد كما في البيع الباطل. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولو فعل) ش: أي ولو اشترى المضارب من يعتق على رب المال م: (صار مشترياً لنفسه دون المضاربة، لأن الشراء متى وجد نفاذا على المشتري نفذ عليه كالوكيل بالشراء إذا خالف) ش: قيد بقوله متى وجد نفاذا احترازًا عن الصبي والعبد المحجورين فإن شراءهما يتوقف على إجارة الولي والمولى وإن كان نقد الثمن من مال المضاربة بتخيير رب المال بين أن يسترد المقبوض من البائع، ويرجع البائع على المضارب وبين أن يضمن المضارب مثل ذلك لأنه قضى بمال المضاربة دينًا عليه. وقال مالك: إن كان العامل عالمًا موسرًا بيع منه بقدر رأس المال، وإن كان غير عالم عتق على رب المال ولا غرم على العامل، وعلى هذا لو ظهر ربح يرجع العامل على رب المال بحصته الجزء: 10 ¦ الصفحة: 59 قال: فإن كان في المال ربح لم يجز له أن يشتري من يعتق عليه؛ لأنه يعتق عليه نصيبه ويفسد نصيب رب المال أو يعتق على الاختلاف المعروف، فيمتنع التصرف، فلا يحصل المقصود. وإن اشتراهم ضمن مال المضاربة؛ لأنه يصير مشتريا العبد لنفسه فيضمن بالنقد من مال المضاربة. وإن لم يكن في المال ربح جاز أن يشتريهم؛ لأنه لا مانع من التصرف إذ لا شركة له فيه ليعتق عليه، فإن زادت قيمتهم بعد الشراء عتق نصيبه منهم لملكه بعض قريبه. ولم يضمن لرب المال شيئا؛ لأنه لا صنع من جهته في زيادة القيمة ولا في ملكه الزيادة؛ لأن هذا شيء يثبت من طريق الحكم، فصار كما إذا ورثه مع غيره ويسعى العبد في قيمة نصيبه   [البناية] فيه. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن كان في المال ربح لم يجز له) ش: أي المضارب م: (أن يشتري من يعتق عليه) ش: أي على المضارب م: (لأنه يعتق عليه نصيبه ويفسد نصيب رب المال) ش: لانتفاء جواز بيعه لكونه مستسعى لا يجوز بيعه م: (أو يعتق) ش: أي العبد كله عندهما أشار إلى هذا بقوله: م: (على الاختلاف المعروف) ش: وهو أن الإعتاق يتجزأ عندنا خلافًا لهما م: (فيمتنع التصرف، فلا يحصل المقصود) ش: وهو الاسترباح. وبقولنا قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وفي قول: يصح ولا يعتق؛ لأنه لا يملك الربح بمجرد الظهور على تمليكه بالقسمة، وبه قال أحمد في رواية وفي وجه: وإن لم يكن في المال ربح يصح بمثل وبالإجماع. م: (وإن اشتراهم) ش: أي وإن اشترى المضارب من يعتق عليه م: (ضمن مال المضاربة، لأنه يصير مشترياً العبد لنفسه فيضمن بالنقد من مال المضاربة وإن لم يكن في المال ربح جاز أن يشتريهم لأنه لا مانع من التصرف إذ لا شركة له فيه ليعتق عليه) ش: يعني لا شركة للمضارب في المال حتى يعتق عليه من يشتريه، أي على المضارب. م: (فإن زادت قيمتهم بعد الشراء عتق نصيبه منهم) ش: أي نصيب المضارب من الذي اشتراهم ممن يعتق عليه، وبه قال الشافعي في وجه ومالك في رواية وأحمد في رواية م: (لملكه) ش: أي لملك المضارب م: (بعض قريبه ولم يضمن لرب المال شيئًا، لأنه لا صنع من جهته في زيادة القيمة ولا في ملكه الزيادة) ش: وهو نصيبه من الربح. م: (لأن هذا) ش: أشار ما ذكر من زيادة القيمة ومن ملك الزيادة م: (شيء يثبت من طريق الحكم) ش: يعني لا اختيار له فيه. وعند الشافعي وأحمد في وجه ومالك في رواية يضمن إن كان موسرًا م: (فصار كما إذا ورثه مع غيره) ش: كامرأة اشترت ابن زوجها فماتت وتركته زوجًا وأخًا أعتق نصيب الزوج ولا يضمن شيئًا لأخيها م: (ويسعى العبد في قيمة نصيبه) ش: أي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 60 منه؛ لأنه احتسبت ماليته عنده فيسعى فيه، كما في الوراثة. قال: فإن كان مع المضارب ألف بالنصف فاشترى بها جارية قيمتها ألف فوطئها فجاءت بولد يساوي ألفا فادعاه ثم بلغت قيمة الغلام ألفا وخمسمائة والمدعي موسر فإن شاء رب المال استسعى الغلام في ألف ومائتين وخمسين، وإن شاء أعتق. ووجه ذلك أن الدعوة صحيحة في الظاهر حملا على فراش النكاح لكنه لم ينفذ.   [البناية] نصيب رب المال. وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله وأحمد ومالك - رحمهما الله - إن كان المضارب معسرا م: (منه) ش: أي من العبد م: (لأنه احتسبت ماليته) ش: أي مالية العبد م: (عنده) ش: أي عند العبد م: (فيسعى فيه) ش: أي فيسعى العبد في نصيب رب المال م: (كما في الوراثة) ش: كأن ورث جماعة عبدا يعتق أحدهم نصيبه فإنه يسعى في نصيب الباقين لاحتباس المالية عنده. [كان مع المضارب ألف بالنصف فاشترى بها جارية فوطئها] م: (قال: فإن كان مع المضارب ألف بالنصف) ش: ذكره تفريعا، وهو من مسائل الجامع الصغير، فلذلك ذكره بالفاء، أي إن كان مع المضارب ألف درهم مناصفة م: فاشترى بها جارية قيمتها ألف فوطئها فجاءت بولد يساوي ألفا فادعاه ثم بلغت قيمة الغلام ألفا وخمسمائة والمدعي موسر) ش: أي والحال أن المدعي للولد وهو المضارب موسر. قيد بقوله لنفي الشبهة وهو أن الضمان بسبب دعوة المضارب ضمان إعتاق في حق المولى وضمان الإعتاق يختلف باليسار والإعسار، فينبغي أن يضمن المضارب لرب المال إذا كان موسرا مع ذلك لا يضمن. وفي " مغني " الحنابلة: إن ظهر ربح في المال يصح دعوة وتصير الجارية أم ولد له ويعتق الولد بالقيمة وإن لم يظهر ربح قبل العلوق فالولد رقيق لأنه علقت منه في غير ملك ولا شبهة ملك، وقال مالك يضمن قيمته يوم الوطء في رواية إن ظهر ربح قبل العلوق. وقيد بقوله ثم بلغت قيمة الغلام ألفا وخمسمائة لأنه إذا لم تزد قيمته على ألف فدعوة المضارب باطلة لأنه لا يملك واحدا من الولد والأم لأن كلا منهما مشغول برأس المال وانتفى الحد لاحتمال تعلق حقه به على تقدير ظهور الربح ولا يثبت النسب لعدم الملك أصلا، ويضمن العقد وله أن يبيع الأم والولد لأنهما مال المضاربة. م: (فإن شاء رب المال استسعى الغلام في ألف ومائتين وخمسين، وإن شاء أعتق، ووجه ذلك) ش: أي الحكم المذكور م: (أن الدعوة صحيحة في الظاهر) ش: بصدورها من أهلها في محلها م: (حملا على فراش النكاح) ش: بأن زوجها منه البائع ثم باعها منه فوطئها فعلقت منه م: (لكنه) ش: أي لكن الادعاء بالولد م: (لم ينفذ) ش: أي في حق المعتق. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 61 لفقد شرطه وهو الملك لعدم ظهور الربح لأن كل واحد منهما أعني الأم والولد مستحق برأس المال كمال المضاربة إذا صار أعيانا كل عين منها يساوي رأس المال لا يظهر الربح، كذا هذا. فإذا زادت قيمة الغلام الآن ظهر الربح ونفذت الدعوة السابقة، بخلاف ما إذا أعتق الولد، ثم إذا زادت القيمة لأن ذلك إنشاء العتق، فإذا بطل لعدم الملك لا ينفذ بعد ذلك بحدوث الملك، أما هذا فإخبار فجاز أن ينفذ عند حدوث الملك، كما إذا أقر بحرية عبد غيره ثم اشتراه.   [البناية] م: (لفقد شرطه وهو الملك) ش: أو شبهة في الولد م: (لعدم ظهور الربح، لأن كل واحد منهما أعني الأم والولد مستحق برأس المال) ش: لأنه يحتمل لأن يهلك أحدهما فيتعين الآخر لرأس المال فلا يظهر الربح م: (كمال المضاربة إذا صار كل عين منها يساوي رأس المال) ش: كما لو اشترى برأس المال عبدين كل واحد منهما يساوي ألفا فإنه م: (لا يظهر الربح) ش: عندنا خلافا لزفر م: (كذا هذا) ش: أي ما نحن فيه فإذا لم يظهر الربح لم يكن للمضارب في الجارية ملك، وبدون الملك لا يثبت الاستيلاد. واعترض بوجهين: أحدهما، أن الجارية كانت متعينة لرأس المال قبل الولد فتبقى كذلك وتعين أن يكون الولد كله ربحا. والثاني: أن المضارب إذا اشترى بألف لمضاربة فرسين كل واحد منهما يساوي ألفا كان له ربعهما، حتى لو وهب ذلك لرجل وسلمه صح. أجيب: عن الأول بأن تعينها كان لعدم المزاعم لا لأنها رأس المال، فإن رأس المال هو الدراهم وبعد الولد تحققت المزاحمة فذهب تعينها ولم يكن أحدهما أولى لذلك من الآخر فاستقلا برأس المال. وعن الثاني: بأن المراد بقوله أعيانا أجناس مختلفة والفرسان جنس واحد فيقسمان جملة واحدة، وإذا اعتبرا جملة حصل البعض ربحا، بخلاف العبدين، فإنهما يقسمان جملة واحدة، بل كل واحد يكون بيعها على حيالة لكون الرقيق أجناسا مختلفة عند أبي حنيفة قولا واحدا، وعنده أيضا في رواية كتاب المضارب. م: (فإذا زادت قيمة الغلام الآن) ش: أي على مقدار رأس المال م: (ظهر الربح ونفذت الدعوة السابقة) ش: لأن سببها كان موجودا وهو فراش النكاح، فيثبت النسب منه، ولكن لم ينفذ الوجود المانع وهو عدم الملك، فإذا زال المانع صار نافذا. م: (بخلاف ما إذا أعتق) ش: أي المضارب م: (الولد ثم زادت القيمة) ش: أي قيمة الولد فلا يعتق م: (لأن ذلك إنشاء العتق) ش: فلم يصادف محله لعدم الملك فكان باطلا م: (فإذا بطل لعدم الملك لا ينفذ بعد ذلك بحدوث الملك، أما هذا) ش: أي ادعاء النسب م: (فإخبار فجاز أن ينفذ عند حدوث الملك كما إذا أقر بحرية عبد غيره ثم اشتراه) ش: فإنه يعتق عليه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 62 فإذا صحت الدعوة وثبت النسب عتق الولد لقيام ملكه في بعضه ولا يضمن لرب المال شيئا من قيمة الولد؛ لأن عتقه ثبت بالنسب والملك، والملك آخرهما فيضاف إليه ولا صنع له فيه، وهذا ضمان إعتاق فلا بد من التعدي ولم يوجد. وله أن يستسعي الغلام؛ لأنه احتبست ماليته عنده وله أن يعتق؛ لأن المستسعى كالمكاتب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويستسعيه في ألف ومائتين وخمسين لأن الألف مستحق برأس المال، والخمسمائة ربح، والربح بينهما، فلهذا يسعى له في هذا المقدار.   [البناية] م: (فإذا صحت الدعوة وثبت النسب عتق الولد) ش: أي عندهما م: (لقيام ملكه في بعضه، ولا يضمن لرب المال شيئا من قيمة الولد) ش: موسرا كان أو معسرا. وقال الشافعي في وجه وأحمد في رواية ومالك: يضمن له حصته، إن كان موسرا لوجود الصنع منه دعوة النسب فيضمن إذا ملكه. ولنا ما ذكره من قوله م: (لأن عتقه ثبت بالنسب والملك، والملك آخرهما) ش: يعني وجودا م: (فيضاف) ش: أي الحكم م: (إليه) ش: أي إلى الملك، لأن الحكم إذا ثبت بعلة ذات وصفين يضاف آخرهما وجودا. أصله مسألة السفينة والقدح المسكر، ودليله ما روي عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رجلا أقر بين يديه بالزنا ثلاثا، فقال: إياك والرابعة فإنها الموجبة. م: (ولا صنع له) ش: أي المضارب م: (فيه) ش: أي في ثبوت الملك، لأنه شاركه بازدياد القيمة، ولا صنع له فيه، فلا يكون متعديا م: (وهذا ضمان إعتاق، فلا بد من التعدي ولم يوجد) ش: وإذا انتفى الضمان يبقى أحد الأمرين الآخرين من الاستسعاء والإعتاق، أشار إليه بقوله م: (وله) ش: أي لرب المال. م: (أن يستسعي الغلام، لأنه احتبست ماليته عنده وله أن يعتق؛ لأن المستسعى كالمكاتب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ويستسعيه في ألف ومائتين وخمسين، لأن الألف مستحق برأس المال، والخمسمائة ربح، والربح بينهما، فلهذا يسعى له) ش: أي لرب المال م: (في هذا المقدار) ش: يعني في ألف ومائتين وخمسين. فإن قيل: لم لا يجعل الجارية رأس المال والولد كله ربحا. قيل: لأن ما يجب على الولد بالسعاية من جنس رأس المال والجارية ليست من ذلك، فكان تعيين الألف من السعاية لرأس المال أنست للتجانس، وهذا السؤال والجواب ذكرهما في " الكافي ". الجزء: 10 ¦ الصفحة: 63 ثم إذا قبض رب المال الألف له أن يضمن المدعي نصف قيمة الأم؛ لأن الألف المأخوذ لما استحق برأس المال لكونه مقدما في الاستيفاء ظهر أن الجارية كلها ربح فتكون بينهما وقد تقدمت دعوة صحيحة لاحتمال الفراش الثابت بالنكاح وتوقف نفاذها لفقد الملك، فإذا ظهر الملك نفذت تلك الدعوة وصارت الجارية أم ولد له ويضمن نصيب رب المال؛ لأن هذا ضمان تملك وضمان التملك لا يستدعي صنعا كما إذا استولد جارية بالنكاح ثم ملكها هو وغيره وراثة يضمن نصيب شريكه، كذا هذا، بخلاف ضمان الولد على ما مر.   [البناية] وقال صاحب " العناية ": وفيه نظر لأنا جعلنا الجارية رأس المائة وقد عتقت بالاستيلاد وجبت قيمتها على المضارب وهي من جنس رأس المال. قلت: الولد زاحمها فتربح بسبب ظهور المربح من جهته. م: (ثم إذا قبض رب المال الألف له أن يضمن المدعي) ش: وهو المضارب م: (نصف قيمة الأم، لأن الألف المأخوذ) ش: أي من الولد م: (لما استحق برأس المال لكونه مقدما في الاستيفاء) ش: على الربح م: (ظهر أن الجارية كلها ربح، فتكون بينهما وقد تقدمت دعوة صحيحة) ش: من المضارب. م: (لاحتمال الفراش الثابت بالنكاح وتوقف نفاذها لفقد الملك، فإذا ظهر الملك نفذت تلك الدعوة) ش: السابقة. م: (وصارت الجارية أم ولد له، ويضمن نصيب رب المال، لأن هذا ضمان تملك وضمان التملك لا يستدعي صنعا) ش: بل يعتمد الملك وقد حصل م: (كما إذا استولد جارية بالنكاح ثم ملكها هو وغيره وراثة) ش: أي من جهة الوراثة فإنه م: (يضمن نصيب شريكه) ش: كالأخ تزوج جارية أخيه فمات الزوج وترك الجارية ميراثا بين الزوج وأخ آخر فإن الزوج ملكها بغير صنعه، فيضمن نصيب شريكه م: (كذا هذا) ش: أي ما نحن فيه. م: (بخلاف ضمان الولد) ش: فإنه ضمان إعتاق، وهو إتلاف فلا بد من التعدي وهو لا يتحقق بدون صنعه م: (على ما مر) ش: إشارة إلى قوله لأن عتقه بالنسب والملك، والملك آخرهما ولا صنع له فيه، والله أعلم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 64 باب المضارب يضارب قال: وإذا دفع المضارب المال إلى غيره مضاربة ولم يأذن له رب المال لم يضمن بالدفع ولا بتصرف المضارب الثاني حتى يربح، فإذا ربح ضمن الأول لرب المال، وهذا رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: إذا عمل به ضمن ربح أو لم يربح، وهذا ظاهر الرواية، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن بالدفع عمل أو لم يعمل، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المملوك له الدفع على وجه الإيداع، وهذا الدفع على وجه المضاربة. ولهما أن الدفع إيداع حقيقة، وإنما يتقرر كونه للمضاربة بالعمل، فكان الحال مراعى قبله، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الدفع قبل العمل إيداع وبعده إبضاع، والفعلان يملكهما المضارب فلا يضمن بهما، إلا أنه   [البناية] [أحكام المضارب حال كونه يضارب] [دفع المضارب المال إلى غيره مضاربة ولم يأذن] م: (باب المضارب يضارب) ش: أي: هذا باب في بيان أحكام المضارب حال كونه يضارب. وقد علم أن المضارع المثبت إذا وقع حالا يكتفى فيه بالضمير. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا دفع المضارب المال إلى غيره مضاربة ولم يأذن) ش: والحال أنه لم يأذن م: (له رب المال لم يضمن بالدفع) ش: أي بمجرد الدفع. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والثلاثة يضمن بمجرد الدفع وهو رواية عن أبي يوسف، لأنه يصير مخالفا على ما يجيء الآن. م: (ولا بتصرف المضارب الثاني) ش: أي ولا يضمن أيضا بتصرف المضارب الثاني م: (حتى يربح، فإذا ربح ضمن الأول) ش: أي فإذا ربح المضارب الثاني ضمن المضارب الأول م: (لرب المال، وهذا رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: إذا عمل به ضمن ربح أو لم يربح، وهذا ظاهر الرواية وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن بالدفع) ش: أي بمجرد الدفع. م: (عمل) ش: أي الثاني م: (أو لم يعمل، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن المملوك له) ش: أي للمضارب، أراد أن الذي يملكه المضارب هو م: (الدفع على وجه الإيداع، وهذا الدفع على وجه المضاربة) ش: فصار مخالفا فيضمن. م: (ولهما أن الدفع إيداع حقيقة) ش: لأنه أمانة فلا تمليك وله ولاية الإيداع م: (وإنما يتقرر كونه للمضاربة العمل، فكان الحال مراعى) ش: أي موقوفا م: (قبله) ش: أي قبل العمل إن عمل ضمن وإلا فلا. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الدفع قبل العمل إيداع وبعده إبضاع والفعلان يملكهما المضارب فلا يضمن بهما) ش: أي بالإيداع والإبضاع م: (إلا أنه) ش: أي أن المضارب الثاني. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 65 إذا ربح فقد ثبت له شركة في المال فيضمن كما لو خلطه بغيره، وهذا إذا كانت المضاربة صحيحة، فإن كانت فاسدة لا يضمنه الأول وإن عمل الثاني لأنه أجير فيه، وله أجر مثله فلا تثبت الشركة به، ثم ذكر في الكتاب يضمن الأول ولم يذكر الثاني. وقيل: ينبغي أن لا يضمن الثاني عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما: يضمن بناء على اختلافهم في مودع المودع. وقيل: رب المال بالخيار إن شاء ضمن الأول، وإن شاء ضمن الثاني بالإجماع وهو   [البناية] (إذا ربح فقد ثبت له) ش: أي فقد أثبت المضارب الأول لرب المال م: (شركة في المال فيضمن) ش: لاشتراك الغير في ربح مال رب المال وفي ذلك إتلاف فيوجب الضمان م: (كما لو خلطه بغيره) ش: مال المضاربة بغير مالها. م: (وهذا) ش: أي وجوب الضمان على الأول أو عليهما بالربح والعمل على ما ذكرنا م: (إذا كانت المضاربة صحيحة) ش: أطلق المضاربة ولم يبين أن المراد بها المضاربة الأولى والثانية أو كلتيهما ليتناول كلا منهما، فإن الأولى إذا كانت فاسدة أو الثانية أو كلتيهما جميعا لم يضمن الأول، لأن الثاني أجير فيه وله أجر مثله فلم يثبت الشركة الموجبة للضمان، وكذا لو كانت الأولى جائزة والثانية فاسدة فلا ضمان لما ذكرنا، وكذا إذا كانت الأولى فاسدة والثانية جائزة، وإنما يجب الضمان عليهما إذا كانت المضاربتان جائزتين. فإن قيل: إذا كانت الأولى فاسدة لم يتصور جواز الثانية، لأن مبناها على الأولى فلا يستقيم التقسيم. أجيب: بأن المراد جواز الثانية حينئذ ما يكون جائزا بحسب الصورة بأن يكون المشروط الثاني من الربح مقدار ما يجوز به المضاربة في الجملة بأن كان المشروط للأول نصف الربح ومائة مثلا وللثاني نصفه. م: (فإن كانت) ش: أي المضاربة م: (فاسدة لا يضمنه الأول) ش: أي المضارب الأول م: (وإن عمل الثاني) ش: أي المضارب الثاني م: (لأنه أجير فيه وله أجر مثله فلا تثبت الشركة به) ش: أي الشركة الموجبة للضمان للعمل. م: (ثم ذكر في الكتاب) ش: أي مختصر القدوري م: (يضمن الأول ولم يذكر الثاني. وقيل ينبغي أن لا يضمن الثاني عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما يضمن بناء على اختلافهم في مودع المودع) ش: فإن مودع المودع لا يضمن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما. م: (وقيل رب المال بالخيار إن شاء ضمن الأول وإن شاء ضمن الثاني بالإجماع) ش: أي بإجماع أصحابنا لحصول التعدي منهما من الأول دفع مال الغير، ومن الثاني الأخذ، م: (وهو الجزء: 10 ¦ الصفحة: 66 المشهور، وهذا عندهما ظاهر، وكذا عنده. ووجه الفرق له بين هذه وبين مودع المودع: أن المودع الثاني يقبضه لمنفعة الأول، فلا يكون ضامنا، أما المضارب الثاني يعمل فيه لنفع نفسه فجاز أن يكون ضامنا، ثم إن ضمن الأول صحت المضاربة بين الأول وبين الثاني، وكان الربح بينهما على ما شرطا؛ لأنه ظهر أنه ملكه بالضمان من حين خالف بالدفع إلى غيره لا على وجه الذي رضي به، فصار كما إذا دفع مال نفسه، وإن ضمن الثاني رجع على الأول بالعقد؛ لأنه عامل له فيه   [البناية] المشهور) ش: يعني هذا القول هو المشهور من المذهب م: (وهذا عندهما ظاهر) ش: لأنهما يضمنان مودع المودع م: (وكذا عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على قول من يقول أنه يضمن عنده أيضا. ولكن يحتاج إلى الفرق بين هذه المسألة ومسألة مودع المودع، أشار إليه بقوله م: (ووجه الفرق له) ش: أي لأبي حنيفة م: (بين هذه) ش: أي المسألة التي نحن فيها م: (وبين مودع المودع أن المودع الثاني يقبضه لمنفعة الأول) ش: لا لنفسه م: (فلا يكون ضامنا، أما المضارب الثاني يعمل فيه لنفع نفسه) ش: يعني لمنفعة نفسه من حيث شركته في الربح م: (فجاز أن يكون ضامنا ثم إن ضمن) ش: أي رب المال. م: (الأول) ش: أي المضارب الأول م: (صحت المضاربة بين الأول وبين الثاني، وكان الربح بينهما على ما شرطا، لأنه ظهر أنه ملكه) ش: أي لأن المضارب الأول ملك مال المضاربة م: (بالضمان من حين خالف بالدفع إلى غيره لا على الوجه الذي رضي به) ش: أي رب المال، فإنه لم يرض بدفع المال إلى غيره م: (فصار كما إذا دفع مال نفسه) ش: فصحت المضاربة. م: (وإن ضمن الثاني) ش: أي وإن ضمن رب المال المضارب الثاني م: (رجع على الأول بالعقد) ش: أي بسببه، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية إن لم يعلم بحال المضارب الأول، وإن علم لم يرجع عليه بشيء رواية واحدة. وفي بعض النسخ موضع بالعقد بالعهدة، أي بالضمان، لأنه التزم له سلامة المقبوض. فإن قيل، ينبغي أن يفسد الدفع إلى الثاني لأنه في ضمن المضاربة الأولى فيفسد بفساده. قلت: الدفع أمر حسي والاقتضاء لا يثبت في الحسي، وإنما هذا في أمر شرعي. م: (لأنه) ش: أي المضارب الثاني م: (عامل له) ش: أي للأول م: (فيه) ش: أي في ذلك العمل. قيل: في كلامه تناقض، لأنه قال قبل هذا يعمل فيه لمنفعة نفسه، وهاهنا قال: لأنه عامل للمضارب الأول. والجواب أن الجهة مختلفة، لأن الثاني عامل لنفسه بسبب شركته في الربح، وعامل لغيره بسبب أنه في الابتداء مودع وعمل المودع وهو الحفظ للمودع فاندفع التناقض لعدم اتحاد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 67 كما في المودع، ولأنه مغرور من جهته في ضمن العقد. وتصح المضاربة والربح بينهما على ما شرطا؛ لأن إقرار الضمان على الأول فكأنه ضمنه ابتداء يطيب الربح للثاني، ولا يطيب للأعلى؛ لأن الأسفل يستحقه بعمله ولا خبث في العمل والأعلى يستحقه بملكه المستند بأداء الضمان فلا يعرى عن نوع خبث. قال: وإذا دفع إليه رب المال مضاربة بالنصف وأذن له أن يدفعه إلى غيره فدفعه بالثلث وقد تصرف الثاني وربح، فإن كان رب المال قال له: على أن ما رزق الله تعالى فهو بيننا نصفان، فلرب المال النصف وللمضارب الثاني الثلث، وللمضارب الأول السدس؛ لأن الدفع إلى الثاني مضاربة،   [البناية] الجهة م: (كما في المودع) ش: يعني كما في المودع الغاصب إذا ضمن يرجع على الغاصب بما ضمن م: (ولأنه) ش: أي الثاني م: (مغرور من جهته) ش: أي من جهة الأول فإنه قد غره. وفي بعض النسخ معذور بالذال من العذر م: (في ضمن العقد) ش: أي العقد الذي بين الأول والثاني، لأنه اعتمد والأول غر. م: (وتصح المضاربة والربح بينهما على ما شرطا) ش: أي بين المضاربين، وقال الشافعي وأحمد: الربح لمالكه لا شيء للمضارب الأول للثاني أجر مثله على الروايتين. وقال مالك: إن اتفق الخسران فالربح بين المال والعامل الثاني ولا شيء للأول، وإن اختلفا وكان الأول أكثر فالزائد للمالك، وإن كان العقد أقل فلرب المال شرطه ويرجع الثاني على العامل الأول. وقيل: للعامل حصة كاملة ويرجع المالك على الأول بباقي حصته م: (لأن إقرار الضمان على الأول) ش: يثبت الملك له. وقوله على الأول خبر أن م: (فكأنه) ش: أي فكأن رب المال م: (ضمنه ابتداء) ش: أي في ابتداء الأمر م: (ويطيب الربح للثاني) ش: أي للمضارب الثاني. م: (ولا يطيب) ش: أي الربح م: (للأعلى) ش: وهو المضارب الأول م: (لأن الأسفل) ش: وهو المضارب الثاني م: (يستحقه بعمله ولا خبث في العمل والأعلى يستحقه بملكه المستند بأداء الضمان) ش: لأنه يستحقه برأس المال والملك في رأس المال حصل بأداء الضمان مستندا م: (فلا يعرى عن نوع خبث) ش: لأن الملك الحاصل بأداء الضمان مستند ثابت من وجه دون وجه فإذا كان كذلك فسبيله التصدق. [دفع إليه المال مضاربة بالنصف وأذن له أن يدفعه إلى غيره فدفعه بالثلث] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا دفع إليه) ش: أي إلى المضارب م: (رب المال مضاربة بالنصف وأذن له أن يدفعه إلى غيره فدفعه بالثلث وقد تصرف الثاني) ش: أي المضارب الثاني. م: (وربح فإن كان رب المال قال له) ش: أي للمضارب الأول م: (على أن ما رزق الله تعالى فهو بيننا نصفان فلرب المال النصف وللمضارب الثاني الثلث وللمضارب الأول السدس، لأن الدفع إلى الثاني مضاربة) ش: أي لأن دفع الأول إلى الثاني حال كون الدفع مضاربة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 68 قد صح لوجود الأمر به من جهة المالك ورب المال شرط لنفسه نصف جميع ما رزق الله تعالى فلم يبق للأول إلا النصف فينصرف تصرفه إلى نصيبه وقد جعل من ذلك بقدر ثلث الجميع للثاني، فيكون له، فلم يبق إلا السدس ويطيب لهما ذلك؛ لأن فعل الثاني واقع للأول، كمن استؤجر على خياطة ثوب بدرهم فاستأجر غيره عليه بنصف درهم، وإن كان قال له: على أن ما رزقك الله فهو بيننا نصفان فللمضارب الثاني الثلث والباقي بين المضارب الأول ورب المال نصفان؛ لأنه فوض إليه التصرف وجعل لنفسه نصف ما رزق الأول، وقد رزق الثلثين فيكون بينهما بخلاف الأول؛ لأنه جعل لنفسه نصف جميع الربح فافترقا. ولو كان قال له: فما ربحت من شيء فبيني وبينك نصفين، وقد دفع إلى غيره.   [البناية] م: (قد صح لوجود الأمر به) ش: أي بالدفع م: (من جهة المالك ورب المال شرط لنفسه نصف جميع ما رزق الله تعالى، فلم يبق للأول) ش: أي للمضارب المال م: (إلا النصف) ش: بمقتضى الشرط م: (فينصرف تصرفه إلى نصيبه وقد جعل من ذلك) ش: أي نصيبه م: (بقدر ثلث الجميع للثاني فيكون له، فلم يبق إلا السدس ويطيب لهما ذلك) ش: أي يطيب للمضارب الأول السدس والثاني الثلث والأول وإن لم يعمل بنفسه فقد باشر العقدين. ألا ترى أنه لو يضع المال مع غيره أو أبضعه رب المال حتى ربح كان نصيب المضارب من الربح طيبا وإن لم يعمل بنفسه. وعلل المصنف بقوله: م: (لأن فعل الثاني واقع للأول كمن استؤجر على خياطة ثوب بدرهم فاستأجر غيره عليه) ش: أي استأجر المستأجر غيره على عمل الخياطة م: (بنصف درهم) فإن النصف الآخر يطيب للمستأجر الذي استأجر، لأن العمل وقع له، فكذا م: (وإن كان قال له) ش: ش: أي وإن كان رب المال قال للمضارب م: (على أن ما رزقك الله فهو بيننا نصفان) ش: يعني قال ذلك بكاف الخطاب، وكذا الحكم لو قال ما ربحت في هذا من شيء، أو قال على أن ما كسبت فيه من كسب أو قال على أن ما رزقت من شيء وقال على أن ما صار لك فيه من ربح فهو بيننا نصفان. أو قال اعمل فيه برأيك م: (فللمضارب الثاني الثلث والباقي بين المضارب الأول ورب المال نصفان، لأنه فوض إليه التصرف وجعل لنفسه نصف ما رزق الأول، وقد رزق الثلثين فيكون بينهما) ش: أي الثلثان بين رب المال والمضارب الأول، لأنه شرط نصف ما يحصل وما شرط نصف الجميع م: (بخلاف الأول) ش: أي الوجه الأول م: (لأنه) ش: أي لأن رب المال م: (جعل لنفسه نصف جميع الربح فافترقا) ش: أي الحكمان. م: (ولو كان قال له: فما ربحت من شيء فبيني وبينك نصفين) ش: هذا من مسائل الجامع الصغير، وقوله: نصفين نصب على الحال، وكذا الواو للحال في قوله: م: (وقد دفع إلى غيره الجزء: 10 ¦ الصفحة: 69 بالنصف، فللثاني النصف، والباقي بين الأول ورب المال؛ لأن الأول شرط للثاني نصف الربح، وذلك مفوض إليه من جهة رب المال فيستحقه، وقد جعل رب المال لنفسه نصف ما ربح الأول، ولم يربح إلا النصف فيكون بينهما. ولو كان قال له: على أن ما رزق الله تعالى فلي نصفه، أو قال له: فما كان من فضل فبيني وبينك نصفان وقد دفع إلى الآخر مضاربة بالنصف فلرب المال النصف وللمضارب الثاني النصف ولا شيء للمضارب الأول؛ لأنه جعل لنفسه نصف مطلق الفضل فينصرف شرط الأول النصف للثاني إلى جميع نصيبه، فيكون للثاني بالشرط، ويخرج الأول بغير شيء. كمن استأجر ليخيط ثوبا بدرهم فاستأجر غيره ليخيطه بمثله. وإن شرط للمضارب الثاني ثلثي الربح، فلرب المال النصف وللمضارب الثاني النصف ويضمن المضارب الأول للثاني سدس الربح في ماله؛ لأنه شرط للثاني شيئا هو مستحق لرب المال فلم ينفذ في حقه لما فيه من الإبطال لكن التسمية في نفسها صحيحة لكون المسمى معلوما في عقد يملكه وقد ضمن له السلامة فيلزمه الوفاء به، ولأنه غره في ضمن العقد،   [البناية] بالنصف فللثاني النصف والباقي بين الأول ورب المال، لأن الأول شرط للثاني نصف الربح وذلك مفوض إليه من جهة رب المال فيستحقه، وقد جعل رب المال لنفسه نصف ما ربح الأول ولم يربح إلا النصف فيكون بينهما) ش: أي بين الأول ورب المال. م: (ولو كان قال له على أن ما رزق الله تعالى فلي نصفه، أو قال له فما كان من فضل فبيني وبينك نصفان وقد دفع) ش: أي والحال أن الأول قد دفع المال م: (إلى آخر مضاربة بالنصف فلرب المال النصف وللمضارب الثاني النصف ولا شيء للمضارب الأول، لأنه جعل لنفسه نصف مطلق الفضل فينصرف شرط الأول النصف للثاني إلى جميع نصيبه فيكون للثاني بالشرط ويخرج الأول بغير شيء) ش: لأنه جعل ما كان للثاني م: (كمن استأجر) ش: أي: رجلا م: (ليخيط ثوبا بدرهم فاستأجر) ش: أي المستأجر بفتح الجيم م: (غيره ليخيطه بمثله) أي بدرهم، فإنه لا يبقى له شيء. م: (وإن شرط للمضارب الثاني ثلثي الربح فلرب المال النصف وللمضارب الثاني النصف ويضمن المضارب الأول للثاني سدس الربح في ماله) ش: هذا لفظ القدوري في مختصره م: (لأنه) ش: أي لأن المضارب الأول م: (شرط للثاني شيئا هو مستحق لرب المال فلم ينفذ في حقه لما فيه من الإبطال) ش: أي إبطال حق رب المال. م: (لكن التسمية في نفسها صحيحة لكون المسمى معلوما في عقد يملكه وقد ضمن له) ش: أي وقد ضمن المضارب الأول للثاني م: (السلامة فيلزمه الوفاء به) ش: أي بما ضمنه. م: (ولأنه غره) ش: أي ولأن المضارب الأول غر الثاني م: (في ضمن العقد) ش: حيث الجزء: 10 ¦ الصفحة: 70 وهو سبب الرجوع، فلهذا يرجع عليه، وهو نظير من استؤجر لخياطة ثوب بدرهم فدفعه إلى من يخيطه بدرهم ونصف.   [البناية] شرط له النصف م: (وهو) ش: أي الغرور في ضمن العقد. م: (سبب الرجوع، فلهذا يرجع عليه) ش: أي فلأجل ذلك يرجع عليه قيد الغرور في ضمن العقد؛ لأن الغرور إذا لم يكن في ضمن العقد لا يكون موجبا للضمان، كما لو قال لآخر: هذا الطريق آمن فاسلكها وهو ليس بآمن فسلكها فقطع عليه الطريق وأخذ ماله فلا ضمان عليه. م: (وهو) ش: أي الحكم المذكور في الضمان م: (نظير من استؤجر لخياطة ثوب بدرهم فدفعه) ش: أي المستأجر بفتح الجيم م: (إلى من يخيطه بدرهم ونصف) ش: فإنه يقوم النصف من عنده، لأنه غره بالتسمية، فكذا هذا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 71 فصل قال: وإذا شرط المضارب لرب المال ثلث الربح ولعبد رب المال ثلث الربح على أن يعمل معه ولنفسه ثلث الربح فهو جائز؛   [البناية] [فصل شرط المضارب لرب المال ثلث الربح ولعبد رب المال ثلث الربح] م: (فصل) ش: الفصل مهما فصل لا ينون ومهما وصل ينون لأن الإعراب يكون بعد التركيب والتقدير هذا فصل في حكم كذا وكذا، ولما كان فيه حكم يغاير ما سبق فصله لذلك. م: (قال: وإذا شرط المضارب لرب المال ثلث الربح ولعبد رب المال ثلث الربح) ش: هذا من مسائل الجامع الصغير، أي وشرط أيضا لعبد رب المال ثلث الربح م: (على أن يعمل معه) ش: أي مع المضارب وكلمة على تجيء للشرط كما في قَوْله تَعَالَى {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ} [الممتحنة: 12] (الممتحنة: الآية 12) م: (ولنفسه ثلث الربح) ش: أي وشرط لنفس المضارب ثلث الربح م: (فهو جائز) ش: أي هذا الحكم وهذا العقد جائز، وذلك لأن اشتراط العمل عليه لا يمنع التخلية التي هي شرط صحة المضاربة، لأن للعبد يدا معتبرة، ولهذا لم يكن للمولى استرداد وديعة العبد من يد المودع، وإذا جازت المضاربة، كان نصيب العبد من الربح للمولى إن لم يكن عليه دين. وإن كان عليه دين فغرماؤه أحق بذلك كسائر أكسابه، بخلاف شرط العمل على رب المال، فإنه يمنع التخلية فلا تصح المضاربة، وقوله: لعبد رب المال ليس بقيد، لأن حكم عبد المضارب كذلك، وكذا لو شرط لأجنبي وكذا كل من لا يقبل شهادة المضارب أو شهادة رب المال له. وفي " الذخيرة ": إذا شرط في المضاربة بعض الربح لغير المضارب ورب المال فهو على وجوه: الأول: إذا شرط ذلك لأجنبي، وفي هذا الوجه إن شرط عمل الأجنبي فالمضاربة جائزة والشرط باطل ويجعل المشروط للأجنبي كالمسكوت عنه، فيكون لرب المال. الثاني: إذا شرط بعض الربح لعبد المضارب أو لعبد رب المال، قال شرط على العبد مع ذلك فالشرط جائز والمضاربة جائزة، وإن لم يشترط عمل العبد مع ذلك إن لم يكن على العبد دين صح الشرط سواء كان عبد المضارب أو عبد رب المال، وإن كان على العبد دين فإن كان عبد المضارب فعلى قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يصح الشرط، ويكون المشروط كالمسكوت عليه، فيكون لرب المال، وعندهما يصح ويجب الوفاء به، وإن كان عبد رب المال فالمشروط يكون لرب المال بلا خلاف. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 72 لأن للعبد يدا معتبرة خصوصا إذا كان مأذونا له، واشتراط العمل إذن له، ولهذا لا يكون للمولى ولاية أخذ ما أودعه العبد وإن كان محجورا عليه، ولهذا يجوز بيع المولى عبده المأذون، وإذا كان كذلك لم يكن مانعا من التسليم والتخلية بين المال والمضارب، بخلاف اشتراط العمل على رب المال لأنه مانع من التسليم على ما مر. وإذا صحت المضاربة يكون الثلث للمضارب بالشرط والثلثان للمولى؛ لأن كسب العبد للمولى إذا لم يكن عليه دين، وإن كان عليه دين فهو للغرماء.   [البناية] والوجه الثالث: إذا شرط بعض الربح لمن لا يقبل شهادة المضارب أو شهادة رب المال له نحو الابن والمرأة والمكاتب ومن أشبههم فالجواب فيه كالجواب فيما إذا شرط بعض الربح لأجنبي. والوجه الرابع: إذا شرط بعض الربح لقضاء دين المضارب أو لقضاء دين رب المال فهو جائز، ويكون المشروط للمشروط له فقضى دينه به، وقيل قيد بعبد رب المال لأن فيه خلافا لبعض أصحاب الشافعي وبعض أصحاب أحمد، وفي غيره لا خلاف. وعند أكثر أصحاب الشافعي يصح اشتراط العمل على غلام رب المال كقولنا، وهو قول مالك وظاهر قول أحمد. م: (لأن للعبد يدا معتبرة خصوصا إذا كان مأذونا له واشتراط العمل إذن له) ش: فيتحقق خروج المال من يد رب المال مع اشتراط عمله فصح، سواء كان عليه دين أو لم يكن لأنه في حق المضاربة كعبد أجنبي آخر م: (ولهذا) ش: أي: ولكون يد العبد يدا معتبرة خصوصا إذا كان مأذونا له م: (لا يكون للمولى ولاية أخذ ما أودعه العبد وإن كان محجورا عليه) ش: أراد لا يجوز له استرداد ما أودعه العبد من يد المودع م: (ولهذا) ش: أي ولعدم ولاية الأخذ للمولى من مودعه م: (يجوز بيع المولى عبده المأذون) ش: يعني إذا كان مديونا وهذا بالإجماع، أما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلأن المولى من عبده المأذون أجنبي عن كسبه إذا كان عليه دين، وأما عندهما فلأن جواز البيع يعتمد الفائدة وقد وجدت على ما يجيء في المأذون إن شاء الله تعالى. م: (وإذا كان كذلك) ش: يعني إذا كان الحكم ما ذكرنا من كون يد العبد معتبرة وجواز بيع المولى منه إذا كان مأذونا له مديونا م: (لم يكن) ش: أي اشتراط ثلث الربح لعبد رب المال مع اشتراط العمل عليه م: (مانعا من التسليم والتخلية بين المال والمضارب، بخلاف اشتراط العمل على رب المال لأنه) ش: أي لأن اشتراطه على رب المال م: (مانع من التسليم) ش: والتخلية إذا كان إلغاء فقد بطل م: (على ما مر) ش: أي عند قوله وشرط العمل على رب المال مفسد للعقد، لأنه يمنع خلوص يد المضارب م: (وإذا صحت المضاربة) ش: المذكورة م: (يكون الثلث) ش: أي ثلث الربح م: (للمضارب بالشرط والثلثان للمولى، لأن كسب العبد للمولى إذا لم يكن عليه دين) ش: لأن العبد وما في يده لمولاه. م: (وإن كان عليه دين) ش: أي على العبد م: (فهو للغرماء) ش: لأن المولى لا يملك إكساب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 73 هذا إذا كان العاقد هو المولى، ولو عقد العبد المأذون عقد المضاربة مع أجنبي وشرط العمل على المولى لا يصح إن لم يكن عليه دين؛ لأن هذا اشتراط العمل على المالك وإن كان على العبد دين صح عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المولى بمنزلة الأجنبي عنده على ما عرف.   [البناية] عبد المديون. م: (هذا) ش: أي الذي ذكرناه من الحكم م: (إذا كان العاقد هو المولى. ولو عقد العبد المأذون عقد المضاربة مع أجنبي وشرط العمل على المولى لا يصح إن لم يكن عليه دين، لأن هذا) ش: الشرط م: (اشتراط العمل على المالك) ش: واشتراط العمل على المالك يفسد المضاربة على ما مر. م: (وإن كان على العبد) ش: أي العبد المأذون له المذكور م: (دين صح) ش: أي اشتراط العمل على المولى م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المولى بمنزلة الأجنبي عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (على ما عرف) ش: أي في كتاب المأذون. وعندهما: لا يصح هذا، فحينئذ الاشتراط على المولى يفسد، وبه قالت الأئمة الثلاثة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 74 فصل في العزل والقسمة قال: وإذا مات رب المال والمضارب بطلت المضاربة؛ لأنه توكيل على ما تقدم، وموت الموكل يبطل الوكالة، وكذا موت الوكيل ولا تورث الوكالة وقد مر من قبل.   [البناية] [فصل في العزل والقسمة] [موت رب المال والمضارب] م: (فصل في العزل والقسمة) ش: أي عزل المضارب وفي بيان أحكام القسمة، أي قسمة المضارب قاله السغناقي، والأولى أن يقال قسمة الربح على ما لا يخفى. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا مات رب المال والمضارب) ش: أي أو مات المضارب م: (بطلت المضاربة لأنه) ش: أي لأن المضاربة، وتذكير الضمير إما باعتبار العقد وإما باعتبار المذكور. ولو قال لأنها كان أولى م: (توكيل) ش: أراد أن مبناها على الوكالة، لأن المضاربة عقد على الشركة بمال أحد الجانبين والعمل من الآخر، فإذا كان مبناها على الوكالة تبطل بموتهما أو موت أحدهما كما في الوكالة م: (على ما تقدم) ش: في قوله في أول الباب وهو وكيل فيه، لأنه يتصرف فيه بأمر مالكه. م: (وموت الموكل يبطل الوكالة) ش: لأن الوكالة عقد جائز غير لازم فكان لبقائه حكم الابتداء فيشترط قيام الأمر في كل ساعة م: (وكذا) ش: أي تبطل الوكالة عند م: (موت الوكيل) ش: لقيامها به ولا نعلم فيه خلافا م: (ولا تورث الوكالة) ش: لأنها غير لازمة كما ذكرنا فلا ينتقل إلى ورثته م: (وقد مر) ش: أي حكم بطلان الوكالة بموتهما أو موت أحدهما م: (من قبل) ش: أي من قبل هذا الباب، وأراد به باب عزل الوكيل في كتاب الوكالة. ثم اعلم أن كون المضارب كالوكيل ليس بكلي بل يفترقان في مسائل: منها: أن الوكيل إذا دفع إليه الثمن قبل الشراء فإنه يرجع به على الموكل، ثم لو هلك ما أخذه ثانيا لا يرجع به مرة بعد أخرى. وأما المضارب فيرجع به على رب المال مرة بعد أخرى إلى أن يصل الثمن إلى البائع. وجه الافتراق أن شراء الوكيل يوجب الثمن عليه على البائع، وله على الموكل بعد الشراء صار مقضيا ما استوجبه دينا عليه وصار مضمونا عليه بالقبض، فإذا هلك في ضمانه فلا يرجع ثانيا، وأما المضارب إذا رجع على المال فما يقبضه يكون أمانة في يده، فإذا هلك كان هلاكه على رب المال فيرجع عليه مرة بعد أخرى، ولكن لو نظرنا إلى كون المال أمانة في أيديهما كان حكمهما واحدا من هذا الوجه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 75 وإن ارتد رب المال عن الإسلام والعياذ بالله ولحق بدار الحرب بطلت المضاربة؛ لأن اللحوق بمنزلة الموت. ألا ترى أنه يقسم ماله بين ورثته، وقبل لحوقه يتوقف تصرف مضاربه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه يتصرف له فصار كتصرفه بنفسه. ولو كان المضارب هو المرتد فالمضاربة على حالها؛ لأن له عبارة صحيحة ولا توقف في ملك رب المال فبقيت المضاربة. قال: فإن عزل رب المال المضارب ولم يعلم   [البناية] ومنها: أن رب المال لو ارتد ولحق بدار الحرب ثم عاد مسلما فالمضاربة بخلاف الوكالة على ما يجيء عن قريب. ومنها: أن المضارب إذا اشترى بمال المضاربة عروضا ثم عزله رب المال عن المضاربة لا يعمل عزله وإن علم به بخلاف الوكيل على ما يجيء. م: (وإن ارتد رب المال عن الإسلام - والعياذ بالله - ولحق بدار الحرب بطلت المضاربة) ش: إذا لم يعد مسلما. أما إذا عاد مسلما جاز جميع ما فعل من البيع والشراء فكان عقد المضاربة على ما كان، بخلاف الوكالة حيث لا تعود بعود الموكل مسلما لخروج محل التصرف عن ملكه، وفي المضاربة لا يبطل لمكان حق المضارب كما لو مات حقيقة م: (لأن اللحوق) ش: بدار الحرب م: (بمنزلة الموت) ش: حكما م: (ألا ترى) ش: توضيح لكون اللحوق كالموت (أنه) ش: أي الشأن م: (يقسم ماله بين ورثته) ش: كما في الموت الحقيقي ويعتق مدبروه وأمهات أولاده. م: (وقبل لحوقه) ش: بدار الحرب م: (يتوقف تصرف مضاربه) ش: أي مضارب رب المال الذي ارتد عن الإسلام كالبطلان بالموت أو القتل م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه) ش: أي لأن المضارب م: (يتصرف له) ش: أي لرب المال م: (فصار) ش: أي تصرف المضارب م: (كتصرفه) ش: أي كتصرف رب المال م: (بنفسه) ش: فلو تصرف رب المال في هذه الصورة لكان تصرفه موقوفا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لارتداده فكذا تصرف نائبه وهو المضارب. م: (ولو كان المضارب هو المرتد) ش: بنصب الدال، لأنه خبر كان وهو ضمير الفصل م: (فالمضاربة على حالها) ش: في قولهم جميعا، حتى لو اشترى أو باع وربح أو خسر ثم قتل على ردته أو مات لحق بدار الحرب فإن جميع ما فعل من ذلك جائز والربح بينهما على ما اشترطا م: (لأن له) ش: أي للمضارب م: (عبارة صحيحة) ش: لكونه عاقلا بالغا م: (ولا توقف في ملك رب المال) ش: لأنه نائب أو متصرف في منافع نفسه، ولا حق لورثته في ذلك، بخلاف رب المال لأن التوقف فيه لتعلق حق ورثته بماله أو لتوقف ملكه باعتبار توقف نفيه، والعهدة في جميع ذلك على رب المال م: (فبقيت المضاربة) ش: الفاء جواب شرط محذوف والتقدير: وإذا كان كذلك فبقيت المضاربة على حالها. م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإن عزل رب المال المضارب ولم يعلم) ش: أي المضارب م: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 76 بعزله حتى اشترى وباع فتصرفه جائز؛ لأنه وكيل من جهته وعزل الوكيل قصدا يتوقف على علمه، وإن علم بعزله والمال عروض فله أن يبيعها ولا يمنعه العزل من ذلك؛ لأن حقه قد ثبت في الربح، وإنما يظهر بالقسمة وهي تبتنى على رأس المال، وإنما ينض بالبيع، قال: ثم لا يجوز أن يشتري بثمنها شيئا آخر؛ لأن العزل إنما لم يعمل ضرورة معرفة رأس المال، وقد اندفعت حيث صار نقدا فيعمل العزل، فإن عزله ورأس المال دراهم أو دنانير وقد نضت لم يجز له أن يتصرف فيها؛ لأنه ليس في أعمال عزله إبطال حقه في الربح، فلا ضرورة.   [البناية] (بعزله) ش: أي بعزل رب المال إياه فالمصدر مضاف إلى فاعله وذكر المفعول مطوي، ويجوز أن يكون مضافا إلى مفعوله وطوي ذكر الفاعل م: (حتى اشترى) ش: أي المضارب م: (وباع فتصرفه جائز لأنه) ش: أي لأن المضارب م: (وكيل من جهته) ش: فلا ينعزل إلا بعلمه لأنه عزل قصدي فيتوقف على العلم، لأن العزل نهي والأحكام المتعلقة بالأمر والنهي لا يؤثر فيها النهي إلا بعد علم دليله أو أمر الشرع ونواهيه، أشار إلى ذلك بقوله م: (وعزل الوكيل قصدا) ش: أي عزلا قصدا، أو مقصودا، أو يكون حالا أي قاصدا م: (يتوقف على علمه) ش: أي علم الوكيل لما ذكرنا م: (وإن علم بعزله والمال) ش: أي من البيع عند أكثر أهل العلم فله أن يبيعها نقدا ونسيئة كما قبل العزل، حتى لو نهى رب المال عن البيع نسيئة لا يعمل نهيه، وكذا لا يصح نهيه عن المسافرة في الروايات المشهورة كما قبل العزل. م: (لأن حقه) ش: أي حق المضارب م: (قد ثبت في الربح، وإنما يظهر) ش: أي حقه في الربح م: (بالقسمة وهي) ش: أي القسمة م: (تبتنى على رأس المال) ش: بأن يكون نقدا م: (وإنما ينض) ش: أي ينقد م: (بالبيع) ش: بأن تباع العروض، حتى يصير أحد النقدين، ونض ينض من باب ضرب يضرب من التنضيض وهو خروج الماء عن الحجر أو نحوه قليلا قليلا، والناض عند أهل الحجاز: الدراهم والدنانير ومادته نون وضاد معجمة. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ثم لا يجوز أن يشتري) ش: أي المضارب المعزول م: (بثمنها) ش: أي بثمن تلك العروض التي نضت م: (شيئا آخر، لأن العزل إنما لم يعمل ضرورة) ش: أي لأجل ضرورة م: (معرفة رأس المال) ش: لأجل القسمة م: (وقد اندفعت) ش: أي الضرورة م: (حيث صار) ش: أي رأس المال م: (نقدا) ش: أي دراهم أو دنانير م: (فيعمل العزل) ش: بعمله م: (فإن عزله) ش: أي رب المال المضارب م: (ورأس المال) ش: أي والحال أن رأس المال م: (دراهم أو دنانير وقد) ش: أي والحال أنها قد م: (نضت) ش: أي نفذت بأحد النقدين م: (لم يجز له أن يتصرف فيها، لأنه ليس في أعمال عزله إبطال حقه في الربح، فلا ضرورة) ش: في تصحيح تصرفه، لأنه باعها بكون المال نضا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 77 قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهذا الذي ذكره إذا كان من جنس رأس المال، فإن لم يكن بأن كان دراهم ورأس المال دنانير أو على القلب له أن يبيعها بجنس رأس المال استحسانا لأن الربح لا يظهر إلا به، وصار كالعروض، وعلى هذا موت رب المال ولحوقه بعد الردة في بيع العروض ونحوها. قال: وإذا افترقا وفي المال ديون وقد ربح المضارب فيه أجبره الحاكم على اقتضاء الديون؛ لأنه بمنزلة الأجير والربح كالأجر له. وإن لم يكن له ربح لم يلزمه الاقتضاء؛   [البناية] م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا الذي ذكره) ش: أي القدوري م: (إذا كان) ش: أي المال الذي نض م: (من جنس رأس المال) ش: بأن كان كل منهما دراهم أو دنانير م: (فإن لم يكن) ش: أي المال الذي نض من جنس رأس المال م: (بأن كان دراهم ورأس المال دنانير أو على القلب) ش: أي أو كان على العكس بأن كان دنانير ورأس المال دراهم م: (له) ش: أي للمضارب م: (أن يبيعها بجنس رأس المال) ش: قيد به، لأنه ليس له أن يشتري بما نقد العروض م: (استحسانا) ش: أي من حيث الاستحسان م: (لأن الربح لا يظهر إلا به) ش: أن يبيعها بجنس رأس المال، لأن الواجب عليه رد مثل رأس المال، وقال يمكن إلا أن يبيع ما في يده بجنس رأس المال م: (وصار كالعروض) ش: في حكم جواز البيع، وفي القياس لا يجوز؛ لثبوت المجانسة بينهما من حيث الثمنية، فصار كأن رأس المال قد تعين. م: (وعلى هذا) ش: إشارة إلى قوله لا يمنعه العزل، أي على حكم المذكور م: (موت رب المال ولحوقه بعد الردة) ش: وارتفاع الموت بالابتداء، وخبره قوله: على هذا م: (في بيع العروض) ش: بأن كان المال عروضا ومات رب المال فلا ينعزل المضارب، بل يبيعها وينض رأس المال، وكذا في لحوق رب المال بدار الحرب مرتدا، لأنه موت حكما م: (ونحوها) ش: أي ونحو العروض، فإن كان رأس المال دراهم وفي يده دنانير أو على العكس. [افتراق رب المال والمضارب وفي المال ديون] م (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا افترقا وفي المال ديون) ش: أي إذا افترق رب المال والمضارب والحال في المال ديون، والمراد من الافتراق فسخهما عقد المضارب م: (وقد ربح المضارب فيه) ش: أي والحال أنه قد ربح المضارب في المال م: (أجبره الحاكم على اقتضاء الديون) ش: أي على طلب الديون التي على الناس م: (لأنه) ش: أي لأن المضارب م: (بمنزلة الأجير) ش: حيث جعل له شيء م: (والربح كالأجر له) ش: لأنه استحق الربح بأن أعلمه وقد سلم له بدل علمه وهو الربح فيجبر على إتمام عمله، ومن إتمامه استيفاء ما وجب من الديون على الناس ولا نعلم فيه خلافا. م: (وإن لم يكن له ربح لم يلزمه الاقتضاء) ش: أي طلب الديون التي على الناس، وقالت الثلاثة لزمه الاقتضاء لأنه بعقد المضاربة التزم رد رأس المال على صفته، ودليلنا هو قوله م: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 78 لأنه وكيل محض والمتبرع لا يجبر على إيفاء ما تبرع به ويقال له وكل رب المال في الاقتضاء؛ لأن حقوق العقد ترجع إلى العاقد فلا بد من توكيله وتوكله كي لا يضيع حقه. وقال في " الجامع الصغير " يقال له أحل مكان قوله " وكل " منه الوكالة. وعلى هذا سائر الوكالات والبياع والسمسار يجبران على التقاضي؛ لأنهما يعملان بأجرة عادة.   [البناية] (لأنه) أي المضارب م: (وكيل محض) ش: أي خالص م: (والمتبرع لا يجبر على إيفاء ما تبرع به) ش: بل الواجب رفع يده عن المال فإذا رفع يده فلا يلزمه أكثر منه لأنه وكيل محض قبل ظهور الربح م: (ويقال له) ش: أي للمضارب م: (وكل رب المال في الاقتضاء، لأن حقوق العقد ترجع إلى العاقد فلا بد من توكيله) ش: أي توكيل المضارب رب المال (وتوكله) ش: أي توكل رب المال م: (كي لا يضيع حقه) ش: أي حق رب المال؛ لأنه يمكن المطالبة فيما عقد المضارب إلا بالتوكيل فيوكل حفظا لحقه. وفي بعض النسخ حتى لا يضيع حقه. م: (وقال في الجامع الصغير يقال له) ش: أي للمضارب م: (أحل) ش: أي رب المال وهو أمر من أحال يحيل من الحوالة م: (مكان قوله وكل المراد منه) ش: أي من قوله أحل م: (الوكالة) ش: لأنه ليس عليه دين حتى تكون حقيقة الحوالة، فعلى هذا إطلاق الحوالة على الوكالة يكون استعارة، والمجوز اشتمالهما على النقد، هذا لفظ القدوري م: (وعلى هذا) ش: أي على الحكم المذكور م: (سائر الوكالات) ش: أراد به كل وكيل بالبيع إذا امتنع من التقاضي له يجبر عليه، ولكن يجبر على أن يحيل رب المال بالثمن على المشتري وكذا المستبضع م: (والبياع) ش: أي الذي يبيع بالأجر وهو الدلال م: (والسمسار) ش: بكسر السين هو التوسط بين البائع والمشتري وفي " المبسوط " هو من يعمل للغير بالأجر بيعا أو شراء. قلت: فعلى هذا الافتراق بين الدلال والسمسار، ولكن أهل اللغة فرقوا بينهما بما ذكرنا قال الأعشى: فعشنا زماننا وما بيننا رس ... ول يراجع أخبارها فأصبحت لا أستطيع الجوا ... ب سوى أن أراجع سمسارها يريد السفير بينهما. وفي " العباب " وهو لفظ معرب م: (يجبران على التقاضي لأنهما) ش: أي لأن البياع والسمسار م: (يعملان بأجرة عادة) ش: فيكون كالإجارة الصحيحة. ولو دفع إلى سمسار دراهم وقال اشتر لي بها رطبا بأحد عشرة دراهم فهذا فاسد لأنه استأجر أصلا مجهولا، وكذا لو سمى له عدد الثياب أو استأجر لبيع طعام أو شراب، والحيلة في جوازه أن يستأجره يوما إلى الليل بأجر معلوم ليبيع له أو يشتري، لأن العقد يتناول منافعه وهي معلومة ببيان المدة وإن لم يشترط أجرا يكون وكيلا معينا له، فيعوضه بعد الفراغ من العمل مثل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 79 قال: وما هلك من مال المضاربة فهو من الربح دون رأس المال؛ لأن الربح تابع وصرف الهلاك إلى ما هو التبع أولى كما يصرف الهلاك إلى العفو في الزكاة، فإن زاد الهالك على الربح فلا ضمان على المضارب؛ لأنه أمين. وإن كانا يقتسمان الربح والمضاربة بحالها ثم هلك المال بعضه أو كله ترادا الربح حتى يستوفي رب المال رأس ماله؛ لأن قسمة الربح لا تصح قبل استيفاء رأس المال لأنه هو الأصل، وهذا بناء عليه وتبع له، فإذا هلك ما في يد المضارب أمانة تبين أن ما استوفياه من رأس المال فيضمن المضارب ما استوفاه؛ لأنه أخذه لنفسه وما أخذه رب المال محسوب من رأس ماله. وإذا استوفى رأس المال فإن فضل شيء كان بينهما لأنه ربح.   [البناية] الأجر، لأن جزاء الإحسان أجرة. [ما هلك من مال المضاربة فهو من الربح دون رأس المال] م: (قال: وما هلك من مال المضاربة فهو من الربح دون رأس المال، لأن الربح تابع وصرف الهلاك إلى ما هو التبع أولى) ش: إنما كان الربح تابعا لأنه لا يتصور بدون رأس المال وهو متصور بدونه، فكان أصلا م: (كما يصرف الهلاك إلى العفو في الزكاة) ش: عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - لأن العفو تبع وقد مر بيانه في باب الزكاة م: (فإن زاد الهالك على الربح فلا ضمان على المضارب) ش: هذا لفظ القدوري م: (لأنه أمين) ش: فلا يكون ضمينا لما بينهما من المنافاة م: (وإن كان يقتسمان الربح والمضاربة بحالها) ش: يعني لم يفسخاها م: (ثم هلك المال بعضه) ش: أي بعض المال، ورفعه على أنه بدل البعض من الكل م: (أو كله) ش: بالرفع أيضا، لأنه بدل الكل من الكل، م: (ترادا) ش: أي رب المال والمضارب م: (الربح حتى يستوفي رب المال رأس ماله) وفي بعض النسخ رأس المال م: (لأن قسمة الربح لا تصح قبل استيفاء رأس المال لأنه) ش: أي لأن رأس المال م: (هو الأصل) ش: لتصور بدون الربح م: (وهذا) ش: أي الربح م: (بناء) ش: أي مبني م: (عليه) ش: أي على رأس المال الذي هو الأصل م: (وتبع له) ش: أي لرأس المال، لأنه زيادة عليه م: (فإذا هلك ما في يد المضارب أمانة) ش: أي حال كونه أمانة غير مضمون م: (تبين أن ما استوفياه) ش: أي رب المال والمضارب م: (من رأس المال) ش: خبر أن م: (فيضمن المضارب ما استوفاه) ش: أي الذي أخذه م: (لأنه أخذه لنفسه) ش: ولم يكن ذلك حتى يصل رب المال إلى رأس ماله، وهذا بمنزلة قسمة الوارث التركة مع قيام الدين على الميت، فلو أن الورثة عزلوا من التركة مقدار الدين وقسموا ما بقي ثم هلك المعزول قبل أن يصل إلى الغرماء بطلت القسمة، وعليهم ضمان ما أخذوه من حق الغرماء لأن حقهم سابق على حق الورثة في التركة، فكذلك فيما نحن فيه م: (وما أخذه رب المال محسوب من رأس ماله) ش: يعني يجعل ذلك من رأس المال. م: (وإذا استوفى رأس المال فإن فضل شيء) ش: يعني بعد الاستيفاء م: (كان) ش: أي الشيء الفاضل م: (بينهما) ش: أي بين المال والمضارب م: (لأنه ربح) ش: وقضيته أن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 80 وإن نقص فلا ضمان على المضارب لما بينا. فلو اقتسما الربح وفسخا المضاربة ثم عقداها فهلك المال لم يترادا الربح الأول؛ لأن المضاربة الأولى قد انتهت والثانية عقد جديد فهلاك المال في الثاني لا يوجب انتقاض الأول كما لو دفع إليه مالا آخر.   [البناية] يكون مشتركا بينهما م: (وإن نقص) ش: يعني شيء من رأس المال م: (فلا ضمان على المضارب لما بينا) ش: أشار به إلى قوله لأنه أمين م: (فلو اقتسما الربح وفسخا المضاربة ثم عقداها) ش: ثانيا م: (فهلك المال لم يترادا الربح الأول، لأن المضاربة الأولى قد انتهت) ش: يعني بقسمة الربح وفسخ المضاربة م: (والثانية) ش: أي المضاربة الثانية م: (عقد جديد فهلاك المال في الثاني) ش: أي في العقد الثاني م: (لا يوجب انتقاض الأول) ش: أي الاقتسام الأول م: (كما لو دفع) ش: وفي بعض النسخ كما إذا دفع أي رب المال م: (إليه) ش: أي إلى المضاربة م: (مالا آخر) ش: غير المال الأول فإنه لا يوجب انتقاض الاقتسام الأول. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 81 فصل فيما يفعله المضارب قال: ويجوز للمضارب أن يبيع ويشتري بالنقد والنسيئة؛ لأن كل ذلك من صنيع التجار فينتظمه إطلاق العقد، إلا إذا باع إلى أجل لا يبيع التجار إليه لأن له الأمر العام المعروف بين الناس، ولهذا كان له أن يشتري دابة للركوب وليس له أن يشتري سفينة للركوب، وله أن يستكريها اعتبارا لعادة التجار، وله أن يأذن لعبد.   [البناية] [فصل فيما يفعله المضارب] [ما يجوز للمضارب أن يفعله وما لا يجوز] م: (فصل فيما يفعله المضارب) ش: إنما فصله لأنه يذكر فيه ما لم يذكره في أول المضاربة من أفعال المضارب. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويجوز للمضارب أن يبيع ويشتري بالنقد والنسيئة) ش: أي بالحال والآجل، وبه قال أحمد في رواية. وقال الشافعي ومالك وأحمد في رواية وابن أبي ليلى: لا يجوز بغير الإذن، لأنه ضد مقصود رب المال، ودليلنا قوله: م: (لأن كل ذلك) ش: أي البيع بالنقد والنسيئة م: (من صنيع التجار) ش: بضم التاء جمع تاجر، وجاء بالكسر أيضا ولكنه بتخفيف الجيم م: (فينتظمه) ش: أي إذا كان كذلك فينتظم البيع بالنقد والنسيئة دل عليه قوله: أن يبيع، كما في قَوْله تَعَالَى {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] (المائدة: الآية: 8) ، أي العدل الذي دل عليه اعدلوا م: (إطلاق العقد) ش: هو كونه غير مقيد بالنقد. م: (إلا) ش: استثناء من قوله ويجوز للمضارب أن يبيع، والأولى أن يكون من قوله فينتظمه إطلاق العقد م: (إذا باع إلى أجل لا يبيع التجار إليه) ش: أي إلى ذلك الأجل بأن باع إلى عشر سنين ونحوها. وقوله: لا يبيع التجار، جملة في محل الجر صفة لقوله: إلى أجل، فافهم م: (لأن له) ش: أي للمضارب م: (الأمر العام) ش: أي الشامل م: (المعروف) ش: أي المعتاد م: (بين الناس) ش: أراد به ما هو صنيع التجار والبيع إلى أجل طويل غير معتاد فلا ينتظمه الإذن م: (ولهذا) ش: توضيح لما ذكره م: (كان له) ش: أي للمضارب: (أن يشتري دابة للركوب) ش: بجريان العادة م: (وليس له أن يشتري سفينة للركوب) ش: لعدم جريان العادة فيه. هذا في المضاربة الخاص بنوع كالطعام مثلا، أما إذا لم يخص المضاربة بنوع بل دفع المال ولم يسم ما يشتري به فاشترى سفينة أو دابة ليحمل عليها مال المضاربة يجوز للإطلاق م: (وله) ش: أي للمضارب م: (أن يستكريها) ش: أي يستكري السفينة م: (اعتبارا لعادة التجار) ش: فإنهم يستكرون السفينة لحمل البضائع م: (وله) ش: أي للمضارب أيضا م: (أن يأذن لعبد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 82 المضاربة في التجارة في الرواية المشهورة لأنه من صنيع التجار. ولو باع بالنقد ثم أخر الثمن جاز بالإجماع، أما عندهما فلأن الوكيل يملك ذلك فالمضارب أولى، إلا أن المضارب لا يضمن لأن له أن يقايل ثم يبيع نسيئة ولا كذلك الوكيل؛ لأنه لا يملك ذلك. وأما عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلأنه يملك الإقالة ثم البيع بالنساء بخلاف الوكيل لأنه لا يملك الإقالة. ولو احتال بالثمن على الأيسر أو الأعسر جاز؛ لأن الحوالة من عادة التجار، بخلاف الوصي يحتال بمال اليتيم حيث يعتبر فيه الأنظر؛ لأن تصرفه مقيد بشرط النظر.   [البناية] المضاربة في التجارة في الرواية المشهورة، لأنه من صنيع التجار) ش: احترز بالمشهورة، عما روى ابن رستم عن محمد: أنه لا يملك ذلك بإطلاق العقد؛ لأنه بمنزلة الدفع مضاربة، والفرق أن المضارب شريك في الربح والمأذون لا يصير شريكا فيه. [الحكم لو باع المضارب بالنقد ثم أخر الثمن] م: (ولو باع بالنقد) ش: أي المضارب شيئا م: (ثم أخر الثمن) ش: أي من يشتري بعيب أو بغير م: (جاز بالإجماع) ش: أراد به إجماع أصحابنا م: (أما عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (فلأن الوكيل يملك ذلك) ش: أي الوكيل بالبيع يملك تأخير الثمن عند المشتري م: (فالمضارب أولى) ش: بالجواز لأن ولايته أعم، لأنه شريك في الربح أو بعوضيه أن يصير شريكا، فكان أصيلا من وجه م: (إلا أن المضارب لا يضمن) ش: هذه إشارة إلى الفرق بينهما وهو أن المضارب إذا أخر الثمن لا يضمن لرب المال م: (لأنه له) ش: أي للمضارب م: (أن يقايل) ش: أي البيع م: (ثم يبيع) ش: أي بعد الإقالة م: (نسيئة) ش: أي بالدين، لأنه لما كان يملك البيع نسيئة ابتداء فكذلك بواسطة الإقالة. م: (ولا كذلك) ش: أي ليس كذا م: (الوكيل) ش: أي بالبيع م: (لأنه لا يملك ذلك) ش: أي الإقالة والبيع بالنسيئة بعدها. وهاهنا شيئان، الأول: أن الإشارة إلى الإقالة والبيع الدال عليهما قوله: أن يقايل ثم يبيع، والثاني: أن تذكير الإشارة باعتبار المذكور. م: (وأما عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلأنه) ش: أي فلأن المضارب م: (يملك الإقالة ثم البيع بالنساء بخلاف الوكيل، لأنه لا يملك الإقالة) ش: فكذا لا يملك تأجيله في الثمن، فلا يرد الضمان وعدم الضمان على قوله: م: (ولو احتال) ش: أي المضارب إذا قبل الحوالة م: (بالثمن على الأيسر أو الأعسر) ش: أي على رجل أيسر من المشتري أو أعسر منه م: (جاز) ش: أي الاحتيال، أي الحوالة وتذكير الفعل باعتباره م: (لأن الحوالة من عادة التجار) ش: لأنها متعارفة بينهم وهم محتاجون إليها م: (بخلاف الوصي يحتال) ش: أي حال كونه يحتال م: (بمال اليتيم حيث يعتبر فيه) ش: أي في هذا الحكم م: (الأنظر) ش: في حق الصغير م: (لأن تصرفه مقيد بشرط النظر) ش: ولا نظر في قبول الحوالة على الأعسر والأب كالوصي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 83 والأصل أن ما يفعله المضارب ثلاثة أنواع: نوع يملكه بمطلق المضاربة وهو ما يكون من باب المضاربة وتوابعها وهو ما ذكرنا من قبل ومن جملته التوكيل بالبيع والشراء للحاجة إليه والارتهان والرهن؛ لأنه إيفاء واستيفاء، والإجارة والاستئجار والإيداع والإبضاع والمسافرة على ما ذكرناه من قبل، ونوع لا يملكه بمطلق العقد ويملكه إذا قيل له اعمل برأيك وهو ما يحتمل أن يلحق به فيلحق عند وجود الدلالة، وذلك مثل دفع المال مضاربة أو شركة إلى غيره وخلط مال المضاربة بماله أو بمال غيره؛ لأن رب المال رضي بشركته لا بشركة غيره،   [البناية] م: (والأصل) ش: فيما يجوز للمضارب أن يفعله وما لا يجوز م: (أن ما يفعله) ش: أي م: (المضارب ثلاثة أنواع، نوع) ش: أي أحدهما نوع م: (يملكه) ش: أي المضارب م: (بمطلق المضاربة) ش: يعني من غير أن يقول له رب المال: اعمل برأيك م: (وهو) ش: أي هذا النوع م: (ما يكون من باب المضاربة وتوابعها) ش: أي توابع المضاربة كالتوكيل بالبيع والشراء والرهن والارتهان ونحوها على ما يجيء الآن م: (وهو ما ذكرنا من قبل) ش: أشار به إلى قوله أن يبيع بالنقد والنسيئة والإذن لعبد المضاربة وتأخير الثمن والاحتيال به م: (ومن جملته) ش: أي جملة ما يملكه بطلق العقد م: (التوكيل بالبيع والشراء للحاجة إليه) ش: أي إلى التوكيل م: (والارتهان والرهن لأنه) ش: أي لأن أحدهما وهو الرهن م: (إيفاء) ش: لما عليه م: (واستيفاء) ش: أي والآخر وهو الارتهان واستيفاء لحقه م: (والإجارة والاستئجار والإيداع والإبضاع والمسافرة) ش: كلها مرفوع عطفا على قوله والارتهان م: (على ما ذكرناه من قبل) ش: إشارة إلى ما ذكر من أول الكتاب بقوله: وإذا صحت المضاربة مطلقة جاز للمضارب أن يبيع ويشتري ويوكل ويسافر ويبضع ويودع. م: (ونوع) ش: أي الثاني نوع م: (لا يملكه) ش: أي المضارب م: (بمطلق العقد) ش: أي عقد المضاربة م: (ويملكه) ش: أي يملك هذا النوع م: (إذا قيل له) ش: أي للمضارب بأن قال له رب المال م: (اعمل برأيك) ش: للتفويض العام م: (وهو) ش: أي هذا النوع م: (ما يحتمل أن يلحق به) ش: أي النوع الأول م: (فيلحق) ش: أي النوع الثاني بالأول م: (عند وجود الدلالة) ش: وهو قوله: اعمل برأيك م: (وذلك) ش: إشارة إلى ما ذكر من قوله: وهو ما يحتمل أن يلحق به فيلحق عند وجود الدلالة. م: (مثل دفع المال مضاربة) ش: أي مثل دفع المضارب مال المضاربة إلى غيره مضاربة لوجود الدلالة على أن هذا مثل النوع الأول وهو قوله اعمل برأيك م: (أو شركة إلى غيره) ش: أي أو مثل دفع مال المضاربة شركة إلى غيره م: (وخلط مال المضاربة) ش: بجر " خلط " عطفا على المال في دفع المال، أي ومثل خلط المضارب مال المضاربة م: (بماله) ش: أي بمال نفسه م: (أو بمال غيره) ش: أي أو خلط بمال غيره. م: (لأن رب المال رضي بشركته لا بشركة غيره) ش: هذا تعليل لكون هذا النوع ملحقا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 84 وهو أمر عارض لا يتوقف عليه التجارة فلا يدخل تحت مطلق العقد ولكنه جهة في التثمير فمن هذا الوجه يوافقه فيدخل فيه عند وجود الدلالة. وقوله اعمل برأيك دلالة على ذلك. ونوع لا يملكه لا بمطلق العقد ولا بقوله اعمل برأيك إلا أن ينص عليه رب المال وهو الاستدانة وهو أن يشتري بالدراهم والدنانير بعدما اشترى برأس المال السلعة.   [البناية] بالنوع الأول لا ضمان الإطلاق عند وجود الدلالة م: (وهو) ش: أي دفع المال مضاربة أو شركة إلى غيره أو خلط مالها بماله أو بمال غيره م: (أمر عارض) ش: أي أمر زائد على ما تقوم به التجارة م: (لا يتوقف عليه التجارة) ش: لعدم العرف لذلك بينهم. م: (فلا يدخل تحت مطلق العقد) ش: أي إذا كان كذلك فلا يدخل هذا النوع تحت مطلق العقد، لأن رب المال لم يرض بذلك م: (ولكنه) ش: أي ولكن ما ذكر من الأمور م: (جهة في التثمير) ش: أي وجه وطريق في تثمير المال أي زيادته م: (فمن هذا الوجه يوافقه) ش: أي فمن جهة تثمير المال فيه يوافق ما ذكر من الأمور عقد المضاربة م: (فيدخل فيه) ش: أي فيدخل ما ذكر في عقد المضاربة م: (عند وجود الدلالة) ش: وهي قوله: اعمل برأيك إعمالا لمقتضى العموم، أشار إليه بقوله: م: (وقوله اعمل برأيك دلالة على ذلك) ش: أي وقول رب المال في عقد المضاربة للمضارب اعمل برأيك دلالة على دخول ما ذكر من الأمور في العقد. م: (ونوع) ش: أي الثالث نوع م: (لا يملكه) ش: أي المضارب م: (لا بمطلق العقد ولا بقوله اعمل برأيك إلا أن ينص عليه رب المال) لأنه ليس من المضاربة ولا يحتمل أن يلحق بها م: (وهو الاستدانة) ش: أي النوع الثالث الذي لا يملكه أيضا إلا بالتنصيص عليه، هو الاستدانة م: (وهو أن يشتري) ش: أي الاستدانة أن يشتري وذكر الضمير لتذكير الخبر، وهو قوله أن يشتري، وأن مصدرية، والتقدير وهو الشراء م: (بالدراهم والدنانير بعدما اشترى برأس المال السلعة) ش: يعني اشترى شيئا بأحد النقدين بالدين بعد أن اشترى برأس المال المتاع. وفي " شرح الطحاوي ": ولو اشترى سلعة بثمن دين من جنس رأس المال أو من خلافه بعد أن يكون مما يجوز عليه عقد المضاربة وليس عند مال المضاربة من جنس ذلك الثمن الذي اشترى به فيكون استدانة. ولو اشترى سلعة في حال قيام رأس المال بثمن دين من جنس رأس المال أو من خلافه بعد أن يكون مما يجوز عليه عقد المضاربة جاز الشراء على المضاربة ولا يكون استدانة. وقال زفر: إذا اشترى بخلافه يكون استدانة. وفي " الإيضاح ": وإن اشترى سلعة بأكثر من مال المضاربة وهو الألف مثلا كانت حصة الألف للمضاربة وما زاد فللمضارب له ربحه وعليه وضيعته والمال دين عليه، لأن الاستدانة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 85 وما أشبه ذلك؛ لأنه يصير المال زائدا على ما انعقد عليه المضاربة فلا يرضى به ولا يشغل ذمته بالدين. ولو أذن له رب المال بالاستدانة صار المشترى بينهما نصفين بمنزلة شركة الوجوه، وأخذ السفاتج؛ لأنه نوع من الاستدانة، وكذا إعطاؤها لأنه إقراض والعتق بمال أو بغير المال والكتابة؛ لأنه ليس بتجارة والإقراض والهبة والصدقة لأنه تبرع محض. قال: ولا يزوج عبدا، ولا أمة من مال المضاربة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يزوج الأمة؛ لأنه من باب.   [البناية] نفذت عليه خاصة. م: (وما أشبه ذلك) ش: فإن كان رأس المال ألف درهم فليس له أن يشتري بالمكيل والموزون لأنه اشترى بغير رأس المال فكان هذا استدانة فلا ينفذ على المضاربة، ولو كان في يده درهم فاشترى بدنانير نفذ على المضاربة استحسانا، لأنهما كالجنس الواحد في ضمنيته. م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (يصير المال) ش: أي مال المضاربة م: (زائدا على ما انعقد عليه المضاربة فلا يرضى) ش: أي رب المال م: (به) ش: أي بذلك الزائد م: (ولا يشغل ذمته بالدين) ش: أي ولا يرضى أيضا بشغل ذمة المضارب الدين. م: (ولو أذن له رب المال بالاستدانة صار المشترى) ش: بفتح الراء م: (بينهما) ش: أي بين رب المال والمضارب م: (نصفين بمنزلة شركة الوجوه) ش: ولا يكون مضاربة إذ ليس لواحد منهما فيه رأس المال فصار شركة بينهما كشركة الوجوه، وإنما كان بينهما لأن إطلاق الشركة يقتضي التساوي م: (وأخذ السفاتج) ش: بالرفع عطف على قوله وهو الاستدانة، أي النوع الذي لا يملك المضارب بدون التنصيص عليه الاستدانة وأخذ السفاتج وهو عبارة عن قرض يستفاد به سقوط خطر الطريق، وهو جمع سفتجة قال صاحب " المغرب ": هو بضم السين وفتح التاء وهو تعريب سفته، وسفته شيء محكم، وسمي هذا القرض به لإحكام أمره م: (لأنه نوع من الاستدانة) ش: فلا يملكها المضارب إلا بالتنصيص م: (وكذا إعطاؤها) ش: أي وكذا من النوع الذي لا يملكه المضارب إعطاء السفاتج م: (لأنه إقراض) ش: فلا يملكه المضارب لأنه ليس من التجارة م: (والعتق) ش: بالرفع أيضا وكذا من النوع الذي لا يملكه إلا بالتنصيص عتق العبد من مال المضاربة سواء كان م: (بمال أو بغير مال) ش: لأنه ليس من التجارة م: (والكتابة) ش: بالرفع أيضا م: (لأنه) ش: أي لأن المذكور من العتق بنوعيه والكتابة م: (ليس بتجارة) ش: لأن هذه الأشياء تبرعات م: (والإقراض والهبة والصدقة) ش: كلها بالرفع م: (لأنه) ش: لأنه المذكور وهو الأشياء الثلاثة م: (تبرع محض) ش: فلا يملكها المضارب إلا بالتنصيص. [تزويج المضارب العبد أو الأمة من مال المضاربة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا يزوج عبدا، ولا أمة من مال المضاربة) ش: قيد به لأنه يجوز من غيره بلا خلاف م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يزوج الأمة، لأنه من باب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 86 الاكتساب، ألا ترى أنه يستفيد به المهر وسقوط النفقة، ولهما أنه ليس بتجارة والعقد لا يتضمن إلا التوكيل بالتجارة وصار كالكتابة والإعتاق على مال؛ لأنه اكتساب ولكن لما يكن بتجارة لا يدخل تحت المضاربة، فكذا هذا قال: فإن دفع شيئا من مال المضاربة إلى رب المال بضاعة فاشترى رب المال وباع فهو على المضاربة وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - تفسد المضاربة؛ لأن رب المال متصرف في مال نفسه فلا يصلح وكيلا فيه فيصير مستردا، ولهذا لا تصح إذا شرط العمل عليه ابتداء.   [البناية] الاكتساب، ألا ترى أنه) ش: أي المضارب م: (يستفيد به) ش: أي بتزويجها م: (المهر وسقوط النفقة) ش: أي عن المضارب. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) ش: أي أن تزويج الأمة م: (ليس بتجارة والعقد) ش: أي عقد المضاربة م: (لا يتضمن إلا التوكيل بالتجارة، وصار) ش: أي تزويج الأمة م: (كالكتابة والإعتاق على مال لأنه) ش: أي فإن كل واحد من الكتابة والإعتاق على مال م: (اكتساب) ش: حيث يحصل فيه المال م: (ولكن لما لم يكن بتجارة لا يدخل تحت المضاربة فكذا هذا) ش: أي تزويج الأمة، وإن كان فيه مال ولكن ليس بتجارة. م: (قال) ش: أي في الجامع الصغير وليس في كثير من النسخ لفظه، قال: بل قوله فإن دفع بألف التفريعية وصورها فيه محل عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيمن دفع على آخر ألف درهم مضاربة بالنصف فدفع المضارب بعضها إلى رب المال بضاعة فباع رب المال بها واشترى، قال: هي على حالها، قوله م: (فإن دفع) ش: أي المضارب م: (شيئًا من مال المضاربة إلى رب المال بضاعة) ش: أي حال كون الشيء بضاعة. وهاهنا شيئان، الأول: أن قوله شيئًا وإن كان يوهم أن حكم دفع كل المال بضاعة بخلاف ذلك فليس كذلك، لأن الحكم فيها سواء، نص عليه في " الذخيرة " و" المبسوط ". الثاني: أنه قيد بدفع المضارب، لأن رب المال لو أخذه من منزل المضارب من غير أمره وباع واشترى إن كان رأس المال بضاعة فهو نقض للمضاربة وإن صار عوضًا لا يصير نقضًا، لأنه يمكن أن يجعل معينًا، لأنه يكون عاملاً لغيره م: (فاشترى رب المال وباع فهو) ش: أي الذي اشترى وباع م: (على المضاربة) ش: يعني لا يفسد المضاربة بذلك. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تفسد المضاربة، لأن رب المال متصرف في مال نفسه فلا يصلح وكيلا فيه) ش: لأن المرء فيما يعمل في ملكه لا يصلح وكيلاً لغيره م: (فيصير) ش: أي رب المال م: (مستردًا) ش: لما له وبه تنقض المضاربة م: (ولهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لا تصح) ش: أي عقد المضاربة م: (إذا شرط العمل عليه) ش: أي على رب المال م: (ابتداء) ش: أي في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 87 ولنا: أن التخلية فيه قد تمت وصار التصرف حقا للمضارب فيصلح رب المال وكيلا عنه في التصرف والإبضاع توكيل منه فلا يكون استردادا بخلاف شرط العمل عليه في الابتداء؛ لأنه يمنع التخلية وبخلاف ما إذا دفع المال إلى رب المال مضاربة حيث لا يصح لأن المضاربة تنعقد شركة على مال رب المال وعمل المضارب ولا مال هاهنا للمضارب، فلو جوزناه يؤدي إلى قلب الموضوع، وإذا لم يصح بقي عمل رب المال بأمر المضارب فلا   [البناية] ابتداء المضاربة. (ولنا أن التخلية فيه) ش: أي بين المال وبين المضارب م: (قد تمت) ش: بتسلمه م: (وصار التصرف) ش: من رب المال م: (حقا للمضارب فيصلح رب المال وكيلا عنه) ش: أي عن المضارب م: (في التصرف) ش: كما لو وكل أجنبيا م: (والإبضاع) ش: أي إبضاع المضارب رب المال م: (توكيل منه) ش: أي من المضارب م: (فلا يكون) ش: أي الإبضاع م: (استردادًا) ش: أي لماله لتنقص به المضاربة. فإن قيل: الإبضاع هو أن يكون المال للمبضع والعمل من الآخر وليس للمبضع هاهنا مال: فكيف يتحقق الإبضاع؟. قلنا: الإبضاع وهو الدفع على وجه الاستعانة ورب المال يصلح معينا له، لأنه أشفق الناس إليه تصرفًا فيصح الاستعانة به كما يصح من الأجنبي. فإن قيل: الأجنبي عامل في ملك الغير فيصلح معيناً ورب المال يتصرف في ملك نفسه فلا يصلح معينًا، وهذا لو استأجر خياطًا واستعان الأجير بالمستأجر في الخياطة مما يستحق المستأجر الأجر، لأن عمله لا يتحول إلى المستأجر فينبغي أن لا يكون للمضارب من هذا الربح نصيب. قلنا: في المضاربة معنى الإجارة والشركة جميعا، ومعنى الشركة راجح، بل المقصود وهو الشركة، ولهذا لو عمل ولم يربح لا يقضي له بشيء وفي الشركة يستحق أحد الشريكين الربح بعمل صاحبه، وإن كان كذلك صلح رب المال معينا، أما في الإجارة يستحق الأجر بالعمل والعمل لا يتحول فافهم. م: (بخلاف شرط العمل عليه) ش: أي على رب المال، وهذا جواب عن قوله وهذا لا يصح إذا شرط العلم عليه ابتداء م: (في الابتداء، لأنه يمنع التخلية) ش: أي بين المال وبين المضارب م: (وبخلاف ما إذا دفع) ش: أي المضارب م: (المال إلى رب المال مضاربة حيث لا يصح) ش: أي عقد المضاربة الثانية م: (لأن المضاربة تنعقد شركة على مال رب المال وعمل المضارب) ش: لأن المضاربة هي عقد على الشركة بمال من أحد الجانبين وعمل من الآخر م: (ولا مال هاهنا للمضارب) ش: يعني من جانب المضارب م: (فلو جوزناه) ش: أي عقد المضاربة الثانية م: (يؤدي إلى قلب الموضوع) ش: أي عكسه وهو تجويز المضاربة بدون المال. م: (وإذا لم يصح) ش: أي عقد المضاربة الثانية م: (بقي عمل رب المال بأمر المضارب فلا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 88 تبطل به المضاربة الأولى. قال: وإذا عمل المضارب في المصر فليست نفقته في المال وإن سافر فطعامه وشرابه وكسوته وركوبه ومعناه شراء وكراء في المال. ووجه الفرق أن النفقة تجب بإزاء الاحتباس كنفقة القاضي ونفقة المرأة والمضارب في المصر ساكن بالسكنى الأصلي. وإذا سافر صار محبوسا بالمضاربة فيستحق النفقة فيه. وهذا بخلاف الأجير لأنه يستحق البدل لا محالة فلا يتضرر بالإنفاق من ماله، أما المضارب فليس له إلا الربح وهو في حيز التردد.   [البناية] تبطل به) ش: أي يدفع المال إلى رب المال في المضاربة الثانية م: (المضاربة الأولى) ش: كالرهن في يد الراهن بالعارية لا يبطل حق المرتهن. وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - تنفسخ المضاربة الأولى كما لو دفعه إعانة. [نفقة المضارب إذا عمل في المصر بدون سفر] م: (قال) ش: في " الجامع الصغير ": م: (وإذا عمل المضارب في المصر فليست نفقته في المال) ش: الاحتباس على ما يجيء م: (وإن سافر فطعامه وشرابه وكسوته وركوبه) ش: بفتح الراء وهو ما يركب عليه، قال الله تعالى: {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} [يس: 72] (يس: الآية 72) م: (ومعناه) ش: أي معنى ركوبه أي معنى كون ركوبه في المال م: (شراء وكراء) ش: أي من حيث الشراء ومن حيث الكراء. أراد أن المضارب في السفر له أن يركب إما بشراء دابة أو بكراء بها م: (في المال) ش: أي في مال المضاربة وهو ظرف للجميع والشرط أن يكون ذلك كله بالمعروف، وبه قال مالك وأبو ثور والحسن والنخعي والأوزاعي وإسحاق. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فنفقته في مال نفسه في صورة يجوز له السفر بالإذن، وبه قال ابن سيرين وحماد بن أبي سليمان. م: (ووجه الفرق) ش: أي بين ما إذا عمل في المصر حيث لا نفقة له في مال المضاربة وبين ما إذا عمل في السفر حيث يجب فيه م: (أن النفقة تجب بإزاء الاحتباس كنفقة القاضي ونفقة المرأة) ش: لأن القاضي محبوس لمصالح العامة والمرأة محبوسة في منزل الزوج م: (والمضارب في المصر ساكن بالسكنى الأصلي) ش: لا المضاربة. م: (وإذا سافر صار محبوسًا بالمضاربة) ش: بالعمل للمضاربة م: (فيستحق النفقة فيه) ش: أي في مال المضاربة لأجل الاحتباس م: (وهذا) ش: أي الحكم م: (بخلاف الأجير لأنه يستحق البدل لا محالة) ش: لكونه يعمل ببدل فكان البدل واجبًا له مطلقًا م: (فلا يتضرر بالإنفاق من ماله) ش: أي من مال نفسه لأنه عامل ببدل مضمون في ذمة المستأجر، وذلك يصح له بيقين، بخلاف المضارب فإنه غير مستوجب بدلائل حقه في ربح عسى يحصل وعسى لا يحصل فلا بد أن يجعل له بإزاء ما يحمله من المشقة شيئًا معلومًا. أشار إلى هذا المعنى بقوله: م: (أما المضارب فليس له إلا الربح وهو في حيز التردد) ش: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 89 فلو أنفق من ماله يتضرر به، وبخلاف المضاربة الفاسدة؛ لأنه أجير، وبخلاف البضاعة لأنه متبرع. قال: ولو بقي شيء في يده بعدما قدم مصره رده في المضاربة؛ لانتهاء الاستحقاق. ولو كان خروجه دون السفر فإن كان بحيث يغدو ثم يروح فيبيت بأهله فهو بمنزلة السوقي في المصر. وإن كان بحيث لا يبيت بأهله فنفقته في مال المضاربة؛ لأن خروجه للمضاربة. والنفقة هي ما يصرف إلى الحاجة الراتبة وهو ما ذكرنا، ومن جملة ذلك غسل ثيابه   [البناية] يعني بين أن يكون وبين أن لا يكون م: (فلو أنفق من ماله يتضرر به) ش: أي بالإنفاق من مال نفسه، كالشريك إذا سافر بمال الشركة؛ فنفقته في ذلك المال، روي عن محمد ذلك م: (وبخلاف المضاربة الفاسدة، لأنه أجير) ش: فلا نفقة له م: (وبخلاف البضاعة، لأنه متبرع) ش: أي بالعمل فلا يجب له النفقة. م: (قال) ش: لو لم يذكر لفظة قال لكان أصوب، لأن المسألة لم تذكر في الجامع الصغير ولا في القدوري، ولهذا لم يذكرها في البداية، وإنما ذكرت المسألة في " المبسوط " م: (ولو بقي شيء في يده) ش: أي في يد المضارب م: (بعدما قدم مصره رده في المضاربة لانتهاء الاستحقاق) ش: والحكم ينتهي بانتهاء علته وذلك كالحاج عن الغير إذا بقي معه شيء من النفقة بعد رجوعه يجب عليه رده وكالمولى إذا نقل الأمة المبتدئة للخدمة وبقي شيء معها من النفقة كان للزوج أن يسترد ذلك منها كذا في " المبسوط ". م: (ولو كان خروجه) ش: أي خروج المضارب من بلده م: دون السفر) ش: وهو مسيرة ثلاثة أيام م: (فإن كان بحيث يغدو ثم يروح فيبيت بأهله فهو بمنزلة السوقي في المصر) ش: لأن أهل السوق يتجرون في المصر ثم يبيتون في منازلهم م: (وإن كان بحيث لا يبيت بأهله فنفقته في مال المضاربة، لأن خروجه للمضاربة) ش: فصار كالخروج للسفر م: (والنفقة) ش: أشار به إلى تفسير النفقة الواجبة للمضارب م: (هي ما يصرف إلى الحاجة الراتبة) ش: أي الثابتة اللازمة التي لا بد منها م: (وهو) ش: أي الذي يصرف إلى الحاجة الراتبة م: (ما ذكرنا) ش: أراد به ما ذكرناه فيما قبل من طعامه وشرابه وكسوته وركوبه م: (ومن جملة ذلك) ش: أي من الذي يصرف إلى الحاجة الراتبة م: (غسل ثيابه) ش: لأنه ضروري. وكذا أجرة الحجام والحلاق، نص عليه في " الفوائد الظهيرية " والقياس يأبى ذلك، لأنه لا يحتاج إليها في عموم الأوقات، ولكن هذا من صنيع التجار حيث يتنظفون بإزالة الوسخ وقص الشارب وحلق الرأس لتزداد رغبات الناس في المعاملات، فإن الإنسان إذا كان وسخ الثياب طويل الشعر يعد من المفاليس عادة فيقل معاملوه فصارت هذه الأشياء كالنفقة الراتبة، وكذا ثمن الخرص والصابون دون الحجام والفصاد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 90 وأجرة أجير يخدمه وعلف دابة يركبها والدهن في موضع يحتاج إليه عادة كالحجاز وإنما يطلق في جميع ذلك بالمعروف حتى يضمن الفضل إن جاوزه اعتبارا للمتعارف فيما بين التجار. قال: وأما الدواء ففي ماله في ظاهر الرواية. وعن أبي حنيفة أنه يدخل في النفقة؛ لأنه لإصلاح بدنه ولا يتمكن من التجارة إلا به فصار كالنفقة، وجه الظاهر أن الحاجة إلى النفقة معلومة الوقوع وإلى الدواء بعارض المرض، ولهذا كانت نفقة المرأة على الزوج ودواؤها في مالها. قال: وإذا ربح أخذ رب المال ما أنفق من رأس المال،   [البناية] م: (وأجرة أجير يخدمه) ش: أي يخدم المضارب، لأنه ضروري م: (وعلف دابة يركبها والدهن) ش: بفتح الدال وهو مصدر من دهن يدهن بالفتح فيهما، والمراد استعمال الدهن كالزيت والسيرج ونحوهما م: (في موضع يحتاج إليه) ش: أي إلى الدهن م: (عادة كالحجاز) ش: أي كما في أرض الحجاز، لأنها حارة يحتاج أهلها إلى ترطيب أبدانهم بالدهن م: (وإنما يطلق) ش: يعني: يجوز م: (في جميع ذلك) ش: من الذي ذكره وجعله من الراتبة م: (بالمعروف) ش: أي بقدر دفع الضرورة بلا إسراف م: (حتى يضمن الفضل إن جاوزه) ش: أي المعروف م: (اعتبارًا للمتعارف) ش: أي المعتاد م: (فيما بين التجار) ش: لأن صنيعهم هو الأصل في هذا الباب. [دواء المضارب هل يأخذه من مال المضاربة] م: (قال) ش: أي في الجامع الصغير م: (وأما الدواء) ش: أي ثمنه م: (ففي ماله) ش: أي في مال المضارب م: (في ظاهر الرواية) ش: قال الأترازي: ليس في ذكره كثير فائدة لوجهين؛ لأنه رواية الجامع الصغير، وما ذكر كله ظاهر الرواية، ولأنه ذكر بعد هذا وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يدخل في النفقة فيفهم منه إشارة أنه ظاهر الرواية لأن كلمة من تستعمله في غير ظاهر الرواية بطريق الالتزام وقيده بظاهر الرواية يدل بالتصريح، وهذا قدر جليل في الفائدة. م: (وعن أبي حنيفة) ش: وهي رواية الحسن عنه م: (أنه) ش: أي أن ثمن الدواء وتذكير الضمير بهذا الاعتبار وإلا فالدواء مؤنث م: (يدخل في النفقة، لأنه لإصلاح بدنه ولا يتمكن من التجارة إلا به) ش: أي بإصلاح البدن م: (فصار كالنفقة) ش: فيجب في مال المضاربة م: (وجه الظاهر أن الحاجة إلى النفقة معلومة الوقوع وإلى الدواء) ش: أي وإن الحاجة إلى الدواء م: (بعارض المرض) ش: فقد يمرض وقد لا يمرض فلم يكن لازمًا. م: (ولهذا) ش: أشار به إلى بيان الفرق بين النفقة والدواء م: (كانت نفقة المرأة على الزوج) ش: لأنها معلومة الوقوع م: (ودواؤها في مالها) ش: لأنها غير معلومة الوقوع قد يقع وقد لا يقع. م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير " م: (وإذا ربح أخذ رب المال ما أنفق من رأس الجزء: 10 ¦ الصفحة: 91 قال: فإن باع المتاع مرابحة حسب ما أنفق على المتاع من الحملان ونحوه ولا يحتسب ما أنفق على نفسه؛ لأن العرف جار بإلحاق الأول دون الثاني، ولأن الأول يوجب زيادة في المالية بزيادة القيمة والثاني لا يوجبها. قال: فإن كان معه ألف فاشترى بها ثيابا فقصرها أو حملها بمائة من عنده، وقد قيل له: اعمل برأيك فهو متطوع؛ لأنه استدانة على رب المال فلا ينتظمه هذا المقال على ما مر. فإن صبغها أحمر فهو شريك بما زاد الصبغ فيها ولا يضمن؛ لأنه عين مال قائم به   [البناية] المال) ش: أي الذي أنفق المضارب من رأس المال يرفعه رب المال أولا ثم يقسم الربح إن بقي، لأن قسمة الربح إنما شرعت بعد تسليم رأس المال. [حكم ما أنفقه المضارب على نفسه] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير " م: (فإن باع) ش: أي المضارب م: (المتاع مرابحة حسب ما أنفق على المتاع من الحملان) ش: بضم الحاء مصدر بمعنى الحمل م: (ونحوه) ش: كأجر السمسار والقصار والصباغ، لكن لا يقول اشتريته بكذا تحرزا عن الكذب، بل يقول تقوم علي بكذا كما بين في المرابحة م: (ولا يحتسب ما أنفق على نفسه، لأن العرف جار) ش: بين التجار م: (بإلحاق الأول) ش: أراد به ما أنفق على المتاع من الحمل ونحوه وأراد بإلحاقه برأس المال م: (دون الثاني) ش: أراد به ما أنفق على نفسه، لأن التجار لم يتعارفوا إلحاق ما أنفقوا على أنفسهم برأس المال م: (ولأن الأول) ش: أي الإنفاق على المتاع م: (يوجب زيادة في المالية بزيادة القيمة والثاني لا يوجبها) ش: كالصبغ والقصر ونحوهما، فإنه يوجب زيادة في غير المتاع، وكالجمل فإنه يوجب زيادة في القيمة، لأن القيمة تختلف باختلاف الأماكن. م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير " م: (فإن كان معه) ش: أي مع المضارب م: ألف فاشترى بها ثيابا فقصرها أو حملها بمائة من عنده) ش: أي من عند المضاربة م: (وقد قيل له اعمل برأيك) ش: أي والحال أنه قد قيل للمضارب فإن قال له رب المال اعمل برأيك م: (فهو متطوع) ش: أي المضارب متبرع في المائة م: (لأنه) ش: أي لأن هذا الصنيع م: (استدانة على رب المال فلا ينتظمه هذا المقال) ش: يعني قول رب المال له اعمل برأيك م: (على ما مر) ش: عند قوله وقوع لا يملكه إلا أن ينص عليه رب المال وهو الاستدانة. وفي " المنتقى ": رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة، فاكترى سفينة بمائة درهم، والمال عنده على حاله، ثم اشترى بالألف كله طعامًا وحمله في السفينة فهو متطوع في الكراء، ولو كان اشترى بتسعمائة منها طعامًا وبقيت في يده مائة فأداها في الكراء لم يكن متطوعاً وباعه مرابحة على الكراء م: (فإن صبغها) ش: أي فإن صبغ المضارب الثياب المذكورة م: (أحمر) ش: صفة مصدره محذوف أي صبغا أحمر م: (فهو) ش: أي المضارب م: (شريك) ش: أي لرب المال م: (بما زاد الصبغ فيها ولا يضمن، لأنه) ش: أي لأن الصبغ م: (عين مال قائم به) ش: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 92 حتى إذا بيع كان له حصة الصبغ وحصة الثوب الأبيض على المضاربة، بخلاف القصارة والحمل؛ لأنه ليس بعين مال قائم به، ولهذا إذا فعله الغاصب ضاع عمله   [البناية] أي بالمصبوغ دل عليه قوله فإن صبغها. وكذا الضمير في به يرجع إلى المصبوغ وفي الحقيقة يرجع إلى الثياب ولكنه لما ذكره أولناه هكذا م: (حتى إذا بيع) ش: أي المصبوغ المذكور م: (كان له) ش: أي للمضارب م: (حصة الصبغ وحصة الثوب الأبيض على المضاربة) ش: حتى إذا كانت قيمة الثوب غير مصبوغ ألفًا ومصبوغ ألفًا ومائتين كان الألف للمضاربة ومائتا درهم للمضارب بدل ماله وهو الصبغ. فإن قلت: فما حكم سائر الألوان ولم خص الحمرة؟. قلت: لأن السواد نقصان عند أبي حنيفة، وأما سائر الألوان فكالحمرة، ذكره فخر الإسلام في " الجامع الصغير ". وقال في " تحرير المحيط ": إن صبغها المضارب بعصفر أو زعفران أو صبغ آخر يزيد في الثوب، فإن كان رب المال قال له اعمل فيه برأيك كان صاحب الثوب بالخيار، فإن شاء ضمن المضارب قيمة ثوبه أبيض، وإن شاء أخذ الثياب وأعطاه قيمة ما زاد الصبغ فيه يوم الخصومة إلا يوم اتصل بثوبه كما في الغاصب. وهذا إذا لم يكن في مال المضاربة، فأما إذا كان فيقدر ما كان حصة المضارب من الثياب لا يضمنه، فإن لم يفعل رب المال شيئًا من ذلك حتى باع المضارب الثياب جاز بيعه وبرئ من الضمان ولم يكن لرب المال أن يمنعه من البيع، وإذا جاز بيعه فينظر بعد ذلك إن باعها مساومة يقسم الثمن بين رب المال وبين المضارب على قيمة الثياب غير مصبوغة، وعلى قيمتها المصبوغة فتفاوت ما بينهما يكون قيمة الصبغ حتى إنه إذا كان قيمة الثياب غير مصبوغة ألفا وقيمتها مصبوغة ألف ومائتان فالألف للمضاربة والمائتان للمضارب بدل صبغه، وإن باعها مرابحة فإن هذا الثمن ينقسم على الثمن الذي اشترى المضارب الثياب به وعلى قيمة الذي صبغ المضارب به. م: (بخلاف القصارة) ش: بفتح القاف، لأن القصارة بالكسر حرفة القصار، وبالفتح فعله مصدر من قصر الثوب إذا بيضه م: (والحمل) ش: أي حمل المتاع م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من القصارة والحمل م: (ليس بعين مال قائم به) ش: أي بالثوب حتى يكون بإزائه بعض الثمن فيكون جميع الثمن للمضاربة. وإنما قال ليس بعين مال قائم لأنه في الحمل ظاهر. وأما في القصارة فلا تنفي الثوب ولا تزيد فيه شيئًا ويبقى أبيض على ما كان أصله. م: (ولهذا) ش: توضيح لما قاله من الفرق م: (إذا فعله الغاصب ضاع عمله) ش: يعني لو الجزء: 10 ¦ الصفحة: 93 ولا يضيع إذا صبغ المغصوب، وإذا صار شريكا بالصبغ انتظمه قوله اعمل برأيك انتظامه الخلط فلا يضمنه.   [البناية] قصر الغاصب الثوب الذي غصبه ضاع فعله، حتى لو إن ردت قيمته للمالك أن يأخذه مجانًا. م: (ولا يضيع) ش: أي فعل الغاصب م: (إذا صبغ المغصوب) ش: حتى إذا صبغه أحمر أو أصفر لم يكن للمالك أن يأخذه مجانًا. بل يتخير رب المال إن شاء أخذ الثوب وأعطاه قيمة ما زاد الصبغ فيه يوم الخصومة لا يوم اتصال ثبوته، وإن شاء ضمنه جميع قيمة الثوب أبيض يوم صبغه وترك الثوب عليه. م: (وإذا صار) ش: أي المضارب م: (شريكًا) ش: أي لرب المال م: (بالصبغ انتظمه) ش: يعني شمله أي المضارب م: (قوله:) ش: أي قول رب المال م: (اعمل برأيك) ش: يعني أن قوله اعمل برأيك يكون متناولاً لصبغه أحمر م: (انتظامه الخلط) ش: أي كانتظام قوله اعمل برأيك الخلط، يعني خلط مال المضاربة بمال القسمة وبمال غيره. وانتصاب الالتزام ينزع الحافظ وهو مصدر مضاف إلى فاعله وهو الضمير الذي يرجع إلى قوله اعمل برأيك، وقول الخلط بالنصب مفعوله م: (فلا يضمنه) ش: أي إذا كان كذلك فلا يضمن المطلوب الثوب المصبغ، لأن الشركة والخلط بإذن رب المال وبه قال مالك وأحمد، وقال الشافعي: يضمن، وإن قال: اعمل برأيك، وإذا لم يقل له اعمل برأيك يصير غاصبًا فيضمن. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 94 فصل آخر قال: فإن كان معه ألف بالنصف فاشترى بها بزا فباعه بألفين ثم اشترى بالألفين عبدا فلم ينقدهما حتى ضاعا يغرم رب المال ألفا وخمسمائة والمضارب خمسمائة ويكون ربع العبد للمضارب وثلاثة أرباعه على المضاربة، قال - رضي الله عنه - هذا الذي ذكره حاصل الجواب لأن الثمن كله على المضارب إذ هو العاقد إلا أن له حق الرجوع على رب المال بألف وخمسمائة على ما نبين فيكون عليه في الآخرة. ووجهه أنه لما نض المال ظهر الربح وله منه وهو خمسمائة،   [البناية] [فصل إن كان مع المضارب ألف بالنصف فاشترى بها بزًا فباعه بألفين] م: (فصل آخر) ش: لما كانت مسائل هذا الفصل متفرقة ذكرها بفصل على حدة، ولما لم يكن من نفس مسائل المضاربة التي لا بد منها للمضاربة أخر ذكرها. م: (قال) ش: أي في الجامع الصغير م: (فإن كان معه) ش: أي مع المضارب م: (ألف بالنصف فاشترى بها بزًا) ش: بفتح الباء الموحدة وتشديد الزاي المعجمة. قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " السير الكبير ": البز عند أهل الكوفة ثياب الكتان والقطن لا ثياب الصوف والخز م: (فباعه) ش: أي البز م: (بألفين ثم اشترى بالألفين عبدا فلم ينقدهما) ش: أي بالألفين م: (حتى ضاعا) ش: أي الألفان م: (يغرم رب المال ألفًا وخمسمائة والمضارب خمسمائة ويكون ربع العبد للمضارب وثلاثة أرباعه على المضاربة) ش: لأن المضارب لما باع البز بألفين ظهر الربح بقدر الألف فيملك المضارب نصفه وهو خمسمائة، فإذا اشترى بالألفين عبدًا صار ربع العبد له وثلاثة أرباعه لرب المال فانهلك الثمن كأنما يخص الربع على المضارب وما يخص ثلاثة أرباع على رب المال. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (هذا الذي ذكره) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (حاصل الجواب) ش: أي جواب المسألة م: (لأن الثمن كله على المضارب إذ هو العاقد) ش: فيجب عليه م: (إلا أن له) ش: أي للمضارب م: (حق الرجوع على رب المال بألف وخمسمائة على ما نبين) ش: أشار به إلى قوله: لأنه وكيل من جهته فيه ويأتي ذلك بعد ثلاثة أسطر. م: (فيكون عليه في الآخرة) ش: أي فيكون الثمن كله على المضارب، لأنه هو العاقد الآخر بفتح الهمزة والحاء والراء أي في الأخير يقال جاء فلان بآخرة أي بأخير. م: (ووجهه) ش: أي وجه حاصل الجواب م: (أنه) ش: أي أن الشأن م: (لما نض المال) ش: أي نقد م: (ظهر الربح وله منه) ش: أي وللمضارب من الربح شيء أو نصيب، ثم فسره بقوله م: (وهو) ش: أي الذي ظهر للمضارب من الربح م: (خمسمائة) ش: لأنه ظهر الربح الجزء: 10 ¦ الصفحة: 95 فإذا اشترى بالألفين عبدا صار مشتريا ربعه لنفسه وثلاثة أرباعه للمضاربة على حسب انقسام الألفين، وإذا ضاعت الألفان وجب عليه الثمن لما بيناه، وله الرجوع بثلاثة أرباع الثمن على رب المال لأنه وكيل من جهة فيه ويخرج نصيب المضارب وهو الربع من المضاربة؛ لأنه مضمون عليه ومال المضاربة أمانة وبينهما منافاة ويبقى ثلاثة أرباع العبد على المضاربة لأنه ليس فيه ما ينافي المضاربة ويكون رأس المال ألفين وخمسمائة؛ لأنه دفعه مرة ألفا ومرة ألفا وخمسمائة ولا يبيعه مرابحة إلا على الألفين؛ لأنه اشتراه بألفين ويظهر ذلك فيما إذا بيع العبد بأربعة آلاف فحصة المضاربة ثلاثة آلاف يرفع رأس المال   [البناية] بعد الألف يملك المضارب نصفه وهو خمسمائة م: (فإذا اشترى بالألفين عبدًا صار مشتريًا ربعه) ش: أي ربع العبد م: (لنفسه وثلاثة أرباعه للمضاربة على حسب انقسام الألفين) ش: أي على الأرباع الربع للمضارب وثلاثة أرباع لرب المال. م: (وإذا ضاعت الألفان وجب عليه) ش: أي على المضارب م: (الثمن) ش: أي ثمن العبد م: (لما بيناه) ش: إشارة إلى قوله: لأن الثمن كله على المضارب إذ هو العاقد. م: (وله) ش: وللمضارب م: (الرجوع بثلاثة أرباع الثمن على رب المال لأنه) ش: أي لأن المضارب م: (وكيل من جهة) ش: أي من جهة رب المال م: (فيه) ش: أي في شراء هذا العبد. م: (ويخرج نصيب المضارب وهو الربع من المضاربة لأنه) ش: أي لأن نصيبه م: (مضمون عليه) ش: لدخول الربع في ملكه وضمانه م: (ومال المضاربة أمانة) ش: أي في يد المضارب م: (وبينهما) ش: أي بين المضمون والأمانة م: (منافاة) ش: فلا تجتمعان. وإذا كان كذا يخرج نصيب المضارب وهو الربع عن المضاربة لكونه مضمونًا عليه م: (ويبقى ثلاثة أرباع العبد على المضاربة، لأنه ليس فيه) ش: أي في إبقاء ثلاثة الأرباع على المضاربة م: (ما ينافي المضاربة) ش: لأن ضمان رب المال لا ينافي المضاربة م: (ويكون رأس المال ألفين وخمسمائة لأنه) ش: أي لأن رب المال م: (دفعه مرة ألفًا ومرة ألفًا وخمسمائة) ش: فالمجموع ألفان وخمسمائة، وبه قال بعض أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعنهم المال ما دفعه ثانيًا وهو ألف وخمسمائة، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله -. م: (ولا يبيعه) ش: أي لا يبيع المضارب العبد المذكور م: (مرابحة إلا على الألفين، لأنه اشتراه بألفين) ش: لأن عقده دفع على الألفين حتى اشتراه م: (ويظهر ذلك) ش: إشارة إلى مجموع ما ذكر قبله وهو خروج نصيب المضارب وهو الربع من المضاربة وبقاء ثلاثة أرباع العبد على المضاربة وظهور الربح بعد ذك على ما شرطا م: (فيما إذا بيع العبد بأربعة آلاف فحصة المضاربة ثلاثة آلاف) ش: لأن ربع الثمن وهو ألف للمضارب، لأنه بدل ملكه م: (يرفع رأس المال) ش: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 96 ويبقى خمسمائة ربحا بينهما. قال: وإن كان معه ألف فاشترى رب المال عبدا بخمسمائة وباعه إياه بألف فإنه يبيعه مرابحة على خمسمائة لأن هذا البيع مقضي بجوازه لتغاير المقاصد دفعا للحاجة، وإن كان بيع ملكه بملكه إلا أن فيه شبهة العدم، ومبنى المرابحة على الأمانة والاحتراز عن شبهة الخيانة فاعتبر أقل الثمنين. ولو اشترى المضارب عبدا بألف وباعه من رب المال بألف ومائتين باعه مرابحة بألف ومائة لأنه اعتبر عدما في حق نصف الربح وهو نصيب رب المال وقد مر في البيوع. قال: فإن كان معه ألف   [البناية] وهو ألفان وخمسمائة م: (ويبقى خمسمائة ربحًا بينهما) ش: أي بين المضارب ورب المال نصفين على ما شرطا. م: (قال) ش: أي في الجامع الصغير: م: (وإن كان معه ألف) ش: أي مع المضارب م: (فاشترى رب المال عبدًا بخمسمائة وباعه إياه) ش: أي المضارب م: (بألف فإنه) ش: أي فإن المضارب م: (يبيعه) ش: أي العبد المذكور م: (مرابحة على خمسمائة، لأن هذا البيع) ش: أي بيع رب المال للمضارب م: (مقضي بجوازه) ش: أي محكوم بصحته م: (لتغاير المقاصد) ش: لأن مقصود رب المال وصوله إلى الألف مع بقاء العقد، ومقصود المضارب استفادة اليد على العبد م: (دفعًا للحاجة) ش: أي لأجل دفع الحاجة. م: (وإن كان) ش: إن هذه واصلة بما قبله، يعني هذا البيع قضى بجوازه وإن كان م: (بيع ملكه بملكه) ش: أي بيع ملك رب المال بملكه وذلك لأن المضارب اشتراه لرب المال لأنه وكيله، وبيع الإنسان من نفسه باطل ولكن لما كان حق المضارب كحق ثالث صح البيع خلافًا لزفر. م: (إلا) ش: استثنى من قوله مقضي بجوازه، وهو معنى بغير أي غير م: (أن فيه) ش: أي في هذا البيع م: (شبهة العدم) ش: جواز البيع، ولهذا أبطله زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فتمكنت شبهة البطلان، فاعتبر أقل الثمنين في المرابحة على ما يجيء الآن م: (ومبنى المرابحة على الأمانة والاحتراز عن شبهة الخيانة فاعتبر أقل الثمنين) ش: في المرابحة للاحتياط. م: (ولو اشترى المضارب عبدًا بألف وباعه من رب المال بألف ومائتين باعه مرابحة بألف ومائة لأنه) ش: أي لأن البيع م: (اعتبر عدمًا في حق نصف الربح وهو نصيب رب المال) ش: تحريره أن العقدين وقعا لرب المال ولم يقع لمضارب منه إلا قدر مائة فوجب اعتبار هذه المائة وفيما وقع رب المال لم يعتبر الربح لاحتمال بطلان العقد الثاني كما قلنا في المسألة الأولى م: (وقد مر في البيوع) ش: أراد به ما ذكره في باب المرابحة بقوله وإن كان مع المضارب عشرة بالنصف فاشترى ثوبًا بعشرة وباعه من رب المال بخمسة عشر فإنه يبيعه مرابحة باثني عشر ونصف. [كان مع مع المضارب ألف بالنصف فاشترى بها عبدًا فقتل العبد رجلاً] م: (قال) ش: أي في الجامع الصغير: م: (فإن كان معه) ش: أي مع المضارب م: (ألف الجزء: 10 ¦ الصفحة: 97 بالنصف فاشترى بها عبدا قيمته ألفان فقتل العبد رجلا خطأ فثلاثة أرباع الفداء على رب المال وربعه على المضارب؛ لأن الفداء مؤنة الملك فيتقدر بقدر الملك وقد كان الملك بينهما أرباعا؛ لأنه لما صار المال عينا واحدا قيمته ألفان ظهر الربح وهو ألف بينهما وألف لرب المال برأس ماله؛ لأن قيمته ألفان. وإذا فديا خرج العبد عن المضاربة. أما نصيب المضارب فلما بيناه، وأما نصيب رب المال فلقضاء القاضي بانقسام الفداء عليهما، لما أنه يتضمن قسمة العبد بينهما والمضاربة تنتهي بالقسمة، بخلاف ما تقدم   [البناية] بالنصف فاشترى بها عبدًا قيمته ألفان فقتل العبد رجلاً خطأ) ش: أي قتلاً خطأ وهو نصب على الحال، أي خاطئًا، وإنما قيد بقوله قيمته ألفان، لأنه لو كان ألفًا فتدبير جنايته على رب المال بلا خلاف، لأن رقبته ملكه وإن اختار رب المال الدفع والمضارب الفداء مع ذلك فداء للثلاثة م: (فثلاثة أرباع الفداء على رب المال وربعه على المضارب، لأن الفداء مؤنة الملك فيتقدر بقدر الملك، وقد كان الملك بينهما أرباعًا، لأنه لما صار المال عينًا واحدًا قيمته ألفان ظهر الربح وهو ألف بينهما وألف لرب المال برأس ماله؛ لأن قيمته ألفان) ش: الأصل في جناية العبد الدفع أو الفداء، فإن دفع العبد انتهت المضاربة لأنه زال عن ملكها بلا بدل. وفي " جامع المحبوبي ": لا يدفع حتى يحضر رب المال والعامل سواء كان الأرش مثل قيمة العبد أو أقل أو أكثر، لأن الملك مشترك بينهما كالعبد الرهن إذا جنى خطأ لا يدفع إلا بحضرة الراهن والمرتهن، ولا يشترط حضورهما للفداء، لأن كلا منهما بملكه ولو فداه المضارب لا يرجع على رب المال، لأنه أدى دين غيره بغير أمره، وهو غير مضطر فيه فكان متبرعًا كالأجنبي. وقال مالك والشافعي - رحمهما الله - في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: إن كانت قيمته أكثر من رأس المال يدفع بلا حضور المضارب؛ لأنه لا مالك له بعد ظهور الربح حتى يقتسما في قول، والفداء أيضًا على رب المال لا العامل لعدم ملكه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية يظهر ملك العامل بمجرد ظهور الربح كقولنا، فيكون الفداء عليه على قياس هذا القول. م: (وإذا فديا) ش: أي رب المال والمضارب م: (خرج العبد عن المضاربة، أما نصيب المضارب فلما بيناه) ش: أشار به إلى ما ذكره من قوله ويخرج نصيب المضارب، وهو الربع في المضاربة، لأنه مضمون عليه م: (وأما نصيب رب المال فلقضاء القاضي بانقسام الفداء عليهما) ش: أي على رب المال والمضارب م: (لما أنه) ش: أي لأن قضاء القاضي بالانقسام م: (يتضمن قسمة العبد بينهما) ش: لأن الخطأ بالفداء يوجب سلامة ما فدى للفادي ولا سلامة إلا بالقسمة. م: (والمضاربة تنتهي بالقسمة، بخلاف ما تقدم) ش: أراد به ما إذا ضاع الألفان في أول الفصل حيث لا تنتهي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 98 لأن جميع الثمن فيه على المضارب وإن كان له حق الرجوع فلا حاجة إلى القسمة، ولأن العبد كالزائل عن ملكهما بالجناية ودفع الفداء كابتداء الشراء فيكون العبد بينهما أرباعا لا على المضاربة يخدم المضارب يوما ورب المال ثلاثة أيام، بخلاف ما تقدم. قال: وإن كان معه ألف فاشترى بها عبدا فلم ينقدها حتى هلكت الألف، يدفع رب المال ذلك الثمن ثم، وثم ورأس المال جميع ما يدفع إليه رب المال لأن المال أمانة في يده، ولا يصير مستوفيا والاستيفاء إنما يكون بقبض مضمون وحكم الأمانة ينافيه فيرجع مرة بعد أخرى،   [البناية] المضاربة هناك، بل تثبت على ما كانت م: (لأن جميع الثمن فيه) ش: أي فيما تقدم م: (على المضارب وإن كان له حق الرجوع) ش: أي على رب المال بألف وخمسمائة على ما مر م: (فلا حاجة إلى القسمة) ش: لعدم أمر يقتضي ذلك. م: (ولأن العبد كالزائل عن ملكهما بالجناية) ش: لأن الموجب الأصلي هو الدفع م: (ودفع الفداء كابتداء الشراء) ش: أراد باختيارهما الفداء، كأنهما اشترياه ابتداء يكون الفداء عليهما أرباعًا ربعه على المضارب وثلاثة أرباعه على رب المال، لأن الفداء مؤنة الملك فيتقدر بقدره، وقد كان الملك بينهما أرباعًا م: (فيكون العبد) ش: بعد فدائهما م: (بينهما أرباعًا لا على المضاربة) ش: لخروج العبد عن المضاربة م: (يخدم المضارب يومًا ورب المال ثلاثة أيام) ش: لأنه عبد مشترك أرباعًا م: (بخلاف ما تقدم) ش: أراد به المسألة التي تقدمت في أول الفصل فإن العبد فيها يخدم المضارب يومًا وثلاثة أيام للمضاربة لكون العبد في المضاربة لعدم انتهائها. م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (فإن كان معه) ش: أي مع المضارب م: (ألف فاشترى بها عبدًا فلم ينقدها) ش: يعني لم يدفع الألف إلى البائع م: حتى هلكت) ش: يعني الألف م: (يدفع رب المال ذلك الثمن ثم وثم ورأس المال جميع ما يدفع إليه رب المال) ش: وهو الألفان وكذا لو هلكت الألف الثاني قبل الدفع إلى البائع يدفع رب المال ألف أخرى ثم وثم، ويكون بجميع رأس المال. م: (لأن المال أمانة في يده) ش: أي في يد المضارب، لأن مبنى المضاربة عليها م: (ولا يصير مستوفيًا والاستيفاء إنما يكون بقبض مضمون) ش: أي استيفاء الحق يكون بقبض مضمون فلو حل بقبض المضارب على الاستيفاء لصار ضمانًا وهو أمين م: (وحكم الأمانة ينافيه) ش: أي ينافي الضمان دل عليه قوله بقبض مضمون، فإذا كان كذلك فحمل قبضه ثانيًا وثالثًا إلى غير النهاية على جهة الأمانة دون الاستيفاء، وإذا هلك كان الهلاك على رب المال م: (فيرجع مرة بعد أخرى) ش: أي إذا كان قبضة أمانة يرجع على رب المال مرة بعد أخرى حيث ما وجد هلاك المال. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 99 بخلاف الوكيل بالشراء إذا كان الثمن مدفوعا إليه قبل الشراء، وهلك بعد الشراء حيث لا يرجع إلا مرة؛ لأنه أمكن جعله مستوفيا؛ لأن الوكالة تجامع الضمان كالغاصب إذا توكل ببيع المغصوب ثم في الوكالة في هذه الصورة يرجع مرة وفيما إذا اشترى ثم دفع الموكل إليه المال فهلك لا يرجع؛ لأنه ثبت له حق الرجوع بنفس الشراء فجعل مستوفيا بالقبض بعده، أما المدفوع إليه قبل الشراء أمانة في يده وهو   [البناية] م: (بخلاف الوكيل بالشراء) ش: بشراء عبد بعينه م: (إذا كان الثمن مدفوعًا إليه قبل الشراء) ش: أي بأن أعطاه الموكل ألفًا وقال له اشتر لي عبدًا بعينه م: (وهلك) ش: أي الثمن وهو ألف مثلًا م: (بعد الشراء) ش: قبل أن ينقده إلى البائع م: (حيث لا يرجع) ش: أي على موكله م: (إلا مرة) ش: واحدة م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (أمكن جعله) ش: أي جعل ما قبضه الوكيل م: (مستوفيًا، لأن الوكالة تجامع الضمان) ش: على ما نبين الآن، بخلاف المضاربة، فإن مبناها على الأمانة م: (كالغاصب إذا توكل ببيع المغصوب) ش: حيث جازت الوكالة، فإذا هلك العبد في يد الغاصب بعد ما صار وكيلاً ضمن، لأنه لم يخرج عن الضمان بمجرد الوكالة م: (ثم في الوكالة في هذه الصورة) ش: أشار به إلى صورة الوكيل بشراء عبد بعينه ودفع إليه الثمن وهلك قبل الدفع إلى البائع م: (يرجع مرة) ش: يعني يرجع الوكيل على موكله مرة واحدة فيما إذا هلك الثمن بعد القبض من الموكل قبل الدفع إلى البائع. تحريره أن الوكيل إذا اشترى العبد بألف وجب للبائع على الوكيل الثمن، ووجب للوكيل على الموكل مثله. فإن كان الموكل قد دفع إليه الثمن أولا ثم هلك الثمن قبل الشراء، أي وقبل الدفع إلى البائع يرجع الوكيل على موكله بالثمن، لأن المدفوع إليه قبل الشراء أمانة في يده ولم يوجد بعد الشراء لما يوجب أن يكون مضمونًا، فلم يصر مستوفيًا، فإذا هلك يرجع عليه مرة ثم لا يرجع لو وقع الاستيفاء، وإن كان قد اشترى ثم دفع إليه الثمن ثم هلك قبل أن يدفعه إلى البائع لا يرجع، لأن قبضه كان على جهة الاستيفاء لا على جهة الأمانة. فإذا استوفاه مرة؛ لم يبق الحق أصلاً أشار إلى ذلك بقوله م: (وفيما إذا اشترى) ش: أي الوكيل م: (ثم دفع الموكل إليه المال فهلك) ش: أي عند الوكيل م: (لا يرجع) ش: أي الوكيل على الموكل م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (ثبت له) ش: أي للوكيل م: (حق الرجوع) ش: أي على الموكل م: (بنفس الشراء فجعل) ش: أي الوكيل م: (مستوفيا بالقبض بعده) ش: أي بقبض الثمن بعد الشراء. م: (أما المدفوع إليه) ش: أي إلى الوكيل م: (قبل الشراء أمانة في يده وهو) ش: أي الوكيل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 100 قائم على الأمانة بعده فلم يصر مستوفيا، فإذا هلك يرجع عليه مرة ثم لا يرجع لوقوع الاستيفاء على ما مر   [البناية] م: (قائم على الأمانة بعده) ش: أي بعد الشراء م: (فلم يصر مستوفيًا) ش: لكون قبضه قبض أمانة في هذه الصورة م: (فإذا هلك) ش: أي المدفوع إليه م: (يرجع عليه مرة) ش: أي يرجع الوكيل على موكله مرة واحدة م: (ثم لا يرجع) ش: بعد ذلك أصلاً عند الهلاك م: (لوقوع الاستيفاء على ما مر) ش: أشار به إلى ما ذكره من قوله لأنه يثبت له حق الرجوع بنفس الشراء فجعل مستوفيًا بالقبض بعده. وذكر " الإمام المحبوبي " هنا فرقًا آخر وهو أن الوكيل لما اشترى فقد انعزل عن الوكالة فله أن يرجع على الموكل بعد، وأما المضارب فلا ينعزل بالشراء ويتصرف في كل مرة، قيل هذا من المواضع التي يفارق فيها المضارب الوكيل على ما ذكرنا في أوائل فصل العزل. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 101 فصل في الاختلاف قال: وإذا كان مع المضارب ألفان فقال دفعت إلي ألفا وربحت ألفا. وقال رب المال لا بل دفعت إليك ألفين فالقول قول المضارب، وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول أولا: القول قول رب المال وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن المضارب يدعي عليه الشركة في الربح وهو ينكر، والقول قول المنكر ثم رجع إلى ما ذكره في الكتاب؛ لأن الاختلاف في الحقيقة في مقدار المقبوض. وفي مثله القول قول القابض ضمينا كان أو أمينا لأنه أعرف بمقدار المقبوض. ولو اختلفا مع ذلك في مقدار الربح   [البناية] [فصل في اختلاف رب المال والمضارب] [كان مع المضارب ألفان فقال دفعت إلي ألفًا وربحت ألفًا وأنكر رب المال] م: (فصل في الاختلاف) ش: أي في بيان أحكام اختلاف رب المال والمضارب، ولما كان الاتفاق أصلاً والاختلاف عارضا أخره عن الأصل. م: (قال) ش: أي في الجامع الصغير: م: (وإذا كان مع المضارب ألفان فقال:) ش: - أي المضارب - م: (دفعت) ش: بفتح التاء، لأنه خطاب لرب المال بقوله أنت دفعت م: (إلي ألفًا وربحت ألفًا. وقال رب المال لا) ش: أي ليس الأمر كما ذكرت م: (بل دفعت إليك ألفين) ش: مضاربة م: (فالقول قول المضارب، وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول أولا القول قول رب المال وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن المضارب يدعي عليه الشركة في الربح وهو) ش: أي رب المال م: (ينكر، والقول قول المنكر، ثم رجع) ش: أي أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إلى ما ذكره في الكتاب) ش: أراد به الجامع الصغير م: (لأن الاختلاف في الحقيقة في مقدار المقبوض) ش: قيد به لأن الاختلاف إذا كان في الصفة فالقول لرب المال على ما يجيء م: (وفي مثله) ش: أي وفي مثل الاختلاف في مقدار المقبوض م: (القول قول القابض ضمينًا كان) ش: أي القابض كالغاصب م: (أو أمينًا) ش: أي أو كان أمينًا كالمودع. وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن القول للعامل. وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه: إذا كان في المال ربح تحالفا، والأصح هو الأول. م: (لأنه) ش: أي لأن القابض م: (أعرف بمقدار المقبوض) ش: لأنه فعل نفسه، فإذا كان القول قول الضمين في ذلك فالأمين بطريق الأولى، ألا ترى أنه لو أنكر أصل القبض كان القول له، فكذا إذا أنكر قبض بعضه، كذا في " الإيضاح ". م: (ولو اختلفا) ش: أي رب المال والمضارب، ذكر هذا تفريعًا على ما تقدم م: (مع ذلك) ش: أي مع اختلافهما في المقبوض م: (في مقدار الربح) ش: المجرور يتعلق باختلاف في صورته: قال رب المال رأس المال ألفان، وشرطت لك ثلث الربح، وقال المضارب رأس المال الجزء: 10 ¦ الصفحة: 102 فالقول فيه لرب المال؛ لأن الربح يستحق بالشرط وهو يستفاد من جهته، وأيهما أقام البينة على ما ادعى من فضل قبلت؛ لأن البينات للإثبات. قال: ومن كان معه ألف درهم فقال: هي مضاربة لفلان بالنصف، وقد ربح ألفا، وقال فلان: هي بضاعة فالقول قول رب المال؛ لأن المضارب يدعي عليه تقويم عمله أو شرطا من جهته أو يدعي الشركة وهو ينكر. ولو قال المضارب: أقرضتني وقال رب المال: هي بضاعة أو وديعة أو مضاربة فالقول لرب المال والبينة بينة المضارب؛ لأن المضارب يدعي عليه التملك وهو ينكر. ولو ادعى رب المال المضاربة في نوع وقال الآخر ما سميت لي تجارة بعينها، فالقول للمضارب؛   [البناية] ألف وشرطت لي نصف الربح م: (فالقول فيه) ش: أي في الربح م: (لرب المال) ش: وفي القدر للمضارب. وعليه نص أحمد وقول لمالك وأبي ثور وابن المنذر. وقال الشافعي: يتحالفان كالمتبايعين. قلنا: اليمين على المنكر بالحديث والمضارب يستحق ما يستحق بالشرط، فكان مدعيًا للشرط، بخلاف المتبايعين، لأن كل واحد مدع ومنكر م: (لأن الربح يستحق بالشرط وهو يستفاد من جهته) ش: أي من جهة رب المال، لأنه يعلم بشرطه وهو منكر للشرط. م: (وأيهما أقام البينة على ما ادعى من فضل قبلت؛ لأن البينات للإثبات) ش: أما رب المال فإنه يدعي فضلاً في رأس ماله فتقبل بينته فيه، وأما المضارب فلأنه يدعي فضلا في الربح، فكذا تقبل بينته. [كان معه ألف فقال هي مضاربة لفلان وقال فلان هي بضاعة] م: (قال: ومن كان معه ألف درهم فقال هي مضاربة لفلان بالنصف وقد ربح ألفًا، وقال فلان هي بضاعة فالقول قول رب المال) ش: هذه من مسائل الجامع الصغير، وإنما يكون القول قول رب المال م: (لأن المضارب يدعي عليه تقويم عمله أو شرطًا من جهته) ش: أي أو يدعي شرطًا من جهة رب المال م: (أو يدعي) ش: أي المضارب م: (الشركة) ش: أي في ماله م: (وهو) ش: أي رب المال م: (ينكر) ش: والقول قول المنكر. [قال المضارب أقرضتني وقال رب المال هي بضاعة] (ولو قال المضارب أقرضتني) ش: هذا المال م: (وقال رب المال هي بضاعة أو وديعة أو مضاربة فالقول لرب المال والبينة بينة المضارب، لأن المضارب يدعي عليه التملك) ش: من جهته م: (وهو) ش: أي رب المال م: (ينكر) ش: والقول قول المنكر، بخلاف ما لو ادعى رب المال القرض والمضارب يدعي المضاربة حيث تكون البينة بينة رب المال والقول للمضارب، لأنهما اتفقا أن الأخذ كان بإذنه ورب المال يدعي ضمانًا والمضارب ينكر فالقول له والبينة للمدعي ذكره في " الإيضاح ". [ادعى رب المال المضاربة في نوع وقال الآخر ما سميت لي تجارة بعينها] م: (ولو ادعى رب المال المضاربة في نوع وقال الآخر ما سميت لي تجارة بعينها فالقول للمضارب) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 103 لأن الأصل فيه العموم والإطلاق والتخصيص يعارض الشرط بخلاف الوكالة؛ لأن الأصل فيه الخصوص. ولو ادعى كل واحد منهما نوعا فالقول لرب المال؛ لأنهما اتفقا على التخصيص والإذن يستفاد من جهته فيكون القول له. ولو أقاما البينة فالبينة بينة المضارب لحاجته إلى نفي الضمان وعدم حاجة الآخر إلى البينة.   [البناية] ش: في دعوى العموم مع يمينه م: (لأن الأصل فيه) ش: أي في باب المضاربة م: (العموم والإطلاق) ش: فيكون القول لمن يتمسك بالأصل، وبه قالت الثلاثة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - القول لرب المال، لأن الإذن يستفاد من جهته م: (والتخصيص يعارض الشرط) ش: أي تخصيص المضاربة بنوع يعارض الشرط من جهة رب المال وإلا فالأصل التعميم كما ذكرنا، وهذا لو قال خذ هذا المال مضاربة بالنصف يصح ويملك جميع أنواع التجارات، فلو لم يكن العقد للعموم لم يصح العقد إلا بالتنصيص كما في الوكالة م: (بخلاف الوكالة لأن الأصل فيه الخصوص) ش: ولا يثبت فيه العموم إلا بالتنصيص، وإنما ذكر الضمير في فيه مع أنه راجع إلى الوكالة إما باعتبار التوكيل وإما باعتبار حذف المضاف، أي لأن الأصل في باب الوكالة. م: (ولو ادعى كل واحد منهما نوعًا) ش: بأن قال رب المال في البر وقال المضارب في الطعام م: (فالقول لرب المال، لأنهما اتفقا على التخصيص) ش: لأن كلاً منهما يدعي خصوصية نوع، ولكن اعتبار قول من يستفاد الإذن من جهته أحق، أشار إليه بقوله م: (والإذن يستفاد من جهته) ش: أي من جهة رب المال م: (فيكون القول له، ولو أقاما البينة فالبينة بينة المضارب) ش: يعني إذا أقاما البينة كانت بينة المضارب أولى م: (لحاجته) ش: أي لحاجة المضارب م: (إلى نفي الضمان) ش: عن نفسه م: (وعدم حاجة الآخر) ش: أي ولعدم حاجة الآخر وهو رب المال م: (إلى البينة) ش: لعدم الضمان من جهته. قال السغناقي: في هذا مما يتأمل في صحته، وإن كانت رواية الإيضاح تساعد، لأن رب المال يحتاج أيضًا إلى إثبات ما ادعاه، بل بينة رب المال أولى بالقبول لإثباتها أمرًا عارضا وهو الضمان وشرعية البينات لإثبات الأمر العارض غير الظاهر، كما في بينة الخارج مع بينة ذي اليد. وجعل صاحب " الذخيرة " بينتهما في دعوى الخصوص والعموم واحدًا، وقال: لأن العمل فيهما ممكن بأن يجعل كأنه أذن له بالعموم أولا، ثم نهاه عنه، وأذنه بالخصوص، أو أذن له بالخصوص أولا، ثم أذن له بالعموم، فإن لم توقت البينتان وقتًا على الشراء أو وقت إحداهما دون الأخرى فيعمل ببينة رب المال لتعذر العمل بهما ليعمل ببينة رب المال، لأنه يثبت ما ليس بثابت فافهم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 104 ولو وقتت البينتان وقتا فصاحب الوقت الأخير أولى؛ لأن آخر الشرطين ينقض الأول.   [البناية] م: (ولو وقتت البينتان وقتًا) ش: بأن قال رب المال دفعته في البر في رمضان. وقال العامل في الطعام في شوال م: (فصاحب الوقت الأخير أولى، لأن آخر الشرطين ينقض الأول) ش: أي يفسخه، فكان الرجوع إليه أولى. [نفقة عبد المضاربة] 1 فروع: نفقة عبد المضاربة في مال المضاربة وجعله إذا أبق على رب المال ظهر ربح أو لا بلا خلاف دفع إليه العين. وقال أضف من عندك ألفًا أخرى يكون ألفان منهما شركة والألف مضاربة بالنصف جاز، خلافًا لبعض المالكية، ويجوز أن يكون الرجل عاملاً في المضاربة لرجل ثم يضاربه آخر. وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز إذا كان فيه ضرر على الأول دفع ألفًا على أن له نصف ربحهما جاز بلا خلاف. ولو قال على أن لي ربح نصفها جاز أيضًا عندنا وعند أبي ثور، خلافًا للأئمة الثلاثة ولو اشترى العامل بالألف أمة أو غنمًا أو بقرًا أو مكيلاً أو موزونًا يساوي ألفين زكى حظه لظهور الربح، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: لا يزكي لعدم ملكه الربح قبل القسمة، ولو اشترى أمتين أو غنمًا أو بقرًا أو برًا أو شعيرًا لا يزكي لاختلاف الجنس، فلا يظهر الربح ولا يكاتب المضارب قبل ظهور الربح بلا خلاف وبعد يفقد في حصته ولرب المال فسخها دفعًا للضرر عن نفسه، وعند الأئمة الثلاثة لا يجوز قبل ظهور الربح، والله أعلم بالصواب. [كتاب الوديعة] [تعريف الوديعة] 1 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 105 كتاب الوديعة قال: الوديعة أمانة في يد المودع إذا هلكت لم يضمنها لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " ليس على المستعير غير المغل ضمان، ولا على المستودع غير المغل ضمان ".   [البناية] م: (كتاب الوديعة) ش: ذكرها عقيب كتاب المضاربة، لأن مبناها على الأمانة وهي فعيلة بمعنى مفعولة من الودع، وهو الترك، وشرعًا هي تسليط الغير على حفظ المال أي مال كان بشرط أن يكون قابلاً لإثبات اليد عليه، حتى لو أودع الآبق أو الساقط في البحر أو الطير في الهواء لا يصح. وركنها: الإيجاب والقبول، فإذا وضع عند آخر ثوبًا مثلاً ولم يقل شيئًا فذهب وذهب الآخر وضاع يضمن؛ لأن هذا إيداع عرفًا. وكذا لو قال: هذا وديعة عندك بخلاف ما إذا قال الجالس لا أقبل فذهب وضاع حيث لا يضمن لأنه صرح بالرد. ولو ألقاه في بيته كان قابلا بالسكوت، فإذا ضاع يضمنه. وكذا لو قال لصاحب المال أين أضع ثيابي فقال ثمة فوضعه فسرق يضمن. [ضمان الوديعة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (الوديعة أمانة في يد المودع) ش: بفتح الدال، ويقال للمال أيضًا مودع بالفتح كما يقال وديعة. وما قيل إن الوديعة والأمانة لفظان مترادفان فلا يرتفعان على الابتداء والخبرية إلا بطريق التفسير، كما يقال: الليث أسد، والحبس منع، وليس المراد هنا التفسير. فجوابه: أن هذا من باب الإخبار بالعام عن الخاص وهو جائز إلا أن الأمانة أعم من الوديعة. وقال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأولى أن يقال: إن لفظ الأمانة صار علما ًلما هو غير مضمون، فكان معنى قوله أمانة غير مضمون عليه، وتبعه على ذلك الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفيه ما فيه لأن العلم ما وضع لشيء بعينه وغير مضمون ليس كذلك، وليت شعري أنى علم هذا من أقسام الأعلام. م: (إذا هلكت لم يضمنها) ش: لأن المودع متبرع والتبرع لا يوجب ضمان حق لو سرقت عنده، وإن لم يسرق معها ما له لم يضمن عند أكثر أهل العلم إلا عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يضمن للتهمة إذا لم يسرق معه مال له. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ليس على المستعير غير المغل ضمان، ولا على المستودع غير المغل ضمان» الجزء: 10 ¦ الصفحة: 106 ولأن بالناس حاجة إلى الاستيداع فلو ضمناه يمتنع الناس عن قبول الودائع فتتعطل مصالحهم.   [البناية] ش: أخرجه الدارقطني ثم البيهقي في " سننهما " عن عمرو بن عبد الجبار عن عبيدة بن حسان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولكن يتقدم المستودع على المستعير. فإن قلت: هذا الحديث ضعيف؛ لأن الدارقطني قال: عمرو وعبيدة ضعيفان، وإنما يروى هذا من قول شريح غير مرفوع، ثم أخرجه من قول شريح، ورواه عبد الرزاق في مصنفه من قول شريح، وقال ابن حبان في كتاب " الضعفاء ": عبيدة يروي الموضوعات عن الثقات. قلت: قول الدارقطني عمرو وعبيدة ضعيفان جرح مبهم فلا يقبل. أما عمرو بن عبد الجبار فهو ابن أخ عبيدة لم يضعفه أحد فيما نعلم، غير أن ابن أخيه ذكره ولم يزد على قوله: له مناكير. وأما عبيدة: فهو بفتح العين وكسر الباء الموحدة ابن حسان البخاري وذكره البخاري في تاريخه ولم يذكر فيه جرحًا، ويؤيده ما رواه ابن ماجه عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أودع وديعة فلا ضمان عليه» ورواه ابن حبان من حديث ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به، وأعله بابن لهيعة وهو عبد الله بن لهيعة المصري وثقه أحمد وأثنى عليه، والعجب من شراح الهداية كيف سكتوا عن بيان حال هذا الحديث ولا سيما الأترازي الذي يدعي بدعوى عريضة في الحديث، ولم يزد في شرحه على قوله فيه نظر؛ لأن أبا عبيدة جعله من كلام شريح في غريب الحديث وكذلك الزيلعي الذي أخرج أحاديث الهداية حيث نسب هذا الحديث إلى مخرجه وذكر ما قالوا فيه من الطعن وسكت. قوله: غير المغل من الإغلال بالغين المعجمة وهو الخيانة والمعنى غير الخائن، وكذلك الغلول الخيانة ولكنه يستعمل في الغنم، والإغلال عام. م: (ولأن بالناس حاجة إلى الاستيداع) ش: وهو طلب ترك الوديعة عند غيره، يقال أودعت فلانًا مالاً واستودعته إياه إذا لم يدفعه إليه ليكون عنده فأنت مودع ومستودع بكسر الدال فيهما، وزيد مودع ومستودع بفتح الدال فيهما م: (فلو ضمناه) ش: أي المودع بفتح الدال م: (يمتنع الناس عن قبول الودائع فتتعطل مصالحهم) ش: لأن كل واحد يمتنع عن قولها، فلو ضمناه أي المودع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 107 قال: وللمودع أن يحفظها بنفسه وبمن هو في عياله؛ لأن الظاهر أنه يلتزم حفظ مال غيره على الوجه الذي يحفظ مال نفسه، ولأنه لا يجد بدا   [البناية] بفتح يمتنع الناس عن قبول الودائع فتتعطل مصالحهم، لأن كل واحد يمتنع عن قبولها خوفًا من الضمان، والناس محتاجون إلى ذلك فيؤدي إلى ضرر بهم. [حفظ الوديعة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وللمودع أن يحفظها بنفسه وبمن هو في عياله) ش: نحو زوجه وولده ووالديه وأجيره الخاص وهو الأجير مشاهرة أو مشابهة، وعبده وأمته، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - وقال الشافعي وأشهب المالكي - رحمهما الله -: يضمن بالدفع المبهم. وفي " الكافي ": العبرة في هذا الباب للمساكنة لا للنفقة، حتى لو أودعت المرأة وديعتها إلى زوجها لا تضمن، وإن لم يكن الزوج في نفقتها والابن الكبير إذا كان يسكن مع المودع ولم يلزمه نفقته فخرج وترك المنزل على الابن لا يضمن الوديعة ولم يشترط في التحفة الحفظ بالعيال، بل قال يحفظه على الوجه الذي يحفظ مال نفسه بحرزه من كان ماله في يده. ثم قال: يعني به الأجير مشاهرة بنفقته وكسوته والعبد المأذون الذي في يده مال والشريك المفاوض والعنان وإن لم يكونوا في عياله. وفي " الذخيرة ": الدفع إلى العيال إنما يجوز إذا كان في عياله أمينًا وإلا فلا يجوز، وفي " فتاوى أبي الليث ": رجل غاب وخلف امرأته في منزله الذي فيه ودائع الناس ثم رجع وطلب الوديعة فلم يجدها فإن كانت المرأة أمينة فلا ضمان على الزوج، وإن كانت غير أمينة وعلم الزوج بذلك ومع هذا ترك الوديعة معها فهو ضامن. وذكر أبو الليث أيضًا في " خزانة الفقه ": لا ضمان على المودع إلا في ثلاثة أشياء التقصير في حفظها وخلطها بماله ومنعها عن مالكها بعد الطلب ثم قال: فيها أربعة نفر يجوز للمودع دفع الوديعة إليهم ولا يضمن عند تلفها الزوجة والولد والمملوك والأجير، ثم قال: فيها شيئان لا يوجبان الضمان مع الخلاف إذا قال لا تدفع إلى زوجتك فدفع إليها وقال احفظها في هذا البيت فحفظها في بيت آخر في تلك الدار، وقال في آخر شرحه الجامع الكبير المودع أو دفع الوديعة إلى عامله يعني إلى الذي المودع في عياله لم يضمن. وقال الإمام الزاهد العتابي: هذه الرواية لم توجد إلا في هذا الكتاب يعني في الجامع الكبير. م: (لأن الظاهر أنه يلتزم حفظ مال غيره على الوجه الذي يحفظ مال نفسه ولأنه لا يجد بدًا) ش: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 108 من الدفع إلى عياله؛ لأنه لا يمكنه ملازمة بيته، ولا استصحاب الوديعة في خروجه فكان المالك راضيا به. فإن حفظها بغيرهم أو أودعها عند غيرهم ضمن؛ لأن المالك رضي بيده لا بيد غيره، والأيدي تختلف في الأمانة، ولأن الشيء لا يتضمن مثله كالوكيل لا يوكل غيره والوضع في حرز غيره إيداع   [البناية] أي فراقًا، وهو اسم من بده بدًا إذا فرقه والمصدر بفتح الباء، نقول بده بدًا م: (من الدفع) ش: أي دفع الوديعة م: (إلى عياله، لأنه لا يمكنه ملازمة بيته) ش: في جميع الأوقات، لأنه يخرج في قضاء حوائجه وأداء ما عليه من الواجبات م: (ولا استصحاب الوديعة في خروجه) ش: أي ولا يمكنه أن يأخذ الوديعة عند خروجه من بيته م: (فكان المالك) ش: أي صاحب الوديعة م: (راضيًا به) ش: أي يحفظها بمن في عياله دلالة، وإن لم يكن صريحًا وفي " الاختيار ": ولهذا لا يصح نهيه، يعني إذا نهى المالك أن يحفظها بمن في عياله لا يصح نهيه لما ذكرناه. وقال أيضًا: ولو قال: لا تدفعها إلى شخص عينه في عياله ممن لا بد له منه فإن لم يكن له عيال سواه لم يضمن وإن كان له سواه يضمن، لأن من العيال من لا يؤتمن على المال. م: (فإن حفظها بغيرهم) ش: أي فإن حفظ المودع الوديعة منه غيرهم أي عند غير من هو في عياله بأن يخرج من بيته وترك الوديعة واستحفظها بغيره م: (أو أودعها عند غيرهم) ش: أي عند غير من في عياله بأن نقلها من بيته وترك الوديعة فيه ودفعها إلى أجنبي وديعة م: (ضمن) ش: في الوجهين جميعًا وما قيل إن كان ينبغي أن لا يضمن بالإيداع؛ لأنه ذكر فيها. قيل: لأن الظاهر أنه يلتزم حفظ مال غيره في الوجه الذي يحفظ مال نفسه بنفسه فكان له استحفاظها في استحفاظ مال نفسه فجوابه يخرج من قوله، لأن المالك رضي بيده لا بيد غيره والأيدي مختلفة في الأمانة. وأما المراد عن كلامه الأول أن يحفظ مال نفسه غالبًا، فإن الغالب هذا م: (لأن المالك رضي بيده) ش: أي بيد المودع لتوثقه به م: (لا بيد غيره والأيدي تختلف في الأمانة) ش: فرب يد يتوثق بها المودع ولا يتوثق بها المالك، وكذا على العكس. م: (ولأن الشيء لا يتضمن مثله) ش: أي لا يستتبع مثله م: (كالوكيل لا يوكل غيره) ش: نوقض هذا بالمستعير والعبد المأذون والمكاتب حيث يجوز للمستعير الإعارة وللمأذون أن يأذن لعبده، وللمكاتب أن يكاتب عبدًا حتى أجاز ابن أبي ليلى إيداع المودع قيامًا على هذا. وأجيب: بأن تصرف هؤلاء بالملك لأن المستعير مالك للمنفعة، وكذا المأذون والمكاتب وكلاهما مناف غيره. م: (والوضع) ش: أي وضع المودع الوديعة م: (في حرز غيره إيداع) ش: أي إيداع المودع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 109 إلا إذا استأجر الحرز فيكون حافظا بحرز نفسه. قال: إلا أن يقع في داره حريق فيسلمها إلى جاره أو يكون في سفينة فخاف الغرق فيلقيها إلى سفينة أخرى؛ لأنه تعين طريقا للحفظ في هذه الحالة فيرتضيه المالك ولا يصدق على ذلك إلا ببينة؛ لأنه يدعي ضرورة مسقطة للضمان بعد تحقق السبب فصار كما إذا ادعى الإذن في الإيداع. قال: فإن طلبها صاحبها فمنعها وهو يقدر على تسليمها ضمنها لأنه متعد بالمنع، وهذا لأنه لما طالبه لم يكن راضيا بإمساكه بعده   [البناية] الوديعة وهو مصدر مضاف إلى فاعله والمفعول محذوف وارتفاعه على أنه خبر عن المبتدأ، أعني قوله والوضع، وإنما كان إيداعًا لأن الحرز في يد غيره فصار بالوضع فيه مسلمًا إليه وهو إيداع، فإذا كان إيداعًا يكون ضامنًا كالإيداع الحقيقي م: (إلا إذا استأجر الحرز فيكون حافظًا بحرز نفسه) ش: لأنه بالاستئجار صار الحرز له، وإن كان الملك لغيره وقد تستأجر البيوت لحفظ الأمتعة. م: (قال) ش: الاستثناء من قوله فإن حفظها بغيرهم ضمنه م: (إلا أن يقع في داره حريق) ش: أي نار، كذا فسره البعض، والصحيح أنه اسم للاحتراق ولم يذكر أهل اللغة أنه اسم النار م: (فيسلمها إلى جاره) ش: بنصب اللام، أي فإن يسلمها، لأنه عطف على أن يقع. قال الحلواني: هذا إذا أحاط الحريق بمنزله بحيث لا يمكنه أن يدفعها إلى بعض من عياله، فلو أمكنه تناوله إلى بعض من في عياله يضمن بالدفع إلى الأجنبي م: (أو يكون) ش: بالنصب أيضًا عطفا إلا أن يقع أي أو إلا أن يكون م: (في سفينة فخاف الغرق) ش: بفاء العطف وهو عطف الماضي على المضارع في الصورة. وفي نسخ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخاف الغرق بالمضارع الواقع حالا، والغرق مصدر غرق في الماء م: (فيلقيها إلى سفينة أخرى) ش: بنصب للياء في فيلقيها عطفًا على أو يكون وإن عطفته على فخاف يكون مرفوعاً ويكون عطف المضارع على الماضي م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من التسليم إلى الجار والإبقاء في السفينة م: (تعين طريقًا للحفظ في هذه الحالة فيرتضيه المالك) ش: دلالة لأنه لا يمكنها أن يحفظ في هذه الحالة إلا بهذا الطريق. م: (ولا يصدق على ذلك) ش: أي لا يصدق المودع على الفعل المذكور م: (إلا ببينة، لأنه يدعي ضرورة مسقطة للضمان بعد تحقق السبب) ش: أي سبب الضمان وهو التسليم إلى جاره، وفي المنتقى: هذا إذا لم يعلم أن بيت المودع احترق، فإذا علم قبل قوله بلا بينة م: (فصار كما إذا ادعى الإذن في الإيداع) ش: فلا يصدق إلا ببينة، لأنه يدعي سقوط الضمان بعد تحقيق السبب. [طلب صاحب الوديعة وديعته فمنعها وهو يقدر فهل يضمن] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فإن طلبها صاحبها فمنعها وهو يقدر) ش: أي والحال أنه يقدر م: (على تسليمها ضمنها لأنه متعد بالمنع وهذا) ش: أي وجوب الضمان لكونه متعد بالمنع م: (لأنه لما طالبه لم يكن راضيًا بإمساكه) ش: أي بإمساك المودع الوديعة م: (بعده) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 110 فيضمنها بحبسه عنه. قال: وإن خلطها المودع بماله حتى لا يتميز ضمنها ثم لا سبيل للمودع عليها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: إذا خلطها بجنسها شركة إن شاء مثل أن يخلط الدراهم البيض بالبيض، والسود بالسود، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير. لهما   [البناية] ش: أي بعد الطلب م: (فيضمنها) ش: أي إذا كان كذلك فيضمنه، أي يضمن الوديعة، وإنما ذكر الضمير باعتبار المودع بفتح الدال، لأنه اسم للوديعة، وإن جعل هذا من التضمين يعود الضمير إلى المطلوب، أعني المودع، أي فيضمن المالك المودع م: (بحبسه عنه) ش: أي بحبس المودع الوديعة عن المالك. [الحكم لو خلط المودع الوديعة بماله حتى لا يتميز] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإن خلطها المودع) ش: بفتح الدال خلط المودع الوديعة م: (بماله حتى لا يتميز) ش: فإن خلط الدنانير بالدنانير والدراهم بالدراهم م: (ضمنها) ش: لأنه استهلاك على ما يأتي، وبه قالت الثلاثة في غير خلط الجنس بالجنس. والخلط على أربعة أوجه: خلط بطريق المحاورة مع تيسير التمييز كخلط الدراهم البيض بالسود والدراهم بالدنانير والجوز باللوز، فإنه لا يقطع حق المالك بلا خلاف، فيمكن المالك من الوصول إلى غير حقه بلا حرج وخلط بطريق المجاورة مع تفسير التمييز كخلط الحنطة مع الشعير فذلك يقطع حق المالك ويوجب الضمان بلا خلاف، لأنه لا يصل المالك إلى حقه إلا بحرج، والمتعذر كالمتعسر، لأن الحنطة لا تخلو عن حبات الشعير والشعير لا يخلو عن حبات الحنطة فيتعذر التمييز حقيقة، ويتعذر أيضًا حكماً بالقسمة لا خلاف الجنس. فإن القسمة عند اختلاف الجنس غير مشروع وخلط الجنس مع خلاف الجنس ممازجة كخلط الحل بالحاء المهملة، وهو دهن السمسم بالزيت وكل مائع بغير جنسه فيضمن فيه بلا خلاف، لأنه استهلاك مطلقًا وخلط الجنس مع الجنس كخلط دهن اللوز مع دهن اللوز ودهن الجوز مع دهن الجوز، وخلط اللبن باللبن والحنطة بالحنطة والدراهم البيض بالبيض والسود بالسود فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - وعندهما لا ينقطع حق المالك بل له الخيار إن شاء ضمن وإن شاركه وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: شاركه بلا خيار. م: (ثم لا سبيل للمودع) ش: بكسر الدال صاحب الوديعة م: (عليها) ش: أي على الوديعة م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: إذا خلطها بجنسها شركة إن شاء) ش: أي شركه المودع في المودع إن شاء المودع بالكسر م: (مثل أن يخلط الدراهم البيض بالبيض) ش: بكسر الباء جمع أبيض م: (والسود بالسود) ش: بضم السين جمع أسود، أي الدراهم السود بالدراهم السود م: (والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - الجزء: 10 ¦ الصفحة: 111 أنه لا يمكنه الوصول إلى عين حقه صورة وأمكنه معنى بالقسمة معه فكان استهلاكا من وجه دون وجه، فيميل إلى أيهما شاء. وله أنه استهلاك من كل وجه؛ لأنه فعل يتعذر معه الوصول إلى عين حقه، ولا معتبر بالقسمة لأنها من موجبات الشركة فلا تصلح موجبة لها. ولو أبرأ الخالط لا سبيل له على المخلوط عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا حق له إلا في الدين وقد سقط. وعندهما بالإبراء تسقط خيرة الضمان فتتعين الشركة في المخلوط وخلط الخل بالزيت، وكل مائع بغير جنسه.   [البناية] م: (أنه) ش: أي أن المودع بالكسر م: (لا يمكنه الوصول إلى عين حقه صورة وأمكنه) ش: أي الوصول إلى حقه م: (معنى) ش: أي حكماً م: (بالقسمة معه) ش: لأن القسمة فيما لا تتفاوت في إجارة إفراز وتعيين، حتى يملك كل واحد من الشريكين أن يأخذ حقه عينًا من غير قضاء ولا رضا، فكان إمكان الوصول إلى غير حقه قائمًا معنى مخير م: (فكان) ش: أي هذا الخلط م: (استهلاكًا من وجه) ش: حيث لا يمكنه الوصول إلى عين حقه صورة م: (دون وجه) ش: حيث أمكنه معنى م: (فيميل إلى أيهما شاء) ش: أي الوجهين شاء لما ذكره. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) ش: أي أن هذا الخليط م: (استهلاك من كل وجه لأنه فعل يتعذر معه الوصول إلى عين حقه) ش: لأن عين حقه بالصورة والمعنى، والتحقيق فيه أن الاستهلاك من العباد التعييب، فأما انعدام المحل فبتحليف الله تعالى والتعييب قد وجد، فصار متعديًا ضامنًا لا شريكًا فلا يباح له التناول قبل أداء الضمان، كذا في البدرية م: (ولا معتبر بالقسمة) ش: أي لا اعتبار هو مصدر ميمي م: (لأنها) ش: أي لأن القسمة م: (من موجبات الشركة) ش: أي أحكامها م: (فلا تصلح) ش: أي القسمة م: (موجبة لها) ش: أي للشركة، لأنه ينقلب لعلة حكمًا والحكم علة. م: (ولو أبرأ الخالط) ش: بنصب الطاء، أي ولو أبرأ المالك المودع الخالط، ذكر هذا فائدة للخلاف المذكور م: (لا سبيل له على المخلوط) ش: أي لا يبقى للمبر طريق على المخلوط م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا حق له إلا في الدين وقد سقط) ش: بالإبراء م: (وعندهما بالإبراء تسقط خيرة الضمان) ش: أي خيار الضمان والخيرة بكسر الخاء وفتح الياء آخر الحروف اسم للاختيار كالطيرة بالكسر اسم التطير. وهذه الصيغة في المصدر قليلة م: (فتتعين الشركة في المخلوط) ش: يعني تصير شركة بلا خيار وخلط دهن اللوز بدهن الجوز م: (وخلط الحل بالزيت) ش: أي خلط دهن السمسم بالزيت وهو بالحاء المهملة كما ذكرناه، وارتفاع الخلط بالابتداء م: (وكل مائع بغير جنسه) ش: بجر " كل " عطفًا على " الحل "، أي وخلط كل مائع بغير جنسه كالعسل بالدبس والرب بالقطارة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 112 يوجب انقطاع حق المالك إلى الضمان، وهذا بالإجماع، لأنه استهلاك صورة، وكذا معنى لتعذر القسمة باعتبار اختلاف الجنس، ومن هذا القبيل خلط الحنطة بالشعير في الصحيح؛ لأن أحدهما لا يخلو عن حبات الآخر، فيتعذر التمييز والقسمة، ولو خلط المائع بجنسه فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينقطع حق المالك إلى الضمان لما ذكرنا. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجعل الأقل تابعا للأكثر اعتبارا للغالب إجزاء.   [البناية] والسمن بالدهن م: (يوجب انقطاع حق المالك) ش: وهو خبر مبتدأ إلى الضمان في محل النصب على الحال، أي يوجب انقطاع حق المالك منتهيًا م: (إلى الضمان، وهذا) ش: أي وهذا الحكم وهو وجوب الضمان م: (بالإجماع، لأنه استهلاك صورة) ش: وهو ظاهر م: (وكذا معنى) ش: أي كذا هو استهلاك معنى أحكامها م: (لتعذر القسمة باعتبار اختلاف الجنس) ش: فتعين المصير إلى الضمان. م: (ومن هذا القبيل) ش: أي من قبيل انقطاع حق المالك بالإجماع م: (خلط الحنطة بالشعير) ش: ارتفاع الخلط بالابتداء وخبره مقدم وهو من هذا القبيل. م: (في الصحيح) ش: احترز به عما روى الحسن أن الجواب في خلط الحنطة بالحنطة فكان على الاختلاف، والصحيح أن حق الملك ينقطع بالإجماع. وقال شمس الأئمة البيهقي في كتاب الغصب من " الكفاية ": روى الحسن في مسألة الحنطة بالشعير عن أبي حنيفة مثل قولهما م: (لأن أحدهما لا يخلو عن حبات الآخر) ش: لما في الحنطة حبات الشعير، وفي الشعير حبات الحنطة م: (فيتعذر التمييز والقسمة) ش: لاختلاف الجنس وقد ذكرناه. وما قيل: إن تمييز الحنطة من الشعير ممكن بأن يصب في ماء فيرسب الحنطة ويطفو الشعير. فجوابه: أن هذا إفساد المخلوط في الحال، مع أن الراسب يمكن أن يكون فيه من حبات حنطة صاحب الشعير، وفي الطافي يكون من حبات شعير صاحب الحنطة. [الحكم لو خلط المودع المائع بجنسه] م: (ولو خلط المائع بجنسه) ش: بأن خلط السيرج بالسيرج أو الزيت م: (فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينقطع حق المالك إلى الضمان لما ذكرنا) ش: أشار به إلى ما ذكر من قوله لأنه استهلاك من كل وجه. م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجعل الأقل تابعًا للأكثر) ش: فيضمن صاحب الكثير القليل م: (اعتبارًا للغالب إجزاء) ش: أي من حيث الإجزاء والفرق لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بين خلط المائع من خلاف جنسه وبين خلط المائع بالمائع بجنسه، فإن في خلاف الجنس يقطع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 113 وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - شركة بكل حال؛ لأن الجنس لا يغلب الجنس عنده على ما مر في الرضاع، ونظيره خلط الدراهم بمثلها إذابة؛ لأنه يصير مائعا بالإذابة. قال: وإن اختلطت بماله من غير فعله فهو شريك لصاحبها، كما إذا انشق الكيسان فاختلطا؛ لأنه لا يضمنها لعدم الصنع منه   [البناية] حق المالك بالإجماع أن التداخل والشيوع في المائعات أكثر، فالخاصية تبطل بالخلط عند اختلاف الجنس فيتحقق، يعني الاستهلاك أما في الجنس يعتبر الأكثر إذ أقلها مائع لما أن الخاصية باقية، كذا في " الفوائد الظهيرية ". م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - شركة بكل حال) ش: يعني سواء كان أحدهما غالبًا أو مغلوباً أو كانا متساويين م: (لأن الجنس لا يغلب الجنس عنده) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (على ما مر في الرضاع) ش: من أن الصبي إذا شرب لبن امرأتين بأن جعل لبنهما في قدح ثم صب في حلق، فعند أبي يوسف العبرة للأكثر، وعند محمد يثبت الرضاع منهما جميعًا م: (ونظيره) ش: أي نظير الحكمة المذكورة وهو خلط المائع بجنسه م: (خلط الدراهم بمثلها إذابة) ش: أي من حيث الإذابة في النار، أراد أنه إذا أذاب دراهم غيره مع دراهمه فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينقطع حق المالك بكل حال. وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجعل الأقل تابعًا للأكثر في رواية عنه. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشركة بكل حال على أصله م: (لأنه يصير مائعاً بالإذابة) ش: الضمير في لأنه يرجع إلى الدراهم، وكان ينبغي أن يقول لأنها تصير مائعة، ولكن التذكير إما باعتبار الدراهم ورقًا بكسر الراء، وإما باعتبار المذكور وكل ذلك لا يخلو عن نوع تعسف. [اختلطت الوديعة بمال المودع من غير فعله] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن اختلطت) ش: أي الوديعة م: (بماله) ش: أي بمال المودع بفتح الدال م: (من غير فعله فهو شريك لصاحبها) ش: أي لصاحب الوديعة م: (كما إذا انشق الكيسان فاختلطا) ش: بأن كان في صندوقه كبد له فمط كيس الوديعة فانشق الكيسان من ذاتهما أو بقرض فأرة ونحوها فاختلط المالان، وهذا الكلام بيان لقوله من غير فعله م: (لأنه) ش: أي لأن المودع م: (لا يضمنها) ش: هذا تعليل لقوله فهو شريك لصاحبها، وكان حق ترتيب الكلام أن يقال: وإن اختلطت بماله من غير فعله كما إذا انشق الكيسان فاختلطا فهو شريك لصاحبها، لأنه لا يضمنها م: (لعدم الصنع منه) ش: أي من المودع بالفتح، أي الصنع الموجب الضمان. قال السغناقي: ولو تمكن تفسير ذلك من المودع بأن جعل الدراهم الوديعة في كيس بال، ولكن المختلط بينهما بقدر ملكهما. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 114 فيشتركان وهذا بالاتفاق. قال: فإن أنفق المودع بعضها ثم رد مثله فخلطه بالباقي ضمن الجميع؛ لأنه خلط مال غيره بماله فيكون استهلاكا على الوجه الذي تقدم.   [البناية] قلت: كلام يوهم أن الكيس إذا كان جديدًا يضمن ولا يكون شريكًا وليس كذلك، وإنما عدم الضمان على عدم الصنع منه سواء كان الكيس جديدًا أو باليًا. وفي " الكافي " للحاكم: فإن انشق الكيس في صندوقه فاختلطت بدراهم المودع فلا ضمان عليه وهما فيه شريكان. وإن هلك بعضها هلك من مالهما جميعاً ويقسم الباقي بينهما على قدر ما كان لكل واحد منهما يعني أو مكسرة، فإن كان دراهم أحدهما صحاحا، ودراهم الآخر مكسرة لا تثبت الشركة بينهما، بل يميز كل واحد منهما فيدفع إلى المودع ماله ويمسك المودع مال نفسه لإمكان التمييز، وإن كان دراهم أحدهما صحاحا جيادا وفيها بعض الرديء ودراهم الآخر صحاحا رديئا وفيها بعض الجياد تثبت الشركة بين المالين، لأن هذا خلط لا يمكن التمييز بينهما، ثم كيف يقتسمان إن تصادقا أن ثلثي مال أحدهما جياد وثلثه رديء وثلثه جيد يقتسمان الجياد من المال المختلط أثلاثا والرديء أثلاثًا على قدر ما كان لكل واحد منهما وإن لم يتصادقا وكان لا يعرف وادعى كل واحد منهما أن ثلثي ماله جياد وثلثه رديء ويأخذ كل واحد منهما ثلث الجياد، لأنهما اتفقا على أنه كان لكل واحد منهما ثلث الجياد فيأخذان ذلك. واختلفا في ثلث الآخران يدعي كل منهما لنفسه وذلك الثلث في أيديهما في يد كل واحد منهما نصف الثلث وهو سدس الكل، فيكون القول قول كل واحد منهما في مائدة ويحلف كل منهما على دعوى صاحبه، فإن حلفا برئا عن الدعوى وترك المال في أيديهما كما كان، وإن نكلا قضي لكل منهما بنصف الثلث وهو سدس الكل الذي في يد صاحبه، وكذلك إن قامت لكل منهما بينة، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر برئ الحالف، فيرد الناكل نصف الثلث وهو سدس الكل الذي في يده إلى صاحبه. م: (فيشتركان) ش: أي المودع والمودع م: (وهذا بالاتفاق) ش: أي الحكم المذكور بالاتفاق بين علمائنا، فإن هلك البعض كان في مالهما جميعًا، إذ الأصل في المال المشترك أن يكون الهالك والباقي على الشركة. [أنفق المودع بعض الوديعة ثم رد مثله فخلط بغيره] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن أنفق المودع بعضها) ش: أي بعض الوديعة م: (ثم رد مثله فخلطه بالباقي ضمن الجميع، لأنه خلط مال غيره بماله فيكون استهلاكًا على الوجه الذي تقدم) ش: أي مثل ما أنفق قيد بالإنفاق ورد المثل، لأنه لو أخذه لأجل الإنفاق ثم رده قبل الإنفاق لم يضمن، لأنه إن حالف عاد إلى الوفاق، كذا في " المبسوط ". الجزء: 10 ¦ الصفحة: 115 قال: وإذا تعدى المودع في الوديعة بأن كانت دابة فركبها، أو ثوبا فلبسه أو عبدا فاستخدمه أو أودعها عند غيره ثم أزال التعدي فردها إلى يده زال الضمان. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يبرأ عن الضمان؛ لأن عقد الوديعة ارتفع حين صار ضامنا للمنافاة فلا يبرأ إلا بالرد على المالك. ولنا أن الأمر باق لإطلاقه وارتفاع حكم العقد   [البناية] وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن الكل وكذا لو أنفق البعض ولم يرد شيئًا يضمن الكل، عندهما يضمن ما أنفق، لأن الغرامة بقدر الحيازة فخلطه بالباقي ضمن الجميع، لأنه خلط مال غيره بماله فيكون استهلاكا على الوجه الذي تقدم. وفي " الذخيرة ": هذا إذا لم يجعل علامة على ماله حين خلطه بمال الوديعة، أما إذا جعل بحيث يتأتى التمييز لا يضمن إلا ما أنفق، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول: لا يضمن إلا ما أنفق في الوجهين وبه قال ابن القاسم المالكي وأحمد - رحمهما الله -. وقال الربيع: يضمن الجميع إذا لم يتميز. [تعدى المودع في الوديعة ثم أزال التعدي فردها إلى يده] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا تعدى المودع في الوديعة بأن كانت دابة فركبها أو ثوبًا فلبسه أو عبدًا فاستخدمه أو أودعها عند غيره) ش: أي أودع المودع الوديعة عند غيره م: (ثم أزال التعدي فردها إلى يده زال الضمان) ش: إنما قال: زال لأن الضمان وجب عليه بنفس الركوب، حتى لو هلك في حالة الاستعمال يضمن بلا خلاف. وفي " التحفة ": وفي المستأجر والمستعير إذا خالفا ثم تركا الخلاف بقي الضمان، وعند بعضهم هذا منزلة المودع. وفي " خلاصة الفتاوى ": وفي الإجارة والإعارة الأصح أنه لا يبرأ عن الضمان بالعود إلى الوفاق. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يبرأ عن الضمان لأن عقد الوديعة ارتفع حين صار ضامنًا للمنافاة) ش: بين كونه ضامنا وبين كونه أمينًا، وإذا ثبت كونه ضامنًا انتفى كونه أمينًا وهو موجب العقد فارتفع العقد فلا يعود إلا بسبب جديد ولم يوجد م: (فلا يبرأ إلا بالرد على المالك) ش: فلم يوجد ويضمن، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي رواية ابن القاسم وأشهب يبرأ، كقولنا. م: (ولنا أن الأمر) ش: أي بالحفظ وهو الإيداع م: (باق لإطلاقه) ش: أي لإطلاق الأمر؛ لأن قوله: احفظ هذا المال، يتناوله جميع الأوقات بعد الخلاف وقبله م: (وارتفاع حكم العقد) ش: جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن عقد الوديعة ارتفع، وحكم العقد هو الحفظ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 116 ضرورة ثبوت نقيضه، فإذا ارتفع عاد حكم العقد، كما إذا استأجره للحفظ شهرا فترك الحفظ في بعضه ثم حفظ في الباقي.   [البناية] وارتفاعه على الابتداء، وخبره قوله م: (ضرورة ثبوت) ش: أي لأجل ضرورة ثبوت م: (نقيضه) ش: لأجل ضرورة ثبوت نقيض حكم العقد؛ لأن بطلان الشيء بما ينافيه، والاستعمال ليس بموضوع لإبطال الإيداع ولا ينافيه م: (فإذا ارتفع عاد) ش: أي نقيض م: (حكم العقد) ش: بالعود إلى الوفاق عاد وحكم العقد وهو لزوم الحفظ المأمورية، لأن الارتفاع كان لضرورة ثبوت العقد كما ذكر. والثابت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة، وهي تندفع بإثباته ما دامت المخالفة باقية فلا يتعدى إلى ما بعد ارتفاعه، وعورض بأن الأمر باق فيكون مأموراً بدوام الحفظ وما هذا شأنه فالمخالفة فيه رد للأمر من الأصل كالجحود، فلا يبرأ عن الضمان برفع المخالفة كاعتراف بعد الجحود. والجواب بما ذكرنا أن بطلان الشيء بما ينافيه أو بما هو موضوع لإبطاله، فلا تكون المخالفة رداً له من الأصل وهي ليست بموضوعة لإبطال الإيداع، ولا ينافيه. ألا ترى أن الأمر بالحفظ مع الاستعمال صحيح ابتداء بأن يقول للغاصب أودعتك وهو مستعمل، بخلاف الجحود، فإنه قول موضوع للرد، ألا ترى أن الجحود في أوامر الشرع ونهيها يكفر به. والمخالفة بترك صلاة أو صوم مأمور به ليست رداً، ولهذا لا يكفر. م: (كما إذا استأجره) ش: نظير المسألة الوديعة بالاستئجار أي كما إذا استأجر رجل رجلاً م: (للحفظ شهراً) ش: أي لحفظ متاعه مدة شهر م: (فترك الحفظ في بعضه ثم حفظ في الباقي) ش: فإنه ترك الحفظ في بعض الأوقات ولم يخرج بذلك عن كونه أميناً. فإن قلت: هذا النظير غير مستقيم، لأن بقاء كونه أميناً باعتبار أن عقد الإجارة عنده لازم فلا يرتد برده، بخلاف ما نحن فيه. قلت: العقد اللازم في الانتقاض بعدم تسليم المعقود عليه سواء بالاتفاق كالإجارة والعارية والبيع والهبة ينتقض بعدم تسليم المعقود عليه، ثم في الاستئجار ورد العقد على منفعة الحفظ في المدة، والمنفعة تحدث شيئاً فشيئاً فيترك الحفظ في بعض المدة يبطل العقد في ذلك القدر، ويكون باقياً لبقاء العقد عليه، فكذا في الحفظ بغير بدل. فإن قلت: المستأجر للدابة إلى مكان إذا جاوزه ثم عاد إليه لم يبرأ، وكذا المستعير إذا خالف ثم عاد إلى الوفاق لم يبرأ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 117 فحصل الرد إلى نائب المالك. قال: فإن طلبها صاحبها فجحدها ضمنها؛ لأنه لما طالبه بالرد فقد عزله عن الحفظ، فبعد ذلك هو بالإمساك غاصب مانع منه فيضمنها، فإن عاد إلى الاعتراف لم يبرأ عن الضمان لارتفاع العقد إذ المطالبة بالرد رفع من جهته والجحود فسخ من جهة المودع كجحود الوكيل الوكالة، وجحود أحد المتعاقدين البيع فتم الرفع، أو لأن المودع   [البناية] قلت: لأن البراءة إنما تكون بالإعادة إلى يد المالك، إما حقيقة وإما تقديراً، ويد المستأجر أو المستعير يد نفسه فإنه يستوفي المنافع المملوكة من المحل والمالك فيما يتصرف في المحل يكون عاملاً لنفسه لا لغيره فلا يبرأ عن الضمان، خلافاً لزفر اعتباراً بالوديعة. م: (فحصل الرد إلى نائب المالك) ش: هذا جواب عن قوله فلا يبرأ إلا بالرد على المالك. ووجهه أن المودع نائب المالك، فإذا ارتفعت المخالفة وعاد مودعاً، هذا جواب عن قوله فلا يبرأ إلا بالرد على المالك، ووجهه أن المودع نائب المالك، ووجهه أن المودع نائب بذلك، فإذا ارتفعت المخالفة عاد مودعاً جعل الرد نائب المالك. [الحكم لو طلب وديعته فجحدها المودع] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن طلبها صاحبها فجحدها ضمنها) ش: أي الوديعة، وقيد بالجحود عند الطلب، لأنه إذا جحد عند صاحبها لا بناء على الطلب لا يضمن، كذا في " الخلاصة " م: (لأنه) ش: أي لأن صاحب الوديعة م: (لما طالبه بالرد فقد عزله عن الحفظ، فبعد ذلك هو بالإمساك غاصب مانع منه فيضمنها، فإن عاد إلى الاعتراف لم يبرأ عن الضمان لارتفاع العقد) ش: فإذا ارتفع لا يعود إلا بعقد جديد م: (إذ المطالبة بالرد رفع من جهته) ش: أي رفع للعقد من جهة المالك م: (والجحود فسخ من جهة المودع) ش: بفتح الدال م: (كجحود الوكيل الوكالة) ش: يعني بمحضر من الموكل، وذلك لأنه ترك الالتزام فكان فسخاً. ونقل في " الأجناس " عن نوادر ابن سماعة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا وكل ثم قال: لم أوكله لم يكن رجوعاً وعزلاً عن الوكالة. ونقل عن وصايا الأصل إذا أوصى ثم أنكر الوصية فقال لم أوص فهو رجوع. قال في " الجامع ": لا يكون رجوعاً، وفي " نوادر ابن شجاع " عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا أوصى لرجل ثم قال لم أوص له لم يكن رجوعاً. ولو قال: أشهد أني لا أوصي له فهو رجوع، وكذلك لو وكل وكيلاً يبيع عبداً له ثم قال: اشهدوا أني لم أوكله فهو كذب، وهو وكيل. ولو قال إني لا أوكله ببيع العبد فهو عزل، ولو شهدوا عليه بالكفر فجحد وقال ما تلفظت به يكون ذلك توبة ورجوعاً عنه. م: (وجحود أحد المتعاقدين البيع) ش: أي وكجحود البائع أو المشترى حصول البيع م: (فتم الرفع) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فتم العقد رفع العقد عنهما م: (أو لأن المودع) ش: إشارة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 118 ينفرد بعزل نفسه بمحضر من المستودع كالوكيل يملك عزل نفسه بحضرة الموكل. وإذا ارتفع لا يعود إلا بالتجديد فلم يوجد الرد إلى نائب المالك بخلاف الخلاف ثم العود إلى الوفاق. ولو جحدها عند غير صاحبها لا يضمنها عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الجحود عند غيره من   [البناية] إلى تعليل ثان م: (ينفرد بعزل نفسه بمحضر من المستودع) ش: بكسر الدال م: (كالوكيل يملك عزل نفسه بحضرة الموكل، وإذا ارتفع) ش: أي العقد م: (لا يعود إلا بالتجديد) ش: أي بتجديد العقد م: (فلم يوجد الرد إلى نائب المالك) ش: يعني بنفس المودع، لأنه نائب المالك بجحود احتاج إلى التجديد فلم يوجد فلم يكن رداً إلى نفسه، أعني المودع بالفتح فيضمن. م: (بخلاف الخلاف ثم العود إلى الوفاق) ش: أراد بالخلاف الأول الخلاف في الحكم، وبالخلاف الثاني خلاف المودع بالفعل، يعني إذا خالف فعلا ثم عاد إلى الوفاق يكون العقد على حاله، لأنه باق، إذ الخلاف ليس برد الأمر، لأن الأمر قول، ورد القول بقول مثله، وأما الجحود فهو قول ورد للأمر، لأن الجاحد يكون متملكاً للعين والمالك في ملكه لا يكون مأموراً بالحفظ من جهة غيره. وفي " الزيادة " هذا كله إذا جحد الوديعة في المنقول، أما لو جحدها في العقار قال السرخسي: لا ضمان عليه في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - في جميع الوجوه. ومن المشايخ من قال: العقار يضمن بالجحود بلا خلاف وإن كان الغصب لا يتحقق فيه عندهما. وقال الحلواني: في ضمان الجحود في العقار عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان. م: (ولو جحدها عند غير صاحبها) ش: بأن قال أجنبي: ما حال وديعته م: (لا يضمنها عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافاً لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: إنما خص قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالذكر وإن كان عدم الضمان هو قول أصحابنا الثلاثة. قيل: لأن هذا الفصل لم يكن مذكوراً في " مبسوط " محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإنما ذكر في اختلاف زفر ويعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - فأورده كذلك. وفي " النهاية ": أو جحدها في وجه المودع من غير أن يطالبه بالرد بأن قال ما حال وديعتي عندك ليشكره على حفظها فجحدها لا يضمنها عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وروى بشر عن أبي يوسف إذا جحد الوديعة في وجه عدو يخاف عليها التلف إن أقر ثم هلكت لا يضمنها، لأن الجحود في هذه الصورة جهة من جهات الحفظ، كذا في الذخيرة، وجه قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الجحود سبب للضمان سواء كان عند المالك أو غيره، كالإتلاف حقيقة. ووجه قول أبي يوسف ما ذكره بقوله م: (لأن الجحود عند غيره) ش: أي غير المودع م: (من الجزء: 10 ¦ الصفحة: 119 باب الحفظ؛ لأن فيه قطع طمع الطامعين، ولأنه لا يملك عزل نفسه بغير محضر منه أو طلبه فبقي الأمر، بخلاف ما إذا كان بحضرته.   [البناية] باب الحفظ، لأن فيه قطع طمع الطامعين) ش: عن الوديعة، فلا يضمن، وبه قالت الثلاثة م: (ولأنه) ش: أي ولأن المودع بفتح الدال م: (لا يملك عزل نفسه بغير محضر منه) ش: أي من المالك وهو ما عزله م: (أو طلبه) ش: أي أو بغير طلبه، أي طلب المالك، لأن العقد قائم بهما فلا يرتفع إلا بهما م: (فبقي الأمر) ش: أي العقد باعتبار بقائه ليد المالك فلا يضمن، وبه قالت الثلاثة. م: (بخلاف ما إذا كان) ش: أي الجحود م: (بحضرته) ش: أي بحضرة المالك وقد مر وجهه. وفي " الأجناس ": أما المودع إذا جحد الوديعة كان شيخنا أبو عبد الله الجرجاني يقول: إنه على وجهين إن نقل الوديعة عن الموضع الذي كان فيه حال جحوده وهلكت ضمن، وإن لم ينقلها عن موضعها حتى هلكت لا يضمن. وفي " المنتقى ": إذا كانت الوديعة أو العارية مما يحول يضمن بالجحود وإن لم يحولها. وفي الأجناس الأمانة تنقلب مضمونة بالموت إذا لم يبين إلا في ثلاث مسائل: أحدها: متولي الوقف إذا مات ولا يعرف حال علتها الذي أخذها ولم يبين الاحتمال عليه، ذكره في كتاب " الوقف " هلال البصري. والثانية: السلطان إذا خرج إلى الغزو وغنموا فأودع بعض الوديعة بعض الغانمين ومات ولم يبين عند من أودع لا ضمان عليه، ذكره في السير الكبير. والثالثة: أحد المتفاوضين في يد مال الشركة ومات ولم يبين لا ضمان عليه، ذكره في الأصل. وفي " الواقعات ": إذا قال دفعت الوديعة في مكان كذا ونسيت موضعها، وهذا على وجهين: إما أنه لو قال دفنتها في داري أو في كرمي أو في موضع آخر، ففي الوجه الأول والثاني لا يضمن إذا كان للدار والكرم باب، لأنه ليس بتضييع، وفي الوجه الثالث يضمن لأنه تضييع، ونقل في " الأجناس " عن نوادر ابن رستم: إذا ادعى المستودع ضياع الوديعة منذ عشرة أيام فقال صاحب الوديعة أنا أقيم البينة إنها كانت في يدي منذ يومين. وقال المستودع: وجدتها بعد ذلك فضاعت صدق. فإن قال حين خوصم ليس له عندي وديعة ثم قال وجدتها فضاعت ضمن. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 120 قال: وللمودع أن يسافر بالوديعة وإن كان لها حمل ومؤنة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: ليس له ذلك إذا كان لها حمل ومؤنة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس له ذلك في الوجهين   [البناية] [السفر بالوديعة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وللمودع أن يسافر بالوديعة وإن كان لها حمل ومؤنة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وفي " شرح الأقطع ": هذا الذي ذكره قول أبي حنيفة لا في موضع واحد، وهو أن يكون طعاما كثيرا فإنه يضمن استحسانا إن سافر به لا قياساً. وقال الإمام الأسبيجابي في " طريقة الخلاف ": إذا كان له حمل ومؤنة فعند أبي حنيفة لا يضمن سواء كان السفر قريباً أو بعيداً. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن سواء كان قريباً أو بعيداً. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان بعيداً يضمن وإلا فلا، ثم قال وأجمعوا إن كان الطريق مخوفاً يضمن كيفما كان، ثم قال: وأجمعوا على أنه لو سافر بالوديعة في البحر يضمن. وقال قاضي خان في شرح " الجامع الصغير ": وأجمعوا على أن الأب والوصي إذا سافر بمال اليتيم لا يضمن والوكيل بالبيع إذا سافر بما وكل ببيعه، قالوا إن قيده بمكان بأن قال له بعه بالكوفة فسافر به يضمن، وإن أطلق فسافر به لا يضمن إذا سرق أو ضاع فيما لا حمل له ويضمن فيما له حمل ومؤنة. ثم الواو في قوله وإن كان لوصي والضمير في أوله يرجع إلى الوديعة باعتبار المودع بفتح الدال لأنه يطلق على الوديعة وعلى الذي يقبلها أيضاً كما علم من قبل. وقال الكاكي: بمال الوديعة وفيه نظر لا يخفى، والحمل بفتح الحاء مصدر حمل الشيء، يقال: ما له حمل ومؤنة ما له نقل يحتاج في حمله إلى ظهر أو خبرة حمال وفي الأصل ما له مؤنة في الحمل وهذا هو الأوجه. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (ليس له ذلك) ش: أي السفر بالوديعة م: (إذا كان لها حمل ومؤنة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليس له ذلك في الوجهين) ش: أي فيما له حمل ومؤنة وفيما ليس له، وبه قال مالك، وإذا قدر أن يردها على صاحبها ووليه أو الحاكم أو أمين. فأما إذا لم يقدر على أحد منهم لا يضمن للضرورة. وللشافعي في نقلها من قريته إلى قرية فيما دون مدة السفر إذا كانت المسافة آمنة وجهان، وهذا الخلاف إذا كان الطريق آمناً، فإن كان مخوفاً ضمن بلا خلاف، وإذا كان آمناً وله بد من السفر فكذلك، وإن لم يكن وسافر بأهله لا يضمن، وإن سافر بنفسه ضمن، لأنه أمكنه تركها في أهله، ثم إطلاق قولهما ليس بوضع " الجامع الصغير " ولا " المبسوط " فإنه ذكر في الجامع الصغير أن له أن يخرج خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 121 لأبي حنيفة إطلاق الأمر، والمفازة محل للحفظ إذا كان الطريق آمنا، ولهذا يملك الأب والوصي في مال الصبي. ولهما أنه يلزمه مؤنة الرد فيما له حمل ومؤنة، فالظاهر أنه لا يرضى به فيتقيد به.   [البناية] واختلف أصحابنا بعد، فقال أبو حنيفة: لا يضمن قصر الخروج أو طال، وكان له حمل ومؤنة أو لا. وقال أبو يوسف: إن قصر الخروج لم يضمن بكل حال، وإن طال لم يضمن إلا فيما له حمل ومؤنة. وقال كذلك إلا فيما له مؤنة فإنه له مؤنة فإنه لا يملك وأن يخرج به قصر وأطال. وفي " المبسوط " بعدما ذكر قول أبي حنيفة قال: إذا قربت المسافة فله أن يسافر بها، وإذا بعدت ليس له ذلك. م: (لأبي حنيفة إطلاق الأمر) ش: أي أمر الآمر، لأنه أمره بالحفظ مطلقا فلا يتقيد بمكان كما لا يتقيد بزمان م: (والمفازة محل للحفظ إذا كان الطريق آمناً) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال سلمنا أن إطلاق الأمر يقتضي الجواز، لكن المانع عنه متحقق، وهو كون المفازة ليس محلاً للحفظ. فأجاب بقوله والمفازة إلى آخره قيد بقوله آمناً لأنه إذا لم يكن آمناً أوجب الضمان م: (ولهذا) ش: أي ولكون المفازة محلاً للحفظ م: (يملك الأب والوصي في مال الصبي) ش: أي يملك السفر الأب والوصي بمال الصغير، فلو كان التلف مظنوناً لما جاز لهما ذلك. فإن قلت: مسافرتهما بمال الصغير، فلو كان التلف مظنوناً لما جاز لهما ذلك. فإن قلت: بمسافرتهما بمال الصغير للتجارة والناس يخاطرون بها تطمع الربح والمودع ليس كذلك، لأنه ليس له حق التصرف والاسترباح فيها، فلا يكون الاستدلال به على المودع صحيحاً. قلت: هذا توضيح الاستدلال، ولئن كان استدلالاً فهو صحيح، لأن ولايتهما على مال الصغير نظرية وأولى وجوه النظر غايته عن مواضع التلف، فلو كان في وهم الستر وهم التلف لما جاز، وحيث جاز بالاتفاق انتفى وهم التلف. هذا حاصل ما ذكره السغناقي وتبعه على ذلك صاحب " الغاية " وصاحب " العناية "، ولكن هو محل المناقشة. فإن لقائل أن يقول: لا نسلم جواز سفر الأب أو الوصي بمال الصغير، لأن الله أمر بالأحسن في قربان مال اليتيم فأين الأحسن والحسن في المسافرة بماله، ولا نسلم عدم كون السفر وهم التلف، وكون السفر مظنة التلف ومتحقق لا ينكر خصوصا في قيام الفتن بين الخلف. م: (ولهما أنه يلزمه) ش: أي أن المالك يلزمه م: (مؤنة الرد فيما له حمل ومؤنة فالظاهر أنه لا يرضى به فيتقيد به) ش: أي سفره بما ليس له حمل ومؤنة، لأن فيما له حمل ومؤنة إضرار الجزء: 10 ¦ الصفحة: 122 والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقيده بالحفظ المتعارف وهو الحفظ في الأمصار وصار كالاستحفاظ بأجر. قلنا مؤنة الرد تلزمه في ملكه ضرورة امتثال أمره فلا يبالي به، والمعتاد كونهم في المصر لا حفظهم، ومن يكون في المفازة يحفظ ماله فيها، بخلاف الاستحفاظ بأجر؛ لأنه عقد معاوضة فيقتضي التسليم في مكان العقد، وإذا نهاه المودع أن يخرج بالوديعة فخرج بها ضمن؛ لأن التقييد مفيد إذ الحفظ في المصر أبلغ فكان صحيحا. قال: وإذا أودع رجلان عند رجل وديعة فحضر أحدهما وطلب   [البناية] عليه. فإن قلت: كيف يلزمه مؤنة الرد فيما له حمل ومؤنة. قلت: باعتبار موت المودع في طريق فإنه حينئذ يلزم المالك مؤنة الرد. م: (والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقيده) ش: أي يقيد حفظ الوديعة م: (بالحفظ المتعارف وهو الحفظ في الأمصار) ش: أي أسباب الصيانة تتهيأ في الأمصار من كل وجه وفي غيرها من وجه دون وجه م: (وصار كالاستحفاظ بأجر) ش: أي صار حكم الوديعة في الحفظ، كما إذا استأجر رجلاً ليحفظ متاعه شهراً بدرهم فإنه لا يسافر، فلو سافر به يضمن. م: (قلنا مؤنة الرد تلزمه في ملكه) ش: هذا جواب عن قولهما؛ يعني مؤنة الرد تلزم المالك في ملكه. تقديره: سلمنا أن المؤنة تلحق المالك، لكنه ليس بمعنى من قبل المودع، بل إنما ذلك م: (ضرورة امتثال أمره) ش: فإنما أمره مطلقاً وهو لا يتقيد بمكان فهو لمعنى يرجع إلى المالك م: (فلا يبالي به) ش: أي يلحق المؤنة، لأنه ضروري وضمني م: (والمعتاد كونهم في المصر) ش: جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي المتعارف كون أهل الأمصار في المصر، يعني المعتاد كون المودعين وقت الإيداع في المصر م: (لا حفظهم) ش: أي ليس المعتاد حفظ المودعين في المصر، ثم أوضح ذلك بقوله م: (ومن يكون في المفازة يحفظ ماله فيها) ش: كأهل الخيام والأخبية، فإنهم يحفظون أموالهم في المفازة ولا ينقلونها إلى الأمصار. م: (بخلاف الاستحفاظ بأجر، لأنه عقد معاوضة فيقتضي التسليم في مكان العقد) ش: أشار بهذا إلى أن قياس الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالفارق فلا يجوز م: (وإذا نهاه المودع) ش: بكسر الدال إذا نهى المودع رب المال م: (أن يخرج بالوديعة فخرج بها ضمن، لأن التقييد مفيد، إذ الحفظ في المصر أبلغ فكان صحيحاً) ش: أي فكان تقييده صحيحاً. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا أودع رجلان عند رجل وديعة فحضر أحدهما وطلب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 123 نصيبه منها لم يدفع إليه نصيبه حتى يحضر الآخر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يدفع إليه نصيبه. وفي " الجامع الصغير ": ثلاثة استودعوا رجلا ألفا فغاب اثنان فليس للحاضر أن يأخذ نصيبه عنده. وقالا: له ذلك، والخلاف في المكيل والموزون وهو المراد بالمذكور في " المختصر ". لهما أنه طالبه بدفع نصيبه فيؤمر بالدفع إليه كما في الدين المشترك.   [البناية] نصيبه منها لم يدفع إليه نصيبه حتى يحضر الآخر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: حتى لو دفع يضمن نصفه. م: (وقالا: يدفع إليه نصيبه. وفي " الجامع الصغير ": ثلاثة استودعوا رجلاً ألفا فغاب اثنان فليس للحاضر أن يأخذ نصيبه عنده وقالا: له ذلك) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما ذكر رواية الجامع الصغير تنبيهاً على ثلاث فوائد. الأولي: البينة على أن المواد بموضع الخلاف، وعن إطلاق القدوري الوديعة هو المكيل والموزون لأن المذكور فيه الألف وهو موزون. الثانية: أن القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - نص على الاثنين والجامع الصغير على الثلاثة، ولولا رواية الجامع لكان لقائل أن يقول نصيب الحاضر من الثلاثة أقل من نصيب الغائبين، فيصير مستهلكاً، ويجعل تبعاً للأكثر فلا يوجد من المودع، وأما نصيب الحاضرين الاثنين لا يكون مستهلكاً ولا تابعاً فله أخذه فيه برواية الجامع أن الحكمين سواء. الثالثة: أنه ذكر في كتاب " الوديعة ": القاضي لا يأمر المودع بالدفع ويوهم ذلك أن يأخذه ديانة، فلما قال في " الجامع ": ليس له أن يأخذ زالت هذه الشبهة وتلفت هذه المسألة بمسألة الحمامي وحكايته أن رجلين دخلا الحمام وأودعا عند الحمامي همياناً من ذهب فخرج أحدهما قبل صاحبه، وأخذ الهميان وذهب به وخرج الآخر وطالبه بالهميان، ولعلهما تواطئا على ذلك، فتحير الحمامي، فقيل: فيصل هذا الأمر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فذهبوا إليه وقصوا عليه القصة، فقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تقل دفعته إلى صاحبك، ولكن قل لا أدفعه إليك حتى تحضر صاحبك فانقطع الرجل وترك الحمامي. [الخلاف بين صاحب الوديعة والمودع حول قيمتها] م: (والخلاف في المكيل والموزون، وهو المراد بالمذكور في " المختصر ") ش: أي مختصر القدوري، ذكر هذا احترازاً من ذوات الأمثال حتى إذا كانت الوديعة والعبد والدواب ليس للحاضر أن يأخذ بالإجماع. م: (لهما.) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي الحاضر م: (طالبه) ش: أي طالب المودع م (بدفع نصيبه فيؤمر بالدفع إليه) ش: لأنه مالك لنصيبه حقيقة فلا يتعذر عليه قبض نصيبه بغية الآخر م: (كما في الدين المشترك) ش: أي كما يطلب الحاضر في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 124 وهذا لأنه يطالبه بتسليم ما سلم إليه وهو النصف. ولهذا كان له أن يأخذه فكذا يؤمر هو بالدفع إليه، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه طالبه بدفع نصيب الغائب لأنه يطالبه بالمفرز وحقه في المشاع والمفرز المعين يشتمل على الحقين ولا يتميز حقه إلا بالقسمة وليس للمودع ولاية القسمة، ولهذا لا يقع دفعه قسمة بالإجماع، بخلاف الدين المشترك لأنه يطالبه بتسليم حقه لأن الديون تقتضي بأمثالها.   [البناية] الدين المشترك بأن باعا عبداً مشتركاً إذا حضر أحدهما كان له أن يطالب المديون، فكذا هذا م: (وهذا) ش: أي توضيح لما ذكره م: (لأنه يطالبه بتسليم ما سلم إليه) ش: أي لأن الحاضر يطلب المودع بتسليم ما سلم إليه من الوديعة م: (وهو النصف، ولهذا كان له) ش: أي للمودع م: (أن يأخذه) ش: أي أن يأخذ نصيبه الذي هو النصف م: (فكذا يؤمر هو بالدفع إليه) ش: أي كما أن له أن يأخذ، فكذا يؤمر بالدفع إلى المالك الحاضر. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه طالبه) ش: أي أن الحاضر طالب المودع م: (بدفع نصيب الغائب، لأنه يطالبه بالمفرز) ش: أي المقسوم، وليس له فيه حق م: (وحقه في المشاع والمفرز المعين يشتمل على الحقين) ش: أي حق الحاضر والغائب م: (ولا يتميز حقه إلا بالقسمة، وليس للمودع ولاية القسمة) ش: لأنه ليس بوكيل في ذلك: م: (ولهذا لا يقع دفعة قسمة بالإجماع) ش: حتى لو ملك الباقي في يد المودع ثم حضر الغائب له أن يشاركه في المأخوذ بالإجماع. فثبت أن القسمة ليست بنافذة. م: (بخلاف الدين المشترك، لأنه يطالبه بتسليم حقه) ش: أي حق المديون، لأنه يسلم مال نفسه لا مال غيره م: (لأن الديون تقضي بأمثالها) ش: لا بأعيانها، فدفعه نصيب الحاضر يصرف في ملك نفسه وليس فيه قسمة على الغائب، أما المودع يدفع مال الغير. ألا ترى إذا غاب واحد وله عند آخر دين في الوديعة فجاء رجل وادعى الوكالة منه يقبض الدين والوديعة فصدقه أمر بتسليم الدين دون الوديعة وقد نظر صاحب " العناية " في صرف الشراح الضمير في قوله بتسليم حقه إلى المديون. وقال: لأن الإنسان لا يؤمر بالتصرف في ماله بالدفع إلى من لا يجب له عليه ذلك والحق أن الضمير في حقه للشريك لا للمديون، ومعناه لأن الشريك يطالب المديون بتسليم، أي بقضاء حقه، وحقه من حيث القضاء ليس بمشترك بينهما، لأن الديون تقضي بأمثالها، والمثل مال المديون ليس بمشترك بينهما، والقضاء إنما يقع بالمقاصة، وفي نظره نظر؛ لأن عبارة المصنف تشعر بأن الضمير يرجع إلى المديون على ما لا يخفى. وقوله: لأن الإنسان لا يؤمر إلى آخره ليس كذلك؛ لأن المأمور هنا بالدفع، وإنما هو إلى من يجب له عليه ذلك، ولا كلام في عدم جواز الأمر بالدفع إلى من لا يجب عليه ذلك فافهم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 125 وقوله: له أن يأخذه، قلنا: ليس من ضرورته أن يجبر المودع على الدفع، كما إذا كان له ألف درهم وديعة عند إنسان وعليه ألف لغيره فلغريمه أن يأخذه إذا ظفر به، وليس للمودع أن يدفعه إليه. قال: وإن أودع رجل عند رجلين شيئا مما يقسم لم يجز أن يدفعه أحدهما إلى الآخر، ولكنهما يقتسمانه فيحفظ كل واحد منهما نصفه، وإن كان مما لا يقسم جاز أن يحفظه أحدهما بإذن الآخر، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكذلك الجواب عنده في المرتهنين.   [البناية] م: (وقوله: له أن يأخذه) ش: جواب عن قولهما: ولهذا كان له أن يأخذه والضمير في قوله يرجع إلى القائل المعهود في الذهن، أي قول القائل نصرة لقولهما كذا وكذا م: (قلنا: ليس من ضرورته أن يجبر المودع على الدفع) ش: يعني ليس من ضرورة جواز الأخذ استلزام جبر المودع على الدفع، لأن الجبر ليس من ضرورات الجواز يعني من لوازمه لانفكاكه عنه م: (كما إذا كان له ألف درهم وديعة عند إنسان وعليه) ش: أي على المودع بالكسر م: (ألف لغيره فلغريمه) ش: أي فلغريم المودع بالكسر م: (أن يأخذه) ش: أي الألف م: (إذا ظفر به) ش: إذا كان من جنس حقه. قيل في تأويل قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لصاحب الحق يد ولسان» : أن المراد أخذ حقه إذا ظفر به م: (وليس للمودع أن يدفعه إليه) ش: أي الغريم، فدلت هذه المسألة على أن الجبر ليس من لوازم الجواز للانفكاك. [أودع رجل عند رجلين شيئاً مما يقسم] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن أودع رجل عند رجلين شيئاً مما يقسم) ش: وهو الذي لا يتعيب بالتفريق الحسي كالمكيل والموزون وما لا يقسم هو ما يتعيب به كالعبد والدابة والثوب الواحد ونحوها م: (لم يجز أن يدفعه أحدهما إلى الآخر، ولكنهما يقتسمانه، فيحفظ كل واحد منهما نصفه) ش: لأن المالك رضي بحفظها، واجتماعهما على حفظ الكل متعذر فيؤمران بالقسمة، لأن المالك قد رضي بها حيث علم بذلك والثابت دلالة كالثابت صريحاً. وإذا دفع أحدهما كله إلى الآخر ضمن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وإن كان مما لا يقسم جاز أن يحفظه أحدهما بإذن الآخر، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي هذا التفصيل عند أبي حنيفة م: (وكذلك الجواب عنده في المرتهنين) ش: بأن رهن رجل عند رجلين ما يمكن قسمته فدفع أحدهما إلى الآخر ضمن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 10 ¦ الصفحة: 126 والوكيلين بالشراء إذا سلم أحدهما إلى الآخر. وقالا: لأحدهما أن يحفظ بإذن الآخر في الوجهين. لهما أنه رضي بأمانتهما فكان لكل واحد منهما أن يسلم إلى الآخر ولا يضمنه كما فيما لا يقسم. وله أنه رضي بحفظهما ولم يرض بحفظ أحدهما كله؛ لأن الفعل متى أضيف إلى ما يقبل الوصف بالتجزي تناول البعض دون الكل، فوقع التسليم إلى الآخر من غير رضاء المالك فيضمن الدافع ولا يضمن القابض؛ لأن مودع المودع عنده لا يضمن، وهذا بخلاف ما لا يقسم؛ لأنه لما أودعهما ولا يمكنهما الاجتماع عليه آناء الليل والنهار وأمكنهما المهايأة كان المالك راضيا بدفع الكل إلى أحدهما في بعض الأحوال.   [البناية] خلافاً لهما، ذكره في " المبسوط " م: (والوكيلين بالشراء إذا سلم أحدهما إلى الآخر) ش: بأن وكل رجل رجلين بشراء شيء؛ فدفع إليهما مالاً مما يقسم فدفعه إلى الآخر فضاع عنده ضمن النصف، وكذا المستصنعين والوصيين والعدلين في الرهن إذا سلم أحدهما إلى الآخر. م: (وقالا: لأحدهما أن يحفظ بإذن الآخر في الوجهين) ش: يعني فيما يقسم وفيما لا يقسم م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أنه رضي بأمانتهما، فكان لكل واحد منهما أن يسلم إلى الآخر ولا يضمنه، كما فيما لا يقسم) ش: هما قاسا ما يقسم على ما لا يقسم، والجامع وجود الرضا دلالة في الدفع لاعتماده على أمانتهما. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي المالك م: (رضي بحفظهما ولم يرض بحفظ أحدهما كله) ش: أي بحفظ أحد المودعين كل المودع بالفتح م: (لأن الفعل متى أضيف إلى ما يقبل الوصف بالتجزي تناول البعض دون الكل) ش: فإذا سلم الكل إلى الآخر م: (فوقع التسليم إلى الآخر من غير رضاء المالك فيضمن الدافع ولا يضمن القابض؛ لأن مودع المودع عنده لا يضمن) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - والدال فيهما مفتوحة م: (وهذا) ش: إشارة إلى بيان الفرق بين ما يقسم وما لا يقسم. م: (بخلاف ما لا يقسم لأنه لما أودعهما ولا يمكنهما الاجتماع عليه) ش: أي على المودع م: (آناء الليل والنهار) ش: أي ساعاتهما وهو جمع أنى على وزن معى، ويقال أنى وأنوه م: (وأمكنهما المهايأة) ش: وهي القسمة والتناوب م: (كان المالك راضياً بدفع الكل إلى أحدهما في بعض الأحوال) ش: هذا ظاهر. وقال في " المبسوط ": قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أقيس، فإن رهناه بأمانة اثنين لا يكون رضاً بأمانة واحد، فإذا كان الحفظ مما يتأتى منهما عادة لا يصير راضيا بحفظ أحدهما للكل. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 127 وإذا قال صاحب الوديعة للمودع لا تسلمها إلى زوجتك فسلمها إليها لا يضمن. وفي " الجامع الصغير ": إذا نهاه المودع أن يدفعها إلى أحد من عياله فدفعها إلى من لا بد منه لا يضمن، كما إذا كانت الوديعة دابة فنهاه عن الدفع إلى غلامه، وكما إذا كانت شيئا يحفظ على يد النساء فنهاه عن الدفع إلى امرأته وهو محمل الأول؛ لأنه لا يمكن إقامة العمل مع مراعاة هذا الشرط، وإن كان مفيدا فيلغو. وإن كان له منه بد ضمن لأن الشرط مفيد؛ لأن من العيال من لا يؤتمن على المال وقد أمكن العمل به مع مراعاة هذا الشرط فاعتبر وإن قال: احفظها في هذا البيت فحفظها في بيت آخر من الدار لم يضمن؛ لأن الشرط غير مفيد، فإن البيتين في دار واحدة لا يتفاوتان في الحرز.   [البناية] [قال صاحب الوديعة للمودع لا تسلمها إلى زوجتك فسلمها إليها] م: (وإذا قال صاحب الوديعة للمودع لا تسلمها إلى زوجتك فسلمها إليها لا يضمن) ش: لأن هذا الشرط لا يفيد فصار لغواً؛ لأنه لم يكن له بد من التسليم إليها. م: (وفي " الجامع الصغير ": إذا نهاه المودع) ش: بكسر الدال م: (أن يدفعها إلى أحد من عياله فدفعها إلى من لا بد منه لا يضمن، كما إذا كانت الوديعة دابة فنهاه عن الدفع إلى غلامه، وكما إذا كانت شيئاً يحفظ في يد النساء فنهاه عن الدفع إلى امرأته) ش: بعدم شرط الإفادة كما ذكرنا م: (وهو محمل الأول) ش: أي المذكور في الجامع الصغير؛ محمل كما ذكره القدوري مطلقاً، بأنه حتى لا يضمن إذا كان له منه بد، فإن كانت الوديعة شيئا حقيقياً يمكنه استصحابه بنفسه؛ كالخاتم ونحوه فدفعه إلى عياله ضمن م: (لأنه لا يمكن إقامة العمل مع مراعاة هذا الشرط، وإن كان مفيداً فيلغو) ش: لأنه شرط تناقض أصله فكان باطلا. م: (وإن كان له منه بد ضمن) ش: أي وإن كان المودع منه أي من عياله بد أي: فراق بأن كان فيهم من لا يوثق بأمانته فنهاه رب المال عن الدفع إليه ضمن م: (لأن الشرط مفيد؛ لأن من العيال من لا يؤتمن على المال وقد أمكن العمل به) ش: أي بتعين المودع عدم الدفع إلى من في عياله م: (مع مراعاة هذا الشرط فاعتبر) ش: لأنه شرط مفيد، وأمكن العمل به والشرط المفيد إنما يلغو إذا لم يمكن العمل به. وعلى هذا إذا نهى عن الدفع إلى امرأته وله امرأة أخرى أمينة أو عن الحفظ في الدار وله أخرى فخاف فهلك ضمن. وإذا نهى عن الدفع إلى امرأته وليس له سواها فخالف لا يضمن، لأن الأول غير مقيد والثاني غير مقدور العمل. [قال احفظ الوديعة في هذا البيت فحفظها في بيت آخر من الدار] م: (وإن قال احفظها في هذا البيت فحفظها في بيت آخر من الدار لم يضمن، لأن الشرط غير مفيد، فإن البيتين في دار واحدة لا يتفاوتان في الحرز) ش: غالباً، حتى لو تفاوتا ضمن. وقالت الثلاثة: إن نقلها إلى بيت دونه يضمن، ولو نهاه عن الحفظ في غير هذا البيت الجزء: 10 ¦ الصفحة: 128 وإن حفظها في دار أخرى ضمن؛ لأن الدارين يتفاوتان في الحرز، فكان مفيدا فيصح التقييد. وإن حفظها في دار أخرى ضمن؛ لأن الدارين يتفاوتان في الحرز، فكان مفيدا فيصح التقييد. ولو كان التفاوت بين البيتين ظاهرا بأن كانت الدار التي فيها البيتان عظيمة، والبيت الذي نهاه عن الحفظ فيه عورة ظاهرة صلح الشرط. قال: ومن أودع رجلا وديعة فأودعها آخر فهلكت فله أن يضمن للأول وليس له أن يضمن الآخر، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: له أن يضمن أيهما شاء، فإن ضمن الأول يرجع على الآخر، وإن ضمن الآخر رجع على الأول. لهما أنه قبض المال من يد ضمين فيضمنه كمودع الغاصب، وهذا   [البناية] فعندهم يضمن في الحفظ في بيت آخر سواء كان مثله أو دونه لمخالفته أمر صاحبها، وعندنا في الأمر، وفي النهي لا يضمن إذا لم تتفاوت البينات م: (وإن حفظهما في دار أخرى ضمن، لأن الدارين يتفاوتان في الحرز فكان) ش: أي الشرط م: (مفيدًا فيصح التقييد) ش: لإمكان العمل به. م: (ولو كان التفاوت بين البيتين ظاهرًا بأن كانت الدار التي فيها البيتان عظيمة والبيت الذي نهاه عن الحفظ فيه عورة ظاهرة) ش: أي خللًا ظاهرًا. وكل أمر يتخوف منه فهو عورة، وكذلك كل أمر يستحق منه ومنه عورة الإنسان وعورات الجبال شقوقها، ويقال عورة المكان إذا بدا منه موضع خلل، أو كذلك أعور الفارس ورجل أعور مختل العين م: (صلح الشرط) ش: لكونه مفيدًا. م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (ومن أودع رجلا وديعة فأودعها) ش: أي المودع أودعها رجلًا م: (آخر فهلكت فله) ش: أي فللمالك م: (أن يضمن للأول) ش: أي المودع الأول م: (وليس له أن يضمن الآخر) ش: أي مودع المودع م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، ثم المودع يضمن بالوديعة إلى غيره بلا خلاف عند أكثر الفقهاء، وعند ابن أبي ليلى لا يضمن. وفي " الذخيرة ": إنما يضمن المودع الأول بالإيداع إذا هلكت الوديعة بعد أن يفارق الأول الثاني. أما لو هلكت قبل المفارقة لا يضمن بمجرد الدفع إليه، وإنما يضمن بالتضييع. م: (وقالا: له أن يضمن أيهما شاء) ش: أي المودع أو مودع المودع، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية م: (فإن ضمن الأول لا يرجع على الآخر، وإن ضمن الآخر رجع على الأول) ش: أي فإن ضمن المالك المودع الآخر رجع المودع الآخر على المودع الأول؛ لأنه مغرور من جهة فإنه أودعه على أنه ملكه وأنه لا يلحقه ضمان بالهلاك في يده، فإذا لحقه الضمان رجع عليه. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي أن المودع الثاني م: (قبض المال من يد ضمين فيضمنه كمودع الغاصب) ش: ومودع المشتري م: (وهذا) ش: توضيح الجزء: 10 ¦ الصفحة: 129 لأن المالك لم يرض بأمانة غيره فيكون الأول متعديا بالتسليم، والثاني بالقبض فيخير بينهما، غير أنه إذا ضمن الأول لم يرجع على الثاني؛ لأن ملكه بالضمان فظهر أنه أودع ملك نفسه. وإن ضمن الثاني رجع على الأول؛ لأنه عامل له فيرجع عليه بما لحقه من العهدة، وله أنه قبض المال من يد أمين؛ لأنه بالدفع لا يضمن ما لم يفارقه لحضور رأيه فلا تعدي منهما، فإذا فارقه فقد ترك الحفظ الملتزم فيضمنه بذلك، وأما الثاني فمستمر على الحالة الأولى ولم يوجد منه صنع فلا يضمنه، كالريح إذا ألقت في حجره ثوب غيره. قال: ومن كان في يده ألف فادعاها رجلان كل واحد منهما أنها له أودعها إياه وأبى أن يحلف لهما، فالألف بينهما وعليه ألف أخرى بينهما،   [البناية] لوجه زمان الثاني م: (لأن المالك لم يرض بأمانة غيره فيكون الأول متعديًا بالتسليم، والثاني بالقبض فيخير) ش: أي المالك م: (بينهما) ش: أي بين تضمين الأول وبين تضمين الثاني م: (غير أنه إذا ضمن الأول لم يرجع) ش: أي الأول م: (على الثاني لأنه ملكه بالضمان فظهر أنه أودع ملك نفسه وإن ضمن الثاني رجع على الأول لأنه عامل له) ش: في القبض والحفظ م: (فيرجع عليه بما لحقه من العهدة) ش: وهو الضمان. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) ش: أي أن المودع الثاني م: (قبض المال من يد أمين لأنه) ش: أي المودع الأول م: (بالدفع لا يضمن ما لم يفارقه لحضور رأيه فلا تعدي منهما) ش: أي من المودع الأول والمودع الثاني، ما داما مجتمعين م: (فإذا فارقه) ش: أي الأول الثاني م: (فقد ترك الحفظ الملتزم فيضمنه بذلك) ش: أي بسبب تركه الحفظ الملتزم م: (وأما الثاني) ش: أي المودع الثاني م: (فمستمر على الحالة الأولى) ش: وهو القبض من أمين م: (ولم يوجد منه صنع فلا يضمنه كالريح إذا ألقت في حجره ثوب غيره) ش: فهلكت حيث لا يضمن؛ لأنه لم يوجد منه صنع بخلاف مودع الغاصب؛ لأن الأول بمجرد الدفع متعد وللثاني بالأخذ. [كان في يده ألف فادعاها رجلان كل واحد منهما أنها وديعة له] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وما كان في يده ألف فادعاها رجلان كل واحد منهما) ش: أي ادعى كل واحد منهما م: (أنها) ش: أي الألف م: (له أودعها إياه وأبى) ش: أي امتناع صاحب اليد م: (أن يحلف لهما فالألف بينهما) ش: وفي بعض النسخ فالألف لهما. م: (وعليه) ش: أي على صاحب اليد م: (ألف أخرى بينهما) ش: أي بين المودعين. وصورة المسألة في " الجامع ": محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في ألف درهم في يدي رجل ادعاها رجلان كل واحد منهما يدعى أنه أودعها إياه فأبى أن يحلف لهما قال تكون هذه الألف بينهما، ويغرم ألفًا أخرى فيكون بينهما نصفين انتهى. وقال الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير ": وفي قول ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجب عليه إلا دفع الألف بعينها؛ لأنه لم يأخذ إلا ألفًا واحدة فلا يجب على ألف أخرى. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 130 وشرح ذلك أن دعوى كل واحد صحيحة لاحتمالها الصدق فيستحق الحلف على المنكر بالحديث، ويحلف لكل واحد على الانفراد لتغاير الحقين، وبأيهما بدأ القاضي جاز لتعذر الجمع بينهما وعدم الأولوية، ولو تشاحا أقرع بينهما تطييبا لقلبهما ونفيا لتهمة الميل. ثم إن حلف لأحدهما يحلف للثاني، فإن حلف فلا شيء لهما لعدم الحجة، وإن نكل أعني للثاني يقضي له لوجود الحجة. وإن نكل للأول يحلف للثاني ولا يقضي بالنكول بخلاف ما إذا أقر لأحدهما؛ لأن الإقرار حجة موجبة بنفسه فيقضي به، أما النكول إنما يصير حجة عند القضاء فجاز أن يؤخره ليحلف للثاني فينكشف وجه القضاء.   [البناية] م: (وشرح ذلك) ش: أي الحكم المذكور م: (أن دعوى كل واحد صحيحة لاحتمالها الصدق فيستحق الحلف على المنكر بالحديث) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» م: (ويحلف لكل واحد على الانفراد لتغاير الحقين) ش: لأن كل واحد منهما يدعي ألفًا م: (وبأيهما بدأ القاضي جاز لتعذر الجمع بينهما وعدم الأولوية) ش: لعدم المرجع. م: (ولو تشاحا) ش: أي لو تنازعا في البداية بالحلف م: (أقرع بينهما تطييبًا لقلبهما ونفيًا لتهمة الميل) ش: أي ميل القاضي إلى أحدهما. م: (ثم إن حلف لأحدهما يحلف للثاني فإن حلف فلا شيء لهما لعدم الحجة) ش: يعني من جهة المدعين م: (وإن نكل أعني للثاني) ش: يعني بعدما حلف للأول م: (يقضي له) ش: أي للثاني م: (لوجود الحجة) ش: وهي النكول م: (وإن نكل للأول يحلف للثاني ولا يقضي بالنكول) ش: يعني للأول؛ لأن الثاني ربما يقول إنما نكل لأنك بدأت بالاستحلاف فلا تنقطع الخصومة بينهما. فحاصل المسألة على أربعة أوجه؛ لأنه إما أن يحلف لكل منهما أو يحلف للأول منهما وينكل للثاني أو بالعكس، أو ينكل لهما فإن حلف لهما لا شيء لهما، وإن حلف للأول ونكل للثاني فالأول له ببدله أو بإقراره، وإن نكل للأول وحلف للثاني فالألف للأول ولا شيء للثاني، وإن نكل لهما فالألف بينهما وعليه ألف آخر بينهما؛ لأن نكوله أوجب لكل واحد منهما كل الألف ليس معه غيره. م: (بخلاف ما إذا أقر لأحدهما؛ لأن الإقرار حجة موجبة بنفسه فيقضي به، أما النكول إنما يصير حجة عند القضاء) ش: بإنزاله مقرا أو باذلًا، فحين نكل الأول لم يثبت الحق له م: (فجاز أن يؤخره ليحلف للثاني فينكشف وجه القضاء) ش: فإنه لا يقضي بالألف للأول أو الثاني أو لهما جميعًا؛ لأنه حلف للثاني فلا شيء له والألف كله للأول، ولو نكل للثاني أيضًا كان الألف الجزء: 10 ¦ الصفحة: 131 ولو نكل للثاني أيضا يقضي بها بينهما نصفين على ما ذكر في الكتاب لاستوائهما في الحجة، كما إذا أقاما البينة ويغرم ألفا أخرى بينهما؛ لأنه أوجب الحق لكل واحد منهما ببذله أو بإقراره وذلك حجة في حقه وبالصرف إليهما صار قاضيا نصف حق كل واحد منهما بنصف حق الآخر، فيغرمه. ولو قضى القاضي للأول حين نكل، ذكر الإمام علي البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الصغير " أنه يحلف للثاني، وإذا نكل يقضي بها بينهما؛ لأن القضاء للأول لا يبطل حق الثاني؛ لأنه يقدمه إما بنفسه أو بالقرعة، وكل ذلك لا يبطل حق الثاني وذكر الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ينفذ قضاؤه للأول ووضع المسألة في العبد، وإنما نفذ   [البناية] بينهما فلذلك يتوقف على القضاء حتى يظهر وجهه، وهذا بخلاف الإقرار لأحدهما فإنه يقضي بالألف للمقر له لأنه حجة موجبة بنفسه فلا يتوقف على القضاء. م: (ولو نكل للثاني أيضًا يقضي بها بينهما نصفين على ما ذكره في الكتاب لاستوائهما في الحجة، كما إذا أقاما البينة ويغرم ألفًا أخرى بينهما؛ لأنه أوجب الحق لكل واحد منهما ببذله) ش: أي لأن المودع المنكر أوجب الحق لهما ببذله عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن النكول بذل عنده م: (أو بإقراره) ش: أي عندهما؛ لأن النكول إقرار عندهما م: (وذلك) ش: أي الإقرار أو البذل م: (حجة في حقه) ش: أي في حق المودع المنكر م: (وبالصرف إليهما) ش: أي يصرف المودع الألف إلى المدعيين م: (صار قاضيا نصف حق كل واحد منهما بنصف حق الآخر فيغرمه) ش: أي فيغرم الألف الذي صرف إليهما فيصير ألفان م: (ولو قضى القاضي للأول حين نكل) ش: مع أنه ليس له ذلك. م: (ذكر الإمام علي البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الصغير " أنه يحلف للثاني) ش: أراد أنه لا ينفذ قضاؤه فيحلف الثاني م: (وإذا نكل يقضي بها بينهما) ش: بالألف ويغرم ألف أخرى بينهما م: (لأن القضاء للأول لا يبطل حق الثاني لأنه) ش: أي لأن القاضي م: (يقدمه) ش: أي يقدم الأول للحلف م: (إما بنفسه) ش: أراد باختياره لا لدليل أوجب ذلك م: (أو بالقرعة) ش: لتعذر الجمع بينهما م: (وكل ذلك) ش: أي من تقديمه الأول باختياره أو بالقرعة م: (لا يبطل حق الثاني) ش: لأنه فعل ما ليس له فعله، ثم إن الإمام علي البزدوي لم يذكر أنه إذا حلف للثاني ماذا حكمه وذكره أبو الليث في شرح " الجامع الصغير "، فإن حلف يقضي بنكوله للأول، وإن نكل له أيضًا يقضي بنكوله لهما. م: (وذكر الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ينفذ قضاؤه للأول) ش: يعني يكون كل الألف له ولا يكون بينهما م: (ووضع) ش: أي الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (المسألة في العبد) ش: بأن كان في يده عبد فادعاه رجلان كل واحد أنه له وأودعه إياه م: (وإنما نفذ) ش: أي قضاء القاضي الأول م: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 132 لمصادفته محل الاجتهاد، ولأن من العلماء من قال يقضي للأول ولا ينتظر لكونه إقرار دلالة، ثم لا يحلف للثاني ما هذا العبد لي؛ لأن نكوله لا يفيد بعدما صار للأول، وهل يحلفه بالله ما لهذا عليك هذا العبد ولا قيمته وهو كذا وكذا ولا أقل منه، قال: ينبغي أن يحلفه عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بناء على أن المودع إذا أقر بالوديعة ودفع بالقضاء إلى غيره يضمنه عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا له وهذه فريعة تلك المسألة.   [البناية] (لمصادفته محل الاجتهاد؛ ولأن من العلماء من قال يقضي للأول) ش: أي بالنكول م: (ولا ينتظر) ش: أي القاضي م: (لكونه) ش: أي لكون النكول م: (إقرار دلالة) ش: لأن امتناعه عن اليمين يدل على الإقرار م: (ثم لا يحلف للثاني) ش: أي للمدعى الثاني م: (ما هذا العبد لي) ش: يعني لا يحلفه بالاقتصار على لفظ العبد لي، بل يضم إليه ولا قيمته م: (لأن نكوله لا يفيد بعد ما صار للأول) ش: أراد أنه لما أقر به للأول وثبت له حق الأول فلا يفيد إقراره به للثاني؛ لأنه لا يمكنه دفعه إلى الثاني بعد ذلك م: (وهل يحلفه بالله ما لهذا عليك هذا العبد ولا قيمته وهو كذا وكذا ولا أقل منه قال) ش: أي الخصاف: م: (ينبغي أن يحلفه) ش: على هذا الوجه م: (عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافًا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بناء على أن المودع إذا أقر بالوديعة) ش: لإنسان م: (ودفع بالقضاء إلى غيره) ش: أي غير المقر له م: (يضمنه عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي يضمن ما أقر من الوديعة؛ لأنه أقر بالتزام الحفظ، فمتى أقر به الإنسان فقد سلطه على الأخذ فصار تاركًا للحفظ الواجب عليه بالعقد فيضمن، كما لو دل على فاعل السرقة. م: (خلافا له) ش: أي لأبي يوسف؛ لأن بمجرد الإقرار لم يفت على الثاني شيء، وإنما الفوت بالدفع بإكراه القاضي فلا يكون موجبًا للضمان، وهذا الخلاف كما علمت فيما إذا كان الدفع بالقضاء، وأما إذا كان بلا قضاء بأن أقر بالوديعة لإنسان ثم قال: أخطأت، بل هي هذا، كان عليه أن يدفعها إلى الأول؛ لأن إقراره بها صحيح ورجوعه بعد ذلك باطل ويضمن للآخر قيمتها لأنه صار مستهلكًا على الثاني لإقراره بها للأول، فيضمن قيمتها، وهذا بالاتفاق. فإن قلت: ما وجه بناء المسألة المتقدمة على المسألة الثانية؟ قلت: لأن النكول إقرار فبالإقرار بالوديعة ضمن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذا بالنكول فيأتي التحليف، وعند أبي يوسف: لا يضمن ثمة بالإقرار وكذا هنا بالنكول فلا فائدة في التحليف. م: (وهذه) ش: أي هذه المسألة التي ذكرناها من تحليف القاضي المودع الثاني بعد قضائه للأول ما لهذا عليك هذا العبد ولا قيمته م: (فريعة تلك المسألة) ش: يعني المسألة التي اختلف أبو الجزء: 10 ¦ الصفحة: 133 وقد وقع فيه بعض الإطناب، والله أعلم   [البناية] يوسف ومحمد - رحمهما الله - فيها في الضمان وعدمه، وإنما قال بالتصغير إشارة إلى اختصار تلك المسألة وكثرة فروع المسألة التي اختلف فيها أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله، وأشار إلى ذلك بقوله م: (وقد وقع فيه بعض الإطناب والله أعلم) ش: أي التطويل، يعني دفع الإطناب في الأصل في باب إقرار الرجل بالمال، وكان ينبغي أن يقول فيها؛ لأن مسألة مؤنث، ولكن التذكير إما باعتبار المذكور وإما تسامحًا، فإن الفقهاء يتسامحون في العبارات. ومن جملة تفريعات تلك المسألة ما لو قال المودع أودعتها أحدكما ولا أدري أيكما، فالمدعيان إذا اصطلحا على أخذها فلهما ذلك، والألف بينهما وليس للمودع الامتناع عن تسليم الألف إليهما، وإن لم يصطلحا ويدعي كل أن الألف له فإنه يحلف لكل واحد. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله: يكفي يمين واحدة ثم إن حلف لهما قطع دعواهما في قول أبي يوسف، وفي قول محمد لهما أن يصطلحا بهذا الاستحلاف على أخذ الألف بينهما، ولو نكل قضى بألف بينهما وضمن ألفًا أخرى بينهما. وعند الشافعي وأحمد - رحمهما الله: لا يضمن ألفًا أخرى، بل يقرع بينهما عند أحمد أو يصطلحا عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإن حلف لأحدهما ونكل للآخر قضى بألف للذي نكل ولا يبيع للذي حلفه، وكذا لو قال: علي ألف هذا، أو هذا، أو كل واحد يدعيها فهو على هذه الوجوه والله أعلم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 134 كتاب العارية قال: العارية جائزة؛ لأنه نوع إحسان قال: وقد استعار النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دروعا من صفوان   [البناية] [كتاب العارية] [تعريف العارية] م: (كتاب العارية) ش: وجه المناسبة بين الكتابين أن كلًا منهما أمانة، ويجوز في بابها التخفيف، والتشديد أفصح. قال في " المغرب ": هي نسبة إلى العارة اسم من الإعارة، وقال الجوهري: كأنها منسوبة إلى العار؛ لأن طلبها عار وعيب والعمارة مثل العارية، وقد خطأه على هذا؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باشرها على ما يجيء عن قريب، وقيل: هي مشتقة من التعاور وهو التناوب، فكأنه جعل للمعير نوبة في الانتفاع في ملكه على أن تعود النوبة إليه بالاسترداد أي شيء شاء. ولهذا كانت الإعارة في المكيل والموزون قرضًا؛ لأنه لا ينتفع بها إلا باستهلاك العين فلا تعود النوبة إليه في ملك العين ليكون عارية حقيقة، وإنما تعود النوبة إليه في مثلها، وإنما قدم بيان الجواز على تفسيرها لشدة تعلق الفقه به. [ما تنعقد به العارية وحكمها] م: (قال: العارية جائزة؛ لأنه نوع إحسان) ش: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] فيكون جائزًا خلافًا لقوم في أنها واجبة. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وقد «استعار النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دروعًا من صفوان» ش: أخرج أبو داود والنسائي عن شريك عن عبد العزيز بن رفيع عن أمية بن صفوان بن أمية عن أبيه «صفوان بن أمية أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعار منه درعًا يوم حنين، فقال: أغصب يا محمد، قال: " بل عارية مضمونة» . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 135 وهي تمليك المنافع بغير عوض. وكان الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: هي إباحة الانتفاع بملك الغير؛ لأنها تنعقد بلفظة الإباحة ولا يشترط فيها ضرب المدة، ومع الجهالة لا يصح التمليك، وكذلك يعمل فيها النهي.   [البناية] ورواه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك وسكت عنه، وقال: له شاهد صحيح، ثم أخرجه عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعار من صفوان بن أمية أدرعًا وسلاحًا في غزوة حنين، فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعارية مؤداة، قال: " نعم عارية مؤداة» ، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم. وأخرجه الدارقطني ثم البيهقي عن إسحاق بن عبد الله حدثنا خالد بن عبد الله الحذاء به. فإن قلت: في الروايتين إشكال؛ لأن في أحدهما قال: بل عارية مضمونة، وفي الأخرى قال عارية مؤداة. قلت: قال صاحب التنقيح: هذا دليل على أن العارية منقسمة إلى مؤداة ومضمونة، قال: ويرجع ذلك إلى المعير، فإن شرط الضمان كانت مضمونة وإلا فهي أمانة، قال: وهو مذهب. وعنه أنها مضمونة بكل حال. وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يضمن إلا إذا فرط فيهما، وسيجيء تحرير الكلام فيه عن قريب إن شاء الله تعالى. ومقصود المصنف بهذا هاهنا إثبات جواز العارية فقط، وأما بيان حكمها في الضمان وعدمه، فسيقوله عن قريب. م: (وهي تمليك المنافع) ش: جنس يتناول الإجارة وغيرها، وقوله م: (بغير عوض) ش: يخرجها م: (وكان الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: هي إباحة الانتفاع بملك الغير) ش: ذكر الضمير مع كون العارية مؤنثة إما باعتبار المذكور، وإما باعتبار أن العارية في الأصل إما مصدر كالعاقبة والكاذبة أو اسم للمصدر، وكل منهما يستوي فيه التذكير والتأنيث بقوله: قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله، واستدل الكرخي على ذلك بأربعة أوجه: الأول: هو قوله م: (لأنها تنعقد بلفظة الإباحة) ش: فإن قال المعير: أبحت لك هذا الثوب مثلًا يكون عارية، والتمليك لا ينعقد بلفظة الإباحة. الثاني: هو قوله م: (ولا يشترط فيها ضرب المدة، ومع الجهالة لا يصح التمليك، وكذلك يعمل فيها النهي) ش: أي لا يشترط في العارية بيان المدة والتمليك يقضي أن تكون المنافع معلومة؛ لأن تمليك المجهول لا يصح ولا يعلم بضرب المدة وهو ليس بشرط في العارية، فكان تمليكًا للمجهول. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 136 ولا يملك الإجارة من غيره. ونحن نقول: إنه ينبئ عن التمليك، فإن العارية من العرية وهي العطية، ولهذا تنعقد بلفظة التمليك.   [البناية] الثالث: تمليكًا لما ملكه كالأجير لا يملك نهي المستأجر عن الانتفاع. الرابع: هو قوله م: (ولا يملك الإجارة من غيره) ش: أي لا يملك المستعير إجارة ما استعاره، ولو كان تمليكًا جاز له ذلك، كما يجوز للمستأجر أن يؤجر ما استأجره لتملكه المنافع. م: (ونحن نقول إنه) ش: أي انعقاد العارية، أو يكون وجه التذكير من الضمير ما ذكرنا الآن م: (ينبئ عن التمليك، فإن العارية من العرية وهي العطية) ش: فإذا كانت العارية عطية يكون تمليكًا م: (ولهذا تنعقد بلفظة التمليك) ش: مثل أن يقول: ملكتك منافع هذه الدار شهرًا، أو جعلت لك سكنى داري هذه شهرًا، ذكره في " المبسوط ". وإذا انعقدت بلفظة التمليك يكون تمليكًا. وفي قوله: فإن العارية من العرية مناقشة؛ لأنه أراد أنها مشتقة من العرية كما قال الأترازي وليس كذلك، فإن العارية أجوف واوي، ولهذا ذكره أهل اللغة في باب عور، والعرية ناقص وصرف العلة في لامة فلذلك ذكره أهل اللغة في باب عور، والاشتقاق أن تجد بين اللفظين تناسبا في اللفظ والمعنى، والمراد من التناسب أن يكون في الحروف والترتيب كضرب، فإنه مشتق من الضرب والاشتقاق بين عور وعرو. فإن قلت: هذا الذي ذكرته في الاشتقاق الصغير، وأما الاشتقاق الكبير فلا يشترط فيه إلا التناسب في اللفظ دون الترتيب كجبذ من الجذب. قلت: المراد من الاشتقاق حيث أطلق هو الصغير، ولئن سلمنا أن بينهما تناسبًا في اللفظ، ولكن لا نسلم أن بينهما اشتقاقًا كبيرًا أيضًا لعدم المناسبة في المعنى، فإن مادة العارية تدل على التناوب أو التداول، ومادة العارية تدل على الإلهام والإتيان، يقال: عروت عروًا إذا ألهمت به وأتيته طالبًا فهو معرور، فلأن تعروه الأضياف، وتعتريه أي تغشاه، وإن أراد أن معنى العارية مأخوذ من معنى العرية فليس كذلك؛ لما نبين لك من اختلاف المعاني في أصل المادة؛ لأن العرية هي النخلة يجعل صاحبها ثمرها عامًا لرجل محتاج فيعودها المحتاج أي يأتيها، وهذا معنى العطية. وتفسير المصنف إياها بقوله: وهي العطية ليس تفسيرًا بحسب اللغة، ولكن لما كان فيها الأخذ والعطاء أطلق عليها العطية وهي فعيلة بمعنى مفعولة، وإنما أدخلت فيها الهاء؛ لأنها أفردت فصارت في عداد الأسماء مثل النطيحة والأكيلة، ألا ترى أنك إذا أضفت لها النخلة تقول له: نخلة عري فلا يحتاج إلى الهاء؛ لأن الفعيل إذا كان بمعنى المفعول يستوي فيه المذكر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 137 والمنافع قابلة للملك كالأعيان. والتمليك نوعان بعوض وبغير عوض، ثم الأعيان تقبل النوعين، فكذلك المنافع، والجامع بينهما دفع الحاجة ولفظة الإباحة استعيرت للتمليك كما في الإجارة فإنها تنعقد بلفظة الإباحة وهي تمليك، والجهالة لا تفضي إلى المنازعة لعدم اللزوم، فلا تكون ضائرة،   [البناية] والمؤنث، والمذكر أصل وأولى. وإن أراد أن حكم العارية كحكم العرية فليس كذلك؛ لأن المعير له أن يرجع في العارية متى شاء، والعري ليس له ذلك. م: (والمنافع قابلة للملك كالأعيان) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: المنافع أعراض لا تنتفي فلا تقبل التمليك، فأجاب به ثم بنى على ذلك قوله م: (والتمليك نوعان بعوض وبغير عوض) ش: وهذا لا نزاع فيه م: (ثم الأعيان تقبل النوعين) ش: أي تمليك العين بعوض كالبيع وتمليكها بغير عوض كالهبة والصدقة م: (فكذلك المنافع) ش: تقبل النوعين بعوض كالإجارة، وبغير عوض كالعارية م: (والجامع بينهما دفع الحاجة) ش: أي الجامع بين الأعيان والمنافع دفع حاجة الناس إلى نوع التمليك، فكما أنهم محتاجون إلى نوع التمليك في الأعيان، فكذلك محتاجون إلى ذلك في المنافع. وما قيل: إن هذا استدلال في التعريفات وهي لا تقبله؛ لأن المعرف إذا عرف شيئا بالجامع والمنافع فإن سلم من النقص فذلك، وإن نقض بكونه غير جامع أو مانع يجاب عن النقض إن أمكن، وأما الاستدلال فلأنه يكون في التصديقات وأيضًا فإن هذا قياس في الموضوعات وهو غير صحيح؛ لأن من شرط القياس تعدية الحكم الشرعي الثابت بالنص بعينه إلى فرع هو نظيره. ولا نص فيه، والموضوعات ليست بحكم شرعي، وموضعه أصول الفقه، وأيضًا من شرط القياس أن يكون الحكم الشرعي متعديا إلى فرع نظيره، والمنافع ليست نظير الأعيان، فجوابه أن هذا التعريف إما لفظي أو رسمي، فإن كان لفظيًا فما ذكر فلبيان المناسبة لا للاستدلال على ذلك وإن كان رسميًا فما ذكر بيان بخواص يعرف بها المعار، ولكن لو عرف العارية بأنها عقد على المنافع بغير عوض وجعل المذكور في الكتاب حكمها يسلم من الشكوك. م: (ولفظة الإباحة استعيرت للتمليك) ش: هذا جواب عن قول الكرخي إنها تنعقد بلفظ الإباحة، ووجه ذلك أنه مجاز م: (كما في الإجارة فإنها تنعقد بلفظة الإباحة وهي تمليك) ش: أي والحال أنها تمليك م: (والجهالة لا تفضي إلى المنازعة) ش: هذا جواب عن قوله: ومع الجهالة لا يصح التمليك، ووجهه أن الجهالة المانعة هي المفضية إلى النزاع، وهذه ليست كذلك م: (لعدم اللزوم) ش: لأن المعير له أن يفسخ العقد في كل ساعة لكونها غير لازمة م: (فلا تكون) ش: أي الجهالة م: (ضائرة) ش: يعني مفضية إلى النزاع، بخلاف الإجارة لأنها عقد معاوضة وتعلقت صفة اللزوم بها فتفضي الجهالة فيها إلى النزاع. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 138 ولأن الملك إنما يثبت بالقبض وهو الانتفاع، وعند ذلك لا جهالة، والنهي منع عن التحصيل فلا يتحصل المنافع على ملكه، ولا يملك الإجارة لدفع زيادة الضرر على ما نذكره إن شاء الله تعالى. قال: وتصح بقوله أعرتك؛ لأنه صريح فيه، وأطعمتك هذه الأرض؛ لأنه مستعمل فيه، ومنحتك هذا الثوب، وحملتك على هذه الدابة إذا لم يرد به الهبة.   [البناية] م: (ولأن الملك إنما يثبت بالقبض) ش: هذا وجه آخر، أي الملك في العارية يثبت بقبضها م: (وهو الانتفاع، وعند ذلك) ش: أي عند القبض م: (لا جهالة) ش: لأن عند القبض معلوم، فالجهالة قبله لا تفضي إلى المنازعة، وهذا لو علمت المنفعة بالتسمية في الإجارة لا يشترط فيها ضرب المدة كما في المصبغ والخياطة م: (والنهي منع عن التحصيل) ش: هذا جواب عن قوله، وكذلك يعمل فيه النهي. ووجهه أن عمل النهي ليس باعتبار أنه ليس في العارية تمليك من حيث إنه بالنهي يمنع المستعير بحق التملك م: (فلا يتحصل المنافع على ملكه) ش: لكونه دليل الرجوع والاسترداد لإبطال الملك بعد ثبوته. م: (ولا يملك بالإجارة) ش: جواب عن قوله: فلا يملك الإجارة من غيره، يعني إنما لا يملك الإجارة م: (لدفع زيادة الضرر) ش: أي بالمعير؛ لأنه ملكها على وجه يتمكن من الاسترداد متى شاء، فلو صحت الإجارة منه لم يتمكن من الاسترداد م: (على ما نذكره إن شاء الله تعالى) ش: أراد به عند قوله: وليس للمستعير أن يؤجر ما استعاره. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وتصح بقوله: أعرتك لأنه صريح فيه) ش: أي حقيقة في عقد العارية م: (وأطعمتك هذه الأرض لأنه مستعمل فيه) ش: أراد أنه مجاز في تمليك المنفعة؛ لأن الطعام إذا أضيف إلى ما يطعم عينه يراد به تمليك عينه وإن أضيف إلى ما لا يطعم عينه كالأرض يراد به أكل غلتها إطلاقًا لاسم المحل على الحال. قيل: في عبارته نظر؛ لأنه إذا أراد بقوله: مستعمل أنه مجاز فهو صريح؛ لأنه مجاز متعارف، والمجاز المتعارف صريح كما عرف في الأصول فلا فرق إذًا بين العبارتين. وأجيب بأن: كليهما صريح لكن أحدهما حقيقة، والآخر مجازًا، فأشار إلى الثاني بقوله: مستعمل، أي مجازًا ليعلم أن الآخر حقيقة. م: (ومنحتك هذا الثوب) ش: أي أعطيتك؛ لأن منح معناه أعطى، ومنه المنحة: وهي الناقة أو الشاة يعطيها الرجل الرجل ليشرب لبنها ثم يردها إذا ذهب درها، ثم كثر حتى قيل في كل من أعطى شيئًا منح م: (وحملتك على هذه الدابة إذا لم يرد به الهبة) ش: أي بقوله هذا أعني حملتك على هذه الدابة، وقوله: منحتك هذا الثوب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 139 لأنهما لتمليك العين، وعند عدم إرادته الهبة تحمل على تمليك المنافع تجوزا، قال: وأخدمتك هذا العبد لأنه أذن له في استخدامه، وداري لك سكنى لأن معناه سكناها لك، وداري لك عمري سكنى لأنه جعل سكناها له مدة عمره، وجعل قوله سكنى تفسيرا لقوله لك؛ لأنه يحتمل تمليك المنافع فحمل عليه بدلالة آخره.   [البناية] قال الشيخ حافظ الدين: كان ينبغي أن يقول إذا لم يرد بهما بدليل التعليل، ثم أجاب بأن الضمير يرجع إلى المذكور، قلت: المذكور شيئان: أحدهما: قوله ومنحتك هذا الثوب والآخر حملتك على هذه الدابة م: (لأنهما) ش: أي لأن قوله منحتك هذا الثوب وحملتك على هذه الدابة م: (لتمليك العين) ش: يعني حقيقة م: (وعند عدم إرادته الهبة تحمل على تمليك المنافع تجوزًا) ش: أي مجازًا من حيث العرف العام. واستشكل حافظ الدين هنا أيضًا من وجهين: الأول: أنه جعل هذين اللفظين حقيقة لتمليك العين، ومجازًا لتمليك المنفعة، ثم ذكر في كتاب الهبة في بيان ألفاظها وحملتك على هذه الدابة إذا نوى بالحملان الهبة. وعلل بأن الحمل هو الإركاب حقيقة فيكون عارية لكنه يحتمل الهبة، وهذا تناقض ظاهر. والثاني: أنهما لما كان التمليك حقيقة، والحقيقة تراد باللفظ بلا نية عندهم، فعند عدم إرادة الهبة لا يحمل على تمليك المنفعة بل على الهبة. وتحدى الأترازي بالجواب بقوله: نعم إن لفظ حملتك لا يدل على الإركاب لغة، ولكن يدل على التمليك عرفًا، يقال: حمل الأمير فلانًا، ويراد التمليك ويستعمل للعارية أيضًا، قال تعالى: {إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} [التوبة: 92] أي لتركبهم، فإذا نوى العارية أو الهبة كان كما نوى، وإن لم ينو شيئًا كان عارية لإنباء المتيقن بها. قلت هذا جواب عن الاستشكال الثاني على أنه يدل على أن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مال إلى النية لما فقدت، يحمل اللفظ على أولى الاحتمالين وهو تمليك المنفعة، وهذا خلاف قاعدة الأصول. م: (قال: وأخدمتك هذا العبد؛ لأنه أذن له في استخدامه) ش: وذلك يكون عارية م: (وداري لك سكنى؛ لأن معناه سكناها لك) ش: فإذا كان معناه هذا يكون عارية، م: (وداري لك عمري سكنى؛ لأنه جعل سكناها له مدة عمره، وجعل قوله سكنى. تفسيرًا لقوله: لك) ش: لأنه منصوب على التمييز من قوله لك م: (لأنه) ش: أي لأن قوله: لك م: (يحتمل تمليك المنافع) ش: كما يحتمل تمليك العين، فإذا ميزه تيقنت المنفعة م: (فحمل عليه) ش: أي على تمليك المنافع م: (بدلالة آخره) ش: أي آخر الكلام، وهذا حمل المحتمل على المحكم؛ لأنه سكنى في العارية. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 140 قال: وللمعير أن يرجع في العارية متى شاء لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المنحة مردودة والعارية مؤداة» .   [البناية] [الرجوع في العارية] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وللمعير أن يرجع في العارية متى شاء) ش: فسواء كانت العارية مطلقة أو مؤقتة. وقال مالك: لا يجوز الرجوع في الموقتة قبل مضي الوقت فيكون حكمها عنده كالإجارة. وفي " الجواهر ": إذا قال: أعني بغلامك أو ثورك في حرثي يومًا أو يومين فليس بعارية، بل يرجع إلى حكم الإجارة، وكل ما كان من هذا القبيل، فحكمه حكم الإجارة في الصحة والفساد. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المنحة مردودة والعارية مؤداة» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود عن إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " إلى أن قال " العارية مؤداة، والمنحة مردودة» . وقال الترمذي: حديث حسن. وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن الجراح بن مليح البهراني أخبرنا حاتم بن حريث الطائي سمعت أبا أمامة يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العارية مؤداة والمنحة مردودة» . وأخرجه الطبراني في معجمه، وروى هذا الحديث أيضًا من الصحابة عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أما حديث عبد الله بن عمر، فأخرجه البزار في " مسنده ": حدثنا عبد الله بن عمر عن زيد بن أسلم عن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «العارية مؤداة» . وأما حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فأخرجه ابن عدي في " الكامل " عن إسماعيل ابن أبي زياد السكوني قاضي الموصل أخبرنا سفيان الثوري عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الزعيم غارم، والدين مقضي، والعارية مؤداة، والمنحة مردودة» ، وأعله بإسماعيل هذا. وقال: إنه منكر الحديث وعامة ما يرويه لا يتابع عليه. وأما حديث أنس فأخرجه الطبراني في " مسند الشاميين " وقد ذكرناه في الكفالة. قوله: المنحة بكسر الميم وسكون النون، وقد فسرناها عن قريب، قوله: مردودة أي يجب ردها. وجه الاستدلال به ظاهر، وفيه تعميم بعد التخصيص لما عرف أن المنحة عارية خاصة وفيه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 141 لأن المنافع تملك شيئا فشيئا على حسب حدوثها، فالتمليك فيما لم يوجد لم يتصل به القبض فيصح الرجوع عنه. قال: والعارية أمانة إن هلكت من غير تعد لم يضمن.   [البناية] زيادة مبالغة في أن العارية مستحق الرد. م: (لأن المنافع تملك شيئًا فشيئًا على حسب حدوثها، فالتمليك فيما لم يوجد لم يتصل به القبض) ش: لأن المنافع التي لم تحدث لا يتصور فيها القبض م: (فيصح الرجوع عنه) ش: أي عن ماله الموجود؛ لأن التمليك لا يكون إلا في الموجود. [ضمان العارية] م: (قال) ش: أي القدوري م: (والعارية أمانة إن هلكت من غير تعد لم يضمن) ش: وفي بعض النسخ: لم يضمنها. وقيد بقوله: من غير تعد؛ لأن هلاكها بالتعدي يوجب الضمان بلا خلاف. ولو شرط الضمان في الدابة هل يصح؟ فالمشايخ مختلفون فيه، كذا في التحفة، وقال في خلاصة الفتاوى: رجل قال لآخر: أعرني ثوبك، فإن ضاع فأنا ضامن له، قال: لا يضمن، ونقله عن المنتقى. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وبقولنا قال مالك. قلت: في مذهبه تفصيل، حيث قال: يضمن فيما يخلى هلاكه، ولا يضمن فيما لا يخلى. وفي " الجواهر ": العارية نوعان: نوع يظهر هلاكه ولا يكاد يخفى كالرباع والحيوان، فهذا النوع يقبل قول المستعير في هلاكه ما لم يظهر كذبه، وإن لم يعلم ذلك إلا بقوله. والنوع الثاني: يخفى هلاكه، ويعاب عليه، وهذا النوع يقبل قول المستعير في هلاك ما لم تقم بينة له. فإن قامت فلا ضمان عليه فيه، وكذلك ما علم أنه مغير سببه كالسوس في الثوب صدقة فيه في كتاب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع يمينه أنه ما أضاعه ولا أراد فسادًا، فقال أبو إسحاق: وكذلك الفأر على هذا يقرض الثوب، ووافق أشهب وعبد الحكم في النوع الأول، وخالفا في الثاني فرأيا أنه مضمون على المستعير على كل تقدير قامت بينة بهلاكه أم لا. وقال القاضي أبو محمد: والصحيح أنه لا يضمن. قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضًا: وهو قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يعني عدم الضمان قول على وابن مسعود والحسن والنخعي والشعبي والثوري، وعمر بن عبد العزيز وشريح والأوزاعي وابن أبي شبرمة وإبراهيم، وقضى شريح بذلك ثمانين سنة بالكوفة. وحدث الكرخي في " مختصره " عن الرمادي عن عبد الرزاق عن إسرائيل عن عبد الأعلى عن محمد بن الحنفية أن عليًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لا يضمن العارية، إنما هو المعروف إلا أن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 142 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن لأنه قبض مال غيره لنفسه لا عن استحقاق فيضمنه، والإذن ثبت ضرورة الانتفاع فلا يظهر فيما وراءه، ولهذا كان واجب الرد، وصار كالمقبوض على سوم الشراء.   [البناية] تحالف، وحدث أيضا بإسناده إلى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: العارية بمنزلة الوديعة لا يضمن صاحبها، إلا أن يتعدى. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن لأنه قبض مال غيره لنفسه) ش: احترز به عن الوديعة؛ لأن قبض المودع فيها لأجل المودع لا لمنفعة نفسه م: (لا عن استحقاق) ش: أي لا عن استيجاب قبض بحيث لا ينقصد الآخر بدون رضاه، واحترز به عن المستأجر فإنه يقبض المستأجر لحق له ليس للمالك النقض قبل مضي المدة بدون رضاه م: (فيضمنه) ش: أي إذا كان كذلك يضمن العارية، وتذكير الضمير باعتبار المذكور م: (والإذن ثبت ضرورة الانتفاع) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: قبض بإذنه، ومثله لا يوجب الضمان. وتحرير الجواب: أن الإذن يثبت ضرورة الانتفاع، والثابت بالضرورة يقدر بقدرها، والضرورة حالة الاستعمال. فإن هلكت فيها فلا ضمان، وإن هلكت في غيرها لم يظهر فيه الإذن لكونه وراء الضرورة، وهو معنى قوله: م: (فلا يظهر فيما وراءه) ش: أي فلا يظهر الإذن فيما وراء الضرورة، وتذكير الضمير باعتبار المذكور. م: (ولهذا) ش: أي ولكون الإذن ضروريًا م: (كان واجب الرد) ش: أراد أن مؤنة الرد واجبة على المستعير كما في الغصب م: (وصار كالمقبوض على سوم الشراء) ش: فإنه وإن كان بإذن لكن لما كان قبض مال غيره لنفسه لا عن استحقاق إذا هلك ضمن، فكذا هذا، وبقوله قال أحمد وهو قول ابن عباس وأبي هريرة وعطاء وإسحاق. وقال قتادة وعبد الله بن الحسن العنبري: إن شرط ضمانها ضمن وإلا فلا، وقال ربيعة: كل العواري مضمونة، وفي الروضة: إذا تلفت العين في يد المستعير ضمنها سواء تلفت بآفة سماوية أم بفعله بتقصير أم بلا تقصير، هذا هو المشهور، وحكي قول أنها لا تضمن إلا بالتعدي وهو ضعيف، ولو أعار بشرط أن يكون أمانة بقي الشرط وكانت مضمونة. وفي " حاوي " الحنابلة: إن شرط بقي ضمانها سقط الضمان، وإن تلف حروها باستعماله كحمل مشقة لم يضمن في أصح الوجهين وإن أركب منقطعًا دابته للثواب فتلفت لم يضمن. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 143 ولنا أن اللفظ لا ينبئ عن التزام الضمان؛ لأنه لتمليك المنافع بغير عوض أو لإباحتها والقبض لم يقع تعديا لكونه مأذونا فيه، والإذن وإن ثبت لأجل الانتفاع فهو ما قبضه إلا للانتفاع فلم يقع تعديا، وإنما وجب الرد مؤنة كنفقة المستعار، فإنها على المستعير، لا لنقض القبض، والمقبوض على سوم الشراء مضمون بالعقد؛ لأن الأخذ في العقد له حكم العقد على ما عرف في موضعه   [البناية] م: (ولنا أن اللفظ لا ينبئ عن التزام الضمان) ش: لأن الضمان إما أن يجب بالعقد أو بالقبض أو بالإذن وليس شيء من ذلك بموجب له، أما العقد فلأن اللفظ الذي تنعقد به العارية لا ينبئ عن التزام الضمان م: (لأنه لتمليك المنافع بغير عوض أو لإباحتها) ش: أي أو لإباحة المنافع على اختلاف القولين وما وضع لتملك المنافع أو باجتهاد ولإباحتها لا يتعرض ملك الغير حتى يوجب الضمان عند هلاكه م: (والقبض لم يقع تعديًا لكونه مأذونًا فيه) ش: وإنما يوجب القبض الضمان إذا وقع تعديًا م: (والإذن وإن ثبت لأجل الانتفاع) ش: هذا جواب عن قوله: والإذن يثبت ضرورة الانتفاع، وتقريره القول بالموجب يعني سلمنا أن الإذن لم يكن إلا لضرورة الانتفاع م: (فهو ما قبضه إلا للانتفاع، فلم يقع تعديًا) ش: فلا ضمان بدونه. م: (وإنما وجب الرد مؤنة) ش: هذا جواب عن قوله: وهذا كان واجب الرد تقريره أن وجوب الرد لا يدل على أنه مضمون؛ لأنه واجب لمؤنة القبض الحاصل للمستعير م: (كنفقة المستعار، فإنها على المستعير لا لنقض القبض) ش: ليدل على أن القبض لا عن استحقاق فيوجب الضمان بخلاف الغصب، فإن الرد فيه واجب لنقض القبض لكونه بلا إذن، فإذا لم يوجب الرد وجب الضمان. م: (والمقبوض على سوم الشراء مضمون) ش: هذا جواب عن قوله: وصار على المقبوض على سوم الشراء، تقريره أنه ليس بمضمون بالقبض بل بالعقد، وهو معنى قوله م: (بالعقد؛ لأن الأخذ في العقد له حكم العقد) ش: فصار كالمأخوذ بالعقد، وهو يوجب الضمان. فإن قيل: سلمنا أن الأخذ في العقد، ولكن لا عقد هاهنا. أجيب: بأن العقد وإن كان معدومًا حقيقة جعل موجودًا تقريرًا صيانة أموال الناس عن الضياع، إذ المالك لم يرض بخروج ملكه مجانًا، وأن المقبوض على سوم الشراء وسيلة إليه، فأقيم مقام الحقيقة نظرًا له، إلا أن الأصل في ضمان العقود هو القيمة لكونها مثلًا كاملا، وإنما يصار إلى الثمن عند وجوب العقد حقيقة، وإذا لم يوجد صير إلى الأصل. م: (على ما عرف في موضعه) ش: قيل: يريد به نسخ طريقة الخلاف، وقيل: كتاب الإجارات من " المبسوط ". وقال الحاكم في " كافيه ": رجل استعار من رجل سلاحًا ليقاتل به فضرب بالسيف فانقطع نصفين أو طعن بالرهن فحينئذ انكسر، قال: لا ضمان عليه لأنه هلك الجزء: 10 ¦ الصفحة: 144 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] من عمل مأذون فيه. وفي " فتاوى الولوالجي ": رجل دخل الحمام واستعمل قضاع الحمام فانكسرت لا ضمان عليه، وكذا إذا كور الفقاع ليشرب سقط وانكسر لا ضمان عليه؛ لأنه عارية في يده. فإن قلت: ما تقول في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بل عارية مضمونة» وقد مر في أول الكتاب بتمامه، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» . أخرجه الترمذي عن شريك وقيس بن الربيع عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ... الحديث، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» أخرجه البيهقي من حديث قتادة عن الحسن عن سمرة عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ثم إن الحسن نسي حديثه، فقال: هو أمينك فلا ضمان عليه. قلت: الحديث الأول فيه اضطراب سندًا ومتنًا، وجميع وجوهه لا تخلو عن نظر، ولهذا قال صاحب " التتمة ": الاضطراب فيه كثير ولا حجة فيه عندي في تضمين العارية، ثم على تقدير صحة قوله: مضمونة المراد عليك بدليل قوله: حتى يؤديها إليك، ويحتمل أن يريد اشتراط الضمان والعارية يشترط الضمان مضمونة في رواية للحنفية. وأخرج النسائي عن يعلى بن أمية، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أتتك رسلي فأعظم ثلاثين درعًا وثلاثين مغفرًا» . فإن قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعارية مؤداة، قال: بل عارية مضمونة. قال ابن حزم: حديث حسن ليس في شيء مما روي في العارية خبر صحيح غيره، وأما ما سواه فليس بمساوي الاشتغال به، وقد فرق بين الضمان والأداء، وقيل: إنما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بل عارية مضمونة» ؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخذ دروع صفوان بغير رضاه بدليل قوله: أغصبًا، إلا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان محتاجًا إلى السلاح، فكان الأخذ له حلالًا، ولكن يشترط الضمان كتناول مال الغير في حالة المخمصة بشرط الضمان. وقال الأترازي: وقيل: كان هذا اشتراط الضمان على نفسه، وبه أخذ قتادة، وعندنا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 145 قال: وليس للمستعير أن يؤجر ما استعاره، فإن أجره فعطب ضمن؛ لأن الإعارة دون الإجارة، والشيء لا يتضمن ما هو فوقه.   [البناية] المستعير لا يضمن بالشرط أيضًا، ولكن صفوان كان يومئذ حربيًا، ويجوز بين المسلم والحربي من الشرائط ما لا يجوز بين المسلمين، وقد تقدم الآن أن العارية بشرط الضمان مضمونة في رواية، وأخرج عبد الرزاق في " مصنفه " عن عمر عن بعض أصحاب أبي صفوان «عن صفوان أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعار منه عاريتين: إحداهما بضمان، والأخرى بغير ضمان» . والحديث الثاني: قال ابن القطان: المانع من تصحيحه أن شريكا وقيس بن الربيع مختلف فيهما، ولم يحكم الترمذي أيضًا بصحته، ولئن سلمنا أنه صحيح فهو يقتضي وجوب رد العين ولا كلام فيه. والحديث الثالث: رواه الحسن عن سمرة والحسن لم يسمع منه، وقيل: لم يسمع منه غير حديث العقيقة، وأكثر أهل العلم رغبوا عن رواية الحسن عن سمرة، وأيضًا الأداء فرض ولا يلزم منه الضمان، ولو لزم من هذا اللفظ الضمان المهم أن يضمنوا أهون الودائع؛ لأنها مما قبضت اليد وإذا لم يدل الحديث على الضمان ولم ينسبه أيضًا. وقال البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " باب من قتل عبدًا " بعد ذكر حديث الحسن عن سمرة من قتل عبدًا قتلناه. قال قتادة: ثم إن الحسن نسي الحديث، وقال: لا يقتل حر بعبد، يشبه أن يكون الحسن لم ينس الحديث لكن رغب عنه، وهذه العلة موجودة في الحديث المتقدم أيضًا، فافهم. [إجارة العارية] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وليس للمستعير أن يؤجر ما استعاره، فإن أجره فعطب) ش: أي هلك م: (ضمن؛ لأن الإعارة دون الإجارة) ش: لأن الإجارة عنده لازم دون الإعارة م: (والشيء لا يتضمن ما هو فوقه) ش: أي لا يستتبع ما هو فوقه؛ لأن القوي لا يجعل تابعًا للضعيف. وقال الحاكم في كافيه: إذا استعار الرجل من الرجل على أن يذهب بها حيث شاء ولم يحتم مكانًا ولا وقتًا ولا ما يحمل عليها فذهب بها إلى الحيرة أو أمسكها بالكوفة شهرًا يحمل عليها أو يؤجرها. قال: لا ضمان عليه، أي في شيء من ذلك إلا في الإجارة خاصة، فإنه حيث أجرها صار ضامنًا ويتصدق بالغلة؛ لأن أمره بالانتفاع مطلقًا، والمطلق يتناول أي انتفاع شاء وإليه اليقين بفعله إن شاء استعملها في الركوب أو في الحمل عليها وأي ذلك فعل لا يمكن أن يفعل غيره بعد ذلك؛ لأن المطلق إذا تعين بقيد فلا يبقى مطلقًا، ولكن لا يملك الإجارة أصلًا؛ لأنه عقد لازم، والعارية عقد جائز، وبناء الجائز على اللازم لا يجوز. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 146 ولأنا لو صححناه لا يصح إلا لازما؛ لأنه حينئذ يكون بتسليط من المعير، وفي وقوعه لازما زيادة ضرر بالمعير لسد باب الاسترداد إلى انقضاء مدة الإجارة فأبطلناه. فإن أجره ضمنه حين سلمه؛ لأنه إذا لم تتناوله العارية كان غصبا، فإن شاء المعير ضمن المستأجر؛ لأنه قبضه بغير إذن المالك لنفسه، ثم إن ضمن المستعير لا يرجع على المستأجر؛ لأنه ظهر أنه أجر ملك نفسه، وإن ضمن المستأجر يرجع على المؤجر إذا لم يعلم أنه كان عارية في يده دفعا لضرر الغرور، بخلاف ما إذا علم.   [البناية] وقال الأسبيجابي في شرح " الكافي ": وقد قال بعض أصحابنا فإنه يملك الإجارة وتنعقد جائزة لا لازمة، ثم قال: والصحيح أنه لا تنعقد الإجارة. وفي " تحفة الفقهاء ": وليس للمستعير أن يؤاجر، فإن فعل فهو ضامن حين يسلمه إلى المستأجر، ويكون المعير بالخيار إن شاء ضمن المستعير. م: (ولأنا لو صححناه لا يصح إلا لازمًا) ش: تعليل ثان، ويمكن أن يكون جواب الشبهة ذكرها السائل، وهو ينبغي أن يملك المستعير الإجارة؛ لأنه مالك للمنفعة، ولا ينقطع حق المعير في الاسترداد، بل يصير قيام حق المعير في الاسترداد عذرًا في نقض الإجارة. فأجاب عنها بقوله: ولأنا لو صححناه عقد إجارة المستعير لا يصح إلا لازمًا؛ لأنه لا يصح أن يكون غير لازم؛ لأنه خلاف مقتضى الإجارة، فإنه عقد لازم فانعقاده غير لازم عكس الموضوع فهذا لا سبيل إليه، وكذا لا سبيل إلى كونه لازمًا: م: (لأنه حينئذ يكون بتسليط من المعير) ش: لأن اللزوم لا يكتسب إلا منه فيكون من مقتضيات عقد العارية. م: (وفي وقوعه لازمًا زيادة ضرر بالمعير لسد باب الاسترداد إلى انقضاء مدة الإجارة) ش: لعدم قدرته عليه إلى الانقضاء فحينئذ يكون عقد الإعارة عقدا لازمًا، وهو أيضًا خلاف المشروع م: (فأبطلناه) ش: أي عقد الإجارة م: (فإن أجره ضمنه) ش: أي ضمن المعير ما أجره م: (حين سلمه) ش: أي المستأجر م: (لأنه) ش: أي لأن عقد الإجارة م: (إذا لم تتناوله العارية كان غصبًا، فإن شاء المعير ضمن المستأجر؛ لأنه قبضه بغير إذن المالك) ش: وحكم الغصب الضمان وفي بغير إذن المالك م: (لنفسه) ش: اللام في لنفسه تتعلق بقبضه. م: (ثم إن ضمن المستعير لا يرجع على المستأجر؛ لأنه ظهر أنه أجر ملك نفسه) ش: لأنه ملكه بالضمان م: (وإن ضمن المستأجر يرجع) ش: أي إن ضمن المعير المستأجر يرجع المستأجر م: (على المؤجر) ش: وهو المستعير م: (إذا لم يعلم أنه كان عارية في يده دفعا لضرر الغرور) ش: أي عن المستأجر؛ لأن هذا الغرور في ضمن العقد م: (بخلاف ما إذا علم) ش: أي المستأجر بكونها عارية في يد المؤجر حيث لم يرجع عليه؛ لأنه لم يوجد منه الغرور. وقالت الثلاثة: لا يرجع مطلقًا لأنه غاصب ثان فيضمن بفعله. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 147 قال: وله أن يعيره إذا كان مما لا يختلف باختلاف المستعمل. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس له أن يعيره؛ لأنه إباحة المنافع على ما بينا من قبل، والمباح له لا يملك الإباحة، وهذا لأن المنافع غير قابلة للملك لكونها معدومة، وإنما جعلناها موجودة في الإجارة للضرورة، وقد اندفعت بالإباحة هاهنا. ونحن نقول هو تمليك المنافع على ما ذكرنا فيملك الإعارة كالموصى له بالخدمة، والمنافع اعتبرت قابلة للملك في الإجارة، فتجعل كذلك في الإعارة دفعا للحاجة، وإنما لا يجوز فيما يختلف باختلاف المستعمل دفعا لمزيد الضرر عن المعير؛ لأنه رضي باستعماله لا باستعمال غيره.   [البناية] [إعارة المستعير للعارية] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وله) ش: أي للمعير م: (أن يعيره إذا كان مما لا يختلف باختلاف المستعمل) ش: كالحمل والاستخدام والسكنى والزراعة، كذا ذكر في نظائر التمرتاشي، وبه قال مالك والشافعي في قول، وفي " مختصر الأسرار ": يجوز للمستعير أن يعير وإن شرط أن لا يعير، إلا أن يكون مما يختلف بالاستعمال. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس له أن يعيره؛ لأنه إباحة المنافع على ما بينا من قبل) ش: يعني في هذا الباب إنها إباحة المنافع عنده م: (والمباح له لا يملك الإباحة وهذا) ش: أي كون الإعارة إباحة م: (لأن المنافع غير قابلة للملك لكونها معدومة، وإنما جعلناها موجودة في الإجارة للضرورة، وقد اندفعت بالإباحة هاهنا) ش: أي في الإعارة، فإذا اندفعت بالإباحة لا يصار إلى التمليك وبه قال أحمد. م: (ونحن نقول هو تمليك المنافع على ما ذكرنا) ش: يعني في هذا الباب م: (فيملك الإعارة) ش: يعني إذا كانت الإعارة تمليكًا للمنافع يملك المستعير حينئذ الإعارة؛ لأن الشيء يتضمن مثله م: (كالموصى له بالخدمة) ش: أي بخدمة عبد مثلًا يجوز له أن يعيره لتملك المنفعة م: (والمنافع اعتبرت قابلة للملك في الإجارة) ش: هذا جواب عن قوله: والمنافع غير قابلة للملك، وتقريره: لا نسلم أنها غير قابلة للملك، فإنها تمليك بالعقد كما في الإجارة م: (فتجعل كذلك في الإعارة دفعًا للحاجة) ش: أي فيجعل المنافع أيضًا قابلة للملك في الإعارة دفعًا لحاجة الناس م: (وإنما لا يجوز فيما يختلف باختلاف المستعمل) ش: جواب عن سؤال مقدر تقريره أن يقال: لو كانت العارية تمليك المنفعة لما تفاوت الحكم في الصحة بين ما يختلف باختلاف المستعمل، وبين ما لا يختلف. وتقرير الجواب أنه إنما لا يجوز إعارة ما استعاره فيما يختلف باختلاف المستعمل. م: (دفعًا لمزيد الضرر عن المعير؛ لأنه رضي باستعماله لا باستعمال غيره) ش: أي فيما لا يختلف باختلاف المستعمل فليس فيه ضرر فقد مر أن الشيء يتضمن مثله، وإن شاء ضمن المستأجر لوجود التعدي منهما، فإن ضمن المستعير لم يرجع على المستأجر؛ لأنه ملك العين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 148 قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا إذا صدرت الإعارة مطلقة وهي على أربعة أوجه، أحدها: أن تكون مطلقة في الوقت والانتفاع، وللمستعير فيه أن ينتفع به أي نوع شاء في أي وقت شاء عملا بالإطلاق. والثاني: أن تكون مقيدة فيهما وليس له أن يجاوز فيه ما سماه عملا بالتقييد، إلا إذا كان خلافا إلى مثل ذلك أو خيرا منه والحنطة مثل الحنطة، والثالث أن تكون مقيدة في حق الوقت مطلقة في حق الانتفاع، والرابع عكسه وليس له أن يتعدى ما سماه،   [البناية] بالضمان، فكأنه أجر ملك نفسه فهلك، وإن ضمن المستأجر إن كان لا يعلم أنه عارية فرجع على المستعير؛ لأنه ضمن الدرك بإيجاب عقد فيه بدل، فيكون غرورًا، فأما إذا كان معلم لا يرجع لأنه غرور فيه، والرجوع بحكم الغرور. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا) ش: أي ما ذكرنا من ولاية الإعارة للمستعير م: (إذا صدرت الإعارة مطلقة) ش: أي عن الوقف والانتفاع م: (وهو) ش: أي ما يصدر من عقد الإعارة م: (على أربعة أوجه) ش: وهي قسمة عقلية، والمصارة على الأربعة ضرورة؛ لأن الشيئين هما الإطلاق والتقييد دارًا في الشيئين وهما الوقف والانتفاع فكانت أربعة لا محالة م: (أحدها: أن تكون مطلقة في الوقت والانتفاع، وللمستعير فيه) ش: أي في هذا الوجه م: (أن ينتفع به أي نوع شاء في أي وقت شاء عملًا بالإطلاق، والثاني: أن تكون مقيدة فيهما) ش: أي في الوقت، والانتفاع بأن قيدها بيوم ونص على نوع منفعة م: (وليس له) ش: أي للمستعير م: (أن يجاوز فيه ما سماه عملًا بالتقييد) ش: مثلًا استعار الدابة ليحمل عليها عشرة أقفزة حنطة فلا يحمل عليها أكثر. م: (إلا إذا كان خلافًا إلى مثل ذلك) ش: كمن استعار دابة ليحمل عليها عشرة أقفزة من هذه الحنطة فحمل عليها عشرة أقفزة من حنطة أخرى م: (أو خيرًا منه والحنطة) ش: أي أو كان خلافًا إلى خير منه، بأن قال: عشرة أقفزة من الحنطة، فحمل عليها عشرة من شعير لا يضمن استحسانًا، وفي القياس: يضمن لأنه مخالف. وجه الاستحسان: أنه لا فائدة للمالك في تعيين الحنطة إلا إذا تصور دفع زيادة الضرر عن دابته والشعير أخف من الحنطة، والتقييد إنما يعتبر إذا كان مفيدًا م: (مثل الحنطة) ش: أشار بهذا إلى عدم اشتراط كون الحنطة المحمولة وحنطة المستعير أو لغيره فالحنطة جنس واحد، سواء كانت للمستعير أو لغيره أو عينها المعير أو لم يعينها. م: (والثالث أن تكون مقيدة في حق الوقت مطلقة في حق الانتفاع، والرابع عكسه) ش: أي عكس الثالث، وهو أن تكون مطلقة في حق الانتفاع. م: (وليس له أن يتعدى ما سماه) ش: أي ليس للمستعير أن يتعدى ما عينه المعير في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 149 فلو استعار دابة ولم يسم شيئا، له أن يحمل ويعير غيره للحمل؛ لأن الحمل لا يتفاوت، وله أن يركب ويركب غيره وإن كان الركوب مختلفا؛ لأنه لما أطلق فيه فله أن يعين الإطلاق، حتى لو ركب بنفسه ليس له أن يركب غيره؛ لأنه تعين ركوبه. ولو أركب غيره ليس له أن يركبه حتى لو فعله ضمن؛ لأنه تعين الإركاب. قال: وعارية الدراهم والدنانير والمكيل والموزون والمعدود قرض،   [البناية] الوجهين الأخيرين، ثم فرع عليه بالفاء التفريعية بقوله م: (فلو استعار دابة ولم يسم شيئًا، له أن يحمل ويعير غيره للحمل؛ لأن الحمل لا يتفاوت، وله أن يركب ويركب غيره وإن كان الركوب مختلفًا) ش: لأن الناس يتفاوتون في الركوب م: (لأنه لما أطلق فيه فله أن يعين الإطلاق، حتى لو ركب بنفسه ليس له أن يركب غيره؛ لأنه تعين ركوبه) ش: وفي بعض النسخ: ليس له أن يُركبه، أي ليس له أن يركب غيره؛ لأن متعين ركوبه، وفي بعض النسخ، ليس له أن يركب أي ليس له أن يركب الدابة أو غيره والتذكير يكون على تأويل الحيوان والحمار والفرس والبغل. م: (ولو أركب غيره ليس له أن يركبه) ش: أي بنفسه، وتذكير الضمير بالتأويل الذي ذكرناه الآن، ثم ذكر في الكتاب أن المستعير يملك الإعارة، ولا يملك الإجارة، ولم يذكر أنه هل يملك الإيداع، فهذا وقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم يودع وإليه ذهب الفقيه أبو الليث والشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل البخاري، والصدر الأجل برهان الأئمة والد الصدر الشهيد في " شرح الجامع الصغير "، وإليه أشار محمد في آخر كتاب العارية، فإنه قال: المعير إذا وجد الدابة المستعارة في يد رجل زعم أنها ملكه فهو خصم، وإن قال الذي في يده قد أودعتها فلان الذي أودعتها منه فليس بخصم، فهذا يدل على أن للمستعير أن يودع، وعليه الفتوى. وقال الأترازي: هكذا وجدت هذه الرواية منصوصه في آخر كتاب العارية في الأصل، وفي " الكافي ": وقال بعضهم لا يودع قصدًا وكان الكرخي يقول لا يجوز أن يودع، واستدل بمسألة ذكرها في الجامع الصغير وهي أن المستعير إذا بعث العارية إلى صاحبها على يد أجنبي فهلك في يد الرسول ضمن المستعير العارية فليس ذلك الإيداع منه، كذا في " شرح الطحاوي ". م: (حتى لو فعله ضمن؛ لأنه تعين الإركاب) ش: يعني لو ركبه بنفسه بعد أن أركب غيره ضمنه، وهو الصحيح، وهو اختيار فخر الإسلام، وقال غيره: له أن يركب بعد الإركاب ويركب بعد الركوب ولا يضمن شيئًا، وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي وشيخ الإسلام خواهر زاده؛ لأنه يملك الإعارة. [عارية الدراهم والدنانير والمكيل والموزون والمعدود] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وعارية الدراهم والدنانير والمكيل والموزون والمعدود قرض) ش: يعني بمنزلة قوله: أقرضتك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 150 لأن الإعارة تمليك المنافع ولا يمكن الانتفاع بها إلا باستهلاك عينها، فاقتضى تمليك العين ضرورة، وذلك بالهبة أو القرض، والقرض أدناهما فيثبت، أو لأن من قضية الإعارة الانتفاع ورد العين فأقيم رد المثل مقامه.   [البناية] قال الكاكي: ولا يعلم فيه خلاف إلا ما نقل عن بعض أصحاب الشافعي هذا إعارة فاسدة، ففي وجه يضمن كما في الصحيحة، وفي وجه لا يضمن لأنه إعارة فاسدة، ذكره في " شرح الوجيز ". قلت: ذكر في " الروضة ": لا يجوز إعارة الطعام قطعًا والدراهم والدنانير على الأصح. وقال الإمام: يجري الوجهان في إعارة الحنطة والشعير ونحوهما. وقال المتولي: هذا إذا أطلق إعارة الدراهم، أما إذا صرح بالإعارة للتزين فينتفي أن يقطع بالصحة. وفي " الجواهر " للمالكية: ولو استعيرت الدراهم والدنانير لتبقى أعيانها كالصيرفي ما يجعلها بين يديه ليرى أنه ذو مال فيقصده البائع والمشتري، أو الرجل يكون عليه دين ونقل ما في يديه فيستعيرها لذلك فهذا يضمن إذا لم تقم البينة على تلفها، ولا يضمن مع الشهادة على ذهابها. وفي " المغني " قال أبو بكر البلخي: قال أعرتك هذه الصنعة من أكثر من يد فأخذها كلها فعليه مثلها أو قيمتها، لما أن إعارة ما لا ينقطع إلا بهلاكه قرض. قال أبو الليث: الجواب هكذا إذا لم يكن بينهما مباسطة أو دلالة الإباحة، وقوله: والمكيل يتناول كل مكيل، والموزون يتناول كل موزون، والمعدود يتناول كل المعدود، وقال الحاكم في " كافيه ": وعارية الدراهم والدنانير والفلوس قرض، وكذلك كل ما يكال أو يوزن أو يعد عددًا مثل الجوز والبيض، انتهى. وفي العارية وكذلك الأقطان والصوف والإبريسم والميك والكافور وسائر متاع العطر والصيادلة لا يقع عليها الإجارة على منافعها قرض كذلك. م: (لأن الإعارة تمليك المنافع، ولا يملك الانتفاع بها) ش: أي بالأشياء المذكورة م: (إلا باستهلاك عينها، فاقتضى تمليك العين ضرورة، وذلك) ش: أي تمليك العين م: (بالهبة أو القرض، والقرض أدناهما) ش: يعني ضررا على المعير؛ لأنه يوجب المثل، والهبة لا توجبه م: (فيثبت) ش: أي الأدنى؛ لأنه الثابت يقينا م: (أو لأن من قضية الإعارة الانتفاع) ش: أي انتفاع المستعير م: (ورد العين) ، ش: أي إلى المعير وقد عجز عن رده للاستهلاك م: (فأقيم رد المثل مقامه) ش: أي مقام العين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 151 قالوا: هذا إذا أطلق الإعارة، أما إذا عين الجهة بأن استعار الدراهم ليعاير بها ميزانا أو يزين بها دكانا لم تكن قرضا ولا يكون له إلا المنفعة المسماة، فصار كما إذا استعار آنية يتجمل بها، أو سيفا محلى يتقلده. قال: وإذا استعار أرضا ليبني فيها أو ليغرس جاز، وللمعير أن يرجع فيها ويكلفه قلع البناء والغرس، أما الرجوع فلما بينا، وأما الجواز فلأنها منفعة معلومة تملك بالإجارة فكذا بالإعارة، وإذا صح الرجوع بقي المستعير شاغلا أرض المعير فيكلف تفريغها. ثم إن لم يكن وقت العارية فلا ضمان عليه؛ لأن المستعير مغتر غير مغرور، حيث اعتمد إطلاق العقد من غير أن يسبق منه الوعد. وإن كان وقت العارية ورجع قبل الوقت صح رجوعه لما ذكرنا،   [البناية] م: (قالوا) ش: أي المشايخ: م: (هذا إذا أطلق الإعارة، أما إذا عين الجهة بأن استعار الدراهم ليعاير بها ميزانا) ش: من عايرت المكاييل أو الموازين إذا قابلها، والمعيار الذي يقاس به غيره ويسوى، وفي بعض النسخ ليعير بها، وهذا خطأ، الصواب يعاير، قال الجوهري: عايروا مكاييلك وموازينك ولا تقل عيروا م: (أو يزين بها) ش: أي بالدراهم والدنانير م: (دكانا لم تكن قرضا، ولا يكون له إلا المنفعة المسماة، فصار كما إذا استعار آنية يتجمل بها أو سيفا محلى يتقلده) ش: أو منطقة مفضضة أو خاتما ونحو ذلك فكل ذلك لا يكون قرضا؛ لأن الانتفاع بهذه الأعيان مع بقائها يمكن، فصار نظير سائر العواري. [استعارة الأرض ليبني أو يغرس فيها] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا استعار أرضا ليبني فيها أو ليغرس جاز، وللمعير أن يرجع فيها ويكلفه) ش: أي يكلف المستعير م: (قلع البناء والغرس) ش: بفتح الغين وكسرها، كذا في (المغرب) م: (أما الرجوع فلما بينا) ش: يعني عند قوله: وللمعير أن يرجع متى شاء م: (وأما الجواز فلأنها) ش: أي فلأن م: (منفعة معلومة تملك بالإجارة، فكذا بالإعارة) ش: دفعا للحاجة م: (وإذا صح الرجوع بقي المستعير شاغلا أرض المعير، فيكلف تفريغها ثم إن لم يكن) ش: أي المعير م: (وقت العارية فلا ضمان عليه؛ لأن المستعير مغتر غير مغرور) ش: يعني من جانب المعير م: (حيث اعتمد إطلاق العقد) ش: وظن أن يتركها في يده مدة طويلة م: (من غير أن يسبق منه الوعد) ش: أي من المعير. م: (وإن كان) ش: أي المعير م: (وقت العارية ورجع قبل الوقت صح رجوعه لما ذكرنا) ش: من أن له الرجوع متى شاء، وعند مالك ليس له الرجوع قبل مضي المدة. وفي " الجواهر ": متى كانت العارية إلى أجل معلوم أو كان لها قدر معلوم كعارية الدابة إلى موضع كذا، أو العبد ليبني بناء أو ليخيط له ثوبا فهي له لازمة كهبة الرقاب، فإن لم يضرب أجلا ولا كان لها مدة انقضاء فهي لازمة أيضا بالقول والقبول، وليس له الرجوع فيها ويلزمه إبقاؤها مدة ينتفع بها فيها الانتفاع المعتاد بمثلها عند استيفائها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 152 ولكنه يكره لما فيه من خلف الوعد وضمن المعير ما نقص البناء والغرس بالقلع؛ لأنه مغرور من جهته حيث وقت له، فالظاهر هو الوفاء بالعهد فيرجع عليه دفعا للضرر عن نفسه، كذا ذكره القدوري في " المختصر ". وذكر الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يضمن رب الأرض للمستعير قيمة غرسه   [البناية] م: (ولكنه يكره لما فيه من خلف الوعد) ش: أي لما في الرجوع في الوقت من خلف الوعد وهي شعبة من النفاق م: (وضمن المعير ما نقص البناء والغرس) ش: أي نقصان م: (بالقلع) ش: أي بسبب القلع. ووجهه إما ينظر كم يكون قيمة البناء والغرس إذا بقي إلى المدة المضروبة فيضمن ما نقص من قيمته، أي نقصان البناء والغرس فكلمة ما مصدرية، ويجوز أن تكون موصولة بمعنى الذي نقص البناء، فعلى هذا يكون البناء والغرس مرفوعين على الفاعلية على الأول، وعلى الثاني يكونان منصوبين على المفعولية والغرس بكسر الغين، وروي بالفتح على إرادة المغروس فيضمن ما نقص من قيمته، يعني إذا كانت قيمة البناء إلى المدة المضروبة عشرة دنانير مثلا، وإذا قلع في الحال يكون قيمة النقص دينارين يرجع بهما، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يضمن لأن التوقيت والإطلاق سواء لبطلان الأجل في العواري. ودليلنا هو قوله م: (لأنه مغرور من جهته) ش: أي لأن المستعير مغرور من جهة المعير م: (حيث وقت له، فالظاهر هو الوفاء بالعهد فيرجع عليه دفعا للضرر عن نفسه، كذا ذكر القدوري في المختصر) ش: حيث قال وإن وقت العارية فرجع قبل الوقت ضمن المعير ما نقض البناء والغرس بالقلع. فإن قيل: الغرور الموجب للضمان هو ما كان في ضمن عقد المعاوضة، والإعارة ليست كذلك. قيل له: إن التوقيت من المعير التزام منه لقيمة البناء والغرس إن أراد إخراجه قبل ذلك الوقت معنى، وتقدير كلامه: ابن في هذه الأرض لنفسك على أن أتركها في يدك إلى مدة كذا، فإن لم أتركها فأنا ضامن لك بقية مالك، وذلك لأن كلام العاقل محمول على الفائدة ما أمكن، وحيث كانت الإعارة بدون التوقيت صحيحة شرعا لا بد من فائدة كذكر الوقت وذلك ما قلنا. م: (وذكر الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو ابن الفضل محمد بن أحمد السلمي المروزي صاحب التصانيف مصنف " الكافي " و " المنتقى " وغير ذلك، استشهد في ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين ومائتين م: (أنه) ش: أي أن الشأن م: (يضمن رب الأرض للمستعير قيمة غرسه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 153 وبنائه، ويكونان له إلا أن يشاء المستعير أن يرفعهما ولا يضمنه قيمتهما، فيكون له ذلك؛ لأنه ملكه. قالوا: إذا كان في القلع ضرر بالأرض فالخيار إلى رب الأرض؛ لأنه صاحب أصل، والمستعير صاحب تبع، والترجيح بالأصل.   [البناية] وبنائه، ويكونان) ش: أي الغرس والبناء م: (له) ش: أي لرب الأرض م: (إلا أن يشاء المستعير أن يرفعهما ولا يضمنه قيمتهما، فيكون له ذلك لأنه ملكه) ش " أي لأن كل واحد من الغرس والبناء ملك المستعير. م: (قالوا) ش: أي المشايخ والمتأخرون: م: (إذا كان في القلع ضرر بالأرض فالخيار إلى رب الأرض؛ لأنه صاحب أصل، والمستعير صاحب تبع) ش: وهو الغرس أو البناء م: (والترجيح بالأصل) ش: أن يكون بالأصل. ومذهب الشافعي في هذا ذكره في " الروضة " أن إعارة الأرض للبناء والغرس نوعان: مطلقة ومقيدة، ففي المطلقة للمستعير أن يبني ويغرس ما لم يرجع المعير، فإذا رجع لم يكن له البناء والغرس، ولو فعل وهو عالم بالرجوع قلع مجانا وكلف تسوية الأرض كالغاصب، وإن كان جاهلا فوجهان. وأما ما بني وغرس قبل الرجوع فإن أمكن رفعه من غير نقص يدخله رفع، وإلا فينظر إن شرط عليه القلع مجانا عند رجوعه وتسوية الحفر لزمه، فإن امتنع قلعه المعير مجانا، وإن شرط القلع دون التسوية، وإن لم يشرط القلع نظر إن أراد المستعير أمكن منه ويلزمه تسوية الحفر على الأصح، وإن لم يرده لم يكن للمعير قلعه مجانا، ولكن يتخير المعير بين ثلاث خصال: أن يبقيه بأجرة يأخذها، أو أن يقلع ويغرم أرش النقص وهو قدر التفاوت بين قيمته ثابتا ومقلوعا، أو أن يتملكه بقيمته. وفي المقيدة: للمستعير البناء والغرس إلا أن يرجع المعير وله أن يحدد كل يوم غرسا، وبعد انقضاء المدة ليس له إحداث البناء والغرس، وإذا رجع المعير قبل المدة أو بعدها فالحكم كما لو رجع في الأول، لكن هنا وجه أنه لا يتمكن من الرجوع قبل المدة، وقوله: إنه إذا رجع بعد المدة فله القلع مجانا قاله الساجي. والمذهب الأول ومذهب أحمد ما ذكره في " حاويهم ": وإن أعار أرضا لغرس أو بناء مطلقا أو إلى مدة فرجع وقد شرطا القلع متى رجع أو عند انقضاء المدة ففرغت لزمه القلع ولم يلزم المعير انقضاء، ولا المستعير تسوية الأرض إلا بشرط، وإن لم يشترطا قلعه فللمعير أخذه بقيمته أو قلعه وضمان نقصه، فإن قلع فللمستعير التسوية وإن بنى ذلك فعليه البيع ولا يبقى مجانا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 154 ولو استعارها ليزرعها لم يؤخذ منه حتى يحصد الزرع وقت أو لم يوقت؛ لأن له نهاية معلومة وفي الترك بالأجر مراعاة الحقين، بخلاف الغرس لأنه ليس له نهاية معلومة فيقلع دفعا للضرر عن المالك. قال: وأجرة رد العارية على المستعير؛ لأن الرد واجب عليه لما أنه قبضه لمنفعة نفسه، والأجرة مؤنة الرد، فتكون عليه، وأجرة رد العين المستأجرة على المؤجر؛ لأن الواجب على المستأجر التمكين والتخلية دون الرد، فإن منفعة قبضه سالمة للمؤجر معنى، فلا يكون عليه مؤنة رده، وأجرة رد العين المغصوبة.   [البناية] م: ولو استعارها) ش: أي الأرض م: ليزرعها لم يؤخذ منه حتى يحصد الزرع) ش: قال الأترازي: قيل: ينبغي أي يروي على بناء المفعول، والثلاثي المجرد، والأصح أن يروى بكسر الصاد من الإحصاد، يقال احصد الزرع إذا حان حصاده. قلت: كلاهما يجوز والأولى الأول للكثرة وقلة الباب الثاني، فافهم. م: (وقت أو لم يوقت) ش: أراد أن الأرض تترك في يده بطريق الإجارة بأجر المثل سواء عين مدة أو لا، والتوقيت هو تعيين الوقت م: (لأن له) ش: أي للزرع م: (نهاية معلومة وفي الترك بالأجر مراعاة الحقين) ش: أي حق المعير والمستعير كما في الإجارة إذا نقصت المدة، والزرع لم يدرك بعد، فإنه يترك الأرض في يده بأجر مراعاة للجانبين، كذا هنا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، ومالك وأحمد في وجه. وعن أحمد: إن كان مما تحصد قصيلا بلا ضرر فله الرجوع لعدم الضرر فيه. ثم إذا استحصد الزرع فصاحب الأرض يأخذ الأرض مع الأجر، وقال أبو إسحاق الحافظ: إنما يجب الأجر لصاحب الأرض إذا أجر الأرض منه أو القاضي بعد مضي المدة بدون ذلك، فلا يجب الأجر وفي أكثر الروايات لم يشترط ذلك، وقد قيل: يقتضي تعليل المصنف بقوله: لأن له نهاية معلومة أن لا يجوز الرجوع قبل الوقت في الموقتة؛ لأن له نهاية معلومة ولأن الوقت منصوص عليه هنا، وفي الإعارة للزرع الوقت ثابت دلالة والنص أقوى من الثلاثة دلالة. م: (بخلاف الغرس؛ لأنه ليس له نهاية معلومة فيقلع دفعا للضرر عن المالك) ش: لأن في إبقائه ضررا له والضرر مدفوع. [أجرة رد العارية] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وأجرة رد العارية على المستعير؛ لأن الرد واجب عليه لما أنه قبضه لمنفعة نفسه والأجرة مؤنة الرد فتكون عليه) ش: لأن الغرم بالغنم، وهذا لا خلاف فيه م: (وأجرة رد العين المستأجرة، على المؤجر؛ لأن الواجب على المستأجر التمكين والتخلية دون الرد، فإن منفعة قبضه سالمة للمؤجر معنى) ش: لأنه سلم له ما شرط من أجرة العين م: (فلا يكون عليه) ش: أي على المستأجر م: (مؤنة رده) ش: لما ذكرنا من أن الغرم بالغنم م: (وأجرة رد العين المغصوبة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 155 على الغاصب؛ لأن الواجب عليه الرد، والإعادة إلى يد المالك دفعا للضرر عنه، فتكون مؤنة الرد عليه. قال: وإذا استعار دابة فردها إلى اصطبل مالكها فهلكت لم يضمن، وهذا استحسان، وفي القياس يضمن؛ لأنه ما ردها إلى مالكها بل ضيعها. وجه الاستحسان أنه أتى بالتسليم المتعارف؛ لأن رد العواري إلى دار المالك معتاد كآلة البيت تعار ثم ترد إلى الدار، ولو ردها إلى المالك فالمالك يردها إلى المربط فصح رده، وإن استعار عبدا فرده إلى دار المالك ولم يسلمه إليه لم يضمن لما بينا. ولو رد العين المغصوب أو الوديعة إلى دار المالك ولم يسلمه إليه ضمن؛ لأن الواجب على الغاصب فسخ فعله وذلك بالرد إلى المالك دون غيره، والوديعة لا يرضى المالك بردها إلى الدار ولا إلى يد من في العيال؛ لأنه لو ارتضاه لما أودعها إياه بخلاف العواري؛ لأن فيها عرفا حتى لو كانت العارية عقد جوهر لم يردها إلا إلى المعير لعدم ما ذكرناه من العرف فيه.   [البناية] على الغاصب؛ لأن الواجب عليه الرد والإعادة إلى يد المالك دفعا للضرر عنه، فتكون مؤنة الرد عليه) ش: لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «على اليد ما أخذت حتى ترد» ، ولا خلاف فيه. [هلاك العارية] [الحكم لو استعار دابة فردها إلى اصطبل مالكها فهلكت] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا استعار دابة فردها إلى اصطبل مالكها فهلكت لم يضمن وهذا) ش: أي عدم الضمان م: (استحسان. وفي القياس: يضمن لأنه ما ردها إلى مالكها بل ضيعها) ش: وبه قال الشافعي وأحمد ومالك في الأصح. م: (وجه الاستحسان أنه أتى بالتسليم المتعارف؛ لأن رد العواري إلى دار المالك معتاد كآلة البيت تعار ثم ترد إلى الدار، ولو ردها إلى المالك فالمالك يردها إلى المربط فصح رده) ش: بفتح الميم موضع الربط. وذكر التمرتاشي عن أبي سلمة: إن كان المربط خارج الدار لم يبرأ لأن الظاهر أنها تكون هنالك بلا حافظ، وقيل: هذا في عادتهم. م: (وإن استعار عبدا فرده إلى دار المالك ولم يسلمه إليه لم يضمن) ش: هذا لفظ القدوري أيضا، إلا أن لفظه في أكثر النسخ: وإن استعار عينا فردها إلى دار المالك م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأن رد العواري إلى دار المالك معتاد، فعلى هذا إذا استعار عقدا لم يردها إلا إلي المعير للعرف كذلك. [الحكم لو رد العين المغصوب أو الوديعة إلى دار المالك ولم يسلمه إليه] 1 م: (ولو رد العين المغصوب أو الوديعة إلى دار المالك ولم يسلمه إليه ضمن) ش: هذه من مسائل القدوري أيضا م: (لأن الواجب على الغاصب فسخ فعله، وذلك بالرد إلى المالك دون غيره، والوديعة لا يرضى المالك بردها إلى الدار ولا إلى يد من في العيال؛ لأنه لو ارتضاه لما أودعها إياه، بخلاف العواري لأن فيها عرفا، حتى لو كانت العارية عقد جوهر) ش: بكسر العين، وسكون القاف وهو القلادة ويجمع على عقود م: (لم يردها إلا إلى المعير لعدم ما ذكرناه من العرف فيه) ش: أي في حكم رد عقد الجوهر. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 156 قال: ومن استعار دابة فردها مع عبده أو أجيره لم يضمن والمراد بالأجير أن يكون مسانهة أو مشاهرة؛ لأنها أمانة فله أن يحفظها بيد من في عياله كما في الوديعة. بخلاف الأجير مياومة؛ لأنه ليس في عياله، وكذا إذا ردها مع عبد رب الدابة أو أجيره؛ لأن المالك يرضى به، ألا ترى أنه لو رده إليه فهو يرده إلى عبده، وقيل هذا في العبد الذي يقوم على الدواب، وقيل فيه وفي غيره وهو الأصح؛ لأنه وإن كان لا يدفع إليه دائما يدفع إليه أحيانا، وإن كان ردها مع أجنبي ضمن، ودلت المسألة على أن المستعير لا يملك الإيداع قصدا كما قاله بعض المشايخ _ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وقال بعضهم يملكه؛ لأنه دون الإعارة، وأولوا هذه المسألة بانتهاء الإعارة لانقضاء المدة.   [البناية] [استعار دابة فردها مع عبده أو أجيره] م: (قال) ش: أي في (الجامع الصغير) م: (ومن استعار دابة فردها مع عبده أو أجيره لم يضمن) ش: أراد بالأجير السائس، وبه قال أحمد وقياس قول الشافعي أن يضمن كما في الوديعة م: (والمراد بالأجير أن يكون مسانهة أو مشاهرة؛ لأنها أمانة، فله أن يحفظها بيد من في عياله كما في الوديعة، بخلاف الأجير مياومة؛ لأنه ليس في عياله، وكذا إذا ردها) ش: أي الدابة المستعارة م: (مع عبد رب الدابة أو أجيره؛ لأن المالك يرضى به، ألا ترى أنه لو رده إليه فهو يرده) ش: أي لو رد المستعير الدابة إلى المالك فهو يرده م: (إلى عبده) ش: وتذكير الضمير في الموضعين باعتبار الحيوان أو الحمار ونحوه. م: (وقيل هذا) ش: أي عدم الضمان بالرد إلى عند رب الدابة م: (في العبد الذي يقوم إلى الدواب) ش: وهو السائس م: (وقيل فيه وفي غيره) ش: إن قيل عدم الضمان في العبد الذي يقوم على الدواب وفي غيره م: (وهو الأصح) ش: أي القول الثاني وهو الأصح م: (لأنه) ش: أي لأن مالك الدابة م: (وإن كان لا يدفع إليه دائما) ش: أي إلى عبده الذي ليس يقوم على الدواب دايبا بكسر الياء وآخر الحروف بعدها باء موحدة ومعناه دائما م: (يدفع إليه أحيانا) ش: أي في بعض الأحيان م: (وإن كان ردها مع أجنبي ضمن) ش: يعني إذا هلك، لأنه ليس بنائب عن المالك، فصار متعديا م: (ودلت المسألة) ش: أي المسألة المذكورة م: (على أن المستعير لا يملك الإيداع قصدا) ش: لما وضعه في يد الأجنبي للرد كان إيداعا م: (كما قاله بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: منهم الكرخي والبقالي. م: (وقال بعضهم) ش: أي بعض المشايخ وهم مشايخ العراق: م: (يملكه) ش: أي يملك المستعير الإيداع م: (لأنه دون الإعارة) ش: أي لأن الإيداع دون الإعارة؛ لأنه لما ملك الإعارة مع أن فيها إيداعا وتمليك المنافع، فلأن يملك الإيداع وليس فيه تمليك المنافع أولى، وبه أخذ أبو الليث والفضلي، وفي " الكافي " وعليه الفتوى م: (وأولوا) ش: أي أول مشايخ العراق م: (هذه المسألة بانتهاء الإعارة لانقضاء المدة) ش: أراد أن هذه المسألة فيما إذا كانت العارية موقتة وقد انتهت باستيفاء مدتها، وحينئذ يصير المستعير مودعا والمودع لا يملك الإيداع بالاتفاق. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 157 قال: ومن أعار أرضا بيضاء للزراعة يكتب إنك أطعمتني. عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: يكتب إنك أعرتني؛ لأن لفظة الإعارة موضوعة له والكتابة بالموضوع أولى، كما في إعارة الدار، وله أن لفظة الإطعام أدل على المراد؛ لأنها تختص بالزراعة والإعارة تنتظمها وغيرها كالبناء، ونحوه فكانت الكتابة بها أولى، بخلاف الدار؛ لأنها لا تعار إلا للسكنى، والله أعلم بالصواب.   [البناية] م: (قال: ومن أعار أرضا بيضاء للزراعة يكتب إنك أطعمتني عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: يكتب إنك أعرتني؛ لأن لفظة الإعارة موضوعة له) ش: أي لعقد الإعارة م: (والكتابة بالموضوع له أولى كما في إعارة الدار) ش: حيث لا يكتب أسكنتني، وكذا في إعارة الثوب لا يكتب ألبستني، وبه قالت الثلاثة. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن لفظة الإطعام أدل على المراد) ش: من الإعارة م: (لأنها) ش: أي لأن لفظة الإطعام م: (تختص بالزراعة والإعارة تنتظمها) ش: أي تشملها م: (وغيرها) ش: أي وينتظم غيرها أيضا م: (كالبناء ونحوه) ش: مثل نصبا لفسطاط م: (فكانت الكتابة بها) ش: أي لفظة الإطعام م: (أولى، بخلاف الدار؛ لأنها لا تعار إلا للسكنى، والله أعلم بالصواب) ش: والغرض يصير إليه معلوما بقوله أعرتني، وكذا في الثوب. والله أعلم بالصواب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 158 كتاب الهبة الهبة عقد مشروع؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تهادوا تحابوا» ،   [البناية] [كتاب الهبة] [تعريف الهبة] م: (كتاب الهبة) ش: وجه المناسبة بين الكتابين من حيث إن كلا منهما مشتمل على التمليك، إلا أن العارية مفردة والهبة مركبة؛ لأن في العارية تمليك المنفعة فقط، وفي الهبة تمليك العين مع المنفعة، والهبة في اللغة مصدر من وهب يهب، وأصلها وهب لأنه معتل الفاء كالعدة أصلها وعدة، فلما حذفت الواو تبعا لفعله عوضت عنها الهاء، فقيل هبة وعدة ومعناها إيصال الشيء للغير بما ينفعه، سواء كانت مالا أو غير مال، يقال وهبت له مالا ووهب الله فلانا ولدا صالحا، ويقال وهبه مالا أيضا ولا يقال وهب منه، ويسمى الموهوب هبة وموهبة، والجمع هبات ومواهب واتهبه منه إذا قبله، واستوهبه إذا طلب الهبة، وفي الشرع هي تمليك لمال بلا عوض. [حكم الهبة] م: (والهبة عقد مشروع لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تهادوا تحابوا» ش: هذا الحديث رواه من الصحابة أبو هريرة وابن عمرو بن العاص وابن عمر وعائشة، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أجمعين. أما حديث أبي هريرة فرواه البخاري في كتابه " المفرد في الآداب " حدثنا عمرو بن خالد ثنا ضمام بن إسماعيل سمعت موسى بن وردان عن أبي هريرة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «تهادوا تحابوا» . وأخرجه النسائي في كتاب " الكنى " عن أبي الحسين محمد بن بكير الحضرمي عن ضمام بن إسماعيل به، وكذلك رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " والبيهقي في " شعب الإيمان " وابن عدي في " الكامل " وأعله بضمام وقال: إن أحاديثه لا يرويها غيره. وأما حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فرواه الحاكم في كتاب " علوم الحديث " فقال: سمعت أبا زكريا العنبري قال: سمعت أبا عبد الله البوشنجي ثنا يحيى بن بكير عن ضمام بن إسماعيل عن أبي قبيل المعافري عن عبد الله بن عمرو أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «تهادوا تحابوا» . وأما حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فرواه أبو القاسم الأصبهاني في كتاب الترغيب والترهيب " من حديث إسماعيل بن إسحاق الراشدي ثنا محمد بن داود بن عبد الجبار عن أبيه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 159 وعلى ذلك انعقد الإجماع. وتصح بالإيجاب والقبول والقبض، أما الإيجاب والقبول؛ فلأنه عقد، والعقد ينعقد   [البناية] عن العوام بن حوشب عن شهر بن حوشب عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تهادوا تحابوا» . وأما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فرواه الطبراني في " معجمه الأوسط " ثنا محمد بن يحيى بن محمد بن السكن ثنا ريحان بن سعيد ثنا عرعرة بن اليزيد ثنا المثنى أبو حاتم العطار عن عبيد الله بن العيزار عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تهادوا تحابوا، وهاجروا تورثوا أولادكم مجدا وأقيلوا الكرام عثراتهم» وأخرجه مالك في " الموطأ " مرسلا عن عطاء الخراساني قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء» . قوله: تهادوا - بفتح الدال وسكون الواو لأنه صيغة خطاب للجماعة من التهادي، وأصله تهادى؛ لأنك تقول تهاد تهاديا تهاديوا قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم حذفت لالتقاء الساكنين فصار تهادوا كما في مادة تعالوا وأصله تعاليوا. قال الله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} [آل عمران: 64] (آل عمران 64) . قوله: تحابوا بتشديد الباء المضمومة وهو أيضا صيغة خطاب للجماعة، وأصله تحابون ولكن سقطت النون لأنه جواب للأمر، وأصله تحابوا؛ لأنه من التحابب من المحبة، أدغمت الباء في الباء، وقال الحاكم: تحابوا إما بتشديد الباء من الحب، وإما بالتخفيف من المحاباة. قلت: ترجيح الأول الذي هو المشهور ما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن صفية بنت حرب عن أم حكيم بنت وداع أو قال: وادع قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «تهادوا تزيدوا في القلب حبا» . م: (وعلى ذلك) ش: أي كون الهبة مشروعة م: (انعقد الإجماع) ش: أي إجماع الأمة. م: (وتصح) ش: أي الهبة م: (بالإيجاب) ش: كقوله وهبت ونحوه، هذا بمجرده في حق الواهب م: (والقبول) ش: كقوله قبلت م: (والقبض) ش: بالجر، أي وبالقبض فلا يتم في حق الموهوب له إلا بالقبول والقبض كما يأتي؛ لأنه عقد تبرع فيتم بالتبرع، ولكن لا يملكه الموهوب له إلا بالقبول والقبض، وثمرة ذلك فيمن حلف لا يهب فوهب ولم يقبل الموهوب له يحنث. وعند زفر لا يحنث بلا قبول وقبض كما في البيع، فلا يتم، أو حلف على أن لا يهب فلانا فوهبه ولم يقبل يرد في يمينه عندنا. م: (أما بالإيجاب والقبول فلأنه عقد) ش: أي فلأن الهبة عقد نحو سائر العقود، وذكر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 160 بالإيجاب والقبول والقبض لا بد منه لثبوت المالك، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت الملك فيه قبل القبض اعتبارا بالبيع، وعلى هذا الخلاف الصدقة، ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تجوز الهبة إلا مقبوضة» .   [البناية] الضمير باعتبار العقد م: (والعقد ينعقد بالإيجاب والقبول) ش: لأن قيام العقد بهما م: (والقبض لا بد منه لثبوت الملك) ش: وبه قال الشافعي وأحمد وأكثر الفقهاء والتابعين، إلا أن أحمد يقول: إن كانت الهبة عينا تصح بدون القبض في الأصح، وفي المكيل والموزون لا يصح بدون القبض. م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يثبت الملك فيه قبل القبض اعتبارا بالبيع) ش: لأنه عقد لازم يقبل الملك فلم يتوقف على القبض كالبيع، ولأنه إزالة ملك بغير عوض فلا يعتبر فيه القبض كالوصية والوقف، وبه قال أبو ثور والشافعي في القديم وابن أبي ليلى وفي كتاب " التفريع " لأصحاب مالك: وفيمن وهب شيئا من ماله لزمه دفعه إلى الموهوب له إذا طالبه به، فإن أبى ذلك حكم به عليه إذا أقر أو قامت عليه البيئة، وإن أنكر الهبة حلف عليها وبرئ منها، وإن نكل عن اليمين حلف الموهوب له وأخذها منه. وإن مات الواهب قبل دفعها إلى الموهوب له فلا شيء له إذا كان قد أمكنه أخذها ففرط فيها، وإن مات الموهوب له قبل قبضها قام ورثته مقامه في مطالبة الواهب بهبته انتهى. وقال الخرقي من أصحاب أحمد: لا تصح الهبة والصدقة فيما يكال ويوزن إلا بقبضة، ويصح في غير ذلك بغير قبض إذا قبل كما يصح في البيع. م: (وعلى هذا الخلاف الصدقة) ش: فعندنا يشترط فيها القبض خلافا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تجوز الهبة إلا مقبوضة» ش: هذا حديث منكر لا أصل له، والعجب من الكاكي حيث يقول: قيل: هذا الحديث غير مرفوع، بل قول علي وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ولم يبين ذلك، وليس كذلك بل هذا الذي ذكره المصنف قول إبراهيم النخعي رواه عبد الرزاق في مصنفه وقال: أخبرنا سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال: لا تجوز الهبة حتى تقبض والصدقة تجوز قبل أن تقبض. وأما قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فهو ما رواه البيهقي من حديث يزيد بن زريع نا سعيد عن قتادة عن يحيى بن يعمر عن أبي موسى قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا محال ميراث ما لم يقبض. والأحسن أن يستدل على اشتراط القبض في الهبة بما أخرجه البيهقي من حديث عبد الله الجزء: 10 ¦ الصفحة: 161 والمراد نفي الملك؛ لأن الجواز بدونه ثابت ولأنه عقد تبرع، وفي إثبات الملك قبل القبض إلزام المتبرع شيئا لم يتبرع به وهو التسليم فلا يصح بخلاف الوصية؛ لأن أوان ثبوت الملك فيها بعد الموت   [البناية] ابن وهب أنا مالك ويونس وغيرهما أن ابن شهاب أخبرهم عن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نحلها جذاذ عشرين وسقا من مال الغابة، فلما حضرته الوفاة قال: والله يا بنية ما من الناس أحد أحب إلي غنى بعدي منك ولا أعز علي فقرا بعدي منك، إلا أني كنت نحلتك من مالي جذاذ عشرين وسقا، فلو كنت جذذته واحترزت به كان لك ذلك، وإنما هم أخواك وأختاك فاقتسموه على كتاب الله عز وجل.. الحديث، كذا رواه الطحاوي في شرح الآثار وقال: حدثنا يونس أخبرنا ابن وهب أن مالكا حدثه ... إلى آخره، فهذا أدل دليل على اشتراك القبض وبه استدل في " المبسوط " وأصحاب الشافعي في كتبهم. قوله: نحلها، أي وهب لها، والجذاذ بكسر الجيم من جذذت الشيء أجذه بالضم جذا قطعته، وروي جاذ عشرين وسقا. قال الخطابي: الجاذ بمعنى المجذوذ فاعل بمعنى مفعول والوسق ستون صاعا. والغابة بالغين المعجمة وبعد الألف باء موحدة مخففة وهو موضع مشهور بالمدينة، وفي رواية من ماله بالعالية، وهو أيضا موضع بالمدينة. م: (والمراد نفي الملك) ش: أي المراد من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا تجوز الهبة إلا مقبوضة» عدم ثبوت حكم الهبة وهو الملك م: (لأن الجواز) ش: أي جواز الهبة م: (بدونه ثابت) ش: أي بدون الملك؛ لأن الجواز ثابت قبل القبض بالاتفاق. م: (ولأنه) ش: أي ولأن عقد الهبة م: (عقد تبرع، وفي إثبات الملك قبل القبض إلزام المتبرع شيئا) ش: وعقد التبرع لم يلزم به شيء م: (لم يتبرع به وهو التسليم) ش: أي الذي لم يتبرع به هو التسليم م: (فلا يصح) ش: لأن من ضرورات الملك التسليم، ورد بأن المتبرع بالشيء قد يلزمه ما لم يتبرع به إذا كان من تامة ضرورة تصحيحه كمن نذر أن يصلي وهو محدث لزمه الوضوء ومن شرع في صوم أو صلاة لزمه الإتمام. وأجيب: بأنه مغالطة، فإن ما لا يتم الشيء إلا به فهو واجب إذا كان ذلك الشيء واجبا كما ذكرت في الصوم، فإنه يجب بالنذر أو الشروع، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والهبة عقد تبرع ابتداء وانتهاء، فإنه لو وهب وسلم جاز له الرجوع فكيف قبل التسليم فلا يجب ما يتم به. م: (بخلاف الوصية؛ لأن أوان ثبوت الملك فيها بعد الموت) ش: لما قاس مالك الهبة على الجزء: 10 ¦ الصفحة: 162 ولا إلزام على المتبرع لعدم أهلية اللزوم وحق الوارث متأخر عن الوصية، فلم يملكها. فإن قبضه الموهوب له في المجلس بغير أمر الواهب جاز استحسانا. وإن قبض بعد الافتراق لم يجز إلا أن يأذن له الواهب في القبض، والقياس أن لا يجوز في الوجهين، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن القبض، تصرف في ملك الواهب إذ ملكه قبل القبض باق فلا يصح بدون إذنه.   [البناية] الوصية والوقف في عدم اشتراط القبض، أجاب عن ذلك بقوله بخلاف الوصية أراد أن بين الهبة والوصية فرقا، وهو أن الملك لا يثبت في الوصية إلا بعد الموت، وحينئذ لا يتصور الإلزام على المتبرع لعدم أهلية اللزوم، وهو معنى قوله م: (ولا إلزام على المتبرع لعدم أهلية اللزوم) ش: يعني بالموت. وكذلك القياس على الوقف غير صحيح؛ لأنه إخراج ملك إلى الله تعالى والتصدق بمنفعته، وفيه لا يشترط القبض م: (وحق الوارث متأخر) ش: جواب عما يقال الوارث يخلف الموصي في ملكة فوجب أن يتوقف ملك الموصى له على تسليم الوارث إليه، وتقريره أن حق الوارث متأخر م: (عن الوصية فلم يملكها) ش: أي الوصية، يعني لما يكن الوارث خليفة له فيها ليقام مقام الميت، فلا معتبر لتسليمه؛ لأنه لم يملكها ولا قام مقام المالك فيها. م: (فإن قبضها الموهوب له في المجلس بغير أمر الواهب جاز استحسانا) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مختصره، يعني إن قبض الهبة الموهوب له في مجلس العقد بغير إذن الواهب جاز، وصحت الهبة استحسانا. وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مختصره: فإن أذن له في القبض فقبض الهبة بحضرته أو بغير حضرته جاز القبض، وإن وهب له دينا على رجل وأذن له أن يقبضه من الذي هو عليه جاز إذا قبض ذلك استحسانا أيضا وإن لم يأذن له في قبض الدين لم تجز الهبة وإن قبضه الموهوب له وإن كان ذلك بحضرة الواهب لأن المالك الذي يقبض عن الدين ملك الذي عليه الدين حتى يقبضه صاحب الدين، أو يجعل قبضه إلى غيره فيقبضه الغير. [اشتراط القبض لانعقاد الهبة] م: (وإن قبض بعد الافتراق لم يجز إلا أن يأذن له الواهب في القبض، والقياس أن لا يجوز في الوجهين) ش: أي فيما إذا قبض في المجلس بإذن الواهب، وفيما إذا قبض بعد الافتراق بدون إذنه. وبالقياس م: (وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لأن القبض تصرف في ملك الواهب إذ ملكه قبل القبض باق) ش: بالاتفاق، بدليل صحة تصرفه من البيع والإعتاق م: (فلا يصح بدون إذنه) ش: لأن التصرف في ملك الغير بغير الإذن غير صحيح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 163 ولنا أن القبض بمنزلة القبول في الهبة من حيث إنه يتوقف عليه ثبوت حكمه وهو الملك، والمقصود منه إثبات الملك فيكون الإيجاب منه تسليطا له على القبض، بخلاف ما إذا قبض بعد الافتراق؛ لأنا إنما أثبتنا التسليط فيه إلحاقا له بالقبول، والقبول يتقيد بالمجلس، فكذا ما يلحق به. بخلاف ما إذا نهاه عن القبض في المجلس؛ لأن الدلالة لا تعمل في مقابلة الصريح.   [البناية] م: (ولنا) ش: أراد به وجه الاستحسان، قيل ذكر لنا هاهنا غير مناسب؛ لأنه ذكر القياس والاستحسان ولم يذكر قول الخصم في المتن، فلم يكن ذكر لنا مناسبا، بل كان المناسب أن يقول وجه الاستحسان. قلت: لما كان القياس هو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ووجه الاستحسان قولنا ناسبه أن يقول ولنا، وإن لم يصرح بذكر الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أن القبض بمنزلة القبول في الهبة) ش: أي القبض في الهبة بمنزلة القبول في البيع، وقوله في الهبة يتعلق بقوله أن القبض لا بقوله القبول، فافهم، وكون القبض فيها مثل القبول في البيع م: (من حيث إنه يتوقف عليه ثبوت حكمه وهو الملك) ش: أي على القبول، فإذا كان القبض مثل القول لا يثبت حكم الملك إلا بالقبض، كما لا يثبت الملك إلا بالقبول م: (والمقصود منه) ش: أي مقصود الواهب من عند الهبة م: (إثبات الملك) ش: للموهوب له م: (فيكون الإيجاب منه) ش: أي من الواهب م: (تسليطا له على القبض) ش: تحصيلا بمقصوده، فكان أدنى دلالة. م: (بخلاف ما إذا قبض بعد الافتراق) ش: حيث يشترط فيه الإذن صريحا م: (لأنا) ش: وفي بعض النسخ لأنه، أي لأن الشأن: (إنما أثبتنا التسليط فيه إلحاقا له) ش: أي للقبض م: (بالقبول والقبول يتقيد بالمجلس، فكذا ما يلحق به) ش: أي بالقبول وهو القبض. م: (بخلاف ما إذا نهاه) ش: كان ينبغي أن يقول وبخلاف بواو العطف عطفا على قوله بخلاف ما إذا قبض بعد الافتراق، لأن حكمها واحد، وهذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال يلزم على هذا ما إذا نهى من القبض، فإن التسليط موجود ولم يجوز له القبض، وتقرير الجواب أنه إذا نهاه يعني صريحا م: (عن القبض في المجلس) ش: بأن قال له لا تقبض فإنه لا يصح قبضه في المجلس وبعده م: (لأن الدلالة لا تعمل في مقابلة الصريح) ش: أراد بالدلالة الإذن الحاصل من إيجاب الواهب للقبض، والصريح هو قوله لا تقبض فإن الإذن الذي حصل من الإيجاب دلالة تبطل بوجود صريح النهي؛ لأن الدلالة لا تقابل الصريح وفيه مناقشتان: الأولى: أن القبض لو كان بمنزلة القبول لما صح الأمر بالقبض بعد المجلس كالبيع. الثانية: أن مقصود البائع من البيع ثبوت الملك للمشتري، ثم إذا تم الإيجاب والقبول والمبيع حاضر لم يجعل إيجاب البائع تسلطا على القبض، حتى لو قبضه المشتري بدون إذنه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 164 قال: وتنعقد الهبة بقوله وهبت ونحلت وأعطيت؛ لأن الأول صريح فيه، والثاني مستعمل فيه، قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أكل أولادك نحلت مثل هذا» ، وكذلك الثالث يقال: أعطاك الله ووهبك الله بمعنى واحد، وكذا ينعقد بقوله أطعمتك هذا الطعام وجعلت هذا الثوب لك، وأعمرتك هذا الشيء، وحملتك على هذه الدابة إذا نوى بالحمل الهبة. أما الأول فلأن الإطعام إذا أضيف إلى ما يطعم عينه يراد به تمليك العين، بخلاف ما إذا قال أطعمتك هذه.   [البناية] جاز له أن يسترده ويحبس الثمن. الجواب عن الأول أن الإيجاب من البائع شطر العقد وهو لا يتوقف على ما وراء المجلس، وفي الهبة وجد عقد تمام وهو يتوقف على ما وراءه. وعن الثانية فإنا لا نسلم أن مقصود البائع من عقد البيع ثبوت الملك للمشتري، بل مقصوده منه تحصيل الثمن لا غير، وثبوت الملك له ضمني فلا يعتبر به. [ما تنعقد به الهبة وما لا تنعقد] [انعقاد الهبة بلفظ النحلة والعطية] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وتنعقد الهبة بقوله وهبت ونحلت وأعطيت؛ لأن الأول) ش: أي قوله وهبت م: (صريح فيه) ش: أي في عقد الهبة م: (والثاني) ش: أي قوله نحلت م: (مستعمل فيه) ش: أي في عقد الهبة، أراد به مجاز فيه وهو أيضا صريح؛ لأن المجاز المتعارف كالصريح. إلا أن قوله وهبت لما كان صريحا حقيقة ونحلت وإخوته صريحا مجازا فرق بينهما م: (قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أكل أولادك نحلت مثل هذا» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة «عن النعمان بن بشير قال: إن أباه أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أكل ولدك نحلت مثل هذا "؟ قال لا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فأرجعه» . أخرجه البخاري ومسلم في " الهبة " وأبو داود في " البيع " مختلفا والمعنى واحد. والعجب من الكاكي مع ادعائه أن له اطلاعا في الحديث أنه لما ذكر هذا الحديث قال: كذا في " المبسوط "، فهذا قول من لم يحم حول كتب الحديث ولا طرق في سمعه اسم البخاري ومسلم ولا غيرهما. م: (وكذلك الثالث يقال أعطاك الله ووهبك الله) ش: يعني أراد بالثالث قوله أعطيت أي هو أيضا مستعمل في عقد الهبة مجازا كما يقال أعطاك الله ووهبك الله م: (بمعنى واحد، وكذا ينعقد بقوله أطعمتك هذا الطعام وجعلت هذا الثوب لك، وأعمرتك هذا الشيء وحملتك على هذه الدابة إذا نوى بالحمل الهبة) ش: هذه أربعة ألفاظ، ثلاثة تنعقد بها الهبة مطلقا، والرابع وهو حملتك لا ينعقد به إلا بالنية على ما يجيء الآن. م: (أما الأول) ش: يعني قوله أطعمتك هذا الطعام م: (فلأن الإطعام إذا أضيف إلى ما يطعم عينه، يراد به تمليك العين) ش: بغير عوض، فيكون هبة م: (بخلاف ما إذا قال أطعمتك هذه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 165 الأرض حيث يكون عارية؛ لأن عينها لا يطعم فيكون المراد أكل غلتها. وأما الثاني فلأن حرف اللام للتمليك. وأما الثالث فلقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فمن أعمر عمرى فهي للمعمر له ولورثته من بعده» وكذا إذا قال: جعلت هذه الدار لك عمرى، لما قلنا. وأما الرابع فلأن الحمل هو الإركاب حقيقة فيكون عارية،   [البناية] الأرض، حيث يكون عارية لأن عينها لا يطعم) ش: أي لأن الأرض، والتذكير باعتبار المذكور، وفي بعض النسخ لأن عينها وهو الأصوب، فيكون المعنى أطعمتك ما يحصل منها، فكان تمليكا لمنفعة الأرض دون عينها م: (فيكون المراد أكل غلتها) ش: أي إذا كان كذلك يكون من قوله أكل غلة الأرض وهو ريعها. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولنا في تقرير صاحب " الهداية " نظر؛ لأنه قال إن الإطعام إذا أضيف إلى ما يطعم عينه يراد به تمليك العين، فعلى هذا ينبغي أن يكون المراد من الإطعام في الكفارة التمليك لا الإباحة كما هو مذهب الخصم؛ لأن المراد من الإطعام إطعام الطعام، والطعام يؤكل عينه، فكان الإطعام في الآية مضافا إلى ما يطعم عينه فافهم. قلت: لا نسلم أنه أضيف إلى ما يؤكل عينه بل هو مضاف إلى عشرة مساكين، فافهم. م: (وأما الثاني) ش: يعني قوله جعلت هذا الثوب لك م: (فلأن حرف اللام للتمليك) ش: فكان معناه ملكت هذا الثوب لك. ألا ترى أن في التمليك ببدل لا فرق بين لفظ الجعل والتمليك، فكذا في التمليك بغير بدل، وكسوتك هذا الثوب بمعناه لأنه لتمليك العين قال الله تعالى: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] والكفارة لا تتأدى إلا بتمليك الثوب. م: (وأما الثالث) ش: يعني قوله وأعمرتك هذا الشيء م: (فلقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فمن أعمر عمرى فهي للمعمر له ولورثته من بعده» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من أعمر رجلا عمرى له ولعقبه فقد قطع قوله حقه فيها وهي لمن أعمر ولعقبه» . م: (وكذا إذا قال جعلت هذه الدار لك عمرى) ش: يقال أعمرته داري أو أرضا أو إبلا إذا أعطيته إياها وقلت " هي لك عمري أو عمرك، فإذا مت رجعت إلي، والعمرى اسم م: (لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله فلأن حرف اللام للتمليك. م: (وأما الرابع) ش: يعني قوله وحملتك على هذه الدابة م: (فلأن الحمل هو الإركاب حقيقة فيكون عارية) ش: قيل كيف يستقيم هذا القول وقد قال في العارية إن حملتك والتمليك العين. قلت: قدر هذا النظر هناك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 166 لكنه يحتمل الهبة يقال حمل الأمير فلانا على فرس ويراد به التمليك فيحمل عليه عند نيته. ولو قال: كسوتك هذا الثوب يكون هبة؛ لأنه يراد به التمليك. قال الله تعالى: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] ، ويقال كسا الأمير فلانا ثوبا، أي ملكه منه. ولو قال: منحتك هذه الجارية كانت عارية لما روينا من قبل، ولو قال: داري لك هبة سكنى أو سكنى هبة فهي عارية؛ لأن العارية محكمة في تمليك المنفعة والهبة تحتملها وتحتمل تمليك العين فيحمل المحتمل على المحكم.   [البناية] وتحرير الجواب: أن قوله هاهنا حقيقة بالنظر إلى الوضع، وقوله هناك لتمليك العين، يعني في العرف والاستعمال، ولكن الحقيقة ما هجرت بالعرف فيصير كأنة مشترك م: (لكنه يحتمل الهبة، يقال حمل الأمير فلانا على فرس) ش: أي ملكه إياها، وهو معنى قوله م: (ويراد به التمليك فيحمل عليه) ش: أي على التمليك م: (عند نيته) ش: فإذا نوى ما يحتمله لفظه وفيه تشديد عليه فيعتبر نيته. [قال كسوتك هذا الثوب هل يكون هبة] م: (ولو قال: كسوتك هذا الثوب يكون هبه) ش: هذا من مسائل " المبسوط " ذكره تفريعا على مسألة القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه يراد به التمليك، قال الله تعالى {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] ش: فإن المراد به تمليك العين لا تمليك المنفعة م: (ويقال كسى الأمير فلانا ثوبا، أي ملكه منه) ش: أي من فلان. [قال منحتك هذه الجارية أو داري لك هبة سكنى] م: (ولو قال منحتك هذه الجارية كانت عارية لما روينا من قبل) ش: أراد به ما ذكره من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «المنحة مردودة» ، ولكن إذا نوى التمليك يثبت؛ لأنه محتمل كلامه. م: (ولو قال: داري لك هبة سكنى أو سكنى هبة فهي عارية) ش: وهذا من مسائل الجامع الصغير، وصورتها فيه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: في الرجل يقول: هذا لك هبة سكنى ودفعها إليه قال هذه عارية. وإن قال: هي لك هبة تسكنها فهي هبة، وإن قال هي لك سكن هبة فهي سكنى، انتهى. ونصب الهبة في الموضعين على الحال والتبيين لما في قوله داري لك من الإبهام م: (لأن العارية محكمة في تمليك المنفعة والهبة تحتملها) ش: أي تحتمل المنافع م: (وتحتمل تمليك العين، فيحمل المحتمل على المحكم) ش: يعني صار المحكم قاضيا على المحتمل، فكأنه قال: سكنى داري لك فيكون عارية، لأن العارية محكم. فإن قلت: من أين تقول إنها محكم؟ قلت: لأنها لا تحتمل تمليك الرقبة؛ لأنه خرج تفسير الأول الكلام فيعتبر به حكم أول الكلام. قالت الشراح: كان حق الكلام أن يقول: لأن السكنى محكم في تمليك المنفعة، وكذا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 167 وكذا إذا قال عمرى سكنى أو نحلى سكنى أو سكنى صدقة أو صدقة عارية أو عارية هبة لما قدمناه. ولو قال: هبة تسكنها فهي هبة؛ لأن قوله تسكنها مشورة وليس بتفسير له وهو تنبيه على المقصود. بخلاف قوله هبة سكنى؛ لأنه تفسير له. قال: ولا يجوز الهبة فيما يقسم إلا محوزة مقسومة   [البناية] ذكره في " المبسوط " حيث قال: لأن السكنى محكم. وأجيب: بأن السكنى لا يحتمل إلا العارية فأطلق عليه اسم العارية م: (وكذا إذا قال عمرى سكنى أو نحلى سكنى) ش: بضم النون وسكون الحاء وهي العطية م: (أو سكنى صدقة) ش: بأن قال داري لك سكنى صدقة م: (أو صدقة عارية) ش: بأن قال داري لك صدقة م: (أو عارية هبة لما قدمناه) ش: ليحمل على المحكم. م: (ولو قال هبة تسكنها فهي هبة) ش: ذكر في " المبسوط ". ولو قال: داري لك هبة تسكنها، أو قال عمرى لتسكنها وسلمها إليه فهي هبة م: (لأن قوله هبة تسكنها مشورة) ش: بفتح الميم وضم الشين بمعنى الشورى، وهي استخراج رأي على غالب الظن م: (وليس بتفسير له) ش: لأن الفعل لا يصلح تفسيرا للاسم م: (وهو تنبيه على المقصود) ش: بأن قال ملكه الدار عمره ليسكنها وهو معلوم، وإن لم يذكره فلا يتغير به حكم التمليك بمنزلة قوله هذا الطعام تأكله وهذا الثوب تلبسه فإن شاء قبل مشورته وفعل ما قال، وإن شاء لم يقبل. م: (بخلاف قوله هبة سكنى لأنه تفسير له) ش: لأن قوله سكنى اسم فجاز أن يكون تفسيرا لاسم آخر، فيتغير به أول الكلام كما في الاستثناء والشرط فيكون عارية. [الهبة فيما يقسم] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا يجوز الهبة فيما يقسم إلا محوزة) ش: أي مفرغة عن إملاك الواهب، حتى لا تصلح هبة الثمر على الشجر والزرع في الأرض بدون الشجر والأرض، وكذا العكس عندنا م: (مقسومة) ش: احترز به من المشاع، قيل في الفرق بين ما يقسم وبين ما لا يقسم كل شيء يضره التبعيض ويوجب نقصانا في ماليته، فإنه لا يحتمل القسمة كالدراهم والدنانير فهبة بعضه جائز بلا خلاف وقيل: كل ما يفوت بالقسمة منفعته أصلا كالعبد أو جنس منفعته كالحمام والرجى فهو لا يحتمل القسمة. وقيل: كل مشترك بين اثنين لو طلب أحدهما قسمة، وإلى الآخر فالقاضي لا يجبره على القسمة، وهو مما لا يحتمل القسمة، ثم الشيوع المقارن للهبة فيما يحتمل القسمة مفسد لا الطارئ، حتى لو وهب شيئا فرجع في بعضه تصح الهبة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 168 وهبة المشاع فيما لا يقسم جائزة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز في الوجهين؛   [البناية] والعبرة في الشيوع وقت القبض لا وقت العقد، حتى لو وهب مشاعا وسلم مقسوما يجوز، وكذا لو وهب نصف الدار ولم يسلم، ثم وهب النصف الآخر وسلمه جازت الهبة، أو وهب تمرا في نخل أو زرعا في أرض، ثم سلم بعد ذلك مفرزا يجوز، كذا في " الذخيرة " وغيره فعلم من هذا أن معنى قوله لا يجوز الهبة فيما يقسم إلا مجوزة مقسومة لا تثبت الملك فيه لا يجوزه مقسومة؛ لأن الهبة في نفسها فيما يقسم تقع جائزة، ولكن غير مثبتة للملك. قبل تسلمه مفرزا نظيرا، نظيره البيع بشرط الخيار. وفي " الحائط " قال علماؤنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: هبة المشاع فيما يحتمل القسمة لا يتم، ويفيد الملك قبل القسمة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنها تامة، وبعض أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قالوا إنها فاسدة، والأصح ما قلناه كالهبة قبل القبض، ولا يقال إنها فاسدة بل غير تامة، كذا هذا. وأجمعوا على أن هبة المشاع فيما لا يحتمل القسمة كالعبد والدابة تامة، كذا قال علاء الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - العالم في طريقة الخلاف. وقال في الطريقة البرهانية قال علماؤنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وهبة المشاع فيما يحتمل القسمة يفيد الملك بالتخلية. وقال شيخ الإسلام أبو بكر - رَحِمَهُ اللَّهُ - المعروف بخواهر زاده في " مبسوطه ": قال علماؤنا: إذا وهب مشاعا يحتمل القسمة لا يجوز سواء كان وهب في الأجنبي أو من شريكه. وقال الشافعي - رضى الله عنه -: يجوز من الأجنبي ومن الشريك، وقال ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن وهب من الأجنبي لم يجز، وإن وهب من الشريك جاز وأجمعوا على أنه إذا وهب ما لا يحتمل القسمة فإنه يجوز. م: (وهبة المشاع فيما لا يقسم جائزة) ش: معناه هبة المشاع لا يحتمل القسمة جائزة؛ لأن المشاع غير مقسوم، فيكون المعنى ظاهرا ووهبت النصيب غير المقسوم فيما هو غير مقسوم، وذلك مستنكر ودفعه بما ذكرنا، فافهم. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز في الوجهين) ش: أي فيما يحتمل القسمة وفيما لا يحتمل، وبه قال مالك وأحمد -رحمهما الله -. وفي " الروضة ": يجوز هبة المشاع سواء المنقسم وغيره سواء وهبه للشريك أو غيره، ويجوز هبة الأرض المزروعة مع زرعها وعكسه. وفي " الجواهر " للمالكية: ولا يمتنع بالشيوع، وإن كان قبل القسمة، وتصح هبة المجهول والآبق والكلب. وفي " فتاوى الحنابلة ": وتصح هبة المشاع وإن تعذرت قسمته، ويصح من الشريك الجزء: 10 ¦ الصفحة: 169 لأنه عقد تمليك فيصح في المشاع وغيره كالبيع بأنواعه، وهذا لأن المشاع قابل لحكمه وهو الملك، فيكون محلا له، وكونه تبرعا لا يبطله الشيوع كالقرض والوصية، ولنا أن القبض منصوص عليه في الهبة فيشترط كماله، والمشاع لا يقبله إلا بضم غيره إليه.   [البناية] وغيره سواء كان مما ينقل ويحول أو لم يكن، سواء كان مما ينقسم أو مما لا يأتي قسمته كالشقص في العبد والدابة والجوهرة والسرخي م: (لأنه عقد تمليك فيصح في المشاع وغيره كالبيع بأنواعه) ش: من الصحيح والفاسد والصرف والسلم وغيره فإن الشيوع لا تمنع تمام القبض في هذه العقود بالإجماع. م: (وهذا) ش: أي جوازه م: (لأن المشاع قابل لحكمه) ش: أي لحكم عقد الهبة م: (وهو الملك فيكون محلا له) ش: كالمبيع والإرث وكل ما هو قابل لحكم عقد يصلح أن يكون محلا له؛ لأن المحلية غير القابلية أو لازم من لوازمها، فكان العقد صادرا من أهله مضافا إلى محله، ولا مانع ثمة فكان جائزا. م: (وكونه تبرعا لا يبطله الشيوع) ش: جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال البيع لا يفتقر إلى القبض، بخلاف الهبة فإنه عقد تبرع ومحتاج إلى القبض. فلو قلنا بجوازه: في المشاع يلزم في ضمنه وجوب ضمان القسمة وهو لم يتبرع به. فأجاب بقوله: وكونه أي وكون الهبة والتذكير باعتبار الوهب أو المذكور تبرعا لا يبطله الشيوع، يعني لم يعهد ذلك مبطلا في التبرعات. م: (كالقرض) ش: بأن دفع ألف درهم إلى رجل على أن يكون نصفه قرضا يعمل في النصف الآخر شرك، فإنه يجوز مع أن القبض شرط لوقوع الملك في القرض، ثم لا يشترط القسمة م: (والوصية) ش: بأن أوصى لرجلين بألف درهم فإن ذلك صحيح، فدل على أن الشيوع لا يبطل التبرع حتى يكون مانعا. م: (ولنا أن القبض منصوص عليه في الهبة) ش: أراد به ما ذكره من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تجوز الهبة إلا مقبوضة» وفيه نظر؛ لأنه قد تقدم أن هذا الحديث لا أصل له ولم يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في اشتراط القبض في الهبة شيء. ولو ثبت اشتراط قبض فقبض كل شيء بحسبه م: (فيشترط كماله) ش: أي كمال القبض؛ لأن التنصيص عليه يدل على الاعتناء بوجوده، حتى لو استقبل الحطيم لا تجوز صلاته؛ لأنه بالبيت بالسنة، وهذا؛ لأن الثابت من وجه دون وجه لا يكون ثابتا مطلقا، وبدون الإطلاق لا يثبت م: (والمشاع لا يقبله) ش: أي القبض م: (إلا بضم غيره إليه) ش: الموهوب إلى الموهوب م: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 170 وذلك غير موهوب، ولأن في تجويزه إلزامه شيئا لم يلتزمه وهو مؤنة القسمة، ولهذا امتنع جوازه قبل القبض لئلا يلزمه التسليم. بخلاف ما لا يقسم؛ لأن القبض القاصر هو الممكن فيكتفى به، ولأنه لا تلزمه مؤنة القسمة والمهايأة تلزمه، فيما لم يتبرع به وهو المنفعة والهبة لاقت العين.   [البناية] (وذلك) ش: أي الغير م: (غير موهوب) ش: وغير ممتاز عن الموهوب، فصارت الحيازة ناقصة فلا ينتهض لإفادة الملك. م: (ولأن في تجويزه) ش: عقد الهبة في المشاع م: (إلزامه) ش: أي إلزام الواهب م: (شيئا لم يلتزمه وهو مؤنة القسمة) ش: لأنه لو ملكه قبل القسمة لطالبه بالقسمة، فيصير عقد التبرع موجبا ضمان المقاسمة عليه وهو خلاف موضع التبرع. فإن قيل: هذا ضرر مرضي؛ لأن إقدامه على هبة المشاع يدل على التزامه ضرر القسمة والصائر من الضرر ما لم يكن مرضيا. أجيب بأن: المرضي منه ليس القسمة، ولا ما يستلزمها لجواز أن يكون راضيا بالملك المشاع، وهو ليس بقسمة ولا يستلزمها، قيل: هذه العلة غير مطردة؛ لأنهم قالوا: لا تجوز الهبة من الشريك وليس ثمة ضرر القسمة، وكذلك قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجوز هبة واحد من اثنين وليس في ضرر القسمة. قلت: وجود العلة تراخي في جنس الحكم لا في كل صورة. م: (ولهذا) ش: أي ولأن تجويز هذا العقد إلزام ما لم يلتزم م: (امتنع جوازه) ش: أي جواز ثبوت الملك م: (قبل القبض لئلا يلزمه التسليم) ش: وهو لا يتحقق بدون مؤنة القسمة م: (بخلاف ما لا يقسم؛ لأن القبض القاصر هو الممكن فيكتفى به) ش: ضرورة م: (ولأنه لا تلزمه مؤنة القسمة) ش: وقد قيل إن هذا الذي ذكره كله مرتب على اشتراط كمال القبض، وفي اشتراط أصله نظر، فكيف باشتراط كماله. والصحيح جواز هبة المشاع ورهنه وإجازته ووقفه كما يجوز بيعه وقرضه والوصية به، ولا زال الناس على ذلك ولم يرد في رده كتاب ولا سنة ولا إجماع، فإن طلب الموهوب له القسمة وألزم بها الواهب فهو كما إذا ألزم بها البائع وقد باع حصة عما يملكه، فكان أن ذلك لا يمنع من صحة البيع وإن كان فيه إلزام بما لا يلتزمه، فكذلك لا يمنع من صحة الهبة. م: (والمهايأة تلزمه) ش: هذا جواب سؤال يرد علينا، تقديره أن يقال ينبغي أن لا يجوز فيما لا يحتمل القسمة؛ لأنه يلزم المهايأة، وفي إيجابها إلزام ما لم يلتزم. وتقرير الجواب أن المهايأة تلزمه م: (فيما لم يتبرع به وهو المنفعة والهبة لاقت العين) ش: فلم يكن ذلك زمانا في عين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 171 والوصية ليس من شرطها القبض، وكذا البيع الصحيح وأما البيع الفاسد والصرف والسلم فالقبض فيها غير منصوص عليه، ولأنها عقود ضمان فتناسب لزوم مؤنة القسمة، والقرض تبرع من وجه وعقد ضمان من وجه، فشرطنا القبض القاصر فيه دون القسمة.   [البناية] ما تبرع، بل هذه من ضرورات الانتفاع يملكه. ولقائل أن يقول: إلزام ما لم يلتزم الواهب بعقد الهبة إن كان مانعا عن جوازها فقد وجد وإن حصصتم بعودة إلى ما تبرع به كان محكما. والجواب: بتحصيصه بذلك وبدفع الحكم بأن في عوده إلى ذلك إلزام زيادة عين هي أجرة القسمة على العين الموهوبة بإخراجها عن ملكه وليس في غيره ذلك؛ لأن المهايأة لا تحتاج إليها ولا يلزم ما إذا أتلف الواهب الموهوب بعد التسليم فإنه يضمن قيمته للموهوب له، وفي ذلك إلزام زيادة عين على ما تبرع به؛ لأن ذلك بالإتلاف لا بعقد التبرع. م: (والوصية ليس من شرطها القبض) ش: هذا جواب عن قوله كالقبض بالوصية. تقريره أن الشيوع مانع فيما يكون القبض من شرطه لعدم تحققه في المشاع والوصية ليست كذلك م: (وكذا البيع الصحيح وأما البيع الفاسد والصرف والسلم فالقبض فيها) ش: يعني وكذا حكم البيع.. إلى آخره. أراد به وإن كان القبض فيها شرطا للملك، ولكنه م: (غير منصوص عليه) ش: فلا يصح نفيه. قلنا: كلامنا فيما يكون القبض منصوصا عليه لثبوت الملك ابتداء، وفي الصرف لبقائه في ملكه فليس فيما نحن فيه، وكذا الكرام في السلم، فإن اشتراط قبض رأس المال للاحتراز وهو النسيئة بالنسيئة، وكذا فسره أبو عبيد القاسم بن سلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وروى الحديث أيضا وقال: حدثني زيد بن الحباب عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه نهى عنه. م: (ولأنها) ش: أي ولأن الأشياء المذكورة م: (عقود ضمان فتناسب لزوم مؤنة القسمة) ش: يعني تناسب تعلق ضمان القسمة بها، بخلاف الهبة (والقرض تبرع) ش: هذا من تتمة الجواب عن قوله كالقرض والوصية أي القرض تبرع م: (من وجه) ش: بدليل أنه لا يصح من الصبي والعبد م: (وعقد ضمان من وجه) ش: فإن المستقرض مضمون بالمثل م: (فشرطنا القبض القاصر فيه) ش: أي إذا كان كذلك فلشبهة التبرع شرطنا القبض كما في الهبة والشبهة بعقد الضمان لم يشترط القسمة، وهو معنى قوله م: (دون القسمة) ش: كما في البيع، فاكتفى فيه بالقبض الجزء: 10 ¦ الصفحة: 172 عملا بالشبهين على أن القبض غير منصوص عليه فيه. ولو وهب من شريكه لا يجوز؛ لأن الحكم يدار على نفس الشيوع. قال: ومن وهب شقصا مشاعا فالهبة فاسدة لما ذكرنا، فإن قسمه وسلمه جاز؛   [البناية] القاصر م: (عملا بالشبهين) ش: وهما شبه التبرع وشبه الضمان، وانتصاب عملا على التعليل أي لأجل العمل بالشبهين م: (على أن القبض غير منصوص عليه فيه) ش: أي في القرض ليراعى وجوده على أكمل الجهات. [الحكم لو وهب من شريكه] م: (ولو وهب من شريكه لا يجوز لأن الحكم يدار على نفس الشيوع) ش: هذا جواب سؤال يقال من جهة الخصم، تقريره أن يقال عدم جواز الهبة في المشاع لا يخلو من أحد الأمرين، إما أن يكون دائرا على نفس الشيوع أو على لازم المطالبة بالقسمة إن قلتم بالأول يبطل بالمشاع الذي لا ينقسم. وإن قلتم: بالثاني يبطل بما إذا وهب نصيبه من شريكه فإنه لا يجوز عندكم، مع أنه ليس فيه لزوم المطالبة بالقسمة. وتقدير الجواب: أن الحكم معلق بنفس الشيوع في محل يتصور فيه المطالبة بالقسمة، فأقيم الشيوع مقام المطالبة بالقسمة، لكن في الموضع الذي يتصور فيه القسمة وهيئة نصيبه من شريكه من هذا القبيل، فأقيم الشيوع فيه مقامها. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا في الحقيقة جواب عن قول ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن عنده هبة المشاع فيما يحتمل القسمة يجوز من الشريك لعدم استحقاق ضمان القسمة. قلت: هذا يفيد، وإن كان له وجه؛ لأن هذا الكلام من تتمة الجواب فيما أورد الخصم علينا على ما لا يخفى. [حكم هبة الشقص المشاع] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن وهب شقصا) ش: بكسر الشين المعجمة وسكون القاف، أي نصيبا م: (مشاعا فالهبة فاسدة) ش: معناه لا يثبت الملك قبل تسليمه مفرزا؛ لأن الهبة في نفسها جائزة على ما قررناه عن قريب م: (لما ذكرنا) ش: من أن الهبة فيما يقسم لا يجوز إلا محرزة مقسومة م: (فإن قسمه) ش: أي فإن قسم المشاع وأفرز نصيبه م: (وسلمه) ش: إلى الموهوب له م: (جاز) ش: أي يثبت الملك حينئذ في الهبة الفاسدة لو قبضه مشاعا فهلك عند الموهوب له، ذكر ابن رستم أنه يضمن ولا يفيد الملك وبه أخذ الطحاوي. وقال عصام: يفيد الملك ولا يكون مضمونه في يده، وبه أخذ بعض المشايخ، كذا في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 173 لأن تمامه بالقبض، وعنده لا شيوع، قال: ولو وهب دقيقا في حنطة أو دهنا في سمسم فالهبة فاسدة، فإن طحن وسلمه لم يجز، وكذا السمن في اللبن؛ لأن الموهوب معدوم، ولهذا لو استخرجه الغاصب يملكه، والمعدوم ليس بمحل للملك فوقع العقد باطلا فلا ينعقد إلا بالتجديد، بخلاف ما تقدم؛ لأن المشاع محل للتمليك،   [البناية] " فتاوى قاضي خان " م: (لأن تمامه بالقبض وعنده) ش: أي عند القبض م: (لا شيوع) ش: فلا فساد. [الحكم لو وهب دقيقا في حنطة أو دهنا في سمسم] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولو وهب دقيقا في حنطة أو دهنا في سمسم فالهبة فاسدة) ش: الأصل هنا أن المحل إذا كان معدوما حالة العقد لم ينعقد إلا بالتجديد، بخلاف ما إذا كان مشاعا فإنه بعد الإفراز لا يحتاج إلى التجديد على ما يجيء الآن م: (فإن طحن) ش: الحنطة م: (وسلمه) ش: الدقيق م: (لم يجز، وكذا السمن في اللبن؛ لأن الموهوب معدوم) ش: يعني ليس بموجود بالفعل، وإنما يحدث بالطحن والعصر ولا معتبر بكونه موجودا بالقوة؛ لأن عامة الممكنات كذلك، ولا تسمى موجودة، وبهذا مخرج الجواب عن ما قيل ينبغي أن يجوز بيع الدهن بالسمسم مطلقا بلا اشتراط أن يكون الدهن الصافي أكثر مما في السمسم. م: (ولهذا) ش: أي ولكون الموهوب معدوما م: (لو استخرجه الغاصب) ش: بأن غصب سمسما فاستخرج دهنه فإنه م: (يملكه) ش: لأنه وقت الغصب لم يكن موجودا، فلم يرد عليه الغصب م: (والمعدوم ليس بمحل للملك، فوقع العقد باطلا فلا ينعقد إلا بالتجديد) ش: أي إلا بتجديد العقد م: (بخلاف ما تقدم) ش: وهو المشاع، فإنه لا يحتاج فيه إلى تجديد العقد م: (لأن المشاع محل للتمليك) ش: لكونه موجودا وقت العقد، ويتصور القبض منه، لكن لا على سبيل الكمال، وهذا يصح بيعه بالإجماع والمانع فيه لمعنى في غيره وهو العجز عن التسليم، فإذا زال المانع انقلب جائزا. وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": ولو وهب رجل لرجل ما في بطن جاريته أو ما في بطن غنمه أو ما في ضروعها، أو وهب له سمنًا من لبن قبل أن يسلى، أو زبدًا منه قبل أن يمخض أو دهنًا من سمسم قبل أن يعصر أو زيتا من زيتون أو دقيقا من حنطة وسلطه على قبضه عند الولادة أو عند استخراج ذلك، فإن ذلك لا يجوز ولا يشبه هذا الدين ولا يسلطه على قبضه؛ لأن الدين الذي في ذمة الغريم لم يجز بيعه منه وهبته له، وغير ذلك مما ذكرنا لا يجوز هذا فيه، انتهى. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 174 وهبة اللبن في الضرع والصوف على ظهر الغنم والزرع والنخل في الأرض، والتمر في النخيل بمنزلة المشاع؛ لأن امتناع الجواز للاتصال وذلك يمنع القبض كالمشاع. قال: وإذا كانت العين في يد الموهوب له ملكها بالهبة وإن لم يجدد فيه قبضا؛ لأن العين في قبضه والقبض هو الشرط،   [البناية] [ما لا تجوز هبته] [هبة اللبن في الضرع والصوف على الظهر] م: (وهبة اللبن في الضرع، والصوف على ظهر الغنم والزرع والنخل في الأرض والتمر في النخيل بمنزلة المشاع) ش: يعني لا يجوز كما في المشاع، وعند الثلاثة يجوز، ثم عندنا إذا حلب اللبن وجز الصوف وسلمه وقبضه الموهوب له جاز استحسانًا كما في المشاع إذا وهبه وسلمه، وكذا لو قطع الثمر والزرع وسلمها م: (لأن امتناع الجواز للاتصال) ش: أي يملك الواهب لا لكون هذه الأشياء معدومة بدليل أن الصوف على ظهر الغنم واللبن في الضرع محل التمليك حتى يجوز الصلح عليه عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبالفصل ينعدم الشيوع. والأصل في حسم هذه المسائل أن اشتغال الموهوب بملك الواهب يمنع تمام القبض، والقبض الناقص يمنع صحة الهبة، فعلى هذا إذا وهب دارًا فيها متاع الواهب أو جرابًا أو جرة ألقى فيها طعام الواهب فالهبة فاسدة، ولا معتبر بالشغل وقت العقد إذا وقع التسليم فارغًا صغرت أو يعتبر الإذن بالقبض بعد التفريغ. ولا يكفي قوله سلمتها إليك مع الشغل، فلو وهب ما في الدار وما في الجراب أو الجوالق من الطعام فالهبة تامة؛ لأن الموهوب هنا شاغل لملك الواهب وليس بمشغول بملكه، وقيام اليد على التبع لا يوجب قيام اليد على الأصل، بخلاف المسألة الأولى، ونظير ما لو وهب جارية وعليها حلي فوهبها دون حليها وسلمها فالهبة تامة، وكذا الدابة وعليها سرج أو لجام، أو وهب السرج أو اللجام دون الدابة م: (وذلك) ش: أي الاتصال م: (يمنع القبض كالمشاع) ش: ففي الشائع يمنع، فكذا في الاتصال. [ما تملك به الهبة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا كانت العين في يد الموهوب له) ش: بأن كانت وديعة أو عارية أو نحوها م: (ملكها بالهبة وإن لم يجدد فيه؛ لأن العين فيه قبضا والقبض هو الشرط) ش: وهو موجود الأصل في ذلك تجانس القبضين يجوز نيابة أحدهما عن الآخر، وتغايرهما يجوز نيابة الأعلى عن الأدنى دون العكس، فإن كان الشيء وديعة في يد شخص أو عارية فوهبه إياه لا يحتاج إلى تجديد قبض؛ لأن كلا القبضين ليس ضمانًا فكانا مجانسين. ولو كان بيده مغصوبًا أو ببيع فاسد فوهبه إياه لم يحتج إلى تجديده؛ لأن الأول أقوى فينوب عن الضعيف؛ لأن في الأعلى ما في الأدنى وزيادة فوجد القبض المحتاج إليه وزيادة شيء. ولو كانت وديعة فباعه منه فإنه يحتاج إلى قبض؛ لأن قبض الأمانة ضعيف فلا ينوب عن قبض الضمان هذا الذي ذكره في " الذخيرة " وغيره. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 175 بخلاف ما إذا باعه منه؛ لأن القبض في البيع مضمون فلا ينوب عنه قبض الأمانة، أما قبض الهبة فغير مضمون فينوب عنه. وإذا وهب الأب لابنه الصغير هبة ملكها الابن بالعقد؛ لأنه في قبض الأب فينوب عن قبض الهبة. ولا فرق بين ما إذا كان في يده أو في يد مودعه؛ لأن يده كيده بخلاف ما إذا كان مرهونا أو مغصوبا أو مبيعا بيعا فاسدا؛ لأنه في يد غيره أو في   [البناية] وذكر أبو نصر في شرحه: لو كان مضمونًا في يده أو بالمثل بغيره كالمبيع والمرهون لا ينوب عن قبض الواهب بالهبة، ولا بد من تجديد القبض. ولو كان مضمونًا في يد بالقيمة أو بالمثل كالمقبوض على سوم الشراء والمغصوب فوهب له ثبت الملك ولا يحتاج إلى تجديد القبض لوجود أصل القبض وزيادة. فإن قلت: ما معنى تجديد القبض؟. قلت: هو أن ينتهي على موضع فيه العين ويمضي وقت يتمكن فيه من قبضها. م: (بخلاف ما إذا باعه منه؛ لأن القبض في البيع مضمون فلا ينوب عنه قبض الأمانة، أما قبض الهبة فغير مضمون، فينوب عنه) ش: أي ينوب قبض الأمانة عن غير المضمون وهو الهبة، وقد مر مستوفى. م: (وإذا وهب الأب لابنه الصغير هبة ملكها الابن بالعقد) ش: أي بمجرد العقد، وهذا من مسائل القدوري م: (لأنه) ش: أي لأن الذي وهبه م: (في قبض الأب فينوب عن قبض الهبة) ش: فلا يحتاج إلى قبض آخر ولا يشترط فيه الإشهاد إلى أن فيه احتياطًا للتحرز عن جحود الورثة بعد موته، أو جحود بعد إدراك الولد. وقال ابن عبد البر: أجمع الفقهاء على أن هبة الأب لابنه الصغير في حجره لا يحتاج إلى قبض جديد، أما هل يحتاج إلى القبول لابنه الصغير، فقال الشافعي والقاضي الحنبلي: لا بد أن يقول - بعد قوله: وهبته له -: قبله، وظاهر مذهب أحمد لا يحتاج إلى هذا كقولنا. وقال مالك: لو وهبه بمال لا يعرف بعينه كالأثمان لم يجز إلا أن يضعها على يد غيره ويشهد عليه وعند القاضي لا فرق بين الأثمان وغيرها. م: (ولا فرق بين ما إذا كان في يده أو في يد مودعه؛ لأن يده كيده) ش: أي لأن يد المودع كيد المودع بالكسر حكمًا فيمكن أن يجعل قابضًا لولده باليد التي هي قائمة مقام يده. فإن قلت: لو وهب الوديعة من المودع يجوز، فلو كانت يده كيده لم يكن قابضًا لنفسه. قلت: يده كيده ما دام عاملًا له وذلك قبل الهبة، وأما بعدها فهو عامل لنفسه. م: (بخلاف ما إذا كان) ش: أي الموهوب للابن م: (مرهونًا أو مغصوبًا أو مبيعًا بيعًا فاسدًا؛ لأنه في يد غيره) ش: أي غير الأب فلا ينوب قبض المرتهن والغاصب عن قبض الهبة للولد م: (أو في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 176 ملك غيره، والصدقة في هذا مثل الهبة وكذا إذا وهبت له أمه وهو في عيالها والأب ميت ولا وصي له، وكذلك كل من يعوله.   [البناية] ملك غيره) ش: وفي " الذخيرة ": أرسل غلامه في حاجة ثم بعد الإرسال وهبه صحت الهبة؛ لأنه في يده حكمًا، فلو لم يرجع حتى مات الأب فهو للولد ولا يصير ميراثًا، وكذا لو وهب عبدًا آبقًا من ابنه الصغير، فما دام مترددا في دار الإسلام تجوز الهبة والأب قابض له بنفس الهبة. وفي " فتاوى أبي الليث ": وهب لابنه الصغير دارًا مشغولًا بمتاع الواهب جاز، وفي " المنتقى " عن محمد: لو وهب داره لابنه وفيها ساكن بأجر لا يجوز، ولو كان بغير أجر يجوز؛ لأن في الأول يتبع قبض غيره فيمنع تمام الهبة بخلاف الثاني م: (والصدقة في هذا مثل الهبة) ش: أراد أن الصدقة في الحكم المذكور كحكم الهبة فيما إذا تصدق على ابنه الصغير ملكها الابن بعقد الصدقة، فلو تصدق عليه بما عند مودعه جاز، بخلاف ما إذا تصدق بما في يد المرتهن والغاصب والمشتري بالشراء الفاسد، والتعليل هو التعليل. م: (وكذا إذا وهبت له أمه وهو) ش: أي والحال أنه م: (في عيالها والأب ميت ولا وصي له) ش: هاتان الجملتان أيضًا حال، قيد بقوله: في عيالها؛ ليكون لها عليه نوع ولاية، وقيد بموت الأب وعدم الوصي لأن عند وجودهما ليس لها ولاية القبض م: (وكذلك كل من يعوله) ش: يعني كل من يعول الصغير إذا قبض الهبة له يصح كالأخ والعم والأجنبي، وعند الثلاثة إذا وهب للصبي غير الأب من الأولياء لا بد أن يوكل من يقبل له ويقبضه له فيكون الإيجاب منه والقبول والقبض من غيره كما في البيع. وقال ابن قدامة في " المغني ": والصحيح عندي أن الأب وغيره في هذا سواء، قيل: أطلق جواز قبض هؤلاء. ولكن ذكر في " الإيضاح " و " مختصر الكرخي ": أن ولاية القبض لهؤلاء إذا لم يوجد واحد من الأربعة وهو الأب ووصيه، والجد أبو الأب بعد الأب ووصيه. فأما مع وجود واحد منهم فلا، سواء كان الصبي في عيال القابض أو لم يكن، وسواء كان ذا رحم محرم منه أو أجنبيا؛ لأنه ليس لهؤلاء ولاية التصرف في ماله، فقيام ولاية من يملك التصرف في المال يمنع ثبوت حق القبض له، فإذا لم يبق واحد منهم جاز قبض من كان الصبي في عياله لثبوت نوع ولاية له حينئذ. ألا ترى أنه يؤدبه ويسلمه في الصنائع، فقيام هذا القدر يطلق حق قبض الهبة لكونه من باب المنفعة. قلت: هذا ليس بإطلاق، وإنما هو اقتصر في التقييد، وذلك؛ لأن قوله: وكذا كل من يعوله عطف على قوله: وكذا إذا وهبت له أمه، وهو مقيد بقوله: والأب ميت ولا وصي له، فيكون هذا في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 177 وإن وهب له أجنبي هبة تمت بقبض الأب؛ لأنه يملك عليه الدائر بين النافع والضائر، فأولى أن يملك النافع. وإن وهب لليتيم هبة فقبضها له وليه وهو وصي الأب أو جد اليتيم أو وصيه جاز؛ لأن لهؤلاء ولاية عليه لقيامهم مقام الأب. وإن كان في حجر أمه فقبضها له جائز؛ لأن لها الولاية فيما يرجع إلى حفظه وحفظ ماله، وهذا من بابه لأنه لا يبقى إلا بالمال، فلا بد من ولاية التحصيل وهو من أهله.   [البناية] المعطوف أيضًا، لكنه اقتصر على ذكر الجد ووصيه للعلم بأن الجد الصحيح مثل الأب في أكثر الأحكام، ووصيه كوصي الأب. م: (وإن وهب له) ش: أي للصغير م: (أجنبي هبة تمت بقبض الأب؛ لأنه يملك عليه الدائر بين النافع والضائر، فأولى أن يملك النافع) ش: الضائر فاعل من ضار يضير والضير والضرر، وهو لغة من الضور. وفي بعض النسخ الضار بتشديد الراء، وكلاهما واحد. م: (وإن وهب لليتيم هبة فقبضها له وليه وهو) ش: أي وليه م: (وصي الأب أو جد اليتيم أو وصيه جاز؛ لأن لهؤلاء ولاية عليه لقيامهم مقام الأب. وإن كان) ش: أي اليتيم م: (في حجر أمه) ش: أي كنفها وتربيتها م: (فقبضها له) ش: أي قبض الهبة لليتيم م: (جائز لأن لها الولاية فيما يرجع إلى حفظه وحفظ ماله، وهذا من بابه) ش: أي قبض الهبة له من باب الحفظ م: (لأنه لا يبقى إلا بالمال) ش: أي لأن حفظ اليتيم لا يبقى بقاؤه إلى بقوت وملبوس م: (فلا بد من ولاية التحصيل) ش: فلا بد أن يكون بسبيل من التحصيل في حقه، فصار ذلك من ضروراته. وكذا إذا كان في حجر أجنبي يربيه؛ لأن له عليه يدًا معتبرة، ألا ترى أنه لا يتمكن أجنبي آخر من أن ينزعه من يده فيملك ما يتمحض نفعًا في حقه؛ لأنه صار كالخلف، والخلف يعمل عمل الأصل عند عدم الأصل. وإن قبض الصبي الهبة بنفسه جاز، معناه إذا كان عاقلا؛ لأنه نافع في حقه م: (وهو من أهله) ش: أي الصبي من أهل التصرف فيما يتمحض نفعا له. وفي " المبسوط ": هذا جواب الاستحسان وهو قولنا، أما في القياس لا يجوز قبضه بنفسه وإن كان عاقلا، وهو قول الشافعي. وفي رواية عن أحمد إن قبضه بإذن الولي صح، وعنه كقولنا. فإن قيل: عقل الصبي إما أن يكون معتبرا أولا، فإن كان الثاني وجب أن لا يصح قبضه، وإن كان الأول وجب أن لا يجوز اعتبار الخلف مع وجود أهليته. فالجواب: أن عقله فيما نحن فيه من تحصيل ما هو نفع معتبر لتوفير المنفعة عليه، وفي اعتبار الخلف توفيرها أيضا؛ لأنه ينفتح به باب آخر في تحصيلها فكان جائزا نظرا له، وهذا لم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 178 وفيما وهب للصغيرة يجوز قبض زوجها لها بعد الزفاف لتفويض الأب أمورها إليه دلالة. بخلاف ما قبل الزفاف ويملكه مع حضرة الأب. بخلاف الأم وكل من يعولها غيرها حيث لا يملكونها إلا بعد موت الأب أو غيبته غيبة منقطعة في الصحيح؛ لأن تصرف هؤلاء للضرورة لا بتفويض الأب، ومع حضوره لا ضرورة.   [البناية] يعتبر في المتردد بين النفع والضر لباب المضرة عليه؛ لأن عقله قبل البلوغ ناقص فلا يتم به النظر في عواقب الأمور، فلا بد من الأخذ برأي الولي. م: (وفيما وهب للصغيرة يجوز قبض زوجها لها بعد الزفاف) ش: بكسر الزاي مصدر من زففت العروس إلى زوجها، أي هديتها م: (لتفويض الأب أمورها إليه دلالة) ش: حيث زفها إليه وهي صغيرة وأقامه مقام نفسه في حفظها وحفظ مالها وقبض الهبة من حفظ المال، لكن لا تبطل بذلك ولاية الأب حتى لو قبضها جاز. وذكر المصنف الزفاف وذكر في " الإيضاح " الدخول. وفي " الذخيرة ": شرط في قبض الزوج على زوجته الصغيرة أن يكون يجامع مثلها حتى لو لم يجامع مثلها لا يصح قبض الزوج عليها عند بعض أصحابنا، والصحيح أنه إذا كان يعولها صح قبضه عليها، يجامع مثلها أو لا لما ذكرنا. ولو أدركت لم يجز قبض الزوج والأب لأنها صارت ولية نفسها حين بلغت عاقلة، كذا في " المبسوط ". م: (بخلاف ما قبل الزفاف) ش: لأنه قبل الزفاف لا يكون عليها بل مستحقه م: (ويملكه) ش: أي يملك الزوج قبض الهبة م: (مع حضرة الأب) ش: احترز به عما ذكر في " الإيضاح ": أن قبض الزوج لها إنما يجوز إذا لم يكن الأب حيا م: (بخلاف الأم وكل من يعولها غيرها) ش: أي غير الأم م: (حيث لا يملكونها) ش: أي قبض الهبة لها م: (إلا بعد موت الأب أو غيبته غيبة منقطة في الصحيح) ش: قيل الصحيح متعلق بقوله ويملكه مع حضرة الأب. قال صاحب " النهاية ": وإنما قلت هذا؛ لأن في قوله بخلاف الأم وكل من يعولها غيرها حيث لا يملكونه إلا بعد الموت، أو غيبته غيبة منقطعة ليست رواية أخرى حتى يقع قوله: في الصحيح احترازا عنها. قلت: كان حق الترتيب في التركيب أن يقول ويملكه مع حضرة الأب في الصحيح، بخلاف الأم وعبارته لا تخلو عن الإبهام م: (لأن تصرف هؤلاء للضرورة لا بتفويض الأب، ومع حضوره لا ضرورة) ش: احترز بقوله لا بتفويض الأب عن تصرف الزوج لما ذكرنا أن ولاية الزوج بتفويضه أمورها دلالة إليه، أما قبض غير الأب عليه إنما يصلح للضرورة، ولا ضرورة عند حضور من له ولاية. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 179 قال: وإذا وهب اثنان من واحد دارا جاز لأنهما سلماها جملة وهو قد قبضها جملة فلا شيوع وإن وهبها واحد من اثنين لا يجوز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يصح؛ لأن هذه هبة الجملة منهما، إذ التمليك واحد فلا يتحقق الشيوع، كما إذا رهن من رجلين دارا. وله أن هذه هبة النصف من كل واحد منهما. ولهذا لو كانت الهبة فيما لا يقسم فقبل أحدهما صح. ولأن الملك يثبت لكل واحد منهما في النصف فيكون التمليك كذلك؛ لأنه حكمه وعلى هذا الاعتبار يتحقق الشيوع.   [البناية] [وهب اثنان من واحد دارا] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا وهب اثنان من واحد دارا جاز؛ لأنهما سلماها جملة وهو قد قبضها جملة فلا شيوع) ش: لأن المانع هو الشيوع عند القبض وقد انتفى. ونقل صاحب " الأجناس " عن الأصل إذا وهب رجلان دارا من رجل جاز في قولهم. ولو وهب رجل من رجلين دارا لم يجز في قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد: جاز، وفي الرهن من رجلين جاز في قولهم جميعا، وكذلك في الإجارة من رجلين جاز. م: (وإن وهبها واحد من اثنين لا يجوز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يصح؛ لأن هذه هبة الجملة منهما، إذ التمليك واحد فلا يتحقق الشيوع، كما إذا رهن من رجلين دارا) ش: فإنه يجوز فالهبة أولى؛ لأن تأثير الشيوع في الرهن أكثر منه في الهبة، حتى لا يجوز الرهن في مشاع لا يحتمل القسمة دون الهبة، وبه قالت الثلاثة. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن هذه هبة النصف من كل واحد منهما) ش: وهذا يثبت الملك ففي النصف هذا، وفي النصف هذا بالإجماع م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون هذه هبة النصف من كل منهما م: (لو كانت الهبة فيما لا يقسم فقبل أحدهما صح) ش: فصار كما لو وهب النصف لكل واحد منهما بعقد على حدة م: (ولأن الملك يثبت لكل واحد منهما في النصف) ش: هذا استدلال ثان، والفرق بين الاستدلالين أن الأول من جانب التمليك، وهذا من جانب الملك، فإذا ثبت الملك لكل واحد منهما في النصف م: (فيكون التمليك كذلك) ش: أي كالملك يكون لكل واحد منهما النصف م: (لأنه حكمه) ش: أي لأن بالتمليك حكم الملك فإذا ثبت الملك مشاعا ثبت التمليك كذلك؛ لأنه حكمه الحكم يثبت بقدر دليله م: (وعلى هذا الاعتبار) ش: أي الاعتبار المذكور، وهو ثبوت الشيوع في التمليك بثبوت الملك مشاعا م: (يتحقق الشيوع) ش: فتفسد الهبة. فإن قلت: التمليك يحصل بالتسليم، ولا شيوع فيه دون القبض، والملك يتعلق بالقبض لبقي الضمان عن المتبرع، فوجب أن يعتبر جانبه وهو التسليم لا جانب القبض. قلت: التسليم إنما يعتبر إذا حصل به التمكن من القبض على سبيل الكمال، ولأنه طريق الجزء: 10 ¦ الصفحة: 180 بخلاف الرهن؛ لأن حكمه الحبس ويثبت لكل واحد منهما كملا فلا شيوع، ولهذا لو قضى دين أحدهما لا يسترد شيئا من الرهن. وفي " الجامع الصغير ": إذا تصدق على محتاجين بعشرة دراهم أو وهبها لهما جاز. ولو تصدق بها على غنيين أو وهبها لهما لم يجز. وقالا: يجوز للغنيين أيضا جعل كل واحد منهما مجازا عن الآخر، والصلاحية ثابتة؛ لأن لكل واحد منهما تمليك بغير بدل. وفرق بين الهبة والصدقة في الحكم في الجامع وفي الأصل سوى، فقال وكذلك الصدقة؛ لأن الشيوع مانع في الفصلين لتوقفهما على القبض.   [البناية] للقبض، فإذا لم يتمكن هو من القبض بصفة الكمال يعتبر التسليم. م: (بخلاف الرهن) ش: جواب استشهاد م: (لأن حكمه الحبس ويثبت لكل واحد منهما) ش: أي من المرتهنين م: (كملا) ش: نصب على الحال من الضمير الذي في ثبت، أي كاملا، فإذا كان حكمه الحبس م: (فلا شيوع ولهذا) ش: توضيح لما ذكره م: (لو قضى) ش: أي المراهن م: (دين أحدهما لا يسترد شيئا من الرهن) ش: لأن حكمه الحبس فيتصور أن يكون ملك الحبس ثابتا لكل واحد على الكمال إذ لا تضايف في الحبس، بخلاف ملك العين، فإنه لا يتصور إثباته لكل واحد على الكمال. م: (وفي الجامع الصغير) ش: إنما ذكر رواية الجامع الصغير لبيان ما وقع من الاختلاف بينهما وبين رواية " المبسوط " م: (إذا تصدق على محتاجين بعشرة دراهم أو وهبها لهما جاز، ولو تصدق بها على غنيين أو وهبها لهما لم يجز) ش: عند أبي حنيفة. حاصل هذا أن أبا حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جعل الهبة مجازا عن الصدقة إذا صادفت الفقير والصدقة مجازا عن الهبة إذا صادفت الغني لوجود المجوز إذ كل منهما تمليك بغير بدل. م: (وقالا: يجوز للغنيين أيضا) ش: يعني كما يجوز للفقيرين مطلقا فكذلك يجوز للغنيين مطلقا م: (جعل) ش: أي أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كل واحد منهما مجازا عن الآخر، والصلاحية ثابتة؛ لأن كل واحد منهما) ش: أي من الهبة والصدقة م: (تمليك بغير بدل) ش: فإذا كان كل منهما تمليكا بلا بدل يجوز استعارة أحدهما عن الآخر لوجود العلاقة م: (وفرق) ش: أي أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (بين الهبة والصدقة في الحكم) ش: حيث جواز الصدقة والهبة في الحكم م: (في الجامع) ش: حيث جوز الصدقة على الفقيرين ولم يجوز الهبة على الغنيين. م: (وفي الأصل) ش: أي " المبسوط " م: (سوى) ش: أي الحكم م: (فقال وكذلك الصدقة) ش: أي لا يجوز الصدقة على رجلين، عنده لا يجوز الهبة، وهذا كما ترى لم يفرق بين الهبة والصدقة في منع الشيوع فيهما عن الجواز، وعلل بقوله م: (لأن الشيوع مانع في الفصلين لتوقفهما) ش: أي لتوقف الهبة والصدقة م: (على القبض) ش: والشيوع يمنع القبض على الكمال. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 181 ووجه الفرق على هذه الرواية أن الصدقة يراد بها وجه الله تعالى وهو واحد، والهبة يراد بها وجه الغني وهما اثنان. وقيل هذا هو الصحيح والمراد بالمذكور في الأصل الصدقة على غنيين. ولو وهب لرجلين دارا لأحدهما ثلثاها وللآخر ثلثها لم يجز عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز. ولو قال: لأحدهما نصفها وللآخر نصفها عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه روايتان. فأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مر على أصله، وكذا محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] م: (ووجه الفرق) ش: أي بين الهبة من اثنين حيث لا يجوز عند أبي حنيفة، وبين الصدقة على اثنين حيث يجوز م: (على هذه الرواية) ش: أي رواية الجامع الصغير م: (أن الصدقة يراد بها وجه الله تعالى وهو واحد) ش: لا شريك له فيقع جميع العين لله تعالى على الخلوص، فلا شيوع فيها، وإنما يصير الفقير نيابة عن الله تعالى بحكم الرزق المودع، فصار كالهبة إذا وقعت الواحد وقبضها اثنان بحكم الوكالة عن الموهوب له م: (الهبة يراد بها وجه الغني وهما اثنان) ش: لأن فرض المسألة فيه م: (وقيل هذا هو الصحيح) ش: أي المذكور في الجامع الصغير من جواز الصدقة على فقيرين هو الصحيح، فإذا كان هذا هو الصحيح يحتاج ما ذكر في الأصل إلى التأويل، أشار إليه بقوله م: (والمراد بالمذكور في الأصل الصدقة على غنيين) ش: فيكون مجاز الهبة والمجنون ما ذكرناه فعلى هذا التأويل لا مخالفة بين الروايتين، فلا يحتاج إلى الفرق. [وهب لرجلين دارا لأحدهما ثلثاها وللآخر ثلثها] م: (ولو وهب لرجلين دارا لأحدهما ثلثاها وللآخر ثلثها لم يجز عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز) ش: وبه قالت الثلاثة، التفضيل في الهبة إن كان ابتداء لم يجز بلا خلاف، سواء كان التفصيل بالصاد المهملة بالتفضيل كقوله وهبت ثلثيه الآخر أو بالتساوي كقوله للشخص وهبت لك نصفه ولآخر كذلك هذا لم يذكره في الكتاب وإن كان بعد الإجمال لم يجز عند أبي حنيفة سواء متفاضلا أو متساويا بناء على أصله، وجاز عند محمد مطلقا بناء على أصله. وفرق أبو يوسف بين المساواة والمفاضلة، ففي المفاضلة لم يجوز. وفي المساواة جوز في رواية، أشار إليها بقوله: م: (ولو قال لأحدهما نصفها وللآخر نصفها عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه روايتان) ش: هذا ظاهر كلام المصنف. وجعل السغناقي هذا - أعني: قوله: ولو قال إلى آخره - تفضيلا ابتدائيا. ونقل عن عامة النسخ من " الذخيرة " و " الإيضاح " وغيرهما: أنه لم يجوز بلا خلاف وليس بظاهر؛ لأن المصنف عطف ذلك على التفصيل بعد الإجمال فالظاهر أنه ليس ابتدائيا. م: (فأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مر على أصله وكذا محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي وكذا محمد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 182 والفرق لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن بالتنصيص على الأبعاض يظهر أن قصده ثبوت الملك في البعض فيتحقق الشيوع، ولهذا لا يجوز إذا رهن من رجلين ونص على الأبعاض.   [البناية] مر على أصله؛ لأن هذه هبة واحد من رجلين نص على التفاضل أو التساوي أولا، ألا ترى أن في البيع من رجلين يجعل بيعا واحدا منهما نص على التفاضل أولا فكذا هنا م: (والفرق لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن بالتنصيص على الأبعاض يظهر أن قصده ثبوت الملك في البعض فيتحقق الشيوع) ش: هذا دليل على صورة التفصيل بالمهملة بالتفضيل. وعلى صورة بالتساوي على رواية عدم الجواز. وأما رواية الجواز فلكونها غير معدولة عن أصله وهو أصل محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فليست محتاجة إلى الدليل. وبهذا التوجيه يظهر خلل ما قاله السغناقي أن في قوله: إن بالتنصيص على الأبعاض يظهر أن قصد ثبوت الملك في البعض نوع إخلال حيث لا يعلم بما ذكر موضع خلافه من الأبعاض وما ليس فيه خلافا من الأبعاض فإنه لو نص على الأبعاض بالتنصيص بعد الإجمال، كما في قوله: وهبت لكما هذه الدار نصفها، ولهذا نصفها جاز، وإنما لا يجوز عند التنصيص على الأبعاض بالتنصيف إذا لم يتقدمه الإجمال، ووجهه ظهور خلله أنه إنما يستدل على ما عدل فيه عن أصله، والمذكور في الكتاب يدل عليه، وأما صورة الجواز فليست بمحتاجة إلى الدليل لجريانها على أصله. م: (ولهذا) ش: توضيح لدلالة التنصيص على الأبعاض على تحقيق الشيوع في الهبة بالتنصيص على الأبعاض في الرهن، فقال وهذا م: (لا يجوز إذا رهن من رجلين ونص على الأبعاض) ش: بأن قال: رهنتكما هذا الشيء على أن يكون النصف رهنا عند هذا، والنصف الآخر عند هذا كان فاسدا؛ لأن بالتفصيل يتفرق العقد، فكذا هاهنا، أما إذا نص على التناصف فقد أمكن تصحيح العقد يجعل هذا مجازا عن موجب العقد؛ لأن مطلق العقد يقتضيه، فلا يكون حاله التفصيل مخالفا لحالة الإجمال فيصير التفصيل لغوا فلا يختلف العقد، فلم يعتبر شيوعا في العقد، بخلاف ما إذا نص على التفاوت في العقد حيث يفسد العقد؛ لأن التفصيل يخالف الإجمال فيجب اعتباره فيفرق العقد. وفي " الأسرار ": وكلام محمد أوضح لأن افتراق الملك في الهبة ثابت بنفس العقد هاهنا ولا يثبت بالتفصيل كما لو قال نصفين وإنما يثبت بالتفصيل التفاضل في النصيب والمبطل للهبة نفس الشيوع لا شيوع بأنصبة متفاوتة. قال الكاكي: وتأخير دليل محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المبسوط " دليل على اختياره قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " نوادر ابن رستم " عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو دفع درهمين فقال: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 183 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أحدهما لك هبة والآخر يكون عندك وديعة فضاعا جميعا يضمن درهما، وهو في الآخر أمين، وإنما ضمن الدرهم الهبة لأنه أخذ على فساده؛ لأن الهبة كانت غير مقسومة، وهكذا نقل في " الأجناس " من " النوادر " وهذا يشعر بأن الهبة الفاسدة مضمونة لا يملكها الموهوب. ألا ترى إلى ما ذكر في المضاربة الكبيرة، ولو دفع ألف درهم إلى رجل وقال نصفه هبة ونصفه مضاربة لم يجز الهبة؛ لأنه مشاع، ولو هلك عند القابض ضمن النصف وهو خمسمائة درهم. وقال الولوالجي في " فتاواه ": رجل معه درهمان قال لرجل لك نصف هذا وقال آخر لك درهم منهما فالمسألة على وجهين إن كانا مستويين لا تجوز الهبة، وإن كانا مختلفين تجوز والفرق في ( ...... ) تناولت الهبة أحدهما وهو مجهول. وفي الثاني تناولت قدر درهم منهما مشاع لا يحتمل القسمة. وقال فيها أيضا رجلا وهب لرجلين درهما صحيحا تكلموا فيه، قال بعضهم: لا يجوز؛ لأن تنصيف الدراهم لا يضر، فكان مشاعا يحتمل القسمة، والصحيح أنه لا يجوز لأن الدرهم الصحيح لا يكسر عادة، فكان مشاعا لا يحتمل القسمة. وفي " التقريب " للقدوري: قد روى ابن سماعة عن أبي يوسف فيمن قال لرجلين وهبت منكما هذه الدار لهذا نصفهما صحت الهبة ولو قال وهبتك منك نصف هذه الدار ومن الآخر نصفها لم تصح الهبة؛ لأن في الأول أوقع العقد صفقة، ثم فسر مقتضى الصفقة في القسمة وفي الثاني فرق أحد الإيجابين عن الآخر. وفي " التحفة ": هبة رجل من رجلين على أربعة أوجه، أحدها: أن يكون العقد مختلفا، والقبض مختلفا. ثانيا: أن يكون العقد معا والقبض مختلفا وكلاهما لا يجوز، وثالثها: أن يكون العقد مختلفا والقبض مغاير. ورابعا: أن يكون كلاهما معا فإن يقولا قبلناها وقبضناها فهما لا يجوز عند أبي حنيفة خلافا لهما، وهبة العين الواحدة لاثنين من اثنين لا يجوز عنده خلافا لهما. ولو كان من واحد لثلاثة جاز عنده خلافا لهما. قال صاحب " المجتبى ": وفيه نظر. ولو وهب لابنيه صغير وكبير لا يجوز بالاتفاق لتفرق القبض. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 184 باب ما يصح رجوعه وما لا يصح قال: وإذا وهب هبة لأجنبي فله الرجوع فيها. وقال الشافعي: لا رجوع فيها لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يرجع الواهب في الهبة إلا الوالد فيما يهب لولده» ،   [البناية] [باب ما يصح رجوعه في الهبة وما لا يصح] م: (باب ما يصح رجوعه وما لا يصح) ش: لما كانت الهبة غير لازمة حتى صح الرجوع فيها احتاج إلى بيان مواضع الرجوع بعقد باب علمها. م: (قال: وإذا وهب هبة لأجنبي فله الرجوع فيها) ش: أي في الهبة، والمراد الموهوب لأن الرجوع إنما يكون في حق الأعيان دون الأقوال. ولصحة الرجوع قيود. الأول: أن يكون لأجنبي وهو هاهنا من لم يكن ذا رحم محرم منه، فخرج منه من كان ذا رحم وليس بمحرم كبني الأعمام والأخوال ومن كان محرما ليس بذي رحم كالأخ الرضاعي. الثاني: أن يكون قد سلمها إليه لأنه قبل التسليم يجوز مطلقا. الثالث: أن لا يقترن بشيء من موانع الرجوع، ولعله لم ينبه على القيدين الأخيرين اعتمادا على أنه يفهم ذلك في أثناء كلامه. م: (وقال الشافعي: لا رجوع فيه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: «لا يرجع الواهب في الهبة إلا الوالد فيما يهب لولده» ش: وبقوله قال مالك وأحمد في ظاهر مذهبه، وفي هبة الوالد لولده عن أحمد في رواية لا يرجع. وعن مالك: إذا رغب راغب في مواصلة الولد بسبب المال الموهوب بأن زوج لأجله أو جهز لابنته لا رجوع فيه. وكذا إذ انتفع الولد به، وفي غير ذلك له الرجوع. وللشافعي في غير الأب من الأصول قولان: أحدهما: لا رجوع لأن الخبر ورد في الأب، وأصحهما أنهم كالأب. وعن مالك لا رجوع لهم سوى الأم. وقال أحمد: لا رجوع لها أيضا فأما غير الأصول من الأقارب كالأخ والعم وسائر الأقارب كالأجنبي. وقال ابن الجلاب المالكي في كتاب " التفريع ": وكل من وهب هبة فليس فيها رجعة إلا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 185 ولأن الرجوع يضاد التمليك والعقد لا يقتضي ما يضاده، بخلاف هبة الوالد لولده على أصله؛ لأنه لم يتم التمليك لكونه جزءا له. ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها»   [البناية] للوالدين خاصة، فإن لهما الرجعة فيما وهباه لولدهما ما لم يتداين أو يتزوج، فإن تداين أو تزوج لم يكن للوالدين في الهبة رجعة، فإن تغيرت الهبة عند الوالد فليس للوالد فيها رجعة، وإن باعها الولد وأخذ ثمنها لم يكن للوالد إلى الثمن فيها سبيل، انتهى. وفي " وجيز الشافعية ": ولا رجوع فيها إلا للوالد فيما يهب لولده، وفي معناه الولد والجد وكل أصل. وقيل إنه يختص بالأب، وإن تصدق الأب عليه لفقره ففي الرجوع خلاف، وتلف الموهوب أو زال ملك المتهب فات الرجوع ولا يثبت طلب القيمة، وقال المزني: لا يحل لواهب أن يرجع في هبته وله أن يرجع في هديته، وإن لم يثبت عليها إلا الأب. وأما الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن طاووس عن ابن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل فإذا شبع فأتم عاد في قيئه» ، قال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث حسن صحيح، ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال: حديث صحيح الإسناد، ورواه أحمد في مسنده والطبراني في معجمه والدارقطني في سننه. م: (ولأن الرجوع يضاد التمليك، والعقد لا يقتضي ما يضاده) ش: فوجب أن يلزم كالبيع م: (بخلاف هبة الوالد لولده على أصله) ش: أي على أصل الشافعي، فإن من أصله أن للأب حق الملك في مال ابنه؛ لأنه جزؤه فالتمليك منه كالتمليك من نفسه من وجه. وقوله: بخلاف إلى آخره جواب عما يقال فهذه العلة موجودة في هبة الوالد للولد، وتقريره إياك نسلم ذلك م: (لأنه لم يتم التمليك لكونه جزءا له) ش: لأن الولد كسبه أو بعضه فلم يتم التمليك كما في الزكاة. م: (ولنا قوله عليه الصلاة السلام: «الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها» ش: قال الجزء: 10 ¦ الصفحة: 186 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الأترازي: فيه نظر؛ لأنه من كلام علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا من كلام النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقد مر ذكره، وأشار به إلى ما ذكره قبل هذا. وحديث الطحاوي عن سليمان عن عبد الرحمن بن زياد عن شعبة عن جابر الجعفي قال: سمعت القاسم بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبزى عن علي قال: الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها. وحديث الكرخي في " مختصره " قال: حدثنا الحضري قال حدثنا يحيى قال: حدثنا شريك عن جابر عن القاسم عن ابن أبزى عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: " الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها ". قلت: كيف يقول الأترازي فيه نظر، فكأنه لم يطلع على كتب القوم. وهذا الحديث قد رواه أبو هريرة وابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أما حديث أبي هريرة: فأخرجه ابن ماجه في " الأحكام " عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع بن جارية عن عمرو بن دينار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها» . وأخرجه الدارقطني في " سننه " وابن أبي شيبة في " مصنفه ". وأما حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: فله طريقان: أحدهما: عند الطبراني في " معجمه "، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثني أبي قال: وجدت في كتاب أبي عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من وهب هبة فهو أحق بهبته ما لم يثب منها، فإن رجع في هبته فهو كالذي يقيء ثم يأكل قيئه» . الطريق الثاني: عند الدارقطني في " سننه " عن إبراهيم ابن أبي يحيى الأسلمي عن محمد بن عبيد الله عن عطاء عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من وهب هبة فارتجع فيها فهو أحق بها ما لم يثب منها، ولكنه كالكلب يعود في قيئه» . وأما حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فرواه الحاكم في " المستدرك " حدثنا أحمد بن حازم بن أبي عزرة حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت سالم بن عبد الله يحدث عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب منها» وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، إلا أن يكون الحمل فيه على شيخنا، ورواه الدارقطني في " سننه ". الجزء: 10 ¦ الصفحة: 187 أي ما لم يعوض، ولأن المقصود بالعقد هو التعويض للعادة، فثبت له ولاية الفسخ عند فواته؛ إذ العقد يقبله.   [البناية] فإن قيل: قد قال البيهقي غلط فيه عبيد الله بن موسى، والصحيح رواية عبد الله بن وهب عن حنظلة عن سالم عن أبيه عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - من قوله، وإسناد حديث أبي هريرة أليق، إلا أن فيه إبراهيم بن إسماعيل وهو ضعيف عند أهل الحديث، فلا يبعد منه الغلط، والصحيح رواية سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه عن عمر فرجح الحديث إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من قوله وقال ابن القطان في طريق الطبراني: هو لم يصل إلى العزرمي إلا على لسان كذاب وهو إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي، فلعل الخيانة منه. قلت: حديث ابن عمر صحيح مرفوعا، ورواته ثقات، كذا قال عبد الحق في " الأحكام "، وصححه ابن حزم، وكذا قال الحاكم كما ذكرنا، وقد توبع راويه كما أخرجه الدارقطني عن إسماعيل الصفار عن علي بن سهل عن عبيد الله، فلا حمل على شيخ الحاكم، ولا نسلم للبيهقي أنه وهم، بل يحمل على أن لعبيد الله فيه إسنادين ولا يقال يجوز أن يكون المراد به قبل التسليم فلا يكون حجة؛ لأن ذلك لا يصح؛ لأن قوله أحق يدل على أن لغيره حقا فيها، ولا حق لغيره قبل التسليم. ولأنه لو كان كذلك لخلا قوله ما لم يثب منها عن الفائدة، إذ هو أحق قبله وإن شرط العوض. م: (أي ما لم يعوض) ش: هذا ليس من الحديث، بل هو تفسير لقوله ما لم يثب وهو على صيغة المجهول من الإثابة وهو التعويض، وأصله من الثوب وهو الرجوع. يقال ثاب الرجل يثوب ثوبا وثوبانا. م: (ولأن المقصود بالعقد هو التعويض للعادة فثبت له ولاية الفسخ عند فواته) ش: أي فوات المقصود م: (إذ العقد يقبله) ش: أي الفسخ، قيل فيه نظر؛ لأن المقاصد بالهبات مختلفة، فقد يكون المقصود مكافأة الموهوب عن إحسانه، وقد يكون الحامل على الهبة مجرد المحبة، وقد يكون المقصود نسج المودة أو النفع بالبدن أو بالجاه، وتسمى رشوة أو العوض المالي وليس القصد منحصرا في التعويض بالمال، حتى يقال إنه إذا لم يثب من الهبة بالمال، والتعويض غير مشروط أنه يجوز الرجوع فيه، ويمكن أن يجاب عنه بأن المقصود غالبا هو العوض المالي، أشار إليه بقوله: العادة يعني عادة الناس غالبا من هباتهم التعويض بالمال. ولهذا يقال - الأبادي فروض - وقد تأبدت بالشرع، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «تهادوا تحابوا» والمعروف كالمشروط، والتفاعل يقتضي وجود الفعل من الجانبين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 188 والمراد بما روي نفي استبداد الرجوع وإثباته للوالد؛ لأنه يتملكه للحاجة، وذلك يسمى رجوعا، وقوله في الكتاب: فله الرجوع لبيان الحكم، أما الكراهة فلازمة لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «العائد في هبته كالعائد في قيئه» ،   [البناية] فإن قيل: يشكل على هذا ما إذا وهب لعبد ذي الرحم المحرم، فإن له أن يرجع على قول أبي حنيفة ومع أنه ليس من أهل التعويض. وكذا في هبة الفقير. قلت: هو من أهل أن يعوض بمنافعه التي توجد منه ومن أهل أن يعوض بكسبه عند إذن المولى. وأما الهبة للفقير فعبارة عن الصدقة، وقال صاحب " العناية ": لأن العادة الظاهرة أن الإنسان يهدي إلى من فوقه ليصونه بجاهه، وإلى من دونه ليخدمه وإلى من يساويه ليعوضه. قلت: فعلى هذا ليس له الرجوع إلا في الثالث ومع هذا له الرجوع في الكل ما لم يعوض. م: (والمراد بما روي) ش: أراد به الحديث الذي احتج به الشافعي وهو على صيغة المجهول ويجوز صيغة المعلوم بأن يكون الشافعي أعله، وأشار بهذا الكلام إلى الجواب عن هذا الحديث. تقريره أن المراد به م: (نفي استبداد الرجوع) ش: أي عدم استقلال الواهب بالرجوع من غير قضاء ولا رضاء إلا الوالد إذا احتاج إلى ذلك، فإنه ينفرد بالأخذ لحاجته بلا قضاء ولا رضى، وهو معنى قوله م: (وإثباته) ش: أي إثبات الرجوع م: (للوالد؛ لأنه يتملكه للحاجة) ش: أي يتملك الرجوع عند حاجته من غير مانع لما ذكرنا م: (وذلك يسمى رجوعا) ش: أراد أن رجوع الوالد عند الحاجة إنما يسمى رجوعا باعتبار الظاهر وإن لم يكن رجوعا في الحكم. قيل: فيه نظر؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أطلق استثناء الوالد ولم يقيد جواز رجوعه فيما وهب لولدها لحاجة فيجب إجراؤه على إطلاقه، وليحصل الفرق بين أخذ من مال ولد ورجوعه فيما وهبه إياه. وتأويل آخر أن المراد لا يحل الرجوع ديانة ومروءة، وهذا جاء في أكثر الروايات بلفظ لا يحل، فكان بمنزلة قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت شبعان وجاره جنبه طاو» أي لا يليق ذلك ديانة ومروءة. وإن كان جائزا في الحكم إذا لم يكن عليه حق واجب، وهكذا يقول لا يليق الرجوع ديانة ومروءة، فيكون مكروها. م: (وقوله في الكتاب) ش: أي قول القدوري في كتابه م: (فله الرجوع لبيان الحكم، أما الكراهة) ش: أي في الرجوع م: (فلازمة لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «العائد في هبته كالعائد في قيئه» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا الترمذي عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «العائد في هبته كالعائد في قيئه» زاد أبو داود قال قتادة: ولا تعلم القيء إلا حراما. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 189 وهذا لاستقباحه ثم للرجوع موانع، ذكر بعضها فقال: إلا أن يعوضه عنها لحصول المقصود   [البناية] وأما في بعض نسخ الهداية: «العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه» وهو كذلك في غالب كتب أصحابنا. وهكذا أخرجه البخاري ومسلم عن طاووس عن ابن عباس أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه» . م: (وهذا) ش: أي تشبيه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (لاستقباحه) ش: واستقذاره لا في حرمة الرجوع كما زعم الشافعي، ألا ترى أنه قال في رواية أخرى: «كالكلب يعود في قيئه» ، وفعل الكلب يوصف بالقبح لا بالحرمة وبه نقول إنه يستقبح. قيل: قد استدل المصنف على كراهة الرجوع بهذا الحديث الصحيح، ثم يشترطون في جوازه الرضى أو القضاء، وإذا كان الرجوع بالرضى فلا كلام فيه، ولا إشكال، وأما إذا كان بالقضاء فكيف يسوغ للقاضي الإعانة على مثل هذه المعصية، وكيف يكون إعانة على المعصية التي هي معصية أخرى نتيجة للجواز. وإذا كان الرجوع قبل القضاء غير جائز فبعده كذلك؛ لأن قضاء القاضي لا يحلل الحرام ولا يحرم الحلال، وإنما قضاء القاضي إعانة لصاحب الحق على وصوله إلى حقه، فإذا كان الرجوع في الهبة لا يحل لا يصير بالقضاء حلالًا، والقاضي غير مشرع. وقد اعترف المصنف بعد ذلك بأن في الأصل الرجوع في الهبة واه، فكيف يسوغ للقاضي الإقدام على أمر واه ضعيف مكروه، ولا يقال إن اشتراط القضاء ليرتفع الخلاف؛ لأن القضاء في مسائل الخلاف إنما يشترطه المخالف في ثبوت الحكم. م: (ثم للرجوع موانع ذكر بعضها) ش: أي ذكر القدوري بعض الموانع، قيل الموانع سبعة جمعها القائل في قوله: موانع الرجوع في فصل الهبة بسبعة حروف، دمع خزقه، فالدال الزيادة، والميم موت الواهب، والعين العوض، والخاء الخروج عن ملك الموهوب، والزاي الزوجية، والقاف القرابة، والهاء هلاك الموهوب. وذكر شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده في " مبسوطه " أن الموانع تسعة، وذلك لأن الموت على قسمين، موت الواهب وموت الموهوب له، والتاسع التغير من جنس إلى جنس. م: (فقال) ش: أي القدوري: م: (إلا أن يعوضه عنها) ش: أي إلا أن يعوض الموهوب له الواهب عن الهبة م: (لحصول المقصود) ش: لأن مقصوده كان التعويض وقد حصل، قال أصحابنا: إن العوض الذي يسقط به الرجوع ما شرط في العقد، فأما إذا عوضه بعد العقد لا يسقط الرجوع؛ لأنه غير مستحق على الموهوب له، وإنما تبرع به ليسقط عن نفسه الرجوع فيكون هبة مبتدأة وليس كذلك إذا شرطت في العقد؛ لأنه يوجب أن يصير حكم العقد حكم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 190 أو تزيد زيادة متصلة   [البناية] البيع وتتعلق به الشفعة ويرد بالعيب، فدل ذلك أنه قد صار عوضا عنها. وذكر في " التحفة ": فأما العوض المتأخر عن العقد فهو لإسقاط الرجوع، ولا يصير في معنى المعاوضة لا ابتداء ولا انتهاء م: (أو تزيد) ش: أي العين الموهوبة م: (زيادة متصلة) ش: كالغرس والبناء والسمن، وبه قال أحمد في رواية، وفي أخرى: لا يمنع الرجوع في هبة الوالد لولده. وقال الشافعي: لا تمنع هذه من الرجوع في موضع الرجوع. وفي " الروضة ": إن كانت الزيادة متصلة كالولد والكسب رجع في الأصل وبقيت الزيادة للمتهب، ولو كان الموهوب ثوبًا فضيعه الابن رجع في الثوب، والابن شريك في الصبغ، ولو قصره أو كان حنطة فطحنها، أو غزلًا فنسجه، فإن لم تزد قيمته رجع ولا شيء للابن وإن زادت. فإن قلنا: القصارة عين فالابن شريك، وإن قلنا أثر فلا شيء له، ولو كان أرضًا فبنى فيها أو غرس رجع الأب في الأرض، وليس له قطع البناء والغراس مجانًا، لكنه يحرس إلا لبقاء بأجرة، أو التمليك بالقيمة أو القلع، وغرامة النقض كالعارية. انتهى. ومذهب مالك في هذا الفصل أنه يمنع الرجوع كمذهبنا. وقال في " الجواهر " ولو زادت أي العين الموهوبة في عينها أو نقصت منع ذلك في الرجوع فيها. وقال مطرف وابن الماجشون لا يمنع ذلك من اعتبارها، وفيه أيضًا وبغير الهبة في قيمتها تتغير الأسواق لا يمنع من الرجوع فيها. انتهى. وإنما قيد بقوله متصلة؛ لأن المنفصلة لا تمنع الرجوع بلا خلاف، فإن الجارية الموهوبة إذا ولدت كان للواهب الرجوع. وفي " الذخيرة ": لو ولدت الجارية بعد الهبة يرجع فيها دون الولد. قال أبو يوسف: إنما يرجع فيها إذا استغنى الولد عنها، والمراد بالزيادة في نفس الموهوب له شيء يوجب زيادة في قيمته ما لو زاد في نفسه ولم يوجب ذلك زيادة في قيمته، كما لو طال الغلاء لا يمنع أيضًا تلك الزيادة يوجب نقصا فيه فلا يمنع الرجوع والزيادة من حيث السعر لا يمنع أيضًا، وكذا الحكم في جميع الحيوانات والثمار وغير ذلك ذكره في " المحيط ". فإن قيل: ما الفرق بين الرد بالعيب والرجوع في الهبة والمتصلة بالعكس؟. أجيب: بأن الرد في المنفصلة، إما أن يرد على الأصل والزيادة جميعا أو على الأصل ووجد لا سبيل إلى الأول؛ لأن الزيادة أما أن تكون مقصودة بالرد أو بالتبعية والأول أصح؛ لأن العقد لم يرد عليها، والفسخ يرد على مورد العقد وكذلك الثاني؛ لأن الولد بعد الانفصال لا يتبع الأم لا محالة، ولا إلى الثاني لأنه يبقى الزيادة في يد المشتري مجانًا وهو ربا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 191 لأنه لا وجه إلى الرجوع فيها دون الزيادة لعدم الإمكان، ولا مع الزيادة لعدم دخولها تحت العقد. قال: أو يموت أحد المتعاقدين لأن بموت الموهوب له ينتقل الملك إلى الورثة، فصار كما إذا انتقل في حال حياته،   [البناية] بخلاف الرجوع في الهبة، فإن الزيادة لو بقيت في يد الموهوب له مجانًا لم تفض إلى الربا، وأما في المتصلة فلأن الرد بالعيب إنما هو ممن حصلت على ملكه فيه إسقاط حقه برضاه، فلا تكون الزيادة مانعة عنه، بخلاف الرجوع في الهبة، فإن الرجوع ليس برضى ذلك وباختياره فكانت مانعة. م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لا وجه إلى الرجوع فيها) ش: أي في العين الموهوبة م: (دون الزيادة لعدم الإمكان) ش: الفصل م: (ولا مع الزيادة) ش: أي لا وجه للرجوع أيضًا مع الزيادة م: (لعدم دخولها تحت العقد) ش: أي لعدم دخول الزيادة في العقد، وليست بموهوبة فلم يصح الرجوع فيها، والفصل غير ممكن ليرجع في الأصل دون الزيادة، فامتنع الرجوع أصلًا. فإن قلت: حق الرجوع ثابت في حق الأصل فيسري إلى أوصافه. قلت: ثبوت الحكم في التبع ثبوته في الأصل؛ لأنه عرض قائم بالواهب وليس بوصف للمحل، ولا يقال الملك لا يوصف للزوم من أوصافه. وفي " الذخيرة ": الزيادة من حيث الشعر لا تمنع؛ لأنها ليست بزيادة في العين بل هي زيادة رغبات الناس، والعين بحالها، ولو علمه القرآن أو الحرفة أو أسلم أو قضى دينه فهذا لا يمنع عند أبي حنيفة وزفر - رحمهما الله - لأنها ليست بزيادة في العين كالشعر. وعند أبي يوسف ومحمد وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يمنع لأنها زيادة معنوية. ولو اختلفا في الزيادة فالقول للواهب؛ لأنه ينكر لزوم العقد. وعند زفر القول للموهوب له؛ لأنه ينكر حق الواهب في الرجوع. [موت أحد المتعاقدين من موانع الرجوع في الهبة] م: (قال: أو يموت أحد المتعاقدين لأن بموت الموهوب له ينتقل الملك إلى الورثة، فصار كما إذا انتقل في حال حياته) ش: لأن الثابت للوارث وإن كان له حكم البقاء فيما يرجع إلى المحل حتى يرد بالعيب ويرد عليه، ولكن في حق المالك هو ملك جديد لأنه صار له بعد أن لم يكن. وهنا يجب الاستبراء أو يحل له لو كان صدقة، فصار كأنه انتقل إليه في حال حياته، فيمنع الرجوع وبهذا أخرج الجواب عما يقال لم يجعل موت المورث في حق خيار العيب بمنزلة انتقال الملك إلى الورثة وجعل هاهنا بمنزلة انتقاله إليهم. وتحقيق الجواب: أن التوريث إنما يجري في الأعيان لا في الأوصاف، وفي خيار العيب يستحق المورث سليمًا والذي اشتراه معيبًا وهو الذي انتقل إلى وارثه، فيكون له الخيار في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 192 وإذا مات الواهب فوارثه أجنبي عن العقد إذ هو ما أوجبه قال: أو يخرج الهبة عن ملك الموهوب له؛ لأنه حصل بتسليطه فلا ينقضه، ولأنه يتجدد الملك بتجدد سببه. قال: فإن وهب لآخر أرضا بيضاء فأنبت في ناحية منها نخلا أو بنى بيتا أو دكانا أو أريا وكان ذلك زيادة فيها فليس له أن يرجع في شيء منها؛ لأن هذه زيادة متصلة. وقوله: " وكان ذلك زيادة فيها ".   [البناية] العين. وأما هاهنا فليس له ذلك لأنه يؤدي إلى توريث الخيار وهو وصف محض فلا يصح. م: (وإذا مات الواهب فوارثه أجنبي عن العقد إذ هو ما أوجبه) ش: أي ما أوجب الملك للموهوب له، فلا يكون له حق الرجوع بالنص؛ لأنه أوجب الرجوع للواهب وهو ليس بواهب. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (أو يخرج الهبة) ش: أي العين الموهوبة وفي بعض النسخ أو يخرج الموهوب م: (عن ملك الموهوب له؛ لأنه حصل بتسليطه) ش: أي لأن خروج ملك الواهب عن ملك الموهوب له حصل بتسليط الواهب م: (فلا ينقضه) ش: لأن سعي الإنسان في نقص ما تم من جهته مردود، م: (ولأنه يتجدد الملك بتجدد سببه) ش: وهو التمليك، وتبدل الملك كتبدل العين لم يكن له الرجوع، فكذا في تبديل السبب. [وهب لآخر أرضًا بيضاء فنبت فيها وأراد الرجوع] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (فإن وهب لآخر أرضًا بيضاء) ش: أراد به أرضًا خالية مكشوفة عن الشواغل م: (فأنبت) ش: أي الموهوب له م: (في ناحية منها نخلًا أو بنى بيتًا أو دكانًا) ش: وهي مصطبة مرتفعة وعرف الناس الدكان هو الذي يسكنه السوقي وهو معروف م: (أو أريًا) ش: بفتح الهمزة وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف، وهو العلف عند العامة وهو مراد الفقهاء، والأري في اللغة مجلس الدابة، وقد يسمى الآخر " رايًا " وهو حبل يشد الدابة في مجلسها، وهو في التقدير فاعل والجمع " الأراري " يخفف ويشدد بقول منه أرأيت للدابة تارية وتاري. وبالمكان إذا قام به م: (وكان ذلك) ش: الواو للحال، والتقدير والحال أنه قد كان ذلك، والإشارة إلى المذكور من قوله: أنبت في ناحية منها نخلًا إلى آخره. وفي " الذخيرة ": وإن كان ذلك لا يعد زيادة كلأري أو يعد نقصانا كالتنور في الكشانية لا يمنع الرجوع، قيد به لأن ما لا يكون كذلك أو كان ولكن لعظم المكان بعد زيادة في قطعة منها لا يمنع الرجوع في غيرها. م: (زيادة فيها) ش: أي في الأرض، وقد أعاد بعض الشراح الضمير إلى الدار وليس كذلك؛ لأن المذكور هو الأرض، وإنما حمله على ما ذكره في " الجامع الصغير " لصدر الإسلام فإنه ذكر فيه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 193 إشارة إلى أن الدكان قد يكون صغيرا حقيرا لا يعد زيادة أصلا، وقد تكون الأرض عظيمة يعد ذلك زيادة في قطعة منها فلا يمتنع الرجوع في غيرها، قال: فإن باع نصفها غير مقسوم رجع في الباقي؛ لأن الامتناع بقدر المانع، وإن لم يبع شيئا منها له أن يرجع في نصفها لأن له أن يرجع في كلها، فكذا في نصفها بالطريقة الأولى.   [البناية] وقوله: وكان ذلك فيما يريد بهذا إن بنى دكانًا بعد ذلك زيادة في الدار، وهذا لأن الزيادة في جانب الدار توجب زيادة في كل الدار، فإنه يزداد قيمة بها كل الدار، كما إذا كان في أجدر عينها بياض فتزال البياض فالزيادة في عينها تكون زيادة في كل الجارية وإن كان في موضع خاص كذلك م: (فليس له أن يرجع في شيء منها؛ لأن هذه زيادة متصلة) ش: فالاتصال يمنع الرجوع. م: (وقوله: " وكان ذلك زيادة فيها " إشارة) ش: بهذا إلى بيان فائدة التقييد في الجامع الصغير بقوله وكان ذلك زيادة فيها م: (إلى أن الدكان قد يكون صغيرا حقيرا لا يعد زيادة أصلًا، وقد تكون الأرض عظيمة بعد ذلك زيادة في قطعة منها فلا يمتنع الرجوع في غيرها) ش: أي في غير القطعة التي فيها الزيادة. وقال شيخ الإسلام علي الدين الأسبيجابي في شرح " الكافي ": وهو إذا كانت الأرض صغيرة يزيدها الغرس، فأما إذا كانت كبيرة وغرس في جانب منها ينقطع حق الرجوع في المكان الذي غرس فيه الأشجار فيكون وضع مسألة الكتاب في الأرض الصغيرة. قال: وإن كانت الهبة دارًا فانهدم البناء كان له أن يرجع في الباقي؛ لأن هذا نقصان في الهبة، والنقصان لا يمنع الرجوع. وكذلك إذا استهلك بعض الهبة ببيع أو غيره ينقطع حقه في المسجد أو وضع فيه سواري أو بابًا أو حصى ليس له الرجوع؛ لأنه يترك عادة. ولو وضع فيه حبًا أو علق قنديلا له الرجوع. والنقل والنقب في اللؤلؤة إن كان يزيد في الثمن يسقط الرجوع. ولو وهبه عبدًا صغيرا شاخ ونقصه قيمته سقط الرجوع؛ لأنه زاد في يده ولو ازدادت قيمته بالنقل إلى بلد آخر سقط بخلاف ما إذا غلا السعر. 1 - م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (فإن باع نصفها غير مقسوم) ش: أي إن باع الموهوب له نصف الأرض الموهوبة حال كونه غير مقسوم م: (رجع في الباقي؛ لأن الامتناع بقدر المانع، وإن لم يبع شيئًا منها له أن يرجع في نصفها؛ لأن له أن يرجع في كلها، فكذا في نصفها بالطريقة الأولى) ش: هذا كله ظاهر غني عن زيادة البيان. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 194 وإن وهب هبة لذي رحم محرم منه فلا يرجع فيها؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها "   [البناية] [وهب لذي رحم محرم منه وأراد الرجوع] م: (وإن وهب هبة لذي رحم محرم منه فلا يرجع فيها) ش: وبه قالت الثلاثة، وفي هبة أحد الزوجين لآخر لا رجوع فيها أيضًا، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في رواية، وفي أخرى يرجع في هبة المرأة لزوجها دون العكس. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها» ش: هذا الحديث أخرجه الحاكم في " مستدركه " في البيوع والدارقطني والبيهقي في " سننهما " عن عبد الله بن جعفر عن عبد الله بن المبارك عن حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها» . فإن قلت: هذا الحديث ضعفه البيهقي، وقال ابن الجوزي في التحقيق: وعبد الله بن جعفر هذا ضعيف. قلت: قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه، ولكن الشيخ تقي الدين تعقبه في الإلمام، وقال: بل هو على شرط الترمذي. وخطأ صاحب " التنقيح " ابن الجوزي في تضعيفه عبد الله بن جعفر وقال: بل هو ثقة من رجال الصحيحين، ورواة هذا الحديث كلهم ثقات. فإن قلت: قال البيهقي: حديث الحسن عن سمرة هذا ليس بالقوي. قلت: قد ذكر هو في كتاب " البيوع " في سننه حديث الحسن عن سمرة «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن بيع الشاة» وصحح إسناده، وقال: قد احتج البخاري بالحسن عن سمرة. فالعجب كل العجب من البيهقي إذا كان الحديث له يصححه بالإسناد الذي يضعفه عند كونه عليه، والعجب أيضًا من بعض من يتصدى في إلقاء الأنظار في هذا الكتاب أنه قال: هذا الحديث ضعفه البيهقي وسكت على هذا، ومضى ظانًا أنه نظر. والعجب أيضًا من الأترازي مع دعواه العريضة في الحديث حيث قال في شرحه مثل هذا في قول عمر، وكذلك قال الكاكي، ثم روى حديث آخر ضعيفًا وسكت عن الصحيح وانتصر بالضعيف. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 195 ولأن المقصود صلة الرحم وقد حصل. وكذلك ما وهب أحد الزوجين للآخر؛ لأن المقصود فيها الصلة كما في القرابة. وإنما ينظر إلى هذا المقصود وقت العقد حتى لو تزوجها بعدما وهب لها فله الرجوع فيها، ولو أبانها بعدما وهب فلا رجوع. قال: وإذا قال الموهوب له للواهب خذ هذا عوضا عن هبتك أو بدلا عنها أو في مقابلتها فقبضه الواهب سقط الرجوع لحصول المقصود   [البناية] م: (ولأن المقصود صلة الرحم وقد حصل) ش: لأن كل عقد أفاد المقصود يلزم، فإن وهب لقن أخيه أو لأخيه القن يرجع خلافًا لهما في الأولى م: (وكذلك ما وهب أحد الزوجين للآخر؛ لأن المقصود فيها الصلة كما في القرابة) ش: يعني أن ما يهبها من الزوجين للآخر نظير القرابة بدليل التوارث من الجانبين من غير حجب وعدم قبول الشهادة م: (وإنما ينظر إلى هذا المقصود وقت العقد حتى لو تزوجها بعدما وهب لها فله الرجوع فيها) ش: لوقوع الهبة لأجنبية، وكان مقصوده الغرض ولم يحصل. [أبان زوجته بعدما وهب لها وأراد الرجوع في الهبة] م: (ولو أبانها بعدما وهب فلا رجوع) ش: لأنها وقت الهبة زوجته، وفي جامع قاضي خان: وهبت لزوجها ضيعة على أن لا يطلقها وقتًا معلومًا فطلقها قبله فالهبة باطلة، وإن لم يوقت ثم طلقها بعده فالهبة صحيحة؛ لأنه وفى بالشرط. وقال الإمام الأسبيجابي في شرح " الكافي ": رجل وهب لامرأة هبة ثم تزوجها فله أن يرجع فيها؛ لأنه لم يقع مجازاة ولا صلة، وإن وهب لها هبة ثم أبانها لم يكن له أن يرجع فيها لأنه حصل المقصود بهذه الهبة وهو تحقيق الصلة حال وقوعها فبطل حق الرجوع. [قال له خذ هذا عوضًا عن هبتك أو بدلًا عنها فقبضه الواهب] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا قال الموهوب له للواهب خذ هذا عوضًا عن هبتك أو بدلًا عنها أو في مقابلتها فقبضه الواهب سقط الرجوع لحصول المقصود) ش: الشرط فيه أن يعلم أنه عوض هبة، فإذا لم يعلم أنه عوض هبة فإذا لم يعلم فله الرجوع في هبته والموهوب له في عوضه. وفي " جامع قاضي خان " و " الفتاوى ": وصورة التعويض أنه يذكر لفظًا يعلم الواهب أنه عوض هبة بأن يقول الموهوب له خذ هذا عوضًا أو جزاء هبتك أو ثواب هبتك أو بدل هبتك، أما إذا لم يعلم كان لكل منهما الرجوع. وفي " المبسوط ": سواء كان العوض شيئًا قليلًا أو كثيرًا من جنس الهبة أو ممن غير جنسها؛ لأنها ليست معاوضة محضة، فلا يتحقق فيها الربا، ولا بد أن يكون العوض من مال هو غير الموهوب حتى لو عوض شيئًا من الموهوب بأن كانت الهبة ألف درهم واحد من تلك الدراهم لا يجوز، وكذلك لو كانت الهبة دارًا والعوض بيت منها لا يجوز، وعند زفر يجوز ويشترط الجزء: 10 ¦ الصفحة: 196 وهذه العبارات تؤدي إلى معنى واحد، وإن عوضه أجنبي عن الموهوب له متبرعا فقبض الواهب العوض بطل الرجوع؛ لأن العوض لإسقاط الحق فيصح من الأجنبي كبدل الخلع والصلح.   [البناية] شرائط الهبة في العوض في القبض والإقرار لأنه تبرع م: (وهذه العبارات تؤدي إلى معنى واحد) ش: لأن هذه الألفاظ كلها تدل على المكافأة، فحصل مقصود الواهب وانقطع الرجوع. م: (وإن عوضه أجنبي عن الموهوب له متبرعًا) ش: أي حال كونه متبرعًا، هذا ليس بقيد فإن الحكم في غير المتبرع كذلك، حتى لو عوضه الأجنبي بأمر الموهوب له عوضه بشرط أن يرجع على الموهوب له بطل الرجوع، وإنما ذكره ليعلم بطلان الرجوع في غير المتبرع بالطريق الأولى، ولكن لو عوضه بأمر الموهوب له لا يرجع بالعوض عليه إلا أن يضمنه الموهوب له صريحًا، بخلاف قضاء الدين، فإنه لو قضى دينًا آخر بأمره يرجع عليه سواء ضمنه صريحًا أو لا. والفرق أن الأداء في قضاء الدين مستحق عليه، فكان في الأمر بلا أداء إسقاط المطالبة لمال مستحق، فيملك ما في ذمته فيرجع عليه، أما العوض في الهبة غير مستحق على الموهوب له فإنما أمره بأن يتبرع عنه بمال نفسه، والتبرع بمال نفسه على غيره لا يثبت حق الرجوع من غير ضمان. وقال الكرخي في " مختصره ": لو عوض رجل أجنبي عن الموهوب له الواهب عن هبته وقبض العوض لم يكن للواهب أن يرجع في هبته، سواء عوض بأمر الموهوب له أو بغير أمره، ولا للمعوض أيضًا أن يرجع في العوض على الواهب ولا على الموهوب له. وقال شمس الأئمة البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الكفاية ": ولا يرجع على الموهوب إلا إذا قال عوض عني على أني ضامن م: (فقبض الواهب العوض بطل الرجوع؛ لأن العوض لإسقاط الحق فيصح من الأجنبي) ش: أي لإسقاط حق الرجوع لا لتمليك العين م: (كبدل الخلع والصلح) ش: أي من الأجنبي فإن المرأة تستفيد ببدل الخلع سقوط ملك الزوج عنها. فجاز أن يكون البدل على الأجنبي وكذلك الصلح عن إنكار؛ لأنه لما يسلم للمصالح سوى سقوط حق الخصوم يجوز أن يجب بدل الصلح على الأجنبي حق ابتداء بدون أن يجب عليه، وكذلك الصلح عن دم العمد؛ لأنه إسقاط، أو كان الصلح عن دين سواء كان بإقرار أو إنكار. وفي " المبسوط " قال: كصلح الأجنبي مع صاحب الدين من دينه على مال نفسه يجوز ويسقط به الدين عن المديون، وهذا مثله. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 197 وإذا استحق نصف الهبة رجع بنصف العوض لأنه لم يسلم له ما يقابل نصفه. وإن استحق نصف العوض لم يرجع في الهبة إلا أن يرد ما بقي ثم يرجع. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرجع بالنصف اعتبارا بالعوض الآخر، ولنا أنه يصلح عوضا للكل من الابتداء وبالاستحقاق ظهر أنه لا عوض إلا هو، إلا أنه يتخير؛ لأنه ما أسقط حقه في الرجوع إلا ليسلم له كل العوض، ولم يسلم له فله أن يرده. قال: وإن وهب دارا فعوضه عن نصفها رجع الواهب في النصف الذي لم يعوض؛ لأن المانع خص النصف.   [البناية] [الحكم لو استحق نصف الهبة] م: (وإذا استحق نصف الهبة رجع بنصف العوض لأنه لم يسلم له ما يقابل نصفه. وإن استحق نصف العوض لم يرجع في الهبة إلا أن يرد ما بقي) ش: أي من العوض م: (ثم يرجع وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرجع بالنصف اعتبارًا بالعوض الآخر) ش: وهو الهبة، وهو قاس أحد العوضين على الآخر؛ لأن كل واحد منهما مقابل بالآخر، كما في بيع العوض بالعوض، فإنه إذا استحق بعض أحدهما يكون للمستحق عليه أن يرجع على صاحبه بما يقابله. م: (ولنا أنه) ش: أي أن الباقي م: (يصلح عوضا للكل من الابتداء) ش: وما يصلح أن يكون عوضا عن الكل من الابتداء، يصلح أن يكون عوضا عنه في البقاء؛ لأن البقاء أسهل من الابتداء م: (وبالاستحقاق ظهر أنه لا عوض إلا هو) ش: أي الباقي. وعورض بأن الغرض أنه عوض وأجزاء العوض ينقسم على أجزاء المعوض، فإذا كان الكل في الابتداء أعواضا عن الكل كان النصف في مقابلة النصف فكان عوضا عن النصف ابتداء. وأجيب: بأن ذلك في المبادلات تحقيقا لها، وما نحن فيه ليس كذلك فليس له ذلك الرجوع في شيء من الهبة مع السلامة جزء من العوض لما ذكرنا من الدليل، بخلاف ما إذا كان العوض مشروطا لأنها تتم مبادلة فيودع البدل على المبدل. والجواب عن قياس زفر أن المعوض يملك الواهب العوض في مقابلة الموهوب قطعا فاعتبر المقابلة والانقسام. وأما الواهب فيملك الهبة ابتداء من غير أن يقابله بشيء ثم أخذ العوض علة لسقوط حق الرجوع، والعلة لا تنقسم على أجزاء الحكم. م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن الواهب م: (يتخير) ش: بين أن يرد ما بقي من العوض ويرجع في الهبة وبين أن يمسكه ولا يرجع بشيء م: (لأنه ما أسقط حقه في الرجوع إلا ليسلم له كل العوض، ولم يسلم له فله أن يرده) ش: أي يرد ما بقي من العوض. م: (قال: وإن وهب دارا فعوضه عن نصفها رجع الواهب في النصف الذي لم يعوض لأن المانع خص النصف) ش: وغاية ما في الباب أنه لزم من ذلك الشيوع لكنه طارئ فلا يضر كما لو رجع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 198 قال: ولا يصح الرجوع إلا بتراضيهما أو بحكم الحاكم؛ لأنه مختلف بين العلماء،   [البناية] في النصف بلا عوض. فإن قيل: قد تقدم أن العوض لإسقاط الحق فوجب أن يعمل الكل لئلا يلزم تجزؤ الإسقاط كما في الطلاق. أجيب: بأنه ليس بإسقاط من كل وجه لما تقدم أن فيه معنى المقابلة، فيجوز التجزي باعتباره، بخلاف الطلاق. [لا يصح الرجوع في الهبة إلا بالبتراضي] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يصح الرجوع) ش: أي في الهبة م: (إلا بتراضيهما) ش: أي بتراضي الواهب والموهوب له م: (أو بحكم الحاكم) ش: أراد أن الواهب يرفع أمره إلى الحاكم ليحكم على الموهوب له بالرد إليه، حتى لو استردها بغير قضاء ولا رضاء كان غاصبا، ولو هلك في يده يضمن قيمته للموهوب له. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: يجوز الرجوع في موضع له الرجوع بدون القضاء أو الرضى. وقال شيخ الإسلام الأسبيجابي في شرح مختصره " الكافي ": ليس للواهب أن يرجع في هبته عند غير قاض؛ لأن العقد انعقد بتراضيهما، فلا ينفرد بالفسخ لعدم ولايته، وإذا فسخ لا ينفسخ إلا بتراضيهما على الفسخ، فيلزمهما بتراضيهما. انتهى. واختلف المشايخ في معنى قولهم: لا يصح الرجوع إلا بقضاء أو تراض، فمنهم من قال: لأن الرجوع في الهبة مختلف فيه، كما ذكره المصنف، ومنهم من قال: إنما لم يكن للواهب أن يرجع بغير قضاء أو تراض؛ لأن الموهوب له ملك الهبة بالقبض رقبة وتصرفا، فلا يثبت إلا بهما، كما في الرد بالعيب بعد القبض، بخلاف من له خيار الرؤية، حيث ينفرد بالفسخ بعد القبض؛ لأن ما ثبت لفوات مقصود من مقاصد العقد. ومنهم من قال: بأن الواهب في الرجوع مستوف بدل حقه بعد وقوع الملك للموهوب له رقبة وتصرفا لا يكون إلا بقضاء أو رضاء كما في الرد بالعيب، وكصاحب الدين إذا أراد أن يأخذ دينه من جنس آخر من مال المديون لا يملك إلا بقضاء أو رضاء، بخلاف خيار الرؤية وخيار الشرط، فإن من له الخيار ينفرد بالفسخ من غير قضاء ولا رضى لأنه بالفسخ مستوف عين حقه؛ لأنه لم يثبت هذا الخيار لفوات مقصود من مقاصد العقد، كذا في " المبسوط ". م: (لأنه) ش: أي لأن الرجوع في الهبة م: (مختلف بين العلماء) ش: قال بعض الشراح منهم تاج الشريعة: لأن له الرجوع عندنا خلافا للشافعي فكان ضعيفا، فلم يعمل بنفسه في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 199 وفي أصله وهاء.   [البناية] إيجاب حكمه وهو الفسخ ما لم ينضم إليه قرينة ليتقوى بها. وقال صاحب " العناية ": فيه نظر، والمخلص حمله على اختلاف الصحابة إن ثبت. قلت: نظيره وارد؛ لأن مذهب أبي حنيفة بالرجوع قد تقرر قبل الشافعي وأمثاله، وكيف يكون اختلاف من لم يوجد وقت اجتهاد المجتهد سببا لكونه ضعيفا، ولكن قوله إن ثبت منه وكيف يقول ذلك بالشك وهو مذهب جماعة من الصاحبة كعمر وعثمان وعلي وأبي الدرداء وغيرهم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وأخرج ابن أبي شيبه في مصنفه عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: هو أحق بها ما لم يعوض منها الهبة، يعني الهبة، وصححه ابن حزم، وقال: لا مخالف لهم من الصحابة. وأخرج البيهقي من حديث حنظلة عن سالم عن أبيه عن عمر - رضى الله عنه -: من وهب هبة فهو أحق بها، ثم كلام ابن حزم يخدش كلام صاحب " العناية " أيضا؛ لأنه ادعى أنه لا مخالف من الصحابة فمن ذهب منهم إلى الرجوع فحينئذ يتعين على كلامه مختلف بين العلماء من التابعين. م: (وفي أصله) ش: أي وفي أصل الرجوع م: (وهاء) ش: أي ضعف؛ لأنه ثبت بخلاف القياس لكونه تصرفا في ملك الغير، وهذا يبطل بالزيادة المتصلة وبغيرها من الموانع. قال السغناقي وتبعه الأترازي والكاكي ناقلين عن " المغرب ": إن وهاء بالمد خطأ وإنما هي الوهي مصدر وهى الجمل وهى وهيا إذا ضعف. وقال صاحب " العناية ": وهو خطأ؛ لأن من المقصور السماعي ليس بخطأ وتخطئة ما ليس بخطأ خطأ. قلت: قال الجوهري: وهى السقاء وهى وهيا إذا تخرق وانشق. وفي السقاء وهي بالتسكين ووهية على التصغير، وهو خرق قليل وهى الحائط إذا ضعف وهم بالسقوط انتهى. فهذا كما ترى من باب فعل يفعل بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع نحو رمى يرمي، ومصدر هذا الباب يأتي على وزن فعل بفتح الفاء وسكون العين نحو رمى يرمي رميا، ووعى يعي وعيا. فصاحب " المغرب " يصيب من وجه في قوله وإنما هي الوهي يعني بتسكين العين، ومخطئ من وجه في قوله وهاء بالمد خطأ؛ لأن هذا أيضا مصدر على وزن فعال كما تقول في قلى يقلي قلاء فقلاء على وزن فعال، ووهاء كذلك، وقد قال الجوهري القلي البعض، فإن فتحت القاف مددت نقول قلاه يقليه قلى وقلاء. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 200 وفي حصول المقصود وعدمه خفاء، فلا بد من الفصل بالرضاء أو بالقضاء حتى لو كانت الهبة عبدا فأعتقه قبل القضاء نقد، ولو منعه فهلك لا يضمن لقيام ملكه فيه، وكذا إذا هلك في يده بعد القضاء؛ لأن أول القبض غير مضمون وهذا دوام عليه إلا أن يمنعه بعد طلبه؛ لأنه تعد، وإذا رجع بالقضاء أو بالتراضي يكون فسخا من الأصل، حتى لا يشترط قبض الواهب ويصح في الشائع؛ لأن العقد وقع جائزا.   [البناية] وقول صاحب " العناية ": لأن مد المقصور السماعي ليس بخطأ، خطأ؛ لأن جواز مد المقصور السماعي مبني على وجود المقصور حتى يمد، والمصدر بناء على وزن فعل بالتسكين، فمن أين يأتي المد. نعم هذا الذي ذكره إنما يكون إذا كان المصدر على وزن فعل بتحريك العين على أن قصر الممدود أو مد المقصور من ضرورات الأشعار فافهم. فحينئذ ينبغي أن يقدر أو في أصله وهي بالتسكين أو وهاء بالمد وقد وقع في نسخ الهداية كلاهما وكلاهما صحيح بما ذكرنا، والخطأ وهي بتحريك العين والقصر، وهكذا هو التحقيق وافتراء الخطأ والتخبط من التقليد. م: (وفي حصول المقصود وعدمه خفاء) ش: لأن مقصوده منها إن كان الثواب فقد حصل وكذا إن كان غرضه إظهار الجود والسماحة، وإن كان القرض لم يحصل فعل الوجهين الأولين ليس له الرجوع لحصول المقصود، وعلى الوجه الأخير له الرجوع، فلما تردد أمره احتاج إلى القضاء ليترجح جانب الرجوع على عدمه م: (فلا بد من الفضل بالرضاء أو بالقضاء حتى لو كانت الهبة عبدا فأعتقه) ش: أي الموهوب له م: (قبل القضاء نقد) ش: أي انتقد م: (ولو منعه) ش: أي الموهوب له من الواهب م: (فهلك لا يضمن لقيام ملكه فيه) ش: أي ملك الموهوب له في الموهوب. م: (وكذا إذا هلك في يده بعد القضاء) ش: أي وكذا لا يضمن الموهوب به إذا هلك الموهوب في يده بعد قضاء القاضي بالرجوع قبل الطلب م: (لأن أول القبض غير مضمون وهذا دوام عليه) ش: أي المتحقق بعد القضاء أو على القبض الذي لم ينعقد سببه للضمان عليه م: (إلا أن يمنعه بعد طلبه لأنه تعد) ش: إلا أن يمنع الموهوب عن الواهب بعد طلبه عند القضاء بالرجوع؛ لأن منعه حينئذ تعد م: (وإذا رجع بالقضاء أو بالتراضي يكون فسخا من الأصل) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - وقال زفر: الرجوع بغير القضاء بمنزلة الهبة المبتدأ لعود الملك إليه بتراضيهما فيعتبر عقدا جديدا في حق ثالث فأشبه الرد بالعيب بعد القبض بغير قضاء م: (حتى لا يشترط قبض الواهب) ش: يعني بعد الرجوع، فلو كان كالهبة المبتدأة مثل ما قال زفر شرط القبض. [الرجوع في الشائع من الهبة] م: (ويصح في الشائع) ش: يعني يصح الرجوع في الشائع إن رجع عن نصفه، ولو كان كالهبة المبتدأة لما صح الرجوع في النصف الشيوع م: (لأن العقد وقع جائزا) ش: هذا دليل على المطلوب، تقريره أن هذا العقد وقع جائزا غير لازم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 201 موجبا حتى الفسخ من الأصل، فكان بالفسخ مستوفيا حقا ثابتا له، فيظهر على الإطلاق بخلاف الرد بالعيب بعد القبض؛ لأن الحق هناك في وصف السلامة لا في الفسخ فافترقا. قال: وإذا تلفت العين الموهوبة واستحقها مستحق وضمن الموهوب له.   [البناية] م: (موجبا حتى الفسخ من الأصل) ش: لثبوت حق الرجوع م: (فكان بالفسخ مستوفيا حقا ثابتا له، فيظهر على الإطلاق) ش: يعني سواء كان بالتراضي أو بالقضاء؛ لأنهما يفعلان بالتراضي ما يفعل القاضي وهو الفسخ، فيظهر على الإطلاق. وفسر تاج الشريعة قوله: على الإطلاق، بقوله: أي في الشائع وغيره وفي المقبوض وغير المقبوض، والذي ذكرنا هو أقرب، وهو الذي ذكره بقية الشراح، يظهر ذلك بالتأمل، ولا يلزم على هذا الرد في المرض، فإنه لو رد في مرضه بغير قضاء يعتبر من الثلث ولو كان الرد بالتراضي فسخا من الأصل لاعتبر ذلك من جميع ماله كما في الرد بالقضاء؛ لأن فيه روايتين. وذكر ابن سماعة فيه القياس والاستحسان، في القياس يعتبر من جميع ماله. وفي الاستحسان من الثلث؛ لأنه تمليك مبتدأ، ولكن الرد في مرضه باختياره تم بالقصد إلى إبطال حق الورثة عما يعلق حقهم فللرد قصد يعتبر من الثلث، لا لأنه تمليك مبتدأ، كذا في " المبسوط ". م: (بخلاف الرد) ش: هذا جواب عن قياس زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وتقريره أن الرد م: (بالعيب بعد القبض) ش: إنما يكون في صورة القضاء خاصة م: (لأن الحق هناك في وصف السلامة) ش: حتى لو زال العيب قبل رد المبيع بطل الرد السلامة حقه له م: (لا في الفسخ) ش: لأن العيب لا يمنع تمام العقد، فإذا كان ثابتا لم يقتض الفسخ، فإذا تراضيا على ما لم يقتضه العقد من رفعه كان ذلك كابتداء عقد بينهما، وأما القاضي فإنما يقضي أولا بما يقتضيه العقد من وصف السلامة، فإن عجز البائع قضى بالفسخ فلم يكن ما ثبت بالتراضي عين ما ثبت بالقضاء. م: (فافترقا) ش: أي الرجوع التراضي والرد بالعيب بعد القبض بالتراضي، وإنما قيد بقوله بعد القبض لأن الرد بالعيب قبل القبض فسخ من الأصل سواء كان بالقضاء أو بالرضاء. وفائدة هذا أنه لو وهب لإنسان فوهب الموهوب له لآخر ثم رجع الثاني في هبته كان للأول أن يرجع، سواء رجع الثاني بقضاء أو بغيره خلافا لزفر في غيره، وإذا رد المبيع بعيب على البائع قبل القبض فللبائع أن يرده على بائعه كذلك، وبعد القبض إن كان بقضاء فكذلك، وإن كان بغيره فليس له ذلك. [الحكم لو تلفت الهبة واستحقها مستحق وضمن الموهوب له] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا تلفت العين الموهوبة واستحقها مستحق وضمن الموهوب له الجزء: 10 ¦ الصفحة: 202 لم يرجع على الواهب بشيء؛ لأنه عقد تبرع فلا يستحق فيه السلامة وهو غير عامل له، والغرور في ضمن عقد المعاوضة سبب للرجوع لا في ضمن غيره.   [البناية] لم يرجع على الواهب بشيء؛ لأنه عقد تبرع فلا يستحق فيه السلامة) ش: لأنه لم يلزمها لا صريحا وهو ظاهر، ولا دلالة؛ لأنه ما سلم له شيء بخلاف المعاوضة؛ لأنه سلم له البدل فيكون ملتزما سلامة البدل م: (وهو غير عامل له) ش: أي الموهوب له غير عامل للواهب، واحترز به عن المودع. فإنه يرجع على المودع بما ضمن؛ لأنه عامل للمودع في ذلك القبض بحفظهما لأجله. وعن المضارب إذا اشترى شيئا بمال المضاربة ثم استحق رأس المال فضمنه المستحق فإن المضارب يرجع على رب المال؛ لأنه عامل له. [الغرور في ضمن عقد المعاوضة سبب للرجوع] م: (والغرور في ضمن عقد المعاوضة سبب للرجوع) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقريره أن يقال إنه غره بإيجاب الملك له في المحل، واختياره بأنه ملك والغرور يوجب الضمان كالبائع إذا غر المشتري. وتقرير الجواب أن الغرور لا يكون سببا للرجوع في غير المعاوضة كالبيع ونحوه م: (لا في ضمن غيره) ش: أي لا يكون الغرور سببا للرجوع وغير المعاوضة كمن أخبر إنسانا بأمن الطريق فسلك فيه فأخذه اللصوص لم يرجع على المخبر بشيء. فعلم أن حق الرجوع إنما يثبت باعتبار عقد المعاوضة، حتى لو ضمن الواهب سلامة الموهوب للموهوب له نصا يرجع على الواهب، ذكره في " الذخيرة ". وهذا لو وهب الغاصب ما غصب أو باع أو تصدق أو أجر أو رهن أو أودع أو أعار فهلك ضمنوا ولا يرجع الموهوب على الغاصب والمتصدق عليه على الغاصب، ويرجع المستأجر والمرتهن، ويرجع المشتري بالثمن ولا يرجع السارق من الغاصب ولا غاصب الغاصب، كذا في " فصول الإستروبشتي ". فإن قلت: لم قال والغرور في ضمن عقد المعاوضة ولم يقل في عقد المعاوضة، فهل في زيادة لفظه ضمن فائدة؟ قلت: نعم فإن في ولد المغرور يرجع بالقيمة على البائع وإن لم توجد المعاوضة في الولد، ولكنه غرور في ضمن عقد المعاوضة فكان أن عقد المعاوضة بسبب الضمان فكذلك ما كان في ضمنه؛ لأن المتضمن يكتسي كسوة التضمين. فإن قلت: المودع يرجع على المودع بما ضمن، مع أن عقد المعاوضة لم يوجد. قلت: هذا ليس على الغرور، بل بناء على أنه عامل له كما تقدم آنفا. وقال الكاكي: وقوله والغرور، إلى آخره جواب عما قال الشافعي أنه يرجع على الواهب؛ لأنه غره بالهبة كالبائع إذا غر المشتري. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 203 قال: وإذا وهب بشرط العوض اعتبر التقابض في المجلس في العوضين وتبطل بالشيوع؛ لأنه هبة ابتداء، فإن تقابضا صح العقد وصار في حكم البيع يرد بالعيب وخيار الرؤية وتستحق فيه الشفعة؛ لأنه بيع انتهاء. وقال زفر والشافعي - رحمهما الله - هو بيع ابتداء وانتهاء لأن فيه معنى البيع وهو التمليك بعوض، والعبرة في العقود للمعاني، ولهذا كان بيع العبد من نفسه إعتاقا. ولنا أنه اشتمل على جهتين فيجمع بينهما ما أمكن عملا بالشبهين.   [البناية] قلت: هذا ليس بظاهر على أن أكثر كتب الشافعية ناطقة، بخلاف ما ذكره. وقال الأترازي: في قول المصنف نظر؛ لأن المودع بما ضمنه لكونه يرجع مع أن عقد المعاوضة لم يوجد. قلت: لقائل أن يقول رجوع المودع بما ضمنه لكونه عاملا للمودع لا للغرور كما ذكرناه. [الهبة بشرط العوض] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا وهب بشرط العوض) ش: مثل أن يقول وهبتك هذا العبد على أن تهب لي هذا العبد. قال المحبوبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا ما ذكره بكلمة على. مثل ما ذكرناه أما لو ذكره بحرف الباء بأن قال وهبتك بهذا الثوب أو بألف درهم وقبله الآخر يكون بيعا ابتداء أو انتهاء بالإجماع م: (اعتبر التقابض في المجلس في العوضين) ش: حتى لو لم يوجد لا يثبت الملك لواحد منهما م: (وتبطل بالشيوع؛ لأنه هبة ابتداء. فإن تقابضا صح العقد وصار في حكم البيع، يرد بالعيب وخيار الرؤية وتستحق فيه الشفعة لأنه بيع انتهاء) ش: وإن كان هبة ابتداء. م: (وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: هو بيع ابتداء وانتهاء؛ لأن فيه معنى البيع وهو التمليك بعوض، والعبرة في العقود للمعاني) ش: وبه قال مالك وأحمد، ألا ترى أن الكفالة له بشرط براءة الأصل حوالة، والحوالة بشرط عدم براءة الأصل كفالة. ولو وهب ابنته لرجل كان نكاحا. ولو وهب عبد لنفسه كان إعتاقا، ولو وهب الدين لمن عليه كان إبراء فاللفظ واحد والعقود مختلفة لاختلاف المعنى والمقصود. م: (ولهذا) ش: أي ولكون الهبة المذكورة بيعا مطلقا م: (كان بيع العبد) ش: أي بيع المولى للعبد بالمصدر مضاف إلى مفعوله وطوى ذكر الفاعل م: (من نفسه إعتاقا) ش: بأن قال لعبده بعتك نفسك منك بألف درهم مثلا يكون إعتاقا للعبد. م: (ولنا أنه اشتمل على جهتين) ش: أي جهة الهبة لفظا وجهة البيع معنى م: (فيجمع بينهما ما أمكن عملا بالشبهين) ش: لأن كل ما يشتمل على جهتين وأمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما؛ لأن إعمال الشبهين لو وجد أولى من إهمال أحدهما كالإقالة لما اشتملت على معنى البيع والفسخ جمع بينهما. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 204 وقد أمكن؛ لأن الهبة من حكمها تأخر الملك إلى القبض وقد يتراخى عن البيع الفاسد والبيع من حكمه اللزوم، وقد تنقلب الهبة لازمة بالتعويض فجمعنا بينهما، بخلاف بيع نفس العبد من نفسه؛ لأنه لا يمكن اعتبار البيع فيه، إذ هو لا يصلح مالكا لنفسه.   [البناية] أما اشتماله على الجهتين فظاهر، وأما إمكان الجمع بينهما فلما ذكره بقوله م: (وقد أمكن) ش: أي الجمع بينهما م: (لأن الهبة من حكمها تأخر الملك إلى القبض) ش: وقد يوجد ذلك في البيع، أشار إليه بقوله م: (وقد يتراخى) ش: أي الملك م: (عن البيع الفاسد والبيع) ش: أي والحال أن البيع م: (من حكمه اللزوم) ش: وبهذا ظهرت المناسبة بين البيع والهبة م: (وقد تنقلب الهبة لازمة بالتعويض) ش: يعني إذا قبض العوض م: (فجمعنا بينهما) ش: أي إذا كانت المناسبة بينهما متحققة جمعنا بينهما. فإن قيل: المنافاة هنا ثابتة لأن قضية البيع اللزوم وترتب الملك عليه بلا فصل وحكم الهبة على عكسه، وتنافي الملازمين مستلزم لنا في الملزومين فتحقق المنافاة بين البيع والهبة ضرورة. أجيب: بأن البيع قد يكون غير لازم كالبيع بالخيار وقد لا يترتب الملك عليه كما في البيع الفاسد لتوقفه على القبض فلم يكن اللزوم، والترتب من لوازمه ضرورة والهبة قد تقع لازمة كهبة القريب وبالعوض، وقد يترتب الملك عليها بلا فصل كما لو كانت الهبة في يد الموهوب له فلم يكن عدم اللزوم وعدم الترتيب من لوازمه ضرورة على أن المستحيل الجمع بين المتنافيين في حالة واحدة، فأما إذا جعلناها هبة ابتداء وبيعا انتهاء فلا. م: (بخلاف بيع نفس العبد من نفسه) ش: هذا جواب عما قاله زفر والشافعي من قولهما، ولهذا كان بيع العبد من نفسه إعتاقا وتقريره أن بيع العبد من نفسه إنما جعل إعتاقا م: (لأنه لا يمكن اعتبار البيع فيه إذ هو لا يصلح مالكا لنفسه) ش: لأنه لا يملك غيره مالا فكيف يملك نفسه مالا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 205 فصل قال: ومن وهب جارية إلا حملها صحت الهبة وبطل الاستثناء؛ لأن الاستثناء لا يعمل إلا في محل يعمل فيه العقد، والهبة لا تعمل في الحمل لكونه وصفا على ما بيناه في البيوع فانقلب شرطا فاسدا، والهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة، وهذا هو الحكم في النكاح والخلع.   [البناية] [فصل من وهب جارية إلا حملها] م: (فصل) ش: أي هذا فصل، لما كانت مسائل هذا الفصل متعلقة بالهبة بنوع من التعلق ذكرها في فصل على حدة. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن وهب جارية إلا حملها صحت الهبة وبطل الاستثناء؛ لأن الاستثناء لا يعمل إلا في محل يعمل فيه العقد، والهبة لا تعمل في الحمل) ش: بأن وهب حمل الجارية دونها، فإنه لا يجوز م: (لكونه وصفا) ش: أي لكون الحمل وصفا لها كأطرافها من اليد والرجل فلا يكون من جنسها فلا يصح استثناؤه؛ لأن الاستثناء يكون من جنس المستثنى منه، وأيضا العقد لا يرد على الأوصاف مقصودا حتى لو وهب الحمل لا يصح، فكذا إذا استثنى. م: (على ما بيناه في البيوع) ش: أي في الفصل المتصل بأول كتاب البيع م: (فانقلب شرطا فاسدا) ش: يعني إذا لم يكن الاستثناء عاملا انقلب شرطا فاسدا؛ لأن اسم الجارية يتناول الحمل تبعا لكونه جزءا منها، فلما استثنى كل كان الاستثناء مخالفا لمقتضى العقد، وهو معنى الشرط الفاسد م: (والهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة) ش: لأن الملك في الهبة معلق بفعل حسي وهو القبض، والفعل الحسي لا يبطل بالشرط الفاسد، وإنما الشرط الفاسد يؤثر في العقود الشرعية؛ لأن الحسيات إذا وجدت لا مرد لها، فلا يمكن أن يجعل عدما. فإن قيل: ما الفرق بين الحمل وبين الصوف على الظهر واللبن في الضرع، فإنه إذا وهب الصوف على ظهر الغنم وأمره بجزه أو اللبن في الضرع وحلبه وقبض الموهوب له، فإنه جائز استحسانا دون الحمل. الجواب: أن ما في البطن ليس بمال أصلا، ولا يعلم وجوده حقيقة، بخلاف الصوف واللبن. ومن أصحابنا من قال: إن أمره في الحمل بقبضه بعد الولادة فقبض ينبغي أن يجوز استحسانا، والأصح أنه لا يجوز خلافا لأحمد وأبي ثور، فإن عندهما يصح الاستثناء وتصح الهبة في الإماء دون الولد. م: (وهذا هو الحكم) ش: أي صحة العقد وبطلان الاستثناء هو الحكم م: (في النكاح) ش: بأن قال تزوجتك على هذه الجارية إلا حملها يبطل الاستثناء حتى تصير الجارية مع الحمل مهرا م: (والخلع) ش: بأن جعلت الجارية الحامل بدل الخلع، واستثنت الحمل تكون الجارية والحمل بدل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 206 والصلح عن دم العمد لأنها لا تبطل بالشروط الفاسدة. بخلاف البيع والإجارة والرهن لأنها تبطل بها.   [البناية] الخلع م: (والصلح عن دم العمد) ش: بأن قال صالحتك، وعلى هذا الجارية إلا حملها م: (لأنها لا تبطل بالشروط الفاسدة) ش: أي لأن هذه العقود لا تبطل بالشروط الفاسدة كالهبة. م: (بخلاف البيع والإجارة والرهن لأنها تبطل بها) ش: أي بالشروط الفاسدة بأن اشترى جارية أو أجرها أو رهنها إلا حملها فإنه لا يصح لما قلنا. فإن قلت: ينبغي أن لا يفسد الرهن بالشرط فالهبة لتوقف عقد الرهن على القبض، وهو فعل حسي. قلت: القبض في باب الرهن حكم للرهن؛ لأن حكمه ثبوت يد الاستيفاء، وحكم العقد يضاف إلى العقد، والشرط الفاسد يؤثر في العقد، أما في الهبة الحكم هو الملك والملك يثبت بالقبض، فكان القبض حكم ركن العلة، والفساد لا يؤثر في الركن فلغى الشرط، كذا في الإيضاح، قال السغناقي: كأنه أراد بالركن غير العقد كما في أركان العبادات، انتهى. فهذا كما قد علمت ذكر المصنف القسمين في الاستثناء، أحدهما ما يجوز فيه أصل العقد ويبطل الاستثناء، والآخر ما يبطلان فيه جميعا، وبقي قسم ثالث لم يذكره، وهو ما يصح فيهما جميعا كالوصية؛ لأن إفراد الحمل بالوصية جائز، فكذا استثناؤه. ذكر في " شرح الطحاوي ": أن هذه ثلاث مراتب، الأولى: العقد والاستثناء فاسدان نحو البيع والإجازة والكتابة والرهن. الثانية: العقد جائز والاستثناء فاسد نحو الهبة والصدقة والنكاح والخلع والصلح في دم العمد، ويدخل في العقد الأم والولد جميعا، وكذلك العتق إذا أعتق الجارية واستثنى ما في بطنها صح العتق ولم يصح الاستثناء. الثالثة: العقد والاستثناء صحيحان نحو الوصية إذا أوصى الرجل بجارية واستثنى ما في بطنها فإنه يصح، وليس هذا كما إذا أوصى بجارية واستثنى خدمتها وغلتها للورثة فالوصية صحيحة والاستثناء باطل؛ لأن الخدمة والغلة لا تجري فيها الميراث دون الأصل، ألا ترى أنه لو أوصى بخدمتها وغلتها لإنسان ثم مات الموصى له بعدما صحت الوصية فإنهما يعودان إلى ورثة الموصي فلا تكون الخدمة موروثة عن الموصى له ولو وقع العقود على ما في البطن، أما عقد البيع فلا يجوز، وكذلك الكتابة عليه لا يجوز وإن قبلت الأم عنه، وكذلك الهبة والصدقة لا يجوز وإن سلم الأم إلى الموهوب له، ولو تزوج عليها فالقسمة باطلة ويجب مهر المثل. ولو صالح عن القصاص على ما في البطن فإن الصلح صحيح ويبطل القصاص والتسمية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 207 ولو أعتق ما في بطنها ثم وهبها جاز؛ لأنه لم يبق الجنين على ملكه فأشبه الاستثناء. ولو دبر ما في بطنها ثم وهبها لم يجز؛ لأن الحمل بقي على ملكه فلم يكن شبيه الاستثناء، ولا يمكن تنفيذ الهبة فيه لمكان التدبير فبقي هبة المشاع.   [البناية] باطلة، ويكون للمولى على القاتل الدية، وإنما جاز عتق ما في البطن؛ لأن العتق ينافي وما في البطن موقوف، فكذا الوصية بما في البطن يصح إذا علم وجوده وقت الوصية؛ لأن الوصية أخت الميراث، والميراث تجري فيه فكذا الوصية. ولو خالع امرأته على ما في بطن جاريتها فالخلع واقع وللزوج الولد إذا كان موجودا في البطن وقت الخلع، وإن لم يكن موجودا كما إذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا فلا سبيل للزوج على ما في البطن ولكنه ينظر إن قالت اخلعني على ما في بطن جاريتي ولم يقل من ولد فلا شيء له عليها، ولو قالت من الولد فإنه يرجع عليها بما ساق إليها من المهر؛ لأنها غرت الزوج حين قالت من ولد وليس في بطنها ولد، وإذا لم تقل من ولد لم تغرر. وهذا إذا قالت: اخلعني على ما في يدي أو على ما في صندوقي هذا من شيء أو لم تذكر شيئا، فإن كان فيه شيء فللزوج، وإن لم يكن فيه شيء فلا يرجع الزوج عليها بشيء؛ لأنها لم تغره حيث لم تسم له مالا. فأما إذا قالت: اخلعني على ما في صندوقي هذا من متاع، فإن كان فيه شيء من متاع فهو له، وإن لم يكن يرجع عليها بما ساق لها من المهر. م: (ولو أعتق ما في بطنها ثم وهبها) ش: أي الجارية م: (جاز لأنه لم يبق الجنين على ملكه) ش: أي على ملك الواهب لخروجه عنه بالإعتاق، فلم تكن هبة مشاع فتكون جائزة م: (فأشبه الاستثناء) ش: أي في تحرير الهبة. تقريره أن إعتاق الحمل قبل هبة الجارية مشابه لما إذا وهب الجارية واستثنى حملها. ووجه المشابهة أن في صورة إعتاق الحمل قبل الهبة لا يبقى الحمل على ملك الواهب، فكذا في استثناء الحمل؛ لأن الحمل لا يبقى أيضا على ملك الواهب بعد الاستثناء لعدم صحة استثناء الحمل. م: (ولو دبر ما في بطنها ثم وهبها لم يجز؛ لأن الحمل بقي على ملكه فلم يكن شبيه الاستثناء) ش: في التجويز؛ لأن الجواز في الاستثناء كان بإبطاله وجعل الحمل موهوبا م: (ولا يمكن تنفيذ الهبة فيه لمكان التدبير فبقي هبة المشاع) ش: وهي لا تجوز فيما يقسم، وروي أن هبة الأم تجوز بعد تدبير ولدها ذكره في " المبسوط "، ويمكن أن يكون قول المصنف فلم يكن شبيه الاستثناء جوابا لرد هذه الرواية. فإن قيل: هب أنها هبة مشاع لكنها فيما لا يحتمل القسمة وهي جائزة. والجواب أن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 208 أو هبة شيء هو مشغول بملك المالك.   [البناية] عرضية الانفصال في ثاني الحال ثابتة لا محالة فأنزل منفصلا في الحال، مع أن الجنين لم يخرج من ملك الواهب، فكان في حكم المشاع يحتمل القسمة. وكان المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما استشعر هذا السؤال أردفه بقوله م: (أو هبة شيء) ش: بنصف الهبة؛ لأن التقدير أو نفي هبة شيء فيكون حالا عن الضمير الذي في بقي م: (هو مشغول بملك المالك) ش: كما إذا وهب الجوالق وفيه طعام الواهب وذلك لا يصح كهبة المشاع. وفي " نوادر هشام " قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا وهب لابنه الصغير أرضا فيها زرع الأب أو وهب منه دارا والأب فيها ساكن لم تجز الهبة فيهما. وفي " الهارونيات المجرد " قال أبو حنيفة في رجل تصدق على ابن صغير بدار له وفيها متاع الرجل أو كان الأب فيها ساكنا أو فيها متاع له وليس ساكن فيها أو قوم سكان بغير أجر جازت فكان قابضا لابنه. ولو كان فيها مكان بأجر كانت الصدقة باطلة. فإن قيل: قد جعل في " الإيضاح " مسألة هبة الجارية بعد التدبير شبيه الاستثناء، وهبتها بعد الإعتاق غير شبيه الاستثناء على عكس ما ذكره المصنف، فما التوفيق بينهما؟ قلت: مراد صاحب " الإيضاح " بالاستثناء الحقيقي وهو التكلم بالباقي بعد الاستثناء ولكن لم تصح الهبة بذلك الاستثناء لمكان الشيوع وهذا متحقق في مسألة التدبير، لبقاء الملك في المدبر وفي مسألة الإعتاق لم تكن في معنى الاستثناء الذي يورث الشيوع فصح، والمصنف أراد بالاستثناء استثناء الحمل، ومسألة الإعتاق تشابهه في جواز الهبة والتدبير لم يشابهه كما تقدم. فائدة: صاحب " الإيضاح " هو الإمام ركن الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم الكرماني. قال السمعاني: في معجم شيوخه إمام أصحاب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بخراسان قدم مرو وتفقه على القاضي محمد بن الحسن الأرده وكان من القضاة ظهرت تصانيفه بخراسان والعراق. ومن تصانيفه " الجامع الكبير " و " التجريد في القيمة " في مجلد واحد، وشرحه في ثلاث مجلدات وسماه " الإيضاح ". قال السمعاني: سمعت منه وقد كانت ولادته بكرمان في شوال سنة سبع وخمسين وأربعمائة ومات بمرو عشية الجمعة لعشرة بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 209 فإن وهبها له على أن يردها عليه أو على أن يعتقها أو أن يتخذها أم ولد، أو وهب له دارا أو تصدق عليه بدار على أن يرد عليه شيئا منها، أو يعوضه شيئا منها فالهبة جائزة والشرط باطل؛ لأن هذه الشروط تخالف مقتضى العقد، فكانت فاسدة والهبة لا تبطل بها،   [البناية] م: (فإن وهبها له على أن يردها عليه) ش: أي فإن وهب جارية له، أي لفلان على أن يردها عليه م: (أو على أن يعتقها أو أن يتخذها أم ولد أو وهب له دارا أو تصدق عليه بدار على أن يرد عليه) ش: أي على الواهب م: (شيئا منها) ش: أي من الدار م: (أو يعوضه شيئا منها) . ش: وهذا متصل بقوله: وتصدق عليه بدار لأنه لو وصل بقوله: أو وهب دارا كان هبة بشرط العوض، والهبة بشرط العوض صحيح، والشرط صحيح حتى يكون هبة ابتداء بيعا انتهاء. وإنما لا يصح اشتراطا العوض في الصدقة لأخ الهبة، اللهم إلا أن أراد بقوله أو يعوضه شيئا منها هو أن يرد بعض الدار الموهوب له على الواهب بطريق العوض قبل الدار فيصح صرف قوله: أو بعضه حينئذ إلى قوله: أو وهب دارا، إلا أنه يلزم التكرار لا فائدة. قاله الكاكي. قلت: لا يلزم؛ لأن الرد عليه لا يستلزم كونه عوضا فإن كونه عوضا إنما هو بألفاظ تقدم ذكرها. وفي الجامع الصغير عن يعقوب عن أبي حنيفة: في الرجل يهب للرجل هبة أو يتصدق عليه بصدقة على أن يرد عليه ثلثها أو ربعها أو يعوضه ثلثها أو ربعها، قال: الهبة جائزة ولا يرد عليه ولا يعوضه منها شيئا. وقال الأسبيجابي في شرح " الكافي ": فإن كانت الهبة ألف درهم والعوض درهم منها لم يكن ذلك عوضا؛ لأن الشيء لا يصلح أن يكون عوضا عن نفسه، وكان للواهب أن يرجع في الهبة لانعدام العوض، وكذلك إذا كانت الهبة دارا والعوض بيت منها وإن وهب له حنطة وطحن بعضها فعوضه دقيقا عن تلك الحنطة كان عوضا لأنه بالطحن صار شيئا آخر فالقطع حق الواهب عنه فصلح عوضا. وكذلك لو وهب له ثيابا فصبغ منها ثوبا بعصفر أو قميصا ثم عوضه إياه؛ لأن الزيادة القائمة بالثوب صلحت عوضا وقد انقطع حق المالك عنه. وكذلك لو وهب له سويقا فلت بعضه ثم عوضه بعضه. م: (فالهبة جائزة) ش: هذا جواب أن في قوله فإن وهبها إلى آخره م: (والشرط باطل) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - في رواية عن أبي ثور - وأحمد في صحة الهبة بالشرط الفاسد وجهان بناء على الشروط الفاسدة في البيع م: (لأن هذه الشروط تخالف مقتضى العقد) ش: لأن مقتضى ثبوت الملك مطلقا بلا توقيت، فإذا شرط عليه الرد والإعتاق أو غير ذلك يعتد بها م: (فكانت فاسدة والهبة لا تبطل بها) ش: أي بالشروط الفاسدة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 210 ألا ترى أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أجاز العمرى وأبطل شرط المعمر بخلاف البيع؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن بيع وشرط، ولأن الشرط الفاسد في معنى الربا،   [البناية] فإن قلت: للواهب حق فيكون اشتراطه الرد عليه عبارة عن ذلك الحق الثابت. قلت: قوله على أن يرد إخبار عن لزوم الرد ولزومه غير ذلك الحق إذ ليس من حق الرد لزوم الرد. م: (ألا ترى) ش: إشارة إلى بيان أصل ذلك وهو م: (أن «النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أجاز العمرى وأبطل شرط المعمر» ش: يعني في رجوعها إليه بعد موت المعمر له، وجعلها ميراثا لورثة المعمر له، والحديث أخرجه البخاري ومسلم عن أبي سلمة عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: «العمرى لمن وهبت له» ، وأخرجه مسلم أيضا عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أمسكوا عليكم أموالكم لا تعمروها فإنه من أعمر عمرى فإنها للذي أعمرها حيا وميتا» ، وأخرجه أبو داود والنسائي عن عروة عن جابر قال: «من أمر عمرى فهي له ولعقبه» . وأخرج البخاري ومسلم أيضا عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العمرى جائزة» . فإن قلت: يشكل على هذا ما أخرجه مسلم عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إنما العمرى التي أجازها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقول هي لك ولعقبك. فأما إذا قال هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها. قال معمر: وكان الزهري يقول به. قلت: هذا مقيد بالعقب وغيره من الأحاديث مطلقة، ونحن نعمل بالمطلق والمقيد جميعا ولا نقيد المطلق. م: (بخلاف البيع) ش: فإنه يبطل بالشروط الفاسدة م: (لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نهى عن بيع وشرط» ش: هذا الحديث أخرجه الحارث في مسند أبي حنيفة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع وشرط» وقد طعنوا في هذا الحديث وقد مر الكلام فيه مستوفى في كتاب البيوع م: (ولأن الشرط الفاسد في معنى الربا) ش: لأنه لما قوبل المبيع بالثمن خلاف الشرط عن العوض، وفيه منفعة لأحدهما أو للمعقود عليه وهو من أهل الاستحقاق. وليس الربا إلا بمال يملك بالعقد من غير عوض، والشرط الذي قلنا له حكم المال لأنه يجوز أخذ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 211 وهو يعمل في المعاوضات دون التبرعات. قال: ومن كان له على آخر ألف درهم فقال: إذا جاء غد فهي لك أو أنت بريء منها. أو قال: إذا أديت إلي النصف فلك النصف أو أنت بريء من النصف الباقي فهو باطل؛ لأن الإبراء تمليك من وجه. إسقاط من وجه، وهبة الدين ممن عليه إبراء، وهذا لأن الدين مال من وجه، ومن هذا الوجه كان تمليكا ووصف من وجه، ومن هذا الوجه كان إسقاطا، ولهذا قلنا إنه يرتد بالرد ولا يتوقف على القبول.   [البناية] المعوض عليه م: (وهو يعمل في المعاوضات دون التبرعات) ش: والهبة ليست من المعاوضات فلا يبطل الشرط. [له على آخر ألف درهم فقال إذا جاء غد فهي لك] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (ومن كان له على آخر ألف درهم فقال إذا جاء غد فهي لك، أو أنت بريء منها، أو قال: إذا أديت إلي النصف فلك النصف أو أنت بريء من النصف الباقي فهو باطل) ش: فإذا كان باطلا يكون الألف عليه على حاله م: (لأن الإبراء تمليك من وجه) ش: لأنه يرتد بالرد م: (إسقاط من وجه) ش: لأنه لا يتوقف على القبول. م: (وهبة الدين ممن عليه إبراء) ش: وبه قال الشافعي، وهل يقبض الإبراء إلى القبول عنده فيه وجهان، في وجه يفتقر قبل هذا الكلام يستقيم على قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن قال يتم هبة الدين بلا قبول كالإبراء فسوى بينهما أما عندنا الهبة لا تتم بدون القبول والإبراء يتم من غير قبول، هكذا ذكره في المبسوط ولكن ذكر في " المغني ": أن هبة الدين لا تتوقف على القبول في حق المديون. أما هبة الدين للكفيل تمليك فيتوقف على القبول، وفيه أن هبة دين الصرف والسلم فيه، وإبراؤه يتوقف على القبول، وفي سائر الديون لا يتوقف الإبراء باتفاق الروايات. وفي الهبة روايتان، قيل في الفرق بينهما أن إبراء بدل الصرف والسلم فيه يوجب انفساخ العقد؛ لأنه يوجب فوات القبض المستحق بالعقد فلم ينفرد أحد العاقدين به فيتوقف قبول الآخر بخلاف الإبراء عن سائر الديون لأنه ليس فيه معنى فسخ عقد ثابت وأن فيه معنى التمليك من وجه، ومعنى الإسقاط من وجه فلا يتوقف على القبول، كذا في " الذخيرة ". م: (وهذا) ش: توضيح لكون الإبراء تمليكا من وجه وإسقاطا من وجه م: (لأن الدين مال من وجه) ش: حتى تجب فيه الزكاة، ويصح البيع بالدين وفي بعض النسخ لأنه مال، أي لأن الدين م: (ومن هذا الوجه كان تمليكا) ش: أي الإبراء م: (ووصف من وجه) ش: يعني أنه ليس بمال حتى لا يحنث لو حلف أن لا مال له وله ديون على الناس م: (ومن هذا الوجه كان إسقاطا ولهذا) ش: أي ولأجل هذين المعنيين م: (قلنا إنه يرتد بالرد) ش: هذا آية التمليك م: (ولا يتوقف على القبول) ش: هذا آية الإسقاط، وإطلاق قوله يرتد بالرد يفيد أن عمل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 212 والتعليق بالشرط يختص بالإسقاطات المحضة التي يحلف بها كالطلاق والعتاق فلا يتعداها. قال: والعمرى جائزة للمعمر له حال حياته ولورثته من بعده لما رويناه، ومعناه أن يجعل داره له مدة عمره، وإذا مات ترد عليه.   [البناية] الرد في المجلس وغيره سواء، وهذه الرواية عن السلف إلا ما روي عن الأعمش والإسكاف من وجوب الرد في مجلس الإبراء والهبة. م: (والتعليق بالشرط يختص بالإسقاطات المحضة التي يحلف بها كالطلاق والعتاق) ش: لأن التعليق بالشرط يمين فما لا يجوز أن يحلف به لا يحتمل التعليق بالشرط كالعفو عن القصاص والإقرار بالمال والحجر على المأذون وعزل الوكيل. وأما الإبراء وإن كان إسقاطا من وجه ولكن ليس من جنس ما يحلف بها فلا يصح تعليقه بالشرط بخلاف ما لو قال أنت بريء من النصف على أن تؤدي إلي النصف الآن؛ لأن ذلك ليس بتعليق بل هو تقييد. ألا ترى أنه لو قال لعبده أنت حر على أن تؤدي إلي ألف درهم فقيل فإنه لا يعتق قبل الأداء، كذا ذكره قاضي خان والمحبوبي م: (فلا يتعداها) ش: أي فلا يتعدى الإسقاطات المحضة إلى ما فيه تمليك. [حكم العمرى] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والعمرى جائزة للمعمر له حال حياته ولورثته من بعده لما رويناه) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - العمرى ... وأبطل شرط العمر وقد بيناه عن قريب، وبقولنا قال الشافعي وأحمد وهو قول جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وروي عن شريح ومجاهد وطاووس والثوري وقال مالك والليث والشافعي في القديم: العمرى تمليك المنافع لا تمليك العين، ويكون للمعمر السكنى، فإذا مات عادت إلى المعمر، وإن قال له ولعقبه كان سكناها لهم فإذا انقرضوا عادت إلى المعمر، وفي " الجواهر ": أما العمرى فصورتها أن يقول أعمرتك داري أو ضيعتي فإنه قد وهب له الانتفاع بذلك مدة حياته حكما، فإذا مات رجعت الرقبة إلى المالك الذي هو المعمر. فإن قال: أعمرتك وعقبك فإنه قد وهب له ولعقبه الانتفاع ما بقي منهم إنسان، فإذا لم يبق منهم أحد رجعت الرقبة إلى المالك الذي هو المعمر؛ لأنه وهب له المنفعة ولم يملك الرقبة، وكذلك إذا قال أسكنتك هذا الدار عمرك أو وهبتك سكناها عمرك، أو قال هي لك سكنى أو لك ولعقبك سكنى، فإذا مات المعمر أو انقرض عقبه بعد وفاة المعمر الواهب رجعت الرقبة إلى وارث المعمر يوم مات، انتهى. م: (ومعناه) ش: أي معنى العمرى أراد تفسيره م: (أن يجعل داره له مدة عمره) ش: أي مدة عمره م: (وإذا مات) ش: أي المعمر بفتح الميم الثانية م: (ترد عليه) ش: أي على المعمر بكسر الميم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 213 فيصح التمليك ويبطل الشرط لما روينا، وقد بينا أن الهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة، والرقبى باطلة عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - جائزة؛ لأن قوله داري لك تمليك، وقوله رقبى شرط فاسد.   [البناية] الثانية وقيل صورته أن يقول أعمرتك داري هذه، أو هي لك عمرى أو ما عشت أو مدة حياتك أو ما حييت، فإذا مت فهي رد علي أو نحو هذا سميت عمرى لتقييدها بالعمر. فإن قلت: روي عن ابن الأعرابي: لم يختلف العرف في العمرى والرقبى والمنحة والعرية والعارية والسكنى إنها على ملك أربابها ومنافعها من جعلت له، ونقل إجماع أهل المدينة على ذلك. قلت: دعوى إجماع أهل المدينة غير صحيحة لاختلاف كثير من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقوله: إنها عند العرب تمليك المنافع لا يضر إذا نقلها الشارع إلى عدم تمليك الرقبة كما في الصلاة والزكاة. م: (فيصح التمليك ويبطل الشرط لما روينا، وقد بينا أن الهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة والرقبى باطلة عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش: وبه قال مالك وهي أن يقول: أرقبتك هذه الدار وهي لك حياتك على أنك إن مت قبلي عادت إلي، وإن مت قبلك فهي لك ولعقبك، فكأنه يقول: هي لآخرنا موتا سميت رقبى. لأن كل واحد يرقب موت صاحبه، وقال الحسن بن زياد في " المجرد ": وإن قال قد أرقبتك داري هذه، كانت عارية، وإن قال: هي لك رقبى كانت هبة إذا دفعها إليه. وقال الكرخي في " مختصره ": وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " إملائه " قال أبو حنيفة إذا قال الرجل لرجل: هذه الدار لك رقبى، ودفعها إليه وقال: هذه الدار لك حبيس، ودفعها إليه فهي عارية في يده إذا شاء أن يأخذهما. قال محمد: وهذا قولنا أيضا، ثم قال: وقال أبو يوسف وأنا أرى أنه إذا قال هي لك حبيس فهي له إذا قبض. وقوله: حبيس باطل وكذلك إذا قال هي لك رقبى. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده في " مبسوطه ": إذا قال داري لك رقبى أو داري لك هذا حبيس، قال أبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله - لا تكون هبة، وروى الحسن عن أبي حنيفة ومحمد أنه يكون عارية، وقال أبو يوسف: يكون هبة. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جائزة) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - م: (لأن قوله داري لك تمليك، وقوله رقبى شرط فاسد) ش: فكأنه قال رقبة داري لك فصار م: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 214 كالعمرى، ولهما أنه عليه الصلاة والسلام أجاز العمرى ورد الرقبى   [البناية] " كالعمرى " ش: في الجواز. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أجاز العمرى ورد الرقبى» ش: وقال ابن قدامة في " المغني ": وحديثهم أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أجاز العمرى ورد الرقبى» لا نعرفه. وقال الأترازي: هذا لا يوجب الطعن فإن الثقات مثل ذلك وأبو حنيفة تمسكوا به. قلت: هذا الكلام لا يرضى به الخصم ولا يقنع به. وكيف ولم يبين فيه من هم رواته وما حالهم وعن أي صحابي أخرجه ومن خرجه من أهل هذا الشأن. وفي " المبسوط " حديثه مروي عن أبي الزبير عن جابر وحديثهما مروي عن الشعبي عن شريح، والحديثان صحيحان فلا بد من التوفيق بينهما. فنقول: الرقبى قد تكون بمعنى الإرقاب، وقد تكون بمعنى الترقب فحيث قال أجاز الرقبى كان بمعنى الإرقاب بأن يقول رقبة داري لك، وحيث قال رد الرقبى كان من الترقب وهو أن يقول أراقب موتك وتراقب موتي، فإن مت فهي لك، وإن مت فهي لي فيكون هذا تعليق التمليك بالخطر وهو موت المالك قبله وذلك باطل. ثم لما احتمل المعنيان والملك لذي اليد فيها ثابت بيقين، فلا يزيد له بالشك. والجواب عن قوله داري لك تمليك وذلك إنما يصح إذا لم يفسر هذه الإضافة بشيء أما إذا فسره بقوله رقبى أو حبيس تبين به أنه ليس بتمليك كما في قوله داري لك سكنى تكون عارية. وقوله إنه من الإرقاب بمعنى الرقبة داري لك الاشتقاق من الرقبة مما لم يقله أحد، وإيداع الشيء في اللغة ليس بمستحسن. والصواب أنه بمعنى المراقبة والترقب. وأما قوله الحديثان صحيحان، فإن كان كذلك فالتأويل ظاهر وهو أن يراد بالرد والإبطال شرط الجاهلية وبالإجارة أن يكون ذلك تمليكًا مطلقًا، ويدل عليه ما روى جابر أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أمسكوا عليكم أموالكم لا تعمروها، فمن أعمر شيئًا فهي له» . ألا ترى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى ثم أجاز على اختلاف العرضين ويبقى الاشتقاق على أصل واحد كما هو القياس مع سلامة المعنى، انتهى. قلت: قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أقوى وهو مذهب أحمد والثوري وذلك لأن حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «العمرى جائزة لأهلها، والرقبى جائزة لأهلها» ، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 215 ولأن معنى الرقبى عندهما إن مت قبلك فهو لك، واللفظ من المراقبة كأنه يراقب موته، وهذا تعليق التمليك بالخطر فبطل. وإذا لم تصح تكون عارية عندهما؛ لأنه يتضمن إطلاق الانتفاع به.   [البناية] رواه أبو داود والنسائي وحسنه الترمذي. وأخرج النسائي أيضًا عن حجاج بن أرطاة عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرفوعًا: «من أعمر عمرى فهي لمن أعمرها جائزة، ومن أرقب رقبى فهي لمن أرقبها جائزة» . وقال ابن المنذر: وروينا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: الرقبى والعمرى سواء. وقوله الاشتقاق من الرقبة مما لم يقله أحد فيه نظر؛ لأنه لا يلزم في صحة الاشتقاق النص عليه من جهة أحد، بل كل موضع يوجد فيه حد الاشتقاق وشرائطه يصح أن يقال هذا مشتق من ذلك، وهاهنا كذلك على ما لا يخفى. م: (ولأن معنى الرقبى عندهما إن مت قبلك فهو لك واللفظ من المراقبة) ش: يعني مشتق منها م: (كأنه يراقب موته، وهذا تعليق التمليك بالخطر فبطل) ش: أراد بالخطر موت المملك قبله م: (وإذا لم تصح) ش: أي الرقبى م: (تكون عارية عندهما؛ لأنه يتضمن إطلاق الانتفاع به) ش: وذلك لأنه أطلق له الانتفاع. وحاصل اختلافهم راجع إلى تفسير الرقبى مع اتفاقهم أنها من المراقبة، فحمل أبو يوسف هذا اللفظ على أنه تمليك للحال، والرجوع إلى الواهب منتظر فيكون كالعمرى. وقال: المراقبة في نفس التمليك؛ لأن معناه لآخرنا موتًا، فكان هذا تعليقًا للتملك بالخطر، وذا باطل. وفي " الأسرار ": حمل أبو يوسف حديث بطلان الرقبى على أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن الرقبة التي بمعنى المراقبة يعني راقب موتي إن مت قبلك فهي لك، فعلى هذا الوجه لا يصح بالاتفاق، وعلى الوجه الأول كالعمرى فيصح بالاتفاق. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 216 فصل في الصدقة قال: والصدقة كالهبة لا تصح إلا بالقبض؛ لأنه تبرع كالهبة فلا تجوز في مشاع يحتمل القسمة لما بينا في الهبة ولا رجوع في الصدقة لأن المقصود هو الثواب، وقد حصل. وكذلك إذا تصدق على غني استحسانا؛ لأنه قد يقصد بالصدقة على الغني الثواب وقد حصل. وكذا إذا وهب لفقير لأن المقصود هو الثواب وقد حصل. قال: ومن نذر أن يتصدق بماله يتصدق بجنس ما يجب فيه الزكاة.   [البناية] [فصل في الصدقة] م: (فصل في الصدقة) ش: لما شاركت الصدقة الهبة في الشروط وخالفتها في الحكم ذكرها في كتاب الهبة وفصل لها فصلًا. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والصدقة كالهبة لا تصح إلا بالقبض) ش: قال الأترازي: لما روى أصحابنا في نسخ " المبسوط " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: لا تجوز الصدقة إلا مقبوضة، وهذا الحديث حجة على الشافعي في تجويزه الصدقة بلا قبض. قلت: للشافعي إما أن يقول هذا ليس بثابت، ولئن ثبت فقول الصحابي ليس بحجة عندي م: (لأنه) ش: أي لأن الصدقة والتذكير باعتبار التصدق م: (تبرع كالهبة فلا تجوز في مشاع يحتمل القسمة لما بينا في الهبة) ش: أراد به قوله: لأن تجويزه التزام أشياء لم تلزمه وهو القسمة م: (ولا رجوع في الصدقة لأن المقصود هو الثواب وقد حصل) ش: أي المقصود، فصارت كهبة عوض عنها. فإن قلت: حصول الثواب في الآخرة فضل من الله ليس بواجب، فمن أين يقطع بحصوله. قلت: يمكن أن يكون المراد حصول الوعد بالثواب. م: (وكذلك إذا تصدق على غني) ش: يعني يرجع م: (استحسانًا؛ لأنه قد يقصد بالصدقة على الغني الثواب وقد حصل) ش: فإن من له نصاب وله عيال كثيرة فالناس يتصدقون عليه على فعل الثواب، وهذا يتأدى الزكاة بالتصدق عليه حالة الاشتباه، ولا رجوع فيه بالاتفاق، فكذا عند العلم بحاله لا يثبت له حق الرجوع بالشك. وفي القياس ينبغي أن يرجع؛ لأن الصدقة في حق الغني هبة. وبه قال بعض أصحابنا لأنه إنما يقصد به العوض منه دون الثواب، فصارت الهبة فيه كالصدقة، والهبة في حق الفقير سواء، م: (وكذا إذا وهب لفقير) ش: يعني لا يرجع م: (لأن المقصود هو) ش: من الهبة الفقير م: (الثواب وقد حصل) ش: المقصود. [نذر التصدق بماله] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن نذر أن يتصدق بماله يتصدق بجنس ما يجب فيه الزكاة) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 217 ومن نذر أن يتصدق بملكه لزمه أن يتصدق بالجميع. ويروى أنه والأول سواء وقد ذكرنا الفرق، ووجه الروايتين في مسائل القضاء، ويقال له أمسك ما تنفقه على نفسك وعيالك إلى أن تكتسب مالا فإذا اكتسب يتصدق بمثل ما أنفق، وقد ذكرناه من قبل.   [البناية] ش: اعتبارًا لإيجابه بإيجاب الله فيتصدق بالنقدين وعروض التجارة والسوائم والغلة والثمرة العشرية، ولا يتصدق بغير ذلك من الأموال لأنها ليست بأموال الزكاة. وقال زفر: يجب إخراج الجميع لعموم اللفظ، وبه قال أحمد في رواية. وقال الشعبي: لا يلزمه شيء. وقال الشافعي ومالك وأحمد في رواية: يجب إخراج الثلث كالوصية. وفي " الروضة ": لو قال مالي صدقة أو في سبيل الله ففيه أوجه: أحدها: وهو الأصح عند الغزالي وقطع القاضي حسين به أنه لغو لأنه لم يأت بصيغة الإلزام. والثاني: أنه كما لو قال علي أن أتصدق بمالي فيلزمه التصدق. والثالث: يصير ماله بهذا اللفظ صدقة. وذكر في " التتمة ": إن كان المفهوم من اللفظ في عرفهم معنى النذر أو نواه فهو لو قال: علي أن أتصدق بمالي أو أنفقه في سبيل الله وإلا فلغو. وأما إذا قال إن كلمت فلانًا أو فعلت كذا فمالي صدقة فالذي قطع به الجمهور ونص عليه الشافعي أنه بمنزلة قوله فعلي أن أتصدق بمالي أو بجميع مالي أن طريق الوفاء أن يتصدق بجميع ماله. وإذا قال في سبيل الله يتصدق بجميع ماله على الفقراء، انتهى. وذكر في غيره أنه إن علقه بشرط المنع كان يمينًا فإذا حنث فعليه كفارة والله أعلم. [نذر التصدق بملكه] م: (ومن نذر أن يتصدق بملكه لزمه أن يتصدق بالجميع) ش: أي بجميع ما يملكه؛ لأن الملك أعم من المال؛ لأنه قد يملك غير المال مثل القصاص والنكاح والخمر، فوجب العمل لعمومه، ولكن يحبس قدر ما ينفق على نفسه وعامليه إلى حين كسبه مالًا آخر فيخرج مثله ولا يقدر بشيء لأن الناس يتفاوتون في ذلك باختلاف أحوالهم في النفقات م: (ويروى أنه) ش: أي الملك م: (والأول) ش: أي المال م: (سواء) ش: لأن الملك عبارة عن الربط والشد والمال ما يصل إليه القلب فيكون في معنى الربط والشد فيتناسبان، وهذه الرواية رواية الحاكم الشهيد م: (وقد ذكرنا الفرق) ش: أي بين المال والملك م: (ووجه الروايتين في مسائل القضاء) ش: أي من هذا الكتاب في مسألة مالي صدقة على المساكين. م: (ويقال له) ش: أي الناذر يتصدق بملكه م: (أمسك ما تنفقه على نفسك وعيالك إلى أن تكتسب مالًا فإذا اكتسب يتصدق بمثل ما أنفق، وقد ذكرناه من قبل) ش: أي في كتاب القضاء في باب القضاء بالمواريث. وفي " الغاية ": ثم إنه يمسك قوته في قوله جميع ما أملك صدقة لأنه لا بد له منه، ولكن لم يبين محمد في " المبسوط " و " الجامع الصغير " مقدار ما يمسك من القوت، فقال مشايخنا إن كان دهقانًا يمسك قوت سنة؛ لأن القوت لدهقان يتجدد كل سنة، وإن كان تاجرا يمسك قوت شهر؛ لأن التجارة للتاجر لا تنفق كل حين، وإنما ينفق في بعض الأحايين، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 218 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فقدرنا بالشهر وإن كان محترمًا يمسك قوت يومه لأنه يتجدد له قوت كل يوم، ثم إذا وجد شيئًا يتصدق بمقدار ما أمسك للقوت؛ لأنه استهلك قدر القوت في المال الذي لزمه التصدق به، فصار ضامنًا لمثله. [حكم التصدق عن الميت] 1 فروع: وفي " الفتاوى الكبرى ": إذا تصدق عن الميت أو دعا له يصل ثواب ذلك إلى الميت، وبه قال أحمد. وقال الشافعي: لا يلحق الميت ما يفعله عنه من صدقة يتصدق بها له، أو دعاء يدعا له، أو قراءة قرآن إذا قال لله علي أن أتصدق بهذا الدرهم ولم يتصدق حتى هلك في يده فلا شيء عليه كذا في " الذخيرة ". رجل أخرج الخبز إلى المسكين فلم يجده فهو بالخيار إن شاء أدى إلى مسكين آخر، وإن شاء لم يؤد لأنه لم يخرج عن ملكه، كذا في التجنيس. رجل تصدق على ابنه الصغير بدار والأب ساكنها قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز. وقال أبو يوسف: يجوز وعليه الفتوى، كذا في " النوازل ". ولو قال: داري في المساكين صدقة فعليه أن يتصدق بها، وإن تصدق بقيمتها أجزأه، كذا في " الاختيار ". الجزء: 10 ¦ الصفحة: 219 كتاب الإجارات   [البناية] [كتاب الإجارات] م: (كتاب الإجارات) ش: وجه المناسبة بين الكتابين اشتمالهما على معنى التمليك، ولكن لما كانت الهبة تمليك العين قدمها على الإجارات التي هي تمليك المنفعة، والعين مقدم، وهو جمع إجارة على فعالة بالكسر اسم للأجر بمعنى الأجرة من أجره إذا أعطاه أجره من باب فعل يفعل بالفتح في الماضي والضم في الحاضر، ولا يمنع أن يكون مصدرًا منه، كما تقول كتب يكتب كتابة. وهذه المادة تستعمل لمعاني التعويض، تقول أجره الله بأجره ويأجره وهو يأتي من بابين من باب طلب يطلب، ومن باب ضرب يضرب. ومنه الأجر وهو الثواب؛ لأن الله تعالى يعوض العبد به. ويقال لمهر المرأة أجر لأنه عوض من بضعها، قال الله تعالى: {آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50] أي مهورهن. والبراء أجر العظم يأجر ويأجر أجرًا وأجورًا أي برأ على عثم. وهو أيضًا من البابين المذكورين والجبر، تقول أجر الله يداي جبرها على عثم، وهو انجبار العظم المكسور على غير استواء. وإعطاء الأجرة، تقول أجره إذا أعطاه أجرته كما ذكرنا. وإذا أردت أن تنقله إلى باب الأفعال تقول آجر بالمد؛ لأن أصله: أأجر بهمزتين إحداهما فاء الفعل والأخرى همزة الفعل، والقاعدة أن الهمزتين إذا اجتمعتا وثانيهما ساكنة تلين، فانقلب للتخفيف، والمصدر منه إيجار فاسم الفاعل من الأول أجر، ومن الثاني مؤجر. قال صاحب العين آجرت مملوكي أوجره إيجارًا فهو مؤجر، وفي الأساس آجرني داره فاستأجرتها وهو مؤجر، ولا يقال مؤاجر فإنه خطأ وقبيح، أما الخطأ فظاهر وهو أنه من مهموز أفعل. وأما قوله معتل فاعل والقبح أنه استعمل في موضع قبيح. قلت: تحرير الخطأ فيه أنه اسم الفاعل من أفعل لا يأتي إلا على وزن مفعل كأكرم على مكرم، وكذلك آجر بالمد على وزن أفعل واسم الفاعل منه مؤجر، وأصله مأجر بضم الميم وسكون الهمزة ولكن ليست الهمزة بجنس حركة ما قبلها وهي الواو فقيل مؤجر للتخفيف. وأما مؤاجر فإنه اسم الفاعل من واجر كواعد على مواعد، وهذا بناء على لغة العامة فإنهم يقولون واجرته الدار موضع آجرته إذا أكريتها، فعلى هذا الخطأ في إبدالهم الواو من الهمزة التي في أول الكلمة لا في قولهم مؤاجر؛ لأنه مبني على القاعدة؛ لأن اسم الفاعل من فاعل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 220 الإجارة عقد يرد على المنافع بعوض؛ لأن الإجارة في اللغة بيع المنافع والقياس يأبى جوازه؛ لأن المعقود عليه المنفعة وهي معدومة، وإضافة التمليك إلى ما سيوجد لا يصح   [البناية] يأتي على مفاعل. قال صاحب " العناية " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تقول أجرته الدار أي أكريتها، والعامة تقول واجرتها والقائل يقول كما يجوز قلب أحد الواوين همزة إذا اجتمعتا في أول الكلمة التحقيق كما في أواقي فإن أصله وواقي جمع واقته فكذلك يجوز قلب إحدى الهمزتين واوا إذا اجتمعتا في أول الكلمة للتخفيف على أن الثقالة في اجتماع الهمزتين أكثر من الثقالة في اجتماع الواوين. وأما القبح الذي ذكروا فيه فهو أن العامة استعملوه في مواضع السبب والتعبير، ولهذا ذكر في باب التعزير من جملة ألفاظ التعزير وفسروه بأنه هو الذي يؤجر أهله للزنا، ثم هل تجيب هذه للغة تعزير، فإن كان المسبوب شريفًا أو فقيهًا يعزر وإن كان غيرها لا. [تعريف الإجارة] م: (الإجارة عقد يرد على المنافع بعوض) ش: هذا تفسير الإجارة بالمعنى الشرعي، وإنما قدمه على المعنى اللغوي لأن اللغوي هو الشرعي بلا مخالفة، وهو في بيان شرعيتها. فالشرعي أولى بالتقديم. وقال الأترازي: وينبغي أن يقال عقد على منفعة معلومة بعوض معلوم إلى مدة معلومة حتى يخرج النكاح؛ لأن التوقيت يعطله، أو يقال عقد على منفعة معلومة لا لاستباحة البضع بعوض معلوم. قلت: زيادة لفظة الاستباحة تتعين في تفسير النكاح لا في تفسير الإجارة م: (لأن الإجارة في اللغة بيع المنافع) ش: قيل فيه نظر؛ لأن الإجارة اسم للأجرة وهي ما أعطت من كرى الأجير كما صرح به الشراح. قلت: قد بينت لك عن قريب أن الإجارة تجوز أن تكون مصدرًا فيستقيم الكلام م: (والقياس يأبى جوازه) ش: أي جواز عقد الإجارة م: (لأن المعقود عليه المنفعة وهي معدومة) ش: حالة العقد. م: (وإضافة التمليك إلى ما سيوجد لا يصح) ش: لأن المعاوضات لا تحتمل الإضافة كالبيع، قيل في كون القياس يأتي جوازه نظر، ولم يذكر على ذلك دليلًا إلا أن إضافة التمليك إلى ما سيوجد لا يصح، وهذا الذي جعله دليلًا يحتاج إلى دليل، وما سيوجد نوعان منافع وأحيان، وقياس أحدهما على الآخر فاسد لوجود الفارق بينهما، فإن المعنى الجامع بينهما وهو كون كل منهما يعارضه المعنى الفارق وهو أقوى منه، وهو أن هذا معدوم يمكن تأخير بيعه إلى زمن وجوده بخلاف المعدوم الآخر. وقد أجرى الله العادة بحدوث هذه المنافع، فصارت متحققة الوجود، فإلحاق المعدوم المتحقق الوجود بالموجود أظهر من إلحاقه بالمعدوم المظنون الوجود أو ما لوجوده غاية يمكن تأخير الجزء: 10 ¦ الصفحة: 221 إلا أنا جوزناه لحاجة الناس إليه، وقد شهدت   [البناية] العقد إلى أن يوجد، فإنما لوجده حال وجود وعدم في بيعه حال العدم مخاطرة وقمار، وبذلك علل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المنع حيث قال: «أرأيت إن منع الله الثمرة فهل يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق» . وأما ليس له إلا حالة واحدة، والغالب فيه السلامة فليس العقد عليه مخاطرة ولا قمارًا وإن كان فيه مخاطرة يسيرة، فالحاجة داعية إليه. قلت: لا نسلم فساد القياس المذكور ولا معارضة المعنى الفارق للمعنى في الجامع، وكيف تكون هذه المنافع متحققة الوجود بجريان العادة بحدوثها وهي إعراض لا يبقى زمانين فتكون معدومة بهذا الاعتبار، وبيع المعدوم لا يجوز ولصحة القياس المذكور. وقال شمس الأئمة السرخسي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيام العين المنتفع بها مقام المنفعة في حق إضافة العقد إليه ليترتب القبول على الإيجاب كقيام الذمة التي هي محل المسلم فيه مقام المعقود عليه في جواز السلم، وتنعقد ساعة فساعة على حسب حدوث المنفعة ليقترن الانعقاد بالاستيفاء فيستحق بهذه الطريق التمكن من الاستيفاء المعقود عليه. وقد قيل في وجه إباء القياس جوازه أن موجب العقد التسليم في الحال، وليس في الإجارة ذلك وفيه نظر؛ لأن موجب العقد إما أن يكون ما أوجبه الشارع بالعقد أو ما أوجبه العاقدان مما يسوغ لهما أن يوجباه، وكلاهما متفق في هذه الدعوى. أما الأول فظاهر. وأما الثاني فكذلك؛ لأنهما تارة يعقدان على الوجه المذكور، وتارة يشترطان التأخير. إما في الثمن وإما في المثمن، وقد يكون للبائع غرض صحيح، ومصلحة في تأخير تسليم المبيع كما كان لجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غرض صحيح في تأخير تسليم بعيره إلى المدينة. واتفق العلماء على جواز تأخير التسليم إذا كان العرف يقتضيه، كما إذا باع مخزنًا له فيه متاع كثير لا ينقل في يوم ولا أيام فلا يجب عليه جمع دواب البلد ونقله في ساعة واحدة، بل قالوا هذا يستثنى بالعرف، وكذلك من اشترى ثمرة بدا صلاحها ليس عليه أن يجمع القطافين في أوان واحد لقطفها جملة واحدة، وإنما يقطفها كما جرت به العادة. م: (إلا أنا جوزناه) ش: أي عقد الإجارة م: (لحاجة الناس إليه) ش: قد يحتاج إلى منافع الأعيان لإقامة المصالح، ولا يجد الثمن ليشتري العين، وصاحب الأعيان قد يحتاج إلى الدراهم ولا يتهيأ له البيع، والفقير يحتاج إلى المال والغني إلى الأعمال. فلو لم تجز الإجارة لضاق الأمر على الناس، ولهذا يترك القياس كما جاز السلم لحاجة المفاليس م: (وقد شهدت الجزء: 10 ¦ الصفحة: 222 بصحتها الآثار، وهي قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» ،   [البناية] بصحتها الآثار) ش: وهو جمع أثر بفتحتين، وهو اسم للخبر الذي ترويه عن غيرك. ومنه عن قولهم حديث مأثور أي نقله الخلف عن السلف وأصله من أثر الحديث آثره أثرًا، إذا ذكرته عن غيرك. وفي الاصطلاح: يطلق على السنة المروية عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قولًا وفعلًا وعلى الأخبار المروية من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (وهي قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» ش: التذكير في الضمير باعتبار ما بعده وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. والحديث رواه عبد الله بن عمر وأبو هريرة وجابر وأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أما حديث ابن عمر فأخرجه ابن ماجه في " سننه " في كتاب الأحكام في باب أجر الأجير عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» . وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " حدثنا إسحاق بن إسرائيل حدثنا عبد الله بن جعفر أخبرني سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا نحوه سواء. وأما حديث جابر فأخرجه الطبراني في " معجمه الصغير " حدثنا أحمد بن محمد بن الصلت البغدادي بمصر حدثنا محمد بن زياد الكلبي حدثنا شرقي بن القطامي عن أبي الزبير عن جابر قال " قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكره، وقال: تفرد به محمد بن زياد. وأما حديث أنس فأخرجه أبو عبد الله الترمذي الحكيم في كتاب " نوادر الأصول " في الأصل الثاني عشر حدثنا موسى بن عبد الله بن سعيد الأزدي حدثنا محمد بن زياد الكلبي عن بشر بن الحسين الهلالي عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك مرفوعًا نحوه سواء. وأخرجه أبو أحمد بن زنجويه النسائي في كتاب " الأموال " مرسلًا قال حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عثمان بن عثمان الغطفاني عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أعطوا الأجير أجره» إلى آخره. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 223 وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من استأجر أجيرا فليعلمه أجره» .   [البناية] وقد أعلوا حديث ابن عمر بعبد الرحمن بن زيد وحديث أبي هريرة بعبد الله بن جعفر، وعبد الله هذا هو والد علي بن المديني - رَحِمَهُ اللَّهُ - وليس بشيء في الحديث. وحديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بشرقي بن القطامي وهو منكر الحديث، ولكن معنى الحديث في الصحيح أخرجه البخاري عن المقبري عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي، ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه، ولم يعطه أجره» . م: (وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «من استأجر أجيرًا فليعلمه أجره» ش: هذا الحديث أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه في البيوع " حدثنا معمر، والثوري عن حماد عن إبراهيم عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أو أحدهما أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من استأجر أجيرًا فليسم له أجرته» . قال عبد الرزاق: فقلت للثوري يومًا: سمعت حمادًا يحدث عن إبراهيم عن أبي سعيد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من استأجر أجيرًا فليسم له أجرته» قال: نعم وحدث به مرة أخرى فلم يبلغ به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ورواه الكرخي في " مختصره " حدثنا الحضرمي قال حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا يزيد بن الحباب عن سفيان عن حماد عن إبراهيم عن أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من استأجر أجيرًا فليعلمه أجره» . ورواه محمد بن الحسن في كتاب " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من استأجر أجيرًا فليعلمه أجره» . وعن عبد الرزاق رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " فقال أخبرنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن حماد عن إبراهيم عن الخدري عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من استأجر أجيرًا فليبين له أجرته» . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 224 وتنعقد ساعة فساعة على حسب حدوث المنفعة،   [البناية] وقال عبد الحق في " أحكامه ": إبراهيم لم يدرك أبا سعيد. ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " موقوفًا على الخدري، وأبي هريرة، فقال: حدثنا وكيع عن سفيان عن حماد عن إبراهيم عن أبي هريرة وأبي سعيد، قالا: «من استأجر أجيرًا فليعلمه أجره» قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل: سألت أبا زرعة عن هذا الحديث فقال: الصحيح أنه موقوف. ثم المصنف لم يذكر إلا هذين الحديثين أحدهما معلول والآخر موقوف، وفيها أحاديث صحيحة: منها: حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري، وقد ذكرناه آنفًا. ومنها آخر: أخرجه البخاري عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما بعث الله نبيًا إلا رعى الغنم " فقال أصحابه: وأنت يا رسول الله؟ قال: " نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة» . ومنها آخر: أخرجه البخاري عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت «استأجر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر رجلا من الدليل، هاديًا خريتًا، وهو على دين كفار قريش، فدفعا إليه راحلتيهما، ووعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث» . ومنها آخر: أخرجه ابن حبان في " صحيحه «عن سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرمة العبدي بزًا من هجر، فأتانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فساومنا سراويل، وعنده وزان يزن بالأجر، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " زن وأرجح» . [الإجارة تنعقد ساعة بعد ساعة على حسب حدوث المنافع] م: (وتنعقد ساعة فساعة على حسب حدوث المنفعة) ش: أي تنعقد الإجارة ساعة بعد ساعة على حسب حدوث المنافع؛ لأن ما هي المعقودة عليها فالملك في البدلين، أيضًا يقع ساعة فساعة على حسب حدوثها فكذا في بدلها وهو الأجرة، وعندنا محل العقد المنافع والعين جعلت خلفًا عنها في حق إضافة العقد، وبه قال مالك وأحمد وأكثر أصحاب الشافعي وأكثر أهل العلم. وقال بعض أصحاب الشافعي: محل العقد العين؛ لأنها الموجودة، والعقد يضاف إليها، ثم عند الثلاثة يجعل العين المعدومة كالموجودة حكما ضرورة تصحيح العقد. ويتبنى على هذا مسائل: منها: الأجرة تملك بنفس العقد عند الشافعي وأحمد، وعندنا لا تملك إلا بأحد معان ثلاث، أما شرط التعجيل من غير شرط، أو استيفاء المعقود عليه في العيون، أو بالتمكن من الاستيفاء. وقال مالك: تملك الأجرة لا يكون إلا بالاستيفاء فقط. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 225 والدار أقيمت مقام المنفعة في حق إضافة العقد إليها ليرتبط الإيجاب بالقبول ثم عمله يظهر في حق المنفعة تملكا واستحقاقا حال وجود المنفعة ولا تصح حتى تكون المنافع معلومة والأجرة معلومة لما روينا،   [البناية] ومنها: إذا مات أحد المتعاقدين لم يبطل العقد عند الثلاثة. ومنها: يجوز عندهم إجارة سكن دار بسكنى دار أخرى. ومنها: إذا أجر عبدًا ثم أعتقه بقي العقد عندهم. م: (والدار أقيمت مقام المنفعة) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال إذا كان انعقاد الإجارة ساعة فساعة على حسب حدوث المنفعة وجب أن يصح رجوع المستأجر في الساعة الثانية قبل أن ينعقد العقد فيها. وإذا استأجر شهرًا مثلًا ليس له أن يمتنع بلا عذر. وتقرير الجواب أن الدار أقيمت مقام المنفعة م: (في حق إضافة العقد إليها ليرتبط الإيجاب بالقبول) ش: إلزامًا للعقد في المقدار المعين م: (ثم عمله يظهر) ش: أي عمل العقد وهو أثره م: (في حق المنفعة تملكًا واستحقاقًا حال وجود المنفعة) ش: أراد أن حكم اللفظ يتراخى إلى حين وجود المنفعة من حيث الملك والاستحقاق فيثبتان معًا حال وجود المنفعة، بخلاف بيع العين فإن الملك في البيع يثبت في الحال ويتأخر الاستحقاق إلى زمان نقد الثمن. فإن قلت: ما الفائدة في قوله استحقاقًا؟. قلت: بينهما مغايرة فلذلك ذكره؛ لأن الاستحقاق لا يكون إلا بعد ثبوت الملك، ولكن في البيع يتأخر كما ذكرنا، بخلاف الملك وأما في الإجارة فمن ضرورة تأخر الملك يتأخر الاستحقاق، وهذا بعد الاستيفاء لا يمكن القول بتراخي الاستحقاق فافهم. وإنما ذكر قوله يرتبط الإيجاب بالقبول؛ لأنها عقد وهما من أركان العقود، ويجب أن يكونا بلفظين يعبران عن الماضي نحو أن يقول أحدهما أجرت، ويقول الآخر قبلت، ولا ينعقد إذا كان أحدهما ماضيًا والآخر مستقبلًا كما في البيع، وينعقد بلفظ الإعارة حتى لو قال أعرتك هذه الدار شهرًا بكذا، وقال كل شهر بكذا صحت، وحتى لو قال وهبتك منافع هذه الدار شهرًا بكذا أو ملكت منافعها بكذا وينعقد بالتعاطي أيضًا. وقال شيخ الإسلام: ينعقد بلفظ البيع ويجوز استعارة لفظ البيع لتمليك المنفعة مجازًا، وبه قال الشافعي وأحمد. وعن أحمد: لا ينعقد بلفظ البيع كقولنا وينعقد بلفظ الكراء ونحوه. م: (ولا تصح حتى تكون المنافع معلومة) ش: أي لا يصح عقد الإجارة حتى تكون المنافع معلومة م: (والأجرة معلومة) ش: وهذان لا خلاف فيهما م: (لما روينا) ش: أشار به على قوله عليه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 226 ولأن الجهالة في المعقود عليه وفي بدله تفضي إلى المنازعة كجهالة الثمن والمثمن في البيع. وما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز أن يكون أجرة في الإجارة؛ لأن الأجرة ثمن المنفعة فتعتبر بثمن المبيع وما لا يصلح ثمنا يصلح أجرة أيضا كالأعيان،   [البناية] السلام «من استأجر أجيرا فليعلمه أجره» فالحديث دل بعبارته على اشتراط إعلام الأجرة وبدلالته على اشتراط إعلام المنافع؛ لأن اشتراط إعلامها لقطع المنازعة فالمنفعة تشاركها في المعنى م: (ولأن الجهالة في المعقود عليه، وفي بدله تفضي إلى المنازعة كجهالة الثمن والمثمن في البيع) ش: لأن شرعية المعاوضات لقطع المنازعات والجهالة فيهما مفضية إليها. م: (وما جاز أن يكون ثمنا في البيع) ش: كالنقود والمكيل والموزون م: (جاز أن يكون أجرة في الإجارة) ش: إلى هنا لفظ القدوري قال الشيخ أبو نصر البغدادي في شرحه: وهذا الذي ذكر ليس على وجه الحد، وإنه لا يجوز غيره يبين ذلك أن الأعيان لا تكون أثمانا وتكون أجرة، وإنما ذكر ذلك لأنه هو الغالب، وقال الأترازي: يعني ما ذكره القدوري مطرد وليس ينعكس وأراد بالأعيان ما لم يكن مثليا كالحيوان، ثم الحيوان إنما يصلح أجرة إذا كان معينا وإلا فلا. وقال الكرخي في " مختصره " في الفرق بين المبيع والثمن: ما يتعين في العقد فهو مبيع وما لم يتعين فهو ثمن، إلا أن يقع عليه لفظة البيع. قال الفراء: الثمن ما كان في الذمة، فالدراهم والدنانير أثمان أبدا لا يتعين بالعقد على أصول أصحابنا، فإنما يثبت في الذمة، والأعيان التي ليست من ذوات الأمثال مبيعة أدبا، والمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة بين مبيع وثمن. فإن كانت معينة فهي مبيعة أيضا، وإن كانت غير معينة فإن استعملت استعمال الأثمان فهي ثمن نحو أن يقول اشتريت منك هذا العبد بكذا وكذا حنطة ونصف، وإن استعملت استعمال المبيع كان سلما نحو أن يقول اشتريت منك كذا حنطة بهذا العبد فلا يصح العقد إلا بطريق السلم والفلوس بمنزلة الدراهم والدنانير في أنها لا تتعين بالتعيين، كذا ذكره الشيخ أبو الفضل الكرماني في " الإيضاح ". م: (لأن الأجرة ثمن المنفعة فتعتبر بثمن المبيع) ش: أن الإجارة بين المنفعة والأجرة ثمنها فيعتبر بالمبيع [ما يصلح أجرة في الإجارة] م: (وما لا يصلح ثمنا يصلح أجرة أيضا كالأعيان) ش: التي ليست من ذوات الأمثال كالحيوانات والعدديات المتفاوتة فإنها لا تصح ثمنا أصلا لما مر في البيوع أن الأصول ثلاثة ثمن محض كالدراهم، ومبيع محض كالأعيان التي ليست من ذوات الأمثال، وما كان بينهما كالمكيلات والموزونات ثم الأعيان إنما تصح أجرة إذا كانت معينة كما إذا استأجر دارا بثوب معين، وإن كان لا يصلح ثمنا قيل فيه نظر، فإن المقايضة بيع وليس فيها أعيان الجانبين، فلو لم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 227 فهذا اللفظ لا ينفي صلاحية غيره لأنه عوض مالي، والمنافع تارة تصير معلومة بالمدة كاستئجار الدور للسكنى والأرضين للزراعة فيصح العقد على مدة معلومة، أي مدة كانت لأن المدة إذا كانت معلومة كان قدر المنفعة فيها معلوما إذا كانت المنفعة لا تتفاوت، وقوله:   [البناية] يصح العين ثمنا كانت بيعا بلا ثمن وهو باطل. ويمكن أن يجاب عنه بأن النظر على المثال ليس من دواب المناظرين، فإذا كان الأصل صحيحا جاز أن يمثل بمثال آخر كالتمثيل بالمنفعة فإنها تصح أجرة إذا اختلفت جنس المنافع كما إذا استأجر سكنى دار بركوب دابة ولا يصلح ثمنا أصلا. م: (فهذا اللفظ) ش: أشار به إلى قوله ما جاز أن يكون ثمنا في البيع، إلى آخر، وهذا لفظ القدوري م: (لا ينفي صلاحية غيره) ش: أي غير الثمن م: (لأنه) ش: أي لأن الأجرة والتذكير على تأويل الأجرة م: (عوض مالي) ش: فيعتمد وجود المال والأعيان والمنافع أموال مجاز أن يقع أجرة، وبه قال الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - حتى قالوا يجوز إجارة سكنى دار بسكنى دار؛ لأن السكنى يجوز أن يكون ثمنا فيجوز أن يكون أجرة، وكره الثوري الإجارة بطعام موصوف في الذمة. ثم الأجرة إن كانت من النقود يشترط بيان جنسها وصفتها بأنها جيدة أو وسط أو رديئة، وإن كانت مكيلا أو موزونا أو عدديا متقاربا يشترط فيها بيان القدر والصفة، ويحتاج إلى بيان مكان الإيفاء إذا كان له حمل ومؤنة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما والثلاثة، وإن كان عرضا أو ثوبا يشترط فيه شرائط السلم، وفي هذا كله إذا كانت الأجرة حيوانا لا يجوز إلا إذا كان عينا فإعلامه بالإشارة لأنها أبلغ أسباب التعريف، وإن كانت الأجرة حيوانا لا يجوز إلا إذا كان عينا لعدم ثبوت الحيوان في الذمة بدلا عما هو مال. م: (والمنافع تارة تصير معلومة بالمدة كاستئجار الدور للسكنى والأرضين للزراعة فيصح العقد على مدة معلومة أي مدة كانت) ش: هذا لفظ القدوري، وبه قال كافة أهل العلم إلا أن الأصحاب اختلفوا في مذهبه، فمنهم من قال: له قولان، أحدهما: كقول سائر أهل العلم وهو الصحيح، والثاني: لا يجوز أكثر من سنة؛ لأن الجواز للحاجة ولا حاجة في أكثر من السنة، ومنهم من قال قولا ثالثا: أنها لا تجوز أكثر من ثلاث سنين؛ لأن الغالب أن الأعيان لا تبقى أكثر منها وتتغير الأسعار والأجر. قلنا: هذا مخالف لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] (القصص: الآية 27) ، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يقم دليل على نسخه م: (لأن المدة إذا كانت معلومة كان قدر المنفعة فيها معلوما إذا كانت المنفعة لا تتفاوت) ش: احترز بهذا عن استئجار الأرض للزراعة إلى مدة معلومة، حتى لا يصلح أن يسمى ما يزرع فيها على ما يجيء. م: (وقوله) ش: أي قول الجزء: 10 ¦ الصفحة: 228 " أي مدة كانت " إشارة إلى أنه يجوز، طالت المدة أو قصرت لكونها معلومة، ولتحقق الحاجة إليها عسى، إلا أن في الأوقاف لا تجوز الإجارة الطويلة كي لا يدعي المستأجر ملكها وهي ما زاد على ثلاث سنين وهو المختار، " قال: وتارة تصير معلومة بنفسه كمن استأجر رجلا على صبغ ثوبه أو خياطته، أو استأجر دابة ليحمل عليها مقدارا معلوما أو يركبها مسافة سماها لأنه إذا بين الثوب ولون الصبغ وقدره،   [البناية] القدوري: م: (أي مدة كانت إشارة إلى أنه يجوز طالت المدة أو قصرت لكونها معلومة) ش: وفي " الذخيرة ": ولو وقتا مدة الإجارة وقتا لا يعيش إليها أحدهما قبل المدة لا يصح، به أفتى القاضي أبو عاصم العامري؛ لأن الغالب كالمتيقن في حق الأحكام فكانت الإجارة مؤبدة، والتأبيد يبطل الإجارة. وقال الخصاف: يجوز لأن العبرة للفظ فإنه يقتضي التوقيت ولا عبرة بموت أحدهما قبل انتهاء المدة؛ لأن ذلك عسى يوجد وعسى لا يوجد كما لو زوج امرأة إلى مائة سنة فإنه توقيت لا تأبيد حتى يكون متعة، وإن كانت المدة لا يعيش إليها غالبا، وجعل نكاحا موقوفا اعتبارا للفظ م: (ولتحقق الحاجة إليها عسى) ش: أي إلى المدة الطويلة، وعسى هاهنا وقع مجردا عن الاسم والخبر تقديره عسى الاحتياج إلى المدة الطويلة يتحقق الاحتياج، وأهل العربية يأبون ذلك م: (إلا أن في الأوقاف) ش: استثناء من قوله أي مدة كانت م: (لا تجوز الإجارة الطويلة كيلا يدعي المستأجر ملكها) ش: أي ملك العين المستأجرة. م: (وهي) ش: أي الإجارة الطويلة في الأوقاف م: (ما زاد على ثلاث سنين وهو المختار) ش: أي المختار في المذهب أن لا يزيد على ثلاث سنين وهو اختيار مشايخ بلخ. وقال غيرهم: يجوز وبه قال أكثر أهل العلم. ولكن يرفع إلى الحاكم حتى يبطله وبه أفتى الفقيه أبو الليث، كذا في " التتمة ". هذا إذا لم يشترط الواقف أن لا يؤجر أكثر من سنة، وأما إذا شرط فليس لمتولي الوقف أن يزيد على ذلك، فإن كانت مصلحة الوقف تقتضي ذلك يرفع إلى الحاكم حتى يحكم بجوازها. وفي شرح " حبل الخصاف " قال بعض مشايخنا: يجوز الإجارة الطويلة على الأوقاف أن يعقدوا عقودا متفرقة كل عقد على سنة فيكتب في الصك كذلك فيكون العقد الأول لازما، والثاني غير لازم لأنه مضاف. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وتارة تصير) ش: أي المنافع م: (معلومة بنفسه) ش: أي بنفس العقد م: (كمن استأجر رجلا على صبغ ثوبه أو خياطته أو استأجر دابة ليحمل عليها مقدارا معلوما أو يركبها مسافة سماها لأنه إذا بين الثوب) ش: بأنه قطن أو كتان أو صوف أو حرير لأنه متعارف في الصبغ والخياطة م: (ولون الصبغ) ش: بأنه أحمر أو أصفر ونحوهما م: (وقدره) ش: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 229 وجنس الخياطة والقدر المحمول وجنسه والمسافة صارت المنفعة معلومة فصح العقد. وربما يقال الإجارة قد تكون عقدا على العمل كاستئجار القصار والخياط، ولا بد أن يكون العمل معلوما وذلك في الأجير المشترك. وقد يكون عقدا على المنفعة كما في أجير الواحد.   [البناية] أي قدر الصبغ بأن يلقيه في حب الصبغ مرة أو مرتين م: (وجنس الخياطة) ش: بأنها فارسية أو رومية م: (والقدر المحمول) ش: على الدابة بأنه قنطاران م: (وجنسه) ش: أي جنس المحمول بأنه حنطة أو شعير أو علف م: (والمسافة) ش: بأنه يوم أو يومان م: (صارت المنفعة معلومة فصح العقد) ش: لارتفاع الجهالة المفضية إلى النزاع. م: (وربما يقال) ش: إشارة إلى تخريج بعض المشايخ منهم القاضي أبو زيد فإنه ذكر في " الأسرار " أن الإجارة نوعان بيع منفعة بجنسه وهو إجارة الدار ونحوها وبيع العمل المسمى المعلوم، وإنه يجوز من غير ذكر الوقت، وإنه أنواع ثلاثة: بيع عمل محض كالخياطة ونحوها. وبيع عمل مع عين المال كالصناعة بصبغ الصباغ والاستصناع وهو طلب صناعة في العين، وقد أشار إلى بعض ذلك. وقال صاحب " التحفة ": الإجارة نوعان، إجارة على المنافع، وإجارة على الأعمال، ولكل نوع شروط وأحكام. أما الإجارة على المنافع فكإجارة الدور والمنازل والحوانيت والصناع وعبيد الخدمة، والدواب للركوب والحمل، والثياب وحلي البسر، والأواني للاستعمال، والعقد في ذلك كله جائز. وشرط جوازه أن تكون العين المستأجرة معلومة، والأجرة معلومة، والمدة معلومة بيوم أو شهر أو سنة؛ لأنه عقد معاوضة كالبيع وإعلام المبيع، والثمن شرط في البيع، فكذلك هاهنا. إلا أن المعقود عليه هاهنا هو المنافع فلا بد من إعلامها بالمدة والعين الذي عقد عليه الإجارة على منافعه. وأما الإجارة على الأعمال فكاستئجار الإسكاف والقصار والصباغ وسائر من يشترط عليه العمل في سائر الأعمال من حمل الأشياء من موضع ونحوه، وأحكام هذا مذكورة في الكتاب، أشار إليه بقوله م: (الإجارة قد تكون عقدا على العمل كاستئجار القصار والخياط، ولا بد أن يكون العمل معلوما وذلك) ش: كالخياطة الفارسية والرومية والقصارة مع النشاء أو بدونه م: (في الأجير المشترك) ش: أي كون العقد على العمل في الأجير المشترك م: (وقد يكون عقدا على المنفعة) ش: كاستئجار الرجل يوما أو شهرا للعمل م: (كما في أجير الواحد) ش: بالإضافة. وفي بعض النسخ بالأجير الواحد والأول أصح؛ لأنه ذكر في " المغرب ": أجير الواحد على الإضافة أي أجير المستأجر الواحد بخلاف أجير المشترك، وفي معناه الأجير الخاص ولو الجزء: 10 ¦ الصفحة: 230 ولا بد من بيان الوقت، قال: وتارة تصير المنفعة معلومة بالتعيين والإشارة كمن استأجر رجلا لينقل له هذا الطعام إلى موضع معلوم؛ لأنه إذا أراه ما ينقله والموضع الذي يحمل إليه كانت المنفعة معلومة فيصح العقد.   [البناية] حرك الحاء صح؛ لأنه يقال رجل وحد أي واحد م: (ولا بد من بيان الوقت) ش: أي المدة. [تعيين الأجرة في عقد الإجارة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وتارة تصير المنفعة) ش: أي المنافع م: (معلومة بالتعيين، والإشارة كمن استأجر رجلا لينقل له هذا الطعام إلى موضع معلوم لأنه) ش: أي لأن الرجل المستأجر م: (إذا أراه ما ينقله والموضع الذي يحمل إليه كانت المنفعة معلومة فيصح العقد) ش: بدون ذكر المدة، والله أعلم بالصواب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 231 باب الأجر متى يستحق قال: الأجرة لا تجب بالعقد وتستحق بإحدى معاني ثلاثة:   [البناية] [باب وقت استحقاق الأجر في عقد الإجارة] م: (باب الأجر متى يستحق) ش: لما كانت الإجارة موقوفة على إعلام الأجرة احتاج إلى بيان وقت وجوبها ولو بوب له بابا. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الأجرة لا تجب بالعقد) ش: أي بنفس العقد، قال تاج الشريعة: أراد وجوب الأداء. أما نفس الوجوب فثبت بنفس العقد. وقال السغناقي: لا تجب، معناه لا يجب تسليمها وأداؤها بمجرد العقد، وقال صاحب العناية: هذا ليس بواضح؛ لأن نفي وجوب التسليم لا يستلزم نفي التملك كالمبيع، فإنه يملكه المشتري بمجرد العقد، ولا يجب تسليمه ما لم يقبض الثمن. والصواب أن يقال معناه لا يملك لأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر في الجامع أن الأجرة لا تملك وما لم يملك لم يجب إيفاؤها. فإن قلت: فإذا لم يستلزم نفي الوجوب نفي التمليك كان أعم منه. وذكر الأعم وإرادة الأخص ليس بمجاز لعدم دلالة الأعم عليه أصلا. قلت: أخرج الكلام مخرج الغالب وهو أن يكون الأجرة مما ثبت في الذمة ونفي الوجوب فيها وهو يستلزم نفي التمليك لا محالة، وعلى هذا كان قوله يستحق بمعنى يملك يدل على هذا كله قوله، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يملك بنفس العقد وإلا لم يكن محل الخلاف متحدا، انتهى. قلت: ذكر في " الذخيرة " يجب أن يعلم أن الأجرة لا تملك بنفس العقد ولا يجب إيفاؤها إلا بعد استيفاء المنفعة إذا لم يشترط تعجيلها سواء كانت عينا أو دينا، هكذا ذكر محمد في " الجامع) وذكر في الإجارات إن كانت عينا لا تملك بنفس العقد وإن كانت دينا تملك بنفس العقد ويكون بمنزلة الدين المؤجل. فعامة المشايخ على أن الصحيح ما ذكره في الجامع. وقال بعضهم ما ذكره في الإجارات قوله أولا وما ذكره في " الجامع " أخرى وهو الأصح؛ لأن الإجارة عقد معاوضة فيوجب المساواة بين البدلين ما أمكن ما لم يغير بالشرط. فلو قلنا أن إيفاءها يجب قبل استيفاء المنفعة تزول المساواة، وبه قال مالك. م: (وتستحق بإحدى معاني ثلاثة) ش: وفي بعض النسخ بأحد معان ثلاثة، فوجهه أن يكون على تأويل العلل؛ لأن المراد من المعاني العلل، ولكن الفقهاء يكفون عن استعمال العلل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 232 إما بشرط التعجيل، أو بالتعجيل من غير شرط، أو باستيفاء المعقود عليه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تملك بنفس العقد؛ لأن المنافع المعدومة صارت موجودة حكما ضرورة تصحيح العقد، فيثبت الحكم فيما يقابله من البدل، ولنا أن العقد ينعقد شيئا فشيئا على حسب حدوث المنافع على ما بينا، والعقد معاوضة ومن قضيتها المساواة، فمن   [البناية] لكونها من اصطلاحات الفلاسفة. وقال تاج الشريعة: المسموع من السلف بأحد معان إذ المراد من المعاني العلل م: (إما بشرط التعجيل أو بالتعجيل من غير شرط أو باستيفاء المعقود عليه) ش: وفي العيون أو بالتمكن من الاستيفاء. قيل: شرط التعجيل شرطا فاسدا؛ لأنه يخالف مقتضى العقد ولأحد المتعاقدين فيه منفعة فيفسد العقد. أجيب: بأن وجوب الأجرة من مقتضيات العقد، والعقد يقتضي ثبوت العقد عقيبه، إلا أن التعجيل سقط لمانع وقد زال المانع كالبيع يقتضي ثبوت الحكم عقيبه وبالخيار، ولا يثبت المانع فإذا ثبت ثبت مضافا إلى العقد السابق كذا هنا. فإن قلت: كيف يستحق بالتعجيل من غير شرط، والمساواة بين البدلين شرط. قلت: لأنه عجل بعد انعقاد سبب الوجوب؛ لأن سببه هو العقد، إلا أنه ما عمل عمله في إيجاب الملك في الأجرة للحال لتحقق المساواة، فإذ عجل فقد رضي ببطلان حقه في المساواة فصح كتعجيل الزكاة قبل حولان الحول، وتعجيل الدين المؤجل كالبائع إذا سلم المبيع قبل استيفاء الثمن، فإنه يصح؛ لأنه يعد سبب الوجوب. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تملك بنفس العقد؛ لأن المنافع المعدومة صارت موجودة حكما ضرورة تصحيح العقد) ش: وهذا صحة الإجارة بأجرة مؤجلة ولو لم يجعل موجوده كان دينا بدين وهو حرام لا محالة، وإذا كانت موجودة وجب ثبوت الحكم بالعقد لوجود المقتضى وانتفاء المانع م: (فيثبت الحكم فيما يقابله من البدل) ش: ولهذا صح الإبراء عن الأجرة قبل استيفاء المنفعة بالإجماع وصح الارتهان به بالإجماع، وبه قال أحمد. فإن قيل: الثابت بالضرورة لا يتعدى موضعها فلا يتعدى من صحة العقد إلى إفادة الملك. فالجواب: أن الضروري إذا ثبت يتبع لوازمه وإفادة الملك من لوازم الوجود عند العقد. م: (ولنا أن العقد ينعقد شيئا فشيئا على حسب حدوث المنافع على ما بينا) ش: يعني في أول هذا الكتاب م: (والعقد معاوضة) ش: أي عقد الإجارة معاوضة بلا خلاف م: (ومن قضيتها) ش: أي من قضية المعاوضة م: (المساواة) ش: أي من حكم عقد المعاوضة المساواة بين البدلين م: (فمن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 233 ضرورة التراخي في جانب المنفعة التراخي في البدل الآخر، وإذ استوفى المنفعة يثبت الملك في الأجر لتحقق التسوية، وكذا إذا شرط التعجيل أو عجل من غير شرط؛ لأن المساواة تثبت حقا له وقد أبطله. وإذا قبض المستأجر الدار فعليه الأجر وإن لم يسكنها   [البناية] ضرورة التراخي في جانب المنفعة التراخي في البدل الآخر) ش: وهو الإبراء تحقيقا للمساواة. م: (وإذا استوفى المنفعة يثبت الملك في الأجر لتحقق التسوية، وكذا إذا شرط التعجيل أو عجل) ش: أي الأجرة م: (من غير شرط؛ لأن المساواة تثبت حقا له وقد أبطله) ش: أي المستأجر المستعجل. فإن قلت: ما فائدة هذا الخلاف قد ذكر على والدين في طريقة الخلاف أن فائدته هي أنه لا يثبت لمؤجر ولاية المطالبة بتسليمها في الحال. ولو كانت الأجرة عبدا وهو قريبه لا يعتق عليه في الحال، وعنده ولاية المطالبة في الحال ويعتق عليه في الحال. والجواب: عن قوله: " ولو لم يجعل موجوده كان دينا بدين وهو حرام " أن ذلك ليس بدين؛ لأن الدين ما يكون في الذمة والمنافع ليست كذلك على أنه أقيمت العين مقام المنفعة فلم يكن دينا بدين، وهذا طريق شائع يتابع لكونه إقامة السبب مقام المسبب. وأما جعل المعدوم موجودا فلم يعهد كذلك. م: (وإذا قبض المستأجر الدار فعليه الأجر، وإن لم يسكنها) ش: ذكر هذان البابان أن التمكن من الاستيفاء يقوم مقام الاستيفاء، لا يقال فعلى هذا كان الواجب أن يقول بأحد معان أربعة، أو باستيفاء المعقود عليه أو بالتمكن منه يقوم مقامه أحيانا، ويدل أن الاقتسام لا يكون قسما بذاته، كذا قاله صاحب العناية وفيه نظر. لأنا لا نسلم أن التمكن من الاستيفاء بدل بل هو قسم بذاته، فلذلك عده البعض رابعا. ثم قول المصنف: فعليه الأجرة وإن لم يسكنها ليس على إطلاقه بل مقيد، وبه قال أكثر أهل العلم. الثاني: أن تكون الإجارة صحيحة، ألا ترى إلى ما قال في تتمة الفتاوى لا يجب الأجرة في الإجارة الفاسدة بالتمكن من استيفاء المنفعة، وإنما تجب بحقيقة الاستيفاء، بخلاف الإجارة الصحيحة، فإن الأجرة تجب فيها بالتمكن من استيفاء المنفعة، ثم في الإجارة الفاسدة. وإنما تجب الأجرة، بحقيقة الاستيفاء إذا وجد التسليم إلى المستأجر من جهة الأجر. أما إذا لم يوجد التسليم إليه من جهة الأجر لا يجب الأجر وإن استوفى المنفعة. ونقله عن شروح " الجامع الكبير ". والثالث: ما ذكره في الذخيرة وشرح " الأقطع " إن التمكن من المستأجر يجب أن يكون في المكان الذي وقع العقد في حقه، حتى إذا استأجر دابة إلى الكوفة فسلمها المؤجر فأمسكها الجزء: 10 ¦ الصفحة: 234 لأن تسليم عين المنفعة لا يتصور، فأقمنا تسليم المحل مقامه إذ التمكن من الانتفاع يثبت به، فإن غصبها غاصب من يده سقطت الأجرة؛ لأن تسليم المحل إنما أقيم مقام تسليم المنفعة للتمكن من الانتفاع، فإذا فات التمكن فات التسليم وانفسخ العقد فسقط الأجر.   [البناية] المستأجر ببغداد حتى مضت مدة يمكنه المسير إلى الكوفة فلا أجر. وإن ساقها معه إلى الكوفة ولم يركب وجب الأجر. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - يجب الأجر في الوجهين؛ لأن المنافع بلغت تحت يده باختياره. قلنا: العقد وقع على المسافة كان بالتسليم في غيرها لا يستحق البدل، وينبغي أن يكون التمكن من الاستيفاء من المدة، فإنه لو استأجر دابة إلى الكوفة في هذا اليوم وذهب إليها بعد مضي اليوم بالدابة ولم يركب لا يجب الأجر، وإن استأجر دابة إلى مكة فلم يركبها، بل مشى فإن كان بغير عذر في الدابة فعليه الأجر، وإن كانت لعلة في الدابة بحيث لم يقدر على الركوب لا أجر عليه. ولو استأجر ثوبا ليلبسه كل يوم بدانق فوضعه في بيته ولم يلبسه حتى مضى عليه سنون فعليه لكل يوم دانق ما دام في الوقت الذي يعلم أنه لو كان لبسه لا ينخرق لتمكن اللبس، فإذا مضى وقت يعلم أنه لو كان يلبسه ينخرق سقط عنه الأجر لتعذر جعله منتفعا به. وفي النوازل نظر لهذا بالمرأة إذا أخذت الكسوة من الزوج ولم تلبس ولبست ثوب نفسها إذا مضى وقت لو لبسته لبسا معتادا ينخرق كان لها ولاية المطالبة بكسوة أخرى وإلا فلا. وفي " خلاصة الفتاوى ": إذا أجر دارا وسلمها فارغة إلا بيتا، كان مشغولا بمتاع الأجر أو سلم إليه جميع الدار ثم انتزع بيتا منها من الدار رفع عن الأجر بحصة البيت. وسكوت المصنف عن هذه القيود للاختصار اعتمادا على دلالة الحال والعرف، فإن حال المسلم دالة على أن يباشر العقد الصحيح، وعلى أن العاقد يجب عليه تسليم ما عقد عليه فارغا عما يمنع من الانتفاع به، والعرف فاش في تسليم المعقود عليه في مدة العقد والمكان، فكان معلوما عادة، وعلى أن الإكراه والغصب مما يمنعان عن الانتفاع فاقتصر عن ذلك اعتمادا عليهما. م: (لأن تسليم عين المنفعة لا يتصور فأقمنا تسليم المحل مقامه، إذ التمكن من الانتفاع يثبت به) ش: أي بتسليم المحل م: (فإن غصبها) ش: أي العين المستأجرة م: (غاصب من يده سقطت الأجرة؛ لأن تسليم المحل إنما أقيم مقام تسليم المنفعة للتمكن من الانتفاع، فإذا فات التمكن فات التسليم وانفسخ العقد) ش: وذكر الفضل قاضي خان في الفتاوى لا لتنفسخ الإجارة ولكن م: (فسقط الأجر) ش: ما دامت في يد الغاصب، وبه قال الشافعي، ولكن له حق الفسخ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 235 وإن وجد الغصب في بعض المدة سقط الأجر بقدره إذ الانفساخ في بعضها. ومن استأجر دارا فللمؤجر أن يطالبه بأجر كل يوم لأنه استوفى منفعة مقصودة، إلا أن يبين وقت الاستحقاق بالعقد؛ لأنه بمنزلة التأجيل، وكذلك إجارة الأراضي لما بينا. ومن استأجر بعيرا إلى مكة فللجمال أن يطالبه بأجرة كل مرحلة؛ لأن سير كل مرحلة مقصود،   [البناية] [حكم غصب العين المؤجرة في بعض مدة الإجارة] م: (وإن وجد الغصب في بعض المدة سقط الأجر بقدره إذ الانفساخ في بعضها) ش: أي بقدر المدة التي وجب فيها الغصب وليس فيه خلاف. م: (ومن استأجر دارا) ش: ذكر هذا البيان وقد استحقاق مطالبة الأجر، أي من استأجر دارا مدة معلومة م: (فللمؤجر أن يطالبه بأجر كل يوم لأنه استوفى منفعة مقصودة) ش: قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في الصواب أن يقال فللمؤجر لأن قولنا أجر الدار هو أفعل لا فاعل، واسم الفاعل منه المؤجر لا المؤاجر. قلت: قد بينت فيما مضى أن المؤاجر ليس بفاعل من أجر، وإنما هو فاعل من واجر وقد بينت أنه لغة العوام فإنهم يقولون واجر موضع آجر، فبالضرورة إذا أخذوا منه الفاعل يقولون مؤاجر فالخطأ في قولهم واجر لا في قولهم مؤاجر، فافهم. وقال في شرح " الأقطع ": وقال زفر: لا يطالبه إلا بعد مضي مدة الإجارة ولو كانت مائة سنة وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأول؛ لأن جميع المعقود عليه لم يصر مسلما فلا يطالبه ببدله، بخلاف ما إذا بين الاستحقاق مثل أن يقول أجرتك هذا الدار بكذا شيئا على أن تعطيني الأجر بعد شهرين. ولنا أنه استوفى بعض المعقود عليه فيجب بدله تحقيقا للمعادلة بين المتعاقدين فكان القياس أن تجب الأجرة حالا فحالا، كما لو قبض بعض المبيع واستهلكه، إلا أنهم استحسنوا فأوجبوا الأجرة يوما فيوما تيسيرا. م: (إلا أن يبين) ش: أي المستأجر م: (وقت الاستحقاق بالعقد؛ لأنه بمنزلة التأجيل) ش: والتأجيل يسقط استحقاق المطالبة إلى انتهاء الأجل م: (وكذلك إجارة الأراضي) ش: يعني إذا أجر الأرض له أن يطالب المستأجر بأجرة كل يوم لأنه منفعة مقصودة، إلا إذا بين وقت الاستحقاق فلا يطالبه إلا في ذلك الوقت لأنه بمنزلة التأجيل م: (لما بينا) ش: وهو قوله: لأنه منفعة مقصودة ... إلى آخره. م: (ومن استأجر بعيرا إلى مكة فللجمال أن يطالبه بأجرة كل مرحلة؛ لأن سير كل مرحلة مقصود) ش: قال الكاكي: هذا قول الكرخي ذكره في المبسوط والإيضاح. وأما قول أبي حنيفة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 236 وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: أولا لا يجب الأجر إلا بعد انقضاء المدة وانتهاء السفر   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - المرجوع إليه لم يقدر بتقدير، بل قال: كل ما سار مسيرا له من الأجر شيء معروف، فله أن يأخذه بذلك، وهو قول أبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الأترازي: نسبة ما ذكره القدوري إلى الكرخي عيب جدا؛ لأن الكرخي نص في " مختصره " أنه قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأخير، ألا ترى أنه قال فيه. وقال أبو حنيفة فيما له وقت يطالبه بأجرة كل يوم يمضي من مدة الإجارة، وكذلك في المسافة على قدر ما قطع منها فيما يمكن تحصيل جزء من أجزائه. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الذي يكتري إلى مكة للحال أن يطالبه بالأجرة يوما بيوم، وهو قول أبي حنيفة الآخر وهو أيضا قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف في الدور والمنازل: إذا استأجر الرجل شيئا منها شهر بأجر معلوم فليس له أن يأخذ الأجرة إلا إذا مضى شهر وليس له أن يطالب مثل ذلك، روى ذلك عنه ابن سماعة وبشر بن الوليد وعلي بن الجعد. وروى عنه في الذي استأجر إبلا إلى مكة أنه لا يأخذ الأجر منه حتى يسير الثلث أو النصف وقال استخسر ذلك في الشقة البعيدة. وقال زفر: إذا استأجر الرجل دارا كل شهر بعشرة دراهم وكل سنة بمائة درهم فليس له أن يأخذ من الأجر شيئا حتى يمضي شهر في قوله كل شهر، وحتى تمضي سنة في قوله سنة. فإن استأجر اثنا عشر سنة بألف درهم لم يكن له أن يطالب بشيء من ذلك حتى تمضي المدة، وكذلك قال في المكر إلى مكة ذاهبا وجائيا أنه لا يطالب بالأجر حتى يذهب ويجيء، وهذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأول، وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواه محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصول. وأما في الأصل فهو عندي قوله الأخير؛ لأنه قال في رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة، وهذا قبل موته ليس بمشهور، انتهى. وفي " التقريب " للقدوري: قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا استأجر إبلا إلى مكة لم يلزمه تسليم الأجرة حتى يرجع، وهو قول زفر ثم رجع أبو حنيفة وقال: كلما سار مرحلة طالبه بقدره، وهو قولهما، وكذا ذكره في " المختلف " في باب زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول أولا لا يجب الأجر إلا بعد انقضاء المدة وانتهاء السفر، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 237 وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن المعقود عليه جملة المنافع في المدة فلا يتوزع الأجر على أجزائها كما إذا كان المعقود عليه العمل. ووجه القول المرجوع إليه أن القياس استحقاق الأجر ساعة فساعة لتحقق المساواة، إلا أن المطالبة في كل ساعة تفضي إلى أن لا يتفرغ لغيره فيتضرر به فقدرنا بما ذكرنا. قال: وليس للقصار والخياط أن يطالب بالأجرة حتى يتفرغ من العمل؛ لأن العمل في البعض غير منتفع به فلا يستوجب الأجر به، وكذا إذا عمل في بيت المستأجر لا يستوجب الأجر قبل الفراغ   [البناية] وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن المعقود عليه جملة المنافع في المدة فلا يتوزع الأجر على أجزائها كما إذا كان المعقود عليه العمل) ش: كالخياطة، فإن الخياط لا يستحق الأجر قبل الفراغ. فإن قيل: قال فلا يتوزع الأجر على أجزائها يعني المنافع، وهو خلاف المشهور أن أجر العوض ينقسم على أجزاء المعوض، وقال المنافع على العمل وهو فاسد؛ لأن شرط انقسام المماثلة بين الأصل والفرع وهو منتف؛ لأنه في المنافع قد استوفى المستأجر بعضها فيلزمه العوض بقدر، ولا كذلك العمل؛ لأنه لم يتسلم من الخياط شيئا. فالجواب: أن أجزاء العوض ينقسم على أجزاء المعوض وجوبا وليس الكلام فيه وإنما الكلام في استحقاق القبض وفي ذلك لا يتوزع كما في المبيع والتسليم في الخياط، وهو تقدير، إلا أن عمل الخياط لما اتصل بالثوب كان ذلك سليما تقديرا، على أن المصنف لم يلتزم صحة دليل القول المرجوع عنه، فإنه لو كان صحيحا البتة لم يكن للرجوع عنه وجه. م: (ووجه القول المرجوع إليه أن القياس) ش: يقتضي م: (استحقاق الأجر ساعة فساعة لتحقق المساواة) ش: بين البدلين م: (إلا أن المطالبة في كل ساعة) ش: هذا الاستثناء لبيان وجه ترك القياس وهو أن المطالبة كلما سار شيئا ولو خطوة م: (تفضي إلى أن لا يتفرغ لغيره فيتضرر به) ش: بل المطالبة حينئذ تفضي إلى عدمها، فإن المستأجر لم يتمكن من الانتفاع بأمر من جهة المؤجر فيمتنع الانتفاع من جهة المؤجر، فيمتنع المطالبة. وما أفضى وجوده إلى عدمه فهو منتف م: (فقدرنا بما ذكرنا) ش: من اليوم في الدار والمرحلة في البعير استحسانا. [وقت استحقاق القصار والخياط ونحوهما للأجرة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وليس للقصار والخياط أن يطالب بالأجرة حتى يتفرغ من العمل) ش: كله م: (لأن العمل في البعض غير منتفع به فلا يستوجب الأجر به) ش: وهذا يشير إلى أنه إذا كان ثوبين ففزع أحدهما جاز أن يطلب أجرته لأنه منتفع به م: (وكذا إذا عمل) ش: أي الخياط م: (في بيت المستأجر لا يستوجب الأجر قبل الفراغ) . ش: قال السغناقي: هذا وقع مخالف لعامة روايات الكتب عن " المبسوط " و " الذخيرة " و " المغني " و" شرح الجامع الصغير " لفخر الإسلام وقاضي خان والتمرتاشي و " الفوائد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 238 لما بينا، قال: إلا أن يشترط التعجيل لما مر أن الشرط فيه لازم. قال: ومن استأجر خبازا ليخبز في بيته قفيزا من دقيق بدرهم لم يستحق الأجر حتى يخرج الخبز من التنور؛ لأن تمام العمل بالإخراج فلو احترق أو سقط من يده قبل الإخراج فلا أجر له للهلاك قبل التسليم. فإن أخرجه ثم احترق من غير فعله فله الأجر؛ لأنه صار مسلما بالوضع في بيته ولا ضمان عليه؛ لأنه لم توجد منه الجناية. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا   [البناية] الظهيرية " لما أنه ذكر فيها أن العامل في بيت المستأجر يستحق الأجر بقدر عمله، حتى لو سرق الثوب فله الأجر بقدر عمله؛ لأن كل جزء من العمل يصير مسلما إلى صاحب الثوب بالفراغ منه، ولعله اتبع صاحب التجريد أبا الفضل الكرماني في هذا الحكم فإنه ذكره كما ذكر في الكتاب. وعند الشافعي وأحمد - رحمهما الله - يستحق المطالبة بعد الفراغ من العمل، ولكن يجب بنفس العقد م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله؛ لأن العمل في البعض غير منتفع به. م: (قال: إلا أن يشترط التعجيل لما مر أن الشرط فيه لازم) ش: أي في التعجيل م: (قال: ومن استأجر خبازا ليخبز في بيته قفيزا من دقيق بدرهم لم يستحق الأجر حتى يخرج الخبز من التنور؛ لأن تمام العمل بالإخراج) ش: ذكر هذا البيان حكمين: أحدهما: أن الأجير المشترك لا يستحق الأجرة حتى يفرغ من عمله، والثاني: أن فراغ العمل بماذا يكون ففي استئجار الخباز لا يستحق الأجر حتى يخرج الخبز من التنور؛ لأن كل واحد لا بجنسه على وجه لا ينقطع، فإن قبل خبزه في بيته يمنع أن يخبز لغيره، ومن عمل لواحد فهو أجير واحد واستحقاقه الأجرة لا يتوقف على الفراغ من العمل. أجيب بأن: أجير الواحد من وقع العقد في حقه على المدة كمن استأجر شهرا لخدمة، وما نحن فيه مستأجر على العمل فكان أجيرا مشتركا يوقف استحقاقه على فراغ العمل. م: (فلو احترق أو سقط من يده قبل الإخراج فلا أجر له للهلاك قبل التسليم) ش: وفي المبسوط وهو ضامن، لأن هذا جناية يد ويخير صاحب الخبز إن شاء ضمنه مخبوزا وأعطاه الأجر، وإن شاء ضمنه دقيقا ولم يكن له أجر. م: (فإن أخرجه) ش: من التنور م: (ثم احترق من غير فعله) ش: أراد أنه هلك من غير صنعته؛ لأن الاحتراق هلاك، أو احترق بنار أخرى أو رماه أحد في التنور م: (فله الأجر) ش: المسمى م: (لأنه صار مسلما) ش: بكسر اللام م: (بالوضع في بيته ولا ضمان عليه؛ لأنه لم توجد منه الجناية) ش: فلا ضمان إلا على الجاني. قال العبد الضعيف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أراد به نفسه م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا) ش: أي قوله لا ضمان عليه أو عدم الضمان في الهلاك بعد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 239 عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه أمانة في يده، وعندهما يضمن مثل دقيقه ولا أجر له؛ لأنه مضمون عليه فلا يبرأ إلا بعد حقيقة التسليم، وإن شاء ضمنه الخبز وأعطاه الأجر. قال: ومن استأجر طباخا ليطبخ له طعاما للوليمة فالغرف عليه اعتبارا للعرف. قال: ومن استأجر إنسانا ليضرب له لبنا استحق الأجر إذا أقامها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا يستحقها حتى يشرجها؛ لأن التشريج من تمام عمله إذ لا يؤمن من الفساد قبله، فصار كإخراج الخبز من التنور، ولأن الأجير هو الذي يتولاه عرفا وهو   [البناية] الإخراج م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه أمانة في يده وعندهما يضمن مثل دقيقه ولا أجر له) ش: الحاصل صاحب الدقيق بالخباز إن شاء ضمنه مثل دقيقه ولا أجر له م: (لأنه مضمون عليه) ش: لأن قبض الأجير المشترك مضمون عندهما م: (فلا يبرأ) ش: منه بوضعه في منزل ملكه، كما لا يبرأ الغاصب من الضمان بذلك م: (إلا بعد حقيقة التسليم، وإن شاء ضمنه الخبز وأعطاه الأجر) ش: ولا ضمان عليه في الحطب والملح عندهما؛ لأن ذلك صار مستهلكا قبل وجوب الضمان عليه، وحال وجوب الضمان في تنور قيمته له كذا في " الذخيرة ". وقال السغناقي: هذا الذي ذكره من الاختلاف اختيار القدوري، وأما عند غيره فهو مجرى على عمومه، فإنه لا ضمان بالاتفاق. أما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لم يهلك من عمله. وأما عندهما فلأنه هلك بعد التسليم وبه قالت الثلاثة. قلت: هذا يتم إذا كان الوضع في بيته تسليما. م: (قال: ومن استأجر طباخا ليطبخ له طعاما للوليمة) ش: وهو طعام العرس، والوكيرة طعام البناء، والنجوس طعام الولادة، وما يطعمه النفساء نفسها خرسة، وطعام الختان أعذار، وطعام القادم من سفره نقيعة، وكل طعام صنع لدعوة مادية جميعا ويقال: فلان يدعو العقر إذا خص وفلان يدعو الجعلي الأجعلي إذا عم كذا قال القتبي وغيره م: (فالغرف) ش: بفتح الغين المعجمة من باب ضرب يضرب وهو جعل الطعام في القصعة م: (عليه) ش: أي على الطباخ م: (اعتبارا للعرف) ش: بضم العين المهملة وهو العادة، وإنما قيد بقوله للوليمة؛ لأنه لو استأجره ليطبخ قدر خاص بعينه لا يكون الغرف عليه ذكره في المغني والمحيط والإيضاح، والمرجع في الجميع الغرف. م: (ومن استأجر إنسانا ليضرب له لبنا) ش: بفتح اللام وكسر الباء الموحدة وهو الآجر اللبني م: (استحق الأجر إذا أقامها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قالت الثلاثة م: (وقالا لا يستحقها حتى يشرجها) ش: أي ينضدها بضم بعضها إلى بعض، ومادته بشين معجمة وراء وجيم م: (لأن التشريج من تمام عمله إذ لا يؤمن من الفساد قبله فصار كإخراج الخبز من التنور، ولأن الأجير هو الذي يتولاه) ش: أي التشريج م: (عرفا) ش: أي من حيث العرف والعادة م: (وهو) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 240 المعتبر فيما لم ينص عليه. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن العمل قد تم بالإقامة والتشريج عمل زائد كالنقل. ألا ترى أنه ينتفع به قبل التشريج بالنقل إلى موضع العمل، بخلاف ما قبل الإقامة؛ لأنه طين منتشر، وبخلاف الخبز لأنه غير منتفع به قبل الإخراج. قال: وكل صانع لعمله أثر في العين كالقصار والصباغ فله أن يحبس العين بعد الفراغ عن عمله حتى يستوفي الأجر لأن المعقود   [البناية] ش: أي العرف م: (المعتبر فيما لم ينص عليه ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن العمل قد تم بالإقامة، والتشريج عمل زائد كالنقل. ألا ترى أنه ينتفع به قبل التشريج بالنقل إلى موضع العمل، بخلاف ما قبل الإقامة؛ لأنه طين منتشر، وبخلاف الخبز لأنه غير منتفع به قبل الإخراج) ش: وفائدة الخلاف أنه إذا أفسد المطر قبل التشريج أو تكسر لا أجر له خلافا لهما. وفي " المبسوط ": هذا كله إذا كان يقيم العمل في ملك المستأجر أما في غير ملكه فما لم يعد عليه ويسلمه إليه لا يستحق الأجر بالاتفاق، حتى لو فسد قبل العد لا أجر له إلا على قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " الرندويستي ": لو ضربه في ملك نفسه لا يجب الأجر عنده إلا بالعد عليه بعد إقامته، وعندهما بالعد عليه بعد التشريج. وقال الكرخي في " مختصره ": وإذا استأجره ليضرب له لبنا في ملكه أو في شيء هو في يده فإن رب اللبن لا يكون قابضا حتى يجف اللبن وينصبه في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا خلاف عنه في ذلك. وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - حتى يشرجه فإن هلك اللبن قبل الحد الذي حد كل واحد منهم في قوله فلا أجر له، وإن كان بعد فله الأجر، وإن كان ذلك في غير يده ولا في ملكه لم يكن له الأجر حتى يسلمه منصوبا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومشرجا عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله. [حبس القصار ونحوه للعين لحين استيفاء الأجرة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وكل صانع لعمله أثر في العين كالقصار والصباغ فله أن يحبس العين بعد الفراغ عن عمله حتى يستوفي الأجر؛ لأن المعقود عليه وصف قائم في الثوب) ش: هذا في الصباغ ظاهر؛ لأن أثر عمله في الثوب موجود وهو الصبغ وأما القصار إذا كان يقصر بالنشاء والبيض فكذلك، وإن كان يقصر بلا شيء، قيل: ليس له أن يحبس؛ لأن البياض قد اشترى بالدرن والوسخ. فإذا زال ذلك بعمله يظهر ذلك البياض، وقيل له الحبس أيضا. وفي " خلاصة الفتاوى " وهذا إذا كان عمله في دكانه، أما إذا خاط الخياط أو صبغ الصباغ في بيت المستأجر فليس له حق الحبس م: (فله حق الحبس لاستيفاء البدل كما في المبيع) ش: حيث يجوز للبائع حبسه عن المشتري حتى يقبض الثمن، وبه قال الشافعي في وجه. وقال زفر والشافعي في قول الجزء: 10 ¦ الصفحة: 241 عليه وصف قائم في الثوب فله حق الحبس لاستيفاء البدل كما في المبيع، ولو حبسه فضاع في يده لا ضمان عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه غير متعد في الحبس، فبقي أمانة كما كان عنده ولا أجر له لهلاك المعقود عليه قبل التسليم. وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - العين كانت مضمونه قبل الحبس فكذا بعده، لكنه بالخيار إن شاء ضمنه قيمته غير معمول ولا أجر له، وإن شاء ضمنه معمولا وله الأجر، وسنبين من بعد إن شاء الله تعالى. قال: وكل صانع ليس لعمله أثر في العين فليس له أن يحبس العين للأجر كالحمال والملاح؛ لأن المعقود عليه نفس العمل وهو غير قائم في العين فلا يتصور حبسه فليس له ولاية الحبس، وغسل الثوب نظير الحمل. وهذا بخلاف الآبق حيث يكون للراد   [البناية] وأحمد: ليس له أن يحبس. م: (ولو حبسه فضاع في يده لا ضمان عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه غير متعد في الحبس) ش: ولا ضمان إلا على المتعدي م: (فبقي أمانة كما كان عنده) ش: أي عند أبي حنيفة، أي كما كان أمانة قبل الحبس فكذلك بعده م: (ولا أجر له لهلاك المعقود عليه قبل التسليم) ش: أي قبل تسليمه إلى مالكه فلا يستحق شيئا. م: (وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - العين كانت مضمونة قبل الحبس فكذا بعده، لكنه بالخيار إن شاء ضمنه قيمته) ش: حال كونه م: (غير معمول ولا أجر له، وإن شاء ضمنه معمولا وله الأجر، وسنبين من بعد إن شاء الله تعالى) ش: يعني في باب ضمان الأجير. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وكل صانع ليس لعمله أثر في العين فليس له أن يحبس العين للأجر كالحمال) ش: بالحاء المهملة والميم أيضا، وهو مكاري الجمل م: (والملاح) ش: وهو الذي يتولى أمر السفن، ويقال له النوتي بلغة أهل مصر م: (لأن المعقود عليه نفس العمل وهو غير قائم في العين فلا يتصور حبسه فليس له ولاية الحبس) . ش: لأن العمل الذي هو المعقود عليه حقيقة قد تلاشى واضمحل، وليس لعمله أثر في العين حتى يقوم مقام العمل، فلا يكن له ولاية الحبس ضرورة م: (وغسل الثوب نظير الحمل) ش: يعني إذا لم يكن ثمة من النشاء وغيره سوى إزالة الوسخ بالماء، وأما إذا كان فهي مسألة القصار، وهذا اختيار بعض المشايخ، اختاره المصنف، وذكر في المبسوط وجامع قاضي خان أن إحداث البياض في الثوب بإزالة الدرن بمنزلة عمل له أثر في العين قيل وهو الأصح؛ لأن البياض كان مستترا وقد ظهر بفعله. م: (وهذا بخلاف الآبق) ش: هذا جواب عما يقال الآبق إذا رآه انسان كان له حق الحبس وان لم يكن لعمله أثر في العين قائم، وتقريره أن يقال الآبق ليس كذلك م: (حيث يكون للراد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 242 حق حبسه لاستيفاء الجعل ولا أثر لعمله لأنه كان على شرف الهلاك وقد أحياه فكأنه باعه منه فله حق الحبس وهذا الذي ذكرناه مذهب علمائنا الثلاثة وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس له حق الحبس في الوجهين لأنه وقع التسليم باتصال المبيع بملكه فيسقط حق الحبسِ، ولنا أن الاتصال بالمحل ضرورة إقامة تسليم العمل فلم يكن هو راضيا به من حيث إنه تسليم فلا يسقط حق الحبس، كما إذا قبض المشتري بغير رضاء البائع   [البناية] حق حبسه لاستيفاء الجعل ولا أثر) ش: أي والحال أنه لا أثر م: (لعمله لأنه) ش: أي الآبق م: (كان على شرف الهلاك وقد أحياه) ش: يرد إلى المولى، والإحياء الذي يتصور من العباد تخليص من الإشراف على الهلاك، وبه فسر قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] (المائدة: الآية 32) ، إذ الإحياء الحقيقي لله تعالى. فإن قلت: إذا ذبح شاة أشرفه على الهلاك، فإنه يضمن وإن كان أحيا ملكه. أجيب: بأن الذابح إن كان مودعا كان أجير المالك، إذا أخبر المالك فالمسألة ممنوعة. وإن كان أجنبيا فرضاء المالك غير معلوم، فأما الرضى برد الآبق فمعلوم م: (فكأنه باعه منه) ش: أي فكأن المراد باع الآبق من المولى م: (فله حق الحبس) ش: كالبائع له حبس المبيع م: (وهذا الذي ذكرناه) ش: يعني حق الحبس للصانع بالأجر إذا كان لعمله أثر م: (مذهب علمائنا الثلاثة) ش: وهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس له حق الحبس في الوجهين) ش: يعني في الذي يعلمه فيه أثر، وفي الذي لم يكن. وذكر العتابي قول الشافعي كقول زفر م: (لأنه وقع التسليم باتصال المبيع) ش: أي المعقود عليه م: (بملكه) ش: وفي بعض النسخ: باتصال المعقود عليه وهو الأظهر م: (فيسقط حق الحبسِ) ش: كما لو عمل في بيت الصاحب. م: (ولنا أن الاتصال بالمحل) ش: إنما وقع م: (ضرورة إقامة تسليم العمل) ش: لأن صبغ ثوب المستأجر بدون الثوب محال م: (فلم يكن هو) ش: أي الصابغ م: (راضيا به) ش: باتصال الملك م: (من حيث إنه تسليم) ش: أي تسليم المعقود عليه للمستأجر، فإذا لم يكن راضيا بذلك م: (فلا يسقط حق الحبس، كما إذا قبض المشتري) ش: المبيع م: (بغير رضاء البائع) ش: فإن للبائع أن يحبس وأن يسلمه المشتري لكونه بغير رضاه. فإن قلت: إذا استأجر خياطا فخاط في بيت المستأجر فبنفس الخياطة يكون مسلما، فلو لم يكن الاتصال بالمحل تسليما لما وقع التسليم هاهنا. قلت: رضي الخياط بوقوع الخياطة تسليما لمباشرته ما لا ضرورة فيه وهو الخياطة في بيت الجزء: 10 ¦ الصفحة: 243 قال: وإذا شرط على الصانع أن يعمل بنفسه فليس له أن يستعمل غيره؛ لأن المعقود عليه اتصال العمل في محل بعينه فيستحق عينه كالمنفعة في محل بعينه وإن أطلق له العمل فله أن يستأجر من يعلمه؛ لأن المستحق عمل في ذمته ويمكن إيفاؤه بنفسه وبالاستعانة بغيره بمنزلة إيفاء الدين.   [البناية] المستأجر، بخلاف ما نحن فيه فافترقا. [شرط على الصانع أن يعمل بنفسه] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا شرط على الصانع أن يعمل بنفسه) ش: نقل عن حميد الدين الضرير هو مثل أن يقول أن تعمل بنفسك أو بيدك مثلا وإليه أشار المصنف بقوله أن يعمل بنفسه م: (فليس له أن يستعمل غيره؛ لأن المعقود عليه اتصال العمل في محل بعينه) ش: أراد بالمحل نفس الصانع، يعني شرط أن يكون محل هذا العمل هو لا غيره، فلا يجوز أن يستعمل غيره م: (فيستحق عينه) ش: أي عين ذلك العمل م: (كالمنفعة في محل بعينه) ش: كان استأجر دابة بعينها للحمل، فإنه ليس للمؤجر أن يسلم غيرها ولمن استأجر غلاما بعينه ليس للمؤجر أن يدفع غلاما آخر مكانه. قال صاحب " العناية ": وفيه تأمل؛ لأنه إن خالفه إلى خير بأن استعمل من هو أصنع منه في ذلك الفن أو سلم دابة أقوى من ذلك كان ينبغي أن يجوز. قلت: عرضه تعلق لمعنى علمه عنده فلا ينبغي أن يتعدى إلى غيره وإن كان الغير خيرا منه. م: (وإن أطلق له العمل) ش: مثل أن يقول خط هذا الثوب أو اصنعه م: (فله أن يستأجر من يعمله؛ لأن المستحق عمل في ذمته ويمكن إيفاؤه بنفسه وبالاستعانة بغيره) ش: لأن المقصود هو العمل وقد حصل م: (بمنزلة إيفاء الدين) ش: فإن الإيفاء يحصل بالمديون وبالتبرع من غيره. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 244 فصل ومن استأجر رجلا ليذهب إلى البصرة فيجيء بعياله فذهب فوجد بعضهم قد مات فجاء بمن بقي له الأجر بحسابه لأنه أوفى بعض المعقود عليه فيستحق العوض بقدره ومراده إذا كانوا معلومين. وإن استأجره ليذهب بكتابه إلى فلان بالبصرة ويجيء بجوابه فذهب فوجد فلانا ميتا فرده فلا أجر له،   [البناية] [فصل بيان عدم استحقاق تمام الأجر أو بعضه] م: (فصل) ش: لما بين استحقاق تمام الأجر عقبه بالفصل بيان عدم استحقاق تمام الأجر أو بعضه. م: ومن استأجر رجلا ليذهب إلى البصرة فيجيء بعياله فذهب) ش: أي الرجل إلى البصرة م: فوجد بعضهم) ش: أي بعض عيال المستأجر م: (قد مات فجاء بمن بقي له الأجر بحسابه) ش: قال تاج الشريعة: أي أجرة الذهاب بكمالها واحدة، المجيء بقدره؛ لأن الأجر مقابل بنقل العيال لا بقطع المسافة، ولهذا لو ذهب ولم ينقل أحدا منهم لا يستوجب شيئا: م: (لأنه أوفى بعض المعقود عليه فيستحق العوض بقدره) ش: أي بقدر ما أوفى م: (ومراده) ش: محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال صاحب " العناية ": أي مراد القدوري وهذا غلط؛ لأن القدوري لم يذكر هذه المسألة في " مختصره "، وإنما هذه من مسائل " الجامع الصغير " وصورتها فيه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رجل استأجر رجلا ليذهب إلى البصرة فيجيء بعياله فوجد بعضهم قد مات فحمل من بقي، قال: له من الأجر بحساب ذلك م: (إذا كانوا معلومين) ش: يعني عياله إذا كان عددهم معلوما، قيد به لأنهم إذا كانوا غير معلومين يستحق جميع الأجرة، وهذا اختيار الهندواني. وقال بهذا إذا كانت المؤنة تقل بنقصان العدد، أما إذا كانت مؤنة البعض ومؤنة الكل سواء فإنه يجب الأجر كاملا. وعن الفضلي استأجر في المصر ليحمل الحنطة من القرية فذهب ولم يجد الحنطة فعاد، إن كان قال أستأجر تلك من المصر حتى أحمل الحنطة من القرية يجب نصف الأجر بالذهاب ولو كان قال: استأجرتك حتى أحمل من القرية لا يجب شيء؛ لأن في الأولى العقد على شيئين الذهاب إلى القرية والحمل منها، وفي الثانية شرط الحمل ولم يوجد فلا يجب شيء، كذا في " الذخيرة " و " جامع التمرتاشي ". [استأجره ليذهب بكتابه إلى فلان بالبصرة فوجد فلانا ميتا فرده] م: (وإن استأجره ليذهب بكتابه إلى فلان بالبصرة ويجيء بجوابه فذهب فوجد فلانا ميتا فرده) ش: أي الكتاب قيد به؛ لأنه لو ترك الكتاب ثمة يستحقه أجر الذهاب بالإجماع م: (فلا أجر له، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 245 وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رحمه الله -: له الأجر في الذهاب لأنه أوفي بعض المعقود عليه وهو قطع المسافة، وهذا لأن الأجر مقابل به لما فيه من المشقة دون حمل الكتاب لخفة مؤنته. ولهما أن المعقود عليه نقل الكتاب؛ لأنه هو المقصود أو وسيلة إليه وهو العلم بما في الكتاب، ولكن الحكم معلق به وقد نقضه فيسقط الأجر كما في الطعام وهي المسألة التي تلي هذه المسألة. وإن ترك الكتاب في ذلك المكان وعاد يستحق الأجر بالذهاب بالإجماع؛ لأن الحمل لم ينتقض   [البناية] وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - له الأجر في الذهاب؛ لأنه أوفى بعض المعقود عليه، وهو قطع المسافة وهذا لأن الأجر مقابل به) ش: أي يقطع المسافة م: (لما فيه من المشقة دون حمل الكتاب لخفة مؤنته) ش: وعند الثلاثة له الأجر في الذهاب والرد أيضا لثبوت الإذن بالرد دلالة إذا وجد ميتا. وذكر أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول أبي يوسف مع محمد وغيره مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولهما أن المعقود عليه نقل الكتاب لأنه) ش: أي لأن نقل الكتاب م: (هو المقصود) ش: لما فيه من تعظيم المكتوب إليه وصلة الرحم م: (أو وسيلة إليه) ش: أي النقل وسيلة إلى المقصود م: (وهو العلم بما في الكتاب) ش: لأن إعلام ما فيه لا يتصور إلا بنقل الكتاب م: (ولكن الحكم معلق به) ش: أي بنقل الكتاب، وأراد بالحكم وجوب الأجرة م: (وقد نقضه) ش: أو وقد نقضه الأجير النقل وهو عمله قبل التسليم م: (فيسقط الأجر كما في الطعام) ش: أي كما يسقط الأجر فيما إذا استأجر ليذهب بطعام إلى فلان بالبصرة فذهب به ووجده ميتا فرده، فإنه لا أجر له بالاتفاق لنفقة تسليم المعقود عليه وهو حمل الطعام والآن تجيء هذه المسألة، ولهذا قال: م: (وهى المسألة التي تلي هذه المسألة) ش: أي مسألة الطعام هذه هي التي تأتي عقيب مسألة نقل الكتب. م: (وإن ترك الكتاب في ذلك المكان وعاد يستحق الأجر بالذهاب بالإجماع؛ لأن الحمل لم ينتقض) ش: لأن ترك الكتاب ثمة مفيد في الأصل؛ لأنه ربما يصل إلى ورثته فينتفعون به، وهاهنا قيود أبينها لك تكثيرا للفائدة: الأول: قيد الذهاب بالكتاب ليشير إلى أن هذا فيما ليس له حمل ومؤنة، حتى لو استأجر بالذهاب والمسألة بحالة فلا أجر له بالاتفاق. وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب وهو قياس قول الثلاثة. الثاني: قيد بالمجيء بالجواب؛ لأنه لو لم يشترط المجيء بالجواب وترك الكتاب ثمة فيما إذا كان ميتا وغائبا فإنه يجب الأجر كاملا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 246 وإن استأجره ليذهب بطعام إلى فلان بالبصرة فذهب فوجد فلانا ميتا فرده فلا أجر له في قولهم جميعا؛ لأنه نقض تسليم المعقود عليه وهو حمل الطعام. بخلاف مسألة الكتاب على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن المعقود عليه هناك قطع المسافة على ما مر. والله أعلم بالصواب.   [البناية] الثالث: قيد بالذهاب بالكتاب، حتى لو ذهب إلى فلان بلا كتاب فلا أجر له. الرابع: قيد بأنه وجده ميتا لأنه إذا لم يجده ميتا وأتى بالجواب يستحق الأجر كاملا. الخامس: قيد بأنه وجد ميتا حتى لو وجده غائبا ودفع الكتاب إلى آخر ليدفعه إليه أو دفعه إلى فلان وهو لم يقر ورجع بالجواب فله أجر الذهاب. السادس: قيد استئجاره بتبليغ الكتاب لأنه لو استأجره لتبليغ الرسالة إلى فلان بالبصرة فذهب ولم يجد أو وجد ولم يبلغ برسالته ورجع له الأجر بالإجماع. السابع: قيد بأنه رد لأنه لو ترك يستحق أجر الذهاب وقد ذكرناه فيما مضى. [استأجره ليذهب بطعام إلى فلان بالبصرة فوجد فلانا ميتا فرده] م: (وإن استأجره ليذهب بطعام إلى فلان بالبصرة فذهب فوجد فلانا ميتا فرده فلا أجر له في قولهم جميعا؛ لأنه نقض تسليم المعقود عليه وهو حمل الطعام) ش: لأن الأجر هاهنا مقابل بصيرورة الطعام محمولا إلى ذلك الموضع الذي عينه؛ لأنه الفرض صحيح عينه وهو الربح وغيره، فإذا رد فقد أبطل هذا الفرض فصار كالخياط إذا خاط الثوب ثم نقض حيث لا أجر له. م: (بخلاف مسألة الكتاب على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه يقول نقل الطعام عمل مقابل الأجر لما فيه من المشقة وقد نقضه بالرد، كما في مسألة الخياط إذا نقض. وأما نقل الكتاب فليس بعمل يقابل به الأجر لخفة مؤنته، وإنما الأجر مقابل بقطع المسافة وقد قطعها في الذهاب وهو معنى قوله م: (لأن المعقود عليه هناك) ش: أي في مسألة نقل الكتاب م: (قطع المسافة على ما هو، والله أعلم بالصواب) ش: وهو قوله: لأنه أوفى بعض المعقود عليه وهو قطع المسافة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 247 باب ما يجوز من الإجارة وما يكون خلافا فيها قال: ويجوز استئجار الدور والحوانيت للسكنى وإن لم يبين ما يعمل فيها؛ لأن العمل المتعارف فيها السكنى فينصرف إليه وأنه لا تتفاوت فصح العقد.   [البناية] [باب ما يجوز من الإجارة وما يكون خلافا فيها] [استئجار الدور والحوانيت للسكنى] م: (باب ما يجوز من الإجارة وما يكون خلافا فيها) ش: أي في الإجارة م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجوز استئجار الدور والحوانيت للسكنى) ش: وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قبل صورة المسألة فيما إذا قال استأجرت هذه الدار كذا شهرا، ولم يبين شيئا يعمل فيها السكنى ولا غيرها، فعلى هذا يكون قوله السكنى متصلا بالدور والحوانيت إلى استئجار دور السكنى وحوانيت السكنى من غير أن يبين ما يعمل فيها جائز. ويجوز أن يتعلق قوله السكنى بالاستئجار، أي يجوز استئجار الدور والحوانيت لأصل السكنى وإن لم يبين ما يعمل فيها كل شيء لا يوهن البناء ولا يفسد وهو الظاهر من كلام القدوري. قلت: فعلى قول تاج الشريعة يكون قوله للسكنى جوابا لوصفية على قول الأترازي يحتمل الوجهين الجر على الوصفية، والنصب على التعليل فافهم. ويجوز استئجار الدور والحوانيت للسكنى، قال تاج الشريعة: السكنى هو صلة الدور والحوانيت لا صلة الاستئجار، يعني ويجوز استئجار الدور والحوانيت المعدة للسكنى، لا أن يقول زمان العقد استأجرت هذه الدار للسكنى فإنه لو نص هكذا وقت العقد لا يكون له أن يعمل فيها غير السكنى والتعليل يدل على ما ذكرت. م: (وإن لم يبين) ش: المستأجر ما يعمل في الدور والحوانيت، صورته أن يقول: استأجرت هذه الدار شهرا بكذا ولم يبين م: (ما يعمل فيها) ش: من السكنى وغيره فذلك جائز م: (لأن العمل المتعارف فيها) ش: أي في الدور والحوانيت م: (السكنى فينصرف إليه) ش: أي السكنى م: (وأنه) ش: أي وأن السكنى م: (لا تتفاوت فصح العقد) ش: وفي بعض النسخ ولأنه، وهكذا صححه صاحب العناية، ولهذا قال: قوله: ولأنه لا تتفاوت. جواب: عما عسى أن يقال سلمنا أن السكنى متعارف، لكن قد تتفاوت السكان فلا بد من بيانه. ووجهه أن السكنى لا تتفاوت وما لا يتفاوت ولا يشتمل على ما يفسد العقد فيصح، وهذا استحسان. وفي القياس لا يجوز لأن المقصود من بناء الدار والحانوت الانتفاع، وهو قد يكون بالسكنى وقد يكون بوضع الأمتعة فينبغي أن لا يجوز ما لم يبين شيئا من ذلك، وبه قال أبو ثور. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 248 وله أن يعمل كل شيء للإطلاق إلا أنه لا يسكن حدادا ولا قصارا ولا طحانا   [البناية] م: (وله) ش: أي وللمستأجر م: (أن يعمل كل شيء للإطلاق) ش: أي لإطلاق العقد، ويدخل تحت قوله كل شيء الوضوع ووضع المتاع وكسر الحطب للوقود وغسل الثياب وربط الدواب؛ لأن سكناها لا يتم إلا بذلك. وفي الذخيرة إنما يكون له ربط الدواب إذا كان فيها موضع معد له وإن لم يكن فليس له ذلك، وكذا قال " الأسبيجابي ". وفي شرحه: ولو استأجرها للسكنى كل شهر هكذا فله أن يربط فيها دابته وبعيره وشاته ويسكنها من أحب، وهذا إذا كان فيها موضع معد لذلك. م: (إلا أنه) ش: أي المستأجر، والاستثناء من قوله: وله أن يعمل كل شيء م: (لا يسكن حدادا) ش: قال تاج الشريعة: فتح الحاء هو المسموع واستصوبه السغناقي. والأظهر ما قاله الأترازي وغيره: إنه يجوز فيه الفتح والضم، فعلى الفتح يكون حدادا نصب على الحال، وعلى الضم يكون مفعولا به، ففي الأول ينتفي الإسكان دلالة، وفي الثاني ينتفي السكنى دلالة، وقوله: م: (ولا قصارا ولا طحانا) ش: عطفا على حدادا، ونص في الذخيرة أن المراد رحى الماء أو رحى الثور. أما رحى اليد فلا يمنع منه؛ لأنه لا يضر بالبناء وهو من توابع السكنى في العادة، ثم قال: ورحى اليد إذا كان يضر بالبناء وهو من توابع السكنى يمنع عنه وإلا لا، هكذا اختاره الحلواني وعليه الفتوى. وقال أيضا فلو قعد حداد أو غيره فانهدم شيء من البناء ضمن ذلك ولا أجر عليه فيما ضمن، وإن لم ينهدم شيء لا يجب الأجر؛ لأن عمل الحدادة والقصارة غير داخل في العقد ويجب استحسانا، وبه قالت الثلاثة. ولو اختلف المستأجر والآجر في ذلك فقال المستأجر استأجرتها للحدادة والآجر يقول للسكنى دون الحدادة فالقول للآجر؛ لأنه أنكر الإجارة أصلا، ولو أقاما البينة فالبينة بينة المستأجر لأنه يثبت زيادة الشرط. وقال شيخ الإسلام الأسبيجابي في شرح الكافي: وإذا استأجر بيتا على أن يقعد فيه قصارا فأراد أن يقعد فيه حدادا فله ذلك إذا كانت مضرتهما واحدة، أو مضرة الحداد أقل لأنه لا يلحقه في ضرر زائد فكان ذلك، وإن كان أكثر مضرة لم يكن له ذلك لتحقق الضرر، وكذلك الوصي والمسلم والذمي والحربي المستأمن والحر والمملوك والمكاتب كلهم سواء في الإجارة. وقال أيضا في شرح الطحاوي: ومن استأجر حانوتا ولم يسم ما يعمل فيه فله أن يعمل ما بدا له، إلا أنه لا يعمل حدادا ولا قصارا ولا طحانا، وكذلك كل ما يوهن البناء، وكذلك كل شيء استؤجر ولم يبين ذلك فله أن يعمل فيه حسب ذلك العمل إلا في أشياء معدودة إذا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 249 لأن فيه ضررا ظاهرا؛ لأنه يوهن البناء فيتقيد العقد بما وراءها دلالة. قال: ويجوز استئجار الأراضي للزراعة؛ لأنها منفعة مقصودة معهودة فيها. وللمستأجر الشرب والطريق وإن لم يشترط؛ لأن الإجارة تعقد للانتفاع، ولا انتفاع في الحال إلا بهما فيدخلان في مطلق العقد، بخلاف البيع؛ لأن المقصود منه ملك الرقبة لا الانتفاع في الحال، حتى يجوز بيع الجحش والأرض السبخة دون الإجارة فلا يدخلان فيه من غير ذكر الحقوق، وقد مر في البيوع. ولا يصح العقد حتى يسمي ما يزرع فيها لأنها قد تستأجر للزراعة ولغيرها وما يزرع فيها متفاوت   [البناية] استأجر دابة للركوب ولم يبين من يركبها، أو استأجر ثوبا ولم يبين من يلبسه أو استأجر قدرا للطبخ ولم يبين ما يطبخ فيها فالإجارة في هذا كله فاسدة. م: (لأن فيه) ش: أي في سكنى الحداد ونحوه أو في إسكانه م: (ضررا ظاهرا لأنه يوهن) ش: أي يضعف م: (البناء فيتقيد العقد بما وراءها) ش: أي بما وراء صنعة الحداد والقصار والطحان م: (دلالة) ش: أي من حيث دلالة الحال على ذلك. [استئجار الأراضي للزراعة] م: (قال: ويجوز استئجار الأراضي للزراعة لأنها منفعة مقصودة معهودة فيها) ش: أي في الأراضي وفيه قيد سنذكره م: (وللمستأجر الشرب) ش: بكسر الشين وهو النصيب من الماء م: (والطريق وإن لم يشترط؛ لأن الإجارة تعقد للانتفاع ولا انتفاع في الحال إلا بهما فيدخلان في مطلق العقد) ش: يعني وإن لم يذكرهما. قال الفقيه أبو الليث في شرحه " للجامع الصغير ": وكان أبو جعفر يقول: إذا كانت الإجارات في بلدنا فالشرب لا يدخل في الإجارة بغير شرط؛ لأن الناس يتملون بالماء على الانفراد فلا يجوز أن يدخل فيها إلا بالشرط. م: (بخلاف البيع) ش: يعني لا يدخلان فيه إلا بالذكر م: (لأن المقصود منه ملك الرقبة لا الانتفاع في الحال، حتى يجوز بيع الجحش) ش: مع أنه لا ينتفع به في الحال م: (والأرض السبخة دون الإجارة) ش: أي وبيع الأرض السبخة بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة وفتح الحاء المعجمة، وعن الكسائي بالإسكان، وهي الأرض التي لا تنبت شيئا والجمع على سباخ م: (فلا يدخلان فيه) ش: أي فلا يدخل الشرب والطريق في البيع م: (من غير ذكر الحقوق وقد مر في البيوع) ش: في باب الحقوق من كتاب البيوع. م: (ولا يصح العقد) ش: أي عقد استئجار الأراضي الزراعية م: (حتى يسمي ما يزرع فيها) ش: بفتح الباء على بناء الفاعل م: (لأنها قد تستأجر للزراعة ولغيرها) ش: أي ولغير الزراعة نحو البناء وغرس الأشجار ونصب الفسطاط ونحوها م: (وما يزرع فيها متفاوت) ش: بضم الياء على بناء المفعول؛ لأن البعض قريب الإدراك والبعض بعيد، أو لأن البعض يضر الأرض الجزء: 10 ¦ الصفحة: 250 فلا بد من التعيين كيلا تقع المنازعة. أو يقول على أن يزرع فيها ما شاء لأنه لما فوض الخيرة إليه ارتفعت الجهالة المفضية إلى المنازعة، ويجوز أن يستأجر الساحة ليبني فيها أو ليغرس فيها نخلا أو شجرا لأنها منفعة تقصد بالأراضي، ثم إذا انقضت مدة الإجارة لزمه أن يقلع البناء والغرس ويسلمها إليه فارغة   [البناية] كالذرة والبعض لا يضر كالبطيخ م: (فلا بد من التعيين كيلا تقع المنازعة أو يقول) ش: بنصب اللام عطفا على قوله حتى يسمي م: (على أن يزرع فيها ما شاء؛ لأنه لما فوض الخيرة) ش: أي الاختيار وهو بكسر الخاء وفتح التاء آخر الحروف والراء م: (إليه) ش: أي إلى المستأجر م: (ارتفعت الجهالة المفضية إلى المنازعة) ش: وفي المغني لابن قدامة: لو استأجرها للزرع مطلقا، أو قال لتزرعها ما شئت فإنه يصح ولو زرعها ما شاء، وهو مذهب الشافعي ومالك - رحمهما الله. وعن شريح لا يصح حتى يبين ما يزرع؛ لأن ضرره يختلف فلم يصح بلا بيان، وهو قولنا فيما أطلق الزرع كما ذكر في الكتاب، ثم لو زرع نوعا من الأنواع - وهذه الصورة - ومضت المدة ففي القياس يجب عليه أجر المثل، وفي الاستحسان يجب المسمى وينقلب العقد جائزا كما لو استأجر ثوبا للبس ولم يبين اللابس لا يجوز لتفاوت الناس فيه، فإن عين اللابس بعد ذلك جاز استحسانا، كذا في الذخيرة وجامع قاضي خان. [يستأجر الساحة ليبني فيها أو ليغرس فيها نخلا أو شجرا] م: (ويجوز أن يستأجر الساحة) ش: بالحاء المهملة المخففة، وهي الأرض الخالية عن البناء والشجر م: (ليبني فيها أو ليغرس فيها نخلا أو شجرا) ش: عطف الشجر على النخل من قبيل عطف العام على الخاص، كما في قَوْله تَعَالَى: {سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87] (الحجر: الآية 87) ، وفائدته الإشعار بفضل المعطوف عليه. فإن قلت: المراد هاهنا بيان الحكم لا بيان الفضائل، فما فائدة إفراد النخل ولا يعرفون غيره وإن كانوا يسمعون، فربما كان يتوهم المتوهم أن حكمها مختلف، فلدفع هذا الوهم أفرده بالذكر، ولم أر أحدا من الشراح تعرض لهذا م: (لأنها منفعة تقصد بالأراضي) ش: فيصح لها العقد. م: (ثم إذا انقضت مدة الإجارة لزمه) ش: المستأجر م: (أن يقلع البناء والغرس) ش: بكسر الغين بمعنى المغروس، ولا يجوز الفتح لأنه مصدر فلا يتصور فيه القلع م: (ويسلمها إليه فارغة) ش: أي يسلم الأرض إلى صاحبها حال كونها فارغة من البناء والغروس، ومعناه يجبر على القلع ولا يضمن صاحب الأرض قيمة النقص، وبه قال مالك والمزني. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: إن كانا قد شرطا القلع عند انقضائها فكذلك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 251 لأنها لا نهاية لها، ففي إبقائها إضرار بصاحب الأرض. بخلاف ما إذا انقضت المدة والزرع بقل حيث يترك بأجر المثل إلى زمان الإدراك؛ لأن لها نهاية معلومة فأمكن رعاية الجانبين. قال: إلا أن يختار صاحب الأرض أن يغرم له قيمة ذلك مقلوعا ويتملكه فله ذلك، وهذا برضاء صاحب الغرس والشجر، إلا أن ينقص الأرض بقلعها   [البناية] وإن أطلقا العقد لم يجبر على القلع إلا أن يضمن المالك له قيمة نقضه م: (لأنه لا نهاية لها، ففي إبقائها إضرار بصاحب الأرض) ش: والضرر مدفوع. م: (بخلاف ما إذا انقضت المدة) ش: أي مدة الإجارة م: (والزرع بقل حيث يترك بأجر المثل إلى زمان الإدراك؛ لأن لها) ش: أي للزرع والتأنيث باعتبار المدة، أي لأن لمدة الزرع م: (نهاية معلومة، فأمكن رعاية الجانبين) ش: أي جانب صاحب الأرض بأجر المثل، وجانب صاحب الزرع بالترك إلى الإشهار به، قالت الثلاثة: إن لم يكن ذلك من تفريط المستأجر مثل أن يزرع زرعا لم تجر العادة بكماله قبل انقضاء المدة فحكمه حكم زرع الغاصب يخير المالك بين أخذه بالقيمة أو تركه بأجر المثل. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجه يلزمه نقله. وفي " المبسوط " الجواب متحد في حق اعتبار الغرس في الإجارة والعارية والغصب حتى يجب عليهم القلع والتسليم فارغا. وفي الزرع اختلف الجواب، ففي الغصب يلزم القلع على الغاصب في الحال لأنه متعد، وفي الإجارات يترك إلى وقت الإدراك استحسانا بأجر المثل. وفي العارية المؤقتة وغير المؤقتة لا يأخذها صاحبها إلى أن يستحصد الزرع استحسانا. م: (قال: إلا أن يختار صاحب الأرض أن يغرم له) ش: أي لصاحب الشجر أو لصاحب البناء م: (قيمة ذلك مقلوعا) ش: أي حاله كونه مقلوعا؛ لأنه يستحق القلع فتقوم الأرض بدون البناء أو الشجر، وتقوم وبها بناء أو شجر ولصاحب الأرض أن يأمر بقلعه فيضمن فضل ما بينهما كذا ذكر في " الاختيار " وغيره، ولكن الذي يفهم من نفس التركيب أن يغرم قيمة الشجر مقلوعا يعني مرميا على الأرض أن كان لا ينفع إلا للحطب يكون قيمة الحطب، وإن كان ينفع لوجه آخر يكون قيمته من ذلك الوجه، وكذلك قيمة البناء مقلوعا على الأرض الحجر من ناحية، والطين من ناحية م: (ويتملكه فله ذلك) ش: أي يتملك مالك الأرض كل واحد من البناء والشجر م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرناه إنما يجوز م: (برضاء صاحب الغرس والشجر) ش: لئلا يتضرر بالإجبار م: (إلا أن ينقص الأرض بقلعها) ش: أي بقلع الأشياء المذكورة والبناء والغرس والشجر؛ لأن المذكور هذه الثلاثة. فإن قلت: المفهوم من الغرس فيما مضى النخل والشجر حيث قال لزمه أن يقلع البناء الجزء: 10 ¦ الصفحة: 252 فحينئذ يتملكها بغير رضاه، قال، أو يرضى بتركه على حاله فيكون البناء لهذا والأرض لهذا؛ لصاحب الأرض والغاصب لأن الحق له فله أن لا يستوفيه. قال: وفي " الجامع الصغير " إذا انقضت مدة الإجارة وفي الأرض رطبة فإنها تقلع؛ لأن الرطاب لا نهاية لها فأشبه الشجر. قال: ويجوز استئجار الدواب للركوب والحمل   [البناية] والغرس بعد قوله نخلا أو شجرا، وهاهنا عطف الشجر على الغرس، والمعطوف غير المعطوف عليه، وترك ذكر البناء هاهنا. قلت: أما ذكر البناء فلأن الغالب نقصان الأرض بقلع الأشجار دون البناء. وأما عطف الشجر على الغرس فليبين لنا فائدة، وهي أن الغرس أعم من الشجر، فالشجر اسم ما له ساق والغرس يتناول ما له ساق وما ليس له ساق، والحكم في النوعين سواء فافهم. فإن هذا أيضا ما ذكره أحد من الشراح م: (فحينئذ يتملكها بغير رضاه) ش: أي حين وجود نقص الأرض بالقلع يتملك صاحب الأرض البناء والغرس والشجر حال كونها مقلوعة بغير رضى المستأجر. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (أو يرضى) ش: أي صاحب الأرض م: (بتركه على حاله فيكون البناء لهذا والأرض لهذا؛ لأن الحق له فله أن لا يستوفيه) ش: لأن من له الحق لا يجبر. [الحكم لو انقضت مدة الإجارة وفي الأرض رطبة] م: (قال: وفي " الجامع الصغير " إذا انقضت مدة الإجارة وفي الأرض رطبة فإنها تقلع؛ لأن الرطاب لا نهاية لها فأشبه الشجر) ش: إنما أورد هذا لبيان أن حكم الرطبة كحكم الشجرة. قال تاج الشريعة: الرطبة كالقصب والكراث. قلت: الرطبة هي التي يقال لها برسيم والقرط في لغة أهل مصر، ولكن عندهم هي كالزرع يزرع في كل سنة، بخلاف غيرها من البلاد فإنها عندهم كالشجر في طول البقاء وليس له نهاية معلومة، فيحكم في كل بلد بحسب عرفها والطرخون عندنا كالرطبة في طول البقاء، وليس له نهاية معلومة. [استئجار الدواب للركوب والحمل] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجوز استئجار الدواب للركوب والحمل) ش: يعني لركوب معين إما نصا حقيقة أو تقديرا، وإنما قلنا هكذا؛ لأنه إذا استأجر دابة للركوب ولم يعين من يركبه لا تصح الإجارة، وكذا إذا استأجر ثوبا ليلبسه ولم يعين من يلبسه تفسد الإجارة، نص عليه في " المبسوط " و " الذخيرة " وغيرهما. فإن قلت: قال القدوري: فإن أطلق الركوب جاز أن يركبها من شاء، وكذلك إن استأجر ثوبا للبس وأطلق على ما يجيء الآن في الكتاب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 253 لأنه منفعة معلومة معهودة، فإن أطلق الركوب جاز له أن يركب من يشاء عملا بالإطلاق، ولكن إذا ركب بنفسه أو أركب واحدا ليس له أن يركب غيره؛ لأنه تعيَّن مرادا من الأصل والناس متفاوتون في الركوب، فصار كأنه نص على ركوبه   [البناية] قلت: قيل في التوفيق بين الروايات ما ذكر في " فتاوى قاضي خان " أنه لو أركب غيره أو ركبه بنفسه انقلب جائزا بعدما وقع فاسدا فيكون معنى قوله: فإن أطلق الركوب جاز أن يركبها من شاء، أي لو أركبه ينقلب إلى الجواز بعدما وقع فاسدا، أو يكون المراد ما ذكره الأقطع في شرحه: قوله: فإن أطلق الركوب، أي استأجرها للركوب على أن يركب عليها من شاء، واختاره صاحب " الكافي ". والأوجه أن يقال: ما ذكره من الفساد جواب القياس، ومن الجواز جواب الاستحسان فذكر في " المبسوط " بعد ذكره وجه القياس: في القياس وفي الاستحسان أن الجهالة المفسدة قد زالت بركوب نفسه وإركاب غيره فجعلنا التعيين في الانتهاء كالتعيين في الابتداء. فإن قلت: ما الدليل على جواز استئجار الدواب. قلت: روى الواحدي في كتاب " أسباب نزول القرآن " بإسناده إلى العلاء بن المسيب «عن أبي أمامة التيمي، قال: سألت ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فقلت: إنا قوم نكري في هذا الوجه وأن قوما يزعمون أنه لا حج لنا، قال ألستم تلبون، ألستم تطوفون بين الصفا والمروة، قال: بلى، قال: إن رجلا سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عما سألت عنه فلم يدر ما يرد عليه حتى نزلت: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] فدعاه فتلاها، فقال أنتم الحجاج» فدل الحديث أن استئجار الدواب جائز م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الركوب والحمل م: (منفعة معلومة معهودة) ش: بين الناس. م: (فإن أطلق الركوب) ش: أراد عمم ولم يقيد بركوب شخص بأن قال على أن تركب من تشاء أو على أن تركب من شئت، أما إذا استأجر للركوب مطلقا لا يجوز كما ذكرناه آنفا م: (جاز له) ش: للمستأجر م: (أن يركب من يشاء) ش: بضم الياء من الإركاب ومن في محل نصب مفعول. م: (عملا بالإطلاق) ش: أن التعميم كما ذكرنا م: (ولكن إذا ركب بنفسه أو أركب واحدا ليس له أن يركب غيره؛ لأنه تعين مرادا من الأصل) ش: أي لأن ركوبه بنفسه أو إركابه غيره تعيين حال كونه مرادا من الأصل وهو الإطلاق والتعميم م: (والناس متفاوتون في الركوب، فصار كأنه نص) ش: في الابتداء م: (على ركوبه) ش: شيء معين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 254 وكذلك إذا استأجر ثوبا للبس وأطلق جاز فيما ذكرنا لإطلاق اللفظ وتفاوت الناس في اللبس. وإن قال: على أن يركبها فلان أو يلبس الثوب فلان فأركبها غيره أو ألبسه غيره فعطب كان ضامنا؛ لأن الناس يتفاوتون في الركوب واللبس فصح التعيين وليس له أن يتعداه، وكذلك كل ما يختلف باختلاف المستعمل لما ذكرنا. فأما العقار وما لا يختلف باختلاف المستعمل إذا شرط سكنى واحد فله أن يسكن غيره؛ لأن التقييد غير مفيد لعدم التفاوت، والذي يضر بالبناء خارج على ما ذكرناه. قال: وإن سمى نوعا وقدرا معلوما يحمله على الدابة مثل أن يقول خمسة أقفزة حنطة فله أن يحمل ما هو مثل الحنطة في الضرر أو أقل كالشعير والسمسم،   [البناية] م: (وكذلك إذا استأجر ثوبا للبس وأطلق) ش: أي عمم ولم يقيد بلبس شخص م: (جاز فيما ذكرنا) ش: من العمل بالإطلاق وهو أن يلبس من شاء، ولكن إذا لبس بنفسه أو لبس واحدا ليس له أن يلبس غيره م: (لإطلاق اللفظ وتفاوت الناس في اللبس) ش: هذان يرجعان إلى الحكمين المذكورين من قبيل اللف والنشر، فرجع كل واحد منهما إلى ما يليق به من الحكم. م: (وإن قال: على أن يركبها فلان أو يلبس الثوب فلان فأركبها غيره أو ألبسه غيره فعطب) ش: أي هلك، والضمير فيه يرجع إلى كل واحد من الدابة والثوب م: (كان ضامنا؛ لأن الناس يتفاوتون في الركوب واللبس، فصح التعيين وليس له أن يتعداه) ش: لأنه تعيين مفيد لا بد من اعتباره فإذا تعدى ضمن. م: (وكذلك كل ما يختلف باختلاف المستعمل) ش: بكسر الميم الثانية وذلك بالفسطاط ونحوه، حتى لو استأجر فسطاطا ودفعه إلى غيره إجارة أو إعارة فنصبه وسكن فيه ضمنه عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لتفاوت الناس في نصبه واختياره مكانه وضرب أوتاده. وعند محمد لا يضمن لأنه كالدار م: (لما ذكرنا) ش: يعني من تفاوت الناس في الاستعمال. م: (فأما العقار وما لا يختلف باختلاف المستعمل) ش: كالأحصاص المبنية من البردي، والبيوت المبنية من الخشب ونحوها م: (إذا شرط سكنى واحد فله أن يسكن غيره؛ لأن التقييد غير مفيد لعدم التفاوت) ش: في المسكن م: (والذي يضر بالبناء خارج) ش: هذا جواب عن سؤال من يقول قد تفاوت السكان أيضا، فإن الحداد ونحوه يضر بالبناء، فأجاب عنه بأن الذي يضر بالبناء خارج، أي مستثنى م: (على ما ذكرناه) ش: أشار به إلى قوله إلا أنه لا يسكن حدادا، إلى آخره. [الحكم لو سمى نوعا وقدرا معلوما يحمله على الدابة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن سمى نوعا وقدرا معلوما يحمله على الدابة مثل أن يقول خمسة أقفزة حنطة فله أن يحمل ما هو مثل الحنطة في الضرر) ش: كحنطة أخرى غير الحنطة المعينة م: (أو أقل) ش: ضررا م: (كالشعير والسمسم) ش: قال السغناقي، وتبعه الأترازي: هذا لف الجزء: 10 ¦ الصفحة: 255 لأنه دخل تحت الإذن لعدم التفاوت، أو لكونه خيرا من الأول. وليس له أن يحمل ما هو أضر من الحنطة كالملح والحديد لانعدام الرضاء به. وإن استأجرها ليحمل عليها قطنا سماه فليس له أن يحمل عليها مثل وزنه حديدا؛ لأنه ربما يكون أضر بالدابة فإن الحديد يجتمع في موضع من ظهره والقطن ينبسط على ظهره، قال: وإن استأجرها ليركبها فأردف معه رجلا فعطبت ضمن نصف قيمتها،   [البناية] ونشر، فالشعير ينصرف إلى المثل، والسمسم إلى أقل إذا كان التقدير فيهما من حيث الكيل لا من حيث الوزن. قلت: هذا ليس بلف ونشر، بل كل واحد منهما ينصرف إلى الأقل ومثاله، وأما مثل الحنطة في الضرر هو الحنطة الأخرى غير الحنطة المعينة في الإجارة كما ذكرنا، ولا شك أن الشعير أخف من الحنطة سواء كانا وزنا أو كيلا، فكيف يكون مثل الحنطة في الضرر؟ ثم قال: هذا جواب الاستحسان، أما لو سمى قدرا من الحنطة وزنا فحمل مثل الوزن من الشعير يضمن. وفي " المبسوط ": لا يضمن وهو الأصح، وبه أفتى الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه دخل تحت الإذن لعدم التفاوت) ش: فيما إذا كان مثلا م: (أو لكونه خيرا من الأول) ش: فيما إذا كان أقل ضررا. م: (وليس له أن يحمل ما هو أضر من الحنطة كالملح والحديد لانعدام الرضاء به) ش: لأنه يجتمع في موضع واحد فيدق ظهر الدابة. وفي المبسوط وكذا لو حمل وزن الحنطة قطنا يضمن؛ لأنه يأخذ من ظهر الدابة فوق ما يأخذ الحنطة فكان أضر عليها من وجه، كما لو حمل عليها حطبا أو تبنا. م: (وإن استأجرها ليحمل عليها قطنا سماه فليس له أن يحمل عليها مثل وزنه حديدا؛ لأنه ربما يكون أضر بالدابة، فإن الحديد يجتمع في موضع من ظهره، والقطن ينبسط على ظهره) ش: إنما ذكر هذا مع كونه معلوما مما سبق لأن ذلك كان نظير المكيل وهذا نظير الموزون. [استأجر دابة ليركبها فأردف معه رجلا فعطبت] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإن استأجرها ليركبها فأردف معه رجلا فعطبت ضمن نصف قيمتها) ش: قيد بالإرداف؛ لأنه لو ركبها وحمل على عاتقه غيره يضمن كل القيمة وإن كانت الدابة تطيق ذلك؛ لأن ثقل الراكب مع الذي حمله يجتمعان في مكان واحد فيكون أشق عليها، كما لو حملها مثل وزن الحنطة حديدا. وقيد بقوله: " رجلا " لأنه إذا أردف صبيا يضمن قدر الفضل لأن الصبي لا يستمسك بنفسه على الدابة فكان كالمتاع، وهذا إذا كانت الدابة تطيق ذلك، فإن لم تطق يضمن جميع قيمتها. وبه قال الشافعي وروي عن الشافعي: يجب على المردوف نصف الضمان. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 256 ولا معتبر بالثقل؛ لأن الدابة قد يعقرها جهل الراكب الخفيف، ويخفف عليها ركوب الثقيل لعلمه بالفروسية، ولأن الآدمي غير موزون فلا يمكن معرفة الوزن فاعتبر عدد الراكب كعدد الجناة في الجنايات.   [البناية] قوله: " ضمن نصف قيمتها " يعني مع تمام الأجر إذا كان الهلاك بعد البلوغ إلى المقصد ثم المالك بالخيار إن شاء ضمن المستأجر فلا يرجع المستأجر على الغير سواء كان الغير مستعيرا أو مستأجرا، وإن ضمن الرد يرجع على المستأجر إن كان الغير مستأجرا، وإن كان الغير مستعيرا لا يرجع. وفي " تجريد القدوري ": استأجر دابة ليركبها فأركب غيره مع نفسه يضمن النصف سواء كان أخف أو أثقل، وفي " الفتاوى الصغرى " و" التتمة ": استأجر دابة ليركبها إلى مكان معلوم فركب وحمل مع نفسه حملا يضمن قدر الزيادة إن عطبت الدابة، وهذا إذا لم يركب موضع الحمل بل يكون ركوبه في موضع والحمل في موضع آخر، أما إذا ركب على موضع الحمل ضمن قيمة جميع الدابة، كذا في إجارات شيخ الإسلام خواهر زاده. م: (ولا معتبر بالثقل، لأن الدابة قد يعقرها جهل الراكب الخفيف ويخفف عليها ركوب الثقيل لعلمه بالفروسية) ش: أراد بالفروسية معرفة كيفية الركوب كيف يقعد على ظهر الدابة وكيف يضم فخذيه وكيف يحط رجليه في الركب إذا كانت الدابة تركب بالركب وكيف يمسك اللجام والخطام، فإن الدواب لا تطلق ولا تهلك تحت الركاب إلا من هذه الجهات. م: (ولأن الآدمي غير موزون فلا يمكن معرفة الوزن) ش: قال في " الكافي ": لأن الآدمي لا يوزن بالقبان وفيه نظر، وقد شاهدنا كثيرا من الناس وزنوا أنفسهم بالقبان ليعرفوا وزنها ولكن لا ينضبط هذا على ما لا يخفى م: (فاعتبر عدد الراكب كعدد الجناة) ش: بضم الجيم جمع جان كالقضاة جمع قاض م: (في الجنايات) . ش: أراد أن الاعتبار في الجنايات المتعددة عدد الجناة لا عدد الجنايات حتى إن رجلا إذا جرح رجلا جراحة واحدة والآخر عشر جراحات خطأ فمات، فالدية بينهما أنصافا، لأنه ربما سلم المجروح من عشر جراحات ويهلك من جراحة واحدة. وأورد شبهتين، الأولى: أن الأجر والضمان لا يجتمعان، وهنا قد اجتمعا، لأنه وجب عليه نصف الضمان مع وجوب الآخر كما ذكرنا، الثانية: أنه لو استأجرها ليركبها بنفسه فلو أركب غيره يجب عليه كل القيمة وهاهنا نصف القيمة مع أنه ركب وأركب غيره، مع أن الضرر هاهنا أكثر والضمان يدور مع زيادة الضرر. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 257 وإن استأجرها ليحمل عليها مقدارا من الحنطة فحمل عليها أكثر منه، فعطبت ضمن ما زاد الثقل؛ لأنها عطبت بما هو مأذون فيه وما هو غير مأذون فيه   [البناية] أجيب عن الأولى بأن انتفاء الأجر عند الضمان إذا ملكه بالضمان بطريق الغصب، لأن الأجر في ملكه، وهاهنا لم يملك شيئا بهذا الضمان مما شغله بركوب نفسه وجميع المسمى بمقابله ذلك، وإنما يضمن ما شغله بركوب الغير ولا أجر بمقابلة ذلك ليسقط عنه لا يقال حين تقرر عليه ضمان نصف القيمة قد ملك نصف الدابة من حيث ضمن فينبغي أن لا يلزمه نصف الأجر؛ لأنا نقول إن الضرر ليس من قبل ثقل الراكب وخفته، وإنما هو باعتبار العدد، ولهذا يوزع الضمان نصفين. وعن الثانية أنه إذا أركب غيره فهو مخالف في الكل، وهنا هو موافق فيما شغله بنفسه مخالف فيما شغله بغيره. ألا ترى أنه لو استأجرها لركوبه لم يجب الأجر إذا حمل عليها غيره ووجب الأجر إذا ركبها وحمل مع نفسه غيره. [استأجر دابة ليحمل عليها مقدارا فحمل عليها أكثر منه فعطبت] م: (وإن استأجرها ليحمل عليها مقدارا من الحنطة فحمل عليها أكثر منه) ش: أي من المقدار الذي عينه م: (فعطبت ضمن ما زاد الثقل) ش: بكسرالثاء وفتح القاف وهو ضد الخفة وهو اسم معنى وبالسكون الحمل وهو اسم غيره م: (لأنها عطبت بما هو مأذون فيه وما هو غير مأذون فيه) ش: وقوله ما زاد الثقل مقيد بما إذا كان المزيد من جنس المسمى، بخلاف ما إذا كان من غير جنسه كما لو استأجرها ليحمل عليها كر شعير فحمل عليها حنطة بمثل ذلك الكيل فهلك ضمن جميع قيمتها. والفرق أن في الأول هو مأذون في حق المزيد عليه، وفي حق الزيادة فلا يضمن لما أذن فيه. وفي الثاني تحققت المخالفة في الجميع فيضمن، وعند الشافعي وأحمد يضمن قيمتها كلها كما في الغصب، لأنه متعد إذا لم يكن معها صاحبها، وإن كان صاحبها معها فإن تلف بعد التسليم إلى صاحبها لم يضمن، وإن تلف في حال الحمل ضمن. وفي قدر الضمان قولان، أحدهما: نصف القيمة. والثاني: أنه يسقط وما قابل الزيادة يجب، وإن لم يهلك يجب المسمى، وفيما زاد أجر المثل. وعن مالك خير المالك بين تضمين القيمة بالتعدي وبين أجر المثل. فإن قيل: ما ذكرتم يتنقض بما إذا استأجر ثورا للطحن به عشرة مخاتيم حنطة فطحن أحد عشر مختوما فهلك ضمن الجميع، وإن كانت الزيادة من الجنس. أجيب: بأن الطحن إنما يكون شيئا فشيئا فكما طحن العشرة انتهى الإذن فبعد ذلك هو مخالف في استعمال الدابة بغير الإذن فيضمن الجميع. فأما الحمل فيكون جملة واحدة فهو مأذون الجزء: 10 ¦ الصفحة: 258 والسبب الثقل فانقسم عليهما. إلا إذا كان حملا لا يطيقه مثل تلك الدابة فحينئذ يضمن كل قيمتها لعدم الإذن فيها أصلا، لخروجه عن العادة. وإن كبح الدابة بلجامها أو ضربها فعطبت، ضمن عند أبي حنيفة. وقالا: لا يضمن إذا فعل فعلا متعارفا؛ لأن المتعارف مما يدخل تحت مطلق العقد، فكان حاصلا بإذنه فلا يضمنه. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإذن مقيد بشرط السلامة؛ إذ يتحقق السوق بدونهما، وهما للمبالغة، فيتقيد بوصف السلامة كالمرور في الطريق.   [البناية] في بعض، مخالف في بعض، فيوزع الضمان على ذلك. وفي " تتمة الفتاوى ": استكرى دابة ليحمل عليها عشرة مخاتيم حنطة فجعل في الجوالق عشرين مختوما، فأمر المكاري أن يحمل هو عليها فحمل هو ولم يشاركه المستكري في الحمل، لا ضمان عليه أصلا إذا هلكت الدابة. ولو حملاه جميعا يعني المكاري والمستكري في الحمل لا ضمان عليه أصلا إذا هلكت الدابة. ولو حملاه جميعا يعني المكاري والمستكري ووضعاه على الدابه يضمن المستكري ربع القيمة. وإن كانت الحنطة في الجوالقين، فحمل كل واحد منهما جوالقا ووضعاهما على الدابة جميعا، لا يضمن المستأجر شيئا، وجعل حمل المستأجر ما كان مستحقا بالعقد. م: (والسبب الثقل فانقسم عليهما إلا إذا كان حملا) ش: بكسر الحاء م: (لا يطيقه مثل تلك الدابة، فحينئذ يضمن كل قيمتها لعدم الإذن فيها أصلا لخروجه عن العادة) ش: وفي بعض النسخ لخروجه عن طاقة الدابة، والمعروف عرفا كالمشروط شرطا، وفي الشرط يضمن القيمة. م: (وإن كبح الدابة بلجامها) ش: أي جذبها إلى نفسه لتقف ولا تجري م: (أو ضربها فعطبت ضمن عند أبي حنيفة. وقالا: لايضمن إذا فعل فعلا تعارفًا، لأن المتعارف مما يدخل تحت مطلق العقد فكان حاصلا بإذنه فلا يضمنه) ش: وبه قالت الثلاثة وإسحاق وأبو ثور. وقال صاحب " العناية ": وفي عبارته تسامح، لأن المتعارف مراد بمطلق العقد لا داخل تحته. والجواب: أن اللام في المتعارف للعهد، أي الكبح المتعارف أو الضرب المتعارف، وحينئذ يكون داخلا لا مرادا، لأن العقد المطلق يتناوله وغيره. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإذن مقيد بشرط السلامة؛ إذ يتحقق السوق بدونهما وهما) ش: أي الكبح والضرب م: (للمبالغة فيتقيد بوصف السلامة كالمرور في الطريق) ش: فإنه مقيد بوصف السلامة. وفي " الفتاوى الصغرى ": معلم ضرب الصبي بإذن الأب أو الوصي لم يضمن، وهما لو ضربا بضمنان. وفي العيون: المعلم والأستاذ إذا ضربا الصبي بغير إذن الأب أو الوصي ضمنا، ولو ضرباه بإذنهما لا يضمنان، والأب والوصي إذا ضربه للتأديب فمات؛ ضمنا عند أبي حنيفة خلافا لهما. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 259 وإن استأجرها إلى الحيرة فجاوز بها إلى القادسية، ثم ردها إلى الحيرة، ثم نفقت فهو ضامن. وكذلك العارية، وقيل: تأويل هذه المسألة   [البناية] وفي " التتمة ": الأصح أن أبا حنيفة رجع إلى قولهما. وفي " الفتاوى الصغرى " أيضا قال أبو سليمان: إذا ضرب ابنه على تعليم القرآن فمات، قال أبو حينفة: تجب الدية ولا يرثه. وقال أبو يوسف: لا شيء عليه ويرثه. ولو ضرب امرأته على المضجع فماتت يضمن ولا يرثها في قولهما، لأنه ضربها لمنفعة نفسها، بخلاف الأب مع الابن. م: (وإن استأجرها إلى الحيرة) ش: بكسر الحاء المهمله وسكون الياء آخر الحروف وفتح الراء المهملة وهي مدينة على ميل من الكوفه كان يسكنها النعمان بن المنذر م: (فجاوز بها إلى القادسية) ش: وهو موضع بينه وبين الكوفة خمسة عشر ميلا م: (ثم ردها إلى الحيرة ثم نفقت) ش: أي هلكت م: (فهو ضامن، وكذلك العارية) . ش: أي في العارية أيضا يضمن إذا فعل ذلك، وبه قالت الثلاثة، وهل يجب أجر المثل في الزيادة؛ فعندنا وعند الثوري لا يجب، وعند الشافعي وأحمد يجب أجر المثل في الزيادة. وحكي عن مالك إذا تجاوز بها إلى مسافة بعيدة خير صاحبها بين أجر المثل وبين المطالبة بقيمتها يوم التعدي، وقد طعن عيسى بن أبان وقال إلحاق الإجارة بالعارية - كما ذكره في الكتاب - غير مستقيم لما أن يد المستأجر كيد المالك حتى يرجع بما لحقه من الضمان على المالك كما في الوديعة، وهذا مؤنة الرد على المالك. بخلاف العارية حيث لا يرجع المستعير على المالك بشيء. وأجيب عن هذا بأن يد المستأجر يد نفسه لأنه قبضه لمنفعة نفسه كالمستعير، ولكن رجوعه بالضمان للغرور المتمكن بعقد المعارضة، وذلك لا يدل على أن يده ليست كيد نفسه كالمشتري يرجع بضمان المغرور. فإن قيل: لو استأجرت امرأة ثوبا لتلبسه أياما فلبسته ليلا كانت ضامنة. ثم إذا جاء النهار برئت عن الضمان فعلم أن المستأجر إذا عاد إلى الوفاق يبرأ المرأة الضمان. قلنا: وجوب الضمان عليها لاستعمال دون اليد، فإن لها أن تمسكه بالليل والنهار، وقد انعدم الاستعمال الذي لم يتناوله العقد بمجيء النهار. وهاهنا وجوب الضمان صح باعتبار إمساك الدابة بعد المجاوزة بدليله أنه لو لم يركبها فهلكت يضمن، والإمساك وإن أعادها إلى الحيرة يزول بالرد على المالك، أو إلى من نحو من قام مقامه ولم يوجد، كذا ذكره المحبوبي. م: (وقيل: تأويل هذه المسألة) ش: أشار بهذا إلى بيان اختلاف المشايخ في معنى وضع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 260 إذا استأجرها ذاهبا لا جائيا لينتهي العقد بالوصول إلى الحيرة، فلا يصير بالعود مردودا إلى يد المالك معنى. أما إذا استأجرها ذاهبا وجائيا فيكون بمنزلة المودع إذا خالف ثم عاد إلى الوفاق. وقيل: الجواب مجرى على الإطلاق، والفرق أن المودع مأمور بالحفظ مقصودا فبقي الأمر بالحفظ بعد العود إلى الوفاق فحصل الرد إلى يد نائب المالك. وفي الإجارة والعارية يصير الحفظ مأمورا به تبعا للاستعمال لا مقصودا، فإذا انقطع الاستعمال لم يبق هو نائبا فلا يبرأ بالعود، وهذا أصح   [البناية] المسألة المذكوره فمنهم من قال تأويلها م: (إذا استأجرها ذاهبا لا جائيا لينتهي العقد بالوصول إلى الحيرة فلا يصير) ش: أي الدابة م: (بالعود) ش: من القادسية إلى الحيرة م: (مردودا إلى يد المالك معنى) ش: فإنه لما كان مودعا معنى فهو نائب المالك والرد إلى النائب رد إلى المالك معنى. م: (أما إذا استأجرها ذاهبا وجائيا فيكون بمنزلة المودع) ش: بفتح الدال م: (إذا خالف ثم عاد إلى الوفاق) ش: حيث يخرج عن الضمان. م: (وقيل: الجواب مجرى على الإطلاق) ش: يعني سواء استأجرها ذاهبا لا جائيا، أو ذاهبا وجائيا فإنه لا يبرأ بالعود عن الضمان، لأن بالمجاوزة صار غاصبا ودخلت الدابة في ضمانه، والغاصب لا يبرأ عن الضمان إلا بالرد على المالك أو على نائبه ولم يوجد، لأن محمدا لم يفصل في " الجامع الصغير " في الجواب بل أطلق. وقال: هو ضامن من غير قيد م: (والفرق) ش: يعني بين الوديعة وبين الإجارة والعارية م: (أن المودع مأمور بالحفظ مقصودا فبقي الأمر بالحفظ بعد العود إلى الوفاق فحصل الرد إلى يد نائب المالك) ش: أراد نائب المالك هو المودع بنفسه، لأنه نائبه في الحفظ لقيام الأمر به مطلقا، فإذا عادا إلى الوفاق حصل إلى نائب المالك فبرئ من الضمان. [في الإجارة والعارية يصير الحفظ مأمورا به تبعا للاستعمال] م: (وفي الإجارة والعارية يصير الحفظ مأمورا به تبعا للاستعمال لا مقصودا، فإذا انقطع الاستعمال) ش: بالتجارة عن الموضع المسمى م: (لم يبق هو نائبا) ش: أي المستأجر أو المعير م: (فلا يبرأ بالعود) ش: أي فلا يبرأ عن الضمان بالعود إلى الوفاق. فإن قيل، غاصب الغاصب إذا رد المغصوب على الغاصب فإنه يبرأ، وإن لم يوجد الرد على المالك أو نائبه. أجيب: بأنا نزيد في المأخوذ فنقول: يبرأ بالرد إلى أحد هذين أو إلى من لم يوجد منه سبب ضمان يرتفع بالرد عليه، كذا في الفوائد الظهيرية. م: (وهذا) ش: أي الأجر على الإطلاق م: (أصح) ش: من التفصيل في الجواب. وفي الكافي وقيل: الأول أصح. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 261 ومن اكترى حمارا بسرج فنزع السرج وأسرجه بسرج يسرج بمثله الحمر فلا ضمان عليه؛ لأنه إذا كان يماثل الأول يتناوله إذن المالك، إذ لا فائدة في التقييد بغيره، إلا إذا كان زائدا عليه في الوزن فحينئذ يضمن الزيادة. وإن كان لا يسرج بمثله الحمر يضمن؛ لأنه لم يتناوله الإذن من جهته فصار مخالفا. وإن أوكفه بإكاف لا يوكف بمثله الحمر يضمن لما قلنا في السرج، وهذا أولى. وإن أوكفه بإكاف يوكف بمثله الحمر ضمن عند أبي حنيفة.   [البناية] [اكترى حمارا بسرج فنزع السرج وأسرجه بسرج يسرج بمثله الحمر] م: (ومن اكترى حمارا بسرج فنزع السرج وأسرجه بسرج يسرج بمثله الحمر فلا ضمان عليه، لأنه إذا كان يماثل الأول) ش: أي السرج الثاني إذا كان منثل السرج الأول م: (يتناوله إذن الملك إذ لا فائدة في التقييد بغيره) ش: أي من حيث المنع، أي لا فائدة في القول بأن هذا مقيد بأن لا يسرج بغير هذا السرج الذي عينه صاحبه إذا كان غيره يماثله. وفي بعض النسخ في التقييد بعينه وهو واضح. قال الكاكي: والأولى في اللفظ هنا أن يقال بعينه. وقال الأترازي: قوله في التقييد بغيره، أي في تقييد الضمان بغير ذلك السرج. ولو قيل بعينه كان أولى في تقييد الإذن بغير ذلك السرج، لأنه وما يماثله سواء فلم يفسد التقييد. قلت: فكأنما ما وقفا على كون هذه نسخة، فلذلك قال هذا القول. م: (إلا إذا كان زائدا عليه في الوزن) ش: استثناء من قوله: فلا ضمان عليه، يعني ضمن إذا كان السرج الثاني زائدا على الأول ثم بين كيفية الضمان بقوله م: (فحينئد يضمن الزيادة) ش: لأنه من جنس المسمى. قال تاج الشريعة: هذا إنما يستقيم إذا كان الهلاك من السرج الثاني. م: (وإن كان لا يسرج بمثله الحمر) . ش: بأن سرجه بسرج البرذون م: (يضمن) ش: القيمة كلها م: (لأنه لم يتناوله الإذن من جهته فصار مخالفا) ش: فيضمن م: (وإن أوكفه بإكاف لا يوكف بمثله الحمر يضمن لما قلنا في السرج وهذا أولى) ش: أي الضمان هاهنا أولى من الضمان فيما إذا أسرجه بسرج لا يسرج بمثله الحمر، لأن السرج من جنس السرج والإكاف ليس من جنس السرج، ولأنه أثقل بالنسبه إلى السرج. م: (وإن أوكفه بإكاف يوكف بمثله الحمر ضمن عند أبي حنيفة) ش: ولم يبين مقدار المضمون اتباعا لرواية " الجامع الصغير " لأنه لم يذكر فيه أنه ضامن لجميع القيمة، ولكن قال: هو ضامن. وذكر في الإجارات يضمن بقدر ما زاد، فمن مشايخنا من قال: ليس في المسألة روايتان، وإنما المطلق محمول على المفسر، ومنهم من قال فيها روايتان في رواية الإجارات يضمن بقدر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 262 وقالا: يضمن بحسابه؛ لأنه إذا كان يوكف بمثله الحمر كان هو والسرج سواء فيكون المالك راضيا به، إلا إذا كان زائدا على السرج في الوزن فيضمن الزيادة؛ لأنه لم يرض بالزيادة   [البناية] ما زاد. وفي رواية الجامع الصغير، يضمن جميع القيمة. قال شيخ الإسلام: وهذا أصح. م: (وقالا: يضمن بحسابه) ش: وهو رواية عن أبي حنيفة وتكلموا في معنى هذا فقيل: المراد المساحة، حتى لو كان السرج يأخذ من ظهر الدابة قدر شبرين، والإكاف قدر أربعة أشبار يضمن نصف قيمتها. وقيل: بحسابه في الثقل والخفة، حتى لو كان وزن السرج منوين، والإكاف سته أمناء يضمن ثلثي قيمتها. وقال الحاكم في الكافي: ولو تكارى حمارا عريانا فأسرجه وركبه فهو ضامن له. وقال الكرخي في " مختصره ": ولو اكترى حمارا عريانا فأسرجه ثم ركبه كان ضامنا. وقال الأسبيجابي في شرح الكافي: وهذا إذا كان حمارا لا يسرج مثله عادة، أما إذا كان يسرج ويركب بالسرج فلا ضمان عليه، لأن المقصود هو الركوب والسرج آلة، فلا يختلف بوضع السرج عليه. وقال القدوري في شرحه " لمختصر الكرخي ": وقد فصل أصحابنا هذا وقالوا: استأجره ليركب إلى خارج المصر لم يضمن، لأن الحمار لا يركب من بلد إلى بلد بغير سرج ولا إكاف، فلما أجره كذلك فقد أذن له من طريق المعنى. وقالوا: وإن استأجره ليركبه في المصر وهو من ذوي الهيئات فله أن يسرجه، لأن مثله لا يركب بغير سرج، وإن كان من دون الناس فأسرجه ضمن، لأن مثله يركب في البلد بغير سرج. ثم إذا ضمن يضمن جميع القيمة، أو بقدر ما زاد، لأنه ذكر الضمان مطلقا، قال فخر الدين قاضي خان في شرح " الجامع الصغير ": اختلفوا فيه والصحيح أنه يضمن جميع القيمة. وقال الأترازي: ينبغي أن يكون الأصح ضمان قدر الزيادة لأنه استأجر عريانا فأسرجه، فكان السرج كالحمل الزائد على الركوب. وقال الكرخي في " مختصره ": إن لم يكن عليه لجام فألجمه فلا ضمان عليه إذا كان مثله يلجم بذلك اللجام، وكذلك إن أبدله وذلك لأن الحمار لا يختلف باللجام وغيره ولا يتلف به فلم يضمن بإلجامه. م: (لأنه إذا كان يوكف بمثله الحمر كان هو والسرج سواء، فيكون المالك راضيا به، إلا إذا كان زائدا على السرج في الوزن فيضمن الزيادة، لأنه لم يرض بالزيادة) ش: فكان متعديا فيها فيضمنها الجزء: 10 ¦ الصفحة: 263 فصار كالزيادة في الحمل المسمى إذا كانت من جنسه. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإكاف ليس من جنس السرج؛ لأنه للحمل والسرج للركوب، وكذا ينبسط أحدهما على ظهر الدابة ما لا ينبسط عليه الآخر فيكون مخالفا، كما إذا حمل الحديد وقد شرط له الحنطة. وإن استأجر حمالا ليحمل له طعاما في طريق كذا فأخذ في طريق غيره يسلكه الناس فهلك المتاع فلا ضمان عليه. وإن بلغ فله الأجر. وهذا إذا لم يكن بين الطريقين تفاوت؛ لأن عند ذلك التقييد غير مفيد. أما إذا كان تفاوت يضمن لصحة التقييد فإن التقييد مفيد، إلا أن الظاهر   [البناية] م: (فصار كالزيادة في الحمل المسمى إذا كانت من جنسه) ش: أي فصار حكم الزيادة في السرج كحكم الزيادة في الحمل المسمى بأن قال: خمسون بأن كان المسمى حنطة فإنه يضمن الزيادة. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإكاف ليس من جنس السرج لأنه للحمل) ش: بفتح الحاء م: (والسرج للركوب، وكذا ينبسط أحدهما على ظهر الدابة ما لا ينبسط عليه الآخر) ش: أراد أن الإكاف ينبسط أكثر مما ينبسط السرج م: (فيكون مخالفا كما إذا حمل الحديد وقد شرط له الحنطة) ش: أي والحال أنه قد شرط للحمل الحنطة. قال صاحب " العناية ": فيه نظر، لأنه عكس ما نحن فيه من المثال، إلا اذا جعل ذلك للمخالفة فقط من غير نظر إلى الانبساط وعدمه. قلت: ليس فيه عكس، لأن الحديد قدر وزن الحنطة المشروطة لا تأخذ من ظهر الدابة قدر ما تأخذ الحنطة، وهذا ظاهر على أن هذه التشقية والتشبيه لا عموم له فلا حاجة إلى النظر والجواب عنه. [استأجر حمالا ليحمل له في طريق فسلك غيره فهلك المتاع] م: (وإن استأجر حمالا ليحمل له طعاما في طريق كذا فأخذ في طريق غيره يسلكه الناس) ش: أي غير الطريق الذي عينه المستأجر، هذه جملة في محل الجر؛ لأنها صفة لقوله: في طريق غيره. قيد بها، لأنه إذا كان لا يسلك الناس فيه يضمن م: (فهلك المتاع فلا ضمان عليه) ش: لعدم مرداة التقييد م: (وإن بلّغ) ش: بالتشديد، كذا السماع من المشايخ، أي فإن بلغ الحمال المتاع ذلك الموضع الذي اشترط أن يحمل إليه - ويجوز التخفيف -، والتأويل م: (فله الأجر) ش: لحصول المقصود م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرناه من عدم الضمان ووجوب الأجر م: (إذا لم يكن بين الطريقين تفاوت، لأن عند ذلك) ش: أي عند عدم التفاوت م: (التقييد غير مفيد، أما إذا كان تفاوت) ش: أي إذا كان بين الطريقين تفاوت، وهو أن يكون الذي سلكه أوعر أو أخوف م: (يضمن لصحة التقييد فإن التقييد مفيد) ش: لأنه إنما قيد ليحفظ متاعه، فإذا خالفه صار متعديا فيضمن، وإن بلغ إليه المكان مع ذلك فله الأجر لحصول المقصود، كذا في " الفوائد الظهيرية ". م: (إلا أن الظاهر) ش: هذا جواب إشكال يرد على التفصيل، تقريره أن يقال: إن محمدا أطلق الرواية بأنه لا ضمان عليه فيما إذا أخذ في الطريق الذي يسلكه الناس ولم يقيد فما هذا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 264 عدم التفاوت إذا كان طريقا يسلكه الناس فلم يفصل. وإن كان طريقا لا يسلكه الناس فهلك ضمن لأنه صح التقييد فصار مخالفا. وإن بلغ فله الأجر؛ لأنه ارتفع الخلاف معنى وإن بقى صورة، قال: وإن حمله في البحر فيما يحمله الناس في البر ضمن لفحش التفاوت بين البر والبحر، وإن بلغ فله الأجر لحصول المقصود وارتفاع الخلاف معنى. قال: ومن استأجر أرضا ليزرعها حنطة فزرعها رطبة ضمن ما نقصها؛ لأن الرطاب أضر بالأرض من الحنطة لانتشار عروقها فيها وكثرة الحاجة إلى سقيها فكان خلافا إلى شر فيضمن ما نقصها، ولا أجر له؛ لأنه غاصب للأرض   [البناية] التفصيل؟ فأجاب بقوله إلا أن الظاهر م: (عدم التفاوت إذا كان طريقا يسلكه الناس فلم يفصل) ش: يعني بين الطريقين بالتفاوت م: (وإن كان طريقا لا يسلكه الناس فهلك ضمن، لأنه صح التقييد فصار مخالفا) ش: صورة ومعنى فيضمن م: (وإن بلغ) ش: بالتشديد يعني وإن بلغ الحمال المتاع ذلك الموضع الذي عينه. ويجوز بالتخفيف على إسناد الفعل إلى المتاع، يعني إن بلغ المتاع إلى المكان الذي عينه مع سلوكه في الطريق الذي لا يسلكه الناس م: (فله الأجر، لأنه ارتفع الخلاف) ش: أراد به مخالفة المستأجر م: (معنى) ش: أي من حيث المعنى لحصول غرض المستأجر م: (وإن بقي) ش: الخلاف م: (صورة) ش: أي من حيث الصورة، وذلك لأنه سلك غير ما عينه. م: (قال: وإن حمله في البحر) ش: والحال أنه أمره بالمسير في البر م: (فيما يحمله الناس في البر) ش: أراد حمله في طريق في البحر لا يحمل الناس فيه م: (ضمن لفحش التفاوت بين البر والبحر) ش: حتى إن للمودع أن يسافر بالوديعة من طريق البر دون البحر م: (وإن بلغ) ش: يعني المكان الذي عينه مع حملانه في البحر م: (فله الأجر لحصول المقصود) ش: وهو بلوغ ذلك الشيء إلى الموضع الذي عينه م: (وارتفاع الخلاف معنى) ش: دون صورة وهو ذهابه في غير الطريق الذي عينه ولكن هذا الخلاف غير معتبر بعد حصول المقصود. [استأجر أرضا ليزرعها حنطة فزرعها رطبة] م: (قال: ومن استأجر أرضا ليزرعها حنطة فزرعها رطبة ضمن ما نقصها) ش: بلا خلاف بين أهل العلم م: (لأن الرطاب أضر بالأرض من الحنطة لانتشار عروقها فيها وكثرة الحاجة إلى سقيها، فكان خلافا إلى شر فيضمن ما نقصها ولا أجر له) ش: أي للمستأجر على المؤجر، لأن الأجر والضمان لا يجتمعان م: (لأنه غاصب للأرض) ش: وعند الشافعي وأحمد رب الأرض مخير بين أخذ الأجر وما نقصت الأرض، وبين أخذ أجر المثل للجميع. وعن أحمد عليه أجر المثل كالغاصب م: (على ما قررناه) ش: إشارة إلى قوله لأن الرطاب أضر بالأرض. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 265 على ما قررناه. ومن دفع إلى خياط ثوبا ليخيطه قميصا بدرهم فخاطه قباء فإن شاء ضمنه قيمة الثوب، وإن شاء أخذ القباء وأعطاه أجر مثله ولا يجاوز به درهما. قيل: معناه القرطق الذي هو ذو طاق واحد؛ لأنه يستعمل استعمال القباء. وقيل هو مجرى على إطلاقه لأنهما يتقاربان في المنفعة، وعن أبي حنيفة أنه يضمن من غير خيار؛ لأن القباء خلاف جنس القميص. وجه الظاهر أنه قميص من وجه؛ لأنه يشد وسطه، وينتفع به انتفاع القميص فجاءت الموافقة والمخالفة   [البناية] [دفع إلى خياط ثوبا ليخيطه قيمصا بدرهم فخاطه قباء] م: (ومن دفع إلى خياط ثوبا ليخيطه قيمصا بدرهم فخاطه قباء فإن شاء ضمنه قيمة الثوب) ش: ويكون القباء للخياط، لأنه ملك الثوب بأداء الضمان م: (وإن شاء أخذ القباء وأعطاه أجر مثله ولا يجاوز به درهما) ش: لأن المنافع عندنا لا تتقوم إلا بالعقد، وليس فيما وراء المسمى عقد كما لو شرط على النساج أن ينسجه صفيقا فحاكه رقيقا، أو على العكس حيث يلزمه أجر مثله لا يجاوز به ما سمى م: (قيل معناه) ش: أي المراد من القباء هو م: (القرطق الذي هو ذو طاق واحد) ش: وهو تعريب - كرته وبك ناهي - والقرطق الذي يلبسه الأتراك مكان القميص، يقال له بالفارسية - بكهتي - وقال الأترازي: وكان سماعنا بفتح الطاء في القرطق، وهكذا كان تصحيح الإمام حافظ الدين الكبير البخاري، ولكن حفظناه في كتاب مقدمة الأدب سماعا عن الثقات بضم الطاء، ولهما وجه؛ لأنه لما كان معربا تلاعبت به الألسنة كما شاءت. قلت: ينبغي أن يكون بالفتح، لأنه تعريب - كرته - كما ذكرنا وهو مفتوح التاء، فلما عربوه قلبوا التاء طاء، ولا يلزم منه تغيير الحركة أيضا فافهم. وفي " المغرب " القرطق ذو طاق واحد. وقال الإمام ظهير الدين: القميص إذا قد من قبل كان قباء طاق، واذا خيط جانباه كان قميصا، وهو المراد من القرطق، كذا في " الحياوتة " م: (لأنه يستعمل استعمال القباء) ش: أي لأن القرطق يستعمل استعمال القباء، لأنه يلبس مثل ما يلبس القباء ويدخل اليدان في الكمين فيه كما في القباء. م: (وقيل: هو مجرى على إطلاقه) ش: أي القباء مجرى على إطلافه من غير أن يأذن أن معناه القرطق م: (لأنهما) ش: أي لأن القميص والقباء م: (يتقاربان في المنفعة) ش: أي في منفعة اللبس من دفع الحر والبرد وستر العورة. م: (وعن أبي حنيفة أنه يضمن من غير خيار) ش: لصاحب الثوب، وهذه الرواية رواها الحسن عن أبي حنيفة وهي قياس قول الثلاثة م: (لأن القباء خلاف جنس القميص) ش: فكان مخالفا من كل وجه، فكان غاصبا من كل وجه، وحكم الغاصب من كل وجه هذا. م: (وجه الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية م: (أنه) ش: أي القباء م: (قميص من وجه، لأنه يشد وسطه وينتفع به انتفاع القميص) ش: من دفع الحر والبرد وستر العورة م: (فجاءت الموافقة والمخالفة) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 266 فيميل إلى أي الجهتين شاء، إلا أنه يجب أجر المثل لقصور جهة الموافقة، ولا يجاوز به الدراهم المسمى كما هو الحكم في سائر الإجارات الفاسدة على ما نبينه في بابه إن شاء الله تعالى. ولو خاطه سراويل وقد أمر بالقباء، قيل: يضمن من غير خيار للتفاوت في المنفعة، والأصح أنه يخير للاتحاد في أصل المنفعة، وصار كما إذا أمر بضرب طست من شبه فضرب منه كوزا فإنه   [البناية] ش: الموافقة من حيث إن القباء يشبه القميص من الوجه المذكور. وأما المخالفة فظاهرة، لأنه أمره قميصا وخاطه قباء م: (فيميل) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فيميل صاحب الثوب م: (إلى أي الجهتين شاء) ش: فإن مال إلى الخلاف ضمنه قيمة ثوبه وترك القباء عليه. وإن مال إلى الوفاق أخذ الثوب وأعطاه أجر مثله، وهو معنى قوله م: (إلا أنه يجب أجر المثل لقصور جهة الموافقة) ش: لأنه ما رضي بهذه الصفة وإنما رضي بتلك الصفة المخصوصة. ألا ترى أنه لو خاطه قميصا مخالفا لما وضعه لم يجب المسمى لفوت وصف يقابله المسمى، فهنا أحق. م: (ولا يجاوز به الدراهم المسمى، كما هو الحكم في سائر الإجارات الفاسدة على ما نبينه في بابه إن شاء الله تعالى) ش: وعند الثلاثة يجب أجر المثل بالغا ما بلغ. ثم اعلم أن هذا كله إذا تصادق على الأمر بخياطة القميص. ولو قال رب الثوب: أمرتك بخياطة القميص. وقال الخياط بل أمرتني بخياطة القباء فالقول لرب الثوب، وبه قال مالك وأحمد وابن أبي ليلى وأبو ثور. وعن أحمد في رواية: القول للخياط. واختلف أصحاب الشافعي، فمنههم من قال: في المسألة قولان كالمذهبين، ومنهم من قال: الصحيح أن القول لرب الثوب. ومنهم من قال: إنهما يتحالفان كالمتبايعين يختلفان في الثمن، فإن أقاما البينة فالبينة بينة الخياط. وإن اختلفا في الأجر فالقول للمالك لأنه منكر الزيادة، والبينة بينة الخياط، لأنها تثبت الزيادة. م: (ولو خاطه سراويل وقد أمر بالقباء) ش: أي والحال أنه قد أمر بخياطة القباء م: (قيل يضمن من غير خيار للتفاوت في المنفعة) ش: وبه قالت الثلاثة م: (والأصح أنه يخير) ش: إن شاء ضمن الخياط قيمة الثوب ولا أجر عليه. وإن شاء أخذ المخيط وأعطاه أجر مثله ولا يجاوز به المسمى م: (للاتحاد في أصل المنفعة) ش: أي منفعة اللبس وستر العورة م: (وصار) ش: أي حكم هذه المسألة م: (كما إذا أمر بضرب طست من شبه) ش: بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة وهو ضرب من النحاس. قال أبو عمر: والطست والطستة والطس لغات في الطست والجمع طسوس وطساس وطسس وطسات، قال [ .... ] عن أبي عبيد: الطست معربة م: (فضرب منه كوزا فإنه) ش: أي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 267 يخير، كذا هذا.   [البناية] فإن الأمر م: (يخير) ش: بين أن يأخذ الكوز وإعطاءه أجر مثله، وبين أن يضمن المأمور قيمة الشبه ولا أجر عليه م: (كذا هذا) ش: أي فيما إذا خاطه سراويل وقد أمر بالقباء. وقال شمس الأئمة البيهقي في " الكفاية ": قالوا: لو قطعه سراويل لم يجب له أجره إلا أن الرواية تخالف هذا. وقال في " الإيضاح ": كانوا يقولون لو قطعه سراويل لم يجب له أجر من المنفعة فلم يوجد المعقود عليه. قال: والرواية تخالف هذا، فإنه روي عن محمد أنه لو دفع شبها إلى رجل ليُضرب له طست إلى آخر ما ذكره المصنف. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 268 باب الإجارة الفاسدة قال: الإجارة تفسدها الشروط كما تفسد البيع؛ لأنه بمنزلته، ألا ترى أنه عقد يقال ويفسخ، والواجب في الإجارة الفاسدة أجر المثل لا يجاوز به المسمى.   [البناية] [باب الإجارة الفاسدة] م: (باب الإجارة الفاسدة) ش: عقبها بالصحيحة لأنها تأخذ الحكم منها، وتأخيرها عن الصحيحة إيقاعها في حكمها. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (الإجارة تفسدها الشروط) ش: المخالفة لمقتضى العقد كما لو استأجر رحى ماء على أنه إن انقطع ماؤه فالأجر عليه، وكذا لو اشترط تطيين الدار ومرمتها أو تعليق باب عليها أو إدخال جذع في سقفها على المستأجر. وكذلك اشتراط كرى نهر في الأرض أو ضرب مسنات عليها أو حفر بئر فيها أو أن تصرفها على المستأجر لأنه جعل هذه الأعمال من جملة الأجر وإنها مجهولة غير معلومة، وجهالة بعض الأجر توجب جهالة الباقي فتفسد به الإجارة م: (كما تفسد البيع لأنه) ش: أي لأن الإجارة والتذكير باعتبار العقد م: (بمنزلته) ش: أي بمنزلة البيع. م: (ألا ترى أنه عقد يقال ويفسخ) ش: كما أن البيع كذلك، وقوله: يقال من الإقالة لا من القول، فإذا كانت مثل القول تفسد بالشروط؛ لأنها مبنية على المضايقة والمماكسة، فالاشتراط يكون مفضيا إلى المنازعة كالبيع، ألا ترى أن النكاح لا يفسد بالشروط لما أنه بني على المسامحة، وأراد بالشروط شروطا لا يقتضيها العقد لا كل شرط كما في البيع. ولهذا لو استأجر دابة إلى بغداد بشرط أن يعطيه الأجرة إذا رجع من بغداد صح وليس له المطالبة بالأجر إلى أن يرجع، إلا إذا مات ببغداد فحينئذ له أن يأخذ أجر الذهاب، وكذا لو استأجر رجلا ليعمل له هذا العمل بدرهم وشرط عليه أن يفرغ منه اليوم جاز بالاتفاق. بخلاف ما لو استأجر ليعمل هذا العمل اليوم عند أبي حنيفة، كذا في " الفتاوى الصغرى ". [الواجب في الإجارة الفاسدة] م: (والواجب في الإجارة الفاسدة أجر المثل لا يجاوز به المسمى) ش: هذا إذا كان فساد الإجارة بسبب شرط فاسد، لا باعتبار جهالة المسمى ولا باعتبار عدم التسمية، لأنه لو كان باعتبار واحد منها يجب الأجر بلغ ما بلغ، ذكره في " المغني " و " الذخيرة " و " فتاوى قاضي خان ". وقال تاج الشريعة: قوله لا يجاوز به المسمى، أي إلا إذا كان المسمى مجهولا نحو ما إذا استأجره على دابة أو ثوب أو أجر منه دارا ليسكنها بعشرة على أن يعمرها ويؤدي نوابها، فإنه ثمة يجب أجر المثل بالغا ما بلغ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 269 وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: يجب بالغا ما بلغ اعتبارا ببيع الأعيان. ولنا أن المنافع لا تتقوم بنفسها بل بالعقد لحاجة الناس إليها فيكتفى بالضرورة في الصحيح منها، إلا أن الفاسد تبع له فيعتبر ما يجعل بدلا في الصحيح عادة لكنهما إذا اتفقا على مقدار في الفاسد فقد أسقطا الزيادة، وإذا نقص أجر المثل لم يجب زيادة المسمى لفساد التسمية، بخلاف البيع   [البناية] م: (وقال زفر والشافعي -رحمهما الله - يجب بالغا ما بلغ) ش: أي يجب أجر المثل حال كونه بالغ ما بلغ. وقوله ما بلغ مفعول بالغا، وبه قال مالك وأحمد م: (اعتبارا ببيع الأعيان) ش: أي معتبرين اعتبارا بيع المنافع ببيع الأعيان، فإن البيع إذا فسد وجبت القيمة بالغة ما بلغت، وهذا بناء على أن المنافع عندهم كالأعيان. م: (ولنا أن المنافع لا تتقوم بنفسها) ش: لأن التقويم يستدعي الإحراز وما لا يبقى كيف يحرز م: (بل بالعقد) ش: أي بل يتقوم بالعقد، يعني صارت متقومة شرعا بالعقد م: (لحاجة الناس إليها) ش: أي لأجل حاجة الناس إلى الإجارة التي هي بيع المنافع. حاصل الكلام أن المنافع أغراض لإبقائها، فكما توجد تتلاشى، ولا قيمة لها، ولكنها تقومت بعقد الإجارة لضرورة دفع الحاجة عن الناس، والثابت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة وهو معنى قوله م: (فيكتفى بالضرورة في الصحيح منها) ش: يعني إذا كان الأمر كذلك يكتفى بالضرورة في العقد الصحيح من الإجارة لأن الضرورة تتقدر بقدر الضرورة وهي تندفع بالإجارة الصحيحة، فيكتفى بها. م: (إلا أن الفاسد تبع له) ش: هذا جواب عما يقال ينبغي أن لا يجب أجر المثل في الفاسد لعدم الضرورة. فأجاب بأن الفاسد تبع للصحيح فيثبت فيه ما يثبت في الصحيح باعتبار أنه تبعه، والاعتبار للأصل لا للتبع، فصار كأنه لا وجود للفاسد م: (فيعتبر ما يجعل بدلا في الصحيح عادة) ش: هذا من تتمة الجواب، أي يعتبر في الإجارة الفاسدة ما يجعل به لا في العقد الصحيح عادة، وهو قدر أجر المثل م: (لكنهما إذا اتفقا على مقدار في الفاسد فقد أسقطا الزيادة) ش: هذا أيضا جواب عما يقال ينبغي على ما ذكرتم أن يجب أجر المثل بالغا ما بلغ، فأجاب بقوله لكنهما، أي لكن المتعاقدين إذا اتفقا على مقدار معين في العقد الفاسد فقد أسقط الزيادة على المقدار المعين لتراضيهما بالتسمية على ذلك. [الحكم لو نقص أجر المثل في الإجارة] م: (وإذا نقص أجر المثل لم يجب زيادة المسمى لفساد التسمية) ش: هذا أيضا جواب عما يقال لما سقطت الزيادة في الفاسدة باتفاقهما على مقدار كان ينبغي أن يجب الأجر المسمى بالغا ما بلغ. فأجاب بقوله: وإذا نقص أجر المثل عن المسمى لم تجب الزيادة على المسمى لأجل فساد التسمية، واستقر الواجب على ما هو الأقل من أجر المثل والمسمى. م: (بخلاف البيع) ش: جواب أيضا عما يقال ينبغي أن لا يعتبر تراضيهما في سقوط الزيادة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 270 لأن العين متقوم في نفسه وهو الموجب الأصلي، فإن صحت التسمية انتقل عنه وإلا فلا. ومن استأجر دارا كل شهر بدرهم فالعقد صحيح في شهر واحد فاسد في بقية الشهور، إلا أن يسمي جملة شهور معلومة؛ لأن الأصل أن كلمة كل إذا دخلت فيما لا نهاية له تنصرف إلى الواحد لتعذر العمل بالعموم، فكان الشهر الواحد معلوما فصح العقد فيه.   [البناية] كما في البيع الفاسد، فأجاب بقوله بخلاف البيع م: (لأن العين متقوم في نفسه) ش: يعني بالأصالة بلا ضرورة م: (وهو الموجب الأصلي) ش: أي القيمة هو الموجب الأصلي، وذكر الضمير لتذكير الخبر. م: (فإن صحت التسمية) ش: في البيع م: (انتقل عنه) ش: أي عن الموجب الأصلي الذي هو القيمة إلى المسمى لصحة التسمية، والضمير في انتقل يرجع إلى الواجب الذي دل عليه قوله هو الموجب الأصلي، وهو أقرب من قول الكاكي انتقل إلى التسمية على تأويل ذكر التسمية، وكذا من قول الأترازي أي انتقل البدل عن الموجب الأصلي إلى المسمى م: (وإلا فلا) ش: أي وإن لم تصح التسمية فلا ينتقل الواجب على الموجب الأصلي الذي هو القيمة. وفي " شرح الطحاوي ": في الإجارة الفاسدة لا يجب الأجر إذا لم ينتفع بها عندنا وأحمد، وعند الشافعي ومالك يجب أجر المثل بالتمكن ومن الاستيفاء كالصحيح. ولو استأجر شيئا ثم أجره قبل قبضه لا يجوز بلا خلاف. وقيل: يجوز في العقار عند أبي حنيفة. وإن أجره بعد القبض يجوز بلا خلاف. فلو كانت أجرة الثانية أكثر لا يطيب له الفضل عندنا والثوري والشعبي والنخعي وابن المسيب وأحمد في رواية. وقال الشافعي وأحمد في آخره وأبو ثور وعطاء والحسن والزهري: يطيب له. [حكم من استأجر دارا كل شهر بدرهم] م: (ومن استأجر دارا كل شهر بدرهم فالعقد صحيح في شهر واحد فاسد في بقية الشهور إلا أن يسمي جملة شهور معلومة) ش: بأن يقول عشرة أشهر كل شهر بدرهم، وبه قال الشافعي في الأجل. واختاره الإصطخري وأحمد وقال الشافعي في الأصح: الإجارة باطلة. وقال مالك: الإجارة صحيحة، وكلما مضى شهر استحق الأجرة؛ لأن الإجارة لا تكون لازمة عنده، لأن المنافع مقدرة بتقدير الأجر فلا يحتاج إلى ذكر المدة. م: (لأن الأصل أن كلمة كل إذا دخلت فيما لا نهاية له تنصرف إلى الواحد لتعذر العمل بالعموم) ش: لأن جملة الشهور مجهولة والبعض منها غير محصور، وترجيح البعض من الشهور المتوسط بين الأدنى والجمع ترجيح بلا مرجح، والواحد منها معلوم متيقن فيصح العقد فيه وهو معنى قوله: م: (فكان الشهر الواحد معلوما فصح العقد فيه) ش: أي في الشهر الواحد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 271 وإذا تم كان لكل واحد منهما أن ينقض الإجارة لانتهاء العقد الصحيح. فلو سمى جملة شهور معلومة جاز؛ لأن المدة صارت معلومة. قال: فإن سكن ساعة من الشهر الثاني صح العقد فيه، وليس للمؤاجر أن يخرجه إلى أن ينقضي، وكذلك كل شهر يسكن في أوله؛ لأنه تم العقد بتراضيهما بالسكنى في الشهر الثاني، إلا أن الذي ذكره في الكتاب هو القياس وقد مال إليه بعض المشايخ، وظاهر الرواية أنه يبقى الخيار لكل واحد منهما في الليلة الأولى من الشهر الثاني ويومها؛ لأن في اعتبار الأول بعض الحرج.   [البناية] فإن قيل: إذا كان العقد فاسدا في بقية الشهور لكان الفسخ جائزا في الحال. أجيب: بأن الإجارة من العقود المضافة وانعقاد الإجارة في أول الشهر فقبل الانعقاد وكيف يفسخ. م: (وإذا تم) ش: أي الشهر م: (كان لكل واحد منهما أن ينقض الإجارة لانتهاء العقد الصحيح) ش: الذي كان في شهر واحد. ثم إذا فسخ أحدهما الإجارة من غير محضر الأخير هل يصح؟ قال بعض المشايخ على قول أبي يوسف: يصح، وعلى قولهما لا يصح. وقال بعضهم: لا يصح إلا بحضرة صاحبه بالاتفاق كذا في " الذخيرة " م: (فلو سمى جملة شهور معلومة جاز، لأن المدة صارت معلومة) ش: فارتفعت الجهالة، ويجوز في معلومة الأولى الوجهان النصب على الحال من الشهور، والجر على الوصفية. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن سكن ساعة من الشهر الثاني صح العقد فيه) ش: لأن التراضي منهما جرى مجرى ابتداء العقد كالبيع بالتعاطي، وبه قال أحمد خلافا للشافعي م: (وليس للمؤاجر أن يخرجه إلى أن ينقضي) ش: أي الشهر، والكلام في المؤاجر قد مر مرة. م: (وكذلك كل شهر يسكن في أوله، لأنه تم العقد بتراضيهما بالسكنى في الشهر الثاني) ش: أي كذلك يصح العقد في كل شهر يسكن في أوله ويتم أجرا م: (إلا أن الذي ذكره في الكتاب) ش: أي القدوري م: (هو القياس، وقد مال إليه بعض المشايخ) ش: من المتأخرين، لأن رأس كل شهر في الحقيقة هو الساعة التي يهل فيها الهلال فإذا هل مضى رأس الشهر فلا يمكن الفسخ. م: (وظاهر الرواية أن يبقى الخيار لكل واحد منهما في الليلة الأولى من الشهر الثاني ويومها، لأن في اعتبار الأول بعض الحرج) ش: لأن رأس الشهر في العرف هو الليلة الأولى ويومها، فيبقى الخيار فيها اعتبارا للعرف. واعلم أن مشايخنا قد اختلفوا في وقت الفسخ بعد تمام الشهر قال بعضهم: لكل واحد منهما حق الفسخ حين يتم الشهر الأول، أعني حين يهل الهلال حتى إذا سكن من الشهر الثاني الجزء: 10 ¦ الصفحة: 272 وإن استأجر دارا سنة بعشرة دراهم جاز، وإن لم يبين قسط كل شهر من الأجرة؛ لأن المدة معلومة بدون التقسيم، فصار كإجارة شهر واحد فإنه جائز، وإن لم يبين قسط كل يوم. ثم يعتبر ابتداء المدة مما سمى، وإن لم يسم شيئا فهو من الوقت الذي استأجره؛ لأن الأوقات كلها في حق   [البناية] ساعة لا يبقى حق الفسخ بعد ذلك، وإليه ذهب القدوري وبعض مشايخنا. وقال الصدر الشهيد في " الواقعات " في باب الإجارة الجائزة بعلامة السين، والصحيح أن يفسخ في الليلة الأولى واليوم الأول من الشهر الثاني والثالث، فإن خيار الفسخ إنما يثبت له في أول شهر، وأول الشهر هذا. وقال بعض مشايخنا: له الفسخ في الليلة الأولى ويومها، واختاره صاحب " الهداية ". وفي " الذخيرة " قيل: لم يرد محمد بقوله لكل منهما أن ينقض الإجارة رأس الشهر من حيث الحقيقة، بل مراده رأس الشهر عرفا وعادة هو الليلة التي يهل فيها مع يومها، كما قال محمد في كتاب " الأيمان ": حلف ليقضين حقه رأس الشهر فقضاه في الليلة التي يهل فيها لم يحنث استحسانا، وقيل: طريق فسخه أن يقول الفاسخ قبل مجيء الشهر: فسخت الإجارة رأس الشهر فتفسخ الإجارة إذا هل، إذا عقد الإجارة مضافا يصح، وكذا فسخه. وذكر الحاكم أحمد السمرقندي في شروطه في هذه المسألة: لو أعجل أجرة شهرين أو ثلاثة وقبض الأجر ذلك ليس في أحدهما الفسخ في قدر ما عجل به. إذ التعجيل دلالة العقد فيما عجل. ثم إذا فسخ أحدهما الإجارة من غير محضر صاحبه هل يصح؟ من مشايخنا من قال: إنه على الخلاف على قول أبي حنيفة ومحمد لا يصح. وعلى قول أبي يوسف يصح، ومنهم من قال: لا يصح الفسخ هنا إلا بمحضر من صاحبه بلا خلاف، كذا في " الذخيرة ". م: (وإن استأجر دارا سنة بعشرة دراهم جاز، وإن لم يبين قسط كل شهر من الأجرة، لأن المدة معلومة بدون التقسيم فصار كإجارة شهر واحد، فإنه جائز وإن لم يبين قسط كل يوم) ش: هاتان مسألتان لا يعلم فيهما خلاف، كذا قال الكاكي. قيل: قال القدوري في شرحه لمختصر الكرخي: وقال الشافعي: على القول الذي يجوز الإجارة أكثر من سنة لا يجوز حتى يبين حصة كل سنة. قلت: هذا الخلاف فيما إذا أجر داره سنين معلومة، فإنه يصح عندنا وإن لم يذكر قسط كل سنة م: (ثم يعتبر ابتداء المدة مما سمى) ش: أي من الوقت الذي سمى بأن يقول من شهر رجب من هذه السنة مثلا. م: (وإن لم يسم شيئا فهو من الوقت الذي استأجره، لأن الأوقات كلها في حق الجزء: 10 ¦ الصفحة: 273 الإجارة على السواء فأشبه اليمين، بخلاف الصوم؛ لأن الليالي ليست بمحل له. ثم إن كان العقد حين يهل الهلال فشهور السنة كلها بالأهلة لأنها هي الأصل. وإن كان في أثناء الشهر فالكل بالأيام عند أبي حنيفة - رحمه الله - وهو رواية عن أبي   [البناية] الإجارة على السواء) ش: لذكر الشهر منكور، وفي مثله بيقين الزمان الذي يتعقب السبب م: (فأشبه اليمين) ش: كما إذا حلف لا يكلم فلانا شهرا تعين الشهر الذي وجد منه اليمين فيه، لأن الظاهر من حال العاقد أن يقصد صحة العقد، وصحته بذلك لتعينه لعدم المزاحم م: (بخلاف الصوم) ش: حيث لا يتعين الشهر الذي يعقب نذره فيما إذا نذر أن يصوم شهرا ما لم يعينه، لأن الأوقات كلها ليست فيه على السواء م: (لأن الليالي ليست بمحل له) ش: يوضحه أن الشروع في الصوم لا يكون إلا بعزيمة منه، وربما لا يقترن ذلك بالسبب. م: (ثم إن كان العقد حين يُهَل الهلال) ش: بضم الياء وفتح الهاء على بناء المفعول أي حين يبصر الهلال، أراد به اليوم الأول من الشهر، كذا قاله الكاكي. وقال الأترازي يجوز على صيغة المبني للفاعل، وعلى صيغة المبني للمفعول جميعا، قال في الجوهرة: هلَّ الهلال وأهل، ودفع الأصمعي هل وقال: لا يقال إلا أهل وأهللنا نحن إذا رأينا الهلال، وأجاز أبو زيد أهل الهلال. وفسر بعضهم في شرحه قوله حين يهل الهلال بقوله: أراد به اليوم الأول من الشهر، وفيه نظر، لأنه ليس حين يهل الهلال بل هو أول الليلة الأولى من الشهر وهذا لأنه للمنافاة بين الإجارة والأوقات بل الأيام والليالي فيها سواء فلا حاجة إلى اعتبار المدة من أول أيام الشهر، بل يعتبر من أول الشهر وهو ما قلنا. قلت: قال السغناقي: أهل الهلال على ما لم يسم فاعله ولم يقل غير هذا، وكفى به حجة، وكذانص عليه تاج الشريعة في شرحه. م: (فشهور السنة كلها بالأهلة؛ لأنها) ش: أي لأن الأهلة م: (هي الأصل) ش: في الشهور العربية، فمهما كان العمل به ممكنا لا يصار إلى غيره، قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 189] (البقرة: الآية 189) ، والأيام بدل عن الأهلة، وإنما يصار إلى البدل إذا تعذر اعتبار الأصل، وهاهنا ممكن فكان له أن يسكنها إلى أن يهل الهلال من الشهر الداخل. م: (وإن كان) ش: أي العقد م: (في أثناء الشهر) ش: بأن وقعت الإجارة في نصف الشهر أو بعد مضي أيام م: (فالكل بالأيام عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فيكون ثلاثمائة وستين يوما. وبه قال الشافعي في قول وأحمد في رواية م: (وهو) ش: أي قول أبي حنيفة م: (رواية عن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 274 يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأول بالأيام والباقي بالأهلة؛ لأن الأيام يصار إليها ضرورة، وهي في الأول منها. وله أنه متى تم الأول بالأيام ابتدأ الثاني بالأيام ضرورة وهكذا إلى آخر السنة، ونظيره العدة، وقد مر في الطلاق قال: ويجوز أخذ أجرة الحمام والحجام،   [البناية] أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأول) ش: أي الشهر الأول م: (بالأيام والباقي بالأهلة) ش: فيكون أحد عشر شهرا بالهلال وشهرا بالأيام، يكمل ما بقي من الشهر الأول من الشهر الأخير. م: (لأن الأيام يصار إليها ضرورة وهي) ش: أي الضرورة إلى اعتبار الشهر بالأيام م: (في الأول منها) ش: أي في الشهر الأول من الشهور دون الباقي فلا يتعدى إلى غيره، وبه قال الشافعي في قول وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. م: (وله أنه) ش: أي ولأبي حنيفة أن الشأن م: (متى تم الأول بالأيام) ش: أي متى تم الشهر الأول بالأيام بالشهر الذي يليه م: (ابتدأ الثاني بالأيام ضرورة) ش: أي ابتدأ الشهر الثاني بالأيام أيضا ضرورة تكميله، لأنه سمي شهرا وتمامه لا يكون إلا ببعض الثاني. م: (وهكذا إلى آخر السنة) ش: أي هكذا يكون الحكم في الشهر الثالث والرابع إلى آخر السنة، فحينئذ يجب اعتبار العدد دون الأهلة ضرورة م: (ونظيره العدة) ش: أي نظير هذا الاختلاف مسألة العدة من حيث الاعتبار بالشهور أو بالعدد م: (وقد مر في الطلاق) ش: أي في أول كتاب الطلاق من الكتاب. قال السغناقي: هذا حوالة غير رابحة مثل هذا الاختلاف لم يرد في الطلاق وما يتعلق به. قال الإمام المحقق برهان السمرقندي متعقبا ما قاله المصنف: غلط صاحب النهاية، فإن الحوالة رابحة، لأنه ذكر في أول كتاب الطلاق: ثم إن كان الطلاق في أول الشهر بقية الشهور بالأهلة - إلى قوله: وفي حق العدة كذلك عند أبي حنيفة .... إلى آخره. [أجرة الحمام والحجام] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجوز أخذ أجرة الحمام والحجام) ش: خصهما بالذكر لأن لبعض الناس فيه خلافا. وفي " المبسوط " كره بعض العلماء غلة الحجام والحمام، أخذا بظاهر الحديث وقالوا: الحمام بيت الشياطين، وسماه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شر بيت، فإنه تكشف فيه العورات وتصب فيه الغسالات والنجاسات. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 275 فأما الحمام فلتعارف الناس ولم يعتبر الجهالة لإجماع المسلمين، قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» وأما الحجام فلما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - احتجم وأعطى الحجام الأجرة. ولأنه   [البناية] ومنهم من فصل بين حمام الرجال وحمام النساء، فقالوا: يكره اتخاذ حمام النساء. وقال القاضي الحنبلي عن أحمد أنه لا يباح أجر الحجام، وممن كره كسبه عثمان وأبو هريرة والحسن والنخغي لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كسب الحجام خبيث» رواه مسلم. م: (فأما الحمام فلتعارف الناس) ش: يعني لجريان العرف بذلك بين الناس خصوصا في ديار الترك م: (ولم يعتبر الجهالة لإجماع المسلمين) ش: هذا إشارة إلى جواب الاستحسان، لأن القياس عدم الجواز للجهالة، فقال: فلم يعتبر الجهالة لإجماع المسلمين على ذلك م: (قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» ش: ذكر هذا دليلا على أن المسلمين إذا أجمعوا على أمر يكون هذا مقبولا، لأن كل ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن. ولكن رفع هذا الحديث إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير صحيح، وإنما هو موقوف على ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه أحمد في " مسنده " حدثنا أبو بكر بن عياش حدثنا عاصم عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «إن الله نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيئ» . ورواه البزار في " مسنده " والبيهقي في " المدخل "، ورواه أيضا أبو داود الطيالسي في " مسنده " حدثنا المسعودي عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله فذكره، إلا أنه قال عوض سيئ: قبيح. ومن طريقه رواه أبو نعيم في " الحلية " في ترجمة ابن مسعود والبيهقي في كتاب " الاعتقاد "، والطبراني في " معجمه ". قال ابن عبد الهادي في الكلام على أحاديث " المختصر ": وقد أخطأ بعضهم فرفعه، ثم قال: وقد روي مرفوعا من حديث أنس لكن إسناده ساقط. م: (وأما الحجام فلما روي «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - احتجم وأعطى الحجام الأجرة» ش: أخرج البخاري ومسلم عن طاووس عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتجم وأعطى الحجام أجره» . زاد البخاري في لفظه: ولو كان حراما لم يعطه. وفي لفظ: ولو علم كراهيته لم يعطه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 276 استئجار على عمل معلوم بأجر معلوم فيقع جائزا. قال: ولا يجوز أخذ أجرة عسب التيس، وهو أن يؤاجر فحلا لينزو على الإناث لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن من السحت عسب التيس» ، والمراد أخذ الأجرة عليه. قال: ولا الاستئجار على الأذان والحج   [البناية] ولمسلم: ولو كان سحتا لم يعطه. والأحاديث التي وردت في تحريمه منسوخة م: (ولأنه) ش: أي ولأن الاستحجام م: (استئجار على عمل معلوم بأجر معلوم فيقع جائزا) ش: كما في سائر الإجارات الصحيحة. [أخذ أجرة عسب التيس] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يجوز أخذ أجرة عسب التيس، وهو أن يؤاجر فحلا لينزو على الإناث) ش: عسب الفحل ضرابه، يقال: عسب الفحل الناقة يعسبها عسبا من باب فعَل يفعِل بالفتح في الماضي والكسر في الغابر وفسره المصنف بقوله: وهو ... إلى آخره، وهذا بلا خلاف بين الأئمة الأربعة. وخرج أبو المطالب الحنبلي وبعض أصحاب الشافعي وجهين في جوازه، لأنه انتفاع مباح. والحاجة تدعو إليه فيجوز كإجارة الظئر للإرضاع، والبئر للاستقاء. وحجة الجمهور الحديث، أشار إليه بقوله م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إن من السحت عسب التيس» ش: الحديث صحيح ولكن بغير هذا اللفظ، أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي عن علي بن الحكم عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نهى عن عسب الفحل» ووهم الحاكم حيث قال بعد إخراجه أنه على شرط البخاري ولم يخرجاه. وأعجب منه زكي الدين المنذري عزاه في " مختصره " للترمذي والنسائي ولم يعزه للبخاري. وأخرج البزار في مسنده عن أشعث بن سوار عن ابن سيرين عن أبي هريرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ثمن الكلب وعسب التيس» . وعزاه عبد الحق للنسائي وليس في سننه م: (والمراد أخذ الأجرة عليه) ش: أشار به إلى تفسير الحديث، لأن نفس العسب ليس من السحت، وإنما المراد أخذ الأجر عليه فالمضاف محذوف تقديره: إن من السحت كري عسب التيس. [الاستئجار على الطاعات كالأذان والحج ونحوها] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا الاستئجار على الأذان والحج) ش: أي ولا يجوز، وبه قال أحمد وهو قول عطاء والضحاك والزهري والحسن وابن سيرين وطاووس والنخعي والشعبي. وفي حاوي الحنابلة: ولا يصح الاستئجار على الأذان والإقامة والإمامة وتعليم القرآن والفقه والنيابة في الحج. وعنه يصح ويباح أجره. كما لو أجره أعطي لذلك شيئا بلا شرط، نص عليه كالرزق من بيت المال لمن نفعه منهم متعد وكالرقبة، وقيل: يجوز تعليم الفقه والحديث والفرائض فقط، ويجوز إجارة كتب العلم المباح للقراءة والنسخ، وفي صحة إجارة المصحف وجهان، ويباح نسخه بأجرة، انتهى. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 277 وكذا الإمامة وتعليم القرآن والفقه والأصل أن كل طاعة يختص بها المسلم لا يجوز الاستئجار عليه عندنا، وعند الشافعي يصح في كل ما لا يتعين على الأجير؛ لأنه استئجار على عمل معلوم غير متعين عليه فيجوز. ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «اقرءوا القرآن ولا تأكلوا به»   [البناية] م: (وكذا الإمامة وتعليم القرآن والفقه) ش: أي وكذا لا يجوز. قال الأترازي: خلافا للشافعي وقال الحاكم في " الكافي ": ولا يجوز أن يستأجر رجل رجلا أن يعلم ولدا القرآن والفقه والفرائض، أو يؤمهم في رمضان، أو يؤذن، وفي " خلاصة الفتاوى " ناقلا عن الأصل: لا يجوز الاستئجار على الطاعات كتعليم القرآن والفقه والأذان والتذكير والتدريس والحج والقر ويعني الأجر. وعند أهل المدينة يجوز وبه أخذ الشافعي وعصام وأبو نصر والفقيه أبو الليث، ثم قال وكذا لا يجوز. وفي الخلاصة الحيلة أن يستأجر المعلم مدة معلومة ثم يأمره بالتعليم، قيد بالفقه لأنه يجوز الاستئجار لأجل قراءة العلوم الأدبية كاللغة والنحو والتصريف ونحوها والعلوم الحكمية كالطب والمعقول ونحوهما. م: (والأصل) ش: أي الأصل الذي بني عليه حرمة الاستئجار على هذه الأشياء م: (أن كل طاعة يختص بها المسلم لا يجوز الاستئجار عليها عندنا) ش: لأن هذه الأشياء قربة تقع على العامل، قال الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] (النجم: الآية 39) ، فلا يجوز أخذ الأجرة من غيره كالصوم والصلاة، قيد بقوله: " يختص بها المسلم " يعني تختص بملة الإسلام، لأنه إذا لم يختص يجوز كما إذا استأجر مسلم ذميا على تعليم التوراة يجوز؛ لأن تعليمها لا يختص بملة الإسلام. م: (وعند الشافعي يصح في كل ما لا يتعين على الأجير، لأنه استئجار على عمل معلوم غير متعين عليه فيجوز. ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اقرءوا القرآن ولا تأكلوا به» ش: وبه قال مالك وأحمد في رواية وأبو ثور وأبو قلابة، قيد بقوله ما لا يتعين، فإنه أخرج هذا الحديث أحمد في مسنده أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن هشام الدستوائي حدثني يحيى بن أبي كثير عن أبي راشد الحبراني قال: قال عبد الرحمن بن شبل سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «اقرؤوا القرآن ولا تأكلوا به، ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه، ولا تستكثروا به» ورواه إسحاق بن راهويه وابن أبي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 278 وفي آخر ما عهد رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلى عثمان بن أبي العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «وأن اتخذ مؤذنا لا يأخذ على الأذان أجرا» :   [البناية] شيبة في مصنفه، وعبد الرزاق في مصنفه، ومن طريق عبد الرزاق رواه عبد بن حميد وأبو يعلي الموصلي والطبراني. وروي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. أما حديث عبد الرحمن بن عوف فأخرجه البزار في مسنده عن حماد بن يحيى عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن عوف مرفوعا نحوه سواء. وأما حديث أبي هريرة: فأخرجه ابن عدي في الكامل عن الضحاك بن نبراس البصري عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه. وأسند عن ابن معين أنه قال في الضحاك بن نبراس هذا: ليس بشيء. وعن النسائي قال: متروك الحديث. قوله: «ولا تأكلوا به» أي: بالقران مثل أن يستأجر رجلا يقرأ على رأس قبر، قيل: هذه القراءة لا يستحق بها الثواب لا للميت ولا للقارئ، قاله تاج الشريعة. م: (وفي آخر ما عهد رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلى عثمان بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «وأن اتخذ مؤذنا لا يأخذ على الأذان أجرا» ش: هذا الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة بطرق مختلفة وأبو داود والنسائي عن حماد بن سلمة عن سعيد الجريري عن أبي العلاء عن مطرف بن عبد الله عن عثمان بن أبي العاص قال: قلت: «يا رسول الله اجعلني إمام قومي، قال: " أنت إمامهم، واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا» وكذلك رواه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك وقال: على شرط مسلم. وأخرجه الترمذي وابن ماجه عن أشعث بن سوار عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال: «إن من آخر ما عهد إلي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا» قال الترمذي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 279 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] حديث حسن. وأخرج البخاري في تاريخه عن شبابة بن سوار حدثني المغيرة بن مسلم عن سعيد بن طهمان القطيعي عن مغيرة بن شعبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «قلت: يا رسول الله اجعلني إمام قومي، قال: " قد فعلت " ثم قال: " صل بصلاة أضعف القوم ولا تتخذ مؤذنا يأخذ على الأذان أجرا» قوله: عهد معناه أوصى يقال عهدت أي أوصيت. قال الله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} [يس: 60] (يس: الآية 60) و {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124] (البقرة: الآية 124) . فإن قلت: استدل الشافعي بأنه «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - زوج رجلا بما معه من القرآن» متفق عليه. وبقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله» حديث حسن صحيح. وبما روي من حديث أبي سعيد الخدري قال: «بعثنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة وأتينا على رجل لديغ في جبهته فداووه فلم ينفعه شيء فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذي نزلوا بكم لعله يكون عندهم شيء ينفع فأتونا فقالوا أيها الرهط، إن سيدنا لديغ، فابتغينا له كل شيء فلم ينفعه، فهل عندكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، لا نأتي حتى تجعلوا لنا جعلا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق فجعل يتفل عليه ويقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] فكأنما نشط من عقال، فقام يمشي فآتوهم جعلهم فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتذكروا له الذي كان فننظر ما يأمرنا به فدخلوا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكروا له ذلك فقال: (قد أصبتم اقتسموا واضربوا لي معكم بسهم» قلت: الجواب عن الأول ليس فيه تصريح بأن التعليم صداق، إنما قال: «زوجتكها بما معك من القرآن» فيحتمل أنه زوجها إياه بغير صداق إكراما له وتعظيما للقرآن كما روى أنس «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - زوج أم سليم أبا طلحة على إسلامه» . وسكت عن المهر، لأنه معلوم أنه لا بد منه؛ لأن الفروج لا تستباح إلا بالأموال لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] ولذكره تعالى في النكاح الطول وهو المال، والقرآن ليس بمال. ويجوز أن تكون الباء مكان اللام، أي لما معك من القرآن؛ لأن ذلك سبب للاجتماع بينهما، ولعل المرأة وهبت مهرها له باعتبار ذلك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 280 ولأن القربة متى حصلت وقعت على العامل ولهذا تعتبر أهليته، فلا يجوز له أخذ الأجر من غيره كما في الصوم والصلاة، ولأن التعليم مما لا يقدر المعلم عليه إلا بمعنى من قبل المتعلم، فيكون ملتزما ما لا يقدر على تسليمه فلا يصح. وبعض مشايخنا استحسنوا الاستئجار على تعليم القرآن الكريم اليوم؛ لأنه ظهر التواني في الأمور الدينية، ففي الامتناع تضييع حفظ القرآن   [البناية] وعن الثاني المراد منه الجعالة في الرقية، لأن ذكر ذلك في سياق حديث الرقية وهو حديث الذي ذكرناه آنفا عن أبي سعيد الخدري. والرقية نوع مداواة، والمأخوذ عليه جعل، والمداواة يباح أخذ الأجر عليها، وبهذا أخرج الجواب عن الحديث الثالث وقال ابن الجوزي: قد أجاب أصحابنا عن هذين الحديثين بثلاثة أجوبة: أحدها: أن القوم كانوا كفارا فجاز أخذ أموالهم. والثاني: أن حق التضييف واجب ولم يضيفوهم. والثالث: أن الرقية ليست بقربة محضة فجاز أخذ الأجرة عليها. وقال القرطبي في شرح مسلم: ولا نسلم أن جواز الأجر في الرقى يدل على جواز التعليم بالأجر، والحديث إنما هو في الرقية. م: (ولأن القربة متى حصلت وقعت عن العامل ولهذا تعتبر أهليته) ش: أي أهلية العامل ويشترط نيته لا نية الآمر، ولو انتقل فعل المأمور إلي الآمر بشرط أهليته ونيته كما في الزكاة حتى لو كان المأمور كافرا يصح أداء الزكاة، لأن المؤدي هو الأمري هنا بخلافه م: (فلا يجوز له أخذ الأجر من غيره كما في الصوم والصلاة) ش: أي كما لا يجوز الاستئجار وأخذ الأجر في الصوم والصلاة بلا خلاف. م: (ولأن التعليم مما لا يقدر المعلم عليه) ش: بكسر اللام، عليه أي على التعليم م: (إلا بمعنى من قبل المتعلم) ش: لأن المعلم يلقن الصبي وهو يتلقن بفهمه الثاقب ويتعلم بذهنه الرائق، وهذا يتفاوت بين الصبيان في التعليم وإن كان التعليم واحدا. وفي بعض النسخ من قبل المعلَّم بفتح اللام المشددة م: (فيكون) ش: أي المعلم الذي يوجد نفسه لتعليم القرآن م: (ملتزما ما لا يقدر على تسليمه فلا يصح) ش: والتسليم شرط في الإجازة فيفسد بعدمه. وقوله ما لا يتقدر مفعول لقوله: ملتزما الإيفاء، فلا يصح في النتيجة. م: (وبعض مشايخنا) ش: وهم أئمة بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (استحسنوا الاستئجار على تعليم القرآن اليوم لأنه ظهر التواني) ش: أي الفتور والكسل م: (في الأمور الدينية، ففي الامتناع تضيع حفظ القرآن) ش: لأن المتقدمين منعوا ذلك لرغبة الناس في التعليم حسبه ومروءة في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 281 وعليه الفتوى. قال: ولا يجوز الاستئجار على الغناء والنوح وكذا سائر الملاهي   [البناية] مجازاة الإحسان بالإحسان بلا شرط وقد زال ذلك، ففي هذا الزمان في الامتناع عنه تضييع حفظ القرآن. وقد تغير الجواب باختلاف الزمان فيفي بذلك إذا ضربوا مدة بذلك حتى يجبر الأب على دفع الأجر إلى العلم وإن لم تضرب أجر المدة بحسب أجر المثل، ويجبر على دفعه وكذا يجبر على الخلوة المرسومة. وقال الإمام الخيزاخزي يجوز لزماننا للإمام والمؤذن والمعلم اخذ الأجر كذا في " الروضة " و" الذخيرة ". فائدة: الخيزاخزي بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الزاي المعجة والخاء الثانية وكسر الزاي الثانية نسبة إلى قرية خيزاخز من قري بخارى واسمه عبد الله بن الفضل كان مفتي بخارى ولم يقع لي تاريخ وفاته. م: (وعليه الفتوى) ش: أي على استحسان مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قال في تتمة الفتاوى: الاستئجار لتعليم الفقه لا يجوز كالاستئجار لتعليم القرآن وفي الاستئجار لتعليم الحرف روايتان في رواية المبسوط يجوز وفي رواية القدوري لا يجوز وذكر السرخسي عن مشايخ بلخ أنهم اختاروا قول أهل المدينة في جواز استئجار المعلم على تعليم القرآن فنحن أيضا نفتي بالجواز انتهى. ثم قال فيما استأجر إنسانا ليعلم غلامه أو ولده شعرا أو أدبا أو حرفة مثل الخياطة ونحوها فالكل سواء إن بين المدة سواء بأن استأجره شهرا ليعلمه هذا العلم يجوز ويصح وينعقد العقد على المدة حتى تستحق الأجرة فعلم أو لم يتعلم إذا سلم الأستاذ نفسه لذلك أما إذا لم يبين المدة فينعقد لكن فاسدا، حتى لو علم استحق أجر المثل وإلا فلا. وكذلك تعلم سائر الأعمال كالخط والهجاء والحساب على هذا، ولو شرط عليه أن يحذقه في ذلك العمل فهو غير جائز، لأن التحذيق ليس في وسع المعلم. [الاستئجار على الغناء] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا يجوز الاستئجار على الغناء) ش: بكسر الغين وبالمد وبالكسر مع القصر اسم لليسار، وبالفتح مع القصر الإقامة، ومع المد الكفاية. أما الأول من غنى بالتشديد غناء وأما الثاني من غنى يغني من باب علم يعلم غنى فهو غني وأما الثالث من غني بالمكان أي أقام وهو أيضا من الباب المذكور وأما الرابع من قولهم ما يغني عنك هذا أي ما ينفعك م: (والنوح) ش: البكاء ورفع الصوت م: (وكذا سائر الملاهي) ش: كالمزمار والطبل وغيرهما، وبه قالت الثلاثة وأبو ثور. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 282 لأنه استئجار على المعصية، والمعصية لا تستحق على العقد قال: ولا يجوز إجارة المشاع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا من الشريك. وقالا: إجارة المشاع جائزة   [البناية] وقال الشافعي والنخعي نكير ذلك ويجوز، أما الاستئجار لكاتب يكتب له غناء ونوحا يجوز عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خلافا لهما والثلاثة، وعلى هذا الخلاف الاستئجار على حمل الخمر. م: (لأنه استئجار على المعصية والمعصية لا تستحق بالعقد) ش: إذ لا يستحق على أخذ شيء يكون به عاصيا شرعا. وقال شيخ الإسلام الأسبيجابي في شرح " الكافي ": ولا تجوز الإجارة على شيء من الغناء والنوح والمزامير والطبل أو شيء من اللهو ولا على الحداء وقراءة الشعر ولا غيره ولا أجر في ذلك، وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، لأنه معصية ولهو ولعب. [إجارة المشاع] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يجوز إجارة المشاع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا من الشريك) ش: وبه قال زفر وأحمد - رحمهما الله تعالى - فيما يقسم كالأرض، وفيما لا يقسم كالعبد. م: (وقالا: إجارة المشاع جائزة) ش: وبه قال الشافعي ومالك. وقال الكرخي في مختصره: ولا يجوز إجارة المشاع فيما يقسم وفيما لا يقسم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وزفر - إلا أن يكون المستأجر شريكا في العقار فيستأجر نصيب شريكه أو شركائه كله في صفقة واحدة في قول أبي حنيفة، وكذلك قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رجلين أجرا دارا لهما من رجل فهو جائز، وإن مات أحد المؤاجرين بطلب الإجارة، وفي نصيب الحي صحيحة على حالها، ولا يجوز أيضا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يستأجر من عقار مائة ذراع ولا من أرض جريبا أو جريبين إذا كانت أكثر من ذلك. وفي شرح الطحاوي: إجارة المشاع من شريكه جائزة بالإجماع، ومن غير شريكه لا يجوز عند أبي حنيفة، وعندهما يجوز، وبيع المشاع يجوز من غير شريكه بالإجماع سواء كان مما يحتمل القسمة أو مما لا يحتمل. ورهن المشاع من شريكه أو من غير شريكه سواء كان يحتمل القسمة أو لا يجوز، وعند الشافعي يجوز. وهبة المشاع فيما لا يحتمل القسمة جائز وفيما لا يحتمل لا يجوز عندنا وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -يجوز وقرض المشاع جائز بالإجماع، وأما وقف المشاع فأبو حنيفة لا يرى الوقف مشاعا كان أو غيره، وعندهما يجوز الوقف ثم على قول أبي يوسف وقف المشاع جائز وعندهما باطل. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 283 وصورته أن يؤجر نصيبا من داره أو نصيبه من دار مشتركة من غير الشريك. لهما أن للمشاع منفعة، ولهذا يجب أجر المثل والتسليم ممكن بالتخلية أو بالتهايؤ فصار كما إذا آجر من شريكه أو من رجلين وصار كالبيع. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه آجر ما لا يقدر على تسليمه فلا يجوز، وهذا لأن تسليم المشاع وحده لا يتصور   [البناية] م: (وصورته) ش: أي صورة عقد إجارة المشاع م: (أن يؤجر نصيبا من داره أو نصيبه من دار مشتركة من غير الشريك) ش: أو يؤاجر نصف عبد أو نصف دابة من غير الشريك. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن للمشاع منفعة) ش: يعني فيجوز، لأن موجب الإجارة تملك المنفعة م: (ولهذا يجب أجر المثل) ش: أي ولكون المشاع له منفعة يجب أجر المثل عند أبي حنيفة إذا سكن المستأجر فيها، ولو كان فائت المنفعة لما انعقد أصلا إذا استأجر أرضا سبخة م: (والتسليم ممكن بالتخلية) ش: جواب عما يقال إنه إجارة ما لا يقدر على تسليمه، فأجاب بأن التسليم ممكن بالتخلية بأن يرفع الشريك المؤجر متاعه من الدار وخلى بينهما وبين المستأجر. م: (أو بالتهايؤ) ش: هو تفاعل من التهيئة، يقال: هايأت زيدا وتهايأ القوم وهو أن يتواضعوا على أمر فيتراضوا به، وحقيقته أن يرضى كل واحد منهما بحالة واحدة ويختارها. م: (فصار كما إذا آجر من شريكه) ش: فلو كان الشيوع مانعا لما جاز من شريكه كالهبة م: (أو من رجلين) ش: أي أو كما إذا آجر من رجلين فإنه يجوز. وكل واحد من المستأجرين يملك منفعة النصف شائعا، وكذا لو أجر نصف داره شائعا يجوز م: (وصار كالبيع) ش: أي فصار حكم التخلية هنا كحكم التخلية في البيع من حيث إن التخلية تسليم فيه. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه آجر ما لا يقدر على تسليمه فلا يجوز) ش: هذا إما معاوضة وإما ممانعة. فتقرير الأول: أنه أجر ما لا يقدر على تسليمه، لأن تسليم المشاع وجد سواء كان محتمل القسمة كالدار أو لا كالعبد غير متصور، وما لا يتصور تسليمه لا يصح إجارته لعدم الانتفاع به، والإجارة عقد على المنفعة فيكون هذا دليلا مبتدأ من غير تعرض لدليل الخصم. وتقرير الثانية أن يقال: لا نسلم انتفاء المانع فإنه آجر ما لا يقدر على تسليمه وعدم التسليم يمنع صحة الإجارة م: (وهذا) ش: توضيح لكون إجارة المشاع إجارة ما لا يقدر على تسليمه م: (لأن تسليم المشاع وحده لا يتصور) ش: فلا يتصور استيفاء المنفعة، لأن الانتفاع أمر حسي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 284 والتخلية اعتبرت تسليما لوقوعه تمكينا وهو الفعل الذي يحصل به التمكن ولا تمكن في المشاع بخلاف البيع لحصول التمكن فيه. وأما التهايؤ فإنما يستحق حكما للعقد بواسطة الملك وحكم العقد يعقبه والقدرة على التسليم شرط العقد، وشرط الشيء يسبقه، ولا يعتبر المتراخي سابقا. وأما إذا أجر من شريكه فالكل يحدث على ملكه فلا شيوع.   [البناية] والشائع لا يحتمله. م: (والتخلية اعتبرت تسليما) ش: جوابا عما قالا والتسليم ممكن بالتخلية. ووجهه أن التخلية لم تعتبر تسليما لذاتها، حيث اعتبرت، بل لكونها تمكينا، وهو معنى قوله: م: (لوقوعه تمكينا) ش: أي لوقوع التخلية تمكينا من القبض وتذكير الضمير على تأويل رفع الموانع م: (وهو) ش: أي التمكين م: (الفعل الذي يحصل به التمكن) ش: من الانتفاع حسًّا م: (ولا تمكن في المشاع) ش: لأنه معدوم فيه، فالحاصل أن التخلية كأنها اعتبرت علة وهو وسلة إلى التمكن، والتمكين في المشاع غير حاصل ففات المعلول. وإذا فات المعلول لا معتبر بالعلة. م: (بخلاف البيع لحصول التمكن فيه) ش: لأن المقصود به ليس الانتفاع بل الرقبة، ولهذا جاز بيع الجحش فكان التمكن بالتخلية فيه حاصلا. م: (وأما التهايؤ) ش: جواب عن قولهما أو بالتهايؤ. وحاصله أن التهايؤ من أحكام العقد بواسطة الملك، وهو معنى قوله: م: (فإنما يستحق حكما للعقد بواسطة الملك) ش: يعني حكما لثبوت الملك م: (وحكم العقد يعقبه) ش: أي يعقب العقد، لأن حكم الشيء هو الأثر الثابت بعد الضرورة يتأخر عنه م: (والقدرة على التسليم شرط العقد وشرط الشيء يسبقه) ش: أي: سبق الشيء لتوقف وجود المشروط على وجود الشرط، فالمتوقف عليه سابق لا محالة م: (ولا يعتبر المتراخي سابقا) ش: وهو التهايؤ، لأنه حكم، فمتى اعتبر سابقا يلزم قلب الحكم شرطا، وذا لا يجوز. م: (وأما إذا أجر من شريكه) ش: جواب عن قولهما فصار: كما إذا أجر من شريكه. ووجهه أنه إذا أجره من شريكه م: (فالكل يحدث على ملكه فلا شيوع) ش: يعني أن البعض له بحكم الملك، والبعض بحكم الإجارة، وكل المنفعة تحدث على ملكه فلا شيوع حينئذ. قيل: لو لم يكن فيه الشيوع لجاز الهبة والرهن من الشريك، لكنه لم يجز. وأجيب: بأن المراد بأن لا شيوع يمنع التسليم وهو المقصود فيما نحن فيه، فالمنفي شيوع موصوف، ويجوز أن يكون الشيوع مانعا فحكم باعتبار دون آخر، فيمنع عن جواز الهبة من حيث القبض، فإن القبض التام لا يحصل في الشائع ويمنع جواز الرهن لانعدام المعقود عليه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 285 والاختلاف في النسبة لا يضره على أنه لا يصح في رواية الحسن عنه. وبخلاف الشيوع الطارئ لأن القدرة على التسليم ليس بشرط للبقاء.   [البناية] وهو المنفعة، وإنما يتعذر التسليم وذلك لا يوجد في حق الشريك. والتحقيق في هذا الموضع أن الشيوع إما في العين أو في المنفعة، فإن كان في العين فقد منع من الهبة، والرهن دون التسليم في الإجارة، وإن كان في المنفعة فقد منع عن التسليم فيها إن كان ابتداء وإن كان طارئا لم يمنع، فافهم. م: (والاختلاف في النسبة لا يضره) ش: جواب عما يقال سلمنا أن الكل يحدث على ملكه، لكن مع اختلاف النسبة، لأن الشريك ينتفع بنسبة الملك بنصيب شريكه بالاستئجار فيكون الشيوع موجودا. فأجاب: بأن الاختلاف في النسبة لا يضره، أي لا يضر كون حدوث كل الانتفاع على ملكه، لأنه لا عبرة لاختلاف الأسباب مع اتحاد الحكم م: (على أنه لا يصح) ش: أي على أن عقد إجارة المشاع من شريكه أيضا لا يصح م: (في رواية الحسن عنه) ش: أي عن أبي حنيفة. وذكر القدوري في التقريب روي الحسن عن أبي حنيفة وزفر بطلان العقد في الجميع يعني إجارة المشاع من الشريك وغيره. م: (وبخلاف الشيوع الطارئ) ش: بأن أجر رجل من رجلين ثم مات أحدهما فإنه يبقي الإجارة في نصيب الحي شائعا في ظاهر الرواية، وذكر الطحاوي عن خالد بن صبيح عن أبي حنيفة أنه يفسد في حق الحي. وقال صاحب " العناية ": قوله: " وبخلاف الشيوع الطارئ " ليس له تعلق ظاهر، أراد أن ذكره هاهنا غير مناسب، وليس كذلك، بل تعلقه ظاهر لأنهما أجازا إجارة المشاع قياسا على ما إذا أجر داره من رجلين ثم مات أحدهما، فإنه تبقى الإجارة مع أن فيها الشيوع، كما إذا ذكرنا لا يقال على هذا يكون قوله وبخلاف ما إذا أجر من رجلين تكرارا، لأن قوله بخلاف الشيوع الطارئ مثل أصل قاعدة. وقوله: " بخلاف ما إذا أجر من رجلين " من الفروع المبنية على هذا الأصل، فلا تكرار في ذكر الأصل من الفرع. وإنما التكرار يكون إذا كانا رجلين متحدين أو فرعين متحدين م: (لأن القدرة على التسليم ليس بشرط للبقاء) ش: عند الابتداء، كما أن تكبيرة الافتتاح شرط لابتداء الصلاة وليس بشرط للبقاء. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 286 وبخلاف ما إذا أجر من رجلين؛ لأن التسليم يقع جملة ثم الشيوع بتفرق الملك فيما بينهما طارئ. قال: ويجوز استئجار الظئر بأجرة معلومة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] (الطلاق: الآية 6) ، ولأن التعامل به كان جاريا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقبله وأقرهم عليه.   [البناية] م: (وبخلاف ما إذا أجر من رجلين، لأن التسليم يقع جملة) ش: لأن العقد أضيف إلى كل الدار، ولا شيوع فيه، لأن كل واحد منهما يستوفي منافعها على ملك المؤجر ويخرج من ملكه جملة م: (ثم الشيوع) ش: الحاصل م: (بتفرق الملك فيما بينهما طارئ) ش: يعني بعد ثبوت الملك لهما، فيتحقق بعد العقد، فيكون طارئا. فإن قيل: لا نسلم أنه طارئ بل هو مقارن، لأنها تنعقد ساعة فساعة. أجيب: بأن بقاء الإجارة له حكم الابتداء من وجه لأنها عقد لازم، فلا يكون مقارنا. قيل: هذا الجواب فاسد، لأن العقد الغير اللازم هو الذي يكون للبقاء فيه حكم الابتداء كما تقدم في الوكالة على أنه لو ثبت هنا ابتداء ذو بقاء سقط الاعتراض، وإنما الخصم يقول لا بقاء للعقد فيها. والصواب أن يقال الطرآن إنما يكون على التسليم لا على العقد، وذلك مما لا شك فيه. فإن قيل: ينبغي أن تجوز الهبة في اثنين، لأن الشيوع الطارئ فيهما لا يمنع أيضا. قلت: عدم العلة لا يوجب عدم الحكم لجواز ثبوته لعله أخرى، وهنا لم يوجد قران الشيوع في الهبة، ولكن وجد مانع آخر وهو عدم إمكان القبض إلا في ضمن قبض نصيب الآخر، والضمني كالعدم. والقبض منصوص عيه في الهبة فاعتبر كماله، والكمال مع كونه ضمنيا لا يتصور. [استئجار الظئر] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجوز استئجار الظئر) ش: بكسر الظاء المعجمة وسكون الهمزة وهي المرضعة. م: (بأجرة معلومة) ش: قيد به لأن الأجرة إذا كانت مجهولة لا تصح م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] (الطلاق: الآية 6) ش: المراد بعد الطلاق، أي فإن أرضعن أولادكم لأجلكم فأعطوهن أجورهن، أمر بإيتاء أجورهن فيكون دليلا على جواز إجارة الظئر، يعني إذا لم يتطوعن. م: (ولأن التعامل به) ش: أي باستئجار الظئر م: (كان جاريا في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي في زمانه م: (وقبله) ش: أي قبل عهده م: (وأقرهم عليه) ش: أي على التعامل به، وتقريرهم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 287 ثم قيل إن العقد يقع على المنافع وهي خدمتها للصبي والقيام به، واللبن يستحق على طريق التبع بمنزلة الصبغ في الثوب. وقيل إن العقد يقع على اللبن والخدمة تابعة، ولهذا لو أرضعته بلبن شاة لا تستحق الأجر، والأول أقرب إلى الفقه؛ لأن عقد الإجارة لا ينعقد على إتلاف الأعيان مقصودا، كما إذا استأجر بقرة ليشرب لبنها.   [البناية] عليه تشريع لهم بذلك م: (ثم قيل) ش: قائله صاحب " الإيضاح "، وصاحب " الذخيرة " وبعض أصحاب أحمد والشافعي م: (إن العقد يقع على المنافع وهي خدمتها للصبي والقيام به) ش: أي بأموره م: (واللبن يستحق على طريق التبع بمنزلة الصبغ في الثوب) ش: فيكون كالاستئجار على الخدمة. م: (وقيل) ش: أي قائله شمس الأئمة السرخسي م: (إن العقد يقع على اللبن والخدمة تابعة) ش: قال شمس الأئمة في " المبسوط ": والأصح أن العقد يرد على اللبن، لأنه هو المقصود وما سوى ذلك من القيام بمصالحه تبع م: (ولهذا) ش: توضيح لما ذهب إليه شمس الأئمة م: (لو أرضعته) ش: أي لو أرضعت الظئر الصغير م: (بلبن شاة لا تستحق الأجر) ش: فدل أن اللبن غير تابع بل معقود عليه م: (والأول أقرب إلى الفقه) ش: أشار بهذا إلى أنه اختار هذا القول، أي القول الأول أقرب إلى الأصول م: (لأن عقد الإجارة لا ينعقد على إتلاف الأعيان مقصودا كما إذا استأجر بقرة ليشرب لبنها) ش: فإنه لا يجوز، واختار حافظ الدين أيضا هذا القول حيث قال في الكافي: والصحيح هو الأول. وقال السغناقي: قال شمس الأئمة في " المبسوط ": وزعم بعض المتأخرين أن المعقود عليه المنفعة وهي القيام بخدمة الصبي وما يحتاج إليه. وأما اللبن فيمنع فيه، لأن اللبن عين والعين لا تستحق بعقد الإجارة كلبن الأنعام. ثم قال: والأصح أن العقد يرد على اللبن، لأنه هو المقصود، وما سوى ذلك من القيام بمصالحه تبع، والمعقود عليه ما هو المقصود وهو منفعة الثدي ومنفعة كل عضو على حسب ما يليق به، هكذا ذكر ابن سماعة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإنه قال: استحقاق لبن الآدمية بعقد الإجارة دليل على أنه لا يجوز بيعه. وجواز بيع لبن الأنعام دليل على أنه لا يجوز استحقاقه. وقد ذكر في الكتاب إنها لو ربت الصبي بلبن الأنعام لا تستحق الأجر وقد قامت بمصالحه، فلو كان اللبن تبعا ولم يكن البدل مقابله لا يستوجب الأجر. ثم قال السغناقي: عجبا لمن تبع بعد هذا الإمام الكبير وبعد أن رأى مثل هذا الدليل الواضح والرواية المنصوصة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - رأي من خالفه وليس هذا إلا تقليد صرف. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 288 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقال صاحب العناية: الدليل ليس بواضح، لأن مدار قوله لأنه هو المقصود وهو ممنوع، بل المقصود هو الإرضاع وانتظام أمر معاش الصبي على وجه خاص يتعلق بأمور وسائط منها اللبن فجعل العين المربية منفعة ونقض القاعدة الكلية أن عقد الإجارة عقد على إتلاف المنافع مع الغنى عن ذلك بما هو وجه صحيح ليس بواضح ولا نسلم له بما روى ابن سماعة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه ليس بظاهر الرواية. ولئن كان فنحن بمعنى أن يستحق بعقد الإجارة وإنما الكلام في استحقاقه من حيث كونه مقصودا أو تبعا وليس في كلام محمد ما يدل على شيء من ذلك. قلت: قول شمس الأئمة هو الأقرب إلى الفقه، لأن الأعيان تحدث شيئا فشيئا من يقع أصلها بمنزلة المنافع فتجوز إجارتها كالعارية لمن ينتفع بالمتاع ثم يرده، والعرية لمن يأكل ثمرة الشجرة ثم يردها، والمتخذ لمن يشرب لبن الشاة ثم يردها، وإجارة الظئر ثابتة بنص القرآن الموافق للقياس الصحيح. فيجب أن يكون أصلا يقاس عليها إجارة الشجر لثمرها وإجارة البقر للبنها والشاة ونحوها لا أن تجعل إجارة البقر لشرب لبنها باطلة ويقاس عليها إجارة الظئر كما ذكره المصنف. وقد نص مالك على جواز إجارة الحيوان مدة للبنه، ثم من أصحابه من جوز ذلك مطلقا تبعا لنصه، ومنهم من منعه، ومنهم من شرط فيه شروطا. وقد ورد عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه ضمن حديقة أسيد بن حضير ثلاث سنين، وهذا بمشهد من الصحابة ولم يرد أن أحدا منهم أنكره عليه. وجوز ذلك بعض أصحاب أحمد، وجوز مالك ذلك تبعا للأرض قدر الثلث ولا شك أن المقصود من الظئر إنما هو اللبن والحمل والخدمة فتبع. وإذا قيل: إن الخدمة هي الأصل كان في ذلك قلب للوضع، ونظير ذلك ما قيل في الحمام، وأن الأجرة في مقابله العقود في الحمام، وإن استعمال الماء الجاري فيه تبع، وهذا قلب الموضوع أيضا. بل الحق أن استئجار الظئر إنما هو لإرضاع الولد بلبنها على جاري العادة في ذلك، وإن حمله وإلقامه الثدي ونحو ذلك تبع غير مقصود بالقصد الأول. ومن كابر في ذلك كان بمنزلة المكابر في الحسيات. وكذلك دخول الحمام إنما هو المقصود فيه بالقصد الأول استعمال مائه. وكيف يقول الجزء: 10 ¦ الصفحة: 289 وسنبين العذر عن الإرضاع بلبن الشاة إن شاء الله تعالى. وإذا ثبت ما ذكرنا يصح إذا كانت الأجرة معلومة اعتبارا بالاستئجار على الخدمة قال: ويجوز بطعامها وكسوتها استحسانا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يجوز؛ لأن الأجرة مجهولة   [البناية] صاحب العناية بل المقصود هو الإرضاع إلى آخره، حيث يجعل اللبن مع كونه أصلا ومقصودا بالذات فرعا وجزءا من جملة الأمور والوسائط التي يتعلق بها انتظام أمر الصبي. وكيف يقول لما روى ابن سماعة عن محمد غير ظاهر الرواية، وهو من كبار أصحاب محمد وأبي يوسف القاضي وكان من العلماء الكبار الصالحين وكان يصلي كل يوم مائة ركعة. م: (وسنبين العذر عن الإرضاع بلبن الشاة إن شاء الله تعالى) ش: أراد به الجواب عن قول أهل المقالة الثانية حيث قالوا: ولهذا لو أرضعته بلبن شاة لا تستحق الأجر وسيأتي ذلك قريبا من صفحة، بقوله: لأنها لم تأت بعمل فتستحق عليها م: (وإذا ثبت ما ذكرنا) ش: يعني من جواز الإجارة بأحد الطريقين. م: (يصح إذا كانت الأجرة معلومة اعتبارا بالاستئجار على الخدمة) ش: يعني أن الإجارة لما جازت باعتبار الخدمة فتعتبر باستئجار العبد للخدمة، فكل ما جاز ثمة يجوز هنا، وكل ما لا يجوز ثمة لا يجوز هنا، غير أن جواز استئجار الظئر بالطعام والكسوة باعتبار أنها لا تفضي إلى المنازعة. قيل: هذا تكرار لأنه قد علم من أول المسألة جوازها، حيث صدر الحكم فاستدل فلم يقع هذا التكرار؟ أجيب: أنه أثبت أولا جوازها بالكتاب والسنة ثم رجع إلى إثباتها بالقياس. ويجوز أن يكون توطئة لقوله: ويجوز بطعامها وكسوتها، يعني جازت بأجرة معلومة كسائر الإجارات وبطعامها وكسوتها أيضا، والأصوب أن يجاب بما قلنا آنفا، يعني غرضه من هذا أن يبين أن استئجار الظئر كاستئجار العبد على الخدمة، فكل ما جاز هناك يجوز هنا والعكس أيضا مع اعتبار أمر آخر هنا كما ذكرناه. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجوز بطعامها وكسوتها استحسانا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال مالك وأحمد في حاوي الحنابلة. ويصح استئجار الظئر بطعامها وكسوتها ولها الوسط، ومع النزاع كإطعام الكفارة. م: (وقالا: لا يجوز، لأن الأجرة مجهولة) ش: لأن الطعام مجهول الجنس والقدر والصفة، وكذا الكسوة، وبه قال الشافعي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 290 فصار كما إذا استأجرها للخبز والطبخ. وله أن الجهالة لا تفضي إلى المنازعة؛ لأن في العادة التوسعة على الأظآر شفقة على الأولاد، فصار كبيع قفيز من صبرة. بخلاف الخبز والطبخ؛ لأن الجهالة فيه تفضي إلى المنازعة. وفي " الجامع الصغير " فإن سمى الطعام دراهم ووصف جنس الكسوة وأجلها وذرعها فهو جائز، يعني بالإجماع، ومعنى تسمية الطعام دراهم أن يجعل الأجرة دراهم ثم يدفع الطعام مكانها، وهذا لا جهالة فيه ولو سمى الطعام وبين قدره جاز أيضا لما قلنا   [البناية] وفي شرح " الكافي ": قال أبو يوسف ومحمد: إن سموا لها طول كل ثوب وعرضه ورفعته وضروبا لذلك أجلا فهو جائز، وكذلك الطعام إن سموا لها كل يوم كيلا من الدقيق فهو جائز، وإنما وجب لها الوسط من الطعام والكسوة إذا لم يوصف عند أبي حنيفة، لأن البدل إذا ثبت في الذمة مطلقا وجب الوسط منه، كالمهر والدية م: (فصار كما إذا استأجرها للخبز والطبخ) ش: يعني كما استأجر امرأة للخبز له كل يوم عشرة أمناء وتطبخ له عشرة أرطال من اللحم مثلا، وتكون الأجرة الطعام والكسوة فإنه لا يجوز، وهذا يلزم مالكا وأحمد فإنهما يخيران ذلك. م: (وله أن الجهالة) ش: أي الجهالة المذكورة م: (لا تفضي إلى المنازعة؛ لأن في العادة التوسعة على الأظآر شفقة على الأولاد) ش: والجري على موجب مرادهن ولا يمنع إلا الجهالة المفضية إلى المنازعة، والأظآر على وزن أفعال جمع ظئر م: (فصار كبيع قفيز من صبرة) ش: فإنه يجوز وللبائع أن يعطي من أي جانب شاء، لأنها جهالة لا تفضي إلى المنازعة م: (بخلاف الخبز والطبخ، لأن الجهالة فيه تفضي إلى المنازعة) ش: فلذلك لا يجوز. م: (وفي " الجامع الصغير " فإن سمى الطعام دراهم ووصف جنس الكسوة وأجلها) ش: أي أجل الكسوة، أراد به وقت العطاء م: (وذرعها فهو جائز يعني بالإجماع) ش: ذكر رواية الجامع الصغير إشارة إلى ما يجعله مجمعا عليه بمعرفة الجنس والأجل والمقدار م: (ومعنى تسمية الطعام دراهم أن يجعل الأجرة دراهم ثم يدفع الطعام مكانها) ش: أي مكان المسمى من الدراهم م: (وهذا لا جهالة فيه) ش: أي جعل الأجرة على هذا الوجه لا جهالة فيه. قال السغناقي: هذا التفسير الذي ذكره لا يستفاد من ذلك اللفظ، ولكن يحتمل أن يكون معناه مسمى الدراهم المقدرة بمقابلة طعامها ثم أعطى الطعام بأن الدراهم المسماة؛ لأنه ذكر في " الجامع الصغير " لفخر الإسلام. أما إذا سمى الطعام دراهم فإن معناه أن يجعل الدراهم به فلا شك في جوازه ثم يستبدل به طعاما فيصح، قيل: لو زيد في كلام المصنف بعد قوله: أن يجعل الأجرة دراهم لفظة بدلا استفاد المعنى الذي، قاله السغناقي م: (ولو سمى الطعام وبين قدره جاز أيضا لما قلنا) ش: أشار به الجزء: 10 ¦ الصفحة: 291 ولا يشترط تأجيله؛ لأن أوصافها أثمان، ويشترط بيان مكان الإيفاء عند أبي حنيفة خلافا لهما، وقد ذكرناه في البيوع وفي الكسوة يشترط بيان الأجل أيضا مع بيان القدر والجنس؛ لأنه إنما يصير دينا في الذمة إذا صار مبيعا، وإنما يصير مبيعا عند الأجل كما في السلم. قال: وليس للمستأجر أن يمنع زوجا من وطئها لأن الوطء حق الزوج فلا يتمكن من إبطال حقه، ألا ترى أن له أن يفسخ الإجارة إذا لم يعلم به صيانة لحقه   [البناية] إلى قوله لا جهالة فيه. م: (ولا يشترط تأجيله) ش: أي تأجيل الطعام المسمى أجرة، م: (لأن أوصافها) ش: أي أوصاف الطعام والتأنيث بتأويل الحنطة م: (أثمان) ش: أراد أن المكيل والموزون إذا كان موصوفا غير مشار ثمن بدليل ثبوته في الذمة فلا يشترط بيان الأجل كما في سائر الأثمان. وهذا احتراز عن الطعام إذا كان مسلما فيه فإن الطعام فيه مبيع مع كونه دينا فاشترط تأجيله م: (ويشترط بيان مكان الإيفاء عند أبي حنيفة) ش: إن كان له حمل ومؤنة م: (خلافا لهما، وقد ذكرناه في البيوع) ش: أي في باب السلم م: (وفي الكسوة يشترط بيان الأجل أيضا) ش: يعني إذا استأجرها بثياب يشترط فيه جميع شرائط السلم من بيان الأجل م: (مع بيان القدر والجنس) ش: لأن وجوب الثياب دينا في الذمة عرف شرعا. بخلاف القياس، فيقتصر على مورده، والشرع ورد بطريق السلم فيشترط جميع شرائط السلم م: (لأنه) ش: أي لأن وجوب الكسوة م: (إنما يصير دينا في الذمة إذا صار مبيعا، وإنما يصير مبيعا عند الأجل كما في السلم) ش: وفي بعض النسخ: إنما صار مبيعا والمعنى فهم مما ذكرنا آنفا. م: (قال: وليس للمستأجر أن يمنع زوجها) ش: أي زوج الظئر م: (من وطئها، لأن الوطء حق الزوج فلا يتمكن) ش: أي المستأجر م: (من إبطال حقه) ش: وبه قال الشافعي وأحمد. وقال مالك: ليس له وطؤها إلا برضى المستأجر، لأنه ينقص اللبن وقد يقطعه بالحبل. قلنا: الوطء حق مستحق له قبل العقد بعقد النكاح وهو باق فلا يسقط بأمر موهم. م: (ألا ترى) ش: توضيح لما سبقه م: (أن له) ش: أي لزوج الظئر م: (أن يفسخ الإجارة إذا لم يعلم به) ش: أي بعقد الإجارة م: (صيانة لحقه) ش: أي لحق الزوج، وبه قالت الثلاثة. وعن الشافعي في وجه لا يصلح العقد بغير رضاه وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولو زوج بعد عقد الإجارة له الفسخ بالإجماع. وقيل: إن كان الزوج ممن يشبه أن تكون امرأة ظئرا فله الفسخ لدفع الضرر عنه وإلا لا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 292 إلا أن المستأجر يمنعه عن غشيانها في منزله؛ لأن المنزل حقه. فإن حبلت كان لهم أن يفسخوا الإجارة إذا خافوا على الصبي من لبنها؛ لأن لبن الحامل يفسد الصبي، فلهذا كان لهم الفسخ إذا مرضت أيضا وعليها أن تصلح طعام الصبي؛ لأن العمل عليها.   [البناية] والأصح: أنه له ذلك مطلقا، وهذا كان زوجها معروفا وكان مجهولا لا يعرف أنها امرأته إلا بقولها فليس له الفسخ، لأن العقد قد لزمها وقولها غير مقبول في المستأجر، لأنه يمكن منه المواضعة مع هذا الرجل، وهو نظير المنكوحة إذا كانت مجهولة الحال فأقرت بالرق على نفسها لا يصدق في إبطال النكاح. م: (إلا أن المستأجر يمنعه) ش: أي يمنع زوج المرضعة م: (عن غشيانها في منزله، لأن المنزل حقه) ش: فلا يدخل إلا بإذنه م: (فإن حبلت) ش: أي الظئر م: (كان لهم) ش: أي لأهل الصغير م: (أن يفسخوا الإجارة إذا خافوا على الصبي من لبنها، لأن لبن الحامل يفسد الصبي فلهذا كان لهم الفسخ إذا مرضت أيضا) ش: وكذا إذا كانت سارقة يخاف منها على المتاع. وكذا إذا تقيأ الصبي لبنها. وكذا إذا كانت فاجرة بينا فجورها، بخلاف ما إذا كانت كافرة حيث لا تفسخ، لأن كفرها في اعتقادها ولا يضر بالصبي. وكذا إذا أرادوا السفر فتأبى الخروج معهم فهو عذر. وأما عذرها فمرض يصيبها لا تستطيع معه الإرضاع، وكذا إذا لم تكن معروفة بالظؤورة فلها أن تفسخ. وكذا إذا لم يكفوا عن إيصائها بسنتهم كان لها الفسخ، كذا في " المبسوط ". ولو استأجر امرأته لإرضاع ولده منها لا يجب الأجر، وبه قال الشافعي: والقاضي الحنبلي. وقال مالك وأحمد: يجوز. قلنا: هذا يجب عليه ديانة وإن كانت لا تجبر على ذلك، كما لو استأجرها لكنس البيت أو الطبخ أو الغسل أو غير ذلك. وفي " المبسوط ": ولو استأجرها لإرضاع ولدها منه بمال الولد، وللولد مال صح في رواية ابن رستم عن محمد ويكون لها الأجرة في مال الولد. ولو استأجرها لإرضاع ولده من غيرها لا يجوز بلا خلاف وكان لها الأجر. ولو استأجر خادمها لترضع ولدا منها لا يجب الأجر. ولو استأجر مكاتبتها جاز. ولو أرضعت خادمة الظئر الصبي فلها الأجر، لأنه لم يشترط الإرضاع بنفسها، كذا في " الذخيرة ". وقال أحمد، وأبو ثور: لا أجر لها كما لو اشترى لبن الغنم، ويجوز استئجار أمته وأخته وابنته لرضاع ولده وكذا سائر أقاربه بلا خلاف. م: (وعليها) ش: أي على الظئر م: (أن تصلح طعام الصبي، لأن العمل عليها) ش: أي العمل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 293 والحاصل أنه يعتبر فيما لا نص عليه العرف في مثل هذا الباب فما جرى به العرف من غسل ثياب الصبي وإصلاح الطعام وغير ذلك فهو على الظئر. أما الطعام فعلى والد الولد. وما ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الدهن والريحان على الظئر فذلك من عادة أهل الكوفة. وإن أرضعته في المدة بلبن شاة فلا أجر لها؛ لأنها لم تأت بعمل مستحق عليها وهو الإرضاع، فإن هذا إيجار وليس بإرضاع   [البناية] الراجع إلى منفعة الصبي على الظئر. م (والحاصل أنه يعتبر فيما لا نص عليه العرف في مثل هذا الباب) ش: أراد أن الأصل في الإجارة إذا وقعت على عمل فيما كان من توابع ذلك العمل ولم يشترط في الإجارة على الأجير فالمرجع فيه العرف م: (فما جرى به العرف من غسل ثياب الصبي وإصلاح الطعام وغير ذلك فهو على الظئر) ش: وبه قالت الثلاثة. وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه لا يلزمها. قال تاج الشريعة: أراد غسل الثياب عن البول والغائط لا عن الدرن والوسخ م: (أما الطعام فعلى والد الولد) ش: أراد طعام الصبي. م: (وما ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الدهن والريحان على الظئر فذلك من عادة أهل الكوفة) ش: لأن في توابع المقصود يرجع إلى العادة، ولهذا قالوا فيمن استأجر فيمان فالزنبيل واللبن على صاحب اللبن للعرف، وإن كان العرف في بلد على خلافهم يؤخذ به. وقالوا في الخياط الخيط عليه، وحط التراب على القبر على الحافر إن كان في بلد يتعاملون به. وقالوا في الطباخ إذا استؤجر في عرس إخراج المرق عليه، فإن طبخ قدرا خاصة فليس عليه، وهذا مبني على العادة. وإدخال الحمل المنزل فيما إذا تكارى الدابة فعلى ما يفعله الناس. فأما الصعود به على السطح أو الغرفة فليس عليه إلا إذا شرط. ولو كان حمالا على ظهره فيجب عليه الإدخال وليس عليه الصعود به للعرف، وأراد بالدهن الزيت غالبا، لأن الصغير لا بد من دهنه بالزيت أحيانا وإن كان يتناول غيره من الأدهان. وأراد بالريحان الآس، وهو الذي يقال له المرسين بلغة أهل مصر، فإن كان الصغير لا يستغنى عنه البتة، والريحان اسم لكل نبت طيبة الريح. م: (وإن أرضعته في المدة بلبن شاة فلا أجر لها) ش: وبه قالت الثلاثة م: (لأنها لم تأت بعمل مستحق عليها وهو الإرضاع فإن هذا إيجار وليس بإرضاع) ش: هذا هو العذر الموعود قبله بقوله: وسنبين العذر عن الإرضاع بلبن الشاة. وقال صاحب " العناية ": وهذا دليل ظاهر على ما قدمنا، فإنه إنما لم يجب الأجر لاختلاف العمل لا لانتفاء اللبن، ولهذا لو أوجر الصبي بلبن الظئر في المدة لم يستحق الأجرة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 294 وإنما لم يجب الأجر لهذا المعنى أنه اختلف العمل   [البناية] فعلم بهذا أن المعقود عليه هو الإرضاع والعمل دون العين وهو اللبن. قلت: قد مر الجواب عن هذا على أن السغناقي قال يجوز أن يكون هذا الحكم غير مسلم عند شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله: إيجار مصدر أوجرته إذا صببت في وسط فمه دواء. وكذا وجرته. والوجور بفتح الواو اسم لتلك الدواء. فإن قلت: الظئر أجير خاص أو أجير مشترك؟ قلت: دل كلام مصنف المبسوط أنها أجير خاص، حيث قال: لو ضاع الصبي في يدها أو وقع فمات أو سرق الصبي أو من متاعه وثيابه في يدها لم تضمن الظئر، لأنها بمنزلة الأجير الخاص لورود العقد على منافعها في المدة. ألا ترى أنها ليس لها أن تؤجر نفسها من غيرهم لمثل ذلك العمل، والأجير الخاص أمين فيما في يده. ودل كلام صاحب " الذخيرة " أنها تجوز أن تكون خاصا وأن يكون مشتركا، فإنها لو أجرت نفسها لقوم آخرين لذلك ولم يعلم الأولون فأرضعت كل واحد منهما وفوعت أثمت، وهذا جناية منها ولها الأجر منهما كاملا على الفريقين وهذا يدل على أنها تحتملها فاعتبار أنها تستحق الأجر منهما كاملا كالأجير المشترك وباعتبار أنها أتمت لما فعلت كالأجير الخاص وفيه نظر لا يخفى. وقال علاء الدين الأسبيجابي في شرح " الكافي ": المسائل متعارضة في هذا الباب بعضها يدل على أنها في معنى أجير الواحد وبعضها يدل على أنها في معنى الأجير المشترك، والصحيح: أنه إن دفع الولد إليها لترضعه فهي أجير مشترك. وإن حملها إلى منزله فهي أجير واحد. وقال الكرخي في " مختصره ": والظئر بمنزلة الأجير الخاص وليس لها أن تؤجر نفسها من غير الأولين م: (وإنما لم يجب الأجر لهذا المعنى) ش: وهو المعنى الذي ذكره من قوله، لأنها لم تأت بعمل مستحق عليها ... إلى آخره. م: (أنه اختلف العمل) ش: بفتح همزة أن لأنها بدل من المعنى وفي بعض النسخ وهو أنه وفي بعضها: لأنه والصحيح الذي ضبطه مشايخنا هو الأول. وقال الأسبيجابي في شرح " الكافي ": ولو استأجر ظئرا ترضع صبيا في بيتها فجعلت تؤجر بلبن الغنم وتغذوه بكل ما تصلحه حتى استكمل الحولين ولها لبن لم ترضعه منه بشيء أو ليس لها لبن فلا أجر لها، لأنها لم ترضعه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 295 قال: ومن دفع إلى حائك غزلا لينسجه بالنصف فله أجر مثله   [البناية] فإن جحدت ذلك وقالت: قد أرضعته فالقول قولها مع يمينها إلا أن تقوم البينة على خلاف ذلك فيؤخذ بها؛ لأنها أقوى. وإن أقاما جميعا البينة أخذت بينتها، لأنها تثبت استحقاق الأجر عليه، فإن استأجرت له ظئرا فأرضعته كان مثل هذا في القياس، ولكن استحسن أن يكون لها الأجر. [دفع إلى حائك غزلا لينسج بالنصف] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (ومن دفع إلى حائك غزلا لينسج بالنصف) ش: فالإجارة فاسدة فلذلك قال: م: (فله أجر مثله) ش: أي فللحائك أجر مثله، لأن هذا حكم الإجارة الفاسدة. وفي " المبسوط " حكى الحلواني عن أستاذه أبي علي النسفي أنه كان يفتي بجواز دفع الثوب إلى الحائك لينسجه بالنصف في دياره بنصف؛ لأن فيه عرفا ظاهرا، وكذا مشايخ بلخ يفتون بجواز هذه الإجارة من الثياب للتأمل والقياس قد يتركه بالتعامل كما في الاستصناع. قال: والأصح عندي أن ما ذكره في الكتاب أصح، لأن هذا في معنى قفيز الطحان على ما يجيء عن قريب. وقالوا في شرح " الجامع ": وكذلك إذا استأجر حمارا ورجلا يحمل طعاما بقفيز منه محمولا فالإجارة فاسدة ويجب أجر المثل، وقال الفقيه أبو الليث: هذا قول المتقدمين، ولأن مشايخ بلخ يجيزون ذلك مثل نصر بن يحيى ومحمد بن مسلمة. وفي " خلاصة الفتاوى ": رجل دفع إلى حائك غزلا وأمره بأن ينسج له ثوبا وبين صفته على أن ربعه أو ثلثه للحائك أجرا لعمله لم يجز، وكان القاضي الإمام أبو علي النسفي يفتي بجوازه ويجعله بحكم العرف. قال: والفتوى على جواب الكتاب. وفي " صحيح البخاري " قال إبراهيم وابن سيرين وعطاء والحاكم والزهري وقتادة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا بأس أن يعطي الثوب بالثلث والربع ونحوه. قال صاحب " العناية ": فإن قيل إذا كان عرف دياره على ذلك فهل يترك به القياس. قيل: لا، لأنه في معناه من كل وجه، يعني في معنى قفيز الطحان بالعرف. قلت: الدلالة لا عموم لها حتى يخص عرف ذلك في موضعه. انتهى قلت: قال تاج الشريعة: كان تجويز هذا يعني بها الإجارة التي أفتى بها مشايخ بلخ وأبو علي النسفي بطريق تخصيص دلالة النص الذي يحوك الثوب ببعضه، غير أن الحائك نظيره الجزء: 10 ¦ الصفحة: 296 وكذا إذا استأجر حمارا يحمل عليه طعاما بقفيز منه فالإجارة فاسدة؛ لأنه جعل الأجر بعض   [البناية] فيكون النص وارد فيه دلالة، فمتى تركنا العمل بدلالة هذا النص في الحائك علمنا في قفيز الطحان كان تخصيصا لدلالة النص لا تركا للنص أصلا، انتهى. فهذا صريح أن دلالة النص تخص، والتخصيص لا يكون إلا في العموم، على أنا نقول إن هذا الحديث الذي يتمسكون تارة بعمومه وتارة بخصوصه غير صحيح. قال ابن قدامة في " المغنى ": وهذا الحديث لا نعرفه ولا يثبت عندنا صحته. وقال الشيخ شمس الدين ابن القيم: هذا الحديث لا يثبت بوجه، مع أن لفظ الحديث «نهي عن عسب الفحل وعن قفيز الطحان على ما نبينه عن قريب» . وقوله: نهي مبنى لما لم يسم فاعله، ولا يلزم أن يكون الناهي هو رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأي فرق بين أن يستأجره ليطحن له حنطة بقفيز حنطة أو بقفيز من طحين غيرها، بل هذا فرق صوري لأنا ننزله ولا يتعلق بذلك مفسدة قط لا جهالة ولا ربا ولا عذر ولا منازعة ولا ضرر. وأي غرر أو مفسدة في أن يدفع إليه غزله لينسجه ثوبا بذراع أو زيتونا ليعصرها زيتا بجزء معلوم منه وأمثال ذلك مما هو مصلحة للمتعاقدين فقد لا يكون معه أجرة سوى ذلك الغزل أو الحب، ويكون الأجر محتاجا إليه وقد تراضيا بذلك فجوزناه. وقال القياس: وحاجة الناس وهو قول عطاء والزهري وأيوب ويعلى بن حكيم وقتادة وأحمد وإسحاق. واحتج أحمد بحديث جابر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أعطى خيبر على الشطر» . ولم يثبت عن الشارع ما يمنع ولا يترتب عليه شيء من الفساد بل هو مصلحة محضة، والمصنف أيضا لم يقم دليلا على ما ادعاه من الفساد سوى أن المستأجر عاجز عن تسليم الأجر وهو بعض المنسوخ أو المحمول، وحصول بفعل الأجير فلا بعد هو قادر بفعل غيره، وهذا لا يعول، فإن المزارع يأخذ جزءا من الخارج والمضارب جزءا من الربح. والمعنى المذكور موجود في كل منهما، بل هذا أولى بالجواز من المضاربة والمزارعة، فإن الذي يأخذ منه الجزء هنا محقق الوجود وهناك معدوم على خطر الوجود لم يكن هذا المعنى مانعا من جواز المزارعة والمضاربة، فهنا أحق وأولى أن لا يمنع. [استأجر حمارا يحمل عليه طعاما بقفيز منه] م: (وكذا إذا استأجر حمارا يحمل عليه طعاما بقفيز منه فالإجارة فاسدة، لأنه جعل الأجر بعض الجزء: 10 ¦ الصفحة: 297 ما يخرج من عمله فيصير في معنى قفيز الطحان، وقد نهى النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عنه وهو أن يستأجر ثورا ليطحن له حنطة بقفيز من دقيقه، وهذا أصل كبير يعرف به فساد كثير من الإجارات لا سيما في ديارنا، والمعنى فيه أن المستأجر عاجز عن تسليم الأجر وهو بعض المنسوج أو المحمول   [البناية] ما يخرج من عمله فيصير في معنى قفيز الطحان) ش: فإذا صار في معناه صار حكمه كحكمه م: (وقد نهى النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عنه) ش: أي نهى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن قفيز الطحان. وأخرجه الدارقطني ثم البيهقي في " سننيهما " عن عبيد الله بن موسى، ثنا سفيان عن هشام بن أبي كليب، عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهي عن عسب الفحل وعن قفيز الطحان» . وأخرجه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " عن ابن المبارك ثنا سفيان به، وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة الدارقطني قال فيه: نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هكذا مبنيا للفاعل كما قاله المصنف، وتعقبه ابن القطان في كتابه، وقال: إني تتبعته في كتاب الدارقطني من كل الروايات فلم أجده إلا هكذا: «نهي عن عسب الفحل وقفيز الطحان» مبنيا للمفعول. م: (وهو) ش: أي قفيز الطحان، أي تفسيره م: (أن يستأجر ثورا ليطحن له حنطة بقفيز من دقيقه) ش: وكذا لو استأجر رجلا ليطحن له هكذا، والحنطة في جواز ذلك أن يشترط صاحب الحنطة قفيزا من الدقيق الجيد ولم يقل من هذا الحنطة، لأن الدقيق إذا لم يكن مضافا إلى حنطة بعينها يجب في الذمة. ثم إذا جاز يعطيه من دقيق هذه الحنطة م: (وهذا أصل كبير) ش: أي جعل الأجر بعض ما يخرج من عمل الأجير أصل عظيم م: (يعرف به فساد كثير من الإجارات) ش: كما إذا استأجر أن يعصر له سمسما بمن من دهنه، وكذا إذا دفع أرضه ليغرس شجرا على أن تكون الأرض والشجر بينهما نصفان لم يجز ذلك والشجر لرب الأرض وعليه قيمة الشجر وأجر ما عمل. وكذا لو استأجر امرأة لتقول هذا القطن وهذا الصوف برطل في الغزل وكذا عجن الطحن بالنصف، ودياس الدخن بالنصف، وحصاد الحنطة بالنصف ونحو ذلك، وكل ذلك لا يجوز م: (لا سيما في ديارنا) ش: أي خصوصا في ديارنا ودياره بلاد فرغانة وراء جيحون ومدينة مرغينان، وهي من بلاد فرغانة. م: (والمعنى فيه) ش: أي في النهي عن قفيز الطحان م: (أن المستأجر عاجز عن تسليم الأجر) ش: لأن المسمى غير مقدور التسليم عند العقد م: (وهو بعض المنسوج) ش: في مسألة الحائك م: (أو المحمول) ش: أي وبعض المحمول في مسألة استئجار الحمال لحمل الطعام وليس له حكم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 298 وحصوله بفعل الأجير فلا يعد هو قادرا بقدرة غيره، وهذا بخلاف ما إذا استأجره ليحمل نصف طعامه بالنصف الآخر حيث لا يجب له الأجر؛ لأن المستأجر ملك الأجر في الحال بالتعجيل فصار مشتركا بينهما. ومن استأجر رجلا لحمل طعام مشترك بينهما لا يجب الأجر؛ لأنه ما من جزء يحمله إلا وهو عامل لنفسه فيه فلا يتحقق تسليم المعقود عليه   [البناية] الوجود لأنه غير واجب في الذمة فكان معدوما فيعجز عن تسليمه، لأن وجوده م: (وحصوله بفعل الأجير فلا يعد) ش: أي المستأجر م: (هو قادرا بقدرة غيره) ش: إذ العبرة بقدرة نفسه. وفي " مبسوط صدر الإسلام وجامعه " معنى النهي في قفيز الطحان، ونظائره أنه جعل شرط صحة العقد بناء على حكم العقد، لأنه لا يمكنه تسليمه إلا بعد العمل، وشرط العقد لا يجوز أن يكون حكم العقد، لأنه خلاف وضع الشرع إذ الشرط يسبقه والحكم يعقبه. م: (وهذا) ش: أي وهذا الذي ذكرنا من فساد الإجارة فيما إذا استأجر حمارا ليحمل طعاما بقفيز منه م: (بخلاف ما إذا استأجره) ش: أي الحمار م: (ليحمل نصف طعامه بالنصف الآخر حيث لا يجب له الأجر) ش: هذا من مسائل إجارات " الجامع الكبير ". وهنا مسألة أخرى وهي ما إذا استأجر رجلا ليحمل له كر حنطة إلى بغداد مثلا بنصفه كانت الإجارة فاسدة وله أجر مثله إن بلغ بغداد لا يجاوز قيمته نصف الكر عندنا. والفرق بينهما أن الحنطة هنا صارت محمولة بعمل الأجير فكان في معنى قفيز الطحان فيكون فاسدا فيجب أجر المثل. وأما في مسألة الكتاب فلما أشار إليه بقوله م: (لأن المستأجر) ش: بفتح الجيم وهو الأجير م: (ملك الأجر في الحال بالتعجيل) ش: لأن تسليم الأجرة بحكم التعجيل يوجب الملك في الأجرة م: (فصار مشتركا بينهما. ومن استأجر رجلا لحمل طعام مشترك بينهما لا يجب الأجر، لأنه ما من جزء يحمله إلا وهو عامل لنفسه فيه فلا يتحقق تسليم المعقود عليه) ش: وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قيل: هاهنا نظير أن الأول في قوله حيث لا يجب الأجر كيف يقول لا يجب، لأنه قد وجب وقبض وهو نصف الطعام، ثم يقول لأن المستأجر ملك الأجر. والثاني في قوله لأن ما من جزء يحمله إلا وهو عامل لنفسه نظر، فإن هذا ممنوع، لأن صورة المسألة أن الطعام مشترك بينهما، فكيف يقال إن كل جزء منه يكون الشريك الحامل له عاملا لفسد، وإن كان مراده أن ما من جزء إلا وهو مشترك بينهما فيكون بهذا الاعتبار عاملا لشريكه يعكس عليه ويقال: إنه إذا كان ما من جزء إلا وهو مشترك ببينهما فيكون بهذا الاعتبار عاملا لشريكه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 299 ولا يجاوز بالأجر قفيزا؛ لأنه لما فسدت الإجارة فالواجب الأقل مما سمى ومن أجر المثل؛ لأنه رضي بحط الزيادة، وهذا بخلاف ما إذا اشتركا في الاحتطاب حيث يجب الأجر بالغا ما بلغ عند محمد، لأن المسمى هناك غير معلوم فلم يصح الحط. قال: ومن استأجر رجلا ليخبز له هذه العشرة المخاتيم اليوم بدرهم فهو فاسد، وهذا عند أبي حنيفة - رحمه الله - وقال أبو يوسف   [البناية] ولكن الحق أن الجزء الذي لشريكه ليس هو عاملا لنفسه فيه، بل لشريكه فهو في الحقيقة عامل لنفسه، وعامل لشريكه فأخذه الأجرة في مقابلة عمله لشريكه. ولو قال ما من قفيز أو ما من حبة أو نحو ذلك لكان أقرب من قوله من جزء، لأن الجزء ينطلق على الشائع والتعميم فيه غير ممنوع. م: (ولا يجاوز بالأجر قفيزا) ش: هذا يتصل بقوله وكذا إذا استأجر حمارا ليحمل طعاما بقفيز منه، وانتصاب قفيزا على المفعولية والفاعل هو قوله بالأجر على رأي من يجوز إسناد الفعل إلى الجار والمجرور، وهذا إذا كان لا يجوز على البناء للفاعل يكون الفاعل هو الضمير في لا يجاوز الراجع إلى المستأجر، وتكون الباء للمصاحبة، والتقدير: لا يجاوز المستأجر مع الأجر قفيز الذي كان أجرة م: (لأنه لما فسدة الإجارة فالواجب الأقل مما سمى ومن أجر المثل؛ لأنه) ش: أي لأن الحامل م: (رضي بحط الزيادة) ش: أي الزيادة على أحدهما من المسمى ومن أجر المثل، أما رضاه بالمسمى فعقده عليه، وأما رضاه بأجر المثل فإقدامه على الإجارة الفاسدة. م: (وهذا بخلاف ما إذا اشتركا في الاحتطاب حيث يجب الأجر بالغا ما بلغ عند محمد لأن المسمى هناك) ش: وهو نصف الحطب م: (غير معلوم فلم يصح الحط) ش: وعند أبي يوسف: لا يجاوز بأجره نصف ثمن ذلك لأنه قد رضي بنصف المسمى حيث اشتركا كما لو استأجر لحمل الحنطة بقفيز منها. [استأجر رجلا ليخبز له هذه العشرة اليوم بدرهم] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (ومن استأجر رجلا ليخبز له هذه العشرة المخاتيم) ش: وهو جمع مختوم وهو الصاع بعينه ويشهد عليه حديث الخدري «الوسق ستون مختوما» وسمي به لأنه يجعل على أعلاه خاتم مطبوع كيلا يزاد ولا ينقص. وفي " المبسوط ": المختوم والقفيز واحد قوله هذه مفعول بقوله ليخبز، والعشرة، صفته، والمخاتيم مجرور بالإضافة كما في قولك الخمسة الأثواب على رأي الكوفيين، وقوله: م: (اليوم) ش: نصب على الظرف أي اليوم. م: (بدرهم) ش: يتعلق بقوله استأجر م: (فهو فاسد) ش: أي عقد هذه الإجارة فاسد م: (وهذا) ش: أي فساد هذا العقد م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أبو يوسف: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 300 ومحمد - رحمهما الله - في الإجارات: هو جائز؛ لأنه يجعل المعقود عليه عملا، ويجعل ذكر الوقت للاستعجال تصحيحا للعقد فترتفع الجهالة. وله أن المعقود عليه مجهول؛ لأن ذكر الوقت يوجب كون المنفعة معقودا عليها وذكر العمل يوجب كونه معقودا عليه ولا ترجيح، ونفع المستأجر في الثاني ونفع الأجير في الأول فيفضي إلى المنازعة   [البناية] ومحمد - رحمهما الله - في الإجارات) ش: أي من إجارات " المبسوط " م: (هو جائز) ش: وبه قالت الثلاثة. وإنما قيد قولهما بهذا القيد، لأنه لم يذكر قولهما في " الجامع الصغير " وفي " المبسوط " قولهما استحسان م: (لأنه يجعل المعقود عليه عملا) ش: لأنه المقصود في الإجارات. م: (ويجعل ذكر الوقت للاستعجال) ش: لا لتعلق العقد به، فكان إذا استأجره بعمل على أن يفرغ منه في نصف النهار كان له الأجر كاملا، ولو لم يفرغ في اليوم فعليه أن يعمله في الغد، لأنه صار أجيرا مشتركا والحمل على هذا ما لا بد منه م: (تصحيحا للعقد فترتفع الجهالة) ش: بما ذكرنا من الحمل. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أن المعقود عليه مجهول) ش: لأنه ذكر سببين مختلفين يصلح كل واحد منهما أن يكون معقودا عليه م: (لأن ذكر الوقت يوجب كون المنفعة معقودا عليها، وذكر العمل يوجب كونه معقودا عليه ولا ترجيح) ش: لأحدهما على الآخر في الأولوية. م: (ونفع المستأجر في الثاني) ش: وهو كون العمل معقودا عليه حتى لا يجب الأجر إلا بتسليم العمل إليه م: (ونفع الأجير في الأول) ش: وهو كون ذكر الوقت موجبا لكون المنفعة معقودا عليها، حتى يستحق الأجر بمجرد تسليم النفس في المدة وإن لم يعمل فجاز أن يطلب الأجير أجره نظرا إلى الأول ويمنعه المستأجر نظرا إلى الثاني م: (فيفضي إلى المنازعة) . ش: فإن قيل: ما الفرق بين هذه وبين ما إذا قال إن خطته اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم؟، فإن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أجاز الشرط الأول، وجعل ذكر الوقت للتعجيل وبينهما وبين ما إذا استأجر رجلا ليخبز له قفيز دقيق على أن يفرغ عنه اليوم فإن الإجارة فيها جائزة بالإجماع. أجيب في الفرق بينهما وبين الأول بأن دليل المجاز وهو نقصان الأجر للتأخير فيها صرفه عن حقيقته التي هي للتوقيت آتي المجاز الذي هو التعجيل، وليس في مسألتنا ما يعرفه عنها فلا يصار إلى المجاز، وكذلك بينها وبين الثانية، فإن كله " على " فيها معنى الشرط على ما عرف في موضعه، فحيث جعله شرطا دل على أن مراده التعجيل. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 301 وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه تصح الإجارة إذا قال في اليوم وقد سمي عملا. لأنه للظرف فكان المعقود عليه العمل بخلاف قوله اليوم وقد مر مثله في الطلاق. قال: ومن استأجر أرضا على أن يكربها ويزرعها ويسقيها فهو جائز؛ لأن الزراعة مستحقة بالعقد ولا يتأتى الزراعة إلا بالسقي والكراب فكان كل واحد منهما مستحقا، وكل شرط هذه صفته يكون من مقتضيات العقد فذكره لا يوجب الفساد، فإن شرط أن يثنيها أو يكري أنهارها أو يسرقنها فهو فاسد؛ لأنه يبقى أثره بعد انقضاء المدة وأنه ليس من مقتضيات العقد، وفيه منفعة لأحد المتعاقدين، وما هذه   [البناية] يؤيده ما روي عن أبي حنيفة وهو قوله م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه تصح الإجارة إذا قال في اليوم وقد سمي عملا) ش: أي سمي المعقود عليه عملا كأنه قال: إن عملت في بعض اليوم م: (لأنه للظرف) ش: أي لأن في الظرف لا للمدة والمظروف لا يستغرق الظرف م: (فكان المعقود عليه العمل) ش: لأنه كأنه قال: إن عملت في بعض اليوم وذلك يفيد التعجيل فكان العمل هو المعقود عليه. م: (بخلاف قوله اليوم) ش: لأنه للمدة، لأنه بدون في فيستقر جميع الظرف فيصلح أن يكون معقودا عليه، ويلزم الجهالة. وقال تاج الشريعة: إذا لم يذكر حرف في مستوعب الظرف فبالنظر إلى قوله لتخبز لي هذه العشرة المخاتيم يكون المعقود عليه هو العمل. وبالنظر إلى قوله اليوم يكون المعقود عليه هي المنفعة فجهل المعقود عليه ففسدت الإجارة م: (وقد مر مثله في الطلاق) ش: أي فصل إضافة الطلاق إلى الزمان في قوله أنت طالق في غد وقال: نويت آخر النهار. [استأجر أرضا على أن يكربها ويزرعها ويسقيها] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (ومن استأجر أرضا على أن يكربها) ش: من كرب الأرض كربا قلبها للحرث من باب طلب يطلب م: (ويزرعها ويسقيها فهو جائز، لأن الزراعة مستحقة بالعقد ولا يتأتى الزراعة إلا بالسقي والكراب، فكان كل واحد منهما مستحقا وكل شرط هذه صفته يكون من مقتضيات العقد فذكره لا يوجب الفساد) ش: لأن الشرط الملائم لا يفسد العقد. م: (فإن شرط أن يثنيها) ش: من التثنية ويجيء الآن، أما المراد من التثنية م: (أو يكري أنهارها) ش: أي يحضر من الكري وهو الحضر م: (أو يسرقنها) ش: من سرقنت الأرض إذا جعلت السرقين ويسمى السرجين وهي الزبل م: (فهو فاسد) ش: أي فإن العقد فاسد م: (لأنه يبقى أثره) ش: أي أثر كل واحد من المذكورات وهي التثنية والكري والسقنة م: (بعد انقضاء المدة، وأنه ليس من مقتضيات العقد، وفيه منفعة لأحد المتعاقدين) ش: وهو رب الأرض م: (وما هذه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 302 حاله يوجب الفساد؛ لأن مؤاجر الأرض يصير مستأجرا منافع الأجير على وجه يبقى بعد المدة، فيصير صفقتان في صفقة وهو منهي عنه. ثم قيل المراد بالتثنية أن يردها مكروبة ولا شبهة في فساده. وقيل أن يكربها مرتين وهذا في موضع تخرج الأرض الربع بالكراب مرة والمدة سنة واحدة. وإن كانت ثلاث سنين لا تبقى منفعة، وليس المراد بكري الأنهار الجداول بل المراد منها الأنهار العظام هو الصحيح، لأنه تبقى منفعته في العام القابل.   [البناية] حاله يوجب الفساد، لأن مؤاجر الأرض يصير مستأجرا منافع الأجير على وجه يبقى بعد المدة فيصير صفقتان في صفقة وهو منهي عنه) ش: أي كون الصفقتين في صفقة منهي عنه، أي نهى عنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. روى أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مسنده " حدثنا حسن وأبو النصر وأسود بن عامر قالوا: ثنا شريك عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صفقتين في صفقة واحدة» . قال شريك: قال سماك هو أن يبيع الرجل بيعا فيقول هذا نقدا بكذا ونسيئة بكذا وقد مر الكلام فيه مستوفى في البيوع. م: (ثم قيل: المراد بالتثنية أن يردها) ش: أي الأرض م: (مكروبة ولا شبهة في فساده) ش: لأنه لا يقتضيه العقد، لأن الزراعة لا تتوقف عليه م: (وقيل أن يكربها مرتين وهذا في موضع تخرج الأرض الربع بالكراب مرة، والمدة) ش: أي مدة الإجارة م: (سنة واحدة) ش: فإذا كان كذلك يفسد العقد أيضا، لأن فيه منفعة لأحدهما. م: (وإن كانت) ش: أي المدة م: (ثلاث سنين لا تبقى منفعة) ش: فلا يفسد العقد أيضا، لأن فيه من مقتضيات العقد، وكذا إذا كان الكراب مرتين والمدة سنة، ولكن لا تخرج الأرض البديع إلا بالكراب مرتين، لأنه ليس فيه منفعة لأحدهما. وقد ذكر الفقيه أبو الليث عن مشايخنا أنهم قالوا: هذا الجواب في بلادهم، أما في بلاد الخضرة نحو المزارعة بهذا الشرط لأن منفعة التثنية في بلاد الخضرة لا تبقى بعد انقضاء المدة، فإن الأرض وإن كربت مرارا قلما تبقى منفعتها إلى العام الثاني. م: (وليس المراد بكري الأنهار الجداول) ش: وهو جمع جدول وهو النهر الصغير م: (بل المراد منها الأنهار العظام هو الصحيح) ش: احترز به عن قول من قال: المراد بالأنهار الجداول وهو قول خواهر زاده، وبه كان يفتي، فإنه كان سوى بين الأنهار، وبين الجداول عملا بإطلاق لفظ الكتاب م: (لأنه تبقى منفعته) ش: أي منفعة كري الأنهار العظام م: (في العام القابل) ش: ومنفعة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 303 قال: وإن استأجرها ليزرعها بزراعة أرض أخرى فلا خير فيه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو جائز، وعلى هذا إجارة السكنى بالسكنى، واللبس باللبس، والركوب بالركوب. له أن المنافع بمنزلة الأعيان حتى جازت الإجارة بأجرة دين ولا يصير دينا بدين. ولنا أن الجنس بانفراده يحرم النساء عندنا فصار كبيع القوهي بالقوهي نسيئة، والى هذا أشار محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] الجداول لا تبقى إلى العام القابل، كذا ذكره المحبوبي. فكان المستأجر هو المنتفع بالجداول خاصة وهو واجب على المستأجر بدون الشرط، فكان شرطا يفيد العقد فلا يفسد به. وصاحب المحيط اختار القول الذي نفاه المصنف. م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإن استأجرها ليزرعها بزراعة أرض أخرى فلا خير فيه) ش: أي لا يجوز أصلا. هكذا فسره غالب الشراح ولم يبين أحد منهم وجه العدول عن لفظه لا يجوز أو يفسد إلى هذا اللفظ إلا تاج الشريعة، فإنه قال من دأب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يذكر الأخير فيما لم يجد نصا صريحا في فساده ليكون بيان الفساد بطريق الاقتضاء لا بالإفصاح. فإن قلت: ما وجه تفسير لا خير هل يجوز أصلا؟ قلت: لأن النفي للجنس، فإذا انتفت الخيرية من كل وجه ينتفي الجواز أصلا. م: (وقال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو جائز) ش: اختلف جنس المنفعة وأنفق، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله -، وعلى هذا الخلاف م: (وعلى هذا إجارة السكنى بالسكنى واللبس باللبس والركوب بالركوب) ش: بأن أجر داره ليسكنها بسكنى دار أخرى أو ثوبا ليلبسه بلبس ثوب آخر ودابة ليركبها بركوب دابة أخرى م: (له) ش: أي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أن المنافع بمنزلة الأعيان حتى جازت الإجارة بأجرة دين) ش: على المؤجر ولو لم تكن المنافع بمنزلة الأعيان لكان ذلك دينا بدين، وهو لا يجوز، أشار إليه بقوله م: (ولا يصير دينا بدين) ش: أي الإجارة بأجرة دين. م: (ولنا أن الجنس بانفراده يحرم النَّساء عندنا) ش: بفتح النون أي التأجيل م: (فصار كبيع القوهي بالقوهي نسيئة) ش: صار حكم هذه الإجارة كحكم بيع الثوب القوهي بالثوب القوهي إلى أجل. وهو بضم القاف وسكون الواو وكسر الهاء نسبة إلى قوهستان كورة من كور فارس. وإنما لم يجز البيع هنا، لأن أحد وصفي علة الربا كاف في حرمة النساء وهو الجنس، فكذا في المنافع إذا وجد فيها الجنس يحرم م: (وإلى هذا أشار محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي ما ذكر من الحكمين، أعني حكم استئجار الأرض لزراعتها بزراعة أرض أخرى وما أشبهها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 304 ولأن الإجارة جوزت بخلاف القياس للحاجة ولا حاجة عند اتحاد الجنس. بخلاف ما إذا اختلف جنس المنفعة قال: وإذا كان الطعام بين رجلين فاستأجر أحدهما صاحبه أو حمار صاحبه على أن يحمل نصيبه فحمل الطعام كله فلا أجر له.   [البناية] وحكم بيع القوهي بقوهي أشار محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو ما روى ابن سماعة كتب من بلخ إلى محمد، وقال لم لا يجوز إجارة سكنى دار بسكنى دار؟ فكتب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في جوابه: إنك أطلت الفكرة فأصابتك الحياة وجالست الجنائي فكانت منك ذلة، أما علمت أن إجارة سكنى دار بسكنى دار كبيع قوهي بقوهي نساء. الجنائي اسم محدث ينكر الخوض على ابن سماعة في هذه المسائل ويقول لا برهان لكم عليها. م: (ولأن الإجارة جوزت بخلاف القياس للحاجة) ش: هذا طريق آخر في فساد الإجارة المذكورة، وهي أن الإجارة إنما شرعت على خلاف القياس لحاجة الناس م: (ولا حاجة عند اتحاد الجنس) ش: لأنه كان متمكنا من السكنى قبل ذلك العقد فلا يحصل بالعقد إلا ما كان متمكنا منه باعتبار ملكه، والكمال من باب الفصول والإجارة ما شرعت لاستيفاء الفصول م: (بخلاف ما إذا اختلف جنس المنفعة) ش: بأن استأجر ركوبا بلبوس لتحقق الحاجة فيجوز. فإن قيل: النساء ما يكون عن اشتراط أجل في العقد، وتأخير المنفعة فيما نحن فيه ليس كذلك. أجيب: إنهما لما أقدما على عقد يتأخر المعقود عليه فيه ويحدث شيئا فشيئا كان ذلك أبلغ في وجوب التأخير من المشروط، فألحق به دلالة احتياطا عن شبهة الحرمة، قيل فيه نظر، لأن النساء شبهة الحرم فبالإلحاق به يكون شبهة الشبهة وليس بحرمة. أجيب بأن الثابت بالدلالة كالثابت بالعبارة فبالإلحاق تثبت الشبهة لا شبهتها. فإن قيل: قبل النساء إنما يتصور في مبادلة موجود في الحال بما ليس كذلك، وفيما نحن فيه ليس كذلك، فإن كل واحد منهما ليس بموجود بل يحدثان شيئا فشيئا. أجيب: بأن الذي لم تصحبه الباء يقام فيه العين مقام المنفعة ضرورة تحقق المعقود عليه دون ما تصحبه لفقدانها فيه ولزوم وجود أحدهما حكما وعدم الآخر وتحقق النساء. ثم لو استوفى المنفعة عند اتحاد الجنس فعليه أجر المثل في ظاهر الرواية، لأنه استوفى المنفعة بالإجارة الفاسدة وذكر الكرخي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا شيء عليه. [استأجره على أن يحمل نصيبه من الطعام فحمل الطعام كله] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان الطعام بين رجلين فاستأجر أحدهما صاحبه أو حمار صاحبه على أن يحمل نصيبه فحمل الطعام كله فلا أجر له) ش: يعني: لا المسمى ولا أجر المثل. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 305 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - له المسمى " لأن المنفعة عين عنده وبيع العين شائع جائز، فصار كما إذا استأجر دارا مشتركة بينه وبين غيره ليضع فيها الطعام أو عبدا مشترك ليخيط له الثياب. ولنا أنه استأجره لعمل لا وجود له؛ لأن الحمل فعل حسي لا يتصور في الشائع،   [البناية] وعلى قياس قول أبي حنيفة ينبغي أن يجب أجر المثل كما في إجارة المشاع، لكن الفرق أن فساد العقد هناك للعجز عن استيفاء المعقود عليه على الوجه الذي أوجبه العقد لا لانعدام الاستيفاء أصلا " وهنا البطلان لتعذر الاستيفاء أصلا وبدون الاستيفاء لا يجب الأجر في العقد الفاسد. وقال الكرخي في " مختصره ": قال ابن سماعة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن الطعام بين رجلين ولأحدهما سفينة فأراد أن يخرجا بالطعام من بلدهما إلى بلد آخر فاستأجر أحدهما نصف سفينة صاحبه بحصته بعشرة دراهم فهو جائز، وكذلك لو أراد أن يطبخ الطعام فاستأجر نصف الرحى الذي لشريكه، قال وكذلك لو استأجر منه نصف جواليقه هذا ليحمل فيها هذا ليحمل فيها هذا الطعام إلى مكة فهو جائز. ولو استأجر عبد صاحبه أو دابة صاحبه أو دابة عبد صاحبه ليحمل، أو استأجر العبد ليحفظ الطعام وهو استأجر العبد والدابة كله أو نصفه فإن ذلك لا يجوز. فإن حمل على الدابة فلا أجر له. ثم قال الكرخي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وكل شيء استأجر من صاحبه، مما يكون عملا فإنه لا يجوز، وإن عمله فلا أجر له، وكل شيء ليس يكون عملا استأجر أحدهما من صاحبه فهو جائز. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له المسمى، لأن المنفعة عين عنده وبيع العين شائع جائز) ش: وبه قال أحمد م: (فصار كما إذا استأجر دارا مشتركة بينه وبين غيره ليضع فيها الطعام أو عبدا مشتركا ليخيط له الثياب) ش: حيث يجب الأجر. م: (ولنا أنه استأجره) ش: أي أن أحد الشريكين استأجر الآخر م: (لعمل لا وجود له) ش: فصار كإجارة ما لا منفعة له. قيل: هذا ممنوع بل لعمله وجود، وإلا يلزم أن الحصة التي لشريكه لا وجود لها لكونها شائعة، ولو كان ذلك صحيحا لكانت حصته أيضا لا وجود لها لكونها شائعة، وهذا من نوع السفسطة وإن كان الحقائق، وفيه نظر، لأن معنى قوله وجود له لا يتميز وجوده، ومنكر هذا منكر الحقائق م: (لأن الحمل فعل حسي لا يتصور في الشائع) ش: إذ الحمل يقع على معين، والشائع ليس بمعين وهذا ضرب النصب الشائع في العبد المشترك لا يتصور. وكذا وطء الجارية المشركة لا يتصور. وكذا وطء الجارية المشتركة في النصيب الشائع لعدم تصور الفعل الحسي في الشائع. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 306 بخلاف البيع؛ لأنه تصرف حكمي، وإذا لم يتصور تسليم المعقود عليه لا يجب الأجر. ولأن ما من جزء يحمله إلا وهو شريك فيه فيكون عاملا لنفسه فلا يتحقق التسليم، بخلاف الدار المشتركة؛ لأن المعقود عليه هنالك المنافع، ويتحقق تسليمها بدون وضع الطعام. وبخلاف العبد؛ لأن المعقود عليه إنما هو   [البناية] فإن قلنا: إذا حمل الكل فقد حمل البعض لا محالة، فيجب الأجر. قلت: حمل الكل حمل المعين ونصيبه ليس بمعين فيما وجد نصيبه. م: (بخلاف البيع) ش: جواب عن قياس الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على البيع، فأجاب بأن البيع ليس كذلك م: (لأنه تصرف حكمي) ش: أي شرعي، والتصرف في الشائع شرعا كما إذا باع أحد الشريكين نصيبه م: (وإذا لم يتصور تسليم المعقود عليه لا يجب الأجر) ش: لأن الأجر يترتب على ذلك. م: (ولأن ما من جزء يحمله) ش: دليل آخر على المطلوب وجهه أن حامل الشيء ما يحمل من جزئه م: (إلا وهو شريك فيه) ش: وكل من حمل شيئا كان شريكا فيه م: (فيكون عاملا لنفسه) ش: ومن كان عاملا لنفسه م: (فلا يتحقق التسليم) ش: منه فلا يستحق أجرا على غيره. فإن قيل: لا يخلو من أنه عامل لنفسه فقط، أو عامل لنفسه ولغيره فالأول ممنوع فإنه شريك والثاني حق، لكن عدم استحقاقه الأجر على فعله لنفسه لا يستلزم عدمه بالنسبة إلى ما وقع لغيره. أجيب: أنه عامل لنفسه فقط؛ لأن عمله لنفسه فقط أصل وموافق للقياس، وعمله لغيره ليس بأصل بل يتأتى على أمر مخالف للقياس للحاجة، وهي تندفع بجعله عاملا لنفسه لحصول مقصود المستأجر، فاعتبر جهة كونه عاملا لنفسه فقط فلم يستحق الأجر. فإن قيل: المحمول مشترك فينبغي أن يكون الحمل كذلك. أجيب: بأن وقوع الحمل مشتركا محال لأنه عوض يتجزأ. م: (بخلافه الدار المشتركة) ش: جواب عن قياس الخصم على استئجار الدار المشتركة فقال: م: (لأن المعقود عليه هنالك المنافع) ش: أي منافع الدار والبدل بمقابلتها ولا شركة له في ذلك. م (ويتحقق تسليمها بدون وضع الطعام) ش: فإنه إذا تسلم البيت ولم يضع فيه الطعام أصلا وجب عليه الأجر بخلاف الحمل، فان المعقود عليه هو العمل، وتسليمه في الشائع لا يتحقق كما مر. م: (وبخلاف العبد) ش: جواب عن قياس على استئجار العبد المشترك، ووجهه أن المستأجر للعبد المشترك يملك منفعة نصيب صاحبه، وهو معنى قوله م: (لأن المعقود عليه إنما هو الجزء: 10 ¦ الصفحة: 307 ملك نصيب صاحبه، وأنه أمر حكمي يمكن إيقاعه في الشائع. ومن استأجر أرضا ولم يذكر أنه يزرعها أو أي شيء يزرعها فالإجارة فاسدة؛ لأن الأرض تستأجر للزراعة ولغيرها. وكذا ما يزرع فيها مختلف فمنه ما يضر بالأرض وما لا يضر بها غيره فلم يكن المعقود عليه معلوما. فإن زرعها ومضى الأجل فله المسمى، وهذا استحسان. وفي القياس لا يجوز وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه وقع فاسدا. فلا ينقلب جائزا.   [البناية] ملك نصيب صاحبه) ش: وفي بعض النسخ ملك صاحبه. م: (وأنه) ش: أي ملك نصيب صاحبه م: (أمر حكمي يمكن إيقاعه في الشائع) ش: كما في البيع، بخلاف الحمل، لأنه فعل حسي. [استأجر أرضا ولم يذكر أنه يزرعها] م: (ومن استأجر أرضا ولم يذكر أنه يزرعها) ش: أي استأجرها للزراعة ولم يبين م: (أو أي شيء يزرعها) ش: من أنوع الحبوب م: (فالإجارة فاسدة) ش: بجهالة المعقود عليه وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - في الصورتين، وكان له أن يفعل في الأول ما يشبهه من البناء والغرس، والزرع، فإن أشبه الجميع وكان بعضه بالأرض من بعض لم يصح العقد. وفي الثاني وهو أن يذكر الزرع صح العقد ولا يزرع إلا ما يشبهه، ذكره في الجواهر. أما لو استأجرها ليزرع فيها ما شاء أو يغرس ما شاء يجوز بالإجماع. ولو قال لتزرعها ما شئت وتغرسها ما شئت صح أيضا وهو المنصوص عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وخالفه أكثر صحبه. وقالوا: لا يجوز لأنه لا يدرك كم يزرع وكم يغرس. وقال بعضهم يصح ويغرس نصفها ويزرع نصفها م: (لأن الأرض تستأجر للزراعة ولغيرها) ش: نحو البناء والغرس وحفظ الأمتعة ونحوها. م: (وكذا ما يزرع فيها مختلف فمنه) ش: أي مما يزرع م: (ما يضر بالأرض وما لا يضر بها غيره) ش: كالدرة والدرزقان ضررهما بالأرض أكثر من ضرر الحنطة والشعير، ومنه ما لا يضر كالقطن والبطيخ م: (فلم يكن المعقود عليه معلوما) ش: فيفسد العقد للجهالة. م: (فإن زرعها) ش: أي الأرض نوعا من أنوع الزراعة في المسألة المذكورة م: (ومضى الأجل) س: المضروب فيها م: (فله المسمى) ش: أي فللمولى ما سمي عند العقد م: (وهذا) ش: أي وجوب المسمى لانقلاب العقد صحيحا. م: (استحسان. وفي القياس لا يجوز وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: والشافعي وأحمد م (لأنه) ش: أي العقد م: (وقع فاسدا فلا ينقلب جائزا) ش: فيجب أجر المثل. م: (وجه الاستحسان أن الجهالة ارتفعت) س: بوقوع ما وقع فيها من الزرع م: (قبل تمام العقد) ش: ينقض القاضي م: (فينقلب جائزا) ش: لأن الإجارة عقد يعقد للاستقبال، فإذا شهد المزروع في بعض المدة وعرف أنه ضار وليس بضار فقد ارتفعت الجهالة المفضية إلى النزاع في ذلك الوقت. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 308 وجه الاستحسان أن الجهالة ارتفعت قبل تمام العقد فينقلب جائزا كما إذا ارتفعت في حالة العقد، وصار كما إذا اسقط الأجل المجهول قبل مضيه والخيار الزائد في المدة. ومن استأجر حمارا إلى بغداد بدرهم ولم يسم ما يحمل عليه فحمل ما يحمل الناس فنفق في بعض الطريق فلا ضمان عليه؛ لأن العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر وإن كانت الإجارة فاسدة، فإن بلغ إلى بغداد فله الأجر المسمى استحسانا على ما ذكرنا في المسألة الأولى.   [البناية] م: (كما إذا ارتفعت في حالة العقد) ش: لأن كل جزء منه بمنزلة ابتدائه. ولو ارتفعت من الابتداء جاز فكذا هنا م: (وصار كما إذا اسقط الأجل المجهول قبل مضيه) ش: بأن باع إلى الحصاد والدياس فأسقط الأجل قبل أوان الحصاد والدياس م: (والخيار الزائد في المدة) ش: بأن شرط الخيار أربعة أيام مثلا ثم أسقط اليوم الرابع قبل هذا رد المختلف على المختلف، فإن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يقل بالانقلاب إلى الجواز لا هنا ولا هناك. أجيب: بأنه لما أثبت ذلك بدليله فيما تقدم ذكره هنا بطريق مبادئ فيكون مثل الإيضاح لما وقع الكلام فيه من المقيس فيه، وإن كان هو مختلفا في نفسه. وقيل: هذا تكرار، لأنه ذكر في الأول باب ما يجوز من الإجارة، ويجوز استئجار الأراضي للزراعة ولا يصح العقد حتى يسمى ما يزرع فيها. أجيب: بأن ذلك وضع القدوري وهذا وضع الجامع الصغير يشتمل على زيادة فائدة، وهي قوله: وإن زرعها ومضى الأجل فله المسمى وفيه نظر؛ لأن اختلاف الوضعين لا ينبغي التكرار في حكم واحد وكان ينبغي ذكر الفائدة الزائدة هناك. [استأجر حمارا إلى بغداد بدرهم فحمل ما يحمل الناس فنفق] م: (ومن استأجر حمارا إلى بغداد بدرهم ولم يسم ما يحمل عليه فحمل ما يحمل الناس فنفق) ش: أي الحمار أي هلك م: (في بعض الطريق فلا ضمان عليه، لأن العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر) ش: لأنه قبضها بإذن المالك م: (وإن كانت الإجارة فاسدة) ش: حرف إن واصلة بما قبله. لأن حكم الفاسد يؤخذ من الصحيح، ولا يعلم خلاف بأن هذه الإجارة فاسدة، والفاسدة في حكم الصحيحة في أن العين المستأجرة أمانة فلا يضمن بلا تعد، وإنما قيد بقوله حمل ما يحمله الناس، وأراد به الحمل المعتاد لأنه إذا حمل غير المعتاد فهلك الحمار يجب أن يضمن، وإنما لم يجب الضمان في الحمل ألمعتاد لعدم المخالفة؛ لأن مطلق الإذن ينصرف إلى المعتاد ولم يتعد المعتاد. م: (فإن بلغ إلى بغداد فله الأجر المسمى استحسانا على ما ذكرنا في المسألة الأولى) ش: وهو قوله وجه الاستحسان أن الجهالة ارتفعت قبل تمام العقد، فإنه لما حمل عليه ما يحمل الناس من الجزء: 10 ¦ الصفحة: 309 وإن اختصما قبل أن يحمل عليه. وفي المسألة الأولى قبل أن يزرع نقضت الإجارة دفعا للفساد إذ الفساد قائم بعد.   [البناية] الحمل فقد تعين الحمل وارتفعت الجهالة المفضية إلى النزاع، فانقلب إلى الجواز ووجب المسمى. وفي القياس يجب أجر المثل وهو قول زفر والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (وإن اختصما قبل أن يحمل عليه) ش: أي على الحمار م: (وفي المسألة الأولى قبل أن يزرع) ش: أي واختصما في المسألة الأولى وهي ما إذا استأجر أرضا ولم يذكر أنه يزرعها ... إلى آخره. م: (نقضت الإجارة دفعا للفساد، إذ الفساد قائم بعد) ش: أي فساد العقد باق وثابت بعد الإجارة قبل الحمل على الحمار وقبل الزراعة في الأرض قال دفعا للفساد بالدال. ولو قال رفعا للفساد بالراء كان أولى لأن الفساد قائم يحتاج إلى الرفع، والدفع لا يكون إلا في غير القائم فافهم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 310 باب ضمان الأجير قال: الأجراء على ضربين، أجير مشترك وأجير خاص، فالمشترك من لا يستحق الأجرة حتى يعمل كالصباغ والقصار لأن المعقود عليه إذا كان هو العمل أو أثره، كان له أن يعمل للعامة؛ لأن منافعه لم تصر مستحقة لواحد فمن هذا الوجه يسمى أجيرا مشتركا.   [البناية] [باب ضمان الأجير] [ضمان الأجير المشترك] م: (باب ضمان الأجير) ش: الأجير على وزن فعيل لكن بمعنى فاعل، أي آجر. قال الأترازي: فعيل بمعنى مفاعل من باب أجر، واسم الفاعل منه مؤجر. قلت: هذا غلط؛ لأن فعيلا بمعنى فاعل لا يكون إلا من الثاني، وكيف يقول بمعنى مفاعل من باب أجره يعني به من المزيد بدليل قوله واسم الفاعل منه مؤجر. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (الأجراء على ضربين) ش: الأجراء على وزن فعلاء جمع أجير، قيل: هذا انقسام الشيء إلى نفسه وهو باطل. أجيب: بأن الانقسام إذا دخل على الجمع ولا معهود يبطل معنى الجمع، فيكون الجنس فيصح الانقسام م: (أجير مشترك) ش: وسؤال عن وجه تقديمه على الخاص دوري م: (وأجير خاص) ش: أي والثاني أجير خاص م: (فالمشترك من لا يستحق الأجرة حتى يعمل كالصباغ والقصار) ش: قيل: هذا التعريف دوري، لأنه لا يعلم من لا يستحقها قبل العمل حتى يعلم الأجير المشترك فيكون معرفة المعروف موقوفة على معرفة المعرف وهو الدور. أجيب: بأنه قد علم مما سبق في باب الأجرة متى تستحق أن بعض الأجراء يستحق الأجرة بالعمل فلم يتوقف معرفته على معرفة معرف. وقال الكاكي: هذا تعريفه بالأجلى الأشهر. قلت: بل هو تعريف بالمساوي على ما لا يخفى. قيل: قوله من لا يستحق الأجرة حتى يعمل مفرد، والتعريف بالمفرد لا يصح عند أكثر المحققين. أجيب: بأن قوله كالقصار، الصباغ منضم إليه فصار تعريفا بالمثال وهو صحيح. قيل: فيه نظر؛ لأن قوله: لأن المعقود عليه ينافي ذلك؛ لأن التعليل على التعريف غير صحيح. قلنا: هذا من التعريفات اللفظية فلا يحتاج إلى هذه التكلفات. م: (لأن المعقود عليه إذا كان هو العمل) ش: هو القصارة م: (أو أثره) ش: أي أو أثره، أي أثر العمل كالصبغ م: (كان له أن يعمل للعامة؛ لأن منافعه لم تصر مستحقة لواحد، فمن هذا الوجه) ش: أي من حيث إن منافعه لم تصر مستحقة لواحد م: (يسمى أجيرا مشتركا) ش: بين الناس غير مخصوص لواحد بعينه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 311 قال: والمتاع أمانة في يده، فإن هلك لم يضمن شيئا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويضمنه عندهما إلا من شيء غالب كالحريق الغالب والعدو المكابر. لهما ما روي عن عمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنهما كانا يضمنان الأجير المشترك، ولأن الحفظ مستحق عليه إذ لا يمكنه العمل إلا به   [البناية] م: (قال: والمتاع أمانة في يده، فإن هلك لم يضمن شيئا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: والحسن بن زياد والشافعي في قول، وأحمد في رواية وإسحاق والمزني. وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (ويضمنه عندهما) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، ومالك وابن أبي ليلى وعطاء وطاووس ومجاهد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إلا من شيء غالب كالحريق الغالب والعدو المكابر) ش: لأن الحفظ عنه غير واجب فلا يضمن لعدم الجناية والتقصير. م: (لهما ما روي عن عمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنهما كانا يضمنان الأجير المشترك) ش: روى البيهقي من طريق الشافعي أخبرنا إبراهيم بن يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أنه كان يضمن الصباغ والصائغ وقال: لا يصلح للناس إلا ذلك ". وروي عن خلاس عن على - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يضمن الأجير. قال البيهقي: الأول فيه انقطاع يعني بين أبي جعفر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. والثاني يضعفه أهل الحديث ويقولون أحاديث خلاس عن علي من كتاب. واستدل ابن الجوزي في " التحقيق " على أنه لا ضمان على الأجير المشترك بما رواه الدارقطني حدثنا الحسين بن إسماعيل ثنا عبد الله بن شبيب حدثني إسحاق بن محمد ثنا يزيد بن عبد الملك عن محمد بن عبد الرحمن الحجبي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا ضمان على مؤتمن» وقال صاحب التنقيح: هذا إسناد لا يعتمد عليه ويزيد بن عبد الملك ضعفه أحمد وغيره. وقال النسائي: متروك الحديث وعبد الله بن شبيب ضعفوه. م: (ولأن الحفظ مستحق عليه) ش: أي واجب م: (إذ لا يمكنه العمل إلا به) ش: أي بالحفظ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 312 فإذا هلك بسبب يمكن الاحتراز عنه كالغصب والسرقة كان التقصير من جهته فيضمنه كالوديعة إذا كانت بأجر، بخلاف ما لا يمكن الاحتراز عنه كالموت حتف أنفه والحريق الغالب وغيره؛ لأنه لا تقصير من جهته، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن العين أمانة في يده؛ لأن القبض حصل بإذنه، ولهذا لو هلك بسبب لا يمكن الاحتراز عنه لا يضمنه. ولو كان مضمونا يضمنه كما في المغصوب، والحفظ مستحق عليه تبعا لا مقصودا، ولهذا لا يقابله الأجر، بخلاف المودع بالأجر؛ لأن الحفظ مستحق عليه مقصودا حتى يقابله الأجر.   [البناية] [هلاك العين المؤجرة بسبب يمكن الاحتراز عنه] م: (فإذا هلك بسبب يمكن الاحتراز عنه كالغصب والسرقة كان التقصير من جهته فيضمنه كالوديعة إذا كانت بأجر) ش: لأنه صار بالتقصير تاركا ذلك الحفظ المستحق فيضمن، فصار مثل الدق، فالمستحق بالعقد دق سليم عن عيب التحرق، فإذا انحرق كان ضامنا م: (بخلاف ما لا يمكن الاحتراز عنه كالموت حتف أنفه والحريق الغالب وغيره) ش: مثل بسيل الغالب والفار على بلد هو فيه م: (لأنه لا تقصير من جهته) ش: فلم يكن متعديا فلا يضمن. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن العين أمانة في يده، لأن القبض حصل بإذنه) ش: لإقامة العمل فيه فلا يكون مضمونا عليه كالمودع وأجير الواحد م: (ولهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لو هلك بسبب لا يمكن الاحتراز عنه لا يضمنه ولو كان مضمونا) ش: يعني ولو كان المتاع مضمونا في يده م: (يضمنه كما في المغصوب) ش: أي كما يضمن في المغصوب في الحالين م: (والحفظ مستحق عليه تبعا) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقريره أن يقال: الاعتبار غير صحيح، لأن ما نحن فيه الحفظ مستحق عليه تبعا م: (لا مقصودا) ش: أي غير معقود عليه، لكنه وسيلة إليه وذلك، لأن العقد وارد على العمل لكونه أجيرا مشتركا، والحفظ ليس بمقصود أصلي بل لإقامة العمل، فكان تبعا فلم يكن مقصودا م: (ولهذا) ش: أي ولكون الحفظ مستحقا عليه تبعا لا مقصودا م: (لا يقابله الأجر) ش: أي لا يقابل الحفظ الأجر. م: (بخلاف المودع بالأجر، لأن الحفظ مستحق عليه مقصودا) ش: لأن المقصود بالذات هو الحفظ م: (حتى يقابله الأجر) ش: أي حتى يقابل الحفظ فيها مقصودا بخلاف الأجير المشترك، فإن المقصود فيه العمل فلا يكون عقد معاوضة فلا يقتضي السلامة. قيل: هذه المسألة مختلفة بين الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فلهذا اختار المتأخرون الفتوى بالصلح على النصف، لأن فيه عملا بأقوال الصحابة وفيه نظر، لأن هذا قول خارج عن أقوال الصحابة وترك للعمل بأقوالهم أن الصحابة اختلفوا على القولين لا غير إما الضمان أو عدم الضمان. وفي " الخلاصة ": بعض العلماء أفتوا بقولهما، وأئمة سمرقند أفتوا بالصلح على الجزء: 10 ¦ الصفحة: 313 قال: وما أتلف بعمله كتخريق الثوب من دقه وزلق الحمال وانقطاع الحبل الذي يشد به المكاري الحمل وغرق السفينة من مده مضمون عليه.   [البناية] النصف. وكان الإمام المرغيناني يفتي بقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقيل له: من قال بالصلح هل يجبر لو امتنع؟، قال: لا. وقال: كنت أفتي زمانا بالصلح فرجعت لهذا، القاضي الإمام قاضي خان يفتي بقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال تاج الشريعة: ذكر الفقيه أبو الليث أن الفتوى على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم عندهما إن شاء المالك ضمنه المقصور وأعطى الأجرة غير مقصورة ولا أجر له. م: (قال: وما أتلف بعمله) ش: أي بعمل الأجير المشترك م: (كتخريق الثوب من دقه وزلق الحمال وانقطاع الحبل الذي يشد به المكاري الحمل، وغرق السفينة من مده) ش: من مد الملاح السفينة، فالمصدر مضاف إلى مفعوله، والفاعل مطوي ذكره، والغرق بفتح الراء مصدر غرق في الماء إذا غار. م: (مضمون عليه) ش: أي على الأجير المشترك، ورفع مضمون على أنه خبر المبتدأ وهو قوله وما به. قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في قول: وروي ذلك عن عمر وعبيد الله بن عتبة وشريح والحسن والحكم. وقال الكرخي في " مختصره ": وأجمع أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وابن أبي ليلى أنه مضمون بالعمل الذي يأخذ عليه الأجر فيضمن القصار ما تحرق في دقه أو من عده أو من غمزه أو من بسطه. وكذلك الصباغ في ذلك كله. ويضمن أيضا في طبخ الثوب إذا كان مما يطبخ، وكذلك الملاح يضمن ما كان في مدة أو خدمة أو ما يعالج به السفينة للمسيرة. وكذلك الحمال إذا أسقط ما حمله من رأسه أو يده أو عثر فسقط ما معه فإنه يضمن ذلك كله، وكذلك المكاري إذا كان من سوقه أو من قوده وانقطع الحبل الذي شده على المتاع وفسد كل هؤلاء يضمنون ما يفسد به المتاع من فساد يلحقه منه عند حمله سفينة أو بسوقه لدابة عليها المتاع أو قوده. وقال حماد بن أبي سليمان وزفر والحسن بن زياد: هو مؤتمن في ذلك لم يضمن إلا إن تعدى. وفي " التحفة " وإن تخرق بدق أجير القصار لا ضمان عليه، ولكن يجب الضمان على الإسناد. وفي " شرح الكافي ": ولو وطئ الأجير على ثوب القصار مما لا يوطأ فخرقه كان ضمانه عليه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 314 وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا ضمان عليه؛ لأنه أمره بالفعل مطلقا فينتظمه بنوعيه المعيب والسليم وصار كأجير الواحد ومعين القصار. ولنا أن الداخل تحت الإذن ما هو الداخل تحت العقد وهو العمل المصلح؛ لأنه هو الوسيلة إلى الأثر وهو المعقود عليه حقيقة. حتى لو حصل بفعل الغير يجب الأجر فلم يكن المفسد مأذونا فيه. بخلاف المعين؛ لأنه متبرع فلا يمكن تقييده بالمصلح؛ لأنه يمتنع عن التبرع، وفيما نحن فيه يعمل بالأجر فأمكن تقييده. وبخلاف الأجير الواحد على ما نذكره إن شاء الله تعالى، وانقطاع الحبل من قلة اهتمامه فكان من صنيعه.   [البناية] م: (وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا ضمان عليه) ش: قال الربيع هذا مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وروي ذلك عن عطاء وطاووس م: (لأنه أمره) ش: أي لأن صاحب المتاع من الأجير المشترك م: (بالفعل مطلقا) ش: بأن استأجره ليدق الثوب ولم يرد على ذلك ما يدل على السلامة. م: (فينتظمه بنوعيه) ش: أي فينتظم المطلق بنوعي الفعل م: (المعيب والسليم) ش: بالجر فيهما على أنه عطف بيان أو بدل، ويجوز الرفع فيهما على تقدير أحدهما المعيب والآخر السليم م: (وصار كأجير الواحد ومعين القصار) ش: حيث لا ضمان عليهما. م: (ولنا أن الداخل تحت الإذن ما هو الداخل تحت العقد وهو العمل المصلح) ش: وفي بعض النسخ الصالح م: (لأنه هو الوسيلة إلى الأثر) ش: الحاصل في العين من فعله م: (وهو المعقود عليه حقيقة) ش: لكونه هو المقصود م: (حتى لو حصل بفعل الغير يجب الأجر) ش: وإذا كان كذلك كان الأمر مقيدا بالسلامة م: (فلم يكن المفسد) ش: من العمل م: (مأذونا فيه) ش: كما لو وصف نوعا من الدق فجاءه بنوع آخر. م: (بخلاف المعين) ش: أي معين القصار م: (لأنه متبرع فلا يمكن تقييده) ش: أي تقييد عمله م: (بالمصلح، لأنه يمتنع عن التبرع وفيما نحن فيه يعمل بالأجر فأمكن تقييده) ش: أي بالمصلح قبل الملتزم أن يلتزم جواز الامتناع عن التبرع فيما يحصل به المضرة لغير من تبرع له. ولو علل بأن التبرع بالعمل بمنزلة الهبة وهي لا تقتضي السلامة كان أسلم م: (وبخلاف الأجير الواحد على ما نذكره إن شاء الله تعالى) ش: أي أجير المستأجر الواحد، وسيأتي في آخر الباب. م: (وانقطاع الحبل) ش: جواب عما عسى أن يقال انقطاع الحبل ليس من صنع الأجير، فما وجه ذكره من جملة ما تلف بعمله، فأجاب بقوله: م: (من قلة اهتمامه فكان من صنيعه) ش: أراد أنه إنما انقطع من قلة افتقاده كل ساعة، لأنه ربما ينحل انبرامه أو يبلى من كثرة الاستعمال ولا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 315 قال: إلا أنه لا يضمن به بني آدم ممن غرق في السفينة أو سقط من الدابة وإن كان بسوقه وقوده؛ لأن الواجب ضمان الآدمي وأنه لا يجب بالعقد، وإنما يجب بالجناية، ولهذا يجب على العاقلة وضمان العقود لا تتحمله العاقلة. قال: وإذا استأجر من يحمل له دنا من الفرات فوقع في بعض الطريق فانكسر فإن شاء ضمنه قيمته في المكان الذي حمله ولا أجر له، وإن شاء ضمنه قيمته في الموضع الذي انكسر وأعطاه أجره بحسابه أما الضمان فلما قلنا   [البناية] يهون عليه تجديده وتبديله بأقوى منه م: (قال: إلا أنه) ش: استثناء من قوله مضمون، أي إلا أن الأجير المشترك م: (لا يضمن به) ش: أي بفعله م: (بني آدم ممن غرق في السفينة أو سقط من الدابة وإن كان بسوقه وقوده) ش: قيل: إذا كان يستمسك على الدابة ويركب وحده وإلا فهو كالمتاع، والصحيح أنه لا فرق. وكذا رواه ابن سماعة عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الوضيع، وكذا ذكره التمرتاشي. وفي " الاختيار ": ولو غرقت في موج أو ريح أو صدم جبل أو زوحم الجمال فلا ضمان عليهم، لأنهم لا فعل لهم في ذلك م: (لأن الواجب ضمان الآدمي وأنه) ش: أي ضمان الآدمي م: (لا يجب بالعقد، وإنما يجب بالجناية، ولهذا يجب على العاقلة وضمان العقود لا تتحمله العاقلة) ش: لأنهم لا يتحملون إلا ضمان الجنايات. [استأجر من يحمل له دنا فوقع في بعض الطريق فانكسر] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإذا استأجر من يحمل له دنا من الفرات فوقع في بعض الطريق فانكسر فإن شاء ضمنه قيمته) ش: أي قيمة الدن م: (في المكان الذي حمله ولا أجر له، وإن شاء ضمنه قيمته في الموضع الذي انكسر وأعطاه أجره بحسابه) ش: قال السغناقي إنما وضع المسألة في الفرات، لأن الدنان الجديدة كانت تباع هنالك، قيد بقوله في بعض الطريق، لأنه لو انكسر بعدما انتهى إلى المكان المشروط من جناية يده فلا ضمان عليه وله الأجر. وكذا نقل الإمام صاعد النيسابوري، كذا في " المبسوط ". وقوله: فانكسر ليس بقيد، فإنه لو كسره عمدا فالحكم كذلك عندنا. وعند زفر والشافعي - رحمهما الله - إن انكسر لا ضمان عليه لما قلنا. وإن كسره يضمن قيمته في المكان الذي كسره ويعطيه أجر ما حمل. في شرط الطحاوي فلو زحمه الناس حتى انكسر فإنه لا يضمن بالإجماع، لأن ذلك بمنزلة الخرق الغالب والغرق الغالب، ولو أنه هو الذي زحم الناس حتى انكسر فإنه يضمن بالإجماع. م: (أما الضمان فلما قلنا) ش: أنه أجير مشترك وقد تلف المتاع بصنعه فيضمن، وفي " شرح الطحاوي " والراعي بمنزلة الأجير المشترك إذا كان يرعى للعامة فما تلف من سوقه وضربه إياها بخلاف العادة فإنه يضمن، لأنه من جناية يده. وإذا ساق الدواب على السرعة، فإذا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 316 والسقوط بالعثار أو بانقطاع الحبل وكل ذلك من صنيعه. وأما الخيار فلأنه إذا انكسر في الطريق والحمل شيء واحد تبين أنه وقع تعديا من الابتداء من هذا الوجه. وله وجه آخر وهو أن ابتداء الحمل حصل بإذنه فلم يكن من الابتداء تعديا عند الكسر فيميل إلى أي الوجهين شاء. وفي الوجه الثاني له الأجر بقدر ما استوفى. وفي الوجه الأول لا أجر له؛ لأنه ما استوفى عمله أصلا.   [البناية] زحمت على القنطرة ودفعت بعضها بعضا فسقطت إلى الماء وعطبت فإنه يضمن، لأنه من جناية يده. ولو أن رجلا قال: استأجرتك لترعى غنمي خاصة مدة معلومة فهذا أجير الواحد. وفي " الفتاوى الصغرى ": الراعي إذا كان مشتركا لا يجب عليه رعي الأولاد التي تحدث فإن شرط عليه في أصل العقد يجب عليه رعي الأولاد م: (والسقوط بالعثار) ش: أي سقوط الحامل يحصل بالعثار م: (أو بانقطاع الحبل، وكل ذلك من صنيعه وأما الخيار فلأنه إذا انكسر في الطريق والحمل شيء واحد) ش: أي والحال أن الحمل شيء واحد حكما إذ الحمل المستحق بالعقد ما ينتفع به وهو أن يجعله محمولا إلى موضع بعينه م: (تبين أنه وقع تعديا من الابتداء) ش: أي من ابتداء العقد م: (من هذا الوجه) ش: يتعلق بقوله وقع تعديا، وأراد به الوجه الذي ذكره وهو أن الحمل شيء واحد فيكون انكساره في الطريق كانكساره ابتداء. م: (وله وجه آخر) ش: أي لوجوب الضمان وجه آخر. م: (وهو أن ابتداء الحمل حصل بإذنه فلم يكن من الابتداء تعديا) ش: لأن ابتداءه به في الحقيقة سليم م: (وإنما صار تعديا عند الكسر) ش: أراد أنه كان في الابتداء غير متعد، فلما كسره ظهر أنه متعد، ولكن ما كان ظهوره إلا عند الكسر، فإذا كان جهة الضمان دائر بين الأمرين م: (فيميل إلى أي الوجهين شاء) . م: (وفي الوجه الثاني) ش: وهو ما إذا شاء تضمين قيمته في المكان الذي انكسر م: (له الأجر بقدر ما استوفى، وفي الوجه الأول) ش: وهو ما إذا شاء تضمين قيمته في المكان الذي حمله م: (لا أجر له، لأنه ما استوفى عمله أصلا) ش: فالوجه الأول وجه حكمي. فلهذا قلنا: إنه ليس يجمع بين الأجر والضمان، لأنهما لا يجتمعان عنده إذا كانا في حالة واحدة، وقد اختلفت الحالة هنا، لأنه في الوجه الثاني جعل المتاع أمانة عنده من حيث حمل إلى أن كسر والأجر يجب في حالة الأمانة، وإنما صار مضمونا في حالة الكسر وهذه حالة أخرى. فإن قلت: كان ينبغي أن لا يخير عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لكن يضمن قيمته في المكان الذي انكسر، لأن المال أمانة عند الأجير المشترك عنده، وإذا كان أمانة وجب أن لا يضمن قيمته في المكان الذي حمله منه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 317 قال: وإذا فصد الفصاد أو بزغ البزاغ ولم يتجاوز الموضع المعتاد فلا ضمان عليه فيما عطب من ذلك وفي " الجامع الصغير " بيطار بزغ دابة بدانق فنفقت، أو حجام حجم عبدا بأمر مولاه فمات فلا ضمان عليه، وفي كل واحد من العبارتين نوع بيان. ووجهه أنه لا يمكنه التحرز عن السراية؛ لأنه يبتنى على قوة الطبائع وضعفها في تحمل الألم فلا يمكن التقييد بالمصلح من العمل   [البناية] قلت: هذا ليس كذلك على الإطلاق، ولكن القبض يقع على وصف التوقف عنده، فإن ظهر بصنعه ظهر أنه كان مضمونا عليه، فجاز أن يكون له الخيار. [فصد الفصاد أو بزغ البزاغ ولم يتجاوز الموضع المعتاد] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا فصد الفصاد أو بزغ البزاغ) ش: فصد من باب ضرب يستعمل في الآدمي، وبزغ من باب فتح يستعمل في الحيوان يقال بزغ البيطار الدابة إذا شقها بالمبزاغ وهو مثل مشرط الحجام، ومادته باء موحدة وزاي وغين معجمتان م: (ولم يتجاوز الموضع المعتاد فلا ضمان عليه فيما عطب من ذلك) ش: أي فيما هلك، ولا يعلم فيه خلاف. قيد بقوله ولم يتجاوز الموضع المعتاد، لأنه إذا تجاوز الموضع المعتاد يضمن. وقال صاحب " الاختيار ": ولا ضمان على الفصاد والبزاغ، إلا أن يتجاوز الموضع المعتاد، لأنه إذا فعل المعتاد لا يمكنه الاحتراز عن السراية، لأنه ينبي على قوة المزاج وضعفه، وذلك غير معلوم فلا يتقيد فيه. بخلاف دق الثوب، لأن رقته وثخانته تعرف لأهل الخبرة فيتقيد بالصلاح. وفي " الفتاوى الصغرى " و" التتمة ": إذا شرط على الحجام والبزاغ العمل على وجه لا يسري لا يصح هذا الشرط، لأنه ليس في وسعه ذلك. ولو شرط على القصار العمل على وجه لا ينخرق صح، لأنه وسعه ذلك. م: (وفي " الجامع الصغير " بيطار بزغ دابة بدانق فنفقت) ش: أي هلكت م: (أو حجام حجم عبدا بأمر مولاه فمات فلا ضمان عليه) ش: إنما أعاد المسألة المذكورة بينهما على مزيد فائدة المار إليها بقوله م: (وفي كل واحد من العبارتين نوع بيان) ش: أراد بهما عبارة القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعبارة " الجامع الصغير ". وأراد بنوع بيان من القدوري أنه ذكر عدم التجاوز عن الموضع المعتاد، ويفيد أنه إن تجاوز ضمن، وبنوع بيان من " الجامع الصغير " أنه بين الأجرة، وكون الحجامة بأمر المولى والهلاك، ويفيد أنه إذا لم يكن بأمره يضمن. م: (ووجهه) ش: أي وجه عدم الضمان م: (أنه لا يمكنه التحرز عن السراية، لأنه يبتنى على قوة الطبائع وضعفها في تحمل الألم فلا يمكن التقييد بالمصلح من العمل) ش: لئلا يتقاعد الناس عنه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 318 ولا كذلك دق الثوب ونحوه مما قدمناه؛ لأن قوة الثوب ورقته تعرف بالاجتهاد، فأمكن القول بالتقييد. قال: والأجير الخاص الذي يستحق الأجرة بتسليم نفسه في المدة وإن لم يعمل، كمن استؤجر شهرا للخدمة أو لرعي الغنم، وإنما سمي أجير واحد؛ لأنه لا يمكنه أن يعمل لغيره   [البناية] مع مساس الحاجة م: (ولا كذلك دق الثوب ونحوه مما قدمناه) ش: أشار به إلى قوله، لأن الاحتراز عن التحريق بالدق ممكن ليمكن التقييد بالمصلح م: (لأن قوة الثوب ورقته تعرف بالاجتهاد فأمكن القول بالتقييد) ش: بالمصلح. وفي بعض النسخ ودقته بالدال، وكلاهما بمعنى واحد، ثم إذا تجاوز المعتاد يضمن، ولم يبين قدر ذلك الضمان على تقدير الحياة أو الموت كم هو؟ قيل: ذلك بحسب قدر التجاوز حتى إن الختان لو ختن فقطع الحشفة ينظر إن برئ فعليه كمال دية النفس وإن مات فعليه نصف الدية. وهذا من العجب إذ هو مخالف لجميع مسائل الديات، فإنه كلما زاد أثر جنايته انتقص ضمانه وينبغي أن يزداد ضمانه، كما في قطع اليد وقتله خطأ، وقد ذكر السرخسي في " مبسوطه " فقال محمد في " النوادر ": أنه لما برئ كان عليه ضمان الحشفة وهي عضو مقصود لا ثاني له في النفس، فيتقدر بدله ببدل النفس كما في قطع اللسان. ولو مات حصل تلف النفس بفعلين أحدهما مأذون فيه وهو قطع الجلد والآخر غير مضمون وهو قطع الحشفة فعليه نصف بدل النفس لذلك. فإن قيل: التنصيف بالبدل يعتمد التساوي في السبب وقد انتفى، لأن قطع الحشفة أشد إفضاء إلى التلف من قطع الجلدة لا محالة، فكان كقطع اليد مع حر الرقبة. أجيب: بأن كل واحد يحتمل أن يقع إتلافا وأن لا يقع، والتفاوت غير مضبوط فكان هذا بخلاف الحر، فإنه لا يحتمل أن لا يقع إتلافا. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والأجير الخاص الذي يستحق الأجرة بتسليم نفسه في المدة وإن لم يعمل) ش: ما كان يرد على الأجير المشترك يرد هنا، فالجواب هو الجواب، ثم إنه إنما يستحق الأجرة بتسليم نفسه بدون العمل إذا تمكن من العمل. حتى لو سلم نفسه ولم يتمكن من العمل لعذر منعه لم يجب الأجر، فإنه ذكر في " الذخيرة " لو استأجره لاتخاذ الطين أو غيره في الصحراء فمطر ذلك اليوم بعدما خرج الأجير إلى الصحراء لا أجر له، وبه كان يفتي المرغيناني. م: (كمن استؤجر شهرا للخدمة أو لرعي الغنم) ش: أي لو استأجر شهرا لرعي الغنم، هذا هو الأجير الخاص، لأنه مخصوص بواحد م: (وإنما سمي أجير واحد، لأنه لا يمكنه أن يعمل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 319 لأن منافعه في المدة صارت مستحقة له، والأجر مقابل بالمنافع، ولهذا يبقى الأجر مستحقا وإن نقض العمل. قال: ولا ضمان على الأجير الخاص فيما تلف في يده ولا ما تلف من عمله. أما الأول فلأن العين أمانة في يده؛ لأنه قبض بإذنه وهذا ظاهر عنده، وكذا عندهما؛ لأن تضمين الأجير المشترك نوع استحسان عندهما لصيانة أموال الناس، ولأجير الواحد لا يتقبل الأعمال   [البناية] لغيره) ش: أي لغير المستأجر. وقوله أجير مضاف إلى لفظة وحد، والوحد بفتح الواو وسكون الحاء بمعنى الواحد وهو صفة موصوفها محذوف تقديره أجير مستأجر واحد، ويجوز تحريك الحاء أيضا م: (لأن منافعه في المدة) ش: أي منافع الأجير الخاص في المدة المضروبة للعمل م: (صارت مستحقة له) ش: أي للمستأجر م: (والأجر مقابل بالمنافع، ولهذا) ش: أي ولأجل أن الأجر مقابل بالمنافع، والمنافع مستحقه له م: (يبقى الأجر مستحقا، وإن نقض العمل) ش: على بناء المجهول في نقض، بخلاف الأجير المشترك، فإنه روي عن محمد لو فتق الخياط أو غيره الثوب بعدما عمل قبل أن يقبض رب الثوب فلا أجر للخياط، لأنه لم يسلم العمل لرب الثوب ولا يجبر الخياط على أن يعيد العمل، لأنه لو أجبر عليه أجبر بحكم العقد الذي جرى بينهما، وذلك العقد قد انتهى بتمام العمل وإن كان الخياط وهو الذي فتق فعليه أن يعيد العمل، ولو كان أجيرا خاصا فينقضه استحق الأجر والإسكاف كالخياط. [ضمان الأجير الخاص] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا ضمان على الأجير الخاص فيما تلف في يده) ش: بأن سرق منه أو غاب أو غصب م: (ولا ما تلف من عمله) ش: بأن انكسر القدوم في عمله أو تخرق الثوب من دقه أو انفسد الطبخ أو احترق الخبز ونحو ذلك، وبه قالت الثلاثة. وعن بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه قولان: في قول: يضمن كالأجير المشترك وهو المنصوص عليه، ذكره في " الحلية ". ومنهم من قال: لا يضمن قولا واحدا، هذا كله إذا لم يتعمد الفساد، فإن تعمد ذلك ضمن كالمودع بلا خلاف. م: (أما الأول) ش: وهو ما إذا تلف في يده م: (فلأن العين أمانة في يده، لأنه قبض بإذنه) ش: أي بإذن المستأجر م: (وهذا ظاهر عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وكذا عندهما، لأن تضمين الأجير المشترك نوع استحسان عندهما لصيانة أموال الناس) ش: فإنه يقبل أعيانا كثيرة رغبة في كثرة الأجر، وقد يعجز عن قضاء حق الحفظ فيها فيضمن حتى لا يقصر في حفظها ولا يأخذ إلا ما يقدر على حفظه م: (ولأجير الواحد) ش: بإضافة الأجير إلى الواحد، ولا يمتنع في هذه الإضافة دخول اللام في المضاف، لأن الإضافة لفظية. وفي بعض النسخ وأجير الواحد بدون اللام في الأجير. وهذا أشهر وأصوب وهو مبتدأ وخبره قوله م: (لا يتقبل الأعمال) ش: بل يسلم نفسه م: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 320 فتكون السلامة غالبا فيؤخذ فيه بالقياس. وأما الثاني فلأن المنافع متى صارت مملوكة للمستأجر، فإذا أمره بالتصرف في ملكه صح ويصير نائبا منابه، فصار فعله منقولا إليه كأنه فعل بنفسه، فلهذا لا يضمنه والله أعلم   [البناية] (فتكون السلامة غالبا فيؤخذ فيه بالقياس) ش: وهو عدم الضمان. م: (وأما الثاني) ش: وهو ما إذا تلف بعمله م: (فلأن المنافع متى صارت مملوكة للمستأجر) ش: بتسليم النفس، ولهذا يستحق الأجر بتسليم نفسه بدون العمل م: (فإذا أمره بالتصرف في ملكه صح ويصير) ش: أي الأجير م: (نائبا منابه، فصار فعله منقولا إليه كأنه فعل بنفسه، فلهذا لا يضمنه والله أعلم) ش: كما في الإكراه الملجئ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 321 باب الإجارة على أحد الشرطين وإذا قال للخياط: إن خطت هذا الثوب فارسيا فبدرهم، وإن خطته روميا فبدرهمين جاز، وأي عمل من هذين العملين عمل استحق الأجر به، وكذا إذا قال لصباغ: إن صبغته بعصفر فبدرهم، وإن صبغته بزعفران فبدرهمين. وكذا إذا خيره بين شيئين بأن قال أجرتك هذه الدار شهرا بخمسة أو هذه الدار الأخرى بعشرة، وكذا إذا خيره بين مسافتين مختلفتين بأن قال أجرتك هذه الدابة إلى الكوفة بكذا أو إلى واسط بكذا   [البناية] [باب الإجارة على أحد الشرطين] م: (باب الإجارة على أحد الشرطين) ش: لما بين الإجارة على شرط إذا كان مفسدا شرع في بيان الشرطين، والاثنان بعد الواحد. م: (وإذا قال للخياط: إن خطت هذا الثوب فارسيا) ش: أي خياطا فارسيا بمعنى خياطة فارسية أي منسوبة إلى صنعة فارس وهي التي تكون فيها الخياطة غرزة غرزة. وقوله: م: (فبدرهم) ش: جواب الشرط والتقدير فأجرتك بدرهم م: (وإن خطته روميا) ش: أي خياطا روميا يعني خياطة روميه أي منسوبة إلى صنعة الروم وهي التي تكون الخياطة فيها غرزتين، وكذلك قوله م: (فبدرهمين) ش: جواب الشرط بالتقدير الذي ذكرناه، وقوله م: (جاز) ش: جواب إذا، أي جاز هذا الشرط المتنوع م: (وأي عمل من هذين العملين) ش: أي الخياطة الفارسية والخياطة الرومية م: (عمل) ش: أي الخياط م: (استحق الأجر به) ش: أي الأجر المسمى بالعمل، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وقال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية، وإسحاق وأبو ثور والثوري: لا يصح العقد وهو القياس، وبه قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا ثم رجع عنه. وجه القياس أنه عقد معاوضة ولم ينعقد فيه العوض والمعوض، فلم يصح وله أجر المثل إذا عمل. وجه الاستحسان أن الأجر يجب بالعمل وعند العمل ما يلزمه عن البدل معلوم فلا تبقى الجهالة في المعقود عليه ولا في بدله. م: (وكذا إذا قال لصباغ إن صبغته بعصفر) ش: وهو زهر القرطم م: (فبدرهم) ش: أي فأجرتك تكون بدرهم م: (وإن صبغته بزعفران فبدرهمين) ش: بفتح الزاي والفاء جميعا م: (وكذا إذا خيره) ش: أي وكذا يصح إذا خير الأجير المستأجر م: (بين شيئين بأن قال أجرتك هذه الدار شهرا بخمسة أو هذه الدار الأخرى بعشرة) ش: فأي دار سكنها يلزمه ما عينه من الأجرة م: (وكذا إذا خيره) ش: أي وكذا يجوز إذا خير المؤجر المستأجر م: (بين مسافتين مختلفتين بأن قال أجرتك هذه الدابة إلى الكوفة بكذا أو إلى واسط بكذا) ش: يلزمه عشرة، وإن سافر إلى واسط يلزمه خمسة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 322 وكذا إذا خيره بين ثلاثة أشياء، وإن خيره بين أربعة لم يجز والمعتبر في جميع ذلك البيع، والجامع دفع الحاجة غير أنه لا بد من اشتراط الخيار في البيع وفي الإجارة لا يشترط ذلك؛ لأن الأجر إنما يجب بالعمل وعند ذلك يصير المعقود عليه معلوما وفي البيع يجب الثمن بنفس العقد فتتحقق الجهالة على وجه لا ترتفع المنازعة إلا بإثبات الخيار.   [البناية] م: (وكذا إذا خيره بين ثلاثة أشياء) ش: أي في الصور المذكورة بأن قال إن خطته فارسيا فلك درهم، إن خطته روميا فلك درهمان، وإن خطته تركيا أو نحو ذلك فلك ثلاثة دراهم، فأي الأعمال عمل استحق الأجر المسمى. وكذلك إذا قال إن صبغته بعصفر فلك درهم، وإن صبغته بزعفران فلك درهمان، وإن صبغته بورس ونحوه فلك ثلاثة دراهم. وكذا لو قال: إن سكنت هذه الدار كل شهر فعليك خمسة، وإن سكنت هذه فعليك عشرة، وإن سكنت هذا فخمسة عشر. وكذا إذا قال: أجرتك هذه الدابة إلى بغداد بعشرة أو إلى واسط بخمسة عشر أو إلى الكوفة بعشرين. م: (وإن خيره بين أربعة لم يجز) ش: أي وإن خير بين أربعة أنواع من الفعل لم يجز بأن قال: إن خطته فارسيا فلك درهم، وإن خطته روميا فلك درهمان، وإن خطته تركيا فثلاثة، وإن خطته هنديا فأربعة وقس الباقي على هذا، وكذلك الزراعة جاز إلى الثلاثة، كما إذا قال للمزارع: إن زرعتها بغير كراب فلك ربع الخارج، وإن زرعتها بكراب فلك ثلاثة، وإن زرعتها بكرابين فلك نصفه وإلى ذلك عمل فله شرط. م: (والمعتبر في جميع ذلك البيع) ش: فإذا باع أحد الثوبين أو أحد الأثواب الثلاثة جاز، وإذا باع أحد الأثواب الأربعة لم يجز فكذا في الإجارة م: (والجامع) ش: في وجه إلحاق الإجارة بالبيع في هذه الصور م: (دفع الحاجة) ش: أي حاجة الناس وضروراتهم. ثم أشار إلى بيان الفرق بينهما من وجه بقوله م: (غير أنه) ش: أي أن الشأن م: (لا بد من اشتراط الخيار في البيع) ش: فإنه إذا خيره بين ثوبين على أن يأخذ أيهما شاء يكون للمشتري الخيار، وكذا إذا خيره بين الثلاثة م: (وفي الإجارة لا يشترط ذلك) ش: أي الخيار م: (لأن الأجر إنما يجب بالعمل، وعند ذلك يصير المعقود عليه معلوما) ش: فلا يحتاج إلى إثبات الخيار. م: (وفي البيع يجب الثمن بنفس العقد فتتحقق الجهالة على وجه لا ترتفع المنازعة إلا بإثبات الخيار) ش: وبهذا التعليل خرج الجواب عما قيل ما الفرق بين هذا وبين البيع والنكاح حيث يفسدان بالشرط، ولا تفسد الإجارة، فإنه لو قال بعت منك هذا العبد بألف درهم أو هذه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 323 ولو قال إن خطته اليوم فبدرهم وإن خطته غدا فبنصف درهم، فإن خاطه اليوم فله درهم، وإن خاطه غدا فله أجر مثله عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجاوز به نصف درهم. وفي " الجامع الصغير ": لا ينقص من نصف درهم ولا يزاد على درهم.   [البناية] الجارية بمائة دينار أو زوجتك أمتي هذه بمائة درهم أو ابنتي فلانة بمائة دينار فقال قبلت كان باطلا. [قال إن خطته اليوم فبدرهم وإن خطته غدا فبنصف درهم] م: (ولو قال إن خطته اليوم فبدرهم وإن خطته غدا فبنصف درهم، فإن خاطه اليوم فله درهم، وإن خاطه غدا فله أجر مثله عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لأن الشرط الأول جائز، والثاني فاسد، ولهذا يجب المسمى في الأول وأجر المثل في الثاني م: (لا يجاوز به نصف درهم) ش: أي لا يجاوز بأجر المثل نصف درهم، لأنه هو المسمى في اليوم الثاني. م: (وفي " الجامع الصغير ": لا ينقص من نصف درهم ولا يزاد على درهم) ش: ذكر هذا تنبيها على اختلاف الرواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا خاطه في اليوم الثاني فالأول ما ذكره القدوري وهو الصحيح، والثاني ما ذكره في " الجامع الصغير "، لأن التسمية الأولى لا تنعدم في اليوم الثاني فتعتبر لمنع الزيادة، وتعتبر التسمية الثانية لمنع النقصان، فإن خاطه في اليوم الثاني يأتي بيانه عن قريب. وقال الكرخي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " فإن خاطه من بعد الغد فله أجر مثله في قولهم جميعا. واختلف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أجر المثل على ما حكاه في الوجه الأول يزاد على أجر الأول ولا ينقص من الأجر الثاني. وروي عنه إن كان أجر مثله أقل من الأجر الثاني فله الأقل من الأجر الثاني. وقال في الإملاء: في هذه المسألة له أجر مثله لا يتجاوز به درهما، انتهى. وقال القدوري في " شرحه ": واختلفت الرواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا خاطه في اليوم الثاني، فقال في إحدى الروايتين له أجر مثله لا يزاد على درهم ولا ينقص من نصف درهم، وهذا رواية الأصل والجامع الصغير. ورواية محمد في الأصل وإحدى الروايتين عن ابن سماعة عن أبي يوسف في نوادره وإحدى روايتي ابن سماعة أيضا عن محمد في نوادره. وروى ابن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في نوادره رواية أخرى أن له في اليوم الثاني أجر مثله لا يزاد على نصف درهم وهي الرواية الصحيحة، انتهى. وقال فخر الإسلام في شرح " الجامع الصغير " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " النوادر ": أنه يجب في شرط الثاني أجر مثله لا يجاوز به نصف درهم وينقص عنه وهو اختيار الكرخي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 324 وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: الشرطان جائزان. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشرطان فاسدان؛ لأن الخياطة شيء واحد، وقد ذكر بمقابلته بدلان على البدل، فيكون مجهولا، وهذا لأن ذكر اليوم للتعجيل وذكر الغد للترفيه فيجتمع في كل يوم تسميتان. ولهما أن ذكر اليوم للتأقيت وذكر الغد للتعليق فلا يجتمع في كل يوم تسميتان. ولأن التعجيل والتأخير مقصودان فنزل منزلة اختلاف   [البناية] م: (وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: الشرطان جائزان) ش: ففي أيهما خاط يستحق المسمى فيه م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشرطان فاسدان) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في ظاهر مذهبه والثوري وإسحاق وهو القياس م: (لأن الخياطة شيء واحد) ش: لأنه استأجره على مطلق الخياطة فالفعل غير مختلف وإنما يختلف الزمان م: (وقد ذكر بمقابلته بدلان على البدل) ش: أي بمقابلة شيء واحد الذي هو الخياطة، وأراد بالبدلين هو درهم ونصف درهم. وأراد بقوله على البدل على الطريق البدل م: (فيكون مجهولا) ش: أي فيكون البدل الذي هو الأجر مجهولا فصار كأنه قال: خطته بدرهم ونصف دراهم وهو باطل، فكذا هذا. م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن ذكر اليوم للتعجيل) ش: لا للتوقيت لأنه خال إفراد العقد باليوم بقوله: خطته اليوم بدرهم كان للتعجيل لا للتوقيت حتى لو خاطه في الغد استحق الأجر فكذا هما م: (وذكر الغد للترفيه) ش: لا للإضافة والتعليق ولهذا لو أفرد العقد في الغد بأن قال خطته غدا بنصف درهم ثبت هذا العقد في اليوم حتى لو خاطه اليوم استحق نصف درهم م: (فيجتمع في كل يوم تسميتان) ش: فيبطل العقد للجهالة بيان ذلك أما في اليوم الأول فلأن ذكر الغد للترفيه كان العقد المضاف إلى غد ثابت اليوم مع عقد اليوم وأما في الغد فلأن العقد المنعقد في اليوم باق لأن ذكر اليوم للتعجيل فيجتمع مع المضاف إلى غد فهذا بيان اجتماع التسميتين في كل يوم. م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أن ذكر اليوم للتأقيت) ش: لأنه حقيقة، فكان قوله: إن خطته اليوم فبدرهم مقتصرا على اليوم فبانقضاء اليوم لا يبقى إلى الغد، بل ليقضي بانقضاء الوقت م: (وذكر الغد للتعليق) ش: أي للإضافة، لأن الإجارة لا تقبل التعليق، لكن تقبل الإضافة لم يكن العقد ثابتا في الحال. وقال الكاكي: ولهذا ذكر في بعض النسخ وذكر الغد للإضافة م: (فلا يجتمع في كل يوم تسميتان) ش: فيصح الشرطان م: (ولأن التعجيل والتأخير مقصودان) ش: دليل آخر لهما، ومعناه أن المعقود عليه واحد وهو العمل ولكن بصفة خاصة فيكون مراده التعجيل لبعض أغراضه في اليوم من التجمل والبيع بزيادة فائدة فيفوت ذلك ويكون التأجيل مقصودا م: (فنزل) ش: باختلاف الغرض م: (منزلة اختلاف الجزء: 10 ¦ الصفحة: 325 النوعين ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ذكر الغد للتعليق حقيقة ولا يمكن حمل اليوم على التأقيت لأن فيه فساد العقد لاجتماع الوقت والعمل. وإذا كان كذلك يجتمع في الغد تسميتان دون اليوم فيصح الأول ويجب المسمي ويفسد الثاني ويجب أجر المثل   [البناية] النوعين) ش: من العمل كما في الخياطة الفارسية والرومية. فإن قلت: قد جعلا ذكر اليوم في مسألة خبز المخاتيم للتعجيل فما لهما لم يجعلا كذلك هاهنا. قلت: هنالك حملا على المجاز تصحيحا للعقد، وهاهنا حملا على الحقيقة للتصحيح أيضا إذا لو عكس الأمر في الفصلين يلزم إبطال ما قصد العاقدان في صحة العقد، والأصح تصحيح تصرف العاقل ما أمكن. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ذكر الغد للتعليق) ش: أي للإضافة، ويجوز أن يقال عبر عن الإضافة بالتعليق إشارة إلى أن النصف في الغد ليس بتسمية جديدة لأن التسمية الأولى باقية وإنما هو يحط النصف لأمر التأخير فيكون معناه ذكر الغد للتعليق أي لتعليق الحط بالتأخير وهو يقبل التأخير م: (حقيقة) ش: أي من حيث الحقيقة، فإذا كان حقيقة وأمكن العمل بها لا يصار إلى المجاز فلا يجتمع تسميتان في اليوم م: (ولا يمكن حمل اليوم على التأقيت) ش: الذي هو حقيقة اليوم م: (لأن فيه فساد العقد لاجتماع الوقت والعمل) ش: فإذا نظرنا إلى ذكر العمل كان الأجير مشتركا. وإذا نظرنا إلى ذكر اليوم كان أجيرا واحدا، وهما متنافيان لتنافي لوازمهما، فإن ذكر العمل يوجد عدم وجوب الأجرة ما لم يعمل. وذكر الوقت يوجب وجوبها عند تسليم النفس في المدة، وتنافي اللوازم يدل على تنافي الملزومات ولذلك عدلنا عن الحقيقة التي هي للتأقيت إلى المجاز الذي هو التعجيل م: (وإذا كان كذلك يجتمع في الغد تسميتان دون اليوم فيصح الأول) ش: أي الشرط الأول م: (ويجب المسمى ويفسد الثاني) ش: أي الشرط الثاني م: (ويجب أجر المثل) ش: لا مقتضى الإجارة الفاسدة. قيل: في جعل اليوم للتعجيل صحة الإجارة الأولى وفساد الثانية، وفي جعله للتوقيت فساد الأولى وصحة الثانية، ولا رجحان لأحدهما على الآخر فكان تحكما. أجيب بأن فساد الإجارة الثانية يلزم في ضمن صحة الأولى، والضمان غير معتبرة. قيل: هذا يشكل على قول أبي حنيفة بمسألة المخاتيم، فإنه جعل فيها ذكر اليوم للتأقيت وفساد العقد، وهاهنا التعجيل وصححه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 326 لا يجاوز به نصف درهم لأنه هو المسمى في اليوم الثاني وفي " الجامع الصغير " لا يزاد على درهم ولا ينقص من نصف درهم لأن التسمية الأولى لا تنعدم في اليوم الثاني، فتعتبر لمنع الزيادة وتعتبر التسمية الثانية لمنع النقصان، فإن خاطه في اليوم الثالث لا يجاوز به نصف درهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -وهو   [البناية] أجيب: بأن ذكر اليوم للتأقيت حقيقة فلا يترك ما لم يمنع مانع كما نحن فيه، فإن الحمل على الحقيقة مفسد للعقد فمنع لذلك وقام الدليل على المجاز وهو نقصان الأجر للتأخير بخلاف حالة الانفراد فإنه لا دليل ثمة على المجاز فكان التأقيت مرادا وفسد العقد. ورد بأن دليل المجاز قائم وهو تصحيح العقد على تقدير التعجيل فيكون مرادا نظرا إلى ظاهر الحال. وأجيب: أن الجواز بظاهر الحال في حيز النزاع فلا بد من دليل زائد على ذلك، وليس بموجود بخلاف ما نحن فيه، فإن نقصان الأجر دليل زائد على الجواز بظاهر الحال م: (لا يجاوز به نصف درهم) ش: أي بأجر المثل قد قلنا فيما مضى: إن هذا إسناد الفعل بالجار والمجرور على رأي الكوفيين فيكون الثاني محل الرفع ونصف درهم منصوب على المفعولية وقال زفر والثلاثة: يجب أجر المثل بالغا ما بلغ م: (لأنه) ش: أي نصف درهم م: (هو المسمى في اليوم الثاني) ش: فإن قلت: فالدرهم أيضا سمي في اليوم الثاني لأن اليوم جعل للتعجيل فصار وجوده كعدمه في الغد فلا يكون راضيا بحط نصف من الدرهم. قلت: هذا مسلم، لكن ذكر النصف في الغد بطريق التصريح بخلاف ذكر الدرهم فهو مصرح في اليوم دون الغد. م: (وفي الجامع الصغير لا يزاد على الدرهم ولا ينقص من نصف درهم) ش: لما أعاد لفظ الجامع لبيان الدليل على اختلاف الرواية، ولكن لو ذكره هناك كان أولى وأبعد من التكرار ظاهرا وقال الأترازي: إنما أعاد لفظ الجامع للمخالفة الظاهرة بين رواية الجامع والرواية الأولى. قلت: هذا وقوع فيما هرب عنه، لأنه بين هناك تلك المخالفة وإنما الإعادة لما ذكرنا م: (لأن التسمية الأولى لا تنعدم في اليوم الثاني فتعتبر لمنع الزيادة، وتعتبر التسمية الثانية لمنع النقصان) ش: منع الزيادة عن الدرهم ومنع النقصان عن نصف درهم. م: (فإن خاطه في اليوم الثالث لا يجاوز به نصف درهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الجزء: 10 ¦ الصفحة: 327 الصحيح لأنه إذا لم يرض بالتأخير إلى الغد فبالزيادة عليه إلى ما بعد الغد أولى. ولو قال: إن أسكنت في هذا الدكان عطارا فبدرهم في الشهر، وإن أسكنت في هذا الدكان حدادا فبدرهمين جاز، وأي الأمرين فعل استحق المسمى فيه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا الإجارة فاسدة وكذا إذا استأجر بيتا على أن يسكن فيه فبدرهم وإن أسكنت فيه حدادا فبدرهمين فهو جائز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يجوز. ومن استأجر دابة إلى الحيرة بدرهم وإن جاوز بها إلى القادسية فبدرهمين فهو جائز ويحتمل الخلاف ومن استأجرها إلى الحيرة على أنه إن حمل عليها كر شعير فبنصف درهم وإن حمل عليها   [البناية] الصحيح) ش: احترز به عن الرواية الأخرى وهو أنه لا يزاد على درهم ولا ينقص عن درهم كذا في التقريب " م: (لأنه إذا لم يرض بالتأخير إلى الغد فبالزيادة عليه إلى ما بعد الغد أولى) ش: بأن لا يرضى وأما عندهما فالصحيح أنه ينقص من نصف الدرهم ولا يزاد عليه ذكره في الإيضاح. [قال إن أسكنت في هذا الدكان عطارا فبدرهم أو حدادا فبدرهمين] م: (ولو قال: إن أسكنت في هذا الدكان عطارا) ش: أي حال كونك عطارا وفي بعض النسخ إن أسكنته عطارا فعلى هذا يكون عطارا مفعولا م: (فبدرهم) ش: أي فالأجرة بدرهم م: (في الشهر، وإن أسكنت في هذا الدكان حدادا) ش: أي حال كونه حدادا. وفي بعض النسخ وإن أسكنته حدادا فعلى هذا يكون حدادا مفعولا م: (فبدرهمين) ش: أي فالأجرة بدرهمين م: (جاز وأي الأمرين فعل استحق المسمى فيه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا الإجارة فاسدة) ش: وبه قالت الثلاثة م: (وكذا) ش: أي على الخلاف م: (إذا استأجر بيتا على أن يسكن فيه فبدرهم) ش: يعني أن يسكن هو بنفسه فالأجرة بدرهم م: (وإن أسكنت فيه حدادا فبدرهمين فهو جائز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يجوز ومن استأجر دابة إلى الحيرة) ش: بكسر الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الراء مدينة قديمة عند الكوفة م: (بدرهم وإن جاوز بها) ش: أي بالدابة المستأجرة م: (إلى القادسية فبدرهمين فهو جائز ويحتمل الخلاف) ش: يعني حكم هذه المسألة يحتمل الخلاف لأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر هذه المسألة في الجامع الصغير ولم يجعلا فيه خلافا فيحتمل أن يكون هذا قول الكل ويحتمل أن يكون قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما لا يجوز كما في نظائرها في المسائل. وفي " الغاية ": مال الفقيه أبو الليث إلى الاتفاق يعني أن فيها يجوز بالاتفاق ومال فخر الإسلام إلى الخلاف يعني أن المذكور فيها قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما لا يجوز وإليه ذهب العتابي وغيره. [استأجر الدابة على أنه إن حمل عليها كر شعير فبنصف درهم] م: (ومن استأجرها إلى الحيرة على أنه إن حمل عليها كر شعير فبنصف درهم وإن حمل عليها الجزء: 10 ¦ الصفحة: 328 كر حنطة فبدرهم فهو جائز في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يجوز وجه قولهما أن المعقود عليه مجهول وكذا الأجر أحد الشيئين وهو مجهول والجهالة توجب الفساد بخلاف الخياطة الرومية والفارسية لأن الأجر يجب بالعمل، وعنده ترتفع الجهالة أما في هذه المسائل يجب الأجر بالتخلية والتسليم فتبقى الجهالة، وهذا الحرف هو الأصل عندهما ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه خيره بين عقدين صحيحين مختلفين فيصح كما في مسألة الرومية والفارسية وهذا لأن سكناه بنفسه يخالف إسكانه الحداد ألا ترى أنه لا يدخل ذلك في مطلق العقد وكذا في أخواتها والإجارة تعقد للانتفاع، وعنده ترتفع الجهالة   [البناية] كر حنطة فبدرهم فهو جائز في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يجوز) ش: الكر بضم الكاف وتشديد الراء م: (وجه قولهما أن المعقود إليه مجهول، وكذا الأجر أحد الشيئين وهو مجهول، والجهالة توجب الفساد) ش: أي الجهالة الواحدة توجب الفساد، فكيف الجهالتان. م: (بخلاف الخياطة الرومية والفارسية) ش: جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال مسألة الخياطة الرومية والفارسية فيها جهالة المعقود عليه وكانت صحيحة. وتقرير الجواب أن يقال بالفرق بينهما م: (لأن الأجر) ش: أي ثمة م: (يجب بالعمل وعنده ترتفع الجهالة أما في هذه المسائل يجب الأجر بالتخلية) ش: في الدار والدكان م: (والتسليم) ش: من الدار والدكان والدابة م: (فتبقى الجهالة) ش: لأن الأجر مجهول عند التسليم فيفضي إلى المنازعة م: (وهذا الحرف) ش: أي هذا المعنى وهو قوله يجب الأجر بالتخلية والتسليم فتتنفي الجهالة م: (وهو الأصل عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه خيره بين عقديين صحيحين مختلفين) ش: أي السكنى وعمل الحداد مختلفان. م: (فيصح) ش: عند الاجتماع كما يصح عند الانراد م: (كما) ش: يصح م: (في مسألة الرومية والفارسية وهذا) ش: أي كونهما مختلفين م: (لأن سكناه بنفسه يخالف إسكانه الحداد. ألا ترى أنه) ش: أي إسكان الحداد قال صاحب العناية والصحيح أن الضمير للشأن وأشار إلى إسكان الحداد بحرف الإشارة بقوله م: (لا يدخل ذلك في مطلق العقد) ش: أي لا يدخل إسكان الحداد في مطلق عقد الإجارة. م: (وكذا في أخواتها) ش: يعني إذا استأجر ليركب هو بنفسه ليس له أن يركب غيره م: (والإجارة تعقد) ش: جواب عن قوله: تحت الأجر بالتخليه .... إلى آخره. وتقديره أن الإجارة تعقد م: (للانتفاع وعنده) ش: أي عند الانتفاع م: (ترتفع الجهالة) ش: أما ترك الانتفاع عن التمكن فنادر ولا معتبر به. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 329 ولو احتيج إلى الإيجاب بمجرد التسليم. يجب أقل الأجرين للتيقن به.   [البناية] م: (ولو احتيج إلى الإيجاب) ش: أي إيجاب الأجر م: (بمجرد التسليم) ش: أي بمجرد التخلية بأن يسلم ولم ينتفع به م: (يجب أقل الأجرين) ش: كما إذا ذكر درهما ودرهمين فالدرهم أقل الأجرين. وبعضهم قال: يجب في كل منهما نصفه، لأن السكنى إذا لم توجد يكون التسليم لهما لعدم أولوية أحدهما من الآخر فيجعل النصف لهذا أو النصف للآخر، فيجب نصف كل واحد منهما. وقيل: يجب الأول وينصف الفصل م: (للتيقن به) ش: أي بالأقل إذ الفضل لا يجب بالشك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 330 باب إجارة العبد قال: ومن استأجر عبدا ليخدمه فليس له أن يسافر به إلا أن يشترط ذلك؛ لأن خدمة السفر اشتملت على زيادة مشقة فلا ينتظمهما الإطلاق، ولهذا جعل السفر عذرا فلا بد من اشتراطه كإسكان الحداد والقصار في الدار، ولأن التفاوت بين الخدمتين ظاهر، فإذا تعينت الخدمة في الحضر لا يبقى غيره داخلا كما في الركوب. ومن استأجر عبدا محجورا عليه شهرا وأعطاه الأجر فليس للمستأجر أن يأخذ منه الأجر. وأصله أن الإجارة صحيحة استحسانا إذا فرغ من   [البناية] [باب إجارة العبد] م: (باب إجارة العبد) ش: أخره عن الحر لانحطاط درجته في المعاملات. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن استأجر عبدا ليخدمه فليس له أن يسافر به إلا أن يشترط ذلك) ش: أي السفر كإسكان الحداد والقصار، وحتى لو سافر به يضمن لمولاه، لأنه صار عاصيا. ولو رده إلى مولاه سالما لا أجر له عندنا خلافا للثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لأن خدمة السفر اشتملت على زيادة مشقة فلا ينتظمهما الإطلاق) ش: أي إطلاق العقد. واعترض: بأن المستأجر في ملك منافعه كالمولى، وللمولى أن يسافر بعبده، فكذا المستأجر. وأجيب بأن المولى إنما يسافر به، لأنه يملك رقبته والمستأجر ليس كذلك ونوقض لمن ادعى دارا وصالحه المدعى عليه على خدمة عبد سنة فإن للمدعي أن يخرج بالعبد إلى السفر وإن لم يملك رقبته. وأجيب: بأن مؤنة الرد في باب الإجارة على الأجر بعد انتهاء العقد فبالإخراج يلزمه ما لا يلزم في الصلح ليست مؤنة الرد على المدعى عليه، لأنه يزعم أنه يملك الخدمة بغير شيء فهو كالموصى له بالخدمة، فمؤنة الرد عليه دون الوارث. م: (ولهذا) ش: أي ولاشتمال السفر على زيادة مشقة م: (جعل السفر عذرا) ش: فإن استأجر غلاما ليخدمه في المصر ثم أراد المستأجر السفر فهو عذر في فسخ الإجارة، لأنه لا يتمكن من المسافرة به م: (فلا بد من اشتراطه) ش: أي إذا كان كذلك فلا بد من اشتراط السفر. م: (كإسكان الحداد والقصار في الدار) ش: فإنه ليس له ذلك إلا بالاشتراط م: (ولأن التفاوت بين الخدمتين) ش: أي خدمة الحضر وخدمة السفر م: (ظاهر، فإذا تعينت الخدمة في الحضر لا يبقى غيره داخلا كما في الركوب) ش: فإن استأجر دابة ليركب نفسه فليس له أن يركب غيره للتفاوت بين الراكبين فكذلك هاهنا. [استأجر عبدا محجورا عليه شهرا وأعطاه الأجر] م: (ومن استأجر عبدا محجورا عليه شهرا وأعطاه الأجر) ش: أراد أنه أعطاه الأجر بعد العمل م: (فليس للمستأجر أن يأخذ منه الأجر) ش: أي ليس له أن يسترد الأجر منه. وصورة المسألة في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 331 العمل، والقياس أن لا يجوز لانعدام إذن المولى وقيام الحجر، فصار كما إذا هلك العبد، وجه الاستحسان أن التصرف نافع على اعتبار الفراغ سالما، ضار على اعتبار هلاك العبد، والنافع مأذون فيه كقبول الهبة. وإذا جاز ذلك لم يكن للمستأجر أن يأخذ منه الأجر، ومن غصب عبدا فأجر العبد نفسه فأخذ الغاصب الأجر فأكله فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] " الجامع الصغير " محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل استأجر عبدا محجورا عليه شهرا فعمل عنده فأعطاه الأجر قال أجيز ذلك، وليس للمستأجر أن يأخذ الأجر، انتهى. وقال الحاكم في " الكافي ": وإذا أجر العبد المحجور نفسه من رجل سنة بمائة درهم ليخدمه فخدمه ستة أشهر ثم أعتق فالقياس أنه لا أجر له فيما مضى، لأن المستأجر صار ضامنا فلا يجتمع الأجر والضمان، ولكنا نستحسن إذا سلم العبد أن يجعل له الأجر فيما مضى فيأخذه العبد ويدفعه إلى مولاه. ويجوز الإجارة فيما بقي من السنة للعبد ولا خيار له في نقض الإجارة، لأنها جازت بعد عتقه بغير إجازة المولى وكذلك الجواب إذا كان قبض الإجارة في حال رقه ويكون للعبد منها حصة ما بقي، وللمولى حصة ما مضى. م: (وأصله) ش: أي أصل هذا الحكم م: (أن الإجارة صحيحة استحسانا إذا فرغ من العمل والقياس أن لا يجوز) ش: الإجارة م: (لانعدام إذن المولى وقيام الحجر) ش: في العهد فيصير كالغاصب بالاستعمال ولا أجر على الغاصب م: (فصار كما إذا هلك العبد) ش: فإنه يجب للمولى قيمته دون الأجر، لأنه ضامن بالغصب، والأجر بالضمان لا يجتمعان. وعند الثلاثة يجب أجر المثل بقدر العمل. م: (وجه الاستحسان أن التصرف نافع على اعتبار الفراغ سالما ضار على اعتبار هلاك العبد والنافع مأذون فيه كقبول الهبة، وإذا جاز ذلك) ش: أي العقد بعدما سلم من العمل صح قبض العبد الأجرة، لأنه هو العاقد وقبض البدل، ومتى صح قبضه م: (لم يكن للمستأجر أن يأخذ منه الأجر) ش: يعني لم يكن له أن يرد الأجر منه. وكذا الحكم في الصبي المحجور إذا أجر نفسه وسلم من العمل، إلا أنه لو هلك الصبي من العمل فعلى عاقلة المستأجر الدية، وعليه الأجر فيما عمل قبل الهلاك، بخلاف العبد المحجور إذا هلك من العمل يجب عليه قيمته ولا أجر عليه لما ذكرنا أنه صار غاصبا. م: (ومن غصب عبدا فأجر العبد نفسه فأخذ الغاصب الأجر فأكله فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: قيد بقوله فأجر العبد نفسه، لأنه لو أجره الغاصب كان الأجر له لا للمالك وضمان على الغاصب بالأكل باتفاق. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 332 وقالا هو ضامن؛ لأنه أكل مال المالك بغير إذنه، إذ الإجارة قد صحت على ما مر. وله أن الضمان إنما يجب بإتلاف مال محرز؛ لأن التقوم به وهذا غير محرز في حق الغاصب؛ لأن العبد لا يحرز نفسه عنه فكيف يحرز ما في يده. وإن وجد المولى الأجر قائما بعينه أخذه؛ لأنه وجد عين ماله، ويجوز قبض العبد الأجر في قولهم جميعا؛ لأنه مأذون له في التصرف على اعتبار الفراغ على ما مر. ومن استأجر عبدا هذين الشهرين شهرا بأربعة وشهرا بخمسة فهو جائز، والأول منهما بأربعة؛ لأن الشهر المذكور أولا ينصرف إلى ما يلي العقد تحريا للجواز.   [البناية] وعند الثلاثة يرجع المالك على الغاصب بأجر المثل كما لو أجر العبد نفسه، وإن أجره المولى فليس للعبد أن يقبض الأجرة إلا بوكالة المولى، لأنه هو العاقد م: (وقالا: هو ضامن، لأنه أكل مال المالك بغير إذنه إذ الإجارة قد صحت على ما مر) ش: أشار به إلى وجه الاستحسان المذكور آنفا، وبه قالت الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن الضمان إنما يجب بإتلاف مال محرز، لأن التقوم به) ش: أي تقوم المال يثبت بالإحراز م: (وهذا) ش: أي هذا المال م: (غير محرز في حق الغاصب، لأن العبد لا يحرز نفسه عنه) ش: أي عن الغاصب م: (فكيف يحرز ما في يده) ش: وهذا لأن الإحراز إنما يكون بيد المالك أو يد نائبه، ويد الغاصب ليست لهما، ويد العبد كذلك لأنه في يد الغاصب. فإن قيل: الغاصب إذا استهلك ولد المغصوبة ضمنه والإحراز فيه. أجيب: بأنه تابع للأم لكونه جزءا منها وهي محرزة، بخلاف الأجر فإنه حصل من المنافع وهي غير محرزة. م: (وإن وجد المولى الأجر قائما بعينه أخذه، لأنه وجد عين ماله) ش: ولا يلزم من بطلان التقوم والعصمة بطلان الملك كما في نصاب السرقة بعد القطع، فإنه يأخذ إذا وجد ولا يضمن بإتلافه عندنا م: (ويجوز قبض العبد الأجر في قولهم جميعا، لأنه مأذون له في التصرف على اعتبار الفراغ على ما مر) ش: أشار به إلى قوله والنافع مأذون فيه، وفائدة هذا تظهر في حق خروج المستأجر عن عهدة الأجرة فإنه يحصل بالأداء إليه. [استأجر عبدا هذين الشهرين شهرا بأربعة وشهرا بخمسة] م: (ومن استأجر عبدا هذين الشهرين شهرا بأربعة وشهرا بخمسة فهو جائز والأول منهما) ش: أي والشهر الأول من الشهرين م: (بأربعة، لأن الشهر المذكور أولا ينصرف إلى ما يلي العقد تحريا للجواز) ش: أي طلبا لصحة العقد، كما لو سكت عليه فقال استأجرت عبدك هذا شهرا هكذا فإنه ينصرف إلى ما يليه تحريا لصحة العقد، فكذا هذا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 333 ونظرا إلى تنجز الحاجة فينصرف الثاني إلى ما يلي الأول ضرورة. ومن استأجر عبدا شهرا بدرهم فقبضه في أول الشهر ثم جاء آخر الشهر وهو آبق أو مريض فقال المستأجر أبق أو مرض حين أخذته، وقال المولى لم يكن ذلك إلا قبل أن تأتيني بساعة فالقول قول المستأجر. وإن جاء به وهو صحيح فالقول قول المؤجر؛ لأنهما اختلفا في أمر محتمل فيرجع بحكم الحال، إذ هو دليل على قيامه من قبل، وهو يصلح مرجحا وإن لم يصلح حجة في نفسه.   [البناية] تقريره أنه لما قال شهرا بأربعة على سبيل التكبير فلم يتعين الشهر الذي يليه يكون الشهر مجهولا والإجارة تفسد بالجهالة، فصرفناه إلى ما يلي العقد تحريا للجواز م: (ونظرا إلى تنجز الحاجة) ش: فإن الإنسان إنما يستأجر الشيء لحاجة تدعوه إلى ذلك، والظاهر وقوعها عند العقد. وإذا انصرف الأول إلى ما يلي العقد والثاني معطوف عليه م: (فينصرف الثاني إلى ما يلي الأول ضرورة) ش: وكذا لو استأجر ثلاثة أشهر: شهرين بدرهمين وشهرا بخمسة قالا: الأولان بدرهمين، وبقولنا قال مالك وأحمد، وقال الشافعي وبعض أصحاب أحمد: لا يصح هذا العقد حتى يسمي السنة أو الشهر ويذكر أي سنة أو أي شهر فيما إذا قال أجرتك شهرا أو سنة. فإن قيل: مبنى هذا الكلام على أنه ذكر منكرا مجهولا، والمذكور في الكتاب ليس كذلك. قيل له: المذكور في الكتاب قول المستأجر، واللام في العهد لما كان في كلام المؤجر من المنكر، فكأن المؤجر قال أجرت عبدي هذا شهرين شهرا بأربعة وشهرا بخمسة. [استأجر عبدا شهرا بدرهم فقبضه ثم آبق العبد أو مرض] م: (ومن استأجر عبدا شهرا بدرهم فقبضه في أول الشهر ثم جاء آخر الشهر وهو آبق أو مريض) ش أي والحال أنه آبق أو مريض م: (فقال المستأجر أبق أو مرض حين أخذته، وقال المولى لم يكن ذلك إلا قبل أن تأتيني بساعة فالقول قول المستأجر) ش: أي لا يجب الأجر، وبه قال أحمد في رواية م: (وإن جاء به) ش: أي بالعبد م: (وهو صحيح فالقول قول المؤجر) ش: أي المالك، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في رواية م: (لأنهما اختلفا في أمر محتمل فيرجع بحكم الحال) ش: وفي بعض النسخ فيترجح م: (إذ هو) ش: أي الحال م: (دليل على قيامه) ش: أي قيام أمر محتمل م: (من قبل) ش: أي من قبل الاختلاف م: (وهو يصلح مرجحا) ش: أي الحال يصلح مرجحا. هذا جواب سؤال وهو أن يقال الحال يصلح للدفع عندنا للاستحقاق، كما عرف في الأصول، فإذا جاء بالعبد وهو صحيح فالقول للمالك ويستحق الأجر ومطالبة المستأجر بالأجر فالحال حينئذ كانت موجبة للاستحقاق. فأجاب بقوله: وهو يصلح مرجحا م: (وإن لم يصلح حجة في نفسه) ش: يعني أن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 334 أصله الاختلاف في جريان ماء الطاحونة وانقطاعه   [البناية] الاستحقاق يثبت هنا بالعقد وتسليم العبد إليه في المدة لكن المستأجر يدعي ما ينافي الوجوب معرضا بعد ظهور السبب، والظاهر يكفي شاهدا للمؤجر في إنكاره فيكون مرجحا لكلام المؤجر لا موجبا للاستحقاق فهي في الحقيقة دافعة لاستحقاق السقوط بعد الثبوت لا موجبة. م: (أصله) ش: أي أصل هذا الحكم. وقال الكاكي: أي أصل هذا الاختلاف بين المالك والمستأجر م: (الاختلاف في جريان ماء الطاحونة وانقطاعه) ش: فإنه بحكم الحال. فإن كان الماء منقطعا وقت الخصومة فالقول للمستأجر فيما مضى، وإن كان جاريا فالقول لرب الرحى مع يمينه. ولو اختلفنا في قدر الانقطاع فالقول للمستأجر والبينة للمؤجر، وعلى هذا لو أعتق جارية ولها ولد فقال المولى أعتقتك بعد الولادة والولد ملكي، وقالت أعتقتني قبل الولادة. وقد عتق بإعتاقي فالقول لمن كان الولد في يده، واعتبار الولدين لا بحكم الحال. وكذا لو باع شجرا فيه ثم قال البائع بعت الأشجار دون الثمار، المشتري يقول اشتريتها مع الثمار قالوا: ينظر إن كان الثمار في يد البائع فالقول له، وإن كان في يد المشتري فالقول للمشتري، وكذا ذكره التمرتاشي والمحبوبي. فروع: قال الحاكم في " الكافي ": رجل أجر عبده من رجل سنة بمائة درهم للخدمة فخدمه سته أشهر ثم أعتقه المولى فالعبد بالخيار إن شاء فسخ الإجارة وكان أجر ما مضى عليها وللعبد أجر ما بقي من المدة، إلا أن المولى هو الذي يقول قبض جميع الأجرة وليس للعبد نقضها بعدما اختار المضي عليها. وإن كان المستأجر عجل الأجرة كلها للمولى قبل أن يعمل شيئا في أول الإجارة، فالأجرة كلها للمولى إذا اختار العبد المضي على الإجارة، لأن المولى ملك الأجرة قبل عتقه، فإن كانت الأجرة شيئا معينة في جميع هذه الوجوه فالجواب فيه كالجواب في الدراهم. وأما صداق المرأة المعتقة إذا اختارت النكاح فهو للمولى إن كان قبضه أو لم يقبضه، لأنه وجب بالعقد والآخر يجب يوما فيوما إذا لم يكن قبضه كذلك. الجواب في العبد إذا أولى إجارة نفسه بإذن المولى، لأن العبد هو الذي يلي القبض وهو الذي يطالب بالرد فيما يجب رده من المقبوض عند الفسخ ويرجع به هو على المولى عينا كان ذلك في يد المولى أو مستهلكا، لأنه إنما وجب بعد العتق وانفسخ. وكذلك الأمة إذا زوجت نفسها بإذن مولاها ثم أعتقت فلها الخيار، وكذلك الصبي إذا أجره الوصي في عمل فلم يتم العمل حتى بلغ الغلام مبلغ الرجال فهو بالخيار في المضي على الجزء: 10 ¦ الصفحة: 335 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الإجارة أو فسخها، وكذلك الأب إذا أجر ابنه ثم أدرك الابن. ولو كان الأب أو الوصي أجر دار الصبي سنين معلومة فأدرك الغلام لم يكن له أن يبطل الإجارة، لأنهما في ماله بمنزلة وكيل الكبير. ٍ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 336 باب الاختلاف قال: وإذا اختلف الخياط ورب الثوب فقال رب الثوب أمرتك أن تعمله قباء، وقال الخياط قميصا. أو قال صاحب الثوب للصباغ أمرتك أن تصبغه أحمر فصبغته أصفر، وقال الصباغ لا بل أمرتني أصفر فالقول لصاحب الثوب؛ لأن الإذن يستفاد من جهته. ألا ترى أنه لو أنكر أصل الإذن كان القول قوله، فكذا إذا أنكر صفته لكن يحلف؛ لأنه أنكر شيئا لو أقر به لزمه. قال: وإذا حلف فالخياط ضامن، ومعناه ما مر من قبل أنه بالخيار إن شاء ضمنه وإن شاء أخذه وأعطاه أجر مثله. وكذا يخير في مسألة الصبغ إذا حلف إن شاء ضمنه قيمة الثوب أبيض، وإن شاء أخذ الثوب وأعطاه أجر مثله لا يجاوز به المسمى.   [البناية] [باب اختلاف المتعاقدين في الإجارة] م: (باب الاختلاف) ش: لما ذكر اتفاق المتعاقدين شرع في بيان اختلافهما وهو فرع، فلذلك أخره. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا اختلف الخياط ورب الثوب فقال رب الثوب أمرتك أن تعمله قباء. وقال الخياط قميصا، أو قال صاحب الثوب للصباغ أمرتك أن تصبغه أحمر فصبغته أصفر، وقال الصباغ لا بل أمرتني أصفر فالقول لصاحب الثوب) ش: أي مع يمينه، وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال أحمد وابن أبي ليلى والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول: القول للخياط والصباغ. وقال بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - له قول ثالث، وهو أنهما يتحالفان كالمتبايعين يختلفان في الثمن، وإذا تحالفا سقط الضمان عن الخياط وسقط الأجر، وبعضهم قال: الصحيح أن القول لرب الثوب م: (لأن الإذن يستفاد من جهته) ش: أي من جهة رب الثوب. م: (ألا ترى أنه لو أنكر أصل الإذن كان القول قوله) ش: بأن أنكر عقد الإجارة أصلا كان القول لصاحب الثوب م: (فكذا إذا أنكر صفته) ش: أي صفة الإذن بخلاف المضاربة، لأن الأصل في المضاربة العموم في أنواع التجارة فالخصوص عارض، فكان القول لمن ينكر العارض م: (لكن يحلف) ش: أي صاحب الثوب م: (لأنه أنكر شيئا لو أقر به لزمه) ش: أي لزمه ذلك الشيء بإقراره. م: (قال: وإذا حلف فالخياط ضامن، ومعناه ما مر من قبل) ش: أي قبيل باب الإجارة الفاسدة في قوله ومن دفع إلى الخياط ثوبا ليخيطه قميصا بدرهم فخاطه قباء م: (أنه بالخيار إن شاء ضمنه، وإن شاء أخذه وأعطاه أجر مثله) ش: لا يجاوز به المسمى م: (وكذا يخير في مسألة الصبغ إذا حلف إن شاء ضمنه قيمة الثوب أبيض، وإن شاء أخذ الثوب وأعطاه أجر مثله لا يجاوز به المسمى) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 337 وذكر في بعض النسخ يضمنه مازاد الصبغ فيه؛ لأنه بمنزلة الغاصب. وإن قال صاحب الثوب: عملته لي بغير أجر، وقال الصانع: بل بأجر فالقول قول صاحب الثوب؛ لأنه ينكر تقوم عمله إذ هو يتقوم بالعقد.   [البناية] واعترض: بأن هناك اتفق المتعاقدان على المأمور به والأجير خالف، وهاهنا قد اختلف في ذلك، وكيف يكون هذا مثل ذلك. وأجيب: بأنها مثلها انتهاء لا ابتداء، إلا أنه ذكر هذا الحكم هنا بعد يمين صاحب الثوب، ولما حلف كان القول قوله فلم يبق الخلاف الآخر اعتبارا، فكانتا في الحكم سواء. م: (وذكر في بعض النسخ) ش: أي بعض نسخ القدوري م: (يضمنه ما زاد الصبغ فيه) ش: أي يضمن صاحب الثوب قيمة زيادة الصبغ للصباغ، فالأول أعني قوله لا يجاوز به المسمى ظاهر الرواية، والثانية أعني قوله يضمنه ما زاد الصبغ فيه رواية ابن سماعة عن محمد. وجه الظاهر وهو الأصح أن الصبغ آلة للعمل المستحق على الصباغ بمنزلة الحرب والصابون من عمل الغسال، فلا يصير صاحب الثوب مشتريا للصبغ حتى تعتبر القيمة عند فساد السبب. ووجه رواية ابن سماعة ما أشار إليه بقوله م: (لأنه بمنزلة الغاصب) ش: يعني أن الصباغ بمنزلة الغاصب والحكم في الغصب كذلك وهو أن الغاصب إذا صبغه أحمر أو أصفر فإن شاء رد الثوب وإن شاء أخذ الثوب وأعطاه ما زاد الصبغ فيه فكذلك هنا. وفي " خلاصة الفتاوي ": والصباغ إذا خالف بصبغ الأصفر فكان الأحمر إن شاء ضمنه قيمة ثوب أبيض وإن شاء أخذه وأعطاه ما زاد الصبغ فيه ولا أجر له، ولو صبغ رديئا إن لم يكن فاحشا لا يضمن وإن كان فاحشا بحيث يقول أهل تلك الصنعة إنه فاحش يضمن قيمته ثوب أبيض. وفي " المحيط ": لو أمره أن يصبغه بزعفران أو بقم فصبغه غير ما سمي إلا أنه لم يشبع صبغه وقد أمر صاحب الثوب أن يشبعه فالمالك بالخيار إن شاء ضمنه قيمة ثوبه أبيض وسلم له الثوب، وإن شاء أخذه، وأعطاه أجره مثله لا يزاد على المسمى في الأصل. إلى هنا لفظ " الخلاصة ". [قال صاحب الثوب عملته لي بغير أجر وقال الصانع بل بأجر] م: (وإن قال صاحب الثوب: عملته لي بغير أجر وقال الصانع: بل بأجر فالقول قول صاحب الثوب) ش: عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه قال أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م (لأنه) ش: أي لأن صاحب الثوب م: (ينكر تقوم عمله إذ هو) ش: أي العمل م: (يتقوم بالعقد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 338 وينكر الضمان، والصانع يدعيه والقول قول المنكر. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان الرجل حريفا له أي خليطا له فله الأجر وإلا فلا؛ لأن سبق ما بينهما يعين جهة الطلب بأجر جريا على معتادهما. وقال محمد: إن كان الصانع معروفا بهذه الصنعة بالأجر فالقول قوله؛ لأنه لما فتح الحانوت لأجله جرى ذلك مجرى التنصيص على الأجر اعتبارا للظاهر، والقياس ما قاله أبو حنيفة؛ لأنه منكر. والجواب عن استحسانهما أن الظاهر للدفع؛ والحاجة هاهنا إلى الاستحقاق والله أعلم   [البناية] وينكر الضمان والصانع يدعيه والقول قول المنكر. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان الرجل حريفا له أي خليطا له) ش: بأن تكون تلك المعاملة منها بأجر حريف الرجل من يكون بينه وبينه أخذ وإعطاء ومعاملة، وأصله من الحرفة والاحتراف وهو الاكتساب. م: (فله الأجر وإلا فلا) ش: أي وإن لم يكن حريفا له فلا أجرة م: (لأن سبق ما بينهما يعين جهة الطلب بأجر جريا على معتادهما) ش: أي سبق ما بين رب الثوب والصباغ مثلا من التعامل والتقاطع على الأجر يعين جانب الطلب جريا على عادتهما من التعامل بالأجرة. م: (وقال محمد: إن كان الصانع معروفا بهذه الصنعة بالأجر) ش: بأن اتخذ دكانا وانتصب لعمل الصباغة أو القصارة م: (فالقول قوله، لأنه لما فتح باب الحانوت لأجله جرى ذلك مجرى التنصيص على الأجر اعتبارا للظاهر) ش: وبه قال مالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قال شيخ الإسلام وصاحب " المحيط ": الفتوى على قول محمد م: (والقياس ما قاله أبو حنيفة لأنه منكر) ش: للإجارة والمنافع لا تتقوم إلا بالعقد عندنا بخلاف ما لو دفع إلى آخر عينا ثم اختلفا فقال الدافع قرض، وقال الآخر: هبة فالقول لمن يدعي القرض، لأن العين متقوم بنفسه فالآخر يدعي الإبراء عن قيمته فالقول لمنكر الإبراء وهو مدعي القرض. م: (والجواب عن استحسانهما أن الظاهر للدفع) ش: أي الظاهر يصلح للدفع عن نفسه م ( والحاجة هاهنا إلى الاستحقاق والله أعلم) ش: لا للدفع، نظيره دار في يد رجل فزعم آخر أنه ملكه فالقول للذي في يده، وإن كان غيره يدعيهما ولا شرع في يد بلا حجة، فلو بيعت دارا بجنبها فأراد أن يأخذها بالشفعة لا يأخذها بمجرد اليد حتى يقيم بينة أنه ملكه لأن ثبوت الملك بظاهر اليد يصلح للدفع لا للاستحقاق والأخذ من يد المشتري استحقاق فلا يملكه بدون البينة، كذا هنا. فروع: قال الأسبيجابي في شرح " الكافي ": ولو أسلم ثوبا إلى صباغ يصبغه أحمر فصبغه ثم اختلفا فقال الصباغ صبغته بدرهم وقال رب الثوب: صبغته بدانقين فإني أنظر إلى ما زاد الصبغ فيه فإن كان درهما أو أكثر فله درهم لأن الحال يصلح حكما في الباب، فكان القول الجزء: 10 ¦ الصفحة: 339 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قول من يشهد له الظاهر مع يمينه، وإن كان أقل من دانقين أعطيته بعد أن يحلف رب الثوب صبغه إلا بدانقين. وإن كان الصبغ سواد فالقول قول رب الثوب مع يمينه؛ لأنه يدعي عليه زيادة أجر وهو ينكر ولو قال رب الثوب صبغته لي بغير أجر كان القول قوله، لأن السواد ينقض الثوب، أما إذا كان صبغا يزيد في الثوب فقال رب الثوب: صبغته بغير أجر وقال الصباغ: صبغته بدرهم فإنهما يتحالفان؛ لأن هذا يدعي الهبة والآخر يدعي التجارة فكان كل منهما مدعيا ومدعى عليه ثم يضمن رب الثوب ما زاد الصبغ في مقدار الأجرة ولا يجوز به درهم. ولو اختلف رب الثوب في مقدار الأجر فإن كان لم يأخذ في العمل تخالفا وترادا أو إن كان بعده فالقول قول رب الثوب ولا يتخالفان، وكذلك لو قال عملته لي بغير أجر فالقول قول رب الثوب لأن العمل يتقوم بالعقد وهو ينكر العقد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 340 باب فسخ الإجارة قال: ومن استأجر دارا فوجد بها عيبا يضر بالسكنى فله الفسخ؛ لأن المعقود عليه المنافع وإنها توجد شيئا فشيئا فكان هذا عيبا حادثا قبل القبض فيوجب الخيار كما في البيع. ثم المستأجر إذا استوفى المنفعة فقد رضي بالعيب فيلزمه جميع البدل كما في البيع.   [البناية] [باب فسخ الإجارة] م: (باب فسخ الإجارة) ش: تأخير هذا الباب ظاهر المناسبة، لأن الفسخ رفع العقد السابق فبالضرورة وهو متأخر. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن استأجر دارا فوجد بها عيبا يضر بالسكنى فله الفسخ) ش: أي فللمستأجر ولاية الفسخ، قيد العيب بالإضرار بالسكنى، لأنه إذا كان عيبا لا يضر بالسكنى كحائط سقط لم يكن محتاجا إليه في السكنى لم يثبت الخيار. وكذا لو كان المستأجر عبدا للخدمة فسقط شعره أو ذهبت إحدى عينيه وذلك لا يضر بالخدمة لم يثبت الخيار، كذا في " الإيضاح ". وفي " الفتاوى الصغرى " و" التتمة ": إذا سقط حائط أو انهدم بيت من الدار المستأجرة للمستأجر أن يفسخ، ولا يملك الفسخ بغيبة المالك بالإجماع، لأن هذا رد بالعيب وذلك لا يصلح إلا بحضرة المالك بالإجماع وإنما الخلاف في الرد بخيار الشرط. وإن انهدمت الدار كلها فله الفسخ من غير حضرة المالك، لكن الإجارة لا تنفسخ ما لم يفسخ، لأن الانتفاع بالعرصة ممكن وإليه ذهب خواهر زاده. وفي إجارات شمس الأئمة: إذا انهدمت الدار كلها فالصحيح أنه لا تنفسخ الإجارة، لكن سقط الأجر عنه فسخ أو لم يفسخ. وإذا استأجر أرضا للزراعة فزرع فاصطلمه آفة وجب أجر ما مضى وسقط أجر ما بعد الاصطلام. م: (لأن المعقود عليه المنافع) ش: هذا دليل على المذكور. وقيل: هذا دفع شبهة ترد على الإجارة من جانب البيع، وهي أن يقال: إن عقد الإجارة عقد لازم كالبيع، والعيب الحادث في البيع بعد قبض المشتري لا يثبت الرد، فكان ينبغي أن لا يرد في الإجارة بعد القبض أيضا. فأجاب عنه بقوله: لأن المعقود عليه المنافع م: (وإنها توجد شيئا فشيئا) ش: يعني شيئا بعد شيء، وكل ما كان كذلك فكل جزء منه بمنزلة الابتداء م: (فكان هذا عيبا حادثا قبل القبض) ش: وإن كان بعد القبض صورة م: (فيوجب الخيار) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فيوجب الخيار م (كما في البيع) ش: فإنه إذا حدث فيه العيب قبل القبض ينفرد المشتري بالفسخ كذلك هنا، وعلى هذا لا فرق بين أن يكون العيب حادثا بعد قبض المستأجر أو قبله؛ لأن الذي حدث بعد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 341 وإن فعل المؤجر ما أزال به العيب فلا خيار للمستأجر لزوال سببه. قال: وإذا خربت الدار أو انقطع شرب الضيعة أو انقطع الماء عن الرحى انفسخت الإجارة؛ لأن المعقود عليه قد فات وهي المنافع المخصوصة قبل القبض فشابه فوت المبيع قبل القبض وموت العبد المستأجر. ومن أصحابنا من قال: إن العقد لا ينفسخ؛ لأن المنافع قد فاتت على وجه يتصور عودها فأشبه الإباق في البيع قبل القبض. وعن محمد أن الآجر لو بناها ليس للمستأجر أن يمتنع ولا للآجر وهذا تنصيص منه على أنه لم ينفسخ لكنه يفسخ   [البناية] قبض المتسأجر كان قبل قبض المعقود عليه وهو المنافع. م: (ثم المستأجر إذا استوفى المنفعة فقد رضي بالعيب فيلزمه جميع البدل) ش: وبه قال الشافعي في الأظهر ومالك وأحمد. وقال الشافعي في وجه: لا يلزمه جميع الأجر م: (كما في البيع) ش: إذا رضي بالعيب لا يرجع بالنقصان كذلك هاهنا إذا رضي بالعيب لا يكون له أن ينقص في أجرة الدار شيئا في مقابلة العيب م: (وإن فعل المؤجر ما أزال به العيب) ش: بأن أصلح في الدار المستأجرة ما كان يضر بالسكنى م: (فلا خيار للمستأجر لزوال سببه) ش: أي سبب الخيار وهو العيب المضر بالسكنى قبل فسخ العقد. م: (قال: وإذا خربت الدار أو انقطع شرب الضيعة) ش: بكسر الشين م: (أو انقطع الماء عن الرحى انفسخت الإجارة) ش: وبه قالت الثلاثة. وعن بعض أصحاب أحمد والشافعي - رحمهما الله - في الأرض التي انقطع ماؤها لم تنفسخ الإجارة كما قاله بعض أصحابنا على ما يجيء الآن إن شاء الله تعالى م: (لأن المعقود عليه قد فات وهو المنافع المخصوصة قبل القبض فشابه فوت المبيع قبل القبض وموت العبد المستأجر) ش: بفتح الجيم. م: (ومن أصحابنا من قال) ش: أراد بذلك شيخ الإسلام وشمس الأئمة السرخسي وغيرهما فإنهم قالوا م: (إن العقد لا ينفسخ لأن المنافع قد فاتت على وجه يتصور عودها) ش: لأن أصل الموضع مسكن بعد انهدام البناء ويتأتى فيه السكنى بنصف فسطاط، وفي انقطاع الماء لو فاتت من كل وجه لكنه يحتمل العود م: (فأشبه الإباق في البيع قبل القبض) ش: وذلك لا يوجب الانفساخ. واستدل هؤلاء على صحة ما ذهبوا إليه بما روى هشام عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأشار إليه المصنف بقوله م: (وعن محمد أن الآجر لو بناها ليس للمستأجر أن يمتنع ولا للآجر) ش: يعني لو استأجر بيتا فانهدم ثم بناه الآجر فليس للمستأجر أن يمتنع من القبض ولا للآجر. م: (وهذا تنصيص منه) ش: أي هذا الذي رويتنصيص عن محمد م: (على أنه) ش: أي على أن عقد الإجارة م: (لم ينفسخ، لكنه يفسخ) ش: يستحق الفسخ. وقال في " الكافي ": وهو الجزء: 10 ¦ الصفحة: 342 ولو انقطع ماء الرحى والبيت مما ينتفع به لغير الطحن فعليه من الأجر بحصته؛ لأنه جزء من المعقود عليه.   [البناية] الأصح وأما من قال بأنها تنفسخ فإنهم أيضا استدلوا على ذلك بما ذكره محمد في كتاب البيوع، ولو سقطت الدار فله أن يخرج سواء كان صاحب الدار حاضرا أو غائبا فهذا إشارة إلى الانفساخ بمجرد الانهدام حيث ما شرط حضرة صاحبها، لأنه رد بعيب، وهو لا يصلح إلا بحضرة المالك بالإجماع. وفي " الغاية ": والذي قال ينفسخ بانهدام ثم يعود بالبناء، ومثله جائز كما في الشاة المبيعة إذا ماتت في يد البائع ينفسخ العقد، ثم إذا دبغ جلدها يعود القدر بقدرها فكذا هذا، وهذا بخلاف السفينة إذا انقضت وصارت ألواحا ثم ركبت وأعيدت سفينته لم يجبر على تسليمها إلى المستأجر؛ لأن السفينة بعد النقض إذا أعيدت صارت سفينة أخرى، ألا ترى أن من غصب ألواحا وجعلها سفينة ينقطع حق المالك، فأما عرصة الدار لا تتغير بالبناء عليها. [انقطع ماء الرحى والبيت المؤجر مما ينتفع به لغير الطحن] م: (ولو انقطع ماء الرحى والبيت مما ينتفع به لغير الطحن فعليه من الأجر بحصته، لأنه جزء من المعقود عليه) ش: هذا أورده تشبيها بالدابة على أنه لا ينفسخ بانقطاع الماء. وفي الأصل إذا انقطع ماء الرحى ينفسخ ويثبت الخيار للعاقد، فإن لم ينفسخ حتى عاد الماء لزمه الإجارة فيما بقي من الشهر لزوال الموجب للفسخ ويرفع الأجر عنه بحساب ذلك، أي بحساب ما انقطع إنما في المدة، ولو لم يفسخها ومضت المدة فلا أجر عليه في ذلك. ولو نقص ماء الرحى إن كان النقصان فاحشا فله حق الفسخ وإلا فلا، لأن مدة الإجارة لا تخلو عن نقصان غير فاحش غالبا ويخلو عن نقصان فاحش. قال القدوري في " شرحه ": إذا صار يطحن أقل من نصف طحنه - فهو فاحش - وفي " الخلاصة " قال الناطفي: إذا طحن نصف ما كان يطحن فللمستأجر رده أيضا. ولو لم يرد حتى طحن نصف ما كان يطحن، فللمستأجر رده أيضا، ولو لم يرده حتى طحن كان هذا رضى منه وليس له أن يرد الرحى بعد ذلك، ثم في " الخلاصة " وهذه الرواية تخالفه رواية القدوري أن من استأجر رحى ستة أشهر فأمسك الرحى حتى مضت السنة فعليه أجر ستة أشهر، وإن كان البيت ينتفع به لغير الطحن فعليه من الأجر بحصته. ولو استأجر عبدا فمرض فهو كالرحى. وفي " الشمائل ": انكسار أحد الحجرين عذرا فإن أصلح رب الرحى قبل الفسخ لا ينفسخ. وفي شرح " الكافي ": فإن انقطع الماء عن الرحى فلم يعمل رفع عنه من الأجر بحساب ذلك، له أن ينقض الإجارة، فإن لم ينقضها حتى عاد الماء لزمته الإجارة وإن اختلفا في مقدار الانقطاع فالقول قول المستأجر، لأنه ينكر تقرر الأجر عليه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 343 قال: وإذا مات أحد المتعاقدين وقد عقد الإجارة لنفسه انفسخت؛ لأنه لو بقي العقد تصير المنفعة المملوكة له أو الأجرة المملوكة له لغير العاقد مستحقة بالعقد؛ لأنه ينتقل بالموت إلى الوارث وذلك لا يجوز   [البناية] ولو قال المؤجر لم ينقطع الماء وقال المستأجر قد انقطع بحكم الحال فيكون انقطاعه وجريانه في الحال دليلا على الماضي، لأن الحال يصلح دليلا على الماضي عند الاشتباه. [موت أحد المتعاقدين في عقد الإجارة] م: (قال: وإذا مات أحد المتعاقدين وقد عقد) ش: أي والحال أنه قد عقد م: (الإجارة لنفسه انفسخت) ش: أي الإجارة، وبه قال الثوري والليث. وقالت الثلاثة وأبو ثور وإسحاق لا تنفسخ والإجارة بحالها، ويقوم وارثها مقامها سواء مات أحدهما أو كلاهما، لأن المنافع كالأعيان عندهم، والعقد لازم فلا ينفسخ بموت العاقد كما لو زوج أمته ثم مات. م: (لأنه لو بقي العقد تصير المنفعة المملوكة له أو الأجرة المملوكة له لغير العاقد مستحقة بالعقد) ش: أي حال كونها مستحقة بالعقد، والدليل على صيرورتها لغير العاقد مع كون الاستحقاق بالعقد وهو قوله م: (لأنه ينتقل بالموت) ش: التحقيق هنا أن يجعل الضمير في أنه إلى ما يتركه الميت، ويراد بالموت موت المورث، والمعنى لأن الذي يتركه الميت ينتقل بالموت م: (إلى الوارث) ش: ثم يرتب الحكم على هذا عند موت المؤجر، أو مات المستأجر، أما إذا مات المؤجر فقد انتقلت رقبة الدار إلى الوارث والمستحق عن المنافع التي حدثت على ملكه فقد فات بموته فبطلت الإجارة لفوات المعقود عليه، لأن بعد موته تحدث المنفعة على ملك الوارث. واما إذا مات المستأجر فلو بقي العقد لبقي على أن يخلفه الوارث وذا لا يتصور، لأن المنفعة الموجودة في حياته تلاشت فكيف يورث المعدوم، والتي تحدث ليست بمملوكة له ليخلفه الوارث فيها إذ الملك لا يسبق الوجود، وإذا ثبت انتفاء الإرث تعين بطلان العقد. م: (وذلك لا يجوز) ش: أي صيرورة المنفعة المملوكة أو الأجرة المملوكة لغير العاقد حال كونها مستحقة بالعقد لا يجوز، وذكر اسم الإجارة باعتبار كون ذلك وهو عبارة عن الصيرورة التي دل عليها قوله: تصير المنفعة، ولا يشكل ما ذكره بما إذا استأجر دابة إلى مكان معين فمات صاحب الدابة في وسط الطريق حيث لا تنفسخ الإجارة، وللمستأجر أن يركبها إلى المكان المسمى بالأجر فقد مات أحد المتعاقدين، وقد عقد لنفسه ولم ينفسخ العقد، لأن ذلك للضرورة فإنه يخاف على نفسه وماله حيث لا يجد دابة أخرى في وسط المفازة، ولا يكون ثمة قاض يرفع الأمر إليه فيستأجر الدابة منه. حتى قال بعض المشايخ: إن وجد ثمة دابة أخرى يحمل عليها متاعه تنتقض الإجارة. وكذا لو مات في موضع فيه قاض تنتقض الإجارة لعدم الضرورة، وكان عدم الانفساخ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 344 وإن عقدها لغيره لم تنفسخ مثل الوكيل والوصي والمتولي في الوقف لانعدام ما أشرنا إليه من المعنى. قال: ويصح شرط الخيار في الإجارة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصح   [البناية] بالاستحسان الضروري، والمستحسن لا يورد الانقضاء على القياس، كذا في " المبسوط " و" الذخيرة ". ونوقض أيضا بموت الكل فإنه ينفسخ بموته مع أنه غير العاقد. وأجيب: بأن المراد بالعاقد من وقع لأجله العقد، حتى لو كان العقد لغيره كالوكيل والأب والوصي والمتولي في الوقت لا ينفسخ العقد بموته لبقاء المستحق عليه، وقيل في جوابه وهو أحسن وهو أنا قد قلنا إن كل ما مات العاقد لنفسه انفسخ ولم تلتزم بأن كلما انفسخ يكون بموت العاقد، لأن العكس غير لازم في مثله. وفي " الخلاصة ": أحد المتعاقدين لو جن جنونا مطبقا لا تنفسخ الإجارة. وفي الأجناس إذا أجر الأب أرض ابنه الصغير أو الوصي ومات لا تبطل الإجارة، وكذلك لا تبطل إجارة الظئر بموت والد الصبي الذي استأجرها، ويبطل بموت الصبي والمستأجرة. وقال الكرخي في " مختصره ": وإن مات الظئر قبل المدة أو مات الصبي انتقضت الإجارة وكان لها من الأجر بحسب ما مضى من المدة قبل الموت. وفي " الأجناس ": لو أجر الواقف ثم مات قبل انقضاء المدة لا تبطل الإجارة. وفي " الذخيرة ": القياس أن يبطل وبه أخذ أبو بكر الإسكاف. وفي الاستحسان لا تبطل؛ لأنه أجر لغيره كالوكيل. وفي " الأجناس ": ولو مات رب الإبل في بعض طريق المفازة للمستأجر أن يركبها على حاله وعليه الكرى المسمى إلى أن يأتي مكة فيدفع ذلك إلى القاضي، فإن شاء سلم له الكرى إلى الكوفة، وإن شاء فسخ الإجارة. وفي كتاب " الشروط " لمحمد بن الحسن: لو مات المكاري في مصر من الأمصار وركب المستأجر ضمن إن هلك الإبل إلا بإذن القاضي. م: (وإن عقدها) ش: أي الإجارة م: (لغيره لم تنفسخ مثل الوكيل والوصي والمتولي في الوقف لانعدام ما أشرنا إليه من المعنى) ش: وفي بعض النسخ لانعدام ما ذكرنا، وأراد به قوله: لأنه لو بقي العقد تصير المنفعة المملوكة .... إلى آخره. [شرط الخيار في الإجارة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويصح شرط الخيار في الإجارة) ش: ويعتبر ابتداء المدة من وقت سقوط الخيار وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصح) ش: شرط الخيار، وله في ثبوت خيار المجلس وجهان. ولو كانت الإجارة على عمل معين ففيه ثلاثة أوجه: في وجه لا يثبت فيها الخياران وفي وجه يثبت خيار المجلس لا خيار الشرط، كذا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 345 لأن المستأجر لا يمكنه رد المعقود عليه بكماله لو كان الخيار له لفوات بعضه، ولو كان للمؤاجر فلا يمكنه التسليم أيضا على الكمال، وكل ذلك يمنع الخيار. ولنا أنه عقد معاملة لا يستحق القبض فيه في المجلس فجاز اشتراط الخيار فيه كالبيع، والجامع بينهما دفع الحاجة وفوات بعض المعقود عليه في الإجارة لا يمنع الرد بخيار العيب، فكذا بخيار الشرط، بخلاف البيع وهذا لأن رد الكل ممكن في البيع دون الإجارة، فيشترط فيه دونها   [البناية] في " الحلية ". م: (لأن المستأجر لا يمكنه رد المعقود عليه بكماله لو كان الخيار له لفوات بعضه) ش: أي بعض المعقود عليه، لأن بعضه فات في مدة الخيار، فلا يتمكن من رد كل المعقود عليه، مع أن رد الكل مستحق بالخيار، فإذا لم يتمكن بطل. م: (ولو كان) ش: الخيار م: (للمؤاجر فلا يمكنه التسليم أيضا على الكمال) ش: لفوات بعضه في مدة الخيار، فصار كما لو تلف بعض المبيع في يد البائع إذا باع، بشرط الخيار م: (وكل ذلك) ش: يعني من عدم إمكان رد المعقود عليه بكماله إذا كان الخيار للمستأجر، وعدم إمكان التسليم أيضا على الكمال إذا كان الخيار للمؤجر م: (يمنع بالخيار) ش: أي ثبوته. م: (ولنا أنه) ش: أي أن عقد الإجارة م: (عقد معاملة) ش: احترز به عن النكاح فإن مطلق المعاملة تنصرف إلى المعاوضات التي يلحقها الفسخ بالإقالة. وفي بعض النسخ عقد مقابلة أي معاوضة م: (لا يستحق القبض فيه في المجلس) ش: احترز به عن الصرف والسلم، فإن قبض البدل شرط فيهما، فلهذا لم يجز الخيار فيهما م: (فجاز اشتراط الخيار فيه) ش: أي عقد الإجارة. م: (كالبيع) ش: أي كما يجوز شرط الخيار في البيع م: (والجامع بينهما) ش: أي بين الإجارة والبيع، وأشار به إلى وجه القياس وهو م: (دفع الحاجة) ش: فإنه لما كان عقد معاملة يحتاج إلى التروي لئلا يقع فيه الغبن. وأثبت الشارع فيه الخيار دفعا لهذه الحاجة، فكذلك الإجارة، لأنه يغبن فيها، فشرع الخيار دفعا للغرور ومنعا للزوم. [فوات بعض المعقود عليه في الإجارة] م: (وفوات بعض المعقود عليه في الإجارة لا يمنع الرد بخيار العيب) ش: بالإجماع م: (فكذا) ش: لا يمنع الرد م: (بخيار الشرط، بخلاف البيع) ش: متعلق بقوله وفوات بعض المعقود عليه في البيع يمنع الرد دون الإجارة م: (وهذا) ش: أي الفرق بين البيع والإجارة م: (لأن رد الكل ممكن في البيع دون الإجارة فيشترط) ش: أي رد الكل م: (فيه) ش: أي في البيع م: (دونها) ش: أي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 346 ولهذا يجبر المستأجر على القبض إذا سلم المؤجر بعد مضي بعض المدة. قال: وتفسخ الإجارة بالأعذار عندنا. وقال الشافعي: لا تفسخ إلا بالعيب. لأن المنافع عنده بمنزلة الأعيان حتى يجوز العقد عليها فأشبه البيع، ولنا أن المنافع غير مقبوضة وهي المعقود عليها، فصار العذر في الإجارة كالعيب قبل القبض في البيع فتفسخ به، إذ المعنى يجمعهما وهو عجز العاقد عن المضي في موجبه إلا بتحمل ضرر زائد لم يستحق به، وهذا هو معنى العذر عندنا.   [البناية] دون الإجارة. وفي بعض النسخ دونه أي دون عقد الإجارة لما أن التكليف بحسب الوسع والطاقة م: (ولهذا) ش: أي ولكون رد الكل ممكنا في البيع دون الإجارة م: (يجبر المستأجر على القبض إذا أسلم المؤجر بعد مضي بعض المدة) ش: لأن التسليم بكماله غير ممكن، وهذا عندنا خلافا للشافعي، فعنده لا يجبر وللمستأجر الفسخ في باقي المدة. صورته أن يستأجر دارا سنة حتى مضى شهرا ثم تحاكما لم يكن للمستأجر أن يمتنع من القبض في باقي السنة عندنا ولا للمؤجر أن يمنعه من ذلك. وقال الشافعي: للمستأجر أن يفسخ العقد فيما بقي بناء على أصله أن المنافع في حكم الأعيان، فبفوات بعض ما يتناوله العقد يخير فيما بقي لاتحاد الصفة، وعندنا عقد الإجارة في حكم عقود متفرقة فلا يمكن تفرق الصفقة مع تفرق المعقود. [فسخ الإجارة بالأعذار] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وتفسخ الإجارة بالأعذار عندنا) ش: وعند شريح تفسخ بعذر وبغير عذر، وبه قال ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن الإجارة عندهما عقد غير لازم لا عقد على المعدوم فلا يتعلق به اللزوم كالعارية. م: (وقال الشافعي: لا تفسخ إلا بالعيب) ش: وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور م: (لأن المنافع عنده بمنزلة الأعيان حتى يجوز العقد عليها) ش: أي على المنافع كما يجوز على الأعيان م: (فأشبه البيع) ش: كما أن البيع لا يفسخ إلا بالعيب، فكذا الإجارة. م: (ولنا أن المنافع غير مقبوضة وهي المعقود عليها، فصار العذر في الإجارة كالعيب قبل القبض في العيب فتفسخ به) ش: أي بالعذر م: (إذ المعنى) ش: المجوز للفسخ م: (يجمعهما) ش: أي يجمع الإجارة والبيع جميعا م: (وهو) ش: أي المعنى الجامع م: (عجز العاقد عن المضي في موجبه) ش: أي في موجب العقد م: (إلا بتحمل ضرر زائد لم يستحق به) ش: أي بالعقد م: (وهذا هو معنى العذر عندنا) ش: فإن جواز هذا العقد للحاجة ولزومه لتوفير المنفعة على المتعاقدين، فإذا آل الأمر إلى الضرر أخذنا فيه بالقياس. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 347 وهو كمن استأجر حدادا ليقلع ضرسه لوجع به فسكن الوجع، أو استأجر طباخا ليطبخ له طعام الوليمة فاختلعت منه تفسخ الإجارة؛ لأن في المضي عليه إلزام ضرر زائد لم يستحق بالعقد، وكذا من استأجر دكانا في السوق ليتجر فيه فذهب ماله، وكذا إذا أجر دكانا أو دارا ثم أفلس ولزمته ديون لا يقدر على قضائها إلا بثمن ما أجر فسخ القاضي العقد وباعها في الديون؛ لأن في الجري على موجب العقد إلزام ضرر زائد لم يستحق بالعقد وهو الحبس؛ لأنه قد لا يصدق على عدم مال آخر. ثم قوله فسخ القاضي العقد إشارة إلى أنه يفتقر إلى قضاء القاضي في النقض، وهكذا ذكر في الزيادات في عذر الدين. وقال في " الجامع الصغير ": وكل ما ذكرنا أنه عذر فإن الإجارة فيه تنتقض، وهذا يدل على أنه لا يحتاج فيه إلى قضاء القاضي. ووجهه أن هذا بمنزلة العيب قبل القبض في المبيع على ما مر، فيتفرد العاقد   [البناية] م: (وهو) ش: أي العذر، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - محجوج بهذه المسائل م: (كمن استأجر حدادا) ش: أراد به قلاع السن وهو الذي يسمى المزين في عرف أهل مصر وإطلاق الحداد عليه باعتبار تلك البلاد، فإن عندهم لا يقلع السن غالبا إلا الحداد م: (ليقلع ضرسه لوجع به) ش: أي لأجل وجع كائن بالضرس. م: (فسكن الوجع) ش: فإن الإجارة تنفسخ فيه م: (أو استأجر طباخا ليطبخ له طعام الوليمة) ش: أي العرس م: (فاختلعت منه) ش: أي فاختلعت المرأة من الرجوع أو ماتت المرأة، فإن الإجارة تنفسخ فيه أيضا بالإجماع م: (تنفسخ الإجارة، لأن في المضي عليه) ش: أي على العقد م: (إلزام ضرر زائد لم يستحق بالعقد) ش: فيثبت له حق الفسخ دفعا لذلك الضرر. [استأجر دكانا في السوق ليتجر فيه فذهب ماله] م: (وكذا من استأجر دكانا في السوق ليتجر فيه فذهب ماله، وكذا إذا أجر دكانا أو دارا ثم أفلس ولزمته ديون لا يقدر على قضائها إلا بثمن ما أجر فسخ القاضي العقد وباعها في الديون، لأن في الجري على موجب العقد إلزام ضرر زائد لم يستحق بالعقد وهو الحبس) ش: أي ذلك الضرر الزائد هو الحبس، لأنه إذا بقيت الإجارة مع ذلك يحبسه القاضي لقضاء الدين والحبس ضرر زائد م: (لأنه قد لا يصدق على عدم مال آخر) ش: لا سيما إذا كانت له عقار مستأجر. م: (ثم قوله) ش: أي قول القدوري في " مختصره " م: (فسخ القاضي العقد إشارة إلى أنه يفتقر إلى قضاء القاضي في النقض وهكذا ذكر) ش: أي محمد م: (في الزيادات في عذر الدين. وقال في " الجامع الصغير ": وكل ما ذكرنا أنه عذر فإن الإجارة فيه تنتقض، وهذا يدل على أنه لا يحتاج فيه إلى قضاء القاضي، ووجهه) ش: أي وجه ما ذكرنا في " الجامع الصغير ". م: (أن هذا بمنزلة العيب قبل القبض في المبيع على ما مر) ش: في البيع وغيره م: (فيفرد العاقد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 348 بالفسخ. ووجه الأول أنه فصل مجتهد فيه فلا بد من إلزام القاضي. ومنهم من وفق فقال: إن كان العذر ظاهرا لا يحتاج إلى القضاء، وإن كان غير ظاهر كالدين محتاج إلى القضاء لظهور العذر. ومن استأجر دابة ليسافر عليها ثم بدا له من السفر فهو عذر؛ لأنه لو مضى على موجب العقد يلزمه ضرر زائد؛ لأنه ربما يذهب للحج فذهب وقته، أو لطلب غريمه فحضر أو للتجارة.   [البناية] بالفسخ، ووجه الأول) ش: وهو الذي ذكره القدوري م: (أنه فصل مجتهد فيه) ش: لأن فيه خلاف الشافعي ومالك وأحمد م: (فلا بد من إلزام القاضي) ش: ليرتفع الخلاف. م: (ومنهم) ش: أي ومن المشايخ م: (ومن وفق) ش: أي بين روايتي الجامع الصغير والزيادات م: (فقال إن كان العذر ظاهرا) ش: بأن اختلفت المرأة أو ماتت فيما إذا استأجر لطبخ طعام الوليمة، أو مات الولد إذا استأجره ليختنه أو برأت يدًا إذا استأجر لقطعها من الأكلة أو سكن وجع سنه إذا استأجر لقلعه م: (لا يحتاج إلى القضاء، وإن كان غير ظاهر كالدين يحتاج إلى القضاء لظهور العذر) ش: أي لأن يظهر العذر، وصحح المحبوبي وقاضي خان هذا وصحح شمس الأئمة ما ذكر في الزيادات. ثم اختلفوا في فسخ القاضي: قيل: يبيع الدار فينفذ البيع فتفسخ الإجارة ضمنا، وإنما لا ينقض قصدا، لأنه لو نقضها قصدا أو بما لا يتفق المبيع فيكون النقض إبطالا لحق المستأجر قصدا، وأنه لا يجوز. وقيل: يفسخ الإجارة ثم يبيع الدار. وفي " الذخيرة ": ولو أظهر المستأجر في الدار الشر كشرب الخمر وأكل الربا والزنا واللواطة يؤمر بالمعروف، وليس للمؤجر ولا لجيرانه أن يخرجوه من الدار وذلك لا يصير عذرا في فسخ الإجارة، ولا خلاف للأئمة الأربعة في الجواهر إن رأى السلطان أن يخرجه فعل. وقال ابن حبيب: لو أظهر الفسق في دار نفسه ولم يمتنع بالأمر بالمعروف، ويقول داري أنا آتي فيها ما أريد، تباع عليه داره. [استأجر دابة ليسافر عليها ثم بدا له من السفر] م: (ومن استأجر دابة ليسافر عليها ثم بدا له من السفر) ش: يقال: بدا لي في هذا الأمر بَداءٌ أي تغير رأيي عما كان عليه، وفلان ذو بدوات إذا بدا له الرأي بعد الرأي، كذا في " المجمل ". وقال ابن دردي: بدا لي الشيء وبدا إذا ظهر، وبدا لي في الأمر إذا ضربت عبد بدو أو بداء، كذا في " الجمهرة " م: (فهو عذر، لأنه لو مضى على موجب العقد يلزمه ضرر زائد، لأنه ربما يذهب للحج) ش: وفي بعض النسخ إلى الحج م: (فذهب وقته أو لطلب غريمه) ش: أي أو كان استأجر دابة ليذهب بطلب غريمه م: (فحضر) ش: إلى غريمه م: (أو للتجارة) ش: أي أو استأجر دابة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 349 فافتقر. وإن بدا للمكاري فليس ذلك بعذر؛ لأنه يمكنه أن يقعد ويبعث الدواب على يد تلميذه أو أجيره. ولو مرض المؤاجر فقعد فكذلك الجواب على رواية الأصل. وذكر الكرخي أنه عذر لأنه لا يعرى عن ضرر فيدفع عنه عند الضرورة دون الاختيار. ومن أجر عبده ثم باعه فليس بعذر لأنه لا يلزمه الضرر بالمضي على موجب العقد، وإنما يفوته الاسترباح وإنه أمر زائد.   [البناية] ليتجر عليها م: (فافتقر، وإن بدا للمكاري فليس ذلك بعذر، لأنه يمكنه أن يقعد ويبعث الدواب على يد تلميذه أو أجيره، ولو مرض المؤاجر) ش: أراد به المكاري م: (فقعد) ش: عن المضي م: (فكذلك الجواب على رواية الأصل) ش: يعني كذلك ليس بعذر، لأنه يمكنه أن يرسل من يتبع هذه الغاية. م: (وذكر الكرخي أنه عذر، لأنه لا يعرى عن ضرر فيدفع عنه عند الضرورة) ش: فهي كالمرض م: (دون الاختيار) ش: نحو ما بدا له عن السفر بتغير رأيه م: (ومن أجر عبده ثم باعه فليس بعذر، لأنه لا يلزمه الضرر بالمضي على موجب العقد) ش: وهو إبقاؤه، وما لزمه إلا قدر ما التزمه عند العقد وهو الحجر على نفسه من التصرف في المستأجر إلى انتهاء المدة. م: (وإنما يفوته الاسترباح) ش: بأن يتصرف فيه قبل مضي المدة م: (وإنه) ش: أي الاسترباح م: (أمر زائد) ش: إذ لو نقضنا الإجارة به لما سلمت إجارة أبدا ولبطلت حوائج الناس، ثم هل يجوز هذا البيع؟. اختلفت الرويات فيه، قال شمس الأئمة: والصحيح من الرواية أن البيع موقوف على سقوط حق المستأجر وليس للمستأجر أن يفسخ البيع، وإليه مال الصدر الشهيد، حتى لو قال ينبغي أن يكتب المفتي في جوابه لا يجوز في حق المستأجر ولو جاز أيام الفسخ ينفذ البيع وتنفسخ الإجارة. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول ومالك: ويصح البيع من المستأجر دون غيره. وقال في " مختصر الطحاوي " ومن أجر داره ثم باعها قبل انقضاء المدة فيها ونقض البيع عليه فيها فإن بعضه كان منتقضا ولم يعد بعد ذلك، وإن لم ينقضه حتى فرغت الدار من الأجرة تم ذلك البيع فيها وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - القديم. وروى عنه أصحاب " الإملاء " أنه قال: لا سبيل للمستأجر إلى نقض البيع فيها والإجارة فيها كالعيب فيها، فإن كان المشتري عالما به فقد برئ البالغ منه وللمشتري قبض الدار بعد انقضاء الإجارة فيها، وإن لم يكن علم بذلك كان بالخيار إن شاء نقض البيع فيها للعيب الذي وجده بها، وإن شاء أمضاه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 350 قال: وإذا استأجر الخياط غلاما فأفلس وترك العمل فهو عذر؛ لأنه يلزمه الضرر بالمضي على موجب العقد لفوات مقصوده، وهو رأس ماله وتأويل المسألة خياط يعمل لنفسه.   [البناية] وقال الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": ومن أجر دارا ثم باعها قبل انقضاء مدة الإجارة فإن البيع جائز فيما بين البائع والمشتري، حتى إن المدة لو انقضت كان البيع لازما للمشتري، وليس له أن يمنع عن الأخذ إلا إذا طالب المشتري البائع بالتسليم قبل انقضاء مدة الإجارة فلم يمكنه ذلك وفسخ القاضي العقد فيما بينهما، فإنه لا يعود جائزا بمضي المدة. ولو أن المستأجر أجاز البيع جاز وبطلت الإجارة فيما بقي من المدة. ولو فسخ فإنه لا ينفسخ البيع بينهما حتى إن المدة إذا انقضت كان للمشتري أن يأخذه، هذا في ظاهر الرواية. وروى الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المستأجر له أن ينقض البيع، فإذا نقض البيع فإنه لا يعود. وروي عن أبي يوسف أنه قال ليس للمستأجر نقض البيع والإجارة فيها كالعيب، وقد ذكرنا حكمه الآن. ولو آجر داره من رجل ثم أجرها من آخر فإن عقد الثاني يكون موقوفا على إجارة المستأجر الأول فإن أبطله بطل، بخلاف البيع فإن هناك إن أبطله لم يبطل. والفرق أن عقد الإجارة على المنفعة وهي مملوكة للمستأجر الأول، فإن أجاز مالكها جاز وإلا لا، وأما البيع فإنما يقع على العين وهي مملوكة للمؤجر، إلا أن للغير حقا فيه فإن زال حق الغير نفذ البيع. ولو أجاز المستأجر الأول الإجارة الثانية صحت الإجارة الثانية، والأجرة للمستأجر الأول. ولا تكون لصاحب الدار، بخلاف البيع، لأن هناك الثمن لصاحب الملك، والفرق ما ذكرنا، وبالإجارة لا ينفسخ عقد المستأجر الأول ما لم تمض مدة الثاني فإذا مضت فحينئذ تنقضي المدتان جميعا إن كانت مدتهما واحدة، وإن كانت مدة الثاني أطول من مدة الأول فللأول أن يسكن الدار حتى تتم المدة. وكذلك لو رهنها المؤجر قبل انقضاء مدة الإجارة والعقد جائز فيما بينه وبين المرتهن ولكن للمستأجر أن يحبس إلى أن تنقضي مدته، ولو رهن داره من رجل وقبضها المرتهن ثم باعها الراهن من آخر فالعقد جائز بين البائع والمشتري. وفي حق المرتهن لا يجوز، وله أن يحبسه حتى يستوفي ماله، فإذا أمسكها الراهن يسلم الدار إلى المشتري، إلا أن هاهنا إذا أجر المرتهن جاز ويسلم الدار إلى المشتري والثمن يكون رهنا مكان الدار، لأن له حق حبس العين، وكذا بدله. [استأجر الخياط غلاما فأفلس وترك العمل] م: (قال: وإذا استأجر الخياط غلاما فأفلس وترك العمل فهو عذر، لأنه يلزمه الضرر بالمضي على موجب العقد لفوات مقصوده وهو رأس ماله، وتأويل المسألة خياط يعمل لنفسه) ش: بأن يشتري الجزء: 10 ¦ الصفحة: 351 أما الذي يخيط بأجر فرأس ماله الخيط والمخيط والمقراض فلا يتحقق الإفلاس فيه. وإن أراد ترك الخياطة وأن يعمل في الصرف فهو ليس بعذر؛ لأنه يمكنه أن يقعد الغلام للخياطة في ناحية وهو يعمل في الصرف في ناحية، وهذا بخلاف ما إذا استأجر دكانا للخياطة فأراد أن يتركها ويشتغل بعمل آخر حيث جعله عذرا ذكره في الأصل؛ لأن الواحد لا يمكنه الجمع بين العملين، أما هاهنا العامل شخصان فأمكنهما. ومن استأجر غلاما ليخدمه في المصر ثم سافر فهو عذر؛ لأنه لا يعرى عن إلزام ضرر زائد؛ لأن خدمة السفر أشق، وفي المنع من السفر ضرر، وكل ذلك لم يستحق بالعقد فيكون عذرا   [البناية] الثياب ويخيطها ويبيعها كما هو عرف أهل الكوفة م: (أما الذي يخيط بأجر فرأس ماله الخيط والمخيط) ش: بكسر الميم وهو اسم للآلة التي يخاط بها الثياب. م: (والمقراض) ش: بكسر الميم اسم للآلة التي يقطع بها الثياب من القرض وهو القطع، وسمي المقص أيضا م: (فلا يتحقق الإفلاس فيه) . ش: قيل: ويتحقق إفلاسه بأن تظهر خيانته عند الناس فيمتنعون عن تسليم الثياب إليه، أو يلحقه ديون كثيرة ويصير بحيث إن الناس لا يأتمنونه على أمتعتهم. م: (وإن أراد ترك الخياطة وأن يعمل في الصرف فهو ليس بعذر، لأنه يمكنه أن يقعد الغلام للخياطة في ناحية وهو يعمل في الصرف في ناحية. وهذا بخلاف ما إذا استأجر دكانا للخياطة فأراد أن يتركها ويشتغل بعمل آخر حيث جعله) ش: أي جعله محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (عذرا ذكره في الأصل) ش: أي في " المبسوط ". م: (لأن الواحد لا يمكنه الجمع بين العملين، أما هاهنا) ش: أي في مسألة ترك الخياطة وإرادة عمل الصرف م: (العامل شخصان) ش: أحدهما المستأجر والآخر الغلام المستأجر م: (فأمكنهما) ش: العمل لعدم التعذر. [استأجر غلاما ليخدمه في المصر ثم سافر] م: (ومن استأجر غلاما ليخدمه في المصر ثم سافر فهو) ش: أي سفره م: (عذر) ش: فتفسخ به الإجارة م: (لأنه لا يعرى عن إلزام ضرر زائد، لأن خدمة السفر أشق. وفي المنع من السفر ضرر، وكل ذلك لم يستحق بالعقد فيكون عذرا) ش: وفي " الذخيرة ": لو قال المؤجر للقاضي: إنه لا يريد السفر ولكن يريد فسخ الإجارة، وقال المستأجر: أريد السفر فيقول القاضي للمستأجر مع من تخرج؟، فإن قال: مع فلان وفلان فالقاضي يسألهم أن فلانا هل يخرج معكم؟ وهل استعد للخروج؟ فإن قالوا: نعم يثبت العذر وإلا فلا. وقيل القاضي يحكم بزيه وثيابه. فإن كانت ثيابه ثياب سفر يجعله مسافرا وإلا فلا. وقيل: لو أنكر المؤجر السفر فالقول له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 352 وكذا إذا أطلق لما مر أنه يتقيد بالحضر، بخلاف ما إذا أجر عقارا ثم سافر؛ لأنه لا ضرر إذ المستأجر يمكنه استيفاء المنفعة من المعقود عليه بعد غيبته، حتى لو أراد المستأجر السفر فهو عذر لما فيه من المنع من السفر أو إلزام الأجر بدون السكنى وذلك ضرر   [البناية] وقيل: القاضي يحلف المستأجر بالله إنك عزمت على السفر وإليه مال القدوري والكرخي. ولو أراد رب العبد السفر لا يكون ذلك عذرا. م: (وكذا إذا أطلق) ش: أي إجارة العبد للخدمة قبل أن يقول استأجرت هذا العبد للخدمة ولم يقل في الحضر أو في السفر لا يكون له أن يسافر به م: (لما مر أنه يتقيد بالحضر) ش: أي لما مر في فصل إجارة العبد من أنه ليس له أن يسافر به، إلا أن يشترط ذلك. م: (بخلاف ما إذا أجر عقارا ثم سافر، لأنه لا ضرر، إذ المستأجر يمكنه استيفاء المنفعة من المعقود عليه بعد غيبته، حتى لو أراد المستأجر السفر فهو عذر لما فيه من المنع من السفر أو إلزام الأجر بدون السكنى وذلك ضرر) ش: للمستأجر، والضرر مدفوع، والله أعلم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 353 مسائل منثورة قال: ومن استأجر أرضا أو استعارها فأحرق الحصائد فاحترق شيء في أرض أخرى فلا ضمان عليه؛ لأنه غير متعد في هذا التسبيب، فأشبه حافر البئر في دار نفسه.   [البناية] [مسائل منثورة في الإجارة] م: (مسائل منثورة) ش: مسائل مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هذه مسائل. وقوله منثورة بالرفع صفة المسائل، وتقدم معنى النثر. م: (قال: ومن استأجر أرضا أو استعارها فأحرق الحصائد) ش: وهو جمع حصيد وهو الزرع المحصود، وأريد هاهنا ما يبقى من أصول الزرع المحصود في الأرض، وحصد الزرع جزه من باب طلب وضرب م: (فاحترق شيء في أرض أخرى فلا ضمان عليه، لأنه غير متعد في هذا التسبيب) ش: وفي بعض النسخ في هذا السبب فإنه مسبب لا مباشر، والضمان بطريق التسبيب يعتمد التعدي في التسبيب م: (فأشبه حافر البئر في دار نفسه) ش: فإن من حفر بئرا في ملكه فوقع فيها إنسان فهلك لا يضمن. ولو رمى سهما في ملكه فأصاب إنسانا أو مالا فهلك يضمن، لأنه مباشر فلم يتوقف على التعدي، ولهذا، لأن المباشرة علة فلا يبطل حكمها بعذر، فأما التسبيب فليس بعلة فلا بد من صفة العدوان ليلحق بالعلة، وإحراق الحصائد هنا مباح وليس بتعد فلا يضاف التلف إليه. ونقل صاحب " الأجناس " عن زيادات الأصل: لو وضع جمرا في الطريق فحركته الريح فذهب به من ذلك الموضع فأحرق شيئا لم يضمن من قبل أنه قد تغير عن حاله التي وضع عليها. وكذلك وإذا وضع حجرا. وفي " الواقعات ": رجل أحرق شوكا أو بيتا في أرض، فذهبت الريح بالشرارات إلى أرض جاره فأحرق أرضه، إن كانت النار تبعد من أرض الجار على وجه لا يصل إليه شرر النار في العادة فلا ضمان عليه، لأن ذلك حصل بفعل النار وأنه جبار، ولو كان أرضه على وجه يصل إليه شرر النار فإنه يضمن لأن له أن يوقد النار في أرضه، ولكن على وجه لا يتعدى ضرره إلى أرض جاره، وهذا كما إذا سقى أرض نفسه فتعدى إلى أرض جاره. وكذلك لو أن رجلا اتخذ في داره هدفا يرمي إليه فجاز السهم داره وصار إلى دار جاره وقتل رجلا أو أفسد مالا فهو ضامن قيمة المال ودية المقتول على عاقلته. وكذلك الحداد لو أخرج الحديدة من الكورة وذلك في حانوته ووضعه على العلاة وضربه بمطرقة فخرج شررها إلى طريق العامة فأحرق رجلا أو فقأ عينه فديته على عاقلته. ولو أحرق ثوب إنسان فقيمته على الحداد في ماله. ولو لم يضربه بالمطرقة حتى وضعه على العلاة فأخرج الجزء: 10 ¦ الصفحة: 354 وقيل: هذا إذا كانت الرياح هادنة ثم تغيرت. أما إذا كانت مضطربة يضمن؛ لأن موقد النار يعلم أنها لا تستقر في أرضه. قال: وإذا قعد الخياط أو الصباغ في حانوته من يطرح عليه العمل بالنصف فهو جائز؛ لأن هذه شركة الوجوه في الحقيقة، فهذا لوجاهته يقبل وهذا لحذاقته يعمل فينتظم بذلك المصلحة، فلا تضره الجهالة فيما يحصل.   [البناية] الريح شرره فأصاب ما أصاب فهو هدر. وفي " المسائل ": سقى أرضه فسال من مائه في أرض رجل فغزتها أو ترت لا ضمان عليه، لأنه غير متعد في التسبيب. وكذا إذا أحرق كلأ أو حصائد في أرضه فذهب النار فأحرق شيئا لغيره لم يضمن لا جرم وإن كان يوم ريح فعلم أنه يذهب منها فقيل يضمن. م: (وقيل هذا) ش: قائله شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أي قال المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، هذا الذي قاله محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " عن عدم الضمان بإحراق الحصائد إذا احترق شيء من أرض أخرى م: (إذا كانت الرياح هادنة) ش: حين أوقد النار. قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: " هادنة " بالنون أي ساكنة من هدن إذا سكن، وفي نسخة هادئة من هدأ بالهمز، أي سكن، قال الشاعر: إن السباع لتهدي في فراسيها ... والناس ليس بهاد شرهم أبدا أي لتسكن. وأصله لتهدأ بالهمزة، حذفه الشاعر وقبله بيت آخر وهو: ليت السباع لنا كانت مجاورة ... فإننا لا نرى فيمن ترى أحدا م: (ثم تغيرت) ش: قويت واشتدت م: (أما إذا كانت مضطربة) ش: حين أوقدها م: (يضمن، لأن موقد النار يعلم أنها لا تستقر في أرضه) ش: ولكنها تذهب بها إلى أرض الجيران، فصار كأنه ألقاها في أرضهم. م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإذا قعد الخياط أو الصباغ في حانوته من يطرح عليه العمل بالنصف) ش: بأن كان صاحب الدكان ذا جاه لا حذاقة له في العمل فأقعد من يعلم ويعمل بالنصف م: (فهو جائز) ش: أي استحسانا م: (لأن هذه شركة الوجوه في الحقيقة، فهذا لوجاهته يقبل، وهذا لحذاقته يعمل فينتظم بذلك المصلحة فلا تضره الجهالة فيما يحصل) . ش: وفي القياس لا يجوز، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن رأس مال صاحب الدكان المنفعة وهي لا تصلح رأس مال الشركة، ولأن التقبل للعمل على ما ذكر صاحب الدكان فيكون العامل أجيره بالنصف وهو مجهول، وإن تقبل العمل العامل كان مستأجرا لموضع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 355 قال: ومن استأجر جملا يحمل عليه محملا وراكبين إلى مكة جاز وله المحمل المعتاد. وفي القياس لا يجوز وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - للجهالة، وقد يفضي ذلك إلى المنازعة. وجه الاستحسان أن المقصود هو الراكب وهو معلوم، والمحمل تابع وما فيه من الجهالة يرتفع بالصرف إلى المتعارف فلا يفضي ذلك إلى المنازعة. وكذا إذا لم ير الوطاء والدثر. قال: وإن شاهد الجمال المحمل فهو أجود؛ لأنه أنفى للجهالة وأقرب إلى تحقيق الرضاء.   [البناية] جلوسه من دكانه بنصف ما يعمل وهو مجهول. والطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مال إلى وجه القياس، وقال: القياس عندي أولى من الاستحسان، وقد علل الشراح في وجه الاستحسان بأن هذه ليست بإجارة، وإنما هي شركة الصنائع وهي شركة التقبل، وهذا مخالف لما ذكره المصنف، فإنه صرح بأن هذه شركة الوجوه في الحقيقة، ولكن قوله فهذا لوجاهته يقبل، وهذا لحذاقته يعمل النسب لشركة التقبل على ما لا يخفى، ثم إن هذا إذا كانت شركة لا إجارة لم تضره الجهالة فيما يحصل كما في الشركة. [استأجر جملا يحمل عليه محملا وراكبين إلى مكة] م: (قال: ومن استأجر جملا يحمل عليه محملا) ش: بفتح الميم الأولى وكسر الثانية وهو الزوج من المحارة يعقد في كل واحد شخص. وفي المغرب بفتح الميم الأولى وكسر الثانية، وعلى العكس الهودج الكبير الحجاجي م: (وراكبين إلى مكة جاز) ش: هذا العقد م: (وله) ش: أي للمستأجر. م: (المحمل المعتاد) ش: أراد أنه يتعين المحمل المعتاد بين الناس م: (وفي القياس لا يجوز وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - للجهالة) ش: وأحمد في الطول والعرض والثقل م: (وقد يفضي ذلك إلى المنازعة) ش: فلا يجوز. م: (وجه الاستحسان أن المقصود هو الراكب وهو معلوم) ش: لأن أجسام الناس متقاربة في الغالب م: (والمحمل تابع) ش: للراكب م: (وما فيه) ش: أي في المحمل م: (من الجهالة يرتفع بالصرف إلى المتعارف) ش: أي إلى المحمل المتعارف م: (فلا يفضي ذلك إلى المنازعة) ش: فيجوز م: (وكذا) ش: أي يجوز أيضا م: (إذا لم ير) ش: أي الجمال م: (الوطاء) ش: بكسر الواو وبالمد وهو الفراش م: (والدثر) ش: بضم الدال والثاء المثلثة جمع. وقال وهو ما يلقى عليك من كساء أو غيره م: (قال: وإن شاهد الجمال المحمل فهو أجود، لأنه أنفى للجهالة وأقرب إلى تحقيق الرضاء) ش: لأن بمشاهدة الجمال إياه يرتفع النزاع أصلا. وفي " المحيط ": استأجر بعيرين إلى مكة ليحمل على أحدهما محملا فيه رجلان وما لهما من الوطاء والدثر ولم ير الجمال الوطاء والدثر وعلى الآخر زاملته عليه كذا مختوما من السويق وما يصلحه من الزيت والخل وما يكفي من الماء ولم يبين قدره وما يصلح من الحبل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 356 قال: ومن استأجر بعيرا ليحمل عليه مقدارا من الزاد فأكل منه في الطريق جاز أن يرد عوض ما أكل؛ لأنه استحق عليه حملا سمي في جميع الطريق فله أن يستوفيه. وكذا غير الزاد من المكيل والموزون، ورد الزاد معتاد عند البعض كرد الماء، فلا مانع من العمل بالإطلاق.   [البناية] والمعاليق من قربة والميضأة والمطهرة ولم يبين وزنه، أو شرط أن يحمل من مكة من هدايا مكة، أما لحمل الناس فهذا جائز استحسانا للتعارف، وله أن يحمل ما هو متعارف. وحكي مثله عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: لا بد من معرفة المحمل والوطاء والدثر والمعاليق وتقدير الزاملة. واختلف أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في المعاليق كالقدر ومثله فقيل: لا يجوز حتى يعرف قولا واحدا، وقيل فيه قولان. [استأجر بعيرا ليحمل عليه مقدارا من الزاد فأكل منه في الطريق] م: (قال: ومن استأجر بعيرا ليحمل عليه مقدارا من الزاد فأكل منه في الطريق جاز أن يرد عوض ما أكل) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي قول يعتبر العرف إن جرى بالاستبدال يستبدل وإلا لا، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهذا الخلاف إذا أطلق، أما إذا شرط الاستبدال فلا خلاف، ولو شرط عدم الاستبدال لا يستبدل بلا خلاف ولو سرق أو هلك بغير أكل أو بأكل غير معتاد يستبدل بلا خلاف م: (لأنه استحق عليه حملا سمي في جميع الطريق فله أن يستوفيه، وكذا غير الزاد) ش: أي وكذا له أن يرد غير الزاد فيما إذا استأجر دابة ليحمل عليها قدرا معينا م: (من المكيل والموزون) ش: إذا نقص منهما، ويحتمل أن يكون المعنى وله أن يرد المكيل أو الموزون مثل ما أكل من الزاد، قاله تاج الشريعة. م: (ورد الزاد معتاد عند البعض) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال مطلق العقد محمول على العادة، وفي عادة المسافرين لا يردون شيئا مكان ما أكلوا. فأجاب بقوله ورد الزاد معتاد عند بعض الناس م: (كرد الماء) ش: فإنهم يردون بدله عند الشرب والاستعمال، فإذا العرف مشترك فلا يصلح مقيدا م: (فلا مانع من العمل بالإطلاق) ش: وهو أنهما أطلقا العقد على حمل قدر معلوم في مسافة معلومة، ولم يقيدا بعدم رد قدر ما نقص من المحمول فوجب جواز رد قدر ما نقص عملا بالإطلاق وعدم المانع. فرع: وفي " المحيط ": اشترك اثنان في إجارة دابة على أن يتعاقبا في الركوب ولم يبينا مقدار ركوب كل واحد جاز للعرف، وبه قالت الثلاثة. وقال المزني لا يجوز أكثر العقبة إلا مضمونة في الذمة وهو أن يبين مقدار ركوب كل واحد بالزمان والفرسخ، والله أعلم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 357 كتاب المكاتب قال: وإذا كاتب المولى عبده أو أمته على مال شرطه عليه وقبل العبد ذلك صار مكاتبا.   [البناية] [كتاب المكاتب] م: (كتاب المكاتب) ش: المناسبة بين الكتابين كون كل منهما عقد يستفاد به المال بمقابلة ما ليس بمال على وجه يحتاج فيه إلى ذكر العوض بالإيجاب والقبول بطريق الأصالة يخرج النكاح والطلاق والعتاق على مال، فإن ذكر العوض فيها ليس بطريق الأصالة قبل ذكره عقب العتاق كان أنسب، لأن في الكتابة الولاء، والولاء حكم من أحكام العتق. ورد بأن العتق إخراج الرقبة عن الملك بلا عوض، والكتابة ليست كذلك، بل فيها ملك الرقبة لشخص ومنفعته لغيره وهو أنسب للإجارة؛ لأن نسبة الذاتيات أولى من العرضيات، وقدم الإجارة لشبهها بالبيع من حيث التمليك والشرائط، فكان أنسب بالتقديم. ثم الكتابة مأخوذ من الكتاب وهو الجمع، يقال كتبت البغلة إذا جمعت بين شفريها بحلقة، ومنه كتبت الكتاب؛ لأنه جمع الحروف، وسمي هذا العقد كتابة لما فيه من جمع النجم إلى النجم. وقيل: سمي كتابة لما يكتب فيه من الكتاب على العبد للمولى وللمولى على العبد. فإن قيل: سائر العقود يوجد فيها معنى الكتابة فلم لا يسمى بهذا الاسم؟ أجيب: بأنه لا يبطل التسمية كالقارورة سميت بهذا الاسم لقرار المائع فيها، ولم يسم الكوز ونحوه قارورة وإن كان يقر المائع فيه لئلا تبطل الأعلام. وشرعا هو عقد بين المولى وعبده بلفظ الكتابة أو ما يؤدي معناه من كل وجه يوجب التحرير يدا في الحال، ورقبة في المآل، ولا يلزم عليه تعليق العتق على مال، لأنه لا يحتاج فيه إلى لفظ الكتابة، بل يحصل بقوله أعتقتك على كذا. والفرق بينهما في الحكم أن الكتابة عقد يقال ويفسخ، بخلاف العتق، لأنه من جانب المولى يمين والمكاتب بملك كتابة عبد أو المعتق على مال. [مشروعية الكتابة وما تنعقد به] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا كاتب المولى عبده أو أمته على مال شرطه عليه وقبل العبد ذلك صار مكاتبا) ش: إنما استعمل هذا من باب المفاعلة التي تقتضي الاشتراك بين الاثنين، لأن المولى كتب على نفسه العتق والعبد الأداء فاشتركا في أصل الفعل فالمولى مكاتب بكسر التاء، والعبد مكاتب بفتحها، ويأتي الآن بيان القيود التي فيه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 358 أما الجواز فلقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] (النور: الآية 33) ، وهذا ليس أمر إيجاب بإجماع بين الفقهاء، وإنما هو أمر ندب هو الصحيح، وفي الحمل على الإباحة إلغاء الشرط، إذ هو مباح بدونه. أما الندبية فمعلقة به، والمراد بالخير المذكور على ما قيل أن لا يضر بالمسلمين بعد العتق، فإن كان يضر بهم فالأفضل أن لا يكاتبه وإن كان يصح لو فعله.   [البناية] م: (أما الجواز) ش: أي جواز الكتابة يعني الدليل على جوازها م: (فلقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] (النور: الآية 33) ش: أي كاتبوا الذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم ودلالة هذا على مشروعية العقد لا تخفى على عارف بلسان العرب، سواء كان الأمر للوجوب أو لغيره. ولما كان مقصود المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيان أن عقد الكتابة أمر مندوب أو واجب تعرض لذلك بقوله م: (وهذا ليس أمر إيجاب بإجماع بين الفقهاء) ش: أي قوله {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] ليس أمر إيجاب، واحترز بقوله الفقهاء عن داود الظاهري ومن تابعه، وعمرو بن دينار وعطاء ورواية صاحب التقريب عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ورواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنهم قالوا تجب الكتابة إذا سئل العبد، وكان ذا أمانة وذا كسب، لأن الأمر للوجوب. ونفى المصنف ذلك بقوله: م: (وإنما هو أمر ندب هو الصحيح) ش: احترز به عن قوله بعض مشايخنا إن الأمر للإباحة ثم بين ما يلزم من المحذور من هذا القول بقوله: م: (وفي الحمل على الإباحة إلغاء الشرط) ش: وهو قوله تعالى: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] (النور: الآية 33) . م: (إذ هو) ش: أي عقد الكتابة م: (مباح بدونه) ش: أي بدون شرط. تقريره أن في الحمل على الإباحة ألغى الشرط، لأنها ثابتة بدونه بالاتفاق، وكلام الله تعالى منزه عن ذلك. وفي الحمل على الندب إعمال له، لأن الندبية معلقة به، وهو معنى قوله م: (أما الندبية فمعلقة به) ش: أي بالشرط، وبين ذلك بقوله م: (والمراد بالخير المذكور) ش: يعني في قَوْله تَعَالَى: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] . م: (على ما قيل: أن لا يضر بالمسلمين بعد العتق، فإن كان يضر بهم فالأفضل أن لا يكاتبه) ش: بأن كان غير أمين ولا مشتغل بالكسب م: (وإن كان يصح لو فعله) ش: واصل بما قبله، يعني وإن كان يضر بهم لو فعل المولى عقد الكتابة صح، وفسرت الثلاثة الخيرية بمثل قولنا وهي الأمانة والكسب، وبه قال عمرو بن دينار. وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وابن عمر، وعطاء: الخير الكسب خاصة. وعن الثوري والحسن البصري أنه الأمانة والدين خاصة، وقيل هو الوفاء والأمانة والصلاح. وإذا فقد الأمانة فالكسب لا يكره عندنا. وبه قال الشافعي ومالك - رحمهما الله -. وقال أحمد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 359 وأما اشتراط قبول العبد فلأنه مال يلزمه فلا بد من التزامه. ولا يعتق إلا بأداء كل البدل لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أيما عبد كوتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد» وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» .   [البناية] وإسحاق وأبو الحسين بن القطان من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكره. م: (وأما اشتراط قبول العبد فلأنه مال يلزمه، فلا بد من التزامه) ش: وبه قالت الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (ولا يعتق إلا بأداء كل البدل) ش: وهذا قول جمهور الفقهاء م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أيما عبد كوتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد» ش: هذا الحديث أخرجه الأربعة: وأبو داود والنسائي في العتق والترمذي في " البيوع "، وابن ماجه في " الأحكام " عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشرة أواق فهو عبد وإذا عبد كاتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد» هذا لفظ أبي داود ولفظ الترمذي سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من كاتب عبدا على مائة أوقية فأداها إلا عشرة أواق، أو قال عشرة دراهم ثم عجز فهو رقيق» ، وقال: غريب. ولفظ ابن ماجه «أيما عبد كوتب على مائة أوقية فأداها إلا عشرة أواق ثم عجز فهو رقيق» . وأخرجه الدارقطني في سننه عن ابن عباس الحريري، عن عمرو بن شعيب به وكذلك الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه كلاهما بلفظ أبي داود. م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» ش: هذا أخرجه أبو داود في العتاق عن إسماعيل بن عياش عن سليمان بن سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المكاتب عبد ما بقي من كتابته درهم» ، وفيه إسماعيل بن عياش لكنه عن شيخ شامي وهو ثقة. وأخرجه ابن عدي في " الكامل " عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أم سلمة أنها قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم أو أوقية» ، وسليمان بن أرقم ضعيف. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 360 وفيه اختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وما اخترناه قول زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.   [البناية] وعن أحمد وأبي داود والنسائي وابن معين أنه متروك. وقال ابن عدي: ولعل البلاء فيه من المسيب بن شريك وهو الذي رواه عن سليمان، فإنه أشر من سليمان. وروى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الموطأ " عن نافع عن ابن عمر موقوفا: «المكاتب عبد ما بقي عليه شيء من كتابته» ، وأخرجه ابن أبي شيبة موقوفا على عمر وابن عمر وعلي وزيد بن ثابت وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لم يروه مرفوعا أصلا. والعجب من الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: وقوله قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» من كلام زيد بن ثابت. ثم نقول ولكن روى الشيخ أبو جعفر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الآثار " وقال حدثنا الخطاب بن عثمان قال حدثنا إسماعيل بن عياش عن سليمان بن سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم» ، فنفى أولا أن يكون هذا مرفوعا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم استدرك وقال: رواه الطحاوي. م: (وفيه اختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أي وفي وقت عتق المكاتب اختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فعند ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يعتق كما أخذ الصحيفة من مولاه يعني يعتق بنفس العقد وهو غريم المولى بما عليه من بدل الكتابة. روى عبد الرزاق في " مصنفه " عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إذا بقي عليه خمس أواق أو خمسة أوسق فهو غريم، وعند ابن مسعود يعتق إذا أدى قيمة نفسه، وروى عبد الرزاق أيضا عن المغيرة عن إبراهيم عن ابن مسعود قال: إذا أدى قدر ثمنه فهو غريم، وعند زيد بن ثابت لا يعتق ولو بقي عليه درهم، وهو الذي اختاره أصحابنا، أشار إليه بقوله: م: (وما اخترناه قول زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وإنما اختاره لأنه مؤيد بالأحاديث التي ذكرناها آنفا، وبه قال الثلاثة أيضا. وحديث زيد أخرجه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مسنده " اخبرناه ابن عيينة عن ابن نجيح عن مجاهد أن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال في المكاتب: هو عبد ما بقي عليه درهم، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا سفيان الثوري عن ابن نجيح به سواء ومن طريق الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواه البيهقي في " سننه "، ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " أخبرنا ربيع عن سفيان به وذكره البخاري في " صحيحه " تعليقا فقال: وقال زيد بن ثابت: هو عبد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 361 ويعتق بأدائه، وإن لم يقل المولى إذا أديتها فأنت حر   [البناية] ما بقي عليه درهم. وعند علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يعتق بقدر ما أدى، وبه قالت الظاهرية عن عبد الرزاق أخبرنا سفيان الثوري عن طارق بن عبد الرحمن عن الشعبي أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: في المكاتب يعجز قال يعتق، وبمثل ما ذهب إليه زيد روي عن عمر وعثمان وابن عمر وعائشة وأم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا خالد الأحمر عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن معمر الجهني عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ". وأخرج أيضا عن يزيد بن هارون عن عباد بن منصور عن حماد بن إبراهيم عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريح أخبرني عبد الكريم بن أبي المحارق أن زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا يقولون: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. وأخرج أيضا عن ابن معشر عن سعيد المقبري عن أم سلمة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ". م: (ويعتق بأدائه) ش: أي يعتق المكاتب بأدائه جميع بدل الكتابة م: (وإن لم يقل المولى إذا أديتها فأنت حر) ش: الضمير في أديتها يرجع إلى الألف مثلا أو نحوها، ويرجع إلى المال، ولكن التأنيث باعتبار المكاتبة، فإن المكاتبة قد تطلق على البدل، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله -. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعتق ما لم يقل كاتبتك على كذا إن أديته فأنت حر. وفي " شرح الوجيز ": ولو لم يصرح بتعليق العتق بالأداء ولكن نواه عليه في كاتبتك على كذا صحت الكتابة، وإن لم يصرح بالتعليق ولا نواه لم يحصل العتق ولم تصح الكتابة. وعن بعض الصحابة إن كان الرجل فقيها صحت كتابته بمجرد لفظ كاتبتك على كذا وإلا فلا بد من تعليق الحرية أو بيته، وأصلا لاختلاف راجع إلى تفسير الكتابة شرعا، فعند ضم نجم إلى نجم فلو صرح وقال: ضربت عليك ألفا على أن تؤديها إلي في كل شهر كذا لا يعتق. وكذا إذا قال: كاتبتك ولم يقل: إن أديت إلي فأنت حر لا يعتق، فكذا هنا. وعندنا هو ضم حرية اليد إلى حرية الرقبة عند الأداء فلا يحتاج إلى تعليق العتق بالأداء كما في " مبسوط " شيخ الإسلام. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 362 لأن موجب العقد يثبت من غير التصريح به كما في البيع   [البناية] م: (لأن موجب العقد يثبت من غير التصريح به) ش: أي بالشرط، وهو قوله: إن أديت أو إذا أديت، وقد حققنا أصلا الخلاف الآن. وفي شرح " الكافي ": والحاصل أنه إذا قال لعبده: كاتبتك على ألف درهم على أن تؤدي إلي كل شهر كذا فأنت حر، فإنه يكون كتابة، لأن معنى الكتابة ليس إلا الإعتاق على مال مؤجل بنجم بنجوم معلومة ولكن إنما يجوز إذا قبل الكتابة، لأنه عقد معاوضة فلا بد من الإيجاب والقبول. وكذلك لو قال كاتبتك على ألف درهم ونجمه وسمى النجوم وقبل العبد فإنه يكون كتابة وإن لم يعلق المعتق بالأداء ولم يقل على أنك إن أديت إلي ألفا فأنت حر، لأنه عقد معاوضة فيعتق بحكم المعاوضة لا بحكم الشرط. وعلى قول الشافعي لا بد من التعليق بشرط الأداء. ولو قال لعبده: إن أديت إلي ألفا فأنت حر فأداه يعتق، لأن المعتق معلق بالأداء فقد وجد شرطه. قال الكرخي: ولا يكون هذا كتابة وإن كان ثمة معنى الكتابة من وجه، حتى إن العبد إذا جاء بالبدل فإنه يجبر على قبوله. أي يصير المولى قابضا له بالتخلية كما في الكتابة وإن لم يقبل المولى استحسانا عندنا، خلافا لزفر، فبيان التفرقة بين التعليق والكتابة في مسألة فإنه إذا مات العبد هنا قبل الأداء فترك مالا فالمال كله للمولى ولا يؤدي عنه فيعتق، بخلاف الكتابة. وكذا لو مات المولى وفي يد العبد كسب فالعبد رقيق يورث عنه مع اكتسابه، بخلاف الكتابة ولكانت هذه أمة فولدت ثم أدت فعتقت يعتق ولدها. ولو قال العبد للمولى حط عني مائة فحطه المولى عنه فأدى تسعمائة فإنه لا يعتق، بخلاف الكتابة. ولو أبرأ المولى عن الألف العبد لم يعتق. ولو أبرأ الكاتب عن بدل الكتابة يعتق. ولو باع هذا العبد ثم اشتراه وأدى إليه يجبر على القبول عند أبي يوسف. وقال محمد في " الزيادات ": لا يجبر على قبولها، فإن قبلها عتق، وكذلك لو رد إليه بخيار أو عيب. وأما الإعتاق على مال فهو خلاف الكتابة وخلاف تعليق العتق بالأداء، فإنه إذا قال لعبده: أنت حر على ألف درهم فقبل العبد فإنه يعتق من ساعته ويكون البدل واجبا في ذمته. وكذا إذا قال أنت حر على قيمة رقبتك وقبل ذلك فإنه يعتق من ساعته ويكون البدل واجبا في ذمته. وكذا إذا قال أنت حر على قيمة رقبتك، وقبل ذلك فإنه يعتق كذا في " التحفة " وغيره. م: (كما في البيع) ش: يعني كما يحتاج ثمة إلى قول البائع للمشتري إن ملكتني الثمن ملكت المبيع إن دخول هذا لا لمعنى في مقتضى لفظ البيع، يعني عن التصريح به بكذا، هذا لا يحتاج إلى التصريح بقوله إن أديت كذا فأنت حر. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 363 ولا يجب حط شيء من البدل اعتبارا بالبيع   [البناية] م: (ولا يجب حط شيء من البدل) ش: أي من بدل الكتابة عن العبد، بل هو مندوب وبه قال مالك والثوري. وقال الشافعي وأحمد: يجب به. وقال أصحاب الظاهر: وفي وقت وجوبه وجهان: أحدهما بعد العتق، والثاني بعد أداء أكثر البدل، وقدره الشافعي بما يقع عليه اسم المال لاختلاف أقوال الصحابة في قدر المحطوط والاقل يتنفر، وكذا قال صاحب " العناية ". وقال الشافعي: يستحق عليه ربع البدل وهو قول عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قلت: نص الشافعي ما ذكرناه وحط ربع البدل هو قول أحمد وأسند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله تعالى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] (النور: الآية 33) ، ومطلق الأمر للوجوب. ولنا ما أشار إليه بقوله م: (اعتبارا بالبيع) ش: أراد أن عقد الكتابة عقد معاوضة فلا يجب الحط فيه، كما لا يجب في البيع، والأمر في الآية للندب؛ لأنه معطوف على الأمر بالكتابة، لأن الأصل أن يكون المعطوف في حكم المعطوف عليه، كذا في " المبسوط " و" الزيادات " هذه جملة تامة فلا يوجب المشاركة كما في قَوْله تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] (البقرة: الآية 43) . وأجيب: بأن هذا ليس مثل تلك الجملة، لأن الثانية مرتبطة بالأولى برجوع الضمير إليها، فلم تكن مستبدة بنفسها فصح الاستدلال بالعطف، وفيه نوع تأمل، والتحقيق أن دلالة الآية على ما ادعاه حقيقة جدا، لأنه قال من مال الله وهو يطلق على أموال القرب كالصدقات والزكاة، فكأن الله أمرنا أن نعطي المكاتبين في صدقاتنا ليستعينوا به على أداء الكتابة والمأمور به الإيتاء وهو الإعطاء والحط لا يسمى إعطاء، والمال الذي آتانا الله هو في أيدينا لا الوصف الثابت في ذمة المكاتبين، فحمله على حط شيء من بدل الكتابة عمل بلا دليل. وقال ابن حزم في " المحلى ": ناقض الشافعي في قوله حيث حمل قَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] على الندب، وقوله {وَآتُوهُمْ} [النور: 33] على الوجوب وهذا محكم انتهى. وقال ابن جرير الطبري في " التهذيب ": وفي حديث بريرة أيضا الدلالة على صحة قولنا في قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ} [النور: 33] (النور: الآية 33) ، يعني من أهل الأموال الذين وجبت في أموالهم الصدقات فأمرهم الله تعالى بإعطاء المكاتبين منها ما فرض لهم فيها بقوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] ولولا ذلك لم تكن بريرة تسأل عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، ولا ضرورة له مع إمكان عجزها عن الكتابة إذا لم تجد سبيلا لا إلى الأداء والرجوع إلى ما كانت عليه من وجوب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 364 قال: ويجوز أن يشترط المال حالا ويجوز مؤجلا ومنجما. وقال الشافعي: لا يجوز حالا ولا بد من نجمين،   [البناية] نفقتها على مواليها، ولكنها لما علمت إن شاء الله تعالى ما فرض في أموال أهل الأموال لمن كان بمثل حالها حقا بقوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] وبقوله: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] تعرضت لطلب ذلك، وفي ذلك دلالة بينة على أن المراد بقوله تعالى: {وَآتُوهُمْ} [النور: 33] أهل الأموال. والدلالة على خطأ من زعم أن قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ} [النور: 33] يعني به أموال المكاتبين خاصة دون سائر الناس غيرهم، وإنهم أمروا أن يضعوا عنهم من كتابتهم ولولا كان كما قالوا لقال منعوا عنهم من كتابتهم، ولو كان أمر بإعطائهم من مال الله كتابتهم لقال من مال الذي آتاكم، فإذا لم يكن ذلك محصورا على أموالهم كان معلوما أنه خطاب لذوي الأموال بإتيانهم ما فرض الله لهم في أموالهم، انتهى. ولئن سلمنا أن المراد بذلك الموالي فالأمر محمول على الندب كما فعل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] وكما مثل هو وغيره في الأمر بالإشهاد على البيع والكتابة، وقد قالت بريرة: كاتبت أهلي على تسع وأدنى، وقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إن أحب أهلك أن أعدها لهم، فلو كان الحط واجبا لقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عليها أقل من ذلك إن عليهم أن يحطوا عنها ولأخبر عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بسقوط البعض عنها. وفي الصحيح أن بريرة جاءت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تستعين في كتابتها، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اقضي عنك كتابتك» فدل على وجوب الجميع عليها ولا يرون حطيطه لها منه، وأعان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سلمان على كتابته ولم يأخذ مولاه بحط شيء منها وكل ما ذكره البيهقي في هذا الباب عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم وضعوا شيئا من الكتابة فليس في شيء منه أنهم كانوا يرون ذلك واجبا عليهم فحمل على أنهم فعلوا ذلك على سبيل الندب والفضل. [حكم اشتراط تعجيل المال أو تأجيله في الكتابة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويجوز أن يشترط المال حالا) ش: أراد بالمال بدل الكتابة م: (ويجوز مؤجلا) ش: بأن يجعله إلى شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين م: (ومنجما) ش: أي مقسطا مؤقتا، واشتقاقه من النجم وهو الساطع، ثم سمي به الوقت، ومنه سمي المنجم، ثم سمي ما يؤدي فيه من الوظيفة، ثم منه فقالوا: نجمت المال إذا أديت نجوما، والكتابة الحالة مثل أن يقول كاتبتك على ألف درهم، وبه صرح الولوالجي في " فتاواه "، والكتابة المؤجلة مثل أن يقول كاتبتك على ألف درهم إلى سنة يؤدي كل شهر من النجم، كذا وكل ذلك جائز. م: (وقال الشافعي: لا يجوز حالا) ش: غير مؤجل م: (ولا بد من نجمين) ش: وبه قال الجزء: 10 ¦ الصفحة: 365 لأنه عاجز عن التسليم في زمان قليل لعدم الأهلية قبله للرق، بخلاف السلم على أصله؛ لأنه أهل للملك، فكان احتمال القدرة ثابتا، وقد دل الإقدام على العقد عليها، فتثبت به ولنا ظاهر ما تلونا من غير شرط التنجيم، ولأنه عقد معاوضة والبدل معقود به فأشبه الثمن في البيع في عدم اشتراط القدرة عليه،   [البناية] أحمد في ظاهر الرواية م: (لأنه عاجز عن التسليم في زمان قليل) ش: أي لأن المكاتب لا يقدر على أداء البدل في الحال م: (لعدم الأهلية قبله للرق) ش: أي لعدم أهلية الملك قبل عقد الكتابة لأجل الرق، لأنه كان مملوكا لا يقدر على شيء وفي زمان يسير لا تثبت القدرة عادة على الكسب على مال كثير. م: (بخلاف السلم على أصله) ش: أي بخلاف السلم على أصل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث جوزه م: (لأنه أهل للملك) ش: أي لأن المسلم إليه أهل للملك قبل العقد لا يقال هذا إضمار قبل الذكر، لأنا لا نقول السلم يدل عليه، لأنه لا تقوم إلا بالمتعاقدين أحدهما المسلم إليه م: (فكان احتمال القدرة ثابتا) ش: وهو عقد جرى بين الحرين والظاهر هو القدرة على ما التزمه م: (وقد دل الإقدام على العقد عليها فثبت به) ش: أي إقدام المسلم إليه على عقد السلم عليها أي على القدرة فتثبت أي القدرة. ولقائل أن يقول: احتمال القدرة في حق المكاتب أثبت، لأن المسلمين مأمورون بإعانته والطرق متسعة استدانة وقرض واستيهاب، واستعانة بالزكاة والكفارات والعشور والصدقات، وقد دل الإقدام على العقد عليها فتثبت. م: (ولنا ظاهر ما تلونا) ش: وهو قَوْله تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] م: (من غير شرط التنجيم) ش: والتأجيل فلا جواز على النص بالرأي وبقولنا قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " الجواهر " قال أبو بكرة: ظاهر قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن التنجيم والتأجيل شرط فيه، ثم قال: وعلماؤنا النظار يقولون إن الكتابة الحالة جائزة ويسمونها قطاعة وهو القياس. م: (لأنه) ش: أي ولأن عقد الكتابة م: (عقد معاوضة والبدل معقود به) ش: أي بالعقد، تحرير هذا الكلام أن عقد المعاوضة يعتمد المعقود عليه ولا بد منه؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ووجود المعقود به ليس كذلك للإجماع على جواز اتباع من لا يملك الثمن وبدل الكتابة معقود به لا محالة م: (فأشبه الثمن في البيع في عدم اشتراط القدرة عليه) ش: أي على الثمن. والحاصل أن بدل الكتابة ثمن من وجه، وهذا لا يجوز الاستدلال به على القبض وبيع من وجه، وهذا عجز عن الأداء يفسخ العقد فوفرنا على الشبهين حظهما لذلك الفسخ عند العجز، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 366 بخلاف السلم على أصلنا؛ لأن المسلم فيه معقود عليه فلا بد من القدرة عليه. ولأن مبنى الكتابة على المساهلة فيمهله المولى ظاهرا، بخلاف السلم؛ لأن مبناه على المضايقة وفي الحال كما امتنع من الأداء يرد إلى الرق. قال: وتجوز كتابة العبد الصغير إذا كان يعقل البيع والشراء لتحقق الإيجاب والقبول، إذ العاقل من أهل القبول والتصرف نافع في حقه والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا فيه، وهو بناء على مسألة إذن الصبي في التجارة، وهذا بخلاف ما إذا كان لا يعقل البيع والشراء؛ لأن القبول لا يتحقق منه فلا ينعقد العقد، حتى لو أدى عنه غيره لا يعتق   [البناية] ولعدم اشتراط القدرة عليه عند العقد. م: (بخلاف السلم على أصلنا، لأن المسلم فيه معقود عليه فلا بد من القدرة عليه) ش: لما ذكرنا أن العقد يعتمد ولا بد منه م: (ولأن مبنى الكتابة على المساهلة) ش: لأنه عقد كرم، إذ العبد وما يملكه لمولاه م: (فيمهله المولى ظاهرا، بخلاف السلم، لأن مبناه) ش: أي مبنى السلم م: (على المضايقة) ش: والمماكسة فالظاهر أنه لا يؤخر عند توجه المطالبة نحوه م: (وفي الحال كما امتنع من الأداء) ش: أي في عقد الكتابة الحال كما امتنع المكاتب م: (يرد في الرق) ش: بالتراضي أو بقضاء القاضي، بخلاف المسلم. [كتابة العبد الصغير] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وتجوز كتابة العبد الصغير إذا كان يعقل البيع والشراء لتحقق الإيجاب والقبول، إذ العاقل من أهل القبول والتصرف نافع في حقه) ش: أراد من قوله يعقل يعلم أن السر إيجاب سالب البيع والشراء، ومعرفة ذلك أن الصبي إذا أعطى فلوسا وأخذ الحلوى ثم أخذ يبكي ويقول أعطني فلوسي فهو علامة كونه غير عاقل. وإن أخذ الحلوى ولم يسترد فلوسه فهو عاقل، كذا نقل عن السلف. قال تاج الشريعة وفي (شرح الطحاوي: وإذا كان لا يعقل لا يجوز إلا إذا قبل عنه إنسان فإنه يجوز ويتوقف على إداركه، فإن أدى هذا القابل عتق. والقياس أن يكون له استرداده وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " الاستحسان " ليس له ذلك. م: (والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا فيه) ش: أي في الحكم المذكور. وفي بعض النسخ يخالفنا في ذلك م: (وهو) ش: أي هذا الخلاف منه م: (بناء على مسألة إذن الصبي في التجارة) ش: فإنه لا يجوز عنده فلا يصح الأول له. وعندنا يجوز، لأنه من أهل التصرف إذا عقل العقد ونقصان رأيه يتميز برأي الولي والتصرف نافع فيصح الإذن م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرناه م: (بخلاف ما إذا كان لا يعقل البيع والشراء، لأن القبول لا يتحقق منه فلا ينعقد العقد) ش: لأن العقد لا ينعقد بدون القبول. م: (حتى لو أدى عنه) ش: أي عن الغير غير المميز م: (غيره لا يعتق) ش: لأن أداء البدل إنما الجزء: 10 ¦ الصفحة: 367 ويسترد ما دفع. قال ومن قال لعبده جعلت عليك ألفا تؤديها إلي نجوما أول النجم كذا وآخره كذا، فإذا أديتها فأنت حر، وإن عجزت فأنت رقيق، فإن هذه مكاتبة؛ لأنه أتى بتفسير الكتابة. ولو قال: إذا أديت إلي ألفا كل شهر مائة فأنت حر، فهذه مكاتبة في رواية أبي سليمان، لأن التنجيم يدل على الوجوب وذلك بالكتابة. وفي نسخ أبي حفص - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تكون مكاتبة   [البناية] يتصور في عقد منعقد لا في عقد باطل م: (ويسترد ما دفع) ش: من المال، لأنه أداء بسبب باطل. [ألزم عبده بألف يؤديها نجوما فإن أداها فهو حر وإلا فهو رقيق] م: (قال: ومن قال لعبده جعلت عليك ألفا تؤديها إلي نجوما أول النجم كذا وآخره كذا، فإذا أديتها فأنت حر وإن عجزت فأنت رقيق فإن هذه مكاتبة، لأنه أتى بتفسير الكتابة) ش: هذه من مسائل " الجامع الصغير "، وصورتها فيه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل قال لعبده إلى آخره. وقوله: لأنه أي لأن المولى. وفي " الكافي ": صح استحسانا، والقياس أن لا يصح، لأن ذكر النجوم فضل في الكتابة عندنا وجود ذكرها كعدمها، فبقي قوله: قد جعلت عليك ألف درهم وهو بظاهره ضريبة، وقوله: إن أديت فأنت حر تعليق. وجه الاستحسان أن العبرة في العقود للمعاني، ألا ترى أن المضاربة بشرط الربح كله لرب المال بضاعة وبشرط المضاربة إقراض، وقد وجد معنى الكتابة هنا، لأن معنى الكتابة سنة، وعادة هذا وعند الإطلاق يصح، فعند التفسير أولى ولا بد من قوله: فإذا أديت فأنت حر. بخلاف قوله: كاتبتك على كذا حيث لا يحتاج عندنا إلى ذكره، لأن قوله: جعلت عليك ألف درهم على أن تؤديها كما يحتمل معنى الكتابة يعني يحتمل معنى الضريبة فلا يتعين إلا بقوله: فإذا أديت فأنت حر، بخلاف قوله: كاتبتك، فإن الاحتمال يتقدم هاهنا. وأما قوله: إن عجزت فأنت رقيق فضل غير محتاج إليه ولا في قوله كاتبتك، وإنما ذكره للتفسير والحث على أداء المال عند النجوم. [قال لعبده إذا أديت إلي ألفا كل شهر مائة فأنت حر] م: (ولو قال: إذا أديت إلي ألفا كل شهر مائة فأنت حر فهذه مكاتبة في رواية أبي سليمان، لأن التنجيم يدل على الوجوب) ش: لأنه يستعمل التيسير، وذا إنما يكون عند الوجوب، لأن المولى لا يستوجب على عبده شيئا م: (وذلك بالكتابة) ش: أي وجوب الدين للمولى على العبد لا يكون إلا بعقد الكتابة، وأبو سليمان هذا اسمه موسى بن سليمان الجوزجاني صاحب الإمام محمد بن الحسن وكانت وفاته بعد المائتين من البحرق ونسبته إلى جوزجان مدينة بخراسان مما يلي بلخ. م: (وفي نسخ أبي حفص - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تكون مكاتبة) ش: أي وفي رواية: لا تكون الجزء: 10 ¦ الصفحة: 368 اعتبارا بالتعليق بالأداء مرة، قال: وإذا صحت الكتابة خرج المكاتب عن يد المولى ولم يخرج عن ملكه. أما الخروج من يده فلتحقيق معنى الكتابة لغة وهو الضم فيضم مالكية يده إلى مالكية نفسه أو لتحقيق مقصود الكتابة وهو أداء البدل فيملك البيع والشراء والخروج إلى السفر وإن نهاه المولى.   [البناية] مكاتبة. قال فخر الإسلام في " مبسوطه ": وهو الأصح م: (اعتبارا بالتعليق بالأداء مرة) ش: يعني إذا قال: إن أديت إلي ألفا لا تكون كتابة ويكون تعليق الحرية بالشرط، ولا يلزم قبول العبد والتنجيم لا يدل على الكتابة لصحتها بدونه كما في الكتابة الحالة، وصححه التنجيم بدونه كما في الضريبة ولما لم يكن أداء معه وجودا وعدما لم يدل على التنجيم على الكتابة والتفاوت بين رواية أبي حفص وأبي سليمان إن العبد إذا أدى الألف مرة لا يعتق على رواية أبي حفص لأن الشرط أن يؤدي كل شهر مائة. وعلى الرواية الأخرى يعتق، لأنه أدى بدل الكتابة. وأبو حفص هذا هو أبو حفص الكبير الإمام المشهور من أصحاب محمد بن الحسن واسمه أحمد بن حفص، وفاته سنة سبع عشر ومائتين. [ما يترتب على المكاتبة الصحيحة] م: (قال) ش: القدوري م: (وإذا صحت الكتابة) ش: بخلوها عن المفسد بعد تحقق المقتضى م: (خرج المكاتب عن يد المولى ولم يخرج عن ملكه) ش: احترز عن قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعنده يعتق بمجرد العقد كما ذكرنا. م: (أما الخروج من يده فلتحقيق معنى الكتابة لغة وهو ضم) ش: كما ذكرنا في أول الكتاب أنه مشتق بمعنى الضم، يقال: كتبت البغلة إذا ضمت بين شفريها بحلقة م: (فيضم مالكية يده إلى مالكية نفسه) ش: أي مالكية يده الحاصلة في الحال إلى مالكية نفسه التي تحصل عند الأداء قبل مالكية النفس في الحال ليست بموحدة فكيف يتحقق الضم، وضم الشيء إلى الشيء يقتضي وجودهما. أجيب بأن: مالكية النفس قبل الأداء ثابتة من وجه. ولهذا لو جنى عليه المولى وجب عليه الأرش. ولو وطئ المكاتبة لزمه العقر فيتحقق الضم م: (أو لتحقيق مقصود الكتابة وهو أداء البدل فيملك) ش: أي المكاتب م: (البيع والشراء والخروج إلى السفر وإن نهاه المولى) ش: أي عن السفر، وسواء كان السفر طويلا أو قصيرا، وبه قال أحمد والشافعي - رحمهما الله - في قول. وقال في قول آخر: لا يخرج إلى السفر بغير إذن السيد، وبه قال مالك، وفصل بعض أصحاب الشافعي فقال: إن كان السفر طويلا لا يخرج بغير إذنه، وإن كان قصيرا يخرج. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 369 وأما عدم الخروج عن ملكه فلما روينا، ولأنه عقد معاوضة، ومبناه على المساوة وينعدم ذلك بتنجز العتق ويتحقق بتأخره؛ لأنه يثبت له نوع مالكية ويثبت له في الذمة حق من وجه، فإن أعتقه عتق بإعتاقه؛ لأنه مالك لرقبته ويسقط عنه بدل الكتابة لأنه ما التزمه إلا مقابلا بحصول العتق له وقد حصل دونه. قال: وإذا وطئ المولى مكاتبته لزمه العقر؛ لأنها صارت أخص بأجزائها توصلا إلى المقصود بالكتابة وهو الوصول إلى البدل من جانبه وإلى الحرية من جانبها بناء عليه.   [البناية] م: (وأما عدم الخروج عن ملكه فلما روينا) ش: من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» . ولو قال: ذكرنا كان أحسن، لأنه ذكر الحديث وما رواه اللهم إن كان قد رواه في غير هذا الكتاب فيصدق عليه أنه رواه. م: (لأنه عقد معاوضة) ش: أي ولأن عقد الكتابة عقد معاوضة كما مر م: (ومبناه على المساواة) ش: أي مبنى عقد المعاوضة على التساوي م: (وينعدم ذلك) ش: أي المساواة على تأويل التساوي م: (بتنجز العتق ويتحقق بتأخره) ش: أي تتحقق المساواة بتأخر العتق م: (لأنه يثبت له) ش: أي للعبد الذي كوتب م: (نوع مالكية) ش: وهو مالكية اليد م: (ويثبت له في الذمة) ش: أي يثبت للمولى في ذمة المكاتب م: (حق من وجه) ش: وهو أصل البدل، وإنما كان حق من وجه لضعفه، فإنه ثابت في الذمة مع المنافي، إذ المولى لا يستوجب على العبد دينا، وهذا لا تصح به الكفالة، فلو ثبت به العتق ناجزا كما قال ابن عباس على ما فاتت المساواة لا يقال المساواة فاتت على ذلك التقدير أيضا، لأن نوع المالكية ثابت عليه من وجه، فأين المساواة، لأن نوع مالكيته أيضا ضعيف لبطلانه بعوده رفيقا. م: (فإن أعتقه) ش: أي فإن أعتق المولى المكاتب بأن نجز عتقه م: (عتق بإعتاقه، لأنه مالك لرقبته ويسقط عنه بدل الكتابة؛ لأنه ما التزمه) ش: أي لأن المكاتب ما التزم بدل الكتابة م: (إلا مقابلا) ش: بفتح الباء م: (بحصول العتق له) ش: أي ببدل الكتابة م: (وقد حصل دونه) ش: أي حصل العتق دون بدل الكتابة. [الحكم لو وطئ المولى مكاتبته] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا وطئ المولى مكاتبته لزمه العقر) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال مالك: لا عقر عليه. وقال أحمد: إن شرط عليها الوطء لا عقر عليه، وإلا يحد ويؤدب، لأنه وطء حرام وعن الحسن البصري قال: يجب الحد، لأنه وطئ في غير ملكه، وعندنا وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا شرط وطأها تفسد الكتابة، وعند مالك يفسد الشرط ويصح العقد. وعند أحمد يصح كلاهما م: (لأنها صارت أخص بأجزائها توصلا إلى المقصود بالكتابة وهو الوصول إلى البدل من جانبه، وإلى الحرية من جانبها بناء عليه) ش: أي على الوصول إلى البدل من الجزء: 10 ¦ الصفحة: 370 ومنافع البضع ملحقة بالأجزاء والأعيان وإن جنى عليها أو على ولدها لزمته الجناية لما بينا. وإن أتلف مالا لها غرم. لأن المولى كالأجنبي في حق أكسابها ونفسها، إذ لو لم يجعل كذلك لأتلفه المولى فيمتنع حصول الغرض المبتغى بالعقد.   [البناية] جانبه م: (ومنافع البضع ملحقة بالأجزاء والأعيان) ش: حيث قابلها الشرع بالأعيان، قال الله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] (النساء: الآية 24) ، والآدمي مفرغ منها. ولهذا لو استحقت الجارية يغرم المشتري من العقر وقيمة الولد دون المنفعة، فعلم أن الوطء في حكم جزء العين ولو كان في حكم المنفعة لما غرم. فإن قلت: إذا اشترى جارية ثيبا فوطئها ثم باعها مرابحة ليس عليه أن يبين أنه وطئها. وإذا لحقت بالأعيان لوجب البيان. قلت: لا يجب، لأنه لا يقابله شيء من الثمن م: (وإن جنى عليها أو على ولدها لزمته الجناية) ش: هذا لفظ القدوري، أي وإن جنى المولى على المكاتبة أو جنى على ولدها لزمته الجناية كما لزمه أرش الجناية على العبد المرهون، وفي الكفاية لشمس الأئمة البيهقي: جناية المولى على مكاتبه عمدا لا يوجب المعقود لأجل الشبهة، ولو قتل المكاتب مولاه لا يجب القود م: (لما بينا) ش: أشار إلى قوله، لأنها صارت الغرض بأجزائها. م: (وإن أتلف) ش: أي المولى م: (مالا لها) ش: أي للمكاتبة م: (غرم، لأن المولى كالأجنبي في حق أكسابها ونفسها) ش: وفي بعضها النسخ في حق أكسابها ونفسه م: (إذ لو لم يجعل كذلك لأتلفه المولى) ش: أي على تأويل أنه ملكه م: (فيمتنع حصول الغرض المبتغى) ش: أي المطلوب م: (بالعقد) ش: هو حصول الحرية لها والمال له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 371 فصل في الكتابة الفاسدة قال: وإذا كاتب المسلم عبده على خمر أو خنزير أو على قيمته فالكتابة فاسدة، أما الأول فلأن الخمر والخنزير لا يستحقه المسلم لأنه ليس بمال في حقه فلا يصلح بدلا فيفسد العقد. وأما الثاني فلأن القيمة مجهولة قدرا وجنسا ووصفا فتفاحشت الجهالة وصار كما إذا كاتب على ثوب أو دابة.   [البناية] [فصل في الكتابة الفاسدة] م: (فصل في الكتابة الفاسدة) ش: وجه تأخير الفاسد عن الصحيح لا يحتاج المنفي إلى دليل. م: (قال: وإذا كاتب المسلم عبده على خمر أو خنزير أو على قيمته) ش: أي على قيمة نفس العبد مثل أن يقول كاتبتك على قيمتك م: (فالكتابة فاسدة) ش: بلا خلاف للثلاثة، وكذا إذا كان المولى ذميا والعبد مسلما لا يجوز كتابته على خمر أو خنزير. م: (أما الأول) ش: وهو ما إذا كانت على خمر أو خنزير م: (فلأن الخمر والخنزير لا يستحقه المسلم، لأنه ليس بمال متقوم في حقه) ش: يعني ليس بمال متقوم في حق المسلم م: (فلا يصلح بدلا فيفسد العقد) ش: لأنه صار عقدا بلا بدل. م: (وأما الثاني) ش: وهو ما إذا كاتبه على قيمته م: (فلأن القيمة) ش: أي قيمة العبد م: (مجهولة قدرا) ش: أي من حيث القدر، يعني مائة أو مائتين م: (وجنسا) ش: يعني ومن حيث الجنس، يعني ذهبا أو فضة م: (ووصفا) ش: يعني من حيث الوصف يعني جيدا أو رديئا م: (فتفاحشت الجهالة وصار كما إذا كاتب على ثوب أو دابة) ش: ولم يبين جنسها فإنها تفسد وتفحش الجهالة. الأصل أن ما صلح بدلا في الكتابة، لأنها مبادلة مال بما ليس بمال، إذ البدل في الحال مقابل كل الحجر وهو ليس بمال، فصار كالنكاح. فإن قلت: لو كاتبه على عبد يصح، وبه قال مالك، خلافا للشافعي وأحمد - رحمهما الله -، ويجب عليه قيمة عبد وسط، حتى لو أتى بالعبد الوسط أو قيمته يجبر المولى على القبول. وإن كاتب على القيمة يجبر بهذه التسمية، فينبغي أن يجوز إذا صرح بالقيمة. قلت: القيمة فيما نحن بصدده تجب قصدا لا حكما لمكان التصريح بالقيمة، وتجب ثم حكما لا قصدا لأنه تصريح بالعبد وقد يثبت الشيء حكما وضمنا لغيره وإن كان لا يثبت قصدا كبيع الأجنبية ونحوها. فإن قلت: لما لا تجعل قوله: كاتبتك على ثوب كناية ثمن قوله إن أديت إلي ثوبا فأنت حر فإن في هذه الصورة يعتق بأداء أي ثوب كان. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 372 ولأنه تنصيص على ما هو موجب العقد الفاسد؛ لأنه موجب للقيمة، قال: فإن أدى الخمر عتق، وقال زفر: لا يعتق إلا بأداء قيمة نفسه؛ لأن البدل هو القيمة.   [البناية] قلت: لا يمكنه ذلك، لأن الكتابة متى صحت كان حكمه تعلق بالعبد بثوب معين، لأن الثوب مجهول فلا يمكن أن يجعل كناية عنه. م: (ولأنه تنصيص) ش: تعليل آخر، أي ولأن قوله: كاتبتك على قيمتك تنصيص م: (على ما هو موجب العقد الفاسد) ش: أي القيمة، أراد أن العقد الفاسد يوجب القيمة، وهو معنى قوله م: (لأنه) ش: أي لأن العقد الفاسد م: (موجب للقيمة) ش: فالتنصيص على قيمة العبد تنصيص على موجب العقد الفاسد. ولو نص على العقد الفاسد ينعقد بوصف الفساد، فكذا إذا نص على موجبه. م: (قال: فإن أدى الخمر عتق) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا الذي ذكره ظاهر الرواية عن أصحابنا، وعليه نص الحاكم في الكافي. وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب العيون: رجل كاتب عبده على خمر فالكتابة فاسدة، فإن أدى القيمة عتق. وإن أدى الخمر لا يعتق، وهذا قول زفر. وقال أبو يوسف: أيهما أدى عتق. وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه لا يعتق بأداء الخمر، إلا أن يقول: إن أديت فأنت حر فإنه يعتق وعليه قيمة نفسه، قال الفقيه: هذا كله خلاف رواية المبسوط، فإن في رواية " المبسوط ": لا يعتق بأداء القيمة ويعتق بأداء الخمر وإن قال المولى: إذا أديت إلي فأنت حر فعليه قيمته، انتهى. وفي " المبسوط ": فإن أداه قبل أن يترافعا إلى القاضي، وقد كان قال له: أنت حر إذا أديته إذ لم يعلمه فإنه يعتق لأن هذا العقد منعقد مع فساده فتعتق بالأداء وعليه قيمة نفسه، لأن العقد فاسد فيلزمه أو رقبة لأهل الفساد، وقد تعذر رده بنفوذ العتق فيه، فيلزمه قيمته كالمشتري شراء فاسدا إذا عتق المبيع قبل القبض. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعتق) ش: يعني وإن أدى الخمر م: (إلا بأداء قيمة نفسه، لأن البدل هو القيمة) ش: يعني في الكتابة الفاسدة، وقد وقع هكذا في بعض النسخ إلا بأداء قيمة الخمر. قال في الكافي: هذا مشكل. قلت: لأنه مخالف لعامة الروايات، فإن عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعتق إلا بأداء القيمة محلاة بالألف واللام بدون إضافته، وفيه أيضا إجمال. وقال الكاكي: النسخة الصحيحة لا تعتق إلا بأداء قيمة نفسه كما هو مذكور في عامة النسخ. قلت: هذا دعوى منه، بل غالب النسخ لا يعتق إلا بأداء قيمة الخمر، ولهذا لما قال صاحب " الكافي ": وهذا مشكل سكت، ولم يقل النسخة الصحيحة كذا. وكذا ذكر تاج الشريعة في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 373 وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتق بأداء الخمر؛ لأنه بدل صورة ويعتق بأداء القيمة أيضا لأنه هو البدل معنى. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إنما يعتق بأداء عين الخمر إذا قال إن أديتها فأنت حر؛ لأنه حينئذ يكون العتق بالشرط لا بعقد الكتابة، وصار كما إذا كاتب على ميتة أو دم ولا فصل في ظاهر الرواية.   [البناية] " الكفاية " حيث قال: قوله: لايعتق إلا بأداء قيمة الخمر، وذكر في المبسوط قيمة نفسه مكان قيمة الخمر، وفي " مبسوط " خواهر زاده: وإذا وكل رجلا بأن يعتق عبدا على جعل فأعتقه على خمر أو خنزير جاز، وعلى العبد قيمة نفسه. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتق بأداء الخمر لأنه بدل صورة) ش: قال السغناقي: هذا الحكم الذي ذكر هو ظاهر الرواية عند علمائنا الثلاثة على ما ذكره في " المبسوط " و " الذخيرة "، فعلى هذا كان من حقه أن لا يخص أبا يوسف وأن يذكر بكلمة عنه. وقال صاحب " العناية ": هذا صحيح إن كان الألف واللام في القيمة أعني في قوله: ويعتق بأداء القيمة أيضا بدلا عن نفسه. وأما إذا كان بدلا عن الخمر كما ذكره في بعض الشروح فيجوز أن يكون ذلك على ظاهر الرواية عن أبي يوسف. قلت: سواء جعل الألف واللام في القيمة بدلا عن نفسه أو عن الخمر فعتقه بأداء الخمر هو ظاهر الرواية عندهم، وما قاله السغناقي باق، والشراح ما جعلوا الألف واللام في القيمة إلا بدلا عن نفسه كما صرح بذلك تاج الشريعة وغيره. والحاصل أن عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أيهما أدى المشروط أو قيمه نفسه يعتق، وعندهما، إنما يعتق بأداء المشروط إذا قال: إن أديتها فأنت حر، لأن العتق يكون بالشرط حينئذ، وصار كما لو كانت على ميتة أو دم فإنه لا يعتق إلا إذا نص على الشرط، وفي ظاهر الرواية يعتق بأداء الخمر، صرح بذكر الشرط أو لم يصرح على ما يجيء الآن. م: (ويعتق بأداء القيمة أيضا) ش: أي قيمة نفسه، قال تاج الشريعة وغيره: كما ذكرنا م: (لأنه هو البدل معنى) ش: أي لأن أداء قيمة نفسه هو البدل من حيث المعنى. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إنما يعتق بأداء عين الخمر إذا قال: إن أديتها فأنت حر) ش: فحينئذ يعتق وعليه قيمة نفسه، لأن العقد الفاسد إذا أتلف فيه المعقود عليه ويجب فيه القيمة كالمبيع إذا أتلف في البيع الفاسد في يد المشتري م: (لأنه حينئذ يكون العتق بالشرط لا بعقد الكتابة وصار كما إذا كاتب على ميتة أو دم) ش: أي بحصول شرط تعلق به العتق كما إذا كاتب على ميتة أو دم حيث لا يعتق بأدائها، إلا إذا قال المولى إذا أديته الميتة أو الدم فأنت حر، أما إذا لم يقل فلا يعتق بأدائهما، لأن العتق لم ينعقد أصلا فيعتبر فيه التعليق م: (ولا فصل في ظاهر الرواية) ش: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 374 ووجه الفرق بينهما وبين الميتة أن الخمر والخنزير مال في الجملة فأمكن اعتبار معنى العقد فيهما وموجبه العتق عند أداء العوض المشروط. وأما الميتة فليست بمال أصلا فلا يمكن اعتبار معنى العقد فيه، فاعتبر فيه معنى الشرط وذلك بالتنصيص عليه. وإذا أعتق بأداء عين الخمر لزمه أن يسعى في قيمته؛ لأنه وجب عليه رد رقبته لفساد العقد وقد تعذر بالعتق، فيجب رد قيمته كما في البيع الفاسد إذا تلف المبيع. قال: ولا ينقص عن المسمى ويزاد عليه؛ لأنه عقد فاسد فتجب القيمة عند هلاك المبدل بالغة ما بلغت، كما في البيع الفاسد، وهذا لأن المولى ما رضي بالنقصان والعبد رضي بالزيادة كيلا يبطل حقه في   [البناية] يعني بأداء الخمر، سواء كان في العقد إن أديت الخمر فأنت حر أو لم يقل ذلك. م: (ووجه الفرق بينهما وبين الميتة) ش: أي في ظاهر الرواية بين الخمر والخنزير وبين الميتة م: (أن الخمر والخنزير مال في الجملة) ش: وإن لم يكن متقوما في حكم المسلم م: (فأمكن اعتبار معنى العقد فيهما) ش: باعتبار المالية، ومعنى العقد هو المعاوضة م: (وموجبه العتق) ش: أي موجب معنى العقد هو العتق م: (عند أداء العوض المشروط، وأما الميتة فليست بمال أصلا، فلا يمكن اعتبار معنى العقد فيه، فاعتبر فيه معنى الشرط، وذلك) ش: أي اعتبار معنى الشرط م: (بالتنصيص عليه) ش: أي على الشرط، وهو أداء الميتة. م: (وإذا أعتق بأداء عين الخمر لزمه أن يسعى في قيمته، لأنه وجب عليه رد رقبته لفساد العقد) ش: لأن موجب العقد الفاسد رد المعقود عليه م: (وقد تعذر بالعتق فيجب رد قيمته كما في البيع الفاسد إذا تلف المبيع) ش: في يد المشتري بعد القبض. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا ينقص) ش: أي حال كونها بالغة م: (ما بلغت كما في البيع الفاسد) ش: إذا تلف المبيع تجب قيمة المبيع لتعذره م: (وهذا) ش: أي وجوب القيمة بالغة ما بلغت م: (لأن المولى ما رضي بالنقصان) ش: أي عن المسمى حيث أوجب العقد فيه وإن كانت القيمة أقل. فإن قلت: ينبغي أن لا يعتبر رضى الولي في النقصان كما في البيع الفاسد، حيث ينقص عن المسمى ويزاد عليه. قلت: حقيقة المبادلة موجودة ثمة، لأن البائع يصل إليه عوض حقه بالتمام، والواجب هو القيمة، وإنما يصار إلى المسمى عند صحة التسمية، أما هنا فالمولى محسن لأنه يبيع ماله بماله و {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] وهو إنما رضي بزوال ملكه بقدر ما سمى فلا يجوز النقصان عنه. م: (والعبد رضي بالزيادة) ش: على المسمى م: (كيلا يبطل حقه) ش: أي حق العبد م: (في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 375 العتق أصلا فتجب القيمة بالغة ما بلغت. وفيما إذا كاتبه على قيمته يعتق بأداء القيمة؛ لأنه هو البدل   [البناية] العتق أصلا) ش: لأنه إن لم يرض بها يمتنع المولى عن العتق فيفوت له إدراك شرف الحرية. فإن قلت: هذا الإبطال إذا لم يعتق بأداء غير الخمر، أما إذا عتق فلا يلزم هذا. قلت: يحتمل أن القاضي يرى صحة ما روي عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيما إذا كاتبه على خمر ولم يقل إن أديتها فأنت حر فأدى الخمر لا يعتق، فلو قضى بتلك الرواية يبطل حقه في العتق. فإن قلت: يحتمل أن المصنف- رَحِمَهُ اللَّهُ - اختار في إتمام التسمية غير ظاهر الرواية. قال السغناقي: قوله: كيلا يبطل حقه في العتق لا يصلح تعليلا لقوله: والعبد رضي بالزيادة لأنه يمكن أن يكون العبد غير راض بالزيادة على المسمى وإن بطل حقه في العتق، لأن ذلك نفع شرب بالضرر، لأن تحمل الزيادة أضر عليه من العتق، وكم من عبد لا يرضى بنفس العتق من غير بدل. وفي وقت غرق الطعام فأولى أن لا يرضى عند إيجاب الزيادة على المسمى، والأولى في التعليل أن يقال: لما عقد مع مولاه عقد الكتابة الفاسدة وأقدم عليه باختياره ورضاه كان قابلا قيمة نفسه بالغة ما بلغت، إذ قيمة نفسه قد تزيد على المسمى. قلت: هذا الذي ذكره معارض بالمثل، لأنه يمكن أن يكون العبد راضيا بالزيادة على المسمى وإن حصل له ضرر في الزيادة لاستشرافه شرف الحرية، ولو كان في وقت غرة الطعام بل هذا هو الغالب في العبد، لأن أصل مقصودهم خلاصهم عن أسر الرقبة وتولي أمور أنفسهم فالمصنف ذكر هذا بناء على الغالب والمغلوب في مقابلة الغالب كحكم العدم وادعاء الأولوية في التعليل الذي ذكره لا برهان له فيها، لأن إقدامه على عقد هذه الكتابة الفاسدة ربما يكون عن جهل معتقدا أنها صحيحة إذ لولا حقيقتها ما أقدم عليها، لأن حال المسلم بناء في ذلك. م: (فتجب القيمة بالغة ما بلغت) ش: أي فتجب قيمة العبد حال كونها بالغة ما بلغت، وما بلغت في محل النصب باسم الفاعل. م: (وفيما إذا كاتبه على قيمته) ش: هذا راجع إلى قوله في أول الفصل أو على قيمة نفسه م: (يعتق بأداء القيمة، لأنه هو البدل) ش: أي لأن القيمة هو الفرض، إنما ذكر الضمير إما باعتبار المذكور، وإما بتذكر الخير ولم يذكر بماذا تعرف القيمة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 376 وأمكن اعتبار معنى العقد فيه وأثر الجهالة في الفساد بخلاف ما إذا كاتبه على ثوب حيث لا يعتق بأداء ثوب؛ لأنه لا يوقف فيه على مراد العاقد لاختلاف أجناس الثوب فلا يثبت العتق بدون إرادته.   [البناية] وفي " الذخيرة " و " مبسوط " شيخ الإسلام: وقيمته تعرف بتصادقهما، لأن الحق فيما بينهما وإما بتقويم القومين، فإن اتفق الإتيان منهم على شيء جعل ذلك قيمة له وإن اختلفا لا يعتق ما لم يؤد أقصى القيمتين، لأن شرط العتق لا يثبت م: (وأمكن اعتبار معنى العقد فيه) ش: أي أمكن اعتبار معنى عقد الكتابة في أداء القيمة بأن أدى ما لا يختلف المقومون فيه بأن يقوم أحدهم بثلاثين والآخر بخمسة وثلاثين، والآخر بأربعين، فلما لم يجاوز أحدهم من أربعين وقد أدى أربعين يكون مؤديا قيمتها. م: (وأثر الجهالة في الفساد) ش: هذا جواب عما يقال القيمة مجهولة فكان الواجب أن يقيد البطلان ولا يعتق بأداء القيمة فقال وأثر الجهالة، أي جهالة القيمة في فساد العقد لا فساد العقد لا في بطلان كما في البيع فإنها تفسده ولا تبطله. م: (بخلاف ما إذا كاتبه على ثوب) ش: هذا أيضا جواب عما يقال: الكتابة على ثوب كالكتابة على قيمة العبد فكان ينبغي أن يعتق بأداء الثوب كما عتق بأداء القيمة. فقال بخلاف ما إذا كاتبه على ثوب م: (حيث لا يعتق بأداء ثوب، لأنه لا يوقف فيه) ش: أي في الثوب م: (على مراد العاقد) ش: لأنه لا يزيد ملكه بأي ثوب كان بل ثوب معين ولا يدري أن هذا المؤدى هو ذلك المعني أم لا. م: (لاختلاف أجناس الثوب فلا يثبت العتق بدون إرادته) ش: أي إرادة المولى أراد أن المتعين ينبغي أن يكون مرادا له حتى يثبت العتق، والإطلاق على ذلك متعذر لاختلاف أجناسه فلا يعتق بدون إرادته، بخلاف القيمة، لأنها وإن كانت مجهولة يمكن استدراك مراده بتقويم المقومين. فإن قلت: فإن أدى القيمة فيما إذا كاتبه على ثوب يعتق أولا. قلت: ذكر في " الذخيرة " أن الأصل عند علمائنا الثلاثة أن المسمى متى كان مجهول القدر أو الجنس فإنه لا يعتق العبد بأداء القيمة ولا تنعقد هذه الكتابة أصلا لا على المسمى ولا على القيمة. فإن قلت: ينبغي أن يؤدي ثوبا اعتبارا بجهة التعليق، إذ الكتابة تتضمن المعاوضة والتعليق، فإذا بطل معنى المعاوضة لجهالة الثوب يبقى معنى التعليق فيعتق، كما لو قال: إن أديت إلي ثوبا فأي ثوب أدى عتق، كذلك هاهنا. قلت: التعليق في ضمن المعاوضة فإذا بطلت جهة المعاوضة بطلت تلك الجهة الأخرى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 377 قال: وكذلك إن كاتبه على شيء بعينه لغيره لم يجز؛ لأنه لا يقدر على تسليمه ومراده شيء يتعين بالتعيين حتى لو قال كاتبتك على هذه الألف الدراهم وهي لغيره جاز؛ لأنها لا تتعين في المعاوضات فيتعلق بدراهم دين في الذمة فيجوز. وعن أبي حنيفة رواه الحسن أنه يجوز حتى إذا ملكه وسلمه يعتق، وإن عجز يرد في الرق؛ لأن المسمى مال والقدرة على التسليم موهومة فأشبه الصداق. قلنا: إن العين في المعاوضات معقود عليه، والقدرة على المعقود عليه شرط للصحة   [البناية] أيضا، لأن المتضمن يبطل ببطلان المتضمن. [كاتبه على شيء بعينه لغيره] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وكذلك إن كاتبه على شيء بعينه) ش: الثوب والعبد م: (لغيره) ش: أي حال كون الشيء لغير العبد لا يقال: قوله شيء نكرة فلا يقع ذو الحال، لأنه تخصص بالصفة، أعني قوله: بعينه فإن تقديره على شيء معين م: (لم يجز) ش: أي عقد هذه الكتابة م: (لأنه لا يقدر على تسليمه) ش: ذلك الشيء إلى مولاه، وبه قال الشافعي وأحمد، وقال مالك: يجوز ويشتريه ويؤديه وإن لم يبعه الغير يؤدي قيمته م: (ومراده شيء يتعين بالتعيين) ش: أي مراد محمد من قوله: على شيء يتعين بالتعيين كالعبد والثوب وغيرهما من المكيل والموزون. م: (حتى لو قال: كاتبتك على هذه الألف الدراهم وهي لغيره) ش: أي والحال أن هذا الألف لغير العقد م: (جاز) ش: أي عقد الكتابة م: (لأنها) ش: أي لأن الدراهم وكذا الدنانير م: (لا تتعين في المعاوضات فيتعلق) ش: العقد م: (بدراهم دين في الذمة فيجوز) ش: وعند الشافعي وأحمد: لا يجوز هذا أيضا لتعين الدراهم والدنانير عندهما. م: (وعن أبي حنيفة رواه الحسن أنه يجوز حتى إذا ملكه وسلمه يعتق) ش: أي حتى لو ملك ذلك العين وسلمه المولى عتق، وقال أشهب المالكي: إذا ملكه قبل الفسخ وسلمه جاز م: (وإن عجز يرد في الرق) ش: أي وإن عجز العبد عن تسليم العين المذكور إلى مولاه يرد في الرق م: (لأن المسمى مال، والقدرة على التسليم موهومة) ش: أي قدرة العبد على تسليم العين إلى مولاه بما يحدث له فيه من الملك موهومة م: (قأشبه الصداق) ش: أي أشبه بدل الكتابة من مال الغير صداق المرأة من مال الغير بأن يتزوجها على عبد الغير تصح التسمية فكذا هنا تصح التسمية، فإذا قدر على تسليمه جاز، وإذا لم يجز المالك في النكاح رجعت المرأة على الزوج بقيمة العبد أو بمهر المثل. ولو كانت التسمية فاسدة لرجعت بمهر المثل. م: (قلنا: إن العين في المعاوضات) ش: هذا إشارة إلى بيان وجه الظاهر، وهو أن العين في المعاوضات، وأراد بالعين بدل الكتابة م: (معقود عليه والقدرة على المعقود عليه شرط للصحة) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 378 إذا كان العقد يحتمل الفسخ كما في البيع، بخلاف الصداق في النكاح؛ لأن القدرة على ما هو المقصود بالنكاح ليس بشرط فعلى ما هو تابع فيه أولى. فلو أجاز صاحب العين ذلك فعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز؛ لأنه يجوز البيع عند الإجازة فالكتابة أولى. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجوز اعتبارا بحال عدم الإجازة على ما قال في الكتاب، والجامع بينهما أنه لا يفيد ملك المكاسب وهو المقصود   [البناية] ش: أي شرط صحة العقد، ولهذا لم يجز بيع الآبق م: (إذا كان العقد يحتمل الفسخ) ش: أي والكتابة تحتمل الفسخ فشرط القدر على المعقود عليه م: (كما في البيع) ش: فإنه يحتمل الفسخ فيشترط فيه القدرة على المعقود عليه. فإن قلت: البدل في الكتابة له حكم الثمن بدليل جواز الكتابة الحالية الثمن معقود به لا معقود عليه، فلا تكون القدرة عليه شرطا. قلت: هذا إذا كان من النقود وليس الكلام فيه، وإنما كلامنا في العين فيصير عقد الكتابة بمنزلة المقايضة فيصير للبدل حكم المبيع فيشترط القدرة عليه. م: (بخلاف الصداق في النكاح) ش: هذا جواب عن قوله: فأشبه الصداق وذلك م: (لأن القدرة على ما هو المقصود بالنكاح) ش: وهو منافع البضع أو التوالد والتناسل م: (ليس بشرط) ش: حتى لو تزوج رضيعة يجوز م: (فعلى ما هو تابع فيه أولى) ش: أي فالقدرة على ما هو تابع وهو الصداق يصح، والكتابة بدون ذكر البدل لا يصح فوضح الفرق. م: (فلو أجاز صاحب العين ذلك) ش: أراد في قوله وكذلك إن كاتبه على شيء بعينه لغيره لم يجز، أي لو أجاز مالك العين ذلك يعني ما قاله المولى لعبده م: (فعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز، لأنه يجوز البيع عند الإجازة) ش: بأن اشترى شيئا بمال الغير فأجازه الغير يجوز مع أنه مبني على المضايقة والمماكسة م: (فالكتابة أولى) ش: بالجواز، لأن مبناها على المسامحة. وقيل: لأنها لا تفسد بالشرط الفاسد، بخلاف البيع، فصار صاحب المال مفوضا المال من العبد فتصير العين من أكسابه. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجوز) ش: أي وإن أجاز صاحب العبد، وهذه رواية ابن سماعة عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (اعتبارا بحال عدم الإجازة على ما قال في الكتاب) ش: أي " الجامع الصغير "، أشار به إلى قوله: وكذلك إن كاتبه على شيء بعينه لغيره لم يجزه م: (والجامع بينهما أنه) ش: أي عقد الكتابة م: (لا يفيد ملك المكاسب وهو المقصود) ش: أي والحال أن ملك المكاسب هو المقصود في الحال. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 379 لأنها تثبت للحاجة إلى الأداء منها ولا حاجة فيما إذا كان البدل عينا معينا، والمسألة فيه على ما بيناه. وعن أبي يوسف أنه يجوز، أجاز ذلك أو لم يجز، غير أنه عند الإجازة يجب تسليم عينه، وعند عدمها يجب تسليم قيمته كما في النكاح، والجامع بينهما صحة التسمية لكونه مالا. ولو ملك المكاتب ذلك العين فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواه أبو يوسف أنه إذا أداه لا يعتق   [البناية] فإن قلت: المقصود من عقد الكتابة هو الحرية. قلت: موجب الشيء ما يكون عقيب ذلك الشيء، وما يعقب الكتابة هو ملك الحر وملك المكاسب. وأما الحرية فعند انقضاء عقد المكاتبة لا عقيبه، فيكون الموجب هو ملك المكاسب. م: (لأنها) ش: أي لأن الكتابة: وفي بعض النسخ " لأنه " أي لأن عقد الكتابة م: (تثبت للحاجة إلى الأداء منها) ش: أي من المكاسب م: (ولا حاجة فيما إذا كان البدل عيناً معيناً) ش: لغيره، لأن العقد لم ينعقد إذا كان البدل عيناً لغيره فلم يحتج إلى أداء منه، لأن الاحتياج إليه عند صحة العقد م: (والمسألة فيه) ش: أي فرض المسألة فيما إذا كان البدل عينا معينا، وقد أشار بقوله: معينا بعد قوله: عينا احترازا من الدراهم والدنانير المعينة، فإنها وإن عينت لا تتعين عندنا، فتجوز الكتابة حتى إذا كاتبه على ألف فلأن هذه جازت، فإن أدى تلك الألف أو ألفا أخرى عتق م: (على ما بيناه) ش: أشار به إلى قوله ومراده شيء يتعين بالتعيين. م: (وعن أبي يوسف أنه يجوز أجاز ذلك أو لم يجز) ش: أي روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الحكم المذكور وهو ما إذا كاتبه على شيء بعينه لغيره أجاز مالك الشيء أو لم يجزه م: (غير أنه عند الإجازة يجب تسليم عينه) ش: أي غير أن الشأن عند إجازة مالك الشيء يكون العقد على شيء يجب على الكاتب تسليم عين ذلك الشيء إلى المولى م: (وعند عدمها يجب تسليم قيمته) ش: أي وعند عدم إجازة مالك الشيء يجب على المكاتب تسليم قيمة ذلك الشيء. م: (كما في النكاح) ش: فإنه إذا نكح امرأة على عبد رجل بعينه يصح العقد، فإن رضي مالك العبد يدفعه إليها فبها وإلا فيجب على الزوج قيمة العبد م: (والجامع بينهما صحة التسمية لكونه مالا) ش: أي المعنى الجامع بين المقيس الذي هو الكتابة المذكورة والمقيس عليه الذي هو النكاح صحة التسمية في كل منهما لكونه مالا، أي لكون التسمية والتذكير باعتبار المسمى مالا. م: (ولو ملك المكاتب ذلك العين) ش: أراد أن مالك العين لم يجز، ولكن ملك المكاتب العين بسبب من أسباب الملك م: (فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، رواه أبو يوسف أنه إذا أداه لا يعتق) ش: أي روى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه أي المكاتب إذا أدى تلك العين التي ملكها لا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 380 وعلى هذه الرواية لم ينعقد العقد إلا إذا قال له: إذا أديت إلي فأنت حر، فحينئذ يعتق بحكم الشرط، وهكذا عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعنه أنه يعتق قال ذلك أو لم يقل؛ لأن العقد ينعقد مع الفساد لكون المسمى مالا فيعتق بأداء المشروط. ولو كاتبه على عين في يد المكاتب ففيه روايتان وهي مسألة الكتابة على الأعيان، وقد عرف ذلك في الأصل. وقد ذكرنا وجه الروايتين في كفاية المنتهى.   [البناية] يعتق م: (وعلى هذه الرواية لم ينعقد العقد إلا إذا قال له: إذا أديت إلي فأنت حر، فحينئذ يعتق بحكم الشرط) ش: هذه الرواية هي ظاهر الرواية أن عقد الكتابة لا ينعقد من الأول إلا بالشرط بأن يقول المولى إذا أديت إلي هذه العين فأنت حر فإنه يعتق عند الأداء لوجود الشرط ولا يعتق بالعقد لعدم انعقاده م: (وهكذا عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي وهكذا روي أيضا عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثلما روى هو عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يعتق إلا بالشرط، وهذا رواية الحسن بن أبي مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه. وذكر في اختلاف زفر ويعقوب أن قول زفر مثل ذلك. م: (وعنه أنه يعتق قال ذلك أو لم يقل) ش: أي وروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواه عن أصحاب " الإملاء ": أنه يعتق بدفع العين إلى مولاه سواء قال المولى إن أديت إلي فأنت حر أو لم يقل م: (لأن العقد ينعقد مع الفساد لكون المسمى مالا فيعتق بأداء المشروط) ش: كما لو كاتبه على خمر فأدى فإنه يعتق. م: (ولو كاتبه على عين في يد المكاتب) ش: بأن كان مأذونا في التجارة والمراد عين معين سوى الدراهم والدنانير، فإنه لو كاتبه على دراهم أو دنانير في يد العبد من كسبه تجوز الكتابة باتفاق الروايات، ذكره شيخ الإسلام في " مبسوطه ". م: (ففيه روايتان) ش: أي ففي حكمه روايتان في رواية كتاب الشرب من الأصل يجوز، وفي رواية كتاب المكاتب من الأصل لا يجوز م: (وفي مسألة الكتابة على الأعيان) ش: وهي التي ذكرت قبيل هذا بقوله: وإن كاتبه على شيء بعينه لم يجز. وعن أبي حنيفة رواه الحسن: يجوز م: (وقد عرف ذلك في الأصل) ش: أي قد عرف حكم ما ذكر من الكتابة على شيء بعينه في " المبسوط ". م: (وقد ذكرنا وجه الروايتين) ش: يعني الجواز وعدم الجواز م: (في كفاية المنتهى) ش: وهو كتاب صنفه المصنف- رَحِمَهُ اللَّهُ - كتاب حافل عظيم لم يقع في هذه الديار، قيل: إنه موجود في بلاد الهند وأحاله عليه ولم يذكره هنا لطول الكلام فيه. وجه روايته أنه كتابة على مال معلوم مقدور التسليم فيجوز، ولأن البيع يجوز بإجازة مالك الجزء: 10 ¦ الصفحة: 381 قال وإن كاتبه على مائة دينار على أن يرد المولى إليه عبدًا بغير عينه فالكتابة فاسدة عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هي جائزة ويقسم المائة الدينار على قيمة المكاتب وعلى قيمة عبد وسط فبطل منها حصة العبد فيكون مكاتبا بما بقي؛ لأن العبد المطلق يصلح بدل الكتابة وينصرف إلى الوسط، فكذا يصلح مستثنى منه وهو الأصل في إبدال العقود. ولهما أنه لا يستثنى العبد من الدنانير، وإنما يستثنى قيمته والقيمة لا تصلح بدلاً فكذلك مستثنى. قال وإذا كاتبه على حيوان غير موصوف فالكتابة جائزة استحسانًا.   [البناية] العين فالكتابة أولى. وجه رواية عدم الجواز أن كسب العبد وقت العقد وقت ملك المولى فصار كما إذا كاتبه على عين من أعيان مال المولى وإنه لا يجوز، فكذا هذا. م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإن كاتبه على مائة دينار على أن يرد المولى إليه عبدا بغير عينه فالكتابة فاسدة عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله-) ش: قيد بقوله: على عبد بغير عينه، لأنه لو كان العبد معينا يجوز بالاتفاق لجواز بيع المعين بالاتفاق، فكذا استثناؤه عند الثلاثة لا يجوز في العين وغيره لأنه شرط فاسد وصفقة في صفقة. م: (وقال أبو يوسف: - رَحِمَهُ اللَّهُ - هي جائزة ويقسم المائة الدينار على قيمة المكاتب وعلى قيمة عبد وسط فتبطل منها حصة العبد فيكون مكاتبا بما بقي) ش: حتى إذا كان بدل الكتابة مائة، وقيمة العبد خمسين يجب على المكاتب إذا خمسون ويسقط خمسون في مقابلة العبد م: (لأن العبد المطلق يصلح بدل الكتابة وينصرف إلى الوسط) ش: وهذا بالاتفاق بكل ما يصلح بدلا م: (فكذا يصلح مستثنى منه) ش: أي حال كونه مستثنى منه، فهذا استثناء من حيث المعنى هو الأصل أي كون كل ما صلح بدلا صلحا مستثنى من البدل م: (وهو الأصل في أبدال العقود) ش: بفتح الهمزة جمع بدل. الحاصل أن الأصل أن كل ما يصلح إيراد العقد عليه بانفراده يصح استثناؤه من العقد والعبسد المطلق يصح إيراد العقد عليه ابتداء هاهنا، فكذا استثناؤه من العقد. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله- م: (أنه لا يستثنى العبد من الدنانير) ش: هذا قول بالموجب، يعني: سلمنا هذا الأصل، ولأن إنما تكون فيما يصلح الاستثناء، وهاهنا ليس كذلك، لأنه لا يستثنى العبد من الدينار لاختلاف الجنس م: (وإنما يستثنى قيمته) ش: يعني إنما يصح استثناء العبد من الدينار بحسب قيمته لا بحسب نفس العبد م: (والقيمة لا تصلح بدلا) ش: لتفاحش الجهالة من حيث الجنس والقدر والوصف م: (فكذلك مستثنى) ش: أي فكذلك لا يصلح حال كونه مستثنى. [كاتبه على حيوان غير موصوف] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا كاتبه على حيوان غير موصوف فالكتابة جائزة استحسانًا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 382 ومعناه أن يبين الجنس ولا يبين النوع والصفة وينصرف إلى الوسط ويجبر على قبول القيمة وقد مر في النكاح أما إذا لم يبين الجنس مثل أن يقول دابة لا يجوز؛ لأنه يشتمل أجناسا مختلفة فتتفاحش الجهالة. وإذا بين الجنس كالعبد والوصيف   [البناية] (ومعناه) ش: أي معنى قول القدوري جائزة م: (أن يبين الجنس) ش: كالعبد والفرس م: (ولا يبين النوع) ش: أنه تركي أو هندي م: (والصفة) ش: أنه جيد أو رديء م: (وينصرف إلى الوسط) ش: فيجوز العقد، وبه قال مالك، وإنما ينصرف إلى الوسط كما في الزكاة والدية نظرا إلى الجانبين، ثم الوسط عند أبي حنيفة في العبد الذي قيمته أربعون درهما. وعندهما على قدر غلاء السعر ورخصه ولا ينظر في قيمة الوسط إلى قيمة المكاتب، لأن عقد الكتابة عقد إرفاق، فالظاهر أن يكون البدل على أقل من قيمة المكاتب م: (ويجبر على قبول القيمة) ش: أي يجبر المولى، لأنها أصل من حيث إن المسمى يعرف بها فيجبر على القبول م: (وقد مر في النكاح) ش: أي في باب المهر، فإنه إذا تزوجها على حيوان وبين جنسه ولم يبين نوعه وصفته فإنه يجوز وينصرف إلى الوسط. م: (أما إذا لم يبين الجنس مثل أن يقول: دابة لا يجوز، لأنه يشتمل) ش: أي لأن قوله: دابة يشتمل م: (أجناسا مختلفة) ش: مما يدب على وجه الأرض م: (فتتفاحش الجهالة) ش: فيفضي إلى المنازعة فلا يجوز م: (وإذا بين الجنس كالعبد والوصيف) ش: بفتح الواو وكسر الصاد على وزن فعيل اسم للغلام، والجمع وصفاء، والجارية وصيفة وجمعها وصائف، هذا الذي ذكره الفقهاء. وذكر في " العباب " الوصيف الخادم غلاما كان أو جارية، يقال: وصف الغلام بالضم إذا بلغ الخدمة، والجمع وصفاء. وقال ثعلب: ربما قالوا للجارية: وصيفة والجمع وصائف انتهى. فعلى هذا الفرق الذي ذكره الفقهاء بين الوصيف الذكر والوصيفة للأنثى يكون على هذه الرواية. فإن قلت: إن العبد إذا كان يطلق على الذكر والأنثى فلا يكون في عطف الوصيف عليه زيادة فائدة بل في المعنى يكون عطف الشيء على مثله. قلت: العبد في المعرف لا يطلق إلا على الذكر من الأرقاء بدليل أنهم يستعملون في المقابلة الجارية أو الأمة فالوصيف أعم فيكون من عطف العام على الخاص. وإن كان إطلاقه عليهما جميعا كالوصيف يكون العطف أيضا صحيحا مفيدا لفائدة، وهي أن الوصيف اسم لمن يوصف بالخدمة بأن كان قادرا عليها، والعبد أعم من أن يبلغ الخدمة أولى، فعلى هذا يكون عطف العام على الخاص. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 383 فالجهالة يسيرة ومثلها يتحمل في الكتابة فتعتبر جهالة البدل بجهالة الأجل فيه. وقال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز وهو القياس؛ لأنه معاوضة فأشبه البيع. ولنا أنه معاوضة مال بغير مال أو بمال لكن على وجه يسقط الملك فيه فأشبه النكاح، والجامع أنه يبتني المسامحة   [البناية] م: (فالجهالة يسيرة) ش: لأنها ترجع إلى الوصف دون الذات م: (ومثلها يتحمل في الكتابة) ش: لأنها تشبه البيع من حيث إنها معاوضة، ألا ترى أنها تقال وتفسخ لشبه النكاح أيضا من حيث إنها معاوضة مال بما ليس بمال، فإذا كانت الجهالة في أصلها منع الجواز لشبه البيع، وإذا كانت في الوصف لا يمنع لشبه النكاح. م: (فتعتبر جهالة البدل بجهالة الأجل فيه) ش: أي في عقد الكتابة كما لو قال كاتبتك إلى الحصاد والدياس أو العطاء صحت الكتابة، لأن مبناها على المسامحة. فإن قلت: كيف جعل المصنف هاهنا العبد جنسا واحدا وجعل في الوكالة أجناسا مختلفة حتى لم يجوز الوكالة بشري العبد مطلقا. قلت: اللفظ إن شمل أجناسا عالية كالدابة مثلا، أو متوسطة كالمركوب منع الجواز مطلقا في الكتابة والوكالة والنكاح والبيع وغيرها، وإن شمل أجناسا سافلة كالعبد منعه فيما يبتني على المماكسة كالبيع والوكالة لا فيما بني على المسامحة كالكتابة والنكاح. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز، وهو القياس) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومذهبهما هو القياس م: (لأنه معاوضة) ش: أي لأن عقد الكتابة عقد معاوضة مال بمال م: (فأشبه البيع) ش: في أن تسمية البدل شرط فيها كما هي شرط فيه، والبيع مع البدل المجهول والأجل المجهول لا يجوز، فكذا الكتابة. م: (ولنا أنه) ش: أي عقد الكتابة م: (معاوضة مال بغير مال) ش: أي في الابتداء، لأن البدل في الابتداء مقابل بفك الحجر وهو ليس بمال م: (أو بمال) ش: أي في معاوضة مال في الانتهاء لأنه يقابل الرقبة م: (لكن على وجه يسقط الملك فيه) ش: لأن العبد لا يتملك مالية نفسه، بل يسقط ملك المولى. م: (فأشبه النكاح) ش: لأن منافع البضع مال عند الدخول، فيكون معاوضة مال بمال، ألا ترى أن الشرع جعلها كالأعيان لكن على وجه يسقط الملك للزوج، ولهذا لا يقدر على تمليكها. م: (والجامع) ش: أي المعنى الجامع في كون الكتابة كالنكاح م: (أنه يبتنى على المسامحة) ش: أي أن عقد الكتابة يبتنى على المسامحة كالنكاح، وهذا المقدار كان في إلحاقها بالنكاح م: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 384 بخلاف البيع؛ لأن مبناه على المماكسة. قال: وإذا كاتب النصراني عبده على خمر فهو جائز، معناه إذا كان مقدارا معلوما والعبد كافرا؛ لأنها مال في حقهم بمنزلة الخل في حقنا وأيهما أسلم فللمولى قيمة الخمر؛ لأن المسلم ممنوع عن تمليك الخمر وتملكها. وفي التسليم ذلك إذ الخمر غير متعين فيعجز عن تسليم البدل، فيجب عليه قيمته   [البناية] (بخلاف البيع، لأن مبناه على المماكسة) ش: هذا جواب عن قول الشافعي، فأشبه البيع أشار بأن قياسه الكتابة على البيع باطل الوجود، قال الفارق وهو ابتناء البيع على المماكسة والمضايقة، وابتناء الكتابة على المسامحة والمساهلة. [كاتب النصراني عبده على خمر] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كاتب النصراني عبده على خمر فهو جائز، معناه إذا كان مقدارا معلوما والعبد كافرا) ش: أي معنى الذي في " الجامع الصغير " إذا كان الخمر مقدارا معلوما، وأن يكون العبد أيضا نصرانيا. ولو أتى بعبارة محمد كما هي لما كان يحتاج إلى هذا التفسير فإنه قال محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل نصراني كاتب عبدا له نصرانيا على أرطال خمر قال: المكاتبة جائزة ولما لم يأت بهذه العبارة، أشار بهذا إلى أنه لا بد من قيدين في جواز هذا الكتابة. الأول: أن يكون الخمر مقدارا معلوما، لأن الجهالة مانعة، والثاني: أن يكون العبد كافرا إلا إذا كان مسلما لا يجوز. ولكن مع هذا إذا أدى الخمر يعتق لتضمن الكتابة تعليق العتق بأداء البدل المذكور، وصار كما لو كاتب المسلم عبد المسلم على خمر فأدى المكاتب الخمر فإنه يعتق، كذا ذكره بعض المشايخ كالقاضي ظهير الدين والرازي ونجم الدين ( .... ... ) والنيسابوري في " شرح الجامع الصغير ". وفي " شرح الطحاوي " و" التمرتاشي ": لو أدى الخمر لا يعتق. ولو أدى القيمة يعتق. م: (لأنها مال في حقهم بمنزلة الخل في حقنا، وأيهما أسلم) ش: أي من المولى والعبد م: (فللمولى قيمة الخمر) ش: وعند الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية عنه تفسد الكتابة؛ لأنه لا يمكنه تسليم البدل فصار كأنه عجز نفسه. م: (لأن المسلم ممنوع عن تمليك الخمر وتملكها، وفي التسليم ذلك) ش: أي التمليك والتملك باعتبار كل واحد م: (إذ الخمر غير متعين فيعجز عن تسليم البدل فيجب عليه قيمته) ش: أشار ب إذا التعليلية أن الخمر في المسألة المذكورة غير معينة فالملك يثبت فيها بمجرد عقد الكتابة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 385 وهذا بخلاف ما إذا تبايع الذميان خمرا ثم أسلم أحدهما حيث يفسد البيع على ما قاله البعض؛ لأن القيمة تصلح بدلا في الكتابة في الجملة فإنه لو كاتب على وصيف وأتى بالقيمة يجبر على القبول فجاز أن يبقى العقد على القيمة، أما البيع لا ينعقد صحيحا على القيمة فافترقا. قال: وإذا قبضها عتق؛ لأن في الكتابة معنى المعاوضة، فإذا وصل أحد العوضين إلى المولى سلم العوض الآخر للعبد وذلك بالعتق، بخلاف ما إذا كان العبد مسلما حيث لم تجز الكتابة؛ لأن المسلم ليس من أهل التزام الخمر، ولو أداها عتق وقد بيناه من قبل والله أعلم.   [البناية] م: (وهذا) ش: أي الذي ذكرناه م: (بخلاف ما إذا تبايع الذميان خمرا ثم أسلم أحدهما حيث يفسد البيع على ما قاله البعض) ش: لأن الأجر كما وقع عن تسليم المسمى لا تصلح عوضا في البيع بحال ففسد. قيد بقوله: على ما قاله البعض؛ لأنه ذكر بعض المشايخ ينبغي أن يكون الجواب في البيع كالجواب في الكتابة والرواية في الكتابة رواية في المبيع. م: (لأن القيمة تصلح بدلا في الكتابة في الجملة) ش: أي لأن قيمة الخمر تصلح بدلا في عقد الكتابة. وأظهر ذلك بقوله م: (فإنه لو كاتب على وصيف) ش: أي عبد للخدمة م: (وأتى بالقيمة يجبر على القبول، فجاز أن يبقى العقد على القيمة) ش: لأن البقاء أسهل من الابتداء م: (أما البيع لا ينعقد صحيحا على القيمة فافترقا) ش: أي البيع والكتابة. م: (قال: وإذا قبضها عتق) ش: أي إذا قبض المولى قيمة الخمر، وهذا لفظ الصدر الشهيد في الجامع الصغير، أما لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإذا أداها عتق، وقد ذكر فيما مضى م: (لأن في الكتابة معنى المعاوضة، فإذا وصل أحد العوضين إلى المولى سلم العوض الآخر للعبد وذلك بالعتق، بخلاف ما إذا كان العبد مسلما حيث لم تجز الكتابة، لأن المسلم ليس من أهل التزام الخمر) ش: لكونها غير مال متقوم في حقه فلا يصح. م: (ولو أداها عتق) ش: أي ولو أدى الخمر عتق، أراد أن العبد المسلم إذا أدى الخمر عتق أيضا لوجود معنى التعليق كما ذكرناه مستقصى مع الخلاف فيه م: (وقد بيناه من قبل والله أعلم) ش: أشار به إلى ما ذكره في أول الفصل بقوله فإن أدى الخمر عتق. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعتق. وفي شرح الكافي ذمي ابتاع عبدا مسلما فكاتبه قال هو جائز ولا يرد، لأن تخليصه بإزالة ملكه عن المسلم وبالكتابة يجعل هذا المعنى، وإن كاتبة على خمر أو خنزير لم يجز، فإن أدى الخمر عتق وعليه قيمته كما في البيع الفاسد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 386 باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله قال: ويجوز للمكاتب البيع والشراء والسفر؛ لأن موجب الكتابة أن يصير حرا يدا، وذلك بمالكية التصرف مستبدا به تصرفا يوصله إلى مقصوده وهو نيل الحرية بأداء البدل والبيع والشراء من هذا القبيل، وكذا السفر؛ لأن التجارة ربما لا تتفق في الحضر فتحتاج إلى المسافرة ويملك البيع بالمحاباة؛ لأنه من صنيع التجار، فإن التاجر قد يحابي في صفقة واحدة ليربح في أخرى،   [البناية] [باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله] م: (باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله) ش: لما بين أحكام الكتابة وأنواعها شرع في بيان ما يجوز للمكاتب أن يفعله وما لا يجوز، فإن جواز التصرف يبتنى على العقد الصحيح. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجوز للمكاتب البيع والشراء والسفر) ش: خلافا لمالك والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول م: (لأن موجب الكتابة أن يصير حرا يدا، وذلك بمالكية التصرف مستبدا به) ش: أي حال كونه مستقلا بالتصرف م: (تصرفا يوصله إلى مقصوده وهو نيل الحرية بأداء البدل) ش: أي بدل الكتابة، وانتصاب تصرفا. م: (والبيع والشراء من هذا القبيل) ش: أي من قبيل التصرف الذي يوصل المتعاقدين إلى مقصودهما، لأن مقصود البائع الوصول إلى الثمن ومقصود المشتري الوصول إلى العين وذا لا يحصل إلا بالبيع والشراء، وكذلك هاهنا مقصد السيد الوصول إلى بدل الكتابة، ومقصود العبد منه الحرية، وذا يحصل بالبيع والشراء. م: (وكذا السفر؛ لأن التجارة ربما لا تتفق في الحضر فتحتاج إلى المسافرة) . ش: فإن قلت: فيه غرور وخطر. قلت: يبطل بالرهن والوديعة، فإن فيهما ذلك ويصحان من المكاتب م: (ويملك البيع بالمحاباة) ش: وهي بيع شيء يساوي مائة بتسعين مثلا وهو على وزن مفاعلة من حابى يحابي وثلاثية حتى يقال حباه حبوة أي أعطاه والحباء العطاء وحاباه في البيع محاباة. وقال الثلاثة: لا يملك البيع بالمحاباة لأنه تبرع كالهبة والعتق. ولنا ما قاله بقوله م: (لأنه) ش: أي لأن البيع بالمحاباة م: (من صنيع التجار، فإن التاجر قد يحابي في صفقة واحدة) ش: استجلابا لقلوب الناس إليه م: (ليربح في أخرى) ش: أي في صفقة أخرى، وهذا كما ترى لم يذكر فيه الخلاف. وقال في " شرح الطحاوي ": لا يجوز للمكاتب البيع إلا على المعروف في قولهما، ويجوز في قول أبي حنيفة يجوز بيع المكاتب بالقليل والكثير. وقالا بما يتغابن في مثله. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 387 قال: فإن شرط عليه أن لا يخرج من الكوفة فله أن يخرج استحسانا، لأن هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد وهو مالكية اليد على جهة الاستبداد وثبوت الاختصاص بنفسه فبطل الشرط وصح العقد؛ لأنه شرط لم يتمكن في صلب العقد وبمثله لا تفسد الكتابة، وهذا لأن الكتابة تشبه البيع وتشبه النكاح فألحقناها بالبيع في شرط تمكن في صلب العقد كما إذا شرط خدمة مجهولة؛ لأنه في البدل وبالنكاح في شرط لم يتمكن في صلبه   [البناية] [شرط المولى على المكاتب أن لا يخرج من الكوفة] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (فإن شرط عليه) ش: أي فإن شرط المولى على المكاتب م: أن لا يخرج من الكوفة) ش: هذا ليس بقيد، بل الحكم في غير الكوفة كذلك، وتخصيصها بالذكر باعتبار وضع المسألة فيها م: (فله أن يخرج استحسانا) ش: وبه قال الشافعي. وفي قول لا يجوز له الخروج بدون الشرط، فبالشرط أولى وهو القياس. وأشار إلى وجه الاستحسان بقوله م: (لأن هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد وهو مالكية اليد على جهة الاستبداد) ش: أي الاستقلال، يقال فلان استبد برأيه أي انفرد م: (وثبوت الاختصاص بنفسه) ش: أي اختصاص العمل في الكوفة م: (فبطل الشرط) ش: أي شرط المولى عدم خروجه من الكوفة م: (وصح العقد) ش: أي عقد الكتابة، وهذا في نفس الأمر جواب عما قيل هذا الشرط يقتضي بطلان العقد كما في البيع. فقال وصح العقد م: (لأنه شرط) ش: أي لأن هذا الشرط الذي شرطه المولى شرطا م: (لم يتمكن في صلب العقد) ش: لأن الداخل في صلب العقد ما يكون في البدلين وهنا ليس كذلك؛ لأنه شرط في بدل الكتابة ولا فيما يقابله م: (وبمثله) ش: أي بمثل هذا الشرط م: (لا تفسد الكتابة) ش: وإنما تفسد إذا تمكن من الشرط في صلب العقد نحو ما إذا قال كاتبتك على أن تخدمني مدة أو زمانا، أو كاتب جارية على ألف بشرط أن يطأها مادامت مكاتبة ونحو ذلك. م: (وهذا) ش: أي هذا التفصيل بين كون الشرط المتمكن في صلب العقد مفسدا وبين كون الشرط الغير المتمكن غير مفسد م: (لأن الكتابة تشبه البيع) ش: من حيث إنها تحمل الفسخ في الابتداء م: (وتشبه النكاح) ش: أي تشبه النكاح من حيث إنها لا تحتمل الفسخ في الابتداء وتشبه الهبة والنكاح بعد تمام المعقود بالأداء. قال تاج الشريعة: تشبه البيع من حيث إنها معاوضة ولا تصح بدون البدل، ويحتمل الفسخ قبل الأداء، ويشبه النكاح من حيث إنها معاوضة مال بغير مال م: (فألحقناها بالبيع في شرط تمكنه في صلب العقد كما إذا شرط خدمة مجهولة) ش: بأن قال كاتبتك على أن تخدمني مدة كما ذكرنا عن قريب م: (لأنه في البدل) ش: أي لأن الشرط في البدل فيكون في صلب العقد م: (وبالنكاح) ش: أي ألحقناه بالنكاح م: (في شرط لم يتمكن في صلبه) ش: أي في صلب العقد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 388 هذا هو الأصل، أو نقول إن الكتابة في جانب العبد إعتاق؛ لأنه إسقاط الملك، وهذا الشرط يخص العبد فاعتبر إعتاقا في حق هذا الشرط، والإعتاق لا يبطل بالشروط الفاسدة. هذا هو الأصل، قال: ولا يتزوج إلا بإذن المولى؛ لأن الكتابة فك الحجر مع قيام الملك ضرورة التوسل إلى المقصود والتزوج ليس وسيلة إليه. ويجوز بإذن المولى؛ لأن الملك له ولا يهب ولا يتصدق إلا بالشيء اليسير؛ لأن الهبة والصدقة تبرع وهو غير مالك ليملكه، إلا أن الشيء اليسير من ضرورات التجارة؛ لأنه لا يجد بدا من ضيافة وإعارة   [البناية] فيصح العقد ويبطل الشرط م: (وهذا هو الأصل) ش: أي العمل بالشبهين عند دلالة الدليلين المتقابلين هو الأصل. م: (أو نقول إن الكتابة في جانب العبد إعتاق) ش: لأن الإعتاق إزالة الملك لا إلى أحد والكتابة كذلك؛ لأنه لا يحصل للمكاتب شيء، وإنما يسقط عنه ملك مولاه م: (لأنه إسقاط الملك) ش: أي لأن عقد الكتابة إسقاط الملك وفك الحجر وإطلاق اليد بمنزلة الإعتاق. م: (وهذا الشرط يخص العبد) ش: أي شرط عدم الخروج يحتمل العبد، أي يتعلق به م: (فاعتبر) ش: أي عقد الكتابة م: (إعتاقا في حق هذا الشرط) ش: أي شرط عدم الخروج م: (والإعتاق لا يبطل بالشروط الفاسدة) ش: كما لو أعتق عبدا على أنه نائبه فإن الشرط باطل والإعتاق صحيح لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الولاء لمن أعتق» فدل الحديث على أن الشرط الفاسد لا يبطل الإعتاق. [لا يتزوج المكاتب إلا بإذن المولى] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يتزوج إلا بإذن المولى) ش: وبه قالت الثلاثة. وقال ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن شرط عليه أن لا يتزوج إلا بإذنه لم يتزوج بغير إذنه وإن لم يشترط ذلك جاز له التزوج بغير إذنه ليملكه منافع نفسه م: (لأن الكتابة فك الحجر مع قيام الملك ضرورة التوصل إلى المقصود) ش: أي لأجل ضرورة التوسل إلى المقصود فمقصود المولى البدل، وذلك بقيام الملك، ومقصود المكاتب تحصيل الكسب للإيفاء م: (والتزوج ليس وسيلة إليه) ش: أي إلى المقصود، لأن التزوج ليس من اكتساب المال، بل فيه التزام المهر والنفقة، وأعاد تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الضمير في اليد إلى الاكتساب وليس بظاهر. م: (ويجوز) ش: أي التزوج م: (بإذن المولى؛ لأن الملك له) ش: معنى الملك قائم فيه فهو كالحر فلا يجوز له إلا بإذن م: (ولا يهب ولا يتصدق إلا بالشيء اليسير) ش: أي ما دون الدرهم؛ لأنه قليل يتوسع فيه الناس قاله تاج الشريعة م: (لأن الهبة والصدقة تبرع، وهو غير مالك ليملكه) ش: بتشديد اللام م: (إلا أن الشيء اليسير من ضرورات التجارة؛ لأنه لا يجد بدا) ش: أي مفارقة م: (من ضيافة) . ش: وفي بعض النسخ من إضافة فالأول من ضاف والثاني من أضاف م: (وإعارة) ش: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 389 ليجتمع عليه المجاهزون ومن ملك شيئا يملك ما هو من ضروراته وتوابعه ولا يتكفل؛ لأنه تبرع محض فليس من ضرورات التجارة والاكتساب ولا يملكه بنوعيه نفسا ومالا؛ لأن كل ذلك تبرع ولا يقرض؛ لأنه تبرع ليس من توابع الاكتساب، فإن وهب على عوض لم يصح،   [البناية] شيء مثل الدار أو الثياب استجلابا لقلوبهم م: (ليجتمع عليه المجاهزون) ش: أي على المكاتب وهو جمع مجاهز وهو عند العامة الغني من التجار، وكأنه أريد به المجهز وهو الذي يبعث التجارة بالجهاز وهو فاخر المتاع ويسافر به، كذا قال في المغرب أراد إطلاق المجاهز على الغني لغة العامة والعرب لم تتكلم به، والمستعمل في اللغة المجهز ولكنه أعم من أن يكون في بعث التجارة بالجهاز وغيره، يقال جهز بعثه وجهز الجيش وجهز الغازي والميت وغير ذلك وتجهز للسفر إذا استعد والجهاز بفتح الجيم وكسرها جهاز العريس. م: (ومن ملك شيئا يملك ما هو من ضروراته وتوابعه) ش: فالمكاتب يملك التجارة فيملك ما هو من ضرورات التجارة كالضيافة والإعارة والشيء اليسير من الهبة أو الصدقة م: (ولا يتكفل) ش: سواء كان بأمر المكفول عنه أو بغير أمره وسواء كان بإذن مولاه أو بغير إذنه وحكم كفالته في المال ككفالة المحجور عليه يصح في حقه بعد المعتق لا في الحال م: (لأنه تبرع محض) ش: أي لأن التكفل تبرع خالص م: (فليس من ضرورات التجارة والاكتساب ولا يملكه بنوعيه) ش: أي لا يملك التكفل بنوعيه وهما التكفل بالنفس والتكفل بالمال وفسرهما بقوله: م: (نفسا ومالا) ش: وانتصابهما بتقدير أعني م: (لأن كل ذلك تبرع) ش: أي لأن كل التكفيل تبرع، يعني سواء كان بالنفس أو بالمال أو بأمر المكفول عنه أو بغير أمره. أما بغير الأمر فظاهر، وكذا بالأمر لأن الكفيل عند الأداء كالقرض للمكفول عنه والإقراض تبرع؛ لأنه إعارة، وكذا الكفالة بالنفس تبرع محض. فإن قلت: بدل الكتابة مال في ذمته وتسليم النفس لا ينافي ذلك. قلت: ربما يعجز عن ذلك فيحبس عليه فيمتنع من الكسب فيتضرر. وفي " الكافي " للحاكم: ولا يجوز كفالة المكاتب بالمال ولا بالبدل بإذن المولى وبانفراده، وكذلك قبول الحوالة، فإن تكفل بإذن سيده ثم عجز لم تلزمه تلك الكفالة، لأن ضمانه كان باطلا وإن أذن فعتق لزمته الكفالة؛ لأنه كفل وهو بمنزلة العبد، ولو أن عبدا محجورا كفل بكفالته ثم عتق لزمته الكفالة. ولو كان المكاتب صغيرا حين كفل لم يؤخذ بها وإن عتق لزمته الكفالة. م: (ولا يقرض لأنه تبرع ليس من توابع الاكتساب) ش: حتى لو أقرض لا يطلب للمستقرض أكله، إلا أن يكون مضمونا عليه حتى لو تصرف فيه يجوز م: (فإن وهب على عوض لم يصح، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 390 لأنه تبرع ابتداء. فإن زوج أمته جاز؛ لأنه اكتساب للمال فإنه يتملك به المهر فدخل تحت العقد. قال: وكذلك إن كاتب عبده والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر والشافعي - رحمهما الله -؛ لأن مآله العتق والمكاتب ليس من أهله كالإعتاق على مال. وجه الاستحسان أنه عقد اكتساب للمال فيملكه كتزويج الأمة وكالبيع، وقد يكون هو أنفع له من البيع؛ لأنه لا يزيل الملك إلا بعد وصول البدل إليه والبيع يزيله قبله، ولهذا يملكه الأب والوصي،   [البناية] لأنه تبرع ابتداء) ش: والتبرع غير داخل في عقد الكتابة م: (فإن زوج أمته جاز لأنه اكتساب للمال فإنه يتملك به المهر، فدخل تحت العقد) ش: أي عقد الكتابة، وكذا له أن يوكل بتزويجها، بخلاف ما لو زوجت المكاتبة نفسها حيث لا يجوز. فإن قلت: فعلى التعليل المذكور ينبغي أن يجوز. قلت: لأن رقبتها باقية على ملك المولى فيمنع ثبوت ولاية الاستبداد بها بالتزويج. ولأنه عيب، فربما يعجز، فينبغي هذا العيب من ملك المولى. فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن يملك المكاتب تزويج ابنته ومع هذا لا يجوز. قلت: نعم لكن ابنته مملوكة لمولاه وأمته لا حتى ينفذ عتق المولى في ابنته دون أمته. ولو عجز وحاضت ابنته حيضة لا يجب على المولى أسيرا جديدا فيها ويلزمه ذلك في أمته ومكاتبته. ولو زوج المكاتب أمته عن عبد فعن أبي يوسف أنه لا يجوز، وفي ظاهر الرواية لا يجوز. م: (قال وكذلك إن كاتب عبده) ش: أي يجوز، وبه قال مالك والقاضي الحنبلي وأهل الظاهر م: (والقياس أن لا يجوز، وهو قول زفر والشافعي - رحمهما الله - ش: وقول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن مآله العتق) ش: أي مآل عقد الكتابة العتق م: (والمكاتب ليس من أهله) ش: أي من أهل العتق م: (كالإعتاق على مال) ش: أي إذا قال المكاتب لعبده أد إلي ألفا وأنت حر لا يجوز هذا التعليق فكذا لا يجوز له أن يكاتب عبده لأن الكتابة بالمال كالتعليق. م: (وجه الاستحسان أنه عقد اكتساب للمال فيملكه كتزويج الأمة وكالبيع) ش: أي كما يملك تزويج أمته والبيع والشراء؛ لأنه عقد اكتساب للمال م: (وقد يكون هو) ش: أي عقد الكتاب م: (أنفع له من البيع؛ لأنه) ش: أي لأن عقد الكتابة م: (لا يزيل الملك) ش: أي ملك المولى عن العبد المكاتب م: (إلا بعد وصول البدل إليه والبيع يزيله قبله) ش: أي البيع يزيل الملك قبل وصول البدل وهو الثمن إليه، فلما ملك البيع فالكتابة أولى م: (ولهذا يملكه الأب والوصي) ش: أي ولأجل أن الكتابة لا تزيل الملك قبل وصول البدل إليه بملك الأب الصغير أو وصيه أن يكاتب عبده الصغير. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 391 ثم هو يوجب للمملوك مثل ما هو ثابت له، بخلاف الإعتاق على مال؛ لأنه يوجب فوق ما هو ثابت له. قال: فإن أدى الثاني قبل أن يعتق الأول فولاؤه للمولى؛ لأن له فيه نوع ملك ويصح إضافة الإعتاق إليه في الجملة فإذا تعذر إضافته إلى مباشر العقد لعدم الأهلية أضيف إليه كما في العبد إذا اشترى شيئا يثبت الملك للمولى. قال: فلو أدى الأول بعد ذلك وعتق لا ينتقل   [البناية] م: (ثم هو يوجب للمملوك مثل ما هو ثابت له) ش: أي ثم المكاتب الأول يثبت للمملوك، أي للمكاتب أراد أنه يثبت بالكتابة مالكية التصرف للثاني والأصل أن من ملك شيئا يملك تمليكه إلى غيره كالمعير يعير، والمستأجر يستأجر، بخلاف المودع، لأن المالك لم يرض بدفعه إلى غيره. م: (بخلاف الإعتاق على مال لأنه) ش: أي لأن الإعتاق على مال م: (يوجب فوق ما هو ثابت له) ش: أي يثبت للمكاتب فوق ما هو ثابت له، تحريره أن الإعتاق على مال فوق الكتابة؛ لأنه إزالة الملك في الحال على وجه لا يرد له، وهذا غير ثابت للمكاتب، ففي تجويزه إثبات أمر للمكاتب فوق ما هو ثابت له، وذلك لا يجوز. م: (قال فإن أدى الثاني) ش: أي مكاتب المكاتب، أي أدى بدل كتابته م: (قبل أن يعتق الأول) ش: أراد قبل أداء الأول بدل الكتابة لأنه لا يعتق إلا بالأداء م: (فولاؤه للمولى) ش: أي ولاء مكاتب المكاتب يكون للمولى يعني يعتق لتحقق الشرط، ويكون ولاؤه للمولى م: (لأن له فيه نوع ملك) ش: أي لأن للمولى في المكاتب الثاني نوع ملك، لأن الثاني مكاتب للمولى بواسطة الأول فكان كتابه للمولى للأول بمنزلة علة، ولهذا لو عجز الأول كان الثاني ملكا للمولى كالأول م: (ويصح إضافة الإعتاق إليه) ش: أي إلى المولى م: (في الجملة) ش: يقال مولى زيد ومعتق معتقه، ولهذا يدخل في الاستئمان على مواليه. ولو أوصى لمولى فلان وليس له معتق في الأحياء وله معتق معتق يستحق هو الوصية م: (فإذا تعذر إضافته) ش: أي إضافة عتق الثاني م: (إلى مباشر العقد) ش: وهو المكاتب الأول الذي هو العلة م: (لعدم الأهلية) ش: أي لعدم أهلية مباشرة العقد لكونه رقيقا م: (أضيف إليه) ش: أي أضيف العقد إلى المولى الذي هو العلة؛ لأن الحكم كما يضاف إلى العلة يضاف إلى علة العلة عند تعذر الإضافة إلى العلة م: (كما في العبد إذا اشترى شيئا يثبت الملك للمولى) ش: فإنه يثبت الملك للمولى لتعذر إثباته للعبد لعدم الأهلية. م: (قال: فلو أدى الأول) ش: أي المكاتب الأول م: (بعد ذلك) ش: أي بعد أداء الثاني بدل الكتابة وعتقه، وكون ولايته للمولى م: (وعتق) ش: أي الأول لأداء بدل الكتابة م: (لا ينتقل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 392 الولاء إليه؛ لأن المولى جعل معتقا، والولاء لا ينتقل من المعتق وإن أدى الثاني بعد عتق الأول فولاؤه له؛ لأن العاقد من أهل ثبوت الولاء وهو الأصل فيثبت له، قال: وإن أعتق عبده على مال أو باعه من نفسه أو زوج عبده لم يجز؛ لأن هذه الأشياء ليست من الكسب ولا من توابعه، أما الأول فلأنه إسقاط الملك عن رقبته وإثبات الدين في ذمة المفلس فأشبه الزوال بغير عوض، وكذا الثاني لأنه إعتاق على مال في الحقيقة، وأما الثالث فلأنه تنقيص للعبد وتعييب له وشغل رقبته بالمهر والنفقة، بخلاف تزويج الأمة لأنه اكتساب لاستفادته المهر على ما مر. قال: وكذلك الأب والوصي في رقيق الصغير بمنزلة المكاتب،   [البناية] الولاء إليه) ش: أي إلى المكاتب الأول م: (لأن المولى جعل معتقا والولاء لا ينتقل من المعتق) ش: لأن المولى معتق مباشرة من وجه، بخلاف جر الولاء، فإن ثمة مولى الجارية ليس بمعتق للولد مباشرة ولكن تسبيبا باعتبار إعتاق الأم، والأصل أن الحكم لا يضاف إلى السبب إلا عند تعذر الإضافة إلى العلة. والتعذر عند عدم عتق الأب، فإذا أعتق زالت الضرورة فينتقل الولاء إلى قوم الأب. م: (وإن أدى الثاني بعد عتق الأول) ش: أي إن أدى المكاتب الثاني بدل المكاتبة بعد عتق المكاتب الأول بأداء بدل الكتابة م: (فولاؤه له) ش: أي ولاء الثاني للأول م: (لأن العاقد من أهل ثبوت الولاء وهو الأصل) ش: لأنه مباشر للعتق م: (فيثبت له) ش: أي للعاقد وهو المكاتب الأول. [الحكم لو أعتق المكاتب عبدا على مال] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإن أعتق عبده على مال) ش: أي إن أعتق المكاتب عبدا على مال م: (أو باعه من نفسه) ش: أي أو باع المكاتب نفس العبد من العبد م: (أو زوج عبده لم يجز، لأن هذه الأشياء ليست من الكسب ولا من توابعه) ش: أراد من توابع الكسب ضروراته مثل إضافة من يعامل معه، والإعارة له والإهداء إليه بشيء يسير. م: (أما الأول) ش: أي إعتاق عبده على مال م: (فلأنه إسقاط الملك عن رقبته وإثبات الدين في ذمة المفلس فأشبه الزوال بغير عوض، وكذا الثاني) ش: وهو بيع عبده على مال فلأنه إسقاط الملك عن رقبته وإثبات الدين في ذمة المفلس. وكذا الثاني وهو بيع عبد من نفسه م: (لأنه إعتاق على مال في الحقيقة. وأما الثالث) ش: وهو تزويج عبده م: (فلأنه تنقيص للعبد وتعييب له) ش: لأن من اشترى عبدا ووجد له زوجة يتمكن من الرد بذلك العيب م: (وشغل رقبته بالمهر والنفقة، بخلاف تزويج الأمة؛ لأنه اكتساب لاستفادته المهر على ما مر) ش: أشار به إلى قوله: وإن زوج أمته جاز لأنه اكتساب للمال. م: (قال وكذلك الأب والوصي في رقيق الصغير بمنزلة المكاتب) ش: في جميع ما ذكر، أي يجوز لهما تزويج أمته وكتابة عبده، وبه قال مالك وأحمد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 393 لأنهما يملكان الاكتساب كالمكاتب، ولأن في تزويج الأمة والكتابة نظرا له ولا نظر فيما سواهما والولاية نظرية. قال: فأما المأذون له فلا يجوز له شيء من ذلك عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله- وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له أن يزوج أمته، وعلى هذا الخلاف المضارب والمفاوض والشريك شركة عنان   [البناية] وعن أحمد يجوز إعتاقهما على مال أيضا. وقال الشافعي لا يملكان كالمكاتب شيئا من ذلك م: (لأنهما يملكان الاكتساب كالمكاتب، ولأن في تزويج الأمة والكتابة نظرا له) ش: أما في تزويج الأمة فلما مر آنفا. وأما في الكتابة فلأنه بالعجز يرد رقيقا، فربما كان العجز بعد أداء نجوم، وذلك لا شك في كونه نظرا م: (ولا نظر فيما سواهما) ش: أي ما سوى تزويج الأمة والكتابة م: (والولاية نظرية) ش: هذا الكلام في معرض التعليل، يعني إنما لا يجوز سواهما، لأن ولايتهما نظرية ولا نظر في غيرهما. م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (فأما المأذون له) ش: أي العبد المأذون له في التجارة م: (فلا يجوز له شيء من ذلك) ش: أي مما ذكر من الأشياء. وفي بعض النسخ فلا يملك شيئا من ذلك م: (عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله-. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له أن يزوج أمته) ش: أي للمأذون تزويج أمته م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور م: (المضارب والمفاوض والشريك شركة عنان) ش: قال السفناقي: الأصل في هذا أن كل من كان تصرفه عاما في التجارة وغيرها يملك تزويج الأمة كالأب والوصي والجد والمفاوض والمكاتب والقاضي وأمين القاضي وكل من كان تصرفه خاصا في التجارة كالمضارب وشريك العنان والمأذون لا يملك تزويج الأمة عند أبي حنيفة ومحمد، كذا ذكره الإمام قاضي خان والمحبوبي. قلت: وعن هذا قال الكاكي قيل لفظ المفاوض هاهنا سهو من المكاتب لما أن المفاوض كالمكاتب. وقال صاحب العناية ذكر في بعض الشروح أن المفاوض يجوز له أن يكاتب عبد الشركة بلا خلاف. واستدل بنقل عن الكرخي وغيره ليس فيه ذكر الخلاف. وقال: ترك ذكر الخلاف دليل على الاتفاق وفيه ما فيه. قلت: أراد ببعض الشروح شرح الأترازي فإنه قال في قوله وعلى هذا الخلاف المضارب ... إلى آخره. ولنا في هذا النقل نظر، لأن المفاوض يجوز له تزويج الأمة بالاتفاق ولا يجوز ذلك من أحد شريكي العنان عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ألا ترى إلى ما نص الكرخي في " مختصره " في باب المفاوضة: ويجوز لأحد المفاوضين أن يكاتب عبيد التجارة ويأذن لهم في التجارة، ولا يجوز أن يعتق شيئا من رقيق التجارة على مال، ولا يجوز أن يزوج العبد أيضا، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 394 هو قاسه على المكاتب واعتبره بالإجارة،   [البناية] ويجوز أن يزوج الأمة، ويجوز أن يدفع المال مضاربة، إلى هنا لفظ الكرخي وذكر تزويج الإماء للمفاوض بلا ذكر الخلاف كما ترى، وكذلك أثبته القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرحه. وفي شرح " الكافي ": ولأحد المفاوضين أن يكاتب عبدا من تجارتهما وله أن يأذن له في التجارة وليس له أن يعتق على مال ولا أن يزوج الأمة، وليس لشريك العنان أن يزوج الأمة ولا أن يكاتب، وكذلك المضارب. وقال الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير " فهؤلاء الأصناف الأربعة لا يجوز عتقهم عن مال، ويجوز كتابتهم. وفي الاستحسان وفي قول بشر لا تجوز كتابتهم، وإن زوج أحد من هؤلاء أمة جاز النكاح بالاتفاق. انتهى. وأراد بالأصناف الأربعة الأب والوصي والشريك المفاوض والمكاتب، ثم قال الفقيه ولو كان عبدا مأذونا أو شريك عنان أو مضاربا زوج أحد هؤلاء الثلاثة لم يجز في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله- ويجوز في قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولا يجوز كتابة هؤلاء النفر الثلاثة بالاتفاق. ولو زوج أحد من هؤلاء النفر الثلاثة أو من النفر الأربعة التي ذكرنا العبد امرأة لم يجز بالاتفاق. وفي شرح الطحاوي: الأب والوصي والمفاوض لا يملكون العتق على مال ويملكون الكتابة، وهؤلاء الثلاثة يملكون تزويج الأمة وليس لهم تزويج العبد. وأما الصبي المأذون والعبد المأذون والشريك شركة عنان والمضارب لا يجوز الكتابة ولا تزويج العبد بالإجماع، وفي تزويج الأمة اختلاف عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله- لا يجوز، وعند أبي يوسف يجوز، انتهى. فعلم أن المفاوض لا خلاف فيه في تزويجه الأمة. م: (هو قاسه) ش: أي أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قاس المأذون في جواز تزويج الأمة م: (على المكاتب) ش: حينئذ يجوز له تزويج الأمة م: (واعتبره بالإجارة) ش: أي اعتبر التزويج بالإجارة، فإن المأذون له يجوز له أن يؤجر عبده وأمته، فكذلك يجوز له أن يزوج أمته. فإن قلت: لم اختار لفظ القياس في الأول والاعتبار في الثاني. قلت: نقل الأترازي عن بعضهم أنه قال: استعمل لفظ القياس في المعنيين وهما المأذون والمكاتب ولفظ الاعتبار في الفعلين وهما التزويج والإجارة، لأن المماثلة بين هذين المعنيين ظاهرة إذا لكل منهما، فك الحجر وإطلاق التصرف فاستعمل لفظ القياس كذلك. وأما في هذين الفعلين فالمماثلة بينهما من حيث الفعلية لما أن الإجارة من المعاوضات المالية من الجانبين، بخلاف التزويج، فكان استعمال لفظ الاعتبار أليق. وقال صاحب العناية: فيه نظر لأن المراد بالقياس إن كان هو الشرع فذلك لا يكون بين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 395 ولهما أن المأذون له يملك التجارة، وهذا ليس بتجارة، فأما المكاتب يملك الاكتساب، وهذا اكتساب. ولأنه مبادلة المال بغير المال فيعتبر بالكتابة دون الإجارة، إذ هي مبادلة المال بالمال ولهذا لا يملك هؤلاء كلهم تزويج العبد   [البناية] عينين، وإن كان غير ذلك فلا نسلم أولويته. قلت: المراد من القياس معناه اللغوي، وهو التقدير، يقال قاس الطبيب الجراحة إذا قدر بالمسمار غورها، والمساواة أيضا يقاس الفعل بالفعل، أي ساوى أحدهما بالآخر وجعله على مثاله، وهذا المعنى ظاهر بين المأذون والمكاتب، لأن بينهما مساواة في فك الحجر وإطلاق التصرف، والاعتبار رد الشيء إلى نظيره، فاستعمال هذا بين التزويج والإجارة، لأن أحدهما نظير للآخر في الفعلية؛ لأن كل منهما تصرف مطلقا ودعوى صاحب العناية - رَحِمَهُ اللَّهُ - الترادف بين القياس والاعتبار غير ظاهرة تحتاج إلى برهان. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله- م: (أن المأذون له يملك التجارة، وهذا) ش: أي تزويج الأمة م: (ليس بتجارة) ش: لأنه ليس مبادلة المال بالمال والتجارة كذلك م: (فأما المكاتب يملك الاكتساب، وهذا) ش: أي تزويج الأمة م: (اكتساب) ش: لأنه اسم لما يوصل به المال، وبالتزويج يصل المولى إلى المهر، فكان اكتسابا. م: (ولأنه) ش: أي ولأن تزويج الأمة، وهذا دليل آخر م: (مبادلة المال بغير المال فيعتبر بالكتابة) ش: أراد أن اعتبار التزويج بالكتابة أولى من اعتباره بالإجارة، لأن التزويج مبادلة المال بغير المال، وكذا الكتابة في الابتداء مبادلة مال بغير المال م: (دون الإجارة) ش: يعني لا يعتبر بالإجارة م: (إذ هي) ش: أي الإجارة م: (مبادلة المال بالمال) ش: لأن المنفعة قائمة مقام العين، فيكون في حكم المال، ولهذا يصلح مهرا في النكاح وانتفاء النكاح شرع بالمال م: (ولهذا) ش: أي ولأن التزويج ليس من التجارة م: (لا يملك هؤلاء كلهم تزويج العبد) ش: أي المكاتب والمأذون والمضارب والمفاوض وشريك العنان؛ لأن تزويج العبد ليس من التجارة؛ لأنه ليس مبادلة المال بالمال ولا هو من اكتساب المال. وقال أبو الخطاب الحنبلي يجوز للمكاتب تزويج عبد، ولنا ما ذكرناه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 396 فصل قال: وإذا اشترى المكاتب أباه وابنه دخل في كتابته   [البناية] [فصل في بيان من يدخل في الكتابة] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان من يدخل في الكتابة، وبين فيما مضى من يدخل أصلا. وهاهنا يبين من يدخل تبعا، والتبع يلي الأصل. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا اشترى المكاتب أباه وابنه دخل في كتابته) ش: هاهنا أمور، الأول: أنه قدم أباه على ابنه للتعظيم. وأما في ترتيب قوة الدخول في كتابته فالابن مقدم على الأب، سواء كان مولودا في الكتابة أو مشترى، والمولود مقدم على المشترى، فإن المولود يظهر في حقه جميع أحكام الكتابة بطريق التبعية فإنه يحرم بيعه حال حياته ويقبل منه الكتابة على نجوم الأب والمشترى يحرم بيعه حال الحياة ويقبل منه البدل بعد موت الأب حالا، ولا يمكن من السعاية على نجوم الأب ليظهر نقصان حاله عن المولود في الكتابة في التبعية. وأما الأب فإنه يحرم بيعه حالة حياة ابنه المكاتب ولم يقبل منه البدل بعد موته لا حالا ولا مؤجلا. الثاني: أنه قال دخل في الكتابة ولم يقل صار مكاتبا لكان أصلا ولبقيت كتابته بعد عجز المكاتب الأصلي وليس كذلك، بل إذا عجز المكاتب مع الأب لما أن كتابة الداخل بطريق التبعية لا الأصالة. الثالث: أن حكم أمه إذا اشتراها مثل أبيه أو ابنه ولم يذكرها اكتفاء بالأب، ولو ذكرها كان أولى، وهؤلاء كلهم يدخلون في كتابته تبعا له، حتى يردون إلى الرق بعجزه كما نبهنا عليه. وفي " الأجناس ": لو اشترى المكاتب أباه أو جده أو ولده أو أمه، ليس له بيعهم في قول أبي حنيفة. وقالا: ليس له بيع هؤلاء. وفي المجرد قال أبو حنيفة: للمكاتب أن يكاتب أبوه وأولاده المشتراة، فدل أنهم لم يكاتبوا عليه، هكذا ذكر صاحب " الأجناس ". الرابع: يحتاج إلى بيان الفرق بين المشتري في الكتابة من الأولاد بين ما إذا كاتب عبدا على نفسه ولد الصغير، فإنه إذا أعتق المشتري لم يسقط من البدل شيء. وإذا أعتق الصغير سقط من البدل ما يخصه وهو أن المشتري تبع من كل وجه ولا معتبر به في أمر البدل لتقرره قبل دخوله في الكتابة وأما الصغير فقد كان مقصودا بالعقد من وجه وكان البدل في مقابلته ومقابلة والده، فلهذا يسقط ما يخصه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 397 لأنه من أهل أن يكاتب وإن لم يكن من أهل الإعتاق فيجعل مكاتبا تحقيقا للصلة بقدر الإمكان، ألا ترى أن الحر متى كان يملك الإعتاق يعتق عليه، وإن اشترى ذا رحم محرم منه لأولاد له لم يدخل في كتابته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا يدخل اعتبارا بقرابة الولادة إذ وجوب الصلة ينتظمهما، ولهذا لا يفترقان في الحر في حق الحرية. وله أن للمكاتب كسبا لا ملكا غير أن الكسب يكفي للصلة في الولاد، حتى إن القادر على الكسب يخاطب بنفقة الوالد والولد، ولا يكفي بغيرها حتى لا تجب نفقة الأخ إلا على الموسر.   [البناية] الخامس: أن شراءه ذوي أرحامه يجوز عندنا وعند الثلاثة لا يجوز؛ لأنه تصرف تبرع كالإعتاق. وقال القاضي الحنبلي يجوز؛ لأنه تصرف لا ضرر فيه من السيد، أما لو اشترى قريبه بإذن السيد ففي صحته للشافعي قولان. وعن أبي إسحاق المروزي من أصحابه القطع بالصحة، وعند أحمد يجوز، ثم على قول الصحة يتكاتب عليه ثم في كل تصرف لا يجوز للمكاتب فإذا فعله بإذن السيد للشافعي فيه قولان في قول يجوز وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله. م: (لأنه) ش: أي لأن المكاتب م: (من أهل أن يكاتب) ش: على وزن بناء الفاعل م: (وإن لم يكن من أهل الإعتاق فيجعل مكاتبا) ش: بكسر التاء م: (تحقيقا للصلة بقدر الإمكان، ألا ترى أن الحر متى كان يملك الإعتاق يعتق عليه) ش: أراد أن الحر إذا ملك لذي رحم محرم يعتق عليه تحقيقا لصلة الرحم، فكذا إذا ملك المكاتب قريبه يتكاتب عليه تحقيقا لصلة الرحم بقدر الإمكان. [الحكم لو اشترى المكاتب ذا رحم محرم منه لأولاد له] م: (وإن اشترى ذا رحم محرم منه لأولاد له) ش: كالأخ والأخت والعم والعمة م: (لم يدخل في كتابته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا يدخل اعتبارا بقرابة الولادة إذ وجوب الصلة ينتظمهما) ش: أي ينتظم قرابة الولادة وذا الرحم المحرم غير الولادة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن وجوب الصلة ينتظم القبلين م: (لا يفترقان في الحر في حق الحرية) ش: أي إذا اشترى الحر أباه يعتق عليه فكذا إذا اشترى أخاه. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن للمكاتب كسبا لا ملكا) ش: لوجود ما ينافيه وهو الرق، ولهذا لا يفسد نكاح امرأته لو اشتراها وتحل الصدقة له، وإن أصاب كسبا ولا يملك الهبة كذا في الأسرار م: (غير أن الكسب يكفي للصلة في الولاد) ش: أراد أن قدرته على الكسب توجب الصلة في قرابة الولادة م: (حتى إن القادر على الكسب يخاطب بنفقة الوالد والولد) ش: وإن لم يكن موسرا م: (ولا يكفي بغيرها) ش: أي ولا يكفي الكسب بغير الصلة م: (حتى لا يجب نفقة الأخ) ش: المعسر على الأخ المعسر، وإن كان يقدر على الكسب والدخول في الكتابة بطريق الصلة فيختص بموضع وجوب الصلة م: (إلا على الموسر) ش: أي على الأخ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 398 ولأن هذه قرابة توسطت بين بني الأعمام وقرابة الولاد فألحقناها بالثاني في العتق، وبالأول في الكتابة وهذا أولى؛ لأن العتق أسرع نفوذا من الكتابة حتى إن أحد الشريكين إذا كاتب كان للآخر فسخه، وإذا أعتق لا يكون له فسخه. قال: وإذا اشترى أم ولده دخل ولدها في الكتابة ولم يجز بيعها، ومعناه إذا كان معها ولدها،   [البناية] الموسر. م: (ولأن هذه قرابة) ش: أي قرابة الأخوة م: (توسطت بين بني الأعمام) ش: التي هي القرابة البعيدة م: (وقرابة الولاد) ش: أي وبين قرابة الولاد التي هي القرابة القريبة. الحاصل أن الأخ يشبه بني الأعمام في حق الزكاة وحل الحيلة وقبول الشهادة وجريان القصاص، ويشبه الولاء في حرمة المناكحة واقتراض الصلة وحرمة الجمع بينهما إنكاحا. فالمشابه للشيئين ذو حظ منهما، فعملنا بالشبهين م: (فألحقناها بالثاني) ش: أي إذا كان كذلك فألحقنا قرابة الإخوة التي هي المتوسطة بالثاني وهو قرابة الولاد م: (في العتق) ش: حتى إذا ملك الحر أخاه يعتق عليه، كما إذا ملك والد ولده م: (وبالأول في الكتابة) ش: أي ألحقناها بالأول وهو القرابة البعيدة التي أي بنو الأعمام في حكم الكتابة، حتى إذا ملك المكاتب أخاه لم يدخل في كتابته، كما إذا ملك ابن عمه عملا بالشبهين وتوفيرا لهما حفظهما. م: (وهذا أولى) ش: أي العمل على هذا الوجه أولى من العكس م: (لأن العتق أسرع نفوذا من الكتابة، حتى إن أحد الشريكين إذا كاتب) ش: العبد المشترك بينهما م: (كان للآخر فسخه، وإذا أعتق لا يكون له فسخه) ش: أي فسخ العتق. فلو قلنا يتكاتب عليه أخوه إذا اشتراه وجب علينا أيضا أن نقول إذا ملك الحر أخاه يعتق عليه أيضا، فحينئذ تلزم العمل بشبه قرابة بني الأعمام، فلا يبقى حينئذ قرابة الأخوة متوسطة بين القرابتين، لأن المتوسط ذو حظ من الجانبين، فما لم يعمل لهما لم يبق المتوسط متوسطا. [الحكم لو اشترى المكاتب أم ولده] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا اشترى أم ولده دخل ولدها في الكتابة) ش: أراد اشتراء أم ولده ومعها ولده منها على ما يجيء الآن، والأصل في هذا أن المكاتب إذا اشترى امرأته لا يبطل نكاحها لعدم الملك حقيقة في رقبتها، وله ملك اليد لا يبطل النكاح م: (ولم يجز بيعها) ش: أي بيع أم ولده بعد أن اشتراها ومعها ولده منها، أما إذا اشترى امرأته ولم يكن لها ولد منه فله أن يبيعها، لأن النكاح ليس بسبب لاستحقاق الصلة، فلا يمتنع البيع بسببه، وكذا المكاتبة إذا اشترت زوجها لم يبطل نكاحها وله أن يطأها بالنكاح؛ لأنها لم تملك رقبته حقيقة. م: (ومعناه إذا كان معها ولدها) ش: أي معنى قول محمد إذا اشترى أم ولده دخل ولدها في الجزء: 10 ¦ الصفحة: 399 أما دخول الولد في الكتابة فلما ذكرناه. وأما امتناع بيعها فلأنها تبع للولد في هذا الحكم. قال عليه الصلاة والسلام: «أعتقها ولدها»   [البناية] الكتابة ولم يجز بيعها إذا كان منها ولدا م: (أما دخول الولد في الكتابة فلما ذكرناه) ش: أراد به ما ذكره في أول الفصل؛ لأنه من أهل أن يكاتب م: (وأما امتناع بيعها فلأنها تبع للولد في هذا الحكم) ش: أي في حكم الحرية. فإن قلت: إذا ثبت للولد حقيقة فينبغي أن لا يثبت للأم حقها، وهاهنا ثبت للولد حق الحرية، فينبغي أن لا يثبت للأم تحقيقا لانحطاط رقبتها عن الولد. قلت: للكتابة أحكام منها عدم جواز البيع فيثبت للأم هذا الحكم دون الكتابة تحقيقا لانحطاط رتبتها. فإن قلت: لم لا تصير مكاتبة تبعا للولد. قلت: العقد إنما ورد على المكاتب، والولد جزؤه، فيكون واردا عليه بخلاف الأم. م: (قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أعتقها ولدها ") » ش: أورده دليلا على عدم جواز بيع أما الولد المذكور؛ لأنها عتقت بعتق ولدها؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخبر بهذا، ثم هذا الحديث أخرجه البيهقي من رواية أبي أويس وأبي بكر بن أبي سبرة عن حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس ولم يذكر أبو أويس «ابن عباس قال: لما ولدت أم إبراهيم ابن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال " أعتقها ولدها» . ثم البيهقي رواه من حديث زياد بن أيوب نا بقية عن سعيد بن زكريا عن ابن أبي بشارة عن ابن أبي حسين عن عكرمة «عن ابن عباس قال: لما ولدت مارية قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أعتقها ولدها» ثم قال: ولحديث عكرمة علة عجيبة، ثم روى عن سعيد بن مسروق عن عكرمة عن عمر قال: «أعتقها ولدها، وإن كان سقطا» . ثم روى عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فذكر نحوه، قال فعاد الحديث إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثم جعله الصحيح. قلت: هاتان قضيتان مختلفتان لفظا، روى عكرمة إحداهما مرفوعة والأخرى موقوفة، فلا تعلل إحداهما بالأخرى. وقد أخرج الحاكم في " المستدرك " الرواية المرفوعة وقال صحيح الإسناد ثم ذكر لها متابعة. وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن عاصم عن أبي بكر النهشلي عن حسين بن عبد الله، والنهشلي أخرج له مسلم ووثقه جماعة. وقد جاء للحديث متابعة من وجه آخر بسند جيد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 400 وإن لم يكن معها ولدها فكذلك الجواب في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - لأنها أم ولد خلافا لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وله أن القياس أن يجوز بيعها وإن كان معها ولد؛ لأن كسب المكاتب موقوف فلا يتعلق به ما لا يحتمل الفسخ، إلا أنه يثبت هذا الحق فيما إذا كان معها ولد تبعا لثبوته في الولد بناء عليه وبدون الولد لو ثبت يثبت ابتداء والقياس ينفيه.   [البناية] قال ابن حزم: روينا من طريق قاسم بن أصبغ حدثنا مصعب عن محمد حدثنا عبيد الله ابن عمر هو الوقي عن عبد الكريم الحريري عن عكرمة عن «ابن عباس قال: " لما ولدت مارية أم ابراهيم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أعتقها ولدها» ثم قال ابن حزم: وهذا خبر جيد السند كل رواته ثقات. وقال في كتاب البيوع صحيح السند وقد بسطنا الكلام فيه في باب الاستيلاد. م: (وإن لم يكن معها ولدها فكذلك الجواب) ش: يعني لم يجز بيعها م: (في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - ولأنها أم ولد، خلافا لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن القياس أن يجوز بيعها وإن كان معها ولد، لأن كسب المكاتب موقوف) ش: أي متردد بين أن يؤدي البدل فيعتق وما فضل من البدل له، وبين أن يعجز فيعود هو وماله للمولي. ولهذا لا يفسد نكاح امرأته بشرائها ولا تصح تبرعاته فعلم أنه لا ملك له م: (فلا يتعلق به) ش: أي بكسبه م: (ما لا يحتمل الفسخ) ش: وهو الاستيلاد إذ لو تعلق لكان كسبه غير محتمل للفسخ أو كان الاستيلاد محتملا للفسخ، وكلاهما لا يجوز. والتحرير أن كسبه موقوف وكل موقوف يقبل الفسخ فكسب المكاتب يقبل الفسخ، وما يقبل الفسخ لا يجوز أن يتعلق به ما لا يقبل الفسخ كالاستيلاد، لأن ما لا يقبله أقوى من الذي يقبله والأقوى لا يجوز أن يكون تبعا للأدنى. م: (إلا أنه يثبت هذا الحق) ش: وهو امتناع البيع م: (فيما إذا كان معها ولد تبعا لثبوته) ش: أي لثبوت امتناع البيع م: (في الولد بناء عليه وبدون الولد لو ثبت) ش: هذا الحق م: (يثبت ابتداء) ش: أي في ابتداء الأمر م: (والقياس ينفيه) ش: يعني لا نص فيه يترك به القياس، بخلاف ما إذا كان معها الولد. فإن قلت: القياس كما ينفيه ابتداء ينفيه مع الولد على ما ذكر في أول الدليل فخصص نفيه بالابتداء مع أنه مناف لصدر الكلام تحكم. قلت: ليس بتحكم وإنما هو من باب الاستحسان بالأثر، وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أعتقها الجزء: 10 ¦ الصفحة: 401 وإن ولد له ولد من أمة له دخل في كتابته لما بينا في المشترى فكان حكمه كحكمه وكسبه له؛ لأن كسب الولد كسب كسبه ويكون كذلك قبل الدعوة. فلا ينقطع بالدعوة اختصاصه. وكذلك إن ولدت المكاتبة ولدا؛ لأن حق امتناع البيع ثابت فيها مؤكدا،   [البناية] ولدها:» ، ولا شك أن الولد إنما يعتق الأم إذا ملكه الأب. [الحكم لو ولد للمكاتب ولد من أمة له] م: (وإن ولد له ولد من أمة له دخل في كتابته لما بينا) ش: أشار به إلى قوله؛ لأنه من أهل أن يكاتب وإن لم يكن من أهل العتق م: (في المشترى) ش: أي في الولد المشترى. فإن قلت: المكاتب لا يملك التسري ولا وطء أمته وبه قالت الثلاثة، فمن أين له ولد حتى يدخل في كتابته. قلت: نعم، إلا أن له في ملك مكاتبه يدا كالحر، وذلك يكفي لثبوت النسب منه عند الدعوة وإن لم يحل وطؤه كما في الجارية المشتركة، وجارية الابن إذا وطئها الأب وادعى الولد، والدليل على أن المكاتب مثل الحر في ادعاء ما ذكره في المبسوط بقوله جارية بين حر ومكاتب ولدت فادعاه المكاتب قال الولد ولده، والجارية أم ولد له، ويضمن نصف عقرها ونصف قيمتها. ولا يضمن من قيمة الولد شيئا؛ لأن المكاتب بماله في حق الملك في كسبه يملك الدعوة كالحر، فبقيام الملك فه في نصفها هنا يثبت نسب الولد منه من وقت العلوق، ويثبت لها حق أمية الولد في حق امتناع البيع تبعا لثبوت حق الولد. م: (فكان حكمه كحكمه) ش: أي حكم الولد كحكم المكاتب، وبه قالت الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وعند الظاهرية ولده من جاريته حر وهل تصير الأمة أم ولد له؟، للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه قولان، أحدهما أنها تصير أم ولد له، وبه قال أحمد وأبو يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، والثاني لا تصير أم ولد له، وبه قال أبو حنيفة ومالك، وهو رواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وكسبه له) ش: أي كسب الولد لوالده م: (لأن كسب الولد كسب كسبه) ش: إذ الولد كسبه م: (ويكون كذلك قبل الدعوة) ش: بكسر الدال، أي قبل دعوة النسب، أراد أن الولد والكسب كانا له قبل الدعوة م: (فلا ينقطع بالدعوة اختصاصه) ش: أي اختصاص المكاتب بكسب ولده، أراد اختصاصاه الذي كان ثابتا قبل الدعوة. م: (وكذلك إن ولدت المكاتبة ولدا) ش: أي من زوجها أو من زنا يدخل في كتابتها، وبه قالت الثلاثة م: (لأن حق امتناع البيع ثابت فيها مؤكدا) ش: أي مقررا، فصار من الأوصاف القارة الشرعية، والأوصاف القارة الشرعية في الأمهات كالتدبير والاستيلاد والحرية والرق يسري إلى الأولاد، فأشار إلى ذلك بقوله مؤكدا، واحترز به عن ولد الآبقة، فإن بيعها لا يجوز وبيع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 402 فيسري إلى الولد كالتدبير والاستيلاد. قال: ومن زوج أمته من عبده ثم كاتبها فولدت منه ولدا دخل في كتابتها وكان كسبه لها؛ لأن تبعية الأم أرجح ولهذا يتبعها في الرق والحرية، قال: وإن تزوج المكاتب بإذن مولاه امرأة زعمت   [البناية] ولدها يجوز، لأن امتناع البيع في الآبقة غير مؤكد إذ الإباق مما لا يدوم، وكذا بيع المستأجرة والحابية، فإن الأمة إذا اتصفت بهما امتنع بيعها إلا مقرونا بشيء، لكنه ليس بمؤكد. فقولهم الأوصاف القارة احترازا عن مثل هذين الوصفين. وقولهم الشرعية احترازا عن السواد والبياض والطول القصر، فإنها لا تسري، وإذا سرت كتابتها إلى ولدها لم يجز بيعه كما لم يجز بيع أمه، وقال الشافعي في قول: إن للولد ملك المولى فيتصرف فيه كيف شاء. م: (فيسري إلى الولد) ش: أي يسري هذا الوصف وهو حق امتناع البيع إلى الولد م: (كالتدبير والاستيلاد) ش: أي كما يسري الوصف الثابت المؤكد في المدبر وأم الولد إلى أولادها. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن زوج أمته من عبده ثم كاتبها فولدت منه ولدا دخل في كتابتها) ش: هذا أيضا بناء على أن الأوصاف القارة الشرعية في الأمهات تسري إلى الأولاد، ولهذا كان الولد داخلا في كتابة الأم م: (وكان كسبه لها؛ لأن تبعية الأم أرجح) ش: لما ذكرنا أن الأوصاف القارة الشرعية في الأمهات تسري إلى الأولاد. ثم استوضح ذلك بقوله م: (ولهذا يتبعها في الرق والحرية) ش: أي يتبع الولد الأم. وقع في بعض النسخ دخل في كتابتها وكسبه لها، أي في الدخول يتبعها خاصة والأول هو الأوجه، لأن فائدة الدخول هو الكسب، فإن قد ذكر في " المبسوط ": لو قتل الابن قاتل خطأ فقيمته للأبوين جميعا، ولا يختص بها الأم فينبغي أن تكون في مسألتنا كذا. قلت: تلك المسألة متصورة فيما إذا قبل الوالدين الكتابة عليه، وحالهما في ذلك سواء، إذ لا ولاية لهما عليه، ولا يمكن جعل تلك القيمة للمولى، لأن الولد صار مكاتبا بقبولهما، فلم يبق للمولى سبيل على كسبه وعلى قيمة رقبته فلا بد أن تؤخذ القيمة عنه فتكون للأبوين لأنهما كانا ينفقان عليه في حياته، وكانا أحق بحضانته. وأما الولد المولود في الكتابة، فإن ثبوت الكتابة هاهنا بطريق التبعية وجانب الأم يترجح في ذلك؛ لأنه جزء منها، وهناك ثبوت الكتابة بالقبول وهما في القبول سواء. وفي " الكافي ": لو قبل المولود في الكتابة يكون قيمته للأم ككسبه، وبه قال الشافعي في قول، وأحمد ومالك. وفي قول للسيد؛ لأنه لا يدخل الولد في كتابتها في قول فيكون قنا للسيد يجوز بيعه وإعتاقه. م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإن تزوج المكاتب بإذن مولاه امرأة زعمت) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 403 أنها حرة فولدت منه ولدا ثم استحقت فأولادها عبيد، ولا يأخذهم بالقيمة، وكذلك العبد يأذن له المولى بالتزوج، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أولادها أحرار بالقيمة؛ لأنه شارك الحر في سبب ثبوت هذا الحق وهو الغرور، وهذا لأنه ما رغب في نكاحها إلا لينال حرية أولاده.   [البناية] ش: أي ادعت م: (أنها حرة فولدت منه ولدا، ثم استحقت فأولادها عبيد ولا يأخذهم) ش: أي المكاتب لا يأخذ الأولاد م: (بالقيمة) ش: أي بقيمة يؤديها إلى المستحق عندهما على ما يأتي. م: (وكذلك العبد يأذن له المولى بالتزوج) ش: فتزوج لقوله من زوجة ثم استحقت فإن ولده عبد عندهما ولا يأخذ بالقيمة م: (وهذا) ش: أي الحكم الذي ذكرنا في الوجهين م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولادها أحرار بالقيمة) ش: وبه قال زفر والثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إلا عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول كقولهما وأكثرهم ذكروا قول أبي يوسف مع أبي حنيفة إلا أن أبا الليث ذكر قول أبي يوسف مع محمد وما ذكره الجمهور أصح؛ لأنه قول المرجوع إليه، وبه صرح القدوري في كتاب التقريب، فقال قال أبو حنيفة وًأبو يوسف لا يثبت للعبد حكم الغرور وأولاده عبيد. وروى زفر عن أبي حنيفة أنه يكون مغرورا، وهو قول أبي يوسف الأول، وذكر رجوعه في الدعوى. وقال محمد أولاده أحرار ثم على قول محمد إن كان التزوج من هؤلاء أعني العبد والمكاتب والمدبر بإذن السيد فعليهم قيمة الولد والمهر في الحال. وإن كان بغير إذن السيد فعليهم قيمة الولد والمهر بعد العتق، هذا إذا غرته المرأة بقولها أنها حرة أو غرها بأن زوجها منه حر على أنها حرة، فإن الأب يرجع بقيمة الولد على الزوج في الحال، وإن كان الذي غره عبدا أو مدبرا أو مكاتبا فلا رجوع له عليهم حتى يعتقوا، سواء كان العبد مأذونا له أو لم يكن. وأما إذا أراد الرجل أن يتزوج امرأة فأخبره رجل أنها حرة ولم يزوجها أباها أو تزوجها رجل على ظن أنها حرة وما قالت زوجني فإني حرة فإنه لا يرجع على المخبر ولا على المرأة ولكن يرجع بقيمة الولد على الأمة إذا أعتقت؛ لأنها غرته حين زوجت نفسها على أنها حرة وضمان الغرور كضمان الكفالة. م: (لأنه) ش: أي لأن المكاتب م: (شارك الحر في سبب ثبوت هذا الحق) ش: وهو كون الأولى حرا بالقيمة م: (وهو الغرور) ش: أي سبب ثبوت هذا الحق هو الغرور وهما مشتركان فيه م: (وهذا) ش: أي وجه اشتراكهما في هذا السبب م: (لأنه) ش: أي لأن المكاتب م: (ما رغب في نكاحها) ش: أي في نكاح تلك المرأة التي زعمت أنها حرة م: (إلا لينال حرية أولاده) ش: وفي بعض النسخ حرية الأولاد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 404 ولهما أنه مولود بين رقيقين، فيكون رقيقا، وهذا لأن الأصل أن الولد يتبع الأم في الرق والحرية وخالفنا هذا الأصل في الحر بإجماع الصحابة، وهذا ليس في معناه؛ لأن حق المولى هناك مجبور بقيمة ناجزه وهاهنا بقيمة متأخرة إلى ما بعد العتاق فيبقى على الأصل فلا يلحق بالمكاتب.   [البناية] م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أنه مولود بين رقيقين) ش: لأن أباه رقيق ما دام في الكتابة وأمه ظهرت رقبتها بثبوت الاستحقاق م: (فيكون رقيقا) ش: كما إذا كان عالما بحالها م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن الأصل أن الولد يتبع الأم في الرق والحرية) ش: يعني لأن القياس اتباع الولد الأم في الرق والحرية؛ لأنه جزؤها. م: (وخالفنا هذا الأصل) ش: أي تركنا هذا القياس المذكور م: (في الحر) ش: أي فيما إذا كان الرجل حرا م: (بإجماع الصحابة) ش: فيه نظر لوجود الاختلاف من الصحابة على ما روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " في البيوع، حدثنا أبو بكر بن عياش عن مطرف عن عامر عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: في رجل اشترى جارية فولدت منه أولادا ثم أقام رجل البينة أنها له قال ترد عليه ويقوم عليه ولدها فيغرم الذي باعها ما غرمه. قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن أبي قسيط عن سليمان بن يسار أن أمة أتت قوما فغرتهم وزعمت أنها حرة فتزوجها رجل فولدت له أولادا فوجدها أمة فقضى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بقيمة أولادها في كل مغرور غره، حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن خلاس: أن أمة أتت ناسا فزعمت أنها حرة فتزوجها رجل ثم إن سيدها ظهر عليها فقضى عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنها وأولادها لسيدها وجعل لزوجها ما أدرك من متاعه. م: (وهذا) ش: أي ولد المكاتب م: (ليس في معناه) ش: أي ليس في معنى ولد الحر م: (لأن حق المولى هناك) ش: أي في مسألة الحر م: (مجبور بقيمة ناجزة) ش: أي حالة أراد أن الحكم حرية الولد مع مراعاة حق المستحق وهو المولى بإيجاب قيمته في الحال م: (وهاهنا بقيمة متأخرة إلى ما بعد العتاق) ش: فكان المانع من الإلحاق به موجودا وهو الضرر اللاحق بالمستحق بالتأخير م: (فيبقى على الأصل) ش: وهو أن يكون الولد تابعا لها م: (فلا يلحق بالمكاتب) ش: في هذا الحكم. واعلم أن قوله لأن حق المولى هناك تجوز بقيمة ناجزة.. إلى آخره يدل على أن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولاد المكاتب في الصورة المذكورة أحرار بقيمة متأخرة إلى ما بعد العتق، وهكذانص عليه في شرح " الجامع الصغير "، وفي " المبسوط " خلاف هذا وهو أن قيمة الأولاد والمهر يجب في الحال لوجود الإذن من المولى. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 405 قال: وإن وطئ المكاتب أمة على وجه الملك بغير إذن المولى ثم استحقها رجل فعليه العقر يؤخذ به في الكتابة، وإن وطئها على وجه النكاح لم يؤخذ به حتى يعتق، وكذلك المأذون له. ووجه الفرق أن في الفصل الأول ظهر الدين في حق المولى لأن التجارة وتوابعها داخلة تحت الكتابة وهذا العقر من توابعها؛ لأنه لولا الشراء لما سقط الحد وما لم يسقط الحد لا يجب العقر، أما لم يظهر في الفصل الثاني؛ لأن النكاح ليس من الاكتساب في شيء فلا ينتظمه الكتابة   [البناية] [وطئ المكاتب أمة على وجه الملك] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإن وطئ المكاتب أمة على وجه الملك) ش: يعني اشترى مكاتب أمة بشراء صحيح ووطئها م: (بغير إذن المولى) ش: والباقية تتعلق بقوله وطئ، وإنما قال بغير إذن المولى ليتبين به فائدة هذا الحكم في إذن المولى، فلأن يؤاخذ به الإذن بالطريق الأولى. ألا ترى أنه يفترق هذا فيما إذا وجد الوطء في النكاح فإنه لو كان مأذونا بالنكاح فنكحها ووطئها يؤاخذ بمهرها في الحال. ولو لم يكن مأذونا به لا يؤاخذ بالمهر في الحال بل يؤخر إلى ما بعد العتق م: (ثم استحقها رجل فعليه العقر) ش: أي مهر المثل م: (يؤخذ به في الكتابة) ش: في حال الكتابة من غير تأخير إلى الإعتاق. م: (وإن وطئها على وجه النكاح) ش: أي بغير إذن المولى بالنكاح م: (لم يؤخذ به) ش: أي بالعقر م: (حتى يعتق، وكذلك المأذون له) ش: أي العبد المأذون له في التجارة سواء كان قنا أو مدبرا. حكمه كذلك. م: (ووجه الفرق) ش: أي بين الوطء على وجه الملك والوطء بالنكاح م: (أن في الفصل الأول) ش: وهو الوطء على وجه الملك م: (ظهر الدين في حق المولى، لأن التجارة وتوابعها) ش: توابع التجارة كالإعارة والضيافة والهدية اليسيرة، ولكن المراد هنا هو العقر فإنه من توابع التجارة؛ لأنه لولا الشراء لما لزم العقر بل لزم الحد فصار وجوب العقر ملحقا بدين التجارة؛ لأنه من التوابع فتكون م: (داخلة تحت الكتابة) ش: لأنه إنما ملك الشراء بسبب الكتابة. فالحاصل أن الكتابة أوجبت الشراء، والشراء أوجب سقوط الحد، وسقوط الحد أوجب العقر، فالكتابة أوجبت العقر، وهو معنى قوله م: (وهذا العقر) ش: أي الذي وجب على المكاتب بسبب وطء المشتراة م: (من توابعها) ش: أي من توابع الكتابة م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لولا الشراء لما سقط الحد وما لم يسقط الحد لا يجب العقر، أما لم يظهر في الفصل الثاني) ش: وهو الوطء بالنكاح م: (لأن النكاح ليس من الاكتساب في شيء فلا ينتظمه الكتابة) ش: أي فلا يشمله الكتابة. فوجوب العقر هنا باعتبار شبهة النكاح وهو ليس من التجارة والاكتساب فيتأخر إلى ما الجزء: 10 ¦ الصفحة: 406 كالكفالة. قال: وإذا اشترى المكاتب جارية شراء فاسدا ثم وطئها فردها أخذ بالعقر في المكاتبة، وكذلك العبد المأذون له لأنه من باب التجارة فإن التصرف تارة يقع صحيحا ومرة يقع فاسدا والكتابة والإذن ينتظمانه بنوعيه كالتوكيل، فكان ظاهرا في حق المولى   [البناية] بعد عتقه م: (كالكفالة) ش: يعني إذا كفل المكاتب يؤخذ به الحرمة، لأن الكتابة لا ينتظمها. [اشترى المكاتب جارية شراء فاسدا ثم وطئها فردها] م: (قال: وإذا اشترى المكاتب جارية شراء فاسدا ثم وطئها فردها أخذ بالعقر في المكاتبة) ش: أي في حال الكتابة م: (وكذلك العبد المأذون له؛ لأنه) ش: أي لأن الشراء م: (باب التجارة، فإن التصرف تارة يقع صحيحا ومرة يقع فاسدا، والكتابة والإذن ينتظمانه) ش: أي الشراء م: (بنوعيه) ش: وهما الصحيح والفاسد م: (كالتوكيل) ش: يعني إذا وكل وكيلا يتناول الصحيح والفاسد م: (فكان) ش: أي العقر م: (ظاهرا في حق المولى) ش: لوجود الإذن منه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 407 فصل قال: وإذا ولدت المكاتبة من المولى فهي بالخيار إن شاءت مضت على الكتابة وإن شاءت عجزت نفسها وصارت أم ولد له؛ لأنها تلقتها جهتا حرية عاجلة ببدل وآجلة بغير بدل فتخير بينهما ونسب ولدها ثابت من المولى وهو حر؛ لأن المولى يملك الإعتاق في ولدها وما له من الملك يكفي لصحة الاستيلاد بالدعوة.   [البناية] [فصل في بيان مسائل في الكتابة] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان مسائل أخرى من هذا الباب، وأتى بها في فصل لكونها نوعا من جنس مسائل الباب. م: (قال: وإذا ولدت المكاتبة من المولى، فهي بالخيار إن شاءت مضت على الكتابة، وإن شاءت عجزت نفسها، وصارت أم ولد له) ش: سواء صدقته المكاتبة في ذلك أم كذبته، لأن للمولى في رقبتها حقيقة الملك، وللمكاتب حق الملك، فترجحت الحقيقة على الحق، فيثبت من غير تصديق، بخلاف ما لو ادعى ولد أمة المكاتبة، فإن ثمة لا يثبت النسب إلا بتصديق المكاتبة، لأن للمولى حق الملك في اكتسابها دون حقيقته، فيحتاج إلى التصديق م: (لأنها) ش: أي لأن الشأن، وهذا إشارة إلى دليل المتخير م: (تلقتها) ش: أي المكاتبة. وفي بعض النسخ تلقاها م: (جهتا حرية) ش: أي جهتان للحرية، فبالإضافة سقطت النون وارتفاعها بالفاعلية بقوله تلقتها م: (عاجلة ببدل) ش: أي أحد الجهتين عاجل ببدل وهو المضي على الكتابة م: (وآجلة بغير بدل) ش: أي الأخرى آجل بلا بدل، وهو أن تعجز نفسها وتصير أم ولد فتعتق بعد موته م: (فتخير بينهما) ش: أي إذا كان أمرها دائر بين الجهتين فتخير بينهما م: (ونسب ولدها ثابت من المولى) ش: سواء جاءت به لستة أشهر أو لأكثر من ستة أشهر م: (وهو حر) ش: أي الولد لا يعلم فيه خلاف. م: (لأن المولى يملك الإعتاق في ولدها) ش: لأن الدعوة من المولى كالتحرير، وإنه يملك تحرير ولدها من غيره قصدا، فلأن يملك ذلك ضمنا للدعوة بالطريق الأولى م: (وماله) ش: بفتح اللام، أي والذي له م: (من الملك) ش: في الجارية م: (يكفي لصحة الاستيلاد بالدعوة) ش: هذا في الحقيقة جواب عما عسى أن يتوهم أن ملك المولى في المكاتبة ناقص. فلا تصح دعوته، فقال الذي له من ملك الرقبة فيها كان لصحة الاستيلاد، وإن لم يكن له ملك اليد، وملكه فيها أقوى من ملك المكاتب في مكاتبته بدليل جواز إعتاق المولى مكاتبته دون المكاتب، والمكاتب إذا ادعى نسب الولد من مكاتبته يثبت نسبه، فلأن يثبت من المولى أولى. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 408 وإذا مضت على الكتابة أخذت العقر من مولاها لاختصاصها بنفسها وبمنافعها على ما قدمنا، ثم إن مات المولى عتقت بالاستيلاد وسقط عنها بدل الكتابة، وإن ماتت هي وتركت مالا تؤدي منه مكاتبتها وما بقي ميراث لابنها جريا على موجب الكتابة. فإن لم تترك مالا فلا سعاية على الولد لأنه حر. ولو ولدت ولدا آخر لم يلزم المولى إلا أن يدعي لحرمة وطئها عليها،   [البناية] م: (وإذا مضت على الكتابة) ش: أراد أنها إذا اختارت الكتابة ومضت عليها م: (أخذت العقر من مولاها) ش: أي مهر المثل، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في قول م: (لاختصاصها بنفسها وبمنافعها على ما قدمنا) ش: أشار به إلى قوله في فصل الكتابة الفاسدة أنها صارت أخص بأجزائها. م: (ثم إن مات المولى) ش: يعني بعد مضيها على المكاتبة م: (عتقت بالاستيلاد وسقط عنها بدل الكتابة) ش: ولا خلاف فيه؛ لأنها التزمت المال لتسلم لها رقبتها بجهة الكتابة ولم تسلم بهذه الجهة فلم يجب البدل. فإن قلت: كان الواجب أن لا يسقط، لأن الأكساب تسلم لها وهذا آية بقاء الكتابة. قلت: الكتابة تشبه المعاوضة، فبالنظر إلى ذلك لا يسقط البدل، ويشبه الشرط فبالنظر إليه يسقط، ألا ترى أنه لو قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق ثم طلقها ثلاثا تبطل، فلما عتقت بالاستيلاد بطلت جهة الكتابة فعملنا بالشبهين. وقلنا بسلامة الإكساب عملا يشبه المعاوضة. وقلنا بسقوط بدل الكتابة عملا بشبه الشرط. م: (وإن ماتت هي وتركت مالا؛ تؤدي منه مكاتبتها) ش: أي بدل كتابتها م: (وما بقي ميراث لابنها جريا على موجب الكتابة) ش: وقال أحمد: ما في يدها للسيد، وبه قال الشافعي في قول لبطلان الكتابة. فيكون العتق باستيلاد، فلا يكون ما في يدها للسيد ميراثا لابنها. وقال مالك: من كان معها في كتابتها من ورثتها يؤدي ما بقي من الكتابة ويرث من ذكرنا ممن كان في الكتابة على قسمة الميراث، ولا يرث منها وارث آخر. قال ابن حزم: هذا قول لم يعرف من أحد وخلاف القرآن والسنة والمعقول. م: (فإن لم تترك مالا فلا سعاية على الولد؛ لأنه حر. ولو ولدت ولدا آخر لم يلزم المولى) ش: بالسكوت؛ لأنه بسبب ولد أم الولد إنما يثبت بالسكوت إذا لم تكن محرم الوطء. وهذا محرم وطؤها م: (إلا أن يدعي لحرمة وطئها عليها) ش: وفي " مبسوط شيخ الإسلام " هذا إذا مضت على المكاتبة، أما لو عجزت بنفسها ولم تمض ثم ولدت فإنه يلزم المولى دون الدعوة لحل وطئها حينئذ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 409 فلو لم يدع وماتت من غير وفاء يسعى هذا الولد؛ لأنه مكاتب تبعا لها. فلو مات المولى بعد ذلك عتق وبطل عنه السعاية؛ لأنه بمنزلة أم الولد إذ هو ولدها فيتبعها، قال: وإذا كاتب المولى أم ولده جاز لحاجتها إلى استفادة الحرية قبل موت المولى وذلك بالكتابة ولا تنافي بينهما؛ لأنه تلقتها جهتا حرية، فإن مات المولى عتقت بالاستيلاد لتعلق عتقها بموت السيد وسقط عنها بدل الكتابة؛ لأن الغرض من إيجاب بدل العتق عند الأداء، فإذا عتقت قبله لا يمكن توفير الغرض عليه، فسقط وبطلت الكتابة لامتناع إبقائها من غير فائدة، غير أنه تسلم لها الأكساب والأولاد،   [البناية] م: (فلو لم يدع) ش: أي المولى نسب الولد الثاني م: (وماتت من غير وفاء يسعى هذا الولد؛ لأنه مكاتب تبعا لها) ش: أي لأن الولد الثاني دخل في كتابة أمه، وهذا يؤدي كتابتها على نجوم أمه م: (فلو مات المولى بعد ذلك) ش: أي بعد المكاتبة م: (عتق) ش: أي الولد الثاني م: (وبطل عنه السعاية لأنه بمنزلة أم الولد) ش: أي لأن الولد بمنزلة أم الولد م: (إذ هو ولدها) ش: أي لأنه ولدها م: (فيتبعها) ش: فهي لا تسعى بعد موت السيد، فكذا ولدها تبعا لها. [الحكم لو كاتب المولى أم ولده أو مدبرته] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا كاتب المولى أم ولده جاز) ش: والقياس أن لا يجوز عند أبي حنيفة لعدم تقومها، فكيف يؤخذ بمقالته بدل الكتابة، لكن لو جوزه باعتبار أن عقد الكتابة ترد على المملوك ليتوصل به إلى ملك اليد والمكاتب في المال والحرية في ثاني الحال م: (لحاجتها إلى استفادة الحرية قبل موت المولى) ش: كحاجة غيرها م: (وذلك بالكتابة) ش: فكان جائزا م: (ولا تنافي بينهما) ش: أي بين الكتابة والاستيلاد. وهذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: أحد ما يقتضي العتق ببدل والآخر بلا بدل، والعتق الآخر لا يثبت بهما فكانا متنافيين، فقال لا تنافي بينهما م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (تلقتها جهتا حرية) ش: وهما حصول الحرية بالبدل معجلا، وحصولها بلا بدل مؤجلا. وقال: أي القاضي من أصحاب الشافعي: لا يجوز كتابة أم الولد؛ لأن الشافعي قال إذا استولد المكاتبة صارت أم الولد بحالها، وبه قال أحمد. م: (فإن مات المولى عتقت بالاستيلاد) ش: يعني إن مات المولى قبل أداء بدل الكتابة ولفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإذا مات المولى سقط عنها مال الكتابة، هكذا أثبته في " شرح الأقطع "، قال الحاكم الشهيد في " الكافي ": فإن مات المولى قبل أن تؤدى عتقت ولا شيء عليها م: (لتعلق عتقها بموت السيد وسقط عنها بدل الكتابة، لأن الغرض من إيجاب بدل العتق عند الأداء، فإذا عتقت قبله لا يمكن توفير الغرض عليه) ش: أي على المولى م: (فسقط) ش: أي بدل الكتابة م: (وبطلت الكتابة لامتناع إبقائها من غير فائدة) ش: بالنسبة إلى البدل م: (غير أنه تسلم لها الأكساب والأولاد) ش: أي يعتق الأولاد ويخلص لها الكسب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 410 لأن الكتابة انفسخت في حق البدل وبقيت في حق الأكساب والأولاد؛ لأن الفسخ لنظرها، والنظر فيما ذكرنا ولو أدت المكاتبة قبل موت المولى عتقت بالكتابة؛ لأنها باقية. قال: وإن كانت مدبرته جاز لما ذكرنا من الحاجة، ولا تنافي إذ الحرية غير   [البناية] قال تاج الشريعة أي الأولاد التي اشترتها المكاتبة في حال الكتابة لا الأولاد التي ولدت من مولاها وهذا في الحقيقة لدفع شبهة ترد وهي أن استتباع الأولاد في الحرية والرقبة بالأم إنما يكون إن لو كانت الأولاد متصلة بالأم حالة الحرية والرقبة، وهاهنا الأولاد منفصلة عنها حال عتقها، فكيف يعتق الأولاد بعتقها عند موته؟ فأجاب عنها بهذا، وقال: عدم العتق للأولاد المنفصلة إنما يكون إذا لم تكن الأولاد داخلة في كتابة الأم بطريقة التبعية، وهاهنا دخلت في كتابتها تبعا لها، فلذلك عتقوا بعتقها وبطلت الكتابة في حق الأم في حق البدل وتبقى في حقها في حق الأولاد والأكساب، وإليه أشار بقوله. م: (لأن الكتابة انفسخت في حق البدل) ش: أي في حق الأم في حق بدل الكتابة م: (وبقيت) ش: أي الكتابة م: (في حق الأكساب والأولاد؛ لأن الفسخ لنظرها) ش: أي لأن فسخ الكتابة أي بطلانها لأجل نظرها م: (والنظر فيما ذكرنا) ش: وهو سقوط الكتابة في حق البدل وبقاؤها في حق الأولاد والأكساب؛ لأنه على تقدير إنقاصها في حق الأولاد والأكساب تصير الأولاد أرقاء لورثة المولى، وكذا تصير الأكساب ملكا لهم وله نظر لهم في ذلك. قيل: في كلامه تعالى؛ لأنه علل البطلان بانتفاع بقاء الكتابة من غير فائدة، ثم علله بالنظر لها والمعلول الواحد بالشخص لا يعلل بعلتين مختلفتين. وأجيب: بأن للكتابة جهتين جهة هي للمكاتب، وجهة هي عليه وعلل الثانية بالأولى. م: (ولو أدت المكاتبة) ش: بنصب المكاتبة، أي لو أدت أم الولد بدل الكتابة وفي بعض النسخ ولو أدت بدل الكتابة م: (قبل موت المولى عتقت بالكتابة) ش: لا بالاستيلاد م: (لأنها باقية) ش: أي لأن الكتابة باقية، وبه قال مالك وأحمد. وقال الشافعي: لا تعتق لبطلان الكتابة على ما ذكره ابن القاضي. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن كاتب مدبرته جاز) ش: ولا نعلم فيه خلافا إلا ما روي عن الشافعي أن التدبير وصية، والكتابة رجوع عنها، وإنما وضع المسألة في المدبرة لمناسبة أم الولد، وإن كانت هذه الأحكام في المدبر أيضا كذلك. وفي " المبسوط " وضعها في المدبر م: (لما ذكرنا من الحاجة) ش: عند قوله لحاجتها إلى استفادة الحرية قبل موت المولى وذلك بالكتابة م: (ولا تنافي) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: التدبير يقتضي الحرية بلا بدل، والكتابة ببدل فبينهما منافاة فقال: ولا تنافي بين الكتابة والتدبير م: (إذ الحرية غير الجزء: 10 ¦ الصفحة: 411 ثابتة، وإنما الثابت مجرد الاستحقاق وإن مات المولى ولا مال له غيرها فهي بالخيار بين أن تسعى في ثلثي قيمتها أو جميع مال الكتابة، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تسعى في الأقل منهما. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تسعى في الأقل من ثلثي قيمتها وثلثي بدل الكتابة، فالخلاف في الخيار والمقدار، فأبو يوسف مع أبي حنيفة في المقدار ومع محمد في نفي الخيار، أما الخيار ففرع تجزؤ الإعتاق، والإعتاق عنده لما تجزأ بقي الثلثان رقيقتها وقد تلقاها جهتا حرية ببدلين معجلة بالتدبير، ومؤجلة بالكتابة فتخير. وعندهما لما عتق كلها بعتق بعضها فهي حرة ووجب عليها أحد المالين فتختار الأقل لا محالة، فلا معنى للتخيير.   [البناية] ثابتة) ش: في المدبرة م: (وإنما الثابت مجرد الاستحقاق) ش: أي استحقاق الحرية لا حقيقتها فتوجهت إليها جهتا عتق عاجل ببدل وآجل بلا بدل، فانتفى التنافي. م: (وإن مات المولى ولا مال له غيرها فهي بالخيار بين أن تسعى في ثلثي قيمتها أو جميع مال الكتابة) ش: أراد ثلثي قيمتها مدبرة لا قنة، لأن الكتابة عقدت حال كونها مدبرة، قيد بقوله: ولا مال له؛ لأنه لو كان له مال غيرها تخرج هي من الثلث؛ تعتق ويسقط عنها بدل الكتابة، كما لو أعتقها، ذكره في المبسوط، وقد علم أن المدبر يعتق من الثلث عند أكثر أهل العلم، إلا عند النخعي وداود م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي هذا المذكور من الخيار بين السعي في ثلثي القيمة، وجميع بدل الكتابة هو عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تسعى في الأقل منهما) ش: أي من ثلثي القيمة وجميع بدل الكتابة ولا تجبر م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تسعى في الأقل من ثلثي قيمتها وثلثي بدل الكتابة فالخلاف) ش: بين أصحابنا الثلاثة في موضعين م: (في الخيار والمقدار، فأبو يوسف مع أبي حنيفة في المقدار. ومع محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في نفي الخيار، أما الخيار ففرع تجزؤ الإعتاق، والإعتاق عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (لما تجزأ بقي الثلثان رقيقتها) ش: لأنه لم يخرج من الثلث. وفي بعض النسخ بقي الثلثان رقيقا م: (وقد تلقاها جهتا حرية ببدلين) ش: أحدهما م: (معجلة بالتدبير) ش: والأخرى م: (ومؤجلة بالكتابة فتخير) ش: على صيغة المجهول من المضارع؛ لأن في التخيير فائدة لجواز أن يكون أداء أكثر المالين أيسر باعتبار الأجل وأداء أقل المالين أعسر لكونه حالا وإن كان حبس المال متحدا. م: (وعندهما لما عتق كلها بعتق بعضها فهي حرة ووجب عليها أحد المالين) ش: وهما بدل الكتابة والقيمة م: (فتختار الأقل لا محالة) ش: بفتح الميم لأن العاقل لا يختار إلا الأقل م: (فلا معنى للتخيير) ش: لأنه لما بقي عليها بدل الكتابة حالا ووجب عليها ثلثا القيمة بالتدبير حالا لم يكن التخيير مفيدا. فيلزمه أقل المالين بلا خيار، كما لو أعتق عبده على ألف أو ألفين فإنه يلزمه الأقل بلا خيار الجزء: 10 ¦ الصفحة: 412 وأما المقدار فلمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قابل البدل بالكل وقد سلم لها الثلث بالتدبير، فمن المحال أن يجب البدل بمقابلته، ألا ترى أنه لو سلم لها الكل بأن خرجت من الثلث يسقط كل بدل الكتابة، فهاهنا يسقط الثلث، فصار كما إذا تأخر التدبير عن الكتابة. ولهما أن جميع البدل مقابل بثلثي رقبتها فلا يسقط منه شيء، وهذا لأن البدل وإن قوبل بالكل صورة وصيغة لكنه مقيد بما ذكرنا معنى وإرادة؛ لأنها استحقت حرية الثلث ظاهرا.   [البناية] عندهم، فكذا هنا. فإن قلت: ينبغي أن يسعى في ثلثي قيمتها عندهما، لأن الإعتاق لما لم يتخير عندهما بعتق كلها بالتدبير يعتق بعضها، وانفسخت الكتابة فوجبت السعاية في ثلثي قيمتها فحسب. قلت: صحة كتابة المدبر للنظر لها وهو في أداء بدل الكتابة لاحتمال كونه فجاء الاختيار. م: (وأما المقدار فلمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قابل البدل بالكل) ش: أي أن المولى قابل كل الكتابة بكل الذات؛ لأنه أضاف العقد إلى ذاتها، فقال كاتبتك على هذا والمحل قابل لها كالقنة فتصير كلها مكاتبة م: (وقد سلم لها الثلث بالتدبير) ش: فيجب أن يسقط بقدر من ثلث البدل، وبه قال مالك م: (فمن المحال أن يجب البدل بمقابلته) ش: أي بمقابلة التدبير؛ لأنه سقط من الثلث، فإذا أوجبنا البدل بمقابلة كله يكون خلفا وهو باطل. م: (ألا ترى) ش: توضيح لما قبله م: (أنه) ش: أي الشأن م: (لو سلم لها الكل) ش: أي كل البدل م: (بأن خرجت من الثلث يسقط كل بدل الكتابة فهاهنا يسقط الثلث) ش: يعني فيما إذا لم يخرج من الثلث يسقط م: (فصار كما إذا تأخر التدبير عن الكتابة) ش: يعني لو كاتب عبده أولا ثم دبره ثم مات ولا مال سواه يسقط عنه ثلث البدل بالاتفاق، وهي المسألة التي تلي هذه المسألة؛ لأنه عتق ثلثه بالتدبير، ولهذا لو أدى كل البدل في حياته يعتق كله، فلو كان ثلثه يستحق بالتدبير ولم يرد عليه عند الكتابة لما عتق كله بالأداء. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن جميع البدل مقابل بثلثي رقبتها، فلا يسقط منه شيء، وهذا) ش: أي بيان ذلك وتوضيحه م: (لأن البدل وإن قوبل بالكل) ش: أي لأن بدل الكتابة وإن قوبل بكل ذات المدبرة م: (صورة) ش: أي من حيث الصورة، حيث قال: كاتبتك، فإنه مقابل بكل صورة م: (وصيغة) ش: أي: ومن حيث الصيغة أيضا، لأن كان الخطاب عبارة عن كل الذات. م: (لكنه مقيد بما ذكرنا) ش: أي كل البدل مقيد بما ذكرنا، وهو مقابلة بثلثي رقبتها م: (معنى وإرادة) ش: أي من حيث المعنى والإرادة، لأن البدل قوبل بما يصح مقابلته، وما لا يصح فيما يصح، فصح فيما يصح مقابلته م: (لأنها استحقت حرية الثلث ظاهرا) ش: يعني بالتدبير، ولكن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 413 والظاهر أن الإنسان لا يلتزم المال بمقابلة ما يستحق حريته وصار هذا كما إذا طلق امرأته ثنتين ثم طلقها ثلاثا على ألف كان جميع الألف بمقابلة الواحدة الباقية لدلالة الإرادة، كذا هاهنا، بخلاف ما إذا تقدمت الكتابة وهي المسألة التي تليه؛ لأن البدل مقابل بالكل إذ لا استحقاق عنده في شيء   [البناية] الاستحقاق غير متقرر لجواز أن تموت قبل المولى، فإذا مات تقرر الاستحقاق، فبطلت الكتابة بمقابلة ما وراء المستحق بالتدبير، وهو الثلث. م: (والظاهر أن الإنسان لا يلتزم المال بمقابلة ما يستحق حريته) ش: فتعين أن يكون جميع البدل بمقابلة ثلثي رقبتها فلا يسقط منه شيء. فإن قلت: لو كان كذلك لما عتق الجميع إذا أدت كل البدل قبل موت المولى؛ لأنه في مقابلة الثلثين لا الكل. قلت: أما هذا لا يلزم على أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا يقول يجزئ الإعتاق، وأما على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فالجواب ما مر إن حكمنا بصحة الكتابة نظرا للمدبر وليس من النظر أن يبقى بعضه غير حر ويغرم كل البدل، فاعتبرنا المقابلة الصورية قبل موت المولى نظرا له. م: (وصار هذا) ش: هذا الحكم م: (كما إذا طلق امرأته ثنتين ثم طلقها ثلاثا على ألف كان جميع الألف بمقابلة الواحدة الباقية لدلالة الإرادة) ش: أي إرادة المطلق، لأن الظاهر أنه يدفع الألف في مقابلة الطلقة الواحدة الباقية لوقوع الطلقتين أولا بلا مال، ثم تطليقه ثلاثا على ألف يدل على أن مراده مقابلة الألف بالواحدة الباقية. فإن قلت: كيف تكون هذه المسألة المدبرة التي كوتبت، لأن وقوع الطلقتين هناك ظاهر، فلأجل هذا جعل البدل بإزاء ما بقي فللمدبرة حق العتق والملك كامل فيها، ولهذا حل وطؤها فيجوز أن يثبت بإزائه البدل. قلت: قد سقطت مالية هذا الثلث هاهنا، ولهذا لو أتلفها إنسان لا يضمن إلا قيمة الثلثين، فيكون البدل بأي الباقي م: (كذا هاهنا) ش: أي هذا الحكم في مسألة المدبرة التي كوتبت. م: (بخلاف ما إذا تقدمت الكتابة) ش: جواب عما قاسه محمد بقوله: وصار كما إذا تأخر التدبير عن الكتابة م: (وهي المسألة التي تليه) ش: أي المسألة التي فيها تأخير التدبير عن الكتابة هي التي تأتي تلو الحكم الذي فيه تأخير الكتابة عن التدبير م: (لأن البدل مقابل بالكل، إذ لا استحقاق عنده في شيء) ش: أي عند عقد الكتابة، فيكون البدل في مقابلة الكل، فإذا عتق بعض الجزء: 10 ¦ الصفحة: 414 فافترقا، قال: وإن دبر مكاتبته صح التدبير لما بينا ولها الخيار إن شاءت مضت على الكتابة، وإن شاءت عجزت نفسها وصارت مدبرة؛ لأن الكتابة ليست بلازمة في جانب المملوك، فإن مضت على كتابتها فمات المولى ولا مال له غيرها فهي بالخيار إن شاءت سعت في ثلثي مال الكتابة، أو ثلثي قيمتها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: تسعى في الأقل منهما فالخلاف في هذا الفصل في الخيار بناء على ما ذكرنا، أما المقدار فمتفق عليه، ووجهه ما بينا. قال: وإذا أعتق المولى مكاتبه عتق بإعتاقه لقيام ملكه فيه وسقط   [البناية] الرقبة بعد ذلك بالتدبير سقط حصته من بدل الكتابة م: (فافترقا) ش: أي افترق حكم تقدم الكتابة على التدبير، وحكم تأخرها، فلم يصح قياس محمد على تقدمها. م: (قال) ش: القدوري م: (وإن دبر مكاتبته صح التدبير) ش: ولا يعلم فيه خلاف؛ لأنه يملك بتخير العتق فيه، فيملك التعليق بشرط الموت أيضا، وكذ الحكم في مدبر مكاتبة، لكن ذكر لفظ التأنيث لما ذكرنا من المناسبة م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله تلقتها جهتا حرية م: (ولها الخيار إن شاءت مضت على الكتابة، وإن شاءت عجزت نفسها وصارت مدبرة؛ لأن الكتابة ليست بلازمة في جانب المملوك) ش: وبه قالت الثلاثة، لأن النفقة والجناية على المكاتب في حال الكتابة. وإذا عجزت نفسه كان كل ذلك على المولى، فله أن يدفع عن نفسه ذلك. وفي " الذخيرة ": هذا فصل اختلف المشايخ فيه، وهو أن المكاتب إذا أراد تعجيز نفسه وقال المولى لا أعجزك هل تفسخ الكتابة؟ قال محمد بن سلمة: إذا أبى المولى ذلك التعجيز فله ذلك ولا تفسخ الكتابة بتعجيز، قال أبو بكر البلخي: هذا خلاف ما ذكره أصحابنا في كتبهم، فإنهم قالوا للعبد أن يعجز نفسه. م: (فإن مضت على كتابتها فمات المولى ولا مال له غيرها فهي بالخيار إن شاءت سعت في ثلثي مال الكتابة أو ثلثي قيمتها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا تسعى في الأقل منهما فالخلاف) ش: بين أصحابنا الثلاثة م: (في هذا الفصل في الخيار بناء على ما ذكرنا) ش: أراد به قوله أما الخيار ففرع يجزئ الإعتاق.. إلى آخره. م: (أما المقدار) ش: وهو القول بالثلثين سواء كان ذلك في بدل الكتابة أو قيمتها على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكذا على قولهما م: (فمتفق عليه، ووجهه ما بينا) ش: أشار به إلى قوله لأن البدل مقابل بالكل إلى آخره، هذا لهما، أما محمد فإنه لما مر على أصله لا يحتاج إلى فرق. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا أعتق المولى مكاتبه عتق بإعتاقه لقيام ملكه فيه، وسقط الجزء: 10 ¦ الصفحة: 415 بدل الكتابة؛ لأنه ما التزمه إلا مقابلا بالعتق وقد حصل له دونه فلا يلزمه، والكتابة وإن كانت لازمة في جانب المولى ولكنه يفسخ برضاء العبد، والظاهر رضاه توسلا إلى عتقه بغير بدل مع سلامة الأكساب له؛ لأنا نبقي الكتابة في حقه. قال: وإن كاتبه على ألف درهم إلى سنة فصالحه على خمسمائة معجلة، فهو جائز استحسانا. وفي القياس لا يجوز،   [البناية] بدل الكتابة لأنه) ش: أي لأن المكاتب م: (ما التزمه إلا مقابلا بالعتق، وقد حصل له دونه) ش: أي حصل له العتق بلا بدل الكتابة م: (فلا يلزمه) ش: أي إذا حصل له العتق بلا بدل، فلا يلزمه البدل بعده م: (والكتابة وإن كانت لازمة) ش: جواب عن سؤال مقدر، تقديره أن يقال: الكتابة من جانب المولى فلا يقبل الفسخ فقال والكتابة وإن كانت لازمة م: (في جانب المولى، ولكنه يفسخ) ش: أي لكن عقد الكتابة. وفي بعض النسخ: لكنها - أي الكتابة- تفسخ م: (برضاء العبد، والظاهر رضاه) ش: لأن اللزوم كان لتعلق حقه، فإذا رضي بالفسخ فقد أسقط حقه، كما لو باعها المولى أو أجره برضاه، والظاهر رضاه. م: (توسلا إلى عتقه بغير بدل) ش: لأنه إذا رضي به ببدل قبلا بدل يكون أرضى م: (مع سلامة الأكساب له) ش: هذا جواب عن ما عسى أن يقال: قد يكون راضيا ببدل نظرا إلى سلامة الأكساب له فقد تكون الأكساب كثيرة بفضل بعد أداء البدل منها له جملة، فقال الأكساب سالمة له. م: (لأنا نبقي الكتابة في حقه) ش: أي في حق الأكساب ذكر الضمير على تأويل المكسوب أو المال. قال تاج الشريعة: أي في حق الكسب أو المكاتب وقوله أو المكاتب لا وجه له على ما لا يخفي. وقال الكاكي: ذكر هذا دفعا لشبهة ترد على قوله مع سلامة الأكساب له وهي ما يقال ينبغي أن لا تسلم له الأكساب، ويجب أن يكون للمولى كما قالت الأئمة الثلاثة. لأن الأكساب أكساب عبده، كما لو عجز نفسه وعاد إلى الرق، والأكساب في يده بجامع أن في كل منهما انفساخ الكتابة، فأجاب عنها بقوله: لأنا نبقي الكتابة في حق الأكساب نظرا للمكاتب، كما أن انفساخ تمثله للمكاتب بعد الإعتاق وفيه نظر. لأن الرواية لم توجد في كتب محمد ومن بعده من المتقدمين كالطحاوي والكرخي وأبي الليث وغيرهم ينبغي أن تكون الأكساب للمولى بعدما أعتقه كما تجزئ بعد المكاتبة. [كاتبه على ألف درهم إلى سنة فصالحه على خمسمائة معجلة] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإن كاتبه على ألف درهم إلى سنة فصالحه على خمسمائة معجلة فهو جائز استحسانا. وفي القياس: لا يجوز) ش: وبه قال الشافعي ومالك. وفي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 416 لأنه اعتياض عن الأجل وهو ليس بمال والدين مال فكان ربا، ولهذا لا يجوز مثله في الحر ومكاتب الغير. وجه الاستحسان أن الأجل في حق المكاتب مال من وجه؛ لأنه لا يقدر على الأداء إلا به فأعطي له حكم المال وبدل الكتابة مال من وجه حتى لا تصح الكفالة به فاعتدلا، فلا يكون ربا.   [البناية] " الحلية " وبه قال أبو يوسف وزفر. م: (لأنه اعتياض عن الأجل) ش: أي لأن هذا الصلح اعتياض عما ليس بمال بما هو مال، لأن الأجل غير مال، وهو معنى قوله م: (وهو ليس بمال والدين مال، فكان ربا) ش: لأن الكتابة عقد معاوضة، وهذا لا يجوز في عقد المعاوضة، وإذا لم يجز ذلك كان خمسمائة بدلا عن ألف وذلك عين الربا. لا يقال هلا جعلت إسقاطا لبعض الحق ليجوز، لأن الإسقاط إنما يتحقق في المستحق والمعجل لم يكن مستحقا. م: (ولهذا) ش: أي ولكونه ربا م: (لا يجوز مثله) ش: أي مثل هذا الصلح م: (في الحر) ش: بأن كان للحر على مثله دين مؤجل فصالحه على نصف حقه معجلا لا يجوز وقد مر في الصلح، م: (ومكاتب الغير) ش: بأن كان على مكاتب الغير ألف إلى سنة فصالحه على خمسمائة معجلة لا يجوز. م: (وجه الاستحسان أن الأجل في حق المكاتب مال من وجه لأنه لا يقدر على الأداء إلا به) ش: أي على الأداء البدل إلا بالأجل. م: (فأعطى له حكم المال وبدل الكتابة مال من وجه حتى لا تصح الكفالة به) ش: أي ببدل الكتابة، فلو كان مالا من كل وجه لصحت الكفالة به م: (فاعتدلا) ش: إذا كان الأمر كذلك فاعتدل الأجل ومال الكتابة تحرير بأن الأجل مال من وجه باعتبار أنه لا قدرة له إلا به، وبدل الكتابة مال من وجه. ألا ترى أنه لا يصلح نصابا للزكاة، والمكاتب عبد والمولى لا يستوجب على عبده شيئا فصار كالحقوق التي ليست بمال، ولهذا لا تصح الكفالة به، فإذا كان مالا من وجه والأجل أيضا مال من وجه فاستويا م: (فلا يكون ربا) ش: لوجود الاعتدال وهو المساواة وبه قال أحمد. قيل: فيه نظر من وجهين، الأول: أن المال ما يتمول به وهو يعتمد الإحراز وذلك في الأجل غير متصور. الثاني: أن قوله فأعطى له حكم المال ليس بمستقيم لفظا ومعنى. أما لفظا فلأن أعطى متعد إلى مفعوليه بلا واسطة وقد استعمله باللام، وأما معنى فلأنه قال: الأجل في حق المكاتب مال من وجه، فإن أراد بقوله فأعطى له حكم المال من كل وجه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 417 ولأن عقد الكتابة عقد من وجه دون وجه، والأجل ربا من وجه فيكون شبهة الشبهة، بخلاف العقد بين الحرين؛ لأنه عقد من كل وجه فكان ربا، والأجل فيه شبهة. قال: وإذا كاتب المريض عبده على ألفي درهم إلى سنة وقيمته ألف ثم مات ولا مال له غيره ولم يجز الورثة   [البناية] فات الاعتدال، إذ الدين مال من وجه، وإن المراد حكم المال من وجه فهو تحصيل للحاصل. أجيب عن الأول: أن ما ذكرتم أن المال ما يتمول به وبحرز صحيح إذا كان ملاء من كل وجه، وليس ما نحن فيه كذلك، وإنما المراد به هاهنا أنه وسيلة إلى تحصيل مقصود المكاتب وهو في ذلك كعين الدراهم لتوقف قدرة الأداء عليه توقفها على عين الدراهم. وعن الثاني: بأن أعطى ضمن يعني اعتبر ومعناه اعتبر لأجل حكم المال، فإن الشيء يجوز أن يكون جهة في شيء ولا يكون معتبراً فبين بأنه اعتبر له تلك الجهة تصحيحا للقصد ونظراً للمكاتب. م: (ولأن عقد الكتابة عقد من وجه دون وجه) ش: لأنه إسقاط باعتبار أنه فك الحجر، ولعقد الكتابة شبه بالتعليق بالشرط؛ لأنه تعليق العتق بشرط الأداء، فيكون من هذا الوجه يمينا. م: (والأجل ربا من وجه) ش: (لأن حقيقة الربا يكون بين المالين والأجل ليس بمال م: (فيكون شبهة الشبهة) ش: أي يكون كون الأجل ربا شبهة وقعت في شبهة العقد، فشبهة الشبهة لا اعتبار لها، والشبهة هي المعتبرة دون شبهة الشبهة. فإن قلت: لو كان عقد المكاتبة عقداً من وجه كما ذكرتم كان ينبغي أن يجوز بيع المولى من مكاتبه درهماً بدرهمين، وذا لا يجوز ذكره في (المبسوط) . قلت: المكاتب كالأجنبي من وجه فتجري بينهما صريح الربا بدون شبهة لما ذكرنا، كذا ذكره المحبوبي م: (بخلاف العقد بين الحرين) ش: جواب عن قوله ولهذا لا يجوز مثله في الحر. تقريره؛ لأن العقد بين الحرين، أي عقد الصلح بين الحرين على الوجه المذكور إنما لا يجوز م: (لأنه عقد من كل وجه فكان ربا والأجل فيه شبهة) ش: فاعتبرت، فلذلك لم يصح. [كاتب المريض عبده على ألفي درهم إلى سنة وقيمته ألف ومات] م: (قال) ش: أي في (الجامع الصغير) م: (وإذا كاتب المريض عبده على ألفي درهم إلى سنة وقيمته ألف) ش: أي والحال أن قيمة المكاتب ألف درهم م: (ثم مات) ش: أي المولى م: (ولا مال له غيره) ش: أي والحال أنه لا مال للمولى غير المكاتب. م: (ولم يجز الورثة) ش: أي التأجيل؛ لأن المريض لم يتصرف في حق الورثة إلا في حق التأجيل فكان لهم أن يردوه، إذ بتأجيل المال أخر حقهم، وفيه ضرر عليهم فلا يصح بدون الجزء: 10 ¦ الصفحة: 418 فإنه يؤدي ثلثي الألفين حالا والباقي إلى أجله، أو يرد رقيقا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يؤدي ثلثي الألف حالا والباقي إلى أجله؛ لأن له أن يترك الزيادة بأن يكاتبه على قيمته فله أن يؤخرها، فصار كما إذا خالع المريض امرأته على ألف إلى سنة جاز؛ لأن له أن يطلقها بغير بدل.   [البناية] إجازتهم م: (فإنه) ش: أي المكاتب م: (يؤدي ثلثي الألفين حالاً) ش: وهو ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون درهماً وثلث درهم. م: (والباقي) ش: بنصب الياء يؤدي الباقي وهو ستمائة وست وستون وثلثا درهم م: (إلى أجله) ش: أي على الذي عليه م: (أو يرد رقيقاً) ش: أي أو يرد المكاتب إلى حاله التي كان فيها رقيقاً م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) . م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يؤدي ثلثي الألف حالاً والباقي) ش: أي يؤدي الباقي م: (إلى أجله) ش: الذي عينه م: (لأن له) ش: أي للمريض م: (أن يترك الزيادة) ش: أي على القيمة لأنه لم يتعلق بها حق الورثة. ثم فسر ترك الزيادة على القيمة بقوله م: (بأن يكاتبه على قيمته) ش: أي يكاتبه على قدر قيمته وهو الألف م: (فله أن يؤخرها) ش: أي الزيادة، لما جاز له ترك أصله جاز له ترك وصفه وهو التعجيل بالطريق الأولى. ألا ترى أنه يجوز له أن يكاتبه على قدر قيمته، فالزيادة على قيمته لا تعتبر من ماله، وإنما يعتبر من ماله الألف، فلا يصح في ذلك تأجيله في ثلثي الألف، ويصح فيه الزيادة. قال صاحب (العناية) ولو قال: لأن له أن يترك الزيادة وثلث الألف فله أن يؤخرهما كان أحسن فتأمل. قلت: لما كان جواز ترك الزيادة على القيمة لعدم تعلق حق الورثة به فكذلك ترك ثلث الألف؛ لأنه لا حق لهم فيهما، وحقهم في الثلثين، فمن فهم ذلك يلزم فهم هذا فلا حاجة حينئذ إلى ما ادعاه من الأجنبية. م: (فصار) ش: أي حكم هذا م: (كما إذا خالع المريض امرأته على ألف إلى سنة جاز؛ لأن له أن يطلقها بغير بدل) ش: أراد أنه لو خالع امرأته في مرض موته على ألف إلى سنة ولا مال له غيره ولم يجز الورثة التأجيل فإنه يعتبر من كل المال؛ لأنه لو تركه صح بأن يطلقها بلا بدل فصح تأجيله. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 419 لهما أن جميع المسمى بدل الرقبة حتى أجرى عليه أحكام الأبدال وحق الورثة متعلق بالمبدل فكذا بالبدل، والتأجيل إسقاط معنى فيعتبر من ثلث الجميع، بخلاف الخلع؛ لأن البدل فيه لا يقابل المال فلم يتعلق حق الورثة بالمبدل فلا يتعلق بالبدل، ونظير هذا إذا باع المريض داره بثلاثة آلاف إلى سنة وقيمتها ألف ثم مات ولم يجز الورثة فعندهما يقال للمشتري أد ثلثي جميع الثمن حالا، والثلث إلى أجله وإلا فانقض البيع، وعنده   [البناية] م: (لهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أن جميع المسمى بدل الرقبة حتى أجرى عليه) ش: أي على بدل الرقبة، وفي بعض النسخ عليها. قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي على الزيادة. وقال الأترازي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - والتأنيث بتأويل العين التي كوتب عليها، وإنما قال هذا دفعاً لوهم من يقول إن الكتابة صلة لأنه بدل ما ليس بمال وهو فك الحجر، فكان كالخلع، وكان قياس محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - صحيحاً فقال إن له حكم العوض، ولهذا لو كان بدل الكتابة داراً يأخذها الشفيع. م: (أحكام الأبدال) ش: من أخذ الحق بالشفعة وجريان بيع المرابحة وحق الحبس في المطالبة، فإنه لو باع داراً قيمتها ألف بألفين فالشفيع يأخذها بألفين، وكذا لو باعها المشتري مرابحة يبيعها بألفين، ولو أدى المشتري ألفا وماطل في ألف للبائع أن يحبسه. م: (وحق الورثة متعلق بالمبدل فكذا بالبدل) ش: لأن المبدل لما كان متقوماً كان حكم بدله حكمه، فجميع المسمى متعلق به حق الورثة، وما تعلق به حق الورثة جاز للمريض إسقاط ثلثه م: (والتأجيل إسقاط معنى) ش: أي إسقاط حق الورثة معنى. م: (فيعتبر) ش: أي التأجيل م: (من ثلث الجميع) ش: أي جميع البدل م: (بخلاف الخلع؛ لأن البدل فيه لا يقابل المال) ش: لأن البضع في حالة الخروج لا يعتبر مالاً م: (فلم يتعلق حق الورثة بالمبدل، فلا يتعلق بالبدل) ش: أراد أن حق الورثة لم يتعلق بالمبدل لكونه غير مال، فكذا لا يتعلق بالبدل. م: (ونظير هذا) ش: أي نظير أصل المسألة المذكورة م: (إذا باع المريض داره بثلاثة آلاف إلى سنة، وقيمتها ألف ثم مات ولم يجز الورثة) ش:، أي التأجيل م: (فعندهما) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يقال للمشتري أد ثلثي جميع الثمن حالاً، والثلث إلى أجله) ش: أي أداء الثلث إلى أجله الذي عينه. م: (وإلا) ش: أي وإن لم ترض بذلك م: (فانقض البيع، وعنده) ش: أي عند محمد - الجزء: 10 ¦ الصفحة: 420 يعتبر الثلث بقدر القيمة لا فيما زاد عليه لما بينا من المعنى قال: وإن كاتبه على ألف إلى سنة وقيمته ألفان ولم يجز الورثة، يقال له أد ثلثي القيمة حالا أو ترد رقيقا في قولهم جميعا؛ لأن المحاباة هاهنا في القدر والتأخير فاعتبر الثلث فيهما.   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يعتبر الثلث بقدر القيمة لا فيما زاد عليه) ش: أي على الثلث، فيقال له عنده عجل ثلثي القيمة والباقي عليك إلى أجل م: (لما بينا من المعنى) ش: أشار به إلى ما ذكر من الدليل من الطرفين. والحاصل أن المكافأة في جميع الثمن وصية من الثلث عندهما؛ لأن التأجيل تبرع من المريض من حيث إن الوارث يصير ممنوعاً عن المال بسبب التأجيل كما يصير ممنوعا بنفس التبرع وتبرع المريض يعتبر من ثلث المال وجميع الثمن هنا بدل الرقبة لجريان أحكام الأبدال كما ذكرنا، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأجل فيما زاد يصح من رأس المال ويعتبر في قدر القيمة من الثلث. [كاتب المريض عبده على ألف إلى سنة وقيمته ألفان ولم يجز الورثة] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإن كاتبه على ألف إلى سنة وقيمته ألفان ولم يجز الورثة، يقال له أد ثلثي القيمة حالاً أو ترد رقيقاً في قولهم جميعا؛ لأن المحاباة هاهنا في القدر) ش: وهو إسقاط ألف درهم. م: (والتأخير) ش: وهو تأجيل الألف الأخرى م: (فاعتبر الثلث فيهما) ش: أي يصح تصرفه في ثلث قيمته في الإسقاط والتأخير، لكن لما سقط ذلك الثلث لم يبق التأخير أيضاً، ولم يصح تصرفه في ثلثي القيمة لا في حق الإسقاط ولا في حق التأخير، والله أعلم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 421 باب من يكاتب عن العبد قال: وإذا كاتب الحر عن عبد بألف درهم، فإن أدى عنه عتق، وإن بلغ العبد فقبل فهو مكاتب وصورة المسألة أن يقول الحر لمولى العبد كاتب عبدك على ألف درهم على أني إن أديت إليك ألفا فهو حر فكاتبه المولى على هذا فيعتق بأدائه بحكم الشرط، وإذا قبل العبد صار مكاتبا؛ لأن الكتابة كانت موقوفة على إجازته وقبوله إجازة، ولو لم يقل على أني إن أديت إليك ألفا فهو حر فأدى لا يعتق قياسا؛ لأنه لا شرط والعقد موقوف. وفي الاستحسان يعتق؛ لأنه لا ضرر للعبد الغائب في تعليق العتق بأداء القائل فيصح في حق هذا الحكم، ويتوقف في حق لزوم الألف   [البناية] [باب من يكاتب عن العبد] م: (باب من يكاتب عن العبد) ش: أي هذا الباب في بيان من يكاتب بطريق الفضول أو النيابة عن العبد وتأخيره عن تصرفات الأصيل ظاهر البيان. م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كاتب الحر عن عبد بألف درهم فإن أدى عنه عتق، وإن بلغ العبد فقبل فهو مكاتب) ش: أي يصير مكاتباًُ وقوله عن عبد، أي قبل الحر الأجنبي عقد الكتابة عن العبد فضولياً، وقيد بالحر احترازا عن المسألة التي تليها. م: (وصورة المسألة) ش: أي المسألة المذكورة م: (أن يقول الحر لمولى العبد كاتب عبدك على ألف درهم على أني إن أديت إليك ألفا فهو حر فكاتبه المولى على هذا فيعتق بأدائه) ش: أي بأداء الحر، وذا يصح من غير قبول العبد ولا يعلم فيه خلاف. م: (بحكم الشرط) ش: لأنه تعليق العتق بأداء الألف م: (وإذا قبل العبد صار مكاتبا) ش: خلافا للثلاثة، فإن عندهم يبطل العقد ولا يتوقف م: (لأن الكتابة كانت موقوفة على إجازته) ش: أي على إجازة العبد م: (وقبوله إجازة) ش: لأنه عقد جرى بين فضولي ومالك فيتوقف على إجازة من له الإجازة، فإن قبله كان هذا إجازة منه، فيصير مكاتباً؛ لأن الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء، ولو وكله العبد بذلك فقد عقده عليه فكذا إذا جاز بعد العقد. م: (ولو لم يقل على أني) ش: أي لو لم يقل الحر المذكور لمولى العبد على أني م: (إن أديت إليك ألفاً فهو حر) ش: بل قال كاتبه على ألف فقال: فعلت عليه. م: (فأدى) ش: أي فأدى الحر الألف م: (لا يعتق قياساً) ش: وبه قالت الثلاثة م: (لأنه لا شرط) ش: حتى يعتق بوجوده م: (والعقد موقوف) ش: على إجازة العبد، فإن أجاز جاز لما قلنا. م (وفي الاستحسان يعتق لأنه لا ضرر للعبد الغائب في تعليق العتق) ش: أي في توقف العتق م: (بأداء القائل فيصح) ش: أي العقد م: (في حق هذا الحكم، ويتوقف في حق لزوم الألف الجزء: 10 ¦ الصفحة: 422 على العبد وقيل هذه هي صورة مسألة الكتاب. ولو أدى الحر البدل لا يرجع على العبد؛ لأنه متبرع   [البناية] على العبد) ش: نظراً للعبد وتصحيحاً للعقد بقدر الإمكان. فإن قلت: ما الفرق بينه وبين البيع، فإن بيع الفضولي يتوقف على إجازة المجيز فيما له وفيما عليه، وهنا لا يتوقف فيما له؟ قلت: إن ما له هاهنا إسقاط وهو لا يتوقف على القبول وما عليه إلزام وهو يتوقف عليه. م: (وقيل هذه هي صورة مسألة الكتاب) ش: أراد أن المسألة التي قال فيها: كاتب عبدك على ألف، ولم يقل: على أني إن أديت إليك ألفا فهو حر، هي صورة مسألة " الجامع الصغير " وأشار بهذا إلى أن شراح " الجامع الصغير "- رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اختلفوا في صورة المسألة فصورها بعضهم بما ذكره بقوله: وصورة المسألة أن يقول ...... إلى آخره، وصورها آخرون بما ذكره في قوله: ولو لم يقل على أني إلى آخره. م: (ولو أدى الحر البدل لا يرجع على العبد؛ لأنه متبرع) ش: حيث لم يأمره بالأداء ولا هو مضطر في أدائه وحل له أن يسترد ما أدى إلى المولى إن أداه بحكم الزمان يسترده؛ لأن ضمانه كان باطلا وصورته أن يقول كاتب عبدك على ألف على أني ضامن يرجع عليه لأن ضمانه كان باطلا لأنه ضمن غير الواجب وإن أداه بغير ضمان لا يرجع لأنه متبرع، فلو أدى البعض له أن يرجع، سواء أدى بضمان أو غير ضمان، ولكن لو أدى البعض بعد إجازة العبد لا يرجع؛ لأن ثم حصل مقصود آخر وهو براءة ذمة العبد عن بعض البدل، هذا إذا أراد أن يرجع على المولى قبل إجازة العبد، فلو أراد الرجوع بعد إجازة العبد، فلو أدى بحكم الضمان يرجع لما ذكرنا، وإن أدى بغير الضمان لا يرجع سواء أدى الكل أو البعض، هذا إذا قال الحر للمولى كاتب عبدك على ألف. فإن قال: أعتقته بألف فهو على أربعة أوجه: إما أن يقول أعتقه بألف ولم يزد عليه، أو قال: أعني بألف، أو قال: أعتقه بألف، أو قال: أعتقه عن نفسك بألف علي، ففي الأول لا يجب على الفضولي شيء إذا أعتقه. ولو أدى يسترد منه، ولو استهلكه يضمنه وفي الثاني يقع العتق عن الأمر، ويلزمه المال عند علمائنا الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - استحسانا اقتضاء. وفي الثالث لا يلزمه شيء من المال؛ لأن الولاء يثبت للمأمور، فهو المنتفع بملكه فلا يستوجب البدل على الأمر؛ لأنه منفعة للزوج في إيقاع الطلاق، كما ذكره شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والصدر الشهيد، وذكر شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المال يلزم الأمر بالإعتاق، ويقع العتق عنه؛ لأن قوله على إيجاب ضمان على نفسه، ولا حجه له إلا بعد وقوع العتق عنه. وفي الوجه الرابع لا يلزمه المال وله أن يسترده إذا أداه إليه كما في قوله كل طعامك بعوض علي، بخلاف قوله طلق امرأتك عن نفسك بألف علي حيث يلزمه الألف لما ذكرنا كذا في (جامع شيخ الإسلام) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 423 قال: وإذا كاتب العبد عن نفسه، وعن عبد آخر لمولاه، وهو غائب، فإن أدى الشاهد، أو الغائب عتقا، ومعنى المسألة أن يقول العبد كاتبني بألف درهم على نفسي وعلى فلان الغائب، وهذه الكتابة جائزة استحسانا. وفي القياس تصح على نفسه لولايته عليها، ويتوقف في حق الغائب لعدم الولاية عليه. وجه الاستحسان أن الحاضر بإضافة العقد إلى نفسه ابتداء جعل نفسه فيه أصلا والغائب تبعا، والكتابة على هذا الوجه مشروعة كالأمة إذا كوتبت دخل أولادها في كتابتها تبعا، حتى عتقوا بأدائها. وليس عليهم من البدل شيء.   [البناية] [كاتب المولى عبدا عن نفسه وعن عبد آخر لمولاه وهو غائب] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كاتب العبد) ش: أي إذا كاتب المولى عبدا م: (عن نفسه وعن عبد آخر لمولاه وهو غائب) ش: بجر غائب؛ لأنه صفة لقوله عبد آخر م: (فإن أدى الشاهد أو الغائب عتقا) ش: أي الشاهد والغائب جميعا. م: (ومعنى المسألة) ش: أراد شرح المسألة المذكورة المنقولة من " الجامع الصغير " م: (أن يقول العبد كاتبني بألف درهم على نفسي وعلى فلان الغائب وهذه الكتابة جائزة استحسانا. وفي القياس تصح) ش: أي الكتابة. م: (على نفسه لولايته عليها، ويتوقف في حق الغائب لعدم الولاية عليه) ش: كما لو جمع بين عبده وبين عبد غيره فباعهما. وعند الثلاثة لا يصح في حق العبد الغائب. م: (وجه الاستحسان أن الحاضر بإضافة العقد إلى نفسه ابتداء جعل نفسه فيه أصلا والغائب تبعا، والكتابة على هذا الوجه مشروعة، كالأمة إذا كوتبت دخل أولادها في كتابتها تبعا حتى عتقوا بأدائها، وليس عليهم من البدل شيء) ش: فإذا نفذ العقد فلا يتوقف على قبول الغائب شيء من بدل الكتابة، ولا يعتبر رده الكتابة إجازة. ولو اكتسب شيئا لا يأخذه المولى من يده وليس للمولى أن يبيعه من غيره ولو أبرأه المولى أو وهبه بدل الكتابة لا يصح، إذ ليس عليه شيء من البدل، أما لو أبرأ الحاضر أو وهبه البدل عتقا جميعا، كذا ذكره المحبوبي وغيره. فإن قيل: ليس ما نحن فيه كالمستشهد بها، لأن الأولاد تابعة لها من كل وجه، حتى إن المولى لو أعتق الأولاد، لم يسقط من البدل شيء ويعتق الأولاد، إذ لا عتق لمولى الأم، بخلاف العبد الغائب، فإنه مقصود بالكتابة من وجه، حيث أضيف العقد إليهما مقصودا، حتى إن المولى إذا أعتق الحاضر نفذ عتقه وبطلت الكتابة، ولا يعتق العبد الغائب سقطت حصته من الكتابة، ويجب على الحاضر حصته لا غير، ولا يلزم من نفوذ ما هو تبع محض بلا توقف على قبول نفوذ مما هو مقصود من وجه بلا توقف. فالجواب: أن ما ذكرت يجوز أن يكون وجها القياس. وأما في الاستحسان فالنظر إلى ثبوت العقد بالتبعية في البعض من غير نظر في أن يكون الجزء: 10 ¦ الصفحة: 424 وإذا أمكن تصحيحه على هذا الوجه ينفرد به الحاضر، فله أن يأخذه بكل البدل؛ لأن البدل عليه لكونه أصلا فيه، ولا يكون على الغائب من البدل شيء لأنه تبع فيه. قال وأيهما أدى عتقا ويجبر المولى على القبول، أما الحاضر فلأن البدل عليه، وأما الغائب فلأنه ينال به شرف الحرية وإن لم يكن البدل عليه، وصار كمعير الرهن إذا أدى الدين يجبر المرتهن على القبول لحاجته إلى استخلاص عينه وإن لم يكن الدين عليه. قال: وأيهما أدى لا يرجع على صاحبه؛ لأن الحاضر قضى دينا عليه   [البناية] فيه جهة أصالة أو لا تصحيحا للعقد، ونظر المكاتب، ولاشتماله على المسامحة. م: (وإذا أمكن تصحيحه على هذا الوجه ينفرد به الحاضر فله) ش: أي فللمولى م: (أن يأخذه) ش: أي أن يأخذ العبد الحاضر م: (بكل البدل؛ لأن البدل عليه لكونه أصلا فيه، ولا يكون على الغائب من البدل شيء؛ لأنه تبع فيه) ش: أي في العقد، وهذا بذلك على أن النظر في مجرد التبعية لا معتبر بجهة الأصالة في انعقاد العقد عليه. م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وأيهما أدى عتقا) ش: أي الشاهد والغائب، قيل: هذا تكرار؛ لأنه قال في أول المسألة، فإن أدى الشاهد أو الغائب عتقا. وأجيب: بأنه أعاده تمهيدا لقوله م: (ويجبر المولى على القبول) ش: وفي القياس لا يجبر في الغائب، وبه قالت الثلاثة، لأن الغائب متبرع غير مطالب بشيء من البدل، ولكن الاستحسان أن يجبر عليه حتى يعتقا جميعا بأداء الغائب، لأن حكم العقد ثبت في الغائب فيما لا يضر به، ولكنه بمنزلة البيع بحكم العقد في حق الحاضر. وفي " جامع المحبوبي ": إلا أنه يقبل منه المال حالا ولا يمكنه من السعاية على نجوم الحاضر نص عليه محمد في المكاتب. وأشار المصنف إلى وجه الاستحسان بقوله م: (أما الحاضر فلأن البدل عليه، وأما الغائب فلأنه ينال به شرف الحرية، وإن لم يكن البدل عليه، وصار كمعير الرهن إذا أدى الدين) ش: بأن استعار إنسان من آخر شيئا ليرهن ثم أدى المعير الدين. م: (يجبر المرتهن على القبول لحاجته إلى استخلاص عينه) ش: وفي بعض النسخ إلى استخلاص الرهن عنه. م: (وإن لم يكن الدين عليه) ش: أي على معير الرهن، فكذا هنا يجبر المولى على القبول من الغائب وإن لم يكن البدل عليه؛ لأنه محتاج إلى استفادة الحرية. م: (قال: وأيهما أدى لا يرجع على صاحبه، لأن الحاضر قضى دينا عليه) ش: ومثله لا يرجع م: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 425 والغائب متبرع به غير مضطر إليه. قال: وليس للمولى أن يأخذ العبد الغائب بشيء لما بينا، فإن قبل العبد الغائب أو لم يقبل فليس ذلك منه بشيء، والكتابة لازمة للشاهد؛ لأن الكتابة نافذة عليه من غير قبول الغائب فلا يتغير بقبوله كمن كفل عن غيره بغير أمره فبلغه فأجازه لا يتغير حكمه، حتى لو أدى لا يرجع عليه، كذا هذا، قال: وإذا كاتبت الأمة عن نفسها وعن ابنين لها صغيرين فهو جائز،   [البناية] (والغائب متبرع به غير مضطر إليه) ش: أي من جهة الحاضر، بخلاف معير الرهن، فإنه مضطر فيه. فإن قيل: الغائب هاهنا معير الرهن مضطر، ولهذا يرجع على المستعير بما أدى، فكيف قال غير مضطر إليه. فالجواب أنه كهو في جواز الأداء من غير دين عليه لا في الاضطرار. فإن الاضطرار إنما هو إذا فات له شيء حاصل، وهاهنا ليس كذلك، بل إنما هو بعوضيه أن يحصل له الحرية، وهذا كما يقال عدم الربح لا يسمى خسرانا. فإن قلت: حق الحرية حاصل بالكتابة فإنه لو لم يؤده فكان مضطرا. قلت: هو متوهم، وهو حق الرجوع لم يكن تابعا فلا يثبت به. م: (قال: وليس للمولى أن يأخذ العبد الغائب بشيء لما بينا) ش: أراد قوله؛ لأنه تبع فيه. م: (فإن قبل العبد الغائب أو لم يقبل فليس ذلك منه بشيء) ش: يعني لا يؤثر قبوله في لزوم بدل الكتابة عليه، وكذلك رده لا يؤثر في رد عقد الكتابة عن الحاضر. م: (والكتابة لازمة للشاهد، لأن الكتابة نافذة عليه) ش: أراد بالشاهد العبد الحاضر، يعني أن الكتابة لزمت الحاضر قبل إجازة الغائب، فبعد إجازته لا يتغير ذلك، والأصل هذا لم يكن للمولى أن يأخذ الغائب وإن قبل. م: (من غير قبول الغائب، فلا يتغير بقبوله) ش: يعني أن الكتابة قبل القبول نافذة على الشاهد من غير وجوب البدل، فلا يتغير بقبوله. فليس للمولى أن يأخذه بشيء من بدل الكتابة. م: (كمن كفل عن غيره بغير أمره فبلغه فأجازه لا يتغير حكمه، حتى لو أدى لا يرجع عليه، كذا هذا) ش: أي حكم الغائب. [كاتبت الأمة عن نفسها وعن ابنين لها صغيرين] م: (قال: وإذا كاتبت الأمة عن نفسها وعن ابنين لها صغيرين فهو جائز) ش: يعني إذا قبلت عقد الكتابة عن نفسها وعن ابنيها فالعقد جائز والحكم في العبد كذلك، وليس في وضع المسألة في أمة فائدة سوى ما ذكره الفقيه أبو جعفر في " كشف الغوامض " أن رواية الجامع من الفائدة ما الجزء: 10 ¦ الصفحة: 426 وأيهم أدى لم يرجع على صاحبه، ويجبر المولى على القبول ويعتقون؛ لأنها جعلت نفسها أصلا في الكتابة وأولادها تبعا على ما بينا في المسألة الأولى وهي أولى بذلك من الأجنبي.   [البناية] ليس في مكاتب المبسوط فإن هناك المسألة فمن كاتب عبدا على نفسه وأولاده الصغار. فلولا رواية " الجامع الصغير " لكان لقائل أن يقول للأب على الصغير من الولاية ما ليس للأم، فرواية " الجامع الصغير " تبين أن ذلك كله سواء، وفائدة وضع المسألة في الصغيرين وإن كان في الكبيرين كذلك هي ترتيب ما ذكره من الجواب بقوله وأيهم أدى لم يرجع على صاحبه ويعتقون؛ لأنه لولا هذا الوضع كان لقائل أن يقول في مثل هذا الموضع إذا أدى أحد الابنين ينبغي أن لا يعتق الابن الآخر؛ لأنه لا أصالة بينهما ولا تبعية، بخلاف الأمة وابنها. فإن أداء الأم كأداء ابنها بطريق أنها تستتبعه، وكذلك أداء الابن كأداء أمه لدخوله في كتابتها تبعا. أما أداء رهن الابن ليس كأداء أخيه لما أنه لا تبعية بينهما، ولهذا وضع هذه المسألة في المبسوط في الأولاد الصغار ليفيد هذه الفائدة، ولكن اختار في الجامع لفظ التثنية؛ لأنه أقل ما يتحقق فيه هذه الفائدة. وقال تاج الشريعة: إنما قيد بالصغيرين ليجوز مطلقا قياسا واستحسانا. م: (وأيهم أدى لم يرجع على صاحبه ويجبر المولى على القبول ويعتقون؛ لأنها جعلت نفسها أصلا في الكتابة وأولادها تبعا على ما بينا في المسألة الأولى) ش: وهي كتابة العبد عن نفسه وعن العبد الغائب، وذلك أن الأم إذا أدت فقد أدت دينا على نفسها، وكل من الولدين إن أدى فهو متبرع غير مضطر، وفي ذلك لا رجوع. فإن قلت: إذا أدى أحدهما ينبغي أن لا يعتق الابن الآخر؛ لأنه لا أصالة بينهما ولا تبعية. قلت: إن أحدهما إذا أدى كان أداؤه كأداء الأم؛ لأنه تابع لها من كل وجه. ولو أدت الأم عتقوا، فكذا إذا أدى أحدهما. م: (وهي أولى بذلك من الأجنبي) ش: أي الأم أولى بذلك من الأجنبي. قال تاج الشريعة: أي من العبد الأجنبي، أي لما جاز هذا العقد في حق الأجنبي على ما ذكر في المسألة الأولى فأولى أن يجوز عند الأم في حق ولدها، لأن ولدها أقرب إليها من الأجنبي. قال صاحب العناية: لعله إشارة إلى ما ذهب إليه بعض المشايخ أن ثبوت الجواز هنا قياس واستحسان، لأن الولد تابع لها، بخلاف الأجنبي وأرى أنه الحق والله أعلم. قلت: أشار بذلك إلى ما قاله تاج الشريعة بقوله إنما قيد الصغيرين ليجوز مطلقا قياسا واستحسانا، وقد ذكرناه آنفا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 427 باب كتابة العبد المشترك قال: وإذا كان العبد بين رجلين أذن أحدهما لصاحبه أن يكاتب نصيبه بألف درهم ويقبض بدل الكتابة، فكاتب وقبض بعض الألف ثم عجز فالمال للذي قبض عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا هو مكاتب بينهما، وما أدى فهو بينهما. وأصله أن الكتابة تتجزأ عنده، خلافا لهما، بمنزلة العتق؛ لأنها تفيد الحرية من وجه فتقتصر على نصيبه عنده للتجزؤ. وفائدة الإذن أن لا يكون له حق الفسخ كما يكون له إذا لم يأذن وإذنه له بقبض البدل   [البناية] [باب كتابة العبد المشترك] م: (باب كتابة العبد المشترك) ش: أي هذا باب في بيان أحكام العبد المشترك، ولما كان الواحد قبل الاثنين قدم حكم كتابة الواحد، ثم أعقبه بحكم كتابة الاثنين وما فوقهما. م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان العبد بين رجلين) ش: وفي بعض النسخ بين شريكين وهي أولى م: (أذن أحدهما لصاحبه أن يكاتب نصيبه) ش: بأن قال كاتب نصيبك من العبد م: (بألف درهم ويقبض) ش: بنصب الضاد، أي وأن يقبض م: (بدل الكتابة فكاتب وقبض بعض الألف ثم عجز فالمال للذي قبض عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: هو مكاتب بينهما) ش: أي بين الشريكين م: (وما أدى) ش: أي المكاتب من المال م: (فهو بينهما) ش: أي بين الشريكين م: (وأصله) ش: أي أصل الاختلاف. وقال الكاكي: أصل قوله فالمال للذي قبض. م: (أن الكتابة تتجزأ عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (خلافا لهما بمنزلة العتق) ش: أي بمنزلة تجزؤ الإعتاق عنده خلافا لهما. ولما كانت لا تجزؤ عندهما كان بكتابة أحدهما نصيبه صار كله مكاتبا على ما يجيء الآن. م: (لأنها) ش: أي لأن الكتابة م: (تفيد الحرية من وجه) ش: لأن يكون حرا من حيث اليد م: (فتقتصر على نصيبه عنده) ش: أي فتقتصر الكتابة على نصيب المكاتب بكسر التاء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (للتجزؤ) ش: أي لأجل تجزؤ الكتابة. م: (وفائدة الإذن) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال إذا كانت الكتابة تتجزأ فما الفائدة في إذن أحدهما للآخر بالكتابة، فقال: وفائدة الإذن م: (أن لا يكون له) ش: أي الشريك الذي لم يكاتب م: (حق الفسخ كما يكون له إذا لم يأذن، وإذنه له بقبض البدل) ش: أي الشريك الذي لم يكاتب. قال الكاكي: إنما ذكر هذا، يعني قوله: وفائدة الإذن لئلا يتوهم أن الإذن شرط في حق جواز كتابة نصيبه، فإنه لو كاتب نصيبه صحت الكتابة ونفذت بالإجماع عند أبي حنيفة - الجزء: 10 ¦ الصفحة: 428 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - في نصيبه. وعندهما في الكل ويثبت للساكت حق الفسخ بالاتفاق، فلو لم يفسخ حتى أدى البدل عتق حظه عند أبي حنيفة، وللساكت أن يأخذ من المكاتب نصف ما أخذ من البدل؛ لأنه عبد مشترك. قلت: كيف يقول نفذت بالإجماع، وفيه خلاف مالك والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما نبين، فنقول: إن أذن أحد الشريكين للآخر بالكتابة جازت، خلافا لمالك والشافعي في قول، وبغير الإذن أيضا يجوز عندنا، ولكن لصاحبه نقضه. وقال الشافعي ومالك: لا يجوز. وقال أحمد والحسن وابن أبي ليلى: يجوز بغير الإذن أيضا ولا ينقضه صاحبه، فإذا أدى العبد البدل ومثله للساكت يعتق. فإن قيل: الكتابة إما أن يعتبر فيها معنى المعاوضة أو معنى الإعتاق أو معنى تعليق العتق بأداء المال. ولو وجد شيء من ذلك من أحد الشريكين بغير إذن صاحبه ليس للآخر ولاية الفسخ، فمن أين كتابة ذلك؟ أجيب: بأن الكتابة ليست عين كل واحد من المعاني المذكورة، وإنما هي تشتمل عليها، فيجوز أن يكون لها حكم يختص وهو ولاية الفسخ لمعنى توجيه، وهو إلحاق الضرر ببطلان حق البيع للشريك الساكت بالكتابة. ويصرف الإنسان في خالص حقه إنما يتنوع إذا لم يقصر به الغير، ثم المحل وهي الكتابة تقبل الفسخ، ولهذا ينفسخ بتراضيهما فيتحقق المقتضى، وانتفى المانع. وأما المعاني المذكورة فالمعاوضة وإن قبلت الفسخ لكن ليس فيها ضرر لصاحبه، فإنه إذا باع نصيبه لم يبطل على صاحبه بيع نصيبه والإعتاق والتعليق وإن كان فيها ضرر، لكن المحل لا يقبل الفسخ، أما الإعتاق فظاهر، وأما التعليق فلأنه يمين. ثم اعلم أن هذا الذي ذكرنا إذا كاتبه أحد الشريكين، فأما إذا كاتبه الشريكان معا كتابة واحدة يجوز، وبه قالت الثلاثة، فإذا أدى إلى أحدهما حصته لم يعتق نصيبه أو وهب له عتق. ثم المكاتب بالخيار بعد إعتاق أحدهما إن شاء عجز ويكون الشريك بالخيار بين التضمين والسعاية في نصف القيمة، والعتق في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبين العتق والسعاية إن كان معسرا، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن المعتق إن كان موسرا ويسعى العبد من نصف قيمته إن كان معسرا. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن الأقل من نصف القيمة ونصف ما بقي من كتابته، وكذا العبد يسعى في الأقل عند البدل، أي بدل الكتابة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 429 إذن للعبد بالأداء فيكون متبرعا بنصيبه عليه، فلهذا كان كل المقبوض له   [البناية] م: (إذن للعبد بالأداء فيكون) ش: أي الشريك الآذن م: متبرعا بنصيبه ش: من الكسب م: (عليه) ش: قال صاحب العناية: أي على المكاتب، فلهذا كان كل المقبوض له، ويجوز أن يكون ضمير عليه للعبد، أي فيكون الآذن متبرعا بنصيبه على العبد. قلت: فيه تعسف والضمير للعبد كما قال غيره من الشراح م: (فلهذا) ش: أي فلأجل الكون الشريك الآذن متربعا بنصيبه من الكسب م: (كان كل المقبوض له) ش: أي لشريك الكاتب، ثم إذا تبرع الآذن بقبض الشريك لم يرجع. فإن قيل: المتبرع يرجع بما تبرع إذا لم يحصل مقصودة من التبرع كمن تبرع بأداء الثمن عن المشتري ثم هلك المبيع قبل القبض أو استحق كان له الرجوع لعدم حصول مقصوده من التبرع وسلامة المبيع للمشتري. أجيب: بأن المتبرع عليه هو المكاتب من وجه من حيث إن مقصود الأول قضاء دينه من ماله وبعد العجز صار عبدا له من كل وجه، والمولى لا يستوجب على عبده شيئا بخلاف البائع أو الزوج؛ لأن ذمتهما صالحة لوجوب دين المتبرع ويثبت له الحق الرجوع إذا لم يحصل مقصوده. وفي " الكافي " ليس للساكت أن يأخذ منه نصيبه؛ لأن الإذن له بقبض البدل إذن للمكاتب بالأداء والإذن بالأداء تبرع منه بنصيبه من الكسب على المكاتب وقد تم بقبض المكاتب فسلم كله كرب الوديعة إذا أمر المودع بقضاء دينه مع الوديعة سنقضي لم يبق لرب الوديعة عليه سبيل، هكذا هذا إلا إذا نهاه قبل الأداء فيصح نهيه؛ لأنه تبرع ولم يتم ولو أذن وهو مريض وأدى من كسب بعض الكتابة صح من كل ماله؛ لأن الكسب إذا لم يكن موجود حالة الإذن فالآذن لم يتبرع بشيء من ماله حتى يعتبر من الثلث. وإنما يتبرع لمنافع العبد حيث أذن له بصرفها في أداء بدل الكتابة وتبرع المريض بالمنافع يعتبر من جميع المال لا من الثلث؛ لأن حق الورثة يتعلق بالأعيان لا المنافع، وإن كان قد اكتسب قبل الكتابة فأذن فأذن له في أداء بدل الكتابة يعتبر من الثلث لوجود الكسب وقت الإذن وتعلق حق الورثة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 430 وعندهما الإذن بكتابة نصيبه إذن بكتابة الكل لعدم التجزؤ، فهو أصيل في النصف وكيل في النصف، فهو بينهما والمقبوض مشترك بينهما فيبقى كذلك بعد العجز. قال: وإذا كانت جارية بين رجلين كاتباها فوطئها أحدهما فجاءت بولد فادعاه ثم وطئها الآخر فجاءت بولد فادعاه ثم عجزت فهي أم ولد للأول؛ لأنه لما ادعى أحدهما الولد صحت دعوته لقيام الملك له فيه، وصار نصيبه أم ولد له؛ لأن المكاتبة لا تقبل النقل من ملك إلى ملك فتقتصر أمومية الولد على نصيبه كما في المدبرة المشتركة   [البناية] م: (وعندهما الإذن بكتابة نصيبه إذن بكتابة الكل لعدم التجزؤ فهو) ش: أي الشريك المكاتب م: (أصيل في النصف) ش: الذي له م: (وكيل في النصف) ش: الذي لشريكه. م: (فهو) ش: أي البدل م: (بينهما والمقبوض مشترك بينهما فيبقى كذلك بعد العجز) ش: أي كما لو كاتباه فعجز وفي يده من الأكساب فهي بينهما فكأن المصنف مال إلى قولهما، فلذلك أخره فافهم. [جارية بين رجلين كاتباها فوطئها أحدهما فجاءت بولد فادعاه] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كانت جارية بين رجلين كاتباها فوطئها أحدهما فجاءت بولد فادعاه) ش: أي فادعى الواطئ الولد وصحت دعوته وثبت النسب منه م: (ثم وطئها الآخر فجاءت بولد فادعاه) ش: أي فادعى الواطئ الآخر الولد وصحت دعوته وتثبت النسب منه كما في المدبرة المشتركة فإنه يقتصر على أمية الولد فيها على نصيبه بالإجماع م: (ثم عجزت فهي أم ولد للأول) ش: أي الجارية كلها تصير أم ولد للواطئ الأول بطريق التبيين. م: (لأنه لما ادعى أحدهما الولد صحت دعوته لقيام الملك فيه) ش: أي في نصيبه، وفي بعض النسخ فيها أي في الجارية م: (وصار نصيبه أم ولد له) ش: بناء على أن الاستيلاد في المكاتبة يتجزأ عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا وجه لتكميل الاستيلاد إلا بتملك نصيب صاحبه وهذا لا يمكن، أشار إليه بقوله. م: (لأن المكاتبة لا تقبل النقل من ملك إلى ملك) ش: بسائر الأسباب فكذا بالاستيلاد م: (فتقتصر أمومية الولد على نصيبه) ش: أي إذا كان الأمر كذلك يقتصر كون الجارية أم ولد على نصيب الواطئ الأول. م: (كما في المدبرة المشتركة) ش: بأن استولدها أحدهما فإنه تقتصر أمومية الولد على نصيبه بالإجماع فيتحرى الاستيلاد بالاتفاق والمشتركة الجامع أن كلا من الكتابة والتدبير يمنع الانتقال من ملك إلى ملك. فإن قلت: التدبير لا يقبل الفسخ والكتابة تقبل فجاز أن يكون الاقتصار على النصف في المدبرة لعدم قبول التدبير للانفساخ. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 431 وإذا ادعى الثاني ولدها الأخير صحت دعوته لقيام ملكه ظاهرا، ثم إذا عجزت بعد ذلك جعلت الكتابة كأن لم تكن وتبين أن الجارية كلها أم ولد للأول؛ لأنه زال المانع من الانتقال ووطؤه سابق، ويضمن لشريكه نصف قيمتها؛ لأنه تملك نصيبه لما استكمل الاستيلاد ونصف عقرها لوطئه جارية مشتركة، ويضمن شريكه كمال العقر وقيمة الولد ويكون ابنه؛ لأنه بمنزلة المغرور؛ لأنه حين وطئها كان ملكه قائما ظاهرا وولد المغرور ثابت النسب منه حر بالقيمة على ما عرف، لكنه وطئ أم ولد الغير حقيقة فيلزمه كمال العقر،   [البناية] قلت: الاقتصار لعدم قبول التدبير الانتقال من ملك إلى ملك على أن نقول الكتابة لازمة في حق المولى أيضا. فإن قلت: جاز أن تنفسخ الكتابة بعجزها. قلت: جاز أن ينفسخ التدبير والاقتصار أيضا بقضاء القاضي. م: (وإذا ادعى الثاني ولدها الأخير صحت دعوته لقيام ملكه ظاهرا) ش: قيد بقوله ظاهرا؛ لأن الظاهر أن تمضي على كتابتها فكان ملكه باقيا، وأما بالنظر إلى التعجيز لم يبق ملكه فيها. م: (ثم إذا عجزت بعد ذلك جعلت الكتابة كأن لم تكن، وتبين أن الجارية كلها أم ولد للأول؛ لأنه زال المانع من الانتقال ووطؤه سابق) ش: أي فتصير أم ولد من ذلك الوقت لأن السبب هو الوطء فصار كما إذا سقط الخيار يثبت الملك للمشتري من وقت العقد حتى يستحق الزوائد. م: (ويضمن لشريكه نصف قيمتها) ش: أي نصف قيمة الجارية م: (لأنه تملك نصيبه لما استكمل الاستيلاد ونصف عقرها) ش: أي ويضمن أيضا نصف عقر الجارية م: (لوطئه جارية مشتركة) ش: أي لأجل وطئه الجارية المشتركة م: (ويضمن شريكه) ش: أي الشريك الثاني م: (كمال العقر) ش: أي عقر الجارية. فيكون النصف بالنصف قصاصا، ويبقى للأول على الثاني نصف العقر م: (وقيمة الولد) ش: أي ويضمن أيضا قيمة الولد م: (ويكون) ش: أي الولد م: (ابنه) ش: بالنظر الثاني بالنظر إلى الظاهر والحقيقة كما بالنظر إلى الظاهر، فيكون الولد ابنه، أي ابن الثاني بالنظر إلى الظاهر، فيكون الولد ابنه بالقيمة، م: (لأنه بمنزلة المغرور؛ لأنه حين وطئها كان ملكه قائما ظاهرا) ش: لأنه وطئها على حسبان أن نصفها ملكه، وظهر بالعجز بطلان الكتابة فتبين أن لا ملك له فصار كالمغرور. م: (وولد المغرور ثابت النسب منه حر بالقيمة على ما عرف) ش: في موضعه في باب الاستيلاد، وأما بالنظر إلى الحقيقة فلزوم كمال العقر أشار إليه بقوله م: (لكنه وطئ أم ولد الغير حقيقة فيلزمه كمال العقر) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 432 وأيهما دفع العقر إلى المكاتبة جاز؛ لأن الكتابة ما دامت باقية فحق القبض لها لاختصاصها بمنافعها وأبدالها. وإذا عجزت ترده إلى المولى لظهور اختصاصه وهذا الذي ذكرنا كله قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله- هي أم ولد للأول، ولا يجوز وطء الآخر؛ لأنه لما ادعى الأول الولد صارت كلها أم ولد له؛ لأن أمومية الولد يجب تكميلها بالإجماع ما أمكن   [البناية] ش: فإن قيل: فعلى هذا ينبغي أن لا يضمن الثاني قيمة الولد الأول عند أبي حنيفة لأن حكم ولد أم الولد حكم أمه، ولا قيمة لأم الولد عنده فكذا لابنها. أجيب: بأن هذا على قولهما، وأما على قوله فليس عليه ضمان قيمة الولد. قيل: هذا ليس بشيء. والجواب الصحيح: أن عن أبي حنيفة روايتين في تقوم أم الولد، فيكون الولد متقوما على أحدهما فكان حرا بالقيمة. وقيل: عدم تقومها ليس على الإطلاق بل متقوم في الجملة فإنه لو كاتب أم ولده جاز بالاتفاق وفيه نظر؛ لأن جواز كتابتها لا يدل عند تقومها لاحتمال أن تنعقد الكتابة في حقها بمعني التعليق لا المعارضة. وأجيب: بأنه لا يسلم انعقادها تعليقا بدليل ردها إلى الرق عند العجز ويبطل الكتابة، ولا يمكن إبطال التعليق بوجه. قيل: إبطاله عند العجز لفوات وصف الشرط وهو أن يؤدي كل شهر كذا، وعند العجز فات هذا الوصف. وأجيب: بأنه لو كان كذلك لم يكن إبقاء عند الكتابة إذا لم يطلب المولى، ورده إلى الرق، ولما صح إبطاله يطلب إلى المولى عند العجز وبقاؤه عند عدم طلبه دل أنه انعقد كتابة لا تعليقا. م: (وأيهما دفع العقر إلى المكاتبة) ش: يعني قبل العجز م: (جاز؛ لأن الكتابة ما دامت باقية فحق القبض لها لاختصاصها بمنافعها وأبدالها) ش: بفتح الهمزة جمع بدل م: (وإذا عجزت ترده) ش: أي العقر م: (إلى المولى لظهور اختصاصه) ش: أي اختصاص المولى به. م: (وهذا الذي ذكرنا كله قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله - هي أم ولد للأول) ش: وهي مكاتبة له تعتق له بأداء البدل إلى الأول. م: (ولا يجوز وطء الآخر) ش: أي الثاني من الشريكين م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لما ادعى الأول الولد صارت أم ولد له؛ لأن أمومية الولد يجب تكميلها بالإجماع ما أمكن) ش: لأن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 433 وقد أمكن بفسخ الكتابة لأنها قابلة للفسخ فتفسخ فيما لا تتضرر به المكاتبة وتبقى الكتابة فيما وراءه. بخلاف التدبير لأنه لا يقبل الفسخ، وبخلاف بيع المكاتب؛ لأن في تجويزه إبطال الكتابة، إذ المشتري لا يرضى ببقائه مكاتبا. وإذا صارت كلها أم ولد له فالثاني وطئ أم ولد الغير فلا يثبت نسب الولد منه، ولا يكون حرا عليه بالقيمة غير أنه لا يجب الحد عليه للشبهة ويلزمه جميع العقر؛ لأن الواطئ لا يعرى عن إحدى الغرامتين.   [البناية] الاستيلاد وطلب الولد وإنه يقع بالفعل والفعل لا يتجزأ. ولكن كذا ما يثبت به، ولهذا لا يكمل في القنة بالإجماع م: (وقد أمكن) ش: أي تكميل الاستيلاد هاهنا م: (بفسخ الكتابة؛ لأنها قابلة للفسخ فتفسخ) ش: تكميلا للاستيلاد م: (فيما لا تتضرر بها المكاتبة) ش: وهو أمومية الولد لأنه لا ضرر لها فيها بل لها فيها نفع حيث لم يبق محلا للابتدال بالبيع والهبة. ويعتق مجانا بعد موت المولى م: (وتبقى الكتابة فيما وراءه) ش: ما لا يتضرر وهو كونها أحق في أكسابها وأكساب ولدها وسقوط الحد عن الثاني في وطئه. م: (بخلاف التدبير) ش: جواب عن قياس أبي حنيفة المنازع فيه على المدبرة المشتركة. وتقريره أن المدبر بخلاف ذلك م: (لأنه لا يقبل الفسخ) ش: يعني إلا إذا استولد مدبرة مشتركة فإنه لا يكمله، ويقتصر على نصيب المستولد؛ لأنه لا يمكن تكميلها إذ التدبير لا يقبل الفسخ فيكون مانعا للنقل من ملك إلى ملك. م: (وبخلاف بيع المكاتب) ش: هذا جواب عن سؤال يرد على المدبرة بأن قيل: هلا قلتم بفسخ الكتابة ضمنا لصحة البيع فيما إذا باع المكاتب كما قلتم بفسخ الكتابة ضمنا لصحة الاستيلاد فقال م: (لأنه في تجويزه) ش: أي البيع. م: (إبطال الكتابة إذ المشتري لا يرضى ببقائه مكاتبا) ش: ولو أبطلناها يتضرر به المكاتب وفسخ الكتابة فيما يتضرر به المكاتب لا يصح , وقيل: يجوز أن يكون قوله: وبخلاف بيع المكاتب بيانا لقوله وتبقى الكتابة فيما وراءه، فإن البيع مما لا يتضرر به فتبقى الكتابة كما كانت. م: (وإذا صارت كلها أم ولد له) ش: أي للأول هذا كلام متصل بقوله: صارت كلها أم ولد للأول يعني لما ادعى الأول صارت كلها أم الولد له. م: (فالثاني وطئ أم ولد الغير فلا يثبت نسب الولد منه، ولا يكون حرا عليه بالقيمة غير أنه لا يجب الحد عليه للشبهة) ش: وهي شبهه كونها مكاتبة بينهما بدليل ما ذكره أبو حنيفة، أو أنها تبقى مكاتبة فيما يتضرر به بالإجماع ولا حد على واطئ مكاتبته م: (ويلزمه جميع العقر؛ لأن الواطئ لا يعرى عن إحدى الغرامتين) ش: وهما الحد والعقر. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 434 وإذا بقيت الكتابة وصارت كلها مكاتبة له قيل يجب عليها نصف بدل الكتابة؛ لأن الكتابة انفسخت فيما لا تتضرر به المكاتبة ولا تتضرر بسقوط نصف البدل. وقيل يجب كل البدل لأن الكتابة لم تنفسخ إلا في حق التملك ضرورة فلا يظهر في حق سقوط نصف البدل وفي إبقائه في حقه نظر للمولى. وإن كان لا تتضرر المكاتبة بسقوطه والمكاتبة هي التي تعطى العقر لاختصاصها بإبدال منافعها. ولو عجزت وردت في الرق ترد إلى المولى لظهور اختصاصه على ما بينا. قال: ويضمن الأول لشريكه في قياس قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - نصف قيمتها مكاتبة؛ لأنها تملك نصيب شريكه وهي مكاتبة فيضمنه موسرا كان أو معسرا؛ لأنه ضمان التملك   [البناية] م: (وإذا بقيت الكتابة) ش: متصلة بقوله: وتبقى الكتابة فيما وراء ما لا يتضرر م: (وصارت كلها مكاتبة له) ش: أي للأول م: (قيل) ش: هذا جزاء إذا بقيت وقائله الأتريدي. م: (يجب عليها نصف بدل الكتابة؛ لأن الكتابة انفسخت فيما لا تتضرر به المكاتبة ولا تتضرر بسقوط نصف البدل وقيل) ش: وهو قول عامة المشايخ. م: (يجب كل البدل؛ لأن الكتابة لم تنفسخ إلا في حق التملك ضرورة) ش: أي لضرورة تكميل الاستيلاد م: (فلا يظهر في حق سقوط نصف البدل) ش: لأن الثابت بالضرورة لا يتعدى فيبقى العقد الأول كما كان. م: (وفي إبقائه) ش: أي إبقاء عقد الكتابة قيل يجوز أن يكون هذا جوابا عما يقال: الكتابة تنفسخ فيما لا يتضرر به المكاتب، وهي لا تتضرر بسقوط نصف البدل فيجب أن تنفسخ. ووجهه أن في إبقاء عقد الكتابة م: (في حقه) ش: أي في حق نصف البدل م: (نظر للمولى) ش: المستولد م: (وان كان لا تتضرر المكاتبة بسقوطه) ش: أي بسقوط البدل فرجحنا جانب المولى؛ لأن الأصل في الكتابة عدم الفسخ. م: (والمكاتبة: هي التي تعطي العقر لاختصاصها بإبدال منافعها ولو عجزت وردت في الرق يرد إلى المولى لظهور اختصاصه) ش: أي اختصاص المولى الأول المستولد م: (على ما بينا) ش: أي في تعليل أبي حنيفة. م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير " م: (ويضمن الأول لشريكه في قياس قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: في إعتاق المكاتب بين اثنين فإن عنده يضمن المعتق قيمة نصيب شريكه مكاتبا. فكذلك هنا يضمن م: (نصف قيمتها مكاتبة) ش: أي حال كونها مكاتبة م: (لأنها تملك نصيب شريكه وهي مكاتبة فيضمنه) ش: أي النصف سواء م: (موسرا أو كان أو معسرا؛ لأنه ضمان التملك) ش: وهو لا يختلف باليسار والإعسار. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 435 وفي قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن الأقل من نصف قيمتها ومن نصف ما بقي من بدل الكتابة؛ لأن حق شريكه في نصف الرقبة على اعتبار العجز وفي نصف البدل على اعتبار الأداء فللتردد بينهما يجب أقلهما. قال: وإذا كان الثاني لم يطأها ولكن دبرها ثم عجزت بطل التدبير؛ لأنه لم يصادف الملك أما عندهما فظاهر؛ لأن المستولد تملكها قبل العجز، وأما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلأنه بالعجز تبين أنه تملك نصيبه من وقت الوطء، فتبين أنه مصادف ملك غيره والتدبير يعتمد الملك بخلاف النسب؛ لأنه يعتمد الغرور على ما مر. قال: وهي أم ولد للأول فلأنه تملك نصيب شريكه وكمل الاستيلاد على ما بينا ويضمن لشريكه نصف عقرها لوطئه جارية مشتركة ونصف قيمتها؛ لأنه تملك نصفها بالاستيلاد وهو تملك بالقيمة والولد ولد للأول؛ لأنه صحت دعوته لقيام المصحح، وهذا قولهم جميعا   [البناية] م: (وفي قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن الأقل من نصف قيمتها ومن نصف ما بقي من بدل الكتابة؛ لأن حق شريكه في نصف الرقبة على اعتبار العجز، وفي نصف البدل على اعتبار الأداء فللتردد بينهما) ش: أي بين الاعتبارين م: (يجب أقلهما) ش: لأنه متيقن. قال: ش: أي في " الجامع الصغير " م: (وإذا كان الثاني لم يطأها ولكن دبرها) ش: أي بعدما استولدها الأول م: (ثم عجزت بطل التدبير؛ لأنه لم يصادف الملك أما عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (فظاهر لأن المستولد تملكها قبل العجز) ش " فانفسخت الكتابة قبل التدبير فلا يصح تدبيره. م: (وأما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلأنه بالعجز تبين أنه تملك نصيبه من وقت الوطء فتبين أنه) ش: أي التدبير م: (مصادف ملك غيره , والتدبير يعتمد الملك) ش: أي غير المدبر في التدبير يعتمد ظاهر الملك , فلا يصح بدونه. م: (بخلاف النسب؛ لأنه يعتمد الغرور) ش: لا الملك يعني يثبت النسب بمجرد الغرور كما لو اشترى أمة فاستولدها فاستحقت لم يبطل النسب، وكان الولد حرا بالقيمة فكذا هاهنا م: (على ما مر) ش: أشار به إلى قوله: ويكون ابنه؛ لأنه بمنزلة المغرور. م: (قال: وهي أم ولد للأول) ش: أي الجارية التي دبرها الثاني بعد استيلاد الأول ثم عجزت أم ولد للأول م: (لأنه تملك نصيب شريكه وكمل الاستيلاد على ما بينا) ش: يعني في تعليل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وهو قوله وتبين أن الجارية كلها أم ولد للأول؛ لأنه زال المانع من الانتقال م: (ويضمن لشريكه نصف عقرها لوطئه جاريه مشتركة ونصف قيمتها؛ لأنه تملك نصفها بالاستيلاد، وهو تملك بالقيمة والولد ولد للأول؛ لأنه صحت دعوته لقيام المصحح) ش: وهو الملك في المكاتبة م: (وهذا قولهم جميعا) ش: وإن الاختلاف مع بقاء الكتابة وهاهنا ما بقيت؛ لأنه لما استولدها الأول ملك نصف شريكه ولم يبق ملك للمدبر فيها فلا يصح تدبيره. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 436 ووجهه ما بينا قال: وإن كانا كاتباها ثم أعتقها أحدهما وهو موسر ثم عجزت يضمن المعتق لشريكه نصف قيمتها ويرجع بذلك عليها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يرجع عليها؛ لأنها لما عجزت وردت في الرق تصير كأنها لم تزل قنة. والجواب فيه على الخلاف في الرجوع وفي الخيارات وغيرها كما هو مسألة تجزؤ الإعتاق، وقد قررناه في الإعتاق، فأما قبل العجز ليس له أن يضمن المعتق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الإعتاق لما كان يتجزأ عنده كان أثره أن يجعل نصيب غير المعتق كالمكاتب فلا يتغير به نصيب صاحبه؛ لأنها مكاتبة قبل ذلك   [البناية] م: (وجهه ما بينا) ش: أي في تعليل القولين، أما طرف أبي حنيفة فقد ذكرنا آنفا من قوله وتبين أن الجارية .... إلى آخره وأما طرفهما قوله: لأنه لما ادعى الأول صارت كلها أم ولد له إلى آخره. م: (قال) ش: أي في الجامع الصغير) م: (وإن كانا كاتباها) ش: أي الجارية م: (ثم أعتقها أحدهما وهو موسر) ش: أي والحال أنه موسر غني م: (ثم عجزت يضمن لشريكه نصف قيمتها) ش: أي قيمة الجارية. م: (ويرجع بذلك) ش: وفي بعض النسخ يرجع به م: (عليها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا لا يرجع عليها؛ لأنها لما عجزت وردت في الرق تصبر كأنها لم تزل قنة. والجواب فيه) ش: أي في إعتاق أحد الشريكين القن م: (على الخلاف في الرجوع) ش: فإن عند أبي حنيفة إذا ضمن الساكت المعتق فالمعتق يرجع على العبد وعندهما لا يرجع. م: (وفي الخيارات) ش: فعند أبي حنيفة الساكت مخير بين الخيارات الثلاثة إن شاء أعتق وإن شاء استسعى في العبد، وإن شاء ضمن لشريكه قيمة نصيبه. وعندهما ليس إلا الضمان مع اليسار والسعاية مع الإعسار م: (وغيرها) ش: أي وغير الخيارات وهو الولاء وتريد الاستسعاء فإن عند أبي حنيفة إن أعتق الساكت أو استسعى فالولاء بينهما وإن ضمن المعتق فالولاء للعتق. وعندها للمعتق في الوجهين جميعا وإلى ترديد الاستسعاء فإنهما لا يريان الاستسعاء مع اليسار ويقولان إن كان المعتق موسرا يضمن نصيب الساكت، وإن كان معسرا يسعى العبد لنصيب الساكت وأبو حنيفة يراه م: (كما في مسألة تجزؤ الإعتاق وقد قررناه في الإعتاق) ش: في باب العبد يعتق بعضه هذا كله إذا عجز. م (فأما قبل العجز ليس أن يضمن المعتق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الإعتاق لما كان يتجزأ عنده كان أثره أن يجعل نصيب غير المعتق كالمكاتب فلا يتغير به نصيب صاحبه؛ لأنها مكاتبه قبل ذلك) ش: إن معتق البعض عنده كالمكاتب وهنا نصيب صاحبه مكاتب بالكتابة السابقة فلا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 437 وعندهما لما كان لا يتجزأ بعتق الكل فله أن يضمنه قيمة نصيبه مكاتبا إن كان موسرا ويستسعى العبد إن كان معسرا لأنه ضمان إعتاق فيختلف باليسار والإعسار. قال: وإن كان العبد بين رجلين دبره أحدهما ثم أعتقه الآخر وهو موسر فإن شاء الذي دبره يضمن المعتق نصف قيمته مدبرا، وإن شاء استسعى العبد وإن شاء أعتق وإن أعتقه أحدهما ثم دبره الآخر لم يكن له أن يضمن المعتق ويستسعى للعبد أو يعتق، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ووجهه أن التدبير يتجزأ عنده فتدبير أحدهما يقتصر على نصيبه لكن يفسد به نصيب الآخر فيثبت له خيرة الإعتاق والتضمين والاستسعاء كما هو مذهبه، فإذا أعتق لم يبق له خيار التضمين والاستسعاء وإعتاقه يقتصر على نصيبه؛ لأنه يتجزأ عنده ولكن يفسد به نصيب شريكه فله أن يضمنه قيمة نصيبه وله خيار العتق والاستسعاء أيضا كما هو مذهبه ويضمنه قيمة نصيبه مدبرا؛ لأن الإعتاق صادف المدبر. ثم قيل قيمة المدبر تعرف بتقويم المقومين وقيل يجب ثلثا قيمته وهو قن لأن المنافع   [البناية] يصير مكاتبا بالإعتاق، وإنما يؤثر في نصيب صاحبه يجعل مكاتبا بعد العجز فلهذا تقتصر ولاية التضمين على ما بعد العجز م: (وعندهما لما كان لا يتجزأ بعتق الكل فله أن يضمنه قيمة نصيبه مكاتبا إن كان موسرا ويستسعى العبد إن كان معسرا؛ لأنه ضمان إعتاق فيختلف باليسار والإعسار) ش: أي يختلف الضمان بيسار المعتق وإعساره. م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإن كان العبد بين رجلين دبره أحدهما ثم أعتقه الآخر وهو موسر فإن شاء الذي دبره يضمن المعتق نصف قيمته مدبرا، وإن شاء استسعى العبد وإن شاء أعتق) ش: هذا ظاهر وإن عكس المسألة أشار إليه بقوله. م: (وان أعتقه أحدهما ثم دبره الآخر لم يكن له أن يضمن المعتق ويستسعى العبد أو يعتق، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ووجهه أن التدبير يتجزأ عنده فتدبير أحدهما يقتصر على نصيبه لكن يفسد به) ش: أي بالتدبير م: (نصيب الآخر) ش: لسد باب النقل عليه م: (فيثبت له خيرة الإعتاق) ش: أي فيثبت له الخيار م: (والتضمين والاستسعاء كما هو مذهبه) ش: أي مذهب أبي حنيفة. م: (فإذا أعتق لم يبق له خيار التضمين والاستسعاء وإعتاقه يقتصر على نصيبه لأنه يتجزأ عنده ولكن يفسد به) ش: أي بالإعتاق م (نصيب شريكه) ش: لسد باب الاستخدام عليه م: (فله أن يضمن قيمة نصيبه، وله خيار العتق والاستسعاء أيضا كما هو مذهبه) ش: أي مذهب أبي حنيفة م: (ويضمنه قيمة نصيبه مدبرا) ش: أي حال كونه مدبرا م: (لأن الإعتاق صادف المدبر) ش: فيعتبر قيمته مدبرا. م: (ثم قبل قيمة المدبر تعرف بتقويم المقومين. وقيل يجب ثلثا قيمته وهو قن؛ لأن المنافع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 438 أنواع ثلاثة: البيع وأشباهه، والاستخدام وأمثاله، والإعتاق وتوابعه. والفائت البيع فيسقط الثلث. وإذا ضمنه لا يتملكه بالضمان؛ لأنه لا يقبل الانتقال من ملك إلى ملك كما إذا غصب مدبرا فأبق وإن أعتقه أحدهما أولا كان للآخر الخيارات الثلاثة عنده، فإذا دبره لم يبق له خيار التضمين وبقي خيار الإعتاق والاستسعاء؛ لأن المدبر يعتق ويستسعى. وقال أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله: إذا دبره أحدهما فعتق الآخر باطل؛ لأنه لا يتجزأ عندهما فيتملك نصيب صاحبه بالتدبير ويضمن نصف قيمته موسرا كان أو معسرا؛ لأنه ضمان تملك فلا يختلف باليسار والإعسار ويضمن نصف قيمته قنا؛ لأنه صادفه التدبير وهو قن وإن أعتقه أحدهما فتدبير الآخر باطل؛ لأن الإعتاق لا يتجزأ   [البناية] أنواع ثلاثة: البيع) ش: أي أحدها م: (وأشباهه) ش: أي أشباه البيع في كونه خروجا عن البيع كالهبة والصدقة والإرث والوصية؛ لأن في كل ذلك يزول الملك عن الرقبة كالبيع. م: (والاستخدام) ش: أي النوع الثاني الاستخدام م: (وأمثاله) ش: أي أمثال الاستخدام نحو الإجارة والإعارة والوطء م: (والإعتاق) ش: أي النوع الثالث الإعتاق م: (وتوابعه) ش: أي توابع الإعتاق كالكتابة والاستيلاد والتدبير والإعتاق على مال؛ لأن كل واحد منهما يؤول إلى الحرية كالإعتاق م: والفائت البيع ش: أي الفائت من هذه الأنواع في المدبر النوع الذي هو البيع يعني جوازه م: (فيسقط الثلث وإذا ضمنه لا يتملكه بالضمان؛ لأنه) ش: أي لأن المدبر م: (لا يقبل الانتقال من ملك إلى ملك كما إذا غضب مدبرا فأبق) ش: فإنه يضمنه ولا يتملكه، فكان ضمان حيلولة لا ضمان تملك. م: (وإن أعتقه أحدهما أولا كان للآخر الخيارات الثلاثة) ش: أي خيار الإعتاق والتضمين والاستسعاء م: (عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م (فإذا دبره لم يبق له خيار التضمين) ش: لأنه بمباشرة التدبير يصير مبرئا للعتق عن الضمان؛ لأن تضمينه متعلق بشرط تملك العين بالضمان وقد فات ذلك بالتدبير. بخلاف الأول فهاهنا نصيبه كان مدبرا حين أعتق فلا يكون شرط التضمين تمليك العين منه كذا ذكره المحبوبي م: (وبقي خيار الإعتاق والاستسعاء؛ لأن المدبر يعتق ويستسعى، وقال أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله - إذا دبره أحدهما فعتق الآخر باطل؛ لأنه لا يتجزأ عندهما فيتملك نصيب صاحبه بالتدبير ويضمن نصف قيمته موسرا كان أو معسرا؛ لأنه ضمان تملك فلا يختلف باليسار والإعسار ويضمن نصف قيمته قنا) ش: أي حال كونه قنا. م: (لأنه صادفه التدبير وهو قن. وإن أعتقه أحدهما فتدبير الآخر باطل؛ لأن الإعتاق لا يتجزأ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 439 فيعتق كله فلم يصادف التدبير الملك وهو يعتمده ويضمن نصف قيمته إن كان موسرا، ويسعى العبد في ذلك إن كان معسرا؛ لأن هذا ضمان الإعتاق فيختلف ذلك باليسار والإعسار عندهما.   [البناية] فعتق كله فلم يصادف التدبير الملك وهو يعتمده) ش: أي التدبير يعتمد الملك م: (ويضمن نصف قيمته إن كان موسرا ويسعى العبد في ذلك) ش: أي في النصف م: (إن كان معسرا؛ لأن هذا ضمان الإعتاق فيختلف ذلك باليسار والإعسار عندهما) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 440 باب موت المكاتب وعجزه وموت المولى قال: وإذا عجز المكاتب عن نجم نظر الحاكم في حاله، فإن كان له دين يقبضه أو مال يقدم عليه لم يعجل بتعجيزه، وانتظر عليه اليومين أو الثلاثة نظرا للجانبين. والثلاثة هي المدة التي ضربت لإبلاء الأعذار كإمهال الخصم للدفع   [البناية] [باب موت المكاتب وعجزه وموت المولى] م: (باب موت المكاتب وعجزه وموت المولى) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الكتابة عند موت المكاتب وعند عجزه عن أداء مال الكتابة وعند موت المولى، وتأخير هذه الأحكام ظاهر التناسب؛ لأن الموت والعجز بعد العتق. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا عجز المكاتب عن نجم) ش: النجم هو الطالع، ثم سمي به الوقت المضروب، ومنه قال الشافعي أقل التأجيل نجمان، أي شهران، ثم سمي به ما يؤدي الوظيفة ومنه حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه حط عن مكاتب أول نجم حل عليه، أي أول وظيفة من وظائف بدل الكتابة، ومنه قولهم نجم الدية، أي أداؤها نجوما، والمعنى هنا إذا عجز عن وظيفة من وظائف بدل الكتابة. م: (نظر الحاكم في حاله، فإن كان له دين يقبضه) ش: أي يطلبه ويقبضه، م: (أو مال يقدم عليه) ش: يعني يأتي من وجه من المؤجر م: (لم يعجل) ش: أي القاضي م: (بتعجيزه) ش: المصدر مضاف إلى مفعوله. وطرأ ذكر الفاعل بتعجيز القاضي إياه، ويجوز أن يكون مضافا إلى فاعله وطوى ذكر المفعول م: (وانتظر عليه اليومين أو الثلاثة نظرا للجانبين) ش: أي جانب المولى وجانب المكاتب. وقال الشافعي وأحمد: فإن كان له مال عند غائب مسافة السفر لم يلزم التأخير لطول المدة، وإن كان ما دونها لزمه التأخير إلى أن يحضره ودينه على إنسان إن كان حالا، ومن عليه [ ... ] وجب التأخير إلى استيفائه. كما لو كانت له وديعة عند غيره وإن كان مؤجلا أو على معسر فلا يجب التأخير ولو حل نجم وهو نقد وله عروض يلزمه التأخير إلى بيعه. وفي (شرح الوجيز) مدة التأخير للبيع ثلاثة أيام ولا يلزم أكثر من ذلك، وعند مالك إذا عجز نجم يفسخ الكتابة بعد أن يتلوم الأيام وتجتهد في مدة التلوم فيمن يرجى له دون من لا يرجى، كذا في " الجواهر ". م: (والثلاثة) ش: أي ثلاثة أيام م: (هي المدة التي ضربت لإبلاء الأعذار) ش: أي لإظهارها م: (كإمهال الخصم للدفع) ش: أي لأجل دفعه المدعي؛ لأن المراد من الخصم هو المدعى عليه، والألف واللام فيه بدل من المضاف إليه، وصورته أن يتوجه عليه الحكم وقال لي بنية حاضرة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 441 والمديون للقضاء فلا يزاد عليه، فإن لم يكن له وجه وطلب المولى تعجيزه عجزه وفسخ الكتابة، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعجزه حتى يتوالى عليه نجمان لقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا توالى على المكاتب نجمان رد في الرق علقه بهذا الشرط، ولأنه عقد إرفاق حتى كان أحسنه مؤجله، وحالة الوجوب بعد حلول نجم   [البناية] يؤخر يوما أو يومين أو ثلاثة. م: (والمديون للقضاء) ش: بالجر عطفا على كإمهال، أي وكإمهال المديون لأجل قضاء الدين، صورته ادعى عليه رجل مالا وأثبته فقال: أمهلني يوما أو يومين أو ثلاثة لأدفعه إليك فإنه يمهل إلى ثلاثة ولا يزاد. وجعلوا التقدير من باب التعجيل دون التأخير، والأصل فيه قصة موسى مع الخضر صلوات الله عليهما وسلامه حيث قال في الكرة الثالثة {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78] (الكهف: الآية 78) ، وكذلك قدر صاحب الشرع مدة الخيار ثلاثة أيام ونظائره كثيرة م: (فلا يزاد عليه) ش: أي على ما ذكره من المدة. م: (فإن لم يكن له وجه) ش: أي جهة يتحصل منها المال م: (وطلب المولى تعجيزه عجزه) ش: أي القاضي م: (وفسخ الكتابة، وهذا) ش: أي الذي ذكرنا. م: (عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعجزه حتى يتوالى عليه نجمان لقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا توالى على المكاتب نجمان رد في الرق) ش: رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " في " البيوع "، حدثنا عباد بن العوام عن الحجاج عن حصين عن الشعبي عن الحارث - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: " في إذا تتابع على المكاتب نجمان فلم يؤد نجومه رد في الرق ". ورواه البيهقي في " سننه " من حديث الحارث عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (علقه بهذا الشرط) ش: أي علقه علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بهذا الشرط، والمعلق بالشرط معدوم قبله، وهذا لا يعرف قياسا، فكان كالمروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفيه قال أحمد وابن أبي ليلى وابن عيينة والحسن - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقيل: هذا استدلال بمفهوم الشرط وهو ليس بناهض؛ لأنه يفيد الوجود عند الوجود فقط. والجواب ما أشار إليه " فخر الإسلام ": أنه معلق بشرطين والمعلق بشرطين لا ينزل عن أحدهما كما لو قال إن دخلت هذين الدارين فأنت طالق. م: (ولأنه) ش: أي ولأن عقد الكتابة م: (عقد إرفاق) ش: أي رفق مبناه على المسامحة م: (حتى كان أحسنه مؤجله) ش: أي أحسن عقد الكتابة مؤجله، أراد أن التأجيل والتنجيم أحسن من الكتابة الحالة، وإن كانت الحالة جائزة عندنا، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعند الشافعي وأحمد - رحمهما الله - لازمان م: (وحالة الوجوب بعد حلول نجم) ش: أي حالة وجوب الأداء، يعني إذا تم النجم الأول صار المال حالا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 442 فلا بد من إمهال مدة استيسارا وأولى المدد ما توافق عليه العاقدان. ولهما أن سبب الفسخ قد تحقق وهو العجز؛ لأن من صبر عن أداء نجم واحد يكون أعجز عن أداء نجمين، وهذا؛ لأن مقصود المولى الوصول إلى المال عند حلول نجم وقد فات فيفسخ إذا لم يكن راضيا به دونه. بخلاف اليومين والثلاثة؛ لأنه لا بد منها لإمكان الأداء فلم يكن تأخيرا، والآثار متعارضة، فإن المروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن مكاتبة له عجزت عن أداء نجم فردها فسقط الاحتجاج بها   [البناية] والعجز عن البدل في الحال لا يثبت الفسخ إلا بعد تأجيل مدة أخرى م: (فلا بد من إمهال مدة استيسارا) ش: يعني تمكينا للعبد من الأداء أزيل لعذره. م: (وأولى المدد ما توافق عليه العاقدان) ش: أي حق الآجال مجتمع عليه العاقدان وهو النجم الثاني فإذا مضى مضى الثاني تحقق العجز فيوجب الفسخ لوجود مدة التأجيل الذي اتفق عليها العاقدان. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أن سبب الفسخ قد تحقق وهو العجز؛ لأن من عجز عن أداء نجم واحد يكون أعجز عن أداء نجمين، وهذا) ش: أي كون العجز سببا للفسخ. م: (لأن مقصود المولى الوصول إلى المال عند حلول نجم وقد فات فيفسخ إذا لم يكن راضيا به دونه) ش: أي فيفسخ المولى الكتابة إذا لم يكن راضيا لبقاء الكتابة بدون ذلك النجم الذي شرط أو فيفسخ القاضي إذا لم يكن المولى راضيا به بدونه على اختلاف الروايتين، فإن المكاتب إذا عجز عن أداء بدل الكتابة ولم يرض بالفسخ فهل يستبدل المولى به ويحتاج إلى قضاء القاضي، فيه روايتان. م: (بخلاف اليومين والثلاثة؛ لأنه لا بد منها لإمكان الأداء فلم يكن تأخيرا) ش: هذا كأنه جواب عما يقال إذا كان مقصودا لمولى الوصول إلى المال عند حلول نجم كان ينبغي أن يتمكن عن الفسخ من غير إمهال، فأجاب بخلاف اليومين ..... إلى آخره. م: (والآثار متعارضة) ش: جواب عما استدل به أبو يوسف بأثر علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فبين ذلك بقوله: م: (فإن المروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن مكاتبة له عجزت عن أداء نجم فردها) ش: فهذا يعارض آثر علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (فسقط الاحتجاج بها) ش: أي بالآثار للتعارض، فإن الأثرين إذا تعارضا وجهل التاريخ تساقطا، فيصار إلى ما بعدهما من الحجة، فبقي ما قالاه من الدليل بقوله: إن سبب الفسخ متحقق سالما عن المعارض. قلت: هذا الذي ذكره الشراح كلهم، وفيه نظر؛ لأن الأثر الذي نسبه المصنف إلى ابن عمر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 443 قال: فإن أخل بنجم عند غير السلطان فعجز فرده مولاه برضاه فهو جائز؛ لأن الكتابة تفسخ بالتراضي من غير عذر، فبالعذر أولى. ولو لم يرض به العبد لا بد من القضاء بالفسخ؛ لأنه عقد لازم تام فلا بد من القضاء أو الرضاء كالرد بالعيب بعد القبض. قال: وإذا عجز المكاتب عاد إلى أحكام الرق   [البناية] لم يصح على هذا الوجه ولا أخرجه أحد من أصحاب الآثار. وإنما المنقول عنه ما رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ثنا وكيع وابن أبي زائدة عن أبان بن عبد الله البلخي عن عطاء أن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كاتب غلاما على ألف دينار فأداها إلا مائة فرده في الرق، والأثر الذي استدل به أبو يوسف ثابت فكيف يقع التعارض بين ما ثبت وبين ما لم يثبت، والآفة في مثل هذا الموضع من التقليد. [الحكم لو أخل المكاتب بنجم] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (فإن أخل بنجم) ش: المراد بالإخلال بمركزه إذا ترك موضعه الذي عينه الأمير. وقال تاج الشريعة: خل الرجل افتقر وذهب ماله، وكذلك أخل به م: (عند غير السلطان) ش: أي عند غير القاضي، والقاضي يطلق عليه السلطان، وكذا على كل من له حكم حتى إن الرجل سلطان في بيته، والسلطان في الأصل اسم للحجة ثم أطلق على الحاكم بطريق قولهم للرجل العادل عدل. م: (فعجز فرده مولاه برضاه فهو جائز؛ لأن الكتابة تفسخ بالتراضي من غير عذر، فبالعذر أولى ولو لم يرض به العبد لا بد من القضاء بالفسخ؛ لأنه عقد لازم) ش: من جهة المولى لا يقدر على الانفراد م: (تام) ش: يعني ليس فيه شرط خيار. م: (فلا بد من القضاء أو الرضاء كالرد بالعيب بعد القبض) ش: يعني إذا وجد المشتري بالبيع عيبا بعد القبض فإنه لا ينفرد بالفسخ، فكذا هذا، وبه قال مالك والشافعي في قوله وفيه رواية أخرى ذكرها في الذخيرة أن هذا عيب يمكن قبل أداء الكتابة فينفرد بالفسخ بدون القضاء، كما لو وجد المشتري عيبا قبل القبض وبه قال الشافعي في قول وأحمد. [حكم عجز المكاتب] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا عجز المكاتب عاد إلى أحكام الرق) ش: قال الأترازي: وقوله: عجز وقع في الفسخ على صيغة المبني للفاعل من الثلاثي، وكذلك إن كان وقع أيضا. وعندي الوجه فيه أن يقال بلفظ المبني للمفعول من مزيد الثلاثي؛ لأن بمجرد العجز لا تنفسخ الكتابة ولا يعود المكاتب إلى الرق، بل يحتاج بعد ذلك إلى القضاء أو الرضى، ألا ترى إلى ما قال في أول الكتاب وإذا عجز المكاتب لم يعجل الحاكم تعجيزه، وقال أيضا فإن لم يكن له وجه وطلب المولى تعجيزه عجزه إن طلب المولى من الحاكم تعجيز المكاتب عجزه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 444 لانفساخ الكتابة، وما كان في يده من الأكساب فهو لمولاه؛ لأنه ظهر أنه كسب عبده، وهذا؛ لأنه كان موقوفا عليه أو على مولاه وقد زال التوقف. قال: فإن مات المكاتب وله مال لم تنفسخ الكتابة وقضى ما عليه من ماله وحكم بعتقه في آخر جزء من أجزاء حياته وما بقي فهو ميراث لورثته ويعتق أولاده، وهذا قول علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -،   [البناية] الحاكم، ويدل على هذا ما قال الشيخ أبو نصر في شرحه في التعليل بقوله وذلك لأن في تعجيزه فسخ الكتابة. قلت: لا يحتاج تطويل عظيم بل الأوجه عجز على بناء الفاعل من الثلاثي؛ لأن هذا الكلام مترتب على ثبوت العجز قبل هذا فكان هذا مطاوع لذلك العقل المتعدي، أعني التعجيز السابق، فكأن قائلا يقول إذا عجز المكاتب بحكم الحاكم أو برضاه كيف يكون حكمه، فقال وإذا عجز عاد إلى الرق فافهم. م: (لانفساخ الكتابة، وما كان يده من الأكساب فهو لمولاه؛ لأنه ظهر أنه كسب عبده، وهذا) ش: أي وجه الظهور. م: (لأنه) ش: أي لأن الكسب م: (كان موقوفا عليه أو على مولاه) ش: لأنه إن أدى بدل الكتابة فهو له وإلا فلمولاه م: (وقد زال التوقف) ش: بالعجز. [الحكم لو مات المكاتب وله مال] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن مات المكاتب وله مال لم تنفسخ الكتابة وقضى ما عليه) ش: أي من بدل الكتابة م: (من ماله وحكم بعتقه في آخر جزء من أجزاء حياته وما بقي) ش: من ماله بعد أداء بدل الكتابة م: (فهو ميراث لورثته ويعتق أولاده) ش: أي المولودون في الكتابة وكذا المشترون فيها. م: (وهذا قول علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن قابوس بن أبي المحارق - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن ابنه قال: بعث علي محمد بن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على مصر فكتب إليه يسأله عن مكاتب مات وترك مالا وولدا، فكتب إليه إن كان ترك مكاتبه يدعى مواليه فيستوفون، وما بقي كان ميراثا لولده. ورواه عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري وإسرائيل عن سماك مثل ذلك. فإن قلت: أخرجه البيهقي في سننه من طريق الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنا عبد الله ابن الحارث عن ابن جريج. قلت: لعطاء المكاتب يموت وله ولد أحرار ويدعي أكثر مما بقي عليه من كتابته، قال: يقضى عنه ما بقي وما فضل فلبنيه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 445 وبه أخذ علماؤنا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تبطل الكتابة ويموت عبدا وما تركه لمولاه، وإمامه في ذلك زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولأن المقصود من الكتابة عتقه وقد تعذر إثباته فتبطل، وهذا لأنه لا يخلو إما أن يثبت بعد الممات مقصورا أو يثبت قبله أو بعده مستندا لا وجه إلى الأول   [البناية] قلت: أبلغك هذا عن أحمد، قال زعموا أن عليا كان يقضي به وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا أدري أثبت عنه أم لا. قلت: هذا ثابت عن علي كما ذكرناه والحسن. وقال مالك نحوا من ذلك وقال ابن حزم: وبه يقول معبد والحسن وابن سيرين والنخعي والشعبي وعمرو بن دينار والثوري وأبو حنيفة والحسن بن حي وإسحاق بن راهويه. وأما قول ابن مسعود فرواه البيهقي من حديث محمد بن سالم عن الشعبي قال كان عبد الله يقول يؤدي إلى مواليه ما بقي عليه من مكاتبة ولورثته ما بقي. م: (وبه) ش: أي بقول علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (أخذ علماؤنا، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تبطل الكتابة ويموت) ش: أي المكاتب م: (عبدا وما تركه لمولاه) ش: وبه قال أحمد وقتادة وأبو سليمان وعمر بن عبد العزيز. وقال الأترازي: وبه قال النخعي والشعبي. قلت: قد ذكرناه عن ابن حزم آنفا أنه ذكر النخعي والشعبي فيمن قال بقولنا، م: (وإمامه) ش: أي إمام الشافعي. م: (في ذلك) ش: أي فيما ذهب إليه م: (زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: رواه البيهقي من حديث محمد بن سالم عن الشعبي قال: كان زيد يقول: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم لا يرث ولا يورث. م: (ولأن المقصود من الكتابة) ش: هذا استدلال بالمعقول، تقريره: أن المقصود من الكتابة م: (عتقه) ش: أي عتق المكاتب م: (وقد تعذر إثباته) ش: أي إثبات العتق؛ لأن الميت المكاتب ليس بمحل للعتق م: (فتبطل) ش: أي الكتابة. م: (وهذا) ش: إشارة إلى بيان بطلان العتق م: (لأنه) ش: أي لأن العتق م: (لا يخلو إما أن يثبت بعد الممات مقصورا) ش: أي على ما بعد الموت م: (أو يثبت قبله) ش: أي قبل الموت م: (أو بعده مستندا) ش: أي أو يثبت بعد الموت حال كونه مستندا إلى حال حياته، فهذا ثلاثة أحوال كلها باطلة. أشار إليه بقوله: م: (لا وجه إلى الأول) ش: وهو أن يثبت بعد الممات مقصودا م: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 446 لعدم المحلية، ولا إلى الثاني لفقد الشرط وهو الأداء، ولا إلى الثالث لتعذر الثبوت في الحال، والشيء يثبت ثم يستند. ولنا أنه عقد معاوضة ولا يبطل بموت أحد المتعاقدين وهو المولى، فكذا بموت الآخر، والجامع بينهما الحاجة إلى إبقاء العقد لإحياء الحق، بل أولى؛ لأن حقه آكد من حق المولى حتى لزم العقد في جانبه والموت أنفى للمالكية منه للمملوكية   [البناية] (لعدم المحلية) ش: لأن الميت ليس بمحل لإنشاء العتق، ولا بد له من محل. م: (ولا إلى الثاني) ش: أو إلى قضاء الثاني وهو أن يثبت العتق قبل الموت م: (لفقد الشرط، وهو الأداء) ش: لأن المعلق بالشرط لا يسبق الشرط وإلا يلزم وجود المشروط. قيل: وجود الشرط وهذا بخلاف موت المولى، فإن العقد يبقى ويعتق بالأداء إلى ورثته؛ لأن المولى ليس بمعقود عليه، بل هو عاقد والعقد يبطل بهلاك المعقود عليه لا بموت العاقد. م: (ولا إلى الثالث) ش: أي ولا وجه أيضا إلى الثالث، وهو أن يثبت العتق بعد الممات يستند إلى حال حياته؛ لأن الشيء يثبت في الحال ثم يستند وهذا الشيء لم يثبت بعد، وهو معنى قوله م: (لتعذر الثبوت في الحال) ش: أي ثبوت العتق م: (والشيء يثبت ثم يستند) ش: هذا لم يثبت فلم يستند م: (ولنا أنه) ش: أي أن عقد الكتابة م: (عقد معاوضة) ش: احترز به عن النكاح والوكالة ونحوهما م: (ولا يبطل بموت أحد المتعاقدين وهو المولى) ش: فالكتابة لا تبطل بموت المولى م: (فكذا بموت الآخر) ش: وهو المكاتب م: (والجامع بينهما) ش: أي بين موت المولى وموت المكاتب في عدم البطلان. م: ( الحاجة إلى إبقاء العقد لإحياء الحق ) ش: يعني إذا جاز إبقاء العقد بعد موت المولى لحاجته إليه ليصل إلى مقصوده وهو الولاء، فكذا يجوز إبقاء العقد بعد موت المكاتب لحاجته ليصل إلى مقصوده، وهو شرف الحرية م: (بل أولى) ش: أي بل إبقاء العقد في جانب المكاتب أولى م: (لأن حقه) ش: أي حق المكاتب، م: (آكد من حق المولى، حتى لزم العقد في جانبه) ش: حتى لو أراد المولى أن يبطله ليس له ذلك، بخلاف المكاتب , فإن الذي استحق المولى من قبله ليس بلازم، حتى لو عجز نفسه يبطل حقه، فإذا لم يبطل حق المولى بموته فحق المكاتب. وأنه ألزم أولى أن لا تبطل. قيل: قوله ولا يجوز أن يكون جوابا عما يقال ليس موت المكاتب كموت العاقد؛ لأن العقد يبطل بموت المعقود عليه وهو المكاتب دون العاقد، وجهه ما بيناه آنفا. م: (والموت أنفى) ش: بالنون والفاء من النفي، وهو صيغة افعل للتفضيل م: (للمالكية منه) ش: أي من الموت م: (للمملوكية) ش: أراد أن موت المكاتب؛ لأن بقاء الكتابة تنتقل من صرف المكاتب إلى المالكية والمعتقة، وهي عبارة عن القادرية والفاعلية ومن طرف المكاتب إلى المملوكية وهي عبارة عن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 447 فينزل حيا تقديرا، أن يستند الحرية باستناد سبب الأداء إلى ما قبل الموت، ويكون أداء خلفه كأدائه   [البناية] المقدورية والمفعولية والموت آنفا للقادرية والفاعلية منه للمقدورية والمفعولية، إذ القادرية لا تجتمع مع الموت والمقدورية تجتمع معه. ولما أسقط الشرع اعتبار أقوى المناقضين في فصل موت المكاتب لحاجة العبد لا حصول شرف الحرية وحاجة المالك إلى ما يتعلق بالمعتقية من الآثار والأحكام، فلأن يسقط اعتبار أدنى المناقضين كان ذلك أولى، أو نقول المالكية قدرة المملوكية عجز، والموت عجز أيضا، فالمنافاة بين القدرة والعجز والتحقيق هاهنا أن الإجماع انعقد على جعل المولى معتقا بعد موته بالطريق الأولى؛ لأن الإعتاق فعل، وكونه معتقا وصف وليس بفعل، والموت ينافي الأفعال ولا ينافي الصفات، فإذا جعل معتقا بعد الموت كان جعل المكاتب معتقا بالطريق الأولى. م: (فينزل حيا تقديرا) ش: إذا كان الأمر كذلك ينزل المكاتب حيا تقديرا، وهذا جواب عن الترديد الذي ذكره الخصم. تحريره أن ثبوت الحرية على كل طريق ممكن ولا يلزم الفساد؛ لأنه لو ثبت الحرية بعد الموت ينزل حيا كما ينزل الميت في حق بقاء التركة، على حكم ملكه فيما إذا كان عليه دين مستغرق. وفي حق التجهيز والتكفين وتنفيذ الوصايا في الثلث لو ثبت قبل الموت تستند الحرية مع إسناد سببها، وهو معنى قوله م: (أو يستند الحرية) ش: وفي بعض النسخ أو يسند الحرية م: (باستناد سبب الأداء) ش: الذي هو عقد الكتابة م: (إلى ما قبل الموت) . ش: فإن قيل: يلزم تقديم المشروط على الشرط. أجاب المصنف: بقوله م: (ويكون أداء خلفه كأدائه) ش: فلا يلزم من ذلك ولا يتوهم أن العتق يتقدم على الأداء، بل يقدر الأداء قبل العتق. فإن قيل: الأداء فعل حسي، والإسناد إنما يكون في التصرفات الشرعية. أجيب: نعم فعل النائب مضاف إلى المنوب، وهذه الإضافة وشريعته من رمى صياد فمات الرامي قبل أن يصيب ثم أصاب صار مالكا له ويورث عنه، والميت ليس بأهل. ولكن لما صح السبب والملك يجب بعد تمام السبب فالملك وتمامه بالإضافة إلى آخر من أجزاء حياته فكذا هاهنا لما كان السبب منعقدا وهو عقد الكتابة والعتق موقوف على الأداء، والأداء جائز بعد الموت. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 448 وكل ذلك ممكن على ما عرف تمامه في الخلافيات   [البناية] والحكم هو وقوع العتق مما يمكن إثباته من حين الموت كالملك، ثم حكمنا بعتقه في آخر جزء من أجزاء حياته إما بأن يقام الترك الموجود في أجزاء حياته مقام التخلية من المال والمولى وهو الأداء المستحق عليه، أو يكون أداء خلفه كأدائه. توضيح هذا: أنه متى غلب على ظنه الموت وظهرت أماراته وانقطع رجاء الحياة يكون الظاهر أنه يخلي بين المال والمولى ليصل بذلك إلى شرف حرية نفسه، وحرية أولاده وسلامة أكسابه. فعلم من ذلك أن الإشراف على الموت سبب لأداء المال، فإذا أدى خلفه عنه استند الأداء إلى ما قبل الموت، فصار كأنه أداه بنفسه، ويكون المراد من قوله بإسناد سبب الأداء، أي بإسناد هو الأداء لا العقد، إذ لو أريد من سبب الأداء العقد لاستند الأداء إلى زمان العقد وليس كذلك، بل الاستناد إلى ما قبيل الموت. ولو أريد بالسبب الموت فله وجه أيضا؛ لأنا إنما نثبت الإسناد بالضرورة وهي تندفع بالاستناد إلى ما قبيل الموت. فلا تستند إلى أول العقد، هذا ما قرره شيخ تاج الشريعة - رحمهما الله -. فإن قيل، لو قذفه قاذف بعد إذا أبدل الكتابة في حياته يحد قاذفه، ولو حكم بحريته في آخر حياته ينبغي أن يحد قاذفه والحال أنه لا يحد. قلنا: تثبت الحرية في آخر حياته لضرورة حاجته إليها، والثابت بالضرورة لا يعدي موضعها، فلا تظهر في حق أخصائه، فلا يحد قاذفه، مع أن الحدود تدرأ بالشبهات، والحرية هاهنا تثبت مع الشبهة، وما يثبت الاستناد يثبت من وجه. م: (وكل ذلك ممكن) ش: والإشارة إلى ما ذكره من قوله وينزل حيا، وقوله أو يستند الحرية ... إلى آخره، ويكون أداء خلفه كأدائه م: (على ما عرف تمامه) ش: أي تمام أصل هذا الخلاف م: (في الخلافيات) ش: أراد بها نسخ الخلافيات، فإن المحققين من أصحابنا المتقدمين صنفوا نسخا مشتملة على المسائل الفقهية الخلافية، وطريقة الخلاف. وذكروا فيها كثيرا من المسائل الخلافية، غير أنهم ما ذكروا من مسائل المكاتب إلا هذه المسألة وحدها. وقد قال صاحب " العناية ": عليك باستحضار القواعد الأصولية لاستخراج ما يحتاج إليه القياس، فإن تعذر ذلك فراجع إلى الأصول الجدلية بادعاء إضافة الحكم إلى المشترك وسد طريق ما يرد من ورده وادعى الإضافة إلى المختص في هذا الموضع وأمثاله، فإن يسر الله الجزء: 10 ¦ الصفحة: 449 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عليك ذلك يقبض من عنده بعد الجثو على الركب بحضرة المحققين، فذلك الفوز العظيم قدره، وإلا فإياك ودعوى معرفة الهداية، فتكون من الجهلة الذين ظهر عند ذوي التحصيل عذرهم فألحق بالآخرين الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا انتهى كلامه. فنقول - وبالله التوفيق -: المدعي هاهنا أن موت المكاتب لا يوجب الفسخ؛ لأن موت المولى لا يوجبه، فكذا موت المكاتب؛ لأن العدم في الصورة الاتفاقية ثابت بالإجماع، فكذا في النزاعية بالقياس عليه؛ لأن العدم في الاتفاقية إنما كان لتحصيل المصالح المتعلقة بالعقد بشهادة المناسبة، فكذا في النزاعية وهي الإضافة في الدعوى، فإن منع حققها في تلك الصورة. أجيب: إنما هي محققة فيها، فإن المسألة المتعلقة بالعقد أمور مطلوبة، فإن منع المطلوبة أجيب بأنه مكابرة؛ لأنها هي المطلوبة في التحقيق عند العقلاء، فإن كان عاقلا لو خير بين أن يحصل المصالح المتعلقة بالعقد وبين أن لا يحصل فإنه كان يختار الحصول على عدم الحصول. فإن قيل: الأصل في الحكم في الأصل أن لا يضاف إلى المشترك لرجحانه. أجيب: بأن الحكم يضاف إلى ما هو اللازم فيهما أو في الفرع على تقدير اللزوم في الأصل، وأنه هو المشترك بينهما. تحقيقه أن الحكم في الأصل أن يضاف إلى المشترك؛ لأنه يضاف إليه أو إلى ما يحقق الإضافة إليه، يعني تحقق إضافة إلى الإضافة إلى المشترك لقيام الدليل على كل واحد منهما وهو المناسبة. فأما ما كان يكون مضافا إلى المشترك فإذا ثبت هذا نقول العدم في الاتفاقية يدل على أحد الأمرين، أحدهما المشترك بين الوجوبين، وهو كون الوجوب محصلا للمصالح المتعلقة بالعقد لا يكون عنه أصلا. يعني لا في الأصل وهو الصورة الاتفاقية، ولا في الفرع وهو الصورة النزاعية. والثاني المشترك بين العدمين وهو المانع عن الوجوب قطعا، فإنه إذا لم يتحقق أحدهما يلزم الوجوب في الاتفاقية بالمقتضى السالم عن المعارضين القطعيين، أحدهما مانعة المشترك بين العدمين، معاوضة للمقتضى للوجوب. وأما بيان الأمرين فلأنها تقتضي العدم لأن المشترك بين العدمين إذا كان مانعا فيهما كان العدم في الاتفاقية ثابتا. وأما كون شمول العدم معارضا للمقتضى للوجوب الظاهر، وأما بيان سلامة المقتضى على تقدير عدم الأمرين فإنهما منتفيان على هذا التقدير. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 450 وقال: وإن لم يترك وفاء وترك ولدا مولودا في الكتابة سعى في كتابة أبيه على نجومه، فإذا أدى حكمنا بعتق أبيه قبل موته وعتق الولد؛ لأن الولد داخل في كتابته وكسبه ككسبه، فيخلفه في الأداء، وصار كما إذا ترك وفاء وإن ترك ولدا مشترى في الكتابة قيل له: إما أن تؤدي بدل الكتابة حالة أو ترد رقيقا قال: وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأما عندهما يؤديه إلى إجله اعتبارا بالولد المولود في الكتابة، والجامع أنه مكاتب عليه تبعا له، ولهذا يملك المولى إعتاقه، بخلاف سائر أكسابه.   [البناية] أما انتفاء مانعية المشترك فظاهر، وأما انتفاء شمول العدم فلانتفاء لازمه وهو عدم علية المشترك من لوازم شمول العدم من لوازم علية المشترك بالضرورة أن المشترك بين الوجوبين إذا كان علة راجحة للوجوب في إحدى الصورتين يلزم الوجوب في الأخرى عملا بالعلة الراجحة فيلزم شمول العدم، فثبت أن العدم في النزاعية من لوازم أحد الأمرين، فيكون العدم في الاتفاقية مستلزما لأحدهما بالضرورة ودليل على الآخر والحال أن العدم في الاتفاقية مستلزما لأحدهما بالضرورة، ودليل على الآخر والحال أن العدم في الاتفاقية ثابتة بالإجماع فيلزم أحد الأمرين، فأيهما لزم يلزم المدعي وهو العدم في النزاعية، فافهم. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن لم يترك وفاء) ش: أي ما يؤدي به بدل الكتابة م: (وترك ولدا مولودا في الكتابة سعى في كتابة أبيه على نجومه) ش: وهذا بالاتفاق لدخوله في كتابته م: (فإذا أدى حكمنا بعتق أبيه قبل موته وعتق الولد) ش: أي حكمنا بعتق الولد أيضا م: (لأن الولد داخل في كتابته وكسبه ككسبه، فيخلفه في الأداء، وصار) ش: أي حكم هذا م: (كما إذا ترك وفاء) ش: يعني لو ترك وفاء كان يعطي بدل الكتابة منه ويحكم بعتقه في آخر جزء من أجزاء حياته ويعتق ولده أيضا. م: (وإن ترك ولدا مشترى في الكتابة قيل له إما أن تؤدي بدل الكتابة حالة أو ترد رقيقا قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا) ش: يعني هذا الحكم المذكور في الولد المشترى م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأما عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (يؤديه إلى أجله اعتبارا بالولد المولود في الكتابة) ش: أي قياسا عليه م: (والجامع) ش: أي المعني الجامع بين المقيس والمقيس عليه م: (أنه مكاتب عليه) ش: أي أن الولد المشترى مكاتب على أبيه المكاتب م: (تبعا له) ش: أي حال كونه تابعا لأبيه م: (ولهذا) ش: أي لأجل كونه تبعا له م: (يملك المولى إعتاقه) ش: أي إعتاق الولد المشترى في الكتابة، وهذا الاستدلال على أن المشترى في الكتابة كالمولود فيها م: (بخلاف سائر أكسابه) ش: فإن المولى لا تصرف له في أكسابه، ولهذا لا يقدر على إعتاق عبده، وبقولهما قال مالك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 451 ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الفرق بين الفصلين أن الأجل يثبت شرطا في العقد فيثبت في حق من دخل تحت العقد والمشترى لم يدخل؛ لأنه لم يضف إليه العقد ولا يسري حكمه إليه لانفصاله، بخلاف المولود في الكتابة؛ لأنه متصل وقت الكتابة فيسري الحكم إليه، وحيث دخل في حكمه سعى في نجومه، فإن اشترى ابنه ثم مات وترك وفاء ورثه ابنه؛ لأنه لما حكم بحريته في آخر جزء من أجزاء حياته يحكم بحرية ابنه في ذلك الوقت؛ لأنه تبع لأبيه في الكتابة، فيكون هذا حرا يرث عن حر، وكذلك إن كان هو وابنه مكاتبين كتابة واحدة؛ لأن الولد إن كان صغيرا فهو تبع لأبيه، وإن كان كبيرا جعلا كشخص واحد، فإذا حكم بحرية الأب يحكم بحريته في تلك الحالة على ما مر. قال: وإن مات المكاتب وله ولد من حرة وترك دينا وفاء بمكاتبته   [البناية] م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الفرق بين الفصلين) ش: يعني فصل الولد المشترى في الكتابة وفصل الولد المولد فيها م: (أن الأجل يثبت شرطا في العقد فيثبت في حق من دخل تحت العقد والمشترى) ش: أي الولد المشترى م: (لم يدخل) ش: أي في العقد م: (لأنه لم يضف إليه العقد ولا يسري حكمه إليه) ش: أي حكم العقد إلى الولد م: (لانفصاله) ش: أي لكونه منفصلا وقت العقد لا تبعا له. م: (بخلاف المولود في الكتابة؛ لأنه متصل) ش: أي لكونه متصلا به م: (وقت الكتابة، فيسري الحكم إليه، وحيث دخل في حكمه سعى في نجومه) ش: أي حيث دخل الولد المولود في الكتابة في حكم عقد الكتابة سعى في نجوم والده المكاتب. م: (فإن اشترى ابنه ثم مات) ش: ذكر تفريعا على مسألة القدوري، وهو من مسائل الجامع الصغير م: (وترك وفاء ورثه ابنه؛ لأنه لما حكم بحريته في آخر جز من أجزاء حياته، يحكم بحرية ابنه في ذلك الوقت؛ لأنه تبع لأبيه في الكتابة، فيكون هذا حرا يرث عن حر، وكذلك) ش: الحكم م: (إن كان هو وابنه مكاتبين كتابة واحدة) ش: قيد به؛ لأنه لو كانا مكاتبين كل واحد بعقد على حدة لا يرثه ابنه، كذا ذكره المحبوبي م: (لأن الولد إن كان صغيرا فهو تبع لأبيه، وإن كان كبيرا جعلا كشخص واحد، فإذا حكم بحرية الأب يحكم بحريته) ش: أي بحرية الولد في حال حرية الأب م: (في تلك الحالة) ش: يعني آخر جزء من أجزاء حياته م: (على ما مر) ش: من استناد الحرية باستناد سبب الأداء إلى ما قبل الموت. [مات وله ولد من حرة وترك دينا وفاء بمكاتبته ثم جنى الولد] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإن مات المكاتب وله ولد من حرة وترك دينا وفاء بمكاتبته) ش: أي ترك دينا على الناس فيه وتأييد الكتابة إنما قال دينا؛ لأنه لو كان عينا لا يتأتى القضاء بالإلحاق بالأم، إذ يمكن الوفاء في الحال. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 452 فجنى الولد فقضى به على عاقلة الأم لم يكن ذلك قضاء بعجز المكاتب؛ لأن هذا القضاء يقرر حكم الكتابة؛ لأن من قضيتها إلحاق الولد بموالي الأم وإيجاب العقل عليهم، لكن على وجه يحتمل أن يعتق فيجر الولاء إلى موالي الأب والقضاء بما يقرر حكمه لا يكون تعجيزا. وإن اختصم موالي الأم وموالي الأب في ولائه فقضى به لموالي الأم فهو قضاء بالعجز؛ لأن هذا الاختلاف في الولاء مقصود، وذلك يبتنى على بقاء الكتابة وانتقاضها، فإنها إذا فسخت مات عبدا واستقر الولاء على موالي الأم، وإذا بقيت واتصل بها الأداء مات حرا وانتقل الولاء إلى موالي الأب، وهذا فصل مجتهد فيه فينفذ ما يلاقيه من القضاء، فلهذا كان تعجيزا   [البناية] قال السغناقي: ذكر هذه المسألة والتي بعدها وهي قوله: فإن اختصم موالي الأم إلى آخره لبيان الفرق بينهما م: (فجنى الولد فقضى به) ش: أي بأرش الجناية أو بموجب الجناية م: (على عاقلة الأم لم يكن ذلك قضاء بعجز المكاتب؛ لأن هذا القضاء يقرر حكم الكتابة) ش: وكل ما يقرر شيئا لا يبطله م: (لأن من قضيتها) ش: أي قضية الكتابة م: (إلحاق الولد بموالي الأم وإيجاب العقل عليهم) ش: فلا ينافي القضاء على عاقلها كون الأب مكاتبا. م: (لكن على وجه) ش: يعني استلزام الكتابة إلحاق الولد بموالي الأم وإيجاب العقل عليهم على وجه م: (يحتمل أن يعتق) ش: المكاتب م: (فيجر الولاء إلى موالي الأب) ش: لأن الولاء كالنسب، والنسب إنما يثبت من قوم الأم عند تعذر إثباته من الأب، حتى لو ارتفع المانع من إثباته منه كما إذا كذب الملاعن نفسه عاد النسب إليه، فكذلك الولاء، فكان إيجاب العقل من لوازمها وثبوت اللازم ثبوت ملزومه م: (والقضاء بما يقرر حكمه) ش: أي حكم عقد الكتابة م: (لا يكون تعجيزا) ش: لأن كل ما يقرر شيئا لا يبطله لئلا يعود على موضوعه بالنقض. م: (وإن اختصم موالي الأم وموالي الأب في ولائه) ش: هذه هي المسألة الثانية، صورتها مات هذا الولد بعد الأب واختصم موالي الأب وموالي الأم، فقال موالي الأم مات رقيقا والولاء لنا، وقال موالي الأب مات حرا والولاء لنا م: (فقضى به) ش: أي بولايته م: (لموالي الأم فهو قضاء بالعجز) ش: فتفسخ الكتابة اقتضاء م: (لأن هذا الاختلاف في الولاء مقصود) ش: لأن كلا من الفريقين قصدهم الولاء م: (وذلك يبتنى على بقاء الكتابة وانتقاضها، فإنها إذا فسخت مات عبدا، واستقر الولاء على موالي الأم، وإذا بقيت) ش: أي الكتابة م: (واتصل بها الأداء مات حرا وانتقل الولاء إلى موالي الأب، وهذا) ش: أي بقاء الكتابة وانتقاضها م: (فصل مجتهد فيه) ش: لما ذكرنا أن في مذهب زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الكتابة تنفسخ لموت المكاتب، فإذا كان كذلك م: (فينفذ ما يلاقيه من القضاء) ش: لأن صيانة القضاء المجمع عليه أولى من إمضاء كتابته، واختلف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في بقائها. م: (فلهذا) ش: أي فلأجل نفوذ القضاء م: (كان تعجيزا) ش: فتفسخ الكتابة قبل فسخ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 453 قال: وما أدى المكاتب من الصدقات إلى مولاه ثم عجز فهو طيب للمولى لتبدل الملك، فإن العبد يتملكه صدقة والمولى عوضا عن العتق   [البناية] الكتابة معنى على نفوذ القضاء ولزومه، وذلك لصيانة القضاء عن البطلان، وفي صيانته بطلان ما يجبر عليه وهو الكتابة رعاية لحق المكاتب وليس أحد البطلانين أرجح. أجيب: بما ذكرنا آنفا من أن صيانة القاضي .... إلى آخره. ثم اعلم أن في مسألة الإرث إذا ظهر للولد ولاء من قبل الأب عند أداء البدل، فهو إلى الأم لا يرجعون بما عقلوا من جناية الولد في حياة المكاتب على موالي الأب؛ لأنه إنما حكم بعتقه في آخر جزء من أجزاء حياته فلا يستند عتقه إلى أول عقد الكتابة، فكان موالي الأم عند حياته مواليه حقيقة، فلم يرجعوا بما عقلوا، إنما يرجعون بما عقلوا عن جناية بعد موت الأب قبل أداء البدل؛ لأن عتق الأب لما استند إلى حال حياته بين أن ولاءه كان لموالي الأب في ذلك الوقت، وموالي لا يجبرون على الأداء فيرجعون بما أدوا. وذكر التمرتاشي هذا الذي ذكرنا فيما إذا مات عن وفاء، فإن مات لا عن وفاء قال الإسكاف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تنفسخ الكتابة، حتى لو تطوع إنسان بأداء بدل الكتابة لا يقبل منه. وقال أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تنفسخ ما لم يقض بعجزه، حتى لو تطوع قبل القضاء يقبل منه. [حكم ما أدى المكاتب من الصدقات إلى مولاه] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وما أدى المكاتب من الصدقات إلى مولاه) ش: أراد أن المكاتب إذا أخذ شيئا من الزكاة وأداه إلى مولاه من بدل الكتابة م: ثم عجز) ش: أي عن الكتابة م: (فهو طيب للمولى لتبدل الملك) ش: أي لتغير الملك بتغير السبب م: (فإن العبد يتملكه صدقة) ش: أي حال كونه صدقة م: (والمولى عوضا عن العتق) ش: أي يتملكه المولى حال كونه عوضا عن العتق، وفي بعض النسخ عوضا عن العين. فإن قلت: إن ملك الرقبة للمولى فإنه يتبدل الملك. قلت: إن ملك الرقبة للمولى مقلوب في مقابلة ملك السيد، ولهذا التصرف للمكاتب لا للمولى، وله أن يمنع المولى من التصرف وبالعجز يصير الأمر على العكس، فكان تبدلا وقد نظر صاحب العناية فيه بأن قال لا نسلم أن ذلك تبدل، ولئن كان فلا نسلم أن مثله بمنزلة تبدل العين، ولعل أن يقال المولى لم يكن له ملك يد قبل العجز وحصل به فكان تبدلا. قلت: أول كلامه منع مجرد، والثاني دعوى بلا برهان. وقوله ولعل الأولى فيه نظر؛ لأنه لم يكن له ملك يد فله ملك رقبة، وليس المراد منه التبدل حقيقة بأن يراد تبدل الذات، وإنما المراد التبدل الحكمي فافهم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 454 وإليه وقعت الإشارة النبوية في حديث بريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «هي لها صدقة ولنا هدية» . وهذا بخلاف ما إذا أباح للغني والهاشمي؛ لأن المباح له يتناوله على ملك المبيح فلم يتبدل الملك، فلا نطيبه، ونظيره المشتري شراء فاسدا إذا أباح لغيره لا يطيب له ولو ملكه يطيب، ولو عجز قبل الأداء إلى المولى فكذلك الجواب، وهذا عند محمد - رحمه الله - ظاهر؛ لأن بالعجز يتبدل   [البناية] م: (وإليه) ش: أي وإلى التبدل ويحل بعد التبدل م: (وقعت الإشارة النبوية في حديث بريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هي لها صدقة ولنا هدية) ش: يروى عنها قالت: «جاءتني بريرة فقالت: إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني، قالت: إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالس فقالت: إني قد عرضت ذلك عليهم قالوا: إلا أن يكون الولاء لهم. فسمع ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، فقال: " خذيها واشترطي الولاء فإنما الولاء لمن أعتق " ففعلت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ثم قام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الناس فحمد الله ثم قال: " أما بعد فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله حق وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق» . وأخرج البخاري ومسلم أيضا «ودخل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبرمته على النار فقرب إليه خبزا وإدام من أدم البيت فقال: " لم أر البرمة " فقيل لحم تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة، قال: " هو لها صدقة ولنا هدية ".» م: (وهذا) ش: أي الحكم المذكور م: (بخلاف ما إذا أباح للغني والهاشمي) ش: أي بخلاف ما إذا أباح الفقير ما أخذه من مال الزكاة لغني أو هاشمي فإنه لا يباح لهما م: (لأن المباح له يتناوله على ملك المبيح فلم يتبدل الملك فلا نطيبه) ش: فلم يتبدل سبب الملك، ولهذا ليس للضيف أن يعطي شيئا مما تقدم عليه؛ لأنه لم يصر ملكا حتى يتولى الإعطاء إلى الغير. م: (ونظيره) ش: أي نظير ما ذكر م: (المشتري شراء فاسدا) ش: بأن اشترى رجل طعاما مأكولا بيعا فاسدا م: (إذا أباح لغيره لا يطيب له) ش: أي لا يطيب للغير تناوله؛ لأن في الأولى الملك غير مستقر لوجود الفسخ، بخلاف الثاني م: (ولو ملكه يطيب) ش: بأن باعه بيعا صحيحا أو وهبه حل له التناول. م: (ولو عجز قبل الأداء إلى المولى) ش: أي ولو عجز المكاتب عن الكتابة قبل أداء ما أخذه من الزكاة إلى المولى م: (فكذلك الجواب) ش: يعني أنه طيب للمولى على الصحيح م: (وهذا) ش: أي وكون هذا طيبا قبل الأداء أيضا م: (عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظاهر؛ لأن بالعجز يتبدل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 455 الملك عنده، وكذا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن كان بالعجز يتقرر ملك المولى عنده؛ لأنه لا خبث في نفس الصدقة، وإنما الخبث في فعل الأخذ لكونه إذلالا به فلا يجوز ذلك للغني من غير حاجة، وللهاشمي لزيادة حرمته، والأخذ لم يوجد من المولى فصار كابن السبيل إذا وصل إلى وطنه، والفقير إذا استغنى وقد بقي في أيديهما ما أخذا من الصدقة حيث يطيب لهما، وعلى هذا إذا أعتق المكاتب واستغنى يطيب له ما بقي من الصدقة في يده. قال: وإذا جنى العبد فكاتبه مولاه ولم يعلم بالجناية ثم عجز فإنه يدفع أو يفدي؛ لأن هذا. موجب جناية العبد في الأصل ولم يكن عالما بالجناية عند الكتابة، حتى يصير مختارا للفداء، إلا أن الكتابة مانعة من الدفع، فإذا زال   [البناية] الملك عنده) ش: بقيد الملك، فإن عند المكاتب إذا عجز ملك المولى إكسابه ملكا مبتدأ، وهذا وجب نقض الإجارة في المكاتب إذا أجر أمته ظئرا ثم عجز م: (وكذا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي وكذا يطيب له عند أبي يوسف أيضا. م: (وان كان بالعجز يتقرر ملك المولى عنده) ش: فإن للمولى نوع ملك في إكسابه وبالعجز يتأكد ذلك الحق، يصير المكاتب فيما مضى كالعبد المأذون، ولهذا إذا أجر المكاتب أمته ظئرا ثم عجز لا يوجب فسخ الإجارة م: (لأنه لا خبث في نفس الصدقة) ش: وإلا لما فارقها أصلا م: (وإنما الخبث في فعل الأخذ لكونه إذلالا به) ش: أي بالأخذ م: (فلا يجوز ذلك) ش: أي الإذلال والهوان م: (للغني من غير حاجة، وللهاشمي لزيادة حرمته والأخذ لم يوجد من المولى فصار كابن السبيل إذا وصل إلى وطنه، والفقير إذا استغنى وقد بقي) ش: أي والحال أهـ قد بقي م: (في أيديهما ما أخذا من الصدقو حيث يطيب لهما) ش: أي لابن السبيل الواصل وطنه، والفقير الذي استغنى ولهذا لو مات ابن السبيل والفقير حل لوارثهما الغني ما تركاه من الصدقة. م: (وعلى هذا) ش: أي على ما ذكرنا م: (إذا أعتق المكاتب واستغنى يطيب له ما بقي من الصدقة في يده) ش: لأن الخبث ليس في نفس الصدقة وقد قال بعض المشايخ على قول أبي يوسف لا يطيب؛ لأن المكاتب عنده لا يملك إكسابه ملكا مبتدأ وبالعجز يتأكد ذلك، والصحيح ما ذكره المصنف على الإطلاق، فلذلك بينها عليه بالصحيح. [جنى العبد فكاتبه مولاه ولم يعلم بالجناية ثم عجز] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإذا جنى العبد فكاتبه مولاه ولم يعلم بالجناية ثم عجز فإنه) ش: أي فإن المكاتب الذي عجز م: (يدفع) ش: على صيغة المجهول، أي يدفع إلى ولي الجناية م: (أو يفدي) ش: على صيغة المجهول أيضا، أراد أن المولى لا يكون مختارا م: (لأن هذا موجب جناية العبد في الأصل) ش: أي لأن هذا الحكم يعني أحد الأمرين هو مقتضى جناية العبد في أصل المسألة كما علم في بابه م: (ولم يكن) ش: أي المولى م: (عالما بالجناية عند الكتابة، حتى يصير مختارا للفداء، إلا أن الكتابة مانعة من الدفع) ش: لتعذره م: (فإذا زال) ش: أي المانع م: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 456 عاد الحكم الأصلي، وكذلك إذا جنى المكاتب ولم يقض به حتى عجز لما قلنا من زوال المانع، وإن قضى به عليه في كتابته ثم عجز فهو دين يباع فيه لانتقال الحق من الرقبة إلى قيمته بالقضاء، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، وقد رجع أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إليه، وكان يقول أولا: يباع فيه وإن عجز قبل القضاء، وهو قول زفر؛ لأن المانع من الدفع وهو الكتابة قائم وقت الجناية، فكما وقعت انعقدت موجبة للقيمة، كما في جناية المدبر وأم الولد. ولنا أن المانع قابل للزوال للتردد ولم يثبت الانتقال في الحال.   [البناية] (عاد الحكم الأصلي) ش: وهو الدفع والفداء. م: (وكذلك) ش: أي وكما مر من عود الحكم الأصلي م: (إذا جنى المكاتب ولم يقض به) ش: أي بموجب الجناية عليه م: (حتى عجز) ش: عن الكتابة، يعني يدفع أو يفدي م: (لما قلنا من زوال المانع) ش: من الدفع م: (وإن قضى به عليه في كتابته) ش: أي وإن قضى بموجب الجناية على المكاتب م: (ثم عجز فهو دين) ش: أي ما قضى به من موجب الجناية دين في ذمته. م: (يباع فيه) ش: وعند الثلاثة بالعجز يرد إلى الرق يجبر سيده، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا يباع في قيمته في الفصلين، إلا أن يقضي المولى عنه على ما يأتي الآن م: (لانتقال الحق من الرقبة إلى قيمته بالقضاء) ش: أراد انتقال الحق بالقضاء من الموجب الأصلي وهو دفع الرقبة إلى القيمة قبل زوال المانع، فإذا زال لم يعد الحكم الأصلي صيانة القضاء م: (وهذا قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقد رجع أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إليه) ش: أي إلى قولهما. م: (وكان يقول أولا: يباع فيه) ش: أي في موجب الجناية م: (وإن عجز قبل القضاء وهو قول زفر؛ لأن المانع من الدفع) ش: إلى ولي الجناية م: (وهو الكتابة قائم وقت الجناية، فكما وقعت) ش: الجناية م: (انعقدت موجبة للقيمة كما في جناية المدبر وأم الولد) ش: فإن جنايتهما موجبة للقيمة بنفس الوقوع، إلا أن حكم جناية المدبر وجوب القيمة على المولى؛ لأن كسبه له، وحكم جناية المكاتب؛ لأن كسبه ملكه. وقوله: انعقدت موجبة يشير إلى أن الواجب هو القيمة لا الأقل منها ومن أرش الجناية، وهو مخالف لما ذكر من رواية الكرخي و" المبسوط " أن الواجب هو الأول من القيمة ومن أرش الجناية، وعلى هذا يكون تأويل كلامه إذا كانت القيمة أقل من أرش الجناية. م: (ولنا أن المانع) ش: من الحكم الأصلي م: (قابل للزوال) ش: لقبول الكتابة الفسخ والزوال م: (للتردد) ش: أي لتردد المكاتب بين أن يؤدي فيعتق وبين أن يعجز فيرد إلى الرق م: (ولم يثبت الانتقال في الحال) ش: أي الانتقال عن الموجب الأصلي. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 457 فيتوقف على القضاء والرضا وصار كالعبد المبيع إذا أبق قبل القبض يتوقف الفسخ على القضاء لتردده واحتمال عوده، كذا هذا بخلاف التدبير والاستيلاد؛ لأنهما لا يقبلان الزوال بحال. قال: وإذا مات مولى المكاتب لم تنفسخ الكتابة كيلا يؤدي إلى إبطال حق المكاتب إذ الكتابة سبب الحرية وسبب حق المرء حقه، وقيل له أد المال إلى ورثة المولى على نجومه؛ لأنه استحق الحرية على هذا الوجه، والسبب انعقد كذلك، فيبقى بهذه الصفة ولا يتغير إلا أن الورثة يخلفونه في الاستيفاء   [البناية] فإن قيل: قوله ولم يثبت الانتقال عن الحال متنازع فيه؛ لأن مذهب زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن جناية المكاتب تصير مالا في الحال من غير توقف على الرضا والقضاء، فما وجب أخذه في الدليل. قلنا: ظهوره فإن التردد في زوال المانع يمنع الانتقال لإمكان عود الموجب الأصلي. م: (فيتوقف على القضاء والرضا، وصار كالعبد المبيع إذا أبق قبل القبض يتوقف الفسخ على القضاء لتردده واحتمال عوده، كذا هذا) ش: أي لحكم العبد المبيع الآبق قبل القبض حكم المكاتب المذكور م: (بخلاف التدبير والاستيلاد؛ لأنهما لا يقبلان الزوال بحال) ش: فكان الموجب في الابتداء هو القيمة. [هل تنفسخ الكتابة بموت المولى] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا مات مولى المكاتب لم تنفسخ الكتابة كيلا يؤدي إلى إبطال حق المكاتب) ش: أي العبد المكاتب م: (إذ الكتابة سبب الحرية وسبب حق المرء حقه) ش: لإفضائه إلى وصوله. الحاصل أن الحرية حق العبد، والكتابة سببها، فتكون الكتابة حقه، والحق لا يبطل بالموت كما لو كان على آخر دين ومات الآخر م: (وقيل له) ش: أي للمكاتب م: (أد المال إلى ورثة المولى على نجومه) ش: أي مؤجلا م: (لأنه استحق الحرية على هذا الوجه، والسبب انعقد كذلك فيبقى بهذه الصفة، ولا يتغير) ش: وهذا لأن المولى لما كان صحيحا صح تصرفه بتأجيل الكل كإسقاطه، بخلاف ما إذا كان مريضا وكاتب، فإن المكاتب يؤدي ثلث القيمة حالا أو يؤدي رقيقا لأنه لما كان مريضا لم يصح تصرفه بتأجيل غير الثلث كإسقاطه. فإن قلت: أين علم هاهنا أن المولى كان صحيحا. قلت: وضع المسألة على الإطلاق يدل على ذلك؛ لأن ذلك هو المطلق من الأحوال. م: (إلا أن الورثة) ش: استثناء من قوله فلا يتغير قبل، كأنه جواب عما يقال كيف لا يتغير سبب الحرية وقد كان له حق استيفاء البدل، فصار للورثة وهو نظير، فقال: إلا أن الورثة م: (يخلفونه في الاستيفاء) ش: فلا يكون تغيرا في عود الكتابة لأنها باقية، كما كانت، فكما أن في سائر الديون يخلفونه فيه ولا يسمى ذلك تغيرا فكذلك دين الكتابة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 458 فإن أعتقه أحد الورثة لم ينفذ عتقه؛ لأنه لم يملكه، وهذا؛ لأن المكاتب لا يملك بسائر أسباب الملك فكذا بسبب الوراثة، وإن أعتقوه جميعا عتق وسقط عنه بدل الكتابة؛ لأنه يصير إبراء عن بدل الكتابة فإنه حقهم، وقد جرى فيه الإرث، وإذا برئ المكاتب عن بدل الكتابة يعتق كما إذا أبرأه المولى، إلا أنه إذا أعتقه أحد الورثة لا يصير إبراء عن نصيبه؛ لأنا نجعله إبراء اقتضاء تصحيحا لعتقه، والإعتاق لا يثبت بإبراء البعض أو أدائه في المكاتب   [البناية] وقال الطحاوي في " مختصره ": ومن مات وله مكاتب كاتب المكاتبة التي على المكاتب موروثة من مولاه كما يورث عنه سائر أمواله سواها، وكان للمكاتب إذا أدى لمولاه لا لورثته. وقال الأسبيجابي في " شرحه ": المكاتب لا يورث وإنما يورث ما في ذاته من الكتابة فإن أدى وعتق يكون الولاء من الميت لا من الورثة حتى إنه يرثه المذكور من عصبة الميت دون الإناث. [هل ينفذ عتق أحد الورثة للمكاتب] م: (فإن أعتقه أحد الورثة لم ينفذ عتقه؛ لأنه لم يملكه) ش: أي لأن المعتق لم يملك المكاتب حتى يصح عتقه. وفي شرح " الأقطع ": وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينفذ عتقه، وهذا الخلاف فرع على أصل وهو أن المكاتب لا يصح بيعه ولا يصح أن يملك. وقال الشافعي - في أحد قوليه -: يجوز م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن المكاتب لا يملك بسائر أسباب الملك، فكذا بسبب الوراثة) ش: فإن لم يملك لم يصح عتقه؛ لأنه لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم م: (وإن أعتقوه جميعا) ش: أي مجتمعين م: (عتق) ش: استحسانا، والقياس أن لا يعتق هنا أيضا؛ لأنه أضيف تصرفهم إلى ما ليس بملكهم، غير أن الاستحسان جوزه فصح م: (وسقط عنه بدل الكتابة؛ لأنه) ش: أي لأن عتقهم جميعا م: (يصير إبراء عن بدل الكتابة) ش: هذا وجه الاستحسان م: (فإنه) ش: أي بدل الكتابة م: (حقهم وقد جرى فيه الإرث) ش: أي في بدل الكتابة فلهم أن يتركوا حقهم. [برئ المكاتب عن بدل الكتابة] م: (وإذا برئ المكاتب عن بدل الكتابة يعتق، كما إذا أبرأه المولى) ش: فإنه كان يسقط ويعتق، فكذلك هاهنا م: (إلا أنه إذا أعتقه أحد الورثة) ش: وهذا جواب عما يقال اجعل إعتاق أحد الورثة إبراء عن نصيبه فقال: م: (لا يصير) ش: أي إعتاق أحد الورثة، وفي بعض النسخ لا يكون م: (إبراء عن نصيبه؛ لأنا نجعله إبراء) ش: أي لأنا نجعل إعتاق الكل إبراء م: (اقتضاء) ش: أي بطريق الاقتضاء هم يجعلون غير المنطوق منطوقا لتصحيح المنطوق م: (تصحيحا لعتقه) ش: لأنه لا يتصور من الورثة إلا بهذا الطريق؛ لأنهم ما ملكوا فجعل إعتاقهم إبراء للبدل تصحيحا لتصرفهم وصونا لكلامهم عن الإلغاء. م: (والإعتاق لا يثبت بإبراء البعض) ش: أي الإعتاق لا يثبت في المكاتب بإبراء بعض بدل الكتابة م: (وأدائه) ش: أي أو أداء بعض البدل وقوله م: (في المكاتب) ش: يرجع إلى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 459 لا في البعض ولا في الكل، ولا وجه إلى إبراء الكل لحق بقية الورثة، والله أعلم.   [البناية] الصورتين م: (لا في البعض) ش: أي لا يثبت في بعض المكاتب م: (ولا في الكل) ش: أي في كل المكاتب، وفي بعض النسخ لا في بعضه ولا في كله، إن أعتقه معلق بسقوط جميع البدل، فإذا لم يكن إثبات المقتضي لا يثبت المقتضى. م: (ولا وجه إلى إبراء الكل) ش: يعنى في صورة إبراء البعض؛ لأن الكل حق الكل وهو معنى قوله م: (لحق بقية الورثة والله أعلم) ش: لأن الكل مشتركون فيه. فائدة: شرط الخيار جائز في عقد الكتابة عندنا خلافا للثلاثة. تم الجزء العاشر من البناية في شرح الهداية ويليه الجزء الحادي عشر مبتدئا بكتاب الولاء الجزء: 10 ¦ الصفحة: 460 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كتاب الولاء قال: الولاء نوعان ولاء عتاقة ويسمى ولاء نعمة، وسببه العتق على ملكه في الصحيح، حتى لو عتق قريبه عليه بالوراثة كان الولاء له وولاء موالاة، وسببه العقد، ولهذا يقال: ولاء العتاقة، وولاء الموالاة،   [البناية] [كتاب الولاء] [تعريف الولاء وأنواعه] م: (كتاب الولاء) ش: أورده عقيب المكاتب؛ لأنه من آثار زوال ملك الرقبة، قيل: الإعتاق أيضا زوال ملك الرقبة فكان ينبغي أن يذكر عقيبه. أجيب بأن فيه أثرا من آثار المكاتب وهو المرجح لإيراده هاهنا دون عقيب الإعتاق، ثم الولاء والولاية بالفتح النصرة والمحبة، إلا أنه اختص في الشرع بمولى العتق، والموالاة اشتقاقه من الولي وهو القرب، وحصل الثاني بعد الأول من غير فصل. وفي عرف الفقهاء عبارة عن تناصر يوجب الإرث والعقل. م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الولاء نوعان ولاء عتاقة) ش: أي أحدهما ولاء عتاقة، وتنوع الولاء إلى نوعين باختلاف السبب م: (ويسمى) ش: أي ولاء العتاقة م: (ولاء نعمة) ش: اقتداء بكتاب الله تعالى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] (سورة الأحزاب الآية: 37) أي أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت عليه بالإعتاق، والآية في زيد بن حارثة مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (وسببه) ش: أي سبب ولاء العتاقة م: (العتق على ملكه في الصحيح) ش: احترز بالصحيح عن قول أكثر أصحابنا حيث قالوا: إن سببه الإعتاق مستدلين بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق» وجه الصحيح ما أشار إليه بقوله م: (حتى لو عتق قريبه عليه) ش: أي على الشخص م: (بالوراثة) ش: بأن ورث ابنه وأباه م: (كان الولاء له) ش: أي للذي ورثه ولا إعتاق هنا، فعلم أن السبب هو العتق والحكم يضاف إلى سببه، يقال: ولاء العتاقة، ولا يقال ولاء العتاق. وقال الأترازي: استدلالهم بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق» ضعيف فإن من يملك القريب يعتق عليه ويثبت الولاء بإجماع أهل العلم وفيه نظر؛ لأن عندهم إذا ملك قريبه يعتق عليه، ولا يثبت الولاء لعدم الإعتاق، نص عليه تاج الشريعة وغيره، فكيف يقول: ويثبت الولاء بإجماع أهل العلم. والأوجه أن يقال: جعل العتق سببا أولى لعمومه بخلاف الإعتاق، ولأن في الإعتاق عتقا بدون عكس، والاستدلال بما فيه العموم أولى. م: (وولاء موالاة) ش: أي النوع الثاني: ولاء موالاة وسيجيء بيانه إن شاء الله تعالى م: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 3 والحكم يضاف إلى سببه والمعنى فيهما التناصر، وكانت العرب تتناصر بأشياء. وقرر النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تناصرهم بالولاء بنوعيه، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن مولى القوم منهم وحليفهم منهم»   [البناية] (وسببه) ش: أي ولاء الموالاة م: (العقد، ولهذا يقال: ولاء العتاقة وولاء الموالاة) ش: بإضافة الولاء إلى العتاقة والموالاة م: (والحكم يضاف إلى سببه) ش: كما عرف في الأصول م: (والمعنى فيهما التناصر) ش: هذا بيان مفهومهما الشرعي، أراد أن الولاء في الشرع عبارة عن التناصر، سواء كان ذلك ولاء عتاقة أو ولاء موالاة ومن آثار التناصر العقد والإرث. ثم أشار إلى بيان ذلك بقوله م: (وقد كانت العرب تتناصر بأشياء) ش: بالقرابة والصداقة والمؤاخاة والحلف والعصبية وولاء العتاقة وولاء الموالاة. م: (وقرر النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تناصرهم بالولاء بنوعيه) ش: وهما ولاء العتاقة وولاء الموالاة ثم فسر ذلك بقوله م: (فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إن مولى القوم منهم وحليفهم منهم» ش: هذا الحديث رواه أربعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: الأول رفاعة بن رافع الزرقي روى حديثه أحمد في "مسنده " وابن أبي شيبة في "مصنفه " في كتاب "الأدب" حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن أبي عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن عبد الله بن رفاعة أي رافع الزرقي عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مولى القوم منهم وابن أختهم منهم وحليفهم منهم» ومن طريق ابن أبي شيبة رواه الطبراني في "معجمه " ورواه الحاكم في "المستدرك " في تفسير سورة الأنفال، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه البخاري في كتابه المفرد في الأدب ثنا عمرو بن خالد الحراني ثنا زهير ثنا عبد الله بن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 4 والمراد بالحليف مولى الموالاة لأنهم كانوا يؤكدون الموالاة بالحلف   [البناية] عثمان به، وذكر فيه قصة ولفظه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعمر: "اجمع لي قومك" فجمعهم فلما حضروا باب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل عليه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال قد جمعت لك قومي فسمع ذلك الأنصار فقالوا قد نزل في قريش الوحي فجاء المستمع والناظر يسمعون ما يقال لهم فخرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقام بين أظهرهم فقال: "هل فكيم من غيركم"، قالوا: نعم فينا حليفنا وابن أخينا وموالينا فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "حليف القوم..» إلى آخره، ورواه أحمد أيضا ثنا عفان ثنا بشر بن المفضل ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم به. الثاني: أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - روى حديثه البزار في "مسنده " ثنا رزيق بن البخت ثنا محمد بن عمرو بن وائل عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «حليف القوم منهم وابن أخيهم منهم» . الثالث: عمرو بن عوف، روى حديثه الدارمي وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في مسانيدهم والطبراني في "معجمه " من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده عمرو بن عوف «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان قاعدا معهم فدخل بينهم ثم قال: "ادخلوا علي ولا يدخل علي إلا قرشي" قال فتسللت فدخلت فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا معشر قريش هل معكم أحد ليس منكم"، قالوا: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: معنا ابن الأخت والمولى والحليف فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ابن أخت القوم منهم وحليفهم منهم ومولاهم منهم» ومن طريق ابن أبي شيبة رواه إبراهيم الحربي في كتابه " غريب الحديث ". الرابع: عتبة بن غزوان روى حديثه الطبراني في "معجمه ": ثنا الحسن بن على العمر، ثنا عبد الملك بن بشير الشامي، ثنا عمر أبو حفص، ثنا عتبة بن غزوان عن أبيه ابن غزوان «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال يوما لقريش: "هل فيكم من ليس منكم" قالوا: ابن أختنا عتبة بن غزوان، قال: "ابن أخت القوم منهم، وحليف القوم منهم» ورواه ابن سعد في " الطبقات " أخبرنا محمد بن عمر الواقدي حدثنا إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدي عن عتبة بن غزوان فذكره، فهذه الأحاديث ترد على أبي الحسن بن الغر حيث يقول في كتابه " التنبية على مشكلات الهداية " الثابت مولى القوم منهم، وأما قوله وحليف القوم منهم فلا تعرف في كتب الحديث هذه الزيادة. م: (والمراد بالحليف مولى الموالاة لأنهم كانوا يؤكدون الموالاة بالحلف) ش: أي المراد بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وحليفهم هو مولى الموالاة» ولقائل أن يقول لا نسلم أن يكون المراد بالحليف مولى الموالاة ومن أين علم أنهم كانوا يؤكدون الموالاة بالحلف، بل الحلف أنهم كانوا يتحالفون على أن يكونوا يدا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5 قال: وإذا أعتق المولى مملوكه فولاؤه له لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق» . ولأن التناصر به فيعقله وقد أحياه معنى بإزالة الرق عنه فيرثه ويصير الولاء كالولاد،   [البناية] واحدة على من عاداهم وخالفهم ولا يفهم من ذلك عقد الموالاة. [ولاء العبد المعتق] [الولاء لمن أعتق] م: (قال) ش: أي: القدوري م: (وإذا أعتق المولى مملوكه فولاؤه له لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لما اشترت بريرة اشترط أهلها أن ولاءها لهم فسألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "أعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق» . أخرجه البخاري في المكاتب، ومسلم وأبو داود في العتق والترمذي في الولاء، والنسائي وابن ماجه في الأحكام، وأخرجه أيضا مسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال «أرادت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن تشتري جارية تعتقها فأبى أهلها إلا أن يكون لهم الولاء، فذكرت ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "لا يمنعك ذلك، فإنما الولاء لمن أعتق» . وقال عبد الحق في " الجمع بين الصحيحين " وأخرجه البخاري من حديث ابن عمر في المكاتب وفي الفرائض، وجه الاستدلال بهذا الحديث أن الحكم إذا ترتب على مشتق دل على أن المشتق منه علة لذلك. فإن قلت: الاستدلال به على هذا الوجه يناقض جعل العتق سببا؛ لأن أعتق مشتق من الإعتاق. قلت: الأصل في الاشتقاق مصدر الثلاثي وهو العتق. م: (ولأن التناصر به) ش: أي بسبب الإعتاق، أي يحصل بسببه م: (فيعقله) ش: أي إذا كان المولى ينتصر بمولاه بسبب العتق فيعلقه؛ لأنه إذا غنم بنصره يغرم عقله م: (وقد أحياه معنى) شي: أي وقد أحيا المولى مولاه من حيث المعنى م: (بإزالة الرق عنه) ش: الذي هو جزء الكفر الأصلي والكفر موت معنى والرقيق هالك حكما، ألا ترى أنه لا يثبت في حقه كثير من الأحكام التي تعلقت بالأحياء نحو القضاء والشهادة والسعي إلى الجمعة والخروج إلى العيدين وأشباه ذلك، وبالإعتاق تثبت هذه الأحكام في حقه، فكان إحياء معنى، ومن أحيا غيره معنى م: (فيرثه) ش: كالوالد م: (ويصير الولاء كالولاد) ش: فالولاد يوجب الإرث فكذلك الولاء. فإن قلت: ينبغي أن يرث المعتق من المعتق أيضا إذا لم يترك المعتق عصبة نسبية كما هو قول الحسن بن زياد. قلت: المعتق أجنبي منه وقد جاء في المعتق نص بخلاف القياس فلا يقاس عليه غيره، وذكر الإمام سراج الدين في شرح الفرائض للسراجي أن المعتق لا يرث من المعتق عند العامة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 6 ولأن الغنم بالغرم، وكذلك المرأة تعتق لما روينا «ومات معتق لابنة حمزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عنها وعن بنت فجعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - المال بينهما نصفين»   [البناية] وقال إسحاق بن راهويه والحسن بن زياد وبشر المريسي: يرث لما روي «أن رجلا مات على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يكن له وارث إلا عبدا كان أعتقه فدفع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ميراثه إليه» والصحيح قول العامة؛ لأن ذلك الحديث غير صحيح، ولئن صح فهو منسوخ بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق» ، وكذلك معارض بقول علي وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حيث قالا: لا ميراث للمعتق. م: (ولأن الغنم بالغرم) ش: أي لأن الغنيمة بالغرامة وهذا يخدم الوجهين فلذلك أخره م: (وكذا المرأة تعتق) ش: أي وكذا حكم المرأة التي تعتق، يعني ولا معتق لها. وقوله تعتق جملة وقعت حالا وليست بصفة لأنها نكرة فلا تقع صفة لمعرفة م: (لما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق» وكلمة من عامة تتناول الذكور والإناث م: «ومات معتق لابنة حمزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عنها وعن بنت فجعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المال بينهما نصفين» ش: هذا معطوف على قوله لما روينا معنى، ذكره استدلالا على ثبوت الولاء للمرأة وجميع الشراح سكتوا عن بيان أصل هذا الحديث وعن بيان اسم ابنة حمزة هذا. وعن بيان حكمه في الصحة فنقول وبالله التوفيق: هذا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجه في سننيهما في الفرائض عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن عبد الله بن شداد عن ابنة حمزة بن عبد المطلب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «مات مولى وترك ابنة له فقسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ماله بيني وبين ابنته فجعل إلي النصف ولها النصف» . ثم أخرجه النسائي عن عبد الله بن عون عن الحكم بن عتيبة عن عبد الله بن شداد أن «ابنة حمزة أعتقت مملوكا لها فمات وترك ابنته ومولاته..» الحديث، قال وهذا أولى بالصواب من الجزء: 11 ¦ الصفحة: 7 ويستوي فيه الإعتاق بمال وبغيره لإطلاق ما ذكرناه.   [البناية] حديث ابن أبي ليلى وابن أبي ليلى كثير الخطأ. وروى الدارقطني في سننه في الفرائض عن سليمان بن داود حدثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن مولى لحمزة توفي وترك ابنته وابنة حمزة فأعطى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابنته النصف ولابنة حمزة النصف» انتهى. ففي هذا الحديث السابق أن المولى لابنته وأنها التي أعتقته، ولكنه ضعيف فقد قال صاحب " التنقيح ": وسليمان بن داود هذا هو الشاذكوني وقد ضعفوه وكذبه ابن معين وغيره، وقال أبو حاتم: متروك الحديث. وقال البخاري: هو عندي أضعف من كل صعيد وأما اسم ابنة حمزة هذا فهو أمامة صرح به الحاكم في "المستدرك " فرواه في كتاب الفضائل عن ابن أبي ليلى عن الحكم بن عبد الله بن شداد وهو أخو أمامة بنت حمزة لأنها عن أخته أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب فذكره بلفظ النسائي وسكت عنه، هكذا وقع فيه اسمها أمامة، قال ابن الأثير: وهو الصحيح. وقال ابن عساكر في أطرافه لم تكن ابنة حمزة هذه أمامة، فلا أدري من هي انتهى. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الله بن شداد عن فاطمة بن حمزة بن عبد المطلب قالت: «مات مولى وترك بنته فقسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ماله بيني وبين ابنته فجعل لي النصف ولها النصف» . من طريق ابن أبي شيبة رواه الطبراني في "معجمه ". ورواه ابن أبي شيبة أيضا حدثنا عبد الله بن إدريس حدثنا أبو إسحاق الشيباني عن عبد الله بن أبي الجعد عن عبد الله بن شداد عن فاطمة بنت حمزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فذكره، ففي هذين الكتابين اسمها فاطمة ورواه أبو داود في "المراسيل " عن شعبة عن الحكم عن عبد الله بن شداد وقالوا: «أتدرون ما ابنة حمزة مني كانت أختي لأمي وإنها أعتقت مملوكا لها فتوفي وترك ابنته ومولاته، فجعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ميراثه بينهما نصفين» . وروى أبو داود أيضا في مراسيله ما يخالف هذا عن إبراهيم «قال توفي مولى لحمزة بن عبد المطلب فأعطى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنت حمزة النصف وقبض النصف» والله أعلم. م: (ويستوي فيه) ش: أي في ثبوت الولاء م: (الإعتاق بمال وبغيره) ش: أي: وبغير المال، وكذا العتق بقرابة أو كتابة عند الأداء، وتدبير أو استيلاد بعد الموت، وسواء أيضا كان العتق حاصلا ابتداء أو بجهة الواجب ككفارة اليمين وما أشبهها م: (لإطلاق ما ذكرناه) ش: يعني قوله الجزء: 11 ¦ الصفحة: 8 قال: فإن شرط أنه سائبة فالشرط باطل والولاء لمن أعتق؛ لأن الشرط مخالف للنص فلا يصح قال: وإذا أدى المكاتب عتق والولاء للمولى وإن عتق بعد موت المولى؛ لأنه عتق عليه بما باشر من السبب وهو الكتابة وقد قررناه في المكاتب، وكذا العبد الموصى بعتقه أو بشرائه وعتقه بعد موته؛ لأن فعل الوصي بعد موته كفعله والتركة على حكم ملكه   [البناية] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق» ، وما ذكره من المعنى المعقول. م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإن شرط أنه سائبة) ش: أي أن العبد يكون حرا أولا ولا بينة، من ساب الماء يسيب إذا جرى وذهب كل مذهب. قال الصغاني في " العباب ": السائبة العبد كان الرجل إذا قال لغلامه أنت سائبة فقد عتق، ولا يكون ولاؤه لمعتقه ويضع ماله حيث شاء ولا عقل بينهما، والسائبة أيضا الناقة التي كانت تسيب في الجاهلية لنذر ونحوه م: (فالشرط باطل والولاء لمن أعتق؛ لأن الشرط مخالف للنص) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أعتق م: (فلا يصح) ش: أي إذا كان مخالفا للنص، فلا يصح. وهذا مذهب جمهور العلماء، وعند أحمد لم يكن به الولاء عليه إن أعتقه سائبة، فلو أخذ من ميراثه شيئا رده في مثله. وفي المنصوص عن أحمد لو خلف مالا ولم يدع وارثا اشترى بماله رقابا فأعتقهم؛ لأن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أعتق عبدا سائبة فمات فاشترى بماله رقابا فأعتقهم. وقال مالك ومكحول وأبو العالية والزهري وعمر بن عبد العزيز يجعل ولاؤه لجماعة المسلمين، كذا فعله بعض الصحابة. [ولاء المكاتب] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا أدى المكاتب) ش: أي بدل الكتابة م: (عتق والولاء للمولى، وإن عتق بعد موت المولى؛ لأنه عتق عليه بما باشر من السبب وهو الكتابة وقد قررناه في المكاتب) ش: أي قررنا في باب الكتابة أن ولاءه لمولاه، وهو قول عامة الفقهاء. وعن عمرو بن دينار: لا ولاء على المكاتب لأنه اشترى نفسه من سيده فلم يكن عليه ولاؤه، كما لو اشتراه أجنبي، وقال مكحول: المكاتب إذا شرط ولاء مع رقبته جاز، وقال قتادة: من لم يشترط ولاء مكاتبه، فلمكاتبه أن يوالي من شاء، وللجمهور حديث بريرة وقد مضى مستقصى. م: (وكذا العبد الموصى بعتقه) ش: أي وكذا يكون ولاؤه للميت لأن العتق يقع عنه م: (أو بشرائه) ش: أي أو الموصى بشرائه م: (وعتقه بعد موته؛ لأن فعل الوصي بعد موته) ش: أي بعد موت الموصي م: (كفعله) ش: أي كفعل الموصي في حياته م: (والتركة على حكم ملكه) ش: أي على حكم ملك الموصي الميت في حق الوصية. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 9 وإن مات المولى عتق مدبروه وأمهات أولاده لما بينا في العتاق وولائهم له؛ لأنه أعتقهم بالتدبير والاستيلاد. ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه لما بينا في العتاق وولاؤه له لوجود السبب وهو العتق عليه. وإذا تزوج عبد رجل أمة لآخر فأعتق مولى الأمة الأمة وهي حامل من العبد عتقت وعتق حملها وولاء الحمل لمولى الأم لا ينتقل عنه أبدا؛ لأنه عتق على معتق الأم مقصودا إذ هو جزء منها يقبل الإعتاق مقصودا فلا ينتقل ولاؤه عنه عملا بما روينا وكذلك إذا ولدت ولدا لأقل من ستة أشهر للتيقن بقيام الحمل وقت الإعتاق أو ولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر لأنهما توأمان يتعلقان معا وهذا بخلاف ما إذا والت رجلا وهي حبلى والزوج والى غيره حيث يكون ولاء الولد لمولى الأب؛ لأن الجنبين غير قابل لهذا الولاء   [البناية] م: (وإن مات المولى عتق مدبروه وأمهات أولاده لما بينا في العتاق وولاؤهم له؛ لأنه أعتقهم بالتدبير والاستيلاد) ش: فيه لف ونشر، فقوله بالتدبير يرجع إلى قوله مدبروه، وقوله والاستيلاد يرجع إلى قوله وأمهات أولاده م: (ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه لما بينا في العتاق، وولاؤه له لوجود السبب وهو العتق عليه) ش: أي على الذي ملك، وقد مر في العتاق مستقصى. م: (وإذا تزوج عبد رجل أمة لآخر) أي لرجل آخر، وفي بعض النسخ أمة رجل آخر م: (فأعتق مولى الأمة الأمة وهي حامل) ش: أي والحال أن الأمة حامل م: (من العبد عتقت وعتق حملها) ش: تبعا لها م: (وولاء الحمل لمولى الأم لا ينتقل عنه أبدا؛ لأنه عتق على معتق الأم) ش: بكسر التاء م: (مقصودا إذ هو جزء منها يقبل الإعتاق مقصودا) ش: أي حال كونه مقصودا بالعتق؛ لأنه أضاف الإعتاق إلى جميع أجزائها وهو منها، فيعتق مقصودا كالأم، فإذا كان كذلك م: (فلا ينتقل ولاؤه عنه عملا بما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق» . م: (وكذلك إذا ولدت ولدا لأقل من ستة أشهر) ش: من حين أعتقت م: (للتيقن بقيام الحمل وقت الإعتاق) ش: أي للتيقن بوجوده في البطن حين الإعتاق فيعتق م: (أو ولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر) ش: أي يوم مثاله وللآخر بعد يوم م: (لأنهما توأمان يتعلقان معا) ش: لأن المدة المتخللة بين الولادتين إذا كانت أقل من ستة أشهر يكون الولد توأما وحكم التوأم لا يختلف وإذا ثبت وجود أحدهما وقت الإعتاق ثبت وجود الآخر، فقد جرى عليهما عتق مقصود، فلا ينتقل الولاء. م: (وهذا) ش: أي الحكم المذكور م: (بخلاف ما إذا والت رجلا وهي حبلى) ش: أي والحال أنها حبلى م: (والزوج والى غيره حيث يكون ولاء الولد لمولى الأب؛ لأن الجنين غير قابل لهذا الولاء الجزء: 11 ¦ الصفحة: 10 مقصودا؛ لأن تمامه بالإيجاب والقبول هو ليس بمحل له. قال: فإن ولدت بعد عتقها لأكثر من ستة أشهر ولدا فولاؤه لموالي الأم؛ لأنه عتق تبعا للأم لاتصاله بها بعد عتقها فيتبعها في الولاء ولم يتيقن بقيامه وقت الإعتاق حتى يعتق مقصودا، فإن أعتق الأب جر الأب ولاء ابنه وانتقل عن موالي الأم إلى موالي الأب؛ لأن العتق هاهنا في الولد يثبت تبعا للأم بخلاف الأول، وهذا لأن الولاء بمنزلة النسب. قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "الولاء لحمة كلُحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث   [البناية] مقصودا؛ لأن تمامه بالإيجاب والقبول وهو) ش: أي الجنين م: (ليس بمحل له) ش: أي للإيجاب والقبول فهذا أظهر الفرق بين الصورتين. م: (قال: فإن ولدت بعد عتقها لأكثر من ستة أشهر ولدا فولاؤه لموالي الأم؛ لأنه عتق تبعا للأم لاتصاله بها) ش: أي لاتصال الولد بالأم م: (بعد عتقها فيتبعها في الولاء) ش: لولاء الأم لمولى الأم، فكذا ولاؤه تبعا لها م: (ولم يتيقن بقيامه) ش: أي بقيام الولد أي بوجوده م: (وقت الإعتاق، وحتى يعتق مقصودا) ش: كما في الفصل الأول فلا جرم عتق تبعا لها. م: (فإن أعتق) ش: وهو م: (الأب) ش: فلذلك فسره بقوله: م: (جر الأب ولاء ابنه) ش: إلى مواليه م: (وانتقل عن موالي الأم إلى موالي الأب) ش: وهو وقول جمهور الفقهاء، والتابعين، والصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقال داود، وميمون بن مهران، وحميد بن عبد الرحمن: إن الولاء لا يجري عن موالي الأم، وقد روي عن عثمان، وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مثل هذا م: (لأن العتق هاهنا) ش: أي فيما إذا ولدت لعتقها أكثر من ستة أشهر م (في الولد يثبت تبعا) ش: لا مقصودا، والأصل إذ العتق متى ثبت مقصودا لا ينتقل الولاء كما بينا، ومتى ثبت بطريق التبعية ينتقل، وهنا ثبت العتق تبعا م: (للأم) ش: لعدم التيقن بقيامه وقت الإعتاق، فإذا تبعها في العتق تبعها في الولاء أيضا كما ذكرنا لعدم أهلية الأب، فإذا صار الأب أهلا بالإعتاق عاد الولاء إليه. م: (بخلاف الأول) ش: أي الفصل الأول، وهو ما إذا أعتقها وهي حامل، أو ولدت لأقل من ستة أشهر، فإن العتق فيه ثبت مقصودا فلا ينتقل الولاء فيه ألبتة م: (وهذا) ش: أي انتقال الولاء من موالي الأم إلى موالي الأب م: (لأن الولاء بمنزلة النسب) ش: والنسب إلى الآباء، فكذا الولاء، وإنما جعل لموالي الأم بطريق التبعية ضرورة لعدم وجود مولى للأب، فإذا ارتفعت هذه الضرورة بحدوث المولى له عاد إليه، ثم استدل على كون الولاء بمنزلة النسب بقوله: م: (قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث» ش: هذا الحديث رواه ثلاثة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 11 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] من الصحابة: الأولي: عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرج حديثه ابن حبان في "صحيحه " في القسم الثاني عن بشر بن الوليد، عن يعقوب بن إبراهيم، عن عبيد الله بن عمر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لحمة كلحمة النسب، لا تباع، ولا توهب» . ورواه الشافعي في "مسنده": أخبرنا محمد بن الحسن عن أبي يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم عن عبد الله بن دينار به. ومن طريق الشافعي رواه الحاكم في المستدرك في كتاب الفرائض، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وبطريق آخر أخرجه الحاكم في كتاب " مناقب الشافعي" عن علي بن سليمان الأخميمي ثنا محمد بن إدريس الشافعي، ثنا محمد بن الحسن، ثنا أبو يوسف، عن أبي حنيفة، عن عبد الله بن دينار، قال الحاكم: كذا قال فيه عن أبي حنيفة وهو وهم. قال الشافعي: رواه عن محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن عبد الله بن دينار نفسه. وبطريق آخر أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط عن محمد بن زياد، حدثنا يحيى بن سليم الطالقي، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر، وقال: لم يروه عن إسماعيل بن أمية إلا يحيى بن سليم. الثاني: ابن أبي أوفى، أخرج حديثه الطبراني في معجمه عن عبيد بن القاسم الأسدي، عن إسماعيل بن ابي خالد عن ابن أبي أوفى، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لحمة كلحمة النسب، لا تباع، ولا توهب» ورواه ابن عدي في الكامل واعله بعبيد بن القاسم، ونقل عن ابن معين أنه قال فيه: كان كذابا. الثالث: أبو هريرة، أخرج حديثه ابن عدي في الكامل عن يحيى بن أبي أنيسه، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لحم ... » إلى آخره، سواء واعله بيحيى بن أبي أنيسه، وأسند تضعيفه عن البخاري، والنسائي، وأحمد، وعلى بن المديني، وابن معين. فإن قلت: ذكر البيهقي حديث النهي عن بيع الولاء وهبته، ثم ذكر عن الشافعي انا محمد بن الحسن عن يعقوب بن إبراهيم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الولاء لحمة كلحمة النسب، لا تباع، ولا توهب» ثم ذكر عن أبي بكر النيسابوري قال: هذا خطأ؛ لأن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 12 ثم النسب إلى الآباء فكذلك الولاء، والنسبة إلى موالي الأم كانت لعدم أهلية الأب ضرورة، فإذا صار أهلا عاد الولاء إليه   [البناية] الثقات لم يرووه هكذا، وإنما رواه الحسن مرسلا، ثم قال البيهقي: روي من أوجه أخر كلها ضعيفة. قلت: يرد عليهما ما ذكرناه من حديث عبد الله بن عمر حديث عبد الله بن أبي أوفى من الطريق الذي أخرجه الطبري في تهذيب الآثار وهو طريق صحيح فقال: حدثني موسى بن سهل الرملي، ثنا محمد بن عيسى يعني الطباع ثنا عبد بن القاسم عن إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لحمة كلحمة النسب، لا تباع، ولا توهب» . ثم اعلم أنه ليس في الحديث بوجوهه المذكورة "ولا يورث" قال الدارقطني في كتاب العلل: ورواه أيوب بن سليمان الأعور عن عبد العزيز بن مسلم القسملي، عن عبد الله بن دينار به " لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث " فزاد فيه ولا يورث ثم قال: ولم أجد في شيء من طريق الحديث "ولا يورث". قوله: «لحمة كلحمة النسب» ، أي تشابك ووصلة كوصلة النسب، قالوا: يورث عند جمهور العلماء، والفقهاء، وأصحاب الظاهر، وقد شذ شريح وقال بأنه يورث كالمال عن المعتق، فمن ملك شيئا من الولاء حال حياته فهو لورثته وكان بين ابن المعتق وبنته للذكر مثل حظ الأنثيين. وعن سليمان بن يسار أنه كان مولى لميمونة فوهبت ولاءها لابن عباس رضي الله عنهما، وللجمهور ما مر ذكره. فإن قلت ما معنى قولهم: الولاء لا يورث. قلت: معناه مما لا يورث عينه، يعني لا يجري فيه سهام الورثة ولكن يورث به، وهو قول علي، وزيد، وإحدى الروايتين عن ابن مسعود رضي الله عنهم، وبه أخذ علماؤنا، وفي رواية أخرى لابن مسعود أن الولاء مما يورث عينه كما المال يجري فيه سهام الورثة، وهو قول شريح، والنخعي، وقد روي مثله عن أبي يوسف في غير رواية الأصول، حتى لو ترك المعتق أبا، وابنا كان لأبيه السدس، والباقي لابنه، وكذلك إذا ترك ابنا وابنة فميراث المعتق بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين. م: (ثم النسب إلى الآباء فكذلك الولاء) ش: إلى الآباء م: (والنسبة إلى موالي الأم كانت لعدم أهلية الأب ضرورة) ش: لكونه عبدا م: (فإذا صار أهلا) ش: بالحرية م: (عاد الولاء إليه) ش: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 13 بمنزلة ولد الملاعنة ينسب إلى قوم الأم ضرورة. فإذا أكذب الملاعن نفسه ينسب إليه بخلاف ما إذا أعتقت المعتدة عن موت أو طلاق فجاءت بولد لأقل من سنتين من وقت الموت أو الطلاق حيث يكون الولد مولى لموالي الأم، وإن أعتق الأب لتعذر إضافة العلوق إلى ما بعد الموت والطلاق البائن لحرمة الوطء، وبعد الطلاق الرجعي لما أنه يصير مراجعا بالشك فأسند إلى حالة النكاح فكان الولد موجودا عند الإعتاق فعتق مقصودا،   [البناية] لارتفاع الضرورة م: (بمنزلة ولد الملاعنة ينسب إلى قوم الأم ضرورة) ش: لأجل اللعان الثاني نسبة إلى الأب م: (فإذا أكذب الملاعن نفسه ينسب إليه) ش: أي إلى الملاعن وهو الأب لارتفاع الضرورة بالإكذاب. فإن قيل: الولاء كالنسب، والنسب لا يحتمل الفسخ بعد ثبوته، فكذا الولاء يجب أن لا ينفسخ بعد ثبوته. قلنا: لا تنفسخ، ولكن حدث ولاء المولى منه، فقدم عليه، كما نقول في الأخ أنه عصبة، فإذا حدث من هو أولى منه في الإرث لا يبطل تعصيبه، ولكن يقدم عليه. م: (بخلاف ما إذا أعتقت المعتدة عن موت أو طلاق) ش: هذا يبطل بقوله: فإذا صار أهلا عاد الولاء إليه يعني هنا يعود الولاء، وهاهنا لا يعود. قوله: إذا أعتقت المعتدة عن موت بأن كانت الأمة امرأة مكاتب فمات عن وفاة، أو طلاق أي: أو أعتقت المعتدة عن طلاق، وأطلق الطلاق ليشمل البائن، والرجعي جميعا، وكذا أطلق الطلاق الحاكم الشهيد، والطحاوي قيده بالبائن في "مختصره "، واتبعه الإمام الإسبيجابي في "شرحه " م: (فجاءت بولد لأقل من سنتين من وقت الموت أو الطلاق حيث يكون الولد مولى لموالي الأم. وإن أعتق الأب لتعذر إضافة العلوق إلى ما بعد الموت) ش: لاستحالته من الميت م: (والطلاق البائن) ش: أي ولتعذر إضافة العلوق إلى ما بعد الطلاق البائن م: (لحرمة الوطء) ش: بعد الطلاق البائن م: (وبعد الطلاق الرجعي) ش: أي ولتعذر إضافة العلوق أيضا إلى ما بعد الطلاق الرجعي. م: (لما أنه يصير مراجعا بالشك) ش: لأنه لو حمل وطؤه في العدة يصير مراجعا، ولو حمل إلى ما قبل الطلاق لا يصير مراجعا، والمراجعة لم تكن فلا يثبت بالشك، فإذا تعذر إضافته إلى ما بعد ذلك م: (فأسند إلى حالة النكاح فكان الولد موجودا عند الإعتاق فعتق مقصودا) ش: ومن أعتق مقصودا لا ينتقل ولاؤه كما تقدم، وتبين من هذا أنها إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر، كان الحكم كذلك بطريق الأولى للتيقن بوجود الولد عند الموت والطلاق، وأما إذا جاءت به لأكثر من سنتين فالحكم فيه يختلف بالطلاق البائن والرجعي: ففي البائن مثل ما كان. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 14 وفي " الجامع الصغير " فإذا تزوجت معتقة بعبد فولدت أولادا فجنى الأولاد فعقلهم على موالي الأم لأنهم عتقوا تبعا لأمهم ولا عاقلة لأبيهم ولا موالي فألحقوا بموالي الأم ضرورة كما في ولد الملاعنة على ما ذكرنا، فإن أعتق الأب جر ولاء الأولاد إلى نفسه لما بينا، ولا يرجعون على عاقلة الأب بما عقلوا لأنهم حين عقلوه كان الولاء ثابتا لهم، وإنما يثبت للأب مقصورا لأن سببه مقصور، وهو العتق بخلاف ولد الملاعنة إذا عقل عنه قوم الأم ثم أكذب الملاعن نفسه حيث يرجعون عليه؛ لأن النسب هناك يثبت مستندا إلى وقت العلوق   [البناية] وأما الرجعي فولاء الولد لموالي الأب للتيقن بمراجعته. وفي " الكافي ": وما وقع في نسخ " الهداية " فجاءت بالولد لأكثر من سنتين لا يكاد يصح. والصحيح ما ذكر في " شرح الطحاوي " لأقل من سنتين كما ذكرت، وعليه يدل التعليل المذكور فيها، فالظاهر أنه وقع من الكتاب، انتهى. قلت: وقع في بعض النسخ لأقل من سنتين، وفي نسختي أيضا كذلك، وكذا ذكر في " المبسوط " لأقل من سنتين أو لتمام السنتين؛ لأن النسب تنسب إلى سنتين. ومن ضرورته أن يكون العلوق قبل الطلاق. م: (وفي " الجامع الصغير ": فإذا تزوجت معتقة بعبد فولدت أولادا فجنى الأولاد فعقلهم على موالي الأم؛ لأنهم عتقوا تبعا لأمهم، ولا عاقلة لأبيهم ولا موالي) ش: لكونه في الرقبة م: (فألحقوا بموالي الأم ضرورة كما في ولد الملاعنة) ش: حيث تنسب إلى قوم الأم ضرورة م: (على ما ذكرنا) ش: أراد به قوله: كولد الملاعنة ينتسب إلى قوم الأم.. إلى آخره، وإنما ذكر لفظ " الجامع الصغير " لاشتماله على بيان العقل. م: (فإن أعتق الأب) ش: أرد به العبد الذي هو زوج المعتقة المذكورة م: (جر ولاء الأولاد إلى نفسه لما بينا) ش: أراد به قوله: فإن أعتق الأب جر به ولاء ابنه.. إلى آخره. م: (ولا يرجعون) ش: أي عاقلة الأم م: (على عاقلة الأب بما عقلوا؛ لأنهم حين عقوله كان الولاء ثابتا لهم، وإنما يثبت للأب مقصورا) ش: أي على زمان عتق الأب م: (لأن سببه) ش: وهو عتق الأب م: (مقصور) ش: أي غير مستند إلى وقت سابق م: (وهو العتق) ش: أي السبب هو العتق. م: (بخلاف ولد الملاعنة إذا عقل عنه قوم الأم ثم أكذب الملاعن نفسه حيث يرجعون) ش: أي قوم الأم م: (عليه) ش: أي على الملاعن، أي على عاقلته م: (لأن النسب هناك يثبت مستندا إلى وقت العلوق) ش: لا من وقت الإكذاب فإنه لا يتصور أن لا يكون عند العلوق ولد الإنسان ثم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 15 وكانوا مجبورين على ذلك فيرجعون. قال: ومن تزوج من العجم بمعتقة من العرب فولدت له أولادا فولاء أولادها لمواليها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] يصير ولدا له بعد فتبين أن النسب كان ثابتا من الأب حين جنى، وأن موجب جنايته على عاقلة الأب وأجبر عاقلة الأم على القضاء فيرجعون عليهم بذلك، وهو معنى قوله: م: (وكانوا مجبورين على ذلك) ش: أي وكان عاقلة الأم مجبورين على القضاء م (فيرجعون) ش: على عاقلة الأب؛ لأنهم قضوا دينا، عن غيرهم بحكم القاضي فلهم الرجوع. [تزوج من العجم بمعتقة من العرب فولدت له أولادا لمن ولاؤهم] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن تزوج من العجم) ش: وهو جمع عجمي، وهو خلاف العربي وإن كان فصيحا م: (بمعتقة من العرب فولدت له أولادا فولاء أولادها لمواليها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وكذا أموالهم لذوي أرحامه، حتى لو ترك هذا الولد عمة أو خالة لم يكن لها شيء في وجود معتق الأم وعصبته. وفي " الزاد " و" شرح الأقطع " صورة المسألة بالحر العجمي الذي ليس بمعتق ليس بمعتق لأحد سواء كان له ولاء موالاة أو لم يكن. وفي " الفوائد ": هذه المسألة على وجوه. إن زوجت نفسها من عربي فولاء الأولاد لقوم الأب في قولهم؛ لأن الشرف بأنساب الأعراب أقوى. وإن زوجت نفسها من العجمي الذي له آباء في الإسلام فولاء الأولاد لقوم الأب عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بلا ريب، وعلى قولهما اختف المشايخ، حكي عن أبي بكر الأعمش وأبي بكر الصفار أنه لقوم الأب، وقال غيرهما لقوم الأم. وإن زوجت نفسها من رجل أسلم من أهل الحرب والى أحدا أو لم يوال وهي مسألة الكتاب. وإن زوجت نفسها من عبد أو مكاتب فولاء الولد لموالي الأم إجماعا، إلا إذا أعتق العبد فيجد الولاء، وفي " المبسوط ": إذا كانت الأمة معتقة إنسان والأب مسلم نبطي لم يعتقه أحد فالولد مولى لمولي الأم، وكذا إذا كان نبطي كافر ثم أسلم ووالى رجلا فعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله يكون الولد مولى لموالي الأم، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الفصلين لا يكون الولد مولى لموالي الأم ولكنه منسوب إلى قوم أبيه؛ لأنه كالنسب والنسب إلى الآباء. وفي " مغني الحنابلة ": إذا كان الأب حر الأصل فالولد يتبعه ولا يكون عليه ولاء وهو قول أكثر أهل العلم، سواء كان الأب عربيا أو عجميا، وسواء كان مسلما أو ذميا أو مجهول النسب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 16 قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهو قول محمد. وقال: أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حكمه حكم أبيه؛ لأن النسب إلى الأب كما إذا كان الأب عربيا، بخلاف ما إذا كان الأب عبدا؛ لأنه هالك معنى.   [البناية] أو معلومه، وهو قول أبي يوسف ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن شريح من أصحاب الشافعي. وقال ابن اللبان من أصحاب الشافعي: وقيل هذا قول أبي حنيفة، وبه قال القاضي الحنبلي إن كان مجهول النسب يثبت الولاء على ولده إلى الأم إن كانت موالاة، وهو ظاهر مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبه قال القاضي الحنبلي. وقيل هذا قول أبي حنيفة ومحمد وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، ولكن ذكر في " الحلية ": فإن كان الأب حر الأصل والأم معتقة ثبت الولاء على الولد، سواء كان الأب عربيا أو عجميا. وقال أبو حنيفة: إن كان عجميا يثبت الولاء على الولد وبناؤه على أصله في جواز استرقاق عبدة الأوثان من العجم دون العرب. فإن كان الأب معتقا والأم حرة الأصل فهل يثبت الولاء على الولد، فيه وجهان: أحدهما أنه لا يثبت، والثاني أنه يثبت، أما إذا كان الأب مجهول النسب محكوما بحريته بالظاهر والأم معتقة قيل يثبت الولاء على الولد لمولى الأم. قال أبو العباس: قياس قول الشافعي لا يثبت، كما لو كان معروف النسب. وقال ابن اللبان: يثبت وهو قول أبي حنيفة ومحمد وأحمد. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهو قول محمد) ش: أي قول أبي حنيفة هو قول محمد بن الحسن أيضا م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حكمه حكم أبيه) ش: فلا يكون عليه ولاء إعتاقه، وإنما يورث ماله حين انعدام ذوي أرحامه، كما إذا كان الأب عربيا والأم معتقة فلأنه لا يكون ولاؤه لموالي أمه م: (لأن النسب إلى الأب كما إذا كان الأب عربيا) ش: إنما كان النسب إلى الابن لأنه منسوب إليه، قال عز وجل: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] فصار ملحقا بالأب، فأخذ حكمه، كأنه حي من كل وجه لأنه حر. م: (بخلاف ما إذا كان الأب عبدا) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال لما كان النسب إلى الإماء وجب أن يستوي الأب الحر والعبد، وليس كذلك. فأجاب بقوله بخلاف ما إذا كان الأب عبدا م: (لأنه) ش: أي لأن العبد م: (هالك معنى) ش: لأنه لا يملك شيئا، ولأنه أثر الكفر والكفر موت حكمي، قال الله تعالى: {لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121] {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] (سورة الأنعام: الآية 122) ، فصار حال هذا الولد في الحكم حال من الأب له فنسب إلى موالي الأم، وهذا المعنى معدوم إذا كان الأب حرا؛ لأن الحرية حياة باعتبار صفة المالكية والعرب والعجم فيه سواء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 17 ولهما أن ولاء العتاقة قوي معتبر في حق الأحكام حتى اعتبرت الكفاءة فيه والنسب في حق العجم ضعيف، فإنهم ضيعوا أنسابهم، ولهذا لم تعتبر الكفاءة فيما بينهم بالنسب والقوي لا يعارضه الضعيف، بخلاف ما إذا كان الأب عربيا لأن أنساب العرب قوية معتبرة في حكم الكفاءة والعقل كما أن تناصرهم بها فأغنت عن الولاء، قال: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الخلاف في مطلق المعتقة والوضع في معتقة العرب وقع اتفاقا.   [البناية] فإن قلت: لو كان هالكا لما جرى القصاص. قلت: جريانه لآدميته لا لحريته ورقه ولا نقصان في ذلك. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله م: (أن ولاء العتاقة قوي معتبر في حق الأحكام) ش: لأنه ولاء نعمة م: (حتى اعتبرت الكفاءة فيه) ش: أي في ولاء العتاقة، حتى لا يكون معتق العجم كفئا لمعتقة العرب، ولهذا يجوز إبطال حرمة العجم بالاسترقاق م: (والنسب في حق العجم ضعيف فإنهم) ش: أي فإن العجم م: (ضيعوا أنسابهم) ش: حيث لم يعتبروا ذلك قبل الإسلام، وكان تفاخرهم وتقييدهم بعمارة الدنيا حتى جعلوا من له أب واحد في الإمارة ليس كفئا لمن له أبوان في ذلك. وتفاخرهم بعد الإسلام بالإسلام، وإليه أشار سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين قيل له سلمان ابن من؟ فقال سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونهم ضيعوا أنسابهم م: (لم تعتبر الكفاءة فيما بينهم بالنسب والقوي لا يعارضه الضعيف، بخلاف ما إذا كان الأب عربيا؛ لأن أنساب العرب قوية معتبرة في حكم الكفاءة والعقل، لما أن تناصرهم بها) ش: أي بالأنساب م: (فأغنت عن الولاء) ش: أي أغنت أنسابهم عن التناصر بالولاء. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الخلاف) ش: المذكور بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه م: (في مطلق المعتقة) ش: إنما قال ذلك لأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر المعتقة مطلقا، حتى لو تزوج بمعتقة غير العربي كان كذلك م: (والوضع في معتقة العرب وقع اتفاقا) ش: أي وضع القدوري هذه المسألة في "مختصره " بقوله: ومن تزوج من العجم بمعتقة العرب وقع على سبيل الاتفاق له القصد، قيل تعليل قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله في قوله والنسب في حق العجم ضعيف يرجح ولاء العتاقة إذا كانت المعتقة من العرب؛ لأن الولاء لحمة كلحمة النسب، والنسب في حق العرب قوي، فكذلك معتقهم يحكي حكاية النسب، فكان قربا فرجح حينئذ معتق العرب على المنسوب في المعجم لا مطلق المعتق. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 18 وفي " الجامع الصغير ": نبطي كافر تزوج بمعتقة قوم ثم أسلم النبطي ووالى رجلا ثم ولدت أولادا، قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: مواليهم موالي أمهم، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مواليهم موالي أبيهم؛ لأن الولاء وإن كان أضعف فهو من جانب الأب فصار كالمولود بين واحد من الموالي وبين العربية.   [البناية] وأجيب: بأن الضعف والقوة فيما إذا كان في جانب الأب، حتى إن الأب إذا كان عربيا والأم معتقة إنسان فولاء الولد لقوم الأب بالاتفاق. وأما في جانب الأم فألحقوه بمجرد كونها معتقة على نسب العجم، ألا ترى أنهما تعرضا لمطلق ولاء العتاقة، فإن من له أب واحد في الحرية لا يكون كفؤا لمن له أبوان في الحرية، وأما في النسب فليس كذلك، فإن من له أب واحد في الخلافة أو الإمارة يكون كفؤا لمن له أبوان فيهما، فعلم بهذا أنهما يرجحان مجرد ولاء العتاقة، سواء كان معتق العرب أو العجم على نسب العجم، فصح قوله الخلاف في مطلق المعتقة. [تزوج بمعتقة قوم ثم أسلم النبطي ووالى رجلا ثم ولدت أولادا] م: (وفي " الجامع الصغير ": نبطي) ش: النبطي واحد النبط وهم جبل من الناس بسواد الطرق، وعند الفقيه أبي الليث النبطي رجل من غير العرب. وفي " العباب " قال ابن دريد: النبط جبل معروف وهم النبيط والأنباط، وقال غيره النبط والنبيط قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين والجمع أنباط، يقال رجل نبطي ونباطي ونباطا مثل يمني ويماني، وحكى يعقوب نُباطي بضم النون. فإن قلت: لم ذكر لفظ " الجامع الصغير ". قلت: لبيان أن محمدا ذكر المعتقة مطلقا ولاشتماله على ولاء الموالاة بحيث قال نبطي م: كافر تزوج بمعتقة قوم) ش: أي بمعتقة كافرة نصرانية، إنما قلت هكذا ليتصور المسألة إذ المسلمة لا تزوج تحت الكافر بعقد النكاح، وكذلك قال فخر الإسلام: معنى هذا أن تكون المعتقة كافرة كتابية إنما قيد بالكتابية؛ لأن غير الكتابية من الكفار لا يجوز أن يبقى نكاحها بعد إسلام الزوج فافهم. مِ: (ثم أسلم النبطي ووالى رجلا) ش: أي عقد عقد الموالاة م: (ثم ولدت أولادا) . م: (قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: مواليهم موالي أمهم، وقال أبو يوسف: مواليهم موالي أبيهم؛ لأن الولاء وإن كان أضعف فهو من جانب الأب، فصار كالمولود بين واحد من الموالي وبين العربية) ش: يعني بين العجم الأصلي والعربية الأصلية، فيكون النسب للأب بالاتفاق، توضيحه أن واحدا من العجم إذا تزوج بعربية وهما حران غير معتقين لحر فولدت أولادا فإنهم ينسبون إلى قوم أبيهم، فكذا إذا كانت معتقة، وهنا لأن النسبة إلى الأم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 19 ولهما أن ولاء الموالاة أضعف حتى يقبل الفسخ وولاء العتاقة لا يقبله، والضعيف لا يظهر في مقابلة القوي. ولو كان الأبوان معتقين فالنسبة إلى قوم الأب لأنهما استويا والترجيح لجانبه لشبهه بالنسب أو لأن النصرة به أكثر. قال: وولاء العتاقة تعصيب وهو أحق بالميراث من العمة والخالة لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للذي اشترى عبدا فأعتقه: «هو أخوك ومولاك إن شكرك فهو خير له وشر لك، وإن كفرك فهو خير لك وشر له، ولو مات ولم يترك وارثا كنت أنت عصبته»   [البناية] ضعيفة، لهذا لا يستحق لها العصوبة. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله م: (أن ولاء الموالاة أضعف) ش: من ولاء العتاقة م: (حتى يقبل الفسخ) ش: بأن أراد أحدهما فسخه م: (وولاء العتاقة لا يقبله) ش: أي الفسخ م: (والضعيف لا يظهر في مقابلة القوي) ش: أراد بالضعف ولاء الموالاة، وبالقوي ولاء العتاقة. م: (ولو كان الأبوان معتقين فالنسبة إلى قوم الأب لأنهما استويا) ش: أي لأن الأبوين استويا في المعتوقية م: (والترجيح لجانبه) ش: أي لجانب الأب م: (لشبهه) ش: أي لشبهه الولد م: (بالنسب) ش: بالحديث المذكور م: (أو لأن النصرة به) ش: أي بقوم الأب م: (أكثر) ش: من النصرة بقوم الأم. [ولاء العتاقة تعصيب] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وولاء العتاقة تعصيب) ش: أي موجب للعصوبة والتعصيب هو جعل الإنسان عصبة، ومنه قولهم الذكر يعصب الأنثى، أي يجعلها عصبة م: (وهو) ش: أي مولى العتاقة م: (أحق بالميراث من العمة والخالة) ش: وهو قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تقدم ذوي الأرحام على مولى العتاقة، وروي عن عمر وعلي مثله. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للذي اشترى عبدا فأعتقه: «هو أخوك ومولاك إن شكرك فهو خير له وشر لك، وإن كفرك فهر خير لك وشر له. ولو مات ولم يترك وارثا كنت أنت عصبته» ش: الكلام في هذا الحديث على أنواع، الأول أنه أخرجه الدارمي في "مسنده " أخبرنا يزيد بن هارون عن الأشعث عن الحسن «أن رجلا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجل فقال: إني اشتريت هذا فأعتقته فما ترى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 20 وورث ابنة حمزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - على سبيل العصوبة مع قيام وارث،   [البناية] فيه، قال: "أخوك ومولاك إن شكرك فهو خير له وشر لك، وإن كفرك فهو شر له وخير لك"، قال: فما ترى في ماله؟ قال: "إن مات ولم يدع وارثا فلك ماله» . ورواه عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا أبو عيينة عن عمرو بن عبيد عن الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «أراد رجل أن يشتري عبدا فلم يقض بينه وبين صاحبه، فحلف رجل من المسلمين بعتقه فاشتراه فأعتقه فذكره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "إن شكرك فهو خير له وشر لك، وإن كفرك فهو شر له وخير لك"، قال: فكيف بميراثه؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن لم يكن له عصبة فهو لك» . ورواه أيضا محمد في كتاب الولاء من الأصل عن أبي يوسف عن إسماعيل بن سلم عن الحسن البصري عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. النوع الثاني: أن هذا الحديث مرسل من مراسيل الحسن البصري الصحيحة وهي مقولة عندنا يعمل بها. النوع الثالث: في معناه فقوله: هو أخوك يعني في الدين، قوله: إن شكرك يعني إن شكرك بالمجازاة على ما صنعت إليه فيه خير له؛ لأنه انتدب لما ندب إليه، ولأنه يثاب بمقابلة شكره؛ لأن شكر النعمة مندوب، قوله: وشر لك لأنه أوصل إليك بعض الثواب في الدنيا فينقص بقدره في الآخرة من الثواب. قوله: وإن كفرك فهو خير لك لأنه يبقى ثواب العمل كله في الآخرة وشر له؛ لأنه كفر النعمة وكفران النعمة قبيح، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من لم يشكر الناس لم يشكر الله» ، رواه أحمد وغيره قوله: ولم يترك وارثا أي وارثا وهو عصبته. قوله: كنت أنت عصبته يدل على أن المراد لم يترك عصبة حيث لم يقل كنت أنت وارثه. م: (وورث) ش: بالتشديد أي ورث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (ابنة حمزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - على سبيل العصوبة مع قيام وارث) ش: وهو بنت الميت، وذلك لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى بنت الميت الجزء: 11 ¦ الصفحة: 21 وإذا كان عصبة يقدم على ذوي الأرحام وهو المروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإن كان للمعتق عصبة من النسب فهو أولى من المعتق؛ لأن المعتق آخر العصبات، وهذا لأن قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "ولم يترك وارثا" قالوا: المراد منه وارث هو عصبة بدليل الحديث الثاني فتأخر عن العصبة دون ذوي الأرحام.   [البناية] النصف والباقي لبنت حمزة» وقد مر بيان الحديث من قريب مستوفى. م: (وإذا كان) ش: أي المعتق بكسر التاء م: (عصبة) ش: أي المعتق بفتح التاء م: (يقدم على ذوي الأرحام) ش: لأن العصبة هو الذي يأخذ ما أبقته أصحاب الفرائض وهو مقدم على ذوي الأرحام م: (وهو المروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: يعني تقديم المولى على ذوي الأرحام، وهو المروي عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولم يثبت هذا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بل الثابت عنه خلاف ذلك، فإن عبد الرزاق أخرج في "مصنفه " وقال أخبرنا الثوري أخبرني منصور عن حصين عن إبراهيم قال: كان عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يورثان ذوي الأرحام دون الموالي فقلت لعلي بن أبي طالب فقال كان أشدهم في ذلك، انتهى. والذي ذكره هو المروي عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرج عبد الرزاق في "مصنفه " قال: أخبرنا عمر عن قتادة أن زيد بن ثابت كان يورث الموالي دون ذوي الأرحام. ولو قال "المصنف" وهو المروي عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لكان أصح وأبعد من الخطأ. م: (فإن كان للمعتق) ش: بفتح التاء م: (عصبة من النسب فهو أولى من المعتق؛ لأن المعتق) ش: بكسر التاء م: (آخر العصبات) ش: لأنه عصبة سببية فتأخر عن العصبة النسبية م: (وهذا) ش: أي كون العصبة من النسب أولى بالميراث من المولى م: (لأن قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وإن لم يترك وارثا قالوا المراد منه وارث هو عصبة» ش: يرفع قوله عصبة على أنه صفة لقوله وارث م: (بدليل الحديث الثاني) ش: الباء تتعلق بقوله قالوا، أي قالت: العلماء ذلك مستدلين بالحديث الثاني وهو حديث بنت حمزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وذلك لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعلها عصبة مع وجود الوارث. لأن البنت الصلبية وارثة وليست بعصبة، فعلم بهذا أن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فإن مات ولم يترك وارث وارثا هو عصبة لا وارث مطلق م: (فتأخر) ش: أي الموالي م: (عن العصبة) ش: أي عن عصبة المعتق بفتح التاء م: (دون ذوي الأرحام) ش: يعني لا يتأخر عنهم، بل يتقدم عليهم كما ذكرنا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 22 قال: فإن كان للمعتق عصبة من النسب فهو أولى منه لما ذكرنا وإن لم يكن له عصبة من النسب فميراثه للمعتق تأويله: إذا لم يكن هناك صاحب فرض ذو حال. أما إذا كان فله الباقي بعد فرضه؛ لأنه عصبة على ما روينا، وهذا لأن العصبة من يكون التناصر به لبيت النسبة وبالموالي الانتصار على ما مر والعصبة تأخذ ما بقي، فإن مات المولى ثم مات المعتق فميراثه لبني المولى دون بناته،   [البناية] م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإن كان للمعتق) ش: بفتح التاء م: (عصبة من النسب فهو أولى منه لما ذكرنا) ش: أراد به قوله: وإذا كان عصبة تقدم على ذوي الأرحام م: (وإن لم يكن له عصبة من النسب فميراثه للمعتق) ش: بكسر التاء، وهو المولى م: (تأويله) ش: أي تأويل قول القدوري فميراثه للمعتق م: (إذا لم يكن هناك صاحب فرض ذو حال) ش: ذكروا لهذه الجملة تأويلين. أحدهما: أن معنى قوله صاحب فرض ذو حال الفرض كالأب والجد، فإن لهما حالا سوى حال الفرض وهي العصوبة، فالمعتق لا يرث مع وجودهما، بل الأب أو الجد يأخذ الباقي بعد فرضه. والثاني: أن معناه ذو حال واحد كالبنت، فإن كان مثل ذلك فللمعتق الباقي بعد فرض ذلك الوارث. وقال الأترازي: يكون الضمير في فله الباقي على التأويل الأول راجعا إلى صاحب الفرض، وعلى الثاني إلى المعتق. وقال صاحب " العناية " والثاني أوجه؛ لأنه علل قوله م: (أما إذا كان فله الباقي بعد فرضه) ش: أي بعد أخذ فرضه بقوله م: (لأنه عصبة على ما روينا) ش: أشار به إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولو مات ولم يترك وارثا كنت أنت عصبته» م: (وهذا) ش: أشار إلى قوله م: (لأن العصبة من يكون التناصر به لبيت النسبة) ش: أي القبيلة، يقال للقبيلة الواحدة بيت النسبة م: (وبالموالي التناصر) ش: أي ويكون بالمولى الانتصار، وهكذا في بعض النسخ، م: (على ما مر) ش: أشار به إلى ما ذكره في أول كتاب الولاء بقوله وكانت العرب تناصر بأشياء وقرر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تناصرهم بالولاء بنوعيه م: (والعصبة يأخذ ما بقي) ش: هذا من تمام الدليل، وتقريره فله الباقي؛ لأنه عصبة والعصبة تأخذ الباقي. م: (فإن مات المولى ثم مات المعتق فميراثه لبني المولى دون بناته) ش: أراد أن الذكور من أولاد المولى يرثون العتق دون الإناث منهم، حتى لو مات ولم يترك إلا بنت المعتق فميراثه لبيت المال الجزء: 11 ¦ الصفحة: 23 وليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو كاتبن أو كاتب من كاتبن بهذا اللفظ ورد الحديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي آخره: أو جر ولاء معتقهنّ   [البناية] لا لبنت المعتق في ظاهر الرواية، ولكن بعض مشايخنا يفتون بدفع المال إليها في هذا الزمان لعدم بيت المال وقصور احتياط القضاة وبيت المال كان في زمن الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولهذا أفتوا بإعطاء المال للابن والابنة من الرضاع لا لبيت المال لعدمه، كما أفتى أصحاب الشافعي بإرث ذوي الأرحام في هذا الزمان لعدم بيت المال، كذا في " الذخيرة " " وفرائض السجاوندي ". ثم استدل على ذلك بقوله م: (لأنه ليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو كاتبن أو كاتب من كاتبن، بهذا اللفظ ورد الحديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي آخره «أو جر ولاء معتقهن» ش: الكلام فيه على أنواع: الأول: أن هذا لم يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما أخرج البيهقي عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم كانوا يجعلون الولاء أكبر من العصبة ولا يرثون النساء من الولاء إلا ما أعتقن. وأخرج أيضا عن إبراهيم قال: كان عمر وعلي وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لا يرثون النساء من الولاء إلا ما أعتق. وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه " عن الحسن أنه قال: لا ترث النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو كاتبن. وأخرج نحوه عن ابن سيرين وابن المسيب وعطاء والنخعي، وروى عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم عن يحيى بن الحرار عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لا تورث النساء من الولاء إلا ما كاتبن أو أعتقن. النوع الثاني: في معناه: فقوله: إلا ما أعتقن كلمة هاهنا بمعنى من كما في قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5] (سورة الشمس الآية: 5) ، أي ومن بناها، وهاهنا محذوفات مقدرة منها المستثنى منه فتقدير الكلام ليس للنساء من الولاء شيء إلا ولاء ما أعتقته أو ولاء ما أعتقه من أعتقنه أو ولاء ما كاتبن أو ولاء ما كاتبه من كاتبنه، وذكر في شرح كتب الفرائض بعد قوله أو كاتب أو كاتبن أو دبرن أو دبر من دبرن أو جر ولاء معتقهن أو معتق معتقهن، انتهى. وكذلك التقدير في هذا ولاء ما دبره أو ولاء ما دبره من دبره أو جر ولاء معتق معتقهن، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 24 وصورة الجر قدمناها،   [البناية] أو ولاء معتق معتقهن أو ولاء مكاتب مكاتبهن، أو ولاء مدبرهن أو ولاء مدبر مدبرهن والولاء الذي هو مجرور معتقهن أو الولاء الذي هو مجرور معتق معتقهن. النوع الثالث: في صورة ما ذكر، فصورة ولاء معتقهن ظاهرة بأن أعتقت عبدها ثم مات المعتق وترك معتقته هذا فولاه لها، فلو أعتق معتقها عبدا آخر ومات المعتق الأول، ثم الثاني فولاء الثاني لها أيضا، وهذا صورة معتق المعتق، وصورة ولاء مكاتبهن بأن قالت امرأة لعبدها كاتبتك: عل ألف درهم مثلا فقبل العبد ذلك. فإذا أدى بدل الكتابة يكون ولاؤه للمرأة، وصورة ولاء مكاتب مكاتبهن بأن كاتب هذا المكاتب عبدا فولاء مكاتب المكاتب لها أيضا إذا لم يكن المكاتب الأول. وصورة ولاء مدبرهن بأن دبرت امرأة عبدها بأن قالت له: أنت حر إن دبرتني أو بعد موتي أو إذا مت ونحوه، ثم ارتدت والعياذ بالله وألحقت بدار الحرب وقضى القاضي بإلحاقها فعتق مدبرها ثم جاءت المرأة إلى دار الإسلام ثم مات المدبر وترك مدبرته هذا فولاؤه لها وصورة ولاء مدبر مدبر مدبرهن بأن اشترى هذا المدبر بعد الحكم بعتقه عبدا ثم دبره ثم مات وجاءت المرأة إلى دار الإسلام قبل موت مدبرها أو بعده ثم مات المدبر الثاني فولاؤه لمدبرة مدبره، وصورة جر ولاء معتقهن بأن زوجت امرأة عبدها معتقة الغير فولدت منه. ولهذا يثبت نسب الولد منه ويكون حدا تبعا لأمه؛ لأن الولد تبع الأم في الرق والحرية وولاء الولد لمولى الأم يعقلون عنه ويرثون منه، فلو أن المرأة أعتقت العبد جر بإعتاقها إياه ولاء ولده إلى نفسه ثم من نفسه إلى مولاه. حتى لو مات المعتق ثم مات ولده وترك معتقة أبيه فولاؤه انتقل من موالي أمه إليها وصورة جر ولاء معتق معتقهن بأن أعتقت امرأة عبدا ثم اشترى المعتق عبدا وزوج معتقة غيره من عبد فولد بينهما ولد فولاء هذا الولد لمولى أمه، فلو أن المعتق أعتق عبده جر بالإعتاق ولاء معتقه إلى نفسه ثم يرجع منه إلى مولاه. م: (وصورة الجر قدمناها) ش: وفي بعض النسخ قد بيناها، وأشار به إلى قوله فإن ولدت بعد عتقها أكثر من ستة أشهر إلى أن قال جر الأب ولاء ابنه، والجد هل يجر الولاء، فقال الحاكم في "كافيه ": قال الشعبي: إذا أعتق الجد جر الولاء. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لا يجر الجد الولاء ولا يكون مسلما بإسلام الجد. وفي " السروجية " قال شريح وسفيان ومالك وأهل المدينة: إن الجد يجر ولاء ولد الابن من موالي نفسه. وبه قال الأوزاعي وابن أبي ليلى وابن المبارك. وقال زفر إن كان الأب حيا فالجد لا يجر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 25 ولأن ثبوت المالكية والقوة في المعتق من جهتها، فينسب الولاء إليها وينسب إليها من ينسب إلى مولاها، بخلاف النسب؛ لأن سبب النسبة فيه الفراش وصاحب الفراش إنما هو الزوج والمرأة مملوكة لا مالكة. وليس حكم ميراث المعتق مقصورا على بني المولى بل هو لعصبته الأقرب فالأقرب؛ لأن الولاء لا يورث ويخلفه فيه من تكون النصرة به، حتى لو ترك المولى أبا وابنا فالولاء للابن عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله   [البناية] الولاء، وإن كان ميتا يجر الولاء. وفي " الأسرار " و" شرح الأقطع " ثم قال الشافعي: يجر الولاء. ولنا: أن الجد يدلى إليه بواسطة فلم يجر الولاء كالأخ والعم، ولا يكون مسلما بإسلام الجد، إذ لو جاز اتباعه الجد في الإسلام جاز اتباعه جد الجد إلى ما لا نهاية له فيلزم أن يكون الكفار كلهم مسلمين تبعا لآدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: ولا وجه إلى ذلك للزوم الجمع بين النقيضين. م: (ولأن ثبوت المالكية) ش: هذا دليل ثان عقلي على أن ليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن فأعتق من أعتقن، تقديره أن ثبوت المالكية يعني كونه مالكا م: (والقوة في المعتق) ش: بفتح التاء م: (من جهتها) ش: أي من جهة المعتقة، وكل من ثبت من جهته شيء ينسب إليه؛ لأنه علته إذ ذاك تنتسب بالولاء إليها، أي إلى المعتقة م: (فينسب الولاء إليها وينسب إليها من ينسب إلى مولاها) ش: أي مولى المعتقة؛ لأن معتق المعتق ينسب إلى معتقه بالولاء، وفي ذلك لا فرق بين الرجل والمرأة. م: (بخلاف النسب) ش: فإنه لا يثبت إلا من الفراش م: (لأن سبب النسبة فيه الفراش، وصاحب الفراش إنما هو الزوج) ش: لأنه المالك م: (والمرأة مملوكة لا مالكة) ش: فلا ينسب إليه الفراش. م: (وليس حكم ميراث المعتق) ش: بفتح التاء م: (مقصورا على بني المولى، بل هو لعصبته الأقرب فالأقرب؛ لأن الولاء لا يورث) ش: حتى يكون لأصحاب الفروض منه نصيب، فلو كان بالإرث لكان الذكر والأنثى سواء، ولكن الولاء باعتبار النصرة والنصرة بالذكور لا الإناث للضعف بينهن فيخلف المولى الذي أعتق العبد في الولاء من يتحقق النصرة به، فكان الولاء للذكور دون الإناث، وهو معنى قوله: م: (ويخلفه فيه) ش: أي يخلف المولى الذي أعتق في الولاء م: (من تكون النصرة به) ش: والنصرة بالذكور دون الإناث م: (حتى لو ترك المولى أبا وابنا فالولاء للابن عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله) ش: صورته امرأة أعتقت عبدا ثم مات العبد فميراثه للابن خاصة عندهما. وبه قال الشافعي ومالك والثوري والشعبي والزهري وابن المسيب وعطاء والحسن والحكم وقتادة وأكثر الفقهاء، وهو قول أبي يوسف أولا ثم رجع وقال لأبيهما السدس والباقي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 26 لأنه أقر بها عصوبة، وكذلك الولاء للجد دون الأخ عند أبي حنيفة لأنه أقرب في العصوبة عنده، وكذا الولاء لابن المعتقة حتى يرثه دون أخيها لما ذكرنا، إلا أن عقل جناية المعتقة على أخيها لأنه من قوم أبيها، وجنايته كجنايتها. ولو ترك المولى ابنا وأولاد ابن آخر معناه بني ابن آخر فميراث المعتق للابن دون بني الابن؛ لأن الولاء للكبر   [البناية] للابن؛ لأن الأب عصبة كالابن، والابن والأب في القرب سواء فيكون حكمهما سواء، وبه قال أحمد والنخعي والأوزاعي ومشايخ وإسحاق. م: (لأنه) ش: أي لأن الابن م: (أقربهما عصوبة) ش: أي من حيث العصوبة والولاء بالعصوبة ولا يظهر عصوبة الأب مع الابن م: (وكذلك الولاء للجد دون الأخ عند أبي حنيفة) ش: يعني لو ترك جد موالاة أبا ابنه وأخاه لأب وأم وأخاه لأب وأم أو لأب كان ميراثه للجد عند أبي حنيفة م: (لأنه أقرب) ش: أي لأن الجد أقرب من الأخ م: (في العصوبة عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه قال أبو ثور. وعند أبي يوسف ومحمد كلاهما سواء، وبه قال أحمد والشافعي في قول لأنهما عصبتان، فيكون الولاء بينهما نصفين كالأخوين، وعند مالك أن المال للأخ وهو قول عن الشافعي وهكذا روي عن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (وكذا الولاء لابن المعتقة حتى يرثه) ش: الضمير يرجع إلى المعتق، صورته امرأة أعتقت عبدا ثم ماتت وتركت ابنها وأخاها ثم مات العبد ولا وارث له غيرها فالميراث لابنها م: (دون أخيها) ش: وعليه إجماع الصحابة والتابعين والفقهاء، وما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن امرأة ماتت وخلفت ابنها وأخاها وابن أخيها أن ميراث مولاها لأخيها وابن أخيها دون ابنها فقد رجع علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى قول الجماعة م: (لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله لأنه أقربهما عصوبة. م: (إلا أن عقل جناية المعتقة) ش: بفتح التاء م: (على أخيها) ش: أي على أخ المعتقة م: (لأنه من قوم أبيها) ش: أي لأن الأخ من قوم أبيها، والأصل في العقل قوم الأب وابنها لا ينسب إلى قوم أبيها، بل ينسب إلى قوم زوجها م: (وجنايته كجنايتها) ش: أي جناية المعتق كجناية المعتقة م: (ولو ترك المولى ابنا وأولاد ابن آخر، معناه بني ابن آخر فميراث المعتق) ش: بفتح التاء م: (للابن دون بني الابن؛ لأن الولاء للكبر) ش: بضم الكاف وسكون الباء الموحدة، وكبر الشيء في اللغة معظمة، قال الله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} [النور: 11] (سورة النور: الآية 11) ، قرأ يعقوب وحميد الأعرج بالضم، قال ابن السكيت: يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث. وفي " العباب " وقولهم هو كبر قومه بالضم، أي هو أقعدهم في النسب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 27 هو المروي عن عدة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - منهم: عمر، وعلي، وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -،   [البناية] وفي الحديث: «الولاء للكبر» وهو أن يموت الرجل ويترك ابنا وابن ابن فالولاء للابن دون ابن الابن، وقوله الكبر أي للأقرب، انتهى. وقال الكاكي: أي لأكبر أولاد المعتق، والمراد أقربهم نسبا لا أكبرهم سنا، ألا ترى أن المعتق إذا مات وترك ابنين كبيرا وصغيرا ثم مات المعتق والولاء بينهما نصفان لاستوائهما في القرب إلى الميت من حيث النسب، كذا ذكره شيخ الإسلام. وقال الأسبيجابي في شرح "الكافي ": وأرادوا بالكبر القرب؛ لأن الأكبر من الأولاد يكون وجوده أقرب إلى وجود الأب من غيره، فكنوا به عنه، وفي " شرح الأقطع " وقولهم الولاء لكبر خرج على المعتاد وهو أن الابن يكون أكبر من ابن الابن في أكثر الأحوال وإن كان في حالة قد يكون ابن الابن أكبر من عمه. وقال في " المغرب " المراد أقرب الأولاد نسبا لا أكبرهم سنا. وقال في " الفائق " في حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مات رجل من خزاعة أو من الأزد ولم يدع وارثا، فقال: ادفعوه إلى أكبر خزاعة» أي ادفعوا ماله إلى أكبرهم وهو أقربهم إلى الجد الأول، ولم يرد كبر السن. وقال الحاكم في "كافيه " وتفسيره عندهم، أي تفسير قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء للكبر» ، رجل أعتق عبدا ثم مات وترك ابنين ثم مات أحد الابنين وترك ابنا ثم مات المعتق فميراثه لابن المعتق لصلبه دون ابن ابنه، وكذلك القول في كل عصبة على هذا القياس في أن الولاء للكبر منهم ذلك الوقت. وقال في شرح " الطحاوي ": ولو مات وترك خمسة بني ابن المعتق وابن ابن المعتق من آخر فالميراث أسداسا؛ لأنهم يرثون بالعصبة وعصوبتهم بالسوية. م: (هو المروي عن عدة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أي قولهم: الولاء للكبر مروي عن جماعة معدودة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (منهم عمر وعلي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: روى الدارمي في "مسنده " أخبرنا يزيد بن هارون أن أشعث عن الشعبي عن عمر وعلي وزيد أنهم قالوا: الولاء لكبر، قالوا: يعنون بالكبر ما كان أقرب بأم وأب ورواه من طريق آخر وزاد فيه ابن مسعود. ورواه القاسم بن حزم السرقسطي في كتاب " غريب الحديث " أخبرنا محمد بن علي حدثنا سعيد بن منصور حدثنا أبو عوانة عن إبراهيم عن علي وزيد وعبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنهم كانوا يقولون: الولاء لكبر، قال ومعناه لا تفد الناس بالمعتق يوم يموت المعتق. وقال في موضع آخر قال يعقوب الولاء للكبر بضم الكاف وهو أكبر ولد الرجل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 28 وغيرهم أجمعين، ومعناه القرب على ما قالوا والصلبيّ أقرب   [البناية] م: (وغيرهم أجمعين) ش: مثل عبد الله بن عمر وأسامة بن زيد وأبو مسعود البدري وزيد بن ثابت، وقد أخرج البيهقي عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت أنهم كانوا يجعلون الولاء للكبر من العصب، وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا الثوري عن منصور عن إبراهيم أن عمر وعلي وزيد بن ثابت كانوا يجعلون الولاء للكبر، وبه قال عطاء وطاوس وسالم بن عبد الله والحسن وابن سيرين والشعبي وإسحاق وأبو ثور وداود وغيرهم م: (ومعناه) ش: أي معنى قوله: الولاء للكبر م: (القرب على ما قالوا والصلبيّ أقرب) ش: أي الابن الصلبي أقرب إلى الميت. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 29 فصل في ولاء الموالاة   [البناية] [فصل في ولاء الموالاة] م: (فصل في ولاء الموالاة) ش: إنما أخره على ولاء العتاقة لأنه أقوى من ولاء الموالاة، ولأنه غير قابل للنقل في جميع الأحوال، بخلاف ولاء الموالاة، فإن للمولى أن ينقل فيه قبل العقل، ولأن ولاء العتاقة مجمع عليه وقد مر معناها اللغوي. وأما معناها الشرعي فما ذكره في شرح " الطحاوي " وهو أن يقول: أنت مولاي جنايتي عليك وجنايتك علي وميراثي لك إن مت، فإذا مات كان ميراثه للأعلى إن لم يكن له وارث ولا يرث الأسفل من الأعلى إلا إذا شرط ميراث الأعلى لنفسه. ومن أسلم على يد رجل فبنفس الإسلام لا ينعقد له الولاء، وله أن يوالي من شاء إن شاء والى مع الذي أسلم على يديه، وإن شاء والى مع غيره وله أن يتحول بولايته إلى غيره ما لم يعقل عنه، فبعد ذلك ليس له أن يوالي غيره. فإذا كان أبوه في دار الحرب فانقطع فأعتقه مولاه يثبت ولاؤه مع معتقه وجر ولاء الولد إلى نفسه، واللقيط جر جنايته على بيت المال وميراثه لبيت المال، فإذا أدركه كان له أن يوالي مع من شاء إلا إذا عقل عنه بيت المال فميراثه لبيت المال وليس له أن يوالي أحدا. وقال شيخ الإسلام في شرح " الكافي ": الولاء أن يقول له إني رجل غريب ليس لي عشيرة ولا ناصر فضم إلى عشيرتك حتى أعد من جملتك فتنصرني وتحمل عني نوائبي، وإن مت كان ميراثي لك فيقبل منه فينعقد بينهما عقد موالاة بهذا. وذكر في " الذخيرة " أن يسلم الرجل على رجل فيقول للذي أسلم على يديه أو لغيره واليتك على أني إن مت فميراثي لك، وإن حييت فعقلي عليك وعلى عاقلتك، وقبل الآخر، ولا يثبت أحكامه بمجرد الإسلام بدون عقد الموالاة، ذكره في " الذخيرة " و" جامع التمرتاشي ". وفي " المبسوط " الإسلام على يد ليس بشرط لصحة العقد، وإنما ذكره على سبيل العادة. وفي " العناية ": لا يثبت الولاء بمجرد الإسلام ما لم يعقد عقد الموالاة، وهذا هو مذهب أصحابنا والشعبي ومالك والثوري وعند عمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب والليث بن سعد يثبت الولاء بمجرد الإسلام على يد رجل، كذا ذكره سراج الدين أبو طاهر السجاوندي في شرح "فرائضه " انتهى. وكذا الإسلام على يده ليس بكاف لثبوت ولاء الموالاة عند أكثر أهل العلم إلا ما روي عن الروافض وأحمد في رواية. وروي أيضا عن إبراهيم وإسحاق وعمر بن عبد العزيز وعمر بن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 30 قال: وإذا أسلم رجل على يد رجل ووالاه على أنه يرثه ويعقل عنه إذا جنى أو أسلم على يد غيره ووالاه فالولاء صحيح وعقله على مولاه، فإن مات ولا وارث له غيره فميراثه للمولى. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الموالاة ليس بشيء؛ لأن فيه إبطال حق بيت المال، ولهذا لا يصح في حق وارث آخر،   [البناية] الخطاب لما روى راشد بن سعد أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قال «من أسلم على يديه رجل فهو مولاه يرثه» . قلنا: هذا حديث ضعيف. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا أسلم الرجل على يد رجل ووالاه على أنه يرثه ويعقل عنه إذا جنى أو أسلم على يد غيره ووالاه فالولاء صحيح وعقله على مولاه) ش: وله ثلاث شرائط: أحدها: أن يكون مجهول النسب بأن لا ينسب إلى غيره، وأما نسبة غيره إليه فغير مانع. والثانية: أن لا يكون له ولاء عتاقة ولا موالاة مع أحد وقد عقل عنه. والثالثة: أن لا يكون غريبا. فإن قيل: من شرط العقل عقل الأعلى وحريته، فإن موالاة الصبي والعبد باطلة، فكيف جعل الشرائط ثلاثا. وأجيب: بأن المذكورة هي الشرائط العامة المحتاج إليها في كل واحد من الصور، وأما ما ذكرت فإنما هو نادر فلم تذكر. م: (فإن مات ولا وارث له غيره) ش: أي فإن مات الموالي والحال أنه لا وارث له غير الذي والاه م: (فميراثه للمولى) ش: أي المولى الذي والاه. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الموالاة ليس بشيء) ش: أي عقد الموالاة ليس بشيء في حق الاستحقاق والإرث والتذكير بهذا الاعتبار، وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله وهو وقول الشعبي م: (لأن فيه) ش: أي في التوريث بعقد الموالاة م: (إبطال حق بيت المال) ش: وذلك لأن الإرث إما بالقرابة أو بالزوجية بالنص أو بالعتق بالحديث، ولم يوجد واحد منهما، وعند عدم الوارث يكون لبيت المال، وفي عقدهما الموالاة إبطال حق بيت المال، وكان تصرفا قصد به وضع الشرع فلا يصح م: (ولهذا لا يصح في حق وارث آخر) ش:، أي ولأجل ما ذكرنا لا يصح عقد الموالاة في حق وارث آخر، فكذا لا يصح في حق بيت المال؛ لأنه بمنزلة الورثة عند عدمهم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 31 ولهذا لا يصح عنده الوصية بجميع المال، وإن لم يكن للموصي وارث لحق بيت المال، وإنما يصح في الثلث. ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] (النساء: الآية 33) ، والآية في الموالاة، «وسئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن رجل أسلم على يد رجل آخر ووالاه فقال: هو أحق الناس به محياه ومماته»   [البناية] م: (ولهذا) ش: توضيح آخر لما ذكرنا م: (لا يصح عنده الوصية بجميع المال وإن لم يكن للموصي وارث لحق بيت المال) ش: أي لأجل حقه لأنه في تجويزه إبطال حقه م: (وإنما يصح في الثلث) ش: بالنص المشهور. م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] (سورة النساء: الآية33)) ش: أي عاقدتم، كقوله تعالى: {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ: 40] (سورة النبأ: الآية 40) أي نفسه، إلا أنه أضاف العقد إلى أيماننا؛ لأن أكثر الكسوب تجري على اليد، وليس المراد به القسم، بل المراد الصفقة باليمين بأن عادة المتعاقدين جرت بأن يأخذ كل واحد منهما بيمين الآخر إذا عاقد فسمي العقد صفقة لهذا. قوله: {فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] أي من الميراث؛ لأن المراد من المعطوف عليه، وهو قوله: {الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: 33] بيان النصيب على جهة الاستحقاق إرثا، فكذا المراد مما يعطف عليه، أو المعطوف في حكم المعطوف عليه ولم ينسخ هذا النصيب بآية المواريث لأن المولى لا يرث إلا بعد العصبة والرحم فلا يقع بينهما تعارض ولا تناسخ. م: (والآية في الموالاة) ش: أي عقد الموالاة كما ذكرنا م: «وسئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن رجل أسلم على يد رجل آخر ووالاه فقال: "هو أحق الناس به محياه ومماته» ش: هذا الحديث أخرجه الأربعة في الفرائض، فأبو داود رواه عن يحيى بن حمزة عن عبد العزيز بن عمرو بن عبد العزيز قال: سمعت عبد الله بن موهب يحدث عن عمر بن عبد العزيز عن قبيصة ابن ذؤيب «عن تميم الداري قال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما السنة في الرجل يسلم على يد رجل من المسلمين. قال: "هو أولى الناس بمحياه ومماته» . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 32 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] والترمذي عن أبي أسامة، وابن مثنى، ووكيع ثلاثتهم عن عبد العزيز عن عبد الله بن موهب عن تميم الداري فذكره. والنسائي عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن موهب، عن تميم نحوه. وابن ماجه، عن وكيع، عن عبد العزيز بن عمرو، عن عبد الله بن موهب، عن تميم نحوه. فإن قلت: قال البيهقي: هذا الحديث حيث ذكره من طريق يعقوب بن سفيان حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد العزيز بن عمرو عن عبد الله بن موهب سمعت تميما.. إلى آخره. ثم قال: قال يعقوب: هذا خطأ؛ ابن موهب لم يسمع من تميم ولا لحقه. ثم أخرجه من طريق يعقوب عن عبد الله بن يوسف عن يحيى بن حمزة عن عبد العزيز عن ابن موهب، وعن قبيصة بين ذؤيب عن تميم ثم من طريق أبي داود المذكورة. ثم قال: فعاد الحديث مع ذكر قبيصة فيه إلى الإرسال ثم ذكر أن الشافعي قال: ابن موهب ليس بالمعروف عندنا، ولا نعلمه لقي تميما، ومثل هذا لا يثبت عندنا، ولا عندك من قبل أنه مجهول ولا أعلمه متصلا. قلت: أخرجه الحاكم من طريق ابن موهب عن تميم ثم قال: صحيح على شرط مسلم، وعبد الله بن موهب بن زمعة مشهور، ومشاهد عن تميم حديث قبيصة. وأخرج ابن أبي شيبة الحديث في "مصنفه " عن وكيع عن عبد العزيز، وصرح فيه بسماع ابن موهب من تميم كرواية أبي نعيم. وأخرجه ابن ماجه في "سننه " عن ابن أبي شيبة كذلك، فهذان ثقتان جليلان صرحا في روايتهما بسماع ابن موهب من تميم، وأدخل يزيد بن خالد، وهشام، وأبي يوسف بينهما قبيصة. فإن كان الأمر كما ذكر أبو نعيم ووكيع حمل على أنه سمع منه بواسطة، وبدونها، وإن ثبت أنه لم يسمع منه ولا لحقه فالواسطة هو قبيصة ثقة أدرك زمان تميم بلا شك، فعنعنته محمولة على الاتصال، فلا أدري ما معنى قول البيهقي، فعاد الحديث مع ذكره إلى الإرسال. وقال صاحب " الكمال ": ابن موهب ولاه عمر بن عبد العزيز قضاء فلسطين، وروى عنه عبد العزيز بن عمر، والزهري، وابنه يزيد بن عبد الله، وعبد الملك بن أبي جميلة، وعمر بن مهاجر. وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد العزيز بن عمر وهو ثقة عن ابن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 33 وهذا يشير إلى العقل والإرث في الحالتين هاتين، ولأن ماله حقه فيصرفه إلى حيث يشاء والصرف إلى بيت المال ضرورة عدم المستحق لا أنه مستحق.   [البناية] موهب الهمداني وهو ثقة، قال: سمعت تميما وكذا ذكر الصيرفي في كتابه بخطه فدل ذلك على أنه ليس بمجهول لا عينا ولا حالا، ثم الظاهر أن الشافعي يخاطب محمد بن الحسن لأنه المخالف في هذه المسألة هو وأصحابه وقد عرف من مذهبهم أن الجهالة، وعدم الاتصال لا يضران الحديث، فلو سلموا له ذلك لكان الحديث ثابتا عندهم محتجا به، فكيف يقول الشافعي: ومثل هذا لا يثبت عندنا ولا عندك. فإن قلت: قال الخطابي: فقد ضعف أحمد بن حنبل هذا الحديث، وقال: إن رواية عبد العزيز ليس من الحفظ والإتقان، وقال ابن المنذر: لم يروه غير عبد العزيز ابن عمر، وهو شيخ ليس من الحفظ، وقد اضطربت روايته فيه. قلت: عبد العزيز هذا من رجال الصحيحين. وقال ابن معين: ثقة روى كثيرا، وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال نعيم: ثقة، وقال ابن عمار: ثقة لا خلاف فيه، وبما ذكرنا سقط اعتراض المعترضين كالبيهقي، والخطابي، وابن القطان أيضا، حيث قال في كتابه: وعلة هذا الحديث الجهل بحال عبد الله بن موهب، فإنه لا يعرف حاله، وقد بينا لك حاله فظهر لك سقوط اعتراضه. ألا ترى أن البخاري ذكر هذا الحديث في الصحيح تعليقا حيث قال في كتاب الفرائض: باب إذا أسلم على يديه ويذكر عن تميم الداري، قال: هو أولى الناس به محياه ومماته. وقد اختلفوا في صحة هذا الخبر حيث لم يجزم بضعفه، فعبارته تدل على أصل الحديث، وأما صحته فقد بيناها الآن. قوله: محياه ومماته مصدران ميميان بمعنى الحياة والموت، والمعنى هو أحق به في حالة الحياة عقلا، وفي حالة الممات إرثا. م: (وهذا) ش: أي هذا الحديث م: (يشير إلى العقل والإرث في الحالتين هاتين) ش: أي إلى العقل عنه حالة الحياة والإرث بعد الممات م: (ولأن ماله حقه فيصرفه إلى حيث يشاء) ش: أي ولأن مال الموالي حقه يصرفه إلى أي جهة شاء ولا حجر عليه. م: (والصرف إلى بيت المال ضرورة عدم المستحق) ش: هذا جواب عن قول الشافعي أن فيه إبطال حق بيت المال، يعني الصرف إلى بيت المال لضرورة عدم المستحق م: (لا أنه) ش: أي بيت المال م: (مستحق) ش: لمال الناس لا يقال إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الولاء لمن أعتق» فيفهم من ذلك أن ولاء الموالاة باطل؛ لأنه لا معتق له؛ لأنا نقول: لا نسلم ذلك لأن تخصيص الشيء بذكر لا يدل على نفي ما عداه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 34 قال: وإن كان له وراث فهو أولى منه، وإن كانت عمة أو خالة أو غيرهما من ذوي الأرحام؛ لأن المولاة عقدهما فلا يلزم غيرهما وذو الرحم وارث، ولا بد من شرط الإرث والعقل كما ذكر في الكتاب لأنه بالالتزام وهو بالشرط، ومن شرطه أن لا يكون المولى من العرب؛ لأن تناصرهم بالقبائل فأغنى عن الموالاة.   [البناية] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن كان له) ش: أي الذي والى غيره م: (وارث فهو أولى منه) ش: أي من الذي والاه م: (وإن كانت عمة، أو خالة، أو غيرهما من ذوي الأرحام؛ لأن الموالاة عقدهما) ش: أي عقد الموالين م: (فلا يلزم غيرهما وذو الرحم وارث) ش: فيقدم عليه. فإن قيل: ينبغي أن يصح في الثلث لأنه خالص حقه فيصرفه إلى من يشاء، وصار في معنى الوصية. أجيب: بأنه لو كان بطريق الوصية لقدم على الأب، والابن، ولا كذلك بالإجماع. م: (ولا بد من شرط الإرث والعقل) ش: وذلك بأن يقول: واليتك على أني إن حييت عقلت عني، وإن حييت عقلت عنك، وإن مت ورثتني، وإن مت ورثتك م: (كما ذكر في الكتاب) ش: أي القدوري م: (لأنه) ش: أي لأن محل واحد من الإرث والعقل م: (بالالتزام) ش: أي يكون بالإلزام، فلا يصح دونه م: (وهو) ش: أي الالتزام م: (بالشرط) ش: أي يكون بالشرط م: (ومن شرطه) ش: أي ومن شرط عقد الموالاة، أي ومن شرط صحته م: (أن لا يكون المولى من العرب) ش: أراد به المولى الأسفل م: (لأن تناصرهم) ش: أي تناصر العرب م: (بالقبائل) ش: أي بالأقارب والعشائر؛ لأنهم يتناصرون بنسبتهم إلى القبائل م: (فأغنى عن الموالاة) ش: لكون التناصر بالقبائل آكد من نصرة الموالاة؛ لأنه لا يلحقه الفسخ. فإن قلت: التناصر حكمه، وهو لا يراعى في كل فرد، وإنما يراعى في الجنس كما في الاستبراء، فإن الحكمة فيه فراغ الرحم، وإنما تعتبر في الجملة لا في كل فرد، حتى وجب الاستبراء فيمن اشترى من امرأة، أو المشتري أمة صغيرة. قلت: التناصر علة لا حكمة. فإن قلت: إن العلة شيء موجود، والتناصر قد يوجد، وقد لا يوجد. قلت: إنه علة. قلت: أقمنا السبب الظاهر مقام ذلك، ومن جملة الشروط العقل، حتى لو أسلم على يد صبي والاه لا يصح؛ لأن الصبي ليس من أهل النصرة، وليس من أهل الالتزام أيضا. وكذا لو والى رجل عبدا لم يجز إلا أن يكون بإذن المولى؛ لأنه عقد التزام بالنصرة، والعبد لا يملكه بنفسه إلا بإذن سيده. ولو والى صبيا بإذن أبيه أو وصيه يصح؛ لأن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 35 قال: وللمولى أن ينتقل عنه بولائه إلى غيره ما لم يعقل عنه لأنه عقد غير لازم بمنزلة الوصية، وكذا للأعلى أن يتبرأ عن ولائه لعدم اللزوم، إلا أنه يشترط في هذا أن يكون بمحضر من الآخر كما في عزل الوكيل قصدا،   [البناية] عبارته إذا كان يعقل معتبرة في العقود بإذن وليه يصح عقد ولائه كالبيع، كذا في " المبسوط ". وفي المكاتب روايتان في رواية يصح، ويكون ولاؤه، وفي رواية: لا يصح لأنه عبد، كذا في " المحيط ". م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وللمولى أن ينتقل عنه بولائه إلى غيره ما لم يعقل عنه) ش: أي وللمولى الأسفل الانتقال من الذي والاه إلى غيره ما لم يعقل الذي والاه عنه، أي عن المولى الأسفل م: (لأنه) ش: أي لأن عقد الموالاة م: (عقد غير لازم بمنزلة الوصية) ش: فحينئذ له الرجوع كما في الوصية م: (وكذا الأعلى) ش: أي وكذا للمولى الأعلى م: (أن يتبرأ عن ولائه لعدم اللزوم) ش: لما ذكرنا أنه عقد لازم. وقال الحاكم في "كافيه ": رجل والى رجلا فله أن يتحول عنه ما لم يعقل عنه، وله أن ينقضه بحضرته، وكذلك للرجل أن يتبرأ من ولائه ما لم يعقل عنه، فإذا نقض أحدهما الولاء بغير محضر من صاحبه لم ينتقض إلا أن يوالي الأسفل آخر، فيكون ذلك نقضا وإن لم يحضر صاحبه. وفي " التحفة ": فإذا عقل عنه لا يقدر أن يتحول إلى غيره، وصار العقد لازما إلا إذا اتفقا على النقض. م: (إلا أنه يشترط في هذا) ش: أي في فسخ عقد الموالاة. وقال تاج الشريعة أي في انتقال الولاء إلى غيره، وتبرؤ الأعلى عن الولاء الأسفل م: (أن يكون بمحضر من الآخر) ش: المراد بالمحضر العلم حتى إذا وجد العلم بلا حضور كان كافيا م: (كما في عزل الوكيل قصدا) ش: حيث لم يصح إلا بالعلم لأنه يؤدي إلى الغرور، فإنه ينصرف على حساب أنه وكيل فيصير ضامنا، كذا هاهنا متى فسخ الأسفل عقد الموالاة بغير محضر من الأعلى ليصير الأعلى مغرورا؛ لأنه ربما يموت الأسفل فيظن أنه وارثه فيصرف فيضمن، وكذلك الأعلى إذا فسخ بغير حضرة الأسفل؛ لأن الأسفل إذا لم يعلم به يعتق عبيده على حساب أن عقل عبيده على مولاه لم يجب عليه فيشترط علمهما. فإن قلت: لم قيد بقوله قصدا. قلت: لأن عزل الوكيل بدون عمله يجوز ضمنا، فكذا عقد الولاء ينفسخ بدون العلم ضمنا لا قصدا، لا يقال في عزل الوكيل قصدا يتضرر الوكيل بسبب الضمان عند رجوع الحقوق عليه إذا كان نقد من مال الموكل، وهاهنا لم يتضرر أحد؛ لأنا نقول سبب الاشتراط هاهنا هو السبب هناك، وهو دفع الضرر، فإن العقد بينهما وفي تفرد أحدهما إلزام الفسخ على الآخر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 36 بخلاف ما إذا عقد الأسفل مع غيره بغير محضر من الأول؛ لأنه فسخ حكمي بمنزلة العزل الحكمي في الوكالة. قال: وإذا عقل عنه لم يكن له أن يتحول بولائه إلى غيره لأنه تعلق به حق الغير ولأنه قضى به القاضي، ولأنه بمنزلة عوض ناله كالعوض في الهبة، وكذا لا يتحول ولده وكذا إذا عقل عن ولده لم يكن لكل واحد منهما   [البناية] بدون علمه، وإلزام شيء على الآخر من غير علم به ضرر لا محالة؛ لأن فيه جعل عقد الرجل البالغ كلا عقد، وفيه إبطال فعله بدون علمه. م: (بخلاف ما إذا عقد الأسفل مع غيره بغير محضر من الأول) ش: أي من المولى الأعلى حيث يجوز هذا م: (لأنه) ش: أي لأن عقد الأسفل مع غيره م: (فسخ حكمي) ش: لأن انتقاض العقد في حق الأول ضرورة صحة العقد مع الثاني، فصار م: (بمنزلة العزل الحكمي في الوكالة) ش: حيث يجوز كما ذكرنا. فإن قيل: لماذا يجعل صحة العقد مع الثاني موجبة فسخ العقد الأول؟ أجيب: بأن الولاء كالنسب، والنسب ما دام ثابتا من إنسان لا يتصور ثبوته من غيره، فكذلك الولاء، فعرفنا أن من ضرورة صحة العقد مع الثاني بطلان العقد الأول. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا عقل عنه) ش: أي المولى الأعلى إذا عقل عن المولى الأسفل م: (لم يكن له أن يتحول بولائه إلى غيره؛ لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (تعلق به حق الغير) ش: أي تعلق بولاية حق الغير وهو المولى الذي والاه أولا. م: (ولأنه قضى به القاضي) ش: أي ولأن الشأن قضى بموجب الجناية على القاضي الولي الذي عقل عنه، فتأكد به الولاء؛ ولأن القضاء بموجب الشيء قضاء بتقريره ذلك الشيء، وإن كان كذلك صار بمنزلة المجمع عليه بعد أن كان مجتهدا فيه، فنفد عند الكل فلا ينفسخ. م: (ولأنه بمنزلة عوض ناله) ش: أي، ولأن عقل المولى عنه صار بمنزلة عوض مال المولى الأسفل م: (كالعوض في الهبة) ش: فإن الموهوب له إذا عوض للواهب عن هبة لم يبق له الرجوع فكذلك هذا م: (وكذا لا يتحول ولده) ش: أي إذا كان للمولى الأسفل ولد لم يكن لولده أن يتحول إلى غير المولى الأعلى لتعلق حق ثبت له في ولاء ابنه وهو يحمل العقد عن أبيه. وفي " المبسوط ": لا يتحول الولد بعد الكبر إلى غيره؛ لأن ولاء الأب تأكد بعقل الجناية فأكد التبع بتأكد الأصل، فكما ليس للأب أن يتحول بعدما عقل، فكذا ليس لولده ذلك إذا كبر. م: (وكذا إذا عقل عن ولده) ش: أي كما لا يجوز أن يتحول إذا عقل عن المولى الأعلى عنه، فكذا لا يجوز له التحول إذا عقل ولده م: (لم يكن لكل واحد منهما) ش: أي من الوالد والولد م: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 37 أن يتحول لأنهم في حق الولاء كشخص واحد. قال: وليس لمولى العتاقة أن يوالي أحدا لأنه لازم ومع بقائه لا يظهر الأدنى.   [البناية] (أن يتحول) ش: أي التحول إلى غيره م: (لأنهما في حق الولاء) ش: أي لأن المولى الأعلى، والمولى الأسفل وولده م: (كشخص واحد) ش: حكما، فكما لا يجوز للوالد التحول فكذا لولده. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وليس لمولى العتاقة أن يوالي أحدا؛ لأنه لازم) ش: أي لأن ولاء العتاقة لازم لا يحتمل النقض؛ لأن سببه العتق وهو لا يحتمل النقض بعد ثبوته كالنسب، وإذا لم يبطل فلا يفيد عقد الموالاة؛ لأن الموالاة أدنى م: (ومع بقائه) ش: أي مع بقاء ولاء العتاقة م: (لا يظهر الأدنى) ش: أي: عقد الموالاة، ألا ترى أن ولاء العتاقة والموالاة إذا كانا شخصين تقدم ولاء العتاقة في الإرث، فدل على أنه لا حكم له مع وجود ولاء العتاقة. فوائد: ولو والت امرأة رجلا فولدت ولدا لا يعرف أبوه يدخل الولد في ولائها تبعا، وكذا إن أقرت أنها مولاة فلان وفي يدها طفل لا يعرف أبوه يدخل الولد في ولائها تبعا عند أبي حنيفة في الصورتين خلافا لهما فيهما. وفي " المحيط ": والى ذمي مسلما أو ذميا جاز وهو موالاة ولو أسلم على يد مولى ووالاه هل يصح لم يذكره في الكتاب. واختلفوا، قيل يصح وقيل لا يصح. والى رجلا ثم ولد له من امرأة والت آخر فولاء الولد لمولى الأب وكذا إن والت وهي حبلى، بخلاف ما إذا أعتقت وهي حبلى فولاء الولد لقوم أمه، والله أعلم بالصواب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 38 كتاب الإكراه الإكراه يثبت حكمه إذا حصل ممن يقدر على إيقاع ما توعد به سلطانا كان أو لصا؛ لأن الإكراه اسم لفعل يفعله المرء بغيره فينتفي به رضاه أو يفسد به اختياره مع بقاء أهليته، وهذا إنما يتحقق إذا خاف المكره تحقيق ما توعد به،   [البناية] [كتاب الإكراه] [تعريف الإكراه وما يثبت به حكمه] م: (كتاب الإكراه) ش: إنما ذكره عقيب كتاب الولاء لاشتمال كل منهما على التغيير، فإن الموالاة تغيير حال المولى الأعلى عن حرمة أكل مال المولى الأسفل بعد موته إلى حله، والإكراه يغير حال المكره من الحرمة إلى الحل وهو مصدر أكرهه إذا حمله على أمر يكرهه ولا يريد. والكره بالفتح والضم اسم، وفي الشرع ما ذكره المصنف بقوله لأن الإكراه اسم لفعل يفعله المرء بغير فينتفي به رضاه أو يفسد به اختياره مع بقاء أهليته، وفي " الإيضاح ": هو فعل يوجد من المكره فيحدث في المحل معنى يصير به مدفوعا إلى الفعل الذي طلب منه. وفي " الوافي " هو عبارة عن تهديد القادر غيره على ما هدده ويكره على أمر بحيث ينتفي به الرضاء. م: (الإكراه يثبت حكمه إذا حصل ممن يقدر على إيقاع ما توعد به) ش: أي خوفه م: (سلطانا كان أو لصا) ش: لأن تحققه يتوقف على خوف المكره تحقيق ما توعد به لا يخاف إلا إذا كان المكره قادرا على ذلك، ولا فرق بين السلطان وغيره عند تحقيق القدرة م: (لأن الإكراه اسم لفعل يفعله المرء بغيره فينتفي به رضاه) ش: أي فيما يصير آلة كالبيع م: (أو يفسد به اختياره) ش: أي فيما لا يصير آلة له كالإتلاف، وذلك بأن يكون الإكراه كاملا بأن يكون بالقتل أو القطع، أو في الرضاء. ويفسد الاختيار لتحقق الإيحاء إذ الإنسان يحتوي على حب الحياة فيفسد به الاختيار ويظهر المفاوتة في الأحكام، فإن الإكراه بالحبس والقيد على إجراء كلمة الكفر لا يثبت الرخصة والإكراه بالقتل أو القطع يثبتها م: (مع بقاء أهليته) ش: هذه إشارة إلى أن الإكراه لا يسقط عن المكره الخطاب بالأهلية وهي باقية. وإذا كانت الأهلية هنا تثبت كان المكره مخاطبا. قال تاج الشريعة: مع بقاء أهليته، أي للثواب والعقاب؛ لأن فساد الاختيار لا يمنع الأهلية. م: (وهذا) ش: إشارة إلى ما ذكره من قوله لأن الإكراه إلى آخره م: (إنما يتحقق إذا خاف المكره تحقيق ما توعد به) ش: بضم الياء على صيغة المجهول. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 39 وذلك إنما يكون من القادر والسلطان وغيره سيان عند تحقق القدرة، والذي قاله أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الإكراه لا يتحقق إلا من السلطان، لما أن المنعة له والقدرة لا تتحقق بدون المنعة، فقد قالوا هذا اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان، ولم تكن القدرة في زمنه إلا للسلطان، ثم بعد ذلك تغير الزمان وأهله، ثم كما تشترط قدرة المكره لتحقق الإكراه يشترط خوف المكره وقوع ما يهدد به، وذلك بأن يغلب على ظنه أنه يفعله ليصير به محمولا على ما دعي إليه من الفعل. قال: وإذا أكره الرجل على بيع ماله أو على شراء سلعة أو على   [البناية] وفي بعض النسخ ما توعد به م: (وذلك) ش: على ما ذكرنا من الشرائط م: (إنما يكون من القادر والسلطان وغيره سيان عند تحقق القدرة) ش: سيان بكسر السين أي مثلان وهو تثنية سي والجمع سواء: م: (والذي قاله أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الإكراه لا يتحقق إلا من السلطان، لما أن المنعة له) ش: بتحريك النون، يقال فلان في عز ومنعة، يعني يمنع أهله وعشيرته، يعني يحوطهم وينصرهم. وعن ابن السكيت: وقد تسكن النون، وكذا قيل الملك لا يكون ملكا إلا بالمنعة، وهي شرط للملك كالوضوء للصلاة. ويجوز أن تكون المنعة جمع مانع، يعني له منعة يمنعون من يخالفه أو من يريده بالسوء. م: (والقدرة لا تتحقق بدون المنعة) ش: لما أن المنعة شرط للقدرة والمشروط لا يتحقق بدون الشرط، وهذا كما رأيت حقق الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه، وكذا حققه خواهر زاده في "مبسوطه " وذكر الطحاوي في "مختصره " قول أبي يوسف مع أبي حنيفة. وقال الأسبيجابي "في شرحه ": وقول أبي يوسف مع محمد في ظاهر الرواية م: (فقد قالوا) ش: أي المشايخ م: (هذا) ش: أي الذي ذهب إليه أبو حنيفة. وفي بعض النسخ هو م: (اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان) ش: لأن مناط الحكم القدرة م: (ولم تكن القدرة في زمنه إلا للسلطان، ثم بعد ذلك تغير الزمان وأهله) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه» ، فإذا كان الزمان شرا يكون أهله أشرارا. م: (ثم كما يشترط قدرة المكره) ش: بكسر الراء م: (لتحقق الإكراه يشترط خوف المكره) ش: بفتح الراء م: (وقوع ما يهدد به) ش: أي بالذي يهدد م: (وذلك) ش: إشارة إلى قوله خوف المكره وقوع ما يهدد به م: (بأن يغلب على ظنه أنه) ش: أي المكره بكسر الراء م: (يفعله) ش: أي يفعل ما يهدد به م: (ليصير به) ش: أي ليصير المكره بالفتح بما يغلب على ظنه م: (محمولا) ش: أي مضطرا م: (على ما دعي إليه من الفعل) ش: الذي هدده به. [أكره الرجل على بيع ماله أو على شراء سلعة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا أكره الرجل على بيع ماله أو على شراء سلعة أو على الجزء: 11 ¦ الصفحة: 40 أن يقر لرجل بألف أو يؤجر داره فأكره على ذلك بالقتل أو بالضرب الشديد أو بالحبس فباع أو اشترى فهو بالخيار إن شاء أمضى البيع، وإن شاء فسخه ورجع بالمبيع؛ لأن من شرط صحة هذه العقود التراضي. قال الله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] (النساء: 29) ،   [البناية] أن يقر لرجل بألف أو يؤجر داره فأكره على ذلك) ش: أي على ما ذكر من البيع والشراء والإقرار والإجارة م: (بالقتل أو بالضرب الشديد أو بالحبس) ش: أراد به الحبس المديد، فإن حكم الحبس بيوم سيجيء م: (فباع أو اشترى) ش: أو أقر أو أجر ثم زال الإكراه م: (فهو بالخيار إن شاء أمضى البيع وإن شاء فسخه ورجع بالمبيع؛ لأن من شرط صحة هذه العقود) ش: أي البيع والشراء والإقرار والإجارة م: (التراضي، قال الله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] (سورة النساء: 29) . ش: فإن قلت: الآية وإن أثبت الحرمة بدون الرضاء ولكن مطلق قوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] يوجب الجواز بدون التراضي. قلت: البيع لغة مبادلة المال بالتراضي، والأصل ورد الشرع على وفاق الحقيقة، ولأنه مخصوص محض بدون الرضا. فإن قلت: هذا بمنزلة الشرط وأنه يقتضي الوجود عند الوجود أما لا يقتضي العدم عند العدم، كما في قَوْله تَعَالَى {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] (سورة النساء: الآية 25) . قلت: أول الآية {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] واستثنى منه التجارة بالتراضي، فيبقى غيره في صدر الكلام يوضحه أن المستثنى لما كان بصفة التراضي يكون المستثنى منه بخلاف التراضي وهو المكره، وهذا كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا سواء بسواء» أي كيلا بكيل، فلما استثنى البيع الجائز مع الكيل علم أن المستثنى منه بيع المكيل أيضا، فصار، كأنه قال لا تأكلوا أموالكم بينكم بالتجارة الباطلة كرها، حتى تكون عن تراض فيكون الرضاء شرطا ولكن لا ينعدم به أصل البيع. فإن قلت: ينبغي أن يكون البيع باطلا بقوله: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] (سورة النساء: الآية 25) . قلت: المراد من قوله بالباطل أي بما لم تبحه الشريعة من نحو السرقة والخيانة والغصب والقمار وعقود الربا. وقوله: عن تراض صفة التجارة، أي تجارة صادرة عن تراض، وخص التجارة بالذكر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 41 والإكراه بهذه الأشياء يعدم الرضاء فيفسد، بخلاف ما إذا أكره بضرب سوط أو حبس يوم أو قيد يوم؛ لأنه لا يبالى به بالنظر إلى العادة، فلا يتحقق به الإكراه، إلا إذا كان الرجل صاحب منصب يعلم أنه يستضر به لفوات الرضا   [البناية] لأن أسباب الرزق أكثرها يتعلق بها، والتراضي رضى المتبايعين بما تعاقدوا عليه في حال البيع وقت الإيجاب والقبول، وهو مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعند الشافعي تفرقهما عن مجلس العقد متراضيين. م: (والإكراه بهذه الأشياء) ش: يعني بالبيع وأخواته م: (يعدم الرضاء فتفسد) ش: أي هذه العقول المذكورة. لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، م: (بخلاف ما إذا أكره بضرب سوط) ش: هذا يتصل بقوله والإكراه بهذه الأشياء يعدم الرضاء بخلاف ما إذا أكره على البيع أو الشراء أو الإقرار أو الإجارة بضرب سوط م: (أو حبس يوم أو قيد يوم) ش: حيث لا يكون إكراها م: (لأنه لا يبالي به) ش: بفتح اللام، أي لا يلتفت إلى مثل هذه الأشياء، م: (بالنظر إلى العادة) ش: فإن الرجل قد يقيم في المنزل يوما أو يومين بالاختيار من غير أن يثقل عليه، وكذا ضرب سوط؛ لأن هذا القدر يعيب به ويؤدب به الصغير. والإنسان يجعل القيد في رجله ثم يمشي مشبها بالمقيد، والحبس الذي هو إكراه ما يجيء منه الاغتمام البين والضرب الذي هو الإكراه ما يوجد منه الألم الشديد، وذلك على قدر ما يرى الحاكم إذا رفع إليه ذلك؛ لأن ذلك يختلف باختلاف أحوال الناس. م: (فلا يتحقق به الإكراه) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فلا يتحقق به الإكراه. م: (إلا إذا كان الرجل) ش: الذي أكره بضرب سوط أو حبس يوم أو قيد يوم م: (صاحب منصب) ش: بفتح الميم وبكسر الصاد، وهو في اللغة الأصل. وأراد به هاهنا أن يكون ذا جاه م: (يعلم أنه يستضر به) ش: أي بضرب سوط واحد ونحوه كما يتضرر واحد من أوساط الناس بالضرب الشديد، فحينئذ يكون ذلك إكراها وذلك كالقاضي وعظيم البلد، فإن مطلق القيد والحبس إكراه في حقه، حتى لو توعد به وهو رجل وجيه كان ذلك إكراها. وبه قال بعض الشافعيين ومالك وأحمد رحمهما الله في رواية. وقال في رواية: الوعيد ليس بإكراه، وعن شريح: القيد والوعيد إكراه والضرب والشتم باختلاف أحوال الناس، حتى قال بعض المشايخ: لو شدت أذن واحد من أشراف الناس في مجلس السلطان يكون مكرها م: (لفوات الرضاء) ش: فإذا فات الرضاء ثبت الإكراه لوجود الجزء: 11 ¦ الصفحة: 42 وكذا الإقرار حجة لترجح جنبة الصدق فيه على جنبة الكذب، وعند الإكراه يحتمل أنه يكذب لدفع المضرة، ثم إذا باع مكرها وسلم مكرها يثبت به الملك عندنا، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يثبت لأنه بيع موقوف على الإجازة. ألا ترى أنه لو أجاز، جاز والموقوف قبل الإجازة لا يفيد الملك ولنا أن ركن البيع صدر من أهله مضافا إلى محله والفساد لفقد شرطه وهو التراضي، فصار كسائر الشروط المفسدة   [البناية] العلة. م: (وكذا الإقرار حجة) ش: هذا عطف على قوله والإكراه بهذه الأشياء بعدم الرضاء فيفسد، أي والإقرار أيضا يفسد بالإكراه بهذه الأشياء، وذلك لأن الإقرار إنما صار حجة في غير الإكراه م: (لترجح جنبة الصدق فيه على جنبة الكذب) ش: أراد أن الإقرار في نفسه دائر بين الصدق والكذب لأنه اختيار، ولكن يترجح الصدق حال الطواعية بدلالة الحال، إذ الظاهر أن الإنسان لا يكذب على نفسه. م: (وعند الإكراه يحتمل أنه يكذب لدفع المضرة) ش: والشراء لإظهار ما كان عليه فلا يكون حجة، بخلاف ما إذا أكره على الإقرار بأن يضرب سوطا ويحبس يوما فأقر فهو إقرار كما في البيع إذا كان المكره صاحب منصب كما ذكرنا. م: (ثم إذا باع مكرها وسلم) ش: أي المبيع حال كونه م: (مكرها يثبت به الملك عندنا) ش: أي يثبت بالإكراه الملك الفاسد عند أصحابنا الثلاثة م: (وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يثبت) ش: أي الملك م: (لأنه بيع موقوف على الإجازة، ألا ترى أنه) ش: أي المكره بفتح الراء م: (لو أجاز) ش: أي البيع م: (جاز والموقوف قبل الإجازة لا يفيد الملك) ش: عند الثلاثة لا يجوز. ولو أجاز كالبيع بشرط الخيار، وكذا عند الثلاثة إلا أن عندهم لا يكون موقوفا بل باطلا. م: (ولنا أن ركن البيع صدر من أهله مضافا إلى محله) ش: لأن الإيجاب والقبول صدر من المالك البالغ العاقل وصادف محله وهو المال م: (والفساد) ش: أي فساد البيع م: (لفقد شرطه وهو التراضي) ش: قال الله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وتأثير انتفاء الشرط في فساد العقد لا غير كانتفاء المساواة في باب الربا. م: (فصار) ش: أي الإكراه م: (كسائر الشروط المفسدة) ش: إنما ألحقه بالشروط المفسدة لأن خلو البيع عنها شرط صحة البيع فكذا خلو البيع عن الإكراه. فاعلم أن بيع المكره يشبه البيع الموقوف من حيث إنه يتوقف على إجازة المالك فلشبهه به يعود جائزا إذا أجاز في أي وقت شاء ويشبه البيع الفاسد من حيث صدوره من المالك وانعدم شرط الجواز وهو الرضاء، فيفيد الملك بعد القبض، وإنما عملنا هكذا إذ لو أظهرنا شبه الوقوف الجزء: 11 ¦ الصفحة: 43 فيثبت الملك عند القبض، حتى لو قبضه وأعتقه أو تصرف فيه تصرفا لا يمكن نقضه، جاز ويلزمه القيمة كما في سائر البياعات الفاسدة، وبإجازة المالك يرتفع المفسد، وهو الإكراه وعدم الرضا، فيجوز إلا أنه لا ينقطع به   [البناية] في عدم الملك لا يبقى لشبهة الآخر عمل فيعمل العمل بالشبهين، لا يقال لو كان بمنزلة البيع الفاسد لما عاد إلى الجواز بالإجازة كما في البيوع الفاسدة؛ لأن النفاذ لسقوط الفساد وأنه لم يستحكم. فإن قلت: ينبغي أن لا يثبت الملك بعد القبض كما في البيع بشرط الخيار مع وجود الرضاء بالعقد. قلت: إنما لا يثبت الملك ثمة لاختلاف الشرط عن الفائدة، وهنا ما وجد الشرط فيثبت الملك. فإن قلت: بيع الهازل لا يفيد الملك وأنه كالبيع الذي نحن فيه من حيث صدورها من المالك مع عدم الرضاء، فينبغي أن لا يثبت الملك. قلت: الهازل لا يكون مختارا لثبوت الملك للمشتري، أما هنا المكره قد أكره على بيع يثبت الملك، فإقدامه على ذلك يدل على اختيار ثبوت الملك للمشتري إذ لو لم يكن مختارا لذلك لما أتى بما أكره هو عليه. م: (فيثبت الملك عند القبض حتى لو قبضه) ش: أي المشتري من المكره بالفتح م: (وأعتقه أو تصرف فيه) ش: أي في المبيع م: (تصرفا لا يمكن نقضه) ش: كالتدبير والاستيلاد م: (جاز ويلزمه القيمة) ش: أي جاز تصرف المشتري وتلزمه قيمة المبيع. وكذا الحكم في الهبة تلزمه القيمة. وفي " الذخيرة ": المالك بالخيار إن شاء ضمن المكره قيمته يوم سلمه إلى المشتري أو الموهوب له، وإن شاء ضمن المشتري والموهوب له. م: (كما في سائر البياعات الفاسدة) ش: حيث يلزم فيها القيمة بعد القبض والتصرف اللازم م: (وبإجازة المالك يرتفع المفسد) ش: هذا جواب عما يقال: لو كان كسائر البياعات الفاسدة لما عاد جائزا بالإجازة لهن. وتقرير الجواب: أن بإجازة المالك يرتفع المفسد م: (وهو الإكراه وعدم الرضاء فيجوز) ش: بخلاف سائر البياعات الفاسدة لأن المفسد فيها باق م: (إلا أنه) ش: استثناء من قوله كما في سائر البياعات الفاسدة، ذكره للفرق بين الإكراه والبيع الفاسد. الضمير في أنه للشأن م: (لا ينقطع به) ش: أي بسبب الإكراه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 44 حق استرداد البائع وإن تداولته الأيدي ولم يرض البائع بذلك بخلاف سائر البياعات الفاسدة لأن الفساد فيها لحق الشرع، وقد تعلق بالبيع الثاني حق العبد، وحقه مقدم لحاجته. أما هاهنا الرد لحق العبد وهما سواء فلا يبطل حق الأول لحق الثاني. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن جعل البيع الجائز المعتاد بيعا فاسدا يجعله كبيع المكره حتى ينقض بيع المشتري من غيره، لأن الفساد لفوات الرضاء ومنهم   [البناية] م: (حق استرداد البائع وإن تداولته الأيدي) ش: ما لم يتصرف المشتري فيه تصرفا لازما يمكن نقضه م: (ولم يرض البائع بذلك) ش: أي والحال أن البائع لم يرض بذلك. م: (بخلاف سائر البياعات الفاسدة) ش: حيث ينقطع فيها حق الاسترداد إذا تداولته الأيدي م: (لأن الفساد فيها لحق الشرع) ش: لأنه أقدم على ما نهاه عنه م: (وقد تعلق بالبيع الثاني حق العبد، وحقه مقدم لحاجته) ش: وعني صاحب الشرع م: (أما هاهنا) ش: أي في مسألة الإكراه م: (الرد لحق العبد) ش: وهو المكره، وأنه باق بعد البيع الثاني والثالث. م: (وهما سواء) ش: أي البائع المكره والمشتري منه الذي باعه لآخر سيان في الحق م: (فلا يبطل حق الأول) ش: وهو البائع المكره م: (لحق الثاني) ش: أي لأجل حق الثاني وهو المشتري منه الذي باعه لآخر، وكذا الحكم في الثالث والرابع وهلم جرا. وفي " الذخيرة ": البيع حصل بتسليط البائع الأول. وفي البياعات الفاسدة، وهاهنا ما حصل بتسليط المكره وهذا فرق جيد. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي صاحب الهداية: م: (ومن جعل البيع الجائز المعتاد بيعا فاسدا يجعله كبيع المكره) ش: وأراد به بيع الوفاء، وصورته أن يقول البائع للمشتري: بعت هذا منك بمالك علي من الدين على أني متى قضيت الدين فهو لي. وقال تاج الشريعة: صورته أن يقول البائع للمشتري: بعت منك هذا العين بكذا على أني لو دفعت إليك الثمن تدفع العين إلي. أو تقول: بعت منك هذا بمالك من الدين على أني متى قضيت الدين فهو لي، فقوله "ومن" موصولة تتضمن معنى الشرط، وقوله: جعل البيع.. إلى آخره صلتها. وقوله: بيعا فاسدا مفعول ثان القول جعل البيع. وقوله: يجعله في محل الرفع على أنه خبر لقوله من وهم مشايخ بخارى فإنهم جعلوا هذا البيع كبيع المكره م: (حتى ينقض بيع المشتري من غيره، لأن الفساد لفوات الرضاء) ش: كما في بيع المكره عليه. م: (ومنهم) ش: أي ومن المشايخ كالقاضي الإمام السند أبو شجاع السمرقندي والقاضي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 45 من جعله رهنا لقصد المتعاقدين، ومنهم من جعله باطلا اعتبارا بالهازل. ومشايخ سمرقند - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - جعلوه بيعا جائزا مفيدا لبعض الأحكام على ما هو المعتاد للحاجة إليه.   [البناية] على السعدي، والقاضي الإمام الحسن الماتريدي، وشيخ الإسلام عطاء وحمزة وغيرهم م: (من جعله) ش: أي البيع المذكور. م: (رهنا لقصد المتعاقدين) ش: لأنهما قصدا أن يكون البيع محبوسا بالثمن المؤدى إلى حين رد الثمن إلى المشتري، فكان رهنا معنى، لأنهما وإن سميا بيعا لكن غرضهما الرهن والعبرة للمقاصد والمعاني فلا يملكه المرتهن ولا يطلق له الانتفاع إلا بإذن مالكه وهو ضامن كما أكل من ثمرة واستهلك من عينه والدين ساقط بهلاك في يده إذا كان وفاء بالدين، ولاضمان عليه في الزيادة إذا هلك بغير صنعه وللبائع استرداده إذا قضى دينه لا فرق عندنا بينه وبين الرهن. م: (ومنهم) ش: أي ومن المشايخ م: (من جعله باطلا اعتبارا بالهازل) ش: لأنهما تكلما بلفظ البيع وليس قصدهما فكان لكل منهما أن يفسخ بغير رضا صاحبه. ولو أجاز أحدهما لم يجز على صاحبه والهازل أيضا راض بمباشرة السبب لكنه غير راض ولا مختار لحكمه فكان كخيار الشرط مؤبدا فالعقد فاسد غير موجب للملك. م: (ومشايخ سمرقند - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - جعلوه بيعا جائزا) ش: قال الإمام نجم الدين النسفي: اتفق مشايخنا في هذا الزمان على صحته بيعا وكان عليه بعض السلف لأنهما تلفظا بلفظ البيع، والعبرة للملفوظ دون المقصود كمن تزوج امرأة بقصد أن يطلقها بعدما جامعها صح العقد، يعني لم يكن متعة، كذا في الفصول للأستروشني. وذكر في " فتاوى قاضي خان " والإمام ظهير الدين: والصحيح أن العقد الذي جرى بينهما إن كان بلفظ البيع لا يكون رهنا، ثم ينظر إن كانا ذكرا شرط الفسخ في البيع فسد البيع، وإن لم يذكرا وتلفظا بالبيع جاز. وعندهما هذا البيع عبارة عن بيع غير لازم، فكذلك أي فاسد. وإن ذكر البيع من غير شرط ثم ذكر الشرط على وجه الميعاد جاز البيع ويلزم الوفاء بالميعاد، لأن المواعيد قد تكون لازمة فيجل هذا الميعاد لازما لحاجة الناس م: (مفيدا لبعض الأحكام) ش: هو الانتفاع به دون البعض، وهو المبيع والهبة من آخره. واختار المصنف هذا القول، وأشار إليه بقوله البيع الجائز المعتاد م: (على ما هو المعتاد للحاجة إليه) ش: أي لحاجة الناس إليهم، لأنهم في عرفهم لا يفهمون لزوم البيع بهذا الوجه، فلا يجيزونه إلى أن يرد البائع الثمن إلى المشتري وبقي المشتري يرد البيع إلى البائع أيضا ولا يمنع عن الرد، فلهذا سموه بيع الوفاء لأنه وفى بما عاهد من رد المبيع. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 46 قال: فإن كان قبض الثمن طوعا فقد أجاز البيع لأنه دليل الإجازة كما في البيع الموقوف، وكذا إذا سلم طائعا بأن كان الإكراه على البيع لا على الدفع، لأنه دليل الإجازة، بخلاف ما إذا أكره على الهبة ولم يذكر الدفع فوهب ودفع حيث يكون باطلا لأن مقصود المكره الاستحقاق لا مجرد اللفظ، وذلك في الهبة بالدفع، وفي البيع بالعقد على ما هو الأصل فدخل الدفع في الإكراه على الهبة دون البيع. قال: وإن قبضه مكرها فليس   [البناية] [أثر الإكراه في الضمان] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن كان قبض) ش: أي البائع المكره م: (الثمن طوعا) ش: أي حال كونه طائعا م: (فقد أجاز البيع، لأنه دليل الإجازة كما في البيع الموقوف) ش: إذا قبض المالك الثمن كان إجازة ودلالة تقوم مقام الإجازة. م: (وكذا إذا سلم طائعا) ش: أي وكذا تكون إجازة إذا سلم المشتري المكره المبيع حال كونه طائعا م: (بأن كان الإكراه على البيع) ش: أي على نفس العقد م: (لا على الدفع) ش: أي دفع المبيع إلى البائع يعني إذا أكره على البيع دون دفع المبيع فدفع طائعا جاز البيع م: (لأنه دليل الإجازة بخلاف ما إذا أكره على الهبة ولم يذكر الدفع فوهب ودفع) ش: أي العين الموهوبة إلى الموهوب له م: (حيث يكون باطلا) ش: أي حيث يكون العقد فاسدا يوجب الملك بعد القبض كالهبة الصحيحة بناء على أن أصلنا أن إفساد السبب لا يمنع وقوع الملك بالقبض، فإن تصرف فيه بعد تصرفه عليه ضمان قيمتها. م: (لأن مقصود المكره) ش: بكسر الراء، وفي بعض النسخ مقصود الإكراه، والأول أصح، وهذا إشارة إلى الفرق بين مسألتي الإكراه على البيوع والإكراه على الهبة تقريره أن مقصود المكره م: (الاستحقاق) ش: أي ما يتعلق به الاستحقاق ليتضرر به المكره م: (لا مجرد اللفظ) ش: يعني لا صورة العقد م: (وذلك) ش: إشارة إلى الاستحقاق م: (في الهبة بالدفع وفي البيع بالعقد) ش: تقريره أن ما يتعلق به الاستحقاق إنما يكون في الهبة بالدفع إلى الموهوب له معنى لا يكون من غير قبض م: (على ما هو الأصل) ش: يعني الأصل في البيع أن يثبت الاستحقاق من غير قبض م: (فدخل الدفع) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فوقع الدفع. م: (في الإكراه على الهبة) ش: يعني كان الإكراه على الهبة إكراها على الدفع نظرا إلى مقصود المكره وهو حمله على شيء يتعلق به الاستحقاق وإزالة الملك ليتضرر به م: (دون البيع) ش: حيث لا يكون الإكراه على المبيع إكراها على الدفع أي الإقباض، فيكون الدفع على اختيار منه فيدل على الإجازة. م: (قال: وإن قبضه مكرها) ش: أي بأن قبض المشتري الثمن حال كونه مكرها م: (فليس الجزء: 11 ¦ الصفحة: 47 ذلك بإجازة وعليه رده إن كان قائما في يده لفساد العقد. قال: وإن هلك المبيع في يد المشتري وهو غير مكره ضمن قيمته للبائع، معناه والبائع مكره لأنه مضمون عليه بحكم عقد فاسد، وللمكره أن يضمن المكره إن شاء لأنه آلة له فيما يرجع إلى الإتلاف، فكأنه دفع مال البائع إلى المشتري فيضمن أيهما شاء كالغاصب وغاصب الغاصب، فلو ضمن المكره رجع على المشتري بالقيمة لقيامه مقام البائع، وإن ضمن المشتري نفذ كل شراء كان بعد شرائه لو تناسخته العقود،   [البناية] ذلك بإجازة عليه) ش: أي على المكره م: (رده) ش: أي رد الثمن م: (إن كان قائما في يده لفساد العقد) ش: فيكون الثمن أمانة عند المكره لأنه كذلك، لأنه كان مكرها على قبضه. وإن كان هالكا فلاشيء عليه لأنه هلك أمانة. م: (قال: وإن هلك المبيع في يد المشتري وهو غير مكره ضمن قيمته للبائع) ش: لأنه قبضه للتملك م: (معناه) ش: أي معنى قول القدوري وإن هلك المبيع في يد المشتري وهو غيره مكره، أي والحال أنه غير مكره، (والبائع مكره لأنه مضمون عليه بحكم عقد فاسد) ش: لعدم الرضا، وما كذلك فهو مضمون بالقيمة. م: (وللمكره) ش: بفتح الراء م: (أن يضمن المكره) ش: بكسر الراء م: (إن شاء لأنه) ش: أي المكره م: (آلة له) ش: أي للمكره م: (فيما يرجع إلى الإتلاف) ش: وإن لم يصلح آلة له من حيث إنه كلام، لأن التكلم بلسان الغير لا يصح م (فكأنه) ش: أي فكأن المكره م: (فع مال البائع إلى المشتري) ش: أي أراد به البائع المكره بفتح الراء م: (فيضمن) ش: أي المكره بالفتح م: (أيهما شاء كالغاصب وغاصب الغاصب) ش: حيث يتخير المال في تضمين أيها شاء. م: (فلو ضمن المكره) ش: أي فلو ضمن المكره بالفتح المكره بالكسر م: (رجع على المشتري بالقيمة) ش: أي رجع المكره بالكسر على المشتري بقيمة المقبوض م: (لقيامه مقام البائع) ش: أي لقيام المكره مقام البائع بأداء الضمان لأن المضمون يصير ملكا للضامن من وقت سبب الضمان. م: (وإن ضمن المشتري) ش: يعني وإن ضمن المكره بالفتح، أي مشتركان بعد الأول م: (نفذ كل شراء كان بعد شرائه لو تناسخته العقود) ش: أي تناولته، وقال الأترازي: يعني في صورة الغصب إذا تداولت الأيدي وتناسخت العقود بأن باع هذا من ذلك وذلك من آخر ثم ضمن المالك المشتري الثاني مثلا نفذ كل شراء بعد شراء الثاني لأنه ملك بالزمان فتعين أنه باع ملك نفسه ولا ينفذ ما كان بالشراء قبل الشراء الثاني، لأن إسناد الملك إلى وقت الضمان لا غير، بخلاف البائع المكره إذا جاز بعض العقود ينفذ الكل، لأن العقود موقوفة على الإجازة، فلما وجدت جاز الكل. قال تاج الشريعة: إذا تداولته الأيدي وضمن البائع المشتري نفذ كل شراء كان بعد شرائه، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 48 لأنه ملكه بالضمان فظهر أنه باع ملكه ولا ينفذ ما كان قبله، لأن الاستناد إلى وقت قبضه، بخلاف ما إذا أجاز المالك المكره عقدا منها حيث يجوز ما قبله وما بعده، لأنه أسقط حقه وهو المانع فعاد الكل إلى الجواز، والله أعلم.   [البناية] لأن المشتري حينئذ باع ملك نفسه وكذلك لو ضمنه مشتريا آخر من هؤلاء المشترين ينفذ كل شراء كان بعد شرائه دون ما كان قبل شرائه. وفي " الكافي ": فإن ضمن أحد المشترين وقد تناسخته العقود، أي تداولته نفذ كل شراء بعد شرائه ولا ينفذ ما كان قبله، أي قبل شراء المشتري أو قبل الضمان. م: (لأنه) ش: أي لأن المشتري م: (ملكه بالضمان فظهر أنه باع ملكه) ش: أي ملك نفسه م: (ولا ينفذ ما كان قبله) ش: أي قبل شراء المشتري أو قبل الضمان م: (لأن الاستناد إلى وقت قبضه) ش: أي استناد ثبوت الملك إلى وقت قبضه فقط. م: (بخلاف ما إذا أجاز المالك المكره عقدا منها) ش: أي من العقود التي تناسختها الأيدي م: (حيث يجوز ما قبله وما بعده) ش: لأنه م: (أسقط حقه) ش: جواب عما يقال ما الفرق بين تضمينه مشتريا وإجازة عقدا منها حيث اقتصر النفاذ هاهنا على ما كان بعده وعم الجمع هنالك، وتقديره أن المالك أسقط حقه. يعني في صورة الإجازة م: (وهو) ش: أي حقه هو م: (المانع، فعاد الكل إلى الجواز، والله أعلم) ش: نظيره اشترى دارا ولها شفيع فباع المشتري حتى تناسخته العقود وأجاز الشفيع واحدا منها فإنه يجوز الكل، وكذا الراهن باع حتى تناسخت العقود ثم أجاز المرتهن واحدا من العقود فإنه يجوز الكل، بخلاف الفضولي إذا باع وتناسخت البيوع وأجاز المالك، ولهذا يجوز ما أجازه بعينه، لأنه باع كل واحد منهم ملك غيره، وهنا باع كل واحد ملكه. فإن قيل: ما الفرق بين إجازة المكره وإجازة المغصوب منه، فإنه إذا أجاز بيعا من البيوع نفذ ما أجازه خاصة. أجيب: بأن الغصب لا يزيل ملكه بكل بيع من هذه البيوع توقع على إجابته لمصادفته ملكه فيكون إجازته أحد البيوع تمليكا للعين من المشتري بحكم ذلك البيع فلا ينفذ ما سواه، وأما المشتري من المكره نفذ ملكه بالبيع من كل شراء صادف ملكه، وإنما توقف نفوذه على سقوط حكم المكره في الاسترداد وفي هذا لا يفترق الحال بين إجازته البيع الأول والآخر، فلهذا أنفذ البيوع كلها بإجازته عقدا منها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 49 فصل وإن أكره على أن يأكل الميتة أو يشرب الخمر فأكره على ذلك بحبس أو بضرب أو قيد لم يحل له إلا أن يكره بما يخاف منه على نفسه، أو على عضو من أعضائه، فإذا خاف على ذلك وسعه أن يقدم على ما أكره عليه، وكذا على هذا الدم ولحم الخنزير؛ لأن تناول هذه المحرمات إنما يباح عند الضرورة كما في حالة المخمصة لقيام المحرم فيما وراءها   [البناية] [حكم الإكراه الواقع في حقوق الله] م: (فصل) ش: لما ذكر حكم الإكراه الواقع في حقوق العباد شرع في بيان حكم الإكراه الواقع في حقوق الله، وقد الأول لأن حق العبد مقدم لحاجته. م: (وإن أكره على أن يأكل الميتة أو يشرب الخمر فأكره على ذلك بحبس أو بضرب أو قيد) ش: أراد بالضرب الضرب الخفيف الذي لا يخاف منه تلف نفس أو تلف عضو م: (لم يحل له) ش: أي الإقدام على ذلك. وفي " المبسوط ": كل ضرب لا يخاف منه تلف نفس أو عضو في أكبر الرأي لا يحل لأن غالب الرأي يقام مقام الحقيقة. وقد قال بعض العلماء في ذكر أدنى الحد أربعين، حتى لو تهدد بأقل من أربعين منها لم يحل الإقدام على ذلك، لأن ما دون ذلك مشروع بطريق التعزير، والتعزير يقام على وجه يكون زاجرا لا متلفا. ولكنا نقول نص المقدار بالرأي لا يكون ولا نص في التقدير هنا، وأحوال الناس مختلفة في أحوال بدنهم، فلا طريق سوى رجوع المكره إلى غالب رأيه. فإن وقع غالب رأيه أنه متلف نفسا له أو عضوا يحل له الإقدام، والأول في " الذخيرة ". ولو هدد بضرب سوط أو سوطين فهو لا يعتبر إلا أن يقول لأضربنك على عينك أو على مذاكيرك. م: (إلا أن يكره بما يخاف منه على نفسه أو على عضو من أعضائه، فإذا خاف على ذلك وسعه أن يقدم على ما أكره عليه، وكذا على هذا) ش: أي وكذا الحكم على ما ذكر م: (الدم ولحم الخنزير) ش: يعني إذا أكره على شرب الدم وأكل لحم الخنزير لا يحل الإقدام إلا إذا خاف على نفسه أو عضو من أعضائه م: (لأن تناول هذا المحرمات إنما يباح عند الضرورة كما في حالة المخمصة) ش: فإنه تعالى استثنى حالة الضرورة من التحريم بقوله {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ} [الأنعام: 119] (سورة الأنعام: 199) ، وقال: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ} [المائدة: 3] (سورة المائدة: الآية:3) ، يتحقق بالإكراه م: (لقيام المحرم فيما ورائها) ش: أي فيما وراء الضرورة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 50 ولا ضرورة إلا إذا خاف على النفس أو على العضو، حتى لو خيف على ذلك بالضرب الشديد وغلب على ظنه ذلك يباح له ذلك ولا يسعه أن يصبر على ما توعد به، فإن صبر حتى أوقعوا به ولم يأكل فهو آثم؛ لأنه لما أبيح كان بالامتناع معاونا لغيره على إهلاك نفسه فيأثم كما في حالة المخمصة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يأثم لأنه رخصة، إذ الحرمة قائمة فكان آخذا بالعزيمة. قلنا: حالة الاضطرار مستثنى بالنص وهو تكلم بالحاصل بعد الثنيا فلا محرم، فكان إباحة لا رخصة، إلا أنه إنما يأثم إذا علم بالإباحة في هذه الحالة؛   [البناية] م: (ولا ضرورة إلا إذا خاف على النفس أو على العضو، حتى لو خيف على ذلك بالضرب الشديد) ش: أي التلف م: (وغلب على ظنه يباح له ذلك ولا يسعه أن يصبر على ما توعد به، فإن صبر حتى أوقعوا به) ش: أي قتلوه أو أتلفوا عضوه م: (ولم يأكل فهو آثم) ش: أي في ظاهر الرواية، وكذا هذا فيمن أصابته مخمصة. وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول صحيح وأحمد في رواية ومالك م: (لأنه لما أبيح) ش: من حيث إن حرمة هذه الأشياء كانت باعتبار خلل يعود إلى البدن أو العقل أو العرض وحفظ ذلك مع فوات النفس غير ممكن م: (كان بالامتناع) ش: عن الإقدام م: (معاونا لغيره على إهلاك نفسه فيأثم كما في حالة المخمصة وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يأثم) ش: وبه قال الشافعي في قول وأحمد في رواية م: (لأنه رخصة) ش: أي لأن الإقدام على ذلك رخصة م: (إذ الحرمة قائمة) ش: أي إذ الحرمة بصفة أنها ميتة أو خمر قائمة، فإذا امتنع عن ذلك م: (فيكون آخذا بالعزيمة) ش: فلا يأثم. م: (قلنا: حالة الاضطرار مستثنى بالنص) ش: هذا منع لما قاله أبو يوسف، تقريره لا نسلم أن الحرمة قائمة، لأن الله تعالى استثنى حالة الاضطرار وقال: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] (سورة الأنعام: 119) . م: (وهو) ش: أي الاستثناء دل عليه قوله مستثنى م: (تكلم بالحاصل بعد الثنيا) ش: يعني الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا، فكان لبيان أن المستثنى لم يدخل في صدر الكلام م: (فلا محرم) ش: أي إذا كان كذلك فلا يحرم حينئذ م: (فكان إباحة لا رخصة) ش: أي كان إباحة ابتداء، لأنه داخل في الحرمة ثم خرج فامتناعه من تناول الطعام الحلال حتى تلفت نفسه أو عضوه فكان آثما. م: (إلا أنه إنما يأثم إذا علم بالإباحة في هذه الحالة) ش: هذا جواب إشكال كأنه يقول: إذا ثبت إباحته ينبغي أن لا يأثم، إذ الإنسان لا يأثم بترك المباح، فأجاب: بأنه يأثم إذا علم بالإباحة ولم يأكل حتى تلف، لأنه يصير ساعيا في إتلاف نفسه، أما إذا لم يعلم ذلك فلا يأثم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 51 لأن انكشاف الحرمة خفاء فيعذر بالجهل فيه كالجهل بالخطاب في أول الإسلام أو في دار الحرب قال: وإن أكره على الكفر بالله تعالى والعياذ بالله أو سب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقيد أو حبس أو ضرب لم يكن ذلك إكراها حتى يكره بأمر يخاف منه على نفسه أو على عضو من أعضائه؛ لأن الإكراه بهذه الأشياء ليس بإكراه في شرب الخمر لما مر، ففي الكفر وحرمته أشد أولى وأحرى. قال: وإذا خاف على ذلك وسعه أن يظهر ما أمروه به ويوري، فإن أظهر ذلك وقلبه مطمئن بالإيمان فلا إثم عليه لحديث «عمار بن ياسر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -   [البناية] م: (لأن في انكشاف الحرمة خفاء) ش: لأنه أمر يستأثر بمعرفته الفقهاء، فيكون أوساط الناس مغرورين فيه م: (فيعذر بالجهل فيه) ش: لخفائه عليه م: (كالجهل بالخطاب في أول الإسلام) ش: حيث كان عذرا م: (أو في دار الحرب) ش: بأن أسلم في دار الحرب لا يجب عليه شيء ما لم يعلم بأوامر الشرع. فإن قيل: إضافة الإثم إلى ترك المباح من باب فساد الوضع وهو فاسد. فالجواب: أن المباح إنما يجوز تركه والإتيان به إذا لم يترتب عليه محرم، وهاهنا قد ترتب عليه قتل النفس المحرم فصار الترك حراما، لأن ما أفضى إلى الحرامِ حرام. [الإكراه على الكفر أو سب الرسول] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن أكره على الكفر بالله، والعياذ بالله أو سب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقيد أو حبس أو ضرب لم يكن ذلك إكراها حتى يكره بأمر يخاف منه على نفسه أو عضو من أعضائه لأن الإكراه بهذه الأشياء ليس بإكراه في شرب الخمر لما مر) ش: في أول الفصل م: (ففي الكفر وحرمته) ش: أي والحال أن حرمة الكفر م: (أشد أولى وأحرى) ش: بأن لا يكون إكراها. وقوله: أشد خبر لقوله وحرمته، وقوله أولى خبر لقوله ففي الكفر تقديره عدم كون الإكراه في الكفر أولى. م: (قال: فإذا خاف على ذلك) ش: يعني على نفسه أو على عضو من أعضائه م: (وسعه أن يظهر ما أمروه به) ش: الضمير في أمروه يرجع إلى المكره بالفتح وفي يد إلى ما في قوله ما أمروه م: (ويوري) ش: بنصب الياء، أي وأن يوري عطفا على قوله أن يظهر وهو من التورية وهو أن يظهر خلاف ما يضمره وهو الإتيان بلفظ يحتمل معنيين بأن يظهر الكفر باللسان مع إضمار الإيمان في قلبه. م: (فإن أظهر ذلك) ش: أي التلفظ بالكفر م: (وقلبه مطمئن بالإيمان) ش: أي والحال أن قلبه مطمئن بالإيمان م: (فلا إثم عليه) ش: أي فلا إثم عليه حينئذ م: (لحديث «عمار بن ياسر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 52 حين ابتلي به وقد قال له النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "كيف وجدت قلبك؟ " قال: مطمئنا بالإيمان، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "فإن عادوا فعد»   [البناية] - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حين ابتلي به، وقد قال له النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - "كيف وجدت قلبك؟ "، قال: مطمئنا بالإيمان، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - "إن عادوا فعد» . ش: هذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك في تفسير سورة النحل من حديث عبيد الله بن عمر الرقي، عن عبد الكريم بن مالك الجزري، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال: «أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوني حتى سببت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكر آلهتهم بخير، فلما أتاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[قال] ما وراءك؟ قال: سر يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، قال: "كيف تجد قلبك"، قال: مطمئنا بالإيمان، قال: "فإن عادوا فعد» وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأخرجه البيهقي في "المعرفة " وأبو نعيم في " الحلية " في ترجمة عمار، ورواه عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا معمر عن عبد الكريم الجزري به، وعن عبد الرزاق رواه إسحاق بن راهويه في "مسنده " في مسند عمار بن ياسر. قوله: فإن عادوا قال بعض الشراح: أي إن عادوا إلى الإكراه فعد إلى طمأنينة القلب لا إلى إجراء كلمة الكفر، إذ لا يجوز منه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الأمر بإجراء كلمة الكفر. وقال صاحب " العناية ": معناه عد إلى طمأنينة القلب لا إلى الإجراء والطمأنينة جميعا، لأن أدنى درجات الأمر الإباحة فيكون إجراء كلمة الكفر مباحا وليس كذلك، لأن الكفر مما لا تنكشف حرمته. وقال تاج الشريعة: وبعض العلماء يحملون قوله فإن عادوا فعد على ظاهره، يعني إن عادوا إلى الإكراه فعد إلى ما كان منك من النيل مني وذكر آلهتهم بخير وهو غلط، فإنه لا يظن برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه يأمر أحدا بالتكلم بكلمة الشرك، ولكن مراده إن عادوا إلى الإكراه فعد إلى طمأنينة القلب بالإيمان، وهذا لأن التكلم إن كان مرخصا به فالامتناع منه أفضل. وقال الأترازي: يعني إن عاد الكفار إلى الإكراه فعد إلى طمأنينة القلب بالإيمان. يعني فاثبت على الطمأنينة وهو أمر بالثبات على ما كان لا أمر بما ليس بكائن من الجزء: 11 ¦ الصفحة: 53 وفيه نزل قول الله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106] (النحل: الآية 106) ولأن بهذا الإظهار لا يفوت الإيمان حقيقة لقيام التصديق، وفي الامتناع فوت النفس حقيقة فيسعه الميل إليه. قال: فإن صبر حتى قتل ولم يظهر الكفر كان مأجورا، لأن خبيبا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صبر على ذلك حتى صلب وسماه رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سيد الشهداء، وقال في مثله: «هو رفيقي في الجنة» .   [البناية] الطمأنينة كما في قَوْله تَعَالَى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] معناه إن عادوا إلى الإكراه ثانيا فعد أنت إلى مثل ما أتيت به أولا من إجراء كلمة الكفر على اللسان وطمأنينة القلب بالإيمان، انتهى. قلت: هذا صواب من الكل لأن مقتضى التركيب هذا على ما لا يخفى ولا نسلم أنه أمر من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بالتكلم بكلمة الشرك، بل هذا التشريع للمبتلى بالإكراه فكيف يفعل، لأن - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مبين مشرع فافهم. م: (وفيه) ش: أي وفي عمار بن ياسر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (نزل قول تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106] (سورة النحل: الآية 106) ش: ذكر أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقصته أنه خرج مهاجرا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع جماعة، فأخذهم كفار مكة، وقالوا إنكم تريدون محمدا، وعذبوهم وأكرهوهم على الكفر فصبر بعضهم حتى قتل وتكلم عمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بما أكرهوه وقلبه مطمئن بالإيمان فخلوا عنه، فلما قدم على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر بذلك فنزلت الآية. م: (ولأن بهذا الإظهار لا يفوت الإيمان حقيقة لقيام التصديق) ش: هذا دليل معقول وتقريره أن الإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان والتصديق هو الركن الأصلي، وهو قائم حقيقة والإقرار ركن زائد وهو قائم تقديرا، لأن التكرار ليس بشرط فلا يفوت الإيمان بذلك حقيقة م: (وفي الامتناع) ش: عن إتيان ما تهدد به م: (فوت النفس حقيقة) ش: فكان مما اجتمع فيه فوت حق العبد يقينا وفوت حق الله توهما م: (فيسعه الميل إليه قال: فإن صبر حتى قتل ولم يظهر الكفر كان مأجورا، لأن خبيبا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صبر على ذلك حتى صلب وسماه رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سيد الشهداء وقال في مثله: «هو رفيق في الجنة» . ش: هذا الحديث بهذا الوجه لم يثبت وقتل خبيب في " صحيح البخاري " في مواضع وليس فيه أنه صلب ولا أنه أكره، ولا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سماه سيد الشهداء ولا قال فيه: وهو رفيقي في الجنة فأخرج البخاري في الجهاد عن عمر بن أبي سفيان الثقفي عن أبي هريرة قال: «بعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سرية عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت فانطلقوا حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو لحيان فتبعوهم بقريب من مائة رجل رام فاقتصوا آثارهم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 54 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] حتى أتوا منزلا نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر ترددوه من المدينة فقالوا هذا تمر يثرب، فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم. فلما انتهى عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا لكم العهد والميثاق إن أنزلتم إلينا عاصما في سبعة نفر بالنبل وبقي خبيب وزيد بن الدثنة ورجل آخر فأعطوهم العهد والميثاق فنزلوا إليهم فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها. فقال الرجل الثالث الذي معهم: هذا أول الغدر، فأبى أن يصحبهم فجروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة، فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل، وكان خبيب قتل الحارث يوم بدر، فمكث عندهم أسيرا حتى إذا أجمعوا على قتله استعار موسي من بعض بنات الحارث ليستحد بها فأعارته. قالت فغفلت عن صبي لي فدرج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه، فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذك مني وفي يده الموسي فقال أتخشين أن أقتله، ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله، وكانت تقول ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، لقد رأيته يوما يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ من ثمرة، وإنه لموثق في الحديد، وما كان إلا رزقا رزقه الله، فخرجوا به من الحرم ليقتلوه فقال دعوني أصلي ركعتين، فصلى ثم رجع إليهم فقال لهم: لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لأطلت، فكان أول من سن الركعتين عند القتل هو ثم قال: اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا، ثم قال: ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي شق كان لله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله وبعثت قريش إلى عاصم بن ثابت ليأتوا بشيء من جسده يعرفونه، وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر، فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيء» انتهى. قال عبد الحق: وقصة خبيب كانت في غزوة الرجيع، والرجيع على ثمانية أميال من عسفان، وعسفان على مرحلة من خليص في الجنوب ومن عسفان إلى بطن مر ثلاثة وثلاثون ميلا ومن بطن مر إلى مكة مسيرة يوم، وخليص بضم الخاء المعجمة. وعسفان بضم العين المهملة. وبطن مر بفتح الميم وتشديد الراء. وغزوة أحد كانت في النصف من شوال سنة ثلاث من الهجرة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 55 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقوله: إلى فدفد بفائين مفتوحتين ودالين مهملتين، وهي الأرض المستوية، وقيل الأرض المرتفعة. وقال ابن دريد: الفدفد هي الأرض الغليظة المرتفعة ذات الحصى، فلا تزال الشمس تبرق فيها. قوله: " من قطف عنب " أي عنقود عنب وهو بكسر القاف وسكون الطاء وفي آخره فاء. وقال الليث: القطف اسم للثمار المقطوفة، يقال قطفت العنب أقطفه قطفا جنيته. قوله: شلو بكسر الشين المعجمة وسكون اللام وهو العضو من أعضاء اللحم وأشلاء الإنسان أعضاؤه. قوله: ممزع من التمزيع وهو التفريق، ومادته ميم وزاي معجمة وعين مهملة. قوله: لأن خبيبا صبر على ذلك حتى صلب، وهو بضم الخاء المعجمة وفتح الباء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة أخرى. وقد ذكرنا أن صلبه لم يثبت في الصحيح ولكن محمد بن إسحاق ذكره في كتاب السيرة وقال: ابتاع خبيبا حجير بن أبان التيمي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليقتله بأبيه ثم أخرجوه إلى التنعيم وصلبوه على خشبة وقتلوه. قوله: وسماه، أي خبيبا، رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سيد الشهداء، هذا لم يثبت والمعروف من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سيد الشهداء» أنه في حمزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. رواه الحاكم في الفضائل من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال سمعت جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سيد الشهداء عند الله يوم القيام حمزة " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» . وأخرجه الطبراني عن أبي إسحاق الشيباني عن علي بن حذور عن الأصبغ بن نباتة عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «إن أفضل الخلق يوم يجمعهم الله الرسل، وأفضل الناس بعد الرسل الشهداء، وأفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد تكلم به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» . حديث آخر نحو ذلك ورد في بلال: رواه البزار في مسنده من حديث زيد بن أرقم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «نعم المرء بلال وهو سيد الشهداء» .. الحديث. قوله: وقال في مثله، أي فيه أي في خبيب، وكلمة مثل زائدة، هو رفيقي في الجنة. وقيل: لفظ مثل عبارة عن الذات، أي قال في ذاته أي ذات خبيب. وقال تاج الشريعة: أي في مثل خبيب في الصبر على أذى المشركين وصلبهم وعدم إجراء كلمة الكفر فمن كان كذلك يكون باذلا نفسه لإعزاز الدين فيكون مثل خبيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 56 ولأن الحرمة باقية والامتناع لإعزاز الدين عزيمة بخلاف ما تقدم للاستثناء   [البناية] قلت: المفهوم من كلامه أن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هو رفيقي في الجنة» في حق غير خبيب ولكن يدخل فيه خبيب بمشاركته غيره في الصبر على الأذى وغيره، والمفهوم مما ذكرنا أولا، أي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا في حق خبيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والأحرى ما قاله تاج الشريعة، لأن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا لم يثبت في حق خبيب، وإن كان هو من رفقاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجنة. م: (ولأن الحرمة باقية) ش: لتناهي قبيح الكفر، فكان بالصبر على الإكراه مجتنبا محرم الشرع ممتثلا نهيه م: (والامتناع لإعزاز الدين عزيمة) ش: أي الامتناع عن إظهار ما توعد به لأجل إعزاز الدين عزيمة، أي أخذ بالعزيمة، ولا شك أن الأخذ بالعزيمة أفضل من الأخذ بالرخصة ولا سيما في مثل هذا الموضع م: (بخلاف ما تقدم) ش: من أكل الميتة وشرب الخمر، فإن الحرمة هناك لم تكن باقية م: (للاستثناء) ش: أراد به قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ} [الأنعام: 119] (سورة الأنعام الآية: 199) ، والاستثناء من التحريم إباحة. فإن قلت: الله تعالى كما استثنى في إجراء كلمة الكفر أيضا في قَوْله تَعَالَى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} [النحل: 106] (سورة الأنعام: الآية 106) . قلت: من كفر بالله شرط مبتدأ وحذف جوابه لأن جواب {مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} [النحل: 106] دال عليه، كأنه قيل من كفر بالله فعليهم غضب إلا من أكره {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} [النحل: 106] ولا يلزم من انتفاء الغصب الإباحة. وتقريره أن في الآية تقديما وتأخيرا، وتقديره من كفر بالله من بعد إيمانه وشرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، فالله تعالى ما أباح إجراء كلمة الكفر على لسانهم حالة الإكراه، وإنما وضع عنه العذاب والغضب وليس من ضرورة نفي الغضب وهو حكم الحرمة، لأنه ليس من ضرورة عدم الحكم عدم العلة كما في شهود الشهر في حق المسافر والمريض، فإن السبب موجود والحكم متأخر فجاز أن يكون النصب منفيا مع قيام العلة الموجبة للغضب وهو الحرمة، فلم يثبت إباحة إجراء كلمة الكفر. هذا ما قالوه وفيه نظر، لأن المراد بالعلة إن كان هو المصطلح فذاك ممتنع التخلف عن الحكم الذي هو معلوله، وإن كان المراد بها السبب الشرعي كما مثل به فإنما يتخلف الحكم عنه بدليل آخر شرعي يوجب تأخيره كما في المثال المذكور من قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] (سورة البقرة: الآية 185) ، ولا دليل فيما نحن فيه على ذلك. وعن هذا ذهب أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أن الأمر في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإن عادوا فعد» للإباحة، وقولهم لأن الكفر فيما لا تنكشف حرمته صحيح، ولكن الكلام في إجراء كلمة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 57 قال: وإن كان أكره على إتلاف مال مسلم بأمر يخاف منه على نفسه أو على عضو من أعضائه وسعه أن يفعل ذلك؛ لأن مال الغير يستباح للضرورة كما في حالة المخمصة وقد تحققت، ولصاحب المال أن يضمن المكره؛ لأن المكره آلة للمكره فيما يصلح آلة له والإتلاف من هذا القبيل. وإن أكره بقتله على قتل غيره لم يسعه أن يقدم عليه ويصبر حتى يقتل، فإن قتله كان آثما لأن قتل المسلم مما لا يستباح لضرورة ما، فكذا بهذه الضرورة.   [البناية] الكفر مكرها لا في المكره. [الإكراه على إتلاف مال] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن أكره على إتلاف مال مسلم بأمر يخاف منه على نفسه، أو على عضو من أعضائه، وسعه أن يفعل ذلك) ش: أي إتلاف مال مسلم م: (لأن مال الغير يستباح للضرورة، كما في حالة المخمصة) ش: أي يعامل به معاملة المباح، لا أنه يجعل مباحا في تلك الحالة، ولهذا لو لم يتناول، حتى قتل، يثاب على ذلك. وفي الخمر لو لم يشرب حتى قتل يأثم، قالوا هذه المسألة تدل على أن تناول مال الغير أشد حرمة من شرب الخمر م: (وقد تحققت) ش: أي الضرورة م: (ولصاحب المال أن يضمن المكره) ش: بكسر الراء م: (لأن المكره) ش: بفتح الراء م: (آلة للمكره) ش: (بكسر الراء) م: (فيما يصلح آلة له) ش: قد مر أن في كل موضع يصلح كون المكره آلة للمكره يكون الضمان على المكره، واحترز بقوله فيما يصلح عن الأكل والتكلم والوطء، فإنه فيها لا يصلح آلة له إذ الأكل. بفم الغير والتكلم بلسان الغير لا يتصور م: (والإتلاف من هذا القبيل) ش: أي من قبيل أن يصلح آلة بأن يأخذه ويلقيه على مال فيتلفه. [الإكراه على القتل] م: (وإن أكره بقتل على قتل غيره لم يسعه أن يقدم عليه ويصبر حتى يقتل) ش: بأن قال له غيره إن لم تقتل فلانا لأقتلنك لا يسعه الإقدام على قتله. قوله ويصبر بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي وهو يصبر على ذلك ولا يجوز نصبه عطفا على أن يقدم عليه لفساد المعنى فافهم. م: (فإن قتله كان آثما، لأن قتل المسلم مما لا يستباح لضرورة ما) ش: إذ دليل الرخصة خوف التلف والمكره عليه في ذلك سواء فسقط حق المكره في حق تناول دم المكره عليه للتعارض، بخلاف ما إذا صبر على إتلاف مال الغير، فإن دليل الرخصة قائمة وحرمة النفس فوق حرمة المال. م: (فكذا بهذه الضرورة) ش: أي فكذا لا يباح بهذه الضرورة وهي الإكراه على قتل النفس فيقول الإكراه يبيح ما تبيحه الضرورة وما تبيحه الضرورة لا يبيحه الإكراه ثم قتل المسلم لا يباح لضرورة ما، فكذا لا يباح بالإكراه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 58 قال: والقصاص على المكره إن كان القتل عمدا قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله   [البناية] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والقصاص على المكره) ش: بكسر الراء م: (إن كان القتل عمدا) ش: أي إن كان القتل قتل عمد، وإن كان القاتل عامدا م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهذا عند أبي حنيفة ومحمدا رحمهما الله) ش: أي قال المصنف: المذكور وهو وجوب القصاص على المكره بكسر الراء عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول. وقال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سواء كان الآمر عاقلا بالغا أو معتوها أو غلاما غير بالغ، فالقود على الآمر وعزاه إلى المبسوط. ثم أورد سؤالا فقال: فإن قيل لو كان المكره الآمر بمنزلة الآلة للمباشرة في القتل والمكره المأمور آله لوجب أن لا يجب القصاص على الآمر فيما إذا كان صبيا أو معتوها؛ لأن انتقال فعل المكره إليه لا يكون أقوى من مبشرته بنفسه، وفيما باشر الصبي القتل العمد لا يجب القصاص عليه. وقد ذكر في المبسوط أن القصاص يجب على الصبي إذا أمر غيره بالقتل العمد بالإكراه كما ذكرت، فما وجهه؟ قلنا لما انتقل فعل المأمور إلى الآمر انتقال مع وصفه من العقل والبلوغ، فصار ذلك بمنزلة جناية الآمر بيد المأمور في أحكام القتل، فلهذا لم يعتبر عقد الآمر وبلوغه بخلاف ما لو باشر بنفسه لأنه لا واسطة هناك أحد يوصف بالعقل والبلوغ لينتقل قوله إليه بذلك الوصف، فكان ذلك قتلا خاصا من الصبي لا غير، ولا اعتبار لعمد الصبي من القتل في إيجاب القصاص. وقال الشيخ علاء الدين بن عبد العزيز رحمهما الله: ما نقله السغناقي عن " المبسوط " سهو فإنه ذكر في هذا الباب، إذا عرفنا هذا فنقول سواء كان المكره عاقلا بالغا أو معتوها أو غلاما غير بالغ فالقود على المكره، لأن المكره صار كالآلة له والعقل والبلوغ غير معتبر في حق الآلة، وإنما المعتبر تحقق الإلجاء فعلم أن قوله سواء كان المكره بالغا أو معتوها بفتح الراء وبكسرها والدليل الذي ذكره ينادي عليه فتوهمه بكسر الراء، وذلك غير سديد يؤيده ما قال أبو اليسر في " المبسوط "، ولو كان المكره الآمر صبيا أو مجنونا لا يجب القصاص على أحد، لأن القاتل في الحقيقة هذا الصبي والمجنون وهو ليس بأهل لوجوب العقوبة به عليه. وذكر الحلواني في "مبسوطه " ولو كان المأمور مختلط العقل، أو صبيا يجب القصاص على المكره الآمر؛ لأن فعل القاتل ينقل، إليه فيكون الصبي، والبالغ في حقه سواء، فعلم بهذا، أن إيجاب القصاص على الصبي الآمر سهو، وما ذكره من الفرق بين المباشر والآمر غير الجزء: 11 ¦ الصفحة: 59 وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب على المكره. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب عليهما. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب عليهما. لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الفعل عن المكره حقيقة وحسا وقرر الشرع حكمه عليه وهو الإثم، بخلاف الإكراه على إتلاف مال الغير؛ لأنه سقط حكمه وهو الإثم فأضيف إلى غيره، وبهذا يتمسك الشافعي في جانب المكره ويوجبه على المكره أيضا لوجود التسبيب إلى القتل منه، وللتسبيب في هذا حكم المباشرة عنده كما في شهود القصاص.   [البناية] مسلم؛ لأن المنتقل الفعل ووصفه من العمد والخطأ لا وصف القاتل من العقل والبلوغ، ألا ترى أن المأمور لو كان صبيا أو معتوها لا ينتقل وصف الصبا والقسر إليه، حتى لا يجب القصاص على المكره احتيالا للدرء في القصاص. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب على المكره) ش: بفتح الراء، أراد به يجب القصاص على المكره المأمور وهو وراية عنه وفي رواية أخرى عنه كقول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب عليهما) ش: أي لا يجب القصاص على المكره والمكره جميعا، م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب عليهما) ش: أي على المكره والمكره جميعا، وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله. م: (لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الفعل من المكره) ش: أي أن الفعل وهو القتل حاصل من المكره بفتح الراء م: (حقيقة) ش: أي من حيث الحقيقة لصدوره منه بغير واسطة م: (وحسا) ش: أي ومن حيث الحس، فإنه معاين مشاهد م: (وقرر الشرع حكمه) ش: أي حكم القتل م: (عليه) ش: أي على القاتل. م: (وهو) ش: أي حكم القتل م: (الإثم) ش: بالإجماع، فإيجاب القصاص على غيره غير معقول وغير مشروع م: (بخلاف الإكراه على إتلاف مال الغير؛ لأنه سقط حكمه وهو الإثم) ش: فلم يكن مقدرا عليه شرعا م: (فأضيف إلى غيره) ش: أي إلى غير المكره. م: (وبهذا) ش: أي بما ذكره زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - من الدليل م: (يتمسك الشافعي في جانب المكره) ش: بفتح الراء، يعني في وجوب القصاص م: (ويوجبه) ش: أي ويوجب الشافعي القصاص م: (على المكره أيضا) ش: بكسر الراء م: (لوجود التسبيب في القتل منه) ش: أي من المكره الآمر حيث أحدث فيه معنى كان حاملا له على القتل. م: (وللتسبيب في هذا) ش: أي في القتل م: (حكم المباشرة عنده) ش: أي عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (كما في شهود القصاص) ش: يعني إذا شهد على رجل بالقتل العمد فاقتص المشهود عليه فجاء المشهود بقتله حيا، فإنه يقتل الشاهدان عنده للتسبب لأنهما قتلاه حكما، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 60 ولأبي يوسف: أن القتل بقي مقصورا على المكره من وجه نظرا إلى التأثيم، وأضيف إلى المكره من وجه نظرا إلى الحمل فدخلت الشبهة في كل جانب، ولهما: أنه محمول على القتل بطبعه إيثارا لحياته فيصير آلة للمكره فيما يصلح آلة له وهو القتل بأن يلقيه عليه، ولا يصلح آلة في الجناية على دينه فبقي الفعل مقصورا عليه في حق الإثم كما تقول في الإكراه على العتاق،   [البناية] قيل في عبارة المصنف تسامح، لأن دليل زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يدل على عدم جواز إضافة القتل إلى غير المكره، فكيف يجعل ذلك دليلا للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو يضيفه إلى غيره أيضا. أجيب بأن دليله يدل على عدم جواز إضافته إلى غير المكره مباشرة، والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يضيفه إلى الغير تسبيبا فلا تنافي. م: (ولأبي يوسف: أن القتل مقصورا على المكره) ش: بفتح الراء م: (من وجه نظرا إلى التأثيم) ش: للتسارع إياه، فإنه يدل على تقرر الحكم وقصره عليه م: (وأضيف إلى المكره) ش: بكسر الراء م: (من وجه نظرا إلى الحمل) ش: بفتح الحاء، أي حمل المكره عليه، تقديره أن كونه محمولا على الفعل يدل على أنه كالآلة والفعل ينتقل عنه، وكل ما كان كذلك كان شبهة م: (فدخلت الشبهة في كل جانب) ش: والقصاص يندفع بها. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله م: (أنه) ش: أي أن المكره بالفتح م: (محمول على القتل) ش: أي ملجأ إليه بواسطة التهديد بالقتل م: (بطبعه) ش: يعني يصير المكره القاتل في ذلك قاتلا بطبعه، أي باقتضاء طبعه، ذلك كالسيف يقطع بطبعه فإن طبعه يقتضي القطع. وذلك م: (إيثارا لحياته) ش: أي لأجل إيثاره حياته على حياة غيره لأن الإنسان جبل على حب حياة نفسه، فحينئذ نفذ اختياره م: (فيصير آلة للمكره) ش: بكسر الراء م: (فيما يصلح آلة له وهو القتل بأن يلقيه عليه) ش: فلا يكون على المكره قصاص ولا دية ولا كفارة لأن الفعل يضاف إلى الفاعل لا إلى الآلة. م: (ولا يصلح آلة له في الجناية على دينه) ش: هذا جواب عما يقال لو كان آلة لأضيف الإثم إلى المكره كالقتل، فأجاب بقوله ولا يصلح أي المكره آلة له، أي للمكره بكسر الراء في الجناية على دينه؛ لأن القتل من حيث إنه يوجب المأثم جناية على دين القاتل، لأنه إنما أكرهه ليجني عليه دينه، فلو أضيف إليه لصار جناية على دين المكره، وفي بطلان الإكراه. م: (فبقي الفعل) ش: من حيث كونه جناية على دينه م: (مقصورا عليه) ش: أي على المكره بالفتح م: (في حق الإثم كما تقول في الإكراه على الإعتاق) ش: ومن حيث الإتلاف منقولا إلى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 61 وفي إكراه المجوسي على ذبح شاة الغير ينتقل الفعل إلى المكره في الإتلاف دون الذكاة حتى يحرم كذا هذا. - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: وإن أكره على طلاق امرأته أو عتق عبده ففعل وقع ما أكره عليه عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] المكره من حيث الإتلاف حتى يجب الضمان على المكره ومن الإعتاق بقي مقصورا على المكره حتى يكون الولاء له. [إكراه المجوسي على ذبح شاة الغير] م: (وفي إكراه المجوسي) ش: أي وكما تقول في إكراه المجوسي أي إكراه المسلم المجوسي فالمصدر مضاف إلى مفعوله وطوى ذكر الفاعل، لأن المجوسي مكره وقد صرح به في الإيضاح وهو كما لو أكره مجوسيا م: (على ذبح شاة الغير يتنقل الفعل إلى المكره) ش: بكسر الراء م: (في الإتلاف) ش: يضمن قيمة الشاة م: (دون الذكاة حتى يحرم) ش: فلا يحل تناوله لأن حل الذبح يتعلق بأمور الدين م: (كذا هذا) ش: كذا حكم القتل. فإن قلت: لو كان المأمور محمولا على القتل بطبعه لإيثار حياته ينبغي أن يسقط القصاص عن إصابة مخمصة فقتل إنسانا وأكل من لحمه حتى بقي حيا فما الفرق. قلت: وملجأ هناك من جهة الغير فصار آلة، وأما المضطر فقيم ملجأ إلى القتل من جهة غيره حتى يصير آلة، ولهذا يجب عليه الضمان في المال فعلم أن الحكم مقصورا عليه. فإن قلت: ينبغي أن لا يصلح المكره آلة له في الإعتاق من حيث الإتلاف، لأن الإتلاف يثبت في ضمن التلفظ بهذا اللفظ وهو لا يصلح آلة له في حق التلفظ، فكذا في حق ما يثبت في ضمنه. قلت: نفس الإعتاق إتلاف إذ هو إزالة الملك وليس في قدرة العبد إلا ذلك وهو يصلح في إزالة الملك، أما إثبات القوة فخالص حق الله تعالى لا يقال يشكل بما إذا أكره محرم على صيد حتى قتله وأدى الضمان لا يرجع على المكره وإن صلح آلة له في الإتلاف، لأنا نقول الضمان في قتل الصيد إنما تجب بالجناية على إحرامه وهو لا يصلح آلة له في ذلك. [الإكراه على التوكيل بالطلاق] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن أكره على طلاق امرأته) ش: أي إن أكره الرجل على أن يطلق امرأته، وفي بعض النسخ وإن أكرهه الرجل على طلاق امرأته م: (أو عتق عبده ففعل) ش: أي طلق امرأته أو أعتق عبده م: (وقع ما أكره عليه عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . ش: وبقول الشافعي قال مالك وأحمد رحمهما الله ثم الإكراه لا يعمل في أشياء: منها الطلاق والعتاق والنكاح والرجعة والتدبير والعفو عن القصاص واليمين والنذر والظهار الجزء: 11 ¦ الصفحة: 62 وقد مر في الطلاق. قال: ويرجع على الذي أكرهه بقيمة العبد لأنه صلح آلة له فيه من حيث الإتلاف، فانضاف إليه فله أن يضمنه موسرا كان أو معسرا ولا سعاية على العبد؛ لأن السعاية إنما تجب للتخريج إلى الحرية أو لتعلق حق الغير   [البناية] والإيلاء والفيء في الإيلاء والإسلام، لأنه إنشاء تصرف م: (وقد مر في الطلاق) ش: أي في فصل طلاق المكره والسكران. وفي فتاوى قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - إكراه بوعيد القتل على الطلاق والعتاق فلم يفعل حتى قتل لم يأثم كما لو أكره بالقتل على إتلاف مال نفسه فلم يتلف كان شهيدا، فكذا في الامتناع عن إبطال ملك النكاح. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ويرجع) ش: أي المكره بفتح الراء م: (على الذكر أكرهه بقيمة العبد، لأنه صلح آلة له فيه من حيث الإتلاف، فانضاف إليه فله) ش: أي فللمكره المأمور م: (أن يضمنه) ش: أي المكره الآمر م: (موسرا كان أو معسرا) ش: لأن وجوب الضمان باعتبار مباشرة الإتلاف فيكون ضمان جيران، فلا يختلف باليسار والإعسار، ألا ترى أن شهود الإعتاق يضمنون إذا رجعوا موسرين كانوا أو معسرين. فإن قلت: ينبغي أن لا يجب الضمان على المكره؛ لأنه أتلفه بعوض وهو الولاء والإتلاف بعوض كالإتلاف. قلت: هذا يكون أن لو كان العوض مالا أو في حكم المال، والولاء ليس بمال ولا أشبه بالمال؛ لأنه بمنزلة النسب وهو ليس بمال. م: (ولا سعاية على العبد؛ لأن السعاية إنما تجب للتخريج إلى الحرية) ش: وقد خرج فلا يمكن تخريجه ثانيا كما هو مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المستسعى كالمكاتب والذي يحتاج إلى التخريج إلى الحرية كالعبد المشترك إذا أعتقه أحد الشريكين يحتاج إلى تخريجه إلى الحرية إما بالاستسعاء أو بالتضمين، أو يعتق الشريك الآخر كما عرف م: (أو لتعلق حق الغير) ش: أي أو السعاية إنما تجب لتعلق حق الغير بالعبد كما هو مذهبهما كعتق المريض عبده وعتق الراهن عبد المرهون، فإنه يجب السعاية على العبد فيما إن كان معسرا لتعلق حق الغير به. وفي " الذخيرة " مسألة الإعتاق والطلاق على ثلاثة أوجه: الأول: أن يقول المكره خطر ببالي الإخبار بالحرية فيما مضى كاذبا وقد أردت ذلك لا الإنشاء بعتق العبد قضاء لا ديانة، ولا يضمن المكره شيئا لأنه عدل عما أكرهه وعتق العبد بإقراره طائعا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 63 ولم يوجد واحد منهما ولا يرجع المكره على العبد بالضمان لأنه مؤاخذ بإتلافه قال ويرجع بنصف مهر المرأة إن كان قبل الدخول، وإن لم يكن في العقد مسمى يرجع على المكره بما لزمه من المتعة؛ لأن ما عليه كان على شرف السقوط بأن جاءت الفرقة من قبلها وإنما يتأكد بالطلاق فكان إتلافا للمال من هذا الوجه، فيضاف إلى المكره من حيث إنه إتلاف بخلاف ما إذا دخل بها لأن المهر قد تقرر بالدخول لا بالطلاق   [البناية] الثاني: أن يقول خطر ببالي الإخبار كاذبا وتركت ذلك وأردت عتقا مستقبلا كما طلب مني، ففي هذا عتق العبد قضاء وديانة ويضمن المكره قيمة العبد. والثالث: أن يقول لم يخطر ببالي شيء وقد أتيت بما طلب مني، فالجواب فيه كالجواب في الوجه الثاني، والجواب في الإكراه على الطلاق وقد سمى لها مهرا قبل الدخول كالجواب في الإكراه على عتق العبد في الوقوع ورجوع الزوج على المكره، إلا أن في الطلاق الرجوع بنصف المهر، وفي الإعتاق بقيمة العبد. م: (ولم يوجد واحد منهما) ش: أي من التخريج إلى الحرية وتعلق حق الغير م: (ولا يرجع المكره) ش: بكسر الراء م: (على العبد بالضمان لأنه مؤاخذ بإتلافه) ش: أي لأن المكره نفسه إنما يضمن من حيث إنه جعل متلفا للعبد حكما كأنه قتله والمقتول لا يسعى لأحد حكما. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويرجع بنصف مهر المرأة إن كان) ش: أي الإكراه م: (قبل الدخول) ش: بها. فإن قلت: المماثلة شرط في ضمان العدوان والمكره لم يضع غير تأكيد نصف المهر والإيجاب أعلى من التأكيد. قلت: المماثلة في المضمون لا في الفعل، والمضمن نصف المهر بالاتفاق فتتحقق المماثلة م: (وإن لم يكن في العقد مسمى يرجع على المكره) ش: بكسر الراء م: (بما لزمه من المتعة، لأن ما عليه) ش: أي على الزوج م: (كان على شرف السقوط بأن جاءت الفرقة من قبلها) ش: بتمكين أي الزوج منها بغير إكراه أو بالارتداد والعياذ بالله تعالى. م: (وإنما يتأكد) ش: أي ما كان عليه إنما يتأكد م: (بالطلاق فكان إتلافا للمال من هذا الوجه فيضاف إلى المكره) ش: بكسر الراء م: (من حيث إنه إتلاف) ش: فإذا أضيف إليه يرجع المكره عليه لأن للتأكيد شبها فكان المكره بمنزلة الآلة فيرجع عليه. م: (بخلاف ما إذا دخل بها) ش: حيث لا يضمن المكره الآمر شيئا وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن مهر المثل م: (لأن المهر قد تقرر بالدخول لا بالطلاق) ش: فبقي مجرد إتلاف ملك النكاح وهو ليس بمال عند الخروج وما ليس بمال لا يضمن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 64 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بمال، ألا ترى أن الشاهدين إذا رجعا بعد الشهادة بالطلاق لا يضمنان. ثم إن المصنف لم يضمن الإكراه على النكاح. قال محمد: في " الأصل " ولو أن رجلا أكره بوجه قتل أو بحبس أو بقيد أو بضرب حتى تزوج امرأة على عشرة آلاف ومهر مثلها ألف درهم كان النكاح جائزا، ويكون من العشرة آلاف درهم مهر مثلها ألف درهم ويبطل الفضل. وذكر الطحاوي في "مختصره " أن الزوج يلزمه جميع ذلك فيرجع بالفضل على من أكرهه وهو ليس بظاهر الرواية، ولو أن المرأة هي التي أكرهت حتى تزوجها الزوج على ألف درهم ومهر مثلها عشرة آلاف أو زوجها أولياؤها مكرهين فالنكاح جائز ولا ضمان على المكره. ثم هل للمرأة والأولياء الاعتراض على هذا النكاح. فالمسألة على وجهين إما أن يكون الزوج دخل بها أو لم يدخل بها وكل وجه على وجهين: إما أن تكون المرأة رضيت بما سمى لها من الصداق أو لم ترض، وكل وجه على وجهين: إما أن يكون الزوج كفؤا لها أو غير كفؤ، فإن كان كفؤا لها وقد رضيت بالمسمى كان للأولياء حق الاعتراض عند أبي حنيفة، وعندهما لا أصل. ولو زوجت نفسها في الابتداء من كفؤ بأقل من مهر المثل كانت المسألة على الاختلاف، وإن كان الزوج غير كفؤ لها، فللأولياء الاعتراض على هذا النكاح، عندهم جميعا، هذا إذا رضيت بالمسمى، ولم يدخل بها الزوج، فإن لم ترض بالمسمى ينظر. فإن كان الزوج كفؤا لها، فلها حق الاعتراض على هذا النكاح بسبب نقصان المهر عندهم جميعا، فإذا رفعت الأمر إلى القاضي بخير زوجها، فيقول: له أتم لها مهرها وإلا فرقت بينكما، فإذا أتم نفذ النكاح، وإن أبى يفرق بينهما ولا يكون لها مهر. لأن الفرقة جاءت من قبلها لما لم ترض بالزيادة، والفرقة الواقعة من قبلها تسقط الصداق كله قبل الدخول كما في ارتدادها، وإن لم يكن الزوج كفؤا لها فلها، وللأولياء حق الاعتراض، على هذا النكاح، عند أبي حنيفة، لعدم الكفارة، ونقصان المهر. وعندهما ليس لها حق الاعتراض كذلك للأولياء لعدم الكفاءة لا غير. هذا كله فيما إذا لم يدخل بها. فإن دخل بها وهي مكرهة فإن كان الزوج كفؤا لها فللأولياء والمرأة حق الاعتراض بسبب عدم الكفاءة، وأما إذا دخل بها وهي طائعة فقد رضيت بالمهر المسمى دلالة، فكان كما لو رضيت بالمسمى نصا، فعلى قول أبي حنيفة للأولياء حق الجزء: 11 ¦ الصفحة: 65 ولو أكره على التوكيل بالطلاق والعتاق ففعل الوكيل جاز استحسانا لأن الإكراه مؤثر في فساد العقد والوكالة لا تبطل بالشروط الفاسدة، ويرجع على المكره استحسانا لأن مقصود المكره زوال ملكه إذا باشر الوكيل، والنذر لا يعمل فيه الإكراه   [البناية] الاعتراض. وإن كان الزوج غير كفؤ فللأولياء حق الاعتراض عند أبي حنيفة لعدم الكفاءة ونقصان المهر، وعندهما لعدم الكفاءة لا غير، هذا خلاصة ما ذكره شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولو أكره على التوكيل بالطلاق والعتاق ففعل الوكيل) ش: أي طلق أو أعتق م: (جاز استحسانا) ش: أي يقع الطلاق والعتاق بفعل الوكيل. وفي القياس لا يقع، وبه قالت الثلاثة لأن القياس أن لا تصح الوكالة بالإكراه لأن الأصل أن كل عقد يؤثر فيه الهزل يؤثر فيه الإكراه وما لا فلا، لأنهما ينفيان الرضى، والوكالة تبطل بالهزل، فكذا مع الإكراه. م: (لأن الإكراه) ش: إشارة إلى بيان وجه الاستحسان، تقريره أن الإكراه م: (مؤثر في فساد العقد) ش: فكان كالشرط الفاسد م: (والوكالة لا تبطل بالشروط الفاسدة) ش: فالإكراه لا يؤثر في فساد الوكالة أما أنه كالشرط الفاسد فلما تقدم أنه بعدم الرضى فيفسد به الاختيار فصار كأنه شرط شرطا فاسدا فإنه يفسد العقد ولا يمنع عن الانعقاد، وأما أن الوكالة لا تفسد بالشروط فلأنهما من الإسقاطات إذ الموكل يسقط حقه بالتعويض إليه، فإذا لم تبطل الوكالة ينفذ تصرف الوكيل. م: (ويرجع على المكره) ش: بكسر الراء بما عزم من نصف الصداق وقيمة العبد م: (استحسانا) ش: والقياس أن لا يرجع عليه، لأن الإكراه وقع على الوكالة وزوال الملك لم يقع بها، فإن الوكيل قد يفعل وقد لا يفعل، فلا يضاف التلف إليه كما في الشاهدين شهدا أن فلانا وكل فلانا يعتق عبده فأعتق الوكيل ثم رجعا. وجه الاستحسان هو وقوله م: (لأن مقصود المكره) ش: بالكسر م: (زوال ملكه إذا باشر الوكيل) ش: فكان الزوال مقصودا فيضمن ولا ضمان على الوكيل لأنه لم يوجد منه إكراه م: (والنذر لا يعمل فيه الإكراه) ش: يشير بهذا إلى بيان ما يعمل فيه الإكراه، وإما لا يعمل وضابط ذلك أن كل ما يؤثر فيه الفسخ بعد وقوعه لا يعمل فيه الإكراه، فإذا كان كذلك يصح النذر مع الإكراه بأن أكرهه بوعيد تلف حتى جعل على نفسه صدقة لله أو صوما أو حجا أو مثل ذلك لزمه كله خلافا للثلاثة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 66 لأنه لا يحتمل الفسخ ولا رجوع على المكره بما لزمه لأنه مطالب له في الدنيا فلا يطالب به فيها، وكذا اليمين والظهار لا يعمل فيهما الإكراه لعدم احتمالهما الفسخ، وكذا الرجعة والإيلاء والفيء فيه باللسان لأنها تصح مع الهزل   [البناية] م: (لأنه) ش: أي لأن النذر م: (لا يحتمل الفسخ) ش: لأنه يمين لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «النذر يمين» واليمين لا يحتمل الفسخ فلا يؤثر فيه الإكراه. وروى محمد في أوائل الإكراه عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال أربع مقفلات مبهمات ليس فيهن رد بذي الإعتاق ولا الطلاق والنكاح والنذر، أراد بقوله مبهمات وقوعها وصحتها مطلقة بلا قيد الرضى والطواعية، والحل إذا صدرت عن المكلف. م: (ولا رجوع على المكره) ش: بالكسر م: (بما لزمه لأنه لا مطالب له في الدنيا فلا يطالب) ش: أي المكره بالكسر م: (به) ش: أي لما أكرهوه م: (فيها) ش: أي في الدنيا م: (وكذا اليمين) ش: أي وكذا إذا أكره على يمين فحلف انعقدت. م: (والظهار) ش: بأن أكره على أن يظاهر امرأته فظاهر صح م: (لا يعمل فيهما الإكراه لعدم احتمالهما الفسخ، وكذا الرجعة) ش: أي لعدم احتمالهما الفسخ والظهار من أسباب التحريم كالطلاق فيستوي فيه الجد والهزل والإكراه والطوع، خلافا للثلاثة لا يعمل فيها الإكراه لأنه استدامة للنكاح. فكانت ملحقة به م: (والإيلاء) ش: أي وكذا الإيلاء لأنه يمين في المال والإكراه لا يمنع كل واحد منهما م: (والفيء فيه باللسان) ش: أي في الإيلاء بأن أكرهه على فيء إليها باللسان ففعل صح، لأنه كالهبة في استدامته أي الرجعة في الاستدامة م: (لأنها) ش: أي الرجعة والإيلاء والفيء في بعض النسخ لأنه، أي لأن كل واحد من المذكورات. م: (تصح مع الهزل) ش: وما صح مع الهزل لا يحتمل الفسخ، فإن أكره على إعتاق عبد عن كفارة اليمين أو الظهار ففعل أجزأه عنها ولم يرجع على المكره بقيمته لأنه أمره بالخروج عما لزمه وذلك منه حسبة لا إتلافا بغير حق وإن عين عبدا لذلك ففعل عتق ولم يجز عن الكفارة رجع على المكره بقيمته، لأنه أتلف عليه مالية العبد حيث لم يكن مستحقا عليه. وإذا ثبت له الرجوع لم يكن كفارة لأنها ليست بمضمونة على أحد، وإن ترك التي آلى منها أربعة أشهر حتى بانت ولم يكن دخل بها وجب عليه نصف المهر ولا يرجع به على المكره، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 67 والخلع من جانبه طلاق أو يمين لا يعمل فيه الإكراه، فلو كان هو مكرها على الخلع دونها لزمها البدل لرضاها بالالتزام. قال: وإن أكره على الزنا وجب عليه الحد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إلا أن يكرهه السلطان. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: لا يلزمه الحد، وقد ذكرناه في الحدود.   [البناية] لأنه كان متمكنا من القرآن على المكره بشيء لأنه أتى بضد ما أكرهه عليه. م: (والخلع من جانبه يمين) ش: أي من جانب الزوج يمين لوجود الشرط والجزاء، واليمين لا يعمل فيه الإكراه م: (أو طلاق) ش: هذا ظاهر، والإكراه لا يمنع وقوع الطلاق بغير جعل، فكذا بالجعل م: (لا يعمل فيه) ش: أي في الخلع م: (الإكراه) ش: لما ذكرنا م: (فلو كان هو) ش: أي الزوج م: (مكرها على الخلع دونها) ش: أي دون المرأة م: (لزمها البدل لرضاها بالالتزام) ش: البدل طائعة بإزاء ما سلم جاء من البينونة ولا شيء على المكره للزوج، لأنه أتلف عليه ما ليس بمال وهو النكاح فلا يضمن به. فإن قيل: إن خالعها وهي غير ملموسة فاستحقت نصف الصداق هل يرجع به الزوج على المكره لتأكيده ما كان على شرف السقوط أولا. قلنا: لا يخلو إما أن يكون ساق الزوج إليها المهر كله أو لا، فإن ساق رجع على المكره بنصفه بالاتفاق، أما عندهما فظاهر، لأن الخلع على مال مسمى لا يوجب البراءة عما يستحق كل منهما قبل صاحبه بحكم النكاح، وأما عند أبي حنيفة رحمه فلأنه وإن أوجب البراءة لكنها براءة مكرها، والبراءة مع الإكراه لا تصح. وإن لم يسمه رجع عندهما خلافا له، لأنه غير مكره في هذه الصورة على البراءة. [الإكراه على الزنا] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإن كان أكرهه على الزنا وجب عليه الحد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لأن الزنا من الرجل لا يتصور إلا بانتشار آلته، وذلك لا يكون إلا بلذة، وذلك دليل على الطواعية، وبه قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إلا أن يكرهه السلطان) ش: يعني لا يجب الحد حينئذ، لأن الحد للزجر ولا حاجة إليه مع الإكراه، فكان قصده بهذا الفعل دفع الهلاك عن نفسه لا اقتضاء الشهوة، فيصير ذلك شبهة في الإسقاط وانتشار الآلة قد يكون طبعا بالفحولة التي ركبها الله عز وجل في الرجال، ألا ترى أن النائم تنتشر آلته بلا اختيار له في ذلك ولا قصدا. م: (وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله لا يلزمه الحد وقد ذكرناه في الحدود) ش: في الصورتين جميعا، ودليلهما ما ذكره أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في إكراه السلطان على الزنا قبل تقييد الإكراه بالسلطان من قبيل اختلاف العصر كما تقدم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 68 قال: وإذا أكره على الردة لم تبن امرأته منه لأن الردة تتعلق بالاعتقاد. ألا ترى أنه لو كان قلبه مطمئنا بالإيمان لا يكفر وفي اعتقاده الكفر شك فلا تثبت البينونة بالشك، فإن قالت المرأة: قد بنت منك وقال هو قد أظهرت ذلك وقلبي مطمئن بالإيمان فالقول قوله استحسانا؛ لأن اللفظ غير موضوع للفرقة وهي   [البناية] وقيل: من قبيل اختلاف الحكم، ثم في كل موضع يجب الحد على المكره لا يجب لها المهر، لأن الحد والمهر لا يجتمعان عندنا بفعل واحد، وفي كل موضع سقط الحد وجب المهر، لأن الوطء في غير الملك لا ينتقل عن أحدهما، فإذا سقط الحد وجب المهر إظهارا لخطر المحل، سواء كانت مستكرهة على الفعل أو أذنت له بذلك، أما الأول فظاهر لأنها لم ترض بسقوط حقها. وأما الثاني فلأن الإذن له ليس يحل الوطء، فكان إذنها كفؤا لكونها محجورة عن ذلك شرعا. [من أكره على الردة هل تبين منه امرأته] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا أكره على الردة لم تبن امرأته منه، لأن الردة تتعلق بالاعتقاد) ش: يعني الردة تكون بتبدل الاعتقاد م: (ألا ترى أنه لو كان قلبه مطمئنا بالإيمان لا يكفر، وفي اعتقاده الكفر شك) ش: لأن الإيمان ثابت باليقين والردة تعتمد محض الاعتقاد وقد وقع الشك في اعتقاده الكفر بالارتداد كرها م: (فلا تثبت البينونة بالشك) ش: لأنها تترتب على وجود الردة من غير شك، والمترتب على ما شك فيه لا يثبت، ويجوز أن يكون قوله لأن الردة تتعلق بالاعتقاد دليلا مستقلا. وقوله: وفي اعتقاد الكفر شك دليلا آخر. وجه الأول تبدل الاعتقاد ليس بثابت لقيام الدليل، وهو الإكراه. ووجه الثاني: أن الرد باعتقاد الكفر وفي اعتقاد الكفر شك لأنه أمر معين لا يطلع عليه إلا بترجمة اللسان، وقيام الإكراه يصرف من صحة الترجمة فلا تثبت البينونة المترتبة على الكفر بالشك. م: (فإن قالت المرأة: قد بنت منك) ش: أي فإن اختلف الزوجان فقالت المرأة اعتقدت بقلبك الكفر حيث أجريت على لسانك كلمة الكفر بالإكراه وبنت منك م: (وقال هو) ش: أي الزوج م: (قد أظهرت ذلك) ش: أي الكفر بلساني خوفا من القتل م: (وقلبي مطمئن بالإيمان) ش: ولم يتبدل اعتقادي م: (فالقول قوله استحسانا) ش: فيبن به، لأن في القياس القول قولهما حتى يفرق بينهما، لأن كلمة الكفر سبب لحصول البينونة كلفظ الطلاق، فيستوي فيه الطائع والمكره، وأشار إلى وجه الاستحسان بقوله. م: (لأن اللفظ) ش: يعني كلمة الكفر م: (غير موضوع للفرقة) ش: يعني لم يظهر فيها ظهورا بينا من حيث الحقيقة يكون صريحا يقوم اللفظ فيه مقام معناه كما في الطلاق م: (وهي) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 69 بتبدل الاعتقاد، ومع الإكراه لا يدل على التبدل فكان القول قوله. بخلاف الإكراه على الإسلام حيث يصير به مسلما لأنه لما احتمل واحتمل رجحنا الإسلام في الحالين؛ لأنه يعلو ولا يعلى. وهذا بيان الحكم، أما فيما بينه وبين الله تعالى إذا لم يعتقده فليس بمسلم. ولو أكره على الإسلام حتى حكم بإسلامه ثم رجع لم يقتل لتمكن الشبهة وهي دارئة للقتل.   [البناية] ش: أي الفرقة م: (بتبدل الاعتقاد ومع الإكراه لا يدل على التبدل) ش: فلا تقع الفرقة م: (فكان القول قوله) ش: يعني فإذا كان كذلك يكون القول قول الزوج. م: (بخلاف الإكراه على الإسلام) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر، تقريره أن يقال كيف قلتم إن الاعتقاد مع الإكراه لا يدل على التبدل وقد حصل تبدل الاعتقاد مع الإكراه في صورة الإكراه على الإسلام، لأنه لم يعتبر كافرا كما كان بل اعتبر مسلما لتبدل اعتقاده من الكفر إلى الإسلام. وتقرير الجواب أن حكم الارتداد بالإكراه م: (حيث يصير به) ش: أي بالإكراه م: (مسلما لأنه) ش: أي لأن الإنسان م: (لما احتمل) ش: أن يكون لفظه يوافق اعتقاده م: (واحتمل) ش: أن لا يكون م: (رجحنا الإسلام في الحالين) ش: أي في حالة إجراء كلمة الكفر بالإكراه بالإسلام وتحقيقه إن وجدت حقيقة الإسلام مع الإكراه فيكون مسلما، لأن الإسلام إنما يتحقق بالتصديق بالقلب والإقرار باللسان وقد سمعنا إقراره بلسانه، واللسان يعبر عما في القلب فيحكم بإسلامه، يؤيده قوله عز وجل {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: 83] (سورة آل عمران: الآية 83) ، بخلف الردة فإنها تحصل بتبدل الاعتقاد، والإكراه دليل ظاهر على عدمه. م: (لأنه) ش: أي الإسلام م: (يعلو) ش: على غيره م: (ولا يعلى) ش: أي ولا يعلو غيره عليه م: (وهذا) ش: أي ما ذكرنا من الحكم بإسلامه مع الإكراه م: (بيان الحكم) ش: في الدنيا م: (أما فيما بينه وبين الله تعالى إذا لم يعتقد الإسلام فليس بمسلم) ش: هذا كأنه إشارة إلى ما قاله الإمام أبو منصور الماتريدي وهذا المنقول عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإيمان هو التصديق والإقرار باللسان شرط إجراء الأحكام ليس ذلك مذهب أهل أصول الفقه، فإنهم يجعلون الإقرار ركنا. م: (ولو أكره على الإسلام حتى حكم بإسلامه ثم رجع لم يقتل لتمكن الشبهة) ش: أي شبهة عدم الارتداد، ولجواز أن يكون التصديق غير قائم بقلبه عند الشهادتين م: (وهي) ش: أي الشبهة م: (دارئة للقتل) ش: وهذا استحسان. وفي القياس يقتل لأنه بدل دينه، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من بدل دينه فاقتلوه» وهذا نظير القياس. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 70 ولو قال الذي أكره على إجراء كلمة الكفر: أخبرت عن أمر ماض، ولم أكن فعلت بانت منه حكما لا ديانة لأنه أقر أنه طائع بإتيان ما لم يكره عليه وحكم هذا الطائع ما ذكرناه. ولو قال: أردت ما طلب مني وقد خطر ببالي الخبر عما مضى بانت ديانة وقضاء، لأنه أقر أنه مبتدئ بالكفر هازل به حيث علم لنفسه مخلصا غيره، وعلى هذا إذا أكره على الصلاة للصليب وسب محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ففعل،   [البناية] والاستحسان في المولود بين المسلمين إذا بلغ مرتدا يجبر على الإسلام ولا يقتل استحسانا للشبهة المتمكنة فيه بسبب اختلاف العلماء. م: (ولو قال الذي أكره على إجراء كلمة الكفر أخبرت عن أمر ماض) ش: هذا معطوف على قوله وقال هو قد أظهرت ذلك، يعني لو قال في جواب قولها قد ثبت منك أخبرت عن أمر ماض، يعني خطر ببالي كفرت بالله أن أخبر عن أمر ماض كذابا م: (ولم أكن فعلت) ش: ذلك فيما مضى. م: (بانت منه حكما لا ديانة) ش: يعني تقع البينونة بينهما قضاء لا ديانة، يعني لا تبين منه فيما بينه وبين الله تعالى، لأنه ادعى ما يحتمله لفظه م: (لأنه أقر أنه طائع بإتيان ما لم يكره عليه، وحكم هذا الطائع ما ذكرناه) ش: هذا دليل وقوع البينونة حكما لا ديانة لأن من أقر بالكفر طائعا ثم قال عنيت به الكذب لا يصدقه القاضي، لأنه خلاف الظاهر، إذ الظاهر هو الصدق حالة الطواعية. م: (ولو قال أردت ما طلب مني) ش: يعني قال خطر ببالي الإخبار عن الكفر بالماضي والكذب، ولكن لم أرد ذلك، بل أردت ما طلب مني، يعني من الكفر يعني أردت كفرا مستقبلا جوابا لكلامهم م: (وقد خطر ببالي) ش: أي والحال أنه قد خطر ببالي م: (الخبر عما مضى بانت ديانة وقضاء) ش: يعني فيما بينه وبين الله وفي قضاء القاضي، لأن إنشاء الكفر بمنزلة إجراء كلمة الكفر طائعا فيحكم بكفره قضاء وديانة فبانت امرأته قضاء وديانة م: (لأنه أقر أنه مبتدئ بالكفر) ش: يعني منشئا إياه. م: (هازل به حيث علم لنفسه مخلصا) ش: وهو أن ينوي الخبر عن الكفر في الزمان الماضي كاذبا من غير إظهار ذلك م: (غيره) ش: أي غير ابتداء الكفر وإنشائه. وهاهنا وجه ثالث، وهو أن يقول لم يخطر ببالي شيء ولكن كفرت بالله كفرا مستقبلا وقلبي مطمئن لم تبن منه امرأته استحسانا ذكره في " المبسوط " و" الذخيرة ". م: (وعلى هذا) ش: أي على التفصيل المذكور م: (إذا أكره على الصلاة للصليب) ش: أي يسجد له م: (وسب محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي إذا أكره على سب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (ففعل) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 71 وقال: نويت به الصلاة لله تعالى ومحمدا آخر غير النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بانت منه قضاء، لا ديانة، ولو صلى للصليب وسب محمدا النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وقد خطر بباله الصلاة لله وسب غير النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بانت منه ديانة وقضاء لما مر،   [البناية] ش: أي سجد للصليب أو سب محمدا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (وقال نويت به الصلاة لله تعالى ومحمدا آخر) ش: أي ونويت به محمدا آخر م: (غير - النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: بانت منه قضاء) ش: أي بانت امرأته منه حيث الحكم لأنه لما قال نويت به الصلاة لله فقد أقر أن ما وجد منه لم يكن مكرها فيه، والإكراه واقع عليه فصار بمنزلة ما إذا صلى بين يدي الصليب بدون الإكراه من أحد، وقال عنيت به الصلاة لله يصدق ديانة لا قضاء، كذا هاهنا م: (لا ديانة) ش: أي لا يقع فيما بينه وبين الله. م: (ولو صلى للصليب وسب محمدا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وقد خطر) ش: أي والحال أنه قد خطر م: (بباله الصلاة لله وسب غير النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بانت منه ديانة وقضاء لما مر) ش: أشار به إلى قوله لأنه مبتدئ بالكفر هازل به حيث علم لنفسه مخلصا غيره، وتحقيق الكلام أنه لما قال خطر ببالي أن أصلي لله وتركته ذلك وصليت للصليب فإنه يكفر قضاء وديانة، لأنه صلى للصليب طائعا. لأنه لما خطر بباله أن يصلي لله تعالى فقد أمكنه دفع الإكراه بذلك، لأن المكره لا يعرف أنه يصلي لله دون الصليب، لأن الآمر لا اطلاع له على ما في ضميره، فإذا أمكنه دفع الإكراه بهذا القدر كان طائعا في الصلاة للصليب، ومن صلى للصليب طائعا فقد كفر قضاء وديانة، وكذلك الكلام في قوله خطر ببالي أن أسب فلانا اسمه محمد غير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتركت ذلك فإنه يكفر أيضا قضاء وديانة، لأنه شتم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: في غير موضع الضرورة كفر. واعلم أن كل واحد من هذين الحكمين يتصور على ثلاثة أوجه كما في مسألة الإكراه على إجراء كلمة الكفر: ففي وجه يكفر قضاء لا ديانة، وفي وجه: يكفر قضاء وديانة، وهما المذكوران في المتن، وفي وجه: لا يكفر لا قضاء ولا ديانة وهو أن يخطر بباله أن يصلي لله وقد صلى لله لا للصليب، وقد شرح ذلك في " الكافي " للحاكم، وشرحه فقال إن رجلا لو قال له أهل الحرب وقد أخذوه أسيرا لتكفرن بالله أو لتقتلن، فكفر بالله في وجه لا يصير كافرا لا في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى، حتى وفي وجهه يكفر في القضاء حتى يفرق القاضي بينه وبين امرأته إن كانت له امرأة ولا يكفر فيما بينه وبين الله عز وجل حتى وسعه إمساك امرأته فيما بينه وبين الله تعالى، وفي وجه يكفر في القضاء وفيما بينه وبين ربه. أما الوجه الأول: فهو ما أكره على الكفر بوعيد تلف فتكلم ولم يخطر بباله شيء على ما أكره عليه وقلبه مطمئن بالإيمان، ففيه لا يكفر أصلا لا قضاء ولا ديانة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 72 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106] (سورة النحل: الآية 106) . وأما الوجه الثاني: وهو أن يكفر قضاء لا ديانة فيما إذا خطر بباله الخبر بالكفر عما مضى بالكذب ولم أرد به كفرا مستقبلا، وإنما كفر قضاء لأنه عدل عما أكره عليه لأنه أكره على إنشاء الكفر لا على الإخبار عن الماضي والإخبار عن الإنشاء، فكان طائعا في الإخبار. ومن أقر بالكفر فيما مضى طائعا ثم قال عنيت به الكذب لا يصدقه القاضي لأنه خلاف الظاهر، لأن الظاهر هو الصدق حالة الطواعية، ولكن يصدق ديانة لأنه ادعى ما يحتمله لفظه. وأما الوجه الثالث: وهو أنه يكفر قضاء وديانة فيما إذا قال خطر على بالي الإخبار عن الكفر الماضي بالكذب ولم أرد ذلك بل أردت كفرا مستقبلا جوابا لكلامهم، وذلك لأنه أنشأ كفرا طائعا، ومن أنشأ كفرا طائعا يكفر قضاء وديانة، وإنما قلنا: إنه طائع لأنه لما خطر بباله الإخبار بالكفر الماضي كاذبا أمكنه التخلص عما أكره عليه بالأدنى، لأن الإخبار دون الإنشاء، ألا ترى أنه لو أكره على إقرار بالعتق فأقر لا يعتق العبد، ولو أكره على العتق فأعتق يعتق. ولو قيل له: لنقتلنك أو لتصلين لهذا الصليب فالمسألة على ثلاثة أوجه: إما أن يقول خطر على بالي أن أصلي لله وقد صليت له ولم أصل للصليب، أو يقول خطر ببالي أن أصلي لله فلم أفعل ذلك وصليت للصليب، أو يقول لم يخطر ببالي شيء وقد صليت للصليب مكرها. ففي الأول: لا يكفر، لأنه صلى لله لا للصليب. ولا فرق أن يكون مستقبل القبلة أو غير مستقبلها، وبه صرح الكرخي في مختصره. وأما إذا قال خطر على بالي أن أصلي لله تعالى وتركت ذلك وصليت للصليب فإنه يكفر قضاء وديانة لأنه صلى للصليب طائعا، لأنه لما خطر على باله أن يصلي لله تعالى فقد أمكنه دفع الإكراه، لأن المكره لا يعرف أنه يصلي لله دون الصليب لأنه لا اطّلاع له على ما في ضميره، فإذا أمكنه دفع الإكراه بهذا القدر كان طائعا في الصلاة للصليب، ومن صلى للصليب طائعا كفر قضاء وديانة. فأما إذا قال لم يخطر ببالي شيء وقد صليت للصليب مكرها لا يكفر أصلا قضاء ولا ديانة، لأنه فعل ذلك مكرها وقلبه مطمئن بالإيمان. ولو أكره على شتم محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فشتمه فالمسألة على ثلاثة أوجه أيضا: إما أن يقول خطر على بالي محمد آخر رجل من النصارى فأردت بالشتم ذلك الرجل النصراني أو يقول خطر على بالي رجل من النصارى اسمه محمد فلم أشتمه وإنما شتمت محمدا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأنا غير راض بذلك. أو يقول لم يخطر على بالي شيء فشتمت محمدا كما طلب مني وأنا غير راض بذلك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 73 وقد قررناه زيادة على هذا في " كفاية المنتهي "، والله أعلم.   [البناية] ففي الوجه الأول: لا يكفر لأنه لم يشتم محمدا. وفي الثاني: يكفر قضاء وديانة، لأنه لما خطر بباله محمد آخر أمكنه التخلص عن الإكراه بشتم ذلك الرجل، فلما شتم محمدا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان طائعا في الشتم، ومن شتمه طائعا كفر قضاء وديانة. وفي الرجل الثالث لا يكفر لأنه مضطر فيما فعل، فصار كما لو تلكم بكلمة الكفر ولم يخطر على باله شيء وقلبه مطمئن بالإيمان. م: (وقد قررناه) ش: أي حكم المسائل المذكورة م: (زيادة على هذا) ش: أي تقرير زيادة، أي زائدة على ما قررناه هاهنا م: (في " كفاية المنتهي "، والله أعلم) ش: يتعلق بقوله قررناه، وهو اسم الكتاب الذي ألفه المصنف ولم يقع في هذه الديار ويذكر عنه أنه كتاب عظيم مشتمل على مسائل كثيرة ودلائل غريبة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 74 كتاب الحجر قال: الأسباب الموجبة للحجر ثلاثة: الصغر والرق والجنون، فلا يجوز تصرف الصغير إلا بإذن وليه ولا تصرف العبد إلا بإذن سيده، ولا يجوز تصرف المجنون المغلوب بحال؛ أما الصغير   [البناية] [كتاب الحجر] [تعريف الحجر والأسباب الموجبة له] م: (كتاب الحجر) ش: وجه المناسبة بين الكتاب المتقدم عليه وهذا أن في كل منهما سلب الاختيار، إلا أن في الإكراه أقوى لكونه بمنزلة اختيار صحيح، فلذلك قدم عليه. وهو المنع لغة من حجر عليه، ومنه سمي الحطيم حجرا لأنه منع من الكسبة، والعقل حجرا لمنعه صاحبه عن القبائح قال الله تعالى: {قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: 5] (سورة الفجر: الآية 5) أي لذي عقل، والحرام حجر لأنه ممنوع، قال الله تعالى: {حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 22] أي حرما محرما، وشرعا منع مخصوص وهو المنع من التصرف قولا لشخص مخصوص، وهو المستحق للحجر بأي سبب كان. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (الأسباب الموجبة للحجر ثلاثة: الصغر والرق والجنون) ش: وهذا بالإجماع. عن أبي حنيفة أنه ألحق بهذه الثلاثة ثلاثة أخرى وهي المفتي الماجن. والطبيب الجاهل، والمكاري المفلس م: (فلا يجوز تصرف الصغير) ش: أي لا ينفذ تصرف الصغير الذي يعقل م: (إلا بإذن وليه ولا تصرف العبد إلا بإذن سيده) فإن أذن ولي الصبي وهو والده أو وصيه نفذ تصرفه، وكذلك إذا أذن المولى للعبد، لأن المنع لحقه، فإذا أذن فقد رضي بذلك. م: (ولا يجوز تصرف المجنون المغلوب بحال) ش: أي في كل الأحول، أي لا ينعقد أصلا قبل الإذن وبعده، وأراد بالمجنون المغلوب الذي يجن ولا يفيق زمانا وهو المغلوب على عقله، واحترز به عن المجنون الذي يجن ويفيق، وهو المعتوه، فإن حكمه حكم الصبي. قال الكاكي: ويحترز به عن المحنون الذي يعقل البيع ويقصده. واعلم أن أصل العقل يعرف بدلالة العيان وذلك أن يختار المرء ما يصلح له، وكذلك القصور يمتحن بالامتحان، فأما الاعتدال فأمر يتفاوت فيه البشر فإذا توفي الإنسان عن رتبة القصور أقام الشرع السبب الظاهر الدال وهو البلوغ عن عقل مقامه تيسيرا على ما هو الأصل، لأنه متى تعذر الوقوف على المعاني باطنة تقام الأسباب الظاهرة مقامها كما أقيم السفر مقام المشقة في جواز الترخيص. م: (أما الصغير) ش: أي الصغير العاقل، أما الصغير الذي لا عقل له فهو كالمجنون الجزء: 11 ¦ الصفحة: 75 فلنقصان عقله، غير أن إذن الولي آية أهليته والرق لرعاية حق المولى كيلا يتعطل منافع عبده، ولا يملك رقبته بتعلق الدين به، غير أن المولى بالإذن رضي بفوات حقه، والجنون لا يجامعه الأهلية فلا يجوز تصرفه بحال. أما العبد فأهل في نفسه، والصبي يرتقب أهليته فلهذا وقع الفرق قال: ومن باع من هؤلاء شيئا أو اشترى وهو يعقل البيع ويقصده، فالولي بالخيار إن شاء أجازه إذا كان فيه مصلحة، وإن شاء فسخه،   [البناية] المغلوب لا ينفذ تصرفه م: (فلنقصان عقله، غير أن إذن الولي آية أهليته) ش: أي علامة أهليته لأن أهليته مترقبة، فإذا أذن له الولي دل على أهليته. م: (والرق لرعاية حق المولى) ش: يعني أن العبد له أهلية، لكنه حجر عليه لرعاية حق المولى م: (كيلا تتعطل منافع عبده) ش: فإنه لو لم يثبت الحجر لنفذ البيع الذي اشتراه، وشراؤه فيلحقه ديون فيأخذ أربابها أكسابه التي هي منفعة المولى وذلك تعطيل لها عنه م: (ولا يملك رقبته) ش: بالنصب عطفا على قوله كيلا يتعطل، أي وكيلا تملك رقبته م: (بتعلق الدين به) ش: إذا لم يكن له كسب. م: (غير أن المولى بالإذن رضي بفوات حقه) ش: فإذا رضي بفوات حقه بالإذن جاز تصرفه لأهليته وارتفاع المانع. م: (والجنون) ش: الغالب م: (لا يجامعه الأهلية، فلا يجوز تصرفه بحال) ش: من الأحوال لما ذكرنا م: (أما العبد فأهل في نفسه) ش: لكونه عاقلا بالغا قادرا على التصرفات، ولكن المنع لحق مولاه كما ذكرنا م: (والصبي يرتقب أهليته) ش: بضم الياء على بناء المفعول، ورفع أهليته أي ينتظر أهليته، والشراء إذا كان له عوضية الثبوت يعطى له حكم الثبوت، فإذا انضم إذن المولى إليه تقرر ذلك الثبوت وهو عبارة عن النفاذ م: (فلهذا) ش: أي فلأجل أن العبد أهل في نفسه والصبي يرتقب أهليته م: (وقع الفرق) ش: أي بين المجنون والصبي والرقيق. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن باع من هؤلاء شيئا أو اشترى) ش: أي من الصبي والعبد والمجنون الذي يجن ويفيق، وفي بعض النسخ واشترى أيضا كما ذكر في القدوري، لكن أكثر نسخ الهداية بدون أو اشترى. وقال الأترازي: ولم يذكر في الهداية لفظها واشتراه وهو مثبت في المختصر والبداية أيضا، وكأن في الهداية وقع سهوا من الكاتب م: (وهو يعقل البيع) ش: أي والحال أنه يعقل، أي يعلم أن الشراء حالة للملك والبيع سالب له م: (ويقصده) ش: أي يقصد البيع، أي يقصد أحكامه، واحترز عن الهازل، فإنه وإن كان يعقل البيع ولكن لم يقصده وأراد به العبث أو السخرية م: (فالولي) ش: هو الأب أو الجد أو صبيهما أو غيرهما من العصبات أو القاضي م: (بالخيار إن شاء أجازه إذا كان فيه مصلحة، وإن شاء فسخه) ش: وعن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 76 لأن التوقف في العبد لحق المولى فيتخير فيه، وفي الصبي والمجنون نظرا لهما، فيتحرى مصلحتهما فيه، ولا بد أن يعقلا البيع ليوجد ركن العقد فينعقد موقوفا على الإجازة، والمجنون قد يعقل البيع ويقصده، وإن كان لا يرجح المصلحة على المفسدة وهو المعتوه الذي يصلح وكيلا عن غيره كما بينا في الوكالة. فإن قيل: التوقف عندكم في البيع، أما الشراء فالأصل فيه النفاذ على المباشر. قلنا: نعم إذا وجد نفاذا عليه كما في شراء الفضولي.   [البناية] الثلاثة لا ينعقد بيع هؤلاء ولا شراؤهم أصلا، وكذا الخلاف إذا توكل بالبيع والشراء غيرهم فباع واشترى يجوز عندنا خلافا لهم. م: (لأن التوقف في العبد لحق المولى فيتخير فيه، وفي الصبي والمجنون نظرا لهما) ش: أي ولأن التوقف في الصبي والمجنون لأجل النظر في حالهما م: (فيتحرى مصلحتهما فيه) ش: أي فيطلب الولي مصلحة الصبي والمجنون فيما عقداه م: (ولا بد أن يعقلا البيع) ش: أي الصبي والمجنون أراد أن يعلماه م: (ليوجد ركن العقد) ش: أي التمليك، لأن بهذا العقد يزول ملكهما عن المبيع ويدخل في ملكهما الثمن. م: (فينعقد) ش: بنصب الدال عطف على قوله ليوجد م: (موقوفا على الإجازة) ش: أي ينعقد عقدا موقوفا أو حال كونه موقوفا على إجازة الولي م: (والمجنون قد يعقل البيع) ش: كأنه جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال لا بد في إجازة الولي لبيع الصغير والمجنون من أن يكونا يعقلان البيع، والمجنون لا يعقل شيئا، فأجاب والمجنون قد يعقل البيع. م: (ويقصده) ش: أي يقصد حكمه، وذلك أن المراد من المجنون هذا المعتق، وهذا الذي يختلط في كلامه فتارة يتكلم بكلام العقلاء وتارة بكلام المجانين، وأشار إلى ذلك بقوله: م: (وإن كان لا يرجح المصلحة على المفسد، وهو المعتوه الذي يصلح وكيلا عن غيره كما بينا في الوكالة) ش: عند قوله: ومن شرط الوكالة أن يكون الموكل ممن يملك التصرف إلى آخره. م: (فإن قيل: التوقف عندكم في البيع، أما الشراء فالأصل فيه النفاذ على المباشر) ش: تحرير السؤال أن الأصل في الشراء النفاذ على المباشر، يعني من غير توقف على ما مر في بيع الفضولي، فكيف ينعقد هاهنا موقوفا على الإجازة؟ وأجاب عنه بقوله: م: (قلنا: نعم) ش: يعني نعم أن الأصل في الشراء النفاذ على المباشر بلا توقف لكن م: (إذا وجد نفاذا عليه) ش: أي إذا وجد الشراء نفاذا على المباشر م: (كما في شراء الفضولي) ش: يعني إذا أطلق الشراء، أما إذا أضاف إلى غيره فيتوقف بالإجماع. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 77 وهاهنا لم يجد نفاذا لعدم الأهلية أو لضرر المولى فوقفناه. قال: وهذه المعاني الثلاثة توجب الحجر في الأقوال دون الأفعال، لأنه لا مرد لها   [البناية] واعلم أن شراء الفضولي على وجوه ذكرها في الفتاوى الصغرى وتتمته: الأول: إن أضاف الشراء إليه نصا بأن قال البائع بعت هذا من فلان، وقال الفضولي: اشتريت لفلان أو قبلت لفلان، وإن لم يقل لفلان فإنه يتوقف. والثاني: لو قال بعت منك، وقال الفضولي: قبلت أو قال اشتريت ونوى بقلبه لفلان ينفذ بالاتفاق على المشتري ولا يتوقف. الثالث: إذا قال الفضولي: اشتريت هذا لفلان، وقال البائع بعت منك ذكر فيه شيخ الإسلام خواهر زاده روايتين: والصحيح أنه لا يتوقف بلا خلاف. الرابع: إذا قال البائع: بعت منك هذا لأجل فلان، فقال المشتري: اشتريت، أو قبلت، أو قال المشتري: اشتريت هذا لأجل فلان فقال البائع بعت فإنه لا يتوقف. م: (وهاهنا) ش: أي فيما نحن فيه من حكم بيع الصبي والمجنون والعبد م: (لم يجد نفاذا) ش: أي لم يجد الشراء نفاذا على المباشر م: (لعدم الأهلية) ش: في الصبي والمجنون م: (أو لضرر المولى) ش: في العبد م: (فوقفناه) ش: أي العقد من هؤلاء. قال السغناقي: هذا الذي ذكره إنما يرد على لفظ " مختصر القدوري " حيث قال: فيه ومن باع من هؤلاء أشياء أو اشترى، أما هاهنا يعني في الهداية فلم يذكر قوله أو اشترى فلا يرد الإشكال. ولكن جعل المذكور في القدوري مذكورا هاهنا، فأورد الإشكال ولكنه موجود في بعض النسخ كما ذكرنا. م: (قال: وهذه المعاني الثلاثة) ش: يعني الصغر والجنون والرق م: (توجب الحجر في الأقوال) ش: يعني ما تردد منها بين النفع والضرر كالبيع والشراء، وأما الأقوال التي فيها نفع محض فالصبي فيها كالبائع، وهذا يصح منه قبول الهبة، والإسلام، ولا يتوقف على إذن الولي، وكذلك العبد والمعتوه. وأما ما يتمحض منها ضررا كالطلاق والعتاق، فإنه يوجب الإعدام من الأصل في حق الصغير والمجنون دون العبد م: (دون الأفعال) ش: يعني أن المعاني الثلاثة لا توجب الحجر عن الأفعال. م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لا مرد لها) ش: أي للأفعال حتى إن ابن يوم لو انقلب على قارورة إنسان فكسرها وجب عليه الضمان في الحال، وكذا العبد والمجنون إذا أتلفا شيئا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 78 لوجودها حسا ومشاهدة بخلاف الأقوال؛ لأن اعتبارها موجودة بالشرع والقصد من شرطه إلا إذا كان فعلا يتعلق به حكم يندرئ بالشبهات كالحدود والقصاص، فيجعل عدم القصد في ذلك شبهة في حق الصبي والمجنون. قال: والصبي والمجنون لا يصح عقودهما ولا إقرارهما لما بينا،   [البناية] لزمهما الضمان في الحال م: (لوجودها) ش: أي لوجود الأفعال م: (حسا ومشاهدة) ش: أي من حيث الحس والمشاهدة، فإذا حصل بها الإتلاف من قطع أو قتل أو إراقة شيء لا يمكن أن يجعل كالإتلاف. م: (بخلاف الأقوال، لأن اعتبارها موجودة) ش: أي حال كونها موجودة م: (بالشرع) ش: أي حاصل بالشرع وهو خير، لأنه أراد أن اعتبار أقوال هؤلاء بالمشروع، والشرع لم يجعل الإقرار لهوا لهم فيما تردد من النفع والضرر، معتبرة في حق النفاذ م: (والقصد من شرطه) ش: أي القصد من شرط ذلك الاعتبار وليس للصبي والمجنون قصدا لقصور العقل، فينتفي المشروط به، وأما في العبد فالقصد وإن وجد منه لكنه غير معتبر للزوم الضرر على المولى بغير اختياره. فإن قيل: الأقوال موجودة حسا ومشاهدة، وهما شرط اعتبارها موجودة شرعا بالقصد دون الأفعال، فالجواب من وجهين: أحدهما أن الأقوال الموجودة حسا ومشاهدة ليست عين مدلولاتها، بل هي دلالات عليها ويمكن تخلف المدلول عن دليله فيمكن أن يجعل الموجود بمنزلة المعدوم، بخلاف الأفعال، فإن الموجود منها عينها فبعدما وجدت لا يمكن أن تجعل غير موجودة. والثاني: أن القول قد يقع صدقا وقد يقع كذبا وقد يقع هزلا، فلا بد من القصد، ألا ترى أن القول في الحر العاقل البالغ إذا وجد هازلا لم يعتبر شرعا، فكذا في هذه الثلاثة، بخلاف الأفعال، فإنها حيث وقعت حقيقة فلا يمكن تبديلها. م: (إلا إذا كان فعلا) ش: استثناء من قوله دون الأفعال، أي هذه المعاني الثلاثة لا توجب الحجر في الأفعال إلا إذا كان ذلك الفعل فعلا م: (يتعلق به حكم يندرئ بالشبهات كالحدود والقصاص فيجعل عدم القصد في ذلك شبهة في حق الصبي والمجنون) ش: حتى لا يجب عليهما الحد بالزنا والسرقة وشرب الخمر وقطع الطرق والقصاص بالقتل، أما في حق العبد فللزوم الضرر في حق المولى من غير اختياره، فلهذا يتوقف على إجازته. [العقود التي يجريها الصبي والمجنون] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والصبي والمجنون لا يصح عقودهما) ش: أي لا ينفذ عندنا، ولكن ينعقد موقوفا على إجازة الولي خلافا للثلاثة م: (ولا إقرارهما لما بينا) ش: أشار الجزء: 11 ¦ الصفحة: 79 ولا يقع طلاقهما ولا عتاقهما لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كل طلاق واقع إلا طلاق الصبي والمعتوه»   [البناية] به إلى قوله والقصد من شرطه. فإن قلت: لم أعاد هذه المسألة؟ قلت: أعاد تفريعا على الأصل المذكور أن هذه المعاني الثلاثة فوجب الحجر عن الأقوال لتساق القوليات في موضوع واحد. م: (ولا يقع طلاقهما ولا عتاقهما) ش: أي طلاق الصبي والمجنون وإعتاقهما م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كل طلاق واقع إلا طلاق الصبي والمعتوه» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ لم يثبت، وإنما أخرج الترمذي في الطلاق عن عطاء بن عجلان، عن عكرمة بن خالد المخزومي، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمعتوه المغلوب على عقله» . وقال: حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عطاء بن عجلان، وهو ضعيف، ذاهب الحديث والعجب العجب من صاحب الرعاية مع ادعائه التعمق في العلوم وكونه في ديار الحديث وكتبه الجمة يقول بعد قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل طلاق واقع إلا طلاق الصبي، والمعتوه» ، رواه الترمذي، عن أبي هريرة وكيف يعزوه إلى الترمذي بهذا المتن، وقد بينت لك ما أخرجه الترمذي. فهل هذا إلا استهتار عظيم بالألفاظ النبوية، اللهم اجعلنا ممن ينتبه لهذا، وممن ينتقد الجيد والزيف. والاستدلال في هذا الموضوع بحديث رفع القلم عن ثلاث أولى وأحسن على ما لا يخفى، لأنه روي من طرق صحاح وحسان، وقد رواه جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: الأول: علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ولحديث طرق أمثلها ما رواه أبو داود من طريق ابن وهب عن جرير بن حازم عن سليمان بن مهران وهو الأعمش عن أبي ظبيان حصين بن جندب عن ابن عباس، قال: «مر علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بمجنونة بني فلان وقد زنت فأمر عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - برجمها فردها علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يا أمير المؤمنين أترجم هذه قال: نعم، أما تذكر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "رفع القلم عن ثلاث: عن المجنون المغلوب على عقله، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم" قال صدقت فخلى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 80 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عنها» . ورواه الحاكم في "المستدرك " وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الدارقطني في كتاب " العلل ": هذا الحديث يرويه أبو ظبيان واختلف عنه فرواه سليمان الأعمش عنه، واختلف عليه فرواه جرير بن حازم عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس فرفعه إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، عن علي وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تفرد به ابن وهب عن جرين بن حازم وخالفه فضيل ووكيع فروياه عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس، عن علي، وعمر موقوفا ورواه عمار بن زريق عن الأعمش عن أبي ظبيان عن علي وعمر موقوفا، ولم يذكر ابن عباس، وكذلك رواه سعيد بن عبيدة، عن أبي ظبيان موقوفا، ولم يذكر ابن عباس. ورواه أبو حصين، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، عن علي، وعمر موقوفا، واختلف عنه فقيل، عن أبي ظبيان عن علي موقوفا قاله أبو بكر بن عباس، وشريك، عن أبي حسين. ورواه عطاء بن السائب، عن أبي ظبيان، عن علي وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرفوعا من حديث حماد بن سلمة وأبي الأحوص وجرين بن عبد الحميد وعبد العزيز بن عبد الصمد وغيرهم. وقول وكيع وإن فضيل أشبه بالصواب. وروى أبو داود أيضا عن أبي الضحى وهو مسلم بن صبيح بضم الصاد وفتح الباء الموحدة عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يكلف وهو منقطع» ، قال الشيخ تقي الدين: وتابعه الشيخ زكي الدين المنذري أبو الضحى لم يدرك علي بن أبي طالب. وروى أبو داود أيضا، عن أبي الأحوص جرير كلاهما، عن عطاء بن السائب، عن أبي ظبيان، قال: «أتى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بامرأة قد فجرت فأمر برجمها، فأتى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخذها فخلى سبيلها، فأخبر عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقال: ادعوا إلي عليا، فجاء فقال: يا أمير المؤمنين، لقد علمت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "رفع القلم عن ثلاث، عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يبرأ"، وأن هذه معتوهة بني فلان لعل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 81 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الذي أتاها وهي في بلائها، قال: فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا أدري، فقال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأنا لا أدري» . وأخرجه النسائي في الرجم، عن عبد العزيز بن عبد الصمد، عن عطاء بن السائب به، وأخرجه أحمد في مسنده، عن حماد بن سلمة، عن عطاء به، وقال في آخره: فلم يرجمها، قال الشيخ تقي الدين: وهذه الرواية يتوقف اتصالها على إدراك أبي ظبيان لعلي وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؟ لأنه حكى الواقعة ولم يذكر أنه شاهدها فهي محتملة الانقطاع، ولكن الدارقطني أثبت لقاءه لهما فسئل في علله هل لقي أبو ظبيان عليا وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فقال: نعم، قال وعلى تقدير الاتصال فعطاء بن السائب اختلط بآخره، قال الإمام أحمد وابن معين: من سمع منه حديثا فليس بشيء ومن سمع منه قديما قبل، وأيضا فهو معلول بالوقف. كما رواه النسائي من حديث أبي حصين بفتح الحاء وكسر الصاد، عن أبي ظبيان، عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال النسائي وأبو حصين أثبت من عطاء بن السائب. وأخرجه ابن ماجه عن القاسم بن زيد، عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع القلم عن الصغير والمجنون والنائم» ، قال الشيخ تقي الدين تابعا لشيخه المنذري: القاسم هذا لم يدرك عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكذلك في أطراف ابن عساكر، وأخرجه الترمذي في الحدود والنسائي أيضا في الرجم، عن همام، عن قتادة، عن الحسن، عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل» وقال الترمذي حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من غير وجه ولا نعرف للحسن سماعا من على - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وأخرجه النسائي، عن يزيد بن زريع، عن يونس، عن الحسن، عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قوله: ثم قال: وحديث يونس أشبه بالصواب من حديث همام. قال ابن عساكر في أطرافه: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 82 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: قد رواه سعيد، عن قتادة، عن الحسن «أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أراد أن يرجم مجنونة فقال له علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الطفل حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يبرأ أو يعقل" فدرأ عنها عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الحد» . وعن هشيم عن يونس، عن الحسن، عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن المصاب حتى ينكشف عنه» . والثاني: أبو قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الحاكم في "المستدرك " في الحدود عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عبد الله بن أبي رباح عن أبي قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن المعتوه حتى يصح وعن الصبي حتى يحتلم» ، وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. والثالث: أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه حديثه البزار في مسنده حدثنا حمدان بن عمر، حدثنا سعيد بن عبد الحميد، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع القلم عن ثلاث عن الصغير حتى يكبر، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق» وسكت عنه. والرابع: ثوبان. والخامس: شداد، أخرج حديثهما الطبراني في مسند الشاميين، ثنا عبد الرحمن بن سكم الرازي، ثنا عبد المؤمن بن علي الزعفراني ثنا عبد السلام بن حرب عن برد بن سنان عن مكحول عن ابن إدريس الخولاني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: أخبرني غير واحد من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منهم ثوبان وشداد بن أوس عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، والصبي حتى يكبر» . والسادس: عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرج حديثها أبو داود وابن ماجه والنسائي، عن حماد بن سلمة عن حماد وهو ابن أبي سليمان عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 83 والإعتاق يتمحض مضرة ولا وقوف للصبي على المصلحة في الطلاق بحال لعدم الشهوة ولا وقوف للولي على عدم التوافق على اعتبار بلوغه حد الشهوة، فلهذا لا يتوقفان على إجازته ولا ينفذان بمباشرته بخلاف سائر العقود. قال: وإن أتلف شيئا لزمهما ضمانه إحياء   [البناية] رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «رفع القلم عن ثلاثة.. إلى آخر» لفظ ثوبان وشداد وأخرجه الحاكم في مستدركه وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه. وقال في الإمام: وهو أقوى إسنادا من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقال صاحب " التنقيح ": حماد بن أبي سليمان وثقه النسائي والعجلي وابن معين وغيرهم، وتكلم فيه ابن سعيد والأعمش وروى له مسلم مقرونا بغيره. قلت: هو ثقة كبير جليل المقدار، وهو شيخ أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (والإعتاق يتمحض مضرة) ش: أراد أن الإعتاق ضرر محض، وهذا ظاهر م: (ولا وقوف للصبي على المصلحة في الطلاق بحال) ش: من الأحوال، أما في الحال م: (لعدم الشهوة) ش: وأما في المآل فلأن علم المصلحة فيه تتوقف على العلم بتباين الاختلاف، وتنافر الطباع عند بلوغه حد الشهوة ولا علم له بذلك م: (ولا وقوف للولي على عدم التوافق) ش: يعني بين الصبي وامرأته م: (على اعتبار بلوغه حد الشهوة) ش: أراد بهذا الاعتبار لا وقوف له على ذلك، وأما في الحال فإنه يمكن أن يقف على مصلحته، ولكن الاعتبار وقت البلوغ. م: (فلهذا) ش: أي فلأجل ذلك م: (لا يتوقفان) ش: أي الطلاق والعتاق م: (على إجازته) ش: أي إجازة الولي م: (ولا ينفذان) ش: أي طلاق الصبي وعتاقه م: (بمباشرته) ش: أي بمباشرة الولي، وفي هذا التركيب تسامح، إذ حقه أن يقال لا ينفذان بإجازته، لأن الطلاق أو العتاق الذي باشره الصبي محال يباشره الولي ولكن يجوز أن يقال معناه لا ينفذ طلاق امرأة الصبي، وعتاقه عبد الصبي مباشرا الولي الطلاق والعتاق. م: (بخلاف سائر العقود) ش: مثل البيع والشراء قبول الهبة والصدقة والهدية فإن للصبي وقوفا على ما فيه المصلحة وما فيه المضرة، وكذلك الولي. [حكم ما يتلفه الصبي والمجنون] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن أتلف شيئا) ش: هذا بيان لتفريع، الأفعال على الأصل المذكور، أي إن أتلف الصبي والمجنون شيئا م: (لزمهما ضمانه إحياء) ش: أي لأجل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 84 لحق المتلف عليه، وهذا لأن كون الإتلاف موجبا لا يتوقف على القصد كالذي يتلف بانقلاب النائم عليه والحائط المائل بعد الإشهاد، بخلاف القول على ما بيناه. قال: فأما العبد فإقراره نافذ في حق نفسه لقيام أهليته غير نافذ في حق مولاه رعاية لجانبه، لأن نفاذه لا يعرى عن تعلق الدين برقبته أو كسبه، وكل ذلك إتلاف ماله. قال فإن أقر بمال لزمه بعد الحرية لوجود الأهلية وزوال المانع ولم يلزمه في الحال لقيام المانع، وإن أقر بحد أو قصاص لزمه في الحال، لأنه مبقي على أصل الحرية في حق الدم، حتى لا يصح إقرار المولى عليه بذلك   [البناية] الإحياء م: (لحق المتلف عليه) ش: بفتح اللام م: (وهذا) ش: أي وجوب الضمان م: (لأن كون الإتلاف موجبا لا يتوقف على القصد كالذي يتلف بانقلاب النائم عليه، والحائط المائل بعد الإشهاد) ش: يعني: أنه لا قصد من صاحب الحائط في وقوع الحائط، ومع ذلك يجب الضمان م: (بخلاف القولي) ش: أي التصرف القولي، فإنه يتوقف على القصد م: (على ما بيناه) ش: أشار به إلى قوله بخلاف الأقوال، لأن اعتبارها موجودة بالشرع والقصد من شرطه. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فأما العبد فإقراره نافذ في حق نفسه) ش: حتى يؤاخذ به بعد العتق. فإن قلت: هذا معطوف على ماذا؟. قلت: على قوله والصبي والمجنون، لا يصح عقودهما ولا إقرارهما م: (لقيام أهليته) ش: أي لوجود أهليته وهو أنه غير مكلف م: (غير نافذ في حق مولاه رعاية لجنايته، لأن نفاذه) ش: أي: لأن نفاذ إقراره في الحال م: (لا يعرى عن تعلق الدين برقبته) ش: أي إذا استقر الدين في رقبته، أو ساواها م: (أو كسبه) ش: أي إذا كان الدين أقل من رقبته م: (وكل ذلك) ش: أي تعلق الدين برقبته، أو كسبه م: (إتلاف ماله) ش: أي إتلاف مال المولى. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن أقر بمال لزمه بعد الحرية لوجود الأهلية وزوال المانع) ش: وهو رعاية حق المولى م: (ولم يلزمه في الحال لقيام المانع) ش: وهو حق المولى م: (وإن أقر بحد أو قصاص لزمه في الحال) ش: وقال في شرح الأقطع: وقال زفر: لا يصح إقراره إذا كان محجورا عليه، لأنه لو صح يلزمه منه إتلاف مال المولى، فلا يصح كما لو أقر بدين، وأشار إلى دليلنا بقوله. م: (لأنه مبقي) ش: أي العبد يبقى بتشديد القاف م: (على أصل الحرية في حق الدم) ش: لأن الحدود والقصاص من خواص الآدمية، لأنها من التكاليف، والعبد في حق التكاليف مبقي على أصل الآدمية فينفذ إقراره بها م: (حتى لا يصح إقرار المولى عليه بذلك) ش: أي بالدم أو بالحد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 85 وينفذ طلاقه لما روينا؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يملك العبد والمكاتب شيئا إلا الطلاق» ولأنه عارف بوجه المصلحة فيه فكان أهلا،   [البناية] فإن قلت: فيه أيضا بطلان حق الولي. قلت: بطلان حقه ضمني، والضمني لا يعتبر. فإن قلت: قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يملك العبد والمكاتب شيئا إلا الطلاق» يقتضي أن لا يملك الإقرار بالحدود والقصاص. قلت: لما بقي على أصل الحرية فيهما يكون هذا إقرار الحر لا إقرار العبد، ولأن قَوْله تَعَالَى: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة: 14] (سورة الواقعة: الآية 12) ، يقتضي أن يصح، ولا يقال إنه خص عنه الإقرار بالمال لأن النص لم يتناوله إذ إقراره ملاق حق الغير، والنص يتناول الإقرار على نفسه. م: (وينفذ طلاقه) ش: أي طلاق العبد م: (لما روينا) ش: أشار به، إلى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "كل طلاق واقع، إلا طلاق الصبي، والمعتوه" م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يملك العبد، والمكاتب شيئا، إلا الطلاق» . ش: هذا الحديث بهذه العبارة لم يثبت، ولكن أخرج ابن ماجه في "سننه " في الطلاق، عن ابن لهيعة، عن موسى بن أيوب الغافقي، عن الرمة، عن ابن عباس، قال: «أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن سيدي زوجتي أمته، وهو يريد، أن يفرق بيني وبينها، فصعد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - المنبر، وقال: يا أيها الناس ما بال أحدكم يزوج عبده أمته، ثم يريد أن يفرق بينهما، إنما الطلاق، لمن أخذ بالساق» . فإن قلت: ابن لهيعة ضعيف. قلت: وثقه أحمد والطحاوي وكفى بهما حجة، وأخرجه ابن عدي في " الكامل "، عن الفضل بن مختار، عن عبيد الله بن موهوب، عن عصبة بن مالك قال «جاء مملوك إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن سيدي زوجني أمته..» الحديث. م: (ولأنه) ش: أي العبد م: (عارف بوجه المصلحة فيه، فكان أهلا) ش: للطلاق م: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 86 وليس فيه إبطال ملك المولى ولا تفويت منافعه فينفذ، والله أعلم بالصواب.،   [البناية] (وليس فيه) ش: أي في طلاق العبد زوجته م: (إبطال ملك المولى ولا تفويت منافعه فينفذ) ش: أي طلاقه لأنه مختص بالإنسانية فكان كالحر م: (والله أعلم بالصواب) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 87 باب الحجر للفساد قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحجر على الحر العاقل البالغ السفيه وتصرفه في ماله جائز وإن كان مبذرا مفسدا يتلف ماله فيما لا غرض له فيه ولا مصلحة. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -:   [البناية] [باب الحجر للفساد] [تعريف الحجر للفساد أو السفه] م: (باب الحجر للفساد) ش: أي لأجل الفساد. ولما فرغ عن الحجر المتفق عليه شرع في بيان الحجر المختلف فيه، والمراد بالفساد السفه، وهو خفه تعتري الإنسان من غضب أو فرح فتحمله على العمل بخلاف موجب الشرع والعقل مع قيام العقل، وقد غلب في عرف الفقهاء على تبذير المال أو إتلافه على خلاف مقتضى العقل والشرع، يقال سفهت الريح الشجر إذا مالت به، ومسائل هذا الباب مبنية على قول الأصحاب، لا على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا يرى حجر الفساد والسفه. م: (قال أبو حنيفة لا يحجر على الحر العاقل البالغ السفيه) ش: أي خفيف العقل، وهو غير المعتوه، فإن المعتوه ناقص العقل. وفي " المبسوط ": من عادة السفيه التبذير والإسراف في النفقة وأن يتصرف تصرفا لا لغرض أو عوض لا يعده العقلاء من أهل الديانة عوضا مثل دفع المال إلى المغنين واللعابين وشراء الحمار الطيارة بثمن غال والغبن في التجارات عند غير محمد. وقال صاحب " المحيط الكبير ": في طريقة المولى الحجر على الحر العاقل البالغ السفيه المبذر لماله في الخير والشر غير جائز عند أبي حنيفة. قال أبو يوسف ومحمد: يجوز، ثم إنهما اختلفا فيما بينهما في السفيه إذا بلغ محجور أو مطلق، قال محمد يبلغ محجورا ولا يحتاج إلى حجر القاضي. وقال أبو يوسف: يبلغ مطلقا ويحتاج إلى حجر القاضي، فأجمعوا على أنه يمنع عنه المال إلى أن يبلغ خمسا وعشرين سنة، ثم اختلفوا بعد ذلك، قال أبو حنيفة لا يمنع عنه ماله بعد خمس وعشرين سنة، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: يمنع عنه ما دام السفه قائما. م: (وتصرفه في ماله جائز وإن كان مبذرا) ش: بتشديد الذال المعجمة، وقاله م: (مفسدا) ش: تفسير لقوله مبذرا م: (يتلف ماله في ما لا غرض له فيه ولا مصلحة) ش: كالإلقاء في البحر أو الإحراق بالنار ونحو ذلك. م: (وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ومالك الجزء: 11 ¦ الصفحة: 88 يحجر على السفيه ويمنع من التصرف في ماله لأنه مبذر ماله بصرفه لا على الوجه الذي يقتضيه العقل فيحجر عليه نظرا له اعتبارا بالصبي بل أولى، لأن الثابت في حق الصبي احتمال التبذير وفي حقه حقيقته، ولهذا منع عنه المال. ثم هو لا يفيد بدون الحجر لأنه يتلف بلسانه ما منع من يده. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه مخاطب عاقل، فلا يحجر عليه اعتبارا بالرشيد،   [البناية] وأحمد رحمهما الله م: (يحجر على السفيه ويمنع من التصرف في ماله) ش: كالبيع والشراء والإجازة ونحوهما مما يحتمل الفسخ، وأما التي لا يحتمله فلا يحجر فيه كالطلاق والعتاق والإقرار بالحدود والقصاص. م: (لأنه مبذر) ش: أي لأن السفيه مبذر م: (ماله بصرفه لا على الوجه الذي يقتضيه العقل) ش: وكل من هو كذلك م: (فيحجر عليه نظرا له اعتبارا بالصبي) ش: حيث يحجر عليه م: (بل أولى، لأن الثابت في حق الصبي احتمال التبذير وفي حقه) ش: أي وفي حق السفيه م: (حقيقته) ش: أي حقيقة التبذير م: (ولهذا منع عنه المال) ش: أي ولأجل وجود حقيقة التبذير فيه منع عنه أي عن السفيه المال بالنص بقوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] (سورة النساء: الآية 5) . م: (ثم هو) ش: أي منع المال م: (لا يفيد بدون الحجر لأنه يتلف بلسانه ما منع من يده) ش: بأن يبيع ماله بالغبن الفاحش فيؤدي ذلك إلى إتلاف ماله، قيل: هذا الذي ذكره في الدليل إنما يصح على قولهما، وأما على قول الشافعي، فلا يصح، لأن حجر السفيه عنه بطريق الزجر والعقوبة عليه والفائدة تظهر فيما إذا كان السفيه مفسدا في دينه مصلحا في ماله كالفاسق، فعنده يحجر عليه زجرا وعقوبة ولا يحجر عليه عندهما. قلت: لا نسلم أن الشافعي يرى ذلك بطريق الزجر والعقوبة فقط، بل يراه بهذه الطريقة وبطريقة ما قالا أيضا، فإن عنده يجوز الحجر بما جاز أو به، وفي الفسخ أيضا وهما لا يريانه بالفسق، فحينئذ ما ذكره من الدليل يصح على قولهما، وعلى قوله أيضا فيما اتفق معهما فيه، فافهم. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه) ش: أي أن السفيه م: (مخاطب عاقل) ش: وفي هذا الوصف إشارة إلى أهلية التصرف، لأن التكليف يقتضي التمكن من الاستيفاء جريا على موجب التكليف، والاستيفاء إنما يكون بالوصول إلى الأموال وذلك بالتمليك والتملك وبالعقل يثبت أهلية التمييز والشرع جعل الرشيد بسبيل من التصرفات تمليكا وتملكا لهذا المعنى، وأنه موجود في حق السفيه لأنه مكلف عاقل كالرشيد م: (فلا يحجر عليه اعتبارا بالرشيد) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 89 وهذا لأن في سلب ولايته إهدار آدميته وإلحاقه بالبهائم وهو أشد ضررا من التبذير، فلا يحتمل الأعلى لدفع الأدنى، حتى لو كان الحجر دفع ضرر عام كالحجر على المتطبب الجاهل والمفتي الماجن   [البناية] ش: فإن قيل: ينتقض هذا بالعبد فإنه مخاطب عاقل ويحجر عليه. قلت: إنما قال إنه مخاطب، وهو مطلق، والمطلق يتصرف إلى الكامل، والبعد ليس بكامل في كونه مخاطبا لسقوط الخطابات المالية كالزكاة، وصدقة الفطر، والأضحية والكفارات المالية، وبعض الخطابات الغير مالية كالحج، والجمعة، والعيدين، والشهادات وشطر الحدود وغيرها. ولو قال لأنه مخاطب عاقل حر سقط الاعتراض. م: (وهذا) ش: أي عدم الحجر م: (لأن في سلب ولايته إهدار آدميته وإلحاقه بالبهائم) ش: باعتبار قوله في التصرفات م: (وهو) ش: أي الحجر عليه م: (أشد ضررا من التبذير فلا يحتمل الأعلى) ش: الذي هو الحجر م: (لدفع الأدنى) ش: الذي هو التبذير م: (حتى لو كان في الحجر دفع ضرر عام كالحجر على المتطبب الجاهل) ش: وهو الذي يعالج الناس من الكتب من غير مراجعة على المشايخ ولا وقوف على غوامض الكليات، ولا معرفة بطباع الأدوية ولا تشخيص الأمراض العارضة كأبناء هذا الزمان الذين يتولون وظائف الحكمة ورياستها بواسطة المال وإعانة الظلمة. م: (والمفتي الماجن) ش: وذكر شيخ الإسلام خواهر زاده: والمفتي الجاهل وهما متقاربان، لأن ضررهما عام، وهو من مجن الشيء مجن مجونا إذا صلب وغلظ، وقولهم رجل ماجن كأنه أخذ من غلظ الوجه وقلة الحياء، وليس بعربي محض، قاله ابن دريد. والمفتي الماجن الذي يعلم الناس الحيل الباطلة، مثل أن يعلم المرأة حتى ترتد فتبين من زوجها، ويعلم الرجل أنه يرتد فتسقط عنه الزكاة ثم يسلم ولا يبالي أن يحرم حلالا أو يحلل حراما يفسد على الناس دينهم، ولقد شاهدت بالديار المصرية طائفة قد تحلوا بحلية الفقهاء واستولوا على مناصب الأجل من العلماء بمخالطتهم الظلمة وأرباب الدولة ومشاركتهم إياهم فيما هم فيه من الفساد، وأعطوا لهم بما يطابق أغراضهم الفاسدة وبما يوافق أهواءهم الكاسدة فضلوا وأضلوا، ولقد قرع سمعي من بعض الثقات أن واحدا منهم قد أفتى لملك لهم كبير بإباحة الإتيان في مماليكه مستدلا بقول الله عز وجل {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] (النساء: الآية 3) ، وآخر قد أباح شرب الخمر بمصر مستدلا بأنها لا تقذف بالزبد وهو شرط في الحرمة. وآخر أفتى بجواز السماع، والرقص، وسماع الملاهي مستدلا بلعب الحبشة في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحراب، والدرق، وبالجاريتين المغنيتين، ونحو ذلك مما ذكر عنهم من الترهات، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 90 والمكاري المفلس جاز فيما يروى عنه، إذ هو دفع ضرر الأعلى بالأدنى، ولا يصح القياس على منع المال؛ لأن الحجر أبلغ منه في العقوبة ولا على الصبي؛ لأنه عاجز عن النظر لنفسه وهذا قادر عليه نظرا والشرع مرة بإعطاء آلة القدرة   [البناية] والأباطيل أعاذنا الله من شر هؤلاء الذين {ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 104] (سورة الكهف: الآية 104) ، {وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 200] (سورة البقرة: الآية 200) . م: (والمكاري المفلس) ش: لأنه يتلف أموال الناس، فإنه إن مات حمولته في الطريق وليس له أخرى، والمستكري لا يجد شيئا إلا بالبيع ولا بالإجارة، فيؤدي ذلك إلى إتلاف أموال الناس ولا سيما مكارية الحج بفسادهم ظاهرة للناس فلا يحتاج إلى البيان م: (جاز فيما يروى عنه) ش: أي جاز الحجر فيما يروى عن أبي حنيفة م: (إذ هو دفع ضرر الأعلى بالأدنى) ش: أي لأن الحجر على هؤلاء دفع الأعلى، أي الضرر الأعلى وهو الضرر العام بالضرر الأدنى، وهو الضرر الذي يلحق المحجور. م: (ولا يصح القياس على منع المال) ش: هذا جواب عن قولهما، ولهذا منع عنه المال، أي لا يصح قياس جواز الحجر عليه على جواز منع المال منه م: (لأن الحجر أبلغ منه في العقوبة) ش: أي لأن الحجر على السفيه أبلغ من منع المال عنه في العقوبة، يعني منع المال إنما هو بطريق العقوبة عليه ليكون زجرا له على التبذير، والحجر أبلغ فيه في العقوبة فلا يقاس عليه. قيل: هذا يلزم على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه يرى الحجر عليه عقوبة، أما عندهما الحجر عليه نظرا له. وقيل: هذا على طريق بعض مشايخنا حيث قال إنه بطريق العقوبة، وقيل في وجه منع هذا القياس أن منع المال شرع غير معقول المعنى إذ منع الأدنى عن التصرف وهو مالك غير معقول فلا يقاس عليه. وقيل: إن اليد للآدمي على المال نعمة زائدة وإطلاق اللسان في التصرفات أصل فلا يقاس إبطال أعلى النعمتين على أدناهما. م: (ولا على الصبي) ش: جواب أيضا عن قولهما اعتبارا بالصبي أن لا يقاس السفيه بالصبي م: (لأنه) ش: أي لأن الصبي م: (عاجز عن النظر لنفسه) ش: فلذلك احتج ضرورة إلى صيرورة الغير وليا والمولى عليه لا يلي التصرف. م: (وهذا) ش: أي السفيه م: (قادر عليه) ش: أي على النظر لنفسه لكمال عقله م: (نظرا والشرع مرة بإعطاء آلة القدرة) ش: من العقل، والحرية، والبلوغ، وإن كان يعدل عن السنن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 91 والجري على خلافه لسوء اختياره، ومنع المال مفيد لأن غالب السفه في الهبات والتبرعات والصدقات وذلك يقف على اليد.   [البناية] بالعقل بهواه م: (والجري على خلافه) ش: أي وجري السفيه على خلاف ذلك م: (لسوء اختياره) ش: لا يعجزه، فكان قياس قادر على عاجز فلا يصح. م: (ومنع المال مفيد) ش: هذا جواب عن قوله، ثم هؤلاء يفيد الحجر، يعني أن منع المال بدون الحجر مفيد م: (لأن غالب السفه في الهبات والتبرعات والصدقات) ش: دون التجارات م: (وذلك يقف على اليد) ش: أي لا يملك إلا بالقبض، فإذا لم يكن في يده شيء يمتنع عن ذلك، وإن فعل لم يفد. فإن قلت: قول تعالى {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] (البقرة: الآية 282) ، يدل على الحجر، لأنه تعالى جعل السفيه وليا عليه، فإذا كان عليه ولي كان موليا عليه، وكونه موليا عليه دليل أنه محجور عليه. وروي عن عبد الله بن جعفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، أنه اشترى دارا بأربعين ألف درهم، وطلب علي من عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن يحجر عليه، فشارك الزبير بن العوام، فلما بلغ ذلك عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كيف أحجر على رجل شريكه الزبير بن العوام، وإنما علل بهذا؛ لأن الزبير كان مجتهدا في التجارة، فلو كان هذا عيبا لما شاركه الزبير، فطلب علي، وتعليل عثمان، واحتيال عبد الله بهذه الحيلة يدل ذلك على منعهم الحجر على الحر، ولم ينقل عن غيرهم خلافا فكان إجماعا. وحدث أبو عبيد في غريب الحديث بإسناده إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه خطب الناس فقال: ألا إن الأسينع أسينع جهينة رضي من دينه وأمانته أن يقال سابق الحاج، أو قال سبق الحاج فأدان معرضا فأصبح قد دين به فمن له عليه دين فليغد بالغداة فلتقسم ماله بينهم بالحصص، فهذا دليل أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حجر عليه بسبب الإفلاس وباع ماله من غير رضاه. قلت: الجواب عن الآية أن الله تعالى جوز المداينة مع السفيه كما جوزه مع المصلح، هذا يدل على أن السفيه لا يوجب الحجر، ويقال إن السفيه هاهنا هو المجنون والصغير وعليه كثير من أهل التأويل وذلك بانعدام العقل أو نقصانه، وكذا يحمل السفيه في قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] فيسقط به الاحتجاج أيضا في الحجر، والمراد نهي الأزواج عن دفعه المال إلى النساء وجعل التصرف إليهن كما كانت العرب تفعله، ألا ترى أنه قال أموالكم وذلك يتناول المخاطبين بهذا المعنى لا أموال السفهاء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 92 قال: وإذا حجر القاضي عليه ثم رفع إلى قاض آخر فأبطل حجره وأطلق عنه جاز، لأن الحجر منه فتوى وليس بقضاء،   [البناية] وقوله تعالى: {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] (سورة البقرة: الآية 282) لا يدل على أن السفيه مولى عليه لا محالة؛ لأن بعض المفسرين قال المراد من الولي صاحب الحق يملي بالعدل بين يدي من عليه الحق لئلا يزيد على ذلك شيئا ولا ينقص على صاحبه، كذا في " شرح التأويلات ". وأما حديث عبد الله، فإن كان رأي علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هو الحجر على المنذر فقد كان رأي الزبير، وعبد الله بن جعفر، على خلاف ذلك، حيث اشتغلا بإبطال الحجر فإن هذه مسألة وقع الخلاف فيها بين أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا يجب النزول على قول واحد منهم، ويجب ترجيح قول البعض على البعض بالدليل. وحديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فالغالب إن فعل ذلك برضاه فلا يكون ذلك دليل الحجر، فلا ينفي للخصم حجة. قوله فأدان معرضا، يعني استدان معرضا وهو الذي يعترض الناس ليستدين ممن أمكنه يقال دين به أي غلب، يقال دين بالرجل دينا إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه. [حكم القاضي بالحجر فرفع الحجر قاض آخر] م: (قال: وإذا حجر القاضي عليه) ش: تفريع على مسألة الحجر، أي على السفيه. وقال الأترازي: ذكر هذا جوابا لسؤال ذكره. وفي النسخ: طريقة الخلاف بأن يقال: سلمنا أن تصرف المحجور قبل حجر القاضي نافذ، ولا كلام لنا فيه، وكلامنا فيما إذا حجر القاضي فلم قلتم إن تصرفه ينفذ بعد الحجر، لأن قضاء القاضي إذا وقع في فصل مجتهد فيه نفذ قضاؤه بالاتفاق كما في بيع المدبر والقضاء على الغائب وقسمة الغنائم، فينبغي أن لا يسند تصرف السفيه بعد حجر القاضي، فأجابوا عنه بجوابين. أحدهما: ما ذكروا في مسألة القضاء على الغائب أن نفس القضاء إذا كان مجتهدا فيه لا ينفذ، وهنا كذلك لأن نفس القضاء بالحجر على السفيه مجتهد فيه. والثاني: أن هذا ليس بقضاء بل هو فتوى، فكان قضاء هذا القاضي وفتوى غيره سواء م: (ثم رفع إلى قاض آخر فأبطل حجره) ش: أي حجر القاضي الأول م: (وأطلق عنه جاز) ش: أي عن السفيه جاز تصرفه م: (لأن الحجر منه) ش: أي من القاضي م: (فتوى وليس بقضاء) ش: لأن القضاء لا بد له من خصومة، لأنه شرع لفصل الخصومات، ولا بد للخصومة من الدعوى والإنكار ولم يوجد ذلك فلا يكون قضاء بل هو فتوى لعدم المقضي له والمقضى عليه، وهو معنى قوله. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 93 ألا يرى أنه لم يوجد المقضى له والمقضى عليه ولو كان قضاء فنفس القضاء مختلف فيه فلا بد من الإمضاء، حتى لو رفع تصرفه بعد الحجر إلى القاضي الحاجر أو إلى غيره فقضى ببطلان تصرفه ثم رفع إلى قاض آخر نفذ إبطاله لاتصال الإمضاء به فلا يقبل النقض بعد ذلك،   [البناية] م: (ألا يرى أنه لم يوجد المقضى له والمقضى عليه) ش: فلا يكون قضاء، لأن القضاء يثبت ما ليس بثابت، بل هذا كان مثبتا ما كان ثابتا، فإنه كان محجورا عليه قبل القضاء متى كان مبذر لماله وهذا هو حد الفتوى. م: (ولو كان قضاء) ش: يعني ولئن سلمنا أن حجر القاضي كان قضاء على احتمال بعيد، وهو أن يجعل السفيه مقضيا له من حيث إن الحجر نظر له. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جاز أن يكون هذا جواب إشكال، وهو أن يقال: يمكن أن يجعل السفيه مقضيا له من حيث إن الحجر ما ثبت، إلا نظرا له، والقضاء بالحجر يقع عليه، فيجعل مقضيا له أيضا، فإذا وجد المقضى له والمقضى عليه باختلاف الجهة فلا يكون قضاء، فلا ينبغي للقاضي الثاني الحكم بخلافه. فأجاب - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأنه لو كان قضاء م: (فنفس القضاء مختلف فيه) ش: لأن عند أبي حنيفة لا يجوز القضاء بالحجر وعندهما يجوز فيكون نفس القضاء مختلفا فيه، فيكون القاضي الثاني بسبيلين تنفيذه، وإبطاله لكونه ثابتا من وجه دون وجه فلا بد من الإمضاء ليرتفع نقصان اختلاف العلماء. نظيره إذا تزوج رجل بشهادة رجل وامرأتين يجوز النكاح عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلو رفع هذا النكاح إلى القاضي الشافعي فقضى بصحته لا يصير مجمعا عليه، لأنه قضى على خلاف رأيه، فيكون الاختلاف في القضاء فيها فينفذ إجماعا. وقال الخبازي: قضاء القاضي بالمختلف إنما يرفع الخلاف إذا لم يكن نفس القضاء مختلفا، ولا بد من قضاء آخر لنفاذ هذا القضاء. م: (فلا بد من الإمضاء) ش: بقضاء آخر م: (حتى لو رفع تصرفه) ش: أي تصرف السفيه م: (بعد الحجر إلى القاضي الحاجر، أو إلى غيره فقضى ببطلان تصرفه ثم رفع إلى قاض آخر نفذ إبطاله) ش: أي إبطال القاضي الثاني. قيل: روي نفذ بالتشديد معناه استمر على تنفيد الثاني، لأنه حكم بنفاذه م: (لاتصال الإمضاء به فلا يقبل النقض بعد ذلك) ش: أي بعد الإمضاء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 94 ثم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا بلغ الغلام غير رشيد لم يسلم إليه ماله، حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة، فإن تصرف فيه قبل ذلك نفذ تصرفه، فإذا بلغ خمسا وعشرين سنة يسلم إليه ماله وإن لم يؤنس منه الرشد. وقالا: لا يدفع إليه ماله أبدا حتى يؤنس رشده، ولا يجوز تصرفه فيه، لأن علة المنع السفه فيبقى ما بقي العلة وصار كالصبا. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن منع المال عنه بطريق التأديب ولا يتأدب بعد هذا ظاهرا وغالبا، ألا ترى أنه قد يصير جدا في هذا السن   [البناية] م: (ثم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا بلغ الغلام غير رشيد) ش: أي حال كونه غير رشيد م: (لم يسلم إليه ماله حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة، فإن تصرف فيه قبل ذلك نفذ تصرفه) ش: لأنه لا يحجر عليه عنده. م: (فإذا بلغ خمسا وعشرين سنة يسلم إليه ماله وإن لم يؤنس منه الرشد. وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد رحمهما الله م: (لا يدفع إليه ماله أبدا حتى يؤنس رشده ولا يجوز تصرفه فيه) ش: أي في ماله، وأبدا نصب على الظرف، والجمع بينه وبين حتى تسامح ظاهر م: (لأن علة المنع السفه، فيبقى ما بقي العلة) ش: أي يبقى المنع ما دامت العلة باقية، لأن الله تعالى علق دفع المال بإيناس الرشد. فوق: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] (سورة النساء: الآية 6) ، فلا يجوز الدفع قبله إذ المعلق بالشرط معدوم قبله، والسفه صلة، فالعبرة لقيامها وزوالها لا للزمان وبه قالت الثلاثة م: (وصار كالصبا) ش: أي وصار حكم السفه كحكم الصبا، فالسفه ما دام موجودا فحكمه حكم الصبي ولو صار شيخا فانيا. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن منع المال عنه بطريق التأديب) ش: يمكن أن يوجه هذا الكلام على وجهين: الأول: أن يقول سلمنا أن علة المنع السفه، لكن المعلول هو المنع عنه بطريق التأديب، يعني من حيث التأديب، وهذا يقتضي أن يكون محلا للتأديب وهو ما لم ينقطع رجاء التأديب م: (ولا يتأدب بعد هذا ظاهرا وغالبا) ش: أي ولا يبقى التأديب بعد بلوغه خمسا وعشرين سنة لانقطاع رجاء التأديب بعد هذه المرة ظاهرا في غالب الأحوال. م: (ألا ترى أنه قد يصير جدا في هذا السن) ش: هذا توضيح لعدم التأديب عند بلوغه لهذا السن وهو خمسة وعشرون سنة، لأنه يصير جدا عند ذلك باعتبار أصل مدة البلوغ في الإنزال وهو اثنتا عشر سنة، وأقل مدة الحمل وهو ستة أشهر، وأقل الطبائع من بلغ خمسا وعشرين سنة فقد بلغ رشده، ألا ترى أنه يصير جدا صحيحا في هذا السن، لأن أدنى ما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 95 فلا فائدة للمنع، فلزم الدفع، ولأن المنع باعتبار أثر الصبا وهو في أوائل البلوغ، وينقطع بتطاول الزمان فلا يبقى المنع، ولهذا قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو بلغ رشيدا ثم صار سفيها لا يمنع المال عنه؛ لأنه ليس بأثر الصبا،   [البناية] يحتلم الإنسان في اثنتي عشرة سنة ثم يولد له في ستة أشهر يبلغ ذلك في اثنتي عشرة سنة ثم يولد له ولد ابن في ستة أشهر فيصير جدا صحيحا في خمس وعشرين سنة، ومن صار فرعه أصلا فقد تناهى في الأصلية، فإذا لم يؤنس رشده إلى هذه المدة فالظاهر انقطاع رجاء تأديبه فلا معنى لمنع المال عنه بعد ذلك، إلى هذا أشار محمد في الكتاب فقال أرأيت أنه لو بلغ مبلغا صار ولده قاضيا وله نافلة كان يحجر به على أبيه ويمنع المال منه، هذا قبيح. فإن قلت: قد يصير الإنسان جدا في اثنتين وعشرين سنة، أي بلغ الصبي في اثني عشرة سنة فتزوج بامرأة فولدت لستة أشهر بنتا فبلغت البنت على تسع سنين فزوجها من رجل وولدت لستة أشهر فصار جدا في اثنين وعشرين سنة، فلم قدره بخمس وعشرين سنة. قلت: الجد المطلق وهو الجد الصحيح، والفاسد لا اعتبار به. الوجه الثاني: أن يجعل معارضة فيقال ما ذكرتم وإن دل على ثبوت المدلول لكن عندنا ينفيه وهو أن منع المال عنه بطريق التأديب ولا تأديب بعد هذا الملك. م: (فلا فائدة للمنع) ش: أي لمنع المال عنه م: (فلزم الدفع) ش: أي فإذا كان كذلك لزم دفع المال إليه م: (ولأن المنع باعتبار أثر الصبا) ش: هذا دليل آخر تقريره أن المنع بعد البلوغ إذا لم يؤنس رشده باعتبار أثر الصبا م: (وهو) ش: أثر الصبا أي وجدانه م: (في أوائل البلوغ وينقطع بتطاول الزمان) ش: وقد ذلك بخمس وعشرين سنة، لأن مدة البلوغ من حيث السن ثماني عشرة سنة وما قرب من البلوغ فهو في حكم البلوغ، وقدر ذلك المبيع بالسنين اعتبارا بمدة التمييز في الابتداء على ما أشار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعة» . م: (فلا يبقى المنع) ش: بعد ذلك م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن المنع، باعتبار أثر الصبا م: (قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو بلغ رشيدا) ش: أي لو بلغ الصبي حال كونه رشيدا م: (ثم صار سفيها لا يمنع المال عنه؛ لأنه ليس بأثر الصبا) ش: بل لخفة اعترته، إما لغضب، أو فرح. فإن قلت: الدفع معلق بانيا من الرشيد، فما لم يوجد، لا يجوز الدفع إليه، إذ المعلق بالشرط لا يوجد، قيل: وجوده وما بقي مفسدا لماله ما لم يؤنس منه الرشد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 96 ثم لا يتأتى التفريع على قوله، وإنما التفريع على قول من يرى الحجر عليه، فعندهما لما صح الحجر لا ينفذ بيعه إذا باع توفيرا لفائدة الحجر عليه، وإن كان فيه مصلحة أجازه الحاكم؛ لأن ركن التصرف قد وجد والتوقف للنظر له وقد نصب الحاكم ناظرا له فيتحرى المصلحة فيه كما في الصبي الذي يعقل البيع ويقصده.   [البناية] قلت: الشرط يوجب الوجود عند الوجود لا العدم عند العدم سلمناه لكنه سكر يراد به أدنى ما ينطلق عليه وقد وجد ذلك إذا وصل الإنسان إلى هذه الحالة لصيرورة فرعه أصلا، فكان متناهيا في الأصالة. م: (ثم لا يتأتى التفريع على قوله) ش: أي التفريع الذي ذكره القدوري في "مختصره " يقول فإذا باع لا يتعدى معه، لا يتأتى على قول أبي حنيفة م: (وإنما التفريع على قول من يرى الحجر عليه، فعندهما لما صح الحجر لا ينفذ بيعه إذا باع توفيرا لفائدة الحجر عليه) ش: أي لأجل توفير فائدة الحجر، أراد لإظهار فائدة الحجر عليه، فيكون موقوفا. م: (وإن كان فيه مصلحة) ش: بأن كان مثل القيمة أو كان البيع رابحا وكان الثمن باقيا في يده م: (أجازه الحاكم) ش: أي أجاز الحاكم ذلك البيع الموقوف، وإن كان الثمن أقل من القيمة أو كان البيع خاسرا أو لم يبق الثمن في يده لم يجز، لأن فيه ضرر به لخروج المبيع عن يده بدون أن يكون في يده شيء من البدل، واستدل على الجواز بالتوقف بقوله م: (لأن ركن التصرف قد وجد) ش: وذلك يوجب الجواز. فإن قيل: إنما يوجب الجواز إذا وجد ركن التصرف من أهله، والسفيه ليس من أهله. أجيب: بأنه أهل، لأن الأهلية بالعقل، والسفه، لا ينفيه كما تقدم. م: (والتوقف للنظر له) ش: هذا جواب عما يقال فعلام التوقف؟ فأجاب بقوله: للنظر له م: (وقد نصب الحاكم ناظرا له فيتحرى) ش: أي يقصد باجتهاده م: (المصلحة فيه كما في الصبي الذي يعقل البيع ويقصده) ش: أي كما يتحرى الحاكم أو الولي في بيع الصبي وشرائه الذي يعقل البيع بأن يعلم أنه سالب، والشراء بأنه جالب كما مر، وقد اشتغل محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب الحجر إلى آخر الكتاب بالتفريع على مذهبه وقال: هو بمنزلة الصبي الذي لم يبلغ إذا باع أو اشترى، فإن أجازه الحاكم يجوز وما لا فلا، لأن تصرفاته ليست بباطلة بل هي موقوفة لاحتمال وقوعها مصلحة، فإذا رأى القاضي وقوعه مصلحة يجيزه ولا يرده، بمنزلة الصبي الذي يعقل، إلا أنه يفارقه في خصال أربع: الأولى: لا يجوز لوصيه ولا لأبيه أن يبيع عليه ماله ولا يشتري له إلا بأمر الحاكم، وفي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 97 ولو باع قبل حجر القاضي جاز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه لا بد من حجر القاضي عنده؛ لأن الحجر دائر بين الضرر والنظر والحجر لنظره، فلا بد من فعل القاضي، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز لأنه يبلغ محجورا عنده إذ العلة هي السفه بمنزلة الصبا وعلى هذا الخلاف إذا بلغ رشيدا ثم صار سفيها. وإن أعتق عبدا نفذ عتقه عندهما،   [البناية] الذي لم يبلغ ملك ذلك وصيه أو أبوه. والثانية: أن إذا أعتق عبدا جاز عتقه، ويسعى في قيمته، وكذا لو دبر يصح تدبيره، ولو مات عنه يسعى في قيمته مدبرا، وإعتاق الذي لم يبلغ لا يصح أصلا. والثالثة: أن وصايا الغلام الذي قد بلغ مفسدا من التدبير وغيره باطل قياسا، ولكنا نستحسن أن ما وافق الحق وما تقرب به إلى الله تعالى وما يكون في غير وجه الفسق جائز كما يجوز وصية غيره وما يكون سفيها لا يجوز. وأما وصايا الغلام الذي لم يبلغ لا تجوز أصلا. والرابعة: إذا جاءت جاريته بولد، فادعاه ثبت نسبه، وكانت الجارية أم ولد له، فإن ماتت كانت حرة بخلاف الغلام الذي لم يبلغ، كذا ذكر في شرح " الكافي ". وذكر خواهر زاده في "مبسوطه " من جملة الخصال الأربع النكاح، والطلاق، فقال: لا يجوز طلاق الصبي العاقل، ويجوز طلاق السفيه، وكذا يجوز نكاح السفيه ولا يجوز نكاح الصبي العاقل، ولم يذكر الوصايا وادعاه ولد فعلى هذا تكون الخصال التي يفترق فيها السفيه والصبي ستا. [تصرفات المحجور عليه] م: (ولو باع) ش: أي السفيه م: (قبل الحجر) ش: أي قبل حجر القاضي، وفي بعض النسخ كذلك م: (جاز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الشافعي وأحمد م: (لأنه لا بد من حجر القاضي عنده؛ لأن الحجر دائر بين الضرر) ش: وهو إهدار آدميته م: (والنظر) ش: أي في إيقاع البيع على ملكه كما كان م: (والحجر لنظره فلا بد من فعل القاضي) ش: ليترجح أحد الجانبين على الآخر. م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز) ش: وبه قال مالك م: (لأنه يبلغ محجورا عنده إذ العلة هي السفه بمنزلة الصبا) ش: وهو موجود قبل القضاء فيترتب عليه الحكم م: (وعلى هذا الخلاف إذا بلغ رشيدا ثم صار سفيها) ش: وعند أبي يوسف لا يصير محجورا حتى يقضي القاضي، وعند محمد يصير محجورا لمجرد السفه م: (وإن أعتق عبدا) ش: يعني بعد الحجر م: (نفذ عتقه عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، وهو قول أبي حنيفة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 98 وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا ينفذ. والأصل عندهما أن كل تصرف يؤثر فيه الهزل يؤثر فيه الحجر وما لا فلا؛ لأن السفيه في معنى الهازل من حيث إن الهازل يخرج كلامه لا على نهج كلام العقلاء، لاتباع الهوى ومكابرة العقل لا لنقصان في عقله، فكذلك السفيه والعتق مما لا يؤثر فيه الهزل فيصح منه.   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا، ولم يحضر قولهما بالذكر احترازا عن قوله لأن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الحكم قبل الحجر وبعده سواء في نفاذ تصرفات المحجور بسبب السفه؛ لأنه تأثير للحجر عنده، بل احترازا عن قولهما في سائر التصرفات التي يؤثر فيه الحجر كالبيع والشراء والإقرار بالمال. وعن قول الشافعي حيث قال: م: (وعند الشافعي لا ينفذ) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قياس قول مالك؛ لأن تصرفات المحجور عليه غير نافذة م: (والأصل عندهما) ش: أي الأصل في هذا الباب عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله م: (أن كل تصرف يؤثر فيه الهزل يؤثر فيه الحجر، وما لا فلا) ش: أي وما لا يؤثر فيه الهزل فلا يؤثر فيه الحجر. م: (لأن السفيه في معنى الهازل) ش: لا من كل وجه م: (من حيث إن الهازل يخرج كلامه، لا على نهج كلام العقلاء) ش: أي لا على الطريق الواضح، وهو بفتح النون، وسكون الهاء، وأما النهج بتحريك الهاء فهو البهر، وهو تتابع النفس، وهو من باب علم يعلم م: (لا تباع الهوى، ومكابرة العقل) ش: أي لأجل اتباعه هوى النفس وتعاليه العقل، لأنه يقصد اللعب دون ما وضع له الكلام م: (لا لنقصان في عقله، فكذلك السفيه) ش: يعني لا يخرج الهازل كلامه على نهج كلام العقلاء لاتباع الهوى ومكابرة العقل. م: (والعتق مما لا يؤثر فيه الهزل فيصح منه) ش: أي من السفيه، وفيه بحث من أوجه: الأول: أن السفيه لو حنث في يمينه وأعتق رقبة لم ينفذه القاضي، وكذا لو نذر بهدي أو غيره لم ينفذه، فهذا مما لا يؤثر فيه الهزل، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد» ، وقد أثر فيه الحجر بالسفه. والثاني: أن الهازل إذا أعتق عبده عتق، ولم يجب عليه سعاية، والمحجور بالسفه إذا أعتقه، وجب عليه السعاية فالهزل لم يؤثر في وجوب السعاية، والحجر أثر فيه. والثالث: أن التعليل المذكور إنما يصح في حق السفيه لا في حق الهازل، والصحيح فيه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 99 والأصل عنده: أن الحجر بسبب السفه بمنزلة الحجر بسبب الرق حتى لا ينفذ بعده شيء من تصرفاته إلا الطلاق كالمرقوق، والإعتاق لا يصح من الرقيق فكذلك من السفيه. وإذا صح عندهما كان على العبد أن يسعى في قيمته، لأن الحجر لمعنى النظر، وذلك في رد العتق إلا أنه متعذر فيجب رده برد القيمة كما في الحجر على المريض، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجب السعاية.   [البناية] أن يقال ولقصده اللعب به دون ما وضع الكلام له لا لنقصان في العقل. والجواب: عن الأول أن القضاء بالحجر عن التصرفات المالية فيما يرجع إلى الإتلاف يستلزم عدم تنفيذ الكفارات والنذور، لأن في تنفيذهما إضاعة المقصود عن الحجر لإمكان أن يتصرف في جميع ماله باليمين والحنث والنذور. وعن الثاني: ما سيجيء في الكتاب. وعن الثالث: أن قصد اللعب بالكلام وترك ما وضع له من مكابرة العقل واتباع الهوى فلا فرق بينهما. م: (والأصل عنده) ش: أي عند الشافعي م: (أن الحجر بسبب السفه بمنزلة الحجر بسبب الرق) ش: في أنه لا يزيل الخطاب ولا يخرج من أن يكون أهلا لإلزام العقوبة باللسان باكتساب سببها، كما أن الرق كذلك م: (حتى لا ينفذ بعده) ش: أي بعد الحجر م: (شيء من تصرفاته إلا الطلاق كالمرقوق والإعتاق لا يصح من الرقيق، فكذلك من السفيه) ش: قلنا: ليس السفه كالرق؛ لأن حجر الرق لحق الغير في المحل الذي يلاقيه تصرفه، حتى إن يصرف فيما لا حق للغير فيه نافذ كالإقرار بالحدود والقصاص، وهذا لا حق لأحد في المحل الذي يلاقيه تصرفه، فيكون نافذا. م: (وإذا صح) ش: أي عتق السفيه م: (عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله م: (كان على العبد أن يسعى في قيمته، لأن الحجر لمعنى النظر، وذلك) ش: أي النظر م: (في رد العتق) ش: أي إبطاله م: (إلا أنه متعذر) ش: لعدم قبوله الفسخ م: (فيجب رده برد القيمة) ش: أي رد العتق برد العبد إليه بالاستسعاء م: (كما في الحجر على المريض) ش: يعني لو أعتق عبدا في مرضه تجب السعاية في كل قيمته للغرماء أو ثلثي قيمته للورثة، إذا لم يكن عليه دين ولا مال له سواه لتعذر رد العتق، فكان رده بوجوب السعاية لحق آخر ما أدى الورثة. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجب السعاية) ش: أي أن الشأن لا يجب السعاية على الجزء: 11 ¦ الصفحة: 100 لأنه لو وجبت إنما تجب حقا لمعتقه والسعاية ما عهد وجوبها في الشرع إلا لحق غير المعتق. ولو دبر عبده جاز؛ لأنه يوجب حق العتق فيعتبر بحقيقته، إلا أنه لا تجب السعاية ما دام المولى حيا، لأنه باق على ملكه. وإذا مات ولم يؤنس منه الرشد سعى في قيمته مدبرا لأنه عتق بموته وهو مدبر، فصار كما إذا أعتقه بعد التدبير.   [البناية] العبد، جعل في " المبسوط " هذه الرواية عنه آخر قول أبي يوسف، وأما قوله الأول كقول محمد في وجوب السعاية. م: (لأنه لو وجبت) ش: أي لأن السعاية وتذكير الضمير باعتبار السعي م: (إنما تجب حقا لمعتقه والسعاية ما عهد وجوبها في الشرع إلا لحق غير المعتق) ش: كما في إعتاق أحد الشريكين فإنه يسعى للساكت. ولو ظاهر عن امرأته وصام أجزأه لأنه بمنزلة الغائب عن ماله. ولو أعتق عبدا عن ظهاره سعى الغلام في جميع قيمته ثم لا يجزئه عن ظهاره، لأنه يكون إعتاقا ببعض، فإن صام أحد الشهرين ثم صار مصلحا لم يجزئه إلا العتق بمنزلة معسر السير، كذا في شرح " الكافي ". م: (ولو دبر) ش: أي السفيه م: (عبده جاز، لأنه يوجب حق العتق) ش: أي لأن التدبير دل عليه قوله دبر م: (فيعتبر بحقيقته) ش: أي بحقيقة العتق، لأنه لما ملكه أنشأ حقيقة العتق، فلأن يملك إنشاء حقه كان أولى م: (إلا أنه لا يجب السعاية ما دام المولى حيا لأنه باق على ملكه) ش: فلا يمكن إيجاب السعاية، لأن المولى لا يستوجب على عبده دينا، ألا ترى أنه لو دبر عبده بمال، وقبل العبد صح التدبير، ولم يجب المال بخلاف ما لو كاتبه، أو أعتقه على مال حيث يصح، لأنه لم يبق على ملكه حقيقة، أو يدا، أشار إليه في " المبسوط ". م: (وإذا مات ولم يؤنس منه الرشد سعى في قيمته مدبرا، لأنه عتق بموته وهو مدبر، فصار كما إذا أعتقه بعد التدبير) ش: أي كما إذا أعتقه في حياته بعد أن دبره تحت السعاية، فكذا هنا. ألا ترى أن مصلحا لو دبر عبدا في صحته ثم مات وعليه دين مستغرق تجب السعاية عليه في قيمته المدبر لغرمائه، فكذا هاهنا، قيل ينبغي أن يسعى في قيمته قنا، لأن العتق حصل بالتدبير السابق وهو في تلك الحالة قن فوجب السعاية قنا، كما لو أعتقه. أجيب: بأن الأصل أن المعلق بالشرط ليس بسبب قبله إلا أنه جعل هاهنا سببا قبله ضرورة، فلا تظهر مبينة في إيجاب السعاية عليه قنا، وإنما يظهر في حق المنع وتعلق العتق بموته، لأن الثابت أن الضرورة تتقدر بقدرها. قيل: سلمنا ذلك لكن يجب أن يسعى في ثلثي قيمته، لأن التدبير وصية وفيها يسعى العبد كذلك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 101 ولو جاءت جاريته بولد فادعاه يثبت نسبه منه وكان الولي حرا والجارية أم ولد له لأنه محتاج إلى ذلك لإبقاء نسله، فألحق بالمصلح في حقه وإن لم يكن معها ولد وقال هذه أم ولدي كانت بمنزلة أم الولد لا يقدر على بيعها. وإن مات سعت في جميع قيمتها لأنه كالإقرار بالحرية إذ ليس لها شهادة الولد بخلاف الفصل الأول؛ لأن الولد شاهد لها، ونظيره المريض إذا ادعى ولد جاريته فهو على هذا التفصيل. قال: وإن تزوج امرأة جاز نكاحها لأنه لا يؤثر فيه الهزل، ولأنه من حوائجه الأصلية وإن سمى لها مهرا جاز منه مقدار   [البناية] وأجيب بأنه وصية من حيث النفاذ بعد الموت لا غير، ألا ترى أن الرجوع في الوصية صحيح دون التدبير. م: (ولو جاءت جاريته) ش: أي جارية الذي بلغ غير رشيد م: (بولد فادعاه يثبت نسبه منه وكان الولد حرا والجارية أم ولد له لأنه محتاج إلى ذلك لإبقاء نسله) ش: لأن إبقاءه من الحوائج الأصلية لحياة ذكر الإنسان ببقاء الولد بعد موته م: (فألحق بالمصلح في حقه) ش: أي في حق الاستيلاد نظرا له، ولا يعلم فيه خلافا للثلاثة. م: (وإن لم يكن معها) ش: أي مع الجارية م: (ولد وقال هذه أم ولدي كانت بمنزلة أم الولد لا يقدر على بيعها) ش: لأن دعوته كانت دعوة تحرير فلا يقدر على بيعها م: (وإن مات) ش: أي السفيه بعد هذه الدعوة م: (سمعت) ش: أي الجارية م: (في جميع قيمتها لأنه كالإقرار بالحرية) ش: أي لأن إقراره بأمومية الولد بدون الولد كالإقرار بالحرية م: (إذ ليس لها شهادة الولد) ش: فصار كأنه قال أنت حرة فيمتنع بيعها وتسعى في جميع قيمتها بعد موته. م: (بخلاف الفصل الأول) ش: وهو ما إذا كان معها ولد م: (لأن الولد شاهد لها) ش: في إبطال حق الغير، فكذا في حكم دفع الحجر عن تصرفه م: (ونظيره المريض) ش: أي نظير حكم هذه المسألة بالوجهين نظير ما م: (إذا ادعى المريض ولد جاريته فهو على هذا التفصيل) ش: وهو الفرق بالذي ذكره بين الدعوة بالولد والدعوة بدون الولد، فإن كان معها ولد لا تسعى بعد موته، وإن لم يكن تسعى لحاجته إلى بقاء نسله فيكون مقدما على حق الغرماء. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن تزوج امرأة جاز نكاحها) ش: ولفظا " المبسوطين " جاز نكاحه، وبه قال أحمد. وقال الشافعي ومالك وأبو الخطاب الحنبلي لا يجوز بغير إذن الولي، لأنه عقد معاوضة كالشراء، فلا يجوز بدون وليه م: (لأنه لا يؤثر فيه الهزل) ش: لأن النكاح لا يؤثر فيه الهزل، لأن الهزل فيه جد. م: (ولأنه من حوائجه الأصلية، وإن سمى لها مهرا جاز منه) شك أي من المهر م: (مقدار الجزء: 11 ¦ الصفحة: 102 مهر مثلها، لأنه من ضرورات النكاح وبطل الفضل، لأنه لا ضرورة فيه، وهو التزام بالتسمية، ولا نظر له فيه فلم تصح الزيادة فصار كالمريض مرض الموت، ولو طلقها قبل الدخول بها وجب لها النصف في ماله، لأن التسمية صحيحة إلى مقدار مهر المثل وكذا إذا تزوج بأربعة نسوة أو كل يوم واحدة لما بينا. قال: وتخرج الزكاة من مال السفيه لأنها واجبة عليه وينفق على أولاده وزوجته ومن تجب نفقته عليه من ذوي أرحامه، لأن إحياء ولده وزوجته من حوائجه والإنفاق على ذي الرحم واجب عليه حقا لقرابته، والسفه لا يبطل حقوق الناس،   [البناية] مهر مثلها لأنه) ش: أي لأن مقدار مهر المثل م: (من ضرورات النكاح وبطل الفضل لأنه لا ضرورة فيه) ش: أي في الفضل على مقدار مهر المثل م: (وهو التزام بالتسمية) ش: أي ما فضل وزاد على مقدار مهر المثل التزام بالتسمية في العقد. م: (ولا نظر له فيه) ش: أي ولا نظر للسفيه فيما فصل عليه م: (فلم تصح الزيادة) ش: أي إذا لم يكن له فيه نظر فلم تصح تلك الزيادة على مقدار مهر المثل م: (فصار) ش: أي حكم هذا م: (كالمريض مرض الموت) ش: يعني من لزوم كل واحد منهما مقدار مهر المثل وسقوط الزيادة فيما إذا تزوج المريض بأكثر من مهر مثلها، إلا أن الزيادة في المريض يعتبر من الثلث، وهاهنا غير معتبر أصلا. م: (ولو طلقها قبل الدخول بها وجب لها النصف في ماله) ش: أي نصف مقدار مهر المثل م: (لأن التسمية صحيحة إلى مقدار مهر المثل) ش: وإنما الباطل تسمية ما زاد على مقدار مهر المثل م: (وكذا إذا تزوج بأربع نسوة) ش: هذا عطف على قوله: وإذا تزوج امرأة جاز نكاحها، أي إذا تزوج بأربع نسوة في عقد واحد، كذلك يعتبر مهر المثل وتبطل الزيادة. م: (أو كل يوم واحدة) ش: أي أو تزوج كل يوم واحدة ثم طلقها، وفعل ذلك مرارا فإنه يصح تسميته في مقدار مهر المثل، وتبطل الزيادة، بهذا يحتج أبو حنيفة على أن لا فائدة في الحجر عليه، لأنه لا يفسد عليه باب إتلاف المال عليه، فإن يتلف ماله بهذا الطريق إذا عجز عن إتلافه بطريق البيع والهبة م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله لأن من ضرورات النكاح.. إلى آخره. [الزكاة في مال السفيه] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويخرج الزكاة من مال السفيه لأنها) ش: أي: لأن إخراج الزكاة م: (واجبة عليه) ش: لأنه كامل العقل مخاطب بحقوق الله تعالى، فلا تبطل السفه م: (وينفق على أولاده وزوجته، وعلى من تجب عليه نفقته من ذوي أرحامه؛ لأن إحياء ولده وزوجته من حوائجه، والإنفاق على ذي الرحم واجب عليه حقا لقرابته، والسفه لا يبطل حقوق الناس) ش: الأصل فيه، أن كل ما وجب عليه بإيجاب الله كالزكاة، وحجة الإسلام، أو كان حقا للناس الجزء: 11 ¦ الصفحة: 103 إلا أن القاضي يدفع قدر الزكاة إليه ليصرفها إلى مصرفها؛ لأنه لا بد من نيته لكونها عبادة، لكن يبعث أمينا معه كيلا يصرفه في غير وجهه، وفي النفقة يدفع إلى أمينه ليصرفه لأنه ليس بعبادة فلا يحتاج إلى نيته، وهذا بخلاف ما إذا حلف أو نذر أو ظاهر حيث لا يلزمه المال بل يكفر يمينه وظهاره بالصوم لأنه مما يجب بفعله، فلو فتحنا هذا الباب يبذر أمواله بهذا الطريق.   [البناية] فهو والمصلح فيه سواء، لأنه مخاطب إلا أن القاضي يدفع قدر الزكاة وحجة الإسلام، أو كان حقا للناس فهو والمصلح فيه سواء، لأنه مخاطب. م: (إلا أن القاضي يدفع قدر الزكاة إليه ليصرفها إلى مصرفها، لأنه لا بد من نيته لكونها عبادة) ش: العبادة لا تتأدى إلا بالنية م: (لكن يبعث أمينا معه كيلا يصرفه في غير وجهه) ش: لأنه لا يهتدي إلى طرق الرشاد لسفهه م: (وفي النفقة يدفع إلى أمينه ليصرفه) ش: وفي بعض النسخ يدفعها إلى أمينها، أي أمين المرأة وعلى الأول إلى أمين القاضي ليصرفه، أي ليصرف المال المخروج للنفقة إلى مستحقه م: (لأنه) ش: أي لأن صرف النفقة م: (ليس بعبادة فلا يحتاج إلى نيته) . ش: وفي " المبسوط " فرق بين نفقة الوالدين من نفقة غيرهما فقال ينبغي للقاضي أن لا يأخذ بقول السفيه في دفع المال إلى ذوي الأرحام النفقة حتى يقيم القريب بينة على القرابة والعسرة، لأن إقراره بذلك بمنزلة الإقرار بالذي على نفسه فلا يلزم شيئا إلا في الولد، فإن الزوجين إذا تصادقا على النصب قبل قولهما، لأن كل واحد منهما في تصديق الآخر يقر على نفسه بالنسب، والسفه لا يؤثر في منع الإقرار بالنسب لكونه من حوائجه، لكن لا بد من إثبات عسرة المقولة، وكذا يصح إقراره بالزوجة ويجب مهر مثلها والنفقة. م: (وهذا) ش: أي ما ذكرنا مما أوجبه الله وما كان من حقوق الناس قيل: إن هذا الذي ذكره القدوري من إخراج الزكاة من مال السفيه والإنفاق منه على أولاده وزوجته. م: (بخلاف ما إذا حلف) ش: بالله م: (أو نذر) ش: نذرا من هدي أو صدقة م: (أو ظاهر) ش: من امرأته م: (حيث لا يلزمه المال) ش: فلا ينفذ للقاضي شيئا من ذلك ولم يدعه يكفر إيمانه بالمال م: (بل يكفر يمينه وظهاره بالصوم) ش: بصوم لكل حنث ثلاثة أيام متتابعات، وعلى كل ظهار شهرين متتابعين وإن كان مالكا للمال حال التكفير. م: (لأنه مما يجب بفعله) ش: أي لأن كل وحد منهما يجب بفعله إذا السبب التزامه م: (فلو فتحنا هذا الباب) ش: أي لزوم المال في هذه الأشياء م: (يبذر أمواله بهذا الطريق) ش: حيث يحلف كل يوم مرارا ويحنث، أو ينذر نذورا أو يظاهر مرارا، وفيه تضييع فائدة الحجر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 104 ولا كذلك ما يجب ابتداء بغير فعله. قال: فإن أراد حجة الإسلام لم يمنع منها لأنها واجبة عليه بإيجاب الله تعالى من غير صنعه ولا يسلم القاضي النفقة إليه ويسلمها إلى ثقة من الحاج ينفقها عليه في طريق الحج كيلا يتلفها في غير هذا الوجه ولو أراد عمرة واحدة لم يمنع منها استحسانا لاختلاف العلماء في وجوبها، بخلاف ما زاد على مرة واحدة من الحج ولا يمنع من القرآن لأنه لا يمنع من إفراد السفر لكل واحد منهما، فلا يمنع من الجمع بينهما ولا يمنع من أن يسوق بدنة تحرزا عن موضع الخلاف إذ عند عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يجزئه غيرها   [البناية] فإن قيل: التكفير بالصوم مرتب على عدم استطاعة الرقبة فإنه يصح مع القدرة عليها. أجيب: بأن الاستطاعة منتفية لأن دلائل الحجر لا توجب السعاية على من يعتقه السفيه كما تقدم مع السعاية لا يقع العتق من الظهار. م: (ولا كذلك ما يجب ابتداء بغير فعله) ش: كالزكاة، وحجة الإسلام، ونحوهما، لأنه مخاطب، وبسبب الفساد لا يتحقق النظر في إسقاط شيء من حقوق الشرع عنه. [أراد السفيه أن يحج حجة الإسلام] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن أراد حجة الإسلام لم يمنع منها) ش: أي من الحجة وليس فيه خلاف م: (لأنه) ش: وفي بعض النسخ لأنها، أي لأن حجة الإسلام، وعلى الأول، أي لأن الحج م: (واجب عليه بإيجاب الله تعالى من غير صنعه، ولا يسلم القاضي النفقة إليه ويسلمها إلى الثقة من الحاج ينفقها عليه في طريق الحج كيلا يتلفها في غير هذا الوجه. ولو أراد عمرة واحدة لم يمنع منها استحسانا) ش: وفي " القياس " يمنع، لأن التمر عندنا تطوع فصار كما لو أراد الخروج للحج تطوعا بعد حجة الإسلام، وأشار إلى وجه الاستحسان بقوله: م: (لاختلاف العلماء في وجوبها) ش: فإنها عند الشافعي فرض والأخبار متعارضة فيها، والظاهر قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] (سورة البقرة: الآية 196) ، فلهذا أخذ بالاحتياط في أمر الدين وهو من جملة النظر، فإن جنى جناية فإن كانت مما يجزئ فيه الصوم فعليه الصوم ليس إلا، وإن لم يكن ولزمه الدم يؤدي إذا أصلح. م: (بخلاف ما زاد على مرة واحدة من الحج) ش: يعني يمنع من ذلك م: (ولا يمنع من القرآن، لأنه لا يمنع من إفراد السفر لكل واحد منهما) ش: أي من الحج والعمرة م: (فلا يمنع من الجمع بينهما، ولا يمنع من أن يسوق بدنة تحرزا عن موضع الخلاف) ش: فالخلاف في غير البدنة لا في السوق م: (إذ عند عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يجزئه غيرها) ش: أي غير البدنة، وعندنا يلزم القارن هدي وتجزئه الشاة، ولكن البدنة فيه أفضل أخذا بالاحتياط في أمر الدين، ويكون فعله أقرب إلى فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا يمنع عن سوق البدنة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 105 وهي جزور أو بقرة. قال: فإن مرض وأوصى بوصايا في القرب وأبواب الخير جاز ذلك في ثلثه، لأن نظره فيه إذ هي حالة انقطاعه عن أمواله والوصية تخلف ثناء أو ثوابا   [البناية] قوله: إذا عند ابن عمر لا يجزئه غيرها لم يثبت بهذا النص، وإنما الذي روي أنه لا يرى البدنة، إلا من الإبل والبقر على ما روى الطبراني في مسند الشاميين، ثنا أبو زرعة، ثنا أبو اليمان الحكم بن نافع، أخبرني شعيب، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يقول: لا أعلم الهدي إلا من الإبل، والبقر، وكان عبد الله ابن عمر لا ينحر في الحج، إلا الإبل، والبقر، فإن لم يجد لم يذبح لذلك شيئا، وروى مالك في " الموطأ " في الحج، أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، كان يقول: ما استيسر من الهدي بدنة، أو بقرة. م: (وهي) ش: أي البدنة م: (جزور) ش: بفتح الجيم وهي من الإبل يقع على الذكر والأنثى والجمع جزور، وقيل: الجزور الناقة التي تنحر والجمع جزائر، ولا يقال للجمل جزور إذا أفرد، والجزور أنثى لا غير، لأنه أكثر ما ينحرون النوق م: (أو بقرة) ش: وهي تقع على الذكر والأنثى، وإنما دخلته إليها على أنه واحد من الجنس والجمع بقرات، والباقر والبقير والبقور، وأما البقر فهو اسم جنس. [مرض السفيه وأوصى بوصايا في القرب] م: (فإن مرض وأوصى بوصايا في القرب) ش: بضم القاف وفتح الراء جمع قربة، وهي ما يتقرب به إلى الله بواسطة كبناء المساجد والسقاية والرباط ونحو ذلك، وقيد بالمرض باعتبار أن الوصية غالبا ما تكون في المرض، فإن السفيه الصحيح إذا وصى توصية فحكمها كحكم المريض م: (وأبواب الخير) ش: عطف على القرب من قبيل عطف العام على الخاص، لأن أبواب الخير أعم من القرب لأن القربة تكون بواسطة كما ذكرنا، وأبواب الخير أعم منها، وهذا كالكفالة مع الضمان، فإن الكفالة خاص والضمان عام، فافهم. م: (جاز ذلك في ثلثه) ش: استحسانا، والقياس بينهما كما لو تبرع في حياته ولكن استحسنوا فيما إذا وفق الحق ما يتقرب به إلى الله أن يكون من الثلث م: (لأن نظره فيه إذ هي حالة انقطاعه عن أمواله والوصية تخلف ثناء) ش: حسنا بعد موته إذا كان للغنى م: (أو ثوابا) ش: أي أو تخلف ثوابا إذا كان للفقير. فإن قلت: في الغنى أيضا ثواب، لأنه إيصال خير وإحسان إلى أخيه المؤمن ولا سيما إذا قصد به أن يتوسع في النفقة على عياله، وفي الفقير أيضا ثناء حسن فكان ينبغي أن يقول ثناء وثوابا بدون أو. قلت: هذا باعتبار الغالب بحسب الظاهر حيث يكون الثناء غالبا من الغنى وحصول الجزء: 11 ¦ الصفحة: 106 وقد ذكرنا من التفريعات أكثر من هذا في " كفاية المنتهي ". قال: ولا يحجر على الفاسق إذا كان مصلحا لماله عندنا، والفسق الأصلي والطارئ سواء. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحجر عليه زجرا له وعقوبة عليه كما في السفيه، ولهذا لم يجعل أهلا للولاية والشهادة عنده. ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] (سورة النساء: الآية 6) وقد أونس منه نوع رشد، فتتناوله النكرة المطلقة،   [البناية] الثواب فيه ضمني كحصول الثناء في الفقير. م: (وقد ذكرنا من التفريعات أكثر من هذا في " كفاية المنتهي ") ش: منها ما ذكره عنه أن الذي بلغ سفيها والصبي الذي لم يبلغ وهو يعقل ما يصنعه عندنا سواء إلا في أربعة مواضع. أحدهما: أنه يجوز للأب ولوصي الأب أن يتصرف على الصغير ليشتري له مالا ويبيع، ولا يجوز تصرف الأب ولا وصي الأب على البالغ السفيه إلا بأمر الحاكم. والثاني: أنه يجوز نكاحه ولا يجوز نكاح الصبي العاقل. والثالث: أنه يجوز طلاقه وعتاقه، ولا يجوز طلاق الصبي العاقل، ولا إعتاقه. والرابع: أن الذي لم يبلغ إذا دبر عبدا لا يصح تدبيره، وهذا السفيه إذا دبر عبده صح تدبيره، انتهى. وهكذا ذكره في " المبسوط " و" المغني ". م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يحجر على الفاسق إذا كان مصلحا لماله عندنا والفسق الأصلي والطارئ سواء) ش: يقال طرأ علينا فلان من بعيد فجاءه، والطارئ خلاف الأصلي، والصواب طارئ بالهمزة م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحجر عليه زجرا له وعقوبة عليه كما في السفيه، ولهذا) ش: أي ولوجوب الحجر عليه زجرا وعقوبة م: (لم يجعل أهلا للولاية والشهادة عنده) ش: أي عند الشافعي م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] (سورة النساء: الآية 6) ش: أي تهديا إلى الطريق المستقيم (الآية) بالنصب، أي اقرأ الآية. ويجوز الرفع، أي الآية بتمامها فيكون مرفوعا بالابتداء والخبر محذوف، ثم أشار إلى وجه الاستدلال بالآية بقوله. م: (وقد أونس نوع رشد) ش: لأنه مصلح في ماله وإن لم يكن مصلحا في دينه م: (فيتناوله النكرة المطلقة) ش: أي يتناول نوع الرشد النكرة المطلقة، وهو قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] فإنه ذكر الرشد نكرة والنكرة في موضع الإثبات تخص ولا تعم، فيراد به رشدا واحدا وقدر ذلك وهو الصلاح في المال، وهو المراد فلا يكون الرشد في الدين مرادا لأنه حينئذ يكون الجزء: 11 ¦ الصفحة: 107 ولأن الفاسق من أهل الولاية عندنا لإسلامه، فيكون واليا للتصرف وقد قررناه فيما تقدم ويحجر القاضي عندهما أيضا وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بسبب الغفلة، وهو أن يغبن في التجارات ولا يصبر عنها لسلامة قلبه لما في الحجر من النظر له.   [البناية] معلقا برشدين فلا يجوز ذلك لعدم الدليل على العموم. وعن ابن عباس المراد بالرشد الصلاح في المال. وعن مجاهد في الفعل. وفي " شرح الطحاوي ": المراد بالرشد الصلاح في المال، وبه قال مالك وأحمد وأكثر أهل العلم. م: (ولأن الفاسق من أهل الولاية عندنا لإسلامه فيكون واليا للتصرف، وقد قررناه فيما تقدم) ش: أي في أول كتاب النكاح. م: (ويحجر القاضي عندهما أيضا) ش: هذه المسألة مبتدأة، أي يحجر التلف الأموال كالسفيه، فلا يعارضه خبر الواحد، كذا ذكره تاج الشريعة. قيل: هذا مردود، لأن ذلك لمنع المال وليس النزاع فيه. قلت: فيه نظر، لأن ابن إسحاق قال: فحدثت بهذا الحديث محمد بن يحيى بن حبان، قال: كان جدي حبان بن سعد بن عمرو وكان قد أصيب في رأس أمه فكسرت أسنانه ونقص عقله، وكان يغبن في البيع ... الحديث، فهذا يدل على أنه كان فيه تعقل، لأنه لا يكون من نقصان العقل ففيه نوع حجر، لأنه أطلق له البيوع كلها بالخيار، فصار كالمحجور في البيوع المطلقة، فافهم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 108 فصل في حد البلوغ قال: بلوغ الغلام بالاحتلام والإحبال والإنزال إذا وطئ فإن لم يوجد ذلك فحتى يتم ثماني عشرة سنة، وبلوغ الجارية بالحيض والاحتلام والحبل، فإن لم يوجد ذلك فحتى يتم لها سبع عشرة سنة   [البناية] [فصل في حد البلوغ] [علامات بلوغ الغلام والجارية] م: (فصل في حد البلوغ) ش: أي هذا فصل في بيان معرفة حد البلوغ. وإنما ذكر أن الصغر من أسباب الحجر لا بد من بيان انتهائه، وهذا الفصل لبيان ذلك، وحد البلوغ صيرورة الإنسان بحال لو جامع ينزل، وذلك مما يعرف في الرجل والمرأة بقولهما نحو أن يقول أنزلت أو احتلمت أو حبلت وما يجري مجراه، لأنه أمر يوقف عليه من جهتهما، فيقبل فيه قولهما كقول المرأة في الحيض. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (بلوغ الغلام بالاحتلام) ش: البلوغ في اللغة الوصول، وفي الاصطلاح انتهاء حد الصغر، والاحتلام من الحلم بالضم وهو ما يراه النائم ثم يقال حلم واحتلم فبلوغ الغلام يكون بالاحتلام م: (والإحبال والإنزال إذا وطئ) ش: والأصل هو الإنزال، قال الله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} [النور: 59] (سورة النور: الآية 59) . وهذا بالإجماع بلا خلاف، وكذلك بلوغ الجارية بالحيض، والاحتلام والحبل بالإجماع، وأما الإنبات فهو نبت الشعر حول الذكر أو فرج المرأة بحيث يستحق أخذه بموسي، وعلامة البلوغ عند أحمد حلق العانة ولا اعتبار له في قولنا، وأما الزغب الضعيف فلا اعتبار له بالاتفاق إلا في قول عن الشافعي. وفي " الغاية " وقال أصحابنا أن إنبات العانة لا يدل على البلوغ خلافا للشافعي. وقال في " شرح الطحاوي ": وروي عن أبي يوسف في غير رواية الأصول أنه اعتبر نبات العانة، وأما نهود الثدي فلا يحكم بالبلوغ به في ظاهر الرواية. وقال بعضهم يحكم به. وفي " الكشاف ": في تفسير سورة النور وعن علي أنه كان يعتبر القامة ويقدر بخمسة أشبار، وبه أخذ الفرزدق في قوله: مازال مذ عقدت يداه إزاره ... وسمى فأدرك خمسة الأشبار م: (فإن لم يوجد ذلك) ش: أي واحد من الأشياء المذكورة م: (فحتى يتم له ثماني عشرة سنة) ش: بفتح العددين للتركيب وحذف التاء من ثمانية وإثباتها في عشرة وتكسر الشين في عشرة وقد تسكن، وكذلك الغلام في سبع عشرة. م: (وبلوغ الجارية بالحيض والاحتلام والحبل، وإن لم يوجد ذلك فحتى يتم لها سبع عشرة سنة، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 109 وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: إذا تم للغلام والجارية خمس عشرة سنة فقد بلغا وهو رواية عن أبي حنيفة، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعنه في الغلام تسع عشرة سنة. وقيل: المراد أن يطعن في التاسع عشرة سنة، ويتم له ثماني عشرة سنة فلا اختلاف، وقيل: فيه اختلاف الرواية؛ لأنه ذكر في بعض النسخ حتى يستكمل تسع عشرة سنة   [البناية] وهذا عند أبي حنيفة. وقالا: إذا تم للغلام والجارية خمس عشرة سنة، فقد بلغا وهو رواية عن أبي حنيفة وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وأحمد أيضا، وعليه الفتوى. وقال داود لا حد للبلوغ من السن لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم» ، وإثبات البلوغ بغيره يخالف الخبر، وهذا قول مالك. وقال أصحاب مالك: سبع عشرة، أو ثماني عشرة كقوله، أبي حنيفة رحمه. م: (وعنه) ش: أي عن أبي حنيفة م: (في الغلام تسع عشرة سنة، وقيل: المراد أن يطعن في التاسع عشرة سنة ويتم له ثماني عشرة سنة) ش: أي أن يدخل، يقال طعن في السن يطعن بالضم طعنا من باب نصر ينصر، وكذا طعنه بالرمح من هذا الباب، وكذا طعن فيه بالقول. وأما طعن في المفازة إذا ذهب، فمستقبله يطعن بالضم ويطعن بالفتح أيضا قوله في التاسع عشرة، وكان القياس يقتضي أن يقال: في التاسعة عشر لأن المعنى في السنة التاسعة عشر إلا إذا أريد بها العدد من السنين، فحينئذ يجوز أن يقال في التاسع عشرة م: (فلا اختلاف) ش: أي إذا كان هذا رواية عن أبي حنيفة فلا اختلاف بين الروايتين. م: (وقيل: فيه اختلاف الرواية؛ لأنه ذكر في بعض النسخ) ش: أي في بعض نسخ " المبسوط " م: (حتى يستكمل تسع عشرة سنة) . ش: قلت: له أن يستكمل، وهذا يدل على اختلاف الرواية. وقال الحاكم في " الكافي ": لا يجوز طلاق الصبي حتى يحتلم أو يبلغ، أو في ما يكون من وقت الاحتلام وذلك عند تسع عشر سنة، فإذا بلغ ذلك الوقت ولم يحتلم فهو بمنزلة الرجل وقال أبو الفضل: ذكر هذه المسألة، في كتاب الوكالة، من رواية أبي سليمان في موضعين. فقال في أحدهما: بلوغ الغلام أن يكمل له تسع عشرة سنة وبلوغ الجارية أن يكمل لها سبع عشرة سنة. وقال في موضع آخر: أن يطعن في التاسعة عشرة، وقطعت الجارية في السابعة عشرة، وهذا هو المشهور في قوله. ووجدت القول على هذا متفقا، في كتاب "الوكالة" في رواية أبي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 110 أما العلامة فلأن البلوغ بالإنزال حقيقة والحبل والإحبال لا يكون إلا مع الإنزال، وكذا الحيض في أوان الحبل، فجعل كل ذلك علامة البلوغ. وأدنى المدة لذلك في حق الغلام اثنتا عشرة سنة وفي حق الجارية تسع سنين، وأما السن فلهم العادة الفاشية، أن البلوغ لا يتأخر فيهما عن هذه المدة   [البناية] حفص. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه في الغلام، والجارية خمس عشرة سنة، فإذا تمت جاز طلاقه، وإن لم يحتلم، انتهى لفظه. وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح "الآثار " في كتاب "السير" وكان محمد بن الحسن يذهب في الغلام إلى قول أبي يوسف رحمهما الله وفي الجارية إلى قول أبي حنفية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في باب من أحق بالأمانة في شرح مختصر " الكرخي " وروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال في الرقة: في الغلام خمس عشرة، وفي الجارية سبع عشرة. وقال شمس الأئمة السرخسي في شرح " الكافي ": وعلى قول أبي يوسف، ومحمد، والشافعي، الجارية والغلام يتقدر بخمس عشرة سنة. م: (أما العلامة فلأن البلوغ بالإنزال حقيقة) ش: لأنه هو الأصل كما ذكرنا م: (والحبل والإحبال لا يكون إلا مع الإنزال، وكذا الحيض في أوان الحبل، فجعل كل ذلك علامة البلوغ وأدنى المدة لذلك) ش: أي للبلوغ م: (في حق الغلام اثنتا عشرة سنة وفي حق الجارية تسع سنين) ش: وهذا لا يعرف إلا سماعا أو تتبعا. وقال تاج الشريعة: لما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بلغت على رأس تسع سنين، وروي أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بنى بها حين صار لها تسع سنين» ومعلوم أن البناء من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يكون إلا للتوالد والتناسل، ولا يتحققان إلا بعد البلوغ، فعلم بذلك بلوغها. انتهى. قلت: تزوج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وعمرها ست سنين ثابتا في الصحاح وغيرها. م: (وأما السن) ش: عطف على قوله أما العلامة م: (فلهم) ش: أي فلأبي يوسف ومحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (العادة الفاشية أن البلوغ لا يتأخر فيهما) ش: أي العادة الظاهرة الغالبة أن البلوغ لا يتأخر في الغلام والجارية. م: (عن هذه المدة) ش: أي خمس عشرة سنة، ولأنه روي أن «ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال قال: "عرضت على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة، فلم يقبلني، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 111 ، وله قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الإسراء: 34] (سورة الأنعام: الآية 152) ، وأشد الصبي ثماني عشرة سنة، هكذا قاله ابن عباس وتابعه القتبي وهذا أقل ما قيل فيه فيبنى الحكم عليه   [البناية] ولم يرني بلغت. وعرضت على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة، فقبلني ورآني أني بلغت» . وعن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ما له وما عليه، وأقيمت عليه الحدود» . قلت: حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في الصحاح، ولكن لا يدل على مدعاهم، لأن الإجازة للقتال حكمها منوط بإطاقته والقدرة عليه وإن إجازته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الخمس عشرة لأنه رآه مطيقا للقتال ولم يكن مطيقا له قبل ذلك لا لأنه الحكم على البلوغ وعدمه. ويدل عليه ما روي «عن سمرة بن جندب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعرض عليه غلمان الأنصار في كل عام فيلحق من أدرك منهم، فعرضت عليه فألحق غلاما، وردني فقلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقد ألحقته ورددتني، ولو صارعته لصرعته، قال فصارعه، فصارعته فصرعته، فألحقني» ، قال الحاكم: صحيح الإسناد. وفي " الاستيعاب ": لابن عبد البر، عن الواقدي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - استصغر عمير بن أبي وقاص، وأراد رده وبكى ثم أجازه بعد فقتل عمير وهو ابن ست عشرة سنة» . ومعنى قوله وردني أي: ورآني أني ما بلغت أي في القوة حد القتال. وأما حديث ابن أنس فلم يثبت فسقط الاحتجاج به. م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة م: (قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152] (سورة الأنعام: الآية 152) ش: أي قوته، وقيل: هو جمع شدة كالنعم جمع نعمة، وقيل: لا واحد لها م: (وأشد الصبي ثماني عشرة سنة، هكذا قاله ابن عباس) ش: هذا غريب. والذي روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152] نهاية قوة الشباب واستتبابه، وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى أربعين. وروى الطبراني في "معجمه الأوسط "، ثنا محمد بن بشر، ثنا صفوان بن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152] (الأحقاف: الآية 15) ، قال ثلاث وثلاثون سنة، وهو الذي رفع عليه عيسى ابن مريم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وروى ابن مردويه في تفسيره، عن عبد الله، عن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، عن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 112 للتيقن به، غير أن الإناث نشوءهن وإدراكهن أسرع فنقصنا في حقهن سنة لاشتمالها على الفصول الأربعة التي يوافق واحد منها المزاج لا محالة. قال: وإذا راهق الغلام أو الجارية الحلم، وأشكل أمره في البلوغ فقال: قد بلغت فالقول قوله وأحكامه أحكام البالغين، لأنه معنى لا يعرف إلا من جهتهما   [البناية] ابن عباس في قوله {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} [الأحقاف: 15] قال بضعا وثلاثين سنة م: (وتابعه القتبي) ش: أي تابع ابن عباس [ .... ..... ] . م: (وهذا أقل ما قيل فيه) ش: أي قول ابن عباس أقل ما قيل في تفسير الأشد، قال بعض السلف: أقله اثنتان وعشرون سنة، وقيل: ثماني عشرة سنة، وقيل: عشرون، وقيل: ثلاث وثلاثون. وقيل: أربعون، وقيل: أقصاه ثنتان وستون وثماني عشرة أقل ما قيل فيه م: (فيبنى الحكم عليه للتيقن به) ش: أي على الأقل للتيقن بالأقل م: (غير أن الإناث) ش: كأنه جواب عما يقال: إذا كان المتيقن هو ثماني عشرة سنة فلم نقصت سنة في الجارية فهلا كان أمرها كأمر الغلام. فأجاب عنه أن الإناث م: (نشوءهن) ش: أي انتشاؤهن وبلوغهن م: (وإدراكهن أسرع) ش: من إدراك الذكور م: (فنقصنا في حقهن سنة لاشتمالها على الفصول الأربعة) ش: وهي الربيع والصيف والخريف والشتاء م: (التي يوافق واحد منها) ش: أي من الفصول الأربعة م: (المزاج) ش: أي الطبيعة، فيقوى المزاج بذلك م: (لا محالة) ش: أي لا حيلة، ويجوز أن يكون في الحولي وهو القوة والحركة، وهي بفعله منها وأكثر ما يستعمل لا محالة بمعنى الحقيقة واليقين، أو بمعنى لا بد وزائدة وهو مبني على الفتح، كذا في لا رجل ولا بد، فافهم. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا راهق الغلام أو الجارية) ش: يقال رهقه، أي دانى منه، وصبي مراهق أي دان للحلم، واستشكل أمره في البلوغ ولم يعلم ذلك منه م: (الحلم) ش: بضم الحاء أي الاحتلام م: (وأشكل أمره في البلوغ، فقال: قد بلغت فالقول قوله) ش: قيل: إنما يعتبر قوله بالبلوغ إذا بلغ اثنتي عشرة سنة أو أكثر، ولا يقبل فيما دون ذلك، لأن الظاهر يكذبه. وفي فتاوى " قاضي خان " والفتاوى "الظهيرية " أدنى السن الذي يعتبر قوله بالبلوغ اثنتي عشرة سنة، وفي حق الجارية تسع سنين. م: (وأحكامه أحكام البالغين، لأنه) ش: أي لأن البلوغ م: (معنى لا يعرف إلا من جهتهما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 113 ظاهرا، فإذا أخبرا به ولم يكذبهما الظاهر قبل قولهما فيه كما يقبل قول المرأة في الحيض   [البناية] ظاهرا، فإذا أخبرا به ولم يكذبهما الظاهر قبل قولهما فيه) ش: أي في البلوغ، قيد بقوله: ولم يكذبهما الظاهر إشارة إلى ما ذكرنا من أن الغلام إذا ادعى البلوغ وعمره أقل من اثنتي عشرة سنة لا يصدق، والجارية إذا ادعته، وعمرها أقل من تسع سنين لا تصدق. وذكر في " فتاوى قاضي خان " صبي يبيع ويشتري فقال: أنا بالغ، ثم قال: بعد ذلك لست ببالغ، فإن كان سنه اثنتي عشرة سنة أو أكثر لا يعتبر جحوده، وإن كان دون ذلك لا يصح إخباره بالبلوغ، ويصح جحوده، وكذا ذكر في الفتاوى "الظهيرية ". وفي " الفتاوى الصغرى ": إذا أقر بالبلوغ وقاسم الوصي إن كان مراهقا صح الإقرار والقسمة ولا يقبل قوله إني لم أكن بالغا، وإن لم يكن مراهقا بل كان مثله لا يحتلم عادة لا يصح الإقرار ولا القسمة. وفي " الواقعات ": صبي أقر أنه بالغ وقاسم الوصي، فإن كان مراهقا جازت قسمته ولم يقبل قوله إنه غير بالغ، فإن لم يكن مراهقا ويعلم أن مثله لا يحتلم لم يجز قسمته ولم يقبل قوله إنه بلغ. م: (كما يقبل قول المرأة في الحيض) ش: لأنه معنى لا يعرف إلا من جهتها فالقول قولها إلا إذا كذبها الظاهر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 114 باب الحجر بسبب الدين قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا أحجر في الدين، وإذا وجبت ديون على رجل وطلب غرماؤه حبسه والحجر عليه لم أحجر عليه لأن في الحجر إهدار أهليته، فلا يجوز لدفع ضرر خاص فإن كان له مال يتصرف فيه الحاكم لأنه نوع حجر، ولأنه تجارة لا عن تراض فيكون باطلا بالنص،   [البناية] [باب الحجر بسبب الدين] م: (باب الحجر بسبب الدين) ش: أي هذا باب في بيان الحجر بسبب الدين. أخره عن حجر السفيه؛ لأن هذه الحجر موقوف على طلب الغرماء، فيكون فيه وصف زائد على المشاركة في أصل الحجر، فصار كالمركب فأخر لذلك. م: (قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا أحجر في الدين) ش: هذا كلام مجمل وفصله بقوله م: (وإذا وجبت ديون على رجل وطلب غرماؤه حبسه والحجر عليه لم أحجر عليه) ش: إنما أسند الفعل إلى نفسه في الموضعين تنبيها على شدة تأكيده على منع الحجر لا يقال: إن فيه تعظيما للنفس، لأن المعنى لو استفتيت أو رفع أمره إلى الحاكم لم أحجر عليه والكلام في موضعين: أحدهما: أن من ركبه الديون وليس في ماله وفاء وخيف أن يلجأ ماله بطريق الإقرار، ويبيع التحلية وطلب الغرماء من القاضي الحجر عليه، لا يحجر عليه عند أبي حنيفة، وقالا: يحجر عليه، وبه قالت: الثلاثة. والآخر: أنه لا يباع على المديون ماله في قوله، خلافا لهم والعروض، والعقار فيه سواء، عند مبادلة أحد النقدين بالآخر، فللقاضي أن يفعل ذلك عنده استحسانا لقضاء دينه م: (لأن في الحجر إهدار أهليته، فلا يجوز لدفع ضرر خاص) ش: وهو ضرر الدائن. فإن قلت: العبد محجور لدفع ضرر خاص وهو ضرر المولى. قلت: العبد أهدر أهليته وآدميته بالكفر. م: (فإن كان له مال لم يتصرف فيه الحاكم، لأنه نوع حجر) ش: لأن بيع ماله غير مستحق لقضاء الدين لإمكان أدائه بوجه آخر فلا يكون للقاضي أن يباشر ذلك عليه عند امتناعه كما في الإجارة والتزويج إذ يمكنه قضاؤه بالاستقراض والاستيهاب. م: (ولأنه تجارة لا عن تراض) ش: أي ولأن بيعه ما له بغير رضاه تجارة من غير تراض م: (فيكون باطلا بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً الجزء: 11 ¦ الصفحة: 115 ولكن يحبسه أبدا حتى يبيعه في دينه إيفاء لحق الغرماء ودفعا لظلمه. وقالا: إذا طلب غرماء المفلس الحجر عليه حجر القاضي عليه ومنعه من البيع والتصرف والإقرار حتى لا يضر بالغرماء، لأن الحجر على السفيه إنما جوزناه نظرا له، وفي هذا الحجر نظر للغرماء، لأنه عساه يلجئ ماله فيفوت حقهم. ومعنى قولهما: ومنعه من البيع أن يكون بأقل من ثمن المثل. أما البيع بثمن المثل لا يبطل حق الغرماء والمنع لحقهم فلا يمنع منه.   [البناية] عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: 29] (النساء: الآية 29) ، م: (ولكن يحبسه أبدا) ش: ولكن القاضي يحبس ماله أبدا. وفي بعض النسخ ولكن يحبسه وأبدا نصب على الظرف م: (حتى يبيعه في دينه إيفاء لحق الغرماء ودفعا لظلمه) ش: الذي تحقق بالامتناع من قضاء الدين منه والحبس بالدين مشروع بالإجماع. فإن قلت: روى الدارقطني من حديث ابن مالك، عن أبيه «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حجر على معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ماله في دين كان عليه» . وعن عبد الرحمن بن كعب قال: كان معاذ شابا سخيا، وكان لا يمسك شيئا، فلم يزل يدان حتى أغرق ماله في الدين، فأتى غرماؤه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلهم، فلو ترك أحد لترك معاذ لأجل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ماله حتى قام معاذ بغير شيء. قلت: هذا حكاية حال على أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنو الآن ما لم يكن وفاء لدينه فالتمس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن بينوا لي بيع ماله لبقي بدينه بواسطة بموكب تصرف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أنا نقول أنه مرسل وهو ليس بحجة عند الخصم. م: (وقالا: إذا طلب غرماء المفلس الحجر عليه حجر القاضي عليه ومنعه من البيع والتصرف والإقرار حتى لا يضر بالغرماء، لأن الحجر على السفيه إنما جوزناه نظرا له، وفي هذا الحجر نظر للغرماء، لأنه عساه يلجئ ماله) ش: أي لأن المفلس المديون عسى أن يبيع ماله تلجئة من عظيم لا يمكن الانتزاع من يده، أو بقوله بماله. وقال تاج الشريعة: أي يقر لغير الغرماء حتى لا يصل إليهم وهو بتشديد الجيم من لجأ تلجئة، وثلاث لجاء ولجأت إليه يجاء بالتحريك وملجأ والموضع لجاء وملجأ أيضا م: (فيفوت حقهم) ش: أي حق الغرماء. م: (ومعنى قولهما) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله م: (منعه من البيع أن يكون بأقل من ثمن المثل) ش: أي أن يبيع بالغبن يسيرا كان أو فاحشا م: (أما البيع بثمن المثل لا يبطل حق الغرماء والمنع لحقهم فلا يمنع منه) ش: أي المنع إنما كان لحق الغرماء، فإذا كان بثمن المثل لا يمنع. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 116 قال: وباع ماله إن امتنع المفلس من بيعه وقسمه بين غرمائه بالحصص عندهما، لأن البيع مستحق عليه لإيفاء دينه حتى يحبس لأجله، فإذا امتنع ناب القاضي منابه كما في الجب والعنة. قلنا: التلجئة موهومة والمستحق قضاء الدين والبيع ليس بطريق متعين لذلك بخلاف الجب والعنة والحبس لقضاء الدين بما يختاره من الطريق، كيف ولو صح البيع كان الحبس إضرارا بهما بتأخير حق الدائن وتعذيب المديون، فلا يكون مشروعا.   [البناية] [بيع المفلس ماله لقضاء الدين المستحق عليه] م: (قال: وباع ماله إن امتنع المفلس من بيعه وقسمه بين غرمائه بالحصص عندهما؛ لأن البيع مستحق عليه) ش: أي بيع المال لقضاء الدين المستحق عليه م: (لإيفاء دينه، حتى يحبس لأجله) ش: أي لأجل البيع ويحبس بالدفع، لأن حتى هاهنا للغاية كقولهم مرض فلان حتى لا يرجونه م: (فإذا امتنع) ش: عن البيع م: (ناب القاضي منابه كما في الجب) ش: بفتح الجيم وتشديد الباء وهو القطع لغة، والمراد هاهنا أن المرأة إذا وجدت زوجها مجبوبا فإنه يفرق بينهما، فإن امتنع عن ذلك ناب القاضي منابه. م: (والعنة) ش: بضم العين وتشديد النون، وهو اسم من عن الرجل عن المرأة إذا منع عنها بالسحر، والعنين هو الذي لا تقوم له آلة، إما لعلة أو لسحر وأراد أن المرأة إذا وجدت زوجها عنينا فلها الخيار بعد الفصول الأربعة، فإن امتنع زوجها عن التفريق ناب القاضي منابه. م: (قلنا) ش: هذا جواب عما قال أبو يوسف، ومحمد ومن تبعهما م: (التلجئة موهومة) ش: لأنه احتمال مرجوح فلا يهدر به أهلية الإنسان، ويرتكب البيع بلا تراض م: (والمستحق قضاء الدين، والبيع ليس بطريق متعين) ش: لأنه يمكنه الاستيفاء بالاستقراض والاستيهاب والسؤال من الناس فلا يجوز للقاضي تعيين هذا الجهة م: (لذلك) ش: أي لقضاء الدين. م: (بخلاف الجب والعنة) ش: فإن التفريق هناك متعين، لأنه لم يمكنه الإمساك بالمعروف، يعني عليه التسريح بالإحسان، فلما امتنع عن التسريح بالإحسان مع عجزه عن الإمساك بالمعروف ناب القاضي منابه في التفريق م: (والحبس لقضاء الدين) ش: جواب عن قولهما حتى يحبس لأجله. وتقريره: سلمنا بلزوم الحبس لكنه ليس لأجل البيع، بل القضاء الدين م: (بما يختاره من الطريق) ش: الذي ذكرنا من الاستقراض، والاستيهاب، وسؤال الصدقة وبيع ماله بنفسه م: (كيف) ش: أي كيف صح البيع م: (وإن صح البيع) ش: من القاضي م: (كان الحبس إضرارا بهما) ش: أي بالمديون والغريم م: (بتأخير حق الدائن) ش: إلى زمان تحقق امتناع المديون عن البيع م: (وتعذيب المديون) ش: بالحبس م: (فلا يكون) ش: الحبس م: (مشروعا) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 117 قال: وإن كان دينه دراهم وله دراهم قضى القاضي بغير أمره، وهذا بالإجماع لأن للدائن حق الأخذ من غير رضاه فللقاضي أن يعينه. وإن كان دينه دراهم وله دنانير أو على ضد ذلك باعها القاضي في دينه، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - استحسان، والقياس أن لا يبيعه كما في العروض، ولهذا لم يكن لصاحب الدين أن يأخذه جبرا. وجه الاستحسان أنهما متحدان في الثمنية والمالية مختلفان في الصورة، فبالنظر إلى الاتحاد يثبت للقاضي ولاية التصرف، وبالنظر إلى الاختلاف يسلب عن الدائن ولاية الأخذ عملا بالشبهين.   [البناية] ش: لكن الحبس مشروع بالإجماع، فدل ذلك على أنه ليس للقاضي ولاية البيع، وهذا لا ينقلب. ولأن حبس المديون على اعتبار عدم ولاية البيع للقاضي لا يشمل على الدائن لما خير حقه، لأن للمديون ولاية البيع في كل لحظة بخلاف القاضي. م: (قال: فإن كان دينه دارهم وله دراهم قضى القاضي بغير أمره، وهذا بالإجماع للدائن حق الأخذ من غير رضاه فللقاضي أن يعينه، وإن كان دينه دارهم وله دنانير أو على ضد ذلك) ش: بأن كان دينه دنانير وله دارهم م: (باعها القاضي في دينه، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - استحسانا) . ش: إنما خص أبا حنيفة بالذكر وإن كان ذلك بالإجماع لأن الشبهة ترد على قوله، لأنه كان لا يجوز بيع القاضي على المديون في العروض، فكان ينبغي أن لا يجوز في النقدين أيضا، لأنه نوع من البيع، وهو بيع الصرف م: (والقياس أن لا يبيعه كما في العروض، ولهذا لم يكن لصاحب الدين أن يأخذه جبرا) ش: أي من غير قضاء، بخلاف ما لو ظفر بحبس حقه. م: (وجه الاستحسان أنهما) ش: أي الدراهم والدنانير م: (متحدان في الثمنية والمالية) ش: ولهذا يضم أحدهما إلى الآخر في حكم الزكاة م: (مختلفان في الصورة، فبالنظر إلى الاتحاد يثبت للقاضي ولاية التصرف، وبالنظر إلى الاختلاف يسلب عن الدائن ولاية الأخذ عملا بالشبهين) ش: تقريره: أن بالنظر إلى أنهما متحدان في الثمنية يثبت ولاية التصرف للقاضي وللغريم، وبالنظر إلى أنهما متحدان في الثمنية، ومختلفان صورة لا يثبت لهما أصلا، فعملنا بالوجهين وقلنا بولاية التصرف للقاضي دون الغريم، ولم نعكس، لأن ولاية القاضي أقوى من ولاية الغريم، فلما لم يثبت للقاضي فأولى أن لا يثبت للغريم، فيكون فيه إبطال حق الشبهين، فلهذا امتنع العكس. وتوضيحه: أن من العلماء من يقول: إن لصاحب الدين أن يأخذ أحد النقدين بالآخر من غير قضاء، ولا رضاء، وهو ابن أبي ليلى، والقاضي مجتهد، فجعلنا له ولاية الجزء: 11 ¦ الصفحة: 118 بخلاف العروض، لأن الغرض يتعلق بصورها وأعيانها. أما النقود فوسائل فافترقا ويباع في الدين النقود ثم العروض ثم العقار يبدأ بالأيسر فالأيسر لما فيه من المسارعة إلى قضاء الدين مع مراعاة جانب المديون ويترك عليه دست من ثياب بدنه   [البناية] الاجتهاد، وفي مبادلة أحد النقدين بالآخر لقضاء الدين منه، ولا يوجد هذا المعنى في سائر الأموال، وفي إضرار بالمديون من حيث إبطال حقه من غير ملكه، وللناس في الأعيان أغراض وليس للقاضي أن ينظر لغرمائه على وجه يلحق الضرر به فوق ما هو يستحق وهذا المعنى لا يوجد في النقود، لأن المقصود هناك المالية دون العين. م: (بخلاف العروض) ش: هذا إشارة إلي بيان الفرق بين الدراهم والدنانير وبين العروض حيث جاز بيع القاضي في الدين وفي الدراهم والدنانير، ولم يجز في العروض فقال بخلاف العروض حيث لا يجوز بيعه فيها م: (لأن الغرض يتعلق بصورها وأعيانها، أما النقود فوسائل) ش: إلى حصول المقصود ولا يتعلق الغرض بصورها وأعيانها م: (فافترقا) ش: أي الحكمان يعني حكم النقدين وحكم العروض م: (ويباع في الدين النقود) ش: هذا تفريع على قولهما. يعني أن المديون لما جاز بيع ماله عندهما تباع أولا النقود م: (ثم العروض ثم العقار) ش: وفي " الذخيرة ": فعلى قولهما يبيع أو قاضي ماله ولكن يبدأ بدنانيره إذا كان الدين دراهم، قال فضل الدين مع ذلك بيع العروض أولا لا العقار، لأن العروض معدة للتلف والتصرف والاسترباح عليه فلا يلحقه كثير ضرر في بيعه، فإن لم يف فحينئذ بيع العقار وأما دون ذلك فلا يبيعه لأن العقار أعد للاقتناء فيلحقه ضرر كثير، وهذا الذي ذكره رواية عنهما. وفي رواية يبدأ القاضي ببيع ما يخشى عليه التلف من عروضه ثم يبيعها لا يخشى عليه التلف من عروضه ثم يبيع ما لا يخشى عليه التلف ثم يبيع العقار م: (يبدأ بالأيسر فالأيسر لما فيه من المسارعة إلى قضاء الدين مع مراعاة جانب المديون) ش: حاصله أن القاضي نصب ناظرا فينبغي أن ينظر للمديون كما ينظر للغرماء فيبيع ما كان أنظر له م: (ويترك عليه دست من ثياب بدنه) ش: الدست بفتح الدال وسكون السين المهملة، وأراد به البدلة من قماش نحو القميص واللباس والعمامة. وفي " العباب " الدست من الثياب ومن الورق ومن صدر البيت ومن اللعب معربات ليست من كلام العرب. وفي " الذخيرة " إذا كان للمديون ثيابا يلبسها ويمكنه أن يجترئ بعد من ذلك بيع ثيابه ويشتري بثمنه ثوبا يلبسه، وما فضل يقضي دينه؛ لأن ذلك للتجمل وقضاء الدين فرض عليه، وعلى هذا لو كان له مسكن وتمكينه أن يجترئ بما دون ذلك يبيع المسكن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 119 ويباع الباقي، لأن به كفاية، وقيل: دستان، لأنه إذا غسل ثيابه لا بد له من ملبس. قال: فإن أقر في حال الحجر بإقرار لزمه ذلك بعد قضاء الديون، لأنه تعلق بهذا المال حق الأولين، فلا يتمكن من إبطال حقهم بالإقرار لغيرهم. بخلاف الاستهلاك لأنه مشاهد لا مرد له.   [البناية] ويشتري بثمنه ما يجترئ وما فضل قضى دينه ولا يباع داره التي أغنى له عن سكناها، وبه قال أحمد. وقال الشافعي ومالك: تباع ويستأجر من ثمنه مسكنا له ويقضي بالفضل دينه، وفي " الخلاصة " والنية ما لا يحتاج إليه في الحال كاللبد في السيف والنطع في الشتاء، ولو كان له كانون من حديد يباع ويتخذ من الطين. وعن شريح أنه يباع عمامة المحبوس وعن أبي يوسف هكذا وفي شرح الطحاوي: ولو باع القاضي أو أمينه مال المديون فالعهدة على المطلوب لا على القاضي وأمينه. وقال الشافعي وأحمد: على المديون. وقال مالك: على الغرماء وإن كان الثمن جنس حقهم وإلا على المديون. م: (ويباع الباقي لأن به كفاية) ش: يعولان بالدست من الثياب كفاية م: (وقيل: دستان، لأنه إذا غسل ثيابه لا بد له من ملبس) ش: أي من لبس ثياب. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن أقر في حال الحجر بإقرار لزمه ذلك بعد قضاء الديون) ش: أي قال القدوري في "مختصره ". وقال في " شرح الأقطع ": وهذا على قولهما م: (لأنه تعلق بهذا المال حق الأولين، فلا يتمكن من إبطال حقهم بالإقرار لغيرهم) ش: أي فلا يتمكن المديون من إبطال حق الأولين، وهذا الظاهر م: (بخلاف الاستهلاك) ش: أي بخلاف ما إذا استهلك المحجور عليه قبل قضاء الدين مال إنسان حيث يكون المتلف عليه أسوة للغرماء بلا خلاف م: (لأنه مشاهد لا مرد له) ش: أي لأن فعله أعني الاستهلاك مشاهد محسوس فلا يرد، لأن الحجر لا يصح في الفعل الحسي. وفي " الذخيرة ": لو كان سبب الدين ثابتا عند القاضي بعلمه أو بالشهادة بأن شهدوا على استقراضه أو شرابه بمثل القيمة شارك الغرماء وعند الشافعي لو أقر بدين لزمه قبل الحجر يصح ويلزمه في الأصح. وفي قول: لا يلزمه وهو قول مالك وأحمد وأبي يوسف ومحمد وتصرفات المحجور من بيع أو هبة أو عتق لا تصح عند الشافعي في الأصح، وبه قال مالك، وأحمد في غير الجزء: 11 ¦ الصفحة: 120 ولو استفاد مالا آخر بعد الحجر نفذ إقراره فيه، لأن حقهم لم يتعلق به لعدم وقت الحجر. قال: وينفق على المفلس من ماله وعلى زوجته وولده الصغار وذوي أرحامه من يجب نفقته عليه؛ لأن حاجته الأصلية مقدمة على حق الغرماء، ولأنه حق ثابت لغيره فلا يبطله الحجر، ولهذا لو تزوج امرأة كانت في مقدار مهر مثلها أسوة للغرماء. قال: فإن لم يعرف للمفلس مال وطلب غرماؤه حبسه وهو يقول: لا مال لي حبسه الحاكم في كل دين التزمه بعقد كالمهر والكفالة وقد ذكرنا هذا الفصل بوجوهه في كتاب "أدب القاضي" من هذا الكتاب، فلا نعيدها، إلى أن قال: وكذلك إن أقام البينة أنه لا مال له: يعني خلى سبيله لوجوب النظرة إلى الميسرة.   [البناية] العتق، وفي قول يصح ويكون موقوفا. فإن قضى دينه من غير نقض التصرف نفذ تصرفه، ولا يفسخ منها الأضعف فالأضعف يبدأ بالهبة ثم بالبيع ثم بالعتق. وعند أحمد وأبي يوسف رحمهما الله يصح عتقه، لأنه صدر عن مالك رشيد ولا يقبل الفسخ. وقال أحمد: في رواية لا يصح كالبيع والهبة وما فعله قبل الحجر يصح بلا خلاف. [حكم المال الذي استفاده المفلس بعد الحجر] م: (ولو استفاد مالا آخر بعد الحجر نفذ إقراره فيه، لأن حقهم لم يتعلق به) ش: أي بذلك المال، وهكذا هو في بعض النسخ م: (لعدم وقت الحجر) ش: أي لعدم ذلك المال وقت الحجر، فلا يتعلق به حق الأولين. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وينفق على المفلس من ماله) ش: أي ينفق على هذا المديون المحجور عليه عن التصرف، وينفق على صيغة بناء المجهول م: (وعلى زوجته وولده الصغار) ش: بضم الواو وسكون اللام جمع ولد م: (وذوي أرحامه من يجب نفقته عليه) ش: أي وينفق أيضا على ذوي أرحام المحجور عليه م: (لأن حاجته الأصلية مقدمة على حق الغرماء، ولأنه حق ثابت لغيره) ش: أي ولأن الإنفاق حق ثابت لغير المفلس وهو من يجب نفقته عليه. م: (فلا يبطله الحجر، ولهذا) ش: أي ولأجل كون حاجته الأصلية مقدمة م: (لو تزوج امرأة كانت في مقدار مهر مثلها أسوة للغرماء) ش: لأن الزيادة تضاف إلى التزامه وفيه إبطال حق الغرماء ولا يلي ذلك، الأسوة بضم الهمزة وكسرها اسم من ائتسى به إذا اقتدى به واتبعه. ويقال: آسيته بمالي، أي جعلته أسوة أقتدي به، ويقتدي هو بي. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن لم يعرف للمفلس مال وطلب غرماؤه حبسه وهو) ش: أي المفلس م: (يقول: لا مال لي حبسه الحاكم في كل دين التزمه بعقد كالمهر والكفالة، وقد ذكرنا هذا الفصل بوجوه) ش: أي بطرقه م: (في كتاب " أدب القاضي " من هذا الكتاب، فلا نعيدها، إلى أن قال: وكذلك إن أقام البينة أنه لا مال له: يعني خلى سبيله لوجوب النظر إلى الميسرة) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] (سورة البقرة: الآية 280) ، أي وإن وجد ذو الجزء: 11 ¦ الصفحة: 121 ولو مرض في الحبس يبقى فيه إن كان له خادم يقوم بمعالجته وإن لم يكن أخرجه تحرزا عن هلاكه. والمحترف فيه لا يمكن من الاشتغال بعمله هو الصحيح ليضجر قلبه فينبعث على قضاء دينه،   [البناية] إعسار، أي فقر فالواجب نظرة أي انتظار إلى وقت اليسار والبينة على الإعسار بعد الحبس تقبل بالاتفاق فيطلقه القاضي بعد ذلك. وأما إذا قامت قبل الحبس ففيه روايتان في إحداهما: تقبل وبه كان يفتي الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل. وفي الأخرى لا تقبل ما لم يحبس، وعليه عامة المشايخ، وإليه ذهب شمس الأئمة السرخسي في شرح "أدب القاضي " وهو الأصح. [مرض المحجور عليه في الحبس] م: (ولو مرض في الحبس يبقى فيه) ش: أي في الحبس ويبقى بالتشديد م: (إن كان له خادم يقوم بمعالجته، وإن لم يكن أخرجه تحرزا عن هلاكه) ش: لأنه لا يجوز الإهلاك لمكان الدين، ألا ترى لو توجه إليه الهلاك لمخمصة كان له أن يدفعه بمال الغير؟ فكيف يجوز إهلاكه لأجل مال الغير؟. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يخرجه في هذه الصورة أيضا، لأن الهلاك لو كان لكان بسبب المرض وإنه في الحبس وغيره سواء. وفي " الواقعات ": المحبوس في السجن إذا مرض وليس له أحد يعاهده أخرج من السجن بكفيل، لأنه لو ترك كذلك يخاف عليه التلف، والمستحق الحبس لا التلف. وفي " الخلاصة ": هذا إذا كان الغالب عليه الهلاك، والفتوى على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإنما يطلقه بكفيل، فإن لم يجد الكفيل لا يطلقه، فإن كفل رجل وأطلقه فحضرة الخصم ليست بشرط. م: (والمحترف) ش: أي المحبوس الذي يحترف، يعني يكتسب بالحرفة وهي الصنعة قوله م: (فيه) ش: أي في الحبس م: (لا يمكن من الاشتغال بعمله هو الصحيح) ش: احترز به عن قول بعض مشايخنا لا يمنع من الاكتساب فيه، وبه قال الشافعي في الأصح، لأن فيه نظرا للجانبين، لأن نفقته ونفقة عليه فيمكن من الكسب. وفي الخصاف: الأصح أنه يمنع منه، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول م: (ليضجر قلبه فينبعث على قضاء دينه) ش: فينبعث بالنصب عطفا على ليضجر، وذلك لأن الحبس للتضييق عليه، حتى يتسارع إلى الوفاء، فإذا أمكن من الاحتراف فيه صار بمنزلة القوت فلا يحصل المقصود. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 122 بخلاف ما إذا كانت له جارية وفيه موضع يمكنه فيه وطؤها لا يمنع عنه، لأنه قضاء إحدى الشهوتين فيعتبر بقضاء الأخرى. قال: ولا يحول بينه وبين غرمائه بعد خروجه من الحبس بل يلازمونه ولا يمنعونه من التصرف والسفر لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لصاحب الحق يد ولسان»   [البناية] م: (بخلاف ما إذا كانت له جارية، وفيه) ش: أي وفي الحبس م: (موضع يمكنه فيه وطؤها لا يمنع عنه؛ لأنه قضاء إحدى الشهوتين) ش: أي لأن الوطء قضاء إحدى الشهوتين وهما شهوة البطن وشهوة الفرج م: (فيعتبر بقضاء الأخرى) ش: أي إذا كان كذلك فيعتبر إحدى الشهوتين التي هي شهوة الفرج بالشهوة الأخرى وهي شهوة البطن. وفي " الخلاصة ": لا يضرب المديون ولا يغل ولا يقيد ويخوف ولا يقام بين يدي صاحب الحق إهانة، ولا يؤاجر. وفي " المنتقى " يقيد المديون إذا خيف الفرار ولا يخرج المديون لجمعة ولا عيد ولا حج ولا صلاة الجنازة ولا عيادة المريض ويحبس في موضع وحش لا يبسط له فرش ولا يدخل عليه أحد ليستأنس به، ذكره الإمام السرخسي. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يحول بينه وبين غرمائه) ش: أي لا يحول القاضي بين المديون المفلس وبين غرمائه م: (بعد خروجه من الحبس بل يلازمونه) ش: أي يدورون معه حيثما دار ولا يفارقونه في موضع لأنه حبس. وقال الناصحي في " تهذيب أدب القاضي " قال: ابن كاس في أدب القاضي قال: أبو يوسف ومحمد إذا صح أنه معسر فلا سبيل إلى لزومه، وعلى قول إسماعيل بن حماد ليس للمدعي أن يلازمه، ولكن يأخذ كفيلا، ذكره شمس الأئمة في " شرح أدب القاضي " للخصاف. [بيع وتصرف وسفر المحجور عليه لدين] م: (ولا يمنعونه من البيع والتصرف والسفر) ش: لأن فيه ضررا بينا عاما م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لصاحب الحق يد ولسان» ش: هذا دليل لقوله يلازمون، والحديث رواه الدارقطني في سننه حدثنا أبو علي الصفار، حدثنا عباس بن محمد، حدثنا أبو عاصم، حدثنا ثور، عن يزيد، عن مكحول قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن لصاحب الحق اليد واللسان» . وأخرج البخاري في "الاستقراض" ومسلم في "البيوع"، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل يتقاضاه فأغلظ له فهم به أصحابه فقال الجزء: 11 ¦ الصفحة: 123 أراد باليد الملازمة وباللسان التقاضي. قال: ويأخذون فضل كسبه يقسم بينهم بالحصص لاستواء حقوقهم في القوة. وقالا: إذا فلسه الحاكم حال بين الغرماء وبينه إلا أن يقيموا البينة أن له مالا، لأن القضاء بالإفلاس عندهما يصح فيثبت العسرة ويستحق النظرة إلى الميسرة. وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يتحقق القضاء بالإفلاس، لأن مال الله تعالى غاد ورائح؛ ولأن وقوف الشهود على عدم المال لا يتحقق إلا ظاهرا   [البناية] دعوه، فإن لصاحب الحق مقالا» م: (أراد باليد الملازمة، وباللسان التقاضي) ش: وليس المراد باليد أن يتطاول عليه بيد، ولا باللسان بأن يؤذيه بالكلام الفاحش. وجه التمسك به أنه مطلق في حق الزمان فيتناول الزمان الذي يكون بعد الإطلاق عن الحبس وقبله. م: (قال: ويأخذون فضل كسبه يقسم بينهم بالحصص) ش: أي يأخذ كل واحد منهم بقدر حصته من الدين، هذا إذا أخذوا فضل كسبه بغير اختياره أو أخذه القاضي وقسمه بينهم بدون اختياره. وأما المديون ففي حال صحته لو آثر أحد الغرماء على غيره بقضاء الدين باختياره له ذلك، نص على ذلك في فتاوى النسفي. فقال: رجل عليه ألف درهم لثلاثة فقر لواحد منهم خمسمائة ولآخر منهم ثلاثمائة ولآخر منهم مائتان وماله خمسمائة فاجتمع الغرماء فحبسوه بديونهم في مجلس القاضي كيف يقسم أمواله بينهم، قال: إذا كان المديون حاضرا فإنه يقضي ديونه بنفسه وله أن يقدم البعض على البعض في القضاء ويؤثر البعض على البعض لأنه يتصرف في خالص ملكه ولم يتعلق به حق أحد فيتصرف فيه على حسب مشيئته، وإن كان المديون غائبا والديون ثابتة عند القاضي يقسم المال بين الغرماء بالحصص، إذ ليس للقاضي ولاية تقديم بعضهم على بعض م: (لاستواء حقوقهم في القوة) ش: أي لاستواء حقوق الغرماء في قوة الثبوت فلا يترجح البعض على البعض م: (وقالا: إذا فلسه الحاكم) ش: بتشديد اللام، أي قال أبو يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا حكم القاضي بإفلاس المديون وإعساره م: (حال بين الغرماء وبينه إلا أن يقيموا البينة أن له مالا، لأن القضاء بالإفلاس عندهما يصح فيثبت العسرة، ويستحق النظرة إلى الميسرة) ش: كما لو كان دينه مؤجلا، وبه قالت الثلاثة. م: (وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يتحقق القضاء بالإفلاس؛ لأن مال الله غاد ورائح) ش: أي آت وذاهب، وكم من غني يمشي في مال جزيل ويصبح فقيرا، وكم من فقير يمسي ويصبح غنيا م: (ولأن وقوف الشهود على عدم المال لا يتحقق إلا ظاهرا) ش: إذ لا وقوف لهم على الحقيقة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 124 فيصلح للدفع لا لإبطال حق الملازمة. وقوله إلا أن يقيموا البينة، إشارة إلى أن بينة اليسار تترجح على بينة الإعسار، لأنها أكثر إثباتا إذ الأصل هو العسرة، وقوله في الملازمة: لا يمنعونه من التصرف والسفر دليل على أنه يدور معه أينما دار ولا يجلسه في موضع لأنه حبس فيه   [البناية] م: (فيصلح) ش: أي الظاهر م: (للدفع لا لإبطال حق الملازمة. وقوله: إلا أن يقيموا البينة إشارة إلى أن بينة اليسار تترجح على بينة الإعسار) ش: أي قول القدوري في "مختصره "، واليسار بفتح الياء اسم للإيسار من اليسر إذا استغنى، والإعسار مصدر أعسر، أي افتقر. وفي بعض النسخ على بينة العسار بفتح العين بمعنى الإعسار. قال في "المغرب": هو خطأ، قيل: ذكر هذا على طريق الازدواج. قلت: لم يقل أحد في الازدواج باللحن والخطأ في اللفظ على أنه لا يطلب إلى في الخطب والرسائل في كلام الفصحاء ويقع في كلام الله تعالى لابتداع أسلوبه ونهايته في منهج البلاغة والفصاحة، أو كلام الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لكونه مخصوصا بجوامع الكلم. م: (لأنها) ش: أي لأن بينة اليسار م: (أكثر إثباتا إذ الأصل هو العسرة) ش: واليسار طارئ فصار كبينة ذي اليد في مقابلة بينة الخارج. وفي خلاصة "الفتاوى ": فإن أقام المديون البينة على الإفلاس فأقام الطالب البينة على اليسار، فبينة الطالب أولى ولا حاجة إلى بيان ما يثبت به اليسار، وفي بينة الإفلاس لا يشترط حضرة المدعي وينبغي أن يقول الشهود إنه فقير لا نعلم له مالا ولا عرضا من العروض يخرج بذلك عن حال الفقير. وعن أبي القاسم الصفار: ينبغي أن يقول الشهود نشهد أنه مفلس معدوم لا نعلم له مالا سوى كسوته التي عليه وثياب ليلة. م: (وقوله) ش: أي قول القدوري: م: (في الملازمة لا يمنعونه من التصرف والسفر دليل على أنه يدور معه أينما دار ولا يجلسه في موضع) ش: أي لا يجلس الغريم المديون في موضع معين م: (لأنه حبس فيه) ش: أي إجلاسه في موضع معين حبس وليس له حق الحبس، لأنه ليس بمستحق عليه. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - للمدعي أن يحبسه في مسجد حيه أو بيته، لأنه ربما يطرق في الأسواق والسكك من غير حاجة فيتضرر به المدعي. وفي رواية عنه: يلازمه حيث أحب من المصر. ولو كان لا معيشة له إلا من كسبه لا يمنعه أن يسعى في مقدار قوته يوما، فإذا حصل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 125 ولو دخل في داره لحاجته لا يتبعه بل يجلس على باب داره إلى أن يخرج، لأن الإنسان لا بد أن يكون له موضع خلوة، ولو اختار المطلوب الحبس، والطالب الملازمة فالخيار إلى الطالب؛ لأنه أبلغ في حصول المقصود لاختيار الأضيق عليه إلا إذا علم القاضي أن يدخل عليه بالملازمة ضرر بين بأن لا يمكنه من دخوله داره، فحينئذ يحبسه دفعا للضرر عنه . ولو كان الدين للرجل على المرأة لا يلازمها لما فيها من الخلوة بالأجنبية ولكن يبعث امرأة أمينة تلازمها. قال: ومن أفلس   [البناية] ذلك القدر في يومه فله منعه من الذهاب في ذلك ويجلسه. وفي " الواقعات ": رجل قضى عليه بحق لإنسان فأمر غلامه أن يلازم الغريم، فقال الغريم: لا أجلس معه بل أجلس مع المدعي فله ذلك، لأنه ربما لا يرضى بالجلوس مع العبد فيكون عليه في ذلك الوقت زيادة ضرر. م: (ولو دخل في داره لحاجته لا يتبعه بل يجلس على باب داره إلى أن يخرج، لأن الإنسان لا بد أن يكون له موضع خلوة) ش: وعن هذا قيل: إذا أعطاه الفداء أو أعداه موضعا لأجل إيفائه له أن يمنعه عن ذلك حتى لا يهرب من جانب آخر، كذا في " الذخيرة " وفي الأقضية إذا كان عمل الملزوم سقي الماء ونحوه لا يمنعه من ذلك إلا إذا كفاه نفقته ونفقة عياله، وهكذا في الدخول في البيت. م: (ولو اختار المطلوب الحبس والطالب الملازمة فالخيار إلى الطالب؛ لأنه أبلغ في حصول المقصود لاختياره الأضيق عليه) ش: أي على المطلوب لأن ملازمة من لا يجالسه أشد من كل شديد م: (إلا إذا علم القاضي أن يدخل عليه) ش: أي على المطلوب م: (بالملازمة ضرر بيِّنٌ بأن لا يمكنه من دخوله داره فحينئذ يحبسه دفعا للضرر عنه. ولو كان الدين للرجل على المرأة لا يلازمها لما فيها من الخلوة بالأجنبية، ولكن يبعث امرأة أمينة تلازمها) ش: ولم يذكروا إذا كان الدين للمرأة على الرجل فعلى التعليل المذكور ينبغي أن يبعث رجلا أمينا من جهتها ملازمة. وفي " الخلاصة ": فإن لم يجد امرأة إن شاء جعلها مع امرأة في بيت وهو على بابها والمرأة في بيت نفسها وهو على بابها ونقله عن النسفي. [أفلس الرجل وعنده متاع لرجل بعينه] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أفلس) ش: وفي بعض النسخ فإن أفلس يقال أفلس الرجل إذا لم يبق في يده مال كأن دراهمه سارت فلو سارت يوما كما يقال أخبث الرجل إذا صار أصحابه خبثا وأقطن إذا صارت دابته قطونا، ويجوز أن يراد به إن صار إلى حال يذل فيها كما يقال أقهر الرجل إذا صار إلى حالة يقهر عليها وإذا صار إلى حال يذل فيها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 126 وعنده متاع لرجل بعينه ابتاعه منه فصاحب المتاع أسوة للغرماء فيه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحجر القاضي على المشتري بطلبه ثم للبائع خيار الفسخ؛ لأنه عجز المشتري عن إيفاء الثمن فيوجب ذلك حق الفسخ كعجز البائع عن تسليم المبيع، وهذا لأنه عقد معاوضة وقضيته المساواة فصار كالسلم. ولنا أن الإفلاس يوجب العجز عن تسليم العين، وهو غير مستحق بالعقد، فلا يثبت حق الفسخ باعتباره، وإنما المستحق وصف في الذمة، أعني: الدين وبقبض العين يتحقق بينهما مبادلة   [البناية] م: (وعنده متاع لرجل بعينه) ش: أي والحال أن عنده متاع لشخص معين م: (ابتاعه منه) ش: أي قد اشتراه من الرجل كما في قَوْله تَعَالَى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] (سورة النساء: الآية 90) أي قد حصرت م: (فصاحب المتاع أسوة للغرماء فيه) ش: أي في المتاع. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحجر القاضي على المشتري بطلبه) ش: أي بطلب البائع الحجر عليه حتى لا ينفذ تصرفه بالبيع وغيره م: (ثم للبائع خيار الفسخ؛ لأنه عجز المشتري عن إيفاء الثمن فيوجب ذلك حق الفسخ كعجز البائع عن تسليم المبيع، وهذا) ش: إشارة إلى وجه القياس والجامع بين عجز المشتري عن إيفاء الثمن وعجز البائع عن تسليم المبيع م: (لأنه عقد معاوضة ومن قضيته المساواة) ش: أي لأن المبيع عند معاوضته وقضيته المساواة وهي فيما ذكرنا. م: (فصار كالسلم) ش: هذا جواب عما يقال هذا قياس مع وجود الفارق وهو فاسد، وذلك لأن الثمن دين في الذمة وهو مانع عن الفسخ، بخلاف المبيع فإنه غير بدل عليه الفسخ، فأجاب بقوله فصار كالسلم يعني لا نسلم أن كونه دينا يمنع عن الفسخ، فإن المسلم فيه دين لا محالة، فإذا تعذر قبضه بانقطاعه عن أيدي الناس كان لرب السلم حق الفسخ، كذا هذا وبقولنا قال: الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال مالك وأحمد والأوزاعي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وروي ذلك عن عثمان وعلي وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (ولنا أن الإفلاس يوجب العجز عن تسليم العين) ش: أي عين الدراهم المنقودة وعين الدنانير المنقودة م: (وهو غير مستحق بالعقد) ش: أي غير الدراهم المنقودة غير مستحق، بل المستحق به الدين وهو وصف في الذمة يعلم أنه عجز عن تسليم شيء غير مستحق بالعقد. م: (فلا يثبت حق الفسخ باعتباره) ش: أي باعتبار أنه غير مستحق بالعقد م: (وإنما المستحق وصف في الذمة أعني الدين) ش: ولا يلزم من العجز عن تسليم عين الدراهم أو عين الدنانير بالإفلاس العجز عن المستحق بالعقد م: (وبقبض العين يتحقق بينهما مبادلة) ش: حكمية، هذا جواب عما يقال: لما كانت العين المنقودة غير مستحقة بالعقد وجب أن تبرأ ذمة المديون بدفع المنقود. وتقرير الجواب: أن المستحق بالعقد هو الوصف الثابت في الذمة وقضاء الدين الجزء: 11 ¦ الصفحة: 127 هذا هو الحقيقة فيجب اعتبارها إلا في موضع التعذر كالسلم، لأن الاستبدال ممتنع فأعطي للعين حكم الدين والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب   [البناية] واجب، وذلك بالوصف غير متصور، وجعل الشارع العين بدلا عنه، فإن قبض العين بدلا عنه تحقق بينهما مبادلة من حيث إنه ثبت لكل واحد منهما في ذمه الآخر وصف فيلتقيان قصاصا. م: (هذا) ش: أي تحقق المبادلة م: (هو الحقيقة) ش: في قضاء الدين م: (فيجب اعتبارها إلا في موضع التعذر كالسلم) ش: حيث يكون للمسلم فيه الذي هو الحنطة أو الشعير حكم الدين الذي هو الوصف الثابت في الذمة لتعذر القول بالاستبدال م: (لأن الاستبدال ممتنع) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تأخذ إلا سلمك أو رأس مالك» م: (فأعطي للعين حكم الدين) ش: تحرزا عن الاستبدال فيكون العين مستحقا بالعقد، فصار العجز عنه، كالعجز عن تسليم المبيع. فإن قيل: ما تقول في حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به» ، وقد روي هذا الحديث بوجوه مختلفة. قلت: أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - روى أيضا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أيما رجل باع سلعة فأدركها عند رجل قد أفلس فهو ماله بين غرمائه» أخرجه الدارقطني، فاختلفت الرواية، وذلك يوجب وهنا في الحديث على ما عرف. فإن قلت: في إسناده ابن عياش، وهو ضعيف. قلت: قد وثقه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقد احتج بالحديث الخصاف، والرازي. فإن قلت: قال الدارقطني لا يثبت هذا الحديث عن الزهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - مسندا، وإنما هو مرسل. قلت: المرسل عندنا حجة، وأسند الخصاف والرازي، ولئن سلمنا فمعناه إذا باع شيئا على أنه بالخيار فوجد المشتري مفلسا في مدة الخيار فهو أحق بماله، أي فيتخير الفسخ ويكون معناه إرشادا إلى ما هو الأوثق كما في قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] وغيره. وقيل: هذا محمول على الغصب، فإن المغصوب منه أحق بماله إذا وجد عند الغاصب، وفيه نظر لأن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 128 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قوله قد أفلس يبقى حقه حينئذ ضائعا؛ لأن أحقية الملك ثابت في الغصب وجد مفلسا أو مليئا. وقيل: هو محمول على الوديعة وفيه نظر أيضا. وقيل محمول على أنه قبض المبيع بغير إذن البائع وفي هذا الموضع له حق الاسترداد وما ذهبا إليه هو قول جماعة من الجلة الأكابر. قال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري: أيما رجل باع من رجل سلعة فأفلس المشتري فإن وجد البائع سلعة بعينها فهو أحق بها، فإن كان قبض من ثمنها شيئا فهو والغرماء سواء، وإن مات المشتري فالبائع أسوة الغرماء، وكذا روي عن عمر بن عبد العزيز. وروي أيضا عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن شريح قال: أيما غريم اقتضى منه شيئا بعد إفلاسه فهو والغرماء سواء يخاصم به، وبه كان يفتي ابن سيرين، وإليه ذهب ابن جنيد ذكره صاحب " التمهيد "، وفي الاستذكار قال النخعي وأبو حنيفة وأهل الكوفة هو أسوة الغرماء على كل حال. وروي ذلك عن خلاص عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن حزم صحيح روايته. وحكى الخطابي هذا القول عن ابن شبرمة أيضا. فإن قلت: روى أحمد في " مسنده " عن سمرة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «من وجد متاعا عند مفلس فهو أحق به ".» قلت: في إسناده عمر بن إبراهيم قال أبو حاتم: لا يحتج به. فإن قلت: روى البيهقي عن الشافعي قال: قرأنا على مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض البائع من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به» . قلت: هذا مرسل وهو ليس بحجة عندنا. فإن قلت: روى البيهقي من حديث معمر عن أيوب عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن دينار عن هشام بن يحيى عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها دون الغرماء» . قلت: قد مر الجواب عن حديث أبي هريرة في هذا الباب. فإن قلت: روى الطيالسي عن ابن أبي ذئب حدثني أبو المعتمر «عن عمر بن خالد، قال أتينا أبا هريرة في صاحب لنا يعني أفلس فأصاب رجل متاعه بعينه، قال أبو هريرة هذا الذي قضى فيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن من أفلس أو مات فأدرك رجل متاعه بعينه فهو أحق به، إلا أن يدع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 129 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الرجل وفاء» . وذكر البيهقي عن الشافعي أنه قال الذمي أحدث به أولى، يعني حديث ابن خلدة من قبل أن ما أحدث به موصول يجمع فيه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بين الموت والإفلاس. وحديث ابن شهاب منقطع. قلت: قال عبد الحق في أحكامه، قال أبو داود: من يأخذ بهذا، أبو المعتمر من هو، أي: لا يعرف. وقال الطحاوي: لا نعرف من هو ولا سمعنا له ذكرا إلا في هذا الحديث. وفي " الإشراف ": الحديث مجهول الإسناد، والله أعلم بالصواب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 130 كتاب المأذون الإذن: هو الإعلام لغة. وفي الشرع: فك الحجر وإسقاط الحق عندنا والعبد بعد ذلك يتصرف لنفسه بأهليته لأنه بعد الرق بقي أهلا للتصرف بلسانه الناطق وعقله المميز وانحجاره عن التصرف لحق المولى؛ لأنه ما عهد تصرفه إلا موجبا لتعلق الدين   [البناية] [كتاب المأذون] [تعريف العبد المأذون] م: (كتاب المأذون) ش: إيراده عقيب الحجر ظاهر التناسب إذ الإذن بعد الحجر. م: (الإذن هو الإعلام لغة) ش: يعني من حيث اللغة. قال الجوهري: أذن له في الشيء إذنا وأذن بمعنى علم، ومنه قَوْله تَعَالَى: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] ، وأذنه له أذنا بفتحتين استمع، انتهى. قال تاج الشريعة: وفيما نحن فيه إعلام؛ لأن المولى يعلم عبده بفك حجره ويعلم الناس بذلك أيضا. وفي " المغرب " الإذن من الإذن هو الاستماع يقال استأذنه فلم يأذن له وهو مأذون له وهي مأذون لها وترك الصلة ليس من كلام العرب كما في المحجور عليه. م: (وفي الشرع فك الحجر وإسقاط الحق عندنا) ش: أي فك الحجر الثابت بالرق حكما ورفع المانع من التصرف حكما، والمولى إذا إذن لعبده في التجارة فقد أسقط عن نفسه الذي كان للعبد؛ لأنه محجور عن التصرف في مال المولى قبل إذنه فيصير عندنا بمنزلة المكاتب. وعند الشافعي وأحمد وهو إنابة وتوكيل. وقال الأترازي: وإنما قيد بقوله عندنا احترازا عن قول زفر والشافعي، فإن الإذن عندهما توكيل وإنابة في التصرف. وفائدة الخلاف أن الإذن بالتجارة لا يتخصص حتى لو أذن له في نوع يكون مأذونا في أنواع التجارة عندنا خلافا لهما أو لزفر أيضا كما يجيء إن شاء الله تعالى. م: (والعبد بعد ذلك) ش: أي بعد إسقاط الحق م: (يتصرف لنفسه بأهليته) ش: فيكون تصرفه لنفسه لا لمولاه بالتوكيل والإنابة م: (لأنه بعد الرق بقي أهلا للتصرف بلسانه الناطق وعقله المميز) ش: أي لأن العبد بعد الرق صار أهلا للتصرفات إذ ركن التصرف كلام معتبر شرعا لصدوره عن مميز ومحل التصرف ذمه صالحة لالتزام الحقوق، وهما لا يفوتان بالرق، إذا صلاحية الذمة للالتزام من كرامات البشرية وبالرق لا يخرج عن كونه بشرا غير أن امتناعه م: (وانحجاره عن التصرف لحق المولى؛ لأنه ما عهد) ش: أي بما عرف م: (تصرفه إلا موجبا لتعلق الدين الجزء: 11 ¦ الصفحة: 131 برقبته أو كسبه وذلك مال المولى فلا بد من إذنه كيلا يبطل حقه من غيره رضاه ولهذا لا يرجع بما لحقه من العهدة على المولى ولهذا لا يقبل التوقيت حتى لو أذن لعبده يوما كان مأذونا أبدا حتى يحجر عليه   [البناية] برقبته أو كسبه وذلك) ش: أي ما ذكر من رقبته أو كسبه م: (مال المولى فلا بد من إذنه كيلا يبطل حقه من غيره رضاه) ش: فإذا أذن فقد رضي بإسقاط حقه. م: (ولهذا) ش: أي ولكون صحة تصرفه بأهلية نفسه م: (لا يرجع) ش: أي البعد م: (بما لحقه من العهدة على المولى) ش: لأنه يتصرف في ذمته بإيجاب الثمن فيها حتى لو امتنع عن الأداء حال الطلب حبس وذمته خالص حقه لا محالة، ولهذا لو أقر بالقصاص على نفسه صح، وإن كذبه المولى فكان الشراء حقا له، وهذا المعنى يقتضي نفاذ تصرفاته قبل الإذن أيضا، لكن شرطنا إذنه دفعا للضرر عنه بغير رضاه. فإن قيل: المأذون عدم أهليته لحكم التصرف وهو الملك، فينبغي ألا يكون أهلا لنفس التصرفات، ولأن التصرفات الشرعية إنما تراد لحكمها وهو ليس بأهل لذلك. أجيب بأن حكم التصرف ملك اليد والرقيق أصيل في ذلك كما أشرنا إليه. فإن قيل: لو كان العبد بتصرفه بأهليته والإذن فك الحجر لما كان للمولى ولاية الحجر بعده امتناع عن الإسقاط فيما يستقل؛ لأن الساقط لا يعود. م: (ولهذا) ش: أي ولكون الإذن إسقاطا عندنا م: (لا يقبل التوقيت حتى لو أذن لعبده يوما كان مأذونا أبدا حتى يحجر عليه) ش: لأن تصرفه بحكم مالكيته الأصلية، وإنها عامة لا تختص بنوع ومكان ووقت. فإن قيل: قوله فك الحجر وإسقاط الحق مذكور في حيز التعريف فكيف جاز الاستدلال عليه؟. أجيب عنه بجوابين: أحدهما أنه ليس باستدلال، وإنما هو تصحيح النقل بدل يدل على أنه عندنا معروف بذلك. والثاني أنه حكمه الشرعي وهو تعريفه، وكان الاستدلال عليه من حيث كونه حكما لا من حيث كونه تعريفا، لا يقال: لا يصح الاستدلال على عدم التخصيص والتوفيق بإذن الإذن عبارة عن فك الحجر والإطلاق وتمليك اليد، فإن القضاء إطلاق وإثبات للولاية مع أنه قابل للتخصيص. وكذا الإعارة والإجارة تمليك للمنفعة وإثبات اليد على العين مع أنه قابل للتخصيص؛ لأنا نقول القاضي لا يعمل لنفسه بل هو نائب عن المسلمين، ولهذا يرجع بها لحقه من العهدة في مال المسلمين، بخلاف العبد فإنه لا يرجع على المولى بما لحقه من العهدة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 132 لأن الإسقاطات لا تتوقت، ثم الإذن كما يثبت بالصريح يثبت بالدلالة كما إذا رأى عبده يبيع ويشتري فسكت يصير مأذونا عندنا، خلافا لزفر والشافعي رحمهما الله.   [البناية] وأما المستأجر والمستعير فإنه يتصرف في محل هو ملك الغير بإيجاب صاحب الملك له وإيجابه في ملك نفسه يقبل التخصيص فافهم م: (لأن الإسقاطات لا تتوقت) ش: كالطلاق والعتاق وتأجيل الدين وتأخير المطالبة، إذ الساقط يتلاشى م: (ثم الإذن كما يثبت بالصريح يثبت بالدلالة كما إذا رأى عبده يبيع ويشتري فسكت يصير مأذونا عندنا خلافا لزفر والشافعي رحمهما الله) ش: ومالك وأحمد هذا من باب بيان الضرورة وقد عرف في الأصول. قالوا السكوت محتمل الرضاء وفرط الغيظ وقلة الالتفات إلى تصرفه لعلمه بكونه محجورا، والمحتمل يكون حجة. قلنا: جعل سكوته حجة؛ لأنه موضع بيان إذ الناس يعاملون العبد حيث علمهم بسكوت المولى ومعاملتهم قد تفضي إلى لحوق ديون عليه وإذا لم يكن مأذونا تتأخر المطالبة إلى ما بعد العتق وقد يعتق وقد لا يعتق. وفي ذلك إضرار للمسلمين بإيتاء حقهم ولا ضرار في الإسلام، وليس للمولى فيه ضرر يتحقق؛ لأن الدين قد يلحقه وقد لا يلحقه، فكان موضع بيان أنه راض به، والسكوت في موضع الحاجة إلى البيان بيان. فإن قيل: عين ذلك التصرف الذي رآه من البيع غير صحيح، فكيف يصح غيره، وكذا إذا رأى أجنبيا يبيع من ماله وسكت لم يكن إذنا فما الفرق؟. أجيب بأن الضرورة في التصرف الذي رآه مستحق بإزالة ملكه عما يبيعه في الحال فلا يثبت بسكوته، وليس في ثبوت الإذن في غير ذلك لما قلنا إن الدين قد يلحقه. ولا يلزم من كون السكوت إذنا بالنظر إلى ضرر متوهم كونه إذنا بالنظر إلى متحقق وهو الجواب عن بيع الأجنبي ماله وفي الرهن لم يكن سكوته إذنا؛ لأن جعله إذنا يبطل ملك المرتهن عن اليد، وقد لا يصل إلى يده من محل آخر، فكان في ذلك ضرر محقق، لا يقال الراهن أيضا يتطور ببطلان ملكه عن الثمن فترجح ضرر المرتهن تحكم؛ لأن بطلان ملكه عن الثمن موقوف؛ لأن بيع المرهون موقوف على ظاهر الرواية وبطلان ملك المرتهن عن البديات فكان أقوى. وأما الرقيق عبدا كان أو أمة إذا زوج نفسه فإنما لم يصر السكوت فيه إذنا قال بعض الشارحين ناقلا عن " مبسوط شيخ الإسلام "؛ لأن السكوت إنما يصير إذنا وإجازة دفعا للضرر على أحد في نكاح العبد والأمة؛ لأن النكاح يكون موقوفا؛ لأن نكاح المملوك المولى لما فيه من إصلاح ملكه ومنافع بضع المملوكة كذلك، وليس لأحد إبطال ملكه بغير رضاه فكان موقوفا وأمكن فسخه فلا يتضرر به أحد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 133 ولا فرق بين أن يبيع عينا مملوكا للمولى أو لأجنبي بإذنه أو بغير إذنه بيعا صحيحا أو فاسدا؛ لأن كل من رآه يظنه مأذونا له فيها فيعاقده فيتضرر به لو لم يكن مأذونا له ولم يكن راضيا به لمنعه دفعا للضرر عنهم. قال: وإذا أذن المولى لعبده في التجارة إذنا عاما جاز تصرفه في سائر التجارات، ومعنى هذه المسألة أن يقول له: أذنت لك في التجارة ولا يقيده، ووجهه أن التجارة اسم عام يتناول الجنس فيبيع ويشتري ما بدا له من أنواع الأعيان؛ لأنه أصل التجارة ولو باع أو اشترى بالغبن اليسير فهو جائز لتعذر الاحتراز عنه، وكذا بالفاحش عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما. هما يقولان: إن البيع الفاحش منه بمنزلة التبرع.   [البناية] قيل فيه نظر؛ لأنه لا كلام في أن نكاح الرقيق موقوف على إذن المولى وإجازته، وإنما هو في أن سكوته إجازة أولا، ولعل الصواب أن يقال في ذلك ضررا محققا بالمولى فلا يكون السكوت إذنا. م: (ولا فرق أن يبيع عينا مملوكا للمولى أو لأجنبي) ش: أي أو مملوكا للأجنبي م: (بإذنه أو بغير إذنه بيعا صحيحا أو فاسدا؛ لأن كل من رآه يظنه مأذونا له فيها) ش: أي في التجارة م: (فيعاقده فيتضرر به لو لم يكن مأذونا له، ولو لم يكن راضيا به لمنعه دفعا للضرر عنهم) ش: أي كل ما رآه من الناس. [إذن المولى لعبده في التجارة إذنا عاما أو في نوع معين] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا أذن المولى لعبده في التجارة إذنا عاما) ش: يعني لم يقيد بنوع من التجارة م: (جاز تصرفه في سائر التجارات) ش: أي جميعها، يقال سائرهم أي جميعهم م: (ومعنى هذه المسألة) ش: أي معنى مسألة الإذن العام، يعني تصوره م: أن يقول له أذنت لك في التجارة ولا يقيده) ش: بنصب الدال عطفا على قوله أي فلا يقيد الإذن بنوع من أنواع التجارة، وهذا بلا خلاف، وإنما الخلاف في الإذن بنوع فكان فائدة ذكر معنى المسألة لبيان نفي الخلاف. م: (ووجهه أن التجارة) ش: أي وجه جواز تصرفه في سائر التجارات م: (اسم عام) ش: لأنه اسم جنس محلى باللام فكان عاما م: (يتناول الجنس) ش: أي جنس التجارة للعموم م: (فيبيع ويشتري) ش: أي إذا كان يبيع ويشتري م: (ما بدا له) ش: أي ما ظهر له م: (من أنواع الأعيان؛ لأنه) ش: أي لأن بيع الأعيان م: (أصل التجارة) ش: والمنافع لكونها قائمة بالأعيان فألحقت بها. م: (ولو باع أو اشترى بالغبن اليسير فهو جائز لتعذر الاحتراز عنه) ش: أي الغبن اليسير، وعند الشافعي وأحمد لا يجوز إلا ثمن المثل كما في الوكيل م: (وكذا بالفاحش عند أبي حنيفة) ش: أي وكذا يجوز بالغبن الفاحش عند أبي حنيفة سواء كان عليه دين أو لا م: (خلافا لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد رحمهما الله وبقولهما قال زفر والشافعي وأحمد. م: (هما يقولان إن البيع الفاحش منه بمنزلة التبرع) ش: وهو خلاف المقصود إذا المقصود الجزء: 11 ¦ الصفحة: 134 حتى اعتبر من المريض من ثلث ماله، فلا ينتظمه الإذن كالهبة. وله: أنه تجارة والعبد متصرف بأهلية نفسه فصار كالحر، وعلى هذا الخلاف الصبي المأذون. ولو حابى في مرض موته يعتبر من جميع ماله إذا لم يكن عليه دين، وإن كان فمن جميع ما بقي، لأن الاقتصار في الحر على الثلث لحق الورثة ولا وارث للعبد،   [البناية] الاسترباح دون الإتلاف فلا ينتظم الإذن م: (حتى اعتبر) ش: البيع بالغبن الفاحش م: (من المريض من ثلث ماله) ش: لأنه بمنزلة التبرع، فصار كالهبة م: (فلا ينتظمه الإذن كالهبة) ش: أي إذا كان كذلك فلا ينتظم البيع بالغبن الفاحش الإذن. م: (وله) ش: أي: ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) ش: أي أن البيع بالغبن الفاحش م: (تجارة) ش: لا تبرع؛ لأنه وقع في ضمن عقد التجارة، والواقع في ضمن الشيء له حكم ذلك الشيء م: (والبعد متصرف بأهلية نفسه) ش: لما مر تقريره م: (فصار كالحر) ش: بالإذن فالحر يملك البيع بالغبن الفاحش، فكذا العبد المأذون. وقال تاج الشريعة: أي كالحر المريض المديون المستغرق جميع تركته بالدين. فإن قلت: يشكل بالمريض حيث لا يتصرف فيما وراء الثلث وإن كان يتصرف بأهليته قلت: إنما لا يملك لتعلق حق الغير وهو الغريم أو الوارث بذلك المال، حتى لو رضي ينفذ ولا كذلك المولى لسقوط حقه. م: (وعلى هذا الخلاف الصبي المأذون) ش: أي على الخلاف المذكور الصبي المأذون له من جهة أبيه أو وصيه في التجارة إذا باع بالغبن الفاحش، وكذا المكاتب والمعتوه المأذون. ثم أبو حنيفة فرق بين البيع والشراء في تصرف الوكيل بالغبن وسوى بينهما في تصرف المأذون؛ لأن الوكيل يرجع على الآمر لما يلحقه من العهدة. فكان الوكيل بالشراء منهما في أنه اشتراه لنفسه فلما ظهر الغبن أراد أن يلزمه الأمر وهذا لا يوجد في تصرف المأذون؛ لأنه يرجع بما لحقه من العهدة على أحد فاستوى البيع والشراء في حقه، كذا في " المبسوط ". م: (ولو حابى) ش: أي العبد المأذون وهو من المحاباة ومن الحباء وهو العطاء وصورته أن يوصي بأن يباع عبده من فلان وقيمته ألف مثلا بخمسمائة م: (في مرض موته يعتبر من جميع ماله إذا لم يكن عليه دين) ش: لأنه يكون محاباة من المولى؛ لأن المال للمولى، والشرط أن يكون المولى صحيحا حتى إذا كانت المحاباة منه في مرض الولي لمحاباته باليسير، والفاحش معتبر من الثلث عند أبي حنيفة، كما لو حابى المولى بنفسه في مرضه. وعندهما محاباته باليسير كذلك، وبالفاحش باطل وإن كان يخرج من ثلث مال المولى؛ لأنه لا يملك هذه المحاباة بالإذن في التجارة كما لو باشره في صحة المولى م: (وإن كان) ش: عليه دين م: (فمن جميع ما بقي) ش: يعني يؤدي دينه أولا فما بقي بعد قضاء الدين يكون كله محاباة م: (لأن الاقتصار في الحر على الثلث لحق الورثة ولا وارث للعبد) ش: لا يقال المولى وارث؛ لأنه رضي بسقوط حقه بالإذن، فصار كالوارث إذا سقط حقه في الثلثين بالإجازة، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 135 وإذا كان الدين محيطا بما في يده يقال للمشتري: أد جميع المحاباة وإلا فاردد البيع كما في الحر، وله أن يسلم ويقبل السلم؛ لأنه تجارة وله أن يوكل بالبيع والشراء؛ لأنه قد لا يتفرغ بنفسه قال ويرهن ويرتهن؛ لأنهما من توابع التجارة فإنهما إيفاء واستيفاء ويملك أن يتقبل الأرض ويستأجر الأجراء والبيوت؛ لأن كل ذلك من صنيع التجارة ويأخذ الأرض مزارعة؛ لأن فيه تحصيل الربح ويشتري طعاما ويزرعه في أرضه؛ لأنه يقصد به الربح، قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الزارع يتاجر ربه» . وله أن يشارك شركة عنان   [البناية] فإنه يتصرف المريض للكل فكذا هذا. م: (وإذا كان الدين محيطا بما في يده) ش: بطلت المحاباة م: (يقال للمشتري: أد جميع المحاباة وإلا فاردد البيع كما في الحر) ش: إذا حابى في مرض موته م: (وله أن يسلم ويقبل السلم) ش: أي وللمأذون أن يجعل نفسه رب السلم والمسلم إليه م: (لأنه تجارة) ش: أي لأن الإسلام تجارة، وكذا قبول السلم م: (وله أن يوكل بالبيع والشراء؛ لأنه قد لا يتفرغ بنفسه) ش: فجاز الاستعانة بغيره؛ لأن ذلك من صنيع التجارة. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويرهن ويرتهن؛ لأنهما من توابع التجارة فإنهما إيفاء) ش: في الرهن م: (واستيفاء) ش: في الارتهان وهما من التجارة م: (ويملك أن يتقبل الأرض) ش: أي يأخذها لقبالة، أي يستأجرها أو يتقبل الأرض الموت من الإمام للإحياء. وفي " المغرب ": قبالة الأرض أن يتقبلها إنسان فيقبلها الإمام أي يعطيها أيام مزارعة أو مساقاة م: (ويستأجر الأجراء) ش: وهو جمع أجير م: (والبيوت) ش: أي يستأجر البيوت م: (لأن كل ذلك من صنيع التجارة) ش: أي كل ما ذكر من الأشياء التي تقدمت. م: (ويأخذ الأرض مزارعة؛ لأن فيه تحصيل الربح) ش: لأنه إن كان البذر من قبله فهو مستأجر الأرض ببعض الخارج، وذلك أنفع من الاستئجار بالدراهم؛ لأنه إذا لم يحصل خارج لا يلزمه، بخلاف الاستئجار بالدراهم وإن كان البذر من قبل صاحب الأرض فهو أجر نفسه من رب الأرض لعمل المزارعة ببعض الخارج. ولو أجر نفسه بالدراهم صار كما سيجيء فكذا هذا. م: (ويشتري طعاما ويزرعه في أرضه؛ لأنه يقصد به الربح) ش: وإن كان استهلاكا حقيقة م: (قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الزارع يتاجر ربه» ش: هذا الحديث ليس له أصل، وهو غريب جدا. م: (وله أن يشارك شركة عنان) ش: قيد به؛ لأنه ليس له شركة المفاوضة؛ لأن مبناه على الجزء: 11 ¦ الصفحة: 136 ويدفع المال مضاربة ويأخذها؛ لأنه من عادة التجار، وله أن يؤاجر نفسه عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو يقول: لا يملك العقد على نفسه فكذا على منافعه؛ لأنها تابعة لها. ولنا: أن نفسه رأس ماله فيملك التصرف فيها إلا إذا كان يتضمن إبطال الإذن كالبيع؛ لأنه ينحجر به والرهن لأنه يحبس به فلا يحصل به مقصود المولى. أما الإجارة فلا ينحجر به ويحصل به المقصود وهو الربح فيملك.   [البناية] الوكالة، والكفالة، والوكالة داخلة تحت الإذن دون الكفالة ثم يصح منه شركة العنان مطلقا عن ذكر الشراء بالنقد والنسيئة حتى لو اشترك المأذونان شركة عنان على أن يشتريا بالنقد والنسيئة لم يجز من ذلك النسيئة وجاز النقد؛ لأن في النسيئة معنى الكفالة عن صاحبه والمأذون لا يملك الكفالة. ولو أذن لهما الموليان في الشركة على الشراء بالنقد والنسيئة ولا دين عليهما فاشتركا صار كما لو أذنا لهما بالكفالة. ولو اشتركا معاوضة بالإذن تصير عنانا، كذا في " المبسوط " و " الذخيرة " م: (ويدفع المال مضاربة ويأخذها) ش: أي يأخذ المضاربة أيضا م: (لأنه من عادة التجار) ش: لأن كل واحد من دفع المال مضاربة وأحدها من عادة التجار. م: (وله أن يؤاجر نفسه عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي وللمأذون له أن يؤجر نفسه. وبقول الشافعي قال أحمد: وعن الجمي من أصحابه يجوز كقولنا. وكذا لو وكل إنسانا لا يجوز عند الشافعي. وكذا لو أجر عبيد التجارة دابة لا يجوز عند الشافعي، وفي الأصح يجوز م: (وهو) ش: أي الشافعي م: (يقول: لا يملك العقد على نفسه) ش: بالبيع والرهن، يعني لا يملك نفسه ولا هاهنا بدين عليه م: (فكذا على منافعه) ش: أي فكذا لا يملك على منافع نفسه م: (لأنها تابعة لها) ش: أي لأن منافع نفسه تابعة لنفسه. م: (ولنا: أن نفسه رأس ماله) ش: لأن المولى أذن له بالاكتساب ولم يدفع إليه مالا وهو رأس المال المأذون له يملك التصرف فيه ضرورة، وهو معنى قوله م: (فيملك التصرف فيها) ش: أي في رأس المال م: (إلا إذا كان) ش: أي التصرف م: (يتضمن إبطال الإذن كالبيع) ش: أي بيع نفسه م: (لأنه ينحجر به) ش: لأنه يخرج به عن ملك المولى لو صح م: (والرهن) ش: أي وكان الرهن أي رهن نفسه على دين م: (لأنه يحبس به) ش: أي؛ لأن المرهون له يحبس عند المرتهن م: (فلا يحصل به مقصود المولى) ش: وهو الربح م: (أما الإجارة) ش: أي إجارة نفسه م: (فلا ينحجر به ويحصل به المقصود وهو الربح فيملك) ش: إذا كان كذلك فيملك الإجارة. وما ذكره الشافعي ينتقض بالحر، فإنه لا يتملك بيع نفسه ويملك إجارته. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 137 فإن أذن له في نوع منها دون غيره فهو مأذون في جميعها، وقال زفر والشافعي رحمهما الله لا يكون مأذونا إلا في ذلك النوع، وعلى هذا الخلاف إذا نهاه عن التصرف في نوع آخر لهما: أن الإذن توكيل وإنابة من المولى؛ لأنه يستفيد الولاية من جهته ويثبت الحكم وهو الملك له دون العبد ولهذا يملك حجره فيتخصص بما خصه به كالمضارب ولنا أنه إسقاط الحق وفك الحجر على ما بيناه، وعند ذلك يظهر مالكية العبد فلا يتخصص بنوع دون نوع   [البناية] م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإن أذن له في نوع منها دون غيره) ش: أي فإن أذن المولى لعبده في نوع من التجارات دون نوع م: (فهو مأذون في جميعها) ش: أي في جميع التجارات. قال في " الإيضاح ": سواء نهى عن غير ذلك النوع أو سكت، صورته أن يقول لعبده تصرف في الخز وسكت، أو قال تصرف في الخز ولا تتصرف في البز فإنه يملك التصرف في الخز والبز جميعا. م: (وقال زفر والشافعي رحمهما الله لا يكون مأذونا إلا في ذلك النوع، وعلى هذا الخلاف إذا نهاه عن التصرف في نوع آخر) ش: فعندنا يملك التصرف في الكل، وعندهما لا يملك إلا فيما عينه م: (لهما أن الإذن توكيل وإنابة من المولى؛ لأنه يستفيد الولاية من جهته ويثبت الحكم وهو) ش: أي الحكم م: (الملك له) ش: أي للمولى يعني أن المقصود من التصرف حكمه وحكمه الملك وهو للمولى لا للعبد؛ لأنه بالرق خرج عن أن يكون أهلا للملك م: (دون العبد) ش: أي لا للعبد م: (ولهذا) ش: أي ولكون الملك للمولى دونه م: (يملك حجره) ش: أي يملك المولى حجره م: (فيتخصص بما خصه به) ش: أي إذا كان كذلك يتخصص الإذن بما خص به المولى كما لو أذنه بالتزويج من امرأة بعينها لم يكن له أن يتزوج غيرها م: (كالمضارب) ش: إذا قال له رب المال اعمل مضاربة في البز مثلا ليس له أن يعمل في غيره. م: (ولنا أنه) ش: أي إذن المولى م: (إسقاط الحق وفك الحجر على ما بيناه) ش: أي في أول كتاب المأذون م: (وعند ذلك) ش: أي عند الإذن وفك الحجر م: (يظهر مالكية العبد) ش: فيصير كالمكاتب م: (فلا يتخصص بنوع دون نوع) ش: لكون التخصيص إذ ذاك تصرفا في ملك الغير فلا يجوز. فإن قلت: ينتقض بالإذن. وفي النكاح فإنه فك الحجر وإسقاط الحق، فإذا أذن للعبد أن يتزوج فلانة فليس له أن يتزوج بغيرها. قلت: الإذن فيه تصرف في ملك نفسه لا في ملك الغير؛ لأن النكاح تصرف مملوك للمولى؛ لأنه لا يجوز لولي الرق إخراج العبد من أهلية الولاية على نفسه، فكانت الولاية للمولى، وهذا أجاز أن يخيره عليه فكان العبد كالوكيل والنائب عن مولاه، فيتخصص بما خصه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 138 بخلاف الوكيل؛ لأنه يتصرف في مال غيره، فيثبت له الولاية من جهته وحكم التصرف وهو الملك واقع للعبد، حتى كان له أن يصرفه إلى قضاء الدين والنفقة وما استغنى عنه يخلفه المالك فيه. قال: وإن أذن له في شيء بعينه فليس بمأذون؛ لأنه استخدام، ومعناه أن يأمره بشراء ثوب للكسوة أو طعام رزقا لأهله،   [البناية] به. فإن قلت: الضرر اللاحق بالمولى يمنع الإذن وقد يتضرر المولى بغير ما خصه من التصرف لجواز أن يكون العبد عالما بالتجارة في الخز دون البز. قلت: هذا ضرر غير محقق، ولئن كان سلمنا فله أن يدفع وهو التوكيل به على أن جواز التصرف بالغبن الفاحش عند أبي حنيفة يدفع ذلك. فإن قلت: العبد يتصرف في كسبه وهو مملوك للمولى فيصح التخصيص، ألا ترى أنه لو استعار من آخر ثوبا ليرهنه في دينه فإن للمعير أن يرهن بالدراهم لا يملك رهنه بالدنانير. قلت: أما الشراء فلا يستقيم؛ لأنه يتصرف في ذمته، وأما في البيع فنقول الكسب حصل بتصرفه فيكون له إلا فيما تعذر إبقاؤه له. فإن قلت: إنه أزال الحجر في حق تصرف خاص؛ لأنه نص عليه دون غيره. قلت: بلى، ولكن يوجب الرضى بتعطيل منافعه مطلقا ولا فرق بين أن تتعطل منافعه بهذا التصرف أو بتصرف آخر. م: (بخلاف الوكيل) ش: هذا يجوز أن يكون جوابا عن قوله كالمضارب؛ لأن المضارب وكيل الوكيل يستفيد الولاية من جهته م: (لأنه يتصرف في مال غيره فيثبت له الولاية من جهته) ش: أي من جهة الغير م: (وحكم التصرف) ش: جواب لقوله ويثبت الحكم للمولى وهو ممانعة بالسند، أي لا نسلم أن حكم التصرف م: (وهو الملك واقع) ش: للمولى بل هو واقع م: (للعبد حتى كان له أن يصرفه إلى قضاء الدين والنفقة) ش: بغير إذن المولى م: (وما استغنى عنه) ش: المأذون له م: (يخلفه المالك فيه) ش: أي في الذي استغنى عنه. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإن أذن له في شيء بعينه فليس بمأذون؛ لأنه استخدام ومعناه) ش: أي معنى قول القدوري وإن أذن له في شيء بعينه م: (أن يأمره بشراء ثوب للكسوة أو طعام رزقا لأهله) ش: أي لأجل أن يكون رزقا أو قوتا لعياله، وإنما فسر هكذا احترازا عما إذا علم أن مقصوده الإذن في ذلك، فحينئذ يكون مأذونا من التجارة، كما إذا قال: اشتر لي ثوبا وبعه، فإن قوله بعد يدل على الإذن في التجارة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 139 ، وهذا لأنه لو صار مأذونا ينسد عليه باب الاستخدام بخلاف ما إذا قال: أد إلي الغلة كل شهر كذا أو قال: أد إلي ألفا وأنت حر لأنه طلب منه المال ولا يحصله إلا بالكسب أو قال له اقعد صباغا أو قصارا لأنه أذن بشراء ما لا بد منه لهما وهو نوع فيصير مأذونا في الأنواع. قال: وإقرار المأذون بالديون والمغصوب جائز وكذا بالودائع   [البناية] م: (وهذا) ش: توضيح لما ذكره م: (لأنه لو صار مأذونا) ش: أي؛ لأن العبد لو صار مأذونا بإذنه في شيء بعينه م: (ينسد عليه) ش: أي على المولى م: (باب الاستخدام) ش: أي استخدام العبد في حوائجه لا قضاء به إلى من أمر عبده بشراء بفلسين كان مأذونا يصح إقراره بديون يستغرق رقبته ويؤخذ بها في الحال، فحينئذ لا يستجري أحد على استخدام عبد فيما أسند إليه حاجته؛ لأن غالب استعمال العبيد في شراء الأشياء الحقيرة. فإن قلت: ما الحد الفاصل بين الاستخدام والإذن بالتجارة. قلت: الإذن بالتصرف المكرر صريحا مثل أن يقول اشتر لي ثوبا وبعه، أو قال بع هذا الثوب واشتر بثمنه، أو دلالة، كما إذا قال أد إلي الغلة كل شهر، أو أد إلي ألفا وأنت حر. أشار إليه المصنف بقوله م: (بخلاف ما إذا قال) ش: أي المولى لعبده م: (أد إلي الغلة كل شهر كذا) ش: خمسة دراهم مثلا م: (أو قال: أد إلي ألفا وأنت حر؛ لأنه طلب منه المال ولا يحصله) ش: أي العبد لا يقدر على تحصيل المال م: (إلا بالكسب) ش: فهو دلالة التكرار م: (أو قال له: اقعد صباغا أو قصارا؛ لأنه إذن بشراء ما لا بد منه وهو نوع) ش: من الأنواع يتكرر بتكرار العمل المذكور م: (فيصير مأذونا في الأنواع) ش: كلها أما إذا أذن بتصرف غير مكرر كطعام أهله وكسوتهم لا يكون إذنا. فإن قلت: ينتقض بما إذا غصب العبد متاعا وأمر هؤلاء ببيعه فإن تخصيص بيع المغصوب إذن في التجارة وليس الأمر بعقد مكرر. قلت: إنه أمر بالعقد المكرر دلالة، وذلك؛ لأن تخصيصه بيع المغصوب باطل لعدم ولايته عليه والإذن قد صدر منه صريحا. فإذا بطل التقييد ظهر الإطلاق، وكلام المصنف يشير إلى أن الفاصل هو التصرف النوعي لا الشخصي والإذن بالأول إذن دون الثاني فتأمل. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإقرار المأذون بالديون والمغصوب جائز) ش: سواء صدقه المولى أولا؛ لأن الغصب يوجب الملك عند أداء الضمان، وعند الثلاثة يجوز إقراره بديون المعاملة فقط وإقراره بالغصب والإتلاف يصح إن صدقه المولى م: (وكذا بالودائع) ش: أي وكذا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 140 لأن الإقرار من توابع التجارة إذ لو لم يصح لاجتنب الناس مبايعته ومعاملته. ولا فرق بين ما إذا كان عليه دين أو لم يكن إذا كان الإقرار في صحته، فإذا كان في مرضه يقدم دين الصحة كما في الحر، بخلاف الإقرار بما يجب من المال لا بسبب التجارة؛ لأنه كالمحجور في حقه قال: وليس له أن يتزوج؛ لأنه ليس بتجارة. قال: ولا يزوج مماليكه. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يزوج الأمة؛ لأنه تحصيل المال بمنافعها فأشبه إجارتها. ولهما أن الإذن يتضمن التجارة، وهذا ليس بتجارة،   [البناية] يجوز إقراره بالودائع والأمانات م: (لأن الإقرار من توابع التجارة إذ لو لم يصح لاجتنب الناس مبايعته ومعاملته) ش: فلا يحصل المقصود م: (ولا فرق بين ما إذا كان عليه دين أو لم يكن إذا كان الإقرار في صحته) ش: أي لا فرق في الإقرار في الحالتين م: (فإذا كان) ش: أي الإقرار م: (في مرضه يقدم دين الصحة كما في الحر) ش: والجامع تعلق حق الغرماء. م: (بخلاف الإقرار بما يجب من المال لا بسبب التجارة) ش: كالكفالة والاستهلاك والأرش والإقرار بالمهر. وإن كان بغير إذن المولى فإنه لا يصدق فيه م: (لأنه كالمحجور في حقه) ش: أي في حق ما يجب من المال لا بسبب التجارة. وفي " المبسوط " عبد مأذون غصب جارية بكرا أو قبضهما رجل في يده كان لمولاها أن يأخذ العبد بعقرها؛ لأن الغائب بالاقتصاص جزء من ماليتها وهي مضمونة على العبد بجميع أجزائها والعبد مؤاخذ بضمان الغصب في الحال مأذونا أو محجورا. ولو أقر العبد أنه وطئ جارية بنكاح بغير إذن مولاها فاقتصها فلم يصدق؛ لأنه ليس من التجارة، فإن وجوب العقد هاهنا باعتبار النكاح، والنكاح ليس تجارة. وفي " الإيضاح ": لو أقر بجناية على عبد أو حر أو مهر وجب عليه بنكاح جائز أو فاسد ولو بشبهة فإن إقراره باطل لا يؤاخذ به حتى يعتق. أما لو أقر به يوجب القود حيث يصح وللمقر له استيفاؤه، وبه قال الشافعي ومالك. وقال أحمد ومحمد وزفر والمزني وداود: لا يصح، وقد مر في الإقرار. [زواج العبد المأذون له في التجارة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وليس له أن يتزوج) ش: لأنه ليس له أن يزوج م: (لأنه ليس بتجارة قال: ولا يزوج مماليكه) ش: هذا عند أبي حنيفة والثلاثة م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يزوج الأمة؛ لأنه تحصيل المال بمنافعها فأشبه إجارتها) ش: أي إجارة الأمة، والجامع تحصيل المال بالمنافع م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أن الإذن يتضمن التجارة، وهذا ليس بتجارة) ش: معناه سلمنا أن الإذن لتحصيل المال، لكن لا مطلقا بل على وجه يكون من صنيع التجارة وإنكاح الأمة ليس من ذلك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 141 ولهذا لا يملك تزويج العبد وعلى هذا الخلاف الصبي المأذون والمضارب والشريك شركة عنان والأب والوصي. قال ولا يكاتب لأنه ليس بتجارة إذ هي مبادلة المال والبدل فيه مقابل بفك الحجر فلم يكن تجارة؛ إلا أن يجيزه المولى ولا دين عليه لأن المولى قد ملكه ويصير العبد نائبا عنه ويرجع الحقوق إلى المولى لأن الوكيل في الكتابة سفير   [البناية] م: (ولهذا) ش: أي ولكون تزويج الأمة ليس بتجارة م: (لا يملك تزويج العبد) ش: لقرابة عن تحصيل المال بالكلية، بل فيه تعذيب العبد وشغل رقبته بالمهر بلا منفعة م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور م: (الصبي المأذون والمضارب والشريك شركة عنان والأب والوصي) ش: يعني أن هؤلاء لا يملكون تزويج العبد بالاتفاق ويملكون تزويج الأمة عند أبي يوسف، وعندهما لا يملكون تزويجها أيضا. قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في هذه الرواية نظر؛ لأنه ذكر قبل هذا في كتاب المكاتب، وكذا ذكره في " المبسوط " و " التتمة " ومختصر " الكافي "، وما ذكر في المكاتب أصح؛ لأنه موافق لعامة الروايات. قيل يحتمل أن يكون في هذه المسألة روايتان. وقال الإمام حسام الدين الأخسكتي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أو يحمل ما أطلق في المكاتب على ما ذكره هاهنا. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا يكاتب؛ لأنه) ش: أي ولأن عقد الكتابة م: (ليس بتجارة إذ هي) ش: أي التجارة م: (مبادلة المال بالمال والبدل فيه) ش: أي في عقد الكتابة م: (مقابل بفك الحجر) ش: وهو ليس بمال وإن كان البدل مالا م: (فلم يكن تجارة إلا أن يجيزه المولى ولا دين عليه) ش: أي إلا أن يجيز المولى عقد الكتابة والحال أنه لا دين على العبد؛ لأن المولى بإجازة عقد الكتابة يخرجه من أن يكون كسبا للمأذون وقيام الدين عليه يمنع من ذلك قل الدين أو كثر لتعلق حق الغرماء به. ولهذا لو أخذه من يد المأذون وعليه دين قل أو كثر يمنع منه م: (لأن) ش: على مذهب أبي حنيفة م: (المولى قد ملكه) ش: أي قد ملك كسب العبد المأذون؛ لأنه خالص ملكه يملك فيه مباشرة الكتابة فيملك الإجازة م: (ويصير العبد نائبا عنه) ش: أي عن المأذون في عقد الكتابة عند الإجازة م: (ويرجع الحقوق إلى المولى) ش: وهي مطالبة بدل الكتابة وولاية الفسخ عند العجز وثبوت الولاء بعد العتق، إذ حقوق العبد في باب الكتابة لا تتعلق بالوكيل م: (لأن الوكيل في الكتابة سفير) ش: لكونها إسقاطا فكان قبض البدل إلى من نفذ العتق من جهة، ولقائل أن يقول الوكيل سواء كان سفيرا أو لا إذا عقد العقد لا يحتاج إلى إجازة، وهاهنا ليس كذلك، ويمكن أن يجاب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 142 قال ولا يعتق على مال؛ لأنه لا يملك الكتابة فالإعتاق أولى ولا يقرض؛ لأنه تبرع محض كالهبة ولا يهب بعوض ولا بغير عوض وكذا لا يتصدق لأن كل ذلك تبرع بصريحه ابتداء وانتهاء أو ابتداء فلا يدخل تحت الإذن بالتجارة. قال إلا أن يهدي اليسير من الطعام   [البناية] عنه بإثبات الوكالة بطريق الانقلاب. [هل للعبد المأذون أن يعتق على مال] م: (قال: ولا يعتق على مال؛ لأنه لا يملك الكتابة فالإعتاق أولى) ش: لأنه إعتاق في الحال وهذا إذا لم يكن يجز المولى، أما إذا أجازه ولا دين على المأذون جاز؛ لأنه يملك إنشاء العتق عليه، فيملك الإجازة. وقبض المال إلى المولى دون المأذون. وأما إذا كان على المأذون دين فأجاز العتق جاز وضمن قيمته للغرماء عندها، كما لو أنشأ العتق ولا سبيل للغرماء على العوض، بخلاف الكتابة؛ لأن ما يؤديه كسب الحر وحق الغرماء غير متعلق بكسب الحر، فأما بدل الكتابة فيؤديه في حال الرق فيتعلق به حق الغرماء م: (ولا يقرض؛ لأنه) ش: أي؛ لأن الإقراض م: (تبرع محض كالهبة) ش: إذا لو لم يكن كذلك لكان صرفا بالنسيئة فيكون حراما، ولهذا لا يملكه الأب والوصي في مال اليتيم م: (ولا يهب بعوض ولا بغير عوض) ش: أما الأول فلأنه تبرع ابتداء، وأما الثاني فلأنه تبرع ابتداء وانتهاء. م: (وكذا لا يتصدق) ش: لأن الصدقة تبرع محض م: (لأن كل ذلك) ش: أي كل المذكور من الإقراض والهبة والصدقة م: (تبرع بصريحه ابتداء وانتهاء) ش: أي في كل حالة الابتداء وحالة الانتهاء، وهذا يرجع إلى الإقراض والهبة بغير العوض والصدقة. م: (أو ابتداء) ش: أي أو تبرع بصريحه في حالة الابتداء، وهذا يرجع إلى الهبة بعوض م: (فلا يدخل تحت الإذن بالتجارة) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فلا يدخل ما ذكر من الأمور تحت الإذن في التجارة؛ لأنها ليست بتجارة. م: (قال إلا أن يهدي اليسير من الطعام) ش: هذا استثناء من قوله لا يهب، وقيد الطعام، يشير إلى أن إهداء غير المأكولات لا يجوز أصلا، وبه قال أحمد. وقال الشافعي ومالك رحمهما الله: لا يملك ذلك أيضا بغير إذن المولى؛ لأنه تبرع بمال مولاه فلم يجز كهبة دراهمه وكذا الضيافة اليسيرة عندهما، ولنا أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يجيب دعوة المملوك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 143 أو يضيف من يطعمه لأنه من ضرورات التجارة استجلابا لقلوب المجاهزين بخلاف المحجور عليه؛ لأنه لا إذن له أصلا، فكيف يثبت ما هو من ضروراته   [البناية] م: (أو يضيف من يطعمه) ش: المراد الضيافة اليسيرة، ولهذا قالوا إن الإهداء اليسير راجع إلى الضيافة، وفي " الذخيرة " له أن يتخذ الضيافة اليسيرة دون العظيمة؛ لأن اليسيرة من وضع التجار دون العظيمة. وقال محمد بن سلمة: في الحد الفاصل بينهما ينظر إلى مقدار مال تجارته فإن كان عشرة آلاف أو اتخذ ضيافة بمقدار عشرة كان يسيرا. ولو كان مال تجارته عشرة مثلا واتخذ ضيافة بمقدار دانق فذاك لا يكون كثيرا عرفا. وفي " المغني ": الأب والوصي لا يملكان في مال الصغير ما يملك المأذون من اتخاذ الضيافة اليسيرة والهدية ويملك التصدق بالفلس والرغيف والفضة بما دون الدرهم؛ لأن ذلك من صنيع التجارة. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده في شرح كتاب " المأذون الكبير " من الأصل، قالوا أما قيم الدار وهي الزوجة أو الأمة فإنها تطعم وتتصدق بالطعوم على الرسم والعادة من غير سرف وإن لم يأذن لها الزوج والمولى بذلك. وقد روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه سئل هل يتصدق العبد؟ قال: بالرغيف ونحوه. وفي " الفتاوى الصغرى " العبد المأذون يملك التبرعات اليسيرة حتى يملك التصدق بما دون الدرهم ولا يملك التصدق بالدراهم ويملك اتخاذ الضيافة والإهداء، وهذا ليس بمقدر بدرهم بل بما يعده الناس سرفا ويملك الذي لا يعدونه سرفا في المأكولات، حتى لا يملك إلا هذا في غير المأكولات. م: (لأنه) ش: أي لأن كلا من الإهداء اليسير والضيافة اليسيرة م: (من ضرورات التجارة) ش: أي من ضرورات الإذن في التجارة؛ لأن التاجر يحتاج إليه م: (استجلابا لقلوب المجاهزين) ش: أي لأجل استجلاب قلوب المجاهزين، وهو جمع مجاهز بالجيم والزاي المعجمة، والمجاهز عند العامة الغني من التجار، فكأنه أريد المجهز وهو الذي يبعث التجار بالجهاز وهو فاخر المتاع أو يسافر به م: (بخلاف المحجور عليه؛ لأنه لا إذن له أصلا، فكيف يثبت ما هو من ضروراته) ش: أي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 144 وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المحجور عليه إذا أعطاه المولى قوت يومه فدعا بعض رفقائه على ذلك الطعام فلا بأس به، بخلاف ما إذا أعطاه قوت شهر؛ لأنهم لو أكلوه قبل الشهر يتضرر به المولى. قالوا: ولا بأس للمرأة أن تتصدق من منزل زوجها بالشيء اليسير كالرغيف ونحوه؛ لأن ذلك غير ممنوع عنه في العادة. قال: وله أن يحط من الثمن بالعيب مثل ما يحط التجار؛ لأنه من صنيعهم، وربما يكون الحط أنظر له من قبول المعيب ابتداء، بخلاف ما إذا حط من غير عيب؛ لأنه تبرع محض بعد تمام العقد فليس من صنيع التجار.   [البناية] من ضرورات الإذن. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المحجور عليه إذا أعطاه المولى قوت يومه فدعا بعض رفقائه على ذلك الطعام فلا بأس به، بخلاف ما إذا أعطاه قوت شهر؛ لأنهم لو أكلوه قبل الشهر يتضرر به المولى) ش: لأنه يحتاج إلى دفع قوت آخر، فإن لم يدفع يضيع العبد وكل ذلك ضرر له. م: (قالوا) ش: أي المتأخرون من المشايخ م: (ولا بأس للمرأة أن تتصدق من منزل زوجها بالشيء اليسير كالرغيف ونحوه) ش: أي ويجوز الرغيف كالفلس وما دون الدرهم كالخميرة والبصل والملح، وكذا الأمة في بيت مولاها تطعم وتتصدق على الرسيم والعادة بدون الإذن صريحا للعرف والعادة. فإن قلت: روى أبو أمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في خطبته عام حجة الوداع «ولا تخرج المرأة من بيت زوجها، قالوا: ولا الطعام، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " الطعام أفضل أموالكم ".» قلت: هذا محمول على الطعام المدخر كالحنطة ودقيقها، فأما غير المدخر فإنها تتصدق به على رسم العادة، وفيه الإذن دلالة. م: (لأن ذلك) ش: أي التصدق بالشيء اليسير م: (غير ممنوع عنه في العادة) ش: لأن العادة جرت بذلك من غير إنكار من الزوج والولي. [ما يجوز للعبد المأذون له في التجارة] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير " م: (وله) ش: أي وللمأذون م: (أن يحط من الثمن بالعيب) ش: يعني إذا ظهر عيب في المتاع الذي باعه ثم وقع الاتفاق على أن يحط من الثمن شيئا فإنه يجوز له ولكن م: (مثل ما يحط التجار؛ لأنه) ش: أي لأن الحط بسبب الغبن م: (من صنيعهم) ش: أي من صنيع التجار. وعند الثلاثة لا يجوز الحط أصلا م: (وربما يكون الحط أنظر له) ش: أي للمأذون أي أكثر نظرا له م: (من قبول المعيب ابتداء، بخلاف ما إذا حط من غير عيب؛ لأنه تبرع محض بعد تمام العقد فليس) ش: أي الحط من غير عيب م: (من صنيع التجار) ش: فلا يجوز. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 145 ولا كذلك المحاباة في الابتداء لأنه قد يحتاج إليها على ما بيناه. وله أن يؤجل في دين قد وجب له لأنه من عادة التجار. قال: وديونه متعلقة برقبته يباع للغرماء إلا أن يفديه المولى. وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا يباع ويباع كسبه في دينه بالإجماع.   [البناية] م: (ولا كذلك المحاباة في الابتداء) ش: يمكن أن يكون هذا جوابا عن سؤال مقدر تقديره أن يقال كيف جوزتم محاباة المأذون مع أن فيها حطا من الثمن. فأجاب بقوله ولا كذلك بيع المحاباة في ابتداء الأمر م: (لأنه) ش: أي لأن المأذون م: (قد يحتاج إليها) ش: أي إلى المحاباة م: (على ما بيناه) ش: يعني عند قوله: ولو حابى في مرض موته من جميع المال إلى قوله ولا وارث للعبد. م: (وله) ش: أي وللمأذون م: (أن يؤجل في دين قد وجب له؛ لأنه من عادة التجار) ش: لأن التاجر قد يكون له على غير الجلي دين، ولو لم يمهله ماله لا يتمكن من الكسب، وإن أمهله أياما يتمكن من الكسب فيكون ذلك طريقا لخروج دينه عادة. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وديونه متعلقة برقبته يباع للغرماء) ش: أي يبيعه القاضي بغير رضى المولى بالاتفاق عند أصحابنا أما عندنا فظاهر؛ لأن الحجر على المديون يجوز عندهما. وأما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز الحجر على المديون وجوز هاهنا العذر له؛ لأنه ليس في هذا حجر على المولى؛ لأن المولى محجور عن بيعه قبل ذلك، فإنه لو باع العبد المأذون المديون بغير رضاء الغرماء لا يقدر عليه. فكان هذا بمنزلة التركة المستغرقة بالدين، فإنه يبيع القاضي التركة على الورثة بغير رضاهم كقضاء الدين فكان هذا ولا يكون ذلك حجرا عليهم. كذا في " الذخيرة " قيل: معنى قوله: يباع الغرماء ما يجبر القاضي المولى على البيع حتى يستقيم على قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفيه نظر؛ لأن رواية الذخيرة تدل على أن القاضي يبيعه بدون رضى المولى فلا حاجة إلى هذا المعنى، فافهم م: (إلا أن يفديه المولى) ش: فلا يباع حينئذ لحصول المقصود. م: (وقال زفر والشافعي رحمهما الله لا يباع) ش: في الدين ويتعلق الدين الفاضل من كسبه بذمته يؤخذ بعد العتق، كما لو استقرض بغير إذن سيده وبه قال أحمد يتعلق بذمة المولى؛ لأنه لزمه بمفاوضة السيد فيجب عليه كالنفقة في النكاح م: (ويباع كسبه في دينه بالإجماع) ش: كما في الحر المديون، وقال في " الطريقة البرهانية ": وأجمعوا على أن الرقبة تباع في الدين الاستهلاك. وقال الإمام علاء الدين العالم في طرفي الطريقة: قال علماؤنا رد قيمة العبد المأذون يباع بدين التجارة. وقال الشافعي: لا يباع ثم قال وعلى هذا الخلاف أرش يد العبد وما اكتسبه العبد من الصيد والحطب والحشيش عندنا يصرف إلى الدين وعنده لا يصرف. وقال الكرخي في " مختصره ": قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: ما يلحق المأذون من الجزء: 11 ¦ الصفحة: 146 لهما: أن غرض المولى من الإذن تحصيل مال لم يكن لا تفويت مال قد كان له، وذلك في تعليق الدين بكسبه، حتى إذا فضل شيء منه على الدين يحصل له لا بالرقبة، بخلاف دين الاستهلاك؛ لأنه نوع جناية، واستهلاك الرقبة بالجناية لا يتعلق بالإذن. ولنا: أن الواجب في ذمة العبد ظهر وجوبه في حق المولى، فيتعلق برقبته استيفاء كدين الاستهلاك، والجامع دفع الضرر عن الناس، وهذا؛ لأن سببه التجارة وهي داخلة تحت الإذن،   [البناية] دين من شراء أو بيع أو استئجار استأجره أو غصب أو وديعة أو مضاربة أو بضاعة أو عارية بجحوده شيئا من ذلك أو دابة عقرها أو ثوب أحرقه أو مهر اشتراها وطئها فاستحقت فذلك كله لازم له يباع فيه، إلا أن يعديه مولاه فإن بيع ذلك اقتسم غرماؤه ثمنه بالحصص على قدر ديونهم بإقرار كان لذلك من العبد أو بينته فأثبته فأثبت ذلك عليه. م: (لهما) ش: أي لزفر والشافعي رحمهما الله م: (أن غرض المولى من الإذن تحصيل مال لم يكن لا تفويت مال قد كان له) ش: أي ليس غرضه تفويت مال؛ لأنه إنما أذن به ليكسب مالا من الخارج وليس غرضه أن يباع عند الأجل الدين م: (وذلك) ش: أي غرض المولى حاصل م: (في تعليق الدين بكسبه حتى إذا فضل شيء منه) ش: أي من كسبه م: (على الدين يحصل له) ش: أي للمولى م: (لا بالرقبة) ش: معطوف على قوله بكسبه يعني غرضه تعلق الدين بكسبه لا برقبته لما ذكرنا أن فيه تفويت مال قد كان. م: (بخلاف دين الاستهلاك) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: إذا استهلك شيئا تعلق دينه برقبته يباع فيه، فهذا كذلك. فأجاب بقوله بخلاف دين الاستهلاك م: (لأنه) ش: أي الاستهلاك م: (نوع جناية واستهلاك الرقبة بالجناية لا يتعلق بالإذن) ش: إذ وجوبه بالجناية، ولهذا لو كان محجورا عليه بيع بذلك، وليس الكلام في ذلك، وإنما الكلام فيما يتعلق بالإذن. م: (ولنا: أن الواجب في ذمة العبد ظهر وجوبه في حق المولى فيتعلق برقبته) ش: أي برقبة العبد م: (استيفاء) ش: أي لأجل الاستيفاء م: (كدين الاستهلاك والجامع) ش: يعني بين الاستهلاك وبين الدين الذي ركبه الناس في تصرفاته م: (دفع الضرر عن الناس) ش: فكما أنه يباع في دين الاستهلاك دفعا للضرر. فكذا يباع في الديون التي ركبه دفعا للضرر م: (وهذا) ش: أي دفع الضرر م: (لأن سببه) ش: أي لأن سبب هذا الدين م: (التجارة) ش: لأن المقروض م: (وهي) ش: أي التجارة م: (داخلة تحت الإذن) ش: بلا خلاف، فإذا كان داخلا تحته كان ملتزما، فلو لم يتعلق برقبته استيفاء لكان إضرارا؛ لأن الكسب قد لا يوجد، والمعتق كذلك فيؤدي حقوق الناس. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 147 وتعلق الدين برقبته استيفاء حامل على المعاملة فمن هذا الوجه صلح غرضا للمولى، وينعدم الضرر في حقه بدخول المبيع في ملكه، وتعلقه بالكسب لا ينافي تعلقه بالرقبة فيتعلق بهما غير أنه يبدأ بالكسب في الاستيفاء إيفاء لحق الغرماء وإبقاء لمقصود المولى، وعند انعدامه يستوفى من الرقبة، وقوله في الكتاب ديونه المراد منه دين وجب بالتجارة.   [البناية] م: (ويتعلق الدين برقبته) ش: جواب عن قولهما: إن غرض المولى من الإذن تحصيل مال ... إلى آخره، وبيانه: أن تعلق الدين برقبته م: (استيفاء حامل على المعاملة) ش: يعني حامل للغير على أن يعامل معه؛ لأن العاملين إذا عملوا ذلك يعاملون معه، فتكثر المعاملة ويكثر الربح، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك، فإن خوف التوى يمنعهم عن ذلك. م: (فمن هذا الوجه صلح غرضا للمولى) ش: أراد بهذا الوجه هو الذي ذكره من قوله وتعلق الدين برقبته استيفاء حامل على المعاملة. فإن قيل لا يصلح أن يكون غرضا؛ لأنه يتضرر به، والضرر لا يكون غرضا. أجاب بقوله م: (وينعدم الضرر في حقه) ش: أي في حق المولى م: (بدخول المبيع في ملكه) ش: أي في ملك المولى، وفيه إشكال وهو أن المبيع إن كان باقيا وفيه وفاء بالديون لا يتحقق بيع العبد وإن لم يكن باقيا أو كان وليس فيه وفاء بالديون لم يكن دخوله في ملكه دافعا للضرر. وأجيب: عنه بأن المراد مبيع قبضه المولى حين لا دين على العبد ثم ركبته ديون، فإنه لا يجب على المولى رده، إن كان باقيا، ولا ضمانه إن لم يكن، بل يباع العبد بالدين، إن اختار المولى، ويكون المبيع جائزا لما فات من العبد. وذكر في " المغني ": ولو أخذ المولى شيئا من كسبه بلا دين عليه، ثم لحقه دين لا يجب على المولى رد ما أخذ إن كان قائما وضمانه إن كان مستهلكا. م: (وتعلقه بالكسب) ش: جواب عما يقال أجمعنا أنه تعلق بالكسب فكيف يتعلق بعد ذلك بالرقبة، تقريره أن تعلق الدين بالكسب م: (لا ينافي تعلقه بالرقبة) ش: لأنه لا منافاة بينهما م: (فيتعلق بهما) ش: أي بالكسب والدين م: (غير أنه يبدأ بالكسب في الاستيفاء إيفاء لحق الغرماء وإبقاء لمقصود المولى) ش: نظراء للجانبين م: (وعند انعدامه) ش: أي وعند انعدام الكسب م: (يستوفى من الرقبة) ش: دفعا للضرر عن الناس. م: (وقوله) ش: أي قول صاحب القدوري م: (في الكتاب) ش: أي " مختصر القدوري " م: (ديونه المراد منه دين وجب بالتجارة) ش: بأن تزوج امرأة، ثم وطئها، ثم استحقت حيث وجب المهر عليه، ولا يظهر ذلك في حق المولى؛ لأن وجوبه بالنكاح، وهو ليس من التجارة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 148 أو بما هو في معناها كالبيع والشراء والإجارة والاستئجار وضمان المغصوب والودائع والأمانات إذا جحدها وما يجب من العقر بوطء المشتراة بعد الاستحقاق لاستناده إلى الشراء فيلحق به.   [البناية] وأما التزويج بإذن المولى يظهر في حقه تباعا فيه، كذا في " المبسوط ". م: (أو بما هو في معناها) ش: أي أو دين وجب بسبب ما لسبب معه التجارة م: (كالبيع والشراء) ش: نظير دين التجارة م: (والإجارة والاستئجار وضمان المغصوب والودائع والأمانات إذا جحدها) ش: نظير ما في هو معنى التجارة، وصورة الدين بالإجارة أن يؤاجر شيئا ويقبض الأجرة ولم يسلم المستأجر حتى انقضت المدة وجب عليه رد الأجرة. فإن قلت: ما معنى ذكر الأمانات بعد الودائع؟ قلت: لأن الأمانة أعم من الوديعة كما في المضاربة والعارية والشركة والبضاعة، وهذه الأشياء عند الجحود بها تنقلب غصبا، فكان التزام هذه الأشياء ضمان غصب؛ لأن الأمين يصير غاصبا للأمانة بالجحود. م: (وما يجب من العقر) ش: عطف على قوله كالبيع والشراء والإجارة.. إلى آخره، أي ورد الذي يجب على المأذون المديون من العقر م: (بوطء المشتراة بعد الاستحقاق) ش: أي وكالذي يجب على المأذون من العقر، ويجوز أن يكون وما يجب مبتدأة، ويكون قوله فيلحق به خبره ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط أي فيلحق بالمذكور في كونه دينا وجب بما هو في معنى التجارة. فعلى الوجه الأول: يكون محل " وما يجب " الجر؛ لأنه عطف على المحجور وتكون الفاء في قوله فيلحق به جواب شرط محذوف، أي إذا كان كذلك فيلحق به بأن اشترى جارية فاستحقت ثم وطئها فإنه يجب على العقر م: (لاستناده) ش: أي لاستناد وجوب العقر م: (إلى الشراء فيلحق به) ش: إذ لولا الشراء لوجب الحد فيضاف وجوب العقر إلى الشراء فيكون حكمه كحكمه. بخلاف ما إذا تزوج امرأة فوطئها ثم استحقت، لأن وجوب المهر بالنكاح وهو ليس بتجارة، وكذلك يؤاخذ بضمان عقد الدابة واحتراق الثوب في الحال وتباع رقبته فيه. وقيل: هذا محمول على ما إذا أخذ الدابة أو الثوب أولا حتى يصير غاصبا بالأخذ، ثم عقر الدابة وحرق الثوب. وأما إذا عقرها أو حرقه قبل القبض فينبغي على قول أبي يوسف أن لا يؤاخذ به في الحال، وتباع رقبته فيه، كذا في " الذخيرة ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 149 قال: ويقسم ثمنه بينهم بالحصص لتعلق حقهم بالرقبة فصار كتعلقها بالتركة. فإن فضل شيء من ديونه طولب به بعد الحرية لتقرر الدين في ذمته وعدم وفاء الرقبة به. ولا يباع ثانيا كيلا يمتنع البيع، أو دفعا للضرر عن المشتري ويتعلق دينه بكسبه سواء حصل قبل لحوق الدين أو بعده ويتعلق بما يقبل من الهبة،   [البناية] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويقسم ثمنه بينهم) ش: يعني إذا باع القاضي العبد يقسم ثمنه بين الغرماء م: (بالحصص لتعلق حقهم) ش: أي حق الغرماء م: (بالرقبة) ش: أي برقبة العبد م: (فصار كتعلقها) ش: الضمير يرجع إلى الحق، فإنما أنثه باعتبار الحقوق؛ لأن لكل غريم حقا فصار تقديره كتعلق حقوق الغرماء م: (بالتركة) ش: أي بتركة الميت، فإن لم يكن بالثمن وفاء يضرب كل غريم في الثمن بقدر حقه كالتركة إذا ضاقت عن إيفاء حقوق الغرماء. م: (فإن فضل شيء من ديونه) ش: يعني إن بقي شيء من ديون العبد م: (طولب به بعد الحرية لتقرر الدين في ذمته وعدم وفاء الرقبة به) ش: أي بالفاضل من الدين لا سبيل لهم عليه؛ لأنه صار ملكا للمشتري والدين ما وجب بإذنه فلا يظهر في حقه م: (ولا يباع ثانيا) ش: أي لا يباع العبد ثاني مرة إذا لم يف ثمن المأذون بالديون. م: (كيلا يمتنع البيع) ش: الأول إذ لو علم المشتري أنه يباع عليه لا يشتريه فيمتنع البيع الأول فيتضرر الغرماء م: (أو دفعا للضرر عن المشتري) ش: لأنه لم يأذن له في التجارة فلم يكن وصيا ببيعه بسبب الدين فإنه يباع عليه مع ذلك وإن تضرر به، ولا يلزم مع لو اشتراه البائع الإذن فإنه لا يباع عليه ثانيا وإن كان راضيا بالبيع. لأن الملك قد تبدل وتبدل الملك كتبدل الذات بخلاف دين نفقة المرأة، فإنه يباع فيها مرة بعد أخرى؛ لأنها تجب شيئا فشيئا، بخلاف المهر فإنه إذا بيع في مهر ولم يف الثمن لا يباع ثانيا، ولا بيع في جميع المهر ويطالب بالباقي بعد العتق، كذا ذكره الإمام التمرتاشي. م: (ويتعلق دينه) ش: أي دين المأذون بسبب التجارة م: (بكسبه سواء حصل) ش: أي الكسب م: (قبل لحوق الدين أو بعده) ش: وهذا إشارة إلى بيان الكسب الذي يبدأ به والذي لا يبدأ، فالكسب الذي لم ينزعه المولى عن يده يتعلق به الدين سواء كان حصل قبل لحوق الدين أو بعده م: (ويتعلق) ش: أي دين المأذون م: (بما يقبل من الهبة) ش: أو الصدقة قبل لحوق الدين وبعده، وبه قال الشافعي في الأصح. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إلا به وبه قال الشافعي في قول والهبة للمولى لا حق للغرماء فيها؛ لأنها ليست من التجارة وجوب الدين عليه بسبب التجارة فكانت كسائر أملاك المولى. ألا ترى أنها لو ولدت ثم لحقها دين لا يتعلق بالولد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 150 لأن المولى إنما يخلفه في الملك بعد فراغه عن حاجة العبد ولم يفرغ ولا يتعلق بما انتزعه المولى من يده قبل الدين لوجود شرط الخلوص له وله أن يأخذ غلة مثله بعد الدين لأنه لو لم يمكن منه يحجر عليه فلا يحصل الكسب، والزيادة على غلة المثل يردها على الغرماء لعدم الضرورة فيها وتقدم حقهم.   [البناية] م: (لأن المولى إنما يخلفه) ش: أي إنما يخلف عبد المأذون م: (في الملك بعد فراغه عن حاجة العبد ولم يفرغ) ش: فكان ككسب غير منتزع، وكالوارث فإنه لا يملك شيئا من التركة إلا بشرط الفراغ من دينه. بخلاف الولد؛ لأنه ليس من كسبها كما أن نفسها ليست من كسبها فكذا الولد؛ لأنه حر متولد من عينها فالحق يتعلق بكسبها، حتى لو لحق الدين ثم ولدت يتعلق؛ لأن نفسها تباع في الدين، فكذا ولدها م: (ولا يتعلق) ش: أي الدين م: (بما انتزعه المولى من يده قبل الدين لوجود شرط الخلوص له) ش: أي للمولى وهو خلوص ذمة العبد عن الدين حال أخذ المولى ذلك، فإنه إذا لم يكن على العبد دين فما أخذه المولى منه يكون خالص ملكه، ويلحق بسائر أموال المولى لا حق لغيره فيه. فإن قلت: يشكل بما إذا كان على العبد دين خمسمائة وله ألف واحدة مع المولى ثم لحقه دين خمسمائة أخرى فإنه يسترد الألف من المولى وإن كان أخذ الخمسمائة قبل لحوق الدين. قلت: كل واحد من الخمسمائة صالح لأداء الدين فيكون أخذ المولى الألف بغير حق فيؤخذ منه، وعند الأخذ هنا لا دين عليه. م: (وله) ش: أي للمولى م: (أن يأخذ غلة مثله) ش: أي غلة مثل العبد، يعني يأخذ من مثله من الضريبة التي ضربها عليه في كل شهر، والغلة ما يحصل من زرع أرض أو كراها أو أجرة غلام أو نحو ذلك، يقال أغلت الضيعة فهي مغلة م: (بعد الدين) ش: أي بعد لزوم الدين عليه كما كان يأخذها قبل ذلك استحسانا. وفي القياس لا يجوز؛ لأن الدين مقدم على حق المولى في الكسب. وجه الاستحسان أن في ذلك نفع الغرماء، وأن حقهم يتعلق بما كسبه ولا يحصل الكسب لإبقاء الإذن في التجارة. م: (لأنه) ش: أي لأن المولى م: (لو لم يمكن منه) ش: أي من أخذ الغلة م: (يحجر عليه) ش: أي على العبد م: (فلا يحصل الكسب) ش: فيتضرر الغرماء م: (والزيادة على غلة المثل) ش: أي مثل العبد الغني إذا أخذ منه مالا يكون غلة مثله م: (يردها على الغرماء لعدم الضرورة فيها) ش: أي الزيادة؛ لأنه لا يعد ذلك من باب تحصيل الغلة م: (وتقدم حقهم) ش: أي ولتقدم حق الغرماء في تلك الزيادة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 151 قال: فإن حجر عليه لم ينحجر حتى يظهر حجره فيما بين أهل سوقه؛ لأنه لو انحجر لتضرر الناس به لتأخير حقهم إلى ما بعد العتق لما لم يتعلق برقبته وكسبه وقد بايعوه على رجاء ذلك، ويشترط علم أكثر أهل سوقه حتى لو حجر عليه في السوق، وليس فيه إلا رجل أو رجلان لم ينحجر. ولو بايعوه جاز، وإن بايعه الذي علم بحجره ولو حجر عليه في بيته بمحضر من أكثر أهل سوقه ينحجر، والمعتبر شيوع الحجر واشتهاره فيقام ذلك مقام الظهور عند الكل كما في تبليغ الرسالة من الرسل،   [البناية] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن حجر عليه) ش: أي على عبد المأذون م: (لم ينحجر) ش: أي لا يصير محجورا م: (حتى يظهر حجره فيما بين أهل سوقه؛ لأنه لو انحجر) ش: يعني بمجرد الحجر م: (لتضرر الناس به لتأخير حقهم إلى ما بعد العتق لما لم يتعلق برقبته وكسبه) ش: لأن العبد إن اكتسب شيئا أخذه المولى، وإن لحقه دين أقام البينة أنه كان قد حجر عليه فيؤخر حقوقهم إلى ما بعد العتق وهو موهوم م: (وقد بايعوه على رجاء ذلك) ش: أي على رجاء تعلق حقهم برقبته أو كسبه فيكون على الإذن إلى أن يعلم حجره. م: (ويشترط علم أكثر أهل سوقه) ش: لأن في تبليغ عزل الجميع حرجا عظيما ليس في وسع المولى، والتكليف بحسب الوسع. وقال الشافعي: يصلح الحجر بغير علم العبد وأهل السوق كما في عزل الوكيل؛ لأن الإذن عنه نيابة كالوكالة وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله وفي " الذخيرة " اشتراط علم أكثر أهل السوق بحجره في الحجر القصدي، أما لو ثبت الحجر ضمنا لا يشترط علمهم ولا علم واحد منهم حتى لو باع المولى العبد المأذون ينحجر ضمنا لصحة البيع لزوال ملكه كالعزل الحكمي في الوكيل. م: (حتى لو حجر عليه في السوق وليس فيه) ش: أي والحال أنه ليس في السوق م: (إلا رجل أو رجلان لم ينحجر ولو بايعوه جاز) ش: لأنه غير محجور عليه م: (وإن بايعه الذي علم بحجره) ش: أن هذه للوصل؛ لأن صحة الحجر التشهير ولم يوجد، وإذ المشروط لا يثبت بدون شرطه؛ لأن الحجر ضد الإذن، فكما أن الإذن لا يقبل التخصيص فكذا الحجر، بخلاف خطاب الشرع إذا علم بحجر واحد حيث لا يقدر في تركه؛ لأن حكمه يثبت في حق من علم به ويقبل التخصيص. م: (ولو حجر عليه في بيته بمحضر من أكثر أهل سوقه ينحجر، والمعتبر شيوع الحجر واشتهاره فيقام ذلك) ش: أو الشيوع والاشتهار م: (مقام الظهور) ش: أي في ظهور الحجر م: (عند الكل) ش: دفعا للحرج م: (كما في تبليغ الرسالة من الرسل) ش: فإن الشيوع والاشتهار فيها، فيقام مقام الجزء: 11 ¦ الصفحة: 152 ويبقى العبد مأذونا إلى أن يعلم بالحجر كالوكيل إذا لم يعلم بالعزل، وهذا؛ لأنه يتضرر به حيث يلزمه قضاء الدين من خالص ماله بعد العتق وما رضي به، وإنما يشترط الشيوع في الحجر إذا كان الإذن شائعا. أما إذا لم يعلم به إلا العبد ثم حجر عليه بعلم منه ينحجر؛ لأنه لا ضرر فيه. قال: ولو مات المولى أو جن أو لحق بدار الحرب مرتدا صار المأذون محجورا عليه؛ لأن الإذن غير لازم، وما لا يكون لازما من التصرف يعطى لدوامه حكم الابتداء، هذا هو الأصل، فلا بد من قيام أهلية الإذن في حالة البقاء وهي تنعدم بالموت والجنون، وكذا باللحوق؛ لأنه موت حكما حتى يقسم ماله بين ورثته.   [البناية] الظهور عند جميع الناس، فلذلك لزم الكل الإيمان بهم، والامتثال بأوامرهم. م: (ويبقى العبد مأذونا، إلى أن يعلم بالحجر، كالوكيل) ش: إذا عزل يبقى على وكالته م: (إذا لم يعلم بالعزل) ش: لأن في انعزاله قبل العلم ضررا فاحشا. م: (وهذا) ش: أي بقاؤه على الإذن إلى العلم بالعزل م: (لأنه يتضرر به) ش: أي لأن العبد يتضرر، بالعزل المذكور م: (حيث يلزمه قضاء الدين من خالص ماله بعد العتق وما رضي به) ش: أي العبد ما رضي بلزوم الدين عليه. م: (وإنما يشترط الشيوع في الحجر إذا كان الإذن شائعا) ش: لئلا يتضرر لما قلنا م: (أما إذا لم يعلم به) ش: أي بالإذن م: (إلا العبد ثم حجر عليه بعلم منه) ش: أي ثم حجر المولى عليه حجرا متلبسا بعلم من العبد م: (ينحجر؛ لأنه لا ضرر فيه) ش:. [موت مولى العبد المأذون أو جنونه] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولو مات المولى أو جن) ش: المراد الجنون المطلق، حتى إذا لم يكن مطلقا بأن يجن ويفيق لا ينحجر، واختلفوا في المطبق، فقال محمد مأذون الشهر غير مطبق، وشهرا فصاعدا مطبق، ثم رجع وقال المأذون السنة غير مطبق، وما فوقها مطبق. وعن أبي يوسف أكثر السنة فصاعدا مطبق، وما دونه لا م: (أو لحق بدار الحرب مرتدا صار المأذون محجورا عليه؛ لأن الإذن غير لازم) ش: ولهذا يملك المولى إبطاله م: (وما لا يكون لازما من التصرف يعطى لدوامه حكم الابتداء) ش: وفي الابتداء اشتراط أهلية المولى للإذن، فكذا في البقاء، ثم بهذه الأشياء تنعدم الأهلية فكان محجورا م: (هذا هو الأصل) ش:. أشار به إلى قوله وما لا يكون لازما من التصرف يعطى لدوامه حكم الابتداء م: (فلا بد من قيام أهلية الإذن في حالة البقاء وهي) ش: أي أهلية الإذن م: (تنعدم بالموت والجنون، وكذا باللحوق؛ لأنه موت حكما حتى يقسم ماله بين ورثته) ش: فلا يقسم المال بين الورثة إلا بموت المورث إما حقيقة أو حكما. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 153 قال: وإذا أبق العبد صار محجورا عليه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يبقى مأذونا لأن الإباق لا ينافي ابتداء الإذن فكذا لا ينافي البقاء وصار كالغصب ولنا أن الإباق حجر دلالة لأنه إنما يرضى بكونه مأذونا على وجه يتمكن من تقضية دينه بكسبه بخلاف ابتداء الإذن؛ لأن الدلالة لا معتبر بها عند وجود التصريح بخلافها وبخلاف الغصب؛ لأن الانتزاع من يد الغاصب متيسر قال: وإذا ولدت المأذون لها من مولاها فذلك حجر عليها خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو يعتبر البقاء بالابتداء ولنا: أن الظاهر أنه يحصنها بعد الولادة   [البناية] [الحكم لو أبق العبد المأذون له في التجارة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا أبق العبد صار محجورا عليه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يبقى مأذونا) ش: فلا ينحجر. وقال مالك وأحمد وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا ذكره في " المبسوط " م: (لأن الإباق لا ينافي ابتداء الإذن) ش: حتى لو أذن الآبق يجوز؛ لأن الإذن باعتبار ملكه، ولا يختل ذلك بالإباق م: (فكذا لا ينافي البقاء) ش: يعني يبقى إذنه بعد إباقه م: (وصار كالغصب) ش: يعني إن المولى لو أذن للعبد المغصوب يصح، ولو غصب العبد المأذون لا يبطل الإذن، كذلك هاهنا. م: (ولنا أن الإباق حجر دلالة) ش: لأن الإذن مقيد دلالة بشرط قدرة المولى على قضاء ديونه من كسبه، وهو معنى قوله م: (لأنه) ش: أي لأن المولى م: (إنما يرضى بكونه مأذونا على وجه يتمكن من تقضية دينه) ش: أي دين العبد م: (بكسبه) ش: لو لحقه الدين، ولما أبق لا يتمكن من ذلك لجواز إتلاف العبد الاكتساب عند وجود التصريح. م: (بخلاف ابتداء الإذن؛ لأن الدلالة لا معتبر بها عند وجود التصريح بخلافها) ش: أي الحجر يكون هنا دلالة، ولا اعتبار للدلالة عند التصريح بخلافها م: (وبخلاف الغصب؛ لأن الانتزاع من يد الغاصب متيسر) ش: باستدعاء القاضي أو السلطان عليه، حتى لو لم يمكن الانتزاع من يده بأن جحد الغاصب ولا بينة لا يصح ابتداء الإذن ولا بقاؤه، ذكره في " الذخيرة ". وإن عاد من الإباق هل يعود الإذن، لم يذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والصحيح أنه لا يعود. [الاستيلاد وأثره على الإذن والحجر] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا ولدت المأذون لها من مولاها فذلك حجر عليها) ش: أي الاستيلاد حجر على الأمة، قال المحبوبي: تأويل المسألة إذا استولدها من غير تصريح الإذن حتى لو قال بعد الاستيلاد لا أزيد الحجر عليها لا تنحجر م: (خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو يعتبر البقاء بالابتداء) ش: يعني زفر يعتبر البقاء بالابتداء، أو يعني إذا أذن لأم الولد ابتداء يجوز، فكذا إذا صارت الأمة أم ولد وهو القياس، وهو قول الثلاثة أيضا. م: (ولنا: أن الظاهر أنه يحصنها) ش: أي أن المولى يحصن الأمة م: (بعد الولادة) ش: فلا يريد خروجها واختلاطها الجزء: 11 ¦ الصفحة: 154 فيكون دلالة الحجر عادة بخلاف الابتداء؛ لأن الصريح قاض على الدلالة، ويضمن المولى قيمتها إن ركبتها ديون لإتلافه محلا تعلق به حق الغرماء، إذ به يمتنع البيع، وبه يقضى حقهم. قال: وإذا استدانت الأمة المأذون لها أكثر من قيمتها فدبرها المولى فهي مأذون لها على حالها لانعدام دلالة الحجر، إذ العادة ما جرت بتحصين المدبرة، ولا منافاة بين حكميهما أيضا، والمولى ضامن لقيمتها لما قررناه في أم الولد. قال: فإذا حجر على المأذون فإقراره جائز فيما في يده من المال عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومعناه أن يقر بما في يده   [البناية] بالناس م: (فيكون دلالة الحجر عادة) ش: أي فيكون تحصنه إياها دلالة الحجر عليها من حيث العادة ودلالة العادة معتبر عند عدم الصريح، بخلاف ما ترى أن تقدم المائدة بين يدي إنسان يجعل إذنا في التناول عرفا وعادة. قال: فأما إذا قال بعد التقديم لا تأكل لم يكن ذلك إذنا كذا في " المبسوط " م: (بخلاف الابتداء؛ لأن الصريح قاض على الدلالة) ش: يعني بخلاف ما إذا أذن لأم الولد ابتداء حيث يجوز؛ لأنه صريح فلا اعتبار للدلالة عندنا. م: (ويضمن المولى قيمتها إن ركبتها ديون لإتلافه محلا تعلق به حق الغرماء، إذ به) ش: أي بالاستيلاد م: (يمتنع البيع، وبه) ش: أي وبالبيع م: (يقضي حقهم) ش: أي حق الغرماء. م: (قال) ش: أي القدوري: ومحمد في " الجامع الصغير " م: (وإذا استدانت المأذون لها أكثر من قيمتها) ش: قيد بكونها أكثر لتظهر الفائدة في أن المولى يضمن قيمتها دون الزيادة عليها م: (فدبرها المولى فهي مأذون لها على حالها لانعدام دلالة الحجر، إذ العادة ما جرت بتحصين المدبرة ولا منافاة بين حكميهما أيضا) ش: أي حكم الإذن والتدبير؛ لأن بالتدبير يثبت حق العتق وإن كان حق العتق لا يؤثر في مكان الحجر عليه م: (والمولى ضامن لقيمتها لما قررناه في أم الولد) ش: أشار به إلى قوله لإتلافه محلا تعلق به حق الغرماء. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإذا حجر في المأذون فإقراره جائز فيما في يده من المال عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني إقراره لغير مولاه بما في يده؛ لأنه لو أقر باستهلاك رقبته لا يجوز بالإجماع، حتى إذا لم يف ما في يده لا تباع رقبته بالإجماع ولا فيما انتزعه المولى من يده قبل الحجر. وكذا لو كان دينه وقت الإذن مستغرقا لما في يده فأقر بعد حجره بدين آخر لا يصدق بالإجماع. وكذا لو كان الحجر عليه بسبب بيع المولى ثم أقر في يد المشتري بدين عليه لا يصدق بالإجماع. وكذا لو كان في يد كسبه عبد بالاحتطاب والاصطياد ونحوهما مما هو ليس بتجارة لا يصدق بالإجماع. م: (ومعناه) ش: أي معنى قول القدوري فإقراره جائز م: (أن يقر بما في يده أنه أمانة لغيره أو غصب منه، أو يقر بدين عليه فيقضي مما في يده) ش: إنما فسر، بهذا التفسير؛ لأن مطلق الإقرار بما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 155 أنه أمانة لغيره أو غصب منه، أو يقر بدين عليه فيقضي مما في يده. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: لا يجوز إقراره، لهما: أن المصحح لإقراره إن كان هو الإذن فقد زال بالحجر، وإن كان اليد فالحجر أبطلها؛ لأن يد المحجور غير معتبرة. وصار كما إذا أخذ المولى كسبه من يده قبل إقراره أو ثبت حجره بالبيع من غيره، ولهذا لا يصح إقراره في حق الرقبة بعد الحجر. وله: أن المصحح هو اليد، ولهذا لا يصح إقرار المأذون فيما أخذه المولى من يده، واليد باقية حقيقة، وشرط بطلانها بالحجر حكما فراغها عن حاجته وإقراره دليل تحققها،   [البناية] في يده أن يقيم منه المغصوب، والديون لا الأمانات، فلهذا قدم ذكر الأمانة فتبين المراد منه فافهم. قوله فيقضي مما في يده أي يقضي للمقر له من الذي في يده. م: (وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: لا يجوز إقراره) ش: وبه قالت الثلاثة ويؤخذ به بعد العتق وما في يده لمولاه م: (لهما: أن المصح لإقراره إن كان هو الإذن فقد زال بالحجر، وإن كان اليد فالحجر أبطلها) ش: أي اليد م: (لأن يد المحجور غير معتبرة) ش: شرعا. فإن قيل: لا نسلم أن يده غير معتبرة فإنه لو استودع وديعة ثم غاب ليس لمولاه أخذها والمسألة في " المبسوط ". ولو كانت غير معتبرة كانت الوديعة كثوب ألقته الريح في حجر رجل وكان حضور العبد وغيبته سواء، أجيب بأن تأويلها إذا لم يعلم المودع أن الوديعة كسب العبد، أما إذا علم ذلك فللمولى أخذه، وكذا إذا علم أنه مال المولى ولم يعلم بأنه كسب العبد. م: (وصار كما إذا أخذ المولى كسبه من يده قبل إقراره) ش: أي حكم إقراره بما في يده لغير المولى، كما إذا أخذ المولى ... إلى أخره حيث لا يسمع إقراره فيه بالاتفاق م: (أو ثبت حجره بالبيع من غيره) ش: أي أو صار كما إذا ثبت حجر العبد يبيعه مولاه من غيره فإنه لا يصح إقراره أيضا م: (ولهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لا يصح إقراره في حق الرقبة بعد الحجر) ش: يعني إذا أقر بعد الحجر بمال لا يصح هذا الإقرار في حق الرقبة حتى لا يباع به بالاتفاق. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن المصحح) ش: لإقراره م: (هو اليد، ولهذا لا يصح إقرار المأذون فيما أخذه المولى من يده) ش: لزوال المصحح م: (واليد) ش: أي يد العبد م: (باقية حقيقة) ش: وهو ظاهر؛ لأن الكلام في الإقرار بما في يده م: (وشرط بطلانها بالحجر حكما فراغها عن حاجته) ش: أي شرط بطلان اليد بالحجر من حيث الحكم فراغ اليد عن حاجته م: (وإقراره دليل تحققها) ش: أي تحقق الحاجة. ولقائل أن يقول دليل تحقق الحاجة مطلقا أو عند صحته، والأول ممنوع، والثاني مسلم، ولكن صحة هذا الإقرار في حيز النزاع فلا يصح أخذه في الدليل. والجواب أن مطلقه دليل تحققها حملا لحال المقر على الصلاح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 156 بخلاف ما إذا انتزعه المولى من يده قبل الإقرار لأن يد المولى ثابتة حقيقة وحكما فلا تبطل بإقراره وكذا ملكه ثابت في رقبته فلا يبطل بإقراره من غير رضاه وهذا بخلاف ما إذا باعه لأن العبد قد تبدل بتبدل الملك على ما عرف فلا يبقى ما ثبت بحكم الملك ولهذا لم يكن خصما فيما باشره قبل البيع.   [البناية] فإن قيل: لو كان إقراره دليل تحقيقها يصح بما انتزعه المولى من يده قبل الإقرار. أجيب: بأن يد المولى ثابتة حقيقة وحكما. أما حقيقة فلأن الكلام فيما انتزعه من يده، وأما حكما فلأن النزع كان قبل ثبوت الدين فلا تبطل يده بإقراره؛ لأنه إقرار بما ليس في يده أصلا وهو باطل. م: (بخلاف ما إذا انتزعه المولى من يده قبل الإقرار) ش: هذا وما بعده إشارة إلى جواب عما استشهد أبو يوسف ومحمد رحمهما الله به من المسائل الاتفاقية م: (لأن يد المولى ثابتة حقيقة) ش: وهو ظاهر، لأنه في يده وهو ملكه م: (وحكما) ش: وهو أنه قبضه قبل ظهور الدين م: (فلا تبطل) ش: أي يد المولى م: (بإقراره) ش: أي بإقرار العبد. م: (وكذا ملكه ثابت في رقبته فلا يبطل بإقراره من غير رضاه) ش: أي من غير رضى المولى إذ لا يد للعبد في رقبته بعد الحجر م: (وهذا) ش: أي ما ذكرنا من الحكم م: (بخلاف ما إذا باعه) ش: أي باع المأذون وفي يده كسب فأقر فإنه لا يصح م: (لأن العبد قد تبدل بتبدل الملك) ش: أي لأنه صار كعبد آخر لتجدد الملك فصار بمنزلة شخص آخر بحكم تبدل الملك م: (على ما عرف) ش: إشارة إلى «حديث بريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فهو لها صدقة ولنا هدية» فإن الحكم فيه تبدل بتبدل الملك على ما عرف في موضعه م: (فلا يبقى) ش: أي إذا كان الأمر كذلك لا يبقى للعبد المأذون بعد بيعه م: (ما ثبت بحكم الملك) ش: أي ما ثبت له من حكم الإذن الذي كان ثابتا عليه للمولى بحكم أنه ملك المولى فلا جرم لم يصح إقراره بما في يده بعد البيع لعدم إبقاء الإذن. م: (ولهذا) ش: توضيح لتبدل العبد بتبدل الملك م: (لم يكن) ش: العبد م: (خصما فيما باشره قبل البيع) ش: أي لم يكن خصما في حقوق عقد باشره عند الأول قبل بيعه من التسلم والتسليم والرد بالعيب. وإن كان خصما فيها بعد الحجر قبل البيع، وعلى هذا إذا حجر المأذون وفي يده ألف فأقر بعدما أذن له ثابتا بألف لا يلزمه في الإذن الأول قضاء من ذلك الألف عنده، وعندهما هذا الألف للمولى ويصح هذا الإقرار فيؤمر المولى بقضاء دين أو يباع. وفي " الأسرار " وعلى هذا الخلاف إذا حجر الصبي المأذون وفي يده كسب فيقر به يصح عنده خلافا لهما. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 157 قال: وإذا لزمته ديون تحيط بماله ورقبته لم يملك المولى ما في يده ولو أعتق من كسبه عبدا لم يعتق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: يملك ما في يده ويعتق وعليه قيمته لأنه وجد سبب الملك في كسبه وهو ملك رقبته، ولهذا يملك إعتاقها ووطء الجارية المأذون لها، وهذا آية كماله بخلاف الوارث لأنه يثبت الملك له نظرا للمورث والنظر في   [البناية] [ديون العبد المأذون له في التجارة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا لزمته ديون تحيط بماله ورقبته لم يملك المولى ما في يده) ش: بأن كان قيمته ألفا فاشترى عبدا يساوي ألفا وعليه ألفا درهم، قيد بقوله تحيط بماله ورقبته. لأنه إذا لم يحط بشيء من ذلك يملك المولى ما في يده وينفذ عتقه بالإجماع على ما يجيء في الكتاب وإذا أحاط بماله دون رقبته لم يذكره في الكتاب. ونقل بعض الشارحين عن بيوع " الجامع الصغير " أن العتق فيه جائز. م: (ولو أعتق من كسبه عبدا لم يعتق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: يملك ما في يده ويعتق) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يملك المولى ما في يده وينفذ عتقه، وبه قالت الثلاثة، م: (وعليه قيمته) ش: أي على المولى قيمة العبد للغرماء لتعلق حقهم به م: (لأنه وجد سبب الملك في كسبه وهو) ش: أي سبب الملك في الكسب م: (ملك الرقبة) ش: لأن ملك الأصل علة ملك الفرع م: (ولهذا) ش: أي ولأجل وجود سبب الملك م: (يملك) ش: المولى م: (إعتاقها) ش: أي الرقبة. وفي بعض النسخ إعتاقه، أي العبد المأذون م: (ووطء الجارية المأذون لها) ش: بالغصب، أي ويملك وطء الجارية التي أذن لها. ألا ترى أن المولى إذا وطئ جارية عبده المأذون فجاءت بولد فادعاه يثبت نسبه، وإن كان عليه دين يحيط بالإجماع ولا يغرم عقرهما، ولو لم يملك ينبغي أن يغرم عقرها م: (وهذا) ش: أي نفوذ إعتاقه وحل وطئه م: (آية كماله) ش: أي علامة كمال الملك؛ لأن الوطء لا يكون إلا في الملك الكامل، وكذلك العتق. م: (بخلاف الوارث) ش: جواب عما يقال سلمنا ذلك، ولكن المانع متحقق وهو إحاطة الدين فإنها تمنع عن ذلك كما في التركة إذا استغرقتها الديون فإنها تمنع إعتاق الوارث. فأجاب بقوله بخلاف الوارث إذا أعتق عبدا من التركة وهي مشغولة كلها بالدين حيث لا ينفذ م: (لأنه يثبت الملك له نظرا للمورث) ش: بإيصال ماله إلى أقرب الناس إليه، ولهذا يقدم الأقرب فالأقرب، ولا نظر للمورث في ذلك عند إحاطة الدين بتركته، بل الرعاية م: (والنظر في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 158 ضده عند إحاطة الدين بتركته. أما ملك المولى فما ثبت نظرا للعبد. وله: أن ملك المولى إنما يثبت خلافة عن العبد عند فراغه عن حاجته كملك الوارث على ما قررناه والمحيط به الدين مشغول بها فلا يخلفه فيه. وإذا عرف ثبوت الملك وعدمه فالعتق فريعته.   [البناية] ضده) ش: أي في ضد ثبوت الملك للوارث وهو عدم ثبوت الملك له م: (عند إحاطة الدين بتركته) ش: وذلك لأن قضاء الدين فرض عليه وهو حائل بينه وبين ربه، والميراث بأصله. وإذا كان سبب الملك النظر وقد فات الملك ولا عتق في غير الملك م: (أما ملك المولى ما ثبت نظرا للعبد) ش: حتى يراعى ذلك بعدم العتق، حتى يقضى دينه. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن ملك المولى إنما يثبت خلافة عن العبد عند فراغه عن حاجة العبد) ش: لأنه متصرف لنفسه وقضيته أن يقع الكسب له وقوعه للمولى على سبيل الخلاف عنه، فكان من شرطه فراغه عن حاجته، ولهذا لو امتنع عن الإنفاق على عهده أمر بالاكتساب والإنفاق على نفسه ورد ما فضل عن حاجته إلى سيده. م: (كملك الوارث على ما قررناه) ش: يعني في مسألة تعلق الدين بكسبه في قوله ويتعلق الدين بكسبه م: (والمحيط به الدين مشغول بها) ش: يعني المال الذي أحاط به الدين مشغول بالحاجة. م: (فلا يحلفه فيه) ش: أي فلا يحلف المولى العبد في المحيط به الدين، يعني كما أن الدين المحيط بالتركة يمنع ملك الوارث في الرقبة، فكذلك الدين المحيط بالكسب، والرقبة يمنع ملك المولى؛ لأن الخلافة في الموضعين لانعدام أهلية الملك في المال، فالميت ليس بأهل للمالكية كالرقيق؛ لأن المالكية عبارة عن القدرة والموت والرق ينافيان ذلك، بل منافاة الموت أظهر والميت جعل كالمالك حكما لقيام حاجته إلى قضاء ديونه فكذلك الرقيق. م: (وإذا عرف ثبوت الملك) ش: عندهما م: (وعدمه) ش: أي عدم ثبوت الملك عنده، عرف العتق وعدمه لكونه من فرعه، أشار إليه بقوله م: (فالعتق فريعته) ش: أي فريعة الملك، فمن قال بثبوت الملك نفذ العتق، ومن لم يقل به أبطله، وكذا لو قال: هذا ابني يثبت نسبه إن كان مجهول النسب عندهما، ويعتق، وعنده لا يثبت ولا يعتق. وكذا لو قتل عبد المأذون يغرم قيمته في ثلاث فإنه عنده؛ لأنه لم يملكه فصار كقتل عبد لأجنبي فكان ضمان جناية وعندها يغرم قيمته للحال؛ لأنه لو قتل بعد، أو تعلق به حق الغرماء فيضمن حقهم للحال، والفريعة بضم الفاء تصغير فرعة، أشار بهذا البنية إلى القلة بينهما على أن ثبوت الملك له فروع كثيرة وإن العتق فلا يسر منه فافهم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 159 وإذا نفذ عندهما يضمن قيمته للغرماء لتعلق حقهم به، قال: وإن لم يكن الدين محيطا بماله جاز عتقه في قولهم جميعا، أما عندهما فظاهر، وكذا عنده؛ لأنه لا يجري عن قليله فلو جعل مانعاً لانسد باب الانتفاع. بكسبه فيختل ما هو المقصود من الإذن، ولهذا لا يمنع ملك الوارث والمستغرق يمنعه. قال: وإن باع من المولى شيئا بمثل قيمته جاز، لأنه كالأجنبي عن كسبه إذا كان عليه دين يحيط بكسبه. وإن باعه بنقصان لم يجز مطلقاً لأنه متهم   [البناية] م: (وإذا نفذ) ش: أي العتق م: (عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله م: (يضمن قيمته للغرماء) ش: أي يضمن المولى قيمة العبد للغرماء م: (لتعلق حقهم به) ش: أي بالعبد. م: (قال: وإن لم يكن الدين محيطا بماله جاز عتقه) ش: أي عتق المولى عبد عبده والمأذون م: (في قولهم جميعا، أما عندهما فظاهر) ش: لأن المولى عندهما يملك يده على ما مر م: (وكذا عنده) ش: أي وكذا يعتق عند أبي حنيفة م: (لأنه لا يعرى عن قليله) ش: أي عن قليل الدين م: (فلو جعل) ش: أي قليل الدين. م: (مانعا) ش: هو ملك المولى ما في يد المأذون م: (لانسد باب الانتفاع بكسبه فيختل ما هو المقصود من الإذن) ش: وهو الانتفاع بكسبه م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (لا يمنع) ش: أي قليل الدين م: (ملك الوارث) ش: إذا كان على الميت قليل من الدين م: (والمستغرق يمنعه) ش: أي الدين المستغرق للتركة يمنع ملك الوارث. لأن حقهم بعد وفاء الدين وهو حق الميت فيقدم، وبه قال الشافعي وأحمد رحمهما الله في رواية. وقال في قوله وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية لا يمنع استغراق التركة بالدين ملك الوارث، وبه قال مالك. وذكر في " المحيط " أن هذا قول أبي حنيفة الأول على ما سيجيء إن شاء الله تعالى. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن باع) ش: أي العبد المأذون الذي لزمته الديون م: (من المولى شيئا بمثل قيمته جاز؛ لأنه كالأجنبي عن كسبه) ش: أي لأن المولى كالأجنبي عن كسب العبد المأذون المديون م: (إذا كان عليه دين يحيط بكسبه) ش: وهذا لو أتلف المولى ماله وأعتقه يضمن، وعليه قيمته، وهذا القيد يقيد أنه إذا لم يكن عليه دين لا يجوز بيعه من المولى شيئا ولا يبيع المولى منه شيئا حتى لا يثبت فيه الشفعة. م: (وإن باعه بنقصان لم يجز) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - سواء كان النقصان يسيرا أو فاحشا وعندهما يجوز ويجبر المولى على ما يجيء م: (لأنه) ش: أي لأن العبد م: (متهم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 160 في حقه بخلاف ما إذا حابى الأجنبي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا تهمة فيه وبخلاف ما إذا باع المريض من الوارث بمثل قيمته حيث لا يجوز عنده؛   [البناية] في حقه) ش: أي في حق المولى بميله إليه عادة م: (بخلاف ما إذا حابى الأجنبي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: حيث يجوز مطلقا م: (لأنه لا تهمة فيه) ش: أي فيما إذا حابى الأجنبي، فإن قلت: قد تكون التهمة فيه موجودة. قلت: هو موهوم؛ لأن مجرد الاحتمال لا يعتبر، وإنما المعتبر هو الاحتمال الناشئ عن الدليل. م: (وبخلاف ما إذا باع المريض من الوارث بمثل قيمته حيث لا يجوز عنده) ش: يروى بالواو وبدونها. قال السغناقي: هذا متعلق بأول المسألة وهو قوله: وإذا باع من المولى شيئا بمثل قيمته جاز هذا على تقدير الواو في قوله وبخلاف وليس بصحيح؛ لأنه معطوف بلا معطوف عليه، بل المناسب لذلك عدم الواو. وقال: ويجوز أن يكون بدون الواو فيتعلق بحكم قوله المتصل به وهو قوله بخلاف ما إذا جاز الأجنبي، أي أنه يجوز في كل حال، أعني إذا كانت المحاباة يسيرة، أو فاحشة، أو كان البيع بمثل القيمة، وبيع المريض من وارثه، لا يجوز عند أبي حنيفة في كل حالة من هذه الأحوال، وهذا أوجه، ولكن النسخة بالواو وباباه قبل ذلك أوجه من حيث اللفظ بالقرب دون المعنى. لأن المفهوم من قوله: بخلاف ما إذا حابى الأجنبي جواز المحاباة معه مطلقا، ولا يرجع المريض من وارثه بمثل القيمة إشكالا عليه، حتى يحتاج إلى جواب. والظاهر عدم الواو يجعله متعلقا بأول المسألة. وفي الكلام تعقيد، وتقدير كلامه هكذا: وإن باع من المولى شيئا بثمل القيمة جاز؛ لأنه كالأجنبي عن كسبه، إذا كان عليه دين بخلاف ما إذا باع المريض من الوارث بمثل قيمته حيث لا يجوز عنده ... إلى آخره، ثم يذكر بعد ذلك قوله: وإن باع المريض بنقصان لم يجز إلى آخره. قلت: الأوجه ما ذكره " تاج الشريعة " أن قوله وبخلاف ما إذا باع المريض نقص على أصل المسألة، وهو أن بيع المأذون من المولى بمثل القيمة جائز. ولو باع المريض من الوارث بمثل القيمة لا يجوز. قلت: ينبغي أن يأتي بالمسألة بلا واو؛ لأنه أول مسألة تورد نقضا على مسألة الكتاب، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 161 لأن حق بقية الورثة تعلق بعينه، حتى كان لأحدهم الاستخلاص من الغرماء بأداء قيمته، أما حق الغرماء فيتعلق بالمالية لا غير فافترقا، وقالا: إن باعه بنقصان يجوز البيع، ويخير المولى إن شاء أزال المحاباة، وإن شاء نقض البيع. وعلى المذهبين اليسير من المحاباة والفاحش سواء. ووجه ذلك أن الامتناع لدفع الضرر من الغرماء، وبهذا يندفع الضرر عنهم، وهذا بخلاف البيع من الأجنبي بالمحاباة اليسيرة، حيث يجوز ولا يؤمر بإزالة المحاباة والمولى يؤمر به؛ لأن البيع باليسير منها   [البناية] دون قوله، بخلاف ما إذا حابى الأجنبي؛ لأنه لبيان الفرق بين ما إذا باعه من المولى بنقصان لم يجز، ومع الأجنبي جاز، وإنما أدخل الواو فيه، لئلا يتوهم أنه نقص على بيع المريض من الأجنبي بالمحاباة فأدخل الواو فدفع هذا الوهم. م: (لأن حق بقية الورثة تعلق بعينه) ش: أي بعين مال الميت م: (حتى كان لأحدهم الاستخلاص من الغرماء بأداء قيمته) ش: إلى الغرماء م: (أما حق الغرماء فيتعلق بالمالية لا غير فافترقا) ش: أي المولى والمريض في جواز البيع من المولى بمثل القيمة دون الوارث. م: (وقالا) ش: أبو يوسف ومحمد: م: (إن باعه بنقصان يجوز البيع، ويخير المولى إن شاء أزال المحاباة) ش: بإيصال الثمن إلى تمام القيمة م: (وإن شاء نقض البيع) ش: وتخصيصهما الحكم اختيار من المصنف لقول بعض المشايخ. قيل: والصحيح أنه قول الكل؛ لأن المولى بسبيل من تخليص كسبه لنفسه بالقيمة بدون البيع، فلأن يكون له ذلك بالبيع أولى، فصار العبد في تصرفه مع مولاه كالمريض المديون في تصرفه مع الأجنبي. م: (وعلى المذهبين) ش: أي مذهب أبي حنيفة ومذهب صاحبيه وهذا اعتراض بين الحكم والدليل لبيان تساوي المحاباة باليسير والكثير، فإن على مذهب أبي حنيفة م: (اليسير من المحاباة والفاحش سواء) ش: حتى إذا باع من مولاه بنقصان يسير أو كثير لا يجوز، فلا تخيير، وعلى مذهبهما يجوز، ولكن خير المولى بين تتميم القيمة أو نقص البيع. م: (ووجه ذلك) ش: أو وجه الجواز مع التخيير م: (أن الامتناع) ش: عن البيع بالنقصان م: (لدفع الضرر من الغرماء، وبهذا) ش: أي بالتخيير م: (يندفع الضرر عنهم) ش: أي عن الغرماء م: (وهذا) ش: أي الذي ذكرنا من الجواز والتخيير م: (بخلاف البيع من الأجنبي بالمحاباة اليسيرة، حيث يجوز ولا يؤمر بإزالة المحاباة والمولى يؤمر به؛ لأن البيع باليسير منها) ش: أي من المحاباة، هكذا هو في كتاب " تاج الشريعة ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 162 متردد بين التبرع والبيع لدخوله تحت تقويم المقومين فاعتبرناه تبرعا في البيع مع المولى للتهمة غير تبرع في حق الأجنبي لانعدامها وبخلاف ما إذا باع من الأجنبي بالكثير من المحاباة حيث لا يجوز أصلا عندهما، ومن المولى يجوز ويؤمر بإزالة المحاباة؛ لأن المحاباة لا تجوز من العبد المأذون على أصلهما إلا بإذن المولى ولا إذن بالمحاباة في البيع مع الأجنبي وهو إذن بمباشرته بنفسه، غير أن إزالة المحاباة لحق الغرماء وهذان الفرقان على أصلهما قال: وإن باعه المولى شيئا بمثل القيمة أو أقل جاز البيع لأن المولى أجنبي عن كسبه إذا كان عليه دين على ما بيناه   [البناية] وفي بقية الشروح منهما، أي من المولى والأجنبي م: (متردد بين التبرع والبيع) ش: أما التبرع فلخلو البيع عن الثمن في قدر المحاباة وأما البيع م: (لدخوله تحت تقويم المقومين فاعتبرناه) ش: أي اعتبرنا حكم هذا العقد م: (تبرعا في البيع مع المولى للتهمة غير تبرع) ش: أي حال كونه م: (في حق الأجنبي لانعدامها) ش: أي لانعدام التهمة. م: (وبخلاف ما إذا باع من الأجنبي بالكثير من المحاباة حيث لا يجوز عندهما أصلا، ومن المولى يجوز ويؤمر بإزالة المحاباة؛ لأن المحاباة لا تجوز من العبد المأذون على أصلهما إلا بإذن المولى ولا إذن بالمحاباة في البيع مع الأجنبي وهو إذن) ش: أي المولى إذن، وهو فاعل من الإذن م: (بمباشرته بنفسه، غير أن إزالة المحاباة لحق الغرماء) ش: وذلك لأجل الضرر. م: (وهذان الفرقان على أصلهما) ش: أي الفرق بين المولى والأجنبي في حق المحاباة اليسيرة حيث يؤمر الأول بإزالتها دون الأجنبي، والفرق بينهما في الكثير حيث لا يجوز عندهما مع الأجنبي أصلا، ويجوز مع المولى. ويؤمر بإزالته في بعض النسخ، وهذا الفرقان بلفظ الإفراد على وزن فعلان بضم كغفران مصدر بمعنى الفرق فتكون النون مرفوعة. وعلى الوجه الأول النون مكسورة؛ لأنها نون التثنية فتكسر على ما عرف، قال في " النهاية ": والأول أصح لوجود هذين العرفين على قولهما، وكونه مثبتا في النسخ المصححة، وإنما قال على أصلهما؛ لأن أبا حنيفة لم يجوزها، والبيع من المولى إلا بالغبن اليسير ولا بالفاحش لا يحتاج إلى هذا من الفريقين، وإنما يحتاج في فرق واحد بين البيع من الأجنبي بالغش الفاحش حيث جاز عنده، وبين البيع من المولى حيث لا يجوز والفرق ما ذكر في الكتاب. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن باعه المولى) ش: أي إن باع المولى من عبد المأذون المديون المستغرق م: (شيئا بمثل القيمة أو أقل جاز البيع) ش: بالإجماع م: (لأن المولى أجنبي عن كسبه إذا كان عليه دين على ما بيناه) ش: في هذا الكتاب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 163 ولا تهمة في هذا البيع، ولأنه مفيد فإنه يدخل في كسب العبد ما لم يكن فيه ويتمكن المولى من أخذ الثمن بعد أن لم يكن له هذا التمكن وصحة التصرف تتبع الفائدة فإن سلم إليه قبل قبض الثمن بطل الثمن؛ لأن حق المولى في العين من حيث الجنس فلو بقي بعد سقوطه يبقى في الدين ولا يستوجبه المولى على عبده بخلاف ما إذا كان الثمن عرضا؛ لأنه يتعين وجاز أن يبقى حقه متعلقا بالعين قال: وإن أمسكه في يده حتى يستوفي الثمن جاز؛ لأن البائع له حق الحبس في المبيع، ولهذا كان أخص به من سائر الغرماء وجاز أن يكون للمولى حق في الدين إذا كان يتعلق بالعين   [البناية] م: (ولا تهمة في هذا البيع، ولأنه مفيد فإنه يدخل في كسب العبد ما لم يكن فيه) ش: أي في كسبه م: (ويتمكن المولى من أخذ الثمن بعد أن لم يكن له هذا التمكن وصحة التصرف تتبع الفائدة) ش: أراد جواز البيع يعتمد الفائدة، وقد وجدت فإنه يخرج من كسب العبد إلى ملك المولى ما كان المولى ممنوعا عنه قبل ذلك لحق الغرماء، ويدخل في كسب العبد ما لم يكن تعلق به حق. وهذا الذي ذكره جميعه يمشي على قول الكل غير قوله؛ لأن المولى أجنبي عن كسبه، فإنه عندهما غير أجنبي على ما عرف. م: (فإن سلم) ش: المبيع م: (إليه) ش: أي إلى العبد م: (قبل قبض الثمن بطل الثمن؛ لأن حق المولى) ش: ثابت م: (في العين من حيث الجنس) ش: لعدم تعلق حقه بمالية العين بعد البيع، والثابت في العين من حيث الجنس سقط بالتسلم فحق المولى سقط به م: (فلو بقي بعد سقوطه يبقى في الدين) ش: لكونه في مقابلة العين م: (ولا يستوجبه المولى على عبده) ش: أي لا يستحق المولى دينا على عبده، حتى لو أتلف شيئا من ماله لم يضمن. وفي " المبسوط " هذا ظاهر الرواية. وعن أبي يوسف، هذا إذا استهلك العبد المقبوض، فإنه كان قائما في يده للمولى أن يسترده حتى يستوفي الثمن من العبد. م: (بخلاف ما إذا كان الثمن عرضا؛ لأنه يتعين) ش: أي حينئذ المولى أحق بذلك الثمن من الغرماء؛ لأنه بالعقد ملك العرض بعينه م: (وجاز أن يبقى حقه متعلقا بالعين) ش: وهو في يد عبده وهو أحق من الغرماء، كما لو غصب العبد شيئا من ماله أو أودع ماله عند عبده. م: (قال: وإن أمسكه في يده) ش: أي إن حبس المولى البيع م: (حتى يستوفي الثمن جاز؛ لأن البائع له حق الحبس في المبيع، ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (كان أخص به من سائر الغرماء) ش: إذا كان المبيع قائما في يده، وفائدة كونه أخص أنه إذا مات المشتري قبل أداء الثمن يكون البائع أولى بالمبيع من غيره، كالرهن في يد المرتهن إذا مات الراهن يكون المرتهن أحق به من سائر الغرماء م: (وجاز أن يكون للمولى حق في الدين إذا كان يتعلق بالعين) ش: هذا جواب عما يقال الجزء: 11 ¦ الصفحة: 164 ولو باعه بأكثر من قيمته يؤمر بإزالة المحاباة أو ينقض البيع كما بينا في جانب العبد؛ لأن الزيادة تعلق بها حق الغرماء. قال وإذا أعتق المولى العبد المأذون وعليه ديون فعتقه جائز؛ لأن ملكه فيه باق والمولى ضامن بقيمته للغرماء؛ لأنه أتلف ما تعلق به حقهم بيعا واستيفاء من ثمنه وما بقي من الديون يطالب به بعد العتق؛ لأن الدين في ذمته وما لزم المولى إلا بقدر ما أتلف ضمانا فبقي الباقي عليه كما كان، فإن كان أقل من قيمته ضمن الدين لا غير، لأن حقهم بقدره.   [البناية] أنتم قلتم: إن المولى لا يستوجب على عبده دينا فقد استوجب دينا في ذمة العبد حتى حبس المبيع لأجله. وتقرير الجواب أن يقال: يجوز أن يكون للمولى حق في الدين إذا تعلق بالعين كالمكاتب، فإن المولى استوجب عليه بدل الكتابة، وهو دين لما تعلق برقبته، وهذا؛ لأن البيع قبل التسليم يزيل العين عند ملك البائع ولا يزيل يده ما لم يستوف الثمن، فإذا كانت اليد باقية تعلق حقه بالعين من حيث هي وبالدين من حيث تعلقه بالعين. م: (ولو باعه) ش: أي ولو باع المولى من عبد المأذون شيئا م: (بأكثر من قيمته يؤمر بإزالة المحاباة) ش: سواء كانت الزيادة قليلة أو كثيرة م: (أو ينقض البيع كما بينا في جانب العبد؛ لأن الزيادة تعلق بها حق الغرماء) ش: أشار بقوله كما بينا إلى قوله ويخير المولى بإزالة المحاباة إلى آخره، فالمصنف أطلق لفظ المحاباة بينهما من غير ذكر خلاف هذا وقع على اختيار صاحب " المبسوط " من الأصح. وأما على رواية مبسوط شيخ الإسلام هذا البيع لا يجوز أصلا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلا يرد التخيير عنده، وعندهم يجوز البيع مع التخيير. وفي " الكافي ": ولا يحتمل أن يكون المبيع فاسدا عند أبي حنيفة على قول بعض المشايخ كما في الفصل الأول. [عتق العبد المأذون الذي عليه دين] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا أعتق المولى العبد المأذون وعليه ديون فعتقه جائز) ش: أي والحال أن عليه ديون لزمته بسبب التجارة أو الغصب أو جحود الوديعة أو إتلاف المال فعتقه، أي إعتاقه جائز، ولا نعلم فيه خلافا م: (لأن ملكه فيه باق والمولى ضامن بقيمته للغرماء؛ لأنه أتلف ما تعلق به حقهم بيعا واستيفاء من ثمنه) ش: أي من جهة بيع العبد ومن جهة استيفاء الديون من ثمن العبد، فإذا كان كذلك فإنه يضمن قيمته بالغة ما بلغت إذا كان الدين مثلها أو أكثر منها علم بالدين، أو لم يعلم به م: (وما بقي من الديون يطالب به بعد العتق؛ لأن الدين في ذمته وما لزم المولى إلا بقدر ما أتلف ضمانا فبقي الباقي عليه كما كان) ش: انتصاب ضمانا على التمييز، أي من حيث الضمان م: (فإن كان) ش: أي الدين م: (أقل من قيمته ضمن الدين لا غير؛ لأن حقهم بقدره) ش: أي لأن حق الغرماء بقدر الدين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 165 بخلاف ما إذا أعتق المدبر وأم الولد المأذون لهما، وقد ركبتهما ديون لأن حق الغرماء لم يتعلق برقبتهما استيفاء بالبيع فلم يكن المولى متلفا حقهم فلا يضمن شيئا قال فإن باعه المولى وعليه دين يحيط برقبته وقبضه المشتري وغيبه فإن شاء الغرماء ضمنوا البائع قيمته، وإن شاءوا ضمنوا المشتري   [البناية] م: (بخلاف ما إذا أعتق المدبر وأم الولد المأذون لهما، وقد ركبتهما ديون) ش: حيث لا ضمان عليه م: (لأن حق الغرماء لم يتعلق برقبتهما استيفاء بالبيع) ش: أي من حيث استيفاء الدين بواسطة البيع؛ لأنهما لا يقبلان النقل من ملك إلى ملك م: (فلم يكن المولى متلفا حقهم فلا يضمن شيئا قال) ش: أي في الجامع الصغير ": م: (فإن باعه المولى) ش: أي فإن باع المولى العبد المأذون له بثمن لا يفي بديون الغرماء بدون إذنهم م: (وعليه دين يحيط برقبته وقبضه المشتري وغيبه) ش: أي والحال أن المأذون عليه دين يحيط برقبته وقبضه المشتري وغيبه. قيد بقوله: وغيبه؛ لأن الغرماء إذ قدروا على العبد كان لهم أن يبطلوا البيع إلا أن يقضي المولى ديونهم، فإذا لم يقدروا على العبد م: (فإن شاء الغرماء ضمنوا البائع قيمته، وإن شاءوا ضمنوا المشتري) ش: هذا الخيار إن كان الثمن أقل من القيمة. أما إذا كان كثيرا أو مساويا فلا خيار لهم وهذا الضمان أيضا إذا كان البيع بغير إذن القاضي وبغير إذن الغرماء والدين حال، والثمن لا يفي بديونهم، حتى لو باعه بإذنهم أو بإذن القاضي أو الدين مؤجل أو بقي الثمن بديونهم لا ضمان على المولى في هذه الوجوه. فإن قلت: حق الغرماء لحق المرتهن، وذلك يمنع الراهن من البيع سواء كان الدين حالا أو مؤجلا. قلت: ليس كذلك إذ للمرتهن في الرهن ملك اليد وذلك قائم مقام التأصل في الدين، وبه يعجز الراهن عن التسليم وليس للغرماء حق ملك اليد في المأذون ولا في كسبه، وإنما لهم عن المطالبة بقضاء الدين وذلك متأخر إلى حلول الأجل. فإن قلت: لم يجب على المولى الضمان بالبيع؛ لأن حقهم في ذلك، والمولى دفع المؤنة عنهم فصار كالوصي إذا باع التركة بغير إذن الغرماء فليس لهم أن يضمنوه. قلت: حق الغرماء في بيع التركة لا غير. أما هاهنا ليس لهم أن يبيعوه لجواز أن لا يصل إليهم حقهم بتقدير البيع. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 166 لأن العبد تعلق به حقهم حتى كان لهم أن يبيعوه إلا أن يقضي المولى دينهم والبائع متلف حقهم بالبيع والتسليم والمشتري بالقبض والتغييب فيخيرون في التضمين وإن شاءوا أجازوا البيع وأخذوا الثمن؛ لأن الحق لهم والإجازة اللاحقة كالإذن السابق كما في المرهون فإن ضمنوا البائع قيمته ثم رد على المولى بعيب فللمولى أن يرجع بالقيمة ويكون حق الغرماء في العبد؛ لأن سبب الضمان قد زال وهو البيع والتسليم وصار كالغاصب إذا باع وسلم وضمن القيمة ثم رد عليه بالعيب كان له أن يرد على المالك ويسترد القيمة   [البناية] م: (لأن العبد تعلق به حقهم حتى كان لهم أن يبيعوه إلا أن يقضي المولى دينهم) ش: فحينئذ ليس لهم أن يبيعوه لوصولهم إلى حقهم م: (والبائع) ش: وهو المولى م: (متلف حقهم بالبيع والتسليم) ش: أي متلف حق الغرماء ببيع العبد الذي تعلق به حقهم والتسليم إلى المشتري م: (والمشتري بالقبض والتغييب) ش: أي والمشتري متلف أيضا بقبض العبد وتغييبه إياه م: (فيخيرون في التضمين) ش: أي إذا كان الأمر كذلك تخير الغرماء في تضمين البائع أو المشتري. م: (وإن شاءوا أجازوا البيع) ش: هذا يدل على أن هذا البيع كان موقوفا. وقال قاضي خان: وهذا البيع قبل إجازة الغرماء فاسد وليس بموقوف فعله على المأذون م: (وأخذوا الثمن؛ لأن الحق لهم والإجازة اللاحقة كالإذن السابق) ش: ولو كان البيع بإذنهم لم يكن هناك ضمان، فكذا إذا أجازوا. فإن قلت: يشكل بما إذا كفل رجل عن غيره بغير إذنه. ثم إن أجازوا المكفول له لا يرجع الكفيل عليه. قلت: لأنها لا تحتاج إلى الإذن فلا يؤثر الإذن فيها ولا كذلك هاهنا، فإن البيع يتوقف لزومه على إجازة الغرماء، فإذا وجدت أثر في اللزوم. م: (كما في المرهون) ش: يعني الراهن إذا باع الرهن بلا إذن المرتهن، ثم أجاز المرتهن البيع يجوز فكذا هاهنا؛ لأن الإذن في الانتهاء كالإذن في الابتداء م: (فإن ضمنوا البائع قيمته) ش: أي إن ضمن الغرماء المولى البائع قيمة العبد الذي باعه م: (ثم رد على المولى بعيب فللمولى أن يرجع بالقيمة) ش: على الغرماء م: (ويكون حق الغرماء في العبد؛ لأن سبب الضمان قد زال وهو البيع والتسليم) ش: قال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعني إذا قبله بقضاء القاضي، لأن القاضي لما رده فقد فسخ العقد فيما بينهما فعاد إلى الحال الأول. م: (وصار كالغاصب) ش: أي صار المولى هنا كالغاصب م: (إذا باع) ش: العين المغصوبة م: (وسلم وضمن القيمة ثم رد عليه بالعيب كان له أن يرد على المالك ويسترد القيمة) ش: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 167 كذا هذا. قال: ولو كان المولى باعه من رجل وأعلمه بالدين فللغرماء أن يردوا البيع لتعلق حقهم وهو الاستسعاء والاستيفاء من رقبته، وفي كل واحد منهما فائدة، فالأول تام مؤخر، والثاني ناقص معجل، وبالبيع يفوت هذه الخيرة، فلهذا لهم أن يردوه، قالوا: تأويله إذا لم يصل إليهم الثمن، فإن وصل ولا محاباة في البيع ليس لهم أن يردوه لوصول حقهم إليهم.   [البناية] أي كان للغاصب أن يرد العين التي باعها وردت عليه بالعيب على المالك ويأخذ منه القيمة التي دفعها إليه بسبب الضمان. م: (كذا هذا) ش: أي كالغاصب البائع أو حكم البائع كحكم الغاصب. م: (قال: ولو كان المولى باعه من رجل وأعلمه بالدين) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير "، وصورتها فيه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في عبد لرجل عليه دين باعه من رجل وأعلمه بالدين وقبض الرجل ثم جاء الغرماء قال لهم: أن يردوا البيع، وإن كان البائع غائبا فلا خصومة بينهم وبين المشتري، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: المشتري خصم ويقضى لهم بدينهم. انتهى. قوله: وأعلمه أي المشتري بأن قال: هذا عبد مديون، وفائدة الإعلام سقوط خيار المشتري في الرد بعيب الدين، حتى يقع البيع لازما فيما بينهما، وإن لم يكن لازما في حق الغرماء، إذا لم يكن في ثمنه وفاء دينهم م: (فللغرماء أن يردوا البيع لتعلق حقهم وهو حق الاستسعاء والاستيفاء من رقبته) ش: أي من رقبة العبد بالاستسعاء، وينبغي أن تقدر كلمة به بعد قوله من رقبته، أي بالاستسعاء كما ذكرنا. م: (وفي كل واحد منهما) ش: أي من الاستسعاء والاستيفاء م: (فائدة، فالأول) ش: أي الاستسعاء م: (تام مؤخر) ش: يعني آجل م: (والثاني) ش: أي البيع م: (ناقص معجل، وبالبيع يفوت هذه الخيرة) ش: أي الخيار م: (فلهذا لهم أن يردوه) ش: أي فلأجل ما ذكرنا للغرماء أن يردوا البيع. م: (وقالوا) ش: أي المشايخ م: (تأويله) ش: أي تأويل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.: لهم أن يردوا البيع م: (إذا لم يصل إليهم الثمن) ش: بأن لا يفي الثمن بديونهم؛ لأنه كان لهم حق الاستسعاء إلى أن تصل إليهم ديونهم، ولهذا البيع لا يمكنهم الاستسعاء، فكان لهم أن ينقضوا البيع. م: (فإن وصل) ش: أي الثمن إليهم م: (ولا محاباة في البيع ليس لهم أن يردوه) ش: أي البيع م: (لوصول حقهم إليهم) ش: قيل: في عبارته تسامح؛ لأن وصول الثمن إليهم مع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 168 قال: فإن كان البائع غائبا فلا خصومة بينهم وبين المشتري، معناه إذا أنكر الدين، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المشتري خصم، ويقضى لهم بدينهم، وعلى هذا الخلاف إذا اشترى دارا   [البناية] عدم المحاباة في البيع لا يستلزم نفي الرد لجواز أن يصل إليهم الثمن ولا محاباة في البيع، لكن لا يفي الثمن بديونهم فيبقى لهم، ولأن الرد للاستسعاء في الديون، وأجيب بأنهم قد رضوا بإسقاط حقهم حيث قبضوا الثمن فلم يبق لهم ولاية الرد وفيه نظر؛ لأنه يذهب بفائدة قوله ولا محاباة في البيع، فإنهم إذا قبضوا الثمن ورضوا به سقط حقهم وكان فيه محاباة. ولعل الصواب أن يقال: قوله: ولا محاباة في البيع، معناه أن الثمن بقي بديونهم بدليل قَوْله تَعَالَى. والثاني: ناقص معجل، فإنه إنما يكون ناقصا إذا لم يف بالديون. فإن قيل: إذا باع المولى عبد الجاني بعد العلم بالجناية كان مختارا للرد، فما بال هذا لا يكون مختارا لقضاء الديون من ماله. أجيب: بأن موجب الجناية الدفع على المولى، فإذا تعذر عليه بالبيع طولب به لبقاء الواجب عليه. وأما الدين فهو واجب في ذمة العبد بحيث لا يسقط عنه بالبيع، ولا إعتاق حتى يؤاخذ به بعد العتق. فلما كان كذلك كان البيع من المولى بمنزلة أن يقول أنا أقضي دينه، وذلك عدة منه بالتبرع فلا يلزمه. وفيه نظر؛ لأن قوله أنا أقضي دينه يحتمل الكفالة فلم يتعين عدة. الجواب: أن العدة أدنى الاحتمالين فيثبت به إلا أن يقوم الدليل على خلافه. م: (قال: فإن كان البائع غائبا فلا خصومة بينهم وبين المشتري) ش: أي البائع والمولى م: (معناه) ش: أي معنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن كان البائع غائبا فلا خصومة بينهم وبين المشتري م: (إذا أنكر) ش: أي المشتري م: (الدين) ش: قيد به؛ لأنه لو أقر المشتري بدينهم وصدقهم فلهم نقضه بلا خلاف إذا لم يف الثمن بديونهم. ذكره المحبوبي. وكذا لو كان المشتري غائبا والبائع حاضرا فلا خصومة بينهم وبين البائع في رقبة العبد بلا خلاف، ذكره في " المبسوط " م: (وهذا) ش: أي عدم كون الخصومة بينهم وبين المشتري وهذا م: (عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال: أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - المشتري خصم ويقضى لهم بدينهم) ش: أي يقضى للغرماء بدينهم م: (وعلى هذا الخلاف إذا اشترى دارا) ش: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 169 ووهبها وسلمها وغاب، ثم حضر الشفيع، فالموهوب له ليس بخصم عندهما خلافا له وعنهما مثل قوله في مسألة الشفعة لأبي يوسف أنه يدعي الملك لنفسه فيكون خصما لكل من ينازعه ولهما أن الدعوى تتضمن فسخ العقد وقد قام بهما فيكون الفسخ قضاء على الغائب   [البناية] لها شفيع. م: (ووهبها) ش: لرجل م: (وسلمها وغاب، ثم حضر الشفيع، فالموهوب له ليس بخصم عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (خلافا له) ش: أي لأبي يوسف م: (وعنهما) ش: أي، عن أبي حنيفة، ومحمد م: (مثل قوله) ش: أي مثل قول أبي يوسف م: (في مسألة الشفعة) ش؛ بأن يكون الموهوب له خصما. وهذا رواية ابن سماعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لأبي يوسف أنه) ش: أي المشتري م: (يدعي الملك لنفسه) ش: لأنه ممسك للعين، فكل من أمسك الشيء لنفسه يكون مالكا م: (فيكون خصما لكل من ينازعه) ش: ألا ترى أن رجلا لو اشترى عبدا شراء فاسدا فجاء رجل فادعى أن العبد له فالمشتري خصم، لأنه في يده وهو مالك، فكذا هذا. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أن الدعوى تتضمن فسخ العقد وقد قام بهما) ش: أي البائع والمشتري م: (فيكون الفسخ قضاء على الغائب) ش: فلا يجوز؛ لأن الحاضر ليس بخصم عنه. فإن قلت: يشكل بما إذا ادعى رجل الملك على ذي اليد وهو يقول اشتريت من فلان الغائب، فإن ذا اليد يكون خصما، وإن كان القضاء على المشتري قضاء على الغائب. قلت: فيما أوردت له يصير فسخا؛ لأنه لما أقام المدعي البينة على الملك ظهر أن البيع الذي جرى بين الغائب وبين ذي اليد لم يكن بيعا لكونه ملك المدعي، ولا كذلك هاهنا؛ لأن البيع من المولى بالقضاء بالرد قضاء على الغائب وعلى المولى بالفسخ أو كقضاء على الغائب لا يجوز. وقال الشيخ أبو المعين النسفي في شرح " الجامع الكبير " في كتاب الشفعة: رجل اشترى دارا فوهبها لآخر وغاب المشتري بعدما قبضها الموهوب له، فالموهوب له خصم للشفيع في قول أبي يوسف ويقضى له بها وبالثمن وتبطل الهبة ويستوثق من الثمن، وكذلك لو باعها المشتري أخذ الشفيع إن شاء بالبيع الأول وإن شاء بالبيع الآخر. وقال محمد: ليس بين الشفيع وبين الموهوب له والمتصدق عليه خصومة حتى يحضر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 170 قال: ومن قدم مصرا، وقال: أنا عبد لفلان، فاشترى وباع لزمه كل شيء من التجارة؛ لأنه إن أخبر بالإذن فالإخبار دليل عليه، وإن لم يخبر فتصرفه جائز، إذ الظاهر أن المحجور يجري على موجب حجره والعمل بالظاهر هو الأصل في المعاملات؛ كيلا يضيق الأمر على الناس،   [البناية] المشترى، وكذلك بالبيع إن أراد الشفيع الأخذ بالبيع الأول، وإن أرادها البيع الثاني فالمشتري الآخر خصم، وهذا تسليم للشفعة من الشفيع في البيع الأول. قال الشيخ أبو المعين ولم يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع " قول أبي حنيفة واختلف المشايخ فيه. قال مشايخ بلخ قوله: مع أبي يوسف فيجعل قول أبي يوسف ما أمكن وهاهنا الإمكان ثابت؛ لأنه لم ينص محمد على خلاف ذلك، قال مشايخ العراق: لا، بل قوله مع محمد؛ لأن ابن سماعة ذكر في نوادره هذه المسألة. وذكر قول أبي حنيفة مع محمد رحمهما الله. [قدم مصرا فباع واشترى وقال إنه عبد لفلان] م: (قال: ومن قدم مصرا) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير "، وإنما ومن قدم ولم يقل وإذا قدم، عبد مصرا؛ لأنه لا يعلم كونه عبدا إلا بقوله وإنما ذكر مصرا؛ لأنه لم يرد به مصرا معينا، وإنما أراد مصرا من الأمصار م: (فقال: أنا عبد لفلان فاشترى وباع لزمه كل شيء من التجارة) ش: وهذا استحسان، والقياس أن لا يقبل قوله؛ لأنه أخبر عن شيئين: أحدهما: أخبر أنه مملوك، وهذا إقرار منه على نفسه. والثاني: أنه أخبر أنه مأذون في التجارة، وهذا إقرار على المولى، وإقراره عليه ليس بحجة. وجه الاستحسان هو قوله: م: (لأنه إن أخبر بالإذن فالإخبار دليل عليه) ش: أشار بهذا إلى أن المسألة على وجهين، أحدهما: أنه يخبر أن مولاه أذن له فيصدق استحسانا عدلا كان أو غير عدل، والقياس أن لا يصدق، وبه قالت الثلاثة. والوجه الآخر هو قوله: م: (وإن لم يخبر) ش: أي لم يقل إن مولاه أذن له، بل باع واشترى م: (فتصرفه جائز، إذ الظاهر أن المحجور يجري على موجب حجره، والعمل بالظاهر هو الأصل) ش: أي فتصرفه دليل على أنه مأذون فيه، والقياس أن لا يثبت وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه إذا الظاهر أن المحجور على موجب حجره والعمل بالظاهر هو الأصل. م: (في المعاملات كيلا يضيق الأمر على الناس) ش: توضيحه: أن الناس بحاجة إلى قبول قوله؛ لأن الإنسان يبعث الأحرار والعبد في التجارة، فلو لم يقبل قول الواحد في المعاملات، لاحتاج إلى أن يبعث شاهدين ليشهدا عند كل تصرف، أنه مأذون له في التجارة، وفي ذلك من الضيق ما لا يخفى. والقياس أن يشترط عدالة المخبر؛ لأن خبر العدل حجة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 171 إلا أنه لا يباع حتى يحضر مولاه؛ لأنه لا يقبل قوله في الرقبة؛ لأنها خالص حق المولى، بخلاف الكسب؛ لأنه حق العبد على ما بيناه، فإن حضر وقال: هو مأذون بيع في الدين؛ لأنه ظهر الدين في حق المولى وإن قال: هو محجور فالقول قوله؛ لأنه متمسك بالأصل.   [البناية] وفي " الاستحسان ": لا يشترط للضرورة والبلوى. م: (إلا أنه لا يباع) ش: استثناء من قوله: ألزمه كل شيء، ومعناه لأنه إذا لم يكن في كسبه، وقالا: يباع في الدين م: (حتى يحضر مولاه؛ لأنه لا يقبل قوله في الرقبة؛ لأنه خالص حق المولى) ش: لأن بيعها ليس من لوازم الإذن في التجارة، ألا ترى أنه إذا أذن للمدبر وأم الولد ولحقهما الدين لا يباعان فيه، فكانت الرقبة خالص حق المولى، وحينئذ جاز أن يكون مأذونا ولا يباع. م: (بخلاف الكسب) ش: حيث يقضي الدين عنه؛ لأن قضاء الدين من كسبه من لوازم الإذن في التجارة م: (لأنه) ش: أي الكسب م: (حق العبد على ما بيناه) ش: أشار به إلى قوله في وسط كتاب المأذون، ويتعلق دينه بكسبه إلى أن قال: إن المولى إنما يخلفه في الملك بعد فراغه عن حاجة العبد م: (فإن حضر) ش: أي المولى م: (وقال: هو مأذون بيع في الدين) ش: يعني إذا لم يقض المولى دينه م: (لأنه ظهر الدين في حق المولى) ش: أي بقوله إنه مأذون وحكم المأذون أنه يباع في الدين. م: (وإن قال: هو محجور فالقول قوله) ش: أي قول المولى مع يمينه م: (لأنه متمسك بالأصل) ش: وهو عدم الإذن، وإذا أقامت الغرماء البينة أنه أذن له فحينئذ يباع؛ لأن دعوى العبد الإذن عليه كدعوى العتق والكتابة، فلا يقبل قوله عند جحود المولى إلا بالبينة. وفي " مبسوط " شيخ الإسلام خواهر زاده: إذا أقامت الغرماء البينة أنه مأذون له والعبد محجور عليه والمولى غائب لا يقبل بينتهم حتى لا تباع رقبة العبد بالدين؛ لأنها قامت على غائب، وليس عنه خصم حاضر، وإن أقر العبد بالدين فباع القاضي أكسابه، وقضى دين الغرماء ثم جاء المولى، وأنكر الإذن فإن القاضي يكلف الغرماء البينة على الإذن، فإن أقاموها وإلا ردوا على المولى جميع ما قبضوا من ثمن أكساب العبد، ولا ينقض البيوع، التي جرت من القاضي في كسبه؛ لأن للقاضي ولاية في بيع مال الغائب، ويؤخر حقوق الغرماء، إلى أن يعتق العبد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 172 فصل وإذا أذن ولي الصبي للصبي في التجارة فهو في البيع والشراء كالعبد المأذون إذا كان يعقل البيع والشراء حتى ينفذ تصرفه وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا ينفذ لأن حجره لصباه فيبقى ببقائه ولأنه مولى عليه حتى يملك الولي التصرف عليه ويملك حجره فلا يكون واليا للمنافاة وصار كالطلاق والعتاق   [البناية] [فصل في أحكام إذن الصغير] م: (فصل) ش: لما فرغ عن بيان أحكام العبد في الإذن، شرع في أحكام إذن الصغير، وقدم الأول لكثرة وقوعه. م: (وإذا أذن ولي الصبي للصبي) ش: وهو أبوه أو جده أو وصيهما أو نحوهم م: (في التجارة فهو في البيع والشراء كالعبد المأذون) ش: في نفوذ تصرفه وعدم التقيد بنوع دون نوع وصيرورته مأذونا بالسكوت وصحة إقراره بما في يده وغير ذلك مما ذكر في العبد. م: (إذا كان يعقل البيع والشراء) ش: أي يعرف أن البيع سالب للملك والشراء جالب له، ويعرف الغبن اليسير والفاحش، وليس المراد منه أن يعرف نفس العبارة، فإنه ما من صبي لقن البيع والشراء إلا ويتلفهما، كذا قال شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مبسوطه ". وبعضهم قال: معناه أن يعرف البيع، ويقف على قيم الأشياء على وجه لو سئل عن قيمة شيء يقرب في تقويمه، ولا يجازف، فإن كان هكذا، فالظاهر أنه لا يغبن فيكون كالبالغ، فيصح إذنه في التجارة، وإلا فلا، كذا قال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في شرح " الكافي " م: (حتى ينفذ تصرفه) ش: برفع الذال. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا ينفذ) ش: أي تصرفه بإذنه، وبه قال مالك وأحمد في رواية. وقال أحمد في رواية وبعض أصحاب الشافعي في وجه كقولنا م: (لأن حجره لصباه) ش: أي لأن حجر الصبي لأجل صبا نفسه م: (فيبقى ببقائه) ش: أي فيبقى الحجر ببقاء الصبا، وبقاء العلة تستلزم المعلول لا محالة، بخلاف حجر الرقيق فإنه ليس للرق نفسه، بل لحق المولى وهو بإذنه لكونه راضيا بتصرفه حينئذ. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الصبي م: (مولى عليه حتى يملك الولي التصرف عليه) ش: يعني في ماله بعد الإذن م: (ويملك حجره) ش: أي الحجر عليه م: (فلا يكون) ش: أي الصبي م: (واليا للمنافاة) ش: أي بين كونه واليا، وبين كونه موليا عليه؛ لأن كونه موليا عليه سمة العجز، وكونه واليا سمة القدرة م: (وصار) ش: أي صار تصرف الصبي م: (كالطلاق والعتاق) ش: حيث لا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 173 بخلاف الصوم والصلاة؛ لأنه لا يقام بالولي، وكذلك الوصية على أصله فتحققت الضرورة إلى تنفيذه منه. أما البيع والشراء فيتولاه الولي فلا ضرورة هاهنا، ولنا: أن التصرف المشروع صدر من أهله في محله عن ولاية شرعية   [البناية] يصحان منه، وإن أذن له الولي. م: (بخلاف الصوم) ش: النفل م: (والصلاة) ش: النافلة م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الصوم والصلاة م: (لا يقام بالولي) ش: فيصحان منه م: (وكذا الوصية) ش: أي وكذا تصح الوصية منه لصحة الصوم والصلاة م: (على أصله) ش: أراد به على أصل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فإن من أصله أن كل تصرف يتحقق من المولى لا يصح بمباشرة الصبي؛ لأن تصرفه بسبب الضرورة ولا ضرورة فيما يتصرف فيه الولي، وكل تصرف لا يتحقق بمباشرة الولي يصح تصرفه فيه بنفسه. فلهذا تعتبر وصية بأعمال البر، وإحسان الأبوين، ولا تتحقق الضرورة فيما يمكن تحصيله برأي الولي، ولهذا يصحح الشافعي إسلامه بنفسه لتحقق إسلامه بإسلام أحد أبويه، كذا في " المبسوط ". م: (فتحققت الضرورة) ش: أي إذا كان كذلك فتحققت الضرورة م: (إلى تنفيذه منه) ش: أي إلى تنفيذ التصرف الذي لا يتحقق بمباشرة المولى منه، أي من الصبي م: (أما البيع والشراء فيتولاه المولى فلا ضرورة هاهنا) ش: ولا يصح تصرفه فيه. م: (ولنا أن التصرف المشروع) ش: بقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] (سورة البقرة: الآية 275) ، مطلقا من غير فصل بين البائع، والصبي م: (صدر من أهله) ش: لكونه عاقلا مميزا يعلم أن البيع سالب، وأن الشراء جالب، ويعلم الغبن اليسير من الفاحش م: (في محله) ش: لكون المبيع مالا متقوما م: (عن ولاية شرعية) ش: لكونه ضررا عن إذن وليه والى له هذا التصرف، فكذا من أذن له، ألا ترى أن الطلاق والعتاق لما لم يملكه الولي لا يملك الإذن به، فصدورهما من الصبي لا يكون عن ولاية شرعية وإن أذن الولي بذلك. فإن قلت: لا نسلم أنه أهل، وهذا؛ لأن مجرد العقل والتمييز لا يكفي، بل بالبلوغ شرط يصير أهلا، إذ الشخص إنما يصير أهلا للتصرف بكمال الحال، وحال الإنسان لا يكمل قبل البلوغ، وهذا لا يتوجه عليه خطابات الشرع؛ لأن العقل والتمييز اللذين يعرف بهما الأشياء أمر باطن، ولذلك يتفاوت في نفسه فأقيم البلوغ مقامه فلا يعتبر وجود العقل في الصبي. قلت: العقل وحده يكفي لثبوت الأهلية؛ لأنه به تحصيل معرفة الأشياء، إلا أن الصبي مظنة المرحمة، وبالخطاب يتضرر، وصحة العبارة نفع محض إذ الآدمي شرف على غيره بها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 174 فوجب تنفيذه على ما عرف تقريره في الخلافيات. والصبا سبب الحجر لعدم الهداية لا لذاته وقد ثبتت نظرا إلى إذن الولي وبقاء ولايته لنظر الصبي لاستيفاء المصلحة بطريقين واحتمال تبدل الحال بخلاف الطلاق والعتاق لأنه   [البناية] والخلاف في الصحة؛ لأن المذهب عندنا أن الصبي إذا باع ماله انعقد ويتوقف على الإجازة كالراهن يبيع المرهون ينعقد ويتوقف على إجازة المرتهن. م: (فوجب تنفيذه) ش: أي إذا كان كذلك فوجب تنفيذ التصرف الذي لا يتحقق بمباشرة الولي بتصرف الصبي كما قال م: (على ما عرف تقريره في الخلافيات) ش: أي تقرير الخلاف الذي بيننا وبين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذا المسألة. [ .... .... .] . م: (والصبا سبب الحجر) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن حجره لصباه. وتقريره: أنا لا نسلم أن حجر الصبي لذاته بل بالغير، أشار إليه بقوله م: (لعدم الهداية) ش: أي إلى التصرفات، فصار كالعبد في كون حجره لغيره م: (لا لذاته) ش: لكونه أهلا، فإذا انضم إلى رأي الولي صار هو والبائع سواء فيترجح جانب النفع على جانب الضرر، بل هذا أقرب؛ لأنه تصرف حضره رأيان، فكان أقرب إلى النظر الذي حضره واحد فلا يبقى الضرر فيرتفع الحجر. م: (وقد ثبتت) ش: أي الهداية إلى التصرفات م: (نظرا إلى إذن الولي) ش: لأنه لو لم يعلم أنه هاد في أمور التجارة لما أذن له م: (وبقاء ولايته) ش: يرفع بقاء على الابتداء، وخبره قوله م: (لنظر الصبي) ش: أي بقاء ولاية الولي بعد الإذن نظرا للصبي، وهذا جواب ما يقال لو ثبتت له الهداية بالإذن لم يبق الولي وليا. وتقريره: أن بقاء ولايته بعد ذلك للنظر له، فإن الصبا من أسباب المرحمة بالحديث وفي الاعتبار كلامه في التصرف نفع محض م: (لاستيفاء المصلحة بطريقين) ش: أي بمباشرة وليه له، ومباشرة نفسه، فكان مرحمة في حقه فوجب اعتباره م: (واحتمال تبدل الحال) ش: بالجر عطفا على قوله لاستيفاء المصلحة، أي ولاحتمال تبدل حال الصبي، من الهداية إلى غيرها، فأبقينا ولاية الولي لتدارك ذلك. م: (بخلاف الطلاق والعتاق) ش: جواب عن قوله صار كالطلاق والعتاق م: (لأنه) ش: أي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 175 صار محض فلا يؤهل له. والنافع المحض كقبول الهبة والصدقة يؤهل له قبل الإذن، والبيع والشراء دائر بين النفع والضرر، فيجعل أهلا له بعد الإذن لا قبله، لكن قبل الإذن يكون موقوفا منه على إجازة الولي لاحتمال وقوعه نظرا وصحة التصرف في نفسه، وذكر الولي في الكتاب ينتظم الأب والجد عند عدمه والوصي والقاضي   [البناية] لأن كل واحد من الطلاق والعتاق م: (صار محض، فلا يؤهل له) ش: أي فلم يجعل الصبا أهل للضار المحض، أي للتصرف فيه م: (والنافع المحض) ش: بالرفع مبتدأ م: (كقبول الهبة والصدقة) ش: مثال للنافع المحض م: (يؤهل له) ش: خبر المبتدأ، أي يجعل الصبي أهلا له، أي للنافع المحض سواء كان م: (قبل الإذن) ش: أو بعده، فلا يتوقف على الإذن م: (والبيع والشراء) ش: البيع مبتدأ أيضا، والشراء عطف عليه. وقوله: م: (دائر بين النفع والضرر) ش: خبره. فإن قلت: المبتدأ شيئان والمشتري واحد والتطابق شرط. قلت: تقديره، وكل واحد من البيع والشراء دائر، أي متردد بين البيع على اعتبار الربح، والضرر على اعتبار الخسران. م: (فيجعل أهلا له بعد الإذن لا قبله) ش: أي إذا كان كذلك يجعل الصبي أهلا لهذا النوع من التصرفات م: (لكن قبل الإذن يكون موقوفا منه) ش: هذا جواب عما يقال أنتم ما عملتم بجهة كونه ضارا، فكان ينبغي أن لا يجوز. وتقريره أنه إن وقفنا قبل الإذن م: (على إجازة الولي لاحتمال، وقوعه نظرا) ش: فإن أحد المحتملين م: (وصحة التصرف في نفسه) ش: بجر صحة، أي ولصحة التصرف في نفسه؛ لأنه مشروع صدر من أهله في محله. فإن قيل: إذا باع شيئا بأضعاف قيمته كان نافعا محضا كقبول الهبة، فيجب نفوذه بلا توقف. أجيب: بأن المعتبر في ذلك هو الوضع كالجزئيات الواقعة اتفاقا. م: (وذكر الولي في الكتاب) ش: أي في " مختصر القدوري "، أراد به ما ذكره بقوله وإذا أذن ولي الصبي م: (ينتظم الأب والجد عند عدمه) ش: أي عند عدم الأب، وليس المراد به الترتيب؛ لأن وصي الأب مقدم على الجد. م: (والوصي) ش: بالنصب، أي وينتظم الولي، أي وصي الأب ووصي الجد م: (والقاضي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 176 والوالي بخلاف صاحب الشرط؛ لأنه ليس إليه تقليد القضاة.   [البناية] والوالي) ش: بالنصب أيضا، أي وينتظم الوالي. وفي " المبسوط ": وليه أبوه، ثم وصيه، ثم جده أبو الأب، ثم وصيه، ثم القاضي، أو وصي القاضي، فأما الإمام، أو وصيهما فلا ولاية لهما عليه، فلا يصح الإذن منهما، ولا يقال وصي الأم باع العروض التي ورث الضيعة من أمه يجوز، لأن ذلك من باب الحفظ على الأم الميتة وعلى الصغير، لا لأنه تجارة. حتى لو اشترى شيئا آخر لليتيم لا يجوز، كذا في " الذخيرة ". وعند الثلاثة: وصي الصبي والمجنون، والأب، ثم الجد، وإن عدما فالسلطان. وفي شرح " الطحاوي "، وفي الصغير أبوه، ووصي أبيه، ثم جده، ثم وصي جده، ثم وصي جده وصية، ثم القاضي، ومن نصيبه القاضي سواء كان الصغير في عيال هؤلاء أو لم يكن. م: (بخلاف صاحب الشرط) ش: يريد به أمير البلدة كأمير بخارى، فكان الوالي أكبر منه؛ لأن له ولاية تقليد القضاء دون صاحب الشرط. وقوله: الشرط بضم الشين المعجمة وفتح الراء وهو جمع شرطة بضم الشين وسكون الراء والشرطة خيار الجند، وأول كتيبة تحضر الحرب. وفي " العباب ": الشرطي والشرطة واحد الشرط. قال الأصمعي: سموا بذلك؛ لأنهم جعلوا؛ لأنفسهم علامة يعرفون بها. وقال أبو عبيدة: سموا شرطا؛ لأنهم أعدوا الشرطة أول طائفة من الجيش تحضر الوقعة. قلت: أصل ذلك من الشرط بفتحتين، وهو العلامة ومنه أشراط الساعة، أي علاماتها. م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (ليس إليه) ش: أي إلى صاحب الشرط م: (تقليد القضاة) ش: والوالي إليه تقليد القضاة، فكان أكبر منه، فلذلك، ينتظمه حكم، الولاية؛ لأنه يلي التصرفات على البابين، بخلاف صاحب الشرط، فإنه فوض إليه أمر خاص. قلت: فعلى هذا لا تكون الولاية في مصر إلا للسلطان؛ لأن له التصرف العام، بخلاف غيره من الحكام؛ لأن كلا منهم يفوض إليه في أمر خاص، إلا القضاة، فإنه يفوض إليهم سائر الأحكام الشرعية، فكذلك لا تكون الولاية في البلاد الشامية إلا للقضاة خاصة، اللهم إلا قلد إلى أحد من نوابها الكبار تقليد القضاة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 177 والشرط أن يعقل كون البيع سالبا للملك جالبا للربح والتشبيه بالعبد المأذون يقيدان ما يثبت في العبد من الأحكام يثبت في حقه لأن الإذن فك الحجر، والمأذون يتصرف بأهلية نفسه عبدا كان أو صبيا، فلا يتقيد تصرفه بنوع دون نوع ويصير مأذونا بالسكوت كما في العبد ويصح إقراره بما في يده من كسبه   [البناية] م: (والشرط أن يعقل) ش: الصبي م: (كون البيع سالبا للملك جالبا للربح) ش: وقد مر بيان هذا الشرط م: (والتشبيه بالعبد المأذون) ش: أراد تشبيه الصبي بالعبد المأذون في قوله: وهو في البيع والشراء كالبعد المأذون م: (يقيدان ما يثبت في العبد من الأحكام يثبت في حقه) ش: أي في حق الصبي لا يقال يرد عليه أن التعميم ليس بمستقيم. فإن المولى محجور عن التصرف في مال العبد المأذون المديون بدين محيط بماله دون الولي؛ لأنا نقول إن ذلك من الحجار المولى وعدم لحجار المولى ليس من التعميم في تصرف العبد والصبي. وبأن دين الصبي لكونه حرا يتعلق بذمته لا بمال، فجاز أن يتصرف فيه الولي، ودين العبد يتعلق بكسبه والمولى أجنبي منه إذا كان الدين مستغرقا، ويصح إقراره بعد الإذن بما هو كسبه عينا كان أو دينا لوليه ولغيره، ولانفكاك الحجر عنه، فكان كالبالغين، وأورد بأن الولاية المتعدية نوع الولاية القائمة، والولي لا يملك الإقرار على مال الصبي، فكيف أفادته ذلك بإذنه. والجواب: أنه إفادة من حيث كونه من توابع التجارة والولي يملك الإذن بالتجارة وتوابعها. م: (لأن الإذن فك الحجر، والمأذون يتصرف بأهلية نفسه عبدا كان أو صبيا، فلا يتقيد تصرفه بنوع دون نوع) ش: أراد أن المأذون له في التصرف إنما يتصرف بأهلية نفسه فيستوي فيه العبد والصبي، فإذا استويا في ذلك فلا يتقيد تصرفهما في نوع دون نوع لما مر فيما مضى. م: (ويصير) ش: أي الصبي م: (مأذونا بالسكوت) ش: بأن يراه وليه يبيع أو يشتري فيسكت، فإنه أذن له، لكن هذا في الأب والجد، والوصي لا في القاضي ألا ترى إلى ما ذكر في " الفتاوى الصغرى " أن القاضي إذا رأى الصغير أو المعتوه أو عبد الصغير يبيع ويشتري فسكت لا يكون إذنا في التجارة م: (كما في العبد) ش: إذا رآه مولاه يبيع فسكت فإنه يكون مأذونا. م: (ويصح إقراره بما في يده من كسبه) ش: أي يصح إقرار الصبي بعد الإذن بما هو كسبه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 178 وكذا بموروثه في ظاهر الرواية، كما يصح إقرار العبد ولا يملك تزويج عبده ولا كتابته، كما في العبد والمعتوه الذي يعقل البيع والشراء بمنزلة الصبي   [البناية] عينا كان أو دينا لوليه ولغير وليه لانفكاك الحجر عنه فكان كالبالغين، وأراد بأن الولاية المتعدية فرع الولاية القائمة، والولي لا يملك الإقرار على مال الصبي فكيف إفادة ذلك بإذنه. والجواب: أنه إفادة من حيث كونه من توابع التجارة والولي يملك الإذن بالتجارة وتوابعها م: (وكذا بموروثه) ش: أي كذا يصح إقراره بموروثه بأن أقر بشيء من تركة أبيه لإنسان م: (ظاهر الرواية) ش: احترز به عن رواية الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يجوز إقراره بذلك؛ لأن صحة إقراره في كسبه لحاجته في التجارة إلى ذلك لئلا يمتنع الناس عن معاملته في التجارة وهي معدومة في الموروث. وجه الظاهر أن الحجر لما انفك عنه بالإذن التحق بالبالغين ولهذا نفذ أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد الإذن تصرفه بالغبن الفاحش كالبالغين، فكان الموروث والمكتسب في صحة الإقرار سواء لكونه مالية م: (كما يصح إقرار العبد) ش: بعد الإذن لانفكاك الحجر عنه. م: (ولا يملك تزويج عبده) ش: أي ولا يملك تزويج عبده، قيد بالعبد؛ لأن عدم جواز تزويجه بالإجماع أما في عدم تزويج أمته خلاف بين أبي حنيفة ومحمد، وبين أبي يوسف فعنده يملك تزويج أمته، لأن فيه تحصيل المال، وعندهما لا يملكه؛ لأن النكاح ليس من عقود التجارة فلا يملك كالعبد المأذون م: (ولا كتابته كما في العبد) ش: أي ولا يملك كتابة عبد أيضا كما في العبد المأذون. فإن قيل: الأب والوصي يملكان الكتابة في عبد الصبي فينبغي أن يملكها الصبي بعد الإذن. قلت: الإذن يتناول ما كان من صيغ التجارة، والكتابة ليست منه. م: (والمعتوه الذي يعقل البيع والشراء بمنزلة الصبي) ش: يعني الجواب فيه كالجواب في الصبي المميز والأنعام فيه خلاف. وفي " الذخيرة ": المعتوه الذي يعقل البيع والشراء كالصبي إذا بلغ معتوها، أما إذا بلغ عاقلا ثم عتقه فأذن له الولي في التجارة هل يصح إذنه؟، فقال أبو بكر البلخي لا يصح إذنه قياسا، وهو قول أبي يوسف، ويصح استحسانا هو قول محمد، وهذا بخلاف ما لو أعقته الأب أو جن فإنه لا يثبت للابن الكبير ولاية التصرف في ماله إنما يثبت له ولاية التزويج لا غير. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 179 يصير مأذونا بإذن الأب والجد والوصي دون غيرهم على ما بيناه وحكمه حكم الصبي والله أعلم.   [البناية] وقال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في شرح " الكافي " والمعتوه الذي يعقل البيع والشراء في التجارة بمنزلة الصبي الذي يعقل؛ لأنه ناقص العقل وإن كان لا يعقل فهو مجنون، فيكون بمنزلة الصبي الذي لا يعقل. ولو أذن المعتوه الذي يعقل البيع والشراء في التجارة ابنه كان باطلا مولى عليه فلا يلي على غيره م: (يصير مأذون بإذن الأب والوصي والجد دون غيرهم) ش: من الأقارب كالابن المعتوه م: (على ما بيناه) ش: أشار به إلى قوله وذكر المولى في الكتاب ينتظم الأب والجد إلى أخذه م: (وحكمه حكم الصبي، والله أعلم) ش: أي حكم المعتوه كحكم الصبي إذا بلغ معتوها كما ذكرنا. فوائد: موت الأب أو وصيه حجر على الصبي، كذا في شرح " الكافي "، ولو كان القاضي أذن للصبي أو المعتوه في التجارة ثم عزل القاضي أو مات فهما على إذنهما. وقال خواهر زاده في " مبسوطه ": وإذا كان للصبي أو المعتوه أب أو وصي أو جد لأب فرأى القاضي أن يأذن للصبي أو المعتوه في التجارة فأذن له وأبي أبوه فإذنه جائز، وإن كان ولاية للقاضي على الصغير مؤخر من ولاية الأب والوصي لأب الأب لا يصير عاضلا له فتنقل الولاية إلى القاضي كالولي في " باب النكاح " إذا عضل انتقلت الولاية إلى القاضي فإن حجر عليه أحد من هؤلاء بعد ذلك فحجره باطل، وإن حجر عليه هذا القاضي بعدما عزل لا يعمل لعدم ولاية القضاء، وإن حجر القاضي أو الذي قام مقامه عمل حجره، والله أعلم بالصواب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 180 كتاب الغصب الغصب في اللغة عبارة عن أخذ الشيء من الغير على سبيل التغليب للاستعمال فيه بين أهل اللغة وفي الشريعة: أخذ مال متقوم محترم بغير إذن المالك على وجه يزيل يده   [البناية] [كتاب الغصب] [تعريف الغصب] م: (كتاب الغصب) ش: إيراده عقيب كتاب الإذن لكونه من أنواع التجارة في المستقبل، ألا ترى أن إقرار المأذون لما صح بدون غيرها صح بديون التجارة دون غيرها صح بدون الغصب، ولم يصح بدين الغصب، ولم يصح بدين الحر لكون الأول من التجارة دون الثاني: فكان ذكر النوع بعد ذكر الجنس مناسبا. وجه المناسبة التقابل، لأن المأذون يتصرف بالإذن الشرعي والغاصب بخلافه، فلذلك قدم كتاب المأذون عليه؛ لأنه مشروع دون الغصب. م: (الغصب في اللغة عبارة عن أخذ الشيء من الغير على سبيل التغلب) ش: أي أخذ الشيء ظلما وقهرا، تقول غصبه منه وغصبه عليه بمعنى، قيل وغصبه إياه أيضا، والشيء أغصب ومغصوب، قلت قولهم شيء غصب تسمية بالمصدر فهذا الذي ذكره يتناول متقوما وغير متقوم، يقال غصب زوجة وحمر فلان م: (للاستعمال فيه بين أهل اللغة) ش: أي استعمال لفظ الغصب في أخذ الشيء من الغير على سبيل التغلب. م: (وفي الشريعة: أخذ مال) ش: أي الغصب في اصطلاح الشريعة أخذ مال، وهذا بمنزلة الجنس للحد وباقي قيوده كالفصل؛ لأنه يتناول المحدود وغيره. وقوله م: (متقوم) ش: احتراز عن الخمر. وقوله م: (محترم) ش: احتراز عن مال الحربي فإنه غير محترم. وقوله م: (بغير إذن المالك) ش: احتراز عما إذا أخذه بإذن مالكه، فإنه لا يسمى غصبا. وقوله م: (على وجه يزيل يده) ش: أي يد المالك لبيان أن إزالة يد المالك لا بد منها في حد الغصب عندنا؛ لأن الشرط عندنا إزالة اليد المتحققة وإثبات المبطلة وعند الثلاثة يبقى فيه إثبات اليد المبطلة، وعلى هذا تخرج المسائل على ما نذكرها إن شاء الله تعالى. غير أن إزالة اليد الحقة بالنقل والتحويل. وعندهما إثبات اليد في المنقول بالنقل إلا في الدابة، فيكفي فيها الركوب، وفي الفراش الجلوس عليه. وفي العقار الغصب يتحقق عندهم بالدخول، وإزعاج المالك حتى لو أزعج ولم يدخل لم يضمن. ولو دخل ولم يزعج ولم يقصد الاستيلاء لم يضمن، والضعيف إذا دخل دار القوي وهو الجزء: 11 ¦ الصفحة: 181 حتى كان استخدام العبد وحمل الدابة غصبا دون الجلوس على البساط، ثم إن كان مع العلم فحكمه المأثم والمغرم، وإن كان بدونه فالضمان؛ لأنه حق العبد، فلا يتوقف على قصده ولا إثم، لأن الخطأ موضوع.   [البناية] فيها وقصد الاستيلاء لم يضمن، كذا في " الذخيرة " وشرحه. وقال الناطفي في كتاب " الأجناس " الغصب عبارة عن إيقاع فعل فيما يمكن نقله بغير إذن مالكه على وجه يتعلق به الضمان بذلك عليه من منع رجل من دخول داره ثم يمكنه من أخذ ماله لم يكن غاصبا بذلك لعدم المعنى الذي ذكرناه، وإن كان حال بينه وبين ماله أو إن نقل ماله عن موضعه صار غاصبا. م: (حتى كان استخدام العبد) ش: هذه إشارة إلي بيان مظهر فائدة التعريف الذي عرف الغصب به، أي حتى يكون على ما ذكرنا استخدام العبد م: (وحمل الدابة غصبا) ش: لأن فيه إزالة يد المالك م: (دون الجلوس على البساط) ش: يعني لا يكون غصبا لعدم إزالة يد المالك. وعند الثلاثة يكون هذا غصبا على ما ذكرنا من الأصل، وكذا تظهر ثمرة الاختلاف بيننا وبينهم في زوائد المغصوب كولد المغصوبة وثمرة البستان وأنها ليست بمضمونة عندنا لعدم إزالة اليد، وعندهم مضمونة لإثبات اليد، وكذا لو غصب حمارا وساقه فتأخر عنها جحشه فأكله الذئب لا يضمن عندنا إن لم يسق الجحش معه، وكذا لو منع أصحاب المواشي حتى ضاعت لم يضمن عندنا وعند الشافعي أيضا، ولكن ذكر في " فتاوى قاضي خان " مسألة تخالف هذا الأصل، فإنه لو قال غصب عجولا فاستهلك حتى يبس لبن أمه. قال أبو بكر البلخي: يضمن قيمة العجول ونقصان اللبن وإن لم يفعل في الأم شيئا. م: (ثم إن كان) ش: أي الغصب م: (مع العلم) ش: أي بأنه ملك المغصوب منه م: (فحكمه المأثم) ش: أي الإثم في الآخرة م: (والمغرم) ش: أي الغرامة في الدنيا، وهذا بالكتاب قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] (سورة البقر: الآية 188) إلى غير ذلك من الآيات. والسنة قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوقه الله من سبع أرضين» رواه البخاري ومسلم. وعليه إجماع العلماء. م: (وإن كان بدونه) ش: أي بدون العلم بأن ظن المأخوذ ماله أو اشترى عينا ثم ظهر استحقاقه م: (فالضمان) ش: أي فحكمه الضمان م: (لأنه حق العبد فلا يتوقف على قصده) ش: وكذا إذا كان الآخذ معذورا لحمله وعدم قصده م: (ولا إثم؛ لأن الخطأ موضوع) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 182 قال: ومن غصب شيئا له مثل كالمكيل والموزون فهلك في يده فعليه مثله، وفي بعض النسخ فعليه ضمان مثله ولا تفاوت بينهما وهذا لأن الواجب هو المثل، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] (سورة البقرة: الآية 194) ولأن المثل أعدل لما فيه من مراعاة الجنس والمالية فكان أدفع للضرر. قال: فإن لم يقدر على مثله فعليه قيمته يوم يختصمون وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] [هلاك المغصوب] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن غصب شيئا له مثل كالمكيل والموزون فهلك في يده فعليه مثله) ش: أي مثل الذي غصب، وأراد بالمكيل مثل الحنطة والشعير ونحوهما وبالموزون مثل الدراهم والدنانير، ولكن يشترط أن لا يكون الموزون مما يضر بالتبعيض، يعني غير المصوغ منه؛ لأن الوزن في الذي في تبعيضه مضرة يلحق بذوات القيم م: (وفي بعض النسخ) ش: أي وفي بعض نسخ القدوري م: (فعليه ضمان مثله ولا تفاوت بينهما) ش: أي بين المستحقين والكلامين م: (وهذا) ش: أي عدم التفاوت م: (لأن الواجب هو المثل، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] (سورة البقرة: الآية 194) ش: سمي الفعل الثاني إلى ما هو مثل صورة ومعنى. م: (ولأن المثل أعدل) ش: أي ولأن المثل صورة ومعنى أقرب إلى العدل م: (لما فيه) ش: أي لما في المثل م: (من مراعاة الجنس) ش: لأن الحنطة مثلا مثل الحنطة جنسا م: (والمالية) ش: لأن مالية الحنطة المؤداة مثل مالية الحنطة المغصوبة؛ لأن الجودة ساقطة العبرة في الديونات م: (فكان أدفع للضرر) ش: أي فكان المثل أشد دفعا للضرر عن المغصوب منه؛ لأن الغاصب فوت عليه الصورة والمعنى ني، فالجبر التام أن يتداركه بما هو مثل له صورة ومعنى. م: (قال فإن لم يقدر على مثله) ش: أي قال في " الجامع الصغير " فإن لم يقدر الغاصب على مثل الذي غصبه بأن انقطع عن أيدي الناس فلم يقدر على مثله الكامل م: (فعليه قيمته يوم يختصمون) ش: أي يوم الخصومة. م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي وجوب القيمة يوم الخصومة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه قال أكثر أصحاب الشافعي ومالك، ولم يذكر في " الجامع الصغير " خلافا؛ لأن صورته فيه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة قال: كل شيء غصب مما يكال أو يوزن فلم يقدر على مثله فخوصم فيه فعليه قيمته يوم يختصمون. وإن كان مما لا يكال ولا يوزن فعليه قيمته يوم غصبه. ولم يذكر الخلاف فيه كما ترى، فعلم بهذا أن المثلي إذا انقطع تجب على الغاصب القيمة يوم الخصومة باتفاق علمائنا الثلاثة في ظاهر الرواية، وبهذا قال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 11 ¦ الصفحة: 183 وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يوم الغصب. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يوم الانقطاع   [البناية] في شرح " الجامع الصغير "، وروي عن أبي يوسف أن عليه قيمته يوم الغصب. وروي عن محمد أن عليه قيمته يوم الانقطاع وهو مذهب زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإن كان الشيء مما لا يكال ولا يوزن فعليه قيمته يوم الغصب في قول علمائنا. وفي قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عليه أكثر القيمتين يوم الغصب ويوم الهلاك، ولأن في أصله أن زيادة الغصب مضمونة، انتهى. والاختلاف مذكور في " النوادر "، كذا قال فخر الإسلام في شرح " الجامع الصغير ". م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يوم الغصب) ش: أي عليه قيمته يوم الغصب م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يوم الانقطاع) ش: أي عليه قيمته يوم انقطاع مثله عن أيدي الناس، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وحد الانقطاع ما ذكر أبو بكر البلخي هو أن لا يوجد في السوق الذي يباع فيه، وإن كان يوجد في البيوت، وعلى هذا انقطاع الدراهم. قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولكن أصح أن يكون الشيء بحيث يوجد في زمان خاص فمضى زمانه كالرطب مثلا، والدليل على هذا ما ذكره الشيخ أبو الحسن الكرخي في " مختصره " وغصب ما يوجد في زمان دون زمان، فإذا غصبه غاصب ثم اختصما في حال انقطاع وعدمه، فإن أبا حنيفة قال يحكم على الغاصب بقيمته يوم يختصمون. وقال يعقوب يوم غصبه. وقال محمد: يحكم بقيمته عند آخر انقطاعه، ويدل عليه أيضا ما ذكره في شرح " الطحاوي " أيضا قال: ومن أتلف شيئا لرجل مما له مثل من جنسه ثم انقطع ذلك عن أيدي الناس، وصار مثله غير موجود بثمن غال ولا بثمن رخيص فصاحب المال بالخيار إن شاء انتظر إلى وجود مثله ويأخذ المال، وإن شاء لم يتربص ويأخذ القيمة. واختلفوا فيه على ثلاثة أقوال. قال أبو حنيفة يعتبر قيمته يوم الخصومة. وقال أبو يوسف يضمن قيمته يوم الاستهلاك أو وقت الغصب. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يغرم قيمته آخر ما كان موجودا، وبه أخذ الطحاوي، إلى هذا لفظ الأسبيجابي. وفي " الجواهر " للمالكية ليس له إلا مثله ويصبر حتى يوجد، قاله ابن القاسم. وقال أشهب: المالك بالخيار إن شاء صبر وإن شاء أخذ القيمة، وفي قيمته التفريع لهم. ومن غصب أرضا أو حيوانا فتلف عنده ضمن قيمته يوم غصبه لا يوم تلف، ولأكثر القيمتين. ومن غصب شيئا من المثليات والموزونات فتلف عنده وجب عليه رد مثله ولا تلزمه قيمته يوم غصبه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 184 لأبي يوسف رحمه الله أنه لما انقطع التحق بما لا مثل له فيعتبر قيمته يوم انعقاد السبب إذ هو الموجب ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الواجب المثل في الذمة وإنما ينتقل إلى القيمة بالانقطاع فيعتبر قيمته يوم الانقطاع ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن النقل لا يثبت بمجرد الانقطاع، ولهذا لو صبر إلى أن يوجد جنسه له ذلك، وإنما ينتقل بقضاء القاضي فيعتبر قيمته يوم الخصومة والقضاء بخلاف ما لا مثل له لأنه مطالب بالقيمة بأصل السبب كم وجد فيعتبر قيمته عند ذلك قال: وما لا مثل له فعليه قيمته يوم غصبه   [البناية] م: (لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: إنما قدم قوله في التعليل باعتبار ترتيب الأوقات، فإن أول الأوقات الثلاثة يوم الغصب ثم يوم الانقطاع ثم يوم الخصومة. وإيراد الأقوال على هذا الأزمنة لم يتأت إلا بتقديم قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) ش: أي أن مما له مثل م: (لما انقطع التحق بما لا مثل له، فيعتبر قيمته يوم انعقاد السبب) ش: وهو يوم الغصب، أي يوم انعقاد سبب الضمان م: (إذ هو الموجب) ش: أي لأن الغصب هو الموجب للأصل، والحلف يجب بالسبب الذي يجب به الأصل فيعتبر قيمته يوم الغصب. م: (ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الواجب المثل في الذمة) ش: بالنص الذي ذكرناه م: (وإنما ينتقل إلى القيمة بالانقطاع فيعتبر قيمته يوم الانقطاع) ش: أي يوم الانقطاع عن أيدي الناس م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن النقل) ش: من الواجب الأصلي م: (لا يثبت بمجرد الانقطاع) ش: إذ الفعل باعتبار العجز عن الأصل م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عدم ثبوت النقل بمجرد الانقطاع م: (لو صبر) ش: أي المغصوب منه م: (إلى أن يوجد جنسه له ذلك) ش: لأن حقه في مثله من جنسه، حتى لو أتى الغاصب بالقيمة لا يجبر على القبول. ولو كان انتقل إليها يجبر كما في غير المثلي، وكما إذا قضى القاضي بالقيمة م: (وإنما ينتقل) ش: أي المثل إلى القيمة م: (بقضاء القاضي فيعتبر قيمته يوم الخصومة والقضاء) ش: لأنها زمان النقل كما في ولد المغرور أنه بمنزلة العبد في حق المستحق فإِذا خاصمه المستحق صار المغرور مانعا له باعتبار حقه في الحرية، فاعتبر الحق منتقلا عن العين إلى القيمة يوم الخصومة، فكذلك هذا. م: (بخلاف ما لا مثل له) ش: حيث تجب القيمة يوم الغصب م: (لأنه) ش: أي لأن الغاصب م: (مطالب بالقيمة بأصل السبب) ش: أي بسبب الضمان وهو الغصب م: (كما وجد فيعتبر قيمته عند ذلك) ش: أي عند وجود أصل السبب. م: (قال: وما لا مثل له) ش: أي قال القدوري في " مختصره ": وما لا مثل له م: (فعليه قيمته يوم غصبه) ش: أي يوم غصب الغاصب، وقد أضيف يوم هاهنا إلى الجملة كما في قوله تعال: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 185 معناه العدديات المتفاوتة لأنه لما تعذر مراعاة الحق في الجنس فيراعى في المالية وحدها دفعا للضرر بقدر الإمكان أما العددي المتقارب فهو كالمكيل حتى يجب مثله لقلة التفاوت   [البناية] {يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة: 119] (سورة المائدة: الآية 119) ، ويجوز يوم غصبه بإضافة يوم إلى المصدر المضاف إلى فاعله أو مفعوله، فافهم م: (معناه) ش: أي معنى قول القدوري لا مثل له م: (العدديات المتفاوتة) ش: كالبطيخ والرمان والسفرجل والثياب والدواب. وقال الأترازي هذا تفسير عجيب من صاحب الهداية؛ لأنه يعتبر الكلي بالجزئي؛ لأن ما لا مثل له يشتمل الحيوانات والزرعيات، والعددي المتفاوت كالبطيخ والرمان، والوزني الذي في تبعيضه مضرة وهو المصوغ منه. قلت: هذا تفسير جيد؛ لأن معنى قول القدوري وما لا مثل له، أي الشيء الذي لا يضمن بمثله من جنسه؛ لأن الذي لا مثل له على الحقيقة هو الله تعالى، وذلك مثل العدديات المتفاوتة والثياب والدواب، كذا ذكرنا. وأما العددي المتقارب كالجوز والبيض والفلوس فهو كالمكيل، وبه قال مالك. وفي " الكافي ": وقال مالك في العدديات المتقاربة يضمن مثله بصورة من جنس ذلك، ولكن ذكر في " الجواهر " للمالكية، وكذا العددي تستوي أبعاد جملته في الصفة غالبا كالبيض والجوز ونحوه، وهذا يدل على أن قوله: في العدديات المتفاوتة كقولنا. وقال زفر: في العدديات المتفاوتة يجب القيمة أيضا، وفي " المبسوط " في العدديات المتفاوتة كالثياب والدواب تجب القيمة، وبه قالت الثلاثة وأكثر الفقهاء، وقال أهل المدينة يجب المثل وبه قال أصحاب الظاهر، لكن قالوا: إذا لم يوجد مثله يصبر حتى يوجد أو يأخذ القيمة. م: (لأنه لما تعذر مراعاة الحق في الجنس فيراعى في المالية وحدها) ش: وهي القيمة م: (دفعا للضرر بقدر الإمكان) ش: وذلك؛ لأن قيمة الشيء معنى ذلك الشيء، والمعنى هو الأصل والصورة تابعة، وإذا تعذر اعتبار الصورة للتفاوت فيها اعتبر المعنى دفعا للضرر وتعذر المعنى وقال أهل المدينة: الواجب هنا المثل وقد مر بيانه. وقال بعضهم: إذا لم يمكن رد عينه يجب نظيره ذاتا وصفة، وهو مذهب ابن سيرين، كذا في شرح " الكافي ". م: (أما العددي المتقارب) ش: وهو ما يتقارب آحاده في المالية كالجوز والبيض ونحو ذلك م: (فهو كالمكيل حتى يجب مثله لقلة التفاوت) ش: في المالية، هذا مذهب أصحابنا الثلاثة. وعند زفر تجب القيمة؛ لأنها ليست بأمثال متساوية، ولهذا يجري فيها الربا، وهذا فرع على جواز السلم فيها وقد مر في البيوع. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 186 وفي البر المخلوط بالشعير القيمة لأنه لا مثل له. قال: وعلى الغاصب رد العين المغصوبة، معناه ما دام قائما لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «على اليد ما أخذت حتى ترد» وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يحل لأحد أن يأخذ متاع أخيه لاعبا ولا جادا، فإن أخذه فليرده عليه»   [البناية] قيل إنما اقتصر على المكيل ولم يقل والموزون؛ لأن في الموزونات ما ليس بمثل، وهو الذي في تبعيضه ضرر كالمصوغ من القمقم والطشت وليس بواضح؛ لأن في المكيل ما هو كذلك كالبر المخلوط بالشعير، فإنه لا مثل له ففيه القيمة. م: (وفي البر المخلوط بالشعير القيمة؛ لأنه لا مثل له) ش: لتعذر اعتبار المماثلة فيصار إلى القيمة دفعا للضرر. [رد العين المغصوبة] م: (قال: وعلى الغاصب رد العين المغصوبة، معناه ما دام قائما) ش: أي ما دام المغصوب قائما يعني ما دامت عينه موجودة، وهذا لا خلاف فيه م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «على اليد ما أخذت حتى ترد ") » ش: هذا الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن سعيد بن أبي هريرة عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «-: " على اليد ما أخذت حتى تؤدي) » ش: ثم نسي الحسن فقال: هو أمينك لا ضمان عليه. قال الترمذي: حديث حسن أخرجه أبو داود والترمذي في البيوع، والثاني في العارية وابن ماجه في الأحكام وليس في حديثه قصة الحسن. ورواه أحمد في مسنده والطبراني في " معجمه " والحاكم في " المستدرك " في البيع وقال: حديث صحيح على شرط البخاري. وتعقبه الشيخ تقي الدين في الإمام فقال: وليس كما قال بل هو على شرط الترمذي. وقال الحافظ المنذري: وقول الترمذي فيه حسن يدل على أنه يثبت سماع الحسن من سمرة. ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " في البيوع وقال فيه حتى تؤديه مالها. قال ابن القطان في كتابه: وهو بزيادة الهاء موجب لرد العين ما كانت قائمة. وقال ابن طاهر في كلامه على أحاديث الشبهات إسناده حسن متصل، وإنما لم يخرجاه في الصحيح لما ذكر أن الحسن لم يسمع من سمرة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا حديث العقيقة، والله أعلم. م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يحل لأحد أن يأخذ متاع أخيه لاعبا ولا جادا، فإن أخذه فليرده عليه ") » ش: هذا الحديث رواه اثنان من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 187 ولأن اليد حق مقصود وقد فوتها عليه فيجب إعادتها بالرد إليه وهو الموجب الأصلي على ما قالوا، ورد القيمة مخلص خلفاً لأنه قاصر، إذ الكمال في رد العين والمالية وقيل: الموجب الأصلي القيمة ورد العين مخلص.   [البناية] أحدهما: أبو السائب أخرج حديثه أبو داود في كتاب " الأدب في باب المزاح "، والترمذي في أول الغبن عن ابن أبي ذئب عن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده يزيد بن أبي السائب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يأخذن أحدكم متاع أخيه جادا ولا لاعبا، وإذا أخذ أحدكم عصا أخيه فليردها عليه» قال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي ذئب، والسائب بن يزيد له صحبة سمع من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وهو غلام، وقبض - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والسائب ابن سبع سنين. وأبو يزيد بن السائب وهو من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وروى عنه أحاديث. ورواه أحمد وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه وأبو داود الطيالسي في مسانيدهم والبخاري في كتابه " المفرد في الأدب " والحاكم في " المستدرك " في الفضائل وسكت عنه. ووقع في روايته لاعبا جادا بدون حرف العطف. ومعنى قوله لاعبا لا يريد سرقة ويريد إدخال الغيظ على أخيه فهو لاغية في مذهب السرقة جار في إدخال الأذى عليه قاصد اللعب، وهو يريد أن يجد في ذلك ليغيظه، وقال الخطابي في شرح " السنن " قوله لاعبا جادا هو أن يأخذه على سبيل الهزل واللعب ثم يحبسه ولا يرده، فيكون ذلك جادا. م: (ولأن اليد حق مقصود) ش: لأنها تتوصل إلى التصرف والانقطاع وفي " المبسوط " والضمان في المدبر ليس إلا لتقوية اليد، فعلم أن اليد حق مقصود. وقيل: بدليل جواز إذن العبد في التجارة، فإنه لا حكم بشرائه في حقه سوى التصرف باليد لاسيما إذا كان مديونا، فإنه ليس هناك شائبة النيابة عن المولى في التصرف، فعلم أن اليد حق مقصود م: (وقد فوتها عليه فيجب إعادتها بالرد إليه) ش: أي إلى صاحب اليد. م: (وهو) ش: أي رد العين م: (الموجب الأصلي على ما قالوا) ش: أي المشايخ م: (ورد القيمة مخلص) ش: أي إلى صاحب اليد، أي موضع للخلاص، ويجوز أن يكون مصدرا اسميا أي خلاص الغاصب عن يد المغصوب منه م: (خلفا) ش: أي حال كون القيمة خلفا عن العين م: (لأنه) ش: أي لأن رد القيمة م: (قاصر، إذ الكمال في رد العين والمالية) ش: أراد أن الكمال في رد الصورة والمعنى. م: (وقيل: الموجب الأصلي القيمة ورد العين مخلص) ش: وهذا القول عكس القول الأول. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 188 ويظهر ذلك في بعض الأحكام قال: والواجب الرد في المكان الذي غصبه لتفاوت القيم بتفاوت الأماكن، فإن ادعى هلاكها حبسه الحاكم حتى يعلم أنها لو كانت باقية لأظهرها، أو تقوم بينة ثم قضى عليه ببدلها لأن الواجب رد العين والهلاك بعارض فهو يدعي أمرا عارضا خلاف الظاهر فلا يقبل قوله   [البناية] والأول أصح؛ لأن الموجب الأصلي لو كان القيمة ورد العين مخلصا عنه كان للغاصب أن يقول: خذ قيمة هذا المغصوب وهو جعل الدين وجب أصالة. وهذا خلاف ما يقتضيه الكتاب؛ لأنه أكل مال الغير بالباطل؛ لأن المالك لم يرض إلا بعين حقه، قال الله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] (سورة النساء: الآية 29) . م: (ويظهر ذلك) ش: أي كون الموجب الأصلي قيمته ورد العين مخلصا م: (في بعض الأحكام) ش: منها إذا أبرأها الغاصب، وعن الضمان حال قيام العين يصح ويبرأ حتى لو هلك بعد ذلك في يده لا ضمان عليه، ولو لم يكن وجوب القيمة في هذه الحالة لما صح الإبراء؛ لأن الإبراء عن العين لا يصح، ومنها عن الكفالة لا تصح بالعين وتصح الكفالة بالمغصوب، فعلم أن الموجب الأصلي وهو القيمة، ومنها أن الغاصب إذا كان له نصاب في ملكه، وقد غصب شيئا فلا تجب عليه الزكاة إذا انتقض بالنصاب بمقابلة وجوب المغصوب عليه. والجواب عن مسألة الإبراء هو بعرضية أن يوجد فله شبهة الوجود في الحال والقيمة كذلك، فكان الإبراء صحيحا من ذلك الوجه. وعن مسألة الكفالة أن الكفالة بالأعيان المضمونة بنفسها صحيحة، والمغصوب منها، ألا ترى إلى ما قال شمس الأئمة البيهقي في " كفايته ": رجل قال لآخر غصبني فلان عبدا فقال: أنا ضامن العبد الذي تدعي فهو ضامن للعبد. فإن مات أو استحقه آخر فهو ضامن لقيمته، وعن مسألة الزكاة ما ذكرناه في مسألة الإبراء. م: (والواجب الرد) ش: أي رد المثل والقيمة للعين المغصوب إلى مالكها م: (في المكان الذي غصبه) ش: أي في المكان الذي غصب للمغصوب فيه م: (لتفاوت القيم بتفاوت الأماكن) ش: وكذا تفاوت المثل بتفاوت الأماكن، ولو ذكره المصنف لكان أحسن وأكثر فائدة م: (فإن ادعى هلاكها) ش: أي فإن ادعى الغاصب هلاك العين المغصوبة م: (حبسه الحاكم حتى يعلم أنها لو كانت باقية لأظهرها، أو تقوم بينة) ش: ومقدار ذلك مفوض إلى رأي الحاكم م: (ثم قضى عليه ببدلها) ش: البدل يشمل المثل والقيمة م: (لأن الواجب رد العين والهلاك بعارض) ش: أي هلاك العين المغصوبة يكون بأمر عارض م: (فهو يدعي أمرا عارضا) ش: أي الغاصب يدعي أمرا عارضا م: (خلاف الظاهر) ش: لأن الظاهر بقاؤها م: (فلا يقبل قوله) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 189 كما إذا ادعى الإفلاس وعليه ثمن متاع فيحبس إلى أن يعلم ما يدعيه، فإذا علم الهلاك سقط عنه رده فيلزمه رد بدله وهو القيمة. قال: والغصب فيما ينقل ويحول لأن الغصب بحقيقته يتحقق فيه دون غيره؛ لأن إزالة اليد بالنقل وإذا غصب عقارا   [البناية] ش: وفي " المبسوط " غصب جارية فغيبها فأقام المغصوب منه بينة أنه قد غصبها فإنه يحبس حتى يجيء بها فيردها. وقال أبو بكر الأعمش: تأويل المسألة أن الشهود شهدوا على إقرار الغاصب بذلك؛ لأن الثابت من إقراره بالبينة كالثابت بالمعاينة. أما الشهادة على فعل الغصب لا يقبل مع جهالة المغصوب إذ لا يتمكن القاضي من القضاء بالمجهول فلا بد من الإشارة في الدعوى والشهادة، والأصح أن الدعوة صحيحة لأجل الضرورة فيثبت غصبه بالبينة كثبوته بإقراره فيحبس. ولو قال الغاصب ماتت أو بعتها ولا أقدر عليها تلزم القاضي يومين أو ثلاثة، ومقدار التلوم مفوض إلى رأي القاضي. ولو رضي المالك بالقضاء بالقيمة لا يتلوم. وفي " الذخيرة " ذكر محمد في السير أنه إذا قضي عليه من غير تلوم قيل: في المسألة روايتان. وقيل: لكن ذكر في السير جواب الجواز بمعناه لو قضى من غير تلوم جاز، وما ذكر في الأصل أن التلوم أفضل. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - القول للغاصب مع يمينه في لزوم البدل وجهان: أحدهما لا يلزمه حتى يصدقه المالك، والثاني يلزم وهو الأصح، وهذا بعد الحبس وبه قال مالك وأحمد. م: (كما إذا ادعى) ش: رجل م: (الإفلاس وعليه ثمن متاع فيحبس إلى أن يعلم ما يدعيه) ش: من الإفلاس، وكذا الغاصب إذا ادعى الهلاك يحبس إلى أن يعلم ما يدعيه من الهلاك م: (فإذا علم الهلاك سقط عنه رده) ش: أي سقط عن الغاصب رد المغصوب عينه م: (فيلزمه رد بدله وهو القيمة) ش: أو رد مثله إن كان المغصوب من ذوات الأمثال كما عرف قبل. [محل الغصب] م: (قال والغصب فيما ينقل ويحول) ش: أي القدوري والغصب يتحقق فيما ينقل ويحول فقوله والغصب مبتدأ، وقوله فيما ينقل خبره، وقوله ويحول عطف عليه. فإن قلت: النقل والتحويل واحد فما فائدة ذكرهما معا؟. قلت: التحويل هو النقل من مكان وإثبات في مكان آخر كما في تحويل الباذنجان والنقل يستعمل بدون الإثبات في مكان آخر. م: (لأن الغصب بحقيقته يتحقق فيه) ش: أي فيما ينقل ويحول م: (دون غيره؛ لأن إزالة اليد بالنقل) ش: أي لأن إزالة يد المالك لا تتحقق إلا بنقل المغصوب ولا نقل في العقار، والغصب بدون الإزالة لا يتحقق م: (وإذا غصب عقارا) ش: في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 190 فهلك في يده لم يضمنه، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. يضمنه وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأول، وبه قال الشافعي؛ لتحقق إثبات اليد، ومن ضرورته زوال يد المالك لاستحالة اجتماع اليدين على محل واحد في حالة واحدة، فتحقق الوصفان   [البناية] " المغرب " العقار الضيعة، وقيل كل ما له أصل كالدار والأرض. وفي " العباب " العقار والأرض والضياع والنخل، ومنه قولهم ماله دار ولا عقار م: (فهلك في يده) ش: بأن غلب السيل على الأرض فيثبت تحت الماء أو غصب دارا فهدمت بآفة سماوية أو جاء سيل فذهب بالبناء م: (لم يضمنه) ش: أي العقار م: (وهذا) ش: أي عدم الضمان م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله) . م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمنه وهو قول أبي يوسف الأول، وبه قال الشافعي) ش: ومالك وأحمد لخلاف في الغصب لا في الإتلاف، وصورة الخلاف ما ذكرناه وصورة الإتلاف بأن يهدم الحيطان أو عزقها أو كشط تراب الأرض أو ألقى الحجارة فيها أو نقص بفرسه أو بنائه فإنه يضمنه بلا خلاف. وقد اختلفت عبارات مشايخنا في غصب الدور والعقار على مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف، فقال بعضهم يتحقق فيها الغصب، ولكن لا على وجه يوجب الضمان، وإليه مال القدوري في قوله وإذا غصب عقارا فهلك في يده لم يضمنه عند أبي حنفية وأبي يوسف رحمهما الله؛ لأنه أثبت الغصب ونفى الضمان. وقال بعضهم لا يتحقق أصلا وإليه مال أكثر المشايخ م: (لتحقق إثبات اليد) ش: بالسكنى ووضع الأمتعة وغير ذلك، وهذا تعليل لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وحده؛ لأن عند الشافعي يتحقق الغصب بإثبات اليد بدون إزالة يد المالك. م: (ومن ضرورته) ش: أي ومن ضرورة إثبات اليد المبطلة م: (زوال يد المالك لاستحالة اجتماع اليدين) ش: أراد به المتمانعين يد الموافقتين فإنه يجوز كالشريكين في عين واحدة من جنس واحد، احترز به عما إذا أجر داره من رجل فإنها في يد المستأجر حقيقة، وفي يد الآخر حكما لكنهما يدان مختلفتان م: (على محل واحد في حالة واحدة) ش: احترز به عما إذا كان على محلين أو في حالتين، فإن هذا لا يكون غصبا بأن ضرب على يد إنسان فوقعت درة من يده في الحجر أو ضرب على ظهره فطار طير كان على ظهره يجب الضمان وإن انعدم الإثبات ولو تجرد، والإثبات عن إزالته لم يصح سببا للضمان م: (فتحقق الوصفان) ش: وهما إزالة يد المالك وإثبات يد الغاصب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 191 وهو الغصب على ما بيناه فصار كالمنقول وجحود الوديعة ولهما أن الغصب إثبات اليد بإزالة يد المالك بفعل في العين، وهذا لا يتصور في العقار؛ لأن يد المالك لا تزول إلا بإخراجه عنها وهو فعل فيه لا في العقار فصار كما إذا بعد المالك عن المواشي وفي المنقول النقل فعل فيه وهو الغصب. ومسألة الجحود ممنوعة، ولو سلمت في الضمان هناك بترك الحفظ   [البناية] م: (وهو الغصب) ش: أي تحقق الوصفين هو الغصب دل عليه قوله فيتحقق كما في قَوْله تَعَالَى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] (سورة المائدة: الآية 8) أي العدل أقرب للتقوى م: (على ما بيناه) ش: يعني عنده على وجه يزيل يده م: (فصار كالمنقول) ش: أي صار غصب العقار كغصب المنقول في تحقيق الوضعين م: (وجحود الوديعة) ش: في العقار، فإنه إذا كان وديعة في يد شخص فجحده كان ضامنا بالاتفاق. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة، أي بفعل حاصل من الغاصب في العين المغصوبة تقريره م: (أن الغصب إثبات اليد بسبب إزالة يد المالك بفعل في العين) ش: ولهذا إذا تجردت الإزالة عن الإثبات يصلح سببا للضمان كما في الوديعة، فإنها إثبات اليد لكن لما لم يتضمن الإزالة لم يصلح سببا م: (وهذا) ش: أي هذا المجموع م: (لا يتصور في العقار؛ لأن يد المالك لا تزول إلا بإخراجه عنها) ش: أي بإخراج المالك عن العقار، وتأنيث الضمير بتأويل الصيغة والدار. م: (وهو فعل فيه) ش: أي الإخراج فعل في المالك م: (لا في العقار) ش: فانتفت إزالة اليد والكل ينتفي بانتفاء جزئه م: (فصار كما إذا بعد المالك عن المواشي) ش: حتى تلفت، فإن ذلك لا يكون غصبا لها وبعد بتشديد العين، وفي بعض النسخ أبعد من الإبعاد م: (وفي المنقول النقل فعل فيه) ش: أي في المنقول م: (وهو الغصب) ش: أي النقل من المالك هو الغصب؛ لأن فيه يتحقق معنى الغصب وهو تفويت يد المالك المعني في المحل. م: (ومسألة الجحود) ش: للدين المعلوم م: (ممنوعة) ش: أي جحود الوديعة العقار، يعني لا نسلم أنه إذا جحد الوديعة يضمن وذكر الإمام علاء الدين العالم في طريقة الخلاف: وإذا أودع عند إنسان عقارا فجحد عند أبي حنيفة لا يضمن. وذكر في " المبسوط " أنه لا يضمن عندهما في الأصح. وقال الناطفي في كتاب " الغصب من الأجناس " كان شيخنا أبو عبد الله الجرجاني يقول: إنه على وجهين إن نقل الوديعة عن الموضع الذي كان فيه حال جحوده وهلكت ضمن وإن لم ينقلها عن موضعها حتى هلكت لا يضمن. م: (ولو سلمت) ش: وجوب الضمان بجحود الوديعة م: (في الضمان هناك بترك الحفظ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 192 الملتزم وبالجحود تارك لذلك   [البناية] الملتزم وبالجحود تارك لذلك) ش: أي للحفظ الملتزم. وفي " المبسوط " إنما يتضمن بالمنع بعد الطلب لا بالجحود وبالجحود يحصل المنع بعد الطلب. قيل ولو سلم أن الجحود غصب حقيقة كما قال بعض أصحابنا، ولكنه ليس بغصب موجب للضمان كغصب الخمر والخنزير في حق المسلم، وهذا الموضع هو الذي وعد المصنف قبل باب السلم بقوله: وبينته في الغصب عند قوله: ومن باع دارا لرجل فأدخلها المشتري في بنائه لم يضمن البائع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول أبي يوسف آخرا. فإن قلت: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من غصب شبرا من الأرض طوقه الله به يوم القيامة عن سبع أرضين» صريح في إطلاق اسم الغصب في الدور والعقار، فلو لم يكن الغصب متحققا فيها لم يطلق، والكلام على حقيقته ما لم يقم دليل على المجاز. قلت: الحديث لا يدل على ذلك؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل جزاء غصب الأرض التطويق يوم القيامة. ولو كان الضمان واجبا لبينه؛ لأن الضمان في أحكام الدنيا، والحاجة إليه أمس. والمذكور جميع جزائه، فمن زاد عليه كان نسخا، وذا لا يجوز بالقياس وإطلاق لفظ الغصب عليه لا يدل على تحقيق الغصب الموجب للضمان، كما أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أطلق لفظ البيع على الحر بقوله من باع حرا، ولا يدل ذلك على البيع الموجب لحكم، على أنه جاء في الصحيحين الحكم بلفظ أخذ، فقال: «من أخذ شبرا من الأرض ظلما، فإنه يطوقه الله به يوم القيامة من سبع أرضين» فعلم أن المراد من الغصب الأخذ ظلما لا غصبا موجبا للضمان. فإن قلت: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «على اليد ما أخذت حتى ترد» يدل على ذلك بإطلاقه، والتقييد بالمنقول خلافه. قلت: هذا مجاز؛ لأن الأخذ حقيقة لا يتصور في العقار؛ لأن حد الأخذ أن يصير المأخوذ تبعا ليده؛ لأنه مفعول فيه فكان منصرفا إلى المنقول ضرورة ليعمل بالأخذ على حقيقته. فإن قلت: إزالة اليد ليست بشرط في الغصب، كما لو ركب الدابة وهلكت من غير فعل فإنه يضمنها بالإجماع، وكما لو وهب دارا لرجل بما فيها من الأمتعة فهلكت الأمتعة قبل أن ينقلها الموهوب له، ثم استحقت الدار فللمستحق أن يضمن الموهوب له بلا خلاف، والمسألة في الزيادات ولم تزل إلا منفعته من يد المالك ليست بشرط. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 193 قال: وما نقص منه بفعله أو سكناه ضمنه في قولهم جميعا لأنه إتلاف، والعقار يضمن به كما إذا نقل ترابه؛ لأنه فعل في العين ويدخل فيما قاله إذا انهدمت الدار بسكناه وعمله، فلو غصب دارا وباعها وسلمها وأقر بذلك والمشتري ينكر غصب البائع ولا بينة لصاحب الدار فهو على الاختلاف في الغصب هو الصحيح   [البناية] قلت: قيل ذلك الجواب غير مستقيم على أصل محمد؛ لأنه واقفا على أنه يضمنه بدون الفعل، بل الجواب فيه أن الواهب نقل يده إلى الموهوب له، ويد الواهب في الأمتعة كانت مفوتة ليد المالك، فانتقلت بصفتها والضمان في مسألة الراكب باعتبار الإتلاف لا بالغصب، ولهذا لو ركب أو تلف تحته يضمن، والله أعلم. [ضمان المغصوب] م: (وقال وما نقص منه بفعله أو سكناه ضمنه في قولهم جميعا) ش: أي قال القدوري وما نقص الغاصب من العقار بفعله بأن هدم شيئا أو انهدم بسكناه ضمنه في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أما على قول محمد والشافعي فظاهر، وأما على قول أبي حنيفة وأبي يوسف فكذلك م: (لأنه إتلاف، والعقار يضمن به كما إذا نقل ترابه؛ لأنه فعل في العين) ش: فيكون إتلافا فيجوز أن يضمن بالإتلاف ولا يضمن بالغصب. م: (ويدخل فيما قاله) ش: أي الذي قاله القدوري من قوله ومن نقصه منه بفعله إلى آخره م: (إذا انهدم الدار بسكناه وعمله) ش: بأن يحمل الحدادة والقصارة، وقيد بقوله بسكناه وعمله؛ لأنه لو انهدم بغير سكناه وفعله بآفة سماوية لا يضمن عند أبي حنيفة وأبي يوسف. فإن قلت: كيف يعرف نقصان الأرض؟ قلت: قيل ينظر بكم تستأجر قبل أن تزرع وبكم تستأجر بعد. وقيل بكم تباع قبل ذلك وكم تباع بعده، فيغرم ما بين ذلك من النقصان. م: (فلو غصب دارا وباعها وسلمها) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري فلذلك ذكره بالفاء، وهي من مسائل الأصل، ومعناه إذا باعها ثم اعترف بالغصب، وهو معنى قوله م: (وأقر بذلك) ش: أي بالغصب م: (والمشتري ينكر غصب البائع ولا بينة لصاحب الدار) ش: على أنها ملكه، قيد به؛ لأنه إذا كان له بينة لا ضمان على البائع بالاتفاق؛ لأنه يمكنه أخذ دار بالبينة م: (فهو على الاختلاف) ش: المشهور م: (في الغصب) ش: أي في غصب العقار فعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لا ضمان عليه خلافا لمحمد وزفر والشافعي م: (هو الصحيح) ش: احترز به عما قال بعضهم أنه يجب على الكل هنا الضمان بالبيع والتسليم بالاتفاق، ألا ترى إلى ما قال الحاكم الشهيد في " كافيه " رجل غصب دار رجل فباعها وتسلمها ثم أقر بذلك، وليس لرب الدار بينة. قال لا ضمان على الغاصب؛ لأنه لم يغيرها عن حالها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 194 قال: وإن انتقص بالزراعة يغرم النقصان لأنه أتلف البعض فيأخذ رأس ماله ويتصدق بالفضل قال رضي الله عنه - وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف: لا يتصدق بالفضل وسنذكر الوجه من الجانبين   [البناية] وقال أبو يوسف: أنا أراه ضامنا قيمتها، استحسن ذلك، وهو قول محمد، ورجع أبو يوسف عن هذا إلى قول أبي حنيفة أنه لا ضمان عليه. فإن قيل: إذا شهد بدار الإنسان وقضى له بها ثم رجعا ضمنا قيمتها للمشهود عليه بالاتفاق وإتلافهما كإتلاف البائع بالبيع والتسليم، ولا ضمان على بائعه عندهما. وأجيب: بأن مسألة الشهادة على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعلى تقدير أن يكون قول الجميع فالفرق بين المسألتين أن الإتلاف في مسألة الشهادة حصل بشهادتهما حتى لو أقام بالبينة على الملك لنفسه لا يقبل بينته والعقار يضمن بالإتلاف. وأما مسألتنا فالإتلاف لم يحصل بالبيع والتسليم بل يعجز المالك عن إثبات ملكه بينته، ألا ترى أنه لو أقام البينة على أنها ملكه قضى له بها، فلهذا لا يكون البائع ضامنا. م: (قال: وإن انتقص بالزراعة يغرم النقصان) ش: أي قال في " الجامع الصغير "، وإذا انتقص بالزراعة، يعني المغصوب والمكان المغصوب بالزراعة ضمن النقصان ولا يعلم فيه خلاف، وقد مر تفسير النقصان عن قريب. وقال السعدي: إن كان عرف أهل تلك القرية أنهم يزرعون أرض الغير بغير إذنه على وجه المزارعة من غير إذن وعقد لرب الأرض أن يطالبه بحصة الأرض به. وذكر أبو الليث في هذه الصورة الزرع للزارع وعليه نقصان الأرض م: (لأنه أتلف البعض) ش: أي بعض الأرض والعقار يضمن بالإتلاف بلا خلاف م: (فيأخذ رأس ماله ويتصدق بالفضل) ش: أي يأخذ الغاصب رأس ماله، وهو البذر وما أنفق وما غرم، أي قدر ما غرم من نقصان الأرض ويتصدق بما زاد؛ لأنه مستفاد كسب خبيث صورة مثلا خرجت أربعة أكرار ونقصتها الزراعة وبذره كر ولحقته مؤنة، وقدر قيمة النقصان كر فالفضل الخارج عن رأس ماله كر فيتصدق به. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله) ش: أي وجوب التصدق بالفضل عندهما م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يتصدق بالفضل) ش: لأن المنهي عنه ربح ما لم يضمن، وهو قد ضمن م: (وسنذكر الوجه من الجانبين) ش: أي عند قوله ومن غصب عبدا فاستغله فنقصه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 195 قال: وإذا هلك النقل في يد الغاصب بفعله أو بغير فعله ضمنه، وفي أكثر نسخ المختصر: وإذا هلك الغصب والمنقول هو المراد لما سبق أن الغصب فيما ينقل وهذا لأن العين دخل في ضمانه بالغصب السابق، إذ هو السبب وعند العجز عن رده تجب رد القيمة أو يتقرر بذلك السبب، ولهذا تعتبر قيمته يوم الغصب وإن نقص في يده ضمن النقصان لأنه دخل جميع أجزائه في ضمانه بالغصب فما تعذر رد عينه يجب رد قيمته   [البناية] م: (قال: وإذا هلك النقلي) ش: أي الذي ينقل م: (في يد الغاصب بفعله أو بغير فعله ضمنه) ش: لأن الغصب فيما ينقل على ما مر م: (وفي أكثر نسخ المختصر) ش: أي القدوري م: (وإذا هلك الغصب) ش: أي المغصوب م: (والمنقول هو المراد لما سبق أن الغصب فيما ينقل) ش: أي يكون فيما ينقل؛ لأنه لا يتصور في غير المنقول، والمغصوب مضمون عليه لمجرد الغصب على معنى أنه يجب رده إن كان قائما، ومثله في المثلي إن كان هالكا، وقيمته إن لم يكن مثليا، فإذا كان الضمان بالغصب تقرر الضمان بالهلاك فلم يتفاوت بين أن يكون هلاكه بفعله أو بغير فعله، ولهذا وجب عليه قيمته يوم الغصب. م: (وهذا) ش: أي وجوب الضمان م: (لأن العين دخل في ضمانه بالغصب السابق، إذ هو) ش: أي الغصب م: (السبب) ش: أي سبب الضمان على ما قررناه آنفا م: (وعند العجز عن رده) ش: أي رد المغصوب عينه م: (تجب رد القيمة) ش: هذا على قول من قال إن الموجب الأصلي في الغصب رد العين. م: (أو يتقرر بذلك السبب) ش: أي وتقرر القيمة بذلك السبب هذا على قول من قال: الموجب الأصلي هو القيمة، وإنما ذكر كلامه بالترديد تنبيها على ما ذكر قبل هذا من اختلاف المشايخ في الموجب الأصلي م: (ولهذا) ش: أي ولكون الغصب السابق هو السبب م: (تعتبر قيمته يوم الغصب) ش: فعلم أن الموجب الأصلي هو القيمة. م: (وإن نقص في يده ضمن النقصان) ش: أي إذا رد المغصوب بعدما نقص في يده يلزم النقصان، سواء كان النقصان في يده بأن كانت جارية فاعورت أو شابة صارت عند الغاصب عجوزة أو ناهدة الثديين وانكسر ثديها، أو لم يكن في يده بأن كان عبدا محترفا نسي ذلك عند الغاصب أو قارئا نسي القرآن ففي هذا كله يضمن النقصان ولا يعلم فيه خلاف، هذا إذا كان النقصان يسيرا. أما إذا كان كثيرا يتخير المالك بين الأخذ وتضمين النقصان، والترك مع تضمين جميع قيمته، كذا في " المبسوط " وعند الثلاثة للمالك أخذ العين مع قيمة النقصان، سواء كان فاحشا أو يسيرا م: (لأنه دخل جميع أجزائه في ضمانه بالغصب) ش: أي لأن الشأن دخل جميع أجزاء المغصوب في ضمان الغاصب بسبب الغصب. م: (فما تعذر رد عينه يجب رد قيمته) ش: أي إذا تلف جزء من أجزاء المغصوب وتعذر رد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 196 بخلاف تراجع السعر إذا رد في مكان الغصب؛ لأنه عبارة عن فتور الرغبات دون فوت الجزء، وبخلاف المبيع؛ لأنه ضمان عقد، أما الغصب فقبض، والأوصاف تضمن بالفعل لا بالعقد على ما عرف. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ومراده غير الربوي. أما في الربويات لا يمكنه تضمين النقصان مع استرداد الأصل؛ لأنه يؤدي إلى الربا.   [البناية] عينه يجب رد قيمته. وأما إذا جبر نقصانه بمثل أن ولدت المبيعة عند الغاصب فردها وفي قيمة الولد وفاء بنقصان الولادة فلا يضمن الغاصب شيئا عندنا خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (بخلاف تراجع السعر) ش: أي لا يضمن الغاصب ما نقص من قيمته بتراجع السعر بلا خلاف بين العلماء م: (إذا رد في مكان الغصب) ش: قيد به؛ لأنه إذا لم يكن فيه يخير المالك بين أخذ القيمة والانتظار إلى الذهاب إلى ذلك المكان، فيسترده؛ لأن النقصان دخل من قبل الغاصب بنقله إلى هذا المكان. فكان له أن يلزم الضرر ويطالبه بالقيمة وله أن ينتظر م: (لأنه) ش: أي لأن تراجع السعر م: (عبارة عن فتور الرغبات دون فوت الجزء) ش: لأن فتور الرغبات شيء أحدثه الله في قلوب العباد، فلا يوجب ذلك تغيير الأحكام. م: (وبخلاف المبيع) ش: على قوله بخلاف تراجع السعر، يعني إذا نقص شيء من قيمة المبيع في يد البائع بفوات وصف منه قبل أن يقبضه المشتري لا يضمن البائع شيئا لنقصانه، حتى لا يسقط شيء من الثمن عن المشتري بسبب نقصان الوصف، وإن فحش النقصان، كما لو اشترى جارية بمائة مثلا فاعورت في يد البائع فصارت تساوي خمسين كان المشتري مخيرا بين إمضاء البيع وفسخه، فلو اختار البيع وجب عليه تسليم تمام المائة كما شرط م: (لأنه ضمان عقد) ش: أي لأن ضمان المبيع ضمان عقد، والأوصاف لا تضمن بالعقد. م: (أما الغصب فقبض) ش: لأنه فعل على الذات بجميع أجزائها وصفاتها، فكانت مضمونة، وهو معنى قوله م: (والأوصاف تضمن بالفعل لا بالعقد) ش: أي لا يضمن بالعقد؛ لأن العقد يرد على الأعيان لا على الأوصاف م: (على ما عرف) ش: عند قوله إن الغصب إثبات اليد بإزالة يد المالك بفعل في العين. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ومراده غير الربوي) ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومراد القدوري بقوله: وإن نقص في يده ضمن النقصان غير المال الربوي م: (أما في الربويات) ش: أي أما في الأموال الربويات، والأموال الربويات التي لا يجوز بيعها بجنسها متفاضلا م: (لا يمكنه تضمين النقصان مع استرداد الأصل؛ لأنه يؤدي إلى الربا) ش: لأنه إذا كان المغصوب من الأموال الربوية لا يجوز له تضمين النقصان إذا أخذ العين احترازا عن الربا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 197 قال: ومن غصب عبدا فاستغله فنقصته الغلة فعليه النقصان لما بينا، ويتصدق بالغلة، قال - رضي الله عنه -: وهذا عندهما أيضا وعنده لا يتصدق بالغلة وعلى هذا الخلاف إذا آجر المستعير المستعار   [البناية] وقد قال الكرخي في " مختصره ": وإن كان مما لا يجوز بيعه بجنسه متفاضلا مثل أن يغصب حنطة وصب فيه ماء أو غير ذلك من الحبوب، أو يغصب إناء فضة أو درهم أو دنانير فيتهشم الإناء من يده، أو يكسر الدراهم فتصير عله أو الدنانير فتصير قراضة. فإن صاحب ذلك بالخيار إن شاء أخذ ذلك لا شيء له غير، وإن شاء تركه وضمنه مثل قيمته من الذهب، وكذلك إذا كان الإناء من ذهب فهو بالخيار إن شاء أخذه بعينه، وإن شاء أخذ قيمته من الفضة، وكذلك يلزمه الصفر والنحاس والشبة والرصاص. وفي " المبسوط " استهلك قلب فضة فعليه قيمته من الذهب مصوغا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن قيمته. ولأصحابه فيه وجهان أصحهما أنه يضمنه بجنسه وتكون الزيادة بمقابلة الصنعة، وبه قال الحنبلي؛ لأن الربا يجري في العقود لا في الغرامات. وفي وجه يضمن نقصه بغير جنسه، وبه قال. [غصب عبدا فاستغله فنقصته الغلة] م: (قال: ومن غصب عبدا فاستغله) ش: هذا لفظ الصدر الشهيد حسام الدين في " الجامع الصغير "، ومعنى استغله أجره وأخذ الأجرة م: (فنقصته الغلة) ش: أي العمل في الإجارة جعله مهزولا. وفي " المبسوط ": لم يذكر نقص الغلة م: (فعليه النقصان لما بينا) ش: أي عند قوله: لأنه دخل جميع أجزائه في الضمان بالغصب، ويجوز أن يكون بيانا، ويجوز أن يكون إشارة إلى قوله: لأنه أتلف البعض والغلة للغاصب. وقال الشافعي، وأحمد، ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -؛ لأن الأجر عوض للمنافع المملوكة لرب العبد فلم يملكها الغاصب. قلنا: وجوب الأجرة بالعقد؛ لأن المنافع لا تتقوم إلا بالعقد والعاقد هو الغاصب فهو الذي جعل منافعه بالعقد مالا فكان هو أولى، لكن يتصدق بها، أشار إليه بقوله: م: (ويتصدق بالغلة) ش: لأنها حصلت بكسب خبيث. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا) ش: أي قال المصنف التصدق بالغلة م: (عندهما أيضا) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله م: (وعنده) ش: أي وعند أبي يوسف م: (لا يتصدق بالغلة) ش: لأنه يطيب له، وهذا قوله الآخر مثل قولهما، هكذا ذكر الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور م: (إذا آجر المستعير المستعار) ش: وأخذ أجرته لا يطيب له عنده خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذا على الخلاف، ولو أجر المودع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 198 لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه حصل في ضمانه وملكه، أما الضمان فظاهر، وكذلك الملك في المضمون؛ لأن المضمونات تملك بأداء الضمان مستندا إلى وقت الغصب عندنا، ولهما: أنه حصل بسبب خبيث وهو التصرف في ملك الغير وما هذا حاله فسبيله التصدق، إذ الفرع يحصل على وصف الأصل والملك المستند ناقص فلا ينعدم به الخبث. فلو هلك العبد في يد الغاصب حتى ضمنه له أن يستعين بالغلة في أداء الضمان؛ لأن الخبث لأجل المالك، ولهذا لو أدى إليه يباح له التناول، فيزول الخبث بالأداء إليه، بخلاف ما إذا باعه   [البناية] الوديعة م: (لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه حصل في ضمانه، وملكه أما الضمان فظاهر، وكذا الملك في المضمون؛ لأن المضمونات تملك بأداء الضمان مستندا إلى وقت الغصب عندنا) ش: أي حال كون التملك مسندا إلى وقت الضمان فيكون مالكا تملك من وقت الضمان، فيطيب له ككسبه المبيع بعد القبض. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة، ومحمد رحمهما الله م: (أنه) ش: أي أن الغلة، وتذكير الضمير باعتبار الكسب م: (حصل بسبب خبيث وهو التصرف في ملك الغير) ش: والحكم يثبت مضافا إلى سببه فلا بد من ثبوت الخبث فيها بحكم ذلك السبب م: (وما هذا حاله) ش: ما بمعنى الذي، وذا إشارة إلى قوله: وهو التصرف في ملك الغير م: (فسبيله التصدق إذ الفرع يحصل على وصف الأصل) ش: أصله حديث الشاة المصلية على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى م: (والملك المستند ناقص فلا ينعدم به الخبيث) ش: فأجاب بقوله: الملك المستند إلى الضمان ناقص، يعني في كونه ثابتا فيه من وجه دون وجه، ولهذا يظهر في حق القائم دون الغائب فلا ينعدم به الخبث. م: (فلو هلك العبد في يد الغاصب) ش: سواء كان بفعله أو بفعل غيره م: (حتى ضمنه) ش: أي حتى ضمن الغاصب العبد م: (وله) ش: أي الغاصب م: (أن يستعين بالغلة في أداء الضمان) ش: لأن ما ملكه والخبث حق الملك، أشار إليه بقوله م: (لأن الخبث لأجل المالك، ولهذا) ش: أي ولأجل كون الخبث حق المالك ولم يكن لكونها ملكا له م: (لو أدى) ش: أي الغاصب الغلة م: (إليه) ش: أي إلى المالك مع أداء العبد م: (يباح له التناول فيزول الخبث بالأداء إليه) ش: أي إلى المالك؛ لأن الخبث كان لحق المالك فيزول بالصرف إليه. قيل: هذا إذا كان فقيرا، وإن كان غنيا فيه روايتان، قال شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - علاء الدين الأسبيجابي في " شرح الكافي ": والصحيح أنه يجوز الصرف إلى المالك وإن كان غنيا عوضا عن الهلاك لما قلنا. م: (بخلاف ما إذا باعه) ش: هذا يتعلق بقوله: فإن هلك العبد في يد الغاصب، يعني إذ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 199 فهلك في يد المشتري، ثم استحق وغرمه ليس له أن يستعين بالغلة في أداء الثمن إليه؛ لأن الخبث ما كان لحق المشتري إلا إذا كان لا يجد غيره؛ لأنه محتاج إليه فله أن يصرفه إلى حاجة نفسه، فلو أصاب مالا يتصدق بمثله إن كان غنيا وقت الاستعمال، وإن كان فقيرا فلا شيء عليه لما ذكرنا. قال: ومن غصب ألفا فاشترى بها جارية فباعها بألفين، ثم اشترى بالألفين جارية فباعها بثلاثة آلاف درهم فإنه يتصدق بجميع الربح، وهذا عندهما. وأصله: أن الغاصب أو المودع إذا تصرف في المغصوب أو الوديعة وربح لا يطيب له الربح عندهما.   [البناية] باع الغاصب العبد المغصوب بعد الاستغلال م: (فهلك في يد المشتري) ش: أي فهلك العبد في يده م: (ثم استحق) ش: أي البعد بأن ظهر له مستحق م: (وغرمه) ش: أي غرم المشتري العبد، أي قيمته م: (ليس له أن يستعين بالغلة في أداء الثمن إليه) ش: أي ليس للبائع أن يستعين بغلة العبد في أداء الثمن إلى المشتري م: (لأن الخبث ما كان لحق المشتري) ش: حتى يزول بالصرف إليه، بخلاف الأول؛ لأن الخبث فيه لحق الملك فيزول بوصول الغلة إليه. م: (إلا إذا كان) ش: أي الغاصب م: (لا يجد غيره) ش: أي غير الغلة بتأويل الكسب أو الأجر أو المال م: (لأنه محتاج إليه) ش: لتفريغ ذمته وتخليص نفسه عن الحبس م: (فله) ش: أي وللمحتاج م: (أن يصرفه إلى حاجة نفسه) ش: وهو أولى بذلك؛ لأنها ملكه وإن كان فيه خبث م: (فلو أصاب مالا) ش: يعني لو أصاب مالا، بعد أن صرف الغلة عن الضمان م: (يتصدق بمثله إن كان غنيا وقت الاستعمال) ش: أي وقت استهلاك الثمن. م: (وإن كان فقيرا) ش: يوم استهلك الثمن م: (فلاشيء عليه) ش: يعني ليس عليه أن يتصدق بشيء من ذلك م: (لما ذكرنا) ش: إشارة إلى قوله: لأنه محتاج إليه، كذا قال الأترازي. وقال الكاكي: هذا إشارة إلى قوله: وما هذا حاله فسبيله التصدق. وفي " الذخيرة ": هذا إذا أجر العبد أما إذا أجر العبد نفسه صحت الإجارة، فإنه يأخذ العبد الأجرة يأخذها المالك مع العبد بلا خلاف لأحد، ولو أخذه الغاصب من العبد وأتلفه لا ضمان عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يجب عليه الضمان، وبه قالت الثلاثة؛ لأنه أتلف مال الغير وله نعم أنه مال المالك؛ ولكنه لا عصمة له في حق الغاصب، فأشبه نصاب السرقة بعد القطع. [نماء المغصوب وزيادته في يد الغاصب] م: (قال: ومن غصب ألفا) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": م: (فاشترى بها جارية فباعها بألفين ثم اشترى بالألفين جارية فباعها بثلاثة آلاف درهم، فإنه يتصدق بجميع الربح، وهذا عندهما) ش: أي التصدق بجميع الربح عند أبي حنيفة، ومحمد رحمهما الله؛ لأنه ملك خبيث، وبه قال الشافعي في الجديد، وأحمد في رواية، وبعض أصحاب مالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وقال الجزء: 11 ¦ الصفحة: 200 خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد مرت الدلائل. وجوابهما في الوديعة أظهر؛ لأنه لا يستند الملك إلى ما قبل التصرف؛ لانعدام سبب الضمان فلم يكن التصرف في ملكه، ثم هذا ظاهر فيما يتعين بالإشارة، أما فيما لا يتعين كالثمنين فقوله في الكتاب: اشترى بها إشارة إلى أن التصدق إنما يجب إذا اشترى بها ونقد منها الثمن. أما إذا أشار إليها ونقد من غيرها أو نقد منها وأشار إلى غيرها أو أطلق إطلاقا ونقد منها يطيب له، وهكذا قال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الإشارة إذا كانت لا تفيد التعيين لا بد أن يتأكد بالنقد لتحقق الخبث   [البناية] الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الربح للمالك، والمشتري ملكه. ولو دفع الملك من الحر إلى آخر مضاربة فالحكم في الربح على ما ذكرنا من الخلاف، وليس للمالك من أجر العامل شيء عند أحمد؛ لأنه لم يأذن له بالعمل في ماله، ولا على الغاصب إن كان المضارب عالما بالغصب وإن عمل لزم أجر عمله على الغاصب كالعقد الفاسد. م: (وأصله) ش: أي أصل الخلاف م: (أن الغاصب أو المودع إذا تصرف في المغصوب أو الوديعة وربح لا يطيب له الربح عندهما خلافا لأبي يوسف، وقد مرت الدلائل) ش: أي في مسألة: ومن غصب عبدا فاستغله م: (وجوابهما) ش: أي جواب أبي حنيفة، ومحمد رحمهما الله م: (في الوديعة أظهر؛ لأنه لا يستند الملك إلى ما قبل التصرف لانعدام سبب الضمان فلم يكن التصرف في ملكه) ش: فيكون الربح خبيثا. م: (ثم هذا) ش: أي عدم طيب الربح م: (ظاهر فيما يتعين بالإشارة) ش: كالعروض؛ لأن العقد يتعلق بها حتى لو هلك قبل القبض يبطل البيع فيستفيد الرقبة، واليد في المبيع بملك خبيث فيتصدق به م: (أما فيما لا يتعين كالثمنين) ش: أي الدراهم والدنانير م: (فقوله في الكتاب) ش: أي قول محمد في " الجامع الصغير " م: (اشترى بها إشارة إلى أن التصدق إنما يجب إذا اشترى بها، ونقد منها الثمن) ش: قال فخر الإسلام.؛ لأن ظاهر هذه العبارة يدل على أنه أراد بها. م: (أما إذا أشار إليها، ونقد من غيرها، أو نقد منها وأشار إلى غيرها أو أطلق إطلاقا ونقد منها يطيب له) ش: وهذه أربعة أوجه، ففي واحد منها لا يطيب، وفي الباقي يطيب، وذكر في " المبسوط ": وجها آخر لا يطيب فيه أيضا، وهو أنه دفع إلى البائع تلك الدراهم أولا ثم اشترى منه بتلك الدراهم م: (وهكذا قال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أراد أن هذا التفصيل في الجواب هو قول الكرخي م: (لأن الإشارة إذا كانت لا تفيد التعيين) ش: يستوي وجودها وعدمها فعند ذلك م: (لا بد أن يتأكد بالنقد) ش: منها م: (لتحقق الخبث) ش: والفتوى على قول الكرخي، ذكره في " التتمة "، و " الذخيرة " لكثرة الحرام دفعا للحرج عن الناس. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 201 وقال مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لا يطيب له قبل أن يضمن، وكذا بعد الضمان بكل حال وهو المختار لإطلاق الجواب في الجامعين والمضاربة قال: وإن اشترى بالألف جارية تساوي ألفين فوهبها، أو طعاما فأكله لم يتصدق بشيء، وهذا قولهم جميعا؛ لأن الربح إنما يتبين عند اتحاد الجنس   [البناية] م: (وقال مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا يطيب له قبل أن يضمن، وكذا بعد الضمان بكل حال) ش: أي في الوجوه كلها م: (وهو المختار لإطلاق الجواب في الجامعين) ش: أي في " الجامع الكبير "، و " الجامع الصغير " م: (والمضاربة) ش: أي وفي المضاربة من كتاب " المبسوط "، حيث قال: يتصدق بجميع الربح مطلقا. م: (قال: وإن اشترى بالألف جارية) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": وإن اشترى الغاصب بالألف المغصوبة والحرام جارية م: (تساوي ألفين فوهبها، أو طعاما) ش: أي أو كان طعاما م: (فأكله لم يتصدق بشيء) ش: بل يرد عليه مثل ما غصب م: (وهذا قولهم جميعا؛ لأن الربح إنما يتبين عند اتحاد الجنس) ش: بأن يصير الأصل، وما زاد عليه دراهم ولم يصر فلا يظهر الربح. وفي " جامع أبي اليسر ": هل يباح له الوطء والأكل؟ الصحيح أنه لا يباح؛ لأن في السبب نوع خبيث، ولهذا المعنى بعض الظلمة الذين فيهم قليل تقوى يشترون الأشياء نسيئة ويصرفونها إلى حوائجهم، ثم يقضون الأثمان. وفي " جامع المحبوبي "، و" نوادر أبي سماعة ": غصب ثوبا، أو كرا فاشترى به طعاما لا يسعه أن يأكل حتى يؤدي قيمة الثوب أو مثل الكر. ولو غصب دراهم فاشترى بها طعاما وسعه أكله؛ لأن الثوب إذا استحق ينتقض البيع، بخلاف ما إذا استحقت الدراهم. ولو اشترى بالثوب، والكر المغصوبين جارية لا يحل له وطؤها. أما لو تزوج بالثوب أو بالكر حل وطؤها؛ لأن باستحقاق المهر لا ينتقض النكاح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 202 فصل فيما يتغير بفعل الغاصب قال: وإذا تغيرت العين المغصوبة بفعل الغاصب حتى زال اسمها وأعظم منافعها زال ملك المغصوب منه عنها وملكها الغاصب وضمنها فلا يحل له الانتفاع بها حتى يؤدي بدلها كمن غصب شاة وذبحها وشواها، أو طبخها أو حنطة فطحنها   [البناية] [فصل فيما يتغير بفعل الغاصب] م: (فصل فيما يتغير بفعل الغاصب) ش: لما ذكر حقيقة الغصب، وحكمه، أعقبه بذكر ما يزول به ملك المالك؛ لأنه عارض وحقه الفصل. م: (قال: وإذا تغيرت العين المغصوبة) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (بفعل الغاصب) ش: قيد به احترازا عما إذا تغير بدون فعله، كما إذا صار العنب زبيبا، أو خلا بنفسه والحليب لبنا، والرطب تمرا، فالمالك بالخيار إن شاء أخذه، وإن شاء تركه، وضمنه. ولو صار العنب زبيبا يجعله ملكه. كذا في " فتاوى العتابي " م: (حتى زال اسمها) ش: احترز به عن غصب شاة وذبحها، حيث لم يزل ملك مالكها؛ لأنه لم يزل اسمها يقال: شاة مذبوحة، شاة حية م: (وأعظم منافعها) ش: وذكر هذا ليتناول الحنطة إذا غصبها وطحنها، فإن المقاصد المتعلقة بعين الحنطة كجعلها هريسة وكشكا ونشا وبذرا، وغيرها يزول بالطحن. والظاهر أنه تأكيد؛ لأن قوله: زال اسمها تناوله، فإنها إذا طحنت صارت تسمى دقيقا لا حنطة، ومثل ذلك بقوله: كمن غصب شاة إلى آخره م: (زال ملك المغصوب منه عنها) ش: حتى لو أراد أن يأخذ عين الدقيق مثلا ليس له ذلك م: (وملكها الغاصب وضمنها فلا يحل له الانتفاع بها حتى يؤدي بدلها) ش: أي بدل العين المغصوبة وهو المثل، أو القيمة. م: (كمن غصب شاة وذبحها وشواها، أو طبخها) ش: هذا مثال لتغير العين المغصوبة، وقيد بالشي، والطبخ احترازا عما إذا ذبحها، يشو، ولم يطبخ، حيث لا ينقطع حق المالك عنها، ولهذا قال ظهير الدين إسحاق بن أبي بكر الولوالجي في " فتاواه ": ولو غصب شاة فذبحها فالمالك بالخيار إن شاء أخذها، ولا شيء له غيرها؛ لأن الذبح تقريب إلى مقصود وهو اللحم، ولا يعد غصبا، وإن شاء ضمنه قيمتها يوم الغصب لأجل التبديل، وكذا إذا سلخها، وأربها ولم يشوها، وقال محمد: إن شاء أخذ الشاة وضمنه النقصان، وهذا أصح؛ لأن بعض المنافع تفوت بالذبح، انتهى. م: (أو حنطة فطحنها) ش: أي أو غصب حنطة فطحنها فصارت دقيقا. وقال الكرخي: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 203 أو حديدا فاتخذه سيفا، أو صفرا فعمله آنية، وهذا كله عندنا.   [البناية] وإذا غصب حنطة فطحنها فإن أبا حنيفة، ومحمدا قالا: لا سبيل لرب الحنطة على الدقيق. وكذا روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعلى الغاصب الحنطة التي غصب، وقال ابن سماعة عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يأخذ المغصوب منه الدقيق مكان الحنطة، لكن أبيع الدقيق، واشتري له حنطة مثل حنطته وهو أحق بذلك من جميع الغرماء إن مات الغاصب؛ لأنه شبه وهو أحق به من غيره، ولذلك لو غصب دقيقا فخبزه أو غزلا فنسجه أو قطنا فغزله ونسجه فهو مثل ذلك يباع له ذلك فيعطى مثل قطنه، ومثل طعامه إن أبى الغاصب أن يدفع إليه ذلك. وروى ابن سماعة عنه في موضع آخر أن رب الحنطة بالخيار إن شاء ضمنه حنطة مثل حنطته ودفع إليه الدقيق، وإن شاء أخذ ذلك الدقيق وأبرأ الطاحن؛ لأن متاعه بعينه. قال: خالف أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذا وجعله بالخيار على ما وضعت، وكذلك إن وهبه الغاصب أو باعه أو تصدق به، فإن ذلك كله باطل، ولرب الطعام أن يأخذ شيه بعينه. وكذلك لو غصبه لحما فشواه أو طبخه، وكذلك لو غصبه سمسما أو زيتونا فعصره، وكذلك لو غصبه ترابا فلته أو طبخه آجرا أو اتخذ منه آنية الخزف، أو جعله جهبابا قال فإن لم يكن للتراب ثمن فلا شيء عليه ولا بأس بأن ينتفع به. فإن غصب طعاما فزرعه فإن عليه مثله في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وتصدق بفضله، وفي قول أبي يوسف لا يتصدق بفضله، ولا بأس بأن ينتفع به قبل أن يرضى صاحبه وكذلك نوى غرسه واتخذ منه نخلا فهو ضامن لقيمته. قال: وكذلك صنوف الشجر، انتهى كلام الكرخي. وكذلك لو غصب بيضا فحضنه فصار دجاجا أو غصب زيتا فجعله في بزر له كثير فغلب عليه البزر فصار بزرا، أو غصب عصفرا فصبغ به فلا سبيل لصاحب هذه الأشياء على شيء مما ذكرناه، ولكن يضمن الغاصب حق الذي غصبه إياه، ولا شيء له من ذلك. م: (أو حديدا فأتخذه سيفا، أو صفرا فعمله آنية) ش: أي أو غصب حديدا فاتخذه سيفا، أو غصب صفرا فعمله آنية، والصفر بالكسر. قال أبو عبيد: الصفر بكسر الصاد وهو الذي يعمل منه الأواني. قلت: هو نوع من النحاس وهو الأصفر في لون الذهب م: (وهو كله عندنا) ش: يعني زوال تملك المالك وتملك الغاصب وضمانه عندنا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 204 وقال الشافعي: لا ينقطع حق المالك وهو رواية عن أبي يوسف غير أنه إذا اختار أخذ الدقيق لا يضمنه النقصان عنده لأنه يؤدي إلى الربا وعند الشافعي: يضمنه عن أبي يوسف أنه يزول ملكه عنه لكنه يباع في دينه وهو أحق به من الغرماء بعد موته للشافعي أن العين باق فيبقى على ملكه وتتبعه الصنعة كما إذا هبت الريح في الحنطة وألقتها في طاحونة الغير فطحنت ولا معتبر بفعله لأنه محظور فلا يصلح سببا للملك على ما عرف فصار كما إذا انعدم الفعل أصلا   [البناية] م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا ينقطع حق المالك وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو قول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا م: (غير أنه إذا اختار أخذ الدقيق لا يضمنه النقصان عنده) ش: أي عند أبي يوسف م: (لأنه يؤدي إلى الربا) ش: لأنه يأخذ عين حقه مع شيء آخر، إذ الدقيق هو عين الحنطة؛ لأن عمل الطحن وتفريق الآخر لا في إحداث ما لم يكن موجودا، وتفريق الآخر لا يبدل العين كالقطع في الثوب، ألا ترى أن الربا يجري بينهما ولا يجري الربا إلا باعتبار المجانسة. م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمنه) ش: أي النقصان، لأن على أصله تضمين النقصان مع أخذ العين في الأموال الربوية جائز، وهو رواية م: (عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يزول ملكه عنه لكنه يباع في دينه وهو أحق به من الغرماء بعد موته) ش: يعني فيشتري له به حنطة مثل حنطته، فلو مات الغاصب فالمالك أحق به من سائر الغرماء؛ لأنه زال ملكه ويده بسبب لم يرض به، وفي " الإيضاح " عن أبي يوسف ثلاث روايات، أحدها كقولهما وقد ذكرناها. م: (للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن العين باق فيبقى على ملكه) ش: هذا عطف على قوله؛ لأنه يؤدي إلى الربا، وتقريره أن بقاء العين المغصوبة يوجب بقاءها على ملك المالك لا الموجب الأصلي في الغصب رد العين عند قيامه، ولولا بقاؤه على ملك المالك لما كان كذلك، والعين باق فيبقى على ملكه م: (وتتبعه الصنعة) ش: الحادثة؛ لأنها تابعة للأصل فالمالك صاحب الأصل وللغاصب الشفعة، فيترجح صاحب الأصل على صاحب التبع. م: (كما إذا هبت الريح في الحنطة وألقتها في طاحونة الغير فطحنت) ش: فإن الدقيق يكون لمالك الحنطة، كذلك هذا م: (ولا معتبر بفعله) ش: هذا جواب عما يقال: إن هذا تمثيل فاسد؛ لأنه تحلل في صورة النزاع، فعل الغاصب دون المستشهد به، أجاب بقوله ولا معتبر بفعله م: (لأنه محظور) ش: أي حرام م: (فلا يصلح سببا للملك على ما عرف) ش: في الأصول أن الفعل المحظور لا يصلح سببا للنعمة وهو الملك م: (فصار كما إذا انعدم الفعل أصلا) ش: وحينئذ صارت صورة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 205 وصار كما إذا ذبح الشاة المغصوبة وسلخها وأربها. ولنا: أنه أحدث صنعة متقومة فصير حق المالك هالكا من وجه، ألا ترى أنه تبدل الاسم، وفات معظم المقاصد وحقه في الصنعة قائم من كل وجه، فيترجح على الأصل الذي هو فائت من وجه.   [البناية] النزاع كالمستشهد به لا محالة م: (وصار كما إذا ذبح الشاة المغصوبة وسلخها وأربها) ش: بفتح الراء المشددة من التأريب، أو جعلها عضوا عضوا، فإن فعل الغاصب فيه موجود وليس بسبب للملك لكونه محظورا. م: (ولنا: أنه) ش: أي الغاصب م: (أحدث صنعة متقومة) ش: لأن قيمة الشاة تزداد بطبخها وشيها، وكذلك قيمة الحنطة تزداد بجعلها دقيقا وإحداثها م: (فصير حق المالك هالكا من وجه) ش: لأن قيام الشيء إنما يعرف بصورته ومعناه، وقد فقدت الصورة. م: (ألا ترى أنه تبدل الاسم) ش: وتبدل الاسم يدل على تبدل العين، فكأنه لم يبق العين الأولى م: (وفات معظم المقاصد) ش: فإن المطلوب من عين الحنطة الزراعة والقلي واتخاذها هريسة، وبالطحن بطل هذا المقصود. فإن قلت: المقصود الأصلي في الحنطة وسائر المطعومات التغذي بها، فإن الله عز وجل ما خلقها إلا لمصالح الأنفس لتكون عدة لها، وبالزراعة استدامتها فكانت وسيلة إليه، وبالطحن لم يفت ما هو المقصود، ولهذا يجري الربا بين الحنطة والدقيق، ولا ربا بين الحنطة والدقيق، ولا ربا بدون المجانسة. فإذا بقي ما هو المقصود لا يكون معظم المقاصد فائتا. قلت: لا شك في فوات الصورة فيفوت المعنى؛ لأن معنى الشيء قائم بصورته، ولا نسلم أن المقصود هو الأكل، إذ العقلاء ما اعتادوا أكل عين الحنطة، بل بعد القلي، واتخاذها هريسة أو خبزا يستدعي وجود الدقيق والدقيق بوجود الحنطة، فكانت الوسيلة إلى هذا المقصد الأصلي من غير الحنطة هو الزراعة، وكذلك المقصود من عين السمسم هو الزراعة، ومن عين العنب وجريان الربا بشبهة المجانسة من حيث الصورة، ومبناه على الاحتياط. م: (وحقه في الصنعة قائم من كل وجه) ش: هذا جواب عن قوله العين باق فيبقى على ملكه، تقريره أن حق الغاصب أولى باعتباره؛ لأن حقه قائم في الصفة من كل وجه، أي أنها موجودة من كل وجه فلا يضاف حدوثها إلى صاحب العين، بدليل أن المغصوب منه إذا اختار أخذ الدقيق يجب عليه أجرة الطحان، وكذلك لا يأخذ الثوب إلا ويعطيه ما زادت الصنعة فيه من الخياطة، وحق الآخر في المصنوع قائم من وجه هالك من وجه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 206 ولا نجعله سببا للملك من حيث إنه محظور، بل من حيث إنه إحداث الصنعة بخلاف الشاة لأن اسمها باق بعد الذبح والسلخ وهذا الوجه يشمل الفصول المذكورة ويتفرع عليه غيرها فاحفظه   [البناية] لأن حقه في الثوب والثوب ثوب بالتركيب، والتركيب بالقطع زال من وجه وبقي من وجه، فلو زال كله لذهب ملكه، وكذلك بعض المنافع القائمة زال بالقطع وحدث بالخياطة ما لم يكن وهذا كمن غصب إبريسما فخاط بطن نفسه أو شاته لم يجز نزع الإبريسم؛ لأنه هالك من وجه، م: (فيترجح على الأصل الذي هو فائت من وجه) ش: أي إذا كان كذلك فيترجح حق الغاصب على الأصل وهو حق المالك الذي هو فائت من وجه؛ لأن الصناعة قائمة بذاتها من كل وجه، والعين هالكة فصارت الصنعة راجحة في الوجود، وترجيحه يرجح إلى الحال، وترجيحنا إلى الوجود، فالرجحان في الذات أحق من الحال؛ لأنها تابعة للذات. م: (ولا نجعله سببا للملك) ش: هذا جواب عن قوله ولا معتبر بفعله؛ لأنه محظور، تقريره أننا لا نجعل فعل الغاصب من الطحن وغيره سببا م: (من حيث إنه محظور، بل من حيث إنه إحداث الصنعة) ش: المتقومة، إذ إحداث الصنعة مشروع في نفسه، وإنما حرم هاهنا بأن جعل مال الغير بمنزلة آلة له، فأشبه الاحتطاب بقدوم الغير والاصطياد بقوس الغير. م: (بخلاف الشاة) ش: هذا جواب عن قوله وصار كما إذا ذبح الشاة المغصوبة، تقريره أن العلة حدوث الفعل من الغاصب على وجه تبدل الاسم، والشاة ليست كذلك م: (لأن اسمها باق بعد الذبح والسلخ) ش: حيث يقال شاة مذبوحة مسلوخة، كما يقال شاة حية. فإن قيل: الكلام فيها بعد التأديب ولا يقال شاة مأربة، بل يقال لحم مأرب، فقد حصل الفعل وتبدل الاسم ولم ينقطع حق المالك. أجيب بأنه كذلك إلا أنه لما ذبحها فقد أبقى اسم الشاة فيها مع ترجيح جانب اللحمية فيها، إذ معظم المقصود منها اللحم ثم السلخ ثم التأريب بعد ذلك لا يفوت ما هو المقصود بالذبح، بل يحققه فلا يكون تبديل العين، بخلاف الطبخ بعد؛ لأنه لم يبق ما هو المتعلق باللحم كما كان فلم يكن لصاحبها أن يأخذها. م: (وهذا الوجه) ش: أي وجه الاستدلال ببقاء الاسم على عدم الانقطاع، وبفوات الاسم على الانقطاع م: (يشمل الفصول المذكورة) ش: أي التي ذكرها القدوري من غصب الشاة وذبحها وغصب الحنطة وطحنها، وغصب الحديد واتخاذه سيفا، وغصب الصفر وعمله آنية م: (ويتفرع عليه غيرها) ش: أي على الفصول المذكورة غيرها، مثل خبز الدقيق ونسج الغزل وغزل القطن وعصر السمسم، فإنه يقطع حق المالك عندنا خلافا للشافعي ومن تابعه م: (فاحفظه) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 207 وقوله: ولا يحل له الانتفاع بها حتى يؤدي بدلها استحسانا، والقياس: أن يكون له ذلك وهو قول الحسن وزفر رحمهما الله، وهكذا عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواه الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ووجهه ثبوت الملك المطلق للتصرف، ألا ترى أنه لو وهبه أو باعه جاز. وجه الاستحسان قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في الشاة المذبوحة المصلية بغير رضاء صاحبها: «أطعموها الأسارى»   [البناية] ش: أي فاحفظ الذي يتفرع عليها واستخرجه بالقياس. م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري م: (لا يحل له الانتفاع حتى يؤدي بدلها استحسانا) ش: فيه إشارة إلى أنه لا يحل له الانتفاع بالقضاء وقد نص في " المبسوط " أنه يحل بالقضاء؛ لأنه بمنزلة الأداء لحصول رضى المالك عنده؛ لأنه لا يقضي إلا بطلبه. م: (والقياس أن يكون له ذلك) ش: أي الانتفاع قبل أداء البدل م: (وهو قول الحسن وزفر رحمهما الله وهكذا عن أبي حنيفة، رواه الفقيه أبو الليث) ش: قال الفقيه أبو الليث في باب الغصب بعلامة النون من الواقعات الحسابية رجل غصب لحما فطبخه، أو حنطة فطحنها كان عليه الضمان، فصار ملكا له وحل أكله في قوله أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه ملكه بالبدل. وقال محمد: في العيون لا يحل حتى يرضى المالك، وهو وقول أبي يوسف، انتهى. ونقل في آخر كتاب الغصب من خلاصة الفتاوى عن فتاوى أهل سمرقند رجل غصب طعاما فمضغه حتى صار مستهلكا، فلما ابتلع ابتلع حلالا عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وشرط الطيب عنده وجوب البدل، وعندهما أداء البدل، والفتوى على قولهما، انتهى. وقال الكرخي في مختصره: قال الحسن: قال زفر: إذا طبخه أو شواه فقد صار مستهلكا له، وعليه القيمة، وله أن يأكله ويطعمه من شاء رضي صاحبه بالقيمة أو لم يرض، وبه يأخذ الحسن. م: (ووجهه) ش: أي وجه القياس م: (ثبوت الملك المطلق) ش: بكسر اللام، أي: المجوز م: (للتصرف، ألا ترى أنه لو وهبه أو باعه جاز) ش: لأنه ملكه بوجه محظور، فصار كالمقبوض على وجه بيع فاسد، حيث يصح بيعه. م: (وجه الاستحسان قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في الشاة المذبوحة المصلية بغير رضاء صاحبها: «أطعموها الأسارى ") » ش: هذا الحديث رواه اثنان من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: أحدهما: رجل من الأنصار أخرج حديثه أبو داود في سننه في أول البيوع ثنا محمد بن العلاء أنا ابن إدريس أنا عاصم بن كليب عن أبيه «عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 208 أفاد الأمر بالتصدق   [البناية] رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو على القبر يوصي الحافر أوسع مع قبل رجليه أوسع من قبل رأسه، فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام، فوضع يده، ووضع القوم فأكلوا، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يلوك لقمته في فمه. فقال: " إني أجد شاة أخذت بغير إذن أهلها "، فأرسلت المرأة، قالت: يا رسول الله إني أرسلت إلى البقيع أشتري شاة فلم أجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل إلي بها بثمنها فلم يأخذ، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت بها إلى، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أطعميه الأسارى» . ورواه أحمد في مسنده حدثنا معاوية بن عمر أبو إسحاق عن زائد عن عاصم بن كليب عن أبيه أن رجلا من الأنصار قال فذكره، وهذا مسند صحيح، إلا أن كليب ابن شهاب والد عاصم لم يخرجا له في الصحيح، وخرج له البخاري في رفع اليدين. وقال ابن سعد: ثقة، وذكره ابن حبان في " الثقات "، ولا يضره قول أبي داود: وعاصم ابن كليب عن أبيه عن جده ليس بشيء، فإن هذا ليس من روايته عن أبيه عن جده، وأخرجه الدارقطني في " سننه " في الضحايا عن حميد بن الربيع ثنا إدريس به وحميد بن الربيع هو الخزاز بخاء معجمة وزاي مكررة. وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": كذاب، وتعقبه صاحب التنقيح فقال: وثقه عثمان بن أبي شيبة وقد تابعه محمد بن العلاء كما رواه أبو داود. والثاني ابن موسى أخرج حديثه الطبراني في " معجمه " ثنا أحمد بن القاسم الطائي ثنا بشر بن الوليد ثنا أبو يوسف القاضي عن أبي حنيفة عن عاصم بن كليب عن أبي بردة «عن أبي موسى أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زار قوما من الأنصار في دارهم فذبحوا له شاة فصنعوا له منها طعاما، فأخذ من اللحم شيئا ليأكله فمضغه ساعة لا يسيغه، فقال: ما شأن هذا اللحم، قالوا شاة لفلان ذبحناها حتى يجيء فترضيه في ثمنها، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أطعموها الأسارى ".» ورواه في " معجمه الأوسط " ثنا أحمد بن القاسم الطاوي ثنا بشر بن الوليد به. م: (أفاد الأمر بالتصدق) ش: أي أفاد الحديث الأمر بالتصدق، والحاصل أنه أفاد أمورا ثلاثة: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 209 زوال ملك المالك، وحرمة الانتفاع للغاصب قبل الإرضاء،   [البناية] الأول: الأمر بالتصدق الذي يدل على زوال ملك المالك إذ لو بقي الملك للمالك لأمر بالرد إليه تحرزا عن إبطال ملك الإنسان، أو أمر بالبيع وحفظ الثمن عند خوف الفساد؛ لأن الإمام ولايته بيع مال الإنسان عند الحاجة. الثاني: زوال ملك المالك، أشار إليه بقوله م: (زوال ملك المالك) ش: بالنصب، أي وأفاد أيضا زوال ملك المالك. ووجهه ما ذكرناه. الثالث: حرمة الانتفاع قبل أداء البدل، أشار إليه بقوله: م: (وحرمة الانتفاع للغاصب قبل الإرضاء) ش: بالنصب أيضا، أي وأفاد أيضا حرمة انتفاع الغاصب بالمغصوب قبل إرضاء المالك بالتراضي أو بالقضاء. وقال محمد بن الحسن: في كتاب " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عاصم بن كليب عن أبيه به، ثم قال ولو كان هذا اللحم باقيا على ملك مالكه الأول لما أمر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يطعم الأسارى، ولكن لما رآه خرج من ملك الأول صار مضمونا على الذي أخذه أمر بإطعامه؛ لأن من ضمن شيئا فصار له عن وجه غصب فإن الأولى أن يتصدق به ولا يأكله. وأخرج الدارقطني في " سننه " عن عبد الواحد بن زياد عن عاصم بن كليب به، ثم أخرج عن عبد الواحد بن زياد قال: قلت لأبي حنيفة: من أين أخذت قولك في الرجل يعمل في مال الرجل بغير إذنه أنه يتصدق بالذبح، قال: أخذته من حديث عاصم بن كليب هذا، انتهى. فإن قلت: قال البيهقي: وهذا؛ لأنه كان يخشى عليها الفساد وصاحبها كان غائبا فرأى من المصلحة أن يطعمها الأسارى ثم يضمن لصاحبها. قلت: الإمام إذا خاف التلف على ملك غائب يبيعه ويحبس ثمنه عليه كما ذكرنا. ولا يجوز له أن يتصدق به. فإن قلت: هذا الحديث متروك الظاهر؛ لأن المذهب أن التصدق بالذبح لا يعين المغصوب، فكيف يصح التمسك به. قلت: روي عن محمد أنه يتصدق بالأصل قبل أداء الضمان على أنا نقول: إن الحديث يقتضي انقطاع حق المالك والتصدق، إلا أن التصدق ترك للمعارض، فبقي الحكم الآخر على ظاهره، ولا يرد علينا اللقطة؛ لأن الشارع أمر بتصدقها بعد تعريفها وعجزها عن إصابة المالك وعن صيانة المال، وهاهنا المالك معلوم ويمكن الرد عليه فلا يجوز التصدق بدون رضاه، كما لو علم صاحب اللقطة وأمكن الرد عليه. كذا ذكره الإمام اليرعوي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 210 ولأن في إباحة الانتفاع فتح باب الغصب فيحرم قبل الإرضاء حسما لمادة الفساد ونفاذ بيعه وهبته مع الحرمة لقيام الملك كما في الملك الفاسد وإذا أدى البدل يباح له لأن حق المالك صار موفى بالبدل، فحصلت مبادلة بالتراضي، وكذا إذا أبرأه لسقوط حقه به، وكذا إذا أدى بالقضاء أو ضمنه الحاكم أو ضمنه المالك لوجود الرضى منه؛ لأنه لا يقضي إلا بطلبه. وعلى هذا الخلاف إذا غصب حنطة فزرعها أو نواة فغرسها   [البناية] قوله: المصلية أي المشوية من صليت اللحم وغيره أصليه صليا، مثل رميته أرميه رميا إذا شويته، وأراد بالأسارى المحبوسين، كذا فسره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قوله يلوك من اللوك وهو مضغ الشيء الصلب وإدارته في الفم، يقال لاك اللقمة ولاك الفرس اللجام. قوله: لا يسيغه من ساغ الطعام مسوغا سهل دخوله في الحلق، وأسغته أنا أي ساغ لي. م: (ولأن في إباحة الانتفاع فتح باب الغصب فيحرم قبل الإرضاء حسما لمادة الفساد) ش: هذا دليل معقول، وهو ظاهر. وفي بعض النسخ قيل الإرضاء أي ساغ لي قبل إرضاء المالك، والحسم القطع بالحاء المهملة م: (ونفاذ بيعه) ش: هذا جواب عن قوله: ولهذا لو وهب أو باعه، أي نفاذ بيع المغصوب م: (وهبته) ش: أي نفاذ هبته، والمصدر في الموضعين مضاف إلى مفعوله م: (مع الحرمة لقيام الملك) ش: وذلك لا يستلزم الإباحة م: (كما في الملك الفاسد) ش: يعني كالمقبوض في البيع الفاسد. م: (وإذا أدى البدل يباح) ش: هذا راجع إلى قوله حتى يؤدي بدلها، أي إذا أدى الغاصب بدل العين المغصوبة يباح الانتفاع م: (لأن حق المالك صار موفى بالبدل، فحصلت مبادلة بالتراضي، وكذا إذا أبرأه) ش: أي وكذا يباح الانتفاع إذا أبرأ المالك الغاصب م: (لسقوط حقه به) ش: أي لسقوط حق المالك بالإبراء. م: (وكذا إذا أدى بالقضاء) ش: أي: وكذا يباح الانتفاع إذا أدى البدل بقضاء القاضي، وفي " المبسوط " لو قضى القاضي بالضمان يحل له الانتفاع بمجرد القضاء لوجود الرضى من المالك، إذ المالك لا يضمنه إلا بعد طلبه فكان راضيا به وقد ذكرناه مرة م: (أو ضمنه الحاكم) ش: بأن كان المغصوب مال اليتيم م: (أو ضمنه المالك) ش: أي أو طلب المالك من الغاصب الضمان يحل الانتفاع قبل أداء الضمان م: (لوجود الرضى منه) ش: أي من المالك م: (لأنه لا يقضي إلا بطلبه) ش: أي بطلب المالك ودعواه، فكان المالك ضمنه فيحل له الانتفاع بذلك. م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أصحابنا وزفر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تعالى م: (إذا غصب حنطة فزرعها أو نواة فغرسها) ش: يعني لا يحل الانتفاع بالمغصوب قبل أداء البدل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 211 غير أن عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يباح الانتفاع فيهما قبل أداء الضمان لوجود الاستهلاك من كل وجه، بخلاف ما تقدم لقيام العين فيه من وجه، وفي الحنطة زرعها لا يتصدق بالفضل عنده خلافا لهما، وأصله ما تقدم. قال: وإن غصب فضة أو ذهبا فضربها دراهم أو دنانير أو آنية لم يزل ملك مالكها عنها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيأخذها ولا شيء للغاصب. وقالا: يملكها الغاصب وعليه مثلها؛ لأنه أحدث صنعة معتبرة صيرت حق المالك هالكا من وجه.   [البناية] خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (غير أن عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يباح الانتفاع فيهما) ش: أي في الصورتين المذكورتين وهما غصب الحنطة وزرعها، وغصب النواة وغرسها م: (قبل أداء الضمان لوجود الاستهلاك من كل وجه) ش: لأن الحنطة صارت قصيلا، والنواة صارت زرعا. م: (بخلاف ما تقدم) ش: من غصب الشاة وذبحها وطبخها، وغصب الحنطة وطحنها حيث لا يحل الانتفاع قبل إرضاء المالك م: (لقيام العين فيه من وجه) ش: لأن إجراء الشاة والحنطة باقية م: (وفي الحنطة يزرعها لا يتصدق بالفضل عنده) ش: أي عند أبي يوسف م: (خلافا لهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (وأصله ما تقدم) ش: أي أصل وجوب التصدق بالفضل عندهما خلافا لأبي يوسف ما تقدم عند قوله: ومن غصب عبدا فأشغله، وأراد بالأصل الدليل المذكور هناك. [غصب فضة أو ذهبا فضربها دنانير أو دراهم] م: (قال: وإن غصب فضة أو ذهبا فضربها دنانير أو دراهم أو آنية لم يزل ملك مالكها عنها عند أبي حنفية - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: إلى هنا لفظ القدوري وتمامه فيه: وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: يملكها الغاصب. وقال الحاكم الشهيد في " كافيه ": وإن غصب فضة فضربها دراهم أو صاغها إناء قال يأخذها ولا أجر للغاصب ولا يشبه هذا الحديد والصفر؛ لأنه فضة بعينها لا تخرج من الوزن. وقال أبو يوسف: ويعطيه مثل فضته، وكذلك الذهب، انتهى. م: (فيأخذها ولا شيء للغاصب) ش: وبه قالت الثلاثة، وقيد بضربها دراهم أو دنانير؛ لأن في كسر الدراهم والدنانير وقلبهما يضمن مثله بالاتفاق؛ لأنه غيره بصنعه ولا يتم دفع الضرر عن صاحبه إلا بإيجاب المثل والمكسور للكاسر بعد الضمان، وإن شاء صاحبه أخذ المكسور ولم يرجع عليه بشيء، ويستوي إن نقصت ماليته بالكسر أو لم ينتقص، أما لو استهلك القلب فعليه قيمته مصوغا من غير جنسه، وعند الشافعي من جنسه. م: (وقالا: يملكها الغاصب وعليه مثلها؛ لأنه أحدث صنعة معتبرة) ش: وهي الصياغة م: (صيرت حق المالك) ش: أي إحداث الصنعة صير حق المالك م: (هالكا من وجه) ش: لأن الاسم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 212 ألا ترى أنه كسره وفات بعض المقاصد والتبر لا يصلح رأس المال في المضاربات والشركات، والمضروب يصلح لذلك. وله: أن العين باق من كل وجه، ألا ترى أن الاسم باق ومعناه الأصلي الثمنية، وكونه موزونا، وأنه باق حتى يجري فيه الربا باعتباره وصلاحيته لرأس المال من أحكام الصنعة دون العين، وكذا الصنعة فيها غير متقومة مطلقا؛ لأنه لا قيمة لها عند المقابلة بجنسها.   [البناية] تبدل بفعل الغاصب م: (ألا ترى أنه كسره) ش: أي أن الغاصب كسره وبالكسر يتبدل الاسم والمقصود. فإن قبل الضرب يسمى ذهبا وفضة وبعده درهما ودينارا م: (وفات بعض المقاصد) ش: حيث كان يتعين في المعقود قبل الضرب وبعده لا يتعين وأشار أيضا إلى تبدله في بعض المقاصد بقوله: م: (والتبر) ش: وهو القطعة المأخوذة من المعدن م: (لا يصلح رأس المال في المضاربات والشركات، والمضروب يصلح لذلك) ش: أي ليكون رأس المال فيها، ففي هذا دليل على تغايرهما معنى واسما كما ذكرنا. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن العين باق من كل وجه، ألا ترى أن الاسم باق) ش: حيث يقال بعد الصنعة ذهب وفضة م: (ومعناه الأصلي الثمنية) ش: أراد أن المعنى الأصلي اللازم للعين وهو الثمنية قائم كما كان بلا خلاف م: (وكونه موزونا) ش: عطف على قوله الثمنية م: (وأنه باق) ش: أي وإن كل واحد من الثمنية وكونه موزونا باق، ثم بين بقاء هذين الشيئين بقوله م: (حتى يجري فيه الربا باعتباره) ش: أي باعتبار الوزن. والحاصل أن الأحكام الأربعة المتعلقة بالذهب والفضة وهي الثمنية وكونه موزونا وجريان الربا ووجوب الزكاة، يدل على أن العين باق من كل وجه. م: (وصلاحيته لرأس المال) ش: جواب عن قوله والتبر لا يصلح رأس المال وتقريره أن الصلاحية أمر زائد على مقتضى الطبيعة م: (من أحكام الصنعة دون العين) ش: يعني لا من حكم العين، ولهذا نقول ما لا يتفاوت من الفلوس الرائجة في هذا الحكم من الدراهم، فلا اعتبار ولا قيمة للصنعة في هذه الأموال منفردة عن الأصل وبه فارق الحديد والصفر، فإن الصنعة الحادثة تخرجهما من الوزن، حتى إذا باع قمقمة حديد بقمقمتين منه جاز إذا كان يدا بيد. م: (وكذا الصنعة فيها) ش: أي في عين الفضة والذهب م: (غير متقومة مطلقا) ش: أي في جميع الأحوال، وهذا جواب عن قوله: أحدث صنعة معتبرة، تقريره أنها غير متقومة في كل حال م: (لأنه لا قيمة لها عند المقابلة بجنسها) ش: وإنما تتقوم عند المقابلة بخلاف جنسها، كمن استهلك قلب فضة فعليه قيمته من الذهب مصوغا عندنا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 213 قال: ومن غصب ساجة فبنى عليها زال ملك المالك عنها، ولزم الغاصب قيمتها. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: للمالك أخذها والوجه عن الجانبين قدمناه، ووجه آخر لنا فيه: أن فيما ذهب إليه إضرارا بالغاصب بنقض بنائه الحاصل من غير خلف، وضرر المالك فيما ذهبنا إليه مجبور بالقيمة،   [البناية] [غصب ساجة فبنى عليها] م: (قال ومن غصب ساجة) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - والساجة بالسين المهملة وتخفيف الجيم خشبة عظيمة. وقيل خشبة منحوتة مهيأة للأساس، والأصح أنها خشبة صلبة قوية تجلب من بلاد الهند لها، ثم تعمل منها الأبواب، وأما الساحة بالحاء المهملة فستأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى م: (فبنى عليها زال ملك مالكها عنها ولزم الغاصب قيمتها) ش: وفي " الذخيرة ": هذا إذا كانت قيمة البناء أكثر من قيمة الساجة، أما إذا كانت قيمة الساجة أكثر من قيمة البناء لم يزل ملك مالكها عنها بالإجماع. وفي " الكافي " للحاكم: وإن غصب ساجة أو خشبة فأدخلها في بنائه أو آجرة فأدخلها في بنائه أو جصا فبنى به، قال: عليه في ذلك كله قيمته، وليس للمغصوب منه نقض ما بناه وأخذ ساجته وخشبته وآجره على حوالي الساجة؛ لأنه غير متعد في البناء على ملكه فلا ينقض. وأما إذا بنى على نفس الساجة ينقض بناؤه؛ لأنه مطلقا وجعله الأصح، والدليل عليه أن القدوري بعد أن ذكر في شرحه " لمختصر الكرخي " ما ذكرناه قال في كتاب الصرف: ومن غصب درهما فجعله عروة مزادة سقط حق مالكه، والفضة لا تسقط حق مالكها عنها بالصياغة وإنما أسقط بكونها تابعة للموادة، وهذا لا يكون إلا بعمل يرفعه فيها على وجه التعدي، فدل على أن المسألة على إطلاقها، وأنه لا حق للمالك في الساجة في الوجهين على ما يأتي عن قريب. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: للمالك أخذها) ش: أي أخذ الساجة، وبه قال زفر وأحمد ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - على ما يأتي عن قريب م: (والوجه عن الجانبين قدمناه) ش: أي الدليل في مسألة الساجة هو الذي ذكرناه من جانبنا وجانب الشافعي في المسألة المتقدمة في أول الفصل، يعني أن الغصب عندنا عدوان ويصلح سببا للملك. ولنا أنه أحدث صنعة متقومة إلى آخره. م: (ووجه آخر لنا فيه) ش: أي وجه آخر لنا في غصب الساجة، أي في تعليله م: (أن فيما ذهب إليه) ش: أي في الذي ذهب إليه الشافعي م: (إضرارا بالغاصب بنقض بنائه الحاصل من غير خلف) ش: لأن فيه إبطال حقه م: (وضرر المالك فيما ذهبنا إليه مجبور بالقيمة) ش: فكان فوات حقه مجبورا بالقيمة، وضرر الغاصب ليس بمجبور بشيء فيفوت حقه لا إلى خلف، وكان قطع حق المالك أولى من قطع حق الغاصب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 214 فصار كما إذا خاط بالخيط المغصوب بطن جاريته أو عبده، أو أدخل اللوح المغصوب في سفينته.   [البناية] فإن قلت: الغاصب جان ولا يبالى بضرر الجاني إذا كان فيه دفع الضرر عن المجني عليه. قلت: نعم ولكن حق الجاني فيما وراء جنايته مرعي ودفع الضرر عنه واجب. فإن قلت: إنه أضر بنفسه حيث باشر سببه، وهو إدخال ساجة الغير في بنائه مع علمه بذلك فلا يبقى مستحقا للنظر بدفع الضرر عنه. قلت: لا نسلم أنه أضر بنفسه، نعم إنه أدخل ساجة الغير في بنائه، وهذا ليس بسبب للنقض، بل هو سبب لانقطاع حق المالك وثبوت الملك له. فإن قلت: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من وجد عين ماله فهو أحق به» دليل على أن حقه لا ينقطع بإدخالها في البناء؛ لأنه وجد عين ماله. قلت: نحن نقول بموجبه وهاهنا لم يجد عين ماله؛ لأن الساجة صارت هالكة من وجه، فصارت ملكا للغاصب. م: (فصار كما إذا خاط بالخيط المغصوب بطن جاريته أو عبده) ش: حيث لا يجب رد الخيط على صاحبه بلا خلاف، ولو خاط بالخيط المغصوب جرح حيوان يؤكل ففيه للشافعي وأحمد رحمهما الله قولان: في قول يجب رده، وفي الثاني ينتقل حقه إلى القيمة، وفي " مغني الحنابلة " فإن خاط به جرح حيوان محترم لا يحل أكله كالآدمي والبغل والحمار الأهلي وخيف التلف بنزعه لم يجب النزع؛ لأنه إضرار لصاحبه ولا يزال الضرر بالضرر، وإن كان الحيوان للغاصب، فقال القاضي يجب نزعه ورده. وقال أبو الخطاب: فيه وجهان أحدهما هذا، والثاني لا. ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين، انتهى. ولو غصب خيطا وخاط به ثيابه لا يجب نقضه عندنا، وقالت: الثلاثة يجب نقضه ورد الخيط على صاحبه. م: (أو أدخل اللوح المغصوب في سفينته) ش: يعني ليس لصاحب اللوح نزعه، ولكن فيه تفصيل: وهو أنه إن كان في الساحل لزمه قلعه ورده، وبه قال الشافعي ومالك، وإن كان في لجة البحر واللوح في أعلاها بحيث لا يغرق بقلعه يقلع، وإن خيف غرقها الجزء: 11 ¦ الصفحة: 215 ثم قال الكرخي والفقيه أبو جعفر الهندواني: إنما لا ينقض إذا بنى في حوالي الساجة، أما إذا بنى على نفس الساجة ينقض؛ لأنه متعد فيه وجواب الكتاب يرد ذلك وهو الأصح. قال: ومن ذبح شاة غيره بغير أمره فمالكها بالخيار إن شاء ضمنه قيمتها وسلمها إليه، وإن شاء ضمنه نقصانها وكذا الجزور.   [البناية] لم تقلع حتى يخرج إلى الساحل، ولصاحب اللوح المطالبة بالقيمة، فإذا أمكنه رد اللوح استرجعه ورد القيمة، وبه قال أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " الأسرار ": صورة المجيء عليها فيما إذا كانت السفينة مع من عليها في لجة البحر وخيف الغرق. فإن قلت: عدم جواز رد الخيط واللوح عنده من أن فيه تلف الناس؛ لأن المالك ملك ذلك بما صنع فلا يصلح للاستشهاد لاختلاف المناط. قلت: ثبت في كل واحدة، أي من العلة أعني التلف وتملك الغاصب عنها حق الملك وغيره، وجعل حق غيره أولا؛ لأن بإبطاله زيادة الضرر بالنسبة إلى ضرر المالك فكانتا متساويتين. م: (ثم قال الكرخي والفقيه أبو جعفر الهندواني: إنما لا ينقض إذا بنى في حوالي الساجة) ش: بفتح اللام، يقال فقد حوله وحوليه، ولا يقال حواليه بكسر اللام، وقعد حياله وبحياله. أي بإزائه، وذلك بأن يكون بعض البناء على ساجة لنفسه والبعض على الساجة المغصوبة؛ لأنه غير متعمد به من كل وجه م: (أما إذا بنى على نفس الساجة ينقض؛ لأنه متعد فيه) ش: من كل وجه فيقلع م: (وجواب الكتاب) ش: أي القدوري، وهو قوله بنى عليها م: (يرد ذلك) ش: أي التفصيل لما قلنا: إن ضرر المالك مجبور بالقيمة دون ضرر الغاصب م: (وهو الأصح) ش: أي جواب الكتاب هو الأصح، وقد مر بيان الأصحية عن قريب. وفي " الذخيرة " لو أراد الغاصب نقض البناء ورد الساجة مع تملكها بالضمان بعد القضاء بقيمتها لا تحل، وقبل القضاء بهما قيل: يحل، وقيل: لا يحل؛ لأنه تضييع المال بلا فائدة. م: (قال: ومن ذبح شاة غيره بغير أمره) ش: أي قال القدوري في " مختصره " ومن ذبح شاة غيره بغير إذنه م: (فمالكها بالخيار إن شاء ضمنه قيمتها وسلمها إليه) ش: أي إلى الذابح م: (وإن شاء ضمنه نقصانها) ش: أي نقصان الشاة م: (وكذا الجزور) ش: أي وكذا الحكم إذا غصب الجزور وذبحها، إما أن يأخذ العين مع نقصان الذبح، وإما أن يترك العين ويضمن جميع القيمة، والجزور بفتح الجيم ما أعد للجزر من الإبل، أي القطع وهو الذبح يذكر ويؤنث، ومن جعله بالتذكير فقط متوهم، وهو أن يقال إذا كان الجزور معدة للذبح لم يكن معنى الدر والنسل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 216 وكذا إذا قطع يدهما هذا هو ظاهر الرواية. ووجهه أنه إتلاف من وجه باعتبار فوت بعض الأغراض من الحمل والدر   [البناية] فيها مطلوبا فكيف يلزم النقصان، بل الذبح زيادة فيه؛ لأنه يؤخذ لأجله العوض. فأجاب عنه وقال لا يتفاوت الحكم بين أن يكون الحيوان معدا للذبح أو لم يكن؛ لأن الذبح في الحيوان نقص من حيث تفويت الحياة. م: (وكذا إذا قطع يدهما) ش: أي وكذا الحكم إذا اقطع يد الشاة والجزور يعني أن المالك بالخيار إن شاء أخذ العين مع نقصان القطع، وإن شاء ترك العين للغاصب وضمنه جميع القيمة، وهذا رواية عن أصحابنا، والظاهر أن له تضمين جميع القيمة بلا خيار، ألا ترى إلى ما قال الحاكم الشهيد في " كافيه ": وأما الدابة إذا غصبها فقطع يدها أو رجلها فلا يشبه هذا، أي لا يشبه الخرق الكثير في الثوب. قال: لأنه استهلكها وليس ينتفع صاحبها بما بقي، والغاصب بقيمة الدابة وهي له، وكذا لو كانت بقرة أو شاة أو جزورا فذبحها أو قطع يدها أو رجلها، انتهى. وذلك؛ لأن الدابة بعد فوات يدها أو رجلها لا ينتفع بها انتفاع الدواب، فصارت هالكة ويصير الغاصب مستهلكا فيجب عليه القيمة، وتكون الدابة بخلاف الثوب، فإن الثوب بالخرق الفاحش لا يكون هالكا؛ لأنه يمكن أن ينتفع بالثياب فلا يضمنه القيمة بلا خيار، بل يكون الخيار للمالك. وفي شرح " الكافي " روي في رواية أن له الخيار في مأكول اللحم؛ لأن اللحم مقصود كما أن عينها مقصود، واللحم لم يتلف فكان حقه قائما من وجه، فكان له الخيار إن شاء ترك اللحم عليه وضمنه قيمة الدابة، وإن شاء أخذ اللحم وضمنه قيمة النقصان. م: (هذا هو ظاهر الرواية) ش: أي المذكور من ثبوت الخيار للمالك هو ظاهر الرواية، واحترز به عما رواه بشر عن أبي يوسف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أن صاحب الشاة بالخيار إن شاء أخذها ولا شيء له غيرها، وإن شاء تركها وضمنه قيمتها يوم غصبها، وكذا روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة، وكذلك إذا سلمها حين ذبحها أو قطع لحمها أعضاء ولم يطبخه والرأس قائم والجلد والأكارع والبطن، كان المغصوب بالخيار إن شاء أخذ ذلك، ولم يكن له غيره وإن شاء ضمنه قيمتها حية. م: (ووجهه) ش: أي وجه ظاهر الرواية م: (أنه) ش: أي الذبح م: (إتلاف من وجه باعتبار فوت بعض الأغراض من الحمل والدر) ش: بفتح الدال وتشديد الراء وهو اللبن، ومنه ناقة درور الجزء: 11 ¦ الصفحة: 217 والنسل، وبقاء بعضها وهو اللحم فصار كالخرق الفاحش في الثوب، ولو كانت الدابة غير مأكول اللحم فقطع الغاصب طرفها للمالك أن يضمنه جميع قيمتها لوجود الاستهلاك من كل وجه.   [البناية] ودار، أي كثيرة اللبن م: (والنسل وبقاء بعضها) ش: أي بعض الأغراض م: (وهو اللحم فصار) ش: أي الحكم في هذا م: (كالخرق الفاحش في الثوب) ش: على ما يجيء حكمه عن قريب، وهذا الذي ذكره لا يعم الجزور بظاهره، ولكنه يعمه من قوله فوت بعض الأغراض إذا لم يجعل البيان منحصرا فيما ذكر بقوله من الحمل والدر والنسل. م: (ولو كانت الدابة غير مأكول اللحم فقطع الغاصب طرفها، للمالك أن يضمنه جميع قيمتها لوجود الاستهلاك من كل وجه) ش: قال الكاكي: في تقييد هذا الحكم بمأكول اللحم لا توجد زيادة فائدة لما أن الحكم في مأكول اللحم كغير مأكول؛ لأن بقطع الطرف للمالك اختيار تضمين جميع القيمة في المأكول وغيره، ذكره في " المبسوط ". وقال الأترازي: هذا إنما هو على اختيار صاحب الهداية، والظاهر وجوب تضمين القيمة بلا خيار فيهما، يعني في مأكول اللحم وغير مأكوله إذا قطع طرفه فكان فائدة ذكره رد ذلك الظاهر. وقال صاحب " العناية ": فيه نظر من وجهين أحدهما: أنه لو كان كذلك لكفى أن يقول وكذلك إذا كان غير مأكول اللحم. والثاني: أن التعليل يدل على مغايرة الحكم بين قطع طرف مأكول اللحم وغير مأكوله، حيث قال في الأول إنه إتلاف من وجه، وفي الثاني بوجود الاستهلاك من كل وجه، والظاهر من كل أنه نفى اختيار المالك بين تضمين قيمتها وبين إمساك الخشبة وتضمين نقصانها، ويكون ذلك اختيارا منه. وإن كان نقل الكتب على خلافه، فإنه ذكر في " الذخيرة " و " المغني " فقال وفي " المنتقى " هشام عن محمد رجل قطع يد حمار أو رجله وكان لما بقي قيمته فله أن يمسك ويأخذ النقصان، قلت: أراد بذلك صاحب الهداية الإشارة إلى ما ذكره في الواقعات الحسامية في باب الغصب بعلامة السين رجل غصب دابة فقطع يدها فهذا على وجهين: أما إن كانت لا يؤكل لحمها أو يؤكل ففي الوجه الأول لا يكون لصاحب الدابة خيار؛ لأنه استهلك من كل وجه، وفي الوجه الثاني له الخيار؛ لأنه استهلك من وجه، انتهى. فإن قلت: ما أراد صاحب الهداية من قوله: فقطع الغاصب طرفها. قلت: أراد به أحد قوائمها؛ لأن في عين الحمار أو البغل أو الفرس ربع القيمة، وكذلك الجزء: 11 ¦ الصفحة: 218 بخلاف قطع طرف المملوك حيث يأخذه مع أرش المقطوع؛ لأن الآدمي يبقى منتفعا به بعد قطع الطرف. قال: ومن خرق ثوب غيره خرقا يسيرا   [البناية] في عين البقر والجزور ربع القيمة، وفي عين الشاة ما نقصها على ما سيجيء في كتاب " الديات " إن شاء الله تعالى. ونقل في " الأجناس " عن كتاب " الجنايات والديات " رواية بشر بن غياث. قال أبو حنيفة: في إحدى عيني الحمار أو البغل ربع القيمة ولو فقأ عين شاة أو حمل أو طير أو كلب أو دجاجة أو نعامة عليه ما نقصه. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ذلك كله: عليه ما نقصه في جميع الربح، ثم قالوا في قطع أذن الدابة وذنبها يضمن النقصان وجعل ذلك نقصانا يسيرا. وعن شريح أنه إن قطع ذنب حمار القاضي يضمن جميع القيمة، وإن كان لغيره يضمن النقصان. وفي " المنتقى ": إذا ذبح الحمار له الخيار، وإن قتله ليس له الخيار؛ لأن جلده لا قيمة له حينئذ، أما في الذبح بمنزلة الذبائح. م: (بخلاف قطع طرف المملوك) ش: هذا يتعلق بقوله للمالك أن يضمنه جميع القيمة، أي بخلاف العبد إذا قطع الغاصب طرفه م: (حيث يأخذه مع أرش المقطوع؛ لأن الآدمي يبقى منتفعا به بعد قطع الطرف) ش: ولا يصير مستهلكا من كل وجه، بخلاف الدابة فإنها بعد ذلك لا ينتفع بها، أي بما هو المقصود بها من الحمل والركوب وغير ذلك. وهذا إذا لم تكن الجناية مستهلكة، أما إذا كانت مستهلكة فليس للمالك أن يأخذ الأرش مع إمساك الجناية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما على ما عرف في موضعه. بيان ذلك أن كل جناية لو حصلت في الحر أوجبت كمال الدية، فإذا حصلت في العبد فتلك مستهلكة كفقء العينين وقطع اليدين والرجلين والذكر وقطع يد ورجل من جانب واحد. وأما في قطع الأذنين وحلق الحاجبين إذا لم ينبت ففيه روايتان: في رواية جعله مستهلكا، وكل جناية في الحر لا يوجب كمال الدية كقطع يد أو رجل وقطع يد ورجل من خلاف، فتلك الجناية غير مستهلكة، ثم في الجناية المستهلكة على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - المولى بالخيار إن شاء حبس العبد لنفسه ولا يرجع بشيء وإن شاء سلمه إلى الجاني ويرجع بقيمته، وإن قال صاحباه: إن شاء سلم ورجع بالقيمة، وإن شاء حبس لنفسه ورجع بالنقصان كذا في " شرح الطحاوي ". [خرق ثوب غيره خرقا يسيرا] م: (قال: ومن خرق ثوب غيره خرقا يسيرا) ش: أي قال القدوري، والمراد من الثوب ما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 219 ضمن نقصانه والثوب لمالكه، لأنه العين قائم من كله وجه، وإنما دخله عيب فيضمنه. قال: وإن خرق خرقا كثيرا تبطل عامة منافعه فلمالكه أن يضمنه جميع قيمته؛ لأنه استهلاك من هذا الوجه فكأنه أحرقه. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معناه يترك الثوب عليه وإن شاء أخذ الثوب وضمنه النقصان؛ لأنه تعييب من وجه حيث إن العين باق، وكذا بعض المنافع قائم، ثم إشارة الكتاب إلى أن الفاحش ما يبطل به عامة المنافع، والصحيح أن الفاحش ما يفوت به بعض العين وجنس المنفعة ويبقى بعض العين وبعض المنفعة، واليسير ما لا يفوت به شيء من   [البناية] يلبس كالكرباس م: (ضمن نقصانه والثوب لمالكه؛ لأن العين قائم من كل وجه، وإنما دخله عيب فيضمنه) ش: أي النقصان م: (وإن خرق خرقا كثيرا) ش: بالثاء المثلثة، ويجوز بالباء الموحدة أيضا. وأشار إلى تفسير الخرق الكثير بقوله م: (بحيث تبطل عامة منافعه) ش: بأن لا يبقى شيء في منفعة الثبات بأن لا يصلح لثوب ما م: (فلمالكه أن يضمنه جميع قيمته؛ لأنه استهلاك من هذا الوجه، فكأنه أحرقه) ش:. وفي شرح " الكافي " قال شيخ الإسلام: وقال بعض أصحابنا: هذا إذا كان الخرق بحال لا يمكن خياطته، فأما إذا أمكن خياطته ولم يبق بعد الخياطة نقصان فاحش لا يكون له تضمين جميع القيمة، ويؤخذ بالخياطة ثم يضمن النقصان إن بقي بعد كمن جرح إنسانا جرحا هل يؤخذ بأجرة الطبيب. فإن بقي نقص بعد ذلك أخذ أرشه كذلك هاهنا، هذا إذا غصب ثوبا فخرقه، أما إذا غصب ثوبا فقطعه قميصا ولم يخطه فله أن يأخذه ويضمنه ما نقصه القطع، وكذا ذكر الحاكم في " الكافي ". قال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في شرحه: وإن شاء ضمنه قيمته؛ لأنه تعيب عنده بعيب فاحش، وإن خاطه قميصا أو غيره فليس لصاحبه أن يأخذه؛ لأنه صار شيئا آخر وتعلقت به مصلحة أخرى، فصار الأول هالكا من حيث المعنى، فكان للمالك ولاية التضمين. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معناه) ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومعنى قول القدوري فلمالكه أن يضمنه جميع قيمته أنه م: (يترك الثوب عليه) ش: أي على الغاصب م: (وإن شاء أخذ الثوب وضمنه النقصان؛ لأنه تعييب من وجه من حيث إن العين باق، وكذا بعض المنافع قائم) ش: لأنه يمكن أن يفصل عنه ثوب للصغير. م: (ثم إشارة الكتاب) ش: أي إشارة القدوري م: (إلى أن الفاحش ما يبطل به عامة المنافع، والصحيح أن الفاحش ما يفوت به بعض العين) ش: من حيث الظاهر، إذ الظاهر أن الثوب إذا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 220 المنفعة، وإنما يدخل في النقصان؛ لأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - جعل في الأصل قطع الثوب نقصانا فاحشا والفائت به بعض النافع. قال: ومن غصب أرضا.   [البناية] قطع يفوت من إجراء شيء لا محالة م: (وجنس المنفعة ويبقى بعض العين وبعض المنفعة) ش: أراد به أنه لا يبقي جميع منافعه بل يفوت بعض ويبقي بعض، كما إذا قطع الثوب قميصا منفعة الجبة والقباء. م: (واليسير ما لا يفوت به شيء من المنفعة، وإنما يدخل فيه النقصان) ش: أي النقصان في مالية الثوب لسبب فوت الجودة. وفي " الفتاوى الصغرى " قال بعضهم إن أوجب الخوف النقصان ربع القيمة فصاعدا فهو فاحش وما دونه يسير. وقال بعضهم ما لا يصلح الباقي لثوب فهو فاحش، واليسير ما يصلح. والصحيح أن الفاحش ما يفوت به بعض المنفعة وبعض العين، واليسير ما يفوت بعض المنفعة، انتهى. وهو عكس ما قال صاحب " الهداية " حيث قال: واليسير ما لا يفوت به شيء من المنفعة، وكل منهما نص على الأصح بما ذهب إليه كما ترى. وقال تاج الشريعة: وقال الإمام رضي الدين النيسابوري: ما يستنكف أوساط الناس من لبسه مع ذلك الخرق هو الكثير واليسير ضده. وفي غير المخيط وغير المقطوع أن لا يمكن أن يخاط منه، واليسير ضده. م: (لأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - جعل في الأصل) ش: أي " المبسوط " م: (قطع الثوب) ش: بدون الخياطة م: (نقصانا فاحشا) ش: جعل للمالك ولاية تضمين جميع القيمة م: والفائت به) ش: أي بالقطع م: (بعض المنافع) ش: لا عامة المنافع كما أشار إليه القدوري. وأما لو خاطه ينقطع حق المالك عندنا، ذكره في " الذخيرة ". وعند الثلاثة لا ينقطع، وقالوا في الشق اليسير يأخذ الثوب ويضمنه النقصان. وفي الفاحش كذلك عند الشافعي وأحمد رحمهما الله وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - مخير كقولنا. وقال شمس الأئمة: هذا الحكم الذي ذكرنا في الخرق في الثوب فهو الحكم في كل عين من الأعيان إلا في الأموال الربوية، فإن التغيير هناك فاحشا أو يسيرا، لصاحبه الخيار بين الإمساك والدفع والتضمين لقيمته، وفي الإمساك لا يضمن النقصان؛ لأنه يؤدي إلى الربا. [غصب أرضا فغرس فيها أو بنى] م: (قال: ومن غصب أرضا) ش: أي قال القدوري: وقال تاج الشريعة: سماه غصبا وإن لم يتحقق الغصب في العقار عندهما لما أنه يتصور بصورة الأملاك. قلت: عبارة أصحابنا في غصب العقار مختلفة على مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله فقيل يتحقق فيه الغصب ولكن لا على وجه يوجب الضمان، وإليه مال القدوري: في قوله: وإذا غصب عقارا فهلك في يده لم يضمنه عندهما، فعلى هذا لا يرد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 221 فغرس فيها أو بنى قيل له: اقلع البناء والغرس وردها لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ليس لعرق ظالم حق»   [البناية] السؤال فلا يحتاج إلى الجواب وقيل لا يتحقق فحينئذ يجاب بما ذكره تاج الشريعة. م: (فغرس فيها أو بنى قيل له: اقلع البناء والغرس وردها) ش: يروى الغرس بفتح الغين وكسرها جميعا، فالأول مصدر أريد به المفعول أي المغروس من الشجر والنخل، والثاني اسم ما يغرس من الشجر والنخل، وهذا الحكم لا خلاف فيه. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ليس لعرق ظالم حق» ش: هذا الحديث رواه ستة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الأول: سعيد بن زيد أخرج حديثه أبو داود في الخراج والترمذي في الأحكام، والثاني في إحياء الموات عن عبد الوهاب الثقفي، ثنا أيوب عن هشام بن عروة، عن سعيد بن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أحيا أرضا ميتة فهو له، وليس لعرق ظالم حق ".» قال الترمذي: حديث حسن غريب، وقد رواه جماعة عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلا، قلت: منهم مالك في " الموطأ ". قال ابن عبد البر في البعض أرسله وجميع الرواة عن مالك لا يختلفون في ذلك، وأخرجه النسائي عن يحيى بن سعيد عن هشام ابن عروة مرسلا. الثاني: عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الطبراني حدثنا يوسف القاضي، ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، ثنا فضل بن سليمان عن موسى بن عقبة، ثنا إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت، ثنا عبادة بن الصامت عن قضاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وأنه ليس لعرق ظالم حق» . الثالث: عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرج حديثه الطبراني أيضا عن مسلم بن خالد الزنجي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمر مرفوعا باللفظ الأول. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 222 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الرابع: عمرو بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه إسحاق بن راهويه والبزار في " مسنديهما " والطبراني في " معجمه " وابن عدي في " الكافي " عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف مزني، حدثني أبي أبان أخبره أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من أحيا أرضا مواتا من غير أن يكون فيها حق مسلم فهي له، وليس لعرق ظالم حق» وأعله ابن عدي بكثير بن عبد الله. الخامس: رجل من الصحابة أخرج حديثه أبو داود عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه مرفوعا قال عروة فلقد أخبرني الذي حدثني بهذا الحديث وفي لفظه فقال رجل من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكبر ظني أنه أبو سعيد «أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أرض غوين أحدهما غرس فيها نخلا والأرض للآخر فقضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالأرض لصاحبها، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله، وقال: " ليس لعرق ظالم حق» قال: فلقد أخبرني الذي حدثني بهذا الحديث أنه رأى النخل تقطع أصولها بالقوس. السادس: عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرج حديثها أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الطيالسي في " مسنده "، ثنا زمعة عن الزهري عن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البلاد بلاد الله والعباد عباد الله، ومن أحيا من موات الأرض شيئا فهو له وليس لعرق ظالم حق» . ومن طريق الطيالسي رواه الدارقطني في " سننه " والبزار في " مسنده ". وقال أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: قال هشام: عرق الظالم أن يغرس الرجل في أرض غيره فيستحقها بذلك، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: العرق الظالم كل ما أخذ واحتكر وغرس بغير حق. وذكر في " النهاية " بتنوين عرق، وظالم صفة لا غير، ورواية الفقهاء على الصفة والإضافة. وفي: " المغرب ": ليس لعرق ظالم حق، وصف العرق بالظلم الذي هو صفة صاحبه مجازا، كأنه غرسها على وجه الاغتصاب ليستوجبها به. وقال تاج الشريعة وروي بالإضافة، أي ليس لعرق الغاصب حق، أي ثبوت ودوام بل يؤمر بقلعه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 223 ولأن ملك صاحب الأرض باق، فإن الأرض لم تصر مستهلكة والغصب لا يتحقق فيها، ولا بد للمالك من سبب فيؤمر الشاغل بتفريغها.   [البناية] قلت: العرق في الأصل بكسر العين هو عرق الشجر والبدن، ويجمع على عروق. فإن قلت: هذا حكم غرس الشجر والبناء فكيف حكم الزرع في أرض الغير؟. قلت: روى أبو عبيدة في " كتاب الأموال " عن شريك عن أبي إسحاق عن عطاء بن رباح عن رافع بن خديج - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فله نفقته وليس له من الزرع شيء» فقضى على رب الأرض بنفقة الزرع وجعل الزرع لرب الأرض بنفقة الزارع. قال: والفرق بين الزرع والنخل أن الزرع إنما يمكث في الأرض سنة، إذا انقضت السنة رجعت الأرض إلى ربها فلم يكن لتأخير نزعها وجه. وذكر في " الواقعات الحسامية " في باب الغصب بعلامة العين رجل غصب أرضا فزرعها حنطة ثم اختصما وهي بذر لم ينبت بعد، فصاحب الأرض بالخيار إن شاء تركها حتى ينبت، ثم يقول له اقلع زرعك وإن شاء أعطاه ما زاد البذر فيه. أما الخيار فلأنه لا طريق لتفريغ الأرض إلا ذلك، فإن اختار إعطاء الضمان كيف يضمن؟ روى هشام عن محمد أنه يضمن ما زاد البذر فيه فتقوم الأرض غير مبذورة، وتقوم مبذورة لكن يبذر ولغيره حق النقض والقلع إذا نبت، ففصل ما بينهما قيمة بذر في أرض غيره. وقال: فيه أيضا بعلامة الباء رجل ألقى بذره إلى أرضه وجاء رجل وألقى بذره وسقى الأرض فنبت البذران جميعا أو ألقى فيها بذره وقلب الأرض قبل أن ينبت بذر صاحب الأرض فنبت البذر لا جميعا فما نبت يكون للأرض عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لأن خلط الجنس بالجنس استهلاك عنده وعليه للأول قيمة بذره، لكن مبذورا وفي أرض تكون ملكه. وطريق معرفة ذلك ما مر، لكن ثمة يضمن قيمة بذره في أرض نفسه، فإن جاء صاحب الأرض وهو الأول فألقى فيها بذر نفسه مرة ثالثة وقلب الأرض قبل أن ينبت فيها البذران أو لم يقلب وسقى ما ثبت من المبذور كلها فهو له وعليه للغاصب مثل بذره مبذورا في أرض غيره؛ لأنه أتلف ذلك. م: (ولأن ملك صاحب الأرض باق فإن الأرض لم تصر مستهلكة والغصب لا يتحقق فيها) ش: أي في الأرض م: (ولا بد للمالك من سبب فيؤمر الشاغل بتفريغها) ش: أي فيؤمر شاغل أرض الجزء: 11 ¦ الصفحة: 224 كما إذا شغل ظرف غيره بطعامه. قال: فإن كانت الأرض تنقص بقلع ذلك فللمالك أن يضمن له قيمة البناء وقيمة الغرس مقلوعا، ويكونان له؛ لأن فيه نظرا لهما ودفع الضرر عنهما.   [البناية] الغير بإخلائها عما شغلها م: (كما إذا شغل ظرف غيره بطعامه) ش: بأن غصب ظرفا فطرح فيه متاعه فإنه يؤمر بتفريغه، فكذا هذا. م: (فإن كانت الأرض تنقص بقلع ذلك) ش: أي بقلع الغرس والبناء م: (فللمالك أن يضمن له) ش: أي للغاصب م: (قيمة البناء وقيمة الغرس مقلوعا) ش: أي حال كون كل واحد من الغرس والبناء مقلوعا، وكان الأصوب أن يقول مقلوعين على ما لا يخفى، وليس المراد أن يقلعا ثم يقوما لدلالة الحال عليه، وإنما المراد يقومان وهما قائمان بقيمة ما لو كانا مقلوعين على ما يجيء الآن. م: (ويكونان له) ش: أي يكون الغرس أو البناء لمالك الأرض م: (لأن فيه نظرا لهما ودفع الضرر عنهما) ش: أي لأن في هذا المذكور نظرا للمالك والغاصب جميعا؛ لأن في منع الغاصب من البناء والغرس إضرارا له؛ لأنه عين ماله فلا يجوز منعه منها، وفي قلعه وتسليمه ضرر على المالك وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» وفيما ذكرنا نظر ورعاية للجانبين. وفي " الذخيرة " و " المحيط ": لو غصب ساجة وبنى عليها لا ينقطع حق المالك، ثم قال: وكان الإمام أبو علي النسفي يحكي عن " الكرخي " أنه ذكر في بعض كتبه متصلا فقال: إن كان قيمة الساجة أقل من قيمة البناء ليس للمالك أن يأخذها، وإن كانت قيمة الساجة أكثر فله أن يأخذها. قال مشايخنا: هذا قريب من مسائل حفظت عن محمد. قال: ومن كان في يده لؤلؤة فسقطت فابتلعتها دجاجة إنسان ينظر إلى قيمة الدجاجة واللؤلؤة، فإن كانت قيمة الدجاجة أقل يخير صاحب اللؤلؤة بين أخذ الدجاجة بقيمتها وبين ترك اللؤلؤة وأخذ قيمتها. وكذا لو أودع رجلا فصيلا فكبر الفصيل حتى لم يكن إخراجه من البيت إلا بنقض الجدار ينظر إلى أكثرهما قيمة ويخير صاحب الأكثر بدفع قيمة الآخر إلى صاحبه ويتملك مال صاحبه. وكذا لو كان للمستأجر حب في الدار المستأجرة لا يمكن إخراجها إلا بهدم شيء من الحائط ينظر أيهما أكثر قيمة. وكذا لو أدخل رجل أترجة في قارورة غيره فكبرت الأترجة فلا خيار لأحد وضمن الفاعل لصاحب الأترجة قيمتها، وتكون الأترجة والقارورة بالضمان، قيل: يمكن أن يجاب عنها بأن لا تعدي فيها بخلاف مسألة الغصب؛ لأنه متعد فلا يراعى حقه. وفي " خلاصة الفتاوى " الجزء: 11 ¦ الصفحة: 225 وقوله: قيمته مقلوعا، معناه: قيمة بناء أو شجر يؤمر بقلعه؛ لأن حقه فيه إذ لا قرار له فيه فيقوم الأرض بدون الشجر والبناء ويقوم وبها شجر أو بناء، لصاحب الأرض أن يأمره بقلعه فيضمن فضل ما بينهما. قال: ومن غصب ثوبا فصبغه أحمر، أو سويقا فلته بسمن فصاحبه بالخيار إن شاء ضمنه قيمة ثوب أبيض ومثل السويق وسلمه للغاصب، وإن شاء أخذهما وغرم ما زاد الصبغ والسمن فيهما وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الثوب: لصاحبه أن يمسكه ويأمر الغاصب بقلع الصبغ بالقدر الممكن اعتبارا بفصل الساحة   [البناية] رجل بنى حائطا في كرم رجل بغير أمر صاحب الكرم فإن كان للتراب قيمة فالحائط للباني وعليه قيمة التراب. فإن غصب أرضا وبنى حائطا فجاء صاحبها وأخذ الأرض فأراد الغاصب النقض إن بنى الحائط من تراب هذه الأرض ليس له النقض وتكون لصاحب الأرض، وإن بنى الحائط من تراب غير هذا الأرض فله النقض. م: (وقوله: قيمته مقلوعا) ش: أي قول القدوري يضمن له قيمة البناء والغرس مقلوعا م: (معناه: قيمة بناء أو شجر يؤمر بقلعه؛ لأن حقه فيه) ش: أي لأن حق صاحب الغرس في الغرس م: (إذ لا قرار له) ش: أي للغرس أو البناء، يعني لا نهاية لهما بخلاف الزرع م: (فيه فيقوم الأرض بدون الشجر والبناء، ويقوم وبها شجر أو بناء لصاحب الأرض أن يأمره بقلعه) ش: قوله لصاحب الأرض أن يأمره بقلعه صفة لقوله شجر أو بناء. م: (فيضمن فضل ما بينهما) ش: أي فيضمن صاحب الأرض فضل ما بين القيمتين مثلا إذا كانت قيمة الأرض بدون الشجر عشرة دنانير ومع الشجر الذي يستحق قلعه خمسة عشر دينارا فيضمن صاحب الأرض خمسة دنانير للغاصب فتسلم الأرض والشجر لصاحب الأرض وكذا في البناء. [غصب ثوبا فصبغه أحمر أو سويقا فلته بسمن] م: (قال: ومن غصب ثوبا فصبغه أحمر، أو سويقا) ش: أي قال القدوري، والسويق بالسين يعمل من حنطة مقلية. وقد قيل بالصاد وهي لغة بني العبير م: (فلته بسمن) ش: أي خلطه من باب طلب يطلب م: (فصاحبه بالخيار إن شاء ضمنه قيمة ثوب أبيض ومثل السويق وسلمه للغاصب، وإن شاء أخذهما) ش: أي أخذ الثوب والسويق م: (وغرم ما زاد الصبغ والسمن فيهما) ش: أي الثوب والسويق، وبه قال مالك في الصبغ. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الثوب: لصاحبه أن يمسكه ويأمر الغاصب بقلع الصبغ بالقدر الممكن اعتبارا بفصل الساحة) ش: بالحاء المهملة، يعني إن فصل الساحة يؤمر بالقلع إذا لم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 226 بنى فيها؛ لأن التمييز ممكن، بخلاف السمن في السويق؛ لأن التمييز متعذر. ولنا: ما بينا أن فيه رعاية الجانبين، والخيرة   [البناية] تتضرر الأرض به فكذلك هاهنا؛ لأن في كل منهما شغل ملك الغير بملكه م: (بنى فيها؛ لأن التمييز ممكن) ش: يعني بالغسل والعسر، وكذا في المخلط إذا كان التمييز ممكنا يجب التمييز والرد، وإن كان غير ممكن يجب رد مثله. وفي " الوجيز " وشرحه لو كان قيمة الصبغ بقدر قيمة الثوب فهما شريكان يبيعان ويقسمان الثمن بينهما. وفي " الحلية " إذا طالبه صاحب الثوب بقلع صبغه وإذا امتنع الغاصب من ذلك ففيه وجهان: أحدهما: لا يجبر وهو قول أبي العباس، والثاني: يجبر وهو قول ابن خيران وأبي إسحاق. ولو طلب الغاصب بيع الثوب وامتنع صاحبه ففيه وجهان: يجبر ليصل الغاصب إلى حقه، ولا يجبر. وفي الخلط إن كان بمثله وطلب المالك أن يدفع إليه حقه وامتنع الغاصب: في المنصوص الخيار للغاصب، وفي وجه يلزمه دفعه إلى المالك. ولو خلطه بأجود وبذله الغاصب صاعا مثله ففيه وجهان: في المنصوص الخيار للغاصب. والثاني: أنه يباع الجميع ويقسم الثمن بينهما، ولو خلطه بما دونه أجبر الغاصب على دفع ملك المالك. وعند مالك أخذه بالمثل من غيره. ومن أصحابنا من قال يباع الجميع ويقسم الثمن على قدر القيمتين. ولو خلط من غير جنسه لزمه صاع من مثله. ومن أصحابنا من قال: يباع الجميع ويقسم الثمن على قدر قيمتهما، وبه قال مالك في الصورتين. وعن أحمد مثله. وفي " مغني الحنابلة " لو خلطه بما لا قيمة له كالذائب بالماء فإن أمكن تخليصه خلصه ورد نقصه، وإن لم يمكن تخليصه، أو كان ذلك يفسد رجع عليه بمثله؛ لأنه صار مستهلكا وإن لم يفسد رده ورد ما نقصه. وإن احتيج في تخليصه إلى غرامة لزم الغاصب؛ لأنه بسببه، ولأصحاب الشافعي في هذا الفصل نحو مما ذكرنا. م: (بخلاف السمن في السويق؛ لأن التمييز متعذر) ش: لأن السمن يدخل في أجزاء السويق. فلا يمكن إخراجه حتى لو كان يمكن فالحكم حينئذ يكون كما في الثوب. م: (ولنا ما بينا) ش: يعني في مسألة الساجة بالجيم بقوله وجه آخر لنا م: (أن فيه) ش: أي في ثوب الخيار للمالك م: (رعاية الجانبين) ش: أي جانب المالك وجانب الغاصب م: (والخيرة) ش: أي الخيار، وهذا جواب عما يقال لم لا يكون الخيار لصاحب الصبغ إن شاء سلم الثوب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 227 لصاحب الثوب لكونه صاحب الأصل. بخلاف الساحة بنى فيها؛ لأن النقض له بعد النقض، أما الصبغ فيتلاشى. وبخلاف ما إذا انصبغ بهبوب الريح؛ لأنه لا جناية لصاحب الصبغ ليضمن الثوب، فيتملك صاحب الأصل الصبغ. قال أبو عصمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أصل المسألة:   [البناية] إلى مالكه وضمنه قيمة صبغه، وإن شاء ضمن قيمة الثوب أبيض فقال: الخيار م: (لصاحب الثوب لكونه صاحب الأصل) ش: لأن الثوب أصل والصبغ صفة، فيكون كالبائع له، والسويق بمنزلة الثوب، والسمن بمنزلة الصبغ. م: (بخلاف الساحة) ش: بالحاء المهملة أيضا م: (بنى فيها؛ لأن النقض له بعد النقض) ش: أي الغاصب فلا يكون ماله ضائعا والنقض الأول بالنون المضمومة بمنزلة المنقوض، وهو كالحنث والأجر، والنقض الثاني بالفتح مصدر نقضت الشيء إذا فككت تركيبه م: (أما الصبغ فيتلاشى) ش: بالغسل ولم يحصل للغاصب شيء، فكذا أثبتنا الخيار له م: (وبخلاف ما إذا انصبغ) ش: الثوب م: (بهبوب الريح) ش: بأن هبت الريح بثوب إنسان وألقته في صبغ غيره حتى انصبغ، فإنه لا خيار له. م: (لأنه لا جناية لصاحب الصبغ ليضمن الثوب) ش: أي يضمن صاحب الصبغ، وهو على صيغة المجهول بالتشديد، والثوب منصوب على أنه مفعول ثان م: (فيتملك صاحب الأصل الصبغ) ش: فيتملك صاحب الأصل، وهو الثوب بالرفع جواب شرط محذوف، أي إذا لم يكن صاحب الصبغ جانيا فيتملك صاحب الأصل وهو الثوب الصبغ بدفع قيمته إلى صاحب الصبغ، كذا ذكره في " الكافي " حيث قال: وبخلاف ما إذا انصبغ بهبوب الريح فإنه لا يثبت الخيار لرب الثوب، بل يؤمر به بدفع قيمة الصبغ؛ لأنه لا جناية من صاحب الصبغ ليضمن الثوب فيتملك صاحب الأصل الصبغ. وفي " الإيضاح " لو انصبغ بغير فعل أحد فهو لرب الثوب ولا شيء عليه من قيمة الصبغ. وفي قول أبي حنيفة وإن كان عصفرا أو زعفرانا فرب الثوب بالخيار إن شاء أعطاه ما زاد الصبغ فيه، وإن شاء امتنع فيباع الثوب فيصرف بقيمته ثوبا أبيض وصاحب الصبغ بقيمة الصبغ في الثوب؛ لأنه لم يوجد من أحد فعل هو سبب للضمان، فانتفى الضمان، وصارا شريكين وبه قالت الثلاثة. م: (قال أبو عصمة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هو سعيد بن معاذ المروزي تلميذ إبراهيم بن يوسف، وهو تلميذ أبي يوسف القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في أصل المسألة) ش: أي في قوله ومن غصب ثوبا فصبغه أحمر، واحترز بهذا القيد من أن يتوهم أن هذا الحكم الذي ذكره أبو عصمة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 228 وإن شاء رب الثوب باعه ويضرب بقيمته أبيض وصاحب الصبغ بما زاد الصبغ فيه؛ لأن له أن لا يتملك الصبغ بالقيمة، وعند امتناعه تعين رعاية الجانبين في البيع، ويتأتى هذا فيما إذا انصبغ الثوب بنفسه وقد ظهر بما ذكرنا الوجه في السويق، غير أن السويق من ذوات الأمثال فيضمن مثله والثوب من ذوات القيم فيضمن قيمته. وقال في الأصل: يضمن قيمة السويق؛ لأن السويق يتفاوت بالقلي فلم يبق مثليا.   [البناية] متصل بما يليه من مسألة الانصباغ، وإن كانت مسألة الانصباغ كذلك، لكن وقع من أبي عصمة في أصل المسألة فلذلك قيد به تصحيحا للنقل م: (وإن شاء رب الثوب باعه ويضرب بقيمته أبيض وصاحب الصبغ) ش: أي فيضرب صاحب الصبغ. م: (بما زاد الصبغ فيه؛ لأن له) ش: أي لصاحب الثوب م: (أن لا يتملك الصبغ بالقيمة، وعند امتناعه) ش: أي عند امتناع صاحب الثوب عن تملك الصبغ بالقيمة م: (تعين رعاية الجانبين في البيع) ش: لأنه طريق اتصال حق كل واحد منهما إلى صاحبه، معنى م: (ويتأتى هذا) ش: يعني يتيسر هذا الاختيار للمالك يعني قول أبي عصمة إن شاء رب الثوب. إلى آخره. م: (فيما إذا انصبغ الثوب بنفسه) ش: من غير أن يكون لصاحب الصبغ فعل فيه؛ لأنه إذا كان كذلك لا يكون له ولاية تضمين صاحب الصبغ بدون جناية منه، فعند امتناعه عن تملك الثوب وتعذر تضمنه جبرا تعين البيع طريقا للوصول إلى حقه إذا لم يرض صاحب الثوب بتملك الصبغ بالقيمة. فأما في الغصب عند امتناع رب الثوب عن تملك الصبغ يتعين له تضمين الغاصب بالثوب الأبيض، والتحقيق أن ما قاله أبو عصمة لا يتأتى في أصل المسألة؛ لأن ثمة لصاحب الثوب أن يتملك الصبغ بالقيمة أو يضمن الغاصب، وإذا كان له ذلك لا يتعين البيع عند امتناعه عن التملك بالقيمة، وفيما إذا انصبغ ليس له أن يضمن صاحب الصبغ لما أنه غير جائز فيه فيتعين البيع عند امتناعه من التملك م: (وقد ظهر بما ذكرنا) ش: في مسألة الصبغ والانصباغ. م: (الوجه) ش: يعني جواب المسألة وتعليلها م: (في السويق) ش: من حيث الخلط والاختلاط بغير فصل. والحاصل أن ما قلنا في غصب الثوب وصبغه فهو الوجه في غصب السويق ولته بالسمن، ويجيء قول أبي عصمة فيه، إلا أن بين السويق والثوب تفاوتا، وهو أن الضمان في غصب الثوب قيمته، وفي السويق مثله لكونه مثليا، أشار إليه بقوله: م: (غير أن السويق من ذوات الأمثال فيضمن مثله، والثوب من ذوات القيم فيضمن قيمته وقال في الأصل) ش: أي " المبسوط " م: (يضمن قيمة السويق؛ لأن السويق يتفاوت بالقلي فلم يبق مثليا) ش: وقال الحاكم في " كافيه ": وإذا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 229 وقيل: المراد منه المثل سماه به لقيامه مقامه، والصفرة كالحمرة. ولو صبغه أسود فهو نقصان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما زيادة. وقيل: هذا اختلاف عصر وزمان،.   [البناية] غصب سويقا فلته بسمن فصاحبه بالخيار إن شاء ضمنه قيمة سويقه، وإن شاء أخذ سويقه وضمن للغاصب ما زاد فيه من السمن. وقال الشيخ علاء الدين الأسبيجابي: وفيه إشكال، وهو أنه قال في الكتاب ضمنه قيمة السويق وأنه مثلي ولم يقل مثله، وقد اختلف أصحابنا في ذلك، والصحيح ما ذكره في الكتاب؛ لأن السويق أجزاء حنطة مقلية، والحنطة بالقلي تخرج من أن تكون من ذوات الأمثال؛ لأن القلي يسد طريق المماثلة فلا يكون السويق مثليا. وذكر صدر الإسلام أبو اليسر في شرح " الكافي " أن السويق من ذوات القيم وإن كان مكيلا، وقال كل مكيل لا يكون مثليا وكذلك كل موزون لا يكون مثليا، إنما المثلي من المكيلات والموزونات ما هي متفاوتة فليس بمثلي كالعدديات، فإن للمتقاربة أمثال. وأما المتفاوتة فلا، وكأن المكيلات والموزونات والعديات سواء. وكذا يجب أن تكون الزرعيات على هذا، وبين السويق والسويق قد يكون تفاوت فاحش بسبب القلي فلا تكون أمثالا متساوية. م: (وقيل: المراد منه) ش: أي من القيمة، ذكر الضمير بتأويل ما يقوم م: (المثل سماه به) ش: أي سمى محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - المثل القيمة في قول يضمن قيمة السويق، وتذكير الضمير في به على التأويل الذي ذكرنا م: (لقيامه مقامه) ش: أي لقيام المثل مقام المغصوب م: (والصفرة كالحمرة) ش: يعني فيما إذا صبغ المغصوب بالصفرة فحكمه حكم ما إذا صبغه بالحمرة في الوجوه كلها مع الخلاف. م: (ولو صبغه أسود) ش: أي ولو صبغ الثوب المغصوب صبغا أسود م: (فهو نقصان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإذا كان نقصانا فلرب الثوب أن يأخذه ولا يعطيه شيئا عنده م: (وعندهما زيادة) ش: كالحمرة والصفرة فيجزئ فيه ما يجزئ فيها. م: (وقيل: هذا اختلاف عصر وزمان) ش: فإن أبا حنيفة كان في زمن بني أمية وكانوا يمتنعون عن لبس السواد، فأجاب على ما شاهد، وهما أجابا على ما شاهدا من عادة بني العباس بلبس السواد، وكان أبو يوسف يقول أولا بقول أبي حنيفة فلما قلد القضاء وأمر بلبس السواد احتاج إلى التزام الزيادة بالصبغ وقال السواد زيادة. وحكي أن هارون الرشيد شاور مع أبي يوسف في لون الثوب للبس فقال أبو يوسف أحسن الألوان ما يكتب به كتاب الله تعالى، فاستحسن هارون منه ذلك، واختار لون السواد وتبعه من بعده. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 230 وقيل: إن كان ثوبا ينقصه السواد فهو نقصان، وإن كان ثوبا يزيد فيه السواد فهو، كالحمرة وقد عرف في غير هذا الموضع ولو كان ثوبا ينقصه الحمرة بأن كانت قيمته ثلاثين درهما فتراجعت بالصبغ إلى عشرين، فعن محمد: أنه ينظر إلى ثوب يزيد فيه الحمرة فإن، كانت الزيادة خمسة يأخذ ثوبه وخمسة دراهم لأن إحدى الخمستين جبرت بالصبغ   [البناية] م: (وقيل: إن كان ثوبا ينقصه السواد فهو نقصان، وإن كان ثوبا يزيد فيه السواد فهو كالحمرة) ش: الحاصل من هذا لأنه لا خلاف في الحقيقة في هذه المسألة، وإنما يرجع إلى العادة في كل زمان، فإن كان السواد زيادة غرمه المالك وإلا لم يغرمه، كذا ذكره القدوري في شرحه لمختصر " الكرخي " م: (وقد عرف في غير هذا الموضع) ش: أي في شرح مختصر " الكرخي " وغيره من الكتب المبسوطة ". م: (ولو كان ثوبا) ش: أي ولو كان المغصوب المصبوغ ثوبا م: (ينقصه الحمرة بأن كانت قيمته ثلاثين درهما فتراجعت بالصبغ إلى عشرين، فعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه ينظر إلى ثوب يزيد فيه الحمرة) ش: ولا تنقص قيمته به م: (فإن كانت الزيادة خمسة يأخذ ثوبه وخمسة دراهم) ش: لأن صاحب الثوب استوجب نقصان الثوب عشرة واستوجب الصباغ على قيمة الصبغ خمسة، فالخمسة بالخمسة قصاص، ويرجع عليه ما بقي من النقصان وهي خمسة، وهو معنى قوله م: (لأن إحدى الخمستين جبرت بالصبغ) ش: هذه رواية هشام عن محمد، كذا في " العيون ". وقال الولوالجي في فتاواه: ول غصب العصفر صاحب الثوب وصبغ به ضمن مثل ما أخذ؛ لأنه استهلكه، فإن لم يقدر عليه فهو على الاختلاف الذي عرف فيما ينقطع عن أيدي الناس وليس لصاحب العصفر أن يحبس الثوب؛ لأن الصبغ فيه كالهالك، والسواد هنا كالعصفر عند أبي حنفية - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أيضا؛ لأن الضمان يجب بإتلاف الصبغ. ولو وقع الثوب بنفسه في الصبغ فانصبغ، فإن كان أسودا يأخذ رب الثوب ولا شيء عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإن كان عصفرا أو زعفرانا فرب الثوب بالخيار إن شاء أعطاه بما زاد الصبغ فيه، وإن شاء فيه باع الثوب ويضرب فيه صاحب الثوب بقيمته وصاحب الصبغ بقيمة الصبغ من الثوب؛ لأن المالك لم يرض بالتزام ضمان الصبغ، ولا يضمن صاحب الصبغ هاهنا؛ لأنه لا صبغ له بخلاف ما قبله. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله السواد والعصفر سواء، وكذلك السمن يختلط بالسويق والسويق بمنزلة الثوب؛ لأنه أصل والسمن كالصبغ. وأما العسل والسويق إذا اختلطا فكلاهما أصل. ولو غصب ثوبا من رجل وصبغه بعصفر الآخر ثم ذهب الفاعل فلم يعرف فهو كما لو الجزء: 11 ¦ الصفحة: 231 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] اختلط بغير فعل لأحد؛ لأنه تعذر اعتبار فعله للضمان فهو كالعدم. ولو كان صاحب الثوب غصب العصفر ثم باعه فلا سبيل لصاحب العصفر على المشتري؛ لأن الغاصب استهلكه. ولو أن صاحب العصفر غصب الثوب وصبغه ثم باعه وغاب وحضر صاحب الثوب، قضي له بالثوب؛ لأنه ملكه ويستوف منه بكفيل؛ لأن للغاصب فيه حقا وهو الصبغ. ولو غصب ثوبا وعصفرا لرجل واحد وصبغه كان للمالك أن يأخذه مصبوغا وبرئ الغاصب من الضمان؛ لأن مال الإنسان لا يستهلك بماله بالخلط، انتهى. وقال في " شرح الطحاوي ": ولو اغتصب من رجل ثوبا ومن الآخر صبغا فصبغه ضمن لصاحب الصبغ صبغا مثل صبغه؛ لأنه أتلف صبغه حين صبغ به الثوب فصار بعد ذلك كأنه صبغ بصبغ نفسه، وقد مر بيان ذلك، ومما يتصل بالمسائل فتح رأس تنور حتى يرد فعليه قيمة الحطب مقدار ما يسخن به، وممكن أن يقال ينظر بكم يستأجر التنور المسجور للانتفاع فيضمن ذلك القدر أو ينظر إلى أجرته مسجورا وغير مسجور فيضمن تفاوت ما بينهما، والله أعلم بالصواب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 232 فصل ومن غصب عينا فغيبها فضمنه المالك قيمتها ملكها وهذا عندنا وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يملكها لأن الغصب عدوان محض فلا يصلح سببا للملك كما في المدبر ولنا: أنه ملك البدل بكماله والمبدل قابل للنقل من ملك إلى ملك فيملكه دفعا للضرر عنه بخلاف المدبر؛ لأنه غير قابل للنقل لحق المدبر   [البناية] [فصل مسائل متفرقة تتعلق بالغصب] [من غصب عينا فغيبها فضمنه المالك قيمتها] م: (فصل) ش: أي هذا الفصل محتوى على مسائل متفرقة تتعلق بالغصب، فلذلك أخره. م: (ومن غصب عينا فغيبها) ش: بالغين المعجمة م: (فضمنه المالك قيمتها ملكها) ش: أي ملك الغاصب تلك العين، وبه قال مالك م: (وهذا عندنا) ش: أي تملك الغاصب العين المغصوبة بعد الضمان مذهبنا. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يملكها) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: حتى لو ظهر من يستردها ويرد القيمة. وقال البرغوي: فائدة الخلاف في ملك اكتسب ونفوذ البيع وجوب الثمن على الغاصب؛ لأنه ملكه عندنا م: (لأن الغصب عدوان محض) ش: أي حرام خالص ما فيه وجه إباحة م: (فلا يصلح سببا للملك) ش: لأن الملك مشروع، وغير المشروع لا يكون مفضيا إلى المشروع، إذ أدنى درجات السبب أن يكون إباحة فلا يملكه م: (كما في المدبر) ش: بأن غصبه وغيبه وضمن قيمته، فإنما يملكه بالاتفاق. م: (ولنا: أنه) ش: أي المالك م: (ملك البدل) ش: وهو القيمة م: (بكماله) ش: أي يدا ورقبة وكل من ملك بدل شيء خرج المبدل عن ملكه في مقابلته ودخل في ملك صاحب البدل دفعا للضرر عن مالك البدل، لكن يشترط أن يكون المبدل قابلا للنقل من ملك إلى ملك، أشار إليه بقوله: م: (والمبدل قابل للنقل من ملك إلى ملك) ش: احترز عن المبدل فإنه غير قابل للنقل على ما يجيء الآن م: (فيملكه) ش: أي إذا كان كذلك يملك الغاصب المغصوب أداء البدل م: (دفعا للضرر عنه) ش: أي عن الغاصب وتحقيقا للعدل كما في سائر المبادلات. م: (بخلاف المدبر؛ لأنه غير قابل للنقل لحق المدبر) ش: وكلامه يشير إلى أن سبب الملك هو الغصب، وإلا لم يكن تعليل [ ... ] الثلاثة مالك مناسبا وهو مذهب القاضي أبي زيد، فإنه قال في " الأسرار ": قال علماؤنا: الغصب يفيد الملك في المغصوب عند القضاء بالضمان أو التراضي. وقال شمس الأئمة في " المبسوط ": وهذا وهم، فإن الملك لا يثبت عند أداء الضمان من الجزء: 11 ¦ الصفحة: 233 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقت الغصب للغاصب حقيقة، وهذا لا يسلم له الولد. ولو كان الغصب هو السبب للملك لكان إذا تم له الملك بذلك السبب يملك الزوائد المتصلة والمنفصلة ومع هذا في هذه العبارة بعض الشبهة، فالغصب عدوان محض، والملك حكم مشروع مرغوب فيه فيكون سببه مشروعا مرغوبا فيه، ولا يصلح أن يجعل العدوان المحض سببا له، فإنه ترغيب للناس فيه لتحصيل ما هو مرغوب لهم به. ولا يجوز إضافة مثله إلى المشروع. قيل: فيه نظر؛ لأنه لا يراد بكون الغصب سببا للملك عند أداء الضمان أنه يوجبه مطلقا بل بطريق الاستناد، والثابت به ثابت من وجه دون وجه، فلا يظهر أثره في ثبوت الزيادة المنقطعة. ولا نسلم أن يقال: الغصب موجب لرد العين وللقيمة عند تعذر رد العين، ثم يثبت الملك للغاصب شرطا للقضاء بالقيمة لا مقصودا بالغصب، ولهذا لا يملك الولد فإنه بعد الانفصال لا يبقى تبعا وما يثبت شرطا يثبت تبعا، والكسب ليس كذلك؛ لأنه بدل المنفعة فيكون تبعا محضا فيملكه الغاصب. وقال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": فإذا أبق العبد المغصوب من يد الغاصب فالملك بالخيار إن شاء انتظر إلى ظهوره عليه فيأخذه، وإن شاء لم ينتظر وضمن الغاصب قيمته. فلو ظهر العبد بعد ذلك فإنه ينظر، إن أخذ صاحبه القيمة التي سماها ورضي بها إما بتصادقهما عليها، أو بقيام البينة، أو بنكول الغاصب عن اليمين، فلا سبيل له على العبد عندنا، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - له أن يأخذ عبدا بعينه. ولو أخذ القيمة بقول الغاصب ويمينه على ما يدعيه المالك من الزيادة فإن المالك بالخيار إن شاء حبس القيمة ورضي بها وسلم العبد إلى الغاصب، وإن شاء رد القيمة التي أخذها ويسترد العبد وللغاصب أن يحبس العبد حتى يأخذ القيمة. ولو مات العبد عند الغاصب قبل رد القيمة عليه فلا يرد القيمة ولكن يأخذ من الغاصب فضل القيمة إن كان في قيمة العبد فضل على ما أخذ، وإن لم يكن فيه فضل فلا شيء له سوى القيمة المأخوذة. وروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: إذا ظهر العبد وقيمته مثل ما قال المالك فلا خيار للمالك ولا سبيل له على العبد، في ظاهر الرواية له الخيار من غير تفصيل، ولو كان المغصوب مدبرا وأبق عند الغاصب فإنه يضمن القيمة؛ لأن المدبر يضمن بالغصب، ولكنه لا يصير ملكا للغاصب، حتى إنه لو ظهر يرده على مولاه ويسترد منه القيمة، وليس للغاصب حبسه لأجل القيمة؛ لأنه لا يجوز بيعه ولا يجوز حبسه بالدين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 234 نعم قد يفسخ التدبير بالقضاء لكن البيع بعده يصادف القن. قال: والقول في القيمة قول الغاصب مع يمينه لأن المالك يدعي الزيادة وهو ينكر والقول قول المنكر مع يمينه إلا أن يقيم المالك البينة بأكثر من ذلك لأنه أثبته بالحجة الملزمة   [البناية] وإن كان المغصوب أم ولد فلا ضمان على الغاصب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن في أصله أن أم الولد ليست بمال، وعندهما هي كالمدبر. وفرق أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بينهما في الغصب وساوى بينهما في الشراء. ولو قبضهما المشتري بتسليم البائع وهلك عند المشتري فلا ضمان عليه فيهما جميعا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما يضمن القيمة فيهما جميعا. ولو جني على كل واحد منهما وجب الأرش فيهما جميعا على الجاني بالإجماع، انتهى. م: (نعم قد يفسخ التدبير بالقضاء) ش: هذا جواب عما يقال لا نسلم أن المدبر لا يقبل النقل، فإن مولاه لو باعه وحكم القاضي بجواز بيعه جاز البيع وفسخ التدبير. وتقرير الجواب القول بالوجوب يعني هو كذلك لكن في ضمن قضاء القاضي في الفصل المشار إليه م: (لكن البيع بعده يصادف القن) ش: لا المدبر فيجوز بيعه القن بهذا الطريق، وأما ما نحن فيه فلم ينفسخ التدبير والكلام فيه. م: (قال: والقول في القيمة قول الغاصب مع يمينه) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا لا يعلم فيه خلاف م: (لأن المالك يدعي الزيادة وهو ينكر) ش: أي الغاصب ينكر تلك الزيادة. م: (والقول قول المنكر مع يمينه) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اليمين على من أنكر» م: (إلا أن يقيم المالك البينة بأكثر من ذلك) ش: أي من الذي يدعيه الغاصب م: (لأنه أثبته) ش: أي لأن المالك أثبت ما ادعاه من الزيادة م: (بالحجة الملزمة) ش: وهي البينة، فإن عجز عن إقامة البينة وطلب يمين الغاصب وللغاصب بينة تشهد بقيمة المغصوب لم تقبل بينته بل يحلف على دعواه؛ لأن بينته تنفي الزيادة، والبينة على النفي لا تقبل. وقال بعض المشايخ: ينبغي أن يقبل لإسقاط اليمين كالمودع إذا ادعى رد الوديعة فالقول قوله. ولو أقام البينة على ذلك قبلت، وكان القاضي أبو علي النسفي يقول: هذه المسألة عدت مشكلة. ومن المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - من فرق بين هذا، ومسألة الوديعة وهو الصحيح؛ لأن المودع ليس عليه إلا باليمين، وبإقامة البينة أسقطها وارتفعت الخصومة. وأما الغاصب فعليه هاهنا اليمين والقيمة، وبإقامة البينة لم يسقط اليمين، فلا يكون في مانع المودع. وفي " المبسوط " و " الذخيرة " في دعوى الغصب ذكر الجنس والصيغة ليس بشرط كما في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 235 قال: فإن ظهرت العين وقيمتها أكثر مما ضمن وقد ضمنها بقول المالك أو ببينة أقامها أو بنكول الغاصب عن اليمن فلا خيار للمالك وهو للغاصب؛ لأنه تم له الملك بسبب اتصل به رضا المالك حيث ادعى هذا المقدار قال: وإن كان ضمنه بقول الغاصب مع يمينه فهو بالخيار إن شاء أمضى الضمان، وإن شاء أخذ العين ورد العوض؛ لأنه لم يتم رضاه بهذا المقدار حيث يدعي الزيادة   [البناية] سائر الدعاوى؛ لأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر في الأصل أقام بينة على رجل أنه غصب جارية له يحبس المدعى عليه حتى يجيء بها ويردها. قال الحلواني - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذه المسألة مما يحفظ؛ لأنه قال: أقام بينة، ولم يذكر جنسها وصفتها وقيمتها. قال بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: تأويل المسألة أنه ذكر الجنس والصفة والقيمة. وقال أبو بكر الأعمش: تأويلها أن الشهود شهدوا على إقرار الغاصب بذلك، فأما الشهادة على فعل الغاصب فلا تقبل مع جهالة المغصوب، لكن القضاء بالمجهول غير ممكن ولكن الأصح أن هذه الدعوى والشهادة مقبولة بدون ذكر الجنس والصفة للضرورة؛ لأن الغاصب يمتنع عن إحضار المغصوب عادة وحين يغصب إنما يأتي من الشهود معاينة فعل الغصب دون العلم بأوصاف المغصوب فسقط اعتبار علمهم للتعذر فصار ثبوت ذلك الغصب بالبينة كثبوته بإقراره فيحبس. م: (قال: فإن ظهرت العين) ش: أي قال القدوري: فإن ظهرت العين المغصوبة م: (وقيمتها أكثر مما ضمن) ش: أي والحال أن قيمتها أكثر مما ضمن الغاصب م: (وقد ضمنها بقول المالك) ش: أي والحال أنه قد ضمن الغاصب العين المغصوبة بقول صاحبها م: (أو ببينة أقامها) ش: أي وضمنها بينة أقامها المالك. م: (أو بنكول الغاصب عن اليمن) ش: بأن عجز المالك عن إقامة البينة على ما ادعاه فطلب يمين الغاصب فنكل عنها وحكم عليه بما ادعاه المالك م: (فلا خيار للمالك) ش: في هذه الصور كلها وبه قال مالك. وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأحمد له الخيار لعدم زوال ملكه عندهما عنه م: (وهو) ش: أي العين المغصوبة ذكر الضمير على تأويل المغصوب م: (للغاصب؛ لأنه تم له الملك بسبب اتصل به رضا المالك حيث ادعى هذا المقدار) ش: ولم يدع الزيادة. م: (قال: وإن كان ضمنه) ش: أي قال القدوري، أي وإن كان المالك ضمن الغاصب م: (بقول الغاصب مع يمينه فهو بالخيار إن شاء أمضى الضمان، وإن شاء أخذ العين ورد العوض؛ لأنه لم يتم رضاه بهذا المقدار حيث يدعي الزيادة) ش: أراد أن رضاه بهذه المبادلة لم يتم، وإنما أخذه بما زعمه الغاصب ضرورة عدم البينة، وإن الشيء خير من لا شيء وعدم تمام الرضا يمنع لزوم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 236 وأخذه دونها لعدم الحجة، ولو ظهرت العين وقيمتها مثل ما ضمنه أو دونه في هذا الفصل الأخير فكذلك الجواب في ظاهر الرواية وهو الأصح خلافا لما قاله الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا خيار له؛ لأنه لم يتم رضاه حيث لم يعط له ما يدعيه والخيار لفوات الرضا.   [البناية] المبادلة، كما إذا باع مكرها وسلم مكرها م: (وأخذه دونها لعدم الحجة) ش: هذا جواب عما يقال إن أخذه القيمة. وإن كانت ناقصة يدل على تمام الرضا فكانت المسألة كالأول، فأجاب بقوله وأخذه دونها، أي أخذ المالك ما دون الزيادة لا يدل على تمام الرضا؛ لأنه إنما أخذ ذلك للضرورة وهي عدم الحجة، فلا يدل على رضاه، بخلاف المسألة المتقدمة؛ لأن دعواه ملك القيمة كانت باختياره. م: (ولو ظهرت العين وقيمتها) ش: أي والحال أن قيمتها م: (مثل ما ضمنه أو دونه في هذا الفصل الأخير) ش: يعني فيما ضمنه الغاصب بقوله مع يمينه م: (فكذلك الجواب) ش: يعني فهو بالخيار إن شاء أمضى الضمان، وإن شاء أخذ العين ورد العوض، م: (في ظاهر الرواية وهو الأصح) ش: لأنه هو المذكور في الأصل مطلقا، وكذلك الطحاوي أطلق الرواية في " مختصره ". م: (خلافا لما قال " الكرخي " - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا خيار له) ش: لأنه توفر عليه بدل ملكه بكماله م: (لأنه لم يتم رضاه) ش: دليل قوله وهو الأصح؛ لا دليل قول " الكرخي " م: (حيث لم يعط له) ش: أي المالك، وهو على صيغة المجهول م: (ما يدعيه) ش: من القيمة م: (والخيار لفوات الرضا) ش: أي ثبوت الخيار له لفوات رضاه بما أعطي من القيمة، وقد ذهب القدوري في شرحه لمختصر " الكرخي " إلى ما ذهب إليه " الكرخي " حيث قال: فأما إذا قضى عليه بقوله ثم ظهرت العين وقيمتها مثل ما قال الغاصب أو أقل فلا سبيل لصاحبها عليها؛ لأنه استوفى البدل ولم يظهر فيه زيادة. وأما إذا كانت القيمة أكثر مما قال الغاصب فالمغصوب منه بالخيار، وذلك؛ لأنه لم يستوف بدل العين الذي ادعاه ولم يرض بزوال ملكه عنها بما دون ذلك من البدل، فكان له الخيار. ثم قال القدوري: وكان أبو بكر الرازي يقول إن هذا محمول على أن هذه الزيادة لا تجوز أن تكون مما يحدث مثلها فيما بين التضمين والظهور، فأما إذا كانت مما يجوز أن يحدث فادعى الغاصب أنها حدثت وادعى المغصوب منه إن كانت، فالقول قول الغاصب مع يمينه؛ لأن التمليك قد صح، ويجوز أن يكون الأمر على ما قال الغاصب فلا يفسخ التمليك بالشك. ثم قال القدوري: ومن أصحابنا من قال لا رواية في العين إذا ظهرت وقيمتها مثل ما قال الجزء: 11 ¦ الصفحة: 237 قال: ومن غصب عبدا فباعه فضمنه المالك قيمته فقد جاز بيعه، وإن أعتقه ثم ضمن القيمة لم يجز عتقه؛ لأن ملكه الثابت فيه ناقص لثبوته مستندا أو ضرورة، ولهذا يظهر في حق الأكساب دون الأولاد والناقص يكفي لنفوذ البيع دون العتق كملك المكاتب.   [البناية] الغاصب هل يثبت للمالك الخيار أم لا؟ وهو موضع محتمل، وقد قال محمد في الغصب ما يدل على أنه يثبت له الخيار؛ لأنه قال في تعليل مسألة القيمة إذا كانت ناقصة، لأن المالك لم يستوف ما ادعى من القيمة، وهذا يدل على أن القيمة إن كانت تامة فالخيار ثابت له، لأنه لم يستوف ما قال من القيمة. وذكر أبو يوسف في الإيلاء ما يدل على أنه لا خيار له؛ لأنه قال في تعليل مسألة نقصان القيمة؛ لأن المالك لم يستوف القيمة بكمالها، وهذا يدل على أنه إذا استوفاها لا خيار له، والله أعلم. [غصب عبدا فباعه فضمنه المالك قيمته] م: (قال: ومن غصب عبدا) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": ومن غصب عبد رجل م: (فباعه فضمنه المالك قيمته فقد جاز بيعه) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وقال في أخرى: لا يجوز بيعه كالإعتاق، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك، كتصرفات الفضولي. م: (وإن أعتقه ثم ضمن القيمة لم يجز عتقه؛ لأن ملكه الثابت فيه ناقص لثبوته مستندا) ش: والثابت بالإسناد من وجه حكما لا حقيقة، فيكون ناقصا والناقص يكفي للبيع دون العتق على ما يجيء م: (أو ضرورة) ش: أي يثبت ملك الغاصب ضرورة القضاء بالضمان كيلا يلزم اجتماع البدل والمبدل في ملك واحد والثابت بالضرورة ثابت من وجه دون وجه. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ثبوت الملك له ضرورة م: (يظهر في حق الأكساب دون الأولاد) ش: أي يظهر ثبوت ملك الغاصب في حق الأكساب، ولا يظهر في حق الأولاد بأن غصب جارية فكسبت أكسابا قبل أداء الغاصب الضمان، فالأكساب للغاصب. ولو ولدت أولادا قبل أدائه الضمان ثم أدى الضمان فالأولاد للمغصوب منه فيكون الملك ناقصا، إذ لو كان تاما لكان الأولاد بأداء الضمان كما في البيع، فإن من اشترى جارية فولدت قبل أداء الثمن ثم أدى المشتري لتمام الملك. م: (والناقص) ش: أي الملك الناقص م: (يكفي لنفوذ البيع دون العتق كملك المكاتب) ش: فإنه يملك البيع ولا يملك العتق؛ لأن ملكه ناقص، وإنما قال بإعتاق الغاصب ثم تضمينه احترازا عن إعتاق المشتري من الغاصب فإن فيه روايتين، في رواية يصح إعتاقه وهو الأصح قياسا على الوقف وفي رواية لا يصح. وفي " الكافي " للحاكم هذا فيما إذا أعتق الغاصب، أما إذا أعتق المشتري الغاصب فأجاز الجزء: 11 ¦ الصفحة: 238 قال: وولد المغصوبة ونماؤها وثمرة البستان المغصوب أمانة في يد الغاصب إن هلك فلا ضمان عليه إلا أن يتعدى فيها أو يطلبها مالكها فيمنعها إياه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: زوائد المغصوب مضمونة متصلة كانت أو منفصلة لوجود الغصب، وهو إثبات اليد على مال الغير بغير رضاه كما الظبية المخرجة من الحرم إذا ولدت في يده يكون مضمونا عليه. ولنا: أن الغصب إثبات اليد على مال الغير على وجه يزيل يد المالك على ما ذكرناه، ويد المالك ما كانت ثابتة على هذه الزيادة حتى يزيلها الغاصب.   [البناية] المالك البيع، فيه خلاف فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف يصح إعتاقه موقوفا على إجازة المالك البيع، فإذا أجاز نفذ على المشتري، ويكون الولاء له. وقال محمد وزفر رحمهما الله: لا يصح، وقال أبو سليمان: هذه رواية محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي يوسف أنه لا يجوز عتقه. وقال ابن أبي ليلى: عتق المشتري من الغاصب قيمته، وإن كان مات ثم سلم رب العبد لم يجز البيع. م: (قال: وولد المغصوبة ونماؤها) ش: أي قال القدوري: أي ولد الجارية المغصوبة ونماؤها كالسمن والجمال سواء غصبها حاملا وولدت عنده أو حبلت في يد الغاصب م: (وثمرة البستان المغصوب أمانة في يد الغاصب إن هلك فلا ضمان عليه، إلا أن يتعدى فيها أو يطلبها مالكها فيمنعها إياه) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأما الكسب الحاصل باستغلال الغاصب ليس بنماء وغير مضمون على الغاصب؛ لأنه بدل المنفعة وهي غير مضمونة على الغاصب على ما يجيء. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: زوائد المغصوب مضمونة متصلة كانت) ش: كالسمن والجمال م: (أو منفصلة) ش: كالولد والثمر، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لوجود الغصب وهو إثبات اليد على مال الغير بغير رضاه) ش: فتكون مضمونة م: (كما في الظبية المخرجة من الحرم إذا ولدت في يده يكون مضمونا عليه) ش: لأن ضمان الأصل باعتبارية مبطلة عليه، وهذه اليد ثابتة بعينها على الزيادة لحدوثها في ملك اليد فتصير مضمونة ضرورة. م: (ولنا أن الغصب إثبات اليد على مال الغير على وجه يزيل يد المالك على ما ذكرناه) ش: في أول كتاب الغصب وإثبات اليد على ذلك الوجه ليس بموجود على ما نحن فيه؛ لأنها ما كانت ثابتة، وهو معنى قوله م: (ويد المالك ما كانت ثابتة على هذه الزيادة حتى يزيلها الغاصب) . ش: فإن قيل: هذا يقتضي أن يضمن الولد إذا غصب الجارية حاملا؛ لأن اليد كانت ثابتة عليه، وليس كذلك فإنه لا فرق بين هذا وبين ما إذا غصبها غير حامل فحبلت في يد الغاصب وولدت، والرواية في " الأسرار ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 239 ولو اعتبرت ثابتة على الولد لا يزيلها، إذ الظاهر عدم المنع حتى لو منع الولد بعد طلبه يضمنه، وكذا إذا تعدى فيه كما قال في الكتاب وذلك بأن أتلفه أو ذبحه فأكله أو باعه وسلمه وفي الظبية المخرجة من الحرم لا يضمن ولدها إذا هلك قبل التمكن من   [البناية] أجيب: بأن الحمل قبل الانفصال ليس بمال، بل يعد عيبا في الأمة فلم يصدق عليه إثبات اليد على مال الغير. سلمنا ذلك لكن لإزالة ثمة ظاهر، إذ الظاهر عدم المنع عند الطلب، أشار إليه بقوله م: (ولو اعتبرت ثابتة على الولد لا يزيلها، إذ الظاهر عدم المنع) ش: يعني لو اعتبر يد المالك ثابتة على الولد تقريرا تبعا لملك الأم، فإنه ما زال اليد التقديري لا يمنعه عند الطلب، بخلاف الأم، فإن الزائل ثمة اليد الحقيقي فيتحقق الغصب باعتباره م: (حتى لو منع الولد بعد طلبه يضمنه، وكذا إذا تعدى فيه كما قال في الكتاب) ش: أي في " مختصر القدوري " م: (وذلك بأن أتلفه أو ذبحه فأكله أو باعه وسلمه) ش: إنما ذكر التسليم؛ لأن التعدي لا يتحقق بمجرد البيع بل بالتسليم بعد، فإن تفويت يده يحصل به؛ لأنه كان متمكنا من أخذ من الغاصب وقد زال ذلك بالبيع. فإن قيل: إن الأم مضمونة ألبتة والأوصاف القارة في الأمهات تسري إلى الأولاد كالحرية والرقبة والملك في الشراء. أجيب: بالضمان ليس بصفة قارة في الأم، بل هو لزوم حق في ذمة الغاصب، فإن وصف به المال كان مجازا. فإن قيل: قد وجد الضمان في مواضع ولم تتحقق العلة المذكورة فيها فكان أمارة زيفها، وذلك كغاصب الغاصب، فإنه يضمن وإن لم يزل يد المالك بل أزال يد الغاصب والمسقط إذا لم يشهد مع القدرة على الإشهاد ولم يزل يدا، والغرور إذا منع الولد يضمن به الولد ولم يزل يدا في حق الولد ويضمن الأموال بالإتلاف تشبيها كحفر البئر في غير الملك، وليس ثمة إزالة يد أحد ولا إثباتها. فالجواب إنما قلنا: إن الغصب على التفسير المذكور يوجب الضمان مطردا لا محالة. وأما إن كل ما يوجب الضمان كل غصب فلم يلتزم ذلك لجواز أن يكون الضمان حكما نوعيا يثبت كل شخص منه من العلة ما يكون تعديا. م: (وفي الظبية المخرجة من الحرم) ش: هذا جواب عن قوله كما في الظبية المخرجة من الحرم، تقريره أن القياس غير صحيح؛ لأنه إن قاس عليها قبل التمكن من الإرسال فهو ظاهر الفساد؛ لأنه لا ضمان عليه، وهو معنى قوله م: (لا يضمن ولدها إذا هلك قبل التمكن من الجزء: 11 ¦ الصفحة: 240 الإرسال لعدم المنع، وإنما يضمنه إذا هلك بعده لوجود المنع بعد طلب صاحب الحق وهو الشرع، على هذا أكثر مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، ولو أطلق الجواب فهو ضمان جناية ولهذا يتكرر بتكررها ويجب بالإعانة والإشارة، فلأن يجب بما هو فوقها وهو إثبات اليد على مستحق الأمن أولى   [البناية] الإرسال لعدم المنع) ش: وإن قال عليها بعد التمكن فكذلك؛ لأن الضمان فيه باعتبار المنع، وهو معنى قوله م: (وإنما يضمنه) ش: أي الولد م: (إذا هلك بعده) ش: أي بعد التمكن من الإرسال م: (لوجود المنع بعد طلب صاحب الحق وهو الشرع) ش: لا باعتبار أن الأم مضمونة م: (على هذا أكثر مشايخنا) ش: المتقدمين. م: (ولو أطلق الجواب) ش: أي في ولد صيد الحرم بأن يقال يجب الضمان سواء هلك بعد التمكن من الإرسال أو قبل التمكن م: (فهو ضمان جناية) ش: أي الضمان في صيد الحرم ضمان جناية، أي إتلاف معنى الصيدية وقد حصل الإتلاف والإهلاك معنى بتفويت الأمن فوجب الضمان. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونه ضمان جناية والإتلاف م: (يتكرر) ش: أي الجزاء م: (بتكررها) ش: أي بتكرر الجناية، فإنه لو أدى الضمان بسبب إخراج الصيد عن الحرم ثم أرسله فيه ثم أخرج ذلك الصيد من الحرم وجب جزاء آخر. وفي " فتاوى الولوالجي " لو أخرج صيدا فكفر منه، ثم رماه بعد ذلك وقتله فعليه كفارة أخرى. قيل: ويجوز أن يكون معناه يتكرر وجوب الإرسال بتكرر هذه الجناية التي هي الإخراج من الحرم. قلت: هذا له معنى ولكن الأقرب ما ذكر أولا. م: (ويجب) ش: أي الضمان م: (بالإعانة) ش: بأن أعان رجلا لمن قتل صيد الحرم فإنه يجب على المعين أيضا جزاء كامل، كما يجب على القاتل إذا كانا محرمين. وأما إذا كانا إحلالين فعليهما جزاء واحد، وعلى كل حال يجب على المعين كما يجب على المباشر م: (والإشارة) ش: بأن أشار غيره على صيد الحرم فقتله فإنهما مشتركان في الجزاء، وكذا المحرم إذا أشار محرما آخر على قتل صيد الحل فإنه يجب على كل منهما جزاء م: (فلأن يجب بما هو فوقها) ش: أي فوق الإعانة والإشارة. م: (وهو إثبات اليد على مستحق الأمن) ش: وهو صيد الحرم؛ لأنه مستحق الأمن بالنص م: (أولى) ش: خبر لقوله فلأن يجب، وأن مصدرية، والتقدير فالوجوب بما هو فوقهما أولى م: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 241 وأحرى. قال: وما نقصت الجارية بالولادة في ضمان الغاصب فإن كان في قيمة الولد وفاء به جبر النقصان بالولد وسقط ضمانه عن الغاصب، وقال زفر والشافعي رحمهما الله: لا يجبر النقصان بالولد؛ لأن الولد ملكه، فلا يصح جابرا لملكه كما في ولد الظبية،   [البناية] (وأحرى) ش: عطف على أولى، وهو أيضا بمعناه ذكر للتأكيد. فإن قيل: تفويت الأمن في حق صيد الحرم سبب صالح لوجوب الضمان لا في حق كل الصيود، والولد ليس بصيد الحرم، بدليل أنه يحل بيعه وأكله، فلو كان صيد الحرم لما حل، ولأن تفويت الأمن يتصور بعد ثبوته في حق الولد؛ لأنه كما حدث خائفا فلا يتصور تفويت الأمن في حق الخائف. أجيب: بأن الولد لم يكن صيد الحرم من كل وجه، بل من وجه بدليل أنه يجب إرساله وأكله وإن كان يحل ولكنه يكره. وإنه وإن حدث خائفا ولكنه مستحقا للأمن فصار كالآمن حكما، فافهم. م: (قال: وما نقصت الجارية بالولادة في ضمان الغاصب) ش: أي قال القدوري: وقوله وما مبتدأ، أي والذي نقصت الجارية. وقوله في ضمان الغاصب خبره، والعائد على الموصول محذوف، أي والذي نقصته الجارية، صورته غصب أمة رجل تساوي ألفا مثلا، فولدت في يده ولدا قيمتها خمسمائة مثلا، أو نقصت بالولادة حتى صارت قيمتها خمسمائة فإنه يضمن النقصان ولكنه ينجبر بالولد على ما يأتي مفصلا، وبه قال مالك إذا جيئت بعد الغصب، أما لو غصب حاملا ضمن بعد الولادة ولا ينجبر بالولد، وعندنا ينجبر. م: (فإن كان في قيمة الولد وفاء به) ش: أي بالذي نقص الجارية وهذا تفسير لقوله وما نقصت الجارية بالولادة في ضمان الغاصب فلذلك ذكره بالفاء، أي فإن كان قيمة الولد تفي ذلك النقصان م: (جبر النقصان بالولد وسقط ضمانه عن الغاصب) ش: أي ضمان ما نقصت؛ لأنا قد قلنا في الصورة المذكورة أن نقصان الجارية خمسمائة فجبر ذلك النقصان برد الولد مع الأم ولا يلزم غير ذلك عندنا. م: (وقال زفر والشافعي رحمهما الله: لا يجبر النقصان بالولد) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن الولد ملكه) ش: أي ملك الغاصب م: (فلا يصح جابرا لملكه) ش: لأن الضمان جبر ما فات منه ولم يوجد. م: (كما في ولد الظبية) ش: إذا أخرجها من الحرم ونقصت قيمتها بسبب الولادة وقيمة ولدها يساوي ذلك النقصان فإنه لا ينجبر بها، يجب ضمان النقصان مع وجوب ردها إلى الحرم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 242 وكما إذا هلك الولد قبل الرد أو ماتت الأم وبالولد وفاء وصار كما إذا جز صوف شاة غيره أو قطع قوائم شجرة غيره أو خصى عبد غيره أو علمه الحرفة فأضناه التعليم، ولنا: أن سبب الزيادة والنقصان واحد وهو الولادة أو العلوق على ما عرف وعند ذلك لا يعد نقصانا فلا يوجب ضمانا وصار كما إذا غصب جارية سمينة فهزلت ثم سمنت أو سقطت ثنيتها ثم نبتت   [البناية] م: (وكما إذا هلك الولد قبل الرد) ش: أي قبل رد الأم، فإنه يجب ضمان النقصان م: (أو ماتت الأم) ش: أي بسبب الولادة، هكذا النص في " الأسرار " و " الإيضاح " م: (وبالولد وفاء) ش: أي والحال أن بقيمة الولد وفاء. م: (وصار) ش: أي حكم هذا م: (كما إذا جز صوف شاة غيره) ش: أي شاة لغيره فنبت صوف غيره م: (أو قطع قوائم شجرة غيره) ش: فنبت قوائم أخرى مكانها فإن بقيتها لا ينجبر بالنقصان م: (أو خصى عبد غيره) ش: بأن قلع خصيتيه فإنه نقصان فيه، ولكن ازدادت قيمته بسبب الخصي فإنه يضمنه نقصان الخصية كما لو تردد قيمته م: (أو علمه الحرفة) ش: أي أو علم عبد غيره الحرفة م: (فأضناه) ش: بسبب م: (التعليم) ش: فلا ينجبر ما أضناه بالتعليم بما ازدادت قيمته بسبب علم الحرفة. م: (ولنا: أن سبب الزيادة والنقصان واحد وهو) ش: أي السبب م: (الولادة) ش: عندهما م: (أو العلوق) ش: عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (على ما عرف) ش: في طريق الخلاف تقرير هذا أن الولد خلف عن الخبر الفائت بالولادة بطريق اتحاد السبب، وهو أن الولادة أوجبت فوات جزء من مالية الأصل وحدوث مالية الولد. لأنه وإن كان موجودا قبل الانفصال لكنه ما كان مالا بل كان عيبا في الأم وصفا لها، وإنما صار مالا مقصودا بعد الانفصال والسبب الواحد متى أثر في الزيادة والنقصان كانت الزيادة خلفا عن النقصان كالبيع لما زال المبيع عن ملك البائع وأدخل الثمن في ملكه كان الثمن خلفا عن مالية المبيع باتحاد السبب، حتى لو شهد الشاهدان عليه ببيع شيء بمثل القيمة ثم رجعا لم يضمنا شيئا. م: (وعند ذلك) ش: أي كون الشيء الواحد سببا للزيادة والنقصان م: (لا يعد نقصانا) ش: أي لا يعد النقصان الحاصل نقصانا لحصول الزيادة في مقابلته م: (فلا يوجب ضمانا) ش: أي إذا كان كذلك فلا يوجب النقصان ضمانا، ثم أوضح ذلك بقوله م: (وصار كما إذا غصب جارية سمينة فهزلت ثم سمنت أو سقطت ثنيتها ثم نبتت) ش: أي ثنيتها غير الساقطة، والثنية واحدة الثنايا وهي الأسنان المتقدمة اثنتان فوق واثنتان أسفل، سميت بذلك؛ لأن كل واحدة منهما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 243 أو قطعت يد المغصوب في يده وأخذ أرشها وأداه مع العبد يحتسب عن نقصان القطع وولد الظبية ممنوع، وكذا إذا ماتت الأم، وتخريج الثانية: أن الولادة ليست بسبب لموت الأم، إذ الولادة لا تفضي إليه غالبا.   [البناية] مضمونة إلى صاحبها. م: (أو قطعت يد المغصوب في يده) ش: أي أو قطع يد العبد المغصوب في يد الغاصب م: (وأخذ أرشها) ش: أي وأخذ الغاصب أرش اليد المقطوعة من الجاني م: (وأداه مع العبد) ش: أي أدى الغاصب الأرش مع العبد إلى المالك م: (يحتسب عن نقصان القطع وولد الظبية ممنوع) ش: هذا جواب عن قول زفر والشافعي رحمهما الله، كما في ظبيته. وتقريره لا نسلم أن نقصان الظبية بالولادة لا تنجبر بقيمة الولد كما قال، بل قيل: إنه يصلح أن يكون جابرا وإليه ذهب المصنف فعلى هذا يمنع قياسهما عليه. م: (وكذا إذا ماتت الأم) ش: يعني أن القياس على موت الأم أيضا ممنوع، يعني لا نسلم أن الأم إذا ماتت لا تنجبر قيمتها بقيمة الولد إذا كان فيها وفاء، بل ينجبر كما قيل في غير ظاهر الرواية. م: (وتخريج الثانية) ش: أي الرواية الثانية فإذا ماتت الأم لا تنجبر بالولد وهو ظاهر الرواية. الحاصل هاهنا أن في مسألة موت الأم روايتان، في أحدهما ينجبر النقصان فلا يتأتى علينا. وفي الثانية لا ينجبر ويتأتى علينا ظاهرا. ولكن أشار إلى الجواب عنه بقوله م: (أن الولادة ليست بسبب لموت الأم، إذا الولادة لا تفضي إليه غالبا) ش: أي لأنه لا تفضي الولادة إلى الموت في غالب الأحوال، أراد أن كلامنا فيما إذا كان السبب واحدا وهاهنا ليس كذلك فإن الولادة سبب للزيادة وليس بسبب لموت الأم، إذا لا يفضي إليه غالبا. فإن قلت: إنها أفضت إليه في هذه الصورة فتكون سببا. قلت: هو بالنظر إلى أوضاع أسباب التصرفات لا إلى أفرادها، ألا ترى أن الصبي لا يؤهل للطلاق والعتاق وإن تحقق النفع في صورة، لأنهما في الأصل سبب للمضار. وروي عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواية أخرى وهو أنه يجبر بالولد قدر نقصان الولادة، ويضمن ما زاد على ذلك من قيمة الأم؛ لأن الولادة لا توجب الموت، فالنقصان بسبب الولادة دون موت الأم ورد القيمة كرد العين. ولو رد عين الجارية كان النقصان مجبورا بالولد، فكذا رد قيمتها، فصار فيه ثلاث روايات. وذكر في " الطريق البرهانية " إذا ماتت الأم وبالولد وفاء فقد روي عن أبي حنيفة رحمه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 244 وبخلاف ما إذا مات الولد قبل الرد؛ لأنه لا بد من رد أصله للبراءة، فكذا لا بد من رد خلفه، والخصاء لا يعد زيادة لأنه غرض بعض الفسقة، ولا اتحاد في السبب فيما وراء ذلك من المسائل؛ لأن سبب النقصان القطع والجز، وسبب الزيادة النمو، وسبب النقصان التعليم والزيادة سببها الفهم.   [البناية] الله ثلاث روايات، في رواية يصير الولد خلفا، وفي رواية لا يكون خلفا، وفي رواية يكون خلفا عما انتقصت بالولادة. قال: فنحن نختار الرواية التي قال فيها أنه يكون خلفا عن الأم. م: (وبخلاف ما إذا مات الولد قبل الرد) ش: هذا جواب عن قولهما، وكما إذا هلك الولد قبل الرد. وجهه أن كلامنا فيما إذا رد الأم بنقصان الولادة هل ينجبر النقصان برد الولد، وإذا كان الولد هالكا كيف ينجبر النقصان به، وهي معنى قوله م: (لأنه لا بد من رد أصله للبراءة، فكذا لا بد من رد خلفه) ش: يعني أن الواجب عليه رد الأصل بالصفة التي أخذها وما ردها بتلك الصفة، وإنما يكون بتلك الصفة أن لو ردها مع الولد الذي هو خلف عن النقصان فلا يبرأ. م: (والخصاء) ش: على وزن فعال؛ لأنه مصدر خصى يخصى يعني أنه ممدود م: (لا يعد زيادة؛ لأنه غرض بعض الفسقة) ش: فلم يكن له اعتبار في الشرع؛ لأنه أمر حرام ورد النهي عنه م: (ولا اتحاد في السبب) ش: جواب عن مسألة جز صوف الشاة، وقطع قوائم الشجرة وتعليم العبد الحرفة، أراد أن كلامنا فيما إذا اتحد السبب ولا اتحاد في السبب م: (فيما وراء ذلك من المسائل) ش: أي فيما وراء ما ذكرنا من مسألة موت الأم وموت الولد، والخصاء، وأراد من المسائل مسألة جز صوف الشاة، ومسألة قطع قوائم الشجرة، ومسألة تعليم الحرفة لعبد غيره. م: (لأن سبب النقصان القطع والجز) ش: أي القطع في قوائم الشجرة والجز في صوف الشاة، وسبب الزيادة كون المحل منبتا لا القطع، فإذا كان السبب مختلفا لم تجعل الزيادة خلفا م: (وسبب الزيادة النمو) ش: وهو كون المحل منبتا كما ذكرنا، فاختلف السببان وكلامنا في المتحد م: (وسبب النقصان التعليم) ش: في العبد؛ لأنه يوجب المشقة فيحصل به الهزال م: (والزيادة سببها الفهم) ش: وهو جودة الذهن والحذاقة، ولهذا يشترك الاثنان في التعليم ويسبق أحدهما الآخر في التعليم لسرعة فهمه، فإذا كان كذلك فقد اختلف السبب وكلامنا في المتحد. فإن قيل: المذكور جواب المستشهد بها، وأصل نكتة الخصم وهو أن الولد ملك المولى فلا يصلح أن يكون جابر النقصان، وقع في ملكه فهو على حاله. أجيب: بأن المصنف أشار إلى جوابه بقوله لا يعد نقصانا، وإذا لم يكن نقصانا لم يحتج الجزء: 11 ¦ الصفحة: 245 قال: ومن غصب جارية فزنى بها فحبلت ثم ردها وماتت في نفاسها يضمن قيمتها يوم علقت، ولا ضمان عليه في الحرة، هذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا يضمن في الأمة أيضا، لهما: أن الرد قد صح   [البناية] إلى جابر، فإطلاق الجابر عليه توسع في العبارة. فإن قيل: لو كان الولد خلفا وبدلا عن النقصان لما بقي ملكا للمولى عند ارتفاعه بضمان الغاصب لئلا يجتمع البدلان في ملك واحد. أجيب: بأنه ملك المولى لا محالة ومن حيث الملك ليس ببدل بل بدل من حيث الذات، فإذا ارتفع النقصان بطل الخليفة وبقي في ملك المولى. فإن قيل: الولد عنده أمانة فكيف يكون خلفا عن المضمون. فالجواب: ما أشار إليه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - من عدم عده نقصانا لا تضمينه، وهذا الجواب صالح للدفع عن السؤال أيضا، فلله در المصنف عالما ما أدق تحريره وما أزكى قريحته وما أمعن نظره. [غصب جارية فزنى بها فحبلت ثم ردها وماتت في نفاسها] م: (قال: ومن غصب جارية فزنى بها فحبلت ثم ردها وماتت في نفاسها يضمن قيمتها يوم علقت) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": وصورته فيه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الرجل يغصب الجارية فزنى بها ثم يردها فتحبل فتموت في نفاسها قال هو ضامن لقيمتها يوم علقت وليس عليه في الحرة ضمان. وقال أبو يوسف ومحمد: لا ضمان عليه في الأمة أيضا إذا ماتت في نفاسها بعدما يردها، انتهى. وقال الصدر الشهيد في " شرحه ": يريد به إذا زنى بها مكرهة أو مطاوعة. قال محمد: ذكره مطلقا ولم يقيده بحالة الطواعية، وإنما قيد بالحبل من الزنا؛ لأنه إذا كان من الزوج أو المولى فلا ضمان، ثم إن المصنف لم يتابعه في قوله ثم يردها فتحبل؛ لأنه قدم الحبل حيث قال: فحبلت ثم ردها لبيان أن الحبل كان موجودا وقت الرد، وهكذا هو في عامة النسخ. ووقع في بعض النسخ، ثم ردها فتحبل بتقديم الرد متابعة لما قاله في " الجامع الصغير "، قوله: عقلت بسكر اللام تعلق علوقا، إذا حبلت م: (ولا ضمان عليه في الحرة) ش: لأنه لا يضمن بالغصب. م: (هذا) ش: أي وجوب الضمان م: (عند أبي حنفية - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يضمن في الأمة أيضا) ش: إلا نقصان الحبل، وبه قالت الثلاثة م: (لهما: أن الرد قد صح) ش: لأنه أوصل الحق إلى المستحق وصحته توجب البراءة عن الضمان. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 246 والهلاك بعده بسبب حدث في يد المالك، وهو الولادة فلا يضمن الغاصب، كما إذا حمت في يد الغاصب ثم ردها فهلكت أو زنت في يده، ثم ردها فجلدت فهلكت منه، وكمن اشترى جارية قد حبلت في يد البائع، فولدت عند المشتري وماتت في نفاسها لا يرجع على البائع الثمن بالاتفاق، وله: أنه غصبها وما انعقد فيها سبب التلف وردت وفيها ذلك فلم يوجد الرد على الوجه الذي أخذه. فلم يصح الرد وصار كما إذا جنت في يد الغاصب جناية فقتلت بها في يد المالك أو دفعت بها، بأن كانت الجناية خطأ يرجع على الغاصب بكل القيمة كذا هذا، بخلاف الحرة، لأنها لا تضمن بالغصب ليبقى ضمان الغصب بعد فساد الرد. وفي فصل الشراء   [البناية] م: (والهلاك بعده) ش: جواب عما يقال لا نسلم صحة الرد حيث هلكت بسبب كان عنده فقال والهلاك بعده، أي بعد الرد كان م: (بسبب حدث في يد المالك وهو الولادة) ش: لا بسبب كان عند الغاصب م: (فلا يضمن الغاصب كما إذا حمت) ش: أي إذا حصل للجارية حمى م: (في يد الغاصب ثم ردها فهلكت) ش: حيث لا يضمن الغاصب قيمتها ولكن يضمن النقصان م: (أو زنت في يده) ش: أي أو بما إذا زنت الجارية في يد الغاصب م: (ثم ردها فجلدت فهلكت منه) ش: أي من الجلد حيث لا يضمن الغاصب قيمتها ولكن يضمن النقصان. م: (وكمن اشترى جارية قد حبلت عند البائع، فولدت عند المشتري) ش: والحال أن المشتري لم يعلم بالحبل م: (وماتت في نفاسها لا يرجع على البائع الثمن بالاتفاق) ش: ولكن يرجع بنقصان الحبل. قيد بقوله: في نفاسها؛ لأنه إذا ماتت بالولادة تضمن بالإجماع. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (أنه غصبها وما انعقد فيها سبب التلف) ش: أي أن الغاصب غصب الجارية والحال أنه ما كان انعقد فيها سبب التلف، يعني وقت الأخذ كانت فارغة ليس بها ما يفضي إلى التلف م: (وردت وفيها ذلك) ش: أي وردت الجارية والحال أن فيها سبب التلف م: (فلم يوجد الرد على الوجه الذي أخذه فلم يصح الرد) ش: لأن الصحيح منه أنه يكون على الوجه الذي أخذه. م: (وصار كما إذا جنت في يد الغاصب جناية فقتلت بها) ش: أي بالجناية أي بسببها م: (في يد المالك أو دفعت بها) ش: أي بالجناية م: (بأن كانت الجناية خطأ يرجع على الغاصب بكل القيمة، كذا هذا) ش: أي حكم المسألة المتنازع فيها م: (بخلاف الحرة) ش: إذا زنى بها رجل كرها فحبلت فماتت في نفاسها م: (لأنها) ش: أي لأن الحرة م: (لا تضمن بالغصب ليبقى ضمان الغصب بعد فساد الرد) ش: بكونها حبلى، ولهذا لو هلكت عنده بدون الزنا لا يضمن بالإجماع. م: (وفي فصل الشراء) ش: هذا جواب عن قولهما كمن اشترى جارية قد حبلت عند البائع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 247 الواجب ابتداء التسليم، وما ذكرناه شرط صحة الرد والزنا سبب لجلد مؤلم لا جارح ولا متلف فلم يوجد السبب في يد الغاصب. قال: ولا يضمن الغاصب منافع ما غصبه إلا أن ينقص باستعماله فيغرم النقصان. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمنها فيجب أجر المثل،   [البناية] بطريق الفرق، وهو أن فصل الشراء م: (الواجب) ش: على البائع م: (ابتداء التسليم) ش: أي تسليم المبيع على الوجه الذي وقع عليه العقد وقد تحقق ذلك منه وموتها بالنفاس لا بعد التسليم. م: (وما ذكرناه شرط صحة الرد) ش: أي ما ذكرنا من وجوب وجه الذي أخذه عليه شرط لصحة الرد ولم يوجد، فكان تمثيل ما لم يوجد بشرطه على ما وجد شرطه، وهو تمثيل فاسد. وقال تاج الشريعة: وتحقيقه أن الشراء لم يتناول إلا العين إذ الأوصاف لا تدخل في الشراء، وهذا لا يقابلها شيء من الثمن، فكان الواجب على البائع تسليم العين الذي هو مال متقوم وقد وجد فلا يرجع المشتري عليه بالهلاك في يده. وأما الغصب فإن الأوصاف داخلة فيه، ولهذا لو غصب جارية سمينة فهزلت في يد الغاصب وردها كذلك فإنه يضمن النقصان، وإذا دخلت الأوصاف فيه كان الرد بدونها ردا فاسدا. وأما إذا حمت في يد الغاصب فلأن سبب الموت ما بها من الحمى والضعف وقت الموت، ويحتمل أن يكون سببه عمارة كانت في يد الغاصب، أو حدثت في يد المالك بالشك. م: (والزنا سبب لجلد مؤلم) ش: جواب عن قولهما أو زنت في يده إلى آخره، وتقريره أن الزنا الذي وجد في يد الغاصب، إنما كان واجبا لجلد مؤلم م: (لا جارح ولا متلف) ش: ولما جلدت في يد المالك بجلد متلف غير ما وجب في يد الغاصب فلا يضمن، وهو معنى قوله: م: (فلم يوجد السبب) ش: وهو الجلد المتلف م: (في يد الغاصب) ش:. [ضمان الغاصب منافع المغصوب] م: (قال: ولا يضمن الغاصب منافع ما غصبه) ش: أي وقال القدوري: وقال في " إشارات الأسرار " المنافع لا يضمن سواء عرفها إلى نفسه أو عطلها على المالك. وقال في " الطريقة البرهانية " المنافع لا تضمن بالغصب والاستهلاك في قول علمائنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وصورة المسألة: رجل غصب عبدا فأمسكه شهرا حتى صار غاصبا للمنافع، أو استعمله حتى صار مستهلكا لها عندنا لا تضمن هذه المنافع، وقال صدر الإسلام البزدوي في شرح " الكافي ": ليس على الغاصب في ركوب الدابة وسكنى الدار أجر وهو مذهب علمائنا م: (إلا أن ينقص باستعماله فيغرم النقصان) ش: أي إلا أن ينقص عين المغصوب باستعماله، فحينئذ يضمن النقصان. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمنها) ش: أي المنافع م: (فيجب أجر المثل) ش: هذا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 248 ولا فرق في المذهبين بين ما إذا عطلها أو سكنها. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن سكنها يجب أجر المثل وإن عطلها لا شيء عليه. له: أن المنافع أموال متقومة حتى تضمن بالعقود فكذا بالمغصوب. ولنا أنها حصلت على ملك الغاصب لحدوثها في مكانه، إذ هي لم تكن حادثة في يد المالك؛ لأنها أعراض لا تبقى فيملكها دفعا لحاجته، والإنسان لا يضمن ملكه. كيف؟ وأنه لا يتحقق غصبها   [البناية] تفسير الضمان عنده، يعني أن المنافع مضمونة بأجر المثل عنده، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - واختلف أصحاب مالك وذكروا أنها لا تضمن كقولنا في صورة الغصب، وكذا في صورة الإتلاف. وعن ابن القاسم يضمن غلة الرباع والإبل والغنم ولا يغرم غلة العبيد والدواب. وقال بعضهم إن سلمها يجب أجر المثل، وإن عطلها لا، ولهذا لا يضمن على الإطلاق كقولنا م: (ولا فرق في المذهبين) ش: أي مذهبنا ومذهب الشافعي م: (بين ما إذا عطلها أو سكنها) ش: الغاصب، وربما سمي الأول غصبا، والثاني إتلافا في شمول العدم عندنا وشمول الوجود عنده. م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن سكنها يجب أجر المثل وإن عطلها لا شيء عليه) ش: لأنه انتفع في الأول دون الثاني. م: (له) ش: أي للشافعي م: (أن المنافع أموال متقومة) ش: أما كونها أموالا فإنها تصلح صداقا، وأما كونها متقومة فلأن التقوم عبارة عن العزة، والمنافع عزيزة عند الناس. ولهذا يبذلون الأعيان لأجلها م: (حتى تضمن بالعقود) ش: صحيحة كانت أو فاسدة بالإجماع م: (فكذا بالمغصوب) ش: أي فكذا يضمن بالمغصوب؛ لأن العقد لا يجعل غير المتقوم متقوما، كما لو ورد على الميتة. م: (ولنا: أنها) ش: أي المنافع م: (حصلت في ملك الغاصب لحدوثها في مكانه) ش: أي تصرفه وقدرته وكسبه م: (إذ هي لم تكن حادثة في يد المالك؛ لأنها أعراض لا تبقى فيملكها) ش: لأن ما حدث في إمكان الرجل فهو ملكه م: (دفعا لحاجته) ش: لأن الملك لم يثبت للعبد إلا رفعا لحاجته إلى إقامة التكاليف، فالمنافع حاصلة في ملك الرجل. م: (والإنسان لا يضمن ملكه) ش: أي ملك نفسه، والتحقيق أن من استولى على شيء يملكه إلا إذا تضمن الاستيلاء لإزالة يد مالكه، فحينئذ لا يملكه، وهاهنا لا يتضمن فيملكه المتولى عليه دفعا لحاجته. م: (كيف؟) ش: أي كيف يكون الضمان؟ م: (وأنه) ش: أي الشأن م: (لا يتحقق غصبها الجزء: 11 ¦ الصفحة: 249 وإتلافها؛ لأنه لا بقاء لها، ولأنها لا تماثل الأعيان لسرعة فنائها وبقاء الأعيان، وقد عرفت هذه المآخذ في المختلف،   [البناية] وإتلافها) ش: أي غصب المنافع وإتلافها م: (لأنه لا بقاء لها) ش: أي للمنافع؛ لأنها أعراض تتلاشى ومما لا يبقى لا يتصور غصبه وإتلافه، إذا إتلاف الشيء وغصبه إنما يرد في حال بقائه م: (ولأنها) ش: أي ولأن المنافع أراد، ولئن سلمنا تحقق غصب المنافع وإتلافها، ولكن شرط الضمان المماثلة والمنافع م: (لا تماثل الأعيان لسرعة فنائها) ش: أي فناء المنافع م: (وبقاء الأعيان) ش: فلم توجد المماثلة فلا يضمن. فإن قيل: يرد عليه ما إذا أتلف ما يسرع إليه الفساد فإنه يضمن بالدراهم التي هي تبقى، فدل على المماثلة والبقاء غير معتبرة. أجيب: بأن المماثلة المعتبرة هي ما تكون بين باق وباق، لا بين جوهر وعرض، ألا ترى أن بيع الثياب بالدراهم جائز، وإن كان أحدهما يبلى دون الآخر. فإن قيل: يرد أيضا ما إذا استأجر الوصي اليتيم ما يحتاج إليه بدراهم اليتيم فإنه جائز لا محالة. ولو كان ما ذكرتم صحيحا لما جاز؛ لأن القربان إلى مال اليتيم لا يجوز إلا بالوجه الأحسن. أجيب: بأنه لما جاز مع وجود التفاوت دل على أن القربان الأحسن في مال اليتيم هو ما لا يعد عيبا في التصرفات. فإن قلت: ما ذكر يفضي إلى إهدار حق المالك وهو مظلوم، ورعاية جانب الغاصب وهو ظالم. قلت: حق المالك يتراخى إلى دار الآخرة وحق الغاصب في الزيادة يفوت أصلا، والتأخير أهون من الإبطال. فإن قلت: كلامنا في أحكام الدنيا. قلت: بلى لكن المماثلة شرط على ما بينا، وحق المالك يفوت في الدنيا لا في الآخرة فيكون ثابتا من وجه دون وجه، وحق الغاصب في الزيادة يفوت في الدارين فيكون فائتا من كل وجه، فكان تحمل أدنى الضرر أولى. م: (وقد عرفت هذه المآخذ) ش: هو جمع مأخذ أي التي هي مناط الحكم، أو أراد ما ذكره تماثل الأعيان إلى آخره م: (في المختلف) ش: أراد به مختلف الفقيه أبي الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - هكذا قال الأترازي. وتبعه على ذلك صاحب " العناية "، ولكن لم لا يجوز أن يكون أراد به الجزء: 11 ¦ الصفحة: 250 ولا نسلم أنها متقومة في ذاتها، بل تتقوم ضرورة عند ورود العقد ولم يوجد العقد، إلا أن ما انتقص باستعماله مضمون عليه لاستهلاكه بعض أجزاء العين   [البناية] مختلف الطريقة بيننا وبين الشافعي، فإن هذه المسألة من جملة المسائل المذكورة في علم الخلاف، بل الظاهر أن مراده هذا وتخصيص مختلف أبي الليث تحكم فافهم. م: (ولا نسلم أنها متقومة في ذاتها) ش: هذا جواب عن قوله المنافع أموال متقومة، تقديره أنا لا نسلم أن المنافع أموال متقومة في ذاتها؛ لأن التقوم لا يسبق الوجود والإحراز، وذلك فيما لا يبقى غير متصور م: (بل تتقوم ضرورة) ش: أي لضرورة دفع الحاجة م: (عند ورود العقد عليها ولم يوجد العقد) ش: في المتنازع فيه م: (إلا أن ما انتقص باستعماله مضمون عليه) ش: هذا استثناء منقطع، أي لكن ما ينقص بسبب استعماله مضمون عليه، وقيد باستعماله بحسب الغالب؛ لأن النقص غالبا يكون بالاستعمال. ولكن الحكم ثابت فيما إذ انتقص بدون استعماله م: (لاستهلاكه بعض أجزاء العين) ش: أي لاستهلاك الغاصب بعض أجزاء العين المغصوبة. قال مشايخنا: هذا إذا لم يكن معدا للاستقلال، فإن كان معدا له بضمن المنافع بالغصب والإتلاف. وفي " الفتاوى الكبرى " منافع المقار الموقوفة مضمونة سواء كان معدا للاستغلال أو لا نظرا للوقف. وفي " المجتبى ": وأصحابنا المتأخرون يفتون بقول الشافعي في المسألات والأوفاق وأموال اليتامى، ويوجبون أجر منافعها على الغصبة. ثم في مسألة فتح رأس التنور المسجور إنما يضمن قيمة الحطب مع أن غصب المنافع وإتلافها غير متصور لما أنه أتلف ما هو المقصود من تسخين التنور، فصار هذا بمنزلة استهلاك العين، فلذلك ضمن الحطب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 251 فصل في غصب ما لا يتقوم قال: وإذا أتلف المسلم خمرا لذمي أو خنزيره ضمن قيمتهما، فإن أتلفهما لمسلم لم يضمن. وقال الشافعي: لا يضمنهما للذمي أيضا، وعلى هذا الخلاف إذا أتلفهما ذمي على ذمي أو باعهما الذمي من الذمي.   [البناية] [فصل في غصب ما لا يتقوم] [أتلف المسلم خمرا لذمي أو خنزيره] م: (فصل في غصب ما لا يتقوم) ش: ذكره عقيب غصب ما يتقوم هو المناسبة. م: (قال: إذا أتلف المسلم خمرا لذمي أو خنزيره ضمن قيمتهما) ش: أي قال القدوري في مختصره، وهذا على أربعة أوجه. الأول: إتلاف المسلم خمر الذمي أو خنزيره فإنه يضمن عندنا، وهكذا ذكره القدوري في " مختصره ". وفي " شرح مختصر الكرخي " وذكر صدر الإسلام البزدوي في " شرح الكافي " ولو أتلف مسلم على ذمي خنزيرا على قول أبي حنيفة لا يضمن شيئا. وعلى قول أبي يوسف ومحمد يضمن قيمته، وهذا كما ترى ذكر الخلاف وهو قياس قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - والذي مر في كتاب النكاح فيما إذا تزوج الذمي ذمية على خمر أو خنزير ثم أسلما أو أسلم أحدهما قبل القبض فلها الخمر والخنزير إذا كانا عينين، وإن كانا دينين فالجواب على التفصيل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ففي الخمر تجب القيمة، وفي الخنزير مهر المثل على ما عرف هناك. الثاني: إتلاف المسلم خمر المسلم، أشار إليه بقوله م: (فإن أتلفهما) ش: أي وإن أتلف المسلم الخمر والخنزير الكائنين م: (المسلم لم يضمن) ش: بلا خلاف، ووقع في بعض النسخ إن أتلفها بتوحيد الضمير فلذلك تاج الشريعة قوله وإن أتلفها، أي أتلفهما، نظير قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11] (سورة الجمعة: الآية 11) ، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا} [التوبة: 34] (سورة التوبة: الآية 24) . الثالث: إتلاف الذمي خمر المسلم فإنه لا يضمن بلا خلاف، وهذا لم يذكره المصنف. م: (وقال الشافعي: إنه) ش: أي المسلم م: (لا يضمنهما) ش: أي الخمر والخنزير الكائنين م: (للذمي أيضا) ش: أي كما لا يضمن إذا كان لمسلم، وبه قال أحمد م: (وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور بيننا وبين الشافعي م: (إذا أتلفهما ذمي على ذمي) ش: وهذا هو الوجه الرابع، وبقول الشافعي قال أحمد أيضا. وبقولنا قال مالك م: (أو باعهما الذمي من الذمي) ش: أو باع الخمر والخنزير الذمي من الجزء: 11 ¦ الصفحة: 252 له: أنه سقط تقومهما في حق المسلم، فكذا في حق الذمي؛ لأنهم أتباع لنا في حق الأحكام فلا يجب بإتلافهما مال متقوم وهو الضمان. ولنا أن التقوم باق في حقهم، إذ الخمر لهم كالخل لنا، والخنزير لهم كالشاة لنا، ونحن أمرنا بأن نتركهم وما يدينون   [البناية] الذمي فإنه يجوز عندنا خلافا للشافعي وأحمد م: (له) ش: أي الشافعي م: (أنه سقط تقومهما) ش: أي تقوم الخمر والخنزير م: (في حق المسلم، فكذا في حق الذمي؛ لأنهم أتباع لنا في حق الأحكام) ش: أي لأن أهل الذمة أتباع للمسلمين في الأحكام لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فإذا قبلوا عقد الذمة فأعلمهم أن لهم ما للمسلين وعليهم ما على المسلمين» ، فبين أن كل حكم يثبت في حق المسلم يثبت في حق الذمي م: (فلا يجب بإتلافهما مال) ش: أي إذا كان كذلك فلا يجب بإتلاف الخمر والخنزير الذي ليسا بمتقومين مال م: (متقوم وهو الضمان) ش: أي ما يضمن به. م: (ولنا: أن التقوم باق في حقهم) ش: دل على أن ذلك ما رواه أبو يوسف في " كتاب الخراج " تصنيفه في فصل من تجب عليه الجزية، وقال حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: سمعت ابن سويد بن غفلة يقول: حضر عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واجتمع إليه عماله فقال: يا هؤلاء إنه بلغني أنكم تأخذون في الجزية الميتة والخنزير، فقال بلال: أجل إنهم يفعلون ذلك، فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فلا تفعلوا ولكن ولوا أربابها بيعها ثم خذوا الثمن منهم. وجه الاستدلال بذلك أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أذن لهم في بيعها وثمن العقد عليها بيعا وبدلها ثمنا، والثمن لا يجب إلا في عقد صحيح، فدل على التقوم. وهذا؛ لأن قضايا عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما كانت تخفى على الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولم يثبت التكبر منهم على ذلك، فحل محل الإجماع. م: (إذ الخمر لهم كالخل لنا، والخنزير لهم كالشاة لنا، ونحن أمرنا بأن نتركهم وما يدينون) ش: يعني لا نجادلهم على الترك. فإن قلت: ما الأمر بتركهم وما يدينون؟. قلت: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اتركوهم وما يدينون» . والخمر كانت متقومة في شريعة من قبلنا وفي صدر شريعتنا، والمزيد هو قَوْله تَعَالَى: {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] (سورة المائدة: الآية 90) . وجد في حقنا بدليل السياق والسباق، فبقي في حق من لم يدخل تحت الخطاب على ما كان من قبل. فإن قلت: روي في حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله لعن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 253 والسيف موضوع، فيتعذر الإلزام، وإذا بقي التقوم فقد وجد إتلاف مال مملوك متقوم فيضمنه بخلاف الميتة والدم   [البناية] الخمر وحرم ثمنها، ولعن الخنزير وحرم ثمنه» . قلت: نحن نقول بموجب ذلك وهما حرام علينا، ولكنهم أقروا على ذلك فكان حلالا لهم. فإن قلت: الخمر نجس العين فلا يكون مالا لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حرمت الخمر لعينها» ، ولا يضمن بالإتلاف. قلت: حرام لعينها علينا لا عليهم؛ لأن الخطاب في الآية خاص. فإن قلت: قال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] (سورة المائدة: الآية 49) ، أي بين أهل الذمة وبما أنزل الله حرمة الخمر والخنزير فيجب الحكم عليهم بحرمتها. قلت: المراد منه ما أنزل الله مطلقا لا ما أنزلت على المؤمنين خاصة كنكاح المشركات. فإن قيل: ينتقض هذا بما إذا مات المجوسي عن ابنتين إحداهما امرأته فإنها لا تستحق بالزوجية شيئا من الميراث مع اعتقادهم صحة ذلك النكاح، وصحة النكاح توجب توريث المرأة من زوجها في جميع الأديان إذا لم يوجد المانع، ولم يجود في ديانتهم لِمَ لَمْ نتركهم وما يدينون؟. أجيب: بأنا لا نسلم أنهم يعتقدون التوريث بأنكحة المحارم فلا بد له من بيان. م: (والسيف موضوع) ش: يعني إبطال ما يزعمونه من المالية إنما يكون بالسيف، والسيف موضع أي متروك في حقهم لعقد الذمة م: (فيتعذر الإلزام) ش: على ترك الندين، فهذا يقتضي بقاء التقوم م: (وإذا بقي التقوم فقد وجد إتلاف مال مملوك متقوم فيضمنه) ش: لا؛ لأن الضمان موجب إتلاف المال المتقوم. م: (بخلاف الميتة والدم) ش: هذا جواب المقيس عليه للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولكن لم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 254 لأن أحدا من أهل الأديان لا يدين تمولهما، إلا أنه تجب قيمة الخمر وإن كان من ذوات الأمثال؛ لأن المسلم ممنوع عن تمليكه لكونه إعزازا له، بخلاف ما إذا جرت المبايعة بين الذميين؛ لأن الذمي غير ممنوع عن تمليك الخمر وتملكها،   [البناية] يذكره في الكتاب م: (لأن أحدا من أهل الأديان لا يدين تمولهما) ش: أي تمول الميتة والدم، قيل المراد من الميتة الذي مات حتف أنفه، أما الذي خنقوه أو ضربوه حتى مات كما يفعله المجوس فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمنها المسلم بالغصب والإتلاف. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يضمن كالميتة م: (إلا أنه تجب قيمة الخمر، وإن كان من ذوات الأمثال) ش: أي لا أن الشأن وجوب قيمة الخمر لا مثلها، وإنما ذكر الضمير في قوله وإن كان بتأويل الشأن أو المذكور م: (لأن المسلم ممنوع عن تمليكه) ش: أي تمليك الخمر م: (لكونه إعزازا له) ش: أي لكون التمليك إعزازا للخمر. وفي بعض النسخ إعزازا لها بتأنيث الضمير على الأصل، وأما التذكير فعلى التأويل الذي ذكرناه. فإن قلت: ما الفرق بين ما إذا أتلف ذمي خمر ذمي ثم أسلم حيث لا يجب عليه شيء لا القيمة، ولا الخمر عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي رواية عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، والرواية في " المبسوط ": والإسلام المقارن لا يمنع وجوب القيمة فالطارئ أولى. قلت: الفرق أنه حين أتلفه لم يكن إتلافه سببا لوجوب القيمة؛ لأنه لا يوجد بعد ذلك سبب الوجوب. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عليه قيمة الخمر؛ لأنه لا يمكن إيجاب الخمر؛ لأنه مسلم، ولا يمكن إبراؤه عن الضمان؛ لأن المتلف عليه ذمي، والخمر في حقه مال متقوم، وقد أمكن إيجاب القيمة فيجب. أما في الخنزير يبقى الضمان بإسلامهما أو إسلام أحدهما بالاتفاق؛ لأن الواجب هو القيمة، والإسلام لا ينافيها. م: (بخلاف ما إذا جرت المبايعة بين الذميين) ش: هذا متصل بقوله: لأن المسلم ممنوع عن تمليكه، يعني أن المسلم لما كان ممنوعا عن تمليك الخمر وجب عليه قيمة الخمر إذا أتلفها، بخلاف ما إذا باعها ذمي من ذمي م: (لأن الذمي غير ممنوع عن تمليك الخمر وتملكها) ش: ولذلك إذا أتلف ذمي خمر ذمي يجب عليه مثلها. وقال القدوري في " شرحه لمختصر الكرخي " فيمن أتلف صليبا؛ لأنا أقررناهم على هذا الصنع، فصار كالخمر التي هم مقرون عليها، وقد قال أصحابنا: إن الذمي يمنع من كل شيء يمنع منه المسلم إلا شرب الخمر، وأكل الخنزير؛ لأنا استثنيناه بالأمان، ولو عتوا وضربوا بالعبد إن منعناهم من ذلك كله كما يمنع المسلمين؛ لأنه لم يستثن، كذا ذكره القدوري في " شرحه ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 255 وهذا خلاف الربا؛ لأنه مستثنى عن عقودهم، وبخلاف العبد المرتد يكون للذمي؛ لأنا ما ضمنا لهم ترك التعرض له لما فيه من الاستخفاف بالدين، وبخلاف متروك التسمية عامدا إذا كان لمن يبيحه؛ لأن ولاية الحاجة ثابتة وبخلاف متروك التسمية عامدا إذا كان لمن يبيحه لأن ولاية الحاجة ثابتة   [البناية] م: (وهذا بخلاف الربا) ش: أي عدم التعرض في مبايعتهم بخلاف الربا، فإنه يتعرض لهم في إبطال عقود الربا، حتى لو باعا درهما بدرهمين يسترد الدرهم الزائد. وقال الأترازي: أي هذا الذي ذكرناه من كون الذمي غير ممنوع عن تمليك الخمر؛ بخلاف الربا، فإنه ممنوع عنه. وقيل: الأولى أن يتعلق بقوله نحن أمرنا أن نتركهم وما يدينون إلى آخره م: (لأنه مستثنى عن عقودهم) ش: أي لأن الربا مستثنى عن عقود أهل الذمة؛ لأنه لم يرد عليه عقد الأمان. ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى في سورة النساء: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا} [النساء: 161] م: (وبخلاف العبد المرتد يكون للذمي) ش: عطف على قوله: وهذا بخلاف الربا، يعني الذمي إذا اشترى عبدا مسلما ثم ارتد العبد فإنه يحبس حتى يتوب أو يقتل، ولا تجب قيمته للذمي. الحاصل أنا لا نقره على تموله وتملكه، بل نأخذه من يده فتقبله وإن كانت أمة نحبسها أبدا ونستتيبها [ ... ] قبل وهو أيضا مقيس عليه للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ووجه الجواب ما أشار إليه بقوله م: (لأنا ما ضمنا لهم ترك التعرض له) ش: أي للعبد المرتد م: (لما فيه) ش: أي في ترك التعرض م: (من الاستخفاف بالدين) ش: بالترك والإعراض عنه. فإن قلت: يشكل على هذا التعليل ما لو أتلف صليب نصراني حيث يضمن قيمته صليبا، وفي ترك التعرض استخفاف بالدين. قلت: ذاك كفر أصلي والنصراني مقر على ذلك بخلاف الارتداد. م: (وبخلاف متروك التسمية عامدا إذا كان لمن يبيحه) ش: يتعلق بقوله: أمرنا أن نتركهم وما يدينون يعني كما أمرنا أن نترك أهل الذمة على ما اعتقدوه من الباطل، وجب علينا أن نترك أهل الاجتهاد على ما اعتقدوه مع احتمال الصحة فيه بالطريق الأولى، وحينئذ يجب أن نقول بوجوب الضمان على ما أتلف متروك التسمية عامدا؛ لأنه مال متقوم في اعتقاد الشافعي ومن تابعه ووجه الجواب ما قاله بقوله م: (لأن ولاية الحاجة ثابتة) ش: أي ولاية الإلزام المحاجة ثابتة وقد ثبت بالنص حرمته، فلا يعتبر في إيجاب الضمان. ولقائل أن يقول لا نسلم أن ولاية المحاجة ثابتة؛ لأن الدليل الدال على ترك المحاجة مع أهل الذمة دال على تركها مع المجتهدين بالطريق الأولى على ما قررتم. والجواب أن الدليل هو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتركوهم وما يدينون» ، وكان ذلك بعقد الذمة وهو متفق عليه في حق المجتهدين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 256 قال: فإن غصب من مسلم خمرا فخللها أو جلد ميتة فدبغه فلصاحب الخمر أن يأخذ الخل بغير شيء ويأخذ جلد الميتة ويرد عليه ما زاد الدباغ فيه، والمراد بالفصل الأول: إذا خللها بالنقل من الشمس إلى الظل ومنه إلى الشمس، وبالفصل الثاني: إذا دبغه بما له قيمة كالقرظ والعفص   [البناية] [غصب من مسلم خمرا فخللها] م: (قال: فإن غصب من مسلم خمرا فخللها) ش: أي قال في " الجامع الصغير ". ووقع في عامة النسخ وإن غصب بالواو وهذا أوجه، وصورتها فيه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رجل مسلم يغصب المسلم الخمر أو جلد الميتة فيتخلل الخمر ويدبغ جلد الميتة، قال لصاحب الخمر: أن يأخذ الخل بغير شيء. وأما جلد الميتة فله أن يأخذه ويرد على الغاصب ما زاد على الدباغ في الجلد، فإن كان الغاصب استهلكهما جميعا ضمن الخل ولم يضمن الجلد المدبوغ. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يضمن قيمة الجلد مدبوغا أو يعطيه صاحب الجلد ما زاد الدباغ فيه بحساب ذلك، انتهى. م: (أو جلد ميتة فدبغه) ش: أي أو غصب جلد ميتة فدبغه م: (فلصاحب الخمر أن يأخذ الخل بغير شيء ويأخذ جلد الميتة ويرد عليه ما زاد الدباغ فيه) ش: قال القدوري في شرحه لمختصر الكرخي : وهذا إذا أخذ الميتة من منزل صاحبها فدبغ جلدها، فأما إذا لقي صاحب الميتة الميتة في الطريق فأخذ رجل جلدها فدبغه فقد قالوا: إنه لا سبيل له على الجلد؛ لأن إلقاءها إباحة لأخذها فلا يثبت له الرجوع كإلقاء النوى. وعن أبي يوسف أن له أن يأخذه في هذه الصورة أيضا. م: (والمراد بالفصل الأول) ش: يعني المراد بجوارها الفصل الأول. وفي " الجامع الصغير " وهو قوله فلصاحب الخمر أن يأخذ الخل بغير ثمن م: (إذا خللها بالنقل من الشمس إلى الظل ومنه) ش: أي ومن الظل م: (إلى الشمس) ش: وعند الشافعي وأحمد رحمهما الله لا يصير الخمر طاهرا بالتخليل فلا يجب ردها بل يجب إراقتها كما قبل التخليل. أما لو تخللت بنفسها يجب ردها بالإجماع ويضمن متلفها بالإجماع. وفي جلد الميتة لو دبغه يلزم رده عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي قول لا يلزمه رده وبه قال أحمد في وجه. م: (بالفصل الثاني) ش: وهو قوله ويأخذ جلد الميتة ويرد عليه ما زاد الدباغ فيه م: (إذا دبغه بما له قيمة كالقرظ والعفص) ش: بفتح القاف والراء بعدها ظاء معجمة وهو ورق السلم يدبغ، ومن أديم مقروظ، وبالفارسية بزغيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 257 ونحو ذلك. والفرق أن هذا التخليل تطهير له بمنزلة غسل الثوب النجس فيبقى على ملكه، إذ لا تثبت المالية به،   [البناية] وفي " دستور اللغة ": القرظ اسم لشجر كالجوز عظيما إذا قدم أسود ويدبغ بثمره وورقه. وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في كتاب السيئات: القرظة واحد القرظة وبها سمي الرجل قرظة وفيه نظر، والقرظ شجر عظام لها شوك غلاظ أمثال شجر الجوز وخشبه صلب يفل الحديد، وإذا هو قدم كان أسود كالأبنوس وهو قبل ذلك أبيض وورقه أصفر من ورق التفاح وله حيلة مثل قرون اللوبياء، وله حب يوضع في الموزاير ويدبغ بورقه وثمره كما يدبغ بالعفص، ومنابته القيعان وما كان من القرظ بأرض مصر فهو الذي يسمى الضبط ومنه أجود حطبهم وهو زكي الوقود قليل الرماد وهو بأسوان من أرض مصر عياض م: (ونحو ذلك) ش: كالشث والعفص. م: (والفرق) ش: بين المسألتين م: (أن هذا التخليل تطهير له) ش: أي للخمر م: (بمنزلة غسل الثوب النجس) ش: يعني أنه أزال عنه صفة النجاسة والخمرية من غير أن يقام به شيء من ملكه، فكان كما إذا غصب ثوبا نجسا فغسله يكون لمالكه كذا هذا. وذلك لأن الغسل لم يزد في ذات الثوب شيئا، وإنما زال به النجاسة فلا يخرج بذلك عن ملك مالكه. فإن قلت: الثوب ليس بنجس العين، والخمر نجس العين لكونها حراما بعينها قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حرمت الخمر لعينها» . قلت: جواهر الخمر هي الجواهر التي كانت عصيرا، فلما اعترضت عليها صفة الخمرية صيرتها نجسة، فإذا زالت تلك الصبغة زالت النجاسة كالثوب، ولا يلزم بتبدله تبدل العين، فاعتراض الصفة عليها كما يعترض الصفات على الإنسان من غير تبدل الذات، وتأويل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حرمت الخمر لعينها» أي عينها حرام قليلها وكثيرها حرام، ولهذا قال بعد ذلك: «والسكر من كل شراب» . م: (فيبقى على ملكه) ش: أي إذا كان كذلك فيبقى الخل على ملك صاحبه م: (إذ لا تثبت المالية به) ش: أي بالتخليل، قال فخر الإسلام البزدوي وغيره في " شرح الجامع الصغير "، قال مشايخنا: أما التخليل فعلى ثلاثة أوجه: إما أن يخللها بالنقل من الظل إلى الشمس ومن الشمس إلى الظل، أو بإلقاء الملح فيها، أو بصب الخل فيها، ففي الوجه الأول الخل لصاحبها ولا شيء عليه؛ لأن الخمر نجس العين كالبول، إلا أن نجاستها قابلة للزوال بخلاف البول، فصار التخليل بمنزلة الغسل فلا يضاف الجزء: 11 ¦ الصفحة: 258 وبهذا الدباغ اتصل بالجلد مال متقوم للغاصب كالصبغ في الثوب فكان بمنزلته، فلهذا يأخذ الخل بغير شيء ويأخذ الجلد، ويعطي ما زاد الدباغ فيه، وبيانه أن ينظر إلى قيمته ذكيا غير مدبوغ، وإلى قيمته مدبوغا فيضمن فضل ما بينهما، وللغاصب أن يحبسه حتى يستوفي حقه كحق الحبس في المبيع.   [البناية] إلى التقوم والمالية، بل كان ذلك بمنزلة إظهار التقوم والمالية، فلأجل ذلك صار صاحب الخمر أحق بالخل، والقسمان الآخران يأتيان في موضعها إن شاء الله تعالى. م: (وبهذا الدباغ) ش: المذكور وهو الدباغ بما له قيمة كالقرض م: (اتصل بالجلد مال متقوم للغاصب كالصبغ في الثوب فكان بمنزلته) ش: الثوب الذي غصبه الغاصب حيث يأخذ الجلد ويعطي ما زاد الدباغ فيه كما في الثوب حيث يأخذه مالكه ويعطي ما زاد الصبغ فيه. فإن أراد المالك أن يترك الجلد على الغاصب ويضمنه قيمة الجلد فليس له ذلك لأنه غصبه ولا قيمة له، بخلاف مسألة الثوب فإن هناك لصاحب الثوب أن يضمنه ويترك الثوب عليه؛ لأن الثوب قبل الصبغ كان مالا متقوما، ولا كذلك الجلد، حتى لو غصبه جلدا ذكيا غير مدبوغ كان لصاحب الجلد أن يضمنه. قال فخر الدين قاضي خان: من المشايخ من قال هذا قول أبي حنيفة؛ لأنه لما تركه فقد عجز عن رده، فصار كعجزه بالاستهلاك. فأما على قولهما له أن يترك الجلد على الغاصب ويضمنه القيمة أيضا. م: (فلهذا) ش: أي فلأجل أن التخليل لا يثبت المالية وبالدباغ يتصل به مال متقوم م: (يأخذ الخل) ش: أي صاحبه م: (بغير شيء ويأخذ الجلد) ش: أي صاحبه م: (ويعطي) ش: على بناء الفاعل، وأن يعطي صاحب الجلد م: (ما زاد الدباغ فيه) ش: أي في الجلد. م: (وبيانه) ش: أي بيان إعطاء ما زاد الدباغ فيه م: (أن) ش: أي الشأن م: (ينظر إلى قيمته ذكيا غير مدبوغ) ش: أي حال كونه ذكيا غير مدبوغ؛ لأنه لا يكون قيمة لجلد الميتة فيقوم ذكيا كذلك م: (وإلى قيمته مدبوغا) ش: أي وينظر إلى قيمته حال كونه مدبوغا م: (فيضمن فضل ما بينهما) ش: أي فضل ما بين القيمتين مثلا إذا كانت قيمته ذكيا غير مدبوغ عشرة دراهم ومدبوغا اثني عشر درهما يضمن درهمين، وعلى هذا وقيل يضمنه قيمته جلدا ذكيا غير مدبوغ. قال فخر الإسلام: وذلك مذكور في بعض نسخ " المبسوط " أنه ملحق بالذكي. م: (وللغاصب أن يحبسه حتى يستوفي حقه كحق الحبس في المبيع) ش: يعني كما أن البائع له الجزء: 11 ¦ الصفحة: 259 قال: وإن استهلكهما ضمن الخل ولم يضمن الجلد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: يضمن الجلد مدبوغا ويعطي ما زاد الدباغ فيه. ولو هلك في يده لا يضمنه بالإجماع. أما الخل فلأنه لما بقي على ملك مالكه وهو مال متقوم ضمنه بالإتلاف. ويجب مثله لأن الخل من ذوات الأمثال. وأما الجلد فلهما: أنه باق على ملك المالك حتى كان له أن يأخذه، وهو مال متقوم، فيضمنه مدبوغا بالاستهلاك، ويعطيه المالك ما زاد الدباغ فيه،   [البناية] حق حبس المبيع لأجل استيفاء الثمن. م: (قال: وإن استهلكهما) ش: أي قال في " الجامع الصغير " وإن استهلك الغاصب الخل والجلد م: (ضمن الخل ولم يضمن الجلد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: يضمن الجلد مدبوغا ويعطي) ش: على صيغة المجهول، أي يعطي الذي دبغه ثم استهلكه م: (ما زاد الدباغ فيه، ولو هلك في يده لا يضمنه بالإجماع) ش: أي في يد الغاصب لأنه لم يهلك بفعله ولم يكن منه جناية، كذا قال الفقيه أبو الليث، وإنما لم يذكر له دليلا لأنه مجمع عليه ودليله الإجماع. وعند الثلاثة: لو تخللت الخمر بنفسها وهلكت في يد الغاصب يضمن، أما إذا تخلل بفعل الغاصب لا يضمن، وفي الجلد المدبوغ على قول لا يلزمه رده لا يضمن، وعلى قول يلزمه رده يضمن. م: (أما الخل) ش: دليل صورة الاستهلاك والمراد منه الوجه الأول من وجوه التخلل وهو ما إذا خللها من غير خلط م: (فلأنه لما بقي على ملك مالكه وهو مال متقوم ضمنه بالإتلاف، ويجب مثله لأن الخل من ذوات الأمثال) ش: لم يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " ما إذا يضمن. قالوا في شروحه: فالظاهر أنه يضمن المثل لأنه مثلي إلا أن يكون من نوع لا يوجد له مثل في تلك المواضع، فيجب قيمته. ونص الكرخي في "مختصره" على وجوب المثل. م: (وأما الجلد فلهما) ش: أي فلأبي يوسف ومحمد رحمهما الله م: (أنه) ش: أي الجلد م: (باق على ملك المالك حتى كان له أن يأخذه، وهو مال متقوم) ش: أما بقاؤه على ملكه فلأن الغاصب لم يحدث فيه إلا مجرد الصبغة وبذلك لا يزول ملك المغصوب، كما لو كان ثوبا فقصره. وأما كونه متقوما فظاهر م: (فيضمنه مدبوغا بالاستهلاك) ش: أي إن كان كذلك فيضمن حال كونه مدبوغا بالاستهلاك م: (ويعطيه المالك ما زاد الدباغ فيه) ش: أي يعطي المالك الغاصب ما زاد الدباغ فيه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 260 كما إذا غصب ثوبا فصبغه ثم استهلك يضمنه، ويعطيه المالك ما زاد الصبغ فيه، ولأنه واجب الرد فإذا فوته عليه خلفه قيمته كما في المستعار وبهذا فارق الهلاك بنفسه. وقولهما: يعطي ما زاد الدباغ فيه محمول على اختلاف الجنس. أما عند اتحاده فيطرح عنه ذلك القدر ويؤخذ منه الباقي لعدم الفائدة في الآخذ منه، ثم في الرد عليه.   [البناية] قال فخر الإسلام وغيره في شروح " الجامع الصغير ": هذا إنما يستقيم إذا كان الجنس مختلفا، فأما إذا كان الجنس واحدا فلا فائدة أن يضمن الغاصب خمسة عشر درهما ويعطيه خمسا، وإنما معنى ذلك بيان قيمة مال المغصوب منه؛ لأنه لم يكن ذكيا متقوما قبل الدباغ ليعتبر ذلك، فإذا عرفت قيمته مدبوغا نظر إلى قيمته لو كان ذكيا غير مدبوغ، فيطرح ذلك من الغاصب ويعطي الباقي، ويجيء هذا عن قريب في الكتاب. [غصب ثوبا فصبغه ثم استهلك] م: (كما إذا غصب ثوبا فصبغه ثم استهلك يضمنه، ويعطيه المالك ما زاد الصبغ فيه) ش: أراد في مسألة غصب الجلد واستهلاكه بعد الدباغة كمسألة غصب الثوب واستهلاكه بعد الصبغ، حيث يضمن في كل منهما ويعطي ما زاد الدباغ والصبغ. م: (ولأنه) ش: دليل آخر لهما، أي ولأن الجلد م: (واجب الرد) ش: ولو كان قائما م: (فإذا فوته عليه) ش: أي فإذا فوت الرد على المالك م: (خلفه قيمته) ش: أي خلف الجلد قيمته، يعني قامت مقامه، وهو من قولهم خلف فلان فلانا، يخلفه بالضم إذا كان خليفته م: (كما في المستعار) ش: يعني أن المستعار واجب الرد، فإذا فوت المستعير الرد باستهلاكه تجب عليه القيمة، فإذا فات فلا، فكذا هنا الجلد واجب الرد. فإذا فوت وجب عليه قيمته. وإذا هلك فلا م: (وبهذا فارق الهلاك بنفسه) ش: أي ربما ذكرنا فارق الهلاك بنفسه، أي ربما ذكرنا فارق الاستهلاك الهلاك بنفسه حيث لا يضمن في الهلاك؛ لأنه لم يفوت شيئا. وكذا الوديعة بشيء لا قيمة له يضمنه بالاستهلاك دون الهلاك. م: (وقولهما: يعطي) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يعطي م: (ما زاد الدباغ فيه محمول على اختلاف الجنس) ش: بأن قوم القاضي الجلد بالدراهم والضيعة بالدنانير صار الجنس متخلفا فيضمن المالك الغاصب القيمة، ويأخذ ما زاد الدباغ. أما إذا قومهما بالدراهم أو بالدنانير وهو معنى قوله م: (أما عند اتحاده) ش: أي اتحاد الجنس م: (فيطرح عنه ذلك القدر ويؤخذ منه الباقي لعدم الفائدة في الأخذ منه، ثم الرد عليه) ش: قال فخر الإسلام: فلا فائدة، أي يضمن الغاصب خمسة عشر درهما ويعطيه خمسة كما ذكرناه عن قريب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 261 وله: أن التقوم حصل بصنيع الغاصب وصنعته متقومة لاستعماله مالا متقوما فيه، ولهذا كان له أن يحبسه حتى يستوفي ما زاد الدباغ فيه، فكان حقا له، والجلد تبع له في حق التقوم. ثم الأصل وهو الصنعة غير مضمون عليه، فكذا التابع كما إذا هلك من غير صنعه. بخلاف وجود الرد حال قيامه؛ لأنه يتبع الملك والجلد غير تابع للصنعة في حق الملك لثبوته قبلها، وإن لم يكن متقوما، بخلاف الذكي والثوب؛ لأن التقوم فيهما كان ثابتا قبل الدبغ والصبغ، فلم يكن تابعا للصنعة. ولو كان قائما فأراد المالك أن يتركه على الغاصب في هذا الوجه ويضمنه قيمته، قيل: ليس له ذلك؛ لأن الجلد لا قيمة له بخلاف صبغ الثوب؛ لأن له قيمة، وقيل: ليس له ذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما: له ذلك   [البناية] م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن التقوم حصل بصنيع الغاصب) ش: أراد أنا لا نسلم أن الجلد مال متقوم بنفسه، وإنما حصل بصنيعة الغاصب م: (وصنعته متقومة لاستعماله مالا متقوما فيه، ولهذا كان له أن يحبسه حتى يستوفي ما زاد الدباغ فيه، فكان) ش: أي التقوم م: (حقا له) ش: أي للغاصب م: (والجلد تبع له) ش: أي بصنيعة الغاصب، وفي بعض النسخ والجلد تبعا لها، أي وكان الجلد تبعا لها م: (في حق التقوم) ش: لأنه ما كان متقوما قبل الصنعة فيكون صنعة الغاصب أصلا؛ لأن الأصل ما يبتنى عليه. م: (ثم الأصل وهو الصنعة غير مضمون عليه فكذا التابع كما إذا هلك من غير صنعه) ش: فإن عدم الضمان هناك باعتبارات الأصل وهو الصنعة غير مضمون، فكذلك الجلد وإلا فالغصب موجب للضمان في الهلاك والاستهلاك. م: (بخلاف وجوب الرد) ش: جواب عن قولهما، ولأنه واجب الرد، وتقريره أن وجوب الرد م: (حال قيامه؛ لأنه) ش: أي الرد م: (يتبع الملك والجلد غير تابع للصنعة في حق الملك لثبوته قبلها وإن لم يكن متقوما) ش: والحاصل أن الضمان يعتمد التقوم، والأصل فيه الصنعة وهي غير مضمونة فكذا ما يتبعها، والرد يعتمد الملك، والجلد فيه الأصل لأنه تابع فوجب رده يتبعه الصنعة. م: (بخلاف الذكي والثوب) ش: جواب عن قولهما كما إذا غصب ثوبا، وأقحم الذكي استظهارا م: (لأن التقوم فيهما) ش: أي في الذكي والثوب م: (كان ثابتا قبل الدبغ والصبغ، فلم يكن تابعا للصنعة) ش: والتقوم يوجب الضمان م: (ولو كان قائما) ش: أي الجلد المدبوغ م: (فأراد المالك أن يتركه على الغاصب في هذا الوجه) ش: أي الذي كان فيه بشيء متقوم. م: (ويضمنه قيمته، قيل: ليس له ذلك) ش: بلا خلاف م: (لأن الجلد لا قيمة له، بخلاف صبغ الثوب؛ لأن له قيمة، وقيل: ليس له ذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما: له ذلك) ش: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 262 لأنه إذا تركه عليه وضمنه قيمته عجز الغاصب عن رده، فصار كالاستهلاك، وهو على هذا الخلاف على ما بيناه، ثم قيل: يضمنه قيمة جلد مدبوغ ويعطيه ما زاد الدباغ فيه كما في الاستهلاك، وقيل يضمنه قيمة جلد ذكي غير مدبوغ. ولو دبغه بما لا قيمة له كالتراب والشمس فهو لمالكه بلا شيء؛ لأنه بمنزلة غسل الثوب. ولو استهلكه الغاصب يضمن قيمته مدبوغا،   [البناية] أي الترك على الغاصب وتضمين قيمته م: (لأنه) ش: دليل أن في المسألة خلاف إلا دليل المتخلفين. وقال الأترازي: دليل لقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقولهما جميعا، أي لأن المالك م: (إذا تركه عليه) ش: أي إذا ترك الجلد على الغاصب م: (وضمنه قيمته عجز الغاصب عن رده فصار كالاستهلاك) ش: يعني لما أبى المالك أن يأخذه مدبوغا وقد عجز عن رده فالتحق هذا بالدباغ بالأدمة استهلاك، والحكم فيه ما ذكرناه. م: (وهو) ش: أي الاستهلاك م: (على هذا الخلاف) ش: الذي تقدم ذكره أن عنده لا يضمن وعندهما يضمن م: (على ما بيناه) ش: أشار به إلى ما ذكر من الدليل لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولصاحبيه في استهلاك الجلد قبيل هذا. قيل: فيه نظر؛ لأن العجز في الاستهلاك من جهة الغاصب وفيما تركه وضمنه القيمة من جهة المالك ولا يلزم من جواز التضمين في صورة تعدى فيها الغاصب جوازه فيما ليس كذلك. م: (ثم قيل) ش: هذا إشارة إلى بيان الاختلاف في كيفية الضمان على قولهما، فقيل م: (يضمن قيمة جلد مدبوغ ويعطيه ما زاد الدباغ فيه كما في الاستهلاك) ش: أي في صورة الاستهلاك م: (وقيل يضمنه قيمة جلد) ش: أي يضمنه قيمة جلد م: (ذكي غير مدبوغ) ش: أي طاهر غير مدبوغ لأن صنعة الدباغ حصلت بفعله فلا يوجب الضمان عليه، ولكن من ضرورته زوال صفة النجاسة، وذلك غير حاصل بفعله، بل يتميز الجلد من الدسومات النجسة. م: (ولو دبغه بما لا قيمة له كالتراب والشمس فهو لمالكه بلا شيء؛ لأنه بمنزلة غسل الثوب) ش: لأنه ليس فيه مال متقوم للغاصب، فكانت الدباغة إظهارا للمالية والتقوم، فصار كغسل الثوب الدنس. م: (ولو استهلكه الغاصب) ش: أي ولو استهلك الغاصب الجلد الذي دبغه بشيء لا قيمة له م: (يضمن قيمته مدبوغا) ش: أي بالإجماع، نص عليه في " الذخيرة " لأنه صار مالا على ملك صاحبه، ولا حق للغاصب فيه فكانت المالية والتقوم جميعا حقا للمالك فيضمن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 263 وقيل: طاهرا غير مدبوغ؛ لأن وصف الدباغة هو الذي حصله فلا يضمنه. وجه الأول - وعليه الأكثرون -: أن صفة الدباغة تابعة للجلد، فلا تفرد عنه، وإذا صار الأصل مضمونا عليه فكذا صفته. ولو خلل الخمر بإلقاء الملح فيه قالوا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صار ملكا للغاصب ولا شيء له عليه، وعندهما: أخذه المالك، وأعطى ما زاد الملح فيه بمنزلة دبغ الجلد، ومعناه هاهنا: أن يعطي مثل وزن الملح من الخل، وإن أراد المالك تركه عليه   [البناية] بالاستهلاك م: (وقيل: طاهرا غير مدبوغ) ش: أي قيل يضمن قيمته حال كونه طاهرا غير مدبوغ م: (لأن وصف الدباغة هو الذي حصله فلا يضمنه) ش: لكن من ضرورته زوال صفة النجاسة، وذلك غير حاصل بفعله، بل يتميز الجلد من الدسومات النجسة، قالوا عند أبي حنيفة صار ملكا للغاصب ولا شيء عليه؛ لأنه استهلاك فيوجب الملك لكن بغير شيء لكون المستهلك غير متقوم. م: (وجه الأول) ش: وهو قول من يقول يضمنه قيمته مدبوغا م: (وعليه الأكثرون) ش: أي على الوجه الأول م: (أن صفة الدباغة تابعة للجلد فلا تفرد عنه) ش: أي عن الجلد م: (وإذا صار الأصل مضمونا عليه فكذا صفته) ش: تكون مضمونة تابعة للأصل. وقال القدوري: ولو أن الغاصب جعل هذا الجلد أديما أو زقا أو دفترا أو جوابا أو فروا لم يكن للمغصوب منه على ذلك سبيل؛ لأنه تبدل الاسم والمعنى بصنع الغاصب، فكان هو أولى، فإن كان الجلد ذكيا فعليه قيمته يوم الغصب، وإن كان ميتة فلا شيء له كذا في " الإيضاح " و" الذخيرة ". [غصب خمرا فخللها بإلقاء الملح فيها] م: (ولو خلل الخمر بإلقاء الملح فيه قالوا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صار ملكا للغاصب ولا شيء عليه) ش: لأنه استهلاك إلا أن الخمر لم تكن متقومة والملح كان متقوما فيرجح جانب الغصب فيكون له بغير شيء. وقوله: قالوا، أي أكثر المشايخ وهذا يشير إلى أن ثمة قولا آخر وهو ما قيل أن هذا والأول سواء؛ لأن الملح صار مستهلكا فيها فلا يعتبر، وهذا هو الوجه الثاني من الأوجه الثلاثة التي ذكرناها. م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله م: (أخذه المالك وأعطى ما زاد الملح فيه بمنزلة دبغ الجلد) ش: وصبغ الثوب م: (ومعناه هاهنا) ش: أي معنى قوله وأعطى ما زاد الملح في مسألة تخليل الخمر بإلقاء الملح م: (أن يعطي) ش: أي صاحب الخل م: (مثل وزن الملح من الخل وإن أراد المالك تركه عليه) ش: أي على الغاصب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 264 وتضمينه فهو على ما قيل. وقيل في دبغ الجلد: ولو استهلكها لا يضمنها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما، كما في دبغ الجلد. ولو خللها بإلقاء الخل فيها، فعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إن صار خلا من ساعته يصير ملكا للغاصب، ولا شيء عليه؛ لأنه استهلاك له وهو غير متقوم، وإن لم تصر خلا إلا بعد زمان، بأن كان الملقى فيه خلا قليلا، فهو بينهما على قدر كيلهما؛ لأنه خلط الخل بالخل في التقدير   [البناية] م: (وتضمينه فهو على ما قيل. وقيل في دبغ الجلد) ش: أشار بتكرير قيل إلى القولين المذكورين في دبغ الجلد، يعني قيل ليس له ذلك بالاتفاق، وقيل ليس له ذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الحاصل أنه يعتبر هذه المسألة بمسألة الدبغ إذا أراد المالك تركه على الغاصب وتضمينه وفيه قولان، في أحدهما قال يضمنه قيمة جلد مدبوغ. وفي الثاني قال يضمنه قيمة جلد مذكى غير مدبوغ، وهاهنا كذلك إذا تركه عليه في قول يضمنه قيمة الخل ويعطيه ما زاد الملح فيه، وفي آخر يضمنه قيمة مثله عصيرا، وهذه التفريعات كلها على قولهما في الصورتين لا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ويحتمل أن يكون القولان ما قيل قبل هذين القولين. م: (ولو استهلكها لا يضمنها) ش: وفي النسخ الكثيرة ولو استهلكه لا يضمنه، أي ولو استهلك الخل الذي جعل خلا بإلقاء الملح فيه م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، خلافا لهما كما في دبغ الجلد) ش: وقد مر بيانه. ومن المشايخ من جعل الجواب في الملح على التفصيل، فإن كان يسيرا لا قيمة له فحكمه حكم التخليل بغير شيء كالشمس، وإن ألقى فيها ملحا كثيرا يأخذها المالك عندهم جميعا ويعطي الغاصب ما زاد الملح فيه بمنزلة دبغ الجلد وصبغ الثوب، كذا ذكر قاضي خان في "شرحه ". م: (ولو خللها بإلقاء الخل فيها) ش: أي ولو خلل الخمر التي غصبها بإلقاء خل فيها، وهذا هو القسم الثالث من الأوجه الثلاثة التي ذكرناها م: (فعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إن صار خلا من ساعته يصير ملكا للغاصب ولا شيء عليه لأنه استهلاك له) ش: فيصير ملكا للمستهلك م: (وهو غير متقوم) ش: أي والحال أنه غير متقوم. م: (وإن لم تصر خلا إلا بعد زمان، بأن كان الخل الملقى فيه خلا قليلا فهو بينهما) ش: أي بين الغاصب والمالك م: (على قدر كيلهما؛ لأنه خلط الخل بالخل في التقدير) ش: يعني أنه وإن كان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 265 وهو على أصله ليس باستهلاك وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو للغاصب في الوجهين، ولا شيء عليه لأن نفس الخلط استهلاك عنده، ولا ضمان في الاستهلاك؛ لأنه أتلف ملك نفسه. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يضمن بالاستهلاك في الوجه الأول لما بينا   [البناية] خلط الخل بالخمر وهما جنسان مختلفان، وخلط الجنسين المختلفين استهلاك لكنه في التقدير كأنه خلط الخل بالخل نظرا إلى المال. وهذا لأن في الخمر صلاحية أن يصير خلا وهي في حق المسلمين لا يصلح إلا لهذا، فإن تخللت بنفسها وطبعها لا ينقطع حق المالك عنها؛ لأنه لم يعارضها شيء، وإن تخللت بإلقاء شيء فيها وإن تخللت من ساعته يصير ملكا للخالط لأنه صار تبعا لملكه، فأضيف تخللها إلى ذلك. وإن تخللت بعد زمان يضاف تخللها إلى طبعها عملا بالدليلين فصار كأنه خلط الخل بالخل في التقدير. م: (وهو على أصله ليس باستهلاك) ش: أي خلط الخل بالخل على أصل محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليس باستهلاك إذ خلط الجنس ليس باستهلاك وهو قول أبي يوسف أيضا، فيكون الخل مشتركا بينهما لأنه صار خالطا خل نفسه بخل غيره، فإذا أتلفه فقد أتلف خل نفسه وخل غيره، كذا في " جامع أبي اليسر ". م: (وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو للغاصب في الوجهين) ش: يعني فيما إذا صارت خلا من ساعتها، وفيما إذا صارت بعد زمان م: (ولا شيء عليه لأن نفس الخلط استهلاك عنده ولا ضمان في الاستهلاك؛ لأنه أتلف ملك نفسه) ش: أراد به الاستهلاك الحكمي بالخلط، وهذا تقريب لقوله؛ لأن نقص الخلط استهلاك عنده، يعني أن نفس الخلط استهلاك عنده ولا ضمان في هذا الاستهلاك. ولما لم تكن هذه المقدمة مسلمة، استدل بقوله لأن أتلف ملك نفسه؛ لأنه خلط الخل بالخمر وقد ذكرنا أن الاستهلاك هنا عبارة عن فعل لا يصل الإنسان بسببه إلى عين حقه وإتلاف ملك نفسه لا يوجب الضمان، وأنه وإن أتلف الخمر أيضا لكنها غير متقومة، وإتلاف غير المتقوم لا يوجب الضمان أيضا. م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يضمن بالاستهلاك في الوجه الأول) ش: أراد به فيما إذا صارت خلا من ساعته. وقال تاج الشريعة: أراد به الاستهلاك الحقيقي بعد أن صار خلا؛ لأنه بالخلط صار مستهلكا ولا ضمان عليه بهذا الاستهلاك؛ لأنه لاقى محلا غير متقوم، والاستهلاك الحقيقي بعده ورد على ملكه م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله لأنه استهلاك له الجزء: 11 ¦ الصفحة: 266 ويضمن في الوجه الثاني؛ لأنه أتلف ملك غيره. وبعض المشايخ أجروا جواب الكتاب على إطلاقه أن للمالك أن يأخذ الخل في الوجوه كلها بغير شيء؛ لأن الملقى فيه يصير مستهلكا في الخمر، فلم يبق متقوما، وقد كثرت فيه أقوال المشايخ، وقد أثبتناها في " كفاية المنتهي ". قال: ومن كسر لمسلم بربطا أو طبلا أو مزمارا أو دفا،   [البناية] وهو غير متقوم م: (ويضمن في الوجه الثاني) ش: وهو ما إذا صارت خلا بعد زمان م: (لأنه أتلف ملك غيره) ش: فيضمن. م: (وبعض المشايخ أجروا جواب الكتاب على إطلاقه) ش: أي جواب " الجامع الصغير " م: (أن للمالك أن يأخذ الخل في الوجوه كلها بغير شيء) ش: أي في الوجوه الثلاثة وهي التخليل بغير شيء، والتخليل بإلقاء الملح والتخليل بصب الخل. وقالوا في شروح " الجامع الصغير ": إن قوله لصاحب الخمر أن يأخذ الخل بغير شيء محمول على الوجه الأول: وهو التخليل بغير شيء. ومنهم من جعل الخل اليسير إذا صبه فيها كالشمس، فأما إذا خللها بخل كثير له قيمة، وينقطع حق المالك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، كما لو خلط خله بخل المغصوب منه، ولا يضمن شيئا؛ لأنه استهلك خمر المسلم، وخمر المسلم لا يضمن بالإتلاف، وعندهما يشتركان. وقال كثير من المتأخرين: هذا إذا حمضت بعد حين، أما إذا حمضت من ساعتها فهي للغاصب؛ لأنه غلب عليه خله، واستهلك خمر المسلم، وخمر المسلم لا يضمن. وذكر في " المنتقى " رجل صب في خمر إنسان خلا، فصارت كلها خلا وهما نصفان قال: صاحب الخمر يأخذ نصفها خلا، كذا قال فخر الدين قاضي خان. م: (لأن الملقى فيه يصير مستهلكا في الخمر، فلم يبق متقوما) ش: فلا يضمن؛ لأنه استهلاك غير متقوم م: (وقد كثرت فيه) ش: أي في حكم هذه المسألة م: (أقوال المشايخ، وقد أثبتناها في " كفاية المنتهي ") ش: منها ما قال بعضهم يصير المخلوط مشتركا بينهما بالإجماع؛ لأن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إما ينقطع حق المالك بالاستهلاك إذا ضمنه بالمخلوط كالمكيل والموزون إذا غصبه وخلطه بمثله من ملك نفسه، فأما إذا لم يكن مضمونا عليه لا ينقطع، ووجود الاستهلاك كعدمه فبقي مشتركا كالمكيل إذا اختلط بنفسه بمكيل آخر لغيره، كذا ذكره المحبوبي. [كسر لمسلم بربطا أو طبلا أو مزمارا أو دفا] م: (قال: ومن كسر لمسلم بربطا أو طبلا أو مزمارا أو دفا) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": وصورته فيه في باب الضمان محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الرجل يكسر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 267 أو أراق له سكرا أو منصفا فهو ضامن، وبيع هذه الأشياء جائز، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله لا يضمن، ولا يجوز بيعها   [البناية] للرجل المسلم بربطا، أو طبلا، أو مزمارا، أو دفا قال: هو ضامن وقال: بيع ذلك كله جائز. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله ليس في شيء من ذلك ضمان ولا يجوز بيعه، انتهى. والبربط بفتح الباء الموحدة، قال الليث: وهو معرب لأنه ليس من كلام العرب وهو أعجمي فأعربته العرب حين سمعت به. وقال غيره: أصله بربط بكسر الراء وسكون الطاء شبه بصدر البطاء وبر بالفارسية الصدر. قلت: البربط هو الذي يسمى شتة وهي مثل العود أيضا. والطبل وهو الذي يضرب وهو مشهور ويجمع على طبول. والمزمار بكسر الميم وهو القصبة التي ينفخ فيها، وقد يتخذ من عود، ويقال لها زمارة أيضا، ومنه يقال زمر الرجل يزمر ويزمر زمرا فهو زمار، ولا يكاد يقال زامر، ويقال للمرأة زامرة، ولا يقال زمارة، وفعلهما الزمارة بالكسر كالكتابة، والدف بفتح الدال، وضمها الذي يضرب به، قاله أبو عبيدة. م: (أو أراق له سكرا أو منصفا) ش: وهو أيضا من مسائل " الجامع الصغير "، وصورتها فيه قال محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الرجل المسلم يهريق المنصف للمسلم، أو يهريق السكر قال: هو ضامن، وقال: بيعه جائز. وقال يعقوب ومحمد رحمهما الله: ليس في شيء من ذلك ضمان ولا يجوز بيعه، انتهى. وأصل إهراق أراق بمعنى صب وسكب والهاء فيه زائد وهو بسكون الهاء، وجاء هراق أيضا، أصله أراق أبدلت من الهمزة هاء، والمزرع فيها يهريق بضم الياء، وجاء هريق يهرق على وزن أفعل والمفعول منه مهرق، ومن الأولين مهراق، ومهراق أيضا بالتحريك وهو شاذ، والسكر بفتح السين، والكاف هو الذي من ماء الرطب. والمنصف بضم الميم وفتح النون وتشديد الصاد هو الذي ذهب نصفه بالطبخ، والباذق هو المبطوخ أدنى في طبخه م: (فهو ضامن، وبيع هذه الأشياء جائز، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله لا يضمن، ولا يجوز بيعها) ش: وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن كان ذلك إذا فصل يصلح لنفع مباح، وإذا كسر لم يصلح له لزمه ما بين قيمته متصلا ومكسورا؛ لأنه أتلف بالكسر ما له قيمة، وإن كان لا يصلح لمنفعة مباحة لم يلزمه ضمانه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 268 وقيل: الاختلاف في الدف والطبل الذي يضرب للهو، فأما طبل الغزاة والدف الذي يباح ضربه في العرس يضمن بالإتلاف من غير خلاف، وقيل: الفتوى في الضمان على قولهما. والسكر اسم للنيء من ماء الرطب إذا اشتد، والمنصف ما ذهب نصفه بالطبخ. وفي المطبوخ أدنى طبخة وهو الباذق عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان في التضمين والبيع. لهما: أن هذه الأشياء أعدت   [البناية] ولو أتلف شيئا من الملاهي التي اقتنيت في البيت لا للهو ضمن قيمتها عنده، وفيه إشارة إلى أنه إذا اقتنى الملاهي لأجل التلهي لا ضمان بالاتفاق. م: (وقيل: الاختلاف في الدف والطبل الذي يضرب للهو، فأما طبل الغزاة، والدف الذي يباح ضربه في العرس فيضمن بالإتلاف من غير خلاف) ش: وفي " الذخيرة " قال أبو الليث: ضرب الدف في العرس مختلف بين العلماء، قيل: يكره، وقيل: لا يكره. أما الدف الذي يضرب في زماننا من الصيحات والجلاجلات ينبغي أن يكون مكروها، وإنما الخلاف في الذي كان يضرب في الزمان المتقدم. وفي " الغاية " قال الفقيه أبو الليث: وهذا الذي حكي أن أبا يوسف ومحمد رحمهما الله قالا: لا ضمان عليه في الدف والطبل إذا كان للهو. وأما إذا كان طبل الغزاة أو الصبيات، أو الصيادين ينبغي أن يضمن، وكذلك الدف إذا لم يكن للهو فينبغي أن يضمن إذا كان مثل ذلك يجوز ضربه في العرس. وقال الإمام العتابي في "شرح الجامع الصغير ": ولو كان طبل الحاج، أو طبل الصيد، أو دف يلعب به الصبية في البيت يضمن بالاتفاق. م: (وقيل: الفتوى في الضمان على قولهما) ش: أي على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله أي يعني بعدم الضمان لكثرة الفساد في الناس، ذكره في " جامع أبي اليسر ". م: (والسكر اسم للنيء من ماء الرطب إذا اشتد، والمنصف ما ذهب نصفه بالطبخ وفي المطبوخ أدنى طبخة وهو الباذق) ش: وقد مر الكلام في هذه الأشياء عن قريب. قيل: الباذق كلمه فارسية عربت، وهو تعريب باذة، ومما أعرب من التركيب البياذقة للرجالة، وهو تعريب بياذة، ومنه بيذق الشطرنج م: (عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان في التضمين والبيع) ش: أراد في التضمين من يهريق الباذق روايتان عن أبي حنيفة وهو كذلك في جواز بيعه روايتان عنه. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد رحمهما الله م: (أن هذه الأشياء أعدت الجزء: 11 ¦ الصفحة: 269 للمعصية فبطل تقومها كالخمر، ولأنه فعل ما فعل أمرا بالمعروف، وهو بأمر الشرع فلا يضمنه، كما إذا فعل بإذن الإمام   [البناية] للمعصية، فبطل تقومها كالخمر) ش: فصار متلفها مستهلكا بشيء غير متقوم فلا يضمن، ولا يجوز بيعها لعدم التقوم م: (ولأنه) دليل ثان لهما، أي لأن متلف هذه الأشياء م: (فعل ما فعل أمرا) ش: أي حال كونه أمرا م: (بالمعروف، وهو) ش: أي الكسر والإراقة م: (بأمر الشرع) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا رأى أحدكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه» ، فكان كسرها وإراقتها أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر باليد م: (فلا يضمنه، كما إذا فعل بإذن الإمام) ش: أي كما إذا كسر أو أوراق بإذن الإمام فإنه لا يضمن بالاتفاق. وقال الولوالجي في آخر كتاب السير في " الفتاوى ": رجل له خمر فشق رجل زقه وأهراق الخمر على سبيل الحسبة لا يضمن الخمر، ويضمن الزق؛ لأن الخمر ليس بمتقوم والزق متقوم، إلا أن يفعل ذلك أيام يرى ذلك، فحينئذ لا شيء عليه لأنه مختلف فيه، ونظير هذا الذمي إذا أظهر بيع الخمر والخنزير في دار الإسلام يمنع، فإن أراقه رجل أو قتل خنزيرا يضمن إلا أن يكون إماما يرى ذلك فلا يضمن؛ لأنه مختلف فيه. وفي " الفتاوى الصغرى " في آخر كتاب الجنايات: كسر دن الخمر إن كان بإذن الإمام لا يضمن وإلا ضمن، فقال حكاه عن "السير الكبير" في أدب القاضي في باب [ ...... ] من أدب القاضي رواية عن أصحابنا أنه يهدم البيت على من اعتاد الفسق وأنواع الفساد حتى قالوا أيضا: لا بأس بالهجوم على بيت المفسدين، وقيل: يراق العصير أيضا قبل أن يشتد ويقذف بالزبد على من اعتاد الفسق. لأنه روي عن عمر أنه هجم حين بلغه عن نائحة من نساء أهل المدينة هجم عليها، وضربها بالدرة حتى سقط خمارها فقيل: يا أمير المؤمنين قد سقط خمارها فقال: إنه لا حرمة لها، قالوا: معنى قوله حين اشتغلت بما لا يحل في الشرع فقد أسقطت حرمتها. وروي أنه أحرق البيت على الثقفي حين سمع شرابا في بيته. وعن أبي يوسف إن كان لا يتيسر إراقتها إلا بشق الذق لا يضمن ككسر المعازف. وعند الشافعي وأحمد في رواية يضمن، كذا في " جامع المحبوبي "، وفي " الذخيرة " و" المغني " و" بستان أبي الليث ": الأمر بالمعروف على وجوه إن كان يعلم بأكبر رأيه أنه لو أمر بالمعروف يقبلون منه ويمتنعون عن المنكر فالأمر واجب عليه لا يسعه تركه. ولو علم بأكبر رأيه أنهم يقذفونه بذلك ويشتمونه فتركه أفضل، وكذا لو علم أنهم يضربونه ولا يصبر على ذلك ويقع بينهم العداوة ويهيج منه القتال فتركه أفضل. ولو علم أنه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 270 ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها أموال لصلاحيتها لما يحل من وجوه الانتفاع، وإن صلحت لما لا يحل، فصار كالأمة المغنية، وهذا لأن الفساد بفعل فاعل مختار فلا يوجب سقوط التقوم وجواز البيع والتضمين مرتبان على المالية والتقوم والأمر بالمعروف باليد إلى الأمراء لقدرتهم، وباللسان إلى غيرهم. وتجب قيمتها غير صالحة للهو   [البناية] يصبر على ضربهم ولم يشك إلى أحد فلا بأس به وهو مجاهد. ولو علم أنهم لا يقبلون منه ولا يخاف منهم ضربا ولا شتما فهو بالخيار، والأمر بالمعروف أفضل. وذكر المحبوبي مطلقا فقال: الأمر بالمعروف واجب، أو فرض إذا غلب على ظنه أنهم يتركون الفسق بالأمر، ولو غلب على ظنه أنهم لا يتركون لا يكون إثما في تركه. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها) ش: أي الآلات المذكورة وهي البربط وأخواته م: (أموال لصلاحيتها لما يحل من وجوه الانتفاع، وإن صلحت لما لا يحل) ش: أراد أن أعيانها ليست بمحرمة لأنها تصلح للانتفاع بها لغير اللهو، ولكنها أعدت للهو مع صلاحيتها لغيره فلم تناف الضمان م: (فصار كالأمة المغنية) ش: والحمامة الطيارة، فإن الضمان يجب على متلفها. م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن الفساد بفعل فاعل مختار فلا يوجب سقوط التقوم) ش: أراد أن الفساد ليس في المحل، والمحل مال متقوم فيضمن م: (وجواز البيع والتضمين مرتبان على المالية والتقوم) ش: ولما وجدت المالية والتقوم في الأشياء المذكورة جاز بيعها ويضمن متلفها. م: (والأمر بالمعروف باليد إلى الأمراء لقدرتهم، وباللسان إلى غيرهم) ش: هذا يتعلق بقوله كما إذا فعله بإذن الإمام، يعني لما كان الأمر بالمعروف باليد للأمر لم يلزم الضمان على الكاسر بإذنهم، فإذ فعل بغير إذنهم يلزم م: (وتجب قيمتها غير صالحة للهو) ش: وفي بعض النسخ فيجب بالفاء، أي إذا كان الأمر كذلك يجب قيمة هذه الآلات حال كونها غير صالحة للهو، يعني تجب قيمتها صالحة لغير المعصية، ففي الدف يضمن قيمته دفا يوضع القطن فيه. وفي البربط يضمن قيمته قصعة يحل فيها الثريد ونحو ذلك، قاله قاضي خان. وقال القدوري في " شرح مختصر الكرخي ": يضمن قيمته خشبا منحوتا. وقال في " المنتقى " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن قيمته خشبا مخلعا، إنما الذي يحرم به التأليف. وقال الفقيه أبو الليث: كانوا يقولون إن معنى قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يضمن قيمته أن لو اشترى بشيء آخر سوى اللهو فينظر لو أن إنسانا أراد أن يشتريه ليجعله وعاء الملح أو غير ذلك بكم يشتري فيضمن قيمته بذلك المقدار. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 271 كما في الجارية المغنية والكبش النطوح والحمامة الطيارة والديك المقاتل والعبد الخصي تجب القيمة غير صالحة لهذه الأمور، كذا هذا. وفي السكر والمنصف تجب قيمتهما ولا يجب المثل؛ لأن المسلم ممنوع عن تملك عينه وإن كان لو فعل جاز، وهذا بخلاف ما إذا أتلف على نصراني صليبا حيث يضمن قيمته صليبا لأنه مقر على ذلك. قال: ومن غصب أم ولد أو مدبرة فماتت في يده ضمن قيمة المدبرة ولا يضمن قيمة أم الولد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: يضمن قيمتها   [البناية] م: (كما في الجارية المغنية والكبش النطوح والحمامة الطيارة والديك المقاتل والعبد الخصي تجب القيمة غير صالحة لهذه الأمور) ش: إذا أتلفها وأراد بهذه الأمور الغناء في الجارية، والمناطحة في الكبش، والطيران السريع في الحمامة، والمقاتلة في الديك، والخصي في العبد، فإن هذه الأشياء كلها معصية، ولكن المحل مال متقوم، فذلك يجوز بيعها ويضمن متلفها م: (كذا هذا) ش: أي كذا حكم الآلات المذكورة إذا بيعت أو أتلفت. [غصب السكر والمنصف فأتلفها] م: (وفي السكر والمنصف تجب قيمتهما ولا يجب المثل؛ لأن المسلم ممنوع عن تملك عينه) ش: أي عن تملك عين كل واحد منهما لأنه حرام م: (وإن كان لو فعل جاز) ش: أي فإن كان أخذ المثل في الضمان جاز لعدم سقوط التقوم والمالية م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرنا في ضمان الآلات المذكورة. م: (وهذا بخلاف ما إذا أتلف على نصراني صليبا حيث يضمن قيمته صليبا) ش: أي حال كونه صليبا لا حال كونه صالحا لغيره م: (لأنه) ش: أي لأن النصراني م: (مقر على ذلك) ش: أي على هذا الصنع، فصار كالخمر التي هم مقرون عليها. وقال أحمد لا يضمن، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالتفصيل كما ذكرنا. وقال القدوري في "شرحه": قال محمد: إذا أحرق الرجل بابا منجورا عليه تماثيل منقوشة ضمن قيمته غير منقوش، وذلك لأن نقش التماثيل معصية فلا يجوز أن يتقوم في الضمان، كما لا يتقوم الغناء في الجارية المغنية. فإذا قطع رؤوس التماثيل فذلك نقش غير ممنوع منه وقوم على الغاصب، فقال فيمن أحرق بساط منه تصاوير رجال ضمن قيمته مصورا؛ لأن التماثيل في البساط ليس تكرمة؛ لأن البساط موطأ. وإذا لم تكن محرقة ضمنها. وقال فيمن هدم بيتا مصورا بالأصباغ تماثيل قيمته قيمة البيت وأصباغه غير مصور؛ لأن التماثيل في البيت منهي عنها، كذا ذكره القدوري في "شرحه". [غصب أم ولد أو مدبرة فماتت في يده] م: (قال: ومن غصب أم ولد؛ أو مدبرة فماتت في يده ضمن قيمة المدبرة ولم يضمن قيمة أم الولد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يضمن قيمتها) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": محمد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 272 لأن مالية المدبرة متقومة بالاتفاق، ومالية أم الولد غير متقومة عنده، وعندهما متقومة، والدلائل ذكرناها في كتاب العتاق من هذا الكتاب والله أعلم بالصواب.   [البناية] عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رجل غصب أم ولد لرجل فماتت في يده قالا: لا ضمان عليه، وإن غصب مدبرته فماتت فهو ضامن بقيمتها. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يضمن أي في أم الولد كما يضمن في المدبرة م: (لأن مالية المدبرة متقومة بالاتفاق، ومالية أم الولد غير متقومة عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (وعندهما متقومة، والدلائل ذكرناها في كتاب العتاق من هذا الكتاب والله أعلم بالصواب) ش: وقد بينا فيه خلاف الثلاثة أيضا. فوائد: غصب ثوبا فكساه للمالك أو طعاما فقدمه بين يديه فأكله وهو لا يعلم بأنه ثوبه أو طعامه، يبرأ الغاصب عندنا عن الضمان، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في قول، ومالك في قول لا يبرأ. ولو باعه أو وهبه وسلمه، أو أودعه وسلمه وأعاره وسلمه، أو أجره وسلمه والمالك لا يعلم به يبرأ عن الضمان عندنا، وبه قال الشافعي في وجه ومالك وأحمد. وقال الشافعي في وجه لا يبرأ. ولو رهنه المالك عند الغاصب لم يبرأ عن الضمان عند الشافعي، وعندنا ومالك وأحمد يبرأ، ولو حل رباط دابة أو فتح قفص طير أو حل قيد عبد فذهب عقيب ذلك لم يضمن عندنا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وفي قول يضمن وبه قال مالك وأحمد. وعن محمد يضمن سواء طار من فوره أو مكث ساعة ثم طار أما لو مكث ساعة ثم طار لا يضمن عندنا، وعند الشافعي خلافا لمالك وأحمد. ولو حل رأس الزق فسأل البائع أو قطع علاكتي قنديل فانكسر ضمن، ولو كان الدهن جامدا فذاب بالشمس فسال لم يضمن، وبه قال الشافعي في وجه. وقال في وجه، يضمن وبه قال مالك وأحمد، والغصب لا يتحقق في الحر بالإجماع فلا يضمن بالغصب. أما لو استعمله مكرها لزمه أجر مثله عند الثلاثة؛ لأنه استوفى منافع متقومة فلزمه ضمانها كمنافع العبد، وعنده لا يضمن ولو حبسه مدة لا يجب أجر مثله عندنا أيضا، وبه قال الشافعي وأحمد في وجه ومالك وقالا في وجه أنه يضمن كما في العبد، ولو غصب كلبا له منفعة وحبسه مدة يجب أجره في أحد الوجهين عند الشافعي، وعندنا وأحمد ومالك والشافعي في وجه لا يجب ولا يضمن إذا هلك أو أتلفه عند الثلاثة، وعندنا يضمنه لأنه مال حتى يجوز بيعه عندنا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 273 كتاب الشفعة الشفعة: مشتقة من الشفع وهو الضم سميت بها لما فيها من ضم المشتراة إلى عقار الشفيع. قال: الشفعة واجبة للخليط في نفس المبيع،   [البناية] [كتاب الشفعة] [تعريف الشفعة] م: (كتاب الشفعة) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الشفعة، وجه المناسبة مع كتاب الغصب من حيث إن كل واحد من الغاصب والشفيع يملك مال الغير بغير رضاه، إلا أن الغصب عدوان، والشفعة مشروعة فكان حقها التقديم، لكن معرفة أحكام الغصب أحوج لكثرة وقوعه ولا سيما في هذا الزمان، ولكثرة أسباب الغصب، بخلاف الشفعة وهو اتصال ملك العقار عندنا. م: (الشفعة: مشتقة من الشفع، وهو الضم) ش: تقول: كان وترا فشفعته شفعا، والشفع خلاف الوتر وهو الزوج، والشفيع صاحب الشفعة، وصاحب الشفاعة أيضا، والتركيب يدل على مقارنة السببين، فلذلك قال: وهو الضم م: (سميت بها) ش: أي سميت الشفعة المصطلحة في الشرع م: (لما فيها من ضم المشتراة إلى عقار الشفيع) ش: أي لما في الشفعة من ضم العقار المشتراة إلى عقار الشفيع؛ لأنه يضم بسبب داره ملك جاره إلى نفسه، ومنه سميت الشفاعة؛ لأنها تضم المشفوع له إلى أهل الثواب. وحدها في الشرع تملك المنفعة بما قام على المشتري بالشركة، أو الجوار، فكان فيها معناها اللغوي، وسببها أحد الأشياء الثلاثة؛ الشركة في العقار، والشركة في الحقوق، والجوار على سبيل الملاصقة. وعند الشافعي: لا يستحق بالجوار على ما يأتي. وقال الخصاف: الشفعة تجب بالبيع ثم تجب بالطلب، فيه إشارة إلى أن سببها كلاهما على التعاقب، وأنه غير صحيح؛ لأن الشفعة لما وجبت بالبيع كيف يتصور وجوبها ثانيا. وقال شيخ الإسلام: الاتصال مع البيع علة لها؛ لأن حق الشفعة لا يثبت إلا بهما، ولا يجوز أن يقال بأن الشراء شرط، واتصال التسليم؛ لأنه حصل بعد وجود سبب الوجوب. [حكم الشفعة وأسبابها] م: (قال: الشفعة واجبة للخليط في نفس المبيع) ش: أي قال القدوري ومعنى واجبة ثابتة عند تحقق سببها لا أن يكون المراد بها لزوم الإثم عند تركها بالإجماع والخليط الشريك في البقعة وهو فعيل من المخالطة وهي المشاركة، والخلطة وهي الشركة. وأجمع العلماء على ثبوت الشفعة في شريك لم يقسم ربعه إلا الاسم وأبوه عليه قائما قالا: لا تثبت الشفعة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 274 ثم للخليط في حق المبيع، كالشرب والطريق، ثم للجار. أفاد هذا اللفظ ثبوت حق الشفعة لكل واحد من هؤلاء وأفاد الترتيب. أما الثبوت فلقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الشفعة لشريك لم يقاسم»   [البناية] بخلاف القياس، وأن القياس يأبى جوازها لأنها تملك على المشتري ملكه الصحيح بغير رضاه فإنه من نوع الأكل بالباطل، وكذا ذهب بعض أصحابنا، ويقال: إن القياس يأبى جوازها، ولكن تركنا القياس بالآثار المشهورة. والأصح أنها أصل في الشرع فلا يجوز لأنها خلاف عن القياس، بل هي ثابتة على موافقة القياس. م: (ثم للخليط في حق المبيع، كالشرب) ش: بكسر الشين م: (والطريق) ش: وهو الشريك الذي قاسم وبقيت له شركة في الطريق والشرب الخاصين، وإنما قيدنا بذلك لأنهما إذا كانا عامين لم يستحق بهما الشفعة على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. م: (ثم للجار) ش: يعني الملاصق، أي ثم يثبت للجار خلافا للشافعي على ما يأتي م: (أفاد هذا اللفظ) ش: أي قال المصنف أفاد لفظ القدوري هذا وهو قوله للخليط في نفس المبيع ثم للخليط في حق المبيع ثم للجار م: (ثبوت حق الشفعة لكل واحد من هؤلاء) ش: أي من الخليطين والجار م: (وأفاد الترتيب) ش: حيث رتب الخليط في حق المبيع على الخليط في نفس المبيع، ثم رتب الجار عليهما. وفي " الذخيرة ": صورته منزلا بين اثنين وسكة غير نافذة، باع أحد الشريكين نصيبه فالشريك الملاصق في المنزل أحق بالشفعة، فإن سلم فأهل السكة أحق، فإن سلموا فالجار وهو الذي على ظهر المنزل وباب داره في سكة أخرى، ومسألة الجار على وجهين إما أن تكون الدار المشتركة في سكة نافذة، وفي هذا الوجه جميع أهل السكة شفعاء الملاصق والمقابل في ذلك على السواء. وقد قيل الشفعة على أربع مراتب ويظهر ذلك في مسألتين: إحداهما: بيت في دار غير نافذة والبيت لاثنين والدار لقوم، فباع أحدهما نصيبه من البيت فالشفعة أولى للشريك في البيت، فإن سلم فلشريك الدار، فإن سلم فلأهل السكة، فإن سلموا فللجار الملاصق وهو الذي على ظهر المنزل وبابه في سكة أخرى. والثاني: دار بين اثنين في سكة غير نافذة فالشفعة أولى في الدار، فإن سلم فللشريك في الحائط المشترك بين الدارين، فإن سلم فلأهل السكة، فإن سلموا فللجار الملاصق. م: (أما الثبوت فلقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الشفعة لشريك لم يقاسم» ش: هذا غريب، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 275 ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «جار الدار أحق بالدار والأرض ينتظر له وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا»   [البناية] ولكن أخرج مسلم عن عبد الله بن إدريس عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «قضى رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الشفعة في كل شيء لم يقسم ربعه أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك. فإذا باع ولم يؤذنه به فهو أحق به» . وأخرجه الدارقطني في "سننه" وقال لم يقل في هذا لم يقسم إلا ابن إدريس وهو من الثقات الحفاظ، وأخرج مسلم أيضا عن ابن وهب عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفعة في كل شرك في أرض أو ربع أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه فيأخذ أو يدع، فإن أبى فشريكه أحق به حتى يؤذنه» . م: (ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «جار الدار أحق بالدار والأرض، ينتظر له وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا» . ش: هذا مركب من حديثين، فصدر الحديث أخرجه أبو داود في البيوع، والترمذي في الأحكام، والنسائي في الشروط. وأبو داود، والنسائي، عن شعبة، عن قتادة، عن الحسن عن سمرة. والترمذي في الأحكام عن إسماعيل بن علية، عن سعيد، عن قتادة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «جار الدار أحق بدار الجار والأرض» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. ورواه أحمد في "مسنده" والطبراني في "معجمه" وابن أبي شيبة في "مصنفه"، وفي بعض ألفاظهم «جار الدار أحق بشفعة الدار» وأخرجه النسائي أيضا، عن عيسى بن يونس، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة. وأخرجه أيضا، عن عيسى بن يونس، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن أنس مرفوعا «جار الدار أحق بالدار» . فهذا الإسناد رواه ابن حبان في "صحيحه"، ثم قال، وهذا الحديث إنما ورد في الجار الذي يكون شريكا دون الجار الذي ليس بشريك، يدل عليه ما أخبرنا وأسند «عن عمرو بن الشريد قال: كنت مع سعد بن أبي وقاص، والمسور بن مخرمة فجاء أبو رافع مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال لسعد بن مالك: اشتر مني بيتي الذي في دارك، فقال: لا إلا بأربعة آلاف منجمة، فقال: أما والله لولا أني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الجار أحق بشفعة ما بعتكها وقد أعطيتكها بخمسمائة دينار» ، انتهى. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 276 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: هذا معارض بما أخرجه النسائي وابن ماجه، عن حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب عن عمرو بن الشريد، عن أبيه: «أن رجلا قال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرضي ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار، فقال الجار: أحق بشفعة ما كان» . وأخرجه الطحاوي ولفظه «ليس لأحد فيها قسم ولا شريك إلا الجوار» . وأخرجه ابن جرير الطبري في " التهذيب " ولفظه: «ليس لأحد فيها قسم ولا شريك إلا الجوار» فهذا صريح بوجوبها للجوار لا شركة فيه تدل على سقوط تأويلهم الجار بالشريك، وعلى أن الجار الملازق تحجب له الشفعة وإن لم يكن شريكا، وبقية الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء ابن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الجار أحق بشفعة جاره ينتظرها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا» . وقال الترمذي: حديث حسن غريب، ولا يعلم أحد روى هذا الحديث غير عبد الملك ابن أبي سليمان، عن عطاء، عن جابر، وهو ثقة مأمون عند أهل الحديث لا نعلم أحدا تكلم فيه غير شعبة من أجل هذا الحديث. وقال في "مختصره" قال الشافعي: يخاف أنه لا يكون محفوظا. وسئل الإمام أحمد، عن هذا الحديث فقال هو حديث منكر، وقال يحيى: لم يحدث إلا عبد الملك وقد أنكره الناس عليه. وقال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: لا أعلم أحدا رواه عن عطاء غير الملك تفرد به. وروي عن جابر خلاف هذا. قلت: ذكر صاحب الكمال عن الثوري، وابن حنبل قالا: عبد الملك من الحفاظ، وكان الثوري يسميه الميزان. وعن أحمد بن عبد الله ثقة ثبت، وأخرج له مسلم في "صحيحه". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 277 ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الجار أحق بسقبه. قيل: يا رسول الله! ما سقبه؟ قال: شفعته» .   [البناية] وقال الترمذي: ثقة مأمون عند أهل الحديث لا نعلم أحدا تكلم فيه غير شعبة من أجل هذا الحديث. وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال روى عنه الثوري وشعبة وأهل العراق وكان من خيار أهل الكوفة وحفاظهم، وليس من الإنصاف ترك شيخ ثبت بأوهام لهم في روايته، ولو سلكنا ذلك للزمنا ترك حديث الزهري وابن جريج والثوري وشعبة؛ لأنهم لم يكونوا معصومين. وقال صاحب " التنقيح ": واعلم أن حديث عبد الملك بن أبي سليمان حديث صحيح ولا منافاة بينه وبين رواية جابر المشهورة وهي «الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة» فإن في حديث عبد الملك إذا كان طريقهما واحدا، وحديث جابر المشهور لم يثبت فيه استحقاق الشفعة إلا بشرط تصرف الطرف، فنقول إذا اشترك الجاران في المنافع كالبئر أو السطح أو الطريق فالجار أحق بسقب جاره لحديث عبد الملك. وإذا لم يشتركا في شيء من المنافع فلا شفعة لحديث جابر المشهور، وطعن شعبة في عبد الملك بسبب هذا الحديث لا يقدح فيه، فإنه ثقة. وشعبة لم يكن من الحذاق في الفقه ليجمع بين الأحاديث إذا ظهر تعارضها، إنما كان حافظا وغير شعبة إنما طعن فيه تبعا لشعبة. وقد احتج بعبد الملك مسلم في "صحيحه"، واستشهد به البخاري. م: (ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الجار أحق بسقبه، قيل: يا رسول الله! ما سقبه؟ قال: شفعته» ش: أخرج البخاري في "صحيحه"، عن عمرو بن الشريد، عن أبي رافع مولى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «الجار أحق بسقبه» انتهى. السقب: بفتح السين المهملة وفتح القاف وفي آخره باء موحدة القرب، يقال سقبه داره بالكسر والمنزل سقب، والساقب القريب، ويقال للبعيد أيضا جعلوه من الأضداد. وقال إبراهيم الحربي: في كتابه " غريب الحديث ": الصقب بالصاد ما قرب من الدار ويجوز أن يقال: سقب فتكون السين عوض الصاد لأنه في أول الكلمة، وكذا لو كان في أول الكلمة خاء أو غين أو طاء فنقول صخر وسخر، وصدغ وسدغ، وصطر وسطر، فإن تقدمت هذه الحروف الأربعة السين لم تجز ذلك، فلا يقال خصر وخسر، ولا قصب وقسب، ولا غرس وغرص. وفي " المغرب ": السقب القرب والاتصال، وأريد بالسقب هنا الساقب على معنى ذو السقب تسميته بالمصدر. وفي " الجمهرة ": يقال سقبته الدار وأسقبت لغتان فصيحتان، والمنزل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 278 ويروى «الجار أحق بشفعته» . وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شفعة بالجوار لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:   [البناية] سقب وأسقب وأبيات القوم متساقبة أي متقاربة. م: (ويروى «الجار أحق بشفعته» ش: قد ذكرنا عن قريب، عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عند الترمذي «الجار أحق بشفعته ينتظر بها، وإن كان غائبا» . وروى إسحاق بن راهويه مسندا أخبرنا المحاربي وغيره، عن سفيان الثوري، عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، عن أبي رافع أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الجار أحق بشفعته» . وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" في كتاب أقضيته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثنا جرير، عن منصور، عن الحاكم، عن علي، وعبد الله قال: «قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالشفعة للجوار» . وروى ابن جرير الطبري في " التهذيب " حديث موسى بن عقبة، عن إسحاق بن يحيى، عن عبادة بن الصامت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قضى أن الجار أحق بسقب جاره» . وأخرجه ابن جرير أيضا، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أراد أحدكم أن يبيع عقاره فليعرضه على جاره» ، وأخرج ابن حبان في "صحيحه" حديث «الجار أحق بصقبه» من حديث أبي رافع وأنس، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فظهر بمجموع هذه الأحاديث أن للشفعة ثلاثة أسباب الشركة في نفس المبيع، ثم في الطريق، ثم في الجوار. وحكى الطبري أن القول بشفعة الجوار هو قول الشعبي وشريح وابن سيرين والحكم وحماد، والحسن وطاوس والثوري وأبي حنفية وأصحابه. قلت: وبه قال ابن أبي ليلى وابن شبرمة أيضا. وفي " شرح الوجيز " عن ابن شريح كمذهب أبي حنيفة. قال القاضي الروياني: بعض أصحابنا يفتي به وهو الاختيار. وفي " الاستذكار " روى ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد ابن أبي وقاص أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كتب إلى شريح أن اقض بالشفعة للجار، فكان يقضي بها. وسفيان عن إبراهيم أن ميسرة قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا حدت الحدود فلا شفعة. قال إبراهيم فذكرت لطاوس فقال: لا الجار أحق. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شفعة بالجوار) ش: وكذا بالشركة في الحقوق كالطريق والشرب؛ لأن ذلك كالجوار وكذا فيما لا يتحمل القسمة كالنهر والبئر، وبه قال مالك، وأحمد، والأوزاعي، وأبو ثور، وابن ثور، وابن المنذر. وروي ذلك عن عمر، وعثمان، وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 279 «الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» ولأن حق الشفعة معدول به عن سنن القياس؛ لما فيه من تملك المال على الغير من غير رضاه، وقد ورد الشرع به فيما لم يقسم، وهذا ليس في معناه لأن مؤنة القسمة تلزمه في الأصل دون الفرع.   [البناية] «الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» ش: أخرج البخاري عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله قال: «قضى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» وفي لفظ البخاري: «إنما جعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» وهذا يقتضي أن جنس الشفعة فيما لم يقسم، إذ الألف واللام للجنس لعدم المعهود، والدليل عليه أنه قال في رواية: «إنما الشفعة فيما لم يقسم» وإنما كلمة الحصر، ويدل عليه أيضا فإذا صرفت الطرق، أي جعل لكل قسم طريقة على حدة فلا شفعة. م: (ولأن حق الشفعة معدول به عن سنن القياس) ش: هذا دليل معقول للشافعي، والسنن بفتح السين الطريق، وتقريره أن حق الشفعة خارج عن مقتضى القياس م: (لما فيه) ش: أي في حق الشفعة م: (من تملك المال على الغير من غير رضاه) ش: وذا لا يجوز لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه» . فكان الواجب أن لا يثبت حق الشفعة أصلا، لكن ثبت فيما لم يقسم على خلاف القياس، وهو معنى قوله م: (وقد ورد الشرع به) ش: أي بحق الشفعة م: (فيما لم يقسم) ش: لدفع ضرر مؤنة القسمة، فلا يلحق به غيره قياسا أصلا ولا دلالة إذا لم يكن في معناه من كل وجه. م: (وهذا) ش: أي الجار م: (ليس في معناه) ش: أي ليس في معنى ما ورد به الشرع م: (لأن مؤنة القسمة تلزمه في الأصل) ش: فيما لم يقسم، وهو موضع الإجماع م: (دون الفرع) ش: وهو المقسوم، وهو موضع الخلاف. أراد أن الشفعة لدفع ضرر مؤنة القسمة لأنه يحتاج إلى أن يدفع من نفسه مطالبة القسمة ولا يمكنه إلا بالتملك عليه، وهذا المعنى لا يتحقق في الجار. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 280 ولنا ما رويناه   [البناية] م: (ولنا: ما رويناه) ش: من الأحاديث المذكورة عن قريب. فإن قيل يطلق لفظ الجار على الشريك كما في قول الأعشى: أيا جارتي فإنك طالق ... كذلك أمور الناس عاد وطارق والمراد زوجته وهي شريكته في الفراش، ولأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إنما الشفعة فيما لم يقسم» نص على النفي عن غيره؛ لأن كلمة إنما للحصر، ولأن تعليلكم الاستحقاق بالجوار بسبب دفع ضرر الجوار منقوض بالجار المقابل وبالجار الملاصق بطريق الإجارة. قلنا: حمل اسم الجار على الشريك ترك الحقيقة فلا دليل، وذا لا يجوز. ولأن آخر الحديث يأبى حمله على الشريك فإنه قال في آخره إن كان طريقهما واحدا. وفي حمله على الشريك يلغو هذا لأن بالشركة يستحق الشفعة سواء كان الطريق واحدا أو لا. وقال الإمام الحلواني: تركوا العمل بمثل هذا الحديث مع شهرته وصحته والعجب منهم أنهم سموا أنفسهم أصحاب الحديث فألزموا أنفسهم بترك العمل بالحديث بأصحاب الحديث. وقد روى ابن سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عرض بيتا له على جاره فدل أن جميع البيت له، وسعد تأوله بالشريك ويبطل أيضا تأويله بالشريك ما أخرجه ابن أبي شيبة، عن أبي أسامة، عن حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، «عن عمرو بن الشريد، عن أبيه، قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرضي ليس لأحد فيها قسم ولا شريك إلا الجوار، قال: " الجار أحق بسقبه ما كان» ، وسمى الزوجة جارا لأنها تجاوره في الفراش؛ لأنها لا تشاركه. وما روي يدل على ثبوت الشفعة في الشركة وتخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه. وأما رواية إنما الشفعة فليست بثبت، ولئن سلمنا ثبتها يقتضي نفي الشفعة الثابتة بسبب الشركة عملا بما روينا، أو يقتضي تأكيد المذكور بطريق الكمال كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد: 7] وكما يقال إنما العالم في البلد زيد، أي الكامل فيه والمشهور به زيد، والشريك في البقعة كامل في سبب استحقاق الشفعة دون نفي غيره، بدليل سياق الحديث، فإنه قال في آخره: «فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» . وعند الشافعي لا شفعة هناك أيضا، فكان آخر الحديث حجة لنا أيضا مع أنه قيل إن هذا من كلام الراوي لا من الحديث، فلو صح أنه من الحديث فمعنى قوله لا شفعة بوقوع الحدود وصرف الطرق، فكان الموضع موضع إشكال؛ لأن في القسمة بمعنى المبادلة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 281 ولأن ملكه متصل بملك الدخيل اتصال تأبيد وقرار فيثبت له حق الشفعة عند وجود المعاوضة بالمال اعتبارا بمورد الشرع، وهذا لأن الاتصال على هذه الصفة إنما انتصب سببا فيه لدفع ضرر الجوار، إذ هو مادة المضار على ما عرف، وقطع هذه المادة بتملك الأصيل أولى؛ لأن الضرر في حقه بإزعاجه عن خطة آبائه أقوى،   [البناية] ومما يشكل هل يستحق بها الشفعة، فبين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه لا يستحق الشفعة بالقسمة، ولا يلزم الجار المقابل. ولأن الضرر هناك ليس بسبب اتصال الملك فلا يستحق رفعه بحق الملك، فإن الشفعة حق الملك فيتحقق به رفع ضرر يلحق بسبب اتصال الملك، ولهذا لم يثبت لجار السكنى كالمستأجر والمستعير؛ لأن جواره ليس بمستدام. م: (ولأن ملكه) ش: أي ملك الشفيع م: (متصل بملك الدخيل) ش: أي متصل بما ملك المشتري بالشراء، وسماه دخيلا لأنه ليس بأصيل في الجوار، والأصل هو الجوار م: (اتصال تأبيد وقرار) ش: وفي بعض النسخ اتصال التأبيد والقرار وفي بعض النسخ اتصال تأبيد وقرار. واحترز بالتأبيد عن المنقول والسكنى بالعارية والقرار عن المشتري شراء فاسدا؛ لأنه إقرار له لوجوب النقض رفعا للفساد م: (فيثبت له حق الشفعة عند وجود المعاوضة بالمال) ش: أي إذا كان كذلك يثبت للشفيع حق الشفعة عند وجود المعاوضة بالمال احترز به عن الإجارة والمرهونة والمجعولة مهرا م: (اعتبارا بمورد الشرع) ش: أي إلحاقا بالدلالة بمورد الشرع وهو ما لا يقسم. م: (وهذا لأن الاتصال على هذه الصفة) ش: هذا، كأنه جواب عن قوله: وهذا ليس في معناه، أي لا معنى لقوله، إذ الاتصال على هذه الصفة يعني اتصال التأبيد والقرار م: (إنما انتصب سببا فيه) ش: أي فيما ورد الشرع م: (لدفع ضرر الجوار إذ هو) ش: أي الجوار م: (مادة المضار) ش: من إيقاد النار، وإثارة الغبار، ومنع ضوء النهار، وأعلى الجدار للاطلاع على الصغار والكبار م: (على ما عرف) ش: سوء هذا بين الجيران. م: (وقطع هذه المادة) ش: جواب إشكال وهو أن يقال الشفيع يتضرر بالدخيل والدخيل أيضا يتضرر بتملك الشفيع ما له عليه، فأجاب بأن قطع هذه المادة م: (بتملك الأصيل) ش: يعني الشفيع م: (أولى لأن الضرر في حقه بإزعاجه عن خطة آبائه أقوى) ش: لأن ملك المشتري لم يتقرر بعد، والمشتري رافع لتقرير ملكه؛ لأنه مضطر إلى البيع لو لم يوافقه المشتري والدفع أسهل من الرفع. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 282 وضرر القسمة مشروع لا يصلح علة لتحقيق ضرر غيره. وأما الترتيب فلقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الشريك أحق من الخليط والخليط أحق من الشفيع»   [البناية] م: (وضرر القسمة مشروع) ش: هذا جواب عن قول الشافعي لأن مؤنة القسمة تلزمه عند بيع أحد الشريكين؛ لأنه جعل العلة المؤثرة في استحقاق الشفعة عند البيع لزوم مؤنة القسمة، فإنه لو لم يأخذ الشفيع المبيع بالشفعة طالبه المشتري بالقسمة فيلحقه بسبب مؤنته، وذلك ضرر به فمكنه الشرع من أخذ الشفعة دفعا للضرر عنه. وتقرير الجواب أن مؤنة القسمة أمر مشروع م: (لا يصلح علة لتحقيق ضرر غيره) ش: وهو التملك على المشتري من غير رضاه لدفع ضرر القسمة؛ لأنه ليس بضرر بل العلة هي دفع ضرر الجوار باتصال الملكين على الدوام. فإن قلت: ضرر الدخيل موهوم، وربما يكون وربما لا يكون لأنه مسلم مميز عاقل وعقله ودينه يمنعانه عن إضرار الغير وضرر المشتري وهو أخذ الملك منه بلا رضاه متحقق، فلا يلتزم ضرر المتحقق لدفع ضرر موهوم. ولو كان ضرر الدخيل موجودا لا موهوما يمكن رفعه بالمرافعة إلى السلطان أو بالمقابلة قلت: لا نسلم أن ضرر الدخيل موهوم بل هو غالب، فإن الإنسان لا يمكنه الانتفاع بملكه مدة عمره ولا يتأذى من جاره، فما أجزأ من قال قبل حلوله لأنه إذا نزل ربما يمكن دفعه، وربما لا يمكن فلا فائدة إذن في الاشتغال بالدفع والضرر الذي يلحق من جهة الدخيل بعضه ظاهر وبعضه باطن. فلا يمكن رفع جميع ذلك إلى السلطان وفيه حرج. وربما يحصل ضرر في باب السلطان أي في المقابلة فوق ضرر سوء الصحبة، فلا يحمل إلا على الدفع الأدنى. فإن قلت: العلة في استحقاق الشفعة للشريك دفع ضرر المقاسمة، فلا يتحقق هذا المعنى في الجار فلا يثبت له الشفعة. قلت: المقاسمة حق مستحق على الشريك فلا يكون من الضرر. فإن قلت: في المملوك بالإرث والهبة والوصية لا يثبت الشفعة فينتقض عليكم. قلت: عدم الثبوت في هذه الأشياء لقلة وجودها بخلاف البيع، وأيضا فإنها لو ثبت فيها إما أن يثبت بعوض فلا يمكن وهو ظاهر، أو بغير عوض فليس بمشروع في الشفعة. م: (وأما الترتيب فلقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الشريك أحق من الخليط والخليط أحق من الشفيع» ش: هذا عطف على قوله أما الثبوت، قد مر أن لفظ القدوري دل على شيئين ثبوت الشفعة والترتيب. أما ثبوتها فبالأحاديث المذكورة، وأما الترتيب فلقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكن لم يثبت الجزء: 11 ¦ الصفحة: 283 فالشريك في نفس المبيع، والخليط في حقوق المبيع والشفيع هو الجار،   [البناية] الحديث بهذا اللفظ الذي ذكره المصنف. وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": هذا حديث لا يعرف. وأما المعروف ما رواه سعيد بن منصور، ثنا عبد الله بن المبارك عن هشام بن المغيرة النسفي قال: قال الشعبي: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفيع أولى من الجار، والجار أولى من الجنب» . وقال في " التنقيح ": هشام وثقه ابن معين وقال: أبو حاتم لا بأس بحديثه، انتهى. قلت: هذا الحديث رواه عبد الرزاق في "مصنفه"، عن ابن المبارك به، ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" في أثناء البيوع ثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن الشعبي، عن شريح قال: الخليط أحق من الشفيع، والشفيع أحق من الجار، والجار أحق ممن سواه. ورواه عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن شريح قال: الخليط أحق من الجار، والجار أحق من غيره. وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"، عن إبراهيم النخعي قال: الشريك أحق بالشفعة، فإن لم يكن شريك فالجار، والخليط أحق من الشفيع، والشفيع أحق عمن سواه. وروى أبو يوسف، عن أشعب بن سوار، عن محمد بن سيرين، عن شريح أنه قال: الخليط أحق من الشفيع، والشفيع أحق من الجار، والجار أحق من غيره. م: (فالشريك في نفس المبيع، والخليط في حقوق المبيع، والشفيع هو الجار) ش: وهذا كما قد ترى فسر الشريك بمن كان شريكا في نفس المبيع، والخليط بمن كان في حقوق المبيع وهما في اللغة سواء. وقال الطحاوي في " شرح الآثار ": فإن قال فقد جعلت هؤلاء الثلاثة شفعاء بالأسباب التي ذكرت فلم جعلت الشريك أولى من الشريك في الطريق ثم الجار. قيل له: لأن الشريك له شركة في الطريق وفي الدار بعينه وليس لصاحب الطريق حق في الدار، فلهذا صار هو أولى. وكذلك لصاحب الطريق حق في الطريق وليس في الطريق للجار ذلك، فلهذا صار هو أولى ثم الجار. وقال القدوري في "شرحه لمختصر الكرخي ": وقد قالوا في الشريك إذا سلم الشفعة وجبت للشريك في الطريق، فإن سلمها وجبت للجار. وروي عن أبي يوسف أن الشفعاء إذا اجتمعوا فسلم الشريك الشفعة فلا شفعة لغيره؛ لأن عقد البيع وقع غير موجب للشفعة للجار، ألا ترى أنه لا يملك المطالبة بها فلا يثبت حقه إلا بتجديد بيع آخر أصله إذا استحدث الجوار. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 284 ولأن الاتصال بالشركة في المبيع أقوى لأنه في كل جزء وبعده الاتصال في الحقوق؛ لأنه شركة في مرافق الملك، والترجيح يتحقق بقوة السبب، ولأن ضرر القسمة إن لم يصلح علة صلح مرجحا.   [البناية] وقال الكرخي في "مختصره": الشفعة تستحق عند أصحابنا جميعا بثلاثة معاني بالشركة، وفيما وقع عليه عقد البيع أو بالشركة في حقوق ذلك، أو بالجوار الأقرب، وتفسير ذلك دار بين قوم فيها منازل لهم فيها شركة بين بعضهم وفيها، ما هي مفردة لبعضهم وساحة الدار مرفوعة بينهم ينصرفون من منازلهم فيها، وباب الدار التي فيها المنازل في زقاق غير نافذ فباع بعض الشركاء في المنزل نصيبه من شريكه أو من رجل أجنبي بحقوقه من الطرق في الساحة وغيرها فالشريك في المنزل أحق بالشفعة من الشريك في الساحة، ومن الشريك في الزقاق الذي فيه باب الدار. فإن سلم الشريك في منزله الشفعة فالشريك في الساحة أحق بالشفعة، وإن سلم الشريك في الساحة فالشريك في الزقاق الذي لا منفعة له الذي يشرع فيه باب الدار أحق بعد بالشفعة من الجار الملاصق جميع أهل الزقاق الذي طريقهم فيه شركاء في الشفعة من كان في أدناه وأقصاه في ذلك سواء. فإن سلم الشريك في الزقاق فالجار الملاصق ممن لا طريق له في الزقاق بعد هؤلاء أحق، وليس بغير الملاصق من الجيران شفعة مما لا طريق له في الزقاق، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر ومحمد بن الحسن، والحسن بن زياد. قال بشر بن الوليد وعلي بن الجعد سمعنا أن أبا يوسف قال: قال بعض أصحابنا: لا شفعة إلا لشريك لم يقاسم نصيبه، وقال عامتهم للجار الشفعة، انتهى. م: (ولأن الاتصال بالشركة في المبيع أقوى) ش: هذا دليل عقلي على الترتيب م: (لأنه) ش: أي لأن الاتصال م: (في كل جزء) ش: من أجزاء المبيع م: (وبعده) ش: أي بعد الاتصال بالشركة م: (الاتصال في الحقوق؛ لأنه شركة في مرافق الملك) ش: المرافق مواضع الرفق من صب الماء ورمي الكناسة وكسر الحطب وإيقاد النار والاستراحة في الخلاء ونحو ذلك وهو جمع مرفق بفتح الميم وكسر الفاء. وفي " العباب ": ومرافق الدار مصاب الماء ونحوها. م: (والترجيح يتحقق بقوة السبب) ش: لوجود الاتصال بكل جزء من المبيع بجزء من ملكه، وقوة السبب يوجب الترجيح كالضرب، فلما كان أبلغ كان الألم أكثر م: (ولأن ضرر القسمة إن لم يصلح علة) ش: لاستحقاق الشفعة؛ لأن القسمة أمر مشروع م: (صلح مرجحا) ش: لا لكونه علة، ولا يلزم أن لا يصح للترجيح؛ لأن الترجيح، إنما يكون أبدا بزيادة وصف لا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 285 وقال: وليس للشريك في الطريق والشرب والجار شفعة مع الخليط في الرقبة لما ذكرنا أنه مقدم. قال: فإن سلم فالشفعة للشريك في الطريق، فإن سلم أخذها الجار لما بينا من الترتيب، والمراد بهذا الجار الملاصق وهو الذي على ظهر الدار المشفوعة وبابه في سكة أخرى. وعن أبي يوسف: أن مع وجود الشريك في الرقبة لا شفعة لغيره سلم أو استوفى لأنهم محجوبون به. ووجه الظاهر: أن السبب قد تقرر في حق الكل،   [البناية] يصلح للعلية، فلهذا كان الشريك في نفس المبيع هو الشريك الذي لم يقاسم أولى من غيره كالأخ لأب وأم يترجح على الأخ لأب في الميراث بالعصوبة، وإن كانت العصوبة لا تستحق بالأم، وكما إذا تنازع المستأجر مع رب الطاحونة في عدم جريان الماء يرجح بالحال إن كان الماء جار في الحال يكون القول رب الطاحونة وإن كان منقطعا يكون للمستأجر. [الشفعة للشريك في الطريق] م: (قال: وليس للشريك في الطريق والشرب والجار شفعة مع الخليط في الرقبة لما ذكرنا أنه مقدم، قال: فإن سلم) ش: أي قال القدوري فإن سلم الخليط في الرقبة وهو الشريك في نفس المبيع م: (فالشفعة للشريك في الطريق، فإن سلم) ش: أي الشريك في الطريق م: (أخذها الجار لما بينا من الترتيب، والمراد بهذا الجار الملاصق) ش: وفي بعض النسخ الملاصق ولا اعتبار للجار المحاذي، خلافا لما روي عن شريح. وفي " خلاصة الفتاوى " ثبت الشفعة بجواز دار الوقف. وفي " الواقعات " في باب الشفعة بعلامة الشين رجل له أرض وهي وقف عليه اشترى رجل أرضا أخرى بجنبها ليس لصاحب الأرض الموقوفة عليه شفعة؛ لأن الشفعة بحق المالك ولا ملك له م: (وهو) ش: أي الجار الملاصق م: (الذي على ظهر الدار المشفوعة وبابه في سكة أخرى) ش: أي في زقاق أخرى. وفي الباب السكة الطريقة المصطفة من النخل، وإنما سميت الزقة سككا لاصطفاف الدور فيها وسكة الدراهم هي المنقوشة. م: (وعن أبي يوسف: أن مع وجود الشريك في الرقبة لا شفعة لغيره سلم أو استوفى) ش: أي الشريك في الرقبة سواء أسلم شفعته أو استوفاها م: (لأنهم محجوبون به) ش: أي لأن الشريك في الطريق وغيره من الشفعاء محجوبون بالشريك في الرقبة والمحجوب لا شيء له مع وجود الحاجب كما في الميراث، فإن الأقرب ولو امتنع عن أحد الميراث لا يكون للأبعد، وقد ذكرناه عن قريب ناقلا عن " شرح مختصر الكرخي ". م: (ووجه الظاهر: أن السبب) ش: أي وجه ظاهر الرواية أن السبب وهو الاتصال م: (قد تقرر في حق الكل) ش: ولهذا قلنا يجب للجار أن يطلب الشفعة مع الشريك إذا علم بالبيع حتى يتمكن من الأخذ إذا سلم الشريك، حتى لو لم يطلب بعد علمه بالبيع لا حق له بعد تسليم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 286 إلا أن للشريك حق التقدم، فإذا سلم كان لمن يليه بمنزلة دين الصحة مع دين المرض، والشريك في المبيع قد يكون في بعض منها كما في منزل معين من الدار أو جدار معين منها، وهو مقدم على الجار في المنزل، وكذا على الجار في بقية الدار في أصح الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] الشريك الشفعة ذكره في " المبسوط " م: (إلا أن للشريك حق التقدم) ش: أي الشريك في الرقبة أحق من الجار لما ذكرنا. م: (فإذا سلم) ش: أي الشريك في الرقبة م: (كان لمن يليه بمنزلة دين الصحة مع دين المرض) ش: أي التي غير معروفة الأسباب في المرض مع ذي الصحة سواء، وقد مر في الإقرار م: (والشريك في المبيع قد يكون في بعض منها كما في منزل معين من الدار) ش: بأن كانت الدار كبيرة فكان فيها بيوت وفي بيت واحد شركة والشفعة بذلك دون الجار م: (أو جدار معين منها) ش: أي من الدار، صورته أرض بينهما غير مقسومة فبنيا حائطا في وسطها ثم اقتسما الباقي فيكون الحائط وما تحته مشتركا بينهما، فكان هذا الجار شريكا في بعض المبيع، فيكون مقدما على الشريك. أما لو اقتسما الأرض قبل بناء الحائط وخط خطا في وسطها ثم أعطى كل واحد شيئا حتى بنيا حائطا فكل واحد جار في الأرض شريكا في البناء لا غير، والشركة في البناء لا غير لا يوجب الشفعة، كذا في " الذخيرة ". م: (وهو مقدم) ش: أي الشريك في المبيع مقدم م: (على الجار في بقية الدار) ش: وكذا على الجار في بقية الدار م: (في أصح الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي وكذا الشريك في الجدار مع أرضه مقدم على الجار في بقية الدار. وفي " المغني ": ذكر القدوري أن الشريك في الأرض التي تحت الحائط يستحق الشفعة في كل المبيع عند محمد وإحدى الروايتين عن أبي يوسف فيكون مقدما على الجار في كل المبيع. وفي رواية عن أبي يوسف يستحق الشفعة في الحائط بحكم الشركة، وفي الباقي بحكم الجوار فيكون ذلك من جار آخر بينهما. وقال الكرخي في "مختصره" قال أبو يوسف في دار بين رجلين ولرجل فيها طريق فباع أحدهما نصيبه من الدار فشريكه في الدار أحق بالشفعة في ذلك فالشفعة لصاحب الطريق قال وكذلك دار بين اثنين لأحدهما حائط بينه وبين رجل يعني فباع الذي له منزل في الحائط نصيبه من الدار والحائط، قال والشريك في الدار أحق بشفعة الدار ولا شفعة للشريك في الحائط وأرضه، وكذلك دار بين رجلين ولأحدهما بئر في الدار بينه وبين رجل آخر فباع له الشريك في البئر نصيبه من الدار والبئر فالشريك في الدار أحق بشفعة الدار، ولا شفعة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 287 لأن اتصاله أقوى والبقعة واحدة، ثم لا بد أن يكون الطريق أو الشرب خاصا حتى تستحق الشفعة بالشركة فيه، فالطريق الخاص أن لا يكون نافذا، والشرب الخاص أن يكون نهرا لا تجري فيه السفن، وما تجري فيه فهو عام، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الخاص أن يكون نهرا يسقى منه قراحان أو ثلاثة،   [البناية] للشريك في البئر في الدار وله شفعة في البئر م: (لأنه اتصاله أقوى والبقعة واحدة) ش: لأن المنزل من حقوق الدار ومرافقه، ولهذا يدخل في بيع الدار متى ذكر كل حق هو لها. وإذا كان المنزل من توابع الدار كانت الشركة في المنزل تبعا للدار وتبع الشيء بمنزلة وصفه وما يصلح صفة لا علة يصلح مرجحا لها كعدالة الشاهد. وأراد بقوله: والبقعة واحدة أن الموضع الذي هو مشترك بين البائع والشفيع لا حق لثالث فيه، وذلك في حكم شيء واحد فإذا صار أحق بالبعض يكون أحق بالجميع. م: (ثم لا بد أن يكون الطريق أو الشرب خاصا حتى تستحق الشفعة بالشركة فيه، فالطريق الخاص أن لا يكون نافذا، والشرب الخاص أن يكون نهرا لا تجري فيه السفن) ش: قال عبد الواحد: أراد السفن الصغيرة مثل الزورق حتى لو كان نهرا كبيرا يجري فيه الزورق فالجار أحق؛ لأن هؤلاء ليسوا شركاء في الشرب، وذكره في " المبسوط "، وفي " الذخيرة " النهر الكبير من يشرب منه لا يحصون. واختلفوا في حد ما لا يحصى وما يحصى، قيل ما لا يحصى خمسمائة، وقيل أربعون، وقيل مائة، وقيل أصح ما قيل أنه مفوض إلى رأي كل مجتهد في زمانه إن رآهم كان كبيرا وإلا كان صغيرا م: (وما تجري فيه) ش: أي والذي يجري فيه السفن م: (فهو عام وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله) ش: م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الخاص أن يكون نهرا يسقى منه قراحان أو ثلاثة) ش: أي أو يسقي منه ثلاثة أوجه، والقراح في الأرض كل قطعة ليس فيها شجر ولا بناء. وقال الأترازي: القرح الأرض البارزة التي لم يختلط بها شيء، والماء القراح الذي لا يخالطه شيء، كذا في " تهذيب الديوان "، انتهى. قلت: قد فرق بينهما بالضم في الأول، والفتح في الثاني. وفي " العباب " القراح المزرعة التي ليس فيها بناء ولا عليها شجر. وقال الكرخي في "مختصره" وقال هشام عن أبي يوسف في الساقية الصغيرة تسقي البستانين أو الثلاثة أو تسقي قطعتين أو ثلاثة أو نحو ذلك فصاحب الأرض والبستان له الشرب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 288 وما زاد على ذلك فهو عام، فإن كانت سكة غير نافذة يتشعب منها سكة غير نافذة وهي مستطيلة فبيعت دار في السفلى فلأهلها الشفعة خاصة دون أهل العليا، وإن بيعت في العليا   [البناية] في الساقية أحق مما بيع من الجار الذي له شرب في الساقية. فإن ترك صاحب أحق مما بيع من الجار الذي له شرب في الساقية، فإن ترك صاحب الساقية شفعة فللجار أن يطلب الشفعة. وقال أبو يوسف: ليس في الأرض التي شربها من العظم شفعة إذا لم يجعل أبو يوسف العظم مثل الساقية بين القوم. ثم قال الكرخي فيه وقال هشام: سألت محمدا عن النهر الذي يجري فيه السفن أيكون للذي لهم النهر الشفعة فيما بيع من ذلك النهر، قال نعم، قال محمد: ولكن ليس لهم الشفعة بهذا النهر في الأرضين التي شربها من هذا النهر، هذا بمنزلة الطريق النافذ وقال: وأما ما لا يجري فيه السفن فإنه بمنزلة الطريق غير النافذ فهم شفعاء بالأنهار في الأرضين التي شربها في النهر، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد. انتهى لفظه. وقال القدوري في شرحه: أجرى محمد الحكم على جريان السفن؛ لأن ما تجري فيه السفن في حكم العظم فهو كالدجلة والفرات، وما لا يجري فيه السفن في حكم الصغير فهو كالزقاق الذي لا ينفذ. وقال الإمام الأسبيجابي: وفي " شرح الطحاوي " لو أن نهرا يسقي منه أراض معدودة وكروم معدودة فبيعت أرض من ذلك أو كرم منها فهم شفعاء فيها؛ لأنهم كلهم خلطاؤه فيها، وكان النهر عاما كأن الشفعة للجار الملاصق م: (وما زاد على ذلك) ش: أي على قراحين أو ثلاثة أقرحة م: (فهو عام) ش: إذا كان عاما لا يكون مستحقا للشفعة فيه بالشركة م: (فإن كانت سكة) ش: أي زقاق م: (غير نافذة) ش: بالرفع لأنها صفة السكة وليست بخبر لكانت؛ لأن كانت هنا تامة فلا تحتاج إلى خبر؛ لأن المعنى فإن وجدت سكة غير نافذة، وإنما ذكرها بالفاء تفريعا على مسألة القدوري م: (يتشعب منها سكة غير نافذة وهي مستطيلة) ش: أي والحال أنها مستطيلة هذه صورتها: م: (فبيعت دار في السفلى أي في المتشعبة فلأهلها) ش: أي لأهل المتشعبة م: (الشفعة خاصة دون أهل العليا) ش: وفي أكثر النسخ وقدر أهل العليا وهو الأصح لأنه لا شركة لهم فيها ولا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 289 فلأهل السكتين، والمعنى ما ذكرنا في كتاب أدب القاضي. ولو كان نهر صغير يأخذ منه نهر أصغر منه فهو على قياس الطريق فيما بيناه. قال: ولا يكون الرجل بالجذوع على الحائط شفيع شركة، ولكنه شفيع جوار لأن العلة هي الشركة في العقار،   [البناية] حق المرور، ولهذا لهم أن يفتحوا بابا منها سفلى فكانت كالمملوكة لأهلها. بخلاف الواحدة إذا بيعت دارا في أقصاها كانت الشفعة بين أهل السكة وإن لم يكن لأهل الأعلى حق المرور في حق الأقصى؛ لأن السكة إذا كانت واحدة والطريق واحد فيها فللكل فيها شركة من الأول إلى الآخر، إلا أن الشركة لأهل السفلى أكثر والترجيح لا يقع بالكثرة على ما عرف. م: (وإن بيعت في العليا فلأهل السكتين) ش: أي وإن بيعت دار في السكة العليا فالشفعة لأهل السكتين جميعا؛ لأن لأهل السفلى لهم حق المرور فيها م: (والمعنى ما ذكر في كتاب أدب القاضي) ش: وهو أن حق المرور لأهل السفلى خاصة في الصورة الأولى، وفي الثانية لأهل السكتين جميعا، فكانوا سواء في الشفعة. [الشفعة في النهر الصغير] م: (ولو كان نهر صغير يأخذ منه نهر أصغر منه فهو على قياس الطريق) ش: يعني لو بيع أرض متصلة بالنهر الأصغر فالشفعة لأهله لا أهل الصغير كما ذكرنا الحكم في السكة المتشعبة مع السكة المستطيلة. قال القدوري في " شرح الكرخي ": إذا نزع منه نهر فبيعت أرض شربها من النهر النازع فأهل النهر النازع أحق بالشفعة من أهل النهر الكبير؛ لأنهم يختصون بشرب النهر النازع، فأهل النهر النازع أحق بالشفعة من أهل النهر الكبير فإن بيعت أرض على النهر الكبير كان أهله وأهل النهر النازع سواء في الشفعة؛ لأنهم سواء في استحقاق الشرب بالشركة في عمود النهر م: (فيما بيناه) ش: أي من استحقاق في الشفعة. م: (قال: ولا يكون الرجل بالجذوع على الحائط شفيع شركة، ولكنه شفيع جوار) ش: أي قال المصنف: قال الكرخي في "مختصره": قال هشام سألت محمدا عن حائط بين دارين عليه خشب لصاحب هذه الدار ولصاحب الدار الأخرى فبيعت أحد الدارين فجاء صاحب الحائط يدعي الشفعة، وجار الجار يدعيها ولا يعلم أن الحائط بينهما لك بالخشب الذي قال محمد اسأل المدعي الشفعة البينة أن الحائط بينهما. وإن أقام بينة فهو أحق من الجار لأنه شريك، وإن لم يقم بينة لم أجعله شريكا، انتهى. وذلك لأن استحقاق الحائط بالخشب ظاهر في الملك والشفعة لا تستحق بالظاهر. م: (لأن العلة هي الشركة في العقار) ش: أي لأن علة استحقاق الشفعة هي الاشتراك في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 290 وبوضع الجذوع لا يصير شريكا في الدار لأنه جار ملازق قال: والشريك في الخشبة تكون على حائط الدار جار لما بينا. قال: وإذا اجتمع الشفعاء فالشفعة بينهم على عدد رؤوسهم، ولا يعتبر اختلاف الأملاك. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هي على مقادير الأنصباء   [البناية] العقار م: (وبوضع الجذوع لا يصير شريكا في الدار لأنه جار ملازق) ش: أي موضع الجذوع على الحائط لا يصير شريكا في الدار وهو ظاهر، ولكنه يكون جارا ملاصقا يستحق الشفعة بعد الشريك في الرقبة. [الشفعة في الخشبة تكون على حائط الدار] م: (قال: والشريك في الخشبة يكون على حائط الدار جار) ش: والشريك مبتدأ وجار خبره، وقوله يكون على حائط صفة للخشبة، أي قال في بيوع " الجامع الصغير ": وصورتها فيه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة أنه قال الشريك في الطريق أحق بالشفعة من الجار، فأما الشريك بالخشب يكون له على حائط الرجل، فإنما هو جاره، انتهى. وذلك لأنه لا يكون بموضع الخشب شريكا في شيء من الدار، وإنما له حق الشغل فكان جارا ملازما، فكان مؤخرا عن الشريك وقال الكاكي: وتأويله إذا كان وضع الخشبة على الحائط من غير أن يملك شيئا من رقبة الحائط لأنه إذا كان هكذا يكون جارا لا شريكا م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله لأن العلة هي الشركة في العقار. [الحكم لو اجتمع الشفعاء] م: (قال: وإذا اجتمع الشفعاء فالشفعة بينهم على عدد رؤوسهم ولا يعتبر اختلاف الأملاك) ش: أي قال القدوري: م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هي) ش: أي الشفعة م: (على مقادير الأنصباء) ش: وهو قول منه. وفي " شرح الوجيز ": وهو الأصح وبه قال مالك وأحمد في المشهور عنه. وقال الشافعي في قول وأحمد في رواية: الشفعة على عدد الرؤوس كقولنا، واختاره المزني وابن عقيل من أصحاب أحمد، وهو قول الشعبي والنخعي والثوري، وابن أبي ليلى وابن شبرمة، صورتها دار بين الثلاثة لأحدهم نصفها وللآخر ثلثها وللآخر سدسها فباع صاحب النصف نصيبه وطلب الشريكان الشفعة، قضى القاضي بها بينهما نصفين عندنا، وعند الشافعي قضى بها ثلاثا، ثلثاها لصاحب الثلث، وثلثها لصاحب السدس على مقادير أنصبائهما. ولو أن دارا بيعت ولها شفيعان جاران جوار أحدهما الثلاثة أرباع الدار وجوار الآخر لربعها وجوار أحدهما في قدر شبر من الدار وطلبا جميعا الشفعة يقضي بينهما نصفين، وعند الشافعي لا تجب الشفعة للجار، ولو حضر واحد من الشفعاء أولا وأثبت شفعته فإن القاضي يقضي له جميع الدار بالشفعة، ثم إذا حضر شفيع آخر وأثبت شفعته فإنه ينظر إن كان الثاني الجزء: 11 ¦ الصفحة: 291 لأن الشفعة من مرافق الملك، ألا يرى أنها لتكميل منفعته فأشبه الربح والغلة والولد والثمرة.   [البناية] شفيعا مثل الأول قضي له بنصف الدار، فإن كان الثاني أولى من الأول بأن كان الأول جار وهذا خليط فإن القاضي يبطل شفعة الأول ويقضي بجميع الثاني. وإن كان الثاني دون الأول في الشفعة فإن القاضي لا يقضي للثاني بالشفعة، وكذلك حكم الشراء. ولو أن رجلا اشترى دارا وهو شفيعها ثم جاء شفيع مثله قضى القاضي له بنصفها، وإن جاء شفيع آخر أول منه فإن القاضي يقضي له بجميع الدار فإن كان شفيع دونه فلا شفعة له، الكل لفظ " شرح الطحاوي ". م: (لأن الشفعة من مرافق الملك) ش: أي فوائده؛ لأنه يستفاد به فيكون على قدر الملك م: (ألا يرى أنها لتكميل منفعته) ش: أي لأن الشفعة لتكميل منفعة الملك م: (فأشبه الربح) ش: يعني أن الشريكين إذا اشتريا شيئا ولم يشترطا شيئا، وقال أحدهما خمسة، وقال الآخر عشرة فحصل الربح كان الربح بينهما أثلاثا، الثلث لصاحب الخمس والثلثان لصاحب العشرة لأن الربح فرع المال وما لها كذلك م: (والغلة) ش: أي وأشبه غلة العقار المشترك بين اثنين أثلاثا يكون أثلاثا م: (والولد والثمرة) ش: أي وأشبه الولد من الجارية المشتركة أو البهيمة المشتركة يكون فيه الملك لكل واحد بقدر الملك في الأم. وكذلك ثمرة النخل المشترك. ويشكل على هذا ثلاث مسائل، إحداها: كما لو أعتق اثنان نصيبهما في عبد مشترك بين ثلاث على التفاوت فالمعتقان إذا كانا موسرين يقومان مقام الثالث بالسوية. والثانية: لو مات مالك الدار عن اثنين ثم مات أحدهما وله اثنان ثم باع أحد الاثنين نصيبه فالأخ والعم في الشفعة سواء مع تفاوت حصصهما. والثالث: إذا مات الشفيع قبل أن يأخذ ورثة الشفيع أن يأخذوا ما كان يأخذه أبوه على العدد، وامرأته وابنه في ذلك سواء. وبهذه المسائل رجح المزني القول الثاني وهو قولنا. فأجابوا عن مسألة العتق بأنه على القولين، وسلم أنه قول أحمد فالفرق أن ذلك ضمان إتلاف لا فائدة ملك، حتى يتقدر بقدره، وفيه ضعف. وعن الثانية أن للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قولين في القديم وبه قال مالك الأخ مختص بالشفعة لأن ملكه أقرب إلى ملك الأخ، وفي الجد وهو وقول أبي حنيفة وأحمد والمزني أن العم والأخ يشتركان نظرا إلى الملك لا إلى سبب الملك، وعن الثالثة أن فيها قولين وعلى قول الاستواء أن أصل الاستحقاق باعتبار الإرث، وفي هذا لا يختلف، كذا في " شرح الوجيز "، وفي الكل ضعف كما ترى. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 292 ولنا: أنهم استووا في سبب الاستحقاق وهو الاتصال فيستوون في الاستحقاق. ألا يرى أنه لو انفرد واحد منهم استحق كمال الشفعة، وهذا آية كمال السبب، وكثرة الاتصال تؤذن بكثرة الغلة، والترجيح يقع بقوة في الدليل لا بكثرته، ولا قوة هاهنا لظهور الأخرى بمقابلته،   [البناية] م: (ولنا أنهم استووا في سبب الاستحقاق وهو الاتصال فيستوون في الاستحقاق) ش: أراد أن الوجود من يسبب في حق كل واحد منهم مثل الوجود في حق الآخر في اقتضاء الاستحقاق، ألا ترى أن صاحب الكبير لو باع نصيبه كان لصاحب القليل أن يأخذ الكل كما لصاحب الكبير لو باع صاحب القليل، وهذا آية كمال السبب، فعلم أن علة الاستحقاق أصل الملك لا قدره. م: (ألا يرى أنه) ش: توضيح لما قبله أن الشأن م: (لو انفرد واحد منهم استحق كمال الشفعة، وهذا آية كمال السبب) ش: أي علامة كمال السبب في حق كل واحد منهم م: (وكثرة الاتصال تؤذن بكثرة الغلة) ش: هذا جواب عما يقال الاتصال سبب الاستحقاق، وصاحب الكثير أكثر اتصالا فأنى يتساويان. أجاب بقوله وكثرة الاتصال يؤذن أي يعلم بكثرة العلة؛ لأن الاتصال يؤذن أي يعلم بكثرة العلة؛ لأن الاتصال بكل جزء علة لما ذكرنا أن صاحب القليل لو انفرد استحق الجميع م: (والترجيح يقع بقوة في الدليل لا بكثرته) ش: أي بكثرة الدليل كما في الشاهدين وعشرة شهود، وجراحة واحدة وعشر جراحات ولهذا تنتصف الدية بين من جرح جراحة واحدة وبين من جرح أكثر. م: (ولا قوة هاهنا لظهور الأخرى بمقابلته) ش: أي لم تظهر الأخرى بمقابلته، أي لم يظهر الترجيح في مسألتنا، إذ لو ظهر لكان المرجوح مدفوعا بالراجح وهاهنا لا يبطل حق صاحب القليل، فعرفنا أنه لا ترجيح في جانبه وهو معنى قوله الظهور الأخرى بمقابلة تحريره أن صاحب القليل لو كان مرجوحا في مقابلة حق صاحب الكثير لكان لا يظهر حق صاحب القليل في مقابلة حق صاحب الكثير لأن المرجوح مدفوع بالراجح وبه ظهر علم عدم الرجحان. فإن قال الشافعي لا يلزمني ذلك الجواز أن تكون العلة الواحدة مبنية لكمال الحكم، ولكن عند الانضمام مع الأخرى يثبت استحقاق أحدهما أكثر مما يثبت عند الانفراد كما في الرجالة في الغنيمة إذا انفردوا يستحقون كل الغنيمة، وكذا الفرسان إذا انفردوا يستحقون الكل أيضا، وعند الاجتماع يقسم على التفاوت. وكذا لو مات وترك بنتا وأختا فللبنت النصف والباقي للأخت أو للأخ بحق العصوبة، أما لو ترك بنتا وأختا كان النصف بينهما أثلاثا، فكذا هاهنا. وكذا لو كان الحائط المائل مشتركا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 293 وتملك ملك غيره لا يجعل ثمرة من ثمرات ملكه، بخلاف الثمرة وأشباهها. ولو أسقط بعضهم حقه، فهي للباقين في الكل على عددهم؛   [البناية] بين اثنين أثلاثا وأشهد عليهما ثم سقط وأصاب مالا أو نفسا فالضمان بينهما أثلاثا بقدر الملك، فيجب أن يكون في الشفعة كذلك. قلنا: تفضيل الفارس بينته شرعا بخلاف القياس مع أن الفرس بانفراده لا يصلح علة الاستحقاق فيصلح مرجحا. أما في مسألتنا ملك كل جزء علة تامة للاستحقاق فلا تصلح مرجحا. وأما مسألة الميراث فليست نظيرها؛ لأن نصيبه الأخ والأخت عند الانضمام باعتبار أن الشرع جعل عصوبة الأنثى بالذكر علة الاستحقاق نصف ما للذكر ولتفاوتهما في نفس العلة؛ لأن العلة مرجحة بعلة أخرى إذ العصوبة بالأخ غير العصوبة بالبنت، فإذا جاءت العصوبة بالأخ زالت العصوبة بالبنت، والعصوبة بالأخ متفاوتة شرعا، فلم يكن من قبل ترجيح العلة بالعلة. وأما مسألة الحائط فقلنا: إن مات يخرج الحائط فالضمان عليهما نصفان لاستوائهما في العلة، وإن مات ينقل الحائط، قلنا: فالضمان عليهما أثلاثا؛ لأن التساوي في العلة لم يوجد إذا نقل نصيب صاحب القليل لا يكون كثقل نصيب صاحب الكثير، فكان هذا راجعا إلى ما يتولد من الملك كالولد والثمرة والشفعة ليست من ثمرات الملك. م: (وتملك ملك غيره) ش: هذا جواب عما قاله الشافعي أن الشفعة من مرافق الملك، تقريره أن يقال: إن التمكن من التملك م: (لا يجعل ثمرة من ثمرات ملكه) ش: كالأب، فإن له التمكن من تملك جارية ابنه، ولا بعد ذلك من ثمرات ملكه م: (بخلاف الثمرة وأشباهها) ش: وأنها من ثمرات الملك؛ لأنها تحصل بلا اختيار، بخلاف الشفعة فإنها باختياره. م: (ولو أسقط بعضهم حقه فهي للباقين في الكل على عددهم) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا عندنا، وعند الثلاثة على قدر ملكهم، ولو أراد أن يأخذ حصته دون حصة الباقي ليس له ذلك بالإجماع؛ لأن في ذلك تفريق الصفقة والإضرار بالمشتري في تبعيض الملك عليه. وهذا الذي ذكرنا قبل القضاء حتى لو قضى القاضي بالشفعة لأحدهما ثم سلم أحدهما نصيبه لم يجز للآخر أن يأخذ الجميع؛ لأنه لما قضى بالدار بينهما بالشفعة سار كل واحد منهما مقضيا عليه من جهة صاحبه فيما قضي به لصاحبه فبطل حق شفعته فيما قضي لصاحبه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 294 لأن الانتقاص للمزاحمة مع كمال السبب في حق كل واحد منهم وقد انقطعت، ولو كان البعض غيبا يقضي بها بين الحضور على عددهم؛ لأن الغائب لعله لا يطلب، وإن قضى لحاضر بالجميع ثم حضر آخر يقضي له بالنصف، ولو حضر ثالث فبثلث ما في يد كل واحد تحقيقا للتسوية، فلو سلم الحاضر بعدما قضى له بالجميع لا يأخذ القادم إلا النصف؛ لأن قضاء القاضي بالكل للحاضر قطع حق الغائب عن النصف بخلاف ما قبل القضاء.   [البناية] ضرورة، وهكذا إذا قضى للخليط ثم سلم الشفعة لم يكن للشريك في المرافق أن يأخذ بالشفعة لبطلان حقه الضعيف بالقضاء. وكذا لو قضى للشريك في المرافق ثم سلم لم يكن للجار أن يأخذ لما ذكرنا، ذكره في " المبسوط ". م: (لأن الانتقاص للمزاحمة مع كمال السبب في حق كل واحد منهم وقد انقطعت) ش: أي المزاحمة بالتسليم فبقي حقه في الجميع كالغرماء إذا تخاصموا من التركة فأسقط بعضهم حقه، سلمت التركة للباقين، وهذا كالقائل لاثنين إذا عفا ولي أحدهما فللآخر القصاص؛ لأن حقه ثبت في الجميع. فإذا أبرأ الآخر فكأنه لم يكن وليس هذا كالبعد إذا قتل اثنين خطأ فعفا ولي الآخر يبقى حقه في نصف العبد، ويقال للمولى إما أن يدفع إليه نصف العبد أو الفدية؛ لأن جناية الخطأ مال، فإذا تعلقت الجنايتان بالرقبة تضايفت فيها فثبت لكل واحد منهما النصف، فإذا سلم الآخر المال بعد حق الباقي وليس كذلك الشفعة لأنها حق ليس بمال فهي بدم العبد أشبه. م: (ولو كان البعض غيبا) ش: بفتح الغين والياء جمع غائب وفي " العباب ": وجمع الغائب غيب وغياب بضم الغين وتشديد الباء وغيب بالتحريك وإنما تثبت فيه البائع للتحريك لأنه أشبه بصيد وإن كان جمعا، وصيد مصدر قولك بعيرا صيد لأنه يجوز أن يسوي به المصدر م: (يقضي بها) ش: أي بالشفعة م: (بين الحضور) ش: أي بين الحاضرين وهو جمع حاضر كالركوع جمع راكع م: (على عددهم؛ لأن الغائب لعله لا يطلب) ش: يعني قد يطلب وقد لا يطلب فلا يترك حق الحاضرين بالشك. م: (وإن قضى لحاضر بالجميع ثم حضر آخر يقضى له بالنصف) ش: بأن كان للدار شفيعان فحضر أحدهما حكم له بجميعها، فإن حضر الشفيع الآخر أخذ منه نصف الدار م: (ولو حضر ثالث) ش: أي شفيع ثالث م: (فبثلث ما في يد كل واحد تحقيقا للتسوية) ش: لأن الدار بينهم أثلاث على عددهم م: (فلو سلم الحاضر بعدما قضى له بالجميع لا يأخذ القادم إلا النصف؛ لأن قضاء القاضي بالكل للحاضر قطع حق الغائب عن النصف) ش: لأن الغائب صار مقضيا عليه في النصف، فلو أخذ الكل يصير مقضيا له في ذلك النصف م: (بخلاف ما قبل القضاء) ش: حيث الجزء: 11 ¦ الصفحة: 295 قال: والشفعة تجب بعقد البيع، ومعناه بعده لا أنه هو السبب؛ لأن سببها الاتصال   [البناية] يأخذ الكل بعدما حضر لأنه لم يصر مقضيا عليه. فإن قلت: القاضي لما قضى بالشفعة للحاضر ثبت له الملك من المشتري، فإذا سلم يكون بمنزلة الإقالة وفيها الشفعة فيأخذ الغائب النصف بالبيع الأول والنصف الآخر بهذا التسليم. قلت: البيع الذي جرى بين البائع والمشتري لم ينفسخ أصلا وإنما الفسخ في حق الإضافة إلى المشتري، فإذا سلم عاد إلى المشتري القديم ملك الارتفاع المانع، فكانت القضية واحدة، والغائب صار مقضيا عليه في هذه القضية فلا يصير مقضيا له بعد ذلك فيها. وفي " المبسوط " و" الذخيرة " شفيعان أحدهما حاضر والآخر غائب وقضى الحاضر بكل الدار فللغائب أن يأخذ نصفه، ولو جعل بعض الشفعاء نصيبه للآخر لم يصح الجعل وسقط حقه وقسمه على عدد من بقي، وإن قال الذي قضى له بالشفعة للآخر أنا أسلم لك الكل فإما أن يأخذ الكل أو يدع، فليس له ذلك، وللثاني أن يأخذ النصف. ولو كان الحاضر لم يأخذها بالشفعة ولكن اشتراها من المشتري فحضر الغائب إن شاء أخذها كلها بالبيع الأول أو بالبيع الثاني؛ لأن الحاضر أسقط حقه بالإقدام على الشراء وخرج من الدين، ولو كان المشتري الأول شفيعا أيضا فاشتراها شفيع حاضر أيضا معه، فحضر الغائب إن شاء أخذ نصف الدار بالبيع الأول، وإن شاء أخذ الكل بالبيع الثاني، والله سبحانه وتعالى أعلم. [موجب الشفعة] م: (قال: والشفعة تجب بعقد البيع) ش: أي قال القدوري: م: (ومعناه بعده لا أنه هو السبب؛ لأن سببها الاتصال) ش: أي معنى قول القدوري يجب بعقد البيع أي بعد البيع؛ لأن البيع هو السبب للشفعة؛ لأن سبب الشفعة اتصال الأملاك، وقال السغناقي هذا التأويل والتعليل مخالف لعامة روايات الكتب من " المبسوط " و" الذخيرة "، و" المغني " وغيرها لما أنه صرح بأن سبب وجوبها البيع والشراء، وفساد تأويل الكتاب ظاهر، لما أن سبب ثبوتها لو كان الاتصال ينتفي. أما لو سلم الشفعة وفسد قبل البيع يبطل شفعته ولم يبطل بالإجماع. وأجيب: بأن هذا لا يلزم على المصنف؛ لأنه قال يثبت بعد فيكون البيع شرطا والشرط يمنع السبب عندنا عن الاتصال بالمحل، فتسليم الشفعة قبل العقد ككفارة اليمين قبل الحنث فلا يجوز لأن العقد شرط. ورد بأنه لا اعتبار لوجود الشرط بعد تحقق السبب في حق صحة التسليم كأداء الزكاة قبل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 296 على ما بيناه، والوجه فيه: أن الشفعة إنما تجب إذا رغب البائع عن ملك الدار والبيع يعرفها، ولهذا يكتفي بثبوت البيع في حقه حتى يأخذها الشفيع إذا أقر البائع بالبيع وإن كان المشتري يكذبه. قال: وتستقر بالإشهاد ولا بد من طلب المواثبة لأنه حق ضعيف يبطل بالإعراض،   [البناية] الحلول، وإسقاط الدين المؤجل قبل حلول الأجل. والجواب أن ذلك شرط الوجوب ولا كلام فيه، وإنما هو في شرط الجواز وامتناع المشروط قبل تحقق الشرط غير خاف على أحد، م: (على ما بيناه) ش: يعني قوله ولنا أنهم استووا في سبب الاستحقاق وهو الاتصال، م: (والوجه فيه) ش: أي في هذا التأويل م: (أن الشفعة إنما تجب إذا رغب البائع عن ملك الدار والبيع يعرفها) ش: أي يعرف رغبة البائع عنه. والحاصل: أن الاتصال بالملك سبب، والرغبة عن الملك شرط والبيع دليل على ذلك قائم مقامه، بدليل أن البيع إذا ثبت في حق الشفيع بإقرار البائع به صح له أن يأخذه وإن كذبه المشتري وهو معنى قوله م: (ولهذا يكتفي بثبوت البيع في حقه حتى يأخذها الشفيع إذا أقر البائع بالبيع وإن كان المشتري يكذبه) ش: قال القدوري في " شرح مختصر الكرخي ": الشفعة تجب برغبة البائع عن ملكه بدلالة أنه لو ادعى أنه باع داره من زيد فجحد زيد ذلك، وحيث الشفعة لأجل اعترافه بخروج الشيء عن ملكه وإن لم يحكم بدخوله في ملك المشتري، ثم قال وهذا المعنى هو سبب الشفعة، انتهى. فإن قلت: ينتقض بما إذا باع بشرط الخيار له أو وهب وسلم فإن الرغبة عنه قد عرفت وليس للشفيع شفعة. قلت: في ذلك يرد دليل خيار البائع، بخلاف الإقرار فإنه يجبر به عن انقطاع ملكه عنه بالكلية لقبوله به كما زعمه، والهبة لا تدل على ذلك؛ لأن عرض الواهب المكافأة، ولهذا كان له الرجوع عنه فلا ينقطع حقه بالكلية. [الشهادة على الشفعة] م: (قال: وتستقر بالإشهاد) ش: أي قال القدوري: إن الشفعة تستقر بالإشهاد م: (ولا بد من طلب المواثبة) ش: وهو طلب الشفعة على السرعة، وإنما أضاف الطلب إلى المواثبة لتلبسها بها م: (لأنه حق ضعيف) ش: أي لأن الشفعة ذكر الضمير بالنظر إلى تذكير الخبر م: (يبطل بالإعراض) ش: قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفعة كحل العقال» أي قيدها ثبت وهو كناية عن سرعة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 297 فلا بد من الإشهاد والطلب ليعلم بذلك رغبته فيه دون إعراضه عنه، ولأنه يحتاج إلى إثبات طلبه عند القاضي ولا يمكنه إلا بالإشهاد. قال: وتملك بالأخذ إذا سلمها المشتري أو حكم بها الحاكم؛ لأن الملك للمشتري قد تم، فلا ينتقل إلى الشفيع إلا بالتراضي أو قضاء القاضي كما في الرجوع في الهبة، وتظهر فائدة هذا   [البناية] السقوط، فكل ما هو كذلك لا بد من دليل يدل على الإعراض عنه أو دام عليه، والإشهاد والطلب يدلان على ذلك، فإذا كان كذلك م: (فلا بد من الإشهاد والطلب ليعلم بذلك رغبته فيه دون إعراضه عنه) ش: أي الطلب، قال في " شرح الطحاوي ": الطلب طلبان طلب مواثبة وطلب استحقاق. أما طلب المواثبة فعند سماع البيع من غير سكوت، ويشهد على طلبه شهودا ثم لا يمكث حتى يذهب إلى المشتري أو البائع إن كانت الدار في يده أو إلى الدار المبيعة. وإن كانت الدار في يد المشتري إن شاء أشهد على المشتري بطلب الشفعة، وإن شاء شهد عند الدار، ولو طلب من البائع بطلت شفعته ويطلب عند واحد من هؤلاء طلبا آخر وهو طلب الاستحقاق ويشهد عليه شهودا، فإذا ثبت الشفيع شفعة بطلبين وأبى المشتري أن يسلمها إليه فهو على شفعته بعد ذلك بترك الطلب في ظاهر الرواية. وروي عن محمد بن الحسن أنه قال: إذا مضى شهر لم يطلب مرة أخرى بطلت شفعته وهو أحد الروايتين عن أبي يوسف. وروي عنه في رواية أخرى له أن يطالب في كل مجلس من مجالس القاضي فإن ترك مجلسا من مجالس القاضي بطلت شفعته. م: (ولأنه يحتاج إلى إثبات طلبه عند القاضي ولا يمكنه إلا بالإشهاد) ش: هذا دليل ثان على وجوب الإشهاد وهو ظاهر. [كيفية تملك الشفعة] م: (قال: وتملك بالأخذ) ش: أي قال القدوري أي تملك الشفعة بأخذ الدار المشفوعة م: (إذا سلمها المشتري أو حكم بها الحاكم؛ لأن الملك للمشتري قد تم) ش: التحقق سبب الملك وهو الشرط القاطع م: (فلا ينتقل إلى الشفيع إلا بالتراضي أو قضاء القاضي) ش: لأن تملك ملك الغير لا يجوز بدون رضاه، إلا أن الشرع جعل للشفيع حق التملك والمقاضاة، ولأنه عامة فإذا قضى بالشفعة، وأخذه الشفيع ملكها ولا يملك الشفيع الدار الأبعد قبل تسليم المشتري إليه أو قضاء القاضي، حتى إن المبيع لو كان كرما فأكل المشتري ثمان سنين فإنه لا يجوز مضمونا عليه ولا يطرح عن الشفيع شيء من الثمن لما أكل من ثماره إذا كانت الثمار حرثت بعدما قبض المشتري الكرم وكذا في " شرح الطحاوي " م: (كما في الرجوع في الهبة) ش: أي كما لا يصح الرجوع في الهبة إلا بالتراضي وقضاء القاضي؛ لأن الموهوب دخل في ملك الموهوب له فلا يخرج إلا بالتراضي أو بقضاء القاضي لما ذكرنا آنفا م: (وتظهر فائدة هذا) ش: أي فائدة قوله ويملك الجزء: 11 ¦ الصفحة: 298 فيما إذا مات الشفيع بعد الطلبين، أو باع داره المستحق بها الشفعة أو بيعت دار بجنب الدار المشفوعة قبل حكم الحاكم، أو تسليم المخاصم لا تورث عنه في الصورة الأولى، وتبطل شفعته في الثانية، ولا يستحقها في الثالثة لانعدام الملك له. ثم قوله: تجب بعقد البيع بيان بأنه لا يجب إلا عند معاوضة المال بالمال على ما نبينه إن شاء الله تعالى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.   [البناية] بالأخذ م: (فيما إذا مات الشفيع بعد الطلبين) ش: أي طلب المواثبة وطلب التقرير، ويسمي طلب التقرير طلب الإشهاد أيضا م: (أو باع داره المستحق بها الشفعة أو بيعت دار بجنب الدار المشفوعة قبل حكم الحاكم أو تسليم المخاصم) ش: المشتري، وهذا يرجع إلى الصور الثلاث، وهي صورة الموت والتبيعين والشفيعين م: (لا تورث عنه في الصورة الأولى) ش: وهي ما إذا مات الشفيع بعد الطلبين قبل الأخذ. م: (وتبطل شفعته في الثانية ولا يستحقها في الثالثة) ش: أي في الصورة الثانية وهي ما إذا باع داره المستحق بها الشفاعة قبل أخذ الدار المشفوعة؛ لأن سبب الشفعة اتصال ملك الشفيع بالدار المشفوعة بتسليم المخاصم، وهو المشتري أو بقضاء القاضي م: (لانعدام الملك له) ش: يعني لم يملك المشفوعة فكيف يملك بها غيرها. م: (ثم قوله: تجب بعقد البيع) ش: يعني قول القدوري م: (بيان أنه لا يجب إلا عند معاوضة المال بالمال) ش: قال في " شرح الطحاوي ": والشفعة فيما إذا ملكت بعوض وهو عين مال، فأما إذا ملكت بغير عوض كالهبة والصدقة والوصية والميراث فلا شفعة فيها، وكذا لو ملك بعوض أي بغير مال، كما إذا جعله مهرا في النكاح أو بدل في الخلع أو صولح من دم عمد فلا شفعة فيه، ولو تزوجها على غير مهر مسمى ثم باع دارا من امرأته بذلك المهر أو تزوجها على غير مهر مسمى ثم باع داره بمهر المثل وجبت فيه الشفعة. ولو تزوجها على الدار تزوجها على غير مسمى ثم فرض لها داره مهرا فلا شفعة فيها، ولو صالح على الدار من الجناية التي يوجب الأرش بعد القصاص تجب فيها الشفعة بالأرش. ولو جعلها أجرة في الإجارات لا شفعة فيها؛ لأن بدلها ليس بعين مال م: (على ما نبينه إن شاء الله تعالى) ش: أي في باب ما تجب فيه الشفعة، وما لا تجب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 299 باب طلب الشفعة والخصومة فيها قال: وإذا علم الشفيع بالبيع أشهد في مجلسه ذلك على المطالبة اعلم أن الطلب على ثلاثة أوجه: طلب المواثبة وهو أن يطلبها كما علم حتى لو بلغ الشفيع البيع، ولم يطلب شفعته بطلت شفعته لما ذكرنا ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الشفعة لمن واثبها»   [البناية] [باب طلب الشفعة والخصومة فيها] م: (باب طلب الشفعة والخصومة فيها) ش: أي هذا باب في بيان طلب الشفعة والخصومة في الشفعة، ولما لم يثبت الشفعة بدون الطلب والخصومة فيها شرع في بيانه وكيفيته. م: (قال: وإذا علم الشفيع بالبيع أشهد في مجلسه ذلك على المطالبة) ش: أي قال القدوري وأراد بالمطالبة طلب المواثبة والإشهاد فيه في المجلس ليس بشرط، والشرط هو نفس الطلب، وإنما يشهد فيه لأنه لا يصدق على الطلب إلا بنيته، فإن لم يكن يحضره من يشهده قال أنا مطالب بالشفعة ثم ينهض إلى من يشهد، وإنما يفعل ذلك حتى لا يسقط حق الشفعة فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى. م: (اعلم أن الطلب على ثلاثة أوجه: طلب المواثبة) ش: أي أحدها طلب المواثبة م: (وهو أن يطلبها كما علم) ش: أي على الفور، سواء كان عنده إنسان أو لم يكن في كتاب الأجناس نقلا عن كتاب "الشفعة" لموسى بن نصر صاحب محمد بن الحسن، يحتاج الشفيع أن يطلبها ساعة بلغة البيع ويتكلم بلسانه بطلب، حضره المشهود أو لم يحضره، وقال الحسن بن زياد من قول نفسه ليس عليه أن يكلم بالطلب إذا لم يكن بحضرته أحد. وفي " شرح الأقطع " يطلبها كما علم وإن لم يكن عنده أحد لئلا يسقط حقه ديانة، وفي " المبسوط " لكي يتمكن من الحلف إذا حلفه المشتري م: (حتى لو بلغ الشفيع البيع، ولم يطلب شفعته بطلت شفعته لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله لأنه حق ضعيف يبطل بالإعراض. م: (ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الشفعة لمن واثبها» ش: هذا ليس بحديث، وإنما أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" من قول شريح - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وكذا ذكره القاسم بن ثابت السرقسطي في كتاب " غريب الحديث " في باب كلام التابعين. ولو ذكر عوض هذا ما رواه ابن ماجه عن محمد بن الحارث عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الشفعة كحل العقال» ، لكان أحسن وأصوب ورواه البزار في "مسنده" ومن طريق البزار رواه ابن حزم في " المحلى " وزاد فيه: "ومن مثل بعبده فهو حر وهو مولى الله ورسوله والناس على شروطهم ما وافق الحق". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 300 ولو أخبر بكتاب والشفعة في أوله أو في وسطه فقرأ الكتاب إلى آخره بطلت شفعته، وعلى هذا عامة المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -،   [البناية] ورواه ابن عدي بلفظ ابن ماجه وضعف محمد بن الحارث عن البخاري والنسائي وابن معين. وقال ابن القطان: واعلم أن محمد بن الحارث هذا ضعيف جدا وهو أسوأ حالا من ابن البيلماني وأبيه قال فيه الفلاس: متروك الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء، ولم أر فيه أحسن من قول البزار فيه رجل مشهور ليس به بأس، وإنما أعله بمحمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، قوله: لمن واثبها أي طلبها على وجه السرعة والمبادرة وهو من الوثوب على الاستعارة؛ لأن من وثب بسرعة في طي الأرض بمشيه. [أخبر الشفيع بكتاب أن الدار التي لك فيها شفعة قد بيعت] م: (ولو أخبر بكتاب والشفعة) ش: أي ولو أخبر الشفيع بكتاب أن الدار التي لك فيها شفعة قد بيعت م: (في أوله أو وسطه) ش: أي وذكر الشفعة في أول الكتاب أو في وسطه م: (فقرأ الكتاب إلى آخره بطلت شفعته) ش: لأنه دليل الإعراض م: (وعلى هذا عامة المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: أي على أن طلب الشفعة على الفور عامة المشايخ، وقال الكرخي وقال ابن رستم عن محمد إذا بلغت الشفعة صاحبها فسكت فهو رضا وهو ترك الشفعة. قال القدوري: وهذا يدل على أنه للفور، ثم قال الكرخي وقال هاشم عن محمد في "نوادره": إذا بلغه فسكت ثم ادعاها من ساعته فهو على شفعته. قال القدوري: وهذا بقيد المجلس. وقال ابن أبي ليلى: إن ترك الطلب ثلاثة أيام بطلت شفعته. وقال الشعبي: إن تركها يوما بطلت. وقال شريك: لا يبطل أبدا حتى يبطلها بقوله، وفي " شرح الأقطع " وللشافعي أربعة أقوال: أحدها أنها على الفور، والآخر ثلاثة أيام والآخر على التأبيد، إلا أن للمشتري مطالبة الشفيع بالأخذ والإسقاط. والرابع أنها على التأبيد، وليس للمشتري مطالبة الشفيع بشيء. وفي " مغني الحنابلة " لو علم البيع فسكت لا يبطل شفعته حتى يعلم المشتري ثم يترك هذا الطلب تبطل شفعته عندنا والشافعي في الجديد وأحمد على المنقوص عنه وابن شبرمة والأوزاعي، وعن أحمد في رواية الشفعة على التراضي فلم تسقط ما لم يؤخذ منه دليل على الرضا بالسقوط من عفو ومطالبة بقسمة، وهو قول مالك والشافعي في قول، وابن أبي ليلى والثوري، إلا أن مالكا قال: ينقطع بمضي سنة وعنه بمضي مدة يعلم أنه تارك لها، وعنه بمضي أربعة أشهر. ولو أحدث فيه عمارة من غراس وبناء فله قيمته وقد رأى ابن أبي ليلى والثوري أن الخيار مقدر بثلاثة أيام وهو أحد أقوال الشافعي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 301 وهو رواية عن محمد وعنه أن له مجلس العلم، والروايتان في النوادر، وبالثانية أخذ الكرخي لأنه لما ثبت له خيار التمليك لا بد له من زمان التأمل كما في المخيرة. ولو قال بعدما بلغه البيع: الحمد لله أو لا حول ولا قوة إلا بالله. أو قال: سبحان الله لا تبطل شفعته؛ لأن الأول حمد على الخلاص من جواره، والثاني: تعجب منه لقصد إضراره. والثالث: لافتتاح كلامه فلا يدل شيء منه على الإعراض، وكذا إذا قال: من ابتاعها وبكم بيعت   [البناية] م: (وهو رواية عن محمد) ش: أي قول عامة المشايخ بأنه على الفور رواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " المحيط " وهي رواية مشهورة صحيحة وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح وأحمد في المنصوص م: (وعنه: له مجلس العلم) ش: أي وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن للشفيع مجلس العلم إن طلبه في ذلك المجلس فله الشفعة وإن لم يطلب م: (والروايتان في النوادر) ش: أي الروايتان المذكورتان عن محمد مذكورتان في " نوادر محمد ". م: (وبالثانية أخذ الكرخي) ش: أي بالرواية الثانية أخذ الشيخ أبو الحسن الكرخي م: (لأنه لما ثبت له خيار التمليك لا بد له من زمان التأمل كما في المخيرة) ش: قال الكرخي في "مختصره" بعدما ذكر فيه روايات الأصل والنوادر وليس هذا عندي اختلافا في رواية ولا معنى، لأن جميع هذه العبارات إنما أريد بها أن لا يكون الطلب متراخيا عن المال تراخيا يدل على ترك المطالبة بالشفعة أو الإعراض عنها، وهو عندي على مثال ما قالوا في المخيرة في الطلاق في رجل قال لزوجته: أمرك بيدك، وكخيار المشتري إذا أوجب له البائع البيع قال: قد بعتك هذا العبد بألف فللمشتري خيار الرد والقبول في المجلس ما لم يظهر منه ما يستدل به على الإعراض عن الجواب والترك له. م: (ولو قال بعدما بلغه البيع: الحمد لله أو لا حول ولا قوة إلا بالله أو قال سبحان الله لا تبطل شفعته؛ لأن الأول حمد على الخلاص من جواره. والثاني: تعجب منه لقصد إضراره. والثالث: لافتتاح كلامه فلا يدل شيء منه على الإعراض) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري. قال الكرخي في "مختصره": قال هشام في "نوادره" سألت محمدا عن رجل قيل له إن فلانا باع داره وهو شفيعها وهو صاحبه فقال: الحمد لله قد ادعيت شفعتها أو لقي صاحبها الذي يدعي الشفعة قبله فبدأ بالسلام قبل أن يدعي الشفعة ثم ادعاها، أو قال حين أخر بالبيع من اشتراها أو بكم باعها أو عطس صاحبه فشمته قبل أن يدعي الشفعة ثم ادعاها قال محمد في هذا كله على شفعته. وقال في " النوادر " سئل أبو بكر البلخي عن الشفيع إذا سلم على المشتري قال: تبطل شفعته. م: (وكذا إذا قال) ش: أي الشفيع م: (من ابتاعها) ش: أي من اشترى الدار م: (وبكم بيعت الجزء: 11 ¦ الصفحة: 302 لأنه يرغب فيها بثمن دون ثمن ويرغب عن مجاورة بعض دون بعض، والمراد بقوله في الكتاب: أشهد في مجلسه ذلك على المطالبة، طلب المواثبة، والإشهاد فيه ليس بلازم إنما هو لنفي التجاحد. والتقييد بالمجلس إشارة إلى ما اختاره الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ويصح الطلب بكل لفظ يفهم منه طلب الشفعة، كما لو قال: طلبت الشفعة أو أطلبها أو أنا طالبها؛ لأن الاعتبار للمعنى،   [البناية] لأنه يرغب فيها بثمن دون ثمن ويرغب عن مجاورة بعض دون بعض) ش: فكان التعرف عن هذا تحقيقا للطلب لا إعراضا؛ لأن كل ذلك من أسباب الشفعة فلا يسقطها م: (والمراد بقوله في الكتاب: أشهد في مجلسه ذلك على المطالبة، طلب المواثبة) ش: أي في " مختصر القدوري " م: (والإشهاد فيه ليس بلازم إنما هو لنفي التجاحد) ش: أي في طلب المواثبة لأنه ليس لإثبات الحق، وإنما هو ليعلم أنه غير معرض عنها حتى يمكنه الحلف حين طلب المشتري حلفه أنه طلبها كما سمع. فإن قلت: هذا تناقض قوله يجب عليه أن يشهد. قلت: لا لأن المراد من الأول الإشهاد على الطلب ومن الثاني طلب المواثبة وأنه واجب على تقدير أن يطلب الشفعة حتى لو لم يطلب لا يجب طلب المواثبة. وفي " الذخيرة " وإنما ذكر أصحابنا الإشهاد عند الطلب لا لأنه شرط بعد هذا الطلب بل لاعتبار ثمرته على المشتري عند إنكاره الطلب كما قالوا: إذا وهب الأب لابنه الصغير وأشهد على ذلك فيما ذكروا الإشهاد لصحة الهبة، بل لإثباتها عند إنكار الأب، وكما ذكروا الإشهاد في الحائط المائل على طريق الاحتياط لا لأنه شرط صحة التفريع. م: (والتقييد بالمجلس إشارة إلى ما اختاره الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي بتقييد القدوري بقوله أشهد في مجلسه ذلك إشارة إلى ما اختاره الكرخي من روايتي محمد وهي أن له مجلس العلم. [ألفاظ تدل على طلب الشفعة] م: (ويصح الطلب بكل لفظ يفهم منه طلب الشفعة، كما لو قال: طلبت الشفعة أو أطلبها أو أنا طالبها؛ لأن الاعتبار للمعنى) ش: أن في العرف يراد بهذه الألفاظ الطلب للحال لا الخبر عن أمر ماض أو مستقبل، حتى قال الفضلي: إذا سمع الرستا في بيع أرض بجنب أرض وقال شفعته كان ذلك منهم طلبا، كذا في " الذخيرة ". وفي " المغني " قيل لو قال طلبت الشفعة أخذتها بطلت شفعته لأن كلامه وقع كذبا في الابتداء فصار كالسكوت والصحيح أنه طلب ولا يبطل به الشفعة. لأنها كالإنشاء عرفا كما في بعت واشتريت. وفي " المحيط " ولو قال طلبت الشفعة وأطلبها بطلت شفعته، وكذا لو قال الشفعة لي أطلبها فبطل. ولو قال للمشتري: أنا شفيعك وآخذ الدار منك شفعة تبطل شفعته ولو كان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 303 وإذا بلغ الشفيع بيع الدار لم يجب عليه الإشهاد حتى يخبره رجلان أو رجل وامرأتان أو واحد عدل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يجب عليه أن يشهد إذا أخبره واحد حرا كان أو عبدا صبيا كان أو امرأة إذا كان الخبر حقا.   [البناية] المشتري واقفا مع ابنه فسلم قبل الطلب إن سلم على الأب تبطل، وإن سلم على الابن لا. ولو قال للمشتري بالفارسية شفعته خواهم بطلت. ولو قال للمشتري: بارك الله في صفقتك أو ادعى له بالمفقود بعد السلام عليه قبل الطلب تبطل شفعته. وقال الشافعي: لا تبطل. وفي " فتاوى قاضي خان " لو أدركت الصغيرة وثبت لها خيار البلوغ والشفعة، فلو قدمت أحدهما بطل الآخر، فالحيلة أن يقول طلبت حقي في الشفعة والخيار في العيون، قال هشام: سألت محمدا عن رجل حين طلب الشفعة أنا أطلبها ولم يقل قد طلبتها قال قد طلبتها قال هو على شفعته. وقال الناطفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأجناس ": قال في الهارونيات إذا قال الشفيع: أشهدكم على شفعتي كان ذلك منه طلبا وله الشفعة. وفي " نوادر أبي يوسف " قال علي بن الجعد لو قال الشفيع لي فيها شفعة وأنا أطلبها كان طلبا صحيحا وله الشفعة. ولو قال لي فيما اشتريت شفعة لا يكون طلبا وبطلت شفعته لأنه أخبر بما له من الحق ولم يبطله. وقال محمد في " نوادر هشام " قول الشفيع قد ادعيت شفعتها طلب صحيح. وقال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": ولفظ الطلب روي عن محمد بن مقاتل الرازي أن الشفيع يقول طلبت الشفعة فحسب. وروي عن الفقيه أبي جعفر الهندواني أنه يقول لا يراعى ألفاظ الطلب فإذا طلبها بأي لفظ كان بعد أن يعرف أنه قد طلبها فقد كفى؛ لأن محمدا لم يشترط في كتابه مراعاة اللفظ. م: (وإذا بلغ الشفيع بيع الدار لم يجب عليه الإشهاد حتى يخبره رجلان أو رجل وامرأتان أو واحد عدل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الشافعي في قول وأحمد في رواية والمسطور كالعدل عند أبي حنيفة وزفر وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية، وهذا تفسير العلم الذي ذكر في أول الباب بقوله: وإذا علم الشفيع بالبيع أي إذا علم بأن أخبره رجلان أو رجل وامرأتان. م: (وقالا: يجب عليه أن يشهد إذا أخبره واحد حرا كان أو عبدا، صبيا كان أو امرأة إذا كان الخبر حقا) ش: أو به قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وبهذا الخلاف فيهما إذا لم يصدق الشفيع المخبر، أما لو صدقه فسكت تبطل شفعته بخبر كل مخبر مميز. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 304 وأصل الاختلاف في عزل الوكيل، وقد ذكرناه بدلائله وأخواته فيما تقدم، وهذا بخلاف المخيرة إذا أخبرت عنده؛ لأنه ليس فيه إلزام حكم، وبخلاف ما إذا أخبره المشتري؛ لأنه خصم فيه، والعدالة غير معتبرة في الخصوم، والثاني طلب التقرير والإشهاد لأنه محتاج إليه لإثباته عند القاضي على ما ذكرنا، ولا يمكنه الإشهاد ظاهرا على طلب المواثبة؛ لأنه على فور العلم بالشراء، فيحتاج بعد ذلك إلى طلب الإشهاد والتقرير، وبيانه ما قال في الكتاب ثم ينهض منه يعني من المجلس ويشهد على البائع إن كان المبيع في يده، معناه لم يسلم إلى المشتري   [البناية] م: (وأصل الاختلاف في عزل الوكيل، وقد ذكرناه بدلائله) ش: أي في آخر فصل القضاء بالمواريث من كتاب أدب القاضي م: (وأخواته فيما تقدم) ش: أراد بها المولى، إذا أخبر بجناية عبد فأعتقه، والبكر إذا سكتت بعدما أخبرت بإنكاح الولي، والذي أسلم ولم يهاجر إلينا فأخبر بالشرائع ففي كل ذلك يشترط في المخبر العدد أو العدالة عند أبي حنيفة خلافا لهما. م: (وهذا بخلاف المخيرة إذا أخبرت) ش: بأن زوجها خيرها تصير مخيرة م: (عنده) ش: أي عند أبي حنيفة وإن كان المخبر فردا مميزا م: (لأنه ليس فيه إلزام حكم) ش: أي في إخبار المخيرة بل هو آنفا ما كان على ما كان؛ لأن النكاح لازم قبل هذا، وفي حق الشفيع يلزمه ضرر سواء بالجوار حتى لو اختارت نفسها في مجلس الخيرة بإخبار مخبر مميز يقع الطلاق، وإلا فلا، ولا يشترط في المخبر أحد شطري الشهادة لما ذكره. م: (وبخلاف ما إذا أخبره المشتري) ش: يعني أن المخبر بالشفعة إذا كان هو المشتري وقال: اشتريت دار فلان لا يشترط فيه العدد أو العدالة، حتى إذا سكت الشفيع عند الإخبار ولم يطلب الشفعة بطلت شفعته م: (لأنه خصم فيه) ش: أي لأن المشتري خصم للشفيع في حق الشفعة م: (والعدالة غير معتبرة في الخصوم) ش: لعدم فائدة اشتراطها. م: (والثاني طلب التقرير والإشهاد؛ لأنه محتاج إليه لإثباته عند القاضي كما ذكرنا) ش: وهو قوله إنما هو نفي لتجاهه م: (ولا يمكنه الإشهاد ظاهرا على طلب المواثبة؛ لأنه على فور العلم بالشراء فيحتاج بعد ذلك إلى طلب الإشهاد والتقرير) ش: أي طلب المواثبة لأنه ينكر على المشتري طلب الشفيع حتى لو سمع الشفيع، عند حضرة أحد من البائع والمشتري أو عند الدار ووجد عنده طلب المواثبة وأشهد على ذلك يكفيه ويقوم ذلك مقام الطلبين، كذا في " الفتاوى الظهيرية ". م: (وبيانه) ش: أي بيان هذا الطلب م: (ما قال في الكتاب) ش: أي ما قال القدوري في "مختصره" بقوله م: (ثم ينهض منه يعني من المجلس) ش: يعني يقوم الشفيع مسرعا من المجلس م: (ويشهد على البائع إن كان المبيع في يده، معناه لم يسلم إلى المشتري) ش: يعني معنى قوله البيع في يده أنه لم يسلمه إلى المشتري، أما إذا لم يكن في يده ذكر القدوري والناطفي لا يصح الجزء: 11 ¦ الصفحة: 305 أو على المبتاع أو عند العقار، فإذا فعل ذلك استقرت شفعته   [البناية] الطلب منه لأنه لم يبق له يد ولا ملك، فصار كالأجنبي، وذكر الإمام أحمد الطواويسي والشيخ الإمام خواهر زاده يصح استحسانا لأن الإشهاد حصل على العاقد فيصح كما يصح على المشتري م: (أو على المبتاع) ش: أي أو على المشتري سواء كانت الدار في يده أو لا؛ لأن الملك له ويأخذ الشفعة منه م: (أو عند العقار) ش: أي أو يشهد عند العقار لتعلق الحق به م: (فإذا فعل ذلك استقرت شفعته) ش: هذا الطلب مقدر بالتمكن، حتى لو لم يطلب بعد التمكن بطلت شفعته دفعا للضرر عن المشتري؛ لأنه ربما يتصرف فيها على تقدير أنه لا يطلب الشفعة ثم يطلب بعد زمان فينقص تصرفاته في الدار فيتضرر. ثم إذا تأخر بعد زمان علم في الليل فأخره إلى الصبح وأقيمت الصلاة ويخاف فوت الصلاة فأخره لا يسقط شفعته وبه قال الشافعي وأحمد. وفي " المحيط ": لو صلى بعد الظهر ركعتين لا تبطل شفعته، ولو صلى أكثر تبطل. ولو صلى أربعا بعد الجمعة لا تبطل. ولو صلى أكثر من أربع تبطل. وكذا لو سمع في الأربع قبل الظهر فأتمها أربعا لا تبطل. وفي " مبسوط شيخ الإسلام " الشفيع إنما يحتاج إلى طلب الإشهاد بعد طلب المواثبة أن لا يمكنه الإشهاد عن طلب المواثبة بأن سمع الشراء حال غيبة المشتري والبائع والدار، أما إذا سمع الشراء عند حضرة أحد هؤلاء، وطلب المواثبة وأشهد على ذلك فذلك يكفيه ويقوم مقام الطلبين، فلو ترك الأقرب من الثلاثة وقصد الأبعد. فإن كان حمله في مصر واحد فالقياس أن تبطل شفعته، وفي الاستحسان لا تبطل؛ لأن نواحي المصر كناحية واحدة حكما، أما لو كان أحد الثلاثة في مصر والآخر في مصر آخر وفي رستاق فقصد الأبعد وترك الأقرب بطلت شفعته استحسانا، وقياسا لأنهما لم يجعلا كمكان واحد حكما. وفي " شرح الكافي " وقالوا هذا إذا كانوا على طريق واحد فأما إذا كانت الطرق مختلفة في الذهاب إليهم لا يبطل حقه بالذهاب إلى الأبعد لأنه ربما يكون به عذر لا يكون ذلك في طريق آخر. وقال في " الأجناس " قال في " نوادر ابن رستم " عن محمد إن كان البائع والمشتري بخراسان، والدار بالعراق أن للشفيع أن يخاصم المشتري إذا كان بخراسان ولا تبطل شفعته، وإن كان الشفيع بالعراق عند الدار أشهد عند الدار على طلب الشفعة وليس عليه أن يأتي خراسان فيخاصم هناك، ولو خرج إلى خراسان وطلب هناك ولم يطلب عند الدار بطلت شفعته. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 306 وهذا لأن كل واحد منهما خصم فيه؛ لأن للأول اليد وللثاني الملك، وكذا يصح الإشهاد عند المبيع؛ لأن الحق متعلق به، فإن سلم البائع المبيع لم يصح الإشهاد عليه لخروجه من أن يكون خصما، إذ لا يد له ولا ملك، فصار كالأجنبي. وصورة هذا الطلب أن يقول: إن فلانا اشترى هذه الدار وأنا شفيعها وقد كنت طلبت الشفعة وأطلبها الآن فاشهدوا على ذلك. وعن أبي يوسف: أنه يشترط تسمية المبيع وتحديده؛ لأن المطالبة لا تصح إلا في معلوم، والثالث طلب الخصومة والتملك، وسنذكر كيفيته من بعد إن شاء الله تعالى. قال: ولا تسقط الشفعة بتأخير هذا الطلب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو رواية عن أبي يوسف. وقال محمد: إن تركها شهرا بعد الإشهاد بطلت وهو قول   [البناية] م: (وهذا لأن كل واحد منهما خصم فيه) ش: أي الإشهاد على البائع أو المشتري؛ لأن كلا منهما خصم للشفيع م: (لأن للأول اليد) ش: أي البائع له اليد م: (وللثاني الملك) ش: أي المشتري له الملك م: (وكذا يصح الإشهاد عند المبيع؛ لأن الحق متعلق به، فإن سلم البائع المبيع لم يصح الإشهاد عليه لخروجه من أن يكون خصما، إذ لا يد له ولا ملك فصار كالأجنبي) ش:، وقد ذكرنا عن قريب ما نقل عن خواهر زاده من صحة الإشهاد على البائع بعد تسليمه المبيع إلى المشتري. م: (وصورة هذا الطلب أن يقول: إن فلانا اشترى هذه الدار، وأنا شفيعها وقد كنت طلبت الشفعة وأطلبها الآن فاشهدوا على ذلك. وعن أبي يوسف: أنه يشترط تسمية المبيع وتحديده؛ لأن المطالبة لا تصح إلا في المعلوم) ش: قال الكرخي في "مختصره": قال بشر وعلى بن الجعد عن أبي يوسف قال: فإن كان الشفيع غائبا فإذا علم فله من الأجل بقدر المسافة إما أن يقدم وإما أن يبعث وكيلا في طلبها وذلك بعد أن يشهد حيث علم أنه على شفعته ويسمي الدار، والأرض والموضع ويحدد حتى يستوثق لنفسه م: (والثالث) ش: أي النوع الثالث من أنواع الطلب م: (طلب الخصومة والتمليك) ش: وسماه في " الكافي " طلب الاستحقاق وهو أن يرفع المشتري الأمر إلى القاضي فيثبت حقه عنده بالحجة م: (وسنذكر كيفيته من بعد إن شاء الله تعالى) ش: أي عند قوله وإذا تقدم الشفيع إلى القاضي فادعى الشراء وطلب الشفعة إلى آخره. [هل تسقط الشفعة بالتأخير] م: (قال: ولا تسقط الشفعة بتأخير هذا الطلب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قال القدوري: لا تسقط الشفعة بتأخير طلب الخصومة والتمليك عند أبي حنيفة م: (وهو رواية عن أبي يوسف) ش: هذا قول المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولم يذكره القدوري أي قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبه قال الشافعي، وأحمد، وقول محمد رواية عن أبي يوسف أيضا. م: (وقال محمد: إن تركها شهرا بعد الإشهاد بطلت) ش: أي الشفعة م: (وهو قول الجزء: 11 ¦ الصفحة: 307 زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - معناه: إذا تركها من غير عذر. وعن أبي يوسف: أنه إذا ترك المخاصمة في مجلس من مجالس القاضي تبطل شفعته؛ لأنه إذا مضى مجلس من مجالسه ولم يخاصم فيه اختيارا دل ذلك على إعراضه وتسليمه. وجه قول محمد: أنه لو لم يسقط بتأخير الخصومة منه أبدا يتضرر به المشتري؛ لأنه لا يمكنه التصرف حذار نقضه من جهة الشفيع، فقدرناه بشهر؛ لأنه آجل وما دونه عاجل على ما مر في الأيمان. ووجه قول أبي حنيفة، وهو ظاهر المذهب وعليه الفتوى:   [البناية] زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قول محمد هو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا م: (معناه: إذا تركها من غير عذر) ش: أي معنى قول ولا تسقط الشفعة بتأخير هذا الطلب إذا تركها من غير عذر. وفي " الذخيرة " و " المغني " لو ترك المرافعة إلى القاضي بعد الطلبين بعذر مرض أو حبس أو عدم قدرته على التوكيل بالطلب لم تبطل شفعته بالإجماع. أما لو ترك المرافعة بغير عذر لا تبطل عند أبي حنيفة، وبه قالت الثلاثة، وهو رواية أبي يوسف. وعند محمد وأبي يوسف في رواية إذا طالت المدة تبطل وهو قول زفر. واختلفت الرواية عنهما في طول المدة عنه ففي رواية مقدر بثلاثة أيام. وفي رواية أخرى مقدر بشهر وهو إحدى الروايتين عن أبي يوسف، وذكر فيها أيضا لو ترك المرافعة خوفا أن القاضي يبطل شفعته بأنه لا يرى الشفعة على الجوار فهو على شفعته. وقال الكرخي: قال هشام سألت محمدا عن قول أبي حنيفة فيمن طلب الشفعة عند غير القاضي ثم سكت قال: هو على شفعته أبدا ما لم يقل باللسان قد تركتها، وكذلك قول أبي يوسف، وقال محمد: فأما في قولي فإن سكت بعد الطلب شهرا بطلت شفعته. م: (وعن أبي يوسف: أنه إذا ترك المخاصمة في مجالس القاضي تبطل شفعته؛ لأنه إذا مضى مجلس من مجالسه ولم يخاصم فيه اختيارا دل ذلك على إعراضه وتسليمه) ش: لم يقدر أبو يوسف التأخير بمقدار على هذه الرواية بل جعله على ما يراه القاضي؛ لأن ذلك يختلف باختلاف الأحوال. م: (وجه قول محمد: أنه لم يسقط بتأخير الخصومة منه أبدا يتضرر به المشتري لأنه لا يمكنه التصرف حذار نقضه) ش: أي حذار من نقض البناء والغرس م: (من جهة الشفيع فقدرناه بشهر؛ لأنه آجل وما دونه) ش: أي ما دون الشهر م: (عاجل على ما مر في الأيمان) ش: أي في مسألة ليقضين حقه عاجلا فقضاه فيما دون الشهرين في يمينه. م: (ووجه قول أبي حنيفة: وهو ظاهر المذهب وعليه الفتوى) ش: وهذا مخالف لما قال قاضي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 308 أن الحق متى ثبت واستقر لا يسقط إلا بإسقاطه، وهو التصريح بلسانه كما في سائر الحقوق، وما ذكر من الضرر يشكل بما إذا كان غائبا، ولا فرق في حق المشتري بين الحضر والسفر، ولو علم أنه لم يكن في البلدة قاض لا تبطل شفعته بالتأخير بالاتفاق؛ لأنه لا يتمكن من الخصومة إلا عند القاضي فكان عذرا. قال: وإذا تقدم الشفيع إلى القاضي،   [البناية] خان في "جامعه" و" صاحب المنافع " و" الخلاصة " مع أن الفتوى على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولكن الذي أخذ به المصنف هو الذي أخذ به الطحاوي في "مختصره" والكرخي أخذ برواية الشهر، إلا أن يكون القاضي عليلا أو غائبا (أن الحق متى ثبت واستقر لا يسقط إلا بإسقاطه، وهو التصريح بلسانه، كما في سائر الحقوق) ش: فإنه إذا كان له حق ثابت عنده أخذ الجهة من الجهات، فإنه لا يسقط عنه بالأداء وبإسقاط صاحبه بالتصريح، فكذا هذا. م: (وما ذكر من الضرر) ش: جواب عن قول محمد، أي ما ذكر محمد من ضرر المشتري م: (يشكل بما إذا كان) ش: أي الشفيع م: (غائبا، ولا فرق في حق المشتري بين الحضر والسفر) ش: أي لا فرق في لزوم الضرر على المشتري بين أن يكون الشفيع حاضرا أو غائبا لم يعتبر ضرره في الشفيع الغائب حيث لم تبطل شفعته بتأخير هذا الطلب بالاتفاق، فيجب أن لا تبطل فيما إذا كان الشفيع حاضرا. وفي " الذخيرة " لو كان الشفيع غائبا ينبغي أن يطلب طلب المواثبة ثم له في الأجل على قدر المسير إلى المشتري أو البائع والدار المبيعة لطلب الإشهاد، ولو قدم المصر وتغيب المشتري وطلب الإشهاد على البائع أو عند الدار ثم ترك طلب التملك لا تبطل شفعته، وإن طال ذلك بلا خلاف؛ لأن ذلك ترك بعذر إذ لا يمكنه اتباع المشتري لأجل الخصومة؛ لأنه لكما قدم مصرا فيه المشتري ليأخذه هرب المشتري إلى مصر آخر. ثم الشفعة تثبت للغائب عند جمهور العلماء إلا عند النخعي والعكلي والبتي حيث قالوا لا شفعة للغائب؛ لأن في إثباتها ضررا بالمشتري، وللجمهور عموم الأحاديث. م: (ولو علم أنه لم يكن في البلدة قاض لا تبطل شفعته بالتأخير بالاتفاق؛ لأنه لا يتمكن من الخصومة إلا عند القاضي فكان عذرا) ش: أراد بالاتفاق أصحابنا. وقال أحمد والشافعي: تبطل؛ لأن الأخذ بالشفعة لا يفتقر إلى حكم الحاكم عندهما؛ لأنه حق ثبت بالإجماع والنص، فلا يفتقر إلى الحكم كالرد بالعيب. قلنا: هو نقل الملك عن مالكه إلى غيره قهرا فيحتاج إلى الحكم كالرد بالعيب. م: (قال: وإذا تقدم الشفيع إلى القاضي) ش: أي قال القدوري وهذا هو طلب الخصومة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 309 فادعى الشراء وطلب الشفعة سأل القاضي المدعى عليه فإن اعترف بملكه الذي يشفع به وإلا كلفه بإقامة البينة لأن اليد ظاهر محتمل، فلا تكفي لإثبات الاستحقاق. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ويسأل القاضي المدعي قبل أن يقبل على المدعى عليه عن موضع الدار وحدودها؛ لأنه ادعى   [البناية] الذي وعده بقوله وسنذكر كيفته من بعد م: (فادعى الشراء) ش: أي ادعى أن فلانا اشترى الدار م: (وطلب الشفعة سأل القاضي المدعى عليه) ش: وهو المشتري م: (فإن اعترف بملكه الذي يشفع به) ش: أي فإن أقر المشتري بملك الشفيع الذي يشفع به صار خصما فيسلمها. وهذا هو جواب أن الشرطية. م: (وإلا) ش: أي وإن لم يعترف بأن أنكر ملك الشفيع بأن قال الملك الذي في يده ليس له وإنما هو ساكن فيه م: (كلفه) ش: أي كلف القاضي الشفيع م: (بإقامة البينة) ش: على أن الدار التي هو فيها ملكه ليثبت كونه خصما؛ لأن الخصومة في الشفعة فرع على ثبوت السبب وهو المجاورة والشركة، فإذا لم يثبت لم يصح إثبات ما هو فرع عليه. وقال زفر: وهو أحد الروايتين عن أبي يوسف ليس عليه إقامة البنية على الملك؛ لأن اليد دليل على الملك، ألا ترى أن الشهود يشهدون بالملك بمشاهدة اليد فوجب بشهادة اليد فوجب أن يقضي بالشفعة لأجلها. ودليلنا ما أشار إليه بقوله م: (لأن اليد ظاهر محتمل) ش: فيحتمل أنه يد ملك وغير ذلك م: (فلا تكفي لإثبات الاستحقاق) ش: لأن المحتمل لا يصلح أن يكون حجة الإلزام على الغير، وبه قال الشافعي وأحمد ذكره في " الحلية " و " مغني الحنابلة " وما ذكره في " الكافي " خلافا للشافعي ليس بمعتمد مذهبه، وظاهر اليد لا يثبت للاستحقاق على الغير، ولهذا قالوا إذا زعم المقذوف أنه حر وقال القاذف هو عبد لم يجب الحد حتى يقيم المقذوف البينة على الحرية وذلك لأن الظاهر الحرية إلا أنه لا يستحق بهذا الظاهر حقا على الغير، وكذلك المقطوعة يده إذا زعم أنه حر وطلب القصاص من القاطع فقال القاطع: هو عبد لم يجب القصاص حتى يثبت الحرية لهذا المعنى. وكذلك قالوا في المشهود عليه إذا زعم أن الشاهد عبد لم يقض عليه بظاهر الحرية، وكذلك إذا زعمت العاقلة أن القاتل عبد لم يقض عليه لم يتحملوا عنه الدية حتى يثبت أنه حر. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ويسأل القاضي المدعي) ش: أي قال صاحب " الهداية " يسأل القاضي مدعي الشفعة م: (قبل أن يقبل على المدعى عليه عن موضع الدار) ش: أي الدار المشفوعة بأن يقول الشفيع دار فلان في بلدة كذا في محلة كذا م: (وحدودها) ش: الأربع م: (لأنه ادعى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 310 حقا فيها فصار كما إذا ادعى رقبتها، وإذا بين ذلك يسأل عن سبب شفعته لاختلاف أسبابها. فإن قال: أنا شفيعها بدار لي تلاصقها الآن تم دعواه على ما قاله الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذكر في الفتاوى تحديد هذه الدار التي يشفع بها أيضا   [البناية] حقا فيها) ش: أي في الدار والدعوى لا يصح إلا في المعلوم م: (فصار كم إذا ادعى رقبتها) ش: أي صار حكم هذا الحكم من يدعي رقبة الدار حيث لا يصح دعواه إلا إذا بينها بحدودها وأوصافها. م: (وإذا بين ذلك) ش: أي في موضع الدار وحدودها م: (يسأله عن سبب شفعته) ش: أي يسأل القاضي الشفيع بأي سبب يدعي الشفعة م: (لاختلاف أسبابها) ش: أي لاختلاف أسباب الشفعة من الشركة والجوار فإنها على المراتب كما تقدم فلا بد من بيان السبب ليعلم هل هو محجوب بغيره أم لا، وربما ظن ما ليس بسبب كالجار المقابل سببا فإنه سبب عند شريح إذا كان أقرب بابا فلا بد من البيان. ويقول له أيضا متى أخبرت بالشراء كيف صنعت حين أخبرت به ليعلم أن المدة طالت أم لا، فإن عند أبي يوسف ومحمد إذا تطاولت المدة فالقاضي لا يلتفت إلى دعواه وعليه الفتوى، وهذا لا يلزم المصنف لأنه ذكر أن الفتوى على قول أبي حنيفة في عدم البطلان بالتأخير ثم بعد ذلك يسأله عن طلب الإشهاد، فإذا قال طلبت حين علمت أو أخبرت من غير لبث يسأله عن طلب الاستقرار، فإن قال طلبته من غير تأخير يسأله عن المطلوب بحضرته فقد كان أقرب إليه من غيره. فإن قال نعم فقد صحح دعواه ثم يقبل على المدعى عليه فإن اعترف بملكه الذي يشفع به وإلا كلفه إقامة البينة على ما ذكرنا. م: (فإن قال: أنا شفيعها بدار لي تلاصقها الآن تم دعواه على ما قاله الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ذكر هذا تفريعا على ما تقدم وبيانا للخلاف الذي ذكر الحدود فإنه إذا قال أنا شفيع الدار المشتركة بدار تلاصق الدار المشفوعة وبين حدود الدار المشفوعة وأنها في بلدة كذا في محلة كذا يتم دعواه عند الخصاف ولا يشتر ذكر حدود دار عنده. م: (وذكر في " الفتاوى " تحديد هذه الدار التي يشفع بها أيضا) ش: فالشرط على ما ذكر في الفتاوى بيان حدود دار الشفيع التي بطلت الشفعة بها بأن يقول أنا شفيعها بالجوار بداري التي أحد حدودا كذا، والثاني كذا، والثالث كذا، والرابعة كذا وبيان صدور الدار المشتراة المشفوعة ما ذكرنا. وقال الفقيه أبو الليث: وأما الطلب عند الحاكم أن يقول اشتري هذه الدار التي أحد حدودها كذا، والثانية كذا، والثالثة كذا، والرابعة كذا، وأنا شفيعها بالجوار بالدار التي أحد حدودها كذا، والثاني كذا، والثالث كذا، والرابع كذا، طلبت أخذها بشفعتي فمره بتسليمها الجزء: 11 ¦ الصفحة: 311 وقد بيناه في الكتاب الموسوم بالتجنيس والمزيد. قال: فإن عجز عن البينة استحلف المشتري بالله ما يعلم أنه مالك للذي ذكره مما يشفع به، معناه بطلب الشفيع لأنه ادعى عليه معنى لو أقر به لزمه. ثم هو استحلاف على ما في يد غيره فيحلف على العلم. فإن نكل أو قامت للشفيع بينة ثبت ملكه في الدار التي يشفع بها وثبت الجوار، فبعد ذلك سأله القاضي يعني المدعى عليه هل ابتاع أم لا؟ فإن أنكر الابتياع قيل للشفيع أقم البينة؛ لأن الشفعة لا تجب إلا بعد ثبوت البيع، وثبوته بالحجة.   [البناية] إلي بشفعتي هذه م: (وقد بيناه في الكتاب الموسم بالتجنيس والمزيد) ش: فكلاهما اسم لكتاب واحد للمصنف في الفتاوى. وذكر فيه وقال: ينبغي أن يقول: وأنا أطلب الشفعة بدار اشتريتها من فلان التي أحد حدودها كذا. والثاني كذا، والثالث كذا، والرابع كذا؛ لأن الدار إنما تصير معلومة بذكر الحدود وبين حدود الدار المشتراة أيضا؛ لأن الدعوى إنما تصح بعد إعلام المدعي به والإعلام بذكر الحدود. م: (قال: فإن عجز عن البينة) ش: أي قال القدوري: فإن عجز الشفيع عن إقامة البينة وهو عطف على قوله كلفه إقامة البنية م: (استحلف المشتري بالله ما يعلم أنه مالك الذي ذكره مما يشفع به) ش: هذا تحليف على العلم على ما نذكره، وفي " الذخيرة " هذا على قول أبي يوسف لأنه استحق الشفعة بمجرد اليد عنده، أما عند محمد فيحلف على البتات لأنه يدعي عليه استحقاق الشفعة، وصار كما لو ادعى الملك بسبب الشراء أو غيره، وهناك يحلف على البتات، فكذا هاهنا. م: (معناه بطلب الشفيع) ش: أي معنى قول القدوري استحلف المشتري إذا طلب الشفيع م: (لأنه) ش: أي لأن الشفيع م: (ادعى عليه) ش: أي على المشتري م: (معنى لو أقر به لزمه) ش: أي لو أقر به المشتري لزمه بإقرار م: (ثم هو استحلاف على ما في يد غيره) ش: أي ثم هذا الاستحلاف على ما في يد غيره م: (فيحلف على العلم) ش: والأصل فيه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لليهود في القسامة: «فيحلف منكم خمسون رجلا خمسين يمينا بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا» ، فكان ذلك أصلا في أن اليمين إذا كانت على فعل المدعى عليه كانت على البتات، وإذا كانت على فعل الغير كانت على العلم م: (فإن نكل) ش: أي المشتري عن اليمين م: (أو قامت للشفيع بينة ثبت ملكه في الدار التي يشفع بها وثبت الجوار، فبعد ذلك سأله القاضي يعني المدعى عليه) ش: يعني على الشراء م: (هل ابتاع أم لا) ش: أي هل اشترى الدار المشفوعة أم لم يشتر م: (فإن أنكر الابتياع قيل للشفيع أقم البينة) ش: على الشراء م: (لأن الشفعة لا تجب إلا بعد ثبوت البيع، وثبوته بالحجة) ش: وهي الإقرار أو البينة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 312 قال: فإن عجز عنها استحلف المشتري بالله ما ابتاع أو بالله ما استحق عليه في هذه الدار شفعة من الوجه الذي ذكره فهذا على الحاصل والأول على السبب وقد استوفينا الكلام فيه في الدعوى، وذكرنا الاختلاف بتوفيق الله وإنما يحلفه على البتات لأنه استحلاف على فعل نفسه وعلى ما في يده أصالة، وفي مثله يحلف على البتات قال: وتجوز المنازعة في الشفعة وإن لم يحضر الشفيع الثمن إلى مجلس القاضي فإذا قضى القاضي بالشفعة لزمه إحضار الثمن   [البناية] م: (قال: فإن عجز عنها) ش: أي قال القدوري: فإن عجز الشفيع عن إقامة البنية م: (استحلف المشتري بالله ما ابتاع) ش: أي استحلف القاضي المشتري بالله ما اشترى م: (أو بالله ما استحق عليه في هذه الدار شفعة من الوجه الذي ذكره) ش: أي أو استحلف بالله ما استحق الشفيع عليه في هذه الدار شفعته. وفي بعض النسخ أو بالله ما استحق على هذه الدار شفعته م: (فهذا على الحاصل) ش: أي فهذا الاستحلاف على الحاصل، أعني استحلاف على حكم الشيء في الحال. والأصل في الاستحلاف هو الاستحلاف على الحاصل عندهما، وعند أبي يوسف على السبب إلا إذا وجد التعريض من المدعى عليه فحينئذ يحلف على الحاصل. وفي " شرح الأقطع " فالذي ذكره في الكتاب إنما هو قول محمد. وقال أبو يوسف: يحلف بالله ما ابتاع إلا أن يعوض فيقول قد يشتري الإنسان بالشيء ثم يفسخ العقد فلا يمكن استحلافه كذلك فيحلفه بالله ما يستحق عليه شفعته. م: (والأول على السبب) ش: وهو قوله بالله ما ابتاع م: (وقد استوفينا الكلام فيه في الدعوى، وذكرنا الاختلاف بتوفيق الله) ش: أي في فصل كيفية اليمين والاستحلاف في الدعوى في قوله وهذا قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى أما على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يحلف في جميع ذلك على السبب إلى آخره م: (وإنما يحلفه على البتات لأنه استحلاف على فعل نفسه وعلى ما في يده أصالة، وفي مثله يحلف على البتات) ش: أي يحلف القاضي المشتري في إنكاره الابتياع فيقول: بالله ما ابتعت أو يقول بالله ما يستحق الشفيع على هذه الدار شفعة، بخلاف استحلاف المشتري على إنكاره ملك الشفيع في الدار التي يسكنها الشفيع فإنه يحلفه على العلم فيقول بالله ما أعلم أنه ما تملك لها. [المنازعة في الشفعة] م: (قال: وتجوز المنازعة في الشفعة وإن لم يحضر الشفيع الثمن إلى مجلس القاضي) ش: أي قال القدوري: وذلك لأن الثمن إنما يجب بعد انتقال الملك إلى الشفيع ففي حالة المنازعة للانتقال فلا يجب عليه إحضار الثمن م: (فإذا قضى القاضي بالشفعة لزمه إحضار الثمن) ش: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 313 وهذا ظاهر رواية الأصل. وعن محمد: أنه لا يقضي حتى يحضر الشفيع الثمن، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الشفيع عساه يكون مفلسا فيتوقف القضاء على إحضاره حتى لا يتوى مال المشتري، وجه الظاهر: أنه لا ثمن له عليه قبل القضاء.   [البناية] لانتقال الملك إليه م: (وهذا ظاهر رواية الأصل) ش: وبه قالت الثلاثة وابن شبرمة إلا عند الشافعي وابن شبرمة ينتظر ثلاثة أيام. فإن أحضر وإلا فسخ عليه، وعند مالك وأحمد ينتظر يوما أو يومين وإلا يفسخ عليه، وإنما قال هذا ظاهر رواية الأصل، ولم يقل هذا رواية الأصل لأنه لم يصرح في الأصل هكذا، ولكنه ذكر ما يدل على أن القاضي يقضي بالشفعة من غير إحضار الثمن؛ لأنه قال للمشتري أن يحبس الدار حتى يستوفي الثمن منه أو من ورثته إن مات. م: (وعن محمد: أنه لا يقضي حتى يحضر الشفيع الثمن، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الشفيع عساه يكون مفلسا فيتوقف القضاء على إحضاره حتى لا يتوى مال المشتري) ش: أي حتى لا يهلك، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا توى على مال امرئ مسلم» . قوله عساه أي عسى الشفيع يكون مفلسا. وأصل استعماله بأن نحوه عسى زيد أن يخرج، وقد يشتبه يكاد فيترك أي نحو قول الشاعر: عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب وما ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - من هذا القبيل واسم عسى هاهنا الضمير البارز. م: (وجه الظاهر: أنه لا ثمن له عليه) ش: أي الشأن لا ثمن للمشتري على الشفيع م: (قبل القضاء) ش: فلا يتمكن المشتري من مطالبته، فكيف يجب إحضاره، وفي " شرح الطحاوي " لا ينبغي للقاضي أن يقضي بالشفعة حتى يحضر الثمن أما لو قضى ينفذ فضاؤه ووجب عليه الثمن فيحبس المشتري المبيع حتى يحضر الشفيع الثمن. ولو قال للشفيع: ليس عندي الثمن أحضره اليوم أو غدا أو ما أشبه ذلك فالقاضي لا يلتفت إلى ذلك، ويبطل حقه في الشفعة، ثم قال والفرق بين البائع والمشتري وبين الشفيع والمشتري، فإن المشتري في البيع لو ماطل لا يبطل الشراء، وهاهنا يبطل والبائع أزال البيع عن ملكه قبل وصول الثمن إليه فقد ضر بنفسه عن اختياره فلا يزيل ملك نفسه عن اختياره فلا ينظر له بإبطال ملك المشتري، وإنما ينظر له بإثبات ولاية حبس المبيع، فإن المشتري هاهنا فلا يزيل ملكه نفسه عن اختياره ليقال أضر بنفسه قبل وصول الثمن إليه، بل الشفيع يتملك عليه كرها دفعا للضرر عن نفسه، وإنما يجوز للإنسان دفع الضرر عن نفسه على وجه لا يضر بغيره ودفع الضرر عن المشتري بإبطال الشفعة إذا ماطل في دفع الثمن. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 314 ولهذا لا يشترط تسليمه فكذا لا يشترط إحضاره. وإذا قضى له بالدار فللمشتري أن يحبسه حتى يستوفي الثمن وينفذ القضاء عند محمد أيضا؛ لأنه فصل مجتهد فيه ووجب عليه الثمن فيحبس فيه، فلو أخر أداء الثمن بعد ما قال له ادفع الثمن إليه لا تبطل شفعته لأنها تأكدت بالخصومة عند القاضي. قال: وإن أحضر الشفيع البائع والمبيع في يده فله أن يخاصمه في الشفعة؛ لأن اليد له وهي يد مستحقة ولا يسمع القاضي البينة حتى يحضر المشتري فيفسخ البيع بمشهد منه ويقضي بالشفعة على البائع، ويجعل العهدة عليه؛ لأن الملك للمشتري   [البناية] م: (ولهذا) ش: أي ولعدم كون الثمن عليه قبل القضاء م: (لا يشترط تسليمه، فكذا لا يشترط إحضاره) ش: لأنه ليس بثابت عليه م: (وإذا قضى له بالدار فللمشتري أن يحبسه حتى يستوفي الثمن) ش: أي فإذا قضى للشفيع بالدار. وفي بعض النسخ فإذا قضى بالدار للشفيع فللمشتري م: (وينفذ القضاء عند محمد أيضا؛ لأنه فصل مجتهد فيه) ش: يعني أن عند محمد لا يقضى بالشفعة قبل إحضار الثمن، ومع هذا لو قضى بها قيل الإحضار ويفيد القضاء عنده أيضا لوقوعه في محل مجتهد فيه، وإنما قال عند محمد أيضا؛ لأن الإشكال يجيء على مذهبه إذ لا يجوز القضاء عنده حتى يحضر الثمن كما ذكرنا. م: (ووجب عليه الثمن) ش: أي على الشفيع م: (فيحبس فيه) ش: أي في الثمن إذا أخره م: (فلو أخر أداء الثمن بعدما قال له ادفع الثمن إليه لا تبطل شفعته) ش: أي فلو أخر الشفيع الثمن بعدما قال القاضي له ادفع الثمن إليه، أي إلى المشتري لا تبطل شفعته. وفي " الكافي " عند محمد م: (لأنها تأكدت بالخصومة عند القاضي) ش: أي لأن الشفعة تأكدت بخصومة الشفيع عند القاضي. م: (قال: إن أحضر الشفيع البائع والمبيع في يده) ش: أي قال القدوري أي وإن أحضر الشفيع البائع عند القاضي والحال أن الدار المشفوعة في يده ولم يسلمها إلى المشتري م: (فله أن يخاصمه في الشفعة) ش: أي فللشفيع أن يخاصم البائع في الشفعة م: (لأن اليد له وهي يد مستحقة) ش: أي معتبرة كيد الملاك، ولهذا كان له أن يحسبه حتى يستوفي الثمن. ولو هلك في يده ملك من ماله، وإنما قال ذلك احترازا عن يد المودع والمستعير ومن له يد كذلك فهو خصم من ادعى عليه م: (ولا يسمع القاضي البينة حتى يحضر المشتري فيفسخ البيع بمشهد منه) ش: أي بحضور من المشتري والمشهد بفتح الميم مصدر اسمي بمعنى الشهود وهو الحضور م: (ويقضي بالشفعة على البائع ويجعل العهدة عليه) ش: أي على البائع وهي ضمان سبب الثمن عند الاستحقاق لأنه هو القابض للثمن م: (لأن الملك للمشتري) ش: لأنه ثبت له بالبيع فصار ملكه، ألا ترى أنه يجوز له أن يتصرف فيه تصرف الملاك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 315 واليد للبائع والقاضي يقضي بهما للشفيع، فلا بد من حضورهما بخلاف ما إذا كانت الدار قد قبضت، حيث لا يعتبر حضور البائع؛ لأنه صار أجنبيا إذ لا يبقى له يد ولا ملك. وقوله: فيفسخ البيع بمشهد منه إشارة إلى علة أخرى، وهي أن البيع في حق المشتري إذا كان ينفسخ لا بد من حضوره ليقضى بالفسخ عليه، ثم وجه هذا الفسخ المذكور   [البناية] م: (واليد للبائع) ش: ألا ترى أن له أن يحبسه لاستيفاء الثمن م: (والقاضي يقضي بهما) ش: أي بالملك واليد م: (للشفيع فلا بد من حضورهما) ش: أي حضور البائع والمشتري، إذ الشفيع يريد استحقاق الملك واليد، ولأن أخذه من يد البائع يوجب انفساخ البيع بين البائع والمشتري وذا لا يتم إلا بمحضر من المشتري فيشترط حضوره ثم الأخذ من يد البائع يجوز عندنا وعند الشافعي في وجه واحد. وقال الشافعي في قول وأحمد في رواية: يجبر الحاكم المشتري حتى يقبضه من يد البائع فيأخذ الشفيع من يده والعهدة على المشتري بكل حال عند الثلاثة. وعند زفر وابن أبي ليلى والبناء على البائع بكل حال، وعندنا إن أخذ من يد البائع فالعهدة عليه، وإن أخذه من يد المشتري فالعهدة عليه. وروى ابن سماعة وبشر بن الوليد عن أبي يوسف أن المشتري إن كان نقد الثمن ولم يقبض الدار حتى قضى للشفيع بالشفعة بمحضر من البائع والمشتري، فإن الشفيع يقبض الدار من البائع وينقد الثمن للمشتري وعهدته عليه، وإن كان لم ينقد الثمن دفع الثمن إلى البائع وعهدته عليه. م: (بخلاف ما إذا كانت الدار قد قبضت حيث لا يعتبر حضور البائع لأنه صار أجنبيا إذ لم يبق له يد ولا ملك) ش: أي للبائع، أما عدم اليد فظاهر؛ لأن المبيع قبض، وأما عدم الملك فلأن المشتري ملكه بالعقد الصحيح مع القبض. م: (وقوله) ش: أي قول القدوري: م: (فيفسخ البيع بمشهد منه إشارة إلى علة أخرى وهي أن البيع في حق المشتري إذا كان ينفسخ لا بد من حضوره ليقضى بالفسخ عليه) ش: يعني اشتراط الحضور معلول بعلتين: إحداهما أنه يصير مقضيا عليه في حق الملك؛ لأنه قال قبل هذا؛ لأن الملك للمشتري واليد للبائع فلا بد من حضوره، وثانيهما أنه يصير مقضيا عليه بحق الفسخ كما ذكر هاهنا، فلا بد من حضوره، إذ القضاء على الغائب لا يجوز. م: (ثم وجه هذا الفسخ المذكور) ش: وهو الفسخ المذكور في قوله فيفسخ البيع بمشهد منه، ولما كان الفسخ للبيع يوهم العود على موضعه بالنقض في المسألة؛ لأن نقض البيع إنما هو لأجل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 316 أن ينفسخ في حق الإضافة لامتناع قبض المشتري بالأخذ بالشفعة، وهو يوجب الفسخ، إلا أنه يبقى أصل البيع لتعذر انفساخه؛ لأن الشفعة بناء عليه، ولكنه تتحول الصفقة إليه، ويصير كأنه هو المشتري منه   [البناية] الشفعة، وبعضه يفضي إلى انتفائها لكونها مبنية على البيع بين وجه النقض بقوله ثم وجه هذا الفسخ المذكور م: (أن ينفسخ في حق الإضافة) ش: يعني يصير البيع مضافا إلى الشفيع بعد أن كان مضافا إلى الشفيع بعد أن كان مضافا إلى المشتري م: (لامتناع قبض المشتري بالأخذ بالشفعة) ش: هذا تعليل لقوله أن يفسخ في حق الإضافة وإن قبض المشتري مع ثبوت حق الأخذ للشفيع ممتنع. وإذا كان ممتنعا فإن الغرض من الشراء هو الانتفاع بالبيع، فيحتاج إلى الفسخ، وهو معنى قوله م: (وهو يوجب الفسخ) ش: أي امتناع قبض المشتري بسبب الأخذ بالشفعة يوجب الفسخ؛ لأن الأسباب شرعت لأحكامهما لانتفائهما. م: (إلا أنه يبقي أصل البيع) ش: هذا استثناء عن قوله ينفسخ في حق الإضافة، وإلا بمعنى لكن، يعني لكن الشأن يبقى أصل البيع بمعنى الفسخ في حق المشتري لا البائع، ويبقى أصل البيع، أعني الصادر من البائع وهو قوله بعت مجردا من إضافته إلى ضمير المشتري لتعذر انفساخه، فإنه لو انفسخ عاد على موضعه بالنقض كما ذكرنا. م: (لتعذر انفساخه) ش: أي انفساخ العقد في حقهما من كل وجه؛ لأنه يصير كأن البيع لم يكن أصلا؛ لأن الانفساخ من كل وجه عبارة عنه، فحينئذ يبطل حق الشفعة م: (لأن الشفعة بناء عليه) ش: أي على البيع م: (ولكنه تتحول الصفقة إليه) ش: أي ولكن الشأن يتحول العقد إلى الشفيع، وهذا وجه التحويل لبقاء العقد، وهو بتحويل الصفقة إليه. م: (ويصير كأنه هو المشتري منه) ش: أي يصير الشفيع كأنه المشتري من البائع، وهذا لأن الشفعة ثابتة في الشرع ألبتة، وثبوتها مع بقاء العقد كما كان متعذرا لعدم حصول المقصود فكان فسخه من ضروراتها، وهي تندفع بفسخه من جانب المشتري فلا يتعدى إلى غيره، وهذا اختيار بعض المشايخ وهو المختار. وقال بعضهم: نقل الدار من المشتري إلى الشفيع بعقد جديد قالوا لو كان بطريق التحول لم يكن للشفيع بعقد جديد، قالوا لو كان بطريق لم يكن للشفيع خيار الرؤية إذا كان المشتري قد رآه لكن له ذلك كما سيأتي ولما كان له أن يرد الدار إذا اطلع على عيب، والمشتري اشتراها على أن البائع بريء من كل عيب بها، لكن له ذلك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 317 فلهذا يرجع بالعهدة على البائع، بخلاف ما إذا قبضه المشتري فأخذه من يده حيث تكون العهدة عليه؛ لأنه تم ملكه بالقبض، وفي الوجه الأول امتنع قبض المشتري وأنه يوجب الفسخ، وقد طولنا الكلام فيه في " كفاية المنتهي " بتوفيق الله تعالى. قال: ومن اشترى دارا لغيره فهو الخصم للشفيع؛ لأنه هو العاقد، والأخذ بالشفعة من حقوق العقد فيتوجه عليه. قال: إلا أن يسلمها إلى الموكل؛ لأنه لم يبق يد ولا ملك، فيكون الخصم هو الموكل؛   [البناية] والجواب أن العقد يفضي إلى سلامة المعقود عليه من العيب، وإنما تغير في حق المشتري بعارض لم يوجد في الشفيع وهو الرواية وقبول المشتري العيب فتحولت الصفقة إلى الشفيع موجبة السلامة نظرا إلى الأصل. م: (فلهذا) ش: أي فلتحول الصفقة إليه م: (يرجع بالعهدة على البائع) ش: لأنه لو باع كما كان، ولو كان بعقد جديد كانت على المشتري م: (بخلاف ما إذا قبضه المشتري فأخذه) ش: أي الشفيع م: (من يده حيث تكون العهدة عليه؛ لأنه تم ملكه بالقبض، وفي الوجه الأول) ش: وهو فيما إذا كان المبيع في يد البائع وأخذ الشفيع منه م: (امتنع قبض المشتري وأنه يوجب الفسخ) ش: أي فسخ البيع الذي كان بين المشتري وبينه م: (وقد طولنا الكلام فيه،) ش: أي في حكم المسألة المذكورة م: (في " كفاية المنتهي " بتوفيق الله تعالى) ش: وقد بينا شيئا من ذلك في أثناء الكلام. م: (قال: ومن اشترى دارا لغيره) ش: أي قال القدوري: يعني اشترى لغيره بطريق الوكالة م: (فهو الخصم للشفيع؛ لأنه هو العاقد) ش: فيتوجه عليه حقوق العقد م: (والأخذ بالشفعة من حقوق العقد فيتوجه عليه) ش: أي فتتوجه الخصومة على الوكيل. م: (قال إلا أن يسلمها إلى الموكل) ش: أي قال القدوري إلا أن يسلم الوكيل الدار إلى الموكل فحينئذ يكون الموكل هو الخصم م: (لأنه لم يبق له يد ولا ملك) ش: أي لأن الشأن لم يبق للوكيل يد في الدار ولا ملك فصار كالبائع إذا سلم إلى المشتري يخرج من الخصومة بالتسليم، غير أن البائع لا يكون خصما إذا كانت الدار في يده حتى يحضر المشتري والوكيل إذا قبض خصم وإن لم يحضر الموكل؛ لأن المشتري لم يقم البائع مقام نفسه فلم يجز فسخ الملك عليه من غير حضوره، وأما الموكل فقد أقام الوكيل مقام نفسه ورضي به فجاز أن يفسخ الملك بمخاصمته وإن لم يحضر الموكل. م: (فيكون الخصم هو الموكل) ش: يعني إذا سلم الوكيل الدار إلى الموكل يكون هو الخصم. وفي " شرح الطحاوي " ومن اشترى دارا لرجل يأمره وقبضها ثم جاء الشفيع فطلب الشفعة، فإنه ينظر إن كان الوكيل لم يسلم الدار إلى الموكل، فإن للشفيع أن يأخذ الدار منه فيكتسب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 318 وهذا لأن الوكيل كالبائع من الموكل على ما عرف فتسليمه إليه كتسليم البائع إلى المشتري فتصير الخصومة معه، إلا أنه مع ذلك قائم مقام الموكل، فيكتفي بحضوره في الخصومة قبل التسليم، وكذا إذا كان البائع وكيل الغائب فللشفيع أن يأخذها منه إذا كانت في يده؛ لأنه عاقد، وكذا إذا كان البائع وصيا لميت فيما يجوز بيعه لما ذكرنا.   [البناية] عهدته عليه وينقد الثمن إليه بقوله الوكيل إلى الموكل، وإن كان الوكيل سلم الدار إلى الموكل أخذها منه وينقد الثمن إياه ويكتب العهدة. وروي عن أبي يوسف أنه قال: لا يأخذ من يد الوكيل لأنه إنما اشتراها للموكل وهو ليس بخصم فيها، ولكن يقال سلم الدار إلى الموكل ثم يأخذها الشفيع منه، وفي ظاهر الرواية ما ذكرنا أنه يأخذ من يد الوكيل إذا كان في يده لأن حقوق العقد راجعة إلى العاقد فيكون في حقوق عقد كالمالك والشفعة من حقوق العقد. م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن الوكيل كالبائع من الموكل على ما عرف) ش: في باب الوكالة أن بين الوكيل والموكل بيع حكما م: (فتسليمه إليه) ش: أي بتسليم الوكيل إلى الموكل م: (كتسليم البائع إلى المشتري فتصير الخصومة معه) ش: أي مع الموكل، يعني لو كان سلم إلى المشتري كان هو الخصم، فكذا الموكل. م: (إلا أنه مع ذلك قائم مقام الموكل) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال لو كان الوكيل والموكل كالبائع والمشتري كان ينبغي أن يشترط حضورهما جميعا في الخصومة في الشفعة إذا كان الدار في يد الوكيل كما أن الحكم كذلك في البائع والمشتري كما يقدم، وتقرير الجواب أن يقال: إن الوكيل قائم مقام الموكل لكونه نائبا عنه م: (فيكتفي بحضوره في الخصومة قبل التسليم) ش: والبائع هناك ليس بنائب عن المشتري، فلا يكتفي بحضوره. م: (وكذا إذا كان البائع وكيل الغائب، فللشفيع أن يأخذها منه إذا كانت في يده لأنه عاقد، وكذا إذا كان البائع وصيا لميت فيما يجوز بيعه) ش: ويكون الخصم للشفيع هو الوصي إذا كان الورثة صغارا، وقيد بقوله فيما يجوز احترازا عما لا يتغابن الناس بمثله فإن بيعه به لا يجوز، وكذا لو كانت الورثة كلهم كبارا لا يجوز بيع الوصي إذا لم يكن على الميت دين، فكان قوله يجوز بيعه احترازا من هذين البيعين، وعند الثلاثة في المسألة الوكيل يأخذ من يد الموكل؛ لأن حقوق العقد ترجع إليه عندهم. وفي مسألة وكيل الغائب للشافعي وجهان: أحدهما مثل قولنا وهو قول أحمد م: (لما ذكرنا) ش: في الوكالة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 319 قال: وإذا قضي للشفيع بالدار ولم يكن رآها فله خيار الرؤية. وإن وجد بها عيبا فله أن يردها وإن كان المشتري شرط البراءة منه؛ لأن الأخذ بالشفعة بمنزلة الشراء، ألا يرى أنه مبادلة المال بالمال فيثبت فيه الخياران كما في الشراء ولا يسقط بشرط البراءة من المشتري ولا برؤيته لأنه ليس بنائب عنه فلا يملك إسقاطه والله سبحانه وتعالى أعلم.   [البناية] [الخيار في الشفعة] م: (قال: وإذا قضي للشفيع بالدار ولم يكن رآها فله خيار الرؤية) ش: أي قال القدوري قوله: ولم يكن أي والحال أنه قال لم يكن رآها قبل ذلك م: (وإن وجد بها عيبا فله أن يردها) ش: أي وإن وجد الشفيع بالدار عيبا له أن يردها؛ لأن الشفيع مع المشتري بمنزلة المشتري أن البائع ثم المشتري له أن يرد بخيار الرؤية والعيب، فكذلك للشفيع أن يرد بالخيارين على الذي أخذ منه. م: وإن كان المشتري شرط البراءة منه) ش: أي من العيب م: (لأن الأخذ بالشفعة بمنزلة الشراء. ألا يرى أنه) ش: أي الأخذ بالشفعة م: (مبادلة المال بالمال فيثبت فيه الخياران) ش: أي خيار الرؤية وخيار الشرط م: (بشرط البراءة من المشتري ولا برؤيته) ش: أي ولا تسقط أيضا خيار الرؤية من الشفيع برؤية المشتري م: (لأنه ليس بنائب عنه) ش: أي لأن المشتري ليس بنائب عن الشفيع م: (فلا يملك إسقاطه، والله سبحانه وتعالى أعلم) ش: أي فلا يملك المشتري إسقاط خيار الشفيع بالعيب والرؤية. قال الإمام العتابي في " شرح الجامع الكبير " الأخذ بالشفعة شراء من وجه من حيث يملك بثمن معلوم حيث يثبت له خيار الرؤية وخيار العيب واستيفاء حقه من وجه حتى يستوفي فيه القضاء والرضاء وعدم الرضاء، ولو بطل يبطل لا إلى خلف حتى لا يكون المأخوذ منه ضامنا له سلامة البناء ونحوه، مثاله إذا أخذ الشفيع الدار بالشفعة فله خيار الرؤية وخيار العيب سواء كان ذلك للمشتري أو لم يكن. فلو بنى فيها بناء أو غرس غرسا ثم استحقت الدار والعقار وأمر بقلع البناء والغرس يرجع على من أخذ منه بالثمن ولا يرجع بقيمة البناء والغرس عليه؛ لأنه لم يضمن له سلامة البناء لأنه أخذه على كره منه إن أخذه بقضاء. وكذا إذا أخذه بغير قضاء لأنه يستوفي غير حقه لأنه إنما يأخذ على حق متقدم على البيع لكونه مقدما على الدخيل فيستوفي فيه القضاء غير القضاء كالرجوع في الهبة لما كان الراجع أخذ بين حقه بحق متقدم على الهبة يستوي فيه القضاء والرضاء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 320 فصل في الاختلاف قال: وإن اختلف الشفيع والمشتري في الثمن فالقول قول المشتري لأن الشفيع يدعي استحقاق الدار عليه عند نقد الأقل وهو ينكر، والقول قول المنكر مع يمينه، ولا يتحالفان؛ لأن الشفيع إن كان يدعي عله استحقاق الدار، فالمشتري لا يدعي عليه شيئا لتخيره بين الترك والأخذ ولا نص هاهنا فلا يتحالفان. قال: ولو أقاما البينة فالبينة للشفيع عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله،   [البناية] [فصل في الاختلاف في الشفعة] م: (فصل في الاختلاف) ش: ذكر حكم الاختلاف عقيب اتفاق الشفيع والمشتري هو الوجه؛ لأن الأصل عدم الاختلاف. م: (قال: وإذا اختلف الشفيع والمشتري في الثمن فالقول قول المشتري) ش: أي قال القدوري بأن قال المشتري: اشتريت بألفين، وقال الشفيع: اشتريت بألف فالقول قول المشتري مع يمينه، وبه قالت الثلاثة، إلا أن أشهب المالكي قال: إن أبي المشتري بما يشبهه فالقول له بلا يمين وإلا مع اليمين، وقيد في " المبسوط " و " الكافي " والدار مقبوضة م: (لأن الشفيع يدعي استحقاق الدار عليه عند نقد الأقل وهو) ش: أي المشتري م: (ينكر، والقول قول المنكر مع يمينه ولا يتحالفان؛ لأن الشفيع إن كان يدعي عليه استحقاق الدار، فالمشتري لا يدعي عليه شيئا لتخيره بين الترك والأخذ) ش: أي لتخير الشفيع إذ المدعي هو الذي لو ترك ترك، والمختص بهذه الصفة هو الشفيع لا المشتري. م: (ولا نص هاهنا) ش: يعني لم يرد نص بالتحالف في اختلاف الشفيع والمشتري، وإنما النص في البائع والمشتري مع وجود معنى الإنكار في الطرفين هناك فوجب التحالف لذلك ولم يوجد الإنكار هاهنا في طرف الشفيع؛ لأن المشتري لا يدعي عليه شيئا فلم يمكن في معنى ما ورد به النص م: (فلا يتحالفان) ش: أي إذا كان كذلك فلا يتحالفان. فإن قلت: ينبغي أن يجري التحالف؛ لأن المشتري من الشفيع ينزل منزلة البائع من المشتري والبيع في يد البائع؛ لأن الدار في يد المشتري، ولو وقع هذا الاختلاف بين البائع والمشتري لكان يجري التحالف بين البائع والمشتري. قلت: وجد الدعوى والإنكار ثمة بخلاف القياس، وهذا ليس في معناه من كل وجه؛ لأن ركن البيع وإن وجد لكن بالنظر إلى فوات شرطه وهو الرضا أن يوجد فلا يلتحق به. م: (قال: ولو أقاما البينة فالبينة للشفيع عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله) ش: أي قال القدوري: وبه قال الشريف الحنبلي. وقال الشافعي وأحمد: تعارضت البينتان وتساقطا، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 321 وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: البينة بينة المشتري؛ لأنها أكثر إثباتا، فصار كبينة البائع والوكيل والمشتري من العبد. ولهما: أنه لا تنافي بينهما، فيجعل كأن الموجود بيعان وللشفيع أن يأخذ بأيهما شاء، وهذا بخلاف البائع مع المشتري؛ لأنه لا يتوالى بينهما عقدان إلا بانفساخ الأول، وهاهنا الفسخ لا يظهر في حق الشفيع وهو التخريج لبينة الوكيل؛ لأنه كالبائع والموكل كالمشتري منه، كيف وأنها ممنوعة   [البناية] والقول للمشتري مع يمينه، ويحتمل أن يفرغ بينهما لأنهما ينازعان في العقد ولاية لهما عليه، فصار كالمتنازعين عينا في يد غيرهما. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: البينة بينة المشتري؛ لأنها أكثر إثباتا، فصار كبينة البائع) ش: إذا اختلف هو والمشتري في مقدار الثمن وأقام البينة فإنهما للبائع م: (والوكيل) ش: أي وكبينة الوكيل بالشراء مع بينة الموكل إذا اختلفا في الثمن فإنهما كالوكيل م: (والمشتري من العبد) ش: أي وكبينة المشتري من العبد من بينة المولى القديم إذا اختلفا في ثمن العبد المأمور فإنهما للمشتري لما في ذلك كله من إثبات الزيادة. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أنه لا تنافي بينهما) ش: أي أن الشأن لا منافاة بين بينة الشفيع وبينة المشتري في حق الشفيع بجواز تحقيق المبين مرة بألف ومرة بألفين على ما شهد عليه البينتان م: (فيجعل كأن الموجود بيعان فللشفيع أن يأخذ بأيهما شاء) ش: أي بأي البيعين شاء، غاية ما في الباب أن الثاني يتضمن فسخ الأول، إلا أن الأول لم يظهر في حق الشفيع؛ لأن حقه قد تأكد والحق للمالك لا يسقط إلا بإسقاط من له الحق فيبقى البيع الأول في حق الشفيع. م: (وهذا بخلاف البائع مع المشتري؛ لأنه لا يتوالى) ش: أي لا يجري م: (بينهما عقدان إلا بانفساخ الأول) ش: لأن الجمع بينهما غير ممكن فيصار إلى أكثرهما إثباتا؛ لأن المصير إلى الترجيح عند تعذر التوفيق م: (وهاهنا الفسخ لا يظهر في حق الشفيع) ش: فيجمع بين البينتين ولا يصار إلى الترجيح كما لو اختلف العبد مع المولى فقال العبد قلت إن أديت إلي ألفا فأنت حر. وقال المولى: إن أديت إلى ألفين ومن هنا فيجمع بينهما، إذ لا منافاة بينهما فيجعلا كأن الكلامين صدرا من المولي فيعتق العبد بأيهما شاء م: (وهو التخريج لبينة الوكيل) ش: أراد أن المذكور هو التخريج لبينة الوكيل، ومقصوده أن ما ذكره أبو يوسف في بينة البائع مع المشتري هو الجواب بعينه عما ذكره في بينة الوكيل مع الموكل م: (لأنه كالبائع والموكل كالمشتري منه) ش: أي من الوكيل فلا يمكن توالي العقد بينهما إلا بانفساخ الأول فبعذر التوفيق. م: (كيف وأنها ممنوعة) ش: أي كيف تكون البينة للوكيل مع بينة الموكل إذا اختلفا في الثمن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 322 على ما روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأما المشتري من العدو، فقلنا: ذكر في " السير الكبير ": أن البينة بينة المالك القديم. فلنا أن نمنع وبعد التسليم نقول: لا يصح الثاني هنالك إلا بفسخ الأول. أما هاهنا بخلافه. ولأن بينة الشفيع ملزمة وبينة المشتري غير ملزمة، والبينات للالتزام. قال: وإذا ادعى المشتري ثمنا وادعى البائع أقل منه ولم يقبض الثمن   [البناية] والحال أنها ممنوعة م: (على ما روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأما المشتري من العدو فقلنا: ذكر في " السير الكبير " أن البينة بينة المالك القديم) ش: قال ابن سماعة روي عنه أن البينة بينة المولى القديم ولم يذكر فيه قول أبي يوسف لما كان بينهما من الوجه حيث صنف السير م: (فلنا أن نمنع) ش: أي فحينئذ لنا أن نمنع ما ذكره أبو يوسف من كون البينة للمشتري عند الاختلاف مع المولى في ثمن العبد المأمور م: (وبعد التسليم) ش: يعني وإن سلمنا أن البينة للمشتري مثل ما قال م: (نقول لا يصح الثاني) ش: أي البيع الثاني بين المشتري وبين المالك القديم م: (هنالك) ش: أي في مسألة العبد المأمور م: (إلا بفسخ الأول) ش: أي البيع الأول لتعذر التوفيق. م: (أما هاهنا) ش: أي في مسألة اختلاف الشفيع والمشتري م: (بخلافه) ش: أي بخلاف حكم مسألة العبد المأمور لأن العقدين قائمان في حق الشفيع فله أن يأخذ بأيهما شاء، وهذه طريقة أبي حنيفة في هذه المسألة حكاها محمد وأخذ بها، والطريقة الثانية حكاها أبو يوسف ولم يأخذ بها وهي قوله م: (ولأن بينة الشفيع ملزمة) ش: لأنها لا تلزمه على المشتري تسليم الدار بما قال شاء أو لا. م: (وبينة المشتري غير ملزمة) ش: لأنه لا يلزم على الشفيع شيئا لكونه مخيرا، وبه حصل الفرق بين بينة البائع والمشتري، لأن كل واحد من البينتين ملزمة، فرجحنا بالزيادة، وكذلك بينة الوكيل مع بينة الموكل وفي مسألة الشراء من العدو، وعلى هذه الطريقة البينة بينة المالك القديم أنها تلزمه وبينة المشتري لا م: (والبينات للالتزام) ش: يعني مشروعية البينات لإلزام الخصم وإثبات الحق عليه. [ادعاء المشتري عكس ما يدعيه البائع في الشفعة] م: (قال: وإذا ادعى المشتري ثمنا وادعى البائع أقل منه ولم يقبض الثمن) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي والحال أن البائع لم يقبض الثمن. وقال القدوري في "مختصره": ولا فرق بين أن تكون الدار في يد البائع أو في يد المشتري، ألا ترى ما ذكره الكرخي في "مختصره" بقوله وإن اختلف البائع والمشتري والشفيع في الثمن والدار في يد البائع أو في يد المشتري ولم ينقد الثمن والقول في ذلك قول البائع مع يمينه إن كان أكثر مما قال جميعا. انتهى. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 323 أخذها الشفيع بما قاله البائع، وكان ذلك حطا عن المشتري، وهذا لأن الأمر إن كان على ما قال البائع فقد وجبت الشفعة به، وإن كان على ما قال المشتري فقد حط البائع بعض الثمن، وهذا الحط يظهر في حق الشفيع على ما نبين إن شاء الله تعالى. ولأن التملك على البائع بإيجابه فكان القول قوله في مقدار الثمن ما بقيت مطالبته فيأخذ الشفيع بقوله. قال: ولو ادعى البائع الأكثر يتحالفان ويترادان   [البناية] م: (أخذها الشفيع بما قاله البائع، وكان ذلك حطا عن المشتري) ش: أي من البائع عن ذمة المشتري م: (وهذا لأن الأمر إن كان على ما قال البائع فقد وجبت الشفعة به، وإن كان على ما قال المشتري فقد حط البائع بعض الثمن، وهذا الحط يظهر في حق الشفيع على ما نبين إن شاء الله تعالى) ش: أي في هذا الباب. م: (ولأن التملك) ش: وجه آخر، ولأن تملك الشفيع البيع م: (على البائع بإيجابه) ش: أي بإيجاب البائع بقوله بعت، ألا ترى أنه لو أقر بالبيع والمشتري ينكر فللشفيع أن يأخذ بالشفعة م: (فكان القول قوله في مقدار الثمن) ش: سواء أدى المشتري الأقل أو الأكثر م: (ما بقيت مطالبته) ش: أي مطالبة البائع م: (فيأخذ الشفيع بقوله) ش: أي بقول البائع. م: (قال: ولو ادعى البائع الأكثر) ش: أي مما قاله المشتري أو الشفيع فإنه وضع المسألة في " المبسوط " و " الذخيرة " في اختلاف هؤلاء، فإن قال الشفيع الثمن ألف، وقال المشتري ألفان، وقال البائع ثلاثة آلاف وأقاما البينة فالبينة بينة البائع؛ لأنها تثبت الزيادة ويأخذ الشفيع بما قاله البائع. وقال الشافعي، وأحمد: يأخذ بما قاله المشتري. ولو اختلفوا في مقداره فإن كان ما قاله البائع أكثر مما قالا، وليس لهما بينة م: (يتحالفان، ويترادان) ش: أي البائع، والمشتري بالحديث المعروف. قال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الكافي ": إذا اختلف البائع والمشتري، والشفيع في الثمن قبل نقد الثمن، والدار مقبوضة أو غير مقبوضة، أخذها الشفيع بما قال البائع إن شاء، وهذا على وجهين: إما أن يقع الاختلاف بينهم على وجه يدعي البائع أكثر الثمنين، أو المشتري. أما إذا ادعى البائع أكثر الثمنين بأن قال: بعتها بألف درهم، والمشتري يقول: اشتريتها بألف، والشفيع يقول: اشتريتها بخمسمائة فإن المشتري مع البائع يتحالفان لاختلافهما في الثمن، فأيهما نكل ظهر أن الثمن بما يقوله الآخر يأخذها الشفيع بذلك. ولو تحالفا يفسخ القاضي العقد بينهما، ويعود إلى ملك البائع، وأخذ الشفيع الدار من يد البائع بما يقوله البائع؛ لأن فسخ البيع لا يوجب بطلان حق الشفيع، وهل يحلف البائع ينبغي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 324 وأيهما نكل ظهر أن الثمن ما يقوله الآخر، فيأخذ الشفيع بذلك. وإن حلفا يفسخ القاضي البيع على ما عرف، ويأخذها الشفيع بقول البائع؛ لأن فسخ البيع لا يوجب بطلان حق الشفيع. قال: وإن كان قبض الثمن أخذ بما قال المشتري إن شاء، ولم يلتفت إلى قول البائع لأنه لما استوفى الثمن انتهى حكم العقد وخرج هو من البيت، وصار كالأجنبي وبقي الاختلاف بين المشتري والشفيع، وقد بيناه. ولو كان نقد الثمن غير ظاهر فقال البائع: بعت الدار بألف وقبضت الثمن يأخذها الشفيع بألف لأنه لما بدأ بالإقرار بالبيع تعلقت الشفعة به فبقوله بعد ذلك قبضت الثمن يريد إسقاط حق الشفيع   [البناية] م: (وأيهما نكل) ش: الاثنين: وهما البائع والمشتري، وأعرض عن اليمين م: (ظهر أن الثمن ما يقوله الآخر فيأخذها الشفيع بذلك، وإن حلفا يفسخ القاضي البيع على ما عرف) ش: في موضعه في كتاب الدعوى م: (ويأخذها الشفيع بقول البائع؛ لأن فسخ البيع لا يوجب بطلان حق الشفيع) ش: خصوصا على قول العامة، فإن من ضرورة الأخذ بالشفعة فسخ البيع الذي جرى بين البائع والمشتري، فكان الفسخ مقرا حق الشفيع لا رافعا، وهذا بخلاف ما إذا باع دارا بيعا فاسدا فقضى القاضي بالرد لا يأخذها الشفيع لعدم تعلق حقه، أما قبل القبض فظاهر، وكذا بعده دفعا للفساد. م: (قال: وإن كان قبض الثمن) ش: أي قال القدوري يعني وإن كان البائع قد قبض الثمن م: (أخذ) ش: أي الشفيع م: (بما قال المشتري إن شاء ولم يلتفت إلى قول البائع؛ لأنه لما استوفى الثمن انتهى حكم العقد وخرج هو من البيت، وصار كالأجنبي وبقي الاختلاف بين المشتري والشفيع، وقد بيناه) ش: أي بيان الحكم فيما مضى وهو أن القول قول المشتري إذا اختلفا في مقدار الثمن. م: (ولو كان نقد الثمن غير ظاهر) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري، أي غير معلوم للشفيع م: (فقال البائع: بعت الدار بألف وقبضت الثمن يأخذها الشفيع بألف؛ لأنه) ش: أي البائع م: (لما بدأ بالإقرار بالبيع تعلقت الشفعة به) ش: أي بالإقرار بالبيع بذلك المقدار م: (فبقوله بعد ذلك) ش: أي فبقول البائع بعد الإقرار بالبيع م: (قبضت الثمن يريد إسقاط حق الشفيع) ش: أي حقه الذي تعلق بالبيع بما قال البائع من مقدار الثمن. لأنه إن تحقق ذلك بقي أجنبيا من العقد إذ لا ملك له ولا يد، وحينئذ بحب أن يأخذ بما يدعيه المشتري لما تقدم آنفا أن الثمن إذا كان مقبوضا أخذ بما قال المشتري، وليس له إسقاط حق الجزء: 11 ¦ الصفحة: 325 فيرد عليه، ولو قال: قبضت الثمن وهو ألف لم يلتفت إلى قوله؛ لأن بالأول وهو الإقرار بقبض الثمن خرج من البين، وسقط اعتبار قوله في مقدار الثمن.   [البناية] الشفيع م: (فيرد عليه) ش: أي على البائع. م: (ولو قال: قبضت الثمن وهو ألف لم يلتفت إلى قوله) ش: مائة ألف ويأخذها بما قال المشتري م: (لأن بالأول وهو الإقرار بقبض الثمن خرج من البين وسقط اعتبار قوله في مقدار الثمن) ش: وروى الحسن عن أبي حنيفة أن البيع إذا كان في يد البائع فأقر بقبض الثمن، وزعم أنه ألف فالقول قوله؛ لأن التملك يقع على البائع فيرجع إلى قوله، وهذا ظاهر لأنه لم يصر أجنبيا لكونه ذا اليد وإن لم يكن مالكا، والله سبحانه وتعالى أعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 326 فصل فيما يؤخذ به المشفوع قال: وإذا حط البائع عن المشتري بعض الثمن يسقط ذلك عن الشفيع، وإن حط جميع الثمن لم يسقط عن الشفيع؛ لأن حط البعض يلتحق بأصل العقد، فيظهر في حق الشفيع؛ لأن الثمن ما بقي. وكذا إذا حط بعدما أخذها الشفيع بالثمن يحط عن الشفيع، حتى يرجع عليه بذلك القدر بخلاف حط الكل؛ لأنه لا يلتحق بأصل العقد بحال، وقد بيناه في البيوع. وإن زاد المشتري للبائع لم تلزم الزيادة في حق الشفيع؛ لأن في اعتبار الزيادة ضررا بالشفيع؛ لاستحقاقه الأخذ بما دونها، بخلاف الحط؛ لأن فيه منفعة له. ونظير الزيادة إذا جدد العقد بأكثر من الثمن الأول، لم يلزم الشفيع حتى كان له أن يأخذها   [البناية] [فصل فيما يؤخذ به المشفوع] م: (فصل فيما يؤخذ به المشفوع) ش: لما بين أحكام المشفوع وهو الأصل شرع في بيان ما يؤخذ به وهو الثمن لأنه تابع. م: (قال: وإذا حط البائع عن المشتري بعض الثمن) ش: أي قال القدوري يعني ترك عنه بعض الثمن إحسانا إليه م: (يسقط ذلك) ش: أي بعض الثمن المحطوط م: (عن الشفيع) ش: وقال الشافعي وأحمد لا يحط عن الشفيع؛ لأن ذلك هبة مبتدأة لا يلتحق بأصل العقد كما في حط الكل، واختلف أصحاب مالك فقال ابن القاسم: إن كان ما حط مما جرت به العادة يلتحق بأصل العقد، ويحط عن الشفيع، وإن كان كثيرا مما لا يجري به العادة بحط مثله لم يحط عن الشفيع، وقال أشهب: لا يلحق الحط على الإطلاق من غير تفصيل. م: (وإن حط جميع الثمن لم يسقط عن الشفيع) ش: أي وإن حط البائع جميع الثمن عن المشتري لا يسقط عن الشفيع م: (لأن حط البعض يلتحق بأصل العقد فيظهر في حق الشفيع؛ لأن الثمن ما بقي، وكذا إذا حط بعدما أخذها الشفيع بالثمن يحط عن الشفيع حتى يرجع) ش: أي الشفيع م: (عليه) ش: أي على المشتري م: (بذلك القدر بخلاف حط الكل؛ لأنه لا يلتحق بأصل العقد بحال) ش: من الأحوال فلا يخرج العقد عن موضوعه؛ لأنه لو التحق بأصل العقد، فإما أن يكون العقد هبة فلا شفعة فيها أو بيعا بلا ثمن فيكون فاسدا ولا شفعة في البيع الفاسد فيؤدي إلى إبطال حق الشفيع م: (وقد بيناه في البيوع) ش: أي في فصل من اشترى شيئا مما ينقل قبل الربا. [زيادة المشتري للبائع في الثمن هل تلزم الشفيع] م: (وإن زاد المشتري للبائع لم تلزم الزيادة في حق الشفيع) ش: هذا لفظ القدوري في "مختصره" م: (لأن في اعتبار الزيادة ضررا بالشفيع؛ لاستحقاقه الأخذ بما دونها) ش: أي بما دون الزيادة، ومع هذا لو أخذ بالزيادة جاز؛ لأن له أن يسقط حقه م: (بخلاف الحط؛ لأن فيه منفعة له) ش: أي للشفيع م: (ونظير الزيادة إذا جدد العقد بأكثر من الثمن الأول) ش: أراد أن هذه نظير ما إذا زاد في الثمن بعد تجديد العقد م: (لم يلزم الشفيع) ش: أي بالزيادة م: (حتى كان له أن يأخذها الجزء: 11 ¦ الصفحة: 327 بالثمن الأول لما بينا. كذا هذا. قال: ومن اشترى دارا بعرض أخذها الشفيع بقيمته؛ لأنه من ذوات القيم. وإن اشتراها بمكيل أو موزون أخذها بمثله لأنهما من ذوات الأمثال. وهذا لأن الشرع أثبت للشفيع ولاية التملك على المشتري بمثل ما   [البناية] بالثمن الأول لما بينا) ش: إلا أن في الزيادة ضررا بالشفيع لاستحقاقه الأخذ بما دونها م: (كذا هذا) ش: أي كذا حكم ما إذا أراد المشتري بدون تجديد العقد. وقال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي: وإن زاد البائع في الثمن زيادة بعد العقد أخذ الشفيع الدار بالثمن الأول، وكذا لو باعها المشتري من آخر بثمن أكثر من ذلك كان للشفيع أن يأخذها بالثمن الأول من المشتري الآخر على البائع الثاني بما بقي له، وتكون العهدة على المشتري الأول. ولو رهنها المشتري وسلمها، أو رهنا وتزوج عليها امرأة كان للشفيع أن يبطل ذلك كله وأخذها بالشفعة الأولى، وليس لأحد من هؤلاء على الشفيع شيء من الثمن، والله سبحانه وتعالى أعلم. [اشترى دارا بعرض كيف يأخذها الشفيع] م: (قال: ومن اشترى دارا بعرض) ش: أي قال القدوري: والعرض بفتح العين وسكون الراء ما ليس بنقد، والمراد منه المتاع القيمي كالعبد مثلا م: (أخذها الشفيع بقيمته لأنه من ذوات القيم) ش: أي بقيمة العرض؛ لأن العرض من القيمات، وذكر في " المبسوط " العبد مكان العرض، وبه قال عامة أهل العلم. وحكي عن الحسن البصري وسؤال القاضي أنهما قالا لا تثبت الشفعة هاهنا؛ لأنها تجب بمثل الثمن، وهذا الأمثل له فيقدر الأخذ فلم يثبت كما لو جهل الثمن. وفي " المبسوط " قال أهل المدينة: يأخذها بقيمة الدار لا بقيمة العرض لأن المبيع مضمون بنفسه عند تعذر إيجاب المسمى كما في البيع الفاسد كما قلنا إنه أخذ نوعي الثمن فيثبت به كالمثل، ولأن القيمة مثله في المعنى فلم يتعذر أخذه ولم يعتبر قيمته يوم الشراء وبه قال الشافعي وأحمد. وحكي عن مالك أنه يعتبر قيمته حين استقرار العقد بانقضاء الخيار إذا كان فيه خيار رؤية، قال أحمد: لأنه وقت الاستحقاق. قلنا: وقت الاستحقاق وقت الشراء. وفي " المبسوط " لو مات العبد قبل أن يقبضه البائع ينقض الشراء بفوات القبض المستحق بالعقد، فإن العبد معقود عليه من وجه وقد هلك قبل التسليم، وللشفيع أن يأخذها بقيمة العبد، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يأخذها بالشفعة لانتقاض العقد من الأصل. م: (وإن اشتراها بمكيل أو موزون أخذها الشفيع بمثله؛ لأنهما من ذوات الأمثال) ش: أي لأن المكيل والموزون من ذوات الأمثال. وفي بعض النسخ لأنه، أي لأن كل واحد منهما م: (وهذا) ش: أي أخذ الشفيع بمثله م: (لأن الشرع أثبت للشفيع ولاية التملك على المشتري بمثل ما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 328 تملكه فيراعى بالقدر الممكن كما في الإتلاف والعددي المتقارب من ذوات الأمثال. وإن باع عقارا بعقار أخذ الشفيع كل واحد منهما بقيمة الآخر؛ لأنه بدله وهو من ذوات القيم فيأخذه بقيمته. قال: وإذا باع بثمن مؤجل فللشفيع الخيار إن شاء أخذها بثمن حال، وإن شاء صبر حتى ينقضي الأجل ثم يأخذها وليس له أن يأخذها في الحال بثمن مؤجل. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له ذلك، وهو قول الشافعي في القديم؛ لأن كونه مؤجلا وصف في الثمن كالزيافة والأخذ بالشفعة به فيأخذه بأصله ووصفه كما في الزيوف. ولنا: أن الأجل إنما يثبت بالشرط،   [البناية] تملكه فيراعى بالقدر الممكن) ش: فإن كان له مثل صورة تملكه به وإلا فالأمثل من حيث المالية وهو القيمة. وقوله بالقدر الممكن يشير إلى الجواب عما قيل القيمة تعرف بالحرز، والظن فيها جهالة وهي تمنع من استحقاق الشفعة، ألا ترى أن الشفيع لو سلم شفعة الدار على أن يأخذ منها بيتا بعينه كان التسليم باطلا، وهو على شفعة الجميع لكون قيمة البيت، فإن أخذه بثمن معلوم ما يعرف بالحرز والظن، ووجهه أن مراعاة ذلك غير ممكن فلا يكون معتبرا، بخلاف البيت ما يعرف بالحرز، فإذا أخذه بثمن معلوم ممكن فكانت الجهالة مانعة م: (كما في الإتلاف) ش: أي كما إذا أتلف متاع آخر فإنه يجب عليه مثله إن كان من ذوات الأمثال، وإلا فقيمته م: (والعددي المتقارب من ذوات الأمثال) ش: كالجوز والبيض بخلاف البطيخ والسفرجل. [باع عقارا بعقار كيف يأخذ الشفيع بالشفعة] م: (وإن باع عقارا بعقار أخذ الشفيع كل واحد منهما بقيمة الآخر لأنه بدله وهو من ذوات القيم فيأخذه بقيمته) ش: هذا أيضا من مسائل القدوري والتعليل من المصنف. م: (قال: وإذا باع بثمن مؤجل فللشفيع الخيار) ش: أي قال القدوري أراد بأجل معلوم إذ بالأجل المجهول يصير البيع فاسدا ولا شفعة في البيع الفاسد م: (إن شاء أخذها بثمن حال وإن شاء صبر حتى ينقضي الأجل ثم يأخذها) ش: وبه قال الشافعي في الصحيح. وقال مالك وأحمد يأخذ بالثمن المؤجل، وبه قال الشافعي في قول وزفر واختاره أبو حامد من أصحاب الشافعي م: (وليس له) ش: أي الشفيع م: (أن يأخذها في الحال بثمن مؤجل. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - له ذلك وهو قول الشافعي في القديم) ش: وقوله الصحيح كقولنا كما قد ذكرناه في " شرح الأقطع ". وقال الشافعي في القديم: يأخذها بثمن مؤجل، فإن كان الشفيع غير مليء طالبه بكفيل. م: (لأن كونه مؤجلا وصف في الثمن كالزيافة) ش: أي لأن كون الثمن مؤجلا وصف فيه كالزيافة، يقال ثمن مؤجل كما يقال ثمن جيد وزيف م: (والأخذ بالشفعة به) ش: أي بالثمن م: (فيأخذه بأصله ووصفه) ش: أي بأصل الثمن ووصفه إذ الأجل صفة للدين يقال دين مؤجل ودين حال م: (كما في الزيوف) ش: أي كما لو اشتراها بألف زيوف فإنه يأخذها بالزيوف. م: (ولنا: أن الأجل إنما يثبت بالشرط) ش: أي بشرط المشتري ورضاء البائع وليس هو من الجزء: 11 ¦ الصفحة: 329 ولا شرط فيما بين الشفيع والبائع أو المبتاع وليس الرضا به في حق المشتري رضا به في حق الشفيع لتفاوت الناس في الملاءة وليس الأجل وصف الثمن؛ لأنه حق المشتري، ولو كان وصفا له لتبعه فيكون حقا للبائع كالثمن، وصار كما إذا اشترى شيئا بثمن مؤجل ثم ولاه غيره لا يثبت الأجل إلا بالذكر، كذا هذا، ثم إن أخذها بثمن حال من البائع سقط الثمن عن المشتري لما بينا من قبل، وإن أخذها من المشتري رجع البائع على المشتري بثمن مؤجل كما كان؛ لأن الشرط الذي جرى بينهما لم يبطل بأخذ الشفيع فبقي موجبه   [البناية] مقتضى العقد م: (ولا شرط فيما بين الشفيع والبائع أو المبتاع) ش: أي المشتري فيما يثبت في حق الشفيع كالخيار م: (وليس الرضا به) ش: أي بالأجل هذا دليل آخر تقريره لا بد في الشفعة من الرضا لكونها مبادلة ولا رضا في حق الشفيع بالنسبة إلى الأجل لأنه ليس الرضا م: (في حق المشتري رضا به) ش: أي بالأجل م: (في حق الشفيع لتفاوت الناس في الملاءة) ش: بفتح الميم، أي الغنى وهو مصدر من ملو الرجل. وفي " العباب " مليء الرجل، ويقال ملوء مثال كرم، أي صار مليا، أي ثقة فهو غني. وملي أي ثقة فهو غني، وملي بين الملا والملاء ممدودين وإلا الملاءة بضم فهو الربطة. ولقائل أن يقول ما كان الرضا شرطا وجب أن لا يثبت حق الشفعة لانتفائه من البائع والمشتري جميعا، وحيث ثبت بدونه جاز أن يثبت الأجل كذلك. وجوابه أن ثبوته بدونه ضروري ولا ضرورة في ثبوت الأجل. م: (وليس الأجل وصف الثمن) ش: جواب عن قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجهه أن وصف الشيء يتبعه لا محالة، وهذا ليس كذلك م: (لأنه حق المشتري) ش: أي لأن الأجل حق المشتري والثمن حق البائع م: (ولو كان وصفا له لتبعه) ش: أي ولو كان الأجل وصفا للثمن لتبعه ليكون حقا لمن كان الثمن حقا له م: (فيكون حقا للبائع كالثمن) ش: أي إذا كان كذلك يكون الأجل حقا للبائع كما أن الثمن حقه وليس كذلك بل الثمن حق البائع والأجل حق المشتري فعلم أن الأجل ليس بوصف للثمن. م: (وصار كما إذا اشترى شيئا بثمن مؤجل ثم ولاه غيره) ش: أي باعه تولية م: (لا يثبت الأجل إلا بالذكر) ش: أي لا يثبت الأجل في حق الغير إلا بالاشتراط. م: (كذا هذا) ش: أي ما نحن فيه لا يثبت الأجل فيه م: (ثم إن أخذها بثمن حال من البائع سقط الثمن عن المشتري لما بينا من قبل، وإن أخذها من المشتري) ش: أي إن أخذ الشفيع الدار من المشتري م: (رجع البائع على المشتري بثمن مؤجل كما كان؛ لأن الشرط الذي جرى بينهما لم يبطل بأخذ الشفيع فبقي موجبه) ش: وهذا يوهم أن الشفيع تملكه ببيع جديد وهو مذهب البعض كما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 330 فصار كما إذا باعه بثمن حال. وقد اشتراه مؤجلا، وإن اختار الانتظار له ذلك لأن له أن لا يلتزم زيادة الضرر من حيث النقدية. وقوله في الكتاب: وإن شاء صبر حتى ينقضي الأجل مراده الصبر عن الأخذ، أما الطلب عليه في الحال حتى لو سكت عنه بطلت شفعته عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله خلافا لقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله الآخر؛ أن حق الشفعة إنما يثبت بالبيع، والأخذ يتراخى عن الطلب وهو متمكن من الأخذ في الحال بأن يؤدي الثمن حالا فيشترط الطلب عند العلم بالبيع.   [البناية] ذكرناه، وليس كذلك، بل هو بطريق تحول الصفقة كما هو المختار، لكن يتحول ما كان بمقتضى العقد والأجل مقتضى الشرط فيبقى مع من ثبت الشرط في حقه. م: (فصار كما إذا باعه بثمن حال وقد اشتراه مؤجلا) ش: أي فصار حكم هذا كحكم من باع شيئا بثمن حال، والحال أنه قد اشتراه مؤجلا، فإن شرط الأجل الذي بينه وبين من نازعه لا يبطل بأحد المشترى منه حالا م: (وإن اختار الانتظار له ذلك) ش: أي وإن اختار الشفيع الانتظار إلى انقضاء الأجل له ذلك، أي الانتظار م: (لأن له أن لا يلتزم زيادة الضرر من حيث النقدية) ش: أي لأن للشفيع أن لا يلتزم زيادة الضرر من حيث وزن الثمن نقدا وفي إلزام الشفيع في النقد زيادة ضرر فلا يجوز. م: (وقوله في الكتاب) ش: أي قول القدوري في "مختصره" م: (وإن شاء صبر حتى ينقضي الأجل، مراده الصبر عن الأخذ أما الطلب عليه في الحال حتى لو سكت عنه بطلت شفعته عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله خلافا لقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله الآخر) ش: واحترز بقوله في قوله الآخر عن قوله الأول. روى ابن أبي مالك أن أبا يوسف كان يقول أولا كقولهما ثم رجع وقال له أن يأخذها عند حلول الأجل وإن لم يطلب في الحال؛ لأنه لا يتمكن من الأخذ في الحال، وفائدة الطلب التمكن منه فيؤخر الطلب إلى وقت حلول الأجل م: (لأن حق الشفعة إنما يثبت بالبيع والأخذ يتراخى عن الطلب) ش: هذا تعليل لهما وفيه إغلاق، وتقريره حق الشفعة يثبت بالبيع، أي عند العلم به والشرط الطلب عند ثبوت حق الشفعة، ويجوز أن يكون تقريره هكذا والشرط الطلب عند ثبوت حق الشفعة، وحق الشفعة إنما يثبت بالبيع فيشترط الطلب عند العلم بالبيع، وأما الأخذ فإنه يتراخى عن الطلب فيجوز أن يتأخر إلى انقضاء الأجل. م: (وهو متمكن من الأخذ في الحال) ش: هذا جواب عن قول أبي يوسف الآخر، وتقريره لا نسلم أن المقصود به الأخذ، ولئن كان فلا نسلم أنه ليس متمكن من الأخذ في الحال بل هو متمكن منه في الحال م: (بأن يؤدي الثمن حالا فيشترط الطلب عند العلم بالبيع) ش: أي إذا كان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 331 قال: وإذا اشترى ذمي بخمر أو خنزير دارا وشفيعها ذمي   [البناية] كذلك يشترط الطلب عند العلم بالبيع، حتى لو سكت بطلت شفعته كما ذكرنا. [اشترى ذمي بخمر أو خنزير دارا وشفيعها ذمي] م: (قال: وإذا اشترى ذمي بخمر أو خنزير دارا وشفيعها ذمي) ش: أي القدوري، وقيد بقوله اشترى بخمر أو خنزير احترازا عما اشتراه بالميتة فإن البيع فيه باطل ولا شفعة فيه. قوله وشفيعها ذمي احترز به عما إذا كان مرتدا فإنه لا شفعة له سواء قتل على ردته أو مات أو لحق بدار الحرب ولا يورثه؛ لأن الشفعة لا تورث عندنا وأحمد، خلافا للشافعي ومالك إذا مات بعد الطلب، وإن كان شفيعها مسلما أخذها بقيمة الخمر والخنزير. واعلم أن الشفعة تجب للذمي على الذمي بلا خلاف للعلماء، وهل يثبت لكافر على مسلم فيه خلاف. قال أحمد والحسن والشعبي: لا شفعة له على مسلم، لما روى الدارقطني بإسناده عن أنس أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا شفعة لنصراني» وعندنا والشافعي ومالك والنووي والنخعي وشريح وعمر بن عبد العزيز له الشفعة لعموم الأحاديث التي مر ذكرها في هذا الباب، وحديث أنس ليس على عمومه فإذا ثبت له إذا كان شريكه نصرانيا بالإجماع مع أنه غير مشهور. وأما الحربي المستأمن في حق الشفعة له وعليه في دار الإسلام كالذمي؛ لأنه من المعاملات، وبه التزم حكم المعاملات، ثم إذا جرى البيع بين ذميين بخمر أو خنزير وأخذ الشفيع بذلك لم ينقض ما فعلوه، وإن كان التناقض جرى بين المتبايعين دون الشفيع وترافعوا إلينا فعندنا يحكم بالشفعة وبه قال أبو الخطاب الحنبلي، وقال الشافعي وأحمد لا يحكم به؛ لأنه يبيع عقد بخمر أو خنزير، فصار كبيعهم بالميتة واعتقادهم حل الخمر والخنزير لا يجعلهما مالا. وفي " المغني " اشترى الذمي عن ذمي كنيسة وبيعه فللشفيع الشفعة إذا كان من ديانتهم أن الملك لا يزول بجعله بيعة أو كنيسة، الحربي المستأمن في حق الشفعة كالذمي لالتزامه أحكام المعاملات، فلو اشترى الحربي في دار الإسلام دارا ولحق بدار الحرب فالشفيع على شفعته متى لقيه؛ لأن لحاقة [ ... ] ، وموت المشتري لا يبطل الشفعة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 332 أخذها بمثل الخمر وقيمة الخنزير؛ لأن هذا البيع مقضي بالصحة فيما بينهم، وحق الشفعة يعم المسلم والذمي والخمر لهم كالخل لنا، والخنزير كالشاة فيأخذ في الأول بالمثل والثاني بالقيمة. قال: وإن كان شفيعها مسلما أخذها بقيمة الخمر والخنزير، أما الخنزير فظاهر، وكذا الخمر لامتناع التسليم والتسلم في حق المسلم، فالتحق بغير المثلي. وإن كان شفيعها مسلما وذميا أخذ المسلم نصفها بنصف قيمة الخمر، والذمي نصفها بنصف مثل الخمر اعتبارا للبعض بالكل، فلو أسلم الذمي أخذها بنصف قيمة الخمر لعجزه عن تمليك الخمر، وبالإسلام يتأكد حقه، لا أن يبطل،   [البناية] ولو اشترى مسلم في دار الحرب وشفيعها مسلم ثم أسلم أهل الدار لا شفعة للشفيع؛ لأن حق الشفعة من أحكام الإسلام لا يجري في دار الحرب، فكل حكم يفتقر إلى القضاء يثبت ذلك في حق المسلم في دار الحرب، كما لو زنيا ثم خرجا لا يحكم بالحد، وكل حكم لا يفتقر إلى القضاء كصحة البيع والشراء والاستيلاء ونفاذ العتق ووجوب الصلاة والصوم يحكم في حق من أسلم في دار الحرب بينونة. م: (أخذها بمثل الخمر وقيمة الخنزير لأن هذا البيع مقضي بالصحة) ش: أي محكوم بالصحة م: (فيما بينهم، وحق الشفعة يعم المسلم والذمي) ش: لعموم النصوص م: (والخمر لهم كالخل لنا، والخنزير كالشاة فيأخذ في الأول) ش: وهو الخمر م: (بالمثل) ش: لأنه يصح ضمانه له بأقل م: (والثاني بالقيمة) ش: أي يأخذ الثاني وهو الخنزير بالقيمة لأنه لا مثل له. م: (قال: وإن كان شفيعها مسلما) ش: أي قال القدوري م: (أخذها بقيمة الخمر والخنزير أما الخنزير فظاهر) ش: لأنه من ذوات القيم، ووجوب القيمة من ذوات القيمة أمر ظاهر. فإن قيل: يشكل بأن قيمة الخنزير لها حكم عن الخنزير، ولهذا لا يعشر العاشر من قيمته كما تقدم في باب من يمر على العاشر. وأجيب: بأن مراعاة حق الشفيع واجبة بقدر الإمكان، ومن ضرورة ذلك دفع قيمة الخنزير، بخلاف ما إذا مر على العاشر. م: (وكذا الخمر لامتناع التسليم والتسلم في حق المسلم فالتحق بغير المثلي) ش: لأن المسلم لا يجوز أن يضمن تسليم الخمر في ذمته، ويجوز أن يلزمه قيمتها لحق الذمي كما لو استهلكها عليه م: (وإن كان شفيعها مسلما وذميا أخذ المسلم نصفها بنصف قيمة الخمر، والذمي نصفها بنصف مثل الخمر اعتبارا للبعض بالكل) ش: يعني لو كان كل الشفعة للمسلم يأخذها كلها بقيمة الخمر، فكان إذا كان نصفها له ونصفها للذمي كذلك م: (فلو أسلم الذمي أخذها بنصف قيمة الخمر لعجزه عن تمليك الخمر، وبالإسلام يتأكد حقه) ش: لأن الإسلام سبب لتأكد حقه م: (لا أن يبطل) ش: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 333 فصار كما إذا اشتراها بكر من رطب فحضر الشفيع بعد انقطاعه يأخذها بقيمة الرطب، كذا هذا.   [البناية] أي حقه. م: (فصار) ش: أي حكم هذه المسألة م: (كما إذا اشتراها) ش: أي الدار م: (بكر من رطب فحضر الشفيع بعد انقطاعه) ش: أي انقطاع الرطب عن أيدي الناس فإنه م: (يأخذها) ش: الدار م: (بقيمة الرطب، كذا هذا) ش: أي ما نحن فيه حيث يأخذ بنصف قيمة الخمر. فإن قلت: كيف يعرف قيمة الخمر والخنزير؟ قلت: ذكر في " المبسوط " طريق معرفة قيمة الخمر والخنزير الرجوع إلى من أسلم من أهل الذمة أو إلى من تاب من فسقة المسلمين، فلو وقع الاختلاف في ذلك فالقول قول المشتري، كما لو اختلف الشفيع والمشتري في مقدار الثمن وفيه أيضا: ولو أسلم المتبايعين والخمر غير مقبوض والدار مقبوضة وغير مقبوضة ينقض البيع بينهما لفوات القبض المستحق، ولكن لا تبطل في حق الشفيع. وفي " الشامل " اشترى بيعته تجب الشفعة فيها؛ لأنها لم تصر وقفا عند أبي حنيفة، وعندهما أيضا؛ لأنه ليس بمباح. وقال أيضا باع المرتد دارا ثم قيل لا شفعة فيها عند أبي حنيفة خلافا لهما. وقال أيضا اشترى المسلم دارا والمرتد شفيعها فقيل لا شفعة له ولا لورثته. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 334 فصل قال: وإذا بنى المشتري فيها أو غرس ثم قضى للشفيع بالشفعة فهو بالخيار إن شاء أخذها بالثمن وقيمة البناء والغرس وإن شاء كلف المشتري قلعه. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يكلف القلع ويخير بين أن يأخذها بالثمن وقيمة البناء والغرس وبين أن يترك، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] [فصل مشتمل على مسائل بغير المشفوع] [بنى المشتري أو غرس ثم قضى للشفيع بالشفعة] م: (فصل) ش: هذا الفصل مشتمل على مسائل بغير المشفوع، وهي فرع مسائل غير المتغير، فلذلك أجزأها. م: (قال: وإذا بنى المشتري أو غرس) ش: أي قال القدوري: أي إذا بنى في الأرض المشفوعة أو غرس فيها شجرا م: (ثم قضى للشفيع بالشفعة فهو بالخيار) ش: أي الشفيع بالخيار م: (إن شاء أخذها بالثمن وقيمة البناء والغرس) ش: أي مقلوعين. م: (وإن شاء كلف المشتري قلعه) ش: أي قلع كل واحد من البناء والغرس ولا يضمن ما نقض بالقلع، وعند الشافعي ومالك وأحمد وابن أبي ليلى والشعبي والأوزاعي والبتي وسوار وإسحاق والليث يضمن له ما نقض بالقلع لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» . م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يكلف القلع ويخير بين أن يأخذها بالثمن وقيمة البناء والغرس) ش: أي قائمين على الأرض غير مقلوعين م: (وبين أن يترك، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي بقول أبي يوسف قال الشافعي وقال الكرخي في "مختصره" وإذا اشترى الرجل دارا وهي ساحة فبناها ثم جاء شفيعها فطلبها بالشفعة فحكم له بها فإن المشتري يقال له اقلع بناءك وسلم الساحة إلى الشفيع، وهذا قول أبي حنيفة وزفر ومحمد، وهي رواية محمد عن أبي يوسف وهي رواية ابن سماعة وبشر بن الوليد وعلي بن الجعد والحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف. وروى الحسن بن زياد عن أبي يوسف أن المشتري لا يجبر بقلع البناء ويقال للشفيع خذ الدار بالثمن وقيمة البناء أو اترك، وهو قول الحسن بن زياد انتهى. وقال القدوري في "شرحه" الخلاف في الغرس كالخلاف في البناء. وقال الإمام الأسبيجابي في " شرح مختصر الطحاوي " ومن اشترى دارا وقبضها وهي فيها بناء وغرس في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 335 إلا أن عنده له أن يقلع ويعطي قيمة البناء. لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه محق في البناء؛ لأنه بناه على أن الدار ملكه، والتكليف بالقلع من أحكام العدوان، وصار كالموهوب له والمشتري شراء فاسدا. وكما إذا زرع المشتري فإنه لا يكلف القلع،   [البناية] الأرض أشجارا ثم حضر شفيعها فإن القاضي يقضي له بالشفعة ويأمر المشتري بنقض البناء وقلع الأشجار التي أحدث فيها، إلا إذا كان في قلعها نقصان بالأرض وأراد الشفيع أن يأخذها مع البناء والأغراس بقيمتها قائمة على الأرض غير مقلوعة وإن شاء ترك، وبه أخذ الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ولو أن المشتري زرع في الأرض ثم حضر الشفيع فإن المشتري لا يجبر على قلعه بالإجماع، ولكنه ينظر إلى وقت الإدراك ثم يقضى للشفيع، ولو جعلها المشتري مسجدا أو مقبرة يدفن فيها الموتى، أو رباطا ثم جاء الشفيع كان له أخذها وإبطال كل ما صنع المشتري فيها. م: (إلا أن عنده) ش: أي عند الشافعي م: (له أن يقلع ويعطي قيمة البناء) ش: والحاصل أن عند أبي يوسف إن شاء أخذ بقيمة البناء والغرس، وإن شاء ترك. وعند الشافعي له خيارات ثلاثة، اثنان ما قال أبو يوسف، والآخر يؤمر بقلع البناء ويضمن أرش النقصان، والتفاوت بين قول الشافعي وقولهما في الأمر بالقلع أن عنده يضمن نقصان القلع، وعندهما لا يضمن. م: (لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه محق) ش: أي أن المشتري محق م: (في البناء لأنه بناه على أن الدار ملكه) ش: كما لو بنى فيما لا شفعة فيه م: (والتكليف بالقلع من أحكام العدوان) ش: أي الظلم؛ لأنه غير متعد في الغرس والبناء؛ لأنه فعل في ملكه م: (وصار كالموهوب له) ش: أي صار المشتري هنا كالموهوب له إذا بنى في الأرض الموهوبة فإنه ليس للواهب أن يكلفه القلع، ويرجع في الأرض. وقال تاج الشريعة: أي إذا بنى الموهوب له ما لا يعد زيادة بأن بنى دكانا صغيرا فإنه لا يمنع عن رجوع الكل ولا يؤمر بقلع ما بني وغرس لأنه محق فيه، فكذا المشتري م: (والمشتري شراء فاسدا) ش: أي وصار كالمشتري شراء فاسدا إذا بنى أو غرس فيه انقطع حق البائع ويأخذ من المشتري قيمة الأرض وقت القبض، وليس له أن يقلع الأشجار والبناء، وعلى قولهما يسترد المبيع ويقلع البناء والأشجار، فكذا المشتري إذا بنى في المشفوع ليس للشفيع أن يقلع ذلك قياسا على قول أبي حنيفة لأنه محق في البناء. [الشفيع لا يكلف قلع الزراعة] م: (وكما إذا زرع المشتري فإنه لا يكلف القلع) ش: يعني الشفيع لا يكلف قلع الزراعة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 336 وهذا لأن في إيجاب الأخذ بالقيمة دفع أعلى الضررين بتحمل الأدنى، فيصار إليه. ووجه ظاهر الرواية أنه بنى في محل تعلق به حق متأكد للغير من غير تسليط من جهة من له الحق فينقض كالراهن إذا بنى في المرهون، وهذا لأن حقه أقوى من حق المشتري لأنه يتقدم عليه، ولهذا ينقض بيعه وهبته وغيره من تصرفاته. بخلاف الهبة والشراء الفاسد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛   [البناية] بالاتفاق م: (وهذا) ش: أي ما قلنا من عند إيجاب القلع ووجوب قيمة البناء والغرس م: (لأن في إيجاب الأخذ بالقيمة دفع أعلى الضررين بتحمل الأدنى، فيصار إليه) ش: يعني اجتمع بينهما ضرران أحدهما على الشفيع وهو ضرر زيادة الثمن عليه في الأخذ مع قيمة البناء. والثاني ضرر على المشتري وهو ضرر قلع بنائه من غير شيء كما قاله أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله ثم الضرر الذي يلزم الشفيع أهون من الضرر الذي يلزم المشتري؛ لأنه يدخل في ملكه بمقابلة الزيادة عوض، وهو البناء والغرس وهو القول بالقلع من غير شيء فبطل ملك المشتري بلا عوض فكان ضرر الشفيع أهون، فكان القول به أولى وهو معنى قوله فيصار إليه. م: (ووجه ظاهر الرواية أنه بنى) ش: أي أن المشتري بنى م: (في محل تعلق به) ش: أي بالمحل م: (حق متأكد للغير) ش: أي حق لا يتمكن أحد من إبطاله بدون رضاه م: (من غير تسليط من جهة من له الحق) ش: احترز به عن بناء الموهوب له وعن بناء المشتري شراء فاسدا حيث لم ينقض؛ لأن بناءهما بتسليط من جهة من له الحق، وهاهنا الشفيع من سلطه على البناء م: (فينقض كالراهن إذا بنى في المرهون) ش: حيث بنى في محل تعلق به حق المرتهن من غير تسليط من جهة، أي إذا كان كذلك فينقض. م: (وهذا) ش: أي نقض البناء بحق الشفيع م: (لأن حقه) ش: أي حق الشفيع م: (أقوى من حق المشتري؛ لأنه يتقدم عليه) ش: أي لأن الشفيع يتقدم على المشتري م: (ولهذا) ش: أي ولتقدمه عليه وكون حقه أقوى منه م: (ينقض بيعه) ش: أي بيع المشتري م: (وهبته وغيره من تصرفاته) ش: أي ما ذكر من تصرفاته كإجارته وجعله مسجدا أو مقبرة أو نحوها، فكذا تنتقض تصرفاته بناء وغرسا. م: (بخلاف الهبة) ش: جواب عن قياس قول أبي يوسف على الموهوب له إذا بنى في الموهوب حيث لا يكون للواهب حق قلع البناء، وهو متصل بقوله من غير تسليط من جهة من له الحق، يعني أن الواهب إنما لا ينقض بناء الموهوب له؛ لأنه حصل بتسليط فينقطع حق الرجوع بالبناء والشفيع لم يسلط المشتري على البناء فينقضه فظهر الفرق. م: (والشراء الفاسد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: عطف على قوله بخلاف الهبة، يعني الجزء: 11 ¦ الصفحة: 337 لأنه حصل بتسليط من جهة من له الحق، ولأن حق الاسترداد فيهما ضعيف، ولهذا لا يبقى بعد البناء، وهذا الحق يبقى فلا معنى لإيجاب القيمة كما في الاستحقاق والزرع يقلع قياسا، وإنما لا يقلع استحسانا لأن له نهاية معلومة ويبقى بالأجر   [البناية] أن المشتري شراء فاسدا إنما لا ينقض البائع بناءه لوجود التسليط فيه. وإنما قيد بقوله عند أبي حنيفة لأن عدم استرداد البائع في الشراء الفاسد إذا بنى المشتري في المشتري إنما هو قوله وأما عندهما فله الاسترداد بعد البناء كالشفيع في ظاهر الرواية م: (لأنه) ش: أي لأن البناء في الموهوب والمشتري شراء فاسدا م: (حصل بتسليط من جهة من له الحق) ش: وهو البائع في الشراء، والواهب في الموهوب م: (ولأن حق الاسترداد فيهما ضعيف) ش: عطف على قوله لأنه حصل، أي في الهبة والبيع الفاسد. م: (ولهذا) ش: ولكون حق الاسترداد ضعيفا فيهما م: (لا يبقى بعد البناء، وهذا الحق) ش: أي في حق الشفيع م: (يبقى فلا معنى لإيجاب القيمة كما في الاستحقاق) ش: يعني إذا ثبت التكليف بالقلع فلا معنى لإيجاب القيمة على الشفيع؛ لأنه بمنزلة المستحق، والمشتري إذا بنى أو غرس ثم استحق يرجع المشتري بالثمن وقيمة البناء والغرس على البائع دون المستحق، فكذلك هاهنا. وقال الكاكي: قوله فلا معنى لإيجاب القيمة على الشفيع لتأكد حقه كما لا يجب على المستحق قيمة بناء المشتري بأن يرجع المشتري بقيمة البناء على البائع وقال الأترازي عند قوله ولهذا لا يبقى بعد البناء فيه نظر لأن الاسترداد بعد البناء في الشراء الفاسد إنما لا يبقى على مذهب أبي حنيفة لا على مذهب أبي يوسف فكيف يحتج بمذهب أبي حنيفة على صحة مذهبه، ولأبي يوسف أن يقول هذا مذهبك لا مذهبي وعندي حق الاسترداد بعد البناء باق في الشراء الفاسد. وأجيب بأنه يكون على غير ظاهر الرواية، أو لأنه لما كان ثابتا بدليل ظاهر لم يعتبر بخلافهما. فإن قبل: لو صبغ المشتري المشفوعة بأن أجرى بها بأشياء ثم أخذها الشفيع إن شاء أعطى ما زاد فيها، وإن شاء ترك. والمسألة في العيون في الفرق بين البناء والصبغ. قلنا: وهو أيضا على الاختلاف، ولو كان على الاتفاق ففرق محمد، فقال البناء إذا نقض لا يلحق المشتري ضرر؛ لأنه يسلم له النقض، ولا كذلك إذا نقض الصبغ، إليه أشار في " الذخيرة ". م: (والزرع يقلع قياسا) ش: جواب عن قوله وكما إذا زرع المشتري، أي القياس يقتضي أن الزرع أيضا يقلع؛ لأنه يشغل ملك الغير م: (وإنما لا يقلع استحسانا؛ لأن له نهاية معلومة ويبقى بالأجر) ش: بتشديد القاف كما في الإجارة، وبه قال بعض أصحاب الشافعي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 338 وليس فيه كثير ضرر. وإن أخذه بالقيمة يعتبر قيمته مقلوعا كما بيناه في الغصب ولو أخذها الشفيع فبنى فيها أو غرس ثم استحقت رجع بالثمن،   [البناية] وعن أبي يوسف أنه يبقى بلا أجر؛ لأن المشتري مالك الأرض، وإيجاب الأجر على المالك غير مستقيم. وبه قال أحمد وبعض الشافعية. قلنا: في إيجاب أجر المثل رعاية للحقين كما في الإجارة م: (وليس فيه) ش: أي في تأخير الزرع م: (كثير ضرر) ش: على الشفيع، وذلك لأن في القلع إضرار بالمشتري، وفي التأخير إلى الإدراك بتأخير حق الشفيع وضرر المتأخر دون ضرر الإبطال، فكان بحمله أحق. فإن قيل: فلم يجب عن قوله لأن في إيجاب الأخذ بالقيمة وقع على الضررين. أجيب: بأن قوله وهذا لأن حق الشفيع أقوى من حق المشتري تضمن ذلك؛ لأن الترجيح يدفع أعلى الضررين بالأهون إنما يكون بعد المساواة؛ لأن حق الشفيع مقدم. م: (وإن أخذه بالقيمة) ش: هذا معطوف على مقدار دل عليه التخيير، وتقديره الشفيع بالخيار إن شاء كلف القلع، وإن شاء أخذه بالقيمة، فإن كلفه فذاك وإن أخذه بالقيمة م: (يعتبر قيمته مقلوعا) ش: وعند أبي يوسف يعتبر قيمته قائما على الأرض كما ذكرناه م: (كما بيناه في الغصب) ش: يعني أن الغاصب إذا بنى أو غرس في المغصوبة يؤمر بقلع البناء والغرس، فإن كانت الأرض تنقض بقلع البناء والغرس؛ للمالك أن يضمن قيمتها مقلوعين للغاصب. [أخذها الشفيع فبنى فيها أو غرس ثم استحقت] م: (ولو أخذها الشفيع فبنى فيها أو غرس ثم استحقت رجع بالثمن) ش: هذا لفظ القدوري، أي ولو أخذ الشفيع الدار المشفوعة فبنى فيها بناء أو غرس شجرا ثم ظهر لها مستحق فأخذا رجع الشفيع بالثمن لا غير. وقال الكرخي في "مختصره" وإذا اشترى الرجل دارا فأخذها الشفيع بالشفعة فبناها ثم استحقت الدار فإن المستحق يأخذ الدار فيقال للشفيع اهدم بناءك، ولا يرجع على المشتري بقيمة البناء كأن أخذ الدار من يده ولا على البائع إن كان أخذها من يده لأنه ليس بمغرور، هو أدخل نفسه في الأخذ بالشفع وأجبر من كانت في يده على تسليم ذلك، وهذه الرواية المشهورة وهي رواية محمد في الأصل، ولم يحك عن أحد من أصحابنا خلافا. وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف سئل عن رجل اشترى دارا فأخذها رجل بالشفعة فاستحقت الدار في يده وقد بنى فيها على من يرجع بقيمة البناء؟ قال: على الذي قبض الثمن. وكذلك روى الحسن بن زياد عن أبي يوسف أن الشفيع يرجع على المشتري بقيمة البناء م: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 339 لأنه تبين أنه أخذه بغير حق ولا يرجع بقيمة البناء والغرس لا على البائع إن أخذها منه، ولا على المشتري إن أخذها منه. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يرجع لأنه متملك عليه فنزلا منزلة البائع والمشتري، والفرق على ما هو المشهور أن المشتري مغرور من جهة البائع ومسلط عليه من جهته. ولا غرور ولا تسليط في حق الشفيع من المشتري لأنه مجبور عليه. قال: وإذا انهدمت الدار أو احترق بناؤها أو جف شجر البستان بغير فعل أحد فالشفيع بالخيار إن شاء أخذها بجميع الثمن،   [البناية] (لأنه تبين أنه) ش: أي الشفيع م: (أخذه بغير حق، ولا يرجع بقيمة البناء والغرس لا على البائع إن أخذها منه) ش: أي إن أخذ الدار منه م: (ولا على المشتري) ش: أي ولا يرجع على المشتري أيضا م: (إن أخذها منه) ش: م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يرجع) ش: بقيمة البناء والغرس أيضا م: (لأنه متملك عليه) ش: أي على المشتري م: (فنزلا منزلة البائع والمشتري) ش: ثم المشتري في صورة الاستحقاق يرجع على البائع بالثمن وقيمة البناء، فكذلك الشفيع م: (والفرق على ما هو المشهور) ش: من الرواية م: (أن المشتري مغرور من جهة البائع وسلط عليه) ش: أي سلط البائع على المشتري على البناء أو الغرس. م: (ولا غرور ولا تسليط في حق الشفيع من المشتري لأنه مجبور عليه) ش: يعني التزم البائع سلامة المبيع عن الاستحقاق، فصار المشتري مغرورا من جهة ولا غرور في حق الشفيع لأنه تملك على صاحب اليد جبرا بغير اختيار منه فلا يرجع. كجارية اشتراها الكفار أجروها بدارهم ثم أخذها المسلمون فوقعت في سهم غاز فأخذها المالك القديم بالقيمة فيستولدها فجاء مستحق وأقام بينة أنها أمته دبرها قبل الأسر ردت عليه لأنها لا تملك بالإحراز، ويضمن المالك القديم ثمن العقر وقيمة الولد، ويرجع على الغازي بقيمتها التي دفع إليها ولا يرجع بقيمة الولد والعقر؛ لأن المأخوذ منه مجبور على الدفع فلا يصير غارا. وكذا لو قسمت الدار بين اثنين فبنى أحدهما ثم استحقت حقه لا يرجع عليه بقيمة البناء؛ لأن كلا منهما مخير على القسمة. بخلاف الدارين فإنه لو اقتسمها وبين أحدهما في دار نصيبه ثم استحقت فإنه يرجع على شريكه بنصف قيمة البناء؛ لأنه بمنزلة البيع، وكذا في " الإيضاح " و " المبسوط ". [انهدمت دار الشفعة أو جف شجر البستان من غير فعل أحد] م: (قال: وإذا انهدمت الدار أو احترق بناؤها أو جف شجر البستان من غير فعل أحد فالشفيع بالخيار إن شاء أخذها بجميع الثمن) ش: قال القدوري قيد بقوله من غير فعل أحد لأنه إذا هدما المشتري فإنه يقسم الثمن على قيمة البناء مبنيا، وعلى قيمة الأرض، فما أصاب الأرض يأخذها الجزء: 11 ¦ الصفحة: 340 لأن البناء والغرس تابع حتى دخلا في البيع من غير ذكر، فلا يقابلهما شيء من الثمن ما لم يصر مقصودا، ولهذا جاز بيعها مرابحة بكل الثمن في هذه الصورة، بخلاف ما إذا غرق نصف الأرض حيث يأخذ الباقي بحصته   [البناية] الشفيع بذلك، وكذلك لو نزع بابا من الدار فباعه هكذا ذكر الكرخي في "مختصره". وقال القدوري في "شرحه": وأما إذا هدمه المشتري أو هدمه أجنبي أو انهدم بنفسه فلم يهلك فإن الشفيع يأخذ الأرض بحصتها، فإن احترق بغير فعل أخذها الشفيع بكل الثمن وللشافعي قولان أحدهما يأخذها بجميع الثمن بالبيع، والآخر أنه يأخذها بالحصة في الجميع م: (لأن البناء والغرس تابع حتى دخلا في البيع من غير ذكر، فلا يقابلهما شيء من الثمن ما لم يصر مقصودا) ش: أي لا يقابل البناء والغرس. وفي بعض النسخ فلا يقابله، أي كل واحد منهما وبه قال الشافعي في قول وأحمد في رواية، وهو رواية المزني وهو الأصح. وفي رواية البويطي والزعفراني والربيع عنه يأخذه بالحصة، وبه قال أحمد في رواية والثوري، وأصله أن الثمن بمقابلة الأصل دون الأوصاف عندنا، وعنده في قول يقابلها شيء من الثمن، وعندنا البناء وصف، ولهذا يدخل في العقد من غير ذكر، وهذا لأن قيام البناء بالأرض كقيام الوصف بالموصوف، فكانت بمنزلة العين في الجارية، وأنها وصف، وفوات الوصف لا يسقط شيئا من الثمن إذا كان بآفة سماوية، لأن الثمن بمقابلة الأصل دون الوصف. والدليل على أنه لم يسقط شيء من الثمن أنه لو أراد أن يبيعه مرابحة يبيعه على الجميع. فإن قلت: الظرف إنما جعل وصفا من العبد ونحوه؛ لأنه لا يجوز إيراد العقد على البناء مقصودا جائز فيجب أن يعتبر أصلا كالعرصة، ويجب بمقابلة شيء من الثمن. قلت: إنما يجوز إيراد العقد على البناء بشرط القلع، وعند ذلك يصير أصلا، أما إيراد العقد عليه وهو تبع فلا يجوز؛ لأنه بمنزلة العين من العبد. م: (ولهذا) ش: أي ولكون البناء والغرس تابعين، وعدم مقابلتهما شيء من الثمن ما لم يصيرا مقصودين م: (جاز بيعها مرابحة بكل الثمن في هذه الصورة) ش: أي يبيع الدار المنهدمة مرابحة بجميع الثمن في الصورة المذكورة؛ لأنه لم يقابل ما انهدم من الثمن فيبيعها بجميع الثمن م: (بخلاف ما إذا غرق نصف الأرض حيث يأخذ الباقي بحصته) ش: بلا خلاف، والتقييد بالنصف لا لإخراج غيره؛ لأن الحكم في الثلث وغيره كذلك، ذكره في " المبسوط "، إلا أن المصنف اتبع وضع " المبسوط ". وقال القدوري في "شرحه": وقد ادعى الشافعي على أبي حنيفة في هذه المسألة مناقضة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 341 لأن الفائت بعض الأصل. قال: وإن شاء ترك لأن له أن يمتنع عن تملك الدار بماله. قال: وإن نقض المشتري البناء قيل للشفيع: إن شئت فخذ العرصة بحصتها، وإن شئت فدع؛ لأنه صار مقصودا بالإتلاف فيقابله شيء من الثمن بخلاف الأول؛ لأن الهلاك بآفة سماوية. وليس للشفيع أن يأخذ النقض؛ لأنه صار مفصولا فلم يبق تبعا.   [البناية] فقال: وقال بعض الناس إذا هدم المشتري البناء سقطت حصته، وإن احترق لم يسقط حصته ثم ناقض فقال: إذا غلب الماء بعض الأرض أخذ من المشتري الباقي بحصته، ثم قال القدوري: وهذا غلط؛ لأن الأرض ليس بعضها يتبع لبعض، فإذا لم يسلم للشفيع سقطت حصتها بكل حال، والبناء تبع للأرض. فإذا سلم المشتري حصته وإن لم يسلم له يسقط م: (لأن الفائت بعض الأصل) ش: فيقابله شيء من الثمن. م: (قال: وإن شاء ترك) ش: أي قال القدوري: وإن شاء الشفيع يترك مال الدار م: (لأن له أن يمتنع عن تملك الدار بماله) ش: يعني بعوض، ولكن لا يقدر وإذا كان بغير عوض كالإرث م: (قال: وإن نقض المشتري البناء) ش: أي قال القدوري م: (قيل للشفيع: إن شئت فخذ العرصة بحصتها، وإن شئت فدع؛ لأنه صار مقصودا بالإتلاف فيقابله شيء من الثمن بخلاف الأول) ش: أي الفصل الأول وهو فصل الهلاك من غير فعل أحد م: (لأن الهلاك بآفة سماوية) ش: يعني غير منسوبة لأحد. م: (وليس للشفيع أن يأخذ النقض) ش: بضم النون وكسرها بمعنى المنقوض، وقيل: بكسرها لا غير. وفي " شرح الأقطع " قال الشافعي في أحد قوليه: يأخذ الأنقاض مع العرصة وهذا لا يصح م: (لأنه صار مفصولا فلم يبق تبعا) ش: أي صار مما يحول وينقل، ومثل ذلك لا يتعلق به الشفعة، وإنما تتعلق الشفعة به حال الاتصال على وجه التبع، وقد زال ذلك فلا يجوز له أخذه بغير سبب. فإن قيل: الاستحقاق يثبت له فيهما حين العقد، وكان له أخذ كل ما يتناوله عقد البيع. قيل له: الأبنية تتعلق بها الشفعة حال اتصالها، فإذا انهدمت زال المعنى الذي أوجب استحقاقها. وقال شيخ الإسلام في " شرح الكافي ": وإذا اشترى دارا فغرق بناؤها أو احترق وبقيت الأرض لم يكن للشفيع أن يأخذها إلا بمثل الثمن، وكذلك لو كانت قناة أو بئرا فنضب ماؤها، ولو هدمها المشتري قسم الثمن على قيمة الأرض وقيمة البناء يوم وقع الشراء وأخذ الأرض بحصتها من الثمن، وكذلك إن كان البائع قد استهلك البناء، وكذلك لو استهلكه أجنبي فأخذ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 342 قال: ومن ابتاع أرضا وعلى نخلها ثمر أخذها الشفيع بثمرها، ومعناه إذا ذكر الثمر في البيع لأنه لا يدخل من غير ذكر، وهذا الذي ذكره استحسان. وفي القياس لا يأخذه   [البناية] المشتري منه القيمة. ولو اختلفا في قيمة البناء فقال المشتري قيمته خمسمائة وقيمة الأرض خمسمائة فلك أن تأخذها بنصف الثمن. وقال الشفيع بل كان قيمته ألف درهم وقد سقط بهلاكه ثلثا الثمن فالقول قول المشتري؛ لأن الشفيع مدعي تملك الدار عليه بما يقول وهو ينكر فالقول قوله. ولو أقام البينة فالبينة بينة الشفيع في قول أبي حنيفة على قياس نكتة أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، أي بينة تلزمه. وعلى قياس محمد يجب أن تكون البينة بينة المشتري؛ لأنه لا يمكن تصوير الأمرين جميعا، بخلاف ما إذا اختلفا في أصل الثمن، وعلى قول أبي يوسف البينة بينة المشتري؛ لأنه للزيادة. وإن اختلفا في قيمة الأرض يوم وقع الشراء نظر إلى قيمة اليوم وقيمة الثمن عليها؛ لأنه متى كانت قيمته يوم المنازعة معلومة، ووقت الشراء قريب منه، والظاهر أنه هكذا يوم الشراء، فكان الظاهر شاهدا له فيكون القول قوله. [اشترى أرضا وعلى نخلها ثمر أيأخذها الشفيع بثمرها] م: (ومن ابتاع أرضا) ش: أي قال القدوري: ومن اشترى أرضا م: وعلى نخلها ثمر) ش: أي والحال أن على نخلها ثمر م: (أخذها الشفيع بثمرها، ومعناه) ش: أي معنى قول القدوري أخذها الشفيع بثمرها م: (إذا ذكر الثمر في البيع لأنه لا يدخل من غير ذكر) ش: جملة القول فيه على ثلاثة أوجه ذكرت في " شرح الكافي ". أما إذا كانت الثمرة موجودة عند العقد أو حدثت بعد العقد قبل القبض أو حدثت بعد القبض فإن كانت موجودة عند العقد. وقد شرط في العقد ثم أكله المشتري وذهب بآفة سماوية سقط بقسطه من الثمن؛ لأنه دخل في العقد مقصودا فأخذ قسطا من الثمن فيأخذ الأرض والنخل بما بقي من الثمن إن شاء. وإن حدثت بعد العقد قبل القبض إما ذهبت بآفة سماوية لا يسقط بذهابها شيء من الثمن، وإن أكله هو وغيره أو وجده ولم يأكله سقط بحصته شيء من الثمن، وكذلك إن بقي إلى وقت القبض ثم ذهب أو تناوله هو أو غيره، وإن حدثت بعد القبض فأكلها أو ذهب بآفة سماوية؛ لأنه لا يسقط بإزائه شيء من الثمن وله أن يأخذ الأرض والنخيل بجميع الثمن. م: (وهذا الذي ذكره) ش: أي القدوري م: (استحسان. وفي القياس لا يأخذه) ش: وبه قال أحمد والشافعي فهو للمشتري فيبقى في الجذاذ كالزرع وكذا الثمرة المحدثة في يد المشتري كان له الجزء: 11 ¦ الصفحة: 343 لأنه ليس بتبع، ألا ترى أنه لا يدخل في البيع من غير ذكر فأشبه المتاع في الدار. وجه الاستحسان أنه باعتبار الاتصال صار تبعا للعقار كالبناء في الدار، وما كان مركبا فيه فيأخذه الشفيع. قال: وكذلك إن ابتاعها وليس في النخيل ثمرة فأثمر في يد المشتري، يعني يأخذه الشفيع لأنه مبيع تبعا لأن البيع سرى إليه على ما عرف في ولد المبيع. قال: فإن جذه المشتري ثم جاء الشفيع لا يأخذ الثمر في الفصلين جميعا؛ لأنه لم يبق تبعا للعقار وقت الأخذ حيث صار مفصولا عنه، فلا يأخذه. قال في الكتاب: فإن جذه المشتري سقط عن الشفيع حصته. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا جواب الفصل الأول؛ لأنه دخل في البيع مقصودا فيقابله شيء من الثمن، أما في الفصل الثاني يأخذ ما سوى الثمر بجميع   [البناية] ويبقى إلى الجذاذ عندهما، وقول مالك كقولنا م: (لأنه ليس بتبع) ش: للأرض م: (ألا ترى أنه لا يدخل في البيع من غير ذكر فأشبه المتاع في الدار) ش: أي فأشبه المتاع الموضوع في الدار المبيعة، فإنه لا يدخل في البيع من غير ذكر؛ لأنه ليس بتبع، فكذا هذا. م: (وجه الاستحسان أنه باعتبار الاتصال صار تبعا للعقار كالبناء في الدار) ش: حيث تكون تبعا للدار باعتبار الاتصال م: (وما كان مركبا فيه) ش: أي في المشفوع كالأبواب والسوار المزكية م: (فيأخذه الشفيع) ش: أي إذا كان كذلك فيأخذه الشفيع. م: (قال: وكذلك إن ابتاعها وليس في النخيل ثمرة) ش: أي قال المصنف: وكذلك الحكم إن اشترى الأرض والحال أنه ليس في النخيل ثمر م: (فأثمر في يد المشتري، يعني يأخذه الشفيع لأنه مبيع تبعا لأن البيع سرى إليه) ش: أي إلى الثمر م: (على ما عرف في ولد المبيع) ش: يعني إذا قدرت ولدت قبل قبض المبيعة المشتري يسري حكم البيع إليه فيكون المشتري كأنه، فكذلك هنا الثمر الحادث في يد المشتري قبل قبض الشفيع يكون للشفيع؛ لأن المشتري كالبائع منه. م: (قال: فإن جذه المشتري) ش: أي قال المصنف فإن قطعه المشتري، وفي بعض النسخ فإن أخذه المشتري م: (ثم جاء الشفيع لا يأخذ الثمر في الفصلين جميعا) ش: أي فصل ما إذا ابتاع أرضا وفي نخلها ثمر. وفي فصل ما إذا ابتاعها وليس في النخيل ثمر فأثمر في يد المشتري م: (لأنه لم يبق تبعا للعقار وقت الأخذ حيث صار مفصولا عنه فلا يأخذه) ش: لأن التبعية كانت فيه وقد زال. م: (قال في الكتاب: فإن جذه المشتري سقط) ش: أي قال القدوري فإن جذه المشتري سقط م: (عن الشفيع حصته، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا جواب الفصل الأول) ش: أي قال المصنف: هذا الذي ذكره القدوري جواب الفصل الأول، وهو ما إذا ابتاع أرضا على نخلها ثمر م: (لأنه دخل في البيع مقصودا فيقابله شيء من الثمن، أما في الفصل الثاني) ش: وهو ما إذا ابتاعها وليس في النخل ثمر ثم أثمر في يد المشتري فأخذه م: (يأخذ) ش: أي الشفيع م: (ما سوى الثمر بجميع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 344 الثمن لأن الثمر لم يكن موجودًا عند العقد، فلا يكون مبيعًا إلا تبعًا، فلا يقابله شيء من الثمن، والله أعلم   [البناية] الثمن؛ لأن الثمر لم يكن موجودا عند العقد، فلا يكون مبيعا إلا تبعا، فلا يقابله شيء من الثمن) ش: وهذا جواب ظاهر الرواية وعن أبي يوسف في قوله الأول يأخذها بحصتها من الثمن في الفصل الثاني. وفي " الإيضاح " ولو أثمرت في يد البائع بعد البيع قبل القبض فأتلفه البائع يرفع حصته؛ لأن ما حدث قبل القبض له حصة من الثمر على اعتبار صيرورتها مقصودة بالقبض أو بالإتلاف. وعند الشافعي وأحمد يرفع حصته من الثمن في جميع الصور م: (والله أعلم) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 345 باب ما تجب فيه الشفعة وما لا تجب قال: الشفعة واجبة في العقار، وإن كان مما لا يقسم. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شفعة فيما لا يقسم؛   [البناية] [باب ما تجب فيه الشفعة وما لا تجب] [الشفعة في جميع ما بيع من العقار] م: (باب ما تجب فيه الشفعة وما لا تجب) ش: أي هذا باب في بيان ما تجب فيه الشفعة وما لا تجب. ولما ذكر تعقب الشفعة مجملا شرع في بيانه مفصلا، والتفصيل يكون بعد الإجمال. م: (قال: الشفعة واجبة) ش: أي قال القدوري، وأراد بالوجوب الثبوت لا الوجوب الذي يكون تاركه آثما م: (في العقار) ش: وهو كل ما له أصل من دار أو ضيعة. وقال الكرخي في "مختصره": الشفعة واجبة في جميع ما بيع من العقار دون غيره بسنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدور والمنازل والحوانيت والحانات والفنادق والمزارع والبساتين والأقرحة والأرجاء والحمامات وسائر العقار إذا وقع البيع على عرصته إن كانت في مصر أو نحوه أو سواء أو غير ذلك من أرض الإسلام إذا كان ذلك مملوكا لا يجوز بيع مالكه فيه، فكان البيع بيعا قاطعا ليس فيه خيار شرط، وإن كان فيه خيار شرط وكان الشرط لمشتريه لا لبائعه ففيه الشفعة، وإن كان لبائعه أو لهما فلا شفعة فيه. انتهى. م: (وإن كان) ش: أي العقار م: مما لا يقسم) ش: كالحمام والرحى والنهر والبئر والطريق. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شفعة فيما لا يقسم) ش: وبه قال مالك وأحمد في رواية وإسحاق وأبو ثور، وبقولنا قال مالك في رواية وأحمد في أخرى وابن شريح من الشافعية، وهو قول الثوري أيضا. ولو كانت البئر واسعة يمكن أن يبني فيها ويجعل بئرين والحمام كثير البيوت يمكن جعله حمامين أو يمكن أن يجعل كل بينت بيتين، أو الطاحونة كبيرة تجعل طاحونتين لكل واحدة حجران يثبت فيها الشفعة عند الشافعي على الأصح، وبه قال أحمد وإن لم يكن كذلك وهو الغالب في هذه العقارات فلا شفعة فيها على الأصح، كذا في " شرح الوجيز ". لهم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا شفعة في بناء ولا طريق ولا منقبة» والمنقبة الطريق الضيق، رواه ابن الخطاب. وعن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: "لا شفعة في بئر ولا نخل". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 346 لأن الشفعة إنما وجبت دفعا لمؤنة القسمة، وهذا لا يتحقق فيما لا يقسم. ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الشفعة في كل شيء، عقار أو ربع»   [البناية] ولنا حديث جابر عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفعة في كل شيء» على ما يأتي الآن. وحديث أبي الخطاب غير معروف، وحديث عثمان يمكن أن يكون مذهبه إن ثبت، والشفعة شرعت لدفع سوء الجوار، وهذا يشمل الكل. م: (لأن الشفعة إنما وجبت دفعا لمؤنة القسمة) ش: وهو الضرر الذي يلحق الشريك بأجرة القسام م: (وهذا) ش: أي دفع مؤنة القسمة م: (لا يتحقق فيما لا يقسم) ش: فلا تجب الشفعة فيه. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الشفعة في كل شيء، عقار أو ربع» ش: هذا الحديث رواه إسحاق بن راهوية في "مسنده" أخبرنا الفضل بن موسى ثنا أبو حمزة السكري عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الشريك شفيع، والشفعة في كل شيء» . وروى الطحاوي في " شرح الآثار " حدثنا محمد بن خزيمة بن راشد حدثنا يوسف بن عدي حدثنا ابن إدريس وهو عبد الله الأودي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: «قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالشفعة في كل شيء» . ومن جهة الطحاوي ذكره عبد الحق في "أحكامه" وزاد في إسناده هو القراطيسي، يعني يزيد بن عدي. وقال ابن القطان: وهو وهم فيه، ليس في كتاب الطحاوي ولكنه قلد فيه ابن حزم وقد وجدنا لابن حزم في كتابه كثيرا من ذلك، مثل تفسيره حماد بأنه ابن زيد ويكون ابن سلمة. والراوي عنه موسى بن إسماعيل، وتفسيره شيبان بأنه فروخ وإنما هو النحوي وهو قبيح. فإن صفتهما ليست واحدة، وتفسيره داود عن الشعبي بأنه الطائي وإنما هو ابن أبي هند، ومثل هذا كثير قد بيناه وضمناه بابا مفردا فيما نظرنا في كتابه " المحلى ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 347 إلى غير ذلك من العمومات، ولأن الشفعة سببها الاتصال في الملك، والحكمة دفع ضرر سوء الجوار على ما مر، وأنه ينتظم القسمين ما يقسم وما لا يقسم وهو الحمام والرحى والبئر والطريق   [البناية] والقراطيسي إنما هو يوسف يروي عن مالك بن أنس وغيره. وروى عنه الرازيان قاله أبو حاتم ووثقه هو وأبو زرعة، وأما يوسف بن يزيد القراطيسي فهو أيضا ثقة جليل مصري ذكره ابن يونس في "تاريخه"، توفي سنة سبع وثمانين ومائتين، وقد رأى الشافعي، ومولده سنة سبع وثمانين ومائة. قوله عقار بدل مولد له شيء وقد فسرنا العقار. والربع المنزل الشتاء والصيف في الربيع. وقيل الدار. ويجمع على ربوع وأرباع وأربع ورباع. وأصله من أربع بالمكان إذا أقام به. وفي " الجمهرة " الربع المنزل في الشتاء والصيف، والربع المنزل في الربيع، ويقال الربع الدار حيث كانت م: (إلى غير ذلك من العمومات) ش: هذا حال من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والتقدير ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذا وكذا منتهيا إلى غيره من النصوص العامة المتناولة لما يقسم ولما لا يقسم، والعمومات جمع عموم جمع عام وهي الأحاديث التي مرت فيما مضى. م: (ولأن الشفعة سببها الاتصال في الملك) ش: أي الاتصال بين الملكين م: (والحكمة دفع ضرر سوء الجوار) ش: أي الحكمة في مشروعيتها دفع ضرر السوء الحاصل بسبب الجوار؛ لأن الاتصال على وجه التأبيد والقرار لا يقرر عن ضرر الدخيل بسبب سوء الصحبة وأذى المجاورة م: (على ما مر) ش: في أوائل كتاب الشفعة م: (وأنه) ش: أي دفع ضرر سوء الجوار م: (ينتظم القسمين ما يقسم وما لا يقسم) ش: قوله ما يقسم وما لا يقسم تفسير للقسمين، ويجوز أن يكون حظهما من الإعراب النصب على البدلية، ويجوز أن يكون الرفع على تقدير أحدهما ما يقسم والآخر ما لا يقسم م: (وهو) ش: أي ما لا يقسم م: (الحمام) ش: بتشديد الميم واحد الحمامات المبنية، وأصله من الحميم وهو الماء الجاري. م: (والرحى) ش: والمراد به بيت الرحى؛ لأن الرحى اسم للحجر، ومنه يقال رحوت الرحى ورحيتها أنا إذا أدرتها. قال الجوهري: الرحى معروفة مؤنثة، والألف منقلبة من الياء بقولهما رحيان، وكل من قال: رحاء ورحا وأرحية مثل عطاء وعطا وأعطية جعلها منقلبة من الواو، ولا أدري ما حجته وما صحته وثلاث أرح، والكثير أرحاء. وقال الصنعاني في " مجمع البحرين ": يقال في تثنية الرحى رحوان كما يقال رحيان، وتكتب بالياء والألف. م: (والبئر والطريق) ش: وكذا النهر والدور والصغار، والحاصل أن المراد بما لا يقسم أي لا ينتفع به بعد القسمة الحسبية مثل انتفاعه قبل القسمة ويفوت جنس الانتفاع كما في الحمام؛ لأنه لا يحتمل التجزئ والقسمة في ذاته؛ لأنه ما من شيء في الدنيا إلا ويحتمل التجزئ في نفسه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 348 قال: ولا شفعة في العروض والسفن لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا شفعة إلا في ربع أو حائط» وهو حجة على مالك في إيجابها في السفن، ولأن الشفعة إنما وجبت لدفع ضرر سوء الجوار على الدوام، والملك في المنقول لا يدوم حسب دوامه في العقار.   [البناية] [لا شفعة في العروض] م: (قال: ولا شفعة في العروض والسفن) ش: أي قال القدوري "مختصره" والعروض بضم العين جمع عرض، وهو ما ليس بنقد وقد مر تفسيره من قريب، والسفن بضمتين جمع سفينة م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا شفعة إلا في ربع أو حائط» ش: هذا الحديث رواه البزار في "مسنده" ثنا عمرو بن علي ثنا أبو عاصم ثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا شفعة إلا في ربع أو حائط، ولا ينبغي له أن يبيع حتى يستأمر صاحبه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك» . وقال: لا نعلم أحدا يرويه بهذا اللفظ إلا جابر. والعجب من الأترازي مع ادعائه التعمق في الحديث كيف له أن ينسب هذا الحديث إلى مخرجه؟ بل قال: ولنا في صحة هذا الحديث نظر وسكت ومضى، على أن أبا حنيفة أيضا رواه عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا شفعة إلا في دار أو عقار» أخرجه البيهقي في "سننه الكبرى". والربع قد مر في تفسيره، والمراد بالحائط البستان ويجمع على حيطان. م: (وهو حجة على مالك في إيجابها في السفن) ش: أي الحديث المذكور حجة على مالك في إيجابه الشفعة في السفن فإنه قال في رواية: إن الشفعة تثبت في جميع المنقولات كالحيوان والثياب والسفن ونحوها. وعن أحمد في رواية وتثبت الشفعة فيما لا يقسم كالحجر والسيف والحيوان وما في معنى وعنه في رواية أخرى أنها تثبت في البناء والغرس أن يبيع منفردا، وهو قول مالك. وقال الأسبيجابي في "شرح الكافي": ولا شفعة إلا في الأرضين والدور حيث لا يثبت إلا في المنقول. وقال ابن أبي ليلى: يثبت في المنقول. وقال القدوري في "شرحه": وقال مالك: يثبت في السفن أيضا. م: (ولأن الشفعة إنما وجبت لدفع ضرر سوء الجوار على الدوام، والملك في المنقول لا يدوم حسب دوامه في العقار) ش: أي قدر دوامه وهو بفتح الحاء وسكون السين، وقيل: يجوز بفتح السين أيضا واختاره الجوهري حتى قال: إنما يسكن للضرورة. في " العباب " وحسب بالتحريك وهو فعل بمعنى مفعول مثل نقص بمعنى منقوص. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 349 فلا يتحقق به. وفي بعض نسخ المختصر: ولا شفعة في البناء والنخل إذا بيعت دون العرصة، وهو صحيح مذكور في الأصل؛ لأنه لا قرار له فكان نقليا وهذا بخلاف العلو حيث يستحق بالشفعة،   [البناية] ومنه قولهم ليكن عملك بحسب ذلك، أي على قدر عدده، قال الكسائي: يقال ما أدري ما حسب حديثك ما قدر، وربما سكن في ضرورة الشعر م: (فلا يتحقق به) ش: أي إذا كان كذلك فلا يلحق المنقول بغير المنقول. م: (وفي بعض نسخ المختصر) ش: أي مختصر القدوري م: (ولا شفعة في البناء والنخل إذا بيعت دون العرصة) ش: بفتح العين وسكون الراء وهو كل بقعة من الدار واسعة ليس فيها بناء، والجمع العراص والعرصات والأعراص، كذا في " العباب " م: (وهو صحيح) ش: أي المذكور في بعض نسخ " المختصر " وهو الصحيح م (مذكور في الأصل) ش: أي " المسبوط " م: (لأنه لا قرار له فكان نقليا) ش: أي البناء أو النخل. والشفعة إنما تجب في الأراضي التي يملك رقابها، حتى إن الأراضي التي جازها الإمام لبيت المال، ويدفع إلى الناس مزارعة، فصار أيهم فيها بناء وأشجار، فلو بيعت هذه الأراضي فبيعها باطل. وبيع البناء والشجر يجوز، ولكن لا شفعة فيها. وكذا لو بيعت دار بجنب دار الوقف فلا شفعة للوقف ولا يأخذها المتولي. وكذا إذا كانت الدار وقفا على رجل فلا يكون للموقوف عليه الشفعة بسبب هذه الدار، كذا في " الذخيرة " و" المغني "، ولا يلزم على هذا استحقاق العبد المأذون والمكاتب الشفعة ولا ملك لهما في رقبة الأرض؛ لأن استحقاقها فيهما التصرف بالبيع، والشراء قام مقام الشفعة ملك الرقبة كما قال أبو حنيفة: فالشفعة للمشتري الذي له الخيار إذا بيعت دار بجنب تلك الدار المشتراة، مع أنه لا يقول أما لملك. وعند الثلاثة لا شفعة لشركة الوقف وإن كان الموقوف عليه معينا. وفي المشتري الذي له الخيار يثبت له الشفعة كما سيجيء إن شاء الله تعالى. م: (وهذا بخلاف العلو) ش: أي عدم وجوب الشفعة في البناء، بخلاف العلو م: (حيث يستحق بالشفعة) ش: أي صاحب السفل يأخذه بالشفعة. وقال الكرخي في "مختصره": وإن بيع سفل عقار دون علوه أو علوه دون سفله أو هما وجبت فيها الشفعة بيعا جميعا، أو كل واحد منهما على انفراده. وقال أبو يوسف: إن وجوب الشفعة في السفل والعلو استحسان، روى ذلك عنه ابن سماعة وبشر بن الوليد وعلي بن الجعد. وقال القدوري في "شرحه" أما إذا بيعا جميعا فلا شبهة فيه؛ لأنه باع العرصة بحقوقها لتعلق الشفعة بجميع ذلك، وأما إذا باع السفل دون العلو لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا شفعة إلا في ربع» ولأن المساوي يخاف فيها على وجه الدوام. وأما العلو فلأنه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 350 ويستحق به الشفعة في السفل إذا لم يكن عن طريق العلو فيه؛ لأنه بما له من حق القرار التحق بالعقار. قال: والمسلم والذمي في الشفعة سواء   [البناية] حق متعلق بالمنفعة على التأبيد وهو كنفس البقعة، والذي قاله أبو يوسف من الاستحسان إنما هو في العلو. وكان القياس أن يجب فيه الشفعة؛ لأنه لا يبقى على وجه الدوام، وإنما استحسنوا؛ لأن حق الوضع [ ... ] فهو كالعرصة، وقد قال محمد في " الزيادات ": إن العلو إذا انهدم ثم بيع السفل فالشفعة واجبة لصاحب العلو عند أبي يوسف، ولا شفعة عند محمد، فأجرى أبو يوسف حق الوضع وإن لم يكن هناك بناء مجرى الملك؛ لأنه حق ثابت على التأبيد كنفس الملك. وذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الزيادات " أن من باع علوا فاحترق قبل التسليم بطل البيع، ولم يحك خلافا. قال ابن شاهين: هذا ينبغي أن يكون قوله خاصة، وأما على قول أبي يوسف فيجب أن لا يبطل البيع لبقاء حق الوضع، ألا ترى أنه أجراه مجرى العرصة في إيجاب الشفعة، الكل من " شرح القدوري ". م: (ويستحق به الشفعة في السفل) ش: أي بالعلو الشفعة في السفل بالجوار، وليس بشريك إذا لم يكن بطريق العلو في السفل، كذا في " الإيضاح " م: (إذا لم يكن طريق العلو فيه) ش: أي في السفل، وهذا لبيان أن استحقاق الشفعة فيه بسبب الجوار لا بسبب الشركة، وليس لبيان أن الشفعة لا تجب إذا كان طريق العلو فيه، بل تجب الشفعة ثمة أيضا لكن بسبب الشركة لا بالجوار، حتى يكون مقدما على إيجار الملاصق. ألا ترى إلى ما نص الكرخي في "مختصره" وقال: لو أن رجلا له علو في دار وطريقه في دار أخرى إلى جنبها فباع صاحب العلو علوه فأصحاب الدار التي فيها الطريق أولى بالشفعة. انتهى. وذلك لأنهم شركاء في الطريق وصاحب الدار التي فيها العلو جاز، والشريك في الطريق أولى من الجار. ولو ترك صاحب الطريق الشفعة وللعلو الجار ملاصق أخذه بالشفعة مع صاحب السفل؛ لأن كل واحد مهما جار للعلو والتساوي في الجوار، فوجب التساوي في الشفعة، كذا ذكره القدوري م: (لأنه بما له من حق القرار التحق بالعقار) ش: أي لأن العلو الذي له حق التعلي التحق بالعقار فتجب فيه الشفعة. [المسلم والذمي في الشفعة سواء] م: (قال: والمسلم والذمي في الشفعة سواء) ش: وبه قال مالك والشافعي، وأكثر أهل العلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 351 للعمومات، ولأنهما يستويان في السبب والحكمة فيستويان في الاستحقاق، ولهذا يستوي فيه الذكر والأنثى، والصغير والكبير،   [البناية] وقال أحمد وابن أبي ليلى والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز لا شفعة للكافر على مسلم. ولنا ما أشار إليه بقوله واحتجوا بما رواه الدارقطني عن أنس أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا شفعة لكافر على مسلم» أشار إليه بقوله م: (للعمومات) ش: أي بعمومات الأحاديث التي مر ذكرها. وحديث الدارقطني غريب لم يثبت، ولا يعارض بعموم قوله سبحانه وتعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] ؛ لأن المراد نفي السبيل حكما لا حقيقة، ونفي السبيل بالاسترقاق يراد بالإجماع فلا يراد غيره؛ لأن المقتضى لا عموم له. م: (ولأنهما) ش: أي المسلم والذمي م: (يستويان في السبب) ش: وهذا اتصال الملك م: (والحكمة) ش: وهي دفع الضرر م: (فيستويان في الاستحقاق) ش: أي في استحقاق الشفعة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ما ذكرنا من الاستواء في السبب والحكمة والاستحقاق م: (يستوي فيه) ش: أي في الاستحقاق م: (الذكر والأنثى، والصغير والكبير) ش: وفي " المبسوط " قال ابن أبي ليلى: لا شفعة في الصغير، يروى هذا عن النخعي والحارث العكلي؛ لأن الصبي لا يمكنه الأخذ ولا يمكن انتظاره حتى يبلغ لما فيه من الإضرار بالمشتري. وليس للمولى الأخذ؛ لأن من لا يملك العفو لا يملك الأخذ لعامة العمومات؛ ولأن سبب الاستحقاق والشركة والجوار فيستوي فيه الصغير والكبير، والصبي محتاج إلى الأخذ لدفع الضرر في الثاني الحال، وإن لم يكن في الحال والولي يملك الأخذ كالرد بالعيب نظرا له، وإنما لم يملك العفو؛ لأن فيه إسقاط حقه وفيه ضرر. وفي " المبسوط ": يثبت حق الشفعة للحمل الذي لم يولد؛ لأنه من أهل الملك بالإرث، حتى لو وضعت الحبلى حملها وقد ثبت نسبة شرك الورثة في الشفعة، وإن كان الوضع بعد البيع لأكثر من ستة أشهر. وكذا لو كان من أهل البدع له الشفعة عند العامة كالفاسق بالأعمال. وعن أحمد لا شفعة لغلاة الروافض الذي يحكم بكفرهم؛ لأنه لا شفعة لكافر على مسلم. وقال الكرخي في "مختصره": فأهل الإسلام في استحقاق الشفعة وأهل الذمة والمستأمنون من أهل الحرب والعبيد المأذون لهم في التجارة والأحرار والمكاتبون والمعتق بعضه في وجوب الشفعة لهم وعليهم سواء. وكذلك النساء والصبيان فيما وجب لهم أو وجب عليهم من ذلك سواء، والخصماء فيما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 352 والباغي والعادل، والحر والعبد إذا كان مأذونا أو مكاتبا. قال: وإذا ملك العقار بعوض هو مال وجبت فيه الشفعة؛ لأنه أمكن مراعاة شرط الشرع فيه، وهو التملك بمثل ما تملك به المشتري صورة أو قيمته على ما مر. قال: ولا شفعة في الدار التي يتزوج الرجل عليها أو يخالع المرأة بها، أو يستأجر بها دارا أو غيرها أو يصالح بها عن دم عمد أو يعتق عليها عبدا؛ لأن الشفعة عندنا إنما تجب في مبادلة المال بالمال لما بينا.   [البناية] يجب على الصبيان آباؤهم فإن لم يكونوا فأوصياء الآباء، فإن لم يكونوا فالأجداد من قبل الأب، فإن لم يكونوا فأوصياء الأجداد، فإن لم يكونوا فالإمام والحاكم يقيم لهم من ينوب عنهم، وأهل العدل وأهل البغي في الشفعة أيضا سواء. م: (والباغي والعادل، والحر والعبد إذا كان مأذونا أو مكاتبا) ش: قيد بقوله إذا كان مأذونا؛ لأنه إذا لم يكن مأذونا فلا شفعة له، وإذا كان بائع الدار غير المولى يستحق المأذون الشفعة بلا خلاف. وإذا كان البائع مولاه يأخذ بالشفعة أيضا إذا كان عليه دين، كذا في " المبسوط "، وقياس قول الثلاثة أن يأخذ كما لو لم يكن عليه دين. [ملك العقار بعوض هو مال هل تجب فيه الشفعة] م: (قال: وإذا ملك العقار بعوض هو مال وجبت فيه الشفعة) ش: أي قال القدوري، قيد بقوله بعوض؛ لأنه إذا ملكه بالهبة والصدقة والوصية والإرث لا شفعة له عند عامة أهل العلم منهم الأئمة الثلاثة. وحكي عن مالك رواية في المنتقل بصدقة أو هبة فيه الشفعة، وبه قال ابن أبي ليلى ويأخذه الشفيع بقيمته. وقيد بقوله هو مال احترازا عما إذا لم يكن مالا كالبينة، فإن البيع باطل فلا شفعة فيه م: (لأنه أمكن مراعاة شرط الشرع فيه وهو التملك بمثل ما تملك به المشتري صورة) ش: فيما لا مثل له كالمكيل والموزون والمقدور المتفاوت م: (أو قيمته) ش: أي فيما لا مثل له وهو الذي يتفاوت آحاده م: (على ما مر) ش: في فصل ما يؤخذ به المشفوع بقوله ومن اشترى دارا بعرض أخذها الشفيع بقيمته، وإن اشتراها بمكيل أو موزون أخذها بمثله. [الشفعة في الدار التي جعلت صداقا] م: (قال: ولا شفعة في الدار التي يتزوج الرجل عليها) ش: أي قال القدوري، وذلك بأن جعل الدار صداقها فلا شفعة فيها؛ لأن سببها غير السبب المسبب ويملك به التملك م: (أو يخالع المرأة بها) ش: بأن تعطي المرأة الدار لزوجها لتخالع عليها م: (أو يستأجر بها دارا) ش: بأن يجعل الدار أجرة للدار المستأجرة. م: (أو غيرها) ش: أي أو يستأجر بها غير الدار بأن جعلها أجرة عبد أو حانوت أو رحى م: (أو يصالح بها عن دم عمد) ش: بأن يجعل الدار بدل الصلح عن دم العمد م: (أو يعتق عليها عبدا) ش: بأن قال لعبده أعتقتك على هذه الدار م: (لأن الشفعة عندنا إنما تجب في مبادلة المال بالمال لما بينا) ش: أراد به قوله؛ لأنه أمكن مراعاة شرط الشرع ... إلى آخره. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 353 وهذه الأعواض ليست بأموال فإيجاب الشفعة فيها خلاف المشروع وقلب الموضوع، وعند الشافعي تجب فيها الشفعة؛ لأن هذه الأعواض متقومة عنده، فأمكن الأخذ بقيمتها إن تعذر بمثلها كما في البيع بالعرض، بخلاف الهبة؛ لأنه لا عوض فيها رأسا، وقوله يتأتى فيما إذا جعل شقصا من دار مهرا أو ما يضاهيه؛ لأنه لا شفعة عنده إلا فيه.   [البناية] فإن قلت: أليست الغنيمة حصلت بذلك حتى ذكر قوله؛ لأن الشفعة ... إلى آخره، وهذا تكرار. قلت: لأن هذا دليل مستقل ذكره استظهارا وإن كان الأول كافيا. م: (وهذه الأعواض) ش: في تزوج الرجل على الدار وخلع المرأة عليها وجعلها أخذه في الإجارة وعوض الصلح عن دم العمد والعتق عليها م: (ليست بأموال، فإيجاب الشفعة فيها خلاف المشروع وقلب الموضوع) ش: وبه قال أحمد في الظاهر والحسن والشعبي وأبو ثور وابن المنذر. م: (وعند الشافعي تجب فيها الشفعة) ش: أي في هذه الأشياء، به قال مالك وأحمد في راوية ابن حامد عنه وابن شبرمة وابن أبي ليلى والحارث العكلي، ثم اختلفوا بكم يأخذه، فقال مالك وابن شبرمة وابن أبي ليلى يأخذه بقيمة النقص؛ لأنا لو أوجبنا عليه مهر المثل لقومنا البضع على الأجانب. وقال الشافعي وأبو حامد والعكلي: أخذه بالمهر في التزويج والخلع والمتعة، بأن صالح على متعتها؛ لأن البدل فيها الأمثل له، فيأخذ بقيمة البدل وهي المهر: (لأن هذه الأعراض متقومة عنده) ش: أي عند الشافعي، إذ التقويم حكم شرعي شرع لجعل هذه الأشياء مضمونة لهذه الأعواض. وضمان الشيء قيمة ذلك الشيء. وكذا المنافع عنده متقومة كالأعيان، فإذا جعل الدار عوضا عن البضع أو نحوه وقد تعذر على الشفيع الأخذ به فيأخذ بقيمته وهو مهر المثل، كما لو اشترى بعبد وهو معنى قوله: م: (فأمكن الأخذ بقيمتها إن تعذر بمثلها) ش: أي بمثل هذه الأشياء، فيأخذ بقيمتها وهو مهر المثل وأجر المثل في التزوج والخلع والإجارة وقيمة الدار والعبد في الصلح والإعتاق م: (كما في البيع بالعرض) ش: بأن باع الدار بالعرض فإن الشفيع فيه يأخذ بالقيمة لتعذر المثل. م: (بخلاف الهبة؛ لأنه لا عوض فيها رأسا) ش: يعني بالكلية والشفعة لا يكون إلا فيما فيه عوض م: (وقوله يتأتى) ش: أي الشافعي يتحقق م: (فيما إذا جعل شقصا) ش: أي نصيبا م: (من دار مهرا) ش: إذ لا شفعة عنده في العقار إلا في الشقص. م: (أو ما يضاهيه) ش: أي أو جعل ما يضاهي المهر، أي يشابهه بأن جعل شقصا من الدار بدل الخلع أو الأجرة أو بدل الصلح أو بدل العتق م: (لأنه لا شفعة عنده إلا فيه) ش: أي لأن الشأن لا شفعة عند الشافعي إلا في الشقص من العقار؛ لأنه لا يرى الشفعة بالجوار. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 354 ونحن نقول: إن تقوم منافع البضع في النكاح وغيرها بعقد الإجارة ضروري، فلا يظهر في حق الشفعة. وكذا الدم والعتق غير متقوم؛ لأن القيمة ما يقوم مقام غيره في المعنى الخاص المطلوب ولا يتحقق فيهما. وعلى هذا إذا تزوجها بغير مهر ثم فرض لها الدار مهرا؛ لأنه بمنزلة المفروض في العقد في كونه مقابلا بالبضع.   [البناية] م: (ونحن نقول: إن تقوم منافع البضع في النكاح وغيرها) ش: أي غير منافع البضع م: (بعد الإجارة ضروري) ش: إنابة لحظر المحل وصونا لهذا العقد عن السببية بالإباحة فظهر تقومه في حق هذا المعنى خاصة على خلاف القياس لمكان الضرورة م: (فلا يظهر) ش: أي التقويم م: (في حق الشفعة) ش: لأن الضروري يتعذر ولو بقدر الضرورة. م: (وكذا الدم والعتق غير متقوم) ش: إنما أفردهما بالذكر؛ لأن تقومهما أبعد؛ لأنهما ليسا بمالين فضلا عن التقوم، واستدل على ذلك بقوله م: (لأن القيمة ما يقوم مقام غيره في المعنى الخاص المطلوب) ش: وهو المالية؛ لأن القيمة إنما سميت بها لقيامها مقام الغير، وإنما تقوم مقام الغير باعتبار المالية لا بغيرها من الأوصاف كالجوهرية والجسمية وغير ذلك، ولا مالية في الدم والعتق. فإن قلت: تضمن بالقيمة والمعنى الخاص المطلوب منها السكنى، وكذا الثوب المعنى الخاص المطلوب منه دفع الحر والبرد ويضمنان بالقيمة. قلت: بل المعنى الخاص منهما المالية، لكن طريق الانتفاع يختلف، فينتفع بالدار والسكنى، وفي الغلام بالخدمة واختلاف طرق الانتفاع لا ينافي كون المعنى الخاص من المشفع به هو المالية، والدليل عليه أن من أتلف ثوب إنسان أو قلع بناء دار إنسان يضمن قيمتها ولا ذلك إلا باعتبار المالية، وقد لا يكون الدار للسكنى والثوب للبس. م: (ولا يتحقق فيهما) ش: أي لا يتحقق المعنى الخاص المطلوب في الدم والعتق؛ لأن العتق إسقاط وإزالة الدم ليس لحق الاستيفاء، وليسا من جنس ما يتمول به ويدخر م: (وعلى هذا إذا تزوجها بغير مهر ثم فرض لها الدار مهرا) ش: أي لا يجب فيها الشفعة، وهذا لبيان أن الفرض عند العقد وبعده سواء في كونهما مقابلا بالبضع م: (لأنه بمنزلة المفروض في العقد في كونه) ش: أي في كون المفروض بعد العتق م: (مقابلا بالبضع) ش: يعني أنهما جعلا هذه مهرا فيكون مقابلة البضع فيكون مبادلة مال بما ليس بمال، فلا يجري فيها الشفعة. فإن قلت: هذا معاوضة بمهر المثل؛ لأنه لما وقع التزوج بغير مهر وجب مهر بمال فيجري فيها الشفعة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 355 بخلاف ما إذا باعها بمهر المثل أو بالمسمى لأنه مبادلة مال بمال. ولو تزوجها على دار على أن ترد عليه ألفا فلا شفعة في جميع الدار عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: تجب في حصة الألف لأنه مبادلة مالية في حقه، وهو يقول: معنى البيع فيه تابع، ولهذا ينعقد بلفظ النكاح ولا يفسد بشرط النكاح فيه ولا شفعة في الأصل، فكذا في التبع، ولأن الشفعة شرعت في المبادلة المالية المقصودة، حتى إن المضارب إذا باع دارا وفيها ربح لا يستحق رب المال الشفعة في حصة   [البناية] قلت: إنهما جعلا الدار مهرا لا بدلا عن مهر المثل، ولا بد للمبادلة من جعل أحد الشيئين بدلا والآخر مبدلا منه، والعين مبدل فلا يكون بدلا. م: (بخلاف ما إذا باعها بمهر المثل أو بالمسمى) ش: يعني يجب فيه الشفعة م: (لأنه مبادلة مال بمال) ش: لا محالة. وفي " شرح الكافي " ولو صالحها من مهرها على الدار أو صالحها عليه مما يجب لها المهر فللشفيع فيها الشفعة؛ لأنه حينئذ يكون عوضا عن المهر فيكون تبعا حقيقة. وقال في " الشامل " صالحه على دار من جراحة خطأ تجب الشفعة؛ لأن الواجب المال. فإن قلت: كيف يأخذها والبيع فاسد لجهالة مهر المثل؟ قلت: جاز أن يكون معلوما عندهما، ولأنه جهالة في الساقط فلا يفضي إلى المنازعة فلا يفسد البيع. م: (ولو تزوجها على دار على أن ترد عليه ألفا فلا شفعة في جميع الدار عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هذا في مسائل الأصل، ذكرها تفريعا على مسألة القدوري، قوله في جميع الدار، أي في شيء منها م: (وقالا: تجب في حصة الألف) ش: أي يقسم الدار على مهر مثلها وألف درهم فما أصاب الألف تجب فيه الشفعة، وبه قال أحمد م: (لأنه مبادلة مالية في حقه) ش: أي فيما يخص الألف م: (وهو يقول) ش: أي أبو حنيفة م: (معنى البيع فيه تابع) ش: للنكاح م: (ولهذا ينعقد بلفظ النكاح) ش: لكون المقصود وهو النكاح م: (ولا يفسد بشرط النكاح فيه) ش: أي لو كان البيع أصلا يفسد بشرط النكاح، كما لو قال بعت منك هذه الدار بألف على أن تزوجي نفسك مني م: (ولا شفعة في الأصل) ش: وهو نفس الصداق م: (فكذا في التبع) ش: وهو البيع. م: (ولأن الشفعة) ش: دليل آخر وفيه إشارة إلى دفع ما يقال الشفعة تقتضي المبادلة المالية، وإما أن تكون هي المقصود فممنوع. ووجهه أن الشفعة م: (شرعت في المبادلة المالية المقصودة) ش: وهنا المقصود هو النكاح دون مبادلة المال بالمال م: (حتى إن المضارب إذا باع دارا وفيها ربح لا يستحق رب المال الشفعة في حصة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 356 الربح لكونه تابعا فيه. قال: أو يصالح عليها بإنكار، فإن صالح عليها بإقرار وجبت الشفعة. قال رضى الله عنه: هكذا ذكر في أكثر نسخ المختصر. والصحيح: أو يصالح عنها بإنكار مكان قوله: أو يصالح عليها؛ لأنه إذا صالح عليها بإنكار بقي الدار في يده فهو بزعم أنها لم تزل عن ملكه،   [البناية] الربح) ش: بأن كان رأس المال ألفا فاتجر وربح ألفا ثم اشترى بالألفين دارا في جوار رب المال ثم باعها بالألفين فإن رب المال لا يستحق الشفعة في حق المضارب من الربح. م: (لكونه تابعا فيه) ش: أي لكون الربح تابعا لرأس المال وليس في مقابلة رأس المال شفعة؛ لأن المضارب وكيل رب المال في البيع، وكل من بيع لا تجب الشفعة له، فكذا لا تجب في البيع. وفي " الإيضاح " و " المغني ": فلو باع المضارب دارا عن المضاربة ورب المال شفيعها لا شفعة، سواء كان في الدار ربع أو ضر، وهذا بخلاف ما لو اشترى دارا ورب المال شفيعها أخذها رب المال وإن وقع الشراء له ولكن في الحكم كأنه مال ثالث. ألا ترى أنه يقدر أن ينزعه من يده. وفي " شرح الكافي " ولو باع المضارب دارا من غير المضارب كان لرب المال أن يأخذها بالشفعة بدار له من المضاربة ويكون له خاصة؛ لأنه جار بدار المضاربة. ولو باع رب المال دارا له خاصة والمضاربة شفيعها بدار المضاربة، فإن كان فيها ربح فله أن يأخذها لنفسه؛ لأنه جار بقدر نصيبه، وإن لم يكن فيها ربح لم يأخذها؛ لأنه ليس لها بجار. م: (قال: أو يصالح عليها بإنكار، فإن صالح عليها بإقرار وجبت الشفعة) ش: أي قال القدوري، أي أو يصالح على الدار. والقدوري عطف هذا على قوله أو يعتق عليها عبدا، وهذه المسألة مختلفة الألفاظ في النسخ، والخطأ فيها من الناسخ، كذا في " شرح الأقطع "، ولهذا قال صاحب " الهداية " م: (قال: هكذا ذكر في أكثر نسخ " المختصر ") ش: أي القدوري م: (والصحيح أو يصالح عنها بإنكار مكان قوله: أو يصالح عليها؛ لأنه إذا صالح عليها بإنكار بقي الدار في يده فهو يزعم أنها لم تزل عن ملكه) ش: يعني أن المدعى عليه ينكر مبادلة المال بالمال، ويزعم أنه بقي عليه قديم ملكه، وإنما بذل المال لدفع الخصومة. بيان ذلك أنه إذا صالح عليها يجب فيها الشفعة، سواء كان الصلح عن إقرار أو إنكار أو سكوت؛ لأن في زعم المدعي أنه يأخذها عوضا عن حقه. وكذا المدعى عليه يعطيها عوضا عن المال الذي يدعى عليه فتجب الشفعة؛ لأنه مبادلة مالية مقصودة، بخلاف ما إذا صالح عنها بإنكار حيث لا تجب فيها الشفعة؛ لأن في زعم المصالح أن الدار ملكه، وإنما دفع المال افتداء ليمينه فلم يملكها بعوض. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 357 وكذا إذا صالح عنها بسكوت لأنه يحتمل أنه بذل المال افتداء ليمينه وقطعا لشغب خصمه، كما إذا أنكر صريحا بخلاف ما إذا صالح عنها بإقرار لأنه معترف بالملك للمدعي، وإنما استفاده بالصلح فكان مبادلة مالية. أما إذا صالح عليها بإقرار أو سكوت أو إنكار وجبت الشفعة في جميع ذلك؛ لأنه أخذها عوضا عن حقه في زعمه إذا لم يكن من جنسه فيعامل بزعمه. قال: ولا شفعة في هبته لما ذكرنا إلا أن تكون بعوض مشروط؛ لأنه   [البناية] فكذا إذا صالح منها بسكوت فلا تجب الشفعة أيضا؛ لأنا لا نعلم أنه يملكها بعوض الجوار أنه دفع المال افتداء ليمينه وقطعا لشغب الخصم، فلا تجب الشفعة بالشك، وهذا بخلاف ما إذا صالح عنها بإقرار حيث يجب فيها الشفعة؛ لأنه مقر به ملكها بالمال الصالح عليه. ألا ترى أنهم قالوا: لو استحق المصالح عليه، والصلح مع سكوت رجع المدعي بالدعوى. ولو كان الصلح مع إقرار رجع بالدار فبان الفرق بينهما. م: (وكذا إذا صالح عنها بسكوت) ش: لأنه، أي وكذا لا شفعة فيما إذا صالح عن الدار بسكوت م: (لأنه يحتمل أنه بذل المال افتداء ليمينه وقطعا لشغب خصمه) ش: قال السغناقي في " العباب " الشغب بسكون الغين المعجمة يهيج الشر، لا يقال شغب يعني بالتحريك، وافتداء وقطعا منصوبان على التعليل م: (كما إذا أنكر صريحا) ش: حيث لا شفعة فيه. م: (بخلاف ما إذا صالح عنها بإقرار؛ لأنه معترف بالملك للمدعى) ش: لأنه مقر بأنه ملكها بالمال المصالح عليه وقد مر التحقيق مستوفى م: (وإنما استفاده) ش: أي الملك م: (بالصلح، فكان مبادلة مالية) ش: فوجبت فيه الشفعة م: (أما إذا صالح عليها) ش: أي على الدار م: (بإقرار أو سكوت أو إنكار وجبت الشفعة في جميع ذلك) ش: أي في الأحوال الثلاثة م: (لأنه) ش: أي المدعي م: (أخذها) ش: أي أخذ الدار م: (عوضا عن حقه في زعمه) ش: أي في زعم المدعي م: (إذا لم يكن) ش: أي العوض م: (من جنسه) ش: أي من جنس حقه قيد به؛ لأنه إذا كان من جنس حقه بأن صالح على بيت من داره فإنه أخذ عين حقه فلا يكون معاوضة وقد مر في الصلح فلا تجب الشفعة. م: (فيعامل بزعمه) ش: أي بزعم المدعي بفتح الزاي وضمها، يقال زعم زعما، أي قال من باب نصر بنصر. وأما زعم بكسر العين معناه طمع فمصدره زعم بالتحريك. [الشفعة في الهبة] م: (قال: ولا شفعة في هبته) ش: أي قال القدوري: لا شفعة في هبته، وبه قال الشافعي وأحمد. وقال مالك وابن أبي ليلى فيها الشفعة بقيمة الموهوب، وكذا عندهما الشفعة في الصدقة بالقيمة، م: (لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله بخلاف الهبة؛ لأنه لا عوض فيها رأسا م: (إلا أن تكون بعوض مشروط) ش: في عقد الهبة م: (لأنه) ش: أي لأن عقد الهبة بشرط العوض الجزء: 11 ¦ الصفحة: 358 بيع انتهاء. ولا بد من القبض، وأن لا يكون الموهوب ولا عوضه شائعا؛ لأنه هبة ابتداء وقد قررناه في كتاب الهبة، بخلاف ما إذا لم يكن العوض مشروطا في العقد؛ لأن كل واحد منهما هبة مطلقة، إلا أنه أثيب منها فامتنع الرجوع. قال: ومن باع بشرط الخيار فلا شفعة للشفيع؛ لأنه   [البناية] م: (بيع انتهاء) ش: لأنه هبة ابتداء. واعلم أن الهبة على عوض، فإن كان وجد فيه التقابض وإن قبض أحدهما دون الآخر فلا شفعة فيه. وقال زفر: تجب الشفعة بالعقد كما ذكره القدوري في " شرح مختصر الكرخي " بقوله: قالت الثلاثة: وهذا بناء على أن الهبة بشرط العوض بيع ابتداء وانتهاء عند زفر، وعندنا تبرع ابتداء بيع انتهاء حتى لا يجبر على التسليم، ولا يملك قبل القبض ولا يصح في المشاع ولا تثبت فيه الشفعة، فإذا تقابضا إلا أن يثبت أحكام البيع، وصورته أن يقول وهبت هذا الملك على أن تعوض كذا. وأجمعوا على أنه لو قال وهبت هذا لك بكذا إنه بيع، كذا في " المختلف ". م: (ولا بد من القبض) ش: أي في العوضين م: (وأن لا يكون الموهوب ولا عوضه شائعا؛ لأنه هبة ابتداء) ش: فالشيوع يمنعها م: (وقد قررناه في كتاب الهبة) ش: بشرط العوض أنها تبرع ابتداء ومعاوضة انتهاء في كتاب الهبة م: (بخلاف ما إذا لم يكن العوض مشروطا في العقد) ش: يعني لا تثبت الشفعة حينئذ أصلا لا في الموهوب ولا في العوض. م: (لأن كل واحد منهما) ش: أي من الهبة والعوض م: (هبة مطلقة) ش: عن العوض؛ لأن الأول هبة أثيب عليها، والثاني أمر في إبطاله حق الرجوع لا أن يكون عوضا عن الأول حقيقة. ولهذا لو أعطى عشرة دراهم لمن أعطاه درهما عوضا عن ذلك جاز. ولو كان عوضا لم يجز؛ لأنه يكون ربا فلا تثبت الشفعة. بخلاف ما إذا كان العوض مشروطا؛ لأنه يصير تبعا من كل وجه عند القبض؛ لأنه مشروط أيضا فيثبت أحكام البيع. فإن قلت: إنه هبة ابتداء، ويصير بيعا بالقبض، فلا يكون نظير المقبوض. قلت: نعم، ولكن الشفعة تتعلق بالبناء، فمن هذا الوجه يصير مثل المقبوض فتجب الشفعة بطريق الدلالة. م: (إلا أنه أثيب منها فامتنع الرجوع) ش: أي إلا أن الواهب عوض من الهبة فامتنع رجوعه عنها؛ لأن امتناع الرجوع لمكان التعويض فلا يصير تبعا. [الشفعة فيما إذا باع أو اشترى بشرط الخيار] م: (قال: ومن باع بشرط الخيار فلا شفعة للشفيع) ش: أي قال القدوري م: (لأنه) ش: أي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 359 يمنع زوال الملك عن البائع. فإن أسقط الخيار وجبت الشفعة؛ لأنه زال المانع عن الزوال، ويشترط الطلب عند سقوط الخيار في الصحيح؛ لأن البيع يصير سببا لزوال الملك عن ذلك. قال: وإن اشترى بشرط الخيار وجبت الشفعة لأنه لا يمنع زوال الملك عن البائع بالاتفاق   [البناية] يمنع زوال الملك عن البائع. فإن أسقط الخيار وجبت الشفعة؛ لأنه زال المانع عن الزوال، ويشترط الطلب عند سقوط الخيار في الصحيح؛ لأن البيع يصير سببا لزوال الملك عن ذلك. قال: وإن اشترى بشرط الخيار وجبت الشفعة لأنه لا يمنع زوال الملك عن البائع بالاتفاق لأن خيار البائع م: (يمنع زوال الملك عن البائع) ش: والشفعة تجب بخروج البيع عن ملك البائع، فصار كالإيجاب بلا قبول م: (فإن أسقط الخيار وجبت الشفعة؛ لأنه زال المانع) ش: وهو عدم المبيع عن ملك البائع بواسطة الشرط م: (عن الزوال) ش: أي زوال الشفعة. وقال تاج الشريعة: أي زوال ملك البائع أراد أنه ملك البائع فوجبت الشفعة لتعقلها به. وقال الأسبيحابي في " شرح الطحاوي ": ولو كان الخيار لهما جميعا فلا شفعة فيها أيضا لأجل خيار البائع. ولو شرط البائع الخيار للشفيع فلا شفعة له فيها أيضا؛ لأنه لما شرط الخيار للشفيع صار كأنه شرط لنفسه، فإن أجاز الشفيع البيع جاز وبطلت شفعته؛ لأن البيع من جهة الشفيع تم فصار كأنه باع. وإن فسخ فلا شفعة له أيضا؛ لأن ملك البائع لم يزل ولكن الحيلة له في ذلك أن لا يجبر، ولا يفسخ حتى يجيز البائع البيع، أو يجوز بمضي المدة فحينئذ له الشفعة. وكذلك لو باع داره على أن يضمن له الشفيع الدرك عن البائع والشفيع حاضر فضمن جاز البيع لا شفعة له؛ لأن البيع تم بضمانه فلا شفعة له لأنه ترك منزلة البائع. ولو أن المشتري اشترى دارا وشرط الخيار للشفيع ثلاثة أيام كان للشفيع الشفعة؛ لأن اشتراط الخيار له كاشتراطه للمشتري وذلك لا يمنع وجوب الشفعة. م: (ويشترط الطلب عند سقوط الخيار في الصحيح) ش: احترز به عن قول بعض المشايخ أنه لا يشترط الطلب عند وجوب البيع؛ لأنه هو السبب، والأصح أنه يشترط عند سقوط الخيار م: (لأن البيع يصير سببا لزوال الملك عند ذلك) ش: أي عند سقوط الخيار، أراد سببا هو علة؛ لأن البيع بشرط الخيار قبل انقضاء المدة سبب يشبه العلة، وليس بعلة. وإنما يصير علة عند سقوط الخيار فيشترط الطلب عند ذلك كما في البيع البات يشترط الطلب عقبه. م: (قال: وإن اشترى بشرط الخيار وجبت الشفعة) ش: هذا أيضا من ألفاظ القدوري وجبت الشفعة م: (لأنه) ش: أي لأن خيار المشتري م: (لا يمنع زوال الملك عن البائع بالاتفاق) ش: وبه قال أحمد في وجه، والشافعي في قول، وهو رواية المزني، وفي " شرح الوجيز ": وهذا هو الأصح عند عامة الأصحاب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 360 والشفعة تبتني عليه على ما مر، وإذا أخذها في الثلاث وجب البيع لعجز المشتري عن الرد ولا خيار للشفيع؛ لأنه يثبت بالشروط وهو للمشتري دون الشفيع. وإن بيعت دار إلى جنبها، والخيار لأحدهما فله الأخذ بالشفعة، أما للبائع فظاهر لبقاء ملكه في التي يشفع بها، وكذا إذا كان للمشتري،   [البناية] وقال أحمد في ظاهر مذهبه، والشافعي في قول: لا تسقط الشفعة لشفعته إلا بعد سقوط خيار المشتري كما في خيار البائع، وهو رواية عن أبي حنيفة وهو قول مالك في " الحلية "، واختاره أبو إسحاق المروزي من أصحابنا، وهو رواية الربيع. قيدنا بالاتفاق لأن الاختلاف هل يدخل في ملك المشتري، أو لم يدخل فعندهما يدخل خلافا لأبي حنيفة، وقد عرف في موضعه م: (والشفعة تبتني عليه) ش: أي على زوال الملك م: (على ما مر) ش: في أول باب الشفعة، وهو قوله: والوجه فيه إنما تجب الشفعة إذا رغب البائع من ملك الدار ... إلى آخره. م: (وإذا أخذها في الثلاث) ش: أي إذا أخذ الشفيع الشفعة في مدة الخيار التي هي الثلاث، وقيد بالثلاث ليكون على الاتفاق م: (وجب البيع لعجز المشتري عن الرد) ش: وإنا ذكرنا هذا لأن المشتري بخيار الشرط لو رد المبيع بحكم الخيار قبل الأخذ بالشفعة لم يثبت البيع وينفسخ من الأصل، فحينئذ لا يتمكن الشفيع من طلب الشفعة، لأن هذا ليس بإقالة هل انفسخ من الأصل، فكان السبب منعدما في حقه من الأصل إليه أشار إلى هذا في " المبسوط ". م: (ولا خيار للشفيع) ش: أي لا يثبت الخيار الذي كان للمشتري للشفيع، وإن كان انتقال إضافة الضعف من المشتري إلى الشفيع م: (لأنه ثبت بالشرط) ش: أي لأن الخيار ثبت بالشرط كاسمه م: (وهو) ش: أي الخيار كان م: (للمشتري دون الشفيع) ش: أي لم يكن للشفيع فلا يثبت له. م: وإن بيعت دار إلى جنبها) ش: أي إلى جنب الدار المشفوعة م: (والخيار لأحدهما) ش: أي والحال أن الخيار لأحد المتعاقدين م: (فله الأخذ بالشفعة) ش: أي الخيار للبائع فالشفعة له، وإن كان للمشتري م: (أما للبائع فظاهر لبقاء ملكه في التي يشفع بها) ش: حق إذ الخيار منع خروج ملكه، فإن أخذها بالشفعة كان نقضا لبيعه؛ لأن قدر ملكه وإقدام البائع على ما يقدر ملكه في مدة الخيار نقض البيع؛ لأنه لو لم يجعل نقضا لبيعه ملكا إذا جاز البيع فيهما ملكها المشتري من حين العقد حتى يستحق بزوائدها المتصلة والمنفصلة فيتبين أنه أخذ الشفعة بغير حق. م: (وكذا إذا كان للمشتري) ش: أي وكذا الحكم إذا كان الخيار للمشتري يعني له الأخذ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 361 وفيه إشكال أوضحناه في البيوع فلا نعيده. وإذا أخذها كان إجازة منه للبيع، بخلاف ما إذا اشتراها ولم يرها حيث لا يبطل خياره بأخذ ما بيع بجنبها بالشفعة؛ لأن خيار الرؤية لا يبطل بصريح الإبطال   [البناية] بالشفعة م: (وفيه إشكال) ش: أي وفي ثبوت الخيار للمشتري إشكال، وهو أنه لا يثبت له الملك عند أبي يوسف كيف يأخذها بالشفعة، وقد كان البلخي يدعي المناقضة على أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث قال: إذا كان الخيار للمشتري لا يملك البيع، وهاهنا نقول بقولنا خذ الشفعة، وهو مستلزم للمالك وحل الإشكال إن طلب الشفعة يدل على اختياره الملك فيها؛ لأن ما يثبت إلا بدفع ضرر سوء الجوار وذلك بالاستدامة فيتضمن ذلك سقوط الخيار سابقا عليه فيثبت الملك من وقت الشراء فيتبين أن الجوار كان ثابتا. فإن قلت: الملك الثابت في ضمن طلب الشفعة يكون بطريق الإسناد فيثبت من وجه دون وجه. قلت: نعم إذا انعقد الإجماع على الاستناد وهاهنا ليس كذلك فإن عنده يثبت الملك بطريق الاقتضاء. وعندهما يكون الملك للمشتري فصار الملك مجتهدا فيه فيثبت قطعا، بخلاف ما إذا باع بشرط الخيار ثم بيعت دار بجنبها ثم أجاز البائع وقت البيع، وإجازة البيع دليل إعراضه عن الشفعة، فلو أخذ المشتري يكون حق الشفعة بملك الغير. وأما في مسألتنا فيملك نفسه فافترقا. م: (أوضحناه في البيوع فلا نعيده) ش: أوضحنا الإشكال في البيوع. قال في " النهاية ": هذه الحوالة في حق الإشكال غير رائجة بل فيه جواب الإشكال وهو قوله: ومن اشترى دارا على أنه بالخيار فبيعت دار بجنبها ... إلى آخره. وقيل: إذا كانت الحوالة في حق جواب الإشكال رائجة كانت في حق السؤال كذلك؛ لأن الجواب يتضمن السؤال. وقيل: لم يقل في بيوع هذا الكتاب فيجوز إن كان أوضحه في بيوع " كفاية المنتهي ". م: (وإذا أخذها كان إجازة منه للبيع) ش: أي وإذا أخذ المشتري المبيعة، كان إجازة منه للبيع الذي كان له فيه الخيار م: (بخلاف ما إذا اشتراها ولم يرها) ش: أي بخلاف ما إذا اشترى المشتري الدار الأولى، والحال أنه لم يرها م: (حيث لا يبطل خياره بأخذ ما بيع بجنبها بالشفعة؛ لأن خيار الرؤية لا يبطل) ش: خياره م: (بصريح الإبطال) ش: قبل وجود الرؤية؛ لأن بطلانه َ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 362 فكيف بدلالته، ثم إذا حضر شفيع الدار الأولى له أن يأخذها دون الثانية لانعدام ملكه في الأولى حين بيعت الثانية. قال: ومن ابتاع دارا شراء فاسدا فلا شفعة فيها. أما قبل القبض فلعدم زوال ملك البائع وبعد القبض لاحتمال الفسخ، وحق الفسخ ثابت بالشرع لدفع الفساد،   [البناية] موقوف على وجودها م: (فكيف بدلالته) ش: أي فكيف يبطل خيار الرؤية بدلالة الإبطال؛ لأن ما لا يبطل بالصريح، فبالدلالة الأولى أن لا يبطل. م: (ثم إذا حضر شفيع الدار الأولى فله أن يأخذها دون الثانية) ش: يعني إذا اشترى دارا بشرط الخيار ولها شفيع ثم بيعت دار أخرى بجنبها ثم حضر الشفيع فله أن يأخذ الأولى بالشفعة دون الثانية؛ لأنه إنما يكون له الشفعة في الثانية بسبب الجوار بالدار الأولى ولم يكن له جوار الأولى حين بيعت الثانية؛ لأنه ما كان يملكها حينئذ. وإنما حدث له جوار بعد ذلك، وإنما يأخذ الأولى فحسب؛ لأنه كان جارها حين بيعت إلا إذا كان له دار أخرى بجنب الدار الثانية، فحينئذ يأخذ الدارين جميعا بالشفعة م: (لانعدام ملكه في الأولى) ش: أي ملك الشفيع الذي حضر في الدار الأولى م: (حين بيعت الثانية) ش: لأنه إنما يتملك الآن فلا يصير بها جارا للدار أو شريكا من وقت العقد. [الشفعة فيما إذا ابتاع دارا شراء فاسدا] م: (قال: ومن ابتاع دارا شراء فاسدا فلا شفعة فيها) ش: أي قال القدوري: ابتاع أي اشترى فيها، أي في الدار المشتراة شراء فاسدا ولا خلاف فيها للفقهاء. وفي " الذخيرة " هذا إذا وقع البيع فاسدا في الابتداء، أما إذا وقع صريحا ثم قد فسد بقي حق الشفعة كما لو اشترى النصراني دارا بخمر فلم يتقابضا حتى أسلما أو أسلم أحدهما، أو قبض الدار ولم يقبض الخمر، فإن البيع يفسد وللشفيع أن يأخذها بالشفعة م: (أما قبل القبض لعدم زوال ملك البائع وبعد القبض لاحتمال الفسخ وحق الفسخ ثابت بالشرع لدفع الفساد) ش: أي هو ثابت بأمر الشرع بلا اختيار من الشفيع فلا تثبت الشفعة مع أن الفسخ ثابت من جهة الشرع يكون الشارع أمر بتقرير أمر قد أمر برفعه، هذه مناقضة ظاهرة، والشارع يتعالى عن مثل ذلك. فإن قلت: ينبغي أن لا ينعقد البيع الفاسد إذ في انعقاده تقرير من الشارع هذا العقد مع أنه أمر برفعه فيكون تناقضا. قلت: تخلل هنا فعل اختياري وهو إقدام البائع على البيع، وجاز أن يؤخذ فعل حرام، ويترتب عليه أحكام كما إذا وطئ امرأته في حالة الحيض يثبت نسب الولد مع حرمة الفعل. وقلنا: إن الملك لا يثبت في البيع الفاسد قبل القبض، إذ لو ثبت الملك يلزم للبائع تسليمه وهو مأمور بنقضه فيلزم التناقض فيثبت الملك بالقبض لإضافة الملك إلى فعل اختياري وهو القبض. وقلنا: إن الملك لا يثبت في البيع الفاسد قبل القبض يوجب القيمة دون الثمن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 363 وفي إثبات حق الشفعة تقرير الفساد فلا يجوز، بخلاف ما إذا كان الخيار للمشتري في البيع الصحيح؛ لأنه صار أخص به تصرفا، وفي البيع الفاسد ممنوع عنه، قال: فإن سقط حق الفسخ وجبت الشفعة لزوال المانع، وإن بيعت دار بجنبها وهي في يد البائع   [البناية] أن وجوب الثمن يثبت ذلك العقد فيؤدي إلى تقرير الفساد. م: (وفي إثبات حق الشفعة تقرير الفساد فلا يجوز) ش: فإن قلت: بيع المشترى بالشراء الفاسد يصح، وهو تقرير الفساد أيضا. قلت: التقرير هنا يضاف إلى الشارع لأنه هو السبب لهذا الحق، ولا كذلك ثمة؛ لأنه يضاف إلى العبد م: (بخلاف ما إذا كان الخيار للمشتري في البيع الصحيح) ش: حيث تجب الشفعة مع احتمال الفسخ م: (لأنه) ش: أي لأن المشتري م (صار أخص به تصرفا) ش: يعني صار المشتري أخص بهذا البيع بالتصرف، وإن احتمل البيع الفسخ، وإنما صار أخص لأن حق الفسخ له دون البائع، فباعتبار كونه أخص تحقيق الضرر للشفيع فتثبت له الشفعة بخلاف البيع الفاسد لأن المشتري منع عن التصرف فلا يتضرر الشفيع، فلا يثبت له الشفعة لثبوتها بخلاف القياس لدفع الضرر، أشار إليه بقوله م: (وفي البيع الفاسد ممنوع عنه) ش: أي وفي البيع الفاسد المشتري ممنوع عن التصرف كما بينا ولا خلاف فيه بين للفقهاء. قال الأترازي: وفي هذا الفرق نظر عندي؛ لأن لقائل أن يقول لا نسلم أن المشتري شراء فاسدا ممنوع من التصرف، ولهذا إذا باع بيعا صحيحا لا يكون لبائعه حق القبض. قلت: الفرق صحيح، والنظر غير وارد؛ لأن بيع المشتري شراء فاسدا بعقد صحيح لا يدل على أن له التصرف؛ لأن تصرفه محظور، وقد يترتب على المحظور من الأحكام كما لو وطئ حالة الحيض، فإنه يحلل المرأة على زوجها الأول، ولا يلزم من صحة عقده، وعدم تمكن البائع من نقضه أن لا يكون ممنوعا من التصرف، فافهم. م: (قال: فإن سقط حق الفسخ) ش: أي قال المصنف فإن سقط حق الفسخ للبائع في البيع الفاسد بالزيادة في المبيع كالبناء والغرس عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبالبيع من آخر بالاتفاق م: (وجبت الشفعة) ش: أي ثبتت م: (لزوال المانع) ش: وهو حق الفسخ للبائع، وإن اتخذها المشتري مسجدا فعلى هذا الخلاف وقيل: ينقطع حقه إجماعا م: (وإن بيعت دار بجنبها) ش: ذكر هذه المسألة تفريعا على مسألة القدوري، أي بجنب الدار المشتراة شراء فاسدا. م: (وهي في يد البائع) ش: أي والحال أن الدار المشتراة في يد البائع لم يسلمها للمشتري الجزء: 11 ¦ الصفحة: 364 بعد فله الشفعة لبقاء ملكه، وإن سلمها إلى المشتري فهو شفيعها لأن الملك له، ثم إن سلم البائع قبل الحكم بالشفعة له بطلت شفعته كما إذا باع، بخلاف ما إذا سلم بعده؛ لأن بقاء ملكه في الدار التي يشفع بها بعد الحكم بالشفعة ليس بشرط، فبقيت المأخوذة بالشفعة على ملكه، وإن استردها البائع من المشتري قبل الحكم بالشفعة له   [البناية] م: (بعد فله الشفعة لبقاء ملكه) ش: أي فللبائع الشفعة لبقاء ملكه؛ لأنه لم يخرج عن ملكه بالبيع الفاسد. م: (وإن سلمها إلى المشتري فهو شفيعها لأن الملك له) ش: أي وإن سلم البائع الدار المشتراة بالشراء الفاسد إلى المشتري فالمشتري شفيعها لأن الملك له، أي للمشتري لا يقال في ذلك تقرير الفاسد حيث أخذ الدار المبيعة بالشفعة بالدار المشتراة بالشراء الفاسد؛ لأنا نقول المشتري بعد أخذ الدار الثانية بالشفعة متمكن من نقض المشتراة شراء فاسدا مع عدم الفساد في التي أخذها بالشفعة، بخلاف ما تقدم، فإنه لو ثبتت الشفعة ثمة لا ينقل الشراء الفاسد من المشتري إلى الشفيع بوصف الفساد. وفي ذلك تقريره فلا يجوز. فإن قيل: الملك وإن كان للمشتري وهو يقتضي ثبوت حق المشفعة، لكن المانع متحقق وهو بقاء حق البائع في استرداد ما ثبت به حق الشفعة وهو المشتراة شراء فاسدا، فإن بقاء ذلك منع للشفيع من أخذ المشتراة بالشراء الفاسد. أجيب: بأن ذلك مجرد تعلق حق الغير وهو لا يمنع من الشفعة كقيام حق المرتهن في الدار المرهونة فإنه لا يمنع وجوب الشفعة للراهن إذا بيعت دار بجنبها، وامتناع الشفيع من الأخذ في تلك المسألة لم يكن بمجرد بقاء حق البائع في الاسترداد بل مع لزوم تقرير الفساد، ولا تقرير هاهنا على ما ذكرنا من تمكن المشتري من فسخ ما اشتراه شراء فاسدا. م: (ثم إن سلم البائع قبل الحاكم بالشفعة له بطلت شفعته) ش: أي إن سلم البائع الدار المبيعة بالبيع الفاسد إلى المشتري قبل حكم القاضي بالشفعة للبائع بطلت شفعة البائع لزوال ما كان يستحقها به م: (كما إذا باع) ش: أي كما إذا باع البائع الدار م: (بخلاف ما إذا سلم بعده) ش: أي بعد الحكم بالشفعة للبائع م: (لأن بقاء ملكه في الدار التي يشفع بها بعد الحكم بالشفعة ليس بشرط) ش: أي لأن بقاء ملك البائع وهو ما يستحق به الشفعة في ملك الشفيع بعد الحكم بها ليس بشرط. م: (فبقيت المأخوذة بالشفعة على ملكه) ش: أي الدار المشفوعة بالشفعة م: (وإن استردها البائع) ش: أي الدار المبيعة بالبيع الفاسد م: (من المشتري قبل الحكم بالشفعة له) ش: أي للمشتري م: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 365 بطلت لانقطاع ملكه عن التي يشفع بها قبل الحكم بالشفعة، وإن استردها بعد الحكم بقيت الثانية على ملكه لما بينا. قال: وإذا اقتسم الشركاء العقار فلا شفعة لجارهم بالقسمة؛ لأن القسمة فيها معنى الإفراز، ولهذا يجري فيها الجبر والشفعة ما شرعت إلا في المبادلة المطلقة. قال: وإذا اشترى دارا فسلم الشفيع الشفعة ثم ردها المشتري بخيار رؤية أو شرط أو بعيب بقضاء قاض فلا شفعة للشفيع؛ لأنه فسخ من كل وجه فعاد إلى قديم ملكه والشفعة في إنشاء العقد، ولا فرق في هذا بين القبض وعدمه. قال: وإن ردها بعيب بغير قضاء   [البناية] (بطلت) ش: أي شفعة المشتري صورته بيعت دار بجنب الدار المشتراة بالشراء الفاسد والدار في يد المشتري وطلب الشفيع الشفعة ثم قبل الحكم استرد البائع الدار منه طلب شفعته م: (لانقطاع ملكه عن التي يشفع بها قبل الحكم بالشفعة) ش: ولا تثبت الشفعة للبائع لأنه لم يكن في وقت بيع المشفوع جارا. م: (وإن استردها بعد الحكم) ش: أي وإن استرد البائع المبيعة بيعا فاسدا بعد حكم القاضي بالشفعة للمشتري م: (بقيت الثانية على ملكه) ش: أي الدار الثانية وهي التي أخذها المشتري بالشفعة، والضمير في ملكه راجع إلى المشتري م: (على ما بينا) ش: وفي بعض النسخ لما بينا. أشار به إلى قوله لأن بقاء ملكه في الدار التي يشفع بها بعد الحكم بالشفعة ليس بشرط. م: (قال: وإذا اقتسم الشركاء العقار فلا شفعة لجارهم بالقسمة) ش: أي قال القدوري وفي بعض النسخ وإذ اقتسم الشركاء م: (لأن القسمة فيها معنى الإفراز) ش: وهو تمييز الحقوق م: (ولهذا يجري فيها الجبر) ش: أي جبر القاضي م: (والشفعة ما شرعت إلا في المبادلة المطلقة) ش: وهي المبادلة من كل وجه. [اشترى دارا فسلم الشفيع الشفعة ثم ردها المشتري بخيار أو بعيب] م: (قال: وإذا اشترى دارا فسلم الشفيع الشفعة) ش: أي قال القدوري: إذا اشترى رجل دار فسلم الشفيع شفعته م: ثم ردها المشتري) ش: أي الدار على البائع م: بخيار رؤية أو شرط أو بعيب) ش: أي أو ردها بسبب عيب وجده فيها م: (بقضاء قاض فلا شفعة للشفيع لأنه فسخ من كل وجه فعاد إلى قديم ملكه) ش: أي ملك البائع م: (والشفعة في إنشاء العقد) ش: أي الشفعة تجب إلى إحداث عقد م: (ولا فرق في هذا) ش: يعني فيما إذا كان الرد بالقضاء، هكذا عنه أكثر الشراح. وقال تاج الشريعة: قوله والفرق في هذا، أي في الرد بالعيب بالقضاء قلت: الكل معنى واحد لأن قوله بقضاء قاض قيد لقوله أو بعيب فقط فافهم م: (بين القبض وعدمه) ش: حيث لا تجب الشفعة في الوجهين؛ لأنه فسخ في الأصل. م: (وإن ردها بعيب بغير قضاء) ش: أي وإن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 366 أو تقايلا البيع فللشفيع الشفعة؛ لأنه فسخ في حقهما لولايتهما على أنفسهما وقد قصد الفسخ وهو بيع جديد في حق ثالث لوجود حد البيع وهو مبادلة المال بالمال بالتراضي والشفيع ثالث، ومراده الرد بالعيب بعد القبض لأن قبله فسخ من الأصل، وإن كان بغير قضاء على ما عرف. وفي " الجامع الصغير ": ولا شفعة في قسمة ولا خيار رؤية وهو بكسر الراء، ومعناه لا شفعة بسبب الرد بخيار الرؤية لما بيناه.   [البناية] رد المشتري الدار على البائع بسبب عيب بغير قضاء القاضي م: (أو تقايلا البيع فللشفيع الشفعة) ش: وبه قال مالك وأحمد في رواية المقايلة. وقال الشافعي: كل فسخ حصل بأي سبب كان لم يكن للشفيع أخذه لأنه عاد إلى المالك لزوال العقد، وبه قال أحمد في المشهور وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه فسخ في حقهما) ش: أي لأن كل واحد من الرد بالعيب بغير قضاء، والإقالة فسخ في حق البائع والمشتري م: (لولايتهما على أنفسهما وقد قصد الفسخ) ش: فيكون فسخا في حقهما م: (وهو بيع جديد في حق ثالث) ش: وهو الشفيع، فصار في حق الشفيع كأن البائع اشترى ثانيا فيتجدد حق الشفعة للشفيع. وقوله: وبيع بالرفع عطف على قوله لأنه فسخ م: (لوجود حد البيع وهو مبادلة المال بالمال بالتراضي والشفيع ثالث) ش: بين هذا أن المراد بقوله ويبيع جديد في حق ثالث هو الشفيع م: (ومراده الرد بالعيب بعد القبض) ش: أي القدوري من قوله ثم ردها المشتري بعيب بقضاء قاض للرد بعد القبض؛ لأن الرد قبل القبض فسخ وإن كان بغير قضاء. وقال صاحب " العناية ": قال الشارحون: قوله ومراده، أي مراد القدوري في قوله أو بعيب بقضاء قاض للرد بالعيب بعد القبض وفيه نظر؛ لأن فيه تناقض. قوله هناك: ولا فرق في هذا بين القبض وعدمه. قلت: لا تناقض؛ لأن تعليله يدل على ذلك يفهم بالتأمل وهو قوله م: (لأنه) ش: أي لأن الرد بالعيب م: (قبله) ش: أي قبل القبض م: (فسخ من الأصل وإن كان بغير قضاء) ش: القاضي م: (على ما عرف) ش: في البيع. م: (وفي الجامع الصغير) ش: إنما ذكر مسألة " الجامع الصغير " وإن كان تكرارا لكونه محتاجة إلى التفسير على ما يجيء، ولأن في لفظه اختلاف الروايتين ففي كل منهما فائدة على ما يأتي م: (ولا شفعة في قسمة ولا خيار رؤية) ش: يروي قوله ولا خيار رؤية بكسر الراء عطفا على القسمة، أشار إليه بقوله م: (وهو بكسر الراء) ش: أراد بكسر راء الخيار م: (ومعناه لا شفعة بسبب الرد بخيار الرؤية لما بيناه) ش: يعني إذا اشترى دارا لم يردها ولها شفيع فأبطل شفعته ثم ردها المشتري بخيار الرؤية لم تتجدد شفعة الشفيع؛ لأن هذا فسخ شيئا البائع وأبى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 367 ولا تصح الرواية بالفتح عطفا على الشفعة؛ لأن الرواية محفوظة في كتاب القسمة أنه يثبت في القسمة خيار الرؤية وخيار الشرط؛ لأنهما يثبتان لخلل في الرضا فيما يتعلق لزومه بالرضا، وهذا المعنى موجود في القسمة والله سبحانه وتعالى أعلم.   [البناية] فلا يكون له شبه بالبيع لعدم التراضي، بخلاف الإقالة. ويروى بفتح الراء وضمها عطفا على الشفعة على اللفظ وعلى المحل، وهذه الرواية منعها المصنف حيث قال م: (ولا تصح الرواية بالفتح عطفا على الشفعة؛ لأن الرواية محفوظة في كتاب القسمة أنه يثبت في القسمة خيار الرؤية وخيار الشرط؛ لأنهما يثبتان لخلل في الرضا فيما يتعلق لزومه بالرضا وهذا المعنى) ش: أي الحال في الرضا: م: (موجود في القسمة) ش: وتبع المصيف في ذلك فخر الإسلام البزدوي والصدر الشهيد حيث أنكر رواية الفتح وأثبتها الفقيه أبو الليث في " شرح الجامع الصغير " فقال: معناه لا شفعة في قسمة ولا خيار رؤية في القسمة أيضا، وإنما لم يجب في القسمة خيار رؤية لأنه لا فائدة في رده كان له أن يطلب القسمة من ساعته فلا يكون في الرد فائدة. وحمل فخر الدين قاضي خان في "شرح الجامع الصغير " رواية الفسخ على ما إذا كانت التركة مكيلا أو موزونا من جنس واحد فاقتسموا لا يثبت خيار الرؤية؛ لأنه لو رد القسمة بخيار الرؤية لاحتاج إلى القسمة مرة أخرى فيقع في نصيبه عين ما وقع في المرة الأولى أو مثله فلا يفيد خيار الرؤية. آما لو كانت عقارا أو شيئا آخر يفيد خيار الرؤية؛ لأنه لو رد بخيار الرؤية، فإذا اقتسموا ثانيا ربما يقع في نصيبه الطرف الآخر الذي يوافقه، فيكون مفيدا م: (والله سبحانه وتعالى أعلم) ش: وفي " الكافي " وصحح شمس الأئمة السرخسي الرواية بالنصب أيضا، وقال: لا يثبت خيار الرؤية في القسمة سواء كانت القسمة بقضاء أو برضاء، وبه أخذ بعض المشايخ. [باب ما تبطل به الشفعة] [ترك الشفيع الإشهاد حين علم بالبيع] 11 - الجزء: 11 ¦ الصفحة: 368 باب ما تبطل به الشفعة قال: وإذا ترك الشفيع الإشهاد حين علم بالبيع، وهو يقدر على ذلك بطلت شفعته لإعراضه عن الطلب، وهذا لأن الإعراض إنما يتحقق حالة الاختيار وهي عند القدرة. قال: وكذلك إن أشهد في المجلس ولم يشهد على أحد المتبايعين ولا عند العقار وقد أوضحناه فيما تقدم. قال: وإن صالح من شفعته على عوض بطلت شفعته ورد العوض   [البناية] م: (باب ما تبطل به الشفعة) ش: أي هذا باب في بيان ما تبطل به الشفعة وأوجهه؛ لأن الإبطال بعد الثبوت. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا ترك الشفيع الإشهاد حين علم بالبيع، وهو يقدر على ذلك) ش: أي والحال أنه يقدر على ذلك الإشهاد حين العلم م: (بطلت شفعته لإعراضه عن الطلب) ش: أما إذا كان هناك مانع والظاهر أنه ترك الإشهاد لا للإعراض فلا يسقط حقه، كما إذا اشترى دارا والشفيع في بلد آخر وبينهما قوم يحاربون وهو لا يقدر على بعث الوكيل كان على شفعته. وكذا لو كان بينهما نهر مخوف أو أرض مسبغة. فإن قيل: قد ذكر قبل هذا أن طلب الإشهاد ليس بلازم وقد ذكر في " الذخيرة " أن الإشهاد ليس بشرط، وإنما ذكر أصحابنا الإشهاد عند هذا الطلب في الكتب احتياطيا لتمكن إثباته عند إنكار المشتري، فما وجه التوفيق بينهما. أجيب: بأنه يحتمل أن يراد بالإشهاد نفس طلب المواثبة؛ لأن طلب المواثبة لا ينفك عن الإشهاد في حق علم القاضي، وسمي هذا الطلب إشهادا بدليل ما ذكره من التعليل في حق ترك طلب المواثبة مثل ما ذكره في التعليل هاهنا. قلت: إذا فسر الإشهاد بطلت المواثبة كما فسره تاج الشريعة هكذا لإيراد السؤال المذكور، فلا يحتاج إلى الجواب. م: (وهذا) ش: يعني اشتراطه القدرة م: (لأن الإعراض إنما يتحقق حالة الاختيار، وهي عند القدرة) ش: فالإعراض يتحقق عند القدرة، حتى لو سمع وهو في الصلاة فترك طلب المواثبة فهو على شفعته. وكما إذا أخذ فم الشفيع أخذ حين بلغه الخبر م: (وكذلك إن أشهد في المجلس ولم يشهد على أحد المتابعين ولا عند العقار) ش: أراد به طلب المواثبة وترك طلب التقرير فإنه يسقط شفعته أيضا م: (وقد أوضحناه فيما تقدم) ش: أشار به إلى ما ذكره في باب طلب الشفعة. [صالح من شفعته على عوض] م: (وإن صالح من شفعته على عوض بطلت شفعته) ش: بلا خلاف بين الأئمة الأربعة م: (ورد العوض) ش: وبه قال الشافعي وأحمد رحمهما الله وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 369 لأن حق الشفعة ليس بحق مقرر في المحل، بل هو مجرد حق التملك فلا يصح الاعتياض عنه، ولا يتعلق إسقاطه بالجائز من الشرط فبالفاسد أولى   [البناية] يرد العوض؛ لأنه عوض إزالة الملك، فجاز أخذ العوض له عنه كالصلح عن القصاص م: (لأن حق الشفعة ليس بحق متقرر في المحل) ش: يعني أن الشفيع ليس له ملك في المحل بل له حق التعرض بالملك، فتسليمه الشفعة يكون ترك العوض منه، وهو معنى قوله م: (بل هو مجرد حق التمليك) ش: وهو حق التعرض للملك بخلاف القصاص؛ لأن لوليه ملكا متقررا. ألا ترى أن من عليه القصاص كالمملوك له في حق الاستيفاء، ولهذا يجوز له الاستيفاء بدون مرافعة الحاكم م: (فلا يصح الاعتياض عنه) ش: يعني إذا كان ليس بحق متقرر في المحل لا يصح الاعتياض عنه؛ لأن حق الشفعة ثبت بخلاف القصاص لدفع الضرر فلا يظهر ثبوته في حق الاعتياض. م: (ولا يتعلق إسقاطه بالجائز من الشرط) ش: أي لا يتعلق إسقاط حق الشفعة بالجائز من الشرط وهو مال ما ليس فيه ذكر مال م: (فبالفاسد أولى) ش: وهو ما فيه ذكر مال، تقريره أنه لو قال الشفيع سقطت شفعتي فيما اشتريت حتى لا يطلب الثمن مني، هذا الشرط جائز لأنه يلائم، ومع هذا لم يتعلق سقوط الشفعة بهذا الشرط، بل يسقط بمجرد قوله أسقطت بدون تحقق الشرط، فلأن لا يتعلق سقوطه بالفاسد وهو شرط الاعتياض عن حق ليس بمال، وأنه رشوة أولى. وفي " جامع قاضي خان ": الشرط الملائم شرط ليس فيه ذكر المال كما لو قال سلمت شفعتك على أن بعتنيها أو وليتنيها أو أجرتنيها أو دفعتنيها مزارعة أو معاملة. وكذا لو باع شفعته من البائع أو المشتري بمال تسقط الشفعة بالاتفاق ولا يلزمه المال. والفاصل بين الملائم وغيره أن ما كان فيه يوقع الانتفاع بمنافع المشفوع، كالإجارة، والعارية، والتولية، ونحوها فهو ملائم؛ لأن الأخذ بالشفعة يستلزمه. وما لم يكن فيه ذلك، كأخذ العوض فهو غير ملائم؛ لأنه إعراض غير لازم الأخذ. والحاصل: أن كل عقد تعلق جوازه بالجائز من الشرط فالفاسد فيه يبطله كالبيع، وما لا يتعلق جوازه بالجائز من الشرط وهو أن يقول أسقطت الشفعة بشرط، أن لا يطلب الثمن مني فالفاسد فيه لا يبطله وهو الاعتياض، فبقي الإسقاط صحيحا جائزا وبيان الأولوية أن الشرط الجائز سلم عن المعارض لأنه يقتضي الجواز، وإسقاط الشفعة كذلك. والشرط الفاسد لا يسلم عن المعارض لأنه يقتضي الفساد، وإسقاط الشفعة يقتضي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 370 فيبطل الشرط ويصح الإسقاط،   [البناية] الجواز مع سلامته، حيث لم يتعلق الإسقاط، فلأن لا يؤثر ما لم يسلم عن المعارض، كان أولى م: (فيبطل الشرط ويصح الإسقاط) ش: أي إذا كان لا يتعلق إسقاط الشفعة بالجائز من الشرط، وبالفاسد منه بطريق الأولى يبطل الشرط ويصح الإسقاط، لا يقال: لم يثبت فساد هذا الشرط، فكيف يصح الاستدلال به؛ لأنا نقول يثبت بالدليل الأول فصح به الاستدلال. وقال الأترازي: ولنا فيه نظر؛ لأن إسقاط حق الشفعة يتعلق بالجائز من الشرط، ألا ترى إلى ما قال محمد في " الجامع الكبير ": لو قال الشفيع: سلمت شفعة هذه الدار إن كنت اشتريتها لنفسك، وقد اشتراها لغيره. أو قال البائع: سلمتها لك إن كنت بعتها لنفسك، وقد باعها لغيره فهذا ليس بتسليم، وذلك لأن الشفيع علق التسليم بشرط، وصح هذا التعليق؛ لأن تسليم الشفعة إسقاط محض كالطلاق، والعتاق، ولهذا لا يرتد بالرد، وما كان إسقاطا محضا صح تعليقه بالشرط، وما صح بتعليقه بالشرط لا ينزل إلا بعد وجود الشرط، فلا يترك التسليم، انتهى. قلت: استخرج هذا النظر الغير وارد من قول الشيخ أبي المعين النسفي في شرح " الجامع الكبير " حيث قال: فيه. فإن قيل: إذا لم يجب العوض يجب أن لا يبطل شفعته أيضا؛ لأنه لما أبطل حقه في الشفعة بشرط سلامة العوض، فإذا لم يسلم يجب أن لا يبطل كما في الكفالة بالنفس إذا صالح الكفيل المكفول له على مال حتى يبرئه من الكفالة لما لم يجب العوض لم تثبت البراءة. قيل له: بأن المال لا يصلح عوضا عن الشفعة، فصار كالخمر والخنزير في باب الخلع والصلح عن دم العمد، وثمة يقع الطلاق ويسقط القصاص إذا وجد القبول من المرأة والقابل ولم يجب شيء، كذا هنا. وأما الصلح عن الكفالة بالنفس فكذلك على ما ذكر محمد في كتاب الشفعة من " المبسوط " وكتاب الكفالة والحوالة من " المبسوط " في رواية أبي حفص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعلى ما ذكر في الكفالة والحوالة على رواية أبي سليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يبرأ ويحتاج إلى الفرقة، والفرق أن حق الشفيع قد سقط بعوض معني، فإن الثمن سلم له، فإنه متى أخذ الدار بالشفعة وجب عليه الثمن. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 371 وكذا لو باع شفعته بمال لما بينا، بخلاف القصاص لأنه حق متقرر، وبخلاف الطلاق والعتاق لأنه اعتياض عن ملك في المحل. ونظيره إذا قال للمخيرة: اختاريني بألف،   [البناية] فمتى سلم له الثمن فقد سلم له نوع عوض بإزاء التسليم، فلا بد من القول لسقوط حقه في الشفعة، فإن المكفول له لم يرض بسقوط حقه عن الكفيل بغير عوض ولم يحصل له عوض أصلا فلا يسقط حقه في الكفالة، انتهى. ومن هذا الجواب يحصل الجواب عن النظر المذكور. م: (وكذا لو باع شفعته بمال) ش: يعني من البائع أو المشتري تسقط شفعته بالاتفاق ولا يلزمه المال؛ لأن البيع تمليك مال بمال، وحق الشفعة لا يحتمل التمليك، فصار عبارة عن الإسقاط مجازا، كبيع الزوج زوجته من نفسها، وهذا إذا باع من البائع أو المشتري لأنه إعراض عن الشفعة، أما إذا باع عن الأجنبي يبطل العوض، ولا تبطل الشفعة لأنه تحقيق للشفعة وتقريرها كذا في " الجامع الكبير " م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله أن حق الشفعة مجرد حق التملك فلا يصح الاعتياض عنه. م: (بخلاف القصاص لأنه حق متقرر) ش: هذا جواب عما يقال حق الشفعة كحق القصاص في كونه غير مال، والاعتياض عنه صحيح، فأجاب عنه بقوله بخلاف القصاص لأنه حق متقرر، والفاصل بين المتقرر وغيره أن ما يعتبر بالصلح عما كان قبله فهو متقرر وغيره غير متقرر، واعتبر في ذلك في الشفعة والقصاص، فإن نفس القاتل كانت مباحة في حق من له القصاص، وبالصلح حصل بالعصمة في دمه، فكان حقا متقررا. وأما في الشفعة فإن المشتري يملك الدار قبل الصلح وبعده على وجه واحد فلم يكن حقا مقصودا. م: (وبخلاف الطلاق والعتاق) ش: هذا جواب عما يقال حق الشفعة كحق الطلاق والعتاق في كونها غير مال، فأجاب بقوله بخلاف الطلاق والعتاق م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الطلاق والعتاق م: (اعتياض عن ملك في المحل) ش: تقريره أن الطلاق والعتاق ليس بمال لكن للزوج ذلك في المحل فيجوز الاعتياض عنه، أما الشفيع فلا ملك له في المحل بل له حق التملك. ولهذا كان لولي الصغير أن يسقط الشفعة، ولو كان له ملك لما جاز له ذلك م: (ونظيره) ش: أي نظير حق الشفعة م: (إذا قال للمخيرة: اختاريني بألف) ش: يعني إذا قال الزوج لامرأته اختاري نفسك ثم ندم فقال اختاريني بألف، فإن الحق يسقط ولا يجب المال، فتكون المخيرة نظير حق الشفعة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 372 أو قال العنين لامرأته: اختاري ترك الفسخ بألف فاختارت. سقط الخيار ولا يثبت العوض، والكفالة بالنفس في هذا بمنزلة الشفعة في رواية، وفي أخرى: لا تبطل الكفالة ولا يجب المال. وقيل: هذه رواية في الشفعة، وقيل: هي في الكفالة خاصة وقد عرف في موضعه.   [البناية] م: (أو قال العنين لامرأته: اختاري ترك الفسخ بألف فاختارت سقط الخيار ولا يثبت العوض) ش: لأنه مالك لبضعها قبل اختيارها وبعده على وجه واحد، فكان أخذ العوض لكل مال بالباطل وهو لا يجوز م: (والكفالة بالنفس في هذا) ش: أي في إسقاطها بعوض م: (بمنزلة الشفعة في رواية) ش: أي في رواية الكفالة والحوالة والشفعة والصلح من رواية أبي حفص، يعني إذا قال الكفيل بالنفس للمكفول له: صالحني على كذا بأن تأخذه مني وتسقط مالك من حق الطلب، فصالحنا، ففيه روايتان، في رواية ما ذكرنا من الكتب يبطل، قيل: وعليه الفتوى ولا يلزم المكفول له شيء؛ لأن حق الكفيل في الفعل وهو الطلب فلا يصح الاعتياض عنه. م: (وفي أخرى) ش: أي وفي الرواية الأخرى وهي رواية كتاب الصلح من رواية أبي سليمان م: (لا تبطل الكفالة ولا يجب المال) ش: فيحتاج إلى الفرق بين الكفالة بالنفس وبين الشفعة والفرق أن الكفالة بالنفس حق قوي لا يسقط بعد ثبوتها إلا بالإسقاط التام ولا يسقط إلا بعد تمام الرضاء به، ولهذا لا يسقط بالسكوت، وإنما يتم رضاه بسقوطه إذا أوجب له المال، فإذا لم يجب لم يكن راضيا، فأما سقوط الشفعة فليس يعتمد الإسقاط، وتمام الرضا به. ألا ترى أن السكوت بعد العلم به يسقط. م: (وقيل: هذه رواية في الشفعة) ش: أي رواية أبي سليمان في الكفالة تكون رواية في الشفعة أيضا، حتى لا تسقط الشفعة بالصلح على مال. حاصله أن التنصيص في الكفالة أنها لا تسقط ولا تجب المال يكون مضاف الشفعة بعدم سقوطها وأنه لا يجب المال. م: (وقيل: هي في الكفالة خاصة) ش: أي رواية أبي سليمان، أراد هذا الحكم، أعني عدم الوجوب وعدم السقوط يختص بالكفالة. وقال الإمام العتابي في كتاب "الشفعة" في شرح " الجامع الكبير ": والكفيل إذا صالح المكفول له على دراهم على أن يبرئه عن الكفالة فأبرأه صح الإبراء في رواية أبي حفص في كتاب "الكفالة" ولا شيء له من الدراهم. وفي رواية أبي سليمان لم يصح الإبراء م: (وقد عرف في موضعه) ش: أي في " المبسوط " لأنه التزام المال بمقابلة ما ليس بمال وهو سقوط حق الشفعة والبراءة عن المطالبة فكان بمعنى الرشوة. وفي " المبسوط " صلح الشفيع مع المشتري على ثلاثة أوجه منها صالحه على أخذ نصف الدار بنصف الثمن. ومنها ما صالحه على أخذ بيت من الدار بعينه بحصته في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 373 قال: وإذا مات الشفيع بطلت شفعته. وقال: الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تورث عنه. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معناه إذا مات بعد البيع قبل القضاء بالشفعة، أما إذا مات بعد قضاء القاضي قبل نقد الثمن وقبضه فالبيع لازم لورثته، وهذا نظير الاختلاف في خيار الشرط، وقد مر في البيوع، ولأنه بالموت يزول ملكه عن داره، ويثبت الملك للوارث بعد البيع وقيامه وقت البيع، وبقاؤه للشفيع إلى وقت القضاء شرط فلا يستوجب الشفعة بدونه.   [البناية] الثمن، وفي هذين الوجهين الصلح باطل والتسليم باطل، وله أن يأخذ جميع الدار بعد ذلك. وفي الوجه الثالث: وهو ما إذا صالحه على مال نفسه فقد وجد الإعراض عن الشفعة فيصح، ولم يصح صلحه. وفي " المحيط ": لو طلب نصفها بالشفعة يطلب شفعته في الكل عند محمد، وبه قال أحمد وبعض أصحاب الشافعي. وقال أبو يوسف: لا يكون تسليما في الكل وبه قال بعض أصحاب الشافعي وهو الأصح. [موت الشفيع وأثره في بطلان الشفعة] م: (قال: وإذا مات الشفيع بطلت شفعته. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تورث عنه. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معناه إذا مات بعد البيع قبل القضاء بالشفعة، أما إذا مات بعد قضاء القاضي قبل نقد الثمن وقبضه فالبيع لازم لورثته) ش: قال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": صورته: أن دارا بيعت، ولها شفيع، وطلب الشفعة فأثبتها بطلبين، ثم مات قبل الأخذ بالقضاء، أو بتسليم المشتري إليه فأراد ورثته أخذها فليس لهم ذلك، ولو كان الشفيع ملكها بالقضاء، أو بتسليم المشتري إليه، ثم مات يكون ميراثا لورثته. انتهى. والأصل فيه أن الحقوق اللازمة تنتقل إلى الورثة عنده سواء كانت مما يعوض عنها أو لم يكن؛ لأن الوارث يقوم مقام المورث لكونه كحاجته. وقلنا: الشفعة بالملك وقد زال بالموت، والذي يثبت الوارث حادث بعد البيع وهو غير معتبر لانتفاء شرطه وهو قيامه وقت البيع وبقاؤه إلى وقت القضاء، ولهذا لو أزاله باختياره بأن باع سقط. م: (وهذا) ش: أي وهذا الخلاف بيننا وبينه م: (نظير الخلاف في خيار الشرط) ش: فعندنا لا يورث خيار الشرط، وعنده يورث م: (وقد مر في البيوع) ش: في باب خيار الشرط. م: (ولأنه بالموت يزول ملكه) ش: أي ولأن الشفعة بموته يزول ملكه م: (عن داره ويثبت الملك للوارث بعد البيع وقيامه) ش: أي قيام الملك م: (وقت البيع، وبقاؤه للشفيع إلى وقت القضاء شرط فلا يستوجب الشفعة بدونه) ش: أي فلا يستحقها بدون الشرط المذكور. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 374 وإن مات المشتري لم تبطل؛ لأن المستحق باق ولم يتغير سبب حقه ولا يباع في دين المشتري ووصيته، ولو باعه القاضي والوصي أو أوصى المشتري فيها بوصيته فللشفيع أن يبطله ويأخذ الدار لتقدم حقه، ولهذا ينقض تصرفه في حياته. قال: وإذا باع الشفيع ما يشفع به قبل أن يقضى له بالشفعة بطلت شفعته لزوال سبب الاستحقاق قبل التملك وهو الاتصال بملكه،   [البناية] م: (وإن مات المشتري لم تبطل) ش: أي شفعة الشفيع م: (لأن المستحق باق) ش: وهو الشفيع م: (ولم يتغير سبب حقه) ش: أي حق المستحق وهو الشركة أو الجوار م: (ولا يباع في دين المشتري ووصيته) ش: أي لا تباع الدار المشفوعة إذا مات المشتري وعليه دين يعني لا يقدم دين المشتري ووصيته على حق الشفيع؛ لأن حقه مقدم على حق المشتري فكان مقدما على حق من يثبت حقه أيضا من جهته وهو الغريم والموصى له. فإن قلت: ينبغي أن يباع بدينه؛ لأن تعلق حق الغريم بالدار بعد موت المديون. قلت: حق الشفيع آكد؛ لأنه في المالية لا غير. وإذا تقدم على الغريم تقدم على الموصى له المتأخر عن الغريم. م: (ولو باعه القاضي أو الوصي) ش: أي ولو باع القاضي الدار المشفوعة أو وصيته في دين المشتري الميت، وذكر الضمير باعتبار المشفوع م: (أو أوصى المشتري فيها بوصيته) ش: أي في الدار المشفوعة بأن أوصى بها أو سلمها لأحد م: (فللشفيع أن يبطله ويأخذ الدار لتقدم حقه) ش: أي أن يبطل بيع القاضي أو بيع وصي المشتري، وكذا يبطل وصيته في الدار لتقدم حق الشفيع على حق المشتري لا يقال بيع القاضي حكم منه، فكيف ينقص لأنه قضاء منه، بخلاف الإجماع للإجماع على أن الشفيع حق يقضي تصرف المشتري فلا يكون نافذا، ولهذا لو جعل المشتري الدار مسجدا أو مقبرة نقض الشفيع ما صنع لتقدم حقه، وبه قالت الثلاثة. وعن الحسن وأحمد في رواية فيما وقفه المشتري أو جعله مسجدا يبطل الشفيع؛ لأن الشفعة إنما تكون في المملوك وقد خرج هذا عن كونه مملوكا. قلنا: حق الغير منع صيرورته مسجدا أو وقفا؛ لأن المسجد ما خلص لله، ومع تعلق الغير لا يخلص في الإيضاح م: (ولهذا) ش: أي ولتقدم حق الشفيع على حق المشتري م: (ينقض تصرفه في حياته) ش: أي تصرف المشتري مثل بيعه وهبته وإجارته ونحوها. [باع الشفيع ما يشفع به قبل أن يقضى له بالشفعة] م: (قال: وإذا باع الشفيع ما يشفع به قبل أن يقضى له بالشفعة بطلت شفعته) ش: أي قال القدوري: وإنما يبطل م: (لزوال سبب الاستحقاق قبل التملك وهو الاتصال بملكه) ش: أي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 375 ولهذا يزول به وإن لم يعلم بشراء المشفوعة، كما إذا سلم صريحا أو أبرأ عن الدين وهو لا يعلم به، وهذا بخلاف ما إذا باع الشفيع داره بشرط الخيار له؛ لأنه يمنع الزوال فبقي الاتصال.   [البناية] سبب الاستحقاق وهو اتصال الملكين وقد زال قبل التملك م: (ولهذا) ش: أي ولكون زوال السبب مبطلا م: (يزول به) ش: أي بالبيع. م: (وإن لم يعلم) ش: أي الشفيع م: (بشراء المشفوعة) ش: أي بشراء الدار المشفوعة؛ لأن العلم بالمسقط ليس بشرط لصحة الإسقاط، وبه قال الشافعي في وجه ومالك وأحمد في رواية. قالوا: في رواية أخرى لا يسقط م: (كما إذا سلم صريحا) ش: أي كما تسقط الشفعة إذا سلم الشفيع الشفعة صريحا. فإن قيل: يشكل بما إذا ساوم الشفيع المشتري أو سأله أن يوليه إياها أو يستأجرها منه، فإن ذلك تسليم الشفعة دلالة، والعلم بالشفعة شرط فيها فينبغي أن لا يشترط كما في البيع. أجيب: بأن المساومة والإجارة لم يوضعا للتسليم، وإنما يسقط بها لدلالتها على رضا الشفيع، والرضا بدون العلم غير متحقق بخلاف التسليم الصريح والإبراء. ورد بأن بيع ما يشفع به ولم يوضع للتسليم وقد ذكرتم أنه يبطلها بخلافه وإن لم يعلم. أجيب: بأن بقاءها للشفع به شرط إلى وقت القضاء بالشفعة وانتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، فكان كالموضوع له في قوة الدلالة. م: (أو أبرأ عن الدين وهو لا يعلم به) ش: أي أو أبرأ رب الدين المديون والحال أنه لم يعلم بدينه يصح الإبراء؛ لأنه إسقاط كما لو سلم الشفعة صريحا، وهو لا يعلم المشفوعة ويوجب الشفعة. وقال تاج الشريعة: يعني أبرأ الإنسان ولم يعلم بأنه غريمه ثم علم بذلك يسقط الدين. وفي شرح " الكافي ": رجل باع دارا ورضي الشفيع ثم جاء يدعي أنه لم يعلم أنه وجدها إلى موضع كذا أو ظن أنها أقرب أو أبعد ويدعي شفعته حين علم قال لا شفعة له؛ لأن صحة التسليم لا يقف على كون الدار معلومة لصحة الإبراء في الديون لا يتوقف على العلم بمقداره، فمتى صح التسليم كان هذا دعوى بعد التسليم فلا يسمع. م: (وهذا) ش: أي الحكم المذكور م: (بخلاف ما إذا باع الشفيع داره بشرط الخيار له لأنه يمنع الزوال) ش: أي لأن خيار المشتري يمنع زوال الملك م: (فبقي الاتصال) ش: وهو السبب فلا تسقط شفعته. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 376 قال: ووكيل البائع إذا باع وهو الشفيع فلا شفعة له. ووكيل المشتري إذا ابتاع فله الشفعة. والأصل أن من باع أو بيع له لا شفعة له. ومن اشترى أو ابتيع له فله الشفعة؛ لأن الأول   [البناية] ولو باع بعض داره شائعا فله الشفعة بما بقي، وبه قال الشافعي في وجه وأحمد في رواية، وكذا لو باع بعضه مقسوما وذلك لا يلي المبيعة؛ لأن الجوار قائم وإن كان مما يلي المبيعة بطلت شفعته لزوال الجوار. [وكيل البائع إذا باع وهو الشفيع هل له الشفعة] م: (قال: ووكيل البائع إذا باع وهو الشفيع فلا شفعة له) ش: أي قال القدوري: إن وكيل البائع إذا باع الدار والحال أنه هو الشفيع فلا شفعة له م: (ووكيل المشتري إذا ابتاع) ش: أي إذا اشترى م: (فله الشفعة) ش: أي فللمشتري وهو الشفيع الشفعة م: (والأصل) ش: أي الأصل في هذين الفصلين م: (أن من باع) ش: وهو وكيل البائع م: (أو بيع له) ش: أي أو أن من بيع لأحد وهو الموكل م: (فلا شفعة له) ش: أي لكل واحد منهما. وقال الشافعي وأحمد: له الشفعة سواء كان وكيل البائع، أو وكيل المشتري لما أن حقوق العقد يرجع إلى الموكل، فبالعمل لغيره لا يسقط حقه الثابت شرعا. وقال بعض الشافعية والقاضي الحنبلي كمذهبنا. وقال بعض الشافعية إن كان وكيل المشتري سقطت شفعته دون وكيل البائع. وكذا لو باع وشرط الخيار لغير المشتري وهو الشفيع فأجاز الشفيع بطلت شفعته عندنا خلافا للشافعي وأحمد. م: (ومن اشترى) ش: وهو وكيل المشتري م: (أو ابتيع له) ش: أي واشترى لأجله بأن اشترى المضارب بمال المضاربة ورب المال شفيعها م: (فله الشفعة) ش: أي فلكل واحد فيهما الشفعة. قال في " شرح الطحاوي ": بيان ذلك أن صاحب الدار إذا وكل شفيع الدار بالبيع فباعها فلا شفعة له؛ لأنه هو الذي باع. ولو أن مضاربا لرجل باع دارا من المضاربة ورب المال شفيعها بدار له أخرى فلا شفعة له لأنه بيع لأجله، وإن كان لا يملك بينة عن البيع، وإن كان المشتري وكل شفيع الدار بشرائها فاشتراها فله الشفعة، ألا ترى أنه لو اشترى دارا لنفسه وهو الشفيع كان له الشفعة، حتى لو جاء شفيع مثله أخذ منه نصف الدار. ولو جاء شفيع دونه فلا شفعة له وكذلك لو اشترى المضارب بمال المضاربة دارا ورب المال شفيعها كان له أن يأخذها بالشفعة؛ لأنه اشترى له. ومن اشترى أو اشترى له فلا تبطل شفعته م: (لأن الأول) ش: وهو وكيل البائع الذي هو الجزء: 11 ¦ الصفحة: 377 بأخذ المشفوعة يسعى في نقض ما تم من جهته وهو البيع، والمشتري لا ينقض شراؤه بالأخذ بالشفعة؛ لأنه مثل الشراء وكذلك لو ضمن الدرك عن البائع وهو الشفيع فلا شفعة له وكذلك إذا باع وشرط الخيار لغيره فأمضى المشروط له الخيار البيع وهو الشفيع فلا شفعة له،   [البناية] الشفيع م: (بأخذ المشفوعة) ش: أي يأخذ الدار المشفوعة، يعني إذا أراد أن يأخذ سبب الشفعة م: (يسعى في نقض ما يتم من جهته وهو البيع) ش: لأن الأخذ بالشفعة ضرب شراء، وكونه مشتريا يناقض كونه بائعا فيصير ساعيا في نقض ما يتم به فلا يجوز. م: (والمشتري لا ينقض شراؤه) ش: أي المشتري في الفصل الثاني: وهو الذي اشترى بالوكالة والحال أنه هو الشفيع لا ينتقض شراؤه م: (بالأخذ بالشفعة) ش: لأنه ليس فيه نقض ما يتم من جهته م: (لأنه) ش: أي لأن الأخذ بالشفعة م: (مثل الشراء) ش: لما قلنا أنه ضرب شراء فلا تناقض فيه، فافهم. م: (وكذلك) ش: أي كوكيل البائع م: (لو ضمن الدرك) ش: أي لو ضمن المشتري تبعه الاستحقاق م: (عن البائع وهو الشفيع) ش: أي والحال أنه هو الشفيع م: (فلا شفعة له) ش: لأن تمام البيع إنما كان من جهته من حيث لم يرض المشتري إلا بضمانه فكان الأخذ بالشفعة سعيا في نقض ما يتم من جهته فلا يجوز. قال في " الجامع الكبير ": رجل اشترى دارا على أن يضمن الشفيع الثمن عن المشتري أو ضمن المشتري الدرك أو اشترط البائع الخيار للشفيع وأمضى المبيع، فهذا كله تسليم للشفعة. وقال الشيخ أبو المعين النسفي في شرح " الجامع الكبير " إذا ضاع فضمن الشفيع الثمن من المشتري والشفيع حاضر وقبل في المجلس تقرر البيع بهذا الشرط استحسانا، والقياس أنه لا يجوز. وذكر محمد القياس والاستحسان في كتاب البيوع من " المبسوط ". وأما لا شفعة للشفيع فلأنه صار كالبائع من وجه وكان المشتري من وجه إما كالبائع من وجه؛ لأن البيع يتم به وكذا له أن يطالب المشتري بأداء الثمن، وإما كالمشتري من وجه لأن الشراء يتم به، كذا البائع يطالبه بالثمن كما يطالب المشتري فوقع التردد، وفي ثبوت حق الشفعة فلا يثبت؛ لأن حق الشفعة متى دار بين أن يثبت وبين أن لا يثبت لا يثبت. فإن قيل: البائع من كل وجه إنما لم يمكن له الشفعة؛ لأن إيجابها يؤدي إلى القضاء؛ لأن البيع لتمليك المبيع والشفعة لتملكه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 378 لأن البيع تم بإمضائه بخلاف جانب المشروط له الخيار من جانب المشتري. قال: وإذا بلغ الشفيع أنها بيعت بألف درهم فسلم ثم علم أنها بيعت بأقل أو بحنطة أو شعير قيمتها ألفا أو أكثر، فتسليمه باطل وله الشفعة؛ لأنه إنما سلم لاستكثار الثمن في الأول   [البناية] وهاهنا لا يؤدي إلى القضاء؛ لأن تمليك المبيع هاهنا ما كان من جهة الشفيع قيل له: الشفيع إذا كان كفيلا عن المشتري وبالثمن كان بمعنى البائع من وجه، وإيجاب الشفعة له يؤدي إلى القضاء من وجه في التمليك والتملك. م: (وكذلك إذا باع وشرط الخيار لغيره) ش: أي وكذلك لا شفعة إذا باع رجل دارا، وشرط الخيار لغيره وهو الشفيع م: (فأمضى المشروط له الخيار البيع وهو الشفيع) ش: أي والحال أن المشروط له الخيار هو الشفيع م: (فلا شفعة له؛ لأن البيع تم بإمضائه) ش: فإذا طلب بالشفعة يكون ساعيا لنقض ما تم من جهته فلا يجوز م: (بخلاف جانب المشروط له الخيار من جانب المشتري) ش: يعني لو شرط المشتري الخيار لغيره وهو الشفيع فأمضى البيع لا تبطل شفعته، لكن إذا طلبها قبل الإمضاء؛ لأنه لا يكون ساعيا في نقض ما تم من جهته بل أخذه بالشفعة مثل الشراء على ما مر. [بلغ الشفيع أن الدار بيعت بألف درهم فسلم ثم علم أنها بيعت بأقل] م: (قال: وإذا بلغ الشفيع أنها) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا بلغ الشفيع أن الدار م: بيعت بألف درهم فسلم) ش: الشفعة م: ثم علم أنها بيعت بأقل) ش: أي من الألف قيد به؛ لأنه لو علم أنها بيعت بأكثر سقطت شفعته كما علم؛ لأن الرضا بالتسليم بألف رضي بالتسليم بأكثر منه، ذكره في " المبسوط "، وبه قالت الثلاثة. وقال ابن أبي ليلى: لا شفعة له في الوجهين م: (أو بحنطة أو شعير قيمتها ألف أو أكثر) ش: أي ثم علم أنها بيعت بحنطة أو شعير قيمة كل منهما ألف أو أكثر من ألف. وقال السغناقي: تقييده بقوله: قيمتها ألف، أو أكثر غير مفيد، فإنه لو كان قيمتها أقل مما اشترى من الدراهم كان تسليمه باطلا أيضا؛ لأن إطلاق ما ذكره في " المبسوط "، و " الإيضاح " دليل عليه حيث قال فيهما: وكذلك لو أجبر أن الثمن عبد أو ثوب، ثم ظهر أنه كان مكيلا، أو موزونا فهو على شفعته، ولم يتعرض أن قيمة المكيل، أو الموزون أقل من قيمة الذي اشتراها به، وأكثر، وهكذا استدل في " الذخيرة " وقال: فلو أخبر أن الثمن شيء من ذوات القيم فسلم ثم ظهر أنه كان مكيلا أو موزونا فهو على شفعته، انتهى، وهذا يكلف كثيرا؛ لأن التسليم إذا لم يصح فيما إذا ظهر الثمن أكثر من المسمى، فلأن لا يصح إذا ظهر أقل كان أولى. م: (فتسليمه باطل وله الشفعة لأنه إنما سلم لاستكثار الثمن في الأول) ش: أي فيما بلغه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 379 ولتعذر الجنس الذي بلغه وتيسر ما بيع به في الثاني إذ الجنس مختلف، وكذا كل مكيل أو موزون أو عددي متقارب، بخلاف ما إذا علم أنها بيعت بعرض قيمته ألف أو أكثر؛ لأن الواجب فيه القيمة وهي دراهم أو دنانير.   [البناية] أنها بيعت بألف ثم علم أنها بيعت بأقل م: (ولتعذر الجنس الذي بلغه) ش: أي أو أنه إنما سلم لتعذر الجنس الذي بلغه م: (وتيسر ما بيع به) ش: بأن كان دهقانا؛ لأنه يتيسر عليه أداء الحنطة ويتعسر عليه أداء الدراهم والدنانير م: (في الثاني) ش: أي فيما إذا بلغه أنها بيعت بألف ثم علم أنها بيعت بحنطة أو شعير م: (إذ الجنس مختلف) ش: لأن الدراهم غير الحنطة والشعير، وكذا الحنطة غير الشعير. فإن قلت: الشفعة من قبل الإسقاط وأنها لا تتوقف، والفائت هنا هو الرضا. قلت: الإسقاط لا يتحقق، إلا بعد وجود البيع وما وجد البيع الذي سلم الشفعة فيه؛ لأنه سلم البيع بالألفين، والبيع بالألف غيره، ولأن التسليم خرج جوابا للاختيار، والكلام متى خرج جوابا يكون كالمعاد في الجواب، فصار تقديره إن كان البيع كما قلت، سلمت الشفعة، وإلا فلا، فكان مقيدا به، فلا يثبت بدونه. م: (وكذا كل مكيل أو موزون أو عددي متقارب) ش: أي وكذا الحكم في كل مكيل بأن بلغه أنها بيعت بألف أو بيعت بحنطة ثم علم أنها بيعت بملح مثلا قيمته ألف أو أكثر فإنه على شفعته. وكذا في كل موزون بأن بلغه أنها بيعت بألف درهم أو بيعت بقنطار من العسل مثلا ثم علم أنها بيعت بقنطار من الزيت مثلا قيمته ألف أو أكثر فإنه على شفعته، وكذا في كل عددي متقارب بأن بلغه بأنه باعها بألف ثم علم أنها بيعت لا يجوز أو بيض قيمته ألف أو أكثر فإنه على شفعته. م: (بخلاف ما إذا علم أنها بيعت بعرض قيمته ألف أو أكثر) ش: يعني إذا بلغ الشفيع أنها بيعت بألف درهم فسلم الشفعة ثم علم أنها بيعت بعرض قيمته ألف أو أكثر كان تسليمه صحيحا م: (لأن الواجب فيه) ش: أي في العرض م: (القيمة وهي دراهم أو دنانير) ش: فصار كما لو قيل بيعت بألف فسلم، ثم ظهر أكثر من ذلك وهو الذي ذكره اختيار شيخ الإسلام. وفي " الذخيرة ": لو أخبره أن الثمن شيء من ذوات القيم فسلم ثم ظهر أنه شيء آخر من ذوات القيم بأن أخبر أن الثمن دار وظهر أنه عبد فجواب محمد أنه على شفعته من غير فصل. قال شيخ الإسلام: هذا الجواب صحيح فيما إذا كان فيه ما ظهر أقل من قيمة ما أخبر، وغير صحيح فيما إذا كانت قيمته مثل قيمة ما أخبر؛ لأن الثمن إذا كان من ذوات القيم فالشفيع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 380 وإن بان أنها بيعت بدنانير قيمتها ألف فلا شفعة له، وكذا إذا كانت أكثر. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له الشفعة لاختلاف الجنس. ولنا: أن الجنس متحد في حق الثمنية.   [البناية] يأخذ بقيمة الثمن دراهم أو دنانير، فكأنه أخبر أنه ألف درهم أو ألف دينار فسلم ثم ظهر مثل ما أخبر أو أكثر، وهناك كان التسليم صحيحا. ولو ظهر أقل كان على شفعته كذا هاهنا. ولو كان على العكس بأن أخبر أن الثمن عبد قيمته ألف أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي هي من ذوات القيم ثم ظهر أنه دراهم أو دنانير. فجواب محمد أنه على شفعته من غير فصل. قال بعض المشايخ: هذا الجواب محمول على ما إذا كان قيمة ما ظهر أقل ما لو كان مثله أو أكثر فلا شفعة له. وبعضهم قال: هذا جواب صحيح على الإطلاق بخلاف المسألة المتقدمة؛ لأنه وإن كان يأخذ بالقيمة قد يصير مغبونا في ذلك؛ لأن التقويم بالظن يكون، وإنما سلم حتى لا يصير مغبونا، وهذا المعنى منعدم فيما إذا كان الثمن دراهم. م: (وإن بان أنها بيعت بدنانير قيمتها ألف فلا شفعة له، وكذا إذا كانت أكثر) ش: يعني وإن ظهر أن الدار بيعت بدنانير قيمتها ألف درهم فيما إذا أخبر أنها بيعت بعوض قيمته أكثر من ألف م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له الشفعة لاختلاف الجنس) ش: يعني بين الدراهم والدنانير، ولهذا حل التفاضل بينهما، وبه قالت الثلاثة. م: (ولنا: أن الجنس متحد في حق الثمينة) ش: بدليل تكميل نصاب أحدهما بالآخر والمكره بالبيع بالدراهم يكون مكرها على البيع بالدنانير ورب الدين إذا ظفر بدنانير المديون وحقه الدراهم له أن يأخذ، ومال المضاربة إذا صار دنانير عمل بهن رب المال، كما لو صار دراهم. وإنما اعتبرنا جنسين في حق الربا حتى جاز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا؛ لأن الربا لا يجري باعتبار الثمنية، بل باعتبار الوزن والجنس، وهما مختلفان في هذا الوجه حقيقة. ولهذا لا يجري الربا بين الدراهم والحديد وإن وجد الاتحاد من حيث الوزنية. وذكر في " الأسرار " خلاف أبي يوسف فقال: تبطل شفعته عند أبي يوسف استحسانا خلافا لهما. وفي " الذخيرة " جعل قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما ذكر في الكتاب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 381 قال: وإذا قيل له: إن المشتري فلان فسلم الشفعة ثم علم أنه غيره فله الشفعة لتفاوت الجوار. ولو علم أن المشتري هو مع غيره فله أن يأخذ نصيب غيره؛ لأن التسليم لم يوجد في حقه. ولو بلغه شراء النصف فسلم ثم ظهر شراء الجميع فله الشفعة؛ لأن التسليم لضرر الشركة ولا شركة وفي عكسه لا شفعة في ظاهر الرواية؛ لأن التسليم في الكل تسليم في أبعاضه، والله أعلم.   [البناية] م: (قال: وإذا قيل له: إن المشتري فلان فسلم الشفعة ثم علم أنه غيره فله الشفعة لتفاوت الجوار) ش: أي قال القدوري، وبه قال الشافعي في وجه لا شفعة له، واختار الأول في شرح " الوجيز " م: (ولو علم أن المشتري هو مع غيره) ش: أي لو علم الشفيع أن المشتري فلان مع غيره بأن علم أن زيدا وعمرا قد كان ترك لأجل زيد م: (فله أن يأخذ نصيب غيره) ش: أي غير فلان وهو عمرو م: (لأن التسليم لم يوجد في حقه) ش: أي في حق الغير، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تبطل شفعته أصلا في نصيبه ولا في نصيب غيره م: (ولو بلغه شراء النصف) ش: أي ولو بلغ الشفيع أن نصف الدار بيع م: فسلم ثم ظهر شراء الجميع) ش: أي جميع الدار م: (فله الشفعة؛ لأن التسليم لضرر الشركة ولا شركة) ش: أي لأن التسليم شفعته كان لأجل ضرر الشركة ولا شركة هاهنا، فكانت له الشفعة في جميع الدار. م: (وفي عكسه) ش: وهو أن يخبر بشراء الكل فظهر شراء النصف م: (لا شفعة في ظاهر الرواية؛ لأن التسليم في الكل تسليم في أبعاضه) ش: بفتح الهمزة جمع بعض، أي تسليم الشفعة في كل الدار تسليم في جميع أجزائها فلا تبقى له شفعة. واحترز بقوله في ظاهر الرواية عن رواية الثمر بن حداد فإنه روى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال فله الشفعة في هذه الصورة كما في الصورة المذكورة، وبه قال الشافعي وأحمد لجواز أن يكون تسليم الكل لعدم قدرته على الثمن، وقد يتمكن على البعض بخلاف ما إذا سلم في البعض؛ لأن العجز عن أداء البعض عجز عن أداء الكل بالطريق الأولى. وفي " الذخيرة ": فلو ظهر أنه اشترى النصف لا شفعة له، كذا قال شيخ الإسلام: هذا الجواب محمول على ما إذا كان ثمن النصف مثل ثمن الكل بأن أخبر أنه اشترى النصف بألف، أما لو ظهر أنه اشترى النصف بخمسمائة يكون على شفعته. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 382 فصل قال: وإذا باع دارا إلا مقدار ذراع منها في طول الحد الذي يلي الشفيع فلا شفعة له لانقطاع الجوار، وهذه حيلة، وكذا إذا وهب منه هذا المقدار وسلمه إليه لما بينا. قال: وإذا ابتاع منها سهما بثمن ثم ابتاع بقيمتها فالشفعة للجار في السهم الأول دون الثاني؛ لأن الشفيع جار فيهما إلا أن المشتري في الثاني شريك فيتقدم عليه، فإن أراد الحيلة   [البناية] [فصل الحيل في الشفعة] [باع دارا إلا بمقدار ذراع منها في طول الحد الذي يلي الشفيع] م: (فصل) ش: هذا بيان الحيل التي تبطل بها الشفعة وهو محتاج إليه؛ لأن الشفيع ربما يكون فاسقا مؤذيا أو ظالما متعديا فيحتاج إلى الاجتناب عن جواره. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا باع دارا إلا بمقدار ذراع منها في طول الحد الذي يلي الشفيع فلا شفعة له لانقطاع الجوار، وهذه حيلة) ش: أي في إسقاط الشفعة م: (وكذا إذا وهب منه هذا المقدار وسلمه إليه) ش: وكذا لا شفعة له إذا وهب منه، أي من فلان هذا المقدار، أي قدر ذراع في طول الحد الذي يلي الشفيع وسلمه إليه، أي إلى الموهوب له مع طريقه حتى تصح الهبة؛ لأن ما وهب مقدار معين، والطريق إذا كان شائعا إلا أنه لا يحتمل القسمة وهبة المشاع فيما لا يحتملها جائزة فيصير شريكا في الطريق ثم يبيع بقية الدار منه بثمن الكل م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله لانقطاع الجوار. م: (قال: وإذا ابتاع منها سهما بثمن) ش: أي قال القدوري: وإن اشترى من الدار سهما بثمن معين م: ثم ابتاع بقيتها) ش: أي ثم اشترى بقية الدار م: (فالشفعة للجار في السهم الأول دون الثاني؛ لأن الشفيع جار فيهما، إلا أن المشتري في الثاني شريك فيتقدم عليه) ش: لأن المشتري حيث اشترى الثاني كان هو شريكا؛ لأنه كما اشترى الجزء الأول صار شريكا للبائع فكان عند شراء الباقي شريكا له لا محالة، وحق الشفعة يثبت عند الشراء، وهو عند ذلك شريك، فكان مقدما على الجار. وقال القدوري في " شرح مختصر الكرخي " قال أبو يوسف: وإن كان المشتري للنصف الثاني غير المشتري للنصف الأول فلم يخاصمه فيه حتى أخذ الجار النصف الأول والجار أحق بالنصف الثاني من المشتري الأول؛ لأن الملك للمشتري الأول زال عن النصف قبل انتقال الشفعة إليه فسقطت شفعته وبقي حق الجار فاستحق النصف الثاني بالجوار كما استحق الأول. م: (فإن أراد الحيلة) ش: هذه حيلة ترجع إلى تقليد رغبة الشفيع الأول إلى الإبطال؛ لأن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 383 ابتاع السهم بالثمن إلا درهما مثلا، والباقي بالباقي. وإن ابتاعها بثمن ثم دفع إليه ثوبا عوضا عنه فالشفعة بالثمن دون الثوب؛ لأنه عقد آخر والثمن هو العوض عن الدار.   [البناية] في الأول ليس للجار أن يأخذ؛ لأن مقدار ذارع من طول حد الشفيع لم يبع م: (ابتاع السهم بالثمن إلا درهما مثلا) ش: أي اشترى السهم الواحد من الدار وهو السهم الذي يلي الشفيع مثلا بالألف إلا درهما م: (والباقي بالباقي) ش: أي وابتاع الباقي من الدار بباقي الثمن وهو الدرهم. تفسيره ما قاله في " شرح الطحاوي " وهو أن يبيع أولا من الدار أو من الكرم عشرها مشاعا بأكثر من الثمن ثم يبيع تسعة أعشارها ببقية الثمن، حتى إن الشفيع لا يثبت له حق الشفعة إلا في عشرها بثمنه، ولا تثبت له الشفعة في تسعة الأعشار؛ لأن المشتري حين اشترى تسعة أعشارها كان شريكا فيها بالعشر، وهذه الحيلة إنما تكون للخيار أو الخليط؛ لأن الشريك أولى منهما ولا يحتال بها للشريك؛ لأن الشفيع إذا كان شريكا كان له أن يأخذ نصف قيمة الأعشار أيضا بقليل الثمن. وإن كانت الدار للصغير فإن بيع العشر منهما بكثير الثمن يجوز، وبيع تسعة الأعشار بقليل الثمن لا يجوز؛ لأن بيع مال الصغير بأقل من قيمته قدر ما لا يتغابن الناس فيه لا يجوز، فيكون في هذه الحيل مضرة المشتري وهو أن يلزمه العشر، ولا يجوز شراؤه في تسعة الأعشار. وقد يجوز أن يحتال بهذه الحيلة في دار الصغير وهو أن يبيع من داره جزءا من مائة جزء. أو يبيع جزءا من ألف جزء وبثمن أكثر من قيمته ثم يبيع بقية الدار بمثل ثمنه، فإنما تثبت له الشفعة في الجزء الأول خاصة، وهذه الحيلة للجار والخليط، فأما إذا كان الشفيع شريكا فإنه يأخذ نصف البقية بنصف. م: (وإن ابتاعها بثمن ثم دفع إليه ثوبا عوضا عنه فالشفعة بالثمن دون الثوب) ش: هذا لفظ القدوري أيضا وإن اشترى الدار بثمن ثم دفع إلى البائع ثوبا عوضا عن الثمن فالشفعة تكون بالثمن دون الثوب م: (لأنه عقد آخر) ش: أي لأن دفع الثمن عن الثمن عقد آخر م: (والثمن هو العوض عن الدار) ش: فتكون الشفعة بالثمن دون الثوب؛ لأن الشفعة تثبت بمثل الثمن الذي بيعت الدار به. ألا ترى أن البائع لو وهب للمشتري الثمن أو اشترى به دارا أخذها الشفيع بالمسمى حال العقد ولا يأخذ قيمة الدار الثانية لأنها ملكت العقد الثاني، كذلك في مسألتنا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 384 قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذه حيلة أخرى تعم الجوار والشركة فيباع بأضعاف قيمته ويعطى بها ثوب بقدر قيمته، إلا أنه لو استحقت المشفوعة يبقى كل الثمن على مشتري الثوب لقيام البيع الثاني فيتضرر به.   [البناية] م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذه حيلة أخرى تعم الجوار والشركة) ش: أي قال صاحب " الهداية " هذه المسألة وهي المسألة التي ابتاعها بثمن ثم دفع إليه ثوبا عن الثمن حيلة أخرى يصلح للجوار والشركة، يعني يحتال بها في حق الجوار والشريك بخلاف الحيلتين الأولتين ذكرهما القدوري بقوله: وإذا باع دارا إلا مقدار ذراع.. إلى آخره. وبقوله: وإن ابتاع منها سهما ثم ابتاع بقيتها.. إلى آخره فإنهما محتال بهما في حق الجار لا الشريك. ثم بين المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - كيفية هذه الحيلة بقوله م: (فيباع بأضعاف قيمته) ش: أي يباع المبيع بأضعاف قيمة المبيع م: (ويعطى بها ثوب بقدر قيمته) ش: أي ثم يعطي المشتري بمقابلة ما وجب عليه من أضعاف القيمة ثوبا يكون ذلك الثوب بقدر قيمة المبيع في الواقع بيان، أي يباع المبيع بأضعاف قيمة المبيع، ذلك ما ذكره في " شرح الطحاوي ": أن يبيع ما يساوي ألفا بألفين وينقد من الثمن ألف درهم إلا عشرة دراهم ثم يبيع بألف وعشرة عرضا يساوي عشرة دراهم فحصلت الدار للمشتري بألف درهم في الحاصل، ولكن الشفيع لا يأخذها إلا بألفي درهم. والأفضل للبائع أن يجعل مكان العرض دينارا يساوي عشرة دراهم، هذا هو الأحوط، حتى إن الدار لو استحقت عن يد المشتري رجع على البائع بمثل ما أعطاه؛ لأنه يبطل الصرف بالاستحقاق. وهذه الحيلة لجميع الشفعاء لو كان باع ببقية الثمن عوضا سوى الذهب يساوي عشرة دراهم كما ذكرنا، فعند الاستحقاق يرجع المشتري على البائع بألفي درهم ويكون فيه مضرة على البائع. م: (إلا أنه) ش: استثنى عن قوله: نعم الجوار والشركة أو من قوله، وهذه أخرى، أعني أنها حيلة عامة، إلا أن فيها وهم وقوع الضرر على البائع على تقدير ظهور المستحق يستحق الدار، وهو معنى قوله: م: (لو استحقت المشفوعة) ش: أي الدار المشفوعة م: (يبقى كل الثمن على مشتري الثوب) ش: وهو بائع الدار م: (لقيام البيع الثاني فيتضرر به) ش: أي يتضرر بائع الدار برجوع مشتري الدار عليه بكل الثمن الذي هو أضعاف قيمة الدار، وذلك لأن باستحقاق الدار تبطل المبايعة التي جرت بين مشتري الدار وبائعها في الثوب، فيثبت الجزء: 11 ¦ الصفحة: 385 والأوجه أن يباع بالدراهم الثمن دينار، حتى إذا استحق المشفوع يبطل الصرف فيجب رد الدينار لا غير. قال: ولا تكره الحيلة في إسقاط الشفعة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] باستحقاق الدار لمشتريها الرجوع على البائع بثمن الدار وثمنها ما يكون مذكورا في العقد الأول، فيتضرر بذلك البائع. م: (والأوجه) ش: يعني الوجه في هذه المسألة أن لا يتضرر بائع الدار م: (أن يباع بالدراهم الثمن دينار) ش: يعني تصارف، وقوله: الثمن بالجر صفة للدراهم، وقوله: دينار بالرفع مسند إلى قوله يباع مفعول ناب عن الفاعل م: (حتى إذا استحق المشفوع يبطل الصرف) ش: وهو بيع الدينار بالدراهم الثمن م: (فيجب رد الدينار لا غير) ش: أي يجب على البائع رد الدينار الذي وقع به الصرف لا غير، بيان ذلك ما ذكره في " قاضي خان ": أن يبيع الدار بعشرين ألفا إذا أراد أن يبيعها بعشرة آلاف درهم ثم يقبض الشفعة إلا قدر درهم وخمسمائة، ويقبض بالباقي عشرة دنانير أو أقل أو أكثر. ولو أراد الشفيع أن يأخذها بعشرين ألفا فلا يرغب في الشفعة، ولو استحقت الدار لا يرجع المشتري بعشرين ألفا، بل يرجع بما أعطاه، لأنه استحقت الدار ظهر أنه لم يكن عليه ثمن الدار فيبطل الصرف، كما لو باع العقار بالدراهم التي للمشتري على البائع ثم تصادقا أنه لم يكن عليه دين فإنه يبطل الصرف. [الحيلة في إسقاط الشفعة] م: (قال: ولا تكره الحيلة في إسقاط الشفعة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قال القدوري: اعلم أن الجملة في هذا الكتاب إما أن يكون للرفع بعد الوجوب أو لدفعه. فالأول: مثل أن يقول المشتري للشفيع أما أولها لك فلا حاجة لك في الأخذ فيقول نعم تسقط به الشفعة، وهو مكروه بالإجماع. والثاني: مختلف فيه، قال بعض المشايخ غير مكروه عند أبي يوسف ومكروه عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الذي ذكره في الكتاب، وقال في " شرح الطحاوي ": قيل: إن الاختلاف في الحيلة الإبطال قبل الوجوب، فأما بعد الوجوب فمكروه بالإجماع. وقال في " الواقعات الحسامية " في إبطال الشفعة على وجهين أما إن كانت بعد الثبوت أو قبل الثبوت ففي الوجه الأول: مكروه بالاتفاق نحو أن يقول المشتري للشفيع: اشتره مني وما أشبه ذلك، لأنه إبطال لحق واجب. وفي الوجه الثاني: لا بأس به سواء كان الشفيع عدلا أو فاسقا هو المختار؛ ولأنه ليس الجزء: 11 ¦ الصفحة: 386 وتكره عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الشفعة إنما وجبت لدفع الضرر، ولو أبحنا الحيلة ما دفعناه. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه منع عن إثبات الحق فلا يعد ضررا، وعلى هذا الخلاف الحيلة في إسقاط الزكاة.   [البناية] بإبطال ومن هذا الجنس ثلاث مسائل، إحداها هذه، والثانية الحيلة في منع وجوب الزكاة. والثالثة: الحيلة لدفع الربا بأن باع مائة درهم وفلسا بمائة وعشرين درهم. وقال الخصاف في أول كتاب "الحيل": لا بأس بالحيل فيما يحل ويجوز. وأما الحيلة بشيء يتخلص به الرجل من الحرام ويخرج إلى الحلال، مما كان من هذا ونحوه فلا بأس به، وإنما يكره من ذلك أن يحتال الرجل في حق الرجل حتى يبطله أو يحتال في باطل حتى يموته، أو يحتال في شيء حتى يدخل فيه شبهة. م: (وتكره عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الشافعي. وعند أحمد بالحيلة لا تسقط الشفعة. وفي صورة الموهوب أو جهالة الثمن يأخذ بثمن المثل لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تحل الخديعة» . قلنا: الحيلة لدفع الضرر عن نفسه مشروع بالآية والحديث، وإن كان الغير يتضرر به في ضمنه فكيف إذا لم يتضرر م: (لأن الشفعة إنما وجبت لدفع الضرر، ولو أبحنا الحيلة ما دفعناه) ش: أي الضرر. م: (ولأبي يوسف: أنه منع عن إثبات الحق) ش: أي في التحيل منع عن وجوب الحق عليه م: (فلا يعد ضررا) ش: فلا يكره كما لا تكره الحيلة في إسقاط الربا م: (وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور بين أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (الحيلة في إسقاط الزكاة) ش: فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكره، وعند محمد: تكره. وقيل: الفتوى على قول أبي يوسف في الشفعة، وعلى قول محمد في الزكاة، والله سبحانه وتعالى أعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 387 مسائل متفرقة قال: وإذا اشترى خمسة نفر دارًا من رجل، فللشفيع أن يأخذ نصيب أحدهم، وإن اشتراها رجل من خمسة أخذها كلها أو تركها، والفرق أن في الوجه الثاني بأخذ البعض تتفرق الصفقة على المشترى فيتضرر به زيادة الضرر. وفي الوجه الأول يقوم الشفيع مقام أحدهم فلا تتفرق الصفقة. ولا فرق في هذا بين ما إذا كان   [البناية] [مسائل متفرقة في الشفعة] [اشترى خمسة نفر دارا من رجل ولها شفيع] م: (مسائل متفرقة) ش: ارتفاع مسائل على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هذه مسائل، وإنما منع التنوين لأنه على صيغة منتهى الجموع كمساجد ودراهم. ومتفرقة بالرفع صفته. ويجوز النصب على تقدير خذ مسائل متفرقة أو هاك أو نحوهما ولم يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " من مسائل الشفعة إلا هذه المسائل. م: (قال: وإذا اشترى خمسة نفر دارا من رجل فللشفيع أن يأخذ نصيب أحدهم) ش: أي قال في " الجامع الصغير " وصورتها فيه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في خمسة نفر اشتروا من رجل دارا ولها شفيع فأراد أن يأخذ نصيب أحدهم قال له ذلك، فإن اشترى واحد من الخمسة لم يكن للشفيع أن يأخذ نصيب بعضهم دون بعض، انتهى. وذكره محمد في بيوع " الجامع الصغير ". م: (وإن اشتراها رجل من خمسة أخذها كلها أو تركها) ش: وبه قال مالك والقاضي الحنبلي والشافعي في وجه. وقال الشافعي في الأصح له أن يأخذ حصة أحدهم، وبه قال أحمد كما في الفصل الأول، ولا خلاف في فصل الأول م: (والفرق) ش: بين الفصلين م: (أن في الوجه الثاني بأخذ البعض تتفرق الصفقة على المشتري فيتضرر به) ش: أي تتفرق الصفقة عليه م: (زيادة الضرر) ش: وهي زيادة ضرر التشقيص، فإن أخذ الملك منه ضرر، وضرر التشقيص زيادة على ذلك، والشفعة شرعت لدفع ضرر الدخيل فلا تشرع على وجه يتضرر به الدخيل ضررا زائدا. م: (وفي الوجه الأول يقوم الشفيع مقام أحدهم) ش: لأنه إذا أخذ نصيب أحدهم فقد ملك عليه بجميع ما اشترى، وقام مقامه م: (فلا تتفرق الصفقة) ش: على المشتري هذا إذا كان الثمن منقودا، فأما إذا لم ينقدوا الثمن، فأراد الشفيع أن يأخذ نصيب أحدهم من البائع بحصتها من الثمن ليس له ذلك لما فيه من تفريق الصفقة على البائع. م: (ولا فرق في هذا) ش: أي في أخذ الشفيع نصيب أحد المشترين م: (بين ما إذا كان الجزء: 11 ¦ الصفحة: 388 قبل القبض أو بعده هو الصحيح، إلا أن قبل القبض لا يمكنه أخذ نصيب أحدهم إذا نقد ما عليه ما لم ينقد الآخر حصته، كيلا يؤدي إلى تفريق اليد على البائع بمنزلة أحد المشترين بخلاف ما بعد القبض؛ لأنه سقطت يد البائع، وسواء سمى لكل بعض ثمنا أو كان الثمن جملة؛ لأن العبرة في هذا لتفريق الصفقة لا للثمن   [البناية] قبل القبض) ش: أي قبل قبض مشتري الدار م: (أو بعده) ش: أي وبعد القبض م: (هو الصحيح) ش: احترز به عما روى القدوري عن أصحابنا، والحسن بن زياد عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المشتري إذا كانا اثنين لم يكن للشفيع أن يأخذ نصيب أحدهم قبل القبض، لأن التملك يقع على البائع فتتفرق عليه الصفقة. وله أن يأخذ نصيب أحدهم بعد القبض، لأن التملك حينئذ يقع على المشتري وقد أخذ منه جميع ملكه م: (إلا أن قبل القبض) ش: استثني من قوله: ولا فرق في هذا يعني أن الشفيع أخذ نصيب أحد المشتريين قبل القبض وبعده، إلا أن قبل القبض. م: (لا يمكنه أخذ نصيب أحدهم) ش: أي لا يمكن الشفيع أخذ نصيب أحد المشتريين م: (إذا نقد) ش: أحد المشتريين م: (ما عليه ما لم ينقد الآخر حصته؛ كيلا يؤدي إلى تفريق اليد على البائع) ش: يعني إذا قبضه نصيب أحدهم، عند عدم نقد أحد المشتريين ما عليه من الثمن يؤدي إلى تفريق الصفقة إلى البائع كما ذكرناه عن قريب م: (بمنزلة أحد المشتريين) ش: إذ نقد ما عليه الثمن ليس له أن يقبض نصيبه من الدار حتى يؤدي كلهم جميع ما عليهم من الثمن لئلا يلزم تفريق اليد على البائع. م: (بخلاف ما بعد القبض) ش: أي قبض مشتري الدار م: (لأنه سقطت يد البائع) ش: فلا يلزم تفريق اليد عليه م: (وسواء سمى لكل بعض ثمنا أو كان الثمن جملة) ش: أي سواء سمى البائع بكل جزء من أجزاء المبيع ثمنا، أو كان الثمن جملة واحدة به أن يكون البيع منفعة. م: (لأن العبرة في هذا لتفريق الصفقة، لا للثمن) ش: أي لا تفريق الثمن، حتى لو تفرقت الصفقة، من الابتداء فيما إذا كان المشتري واحدا، والبائع اثنين، واشترى نصيب كل واحد منهما بصفقة على حده كان للشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما، وإن لحق المشتري، ضرر عيب الشركة؛ لأنه رضي بهذا المبيع حتى اشترى كذلك. وذكر التمرتاشي: محالا إلى " الجامع " في اتحاد الصفقة، أن يتحد العاقد، والعقد، والثمن، أو يتعدد العاقد، والعقد، والثمن متحدان بأن قال البائع للمشترين: بعت منكما، أو قال البائعان للمشتري بعنا منك تتحد الصفقة، لأن ما يوجب الاتحاد راجح وهو العقد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 389 وهاهنا تفريعات ذكرناها في " كفاية المنتهي "   [البناية] والثمن والعقد والعاقد واحد بأن قال بعت هذا بكذا وهذا بكذا وقال: اشترى ذلك، أما لو تفرق الثلاثة تتفرق الصفقة، وإن أتحد العقد وتفرق العاقد والثمن. قيل: تفريق الصفقة لرجحان جنبة التفرق. وقيل: لا يتفرق، فقيل: الأول قياس، وهو قولهما، والثاني: استحسان، وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وهاهنا تفريعات ذكرناها في " كفاية المنتهي ") ش: تلك التفريعات ذكرها الكرخي في "مختصره " وبوب عليها بابا فقال: وكذلك إذا كان الشراء بوكالة فوكل رجل رجلين بشراء دار ولهما شفيع فللشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشترين. وإن كان الموكل رجلين والوكيل رجلا واحدا لم يكن له أن يأخذ نصيب أحد الموكلين. قال ابن سماعة عن محمد في "نوادره" ذلك، وقال: إنما أنظر إلى المشتري ولا أنظر إلى المشترى له. قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وكذلك لو اشترى بعشرة فليس له أن يأخذ شيئا دون شيء، ولو اشترى عشرة لرجل كان للشفيع أن يأخذ من واحد ويدع الآخرين، أو يأخذ من اثنين أو ثلاثة ويدع البقية. وكذا روى هشام عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " النوادر ": في الوكيل والوكيلين في الشراء وإذا اشترى الرجل دارين صفقة واحدة فجاء شفيع لهما جميعا، فأراد أن يأخذ أحدهما دون الأخرى فليس له ذلك، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال الحسن بن زياد عن زفر: الشفيع بالخيار إن شاء أخذهما وإن شاء أحدهما دون الأخرى وهذا قول الحسن وإذا كان الشفيع شفيعا لأحدهما دون الأخرى وقع البيع عليهما صفقة واحدة فإن الحسن بن أبي مالك روى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ليس له إلا أن يأخذ الذي تجاور بالحصة، وكذلك روى هشام عن محمد في رجل اشترى دارين مثلا صفين وله جار يلي إحداهما قال: فإنه يأخذ التي تليه بالشفعة ولا شفعة له في الأخرى. وقال هشام: قلت لمحمد ما يقول في عشرة أقرحة مثلا صفقة لرجل يلي واحد منها أرض إنسان فبيعت العشرة الأقرحة، فقال للشفيع أن يأخذ القراح الذي يليه وليس له في بقيتها شفعة. قلت له: ثم قال لأن كل قراح على حد. قلت: ليس بينهما طريق ولا نهر، وإنما هي مرور أو مسناة، قال: لا شفعة له إلا فيما يليه. وقال هشام: قلت لمحمد في قرية خالصة لرجل باعها والقرية عندنا على ما فيها من الدور والأرضين والكروم وقال محمد: ولكن القرية عندنا على بيوت القرية خالصة. قلت لمحمد: باع رجل هذه القرية بدورها وكرومها وأرضها وناحية منها تلي إنسانا قال محمد: للشفيع أن يأخذ القراح الذي يليه قلت: والكل شفيع أن يأخذ القراح الذي يليه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 390 قال: ومن اشترى نصف دار غير مقسوم فقاسمه البائع أخذ الشفيع النصف الذي صار للمشتري أو يدع، لأن القسمة من تمام القبض لما فيها من تكميل الانتفاع، ولهذا يتم القبض بالقسمة في الهبة، والشفيع لا ينتقض القبض، وإن كان له نفع فيه بعود العهدة على البائع، فكذا لا ينقض ما هو من تمامه بخلاف ما إذا باع أحد الشريكين نصيبه من الدار المشتركة وقاسم المشتري الذي لم يبع   [البناية] وأوشك أن يأخذوا حواشي القرية وذلك أردأ أرضها ويبقى وسط القرية للمشتري فلم ينكر محمد، وروايته به يقول: وقال القدوري في شرحه لمختصر الكرخي وروى الحسن بن زياد في رجل اشترى قرية بأرضها وأرضها أقرحة متفرقة، ولا حد للأقرحة جاز، قال: يأخذ القرية كلها بالشفعة وليس له أن يأخذ ذلك القراح ويدع ما سواه. وروى ابن أبي مالك عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن أبا حنيفة كان يقول: ليس له أن يأخذ إلا القراح الذي هو ملاصقه، لأن هذه الأقرحة مختلفة. قال والذي يجيء على قياسه أن هذه الأقرحة إذا كانت من صفقة واحدة أو قرية واحدة فهي كقراح واحد ودار واحدة، وهذا يدل على أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان يقول مثل قول محمد ثم رجع فقال: يأخذ الشفيع الجميع، لأنه ليتضرر بتفريعه كالدار الواحدة. [اشترى نصف دار غير مقسوم فقاسمه البائع] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى نصف دار غير مقسوم) ش: أي حال كون النصف غير مقسوم م: (فقاسمه البائع أخذ الشفيع النصف الذي صار للمشتري أو يدع) ش: أي أو يترك يعني ليس له أن ينقض القسمة بأن يقول للمشتري ادفع إلى البائع حتى آخذ منه، لأنه سواء كانت القسمة بحكم أو بغيره م: (لأن القسمة من تمام القبض لما فيه من تكميل الانتفاع) ش: لأن القسمة في غير المكيل، والموزون إقرار وقبض بعين الحق من وجه، ومبادلة من وجه، والشفيع يملك بمقتضى المبادلة التي يحدثها المشتري ولا يملك نقض القبض. م: (ولهذا) ش: أي ولكون القسمة من تمام القبض م: (يتم القبض بالقسمة في الهبة) ش: يعني أن هبة المشاع فيما يقسم فاسدة، ومع هذا لو قسم وسلم جاز م: (والشفيع لا ينقض القبض) ش: ليعيد الدار إلي البائع م: (وإن كان له نفع فيه) ش: أي في النقض م: (بعود العهدة) ش: وهي ضمان الاستحقاق م: (على البائع، فكذا لا ينقض ما هو من تمامه) ش: أي من تمام القبض وهو القسمة، وفي " الذخيرة ": تصرفات المشتري في الدار المشفوعة صحيحة إلى أن يحكم بالشفعة؛ لأن التصرف يعتمد الملك، والملك له وللشفيع حق الأخذ، غير أن الشفيع ينقض كل تصرف إلا القبض، وما كان من تمام القبض، والقسمة من تمام القبض. [باع أحد الشريكين نصيبه من الدار المشتركة وقاسم المشتري الذي لم يبع] م: (بخلاف ما إذا باع أحد الشريكين نصيبه من الدار المشتركة، وقاسم المشتري الذي لم يبع) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 391 حيث يكون للشفيع نقضه؛ لأن العقد ما وقع مع الذي قاسم فلم تكن القسمة من تمام القبض الذي هو حكم العقد، بل هو تصرف بحكم الملك لينقضه الشفيع كما ينقض بيعه وهبته، ثم إطلاق الجواب في الكتاب يدل على أن الشفيع يأخذ النصف الذي صار للمشتري في أي جانب كان. وهو المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن المشتري لا يملك إبطال حقه بالشفعة. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إنما يأخذه إذا وقع في جانب الدار التي يشفع بها لأنه لا يبقى جارا فيما يقع في الجانب الآخر. قال: ومن باع دارا وله عبد مأذون عليه دين فله الشفعة، وكذا إذا كان العبد هو البائع فلمولاه الشفعة، لأن الأخذ بالشفعة تملك بالثمن فينزل منزلة الشراء.   [البناية] ش: أي الشريك الذي لم يبع، قوله: المشتري فاعل لقوله: قاسم، وقوله: الذي لم يبع في محل النصب على المفعولية أي قاسم المشتري الدار مع الشريك الذي للبائع ولم يبع م: (حيث يكون للشفيع نقضه، لأن العقد ما وقع على الذي قاسم فلم تكن القسمة من تمام القبض الذي هو حكم العقد) ش: لأن القسمة ما جرت بين المتعاقدين فلم يمكن جعلها قبضا بجهة العقد وتكميلا للقبض، فاعتبرت مبادلة وللشفيع أن ينقض المبادلة م: (بل هو تصرف بحكم الملك لينقضه الشفيع كما ينقض بيعه وهبته) ش: أي بل المشتري تصرف بحكم الملك فكان مبادلة، وللشفيع أن ينقض المبادلة كما ينقض البيع والهبة وغيرهما من التصرف. م: (ثم إطلاق الجواب في الكتاب) ش: أي في " الجامع الصغير "، وإطلاق الجواب حيث قال: م: (يدل على أن الشفيع يأخذ النصف الذي صار للمشتري في أي جانب كان، وهو المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المشتري لا يملك إبطال حقه بالشفعة، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إنما يأخذه إذا وقع في جانب الدار التي يشفع بها؛ لأنه لا يبقى جارا فيما يقع في الجانب الآخر) ش: أي أن الشفيع إنما يأخذ النصف والباقي ظاهر. [باع دارا وله عبد مأذون عليه دين فله الشفعة] م: (قال: ومن باع دارا وله عبد مأذون عليه دين فله الشفعة) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": وصورتها فيه محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن يعقوب، عن أبي حنيفة في الرجل يبيع الدار وله عبد عليه دين هو شفيعها قال: له الشفعة. م: (وكذا إذا كان العبد هو البائع فلمولاه الشفعة؛ لأن الأخذ بالشفعة تملك بالثمن فينزل منزلة الشراء) ش: أي فينزل الآخر بالشفعة بمنزلة الشراء، ولو اشترى أحدهما من آخر يجوز، لأنه يفيد ملك اليد، فكذا الأخذ بالشفعة. وعند الثلاثة لا شفعة له، لأنه بائع أو مشتر لمولاه كما لم يكن عليه دين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 392 وهذا لأنه مفيد لأنه يتصرف للغرماء، بخلاف ما إذا لم يكن عليه دين لأنه يبيعه لمولاه ولا شفعة لمن يبيع له. قال: وتسليم الأب والوصي الشفعة على الصغير جائز عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -.   [البناية] م: (وهذا) ش: أي جواز أخذه بالشفعة م: (لأنه مفيد) ش: أي لأن أخذه بالشفعة مفيد م: (لأنه يتصرف للغرماء) ش: لا للمولى م: (بخلاف ما إذا لم يكن عليه دين لأنه يبيعه لمولاه ولا شفعة لمن يبيع له) ش: أي لأجله، وقد مر أن من بيع له لا شفعة له. وقال شيخ الإسلام الأسبيجابي "في شرح الكافي ": وإذا باع الرجل دارا وله عبد تاجر وهو شفيعها فإن كان عليه دين فله الشفعة، لأنه لا يأخذ لمولاه بل لنفسه، فكان مفيدا. ألا ترى أنه لو اشترى شيئا من مولاه كان جائزا إذا كان عليه دين، فكذا الأخذ بالشفعة، وإن لم يكن عليه دين لا يصح، لأنه يأخذها لمولاه وهو بائع. وكذا إذا باع العبد والمولى شفيعها فهو على هذا التقسيم، ثم قال شيخ الإسلام: وإذا باع المولى دارا ومكاتبه شفيعها فله الشفعة، لأنه أقرب إلى الأجانب من العبد المأذون، فإنما يأخذ لنفسه فكان أخذه الدار بالشفعة مفيدا. [تسليم الأب والوصي الشفعة على الصغير] م: (قال: وتسليم الأب والوصي الشفعة على الصغير جائز عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: أي قال في " الجامع الصغير " قال الكرخي في "مختصره": وإذا بيعت الدار، وشفيعها صبي، وهو في حجر أبيه، أو وصي أبيه، أو وصي جده إلى أبيه أو من ولاه عليه إمام أو حاكم فكل واحد منهم في حال ولايته أن يطالب بشفعة الصغير أو يأخذ الدار بالشفعة ويسلم ثمنها من مال الصغير. فإن سكت أحد من هؤلاء في حال ما له المطالبة عن طلب الشفعة للصغير بطلت شفعة الصغير. وكذلك إن سلم الشفعة بالقول فهو تسليم جائز ولا شفعة للصغير إذا بلغ في الوجهين جميعا وليس لأحد من الأب ولاية على الصغير ثم وصي الأب، ثم الجد أب الأب، ثم وصي الجد. فإن لم يكن واحد من هؤلاء فمن ولاه الإمام والحاكم وتسليم الشفعة من هؤلاء جائز في حال ولايتهم في قول أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال ابن أبي ليلي وزفر ومحمد إن ذلك لا يجوز للصغير على شفعته إذا بلغ، انتهى. وفي " الدراية ": الشفعة تثبت للصغير عند أكثر أهل العلم. وقال ابن أبي ليلي: لا شفعة للصغير وبه قال النخعي والحارث العكلي، لأن الصبي لا يمكنه الأخذ ولا يمكن انتظاره حتى يبلغ لما فيه من الإضرار بالمشتري ولا يملك وليه الأخذ لأن من لا يملك العفو لا يملك الأخذ وللجمهور عموم الأخبار وقد مر الكلام فيه فيما مضى مستقصى. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 393 وقال محمد وزفر - رحمهما الله -: هو على شفعته إذا بلغ قالوا: وعلى هذا الخلاف إذا بلغهما شراء دار بجوار دار الصبي فلم يطلب الشفعة. وعلى هذا الخلاف تسليم الوكيل بطلب الشفعة في رواية كتاب "الوكالة" وهو الصحيح.   [البناية] م: (وقال محمد وزفر - رحمهما الله -: هو على شفعته إذا بلغ) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رحمهما الله - في رواية إذا كان النظر في الأخذ. وعن أحمد في ظاهر مذهبه أنه لا يسقط سواء ترك مع النظر وعدمه أو عفا، لأنه حق ثابت له فيملك أخذه ولا يسقط بإسقاط غيره. م: (قالوا: وعلى هذا الخلاف) ش: أي قال المشايخ وعلى الخلاف المذكور م: (إذا بلغهما) ش: أي الأب والوصي م: (شراء دار بجوار دار الصبي فلم يطلب الشفعة) ش: أي الشفعة مع إمكان الطلب يسقط عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد ومن تبعه حتى إذا بلغ الصبي لم يكن له حق الأخذ بالشفعة عندهما خلافا لمحمد. م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور م: (تسليم الوكيل بطلب الشفعة في رواية كتاب "الوكالة") ش: صورته أن يوكل وكيلا بطلب الشفعة فسلم الوكيل الشفعة فتسليمه صحيح عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد. وفي " المبسوط " إذا وكل وكيلا بطلب الشفعة فسلم الوكيل الشفعة وأقر بأن موكله قد سلم فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصحان في مجلس القاضي، وعند أبي يوسف في المجلس وغيره. وكان أبو يوسف يقول أولا: لا يصحان في المجلس وغيره ثم رجع وقال: يصحان فيهما، ومحمد مع أبي حنيفة في إقراره في مجلس القاضي، إذا سلم بنفسه. أما الإقرار عليه فلا يصح أصلا، ويقول محمد قال زفر والشافعي والباقي، قوله بطلت الشفعة يتعلق بقوله: الوكيل لا بقوله: تسليم الوكيل فافهم. وأراد بكتاب الوكالة " المبسوط " م: (هو الصحيح) ش: احتراز عما روي عن محمد أنه مع أبي حنيفة في جواز تسليم الوكيل بالشفعة خلافا لأبي يوسف، وقال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في شرح "الكافي " وإذا وكل وكيلا بطلب الشفعة فسلم الوكيل الشفعة عند القاضي فتسليمه جائزا وإن سلم عند غيره لم يكن تسليما وإن أقر عند القاضي أن الذي وكل به سلم الشفعة جائز إقراره عليه، وإن أقر عند غير القاضي لم يجز استحسانا، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: لا يجوز إقراره عليه. وإن أقر عند غير القاضي ولا تسليمه ثم رجع وقال بجواز إقراره بتسليم الشفعة وعند القاضي عند غيره، وعلى الذي وكله. ثم قال شيخ الإسلام: وذكر في كتاب "الوكالة" قال محمد: لا يجوز تسليم الوكيل الشفعة عند القاضي، ويجوز إقراره على موكله بالتسليم سوى في هذه الرواية بين التسليم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 394 لمحمد وزفر: أنه حق ثابت للصغير فلا يملكان إبطاله كديته وقوده، ولأنه شرع لدفع الضرر، فكان إبطاله إضرارا به، ولهما: أنه في معنى التجارة فيملكان تركه. ألا ترى أن من أوجب بيعا للصبي صح رده من الأب والوصي، ولأنه دائر بين النفع والضرر.   [البناية] وبين إقراره بالتسليم بنفسه، والأصح ما ذكر في الوكالة، لأن الوكيل بالشفعة وكيل بالخصومة والوكيل بالخصومة يملك الإقرار على موكله في مجلس القاضي ولا يملك في غير مجلس القاضي عند أبي حنيفة ومحمد. وفي قول أبي يوسف الأول وهو قول زفر لا يملك إلا عند القاضي ولا عند غيره، وفي قوله الآخر يملك عند القاضي وعند غير القاضي. أما التسليم فمعزل من الجواب في شيء بل هو تصرف مبتدأ، وإنما لا يصح ذلك عند محمد، فأما عند أبي حنيفة وأبي يوسف يصح بناء على أصل آخر، وهو أن من ملك أخذ الدار بالشفعة يملك التسليم. وعند محمد لا يملك بمنزلة الأب والوصي إنما يملكان تسليم شفعة الصبي عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وعند محمد وزفر لا يجوز، وقد نص على الخلاف فيه، وهذا في معناهما. م: (لمحمد وزفر: أنه حق ثابت للصغير) ش: أي أن الشفعة حق ثابت متقرر، وتذكير الضمير باعتبار طلب الشفعة م: (فلا يملكان) ش: أي الأب والوصي م: (إبطاله) ش: أي إبطال حق ثابت م: (كديته وقوده) ش: أي قصاصه وقوله ديته في بعض النسخ بالياء آخر الحروف ثم التاء المثناة من فوق بدلالة قود عليه والنسخ الصحيحة المشهورة كديته بالياء آخر الحروف ثم النون، لأنه أعلم وأوفق لرواية " المبسوط " فإن قال: لا تثبت الولاية لهما في إسقاطه كإبراء الدين والعفو عن القصاص الواجب له وإعتاق عبده م: (ولأنه) ش: أي ولأن طلب الشفعة م: (شرع لدفع الضرر فكان إبطاله إضرارا به) ش: أي فكان إبطال دفع الضرر إضرارا بالصبي. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أنه) ش: أي الأخذ بالشفعة م: (في معنى التجارة) ش: لأنه يملك العين بالثمن وهو على الشراء م: (فيملكان تركه) ش: أي يملك الأب والوصي ترك الاتجار، فكذا يملكان ترك الشفعة م: (ألا ترى) ش: توضيحه لما قبله م: (أن من أوجب بيعا للصبي) ش: بأن قال رجل: بعت هذا العبد لفلان الصبي بكذا م: (صح رده من الأب الوصي) ش: أي رده من الأب والوصي، أي رد هذا الإيجاب سواء كان الراد أبا أو وصيا. م: (ولأنه دائر بين النفع والضرر) ش: دليل آخر يتضمن الجواب عن الدية والقود، أي ولأن ترك الشفعة أو طلبها دائر بين النفع بأن بقي الثمن على ملكه الضرر بأن يحصل الصبي إذ الدخيل في الترك على الترك على ما نبينه الآن، بخلاف الدية والقود، فإن تركها ترك بلا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 395 وقد يكون النظر في تركه ليبقى الثمن على ملكه والولاية نظرية فيملكانه، وسكوتهما كإبطالهما لكونه دليل الإعراض. وهذا إذا بيعت بمثل قيمتها، فإن بيعت بأكثر من قيمتها بما لا يتغابن الناس فيه قيل: جاز التسليم بالإجماع لأنه تمحض نظرا. وقيل: لا يصح بالاتفاق لأنه لا يملك الأخذ فلا يملك التسليم كالأجنبي، وإن بيعت بأقل من قيمتها محاباة كثيرة، فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يصح التسليم منهما   [البناية] عوض فيكون إضرارا به. م: (وقد يكون النظر في تركه) ش: أي في ترك طلب الشفعة م: (ليبقى الثمن على ملكه) ش: أي على ملك الصبي م: (والولاية نظرية) ش: أي ولاية الأب والوصي نظرية، يعني لأجل النظر في حقه م: (فيملكانه) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فيملك الأب والوصي ترك طلب الشفعة م: (وسكوتهما) ش: أي سكوت الأب والوصي عن طلب الشفعة حين العلم ببيع الدار م: (كإبطالهما) ش: صريحا م: (لكونه دليل الإعراض) ش: أي لكون السكوت عن الطلب دليل الإعراض عنه مع القدرة عليه. م: (وهذا) ش: أي هذا الخلاف م: (إذا بيعت) ش: الدار م: (بمثل قيمتها، فإن بيعت بأكثر من قيمتها بما لا يتغابن الناس فيه قيل: جاز التسليم بالإجماع) ش: أي بلا خلاف لمحمد وزفر والشافعي م: (لأنه تمحض نظرا) ش: أي صار نظرا محضا للصبي. م: (وقيل: لا يصح) ش: أي التسليم م: (بالاتفاق) ش: بين أصحابنا وفي " الكافي " وهو الأصح وهكذا ذكره في " المبسوط " م: (لأنه) ش: أي لأن الولي م: (لا يملك الأخذ فلا يملك التسليم كالأجنبي) ش: حيث لا يملك الأخذ ولا التسليم، فيصير الولي كالأجنبي. م: (وإن بيعت) ش: الدار م: (بأقل من قيمتها محاباة كثيرة) ش: أي لأجل المحاباة الكثيرة بأن بيعت ما يساوي ألفا بأقل من خمسمائة م: (فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يصح التسليم منهما) ش: أي من الأب والوصي، لأن ولايتهما نظرية، والنظر في أحدها في مثل هذا لا في تسليمها. وذكر في " المختصر " " والمختلف " في هذه المسألة عن أبي حنيفة أنه لا يجوز أيضا لأنه امتناع عن دخوله في ملكه لا إزالة عن ملكه فلم يكن تبرعا، فهذا بخلاف رواية " الهداية " وإنما خص قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، مع أن قول محمد وزفر والشافعي كذلك، لأن الشبهة ترد على قوله.. فإن تسليم الأب والوصي يجوز عنده إذا بيعت بمثل قيمتها فينبغي أن يجوز بأقل، لما أن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 396 ولا رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والله أعلم   [البناية] هذا البيع وإن كان بالمحاباة الكثيرة فإنه لا يخرج عن معنى التجارة ولهما ولاية الامتناع عن التجارة في ماله، لكن قال: لا يصح فيما يروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن تصرفهما في ماله يدور مع الوجه الأحسن، فلما تعينت جهة الأحسن في هذا المبيع في الأخذ فكان في التسليم قربان ماله بغير الأحسن. ولهذا المعنى خص قول أبي حنيفة بقوله م: (ولا رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وإن كان مع أبي حنيفة في صحة التسليم فيما إذا بيعت بمثل قيمتها. وفي " الذخيرة " و" المغني ": ولو اشترى الأب دارا للصغير وهو شفيعها يأخذها بالشفعة عندنا إذا لم يكن بالأخذ ضرر للصغير، وبه قال الشافعي وأحمد ينبغي أن يقول: اشتريت الصبي وأخذت بالشفعة، لأن شراءه بماله لنفسه جائز، فكذا بالشفعة. ولو كان مكان الأب وصي فإن كان في الأخذ له منفعة بأن اشتراه بغبن يصير له أن يأخذها على قياس قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أبي يوسف كما في شراء الوصي مال الصغير لنفسه. وللشافعي فيه وجهان، في وجه له الأخذ، وفي وجه لا، وبه قال أحمد للتهمة، أما إذا لم يكن للصغير فالأخذ منفعة لا يجوز أخذها بالإجماع. ولو كان الصبي شفيع دار اشتراها الوصي لنفسه لا يشهد ولا يطلب الشفعة له للتهمة، فإذا بلغ يأخذها إن شاء. أما الأب لو اشترى دارا لنفسه والصبي شفيعها فلم يطلب الأب للصغير حتى بلغ ليس للصغير أخذها لبطلان شفعته بسكوت الأب، أما لو باع الأب دارا لنفسه والصبي شفيعها فلم يطلبها الأب للصغير لا تبطل شفعته، حتى إذا بلغ كان له الأخذ. أما الوصي لو باع دارا لنفسه ثم اشترى لنفسه والصبي شفيعها فسكوته لا يبطل شفعته، حتى إذا بلغ له الأخذ. وفي " الجامع الصغير " لو باع الوصي دارا ليتيم والوصي شفيعها فلا شفعة له، إلا إذا باعها وكيل القاضي أو القاضي وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 397 كتاب القسمة قال: القسمة في الأعيان المشتركة مشروعة، لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: باشرها في المغانم والمواريث   [البناية] [كتاب القسمة] [تعريف القسمة وشروطها] م: (كتاب القسمة) ش: أي هذا الكتاب في بيان أحكام القسمة فيكون ارتفاع الكتاب على أنه خبر مبتدأ محذوف، ويجوز نصبه على اقرأ كتاب القسمة - أو خذه أو هاك. وإيراده عقيب الشفعة لأن كلا منهما من نتائج النصيب الشائع، فإن أحد الشريكين إذا أراد الافتراق مع بقاء ملكه بطلب القسمة ومع عدمه باع ووجب عنده الشفعة وقدم الشفعة لأن بقاء ما كان على أصل وهي في اللغة اسم للاقتسام كالقدوة اسم للاقتداء أو الأسوة اسم للانتساء. وقال الجوهري: القسم مصدر قسمت الشيء فانقسم، والقسم بالكسر الحظ والنصيب من الخير، وقاسمه المال فتقاسماه واقتسماه بينهما، والاسم القسمة مؤنثة. وقال السغناقي: نصيب الإنسان من الشيء، يقال: قسمت الشيء بين الشركاء وأعطيت كل شيء يده بقسمته وقسمه. وفي الشريعة جميع النصيب الشائع في مكان، وسببها طلب الشريك الانتفاع بنصيبه على الخصوص، ولهذا لو طلبها يجب على القاضي إجابته على ذلك، ذكره في " المبسوط ". وركنها ما يحصل بها الإفراز والتمييز بين النصيبين كالمكيل في المكيلات والموزون في الموزونات، والزرع في المزروعات، والعدد في المعدودات. وشرطها أن لا تفوت منفعته بالقسمة، ولهذا لا يقسم الحائط والحمام ونحوهما. [القسمة في الأعيان المشتركة] م: (قال: القسمة في الأعيان المشتركة مشروعة) ش: أي قال صاحب " الهداية " - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي مشروعة بالكتاب وهو قوله سبحانه وتعالى: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} [القمر: 28] (القمر: الآية 28) ، وقوله سبحانه وتعالى: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] (الشعراء: الآية 155) . في قصة ناقة صالح - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وشريعة من قبلنا تلزمنا إذا لم يكن فيه نكير. وقوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} [النساء: 8] (النساء: الآية 8) ، وبالسنة أشار إليها بقوله م: (لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - باشرها في المغانم والمواريث) ش: أي باشر القسمة، أما قسمته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الغنائم فقد ذكرناها في كتاب السير. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 398 وجرى التوارث بها من غير نكير. ثم هي لا تعرى عن معنى المبادلة؛ لأن ما يجتمع لأحدهما بعضه كان له وبعضه كان لصاحبه فهو يأخذه   [البناية] وأما قسمة المواريث فمنها ما أخرجه البخاري عن هذيل بن شرحبيل قال: سئل أبو موسى الأشعري عن ابنة وابنة ابن وأخت، فقال: للبنت النصف، وللأخت النصف، وائت ابن مسعود فسيتابعني فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال: {قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [الأنعام: 56] . أقضي فيها بما قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للابنة النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم. ومنها ما أخرجه النسائي عن عبد الله بن شداد «عن ابنة حمزة قالت مات مولى لي فترك ابنة فقسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم ماله بيني وبين ابنته، فجعل لي النصف ولها النصف» وقد تكلمنا فيه مستوفى في الولاء. ومنها ما أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه عن عبد الله بن محمد بن عقيل، «عن جابر بن عبد الله أن امرأة سعد بن الربيع قالت: يا رسول الله إن سعدا هلك وترك ابنتين وأخاه، فعمد أخوه فقبض ما ترك سعد، وإنما تنكح النساء على أموالهن، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ادع لي أخاه"، فجاء فقال "ادفع إلى ابنتيه الثلثين وإلى امرأته الثمن ولك ما بقي» . ورواه الحاكم في "المستدرك " وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. م: (وجرى التوارث بها) ش: أي القسمة م: (من غير نكير) ش: من أحد الأئمة، وأفاد بهذا أن الأمة أيضا أجمعت على جواز القسمة وفعلها: م: (ثم هي) ش: أي القسمة م: (لا تعرى عن معنى المبادلة) ش: أي لا تخلو عن معنى المبادلة م: (لأن ما يجتمع لأحدهما) ش: أي لأحد المتقاسمين م: (بعضه) ش: أي بعض ما يجتمع، وارتفاعه على أنه بدل من الضمير الذي في يجتمع م: (كان له وبعضه كان لصاحبه) ش: وهو الثاني من المتقاسمين م: (فهو) ش: أي أحد المتقاسمين م: (يأخذه) ش: أي يأخذ الجزء: 11 ¦ الصفحة: 399 عوضا عما بقي من حقه في نصيب صاحبه، فكان مبادلة وإفرازا.   [البناية] ذلك البعض الذي كان لصاحبه م: (عوضا عن ما بقي من حقه في نصيب صاحبه) ش: انتصاب عوضا على الحال من الضمير المنصوب في يأخذه م: (فكان مبادلة) ش: أي إذا كان الأمر كذلك تكون القسمة مبادلة حقيقة، وإنما ذكر الفعل باعتبار القسم والتقاسم م: (وإفرازا) ش: من حيث الحكم. أي تمييزا يقال: أفرزت الشيء إذا عزلته من غيره وميزته مثل فرزته وفارز شريكه أي فاصله. اعلم أن القسمة قد تقع في أموال متغايرة ومتجانسة، أما المغايرة فمثل الدور والأراضي المختلفة والثياب والدواب وصنوف الأموال المتغايرة، ففي هذه المواضع تقع القسمة معاوضة فيها معنى الإفراز. وأما المعاوضة فلأنه نقل حقه من محل إلى محل آخر بعوض وأما الإفراز فلأن المالك لم يحدث بالقسم، لأنه كان ثابتا قبلها، لكن على سبيل الاختلاط فهو بالقسمة يتميز عن ملكه وملك صاحبه يبين حقه في هذا المقسوم، فلما ظهر معنى المعاوضة هاهنا توقفت الصحة على اختيارهما حتى لو أراد أحدهما أن يقسم وامتنع الآخر لا يجبر عليه، لأن الجبر على المعاوضة لا يستقيم. وأما المجانسة فمثل المكيل والموزون والدراهم والدنانير، فإن معنى الإفراز ظاهر هنا، لأن ما صار له بالقسمة لا يغاير ما كان له قبل ذلك، فصار كأنه عين حقها لاستوائهما في تعلق المصالح والأعراض بهما، ولهذا يأخذ أحد الشريكين نصيبه حال غيبة الآخر. وكذا يبيع أحدهما نصيبه في غيبة الآخر. وكذا يبيع أحدهما نصيبه مرابحة بعد القسمة إذا اشتراه ثم اقتسماه. بخلاف الأشياء المتغايرة حيث لا يأخذ أحدهما نصيبه في عين الآخر، وكذا لا يبيعه مرابحة. وفي " الفتاوى الصغرى " القسمة ثلاثة أنواع، قسمة لا يجبر الآبي كقسمة الأجناس المختلفة. وقسمة يجبر في ذوات الأمثال كالمكيلات والموزونات، وقسمة يجبر الآبي في غير المثليات كالثياب من نوع واحد والبقر والغنم. والخيارات ثلاثة: خيار شرط، وخيار عيب، وخيار رؤية. ففي قسمة الأجناس المختلفة ثبت الخيارات أجمع، وقسمة ذوات الأمثال كالمكيلات والموزونات فإنه يثبت خيار العيب، وهل يثبت خيار الرؤية والشرط، على رواية أبي سليمان يثبت وهو الصحيح وعليه الفتوى، وعلى رواية أبي حفص لا يثبت. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 400 والإفراز هو الظاهر في المكيلات والموزونات لعدم التفاوت، حتى كان لأحدهما أن يأخذ نصيبه حال غيبة صاحبه. ولو اشترياه فاقتسماه يبيع أحدهما نصيبه مرابحة بنصف الثمن. ومعنى المبادلة هو الظاهر في الحيوانات والعروض للتفاوت، حتى لا يكون لأحدهما أخذ نصيبه عند غيبة الآخر. ولو اشترياه فاقتسماه لا يبيع أحدهما نصيبه مرابحة بعد القسمة، إلا أنها إذا كانت من جنس واحد   [البناية] [كيفية القسمة في المكيلات والموزونات] م: (والإفراز هو الظاهر في المكيلات) ش: أي معنى الإفراز والتمييز هو الظاهر في المكيلات م: (والموزونات لعدم التفاوت) ش: أي في أبعاض المكيلات والموزونات، لأن ما يأخذه مثل حقه صورة ومعنى، فأمكن أن يحصل عين حقه، ولهذا جعل عين حقه في الفرض وقضاء الدين م: (حتى كان لأحدهما أن يأخذ نصيبه حال غيبة صاحبه) ش: لأنه يأخذ عين حقه فلا يتوقف على حضور الآخر. م: (ولو اشترياه) ش: أي لو اشترى الشريكان شيئا من المكيلات أو الموزونات م: (فاقتسماه يبيع أحدهما نصيبه مرابحة بنصف الثمن) ش: لأن نصيبه عين ما كان مملوكا له قبل القسمة م: (ومعنى المبادلة هو الظاهر في الحيوانات والعروض للتفاوت) ش: في الأصل م: (حتى لا يكون لأحدهما أخذ نصيبه عند غيبة الآخر) ش: لأن ما يصيب كل واحد منهما نصفه مما كان مملوكا ونصف عوضا عما أخذه صاحبه من نصيبه. فإن قلت: أليس أنهما لو اقتسما أرضا أو دارا أو بنى أحدهما في نصيبه ثم استحق ما بنى فيها ونقض بناه كأنه لا يرجع على صاحبه بقيمة البناء. ولو كانت مبادلة لصار مفروزا فيرجع. قلت: كل واحد منهما يضطر في هذه المبايعة لإحياء حقه، وفي مثل هذا لا يظهر الغرور. م: (ولو اشترياه فاقتسماه) ش: أي لو اشترى الإنسان شيئا من الحيوانات أو العروض ثم اقتسماه م: (لا يبيع أحدهما نصيبه مرابحة بعد القسمة) ش: لما ذكرنا أن ما يصيب كل واحد منهما نصفه فيما كان مملوكا، ونصفه عوضا عما أخذه صاحبه من نصيبه. وعند الشافعي وأحمد القسمة إفراز في الكل، وعن الشافعي يبيع في الكل. وعند مالك فيما اتخذ جنسا وصفة إفرازا في غير مبادلة. م: (إلا أنها إذا كانت من جنس واحد) ش: هذا جواب سؤال يرد على قوله معنى المبادلة وهو الظاهر بأن يقال لو كان الرجحان للمبادلة ينبغي للقاضي أن لا يجبر الآبي عن القسمة في غير ذوات الأمثال، كما لا يجبر على بيع ماله فقال إلا أنها، أي أن الأموال إذا كانت من جنس واحد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 401 أجبر القاضي على القسمة عند طلب أحد الشركاء؛ لأن فيه معنى الإفراز لتقارب المقاصد والمبادلة مما يجري فيه الجبر كما في قضاء الدين. وهذا لأن أحدهم بطلب القسمة يسأل القاضي أن يخصه بالانتفاع بنصيبه ويمنع الغير عن الانتفاع بملكه فيجب على القاضي إجابته، وإن كانت أجناسا مختلفة لا يجبر القاضي على قسمتها لتعذر المعادلة باعتبار فحش التفاوت في المقاصد.   [البناية] م: (أجبر القاضي على القسمة عند طلب أحد الشركاء؛ لأن فيه معنى الإفراز لتقارب المقاصد) ش: باتحاد الجنس، فإن المقصود من الشاة مثل اللحم ولا يتفاوت كثيرا، ومن الفرس الركوب كذلك. والطالب للقسمة يسأل القاضي أن يخصه بالانتفاع بنصيبه، ويمنع الغير عن الانتفاع بملكه فيجب على القاضي إجابته م: (والمبادلة بما يجري فيه الجبر) ش: هذا أيضا جواب عن إشكال، يعني لم قلتم إنها تتضمن معنى المبادلة فكيف يجبر فأجاب بأن المبادلة مما يجري فيه الجبر مقصودا م: (كما في قضاء الدين) ش: فإن المديون يجبر على القضاء من أن الديون تقضى بأمثالها. فصار ما يؤدى بدلا عما في ذمته، وهذا جبر في المبادلة وقد جاز فلأن يجوز فيما لا قصد فيها إليه أولى. م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله: أجبر القاضي على القسمة عند طلب أحد الشركاء م: (لأن أحدهم بطلب القسمة يسأل القاضي أن يخصه بالانتفاع بنصيبه ويمنع الغير عن الانتفاع بملكه فيجب على القاضي إجابته) ش: دفعا للضرر عنه، لأنه نصب لدفع الظلم وإيصال الحق إلى المستحق م: (وإن كانت أجناسا مختلفة) ش: أي وإن كانت الأعيان المشتركة أجناسا مختلفة كالمعز والغنم والبقر والإبل م: (لا يجبر القاضي على قسمتها لتعذر المعادلة باعتبار فحش التفاوت في المقاصد) . ش: والحاصل أن الأعيان المشتركة لا تخلو إما أن تكون من جنس واحد أو أجناس مختلفة. فالأول لا يخلو أما إن كانت مما يجري فيه الربا كالمكيل والموزون أو لا كالحيوانات والقاضي يجبر عند طلب أحدهما في هذين الوجهين بعد أن كانا من جنس واحد، لأن الآبي متعنت، هذا إذا كانت المنفعة بعد القسمة تبقى. أما إذا لمن تبق بل تتضرر كل واحد لا يقسمه بغير التراضي كالحمام والبيت الصغير والحائط ونحو ذلك مما يحتاج إلى الشق والقطع، وبه قالت الثلاثة، وعند التراضي روايتان، في رواية لا بأس للقاضي أن يشق بإذنهما. وفي رواية لا يلي ذلك بنفسه بل يفوض إليهما. وإن كانت من أجناس مختلفة وطلب أحدهما فلا يقسمها بغير التراضي، كذا في " شرح الطحاوي ". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 402 ولو تراضوا عليها جاز؛ لأن الحق لهم. قال: وينبغي للقاضي أن ينصب قاسما يرزقه من بيت المال ليقسم بين الناس بغير أجر، لأن القسمة من جنس عمل القضاء من حيث إنه يتم به قطع المنازعة، فأشبه رزق القاضي، ولأن منفعة نصب القاسم تعم العامة فتكون كفايته في مالهم غرما بالغنم، قال: فإن لم يفعل نصب قاسما يقسم بالأجر، معناه بأجر على المتقاسمين؛ لأن النفع لهم على الخصوص ويقدر أجر مثله كيلا يحكم بالزيادة. والأفضل أن يرزقه من بيت المال، لأنه أرفق بالناس وأبعد عن التهمة.   [البناية] م: (ولو تراضوا عليها) ش: أي على القسمة عند اختلاف الأجناس م: (جاز؛ لأن الحق لهم) ش: لأن القسمة فيها مبادلة كالتجارة والتراضي في التجارة شرط في النص. [تنصيب القاضي قاسما] [شروط القاسم] م: (قال: وينبغي للقاضي أن ينصب قاسما) ش: أي قال القدوري والقاسم: فاعل من قسم الدراهم يقسم من باب ضرب يضرب م: (يرزقه من بيت المال) ش: من رزق الأمير الجند إذا أعطاهم ما يكفيهم، والرزق بالكسر ما ينتفع به، والجمع الأرزاق بالفتح المصدر من رزق يرزق ومن ضرب يضرب م: (ليقسم بين الناس بغير أجر) ش: أي يؤخذ منهم م: (لأن القسمة من جنس عمل القضاء من حيث إنه يتم به قطع المنازعة) ش:. أي بالقسمة، وتذكير الضمير باعتبار القسم م: (فأشبه رزق القاضي) ش: أي فأشبه رزق القاسم رزق القاضي، حيث يأخذ كل منهما في مقابلة قطع المنازعة وفصل الخصومة م: (لأن منفعة نصب القاسم تعم العامة فتكون كفايته في مالهم) ش: أي في مال العامة وهو بيت مال المسلمين م: (غرما بالغنم) ش: أي لأجل الغرم بمقابلة الغنم، فانتصابه على التعليل. م: (قال: فإن لم يفعل) ش: أي قال القدوري: أي إن لم ينصب القاضي قاسما يرزقه من بيت المال م: (نصب قاسما يقسم بالأجر، معناه بأجر على المتقاسمين) ش:. فإن قلت: القسمة لما التحقت بالقضاء وأخذ الأجر عليه لا يجوز، فكذا عليها. قلت: القضاء فرض بعد التحمل، بخلاف القسمة، فجاز أخذ الأجر عليها م: (لأن النفع لهم على الخصوص) ش: أي لأن النفع حاصل للمتقاسمين على الخصوصية، فكذا الأجر عليهم. م: (ويقدر أجر مثله) ش: أي يقدر القاضي أجر مثل القاسم م: (كيلا يحكم بالزيادة) ش: أي بزيادة الأجر على قدر عمله م: (والأفضل أن يرزقه من بيت المال؛ لأنه أرفق الناس وأبعد عن التهمة) ش: أي تهمة الميل إلى أحد المتقاسمين بسبب ما يعطيه بعض الشركاء زيادة. وقال تاج الشريعة: لأنه متى يصل إليه أجر عمله على كل حال يمهل بأخذ الرشوة إلى البعض. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 403 ويجب أن يكون عدلا مأمونا عالما بالقسمة، لأنه من جنس عمل القضاء، ولأنه لا بد من القدرة وهي بالعلم ومن الاعتماد على قوله وهو بالأمانة ولا يجبر القاضي الناس على قاسم واحد، معناه لا يجبرهم على أن يستأجروه؛ لأنه لا جبر على العقود، ولأنه لو تعين لتحكم بالزيادة على أجر مثله. ولو اصطلحوا فاقتسموا جاز. إلا إذا كان فيهم صغير فيحتاج إلى أمر القاضي، لأنه لا ولاية لهم عليه. قال: ولا يترك القسام   [البناية] فكان هذا أرفق بالناس وأبعد عن التهمة. وفي " أدب القاضي " للصدر الشهيد لا يجوز للقاضي أخذ الأجرة على القسمة لأنها واجبة عليه، والقاسم يجوز. وفي " الذخيرة " يجوز للقاضي أخذ أجرة القسمة، لأن القسمة ليست بقضاء حقيقة، حتى لا يجب على القاضي مباشرتها، وإنما عليه جبر الآبي على القسمة إلا إن شابهها بالقضاء من حيث إنها تستفاد بولاية القاضي حتى ملك جبر الآبي دون غيره، فمن هذا الوجه لا يستحب له أخذها، وبه قال الثلاثة إذا لم يكن للقاضي من بيت المال رزق. م: (ويجب أن يكون) ش: أي القاسم م: (عدلا مأمونا عالما بالقسمة لأنه من جنس عمل القضاء) ش: لأن القاضي يحتاج إلى تمييز الحقوق إلى قبول قوله، فيشترط فيه العدالة كالشاهد، وإنما ذكر الأمانة فإن كانت من لوازمها لجواز أن يكون غير ظاهر الأمانة م: (ولأنه لا بد من القدرة) ش: على القسمة م: (وهي) ش: أي القدرة عليها يكون. م: (بالعلم ومن الاعتماد على قوله) ش: أي ولا بد من الاعتماد على قول القاسم في تمييز الحقوق كما ذكرنا م: (وهو بالأمانة) ش: أي الاعتماد على قوله يكون بالأمانة بأنه مأمون. م: (ولا يجبر القاضي الناس على قاسم واحد) ش: هذا لفظ القدوري في "مختصره" م: (معناه) ش: أي معنى كلام القدوري هذا م: (لا يجبرهم على أن يستأجروه) ش: أي لا يجبر القاضي المتقاسمين على استئجار قاسم معين م: (لأنه لا جبر على العقود) ش: لأن الحق لهم، فإذا رضوا بمن يتولى حقهم جاز كما في سائر الحقوق. م: (ولأنه لو تعين) ش: أي ولأن القاسم الواحد لو تعين م: (لتحكم بالزيادة على أجر مثله) ش: وفيه ضرر عليهم ولا ضرر في الإسلام. م: (ولو اصطلحوا) ش: أي الشركاء م: (فاقتسموا) ش: أي بدون رفع الأمر إلى القاضي م: (جاز) ش: لأن في القسمة معنى المعاوضة فتثبت بالتراضي كما في سائر المعاوضات م: (إلا إذا كان فيهم صغير) ش: أي في الشركاء، أو مجنون أو غائب م: (فيحتاج إلى أمر القاضي لأنه لا ولاية لهم عليه) ش: أي على الصغير. م: (قال: ولا يترك القسام) ش: أي لا يترك القاضي القسام: وهو بضم القاف جمع قاسم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 404 يشتركون كيلا تصير الأجرة غالية بتواكلهم، وعند عدم الشركة يتبادر كل منهم إليه خيفة الفوت فيرخص الأجر. قال: وأجرة القسمة على عدد الرؤوس عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: على قدر الأنصباء، لأنه مؤنة الملك، فيتقدر بقدره كأجرة الكيال والوزان وحفر البئر المشتركة ونفقة المملوك المشترك.   [البناية] كالزُّرَّاع جمع زارع، ويجوز رفع القسام بإسناده إلى الفصل المجهول، أي لا يتركون م: (يشتركون كيلا تصير الأجرة غالية بتواكلهم) ش: وهو أن يكمل بعضهم الأمر إلى بعض. الحاصل أن القاضي لا يخلي شركتهم، بحيث لا يتجاوز الأمر القسمة عنهم إلى غيرهم، لأنهم في ذلك يكملون الأجر زيادة على أجر المثل فيتضرر به المتقاسمين، بل يقول: استدانت بالقسمة بلا مشاركة، فكذا في كل واحد م: (وعند عدم الشركة يتبادر كل منهم) ش: أي من القسام م: (إليه خيفة الفوت) ش: أي في القسمة، والتذكير باعتبار القسم، وانتصاب خيفة على التعليل، أي لأجل خوف الأجر م: (فيرخص الأجر) ش: على المتقاسمين. [أجرة القسمة] م: (قال: وأجرة القسمة على عدد الرؤوس عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قال القدوري: وقال مالك: وكذا ذكر أبو القاسم بن الجلاب البصري، صورتها دار بين ثلاثة لأحدهم النصف. وللآخر الثلث، وللثالث السدس فاستأجروا قاسما بأجر معلوم فقسمها بينهم. قال أبو حنيفة: الأجرة عليهم أثلاثا على كل واحد منهم. م: (وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: على قدر الأنصباء) ش: فيكون على صاحب النصف نصف الأجرة، وعلى صاحب الثلث ثلثها، وعلى صاحب السدس سدسها، وبه قال الشافعي وأحمد وأصبغ المالكي في " مختصر الأسرار ". قال أبو حنيفة: القسام على عدد الرؤوس دون الأنصباء إلا في المكيل والموزون، فإنها تكون على قدر الأنصباء. وفي " الكافي " للحاكم الشهيد قال أبو حنيفة: الأجر على عدد الرؤوس، فإن كان نصيبه أقل من نصيب صاحبه وقال: لعل النصيب القليل أشد حسابا من النصيب الكثير م: (لأنه) ش: أي لأن الأجر. م: (مؤنة الملك فيتقدر بقدره كأجرة الكيال والوزان) ش: في المال المشترك بأن استأجروا الكيال ليفعل المكيل، أو الوزان ليفعل الموزون فيما هو مشترك بينهم م: (وحفر البئر المشتركة ونفقة المملوك المشترك) ش: فإن المؤنة فيهما على قدر الأنصباء. وكذلك إذا استأجروا رجلا لبناء جدار أو لبطن سطح بينهم فإن الأجر على التفاوت. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 405 ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الأجر مقابل بالتمييز، وأنه لا يتفاوت، وربما يصعب الحساب بالنظر إلى القليل، وقد ينعكس الأمر فيتعذر اعتباره، فيتعلق الحكم بأصل التمييز، بخلاف حفر البئر؛ لأن الأجر مقابل بنقل التراب وهو يتفاوت، والكيل والوزن إن كان للقسمة قيل: هو على الخلاف، وإن لم يكن للقسمة فالأجر مقابل بعمل الكيل والوزن، وهو يتفاوت وهو العذر لو أطلق ولا يفصل.   [البناية] م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الأجر مقابل بالتمييز) ش: لأن المعقود عليه التمييز م: (وأنه) ش: أي التمييز م: (لا يتفاوت) ش: تحقيق هنا أن القسم لا يستحق الأجر بالمسامحة ومد الأطناب والمشي على الحدود، لأنه لو استعان في ذلك بأرباب الملك استوجب الأجر، كما إذا قسم بنفسه. فدل على أن الأجرة في مقابلة القسمة م: (وربما يصعب الحساب بالنظر إلى القليل) . ش: لأن الحساب يدق بتفاوت الأنصباء، ويزداد بقلة الأنصباء أو أقل تمييز يصعب صاحب القليل أشق م: (وقد ينعكس الأمر) ش: بأن يكون حساب نصيب صاحب الكثير أشق لكسور وقعت فيه م: (فيتعذر اعتباره) ش: أي اعتبار كل واحد من قليل الملك وكثيره م: (فيتعلق الحكم بأصل التمييز) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فيتعلق الحكم بأصل التمييز، ولأنه لا يتفاوت، لأن القليل والكثير فيه سواء كما كان في السفر كما كان في المشقة حقا أدير الحكم على نفس السفر. م: (بخلاف حفر البئر لأن الأجر مقابل بنقل التراب وهو يتفاوت) ش: أي نقل التراب يتفاوت بتفاوت العمل بالقلة والكثرة م: (والكيل والوزن إن كان للقسمة، قيل هو على الخلاف) ش: هذا جواب عما يقال كأجرة الكيال والوزان، يعني إن كان الكيل أو الوزن لأهل القسمة، قيل هو على المذكور، فيكون الكيال والوزان بمنزلة القسام. م: (وإن لم يكن للقسمة) ش: بأن اشتريا مكيلا أو موزونا وأمر إنسانا بكيله يصير المكيل معلوم القدر م: (فالأجر مقابل بعمل الكيل والوزن وهو يتفاوت) ش: أي عمل الكيل والوزن يتفاوت. فيكون الأجر على قدر الأنصباء، لأن الأجر استحق بأن فعل المكيل من غير اعتبار إفراز، وفعل المكيل يتقدر بقدر المكيل فيتفاوت البدل أيضا، كذا في " الأسرار ". م: (وهو العذر لو أطلق) ش: أي التفاوت هو العذر، أي الجواب عن قياسهما على أجر الكيال والوزان لو كان الأجر يجب ثمنه مطلقا بلا تفصيل على قدر الأنصباء، فإن كيل الكبير أشق وأصعب لا محالة من القليل، وكذلك الوزن بخلاف القسام، فإن القسمة إفراز، والشريكان فيه سواء، فإن إفراز القليل فرز الكثير لا محالة وبالعكس م: (ولا يفصل) ش: تالله لقوله لو أطلق أي لو أراد أجر المسألة على الطلاق من غير أن يفصل القسمة أو ليس الجزء: 11 ¦ الصفحة: 406 وعنه: أنه على الطالب دون الممتنع لنفعه ومضرة الممتنع. قال: وإذا حضر الشركاء عند القاضي وفي أيديهم دار أو ضيعة وادعوا أنهم ورثوها عن فلان لم يقسمها القاضي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى يقيموا البينة على موته وعدد ورثته، وقال صاحباه: يقسمها باعترافهم، ويذكر في كتاب القسمة أنه قسمها بقولهم وإن   [البناية] للقسمة والعذر. أي الفرق أن هناك إنما استوجب للأجر بعمله في الكيل والوزن أن يرمي أنه لو استعان في ذلك بالشركاء، لأن كل عاقل يعرف أنه كيل مائة قفيز يكون أكثر من كيل عشرة أقفزة. فلهذا كانت الأجرة عليها بقدر الملك. بخلاف القسام. م: (وعنه) ش: أي وعن أبي حنيفة م: (أنه) ش: أي أن الأجر م: (على الطالب) ش: أي على طالب القسمة م: (دون الممتنع) ش: من القسمة م: (لنفعه) ش: أي لنفع الطالب م: (ومضرة الممتنع) ش: لأنه امتنع لضرر يلحقه، فلا تلزم الأجرة من لا منفعة له. وقال الأقطع: روى الحسن عن أبي حنيفة أن الأجر على الطالب للقسمة دون الممتنع. وقال أبو يوسف عليهما. وفي " الهداية " وقال عليها، وبه قالت الأئمة الثلاثة. وفي " النوازل " سئل أبو جعفر عن أهل قرية غرمها الملك فأرادوا أن يقسموا فيما بينهم. قال يقسم على عدد الرؤوس. وقال بعضهم: يقسم على قدر الأملاك. قال الفقيه: إن كانت الغرامة لتحصين أموالهم قسم ذلك على قدر أملاكهم وإن كانوا غرموا لتحصين الأبدان قسم على قدر رؤوسهم التي يتعرض لهم، ولا شيء على النساء والصبيان، لأنه لا يتعرض لهم لأنه مؤنة الناس. م: (قال: وإذا حضر الشركاء عند القاضي) ش: أي قال القدوري وإذا حضر الشركاء عند القاضي م: (وفي أيديهم دار أو ضيعة وادعوا أنهم ورثوها عن فلان لم يقسمها القاضي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى يقيموا البينة على موته وعدد ورثته) ش: أي موت فلان، وكمية الورثة، قيد بقوله: دارا وضيعة، لأنه لو كان في أيديهم عروض أو شيء مما ينقل القسم بإقرارهم أنه ميراث بالاتفاق قيد بالإرث لأنهم لو ادعوا شراء من غائب قسم بينهم بإقرارهم بالاتفاق في رواية الأصل على ما ذكر في الكتاب. م: (وقال صاحباه) ش: أي صاحبا أبي حنيفة وهما أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (يقسمها باعترافهم) ش: أي بإقرارهم بدون بينة لئلا يكون حكمه متعديا إلى غيرهم، وبه قالت الثلاثة عن الشافعي لا يقسم إلى الجميع بلا بينة للاحتياط. م: (ويذكر) ش: أي القاضي م: (في كتاب القسمة) ش: أي في صك القسمة م: (أنه قسمها بقولهم) ش: أي بقول الشركاء م: (وإن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 407 كان المال المشترك ما سوى العقار وادعوا أنه ميراث قسمة في قولهم جميعا. ولو ادعوا في العقار أنهم اشتروه قسمة بينهم. لهما: أن اليد دليل الملك والإقرار أمارة الصدق ولا منازع لهم فيقسمه بينهم كما في المنقول الموروث والعقار المشترى، وهذا لأنه لا منكر ولا بينة إلا على المنكر فلا يفيد. إلا أنه يذكر في كتاب القسمة أنه قسمها بإقرارهم ليقتصر عليهم ولا يتعداهم. وله: أن القسمة قضاء على الميت إذ التركة مبقاة على ملكه قبل القسمة، حتى لو حدثت الزيادة قبلها تنفذ وصاياه فيها ويقضي ديونه منها، بخلاف ما بعد القسمة،   [البناية] كان المال المشترك ما سوى العقار) ش: كالعروض والحيوانات ونحوهما مما ينقل م: (وادعوا أنه ميراث قسمة في قولهم جميعا) ش: أي في قول أبي حنيفة وصاحبيه م: (ولو ادعوا في العقار أنهم اشتروه قسمة بينهم) ش: هذا لفظ القدوري. قال في " شرح الأقطع " هكذا ذكره محمد في "كتاب القسمة". وذكر في " الجامع الصغير " أنه لا يقسم حتى يقيموا البينة على الملك لأنهم اعترفوا بالملك طبائع وادعوا انتقاله إليهم فلا يقبل إلا ببينة كما لو ادعوا الميراث. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أن اليد دليل الملك والإقرار أمارة الصدق ولا منازع لهم) ش:. أي في الظاهر م: (فيقسمه بينهم كما في المنقول الموروث والعقار المشترى وهذا) ش: أي جواز القسمة بإقرارهم بدون البينة م: (لأنه لا منكر) ش: أي لأن الشأن لا منكر هاهنا م: (ولا بينة إلا على المنكر فلا يفيد) ش: أي البينة، يعني فلا يكون طلب البينة بلازم م: (إلا أنه يذكر في كتاب القسمة أنه قسمها بإقرارهم ليقتصر عليهم ولا يتعداهم) ش: أي ولا يتعدى حكمه إلى غير الشركاء الحاضرين. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن القسمة قضاء على الميت إذا كانت التركة مبقاة على ملكه قبل القسمة) ش: أي على ملك الميت م: (حتى لو حدثت الزيادة قبلها) ش: أي قبل القسمة بأن كانت الوصية جارية لفلان مثلا فولدت قبل القسمة م: (تنفذ وصاياه فيها) ش: أي في الزيادة حتى ينفذ الوصية فيهما عن الثلث كأنه أوصى بهما م: (ويقضي ديونه منها) ش: أي من الزيادة تنفذ الوصية فيهما بقدر الثلث كأنه أوصى بهما م: (بخلاف ما بعد القسمة) ش: فإن الزيادة للموصى له. وفي " جامع قاضي خان " ومن أوصى بجارية لرجل ومات فولدت ولدا أو اكتسبت كان الولد والكسب لورثة الميت، وإن حدثت الزيادة بعد القسمة يكون للموصى له، وإن كانت الزيادة مع الجارية لا يخرج من الثلث. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 408 وإذا كانت قضاء على الميت فالإقرار ليس بحجة عليه، فلا بد من البينة وهو مفيد؛ لأن بعض الورثة ينتصب خصما عن المورث، ولا يمتنع ذلك بإقراره كما في الوارث أو الوصي المقر بالدين، فإنه يقبل البينة عليه مع إقراره، بخلاف المنقول؛ لأن في القسمة نظرا للحاجة إلى الحفظ. أما العقار فمحصن بنفسه، ولأن المنقول مضمون على من وقع في يده ولا كذلك العقار عنده.   [البناية] م: (وإذا كانت قضاء على الميت) ش: أي وإذا كانت القسمة قضاء على الميت ذكر الفعل باعتبار القسم م: (فالإقرار ليس بحجة عليه) ش: يعني إقرارهم ليس بحجة على الميت، لأنه حجة قاصرة م: (فلا بد من البينة) ش: ليست به القضاء على الميت م: (وهو مفيد) ش: أي البينة مفيد على تأويل قيام البينة مفيد. وهذا جواب عن قولهما لأنه منكر ولا بينة إلا على المنكر فلا يفيد فقال: بل يفيد م: (لأن بعض الورثة ينتصب خصما عن الموروث) ش: فيكون مدعى عليه لأن أحدهم يجعل مدعيا والآخر مدعى عليه م: (ولا يمتنع ذلك بإقراره) ش: أي لا يمتنع كونه خصما بسبب إقراره. وهذا جواب عما يقال كل منهما مقر بدعوى صاحبه، والمقر لا يصح خصما للمدعى عليه فقال لا يمتنع ذلك بإقراره لجواز اجتماع الإقرار مع كونه خصما م: (كما في الوارث أو الوصي المقر بالدين، فإنه تقبل البينة عليه مع إقراره) ش:. أي على كل واحد من الوارث والوصي مثلا إذا ادعى على الميت دينا وأقر به وارثه أو وصيه يكلف إقامة البينة. وينتصب الوارث أو الوصي خصما للمدعى عليه فقال: لا يمتنع ذلك بإقراره لجواز اجتماع الإقرار مع كونه خصما له وإن كان مقرا. م: (بخلاف المنقول) ش: جواب عن قولهما كما في المنقول المورث، وأجاب عن ذلك بوجهين، الأول: هو قوله م: (لأن في القسمة نظرا للحاجة إلى الحفظ) ش: لأن العروض يخشى عليها من التوى والتلف، وفي القسمة تحصين وحفظ لها وذا لا يوجد في العقار، أشار إليه بقوله: أما العقار محصن بنفسه فلا يخشى عليه من التوى. والثاني: هو قوله ولا كذلك العقار عنده، أي عند أبي حنيفة لأنه مضمون على من ثبت يده، أشار إليه بقوله م: (أما العقار فمحصن بنفسه) ش: فلا يخشى عليه من التوى. وقوله م: (ولأن المنقول مضمون على من وقع في يده) ش: بعد القسمة، يعني يصير مضمونا عليه بالقبض في حق غيرهم، ففي جعل ذلك مضمونا عليهم بعد القسمة نظرا للميت، وذا لا يوجد في العقار، لأنه مضمون على من أثبت يده عند أبي حنيفة. وهذا معنى قوله م: (ولا كذلك العقار عنده) ش: أي عند أبي حنيفة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 409 وبخلاف المشتري لأن المبيع لا يبقى على ملك البائع، وإن لم يقسم فلم تكن القسمة قضاء على الغير. قال: وإن ادعوا الملك ولم يذكر كيف انتقل إليهم قسمه بينهم، لأنه ليس في القسمة قضاء على الغير فإنهم ما أقروا بالملك لغيرهم. وهذه رواية كتاب القسمة. وفي " الجامع الصغير ": أرض ادعاها رجلان وأقاما البينة أنها في أيديهما وأرادا القسمة لم يقسمها حتى يقيما البينة أنها لهما لاحتمال أن يكون لغيرهما، ثم قيل: هو قول أبي حنيفة خاصة، وقيل: هو قول الكل   [البناية] م: (وبخلاف المشتري) ش: جواب عن قولهما والعقد المشترى، تقريره أن العقار المشترى لأن القسمة فيه باعتبار ظاهر اليد، فلا يكون استحقاقا على الغير م: (لأن المبيع لا يبقى على ملك البائع. وإن لم يقسم فلم تكن القسمة قضاء على الغير) ش: وروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصول لا يقسمها بلا بينة كما في الميراث. م: (قال: وإن ادعوا الملك ولم يذكروا كيف انتقل) ش: أي قال القدوري لم يذكروا سبب الانتقال م: (إليهم) ش: في الشراء والإرشاد غيرهما م: (قسمه بينهم؛ لأنه ليس في القسمة قضاء على الغير، فإنهم ما أقروا بالملك لغيرهم) ش: لأن كل من في يده شيء فالظاهر أنه له فيقبل قولهم في القسمة. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذه رواية كتاب القسمة) ش: أي قال صاحب " الهداية " هذا الذي ذكره القدوري بقوله: وإن ادعوا الملك.. إلخ كتاب القسمة من " المبسوط، وسياق " الجامع الصغير " على خلاف ذلك، أشار إليه بقوله م: (وفي " الجامع الصغير ": أرض ادعاها رجلان وأقاما البينة أنها في أيديهما وأرادا القسمة لم يقسمها حتى يقيما البينة أنها لهما) ش: أي أن الأرض لهما، أي ملكهما م: (لاحتمال أن يكون لغيرهما) ش: لأنهما لم يذكرا السبب، واحتمل أن يكون ميراثا فيكون ملكا للغير، ويحتمل أن يكون مشترى فيكون ملكا لهما فلا يقسم احتياطا. م: (ثم قيل: هو قول أبي حنيفة خاصة) ش: أي المذكور في " الجامع الصغير " وهو قوله: لا يقسمها حتى يقيم البينة على الملك قول أبي حنيفة خاصة لا قولهما، لأن عند أبي حنيفة الميراث لا يقسم بدون البينة وهذا العقار يحتمل أن يكون موروثا كما ذكرنا. وعندهما يقسم في الميراث بدون البينة فهاهنا أولى م: (وقيل: هو قول الكل) ش: أي قيل المذكور في " الجامع الصغير " قول أبي حنيفة وصاحبيه جميعا، وإليه مال فخر الإسلام في "شرحه". وقال تاج الشريعة: قيل إنما اختلف الجواب لاختلاف الوضع، فموضع كتاب القسمة فيما إذا ادعيا الملك ابتداء، وموضع " الجامع الصغير " فيما إذا ادعيا لليد ابتداء، وبيانه أنهما لما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 410 وهو الأصح؛ لأن قسمة الحفظ في العقار غير محتاج إليه، وقسمة الملك تفتقر إلى قيامه ولا ملك فامتنع الجواز. قال: وإذا حضر وارثان وأقاما البينة على الوفاة وعدد الورثة والدار في أيديهم ومعهم وارث غائب قسمها القاضي بطلب الحاضرين، وينصب وكيلا يقبض نصيب الغائب، وكذا لو كان مكان الغائب صبي يقسم وينصب وصيا يقبض نصيبه، لأن فيه   [البناية] ادعيا الملك ابتداء واليد ثابتة ومن في يده شيء يقبل قوله إنه ملكه ما لم ينازعه غيره. إذ الأصل أن الأملاك في يد المالك، فيعتبر هذا الظاهر، وإن احتمل أن يكون ملك الغير لأنه احتمال بلا دليل. فيقسم بينهما بناء على الظاهر، أما إذا ادعيا اليد وأعرضا عن ذكر الملك مع حاجتهما إلى بيانه لأنهما طلبا القسمة من القاضي والقسمة في العقار لا تكون إلا لمالك، فلما سكتا عنه دل على أن الملك ليس لهما فيتأكد ذلك لاحتمال السابق، فلا يقبل قولهما بعد ذلك إلا بإقامة البينة ليزول هذا الاحتمال، وهذا معنى قوله لاحتمال أن يكون لغيرهما. م: (وهو الأصح) ش: أي المذكور أنه قول الكل هو الأصح م: (لأن قسمة الحفظ في العقار غير محتاج إليه) ش: أراد بهذا أن القسمة نوعان، قسمة بحق الملك لتكميل المنفعة، وقسمة بحق اليد لأجل الحفظ والصيانة. والثاني في العقار غير محتاج إليه فتعين قسمة الملك م: (وقسمة الملك تفتقر إلى قيامه ولا ملك) ش: أي قيام الملك لا ملك بدون البينة م: (فامتنع الجواز) ش: أي جواز القسمة. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا حضر الوارثان) ش: في إثبات إلى القاضي م: (وأقاما البينة على الوفاة وعدد الورثة والدار في أيديهم) ش: أي والحال أن الدار في أيديهم، وكان ينبغي أن يقول في أيديهما، لأن المذكور التثنية، ولكن فيها معنى الجمع، وهذا أحسن من أن يقال قوله في أيديهم ومعهم وارث وقع سهوا من الناسخ، والصحيح في أيديهما لأنهما لو كانت في أيديهم لكان البعض في يد الغائب ضرورة. وقد ذكر بعد هذا في الكتاب، وإن كان العقار في يد الوارث الغائب أو شيء منه لم يقسم، وقيل الصحيح أنه يقال في أيديهما ومعهما على وجه هكذا بخط بعض الثقات م: (ومعهم وارث غائب) ش: أي ومعهما وارث. وقد قلنا: إن في التثنية معنى الجمع م: (قسمها القاضي بطلب الحاضرين) ش: بفتح الراء تثنية حاضر م: (وينصب وكيلا ويقبض نصيب الغائب) ش: أي ينصب القاضي وكيلا لأجل قبض نصيب الغائب نظرا له. م: (وكذا لو كان مكان الغائب صبي يقسم وينصب وصيا يقبض نصيبه، لأن فيه) ش: أي في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 411 نظرا للغائب والصغير، ولا بد من إقامة البينة في هذه الصورة عنده أيضا، خلافا لهما كما ذكرناه من قبل. ولو كانوا مشتريين لم يقسم مع غيبة أحدهم. والفرق أن ملك الوارث ملك خلافه حتى يرد بالعيب ويرد عليه بالعيب فيما اشتراه المورث أو باع، ويصير مغرورا بشراء المورث فانتصب أحدهما خصما عن الميت فيما في يده، والآخر عن نفسه، فصارت القسمة قضاء بحضرة المتخاصمين. أما الملك الثابت بالشراء ملك مبتدأ ولهذا لا يرد بالعيب على بائع بائعه   [البناية] نصيب كل واحد من الوكيل والوصي م: (نظرا للغائب والصغير) ش: وكذا لو كان مجنونا م: (ولا بد من إقامة البينة في هذه الصورة أيضا عنده) ش: أي لا بد من إقامة البينة على الوفاة وعدد الورثة فيما إذا كان مكان الغائب صبي عند أبي حنيفة كما إذا كان معهم وارث غائب م: (خلافا لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد. م: (كما ذكرنا من قبل) ش: وهو قوله لم يقسمها حتى يقيموا البينة على موته وعدد ورثته. وقال صاحباه يقسم باعترافهم م: (ولو كانوا مشتريين لم يقسم مع غيبة أحدهم) ش: هذا لفظ القدوري، يعني لم يقسم وإن أقاموا بينة. م: (والفرق) ش: في دعوى الإرث إذا أقاموا البينة يقسم مع غيبة أحدهم، وفي دعوى الشراء لا يقسم مع غيبة أحدهم وإن أقام البينة على الوفاة وعلى الورثة م: (إن ملك الوارث ملك خلافه حتى يرد) ش: أي الوارث م: (بالعيب ويرد عليه) ش: أي على بائع المورث م: (بالعيب فيما اشتراه المورث) ش: بكسر الراء وهو الميت م: (أو باع ويصير) ش: أي الوارث م: (مغرورا بشراء المورث) ش: حتى لو اشترى جارية فمات فاستولدها الوارث فاستحقت يصير الوارث مغرورا ويكون الولد حرا بالقيمة يرجع بها الوارث على البائع كالمورث في حياته م: (فانتصب أحدهما) ش: أي أحد الحاضرين م: (خصما عن الميت فيما في يده، والآخر عن نفسه، فصارت القسمة قضاء بحضرة المتخاصمين) ش: أنه لو ادعى رجل على ميت شيئا وأقام البينة على أحد الورثة يقبل ويظهر الحكم في حق الحاضر والغائب. والمعنى فيه ما ذكره من قوله: إن ملك الوارث بطريق الخلافة فيكون الوارث قائما مقام المورث فيكون إقامة البينة على الوارث إقامة على المورث. ولو أقيمت البينة على المورث حقيقة يظهر في حق الغائب والحاضر جميعا، فكذا إذا أقيمت البينة حكما. م: (أما الملك الثابت بالشراء ملك مبتدأ) ش: أي ملك جديد، أراد أن الثابت أن كل واحد منهم ملك جديد بسبب باشره في نصيبه م: (ولهذا) ش: أي ولكون الثابت بالشراء مبتدأ م: (لا يرد) ش: أي المشتري م: (بالعيب على بائع بائعه) ش: لأن بائع البائع ليس بقائم مقام البائع. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 412 فلا يصلح الحاضر خصما عن الغائب فوضح الفرق. وإن كان العقار في يد الوارث الغائب أو شيء منه لم يقسم. وكذا إذا كان في يد مودعه. وكذا إذا كان في يد الصغير. لأن القسمة قضاء على الغائب والصغير باستحقاق يدهما من غير خصم حاضر عنهما، وأمين الخصم ليس بخصم عنه فيما يستحق عليه. والقضاء من غير خصم لا يجوز، ولا فرق في هذا الفصل بين إقامة البينة وعدمها هو الصحيح   [البناية] م: (فلا يصلح الحاضر خصما عن الغائب) ش: أي إذا كان كذلك لا يصلح الحاضر من المشترين خصما عن الغائب منهم، فإذا لم يكن خصما عنه كانت البينة في حق الغائب قائمة بلا خصم فلا يقبل م: (فوضح الفرق) ش: أي ظهر الفرق بين مسألة الإرث ومسألة الشراء م: (وإن كان العقار في يد الوارث الغائب أو شيء منه لم يقسم) ش: أي من العقار، وهذا أيضا من لفظ القدوري إلا قوله أو شيء منه فإنه من لفظ صاحب " الهداية "، لأن القسمة فيها استحقاق يد الغائب ولا يجوز ذلك من غير خصم حاضر عنه. م: (وكذا إذا كان في يد مودعه) ش: أي وكذا لا يقسم إذا كان العقار في يد مودع الغائب، لأن المودع أمين فلا يكون خصما فيما يستحق عليه. م: (وكذا إذا كان في يد الصغير) ش: أي وكذا لا يقسم إذا كان العقار في يد الصغير أو شيء منه في يده م: (لأن القسمة قضاء على الغائب والصغير باستحقاق يدهما من غير خصم حاضر عنهما) ش: أي عن الغائب والصغير، فإذا لم يكن الخصم حاضرا لا يجوز لما ذكرنا م: (وأمين الخصم ليس بخصم) ش: هذا كأنه جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: لم يجوز أن يكون المودع خصما لكون العين في يده؟ فأجاب بأنه أمين الخصم. م: (عنه) ش: أي عن الخصم م: (فيما يستحق عليه) ش: أي على الخصم، لأنه جعل أمينا في الحفظ لا غير، فيكون القول بالقسمة قوله م: (والقضاء من غير خصم لا يجوز) ش: وهو معنى قوله فالقضاء من غير خصم لا يجوز، لأنه لا بد من كون المدعى عليه خصما كما عرف في بابه. م: (ولا فرق في هذا الفصل بين إقامة البينة وعدمها) ش: أي فيما إذا كان العقار في يد الوارث الغائب أو شيء منه، يعني لا يقسم القاضي وإن أقام الحاضر البينة على الوفاة وعدد الورثة م: (هو الصحيح) ش: احترز به عما روى الكرخي في "مختصره" عن أبي يوسف فقال: وقال أبو يوسف: إن كانت الدار في يد الغائب أو في يد الصغير أو في أيديهما منه شيء لم أقسمها حتى يقيم البينة على المواريث، وكذلك الأرض. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 413 كما أطلق في الكتاب. قال: وإن حضر وارث واحد لم يقسم وإن أقام البينة لأنه لا بد من حضور خصمين؛ لأن الواحد لا يصلح مخاصِما ومخاصَما، وكذا مقاسِما ومقاسَما، بخلاف ما إذا كان الحاضر اثنين على ما بينا ولو كان الحاضر كبيرا وصغيرا نصب القاضي عن الصغير وصيا، وقسم إذا أقيمت البينة.   [البناية] وقول محمد أشهر، فقد قالا بالقسمة عند قيام البينة كما ترى، وإليه ذهب صاحب " التحفة " حيث قال وإن كانت الدار في يد الغائب أو في يد الصغير أو في أيديهما منه شيء فإنه لا يقسم حتى تقوم البينة على الميراث وعدد الورثة بالاتفاق، وبه قالت الثلاثة. وفي " فتاوى قاضي خان " لم يقسم وإن أقام البينة ما لم يحضر الغائب وهو رواية م: (كما أطلق في الكتاب) ش: قال الأترازي في " مختصر القدوري ": أراد به قوله لم يقسم لأنه لم يفصل بين قوله البينة وعدمها. وقال الكاكي في " الجامع ": لقوله لم يقسم من غير ذكر إقامة البينة، والصواب مع الأول. م: (قال: وإن حضر وارث واحد لم يقسم وإن أقام البينة) ش: أي قال القدوري م: (لأنه لا بد من حضور خصمين؛ لأن الواحد لا يصلح مخاصِما ومخاصَما) ش: بكسر الصاد، ومخاصما الثانية بفتح الصاد، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كذا مقاسِما) ش: أي وكذا لا يصلح مقاسما بكسر السين م: (ومقاسَما) ش: بفتح السين، وهذا عندهما لأنه لا يحتاج إلى إقامة البينة عندهما. وإنما ذكر المقاسمة لأنه ليس من ضرورة كون الشخص خصما أن يكون مخاصما كما في الحمام المشترك، فإن الشركاء خصوم وغير مقاسمين، وعن أبي يوسف أن القاضي ينصب عن الغائب خصما ويسمع البينة عليه ويقسم الدار، كما لو ادعى أجنبي دينا على الميت ولا وارث له ولا وصي فإنه ينصب عنه وصيا. م: (بخلاف ما إذا كان الحاضر اثنين) ش: حيث يقسم، لأنه أمكن أن يجعل أحدهما مدعيا والآخر خصما عن الميت وعن باقي الورثة م: (على ما بينا) ش: أراد به قوله وإذا حضر وارثان وأقاما البينة إلى آخره، وذلك لأن أحد الورثة ينتصب خصما عن الميت وعن سائر الورثة. م: (ولو كان الحاضر كبيرا وصغيرا نصب القاضي عن الصغير وصيا وقسم إذا أقيمت البينة) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري. وفي " الذخيرة ": القاضي إنما ينصب وصيا عن الصغير إذا كان حاضرا، أما إذا كان غائبا فلا ينصب عنه وصيا، بخلاف الكبير الغائب على قول أبي يوسف. وبخلاف ما إذا وقعت الدعوى على الميت حيث ينصب وصيا عن الميت، وذلك لأن الصغير إذا كان حاضرا صحت الدعوى عليه، إلا أنه عاجز عن الجواب فيثبت عنه خصما، أما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 414 وكذا إذا حضر وارث كبير موصى له بالثلث فيها وطلبا القسمة وأقاما البينة على الميراث والوصية يقسمه لاجتماع الخصمين الكبير عن الميت والموصى له عن نفسه. وكذا الوصي عن الصبي كأنه حضر بنفسه بعد البلوغ لقيامه مقامه.   [البناية] إذا كان غائبا لم تصح الدعوى عليه ولم يتوجه الجواب عليه ولم تقع الضرورة على نصب الوصي فلا ينصب. م: (وكذا إذا حضر وارث كبير وموصى له بالثلث فيها) ش: أي في الدار، وهذا أيضا ذكره تفريعا على مسألة القدوري م: (وطلبا القسمة وأقاما البينة على الميراث والوصية يقسمه لاجتماع الخصمين الكبير عن الميت، والموصى له عن نفسه) ش: قوله الكبير بالجر والموصى له عطف عليه، وكلاهما بدل من قوله الخصمين، ويجوز رفعهما على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي أحدهما الكبير أي الوارث الكبير خصم عن الميت، والآخر الموصى له خصم له عن نفسه، ويجوز نصبهما بتقدير أعني. م: (وكذا الوصي عن الصبي) ش: أي وكذا الوصي خصم عن الصبي فيما إذا كان الحاضر كبيرا أو وصي الصبي م: (كأنه حضر بنفسه بعد البلوغ) ش: إن كان الصبي خصما بنفسه بعد بلوغه م: (لقيامه مقامه) ش: أي لقيام الوصي مقام الصبي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 415 فصل فيما يقسم وما لا يقسم قال: وإذا كان كل واحد من الشركاء ينتفع بنصيبه قسم بطلب أحدهم، لأن القسمة حق لازم فيما يحتملها عند طلب أحدهم على ما بيناه من قبل. وإن كان ينتفع أحدهم ويستضر به الآخر لقلة نصيبه، فإن طلب صاحب الكثير قسم، وإن طلب صاحب القليل لم يقسم، لأن الأول ينتفع به فيعتبر طلبه، والثاني متعنت في طلبه فلم يعتبر. وذكر الجصاص على قلب هذا   [البناية] [فصل فيما يقسم وما لا يقسم] م: (فصل فيما يقسم وما لا يقسم) ش: لما تنوعت مسائل القسمة إلى ما يقسم وما لا يقسم أفردها بالفصل. م: (قال: وإذا كان كل واحد من الشركاء ينتفع بنصيبه قسم بطلب أحدهم) ش: أي قال القدوري في "مختصره" م: (لأن القسمة حق لازم فيما يحتملها) ش: أي فيما يحتمل القسمة، أراد باحتمال القسمة أن ينتفع كل واحد منهما بنصيبه بعد القسمة م: (عند طلب أحدهم على ما بيناه من قبل) ش: أشار به إلى قوله إذا كانت من جنس واحد أجبر القاضي على القسمة ولا خلاف فيه للعلماء. م: (وإن كان ينتفع أحدهم ويستضر به الآخر لقلة نصيبه، فإن طلب صاحب الكثير قسم) ش: أي جبرا وبه قال الشافعي وأحمد ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في المشهور عنه، وفي رواية عن مالك لا يجبر، واختاره ابن القاسم، وبه قال أبو ثور. وقال ابن أبي ليلى: لا يقسم ولكن يباع ويقسم ثمنها، وكذلك إذا كان سائر الشركاء لا ينتفعون بأنصبائهم الطالب يقسمها جبرا. م: (وإن طلب صاحب القليل لم يقسم) ش: أي إذا كان صاحب القليل لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة لا يقسم، وبه قال الشافعي في الأصح م: (لأن الأول) ش: أي صاحب الكثير م: (ينتفع به) ش: أي بنصيبه م: (فيعتبر طلبه) ش: لأنه طالب بحق ثابت له م: (والثاني) ش: أي صاحب القليل م: (متعنت في طلبه فلم يعتبر) ش: لأن طلب شيئا يستنصر به فلا منفعة له في القسمة فيكون متعنتا في دعواه، وهو من العنت وهو من الشدة. وفي العباب العنت الوقوع في أمر شاق وقد عنت من باب فعل بالكسر، وعند " تهذيب الديوان " يقال عنت متعنتا إذا جاءك يطلب زلتك. قلت: والعنت الإثم أيضا، والعنت الزنا والفجور أيضا. م: (وذكر الجصاص) ش: وهو أبو بكر أحمد بن علي الرازي م: (على قلب هذا) ش: أي على عكس هذا، فقال يقسم إذا طلب صاحب القليل، لأنه رضي بضرر نفسه ولا يقسم إذا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 416 لأن صاحب الكثير يريد الإضرار بغيره والآخر يرضى بضرر نفسه.   [البناية] طلب صاحب الكثير، لأنه يوقع الإضرار بغيره، وهو معنى قوله م: (لأن صاحب الكثير يريد الإضرار بغيره والآخر) ش: وهو صاحب القليل م: (يرضى بضرر نفسه) ش: وهكذا نقل الصدر الشهيد في "شرحه لأدب القاضي " عن الجصاص، وكذلك نقل عنه في " الفتاوى الصغرى " وكذلك نقل عن صاحب " الهداية ". وقال الأترازي: ولنا في هذا النقل عنه نظر، لأن الجصاص وهو أبو بكر الرازي ذكر في "شرحه " ما ذكره الخصاف في " أدب القاضي " بعينه ولم يذكر خلاف ذلك، كذلك ذكره الخصاف في "شرحه لمختصر الطحاوي " كما ذكره أحمد بن عمرو الخصاف ولم يذكر خلاف ذلك، وقال الخصاف في " أدب القاضي ": وإن كان الضرر إنما يدخل على أحدهما لأن نصيبه قليل والآخر نصيبه كثير فطلب صاحب النصيب الكثير القسمة وإن ذلك الآخر، فإن أبا حنيفة وأبا يوسف قالا يقسم ذلك بينهما، إلى هنا لفظ الخصاف ولم يذكر لمحمد قولا، ولكن الطحاوي ذكر المسألة في "مختصره " تخصيص أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - فقال: إن كان الذي يصيب الطالب منهما ينتفع به لكثرته وما يطلب الآخر فما ينتفع به لقلته فسماها بينهما إلى هنا لفظ الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو بكر الرازي وهو الجصاص: لأن للطالب حقا في هذه القسمة وهو الانتفاع بملكه متميزا على حق غيره ومنع غيره من الانتفاع بملكه، والذي أباه إنما يريد الانتفاع بملك غيره ويجبر على القسمة إلى هنا لفظه، ولم يذكر غير هذا. وقال في " الفتاوى الصغرى ": دار بين رجلين وطلبا القسمة جميعا وتراضيا بذلك وليس نصيب كل منهما ما ينتفع، فإن القاضي يقسم ذلك بينهما لأن الملك لهما وقد تراضيا بهذا الضر، وإن طلب أحدهما القسمة وأبى الآخر لم يقسم القاضي بينهما لأن الطالب متعنت مضر بالآخر، وإن كان الضرر يدخل على أحدهما بأن كان نصيبه قليلا بحيث لا يبقى منتفعا بعد القسمة، ونصيب الآخر كثير يبقى منتفعا بعد القسمة فطلب صاحب الكثير القسمة فالقاضي يقسم. وإن طلب صاحب القليل وأبى الآخر لا يقسم، هكذا ذكر الخصاف، يعني في " أدب القاضي ". وذكر الجصاص على عكس هذا، فذكر في قسمة " الواقعات " دار بين شريكين لأحدهما كثير وللآخر قليل لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة طلب صاحب الكثير القسمة وأبى صاحب القليل قسمت الدار بينهما بالاتفاق وإن طلب صاحب القليل وأبى صاحب الكثير قال الكرخي في "مختصره ": لا يقسم، وإليه مال الفقيه أبو الليث وجعل هذا قول أصحابنا، وبه أخذ شمس الأئمة السرخسي وشيخ الإسلام الأسبيجابي، وذكر الحاكم الجليل في "مختصره " أن يقسم، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 417 وذكر الحاكم الشهيد في "مختصره" أن أيهما طلب القسمة يقسم القاضي، والوجه اندرج فيما ذكرناه، والأصح المذكور في الكتاب وهو الأول. وإن كان كل واحد منهما ينتظر لصغره لم يقسمها إلا بتراضيهما، لأن الجبر على القسمة لتكميل المنفعة، وفي هذا تفويتها ويجوز بتراضيهما؛ لأن الحق لهما وهما أعرف بشأنهما. أما القاضي فيعتمد الظاهر. قال: ويقسم العروض إذا كانت من صنف واحد،   [البناية] وإليه ذهب شيخ الإسلام خواهر زاده وعليه الفتوى. وهذا خلاف ما ذكر في " أدب القاضي "، إلى هنا لفظ " الفتاوى الصغرى ". وقال الكاكي: وفي بعض النسخ ذكر الخصاف مكان الجصاص، وذكر الجصاص وهو الأصح لأنه موافق لرواية قاضي خان وغيرها، وفي " الذخيرة " قول الخصاف ما هو المذكور أولا. م: (وذكر الحاكم الشهيد في "مختصره ") ش: وفي بعض النسخ الصدر الشهيد م: (أن أيهما طلب القسمة يقسم القاضي) ش: أي الشريكين طلب قسمة الدار والأرض يقسم القاضي سواء كان الطالب صاحب الكثير أو القليل م: (والوجه اندرج فيما ذكرناه) ش: أي وجه ما ذكره الحاكم اندرج فيما ذكرناه. قال تاج الشريعة: أي وجه ما ذكره الحاكم مندرجا في وجه رواية الكتاب ورواية الجصاص لأن وجه رواية الكتاب أن صاحب الكثير طالب لتكميل حقه وتوفير منفعته، ووجه الجصاص أن صاحب القليل رضي بضرر نفسه لنفع الغير فيقسم بطلبه م: (والأصح المذكور في الكتاب) ش: أي في " مختصر القدوري " م: (وهو الأول) ش: أي المذكور في الكتاب هو المذكور أولا وهو أنه لا يقسم إذا طلب صاحب القليل لأنه متعنت. م: (وإن كان كل واحد منهما ينتظر لصغره لم يقسمها إلا بتراضيهما) ش: هذا لفظ القدوري إلا قوله لصغره م: (لأن الجبر على القسمة لتكميل المنفعة، وفي هذا تفويتها) ش: أي وفي الجبر على القسمة، وهذا تفويت المنفعة م: (ويجوز بتراضيهما؛ لأن الحق لهما وهما أعرف بشأنهما. أما القاضي فيعتمد الظاهر) ش: والقاضي على الضرر جائز، وعلى الرياء لا يجوز، ولهذا لو تراضيا على قسمة الحمام والثوب جائز، وإن كان لا يشفع كل واحد منهما بنصيبه بعد القسمة، وإن كان حنطة بين رجلين ثلاثون رديئة وعشرون جيدة فأخذ أحدهما عشرة جيدة والآخر ثلاثين رديئة، وقيمة العشرة مثل قيمة الثلاثة فإنه لا يجوز؛ لأنه ربا والرضا بالربا لا يجوز. [قسمة العروض] م: (قال: ويقسم العروض إذا كانت من صنف واحد) ش: أي قال القدوري: يعني يقسم جبرا إذا كانت من صنف واحد ولا يعلم فيه خلافا إلا عند ابن أبي جبيرة من أصحاب الشافعي وأصحاب الظاهر وأبي ثور. وقال في " شرح الطحاوي " الكيلي والوزني والذي ليس في تبعيضه مضرة إذا طلب أحدهما قسمته فإن القاضي يقسم بينهما، وكذلك العددي المتقارب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 418 لأن عند اتحاد الجنس يتحد المقصود فيحصل التعديل في القسمة والتكميل في المنفعة. ولا يقسم الجنسين بينهما بعضهما في بعض، لأنه لا اختلاط بين الجنسين، فلا تقع القسمة تمييزا، بل تقع معاوضة، وسبيل التراضي دون جبر القاضي. ويقسم كل موزون ومكيل كثير أو قليل، والمعدود المتقارب وتبر الذهب والفضة وتبر الحديد والنحاس والإبل بانفرادها، والبقر والغنم، ولا يقسم شاة وبعيرا وبرذونا وحمارا   [البناية] وإن كانت أغناما أو إبلا أو بقرا أو جماعة ثياب من جنس واحد فإنه يقسمها، فأما الرقيق فلا يقسم بينهم عند أبي حنيفة لأنها كأجناس مختلفة لاختلاف منافعهم، وعندهما يقسم كالأغنام والإبل والبقر. وإن كان مع الرقيق مال أخذ قسمه كله في قولهم م: (لأن عند اتحاد الجنس يتحد المقصود فيحصل التعديل في القسمة والتكميل في المنفعة) ش: لإمكان التعديل بالكيل والوزن تمييزا بلا تفاوت، وكذلك الذهب والفضة والعددي المتقارب. وأما الثياب والحيوانات فيمكن أن يجعل كل اثنين منهما بواحد أو واحد وبعض واحد. [لا يقسم ما يتلفه القسم] م: (ولا يقسم الجنسين بعضهما في بعض) ش: هذا لفظ القدوري في "مختصره "، أي لا يقسم القاضي جبرا الأجناس المختلفة قسمة الجميع بأن جمع نصيب أحدهما في الإبل والآخر في البقر، وبه قال مالك والشافعي - رحمهما الله - م: (لأنه لا اختلاط بين الجنسين، فلا تقع القسمة تمييزا، بل تقع معاوضة وسبيل التراضي دون جبر القاضي) ش: لأن ولاية الإجبار للقاضي يثبت معنى التمييز. م: (ويقسم القاضي كل موزون ومكيل كثير أو قليل) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري م: (والمعدود المتقارب) ش: بالنصب أيضا، أي يقسم المعدود المتقارب م: (وتبر الذهب والفضة، وتبر الحديد والنحاس) ش: بالنصب عطف على المنصوب قبله، والتبر القطعة المأخوذة من المعدن م: (والإبل بانفرادها، والبقر والغنم) ش: بالنصب أيضا، أي يقسم الإبل والبقر بانفرادها وهو بكسر الهمزة والباء الموحدة. وفي بعض النسخ. والآنك بفتح الهمزة وضم النون وفي آخره كاف وهو الأشرب، وهي مناسبة لما قبله، والنسخة الأولى مناسبة لما بعدها، فافهم. والبقر والغنم بالنصب أيضا عطفا، أي يقسمها بانفراد كل واحد منهما لقلة التفاوت. م: (ولا يقسم شاة وبعيرا وبرذونا وحمارا) ش: أي لا يقسم القاضي جبرا في هذه الأشياء قسمة جميعا بأن يجمع نصيب أحد الورثة في الشاة خاصة ونصيب الأخرى في البعير خاصة، بل يقسم الشاة بينهما والبعير بينهما على ما يستحقان. وفي " الذخيرة " والحاصل أن القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقسم الأجناس المختلفة من كل وجه قسمة جميع إذا أتى ذلك بعض الشركاء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 419 ولا يقسم الأواني لأنها باختلاف الصنعة التحقت بالأجناس الخمسة ويقسم الثياب الهروية لاتحاد الصنف، ولا يقسم ثوبا واحدا لاشتمال القسمة على الضرر، إذ هي لا تتحقق إلا بالقطع ولا ثوبين إذا اختلفت قيمتهما.   [البناية] وفي الجنس المتحد يقسم عند طلب البعض، وبه قال الفقهاء. وقال أبو ثور وأصحاب الظاهر: يقسم في الأجناس المختلفة ويخرج نصيب كل ما يقرعه في شخص من أشخاص وفي نوع من أنواعه استدلالا بما روى البخاري عن علي بن الحاكم الأنصاري بإسناده إلى رافع بن خديج «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قسم الغنيمة فعدل عشرة من الغنم ببعير واحد» . قلنا: حديث غريب فلا يترك لأجل عمومات النصوص في أن الجبر لا يجري في المبادلات والقسمة بالسهم في الأجناس المختلفة مبادلة حقيقية، مع أن الحديث لا يكون حجة لاحتمال أن ذلك بطريق القسمة بالتراضي بقرينة لفظ تعدل عشرة الحديث مع أن حق الغانمين في المالية لا في المعين، ولهذا للإمام بيعها وقسمة ثمنها. م: (ولا يقسم الأواني) ش: من الذهب والفضة والنحاس بعضها في بعض م: (لأنها باختلاف الصنعة التحقت بالأجناس المختلفة) ش: كالإجانة والقمقم والطشت، والمتخذة من الصفر مثلا وكذلك الأبواب المتخذة من القطن أو الكتان إذا اختلف بالصنعة كالقباء والجبة والقميص لا يقسم بعضها في بعض جبرا. م: (ويقسم الثياب الهروية لاتحاد الجنس) ش: احترز به لأنها أجناس مختلفة، والقسمة تكون بطريق المعاوضة عن اختلاف الصنعة لأنه ذكره في " المبسوط "، ولا يقسم ثوبا لظبا وثوبا هرويا وسادة وبساطا لأنها أجناس مختلفة، والقسمة تكون بطريق المعاوضة والجبر لا يجري في المعاوضات فلا بد من التراضي م: (ولا يقسم ثوبا واحدا لاشتمال القسمة على الضرر، إذ هي لا تتحقق إلا بالقطع) . ش: هذا أيضا تفريع على مسألة القدوري، أي الثوب الذي يخالف أوله آخره في الجودة، أو يكون ذا علم بعد قطعه يكون إتلافا، حتى لو لم يكن كذلك قسمة. قوله: لاحتمال القسمة على الضرر إذ هي لا تتحقق إلا بالقطع، لأنها إتلاف جزء منها ومنه، وفي ذلك ضرر على المتقاسمين فلا يجوز للقاضي فعله، فإن تراضيا لم يفعله القاضي أيضا لما فيه من إتلاف الملك، ولكنهما يقتسمانها - إن شاء الله تعالى - بأنفسهما، أي ولا يقسم القاضي أيضا. م: (ولا ثوبين إذا اختلفت قيمتهما) ش: لأنه لا يمكن التعديل إلا بزيادة دراهم مع الأوكس الجزء: 11 ¦ الصفحة: 420 لما بينا، بخلاف ثلاثة أثواب إذا جعل ثوب بثوبين أو ثوب وربع ثوب بثوب وثلاثة أرباع ثوب؛ لأنه قسمة البعض المشترك دون البعض وذلك جائز.   [البناية] ولا يجوز إدخال الدراهم في القسمة جبرا، لأن القسمة حق في الملك المشترك والشركة بينهما في الثياب، فلو أدخل في القسمة دراهم يقسم ما ليس بمشترك، وهذا لا يصح، فإن تراضيا على ذلك جاز للقاضي بأن يقسم، لأنه إتلاف في ذلك لما لهم، كذا في " شرح الأقطع " م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله بل يقع معاوضة وسبيلها التراضي. م: (بخلاف ثلاثة أثواب إذا جعل ثوب بثوبين) ش: يعني يصح قسمتها بأن يجعل ثوب بثوبين يعني إذا كان قيمة الثوب الواحد مثل قيمة الثوبين وأراد أحدهما القسمة وإلى الآخر يقسم القاضي بينهما ويعطي أحدهما ثوبا وللآخر ثوبين م: (أو ثوب وربع ثوب) ش: أي ويجعل ثوب وربع ثوب م: (بثوب وثلاثة أرباع ثوب) ش: فإن كانت ثلاثة أثواب قيمة أحدهم دينار وربع وقيمة الآخر دينار وثلاثة أرباع دينار فإنه يقسم ويعطي الثوب الذي قيمته دينار وربع دينار لواحد، ويعطي الثوب الذي قيمته دينار وثلاثة أرباع دينار والثوب الآخر يشترك بينهما أرباعا، ربع لمن أخذ الثوب الذي قيمته دينار وربع دينار، وهذا لا يصير قسمة م: (لأنه قسمة البعض المشترك دون البعض) ش: لأن كل واحد منهما منفرد بثوب ويبقى الشركة في ثوب، وفي " النهاية " الأصح أن يقال: وإن استوت القيمة كان نصيب كل واحد ثوبا ونصفا فيقسم الثوبين بينهما ويدع الثالث مشتركا، وكذا لو استقام أن يجعل نصيب أحدهما ثوبا وثلثي الآخر كما ذكرنا. وقال الكرخي في "مختصره": وكل صنف من الثياب ليستقيم فيه القسمة، فأما الثوب الواحد فلا يستقيم فيه القسمة، وكذلك الثوبان إذا اختلفت قيمتها لا تستقيم القسمة، إلا أن يراد دفع الأوكس دراهم قسمناه على الذي نصيبه الأفضل، فإن كان أحد الثوبين يساوي عشرين والآخر يساوي ثلاثين فإنهما يقومان على هذه القيمة ثم يقرع بينهما على أيهما أصابه الأوكس وأخذ ذلك مع سدس الأفضل. فإن كرها ذلك وأجمعا على أن يزاد دراهم أسهم بينهما على أنه أيهما أصابه الأفضل رد خمسة دراهم على صاحب الأوكس، والثوب للواحد لا يستقيم فيه إذا كره أحدهما، فإن اختار ذلك ما لم يقسم إلا أن يصطلحا على سعة فيما بينهما فأما الحاكم فلا يسعة وثلاثة أثواب يستقيم فيها القسمة على ما فسرت لك من القيم ثوب بثوبين أو ثوب وربع ثوب وثلاثة أرباع أو دراهم يردها الذي نصيبه الأفضل على صاحب الأوكس لأنه قيمة ذلك البعض دون البعض م: (وذلك جائز) ش: لأنه يتيسر عليه التمييز في بعض المشترك، ولو تيسر ذلك في الكل عند طلب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 421 وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقسم الرقيق والجواهر لتفاوتهما. وقالا: يقسم الرقيق لاتحاد الجنس كما في الإبل والغنم ورقيق المغنم. وله: أن التفاوت في الآدمي فاحش لتفاوت المعاني الباطنة   [البناية] بعض الشركاء فكذلك في البعض وما فيه معاوضة يحتاج إلى التراضي. م: (وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقسم الرقيق والجواهر لتفاوتهما) ش: أي بانفرادهما، أما إذا كان مع الرقيق شيء آخر يقسم بالاتفاق، وهذا أيضا من مسائل القدوري. وقال السغناقي في الباب الثاني من كتاب المضاربة في " الجامع الكبير ": إن أبا حنيفة لا يرى قسمة الرقيق وإن كان الجنس واحدا للتفاوت بين الرقيقين في الذكاء والذهن، وألحقهما بالجنسين المختلفين. ومعناه أي لا يجمع نصيب كل شريك في رقيق واحد فكذلك عندهما على رواية " الجامع الصغير " وكتاب المضاربة الكبيرة قبل أن رأى القاضي الصلاح في القسمة، فأما على رواية كتاب الصوم ورواية كتاب العين يريان القسمة ويجعلان نصيب كل شريك في رقيق واحد، انتهى. وقال فخر الدين قاضي خان: وفي كتاب الوصايا من " الجامع الصغير " قال أبو حنيفة: لا يقسم الرقيق، يريد به قسمة الجمع بأن يجعل نصيب أحدهما في عبد، ونصيب الآخر في عبد فيدفع عبدا إلى هذا وعبدا إلى ذلك في غير رضا الشركاء إلا أن يكون معهم شيء آخر من غنم أو ثياب أو متاع فحينئذ يقسم ويجعل الرقيق بيعا كغيرهم، وقالا: القاضي بالخيار إن شاء قسم الكل دفعة واحدة، وإن شاء قسم كل عبد قسمة على حدة. م: (وقالا: يقسم الرقيق) ش: أي قسمة جبر، وبه قالت الثلاثة م: (لاتحاد الجنس) ش: يعني أن الرقيق جنس واحد إذا كانوا ذكورا أو إناثا، وإنما التفاوت في القيمة وذا لا يمنع الصحة م: (كما في الإبل والغنم ورقيق المغنم) ش: أي وكما يقسم بالاتفاق في الإبل والبقر، فكما يقسم رقيق الغنيمة بلا خلاف كسائر الأموال، ولكون الرقيق كسائر الحيوان في العقود يثبت في الذمة مهرا ولا يثبت سلما. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن التفاوت في الآدمي فاحش لتفاوت المعاني الباطنة) ش: كالذهن والكياسة والأمانة والفروسية والكتابة، ألا ترى أن واحدا قد يظهر الفطنة والفضل وهو تلبيته في نفسه أبله، وقد يظهر البله وله ذهن وافر وعلم غزير، وهذا ظاهر حيث لا ينكر عاقل مستغن يدل عليه قول بعضهم ولم أر في الدنيا أشد تفاوتا من الناس حتى عد ألف الجزء: 11 ¦ الصفحة: 422 فصار كالجنس المختلف، بخلاف الحيوانات؛ لأن التفاوت فيها يقل عند اتحاد الجنس، ألا ترى أن الذكر والأنثى من بني آدم جنسان ومن الحيوانات جنس واحد، بخلاف المغانم؛ لأن حق الغانمين في المالية حتى كان للإمام بيعها وقسمة ثمنها، وهنا يتعلق بالعين والمالية جميعا فافترقا.   [البناية] بواحد. وقال الآخر: الأدب فرد يعدل الألف زائدا وألفا تراهم لا يساوون واحدا، ولأن المطلوب من العبد منه يختلف اختلافا فاحشا، لأنه قد يقصد من أحدهما الزراعة ومن الآخر الخدمة ونحو ذلك، ويصلح من أحدهما كما لا يصلح من الآخر، وإذا اختلفت الأعراض م: (فصار كالجنس المختلف) ش: فتعذر التعديل بين الأمرين إلا إذا كان مع العبد مال آخر، فحينئذ يقسم قسمة الجمع من غير رضا الشركاء، فيجعل الرقيق تبعا ولا يثبت مقصودا كبيع الشرب والطريق ونحو ذلك. فإن قلت: مثل هذا يجب أن لا يقوم المستهلك من العبد. قلت: لما لم يكن في التقوم به قوم فالقسمة منها به، فلم يجز أن يثبت من غير تعديل. م: (بخلاف الحيوانات؛ لأن التفاوت فيها يقل عند اتحاد الجنس) ش: جواب عن قولهما لاتحاد الجنس كما في الإبل والغنم، وقيد بقوله عند اتحاد الجنس احترازا عما اختلف الجنس وأن الجنسين لا يقسم بعضها في بعض على ما مر. م: (ألا ترى) ش: توضيح لبيان الفرق نهى الرقيق وسائر الحيوانات م: (أن الذكر والأنثى من بني آدم جنسان، ومن الحيوانات جنس واحد) ش: وليس ذلك إلا باعتبار التفاوت، حتى لو اشترى شخصا على أنه عبد فإذا هو جارية لا ينعقد العقد، ولو اشترى غنما أو إبلا على أنه ذكر فإذا هو أنثى ينعقد العقد م: (بخلاف المغانم) ش: جواب عن قولهما رقيق المغنم وذلك م: (لأن حق الغانمين في المالية حتى كان للإمام بيعها) ش: أي بيع الغنائم م: (وقسمة ثمنها) ش: بين الغانمين م: (وهنا) ش: أي في شركة الملك م: (يتعلق بالعين والمالية جميعا فافترقا) ش: أي فافترق حكم رقيق المغنم وحكم شركة المالك، فلا يجوز، وقياسهما من أحدهما على الآخر. فإن قيل: لو تزوج أو خالع على عبد صح، فصار كسائر الحيوانات فليكن في القسمة كذلك. أجيب: بأن القسمة تحتاج إلى الإفراز فلا يتحقق في القسمة بخلاف ما ذكرتم فإنه لا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 423 وأما الجواهر فقد قيل: إذا اختلف الجنس لا يقسم كاللآلئ واليواقيت، وقيل: لا يقسم الكبار منها لكثرة التفاوت، ويقسم الصغار لقلة التفاوت، وقيل: يجري الجواب على إطلاقه؛ لأن جهالة الجواهر أفحش من جهالة الرقيق، ألا ترى أنه لو تزوج على لؤلؤة أو ياقوتة أو خالع عليها لا تصح التسمية، ويصح ذلك على عبد فأولى أن لا يجبر على القسمة. قال: ولا يقسم حمام ولا بئر ولا رحى إلا أن يتراضى الشركاء   [البناية] يحتاج إليه. م: (وأما الجواهر) ش: لما ذكر أولا شيئين بقوله الرقيق والجواهر، وبين حكم الرقيق شرع في بيان الجواهر فأما التفصيلية م: (فقد قيل: إذا اختلف الجنس لا يقسم) ش: أشار به إلى أن الجواب فيه على التفصيل على قول بعضهم وإن كانت أجناسا م: (كاللآلئ واليواقيت) ش: لا يقسم بعضها في بعض فإن انفرد جنس منها أمكن التعديل فيها منه، فجازت قسمته، وإليه ذهب الشيخ أبو منصور في شرحه. م: (وقيل: لا يقسم الكبار منها) ش: أي من اللآلئ واليواقيت م: (لكثرة التفاوت، ويقسم الصغار لقلة التفاوت) ش: وهذا ظاهر، وكذا الحكم في الزمرد والبلخش والفيروزج ونحو ذلك. م: (وقيل: يجري الجواب على إطلاقه) ش: أي جواب القدوري، أراد بإطلاقه أنه لا يقسم الجواهر مطلقا أصلا م: (لأن جهالة الجواهر أفحش من جهالة الرقيق) ش: والرقيق لا يقسم عند أبي حنيفة فالجواهر أولى. م: (ألا ترى أنه لو تزوج) ش: توضيح لما قبله، يعني لو تزوج امرأة م: (على لؤلؤة أو ياقوتة أو خالع عليها لا تصح التسمية) ش: لفحش الجهالة م: (ويصح ذلك) ش: أي التزوج والخلع م: (على عبد فأولى أن لا يجبر على القسمة) ش: وبه قالت الثلاثة. [قسمة الحمام والبئر والرحى] م: (قال: ولا يقسم حمام ولا بئر ولا رحى إلا أن يتراضى الشركاء) ش: أي قال القدوري وبه قالت الثلاثة. إلا أن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - شرط أن يكون الحمام صغيرا بحيث لا يمكن الانتفاع به بعد القسمة، فأما إذا كان كبيرا ممكن الانتفاع به بعد القسمة يقسم جبرا، وبه قال مالك. وقال علاء الدين الأسبيجابي في " شرح الكافي " هذا في الحمام الصغير الذي إذا قسم لا يبقى منتفعا به انتفاع الحمام، فأما إذا بقي نصيب كل واحد منهما بعد القسمة منتفعا به انتفاع ذلك الجنس كأنه يقسم لانعدام الضرر، إلا أن يتراضوا على القسمة لأنهم رضوا بحمل الضرر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 424 وكذا الحائط بين الدارين لأنها تشتمل على الضرر في الطرفين، إذ لا يبقى كل نصيب منتفعا به انتفاعا مقصودا فلا يقسم القاضي، بخلاف التراضي لما بينا. قال: وإذا كانت دور مشتركة في مصر واحد قسم كل دار على حدتها في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: إن كان الأصلح لهم قسمة بعضها في بعض قسمها   [البناية] م: (وكذا الحائط بين الدارين) ش: أي وكذا لا يقسم الحائط الكائن بين الدارين جبرا. وقال الشافعي: إن أراد أحدهما قسمة في نصف الطول في كمال العرض فيه وجهان، أحدهما يجبر الآبي، والأصح أنه لا يجبر، وإن أراد أحدهما قسمته عرضا في كمال الطول، والحائط عرض في الأصح يجبر، وقيل لا يجبر كذا في " الحلية " م: (لأنها تشتمل على الضرر في الطرفين، إذ لا يبقى كل نصيب منتفعا به انتفاعا مقصودا فلا يقسم القاضي) ش: أي إذا كان كذلك فلا يقسمها القاضي. وفي " شرح الكافي" للأسبيجابي قال أبو حنيفة: إذا كان طريق بين قوم إن اقتسموا لم يكن لبعضهم طريق ولا ممر فأراد بعضهم قسمته لم يقسمه، وكذلك إذا كان في قسمته ضرر على بعض دون بعض في ضيق الطريق وأنه لا يجد طريقا لم أقسمه بينهم إلا أن يتراضوا جميعا، وإذا كان يكون لكل واحد طريق نافذ قسمته وإذا طلب ذلك أحدهم. وإذا كان طريق بين رجلين إن اقتسما لم يكن لواحد منهما فيه ممر ولكن لكل واحد منهما بقدر أن يفتح في منزله بابا ويجعله طويلا من وجه آخر فأراد أحدهما قسمته بينهما لأنه يقدر على الانتفاع فملكه من طريق آخر، وليس الشرط بقاؤه منتفعا به في هذه الجهة، بل بقاؤه منتفعا به في الجملة وأنه حاصل. وإذا كان مسيل ماء بين رجلين أراد أحدهما قسمته وأبى الآخر وإن كان فيه موضع مسيل الماء سوى هذه أقسمه، وإن لم يكن له موضع إلا بضرر لم أقسمه. م: (بخلاف التراضي) ش: لالتزامهم الضرر م: (لما بينا) ش: أشار به إلى ما ذكره في أول الفصل بقوله وإن كان كل واحد منهما يستضر لصغره لم يقسمها إلا بتراضيهما. [كيفية قسمة الدور مشتركة في المصر الواحد] م: (قال وإذا كانت دور مشتركة في مصر واحد) ش: أي قال القدوري إذا كانت دار مشتركة بين قوم في مصر واحد، وفائدة التقييد بمصر واحد يأتي عن قريب م: (قسم كل دار على حدتها في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي لا يجمع نصيب أحدهم في دار واحدة إلا بالتراضي، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد، وحكي عن مالك أنه قال: إن كانت متجاورة جاز قسمة الجميع كما قال، وإن كانت متفرقة لا يجوز كما قال أبو حنيفة. م: (وقالا إن كان الأصلح لهم قسمة بعضها في بعض قسمها) ش: يعني أن القاضي ينظر في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 425 وعلى هذا الخلاف الأقرحة المتفرقة المشتركة. لهما: أنها جنس واحد اسما وصورة ونظرا إلى أصل السكنى أجناس معنى نظرا إلى اختلاف المقاصد ووجوه السكنى، فيفوض الترجيح إلى القاضي. وله: أن الاعتبار للمعنى وهو المقصود، ويختلف ذلك باختلاف البلدان والمحال والجيران والقرب إلى المسجد والماء اختلافا فاحشا، فلا يمكن التعديل في القسمة.   [البناية] ذلك، وإن كانت أنصباء أحدهم إذا اجتمعت في دار كان أعدل القسمة جميع ذلك، لأن الدور في حكم جنس واحد لاتحاد المقصود بها وهو السكنى، وباعتبار الاسم واتحاد البلد والجنس الواحد يقسم كالغنم وغيره على ما يأتي الآن. م: (وعلى هذا الخلاف الأقرحة المتفرقة المشتركة) ش: أي على الخلاف المذكور والأقرحة جمع قراح، وهي أرض خالية عن الشجر والبناء وغيرهما، فعنده لا يقسم قسمة جمع، وعندهما يقسم. ولأصحاب الشافعي فيه خلاف، فقال إسحاق الشيرازي: إن كانت متجاورة جاز قسمة الجمع. وقال غيره من أصحابه: يجعل كالقراح الواحد إذا كان شربها واحدا. وأما إذا كان شربها وطريقها مختلفا فهو كالأقرحة لا يقسم قسمة جبر. وفي " الحلية " وهذا أشبه. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أنها) ش: أي الدور م: (جنس واحد اسما وصورة ونظرا إلى أصل السكنى) ش: لاتحاد المقصود بها م: (أجناس معنى، نظرا إلى اختلاف المقاصد ووجوه السكنى) ش: من الطول والعرض والارتفاع والثبوت والمرافق والجيران والقرب إلى الماء والمسجد والبعد عنهما وغير ذلك، فعند تعارض الأدلة ينظر القاضي في ذلك ويعمل بالأصلح أشار إليه بقوله م: (فيفوض الترجيح إلى القاضي) ش: أي الرأي في ذلك له، فإن رأى أن يقسم كل دار قسم، وإن رأى الجمع فعل، كذا في " الفتاوى الظهيرية ". م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الاعتبار للمعنى وهو المقصود) ش: أي المعنى هو المقصود م: (ويختلف ذلك) ش: أي المقصود م: (باختلاف البلدان) ش: لأنه قد يكون السكنى في مصر م: (والمحال) ش: مع محلة، لأنه قد يكون محلة آمن من الأخرى وأحسن هو م: (والجيران) ش: جمع جار، لأنه قد يكون الجيران في محلة صلحاء دون جيران الأخرى م: (والقرب إلى المسجد والماء) ش: بأن يكون أحدهما قريبا من المسجد أو من الماء، والأخرى بعيدة منها، وقد يكون أحدهما أفره من الأخرى وغير ذلك من المقاصد م: (اختلافا فاحشا) ش: نصب لقوله مختلف م: (فلا يمكن التعديل في القسمة) ش: أي إذا كان كذلك لا يمكن التعديل فيها، فلا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 426 ولهذا لا يجوز التوكيل بشراء دار، وكذا لو تزوج على دار لا تصح التسمية كما هو الحكم فيهما في الثوب، بخلاف الدار الواحدة إذا اختلفت بيوته؛ لأن في قسمة كل بيت على حدة ضررا فقسمت الدار قسمة واحدة. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تقييد الوضع في الكتاب إشارة إلى أن الدارين إذا كانتا في مصرين لا تجتمعان في القسمة عندهما، وهو رواية هلال عنهما. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يقسم إحداهما في الأخرى والبيوت في محلة أو محال تقسم قسمة واحدة؛ لأن التفاوت فيما بينهما يسير   [البناية] يقسم جبرا لأنها تصير حينئذ في حكم الأجناس، فيقسم كل دار على حدة م: (ولهذا) ش: أي ولتفاحش الاختلاف م: (لا يجوز التوكيل بشراء دار) ش: كما لا يصح بشراء ثوب للجهالة. م: (وكذا لو تزوج على دار لا تصح التسمية كما هو الحكم فيهما) ش: أي في التوكيل والتزويج م: (في الثوب) ش: يعني كما لو وكل بشراء ثوب أو يتزوج على ثوب فإنه لا يصح كما ذكرنا م: (بخلاف الدار الواحدة إذا اختلفت بيوتها؛ لأن في قسمة كل بيت على حدة ضررا، فقسمت الدار قسمة واحدة) ش: الحاصل أن الدار لا تقسم قسمة واحدة عند أبي حنيفة إلا برضاء الشركاء، سواء كانت مجتمعة أو متفرقة. والبيوت تقسم قسمة واحدة مجتمعة كانت أو متفرقة لعلة التفاوت بين البيوت والمنازل إن كانت مجتمعة في دار واحدة تقسم كالدار الواحدة تبعا، وإن كانت في دور متفرقة أو كانت في دار واحدة ولكنها متباينة بأن كان أحد المنازل في أقصاها والأخرى في أدناها، فالجواب فيها كالدار في قولهم، لأن المنزل شبيها بالدار، والبيت [ ... ] منها. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تقييد الوضع بالكتاب) ش: أي قال المصنف تقييد وضع المسألة في " مختصر القدوري "، يعني به الذي قال وإذا كانت دور مشتركة في مصر واحد م: (إشارة إلى أن الدارين كانتا في مصرين لا يجتمعان في القسمة عندهما، وهي رواية هلال عنهما) ش: أي عن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -، وهلال هو ابن يحيى البصري تلميذ أبي يوسف وزفر - رحمهما الله - وهو يسمى بهلال الرأي لفقهه. م: (وعن محمد: أنه يقسم إحداهما في الأخرى) ش: أي أحد الدارين في المصرين، لأنه جعلهما جنسا واحدا باعتبار اتحاد الاسم كما لو كان في مصر واحد م: (والبيوت في محلة أو محال تقسم قسمة واحدة؛ لأن التفاوت فيما بينهما يسير) ش: لأنها لا تتفاوت في معنى السكنى ما ليست اسم لسقف واحد له دهليز، فلا يتفاوت في المنفعة عادة، ألا ترى أنه يؤجر بأجرة واحدة في كل محلة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 427 والمنازل المتلازقة كالبيوت، والمتباينة كالدور؛ لأنه بين الدار والبيت على ما مر من قبل، فأخذ شبها من كل واحد. قال: وإن كانت دارا وضيعة أو دارا وحانوتا يقسم كل واحد منهما على حدة لاختلاف الجنس. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: جعل الدار والحانوت جنسين، وكذا ذكر الخصاف. وقال في إجارات الأصل: إن إجارة منافع الدار بالحانوت لا تجوز، وهذا يدل على أنهما جنس واحد.   [البناية] م: (والمنازل المتلازقة كالبيوت، والمتباينة كالدور؛ لأنه) ش: أي لأن المنزل م: (بين الدار والبيت) ش: لأن المنزل أصغر من الدار وأكبر من البيت، لأن المنزل اسم لدويرة صغيرة فيها بيتان أو ثلاثة، والبيت اسم لسقف واحد له دهليز كما ذكرناه، فالحاصل أن المنزل له منزل بين المنزلتين، فحاله تشبه الدار والبيت جميعا بالطريق الذي ذكرناه م: (على ما مر من قبل) ش: أي في باب الحقوق من كتاب البيوع م: (فأخذ شبها من كل واحد) ش: أي فأخذ المنزل شبها من كل واحد منهما على حدة لاختلاف الجنس. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإن كانت دارا وضيعة أو دارا وحانوتا قسم كل واحد منهما على حدة لاختلاف الجنس) ش: يعني لا يقسم كل قسمة واحدة، بل يقسم كل واحدة منهما على حدة، لأن الدار مع الضيعة جنسان، وكذا الدار مع الحانوت، فيكون قسمة البعض إلى البعض معاوضة فلا يجوز ذلك إلا بالتراضي، وكانت هاهنا تامة بمعنى وجدت، ولهذا لا يحتاج إلى الخبر، وقوله دار بالرفع فاعله وما بعده عطف عليه، ويجوز نصب الدار على تقدير أن يكون كانت ناقصة محذوف الاسم، تقديره فإن كانت البينة دارا.. إلخ. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: جعل الدار والحانوت جنسين) ش: أي قال المصنف جعل القدوري الدار والحانوت جنسين م: (وكذا ذكر الخصاف) ش: وهو أبو بكر أحمد بن عمرو الخصاف الشيباني صاحب "كتاب أدب القاضي "، قال في " أدب القاضي " وإن كانت دارا وأرضا، أو دارا وحانوتا لم يجمع نصيب كل واحد من ذلك في حد النصفين، وقسم كل واحد من ذلك بينهم على حدة، انتهى. وإنما رضي الخصاف بالذكر لأن هذه المسألة لم تذكر في كتب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا ذكرها الطحاوي ولا الكرخي في "مختصريهما ". م: (وقال) ش: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في إجارات الأصل إن إجارة منافع الدار بالحانوت لا تجوز) ش: أي إجارة منافع الدار شهرا بسكنى حانوت شهرا لا يجوز، قال في الأصل واستئجار السكنى بالسكنى لا يجوز، واستئجار السكنى بالخدمة يجوز، وذلك لأن الجنس بانفراده يحرم [ ... ] ، واحتاج صاحب " الهداية " إلى التوفيق بين ما إذا ذكره الخصاف، وبين ما إذا ذكره في "كتاب الإجارات"، فقال م: (وهذا يدل على أنهما جنس واحد) ش: أي الحانوت الجزء: 11 ¦ الصفحة: 428 فيجعل في المسألة روايتان، أو تبنى حرمة الربا هنالك على شبهة المجانسة.   [البناية] والدار م: (فيجعل في المسألة روايتان) ش: يعني إما يحمل ذلك على اختلاف الرواية، أو يقال إنهما جنسان كما ذكره الخصاف. م: (أو تبني حرمة الربا هنالك) ش: أي في إجارات الأصل م: (على شبهة المجانسة) ش: يعني إذا كانت منافع الدور ومنافع الحانوت مختلفة رواية واحدة، وتحمل حرمة الربا على شبهة المجانسة من منافع الدار والحانوت لاتحاد أصل السكنى المقصود منهما. وفي " الكافي " هكذا ذكره في " الهداية " وهو مشكل، لأنه يؤدي على اعتبار شبهة بالشبهة، والشبهة هي المعتبرة دون المنازل منها. وقال تاج الشريعة قيل عليه ينبغي أن لا يصير شبهة المجانسة في حق الحرمة، لأن في حقيقة المجانسة إذا باع الشيء بجنسه يصير شبهة الربا، ففي شبهة المجانسة يعني تصير شبهة الشبهة، وهي لا تعتبر، انتهى. وقد قال شمس الأئمة الحلواني: إما أن يكون في المسألة روايتان، أو يكون من مشكلات هذا الكتاب. وقيل في جوابه لا بل اعتبر الشبهة، لأن السكنى جنس واحد فيكون كإجارة السكنى بالسكنى، وهي شبهة لا شبهة شبهة، وفيه ضعف كما ترى. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 429 فصل في كيفية القسمة قال: وينبغي للقاسم أن يصور ما يقسمه ليمكنه حفظه ويعدله، يعني يسويه على سهام القسمة، ويروى يعزله أي: يقطعه بالقسمة عن غيره ويذرعه ليعرف قدره، ويقوم البناء لحاجته إليه في الآخرة. ويفرز كل نصيب عن الباقي بطريقه وشربه، حتى لا يكون لنصيب بعضهم بنصيب الآخر تعلق فتنقطع المنازعة ويتحقق معنى القسمة   [البناية] [فصل في كيفية القسمة] 430 - م: (فصل في كيفية القسمة) ش: أي هذا فصل في بيان كيفية القسمة بين الشركاء والكيفية صفة، فلا جرم أن تذكر بعد الموصوف، وهو جواز القسمة. م: (قال: وينبغي للقاسم أن يصور ما يقسمه) ش: أي قال القدوري: والمراد من تصوير ما يقسمه أن يكتب صورته على القرطاس ليمكن حفظ ما يقسمه ليرفع ذلك القرطاس إلى القاضي حتى يتولى الإقراع بينهم بنفسه إن كان لم يأمره بالإقراع م: (ليمكنه حفظه) ش: أي لتمكن القاسم حفظ ما يقسمه م: (ويعدله، يعني يسويه على سهام القسمة) ش: فيسري التعديل بتسوية ما يقسمه على سهام الشركاء. م: (ويروى يعزله) ش: أشار به إلى أن في بعض نسخ " مختصر القدوري " - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقع ويعزله مكان قوله ويعدله، ثم فسره بقوله ويعدله م: (أي: يقطعه بالقسمة عن غيره ويذرعه ليعرف قدره، ويقوم البناء لحاجته إليه في الآخرة) ش: إنما يقوم البناء، لأن القسمة لتعديل الأنصباء، ولا يحصل التعديل إلا بتقويم البناء لأن قيمته أكثر من قيمة الساحة ويقوم البناء أولا، لأنه لا يحتاج إلى ذلك حالة القسمة، لأنه يقسم الساحة بالذراع، وفي البناء بالقيمة. وقوله في الآخرة بالفتحتان، أراد به آخر الأمر، وإنما يحتاج إليه في آخر الأمر، إذ البناء يقسم على حدة، فيقوم حتى إذا قسمت الأرض بالمساحة ووقعت إلى نصيب أحدهم يعرف قيمة الدار، فبعض الأجر مثل ذلك. م: (ويفرز كل نصيب عن الباقي بطريقه وشربه) ش: أي تمييز كل نصيب عن الباقي بطريق كل نصيب، وشربه بكسر الشين حتى تنقطع المنازعة على التمام، فيقول هذا لك وهذا له وهذا لآخر، وطريقه أن يجعل طريق أحدهما ومسيل ما به إلى داره إن أمكن، وإن لم يكن بأن كان ظهره إلى دار رجل يجعل الطريق ومسيل الماء في نصيب أحدهما لأن القسمة إنما شرعت لتكميل المنفعة على وجه لا يتضرر أحدهما، وتنقطع المنازعة بينهما، وانقطاعها إنما يكون بأن لا يبقى لأحدهما حق في نصيب صاحبه إن أمكن، وإن لم يمكن يجعل ذلك في دار صاحبه م: (حتى لا يكون لنصيب بعضهم بنصيب الآخر تعلق. فتنقطع المنازعة ويتحقق معنى القسمة على الجزء: 11 ¦ الصفحة: 430 على التمام. ثم يلقب نصيبا بالأول والذي يليه بالثاني والثالث على هذا، ثم يخرج القرعة، فمن خرج اسمه أولا فله السهم الأول، ومن خرج ثانيا فله السهم الثاني. والأصل: أن ينظر في ذلك إلى أقل الأنصباء، حتى إذا كان الأقل ثلثا جعلها أثلاثا، وإن كان سدسا جعلها أسداسا لتمكن القسمة   [البناية] التمام ثم يلقب نصيبا بالأول والذي يليه بالثاني والثالث على هذا) ش: أي على هذا الترتيب بأن يلقب الذي يلي الثالث بالرابع والذي يلي الرابع بالخامس وهلم جرا. م: (ثم يخرج القرعة، فمن خرج اسمه أولا) ش: وفي بعض النسخ فمن خرج سهمه م: (فله السهم الأول، ومن خرج ثانيا فله السهم الثاني) ش: ومن خرج ثالثا فله السهم الثالث، ومن خرج رابعا فله السهم الرابع وهلم جرا. م: (والأصل: أن ينظر في ذلك إلى أقل الأنصباء، حتى إذا كان الأقل ثلثا جعلها أثلاثا) ش: أي جعل الدار أثلاثا بأن كانت الورثة ابنا وبنتا فكتب على القرعة اسمهما، ويسمى الثلث المعين من الأرض أولا وما يليه ثانيا. والثلث الآخر آخرا، ويقرع، فإن خرج اسم الابن أولا يأخذ الثلث الأول مع ما يليه، وتعين الثلث الآخر للبنت. ولو خرج سهم البنت أولا تأخذ البنت بالثلث الأول، وتعين الثلثان الآخران للابن. م: (وإن كان سدسا جعلها أسداسا لتمكن القسمة) ش: أي وإن كان الأقل سدسا مثل أن يكون في المسألة نصف وثلث وسدس من زوج وأم وأخ لأم يخرج الأرض على ستة، فمن خرج اسمه أولا يأخذ السهم الأول فحسب إن كان صاحب سدس، ويأخذ ما يليه إن كان صاحب ثلث ويأخذ من السهمين اللذين يلياه إن كان صاحب نصف، ثم يقرع ثانيا ويفعل مع الآخرين كما فعل مع الأول. وقال الشيخ حافظ الدين في " الكافي ": وشرح ذلك أرض بين جماعة مشتركة لأحدهم سدس وللآخر خمسة والآخر سهم، فأرادوا قسمتها على قدر سهامهم عشرة وخمسة وواحد. وكيفية ذلك أن يجعل بنادق على عدة سهامهم ويقرع بينهم، وأول بندقة تخرج موضع على طرف من أطراف السهام، وهو أول السهام، ثم ينظر إلى البندقة لمن هي، فإن كانت لصاحب العشرة فأعطاه ذلك السهم وتسعة لسهم متصلة بذلك السهم الذي وضعت البندقة عليه ليكون سهام صاحبها على الاتصال، ثم يفرع بين البقية كذلك، فأول نيته قد خرج يوضح على طرف من الأطراف الستة الباقية، ثم ينظر إلى البندقة أين هي؟ فإن كانت لصاحب الخمسة أعطاه القاضي ذلك السهم وأربعة متصلة بذلك السهم، ويبقى السهم الواحد لصاحبه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 431 وقد شرحناه مشبعا في " كفاية المنتهي " بتوفيق الله تعالى. وقوله في الكتاب: ويفرز كل نصيب بطريقه وشربه بيان الأفضل، فإن لم يفعل أو لم يمكن جاز على ما نذكره بتفصيله إن شاء الله، والقرعة لتطييب القلوب وإزاحة تهمة الميل   [البناية] وإن كانت البندقة لصاحب الواحد كان له الطرف الذي وضعت عليه البندقة فتكون الخمسة الباقية لصاحب الخمسة. وتفسيره أن يكتب القاضي أسماء الشركاء في بطاقات ثم يطوي كل بطاقة بينهما يجعلها في قطعة طين، ثم يدلكها بين كفيه، حتى تصير مستديرة فتكون شبهة البندقة، كذا في " الذخيرة البرهانية " و " الفتاوى الظهيرية " ولا خلاف فيه للأئمة الثلاثة. وقال الخصاف في " أدب القاضي " لا يقسم شيء من الدور والعقار حتى يصور ذلك ويعرف ما حولها ما كان ذلك مسارعا إلى الطريق أو إلى دار أو إلى بيوت ثم يميز ذلك حتى لا يكون لأحد على أحد طريق ولا سبيل، وليسوا على السهام التي يريدوا أن يقسموا عليها، فإذا قطعها على ذلك على أنه من أخرج أولا كان له موضع كذا، وكذا كل سهم يلي الآخر، فإذا علم أنه ليس يدخل عليهم ضرر في ذلك، وأنه طريقهم ومسيل مياههم ومرافقهم مستوية إلى القاضي بالصورة فوضعها القاضي بين يديه، وكتب رقاعا باسم رجل وامرأة منهم، وجعل كل رقعة منهما في طين وبندقة وقال من خرج سهمه أولا فله موضع كذا إلى موضع كذا، ثم الثاني يلي كذا إلى موضع كذا، ثم الثالث يليه حتى يقرع السهام وقد يطرح البنادق تحت شيء ثم يدخل يده فيخرج واحدة فينظر لمن هي فهو السهم الأول. وكذا الثاني حتى يقرع ثم يكتب القاضي كتاب القسمة نسختين، نسخة تكون معهم، ونسخة تكون في ديوان القاضي، ويكتب في السجل أنه قسمها بينهم إن كانت قائمة عنده بيمين أو بإقراره إن كانوا أقروا عنده بذلك ويقسم الأثر على وجه، انتهى م: (وقد شرحناه مشبعا في " كفاية المنتهي " بتوفيق الله تعالى) ش: أي قد شرحنا الأصل في ذلك مع كيفيته حال كونه مشبعا، أي مستوفى كاملا من غير ترك شيء فيما يتعلق بهذا الباب. م: (وقوله في الكتاب) ش: أي قول القدوري في "مختصره " م: (ويفرز كل نصيب بطريقه وشربه بيان الأفضل، فإن لم يفعل) ش: أي فإن لم يفرز الطريق وبقي بينهم كما كان م: (أو لم يمكن) ش: أي إفراز الطريق م: (جاز على ما نذكره بتفصيله إن شاء الله) ش: أراد عند قوله فإن قسم بينهم ولأحدهم مسيل في نصيب الآخر أو طريق إلى آخر م: (والقرعة لتطييب القلوب وإزالة تهمة الميل) ش: أي ولإزالة تهمة الميل إلى أحد الشركاء. وهذا جواب استحسان، والقياس يأباها، لأنه تعليق الاستحسان بخروج القرعة وذلك الجزء: 11 ¦ الصفحة: 432 حتى لو عين لكل منهم نصيبا من غير إقراع جاز لأنه في معنى القضاء، فيملك الإلزام. قال: ولا يدخل في القسمة الدراهم والدنانير إلا بتراضيهم   [البناية] قمار، ولهذا لم يجوز علماؤنا استعمالها في دعوى النسب ودعوى المال وتعيين المطلقة، ولكن تركناها هنا بالتعامل الظاهر من لدن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا من غير نكير منكر، وليس في معنى القمار، وليس في " المبسوط " استعمال القرعة حرام في القياس، لأن في الإقراع تعليق الاستحقاق بخروج القارعة، وهو حرام، لأنه في معنى القمار والاستقسام بالأزلام التي كان يعتاده أهل الجاهلية، ولكنا تركناه استحسانا بالسنة والتعامل الظاهر من لدن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولأن هذا ليس في معنى القمار. ونفي القمار أصل الاستحقاق يتعلق بما يستعمل فيه، وهاهنا أصل الاستحقاق فلا يتعلق بخروجها، لأن القاسم لو قال أنا عدل فخذ أنت هذا الجانب وأنت هذا الجانب كان مستقيما، إلا أنه مما يتهم في ذلك، فيستعمل القرعة لتطييب قلوب الشركاء وهي في تهمة الميل من نفسه وذلك جائز كما فعل يونس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مثل هذا مع أصحاب السفينة لما علم أنه هو المقصود، ولكن أبقى نفسه في الماء بما ينسب إلى ما لا يليق بالأنبياء - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فاستعملها لذلك. وكذلك زكريا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعمل القرعة في ضم مريم - عَلَيْهَا السَّلَامُ -، مع أنه كان أحق بها لمكان خالتها عنده، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا تطييبا لقلوبهن، ثم لا يجوز إلا بالبعض بعد خروج بعض السهام، كما لا يلتفت القاضي إلى آياته قبل خروج القرعة. وإن كان القاسم قسم بالتراضي فرجع بعضهم بعد خروج القرعة كان له ذلك. وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول. وقال في قول: لا يعتبر كقسمة الحاكم وبعد خروج كل السهام لا يعتبر رجوعه بالإجماع. وإذا خرج جميع السهام إلا واحدا فقد تمت القسمة لتعيين نصيب ذلك الواحد، وبعد ذلك لا يعتبر الرجوع. م: (حتى لو عين لكل منهم نصيبا من غير إقراع جاز) ش: أي حتى لو عين القاسم لكل واحد من الشركاء نصيبا من غير أن يقرع بينهم لجاز، وفي بعض النسخ من غير إقراع م: (لأن القسمة في معنى القضاء فيملك الإلزام) ش: أي لأن القسمة، والتذكير باعتبار القسم في معنى قضاء القاضي، فيملك الإلزام، أي إلزام الشركاء بما فعل من القسمة، ولأن القرعة لتطييب القلوب كما ذكرنا. [لا يدخل في القسمة الدراهم والدنانير إلا بتراضيهم] م: (قال: ولا يدخل في القسمة الدراهم والدنانير إلا بتراضيهم) ش: أي الدراهم التي يجوز بها تفاوت الأنصباء يعني إذا كانت القسمة في عقار فأصاب أحدهم أكثر التفاوت فيعطي رب الجزء: 11 ¦ الصفحة: 433 لأنه لا شركة في الدراهم، والقسمة من حقوق الاشتراك، ولأنه يفوت به التعديل في القسمة؛ لأن أحدهما يصل إلى عين العقار ودراهم الآخر في ذمته، ولعلها لا تسلم له. وإذا كان أرض وبناء عن أبي يوسف: أنه يقسم كل ذلك على اعتبار القيمة، لأنه لا يمكن اعتبار المعادلة إلا بالتقويم. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يقسم الأرض بالمساحة؛ لأنه هو الأصل في الممسوحات، ثم يرد من وقع البناء في نصيبه   [البناية] الزيادة دراهم لصاحبه لا يجوز إلا بالتراضي. صورته دار بين جماعة، فأرادوا قسمتها وفي أحد الجانبين فضل بناء فأراد أحد الشركاء أن يكون عوض البناء دراهم، وأراد الآخر أن يكون عوضه من الأرض فإنه يجعل عوض البناء من الأرض لا من الدراهم إلا إذا تعذر، فحينئذ للقاضي ذلك. وإذا كان ذلك بالقاضي جاز ذلك، وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان الرد فيها قائلا، لأن جاز وإن كان كثيرا بطلت القسمة م: (لأنه لا شركة في الدراهم) ش: أي لأن الشأن لا شركة في الدراهم، أراد أن الشركة لم يكن فيها دراهم م: (والقسمة من حقوق الاشتراك) ش: يعني القسمة لا تكون إلا فيما فيه اشتراك. م: (ولأنه يفوت به التعديل) ش: أي ولأن الشأن يفوت بإدخال الدراهم م: (في القسمة) ش: التعديل أراد به في صورة يمكن التعديل بدون إدخال الدراهم، والتعديل هو المراد بالقسمة يفوت بإدخال الدراهم، وذلك م: (لأن أحدهما يصل إلى عين العقار ودراهم الآخر في ذمته) ش: أي لأن أحد المتقاسمين يصل إلى عين العقار والحال أن دراهم المتقاسم الآخر في ذمته وقت القسمة م: (ولعلها لا تسلم له) ش: أي ولعل الدراهم لا تسلم للآخر، لأنه من العلل وليس ما يصل الرجل إليه في الحال وما لا يصل معادلة، فلا يصار إليه إلا عند الضرورة. م: (وإذا كان أرض وبناء) ش: ألفين مثلا فأرادا القسمة فروي م: (عن أبي يوسف أنه يقسم كل ذلك) ش: أي الأرض والبناء م: (على اعتبار القيمة، لأنه لا يمكن اعتبار المعادلة إلا بالتقويم) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن القسمة لتعديل الأنصباء ولا يمكن التعديل بين الأرض والبناء إلا بالتقويم، فيصار إليه. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقسم الأرض بالمساحة) ش: أي روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن القاضي يقسم الأرض بالذراع م: (لأنه هو الأصل في الممسوحات) ش: هي الأصل، وذكر الضمير باعتبار تأويل الذرع، وذلك لأن قدرها لا يعلم إلا بالذرع م: (ثم يرد من وقع البناء في نصيبه) ش: دراهم من الآخر بقدر فضل البناء، لأنه أكثر قيمة من العرصة غالبا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 434 أو من كان نصيبه أجود دراهم على الآخر حتى يساويه فتدخل الدراهم في القسمة كالأخ لا ولاية له في المال، ثم يملك تسمية الصداق ضرورة التزويج. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يرد على شريكه بمقابلة البناء ما يساويه من العرصة وإذا بقي فضل، ولا يمكن تحقيق التسوية، بأن كان لا تفي العرصة بقيمة البناء، فحينئذ يرد للفضل دراهم لأن الضرورة في هذا القدر فلا يترك الأصل إلا بها، وهذا يوافق رواية الأصل. قال: فإن قسم بينهم ولأحدهم مسيل في نصيب الآخر، أو طريق لم يشترط في القسمة. فإن أمكن صرف الطريق والمسيل عنه   [البناية] قوله م: (أو من كان نصيبه أجود) ش: أي أو يرد من كان نصيبه أجود، سواء كان الذي هو أصابه البناء أو أصاب العرصة م: (دراهم على الآخر حتى يساويه، فتدخل الدراهم في القسمة كالأخ لا ولاية له في المال) ش: أي كما قلنا في الأخ أنه ولاية له في مال أخته الصغيرة م: (ثم يملك تسمية الصداق ضرورة التزويج) ش: أي لأجل ضرورة صحة النكاح، لأن النكاح ليس بمشروع بلا مهر. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يرد على شريكه بمقابلة البناء ما يساويه من العرصة) ش: أي وروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعطي الشريك الآخر من العرصة بمقابلة فضل البناء حتى يستوي كل واحد من الشريكين في القسمة م: (وإذا بقي فضل) ش: من قيمة البناء م: (ولا يمكن تحقيق التسوية بأن كان لا تفي العرصة بقيمة البناء فحينئذ يرد للفضل دراهم) ش: أي وإذا بقي فضل من قيمة البناء، والحال أنه لم يمكن تحقيق التسوية بين البناء والعرصة بالزيادة من العرصة لكثرة فضل البناء، فحينئذ يرد من وقع في تهمة البناء دراهم على صاحبه بمقابلة ما بقي من الفضل. وقوله: دراهم بالنصب حال من الفضل، فافهم. م: (لأن الضرورة في هذا القدر) ش: يعني لأن الضرورة دعت إلى إعطاء الدراهم في هذا القدر م: (فلا يترك الأصل) ش: الذي هو الذرع في المساحات م: (إلا بها) ش: أي لأجل الضرورة م: (وهذا يوافق رواية الأصل) ش: أي الذي روي عن محمد يوافق رواية المبسوط، لأنه قال فيه يقسم الدار مذارعة ولا يجعل لأحدهما على الآخر فضل من الدراهم وغيره. م: (قال: فإن قسم بينهم ولأحدهم مسيل في نصيب الآخر) ش: أي قال القدوري يعني فإن قسم القسام الدار المشتركة بين الشركاء والحال أن لأحدهم المسيل، والمسيل بفتح الميم وكسر السين موضع سيل الماء. م: (أو طريق لم يشترط في القسمة، فإن أمكن صرف الطريق والمسيل عنه) ش: أي عن الآخر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 435 ليس له أن يستطرق ويسيل في نصيب الآخر لأنه أمكن تحقيق معنى القسمة من غير ضرر. وإن لم يكن فسخت القسمة لأن القسمة مختلة لبقاء الاختلاط فتستأنف. بخلاف البيع، حيث لا يفسد في هذه الصورة؛ لأن المقصود منه تمليك العين وأنه يجامع تعذر الانتفاع في الحال أما القسمة فلتكميل المنفعة ولا يتم ذلك إلا بالطريق، ولو ذكر الحقوق في الوجه الأول كذلك الجواب؛   [البناية] م: (ليس له) ش: أي الذي مسيله في نصيب الآخر م: (أن يستطرق) ش: أي يتخذ طريقا في نصيب الآخر م: (ويسيل) ش: من السيل، أي يجري ماء. م: (في نصيب الآخر لأنه أمكن تحقيق معنى القسمة) ش: وهو الإفراز والتمييز م: (من غير ضرر وإن لم يكن) ش: صرف الطريق والمسيل عنه م: (فسخت القسمة؛ لأن القسمة مختلة لبقاء الاختلاط) ش: وعدم الإفراز والتمييز م: (فتستأنف) ش: أي إذا كان كذلك فيستأنف القسمة. وقال الإمام الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الطحاوي ": فهذا لا يخلو إما أن يذكر في القسمة الطريق أو لا يذكر، فإن ذكروا فالقسمة جاهزة ويمر في الطريق، وإن لم يذكروا فإنه ينظر إن كان له مفتح فيما أصابه فإنه يفتح الطريق فيها سواء ذكروا بكل حق هو له أو لم يذكروا وإن لم يكن له مفتح فيما أصابه إن ذكروا بكل حق هو له فإنه يمر في نصيب صاحبه، وإن لم يذكروا بكل حق هو له فالقسمة باطلة وكذلك في حق مسيل الماء. م: (بخلاف البيع حيث لا يفسد في هذه الصورة) ش: يعني فيما إذا باع دارا أو أرضا فإنه لا يبطل لعدم دخول الطرق والشرب في البيع لأنهما لا يدخلان في البيع من غير ذكرهما، والمراد من الطريق الخاص في ملك إنسان م: (لأن المقصود منه) ش: أي من البيع م: (تمليك العين) ش: أي إثبات الملك في العين فحسب، والدار بدون الطريق والأرض بدون الشرب يقبل، والملك لا يستحق ذلك إلا بالتنصيص. م: (وأنه يجامع تعذر الانتفاع في الحال) ش: أي وإن البيع يجامع تعذر الانتفاع بالمبيع في الحال، أراد أن الانتفاع به في الحال ليس بشرط في صحة البيع، كما إذا اشترى جحشا صغيرا بأن المبيع صحيح، مع أنه لا ينتفع به في الحال م: (أما القسمة لتكميل المنفعة ولا يتم ذلك) ش: أي تكميل المنفعة م: (إلا بالطريق) ش: لأن أحدا منهم لا ينتفع بنصيبه إلا بالطريق والشرب. م: (ولو ذكر الحقوق في الوجه الأول) ش: وهو إذا أمكن ضرب الميل والطريق م: (كذلك الجواب) ش: يعني ليس له أن يستطرق ويسيل في نصيب الآخر إذا أمكن صرف الطريق والمسيل إن ذكر الحقوق في القسمة بأن قال القسام بذلك بحقوقك، فإن لم يمكن صرفها الجزء: 11 ¦ الصفحة: 436 لأن معنى القسمة الإفراز والتمييز، وتمام ذلك بأن لا يبقى لكل واحد تعلق بنصيب الآخر، وقد أمكن تحقيقه بصرف الطريق والمسيل إلى غيره من غير ضرر فيصار إليه، بخلاف البيع إذا ذكر فيه الحقوق حيث يدخل فيه ما كان له من الطريق والمسيل؛ لأنه أمكن تحقيق معنى البيع وهو التمليك مع بقاء هذا التعلق بملك غيره، وفي الوجه الثاني: يدخل فيها، لأن القسمة لتمليك المنفعة، وذلك   [البناية] يستحقها بذكر الحقوق، وحاصله أنه إن أمكن صف الطريق والمسيل فلا يخلو إما ذكر الحقوق أو لا، فإن لم يذكر لا يدخل الحقوق ولا تفسخ القسمة، وإن لم يمكن فإن ذكر الحقوق فتدخل الحقوق ولا تفسخ القسمة وإن لم يذكر الحقوق لا يدخل الحقوق ويفسخ القسمة. صورته دار بين رجلين وفيها صفة بيت وباب البيت في الصفة ومسيل ماء البيت على سطح الصفة فاقتسما فأصاب الصفة أحدهما وقطعه من الساحة ولم يذكر طريقا ولا مسيل ماء. وصاحب البيت يقدر أن يفتح بابه فيما أصابه من الساحة ويسيل ماءه في ذلك، وإذا أراد أن يمر في الصفة على حاله فيسيل الماء على ما كان فليس له ذلك سواء شرط كل واحد أن له ما أصابه بكل حق له أو لا، بخلاف البيع، فإنه لو باع البيت وذكر في البيع الحقوق والمرافق دخل الطريق والمسيل وإن لم يذكر الحقوق لم يدخل، والفرق ما ذكرناه ولو لم يكن له مفتح للطريق ولا مسيل ماء، فإن كان ما ذكر في القسمة أن لكل واحد منهما ما أصابه بكل حق هو له جازت القسمة، وكان طريقه في الصفة ومسيل ماء على سطحه كما كان قبل القسمة وإن لم يذكر الحقوق والمرافق فالقسمة فاسدة، بخلاف البيع، فإنه يكون صحيحا وإن لم يذكر الحقوق والمرافق. م: (لأن معنى القسمة الإفراز والتمييز، وتمام ذلك) ش: أي تمام الإفراز والتمييز م: (بأن لا يبقى لكل واحد تعلق بنصيب الآخر وقد أمكن تحقيقه) ش: أي تحقيق معنى القسمة م: (بصرف الطريق والمسيل إلى غيره من غير ضرر، فيصار إليه) ش: أي من غير ضرر إلى الغير، فيصار إلى صرفها إلى غيرهما من غير ضرر له. م: (بخلاف البيع إذا ذكر فيه الحقوق حيث يدخل فيه ما كان له من الطريق والمسيل؛ لأنه أمكن تحقيق معنى البيع وهو التمليك) ش: أي إثبات الملك في العين م: (مع بقاء هذا التعليق) ش: وهو تعلق حق الطريق والمسيل م: (بملك غيره) ش: أي غير المشتري م: (وفي الوجه الثاني) ش: وهو ما إذا لم يمكن صرف الطريق والمسيل م: (يدخل فيها) ش: أي يدخل كل واحد من الطريق والمسيل في القسمة م: (لأن القسمة لتمليك المنفعة وذلك) ش: أي تمليك المنفعة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 437 بالطريق والمسيل، فيدخل عند التنصيص باعتباره، وفيها معنى الإفراز، وذلك بانقطاع التعلق على ما ذكرنا، فباعتباره لا يدخل من غير تنصيص، بخلاف الإجارة حيث يدخل فيها بدون التنصيص؛ لأن كل المقصود الانتفاع وذلك لا يحصل إلا بإدخال الشرب والطريق، فيدخل من غير ذكر. ولو اختلفوا في رفع الطريق بينهم في القسمة إن كان يستقيم لكل واحد طريق يفتحه في نصيبه، قسم الحاكم من غير طريق يرفع لجماعتهم لتحقق الإفراز بالكلية دونه، وإن كان لا يستقيم ذلك رفع طريقا بين جماعتهم   [البناية] م: (بالطريق والمسيل، فيدخل عند التنصيص) ش: بذكر الحقوق م: (باعتباره) ش: أي باعتبار تمليك المنفعة م: (وفيها) ش: أي في القسمة م: (معنى الإفراز، وذلك) ش: أي معنى الإفراز م: (بانقطاع التعلق من الغير على ما ذكرنا) ش: في أول الكتاب م: (فباعتباره) ش: أي فباعتبار معنى الإفراز (لا يدخل) ش: أي كل واحد من الطريق والمسيل م: (من غير تنصيص) ش: بذكر الحقوق. والحاصل أنه باعتبار معنى تكميل الانتفاع ينبغي أن يدخل في القسمة وإن لم يذكر الحقوق، باعتبار معنى الإفراز ينبغي أن لا يدخل، أو إن ذكرت الحقوق في اعتبار المعنيين جميعا، فقلنا إذا ذكرت الحقوق دخلا في القسمة وإلا فلا. م: (بخلاف الإجارة حيث يدخل فيها بدون التنصيص) ش: هذا يتعلق بقوله بخلاف البيع، أي حيث يدخل كل واحد من الطريق والمسيل في الإجارة بدون التنصيص بذكر الحقوق وبدون التنصيص عليهما أيضا م: (لأن كل المقصود الانتفاع) ش: أي ولأن المقصود كله من باب الإجارة الانتفاع بالمحل م: (وذلك لا يحصل إلا بإدخال الشرب والطريق، فيدخل من غير ذكر) ش: ألا ترى لو استأجر جحشا أو أرضا مسخة للزراعة لا يجوز لفوات ما هو المقصود وهو الانتفاع. بخلاف البيع، فإن المقصود منه تملك العين كما مر تقريره. م: (ولو اختلفوا في رفع الطريق بينهم في القسمة) ش: ذكره تفريعا على مسألة القدوري، أي ولو اختلف الشركاء أو الورثة، والمراد من رفع الطريق أن يترك الطريق بين جماعتهم مشتركا بينهم كما كان، ويرفع من القسمة ولا يدخل فيها. قال تاج الشريعة: يعني كان يقول بعض الشركاء كالإيداع طريقا يقسم الكل، وكان يقول بعضهم: بل يدعي. قال بعضهم: يرفع، وقال بعضهم: لا يرفع فالحكم في ذلك أن ينظره القاضي م: (إن كان يستقيم لكل واحد طريق يفتحه في نصيبه قسم الحاكم من غير طريق يرفع لجماعتهم) ش: أي من غير طريق يترك للجماعة، وقوله يرفع صفة الطريق م: (لتحقق الإفراز بالكلية دونه) ش: أي دون رفع الطريق. م: (وإن كان لا يستقيم ذلك) ش: أي صح طريق في نصيبه م: (رفع طريقا بين جماعتهم) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 438 ليتحقق تكميل المنفعة فيما وراء الطريق، ولو اختلفوا في مقداره جعل على عرض باب الدار وطوله لأن الحاجة تندفع به، والطريق على سهامهم كما كان قبل القسمة، لأن القسمة فيما وراء الطريق لا فيه. ولو شرطوا أن يكون الطريق بينهما أثلاثا جاز وإن كان أصل الدار نصفين   [البناية] ش: يعني يتركه مشتركا فيما بينهم ولا يقسم قدر الطريق م: (ليتحقق تكميل المنفعة فيما وراء الطريق) ش: وهذا ظاهر، ولم يرفع الطريق هنا يتعطل على البعض منافعه إلا إذا تراضوا على ذلك لأنهم عطلوا منافع إهلاكهم باختيارهم، ومن ترك النظر لنفسه لا ينظر له، كذا في " شرح الكافي ". م: (ولو اختلفوا في مقداره) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري، أي ولو كان اختلف الشركاء في مقدار الطريق، يعني في سعته وضيقه م: (جعل على عرض باب الدار وطوله) ش: على باب الدار الأعظم وطوله، والمراد بالطول هو الطول من حيث الأعلى، لا الطول من حيث المشي وهو ضد عرضه، لأن ذلك الطول إنما يكون إلى حيث ينتهي بهما إلى الطريق الأعظم، وفائدته قسمة ما وراء الطول من الأعلى. حتى لو أراد بعضها أن يشرع جناحا في نصيبه إن كان فوق طول الباب له ذلك، لأن الهواء فيما يراد على طول الباب مقسوم بينهم، فصار ما ينافي خالص حقه، وإن كان فيما دون طول الباب يمنع من ذلك، لأن قدر الطول من الهواء مشترك، والبناء على قدر الهواء المشترك لا يجوز من غير رضاء الشركاء وإن كان أرضا يرفع مقدارا يمر فيه ثور، لأنه لا بد له من الزراعة فلا يجعل الطريق مقدار ما يمر ثوران معا، وإن كان يحتاج إلى ذلك لأنه لا يحتاج إلى هذا يحتاج إلى العجلة فيؤدي إلى ما يتناهى، كذا في " مبسوط شيخ الإسلام " - رَحِمَهُ اللَّهُ - و " الذخيرة " و " المحيط ". وقالت الثلاثة: يعتبر في قدر الطريق ما تدعو الحاجة إليه في الدخول والخروج بحسب العادة وبما ذكرنا اندفع ما قاله الأترازي: في هذا اللفظ إبهام، لأنه يسبق الوهم إلى أن طول الطريق مقدار طول باب الدار وليس كذلك، بل طول الطريق من أعلاه على أقل ما يكفيهم. م: (لأن الحاجة تندفع به) ش: أي يجعل الطريق على عرض باب الدار وطوله م: (والطريق على سهامهم كما كان قبل القسمة؛ لأن القسمة فيما وراء الطريق لا فيه) ش: أي الطريق على سهام الشركاء كما كان قبل الانقسام، قوله لا فيه، أي لا في الطريق. م: (ولو شرطوا أن يكون الطريق بينهما أثلاثا جاز وإن كان أصل الدار نصفين) ش: هذا أيضا ذكره تفريعا على مسألة القدوري. قال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في " شرح الجزء: 11 ¦ الصفحة: 439 لأن القسمة على التفاضل جائزة بالتراضي. قال: وإن كان سفل لا علو عليه، وعلو لا سفل له، وسفل له علو، قوم كل واحد على حدته وقسم بالقيمة ولا معتبر بغير ذلك. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] الكافي ": وإن اشترطوا أن يكون الطريق بينهما لأحدهما ثلثه وللآخر ثلثاه فهو جائز لما ذكر أنه مبادلة بتراضيهما، فيعتبر اصطلاحهما في ذلك. وإن اشترطا أن يكون الطريق على قدر ساحة ما في أيديهما فهو جائز، وهذا نص على أن بيع الممر جائز، لأن القسمة بيع من حيث المعنى. وقد ذكر في كتاب الصلح: إنه إذا كان الطريق لأحدهما والممر للآخر فباعا الطريق فإنه يكون الثمن بينهما نصفين، فدل على أنه دخل في العقد أصلا، فعلى هذه الرواية يجوز بيع الشرب، لأنه من جملة الحقوق كالطريق. وقال في " الزيادات ": بيع الحقوق لا يجوز، والممر من جملة الحقوق. فعلى رواية الزيادات لا فرق بين الشرب والممر في عدم جواز البيع، وكذا حق التعلي. ثم قال في " شرح الكافي ": وإن اشترطا أن يكون الطريق لصاحب الأقل والآخر يمر فيه فهو جائز. وإن لم يشترطا شيئا من ذلك فهو بينهما على قدر ما ورثا، لأن القسمة لم تتناول الطريق، فبقي بينهما على ما كان في الأصل. م: (لأن القسمة على التفاضل جائزة بالتراضي) ش: لأن من رضي أن يترك حقه لا يعترض عليه. م: (قال وإن كان سفل لا علو عليه) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره ": وكان هذا تاما فلا يحتاج إلى الخبر، أي وإن وجد سفل بكسر السين. وقوله: لا علو عليه صفة، وهو بكسر العين وسكون اللام. قال الجوهري: وعلو الدار وعلوها نقيض سفلها، والعلو بضم العين واللام وتشديد الواو م: (وعلو لا سفل له، وسفل له علو، قوم كل واحد على حدته وقسم بالقيمة ولا معتبر بغير ذلك) ش: أي بغير التقويم والقسمة بالقيمة، ولم يذكر القدوري فيه قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، لأنه اختار قول محمد وأصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كلهم مثل قول الطحاوي، وغيره اختاروا قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه المسألة. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا المذكور في القدوري عند محمد. في " الذخيرة " صورته علو مشترك بينهما بدون سفل، وسفل مشترك بينهما بدون علو، وسفل وعلو مشتركان بينهما وطلب القسمة من القاضي، فعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقسم على قيمة السفل والعلو، فإن كانت قيمتهما على السواء يجب ذراع بذراع. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 440 وقال أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله -: يقسم بالذراع. لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن السفل يصلح لما لا يصلح له العلو من اتخاذه بئر ماء أو سردابا أو اصطبلا أو غير ذلك، فلا يتحقق التعديل إلا بالقيمة. وهما يقولان: إن القسمة بالذراع هي الأصل؛ لأن الشركة في المذروع لا في القيمة، فيصار إليه ما أمكن، والمراعى التسوية في السكنى لا في المرافق. ثم اختلفا فيما بينهما في كيفية القسمة بالذراع، فقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذراع من سفل بذراعين من   [البناية] وإن كانت قيمة أحدهما ضعف قيمة الآخر يحسب من الذي قيمته على النصف ذراع بذراعين من الآخر حتى استويا في القيمة. وعند الثلاثة لا يجبر الآبي من القسمة، وعندنا يقسم كما ذكرنا في الكتاب. م: (وقال أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله -: يقسم بالذراع) ش: قال الطحاوي في "مختصره " وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول في العلو الذي لا سفل له وفي السفل الذي لا علو له يجب من القيمة ذراع من السفل بذراعين من العلو. وكان أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: يحسب كل ذراع من العلو بذراع من السفل. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقوم كل ذراع من العلو على أن لا سفل له، وكل ذراع من السفل على أن لا علو له، وهذا أجود انتهى. م: (لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن السفل يصلح لما لا يصلح له العلو لاتخاذه بئر ماء أو سردابا) ش: قال الصنعاني في " العتاب ": السرداب بكسر السين، والعامة بفتحها، وهو معرب سرداب بفتح السين وبالمد وهو الجب الكبير. وكذلك سودان السرداب الذي يبنى تحت الأرض م: (أو اصطبلا أو غير ذلك) ش: نحو الطبخ وبيت الحطب والتبن والطاحونة ونحوها، والعلو لا يصلح لهذه الأشياء ولا يصلح إلا للمفرقة م: (فلا يتحقق التعديل إلا بالقيمة) ش أي التعديل في القسمة. م: (وهما يقولان) ش: أي أبو حنيفة وأبو يوسف م: (إن القسمة بالذراع هي الأصل؛ لأن الشركة في المذروع لا في القيمة، فيصار إليه ما أمكن) ش: أي فصار إلى ما ذكر من القيمة بالذرع مهما أمكن م: (والمراعى التسوية في السكنى لا في المرافق) ش: أي المنافع لا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، وأراد بالمراعى الاعتبار وهو بفتح العين م: (ثم اختلفا فيما بينهما) ش: أي أبو حنيفة وأبو يوسف م: (في كيفية القسمة بالذراع، فقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذراع من سفل بذراعين من الجزء: 11 ¦ الصفحة: 441 علو وقال أبو يوسف - رحمه لله -: ذراع بذراع. قيل: أجاب كل واحد منهم على عادة أهل عصره أو أهل بلده في تفضيل السفل على العلو واستوائهما وتفضيل السفل مرة والعلو   [البناية] علو. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذراع بذراع) ش: أي يحمل ذراع بمقابلة ذراع منهما جميعا. وقال شيخ الإسلام أبو الفضل محمد بن أحمد الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": إذا كان سفل بين رجلين وعلو من بيت آخر بينهما وأراد أن يقسمه القاضي فإنه يقسم البناء على سبيل القيمة بالاتفاق. فأما المساحة فيقسم كل ذراع من السفل بذراعين من العلو، فيذرع ساحة العلو طولا وعرضا فيضرب الطول في العرض فيعلم مبلغه. وكذلك مساحة السفل يذرع طولا وعرضا فيضرب طوله في عرضه فيعلم مبلغه فيدفع كل ذراع من السفل بذراع من العلو. قال: وهذا ذرع لمسألة أخرى وهو أن لصاحب السفل أن سفل بالإجماع إذا كان لا يضر بالعلو وليس لصاحب العلو أن يتعلق فوقه وإن لم يضر بصاحب العلو عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعندهما له أن يصل ذلك فقد استوت منفعة العلو والسفل عندهما فكذلك قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - كل ذراع من السفل بذراع من العلو. وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - منفعة العلو نقص من منفعة السفل فكذلك كان كل ذراع من السفل بذراعين من العلو. وإذا كان بيت كامل وعلو وسفل بين رجلين في بيت آخر بينهما فأراد قسمتها بالتعديل فكل زراع من بيت كامل بثلاثة أذرع من العلو، لأن ذراعا من العلو هذا بذراع من العلو ذاك، وذراع من سفل هذا بذراعين من علو ذاك عند أبي حنيفة وأبي يوسف كل ذراع من البيت الكامل بذراعين من العلو، وإذا كان بيت كامل فكل ذراع من البيت الكامل بذراع ونصف من السفل عنده، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - كل ذراع من البيت الكامل بذراعين من السفل، وأما عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ففي الفصول ما يقسم على سبيل القيمة، وبه أخذ الطحاوي، انتهى. م: (قيل: أجاب كل واحد منهم) ش: أي كل واحد من أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (على عادة أهل عصره، أو أهل بلده في تفضيل السفل على العلو) ش: أشار به إلى قول أبي حنيفة فإنه أجاب بناء على ما شاهد من عادة أهل الكوفة في تفضيل السفل على العلو م: (واستوائهما) ش: أي استواء العلو والسفل، وأشار به إلى قول أبي يوسف فإنه أجاب بناء على ما شاهد من عادة أهل بغداد التسوية بين العلو والسفل. م: (وتفضيل السفل مرة) ش: أي تفضيل السفل على العلو مرة كما مر في الكوفة م: (والعلو الجزء: 11 ¦ الصفحة: 442 أخرى، وقيل: هو اختلاف معنى ووجه قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن منفعة السفل تربو على منفعة العلو بضعفه؛ لأنها تبقى بعد فوات العلو، ومنفعة العلو لا تبقى بعد فناء السفل، وكذا السفل فيه منفعة البناء والسكنى، وفي العلو السكنى لا غير إذ لا يمكنه البناء على علوه إلا برضا صاحب السفل، فيعتبر ذراعان منه بذراع من السفل. ولأبي يوسف: أن المقصود أصل السكنى وهما يتساويان فيه، والمنفعتان متماثلتان؛ لأن لكل واحد منهما أن يفعل ما لا يضر بالآخر على أصله. ولمحمد: أن المنفعة تختلف باختلاف الحر والبرد، بالإضافة إليهما فلا يمكن التعديل إلا بالقيمة، والفتوى اليوم على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقوله لا يفتقر إلى التفسير.   [البناية] أخرى) ش: أي وتفضيل العلو على السفل مرة أخرى كما في مكة والبصرة، وأشار بهذا إلى جواب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقيل: هو اختلاف معنى) ش: أي حجة وبرهان، قيل إن الاختلاف يعني الفقهاء. ثم شرع يبين ذلك بقوله م: (ووجه قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن منفعة السفل تربو) ش: أي تزيد م: (على منفعة العلو بضعفه) ش: قال أبو عبيدة ضعف الشيء مثله. وقال الأزهري الضعف المسيل إلى ما زاد، وهو في الأصل زيادة غير محصورة م: (لأنها تبقى بعد فوات العلو) ش: أي ولأن منفعة السفل تبقى بعد فوات العلو م: (ومنفعة العلو لا تبقى بعد فناء السفل) ش: لأن بقاء منفعته ببقاء السفل، فإذا ذهب ذهبت م: (وكذا السفل فيه منفعة البناء والسكنى) ش: فلو أراد أن يحفر في سفله سردابا لم يكن لصاحب العلو منعه من ذلك م: (وفي العلو السكنى لا غير إذ لا يمكنه البناء على علوه إلا برضا صاحب السفل، فيعتبر) ش: أي إذا كان كذلك فيعتبر م: (ذراعان منه) ش: أي من العلو م: (بذراع من السفل) ش: م: (ولأبي يوسف: أن المقصود أصل السكنى، وهما يتساويان فيه) ش: أي صاحب العلو وصاحب السفل يتساويان في أصل السكنى م: (والمنفعتان متماثلتان؛ لأن لكل واحد منهما أن يفعل ما لا يضر بالآخر على أصله) ش: أي على أصل أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولمحمد: أن المنفعة) ش: أي منفعة العلو والسفل م: (تختلف باختلاف الحر والبرد بالإضافة إليهما) ش: أي إلى العلو والسفل، يعني أن في كل موضع يشتد البرد ويكثر الريح يختار السفل على العلو. وفي موضع تكثر العذرة في الأرض يختار العلو، وربما يختلف ذلك أيضا باختلاف الأوقات م: (فلا يمكن التعديل إلا بالقيمة) ش: لأن المراد من القسمة التعديل فيصار إلى القيمة م: (والفتوى اليوم على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: كذا في " المبسوط " و" الذخيرة " و" المغني " و " المحيط "، وبه قالت الثلاثة م: (وقوله لا يفتقر إلى التفسير) ش: أي قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحتاج إلى التفسير، لأنه قال بالقيمة وهو ظاهر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 443 وتفسير قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مسألة الكتاب: أن يجعل بمقابلة مائة ذراع من العلو المجرد ثلاثة وثلاثون وثلث ذراع من البيت الكامل؛ لأن العلو مثل نصف السفل فثلاثة وثلاثون وثلث من السفل ستة وستون وثلثان من العلو المجرد. ومعه ثلاثة وثلاثون وثلث ذراع من العلو فبلغت مائة ذراع تساوي مائة من العلو المجرد، ويجعل بمقابلة مائة ذراع   [البناية] م: (وتفسير قول أبي حنيفة في مسألة الكتاب) ش: أي القدوري م: (أن يجعل بمقابلة مائة ذراع من العلو المجرد) ش: الذي لا سفل له م: (ثلاثة وثلاثون وثلث ذراع من البيت الكامل) ش: وهو يشتمل على العلو والسفل م: (لأن العلو مثل نصف السفل) ش: فكان العلو والسفل مثل مائة ذراع من السفل، وموضع هذه المسألة أنها في دار واحدة، وعنده يقسم إذا كانت دارا واحدة، وإن كانت في دارين محمولة على رضاهم بذلك. م: (فثلاثة وثلاثون وثلث من السفل ستة وستون وثلثان من العلو المجرد) ش: وأشار بالفاء التفسيرية إلى تفسير قوله لأن العلو مثل نصف السفل، وتقريره أي ثلاثة وثلاثون وثلث ذراع من السفل الكامل هو ستة وستون وثلثا ذراع من العلو الكامل، بمعنى يقابل الثلاثة والثلاثين والثلث وستة وستين وثلثين. فقوله: ستة وستون خبر لقوله ثلاثة وثلاثون، فافهم. أن يجعل بمقابلة مائة ذراع من العلو المجرد ثلاثة وثلاثون وثلث ذراع من البيت الكامل، لأن الذراع الواحد من البيت الكامل بمقابلة ثلاثة أذرع من العلو المجرد، فإذا ضربت الثلاثة في ثلاثة وثلاثين وثلث ذراع يكون مائة فيستوي الثلاثة والثلاثون وثلث ذراع من البيت الكامل مع مائة ذراع من العلو المجرد، ويجعل بمقابلة مائة ذراع من السفل المجرد من البيت الكامل ستة وستون وثلثا ذراع، لأن كل ذراع من البيت الكامل بمقابلة ذراع ونصف من السفل المجرد، فإذا ضربت الواحد والنصف في ستة وستين وثلثي ذراع يكون مائة لا محالة فيشتري الستة والستون والثلثان من البيت الكامل مع مائة ذراع من السفل المجرد فافهم. م: (ومعه ثلاثة وثلاثون وثلث ذراع من العلو) ش: أي مع الستة والستين والثلثين ثلاثة وثلاثون ذراعا وثلث ذراع من العلو المجرد، وتذكير الضمير باعتبار المذكور أو العدد المذكور م: (فبلغت مائة ذراع تساوي مائة من العلو المجرد) ش: أي فبلغت الستة والستون والثلثان مع الثلاثة والثلاثين والثلث مائة ذراع، فصح ما قاله أن مائة ذراع من العلو المجرد بمقابلة ثلاثة وثلاثون وثلث ذراع من البيت الكامل، فكان هذا التقابل بين البيت الكامل والعلو المجرد. ثم شرع بذكر ما يقابل البيت الكامل والسفل المجرد، فيقال م: (ويجعل بمقابلة مائة ذراع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 444 من السفل المجرد من البيت الكامل ستة وستون وثلثا ذراع؛ لأن علوه مثل نصف سفله فبلغت مائة ذراع كما ذكرنا. وتفسير قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن يجعل بإزاء خمسين ذراعا من البيت الكامل مائة ذراع من السفل المجرد ومائة ذراع من العلو المجرد؛ لأن السفل والعلو عنده سواء فخمسون ذراعا من البيت الكامل بمنزلة مائة ذراع خمسون منها سفل، وخمسون منها علو. قال: وإذا اختلف المتقاسمون وشهد القاسمان قبلت شهادتهما. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذا الذي ذكره قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقبل وهو قول أبي يوسف أولا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذكر الخصاف قول محمد مع قولهما.   [البناية] من السفل المجرد) ش: الذي لا علو له م: (من البيت الكامل) ش: فكان هذا التقابل م: (ستة وستون وثلثا ذراع؛ لأن علوه) ش: أي علو البيت الكامل م: (مثل نصف سفله فبلغت مائة ذراع كما ذكرنا) ش: أي الأذرع التي تقدر من البيت الكامل بمقابلة مائة ذراع من السفل المجرد يبلغ المائة، لأنه لما أخذ من البيت الكامل ستة وستون وثلثا ذراع بمقابلة مثلها من السفل المجرد ثم زيد على هذا العدد نصفه وهو ثلاثة وثلاثون وثلث ذراع، لأن بهذا التعدد من البيت الكامل أعني ستة وستين وثلثي ذراع علو إذ هو مقدر بنصف هذا، وهو ثلاثة وثلاثون وثلث، فكان المجموع مائة، فكانت هذه المائة من الثلث الكامل بمقابلة مائة من السفل المجرد كما ذكرنا، والسفل المجرد ستة وستون وثلثا، أي لأنه ضعف العلو فيجعل بمقابلة مثله، أي السفل الذي لا علو له ستة وستون ذراعا، لأنه ضعف العلو المجرد. م: (وتفسير قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن يجعل بإزاء خمسين ذراعا من البيت الكامل مائة ذراع من السفل المجرد ومائة ذراع من العلو المجرد) ش: أي أو يجعل مائة ذراع من العلو المجرد الذي لا سفل له بإزاء خمسين ذراعا من البيت الكامل م: (لأن السفل والعلو عنده سواء) ش: أي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فخمسون ذراعا من البيت الكامل بمنزلة مائة ذراع خمسون منها سفل، وخمسون منها علو) ش: وهذا ظاهر. [إذا اختلف المتقاسمون وشهد القاسمان قبلت شهادتهما] م: (قال: وإذا اختلف المتقاسمون وشهد القاسمان قبلت شهادتهما) ش: أي قال القدوري: صورته دار قسمت بين ورثة أو مشتري وأنكر بعضهم أنه استوفى نصيبه وشهد عليه القاسمان بذلك تقبل شهادتهما، ولم يذكر القدوري فيه الخلاف م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذا الذي ذكره قول أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: أي قال المصنف الذي ذكره القدوري هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقبل، وهو قول أبي يوسف أولا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ومالك وأحمد - رحمهما الله - م: (وذكر الخصاف قول محمد مع قولهما) ش: أي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 445 وقاسما القاضي وغيرهما سواء. لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنهما شهدا على فعل أنفسهما، فلا تقبل كمن علق عتق عبده بفعل غيره فشهد ذلك الغير على فعله. ولهما: أنهما شهدا على فعل غيرهما وهو الاستيفاء والقبض لا على فعل أنفسهما؛ لأن فعلهما التميز ولا حاجة إلى الشهادة عليه، أو لأنه لا يصلح مشهودا به لما أنه غير لازم. وإنما يلزمه بالقبض والاستيفاء وهو فعل الغير فتقبل الشهادة عليه. وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا قسما بأجر لا تقبل الشهادة بالإجماع، وإليه مال بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -؛ لأنهما يدعيان إيفاء عمل استؤجرا عليه، فكانت شهادة صورة ودعوى معنى، فلا تقبل، إلا أنا نقول:   [البناية] ذكر الخصاف في " أدب القاضي " قول محمد كقولهما، فقال: وإذا قسمت الدار والأرض بين الورثة وأنكر بعضهم أن يكون استوفى نصيبه وشهد عليه قاسِما القاضي اللذان توليا القسمة بينهم أنهما تقاصرا في نصيبه فإن شهادتهما جائزة عليه في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، انتهى. وكان القدوري ذهب إلى ما ذكره الخصاف م: (وقاسما القاضي وغيرهما سواء) ش: أي سواء كان الشاهدان اللذان شهدا في المسألة المذكورة المتقاسمين اللذين يقسمهما القاضي أو غيرهما ممن اختارها المتقاسمون. م: (لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنهما شهدا على فعل أنفسهما فلا تقبل) ش: لأنهما متهمان في هذه الشهادة م: (كمن علق عتق عبده بفعل غيره فشهد ذلك الغير على فعله) ش: بأن علق عتقه بكلام رجلين فشهد أنه كلامهما. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أنهما شهدا على فعل غيرهما وهو الاستيفاء والقبض لا على فعل أنفسهما؛ لأن فعلهما التميز ولا حاجة إلى الشهادة عليه أو لأنه) ش: أي لأن فعل أنفسهما الذي هو التمييز م: (لا يصلح مشهودا به لما أنه غير لازم) ش: أي لا يلزم حكما فلا يكون مقصودا، فلا تكون الشهادة عليه من حيث المعنى م: (وإنما يلزمه بالقبض والاستيفاء) ش: لأن القبض هو الملزوم م: (وهو فعل الغير فتقبل الشهادة عليه) ش: لعدم التهمة. م: (وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا قسما بأجر لا تقبل الشهادة بالإجماع) ش: لأنهما جرا لأنفسهما شيئا م: (وإليه مال بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: أي إلى قول الطحاوي، وبه قال الإصطخري من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لأنهما يدعيان إيفاء عمل استؤجرا عليه فكانت شهادة صورة ودعوى معنى، فلا تقبل) ش: لأن المدعي لا تقبل شهادته م: (إلا أنا نقول) ش: استيفاء من قوله وإليه مال بعض المشايخ. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 446 هما لا يجران بهذه الشهادة إلى أنفسهما مغنما لاتفاق الخصوم على إيفائهما العمل المستأجر عليه، وهو التمييز، وإنما الاختلاف في الاستيفاء فانتفت التهمة. ولو شهد قاسم واحد لا تقبل، لأن شهادة الفرد غير مقبولة على الغير. ولو أمر القاضي أمينه بدفع المال إلى آخر يقبل قول الأمين في دفع الضمان عن نفسه، ولا يقبل في إلزام الآخر إذا كان منكرا، والله أعلم.   [البناية] وإشاراته اختار قول صاحب القدوري والمعنى لكن نحن نقول م: (هما) ش: أي القاسمان اللذان شهدا م: (لا يجران بهذه الشهادة إلى أنفسهما مغنما) ش: أي غنيمة، يعني منفعة م: (لاتفاق الخصوم على إيفائهما العمل المستأجر عليه) ش: على أنهما قد أوفيا العمل الذي قد استأجروهما لأجله م: (وهو التمييز) ش: أي العمل المستأجر عليه هو تمييز الحقوق بينهم م: (وإنما الاختلاف في الاستيفاء) ش: أي وإنما وقع اختلاف المتقاسمين في استيفاء بعض الحقوق، وهو غير فعل التمييز فوقعت شهادتهما على فعل الغير م: (فانتفت التهمة) ش: فتقبل الشهادة. م: (ولو شهد قاسم واحد لا تقبل) ش: ذكره تفريعا على مسألة القدوري، أي ولو شهد قاسم واحد على القسمة لا تقبل م: (لأن شهادة الفرد غير مقبولة على الغير) ش: لأن قول الواحد ليس بحجة في الشرع م: (ولو أمر القاضي أمينه بدفع المال إلى آخر) ش: بأن قال له القاضي ادفع هذا المال إلى فلان فقال قد دفعته م: (يقبل قول الأمين في دفع الضمان عن نفسه) ش: يعني إذا أنكر المدفوع إليه فالأمين يصدق في البراءة لنفسه م: (ولا يقبل في إلزام الآخر إذا كان منكرا) ش: لأن قول الأمين حجة واقعة غير ملزمة، والله أعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 447 باب دعوى الغلط في القسمة والاستحقاق فيها قال: وإذا ادعى أحدهم الغلط وزعم أن مما أصابه شيئا في يد صاحبه وقد أشهد على نفسه بالاستيفاء لم يصدق على ذلك إلا ببينة، لأنه يدعي فسخ القسمة بعد وقوعها، فلا يصدق إلا بحجة. فإن لم تقم له بينة استحلف الشركاء، فمن نكل منهم جمع بين نصيب الناكل والمدعي، فيقسم بينهما على قدر أنصبائهما، لأن النكول حجة في حقه خاصة.   [البناية] [باب دعوى الغلط في القسمة والاستحقاق فيها] م: (باب دعوى الغلط في القسمة والاستحقاق فيها) ش: أي هذا باب في بيان دعوى المتقاسمين الغلط في القسمة وظهور الاستحقاق فيها، وإنما أخره لكونه من العوارض، والوجه تأخيره. م: (قال: وإذا ادعى أحدهم الغلط) ش: أي قال القدوري في "مختصره": أي إذا ادعى أحد المتقاسمين الغلط في القسمة م: (وزعم أن مما أصابه شيئا في يد صاحبه) ش: أي من الذي أصابه من العقار مثلا شيء وقع في يد صاحبه، وفي بعض النسخ شيئا بالنصب وهو الوجه، لأنه اسم أن. ووجه الرفع على لغة البعض كما في قوله سبحانه وتعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] (طه: الآية 63) م: (وقد أشهد على نفسه بالاستيفاء) ش: أي والحال أنه قد أشهد على نفسه، وفسره في المبسوط أي أقر بالاستيفاء. وكذا قال تاج الشريعة: أي أقر أنه استوفى نصيبه م: (لم يصدق على ذلك إلا بينة) ش: أي لم يصدق على ما ادعاه من الغلط إلا بحجة م: (لأنه يدعي فسخ القسمة بعد وقوعها فلا يصدق إلا بحجة) ش: كالمشتري إذا ادعى لنفسه خيار الشرط، فإن أقامها فقد نوى دعوى، وإن عجز عنها وهو معنى. م: (فإن لم يقم له بينة استحلف الشركاء) ش: قيد بقوله استحلف الشركاء لأنهم لو أقروا بذلك لزمهم، فإذا أنكروا واستحلفوا عليه لرجاء النكول، وكان حق التركيب أن يقول استحلف شريكه، لأنه قال ولا. وإذا ادعى أحدهما الغلط م: (فمن نكل منهم) ش: أي من الشركاء م: (جمع بين نصيب الناكل والمدعي فيقسم بينهما على قدر أنصبائهما؛ لأن النكول حجة في حقه خاصة) ش: لأن الناكل كالمقر، وإقراره حجة عليه دون غيره، ولو فسر هذا التركيب من وجهين، الأول: أن الجملة وقعت خبرا وهي عارية عن الضمير فلا يجوز، والثاني: في قوله أنصبائهما. قلت: أما الأول فلأن اللام في قوله الناكل، أعني عن الضمير، وأما الثاني فهو من قبيل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 448 فيعاملان على زعمهما. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ينبغي أن لا تقبل دعواه أصلا لتناقضه وإليه أشار من بعد. قد استوفيت حقي وأخذت بعضه فالقول قول خصمه مع يمينه. لأنه يدعي عليه الغصب وهو منكر. وإن قال: أصابني إلى موضع كذا فلم يسلمه إلي ولم يشهد على نفسه بالاستيفاء.   [البناية] قَوْله تَعَالَى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] (التحريم: الآية 4) ، م: (فيعاملان على زعمهما) ش: أي فيعامل الناكل والمدعي على حسب زعمهما بفتح الزاي وسكون العين من زعم يزعم، من باب نصر ينصر، وهو يستعمل في الأمر الذي لا يوثق به، ويجوز ضم الزاي أيضا، وأما زعم مثل علم يعلم فمعناه طمع، ومصدره زعم بفتحتين. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ينبغي أن لا تقبل دعواه أصلا) ش: يعني وإن أقام البينة، والقائل هو المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لتناقضه) ش: أي لتناقض المدعي، فإنه إذا أشهد على نفسه بالاستيفاء فبعد ذلك بقاء حقه في يد آخر يناقض، فينبغي أن لا يسمع دعواه، كذا في " المبسوط " " وفتاوى قاضي خان " واعتذر بعضهم في هذا فقال: التناقض عفو في موضع الخفاء كالعبد يدعي الحرية بعد إقراره أنه رقيق. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي " وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - في رجل مات وترك دارا وابنين فاقتسما الدار وأخذ كل واحد نصيبه وأشهد على القسمة والقبض والوفاء ثم ادعى أحدهما ما في يد صاحبه لم يصدق على ذلك، إلا أن يقر صاحبه، فعلم بهذا أنه لا تقبل بينته بعد الإقرار بالاستيفاء كما قال صاحب " الهداية " م: (وإليه أشار من بعد) ش: إلى ما ذكرنا أشار القدوري في قوله وإن قال أصابني إلى موضع كذا فلم يسلمه إلي ولم يشهد على نفسه بالاستيفاء. وقال تاج الشريعة: ويحتمل أن تكون الإشارة في المسألة الثالثة وهو إذا لم يشهد على نفسه بالاستيفاء والحكم فيها التحالف، لأنهما اختلفا في قدر المقبوض وقد وجد هذا المعنى في المسألة الأولى ولم يشرع التحالف على أن عدم التحالف في المسألة الأولى للتناقض. م: (وإن قال: قد استوفيت حقي وأخذت بعضه فالقول قول خصمه مع يمينه) ش: هذا لفظ القدوري م: (لأنه يدعي عليه الغصب وهو منكر) ش: وقوله استوفيت بضم التاء إذا استوفى، وقوله وأخذت بفتح، أي أنت أخذت بعض حقي لأنه يدعي عليه الغصب وهو منكر، والقول للمنكر مع يمينه. م: (وإن قال: أصابني إلى موضع كذا فلم يسلمه إلي) ش: هذا لفظ القدوري، أي وإن قال أحد المتقاسمين للآخر م: (ولم يشهد على نفسه بالاستيفاء) ش: أي والحال أن المدعي لم يشهد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 449 وكذبه شريكه تحالفا وفسخت القسمة، لأن الاختلاف في مقدار ما حصل له بالقسمة، فصار نظير الاختلاف في مقدار المبيع على ما ذكرنا من أحكام التخالف فيما تقدم. ولو اختلفا في التقويم لم يلتفت إليه   [البناية] على نفسه بأنه استوفى نصيبه م: (وكذبه شريكه) ش: أي في قوله أصابني إلى موضع كذا م: (تحالفا وفسخت القسمة لأن الاختلاف في مقدار ما حصل له بالقسمة) ش: فيكون الاختلاف في نفس القسمة م: (فصار نظير الاختلاف في مقدار المبيع) ش: أي صار الحكم المذكور نظير اختلاف المتبايعين في قدر المبيع فوجد التخالف م: (على ما ذكرنا من أحكام التخالف فيما تقدم) ش: في "كتاب الدعوى" [اختلفا في التقويم في القسمة] م: (ولو اختلفا في التقويم لم يلتفت إليه) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري، وذكر الأسبيجابي في " شرح القدوري " وإن اقتسما مائة شاة فأصاب أحدهما خمسا وخمسين شاة والآخر خمسا وأربعين شاة، ثم ادعى صاحب الأوكس غلطا في التقويم لم تقبل بينته في ذلك، لأن القسمة منهم إقرار بالتساوي، فإذا ادعى التفاوت وقد أنكر ما أقر به فلا يسمع ولم يفصل بينهما إذا كانت القسمة بالقضاء أو بالتراضي وبينهما ما إذا كان الغبن يسيرا أو فاحشا كما ترى. وكذلك أطلق الكرخي في "مختصره ". وقال في المسائل في قسم " المبسوط " اختلفا في التقويم لا يلتفت إلى قولهم، لأن القسمة إن كانت بالتراضي فالقاضي لا يقضي إلا بتقويم المقومين، فصار كما لو قضى ثم ادعى أنه ذو رد. وإن كانت بالتراضي فهو مدعي عينا والعقد لا يخلو عنه. وقال في كتاب " أدب القاضي " من " شرح الطحاوي " إذا ادعى الغلط في التقويم وكانت الغبن وأنتم قومتموه بألف فهذا لا يلتفت إليه لأنه يدعي الغبن، والغبن بالتقويم لا يبطل القسمة كالبيع. ثم قال: وقيل: هذا إذا كانت قسمة الرضا، فأما إذا كانت القسمة بالقضاء له حق الفسخ، لأنه لم يرض بذلك. وقال في " الفتاوى الصغرى " ادعى أحد المتقاسمين الغلط في القسمة من حيث القيمة، يعني إذا ادعى عيبا في القيمة إن كان يسيرا بحيث يدخل تحت تقويم المقومين لا يسمع دعواه ولا تقبل بينته. وإن كان بحيث لا يدخل تقويم المقومين، وإن كانت القسمة بالقضاء لا بالتراضي تسمع بينته بالاتفاق. وإن كان لا يتراضى الخصمان إلا بقضاء القاضي لم يذكر في "الكتاب". وحكي عن الفقيه أبي جعفر أنه كان يقول: إن قيل يسمع فله وجه، بخلاف الغبن في البيع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 450 لأنه دعوى الغبن ولا معتبر به في البيع، فكذا في القسمة لوجود التراضي، إلا إذا كانت القسمة بقضاء القاضي والغبن فاحش، لأن تصرفه مقيد بالعدل. ولو اقتسما دارا وأصاب كل واحد طائفة فادعى أحدهما بيتا في يد الآخر أنه مما أصابه بالقسمة وأنكر الآخر فعليه إقامة البينة لما قلنا. وإن أقاما البينة يؤخذ ببينة المدعي لأنه خارج، وبينة الخارج تترجح على بينة ذي اليد. وإن كان قبل الإشهاد على القبض.   [البناية] وإن قيل لا يسمع فله وجه أيضا كما قال في البيع، وحكي عن الفقيه أنه كان يقول يسمع كما إذا كانت بقضاء القاضي وهو الصحيح كما ذكره في " شرح المختصر ". وذكر في " أدب القاضي " من شرح القاضي الإمام الأسبيجابي أن في دعوى الغبن في القسمة إذا كان بالتراضي لا يسمع كما في البيع. قال بعض المشايخ قالوا تسمع كما لو كانت القسمة بقضاء القاضي. وذكر الأسبيجابي في "شرحه" دقيقة لطيفة فقال وهذا كله إذا لم يقر الخصم بالاستيفاء، فأما إذا أقر بالاستيفاء فإنه لا يصح دعواه الغلط والغبن إلا إذا ادعى الغصب فحينئذ يسمع دعواه، إلى هنا لفظ " الفتاوى الصغرى " والصدر الشهيد أخذ بالقول الأول كذا في " الذخيرة ". وفي " فتاوى قاضي خان " جعل القول الأخير أولى، به قال الفضلي. وعند الشافعي لم تقبل دعواه في القسمة بالتراضي كما ذكر الشهيد بالقضاء تقبل. م: (لأنه دعوى الغبن ولا معتبر به) ش: أي بدعوى الغبن، وتذكير الضمير على تأويل الأدعى م: (في البيع) ش: بأن اشترى شيئا بثمن معلوم، ثم ادعى الغبن فيه فإنه لا تسمع م: (فكذا في القسمة لوجود التراضي إلا إذا كانت القسمة بقضاء القاضي والغبن فاحش، لأن تصرفه مقيد بالعدل) ش: أي لأن تصرف القاضي مقيد بالعدل، فإذا ظهر الغبن الفاحش ظهر أن القضاء كان بغير عدل. م: (ولو اقتسما دارا وأصاب كل واحد طائفة) ش: أي ينتقص، ونصيب هذه المسألة غير مسألة أول الباب، إلا أنها أعيدت لبناء مسائل أخرى عليها، قيل أعادها لزيادة البيان م: (فادعى أحدهما بيتا في يد الآخر أنه مما أصابه) ش: أي أن البيت من الذي أصابه، يعني من نصيب الذي أصابه م: (بالقسمة وأنكر الآخر فعليه إقامة البينة لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله لم يصدق على ذلك إلا ببينة، لأنه يدعي فسخ القسمة بعد وقوعها. م: (وإن أقاما البينة) ش: أي وإن أقام كل واحد منهما البينة على ما يدعيه م: (يؤخذ ببينة المدعي لأنه خارج، وبينة الخارج تترجح على بينة ذي اليد) ش: وفيه خلاف الشافعي، وقد مر في الدعوى م: (وإن كان قبل الإشهاد على القبض) ش: أي وإن كان ما ادعياه قبل الإقرار بالقبض م: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 451 تحالفا وترادا. وكذا إذا اختلفا في الحدود وأقاما البينة يقضى لكل واحد بالجزء الذي في يد صاحبه لما بينا. وإن قامت لأحدهما بينة قضى له، وإن لم تقم لواحد منهما تحالفا كما في البيع <453>   [البناية] (تحالفا وترادا) ش: أي حلف كل منهما على دعواه، وتعاد القسمة كما في البيع يتحالفان ويفسخ البيع. [اختلفوا عند القسمة في الحدود] م: (وكذا إذا اختلفا في الحدود) ش: ذكره تفريعا، صورته دار بين اثنين اقتسما وأصاب أحدهما جانبا منها، وفي طرف حده بيت في يد صاحبه وأصاب الآخر جانب، وفي طرف حده بيت في يد صاحبه فادعى كل واحد منهما أن البيت الذي في يد صاحبه أنه دخل في حده. م: (وأقاما البينة يقضى لكل واحد بالجزء الذي هو في يد صاحبه لما بينا) ش: أي الخارج أولى، لأنه أكثر إثباتا. وفي " شرح الكافي " فإن اختلفا في الحد بينهما، فقال أحدهما هذا الحد لي قد دخل في نصيب صاحبه. وقال الآخر لا بل هذا الحد قد دخل في نصيب صاحبه. فإن قامت لهما بينة قضيت به بينهما، لأنه في أيديهما وإلا استخلف كل منهما على دعوى صاحبه وجعلت كل منهما ما في يده، لأن كل منهما مدعي ومدعى عليه، فإن أراد أحدهما رد القسمة بعدما يتحالفان، لأن الاختلاف وقع في نفس القسمة م: (وإن قامت لأحدهما بينة قضى له، وإن لم تقم لواحد منهما تحالفا كما في البيع) ش: يعني يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه وبعد التحالف ويرد القسمة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 452 فصل قال: وإذا استحق بعض نصيب أحدهما بعينه لم تفسخ القسمة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ورجع بحصة ذلك في نصيب صاحبه. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تفسخ القسمة. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ذكر الاختلاف في استحقاق بعض بعينه، وهكذا ذكر في " الأسرار "   [البناية] [فصل في بيان الاستحقاق في القسمة] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان الاستحقاق م: (قال: وإذا استحق بعض نصيب أحدهما بعينه لم تفسخ القسمة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ورجع بحصة ذلك في نصيب صاحبه. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تفسخ القسمة) ش: أي قال القدوري في "مختصره "، يعني إذا كانت دار بين اثنين إما ورثاها وإما اشترياها فاقتسماها ثم استحق بعض نصيب أحدهما بعينه لا ينقض القسمة عند أبي حنيفة وعن قريب تذكر صورتها بأوضح من هذا. وبقول أبي حنيفة قال مالك وفي بعض كتبه إن كان الشيء المستحق تافها يسيرا رجع بنصف قيمة ذلك دراهم أو دنانير، ولا يكون بذلك شريكا لصاحبه، وقال أشهب: رجع بنصف نصيب صاحبه سواء كان المستحق قليلا أو كثيرا، وفيه المضرة ولا مضرة فيه، ولا ينقض القسمة. وبقول أبي يوسف قال الشافعي. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ذكر الاختلاف في استحقاق بعض بعينه، وهكذا ذكر في " الأسرار ") ش: أي كما ذكره القدوري ذكره أبو زيد في " إشارات الأسرار " وقال السغناقي صفة الحوالة هذه إلى " الأسرار " وقعت سهوا، لأن هذه المسألة مذكورة في " الأسرار " في الشائع وصفا وتعليلا من الجانبين وتكرارا بلفظ الشائع غير مرة. قلت: عبارة " الأسرار " إذا اقتسم رجلان دارا بينهما ثم استحق من نصيب أحدهما بيت معين لم يبطل القسمة، ولكن يتخير القسمة المستحق عليه إن شاء ضرب في نصيب صاحبه بما يساوي صاحبه، وإن شاء استأنف عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: يستأنف القسمة وقول محمد مضطرب. والصحيح أن الاختلاف في استحقاق بعض شائع في نصيب أحدهما لأن محمدا ذكر الخلاف في استحقاق نصف ما في يد أحدهما في كتاب " الأصل ". وكذا ذكر الحاكم في " الكافي " والطحاوي والكرخي في "مختصريهما " وصاحب الذخيرة كلهم ذكروا على سؤال واحد، والنصف اسم للشائع لا محالة. وقال الكرخي في "مختصره " قال محمد وإذا كانت دار بين رجلين نصفين فاقتسماها، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 453 والصحيح أن الاختلاف في استحقاق بعض شائع من نصيب أحدهما، فأما في استحقاق بعض معين لا تفسخ القسمة بالإجماع، ولو استحق بعض شائع في الكل تفسخ بالاتفاق، فهذه ثلاثة أوجه، ولم يذكر قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذكره أبو سليمان مع أبي يوسف - وأبو حفص مع أبي حنيفة   [البناية] فأخذ أحدهما الثلث من مقدمها وقسمت ستمائة وأخذ الآخر الثلثين من مؤخرها، وقيمتها ستمائة ثم اصطلحا على ذلك ميراثا كان بينهما أو شراء، ثم استحق نصف ما في يد صاحب المقدم، فإن أبا حنيفة قال في هذا يرجع صاحب المقدم على صاحب المؤخر بربع ما في يده، وقيمة ذلك مائة وخمسون درهما إن شاء، وإن شاء نقض القسمة وهو قول محمد وقال أبو يوسف يرد ما بقي في يده ويبطل القسمة ويكون ما بقي في أيديهما نصفين، انتهى والحاصل أن المسألة على ثلاثة أوجه، ففي استحقاق بعض معين في أحد النصفين أو فيهما جميعا لا ينقض القسمة بالاتفاق. وفي استحقاق شيء شائع في النصفين تنقض القسمة بالاتفاق، وفي استحقاق بعض شائع في النصيبين أحد الطرفين لا تنقض القسمة عند أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف. وهي مسألة الكتاب فدل على ما ذكرنا كله على صحة ما قاله السغناقي، وما قيل يمكن أن يحمل على اختلاف النسخ ليس بشيء. فإن الكتب التي ذكرنا شاهدة على هذا، على أن قول القدوري وإذ استحق بعض نصيب أحدهما بعينة ليس بنص في ذلك لجواز أن يكون قول القدوري بعينه متعلق بنصيب أحدهما لأنه بعض فيكون تقدير كلامه: وإذا استحق بعض شائع في نصيب أحدهما بعينه وحينئذ يكون الاختلاف في الشائع لا في المعين، فافهم. م: (والصحيح أن الاختلاف في استحقاق بعض شائع من نصيب أحدهما، فأما في استحقاق بعض معين لا تفسخ القسمة بالإجماع، ولو استحق بعض شائع في الكل تفسخ بالاتفاق، فهذه ثلاثة أوجه) ش: وهي ظاهرة، وقد ذكرناها آنفا، وفي الصورة الثالثة اختلف أصحاب الشافعي. وقال أبو يوسف: يبطل القسمة في المستحق ويكون في الباقي قولان. وقال أبو إسحاق يبطل في الكل قولا واحدا. وقال مالك: لا تبطل القسمة واتبع كل وارث بقدر ما صار إليه إن قدر على قسمة من ذلك وهو الأصح م: (ولم يذكر قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي لم يذكر القدوري قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه مضطرب م: (وذكره أبو سليمان مع أبي يوسف) ش: أي وذكر أبو سليمان قول محمد مع أبي يوسف م: (وأبو حفص مع أبي حنيفة) ش: أي ذكر أبو حفص قول محمد مع أبي حنيفة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 454 وهو الأصح. لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن باستحقاق بعض شائع ظهر شريك ثالث لهما، والقسمة بدون رضاه باطلة كما إذا استحق بعض شائع في النصيبين. وهذا لأن باستحقاق جزء شائع ينعدم معنى القسمة وهو الإفراز؛ لأنه يوجب الرجوع بحصته في نصيب الآخر شائعا، بخلاف المعين. ولهما: أن معنى الإفراز لا ينعدم باستحقاق جزء شائع في نصيب أحدهما. ولهذا جازت القسمة على هذا الوجه في الابتداء بأن كان النصف المقدم مشتركا بينهما وبين ثالث، والنصف المؤخر بينهما لا شركة لغيرهما فيه فاقتسما   [البناية] م: (وهو الأصح لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن باستحقاق بعض شائع ظهر شريك ثالث لهما) ش: أي للمتقاسمين م: (والقسمة بدون رضاه باطلة) ش: أي بدون رضاء الشريك الثالث، لأن موضع المسألة فيما إذا تراضيا على القسمة، لأنه اعتبر القسمة فيها، ولا بد من التراضي م: (كما إذا استحق بعض شائع في النصيبين) ش: أي في نصيب الشريك م: (وهذا) ش: أي بطلان القسمة أيضا في ظهور الاستحقاق في بعض شائع في النصيبين م: (لأن باستحقاق جزء شائع ينعدم معنى القسمة) ش: أي في النصيبين م: (وهو الإفراز) ش: أي في معنى القسمة، وهو الإفراز والتمييز. م: (لأنه يوجب الرجوع بحصته في نصيب الآخر شائعا) ش: توضيحه أن استحقاقه وإن كان من نصيب صاحبه المقدم خاصة فذلك يؤدي إلى الشيوع على الكل، لأن صاحب المقدم يرجع بحصة ذلك مما في يد صاحب المؤخر، فيكون ذلك بمنزلة ما لو كان المستحق جزءا شائعا في الكل. م: (بخلاف المعين) ش: لأن في استحقاق بعض معين يقع الإفراز فيما وراءه يمكن أن يبقى له ولاية الرجوع، يعني المستحق عليه بالخيار إن شاء أبطل القسمة لأنه استحق بعض المعقود عليه، وللتنقيص في الأعيان عيب، والعيب يوجب الخيار. وإن شاء لم يبطل القسمة ورجع على صاحبه بربع ما في يده اعتبارا بالجزء بالكل. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أن معنى الإفراز لا ينعدم باستحقاق جزء شائع في نصيب أحدهما) ش: لأنه لا يوجب الشيوع في نصيب الآخر م: (ولهذا جازت القسمة على هذا الوجه في الابتداء بأن كان النصف المقدم مشتركا بينهما وبين ثالث) ش: أي بأن كان النصف المقدم من الدار مشتركا بين شريكين وثالث، صورته: أن تكون دار على نصفين فالنصف المقدم منها مشتركا منها بين ثلاثة نفر، والنصف المقدم من هذا النصف لواحد منهم، والنصف الآخر بين اثنين على السوية م: (والنصف المؤخر بينهما) ش: أي بين هذين الاثنين على السوية. م: (لا شركة لغيرهما فيه) ش: أي في النصف الآخر م: (فاقتسما) ش: أي هذان الاثنان م: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 455 على أن لأحدهما ما لهما من المقدم وربع المؤخر يجوز. فكذا في الانتهاء، وصار كاستحقاق شيء معين، بخلاف الشائع في النصيبين؛ لأنه لو بقيت القسمة لتضرر الثالث بتفرق نصيبه في النصيبين، أما هاهنا فلا ضرر بالمستحق فافترقا، وصورة المسألة إذا أخذ أحدهما الثلث المقدم من الدار والآخر الثلثين من المؤخر، وقيمتهما سواء ثم استحق نصف المقدم، فعندهما: إن شاء نقض القسمة دفعا لعيب التشقيص، وإن شاء رجع على صاحبه برع ما في يده من المؤخر   [البناية] (على أن لأحدهما ما لهما من المقدم وربع المؤخر يجوز) ش: أي على أن يأخذ أحدهما نصيبهما من النصف المقدم مع ربع النصف المؤخر، ويأخذ ما بقي من ذلك يجوز، لأن ما لا يمنع ابتداء القسمة لا يمنع بقاءها بالطريق الأولى، وهو معنى قوله م: (فكذا في الانتهاء، وصار كاستحقاق شيء معين) ش: أي في عدم انتفاء معنى الإفراز. م: (بخلاف الشائع في النصيبين) ش: جواب عما قال أبو يوسف كما إذا استحق بعض شائع في النصيبين م: (لأنه لو بقيت القسمة) ش: في هذه الصورة م: (لتضرر الثالث بتفريق نصيبه في النصيبين) ش: في موضعين فيؤدي إلى الضرر منتف شرعا م: (وأما هاهنا فلا ضرر بالمستحق فافترقا) ش: أي الحكمان في المقيس والمقيس عليه في النصيبين، لأنه يحتاج إلى قسمة في يد كل واحد منهما، فتفرق نصيبه. فإن قلت: إذا لم يكن للمستحق ضرر ولكن المستحق عليه يتضرر بتفريق نصيبه في التعين، أعني نصيب المستحق ونصيب الشريك الآخر. قلت: ضرر المستحق عليه ليس بمنظور هنا، لأنه ضرورة إنشاء من فعلهما حيث اقتسما بدون الشريك الثالث ولم يفصحا عنه. على أنا نقول: هذا الإشكال يرد على الكل، لأن في استحقاق الجزء المعين يلزم هذا الضرر على المستحق عليه، ومع هذا لا ينقض القسمة بالإجماع. م: (وصورة المسألة) ش: أي المسألة المذكورة في الكتاب لا المستشهد بها م: (إذا أخذ أحدهما الثلث المقدم من الدار والآخر الثلثين من المؤخر وقيمتهما سواء، ثم استحق نصف المقدم) ش: أي النصف من الثلث المقدم الذي وقع في نصيب أحدهما م: (فعندهما: إن شاء نقض القسمة دفعا لعيب التشقيص، وإن شاء رجع على صاحبه بربع ما في يده من المؤخر) ش: فإن جميع قيمة الدار ألف ومائتا درهم، ولما استحق النصف من الثلث المقدم شيء أن المشترك بينهما تسعا، ثم فهو كل واحد منهما في أربعمائة وخمسين. والذي بقي في يد صاحب المقدم ثلاثمائة، وما في يد صاحب المؤخر يساوي ستمائة فيرجع عليه بربع ما في يده وقيمته مائة وخمسون حتى يسلم لكل واحد منهما ما يساوي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 456 لأنه لو استحق كل المقدم رجع بنصف ما في يده، فإذا استحق النصف رجع بنصف النصف وهو الربع اعتبارا للجزء بالكل. ولو باع صاحب المقدم نصفه ثم استحق النصف الباقي شائعا رجع بربع ما في يد الآخر عندهما لما ذكرنا، وسقط خياره ببيع البعض.   [البناية] أربعمائة وخمسين م: (لأنه لو استحق كل المقدم رجع بنصف ما في يده، فإذا استحق النصف رجع بنصف النصف وهو الربع اعتبارا للجزء بالكل) ش: أي لأنه إنسان لو استحق كل المقدم من الدار وهو الثلث والباقي ظاهر. م: (ولو باع صاحب المقدم نصفه) ش: ذكره تفريعا على مسألة القدوري، أي ولو باع صاحب المقدم والنصف من الثلث المقدم الذي وقع في نصيب أحدهما م: (ثم استحق النصف الباقي شائعا رجع بربع ما في يد الآخر عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، وقد ذكر هنا قول محمد مع أبي يوسف - رحمهما الله - كما في الأول. وذكر الكرخي قوله مع أبي حنيفة كما في الأول، وذلك لأن من أصل أبي حنيفة أن القسمة لا تنقض فيحتاج إلى تحقيق معنى المعادلة، فيقول لو استحق جميع ما في يده رجل بنصف ما في يد صاحبه. وإذا استحق النصف رجع بالربع اعتبارا للجزء بالكل، وهو معنى قوله م: (لما ذكرنا) ش: يعني من قوله لأنه لو استحق كل المقدم رجع بنصف ما في يده إلى قوله اعتبارا للجزء بالكل م: (وسقط خياره ببيع البعض) ش: أي سقط خيار المستحق عليه في فسخ القسمة، لأنه باع البعض وبقي حق الرجوع بالربع تحقيقا للمعادلة. وقال الكرخي في "مختصره ": فإن كانت مائة شاة ما بين رجلين نصفين ميراثا أو شراء فاقتسماها وأخذ أحدهما أربعين شاة فساوى خمسمائة، وأخذ الآخر ستين تساوي خمسمائة فاستحقت شاة من الأربعين تساوي عشرة دراهم، فإنه يرجع بخمسة دراهم في الستين شاة في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أيضا، فتكون الستين شاة بينهما يضرب فيها بخمسة دراهم، ويضرب فيها الآخر بخمسمائة درهم إلا خمسة دراهم، انتهى. وهذا لا ينقض القسمة بالاتفاق، لأن الاستحقاق إذا ورد على شيء يعني لا ينقض القسمة وقد وردت على شاة بعينها فوجب الرجوع بنصف قيمة الشاة المستحقة لتحققت معنى المبادلة. وتبنى أن بينهما ألفا إلا عشرة دراهم، وقد وصل إلى صاحب الستين وخمسمائة إلى صاحب الأربعين أربعمائة وتسعين، وتبقى خمسة دراهم إلى تمام حقه فيضرب في الستين شاة بخمسة دراهم وشريكه بأربعمائة وخمسة وتسعين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 457 وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في يد صاحبه بينهما نصفان ويضمن قيمة نصف ما باع لصاحبه؛ لأن القسمة تنقلب فاسدة عنده، والمقبوض بالعقد الفاسد مملوك فنفذ البيع فيه، وهو مضمون بالقيمة فيضمن نصف نصيب صاحبه، قال: ولو وقعت القسمة ثم ظهر في التركة دين محيط ردت القسمة   [البناية] م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما في يد صاحبه بينهما نصفان فيضمن قيمة نصف ما باع لصاحبه؛ لأن القسمة تنقلب فاسدة عنده) ش: أي عند أبي يوسف، لأنه تبين الاستحقاق والقسمة كانت فاسدة م: (والمقبوض بالعقد الفاسد مملوك) ش: هذا جواب لمن يقول: ينبغي أن يقبض البيع، لأنه بناء على القسمة وهي فاسدة فيفسد ما بني عليه فليسترد الشريك البائع ما باع، ويجمع النصيب الذي في يد الآخر ويقسم ثانيا، فأجاب بأن القسمة في معنى البيع من حيث إنها مبادلة فكانت في معنى البيع الفاسد والمقبوض في البيع الفاسد م: (فنفذ البيع فيه) ش: لاتصال القبض م: (وهو مضمون بالقيمة فيضمن نصف نصيب صاحبه) ش: لتعذر الوصول إلى عين حقه لمكان البيع فيضمن نصف صاحبه. [لو وقعت القسمة ثم ظهر في التركة دين محيط ردت القسمة] م: (قال: ولو وقعت القسمة ثم ظهر في التركة دين محيط ردت القسمة) ش: أي قال المصنف ذكر هذه المسألة تفريعا على مسألة القدوري وهي من مسائل الأصل، ولكن كان ينبغي أن لا يذكر في أول المسألة لفظ قال لأنه لم يذكر هذه المسألة في البداية. وقوله: دين لا تفاوت فيه بين أن يكون قليلا أو كثيرا، وبه صرح الحاكم في " الكافي " والكرخي في "مختصره"، إلا أن يكون للميت مال ما سوى ذلك بيع بالدين، وأبعدت القسمة. وقوله: رد القسمة، أي إذا لم يرد الورثة الدين، إما لراد وإلا ترد، لأن حق الغرماء في مالية الشركة لا في عينها، وبه قال مالك. وقال الشافعي: إن قلنا إن القسمة تمييز لحقين لم تبطل القسمة، وإن لم يقبض الدين بطلت القسمة. وإن قلنا إنه بيع الشركة قبل قضاء الدين ففيه قولان، وفي قسمتها قولان، وفي " الذخيرة " لو ظهر وارث آخر أو موصى له بالثلث أو الربع أو ما أشبه ذلك وردت القسمة لأنه ظهر أن في الشركة شريكا آخر قد اقتسموا دونه، وكذا لو ظهر الموصى له بالألف المرسلة، أي إذا قالت الورثة بحق ينقص حق الغرماء وحق الموصى له بالألف المرسلة. أما في الوارث الآخر والموصى له بالثلث أو الربع ليس لهم ذلك، لأن حقهما في عين الشركة فلا ينفك إلى مالك آخر إلا برضاهما، وحق الغريم والموصى له بالألف المرسلة إلى المالية لا في عين الشركة، وفي ذلك قال الوارث في التركة سواء، ولهذا قالوا: لو كان مال آخر لم يدخل في القسمة ليس للغريم والموصى له بالألف المرسلة حق بعض القسمة، بل يعطى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 458 لأنه يمنع وقوع الملك للوارث، وكذا إذا كان غير محيط لتعلق حق الغرماء بالشركة إلا إذا بقي من التركة ما يفي بالدين وراء ما قسم؛ لأنه لا حاجة إلى نقض القسمة في إيفاء حقهم. ولو أبرأه الغرماء بعد القسمة أو أداه الورثة من   [البناية] واختلف أصحاب مالك في ظهور وارث آخر أو موصى له بالثلث، قال ابن القاسم: وإن كانوا عالمين بوارث آخر لا تصح القسمة، وإن لم يكونوا عالمين والشركة عين أخذ من كل ما يتويه، وقال عبد الملك وأشهب: القسمة جائزة في الوجهين وله الخيار إن شاء أجاز القسمة وأخذ ما تتويه من كل، وإن شاء رد القسمة فيجمع سهمه في محل إذا كانت التركة دارين، وإن كانت أكثر استرد القسمة. وإذا كان في التركة دين وطلبوا من القاضي القسمة والقاضي يعلم بالدين وصاحب الدين غائب، فإن كان الدين مستغرقا بالدين لا يقسم القاضي، لأنه لا ملك لهم في الشركة، فإن كان غير مستغرق فالقياس أن لا يقسمها أيضا، لأن الدين سائل لكل جزء من أجزاء التركة، حتى لو هلك جميع التركة إلا مقدار الدين كان ذلك لصاحب الدين، وهذا القياس قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولكنه استحسن وقال: قلما يخلو تركة عن دين يسير ويستحب أن يقف عشرة آلاف بدين عشرة، فالأحسن أن ينظر للفريقين فيقف من التركة قدر الدين ويقسم الباقي مراعاة للحقين وفيه نظر للميت من حيث إن وارثه يقوم بحفظ ما نصيبه من ذلك، فليس يكون مضمونا عليه ما لم يصل إلى صاحب الدين حقه مالا يأخذ كفيلا بشيء من ذلك فعلى هذا قول أبي حنيفة. أما عندهما يأخذ كفيلا وإن لم يكن الدين معلوما للقاضي عن الدين، فإذا قالوا: لا دين فالقول لهم ويقسم القاضي تمسكهم بالأصل وهو فراغ الذمة عن الدين، ولو ظهر دين نقض القسمة لأن أوانها قضاء الدين، كذا في " المبسوط " والذخيرة ". م: (لأنه يمنع) ش: أي لأن الدين يمنع م: (وقوع الملك للوارث) ش: وقد ذكرنا مستقصى م: (وكذا إذا كان غير محيط لتعلق حق الغرماء بالتركة) ش: شائعا فلا يجوز التصرف كالمرهون م: (إلا إذا بقي من التركة ما يفي بالدين وراء ما قسم) ش: استيفاء من قوله ردت القسمة، يعني إذا بقي في التركة بعد القسمة بشيء يوفى به الدين فلا ترد القسمة م: (لأنه لا حاجة إلى نقض القسمة في إيفاء حقهم) ش: لأن المانع عن القسمة قيام حق الغريم، فإذا وصل إليه حقه زال المانع من نفوذ القسمة. م: (ولو أبرأه الغرماء بعد القسمة) ش: أي وكذا لا يرد القسمة لأنه لا حاجة إلى نقض القسمة إذا أبرأ الميت غرماءه بعد القسمة م: (أو أداه) ش: أي دين الغرماء حق م: (الورثة من الجزء: 11 ¦ الصفحة: 459 مالهم والدين محيط أو غير محيط جازت القسمة، لأن المانع قد زال، ولو ادعى أحد المتقاسمين دينا في التركة صح دعواه؛ لأنه لا تناقض إذ الدين يتعلق بالمعنى والقسمة تصادف الصورة ولو ادعى عينا بأي سبب كان لم يسمع للتناقض إذ الإقدام على القسمة اعتراف بكون المقسوم مشتركا   [البناية] مالهم والدين محيط أو غير محيط) ش: أي وسواء كان الدين بالتركة أو لم يكن م: (جازت القسمة؛ لأن المانع قد زال) ش: وهو قيام الدين. فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين ما إذا ظهر موصى له بالثلث؟ قلت: إنه شريكه في التركة وقد اقتسموا بدونه فلا تصح القسمة، كما إذا استحق شيء شائع في التركة، فإن القسمة باطلة كذلك هاهنا، والفقه فيه أنا نعتبر الانتهاء في المسألتين بالابتداء، وفي ابتدائهما إذا قسموا التركة وأعطوا حق الموصى له بالثلث من مالهم لم يكن لهم ذلك إلا برضاه، لأن حقه في عين التركة. فإذا أرادوا أن يعطوه من مالهم فقد قصدوا شراء نصيبه من التركة فلا يصح إلا برضاه فكذلك في الانتهاء، وقد مر تحقيقه آنفا. [ادعى أحد المتقاسمين دينا في التركة] م: (ولو ادعى أحد المتقاسمين دينا في التركة صح دعواه) ش: ذكر تفريعا على مسألة القدوري قيد بقوله: دينا، لأنه لو ادعى عينا من أعيان التركة بأي سبب كان بالشراء والهبة أو غيرهما فلا يقبل دعواه كما يجيء عن قريب، إذ الدين لا يتعلق بعين التركة بل بمعناها وهي المالية، ولهذا للورثة حق إيفاء الدين من مال آخر. واستخلاص التركة لا تقسم فلم يكن الإقدام على القسمة إقرارا بعدم الدين، أشار إليه بقوله م: (لأنه لا تناقض إذا الدين يتعلق بالمعنى) ش: أي بمعنى التركة وحق المالية م: (والقسمة تصادف الصورة) ش: أي صورة التركة. وشرط التناقض اتخاذ المحل، وهاهنا قد اختلف المحل فلا يتناقض. م: (ولو ادعى) ش: أحد المتقاسمين م: (عينا) ش: من الأعين في التركة م: (بأي سبب كان) ش: من الشراء والهبة أو نحوهما م: (لم يسمع) ش: دعواه م: (للتناقض إذ الإقدام على القسمة اعتراف) ش: أي إقرار منه م: (بكون المقسوم مشتركا) ش: ودعواه بعد ذلك دعوى بفساد القسمة، إذ القسمة فيه باطلة كانت العين له، وبين دعوى الفساد والإقرار بالصحة للتناقض فلا يسمع. وفي " الذخيرة " أقر رجل أن فلانا مات وترك هذه الدار ميراثا ولم يقل لهم أو لورثته ثم ادعى بعد ذلك أنه أوصى بالثلث أو ادعى دينا عليه أو لهم، والمسألة بحالها لا تقبل، لأنه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 460 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] لما قال لهم أو لورثته كان إقرارا بأن لا دين عليه ولا حق لغيره، فبعد ذلك دعوى الوصية أو الدين يتناقض. وفي " الشامل " اقتسمت الورثة وأراد فيهم امرأة الميت ثم ادعت بعد القسمة مهرا على زوجها وإقامة البينة تنقض بالقسمة، وكذلك الوارث لو ادعى دينا، لأن المهر لا يتعلق بعين التركة بل بمعناها، فلم يكن بالإقدام على القسمة مقرة بأن لا حق لها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 461 فصل في المهايأة المهايأة جائزة استحسانا للحاجة إليه، إذ قد يتعذر الاجتماع على الانتفاع، فأشبه القسمة   [البناية] [فصل في المهايأة] م: (فصل في المهايأة) ش: لما ذكر قسمة الأعيان شرع بقسمة الأعراض وهي لغة مشتقة من الهيئة وهي الحالة الظاهرة للمتهيئ للشيء، يقال: هيأها هي مهايأة، ومنه التهايؤ وهو أن يتواضعوا على أمر فيتراضوا به وفي الحقيقة أن يتراضوا بهيئة واحدة، يعني الشريك منتفع بالعين على الهيئة التي ينتفع بها الشريك الآخر، وقد تبدل الهمزة ألفا. وفي عرف الفقهاء هي قسم المنافع. ومسائل هذا الفصل إلخ من المسائل الأصل لم يذكرها محمد في " الجامع الصغير " ولا القدوري في "مختصره "، ولهذا لم يذكرها صاحب " الهداية " في البداية إنما ذكرها هنا تكثيرا للفوائد. م: (المهايأة جائزة استحسانا) ش: وفي القياس لا يجوز لأنها مبادلة المنفعة بجنسها، وقال في " شرح الأقطع ": قال أصحابنا: إن المهايأة في المنافع المشتركة عقد جائز واجب إذا طلب أحد الشركاء، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز. وقال الطحاوي في " اختلاف الفقهاء " إني طلبت في ذلك قول الشافعي فلم أجد ظاهرا. مذهبه أن الحاكم لا يجوز أن يجبر على المهايأة. وكذا يذكر أصحاب اليوم. وجه استحسان الكتاب قوله سبحانه وتعالى: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] (الشعراء: الآية 155) وهذا هو المهايأة. والسنة ما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج إلى غزوة بدر مع أصحابه على نواضح المدينة ليس لهم ظهر غيرها، فكان يخرج منهم الثلاثة على البعير الواحد التناوب ليس فيهم فارس غير مصعب بن عمير والمقداد بن الأسود» . وروي «عن عقبة بن عامر الجهني قال: كنا نتناوب في إبل الصدقة على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» - والمعقول وهو أن الأعيان خلقت للانتفاع، فمتى كان الملك مشتركا فكان حق الانتفاع مشتركا أيضا، والمحل الواحد لا يحتمل الانتفاع على الاشتراك في زمان واحد، فيحتاج إليها تكميلا للانتفاع. ثم التهايؤ قد يكون من حيث المكان كالدار الكبيرة يسكن أحدهما ناحية منها والآخر ناحية أخرى. وقد يكون من حيث الزمان بأن ينتفع أحدهما بالعين كالدار والأرض ونحو ذلك مما يحتمل القسمة. وأما فيما لا يحتمل القسمة كالدابة الواحدة والعبد الواحد لا ينافي القسمة إلا من حيث الزمان. م: (للحاجة إليه) ش: أي إلى فعل المهايأة م: (إذ قد يتعذر الاجتماع على الانتفاع فأشبه القسمة) الجزء: 11 ¦ الصفحة: 462 ولهذا يجري فيه جبر القاضي، كما يجري في القسمة، إلا أن القسمة أقوى منه في استكمال المنفعة لأنه جمع المنافع في زمان واحد، والتهايؤ جمع على التعاقب، ولهذا لو طلب أحد الشريكين القسمة والآخر المهايأة يقسم القاضي لأنه أبلغ في التكميل. ولو وقعت فيما يحتمل القسمة ثم طلب أحدهما القسمة يقسم   [البناية] ش: وهذا الوجه المعقول، وقد بيناه، وكلمة إذ للتعليل، قوله: فأشبه، أي فعل المهايأة، والتهايؤ القسمة فيما تعذر الانتفاع بالعين جملة فيقسم ينتفع كل منه بنفسه، فكذلك الانتفاع بالمنفعة قد يتعذر جملة يستهمون وينتفع كل منهم بنصيبه، إذ المقصود من الأعيان الانتفاع بها. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل شبه المهايأة القسمة م: (يجري فيه) ش: أي في المهايأة تأويل جملة التهايؤ م: (جبر القاضي كما يجري في القسمة) ش: إذا طلبها بعض الشركاء وأبى غيره يجبره القاضي كما يجبر، أي في القسمة عند اتحاد الجنس. ثم اختلف العلماء في كيفية جوازها. قال بعضهم: إن كانت المهايأة في الجنس الواحد والمنفعة متفاوتة تفاوتا يسيرا كما في الثياب والأراضي يعتبر إفرازا من وجه مبادلة من وجه حتى لا ينفرد أحدهما بهذه المهايأة. ولو طلب أحدهما ولم يطلب الآخر قسمة الأصل أجبر على المهايأة. وعند الشافعي لم يجبر، وعنه في وجه يجبر وإن [ ... ] في الجنس المختلفة كالدور والعبيد تعتبر مبادلة من كل وجه حتى لا يجوز من غير رضاهما، لما أن المهايأة قسمة المنافع فيعتبر بقسمة الأعيان، وقسمة العين اعتبرت مبادلة من كل وجه في الجنس المختلف، وفي الجنس المتحد إفراز من وجه مبادلة من كل وجه كما بينا فلا ينفرد أحدهما بالقسمة، ولكن أجبر عليه بطلب أحدهما، لأن التفاوت يسير، وكذا في قسمة المنافع. وقيل: إن المهايأة في الجنس الواحد من الأعيان المتفاوتة تفاوتا يسيرا يعتبر إفرازا من وجه عارية من وجه؛ لأن المهايأة جائزة في الجنس الواحد. ولو كانت مبادلة من وجه لما جازت في الجنس الواحد لأنها تكون مبادلة المنفعة بجنسها وأنه يحرم النساء، والأول أصح. م: (إلا أن القسمة أقوى منه) ش: أي من التهايؤ م: (في استكمال المنفعة لأنه) ش: أي لأن القسمة والتذكير باعتبار القسم م: (جمع المنافع في زمان واحد، والتهايؤ جمع على التعاقب) ش: يعني يقع شيء منها عقيب شيء م: (ولهذا) ش: أي لكون القسمة أقوى م: (لو طلب أحد الشريكين القسمة والآخر المهايأة يقسم القاضي لأنه أبلغ في التكميل) ش: أي ولأن القسم أبلغ في تكميل المنفعة لما ذكر أنه جمع المنافع في زمان واحد. [ولو وقعت فيما يحتمل القسمة ثم طلب أحدهما القسمة يقسم] م: (ولو وقعت) ش: أي المهايأة م: (فيما يحتمل القسمة ثم طلب أحدهما القسمة يقسم) ش: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 463 وتبطل المهايأة لأنه أبلغ ولا يبطل التهايؤ بموت أحدهما ولا بموتهما؛ لأنه لو انتقض لاستأنفه الحاكم ولا فائدة في النقض ثم الاستئناف. ولو تهايئا في دار واحدة على أن يسكن هذا طائفة وهذا طائفة، أو هذا علوها وهذا سفلها جاز، لأن القسمة على هذا الوجه جائزة فكذا المهايأة والتهايؤ في هذا الوجه إفراز لجميع الأنصباء لا مبادلة، ولهذا لا يشترط فيه التأقيت ولكل واحد أن يستغل ما أصابه بالمهايأة شرط ذلك في العقد أو لم يشرط   [البناية] أي ثم طلب أحد الشريكين القسمة يقسم القاضي م: (وتبطل المهايأة؛ لأنه) ش: أي لأن القسم م: (أبلغ) ش: في تكميل المنفعة. وقال: في كتاب الصلح من المسائل: ولكل واحد نقض المهايأة بلا عذر إذا لم يرد التعنت، لأنه بمنزلة العارية وورثتهما بمنزلتهما. وقال في " الكفاية " طلب أحدهما قسمة العين بعد المهايأة قسم الحاكم وفسخ المهايأة، لأن الأصل القسمة. [هل يبطل التهايؤ بموت أحد المتقاسمين] م: (ولا يبطل التهايؤ بموت أحدهما ولا بموتهما؛ لأنه لو انتقض لاستأنفه الحاكم) ش: بجواز طلب الورثة المهايأة م: (ولا فائدة في النقض ثم الاستئناف) ش: أي فحينئذ فلا فائدة في نقض المهايأة ثم إعادتها م: (ولو تهايئا في دار واحدة على أن يسكن هذا طائفة) ش: أي ناحية من الدار م: (وهذا طائفة) ش: أي ناحية أخرى منها م: (أو هذا علوها وهذا سفلها) ش: أي وهذا يسكن علو الدار وهذا يسكن سفلها م: (جاز، لأن القسمة على هذا الوجه جائزة، فكذا المهايأة) ش: يجوز بجبر الممتنع بطلب أحدهم وبه قال الشافعي ومالك: وسواء في ذلك ذكرت المدة أو لا. وفي " المبسوط " لو انهدم العلو فلصاحبه أن يسكن مع صاحب السفل لأنه إنما رضي بسقوط حقه في السفل بشرط سلامة سكن العلو فلم يسلم فكان هو على حقه في السفل وورثته في ذلك بمنزلته. م: (والتهايؤ في هذا الوجه) ش: وهو أن يسكن في هذا جانب من الدار ويسكن هذا في جانب آخر في زمان واحد م: (إفراز لجميع الأنصباء لا مبادلة) ش: يعني جمع القاضي بها جمع منافع أحدهما في بيت واحد بعد أن كانت سابعة في ثلثين، وكذلك في حق الآخر وبهذا إيضاح لكونها إفراز لا مبادلة م: (لهذا لا يشترط فيه التوقيت) ش: يعني لو كانت مبادلة يشترط فيها بيان المدة لأنه تعتبر حينئذ إجارة، وهذه الإجارة فاسدة لأنها تكون إجارة السكنى م: (ولكل واحد أن يستغل ما أصابه بالمهايأة) ش: أي ولكل واحد من التهايئين أن يأخذ بحدوث المنافع على ملكه، احترز بهذا القيد عن قول أبي علي الشافعي فإنه قال: لو تهايئا بالسكنى ولم يشترط الإجارة لم يملك كل واحد منهما إجارة منزله وقال شمس الأئمة: ظاهر المذهب أنه يملك الإجارة م: (شرط ذلك في العقد أو لم يشرط) ش: كذا في " الذخيرة " الجزء: 11 ¦ الصفحة: 464 لحدوث المنافع على ملكه. ولو تهايآ في عبد واحد على أن يخدم هذا يوما وهذا يوما جاز، وكذا هذا في البيت الصغير، لأن المهايأة قد تكون في الزمان، وقد تكون من حيث المكان، والأول متعين هاهنا، ولو اختلفا في التهايؤ من حيث الزمان والمكان في محل يحتملهما يأمرهما القاضي بأن يتفقا، لأن التهايؤ في المكان أعدل وفي الزمان أكمل، فلما اختلفت الجهة لا بد من الاتفاق. فإن اختاراه من حيث الزمان يقرع في البداية نفيا للتهمة،   [البناية] فإن قلت: المنافع في العارية يحدث على ملك المستعير، ومع هذا لا يملك الإجارة. قلت: لجواز أن يسترده م: (لحدوث المنافع على ملكه) ش: المعير قبل مضي المدة فلا فائدة. م: (ولو تهايآ في عبد واحد على أن يخدم هذا يوما وهذا يوما) ش: أي ويخدم هذا يوما م: (جاز) ش: أي التهايؤ. واحترز بالعبد الواحد على التهايؤ على علة العبد الواحد فإنه لا يجوز بالاتفاق بيانه فيها ذكر شيخ الإسلام الأسبيجابي في كتاب الصلح من (الكافي) ، والتهايؤ في خدمة العبد الواحد والعبدين جائزة. وفي " الكيسانيات " في العبدين ينبغي أن لا يجوز أيضا هاهنا عند أبي حنيفة اعتبارا برقبتهما. م: (وكذا هذا في البيت الصغير؛ لأن المهايأة قد تكون في الزمان) ش: بأن يسكن هذا يوما وهذا يوما م: (وقد تكون من حيث المكان) ش: بأن يسكن هذا طائفة وطائفة م: (والأول متعين هاهنا) ش: معنى التهايؤ في الزمان متعين في البيت الصغير ولم يذكر أن هذا إفراز أو مبادلة لأنه عطفه على صورة الإفراز وكان معلوما م: (ولو اختلفا في التهايؤ من حيث الزمان والمكان) ش: بأن يطلب أحدهما التهايؤ من حيث الزمان والآخر من حيث المكان أو من حيث الزمان فقط فهو أن يطلب أحدهما أن يسكن جميع الدار شهرا وصاحبه شهرا آخر، أو من حيث المكان فقط فهو أن يطلب أحدهما أن يسكن في مقدمها وصاحبه م: (في محل يحتملهما) ش: أي يحتمل التهايؤ من حيث الزمان والتهايؤ من حيث المكان، كالدار مثلا. قيد به إذا كان في محل لا يحتملها كالبيت الصغير مثلا فإنه لا يكون التهايؤ إلا من حيث الزمان فقط. م: (يأمرهما القاضي بأن يتفقا؛ لأن التهايؤ في المكان أعدل) ش: لأن كل واحد ينتفع في زمان واحد من غير تقديم لأحدهما على الآخر م: (وفي الزمان أكمل) ش: لأن كل واحد ينتفع بجميع الدار في نوبته، وفي المكان ينتفع بالبعض م: (فلما اختلفت الجهة) ش: وهو الزمان والمكان م: (لا بد من الاتفاق، فإن اختاره من حيث الزمان يقرع في البداية نفيا للتهمة) ش: أي لتهمة الميل، وأنه قيد الاختيار من حيث الزمان، ولم يطلق؛ لأن التسوية في المكان فكان ممكنا في الحال بأن يسكن هذا بعضها، ويسكن الآخر بعضها. ولو كان المتقدم أحسن وأنفع يمكن أن يجعل في نصيب الآخر من المرافق ما يساوي المقدم، أما التسوية من حيث الزمان فلا يمكن في الحال إلا أن يمضي مدة أحدهما ثم يسكن الآخر مثل تلك المدة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 465 ولو تهايآ في العبدين على أن يخدم هذا هذا العبد والآخر الآخر جاز عندهما، لأن القسمة على هذا الوجه جائزة عندهما من القاضي وبالتراضي فكذا المهايأة. وقيل: عند أبي حنيفة: لا يقسم القاضي، وهكذا روي عنه لأنه يجري فيه الجبر عنده، والأصح أنه يقسم القاضي عنده أيضا؛ لأن المنافع من حيث الخدمة قلما تتفاوت، بخلاف أعيان الرقيق لأنها تتفاوت تفاوتا فاحشا على ما تقدم. ولو تهايئا فيهما على أن نفقة كل عبد على من يأخذه جاز استحسانا للمسامحة في إطعام المماليك، بخلاف شرط الكسوة لأنه لا يسامح فيها.   [البناية] [تهايآ في العبدين على أن يخدم هذا هذا العبدُ] م: (ولو تهايآ في العبدين على أن يخدم هذا هذا العبدُ) فهذا العبد فاعل لقوله: يخدم فيكون مرفوعا، وهذا الأول مفعول فيكون محل النصب م: (والآخر) ش: بنصب الأول ورفع الثاني أي ويخدم الشريك الآخر العبد م: (الآخر جاز عندهما) ش: أي عند أبي يوسف، ومحمد وبه قالت الثلاثة م: (لأن القسمة على هذا الوجه جائزة عندهما جبرا من القاضي وبالتراضي، فكذا المهايأة) ش: أي فكذا يجوز المهايأة، وقد مر أنها تجوز أن قسمة الرقيق جبرا، والمهايأة من أهل القسمة. م: (وقيل: عند أبي حنيفة لا يقسم القاضي) ش: أي قال بعض المشايخ عنه: فكذا على قياس قوله م: (وهكذا روي عنه) ش: أي كما قال بعض المشايخ روى عنه الخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الأترازي: يعني روي عن أبي حنيفة في " الكيسانيات " أن التهايؤ على خدمة العبدين لا يجوز وظاهر الرواية على خلاف ذلك م: (لأنه لا يجري فيه الجبر عنده) ش: لأن الشأن لا يجري في القسم الجبر عند أبي حنيفة م: (والأصح أنه يقسم القاضي عنده أيضا) ش: لأن معنى قول أبي حنيفة أن الدور لا تقسم أنه لا يفعل القاضي، فإن فعله جاز، فعلى هذا يجوز القسمة في الأصول، فكذا في المهايأة، وإلى هذا مال الكرخي م: (لأن المنافع من حيث الخدمة قلما تتفاوت) ش: لأن الاستخدام مما لا يدوم أنه مبني على المسامحة، والمساهلة، فيكون منافع العبد متقاربة. م: (بخلاف أعيان الرقيق؛ لأنه تتفاوت تفاوتا فاحشا على ما تقدم) ش: في القسمة م: (ولو تهايئا فيهما) ش: أي ولو تهايآ الشريكان في العبدين م: (على أن نفقة كل عبد على من يأخذه جاز استحسانا للمسامحة في إطعام المماليك، بخلاف شرط الكسوة؛ لأنه لا يسامح فيها) ش: قال في " الشامل ": تهايآ في عبدين أن يستخدم كل واحد أحدهما، وطعام كل واحد عليه جاز استحسانا؛ لأنه يستقبح أن يخدمه، ويؤتى بطعامه من بيت غيره. ولو تهايآ على أن يكون لكل واحد كسوة ما في يده لا يجوز؛ لأن كسوتهما عليهما، فيكون كل واحد مشتريا نصف الكسوة من صاحبه بنصف كسوة الذي في يده فإنه مجهول فلا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 466 ولو تهايآ في دارين على أن يسكن كل واحد منهما دارا جاز ويجبر القاضي عليه، أما عندهما فظاهر؛ لأن الدارين عندهما كدار واحدة. وقد قيل: لا يجبر عنده اعتبارا بالقسمة، وعن أبي حنيفة: أنه لا يجوز التهايؤ فيهما أصلا بالجبر لما قلنا، وبالتراضي لأنه بيع السكنى بالسكنى بخلاف قسمة رقبتهما؛ لأن بيع بعض أحدهما ببعض الآخر جائز، وجه الظاهر: أن التفاوت يفل في المنافع فيجوز بالتراضي ويجري فيه جبر القاضي، ويعتبر إفرازا.   [البناية] يجوز. [لو تهايآ في دارين على أن يسكن كل واحد منهما دارا جاز] م: (ولو تهايآ في دارين على أن يسكن كل واحد منهما دارا جاز) ش: بالاتفاق م: (ويجبر القاضي عليه) ش: أي على التهايؤ في الدارين إذا أمتنع أحدهما م: (أما عندهما فظاهر؛ لأن الدارين عندهما كدار واحدة) ش: أي أما عند أبي يوسف. ومحمد فظاهر، لأن قسمة الدارين في هذا المثال تصح، فكذا التهايؤ. وكذا عند أبي حنيفة، لأن التفاوت يقل في المنافع فيجوز بالتراضي. ويجري فيه جبر القاضي، ويعتبر إفرازا كالأعيان المتقاربة. م: (وقد قيل: لا يجبر عنده اعتبارا بالقسمة) ش: وهو قول الكرخي، فإنه قال: لا يجبر عند أبي حنيفة، قال في " الفتاوى الصغرى ": وذكر الكرخي هذا إذا تراضيا عليه، أما عند طلب أحدهما فالقاضي لا يجبر عند أبي حنيفة؛ لأن عنده قسمة الجبر لا يجري في الدور، فكذا في القسمة بطريق التهايؤ. م: (وعن أبي حنيفة: أنه لا يجوز التهايؤ فيهما أصلًا بالجبر) ش: أي من القسمة والتهايؤ في أكثر النسخ فيه، أي في سكنى الدارين قوله أصلا، يعني مطلقا، يعني لا بالجبر، ولا بالتراضي، وهذه رواية " الكيسانيات ". بيانه فيها قال شيخ الإسلام الأسبيجابي في " شرح الكافي ": فكذلك التهايؤ في الدارين على السكنى إذ العله جائزة. وذكر في " الكيسانيات " عن أبي حنيفة أنه لا يجوز؛ لأن قسمة المنفعة تعتبر بقسمة العين، وقسمة العين في الدارين عنده لا يجوز باعتبار التفاوت، إلا أن ثمة يجوز بالتراضي لأنه بملك ينعقد تمليكا عند ذلك، وتمليك الدار جائز، وهذا ينعقد تمليك السكنى بالسكنى، وذلك باطل م: (لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: اعتبارا بالقسمة م: (وبالتراضي) ش: عطف على قوله بالجبر م: (لأنه بيع السكنى بالسكنى) ش: أي لأن التهايؤ في الدارين بيع السكنى بالسكنى وذلك باطل. م: (بخلاف قسمة رقبتهما) ش: أي حيث يجوز قسمة رقبة الدارين م: (لأن بيع بعض أحدهما ببعض الآخر جائز) ش: أي بيع بعض أحد الدارين ببعض الدار الآخر م: (وجه الظاهر) ش: وهو أن يجبر القاضي عليه عند أبي حنيفة م: (أن التفاوت يقل في المنافع فيجوز بالتراضي، ويجري فيه جبر القاضي، ويعتبر إفرازا) ش: أي يعتبر التهايؤ هذا إفرازا أو تمييزا، هذا جواب عما روي عن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 467 أما التفاوت فيكثر في أعيانهما فاعتبر مبادلة. وفي الدابتين لا يجوز التهايؤ على الركوب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما يجوز اعتبارا بقسمة الأعيان. وله: أن الاستعمال يتفاوت بتفاوت الراكبين فإنهم بين حاذق وأخرق، والتهايؤ في الركوب في دابة واحدة على هذا الخلاف لما قلنا. بخلاف العبد لأنه يخدم باختياره فلا يتحمل زيادة على طاقته، والدابة تحملها وأما التهايؤ في الاستغلال فيجوز في الدار الواحدة في ظاهر الرواية، وفي العبد الواحد، والدابة الواحدة لا يجوز.   [البناية] أبي حنيفة أنه لا يجوز م: (أما التفاوت فيكثر في أعيانهما) ش: أي في أعيان الدارين، وهذا التركيب غير مرض عند النحاة على ما لا يخفى، ولكن التقدير: أما التفاوت فيكثر في الأعيان فافهم م: (فاعتبر مبادلة) ش: فلا يجري فيها الجبر، بخلاف الإفراز م: (وفي الدابتين لا يجوز التهايؤ على الركوب عند - أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما يجوز اعتبارا بقسمة الأعيان) ش: فكما يجوز قسمة الدواب من جنس واحد رقبة، فكذا يجوز منفعة. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الاستعمال يتفاوت بتفاوت الراكبين فإنهم بين حاذق) ش: أي فإن الراكبين بين ما هو حاذق بصنعة الركوب م: (وأخرق) ش: أي وبين أخرق، أي جاهل بها، وهو أفعل من خرق يخرق من باب علم يعلم، ويقال: هو من باب فعل يفعل بالضم فيهما، ومصدره خرق بفتحتين، والأخرق ضد الرفيق، والأخرق الأحمق م: (والتهايؤ في الركوب في دابة واحدة على هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور، فعنده لا يجوز خلافا لهما م: (لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: إن الاستعمال يتفاوت بتفاوت الراكبين. م: (بخلاف العبد) ش: أي بخلاف التهايؤ في خدمة العبد حيث يجوز م: (لأنه يخدم باختياره) ش: ويسأله على سمط واحد م: (فلا يتحمل زيادة على طاقته) ش: أي لأن يتكلف زيادة على ما يطيقه من العمل، والخدمة، فيتحقق الاعتدال في قسمتها م: (والدابة تحملها) ش: على صيغة المجهول، أي يحتمل الزيادة على طاقتها، يعني تكلف، ويسأل عليها بغير ما في طاقتها، والناس متفاوتون فلا يتحقق الاعتدال م: (وأما التهايؤ في الاستغلال) ش: أي طلب الغلة م: (فيجوز في الدار الواحدة في ظاهر الرواية) ش: لأنه في الحقيقة تهايؤ من حيث المنفعة؛ لأنه لا فرق بين أن يتهايأ سكنى، ثم يؤاجرها فيأكل غلتها، وبين أن يتهايأ في الغلة ابتداء. وذكر محمد في " الرقبانيات " أنه لا يجوز التهايؤ في الغلة، لأن الغلة اسم للدراهم وهي معدومة الحال، وقسمة المعدوم قبل الوجود لا يجوز إذا كان مما يحتمل القسمة بعد الوجود. بخلاف القسمة في المنفعة، ولهذا لا تجوز القسمة في غلة واحدة، كذا في " شرح الكافي ". [التهايؤ في الغلة] م: (وفي العبد الواحد، والدابة الواحدة لا يجوز) ش: بلا خلاف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 468 ووجه الفرق: أن النصيبين يتعاقبان في الاستيفاء، والاعتدال ثابت في الحال، والظاهر بقاؤه في العقار وتغيره في الحيوانات لتوالي أسباب التغير عليها فتفوت المعادلة، ولو زادت الغلة في نوبة أحدهما عليها في نوبة الآخر يشتركان في الزيادة ليتحقق التعديل   [البناية] م: (ووجه الفرق) ش: يعني بين جواز التهايؤ في الاستغلال في دار واحدة، وعدمه في العبد الواحد، والدابة الواحدة م: (أن النصيبين يتعاقبان في الاستيفاء) ش: أي نصيبي الشريكين يتعاقبان. يعني أحدهما يكون عقيب الآخر في استيفاء المنفعة م: (والاعتدال ثابت في الحال) ش: أي في الحال التي عليها الدار، أو العبد م: (والظاهر بقاؤه في العقار) ش: أي بقاء الاعتدال في العقار م: (وتغيره في الحيوانات) ش: أي والظاهر تغير الاعتدال في الحيوانات م: (لتوالي أسباب التغير عليها) ش: أي على الحيوانات من عروض الآفة، والمرض، والعجز، خصوصا عند لحوق التعب م: (فتفوت المعادلة) ش: أي إذا كان كذلك تفوت المعادلة؛ لأن الاستغلال إنما يكون بالاستعمال، والظاهر أن عمله في الزمان الثاني لا يكون كما كان في الأول، لأن القوى الجسمانية متناهية. م: (ولو زادت الغلة) ش: يعني في الدار الواحدة م: (في نوبة أحدهما عليها) ش: أي على الغلة التي يكون م: (في نوبة الآخر يشتركان في الزيادة ليتحقق التعديل) ش: في المهايأة، لأن مبناها على المعادلة كما في القسمة. وفي " الذخيرة ": أغلت إحدى الدارين دون الأخرى، وليس للذي لم تغل داره أن يشارك الآخر في الغلة؛ لأن التي أغلت إنما أغلت لنفسه دون شريكه، فلو أجرها بغير إذن شريكه كانت الغلة كذلك منادية له، وتكون الغلة كائنة له؛ لأن الإجارة حصلت بإذن الشريك. وفي الدار الواحدة إذا تهايآ في الغلة فأغلت في نوبة أحدهما أكثر فالفضل بينهما لأن معنى الإفراز في القسمة في الدارين أرجح على معنى أن كل واحد يصل إلى المنفعة، والغلة في الوقت الذي يصل إليه صاحبه مما يستوفيه كل منهما عوض عن قديم ملكه، استوجبه بعقده فيسلم له. وفي الدار الواحدة إذا تهايآ في الاستغلال زمانا فأحدهما يصل إلى الغلة قبل وصول الآخر إليها. وذلك لا تكون قضية للقسمة فيجعل كل منهما وكيلا عن صاحبه في إجارة نصيب صاحبه، وما يقبضه كل واحد منهما يجعل عوضا عما يقبضه صاحبه عن قديم ملكه استوجبه من عوض نصيبه، والمعاوضة تقتضي المساواة، فعند التواصل يثبت التراجع فيما بينهما ليستويا، وبه قال الشافعي في قول. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 469 بخلاف ما إذا كان التهايؤ على المنافع فاشتغل أحدهما في نوبته زيادة؛ لأن التعديل فيما وقع عليه التهايؤ حاصل، وهو المنافع فلا تضره زيادة الاستغلال من بعد، والتهايؤ على الاستغلال في الدارين جائز أيضا في ظاهر الرواية لما بينا، ولو فضل غلة أحدهما لا يشتركان فيه، بخلاف الدار الواحدة. والفرق أن في الدارين معنى التمييز والإفراز راجح لاتحاد زمان الاستيفاء، وفي الدار الواحدة يتعاقب الوصول فاعتبر قرضا، وجعل كل واحد في نوبته كالوكيل عن صاحبه، فلهذا يرد عليه حصته من الفضل، وكذا يجوز في العبدين عندهما اعتبارا بالتهايؤ في المنافع، ولا يجوز عنده؛ لأن التفاوت في أعيان الرقيق   [البناية] [التهايؤ على المنافع فاشتغل أحدهما في نوبته زيادة] م: (بخلاف ما إذا كان التهايؤ على المنافع فاشتغل أحدهما في نوبته زيادة) ش: حيث لا يشتركان في الزيادة م: (لأن التعديل فيما وقع عليه التهايؤ حاصل، وهو المنافع فلا تضره زيادة الاستغلال من بعد) ش: أي من بعد حصول التعديل في التهايؤ في المنافع م: (والتهايؤ على الاستغلال في الدارين جائز أيضا في ظاهر الرواية) ش: احترز به عن رواية " الكيسانيات " عن أبي حنيفة أنه لا يجوز كما ذكرنا م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: والاعتدال ثابت في الحال. إلى آخره. م: (ولو فضل غلة أحدهما لا يشتركان فيه) ش: أي في الفاضل في المسألة المذكورة م: (بخلاف الدار الواحدة) ش: حيث يشتركان في الفاضل في غلة الدار الواحدة م: (والفرق) ش: يعني من اشتراكهما في فضل الغلة في الدار الواحدة وبين عدم اشتراكهما في فضل الغلة في الدارين م: (أن في الدارين معنى التمييز، والإفراز راجح لاتحاد زمان الاستيفاء) ش: يعني أن كل واحد منهما يصل إلى المنافع، والغلة في الوقت الذي يصل إليه صاحبه، فصار كأن على كل واحد إفراز جميع نصيبه من المنافع في الدار التي هي في يده، والغلة التي يأخذها بدل المنافع التي ينشأ من نصيبه فتكون له خاصة، وإن كثرت فلا يجب رد الزيادة. م: (وفي الدار الواحدة يتعاقب الوصول) ش: يعني يصل أحدهما إلى الغلة قبل صاحبه، وذلك لا يكون إلى من قضية القسمة، فإن كان كذلك م: (فاعتبر قرضا) ش: أي اعتبر نصيب صاحبه من الغلة قرضا، ويكون هو مستقرضا م: (وجعل كل واحد في نوبته كالوكيل عن صاحبه) ش: يقبض نصيبه من الغلة بطريق الفرض لنفسه م: (فلهذا يرد عليه حصته من الفضل) ش: أي فلأجل كونه كالوكيل يرد على صاحبه حصة من فضل الغلة. م: (وكذا يجوز في العبدين عندهما) ش: أي: وكذا يجوز التهايؤ في استغلال العبدين عند أبي يوسف، ومحمد، وبه قالت الثلاثة م: (اعتبارا بالتهايؤ في المنافع) ش: أي قياسا على التهايؤ في المنافع في العبدين م: (ولا يجوز عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (لأن التفاوت في أعيان الرقيق الجزء: 11 ¦ الصفحة: 470 أكثر منه من حيث الزمان في العبد الواحد، فأولى أن يمتنع الجواز والتهايؤ في الخدمة جوز ضرورة ولا ضرورة في الغلة لإمكان قسمتها لكونها عينا، ولأن الظاهر هو التسامح في الخدمة والاستقصاء في الاستغلال فلا يتقاسان.   [البناية] أكثر منه) ش: أي من التفاوت م: (من حيث الزمان في العبد الواحد) ش: لأنه قد يكون في عبد واحد كياسة وحذاقة يجعل في شهر واحد من الغلة ما لا يجعل الآخر في سنته م: (فأولى أن يمتنع الجواز) ش: أي جواز استغلال العبدين. تقريره أن التهايؤ في استغلال العبد الواحد لا يجوز بالاتفاق، ففي استغلال العبدين أولى أن لا يجوز. فإن قلت: معنى الإفراز، والتميز راجع في غلة العبدين؛ لأن كل واحد فيهما يصل إلى الغلة في الوقت الذي يصل إليها في صاحبه. فكان كالمهايأة في الخدمة. قلت: التفاوت يمنع رجحان معنى الإفراز، بخلاف معنى الخدمة لما بينا أن المنافع من حيث الخدمة، قلما تتفاوت. م: (والتهايؤ في الخدمة جوز ضرورة) ش: جواب عن قياس قولهما على المنافع، تقريره أن المهايأة في الخدمة جوزت ضرورة؛ لأن المنافع لا تبقى فيتعذر قسمتها على ما يفسرها المصنف عن قريب م: (ولا ضرورة في الغلة لإمكان قسمتها لكونها عينا) ش: فيستغلان على طريق الشركة ثم يقتسمان ما حصل من الغلة. ولقائل أن يقول: علل التهايؤ في المنافع بقوله: من قبل؛ لأن المنافع من حيث الخدمة فلا تتفاوت، وعلله هاهنا بضرورة تعذر القسمة، وفي ذلك توارد علتين مستقلتين على حكم واحد بالشخص، وهو باطل. ويمكن أن يجاب عنه بأن المذكور من قبل ثمة هذا التعليل كان علة جواز تعذر القسمة، وقلة التفاوت جميعا، لأن كل واحد منهما علة مستقلة. وقال الكاكي: قوله: والتهايؤ في الخدمة جوز ضرورة جوامع أشكال يرد عليه قوله، لأن التفاوت في أعيان الرقيق أكثر إلى آخره. فإن قيل: لو كان كذلك لما جاز في الاستخدام، وحيث يجوز التهايؤ في الاستخدام للعبد الواحد بالاتفاق في جميع التفاوت في العبدين على الأصح على ما مر فقال في جوابه: والتهايؤ في الخدمة جوز ضرورته إلى آخره. وما ذكرناه أصوب على ما لا يخفى كما ذكره، كذا حقق تاج الشريعة، وتبعه صاحب " العناية ". م: (ولأن الظاهر) ش: وجه آخر لإبطال القياس بيانه أن الظاهر م (هو التسامح في الخدمة والاستقصاء) ش: يعني المتضايقة م: (في الاستغلال فلا يتقاسان) ش: يعني ولا يقاس أحدهما على الجزء: 11 ¦ الصفحة: 471 ولا يجوز في الدابتين عنده خلافا لهما. والوجه ما بيناه في الركوب. ولو كان نخل، أو شجر، أو غنم بين اثنين فتهايآ على أن يأخذ كل واحد منهما طائفة يستثمرها أو يرعاها ويشرب ألبانها لا يجوز، لأن المهايأة في المنافع ضرورة أنها لا تبقى فيتعذر قسمتها، وهذه أعيان باقية يرد عليها القسمة عند حصولها. والحيلة أن يبيع حصته من الآخر ثم يشتري كلها بعد مضي نوبته أو ينتفع باللبن بمقدار معلوم استقراضا لنصيب صاحبه   [البناية] الآخر م: (ولا يجوز في الدابتين عنده خلافا لهما) ش: أي لا يجوز التهايؤ على الاستغلال في الدابتين عند أبي حنيفة، خلافا لأبي يوسف، ومحمد م: (والوجه ما بيناه في الركوب) ش: أي الوجه في هذه المسألة ما بيناه في الركوب، وهو قوله: اعتبارا لقسمة الأعيان. [كان نخل أو شجر بين اثنين فتهايآ على أن يأخذ كل واحد منهما طائفة يستثمرها] م: (ولو كان نخل، أو شجر، أو غنم بين اثنين فتهايآ على أن يأخذ كل واحد منهما طائفة يستثمرها) ش: أي يأخذ ثمرها نماء في النخل، والشجر م: (أو يرعاها ويشرب ألبانها) ش: في الغنم ونحوها كالإبل والبقر م: (لا يجوز؛ لأن المهايأة في المنافع ضرورة أنها لا تبقى فيتعذر قسمتها، وهذه أعيان باقية يرد عليها القسمة عند حصولها) ش: فلا يتحقق الفرز، فلا يجوز. وإن قيل: يشكل بما إذا تهايآ في ألبان جاريتين مشتركتين بينهما على أن ترضع هذه ابن هذا، والأخرى ابن الآخر سنتين حيث لا يجوز، ذكره في " الذخيرة "، مع أن اللبن عين. وأجيب: بأن ألبان بني آدم بمنزلة المنافع؛ لأنها لا قيمة لها إلا عند العقد بطريق التبعية فتتحقق الضرورة كما في الخدمة. أما ألبان الحيوانات أعيان، ولها قيمة بلا عقد، فلا تجوز المهايأة فيها. وفي " الذخيرة ": أمة بين رجلين خاف كل صاحبه عليها، فقال أحدهما: عندك يوما، وعندي يوم. وقال الآخر: بل نضعها على يد عدل يجعل عند كل واحد منهما يوما، ولا توضع عند يد عدل، قال مشايخنا: يحتاط في باب الفروج في جميع المواضع إلا في هذا، فإنه لا يحتاج لحشمة ملكه. م: (والحيلة) ش: هذا قول المصنف أي الحيلة في جواز التهايؤ في الصورة المذكورة م: (أن يبيع حصته من الآخر) ش: أي يبيع حصته من الشجر، أو الغنم من الشريك الآخر م: (ثم يشتري كلها بعد مضي نبوته) ش: أي ثم أن يشتري كل الشجر، أو الغنم فيجعل لكل واحد منهما ما تناوله؛ لأنه حصل الثمر، أو اللبن على ملك المشتري م: (أو ينتفع باللبن بمقدار معلوم استقراضا لنصيب صاحبه) ش: من الحليب كل يوم إلى مدة معلومة إذا مضت المدة ينتفع صاحبه باللبن مثل تلك المدة بعضه من نصيب نفعه في هذه المدة، وبعضه مما اقترضه في المدة الماضية، ولكن ينبغي أن يزن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 472 إذ قرض المشاع جائز، والله أعلم بالصواب   [البناية] اللبن. أو بكياله في المدة حتى تتحقق المساواة في الاستيفاء، ولا يكون الربا لأن اللبن يزيد وينقص في المدة، وكذا المهايأة. م: (إذ قرض المشاع جائز) ش: تعليل الوجه الثاني. وقال في قسم المسائل في " المبسوط " تهايآ في أغنام بينهما على أن يكون نصفها عند هذا، والنصف عند الآخر يعلف ويشرب لبنها لا يجوز؛ لأن اللبن بينهما، والعلف عليهما فيكون كل واحد مشتريا نصف لبن صاحبه بنصف العلف الذي عليه، واللبن يزيد وينقص، والعلف مثله فلا يجوز. وفي " الفتاوى الصغرى ": بقرة بين اثنين تواضعا على أن يكون عند كل واحد منهما خمسة عشر يوما يحلب لبنها، فهذه مهايأة باطلة، ولا يحل فضل اللبن لأحدهما وإن جعلا في حل أن يسلك صاحب الفضل فضله، ثم جعله صاحبه في حل فحينئذ يحل؛ لأن الأول هبة المشاع فيما يحتمل القسمة فلم يجز، والثاني: هبة الدين، وإنه يجوز، وإن كان مشاعا ونقله عن قسمة " الواقعات " م: (والله أعلم بالصواب) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 473 كتاب المزارعة قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - المزارعة بالثلث والربع باطلة   [البناية] [كتاب المزارعة] م: (كتاب المزارعة) ش: قال الشراح: لما كان الخارج في عقد المزارعة من أنواع ما يقع فيه القسمة ذكر المزارعة بعدها. قلت. لما ذكر في القسمة كيفيتها في الأراضي ذكر عقبها ما هو المقصود الأعظم من الأرض وهي المزارعة. م: (قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المزارعة بالثلث والربع باطلة) ش: هذا لفظ القدوري، وبه قال الشافعي، ومالك، وفي " الحلية ": لا تجوز المزارعة على بياض أرض الشجر فيها، والمزارعة، والمخابرة، وبه قال أبو حنيفة، وهو قول مجاهد، والنخعي، وعكرمة، وابن عباس في رواية. ومن أصحابنا من قال: المزارعة غير المخابرة، فالمخابرة أن يكون من رب الأرض، ومن الآخر البذر والعمل. والمزارعة: أن يكون الأرض، والبذر من واحد، والعمل من آخر. وفي " السنن ": تجوز المزارعة على الأرض التي بين النخيل المساقاة على النخيل ومزارعة على الأرض فيكون البذر من صاحب الأرض تبعا للمساقاة. وقيل: إن كان النخيل قليلا، والبياض كثيرا لم يجز. وفي " النهاية ": وكذا المعاملة لا يجوز عند أبي حنيفة ببعض الخارج، وعند مالك: لا يجوز دفع الأرض مزارعة إلا تبعا للكروم، والاستئجار. وشرط التبعية عنده أن يكون الأصل ضعف التبع؛ لأنه تحقق التبعية، كذا في " المختلف ". وقال الشافعي: تجوز المزارعة تبعا للمساقاة على الأرض التي بين النخيل، ولا تجوز مفردة، ولا تجوز حتى يكون من رب الأرض البذر والعذر، ومن العامل العمل، كذا في " شرح الأقطع ". وقال الحربي من أصحاب أحمد في "مختصره": وتجوز المساقاة في النخل، والكرم، والشجر بشيء معلوم يجعل للعامل من الثمرة، ولا يجوز أن يجعل له فضل دراهم. وتجوز المزارعة ببعض الخارج من الأرض إن كان البذر من رب الأرض، انتهى. وإنما قيد بالثلث والربع مع أنها لا تجوز عند أبي حنيفة في جميع الصور تبركا بلفظ الحديث، وإنه جاء في الحديث نهي عن المخابرة. قيل: وما المخابرة، قال: "بالثلث والربع" وخص بالحديث الجزء: 11 ¦ الصفحة: 474 اعلم أن المزارعة لغة: مفاعلة من الزرع، وفي الشريعة: هي عقد على الزرع ببعض الخارج وهي فاسدة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: جائزة.   [البناية] ذلك المكان في ذلك الوقت إذ قال ذلك لبيان التقدير إذ تغير بيان التقدير المزارعة فاسدة بالإجماع وذكر الخصاف في كتاب "الحيل": الحيلة في جواز المزارعة على مذهب أبي حنيفة فقال: الحيلة في المزارعة أن يأخذها مزارعة ثم يتنازعا إلى قاض يرى المزارعة جائزة فيحكم بجوازها عليها فيجوز ذلك إذا قض قاض عليها بأبعاد هذه المزارعة فيجوز إقرارهما بالمزارعة عليهما، انتهى. وقال الإمام الأسبيجابي في شرح الطحاوي ": ثم الحيلة لأبي حنيفة في جواز المعاملة، والمزارعة أن يستأجر العامل بأجرة معلومة إلى مدة، فإذا انقضت تلك المدة استوجب الأجرة سواء حصل هناك خارج أو لم يحصل، ثم يتراضيا على بعض الخارج مكان الأجرة فيجوز ذلك. فكذلك هنا في المزارعة. [تعريف المزارعة وحكمها] م: (اعلم أن المزارعة لغة: مفاعلة من الزرع) ش: قد علم أن باب المفاعلة للمشاركة بين اثنين كالمنازعة، والمخاصمة. وقال ابن الحاجب: وفاعل يشبه أصله إلى أحد أمرين متعلقا بالآخر للمشاركة صريحا فيجيء العكس ضمنا نحو ضاربه وشاركه، فإن ذلك يدل صريحا على نسبة الضرب إلى نفسك متعلقا بالآخر، وضمنا على نسبته إلى الآخر متعلقا بك، ولأجل ذلك جاء غير المتعدي إذا نقل ذلك إلى هذا الباب متعديا نحو لازمة فإن أصله لازم وقد تعدى هاهنا. وقوله: من الزرع يسير به إلى ثلاثية زرع يزرع زرعا، يقال: زرع أهله الحب إن أنبته ومنه قوله سبحانه وتعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} [الواقعة: 63] {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 64] (الواقعة: الآية 63) . وقولهم: زرع الزارع الأرض بمعنى حرثها، وذلك أن يسندها للزراعة من إسناد الفعل إلى السبب فجاز، والزرع مما يستنبط بالبذر. والمزارعة مفاعلة منه وهي معاقدة بين اثنين، وذك أن يدفع الأرض إلى من يزرعها على أن الخارج منها بينهما على ما شرطا، وكذا معناها الشرعي، أشار إليه بقوله: م: (وفي الشريعة: هي عقد على الزرع ببعض الخارج) ش: يعني هي عقد على الزراعة ببعض ما يخرج من الأرض نحو الثلث، والربع م: (وهي فاسدة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي الزراعة فاسدة عنده، وقد ذكرناه. م: (وقالا: جائزة) ش: أي قال أبو يوسف، ومحمد: جائزة، وبه قال أحمد، إذا كان البذر من صاحب الأرض، وكثير من أهل العلم، وهو قول علي، وسعد، وابن مسعود، وقول أبي بكر، وآل علي، وعمر بن عبد العزيز، وابن سيرين، وابن المسيب، وطاوس الجزء: 11 ¦ الصفحة: 475 لما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عامل أهل خيبر على نصف ما يخرج من ثمر أو زرع،   [البناية] وعبد الرحمن بن الأسود، وموسى بن طلحة، والزهري، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وابنه محمد، ومعاذ، والحسن، وعبد الرحمن بن يزيد - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. م: (لما روي «أن رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عامل أهل خيبر على نصف ما يخرج من ثمر أو زرع» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا النسائي، عن نافع، عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع» . وفي لفظ: «لما فتحت خيبر سأل اليهود رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقرهم على أن يعملوا على نصف ما يخرج منها من الثمر، والزرع، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نقركم فيها على ذلك ما شئنا» ذكره البخاري في مواضع من كتابه، ومسلم، وأبو داود في البيوع، والترمذي، وابن ماجه في الأحكام. وقال البخاري في "الصحيح ": قال قيس بن مسلم عن أبي جعفر، قال: ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا ويزرعون على الثلث، والربع، وزارع: علي، وسعد بن مالك، وعبد الله بن مسعود، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم، وعروة، وآل أبي بكر، وآل علي، وابن سيرين. وقال عبد الرحمن بن الأسود: كنت أشارك عبد الرحمن بن يزيد في الزرع. وعامل عمر الناس على أن من جاء بالبذر من عنده فله الشطر، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا، وقال الحسن: لا بأس أن تكون الأرض لأحدهما فيقعان جميعا في خراج فهو بينهما، وروي ذلك عن الزهري، وقال الحسن: لا بأس أن يعطى القطن على النصف. وقال إبراهيم، وابن سيرين، وعطاء، والحاكم، والزهري، وقتادة: لا بأس بأن يعطى الثوب بالثلث، والربع ونحوه، حدثني إبراهيم بن المنذر، وقال: حدثنا أنس بن عياض، عن عبيد الله عن نافع، أن عبد الله بن عمر أخبره «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج فيها من زرع، أو ثمر، وكان يعطي أزواجه مائة وسق، ثمانون وسقا، وعشرون وسق شعير» إلى هنا لفظ البخاري. وقال أيضا فيه: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان، قال عمرو: قلت لطاوس: لو تركت المخابرة فإنهم يزعمون أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عنه، قال: أي عمر: إني أعطيتهم وأغنيهم، فإن أعلمهم أخبرني، يعني ابن عباس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم ينه عن ذلك، ولكن قال: "لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه، خيرا له من أن يأخذ عليها خرجا معلوما". الجزء: 11 ¦ الصفحة: 476 ولأنه عقد شركة بين المال والعمل، فيجوز اعتبارًا بالمضاربة، والجامع دفع الحاجة فإن ذا المال قد لا يهتدي إلى العمل والقوي عليه لا يجد المال، فمست الحاجة إلى انعقاد هذا العقد بينهما، بخلاف دفع الغنم والدجاج ودود القز معاملة بنصف الزوائد لأنه لا أثر هناك للعمل في تحصيلها فلم تتحقق شركة، وله: ما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن المخابرة وهي المزارعة   [البناية] م: (ولأنه) ش: أي ولأن عقد المزارعة م: (عقد شركة بين المال والعمل، فيجوز اعتبارا بالمضاربة) ش: فإنها أيضا عقد شركة بين المال، والعمل من المضارب م: (والجامع) ش: أي وجه القياس على المضارب م: (دفع الحاجة، فإن ذا المال قد لا يهتدي إلى العمل) ش: أي إلى عمل المزارعة فعدم يدريه بذلك م: (والقوي عليه) ش: بالنصب أي وأن القوي على العمل، أي عمل المزارعة م: (لا يجد المال) ش: لفقره وعدم إعطاء الناس له م: (فمست الحاجة إلى انعقاد هذا العقد بينهما) ش: أي إذا كان الأمر كذلك، فقد دعت الضرورة إلى جواز انعقاد عقد المزارعة بين صاحب المال العاجز عن العمل، والفقير القادر على العمل. م: (بخلاف دفع الغنم والدجاج ودود القز، معاملة بنصف الزوائد) ش: من حيث لا يجوز، وانتصاب معاملة على الحال من الرفع، وأراد بالزوائد الأولاد في الغنم، والأفراخ في الدجاج، والإبريسم في دود القز. وفي " العباب ": القز من الإبريسم معرب؛ لأنه قال الكاكي: الزوائد على تأويل الزائد. قلت: لا حاجة إلى هذا النفي، بل الضمير فيه للشأن م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (إلا أثر هناك للعمل في تحصيلها) ش: أي في تحصيل الزوائد، أي لا أثر لعمل الراعي، والحافظ في حضور تلك الزوائد، وإنما هي تحصل بالسقي، والرعي، والحيوان يباشرها باختياره فيضاف؛ لأنه فعل فاعل مختار، ولا يضاف إلى غيره م: (فلم تتحقق شركة) ش: أي إذا كان كذلك فلا تتحقق الشركة بين الرافع، والمرفوع، فلا يجوز. بخلاف المضاربة؛ لأن للعمل أثر في الربح فلا يحصل بالضرب في الأرض. م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة م: (ما روي «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن المخابرة» وهي المزارعة) ش: هذا الحديث رواه جابر، ورافع بن خديج، وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. أما حديث جابر فأخرجه مسلم عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المخابرة، والمحاقلة، والمزابنة» . قال عطاء فسرها لنا جابر قال: أما المخابرة فالأرض البيضاء يدفعها الرجل إلى الرجل فينفق فيها، ثم يأخذ من الثمر. والمحاقلة بيع الزرع القائم بالحب كيلا، والمزابنة بيع الرطب في النخل بالتمر كيلا. وأخرجه الطحاوي أيضا، وقال: حدثنا [ ... ] قال: حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا محمد بن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 477 ولأنه استئجار ببعض ما يخرج من عمله، فيكون في معنى قفيز الطحان. ولأن الأجر مجهول أو معدوم، وكل ذلك مفسد،   [البناية] مسلم الطائفي، أخبرني إبراهيم بن ميسرة. أخبرني عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله، قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المخابرة، والمزابنة، والمحاقلة» والمخابرة على الثلث، والربع، والنصف. والمزابنة بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر، وبيع العنب في الشجر بالزبيب والمحاقلة بيع الزرع قائما على أصوله بالطعام كذا فسره الطحاوي. وفي " الفائق ": المخابرة هي المزارعة على الحرة، وهي النصف، وقال أبو عبيد في " غريب الحديث ": المخابرة هي المضاربة بالنصف. والثلث، والربع وأقل من ذلك وأكثر، وهو الخير أيضا. ثم قال: وكان أبو عبيد يقول: إنما سمي الأكار الخبير لأنه جابر الأرض. والمؤاكرة وهي المخابرة، وقال: ولهذا سمي الأكار؛ لأنه لو أكر. وقال في " مختصر الأسرار ": قال ابن الأعرابي: المخابرة مشتقة من معاملة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل خيبر، ثم صارت لغة مستعملة. وأما حديث رافع بن خديج فأخرجه مسلم أيضا «عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: كنا نخابر، ولا نرى بذلك بأسا، حتى زعم رافع بن خديج أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عنه فتركناه» . وأما حديث زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عمر بن أيوب، عن جعفر بن برقان، عن ثابت بن حجاج، عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المخابرة» قلت: وأما المخابرة فهي أن يأخذ الأرض بنصف، أو ثلث، أو ربع، رواه أبو داود في "سننه". م: (ولأنه) ش: أي: ولأن عقد المزارعة م: (استئجار ببعض ما يخرج من عمله) ش: بدليل أنه لا يصح بدون ذكر المدة، وذلك من خصائص الإجارة م: (فيكون في معنى قفيز الطحان) ش: وقد نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قفيز الطحان. وقد مر تحقيقه في كتاب الإجارة، وصورته أن يستأجر رجلا ليطحن له كرا من حنطة بقفيز من دقيقها. م: (ولأن الأجر مجهول) ش: على تقدير وجود الخارج لعدم العلم بأن الثلث، أو الربع يتقدر من الأقفزة عشرة، أو أقل أو أكثر م: (أو معدوم) ش: على تقدير أن لا يخرج من الأرض شيء، أو أصابته آفة م: (وكل ذلك مفسد) ش: أي كل واحد من العلتين مفسد للإجارة م: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 478 ومعاملة النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أهل خيبر كان خراج مقاسمة بطريق المن والصلح، وهو جائز   [البناية] (ومعاملة النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أهل خيبر كان خراج مقاسمة بطريق المن والصلح، وهو جائز) ش: هذا جواب عما استدلا به من حديث خيبر، وتقريره أنه لم تكن بطريق المزارعة، والمساقاة، بل كانت بطريق الخراج على وجه المن عليهم، والصلح؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ملكها غنيمة. فلو كان أخذها كلها جاز، وتركها في أيديهم بشرط ما يخرج منها فضلا، وكان ذلك خراج مقاسمة، وهو جائز كخراج التوظيف ولا نزاع فيه، وإنما النزاع في جواز المزارعة، والمعاملة، وخراج المقاسمة أن يوطن الإمام في الخارج شيئا مقدار عشر، أو ثلث، أو ربع، ويشترك الأراضي على ملكهم منا عليهم، فإن لم تخرج الأرض شيئا فلا شيء عليهم، وهذا تأويل صحيح لم ينقل عن أحد من الرواة أنه يضرب في رقابهم أو رقاب أولادهم. وقال أبو بكر الرازي في شرحه "لمختصر الطحاوي ": ومما يدل على أن ما شرط من نصف التمر. والزرع، وكان على وجه الجزية أنه لم يرد في شيء من الأخبار أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ منهم الجزية إلى أن مات، ولا أبو بكر، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - إلا بأن أخذاهم ولو لم يكن ذلك الأخذ حين نزلت آية الجزية، والخراج الموظف أن يجعل الإمام في ذمتهم بمقابلة الأراضي شيئا من كل جريب يصلح للزراعة صاعا، ودرهما على ما عرف في كتاب " السير ". فإن قلت: روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قسم أراضي خيبر على ستة وثلاثين سهما، وهذا يدل على أنها ما كانت خراج مقاسمة. قلت: إنه يجوز أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قسم خراج الأرض بأن جعل خراج هذه الأرض لفلان، وخراج هذه لفلان. قلت: روي أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -أجلى أهل خيبر ولم يعطهم قسمة الأرض. فيدل ذلك على عدم الملك. قلت: أجاز أنه ما أعطاهم زمان الإجلاء، وأعطاهم بعد ذلك. فإن قلت: قال ابن قدامة في " المغني ": أحاديث رافع مضطربة تارة يحدث عن بعض عمومته، ومرة عن سماعه، وتارة يقول بقوله: أخبرني عمار، فإذا كانت أخبار رافع هكذا وجب طرحها، ويعمل بالحديث الوارد في شأن خيبر؛ ولأن حديثه فسر بما لا يختلف في فساده، فإنه قال: «كنا نكري الأرض على أن لنا هذه، ولهم هذه، فربما خرجت هذه ولم تخرج هذه، فنهانا عن ذلك، فأما الذهب، والورق فلم ينهنا» . متفق عليه، وفي لفظه: فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس، وهذا خارج عن محل الخلاف فلا دليل ولا تعارض؛ ولأن خبره ورد في الكري بالثلث، أو بالربع، والنزاع في المزارعة، وحديثه الذي فيه المزارعة يحيل على الجزء: 11 ¦ الصفحة: 479 وإذا فسدت عنده فإن سقى الأرض وكربها ولم يخرج شيء فله أجر مثله، لأنه في معنى إجارة فاسدة، وهذا إذا كان البذر من قبل صاحب الأرض، وإن كان البذر من قبله   [البناية] الكري أيضا، لأن قضية واحدة رويت بألفاظ مختلفة فيجب تفسيره بما يوافق الآخر. ولأنه لو صح خبره، وامتنع تأويله وتعذر الجمع لوجب حمله على أنه منسوخ، وحديث خيبر منسوخ القول نسخه لأنه عمل به الخلفاء الراشدون - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا نسخ بعده. وأما حديث جابر في النهي عن المخابرة يجب حمله على أحد الوجوه التي حمل عليها خبر رافع. فإنه روى حديث خيبر عنه فيجب الجمع بين حديثه، ثم لو حمل على المزارعة لكان منسوخا بقصة خيبر. وكذا القول في حديث زيد بن ثابت. ولو قال أصحاب الشافعي: يحمل أحاديثكم على الأرض التي بين النخل، وأحاديث النبي على الأرض البيضاء جمعا بينهما. قلنا: هذا بعيد لأن خراج خيبر أربعون ألف وسق فينبغي أن تكون بلدة كبيرة، والرواة رووا القصة على العموم من غير تفصيل، ولأن ما ذكره يفضي إلى تقييد كل واحد من الحديثين، وما ذكرناه حمل لأحدهما. قلت: ما ذكره غير مسلم لما ذكرنا أن حديث خيبر لا يدل على جواز عقد المزارعة، وذلك بطريق الجزية، أو خراج المقاسمة، وقوله: إن حديث رافع مضطرب غير قوي، لأن الحديث بالاضطراب في ألفاظه يقول مرة كذا، ومرة كذا لا يرد. وما قال من النسخ غير صحيح، لأن النسخ نقيض المعارضة. وحديث خيبر لا يدل على المزارعة، فكيف التعارض. وقوله: خارج عن محل الخلاف غير صحيح، لأن الخلاف في النهي لا في الكري شيء معلوم. وفي الجملة: جواب كلامه أن حديث خيبر لا يدل على جواز المزارعة لما ذكرنا، وإنما أوله أصحاب الشافعي على تقدير التسليم لما أن النهي جاء في المزارعة بلفظها صريحا. [فساد المزارعة] م: (وإذا فسدت عنده) ش: أي إذا فسد عقد المزارعة عند أبي حنيفة م: (فإن سقى الأرض وكربها) ش: هذا بيان حكم الفساد فكذلك ذكره بالفاء، يقال: كرب الأرض إذا قلبها للحرث والمصدر كرب بالكسر م: (ولم يخرج شيء فله أجر مثله؛ لأنه في معنى إجارة فاسدة) ش: أي لأنه عقد المزارعة، وفي " شرح الطحاوي ": فلما لم يخرج عنده كان الخراج كله لصاحب البذر، فإن كان البذر من قبل رب الأرض فالخارج كله له، ويطيب له، ويتصدق به؛ لأن ذلك كله إنما ملك، ويجب عليه أجر مثل تلك المزارع، أشار إليه بقوله: م: (وهذا) ش: أي الحكم المذكور. م: (إذا كان البذر من قبل صاحب الأرض وإن كان البذر من قبله) ش: أي من قبل المزارع م: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 480 فعليه أجر مثل الأرض، والخارج في الوجهين لصاحب البذر لأنه نماء ملكه، وللآخر الأجر كما فصلنا، إلا أن الفتوى على قولهما لحاجة الناس إليها ولظهور تعامل الأمة بها، والقياس يترك بالتعامل كما في الاستصناع.   [البناية] (فعليه) ش: أي على المزارع م: (أجر مثل الأرض، والخارج في الوجهين) ش: يعني في الوجه الذي كان البذر من قبل صاحب الأرض، وفي الوجه الثاني: كانت من قبل الزارع م: (لصاحب البذر، لأنه نماء ملكه) ش: أي ملك صاحب البذر م: (وللآخر الأجر) ش: أي أجر المثل، والآخر هو رب الأرض، أو المزارع م: (كما فصلنا) ش: أشار به إلى قوله: إذا كان البذر من قبل صاحب الأرض ... إلخ. وإما قولهما: فإن حصل شيء من الخارج يكون بينهما على الشرط، وإن لم يحصل فلا شيء على رب الأرض، وعلى المزارع، ولا يلزم ما لو غصب البذر يكون بينهما على الشرط، وزرع الخارج للزراع لا لصاحب البذر؛ لأنه نماء ملكه؛ لأن الغاصب هنا عامل لنفسه باحتكاره وكسبه، فإضافة الحارث، وهو الخارج إلى عمله أولى. أما هاهنا فالعامل عامل لغيره بأمره. فيجعل العمل مضافا إلى الأمر، فبقي البذر أصلا، وكما لو وقع البذر بنفسه، ونبت كذا في " الإيضاح ". م: (إلا أن الفتوى على قولهما) ش: أي لكن الفتوى على قولهما أي أبو يوسف، ومحمد م: (لحاجة الناس إليها) ش: أي إلى المزارعة م: (ولظهور تعامل الأمة بها) ش: أي بالمزارعة من لدن زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا من غير نكير م: (والقياس يترك بالتعامل) ش: أي بتعامل الناس م: (كما في الاستصناع) ش: أي كما ترك القياس في الاستصناع لتعامل الناس به. فإن قلت: إنما يترك القياس بالتعامل إذا لم يكن في المسألة اختلاف في الصدر الأول، وهاهنا قد اختلف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. قلت: الأصح انعقاد الاجتماع سبق الاختلاف، فكان جريان التعامل بعد ذلك إجماعا على جوازه. وأيضا إن الاختلاف ما كان لأجل فساد المزارعة. وقد روى الطحاوي عن زيد بن ثابت أنه قال: يغفر الله لرافع بن خديج أنا والله أعلم بالحديث منه. وإنما «جاء رجلان من الأنصار إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد اختلفا، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن كان هذا شأنكم فلا تكروا الأرض» فعلم أن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 481 ثم المزارعة لصحتها على قول من يجيزها شروط: أحدها: كون الأرض صالحة للزراعة، لأن المقصود لا يحصل بدونه. والثاني: أن يكون رب الأرض والمزارع من أهل العقد، وهو لا يختص به لأن عقدا ما لا يصح إلا من الأهل. والثالث: بيان المدة، لأنه عقد على منافع الأرض أو منافع العامل، والمدة هي المعيار لها فيعلم بها.   [البناية] الكراهية لنفي الشر بينهم، وكان الطحاوي يرجع قولهما، وكذا أكثر أصحاب الحديث. [شروط صحة المزارعة] م: (ثم المزارعة لصحتها على قول من يجيزها شروط: أحدها: كون الأرض صالحة للزراعة؛ لأن المقصود) ش: وهو الانتفاع م: (لا يحصل بدونه) ش: أي دون كون الأرض صالحة. م: (والثاني) ش: أي والشرط الثاني م: (أن يكون رب الأرض والمزارع من أهل العقد) ش: بأن يكون بالغا عاقلا قادرا على التصرفات م: (وهو) ش: أي هذا الشرط م: (لا يختص به) ش: أي بعقد المزارعة وحدها م: (لأن عقدا ما لا يصلح إلا من الأهل) ش: أي لأن أي عقد كان لا يصح إلا ممن يكون أهلا. م: (والثالث) ش: أي والشرط الثالث م: (بيان المدة؛ لأنه عقد على منافع الأرض) ش: إن كان، ثم إنه ذكر بيان البذر من جانب العامل م: (أو منافع العامل) ش: إن كان البذر من جانب الأرض م: (والمدة هي المعيار لها) ش: أي للمنافع م: (فيعلم بها) ش: المدة مطلقا، ولم يبين مقداره. ولا شك أن المدة القليلة التي لا تصلح للزراعة لا تصلح لعدم الفائدة، ولا مدة طويلة يقسمان إليها كانت بمنزلة التأبيد، فلا يصح أيضا، ولا بد من ذكر مقدار المدة. وفي " الذخيرة ": ومن الشرائط بيان المدة، يقول: إلى سنة، أو سنتين، وما أشبهه، ولو بين مدة لا يدرك الزرع فيها تفسد المزارعة، وكذا لو بين مدة لا يعيش أحدهما إليها غالبا تفسد أيضا. وذكر أبو علي النسفي أن مشايخنا قالوا في الإجازة الرسمية التي تعقد إلى ثلاثين سنة: إن كان لا يتوهم حياة العاقدين إليها غالبا بأن كانا كبيرين أو أحدهما لم تجز؛ لأن الغالب كالمتيقن في المفقود يحكم بموت أقرانه بحسب الغالب، وإن كان في قدرة الله سبحانه وتعالى أن يعيش إلى آخر الدهر. وقال الخصاف، وبعض المشايخ: جاز ذلك كما في النكاح إذا بنى مدة سنة، ولا يصح ذلك في ظاهر الرواية، ويجعل ذلك بمنزلة نكاح مؤقت. وعن محمد بن سلمة: أن المزارعة تصح بلا بيان المدة، ويقع على زرع واحد، واختاره أبو الليث، وبه قال أبو ثور، وعن أحمد لا يجوز بلا بيان للمدة، لأنها عقد جائز غير لازم. وعند أكثر الفقهاء لازم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 482 والرابع: بيان من عليه البذر قطعا للمنازعة وإعلاما للمعقود عليه وهو منافع الأرض أو منافع العامل.   [البناية] وفي " النوازل " سئل أبو نصر محمد بن سلام عن رجل دفع أرضا مزارعة ولم يعين لها وقتا؟ قال: على مذهب علمائنا الكوفيين المزارعة فاسدة. وفي قول محمد بن سلمة الإجارة جائزة، وهو على أول السنة. قال الفقيه: وبه نأخذ، وإنما قال على مذهب علمائنا الكوفيين لأن وقت المزارعة عندهم متفاوت، فابتداؤه وانتهاؤه مجهول وقت العامل وأجاز المعاملة على أول سنة، ولم تجز المزارعة فأما في بلادنا فوقت المزارعة معلوم، فيجوز إن لم يوقت كما تجوز المعاملة، إلى هنا لفظ " النوازل ". م: (والرابع) ش: أي والشرط الرابع م: (بيان من عليه البذر قطعا للمنازعة) ش: لأن المعقود عليه يختلف باختلافه م: (وإعلاما للمعقود عليه) ش: لأن جهالته تقضي إلى المنازعة م: (وهو) ش: أي المعقود عليه م: (منافع الأرض أو منافع العامل) ش: أي إن كان البذر من قبل صاحب الأرض، ففي الأول العامل مستأجر للأرض، وفي الثاني رب الأرض مستأجر للعامل، فلا بد من بيان ذلك بالإعلام. وهذا إذا لم يذكر لفظا يدل على أن البذر من قبل من هو. أما إذا ذكر لفظا يدل عليه فذلك يكفي، ذكر ابن رستم عن محمد من قال لغيره أجرتك أرضي هذه السنة بالنصف، أو قال بالثلث جاز والبذر على المزارع، لأن الأجرة تكون على المزارع المستأجر، فهذا بيان أن البذر على المزارع. ولو قال: أجرتك لتزرع أرضي هذه بالثلث جاز والبذر على رب الأرض. وأما إذا قال: دفعت أرضي إليك مزارعة بالثلث لا يجوز، إذ ليس فيه بيان من عليه البذر عن بعض مشايخ بلخ، بيان من عليه البذر. وإنما يشترط في موضع ليس فيه عرف ظاهر لا يشترط. بيانه أن البذر على من، أما إذا كان المعرف مشتركا أو في موضع فيه عرف ظاهر لا يشترط بيانه، لأن المعروف كالمشروط، كذا في " الذخيرة ". وعند أحمد والشافعي إذا كان البذر من رب الأرض تصح المزارعة، وإن كان من جهة العامل تفسد ولا يحتاج لصحته إلى بيان من عليه البذر. وعن أحمد يجوز أن يكون البذر منهما، وبه قال أبو يوسف ومحمد وطائفة من أهل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 483 والخامس: بيان نصيب من لا بذر من قبله؛ لأنه يستحقه عوضا بالشرط، فلا بد أن يكون معلوما، وما لا يعلم لا يستحق شرطا بالعقد. والسادس: أن يخلي رب الأرض بينها وبين العامل حتى لو شرط عمل رب الأرض يفسد العقد لفوات التخلية. والسابع: الشركة في الخارج بعد حصوله، لأنه ينعقد شركة في الانتهاء، فما يقطع هذه الشركة كان مفسدا للعقد. والثامن: بيان جنس البذر ليصير الأجر معلوما.   [البناية] الحديث - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وفي المغني، لابن قدامة هو الصحيح، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عامل أهل خيبر على أن يعملوها من أقواتهم، فظاهره أن البذر من أهل خيبر، والأصل المعول عليه في صحة المزارعة هذا الحديث. م: (والخامس) ش: أي والشرط الخامس م: (بيان نصيب من لا بذر من قبله؛ لأنه يستحقه عوضا بالشرط، فلا بد أن يكون معلوما، وما لا يعلم لا يستحق شرطا بالعقد) ش: أي والذي لا شيء لا يستحق حال كونه شرطا بالعقد. م: (والسادس) ش: أي والشرط السادس م: (أن يخلي رب الأرض بينها وبين العامل، لو شرط عمل رب الأرض يفسد العقد لفوات التخلية) ش: وهذا ظاهر، وكذا يشترط أن يخلي رب النخيل بينه وبين العامل، حتى إذا شرط عمله مع العامل لا يجوز. م: (والسابع) ش: أي والشرط السابع م: (الشركة في الخارج بعد حصوله لأنه ينعقد شركة في الانتهاء) ش: المراد منه أن يشترط العاقدان زمان العقد أن يكون جميع الخارج بينهما إذا حصل، وليس المراد منه حصول حقيقة الشركة في الخارج حين العقد، لأن ذلك لا يكون إلا بعد الخروج، فلا يكون شرطا، لأن شرط الشيء لا بد أن يكون سابقا عليه لتوقفه عليه لا متأخرا م: (فما يقطع هذه الشركة كان مفسدا للعقد) ش: لأنه إذا شرط بها ما يقطع الشركة في الخارج يبقى إجارة محضة، والقياس بأن الجواب الإجارة المحضة بأجر معلوم. وعن هذا قلنا: إذا شرط صاحب البذر أن يرفع بذره من الخارج، والباقي بينهما تفسد المزارعة بلا خلاف. وشرط صاحب البذر قدر العشر من الخارج والباقي بينهما تصح المزارعة، لأن هذا الشرط لا يقطع الشركة في الخارج، وإن قيل يكون له عشر وهو الحيلة لصاحب البذر إذا أراد أن يصل إليه يشترط قدر البذر باسم العشر أو الثلث أو ما أشبه ذلك، والباقي بينهما. م: (والثامن) ش: أي والشرط الثامن م: (بيان جنس البذر ليصير الأجر معلوما) ش: قال شيخ الإسلام: هذا قياس، وفي الاستحسان ليس بشرط، وفوض الأمر إلى المزارع، وقال في موضع آخر: بيان جنس البذر شرط من غير ذكر قياس واستحسان، وهذا أقرب إلى الصواب، إلا إذا أعم بأن قال ما بذلك مكان البذر من جهة العادل. أو قال ما بدا لي وكان البذر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 484 قال: وهي عندهما على أربعة أوجه، إن كانت الأرض والبذر لواحد، والبقر والعمل لواحد جازت المزارعة، لأن البقر آلة العمل، فصار كما إذا استأجر خياطا ليخيط بإبرة الخياط. وإن كانت الأرض لواحد والعمل والبقر والبذر لواحد جازت، لأنه استئجار الأرض ببعض معلوم من الخارج فيجوز، كما إذا أستأجرها بدراهم معلومة.   [البناية] من رب الأرض وإن لم يكن شيء من ذلك فسدت المزارعة. ولو زرعها مع الفساد ينقلب العقد جائزا، لأن جنس البذر صار معلوما، كذا في " الذخيرة ". وقوله: ليصير الأجر معلوما لأن الأجر بعض الخارج، وإعلام جنس البذر شرط. [أوجه المزارعة] م: (قال) ش: أي القدوري في "مختصره " م: (وهي عندهما) ش: أي المزارعة عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (على أربعة أوجه، إن كانت الأرض والبذر لواحد والبقر والعمل لواحد جازت المزارعة) ش: هذا الانحصار على رواية القدوري وهو بالاستقراء، لأن قيام المزارعة على أربعة أشياء وهي الأرض والبذر والبقر والعمل وهو أمر محسوس، ويعلم منه وجه الانحصار. وأما إذا كانت الأرض مشتركة أو البذر أو البقر مشتركا بينهما، فوجوههما كثيرة على ما بينهما إن شاء الله تعالى الأول من الأربعة أن تكون الأرض والبذر لواحد والبقر والعمل لآخر جازت م: (لأن البقر آلة العمل) ش: وصاحب الأرض مستأجر للعامل والبقر آلة له، فيكون تبعا فلا يكون الآخر بمقابلة البقر. فإن قلت: أما قوله وهي عندهما على أربعة أوجه إن كان بيان الزراعة الصحيحة فلا يقسم، لأنها على ثلاثة أوجه، وإن كان بيان المزارعة الفاسدة فلا يستقيم أيضا. قلت: المراد المزارعة المستعملة بين الناس وهي أربعة أوجه. م: (فصار كما إذا استأجر خيطا ليخيط بإبرة الخياط) ش: أي صار حكم هذا الوجه كحكم من استأجر رجلا خياطا ليخيط ثوبه بإبرة الخياط، لأن الإبرة آلة للعمل، وكذا إذا استأجر صباغا لصبغ الثوب بصبغ نفسه. [كانت الأرض لواحد والعمل والبقر والبذر لواحد] م: (وإن كانت الأرض لواحد والعمل والبقر والبذر لواحد جازت) ش: أي المزارعة، هذا هو الوجه الثاني م: (لأنه استئجار الأرض ببعض معلوم من الخارج فيجوز) ش: أي لأن هذا الوجه استئجار الأرض ببعض معلوم، لأن رب البذر استأجر الأرض بجزء معلوم من الخارج م: (كما إذا استأجرها بدراهم معلومة) ش: أو دنانير معلومة صحت، فكذا إذا استأجرها بجزء مسمى من الخارج. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 485 وإن كانت الأرض والبذر والبقر لواحد، والعمل من الآخر جازت، لأنه استأجره للعمل بآلة المستأجر، فصار كما إذا استأجر خياطا ليخيط ثوبه بإبرته، أو طيانا ليطين بمرة وإن كانت الأرض والبقر لواحد والبذر والعمل لآخر فهي باطلة، وهذا الذي ذكره ظاهر الرواية. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجوز أيضا؛ لأنه لو شرط البذر والبقر عليه يجوز، فكذا إذا شرط وحده وصار كجانب العامل. وجه الظاهر أن منفعة البقر ليست من جنس منفعة الأرض؛ لأن منفعة الأرض قوة في طبعها يحصل بها النماء، ومنفعة البقر صلاحية يقام بها العمل كل ذلك بخلق الله تعالى فلم يتجانسا، فتعذر أن تجعل تابعة لها.   [البناية] [كانت الأرض والبذر والبقر لواحد والعمل من الآخر] م: (وإن كانت الأرض والبذر والبقر لواحد والعمل من الآخر جازت) ش: أي المزارعة، وهذا هو الوجه الثالث م: (لأنه استأجره للعمل بآلة المستأجر) ش: أي لأن صاحب البذر والبقر والأرض استأجر الآخر بآلة نفسه م: (فصار كما إذا استأجر خياطا ليخيط ثوبه بإبرته) ش: أي بإبرة صاحب الثوب م: (أو طيانا ليطين بمرة) ش: أي إذا استأجر طيانا المستأجر وهو بفتح الميم وتشديد الراء المهملة وهو المسحاة ويسمى بالفارسية بيل بكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف في آخر لام. [كانت الأرض والبقر لواحد والبذر والعمل لآخر] م: (وإن كانت الأرض والبقر لواحد والبذر والعمل لآخر فهي باطلة) ش: أي المزارعة باطلة، وهذا هو الوجه الرابع م: (وهذا الذي ذكره) ش: أي القدوري م: (ظاهر الرواية. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز أيضا لأنه لو شرط البذر والبقر عليه يجوز) ش: أي على صاحب الأرض م: (فكذا إذا شرط وحده) ش: أي فكذا يجوز إذا شرط أن يكون البقر بدون البذر عليه م: (وصار كجانب العامل) ش: إذا شرط البقر على العامل، أراد أن البقر تبع الأرض في هذه الصورة كما هي تبع للعامل إذا كانت من جانبه. م: (وجه الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية م: (أن منفعة البقر ليست من جنس منفعة الأرض؛ لأن منفعة الأرض قوة في طبعها يحصل بها النماء، ومنفعة البقر صلاحية يقام بها العمل كل ذلك بخلق الله تعالى) ش: رد على المعتزلة وتنبيه على أنه من أهل السنة، فإن عند المعتزلة الأفعال الاختيارية من الحيوان منه لا من الله سبحانه وتعالى وإلا هذا الكلام في هذا المقام مستغن عنه. فإن قلت: هذا كان فيه توهم حتى ينبه أنه من أهل السنة. قلت: لأنه لما أضاف منفعة الأرض إلى قوة طبعها توهم أن ينسب إلى القول بالطبيعة فدفع ذلك م: (فلم يتجانسا) ش: أي منفعة الأرض ومنفعة البقر لأنهما مختلفان م: (فتعذر أن تجعل تابعة لها) ش: أي إذا كان كذلك تعذر جعل منفعة البقر تابعة لمنفعة الأرض، فلما لم يجعل تابعة كان استحقاق منفعة البقر مقصودا في الزراعة، وهذا لا يجوز كما لو كان من أحدهما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 486 بخلاف جانب العامل؛ لأنه تجانست المنفعتان فجعلت تابعة لمنفعة العامل.   [البناية] البقر وحده، والباقي من الآخر حيث لا يجوز بالاتفاق. م: (بخلاف جانب العمل) ش: جواب عن قوله كجانب العمل، يعني القياس فاسد م: (لأنه تجانست المنفعتان) ش: أي منفعة البقر ومنفعة العامل م: (فجعلت تابعة) ش: أي فجعلت منفعة البقر تابعة م: (لمنفعة العامل) ش: لأن البقر آلة العمل وهي من جنس عمل العامل، وتحقيق هذا البذر إذا اجتمع مع الأرض استتبعه للتجانس وضعف جهة البقر معها، فكان الاستئجار للعامل. وأما إذا اجتمع الأرض والبقر فلم يستتبعه. وكذا في جانب الآخر فكان في كل من الجانبين معاوضة بين استئجار الأرض وغير الأرض والعامل وغيره، فكان باطلا. ولقائل أن يقول: استئجار الأرض والعامل معترض عليه دون الأخرى فكان أرجح ويلزم الجواز. واعلم أن مبتنى جواز هذه المسائل فسادها على أن المزارعة تنعقد إجارة وتتم مشتركة، وانعقادها إجارة إذ هو على منفعة الأرض أو منفعة البقر والبذر، لأنه استئجار ببعض الخارج والقياس يقتضي أن لا يجوز في الأرض والعامل أيضا، ولكنا جوزناه بالنص على خلاف القياس، إنما ورد النص فيهما دون البذر والبقر. أما في الأرض فحديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مضى ذكره وتعامل الناس، فإنهم تعاملوا اشتراط البذر على المزارع وحينئذ كان مستأجرا للأرض ببعض الخارج. وأما في العامل ففعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع أهل خيبر التعامل فإنهم ربما كانوا يشترطون البذر على رب الأرض. فكان حينئذ مستأجرا للعامل لذلك، فاقتصرنا على الجواز بالقبض فيهما وهي غير ما على أصل القياس، وكلما كان في صور الجواز فهو من قبيل استئجار الأرض، والعامل ببعض الخارج أو كان المشروط على أحدهما شيئين متجانسين، ولكن المنظور فيه وهو استئجار الأرض أو العامل بذلك لكونه مورد الأثر، وكل ما كان من صور العدم فهو من قبيل استئجار الآخرين، أو كانت الشروط على أحدهما شيئين غير متجانسين، ولكن المنظور إلى ذلك والضابط في معرفة التجانس، فإنه من كلامه وهو أن ما يبذر فعله عن القوة الحيوانية فهو جنس، وما صدر عن غيرهما فهو جنس آخر، وقد بينا لك هذا في أثناء حل الكتاب، ونعيده لزيادة التوضيح. أما الوجه الأول: فهو مما كان المشروط على أحدهما شيئين متجانسين، فإن الأرض الجزء: 11 ¦ الصفحة: 487 وهاهنا وجهان آخران باطلان لم يذكرهما.   [البناية] والبذر من جنس والعمل والبقر من جنس، والمنظور إليه استئجار يجعل كأن العامل استأجر الأرض أو رب الأرض استأجر العامل. والوجه الثاني والثالث: مما فيه استئجار الأرض والعامل أدى الوجه أمر رابع على ظاهر الرواية باطل لأن المشروط شيئان غير متجانسين فلا يمكن أن يكون أحدهما تبعا للآخر بخلاف المتجانسين فالأشرف أو الأصل يجوز أن تسع الأخ والفرع. وأما الأنواع المتفرقة من الأنواع الأربعة فمثل أن يكون البذر من أحدهما والباقي من الآخر فهذه المزارعة فاسدة لأنه يصير مستأجرا للأرض والبقر والعامل جميعا بالبذر ولم يرد الشرع به. قال فخر الدين قاضي خان في " الجامع الصغير ": وعن أبي يوسف أنه يجوز، لأنه استئجار للعامل والأرض ببعض الخارج، وكل واحد منهما جائز عند الانفراد، فكذا عند الاجتماع. وكذلك إن كان البقر وحده من أحدهما والباقي من الآخر فالمزارعة فاسدة في ظاهر الرواية. وعن أبي يوسف أنه جوز ذلك، كذا في " تجريد المحيط "، وكذلك إذا كان البقر والبذر من أحدهما والأرض والعمل من الآخر فالمزارعة فاسدة، لأن الشرع لم يرد به. وفي الخارج اختلاف الرواية في الوجهين في رواية لصاحب البقر والبذر كسائر المزروعات الفاسدة. وفي وراية يكون لصاحب الأرض ويكون ذلك قرضا، وكذلك لو اشترك أربعة من أحدهم البذر، ومن الآخر العمل، ومن الآخر البقر، ومن الآخر الأرض فالمزارعة فاسدة. وقال محمد بن الحسن في كتاب " الآثار ": أخبرنا عبد الرحمن الأوزاعي عن واصل بن أبي جميل عن مجاهد قال: «اشترك أربعة نفر على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال واحد: من عندي البذر، وقال: الآخر: من عندي العمل. قال فألقى رسول لله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صاحب الأرض وجعل لصاحب العمل درهما لكل يوم، وألحق الزرع كله لصاحب الأرض» انتهى. والفدان بالتشديد والتخفيف اسم للثورين اللذين يحرث بهما. قوله: ألقى صاحب الأرض، يعني لم يجعل له شيئا من الخارج، لأنه لا يستوجب مثل الأرض وأعطى لصاحب العمل كل يوم درهما، لأن ذلك كان أجر مثل عمله ولم يذكر أجر الفدان لكونه معلوما من أجر العامل. م: (وهاهنا وجهان آخران باطلان لم يذكرهما) ش: أي وجهان آخران باطلان لم يذكرهما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 488 أحدهما: أن يكون البذر لأحدهما والأرض والبقر والعمل لآخر، فإنه لا يجوز؛ لأنه يتم شركة بين البذر والعمل ولم يرد به الشرع. والثاني: أن يجمع بين البذر والبقر وأنه لا يجوز أيضا؛ لأنه لا يجوز عند الانفراد، فكذا عند الاجتماع، والخارج في الوجهين لصاحب البذر في رواية اعتبارا بسائر المزروعات الفاسدة، وفي رواية لصاحب الأرض، ويصير مستقرضا للبذر قابضا له باتصاله بأرضه. قال: ولا تصح المزارعة إلا على مدة معلومة لما بينا، وأن يكون الخارج شائعا بينهما تحقيقا لمعنى الشركة   [البناية] القدوري م: (أحدهما) ش: أي أحد الوجهين م: (أن يكون البذر لأحدهما والأرض والبقر والعمل لآخر، فإنه) ش: أي وإن هذا الوجه م: (لا يجوز؛ لأنه يتم الشركة بين البذر والعمل) ش: لأن صاحب البذر مستأجر، والمستأجر للأرض، والتخلية بين المستأجر والمستأجر شرط، فانعدمت التخلية هاهنا، لأن الأرض تكون في يد العامل، وبقي إشكال في أنه أوجب لصاحب الأرض أجر مثل أرضه ولم يسلم الأرض، فكيف يستوجب أجر المثل. والجواب أن منفعة الأرض صارت مسلمة إلى صاحب البذر ولسلامة الخارج له حكما، وكذلك إن لم يخرج الأرض شيئا، لأن عمل العامل بأمر في القابلان كعمله بنفسه. فيستوجب أجر المثل عليه في الوجهين م: (ولم يرد به الشرع) ش: فلا يجوز، أي لم يرد الشرع بهذا الوجه فلا يجوز. م: (والثاني) ش: أي الوجه الثاني م: (أن يجمع بين البذر والبقر) ش: بأن يكون البذر والبقر من أحدهما والعمل من الآخر م: (وأنه) ش: أي وإن هذا الوجه م: (لا يجوز أيضا؛ لأنه لا يجوز عند الانفراد) ش: يعني إذا كان البذر وحده من جانب وإذا كان البقر وحدها من جانب م: (فكذا عند الاجتماع) ش: أي فكذا لا يجوز إذا كان البذر والبقر جميعا من جانب م: (والخارج في الوجهين لصاحب البذر في رواية اعتبارا بسائر المزروعات الفاسدة) ش: ذكرها الصدر الشهيد في المزارعة ومقدار ما غرم من أجر العامل والأرض ويتصدق بالفضل. م: (وفي رواية) ش: ذكرها الصدر الشهيد أيضا فهما م: (لصاحب الأرض ويصير مستقرضا للبذر، قابضا له باتصاله بأرضه) ش: أي يصير صاحب الأرض مستقرضا للبذر، وهذا في الحقيقة جواب إشكال، وهو أن القرض يشترط فيه القبض ولا قبض هاهنا، فأجاب بأن اتصال البذر بأرضه كالقبض. [بيان المدة في المزارعة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا تصح المزارعة إلا على مدة معلومة لما بينا) ش: أشار بقوله إلى قوله في شرط المزارعة، والثالث بيان المدة م: (وأن يكون الخارج بينهما شائعا) ش: أي ولا تصح أيضا، إلا أن يكون الخارج بينهما شائعا م: (تحقيقا لمعنى الشركة) ش: ولا خلاف الجزء: 11 ¦ الصفحة: 489 فإن شرطا لأحدهما قفزانا مسماة فهي باطلة، لأن به تنقطع الشركة؛ لأن الأرض عساها لا تخرج إلا هذا القدر، فصار كاشتراط دراهم معدودة لأحدهما في المضاربة، وكذا إذا شرطا أن يرفع صاحب البذر بذره ويكون الباقي بينهما نصفين، لأنه يؤدي إلى قطع الشركة في بعض معين أو في جميعه بأن لم يخرج إلا قدر البذر؛ فصار كما إذا شرطا رفع الخراج فالأرض خراجية وأن يكون الباقي بينهما لأنه معين، بخلاف ما إذا شرط صاحب البذر عشر الخارج لنفسه أو للآخر والباقي بينهما؛ لأنه معين مشاع فلا يؤدي إلى قطع الشركة، كما إذا شرطا دفع العشر وقسمة الباقي بينهما والأرض عشرية.   [البناية] فيه، الثالثة م: (فإن شرطا لأحدهما قفزانا مسماة فهي باطلة لأن به) ش: أي بهذا الشرط م: (تنقطع الشركة؛ لأن الأرض عساها لا تخرج إلا بهذا القدر) ش" أي القدر الذي استتببناه أحدهما، وعسى هاهنا بمعنى لعل كما في قول تحرين الموذ: فقلت عساها فار كاس، ولعلها أي لعلها واسمها ضمير فافهم. م: (فصار كاشتراط دراهم معدودة لأحدهما في المضاربة) ش: أي صار حكم هذا كحكم ما إذا اشترط أحد المتعاقدين في المضاربة دراهم معينة له فإنه يفسد به المضاربة، لأن شرط ذلك يقطع الشركة كما مر في المضاربة م: (وكذا) ش: أي ولا يجوز م: (إذا شرطا أن يرفع صاحب البذر بذره ويكون الباقي بينهما نصفين؛ لأنه يؤدي إلى قطع الشركة في بعض معين) ش: وهو قدر البذر م: (أو في جميعه) ش: أي أو يؤدي إلى قطع الشركة في جميع الخارج م: (بأن لم يخرج إلا قدر البذر) ش: فيأخذه صاحب البذر فيقطع به الشركة فلا يجوز. م: (فصار كما إذا شرطا رفع الخراج فالأرض خراجية) ش: أي والحال أن الأرض خراجية م: (وأن يكون الباقي بينهما) ش: أي وشرطا أن يكون الباقي بعد الخراج بينهما، لأنه يحتمل أن لا يخرج إلا مقدار الخراج، فيكون قطعا للشركة. وفي " الذخيرة " هذا إذا كان خراجها خراج وظيفة بأن يكون دراهم أو دنانير أو قفزانا معينا. أما لو كان خراج مقاسمة وهو جزء من الخارج مشاعا يجوز الثلث أو الربع لا يفسد المزارعة بهذا الشرط. [شرط أحد العاقدين في المزارعة] م: (بخلاف ما إذا شرط صاحب البذر عشر الخارج لنفسه أو للآخر والباقي بينهما) ش: حيث يجوز م: (لأنه معين مشاع، فلا يؤدي إلى قطع الشركة) ش: لأنه توهم قطع الشركة، فإنه ما من خارج إلا وله عشر، فبقي الشركة في الباقي م: (كما إذا شرطا دفع العشر وقسمة الباقي بينهما والأرض عشرية) ش: أي والحال أن الأرض عشرية، يعني يجوز هذا أيضا. وفي " شرح الكافي " لو كانت الأرض عشرية فشرط دفع العشر إن كانت تسقى شحا، ونصف العشر إن كانت تسقى بدلو، والباقي بينهما نصفان كان جائزا لما مر هذا الشرط لتوهم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 490 قال: وكذلك إن شرطا ما على الماذيانات والسواقي، معناه لأحدهما لأنه إذا شرط لأحدهما زرع موضع معين أفضى ذلك إلى قطع الشركة؛ لأنه لعله لا يخرج إلا من ذلك الموضع، وعلى هذا إذا شرط لأحدهما ما يخرج من ناحية معينة ولآخر ما يخرج من ناحية أخرى. وكذا إذا شرطا لأحدهما التبن وللآخر الحب، لأنه عسى تصيبه آفة، فلا ينعقد الحب ولا يخرج إلا التبن. وكذا إذا شرطا التبن نصفين والحب لأحدهما   [البناية] قطع الشركة. م: (قال) ش: أي القدوري في "مختصره " م: (وكذلك إن شرطا ما على الماذيانات والسواقي) ش: يعني كما أنهما إذا شرطا لأحدهما قفزانا مسماة تكون المزارعة باطلة، فكذلك إذا شرطا ما على الماذيانات والسواقي لأحدهما، لأنه يحتمل أن لا يحصل الربع إلا منها، فيؤدي إلى قطع الشركة. والماذيانات جمع ماذيان وهو أصغر من النهر وأعظم من الجدول فارسي معرب. وقيل ما يجتمع فيه ماء السيل ثم يسقى منه الأرض. والسواقي جمع ساقية وهي فرق الجدول دون النهر، كذا في " المغرب "، فيكون كلاهما واحدا. ويحتمل أن يكون بينهما فرق فكذلك أوردهما بعطف أحدهما على الآخر. وقيل هي أوسع من السواقي ولا خلاف فيه للثلاثة، لأن الخبر الصحيح والنهي عنه غير معارض ولا منسوخ م: (معناه لأحدهما) ش: أي معنى قول القدوري وكذلك إن شرطا ما على الماذيانات إن شرط لأحدهما. م: (لأنه إذا شرط لأحدهما زرع موضع معين أفضى ذلك إلى قطع الشركة؛ لأنه لعله لا يخرج إلا من ذلك الموضع) ش: أي لأن الشأن لعل الزرع لا يخرج إلا من ذلك الموضع المعين م: (وعلى هذا) ش: أي على ما ذكرنا من عدم الجواز م: (إذا شرط لأحدهما ما يخرج من ناحية معينة ولآخر ما يخرج من ناحية أخرى) ش: أي وشرط الآخر ما يخرج من الزرع من ناحية أخرى. م: (وكذا إذا شرطا لأحدهما التبن وللآخر الحب) ش: أي وكذا لا يصح ذكره تفريعا على مسألة القدوري وهو على خمسة أوجه، وهذا أولها م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن عساه يصيبه آفة، أي لأن الزرع م: (عسى يصيبه آفة فلا ينعقد الحب ولا يخرج إلا التبن) ش: فيؤدي إلى قطع الشركة، فلا يجوز. م: (وكذا إذا شرطا التبن نصفين) ش: هذا هو الوجه الثاني، أي وكذا لا يجوز إذا شرطا أن يكون التبن بينهما نصفين والحب بالنصف عطفا على التبن، أي وشرطا م: (والحب لأحدهما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 491 بعينه لأنه يؤدي إلى قطع الشركة فيما هو المقصود وهو الحب. ولو شرطا الحب نصفين ولم يتعرضا للتبن صحت لاشتراطهما الشركة فيما هو المقصود. ثم التبن يكون لصاحب البذر لأنه نماء ملكه، وفي حقه لا يحتاج إلى الشرط، والمفسد هو الشرط، وهذا مسكوت عنه. وقال مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: التبن بينهما أيضا اعتبارا للعرف فيما لم ينص عليه المتعاقدان، ولأنه تبع للحب، والتبع يقوم بشرط الأصل.   [البناية] بعينه لأنه يؤدي إلى قطع الشركة فيما هو المقصود وهو الحب) ش: وكل شرط يؤدي إلى قطع الشركة يفسد المزارعة. م: (ولو شرطا الحب نصفين) ش: هذا هو الوجه الثالث، وهو أن يشترطا أن يكون الحب بينهما نصفين م: (ولم يتعرضا للتبن) ش: بأن سكتا عنه م: (صحت) ش: أي المزارعة م: (لاشتراطهما الشركة فيما هو المقصود) ش: وهو الحب م: (ثم التبن يكون لصاحب البذر؛ لأنه نماء ملكه) ش: وفي بعض النسخ إنما بذره وهو الأصوب م: (وفي حقه) ش: أي وفي حق صاحب البذر م: (لا يحتاج إلى الشرط) ش: عن ملكه واستحقاق العامل بالشرط ولم يوجد م: (والمفسد هو الشرط) ش: أي المفسد للمزارعة هذا الشرط الفاسد م: (وهذا مسكوت عنه) ش: أي الشرط الفاسد سكت عنه هاهنا. لأنهما سكتا عنه، والسكوت عنه لا يفسد، وإنما المفسد ذكره، وهذا دفع في النسخ مسكوت عنه الصواب على ما لا يخفى. م: (وقال مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - التبن بينهما أيضا) ش: أي يكون التبن بين المتعاقدين كما يكون الحب م: (اعتبارا للعرف فيما لم ينص عليه المتعاقدان) ش: وأن العرف عندهم أن الحب والتبن يكون بينهما نصفين، وتحكيم العرف عند الاشتباه واجب. وقال الطحاوي في "مختصره ": روى أصحاب " الإملاء " عن أبي يوسف أن المزارعة فاسدة. وجعل محمد التبن لصاحب البذر إلا أن يقع الشرط بينهما، بخلاف ذلك. ثم وجدنا لمحمد بعد ذلك ما يدل على رجوعه عن قوله إلى ما قال أبو يوسف في " الإملاء " قال هو الصحيح، وبه نأخذ. م: (ولأنه تبع للحب) ش: أي ولأن التبن تبع للحب م: (والتبع يقوم بشرط الأصيل) ش: يعني أن التبن لما كان ذكر الشرط في الحب ذكرا في التبن حيث يكون التبن بينهما أيضا فكأنهما شرطا في التبن أن يكون بينهما كالجندي يصير مقيما بنية الإمام، وكالعبد يصير مقيما بنية المولى. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 492 ولو شرطا الحب نصفين والتبن لصاحب البذر صحت، لأنه حكم العقد. وإن شرطا التبن للآخر فسدت، لأنه شرط يؤدي إلى قطع الشركة بأن لا يخرج إلا التبن، واستحقاق غير صاحب البذر بالشرط. قال: وإذا صحت المزارعة فالخارج على الشرط لصحة الالتزام، وإن لم تخرج الأرض شيئا فلا شيء للعامل، لأنه يستحقه شركة ولا شركة في غير الخارج. وإن كانت إجارة فالأجر مسمى فلا يستحق غيره، بخلاف ما إذا فسدت؛ لأن أجر المثل في الذمة ولا تفوت الذمة بعدم الخارج.   [البناية] م: (ولو شرطا الحب نصفين والتبن لصاحب البذر صحت) ش: أي المزارعة وهذا هو الوجه الرابع م: (لأنه حكم العقد) ش: يعني أنهما لو سكتا عن ذكر التبن كان التبن لصاحب البذر، لأنه موجب العقد، فإذا نصا عليه فإنما صرحا بما هو موجب العقد، فلا يتغير به وصف العقد، وكان وجود الشرط وعدمه سواء. م: (وإن شرطا التبن للآخر فسدت) ش: أي المزارعة. وفي بعض النسخ وهذا هو الوجه الخامس م: (لأنه شرط يؤدي إلى قطع الشركة بأن لا يخرج إلا التبن) ش: وكل شرط يؤدي إلى قطع الشركة تفسد المزارعة كما قلنا م: (واستحقاق غير صاحب البذر بالشرط) ش: يعني غير صاحب البذر لا يستحق إلا بالشرط، وهذا الشرط يؤدي إلى قطع الشركة فتفسد. [الأثر المترتب على المزارعة] [الأثر المترتب على صحة المزارعة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا صحت المزارعة فالخارج على الشرط لصحة الالتزام وإن لم تخرج الأرض شيئا فلا شيء للعامل؛ لأنه يستحقه شركة ولا شركة في غير الخارج) ش: أي لأن العامل يستحق ما شرطاه شركة، والحكم في الشركة في الربح إذا لم يوجد الربح لا شيء للعامل، فكذا هنا م: (وإن كانت إجارة) ش: هذا جواب عما يقال كانت الأرض إجارة ابتداء فلا بد من الأجرة، وتقرير الجواب أن الأرض إن كانت إجارة في الابتداء م: (فالأجر مسمى) ش: أي معين م: (فلا يستحق غيره) ش: أي غير المسمى، ولا يشكل بما إذا كانت الأجرة عينا في الإجارة وهلكت الأجرة قبل التسليم يجب على المستأجر أجر المثل. فينبغي أن يكون كذلك فيما نحن فيه، لأن الأجر المعين هناك قبل التسليم وهاهنا بعد التسليم أن العامل قبل البذر الذي يتفرع عليه الخارج وقبض الأصل قبض لفروعه والأجرة العين إذا هلكت بعد التسليم لا يجب شيء، فكذا هاهنا، كذا في " الجامع المحبوبي ". م: (بخلاف ما إذا فسدت) ش: أي المزارعة م: (لأن أجر المثل في الذمة) ش: أي لأن وجوب أجر المثل في الذمة م: (ولا تفوت الذمة بعدم الخارج) ش: لأن عدم الخارج لا يمنع وجوب ما في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 493 قال: وإذا فسدت فالخارج لصاحب البذر، لأنه نماء ملكه واستحقاق الآخر بالتسمية وقد فسدت، فبقي النماء كله لصاحب البذر. قال: ولو كان البذر من قبل رب الأرض فللعامل أجر مثله لا يزاد على مقدار ما شرط له من الخارج لأنه رضي بسقوط الزيادة، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد: له أجر مثله بالغا ما بلغ، لأنه استوفى في منافعه بعقد فاسد، فتجب عليه قيمتها إذ لا مثل لها، وقد مر في الإجارات.   [البناية] الذمة. [الأثر المترتب على فساد المزارعة] م: (قال) ش: أي القدوري م: وإذا فسدت) ش: أي المزارعة م: (فالخارج لصاحب البذرة لأنه نماء ملكه) ش: أي ملك صاحب البذر م: (واستحقاق الآخر بالتسمية وقد فسدت) ش: أي القسمة، لأن المشروط في المزارعة بمنزلة البذر المسمى في عقد الإجارة والتسمية لا تصح مع فساد العقد، فإذا بطلت التسمية بالفساد م: (فبقي النماء كله لصاحب البذر) ش: لأنه نماء ملكه. [كان البذر من قبل رب الأرض في المزارعة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولو كان البذر من قبل رب الأرض فللعامل أجر مثله) ش: يعني في صورة فساد المزارعة م: (لا يزاد على مقدار ما شرط له من الخارج) ش: أي لا يزاد أجر المثل على القدر الذي شرط للعامل. وفي " شرح الكافي " ويطيب لصاحب الأرض جميع ما أخرجته الأرض لأنه تولد من بذره بقوة الأرض. ولو كان البذر من قبل العامل بطيب له من الخارج مقدار بذره وما غرمه، ويتصدق بالفضل لأنه تولد بقوة أرض الغير وقد فسد ذلك العقد الذي استحق به ملك المنفعة فيمكن فيه شبهة الحنث م: (لأنه رضي بسقوط الزيادة) ش: أي لأن العامل رضي بسقوط الزيادة على أجر المثل لأنه دخل في مباشرة ما يوجب فساد العقد م: (وهذا) ش: أي عدم الزيادة على أجر المثل م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) . م: (وقال محمد له) ش: أي للعامل م: (أجر مثله بالغا ما بلغ) ش: وبه قالت الثلاثة، وبالغا ينصب على الحال من الأجرة. وما بلغ في محل نصب على أنه مفعول بالغا ومفعوله مفعول بلغ محذوف وهو الضمير العائد إلى كلمة ما فافهم م: (لأنه) ش: أي لأن صاحب الأرض م: (استوفى منافعه) ش: أي منافع العامل م: (بعقد فاسد فيجب عليه قيمتها) ش: أي قيمة منافعه م: (إذ لا مثل لها) ش: أي للمنافع فيجب قيمتها بالغة ما بلغت م: (وقد مر في الإجارات) ش: أي قد مر هذا الخلاف. وفي بعض النسخ وقد مرت أي المسألة. وقال السغناقي: وفي هذا الذي ذكره من الحوالة نوع يعتبر، لأنه ذكر في باب الإجارة الفاسدة من كتاب الإجارة في مسألة ما إذا استأجر حمالا ليحمل له طعاما بقفيز منه، فالإجارة فاسدة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 494 وإن كان البذر من قبل العامل فلصاحب الأرض أجر مثل أرضه، لأنه استوفى منافع الأرض بعقد فاسد، فيجب ردها وقد تعذر ولا مثل لها فيجب رد قيمتها، وهل يزاد على ما شرط له من الخارج؟ فهو على الخلاف الذي ذكرناه. ولو جمع بين الأرض والبقر حتى فسدت المزارعة فعلى العامل أجر مثل الأرض والبقر   [البناية] ثم قال: ولا تجاوز بالأجر معنى، لأنه لما فسدت الإجارة فالواجب أقل عما سمى. ومن أجر المثل وهذا بخلاف ما إذا اشتركا في الاحتطاب حيث يجب الأجر بالغا ما بلغ عند محمد، لأن المسمى هناك غير معلوم فلم يصح الحط. فمجموع هذا الذي ذكره في الإجارات يعلم أن عند محمد لا يبلغ أجر المثل بالغا ما بلغ في الإجارات الفاسدة كما هو قولهما إلى في الشركة والاحتطاب، ثم ذكرها هاهنا وقال محمد له أجر المثل بالغا ما بلغ إلى أن قال: وقد مرت في الإجارات، وذلك يدل على أن مذهبه في جميع الإجارات الفاسدة أن يبلغ الأجر ما بلغ وليس كذلك. وقال الأترازي أيضا: هذا كلام موهم، لأن الخلاف بين أبي يوسف ومحمد ذكر في الشركة الفاسدة في كتاب الشركة لا في كتاب الإجارات، لأن الإجارة الفاسدة لا خلاف فيها بين علمائنا الثلاثة، لأن فساد الإجارات إذا كان لعدم التسمية أو لجهالة المسمى بأن جعل الأجرة ثوبا أو دابة يجب أجر المثل بالغا ما بلغ. وإن كان المسمى معلوما ولكن فسدت بسبب شرط فاسد أو نحوه يجب الأقل من أجر المثل والمسمى لا يجاوز بالأجر المسمى. وقال زفر والشافعي: يجب أجر المثل بالغا ما بلغ، انتهى. والجواب بأن هذه الإجارة من قبل الشركة في الاحتطاب لأن الأجر غير معلوم قبل خروج الخارج، وهذه حوالة بلا تغيير ولا إبهام، فافهم. [كان البذر من قبل العامل في المزارعة] م: (وإن كان البذر من قبل العامل فلصاحب الأرض أجر مثل أرضه) ش: هذا من مسائل القدوري. وفي بعض النسخ وإن كان من قبل العامل، أي البذر م: (لأنه استوفى) ش: أي لأن العامل استوفى م: (منافع الأرض بعقد فاسد فيجب ردها) ش: أي رد المنافع، لأن هذا مقتضى القياس، ولكن هذا لا يمكن، أشار بقوله م: (وقد تعذر) ش: أي رد المنافع لأنها ثلاثة واضمحلت م: (ولا مثل لها) ش: أي منافع الأرض حتى يرد مثلها م: (فيجب رد قيمتها) ش: أي إذا كان كذلك فتجب رد قيمة منافع الأرض الذي استوفاها م: (وهل يزاد على ما شرط له من الخارج؟ فهو على الخلاف الذي ذكرناه) ش: آنفا، وهو أن لا يزاد عليه عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد. [جمع بين الأرض والبقر حتى فسدت المزارعة] م: (ولو جمع بين الأرض والبقر حتى فسدت المزارعة فعلى العامل أجر مثل الأرض والبقر) ش: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 495 هو الصحيح؛ لأن له مدخلا في الإجارة وهي إجارة معنى. وإذا استحق رب الأرض الخارج لبذره في المزارعة الفاسدة طاب له جميعه، لأن النماء حصل في أرض مملوكة له. وإن استحقه العامل أخذ قدر بذره وقدر أجر الأرض وتصدق بالفضل لأن النماء يحصل من البذر   [البناية] لأن البقر مدخلا في الإجارة يجوز إيراد عقد الإجارة عليه والمزارعة إجارة، يعني فتنعقد الإجارة عليه فاسدا ويجب أجر المثل. وقال الكرخي في "مختصره ": ولو أن صاحب الأرض دفع الأرض إلى صاحب العمل على أن البذر والعمل من عند العامل والأرض والبقر من عند صاحب الأرض على أن الخارج بينهما قال: هذا فاسد في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -. فإن أخرجت الأرض زرعا كثيرا فجميع البذر لصاحب البذر والعمل، ولصاحب الأرض والبقر أجر مثل أرضه وبقره على الزارع صاحب البذر والعمل فله أن يستوفي من ذلك ما بذر وما غرم، ويتصدق بالفضل. ولو لم تخرج الأرض شيئا غرم وصاحب البذر أجر مثل الأرض وأجر مثل البقر، لأن المزراعة فاسدة ولا يبالي أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج. م: (هو الصحيح) ش: احترز به عن تأويل بعض أصحابنا لقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأصل " لصاحب الأرض والبقر أجر مثل أرضه وبقره على صاحب البذر أن المراد به يجب أجر مثل الأرض مكروبة. أما البقر فلا يجوز أن يستحق العقد بعقد المزارعة بحال، فلا ينعقد العقد عليه صحيحا ولا فاسدا. ووجوب أجر المثل لا يكون بدون عقد، لأن المنافع لا تتقوم بدونه. ولكن الأصح أن عقد المزارعة من جنس الإجارة ومنافع العقد مما يجوز استحقاقها بعقد الإجارة، فينعقد عليها بعقد المزارعة بالفساد، فيجب أجر مثلها كما يجب أجر مثل الأرض، كذا في " المبسوط " م: (لأن له مدخلا في الإجارة) ش: أي لأن البقر داخل في الإجارة بأن استأجرها ليحمل عليها م: (وهي إجارة معنى) ش: أي المزارعة المذكورة إجارة من حيث المعنى، ولكنها بصفة الفساد، فيجب أجر المثل. م: (وإذا استحق رب الأرض الخارج لبذره) ش: أي لأجل البذر له م: (في المزارعة الفاسدة طاب له جميعه) ش: أي جميع الخارج. فإذا طاب له جميعه لا يجب عليه أن يتصدق بشيء من ذلك م: (لأن النماء حصل في أرض مملوكة له) ش: أي لرب الأرض، وقد ذكرناه م: (وإن استحقه العامل) ش: أي وإن استحق الخارج العامل لكون البذر له م: (أخذ قدر بذره وقدر أجر الأرض وتصدق بالفضل) ش: أي بالزائد على قدر البذر وأجر الأرض م: (لأن النماء يحصل من البذر الجزء: 11 ¦ الصفحة: 496 ويخرج من الأرض وفساد الملك في منافع الأرض أوجب خبثا فيه، فما سلم له بعوض طاب له، وما لا عوض له تصدق به. قال: وإذا عقدت المزارعة فامتنع صاحب البذر من العمل لم يجبر عليه لأنه لا يمكنه المضي في العقد إلا بضرر يلزمه، فصار كما إذا استأجر أجيرا ليهدم داره. وإن امتنع الذي ليس من قبله البذر أجبره الحاكم على العمل، لأنه لا يلحقه بالوفاء بالعقد ضرر والعقد لازم بمنزلة الإجارة، إلا إذا كان عذر   [البناية] ويخرج من الأرض وفساد الملك في منافع الأرض أوجب خبثا فيه) ش: أي في الفضل، لأن فضل زرع خرج له من أرض غيره م: (فما سلم له بعوض طاب له، وما لا عوض له تصدق به) ش: لتمكن الخبث فيه. [عقدت المزارعة فامتنع صاحب البذر من العمل] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا عقدت المزارعة فامتنع صاحب البذر من العمل لم يجبر عليه) ش: أي على العمل هذا قبل إلقاء البذر، أما بعد إلقاء البذر فيجبر ولا يمكنه الفسخ إلا بعذر لصيرورة العقد لازما من الجانبين، وقد بينا أن العقد لازم عند الفقهاء م: (لأنه لا يمكنه المضي في العقد إلا بضرر يلزمه) ش: وهذا استهلاك البذر في الحال م: (فصار كما إذا استأجر أجيرا ليهدم داره) ش: ثم ندم لا يجير، فصار هذا الحكم ما إذا استأجره رجلا ليهدم داره ثم ندم لا يجبر عليه والعقد لازم بمنزلة الإجارة فيلزمه الوفاء. [امتنع الذي ليس من قبله البذر في المزارعة] م: (وإن امتنع الذي ليس من قبله البذر أجبره الحاكم على العمل؛ لأنه لا يلحقه بالوفاء بالعقد ضرر والعقد لازم بمنزلة الإجارة) ش: فيلزمه الوفاء، وهذا قول العامة إلا في رواية عن أحمد أن العقد غير لازم عنده. وقال الكرخي في "مختصره ": إذا تعاقد رجلان على زراعة أرض سنة ثم ظهر لأحدهما أن لا يزرع فقال لا أريد أن أزرع هذه الأرض ولا غيره، أو قال: لا أريد أن أزرع هذه الأرض وأريد أن أزرع غيرها فإنك تنظر في هذا، فإذا كان الممتنع من قبل البذر فله ذلك. وإن كان ليس من قبله البذر فليس له أن يمتنع إلا من عذر. ولو كانت الإجارة للمزارعة وقعت بأجر غير ما يخرج منها، ثم أراد المستأجر أن يدع المزارعة ولا يزرع هذه الأرض ولا غيرها فله ذلك، وإن قال: لا أزرع هذه الأرض وأزرع غيرها لم يكن له ذلك، وقيل: له اقبض الأرض فيكون في يديك، فإن شئت زرعت، وإن شئت لم تزرع، فإذا تمت السنة كان عليك ما سميت من الأجر. وإن امتنع صاحب الأرض وقال: قد بدا لي أن لا أؤجر أرضا للزراعة لم يكن له ذلك وأن يجبر على تسليم الأرض إلا أن يكون له عذر في ذلك. م: (إلا إذا كان عذر) ش: استثناء من قوله والعقد لازم، وكان تامة فلا تحتاج إلى الخبر، والمعنى إلا إذا وجد عذر. وفي بعض النسخ عذرا بالنصب، فعلى هذا يكون عذرا خبر كان، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 497 يفسخ به الإجارة فيفسخ به المزارعة. قال: ولو امتنع رب الأرض والبذر من قبله وقد كرب المزارع الأرض فلا شيء له في عمل الكراب. قيل هذا في الحكم، أما فيما بينه وبين الله تعالى فيلزمه استرضاء العامل لأنه غره في ذلك. قال: وإذا مات أحد المتعاقدين بطلت المزارعة اعتبارا بالإجارة.   [البناية] ويكون اسمه ضميرا مستقرا فيه عائدا إلى مقدر تقديره إلى إلا إذا كان الامتناع عذرا أي الموجب الامتناع عذرا م: (يفسخ به الإجارة) ش: هذه الجملة صفة لقوله عذر، وفي بعض النسخ يفسخ به الإجارة، والباء في به للسببية م: (فيفسخ به المزارعة) ش: لأنها إجارة معنى كما ذكرنا، قال الكرخي في "مختصره ": العذر أن يكون على رب الأرض دين فادح لا يقدر على أدائه إلا من ثمن هذه الأرض فله أن يبيعها فيه. وفي " فتاوى العتابي " لو كان المزارع سارقا يخاف منه لرب الأرض أن يفسخ. وقال في " شرح الكافي " والأعذار ثلاثة: المرض الذي يقعد العامل عن العمل، وخيانة العامل، والدين الذي لا وفاء عنده سوى بيع الأرض. ثم قال: ولو دفع إليه نخلا معاملة بالنصف ثم بدا للعامل أن يترك العمل أو يسافر، فإنه يجبر على العمل، لأن هذا ليس بعذر في حقه، لأنه أمكنه الاستعانة بغيره. وكذا إن بدا لصاحب النخل أن يعمل بنفسه ويمنع العامل لم يكن له ذلك، لأنه لا ضرر في حقه، لأنه يفسد عليه شيئا فلم يتحقق العذر، فامتنع الفسخ. [امتنع رب الأرض والبذر من قبله وقد كرب المزارع الأرض] م: (قال: ولو امتنع رب الأرض والبذر من قبله وقد كرب المزارع الأرض فلا شيء له في عمل الكراب) ش: الواو في قوله والبذر للحال. وكذا الواو في قوله وقد كرب، أي قلب الأرض للزراعة، والكرب بالكسر مصدره. وقوله فلا شيء له، أي للعامل يعني إذا امتنع رب البذر من العقد والبذر منه قبل إلقاء البذر لا شيء للعامل في عمل الكراب؛ لأن عمله إنما يقوم بالعقد، والعمل قوم يخرج من الخارج ولا خارج بعده فلا يستوجب شيئا. م: (قيل هذا في الحكم) ش: أي قيل هذا الجواب في الحكم يعني في القضاء ظاهر، وقال الأترازي أي الذي قلنا: إن المزارع لا شيء له من أجل الكراب ونحوه هو القضاء ظاهرا م: (أما فيما بينه وبين الله تعالى فيلزمه استرضاء العامل لأنه غره في ذلك) ش: أي في هذا الفعل، يعني فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى بأن يعطي العامل أجر مثله، لأن الغرور مرفوع فيبقى بأن يطلب رضاه. م: (قال: وإذا مات أحد المتعاقدين بطلت المزارعة اعتبارا بالإجارة) ش: يعني أن هذا عقد ورد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 498 وقد مر الوجه في الإجارات. فلو كان دفعها ثلاث سنين فلما نبت الزرع في السنة الأولى ولم يستحصد الزرع حتى مات رب الأرض ترك الأرض في يد المزارع حتى يستحصد الزرع ويقسم على الشرط وتنتقض المزارعة فيما بقي من السنتين؛ لأن في إبقاء العقد في السنة الأولى مراعاة للحقين، بخلاف السنة الثانية والثالثة؛ لأنه ليس فيه ضرر بالعامل   [البناية] على المنافع فيبطل بموت أحد المتعاقدين كالإجارة وفي " المبسوط " و" الذخيرة " هذا جواب القياس. وفي الاستحسان يبقى عقدا للزراعة إلى أن يستحصد الزرع، معناه يبقى بلا إجارة مبتدأة حتى لا يجب الأجر على المزارع، لأنا أبقينا العقد نظرا للزارع، لأنه لو لم يبق لقلع ورثة رب الأرض فيتضرر به المزارع ولا يجوز إلحاق الضرر على غير المتعاقدين. وإليه أشار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بقوله: فلو كان دفعها إلى آخره، وعلم أن المراد بقوله: وإذا مات أحد المتعاقدين ما بعد الزرع، لأن الذي يكون قبله مذكور فيما يليه ولم يفصل بين ما نبت الزرع أو لم ينبت، ولكنه ذكر جواب النابت في قوله في وجه الاستحسان، ولم يذكر جواب ما لم ينبت عند موته، ولعله ترك ذلك اعتمادا على دخوله في إطلاق أول المسألة. وعند الثلاثة يبقى العقد مطلقا م: (وقد مر الوجه في الإجارات) ش: وهو قوله لأنه لو بقي العقد تصير المنفعة المملوكة أو الأجرة المملوكة لغير العاقد مستحقة بالعقد، لأنه ينتقل بالموت إلى الوارث، وذلك لا يجوز. م: (فلو كان دفعها في ثلاث سنين) ش: ذكره بالغا، لأنه متضرع على ما قبله، أي فلو دفع الأرض إلى آخر مدة ثلاث سنين م: (فلما نبت الزرع في السنة الأولى ولم يستحصد) ش: أي لم يجئ أوان الحصاد م: (حتى مات رب الأرض ترك الأرض في يد المزارع حتى يستحصد الزرع ويقسم على الشرط) ش: استحسانا، والقياس أن لا يثبت للورثة حق الأخذ، لأنه يفسخ العقد بموت العاقد. قال في " شرح الكافي ": إلا أنا أبقيناه استحسانا لأجل العذر وعقد الإجارة جوز للعذر، فلأن يبقى ببقاء العذر كأن أولى. ولهذا قلنا: إنه لو استأجر سفينة فلما توسط لجة البحر انتهت مدة الإجارة قدرنا عقد الإجارة مبتدأة بأجر لمكان العذر، فإذا قدر عقدا مبتدأ لأجل العذر فلأن يبقى لأجل العقد كان أولى فإذا أدرك الزرع اقتسم الزرع والورثة على الشرط م: (وتنتقض المزارعة فيما بقي من السنتين؛ لأن في إبقاء العقد في السنة الأولى مراعاة للحقين) ش: أي حق المزارع وحق الورثة. م: (بخلاف السنة الثانية والثالثة؛ لأنه ليس فيه ضرر بالعامل) ش: لأنه لم يثبت له شيء بعد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 499 فيحافظ فيهما على القياس. ولو مات رب الأرض قبل الزراعة بعدما كرب الأرض وحفر الأنهار انتقضت المزارعة لأنه ليس فيه إبطال مال على المزارع ولا شيء للعامل بمقابلة ما عمل كما نبينه إن شاء الله تعالى. وإذا فسخت المزارعة بدين فادح لحق صاحب الأرض فاحتاج إلى بيعها فباع جاز كما في الإجارة، وليس للعامل أن يطالبه بما كرب الأرض وحفر الأنهار بشيء، لأن المنافع إنما تتقوم بالعقد وهو إنما قوم بالخارج، فإذا انعدم الخارج لم يجب شيء.   [البناية] شيء م: (فيحافظ فيهما على القياس) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فيحافظ من السنة الثانية والثالثة على وجه القياس حيث تبطل المزارعة بموت أحد المتعاقدين. [مات رب الأرض قبل الزراعة بعدما كرب الأرض وحفر الأنهار] م: (ولو مات رب الأرض قبل الزراعة بعدما كرب الأرض وحفر الأنهار انتقضت المزارعة؛ لأنه ليس فيه إبطال مال على المزارع) ش: بخلاف ما إذا مات رب الأرض والزرع بقل حيث يبقى العقد، لأن فيه إبطال مال على المزارع ولو كلف القلع، وفي بعض النسخ إبطال مال المزارع م: (كما نبينه إن شاء الله تعالى) ش: أشار به إلى قوله بعد هذا لأن المنافع إنما تتقوم بالعقد. [الأثر المترتب على فسخ المزارعة] م: (وإذا فسخت المزارعة بدين فادح) ش: أي ثقيل من فدحه الأمر، أي أثقله، وكل مثقل فادح. وقال ابن دريد فوادح الدهر خطوبه ومادته فاء ودال وحاء مهملتين م: (لحق صاحب الأرض) ش: هذه الجملة صفة أخرى لقوله دين شيء م: (فاحتاج إلى بيعها فباع جاز) ش: أي بيع الأرض جاز الفسخ، يعني الدين الفادح يصير عذرا في فسخ عقد المزارعة، لأن في المضي على العقد يلحقه ضرر وهو الحبس فجاز الفسخ م: (كما في الإجارة) ش: حيث يفسخ بعذر الدين ونحوه. وفي " الذخيرة " لا بد لفسخ المزارعة من القضاء أو الرضا على روايات الزيادات لأنها بمعنى الإجارة، وعلى رواية " المبسوط " و " الجامع الصغير " لا يحتاج إلى الرضا أو القضاء فبعض المتأخرين أخذ براوية الزيادات، وبعضهم برواية " الأصل " و " الجامع ". وقوله فسخت والتشبيه بالإجارة يشير إلى أنه اختار رواية " الزيادات " فافهم. م: (وليس للعامل أن يطالبه) ش: أي صاحب الأرض، وهذا هو الموعود بقوله على ما بيناه إن شاء الله تعالى م: (بما كرب الأرض وحفر الأنهار بشيء؛ لأن المنافع إنما تتقوم بالعقد، وهو إنما قوم بالخارج) ش: أي العقد فيما نحن فيه قوم بالخارج م: (فإذا انعدم الخارج لم يجب شيء) ش: وهذا الجواب بهذا التعليل إنما يستقيم أن لو كان البذر من قبل العامل، أما لو كان من قبل رب الأرض فللعامل أجر مثل عمله، لأن البذر إذا كان من قبل العامل يكون مستأجرا للأرض، فيكون العقد واردا على منفعة الأرض لا على عمل العامل، فيبقى عمله من غير عقد ولا يتقوم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 500 ولو نبت الزرع ولم يستحصد لم تبع الأرض في الدين حتى يستحصد الزرع؛ لأن في البيع إبطال حق المزارع والتأخير أهون من الإبطال.   [البناية] على رب الأرض. أما إذا كان البذر من رب الأرض فيكون هو مستأجرا للعامل، فكان العقد واردا على منافع العمل فيتقوم منافعه وعمله على رب الأرض فيرجع عليه بأجر مثل عمله، كذا في " الذخيرة "، قيل فيه نظر، فإن منافع الأجير وعمله إنما يتقوم على رب الأرض بالعقد، والعقد إنما قوم بالخارج، فإذا انعدم الخارج لم يجب شيء. [نبت الزرع ولم يستحصد في المزارعة] م: (ولو نبت الزرع ولم يستحصد لم تبع الأرض في الدين حتى يستحصد الزرع) ش: ذكره تفريعا ولم يذكر في الكتاب إذا زرع العامل ولم ينبت ثم لحق لرب الأرض دين فادح ما حكمه. وفي " الذخيرة " اختلف المشايخ فيه، قال أبو بكر العتابي له ذلك، لأنه ليس لصاحب البذر في الأرض عين مال قائم، لأن التبذير استهلاك، ولهذا قالوا لصاحب البذر فسخ المزارعة. وقال الشيخ أبو إسحاق الحافظ: ليس له ذلك، لأن التبذير استثمار لا استهلاك، ألا ترى أن الأب أو الوصي يملكان زراعة أرض الصبي مع أنهما لا يملكان استهلاك ماله، فإذا كان كذلك كان للمزارع عين مال قائم. وفي " فتاوى العتابي " لو أجاز العامل البيع والبذر منه فله حصة البذر مبذورا، فتقوم الأرض مبذورة وغير مبذورة فله حصة الفضل من الثمن. وإن كان البذر من رب الأرض فباعه قبل النبات لا يدخل البذر بدون ذكره. وقيل: إن حفر في الأرض يدخل. وإن سقاه المشتري حتى يثبت وأدرك فهو للبائع والمشتري متطوع. ولو باع رب الأرض لم ينفذ بدون إجارة المزارع أو المستأجر أو المرتهن وليس لهم نقض بيعه، لأن ضررهم يندفع بالتوقف. وكذا للبيع والشفيع أن يأخذ أو يقوم مقام المشتري في التوقف. وكذا لو أجرها رب الأرض بعد الزرع أو قبله والبذر من المزارع يتوقف على إجارته كالبيع. م: (لأن في البيع إبطال حق المزارع والتأخير أهون من الإبطال) ش: يعني أن في التأخير إضرارا بالغرماء، لكن ضرر التأخير بدون ضرر الإبطال، فإن لم يكن بد من إلحاق الضرر به يترجح أهون الضررين؛ ولأن فيه نظرا للكل لاستعماله على عدم إبطال حق المزارع، ويقع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 501 ويخرجه القاضي من الحبس إن كان حبسه بالدين، لأنه لما امتنع بيع الأرض لم يكن هو ظالما، والحبس جزاء الظلم. قال: وإذا انقضت مدة المزارعة والزرع لم يدرك كان على المزارع أجر مثل نصيبه من الأرض إلى أن يستحصد، والنفقة على الزرع عليهما على مقدار حقوقهما، معناه حتى يستحصد؛ لأن في تبقية الزرع بأجر المثل تعديل النظر من الجانبين فيصار إليه وإنما كان العمل عليهما لأن العقد قد انتهى بانتهاء المدة، وهذا عمل في المال المشترك، وهذا بخلاف ما إذا مات رب الأرض والزرع بقل حيث يكون العمل فيه على العامل؛ لأن هناك أبقينا العقد في مدته،   [البناية] رب الأرض فإن نصيبه يباع في دينهم أيضا، وما فيه نظر للكل يترجح على ما فيه ضرر بالبعض م: (ويخرجه القاضي من الحبس) ش: أي يخرج رب الأرض القاضي من الحبس م: (إن كان حبسه بالدين لأنه لما امتنع بيع الأرض لم يكن هو ظالما، والحبس جزاء الظلم) ش: ولكن لا يحول بينه وبين الغريم لأنه ربما يخفي نفسه عند إمكان البيع، فإذا أدرك الزرع كان له أن يحسبه إلى أن يبيع نصيبه من الزرع، والأرض، ويوفي الغريم حقه لأنه زال المانع، فظهرت القدرة. [انقضت مدة المزارعة والزرع لم يدرك] م: (قال: وإذا انقضت مدة المزارعة) ش: أي قال القدوري وقيد بالانقضاء احترازا عن مسألة الموت كما يأتي م: (والزرع لم يدرك) ش: أي والحال أن الزرع لم يدرك م: (كان على المزارع أجر مثل نصيبه من الأرض إلى أن يستحصد) ش: وفي بعض نسخ " المختصر ": أجر مثل نصيبه من الزرع، وذلك أصح، فعلى الثاني يتعلق من نصيبه، وعلى الأول يتعلق بأجر المثل م: (والنفقة على الزرع عليهما) ش: أي على العامل، ورب الأرض، وأراد بالنفقة مؤنة الحفظ، والسقي وكرب الأنهار م: (على مقدار حقوقهما) ش: أي حقوق العامل، ورب الأرض م: (معناه حتى يستحصد) ش: أي معنى قوله: والنفقة على الزرع عليهما أحصد الزرع، واستحصد إذا حان له أن يحصد م: (لأن في تبقية الزرع بأجر المثل تعديل النظر من الجانبين فيصار إليه) ش: هذا دليل وجوب الأجر، ووجهه قالوا: إن أمرنا العامل بقلع الزرع عند انقضاء المدة تضرر به، وإن أبقيناه بلا أجر تضرر رب الأرض فبقيناه بلا أجر تعديلا للنظر من الجانبين م: (وإنما كان العمل عليهما؛ لأن العقد قد انتهى بانتهاء المدة، وهذا عمل في المال المشترك) ش: فيكون العمل عليهما. م: (وهذا) ش: أي الحكم المذكور م: (بخلاف ما إذا مات رب الأرض والزرع بقل حيث يكون العمل فيه على العامل) ش: يعني إذا مات صاحب الأرض، والحال أن الزرع بقل فإنه لا يجب أجر المثل، ولا العمل عليهما، بل يكون على العامل، بخلاف الإجارة، والعارية إذا انقضت المدة والزرع بقل، فإنه يجب أجر المثل، ويترك الزرع حتى يستحصد نظرا لهما م: (لأن هناك) ش: أي فيما إذا مات رب الأرض، والزرع بقل م: (أبقينا العقد في مدته) ش: أي في مدة العقد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 502 والعقد يستدعي العمل على العامل، أما هاهنا العقد قد انتهى فلم يكن هذا إبقاء ذلك العقد فلم يختص العامل بوجوب العمل عليه. فإن أنفق أحدهما بغير إذن صاحبه وأمر القاضي فهو متطوع لأنه لا ولاية له عليه   [البناية] حكما للعقد. م: (والعقد يستدعي العمل على العامل) ش: أي يقتضي قيام العمل على العامل م: (أما هاهنا) ش: أي فيما إذا انقضت مدة المزارعة، والزرع لم يدرك (العقد قد انتهى) ش: بانتهاء المدة م: (فلم يكن هذا إبقاء ذلك العقد فلم يختص العامل بوجوب العمل عليه) ش: لأن استحقاق العمل على العامل إنما كان في المدة بالعقد، فلم يبق العقد فلا يكون عليه، بل يكون عليهما؛ لأنه عمل على المال المشترك. وقال تاج الشريعة: في قوله بخلاف ما إذا مات رب الأرض، بيان الفرق أن رب الأرض متى مات بقي عقد المزارعة فتعذر إيجاب الأجر، لأنه لا يجب إجارة ما، إذ منفعة الأرض في مدة واحدة وهو بعض الخارج، وأجر المثل دارهم، أو دنانير، وإيجاب زمانين بإزاء عين واحدة لا يجوز، فإيجاب البدلين بإزاء منفعة واحدة، لأن لا يجوز أولى وأحرى. أما إذا انقضت مدة المزارعة فيحتاج إلى إثبات الإجارة فلا يكون جمعا بين أجرين بإزاء منفعة الأرض في مدة واحدة، بل يكون إيجاب الأجرين في مدة مختلفة، وهذا جائز. م: (فإن أنفق أحدهما بغير إذن صاحبه وأمر القاضي فهو متطوع) ش: ذكره تفريعا على مسألة القدوري، أي فيما إذا انقضت مدة المزارعة، والزرع بقل، وإنما كان متطوعا م: (لأنه لا ولاية له) ش: لأحدهما على الآخر، بخلاف ما إذا أنفق بأمر القاضي حتى يرجع على صاحبه بمقدار حصته؛ لأن للقاضي ولاية فصح أمره. فإن قيل: هو مضطر في الإنفاق لأنه يجيء حق نفسه فلا يوصف بالتبرع. قلنا: هو غير مضطر؛ لأنه يمكنه الإنفاق بأمر القاضي، ولأنه غير مجبر على الإنفاق؛ لأن له ولاية أخذ الزرع بقلا كما يجيء، كذا في " الذخيرة ". فإن قلت: لم لا يجعل هذا كما لو أوصى برقبة نخلة لإنسان، وتمرها لآخر، فأنفق الموصى له بالرقبة في غيبة صاحب الثمر بغير أمر القاضي وبغير أمر صاحب الثمر فإنه لا يكون متبرعا كذا هنا. قلت: قياسك على هذا غير صحيح والصحيح أن يقاس على ما إذا كان النخيل بين اثنين وغاب أحدهما فأنفق الآخر عليه بغير أمر القاضي فإنه يكون متبرعا، كذا في مسألة الزرع. م: (لأنه لا ولاية له عليه) ش: أي لأن الذي أنفق لا ولاية له على صاحبه فيكون متبرعا م: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 503 ولو أراد رب الأرض أن يأخذ الزرع بقلا لم يكن له ذلك، لأن فيه إضرارا بالمزارع. ولو أراد المزارع أن يأخذه بقلا قيل لصاحب الأرض: اقلع الزرع، فيكون بينكما أو أعطه قيمة نصيبه أو أنفق أنت على الزرع وارجع بما تنفقه في حصته، لأن المزارع لما امتنع من العمل لا يجبر عليه؛ لأن إبقاء العقد بعد وجود المنهي نظر له، وقد ترك النظر لنفسه، ورب الأرض مخير بين هذه الخيارات؛ لأن بكل ذلك يستدفع الضرر.   [البناية] (ولو أراد رب الأرض أن يأخذ الزرع لم يكن له ذلك) ش: ذكره تفريعا أيضا، وهو من مسائل الأصل، أي لم يكن لرب الأرض ذلك، أي بعد انقضاء المدة م: (لأن فيه إضرارا بالمزارع) ش: لأن المزارع ليس بمتعد في زرع الأرض، وله نهاية فيبقى الآن يستحصد بأجر المثل، لأن التأخير أهون من الإبطال. فإن قيل: كما أن في هذا إضرار بالمزارع فكذا في قلع المزارع إضرار برب الأرض، ومع ذلك جاز للمزارع قلعه. ذكره في " المبسوط ". قلنا: رب الأرض متعنت في طلب القلع لانتفائه بنصيبه، وبأجر المثل، فرد عليه، بخلاف المزارع فإنه يرد عن نفسه بالقلع ما يجب عليه من أجر المثل، فربما يخاف أن يصيبه من الزرع ما لا يبقى بذلك. م: (ولو أراد المزارع أن يأخذه بقلا) ش: بعد انقضاء المدة م: (قيل لصاحب الأرض: اقلع الزرع فيكون بينكما) ش: أشار بهذا إلى أن رب الأرض له الخيارات الثلاثة. الأول: أن يقال له: اقلع الزرع فيكون بينكما، والثاني: ما أشار إليه بقوله م: (أو أعطه قيمة نصيبه) ش: أي أو قيل له: أعطه حصة ثانية. والثالث: ما أشار إليه أيضا بقوله: م: (أو أنفق أنت على الزرع، وارجع بما تنفقه في حصته) ش: أي أو قيل له أنفق أنت على الزرع كله ثم ارجع بما أنفقت على حصته في نصيبه م: (لأن المزارع لما امتنع من العمل لا يجبر عليه) ش: أي على العمل لانقضاء مدة العقد م: (لأن إبقاء العقد) ش: لم يرد به عقد المزارعة لأنه انتهى بإنهاء مدته، ولكن بإبقاء الأرض مشغولة بالزرع بشبهة العقد، وبهذا يجب أجر المثل ومبناه على العقد م: (بعد وجود المنهي نظر له) ش: أي للمزارع، وأراد بالمنهي مضي المدة وهو بضم الميم، وسكون النون، وكسر الهاء م: (وقد ترك النظر لنفسه) ش: بإرادة القلع، وله ولاية ذلك، ورب الأرض مخير بين هذه الخيارات الثلاثة، التي ذكرت آنفا. وقوله: م: (ورب الأرض مخير بين هذه الخيارات) ش: أو أمر بينهما أو نحو ذلك م: (لأن بكل ذلك يستدفع الضرر) ش: أي بكل الخيارات، وتذكير اسم الإشارات باعتبار أراد أنه يدفع الضرر عن نفسه بذلك فيتخير. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 504 ولو مات المزارع بعد نبات الزرع فقالت ورثته: نحن نعمل إلى أن يستحصد الزرع وأبى رب الأرض فلهم ذلك، لأنه لا ضرر على رب الأرض ولا أجر لهم بما عملوا، لأنا أبقينا العقد نظرا لهم، فإن أرادوا قلع الزرع لم يجبروا على العمل لما بينا، والمالك على الخيارات الثلاثة لما بينا. قال: وكذلك أجرة الحصاد والدياس والرفاع والتذرية عليهما بالحصص، فإن شرطاه في المزارعة على العامل فسدت   [البناية] [مات المزارع فقالت ورثته نحن نعمل إلى أن يستحصد الزرع وأبى رب الأرض] م: (ولو مات المزارع بعد نبات الزرع، فقالت ورثته: نحن نعمل إلى أن يستحصد الزرع وأبى رب الأرض فلهم ذلك) ش: أي فللورثة أن يعملوا إلى أن يستحصد الزرع م: (لأنه لا ضرر على رب الأرض ولا أجر لهم بما عملوا) ش: سواء كان بقضاء قاض أو بغيرة م: (لأنا أبقينا العقد نظرا لهم) ش: فلا يستحقون الأجر، لأن استحقاق الأجر إنما يكون إذا كان الإبقاء نظرا لغيرهم م: (فإن أرادوا قلع الزرع لم يجبروا على العمل لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأنا أبقينا العقد نظرا لهم، فلو أجبروا انقلب ضررا عليهم م: (والمالك على الخيارات الثلاثة) ش: وهي القلع، أو إعطاء قيمة نصيب المزارع، أو الإنفاق على الزرع م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأن المزارع لما امتنع عن العمل لا يجبر عليه. [أجرة الحصاد في المزارعة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وكذلك أجرة الحصاد) ش: أي كما أن النفقة عليهما فيما إذا انقضت مدة المزارعة والزرع لم يدرك كذلك عليهما أجرة الحصاد، وهو بفتح الحاء، وكسرها لغتان، وقوي بهما في قوله سبحانه وتعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] (الأنعام: الآية 141) م: (والدياس) ش: وهو أن يوطأ الطعام بإطلاق البقر، وتكون عليها، يعني يخرجوا حتى يصير تبنا وهو مصدر داس الكرس يدوسه دوسا ودياسة ودياسا، ودياسة. وقال الأزهري: دياس الكرس، ودواسه واحد. وقال الكاكي: والدياس سفل السيف، واستعمال الفقهاء إياه في موضع الدياسة جائز. قلت: هذا يشير إلى أن الدياس ليس مصدرا، وإنما المصدر الدياسة، وليس كذلك، بل كلاهما مصدران كما ذكرنا. وقال الغفناقي: م: (والرفاع) ش: بكسر الراء وفتحها وهو أن يرفع الزرع إلى البيدر وهو موضع الدياس وتسميه أهل مصر الجران، وبالفارسية خرمن م: (والتذرية) ش: من ذرا بالتشديد وهو تمييز الحب من التبن بالرياح م: (عليهما بالحصص) ش: أي على رب الأرض والمزارع. م: (فإن شرطاه) ش: أي فإن شرط المتعاقدان في العقد أخص الأشياء المذكورة (في المزارعة على العامل فسدت) ش: أي المزارعة. وعند الشافعي، وأحمد: لا تفسد لأنه بدون الشرط على العامل. وكذا لو شرطاه على رب الأرض. وكذا لو شرطا في العقد عملا ليس من أعمال المزارعة على العامل، أو رب الأرض فسدت. ولو شرطا ما كان من أعمالها لا تفسد، لأنه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 505 وهذا الحكم ليس بمختص بما ذكر من الصورة وهو انقضاء المدة والزرع لم يدرك، بل هو عام في جميع المزارعات. ووجه ذلك أن العقد يتناهى بتناهي الزرع لحصول المقصود، فيبقى مال مشترك بينهما ولا عقد فيجب مؤنتة عليهما. وإذا شرطا في العقد ذلك ولا يقتضيه، وفيه منفعة لأحدهما يفسد العقد كشرط الحمل أو الطحن على العامل. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجوز إذا شرط ذلك على العامل للتعامل اعتبارا بالاستصناع وهو اختيار مشايخ بلخ قال شمس الأئمة السرخسي: هذا هو الأصح في ديارنا.   [البناية] شرطا لا يقتضيه العقد. وفي " النوازل " عن أبي يوسف: إذا اشترط على المزارع أن يحصده ويجمعه جاز، وفيه كان محمد بن سلمة، ونصير بن يحيى يجيزان المزارعة بشرط الحصاد، ولا أعرف أحدا في زمانهما خالفهما في ذلك. وقال الفقيه أبو الليث: وبه نأخذ. وفي " الخلاصة ": والسقية، والحمل إلى بيت رب المال كشرط الحصاد، وجوزه مشايخ بلخ. م: (وهذا الحكم) ش: أي اشتراط الحصاد ونحوه مفسد م: (ليس بمختص بما ذكر من الصورة وهو انقضاء المدة والزرع لم يدرك، بل هو عام في جميع المزارعات) ش: ولما كان القدوري ذكر هذه المسألة عقيب انقضاء مدة الزرع، والزرع لم يدرك كان موهم اختصاصها بذلك. وقال الشيخ: هذا الوهم بقوله: والحكم ... إلخ. م: (ووجه ذلك) ش: أي وجه فساد العقد باشتراط أجرة أحد الأشياء المذكورة على العامل، ووجوب الأجرة عليهما م: (أن العقد يتناهى بتناهي الزرع لحصول المقصود) ش: وهو تناهي الزرع بحصول المقصود م: (فيبقى مال مشترك بينهما ولا عقد) ش: أي ولا عقد موجود لانتهائه بانتهاء المدة م: (فيجب مؤنته عليهما) ش: لأن قضية العقد كون المؤنة عليهما إذ النماء عليهما، فإذا انتهى العقد لم يبق على العامل فيجب عليهما. م: (وإذا شرطا في العقد ذلك) ش: أي شرط م: (ولا يقتضيه) ش: أي والحال أنه لا يقتضيه العقد م: (وفيه منفعة لأحدهما) ش: أي والحال أن في الشرط منفعة لأحد المتعاقدين م: (يفسد العقد كشرط الحمل) ش: أي حمل الحنطة ونحوها إلى منزل رب الأرض م: (أو الطحن) ش: أي أو شرط الطحن م: (على العامل) ش: وكذا شرط التبقية. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز إذا شرط ذلك على العامل للتعامل) ش" أي لتعامل الناس بذلك م: (اعتبارا بالاستصناع) ش: حيث جوز لتعامل الناس م: (وهو) ش: أي ما روي عن أبي يوسف م: (اختيار مشايخ بلخ) ش: كمحمد بن سلمة، وأبي بكر البلخي وغيرهما م: (قال شمس الأئمة السرخسي: هذا هو الأصح في ديارنا) ش: ذكره شمس الأئمة في " المبسوط " م: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 506 فالحاصل: أن ما كان من عمل قبل الإدراك كالسقي والحفظ فهو على العامل. وما كان منه بعد الإدراك قبل القسمة فهو عليهما في ظاهر الرواية كالحصاد والدياس وأشباههما على ما بيناه. وما كان بعد القسمة فهو عليهما، والمعاملة على قياس هذا ما كان قبل إدراك الثمر من السقي والتلقيح والحفظ فهو على العامل، وما كان بعد الإدراك كالجداد والحفظ فهو عليهما،   [البناية] (فالحاصل) ش: أشار بهذا الكلام إلى أن الأعمال ثلاثة أقسام، أشار إلى الأول بقوله م: (أن ما كان من عمل قبل الإدراك) ش: أي قبل إدراك الزرع م: (كالسقي والحفظ فهو على العامل) ش: أي كسقي الزرع وحفظه. وأشار إلى الثاني بقوله: م: (وما كان منه) ش: أي من العمل م: (بعد الإدراك) ش: أي إدراك الزرع م: (قبل القسمة فهو عليهما في ظاهر الرواية كالحصاد والدياس وأشباههما على ما بيناه) ش: أشار به إلى قوله: وجه إلى آخره، وقيد بقوله في ظاهر الرواية احترز عن ما روي عن أبي يوسف أنه قال: اشتراط هذا على العامل غير مفسد. وأشار إلى الثالث بقوله: م: (وما كان بعد القسمة فهو عليهما) ش: أي وما كان من العمل بعد قسمة الخارج فهو على المتعاقدين كالحمل إلى البيت، والطحن وأشباههما، لكن على كل واحد منهما في نصيبه خاصة لتمييز ملك كل واحد منهما عن ملك الآخر، فكان التدبير في ملكه إليه خاصة م: (والمعاملة على قياس هذا) ش: أي المساقاة على قياس ما ذكر من التفصيل في المزارعة م: (ما كان قبل إدراك الثمر من السقي) ش: أي الذي كان قبل إدراك الثمر نحو سقي الأشجار م: (والتلقيح) ش: من لقحت النخلة إذا أطعمتها من ذكرها، ومنه لقح الفحل الناقة، والريح السحاب إذا أودق منه المطر. م: (والحفظ) ش: أي حفظ الأشجار م: (فهو على العامل) ش: هذه الجملة في محل الرفع على أنها خبر لقوله ما كان، ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط، ومن هذا القبيل ضرب الجليد وإصلاح الأجاجين، وتنقية السواقي، وقطع الحشائش المضرة، ولا خلاف فيه للثلاثة والأجاجين هي الحفر التي يجمع فيها الماء على أصول النخل. م: (وما كان بعد الإدراك كالجداد والحفظ) ش: والجداد بكسر الجيم، وبالدال المهملة وهو القطع، والمراد قطع ثمرة النخل. وفي بعض النسخ: كالجزاز بالزاءين المعجمتين. وفي " المغرب ": الجزاز كالجداد بالفتح، والكسر إلا أن الجزاز خاص في قطع الثمر، والأول عام. وعند الشافعي واحدة الجداد والحصاد، والالتقاط على العامل؛ لأنه من العمل، وعند الشافعي وأحمد عليهما م: (فهو عليهما) ش: خبر من قوله: وما ذكرنا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 507 ولو شرط الجداد على العامل لا يجوز بالاتفاق لأنه لا عرف فيه، وما كان بعد القسمة فهو عليهما، لأنه مال مشترك ولا عقد، ولو شرط الحصاد في الزرع على رب الأرض لا يجوز بالإجماع لعدم العرف فيه. ولو أراد قصل القصيل أو جذ التمر بسرا أو التقاط الرطب فذلك عليهما لأنهما أنهيا العقد لما عزما على القصل والجداد بسرا فصار كما بعد الإدراك والله أعلم بالصواب.   [البناية] [شرط الجداد على العامل في المزارعة] م: (ولو شرط الجداد على العامل لا يجوز بالاتفاق لأنه لا عرف فيه) ش: وعن أحمد لا يجوز. وكذا لو شرط الحمل إلى منزل رب الأرض، وبه قال بعض الشافعية م: (وما كان بعد القسمة فهو عليهما) ش: أي على المتعاقدين م: (لأنه مال مشترك ولا عقد) ش: أي ولا عقد موجود، وسماه مشتركا بعد القسمة باعتبار ما كان. وقيل: باعتبار أن المجموع بعد القسمة بينهما. ألا ترى أن نصيب كل واحد إذا كان معينا في قرية يقال لهم: شركاء في القرية م: (ولو شرط الحصاد في الزرع على رب الأرض لا يجوز بالإجماع لعدم العرف فيه) ش: أي في هذا الشرط، ولا خلاف للثلاثة فيه. م: (ولو أراد قصل القصيل) ش: أي قطع القصيل، والقصل قطع الشيء، ومنه القصيل، وهو الشعير يخبز أخضر لعلف الدواب، والفقهاء يسمون الزرع قبل إدراكه قصيلا مجازا م: (أو جذ التمر بسرا) ش: أي أو أراد قطع الثمر حال كونه بسرا، والبسر ما يكون من الثمر، ولم ينضج. م: (أو التقاط الرطب) ش: أي أو أراد التقاط الرطب م: (فذلك عليهما) ش: أي على ما ذكر من القصيل والجداد، والالتقاط على المتعاقدين م: (لأنهما أنهيا العقد) ش: أي أتماه وأمضياه م: (لما عزما على القصيل والجداد بسرا فصار كما بعد الإدراك) ش: أي صار حكم هذا الحكم ما بعد الإدراك الزرع، والثمر حيث يكون العمل فيه عليهما فكذلك إذا انتهياه قبل الإدراك م: (والله أعلم بالصواب) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 508 كتاب المساقاة قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المساقاة بجزء من الثمر باطلة. وقالا: جائزة إذا ذكر مدة معلومة، وسمى جزءا من الثمر مشاعا،   [البناية] [كتاب المساقاة] [تعريف المساقاة] م: (كتاب المساقاة) ش: كان من حق المساقاة التقديم على المزارعة لكثرة من يقول بجوازها، ولورود الأحاديث في معاملة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأهل خيبر، إلا أن اعتراض موجبين ضرب إيراد المزارعة قبل المساقاة. أحدها: شدة الاحتياج إلى معرفة أحكام المزارعة لكثرة وقوعها. والثاني: كثرة تفريع مسائل المزارعة بالنسبة إلى المساقاة وهي المعاملة بلغة أهل المدينة ومفهومها اللغوي هو الشرعي فهي معاقدة دفع الأشجار والكروم إلى من يقوم بإصلاحها على أن يكون له سهم معلوم من ثمرها، ولأهل المدينة لغتان يختصون بها كما قالوا للمعاملة مساقاة، وللمزارعة مخابرة، وللإجارة بيع، وللمضاربة مقارضة، وللصلاة مسجد. فإن قلت: المفاعلة تكون بين اثنين، وهنا ليس كذلك. قلت: هذا ليس بلازم، ألا ترى إلى قولهم: قاتله الله، ومسافر فلان، أو لأن العقد على السقي صدر من اثنين كما في المزارعة أو من باب التغليب. م: (قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المساقاة بجزء من الثمرة باطلة) ش: وبه قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنها استئجار ببعض ما يخرج، وذلك مجهول أو معدوم فلا يجوز، وقد تقدم بيان ذلك في المزارعة؛ لأن المساقاة كالزراعة عنده م: (وقالا جائزة) ش: أي قال أبو يوسف، ومحمد رحمهما الله جائزة، وبه قال أحمد، وأكثر العلماء. وعند الشافعي، ومالك: تجوز المساقاة ولا تجوز المزارعة إلا تبعا للمساقاة. وشرط التبعية عند مالك أن يكون الأصل ضعف التبع؛ لأنه به يتحقق التبعية، والمساقاة إنما تجوز عنده إذا شرط التفاوت والمؤن فيما تحتاج إليه الثمرة على العامل كلها، ثم المساقاة تجوز عند الشافعي في النخل، والكرم فقط، هذا في قوله الجديد، وفي قوله القديم: يجوز في كل شجرة لها ثمرة م: (إذا ذكر مدة معلومة، وسمى جزءا من الثمر مشاعا) ش: أما المدة فلأنها كالمزارعة، وكالإجارة فلا بد من بيان مدة معلومة. فلو دفع إلى رجل نخلا، ولم يذكر مدة معلومة كان على أول ثمر يخرج من أول ستة استحسانا، لأن العقد يقع على العمل في المدة، ولكل مدة وقت معلوم يبتدئ فيه وينتهي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 509 والمساقاة هي المعاملة في الأشجار والكلام فيها كالكلام في المزارعة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المعاملة جائزة، ولا تجوز المزارعة إلا تبعا للمعاملة   [البناية] فالثمرة الأولى متيقن دخولها في العقد فجاز فيها العقد، وما بعد ذلك غير متيقن فلم يصح العقد فيه. وأما تسمية جزء مشاع من الثمرة، فلأنها عقد شركة، فإذا لم يكن المسمى جزءا مشاعا ربما يفضي إلى قطع الشركة فلا يجوز كما في المزارعة. م: (والمساقاة هي المعاملة في الأشجار) ش: قال في " شرح الطحاوي ": والمساقاة عبارة عن المعاملة بلغة أهل المدينة، وقد ذكرناه م: (والكلام فيها كالكلام في المزارعة) ش: أي الكلام في عقد المساقاة. وفي بعض النسخ: فيها وهو الأظهر أراد أن شرائط المساقاة وهي الشرائط المذكورة التي ذكرت في المزارعة. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المعاملة جائزة ولا تجوز المزارعة إلا تبعا للمعاملة) ش: بأن يكون بين النخيل، والكرم أرض بيضاء، تسقى بماء النخيل، وقد أخذ النخيل مع الأرض معاملة جاز، حتى لو كانت الأرض تسقى بماء على حدة لا يجوز. وفي " الروضة ": في المعاملة بابان الأول: في أركانها وهي خمسة: الأول: العاقدان. والثاني: متعلق العمل وهو الشجر، وله ثلاثة شروط: الأول: أن يكون نخلا أو عنبا، أما غيرهما من النبات يقسمان ما له ساق وما لا ساق له. والأول ضربان: ماله ثمرة كالتين، والجوز، والمشمش، والتفاح ونحوها، وفيه قولان: القديم جواز المساقاة عليها، والجديد: المنع. وعلى الجديد في شجرة [ ...... ] وجهان: جوزها ابن شريح، ومنعها غيره. والأصح المنع. والضرب الثاني: ما لا ثمرة له كالآراك، والخلاف وغيره فلا تجوز المساقاة عليه، وقيل في الخلاف وجهان لا عناية. والقسم الثاني: ما لا ساق له كالبطيخ، والقرع، وقصب السكر، والباذنجان، والبقول لا تنبت في الأرض، ولا تجنى إلا مرة واحدة فلا يجوز عليها كما لا يجوز على الزرع. وإن كانت تنبت في الأرض، وتجنى مرة بعد مرة فالمذهب المنع. وقيل قولان: أصحهما المنع. الشرط الثاني: أن تكون الأشجار مروية، وإلا فباطل على المذهب. وقيل: قولان: كبيع الغائب. الركن الثالث: الثمار، فيشترط اختصاصها بالعاقدين مشتركة بينهما معلومة. فلو شرطا قبض الثمار لثالث، أو كلها لأحدهما فسدت. الركن الرابع: العمل. الركن الخامس: الصيغة، ولا يصح بدونها على الصحيح، وفيها الوجه السابق في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 510 لأن الأصل في هذه المضاربة والمعاملة أشبه بها، لأن فيه شركة في الزيادة دون الأصل. وفي المزارعة لو شرطا الشركة في الربح دون البذر بأن شرط رفعه من رأس الخارج يفسد، فجعلنا المعاملة أصلا وجوزنا المزارعة تبعا لها كالشرب في بيع الأرض والمنقول في وقف   [البناية] العقود بالتراضي، والمعاطاة، ثم أشهر الصيغ: ساقيتك على هذا النخيل بكذا، وعقدت معك عقد المساقاة. الباب الثاني: في أحكام المساقاة: ويجمعها حكمان: أحدهما: يلزم العامل، والمالك، والثاني في لزومها. أما الأول: فكل عمل تحتاج إليه الثمار لزيادتها، أو صلاح ثمرها ويتكرر كل سنة فهو على العامل، ومما يجب عليه السقي وما يتبعه من إصلاح طريق الماء، والأجاجين التي يقف فيها الماء، وتنقية الآبار، والأنهار من الحمأة ونحوها، وإدارة الدولاب، وفتح رأس الساقية وشدها عند السقي، على ما يقتضيه الحال. وفي سقيا النهر وقول ضعيف: إنها على المالك، وتقليب الأرض بالمساعي. وكذا تقويتها بالزبل. ومنه التلقيح. ثم الطلع الذي يلقح به على المالك. وفي حفظ الثمار وجهان: أصحهما على العامل واحد، والثمرة على العامل على الصحيح، وحفر الأنهار والآبار الجديدة والتي انهارت، وبناء الحيطان ونصب الأبواب والدولاب ونحوها على المالك، وكذا عليه آلات العمل [ ...... ] ، والمعول، والنخل، والمسحاة، والشران، والعزاقة، في الزراعة، والثور الذي يدير الدولاب. وقيل: على من شرطت له. الحكم الثاني: أن المساقاة عقد لازم كالإجارة، وتملك العامل حصته من الثمرة بالظهور على المذهب، وقيل: قولان. م: (لأن الأصل في هذه المضاربة) ش: لأنها جائزة إجماعا م: (والمعاملة أشبه بها) ش: أي بالمضاربة من المزارعة م: (لأن فيه شركة) ش: أي لأن في عقد المعاملة شركة م: (في الزيادة) ش: وهو الثمر. م: (دون الأصل) ش: وهو في الشجر كما في المضاربة، والشركة في الربح دون رأس المال. [الشرط في المساقاة] [لو شرطا الشركة في الربح دون البذر] م: (وفي المزارعة: لو شرطا الشركة في الربح دون البذر بأن شرط رفعه من رأس المال الخارج يفسد) ش: أي يفسد عقد المزارعة، م: (فجعلنا المعاملة أصلا، وجوزنا المزارعة تبعا لها) ش: أي للمعاملة، وفي بعض النسخ "له"، أي عقد المزارعة م: (كالشرب في بيع الأرض) ش: بكسر الشين وهو النصيب من الماء، فإنه يرد عليه العقد تبعا لبيع الأرض ويجوز بيعه بانفراده م: (والمنقول في وقف الجزء: 11 ¦ الصفحة: 511 العقار وشرط المدة قياس فيها لأنها إجارة معنى كما في المزارعة. وفي " الاستحسان ": إذا لم يبين المدة يجوز ويقع على أول ثمر يخرج؛ لأن الثمر لإدراكها وقت معلوم وقلما يتفاوت ويدخل فيها ما هو المتيقن. وإدراك البذر في أصول الرطبة في هذا   [البناية] العقار) ش: فإنه يصير وقفا تبعا للعقار ولا يجوز وقفه بانفراده إلى هنا من كلام الشافعي. [شرط المدة في المساقاة] م: (وشرط المدة) ش: أي شرط بيان المدة م: (قياس فيها) ش: أي في عقد المساقاة م: (لأنها إجارة معنى) ش: أي لأن المساقاة إجارة في المعنى، لأنه استئجار للعامل، وفي هذا لا يصير المعقود عليه معلوما إلا ببيان المدة، فإذا لم يبينا لم يجز، وبه قال الشافعي، وأحمد، إلا أنه ينبغي أن يكون أقل المدة ما يمكن إدراك الثمر فيه، وبه قال أحمد. واختلفت أقوال الشافعي في أكثر مدة الإجارة، والمساقاة، وقال في موضع: إلى ثلاثين سنة. وقال ابن قدامة في " المغني ": وهذا الحكم قال في موضع إلى ما أشار، وبه قال أحمد، ومالك، وأكثر العلماء م: (كما في المزارعة) ش: كما يشترط بيان المدة في المزارعة، حتى إذا لم يبينا تفسد. م: (وفي " الاستحسان ": إذا لم يبين المدة يجوز ويقع على أول ثمر يخرج) ش: يعني إن سكتا عن الوقت جاز استحسانا، ويقع العقد على أول ثمرة تخرج في تلك السنة، وبه قال أبو ثور، وبعض أصحاب الحديث م: (لأن الثمرة لإدراكها وقت معلوم، وقلما يتفاوت) ش: أي الوقت، والثابت عادة كالثابت شرطا، فصارت المدة معلومة. فإن تقدم أو تأخر بذلك يسيرا لا يقع بسببه منازعة عادة م: (ويدخل فيه ما هو المتيقن) ش: وهو أول الثمر الذي يخرج في تلك السنة، فيثبت المتيقن لا ما وراءه، فلو انتقضت تلك السنة، ولم يخرج الثمر فيها انقضت المعاملة م: (وإدراك البذر) ش: وهو بذر البقل ونحوه. وقال الليث: البذر كل حب يبذر للنبات، ويقال: بذرته، وبذرته. قال: والبذر والحبوب التي فيها صغير مثل بذر البقول، وأشباهها. وقال ابن دريد: فأما قول العامة: بزر البقل خطأ إنما هي بزور. وقال الخليل: البزر بزر الكتان، ودهن البزر، والكسر أفصح. والبذر بالذال المعجمة ما عزل للزراعة من الحبوب كلها، وبزر البذر زرعه، وقال ابن عياد في " المحيط ": البذر أول ما يخرج من البقل والعشب. وقال الأترازي: وقد وقع سماعنا في هذا الموضع بالذال، وارتفاع إدراك البذر بالابتداء. وقوله: م: (في أصول الرطبة) ش: جملة وقعت صفة للبذر م: (في هذا) ش: أي في عقد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 512 بمنزلة إدراك الثمار لأن له نهاية معلومة فلا يشترط بيان المدة، بخلاف الزرع؛ لأن ابتداءه يختلف كثيرا خريفا وصيفا وربيعا والانتهاء بناء عليه فتدخله الجهالة، وبخلاف ما إذا دفع إليه غرسا قد علق ولم يبلغ الثمر معاملة   [البناية] المساقاة بدون بيان المدة م: (بمنزلة إدراك الثمار) ش: خبر المبتدأ م: (لأن له) ش: أي لإدراك البذر م: (نهاية معلومة) ش: عند المزارعين م: (فلا يشترط بيان المدة) ش: فيه صورة المسألة دفع رطبه قرب جذاذها على أن يقوم عليها ويسقيها حتى يخرج بزرها على أن ما أخرج الله سبحانه وتعالى من بذر فهو بينهما نصفان، ولم يسميا وقتا معلوما جاز استحسانا كالثمر. وفي " شرح الكافي ": ولو دفع إليه رطبة في الأرض قد صارت قراحا، يعني قد خرج ساقها من عروقها، ولم يبينه إلى أن تجز فدفعها إليه معاملة على أن يسقيها ويقوم عليها بالنصف ولم يسم وقتا معلوما، فهذا فاسد. لأنه ليس لنهايتها وقت معلوم. لأنها تجز مرة بعد أخرى، حتى لو كان للرطبة [..] لو دفعها إليه رطبة قد انتهى جذاذها على أن يقوم عليها ويسقيها حتى يخرج بذرها على أن ما رزق الله من شيء فهو بينهما نصفان، ولم يسميا وقتا فهو جائز على ما اشترط إلا البذر من الرطب ينزل منزلة الثمر من الشجرة، فصار كما لو دفع الأشجار معاملة، على أن الثمر بينهما نصفان فهو جائز كذلك هنا، والرطبة لصاحبها، لأنها لم تحدث بعمله ولم تزدد. م: (بخلاف الزرع) ش: يتعلق بقوله: وفي " الاستحسان ": إذا لم يبن المدة يجوز، يعني ذاك بخلاف المزارعة، فلأنها تجوز بلا بيان المدة قياسا، واستحسانا م: (لأن ابتداءه يختلف كثيرا خريفا وصيفا وربيعا) ش: أي لأن ابتداء الزرع قد يكون في الخريف، والصيف، أو الربيع، وما يزرع في الربيع يدرك في آخر الصيف، وما يزرع في الخريف يدرك في آخر الربيع، وما يزرع في الصيف يدرك في آخر الخريف. فوقعت الجملة في الابتداء م: (والانتهاء بناء عليه) ش: أي على الابتداء م: (فتدخله الجهالة) ش: أي إذا كان كذلك فيدخل هذا العقد جهالة مفضية إلى المنازعة، فلا يجوز إلا ببيان المدة. اعلم أن كثيرا منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي اختلافا فاحشا، وقوله: خريفا منصوب على الظرفية، أي في خريف، وصيفا، وربيعا عطف عليه. م: (وبخلاف ما إذا دفع إليه غرسا قد علق) ش: أي نبت وهو بكسر اللام، والغرس بكسر الغين وفتحها في معنى المغروس م: (ولم يبلغ الثمر) ش: أي لم يبلغ حد الإثمار م: (معاملة) ش: أي مساقاة، وانتصابها على المصدرية من قوله: من غير لفظه، ولكن التقدير وإذا عامل رجلا في غرس معاملة، ويجوز أن ينصب على التعليل، أي دفع لأجل المعاملة على أن يقوم عليها الجزء: 11 ¦ الصفحة: 513 حيث لا يجوز إلا ببيان المدة؛ لأنه يتفاوت بقوة الأراضي وضعفها تفاوتا فاحشا، وبخلاف ما إذا وقع نخيلا أو أصولا رطبة على أن يقوم عليها، أو أطلق في الرطبة تفسد المعاملة؛ لأنه ليس لذلك نهاية معلومة؛ لأنها تنمو ما تركت في الأرض فجهلت المدة. قال: ويشترط تسمية الجزء مشاعا لما بينا في المزارعة، إذ شرط جزء معين يقطع الشركة. قال: وإن سميا في المعاملة وقتا يعلم أنه لا يخرج الثمر فيها فسدت المعاملة لفوات المقصود وهو الشركة في الخارج.   [البناية] ويسقيها فما خرج فهو بينهما نصفان م: (حيث لا يجوز إلا ببيان المدة) ش: وبه قالت الثلاثة م: (لأنه) ش: أي لأن الغرس م: (يتفاوت بقوة الأراضي وضعفها تفاوتا فاحشا) ش: لأن الأراضي إذا كانت بذارا خالصة قوية تحمل أشجارها بإسراع. وإذا كانت ضعيفة غير خالصة تبطئ أشجارها في الحمل، فلا بد من بيان المدة. م: (وبخلاف ما إذا دفع نخيلا، أو أصولا رطبة على أن يقوم عليها) ش: معناه: حتى تذهب أصولها، وينقطع بناها م: (أو أطلق في الرطبة) ش: يعني لم يقل حتى تذهب أصولها م: (تفسد المعاملة؛ لأنه ليس لذلك نهاية معلومة؛ لأنها) ش: أي الرطبة م: (تنمو) ش: أي تزيد من النمو وهو الزيادة م: (ما تركت في الأرض) ش: أي ما دامت تترك في الأرض م: (فجهلت المدة) ش: فلا يجوز. وفي " شرح الكافي ": ولو دفع إليه أصول رطبة على أن يقوم عليها ويسقيها حتى تذهب أصولها وينقطع نبتها، فما خرج من ذلك فهو بينهما نصفان فهذا فاسد. وكذلك النخل، والشجر، لأنه ليس لزمان انقطاعه وذهاب أصوله وقتا معلوما، فكانت المدة مجهولة. وأما إذا دفع النخيل، أو أصول الرطبة معاملة على أن يقوم عليها مطلقا ولم يقل إلى أن تذهب أصولها وينقطع بناؤها، وذلك جائز، وإن لم يبين المدة استحسانا إذا كانت الرطبة جزؤه معلومة فيقع على أول جزئه، وفي النخيل يقع على أول ثمرة تخرج، وإذا لم تكن للرطبة جزءة معلومة فلا يجوز بلا بيان. واعلم أن المصنف قد ترك في كلامه قيدين لا غنى عنهما فكان إيجازا وقد بيناها الآن. [تسمية الجزء مشاعا في المساقاة] م: (قال: ويشترط تسمية الجزء مشاعا) ش: يتعلق بقوله: وسمى جزءا من الثمرة مشاعا م: (لما بينا في المزارعة) ش: أشار به إلى قوله: ولا تصح المزارعة إلى قوله: إلا أن يكون الخارج بينهما مشاعا تحقيقا لمعنى الشركة. م: (إذ شرط جزء معين يقطع الشركة) ش: أي لأن اشتراط جزء معين من الخارج لأحدهما أو لغيرهما يقطع الشركة فتفسد المعاملة. م: (قال: فإن سميا في المعاملة وقتا يعلم أنه لا يخرج الثمر فيها) ش: أي في الوقت بتأويل المدة م: (فسدت المعاملة لفوات المقصود وهو الشركة في الخارج) ش: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 514 قال: ولو سميا مدة قد يبلغ الثمر فيها وقد يتأخر عنها جازت، لأنا لا نتيقن بفوات المقصود. ثم لو خرج في الوقت المسمى فهو على الشركة لصحة العقد. قال: وإن تأخر فللعامل أجر المثل لفساد العقد؛ لأنه تبين الخطأ في المدة المسماة، فصار كما إذا علم ذلك في الابتداء. بخلاف ما إذا لم يخرج أصلا؛ لأن الذهاب بآفة فلا يتبين فساد المدة، فبقي العقد صحيحا، ولا شيء لكل واحد منهما على صاحبه. قال: وتجوز المساقاة في النخل والشجر والكرم والرطاب وأصول الباذنجان. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجديد: لا تجوز إلا في الكرم والنخل؛   [البناية] وبه قالت الثلاثة، وهذه من مسائل الأصل، ذكره تفريعا على مسألة القدوري م: (قال: ولو سميا مدة قد يبلغ الثمر فيها وقد يتأخر عنها) ش: أي عن المدة المذكورة م: (جازت) ش: أي المعاملة، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه، وأحمد في رواية م: (لأنا لا نتيقن بفوات المقصود) ش: ولا يعتبر توهم عدم الخروج، لأن ذلك التوهم متحقق في كل معاملة، ومزارعة بأن يسطلم الزرع آفة. وقال الشافعي في وجه، وأحمد في رواية: لا تصح، لأنها عقد على معدوم. م: (قال: ثم لو خرج في الوقت المسمى فهو على الشركة لصحة العقد. قال: وإن تأخر فللعامل أجر المثل) ش: وبه قال الشافعي في الأصح، وأحمد في الأصح أيضا. وقال الشافعي في وجه، وأحمد في رواية: لا يجب شيء؛ لأنه رضي بالعمل بغير عوض، فصار كالمتبرع وهو اختيار المزني م: (لفساد العقد؛ لأنه تبين الخطأ في المدة المسماة، فصار كما إذا علم ذلك في الابتداء) ش: يعني لو كان ذلك معلوما عند ابتداء العقد لما كان العقد فاسدا، فكذا إذا تبين في الانتهاء. م: (بخلاف ما إذا لم يخرج أصلا؛ لأن الذهاب بآفة) ش: يعني ما حدث من الآفة م: (فلا يتبين فساد المدة) ش: لعدم تبين خروج الثمار في المدة المذكورة م: (فبقي العقد صحيحا) ش: وموجبه الشركة في الخارج ولا خارج م: (ولا شيء لكل واحد منهما على صاحبه) ش: لعدم الخارج. [ماتجوز فيه المساقاة وما لا تجوز] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وتجوز المساقاة في النخل والشجر والكرم والرطاب وأصول الباذنجان. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجديد: لا تجوز إلا في الكرم والنخل) ش: قال في القديم: وتجوز في جميع الأشجار، والثمر، وبه قال مالك، وأحمد، والثوري، وأبو ثور، والأوزاعي، وهو قولهما أيضا، ولا يجوز الشافعي في الرطاب قولا واحدا. وقال داود: لا يجوز إلا في النخيل خاصة، لأن الخبر إنما ورد في النخيل خاصة. وعن مالك أنه تجوز المساقاة في المعاني، والبطيخ، والباذنجان كمذهبنا. وفي " الجواهر ": أركان المساقاة أربعة: الأول: متعلق العقد، وهي الأشجار، وسائر الأصول المشتملة على شروط، وهي أن تكون مما يجيء ثمرته ولا تخلف، واحترزنا به عن الموز، والقصب، والقرظ، والبقل، لأنه بطن بعد بطن، وجزء بعد جزء، وأن يكون مما لا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 515 لأن جوازها بالأثر وقد خصهما، وهو حديث خيبر. ولنا: أن الجواز للحاجة وقد عمت، وأثر خيبر لا يخصهما؛ لأن أهلها يعملون في الأشجار والرطاب أيضا. ولو كان كما زعم فالأصل في النصوص أن تكون معلولة سيما على أصله.   [البناية] يحل بيعها، فكل ما حل بيعه فلا تجوز المساقاة فيه، فإذا حل بيع الثمار، أو غيرها أو المعاني لم تجز المساقاة عليها، وإن عجز عنها، وقال سحنون: يجوز مساقاة ما جاز بيعه، وهي إجارة بنصفه وأن يكون ظاهرا، فلا يجوز المساقاة عليه قبل ظهوره في الأرض. الركن الثاني: أن يكون المشروط على الاستفهام معلوما بالحرية لا بالتقدير. والركن الثالث: العمل، وشرطه أن يقتصر على عمل المساقاة، ولا يشترط عليه عمل آخر ليس منها. والركن الرابع: الصيغة كقوله: ساقيتك على ذا النخيل بالنصف، أو غيره. واختلف إذا عقد بلفظ الإجارة، وأبطله ابن قاسم، وصححه سحنون. م: (لأن جوازها) ش: أي جواز المساقاة م: (بالأثر، وقد خصهما) ش: أي وقد خص الأثر النخل والكرم م: (وهو حديث خيبر) ش: وقد مر بيانه في المنازعة. م: (ولنا: أن الجواز للحاجة وقد عمت) ش: أي الحاجة في الجميع م: (وأثر خيبر لا يخصهما) ش: جواب على ما قال الشافعي خصهما، أي حديث خيبر لا يخص النخيل والكرم م: (لأن أهلها يعملون في الأشجار والرطاب أيضا) ش: لأنه «روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها زرع أو ثمر» ولفظ الثمر عام في كل ثمر؛ ولأنه جاز في لفظ بعد الإخبار «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من النخل، والشجر» ولفظ الشجر عام. وقال ابن حزم: خالف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الحديث قد كان بخيبر بلا شك بقل، وكلما نبت في أرض الشرب من الرمان، والموز، والقصب، والبقول فعاملهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على نصف ما يخرج منها. م: (ولو كان كما زعم) ش: أي: ولو كان الأثر يخص النخيل، والكرم كما زعم الشافعي م: (فالأصل في النصوص أن تكون معلولة) ش: فكان ينبغي للشافعي أن يعلله بعلة الحاجة مع وجودها م: (سيما على أصله) ش: أي خصوصا على أصل الشافعي، فإن بابه عنده أوسع، لأنه برئ التعليل بالعلة القاصرة كالثمينة في باب الربا ونحن لا نرى التعليل إلا بعلة متعدية فيكون التعليل على مذهبه أعم عندنا، وإن كان الأصل في النصوص التعليل، ولكن لا بد من إقامة الدليل على أن المنصوص معلول في الحال، وموضعه أصول الفقه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 516 قال: وليس لصاحب الكرم أن يخرج العامل من غير عذر لأنه لا ضرر عليه في الوفاء بالعقد. قال: وكذا ليس للعامل أن يترك العمل لغير عذر، بخلاف المزارعة بالإضافة إلى صاحب البذر على ما قدمناه. قال: فإن دفع نخلا فيه ثمرة مساقاة، والثمر يزيد بالعمل جاز، وإن كانت قد انتهت لم يجز، وكذا على هذا الفصيل إذا دفع الزرع وهو بقل جاز، ولو استحصد وأدرك لم يجز؛   [البناية] واعلم أن لفظة سيما كلمة تخصيص، والمعنى أخص المذكور بالذكر نحو يقول: أكرمني الناس، ولا سيما زيد، وهي مركبة من سي وما، وسي بكسر السين بمعنى المثل، والتقدير في المثال المذكور، ولا سي، أي ولا مثله فما موصوفة على تقدير الجر، وموصوفة على تقدير الرفع، أي لا سي الذي هو زيد، ويجوز فيه النصب أيضا على أن يكن لا سيما بمعنى إلا، وقد يزاد على أوله كلمة لا، فيقول: لا سيما فقد تحقق الياء، والتشديد أكثر فافهم. م: (قال: وليس لصاحب الكرم أن يخرج العامل من غير عذر) ش: ذكره تفريعا على مسألة القدوري م: (لأنه لا ضرر عليه في الوفاء بالعقد) ش: لأن العقد لازم لا يصح فسخه إلا بعذر، والعذر لصاحب الكرم أن يكون عليه دين لا وفاء عنده إلا ببيع الكرم، أو سرقة العامل. م: (قال: وكذا ليس للعامل أن يترك العمل بغير عذر) ش: لما ذكرنا إلا أن يكون له عذر بأن عرض مرض يقعده عن العمل، لا يقال: ينبغي أن يأمر بأن يستأجر رجلا ليقيم على عمله، لأن في ذلك ضررا به لم يلتزمه بالمعاملة. م: (بخلاف المزارعة بالإضافة إلى صاحب البذر) ش: يعني يجوز في المزارعة أن يمتنع صاحب البذر من العمل، ولا يجبر عليه، لأنه يلحقه الضرر في الحال بإلقاء بذره في الأرض، فلم يكن لازمة من جهته لما قدمنا، وفي بعض النسخ م: (على ما قدمناه) ش: وفي بعضها: على ما بينا، وأشار به إلى ما ذكره في المزارعة بقوله: وإذا عقدت المزارعة فامتنع صاحب البذر من العمل لم يجبر عليه. إلخ. وأما هاهنا فرب الكرم في المضي على العقد لا يحتاج إلى إتلاف شيء من ماله فيلزمه العقد من الجانبين. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فإن دفع نخلا فيه ثمرة مساقاة، والثمر يزيد بالعمل جاز) ش: أي: والحال أن الثمرة تزيد بالعمل جاز دفعه، وبه قال مالك، والشافعي في قول، وأحمد في رواية، وأبو ثور. وقال الشافعي في قول، وأحمد في رواية: لا يجوز م: (وإن كانت قد انتهت لم يجز) ش: أي وإن كانت الثمرة قد انتهت لا يجوز الدفع. م: (وكذا على هذا التفصيل إذا دفع الزرع وهو بقل جاز) ش: أي والحال أن الزرع بقل جاز الدفع م: (ولو استحصد وأدرك لم يجز) ش: أي وإن قرب حصاده لأجل إدراكه لم يجز. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 517 لأن العامل إنما يستحق بالعمل. ولا أثر العمل بعد التناهي والإدراك، فلو جوزناه لكان استحقاقا بغير عمل، ولم يرد به الشرع بخلاف ما قبل ذلك لتحقق الحاجة إلى العمل. قال: وإذا فسدت المساقاة فللعامل أجر مثله لأنه في معنى الإجارة الفاسدة، وصار كالزارعة إذا فسدت. قال: وتبطل المساقاة بالموت لأنها في معنى الإجارة وقد بيناه فيها، فإن مات رب الأرض والخارج بسر فللعامل أن يقوم عليه كما كان يقوم قبل ذلك إلى أن يدرك الثمر، وإن كره ذلك ورثة رب الأرض استحسانا،   [البناية] قال: وإن أدرك واستحصد يعني استحق الحصاد كان أصوب على ما لا يخفى م: (لأن العامل إنما يستحق بالعمل، ولا أثر للعمل بعد التناهي والإدراك، فلو جوزناه لكان استحقاقا بغير عمل، ولم يرد به الشرع) ش: لأنها جوزت بالأثر فيما يكون أجر العامل بعض الخارج، ولم يوجد عمله، م: (بخلاف ما قبل ذلك) ش: أي ما قبل التناهي م: (لتحقق الحاجة إلى العمل) ش:. فإن قلت: ينبغي أن لا يجوز، لأنه جعله أجر عمله بعضا موجودا، وبعضا يخرج من عمله، وهذا يمنع الجواز كما لو دفع نخلا قد طلعت على أن يقوم عليها بالنصف، فيكون النخل مع الثمر بينهما نصفين، وكما لو دفع أرضا مزارعة على أن الخارج من الأرض بينهما نصفان. وكما لو شرطا مع بعض الخارج للعامل ثوبا أو دراهم. قلت: هذا إذا كان ما شرط من الموجود يصير أجرة عمله مقصودا لا تبعا لما يخرج من عمله، أما إذا كان ما يستحقه تبعا لما يزداد من عمله، فإن كان لا يتميز الموجود عما يزداد من عمله فإنه يجوز المعاملة، لأنه يجوز أن ينسأ لشيء تبعا، وإن لم يثبت مقصودا، بخلاف تلك المسائل؛ لأن هناك إنما يستحق الموجود مع ما يخرج من عمله مقصودا لا تبعا، لأن كل واحد منهما يمتاز عن الآخر. [فساد المساقاة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا فسدت المساقاة فللعامل أجر مثله؛ لأنه في معنى الإجارة الفاسدة وصار كالمزارعة إذا فسدت) ش: المساقاة حيث يجب أجر المثل للعامل. [تبطل المساقاة بالموت] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وتبطل المساقاة بالموت لأنها) ش: أي لأن عقد المساقاة م: (في معنى الإجارة وقد بيناه فيها) ش: أي في الإجارة م: (فإن مات رب الأرض والخارج بسر) ش: ذكره تفريعا على مسألة القدوري وهو من مسائل الحال، أي والأصل أن الخارج بسر، وهو الذي يكون ولم ينضج م: (فللعامل أن يقوم عليه كما كان يقوم قبل ذلك إلى أن يدرك الثمر، وإن كره ذلك ورثة رب الأرض استحسانا) ش: وفي القياس تنتقض المعاملة بينهما، وكان البسر بين ورثة صاحب الأرض وبين العامل نصفين إن شرطا إنصافا، لأن صاحب الأرض استأجر العامل ببعض الخارج، والإجارة تنتقض بموت أحد المتعاقدين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 518 فيبقى العقد دفعا للضرر عنه ولا ضرر فيه على الآخر. قال: ولو التزم العامل الضرر يتخير ورثة الآخر بين أن يقتسموا البسر على الشرط، وبين أن يعطوه قيمة نصيبه من البسر، وبين أن ينفقوا على البسر حتى يبلغ فيرجعوا بذلك في حصة العامل من الثمر، لأنه ليس له إلحاق الضرر بهم، وقد بينا نظيره في المزارعة. ولو مات العامل فلورثته أن يقوموا عليه وإن كره رب الأرض، لأن فيه النظر من الجانبين. قال: فإن أرادوا أن يصرموه بسرا كان صاحب الأرض بين الخيارات الثلاثة التي بيناها. وإن ماتا جميعا فالخيار لورثة العامل، لقيامهم مقامه، وهذا خلاف في حق مالي وهو ترك الثمار على الأشجار إلى وقت الإدراك، لا أن يكون وارثه في الخيار. قال: فإن أبى ورثة العامل أن يقيموا عليه كان الخيار في ذلك لورثة رب الأرض على ما وصفنا.   [البناية] وأشار إلى وجه الاستحسان بقوله م: (فيبقى العقد دفعا للضرر عنه) ش: أي عن العامل م: (ولا ضرر فيه على الآخر) ش: وهو وارث الميت، وكان حق التركيب أن يقول على الآخرين وهم الورثة [التزم العامل الضرر في المساقاة] م: (قال: ولو التزم العامل الضرر) ش: بأن قال: إذا أخذ نصف البسر فله ذلك، لأن بقاء العقد لدفع الضرر عنه، فإذا رضي انتقض العقد بموت رب الأرض، إلا أنه لا يملك إلحاق الضرر بالورثة، فحينئذ م: (يتخير ورثة الآخر بين أن يقتسموا البسر على الشرط) ش: الذي كان بين الميت والعامل م: (وبين أن يعطوه) ش: أي العامل م: (قيمة نصيبه من البسر، وبين أن ينفقوا على البسر حتى يبلغ فيرجعوا بذلك في حصة العامل من الثمر؛ لأنه ليس له) ش: أي لأن الشأن ليس للعامل م: (إلحاق الضرر بهم) ش: أي بالورثة م: (وقد بينا نظيره في المزارعة) ش: أي نظير الحكم في باب المزارعة عند قوله: وإن أراد المزارع أن يأخذه بقلا قيل لصاحب الأرض اقلع الزرع. [موت العامل في المساقاة] م: (قال: ولو مات العامل فلورثته أن يقوموا عليه) ش: أي عمل المساقاة كما كان م: (وإن كره رب الأرض) ش: هذا واصل بما قبله، وليست إن للشرط م: (لأن فيه النظر من الجانبين) ش: لأن في القيام على العمل النظر من جانب الأرض وجانب ورثة العامل، لأن فيه تحصيل مقصودهم وتوفر حقوقهم. م: (قال: فإن أرادوا أن يصرموه بسرا) ش: أي أن يفعلوا الخارج حال كونه بسرا م: (كان صاحب الأرض بين الخيارات الثلاثة التي بيناها) ش: يعني آنفا م: (قال: وإن ماتا جميعا) ش: يعني صاحب الأرض والعامل م: (فالخيار لورثة العامل لقيامهم مقامه) ش: أي مقام العامل م: (وهذا خلاف في حق مالي) ش: هذا جواب سؤال مقدر، وهو أن يقال خيار الشرط لا يورث عندكم، لأنه عرض لا يقبل النقل، فكيف يثبت هذا الخيار لهم؟ فقال هذا ليس من باب توريث الخيار، بل هذا خلاف في حق مالي مستحق عليه م: (وهو ترك الثمار على الأشجار إلى وقت الإدراك، لا أن يكون وارثه في الخيار) ش: أي الحق المالي وهو ترك الثمار. . إلى آخره م: (قال: فإن أبى ورثة العامل أن يقوموا عليه كان الخيار في ذلك إلى ورثة رب الأرض على ما وصفنا) ش: أي آنفا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 519 قال: وإذا انقضت مدة المعاملة والخارج بسر أخضر، فهذا والأول سواء، وللعامل أن يقوم عليها إلى أن يدرك، لكن بغير أجر، لأن الشجر لا يجوز استئجاره بخلاف المزارعة في هذا؛ لأن الأرض يجوز استئجارها. وكذلك العمل كله على العامل هاهنا. وفي المزارعة في هذا عليهما؛ لأنه لما وجب أجر مثل الأرض بعد انتهاء المدة على العامل لا يستحق عليه العمل، وهاهنا لا أجر فجاز أن يستحق العمل كما يستحق قبل انتهائها. قال: وتفسخ بالأعذار لما بينا في الإجارات، وقد بينا وجوه العذر فيها، ومن جملتها أن يكون العامل سارقا يخاف عليه   [البناية] [انقضاء المدة في المساقاة] م: (قال: وإذا انقضت مدة المعاملة والخارج بسر أخضر، فهذا والأول سواء) ش: أي انقضاء المدة وموت العاقدين سواء في الحكم المذكور م: (وللعامل أن يقوم عليها) ش: أي على المعاملة م: (إلى أن يدرك) ش: أي البسر م: (لكن بغير أجر) ش: أي أجر الشجر على العامل م: (لأن الشجر لا يجوز استئجاره) ش: حتى لو اشترى ثمارا على رءوس الأشجار ثم استأجر الأشجار إلى وقت الإدراك لا يجوز وقد مر في البيوع. م: (بخلاف المزارعة في هذا) ش: أي فيما إذا انقضت المدة والزرع بقل م: (لأن الأرض يجوز استئجارها، وكذلك العمل كله على العامل هاهنا) ش: أي في المعاملة م: (وفي المزارعة في هذا عليهما) ش: أي في انقضاء المدة والزرع يقل على رب الأرض والعامل جميعا م: (لأنه لما وجب أجر مثل الأرض بعد انتهاء المدة على العامل لا يستحق العمل عليه) ش: تقديره أن العمل في الزرع كان عليهما بقدر ملكهما، لأن رب الأرض لما استوجب أجر مثل الأرض على العامل لم يستوجب عليه العمل في نصيبه بعد انقضاء المدة. م: (وهاهنا) ش: يعني في صورة المعاملة م: (لا أجر) ش: يعني لا يستوجب صاحب النخل بعد انقضاء المدة أجر مثل النخل على العامل كما كان لا يستوجب قبل انقضاء المدة لا يجوز إجارة النخيل إلى أن يدرك الثمر، فكان كل العمل على العامل إلى حين الإدراك، وأشار إليه بقوله: م: (فجاز أن يستحق العمل كما يستحق قبل انتهائها) ش:، أي قبل انتهاء المدة ويستحق على صيغة المجهول في الموضعين. والحاصل أن في هذه الصورة لم يتغير على العامل الأمر، وهو الانتفاع بالأشجار مجانا، فيكون العمل كله عليه، بخلاف فصل المزارع لتغير الأمر عليه بوجوب أجر المثل، فافهم. [فسخ المساقاة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وتفسخ بالأعذار) ش: وهي ثلاثة ذكرت في المزارعة م: (لما بينا في الإجارات) ش: أراد قوله ولنا أن المنافع غير مقبوضة وهي المعقود عليها، فصار جملة الأعذار في الإجارة كالعيب قبل القبض. . الخ م: (وقد بينا وجوه العذر فيها) ش: أي في الإجارات م: (ومن جملتها) ش: أي ومن جملة الأعذار م: (أن يكون العامل سارقا يخاف عليه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 520 سرقة السعف والثمر قبل الإدراك لأنه يلزم صاحب الأرض ضررا ظلم يلتزمه فيفسخ به، ومنها مرض العامل إذا كان يضعفه عن العمل؛ لأن في إلزامه استئجار الأجراء زيادة ضرر عليه ولم يلتزمه، فيجعل ذلك عذرا. ولو أراد العامل ترك ذلك العمل هل يكون عذرا؟ فيه روايتان. وتأويل إحداهما أن يشترط العمل بيده فيكون عذرا من جهته. قال: ومن دفع أرضا بيضاء إلى رجل سنين معلومة يغرس فيها شجرا على أن تكون الأرض   [البناية] سرقة السعف) ش: بفتح السين والعين المهملتين وفي آخره فاء، وهو جريد النخل يتخذ منه الزنبيل والمراوح، قاله الكاكي. وقال الليث: أكثر ما يقال له السعف إذا يبس، وإذا كانت السعفة رطبة فهي شطبة، فيقال سعفة وسعف وسعفات. وقال الأزهري: يقال للجريد بعد قسمه سعف أيضا، والصحيح أن الجريد الأغصان، والورق السعف م: (والثمر قبل الإدراك) ش: قيد به لأنه بعد الإدراك يقسم، فلا يخاف من السرقة م: (لأنه يلزم صاحب الأرض ضرر لم يلتزمه فيفسخ به) ش: أي بالضرر، أي بسببه. [مرض العامل في المساقاة] م: (ومنها) ش: أي ومن الأعذار م: (مرض العامل إذا كان يضعفه عن العمل لأن في إلزامه استئجار الأجراء زيادة ضرر عليه ولم يلتزمه، فيجعل ذلك عذرا) ش: لأن في إلزام العامل أن يستأجر زيادة ضرر عليه ولم يلتزمه، فيجعل عذرا. الحاصل: أن هذا كالجواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال لم لا يؤمر بالاستئجار للعمل كالمكاري إذا مرض قيل له ابعث الدواب على يد غلامك أو تلميذك. فأجاب بأن في إلزامه. . إلى آخره، وأشار بقوله: ولم يلتزمه أن استئجار الأجر ليس بمتعارف فلا يكون مستلزما، بخلاف بعث الدواب على يد العبد أو التلميذ متعارف. م: (ولو أراد العامل ترك ذلك العمل هل يكون عذرا؟ فيه روايتان) ش: ذكره تفريعا على مسألة القدوري، أي في كون ترك العمل عذرا روايتان، في إحداهما لا يكون عذرا ويجبر على ذلك، لأن العقد لازم لا يفسخ إلا من عذر، وهو ما يلحقه به من ضرر، وهاهنا ليس كذلك، وفي الأخرى عذر. م: (وتأويل إحداهما) ش: أي إحدى الروايتين م: (أن يشترط العمل بيده فيكون عذرا من جهته) ش: يعني إذا اشترط عليه العمل بنفسه وتركه كان ذلك عذرا في فسخ المعاملة، أما إذا دفع إليه النخيل على أن يعمل فيها بنفسه وأجرته فعليه أن يستخلف غيره فلا يكون تركه العمل عذرا في فسخ المعاملة. م: (قال: ومن دفع أرضا بيضاء إلى رجل سنين معلومة يغرس فيها شجرا على أن تكون الأرض الجزء: 11 ¦ الصفحة: 521 والشجر بين رب الأرض والغارس نصفين لم يجز ذلك لاشتراط الشركة فيما كان حاصلا قبل الشركة لا بعمله. قال: وجميع الثمر والغرس لرب الأرض، وللغارس قيمة غرسه وأجر مثله فيما عمل، لأنه في معنى قفيز الطحان، إذ هو استئجار ببعض ما يخرج من عمله وهو نصف البستان فيفسد وتعذر رد الغراس لاتصالها بالأرض فيجب قيمتها وأجر مثله؛ لأنه لا يدخل في قيمة الغراس لتقومها بنفسها.   [البناية] والشجر بين رب الأرض والغارس نصفين لم يجز ذلك) ش: أي هذا العقد، وبه قالت الثلاثة، وهذا من مسائل الأصل، ذكره تفريعا على مسألة القدوري، م: (لاشتراط الشركة فيما كان حاصلا قبل الشركة) ش: وهو الأرض م: (لا بعمله) ش: أي لا بعمل العامل، فصار كما لو دفع النخل والشجر ليكون النخل والثمر بينهما، وكما إذا دفع الأرض ليزرع ليكون الزرع والأرض بينهما. م: (قال: وجميع الثمر والغرس لرب الأرض، وللغارس قيمة غرسه وأجر مثله فيما عمل، لأنه في معنى قفيز الطحان، إذ هو استئجار ببعض ما يخرج من عمله وهو نصف البستان فيفسد) ش: كما لو استأجر صباغا لصبغ ثوبه بصبغ نفسه على أن يكون نصف المصبوغ للصباغ وهو فاسد، لأنه في معنى قفيز الطحان الذي نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه م: (وقد تعذر رد الغراس) ش: بكسر الغين المعجمة وهو فسلان النخل م: (لاتصالها) ش: أي لاتصال الغراس م: (بالأرض فيجب قيمتها) ش: أي قيمة الغراس. وقال الأترازي: إن الضمير المؤنث راجع إليه على تأويل الأغراس. قلت: لا حاجة إلى هذا التأويل، لأن الغراس جمع غرس، قال في العباب والغرس الشجر الذي يغرس، والجمع على أغراس وغراس، فحينئذ تأنيث الضمير في مستحقه، فكأنه توهم أنه مفرد، فكذلك تكلف ما ذكره. م: (وأجر مثله) ش: أي يجب أجر المثل الغارس م: (لأنه) ش: أي لأن الأجر م: (لا يدخل في قيمة الغراس لتقومها بنفسها) ش: أي بدون العمل، والتحقيق فيه إنما يلزم صاحب الأرض قيمة الغرس، لأن الغراس آلة ليجعل فيها الأرض بستانا، فإذا فسد العقد بقيت الآلة متصلة بملك صاحب الأرض وهي متقومة، فيلزمه قيمتها لما تعذر ردها للاتصال بأرضه وهو عين تقومه بنفسه، فلا يدخل أجر العمل في قيمته، فيلزمه مع قيمة الأشجار أجر مثل عمله، لأنه أسمى عرضا فلا يسلم له ذلك، فيستوجب أجر المثل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 522 وفي تخريجها طريق آخر بيناه في " كفاية المنتهي "، وهذا أصحهما، والله أعلم.   [البناية] م: (وفي تخريجها) ش: أي وفي تخريج هذه المسألة م: (طريق آخر بيناه في " كفاية المنتهي ") ش: وهو شراء رب الأرض نصف الغراس من العامل بنصف أرضه، أو شرائه جميع الغراس بنصف أرضه ونصف الخارج، فكان عدم جواز هذا العقد بجهالة الغراس نصفها أو جميعها لكونها معدومة عند العقد لا لكونها في معنى قفيز الطحان م: (وهذا أصحهما) ش: أي المذكور في " الهداية " أصح الطريقين، لأنه نظير من استأجر صباغا ليصبغ ثوبه بصبغ نفسه على أن يكون نصف المصبوغ كما ذكرنا، فيكون في معنى قفيز الطحان، والله أعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 523 كتاب الذبائح   [البناية] [كتاب الذبائح] [تعريف الذكاة] م: (كتاب الذبائح) ش: قال الشراح كلهم: المناسبة بين المزارعة والذبائح لكونها إتلافا في الحال للانتفاع في المال، فإن المزارعة إنما تكون بإتلاف الحب في الأرض بما يثبت فيها، والذبائح إتلاف الحيوان بإزهاق روحه في الحال للانتفاع بلحمه بعد ذلك. قلت: كان ينبغي أن يذكر المناسبة بين الذبائح والمساقاة لأنها مذكورة عقب المساقاة دون المزارعة، وكل من المزارعة والمساقاة مستندة بأداتها مخصوصة بأحكامها، ولهذا صرح كل منهما بالكتاب، ولو كانت المساقاة تابعة للمزارعة من كل وجه. يقال بأن المساقاة على ما لا يخفى، ولكن يمكن أن يقال: إن وجه المناسبة بين المساقاة والذبائح من حيث التضاد، فإن المساقاة إحياء النخل والشجر، وفي الذبائح الإماتة. ولو قلنا: إن المساقاة تابعة للمزارعة فالمناسبة بينهما ما ذكرنا أيضا لأن في المزارعة إحياء الأرض وهذا مما سنح به خاطري، فعلى المراد أن يأتي بوجه أحسن منه وإلا فليرعو عن القلب في عوض الغير ظنا منه أنه على شيء. ثم الذبائح جمع ذبيحة وهي اسم لما ذبح وكذلك الذبح بكسر الذال وسكون الباء. قال الله سبحانه وتعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] فعل بمعنى مفعول، والذبيح المذبوح، والأنثى ذبيحة، وإنما جاءت بالهاء لغلبة الاسم عليها، وأصل الذبح الشق. قال: كان بين فكها والفك فأرة مسك ذبحت في سك، أي فبقيت ولكنه يستعمل في قطع الأوداج. والذكاة الذبح أيضا، سمي به لأنه يجوز أن يكون في اللغة مأخوذا من أحد الأمرين، إما من الحدة يقال سراج ذكي إذا كان - نيرا غاية - لأنه حينئذ في غاية الحدة، ويقال فلان ذكي إذا كان سريع الفهم لحدة خاطره، ويقال: مسك ذكي إذا كان يقدح غاية وإما من الطهارة، «قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " دباغ الأديم ذكاته» ، ويجوز إطلاقه على الذبح لكلا المعنيين لما فيه من سرعة الموت وطهارة المذبوح عن الدم المسفوح الذي هو نجس. ثم الذبح مباح شرعا وغير محظور عقلا، وقالت الأولوية والهيضانية الضلال من الجزء: 11 ¦ الصفحة: 524 قال: الذكاة شرط حل الذبيحة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]   [البناية] المجوس: محظور عقلا، فلا يرون إباحة ذبح الحيوان، قالوا: فيه إذهاب الروح الذي هو من أجزاء [ ...... ] ، وذهب العراقيون إلى أن الذبح محظور عقلا، ولكن الشرع أحله لأن فيه إضرارا بالحيوان، وقال الشيخ أبو الحسن القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرحه ": الذبائح محظورة بالعقل لأن الأشياء في الأصل عندنا على الإباحة إلا ما كان فيه إدخال ضرر في الحيوان. وقال شمس الأئمة السرخسي: هذا عندي باطل، لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتناول اللحم قبل مبعثه، ولا يظن به أنه كان يأكل ذبائح المشركين لأنهم كانوا يذبحون بأسماء الأصنام، فعرفنا أنه كان يذبح ويصطاد بنفسه وما كان يفعل ما كان محظورا عقلا كالكذب والظلم والسفه. وأجيب بأنه يجوز أن يكون ما كان يأكل إلا ذبائح أهل الكتاب، وليس الذبح كالكذب والظلم لأن المحظور العقلي ضربان: ما يقطع بتحريمه فلا يرد الشرع بإباحته إلا عند الضرورة، وما فيه نوع تجويز من حيث مقدار منفعته فيجوز أن يرد الشرع بإباحته، وتقدم عليه قبله نظرا إلى نفعه كحجامة الأطفال وتداويه بما فيه ألم. قلت: كل من الكلامين لا يخلو عن نظر. أما الأول فلأنه يحتاج إلى دليل على أنه كان يذبح بنفسه ويصطاد بنفسه قبل البعثة، وأما الثاني فلذلك يحتاج إلى دليل فلأنه يحتاج إلى دليل على أنه يأكل من ذبائح أهل الكتاب قبل البعثة، فلم لا يجوز أنه لم يكن أكل شيئا من الذبيحة إلا بعد البعثة؟ [الذكاة شرط حل الذبيحة] م: (قال: الذكاة شرط حل الذبيحة) ش: قال الأترازي: وهذا وقع خلاف وضع الكتاب لأنه إذا ذكر لفظا قال في أول المسألة كان يشير به إلى ما ذكره في " الجامع الصغير " أو " مختصر القدوري "، وهنا لم تقع الإشارة إلى أحدهما ولهذا لم يذكره في البداية، وكان ينبغي أن لا يورد لفظ قال، أو يقول قال العبد الضعيف مشيرا به إلى نفسه. قلت: هذا تطويل بلا فائدة لأنه ذكر في مواضع كثيرة من الكتاب لفظة قال بإضمار الفاعل وأراد به نفسه، فهذا أيضا مثله ولا يلزم تعيين الفاعل. ألا ترى أنه عند إسناد القول إلى القدوري أو محمد بن الحسن لم يصرح بفاعله، فكذلك عند إسناده إلى نفسه، ولا يخفى هذا إلا على من لم يميز مسائل القدوري من مسائل " الجامع الصغير "، ومن لم يميز بينهما لا يستحق الخوض في الهداية م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 525 ولأن بها يتميز الدم النجس من اللحم الطاهر، وكما يثبت به الحل يثبت به الطهارة في المأكول وغيره فإنها تنبئ عنها، ومنه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ذكاة الأرض يبسها»   [البناية] ش: بعد قوله {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] استثنى من الحرمة المذكى فيكون حلالا. والمترتب على المشتق معلول الصفة المشتق منها، لكن لما كان الحل ثابتا بالشرع جعلت شرطا م: (ولأن بها) ش: أي بالذكاة، وذكر الضمير باعتبار الذبح م: (يتميز الدم النجس من اللحم الطاهر) ش: ولا يلزم الجراد والسمك لأن حلهما بلا ذبح ثبت بالنص، وفي السنة المشهورة فخرجا من عموم الآية م: (وكما يثبت به) ش: أي بالذكاة على تأويل الذبح م: (الحل يثبت به الطهارة في المأكول وغيره) ش: أي غير المأكول إلا الآدمي والخنزير، فإن الذكاة لا تلحقهما. قال الفقيه أبو الليث وذكر عن الكرخي أنه قال: إذا صلى ومعه شيء من لحم السباع وقد ذبح جازت صلاته، ولو وقع في الماء لم ينجسه. وكان الفقيه أبو جعفر يقول: هو نجس لا يجوز الصلاة معه ولو وقع في الماء أفسده، وهو موافق لقول نصير وبه نأخذ. هكذا ذكره في النوازل في كتاب الصلاة. م: (فإنها تنبئ عنها) ش: أي فإن الذكاة تنبئ عن الطهارة م: (ومنه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ذكاة الأرض يبسها» ش: أي وكون الذكاة عبارة عن الطهارة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ذكاة الأرض يبسها» أي طهارة الأرض عن رطوبة النجاسة يبسها بالشمس أو الهواء، وهذا ليس بحديث. قال في " الفائق ": هو من كلام محمد بن علي وهو محمد بن الحنفية لا من كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن أبي جعفر محمد بن علي قال: ذكاة الأرض يبسها، وأخرج عنه وعن أبي قلابة قال: إذا جفت الأرض فقد ذكيت. وروي عن عبد الرزاق في " مصنفه " وقال: أخبرنا معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال: جفوف الأرض طهورها. والعجب من صاحب النهاية وشيخه الكاكي قبله كيف لم يتعرضا لهذا وسكتا عليه جزما منهما أنه حديث الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وآفة هذه الأشياء التقليد! وقال في " القاموس " معناه: إذا يبست الأرض من رطوبة النجاسة فذاك يطهرها كما أن الذكاة تحل الذبيحة، وثم قال: الذكاة الحياة، من ذكت النار إذا حيت واشتعلت وكأن الأرض الجزء: 11 ¦ الصفحة: 526 وهي اختيارية كالجرح فيما بين اللبة واللحيين، واضطرارية وهي الجرح في أي موضع كان من البدن. والثاني كالبدل عن الأول؛ لأنه لا يصار إليه إلا عند العجز عن الأول، وهذا آية البدلية؛ وهذا لأن الأول أعمل في إخراج الدم، والثاني أقصر فيه. فاكتفى به عند العجز عن الأول، إذ التكليف بحسب الوسع ومن شرطه: أن يكون الذابح صاحب ملة التوحيد، إما اعتقادا كالمسلم، أو دعوى كالكتابي،   [البناية] إذا نجست ماتت وإذا طهرت حيت م: (وهي) ش: أي الذكاة على نوعين، أحدهما ذكاة م: (اختيارية كالجرح فيما بين اللبة واللحيين) ش: أراد أن ذكاة الاختيار وجرح مقدور، وهو قطع الأوداج في محل معلوم وهو ما بين اللبة واللحيين. واللبة بفتح اللام وتشديد الباء الموحدة، وفسرها الشراح الرقبة وليس كذلك، إنما هو طرف المصدر من ناحية الصدر. قال في " العباب ": اللبة النحر، والصدر ليس بموضع النحر، واللحي بفتح اللام، وسكون الحاء وهو منبت اللحية من الإنسان وغيره، والثاني ذكاة م: (واضطرارية وهي الجرح في أي موضع كان من البدن) ش: وعند بعضهم جرح مدى، في أي محل كان، والأصل في باب الذكاة هو الأول. م: (والثاني كالبدل من الأول لأنه لا يصار إليه) ش: أي إلى الثاني م: (إلا عند العجز عن الأول) ش: أي عن الذكاة الاختيارية، وإنما قال: كالبدل ولم يقل بدل لأن الأبدال عرفت بالنص ولم يرد فيه نص وقد وجدت فيه أمارة البدلية، وقال: كالبدل م: (وهذا آية البدلية) ش: أي المصير إلى الثاني عند العجز عن الأول علامة البدلية. م: (وهذا) ش: أي كون الأول مبدلا عنه، والثاني كالبدل م: (لأن الأول أعمل في إخراج الدم) ش: أي لأن الجرح فيما بين اللبة واللحيين أكثر عملا في إخراج دم المسفوح النجس. م: (والثاني أقصر فيه) ش: أي الخروج في أي موضع كان أكثر من البدن اقتصر في إخراج الدم. م: (فاكتفي به) ش: أي إذا كان كذلك اكتفي بالثاني م: (عند العجز عن الأول) ش: أي عن الجرح فيما بين اللبة واللحيين. م: (إذ التكليف بحسب الوسع) ش: كلمة " إذ " للتعليل، أي لأن التكليف بحسب وسع المكلف {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . [شروط الذابح] م: (ومن شرطه) ش: أي شرط الذبح م: (أن يكون الذابح صاحب ملة التوحيد، إما اعتقادا كالمسلم) ش: أي إما من حيث الاعتقاد م: (أو دعوى كالكتابي) ش: أي أو من حيث الدعوى كالكتابي، فإنه يدعي التوحيد بخلاف المجوسي فإنه ليس له ملة التوحيد ولا دعوى ولا اعتقاد، إلا أنه يقول لصانعين أحدهما خالق الخير والآخر خالق الشر، فلا تحل ذبيحته. ولو قال صاحب ملة التوحيد إما الاعتقاد أو الدعوى كالمسلم الجزء: 11 ¦ الصفحة: 527 وأن يكون حلالا خارج الحرم على ما نبينه إن شاء الله تعالى. قال: وذبيحة المسلم والكتابي حلال لما تلونا، ولقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] .   [البناية] وإما دعوى كالكتابي لكان أحسن. م: (وأن يكون حلالا خارج الحرم) ش: أي ومن شرطه أن يكون الذابح حلالا غير محرم هذا الشرط في الصيد. وأن لا يكون في الحرم، وأن المحرم لا تحل ذبيحته سواء كان في الحرم أو خارج الحرم. والحلال لا تحل ذبيحته في الحرم وله شروط غير ما ذكر، فكذلك قال: ومن شرطه ثمن البعضية. وفي " الغاية " فأما شرط وقوع الذكاة ذكاة أربعة أشياء: آلة جارحة بالإجماع، وأن يكون الذابح ممن له ملة التوحيد على ما بيناه. والثالث أن يكون المحل من المحلات، إما من كل وجه كمأكول اللحم أو من وجه عندنا بأن كان مما يباح الانتفاع بجلده، إن كان مما لا يحل أكله، والرابع التسمية وهي شرط عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي " الأجناس ": يعتبر في حصول الذكاة أربع شرائط: أحدها صفة في الفاعل بأن يكون معتقدا بكتاب نزل في دين مقر فيه. والثاني صفة في الفعل وهو وجود ذكر الله سبحانه وتعالى في حق المذكى. والثالث صفة في الآلة بأن يكون ما يقطع له حد. والرابع صفة في الموضع فيه وهو قطع الأوداج. والأوداج أربعة: الحلقوم والمريء والودجان م: (على ما نبينه إن شاء الله تعالى) ش: أي في الكتاب. [حكم ذبيحة الكتابي] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وذبيحة المسلم والكتابي حلال لما تلونا) ش: أراد به قوله سبحانه وتعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] لأن الخطاب عام. م: (ولقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ش: قال البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " صحيحه ": قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: طعامهم ذبائحهم. وقال الأزهري: لا بأس بذبيحة نصارى العرب، فإن سمعته يسمي بغير الله فلا تأكل، وإن لم تسمعه فقد أحله الله سبحانه وتعالى وعلم بكفرهم. ويذكر عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بوجه انتهى. ولا يجوز أن يحل طعامهم على غير الذبائح لأنه لو كان كذلك لم يخص بأهل الكتاب. فإن قلت: هذا لم يكتف بالآية الواحدة. قلت: لما استقر أن يقال إلا ما ذكيتم عام مخصوص بخروج الوثني والمرتد والمجوسي، فلا يكون قاطعا في الإفادة ضم إليه الآية الأخرى. ثم ذبيحة الكتابي حلال مطلقا سواء كان قائلا بثالث ثلاثة أو بغير، وقال الشافعي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 528 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه: إذا اعتقد أن المسيح والعزير ابن الله لا يحل. ولا يتفاوت في كون الكتابي حربيا أو ذميا بإجماع أهل العلم، فلو ترك الكتابي التسمية عمدا أو ذبح وسمى باسم المسيح لم تحل ذبيحته بإجماع الفقهاء وأكثر أهل العلم. وعن عطاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومجاهد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومكحول - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا ذبح النصراني باسم المسيح حل لأنه أحل لنا ذبيحته. وقد علم أنه سيقوله، ولنا قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ} [المائدة: 3] أريد بها ما ذبحوه بشرطه كالمسلم. فقال علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إذا سمعتموه يسمى بغير الله فلا تأكلوه. وهو قول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأبي الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والحسن عن جماعة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وفي " المستصفى ": هذا إذا لم يعتقد أن المسيح إله، أما إذا اعتقد فهو والمجوسي سواء فلا تحل ذبيحته، وهذا مخالف لعامة الروايات ولظاهر الكتاب، وهو قوله سبحانه وتعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171] . مع أنهم قالوا المسيح: ابن الله، وسئل ابن عباس عن ذبائحهم فقال: قد أحل الله لكم، فقيل: إنهم يهلون لغير الله، فقال: إن الذي أحل ذلك منهم هو أعلم بما يقولون. ولو ذبح الكتابي ما حرم الله سبحانه وتعالى عليه مثل كل ذي ظفر قال قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هي الإبل والنعام والبط وما ليس مشقوق الأصابع، أو ذبح دابة لها شحم يخير عليه يحل عند الأكثر، وحكي عن مالك في اليهودي يذبح الشاة لا يأكل من شحمها. قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا مذهب دقيق، فظاهر هذا أنه لم يره صحيحا لأنه سبحانه وتعالى قال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] وهذا ليس من طعامهم، فقال الضحاك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومجاهد وسوار ومالك والقاضي الحنبلي، وقلنا: المراد من طعامهم ذبائحهم كما ذكرنا، ولأن المراد من طعامهم لا يجوز أن يكون عاما بالاتفاق لأن الخنزير والميتة والدم من طعامهم وهو حرام بالإجماع. وقولنا قول عمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وأبي الدرداء وابن عباس وابن عمر وأبي أمامة الباهلي وعبادة بن الصامت والعرباض بن سارية وأكثر الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ثم عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كل من دخل في دين كتابي بعد بعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأولاده لا يحل ذبيحته ولا ذبيحة من يخرج من دين كتابي إلى كتابي كالمرتد عن الإسلام، والمتولد من كتابي وغير كتابي يحل صيده وذبيحته، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، ومالك وأحمد: إذا كان الأب كتابيا وإلا لا تحل في رواية عن أحمد، وفي قول لا يحل تغليبا للحرمة، وعندنا هو تبع خير الأبوين الجزء: 11 ¦ الصفحة: 529 ويحل إذا كان يعقل التسمية الذبيحة ويضبط   [البناية] دينا. وقال الكرخي في " مختصره ": ويجوز ذبح الصابئين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهم أهل الكتاب وهم فرقة من النصارى عنده. وليس يريد الضرب الآخر من الصابئين الذين لا يؤمنون بعيسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا يقرون بنبوته، ولهم شرع آخر ليس النصارى عليه، فهؤلاء لا تؤكل ذبائحهم. وقال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرحه ": وإنما أجاب أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على من يؤمن بنبي وكتاب ويعظم الكواكب كتعظيم المسلم القبلة وهما حملا الأمر على من يعظم الكواكب، تعظيم عبادة، فهو عابد وثن، فلا يجوز أكل ذبيحته. ثم قال القدوري: وحال هذه الفرقة مشكلة لأنهم يدينون بكتمان اعتقادهم، فلا يعرف حالهم. فأما حمل أبي الحسن لقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على صابئ يؤمن بعيسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهو من لا يعرفه منهم، وإنما يؤمنون بإدريس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويعظمونه دون غيره من الأنبياء. وقال أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرحه لمختصر الطحاوي ": لا خلاف بينهم في المعنى في هذه المسألة. وذلك أن الصابئين طائفتان: طائفة منهم يحلون دين المسيح - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ويقرون بالإنجيل، وهم في ناحية البطيحة من عمل واسط، فهؤلاء في قولهم جميعا تؤكد ذبائحهم. وفرقة أخرى من الصابئين في ناحية حران وديار ربيعة، لا يتحملون كتابا لنبي ويعبدون الكواكب والأصنام فهؤلاء أهل الأوثان لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم في قول أصحابنا جميعا. م: (ويحل إذا كان) ش: الذابح م: (يعقل التسمية) ش: وقيل يعقل لفظ التسمية، وقيل: يعلم أن حل الذبيحة بالتسمية. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح المبسوط ": ويعقل التسمية والذبيحة بأن كان يعقل أنه يباح بالتسمية، ولا يباح بغير التسمية، وذلك لأنه متى لم يعقل التسمية لا يصح منه التسمية كما لا يصح منه الإسلام متى لم يعقل الشهادة، ولا البيع ولا النكاح إذا لم يعقل المعاملات. والتسمية شرط الإباحة وقال في الأصل أرأيت الصبي يذبح ويسمي هل تؤكل ذبيحته. قال: إن كان يضبط ويعقل التسمية والذبيحة فلا بأس به، وإن كان لا يعقل ذلك فلا م: (والذبيحة) ش: أي ويعقل الذبيحة. وفي النسخ الصحيحة والذبحة بكسر الذال وسكون الباء، والمعنى ويعقل كيف الذبح. م: (ويضبط) ش: شرائط الذبح من قطع الأوداج وغيره وضبط الشيء حفظه بالحرم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 530 وإن كان صبيا أو مجنونا أو امرأة. أما إذا كان لا يضبط ولا يعقل التسمية، فالذبيحة لا تحل؛ لأن التسمية على الذبيحة شرط بالنص وذلك بالقصد وصحة القصد بما ذكرنا، والأقلف والمختون سواء لما ذكرنا. وإطلاق الكتابي ينتظم الكتابي الذمي والحربي والعربي والتغلبي   [البناية] م: (وإن كان صبيا) ش: أي وإن كان الذابح صبيا بعد أن كان يعقل ويضبط، م: (أو مجنونا) ش: قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي معتوها، فالمجنون لا قصد له ولا بد منه كما ذكر في الحجر هكذا، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأظهر ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإذا كانا لا يعقلان لا يصح، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه وفي وجه يصح. وفي كتاب " التفريع " للمالكية: ولا يجوز ذبيحة السكران ولا المجنون م: (أو امرأة) ش: أي أو كان الذابح امرأة ولا خلاف فيه م: (أما إذا كان لا يضبط ولا يعقل التسمية، فالذبيحة لا تحل؛ لأن التسمية على الذبيحة شرط بالنص وذلك بالقصد وصحة القصد بما ذكرنا) ش: أي بما إذا كان يعقل التسمية، والذبيحة لا تحل؛ لأن التسمية على الذبيحة م: (شرط بالنص) ش: وذلك بالقصد وصحة العقد بما ذكرنا أي بما إذا كان يعقل التسمية والذبيحة م: (والأقلف والمختون سواء لما ذكرنا) ش: أشار به إلى الآيتين وهما قوله سبحانه وتعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] لأن الخطاب عام وإنما قيد بالأقلف احترازا بما روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنه كان يكره ذبيحته. وفي " الدراية ": ولا خلاف فيه لعامة العلماء إلا ما روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: شهادة الأقلف وذبيحته لا يجوز، وهو رواية عن أحمد، وذبيح الأخرس يجوز بإجماع العلماء ولا خلاف فيه، والأقلف الذي لم يتخير وهو الأقلف، وهو أفعل من القلفة، وهي الجلدة التي يقطعها الختان من رأس الذكر، وكذلك القلفة أشار به إلى الآيتين. وهما قوله سبحانه وتعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وقوله سبحانه وتعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] لأن الخطاب عام. م: (وإطلاق الكتابي) ش: يعني في القدوري وطعامه وذبيحة المسلم والكتابي حلال. م: (ينتظم الكتابي الذمي والحربي والعربي والتغلبي) ش: عطف التغلبي على العربي من عطف الخاص على العام لأن تغلب قوم فلاحون يسكنون بعرب الروم وهو بفتح التاء المثناة وسكون الغين المعجمة وكسر اللام وفي آخره باء موحدة، والتسمية إليه تغلبي بفتح اللام استيحاشا لتوالي الكسرتين مع ياء النسب. وربما قالوه بكسرها لأن فيه حرفين غير مكسورين وفارق النسبة إلى ثمر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 531 لأن الشرط قيام الملة على ما مر. قال: ولا تؤكل ذبيحة المجوسي لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم»   [البناية] وقال الكرخي في " مختصره ": ولا بأس بذبح نصارى بني تغلب الفلاحين وغيرهم، وذلك لأنهم على دين النصارى وإن لم يتمسكوا بكل شرائعهم فصاروا كالنصارى الأصليين إذا لم يتمسكوا ببعض الشرائع. وفي " شرح الأقطع ": وقد قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن ذبائح بني تغلب وذبائح نصارى العرب لا تؤكل، وهذا لا يصح م: (لأن الشرط قيام الملة على ما مر) ش: أشار به إلى قوله: ومن شرطه أن يكون الذابح صاحب ملة التوحيد إما اعتقادا كالمسلم، أو دعوى كالكتابي، قيل: فيه نظر لأن وجود الشرط لا يستلزم المشروط، وأجيب بأنه شرط في معنى العلة فافهم. [ذبيحة المجوسي والمرتد] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا تحل ذبيحة المجوسي لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم» ش: وفي بعض النسخ ولا تؤكل ذبيحة المجوسي، وهذا الحديث بهذا اللفظ غريب، وإنما المروي هو الذي أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة - رحمهما الله - في " مصنفيهما " عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام فمن أسلم، قبل منه ومن لم يسلم ضربت عليه الجزية غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم» . فإن قلت: هذا مرسل ومع إرساله فيه قيس بن مسلم وهو ابن الربيع. وقد اختلف فيه، قال ابن القطان: وهو ممن ساء حفظه بالقضاء كشريك وابن أبي ليلى - رحمهما الله -. ولأجل هذا ذهب بعض أهل الظاهر أن حكم المجوسي كحكم الكتابي، وروي ذلك أيضا عن ابن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذه الرواية وإن كانت مرسلة فقد رواها الواقدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مسندة، قال ابن سعد في " الطبقات ": أخبرنا محمد بن عمر الواقدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حدثني عبد الحكم بن عبد الله بن أبي فروة عن أبي عبد الله بن عمرو بن سعيد بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام فإن أبوا عرض عليهم الجزية بأن لا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم» ولئن سلمنا أنه مرسل فالمرسل حجة عندنا، خصوصا إذا عمل به أكثر الصحابة وأكثر التابعين - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الجزء: 11 ¦ الصفحة: 532 ولأنه لا يدعي التوحيد فانعدمت الملة اعتقادا ودعوى. قال: والمرتد لأنه لا ملة له فإنه لا يقر على ما انتقل إليه، بخلاف الكتابي إذا تحول إلى غير دينه لأنه يقر عليه عندنا فيعتبر ما هو عليه عند الذبح لا ما قبله.   [البناية] والفقهاء. وروى أحمد بن حنبل بإسناده أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا نزلتم بناس نبطيا فإذا اشتريتم لحما فإن كانت من يهودي أو نصراني فكلوا، وإن كان من مجوسي فلا تأكلوا» . قال إبراهيم الحربي خرق أبو ثور الإجماع. روي عن ابن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خلافه، وقال البيهقي: وقد تأكد هذا المرسل بالإجماع، ولا خلاف أن صيدهم السمك والجراد يباح أكله. وما روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في تحريم صيدهم بإسناده كيفما روي عن حذيفة في جواز نكاحهم فغير صحيح. م: (ولأنه) ش: أي المجوسي م: (لا يدعي التوحيد فانعدمت الملة اعتقادا ودعوى) ش: أي من حيث الاعتقاد ومن حيث الدعوى. وقد مر أن الشرط أن يكون الذابح من أهل ملة التوحيد إما اعتقادا كالمسلم أو دعوى كالكتابي، ولم يوجد واحد منهما في المجوسي. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والمرتد) ش: بالجر عطفا على قوله المجوسي يعني لا تؤكل ذبيحة المجوسي وذبيحة المرتد. ولا خلاف في المرتد أنه لا تؤكل ذبيحته م: (لأنه لا ملة له فإنه لا يقر على ما انتقل إليه) ش: من الدين الباطل فصار كالوثني الذي لا دين له فلا تؤكل ذبيحته. [ذبيحة الكتابي إذا تحول إلى غير دينه] م: (وبخلاف الكتابي إذا تحول إلى غير دينه) ش: يعني النصراني إذا تهود، واليهودي إذا تنصر، فإنما تنصر على ما انتقل إليه بخلاف ما لو تمجس، فإنه لا تؤكل ذبيحته بلا خلاف. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وداود لا تؤكل ذبيحته إذا تحول إلى غير دينه مطلقا، لأن لخروجه إلى غير دينه نقض الذمة فيباح قتله، فصار كالكفر الأصلي. قلنا: إذا تحول دين كتابي يكون من أهل الملة دعوى حال الذبح وقبله، والكفر كله ملة واحدة. وإن ارتد غير الكتابي إلى دين أهل الكتاب أكلت ذبيحته نظرا إلى حاله ودينه وفي حال ذبحه دونما سواه. كذا في " مختصر الكرخي " - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه) ش: أي لأن الكتابي م: (يقر عليه) ش: أي على الدين الذي انتقل إليه م: (عندنا) ش: خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما ذكرنا م: (فيعتبر ما هو عليه) ش: أي يعتبر الذي كان هو - أي المرتد - عليه م: (عند الذبح لا ما قبله) ش: أي لا يعتبر ما كان قبل الذبح وهو الإسلام لأنه كان مسلما قبله فلا يعتبر ذلك الذبح لوجوده مرتدا عنده، ويجوز أن يتعلق قوله فيعتبراه بمسألة الكتابي، أي يعتبر ما كان هو عليه من اليهودية أو النصرانية وقت الجزء: 11 ¦ الصفحة: 533 قال: والوثني لأنه لا يعتقد الملة. قال: والمحرم يعني من الصيد وكذا لا يؤكل ما ذبح في الحرم من الصيد والإطلاق في المحرم ينتظم الحل والحرم والذبح في الحرم يستوي فيه الحلال والمحرم، وهذا لأن الذكاة فعل مشروع وهذا الصنيع محرم. فلن تكن ذكاة.   [البناية] الذبح. فإن كان حينئذ يهوديا أو نصرانيا جاز، وإن لم ينقل بأن انتقل إلى دين المجوسي لا يجوز ولا يعتبر ما قبله، وإن كان مجوسيا قبل الذبح ثم تنصر أو تهود، يوجد يهوديا أو نصرانيا عند الذبح يجوز. فافهم. [ذبيحة الوثني وحكم ما ذبح في الحرم] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والوثني) ش: بالجر أيضا أي ولا تحل ذبيحة الوثني وهو الذي يعبد الوثن، وهو الصنم لأنه ليس له ملة التوحيد م: (لأنه لا يعتقد الملة) ش: لا دعوى ولا اعتقادا م: (قال: والمحرم) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا تحل ذبيحة المحرم، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (يعني من الصيد) ش: وهذا القيد لا بد منه لأنه تحل ذبيحته من الأهلي م: (وكذا لا يؤكل ما ذبح في الحرم من الصيد) ش: سواء كان الذابح محرما أو حلالا، وينبغي أن يقرأ ما ذبح على صيغة بناء المفعول على ما لا يخفى على الفطن. م: (والإطلاق في المحرم) ش: أي الإطلاق بقوله والمحرم م: (ينتظم الحل والحرم) ش: يعني يشتمل ما ذبح في الحل وما ذبح في الحرم، لأن الذكاة فعل مشروع وذبح المحرم الصيد ليس بمشروع، وكذا ذبح الصيد في الحرم ليس بمشروع سواء كان حل حلالا أو محرما، أشار إليه بقوله: م: (والذبح في الحرم يستوي فيه الحلال والمحرم) ش: لأنه لحق الله سبحانه وتعالى. م: (وهذا) ش: أي استواء الحلال والمحرم في ذبح صيد الحرم م: (لأن الذكاة فعل مشروع) ش: بالنص م: (وهذا الصنيع محرم) ش: أي قتل الصيد محرم بالنص، وهو قَوْله تَعَالَى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] ونهى عن الفعل الحسي وموجبه انعدام المشروعية. والذكاة فعل مشروع فلا يكون فعله ذكاة، قيل: الأول أن يكون معنى قوله، ولهذا الصنيع أي الذبح في الحرم محرم، وسياق الكلام يدل على هذا. فإن قلت: قتل الشاة المغصوبة محرم وتؤكل بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أطعموها الأسارى» . قلت: شاة غير المحرم صالحة للذبح، والذابح أهل، وإنما حرم لتعلق حق الغير به. ولهذا لو كانت المصلحة في ذبحها بأن أشرفت على الهلاك يجوز ذبحها فكانت حراما لغيره فتحل. أما صيد الحرم فالذابح وإن كان أهلها، لكن الصيد لم يبق محلا لثبوت صفة الأمان فيه فكان حراما لعينه فافترقا م: (فلم تكن ذكاة) ش: أي إذا كان كذلك فلم يكن ذبح المحرم ذكاة، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 534 بخلاف ما إذا ذبح المحرم غير الصيد أو ذبح في الحرم غير الصيد صح لأنه فعل مشروع إذ الحرم لا يؤمن الشاة وكذا لا يحرم ذبحه على المحرم. قال: وإن ترك الذابح التسمية عمدا فالذبيحة ميتة لا تؤكل وإن تركها ناسيا أكل. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أكل في الوجهين،   [البناية] م: (بخلاف ما إذا ذبح المحرم غير الصيد أو ذبح في الحرم غير الصيد صح لأنه فعل مشروع) ش: أي لأن ذبح المحرم غير الصيد مشروع، م: (إذ الحرم لا يؤمن الشاة) ش: ونحوها من النعم، والأمن إنما يثبت بالنص للصيد. م: (وكذا لا يحرم ذبحه على المحرم) ش: لأن الأصل حل الذبح والحرمة تثبت بالنص وهو مخصوص بالصيد فلا يتعداه. [شروط الذبح] [حكم أكل متروك التسمية] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإن ترك الذابح التسمية عمدا) ش: أي ترك عمدا ويجوز أن يكون حالا أي حال كونه عامدا م: (فالذبيحة ميتة لا تؤكل) ش: وكذا الكتابي إذا ترك التسمية عامدا لم تؤكل ذبيحته، وإن كان ناسيا تؤكل وهو في منزلة المسلم كذا قاله الكرخي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " مختصره " م: (وإن تركها ناسيا أكل) ش: أي وإن ترك الذابح التسمية حال كونه ناسيا أكل ما ذبحه. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أكل في الوجهين وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تؤكل في الوجهين) ش: أي فيما تركها عامدا أو ناسيا، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية وهكذا ذكر عنه في المنظومة وليس كذلك بل هذا هو ما ذكره ابن قدامة في " المغني " أن عند مالك تحل إذا تركها ناسيا ولا تحل إذا تركها عامدا. وذكر ابن الجلاب في كتاب " التفريغ " والتسمية شرط في صحة الذبيحة، فمن تركها عامدا لم تؤكل ذبيحته. وإذا تركها ناسيا أكلت ذبيحته، انتهى. المشهور عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قولنا، وقال الحربي: ومن ترك التسمية على صيد عامدا أو ساهيا لم يؤكل، وإن ترك التسمية على ذبيحته عامدا لم تؤكل. وإن تركها ساهيا أكلت ذبيحته، انتهى. وهذا هنا مروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وطاوس وابن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والحسن والثوري وإسحاق وعبد الرحمن بن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجعفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي " التيسير " في سورة الأنعام وداود بن علي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحرم متروك التسمية ناسيا. وقال في " النوازل " في قول بشير: لا يؤكل إذا ترك التسمية عامدا أو ناسيا. وقال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في " شرحه لمختصر الكرخي ": وقد اختلف الصحابة في النسيان، فقال علي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: إذا ترك التسمية ناسيا أكل، وقال ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يؤكل. والخلاف في النسيان يدل على إجماعهم في العمد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 535 وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تؤكل في الوجهين. والمسلم والكتابي في ترك التسمية سواء وعلى هذا الخلاف إذا ترك التسمية عند إرسال البازي والكلب وعند الرمي، وهذا القول من الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مخالف للإجماع فإنه لا خلاف فيمن كان قبله في حرمة متروك التسمية عامدا. وإنما الخلاف بينهم في متروك التسمية ناسيا. فمن مذهب ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه يحرم. ومن مذهب علي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه يحل   [البناية] فإن قلت: كيف صورة الناس متروك التسمية عمدا؟ قلت: أن يعلم أن التسمية شرط وتركها مع ذكرها، أما لو تركها من لم يعلم باشتراطها فهو في حكم الناسي. ذكره في الحقائق. [المسلم والكتابي في ترك التسمية سواء] م: (والمسلم والكتابي في ترك التسمية سواء) ش: حتى إن الكتابي إذا تركها عامدا لا تؤكل، وإذا تركها ناسيا تؤكل، وقد ذكرناه م: (وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور م: (إذا ترك التسمية عند إرسال البازي والكلب وعند الرمي) ش: أي رمي السهم إلى الصيد -، فعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يؤكل في الوجهين، وعند مالك لا يؤكل في الوجهين، وعندنا بالتفصيل المذكور م: (وهذا القول من الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مخالف للإجماع، فإنه لا خلاف فيمن كان قبله في حرمة متروك التسمية عامدا، وإنما الخلاف بينهم في متروك التسمية ناسيا) ش: أي القول بجواز أكل متروك التسمية عامدا مخالف للإجماع، لأن الإجماع انعقد على عدم جوازه قبل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فالمخالف للإجماع المنعقد قبله خارق للإجماع فلا تسمع م: (فمن مذهب ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه يحرم) ش: أشار بهذا إلى بيان الخلاف في متروك التسمية ناسيا فلذلك ذكره بالفاء أي يحرم متروك التسمية ناسيا. وذكر أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأحكام " أن قصابا ذبح شاة ونسي أن يذكر اسم الله سبحانه وتعالى عليها فأمر ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - غلاما له أن يقوم عنده، فإذا جاء إنسان يشتري يقول له إن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يقول لك: إن هذه شاة لم تذك فلم يشتر منها شيئا. م: (ومن مذهب علي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: أنه يحل) ش: أي متروك التسمية ناسيا يحل. وفي " موطأ " مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن يحيى بن سعيد أن عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - سئل عن الذي ينسى أن يسمي الله سبحانه وتعالى على ذبيحته فقال: يسمي الله ويأكل ولا بأس. وقال الرازي في " الأحكام " وذكر عن علي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ومجاهد وعطاء وابن المسيب والزهري وطاوس قالوا: لا بأس بأكل ما نسي أن يسمي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 536 بخلاف متروك التسمية عامدا، ولهذا قال أبو يوسف والمشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إن متروك التسمية عامدا لا يسع فيه الاجتهاد، ولو قضى القاضي بجواز بيعه لا ينفذ لكونه مخالفا للإجماع. له: قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المسلم يذبح على اسم الله تعالى سمى أو لم يسم»   [البناية] الله عليه عند الذبح. وقالوا: إنما هو على الملة م: (بخلاف متروك التسمية عامدا) . ش: حيث لم يختلف أحد من الصحابة والتابعين - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في حرمته م: (ولهذا) ش: أي ولأجل انعقاد الإجماع على تحريم متروك التسمية عامدا. م: (قال أبو يوسف والمشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إن متروك التسمية عامدا لا يسع فيه الاجتهاد ولو قضى القاضي بجواز بيعه) ش: أي بيع متروك التسمية عامدا م: (لا ينفذ لكونه مخالفا للإجماع) ش: والقاضي إذا قضى بما يخالف الكتاب والسنة والإجماع يرده كما إذا قضى بما يخالف الكتاب والسنة المشهورة، والإجماع من أقوى الحجج، فلا يجوز مخالفته بلا خلاف. م: (له) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المسلم يذبح على اسم الله سبحانه وتعالى سمى أو لم يسم» ش: والحديث بهذا اللفظ غريب ولكن جاءت أحاديث في معناه؛ منها ما أخرجه الدارقطني ثم البيهقي عن محمد بن يزيد بن سنان عن عبيد الله الجزري عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المسلم يكفيه اسمه، فإن نسي أن يسمي حين يذبح فليسم وليذكر اسم الله ثم يأكل» . ومنها ما أخرجه الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا عن مروان بن سالم، عن الأوزاعي عن عيسى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «سأل رجل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي الله سبحانه وتعالى، قال " اسم الله على كل مسلم» وفي لفظ: «على فم كل مسلم» . ومنها ما رواه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المراسيل " فقال: حدثنا مسدد قال حدثنا عبد الله الجزء: 11 ¦ الصفحة: 537 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بن داود عن ثور بن يزيد عن الصلت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله تعالى أو لم يذكر» . والجواب: أما الحديث الأول: فقال ابن القطان في كتابه: ليس في هذا الإسناد من يتكلم فيه غير محمد بن يزيد بن سنان وكان صدوقا صالحا لكنه شديد الغفلة. وقال غيره: معقل بن عبيد الله وإن كان من رجال مسلم، لكنه أخطأ في رفع هذا الحديث وقد رواه سعيد بن منصور وعبد الله بن الزبير الحميدي عن سفيان عن عيينة عن عمرو، عن أبي الشعثاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، قوله: ذكر البيهقي وغيره فزادا في إسناده أبا الشعثاء، عن عكرمة، عن ابن عباس ووقفاه. وقال ابن الجوزي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التحقيق معقل هذا مجهول، وتعقبه صاحب " التنقيح " فقال: بل هو مشهور، وهو ابن عبيد الله الجزري أخرج له مسلم في " صحيحه ". واختلف قول ابن معين فيه فمرة وثقه ومرة ضعفه. وقد ذكره ابن الجوزي في " الضعفاء " فقال: معقل بن عبيد الله الجزري يروي عن عمرو بن دينار، قال يحيى: ضعيف، لم يزد على هذا، ومحمد بن يزيد بن سنان الحريري هو ابن أبي فروة الرهاوي. قال أبو داود: ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال الدارقطني: ضعيف، وذكره ابن حبان في الثقات، والصحيح أن هذا الحديث موقوف على ابن عباس - رضي الله عنهما هكذا رواه ابن سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس، انتهى كلامه. قلت: أخرجه كذلك عبد الرزاق في " مصنفه " في الحج: حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: إن في المسلم اسم الله، فإن ذبح ونسي أن يذكر اسم الله فليأكل، وإن ذبح المجوسي وذكر اسم الله فلا يأكل ". وأما الحديث الثاني فقال الدارقطني: مروان بن سالم ضعيف. وأعله بن القطان أيضا به. وقال: هو مروان بن سالم العقاري وهو ضعيف. وليس مروان بن سالم المكي. ورواه ابن عدي في " الكامل " وأسند تضعيفه عن أحمد والنسائي وتابعهما. وقال: عامة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه. وأما الحديث الثالث فإنه مرسل وهو ليس بحجة عنده. وقال ابن القطان: وفيه مع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 538 ولأن التسمية لو كانت شرطا للحل لما سقطت بعذر النسيان كالطهارة في باب الصلاة. ولو كانت شرطا فالملة أقيمت مقامها كما في الناسي. ولنا: الكتاب وهو قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] . الآية نهي وهو للتحريم.   [البناية] الإرسال أن الصلت السدوسي لا يعرف له حال ولا يعرف بغير هذا، ولا روى عنه غير ثور بن زيد، والله سبحانه وتعالى أعلم. م: (ولأن التسمية لو كانت شرطا للحل لما سقطت بعذر النسيان كالطهارة في باب الصلاة) ش: لأن شرط الشيء ما يتوقف الشيء على وجوده ولا يفترق الحال بين النسيان والعمد كما في الطهارة واستقبال القبلة وستر العورة، فإن من نسي الطهارة لا تجوز صلاته كما لو تركها عمدا، وإنما يفرق بينهما في الموجودات كالأكل والشرب في الصوم م: (ولو كانت) ش: بين التسمية م: (شرطا فالملة أقيمت مقامها) ش: يعني ولئن سلمنا أن التسمية شرط، لكن الملة أقيمت مقامها، م: (كما في الناسي) ش: كما أقيمت الملة مقام التسمية في حق الناسي وإليه أشار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن من ذبح فترك التسمية ناسيا قال: «كلوا فإن تسمية الله تعالى في قلب كل امرئ مسلم» . م: (ولنا: الكتاب وهو قوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] الآية نهي وهو للتحريم) ش: وجه الاستدلال أن الله سبحانه وتعالى نص على تحريم متروك التسمية عمدا لأنه نهي. والنهي لمطلق التحريم، ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] وأكد النهي بحرف من لأنه في موضع النهي للمبالغة فيقتضي حرمة كل جزء منه، والهاء في قوله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] إن كانت كناية عن الآكل في الفسق أكل الحرام، وإن كانت كناية عن المذبوح، فالمذبوح الذي يسمى فسقا يكون حراما كما في قوله سبحانه وتعالى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] وفي الآية بيان أن الحرمة لعدم ذكر اسم الله سبحانه وتعالى، لأن التحريم يوصف بذلك الوصف وهو الموجب للحرمة كالميتة والموقوذة. وبهذا يتبين فساد حمل الآية على الميتة وذبائح المشركين، فإن الحرمة هناك ليست لعدم ذكر الله سبحانه وتعالى؛ لأنه وإن ذكر اسم الله سبحانه وتعالى لا يحل. فإن قلت: ما سوى حالة الذبح فليس بمراد بالإجماع. وأجمع السلف على أن المراد حالة الذبح فلا يكون مجملا. فإن قلت: لا نسلم أن المراد منه الذكر باللسان بل المراد منه الذكر عليه مطلقا. والذكر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 539 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بالقلب ذكر. قال الله سبحانه وتعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37] والمراد منه الذكر بالقلب، وقول القائل: الله يعلم أن لست أذكره ... وكيف أذكره إذ لست أنساه فإن الذكر والنسيان عمل القلب. قلت: المراد بالنص الذكر باللسان، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى ذكر الذكر عليه. والذكر عليه لا يكون إلا باللسان، لأن الذكر عليه أن يقصد إيقاع الذكر عليه، وإنما يقصد إلى الذكر بعد العلم به، لأن القصد إلى ما لا يعلم محال وهذا لا يتصور بالقلب، لأنه لما خطر بالبال صار معلوما موجودا. فكيف يتصور القصد إلى إيقاعه. فإن قلت: الذكر بالقلب مراد بالإجماع، فلا يكون الذكر باللسان مرادا وإلا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز. لأن الذكر من حيث القلب حقيقة لأن مدة النسيان تكون بالقلب أو العموم للمشترك. قلت: لا نسلم بذلك لأن الذكر للأمرين حقيقة لوجود الاستعمال فيهما عرفا وشرعا، وضد الذكر السكوت أيضا. وهو يكون باللسان فكان حقيقة فيهما ولا يلزم عموم المشترك لأنه مشترك معنوي وهو المطلق لا المشترك اللفظي. فإن قلت: الناسي مخصوص بالإجماع، ولو أريد به ظاهره لجرت المحاجة في السلف وظهر الانعقاد وارتفع الخلاف، فيخص العامل بالقياس وخبر الواحد. قلت: الناسي غير مخصوص لأنه ذاكر تقدير الكلام القياس المسلم مقام الذكر في حق الناسي بالحديث. وهو معذور مستحق للنظر والتحقيق. والعامد غير معذور. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فإن قلت: حالة النسيان مخصوصة. قلت: لو خضت حالة العمد يؤدي إلى إلغاء النص، انتهى. قلت: الناسي لا يخلو إما أن يكون مرادا منها أو لا، فإن كان مرادا لا يكون مخصوصا وحينئذ يلزم إرادة العامد بالطريق الأولى. وإن لم يكن مرادا يلزم إرادة العامد صونا للنص عن التعطيل. فإن قلت: المراد بالآية الميتة لأن سبب نزول الآية مجادلة المشركين في الميتة، حيث قالوا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 540 والإجماع وهو ما بينا،   [البناية] يأكلون ما يقتلونه ولا يأكلون ما قتله الله سبحانه وتعالى. قلت: سلمنا السبب ولكن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب؛ لأن اللفظ هو الذي يدل على الحكم لا السبب. فلو كان مختصا بالسبب لم يتجاوز حكم الشرع مكة والمدينة لأن سائر الأسباب ثمة واللفظ عام لأن قوله سبحانه وتعالى: {مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] يتناول الميتة وغيرها مما لم يذكر اسم الله تعالى. فإن قلت: النصوص معارضة لهذا النص منها قوله سبحانه وتعالى: {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168] ومنها قوله سبحانه وتعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] استثنى الذكاة من المحرمات، وهي مذكاة، لأن الذكاة هي الجرح بين اللبة واللحيين. ومنها قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] بيانه أن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يخبر أنه لا يحرم سوى المذكورات في هذه الآية. ومتروك التسمية غير مذكور في هذه الآية، فكان حلالا. قلت: أما الجواب عن الآية الأولى فيقول نحن نوجب ذلك لأنه سبحانه وتعالى أمر بأكل الحلال لا الحرام، ومتروك التسمية عامدا حرام، بما تلونا فلا يرد علينا. والجواب عن الآية الثانية فقول ليس المراد نفي الحرمة عما سوى المذكور من هذه الآية مطلقا، لأن لحم الكلب ولحم الحمار والبغل حرام ولم يذكر في هذه الآية، بل المراد منه أنه لم يجد محرما مما كانوا يعتقدونه حراما في هذه الآية، والدليل عليه ما ذكر قبل هذه الآية وهو قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} [الأنعام: 144] إلى أن قال: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] . فإن قلت ذبيحة أهل الكتاب حلالا، وإن كان متروك التسمية، لأن ما يعتقدونه أنها ليست بآلة حقيقة، فعلم أن التسمية ليست بشرط. قلت: إنما حل ذبيحة الكتابي لأنه وجد ذكر اسم الله تعالى من حيث الضرورة لأنهم يدعون ملة التوحيد فاكتفى بذلك القدر في حق المحل، ألا ترى أنا إذا سمعنا أنهم يذكرون اسم الله عزيرا واسم المسيح عند الذبح نقول بحرمة ذبائحهم، ولهذا نقول بحرمة ذبيحة المجوسي لأنه لا يدعي ملة التوحيد. م: (والإجماع وهو ما بينا) ش:، أشار به إلى قوله فإنه لا خلاف فيمن كان قبله في حرمة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 541 والسنة وهو حديث عدي بن حاتم الطائي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال في آخره: «فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك» علل الحرمة بترك التسمية "   [البناية] متروك التسمية عامدا إلى آخره. م: (والسنة وهو حديث عدي بن حاتم الطائي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فإنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال في آخره: «فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك» علل الحرمة بترك التسمية) ش: حديث عدي. هذا أخرجه الأئمة الستة في كتبهم. عن عدي بن حاتم. «قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إني أرسل كلبي وأسمي، فقال " إذا أرسلت كلبك وسميت، فأخذ فقتل فكل، وإن أكل منه فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه ". قلت: إني أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر ولا أدري أيهما أخذه، فقال: " لا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب آخر» . رواه البخاري عن آدم عن شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن عدي بن حاتم - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قلت يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إلى آخره. وروى البخاري أيضا وقال: حدثنا موسى بن إسماعيل عن ثابت بن يزيد عن عاصم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أرسلت كلبك وسميت فأمسك فقتل فكل وإن أكل فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه، وإذا خالط كلابا لم يذكر اسم الله عليها فأمسكن وقتلن فلا تأكل، فإنك لا تدري أيهما قتل» ، انتهى. وهذا كله يدل على حرمة متروك التسمية عامدا، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علل الحرمة بترك التسمية عامدا. فإن قلت: ما الدليل على أن المراد هو العمد. قلت: روى سعيد بن منصور بإسناده عن راشد بن سعيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ذبيحة المسلم حلال وإن لم يسم إذا لم يتعمد» . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 542 ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحتج بظاهر ما ذكرنا إذ لا فصل فيه، ولكنا نقول في اعتبار ذلك من الحرج ما لا يخفى؛ لأن الإنسان كثير النسيان والحرج مدفوع. والسمع غير مجري على ظاهره، إذ لو أريد به لجرت المحاجة وظهر الانقياد وارتفع الخلاف في الصدر الأول والإقامة.   [البناية] م: (ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحتج بظاهر ما ذكرنا إذ لا فصل فيه) ش: أي لا فصل في ظاهر ما ذكرنا من الآية لأن قوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] ، يشمل العمد والنسيان جميعا، لعدم القيد بأحدهما. وقال صاحب " العناية ": واستدل مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - بظاهر قوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] ، فإن فيه النهي بالمنع وجه وهو تأكيده بمن الاستغراقية عن كل متروك التسمية، وهو بإطلاقه يقتضي الحرمة من غير فصل وهو أقرب لا محالة من مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه مذهب ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. قلت: قدمنا أن مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليس كذلك وإنما مذهبه كمذهبنا كما صرح به أصحابنا في كتبهم، والعجب من صاحب العناية لم يبينه على هذا مع قدرته على كتب المالكية حتى قدر مذهبه بما قرره، ثم قال وهو أقرب. فكأنه رأى هذا صوابا، وعجب منه صاحب " الهداية " مع جلالة قدره نسبه إلى مالك ما ليس بمذهبه. ثم قرره ثم أجاب عنه م: (ولكنا نقول في اعتبار ذلك) ش: أي النسيان م: (من الحرج ما لا يخفى؛ لأن الإنسان كثير النسيان والحرج مدفوع) ش: بالنص وهو قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] . فيحمل على حالة العمد دفعا للتعارض م: (والسمع) ش: أي المسموع في هذا الباب من الآية والحديث م: (غير مجري على ظاهره) ش: من حيث لم يرد منه العموم ظاهرا، م: (إذا لو أريد به) ش: أي لأنه لو أريد النسيان بالنص م: (لجرت المحاجة) ش: أي التحاجج بين الصحابة بالآية م: (وظهر الانقياد وارتفع الخلاف في الصدر الأول) ش: وهم الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. تقرير هذا الكلام أن الصحابة اختلفوا في متروك التسمية ناسيا، ولم يحتج من قال حرمت بالآية. فلو جرت الحاجة بها لارتفع الخلاف بينهم. فيه نظر انقياد من قال: يحل متروك التسمية ناسيا، ورجع عن قوله حيث لم تجر المحاجة ولم يرجع الخلاف علم أن الآية متروك الظاهر، وليس المراد به النسيان بل المراد منه العمد. م: (والإقامة) ش: مرفوع بالابتداء. وجواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أقيمت الملة مقام التسمية في حق الناسي، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 543 في حق الناسي، وهو معذور. لا يدلي عليها في حق العامد ولا عذر. وما رواه محمول على حالة النسيان، ثم التسمية في ذكاة الاختيار تشترط عند الذبح وهي على المذبوح وفي الصيد تشترط عند الإرسال والرمي وهي على الآلة   [البناية] وينبغي أن يقام أيضا مقامه في حق العامد، وتقريره أن إقامة الملة مقام التسمية م: (في حق الناسي وهو معذور) ش: أي والحال أنه معذور م: (لا يدلي عليها) ش: خبر المبتدأ أعني قوله والإقامة. أي لا يدل على الإقامة. م: (في حق العامد، ولا عذر) ش: أي والحال أنه لا عذر موجود في العمد. وذلك لأن النسيان من قبل من له حق أقام الملة مقام التسمية فجعله عذرا. والعامد ليس بمعذور، فلا يقاس على الناسي؛ لأنه ليس في معناه. م: (وما رواه) ش: أي ما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلم يذبح على اسم الله سمى أو لم يسم» ، م: (محمول على حالة النسيان) ش: بدليل ما روي في حديث راشد بن سعيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا لم يتعمد. فإن قلت: روى البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - بإسناده إلى «عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكانت الأعراب قريبو عهد بالإسلام يأتونها باللحم فلا ندري أسموا عليه، أم لم يسموا، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " سموا أنتم وكلوا» ". فلو كانت التسمية شرطا للحل لما أمرها بالأكل عند الشك فيها. قلت: هذا دليل لنا لأنها سألت عن الأكل عند وقوع الشك في التسمية. فذلك دليل على أنه كان معروفا عندها أن التسمية من شرائط الحل، وإنما أمرها بالأكل بناء على الظاهر أن المسلم لا يدع التسمية عمدا، كمن اشترى لحما في السوق يباح التناول بناء على الظاهر وإن كان يتوهم أنه ذبيحة مجوسي. [حكم التسمية في ذكاة الاختيار] م: (ثم التسمية في ذكاة الاختيار تشترط عند الذبح وهي على المذبوح) ش: أراد أن التسمية في الذكاة الاختيارية تقع على الذبح فيشترط عند الذبح. وفي " التحفة ": ينبغي أن يريد بالتسمية التسمية على الذبيحة أما لو أراد التسمية عند افتتاح العمل لا يحل. م: (وفي الصيد تشترط عند الإرسال والرمي) ش: أي إرسال الكلب ونحوه، ورمي السهم. م: (وهي على الآلة) ش: أي التسمية هنا على الآلة وهي السهم، والكلب. وفائدة هذا تظهر في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 544 لأن المقدور له في الأول: الذبح وفي الثاني: الرمي والإرسال دون الإصابة، فتشترط عند فعل يقدر عليه، حتى إذا أضجع شاة وسمى، فذبح غيرها بتلك التسمية لا يجوز. ولو رمى إلى صيد وسمى وأصاب غيره حل. وكذا في الإرسال. ولو أضجع شاة وسمى ثم رمى بالشفرة وذبح بالأخرى أكل ولو سمى على سهم ثم رمى بغيره صيدا لا يؤكل. قال: ويكره أن يذكر مع اسم الله تعالى شيئا غيره وأن يقول عند الذبح: اللهم تقبل من فلان.   [البناية] مسائل ذكرها بعد م: (لأن المقدور له في الأول الذبح) ش: أي المقدور للذابح في ذكاة الاختيار الذبح. م: (وفي الثاني: الرمي والإرسال) ش: أي المقدور له في ذكاة الاضطرار رمي السهم، وإرسال الكلب م: (دون إصابة) ش: يعني الإصابة ليست في قدرته عند الرمي والإرسال. م: (فتشترط عند فعل يقدر عليه) ش: أي إذا كان كذلك فيشترط التسمية عند الفعل الذي يقدر عليه، ففي الأول يتعذر على الذبح، وفي الثاني على الرمي والإرسال دون الإصابة. م: (حتى إذا أضجع شاة) ش: هذا يظهر ما ذكره من اشتراط التسمية على الذبيح في الذبح، وعلى الرمي والإرسال في غير صورته أضجع شاة ليذبحها. م: (وسمى فذبح غيرها بتلك التسمية) ش: أي ذبح شاة غير الشاة التي أضجعها بتلك التسمية الأولى م: (لا يجوز) ش: أي لا يحل أكلها لأن التسمية كانت على الأولى. [رمى إلى صيد وسمى وأصاب غيره] م: (ولو رمى إلى صيد وسمى وأصاب غيره حل) ش: أي أصاب سهمه غير الصيد الذي رمى إليه، حل، لأن التسمية هنا على الآلة وهي لم تتبدل م: (وكذا في الإرسال) ش: أي، وكذا الحكم في إرسال الكلب، بأن أرسل كلبا إلى صيد، وسمى فمسك غير الصيد الذي أرسله إليه فإنه يحل لما ذكرنا. وكذا لو أرسل فهدا أو بازيا. م: (ولو أضجع شاة وسمى ثم رمى بالشفرة) ش: أي السكين م: (وذبح بالأخرى أكل) ش: أي ذبح الشاة التي أضجعها بشفرة أخرى أكل، لأن التسمية وقف على الشاة، ولم تتبدل وتذكر الفعل باعتبار الذبيح. م: (ولو سمى على سهم ثم رمى بغيره صيدا لا يؤكل) ش: لوقوع التسمية على السهم الأول. ولا خلاف فيه للثلاثة. [يذكر مع اسم الله تعالى شيئا غيره عند التذكية] م: (قال: ويكره أن يذكر مع اسم الله تعالى شيئا غيره وأن يقول عند الذبح: اللهم تقبل من فلان) ش: لم يثبت في النسخة الصحيحة لفظة. قال هنا، وصورة المسألة في " الجامع الصغير "، عن محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: يكره أن يذكر مع اسم الله شيئا غيره، ويكره أن يقول: اللهم تقبل من فلان هذا الذبح. وقال: لا بأس به إذا كان قبل التسمية وقبل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 545 وهذه ثلاث مسائل: إحداها أن يذكر موصولا لا معطوفا فيكره، ولا تحرم الذبيحة. وهو المراد بما قال. ونظيره أن يقول: بسم الله محمد رسول الله؛   [البناية] أن يضجع للذبح. انتهى. وفي " كفاية " تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ينبغي أن ما يكون من الدعاء يذكر قبل الذبح كما «روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أراد أن يذبح أضحيته، قال: " اللهم هذا منك، ولك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، بسم الله والله أكبر " ثم ذبح» وهكذا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (وهذه ثلاث مسائل) ش: أي المسألة المذكورة متنوعة ومتفرعة على ثلاث مسائل: م: (إحداها) ش: أي إحدى المسائل الثلاث م: (أن يذكر موصولا لا معطوفا) ش: أي أن يذكر الشيء مع اسم الله تعالى، كون ذلك الشيء موصولا باسم الله سبحانه وتعالى، ولكن بغير عطف بحرف من حروف العطف م: (فيكره ولا تحرم الذبيحة) ش: أي إذا كان كذلك يكره فعله هذا، ولا تحرم الذبيحة، لما يقوله الآن م: (وهو المراد بما قال) ش: أي ما ذكره من كونه موصولا لا معطوفا هو المراد بما قال في " الجامع الصغير " - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ونظيره أن يقول: بسم الله محمد رسول الله) ش: برفع الدال في محمد ولو خفضها لا تحل. ذكره في " النوازل "، وقيل: هذا إذا كان يعرف النحو، وقيل: لا تحرم على قياس ما روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يرى بتخفيضها انخفاضا في النحو، معتبرا في باب الصلاة ونحوها. كذا في " الذخيرة "، وفي " الفتاوى ": لو قال: بسم الله محمد رسول الله بالخفض لا يحل، وبالرفع يحل، ولم يذكر النصب. وفي رواية الزيد: ونسي النصب. كالخفض لا يحل. ولو قال: بسم الله، صلى الله على محمد يحل. والأولى أن لا يفعل. ولو قال: بسم الله، وصلى الله على محمد، مع الواو يحل أكله. ولو قال: باسم الله، وباسم فلان لا يحل، هو المختار. ولو ذبح ولم يظهر الهاء في بسم الله إن قصد ذكر الله يحل، وإن لم يقصد أو قصد ترك الهاء لا يحل كذا في " الخلاصة ". وفي " النوازل ": سئل أبو نصر عن ذبح، وقال: بسم الله، وباسم فلان. قال: سمعت محمد بن سلمة، قال: سمعت إبراهيم بن يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: تصير ميتة، وقال محمد بن سلمة: لا تصير ميتة، لأنه لو صارت ميتة صار الرجل كافرا. وفي " مبسوط " شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولو قال: بسم الله، والله أكبر، وصلى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 546 لأن الشركة لم توجد فلم يكن الذبح واقعا له إلا أنه يكره لوجود القران صورة فيتصور بصورة المحرم. والثانية: أن يذكره موصولا على وجه العطف والشركة بأن يقول: بسم الله واسم فلان أو يقول بسم الله وفلان أو بسم الله ومحمد رسول الله بكسر الدال فتحرم الذبيحة لأنه أهل به لغير الله. والثالثة: أن يقول مفصولا عنه صورة ومعنى بأن يقول قبل التسمية وقبل أن يضجع الذبيحة أو بعده، وهذا لا بأس به لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال بعد الذبح: «اللهم تقبل هذه عن أمة محمد ممن شهد لك بالوحدانية ولي بالبلاغ»   [البناية] الله على محمد. إن أراد بذكر محمدا الاشتراك في التسمية لا يحل، وإن أراد التبرك دون الاشتراك يحل. م: (لأن الشركة لم توجد) ش: لعدم العطف م: (فلم يكن الذبح واقعا له إلا أنه يكره لوجود القران صورة فيتصور بصورة المحرم) ش: أي لوجود المعارضة بين الكلامين بحسب الظاهر فيكره ذلك. م: (والثانية) ش: أي: والمسألة الثانية م: (أن يذكره موصولا على وجه العطف، والشركة بأن يقول: بسم الله، واسم فلان) ش: نحو اسم فلان م: (أو يقول: باسم الله، وفلان) ش: بين نحو اسم فلان م: (أو بسم الله، ومحمد رسول الله بكسر الدال) ش: أي أو يقول باسم الله، ومحمد رسول الله نحو محمد والكسر وإن كان من ألقاب البناء. ولكن قد يستعمل في الإعراب م: (فتحرم الذبيحة لأنه أهل به لغير الله) ش: أي إذا كان كذلك فيحرم الذبيحة لأنه سمى بغير اسم الله سبحانه وتعالى، فصارت ميتة. م: (والثالثة) ش: أي والمسألة الثالثة م: (أن يقول: مفصولا عنه صورة ومعنى بأن يقول قبل التسمية، وقبل أن يضجع الشاة أو بعده) ش: أي أو بعد أن يضجع الشاة وفي بعض النسخ: وقبل أن يضجع الذبيحة م: (وهذا لا بأس به لما «روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال بعد الذبح: " اللهم تقبل هذه من أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ممن شهد لك بالوحدانية ولي بالبلاغ» . ش: والحديث رواه مسلم في الضحايا، عن يزيد بن قسيط عن عروة بن الزبير، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتي به ليضحي به، فقال: يا عائشة هلمي المدية، ثم قال: اشحذيها بحجر، ففعلت فأخذها، وأخذ الكبش فأضجعه، ثم ذبحه، ثم قال: " بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد " ثم ضحى به» وهو عند أبي داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالواو قال «فأضجعه وذبحه، وقال: " بسم الله» وليس فيه مقصود المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 547 والشرط هو الذكر الخالص المجرد على ما قال ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جردوا التسمية حتى لو قال عند الذبح: اللهم اغفر لي لا يحل لأنه دعاء وسؤال، ولو قال: الحمد الله أو سبحان الله يريد التسمية حل، ولو عطس عند الذبح فقال: الحمد لله لا يحل في أصح الروايتين لأنه يريد به الحمد على نعمة دون التسمية.   [البناية] وفي " المبسوط ": وينبغي أن لا يذكر مع اسم الله غيره إذا أراد أن يدعو أو يقول: تقبل من فلان، وينبغي أن يقدم ذلك على الذبح، أو يؤخره عنه، ولا يذكر مع الحرف [ ... ] تأويل الحديث. م: (والشرط هو الذكر الخالص المجرد) ش: أي وشرط حل الذكاة هو الذكر الخالص لله سبحانه وتعالى المجرد عن غيره م: (على ما قال ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: جردوا التسمية) ش: هذا غريب لم يثبت عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وإنما ذكر عن أصحابنا في كتبهم م: (حتى لو قال عند الذبح: اللهم اغفر لي، لا يحل لأنه دعاء وسؤال) ش: فلم يكن ذكرا خالصا، وأشار به إلى أنه لو قدمه أو أخره لا بأس به م: (ولو قال: الحمد لله أو سبحان الله يريد التسمية حل) ش: بلا خلاف. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأمالى ": أرأيت إن ذبح فقال الحمد على ذبيحته، ولم يزد على ذلك أو قال: الله أكبر، أو سبحان الله، قال: إن كان يريد بذلك التسمية فإنه يؤكل، وإن كان لا يريد بذلك التسمية فإنه لا يؤكل. قال شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - خواهر زاده في " شرحه ": وهذا لأن هذه الألفاظ ليست بصريحة في باب التسمية. والصريح في باب التسمية اسم الله، وإذا لم تكن هذه الألفاظ صريحة في الباب كانت كناية، وإنما تقوم مقام الصريح بالنية كما في كنايات الطلاق إن نوى الطلاق كان طلاقا، وإلا فلا فكذا. [عطس عند الذبح فقال الحمد لله] م: (ولو عطس عند الذبح فقال: الحمد لله، لا يحل في أصح الروايتين؛ لأنه يريد به الحمد على نعمة دون التسمية) ش: لأنه قال في الأصل: إذا قال الحمد لله يريد به التسمية أكل، وإن لم يرد التسمية فلا، والعاطس لم يرد التسمية على الذبح، بل أراد الحمد على نعم الله سبحانه وتعالى، فعلى رواية الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينبغي أن يحل لأنه قال: التحميد بمنزلة التسمية مطلقا. أما لو قال الخطيب: الحمد لله عند العاطس يجوز أن يصلي به الجمعة بذلك القدر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره في " المبسوط " لأن هناك المأمور به ذكر الله مطلقا، وهنا الذكر على الذبح، ولم يوجد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 548 وما تداولته الألسن عند الذبح وهو قوله: بسم الله والله أكبر منقول عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قَوْله تَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] . قال: والذبح بين الحلق واللبة وفي " الجامع الصغير ": لا بأس بالذبح في الحلق كله، وسطه، وأعلاه وأسفله.   [البناية] [قول الذابح بسم الله والله أكبر] م: (وما تداولته الألسن عند الذبح وهو قوله) ش: أي قول الذابح: م: (بسم الله، والله أكبر منقول عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قَوْله تَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] ش: هذا أخرجه الحاكم في " المستدرك "، في الذبائح من حديث شعبة عن سليمان عن أبي ظبيان عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - في قوله سبحانه وتعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] قال: قياما على ثلاثة قوائم معقولة يقول: باسم الله، والله أكبر اللهم منك وإليك، قال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وعنه في رواية أخرى: أخرجه في " التفسير " عن جرير عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في قوله سبحانه وتعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] قال: إذا أردت أن تنحر البدنة فأنمها ثم قل: الله أكبر، الله أكبر، منك ولك ثم سم ثم انحرها. وقال: صحيح على شرط الشيخين. والعجب من المصنف كيف ترك الحديث المرفوع فيه، وحجر على نفسه. وهو ما أخرجه الأئمة الستة في كتبهم في الضحايا عن قتادة عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يضحي بكبشين أملحين أقرنين يذبحهما بيده اليمنى، ويسمي ويكبر ويضع رجله على صفاحهما» . وفي لفظ لمسلم يقول: «بسم الله، والله أكبر» " ولعل المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أراد الاستدلال بالقرآن مفسرا به قول الصحابي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإن كان ذلك فهو حسن. وفي " الذخيرة " قال البقال: والمستحب أن يقول: باسم الله، الله أكبر، يعني بدون الواو. ثم قال: وذكر شمس الأئمة الحلواني: ويستحب أن يقول: بسم الله. الله أكبر يعني بدون الواو. لأن الواو تقطع فور التسمية. قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه نظر. قلت: نظره صحيح، لأن الذي ثبت في الحديث الصحيح على ما ذكرنا بالواو. فلا ينبغي أن يترك اتباعا للحديث. [مكان الذبح] م: (قال: والذبح بين الحلق واللبة) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": المراد بذلك بيان محل الذبح م: (وفي " الجامع الصغير " لا بأس بالذبح في الحلق كله، وسطه وأعلاه، وأسفله) ش: وفي " المبسوط ": ما بين اللبة، واللحيين، واللبة رأس الصدر، واللحيان الذقن. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 549 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقال صاحب " العناية ": وأتى بلفظ " الجامع الصغير " لأن فيه بيانا ليس في رواية القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وذلك لأن في رواية القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الذبح بين الحلق، واللبة، وليس بينهما مذبح غيرهما فيحمل على ما يدل عليه لفظ " الجامع الصغير " - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإنما عاد لفظ " الجامع " لأن بين رواية " المبسوط "، و " الجامع الصغير " - رحمهما الله - اختلافا من حيث الظاهر. فإن رواية " المبسوط " تقتضي الحل، فيما إذا وقع الذبح فوق الحلق قبل العقدة؛ لأنه بين اللبة واللحيين فيحل. وفي رواية " الجامع الصغير " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يحل لأن على رواية محل الذبح الحلق، فلما وقع قبل العقدة لم يكن الذبح على الحلق فلا يجوز، فتكون رواية " الجامع " مقيدة لإطلاق رواية " المبسوط ". وقد صرح في " الذخيرة ": أن الذبح إذا وقع أعلى من الحلقوم قبل العقدة لا يحل، كذا ذكره في " فتاوي أهل سمرقند "، وبه قالت الثلاثة، ولكن ذكر الإمام الرسعني في " فوائده ": يحل لأن المعتبر قطع أكثر الأوداج، وقد وجد سواء كان فوق العقدة أو تحته. وفي " الخلاصة ": هذا خلاف قول عامة المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وقال صاحب " النهاية ": كان شيخي يفتي به، وكان يقول: الإمام الرسعني معتمد في القول والعمل. فلو أخذنا يوم القيامة بسبب العمل بقوله نحن نأخذه أيضا. وقال الأترازي: وذكر في " فوائد الرسعني " أنه سئل عمن ذبح شاة فبقيت عقدة الحلقوم مما يلي الصدر أتؤكل أم لا؟ قال: هذا قول العوام من الناس، وليس هذا بمعتبر، ويجوز أكلها سواء كانت بقيت العقدة مما تلي الرأس أو مما يلي الصدر. وأما المعتبر عندنا قطع أكثر الأوداج، وهذا صحيح لأنه لا اعتبار بكون العقدة من فوق أو من تحت. ألا ترى إلى قول محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": لا بأس بالذبح في الحلق كله، أسفل الحلق أو وسطه أو أعلاه. فإذا ذبح في الأعلى لا بد أن يبقي العقدة من تحت، ولم يلتفت إلى العقدة لا في كلام الله سبحانه وتعالى، ولا في كلام رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل الذكاة بين اللبة، واللحيين بالحديث، وقد حصلت كيفما بقيت العقدة، لا سيما على مذهب أبي حنيفة فإنه يكتفي بالثلاث من الأربع أي ثلاث كانت. ويجوز ترك الحلقوم أصلا فالطريق الأولى أن يحل الذبح إذا قطع الحلقوم من أعلاه، وبقيت العقدة إلى أسفل الحلقوم. وقال تاج الشريعة في " شرحه ": قوله: والذبح بين الحلق واللبة. أراد بذلك بيان محل الذبح فيجوز في أعلى الحلق، وأسفله. ووسطه. وفي رواية " الجامع الصغير ": تقتضي أن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 550 والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الذكاة ما بين اللبة واللحيين» ولأنه مجمع المجرى والعروق. فيحصل بالفعل فيه.   [البناية] الذبح فوق الحلق قبل العقدة لا يجوز لأنه جعل الحلق محلا، وإن كان فوق العقدة. وهكذا ذكر في " الفتاوى "، ووضع الأصل يقتضي أن يحل لأنه بين اللبة، واللحيين، وإن كان فوق العقدة، لأن شمس الأئمة فسره، وقال: فيه دليل على أن أعلى الحلق ووسطه، وأسفله سواء، فيكون المراد على هذا التفسير ما يكون في الأصل مقيدا كما ذكر في الجامع الصغير " - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيكون المراد من كلمة بين ما يستفاد من كلمة في. وكان معناه: الذكاة في الحلق تؤيده رواية " الجامع الصغير ". قلت: لفظة بين في اللغة بمعنى وسط، يقول: جلست بين القوم أي وسطهم، ولفظه للظرفية. ولكنها تجيء بمعنى بين أيضا كما في قوله سبحانه وتعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أي بين عبادي فحينئذ يستفاد من أحدهما ما يستفاد من الآخر. فعلى هذا يحمل معنى ما ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما ذكره في " الجامع الصغير " فافهم. م: (والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الذكاة ما بين اللبة واللحيين ") » ش: أي الأصل في الذبح قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يثبت هذا الحديث بهذه العبارة. وإنما أخرج الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " سننه " عن سعيد بن سلام العطار - رَحِمَهُ اللَّهُ -، حدثنا عبد الله بن بديل الخزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بديل بن الورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج منى، ألا إن الذكاة في الحلق واللبة.» قال في " التنقيح ": هذا إسناد ضعيف بمرة، وسعيد بن سلام أجمع الأئمة على ترك الاحتجاج به، وكذبه ابن نمير، وقال البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - يذكر بوضع الحديث. وقال الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحدث بالبواطيل متروك. وأخرجه عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه " موقوفا على ابن عباس، وعلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - الذكاة في الحلق واللبة. وقد فسرنا اللبة واللحيين عن فرد. وهذا من باب تسمية الحال باسم المحل. كقولهم جرى النهر، وسال الميزاب. م: (ولأنه مجمع المجرى والعروق) ش: أي ولأن ما بين الحلق واللبة مجرى الطعام والماء ومجمع العروق السارية في البدن م: (فيحصل بالفعل فيه) ش: أي فيما بين الحلق واللبة وأراد الجزء: 11 ¦ الصفحة: 551 إنهار الدم على أبلغ الوجوه، فكان حكم الكل سواء. قال: والعروق التي تقطع في الذكاة أربعة: الحلقوم، والمريء، والودجان لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أفر الأوداج بما شئت»   [البناية] بالفعل فعل الذبح م: (إنهار الدم على أبلغ الوجوه) ش: أي إسالة الدم. يقال: أنهرت الدم إذا أسلته. وقال ابن دريد: أنهر العرق، إذا لم ينهر دمه زعموا، وقال ابن عباد: أنهر بطنه، أي انطلق. وكذلك أنهر، ومنه أسقط. والنهر واحد الأنهار م: (فكان حكم الكل سواء) ش: أراد به كل الحلق وسطه، وأعلاه، وأسفله. [العروق التي تقطع في الذكاة] م: (قال: والعروق التي تقطع في الذكاة أربعة) ش: أي قال القدوري: العروق التي هي محل القطع في التذكية أربعة عروق م: (الحلقوم، والمريء، والودجان) ش: الحلقوم بضم الحاء هو الحلق والميم فيه زائدة. والمريء بالهمزة، وذكره في " العباب " في باب مرأ بالهمزة في آخره. وقال بقوله: مريء الجزور، والشاة للمتصل بالحلقوم الذي يجر فيه الطعام، والشراب، والجمع مري. مثل: سرير، وسرر، والودجان تثنية ودج. قال الصنعاني: الودج، والوداج عرق في العنق. وهما ودجان. وقال الليث: الودج عرق متصل من الرأس إلى النحر، والجمع الأوداج، وهي عروق تكشف الحلق م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أفر الأوداج بما شئت» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود، والنسائي - رحمهما الله -، وابن ماجه - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولكن بغير هذه العبارة " فروا ". عن سماك بن حرب عن مري بن قطري عن «عدي بن حاتم - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرأيت أحدنا أصاب صيدا وليس معه سكين أيذبح بالمروة وشقة العصا فقال: " أفر الدم بما شئت، واذكر اسم الله» وفي لفظ النسائي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " أنهر الدم " وكذلك رواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مسنده "، قال الخطابي: ويروى أمرر، قال: والصواب أمر بسكون الميم، وتخفيف الراء. قلت: وبهذا اللفظ رواه ابن حبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " صحيحه "، والحاكم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " المستدرك "، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وقال السهيلي في " الروض الأنف ": أمر الدم، بكسر الميم أي أسله. يقال: الدم مائر أي سائل، قال: هكذا رواه النقاش، وفسره. ورواه أبو عبيد بسكون الميم وجعله من مريت الضرع، والأول أشبه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 552 وهي اسم جمع وأقله الثلاث فيتناول المريء والودجين وهو حجة على الشافعي في الاكتفاء بالحلقوم والمريء   [البناية] المعنى. وجمع الطبراني في " معجمه " بين الروايات الثلاثة، وفيه رواية رابعة عند النسائي في " سننه الكبرى " أهرق. قلت: يكون الجميع برواية أبي عبيد خمس روايات توضيحها أن الأولى أمر من الإمرار، والثانية: أفر من الإفراء، والثالثة: أنهر من الإنهار، والرابعة: أهرق من الإهراق، وأصله أرق من الإراقة والهاء زائدة، والخامسة من المريء ناقص يائي، قوله: أفر الأوداج أي اقطعها قالوا: هو بفتح الهمزة. قلت: هنا مادتان: الفري والإفراء، فالأولى ثلاثي مجرد، والثاني: مزيد فيه، والفرق بينهما في المعنى أن الفري هو القطع للإصلاح، والإفراء هو القطع للإفساد، فعلى هذا يكون كسر الهمزة هنا أليق، فافهم. م: (وهي اسم جمع وأقله الثلاث فيتناول المريء والودجين) ش: أي الأوداج اسم جمع، وأقل الجمع ثلاثة، وأقل الودج ودجان، فكان المراد الودجين والمريء بطريق التغليب. فإن قلت: الأوداج جمع ليس باسم جمع، وبينهما فرق كما عرف في موضعه. قلت: المراد بالاسم مفهومه اللغوي أي لفظ جمع، ولا يريد به نحو القوم، والرهط، أو يكون لفظه اسم معجمة. فإن قلت: الألف واللام إذا دخلا على الجمع تصير للجنس، ويقع على الأدنى. قلت: هذا إذا لم يكن ثمة معهود. وقد وجدنا هذا وهو الودجان فيه خلاف في الإرادة والمريء أيضا لما ذكرنا، وإنما قلنا: إن النص يتناول المريء من حيث اللفظ. والحلقوم بطريق الاقتضاء لأن قطع مجرى النفس أبلغ إلى حصول المقصود من قطع مجرى العلف. وقد فسر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - المريء بمجرى النفس على ما سيجيء إن شاء الله تعالى. م: (وهو حجة على الشافعي في الاكتفاء بالحلقوم والمريء) ش: أي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفر الأوداج وأنهر الدم بما شئت» ، حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي " وجيز الشافعية ": يصير الجزء: 11 ¦ الصفحة: 553 إلا أنه لا يمكن قطع هذه الثلاثة إلا بقطع الحلقوم فيثبت قطع الحلقوم باقتضائه وبظاهر ما ذكرنا يحتج مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا يجوز الأكثر منها بل يشترط قطع جميعها وعندنا: إن قطعها حل الأكل وإن قطع أكثرها فكذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا بد من قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هكذا ذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - الاختلاف في   [البناية] قطع الحلقوم والمريء، وهذا دون الوريدين، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعن الإصطرخي: يكفي قطع الحلقوم، والمريء، وفي " الحلية ": وهذا خلاف نص الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وخلاف الإجماع. م: (إلا أنه لا يمكن قطع هذه الثلاثة إلا بقطع الحلقوم فيثبت قطع الحلقوم باقتضائه) ش: هذا كأنه جواب عما يقال: إن الأوداج في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفر الأوداج» جمع، وأقله ثلاثة، فأنتم شرطتم قطع الأربعة حيث قلتم: والعروق التي تقطع في الذكاة أربعة، وتقرير الجواب: أن الحديث وإن كان دل على وجوب قطع الثلاثة، ولكن إن لا يمكن قطعها إلا بقطع الحلقوم لأنه لا ينتهي قطع الأوداج من غير حرج بدون قطع الحلقوم فثبت قطعه اقتضاء، والثابت قضاء كالثابت نصا. وصار كأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نص على قطع الحلقوم، ونوع من المعقول يدل على هذا، وهو أن المقصود من إزالة الروح الذبح لتسييل الدم المسفوح الذي هو النجس على وجه التعجيل. لأن في الإبطاء زيادة تعذيب الحيوان، وهذا المقصود على التمام إنما يحصل بقطع هذه الأشياء الأربعة. م: (وبظاهر ما ذكرنا يحتج مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولا يجوز الأكثر منها بل يشترط قطع جميعها) ش: أي بظاهر ما ذكرنا من قطع اشتراط الأربعة. يحتج مالك حتى لا يجوز قطع الثلاثة بل يشترط قطع جميعها، هذا الذي نسبه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى مالك هو الذي ذكره شيخ الإسلام خواهر زاده في " شرح المبسوط "، حيث اشترط فيه على مذهب مالك قطع الأربع جميعا حتى إذا نقص واحد منها لا يحل. ولكن ذكر في كتاب " التفريع " للمالكية أن المعتبر عند المالكية - رَحِمَهُ اللَّهُ - قطع ثلاثة أعضاء وهي الودجان، والحلقوم، وليس يراعي قطع الحلقوم، وليس يراعي قطع المريء، فعلى هذا الذي ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إما رواية عنه أو عن أحمد م: (وعندنا: إن قطعها) ش: أي الأربعة المذكورة م: (حل الأكل وإن قطع أكثرها فكذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي وإن قطع أكثر الأربعة، يعني أن عنده يكتفى للحل بقطع الثلاثة من الأربعة، أي ثلاثة كانت. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لا بد من قطع الحلقوم، والمريء وأحد الودجين) ش: حتى لو قطع بعض الحلقوم أو المريء لم يحل م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (هكذا ذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - الاختلاف في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 554 " مختصره "، والمشهور من كتب مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: أن هذا قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وحده. وقال في " الجامع الصغير ": إن قطع نصف الحلقوم ونصف الأوداج لم يؤكل، وإن قطع أكثر الأوداج والحلقوم قبل أن يموت أكل ولم يحك خلافا، واختلفت الرواية فيه، والحاصل: أن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا قطع الثلاث أي ثلاث كان يحل وبه كان يقول أبو يوسف أولا ثم رجع إلى ما ذكرنا.   [البناية] " مختصره ". والمشهور من كتب مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: أن هذا قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وحده) ش: أي أن قوله: لا بد من قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وحده. وذكر الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " فإن قطع من هذه الأربعة ثلاثة. قال بشير بن الوليد: روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: إذا قطع أكثر الأوداج أكل، إذا قطع ثلاثة منها أكل، من أي جانب كان، وعلى أي وجه كان. وكذلك قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم قال بعد ذلك: لا يأكل حتى يقطع الحلقوم والمريء، وأحد الودجين. وذلك كله سواء في الإبل والبقر، والغنم، والصيد، وكل ذبيحة. قال: وكذلك الناقة ينحرها الرجل فهي كذلك في القولين جميعا في قول أبي حنيفة: إذا قطع أكثر الأوداج. وفي قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يؤكل حتى يقطع الحلقوم والمريء، وأحد الودجين، انتهى، ولم يذكر قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [قطع نصف الحلقوم ونصف الأوداج في الذكاة] م: (وقال في " الجامع الصغير ": إن قطع نصف الحلقوم، ونصف الأوداج لم يؤكل، وإن قطع أكثر الأوداج والحلقوم قبل أن يموت أكل ولم يحك خلافا) ش: يعني أنه لو قطع النصف من كل واحد من الأربعة لا يحل ترجيحا لجانب الحرمة على جانب الحل عند الاستواء، بخلاف ما إذا قطع أكثر من كل فرد لرجحان الموجب للحل، قوله: ولم يحك خلافا: أي في " الجامع الصغير " - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لم يحك خلافا في هذه المسألة م: (واختلفت الرواية فيه) ش: أي في حكم هذه المسألة. م: (والحاصل أن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا قطع الثلاث أي ثلاث كان يحل وبه) ش: أي وبهذا القول م: (كان يقول أبو يوسف أولا، ثم رجع إلى ما ذكرنا) ش: وهو قوله: لا بد من قطع الحلقوم، والمريء وأحد الودجين. وفي " الغاية ": وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثلاث روايات: إحداها بهذه يعني قطع الثلاث، أي ثلاث كانت، والثانية: اشتراط قطع الحلقوم مع الأخرى، والثالثة: اشتراط قطع الحلقوم، والمريء وأحد الودجين. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 555 وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يعتبر أكثر كل فرد وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن كل فرد منها أصل بنفسه لانفصاله عن غيره ولورود الأمر بفريه فيعتبر أكثر كل فرد منها. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المقصود من قطع الودجين إنهار الدم فينوب أحدهما عن الآخر، إذ كل واحد منهما مجرى الدم. أما الحلقوم فيخالف المريء فإنه مجرى العلف والماء والمريء مجرى النفس، فلا بد من قطعهما. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الأكثر يقوم مقام الكل في كثير من الأحكام وأي ثلاث قطعها فقد قطع الأكثر منها. وما هو المقصود يحصل بها،   [البناية] م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يعتبر أكثر كل فرد) ش: يعني لا بد من قطع أكثر كل واحد من الأربعة م: (وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي ما روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن كل فرد منها) ش: أي من الأربعة م: (أصل بنفسه لانفصاله عن غيره، ولورود الأمر بفريه) ش: أي قطعه وأراد بالأمر هو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفر الأوداج، وأنهر ما شئت» م: (فيعتبر أكثر كل فرد منها) ش: أي من الأربعة وللأكثر حكم الكل. م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المقصود من قطع الودجين إنهار الدم) ش: أي إسالته. م: (فينوب أحدهما عن الآخر إذ كل واحد منهما) ش: أي من الودجين م: (مجرى الدم. أما الحلقوم فيخالف المريء فإنه) ش: أي فإن الحلقوم م: (مجرى العلف والماء، والمريء مجرى النفس فلا بد من قطعهما) ش: أي من قطع الحلقوم، المريء. وهكذا فسر شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - خواهر زاده في " مبسوطه " وقال: المريء عرق يحمل مجرى النفس. وقال صاحب الكشاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تفسير سورة الأعراف: الحلقوم مدخل الطعام، والشراب، وفسره القدوري بخلاف ذلك في " شرح مختصر الكرخي "، فقال: الحلقوم مجرى النفس، والمريء مجرى الطعام، والودجان مجرى الدم. وهكذا ذكره في " الإيضاح " وهو الصحيح يؤيده قوله سبحانه وتعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} [الواقعة: 83] . وقال في " ديوان الأدب ": المريء الذي يدخل فيه الطعام والشراب. وفي " المغرب ": المريء مجرى الطعام والشراب. وفي " الجمهرة ": مريء الإنسان وغيره مجرى الطعام أي جوفه. وقيل: المذكور في المتن غير صحيح من النسخ، والصحيح منها عكسه. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الأكثر يقوم مقام الكل في كثير من الأحكام) ش: نحو مسح الرأس، وانكشاف العورة في الصلاة، وتغطية الرأس في الإحرام ونحو ذلك م: (وأي ثلاث قطعها فقطع الأكثر منها) ش: أي من الأربعة. م: (وما هو المقصود يحصل بها) ش: أي والذي هو المقصود من الذبح يحصل بالثلاثة، أي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 556 وهو إنهار الدم المسفوح والتوحية في إخراج الروح لأنه لا يحيى بعد قطع مجرى النفس أو الطعام ويخرج الدم بقطع أحد الودجين فيكتفى به تحرزا عن زيادة التعذيب، بخلاف ما إذا قطع النصف لأن الأكثر باق فكأنه لم يقطع شيئا احتياطا لجانب الحرمة. قال: ويجوز الذبح بالظفر والسن والقرن إذا كان منزوعا.   [البناية] بقطعها م: (وهو) ش: أي المقصود م: (إنهار الدم المسفوح) ش: أي إسالته. م: (والتوحية في إخراج الروح) ش: أي الإسراع، والتعجيل في إزهاق الروح وهو بالحاء المهملة من وحاه توحية إذا عجله، ومنه موت وحي أي سريع والوحا بالمد والقصر السرعة م: (لأنه) ش: أي لأن الحيوان م: (لا يحيى بعد قطع مجرى النفس أو الطعام ويخرج الدم بقطع أحد الودجين) ش: فلا يحتاج إلى قطع الآخر لحصول المقصود بأحدهما. م: (فيكتفى به تحرزا عن زيادة التعذيب) ش: أي اكتفي بقطع أكثر الأربعة للاحتراز عن زيادة تعذيب الحيوان؛ لأن المقصود إذا حصل بالثلاثة يكون قطع الزائد زيادة في تعذيب الحيوان بلا فائدة؛ لأن ما هو المقصود من قطع الودجين يحصل بقطع أحدهما وهو التوحية لأن مجرى النفس إذا انقطع انقطع مجرى الطعام والشراب، يموت الحيوان من ساعته، مقام الثلاثة من الأربعة في تحصيل ما هو المقصود من قطع الأربعة مقام الكل. م: (بخلاف ما إذا قطع النصف) ش: هذا يتعلق بقوله: فيكتفى به، يعني إذا قطع نصف الأربعة لا يكتفى به ولا يحل م: (لأن الأكثر) ش: أي أكثر المرخص وهو الثلاثة م: (باق فكأنه لم يقطع شيئا) ش: لأن الاثنين لما كانا باقيين كان أكثر [ ...... ] وهو الثلاثة باقيا فلا يحل وقيل: لما كان جانب الحرمة مرجحا كان للنصف الباقي حكم الأكثر، فكأنه لم يقطع شيئا، وربما لوح لهذا بقوله: م: (احتياطا لجانب الحرمة) ش: أي لأجل الاحتياط لجانب الحرمة. فإن قلت: كيف قال لأن الأكثر باق، والشيء إنما يكون أكثر إذا كان ما يقابله قليلا، وهذا القائل للنصف فلا يكون قليلا فلا يكون الباقي كثيرا. قلت: الشرط قطع الثلاثة إذ المقصود من قطع العروق أنها لازم التوحية. ويحصل ذلك بقطع الثلاثة فاكتفي به، فتركت الواحدة من الأربعة، وإذا ترك الاثنين غير مقطوعين يكون الباقي أكثر من المشروط فافهم. [آلة الذبح] [الذبح بالظفر والسن والقرن] م: (قال: ويجوز الذبح بالظفر والسن والقرن إذا كان منزوعا) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": وصورتها فيه: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الرجل يذبح الشاة بظفر منزوع، أو بقرن، أو عظم، وسن منزوعة فينهر الدم ويفري الأوداج، قال: أكره الجزء: 11 ¦ الصفحة: 557 حتى لا يكون بأكله بأس إلا أنه يكره هذا الذبح. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المذبوح ميتة لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كل ما أنهر الدم وأفرى الأوداج ما خلا الظفر والسن فإنهما مدى الحبشة» . ولأنه فعل غير مشروع، فلا يكون ذكاة كما إذا ذبح بغير المنزوع. ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أنهر الدم بما شئت» . ويروى «أفر الدم بما شئت»   [البناية] هذا الذبح وإن فعل فلا بأس م: (حتى لا يكون بأكله بأس إلا أنه يكره هذا الذبح) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المذبوح ميتة) ش: أي المذبوح بهذه الأشياء ميتة، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كل ما أنهر الدم وأفرى الأوداج، ما خلا الظفر والسن فإنهما مدى الحبشة» ش: هذا الحديث ملفق من حديثين: الأول: ما رواه الأئمة في الستة من حديث «رافع بن خديج، قال: كنا مع النبي في سفر، فقلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنا نكون من المغازي فلا يكون معنا مدى فقال: " ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه فكلوا، ما لم يكن سنا أو ظفرا، وسأحدثكم عن ذلك: أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة» . أخرجوا هذا الحديث مختصرا، ومطولا. الثاني: رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن جريج عمن حدثه «عن رافع بن خديج قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الذبح بالليطة فقال: " كل ما أفرى الأوداج إلا سنا أو ظفرا» . والعجب من الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث ذكر حديث رافع هذا في الاحتجاج للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولم يبينه لتلفيق الحديث الذي ذكره المصنف ثم قال: بيانه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استثنى الظفر والسن من الآلات التي يقطع بها الجرح، ولم يفصل بين القائم والمنزوع فلم يجز الذبح بهما مطلقا «كل ما أنهر الدم» على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه ومعناه: كل ما أنهر دمه إطلاقا لاسم الحال على المحل في قوله سبحانه وتعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ} [الأعراف: 31] معناه كل ما تحقق فيه إنهار الدم قوله مدى الحبشة، بضم الميم جمع مدية بالضم أيضا وهي سكين القصاب. م: (ولأنه فعل غير مشروع، فلا يكون ذكاة كما إذا ذبح بغير المنزوع) ش: أي ولأن الذبح بالظفر والسن المنزوعين غير مشروع فإذا لم يكن ذكاة تكون ميتة م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أنهر الدم بما شئت» ويروى: «أفر الدم بما شئت» ش: قد مر الكلام في هذا الحديث عن قريب، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 558 وما رواه محمول على غير المنزوع فإن الحبشة كانوا يفعلون ذلك   [البناية] والأحسن أن يستدل لأصحابنا بما رواه البخاري في " صحيحه ". وقال: حدثنا محمد بن أبي بكر، قال: حدثنا معمر عن عبيد الله عن نافع قال: سمعت ابن كعب بن مالك «عن ابن عمر أن أباه أخبره أن جارية لهم ترعى بسلع فأبصرت بشاة من غنمها موتها فكسرت حجرا فذبحتها فقال لأهله: لا تأكلوا حتى آتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو حتى أرسل إليه من يسأله، فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو بعث إليه، فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأكلها» . وجه الاستدلال: أن الأصل في النصوص التعليل، والحجر يصلح آلة للذبح لمعنى الجرح فكذا الظفر المنزوع، والسن المنزوعة بخلاف غير المنزوع، فإنه لا يصلح آلة لكونه مدى الحبشة، وهو مجمل الحديث الأول. م: (وما رواه) ش: أي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (محمول على غير المنزوع، فإن الحبشة كانوا يفعلون ذلك) ش: إظهارا للجلادة. فإنهم لا يقتلعون ظفرا، ويحدون الأسنان بالمبرد، ويقاتلون بالخدش والعض. هكذا ذكره النسفي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي " الأسرار ": لو لم يكن تعليله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإنها مدى الحبشة» غير المنزوع لأن السن والظفر مطلقا يذكره ويراد به غير المنزوع، أما المنزوع بذكر مقيد، يقال: سن منزوع، والظفر المنزوع ولم يذكر مطلقا. أما القرن ينبغي أن لا يكره، بالنظر إلى تعليله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد قال ابن القطان - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد أن ذكر حديث الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - المذكور الذي أخرجه مسلم - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث سفيان الثوري عن أبيه سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خريج - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الحديث فيه شك في شيئين في اتصاله، وفي قوله: «أما السن فعظم» هل هو من كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أم لا. فقد روى أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي الأحوص عن سعيد بن مسروق، وسفيان الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عباية بن رفاعة بن رافع عن أبيه عن جده «رافع ابن خديج - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قال: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت له: يا رسول الله: إنا ملاقو العدو غدا، وليس عندنا مدى أفنذبح بالمروة وشقة العصا؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سنا أو ظفرا» . قال رافع: سأحدثكم عن ذلك: أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة، قال: فهذا كما ترى فيه زيادة رفاعة بن عباية وجده رافع، وفيه بيان قوله: أما السن فمن كلام رافع، وليس في حديث مسلم - رَحِمَهُ اللَّهُ - من رواية الثوري وأخيه عن أبيهما ذكر لسماع عباية من جده رافع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 559 ولأنه آلة جارحة فيحصل به ما هو المقصود، وهو إخراج الدم وصار كالحجر والحديد، بخلاف غير المنزوع لأنه يقتل بالثقل، فيكون في معنى المنخنقة، وإنما يكره لأن فيه استعمال جزء الآدمي ولأن فيه إعسارا على الحيوان وقد أمرنا فيه بالإحسان. قال: ويجوز الذبح بالليطة والمروة بكل شيء أنهر الدم إلا السن القائم والظفر القائم، فإن المذبوح بهما ميتة لما بينا، ونص محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " على أنها ميتة لأنه وجد فيه نصا، وما لم يجد فيه نصا يحتاط في ذلك فيقول   [البناية] ، إنما جاءا به معنعنا، فبين أبو الأحوص أن بينهما واحدا، ولم يكن نصا في حديث مسلم - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن قوله: أما السن من كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نصا، فبين أبو الأحوص أنه من كلام رافع - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولأنه آلة جارحة) ش: أي ولأن كل واحد من الظفر، والقرن، والسن المنزوع آلة تجرح وتخرج الدم م: (فيحصل به ما هو المقصود) ش: أي بكل واحدة من هذه الأشياء م: (وهو) ش: أي المقصود م: (إخراج الدم وصار كالحجر والحديد، بخلاف غير المنزوع) ش: من الظفر والسن م: (لأنه يقتل بالثقل) ش: لأنه يوجب الموت بالفراة مع الحدة. م: (فيكون في معنى المنخنقة) ش: فيكون حراما م: (وإنما يكره) ش: يعني الذبح بالظفر المنزوع والسن المنزوعة م: (لأن فيه استعمال جزء الآدمي) ش: كالوصل بشعر الآدمي والانتفاع بالفروة وهذا لا يتأدى في القرن. م: (ولأن فيه إعسارا على الحيوان) ش: هذا وجه آخر للكراهة أي ولأن في الذبح بهذه الأشياء إعسارا على الحيوان وإضرارا به لضعف الآلة فيؤدي إلى زيادة تعذيب الحيوان م: (وقد أمرنا فيه بالإحسان) ش: أي والحال أنا قد أمرنا في ذبح الحيوان بالإحسان على ما يجيء وهذا التعليل يشمل الكل. [الذبح بالليطة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويجوز الذبح بالليطة) ش: بكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف وهو قشر القصب م: (والمروة) ش: وهو حجر أبيض رقيق يذبح بها كالسكين م: (وبكل شيء أنهر الدم) ش: أي أسأله م: (إلا السن القائم، والظفر القائم فإن المذبوح بهما ميتة لما بينا) ش: أشار به إلى قوله لأنه يقتل بالثقل. م: (ونص محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " على أنها ميتة لأنه وجد فيه نصا) ش: على أن الذبيحة بالسن القائمة ميتة؛ لأنه أي لأن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وما لم يجد فيه) ش: أي في تحريمها نصا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلذلك أطلق جوابها، وهذه طريقة محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المنصوص عليه بالتحريم أو بالتحليل أنه يثبت القول وما لم يجز فيه م: (نصا يحتاط في ذلك فيقول الجزء: 11 ¦ الصفحة: 560 في الحل: لا بأس به، وفي الحرمة يقول يكره أو لم يؤكل قال: ويستحب أن يحد الذابح شفرته لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته» ويكره أن يضجعها ثم يحد الشفرة؛ لما روي «عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه رأى رجلا أضجع شاة وهو يحد شفرته فقال: " لقد أردت أن تميتها موتات هلا حددتها قبل أن تضجعها»   [البناية] في الحل: لا بأس) ش: أي لا بأس بفعله على الفاعل. ثم قيل: كل موضع يقال فيه لا بأس فتركه أولى، والأصح أن هذا ليس بكلي بل ينبغي أن ينظر فيه، فإن كان ثمة شيء يدل على الجواز يتخير الفاعل، وإلا فتركه كان أولى م: (به وفي الحرمة يقول: يكره أو لم يؤكل) ش: أي وفي الحرام يقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكره يعني فعله، أو يقول: لا يؤكل. [ما يستحب في الذبح] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ويستحب أن يحد الذابح شفرته) ش: والشفرة بفتح الشين المعجمة وسكون الفاء، وهي السكين العظيم، وشفرة السيف حده م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري عن شراحيل بن أدة عن شداد بن أوس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله كتب الإحسان» . الحديث أخرجوه في الذبائح إلا الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه أخرجه في القصاص، قوله القتلة بكسر القاف وهي الهيئة والحالة، وكذلك الذبحة بكسر الذال الهيئة والحال. قوله: وليرح من الإراحة أي ليعطيها الراحة بالإسراع. [ما يكره في الذبح] [يضجع الذبيحة ثم يحد الشفرة] م: (ويكره أن يضجعها ثم يحد الشفرة) ش: ذكره تفريعا في مسألة القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ويضجعها بضم الياء من الإضجاع، والضمير يرجع إلى الذبحة. وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": إذا أراد الرجل أن يذبح الذبيحة كره له أن يجرها برجلها إلى المذبح، وأن يضجعها ثم يحد الشفرة. م: (لما «روي عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه رأى رجلا أضجع شاة وهو يحد شفرته فقال: " لقد أردت أن تميتها موتات، هلا حددتها قبل أن تضجعها» ش: هذا الحديث أخرجه الحاكم في " المستدرك " في الضحايا عن حماد بن زيد، عن عاصم عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أن رجلا أضجع شاة يريد أن يذبحها وهو يحد شفرته فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أتريد أن تميتها موتات، هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها» الجزء: 11 ¦ الصفحة: 561 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقال: حديث صحيح على شرط البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولم يخرجاه، وأعاده في الذبائح وقال: على شرط الشيخين. ورواه الطبراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " معجمه " عن عبد الرحمن بن سليمان عن عاصم الأحول به، ورواه عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه " في الحج: حدثنا معمر عن عاصم عن عكرمة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلا أضجع شاة، الحديث مرسل ورواه ابن ماجه في " سننه "، عن ابن لهيعة عن قرة بن حيوئيل عن الزهري عن سالم عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تحد الشفار، وأن توارى عن البهائم، وقال: " إذا ذبح أحدكم فليجهز» . ورواه أحمد في " مسنده " عن ابن لهيعة عن عقيل، عن الزهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - به، وكذلك رواه الدارقطني في " سننه "، والطبراني في " معجمه " وابن عدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الكامل "، وأعله بابن لهيعة، ومن جهة الدارقطني ذكره عبد الحق في أحكامه. وقال: الصحيح في هذا عن الزهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - مرسل. والذي أسنده لا يحتج به. وفي " موطأ مالك " - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن هشام عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن رجلا أحد شفرة، وقد أخذ شاة ليذبحها، فضربه عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بالدرة، وقال: أتعذب الروح، هل فعلت هذا قبل أن تأخذها؟ قوله: إن تميتها موتات، أي مرات عديدة يعني موته. فإن قلت: كيف يكون ذلك، ولا يعلم الحيوان بذبحه؛ لأنه لا عقل له. قلت: هذا سؤال ساقط، وفيه سوء أدب؛ لأن الوهم في ذلك كاف وهو موجود فيه، والعقل يحتاج إليه لمعرفة الكليات. وما نحن فيه ليس منها، وأجاب في " المبسوط " بأن الحيوان يعرف ما يراد منه كما جاء في الخبر: ألهمت البهائم، إلا عن أربعة: خالقها، ورازقها، وضعفها، وشقاؤها، فإذا كانت تعرف ذلك وهو يحد الشفرة عندها كان فيه زيادة ألم غير محتاج إليه، ولهذا قيل: يكره أن يذبح شاة والأخرى تنظر إليها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 562 قال: ومن بلغ بالسكين النخاع أو قطع الرأس كره له ذلك وتؤكل ذبيحته. وفي بعض النسخ: قطع مكان بلغ، والنخاع عرق أبيض في عظم الرقبة. أما الكراهة فلما روي «عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أنه نهى أن تنخع الشاة إذا ذبحت»   [البناية] [بلغ بالسكين نخاع الذبيحة أو قطع الرأس] م: (قال: ومن بلغ بالسكين النخاع) ش: قال: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " م: (أو قطع الرأس) ش: أي رأس المذبوح م: (كره له ذلك وتؤكل ذبيحته) ش: أي كره للذابح بلوغ السكين النخاع وقطع رأس المذبوح م: (وفي بعض النسخ: قطع مكان بلغ) ش: أي بعض نسخ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (النخاع عرق أبيض في عظم الرقبة) ش: أي عرق أبيض في جوف عظم الرقبة، يمتد إلى الصلب وهو بضم النون والفتح لغة. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: هو عرق وقد سهى، إنما ذلك النخاع ثالثا وهو يكون في القفا من نخع الشاة، إذا بلغ بالذبح ذلك الموضع. والنخع أبلغ من النخع بالنون. وقال السغناقي أيضا: هو مشهور وإنما النخاع خيط أبيض في جوف عظم الرقبة يمتد إلى الصلب. وقال مقدم " صاحب العناية ": ورد بأن بدن الحيوان مركب، وسندهما في ذلك ما قال في " المغرب ": النخاع خيط أبيض في جوف عظم الرقبة يمتد إلى الصلب من الطعام، والأعصاب، والعروق هي شرايين وأوتار واضحة حتى يسمى بالخيط أصلا. قلت: قال الصنعاني في " العباب ": قال الكسائي: النخاع: والنخاع بالحركات الثلاث: الخيط الأبيض الذي في جوف القفاء، وقال في باب الهاء الموحدة: النخاع بالكسر العرق الذي يكون في الصلب، وهو غير النخاع بالنون، فإنه الخيط الأبيض الذي يجري في الرقبة. ونخع الشاة إذا بالغ في ذبحها وهو أن يقطع عظم رقبتها ويبلغ بالذبح النخاع، ثم كثر حتى استعمل في كل مبالغة انتهى، وكذلك قال الكرخي في " مختصره ": ويكره إذا ذبحها أن يبلغ النخاع وهو العرق الأبيض الذي يكون في الرقبة، ويكره له أيضا أن ينخعها. قيل: أن يتردد إن سلع أو نخع فلا بأس بذلك. م: (أما الكراهة فلما «روي عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أنه نهى أن تنخع الشاة إذا ذبحت» ش: هذا رواه محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب الصيد من الأصل عن سعيد بن المسيب قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تنخع الشاة إذا ذبحت» وهو مرسل وبمعناه مرفوعا. وقال الطبراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " معجمه ": حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب حدثنا أبو الجزء: 11 ¦ الصفحة: 563 وتفسيره ما ذكرناه، وقيل: معناه: أن يمد رأسه حتى يظهر مذبحه، وقيل: أن يكسر عنقه قبل أن يسكن من الاضطراب، وكل ذلك مكروه وهذا لأن في جميع ذلك وفي قطع الرأس زيادة تعذيب الحيوان بلا فائدة، وهو منهي عنه. والحاصل: أن ما فيه زيادة إيلام لا يحتاج إليه في الذكاة مكروه. ويكره أن يجر ما يريد ذبحه برجله إلى المذبح وأن تنخع الشاة قبل أن تبرد، يعني تسكن من الاضطراب وبعده لا ألم. فلا يكره النخع والسلخ إلا أن الكراهة لمعنى زائد وهو زيادة الألم قبل الذبح أو بعده فلا يوجب التحريم، فلهذا قال: تؤكل ذبيحته   [البناية] الوليد الطيالسي حدثنا عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الذبيحة أن تفرس» . ورواه ابن عدي في " الكامل " وأعله بشهر بن حوشب وقال: إنه ممن لا يحتج بحديثه، ولا نتدين به، وقال إبراهيم الحربي في " غريب الحديث ": الفرس أن يذبح الشاة فتنخع، وروى البيهقي عن هشام الدستوائي وغيره عن يحيى بن أبي كثير عن مغرور الكلبي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه نهى عن الفرس في الذبيحة. وقال أبو عبيدة: الفرس النخع، يقال: فرست الشاة ونخعتها وذلك أن ينتهي الذبح إلى النخاع وهو عظم في الرقبة. وقال: بل هو الذي يكون في فقار الصلب شبيه بالملح فنهي أن ينتهي الذبح إلى ذلك. وقال أبو عبيد: الفرس قيل هو الكسر، نهي أن تكسر رقبة الذبيحة قبل أن تبرد. م: (وتفسيره ما ذكرناه) ش: أي تفسير النخع ما ذكرناه. أراد به قوله: ومن بلغ بالسكين النخاع: م: (وقيل: معناه أن يمد رأسه حتى يظهر مذبحه، وقيل: أن يكسر عنقه قبل أن يسكن من الاضطراب) ش: قال البيهقي: قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - نهى عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن النخع، وأن تعجل الشاة أن تزهق، فالنخع أن تذبح الشاة ثم تكسر قفاها من موضع الذبح، أو تضرب لتعجل قطع حركتها، وكره هذا، ولم يحرم لأنها ذكية. م: (وكل ذلك مكروه) ش: أشار به إلى التفاسير الثلاث: م (وهذا) ش: حصول الكراهة م: (لأن في جميع ذلك وفي قطع الرأس زيادة تعذيب الحيوان بلا فائدة وهو منهي عنه) ش: أي تعذيب الحيوان بلا فائدة منهي عنه على ما مر في الآثار المذكورة م: (والحاصل: أن ما فيه زيادة إيلام لا يحتاج إليه في الذكاة مكروه) ش: أشار به إلى أصل جامع في إفادة معنى الكراهة، وهو كل ما فيه. اه. [يجر ما يريد ذبحه برجله إلى المذبح] م: (ويكره أن يجر ما يريد ذبحه برجله إلى المذبح) ش: لما روى البيهقي عن عبد الرحمن بن حماد، حدثنا ابن عون، عن ابن سيرين، أن رجلا رآه عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يجر شاة ليذبحها فضربه بالدرة، وقال: سقها لا أم لك إلى الموت سوقا جميلا م: (وأن تنخع الشاة قبل أن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 564 قال: وإن ذبح الشاة من قفاها فبقيت حية حتى قطع العروق حل لتحقق الموت بما هو ذكاة ويكره لأن فيه   [البناية] تبرد يعني تسكن من الاضطراب) ش: أي ويكره أيضا أن ينخع الشاة، وتفسير النخع مستوفى مع الآثار الواردة فيه. م: (وبعده) ش: أي وبعد أن تبرد م: (لا ألم فلا يكره النخع والسلخ) ش: أي سلخ جلدها م: (إلا أن الكراهة) ش: أي غير أن الكراهة في ما ذكرنا م: (لمعنى زائد وهو زيادة الألم قبل الذبح أو بعده فلا يوجب التحريم) ش: لوجود الذكاة الشرعية م: (فلهذا قال: تؤكل ذبيحته) ش: أي فلأجل عدم موجب التحريم. قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": وتؤكل ذبيحته بعد أن قال: كره له ذلك هي ويكره الذبح لغير القبلة قال في الأصل: أرأيت الرجل يذبح ويسمي ويوجه ذبيحته لغير القبلة متعمدا أو غير متعمد، قال: لا بأس بأكلها. قال خواهر زاده في " شرح المبسوط ": أما الحل فلأن الإباحة شرعا متعلق قطع الأوداج والتسمية، وقد وجد، وتوجه القبلة سنة مؤكدة لأنه توارثته الناس، وترك السنة لا يوجب الحرمة، ولأنه يكره تركه من غير عذر. وقال محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " الآثار ": أخبرنا عبد الرحمن بن عمر الأوزاعي عن واصل بن أبي جميل عن مجاهد، قال: «كره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الشاة سبعا: المرارة، والمثانة، والغدة، [ ... ] ، والذكر والأنثيين، والدم» قال في تحفته ثم أبو حنيفة فسرها فقال: الدم حرام بالنص القاطع وباقي السبعة مكروه لما أنه تستخبثه الأنفس، وأراد به الدم المسفوح، وأما دم الكبد، والطحال، ودم اللحم فليس بحرام، ذكره في " الغاية " هنا، فلذلك ذكرناه اتباعا له. [ذبح الشاة من قفاها فبقيت حية حتى قطع العروق] م: (قال: وإن ذبح الشاة من قفاها فبقيت حية حتى قطع العروق حل) ش: أي قال القدوري: وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن ضرب عنق جزور بسيف فأبانها وسمى فإن كان ضربها من قبيل الحلقوم فإنه يؤكل وقد أساء، وإن كان ضربها من قبل الظهر فإن كان قطع الحلقوم والأوداج قبل أن تموت أكل وقد أساء، وكذلك هذا في الشاة، وكل ذبيحة. وقال أبو حنيفة: إن قطع رأس الشاة في الذبيحة أكل وإن تعمد ذلك، وقد أساء في الجزء: 11 ¦ الصفحة: 565 زيادة الألم من غير حاجة، فصار كما إذا جرحها ثم قطع الأوداج، وإن ماتت قبل قطع العروق لم تؤكل لوجود الموت بما ليس بذكاة فيها. قال: وما استأنس من الصيد فذكاته الذبح، وما توحش من النعم فذكاته العقر والجرح، لأن ذكاة الاضطرار إنما يصار إليها عند العجز عن ذكاة الاختيار على ما مر. والعجز متحقق في الوجه الثاني دون الأول وكذا ما تردى من النعم في بئر ووقع العجز عن ذكاة الاختيار لما بينا. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحل بذكاة الاضطرار في الوجهين   [البناية] التعمد. وكذلك قال أبو سيف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لتحقق الموت بما هو ذكاة) ش: وهو قطع العروق، وبه قال أحمد ومالك - رحمهما الله -، وحكي عن علي، وابن المسيب - رحمهما الله - أنها لا تؤكل. قلنا: عموم الأحاديث، وتحقيق الذكاة. م: (ويكره) ش: هذا لفظ القدوري م: (لأن فيه زيادة الألم من غير حاجة، فصار كما إذا جرحها ثم قطع الأوداج) ش: حيث يحل ويكره م: (وإن ماتت قبل قطع العروق لم تؤكل لوجود الموت بما ليس بذكاة فيها) ش: أي الشاة. وفي " شرح الكافي ": قال الفقيه أبو بكر الأعمش: وإنما لو كانت تعيش قبل قطع العروق أكثر ما يعيش المذبوح حتى يحل قطع العروق ليكون الموت مضافا إليه، أما إذا كانت لا تعيش إلا كما يعيش المذبوح فإنه لا يحل؛ لأنه يحصل الموت مضافا إلى الفعل السابق فلا يحل. [ذكاة ما استأنس من الصيد] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وما استأنس من الصيد فذكاته الذبح) ش: وهو أي الذي استأنس أي الحيوان الذي صار أنيسا لبني آدم في البيوت ثم أريد ذبحه فذكاته الذبح وهو ما بين اللبة، واللحيين؛ لأنه صار كالشاة. م: (وما توحش من النعم فذكاته العقر والجرح) ش: أي والحيوان الذي صار وحشيا بأن اختلط بالموحش بالبوادي من النعم وهي الإبل والبقر والغنم. وكلمة من في الموضعين للبيان، لأنه صار كالوحشي. وذكاة الوحشي بالعقر، والجرح كيفما اتفق م: (لأن ذكاة الاضطرار إنما يصار إليها عند العجز عن ذكاة الاختيار على ما مر) ش: أشار به إلى قوله: والثاني كالبدل من الأول. اهـ. م: (والعجز متحقق في الوجه الثاني) ش: وهو توحش النعم م: (دون الأول) ش: وهو إيناس الصيد. م: (وكذا ما تردى من النعم في بئر) ش: أي سقط بأن وقع الجمل، أو البقر، أو الشاة في بئر م: (ووقع العجز عن ذكاة الاختيار لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأن ذكاة الاضطرار إنما يصار إليه عند العجز، وبقولنا قال الشافعي، وأحمد، والثوري - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحل بذكاة الاضطرار في الوجهين) ش: يعني في الاستئناس الصيد وتوحش النعم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 566 لأن ذلك نادر، ونحن نقول: المعتبر حقيقة العجز وقد تحقق فيصار إلى البدل، كيف وأنا لا نسلم الندرة بل هو غالب   [البناية] وبقوله قال الليث وربيعة م: (لأن ذلك نادر) ش: فلا يتغير عن حكمه الأصلي. م: (ونحن نقول: المعتبر حقيقة العجز، وقد تحقق فيصار إلى البدل، كيف وأنا لا نسلم الندوة بل هو غالب) ش: يدل عليه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن لها أوابد كأوابد الوحش» يعني أن لها توحش كتوحش الوحش، فقد اعتبر التوحش. فإن قلت: روي أن ناضحًا وقع في بئر، فسئل سعيد بن المسيب - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أو ننحر من مؤخره وكان رأسه في السفل، فقال: لا إلا في نحر إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قلت: وروى مسلم عن زائدة: أخبرنا سعيد بن مسروق عن عباية عن جده قال: «كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذي الحليفة، فأصاب الناس جوع شديد فأصابوا إبلا وغنما، قال: وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أخريات القوم، فعجلوا وذبحوا وقد نصبت القدور، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالقدور فأكفيت، ثم قسم بينهم فعدل عشرا من الغنم ببعير فند بعير من إبل القوم، وليس في القوم إلا خيل يسيرة، فرماه رجل بسهم فحبسه فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما ند عليكم منها، فاصنعوا به هكذا» . وأخرجه البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا بإسناده إلى عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وروى محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " الأصل "، وفي كتاب " الآثار " أيضا: أخبرنا أبو حنيفة عن سعيد بن مسروق عن عباية أبو رفاعة عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أن بعيرا تردى في بئر بالمدينة، فلم يقدر على نحره فوخز بسكين من قبل خاصرته حتى مات، فأخذ منه ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عشيرا بدرهمين. وقال محمد أيضا: أخبرنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن حماد عن إبراهيم في مترد في بئر على إذا لم يقدر على منحره فحيث ما جاءت فهو منحره. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وبه أخذ، وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " صحيحه ": ما ند من البهائم فهو بمنزلة الوحش، وأجازه ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقال ابن عباس: ما أعجزك من البهائم مما في يديك فهو كالصيد، وفي بعير تردى في بئر من حيث قدرت، ورأى ذلك علي، وعمر، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: إلى هنا لفظ البخاري في " صحيحه "، فإذا كان كذلك فالتمسك بقول ابن المسيب بعيدا جدا قوله: فأكفيت أي أفرغت، قوله: فند بعير أي شذ وهرب، قوله: عشيرا بفتح العين المهملة، وكسر الشين المعجمة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 567 وفي الكتاب: أطلق فيما توحش من النعم. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الشاة إذا ندت في الصحراء، فذكاتها العقر. وإن ندت في المصر لا تحل بالعقر لأنها لا تدفع عن نفسها. فيمكن أخذها في المصر فلا عجز، والمصر وغيره سواء في البقر والبعير لأنهما يدفعان عن أنفسهما فلا يقدر على   [البناية] وقال خواهر زاده في " شرحه ": فقد اختلفوا في تفسير العشير، قال بعضهم: هو العشر؛ لأن العشر أو العشير سواء كالنصف والنصيف، وقال بعضهم: العشير الأمعاء. قال الأترازي: هذا تفسير ما صح عندي، وما وجدته في كتب اللغة. قلت: لعل هذا عشارة بضم العين وهي القطعة من كل شيء، وهو المناسب هنا على ما لا يخفى، ويكون وقع فيه التصحيف من النساخ. م: (وفي الكتاب أطلق فيما توحش من النعم) ش: أي في " مختصر القدوري " - رَحِمَهُ اللَّهُ - أطلق الحكم، ولم يفصل بين الند في الصحراء، وفي المصر. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الشاة إذا ندت في الصحراء فذكاتها العقر، وإن ندت في المصر لا تحل بالعقر؛ لأنها لا تدفع عن نفسها فيمكن أخذها في المصر فلا عجز. والمصر وغيره سواء في البقر والبعير لأنهما يدفعان عن أنفسهما فلا يقدر أخذهما، وإن ندا في المصر فيتحقق العجز) ش: لأن البقر يدفع بقرته، والبعير بشفره ونابه، ويخاف القتل منهما فيقع العجز عن ذكاة الاختيار فيهما. وفي " العيون ": قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رجل رمى حمامة أهلية في الصحراء، وسمى فلا تؤكل لأنه ما [ ... ] إلى المنزل إلا لأن تكون حمامة لا تهتدي إلى منزلها. وروى ابن سماعة عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في البعير أو الثور يند فلا يقدر على أخذه قال: إن علم أنه لا يقدر على أخذه إلا أن يجتمع لها جماعة كثيرة فله أن يرميه، وأما الشاة فلا يجوز إذا كانت في المصر؛ لأن البعير يند ويصول ويمتنع. والثور نطيح فيمتنع، وفي الأصل: أرأيت إن أصاب قرن البعير أو الظلف سهما هل يؤكل؟ قال: إن دمي حل، وإن لم يدم لا يحل. وفي " النوادر ": دجاجة تعلقت بشجرة لا يصل إليها صاحبها فرماها، فقال: إن كان يخاف فوتها يؤكل وإلا لا. وفي " النوازل ": بقرة تعسرت عليها الولادة فأدخل صاحبها يده، وذبح الولد، حل أكله، وإن جرح في غير موضع الذبح إن كان لا يقدر على مذبحه يحل أيضا، وإن كان لا يقدر لا يحل. م: (والصيال كالند) ش: وفي بعض النسخ: كالند، والصيال الجملة م: (إذا كان لا يقدر على الجزء: 11 ¦ الصفحة: 568 أخذهما، وإن ندّا في المصر فيتحقق العجز، والصيال كالند إذا كان لا يقدر على أخذه حتى لو قتله المصول عليه وهو يريد الذكاة حل أكله. قال: والمستحب في الإبل والنحر، فإن ذبحها جاز ويكره، والمستحب في البقر والغنم الذبح فإن نحرهما جاز ويكره أما الاستحباب فيه فلموافقة السنة المتوارثة، ولاجتماع العروق فيها في المنحر، وفيهما في المذبح والكراهة لمخالفة السنة، وهي لمعنى في غيره فلا تمنع الجواز والحل، خلافا لما يقوله مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يحل.   [البناية] أخذه حتى لو قتله المصول عليه وهو يريد الذكاة حل أكله) ش: قال القدوري في " شرحه لمختصر الكرخي ": وحكي في " المنتقى " وفي البعير إذا صال على إنسان فقتله وهو يريد الذكاة حل أكله إذا كان لا يقدر على أخذه، وضمن قيمته فجعل الصول بمنزلة الند. [النحر للإبل] م: (قال: والمستحب في الإبل النحر، فإن ذبحها جاز ويكره، والمستحب في البقر والغنم الذبح) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والذبح هو قطع العروق التي في أعلى العنق حتى اللحين، ولا خلاف بين أهل العلم أن النحر في الإبل مستحب، والذبح فيما سواها. قال الله سبحانه وتعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] أي الجزور. وقال سبحانه وتعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وهو الكبش؛ «ولأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحى بكبشين فذبحهما بيده، ونحر بدنة أي جزورا» . متفق عليه. م: (فإن نحرهما جاز ويكره) ش: أي فإن نحر البقر والغنم جاز ويكره فعله إلا المذبوح. م: (أما الاستحباب فيه فلموافقة السنة المتوارثة) ش: وهي ما رواه البخاري في " صحيحه " بإسناده عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نحر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبع بدنات بيده قياما، وذبح بالمدية كبشين أملحين أقرنين» . وروى مسلم بإسناده «عن جابر قال: كنا نتمتع مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنذبح البقرة عن سبعة» م: (ولاجتماع العروق فيها) ش: أي في البقر، والغنم م: (في المنحر، وفيهما في المذبح) ش: وهو موضع الذبح. م: (والكراهة) ش: بالرفع عطفا على قوله الاستحباب أي الكراهة الحاصلة في نحر البقر والغنم وذبح الإبل م: (لمخالفة السنة) ش: وهي التي ذكرناها؛ ولأنه زيادة ألم لا يحتاج إليه في الذكاة كما لو جرحها في موضع آخر م: (وهي) ش: أي الكراهة م: (لمعنى في غيره) ش: أي في غير الذبح والنحر لمخالفته السنة لا لذات ذبح ما ينحر. م: (فلا تمنع الجواز والحل) ش: أي إذا كان كذلك فلا يمنع النحر في موضع الذبح أو الذبح في الموضع النحر جواز الفعل، وحل المذبوح. م: (خلافا لما يقوله مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يحل) ش: قال في " شرح الأقطع ": وعن مالك إذا ذبح البدن لم يؤكل وهذا بخلاف ما قاله أبو القاسم بن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 569 قال: ومن نحر ناقة أو ذبح بقرة فوجد في بطنها جنينا ميتا لم يؤكل أشعر أو لم يشعر، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول زفر والحسن بن زياد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: إذا تم خلقته أكل، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذكاة الجنين ذكاة أمه»   [البناية] الجلاب في كتاب " التفريع "، والاختيار ذبح البقر، والغنم، ونحر الإبل، فإن ذبح بعيرا من ضرورة فلا بأس بأكله، وإن كان من غير ضرورة أكلها، ومن نحر شاة ضرورة أكلت، وإن كانت من غير ضرورة كره أكلها، ومن نحر من غير ضرورة أو من ضرورة فلا بأس بأكلها انتهى. [الحكم لو نحر ناقة أو بقرة فوجد بها جنينا] م: (قال: ومن نحر ناقة، أو ذبح بقرة فوجد في بطنها جنينا ميتا لم يؤكل أشعر أو لم يشعر) ش: أي القدوري: أشعر الجنين: إذا نبت شعره، مثل أعشب المكان إذا نبت عشبه م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول زفر والحسن بن زياد - رحمهما الله. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: إذا تم خلقته أكل، وهو الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وأحمد، ومالك. وفي " المبسوط ": إلا أنه روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنما يؤكل الجنين إذا أشعر وتمت خلقته، فأما ما قبل ذلك فهو بمنزلة المضغة فلا يؤكل، وبه قال مالك، والليث، وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال ابن الجلاب في " التفريغ ": وقال: إذا ذبحت الذبيحة فإذا وجد في جوفها جنين ميت فلا بأس بأكله إذا تمت خلقته، ونبت شعره، فإذا لم تتم خلقته، ولم ينبت شعره لم يجز أكله، فإن انفصل منها حيا، أو استهل خارجا انفرد بحكم نفسه، ولم يجز أكله بذكاة أمه فإن ذكي جاز أكله، وإن مات قبل ذكاته لم يجز أكله. وقال الخرقي: الحبلى ذكاتها ذكاة جنينها أشعر أو لم يشعر م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ذكاة الجنين ذكاة أمه» ش: هذا الحديث رواه أحد عشر نفسا من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. الأول: أبو سعيد الخدري: أخرج حديث أبو داود، والترمذي، وابن ماجه عن مجالد عن أبي الوداك عن الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ذكاة الجنين ذكاة أمه» قال الترمذي: هذا حديث حسن، وهذا لفظه، ورواه ابن حبان في " صحيحه " وأحمد في " مسنده " عن موسى بن إسحاق عن أبي الوداك به. ورواه الدارقطني في " سننه "، وزاد أشعر أو لم يشعر، فقال: الصحيح أنه موقوف. قال الحافظ: وقال المنذري: إسناده حسن، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 570 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ويونس وإن تكلم فيه، فقد احتج به مسلم في " صحيحه ". الثاني: جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أخرج حديثه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عبيد الله بن أبي زياد القداح عن أبي الزبير عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ذكاة الجنين ذكاة أمه» وعبيد بن أبي زياد فيه مقال: ورواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " حدثنا عبد الأعلى، حدثنا حماد بن شعيب عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا نحوه. الثالث: أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أخرج حديثه الحاكم في " المستدرك " عن عبد الله بن سعيد المقبري، عن جده، عن أبي هريرة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مرفوعا، وقال: إسناده صحيح وليس كما قال: فإن عبد الله بن سعيد المقبري متفق على ضعفه. وأخرجه الدارقطني عن عمر بن قيس عن عمرو بن دينار عن طاوس عن أبي هريرة، وقال عبد الحق: لا يحتج بإسناده. قال ابن القطان: وعلته عمر بن قيس وهو المعروف بسندل، فإنه متروك. الرابع: ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: أخرج حديثه الحاكم عن محمد بن الحسن الواسطي، عن محمد بن إسحاق، وهو مدلس ولم يصرح بالسماع فلا يحتج به، ومحمد بن الحسن الواسطي ذكره ابن حبان في " الضعفاء ". . وروى له هذا الحديث، وله طريق آخر عنه الدارقطني عن عصام بن يوسف عن مبارك بن مجاهد، عن عبيد الله بن عمر عن نافع به. وقال ابن القطان: وعاصم رجل لا يعرف له حال، وقال في " التنقيح ": مبارك بن مجاهد ضعفه غير واحد. الخامس: أبو أيوب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أخرج حديثه الحاكم عن شعبة عن ابن أبي ليلى، عن أخيه عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أيوب مرفوعا. السادس: عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: أخرج حديثه الدارقطني عن علقمة قال: أراه رفعه، ورجاله رجال الصحيح. إلا أن شيخ شيخه أحمد بن الحجاج بن الصلت، قال الجزء: 11 ¦ الصفحة: 571 ولأنه جزء من الأم حقيقة لأنه يتصل بها حتى يفصل بالمقراض،   [البناية] شيخنا الذهبي في ميزانه: هو آفة. السابع: عبد الله بن عباس، وموسى بن عثمان الكندي عن أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس، وموسى هذا قال ابن القطان: مجهول. الثامن: كعب بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أخرج حديثه الطبراني في " معجمه " عن إسماعيل بن مسلم عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك مرفوعا نحوه. قال ابن حبان في كتاب " الضعفاء ": إسماعيل بن مسلم المكي أبو ربيعة ضعيف، ضعفه ابن المبارك، وتركه يحيى، وليس هذا إسماعيل بن مسلم البصري العبدي صاحب المتوكل، ذاك ثقة. التاسع: أبو أمامة. العاشر: أبو الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: أخرج حديثهما البزار في " مسنده " عن بشر بن عمارة، عن الأحوص بن حكيم، عن خالد بن معدان، عن أبي الدرداء، وأبي أمامة - رحمهما الله -، قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ذكاة الجنين ذكاة أمه» وقال البزار: وقد روى هذا الحديث من وجوه عن أبي سعيد الخدري، وأبي أيوب، وغيرهما. وعلى من رواه أبو الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ورواه الطبراني في " معجمه "، إلا أنه قال: عن راشد بن سعد، عوض خالد بن معدان، وكذلك فعل ابن عدي في " الكامل " ولين بشر بن عمارة، ثم قال: وهو عندي حديثه إلى الاستقامة أقرب، ولا أعرف له حديثا منكرا. الحادي عشر: علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أخرج حديثه الدارقطني، عن الحارث عنه. والحارث معروف، وفيه موسى بن عثمان الكندي، قال ابن القطان: مجهول، قال عبد الحق في " أحكامه ": هذا حديث لا يحتج بأسانيده كلها، وأقره ابن القطان عليه. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الجنين م: (جزء من الأم حقيقة لأنه يتصل بها حتى يفصل بالمقراض) . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 572 ويتغذى بغذائها ويتنفس بتنفسها. وكذا حكما حتى يدخل في البيع الوارد على الأم ويعتق بإعتاقها. وإذا كان جزءا منها فالجرح في الأم ذكاة له عند العجز عن ذكاته كما في الصيد وله: أنه أصل في الحياة حتى يتصور حياته بعد موتها، وعند ذلك يفرد بالذكاة ولهذا يفرد بإيجاب الغرة ويعتق بإعتاق مضاف إليه، وتصح الوصية له وبه وهو حيوان دموي، وما هو المقصود من الذكاة، وهو التمييز بين الدم واللحم لا يتحصل بجرح الأم، إذ هو   [البناية] ش: أي حتى يفصل الجنين عن أمه بقطع سرته بالمقراض م: (ويتغذى بغذائها ويتنفس بتنفسها) ش: أي بغذاء أمه، وهذا كله دليل على كونه جزءا من الأم. م: (وكذا حكما) ش: أي وكذا جزء من الأم حكما من حيث الحكم م: (حتى يدخل في البيع الوارد على الأم ويعتق بإعتاقها) ش: أي يعتق الجنين بإعتاق أمه في بني آدم، وقال في " الأسرار ": لو قال: أعتقت الأمة إلا ما في البطن عتق ما في البطن كما لو قال: أعتقتها إلا يدها. م: (وإذا كان جزءا منها) ش: أي وإذا كان الجنين جزءا من الأم حقيقة وحكما م: (فالجرح في الأم ذكاة له عند العجز عن ذكاته) ش: أي عند عدم القدرة على ذكاة الاختيار في الجنين م: (كما في الصيد) ش: إذا لم يوجد القدرة على ذكاة الاختيار، اكتفي بذكاة الاضطراب وهي الجرح في أي موضع كان، كما في البعير الناد. فكذا اكتفي بذكاة الأم. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (أنه) ش: أي الجنين م: (أصل في الحياة حتى يتصور حياته بعد موتها) ش: أي بعد موت الأم، ولا يتوهم بقاء الجزء حيا بعد الانفصال وبعد موت الأصل. م: (وعند ذلك) ش: أي عند كونه أصلا في الحياة م: (يفرد بالذكاة) ش: يعني ذكر على حدة ولا يذكى بذكاة أمه م: (ولهذا) ش: أي ولكونه أصلا في الحياة م: (يفرد بإيجاب الغرة) ش: يعني إذا أتلف الأم ومات الجنين من ذلك يضمن التالف، ودية الأم وغرة الجنين. ولو كان جزء الأم لكان بمنزلة اليد والرجل. ولا يجب في هذه الأعضاء شيء بعد إيجاب الدية. م: (ويعتق) ش: أي الجنين م: (بإعتاق مضاف إليه) ش: أي إلى الجنين دون الأم. م: (وتصح الوصية له وبه) ش: أي للجنين وبالجنين فلهذه الأشياء كلها أحكام النفوس لا الأجزاء م: (وهو) ش: أي الجنين م: (حيوان دموي) ش: مثل أمه، فلا يكون ذكاة أمه سببا بخروج الدم منه م: (وما هو المقصود من الذكاة، وهو التمييز) ش: أي التمييز وهكذا هو في بعض النسخ أي الفصل من الرطوبات السائلة النجسة. واللحم طاهر أشار إليه بقوله: م: (بين الدم واللحم لا يتحصل بجرح الأم) ش: قوله: لا يحصل خبر لقوله: وما هو المقصود م: (إذ هو) ش: الجنين م: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 573 ليس بسبب لخروج الدم عنه، فلا يجعل تبعا في حقه بخلاف الجرح في الصيد؛ لأنه سبب لخروجه ناقصا، فيقام مقام الكامل فيه عند التعذر. وإنما يدخل في البيع تحريا لجوازه كيلا يفسد باستثنائه، ويعتق بإعتاقها كيلا ينفصل من الحرة ولد رقيق.   [البناية] (ليس بسبب لخروج الدم عنه) ش: أي عن الجنين م: (فلا يجعل تبعا في حقه) ش: أي فلا يجعل الجنين تبعا لأمه في حق خروج الدم. م: (بخلاف الجرح في الصيد) ش: هذا جواب عن قولهما: كما في الصيد، تقريره أن يقال: إن القياس على الصيد غير صحيح؛ لأن أصل الجرح وجد في الصيد م: (لأنه) ش: أي الخروج في الصيد م: (سبب لخروجه ناقصا) ش: أي لخروج الدم عنه حال كونه ناقصا لكونه من غير الذبح م: (فيقام مقام الكامل فيه عند التعذر) ش: أي عند عدم القدرة على الأصل وهو الذبح في الحلق. فأقيم السبب الذي هو الجرح وإسالة الدم مقام المسبب. بخلاف الجنين فإن لم يوجد فيه الجرح أصلا. م: (وإنما يدخل في البيع) ش: جواب عن قولهما حتى يدخل في البيع الوارد على الأم، تقريره إنما يدخل الجنين في بيع أمه م: (تحريا) ش: أي طلبا م: (لجوازه) ش: البيع م: (كيلا يفسد) ش: أي البيع م: (باستثنائه) ش: أي باستثناء الجنين لأن استثناءه يفسد البيع. م: (ويعتق بإعتاقها) ش: جواب عن قولهما: ويعتق بإعتاقها، أي يعتق الجنين بإعتاق الأم م: (كيلا ينفصل من الحرة ولد رقيق) ش: والولد يتبع الأم في الحرية والرقية. ولم يجب على قولهما: وتغذى بغذائها، فجوابه أن يقال: لا نسلم ذلك، ولكن هل يبقيه الله تعالى في بطن أمه من غير غذاء؟ . ويوصل الله سبحانه وتعالى الغذاء إليه كيفما شاء فإن قدرته الباهرة لا تعجز عن ذلك. فإن قلت: هل لأبي حنيفة أثر في ذلك؟ قلت: روى محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " الآثار " قال: أخبرنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن حماد عن إبراهيم قال: لا تكون ذكاة نفس ذكاة نفسين، يعني الجنين، وإذا ذبحت أمه لم يؤكل حتى تذكر ذكاته. فإن قلت: كيف جاز له ترك الحديث المرفوع الصحيح، والعمل بأثر التابعي. قال: قلت: في " الأسرار ": لعل هذا الحديث لم يبلغ أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه لا تأويل له في " المبسوط "، لا يكاد يصح هذا. قلت: فيه نظر لأننا قد بينا أن الحديث صحيح وما نقله في " الأسرار " حسن. واستدل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 574 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بعضهم لأبي حنيفة بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا إن الذكاة في الحلق واللبة» بين أن جنس الذكاة في الحلق واللبة لأنه ذكرهما بلام التعريف. ولا معهود إن كان لتعريف الجنس. فلو حل الجنين بدون ذكاة في اللبة والحلق لا يكون الجنس منحصرا فيه. وقال ابن حزم: لا يترك نفس القرآن وهو قوله سبحانه وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] وقوله: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] بالخبر المذكور، واختار في ذلك قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - واختاره أيضا زفر والحسن بن زياد كما ذكرناه. وبهذا قال ابن المنذر، ولم يرو عن أحد من الصحابة والتابعين وسائر العلماء أن الجنين لا يؤكل إلا بإنشاء الذكاة فيه، إلا ما روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولا أحسب أن أصحابه وافقوه عليه، وكيف يقول هذا وقد وافقه من أصحابه زفر والحسن بن زياد وقال به إبراهيم النخعي كما بينا. فإن قلت: لم لا يجيب المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن الحديث. قلت: قال صاحب " العناية ": لأنه لا يصح الاستدلال، لأنه يروى ذكاة أمه بالرفع والنصب فإن كان منصوبا فلا إشكال أنه شبيه، وإن كان مرفوعا فكذلك، لأنه أقوى في التشبيه من الأول. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والمراد من الحديث التشبيه لا الإنشاء أي ذكاة الجنين كذكاة أمه كقول الشاعر: فعيناك عيناها وجيدك جيدها ... ولكن عظيم الساق منك دقيق أي عيناك شبيهة بعيني الجنية، ولولا المراد به بما قالوا لقال: " ذكاة الأم ذكاة الجنين " كما يقال: لسان الوزير لسان الأمير، وإن كان يحتمل ما قاله أو يحتمل ما قلنا أيضا فكان من المشترك، فلا يبقى حجة. قلت: قول صاحب " العناية ": روي ذكاة أمه بالرفع والنصب فيه نظر لأن الحافظ المنذري قال: فإن قلت: ما يقول في رواية أبي داود في حديث أبي سعيد الخدري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي الذي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 575 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ذكرناه قال «قلنا: يا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آل وأصحابه وسلم ننحر الناقة ونذبح البقرة أو الشاة في بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله؟ فقال: " كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه» . قلت: هو يعارض كتاب الله وهو قوله سبحانه وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وقوله سبحانه وتعالى: {وَالْمُنْخَنِقَةُ} [المائدة: 3] والجنين الذي خرج ميتا ميتة ومتحقق، وشرط المعارضة المساواة، ولا مساواة بين الكتاب وخبر الواحد فيحمل ذلك على النسخ ويؤول في بطنها الجنين قريب من الموت. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 576 فصل فيما يحل أكله وما لا يحل، قال: ولا يجوز أكل ذي ناب من السباع ولا ذي مخلب من الطيور   [البناية] [فصل فيما يحل أكله وما لا يحل] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان م: (فيما يحل أكله) ش: من الحيوانات م: (وما لا يحل) ش: ولما ذكر أحكام الذبح شرع في تفصيل المأكولات منها وغيره، إذ المقصود الأصلي من شرعية الذبح التوصل إلى الأكل وقدم الذبح لأنه شرط المأكول. والشرط مقدم. وقال الأترازي: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والأنسب أن يذكر مسائل هذا الفصل جميعها في كتاب الصيد، لأن كل ما ذكره من الصيد إلا الفرس والبغل والحمار. قلت: لا يلزم أن يكون كل ما ذكره من الصيد وقد يكون من جهة غير الصيد. والمقصود بيان ما يؤكل وما لا يؤكل فيها لضرورة أن كلا منهما يحتاج إلى الذبح. فالأول للحل والثاني ليطهر لحمه وجلده فيكون موضعها كتاب الذبائح. [أكل كل ذي ناب من السباع] م: (قال: ولا يجوز أكل كل ذي ناب من السباع) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في " مختصره ": لا يجوز أكل صاحب الناب من السباع وهو قول الشافعي وأحمد وأبو ثور وأصحاب الحديث وأكثر أهل العلم، وعن بعض أصحاب مالك هو مباح، وبه قال الشعبي وسعيد بن جبير - رحمهما الله - لعموم قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] ولقوله سبحانه وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] . والمراد من ذي ناب السبع الذي يفترس بنابه ومن ذي مخلب هو الذي يصطاد بمخلبه، وهو المراد بالإجماع لأن كل صيد لا يخلو عن مخلب. وقال الكرخي في " مختصره ": فذو الناب من السباع: الأسد والذئب والنمر والفهد والضبع والثعلب والسنور البري والأهلي. م: (ولا ذي مخلب من الطيور) ش: أي ولا يجوز أيضا أكل ذي مخلب من الطير، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وأكثر أهل العلم. وقال مالك والليث والأوزاعي ويحيى بن سعيد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا يحرم من الطير شيء. وهو قول أبي الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لعموم الآيات المحلة، وذي مخلب من الطير: الصقر، والعقاب، والباز والشاهين، والنسر، والغراب والأبقع والأسود وإن كان يأكل الجيف على ما يجيء والمخلب للطائر كالظفر للإنسان والمراد به مخلب وهو سلاح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 577 «لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن أكل كل ذي مخلب من الطيور، وكل ذي ناب من السباع» وقوله: من السباع ذكره عقيب النوعين، فينصرف إليها فيتناول   [البناية] م: «لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن أكل كل ذي مخلب من الطيور، وكل ذي ناب من السباع» ش: هذا الحديث رواه [ستة] من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - الأول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أخرج حديثه مسلم في " الصيد " عن ميمون بن مهران عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كل ذي ناب من السبع وعن كل ذي مخلب من الطير» . وقال ابن القطان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " كتابه ": وهذا الحديث لم يسمعه ميمون بن مهران من ابن عباس بل بينهما سعيد بن جبير. هكذا رواه أبو داود في " سننه " من حديث علي بن الحكم عن ميمون بن مهران عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. الثاني: خالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه أبو داود عنه مرفوعا: وحرام عليكم الحمر الأهلية وخيلها وبغالها وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير. الثالث: علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه أحمد في " مسنده " عن عاصم بن ضمرة عنه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير» . الرابع: أبو ثعلبة الخشني ولكن روى شطر الحديث أخرجه الأئمة الستة من حديثه: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن كل ذي ناب من السباع» . الخامس: أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كذلك روى شطره أخرجه مسلم - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديثه: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن كل ذي ناب من السباع، فأكله حرام» . السادس: جابر بن عبد الله أخرج حديثه الكرخي في " مختصره " بإسناده إليه: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير» وهذه الأحاديث نص صريح يخصص عموم الآيات. م: (وقوله: من السباع) ش: أي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من السباع في آخر الحديث الذي م: (ذكره عقيب النوعين) ش: أي عقيب ذي مخلب وذي ناب م: (فينصرف إليهما) ش: أي إلى النوعين م: (فيتناول الجزء: 11 ¦ الصفحة: 578 سباع الطيور والبهائم لا كل ما له مخلب أو ناب، والسبع كل مختطف منتهب جارح قاتل عاد عادة. ومعنى التحريم والله أعلم: كرامة بني آدم كيلا يعدو شيء من هذه الأوصاف الذميمة إليهم بالأكل   [البناية] سباع الطيور والبهائم) ش: فكأنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع، وعن أكل كل ذي مخلب من الطير إنما انصرف قوله: " من السباع " إليهما لا إلى الجملة الأخيرة لكون الخبر واحدا وهي " نهى " فيكون بمنزلة الجملتين المعقبتين بالشرط، فالشرط ينصرف إليهما لا إلى الأخيرة. كما إذا قال: امرأته طالق، وعبده حر إن كلم فلانا م: (لا كل ما له مخلب أو ناب) ش: أي لا يتناول كل حيوان له مخلب كالحمامة أو ناب كالبعير، ويميل هذا التقرير وشيخ الإسلام خواهر زاده في " شرح المبسوط " من هذا الموضع ولكن فيه نظر قوي؛ لأنه لم يذكر قط في الحديث في روايات الثقات، لفظة: " من السباع " إلا مقدمة على أكل ذي مخلب من الطير، فإن سبب صدق ذلك [ ... ] الأحاديث التي مرت آنفا. وأما حديث أبي ثعلبة الخشني الذي هو أقواها وأصحها لم يذكر فيه ذو مخلب، فإذا تقرير المصنف، وشيخ الإسلام خواهر زاده بناء على غير أصل. فإن قلت: لم لا يجوز أن تكون الرواية التي ذكرها صحيحة؟ قلت: لو كان كذلك لنقلها الثقات في كتبهم، وإنما الآفة من التقليد، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولو صحت تلك الرواية فيمتنع انصراف قوله إلى النوعين جميعا؛ لأن قوله: «وكل ذي ناب» أولى بالانصراف إليه لكونه أقرب. م: (والسبع كل مختطف منتهب جارح قاتل عاد عادة) ش: إنما ذكر أوصاف السبع بشيء من ذلك قوله: كيلا يعدو شيء إلى آخره. ومختطف من الخطفة، ومنتهب من النهب، والفرق بينهما أن الاختطاف من فعل الطيور والانتهاب من فعل البهائم والسباع، فلما كان السبع مقابلا وصف السبع بهذين الوصفين. قال في " المبسوط ": المراد بذي الخطفة ما يخطف بمخلبه من الهواء كالباز والعقاب. ومن ذي النهبة ما ينتهب بنابه من الأرض كالأسد والذئب. قوله: عادة من عدى عليه عدوا أصله عادى فاعل إعلال قاض وقوله: عادة نصب على الظرف. م: (ومعنى التحريم والله أعلم: كرامة بني آدم كيلا يعدو شيء من هذه الأوصاف الذميمة إليهم بالأكل) ش: أي المعنى الذي ورد التحريم لأجله في ذي مخلب من الطير، وذي ناب من السباع هو كرامة بني آدم بيانه أن الاختطاف والانتهاب والقتل عادة أوصاف ذميمة فحرم الشرع سباع الجزء: 11 ¦ الصفحة: 579 ويدخل فيه الضبع والثعلب، فيكون الحديث حجة على الشافعي في إباحتهما   [البناية] البهائم كيلا يعدو شيء من هذه الذميمة إلى الآكل لأن العدو أثر في ذلك كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يرضع لكم الحمقى فإن اللبن يعدي» وكانت الحرمة كرامة لبني آدم كما كانت الإباحة كذلك أو كان معنى التحريم الإيذاء والخبث تارة يكون بالناب، وتارة يكون بالمخلب والخبث يكون خلقة كما في الهوام والحشرات، أو بعارض كما في الجلالة. م: (ويدخل فيه الضبع والثعلب) ش: أي في التحريم لأنها ذو ناب من السباع م: (فيكون الحديث حجة على الشافعي في إباحتهما) ش: أي الحديث المذكور وإباحتهما مصدر مضاف إلى مفعوله وطوى ذكر الفاعل، والتقرير في إباحتهما، وبقوله قال مالك وأحمد - رحمهما الله - في الضبع، وأحمد أيضا في الثعلب في رواية، وفي أكثر الروايات عنه أنه حرام، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قولنا. واحتجوا في ذلك بما أخرجه الترمذي في الحج والأطعمة، والنسائي في الصيد والذبائح، وابن ماجه في الأطعمة، كلهم «عن عبد الرحمن بن أبي عمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سألت جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن الضبع: أصيد هي؟ قال: نعم، قلت: أنت سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: نعم» . قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال في " علله ": قال البخاري: حديث صحيح، ورواه ابن حبان في " صحيحه " بهذا السند. ورواه الحاكم في " المستدرك " عن إبراهيم الصائغ عن عطاء عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الضبع صيد، فإذا أصابه المحرم ففيه كبش مسن ويؤكل» وقال: حديث صحيح، ولم يخرجاه. وأخرجه أبو داود بسند " السنن "، ولم يذكر فيه الأكل، ولفظه قال: «سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الضبع فقال " هو صيد ويجعل فيه كبش إذا اصطاده المحرم» " وأخذوا من هذا اللفظ إباحة أكله زاعمين أن الصيد اسم للمأكول، ومنشأ الخلاف في قوله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] فعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو قتل السبع ونحوه مما لا يؤكل لا يجب عليه شيء. وعندنا: يجب عليه الجزاء لأن الصيد اسم للممتنع المتوحش في أصل الخلقة، قالوا: لو كان هذا مرادا لخلا عن الفائدة إذ كل أحد يعرف أن الضبع ممتنعة متوحشة. فإنما سأل جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن أكلها سيما وقد ورد التصريح بأكلها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 580 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلنا: هذا ينعكس عليهم، لأنه لما سأله أصيد هي؟ قال له: نعم، ثم قال: سألته آكلها؟ قال: نعم، فلو كان الصيد هو المأكول لم يعد السؤال. واستدل الإمام فخر الدين في " تفسيره " على أن الصيد اسم للمأكول بقوله سبحانه وتعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] قال: فهذا يقتضي حل صيد البحر دائما وحل صيد البر في غير وقت الإحرام. وفي البحر ما لا يؤكل كالتمساح. وفي البر ما لا يؤكل كالسباع. قال: قلت: إن الصيد اسم للمأكول، قلت: الصيد في الآية مصدر بمعنى الاصطياد، ويكون الإضافة بمعنى في أي أحل لكم الاصطياد في البحر وحرم عليهم الاصطياد في البر. بدليل أن المحرم يجوز له أكل لحم اصطياده حلالا عندنا وعندهم. فعلم أن المراد بالصيد في الآية الاصطياد لا الحيوان. وقد أشار إليه المصنف فيما بعد في مسألة أكل السمك وقال: إن المراد بالصيد في قوله سبحانه وتعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] الاصطياد لا الحيوان. والجواب عن حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال في الابتداء ثم نسخ بقوله سبحانه وتعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] . ولأن حديثنا مشهور لا شك في صحته ولا يعارضه حديث جابر إن كان مشهورا صحيحا على ما قالوا. لأن حديثنا مروي من عدة طرق، فلا يعارض به حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لأنه أفرد به عبد الرحمن بن أبي عمار - رَحِمَهُ اللَّهُ - وليس هو بمشهور بنقل أهل العلم ولا ممن يحتج به إذا خالفه من هو أثبت منه. كذا قال صاحب " التمهيد ". فإن قلت: رواه البيهقي أيضا من طريق عطاء عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. قلنا: في ذلك الطريق شخصان فيهما كلام وهما حسان بن إبراهيم عن إبراهيم بن ميمون الصائغ، أما حسان فقد ذكره النسائي في " الضعفاء " وقال: ليس بقوي. أما الصائغ فقد ذكره الذهبي في كتاب " الضعفاء "، وقال: قال أبو حاتم لا يحتج به على أن لنا أحاديث أخرى تدل على تحريم الضبع. منها ما أخرجه الترمذي في كتاب " الأطعمة " عن إسماعيل بن مسلم المكي عن عبد الكريم بن أبي المخارق - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن حبان بن جزء عن أخيه «خزيمة بن جزء قال: سألت رسول الله الجزء: 11 ¦ الصفحة: 581 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أكل الضبع، فقال: " أويأكل الضبع أحد فيه خير» . وأخرج ابن إسحاق عن عبد الكريم بن أبي المخارق به، فقال: «ومن يأكل الضبع» وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه "، وكذا في " تاريخ البخاري " - رَحِمَهُ اللَّهُ - و " معرفة الصحابة " لابن المنذر. فإن قلت: هذا حديث ضعيف لأن الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: هذا حديث ليس إسناده بالقوي ولا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن مسلم عن ابن أبي المخارق، وقد تكلم بعضهم فيهما، وضعفه ابن حزم بأن إسماعيل بن مسلم ضعيف. وابن أبي المخارق ساقط. وحبان بن جزء مجهول. قلت: قال ابن معين: إسماعيل بن المخزومي المكي ثقة. وقال مرة: إسماعيل بن مسلم المخزومي أصله بصري وكان بمكة وهو ضعيف. وقال ابن عدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أحاديثه غير محفوظة إلا أنه ممن يكتب حديثه، وقال: عمر بن علي كان صدوقا يكثر الغلط. وعبد الكريم ابن أبي المخارق وثقه بعضهم وإن كان الجمهور على تضعيفه وحبان بن جزء معروف، وابن حزم ذكره في باب: الجرح والتعديل، وهو أخو خزيمة بن جزء، وقال ابن [ .... ] يروي عن حبان عن أبيه جزء، وعن أخيه خزيمة، ولهما صحبة ورواية عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال عبد الكريم بن أمية: فإن كان الأمر كذلك لا يسقط الاحتجاج بالكلية ولا سيما إذا اعتمدنا خبرا أصح منه، وحبان بكسر الحاء، وتشديد الباء الموحدة. وجزء بالجيم والراء المعجمة، وأصحاب الحديث يكسرون الجيم، قاله الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قال الخطيب: بسكون الراء، ولم يذكر حركة الجيم. وقال عبد الغني: جزء بفتح الجيم، وكسر الراء، وخزيمة بضم الخاء، وفتح الزاء المعجمتين ومنه ما رواه أحمد وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم " حدثنا جرير - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن سهيل بن أبي صالح، عن عبد الله بن يزيد السعدي رجل من بني سعد بن بكر، قال: «سألت سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن ناسا من قومي يأكلون الضبع، فقال: إن أكلها لا يحل. وكان عنده شيخ أبيض الرأس الجزء: 11 ¦ الصفحة: 582 والفيل ذو ناب فيكره. واليربوع وابن عرس من السباع الهوام   [البناية] واللحية، فقال الشيخ: يا عبد الله ألا أخبرك بما سمعت أبا الدرداء يقول فيه؟ فقلت: نعم، قال: سمعت أبا الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أكل ذي خطفة، ونهبة، ومجثمة، وكل ذي ناب من السباع، فقال سعيد: صدق» . ومنها ما رواه عبد الرزاق في " مصنفه " عن الثوري عن سهيل بن أبي صالح، قال: سأل رجل ابن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أكل الضبع فنهاه، فقال: إن قومك يأكلونها. فقال: إن قومي لا يعلمون. قال سفيان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا القول أحب إليَّ. قلت لسفيان: فأين ما جاء عن عمر، وعلي وغيرهما، فقال: أليس قد «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أكل كل ذي ناب من السباع» فتركها أحب إلي. وبه أخذ عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [حكم الفيل] م: (والفيل ذو ناب فيكره) ش: فإن قلت: إن لم يكن من السباع فلا يكره. قلت: الناس لا يعدونه من السباع، ولكن فيه معنى السبعية، وإلحاقه بالسباع يكون بنوع من الاجتهاد، فهذا استعمل لفظ الكراهة، كذا قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: المراد من الكراهة التحريم، فأكله حرام. وبه قال: أكثر أهل العلم إلا الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه رخص في أكله، لعموم قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] الآية. وبه قال أصحاب الظاهر، وللعامة أنه ذو ناب فيدخل في عموم الحديث؛ لأنه مستخبث فيدخل في الخبائث. [حكم اليربوع وابن عرس] م: (واليربوع وابن عرس من السباع الهوام) ش: اليربوع بفتح الياء، دويبة تحفر الأرض وتجعل لها موضعا تحت الأرض، وتجعل لهم بابين أحدهما يسمى القاطعا وهي التي تنقطع فيها أو تدخل وللأخرى يسمى الناقص [ ... ] فإذا أتى صياد من قبل القاطع هربت وأتت في الناقص فدفعتها برأسها وخرجت منها، ويسمى بالفارسية موشى وشتى، يعنى فأرة الصحراء، أو ابن عرس، بالإضافة، دويبة. قال الليث: دويبة دون السنور أشتر أصلم أسك، وربما ألف البيت فيوكر فيه، والجمع بنات عرس، هكذا يجمع ذكرا كان أو أنثى، وأهل مصر يسمونه عرسة، يكثر في بيوتها ويأخذ أفراخ الدجاج، والإوز، والحمام ونحوها ولا تأكلها ويسمى بالفارسية راسواو، الهوام بتشديد الميم، جمع الهامة وهي الدابة من دواب الأرض، وجمع الهوام، نحو اليربوع وابن عرس. والقنفذ: ما يكون سكناه بالأرض والحدر مكروه أكله. أما اليربوع فعند الشافعي، وأحمد في ظاهر الرواية، وأبي ثور: مباح، لأن عمر - رضي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 583 وكرهوا أكل الرخم والبغاث؛ لأنهما يأكلان الجيف.   [البناية] الله تعالى عنه - حكم فيه [ ... ] ، ولأن الأصل فيه الإباحة، ولم يرو فيه تحريم، وأما ابن عرس فعند الشافعي مباح؛ لأنه لا ناب له كالضب. قلنا: إنهما من سباع الهوام فيدخلا في عموم النهي، وأنها من الخبائث، والخبائث حرام بلا خلاف؛ لأنه ينهش بنابه، وكذا ابن آوى، وبه قال أحمد، وللشافعي فيه قولان لأن ابن آوى يشبه الكلب، ورائحته كريهة، فيدخل في عموم قوله سبحانه وتعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] والكلب حرام عندنا، وعند أكثر أهل العلم. وعن مالك أنه يكره ولا يحرم كما في السباع، والقرد حرام بلا خلاف، قال ابن عبد البر: ولا أعلم بين المسلمين خلافا أن القرد لا يؤكل ولا يجوز بيعه. وروى الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن لحم القرد؛» لأنه سبع وهو ممسوخ أيضا فيكون من الخبائث المحرمة. وأما الدواب من السباع المحرمة، فعن أحمد: إن كان ذا ناب يغرس به فهو محرم. فإن لم يكن له ناب أيضا فلا بأس به. والوابر دويبة مثل ابن عرس أكحل العين وهو حرام عندنا، وعند الشافعي، وأحمد، وأبي يوسف في رواية: مباح لأنه مثل الأرنب يعتلف النبات والبقول فكان مباحا. قلنا: له ناب يفترس به، فيدخل في عموم الحديث. [أكل الرخم والبغاث] م: (وكرهوا أكل الرخم والبغاث؛ لأنهما يأكلان الجيف) ش: أي كره العلماء أكل الرخم بفتح الراء، والخاء المعجمة. وهو جمع رخمة. قال أبو حاتم السجستاني في كتاب " أسماء الطير وصفاتها ": الرخمة طائر يأكل الجيف ولا يصطاد، ولونه أبيض [مبقع بسواد] ، ويقال له الأنوق، والجمع الرخم. ويقال في أمثال العرب: أبعد من بيض الأنوق، وربما خالط لونها السمار يعني النقط الصغار، ألا ترى أن الرخمة تعظم العقاب، ويقال لها: أم جعدات، وأم رسالة، وأم قيس، وحفصة، وأم عجيبة، والذكر منها العديل، والفراغ، والمعانق، ولا يلبث إلا في أرفع موضع يقدر عليه، وفي " الصحاح ": الرخمة طائر أبقع يشبه النسر في الخلقة، قيل: هي تأكل عظام الميتات. وأما البغاث فهو طائر أبغث اللون إلى الغبرة دون الرخمة، لا يصيد شيئا. وقال أبو حاتم: قال أبو الخطاب: مما لا يصيد الطيور والرخام، والبغاث. وقال أبو عبيده: البغاث من الطير صفاتها ... وإذا بغثها ألوانها الجزء: 11 ¦ الصفحة: 584 قال: ولا بأس بغراب الزرع لأنه يأكل الحب ولا يأكل الجيف، وليس من سباع الطير. قال: ولا يؤكل الأبقع الذي يأكل الجيف وكذا الغداف. وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بأكل العقعق لأنه يخلط، فأشبه الدجاجة،   [البناية] البغاث أولاد الرخم. وقال الأصمعي: البغاث لئام الطير مثل للعرب، والبغاث بأرضنا يستنسر أي يتشبه بالنسور. يضرب مثلا للئام الناس إذا تكبروا. وقال الأصمعي: إن البغاث بكسر الباء وتستنسر بالتاء. فقال: وقال أبو عبيدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من جعل البغاث واحدا، قال في الجمع بغثان، ومن أجراه مجرى النعائم، وقال بغثانة وبغاث. قال [ .... ..... ] وفي " العباب ": وفي المثل: إن البغاث بأرضنا تستنسر، [ ] ، وأسنده أبو تمام للعباس بن مرداس السلمي وهو لمعاوية بن مالك يعد الحكماء بغاث الطير أكثرها فراخا، وأم الصقر [ ... ] ، ثم قال: والثانية ثلاث حركات، قلت: مادته باء موحدة وغين معجمة، وثاء مثلثة، والأبغث قريب من الأغير. [غراب الزرع] م: (قال: ولا بأس بغراب الزرع) ش: أي قال القدوري: ولا خلاف فيه ويقال الزاع. قال في " العباب ": الزاع غراب صغير يضرب إلى البياض م: (لأنه يأكل الحب) ش: والجمع زيعان مثل طاق وطيقان. وقال الأزهري: الزاع هذا الطاعم، وجمعه زيعان لا أدري عربي هو أم لا؟ م: (ولا يأكل الجيف، وليس من سباع الطير) ش: فلم يكن من الخبائث، ولا يدخل تحت النهي في قوله: أي في الحديث المذكور. [الغراب الأبقع الذي يأكل الجيف والغداف] م: (قال: ولا يؤكل الأبقع الذي يأكل الجيف وكذا الغداف) ش: أي الغراب الأبقع الذي يأكل الجيف والميتات، وقال الولوالجي في " فتاواه ": وأما الغراب الأبقع والأسود فعلى ثلاثة أوجه: إن كان يأكل الجيف يكره، وإن كان لا يأكل الجيف، ويأكل الحب والزرع لا يكره، وإن كان يأكل الجيف ويأكل الحب يؤكل عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: لا يؤكل، أي وكذا الغداف وهو غراب القيظ يعني يجيء في زمان القيظ، ويكون ضخم الجناحين، والجمع غدقان، قال في " العباب ": فربما سموا النسر بالكسر المرسل: غدافا قلت: يعني غراب القيظ، يعني يجيء في زمن القيظ، وهو شدة الحر. م: (وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بأكل العقعق؛ لأنه يخلط فأشبه الدجاجة) ش: العقعق طائر معروف أبلق بسواد وبياض، أديب يعقعق بصوته، يشبه صوته العين والقاف إذا صات. قال القدوري في " شرحه لمختصر الكرخي "، قال أبو يوسف: سألت أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن العقعق فقال: لا بأس به، فقلت: إنه يأكل الجيف، فقال: إنه يخلط بشيء آخر، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 585 وعن أبي يوسف: أنه يكره لأن غالب أكله الجيف. قال: ويكره أكل الضبع والضب والسلحفاة والزنبور والحشرات كلها؛ أما الضبع فلما ذكرنا.   [البناية] فحصل في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ما يختلط لا يكره أكله بدلالة الدجاج. م: (وعن أبي يوسف: أنه يكره؛ لأن غالب أكله الجيف) . أي غالب أكل العقعق الجيف. وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن أكل الجيف. وقال شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأسبيجابي في " شرح الكافي ": لا خير في أكل النسور والعقاب وأشباهه؛ لأنه ذو مخلب من الطير، ولأنه يأكل الجيف فيفسد لحمه، وكذلك البازي والصقر والقعقع - يريد به اللقلق - لأنه يأكل الجيف، وأما العقعق والسودانة وما أشبه ذلك مما لا مخلب له فلا بأس به، وكذلك غراب الزرع لأنه يتوقى الجيف، ولا يأكل الحب. وقد قيل: إن العقعق يأكل الجيف، وإن صح كره أكله. وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": قال أبو يوسف في السنجاب [ ... ] والسنور والدلف: كل شيء من هذا سبع مثل الثعلب، وابن عرس لا يؤكل لحمه. وفي " فتاوى الولوالجي ": أكل الخطاف، والفاختة والعقعق لا بأس به؛ لأنه ليس بذي ناب من السباع، ولا ذي مخلب من الطيور، وأكل الهدهد لا بأس به؛ لأنه ليس بذي مخلب من الطيور. وقال فخر الدين قاضي خان " فتاواه ": ولا يؤكل الخفاش، لأنه ذو ناب، وفيه نظر؛ لأن كل ذي ناب ليس بمنهي عنه إذا كان لا يصطاد بنابه، وفي " الدراية ": والفاختة تؤكل، والدبسي بضم الدال وكذلك الخطاف ولا خلاف فيه لأكثر العلماء. وأما الخفاش فقد ذكر في موضع أنه يؤكل، وفي موضع أنه لا يؤكل وبه قال أحمد، وعن أحمد: الخطاف محرم [ ... ] لا تؤكل بلا خلاف، وعن أبي يوسف يؤكل البوم لأنه يعتلف البقول. [حكم أكل الحشرات وهوام الأرض] م: (قال: ويكره أكل الضب والضبع والزنبور والسلحفاة والحشرات كلها) ش: أي قال القدوري إلا الزنبور والسلحفاة، وليسا في القدوري، وفي " العباب ": الضب دويبة والجمع ضباب وأضبة ومضبة على مفعلة، كما قالوا: الشيوخ مشيخة، وفي المثل: أغر من ضب، لأنه ربما أكل حسوله، والأنثى ضبة، والضب لا يشرب. والزنبور بضم الزاي، والسلحفاة بضم السين، وفتح اللام، وسكون الحاء. قال تاج الشريعة: هي من حيوان الماء. قلت: لا تكون في البحر وكذلك تكون في البر، والحشرات جمع حشرة وهي صغار دواب الأرض. م: (أما الضبع فلما ذكرنا) ش: أشار بقوله: إلا أنه ذو ناب يدخل فيه الضبع، يعني أنه ذو الجزء: 11 ¦ الصفحة: 586 وأما الضب فلأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حين سألته عن أكله. وهو حجة على الشافعي في إباحته   [البناية] ناب، وقد استوفينا الكلام فيه هناك. ،: (وأما الضب فلأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - حين سألته عن أكله) ش: هذا رواه محمد بن الحسن عن الأسود عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهدي له ضب، فلم يأكله، فسألته عن أكله، فنهاها عن أكله، فجاء سائل على الباب فأرادت عائشة أن تعطيه فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " تعطيه ما لا تأكليه» والنهي يدل على التحريم، وروي عن عبد الرحمن بن شبل أخرجه أبو داود في الأطعمة عن إسماعيل بن عياش، عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن أكل لحم الضب» . فإن قلت: قال البيهقي: تفرد به ابن عياش، وليس بحجة، وقال المنذري: إسماعيل بن عياش، وضمضم فيهما مقال، وقال الخطابي: ليس إسناده بذاك، قلت: ضمضم شامي وابن عياش إذا روى عن الشاميين كان حديثه صحيحا، كذا قاله البخاري، ويحيى بن معين، وغيرهما. كذا قال البيهقي في باب ترك الوضوء من الدم في " سننه "، وكيف يقول: هنا وليس بحجة، ولهذا لما أخرج أبو داود هذا الحديث سكت عنه وهو حسن عنده على ما عرف، وقد صحح الترمذي لابن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أُمَامَة، وشرحبيل شامي. وروى الطحاوي في " شرح معاني الآثار " مسندا إلى عبد الرحمن بن حسنة قال: «نزلنا أرضا كثيرة الضباب، فأصابتنا مجاعة فطبخنا منها، وإن القدر لتغلي بها إذ جاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " ما هذا؟ " فقلنا: ضباب أصبناها، فقال: " إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض إني أخشى أن تكون هذه فأكفئوها» . م: (وهو حجة على الشافعي في إباحته) ش: أكل الضب أي حديث عائشة - رضي الله تعالى الجزء: 11 ¦ الصفحة: 587 والزنبور من المؤذيات، والسلحفاة من خبائث الحشرات،   [البناية] عنها - حجة على الشافعي في إباحته أكل الضب. فالمصدر مضاف إلى فاعله، والفاعل محذوف أو يكون مضافا إلى مفعوله ويكون ذكر مطويا. وبقوله قال مالك، وأحمد، والطحاوي في " شرح الآثار "، [و] رجح إباحة أكل الضب ثم قال: لا بأس بأكل الضب، فقال: وهو القول عندنا، واستدلوا بما روى البخاري، ومسلم «عن خالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه دخل مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ميمونة وهي خالته فوجد عندها ضبا محنوذا فأهوى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يده إلى الضب، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما قدمتن له، فقلن: هو الضب يا رسول الله، فرفع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يده، فقال خالد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أحرام الضب يا رسول الله؟ قال: " لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه " فأحترزته فأكلته ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينظر فلم ينهني.» ومما أخرجناه أيضا عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: «أهدت خالتي أم جفيد إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقطا، وسمنا، وضبا فأكل من الأقط، والسمن، وترك الضب تقذرا، قال ابن عباس: وأكل على مائدته ولو كان حراما لما أكل على مائدة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» - وبما أخرجاه عن الشعبي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان معه فيهم سعد، وأتوا بلحم ضب، فنادت امرأة من نساء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنه لحم ضب. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " كلوا، فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي» . وبما رواه أبو يعلى في " مسنده " حدثنا زهير، حدثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد، عن يزيد بن الأصم، عن خالته ميمونة، قالت: «أهدي لنا ضب، وعندي رجلان من قومي فصنعته ثم قربته إليهما فأكلا منه، ثم دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهما يأكلان فوضع يده فيه فقال: " ما هذا؟ قلنا له: ضب، فوضع ما في يده، وأراد الرجلان أن يضعا ما في أفواههما، فقال لهما - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لا تفعلا إنكم أهل نجد تأكلونها، وإنا أهل تهامة نعافها» . والجواب عن هذا: أنه يدل على الإباحة. وما استدللنا به يدل على الحرمة، والتاريخ مجهول، فيجعل للحرم مؤخرا عن المبيح، فيكون ناسخا له تعليلا للنسخ. [الزنبور والسلحفاة] م: (والزنبور من المؤذيات) ش: لأنه من ذوات السم م: (والسلحفاة من خبائث الحشرات) ش: قال داود: السلحفاة حلال. وقال ابن الجلاب في " التفريع ": ولا بأس بأكل السرطان، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 588 ولهذا لا يجب على المحرم بقتله شيء، وإنما تكره الحشرات كلها استدلالا بالضب؛ لأنه منها. قال: ولا يجوز أكل الحمر الأهلية والبغال   [البناية] والسلحفاة والضفدع، وقال أيضا: ولا بأس بأكل الطير كلها ما كان منها ذا ناب مخلب، وغير ذي مخلب كالبزاة والعقاب، والرخم، والحدأة، والغربان، وسائر سباع الطيور، وهي في ذلك بخلاف سباع الوحوش. وفي " الحلية ": والخنافس والعناكب، والقطاع، [ ... ] من الخبائث. [ ... ] : دويبة كالسمك تسكن بالرمل ثقلة الجلد يعرض مقدمها، ويدق مؤخرها إذا أحست بإنسان غارت بالرمل. وكذا الخنفسة، أو سام أبرص [ ] فسان، والزنانير، والذباب، وما أشبه ذلك، وما كان في بلاد العجم، وليس له شبيه فيما يحل ولا يحرم، فيه وجهان، وقال مالك، وابن أبي ليلى، والأوزاعي في ذلك كله الإباحة. وقال مالك: [ ... ] مباح إذا ذكيت واحتجوا بالعمومات المبيحة من قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] الآية. ولنا قوله سبحانه وتعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] م: (ولهذا) ش: أي ولكون الزنبور من المؤذيات والسلحفاة من الحشرات م: (لا يجب على المحرم بقتله شيء) ش: أي بقتل كل واحد منهما. م: (وإنما تكره الحشرات كلها استدلالا بالضب؛ لأنه منها) ش: أي لأن الضب من الحشرات. فإذا رتب الحكم على الجنس صحت على جميع أفراده كما إذا قال طبيب للمريض: لا تأكل لحم البعير، يتناول الكلام عن أكل جميع أفراده. [أكل الحمر الأهلية والبغال] م: (قال: ولا يجوز أكل الحمر الأهلية والبغال) ش: أي قال القدوري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قيد بالأهلية لأن في الحمر الوحشية لا خلاف لأحد في إباحتها، قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أو في " الكافي "، وغيره من كتب أصحابنا كان بشر المريسي ومالك يبيحان أكل الحمر، ولم أعثر على ذلك في كتبهم، وكتب أصحاب الشافعي، وأحمد - رحمهما الله. وقال في " المغني " لابن قدامة: قال ابن عبد البر: لا خلاف بين علماء المسلمين اليوم في تحريمه، وإنما حكي عن ابن عباس، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - إباحته بظاهر قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ} [الأنعام: 145] الآية، انتهى. قلت: ذكر في " التفريع " للمالكية: ولا بأس بأكل لحوم الحمر الأهلية، والبغال، ويكره أكل الخيل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 589 لما روى خالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نهى عن لحوم الخيل والبغال والحمر» .   [البناية] قال شيخ الإسلام في " شرح الكافي ": وتكره لحوم الحمر، والبغال، وقال مالك وبعض فقهاء الشام: لا بأس به، انتهى. وأراد ببعض فقهاء الشام الأوزاعي، وبه صرح فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير " وقد احتجوا بما أخرجه أبو داود في الأطعمة: عن منصور بن عبيد أبي الحسن، عن عبد الرحمن، عن غالب بن أبجر قال: «أصابتنا سنة فلم يكن في مالي شيء أطعم أهلي إلا شيء من حمر وقد كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حرم لحوم الحمر الأهلية، فأتيته فقلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصابتنا السنة، ولم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان الحمر، وإنك حرمت الحمر الأهلية، فقال: أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل جوال القرية» . ورواه الطحاوي بلفظ: «أطعم أهلك من سمين مالك» " قوله: جوال القرية بالجيم وتشديد اللام، جمع جالة بمعنى جلالة، وهي آكلة العذرة. وللجمهور الكتاب، قوله سبحانه وتعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] (النحل: الآية 8) ، خرجت مخرج الامتنان، وقد من الله سبحانه وتعالى بمنفعة الركوب والزينة، ولو كان الأكل من هذه الأشياء حلالا لمن بذلك أيضا؛ لأن منفعة الأكل أكثر من منفعة الركوب والزينة لأن الإنسان يحيى بلا ركوب وزينة، ولا يحيى بلا أكل. ألا ترى أنه سبحانه وتعالى بدأ بذكر الأنعام قبل ذكر الزينة وحمل الأثقال. فقال: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5] إلى: {لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل: 7] فلم يذكر هنا منفعة الأكل مع أنه فوق منفعة الركوب والزينة دال أنه إنما لم يذكره لأن هذه الأشياء غير مأكولة اللحم. والسنة وهي ما رواه جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - منهم خالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أشار إليه بقوله. م: (لما روى خالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمر» ش: أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه عن بقية، حدثني ثور بن يزيد عن صالح بن يحيى بن المقدام بن معد يكرب عن أبيه، عن جده، عن خالد بن الوليد - الجزء: 11 ¦ الصفحة: 590 وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أهدر المتعة وحرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر»   [البناية] - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن لحوم الخيل والبغال والحمير» هذا لفظ ابن ماجه. ولفظ أبي داود قال: «غزوت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيبر فأتت اليهود فشكوا أن الناس قد أسرعوا إلى حظائرهم، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها، وحرام عليكم الحمر الأهلية، وخيلها، وبغالها، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير» وعنده بقية عن ثور لم يقل فيه حدثني. وكذلك رواه الواقدي في " المغازي ": حدثني ثور بن يزيد عن صالح، به بلفظ أبي داود، ثم قال الواقدي: ثبت عندنا أن خالدا لم يشهد خيبر وأسلم قبل الفتح، هو وعمرو بن العاص، وعثمان بن أبي طلحة، أول يوم من صفر سنة ثمان، انتهى كلامه. ورواه أحمد في " مسنده "، والطبراني في " معجمه "، والدارقطني في " سننه ". قال أبو داود: هذا منسوخ. وقال النسائي: لا أعلم رواه غير شعبة ويشبه إن كان صحيحا أن يكون منسوخا لأن قوله في حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأذن في لحوم الخيل دليل على ذلك، وأخرجه عن صالح، به، وأخرجه الدارقطني عن الواقدي، حدثنا ثور بن يزيد، به، ونقل عن موسى بن هارون، أنه قال: لا يعرف صالح بن يحيى ولا أبوه ولا بجده وهذا حديث ضعيف. وزعم الواقدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن خالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أسلم بعد فتح خيبر. ثم أخرجه عن عمرو بن هارون البلخي حدثنا ثور بن يزيد عن يحيى بن المقدام بن معد يكرب عن أبيه عن جده خالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فذكره، قال: لم يذكر في إسناده صالحا، وهذا إسناد مضطرب، وقال البخاري في " تاريخه ": صالح بن يحيى بن المقدام فيه نظر، وقال البيهقي في " المعرفة ": إسناده مضطرب وهو مخالف لحديث الثقات، انتهى. ومنهم علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أشار إليه قوله: م: (وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أهدر المتعة وحرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر» ش: أخرجه البخاري، ومسلم عن عبد الله، والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل الحمر الأنسية» . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 591 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ذكره البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " غزوة خيبر "، ومسلم في " الذبائح "، وأخرجاه في " النكاح " أيضا كذلك، وفي لفظ البخاري عام خيبر، وفي لفظ له: زمن خيبر. ومنهم عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أخرج حديثه البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - مسندا إلى سالم، ونافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر،» ومنهم البراء، وابن أبي أوفى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أخرج حديثهما البخاري أيضا بإسناده إليهما، قالا: «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن لحوم الحمر الأهلية» ومنهم أبو ثعلبة أخرج البخاري أيضا حديثه قال: «حرم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحوم الحمر الأهلية» . ومنهم عبد الله بن عمر بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أخرج حديثه أبو داود عن طاوس عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وعن الجلالة، وعن ركوبها، وأكل لحمها» . ومنهم عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أخرج حديثه الطحاوي بإسناده إلى مجاهد، عن ابن عباس «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية» . ومنهم أبو سليط، وكان بدريًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه الطحاوي أيضا بإسناده إلى عبد الله بن أبي سليط عن أبيه وكان بدريا، قال: «لقد أتانا نهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أكل لحوم الحمر ونحن [ ... ] وإن القدور تفور بها فأكفأناها على وجوهها» . ومنهم أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه الطحاوي أيضا بإسناده إلى ابن سيرين عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «لما افتتح النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيبر أصابوا حمرا فطبخوا منها، فنادى منادي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ألا أن الله ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهيانكم عنها فإنها نجس فأكفئت القدور» . وأخرجه البيهقي أيضا في " سننه "، ومنهم أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الترمذي عن محمد بن عمرو بن أبي سلمة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حرم يوم خيبر كل ذي ناب من السباع، والمجثمة، والحمر الإنسية» . وقال: حديث حسن صحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 592 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ومنهم المقداد - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرج حديثه البيهقي أيضا من حديث معاوية بن صالح، حدثني ابن جابر أنه سمع المقدام صاحب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «حرم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشياء يوم خيبر ومنها الحمار الأهلي» . وقال الذهبي: إسناده قوي. ومنهم سلمة [بن الأكوع]- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرجه حديثه البخاري، ومسلم - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه قال: «لما قدمنا خيبر رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نيرانا توقد قال: علام توقد هذه النيران؟ قالوا له: على لحوم الحمر الأهلية، قال: " أهريقوا، واكسروها " فقيل: يا رسول الله: " أونهريقها ونغسلها؟ " قال: أو ذاك» . ومنهم جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على ما يأتي عن قريب فهؤلاء الأربعة عشر صحابيا رووا تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية، والجواب عن حديث غالب بن الحر أنه حديث في إسناده اختلاف كثير، منهم من يقول: عن عبيد الله بن الحسن، منهم من يقول: عن عبد الرحمن بن معقل، ومنهم من يقول: عن ابن معقل، وغالب بن الحر ويقال: الحر بن غالب، ومنهم من يقول: غالب بن ذريح بن غالب، ومنهم من يقول: عن أناس من مزينة أن رجلا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومنهم من يقول أن رجلين سألا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وهذه الاختلافات بعضها في " معجم الطبراني " - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبعضها في " مصنف " ابن أبي شيبة، وبعضها في " مصنف " عبد الرزاق، وبعضها في " مسند البزار "، وقال البزار - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعلم لغالب بن الحر غير هذا الحديث. وقد اختلف فيه فبعض أصحاب عبيد بن الحسن يقول: عن غالب بن الحر، ومنهم من يقول: عن الحر بن غالب، ومنهم من يقول: عن غالب بن ذريح، انتهى. وكذلك اختلف في الميتة. فمنهم من يقول: كل من سمين مالك، وقال البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المعرفة " وحديث غالب بن الحر إسناده مضطرب وإن صح فإنما رخص له عند الضرورة حيث يباح الميتة. وقال في " سننه الكبرى ": ومثل هذا لا يعارض الصحاح المصرحة بالتحريم، انتهى. قلت: الدليل على أنه أباح ذلك عند الضرورة ما حدث الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الآثار " مسندا إلى غالب بن ذريح، «قيل للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنه أصابتنا سنة، وإن سمين مالنا في الحمر فقال: كلوا من سمين مالكم» فأخبر أن ما كان أباح لهم ذلك في عام سنة ضرورة، ولا يدل الجزء: 11 ¦ الصفحة: 593 قال: ويكره لحم الفرس عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول مالك. وقال أبو يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا بأس بأكله لحديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل يوم خيبر»   [البناية] ذلك على الإباحة، ونقول: ما روى غالب بن الحر يدل على الإباحة، وما روى غيره يدل على التحريم، والتاريخ مجهول فيجعل دليل الحرمة مؤخرا تغليبا للنسخ، أو يقال: معنى قوله: «كل من سمين مالك» ؛ أي كل ثمنه، كما يقال: أكل فلان عقاره أي ثمنه، قال الشاعر: إن لنا حمرا عجافا ... يأكل كل ليلة أكانا والمراد ثمن الأكان لا يقال حرمها لقلة الحمير يوم خيبر بل لأنها [ ... ] لم تخمس لأن ابن أبي أوفى يعني ابن [ ] له ذلك، فقال له: حرمها البتة فتبين أنه ما حرمها لقلة الحمر؛ ولأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بإكفاء القدور بعد ما صار لحما ما بقي فيه منفعة الحمر وصار هو مأكولا وفيه منفعة القائمين بالطعام فلا بأس بالإكفاء، والله سبحانه وتعالى أعلم. وأما البغال فكذلك حرام أكلها لقوله سبحانه وتعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ} [النحل: 8] كما قد ذكرنا؛ ولأن الولد قد يتبع الأم في الحل والحرمة، وأما البغل، أو الفرس، أو الحمار، وأيا ما كان فالبغل مكروه لأن الأم مكروهة الأكل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال ظهير الدين الولوالجي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " فتاواه ": أما البغال إن كان الفرس نزا على الحمار يكره لأن لما للإناث غيره بالجماع، وأما الحمار إذا نزا على الرمكة فكذلك قيل هذا قول أبي حنيفة، وأما على قولهما: فلا بأس به لأنه ليس لماء الفحل غيره فبقي ماء الأم، وعندهما لا بأس بأكل الأم وينكر أن يسمى بغلا، والظاهر أن الأول قول الكل. [لحم الفرس] م: (قال: ويكره لحم الفرس عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قال القدوري في " مختصره ": م: (وهو قول مالك) ش: أي قول أبي حنيفة هو قول مالك، وبه قال الأوزاعي، وأبو عبيد م: (وقال أبو يوسف، ومحمد، والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا بأس بأكله) ش: وبه قال أحمد، وأبو ثور، وابن المبارك، وابن سيرين، وابن الزبير، والحسن، وعطاء، والأسود بن يزيد، وسعيد بن جبير - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لحديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل يوم خيبر» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري في غزوة خيبر، وفي الذبائح. وأخرجه مسلم في " الذبائح " عن عمرو بن دينار - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل» . ولفظ البخاري: «ورخص في لحوم الخيل» . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 594 ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] خرج مخرج الامتنان والأكل من أعلى منافعها. والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم ويمتن بأدناها.   [البناية] م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] خرج مخرج الامتنان والأكل من أعلى منافعها) ش: أي من أعلى منافع الخيل م: (والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم ويمتن بأدناها) ش: قد قررنا معنى هذا الكلام عن قريب. فإن قلت: إنما لم يذكر؛ لأنه يفهم الأعلى بذكر الأدنى بالطريق الأولى كما في قوله سبحانه وتعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] يفهم منه حرمة الضرب، والشتم بالطريق الأولى دون العكس. قلت: إنما يصح ذلك إذا كان البيان بطريق الكفاية وما نحن بصدده من قبيل بيان النهاية ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى فيما سبق: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ} [النحل: 5] . ثم عطف عليها، والخيل، والبغال، والحمير من غير ذكر شيء آخر من المنافع فلما قال: {لِتَرْكَبُوهَا} [النحل: 8] علم أن حكم المعطوف عليه حكم المعطوف. فإن قلت: إنما يستقيم هذا إذ لو كان المقصود من النص الامتنان بمطلق النعمة المخصوصة، فلا يستقيم هذا، وإن سلمنا. لكن لم قلتم إن منفعة الأكل في الخيل يتعلق بها البقاء في الجملة، ولكن غيره يسد مسده في تعليق إبقائه هو البقر، والغنم، وغيرهما. ومنفعة الركوب، والزينة في الخيل تحصل على وجه لا يحصل بغيره من الحيوانات. فكانت منفعة الركوب والزينة في الجملة بترك الامتنان في منفعة الأكل في الخيل لا يدل على حرمة الأكل، كترك الامتنان بنعمة الدار، والنسل، والبيع. قلت: وجه الامتنان لا يتعلق باختصاص هذه المنافع بهذه الأشياء إنما يتعلق برجوع هذه المنافع إلى العباد؛ لأن وجه النعمة في ذلك لا في اختصاصها ومنفعة الأكل في الخيل بالإضافة إليها فوق منفعة الركوب والزينة في كونها نعمة. على أنا نقول: إن منفعة الركوب والزينة لا تختص بهذه الحيوانات بل توجد في غيرها، وهو البقر، والإبل وغير ذلك فلا يكون القصد منه ذكر المنافع بها. أما قوله: لم قلتم إن منفعة الأكل في الحيوانات يتعلق بها البقاء على ما ذكرنا. ومنفعة الركوب والزينة لا يتعلق بها البقاء ". وأما قوله: غيره يسد مسده في تعليق البقاء، قلنا: ذلك لا يخرج كون منفعة الأكل من أن يكون فوق منفعة الركوب والزينة. وأما منفعة البيع والحمل فقد ذكرها دلالة، وإن لم يذكرها صريحا؛ لأنه متى تبين كونه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 595 ولأنه آلة إرهاب العدو فيكره أكله احتراما له، ولهذا يضرب له بسهم في الغنيمة، ولأن في إباحته تقليل آلة الجهاد، وحديث جابر معارض بحديث خالد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والترجيح للمحرم   [البناية] منتفعا به في ذاته ثبت أنه مال متقوم، ويحل للبيع. فإن قلت: الآية نزلت بمكة قبل الهجرة، وبعد الهجرة أكل جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الحمار، والفرس إلى يوم خيبر، فلو كانت الآية دالة على الحرمة لما جاز أكلهم ولما صح سكوت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن البيان في مثل هذه الصورة. قلت: إنما لم يبين - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قبل فتح خيبر؛ لأنه يمكن أنه لم يطلع على فعلهم، فلما اطلع يوم خيبر نهى وإنما أكلوا لعدم وقوفهم على هذه الدلالة لعمومها. فإن قلت: ترك ذلك الحمل عليه وينبغي أن لا يحمل عليه وهو فاسد. قلت: الكلام في أن ترك أعلام النعم والذهاب إلى ما دونه دليل حرمة الأعلى والحمل وليس كذلك. م: (ولأنه) ش: أي الفرس: (آلة إرهاب العدو فيكره أكله احتراما له) ش: أي احتراما له لأن ما كان بسبب لإخافة العدو يستحق الإكرام، وفي ذبحه إهانة له. م: (ولهذا) ش: أي ولكونه آلة لإرهاب العدو م: (يضرب له بسهم في الغنيمة) ش: لأن الفارس إنما يستحق السهمين بواسطة فرسه م: (ولأن في إباحته تقليل آلة الجهاد) ش: أي لأن في أكله تقليل مادة الجهاد وهو حرام، ولا شك أن منفعة حياته تربوا على منفعة لحمه بوجوه م: (وحديث جابر معارض بحديث خالد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والترجيح للمحرم) ش: أراد بحديث جابر المذكور في معرض استدلال أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد، وبحديث خالد المذكور في تعرض الاستدلال في تحريم الحمر الأهلية، قيل: فيه نظر؛ لأن حديث جابر صحيح، وحديث خالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - متكلم فيه إسنادا، ومتنا. منهم من ادعى نسخه، بحديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنه قال فيه: فأذن، وفي لفظ: ورخص. قال الحازمي في كتابه: والإذن والرخصة يستدعي سابقة المنفع، ولو لم يرد هذا اللفظ لتعذر القطع بالنسخ لعدم التاريخ، فوجب المصير إليه. وقيل: ليس فيه نسخ، ولكن الاعتماد على أحاديث الإباحة بصحتها ولكثرة رواتها. وحديث خالد هذا ورد في قضية معينة وهو أن سبب التحريم في الخيل متحد وفي البغال، الجزء: 11 ¦ الصفحة: 596 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] والحمير مختلف. وذلك أنه نهي عن البغال، والحمير لذاتها، وعن الحمير لأنهم سارعوا إلى طبخها يوم خيبر قبل أن تخمس، فأمر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإكفائها تغليظا عليهم. فلما رأوا نهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن تناول لحوم الخيل والبغال والحمير، اعتقدوا أن سبب التحريم واحد. وحتى «نادى منادي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن الله تعالى ينهاكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس» . فحينئذ فهو أن سبب التحريم مختلف وأن الحكم بتحريم الحمار الأهلي على التأبيد، وأن الخيل إذا كان عن تناول ما لم ينجس فيكون قوله: إذن، أو رخص دفعا لهذه الشبهة. قلت: مسند حديث خالد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جيد، ولهذا أخرجه أبو داود، وسكت عنه فهو حسن عنده. وقال النسائي: وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرني بقية أخبرني ثور بن يزيد عن صالح فذكره بسنده، وقد صرح فيه بقية بالحديث عن ثور، وثور حمصي أخرج له البخاري، وغيره وبقية: إذا صرح بالحديث كان سنة حجة. كذا قال ابن معين، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والنسائي، وغيرهم، خصوصا إذا كان الذي حدث عن بقية عاما. قال ابن عدي: إذا روى بقية عن أهل الشام فهو ثبت، وصالح، وذكره ابن حبان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الثقات، وأبو يحيى ذكره الذهبي في " الكاشف " وقال: وثق وأبوه المقدام بن معد يكرب صحابي فهذا سند جيد كما ترى. فكيفما كان كذلك صحت المعارضة. فإذا تعارضا ترجح المحرم كما ذكرنا ولا يصح الاستدلال على نسخ حديث خالد بقوله: أذن أو رخص؛ لأنه يحتمل أن يكون إذنه في حالة المخمصة إذ هي أغلب أحوال الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وفي " الصحيح ": أنهم ما وصلوا إلى خيبر إلا وهم جياع، فلا يدل على الإطلاق. فإن قلت: لو كانت الإباحة للمخمصة لما اختصت بالخيل. قلت: يمكن أن يكون في زمن الإباحة بالفرس ما أصابوا البغال والحمير. فإن قلت: قال ابن حزم في حديث خالد دليل الوضع لأن فيه عن خالد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: غزوت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيبر. وهذا باطل لأن خالدا لم يسلم إلا بعد خيبر بلا خلاف. قلت: ليس كما قال بل فيه خلاف فقيل: هاجر بعد الحديبية، وقيل: بل كان إسلامه بين الحديبية وخيبر، وقيل: بل كان إسلامه سنة خمس بعد فراغ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بني قريظة وكانت الحديبية في ذي القعدة سنة ست، وخيبر بعدها سنة سبع، ولو سلم أنه أسلم بعدها فغاية ما فيه أنه أرسل الحديث، ومراسيل الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في حكم الموصول المسند، لأن روايتهم، عن الصاحبة كما ذكره ابن الصلاح وغيره. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 597 ثم قيل: الكراهية عنده كراهية تحريم، وقيل: كراهية تنزيه والأول أصح، وأما لبنه فقد قيل: لا بأس به، لأنه ليس في شربه تقليل آلة الجهاد.   [البناية] فإن قلت: يشكل عن قوله سؤرة فإنه طاهر. قلت: ذكر خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرحه أن الحسن روى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن سؤره [ ... ] مثل سؤر الحمار. فإذا أخذنا بهذا فالسؤال ساقط ولئن سلمنا فالجواب عنه أن حرمة أكل لحمه إنما كانت للاحترام لا للنجاسة فصار كسؤر الآدمي. فإن قلت: يشكل على قوله بقوله لأنه كبول ما يؤكل لحمه عنده. قلت: إنما جعله كذلك للتحقيق لعموم البلوى وقد علم أن له أثرا في التحقيق فافهم. م: (ثم قيل: الكراهية عنده كراهية تحريم) ش: أي كراهية لحم الفرس عند أبي حنيفة كراهية تحريم. ثم قال صاحب المنظومة: وأكل لحم الخيل، وقال: ويكره، والمراد الحرمة لا التنزيه واختلف المشايخ في معنى الكراهية في معنى الكراهية لاختلاف اللفظ المروي عنه؛ لأنه ذكر في " المبسوط " في كتاب " الصيد " قال أبو حنيفة: رخص بعض العلماء في لحم الخيل فأما أنا فلا يعجبني أكله. وما قال في الجامع يكره الخيل عنده، يدل على أن المراد كراهية التحريم؛ لأن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا قلت: في شيء أكرهه فما رأيك فيه؟ قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التحريم. وحكي عن عبد الرحيم الكرمني أنه قال: كنت مترددا في هذه المسألة فرأيت أبا حنيفة في المنام يقول لي كراهية تحريم يا عبد الرحيم. م (وقيل: كراهية تنزيه) ش: ذكره فخر الإسلام وأبو المعين - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " جامعيهما ": الصحيح أنه كراهية تنزيه لأن كراهته تعني كرامته، لئلا يحصل تقليل آلة الجهاد بإباحته، ولهذا كان سؤره طاهرا في ظاهر الرواية، وفي " الفتاوى الصغرى " قال قاضي خان أنه كراهية تنزيه؛ لأنه ذكر في كتاب " الصلاة " وسوى بين بوله وبول ما يؤكل لحمه. م: (والأول أصح) ش: أي القول بكراهية التحريم أصح وأشار به إلى اختياره. هكذا قال صاحب [ ... ] ، وكذا قال [في] " التتمة ": الأصح أنه كراهية تحريم. م: (وأما لبنه فقد قيل: لا بأس به؛ لأنه ليس في شربه تقليل آلة الجهاد) ش: ولبن الفرس هو الجزء: 11 ¦ الصفحة: 598 قال: ولا بأس بأكل الأرنب لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أكل منه حين أهدي إليه مشويا وأمر أصحابه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بالأكل منه:   [البناية] الذي يسمى " قمز " في لغة الترك بكسر القاف والميم وفي آخره زاي معجمة، وسماه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " الحدود " مباحا. وقال: السكر المباح لا يوجب الحد كالبنج ولبن الرماك. وقال فخر الدين قاضي خان: فأما الألبان فلبن المأكول حلال ولبن الرماك كذلك في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -، ويكره في قول أبي حنيفة واختلفوا في كراهيته فقال بعضهم: مكروه كراهية التنزيه لا كراهية التحريم. وذكر شمس الأئمة السرخسي في أثناء الكلام أنه مباح كالبنج، وعامة المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: قالوا مكروه كراهية التحريم إلا أنه لا يحد وإن زال عقله كما لو تناول البنج وارتفع إلى رأسه حتى زال عقله يحرم ذلك ولا يحد فيه؛ لأنه ليس في شربه أي شرب اللبن تقليل آلة الجهاد وفي " الخلاصة ": وهو الأصح. قال الكاكي: وعلى هذا قيل أكله حلال في هذا الزمان في ديار التبر لأن [ ... ] يبق [أكل الأرنب] م: (قال: ولا بأس بأكل الأرنب) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا خلاف فيه لأحد من العلماء. قال الكرخي في " مختصره ": ولم يروا جميعا بأسا بأكل الأرنب قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وأما الوهر فلا أحفظ فيه عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - شيئا وهو عند مثل الأرنب وهو يعتلف البقول والنبت، انتهى. وفي الجمهرة: والوهر دويبة أصغر من السنور طحلاء اللون لا ذنب لها توجد في البيوت ويجمع على وهار. م: (ولأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أكل منه حين أهدي إليه مشويا وأمر أصحابه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بالأكل منه) ش: هذا الذي ذكره مركب من حديثين. الأول: رواه البخاري في " صحيحه - في كتاب الهبة " عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك قال: «أهيجنا أرنبا بمر الظهران، فسعا القوم فبلغوا، فأدركتها فأخذتها فأتيت بها أبا طلحة، فذبحها، وبعث بوركها إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو قال: فخذيها - فقبله، قلت: وأكل منه؟ قال وأكل منه، ثم قال بعد قبله» . أخرجه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مسنده " حدثنا محمد بن جعفر، وحجاج قال: ثنا شعبة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 599 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عن هشام بن زيد عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بلفظه سواء وفي آخره: قال حجاج: قال شعبة: فقلت له أكله؟ قال نعم: أكله، ثم قال لي بعد: قبله. رواه البخاري في " الذبائح " فلم يذكر فيه الأكل. والحديث الثاني: رواه النسائي في " سننه " - في الصوم " عن عبد الملك بن عمير عن موسى بن طلحة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «جاء أعرابي إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأرنب قد شواها، فوضعها بين يديه فأمسك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يأكل، وأمر القوم أن يأكلوا» وزاد في لفظ: «فأني لو اشتهتها أكلتها» . رواه أحمد في " مسنده " وابن حبان في " صحيحه "، والبزار في " مسنده " ورواه إسحاق ابن راهويه في " مسنده "، حدثنا يحيى بن واضح، حدثنا محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن موسى بن طلحة عن ابن الحوتكية عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أن أعرابيا جاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأرنب يهديها إليه، فقال: " ما هذا؟ " قال هدية، - وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يأكل من الهدية حتى يأمر صاحبها فيأكل منها من أجل الشاة التي أهديت إليه بخيبر - فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " كل " قال: إني صائم، قال " تصوم ماذا؟ " قال: ثلاثا من كل شهر، قال: " فاجعلها في البيض الغر: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ". قال: فأهوى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده إلى الأرنب ليأخذ منها. فقال الأعرابي: أما إني رأيتها تدمي - أي تحيض - فقال للقوم: " كلوا ". ولم يأكل» . وروى ابن حبان أيضا في صحيحه " عن عاصم الأحول عن الشعبي «عن محمد بن صفوان الأنصاري أنه صاد أرنبين، فمر على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو معلقهما فقال: يا رسول الله إني أتيت غنم أهلي فاصطدت هاتين فلم أجد أذكيهما بها فذكيتهما بمروة أفأطعمهما؟ قال: نعم» . ورواه الترمذي في " علله الكبرى "، حدثنا محمد بن يحيى القطعي البصري حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد عن قتادة عن الشعبي عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أن رجلا من قومه صاد أرنبين، الحديث. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 600 ولأنه ليس من السباع ولا من أكلة الجيف فأشبه الظبي   [البناية] ورواه الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " سننه "، عن يزيد بن عياض، عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف، عن عكرمة، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: أهدي إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرنبا وأنا نائمة فخبأ لي منه العجز فلما قمت أطعمني» . ويزيد ابن عياض ضعيف. وروى البيهقي في " سننه " من حديث محمد بن خالد بن الحويرث قال: سمعت أبا خالد بن الحويرث قال: أخبرنا عبد الله بن عمرو، وكان بالصفاح - مكان في مكة -، «وأن رجلا جاءنا بأرنب قد صادها، فقال يا عبد الله بن عمرو ما تقول؟ قال قد جيء بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا جالس فلم يأكلها ولم ينه عن أكلها، وزعم أنها تحيض» . ورواه أيضا أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله أهيجنا أي أثرنا، وعدينا هو مادته هاء، وياء، وجيم، قوله بمر الظهران بفتح الميم وتشديد الراء وهو موضع قريب من عرفة. م: (ولأنه) ش: أي الأرنب م: (ليس من السباع ولا من أكلة الجيف فأشبه الظبي) ش: فلا يرحم الأكل والجيف جمع جيفة. فإن قلت: إذا كان كذلك فلم قال: لا بأس بأكل الأرنب، ولم يقل: يحل نحره؟ قلت: لأن له شبهان شبها بالحمار، فإن أذنه تشبه أذن الحمار، والحمار حرام، وشبه بالآدمي في كونه يحيض فيحرم أكله كما يحرم أبو حنيفة الفرس لأن له شبها بالآدمي من حيث إنه يستحق سهما مقدرا من الغنيمة كالرجل. ولكن لما نطقت الأحاديث المذكورة بإباحة أكله لم يحرم قطعا، ولكن لما ذكرنا استعمل فيه لفظة، " لا بأس ". قال تاج الشريعة: وإنما استعمل كلمة " لا بأس " لأنه روي أن الأرنب كانت امرأة لا تغتسل من الحيض فمسخت، انتهى. قلت: لم يصح مسخ هذا ولئن مسخ لم يبق من نسل الممسوخ شيء. وكان جنسه موجودا قبل المسخ والله سبحانه وتعالى أعلم. فوائد: القنفذ عندنا حرام ومالك وأحمد، ورخص فيه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فكأنه ما جعله من الخبائث ولا من السباع. قلنا: «إن أبا هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ذكر القنفذ لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو حسبه من الخبائث» . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 601 قال: وإذا ذبح ما لا يؤكل لحمه طهر جلده ولحمه إلا الآدمي والخنزير فإن الذكاة لا تعمل فيهما. أما الآدمي فلحرمته وكرامته، والخنزير لنجاسته كما في الدباغ.   [البناية] ورواه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في من أكل الجلالة من الشاة والبقر والبعير. وبه قال الشافعي: وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: حرام وتزول الكراهة بحبسها بلا خلاف. وعندنا وأحمد يكره ركوبها مدة الحبس، في الدجاجة ثلاثة أيام، وفي البقرة والبعير أربعون يوما، وقيل سبعة أيام في الشاة وعن أحمد ثلاثة أيام في الكل. وقال الأسبيجابي في شرح " الكافي ": ويكره لحوم الجلالة والعمل عليها وذلك حالها إلى أن تحبس أياما وتعلف لما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن أكل لحوم الجلالة» ولأن تناول النجاسات توجب فساد لحمها فتقرر سنته في فساد أكله. وليس الدجاج كذلك لأن الأثر جاء في الجلالة وليس لها علف غير ذلك. والدجاج يخلط بالعذرة غيره، حتى إذا علم أنها لا تتناول غير النجاسات فقلنا بحرمة أكلها إلى أن تحبس. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مبسوطه ": ولم يقدر في ذلك مقدارا في الكتاب. وروي في غير رواية الأصول أنه قدر في الإبل شهرا وفي البقر عشرين وفي الشاة عشرة أيام وفي الدجاجة ثلاثة أيام. وقال الولوالجي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " فتاواه "، ذكر في " النوادر ": لو أن جديا غذي بلبن الخنزير فلا بأس بأكله لأنه لم يتغير لحمه وما غذي صار مستهلكا لم يبق أثره. وعلى هذا يقال: لا بأس بالدجاجة التي تختلط بالعذرة، لأنه لا يغير لحمه. والرأي يروي بحبس الدجاجة ثلاثة أيام فذلك على سبيل التنزيه. وفي الدراية: والزرع والثمار السفه بالنجاسات لا يكره، ولا يحرم عند أكثر الفقهاء. [طهارة جلد ملا يؤكل لحمه بالذكاة] م: (قال: وإذا ذبح ما لا يؤكل لحمه، طهر جلده ولحمه) ش: أي قال القدوري إذا ذبح حيوان مما لا يؤكل لحمه من ذي الناب يطهر لحمه وجلده. وقال الحاكم في " الكافي "، ولا يكره الصلاة على جلد ما يكره أكله من ذي الناب إذا ذبح أو دبغ. وهذا الذي قاله هو الذي اعتمد عليه عامة أصحابنا على قول نصير بن يحيى وابن جعفر الهندواني - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجوز بيعه. وقد مر بيانه في أول الكتاب. [جلد الآدمي والخنزير] م: (إلا الآدمي والخنزير فإن الذكاة لا تعمل فيهما. أما الآدمي فلحرمته وكرامته، والخنزير لنجاسته كما في الدباغ) ش: أي كما في حكم الدابغ. فإن المدباغ يطهر جلد كل حيوان إلا الآدمي لكرامته لا يستعمل. والخنزير لنجاسة عينه، أو لعدم قبول الدباغ كما الجزء: 11 ¦ الصفحة: 602 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الذكاة لا تؤثر في جميع ذلك لأنه لا يؤثر في إباحة اللحم أصلا وفي طهارته وطهارة جلده تبعا، ولا تبع بدون الأصل وصار كذبح المجوس. ولنا: أن الذكاة مؤثرة في إزالة الرطوبات والدماء السيالة وهي النجسة دون ذات الجلد واللحم، فإذا زالت طهر كما في الدباغ، وهذا الحكم مقصود في الجلد كالتناول في اللحم وفعل المجوسي إماتة في الشرع.   [البناية] ذكرنا في أول الكتاب مستوفى. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الذكاة لا تؤثر في جميع ذلك) ش: أي في اللحم والجلد وسائر الأجزاء م: (لأنه لا يؤثر في إباحة اللحم أصلا) ش: أي لأن الذكاة والتذكية بتأويل الذبح يؤثر في إباحتها اللحم من حيث الأصالة. م: (وفي طهارته وطهارة جلده تبعا) ش: أي ويؤثر في إباحتها طهارة اللحم وطهارة الجلد من حيث التبعية. م: (ولا تبع بدون الأصل) ش: إذا قام بالأصل وهاهنا لم تفد الذكاة الأصل الذي هو إباحة اللحم فكذا لا يفيد التبع م: (وصار كذبح المجوسي) ش: حيث لا يفيد إباحة الأكل ولا غيره وكذا ذبح الوثني م: (ولنا: أن الذكاة مؤثرة في إزالة الرطوبات) ش: احترز بها عن دم اللحم فإنه طاهر وهي النجسة أي الرطوبات. م: (والدماء السيالة وهي النجسة دون ذات الجلد واللحم فإذا زالت) ش: أي تلك الرطوبات والدماء السيالة النجسة م: (طهر) ش: أي المذبوح أي جلده ولحمه م: (كما في الدباغ) ش: أي يطهر في الدباغ بزوال تلك الرطوبات النجسة م: (وهذا الحكم مقصود في الجلد) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن تأثر الذكاة في إباحة اللحم أصل، وفي الطهارة اللحم والجلد تبع، فقال: هذا أي الطهارة حكم مقصود في الجلد م: (كالتناول في اللحم) ش: يعني كما أن التناول حكم مقصود بالذات في اللحم، وكذلك الطهارة. وحكم مقصود في الجلد والحاصل؛ أن طهارة الجلد واللحم غير تابعة لطهارة اللحم بل كل منهما حكم مقصود بالذات، فإذا حصلت الذكاة فإن كان المذكى من الحيوان الذي يؤكل، تحصل الطهارة في جميع أجزائه بالأصالة. وإن كان مما لا يؤكل يحصل في لحمه وجلده ثم لا يلزم في حصول الطهارة إباحة الأكل كما عرف م: (وفعل المجوسي، إماتة في الشرع) ش: هذا جواب، عن قياس الشافعي تقريره: أن ذبح المجوسي ليس بمشروع فيكون إماتة، وهذا؛ لأن الفعل، إنما يقع متطهرا إذا أنفق بالحسن لإفادة الأثر الحسن، والحسنات محل الثواب فلا يصير المجوسي أهلا لها. فإن قيل: كما أن المجوسي ليس من أهل الذكاة فكذا الكلب ليس من جنس ما يذكى ولا الجزء: 11 ¦ الصفحة: 603 فلا بد من الدباغ، وكما يطهر لحمه يطهر شحمه حتى لو وقع في الماء القليل لا يفسده خلافا له، وهل يجوز الانتفاع به في غير الأكل؟ قيل: لا يجوز اعتبارا بالأكل، وقيل: يجوز كالزيت إذا خالطه ودك الميتة، والزيت غالب لا يؤكل وينتفع به في غير الأكل. قال: ولا يؤكل من حيوان الماء إلا السمك   [البناية] فرق بين أن يكون الذبح من غير أهل الذكاة وبين أن يكون المذبوح من جنس المذكى ألا ترى أن المسلم لو ذبح خنزيرا لا يحل أكله كما أن المجوسي لو ذبح شاة لا يحل أكلها. قلنا: قد اتفقا في أن المجوسي أيضا على أنه ليس من أهل الذكاة فلم يتفق على أن الكلب والفهد ليس من جنس المذكى بل هو من جنس الذكاة؛ لأنه مختلف في إباحة أكله كذا في " مختصر الأسرار ". م: (فلا بد من الدباغ) ش: يعني إذا كان ذبح المجوسي إماتة في الشرع فلا بد من الدباغ في جلد ما ذكاه لعدم حصول الطهارة بذبحه ثم أعلم أنهم اختلفوا في أن الموجب لطهارة ما لا يؤكل لحمه مجرد الذبح والذبح مع التسمية قبل مجرد الذبح؛ لأنه يؤثر في إزالة الدم المسفوح وقيل الذبح مع التسمية لأن المطهر هو الذكاة ولا ذكاة بدون التسمية كما في غريب [ ... ] للفربري م: (وكما يطهر لحمه يطهر شحمه حتى لو وقع في الماء القليل لا يفسده) ش: قيد بالقليل لأن الكثير لا يفسد بلا خلاف خصوصا على مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإن عنده إذا بلغ الماء قلتين لا ينجس إلا باليقين والقلتان عنده كثير. م: (خلافا له) ش: للشافعي، أن شحمه أيضا لا يطهر كما لا يطهر لحمه وجلده، م: (وهل يجوز الانتفاع به في غير الأكل؟) ش: أي نحو الاستصباح، ودهن الجلود، ونحوها. م: (قيل: لا يجوز اعتبارا بالأكل، وقيل: يجوز كالزيت إذا خالطه ودك الميتة) ش: الودك بفتح الواو والدال وهو الدسم م: (والزيت غالب) ش: أي والحال أن الزيت غالب م: (لا يؤكل) ش: أي الزيت مما إذا لم يجز أكله فيما إذا كان الزيت غالبا، ففيما إذا كان مغلوبا بالطريق الأولى. (وينتفع به) ش: أي بالزيت المذكور م: (في غير الأكل) ش: كالاستصباح ونحوه كما ذكرنا. [حيوان البحر من السمك ونحوه] م: (قال: ولا يؤكل من حيوان الماء إلا السمك) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كره أصحابنا كل ما في البحر إلا السمك خاصة فإنه حلال أكله إلا ما طفى منه فإنهم كرهوه. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده: ويكره أكل ما سوى السمك من دواب البحر عندنا كالسرطان، والسلحفاة، والضفدع وخنزير الماء. م: الجزء: 11 ¦ الصفحة: 604 وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجماعة من أهل العلم بإطلاق جميع ما في البحر، واستثنى بعضهم الخنزير والكلب والإنسان وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه أطلق ذلك كله، والخلاف في الأكل والبيع واحد لهم: قَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] من غير فصل، وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في البحر «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» . ولأنه لا دم في هذه الأشياء إذ الدموي لا يسكن الماء، والمحرم هو الدم فأشبه السمك.   [البناية] م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجماعة من أهل العلم) ش: ابن أبي ليلى والشافعي في قوله وأصحاب الظاهر م: (بإطلاق جميع ما في البحر) ش: أي إباحة جميع ما في البحر من الحيوان م: (استثنى بعضهم) ش: أي بعض الجماعة المذكورة وأراد به الشافعي؛ لأنه قال: جميع ما في البحر يؤكل. م: (الخنزير والكلب والإنسان) ش: أي خنزير البحر وكلبه وإنسانه وهو قول الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا م: (وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه أطلق ذلك كله) ش: أي جميع ما في البحر وبه قال أحمد في رواية عن الشافعي يؤكل جميع ما في البحر إلا الضفدع. وبه قال أحمد في رواية، وقال ابن الجلاب البصري في " التفريع ": وصيد البحر حلال أكله ويكره أكل كلب الماء وخنزيره من غير تحريم له. م: (والخلاف في الأكل والبيع واحد) ش: أي الخلاف المذكور بيننا وبين مالك وجماعة والشافعي سواء في جواز الأكل وجواز البيع م: (لهم) ش: أي للشافعي م: (قَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] من غير فصل) ش: أي من غير فرق بين السمك وغيره، فإطلاق الآية يتناول الكل م: (وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في البحر: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من طريق مالك عن صفوان عن سعيد بن سلمة من آل الأزرق عن المغيرة بن أبي بردة وهو من بني عبد الدار أخبره أنه سمع أبا هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: «سأل رجل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال: " هو الطهور ماؤه الحل ميتته» وقال الترمذي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: حديث حسن صحيح. م: (ولأنه لا دم في هذا الأشياء إذ الدموي لا يسكن الماء) ش: لأن طبع الدم يضاد طبع الماء لأن الدم حار والماء بارد م: (والمحرم هو الدم فأشبه السمك) ش: أي فأشبه ما في البحر من الحيوانات كلها كالسمك في عدم الدم الذي هو المحرم إلا الضفدع استثناه الشافعي في قول: «لنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قتله،» رواه النسائي. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 605 ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وما سوى السمك خبيث، ونهى رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عن دواء يتخذ فيه الضفدع ونهى عن بيع السرطان   [البناية] م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] ، وما سوى السمك خبيث) ش:؛ لأن الخبيث ما يستخبثه الطبع السليم، وما سوى السمك يستخبثه الطبع السليم فيحرم. م: «ونهى رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عن دواء يتخذ فيه الضفدع» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود في " الطب " وفي " الأدب ". والنسائي في " الصيد " عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن سعيد بن المسيب «عن عبد الرحمن بن عثمان القرشي أن طبيبا سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الضفدع يجعلها في دواء فنهى عن قتلها» . ورواه أحمد وإسحاق بن راهويه وأبو داود الطيالسي في " مسانيدهم " والحاكم في " المستدرك - في الطب " وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال البيهقي: هو أقوى ما ورد في الضفدع. وقال الحافظ المنذري: فيه دليل على تحريم أكل الضفدع؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن قتله والنهي عن قتل الحيوان إما لحرمته كالآدمي، وإما لتحريم أكله كالصرد والهدهد والضفدع ليس بمحترم فكان النهي منصرفا إلى الوجه الآخر. م: (ونهى عن بيع السرطان) ش: أي «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع السرطان» وهو ليس بموجود في الكتب المشهورة في الحديث وليس له أصل. فإن قلت: روى أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - وغيره مسندا إلى جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «بعثنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمر علينا أبا عبيدة بن الجراح نتلقى عيرا لقريش وزودنا جرابا جرابا من تمر لم يجد له غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة كنا نمصها كما يمص الصبي ثم نشرب عليها من الماء فتكفينا يومنا إلى الليل وكنا نضرب بعصينا الخبط ثم نبله بالماء، فنأكله. وانطلقنا على ساحل البحر فرفع لنا كهيئة الكثيب الضخم، فأتيناه فإذا هو دابة تدعى العنبر، فقال أبو عبيدة: ميتة، ولا تحل لنا، ثم قال: لا، بل نحن رسل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي سبيل الله، وقد اضطررتم إليه فكلوا، فأقمنا عليه شهرا، ونحن ثلاثمائة حتى سمنا، فلما قدمنا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكرنا ذلك له، فقال: " هو رزق أخرجه الله لكم، فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا [منه] ) ؟ " فأرسلنا [منه] إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأكل» . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 606 والصيد المذكور فيما تلا محمول على الاصطياد وهو مباح فيما لا يحل، والميتة المذكورة فيما روي محمولة على السمك   [البناية] وهذا يدل على إباحة ما في البحر سوى السمك. قلت: المراد منها السمك والدليل عليه ما رواه البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال غزونا جيش الخبط وأميرنا أبو عبيدة، فجعنا جوعا شديدا فألقى البحر حوتا ميتا لم ير مثله يقال له العنبر، فأكلنا منه نصف شهر وأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه فمر الراكب تحته، والخبط بفتحتين الورق. م: (والصيد المذكور فيما تلا محمول على الاصطياد) ش: جواب عن استدلالهم فيما ذهبوا إليه في قوله سبحانه وتعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] . تقريره: أن المراد من لفظ الصيد هو المصدر وهو الاصطياد فيتناول ما يحل وما يحرم وليس المراد منه الاسم، وقد قررناه فيما مضى. فإن قلت: لو كان يستقيم حمله لكانت الكناية من قوله سبحانه وتعالى: {وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] لا يستقيم حمله على الاصطياد فإنها راجعة إلى الصيد. قلت: الطعام المذكور محمول على السمك لأن المتعارف أنه طعام البحر والكناية تنصرف إلى البحر قوله: " فيما تلا " الصواب " فيما تلي " على صيغة المجهول وهكذا هو في النسخ الصحيحة. م: (وهو) ش: أي الاصطياد م: (مباح فيما لا يحل) ش: لمنافع أخرى غير الأكل م: (والميتة المذكورة فيما روي محمولة على السمك) ش: هذا أيضا، جواب على استدلالهم بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في البحر: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» أي الميتة المذكورة في الحديث، محمولة على السمك. وقوله: روي على صيغة المجهول أيضا على ما لا يخفى على الفطن. فإن قلت: هذا خبر آحاد فكيف يجوز تخصيص الكتاب وهو قوله سبحانه وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] . قلت: هذا خبر مشهور قد تأيد بالإجماع فيجوز تخصيص الكتاب به، على أن حكم السمك ثبت بقوله سبحانه وتعالى: {تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} [فاطر: 12] . مع أنه لا تعارض بين الكتاب والخبر لأن الميتة المحلاة باللام جنس إذا لم يكن معهودا، والميتة من الدمويات المعهودة بدليل قوله سبحانه وتعالى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] فعلم أن الميتة تكون ميتة باعتبار الدم المسفوح، ولا دم للسمك فيصرف إلى العهد فلا يبقى التعارض. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 607 وهو حلال مستثنى من ذلك لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أحلت لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال»   [البناية] م: (وهو حلال مستثنى من ذلك) ش: أي السمك حلال مستثنى عما لا يحل م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أحلت لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال» . ش: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في كتاب " الأطعمة " عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أحلت لنا.» . " إلى آخره. ورواه أحمد والشافعي وعبد بن حميد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مسانيدهم ". ورواه ابن حبان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " الضعفاء " وأعله بعبد الرحمن، وقال: إنه كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته من رفع الموقوفات وإسناد المراسيل، فاستحق الترك. وأخرجه الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " سننه " عن عبد الله وعبد الرحمن ابني زيد بن أسلم عن أبيهما. وأخرجه ابن عدي في " الكامل " عن عبد الله فقط. وعبد الله وعبد الرحمن ضعيفان إلا أن أحمد وثق عبد الله، وأسند ابن عدي إلى أحمد أنه قال: عبد الله ثقة، وأخواه عبد الرحمن وأسامة ضعيفان. وقال ابن عدي: وهذا الحديث يدور على هؤلاء الإخوة الثلاثة، وأسند ابن معين أنه قال: ثلاثتهم ضعفاء قال ليس حديثهم بشيء في " التنقيح " هو موقوف في حكم المرفوع. وقال الدارقطني في " علله ": وقد رواه المسور بن الصلت عن زيد بن أسلم. وقال ابن عدي: وابن وهب يرويه عن سليمان بن بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - موقوفا فرواه عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا، وعن ابن زيد بن أسلم يرويه عن زيد بن أسلم عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - موقوفا وهو الصواب. قال في " التنقيح " وهذه الطريق رواها الخطيب بإسناده إلى المسور بن الصلت. والمسور ضعفه أحمد والبخاري وأبو زرعة وأبو حاتم وقال النسائي متروك الحديث، انتهى. قلت: وله طريق آخر قال ابن مردويه في " تفسيره - في سورة الأنعام " حدثنا عبد الباقي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 608 قال: ويكره أكل الطافي منه وقال مالك والشافعي - رحمهما الله - لا بأس به لإطلاق ما رويناه ولأن ميتة البحر موصوفة بالحل بالحديث، ولنا ما روى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي (- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) أنه قال: «ما نضب عنه الماء فكلوا، وما لفظه الماء فكلوا وما طفا فلا تأكلوا» ،   [البناية] ابن قانع حدثنا محمد بن بشر بن مطر حدثنا داود بن راشد حدثنا سويد بن عبد العزيز حدثنا أبو هشام الأيلي قال: سمعت زيد بن أسلم يحدث عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يحل من الميتة اثنتان ومن الدم اثنان، فأما الميتة فالسمك والجراد، وأما الدم فالكبد، والطحال» . . [أكل الطافي من السمك] م: (قال: ويكره أكل الطافي منه) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - " منه أي من السمك، والطافي هو الذي يموت فيعلو على وجه الماء ويظهر، من طفى الشيء يطفو طفوا إذا علا. هكذا قال معنى الطافي اسم فاعل كالقاضي من قضاء، وهو الذي يموت في الماء حتف أنفه من غير سبب معلوم ويعلو على وجه الماء. م: (وقال مالك والشافعي - رحمهما الله -: لا بأس به) ش: أي الطافي وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأصحاب الظاهر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وبعض التابعين. م: (لإطلاق ما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته» . فإنه مطلق يفصل بين ما إذا مات بآفة أو بغير آفة. م: (ولأن ميتة البحر موصوفة بالحل بالحديث) ش: أراد به قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحلت لنا ميتتان» الحديث. م: (ولنا ما روى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه قال: «ما نضب عنه الماء فكلوا، وما لفظه الماء فكلوا، وما طفا فلا تأكلوا» ش: هذا الحديث، بهذا اللفظ غريب. ولكن أبا داود وابن ماجه أخرجا عن يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوه وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه» . فإن قلت: ضعف البيهقي هذا الحديث وقال: يحيى بن سليم كثير الوهم وقد رواه غيره موقوفا. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 609 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: لا نسلم ذلك فإن يحيى بن سليم أخرج له الشيخان فهو ثقة وزاد فيه الرفع. ونقل ابن القطان في كتابه عن ابن معين قال: هو ثقة ولكن في حفظه شيء ومن أجل ذلك تكلم الناس فيه. فإن قلت: قال ابن الجوزي: إسماعيل بن أمية متروك. قلت: ليس كذلك لأنه ظن أنه إسماعيل بن أمية أبو الصلت الذارع وهو متروك الحديث وأما هذا فهو إسماعيل بن أمية القرشي الأموي والذي في ظنه ليس في طبيعته. فإن قلت: قال أبو داود: رواه الثوري وأيوب [وحماد] عن أبي الزبير موقوفا على جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد أسند من وجه ضعيف عن ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما صطدتموه وهو حي فكلوه، وما وجدتم ميتا طافيا فلا تأكلوه» . وقال الترمذي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: ليس بمحفوظ، ويروى عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خلاف هذا ولا أعرف لابن أبي ذئب عن أبي الزبير شيئا. قلت: قول البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا أعرف لابن أبي ذئب عن أبي الزبير شيئا هو على مذهبه في أنه يشترط لاتصال الإسناد ثبوت السماع. وقد أنكر مسلم ذلك إنكارا شديدا وزعم أن المتفق عليه أنه يكفي للاتصال إمكان اللقاء، وابن أبي ذئب أدرك زمان أبي الزبير بلا خلاف، فسماعه منه ممكن. فإن قلت: قال البيهقي: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ورواه بعد العزيز بن عبد الله، عن وهب بن كيسان، عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا وعبد العزيز ضعيف لا يحتج به. قلت: أخرج الحاكم في " المستدرك " في أبواب " الأحكام " حديثا عنه وصحح سنده. وأخرج حديثه هذا الطحاوي في " أحكام القرآن " فقال: حدثنا الربيع بن سليمان المرادي بن أشد ابن موسى، حدثنا إسماعيل بن عياش حدثني عبد العزيز بن عبد الله عن وهب بن كيسان ونعيم بن عبد الله عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما جزر البحر وما أبقى فكل وما وجدته طافيا فوق الماء فلا تأكل» . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 610 وعن جماعة من الصحابة مثل مذهبنا   [البناية] وقوله: سبحانه وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] عام خص منه غير الطافي من السمك بالاتفاق وبالحديث المشهور. والطافي مختلف فيه فبقي داخلا في عموم الآية. قوله: " وما نضب " بالنون والضاد المعجمة والباء الموحدة من النضوب وهو ذهاب الماء. قوله " ولفظه " أي رماه لأن اللفظ في اللغة الرمي، يقال: لفظت الرحى الدقيق أي رمته وقوله: وما طفا أي على وجه الماء. م: (وعن جماعة من الصحابة مثل مذهبنا) ش: أي وروى عن جماعة من الصحابة مثل مذهبنا أن الطافي لا يحل وقد روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " كراهية الطافي عن جابر بن عبد الله وعلي بن أبي طالب وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وكذا عن ابن المسيب وأبي الشعثاء، والنخعي وطاوس والزهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكذا نقل عبد الرزاق في " مصنفه " وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال: كل ما جزر عنه الماء وما قذف به، ولا تأكل ما طفا. يقال جزر الماء يجزر إذا قل ماؤه والجزر ضد الماء ومادته جيم ثم زاء معجمة. فإن قلت: روى البيهقي من حديث الثوري عن عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة عن ابن عباس قال: أشهد على أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: السمك الطافي حلال لمن أراد أكله. وزاد فيه وكيع عن سفيان: الطافية على الماء. وروى أيضا من حديث هشام حدثنا قتادة عن جابر بن زيد أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الجراد والنون ذكي كله. وروى غيره أيضا عن الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الحيتان والجراد ذكي كله. وروى غيره عن أبان عن ابن عباس عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كل ما طفا البحر» . قلت: روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن علي بن مسهر عن الأجلح عن ابن أبي الهذيل سأل رجل ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: إني آتي البحر فأجده قد جعل سمكا كثيرا فقال: كل ما لم تر سمكا طافيا. وروى عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه " عن الثوري عن الأجلح عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: سمعت ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يقول: لا تأكل طافيا. وحديث عمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لا ينافيا حديث جابر. وأما حديث أبان فإنه الجزء: 11 ¦ الصفحة: 611 وميتة البحر ما لفظه البحر ليكون موته مضافا إلى البحر لا ما مات فيه من غير آفة. قال: ولا بأس بأكل الجريث والمارماهي وأنواع من السمك والجراد من غير ذكاة.   [البناية] منكر جدا، قال شعبة لأن أزني سبعين زنية أحب إلي من أروي حديث أبان بن أبي عياش. ذكره الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أحكام القرآن ". [ميتة البحر تعريفها وحكمها] م: (وميتة البحر ما لفظه البحر ليكون موته مضافا إلى البحر لا ما مات فيه من غير آفة) ش: هذا جواب عما تمسكوا من قولهم أن ميتة البحر موصوفة بالحل. يعني ميتة البحر ما لفظه أي رماه البحر حتى يكون موته مضافا إلى البحر لأنه إذا رماه البحر ومات، يكون موته بسبب رمي البحر إياه، فيطلق عليه أنه ميتة بخلاف ما إذا مات في البحر من غير آفة. فإن مات حتف أنفه فإن موته لا يضاف إلى البحر. [أكل الجريث والمارماهي وأنواع السمك والجراد من غير ذكاة] م: (وقال: ولا بأس بأكل الجريث والمارماهي وأنواع السمك والجراد من غير ذكاة) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والجريث بكسر الجيم وتشديد الراء بعده آخر الحروف ساكنة وفي آخره ثاء مثلثة. قال في كتب اللغة: هو نوع من السمك. وفي " الغاية " الجريث الجري. وقال الكاكي الجريث بالفارسية ما هي بأي جوشق. قلت: الجريث السمك السود والمارماهي السمكة التي تكون في صورة الحية، وما هي هو السمك وإنما أحل أنواع السمك لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحلت لنا ميتتان» . الحديث. وروى محمد في الأصل عن عمرو بن وهب عن عمرة بيان الطبيخ قالت: خرجت مع وليدة لنا فاشترينا جريثة بقفيز حنطة فوضعناه في زنبيل فخرج رأسها من جانب وذنبها من جانب آخر، فمر بنا علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: بكم أخذت؟ قال: فأخبرته. فقال: أطعمه ما أرخصه وأوسعه للعيال، فيه دليل على أن الجريث يؤكل لأنه نوع من السمك فيجعل كسائر الأنواع. وهذا الحديث حجة لنا على بعض الرافضيين وأهل الكتاب فإنهم يكرهون أكل الجريث ويقولون: إنه كان ديوثا يدعو الناس إلى حليلته فمسخ به. وهو متروك بقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، كذا قال خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرحه " وروى محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا عن ابن عباس أنه سئل عن الجريث فقال: أما نحن فلا نرى به بأسا، وأما أهل الكتاب فيكرهون. فإذا صح عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن الجزء: 11 ¦ الصفحة: 612 وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحل الجراد إلا أن يقطع الآخذ رأسه ويشويه لأنه صيد البر، ولهذا يجب على المحرم بقتله جزاء يليق به فلا يحل إلا بالقتل كما في سائره والحجة عليه ما روينا. وسئل علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن الجراد يأخذه الرجل من الأرض وفيها الميت وغيره، فقال: كله كله.   [البناية] عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إباحة الجريث ولم يرد عن غيرهما خلاف حل ذلك محل الإجماع. وكذا الجراد حلال سواء مات حتف أنفه أو قتله الآخذ بأن قطع رأسه. م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحل الجراد إلا أن يقطع الآخذ رأسه ويشويه لأنه صيد البر ولهذا يجب على المحرم) ش: أي ولأجل كونه صيدا يجب على المحرم م: (بقتله جزاء يليق به) ش: أما كونه صيدا فلا خلاف فيه لأنه متوحش، وأما جزاؤه فهو أن يتصدق بما شاء كما في قتل القمل وقد مر في باب الحج. م: (فلا يحل إلا بالقتل كما في سائره) ش: أي إذا كان كذلك، فلا يحل، إلا بالقتل كما في سائر الصيد حتى قالوا: إنه إذا غفل عنه حتى مات حتف أنفه، أو جعل الكل في غراره، وماتوا؛ فإنه لا يحل. كذا ذكره الشيخ الإمام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي شرح كتاب " الصيد " م: (والحجة عليه ما روينا) ش: أي على مالك، أراد بقوله: ما رويناه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحلت لنا ميتتان» الحديث. ولا يرد علينا كراهة الطافي لأنه مخصوص بالحديث الآخر. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل: بلغنا عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: ذكاة السمك والجراد واحدة. م: (وسئل علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن الجراد يأخذه الرجل من الأرض وفيها الميت وغيره فقال: كله كله) . ش: هذا ذكره محمد في الأصل، وقد بلغنا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه سئل عن الجراد إلى آخره فدل على حل الجراد مطلقا سواء مات حتفه أنفه أو مات بعلة بأن أصابه المطر في الطريق فمات. وفي " الكافي ": ولأن موته لا بد أن يكون بسبب فإنه يجري الأصل مجرى المعاش كما قيل: إن بيض السمك إذا انحشر عليه الماء يصير جرادا. فإذا مات في البر فقد مات في غير موضع أصله، وإذا مات في الماء فقد مات في غير موضع معاشه وذلك سبب لموته. وروى ابن مريم سألت لحما هينا فرزقت الجراد، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يأكل الجراد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 613 وهذا عد من فصاحته ودل على إباحته وإن مات حتف أنفه بخلاف السمك إذا مات من غير آفة لأنا خصصناه بالنص الوارد في الطافي، ثم الأصل في السمك عندنا أنه إذا مات بآفة يحل كالمأخوذ، وإذا مات حتف أنفه من غير آفة لا يحل كالطافي وتنسحب عليه فروع كثيرة بيناها في كفاية المنتهى، وعند التأمل يقف عليه المبرز منها: إذا قطع بعضها فمات يحل أكل ما أبين وما بقي؛ لأن موته بآفة، وما أبين من الحي وإن كان ميتا فميتته حلال   [البناية] م: (وهذا) ش: أي قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كله، كله م: (عد من فصاحته) ش: حيث أجاب بلفظتين متجانستين في اللفظ مختلفتين في المعنى. فإن قوله كله، أمر من أكل، يأكل، والضمير فيه يرجع إلى الجراد. وقوله: كله، تأكيد لما بعده، وهو من ألفاظ التوكيد المعنوي. م: (ودل على إباحته وإن مات حتف أنفه) ش: أي على إباحة أكل الجراد وإن مات من غير آفة م: (بخلاف السمك إذا مات من غير آفة لأنا خصصناه بالنص الوارد في الطافي) ش: وهو حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثم: وحديث جابر لم يكن فرق بين السمك والجراد فافهم. [السمك إذا مات بآفة أو حتف أنفه] م: (ثم الأصل في السمك عندنا: أنه إذا مات بآفة) ش: كالصدمة وإلقائه الماء على طرف ونحو ذلك م: (يحل كالمأخوذ) ش: هذا أصل في اشتراط الآفة في موت السمك لتصير حلالا، وهو أنه إذا مات بآفة يحل كالمأخوذ، أي كالسمك المأخوذ من الماء، فإن أخذه سبب لموته. فإن قلت: يتوهم فيما ينبذه الماء ما كان طافيا قبل النبذ. قلت: لم يعتبر هذا الوهم منا وإنما يعتبر في غير السمك من الحيوانات، فإنه إذا توارى عنه الصير، ولم يتبع لا يحل لاحتمال أنه مات من هوام الأرض. والقياس أن لا يعتبر التوهم في موضع، وإنما اعتبرناه بالنص في ماء السمك، ولم يعتبر هنا لأنه قال: ما لفظ البحر كله. م: (وإذا مات حتف أنفه من غير آفة لا يحل) ش: لعدم الشرط وهو الآفة، ولهذا قال م: (كالطافي) ش: لأنه ميت حتف أنفه بغير آفة م: (وتنسحب عليه) ش: أي يمتد على الأصل المذكور م: (فروع كثيرة بيناها في كفاية المنتهي وعند التأمل يقف عليها) ش: أي على الفروع م: (المبرز) ش: بالتشديد، من برز الرجل، فإنه أصحابه فضلا أو شجاعة، وثلاثية من برز الرجل يبرز بروزا، أي ظهر، وقوله سبحانه وتعالى: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا} [إبراهيم: 21] أي ظهروا. م: (منها) ش: أي من الفروع م: (إذا قطع بعضها فمات يحل أكل ما أبين وما بقي؛ لأن موته بآفة، وما أبين من الحي وإن كان ميتا) ش: يعني في سائر الحيوانات م: (فميتته حلال) ش: أي الجزء: 11 ¦ الصفحة: 614 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ميتة السمك حلال بخلاف غيره من الحيوانات. ومنها: وجد في بطنها سمكة أخرى أو قتلها طير الماء، فلا بأس بأكلها لأن الموت يحال إلى سبب ظاهر وهو ابتلاع السمك أو قتل الطير. ومنها: إذا ألقى سمك في جب ماء فماتت فيه، فلا بأس بأكلها، لأنها ماتت بسبب ضيق المكان عليها، فكان موتها بآفة ظاهرة فيحل دمها إذا جمعها في حظيرة لا يستطيع الخروج منها، وهو يقدر على أخذها بغير صيد، لأن الجمع في مكان ضيق سبب لموتها، وإن كانت تؤخذ بغير صيد، فلا خير في أكلها لانعدام سبب ظاهر يحال الموت إليه، فكان موتها حتف أنفها، فلا يحل. قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرحه ": روى هشام عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في السمك إذا كان بعضها في الماء، وبعضها على الأرض إن كان رأسها في الأرض، أكلت لأنه موضع نفسها. وإذا كان خارجا من الماء، فإن الظاهر أنها ماتت بسبب. وإن كان رأسها وأكثرها في الماء لم تؤكل لأنه موضع حياتها فكان الظاهر أنها ماتت بغير سبب وإن كان رأسها في الماء وأكثرها في الأرض، أكلت لأنه ليس موضع حياتها، فعلم أن موتها بسبب. وقد شنع ابن حزم على محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذا فقال: هذا قول مخالف للقرآن والسنة، ولأقوال العلماء، والقياس والمعقول. قيل في جوابه: هذا من غاية تعصبه لأن محمدا قال ذلك بالاستدلال من حديث جابر ووجه ما مر. وقال الولوالجي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " فتاواه ": إذا ماتت السمكة في الشبكة وهو لا يقدر على التخلص منها أو أكلت شيئا ألقاه في الماء لتأكله فماتت منه وذلك معلوم فلا بأس بأكلها لأنها ماتت بآفة. وفي " الفتاوى الصغرى " ناقلا عن " الجامع الصغير ": إذا وجد السمك ميتا على الماء وبطنه من فوق، لم يؤكل لأنه طافٍ. وإن كان ظهره من فوق أكل لأنه ليس بطاف. وفي " الذخيرة ": لو وجد سمكة في بطن طائفة يؤكل، وإن كانت الطافية لا تؤكل. ولو وجد في حوصلة طائر يؤكل وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يؤكل لأنه كالرجيع، ورجيع الطائر عنده نجس. قلنا: إنما يصير رجيعا إذا تغير. وفي السمك الصغار التي تقلى من غير أن يشق الجزء: 11 ¦ الصفحة: 615 وفي الموت بالحر والبرد روايتان، والله أعلم بالصواب   [البناية] جوفها، قال أصحابنا: لا يحل أكله لأن رجيعته نجس. وعندنا وسائر أجزائه تحل. م: (وفي الموت بالحر والبرد روايتان) ش: أي في موت السمك بحرارة الماء أو برودته روايتان. إحداهما: أنه لا يؤكل لأنه مات بسبب حادث، فهو كما لو ألقاه الماء على اليبس، والرواية الأخرى: لا يؤكل لأن الحر والبرد صفة من صفات الزمان، فليست من الموت غالبا. وأطلق القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرحه مختصر الكرخي الروايتين ولم ينسبها إلى أحد وقال شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " الصيد ": وقد ذكره في غير رواية الأصول خلافا، وقال على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحل، وعلى قول محمد: يحل. فكذلك قال في " العيون " حيث قال: وقال أبو حنيفة: إذا قتلها برد الماء أو حره لم يؤكل، فهو في منزلة الطافي. وقال محمد: يؤكل لأنه مات بآفة. فوائد: وفي " الكافي " للحاكم ولا يحل صيد المجوسي ولا ذبيحته إلا فيما يحتاج إليه من التذكية من سمكة أو جرادة وبيضة يأخذها، وما أشبه ذلك، وكذلك المرتد، ولا بأس بصيد المسلم بكلب المجوسي المعلم، كما يذبح بسكينه، ولو ذبح شاة أو بقرة فتحركت بعد الذبح أو خرج منها دم تحل، وإن لم تتحرك ولم يخرج منها الدم، لم تحل، وهنا إذا لم يدرك حياته وقت الذبح، فإن علم حل. ولو ذبح الموقوذة أو المسفوفة البطن أو المريضة وفيها حياة، حل في ظاهر المذهب، بقوله سبحانه وتعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فيما ذبح، ولا يفصل في ظاهر الرواية. وفي " المحيط ": وعليه الفتوى. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان بحال يعيش يوما لولا الذكاة يحل وإلا لا. وعن أبي يوسف: إذا كان بحال يعيش أكثر اليوم لولا الذكاة يحل وإلا لا. وفي " المحيط " ذبح شاة وقيل: إن كان أكثر رأيه أنها حية أكل، وإلا لا. وقيل: إن تحركت أكل خرج الدم أو لا، وإن خرج الدم ولم يتحرك لم يؤكل تم الجزء الحادي عشر من البناية في شرح الهداية. ويليه الجزء الثاني مبتدئا بكتاب الأضحية. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 616 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كتاب الأضحية   [البناية] [كتاب الأضحية] [تعريف الأضحية] م: (كتاب الأضحية) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الأضحية، وجه المناسبة بين الكتابين من حيث اشتمال كل منهما على الذبح، إلا أن الذبح أعم من الأضحية. والخصوص يكون بعد العموم. وفي اللغة اسم ما يذبح في يوم الأضحى، على وزن أفعلة وكان أصلها أضحوية اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وكسرت الحاء لتناسب الياء، ويجمع على أضاحي بتشديد الياء كالياء في جمع أروية، هي أنثى من الوعل. قال الأصمعي: فيها أربع لغات: أضحية بضم الهمزة وكسرها، وضحية بفتح الضاد على وزن فعلية كهدية وهدايا، وأضحاة وجمعها أضحى كأرطاة وأرطى قال الفراء: الأضحية تذكر وتؤنث. وفي " الشريعة ": عبارة عن ذبح حيوان مخصوص في وقت مخصوص وهذا يوم الأضحى وشرائطها تذكر في أثناء الكتاب، وسببها الوقت وهو أيام النحر؛ لأن السبب إنما يعرف بنسبة الحكم إليه. وتعلقت به إذ الأصل في إضافة الشيء إلى الشيء أن يكون سببا، وكذا الأزمنة فيتكرر بتكرره كما عرف في الأصول، ثم الأضحية تكررت بتكرر الوقت، وهو ظاهر، وقد أضيف المسبب إلى حكمه فقال: يوم الأضحى، فكان كقولهم يوم الجمعة ويوم العيد ولا نزاع في أن سببه ذلك، ومما يدل على سببية الوقت امتناع التقديم عليه كامتناع تقديم الصلاة عليها. فإن قلت: لو كان الوقت سببا لوجبت على الفقير؟ قلت: الغنى شرط الوجوب وهي واجبة بالقدرة الممكنة بدليل أن الموسر إذا اشترى شاة للأضحية في أول يوم النحر ولم يضح حتى مضت أيام النحر ثم افتقر كان عليه أن يتصدق بعينها أو بقيمتها ولا تسقط عنه الأضحية، ولو كانت بالقدرة الميسرة لكن دوامها شرطا كما في الزكاة والعشر والخراج بهلاك النصاب والخراج واصطلام الزرع آفة. فإن قلت: أدنى ما يتمكن به المؤمن إقامتها تملك قيمة ما يحصل الأضحية ولا تجب إلا بملك النصاب، فدل على أن وجوبها بالقدرة الميسرة. قلت: اشتراط النصاب لا ينافي وجوبها بالمكنة كما في صدقة الفطر، وهذا لأنها وظيفة مالية نظرا إلى شرطها وهو الحرية فيشترط فيه الغنى كما في صدقة الفطر. فإن قلت: لو كان كذلك لوجب التمليك وليس كذلك لأن القرب المالية قد تحصل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 3 قال: الأضحية واجبة على كل حر مسلم مقيم موسر في يوم الأضحى عن نفسه، وعن ولده الصغار. أما الوجوب فقول أبي حنيفة ومحمد وزفر والحسن وإحدى الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وعنه: أنها سنة ذكره في " الجوامع "، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] بالإتلاف كالإعتاق، وللمضحي أن يتصدق باللحم فقد حصل النوعان أعني التمليك والإتلاف بإراقة الدم وإن لم يتصدق حصل الأخير، وأما حكمها فالخروج عن عهدة الواجب في الدنيا والوصول إلى الثواب في العقبى بفضل الله سبحانه وتعالى ورحمته، وشريعتها بالكتاب وهو قوله سبحانه: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] . قيل: المراد منه صلاة العيد والتضحية كذا في " الكشاف "، وروى ذلك عن ابن عباس في تفسيره أي: أصل الصلاة العيد والنحر والجزور، كذا ذكره شيخ الإسلام خواهر زاده في " مبسوطه ". والسنة هو ما روى البخاري عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضحي بكبشين وأنا أضحي بكبشين» " وعلى ذلك انعقد الإجماع [حكم الأضحية] م: (قال: الأضحية واجبة) ش: أي قال القدوري في " مختصره "، ذكر الأضحية وأراد بها الضحية لأن الوجوب في صفات الفعل، وإنما قال هذا تسمية للحال باسم المحل. م: (على كل حر مسلم مقيم موسر في يوم الأضحى) ش: إنما شرط الحرية لأنها قربة مالية لا يصح أداؤها بلا ملك ولا ملك للرقيق، وشرط الإسلام؛ لأنها قربة ولا يتصور في الكافر، وشرط الإقامة؛ لأن المسافر يلحقه المشقة في أدائها، وشرط اليسار؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: «من وجد سعة ولم يضح» على الوجوب بالسعة للفقير على ما يجيء ذلك مفصلا. م: (عن نفسه وعن ولده الصغار) ش: يتعلق بقوله واجبة وولده بضم الواو وسكون اللام والولد جمع ولد تتناول الذكر والأنثى. م: (أما الوجوب فقول أبي حنيفة ومحمد وزفر والحسن وإحدى الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: وبه قال مالك والليث وربيعة والثوري والأوزاعي، وروي الوجوب عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن والحسن بن زياد وهشام بن عبد الله الرازي. م: (وعنه: أنها سنة) ش: أي وعن أبي يوسف: أن الأضحية سنة م: (ذكره في " الجوامع ") ش: وهو اسم كتاب في الفقه صنفه أبو يوسف م: (وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقول أحمد، وبه قال أكثر أهل العلم. م: (وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو الشيخ الإمام الحافظ أبو جعفر أحمد بن مسلم بن سلمة الأزدي الطحاوي الجنزي القومي ابن أخت المزني الجزء: 12 ¦ الصفحة: 4 أن على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - واجبة، وعلى قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - سنة مؤكدة: وهكذا ذكر بعض المشايخ الاختلاف، وجه السنة قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من أراد أن يضحي منكم فلا يأخذ من شعره، وأظفاره شيئا» والتعليق بالإرادة ينافي الوجوب.   [البناية] صاحب الشافعي. م: (أن على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - واجبة، وعلى قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - سنة مؤكدة وهكذا ذكر بعض المشايخ الاختلاف) ش: أي الاختلاف في وجوب الأضحية وسنتها حيث قالوا إنها واجبة على قول أبي حنيفة على قولهما. م: (وجه السنة قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من أراد منكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئا» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري، عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من رأى هلال ذي الحجة منكم وأراد أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره» " انتهى. أراد لا يحلق شعره ولا ينتف إبطه ولا يقلم أظافره إلى يوم النحر تشبيها بالمحرمين، وإليه ذهب بعض العلماء. م: (والتعليق بالإرادة ينافي الوجوب) ش: التعليق بالإرادة وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " من أراد " فإن " من " شرطية وأراد فعلها. وكذا قول الشافعي، وفي هذا الحديث دليل على عدم وجوب الأضحية لأنه علقه بالإرادة وهو ينافي الوجوب وبذلك أسند ابن الجوزي في " التحقيق " لمذهب أحمد. [ .... ] قلت: روى أحمد في " مسنده " والحاكم في " مستدركه " وسكت عنه من حديث أبي جناب الكلبي يحيى بن حبة عن عكرمة عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " «ثلاث هن علي فرائض وهن لكم تطوع: الوتر والنحر وصلاة الضحى» . وقال الذهبي في " مختصره ": سكت الحاكم وفيه أبو جناب الكلبي وقد ضعفه النسائي والدارقطني، وأخرجه الدارقطني عن جابر الجعفي عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا: «كتب الجزء: 12 ¦ الصفحة: 5 ولأنها لو كانت واجبة على المقيم لوجبت على المسافر؛ لأنهما لا يختلفان في الوظائف المالية كالزكاة وصار كالعتيرة. ووجه الوجوب قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا»   [البناية] على النحر ولم يكتب عليكم» وجابر الجعفي يضعف، قال صاحب " التنقيح ": وروي من طريق آخر وهو ضعيف على كل حال. م: (ولأنها لو كانت واجبة على المقيم لوجبت على المسافر؛ لأنهما لا يختلفان في الوظائف المالية كالزكاة) ش: احترز به عن الوظائف البدنية كالصوم والصلاة فإنهما مختلفان فيهما؛ لأن المسافر لحقه المشقة في أدائها. م: (وصار كالعتيرة) ش: أي صار حكم الأضحية كحكم العتيرة يعني أنها لم تجب على المسافر لا تجب على المقيم، فكذا الأضحية لما لم تكن واجبة على المسافر لا تكون واجبة على المقيم والجامع في كل واحدة منهما قربة يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، فصار كقوله: كالزكاة والعتيرة، لبيان العكس والعكس مرجع ومؤكد للعلة. وهذا كما قلنا ما يلزم بالشروع بالنذر كالحج والصلاة وما يلزم بالشروع لا يلزم بالنذر كالوضوء وصلاة الجنازة، وهي شاة تذبح في الجاهلية في رجب يتقرب بها أهل الجاهلية والمسلمون في صدر الإسلام ثم نسخ، وفي " الإيضاح ": العتيرة أول ولد الناقة، فالشاة تذبح وتؤكل وتطعم، وقال الثلاثة، وما كانت في الجاهلية الرخسة والعتيرة والعقيقة نسختها الأضحية. [من وجد سعة ولم يضح] م: (ووجه الوجوب قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا» ش: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن زيد بن الحباب عن عبد الله بن عباس عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا» رواه أحمد وابن أبي شيبة وإسحاق بن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 6 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] راهويه وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم "، والدارقطني في " سننه " والحاكم في " المستدرك " في سورة الحج، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأخرجه في الضحايا عبد الله بن يزيد المقري حدثنا عبد الله بن عياش به مرفوعا وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه في الضحايا، ثم رواه من حديث ابن وهب أخبرني عبد الله بن عباس فذكره موقوفا، قال: هكذا وقفه ابن وهب والزيادة عن الثقة مقبولة، وعبد الله بن يزيد المقري فوق الثقة. وقال في " التنقيح ": حديث ابن ماجه كلهم رجال الصحيحين إلا عبد الله بن عباس النسائي فإنه من أفراد مسلم، قال: وكذلك رواه حيوة بن شريح وغيره عن عبد الله بن عباس مرفوعا، ورواه ابن وهب عن عبد الله بن عباس به موقوفا. وكذلك رواه جعفر بن ربيعة وعبد الله بن أبي جعفر بن ربيعة وعبيد الله بن أبي جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفا وهو أشبه بالصواب. وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": وهذا الحديث لا يدل على الوجوب كما في حديث: «من أكل الثوم فلا يقربن مصلانا» . قوله: سعة بفتحتين أي غنى ويسار، وقيل: مما يدل على الوجوب حديث أخرجه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب عن أبي بردة بن يسار «قال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن عندي جذعة؟ قال: " اذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك ".» ومثل هذا لا يستعمل إلا في الواجب. وقال ابن الجوزي: معناه يجري في إقامة الشدة بدليل أنه ورد في الحديث: «فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا» ، قبل حديث آخر أخرجه الدارقطني عن ابن المسيب بن شريك حدثنا عبد الملك بن شعبة عن مسروق عن علي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نسخ الأضحى كل ذبح ورمضان كل صوم» وقال البيهقي: إسناده ضعيف بمرة، والمسيب بن شريك متروك. وقال في " التنقيح ": قال الفلاس أجمعوا على ترك حديث المسيب بن شريك. قيل: أخرجه الدارقطني أيضا عن هريرة بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج «عن عائشة - الجزء: 12 ¦ الصفحة: 7 ومثل هذا الوعيد لا يلحق بترك غير الواجب ولأنها قربة يضاف إليها وقتها. يقال: يوم الأضحى، وذلك يؤذن بالوجوب؛ لأن الإضافة للاختصاص وهو بالوجود، والوجوب هو المفضي إلى الوجود ظاهرا بالنظر إلى الجنس غير أن الأداء يختص بأسباب يشق على المسافر استحضارها.   [البناية] - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أستدين وأضحي؟ قال: " نعم وإنه دين مقتضى ".» قال: وهو ضعيف ولم يدرك عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -. م: (ومثل هذا الوعيد لا يلحق بترك غير الواجب) ش: لأنه نهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من لم يضح عن سعة عن قربان مصلاه يدل على أنه فعل أمرا عظيما وهو ترك التضحية، فدل على أنها واجبة، وفيه نظر على ما ذكرنا. فإن قلت: أليس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ترك سنتي لم ينل شفاعتي» ؟ قلت: ذلك محمول على الترك اعتقادا، والترك أصلا حرام، لهذا تجب المقابلة مع جماعة تركوا الأذان وإن كان الأذان سنة؛ لأن إحياء السنة واجب. م: (ولأنها) ش: ولأن الأضحية م: (قربة يضاف إليها وقتها يقال: يوم الأضحى) ش: كما يقال: يوم الجمعة م: (وذلك يؤذن بالوجوب) ش: أي الإضافة يعلم بالوجوب وتذكير الإشارة باعتبار المذكور م: (لأن الإضافة للاختصاص) ش: أي الاختصاص المضاف إليه م: (وهو بالوجود) ش: أي الاختصاص المضاف بالمضاف إليه إنما يثبت بوجود المضاف إليه؛ لأنه إذا لم يوجد فيه لا يكون متعلقا به فضلا عن الاختصاص. م: (والوجوب هو المفضي إلى الوجود ظاهرا بالنظر إلى الجنس) ش: أي جنس المكلفين لجواز أن يجتمع الناس على ترك ما ليس هو واجب ولا يجتمعون على ترك الواجب، واعترض بأن السنة أيضا تفضي إلى الوجود ظاهرا بالنظر إلى الجنس لأن الناس لا يجتمعون على ترك السنة، فأجيب بأن الوجوب انتفى إلى الوجود لاستحقاق العقاب لتركه. م: (غير أن الأداء يختص بأسباب يشق على المسافر استحضارها) ش: هذا جواب عن قولهم: ولأنها لو كانت واجبة على المقيم لوجبت على المسافر، تقريره: أن الأضحية تختص بأسباب أي بشرائط وهي تحصيل شاة خالية من العيوب المانعة ورعاية فراغ الإمام عن الصلاة في حق أهل المصر على وجه لم يبق عليه من واجباتها. ورعاية طلوع الفجر الثاني من يوم النحر في حق أهل السواد فهذا يشق على المسافر الجزء: 12 ¦ الصفحة: 8 ويفوت بمضي الوقت، فلا تجب عليه بمنزلة الجمعة، والمراد بالإرادة فيما روي والله أعلم: ما هو ضد السهو لا التخيير، والعتيرة منسوخة.   [البناية] استحضارها أي تحصيلها والضمير يرجع إلى الأسباب فإذا كان كذلك سقطت عن المسافر تخفيفا كما سقط عنه الوضوء وجاز التيمم عند الزيادة على ثمن المثل، فهذا أولى بالسقوط لأنه أقوى حرجا من زيادة ثمن الماء؛ ولأن المسافر لو فرضنا أنه وجد شاة تصلح للأضحية فإنها يحتاج إلى حفظها إلى أن يجيء وقتها ويتعسر عليه ذلك فسقطت عنه دفعا للحرج ولم يوجد حالة السفر هذا المعنى في المقيم لم يسقط عنه قياسا على المسافر لعدم الجامع. م: (ويفوت) ش: أي الأضحية م: (بمضي الوقت) ش: أي أيام النحر وهي ثلاثة أيام م: (فلا تجب عليه) ش: أي إذا كان الأمر كذلك على ما ذكرنا فلا تجب الأضحية على المسافر م: (بمنزلة الجمعة) ش: حيث سقطت عن المسافر لأمور يشق عليه استحضارها بخلاف المقيم كما ذكرنا. م: (والمراد بالإرادة فيما روي والله أعلم) ش: هذا جواب عما استدلوا به من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أراد أن يضحي منكم» تقريره أن المراد بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من أراد م: (ما هو ضد السهو) ش: وهو القصد م: (لا التخيير) ش: أي ليس المراد التخيير بين الترك والإباحة فصار كأنه قال من قصد أن يضحي منكم، وهذا لا يدل على نفي الوجوب كما في قوله: «من أراد الصلاة فليتوضأ» وقوله: «من أراد منكم الجمعة فليغتسل» أي من قصد، ولم يرد التخيير فكذا هذا. م: (والعتيرة منسوخة) ش: هذا جواب عن قولهم: وصار كالعتيرة، يعني: أنها لما كانت منسوخة لا يلزم من عدم وجوبها عدم وجوب ما ليس منسوخا، وروى الأئمة الستة في كتبهم من حديث الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة، قال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا فرع ولا عتيرة» وزاد أحمد في " مسنده ": " في الإسلام " وفي لفظ النسائي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الفرع والعتيرة» ، وفي الصحيحين: الفرع أول النتاج كان ينتج لهم فيذبحونه لطواغيتهم والعتيرة في رجب. وأسند أبو داود عن سعيد بن المسيب قال: الفرع أول النتاج كان ينتج لهم فيذبحونه، وقال الترمذي: والعتيرة ذبيحة كانوا يذبحونها في رجب، يعظمونها؛ لأنها أول الأشهر الحرام، والفرع أول النتاج كان ينتج لهم فيذبحونه. وأخرج الدارقطني ثم البيهقي في " سننيهما " في الأضحية عن المسيب بن شريك عن عقبة بن اليقظان عن الشعبي عن مسروق عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «نسخت الزكاة كل صدقة ونسخ صوم رمضان كل صوم ونسخ غسل الجنابة كل غسل ونسخت الجزء: 12 ¦ الصفحة: 9 وهي شاة تقام في رجب على ما قيل   [البناية] الأضحى كل ذبح» وضعفاه، قال الدارقطني: المسيب بن شريك وعقبة بن اليقظان متروكان، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " في أواخر النكاح موقوفا على علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. م: (وهي) ش: أي العتيرة م: (شاة تقام في رجب) ش: أي كانوا يذبحونها في رجب تعظيما له على ما مر، وفي " الصحاح ": العتيرة شاة كانوا يذبحونها لأصنامهم، وفي " العباب ": العتيرة الصنم الذي كان تعتر عنده العتاير. كان الرجل إذا أعتر عتيرة رمى رأسه من بدنه ونصبه إلى حيث الصنم فوق شرف من الأرض ليعلم أنه إنما ذبح لذلك. والعقر أيضا العقيرة مثال الذبح وذبيحة م: (على ما قيل) ش: أشار به إلى أن في تفسير العتيرة اختلافا وقد ذكرناه. قلت: قد مر أن هذا حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به، ولئن صح فالمكتوبة: الفرض، ونحن نقول: إنها غير فرض، وإنما هي واجبة. فإن قلت: قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ضحوا فإنها سنة أبيكم إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» - "، وقد أطلق السنة. فإن قلت: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثلاث كتبت علي» الحديث يدل على الوجوب؟ قلت: هذا الحديث أخرجه البيهقي عن محمد بن سلمة الواسطي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا سلام بن مسكين عن عبد الله المحاسبي عن أبي داود الشعبي عن زيد بن أرقم. «قلنا: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما هذه الأضاحي؟ قال: " سنة أبيكم إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " قلنا: فما لنا فيها؟ قال: " بكل شعرة حسنة " قلنا: فالصوف؟ قال: " بكل شعرة من الصوف حسنة» . وقال الذهبي: وقال البخاري: لا يصح هذا، واسم أبي داود نفيع وأخرج ابن ماجه عن سلام بن مسكين عن عائذ الله بن عبد الله المحاسبي عن أبي داود الشعبي عن زيد بن أرقم «قلنا يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما هذه الأضاحي؟ قال: " سنة أبيكم إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " قالوا: ما لنا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 10 وإنما اختص الوجوب بالحرية؛ لأنها وظيفة مالية لا تتأدى إلا بالملك، والمالك هو الحر، وبالإسلام لكونها قربة، وبالإقامة لما بينا، واليسار لما روينا من اشتراط السعة.   [البناية] فيها؟ قال: " بكل قطرة حسنة» انتهى. ولئن صح مع قوله: «ضحوا فإنها سنة أبيكم إبراهيم» فيقول: إنه مشترك الإلزام. فإن قوله: ضحوا فإنها سنة أبيكم إبراهيم أي طريقته، فالسنة هي الطريقة المسلوكة في الدين. قلت: روي: " أن أبا بكر وعمر كانا لا يضحيان السنة والسنتين مخافة أن يراها الناس واجبة ". فإن قلت: روى البيهقي عن الثوري عن أبيه ومطرف وإسماعيل عن الشعبي عن أبي شريحة الغفاري قال: أدركت أو رأيت أبا بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لا يضحيان في بعض حديثهم كراهة أن يقتدى بهما. وأبو شريحة صحابي. وروي أيضا عن معمر عن إسماعيل بن أبي خالد عن مطرف عن عامر عن حذيفة بن أسد قال: رأيت أبا بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وما يضحيان عن أهلهما خشية أن يستن بهما. قال الفلاس. قلت: ليحيى بن سعيد: إن معتمرا حدثنا قال: حدثنا مطرف عن الشعبي عن أبي شريحة؟ فقال: هذا مثل حديثه عن الشعبي عن عمر الحملي يريد به يحيى أنه أخطأ في هذا كما أخطأ في ذاك. انتهى. ولئن صح فجوابه أنهما كانا لا يضحيان في حالة الإعسار مخافة أن يراها الناس واجبة على المعسرين. [على من تجب الأضحية] م: (وإنما اختص الوجوب بالحرية) ش: هذا بالشروط المذكورة في أول الكتاب م: (لأنها) ش: أي لأن الأضحية م: (وظيفة مالية لا تتأدى إلا بالملك، والمالك هو الحر) ش: لأن العبد لا يملك شيئا م: (وبالإسلام) ش: أي اختص الوجوب بالإسلام م: (لكونها قربة) ش: والكافر ليس من أهلها، م: (وبالإقامة) ش: أي اختص الوجوب بالإقامة أيضا، م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: غير أن الأداء يختص بأسباب إلى آخره م: (واليسار) ش: بالجزء أي واختص الوجوب أيضا باليسار م: (لما روينا من اشتراط السعة) ش: أشار به إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من وجد سعة» ... " الحديث. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 11 ومقداره ما يجب به صدقة الفطر، وقد مر في الصوم، وبالوقت وهو يوم الأضحى؛ لأنها مختصة به، وسنبين مقداره إن شاء الله تعالى. وتجب عن نفسه؛ لأنه أصل في الوجوب عليه على ما بيناه، وعن ولده الصغير؛ لأنه في معنى نفسه فيلحق به كما في صدقة الفطر،   [البناية] م: (ومقداره) ش: أي مقدار اليسار في هذا الباب م: (ما يجب به صدقة الفطر) ش: وهو أن يملك مقدار مائتي درهم فاضلا عن منزله وأثاثه وكسوته وخادمه وسلاحه، وفي " الأجناس " نقل عن الهارونيات: أنه جاء يوم الأضحى وله مائتا درهم وأكثر لا مال له غيره صرف ذلك أو أداه لم يجب عليه الأضحية وإن جاء يوم الأضحى ولا مال له ثم استفاد مائتي درهم ولا دين له قبل مضي الوقت وجبت عليه الأضحية. وذكر أبو علي الدقاق الرازي صاحب كتاب " المحيط ": إن في العقارات والمبيعات إذا كان ملكا للرجل لا ينظر إلى قيمته وإنما ينظر إلى دخله. وفي " أضاحي علي الرازي " و " أبي القاسم الحربي " و " أبي عبد الله الزعفراني ": أنه يعتبر قيمتها لا دخلها كما في سائر الأمتعة. قال أبو علي الدقاق: ولو كان خبازا عنده حطب قيمته مائتا درهم فجاء يوم الأضحى وذلك عنده عليه الأضحية، ولو كان له مصحف قرآن قيمته مائتا درهم وهو ممن يقرأ فيه ولا مال له غيره فلا أضحية عليه، ولو كان له مصحف قرآن قيمته مائتا درهم وهو ممن يقرأ فيه ولا مال له غيره فلا أضحية عليه وإن كان لا يقرأ فيه عليه الأضحية فإن كان ممن يحسن أن يقرأ إلا أنه يتهاون فيه فلا يقرأه ولا يستعمله، فلا أضحية عليه، وإن كان عنده كتب فقه وحديث قيمتها مائتي درهم، وهو من أهل العلم ممن ينفعه ويستعمله فلا أضحية عليه. وإن كان عنده ولا يحسن ذلك فعليه الأضحية، إلى هنا من الأجناس، وصاحب كتب الطب والنجوم والأدب، غنى بها أن كان قيمتها مائتي درهم. م: (وقد مر في الصوم) ش: أي وقد مر بيان حكم اليسار في باب صدقة الفطر. م: (وبالوقت) ش: بالحر أي واختص الوجوب بالوقت أيضا. م: (وهو يوم الأضحى؛ لأنها مختصة به) ش: أي لأن الأضحية مختصة بيوم الأضحى م: (وسنبين مقداره إن شاء الله تعالى) ش: أي مقدار الوقت. [الأضحية عن نفس المكلف] م: (وتجب عن نفسه) ش: أي يجب الأضحية عن نفس المكلف، م: (لأنه أصل في الوجوب عليه على ما بيناه) ش: أشار به إلى قوله ويجب على كل حر مسلم. م: (وعن ولده الصغير؛ لأنه في معنى نفسه) ش: أي لأن وليه الصغير في معنى نفسه لأنه جزؤه والشيء ملحق بكله م: (فيلحق به كما في صدقة الفطر) ش: لأن كل واحد منهما قربة مالية تعلقت بيوم العيد فكانا نظيرين في هذا الوجه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 12 وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله -. وروي عنه: أنه لا يجب عن ولده وهو ظاهر الرواية بخلاف صدقة الفطر؛ لأن السبب هناك رأس يمونة ويلي عليه. وهما موجودان في الصغير وهذه قربة محضة، والأصل في القرب أن لا تجب على الغير بسبب الغير ولهذا لا تجب عن عبده وإن كان يجب عنه صدقة فطره. وإن كان للصغير مال يضحي عنه أبوه أو وصيه من ماله عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -.   [البناية] م: (وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله -) ش: أي الوجوب على الأب عن ولده الصغير رواية رواها الحسن في المجرد عن أبي حنيفة، وما ثبت الإشارة باعتبار الرواية م: (وروي عنه) ش: أي عن أبي حنيفة في الأصل، م: (أنه لا يجب عن ولده) ش: أي أن ذبح الأضحية لا تجب على الأب. م: (وهو ظاهر الرواية) ش: أي هذا هو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة قال قاضي خان: وعليه الفتوى، م: (بخلاف صدقة الفطر) ش: حيث تجب عليه عن ولده، م: (لأن السبب هناك) ش: أي لأن سبب الوجوب في باب صدقة الفطر م: (رأس يمونة ويلي عليه) ش: أي رأس بمؤنة الرجل، أي تجب عليه مؤنته ويلي عليه أن يتولى أمره. م: (وهما موجودان في الصغير) ش: أي المؤنة والولاية موجودان في الصغير، م: (وهذه) ش: أي الأضحية م: (قربة محضة) ش: أي خالصة لأن الإراقة من العبد للرب من غير شائبة ومشاركة، ولا كذلك التصدق بالمال لأن المال كما يتقرب به إلى الله تعالى، يتقرب به إلى العباد، فلا يكون في صدقة الفطر قربة محضة، فجاز أن يجب على الغير بسبب الغير إذ أقام الدليل وقد قام صدقة الفطر. م: (والأصل في القرب) ش: بضم القاف وفتح الراء جمع قربة م: (أن لا تجب على الغير بسبب الغير. ولهذا) ش: أي ولكون عدم الوجوب عليه بسبب الغير م: (لا تجب عن عبده) ش: أي لا يجب الأضحية على المولى عن عبده. م: (وإن كان يجب عنه) ش: أي عن العبد م: (صدقة فطره) ش: لما قلنا: إنها ليست بقربة محضة فيجوز أن يجب عليه بسبب الغير م: (وإن كان للصغير مال يضحي عنه أبوه أو وصيه من ماله عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: وبه قال مالك ولكن لا يتصدق باللحم لأن الواجب هو إراقة الدم وأما التصدق باللحم فإنه تطوع. وقال الصغير: لا يحتمل التطوع فينبغي أن يطعم الصغير ويستبدل لحمه بالأشياء التي ينتفع بها الصغير مع بقاء أعيانها، كما في جلد الأضحية كذا في " التحفة ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 13 وقال محمد وزفر والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يضحي من مال نفسه لا من مال الصغير فالخلاف في هذا كالخلاف في صدقة الفطر، وقيل: لا تجوز التضحية من مال الصغير في قولهم؛ لأن القربة تتأدى بالإراقة، والصدقة بعدها تطوع، فلا يجوز ذلك من مال الصغير. ولا يمكنه أن يأكله كله، والأصح أن يضحي من ماله ويأكل منه ما أمكنه، ويبتاع مما بقي ما ينتفع بعينه، قال: ويذبح عن كل واحد منهم شاة، أو يذبح بقرة، أو بدنة عن سبعة   [البناية] م: (وقال محمد وزفر والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: يضحي من مال نفسه من مال الصغير) ش: لأنها في نفس الأمر إتلاف، ومال الصغير يحفظ عن هذا. م: (فالخلاف في هذا كالخلاف في صدقة الفطر) ش: وفي بعض النسخ بالواو، أي الخلاف في وجوب الأضحية على الأب عن ولده الصغير كالخلاف في صدقة الفطر. وقال القدوري في شرح " مختصر الكرخي ": تكلم أصحابنا المتأخرون في هذه المسألة فمنهم من قال: إنها محمولة على صدقة الفطر فيجب في مال الصغير عند أبي حنيفة وأبي يوسف، ولا يجب عند محمد وزفر. ومنهم من قال: لا تجب في قولهم جميعا؛ لأن الواجب في الأضحية إراقة الدم، فالصدقة بها تطوع وذلك لا يجوز في مال الصغير، ولا يقدر الصغير في العادة أن يأكل جميعها، ولا يجوز أن تباع فكذلك لم تجب. والصحيح أن يقال: إنها تجب، ولا يتصدق بها؛ لأن ذلك تطوع، ولكن يأكل منها الصغير وبدخوله قدر حاجته، ويبتاع له بالباقي ما ينتفع به، كما يجوز أن يبيع البائع جلد الأضحية. م: (وقيل لا يجوز التضحية من مال الصغير في قولهم) ش: جميعا أي في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لأن القربة تتأدى بالإراقة، والصدقة بعدها تطوع) ش: أي بعد الإراقة وتذكير الضمير باعتبار بعد الذبح م: (فلا يجوز ذلك من مال الصغير) ش: أي التصدق من مال الصغير؛ لأنه تبرع. م: (ولا يمكنه أن يأكله كله) ش: أي ولا يمكن للصغير أن يأكل كل ما ذبح له فيصير ضائعا وماله محفوظ عن ذلك م: (والأصح أن يضحي من ماله) ش: أي من مال الصغير م: (ويأكل منه) ش: بالنصب، أي ويأكل من الذي يضحي له م: (ما أمكنه) ش: أكله أي الذي أمكنه أكله كله م: (ويبتاع) ش: بالنصب أيضا ويشتري م: (مما بقي ما ينتفع بعينه) ش: كالمنخل والغربال ونحو ذلك، ولا يتصدق باللحم أيضا أصلا؛ لأن مال الصغير لا يحتمل ذلك. [من تجزيء عنه الأضحية وحكم الإشتراك في الأضحية] م: (قال: ويذبح عن كل واحد منهم شاة) ش: أي قال القدوري: من كل واحد عن نفسه وأولاده شاة م: (أو يذبح بقرة أو بدنة عن سبعة) ش: أي سبعة أنفس، واعلم أن الشاة لا تجزئ إلا عن واحد وأنها أقل ما تجب، وذكر الأترازي أن هذا إجماع وقال الكاكي: وقال مالك وأحمد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 14 والقياس: أن لا تجوز إلا عن واحد؛ لأن الإراقة واحدة، وهي القربة إلا أنا تركناه بالأثر؛ وهو ما روي «عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: نحرنا مع رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - البقرة عن سبعة، والبدنة عن سبعة.»   [البناية] والليث والأوزاعي: يجوز الشاة عن أهل بيت واحد، وكذا بقرة أو بدنة؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لما ضحى كبشين وقرب أحدهما، قال: " اللهم هذا عن محمد، وأهل بيته " وقرب الآخر وقال: " إن هذا منك ولك عمن وجد من أمتي» . وعن أبي هريرة لما ضحى بالشاة جاءت ابنته وتقول: عني فقال: وعنك. قلت: هذا لا يدل على وقوعه من اثنين بل هذا هبته ثوابه. وقد روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنه قال: الشاة عن واحد، انتهى. والبدنة تجزئ عن سبعة إذا كانوا يريدون بها وجه الله سبحانه وتعالى، وكذلك البقرة، وإن كان أحدهم يريد اللحم لم يجز عن الكل، وكذا لو كانت نصيب أحدهم أقل من السبع لم تجز، وأما إذا كانوا أقل من سبعة ونصيب أحدهم الثلث والآخر الربع جاز بعد أن لا يكون نصيب أحدهم أقل من السبع، هذا إذا اشتروا بالشركة أو اشترى أحدهم بنية الاشتراك ثم اشتراك بعد ذلك، يجوز الأضحية ولكن يضمن قيمة ما باع ويستوي الجواب إذا كان الكل من جنس واحد ومن أجناس مختلفة أحدهم يريد جزاء الصيد والآخر هدي المتعة والآخر الأضحية، بعد أن يكون الكل لوجه الله تعالى ويجوز استحسانا والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر، كذا في " شرح الطحاوي ". م: (والقياس: أن لا تجوز إلا عن واحد؛ لأن الإراقة واحدة، وهي القربة إلا أنا تركناه بالأثر وهو ما روي «عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: نحرنا مع رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - البقرة عن سبعة والبدنة عن سبعة» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري عن مالك عن أبي الزبير عن جابر وقال: «نحرنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة» وأخرج أبو داود في الأضحية والنسائي في الحج عن قيس عن عطاء عن جابر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «البقر عن سبعة والجزور عن سبعة» . وإن قلت: أخرج الترمذي في " جامعه " والنسائي في " سننه " وأحمد في " مسنده " وابن حبان في " صحيحه " عن علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: «كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة سبعة، وفي الجزور الجزء: 12 ¦ الصفحة: 15 ولا نص في الشاة، فبقي على أصل القياس. وتجوز عن خمسة، أو ستة، أو ثلاثة، ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأصل "؛ لأنه لما جاز عن سبعة فعمن دونهم أولى، ولا تجوز عن ثمانية أخذا بالقياس فيما لا نص فيه   [البناية] عشرة» . وقال الترمذي: حديث حسن غريب. قلت: قال البيهقي: حديث أبي الزبير عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في اشتراكهم وهم مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجزور سبعة أصح، أخرجه مسلم، على أن اشتراكهم في العشرة محمول على أنه في القسمة لا في التضحية. م: (ولا نص في الشاة فبقي على أصل القياس) ش: أي لم يرد نص على أن يكون الشاة عن أكثر من واحد فاقتصر على أصل القياس وهو أن الإراقة واحدة فلا يجوز إلا عن واحد. فإن قلت: كيف يقول ولا نص في الشاة، وقد روى الحاكم عن أبي عقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام، «وكان قد أدرك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذهبت به أمه زينب بنت حميد إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو صغير فمسح رأسه ودعا له، قال: " كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله» وقال: صحيح الإسناد. قلت: هذا لا يدل على وقوعه من الجماعة، بل معناه أنه كان يضحي ويجعل ثوابه هبة لأهل بيته كما ذكرناه آنفا. [إذا ذبحت البقرة عن خمس أو ستة أو ثلاثة هل تجزئهم] م: (وتجوز عن خمسة، أو ستة، أو ثلاثة) ش: أي تجوز البقرة والبدنة، ذكره تفريعا على مسألة القدوري م: (ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأصل ") ش: حيث قال: إذا ذبحت البقرة عن خمس أو ستة أو ثلاثة هل تجزئهم؟ قال: نعم م: (لأنه لما جاز عن سبعة فعمن دونهم أولى) ش: أي لأن ذبح الأضحية إذا جاز عن سبعة أنفس فما دونها بالطريق الأول، وكان فائدة التقييد بالسبعة يمنع الزيادة والنقصان. م: (ولا تجوز عن ثمانية) ش: يعني لا تجزئ البقرة أو البدنة أكثر من سبعة عن عامة العلماء. قال القدوري: قال مالك: يجزئ عن أهل البيت وإن زادوا عن سبعة، ولا يجزئ عن البيتين وإن كانوا أقل من سبعة ويجيء بيانه الآن م: (أخذا بالقياس فيما لا نص فيه) ش: أخذا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 16 وكذا إذا كان نصيب أحدهم أقل من السبع، ولا تجوز عن الكل؛ لانعدام وصف القربة في البعض، وسنبينه من بعد إن شاء الله تعالى. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجوز عن أهل بيت واحد وإن كانوا أكثر من سبعة ولا تجوز عن أهل بيتين، وإن كانوا أقل منها؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " على كل أهل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة ".   [البناية] بالقياس، أخذا بمعنى مأخوذا نصب على الحال أي حال كون عدم الجواز مأخوذا بالقياس في الذي لم يرد فيه نص ويجوز أن يكون التقدير آخذين بالقياس والعامل محذوف تقديره: قلنا: هذا حال كون آخذين بالقياس، ويجوز أن يكون نصبا على التعليل، أي لأجل الأخذ بالقياس م: (وكذا إذا كان نصيب أحدهم أقل من السبع) ش: بضم السين. م: (ولا تجوز عن الكل؛ لانعدام وصف القربة في البعض) ش: يعني لا يجوز من صاحب الكثير كما لا يجوز من صاحب القليل، كما إذا مات الرجل وخلف امرأة وابنا، وترك بقرة يضحياها، فلم يجز؛ لأن نصيب المرأة أقل من السبع؛ لأن نصيبها الثمن، وإذا لم يجز في نصيبها لم يجز في نصيب الابن. م: (وسنبينه من بعد إن شاء الله تعالى) ش: أي سنبين الأصل في هذا الباب إن شاء الله تعالى. [الأضحية عن أهل بيت واحد وإن كانوا أكثر من سبعة] م (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجوز عن أهل بيت واحد وإن كانوا أكثر من سبعة، ولا تجوز عن أهل بيتين وإن كانوا أقل منها؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «على كل أهل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة» ش: هذا الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن ابن عون عن أبي رملة حدثنا نحيف بن سليم قال: «كنا وقوفا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعرفات فقال: " يا أيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة، أتدرون ما العتيرة؟ هي التي يقول الناس لها: الرجبية» وقال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه من حديث ابن عون. ورواه أحمد، وابن أبي شيبة، وأبو يعلى الموصلي، والبزار في " مسانيدهم " والبيهقي في " سننه "، والطبراني في " معجمه "، وقال عبد الحق: إسناده ضعيف، وقال ابن القطان: وعلته الجهل بحال أبي رملة واسمه عامر، فإنه لا يعرف إلا بهذا يرويه عنه ابن عون، وقد رواه عنه أيضا حبيب بن محنف وهو مجهول أيضا. قلت: ورواه من هذا الطريق عبد الرزاق في " مصنفه "، أخبرنا ابن جريج أخبرني عبد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 17 قلنا: المراد منه - والله أعلم - قيم أهل البيت؛ لأن اليسار له يؤيده ما يروى: «على كل مسلم في كل عام أضحاة وعتيرة» ولو كانت البدنة بين اثنين نصفين تجوز   [البناية] الكريم عن حبيب بن محنف بن سليم عن أبيه قال: انتهيت «إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم عرفة وهو يقول: هل تعرفونها؟ فلا أدري ما رجعوا إليه، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " على كل أهل بيت أن يذبحوا شاة في رجب وفي كل أضحى شاة» ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في " معجمه " بسنده ومتنه. م: (قلنا: المراد منه - والله أعلم - قيم أهل البيت؛ لأن اليسار له) ش: هذا جواب بطريق التسليم وهذا إنما يكون إذا فتش عن حال حديث الخصم، وعرف حقيقته، فإن ظهر صحيحا، فحينئذ يشتغل بالجواب عنه، والحديث المذكور غير صحيح، ولئن صح فجوابه ما ذكره. وقال البيهقي في " المعرفة ": إن صح هذا فالمراد به على طريق الاستحباب بدليل أنه فرق بين الأضحاة والعتيرة، والعتيرة غير واجبة بالإجماع. م: (يؤيده ما يروى: «على كل مسلم في كل عام أضحاة وعتيرة» ش: أي: يؤيد التأويل المذكور هذه الرواية، وفيه نظر؛ لأن هذه الرواية لم تثبت، والعجب العجاب من الشراح، حيث قالوا: وهذا محكم وما رواه محتمل فحملناه على المحكم، كيف يكون محكما، ولم يثبت بهذه الرواية، فهي غير صحيحة. وقيل في جوابه: إن المراد من الأضحاة البدنة والبقرة؛ لأن الإجماع دل على أن الشاة لا تجوز إلا عن واحد. قلت: هذا ساقط بمرة؛ لأنا ذكرنا أحاديث تدل على أن الشاة تجوز عن أكثر من واحد، وذكرنا أنه مذهب جماعة من العلماء، فكيف يقال: إن الإجماع دل على أن الشاة لا تجوز إلا عن واحد؟! م: (ولو كانت البدنة بين اثنين نصفين تجوز) ش: ذكره تفريعا على مسألة القدوري، وقد اختلف المشائخ فيه، قال في " النوازل ": سئل أحمد بن محمد القاضي عن جزور بين اثنين ضحيا به، قال: لا يجوز إذا كان الجزور بينهما نصفين؛ لأنه صار لكل واحد منهما ثلاثة أسباع ونصف سبع، وصار السبع نصفين ونصف السبع لا يجوز عن الأضحية وإذا بطل السبع بطل الكل، ألا ترى لو أراد أحدهما بنصيبه لحما لا يجوز الكل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 18 في الأصح؛ لأنه لما جاز ثلاثة الأسباع جاز نصف السبع تبعا له، وإذا جاز على الشركة فقسمة اللحم بالوزن؛ لأنه موزون، ولو اقتسموا جزافا لا يجوز إلا إذا كان معه شيء من الأكارع والجلد اعتبارا بالبيع.   [البناية] قال أبو الليث: لا نأخذ بهذا بل تجوز الأضحية إذا كان بينهما نصفان، أو على التفاوت؛ لأنه أراد نصف السبع التقرب وليس كالذي أراد اللحم؛ لأن هناك لم يرد به التقرب، أشار إليه بقوله م: (في الأصح) ش: وبه أخذ الصدر الشهيد أيضا. م: (لأنه لما جاز ثلاثة الأسباع جاز نصف السبع تبعا له) ش: لأن ذلك النصف وإن لم يصر أضحية، لكنه صار قربة تبعا للأضحية، وكم من شيء ثبت ضمنا ولا يثبت قصدا وله نظائر كثيرة منها إذا ضحى شاة فخرج من بطنها جنين حي، فإنه يجب عليه أن يضحيها وإن لم تجز أضحيته ابتداء. م: (وإذا جاز على الشركة فقسمة اللحم بالوزن) ش: وإذا جاز ذبح الأضحية على الشركة فقسمة لحمها لا يكون إلا بالوزن. م: (لأنه موزون) ش: أي لأن اللحم موزون م: (ولو اقتسموا جزافا لا يجوز) ش: لأن في القسمة معنى التمليك فلم يجزيه إلا مجازفة عند وجود الجنس والوزن لاحتمال الربا. فإن قلت: بالتمليك يجوز هذا؟ قلت: لا يجوز التمليك أيضا؛ لأنه في معنى الهبة وهبة المشاع فيما يقسم لا يجوز. إليه أشار في " الإيضاح ". فإن قلت: جزافا منصوب بماذا؟. قلت: يجوز أن يكون صفة مصدر محذوف، أي: ولو اقتسموا اقتساما جزافا ويجوز أن يكون حالا بمعنى مجازفين فافهم. م: (إلا إذا كان معه) ش: أي مع أحد الشركاء م: (شيء من الأكارع والجلد) ش: فحينئذ يجوز لكون بعض اللحم مع الأكارع ومع الآخر البعض مع الجلد حتى يصرف الجنس إلى الجنس م: (اعتبارا بالبيع) ش: أي قياسا على البيع يعني الجنس بالجنس مجازفة لا يجوز إلا إذا كان مع كل واحد من العوضين شيء خلاف ذلك الجنس حتى يصرف الجنس إلى خلافه، كما لو باع أحد عشر درهما بعشرة دراهم، والأكارع جمع أكرع، وأكرع جمع كراع، والكراع في الغنم والبقر بمنزلة الانطلاق في الفرس والبعير، وهو الساق يذكر ويؤنث، وفي " المثل ": أعطي العبد كراعا فطلب ذراعا؛ لأن الذراع في اليد وهو اتصل من الكراع في الرجل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 19 قال: ولو اشترى بقرة يريد أن يضحي بها عن نفسه، ثم اشترك فيها ستة معه جاز استحسانا، وفي القياس: لا يجوز، وهو قول زفر؛ لأنه أعدها للقربة، فيمنع عن بيعها تمولا، والاشتراك هذه صفته، وجه الاستحسان: أنه قد يجد بقرة سمينة يشتريها ولا يظفر بالشركاء وقت البيع، وإنما يطلبهم بعده، فكانت الحاجة إليه ماسة فجوزناه دفعا للحرج. وقد أمكن؛ لأن بالشراء للتضحية لا يمتنع البيع، والأحسن أن يفعل ذلك قبل الشراء ليكون أبعد عن الخلاف وعن صورة الرجوع في القربة. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يكره الإشراك بعد الشراء لما بينا.   [البناية] [اشترى بقرة يريد أن يضحي بها عن نفسه، ثم اشترك فيها ستة معه] م: (قال: ولو اشترى بقرة يريد أن يضحي بها عن نفسه، ثم اشترك فيها ستة معه جاز استحسانا) ش: هذا من مسائل الأصل ذكره تفريعا على مسألة القدوري. م: (وفي القياس: لا يجوز، وهو قول زفر؛ لأنه أعدها للقربة) ش: أي لأن المشتري لما اشترى البقرة أعدها للتقرب؛ لأنه نوى بها التقرب. م: (فيمنع عن بيعها تمولا) ش: أي إذا كان كذلك فيمنع عن بيع البقرة لأجل التمول م: (والاشتراك هذه صفته) ش: وفي بعض النسخ والاشتراك، قوله: هذه إشارة إلى المبادلة التي ذكر عليها سياقا والضمير في صفته يرجع إلى الاشتراك، وحاصل المعنى إذا وقع الاشتراك صار مبادلة؛ لأنه أعطي بدلا مالا وأخذ مالا، فقوله: والاشتراك مبتدأ وهذه مبتدأ ثاني وصفته خبر المبتدأ الثاني، والجملة خبر المبتدأ الأول، فهذا هو تحقيق هذا التركيب والنظر إلى الشروح ترى أنها بمعزل عن هذا. م: (وجه الاستحسان: أنه) ش: أي في المضحي م: (قد يجد بقرة سمينة يشتريها ولا يظفر بالشركاء وقت البيع، وإنما يطلبهم بعده) ش: أي بعد الشراء م: (فكانت الحاجة إليه) ش: أي إلى الاشتراك م: (ماسة فجوزناه) ش: أي الاشتراك بعد الشراء م: (دفعا للحرج) ش: لأن الحرج مرفوع شرعا. م: (وقد أمكن) ش: أي دفع حاجة في هذه الصورة م: (لأن بالشراء للتضحية لا يمتنع البيع) ش: ذكره في " المبسوط " بنفس الشراء لا يمنع البيع ولا يتعين في الأضحية وبه قالت الثلاثة، ولهذا لو اشترى أضحية، ثم باعها، فاشترى مثلها، لم يكن به بأس. م: (والأحسن أن يفعل ذلك) ش: أي الاشتراك مع غيره م: (قبل الشراء ليكون أبعد عن الخلاف) ش: ويقع أضحية على وجه التعيين م: (وعن صورة الرجوع في القربة) ش: وليكون أيضا أبعد عن صورة الرجوع عن نية التقرب في شراء البقرة للتضحية. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يكره الإشراك بعد الشراء لما بينا) ش: أشار به على قوله: لأنه أعدها للتقرب فيمتنع بيعها تمولا، ثم إذا جاز عنه وعن شركائه، فهل يجب عليه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 20 قال: وليس على الفقير والمسافر أضحية لما بينا وأبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كانا لا يضحيان إذا كانا مسافرين، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ليس على المسافر جمعة ولا أضحية. قال: ووقت الأضحية يدخل بطلوع الفجر من يوم النحر،   [البناية] الذبح بسبب الأسباع التي باعها، ما بقي الوقت والتصدق بها بعد فوات الوقت أم لا؟، لم يذكره محمد في " الأصل "، وقد قال شيخ الإسلام المؤذن بخواهر زاده في شرح " الأصل ": حكي عن بعض مشايخ بلخ أنهم قالوا: عليه الذبح، ستة أسباع بقرة مثل الأولى في القيمة يشتري مع عتيرة فيذبح أو يشتري في ستة شاة، وفي الستة مثل قيمة ستة أسباع البقرة أو أكثر ويذبحها وإن مضى الوقت فإنه يتصدق بقيمة ستة أسباع البقرة غنيا كان أو فقيرا. وقال القدوري في " شرحه لمختصر الكرخي ": وهذا الذي ذكره محمد من جواز الاشتراك بعد الشراء للأضحية، محمول على الغني إذا اشترى بقرة الأضحية؛ لأن ملكه لا يزول بالشراء، وإنما يقيمها عند الذبح مقام ما وجب عليه فإذا بقي منها سبع وكأنه اشترى ذلك في الأصل، إلا أنه يكره؛ لأنه حين اشتراها ليضحي بها فقد وعد وعدا، فلا ينبغي أن يرجع فيه. وأما الفقير الذي أوجبها بالشراء فإنه لا يجوز أن يشترك فيها؛ لأنها تعينت بالوجوب فلم يسقط عنه ما لو أوجب على نفسه، ثم قال القدوري: وقد قالوا في مسألة الغني إذا اشترك بعدما اشتراها: ينبغي أن يتصدق بالثمن وإن لم يذكره محمد. [الأضحية على الفقير والمسافر] م: (قال: وليس على الفقير والمسافر أضحية) ش: أي قال القدوري م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: واليسار ولما روينا والإقامة لما بينا م: (وأبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كانا لا يضحيان إذا كانا مسافرين) ش: هذا لم يثبت عنهما بهذه العبارة، ولا ذكره أهل الحديث، وإنما الذي ذكره عن أبي شريحة الغفاري أنه قال: أدركت أو رأيت أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يضحيان. وقد ذكرناه فيما مضى وهذا أعم من الإقامة والسفر م: (وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ليس على المسافر جمعة ولا أضحية) ش: هذا أيضا لم يثبت عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فإن قيل: هذا مقدم في الجمعة. قلت: هذا ليس بصحيح، وإنما الذي يقدم في الجمعة إنما هو حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مرفوعا: «لا جمعة ولا تشريق ولا أضحى ولا فطر إلا في مصر جامع» ولم يتقدم غيره. [وقت الأضحية] م: (قال: ووقت الأضحية يدخل بطلوع الفجر من يوم النحر) ش: أي قال القدوري: وقال إسحاق، وأحمد، وابن المنذر: إذا مضى من نهار يوم العيد قدر ما تحل الصلاة فيه والخطبات جازت الأضحية سواء صلى الإمام أو لم يصل، وسواء كان في المصر أو في القرى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 21 إلا أنه لا يجوز لأهل الأمصار الذبح حتى يصلي الإمام العيد، فأما أهل السواد فيذبحون بعد الفجر والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من ذبح قبل الصلاة فليعد ذبيحته، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين» ، وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن أول نسكنا في هذا اليوم الصلاة، ثم الأضحية» . غير أن هذا الشرط في حق من عليه الصلاة، وهو المصري دون أهل السواد؛ لأن التأخير لاحتمال التشاغل به عن الصلاة، ولا معنى للتأخير في حق القروي، ولا صلاة عليه. وما روينا   [البناية] م: (إلا أنه لا يجوز لأهل الأمصار الذبح حتى يصلي الإمام العيد، فأما أهل السواد) ش: أي أهل القرى م: (فيذبحون بعد الفجر) ش: ولا يسقط فيهم صلاة الإمام م: (والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من ذبح قبل الصلاة فليعد ذبيحته، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين» ش: أي الأصل فيه ترتيب الأضحية على الصلاة. الحديث أخرجه البخاري، ومسلم عن البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «- قال: ضحى خالي أبو بردة قبل الصلاة، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " تلك شاة لحم " فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن عندي جذعة من المعز؟، فقال: " ضح بها، ولا يصلح لغيرك " ثم قال: " من ضحى قبل الصلاة لا يجوز، ومن ضحى بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين» . وأخرجه البخاري عن أنس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ذبح قبل الصلاة فليعد، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وقد أصاب سنة المسلمين» . م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن أول نسكنا في هذا اليوم الصلاة، ثم الأضحية» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم، بمعناه عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن أول ما يبتدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء» . م: (غير أن هذا الشرط) ش: وهو كون ذبح الأضاحي بعد صلاة الإمام م: (في حق من عليه الصلاة) ش: أي صلاة العيد، وهو المصري، أي الذي عليه الصلاة م: (وهو) ش: الرجل م: (المصري دون أهل السواد) ش: لأنه لا صلاة عليهم. م: (لأن التأخير) ش: أي تأخير ذبح الأضاحي عن صلاة الإمام م: (لاحتمال التشاغل به عن الصلاة) ش: أي بالذبح عن صلاة العيد مع الإمام. م: (ولا معنى للتأخير في حق القروي ولا صلاة عليه) ش: أي والحال أنه لا صلاة عليه فلا يحصل التشاغل بالمذكور. م: (وما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ذبح قبل الصلاة» .... " الجزء: 12 ¦ الصفحة: 22 حجة على مالك والشافعي - رحمهما الله - في نفي الجواز بعد الصلاة قبل نحر الإمام.   [البناية] الحديث. م: (حجة على مالك والشافعي - رحمهما الله - في نفي الجواز بعد الصلاة قبل نحر الإمام) ش: مذهب الشافعي ليس كذلك؛ لأنه ما يشترط نحر الإمام، ولكنه اشترط فراغ الإمام عن الخطبة فمن هذا الوجه يكون حجة عليه، لا من الوجه الذي ذكره، ولذلك قال في " المحلى ": لا معنى لمنع الشافعي التضحية قبل تمام الخطبة؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يحدد وقتا لتضحيته بذلك، فإنما مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو الذي شرط نحر الإمام. واختلف أصحاب مالك في الإمام الذي لا يجوز أن يضحى قبل تضحيته. قال بعضهم: هو أمير المؤمنين، وقال بعضهم: أمير البلد، وقال بعضهم: هو الذي يصلي بالناس صلاة العيد. وقال ابن حزم: وقول مالك فلا حجة به، وخلاف الخبر أيضا، إذ لم يأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقدر المراعاة قدر لصحة الغير وما يعرف في مراعاة تضحية الإمام عن أحد قبله. قيل في جوابه: فقد أخبر أبو الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر، ولا ينحروا حتى نحر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . والجواب عن هذا: أن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن أول نسكنا في هذا اليوم .... » الحديث، يدل عل أن الوقت نحر الإمام، وقيل الصلاة، لإضافة النسك إلى اليوم، وهو من أول طلوع الفجر، إلا أن في المصر شرط الصلاة بجوازها لحديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذي ذكره عن قريب. فإن قلت: المعارضة لا تندفع مما ذكرت. قلت: تندفع بحديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذا لا يساوي حديث البراء، لصحة حديث البراء، ولعدم تبين صحة ذلك. وفي " الدراية ": ولو كانت بلدة لا يصلى فيها لوقوع الفتنة، ولغلبة أهل الفتنة، أو لعدم السلطان أو نائبه يضحون بعد الزوال لا قبله؛ لأن قبل ذلك الصلاة مرجوح. وفي " فتاوى الولوالجي ": بلدة وقع فيها فتنة ولم يبق فيها وال ليصلي بهم صلاة العيد، فضحى بعد طلوع الفجر جاز. وهو المختار؛ لأنه صارت البلدة في حق هذا الحكم كالسواد. وفي " الفتاوى الكبرى ": ولو كانت الصلاة إما سهوا أو عمدا جاز لهم التضحية في هذا اليوم، ولو خرج الإمام إلى الصلاة من الغد فضحى الناس قبل أن يصلي الإمام، جاز؛ لأن الوقت المسنون فات من زوال الشمس من اليوم الأول فبعده الصلاة على وجه القضاء فلا تظهر الجزء: 12 ¦ الصفحة: 23 ثم المعتبر في ذلك مكان الأضحية حتى لو كانت في السواد والمضحي في المصر يجوز كما انشق الفجر، ولو كان على العكس لا يجوز إلا بعد الصلاة وحيلة المصري إذا أراد التعجيل أن يبعث بها إلى خارج المصر فيضحي بها كما طلع الفجر؛ هذا لأنها تشبه الزكاة من حيث إنها تسقط   [البناية] في حق التضحية. ولو صلى الإمام صلاة العيد بغير وضوء، ولم يعلم به حتى ذبح الناس جازت أضحيتهم سواء أعلموا قبل أن يتفرق الناس أو بعده، ومتى علم الإمام ونادى للصلاة ليعيدها فمن ذبح قبل العلم بالنداء جاز، وبعده لا. ولو خرج بعد الزوال جاز؛ لأنه مضى مدة وقت الإعادة. كذا في " الذخيرة "، و " فتاوى قاضي خان ". [سافر رجل فأمر أهله وهم في المصر أن يضحوا عنه] م: (ثم المعتبر في ذلك) ش: أي في الذبح م: (مكان الأضحية حتى لو كانت في السواد والمضحي في المصر) ش: أي: وكان الذي يضحي في المصر م: (يجوز كما انشق الفجر) ش: لدخول الوقت م: (ولو كان على العكس) ش: وهو ما إذا كانت الأضحية في المصر والمضحي في السواد م: (لا يجوز إلا بعد الصلاة) ش: لعدم دخول الوقت قبل الصلاة، قال الكرخي في " مختصره ": إن كان رجل من أهل السواد، وسكنه فيه دخل المصر لصلاة الأضحى، وأمر أهله أن يضحوا عنه، فإنه يجوز أن يذبحوا عنه بعد طلوع الفجر. وإن سافر رجل فأمر أهله وهم في المصر أن يضحوا عنه، فإنه لا يجوز أن يذبحوا عنه إلا بعد صلاة الإمام وطلوع الفجر. قال محمد: أنظر إلى موضع الذابح ولا أنظر إلى موضع المذبوح عنه، وروي ذلك عن ابن سماعه في " نوادره "، وكذلك روى الحسن بن زياد عن أبي يوسف أنه قال: يعتبر المكان الذي يكون فيه الذبح، ولا يعتبر الموضع الذي يكون فيه المذبوح عنه. وقال الحسن: إن كان الرجل في المصر، وأهله في آخر لم يذبحوا حتى يصلى في المصرين جميعا، فإن ذبحوا قبل ذلك لم يجزه. وقال محمد: يؤخر الذبح حتى يصلى في المصر الذي فيه الذبيحة ولا ينتظر بذلك صلاة المصر الآخر، فإن صلى الإمام العيد ولم يخطب أجزئ من الذبح، وقال محمد: إن أخر الإمام صلاة العيد فليس للرجل أن يذبح الأضحية حتى ينتصف النهار. م: (وحيلة المصري إذا أراد التعجيل أن يبعث بها) ش: أي بالأضحية م: (إلى خارج المصر فيضحي بها كما طلع الفجر) ش: لأن الاعتبار لمكان الأضحية كما مر. م: (هذا) ش: أشار إلى كون مكان الأضحية معتبرا. م: (لأنها) ش: أي الأضحية م: (تشبه الزكاة من حيث إنها تسقط الجزء: 12 ¦ الصفحة: 24 بهلاك المال قبل مضي أيام النحر كالزكاة بهلاك النصاب، فيعتبر في الصرف مكان المحل، لا مكان الفاعل اعتبارا بها بخلاف صدقة الفطر؛ لأنها لا تسقط بهلاك المال بعدما طلع الفجر من يوم الفطر. ولو ضحى بعدما صلى أهل المسجد، ولم يصل أهل الجبانة أجزأه استحسانا؛ لأنها صلاة معتبرة حتى لو اكتفوا بها أجزأتهم، وكذا على عكسه. وقيل: هو جائز قياسا واستحسانا.   [البناية] بهلاك المال قبل مضي أيام النحر كالزكاة) ش: تسقط م: (بهلاك النصاب فيعتبر في الصرف) ش: أي صرف الواجب م: (مكان المحل) ش: أي محل الذبح م: (لا مكان الفاعل اعتبارا بها) ش: أي بالزكاة حيث يؤدى في موضع المال دون موضع صاحبه. م: (بخلاف صدقة الفطر) ش: حيث يعتبر فيها مكان الفاعل وهو المؤدي م: (لأنها لا تسقط بهلاك المال بعدما طلع الفجر من يوم الفطر) ش: فحينئذ يعتبر مكان صاحب الذمة وهو المؤدي. [ضحى بعدما صلى أهل المسجد ولم يصل أهل الجبانة] م: (ولو ضحى بعدما صلى أهل المسجد، ولم يصل أهل الجبانة) ش: بفتح الجيم وتشديد الباء وبعد الألف نون، وهو المصلى الذي يتخذ في قفار المصر ليصلى فيها العيد، ونحوه، وهذا من مسائل " الأصل " ذكره تفريعا على مسألة القدوري، وصورته: ما ذكره الكرخي في " مختصره ": وإذا كان الإمام قد خلف من يصلي بضعفة الناس في المسجد وفي المصر، ويخرج بالآخرين إلى المصلى فصلى في أحد المسجدين أيهما كان جاز ذبح الأضحى، انتهى. وهو معنى قوله: م: (أجزأه استحسانا؛ لأنها صلاة معتبرة حتى لو اكتفوا بها) ش: أي بالصلاة في المسجد في المصر م: (أجزأتهم) ش: حتى لا يجب عليهم الذهاب إلى الجبانة، ولو لم تكن معتبرة يجب عليهم الذهاب إلى الجبانة في القياس لا يجوز؛ لأنها عبارة دارت بين الجواز وعدمه، فيبقى أن لا تجوز احتياطا وهذا لأنه من حيث كونها بعد الصلاة يجوز من حيث كونها قبل الصلاة التي تؤدى في الجبانة لا تجوز. م: (وكذا على عكسه) ش: أي: وكذا يجوز استحسانا لا قياسا عكس الحكم المذكور وهو أن يصلي أهل الجبانة دون أهل المسجد. م: (وقيل: هو) ش: أي العكس م: (جائز قياسا واستحسانا) ش: لأن أداء الصلاة في المسجد أخص منها بالجبانة. قال الحلواني: هذا إذا ضحى رجل ممن صلى. أما إذا ذبح رجل من الذين لم يصلوا لم يجز قياسا واستحسانا. قال الزعفراني: يجري القياس والاستحسان في الذبح بعد أحد الصلوات مطلقا بعدما تصلي إحدى الطائفتين. فإن قلت: أصل هذه المسألة: فإذا قلت صورها محمد على هذا الوجه؛ لأن علي بن أبي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 25 قال: وهي جائزة في ثلاثة أيام: يوم النحر، ويومان بعده   [البناية] طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يستخلف بالكوفة من يصلي صلاة العيد بالصفة في المسجد الجامع، وكان يخرج مع الأقرباء إلى الجبانة، كذا ذكره شيخ خواهر زاده في " شرح الأصل ". وقالوا في " شرح الجامع الصغير " في كتاب الحج: دونت المسألة على أن صلاة العيد في مصر واحد في موضعين تجوز بخلاف صلاة الجمعة فإنها لا تجوز في موضعين في مصر واحد؛ لأنها سميت جمعة لاجتماع الناس وفي ذلك تفرقهم. [أيام النحر وأفضل هذه الأيام] م: (قال: وهي جائزة في ثلاثة أيام: يوم النحر، ويومان بعده) ش: أي قال القدوري: الأضحية جائزة في ثلاثة أيام: يوم النحر أولها، والثاني والثالث: وهما يومان بعد يوم النحر. وبه قال مالك، وأحمد، والثوري، وهو قول ستة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وهم عمر، وعلي، وابن عباس، وابن عمر، وأبو هريرة، وأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقال ابن سيرين: لا يجوز إلا في يوم النحر خاصة؛ لأنها وظيفة عيد فلا يجوز إلا في يوم واحد كأداء الفطرة يوم الفطر. وبقوله قال سعيد بن جابر، وجابر بن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في أهل الأمصار، وبقولنا في أهل منى، وقال أهل الظاهر: يجوز التضحية إلى هلال محرم، وبه قال سلمة بن عبد الرحمن، وعطاء بن يسار. وروى محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وسليمان بن يسار أنهما قالا بلغنا أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الأضاحي إلى هلال المحرم لمن أراد أن يستأني ذلك» . قلت: روى ذلك أبو داود في " المراسيل ". فإن قلت: " المراسيل " عندكم حجة، وكذا عند المالكية فكان ينبغي أن يقول به. قلت: قول الصحابة الذين لم يرو عن غيرهم من الصحابة خلافه أولى بأن يقال به. وعن قريب يتبين أقوالهم. وقال صاحب " الاستذكار ": روي ذلك عن علي وابن مسعود وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولم يختلف فيه عن أبي هريرة وأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو الأصح عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وهو مذهب أبي حنيفة والثوري ومالك، وفي " نوادر الفقهاء " لابن بنت نعيم: أجمع الفقهاء أن التضحية في اليوم الثالث عشر غير جائز إلا الشافعي فإنه أجازها فيه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 26 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثلاثة أيام بعده لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أيام التشريق كلها أيام ذبح» .   [البناية] وفي " التفريع ": قال مالك: وقتها يوم النحر ويومان بعده، ولا يضحى في اليوم الرابع ولا يضحى بليل، وقال الحربي: وإذا مضى نهار من يوم الأضحى مقدار صلاة الإمام العيد وخطبته فقد حل الذبح إلى آخر يومين من أيام التشريق نهارا ولا يجوز ليلا. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثلاثة أيام بعده) ش: أي بعد يوم النحر، فالجملة أربعة أيام عنده، وبه قال عطاء والحسن. وقال أصحاب الشافعي: أول الوقت بانقضاء وقت الكراهة بعد طلوع الشمس يوم العيد وبعد مقدار خطبتين وركعتين خفيفتين، وقيل: بل طويلتين على العادة، وآخره غروب الشمس ثالث أيام التشريق، ويجزئ بالليل وفي اليوم الثالث من أيام التشريق. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أيام التشريق كلها أيام ذبح» ش: هذا الحديث أخرجه أحمد في " مسنده " وابن حبان في " صحيحه " من حديث عبد الرحمن بن أبي جبير عن جبير بن مطعم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كل أيام التشريق ذبح وعرفة كلها موقف ...... » الحديث وقد مر في الحج ورواه البيهقي أيضا. والجواب عن هذا: أن فيه اضطرابا كثيرًا بين صاحب الشعر وبين البيهقي أيضا بعضه. قال: ورواه سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف عند بعض أهل النقل. قلت: هو ضعيف عند كلهم أو أكثرهم، وقد ذكره في كتابه في باب المعتكف يصوم فقال: ضعيف بمرة لا يقبل منه ما ينفرد به، ورواه البزار في " مسنده "، وقال ابن أبي حسين: لم يلق جبير بن مطعم فيكون منقطعا؛ لأنه يرجحه. فإن قلنا: أخرجه أحمد أيضا والبيهقي عن سليمان بن موسى عن جبير بن مطعم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: قال البيهقي سليمان بن موسى لم يدرك جبير بن مطعم فيكون منقطعا. فإن قلت: أخرج ابن عدي في " الكامل " عن معاوية بن يحيى الصدفي عن الزهري عن ابن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيام التشريق كلها ذبح» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 27 ولنا: ما روي عن عمر وعلي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: أنهم قالوا: أيام النحر ثلاثة أفضلها أولها. وقد قالوه سماعا؛ لأن الرأي لا يهتدي إلى المقادير. وفي الأخبار تعارض، فأخذنا بالمتيقن   [البناية] قلت: معاوية بن يحيى ضعفه النسائي وابن معين وعلي بن المديني، وقال ابن أبي حاتم في كتاب " العلل ": فإن هذا حديث موضوع بهذا الإسناد. فإن قلت: أخرج البيهقي من حديث طلحة بن عمر وعن عطاء وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الأضحى ثلاث أيام بعد أيام النحر. قلت: أخرج الطحاوي بسند جيد عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الأضحى ثلاثة أيام ويومان بعد يوم النحر. م: (ولنا ما روي عن عمر وعلي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم قالوا أيام النحر ثلاثة أفضلها أولها) ش: قال الزيلعي في " تخريج أحاديث الهداية ": هذا غريب جدا، يعني عن هؤلاء الأصحاب الثلاثة، وليس كذلك. قال الكرخي: قال في " مختصره ": حدثنا أبو بكر محمد بن الجنيد قال: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا ابن أبي ليلى عن المنهال ابن عمرو عن زر بن حبيش وعباد بن عبد الله الأسدي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أنه كان يقول: أيام النحر ثلاثة أيام أولهن أفضلهن. وعن ابن عباس وعن ابن عمر مثله قال: " النحر ثلاثة أيام أولها أفضلها ". وروي: " النحر ثلاثة أيام " عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير، وعن الحسن وعن إبراهيم النخعي. وقال محمد في كتاب " الآثار ": أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن علقمة قال: الأضحى ثلاثة أيام يوم النحر ويومان بعده. وحديث مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " الموطأ " عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يقول: الأضحى يومان بعد يوم الأضحى. وفي " سنن البيهقي " عن قتادة عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الذبح بعد يوم النحر يومان. م: (وقد قالوه سماعا؛ لأن الرأي لا يهتدي إلى المقادير) ش: لأن تخصيص العبادات بوقت لا يعرف إلا سماعا وتوقيتا. فالمروي عنهم كالمروي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (وفي الأخبار تعارض فأخذنا بالمتيقن) ش: أراد بالأخبار ما رواه الشافعي - رضي الله الجزء: 12 ¦ الصفحة: 28 وهو الأقل، وأفضلها أولها كما قالوا؛ ولأن فيه مسارعة إلى أداء القربة، وهو الأصل إلا لمعارض، ويجوز الذبح في لياليها إلا أنه يكره لاحتمال الغلط في ظلمة الليل.   [البناية] عنه - من حديث جبير بن مطعم - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وما رواه الكرخي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن الصحابة المذكورين، وجه التعارض: أن الحديث يقتضي جواز الأضحية في اليوم الرابع من النحر، والأخبار تقتضي الاقتصار على ثلاثة أيام. م: (وهو الأقل) ش: أي المتيقن هو الأقل. فإن قلت: إذا كان الأخذ بالمتقين أولى كان ينبغي أن يؤخذ بقول ابن سيرين، حيث لم يجوز إلا يوم النحر خاصة كما ذكرناه. قلت: ترك هذه المخالفة قول الصحابة الكبار فلا يعتبر على ما ورد عن هؤلاء الذين ذكرناه م: (وأفضلها أولها كما قالوا) ش: أي أفضل الأيام الثلاثة أولها وهو يوم النحر كما قال عمر وعلي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. م: (ولأن فيه) ش: أي في أول الأيام م: (مسارعة إلى أداء القربة) ش: فيكون أفضل لقوله سبحانه وتعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} [آل عمران: 133] الآية. م: (وهو الأصل) ش: أي المسارعة إلى أداء القربة هو الأصل. وذكر الضمير باعتبار التنازع م: (إلا لمعارض) ش: أي إلا لأجل عرض يؤخذ كما في الإسفار بالفجر والإبراد بالظهر. وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر وأبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم» . م: (ويجوز الذبح في لياليها) ش: أراد الليلتين المتسوطتين لا ليلة الرابع عندنا لخروج وقت التضحية بغروب الشمس، من اليوم الثاني عشر، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يبقى، أما ليلة العاشر وهي ليلة العيد لا يجوز بإجماع العلماء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فبقولنا قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأحمد وأصحاب الظواهر. وقال مالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في رواية: لا يجوز في الليل؛ لأنه سبحانه وتعالى قال: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28] (الحج: الآية 28) . ولنا أن الليل تبيع اليوم فصار وقتا للذبح، ولهذا يجوز الرمي فيه بالإجماع فيكون وقتا للذبح. م: (إلا أنه يكره لاحتمال الغلط في ظلمة الليل) ش: أي في الذبح أو في الشاة من أنها له أو لغيره. أو لغلط مع شاة فإن فيها بعض الشروط. فإن قلت: «روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه نهى عن الذبح بالليل» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 29 وأيام النحر ثلاثة، وأيام التشريق ثلاثة، والكل يمضي بأربعة أولها نحر لا غير، وآخرها تشريق لا غير. والمتوسطان: نحر وتشريق. والتضحية فيها أفضل من التصدق بثمن الأضحية؛ لأنها تقع واجبة، أو سنة،   [البناية] قلت: في سنده ميسر بن عبيد وهو مذكور بوضع الحديث عمدا. فإن قلت: روى البيهقي من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسن «أنه قال لقيم له خديجة بالليل: ألم تعلم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن حداد الليل وحرام النحل أو قال: حصار النحل» . قال الثوري: يكون بالنهار ويحصره المساكين. فسألوا جعفرا عن الأضحى بالليل فقال: لا. وروى البيهقي من حديث أشعب بن عبد الملك عن الحسن قال: «نهى عن حداد الليل وحصاد الليل والأضحى بالليل» . قلت: قال البيهقي: إنما كان ذلك من شدة حال الناس، كان الرجل يفعله ليلا فنهي، ثم رخص في ذلك. م: (وأيام النحر ثلاثة، وأيام التشريق ثلاثة، والكل يمضي بأربعة أولها نحر لا غير) ش: يعني غير تشريق م: (وآخرها تشريق لا غير) ش: يعني وآخر أيام الأربعة تشريق من غير نحر م: (والمتوسطان) ش: وهما الحادي عشر والثاني عشر من الشهر م: (نحر وتشريق) ش: فيساويان في يومين ويشابهان في يومين. وقال القدوري في " شرحه ": هذه الأيام الثلاثة عندنا تدخل فيها المعلومات والمعدودات. لأن أبا يوسف قال: إن المعلومات أيام التشريق وأيام النحر من المعدودات وليس من المعلومات، وآخر أيام التشريق من المعلومات وليس من المعدودات، واليوم الثاني والثالث من المعدودات والمعلومات. م: (والتضحية فيها) ش: أي في أيام النحر م: (أفضل من التصدق بثمن الأضحية؛ لأنها) ش: أي التضحية م: (تقع واجبة) ش: على ظاهر الرواية الذي هو قول أبي حنيفة م: (أو سنة) ش: أي أو تقع سنة على رواية أخرى، وهي قولهما والشافعي وأحمد؛ لأن إراقة الدم في هذه الأيام أفضل؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والخلفاء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بعده ضحوا فيها. ولو كان التصدق أفضل لاشتغلوا به. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 30 والتصدق تطوع محض فتفضل عليه، ولأنها تفوت بفوات وقتها. والصدقة يؤتى بها في الأوقات كلها، فنزلت منزلة الطواف والصلاة في حق الآفاقي، ولو لم يضح حتى مضت أيام النحر إن كان أوجب على نفسه، أو كان فقيرا، وقد اشترى شاة للتضحية تصدق بها حية، وإن كان غنيا تصدق بقيمة شاة اشترى أو لم يشتر؛ لأنها واجبة على الغني، وتجب على الفقير بالشراء بنية التضحية عندنا،   [البناية] [لم يضح حتى مضت أيام النحر] م: (والتصدق تطوع محض) ش: وإتيان السنة المؤكدة أفضل من إتيان التطوع م: (فتفضل عليه) ش: أي تفضل الأضحية على الصدقة، ولو قال " عليه " أي على التصدق لكان أولى؛ لأنه هو المذكور م: (ولأنها) ش: أي التضحية م: (تفوت بفوات وقتها والصدقة يؤتى بها في الأوقات كلها فنزلت منزلة الطواف والصلاة في حق الآفاقي) ش: فإن طواف التطوع في حقه أفضل من صلاة التطوع بمكة، بخلاف المكي، لما ذكرنا من المعنى ولا يعلم فيه خلاف. م: (ولو لم يضح حتى مضت أيام النحر إن كان أوجب على نفسه) ش: بأن قال: لله تعالى علي أن أضحي بها أو أذبحها أو نحو ذلك سواء كان الموجب غنيا أو فقيرا. وقال الكاكي: قيد الإيجاب غير مفيد؛ لأنه لو كان واجبا بدون الإيجاب على نفسه والحكم كذلك. قلت: بل هو مفيد؛ لأنه إذا كان فقيرا واشترى من غير نية الأضحية، ومضت أيام النحر لم يجب عليه التصدق. م: (أو كان فقيرا) ش: أي أو كان الرجل فقيرا م: (وقد اشترى شاة للتضحية تصدق بها حية) ش: يعني الفقير. م: (وإن كان غنيا تصدق بقيمة شاة اشترى أو لم يشتر؛ لأنها واجبة على الغني، وتجب على الفقير بالشراء بنية التضحية عندنا) ش: خلافا للشافعي وأحمد، واعلم أن الشاة تتعين للأضحية بأن نذر أن يضحي بها أو نوى عند الشراء وأن يضحي بها، وكان المشتري فقيرا. هذا ظاهر الرواية. وروى الزعفراني عن أصحابنا: أن التضحية بعينها لا تجب إلا بالنذر ولا تجب التضحية بعينها بنية الشرى للأضحية، وإن كان المشتري فقيرا، وهو القياس، وهو قول الشافعي. لأن القرب يلزم بأحد الأمرين: إما بالشروع أو بالنية، لم يوجد بالشراء مع نية الأضحية لا هذا ولا ذاك فلا يلزمه كما لو اشترى مالا بنية التصدق، أو عبدا بنية العتق. وجه الاستحسان: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دفع إلى حكيم بن حزام دينارا يشتري له بها أضحية الجزء: 12 ¦ الصفحة: 31 فإذا فات الوقت يجب عليه التصدق إخراجا له عن العهدة، كالجمعة تقضى بعد فواتها ظهرا، والصوم بعد العجز فدية.   [البناية] فاشترى بها ثم باعها بدينارين ثم اشترى شاة بدينار فجاء بالشاة والدينار إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأخبره بذلك فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " بارك الله لك في صفقة يمينك " وأمره أن يضحي بالشاة ويتصدق بالدينار.» فلولا أن الأضحية لزمته بمجرد النية لما أمر بالتصدق وفيه دليل على جواز بيع الأضحية. [وقت ذبح الأضحية] م: (فإذا فات الوقت يجب عليه التصدق إخراجا عن العهدة) ش: فيتصدق بالشاة إن كانت حية وكان فقيرا، وإن كان غنيا يتصدق بقيمة شاة اشترى أو لا، كما ذكرنا حتى لو ذبح الغني أو الفقير ولم يتصدق بعينها لا يحل له تناولها ويضمن فضل ما قيمتها مذبوحة وغير مذبوحة. كذا في " الأوضح ". م: (كالجمعة تقضى بعد فواتها ظهرا) ش: إذ الجامع بينهما من حيث إن قضاء ما وجب عليه في الأداء غير جنس الأداء بطريق الاحتياط، وهذا لأن التضحية، وإن ثبتت قربة في أيامها بالنص، إلا أنه احتمل أن يكون التصدق بعين الشاة أو بقيمتها أصلا؛ لأنه هو المشروع في باب المال. كما في سائر الصدقات. وإنما نقل إلى التضحية تطيبا لطعام الضيافة. فإن قلت: لو كان التصدق أصلا لكان أحب من التضحية في أيامها. قلت: هذا موهوم، فلم يعتبر مقابلة المنصوص المتيقن، فإذا فات المتيقن عملنا بالموهوم احتياطا، كما في الفدية، إذا عجز عن الصوم، أشار إليه بقوله: (والصوم بعد العجز فدية) ش: أي كالصوم يقضى بعد العجز فدية. فإن قلت: فدية منصوب بماذا؟ قلت: على التمييز يعني من حيث الفدية وكذا انتصاب ظهرا فافهم. وفي " الذخيرة " من كان موسرا في آخر الوقت فلم يضح ومضى الوقت وجب عليه التصدق بقيمة شاة حتى يلزمه الإيصاء بها وفيها. ومن نذر أن يضحي شاة بأن قال: لله علي أن أضحي شاة. فإن كان موسرا فعليه أن يضحي بشاتين إلا أن يعين ما يجب عليه. ولو كان فقيرا فعليه شاة، فإن أيسر كان عليه شاتان، فأوجب بالنذر وما وجب باليسر. وفي " الإيضاح ": لا يأكل مما وجب بالنذر شاة بعينها يصدق بينها بعد مضي الوقت. وفي " الأصل " لخواهر زاده: ولو باع ما اشترى للأضحية واشترى غيرها وضحى بها في الجزء: 12 ¦ الصفحة: 32 قال: ولا يضحي بالعمياء والعوراء والعرجاء التي لا تمشي إلى المنسك، ولا العجفاء لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تجزئ في الضحايا أربعة: العوراء البين عورها، والعرجاء البين عرجها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى» .   [البناية] أيام النحر فإن كانت الثانية مثل الأولى أو خير منها جاز ولا شيء عليه؛ لأنه أدى الواجب بالمثل وزيادة فإن كانت الثانية أقل قيمة من الأولى وقد اشترى الأولى بنية التضحية. وإن كان المشتري غنيا فإنه يجزيه ولا يلزمه التصدق بشيء، وإن كان فقيرا ضحى بالثانية يجزيه ويتصدق إلى تمام قيمة الأولى؛ لأن الثانية بنية الأضحية يجعل كالنذر من الفقير، ولو نذر أن يضحي بالأولى ثم باعها واشترى الأخرى وضحى بها، فإنه يجوز التضحية بالأخرى، كان عليه أن يتصدق إلى تمام قيمة الأولى فكذا هذا. [مالا يجزئ في الأضحية] [التضحية بالعمياء] م: (قال: ولا يضحي بالعمياء) ش: أي قال القدوري، وقال داود الأصفهاني: يجوز العمياء لأن الشرع ورد في العوراء ولم يرد في العمياء والقياس عندي ليس بحجة، وقالت العامة: الشرع لم يجوز العوراء والعمياء عور وزيادة فيكون النص الوارد في العوراء، وأراد في العمياء بدلالة النص كما في قوله سبحانه وتعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] . م: (والعوراء) ش: وهي الذاهبة إحدى العينين. م: (والعرجاء التي لا تمشي إلى المنسك) ش: بفتح الميم وسكون دون كسر السين، وهو الموضع الذي يذبح فيه والقياس فيه فتح من نسك لله نسكا ومنسكا إذا ذبح لوجهه. وقال القدوري في شرح " مختصر الكرخي ": إن العرج إذا لم يمنعها من المشي بنفسها جازت، وإن كان لا تمشي فإنه لا يجوز. م: (ولا العجفاء) ش: أي المهزولة، من عجف يعجف من باب علم يعلم م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تجزئ في الضحايا أربعة: العوراء البين عورها، والعرجاء البين عرجها، والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقى» ش: هذا الحديث أخرجه الأربعة عن شعبة أخبرني سليمان بن عبد الرحمن سمعت عبيد بن فيروز قال: «سألت البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عما نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه من الأضاحي؟ فقال: قام فينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصابعي أقصر من أصابعه وأناملي أقصر من أنامله فقال: " أربع لا تجوز في الضحايا العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والكسير التي لا تنقى» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 33 وقال: ولا تجزئ مقطوعة الأذن والذنب، أما الأذن فلقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «استشرفوا العين والأذن»   [البناية] وقال الترمذي: العجفاء عوض الكسير، وقال: حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبيد بن فيروز عن البراء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ورواه أحمد في " مسنده "، ومن طريق أحمد رواه الحاكم في " المستدرك " في الحج. ورواه مالك في الحج ورواه مالك في " الموطأ " عن عمرو بن الحارث عن عبيد بن فيروز عن البراء وقال: «العجفاء» ... ". وأخرجه الحاكم أيضا عن أيوب بن سويد حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن البراء بمثله وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، إنما أخرج مسلم حديث سليمان بن عبد الله عن عبيد بن فيروز عن البراء وهو مما أخذ على مسلم اختلاف الناقلين فيه، وأصحه حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن أبي سالم بن أيوب بن سويد. انتهى كلامه. قال الذهبي في " مختصره ": وأيوب بن سويد ضعفه أحمد. انتهى. قلت: وعلى الحاكم هنا اعتراضان، أحدهما: إن حديث عبيد بن فيروز عن البراء لم يروه مسلم، وإنما رواه أصحاب السنن، والآخر: أنه صح حديث أيوب بن سويد ثم أخرجه، قوله: «العوراء البين عورها» أي التي قد انتخست وذهبت؛ لأنها قد ذهبت عينها، والعضو عضو مستطاب، ولو كان على عينها بيان ولم يذهب جازت التضحية؛ لأن عورها ليس ببين، ولا ينقص ذلك لحمها. قوله: والمريضة البينة مرضها أي التي يبين أثر المرض عليها؛ لأن ذلك ينقص لحمها. وبه قال أحمد في الأصح. وقال الشافعي والقاضي الحنبلي: المراد بالمريضة الجرباء؛ لأن الجرب يفسد اللحم ويهزل إذا كثر، وهذا تقييد للمطلق وتخصيص للعموم بلا دليل، قوله: التي لا تنقى أي التي ليس بها نقي أي مخ من شدة الهزال وهو بكسر النون وسكون القاف. [التضحية بمقطوعة الأذن والذنب] م: (وقال: ولا تجزئ مقطوعة الأذن والذنب) ش: أي قال القدوري م: (أما الأذن فقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «استشرفوا العين والأذن» ش: هذا الحديث رواه اثنان من الصحابة أحدهما: علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نستشرف العين والأذن» قال الترمذي: حديث حسن صحيح. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 34 وإن بقي أكثر الأذن والذنب جاز؛ لأن للأكثر حكم الكل بقاء وذهابا، ولأن العيب اليسير لا يمكن التحرز عنه فجعل عفوا. واختلفت الرواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مقدار الأكثر، ففي " الجامع الصغير " عنه: وإن قطع من الذنب أو الأذن أو العين أو الإلية الثلث أو أقل أجزأه، وإن كان أكثر لم يجزه؛ لأن الثلث تنفذ فيه الوصية من غير رضا الورثة فاعتبر قليلا   [البناية] م: (وإن بقي أكثر الأذن والذنب جاز؛ لأن للأكثر حكم الكل بقاء وذهابا) ش: أي من حيث البقاء ومن حيث الذهاب، فإن كان الباقي كثيرا والذاهب قليلا يجوز، وإن كان الباقي قليلا والذاهب كثيرا لا يجوز. م: (ولأن العيب اليسير لا يمكن التحرز عنه فجعل عفوا) ش: لأن في اعتباره حرجا وهو مرفوع بالنص م: (واختلفت الرواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مقدار الأكثر ففي " الجامع الصغير " عنه) ش: أي عن أبي حنيفة. م: (وإن قطع من الذنب أو الأذن أو العين أو الإلية الثلث أو أقل) ش: أي من الثلث م: (أجزأه وإن كان أكثر) ش: أي من الثلث م: (لم يجزه) ش: وفي بعض النسخ لا يجوز م: (لأن الثلث تنفذ فيه الوصية من غير رضا الورثة فاعتبر قليلا) ش: وهو رواية هشام عن محمد قال الصدر الشهيد: وهو الأصح؛ لأنه ظاهر الرواية. قال محمد في " الأصل ": أرأيت إن كان ذهب من العين والأذن والطرف أقل من الثلث، هل يجزي؟ قال: نعم، وهذا لأن على ظاهر الرواية الثلث وما دونه من حد القلة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلا يمتنع الجواز. وقال في " الأصل " أيضا: رأيت إن كان ذهب أكثر من الثلث هل يجزئ؟ قال: لا. قال شيخ الإسلام في شرح " الأصل " وهذا عند أبي حنيفة لأن ما زاد على الثلث كثير عند أبي حنيفة، باتفاق الروايات. وقال في " الأصل " أيضا: أرأيت إن كان ذهب الثلث سواء، هل يجزئ؟ قال: نعم حسن صحيح، ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال: إسناده صحيح. ورواه أيضا أبو داود عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بنحوه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. ورواه ابن حبان في " صحيحه "، والحاكم في " المستدرك " وصحح إسناده أيضا، [ .... .] يحتج الشيخان بحجية بن عدي وهو من كبار أصحاب علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والآخر حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حذيفة البزار في " مسنده " والطبراني في " معجمه الأوسط " عن محمد ابن كثير الملائي حدثنا أبو سنان سعيد بن سنان عن أبي إسحاق الشيباني عن صلة بن زفر عن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 35 أي اطلبوا سلامتهما، وأما الذنب؛ فلأنه عضو كامل مقصود فصار كالأذن. قال: ولا التي ذهب أكثر أذنها وذنبها وفيما زاد لا تنفذ إلا برضاهم فاعتبر كثيرا. ويروى عنه: الربع؛ لأنه يحكي حكاية الكمال على ما مر في الصلاة.   [البناية] حذيفة قال: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نستشرف العين والأذن» . انتهى بلفظ البزار. وقال الطبراني: قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " استشرف العين ". وقال: لا يروى عن حذيفة إلا بهذا الإسناد وكذلك قال البزار رواه، قال: وقد روي عن علي من غير وجه م: (أي اطلبوا سلامتهما) ش: من آفة مخرج أو عور، والمعنى اطلبوهما شريفتين بالتمام والسلامة. م: (وأما الذنب فلأنه عضو كامل مقصود فصار كالأذن) ش: حيث لا يجوز إذا كانت مقطوعة. [التضحية بالشاة التي ذهب أكثر أذنيها] م: (قال: ولا التي ذهب أكثر أذنها وذنبها) ش: أي قال القدوري: ولا تجزئ الشاة التي ذهب أكثر أذنيها أو ذهب أكثر أذنها، وبه قال الشافعي وأحمد، وقال مالك: إذا ذهب كل الأذن لا يجوز ولو ذهب دونه يجوز وبه قال عطاء. ولنا ما رواه أبو داود مسندا إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن» ، قال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: ما الأعضب؟ قال: النصف فما فوقه، وهذا يدل على أن العيب الكبير في العين والأذن يمنع من الأضحية، فأما اليسير من العين فلا يمنع؛ لأن الغنم لا تخلو من ذلك، ألا ترى أنه يفعل فيها على طريق المسمنة والعلاقة، فلو منع الأضحية لشق على الناس، وإذا كان الكثير مانعا والقيل غير مانع اختلفت الروايات في الحد الفاصل بينهما، عن أبي حنيفة على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وهذا لأن عند أبي حنيفة الثلث في ظاهر الرواية في حد العلة م: (وفيما زاد) ش: أي على الثلث م: (لا تنفذ) ش: أي الوصية م: (إلا برضاهم) ش: أي برضاء الورثة م: (فاعتبر) ش: أي ما زاد على الثلث م: (كثيرا) ش: نصب على الحال على ما لا يخفى. م: (ويروى عنه) ش: أي عن أبي حنيفة م: (الربع؛ لأنه يحكي حكاية الكمال على ما مر في الصلاة) ش: من انكشاف ربع العورة، وتقدير النجاسة بربع الثوب، وهذه الرواية رواية شجاع عن أبي حنيفة، وقد ذكر ابن شجاع في كتاب " المناسك ": أن الربع إذا ذهب لم يجز. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 36 ويروى الثلث؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث الوصية: «الثلث، والثلث كثير» ، وقال أبو يوسف ومحمد: إذا بقي الأكثر من النصف أجزأه اعتبارا للحقيقة على ما تقدم في الصلاة، وهو اختيار الفقيه أبي الليث. وقال أبو يوسف: أخبرت بقولي أبا حنيفة فقال: قولي هو قولك، قيل: هو رجوع منه إلى قول أبي يوسف. وقيل: معناه: قولي قريب من قولك،   [البناية] م: (ويروى الثلث لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث الوصية: «الثلث، والثلث كثير» ش: هذا الحديث رواه الجماعة عن سعيد بن أبي وقاص قال: «قلت: يا رسول الله إن لي مالا كيرا وإنما ترثني ابنتان وأنا أوصي بمالي كله؟ قال: " لا "، قال: بالثلثين؟ قال: " لا "، قال: فالبنصف؟ قال: " لا "، فبالثلث؟ قال: " الثلث، والثلث كثير» ، وسيجيء من بعد الكلام في كتاب الوصية. م: (وقال أبو يوسف ومحمد: إذا بقي الأكثر من النصف أجزأه اعتبارا للحقيقة) ش: لأن القليل والكثير في الأسماء المتقابلة فما دون النصف يكون قليلا م: (على ما تقدم في الصلاة) ش: يعني إذا كان أكثر من نصف الساق يمنع وعن أبي يوسف في ذلك ثلاث روايات: في رواية يجزئه ما دون النصف ويمنع بما زاد عليه، وفي رواية " الجامع ": يمنع النصف، وفي رواية كقولهما يمنع الربع لا ما دونه ويمنع ما فوقه مطلقا. م: (وهو اختيار الفقيه أبي الليث) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد وهو الذي اختاره أبو الليث في شرح " الجامع الصغير " وإليه رجع أبو حنيفة. م: (وقال أبو يوسف: أخبرت بقولي أبا حنيفة فقال: قولي هو كقولك) ش: يعني أخبرت بقولي في النصف فقال أبو حنيفة: قولي هو قولك، قيل: معناه أحدث بقولك، وقيل معناه: أن تقديري بالثلث اجتهاد كتقديرك بالنصف، كذا في " المختلف ". م: (قيل: هو رجوع منه إلى قول أبي يوسف) ش: أي قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأبي يوسف قولي هو قولك، رجوع من قوله إلى قول أبي يوسف؛ لأنه كان يقول أولا بالثلث قليلا، والكثير ما زاد على الثلث، ثم رجع وقال: الكثير النصف وما زاد عليه كقولهما. م: (وقيل: معناه: قولي قريب من قولك) ش: لأن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبر الأكثر من النصف وأبا حنيفة اعتبر الأكثر من الثلث والثلث أقرب إلى النصف من الربع وغيره. وقال الكاكي: أي قولي الأول وهو أن الأكثر من النصف، الثلث مانع لا ما دونه، أقرب إلى قولك الذي هو أن الأكثر من النصف إذا نفى أجزأه بالتشبه إلى قول من يقول إن الربع أو الثلث مانع. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 37 وفي كون النصف مانعا روايتان عنهما، كما في انكشاف العضو عن أبي يوسف، ثم معرفة المقدار في غير المعين متيسر وفي العين قالوا: تشد العين المعيبة بعد أن لا تعتلف الشاة يوما أو يومين، ثم يقرب العلف إليها قليلا قليلا، فإذا رأته من موضع أعلم على ذلك المكان، ثم تشد عينها الصحيحة، وقرب إليها العلف قليلا قليلا حتى إذا رأته من مكان أعلم عليه، ثم ينظر إلى تفاوت ما بينهما، فإن كان ثلثا، فالذاهب الثلث، وإن كان نصفا، فالنص`ف قال: ويجوز أن يضحي بالجماء، وهي التي لا قرن لها؛ لأن القرن لا يتعلق به مقصود، وكذا مكسورة القرن   [البناية] م: (وفي كون النصف مانعا روايتان عنهما) ش: أي عن أبي يوسف ومحمد في رواية مانع لأن القيل عفو، والنصف ليس بقليل لأن ما يقابله ليس بكثير، وفي رواية: غير مانع لأن المانع هو الكثير والنصف غير كثير لأن ما يقبله ليس بقليل. وفي " المبسوط ": النصف مانع مطلقا، فقال: لما استوى المانع والمجوز يرجح المانع احتياطا. م: (كما في انكشاف العضو عن أبي يوسف) ش: أي كما جاءت روايتان عن أبي يوسف في انكشاف نصف العضو وقد ذكرناه الآن م: (ثم معرفة المقدار في غير العين متيسر) ش: لأنه محسوس ظاهر. م: (وفي العين قالوا: تشد العين المعيبة بعد أن لا تعتلف الشاة يوما أو يومين، ثم يقرب العلف إليها قليلا قليلا، فإذا رأته من موضع أعلم على ذلك المكان) ش: أي جعل عليه علامة م: (ثم تشد عينها الصحيحة، وقرب إليها العلف قليلا قليلا حتى إذا رأته من مكان أعلم عليه، ثم ينظر إلى تفاوت ما بينهما، فإن كان ثلثا) ش: أي إن كان التفاوت، أراد به المسافة ما بين الرؤية الأولى والثانية ثلثاه. م: (فالذاهب الثلث) ش: أي فالذي ذهب من عينها الثلث م: (وإن كان نصفا) ش: أي وإن كان التفاوت بين الرؤيتين نصفا، م: (فالنصف) ش: أي فالذاهب من عينها النصف، فهذا هو الحلية في معرفة أنه كم ذهب من العين وكم بقي. [التضحية بالجماء] م: (قال: ويجوز أن يضحي بالجماء وهي التي لا قرن لها) ش: أي قال القدوري: ولا خلاف فيه لأحد م: (لأن القرن لا يتعلق به مقصود) ش: لأنه ينتفع به في الأضحية وليس منصوص عليه فلا يؤثر، م: (وكذا مكسورة القرن) ش: أي يجوز. م: (لما قلنا) ش: أن القرن لا يتعلق به مقصود، وبه قال الشافعي، وقال أحمد: إن انكسر أكثر من نصف القرن لا يجوز، وما دونه يجوز، لما روينا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه «قال: نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يضحى بعضباء الأذن والقرن» والعضب الكثير من النصف، فكرهت ذلك رواه أبو داود. وقال مالك: إن كان قرنها يدمي كثيرا لم يجزه، وإلا جاز الجزء: 12 ¦ الصفحة: 38 لما قلنا والخصي؛ لأن لحمها أطيب، وقد صح «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحى بكبشين أملحين موجوءين» .   [البناية] لأن ما لا دماء لها تعتبر كالمريضة. وفي " اللباب " حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لا يخلو من أن يكون مقدما على حديث البراء، وهو ما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أربع لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البين عورها ..... » . الحديث، فيكون منسوخا بحدث البراء متأخرا، فيكون حديث علي زائدا عليه، وما علمنا ثبوته لم يجعله منسوخا بالشك فيكون واجب العمل، وهذا فيه توضيح قول أحمد ولكن أصحابنا قالوا: إن العيب اليسير لا يمنع بالإجماع وبهذا جازت الوجوه؛ لأنه لا يسر في المقصود وهو اللحم، فكسر القرن كذلك. وعن عبيد بن فيروز قال: قلت للبراء: فإني أكره النقص من القرن؟، فقال: أكره لنفسك ما شئت وإياك أن تضيق على الناس، فيحمل على الاستحباب، كما حمل حديث الشركاء على الاستحباب ويدل عليه إنكار البراء على ابن فيروز. وقال الكرخي في " مختصره ": قال هشام: سألت أبا يوسف عن السعية التي لا قرن لها فقال: السكاء: إن كان بها أذن فهي تجزئ، وإن كانت صغيرة الأذن أو إن لم يكن لها أذن فإنها لا تجزئ، وهو قول أبي يوسف، وتجزئ الشاة وإن لم يكن لها قرن عندهم جميعا. وقال محمد في " الأصل ": لو كسر بعض قرنها أو جميعه أجزأت وأما السكاء وهي التي لا أذن لها خلقة فإن كانت الأذن صغيرة والعضو موجود وصغير الأعضاء لا يمنع وإن لم يكن لها أذن بينة فإن الأذن مقصودة في الخلقة بدلالة النص عليها فعدمها أكثر من نقصانها. [التضحية بالخصي] م: (والخصي) ش: بالجر، أي ويجوز أن يضحي بالخصي وهو منزوع الخصيتين م: (لأن لحمها أطيب) ش: وأن لحمه أوجه على ما لا يخفى. م: (وقد صح: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحى بكبشين أملحين موجوءين» ش: هذا الحديث رواه خمسة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. الأول: جابر بن عبد الله، أخرج حديثه أبو داود وابن ماجه عن ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي عياش المعافري عن جابر بن عبد الله قال: «ذبح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم النحر كبشين أقرنين أملحين موجوءين» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 39 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الثاني: أبو هريرة أخرج حديثه أبو نعيم في " الحلية " في ترجمة ابن المبارك عنه عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه قال: سمعت أبا هريرة يقول: «ضحى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكبشين أملحين موجوءين» وقال: مشهور من [غير] وجه، غريب من حديث يحيى. الثالث: أبو رافع أخرج حديثه أحمد وإسحاق بن راهويه في " مسنديهما " والطبراني في " معجمه " عن شريك بن عبد الله بن محمد بن عقيل عن علي بن حسين عن أبي رافع قال: «ضحى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكبشين أملحين موجوءين خصيين» . الحديث. الرابع: أبو الدرداء: أخرج حديثه أحمد في " مسنده " عنه قال: «ضحى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكبشين جذعين موجوءين» . الخامس: عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، أخرج حديثها ابن ماجه في " سننه " من طريق عبد الرزاق أخبرنا سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة عن عائشة أو أبي هريرة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين موجوءين ... » - الحديث. ورواه أحمد في " مسنده " أيضا: حدثنا إسحاق بن يوسف أخبرنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن عائشة قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكره ..... ، حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة عن أبي هريرة .. فذكره. وبهذا الإسناد الأخير رواه الحاكم في " المستدرك " من طريق أحمد وسكت عند قوله أملحين، وهو الكبشين فيه سواد وبياض، وقيل: يقال: كبش أملح أي فيه ملحة، وهي بياض مشوبة شعرات سود وهي من لون الملح. وفي " العباب ": الملحة من الألوان وهي بياض يخالطه سواد. قلت: هو بضم الميم وسكون اللام. قوله: موجوءين الموجوء على وزن مفعول من الوجاء، بكسر الواو وبالمد، وهو عارض البيضتين حتى يتفضخ فيكون بتها بالخصي. وفي " المغرب ": هو أن يضرب العروق بحديدة ويطعن فيها من غير إخراج البيضتين. وقال الحافظ المنذري: في " حواشيه ": المحفوظ موجوءين أي منزوعي [ .... .... ] ؛ قاله أبو موسى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 40 والثولاء وهي المجنونة، وقيل: هذا إذا كانت تعتلف؛ لأنه لا يخل بالمقصود. أما إذا كانت لا تعتلف لا تجزئه، والجرباء إن كانت سمينة جاز؛ لأن الجرب في الجلد ولا نقصان في اللحم، وإن كانت مهزولة لا تجوز؛ لأن الجرب في اللحم فانتقص، وأما الهتماء وهي التي لا أسنان لها، فعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يعتبر في الأسنان الكثرة، والقلة، وعنه: إن بقي ما يمكن الاعتلاف به أجزأه لحصول المقصود   [البناية] الأصبهاني. وقال في " النهاية ": ومنهم من يرويه موجيين بغير همز على التخفيف ويكون من وجيته وجيا فهو موجي. قال تاج الشريعة: فإن قلت: كيف يجمع الكبوشية مع الوجاء؟ قلت: جاز أن يكون الكبوشية باعتبار ما كانت، والوجاء باعتبار الحال - انتهى. قلت: الكبوشية لا تزول عنه أصلا فلا حاجة إلى هذا السؤال والجواب. [التضحية بالجرباء والثولاء] م: (والثولاء) ش: أي قال القدوري: ويجوز أن يضحي بالثولاء م: (وهي المجنونة) ش: لأن العقل غير مقصود في البهائم. وقال الكرخي في " مختصره ": قال هشام: وسألته عن الجرباء والثولاء؛ قال: إذا كانا سمينتين أجزأتا، وإن كانا عجفاوين لم يجزئا، وهو قول أبي يوسف. م: (وقيل: هذا إذا كانت تعتلف) ش: أي ما ذكر من الجواز إنما يكون إذا كانت المجنونة تأكل العلف م: (لأنه لا يخل بالمقصود) ش: أي لأن الجنون لا يخل بالمقصود وهو الانتفاع باللحم م: (أما إذا كانت لا تعتلف لا تجزئه) ش: لأنه ينتقص به اللحم. م: (والجرباء إن كانت سمينة جاز؛ لأن الجرب في الجلد ولا نقصان في اللحم، وإن كانت مهزولة لا تجوز؛ لأن الجرب في اللحم فانتقص) ش: والأصل عند العلماء كل عيب يؤثر في اللحم يمنع وإلا فلا. م: (وأما الهتماء وهي التي لا أسنان لها فعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يعتبر في الأسنان الكثرة والقلة) ش: وهو من اللحم وهو كسر الثنايا من أصلها يقال: ضربه ضربة هشم، فإذا ألقى مقدم أسنانه، وإنما اعتبر أبو يوسف الكثرة والقلة في هذه الرواية؛ لأن الأسنان عضو كالأذن فيعتبر فيه بقاء الأكثر. م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف م: (إن بقي ما يمكن الاعتلاف به أجزأه لحصول المقصود) ش: لأن المقصود من الأسنان الأكل بها فاعتبر بقاء المقصود دون غيره. قال القدوري في " شرحه ": من أصحابنا لأن الهتماء التي يكسر أطراف أسنانها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 41 والسكاء وهي التي لا أذن لها خلقة لا تجوز، إن كان هذا؛ لأن مقطوع أكثر الأذن إذا كان لا يجوز، فعديم الأذن أولى وهذا الذي ذكرناه إذا كانت هذه العيوب قائمة وقت الشراء، ولو اشتراها سليمة ثم تعيبت بعيب مانع، إن كان غنيا عليه غيرها، وإن كان فقيرا تجزئه هذه؛ لأن الوجوب على الغني بالشرع ابتداء، لا بالشراء، فلم تتعين،   [البناية] واعتبر أبو يوسف فيها أن تعتلف؛ لأن الأسنان باقية وإنما نقصت، فإذا لم يؤثر في الأكل لم يمنع وإذا كانت متعلفة الأسنان فاعتبر بقاء الأكثر. [التضحية بالسكاء] م: (والسكاء وهي التي لا أذن لها خلقة لا تجوز) ش: لأنها فائتة العضوين المقصودين م: (إن كان هذا) ش: يعني إن وجد هذا الذي ذكره والمعنى أنه لا يكون هكذا فإن وقع هذا نادرا فلا يجوز؛ لأنه فائت الأذنين من الأصل وإنما قال هذا؛ لأن السكاء لا يكون إلا في الطير، يقال: سليم السلا والعامة سكاء وجميع الطير يسك ويستعمل أيضا في صغير الأذنين وقال: جدي أسك وجدية سكاء إذا كانت صغيرة الأذنين. فإن كان المراد من السكاء المعنى الأول وهو المعنى الأصلي فإنها لا تجوز لما ذكرنا. وإن كان المعنى الثاني: فإنها تجوز كما ذكرنا في ما مضى عن أبي يوسف أنه قال: السكاء إن كانت صغيرة الأذن فإنها تجزئ وإن كانت ليس لها أذن فإنها لا تجزئ، فافهم، فإنه موضع غض الشراح فيه أعينهم. م: (لأن مقطوع أكثر الأذن إذا كان لا يجوز، فعديم الأذن أولى) ش: بأن لا يجوز م: (وهذا الذي ذكرناه) ش: أشار به إلى ما ذكره من الأحكام التي بعضها يجوز بعضها لا يجوز م: (إذا كانت هذه العيوب) ش: من العماء والعور والعرج والعجف وانقطاع الأذن أو الإلية أو انقطاع أكثرهما م: (قائمة وقت الشراء) ش: فإنها تمنع الأضحية، وإنما إذا حدث بعده فالجواب على التفضيل أشار إليه بقوله: م: (ولو اشتراها سليمة) ش: لو اشترى الشاة أو نحوها حال كونها سليمة عن العيب. م: (ثم تعيبت بعيب مانع) ش: من جواز التضحية م: (إن كان غنيا عليه غيرها) ش: وعند الثلاثة، أجزته هذه المعيبة ولا يلزم عليه أخرى بناء على أن الأضحية غير واجبة، وكذلك لو أوجبها بالنذر فكذلك عندهم وبقولهم قال الزبيري والثوري والنخعي والحسن وعطاء. م: (وإن كان فقيرا تجزئه هذه) ش: أي المعيبة م: (لأن الوجوب على الغني بالشرع ابتداء) ش: يعني قبل الشرع، حاصله أن الغني لا يتعين عليه بالشراء بل الواجب عليه قبل الشراء م: (لا بالشراء فلم تتعين) ش: أي لا الوجوب عليه بسبب الشراء إذا كان كذلك فلم يتعين عليه بالشراء. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 42 وعلى الفقير بشرائه بنية الأضحية فتعينت، ولا يجب عليه ضمان نقصانه كما في نصاب الزكاة، وعن هذا الأصل. قالوا: إذا ماتت المشتراة للتضحية على الموسر مكانها أخرى.   [البناية] [أوجب على نفسه أضحية بغير عينها فاشترى صحيحة ثم تعيبت] م: (وعلى الفقير بشرائه بنية الأضحية فتعينت) ش: أي والوجوب على الفقير بسبب شرائه بنية الأضحية، فتعينت الأضحية بسبب ذلك، بخلاف ما يقوله الزعفراني: إنه لا يتعين بالشراء أصلا، فإذا تعينت بشرائه تجزئه أن يضحي بها، بخلاف الغني؛ لأن الواجب عليه أضحية كاملة ابتداء فلا يخرج عن العهدة بالناقص وكذلك الحكم في الفقير إذا أوجب على نفسه أضحية بغير عينها، فاشترى صحيحة ثم تعيبت قبل الذبح عيبا مانعا فضحى لا يسقط عنه الواجب، كذا في " التحفة " وفي " الذخيرة "، قال بعض مشائخنا: تصير واجبة بنية الأضحية موسرا كان المشتري أو معسرا. وذكر شيخ الإسلام: إذا كان المشتري موسرا لا تصير واجبة بالشراء بنية الأضحية باتفاق الروايات. وإن كان معسرا ففي ظاهر الروايات تجب وبه قال مالك. وروى الزعفراني: أنها لا تجب، وإليه أشار شمس الأئمة واتفقوا على أنها لا تجب بمجرد النية للأضحية حتى كانت له شاة فنوى أن يضحي بها ولم يذكر بلسانه شيئا لا تصير واجبة للأضحية، ثم إذا أوجبت عليه بإيجابه أو بشرائه بنية الأضحية، وهو معسر فعلى قول من قال بوجوبها أن يصدقه بعينها في أيام النحر ولم يضحها فعليه مثلها؛ لأن الواجب عليه الإراقة وإنما ينتقل إلى التصدق عند العجز، وذلك بعد أيام النحر. فإذا تصدق بما وجب عليه لزمه مثلها في أيام النحر وبعدها تصدق بقيمتها ولا تجزيه الصدقة الأولى التي في أيام النحر؛ لأنها وقعت قبل وجوب التصدق، فتجب بعينها حية بعد أيام النحر احتياطا كما ذكر في الأصول، فلو لم يتصدق بعينها في أيام النحر تصدق بعينها حية بعد أيام النحر كما ذكرنا. م: (ولا يجب عليه ضمان نقصانه) ش: في بعض النسخ: ولا يجب عليه الضمان لنقصانه أي لا يجب على الفقير ضمان نقصان العيب م: (كما في نصاب الزكاة) ش: أي كما لا يجب النقصان في نصاب الزكاة إذا انتقص بعد الوجوب فإن الزكاة تسقط عنه بقدره، ولا يجب ضمان ذلك القدر، والجامع بقيمتها أن محل الوجوب فيهما جميعا المال لا الذمة. فإذا هلك المال سقط الوجوب م: (وعن هذا الأصل) ش: أي الأصل المذكور، وهو أن الوجوب على الغني بالشرع لا بالشراء، فلم يتعين الشاة، فلما لم يتعين كان عليه أخرى، والوجوب على الفقير بالشراء، فتعينت فلم يجب عليه أخرى. م: (قالوا: إذا ماتت المشتراة للتضحية على الموسر مكانها أخرى) ش: أي قال المشائخ - الجزء: 12 ¦ الصفحة: 43 ولا شيء على الفقير. ولو ضلت أو سرقت فاشترى أخرى، ثم ظهرت الأولى في أيام النحر على الموسر ذبح إحداهما، وعلى الفقير ذبحهما، ولو أضجعها فاضطربت فانكسرت رجلها فذبحها أجزأه استحسانا عندنا، خلافا لزفر والشافعي - رحمهما الله - لأن حالة الذبح ومقدماته ملحقة بالذبح.   [البناية] - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إذا ماتت الشاة المشتراة؛ لأن التضحية على الغني مكان هذه شاة أخرى. م: (ولا شيء على الفقير) ش: يعني إذا ماتت المشتراة؛ لأنها كانت متعينة وماتت كما ذكرنا م: (ولو ضلت) ش: أي ذهبت المشتراة للضحية م: (أو سرقت فاشترى أخرى) ش: أي شاة أخرى. م: (ثم ظهرت الأولى) ش: وهي التي ضلت أو سرقت م: (في أيام النحر على الموسر ذبح إحداهما) ش: أي أحد الشاتين، لعدم التعيين لشرائه م: (وعلى الفقير ذبحهما) ش: أي ذبح الشاتين التي ضلت والتي عوضت عنها لتعيينها بشرائه، وتعويضه بالشراء أيضا هذا على ظاهر الرواية، لا على رواية الزعفراني، واختيار شمس الأئمة، واختار في " فتاوى الظهيرية " ظاهر الرواية. م: (ولو أضجعها) ش: أي ولو أضجع رجل شاته التي عينها للتضحية. م: (فاضطربت فانكسرت رجلها فذبحها أجزأه استحسانا عندنا، خلافا لزفر والشافعي - رحمهما الله -) ش: وبقولهما قال أحمد، وأصحاب الظاهر؛ لأنها صارت معيبة قبل الذبح فلم يجز تضحيته. وقال الكاكي: لا فائدة في تخصيص انكسار الرجل؛ لأنها لو تعيبت بكل عيب مانع من الأضحية فالحكم كذلك وبه صرح في " المبسوط ". وقال صاحب " العناية ": قوله: " فانكسرت رجلها " من باب ذكر الخاص وإرادة العام، فإنه إذا أصابها عيب مانع غير الانكسار بالاضطراب حالة الإضجاع للذبح كان الحكم كذلك. قلت: هذا خارج مخرج الغالب فإن الحيوان عند الاضطجاع للذبح يخبط برجله الأرض غالبا فربما ينكسر رجل أو يد فلذلك ذكره، وإلا فالحكم عام فافهم. وفي شرح " الأصل ": كذا إذا انقلبت منه السكين فأصابت عينه فذهبت، وفيه أيضا هذا إذا ذبح في مكانه ذلك، فأما إذا انقلبت الشاة ثم أخذت بعد ذلك وذبحت هل يجوز؟ لم يذكر هذا في ظاهر الرواية وقد ذكر في غير رواية الأصول خلافا بين أبي يوسف ومحمد. يقال على قول أبي يوسف إن أخذ من فوره ذلك جاز، وإن لم يؤخذ من فوره لا يجوز. وعند محمد: يجوز في الحالين بعد أن يكون التضحية في وقت الأضحية. م: (لأن حالة الذبح ومقدماته ملحقة بالذبح) ش: وهذا إشارة على وجه الاستحسان، ووجهه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 44 فكأنه حصل به اعتبارا وحكما، وكذا لو تعيبت في هذه الحالة؛ فانفلتت ثم أخذت من فوره، وكذا بعد فوره عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، خلافا لأبي يوسف؛ لأنه حصل بمقدمات الذبح. قال: والأضحية من الإبل، والبقر، والغنم؛ لأنها عرفت شرعا،   [البناية] أن الشاة تضطرب في حالة الذبح فيلحقه العيوب من اضطرابها فصار ذلك مما لم يكن الاحتراز عنه؛ لأنه في حالة الذبح ومقدماته، وذلك ملحق بالذبح ولو لحقها عيب حالة الذبح كان عفوا فكذلك حالة الاضطجاع، أشار إليه بقوله م: (فكأنه حصل به) ش: أي فكان حصل بالذبح م: (اعتبارا) ش: أي قياسا فإن الذبح متلف جميع الأعضاء م: (وحكما) ش: أي ومن حيث الحكم كأنه حصل تلف الرجل بالذبح. نظيره إذا أعتق نصف عبده عن كفارة ظهاره ثم أعتق النصف الثاني يجوز، وإن انتقص النصف بالإعتاق؛ لأن الانتقاص يثبت في ملكه لأجل الكفارة فلا يمنع كذلك. هاهنا يثبت الانكسار في حالة الذبح فلا يمنع. م: (وكذا لو تعيبت في هذه الحالة) ش: أي وكذا يجوز لو تعيبت الشاة في حالة الاضطجاع م: (فانفلتت) ش: أي نسيت وهربت م: (ثم أخذت من فوره) ش: أي من ساعته من غير تأخير، والضمير في فوره يرجع إلى الوقت الذي دل عليه القرينة. م: (وكذا بعد فوره) ش: أي وكذا يجوز لو أخذت بعد ساعة م: (عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لأبي يوسف) ش: لم يذكر دليل أبي يوسف، ودليله أن الفور لما انقطع خرج الفعل الذي تعيبت به من أن يكون سببا من أسباب الذبح الذي وجد بعد الفور فصار بمنزلة ما حصل بفعل آخر وأشار إلى دليل محمد بقوله م: (لأنه حصل بمقدمات الذبح) ش: أي لأن الذي حصل بمقدمات الذبح فيلحق بالذبح. [ما يجزئ في الأضحية من الأنعام] م: (قال: والأضحية من الإبل والبقر، والغنم) ش: أي قال القدوري: الأضحية من هؤلاء الثلاثة لا غير، وبه قالت الثلاثة، وقالت الظاهرية: يجوز بكل حيوان وبكل وحشي وإنسي وكذا بكل طائر يؤكل لحمه وحشي وإنسي، لحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «مثل المهاجر إلى الجمعة كمثل من يهدي بدنة ثم كمن يهدي بقرة ثم كمن يهدي شاة ثم كمن يهدي دجاجة ثم كمن يهدي بيضة والعصفور قريب إلى البيضة» . وحكي عن الحسن بن صالح أن بقرة الوحشي تجزئ عن سبعة، والظبي عن واحد وأشار إلى دليلنا بقوله م: (لأنها) ش: أي لأن الإبل والبقر والغنم م: (عرفت شرعا) ش: أي عرفت الجزء: 12 ¦ الصفحة: 45 ولم تنقل التضحية بغيرها من النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ولا من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قال: ويجزئ من ذلك كله الثني فصاعدا إلا الضأن؛ فإن الجذع منه يجزئ؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ضحوا بالثنايا إلا أن يعسر على أحدكم فليذبح الجذع من الضأن» . وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «نعمت الأضحية الجذع من الضأن» .   [البناية] جواز الأضحية منها من حيث الشرع. م: (ولم تنقل التضحية بغيرها) ش: أي بغير هذه الثلاثة م: (من النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ولا من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: لأنه لم يرو حديث ولا أثر بجوازها من غير هذه الثلاثة، واستدلال الظاهرية بالحديث المذكور فاسد؛ لأن المراد منه بيان قدر الثواب لأنه تجوز التضحية، ولهذا لم يجوز النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير الجذع من الضأن فعلى قياس قولهم ينبغي أن يجوز. م: (قال: ويجزئ من ذلك كله الثني فصاعدا) ش: أي قال القدوري، أي يجوز من المذكور من هذه الثلاثة كلها الثني. فإن قلت: فصاعدا نصب بماذا؟ قلت: على الحال. والتقدير فذهب الحكم فصاعدا أي حال كونه ثمانيا على ذلك؛ لأنه لا زائد عليه متجاوزا عنه، والفاء للعطف. م: (إلا الضأن؛ فإن الجذع منه يجزئ) ش: قيد بالضأن؛ لأنه لا يجوز من غيره وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والزهري لا يجزئ الجذع من الضأن كما لا يجزئ من غيره، وبقولنا قال مالك وأحمد، وقال الشافعي: ولا يجزئ من الضأن إلا التي في السنة الثانية، ومن المعز إلا التي في السنة الثانية. كذا في " وجيزهم ". م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ضحوا بالثنايا إلا أن يعسر على أحدكم فليذبح الجذع من الضأن» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تذبحوا إلا مسنة أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن» . م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «نعمت الأضحية الجذع من الضأن» ش: هذا الحديث أخرجه الترمذي عن عثمان بن واقد عن كدام بن عبد الرحمن «عن أبي كباش قال: جلبت غنما جذعانا إلى المدينة فكسرت علي فلقيت أبا هريرة فسألته فقال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " نعم - أو نعمت - الأضحية الجذع من الضأن " قال: " فانتهبه الناس» وقال: حديث غريب. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 46 قالوا: وهذا إذا كانت عظيمة، بحيث لو خلط بالثنيات يشتبه على الناظر من بعيد. والجذع من الضأن ما تمت له ستة أشهر في مذهب الفقهاء.   [البناية] وقد روي عن أبي هريرة موقوفا. وقال في " علله الكبرى ": سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: رواه عثمان بن واقد فرفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورواه غيره فوقفه عن أبي هريرة، وسألته عن أبي كباش فلم يعرفه، والعجب من الأترازي أنه نسب الحديث الأول إلى صاحب " السنن "، وهو لصاحب " الصحيح " كما ذكرنا، وإن كان أصحاب السنن أخرجوه أيضا. وقال في الحديث الثاني: قال أصحابنا في كتبهم: عن أبي هريرة، وأظهر العجز عن نسبته إلى الترمذي. م: (قالوا: وهذا إذا كانت عظيمة) ش: أي قال المشائخ: جواز الأضحية بالجذع من الضأن إذ كانت الجذع عظيمة م: (بحيث لو خلط بالثنيات) ش: بضم الثاء المثلثة، جمع ثني، وكان يقول ينبغي أن يقول لو خلطت م: (يشتبه على الناظر من بعيد) ش: أنه ثني أو جذع. م: (والجذع من الضأن ما تمت له ستة أشهر) ش: وقال القدوري في شرحه: قال الفقهاء الجذع من الغنم ابن ستة أشهر والثني من الغنم ابن سنة، والجذع من البقر ابن سنة، والثني ابن سنتين، والجذع من الإبل ابن أربع سنين والثني ابن خمس. وقال الناطفي في كتاب " الأجناس "، قال في كتاب " الضحايا ": لأن القاسم الحرمي الرازي قال: سمعت أبا علي الدقاق قال: الجذع من الضأن هو ما تمت له ثمانية أشهر وطعن في الشهر التاسع، وفي " أضاحي أبي عبد الله الزعفراني " ما تمت له سبعة أشهر وطعن في الشهر الثامن. ويجوز في الأضحية إذا كانت الشاة عظيمة الجثة وهي جذع وإذا كانت صغيرة الجثة لا يجوز إلا أن يتم لها سنة وطعنت في السنة الثانية، وأما المعز لا يجوز إلا ما تمت له سنة وطعنت في الثانية، وأما البقر لا يجوز إلا ما تمت له سنتان وطعنت في السنة الثالثة سواء كانت عظيمة الجثة أو لا. والإبل فلا يجوز في الأضحية، إلا ما قد تمت له خمس سنين وطعن في السنة السادسة. ذكره الخصاف من أصحابنا في " ضحاياه " م: (في مذهب الفقهاء) ش: قيد به؛ لأن عند أهل اللغة الجذع من الشاة ما تمت له سنة وطعنت في الثانية. وفي الثني الجذع من البهائم قبل الثني، إلا أنه في الإبل قبل السنة الخامسة وفي البقر الجزء: 12 ¦ الصفحة: 47 وذكر الزعفراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ابن سبعة أشهر، والثني منها ومن المعز ابن سنة، ومن البقر ابن سنتين، ومن الإبل ابن خمس سنين، ويدخل في البقر الجاموس؛ لأنه من جنسه، والمولود بين الأهلي والوحشي يتبع الأم؛ لأنها هي الأصل في التبعية، حتى إذا نزا الذئب على الشاة يضحى بالولد.   [البناية] والشاة في السنة الثانية، وفي الخيل في الرابعة. وعن الأزهري: من المعز لستة ومن الضأن لثمانية أشهر ثم الثني من الإبل الذي سنه هو ما استكمل الخامسة ودخل في السادسة، ومن الحافر ما استكملت الثالثة ودخل في الرابعة وهو في كلها بعد الجذع. قال الشاعر: الثنايا ابن حول وابن ضعف ... وابن خمس من ذوي ظلف وخف م: (وذكر الزعفراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي الجذع من الضأن م: (ابن سبعة أشهر) ش: وقد ذكرناه من " الأجناس " و " الزعفراني "، والجذع قبل الثني، والأنثى جذعة ويجمع على جذاع وجذعان وأجذاع، وزاد يونس جذاع بالضم. م: (والثني منها) ش: أي من الضأن م: (ومن المعز ابن سنة) ش: قال الجوهري: الثني الذي يلقى سنة ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة، وفي الخف في السنة السادسة والجمع سنان، ورواه: الأنثى سنة والجمع المعزى بكسر الميم اسم جنس وكذلك المعر والمعز والعور وفي " العباب ": المعز مثال يهز ويهز في الغنم خلاف الضأن. وقيل الماعز الذكر، والأنثى ماعزة وهي العين والجمع مواعز وقيل واحد المعز ماعز. م: (ومن البقر) ش: أي والثني من البقر م: (ابن سنتين، ومن الإبل) ش: أي الثني من الإبل م: (ابن خمس سنين) ش: وطعن في السادسة م: (ويدخل في البقرة والجاموس؛ لأنه من جنسه) ش: كما في الزكاة فإنه يؤخذ من نصاب الجاموس ما يؤخذ من نصاب البقر، وقال في " خلاصة الفتاوى ": والجاموس يجوز في الهدايا والضحايا استحسانا. [التضحية بالمولود بين الأهلي والوحشي] 1 (والمولود بين الأهلي والوحشي يتبع الأم) ش: أي الذي ولد بين الحيوانات الأهلي، كالشاة مثلا وبين الحيوان الوحشي كالظبي مثلا يتبع أمه م: (لأنها هي الأصل في التبعية) ش: لأنها جزء الأم فإن بالفحل صار مستهلكا بحضانتها، والمنفصل من الفحل هو الماء ومن الأم هو الحيوان فلذلك اعتبرت. م: (حتى إذا نزا الذئب على الشاة يضحى بالولد) ش: اعتبارا بالأم وفي بعض النسخ حتى إذا نزا الذئب على الشاة، ولو نزا الكبش على الظبية لا يضحى بولدها اعتبارا بها، وعند الثلاثة لا يجوز كل منهما؛ لأنه ليس من بهيمة الأنعام. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 48 قال: وإذا اشترى سبعة بقرة ليضحوا بها فمات أحدهم قبل النحر، وقالت الورثة: اذبحوها عنه وعنكم أجزأهم، وإن كان شريك الستة نصرانيا، أو رجلا يريد اللحم لم يجز عن واحد منهم. ووجهه أن البقرة تجوز عن سبعة، لكن من شرطه أن يكون قصد الكل القربة وإن اختلفت جهاتها كالأضحية والقران والمتعة عندنا لاتحاد المقصود وهو القربة، وقد وجد هذا الشرط في الوجه الأول؛   [البناية] ولنا ما ذكرنا في " جوامع الفقه " و " فتاوى الولوالجي ": الاعتبار بالمتولد للأم في الأضحية والحبل. وقيل: يعتبر بنفسه فيهما حتى ولدت الشاة ظبيا لم تجز الأضحية ولو ولدت الرمكة حمارا لم يجز ولم يؤكل. وفي " الذخيرة " لو نزا الحمار على الرمكة فالمتولد منها مكروه بالاتفاق، فقيل لا يكره عندهما اعتبارا للأم. وفي " خلاصة الفتاوى ": لو نزا الكلب على الشاة فولدت قال عامة الفقهاء: لا يجوز، قال الإمام الجنزاري: إن كان يشبه الأم تجوز ولو نزا شاة على ظبي. قال الإمام الجنزاري: إن كان يشبه الأب يجوز، ولو نزا ظبي على شاة قال عامة العلماء: يجوز وقال الإمام الحراحري: العبرة للمشابهة. م: (قال: وإذا اشترى سبعة بقرة ليضحوا بها فمات أحدهم قبل النحر، وقالت الورثة: اذبحوها عنه وعنكم أجزأهم) ش: أي قالت ورثة الميت: اذبحوا البقرة عن الميت وعنكم أجزأهم ذلك. م: (وإن كان شريك الستة نصرانيا، أو رجلا يريد اللحم لم يجز عن واحد منهم) ش: أراد أن سابع السبعة كان نصرانيا أو كان يريد اللحم، غير مريد الأضحية فإنه لا يجوز عن الجميع، والشركة في البقرة والبدنة جائزة عندنا، وقال مالك لا يجوز الاشتراك في الهداية لو أراد واحد منهم اللحم لا يجوز عن الكل عندنا. وقال الشافعي وأحمد: يجوز، وعند زفر: لا يجوز إذا اختلفت جهات القربة على ما نذكره إن شاء الله تعالى. م: (ووجهه) ش: أي بين المسألتين وفي بعض النسخ ووجه أي وجه الفرق م: (أن البقرة تجوز عن سبعة، لكن من شرطه أن يكون قصد الكل القربة وإن اختلفت جهاتها كالأضحية والقران والمتعة) ش: بأن أراد أحدهم المتعة الأضحية وأراد الآخرون القران وأراد الآخرون المتعة فإن ذلك لا يضر. م: (عندنا) ش: خلافا لزفر فعنده اتحاد القربة شرط م: (لاتحاد المقصود وهو القربة) ش: وإن كانت هي مختلفة في نفسها م: (وقد وجد هذا الشرط) ش: وهو وجود القربة م: (في الوجه الأول) ش: وهو ما إذا مات أحد السبعة وقالت ورثته: اذبحوها عنه وعنكم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 49 لأن التضحية عن الغير عرفت قربة. ألا ترى أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ضحى عن أمته على ما روينا من قبل، ولم يوجد في الوجه الثاني؛ لأن النصراني ليس من أهلها، وكذا قصد اللحم ينافيها. وإذا لم يقع البعض قربة، والإراقة لا تتجزأ في حق القربة لم يقع الكل أيضا فامتنع الجواز. وهذا الذي ذكره استحسان، والقياس أن لا يجوز، وهو رواية عن أبي يوسف؛ لأنه تبرع بالإتلاف   [البناية] م: (لأن التضحية عن الغير عرفت قربة) ش: كان هذا جواب عما يقال: كيف يكون الأضحية عن الغير قربة لأنها تقوم بالفعل؟، فقال: عرفت قربة بالنص. م: (ألا ترى أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ضحى عن أمته) ش: على ما روى مسلم في الضحايا عن يزيد بن قسيط عن عروة بن الزبير عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بكبش أقرن يطأ في سواد فأتي ليضحي به فقال لها: " يا عائشة هلمي المدية "، ثم قال: " اشحذيها بحجر " ففعلت فأخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه وقال: " بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " ثم ضحى» وقد ذكرنا أحاديث كثيرة مثل هذا في الذبائح. وإليها أشار بقوله: م: (على ما روينا من قبل) ش: وهو الذي ذكره في الذبائح بقوله لما روى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال بعد الذبح: «اللهم تقبل هذه عن أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ممن شهد لك بالوحدانية ولي بالبلاغ» . م: (ولم يوجد في الوجه الثاني) ش: أي لم يوجد الشرط وهو القربة فيما إذا كان شريك الستة نصرانيا أو مريد اللحم م: (لأن النصراني ليس من أهلها) ش: أي من أهل القربة. م: (وكذا قصد اللحم ينافيها) ش: أي ينافي القربة م: (وإذا لم يقع البعض قربة والإراقة لا تتجزأ في حق القربة لم يقع الكل أيضا) ش: أي لم يقع الكل قربة أيضا لعدم التجزؤ. م: (فامتنع الجواز) ش: أي إذا كان كذلك امتنع جواز الأضحية. فإن قلت: ينبغي أن يجوز؛ لأن البدنة لما قامت مقام سبع شياه، فلو اشترى سبعة أنفس سبع شياه وذبح أحدهم للحم يجوز الستة عن الأضحية كذا هذا؟. قلت: البدنة أقيمت مقام سبع شياه بخلاف القياس بالنص، والنص إنما أقامها مقام السبع إذا وجدت الإراقة بنية القربة عن الكل ففي غير مورد النص نفي على أصل القياس. م: (وهذا الذي ذكره استحسان) ش: أي هذا الذي ذكره محمد استحسان. م: (والقياس أن لا يجوز، وهو رواية) ش: أي القياس رواية م: (عن أبي يوسف؛ لأنه) ش: أي لأن إذن الورثة بالإراقة م: (تبرع بالإتلاف) ش: لأن نصيب الميت صار ميراثا فالتضحية عنه تبرع بالإتلاف ولهذا لو فعله الغاصب يضمن. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 50 فلا يجوز عن غيره كالإعتاق عن الميت، لكنا نقول: القربة قد تقع عن الميت كالتصدق بخلاف الإعتاق؛ لأن فيه إلزام الولاء على الميت. ولو ذبحوها عن صغير في الورثة، أو أم ولد جاز لما بينا أنه قربة ولو مات واحد منهم فذبحها الباقون بغير إذن الورثة لا يجزيهم؛ لأنه لم يقع بعضها قربة، وفيما تقدم وجد الإذن من الورثة فكان قربة. قال: ويأكل من لحم الأضحية،   [البناية] م: (فلا يجوز عن غيره) ش: أي فلا يجوز من الوارث عن الميت م: (كالإعتاق عن الميت) ش: حيث لا يجوز؛ لأنه تبرع بالإتلاف م: (لكنا نقول: القربة قد تقع عن الميت) ش: هذا وجه الاستحسان وتقريره أن الورثة لما أذنوا صار ذلك أيضا قربة فوقع الكل قربة، فالقربة قد تقع عن الميت. م: (كالتصدق) ش: عن الميت والحج عنه، فإن الورثة يملكون أن يتقربوا بنحو ذلك عن الميت، فحينئذ صار نصيب الميت للقربة كأنصاب الباقين. م: (بخلاف الإعتاق) ش: هذا جواب عن قوله كالإعتاق عن الميت، وتقريره أن الإعتاق عن الميت إنما لم يجز م: (لأن فيه إلزام الولاء على الميت) ش: لأن الولاء لمن أعتق، وليس للوارث الإلزام على الميت، بخلاف الأضحية عنه فإنها جازت لعدم الإلزام. م: (ولو ذبحوها عن صغير في الورثة، أو أم ولد جاز) ش: وفي بعض النسخ: ولو ذبحها أي ولو كان أحد الشركاء صغيرا أو أم فضحى عنه أبوه أو مولاه جاز م: (لما بينا أنه قربة) ش: أشار به إلى وجه الاستحسان وفي القياس: لا يجوز؛ لأن الإراقة لا تتجزأ، وبعض الإراقة وقع نفلا أو لحما فصار الكل كذلك. م: (ولو مات واحد منهم) ش: أي من الشركاء م: (فذبحها الباقون بغير إذن الورثة لا يجزيهم) ش: وقال الشافعي وأحمد: يجزيهم، لما ذكر من عدم اشتراط نية الكل قربة عندهما، وعندنا يشترط فلا يجوز م: (لأنه لم يقع بعضها قربة، وفيما تقدم) ش: وهو المسألة الأولى م: (وجد الإذن من الورثة فكان قربة) ش: فإذا كان قربة فقد جازت. [الأكل من الأضحية] م: (قال: ويأكل من لحم الأضحية) ش: أي قال القدوري: هذا في غير المنذورة. أما في المنذورة فلا يأكل الناذر سواء كان معسرا أو موسرا وبه قالت الثلاثة، وعن أحمد في رواية: يجوز الأكل من المنذورة أيضا وفي " الذخيرة ": ولا يجوز أن يأكل الغني في المنذورة؛ لأن سببها التصدق وليس للمتصدق أن يأكل من صدقته، حتى لو أكل يجب عليه قيمة ما أكل. وقال في " شرح الطحاوي ": لا يجوز الأكل من الدماء إلا من أربعة من الأضحية ودم المتعة ودم القران ودم التطوع، إذا بلغ محله، يعني لا يجوز الأكل من دماء الكفارات والنذور وهدي التطوع إذا لم يبلغ محله، انتهى. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 51 ويطعم الأغنياء والفقراء ويدخر، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كنت نهيتكم عن أكل لحوم الأضاحي فكلوا منها، وادخروا» .   [البناية] ثم الأكل من أضحيته مستحب عند أكثر العلماء، وعند الظاهرية: واجب، وحكي ذلك عن أبي حفص الوكيل من أصحاب الشافعي. م: (ويطعم الأغنياء والفقراء ويدخر؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كنت نهيتكم عن أكل لحوم الأضاحي فكلوا منها وادخروا» ش: هذا الحديث رواه ستة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. الأول: جابر بن عبد الله أخرج حديثه مسلم عن ابن زهير عنه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم قال بعد: " كلوا وتزودوا وادخروا» . الثاني: أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه مسلم أيضا، عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يا أهل المدينة لا تأكلوا لحم الأضاحي فوق ثلاث " فشكوا إلى رسول الله أن لهم عيالا وحشما وخدما فقال: " كلوا وأطعموا واحبسوا وادخروا» ووهم الحاكم في " المستدرك "، فرواه، وقال: على شرط الشيخين ولم يخرجاه. الثالث: عائشة الصديقة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرج حديثها مسلم أيضا، عنها: «قالوا: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم، ويجعلون فيها الودك قال: " وما ذاك؟ " قالوا: نهيت أن تؤكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث. قال: " إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت فكلوا وادخروا وتصدقوا» . الرابع: سلمة بن الأكوع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه البخاري، عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء " فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ قال: " كلوا وأطعموا وادخروا، فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا فيها» . الخامس: نبيشة الهذلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه أبو داود عنه قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إني كنت نهيتكم عن لحومها أن تأكلوها فوق ثلاثة لكن ليسعكم الله بسعة فكلوا وادخروا واتجروا، ألا وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل» . السادس: بريدة أخرج حديثه مسلم، عن الثوري عن علقمة بن مرثد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كنت نهيتكم أن تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام وإنما أردت ذلك ليوسع أهل السعة على من لا سعة لهم فكلوا إنما هذا لكم وادخروا» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 52 ومتى جاز أكله وهو غني، جاز أن يؤكل غنيا. قال: ويستحب أن لا ينقص الصدقة عن الثلث؛ لأن الجهات ثلاث: الأكل والادخار لما روينا، والإطعام لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] فانقسم عليها أثلاثا. قال: ويتصدق بجلدها؛ لأنه جزء منها.   [البناية] م: (ومتى جاز أكله وهو غني) ش: أي ومتى جاز أكل لحم الأضحية، والحال أنه غني م: (جاز أن يؤكل غنيا) ش: أي أن يطعم غنيا مثله بدلالة النص م: (قال: ويستحب أن لا ينقص الصدقة عن الثلث) ش: هذا لفظ القدوري في " مختصره " أي من ثلث الأضحية م: (لأن الجهات ثلاث: الأكل والادخار لما روينا) ش: أراد به قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فكلوا منها وادخروا» . م: (والإطعام) ش: بالرفع عطفا على قوله والادخار م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] ش: القانع السائل، من قنعت إليه إذا خضعت له وسألته قنوعا، والمعتر المتعرض للسؤال، والقانع الراضي بما عنده وبما يعطى من غير السؤال، من قنعت قنعا وقناعة، والمعتر للسؤال كذا في " الكشاف ". قلت: الأول: من باب فعل يفعل بالفتح فيهما. والثاني: من باب فعل يفعل بكسر العين في الماضي وفتحها في الغابر. وفي " المغرب ": القانع السائل من القنوع لا من القناعة يقال: يقنع قنوعا إذا سأل، وقنع قناعة إذا رضي. والمعتر الذي يتعرض للسؤال ولا يسأل؛ " وتفسير الزمخشري ". م: (فانقسم عليها أثلاثا) ش: أي إذا كان كذلك فانقسم لحم الأضحية على هذه الأشياء الثلاثة وهي الأكل والادخار والإطعام أثلاثا. كل واحد ثلث. فإن قلت: الأشياء الثلاثة مذكورة في الأحاديث التي مضت فلم استدل على كون الطعام ثلثا للآية المذكورة؟. قلت: اعتمد في ذلك على ما نقله في الحديث، فإنه لم يذكر فيه الإطعام، ولم يذكر فيه إلا الأكل والادخار، فكذلك استدل على الإطعام بالآية، ولكن الأحاديث الصحاح والحسان كلها مشتملة على الأقسام الثلاثة، ولم أدر من أخرج مثل ما ذكره من أصحاب هذا الشأن. وقال الشافعي في " القديم ": يجعلها نصفين يأكل نصفا ويتصدق بنصف لقوله سبحانه وتعالى: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] وقال في " الجديد ": يستحب أكل الثلث كما قال أكثر أهل العلم. م: (قال: ويتصدق بجلدها) ش: أي قال القدوري، وفي غالب النسخ ليس فيه لفظة قال. وكذلك قال الأترازي: هذا لفظ القدوري في " مختصره ". ولم يقل: " قال القدوري " كما هو عادته، أي ويتصدق بجلد الأضحية م: (لأنه جزء منها) ش: أي لأن الجلد جزء من الجزء: 12 ¦ الصفحة: 53 أو يعمل منه آلة تستعمل في البيت كالنطع والجراب والغربال، ونحوها؛ لأن الانتفاع به غير محرم، ولا بأس بأن يشتري به ما ينتفع بعينه في البيت، مع بقائه استحسانا، وذلك مثل ما ذكرنا؛ لأن للبدل حكم المبدل، ولا يشتري به ما لا ينتفع به إلا بعد استهلاكه كالخل والأبازير، اعتبارا بالبيع بالدراهم، والمعنى فيه أنه تصرف على قصد التمول.   [البناية] الأضحية م: (أو يعمل منه آلة تستعمل في البيت) ش: أي ويعمل المضحي من الجلد آلة يستعمل في البيت م: (كالنطع والجراب والغربال ونحوها) ش: كالمنخل والدلو والسفرة والمطهرة، والقربة م: (لأن الانتفاع بها غير محرم ولا بأس بأن يشتري به ما ينتفع بعينه في البيت مع بقائه استحسانا) ش: أي لا بأس بأن يشتري بجلد الأضحية الذي ينتفع بعينه مع بقاء عينه كالجرب والغربال، وقال الأوزاعي: يجوز بكل ما يصادر في البيت مثل الفأس، والقدر والمنخل والميزان، وقال الشافعي وأحمد: لا يجوز بأي شيء كان؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يعطى أجر الجزار منها، والنهي عنها نهي عن البيع؛ لأنه في معنى البيع، وعندنا لا بأس من بيعه بما ذكرنا، وبه قال مالك. وقال شيخ الإسلام الأسبيجابي في " شرح الكافي ": ولا بأس بأن يشتري بجلد الأضحية متاعا للبيت؛ لأنه أطلق له الانتفاع دون البيع فكل ما كان في معنى الانتفاع يجوز، وما لا فلا. قال محمد في " نوادر هشام ": ولا يشتري به الخل والبذر، وله أن يشتري ما لا يؤكل مثل الغربال والثوب؛ لأنا أطلقنا الانتفاع، يجوز ذلك في استبدال الشيء بما ينتفع به من جنسه، كالغربال فإنه ينتفع به مع بقاء عينه فيجوز استبداله بالجلد ولو اشترى باللحم خبزا جاز؛ لأنه ينتفع به كما ينتفع باللحم، إذ اللحم لا يؤكل مفردا وإنما يؤكل مع الخبز. ولو اشترى باللحم متاع البيت لا يجوز. وقال محمد: والقياس في الكل سواء معناه أنه لا يجوز بيع الكل؛ لأنه خرج من جهة التمول. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده في " مبسوطه ": وأما اللحم فالجواب فيه كالجواب في الجلد، إن باعه بالدراهم تصدق بثمنه، وإن باعه بشيء آخر ينتفع به كما في الجلد. م: (وذلك مثل ما ذكرنا) ش: أي الذي ينتفع بعينه مع بقائه مثل النطع والجراب ونحوهما م: (لأن للبدل حكم المبدل) ش: المبدل هو الجلد الذي يشترى به، لما كان البدل من الحكم فهو للمبدل كذلك. م: (ولا يشتري به) ش: أي بالجلد م: (ما لا ينتفع به إلا بعد استهلاكه كالخل) ش: والخل بالخاء المعجمة والمهملة أيضا، فالأول معروف، والثاني هو دهن السمسم م: (والأبازير) ش: وهي التوابل، جمع إبزار، بالفتح وهو جمع بزر، يقال: بذرت القدر إذا ألقيت فيها التوابل. م: (اعتبارا بالبيع بالدراهم) ش: أي قياسا على بيع الجلد بالدراهم حيث لا يجوز. م: (والمعنى فيه: أنه تصرف على قصد التمول) ش: أي المعنى في اشتراء ما لا ينتفع به إلا بعد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 54 واللحم بمنزلة الجلد في الصحيح، فلو باع الجلد، أو اللحم بالدراهم، أو بما لا ينتفع به إلا بعد استهلاكه تصدق بثمنه؛ لأن القربة انتقلت إلى بدله، وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من باع جلد أضحيته فلا أضحية له» . يفيد كراهة البيع. أما البيع فجائز لقيام الملك والقدرة على التسليم. قال: ولا يعطي أجرة الجزار من الأضحية؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -   [البناية] استهلاكه، أنه تصرف على قصد التمول، وهو قد خرج عن جهة التمول، فإذا تمولته بالبيع وجب التصدق؛ لأن هذا الثمن حصل بفعل مكروه، فيكون خبيثا فيجب التصدق. م: (واللحم بمنزلة الجلد في الصحيح) ش: يعني إذا باعه بالدراهم يتصدق به، وإن باعه بشيء آخر ينتفع به، كما في الجلد، ولو اشترى ما لا ينتفع به إلا بعد استهلاكه لا يجوز، احترز بقوله في الصحيح، عما روي في " الأجناس " قال: وإنما في اللحم أن يأكل ويطعم وليس له غيره فيه، وفي الجلد له أن يشتري الغربال والمنخل ويتخذ منه مسكا. وفي " فتاوى قاضي خان ": ولو اشترى بجلدها جرابا يجوز ولو اشترى بلحمها جرابا لا يجوز، ولو اشترى بجلدها لحما للأكل لا يجوز إلا في رواية عن محمد. وروى ابن سماعة عن محمد: ولو اشترى بلحمه ثوبا فلا بأس بلبسه. م: (فلو باع الجلد أو اللحم بالدراهم، أو بما لا ينتفع به إلا بعد استهلاكه تصدق بثمنه؛ لأن القربة انتقلت إلى بدله) ش: لأن التملك بالبدل من حيث التمول ساقط، فلم يبق إلا جهة القربة، وسبيلها التصدق. وقال الكرخي في " مختصره ": وإن باع الجلد بورق أو ذهب أو فلوس تصدق به. روى هذا أحمد البازي عن محمد م: (وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " من باع جلد أضحيته فلا أضحية له " يفيد كراهة البيع. أما البيع فجائز لقيام الملك والقدرة على التسليم) ش: هذا الحديث رواه الحاكم في " المستدرك " في تفسير سورة الحج، من حديث زيد بن الحباب عن عبد الله بن عباس المصري عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ سواء، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ورواه البيهقي في " سننه الكبرى ". قوله: فلا أضحية له محمول على نفي الكمال، كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» ولذلك قلنا: يفيد الحديث الكراهة في البيع، وأما الجواز فلقيام الملك والقدرة على تسليمه. [أجرة الجزار] م: (قال: ولا يعطي أجرة الجزار من الأضحية) ش: أي من الأضحية هذا عند عامة أهل العلم ورخص الحسن وعبيد الله بن عبد الله بن عمر في إعطائه الجلد. ولنا ما ورواه علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أشار إليه بقوله م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الجزء: 12 ¦ الصفحة: 55 لعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «تصدق بجلالها وخطامها، ولا تعط أجر الجزار منها شيئا» . والنهي عنه نهي عن البيع أيضا؛ لأنه في معنى البيع. قال: ويكره أن يجز صوف أضحيته وينتفع به قبل أن يذبحها؛ لأنه التزم إقامة القربة بجميع أجزائها بخلاف ما بعد الذبح؛ لأنه أقيمت القربة بها كما في الهدي. ويكره أن يحلب لبنها فينتفع به كما في الصوف.   [البناية] لعلي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «تصدق بجلالها وخطامها، ولا تعط أجر الجزار منها شيئا» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا الترمذي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أقوم على بدنته وأقسم جلودها وجلالها، وأمرني أن لا أعطي الجزار منها شيئا " وقال: " نحن نعطيه من عندنا» انتهى. والجلال بكسر الجيم جمع جل الحيوان والخطم بضمتين جمع خطام وهو الزمام، أي المقود، وقيل هو: حبل يجعل في عنق البعير ومشافر خطمه أي أنفه. م: (والنهي عنه) ش: أي عن إعطاء الجزار منها م: (نهي عن البيع أيضا لأنه) ش: أي لأن الإعطاء منها للجزار م: (في معنى البيع) ش: حيث أصل العين للمنفعة وهو عقد معاوضة وقد احتج ابن الجوزي بظاهر هذا على التحريم في البيع. قيل: احتجاج المصنف به على كراهته بيع جلد الأضحية خلاف ظاهر اللفظ. قلت: هذا مبني على أصل، وقيل عنه هنا المعترض، وهو أن النهي إذا كان لمعنى في غيره لا ينافي مشروعية الأصل، وقد علم هذا في موضعه. م: (قال: ويكره أن يجز صوف أضحيته وينتفع به قبل أن يذبحها) ش: هذا من مسائل " الأصل " ذكره تفريعا على مسألة القدوري: وعن أحمد: إن كان الجز أنفع لها بأن كان في الربيع لا يكره. م: (لأنه التزم إقامة القربة بجميع أجزائها بخلاف ما بعد الذبح؛ لأنه أقيمت القربة بها) ش: أي بالأضحية م: (كما في الهدي) ش: أي كما لا ينبغي، أن يجز الصوف في الهدي لكونه قربة مع أجزائه. م: (ويكره أن يحلب لبنها) ش: أي لبن الأضحية م: (فينتفع به كما في الصوف) ش: بالنصب أي لأن ينتفع به أي باللبن. وقال الشافعي وأحمد: إن كان الحلب يضر بها أو ينقص لحمها، لم يكن له حلبه وإلا فله حلبه، والانتفاع باللبن، وعندنا إذا كان يضر بها لا يحلبها ولكن يرش على الضرع بالماء، وقالوا: هذا إذا كان يقرب من أيام النحر، أما إذا كان بالبعد منها لا يفيد الرش بل يحلبها ويتصدق باللبن، ثم هذه الكراهة في الحلب وجز الصوف في التي عينها العرق، أما في غيرها لا. وقال القدوري في " شرحه ": من أصحابنا من قال: هذا في التي أوجبها وليست واجبة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 56 قال: والأفضل أن يذبح أضحيته بيده إن كان يحسن الذبح. وإن كان لا يحسنه، فالأفضل أن يستعين بغيره، وإذا استعان بغيره ينبغي أن يشهدها بنفسه؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لفاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «قومي فاشهدي أضحيتك، فإنه يغفر لك بأول قطرة من دمها كل ذنب» .   [البناية] مثل المعسر إذا اشترى أو الموسر إذا اشترى ثانية؛ لأن الإيجاب يتعين فيها، فلم يجز الرجوع في جزء منها، أما الموسر إذا عين أضحيته فلا بأس أن يحلبها أو يجزها؛ لأن الوجوب لم يتعين فيها وإنما هو في ذمته ويسقط بالذبح ما يثبت في الذمة. فإذا كان عند الذبح بصفة الجواز فكأنه ابتدأ شراءها على هذه الصفة، فأما إذا ذبحها في وقتها جاز له أن يحلب لبنها فيأكله ويجز صوفها فينتفع بها في الوجهين؛ لأن القربة تعينت فيها بالذبح فجاز الانتفاع بلبنها وصوفها كما يجوز بلحمها. وقال الكرخي في " مختصره ": ولا ينبغي أن يحلبها قبل الذبح وإن فعل تصدق باللبن. [ما يستحب في الأضحية] م: (قال: والأفضل أن يذبح أضحيته بيده إن كان يحسن الذبح) ش: أي قال القدوري: - وليس في النسخ الصحيحة لفظة قال - م: (وإن كان لا يحسنه) ش: أي الذبح م: (فالأفضل أن يستعين بغيره) ش: لئلا يتلف أضحيته. م: (وإذا استعان بغيره ينبغي أن يشهدها بنفسه) ش: أي أن يحضر أضحيته بنفسه م: «لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لفاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: " قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك عند أول قطرة من دمها كل ذنب» ش: هذا الحديث رواه ثلاثة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. الأول: عمران بن الحصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الحاكم في " المستدرك " من حديث أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير عن عمران بن الحصين أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لفاطمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإنه يغفر لك عند أول قطرة من دمها كل ذنب عملتيه، وقولي إن صلاتي ونسكي ومحياي ... " إلى قوله: " من المسلمين ". قال عمران: قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا لك ولأهل بيت خاصة أم للمسلمين عامة؟ قال: " بل للمسلمين عامة» . ورواه البيهقي في " سننه " والطبراني في " معجمه ". وقال البيهقي: في إسناده مقال، وقال الذهبي في " مختصره للمستدرك " أبو حمزة الثمالي ضعيف جدا. ورواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا يحيى بن آدم وأبو بكر بن عياش عن ثابت عن أبي إسحاق عن عمران بن الحصين فذكره، وأخرجه الكرخي أيضا في " مختصره " بإسناده الجزء: 12 ¦ الصفحة: 57 قال: ويكره أن يذبحها الكتابي؛ لأنه عمل هو قربة وهو ليس من أهلها. ولو أمره فذبح جاز؛   [البناية] إلى عمران نحوه. الثاني: أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه الحاكم، من حديث عمرو بن قيس عن عطية عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا فاطمة قومي فاشهدي أضحيتك، فإن لك بأول قطرة تقطر من دمها أن يغفر لك ما سلف من ذنبك " فقالت فاطمة: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا لنا أهل البيت خاصة أو لنا وللمسلمين عامة؟ وسكت عنه» . رواه البزار في " مسنده ". وقال الذهبي: عطية واه، وقال البزار: لا نعلم له طريقا عن أبي سعيد أحسن من هذه الطريق، وعمرو بن قيس كان من أفاضل الكوفة وعبادهم، ممن يكتب حديثه. الثالث علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرج حديثه أبو القاسم الأصفهاني في كتاب " الترغيب والترهيب "، وأبو الفتح سليم بن أيوب، الفقيه الشافعي عن مسلم بن إبراهيم حدثنا سعيد بن زيد حدثنا عمرو بن خالد مولى بني هاشم عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " يا فاطمة ..... " الحديث. وقال أبو الفتح: سعيد بن زيد، هو أخو حماد بن زيد، وأخرجه الكرخي في " مختصره " بإسناده إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يا فاطمة بنت محمد، قومي واشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك بأول قطرة تقطر من دمها مغفرة لكل ذنب أما أنه يؤتى بها بدمها ولحمها فيوضع في ميزانك وسبعون ضعفا» . م: (قال: ويكره أن يذبحها الكتابي) ش: أي قال القدوري. - وليس في النسخ الصحيحة لفظة قال -: م: (لأنه عمل هو قربة وهو ليس من أهلها) ش: أي الكتابي ليس من أهل القربة، وفي بعض النسخ؛ لأنه عمل قربة، بإضافة العمل إلى القربة. قال القدوري في " شرحه ": إذا أمر مسلم نصرانيا أو يهوديا أن يذبح أضحيته ففعل، أجزأه؛ لأنه من أهل الذبح فصار ذبحه وذبح المسلم سواء، إلا أنه يكره؛ لأن الذبح للأضحية من أمور الدين، ولا ينبغي أن يستعان بالكافر فيما هو من أمور الدين، انتهى. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 58 لأنه من أهل الذكاة، والقربة أقيمت بإنابته ونيته، بخلاف ما إذا أمر المجوسي؛ لأنه ليس من أهل الذكاة فكان إفسادا. قال: وإذا غلط رجلان فذبح كل واحد منهما أضحية الآخر أجزأ عنهما، والضمان عليهما، وهذا استحسان. وأصل هذا أن من ذبح أضحية غيره بغير إذنه لا يحل له ذلك، وهو ضامن لقيمتها، ولا يجزئه عن الأضحية في القياس، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي الاستحسان: يجوز، ولا ضمان على الذابح، وهو قولنا. وجه القياس: أنه ذبح شاة غيره بغير أمره، فيضمن كما إذا ذبح شاة اشتراها القصاب، وجه الاستحسان أنها تعينت للذبح لتعينها للأضحية   [البناية] وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر، وقال مالك: لا يجوز أن يذبحها إلا مسلم، وهكذا روى مسلم عن أحمد لما روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن قال: «لا يذبح ضحاياكم إلا طاهر» وقال جابر: " لا يذبح النسك إلا مسلم ولنا ما قلنا ". م: (ولو أمره فذبح جاز؛ لأنه) ش: أي ولو أمر الكتابي فذبح أضحيته جاز؛ لأن الكتابي م: (من أهل الذكاة، والقربة أقيمت بإنابته ونيته) ش: أي بإنابة المسلم الكتابي ونية المسلم أيضا بالأضحية، م: (بخلاف ما إذا أمر المجوسي) ش: حيث لا يجوز بلا خلاف. م: (لأنه ليس من أهل الذكاة. فكان إفسادا) ش: حيث أمر بذبحها من ليس له ملة التوحيد إلا أنه لا يضمن؛ لأن من فعل ذلك بالأمر بخلاف ما لو أمر مسلما فذبح وترك التسمية عمدا فإنه يضمن؛ لأنه خالف أمر الآمر حيث ترك التسمية عمدا. م: (قال: وإذا غلط رجلان فذبح كل واحد منهما أضحية الآخر أجزأ عنهما والضمان عليهما) ش: أي قال القدوري: وليس في النسخ الصحيحة لفظة قال. وإذا كانت المسألة من مسائل القدوري م: (وهذا استحسان) ش: أي الجواز استحسان العلماء م: (وأصل هذا) ش: أي أصل ما ذكر من الحكم م: (أن من ذبح أضحية غيره بغير إذنه، لا يحل له ذلك، وهو ضامن لقيمتها، ولا يجزئه من الأضحية في القياس، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقول الثلاثة. م: (وفي الاستحسان: يجوز) ش: أي عن الأضحية م: (ولا ضمان على الذابح وهو) ش: أي الاستحسان م: (قولنا) ش: أي قول أئمتنا أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد م: (وجه القياس: أنه ذبح شاة غيره بغير أمره) ش: وفي بعض النسخ: بغير إذنه م: (فيضمن) ش: لأنه متعد م: (كما إذا ذبح شاة اشتراها القصاب) ش: فإنه يضمن وإن كان القصاب اشتراها للذبح؛ لأنه متعدٍّ حيث فعل بغير أمره وقياسا على ما لو ذبح في غير أيام الأضحية. وقياسا على ما لو قال له لا يذبح. م: (وجه الاستحسان: أنها) ش: أي الشاة المشتراة للأضحية م: (تعينت للذبح لتعينها للأضحية) ش: إما بنفس الشراء بنية الأضحية بل إذا كان فقيرا، أو بالنذر بعينها، فلا يضمن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 59 حتى وجب عليه أن يضحي بها بعينها في أيام النحر، ويكره أن يبدل بها غيرها فصار المالك مستعينا بكل من يكون أهلا للذبح آذنا له دلالة؛ لأنها تفوت بمعنى بهذه الأيام، وعساه يعجز عن إقامتها بعوارض فصار كما إذا ذبح شاة شد القصاب رجلها. فإن قيل: يفوته هو أمر مستحب وهو أن يذبحها بنفسه، أو يشهد الذبح فلا يرضى به.   [البناية] قياسا على القصاب إذا شد رجل شاة وقد أضجعها، ثم جاء رجل وذبح فإنه لا يضمن؛ لأنه ذبح شاة عينها المالك للذبح، فكذا هذا، فلما تعينت للذبح شرعا صار الذبح مأذونا فيه عرفا. والإذن الثابت عرفا كالإذن الثابت بالنطق، بدلالة أن من دعا قوما إلى وليمة فقدم لهم طعاما فإنه يكون آذنا بتناوله ذلك في العرف أما شاة القصاب فإنما وجب ضمانها؛ لأنها لم تتعين للذبح؛ لأنه ربما يبيعها حية وربما يبيعها مسلوخة، والأضحية تعينت للذبح إما بنفس الشراء بنيته للأضحية إذا كان فقيرا كما ذكرنا، أو بالنذر بعينها. م: (حتى وجب عليه أن يضحي بها بعينها في أيام النحر) ش: لتعينها بعينها م: (ويكره أن يبدل بها غيرها) ش: يعني إذا كان غنيا، وأما في الفقير فلا يجوز الاستبدال ولكن يجوز استبدالها بخير منها عند أبي حنيفة ومحمد وأحمد، وعند مالك: في المنذورة وغيرها وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف، وأبي الخطاب الحنبلي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز؛ لأنه قد جعلها لله سبحانه وتعالى فلم يملك أن يتصرف فيها بالاستبدال كالوقف. ولنا ما روي: " «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ساق مائة بدنة في حجته، وقدم علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - من اليمن فأشركه فيه» ، رواه مسلم، وهذا نوع من الهبة. م: (فصار المالك مستعينا بكل ما يكون أهلا للذبح) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فصار مالك الأضحية مستعينا أي طالبا للعتاق من كل من كان أهلا للذبح احترز به عن المجوسي ونحوه. م: (آذنا له دلالة) ش: أي حال كونه دلالة بكل من كان أهلا للذبح من حيث الدلالة، كما في القصاب إذا أضجعها وشد رجلها كما ذكرنا. وقوله: " آذنا " يجوز أن يقرأ على وزن الفاعل وإن قرئ على وزن المصدر فالتقدير أن يكون باسم الفاعل أيضا فافهم، وعلى الوجهين حال كما ذكرنا. م: (لأنها تفوت بمعنى بهذه الأيام وعساه) ش: أي عسى المالك. وعسى هنا بمعنى لعل، أي لعله م: (يعجز عن إقامتها بعوارض) ش: أي لأجل عوارض تعرض له م: (فصار كما إذا ذبح شاة شد القصاب رجلها) ش: أي صار حكم المسألة في أن الذابح فيها مأذون، دلالة لحكم الرجل الذي ذبح شاة قصاب، كان قد أضجعها وشد رجلها للذبح. وقد ذكرناه. م: (فإن قيل: يفوته هو أمر مستحب وهو أن يذبحها بنفسه أو يشهد الذبح فلا يرضى به) ش: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 60 قلنا: يحصل له مستحبان آخران: صيرورته مضحيا لما عينه، وكونه معجلا به فيرتضيه. ولعلمائنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - من هذا الجنس مسائل استحسانية، وهي: أن من طبخ لحم غيره، أو طحن حنطته، أو رفع جرته فانكسرت، أو حمل على دابته فعطبت. كل ذلك بغير أمر المالك يكون ضامنا. ولو وضع المالك اللحم في القدر والقدر على الكانون، والحطب تحته. أو جعل الحنطة في الدورق وربط الدابة عليه أو رفع الجرة وأمالها إلى نفسه، أو حمل على دابته فسقط في الطريق. فأوقد هو النار فيه فطبخه، أو ساق الدابة فطحنها،   [البناية] حاصل السؤال أن المستحب هو أن يذبح أضحيته بيده إن كان يحسن الذبح، أو يشهد إن لم يحسن ذبحها وكلاهما فوات هاهنا، أما الأول فظاهر، والثاني أنه لو علم به فربما كان لا يرضى به. م: (قلنا) ش: وفي بعض النسخ. قلت م: (يحصل له مستحبان آخران: صيرورته مضحيا لما عينه) ش: يعني وإن كان لفوته أمران أحدهما مستحب فقد حصل له أمران مستحبان: أحدهما: كونه مضحيا لما عينه والتضحية حتى يكره الإبدال لما ذكرنا م: (وكونه معجلا به فيرتضيه) ش: والآخر: كون المالك معجلا التضحية فيرتضيه بسبب ذلك. م: (ولعلمائنا من هذا الجنس مسائل استحسانية) ش: يعني استحسنها المشائخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - على خلاف القياس م: (وهي: أن من طبخ لحم غيره، أو طحن حنطته، أو رفع جرته فانكسرت، أو حمل على دابته فعطبت) ش: أي هلكت م: (كل ذلك) ش: يعني من طبخ اللحم وطحن الحنطة ورفع الجرة والحمل على الدابة م: (بغير أمر المالك يكون ضامنا) ش: للتعدي على ما يأتي. م: (ولو وضع المالك اللحم في القدر والقدر على الكانون) ش: أي وضع القدر على الكانون م: (والحطب تحته) ش: أي وضع الحطب تحت القدر. م: (أو جعل الحنطة في الدورق) ش: بفتح الدال وسكون الواو وفتح الراء في آخره قاف والمراد به هنا شيء في صفته صندوق مطاول يعلق فوق الرحى يوضع فيه الحنطة ينزل منه إلى قطب الرحى ليطحن، وفي " الأصل " هو مكيل التراب قاله في " ديوان الأدب ". وقال ابن دريد: وإنما الدورق الذي يستعمل فأعجمي معرب م: (وربط الدابة عليه) ش: يعني حول الرحى حتى تدور بها. م: (أو رفع الجرة وأمالها إلى نفسه، أو حمل على دابته فسقط) ش: أي حملها م: (في الطريق) ش: من ظهر الدابة م: (فأوقد هو النار فيه فطبخه) ش: هذا الحديث لف ونشر مرتب. فإن قوله: فأوقد يرجع إلى المسألة الأولى، وهو قوله: ولو وضع المالك اللحم في القدر والقدر على الكانون والحطب تحته، يعني فأوقد رجل غيره النار في الكانون يطبخ اللحم. م: (أو ساق الدابة فطحنها) ش: يرجع إلى المسألة الثانية وهي قوله: أو جعل الحنطة في الجزء: 12 ¦ الصفحة: 61 أو أعانه على رفع الجرة فانكسرت فيما بينهما، أو حمل على دابته ما سقط فعطبت لا يكون ضامنا في هذه الصورة كلها استحسانا، لوجود الإذن، دلالة. إذا أثبت هذا فنقول في مسألة الكتاب: ذبح كل واحد منهما أضحية غيره بغير إذنه صريحا فهي خلافية زفر بعينها وسيأتي فيها القياس والاستحسان كما ذكرنا، فيأخذ كل واحد منهما مسلوخة نفسه عن صاحبه ولا يضمنه؛ لأنه وكيله فيما فعل دلالة فإن كانا قد أكلا ثم علما فليحلل كل واحد منهما صاحبه ويجزيهما؛ لأنه لو أطعمه في الابتداء يجوز وإن كان غنيا فكذا له أن يتحلله في الانتهاء،   [البناية] الدورق، وربط الدابة عليه يعني وساق الدابة غيره فطحنها. م: (أو أعانه على رفع الجرة فانكسرت فيما بينهما) ش: يرجع إلى المسألة الثالثة وهي قوله: أي رفع الجرة وأمالها إلى نفسه معنى أو أعانه رجل غيره على رفع الجرة فانكسرت بينهما أي بين المالك والمعني. م: (أو حمل على دابته ما سقط فطبت) ش: يرجع إلى المسألة الرابعة وهي قوله حمل على دابته فسقط يعني حمل رجل غيره على دابته ما سقط منها من الحمل الذي حمله إياها مالكه فعطبت الدابة أي هلكت م: (لا يكون ضامنا في هذه الصورة كلها) ش: جواب المسائل المذكورة. والضمير فيها لا يكون يرجع إلى موقد النار، وسائق الدابة، والحامل باعتبار كل واحد فافهم. م: (استحسانا) ش: يعني من حيث الاستحسان م: (لوجود الإذن دلالة) ش: والثابت دلالة كالثابت نصا. م: (إذا أثبت هذا) ش: أي المذكور من الحكم والمذكور من الأصل والمذكور من الاستحسان في المسائل المذكورة. م: (فنقول في مسألة الكتاب: ذبح كل واحد منهما أضحية غيره بغير إذنه صريحا فهي خلافية زفر بعينها) ش: أي فيهما خلاف بين أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه خالفهم. م: (وسيأتي فيها القياس والاستحسان كما ذكرنا) ش: فإنه ذكر وجه كل منهما عن قريب م: (فيأخذ كل واحد منهما مسلوخة عن صاحبه) ش: أي إذ كان الأمر كذلك فيأخذ كل من الرجلين المذكورين مسلوخة نفسه عن صاحبه م: (ولا يضمنه) ش: أي ولا يضمن أحدهما الآخر م: (لأنه وكيله فيما فعل دلالة) ش: أي من حيث الدلالة فصار كوكيله نصا. م: (فإن كانا قد أكلا ثم علما) ش: فإنهما قد ذبح كل واحد منهما أضحية صاحبه م: (فليحلل كل واحد منهما صاحبه ويجزيهما) ش: أي يجزي كل واحد منهما من أضحيته وهذا من مسائل " النوادر " ذكره تفريعا على مسألة القدوري. م: (لأنه لو أطعمه في الابتداء يجوز وإن كان غنيا فكذا له أن يتحلله في الانتهاء) ش: أي لأن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 62 وإن تشاحا فلكل واحد منهما أن يضمن لصاحبه قيمة لحمه ثم يتصدق بتلك القيمة؛ لأنها بدل عن اللحم فصار كما لو باع أضحيته، وهذا لأن التضحية لما وقعت عن صاحبها كان اللحم له، ومن أتلف لحم أضحية غيره كان الحكم ما ذكرناه، ومن غصب شاة فضحى بها ضمن قيمتها، وجاز عن أضحيته؛ لأنه ملكها بسابق الغصب بخلاف ما لو أودع شاة فضحى بها؛ لأنه يضمنه بالذبح، فلم يثبت الملك له إلا بعد الذبح.   [البناية] كل واحد منهما لو أطعم صاحبه في ابتداء الأمر من أضحيته في غير صورة الغلط كان يجوز ذلك وإن كان صاحبه غنيا فكذا له ذلك في الانتهاء بأن يحلله؛ لأن حكم الابتداء حكم الانتهاء. م: (وإن تشاحا) ش: بالحاء المهملة، أي تنازعا وتخاصما ولم يحلل كل منهما صاحبه م: (فلكل واحد منهما أن يضمن لصاحبه قيمة لحمه ثم يتصدق بتلك القيمة؛ لأنها) ش: أي لأن القيمة م: (بدل عن اللحم فصار كما لو باع أضحيته) ش: يعني لو باع أضحيته واشترى بثمنها غيرهما فإن كان غيرها أنقص من الأولى يتصدق بما فضل عن الثانية، ولو لم يشتر حتى مضت أيام النحر يتصدق بثمنها م: (وهذا لأن التضحية لما وقعت عن صاحبها كان اللحم له) ش: يعني أن تضحية كل واحد منهما وقعت عن صاحبه لا عن نفسه فكان اللحم لصاحبه أيضا، فلما أكل المضحي ذلك كان متلفا لحم أضحية غيره فيضمن. م: (ومن أتلف لحم أضحية غيره كان الحكم ما ذكرناه) ش: وهو تضمين قيمة اللحم والتصدق بها. [غصب شاة فضحى بها] م: (ومن غصب شاة فضحى بها ضمن قيمتها وجاز عن أضحيته) ش: وقال زفر وأبو يوسف - رحمهما الله - في رواية، والثلاثة: لا يجوز عن أضحيته؛ لأنها وقعت في غير ملكه فصار كعتاق الغاصب ثم ملكه بأداء الضمان حيث لا ينفذ عتقه وأشار إلى دليلنا بقوله: م: (لأنه ملكها بسابق الغصب) ش: أي لأن الغاصب ملك الشاة التي ضحى بها مسندا إلى الغصب السابق فكانت التضحية واردة على ملكه. وكذا يكفي للتضحية ولكن قبل هذا إذا أدى الضمان في أيام النحر بخلاف الإعتاق فلأنه يستدعي كمال الملك؛ لأن الملك فيه مفوض ولا كذلك الأضحية ولا يقال: الاستناد يظهر في القائم لا في الهالك؛ لأن ذلك بمعزل منافاة الإراقة ليست من المملوك بشيء؛ لأنها ليست بصفة الشاة ليظهر أثره فيه، فإن الملك يثبت في المذبوحة ثم يسند إلى الوقت الغاصب، فيظهر أن الأربعة حاصلة في ملكه كذا في " الفوائد الشاهية ". م: (بخلاف ما لو أودع شاة فضحى بها) ش: حيث لا تجزيه م: (لأنه يضمنه بالذبح فلم يثبت الملك له إلا بعد الذبح) ش: فيكون غير مالك عند التضحية بوجه ونقل الناطفي في كتاب الجزء: 12 ¦ الصفحة: 63 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] " الأجناس " عن اختلاف زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولو غصب شاة فذبحها عن المتعة أو ضحى بها ضمن قيمتها أنه يجوز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وفي " نوادر ابن رستم " عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لم يجز عن أضحيته وإن عزم القيمة. وفي " أضاحي الإيلاء ": رواية بشر بن الوليد: لو غصب شاة وذبحها عن الأضحية ثم أدى قيمتها لا يجزيه؛ لأن لصاحب الأضحية أن يأخذها مذبوحة ولا يضمنها قيمتها فهذه الرواية توافق قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إلى هنا لفظ " الأجناس "، والله أعلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 64 كتاب الكراهية قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تكلموا في معنى المكروه.   [البناية] [كتاب الكراهية] [معنى المكروه] م: (كتاب الكراهية) ش: قالت الشراح: أورد الكراهية بعد الأضحية؛ لأن عامة مسائل كل واحد لم يجز من أصل أو فرع يرد فيه الكراهية كما قلنا من كراهية جز الصوف وذبح الكتابي وغيرها. قلت: قل في كتاب من الكتب السابقة [أن] تخلو من هذا فلم يتحقق بذلك وجه المناسبة، والأولى أن يقال: عامة مسائل الذبائح بالآثار والأخبار، وكذلك عامة مسائل الكراهية بالسنة والآثار. فلذلك ذكرهما متباينين. ثم عبارات الكتب اختلفت في ترجمة هذا الباب فخصه بلفظ الكراهية في " الجامع الصغير " و " شرح الطحاوي "، وتبعهما المصنف، وبلفظ الحظر والإباحة في القدوري و " الإيضاح " و " التتمة " و " التحفة " وفي " فتاوى قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - والكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ". وبلفظ الاستحسان في " الشرط " و " المحيط " و " الذخيرة " و " المغني " و " الكافي " للحاكم الشهيد وإنما خصوه بالاستحسان وإن كان القياس ثابتا في مقابلته أن المعمول به جهة الاستحسان. ثم الكراهية على وزن فعالية مصدر، وقولهم كره الشيء يكره كرها وكراهية إذا لم يرده. قال في " الميزان ": هي ضد المحبة والرضى. قال الله سبحانه وتعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} [البقرة: 216] . فالمكروه خلاف المندوب والمحبوب لغة، والكراهية ليست بضد الإرادة عندنا، فإن الله سبحانه وتعالى كاره للكفر والمعاصي أي ليس براض بهما ولا يوجب لهما، فإن الكفر والمعاصي بإرادة الله سبحانه وتعالى بمشيئته، وعند المعتزلة ضد الكراهية الإرادة أيضا كما عرف في أصول الكلام. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (تكلموا في معنى المكروه) ش: أي تكلمت العلماء في معنى الكراهية فقيل: ما يكون تركه أولى من تحصيله وقيل: ما يكون الأولى أن لا يفعله. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 65 والمروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - نصا: أن كل مكروه حرام، إلا أنه لما لم يوجد فيه نص قاطع لم يطلق عليه لفظ الحرام، وعن أبي حنيفة، وأبي يوسف - رحمهما الله -: أنه إلى الحرام أقرب، وهو يشتمل على فصول منها: فصل في الأكل والشرب، قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تكره لحوم الأتن وألبانها.   [البناية] م: (والمروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - نصا: أن كل مكروه حرام، إلا أنه لما لم يوجد فيه نص قاطع لم يطلق عليه لفظ الحرام) ش: الحاصل أنهم اختلفوا في مراد محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من المكروه. فقالوا: كل مكروه حرام، كذلك روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - نصا، إلا أن إذا وجد نصا ثبت القول في المنصوص بالتحريم والتحليل وفي غير المنصوص بقوله: في الحل لا بأس وفي الحرمة مكروه. م: (وعن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: أنه إلى الحرام أقرب) ش: قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذه رواية شاذة؛ لأنه ذكر في " المبسوط ": أن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال لأبي حنيفة: إذا قلت: في شيء أكرهه فما رأيك فيه؟ قال: التحريم. وفي " المحيط " لفظ الكراهية عند الإطلاق يراد بها: التحريم. قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قلت لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا قلت في شيء " أكرهه ": فما رأيك فيه؟ قال: التحريم، وفي " الحقائق " قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشبهة إلى الحرام أقرب. [فصل في الأكل والشرب] م: (وهو يشتمل على فصول) ش: أي كتاب الكراهية يجتمع على فصول م: (منها) ش: أي من الفصول م: (فصل في الأكل والشرب) ش: أي في بيان أحوال الأكل والشرب م: (قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تكره لحوم الأتن وألبانها) ش: الأتن بضمتين، جمع أتان هي الحمارة وإنما خص الأتن مع كراهة لحم سائر الحمير يستقيم، عطف الألبان عليه إذ اللبن لا يكون إلا من الأتان. فقال الأوزاعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبشر المريسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لحوم الحمر الأهلية حرام وقد ذكرناه مستقصى في كتاب الذبائح فإذا ثبت حرمة اللحم عندنا ثبت له حكم اللبن؛ لأنه متولد منه. وقال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في شرح " الجامع الصغير ": اتفق أصحابنا على أن الحمار إذا ذبح يطهر لحمه وأنه لا يؤكل، وأما شحمه فلا يؤكل وهل ينتفع به في غير وجه الأكل اختلفت فيه مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، فقال بعضهم: لا يحل كما لا يحل الأكل، وقال بعضهم بل ذلك جائز. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 66 وأبوال الإبل. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - لا بأس بأبوال الإبل. وتأويل قول أبي يوسف: أنه لا بأس بها للتداوي. وقد بينا هذه الجملة فيما تقدم في الصلاة، والذبائح فلا نعيدها، واللبن متولد من اللحم فأخذ حكمه. قال: ولا يجوز الأكل والشرب والادهان والتطيب في آنية الذهب، والفضة للرجال والنساء لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في الذي يشرب في إناء الذهب والفضة: «إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» .   [البناية] م: (وأبوال الإبل) ش: أي يكره أبوال الإبل أيضا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: لا بأس بأبوال الإبل، وتأويل قول أبي يوسف) ش: لأنه ذكر مطلقا في " الجامع الصغير " حيث قال محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة قال: أكره شرب أبوال الإبل وأكل لحم الفرس، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: لا بأس بذلك كله. قال المصنف: تأويل أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه لا بأس بها للتداوي) ش: لا مطلقا كما هو مذهب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقد بينا هذه الجملة فيما تقدم في الصلاة) ش: في كتاب الطهارات في فصل البئر م: (والذبائح) ش: أي في كتاب الذبائح، وأراد به حكم لحوم الأتن م: (فلا نعيدها) ش: أي من التكرار. م: (واللبن متولد من اللحم فأخذ حكمه) ش: أي فيما لم يختلف ما هو المقصود من كل واحد منهما، ولا بد من ذلك القيد وإلا يلزم نقضا على هذا الأصل لبن الفرس على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية هذا الكتاب: جعل شرب لبنه حلالا لما أن المقصود من تحريم لحمه تعليل آلة الفن ولا يوجد ذلك في اللبن. [الأكل والشرب والادهان والتطيب في آنية الذهب والفضة] م: (قال: ولا يجوز الأكل والشرب والادهان والتطيب في آنية الذهب والفضة للرجال والنساء) ش: أي قال القدوري " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " في " مختصره ": قبل: صورة الادهان المحرم أن يأخذ الإناء ويصب على رأسه، أما إذا أدخل يده فيها وأخذ الدهن ثم صب على رأسه من اليد لا يكره ذلك في " الجامع " و " الذخيرة " و " المحيط ". وكذا لو دفع الطعام ووضعه على الخبز وأكله لأنه يحل لانقطاعه عن آنية الفضة م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في الذي يشرب في إناء الذهب والفضة: «إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم - رحمهما الله - عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» . وفي لفظ لمسلم - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «من يشرب في إناء ذهب أو فضة» وفي لفظ له: «الذي يأكل ويشرب في آنية الذهب والفضة» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 67 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ولم يذكر البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأكل ولا ذكر الذهب، أخرجه البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأشربة، ومسلم - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أول اللباس. وأخرجه الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن يحيى بن محمد الجاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثنا زكريا بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع عن أبيه عن ابن عمر نحوه، وزاد فيه: «آنية الذهب والفضة» أو فيه شيء من ذلك، ويحيى الجاري فيه، فقال: أخرجاه في الطهارة. وروى البخاري أيضا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: «كان حذيفة بالمدائن فاستقى الماء وأتى دهقان بقدح فضة فرمى به فقال: إني لم أرمه إلا أني نهيته فلم ينته، وأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهانا عن الحرير والديباج والشرب في آنية الذهب والفضة وقال: " هي لهم في الدنيا وهي لكم في الآخرة» ". وقال الخطابي: أصل الجرجرة هدير الفحل إذا اهتاج ويقال: جرجر الفحل إذا هدر في شقشقته، ومثله جرجرة الرحى. وقال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الجرجرة صوت يردده البعير في حنجرته ومعناه يرددها في بطنه. وقال صاحب " العناية ": و " نار " منصوب على ما هو محفوظ من الثقات. قلت: روى الزمخشري أيضا بالنصب في تابعه واقتصر عليه وقال: أي يرددها فيه من حرز الفحل إذا ردد الصوت في حنجرته. انتهى. ذلك يجوز فيه الوجهان. قال الخطابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي إعرابه وجهان: أحدهما: إن رفع النار، أي كأنه يصوت في جهة بطنه نار جهنم، والوجه الآخر: أن ينصب النار، أي كأنه يجرع في شربه نار جهنم: كقوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] انتهى. قلت: التحقيق في إعراب هذا الحديث الذي قوله: الذي: مبتدأ موصول، وقوله: يشرب من إناء الذهب: صلة، قوله: إنما يجرجر في بطنه نار جهنم: خبر المبتدأ، وهي جملة وفيها العائد إلى الاسم للأول، ثم قوله: يجرجر سواء رفعت النار أو نصبت على بناء الفاعل، ولكن معناه في النصب متعدد في الرفع لازم، ونار جهنم في النصب تردد وفي الرفع متردد، والأصل هذا الفعل لازم، ولكن يتعدى في النصب؛ لأنه يكون معنى يتجرع وهو من باب التضمين وفيه يصير اللازم متعديا، فافهم. وهكذا فسره الزمخشري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في النصب بقوله: أي يرددها؛ لأنها حينئذ تتضمن جرجر معنى ردد، وردد متعد وإلا فأصله لازم لأنك تقول جرجر الرحى إذا سمع منه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 68 وأتي أبو هريرة بشراب في إناء فضة فلم يقبله، وقال: نهانا عنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإذا ثبت هذا في الشراب، فكذا في الادهان ونحوه؛ لأنه في معناه، ولأنه تشبه بزي المشركين وتنعم بتنعم المترفين والمسرفين. وقال في " الجامع الصغير ": يكره،   [البناية] صوت فتردد. م: «وأتي أبو هريرة بشراب في إناء فضة فلم يقبله، وقال: نهانا عنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ش: هذا عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - غير صحيح، وهو في الكتب الستة عن حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: «استسقى حذيفة فسقاه مجوسي في إناء من فضة فقال: إني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» أخرجه البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأشربة والأطعمة واللباس، ومسلم في الأطعمة، وأبو داود والترمذي في الأشربة، وابن ماجه في الأشربة واللباس، والنسائي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الزينة والوليمة. م: (وإذا ثبت هذا) ش: أي عدم الجواز م: (في الشراب فكذا في الادهان ونحوه) ش: أي فكذا ثبت عدم الجواز في الادهان ونحوه مثل التداوي يداوي فيه والإسقاط والإنحار والاختتان م: (لأنه في معناه) ش: أي لأن الادهان في معنى الشرب منه؛ لأن كل واحد استعمال للمحرم والمحرم الاستعمال بأي وجه كان. م: (ولأنه تشبه بزي المشركين) ش: أي ولأن كل من الأكل والشرب والادهان والتطيب في آنية الذهب والفضة، تشبيه بأفعال المشركين؛ لأنهم لا يستعملون من الأشياء إلا في أواني الذهب والفضة، ولا سيما ملوك الروم والغجر. م: (وتنعم بتنعم المترفين والمسرفين) ش: المترف - بضم الميم وسكون التاء المثناة من فوق وفتح الراء وفي آخره فاء -، وهو المنعم، يقال: أترفه أي نعمه وأترفته النعمة أي أطغته، كذا في " الديوان ". ومنه قوله سبحانه وتعالى: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} [الإسراء: 16] . وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تنعم المترفين أي الطاغين. قال سبحانه وتعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20] والإسراف المجاوزة عن الحد في استعمال الأشياء. م: (وقال في " الجامع الصغير ": يكره) ش: حيث قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه كان يكره الأكل والشرب والادهان في آنية الذهب، وكان لا يرى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 69 ومراده التحريم، ويستوي فيه الرجال والنساء لعموم النهي. وكذلك الأكل بملعقة الذهب، والفضة والاكتحال بميل الذهب والفضة، وكذا ما أشبه ذلك كالمكحلة والمرآة وغيرهما لما ذكرنا، قال: ولا بأس باستعمال آنية الرصاص والزجاج والبللور والعقيق. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكره؛ لأنه في معنى الذهب والفضة في التفاخر به. قلنا: ليس كذلك؛ لأنه ما كان من عادتهم التفاخر بغير الذهب والفضة، . قال: ويجوز الشرب في الإناء المفضض عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - والركوب في السرج المفضض والجلوس على الكرسي المفضض والسرير المفضض إذا كان يتقي موضع الفضة ومعناه: يتقي موضع الفم، وقيل: هذا وموضع اليد في الأخذ،   [البناية] بأسا بالإناء المفضض م: (ومراده التحريم) ش: هذا كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي مراد محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله يكره: كراهة التحريم؛ لأنه ثبت بالنص القاطع، م: (ويستوي فيه) ش: هذا كلام المصنف أي في الحكم المذكور م: (الرجال والنساء لعموم النهي) ش: حيث لم يخص طائفة منهم. م: (وكذلك الأكل بملعقة الذهب والفضة) ش: أي لا يجوز م: (والاكتحال) ش: بالرفع أي وكذا لا يجوز الاكتحال م: (بميل الذهب والفضة وكذا ما أشبه ذلك كالمكحلة والمرآة وغيرهما) ش: نحو المجمرة والملقط والمسقط، وكذا الركاب واللجام والثغر والكرسي والسرير ونحوهم. م: (لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله: ولأنه تشبه بزي المشركين م: (قال: ولا بأس باستعمال آنية الرصاص والزجاج والبللور والعقيق. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكره؛ لأنه في معنى الذهب والفضة في التفاخر به) ش: أي بكل واحد من هذه الأشياء. وقال الأقطع في " شرحه ": وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكره؛ لأنه في معنى الذهب والفضة من ذلك كأن نافس عينا بجنسه كالبللور. م: (قلنا: ليس كذلك) ش: أي ليس كما قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه) ش: أي الشأن م: (ما كان من عادتهم التفاخر بغير الذهب والفضة) ش: أي من عادة المشركين أو المترفين والأصل في الأشياء الإباحة. قال الله سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32] . [الشرب في الإناء المفضض] م: (قال: ويجوز الشرب في الإناء المفضض عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قال القدوري: والمفضض المرصع وبالفارسية سيم كوفته م: (والركوب في السرج المفضض والجلوس على الكرسي المفضض والسرير المفضض إذا كان يتقي موضع الفضة) ش: أي يجتنب موضع الفضة م: (ومعناه) ش: أي معنى قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتقي موضع الفضة م: (يتقي موضع الفم) ش: عن الشرب من الإناء المفضض م: (وقيل: هذا، وموضع اليد في الأخذ) ش: أي قبله يتقي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 70 وفي السرير والسرج موضع الجلوس، وقال أبو يوسف: يكره ذلك. وقول محمد: يروى مع أبي حنيفة ويروى مع أبي يوسف، وعلى هذا الخلاف الإناء المضبب بالذهب والفضة والكرسي المضبب بهما، وكذا إذا جعل ذلك في السيف والمشحذ وحلقة المرأة، أو جعل المصحف مذهبا، أو مفضضا وكذا الاختلاف في اللجام والركاب والثفر إذا كان مفضضا.   [البناية] موضع الفم وموضع اليد عند الأخذ، فعرفت أن هذا في موضع النصب على المفعولية. وقوله وموضع اليد بالنصب عطف عليه. م: (وفي السرير والسرج موضع الجلوس) ش: أي ويتقي في السرج والسرير موضع الجلوس. م: (وقال أبو يوسف: يكره ذلك) ش: وبه قالت الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (وقول محمد يروى مع أبي حنيفة ويروى مع أبي يوسف) ش: يعني قوله مضطرب. روى الإمام الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه مع أبي حنيفة، وروى أبو عامر العامري أنه مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعلى هذا الخلاف الإناء المضبب بالذهب والفضة والكرسي المضبب بهما) ش: أي بالذهب والفضة، يقال: بأن يضبب أي مشدد، وبالضبان جمع ضبة وهي حديد به الفريضة التي يضبب بها ومنه يضبب استناصه بالفضة إذا شدها. كذا في " المغرب " و " الذخيرة ": الضبة الذهب العريضة أو الفضة العريضة يجعل على وجه الباب وما أشبه ذلك. ثم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بالجلوس على الكرسي المضبب والسرير المضبب إذا لم يقعد على موضع الذهب. م: (وكذا إذا جعل ذلك) ش: وكذا الخلاف بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا جعل التضبيب م: (في السيف والمشحذ) ش: أي في المسن. وفي بعض النسخ: والمسجد، والمراد به سقف المسجد م: (وحلقة المرأة) ش: والمراد من الحلقة التي تكون على خوال المرأة لا ما تأخذه المرأة بيدها، فإن ذلك مكروه بالاتفاق م: (أو جعل المصحف مذهبا أو مفضضا) ش: يجوز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال الشافعي وأحمد في تحلية المسجد والمصحف بالذهب والفضة: له وجهان، فذكر بعض أصحابه أنه يجوز إعظاما ونصه أنه حرام. م (وكذا الاختلاف) ش: يعني بين أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (في اللجام والركاب والثفر) ش: بفتح الثاء المثلثة والفاء وفي آخره راء، وهو الذي يجعل تحت ذنب الدابة م: (إذا كان مفضضا) ش: أي كل واحد منهما. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 71 وكذا الثوب فيه كتابة بذهب أو فضة على هذا، وهذا الاختلاف فيما يخلص، وأما التمويه الذي لا يخلص فلا بأس به بالإجماع. لهما: أن مستعمل جزء من الإناء مستعمل جميع الأجزاء فيكره كما إذا استعمل موضع الذهب والفضة. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن ذلك تابع ولا معتبر بالتوابع فلا يكره كالجبة المكفوفة بالحرير، والعلم في الثوب، ومسمار الذهب في الفص. قال: ومن أرسل أجيرا له مجوسيا أو خادما فاشترى لحما فقال: اشتريته من يهودي أو   [البناية] م: (وكذا الثوب فيه كتابة بذهب أو فضة على هذا) ش: أي على الخلاف المذكور، وكذا الخلاف إذا كان في نصل السكين فضة أو قبضة السيف قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن أخذ من السكين موضع الفضة يكره وإلا فلا، خلاف لأبي يوسف والثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (وهذا الاختلاف فيما يخلص) ش: أي يتميز من الآنية م: (وأما التمويه الذي لا يخلص) ش: بالإذابة فلا يتميز م: (فلا بأس به بالإجماع) ش: أراد بالإجماع اتفاق أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لأن فيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والتمويه هو التطلية بماء الذهب أو الفضة وهو مصدر موهت السكين إذا طليته. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أن مستعمل جزء من الإناء مستعمل جميع الأجزاء فيكره كما إذا استعمل موضع الذهب والفضة) ش: حيث يكره بالإجماع ولعموم النهي أيضا م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن ذلك تابع) ش: أي استعمال ذلك الجزء هو تابع إلى الاستعمال، قصد الجزء الذي يلاقيه العضو وما سواه تبع في الاستعمال م: (ولا معتبر بالتوابع فلا يكره كالجبة المكفوفة بالحرير، والعلم في الثوب، ومسمار الذهب في الفص) ش: فصار كمن شرب من كفه وفي أصبعه خاتم فضة. وحكي أن هذه المسألة وقعت في دار أبي جعفر الدرانقي بحضرة أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأئمة عصره فقالت الأئمة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يكره، فقيل لأبي حنيفة: ما تقول؟ فقال: إن وضع فمه على الفضة يكره وإلا فلا، فقيل له: ما الحجة فيه؟ فقال: رأيت لو كان في الأصبع خاتما من فضة فشرب من كفه لا يكره، فوقف كلهم وتعجب أبو جعفر، كذا في " الجامع المحبوبي ". وفي " المجتبى " قيل: الجلوس على سرير من ذهب أو فضة يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - ويكره عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لاختلافهم في الجلوس على الحرير، والصحيح أنه يكره بالاتفاق. وفي " العيون ": قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا بأس بأن يكون في بيته شيء من الديباج لا يقعد عليه ولا ينام، وأواني الذهب للتجمل لا يشرب فيها. [أرسل أجيرا له فاشترى لحما فقال اشتريته من يهودي أو نصراني أو مسلم] م: (قال: ومن أرسل أجيرا له مجوسيا أو خادما فاشترى لحما فقال: اشتريته من يهودي، أو الجزء: 12 ¦ الصفحة: 72 نصراني أو مسلم وسعه أكله؛ لأن قول الكافر مقبول في المعاملات؛ لأنه خبر صحيح لصدوره عن عقل ودين يعتقد في حرمة الكذب، والحاجة ماسة إلى قبوله لكثرة وقوع المعاملات. قال: وإن كان غير ذلك لم يسعه أن يأكل منه، معناه: إذا كان ذبيحة غير الكتابي والمسلم؛ لأنه لما قبل قوله في الحل أولى أن يقبل في الحرمة. قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويجوز أن يقبل في الهدية والإذن قول العبد والجارية والصبي.   [البناية] نصراني أو مسلم وسعه أكله) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": وفي بعض النسخ: وسعه أكله. م: (لأن قول الكافر مقبول في المعاملات) ش: لأجل الضرورة، فإن المعاملات يكثر وقوعها بين الناس ولا يوجد في كل خبر عدل يرجع إليه. م: (لأنه خبر صحيح لصدوره عن عقل ودين يعتقد فيه حرمة الكذب والحاجة ماسة إلى قبوله لكثرة وقوع المعاملات قال: وإن كان غير ذلك لم يسعه أن يأكل منه) ش: أي غير ما قال: اشتريته من يهودي أو نصراني بأن قال: اشتريته من مجوسي فلم يسعه الأكل حينئذ أشار إلى هذا المعنى بقوله م: (معناه) ش: أي معنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن كان غير ذلك م: (إذا كان ذبيحة غير الكتابي والمسلم؛ لأنه لما قبل قوله) ش: أي قول الأجير المجوسي م: (في الحل أولى أن يقبل في الحرمة) ش: لوجوب الاحتياط في باب الحرمة. م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويجوز أن يقبل في الهدية والإذن قول العبد والجارية والصبي) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعني إذا قال العبد أو الصبي: أن هذا الشيء هدية أهداها مولاي أو أبي إليك، أو قال: أنا مأذون في التجارة يعتمد على قوله في " الجامع الصغير " أي روى محمد في " الجامع الصغير " عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: إذا جاءت أمة رجل إلى رجل وقالت: بعثني مولاي إليك بهدية، قال: يسعه أن يأخذها. انتهى. وأصله أن خبر الواحد حجة في المعاملات لإجماع المسلمين على ذلك بالكتاب والسنة. فإن الله تعالى جعل خبر الواحد حجة في كتابه. قال الله تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} [يس: 20] وقال الله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: 19] . وقد توارثنا السنة عن الصحابة والتابعين بذلك، وقال أبو نصر - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح القدوري ": وهو الذي ذكره استحسانا والقياس أن لا يقبل لما لم يكن لهما قول صحيح، وإنما تركوا القياس للعادة الجارية، أنهم ليقبلون قولهما في الهدية والإذن في سائر الأعصار من غير نكير، فإنهم لو اعتبروا في ذلك خبر الحر البالغ لشق على الناس فجوزوا ذلك وقد قالوا: يجب أن يعمل على ذلك بغلبة الظن في جواز من السامع في صفات المخبر فإذا رأى العبد يبيع شيئا حتى يسأل عنه، فإذا ذكر أن مولاه أذن له في ذلك، وكان ثقة فلا بأس بشرائه منه، وكذا إن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 73 لأن الهدايا تبعث عادة على أيدي هؤلاء، وكذا لا يمكنهم استصحاب الشهود على الإذن عند الضرب في الأرض والمبايعة في السوق، فلو لم يقبل قولهم يؤدي إلى الحرج. وفي " الجامع الصغير ": إذا قالت جارية لرجل بعثني مولاي إليك هدية وسعه أن يأخذها؛ لأنه لا فرق بين ما إذا أخبرت بإهداء المولى غيرها أو نفسها لما قلنا.   [البناية] قال: هذا أهداه إلي مولاي فإن كان أكبر رأيه أنه كاذب أو لم يكن له رأي لم يتعرض لشيء منه؛ لأن الأصل أنه محجور عليه وهو الإذن صار فلا يجوز إثباته بالشك. وإنما قلنا: قول العبد إذا كان ثقة في الإذن؛ لأنه من أخبار المعاملات وهو أضعف من أخبار الديانات. فإذا قيل: قوله في أخبار الدين ففي أخبار المعاملات أولى. وقد قالوا في رجل في يده شيء أخبر أنه لغيره وأنه وكله ببيعه أو وهبه له أو اشتراه منه فإن كان مسلما ثقة صدق فيما قال: إن كان أكبر رأيه أنه صادق، وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب لم يصدق، وهذا إذا لم يعلم الملك لغير البائع إلا من جهة؛ لأن الناس في سائر الأعصار يقبلون قول الوكلاء والدلالين من غير نكير. وعلى هذا إذا علم أن الشيء لغير البائع له من جهة، اعتبر في جوازه غلبة الظن. وقد قالوا فيمن باع شيئا ولم يخبر أن ذلك لغيره فلا بأس بأن يشتري منه ويقبل قوله أنه له وإن كان غير ثقة إلا أن يكون مثله لا يملك مثل ذلك الشيء وأوجب إلى أن يسترده منه ولا يتعرض بشراء أو لا غيره وإنما جاز الشراء؛ لأن اليد والتصرف دليل الملك إلا أن يعلم غيره، ولأن الناس يشترون في سائر الأعصار من الثقات وغير الثقات من غير نكير فدل على جوازه. وأما إذا كان مثل ذلك الرجل لا يملك ذلك كالفقير يبيع جواهر قيمة وما أشبه ذلك فإن الظاهر ينفي أن يكون مثل ذلك له ولم يدع وقاله من جهة الغير، فيرجع إلى قوله، فكان الأولى الثمرة في ذلك. م: (لأن الهدايا تبعث عادة على أيدي هؤلاء، وكذا لا يمكنهم) ش: أي العبد والجارية والصبي م: (استصحاب الشهود على الإذن عند الضرب في الأرض) ش: أراد به السفر م: (والمبايعة في السوق فلو لم يقبل قولهم يؤدي إلى الحرج) ش: وهو مدفوع شرعا م: (وفي " الجامع الصغير " إذا قالت جارية لرجل بعثني مولاي إليك هدية وسعه أن يأخذها؛ لأنه لا فرق بين ما إذا أخبرت بإهداء المولى غيرها أو نفسها) ش: أي وبإهداء المولى نفسها م: (لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: فلو لم يقبل قولهم يؤدي إلى الحرج، وقيل: أشار به إلى قوله: لأن الهدايا تبعث عادة على أيدي هؤلاء، وأتى برواية " الجامع الصغير " لأن الهدية فيها نفس الجارية. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 74 قال: ويقبل في المعاملات قول الفاسق، ولا يقبل في الديانات إلا قول العدل.   [البناية] م: (قال: ويقبل في المعاملات قول الفاسق ولا يقبل في الديانات إلا قول العدل) ش: أي قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعند الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لا يقبل إلا القول العدل في المعاملات مثل البيع والشراء والشهادات ونحوها. والديانات: جمع ديانة وهي التي يتدين بها العبد من العبادات ونحوها، ومن صورها أن يخبر رجل مسلم ثقة بنجاسة الماء فإنه لا يجوز له أن يتوضأ به، وإن كان غير ثقة وغلب على ظنه صدقه فالأولى أن يتنزه وإن توضأ به جاز. ومنها رجل تزوج امرأة فأخبرهما ثقة أن بينهما رضاعة فالأولى أن يفارقها؛ لأن شهادة الواحد لا تثبت بها الرضاعة ولكن يلزمه التنزه. كذا في " شرح الأقطع "، والحاصل إنما يحصل الخبر فيه حجة أربعة أقسام: أحدها: أحكام الشرع التي هي فروع الدين وهي نوعان: عبادات فخبر الواحد العدل فيها صحة مع اشتراط الضبط والعقل والعقوبات. فقد روي في " الأمالي " عن أبي يوسف أن خبر الواحد فيها حجة أيضا وهو اختيار الجصاص - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون حجة. والقسم الثاني: حقوق العباد الذي فيها إلزام محض ويشترك فيها أهل المال فلا يثبت بخبر الواحد بل يشترط فيها العدد والعدالة والأهلية وتعيين لفظة الشهادة. فمن القسم الأول: الشهادة على رؤية الهلال كرمضان إذا كان بالسماء علة. ومن القسم الثاني: في الشهادة على هلال الفطر لأن فيه حق العباد ولأن فيه منفعة لهم، ومن ذلك الإخبار بحرمة الرضاع في ذلك النكاح أو ملك اليمين؛ لأنه يبتنى على زوال الملك أي ملك المنفعة بخلاف طهارة الماء ونجاسته، وحل الطعام والشراب وحرمته فإنه من القسم الأول فإن الحل لا يبتنى ثمة على زوال الملك ضرورة. والقسم الثالث: حقوق العباد الذي ليس فيه إلزام كالوكالة للمضاربات والإذن للعبد والشراء من الوكلاء والملاك، فخبر الواحد فيها حجة إذا كان مميزا عدلا كان أو غير عدل صبيا كان أو بالغا، كافرا أو مسلما. والقسم الرابع من حقوق العباد: ما فيه إلزام من وجه دون وجه، كعزل الوكيل وحجر العبد المأذون، وفيه إلزام؛ لأنه يلزم العهدة على الوكيل بعد العزل، ويلزم فساد العقد بعد الحجر، وفيه عدم الإلزام أيضا؛ لأن الموكل أو المولى فيصرف في حقه، فصار كالإذن. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 75 ووجه الفرق أن المعاملات يكثر وجودها فيما بين أجناس الناس، فلو شرطنا شرطا زائدا يؤدي إلى الحرج فيقبل قول الواحد فيها عدلا كان أو فاسقا، كافرا كان أو مسلما، عبدا كان أو حرا، ذكرا كان أو أنثى، دفعا للحرج، أما الديانات فلا يكثر وقوعها حسب وقوع المعاملات، فجاز أن يشترط فيها زيادة شرط فلا يقبل فيها إلا قول المسلم العدل؛ لأن الفاسق متهم والكافر لا يلتزم الحكم فليس له أن يلزم المسلم بخلاف المعاملات؛ لأن الكافر لا يمكنه المقام في ديارنا إلا بالمعاملة، ولا يتهيأ به المعاملة إلا بعد قبول قوله فيها، فكان فيه ضرورة فيقبل، ولا يقبل فيها قول المستور.   [البناية] ثم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يشترط في هذا القسم أحد شطري الشهادة، إما العدد أو العدالة خلافا لهما حتى إذا أخبر واحد فضولي فاسق أن مولاه حجر عليه، أو موكله عزله، ثبت الحجر والعزل عندهما خلافا لأبي حنيفة. م: (ووجه الفرق) ش: بين الفصلين أحدهما بقوله: قول الفاسق في المعاملات. والآخر اشتراط العدالة في الديانات. م: (أن المعاملات يكثر وجودها فيما بين أجناس الناس) ش: في المسلم الصالح والمسلم الفاسق والذمي والمستأمن والذكر والأنثى والحر والعبد م: (فلو شرطنا شرطا زائدا يؤدي إلى الحرج) ش: والحرج مدفوع الشرط الزائد اشتراط العدالة فقبل فحينئذ م: (فيقبل قول الواحد فيها) ش: أي في المعاملات م: (عدلا كان أو فاسقا، كافرا كان أو مسلما، عبدا كان أو حرا، ذكرا كان أو أنثى، دفعا للحرج) ش: أي قيل ذلك لأجل الدفع للحرج، فباعتبار العدالة فيه حرج عظيم، ألا ترى أن في سائر الأعصار يقبلون أقوال الدلالين والمنادين والسماسرة، ويرجعون إلى أقوالهم وإن كانت السلعة لغيرهم. م: (أما الديانات فلا يكثر وقوعها حسب وقوع المعاملات) ش: أي قدر وقوع المعاملات، أراد أن الديانات بالنسبة إلى المعاملات قليلة م: (فجاز أن يشترط فيها) ش: أي في الديانات م: (زيادة شرط) ش: وهي العدالة م: (فلا يقبل فيها إلا قول المسلم العدل؛ لأن الفاسق متهم والكافر لا يلتزم الحكم فليس له أن يلزم المسلم) ش: لأن في قبول قوله إلزام المسلم فلا يجوز. م: (بخلاف المعاملات؛ لأن الكافر لا يمكنه المقام في ديارنا) ش: أي لا يمكنه الإقامة في دار الإسلام سواء كان ذميا أو حربيا م: (إلا بالمعاملة) ش: لأن المعاش لا يكون إلا بها. م: (ولا يتهيأ له المعاملة) ش: أي ولا يتيسر للكافر المعاملة م: (إلا بعد قبول قوله فيها) ش: أي في المعاملة م: (فكان فيه ضرورة فيقبل) ش: أي فوجد في قبول قوله ضرورة. وضرورة مرفوع؛ لأنه اسم كان، وهي تامة فلا يحتاج إلى خبر م: (ولا يقبل فيها قول المستور) ش: أي في الديانات وهو الذي لا يعلم ما حاله ولم يظهر عدالته ولا فسقه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 76 في ظاهر الرواية. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يقبل قوله فيها جريا على مذهبه أنه يجوز القضاء به، وفي ظاهر الرواية: هو والفاسق سواء حتى يعتبر فيهما أكبر الرأي. قال: ويقبل فيها قول العبد والحر، والأمة، إذا كانوا عدولا؛ لأن عند العدالة الصدق راجح، والقبول لرجحانه فمن المعاملات ما ذكرناه ومنها التوكيل.   [البناية] م: (في ظاهر الرواية، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقبل قوله فيها) ش: أي قول المستور في الديانات م: (جريا على مذهبه أنه يجوز القضاء به) ش: أي لأجل الجري على مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز القضاء بقول المستور. وقال شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - السرخسي في " أصوله ": وروى الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة أنه بمنزلة العدل في رواية الأخبار لثبوت العدالة له ظاهرا بالحديث المروي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «المسلمون عدول بعضهم على بعض» . ولهذا جوز أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - القضاء بشهادة المستور فيما ثبت بالشبهات إذا لم يطعن الخصم. قال: ولكن ما ذكره في الاستحسان أصح في زماننا فإن الفسق غالب في أهل هذا الزمان فلا تعتمد رواية المستور ما لم يبين عدالته، كما لا تعتمد شهادته في القضاء قبل أن يظهر عدالته. م: (وفي ظاهر الرواية: هو والفاسق سواء حتى يعتبر فيهما) ش: أي في المستور والفاسق: م: (أكبر الرأي) ش: فإن كان غالب الرأي صدقهما يقبل قولهما وإلا فلا، مثلا إذا أخبر بنجاسة الماء يحكم فيه بأكبر الرأي. م: (قال: ويقبل فيها قول الحر والعبد والأمة إذا كانوا عدولا) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وليس في النسخ الصحيحة لفظة قال، أي يقبل في الديانات قول العبد إلى آخره م: (لأن عند العدالة الصدق راجح) ش: الصدق منصوب؛ لأنه اسم إن فافهم. م: (والقبول لرجحانه) ش: أي قبول قول واحد من المذكورين لكونه مرجحا بالعدالة. م: (فمن المعاملات ما ذكرناه) ش: أراد به الهدية والإذن م: (ومنها) ش: أي ومن المعاملات م: (التوكيل) ش: بأن قال وكلني فلان فإنه يقبل قوله وإذا كان مميزا سواء كان عدلا أو غير عدل صبيا كان أو بالغا، كافرا كان أو مسلما كما ذكرناه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 77 ومن الديانات: الإخبار بنجاسة الماء، حتى إذا أخبره مسلم مرضي لم يتوضأ به ويتيمم، ولو كان المخبر فاسقا أو مستورا تحرى، فإن كان أكبر رأيه أنه صادق يتيمم ولا يتوضأ به، وإن أراق الماء ثم تيمم كان أحوط. ومع العدالة يسقط احتمال الكذب، فلا معنى للاحتياط بالإراقة، أما التحري فمجرد ظن ولو كان أكبر رأيه أنه كاذب يتوضأ به ولا يتيمم لترجح جانب الكذب بالتحري، وهذا جواب الحكم، فأما في الاحتياط يتيمم بعد الوضوء لما قلنا، ومنها: الحل والحرمة إذا لم يكن فيه زوال الملك.   [البناية] [الإخبار بنجاسة الماء] م: (ومن الديانات: الإخبار بنجاسة الماء، حتى إذا أخبره مسلم مرضي لم يتوضأ به ويتيمم) ش: أي لم يتوضأ بذلك الماء بل يتيمم لوجود العمل بأخباره في باب الدين م: (ولو كان المخبر) ش: بنجاسة الماء م: (فاسقا أو مستورا تحرى، فإن كان أكبر رأيه أنه صادق يتيمم ولا يتوضأ به) ش: لأن غلبة الظن دليل شرعي م: (وإن أراق الماء ثم تيمم كان أحوط) ش: أي أفضل وأشد للاحتياط؛ لأنه إذا تيمم في الصورة المذكورة وكان المخبر في نفس الأمر كاذبا، يكون متيمما مع وجود الماء، فإذا أراقه كان عادما للماء فيكون تيممه على الوجه المشروع. م: (ومع العدالة يسقط احتمال الكذب فلا معنى للاحتياط بالإراقة) ش: لأن الأمر الذي ذكرناه ينعدم عند العدالة فلأجل هذا لا تبقى فائدة في الاحتياط بإراقة الماء. م: (أما التحري فمجرد ظن ولو كان أكبر رأيه أنه كاذب يتوضأ به ولا يتيمم لترجح جانب الكذب بالتحري) ش: لأن للخبر جانبان جانب الصدق وجانب الكذب، وقد يترجح جانب الكذب بتحري المخبر له. فإن قلت: ينبغي أن يتيمم أيضا للاحتياط وللتعارض بين خبر الفاسق والتحري كما في سؤر الحمار يجمع بينهما لتعارض الأدلة. قلت: النص حكم بالتوقف في خبر الفاسق والأمر بالتيمم هنا عمل بخبره من وجه فكان خلاف النص، ولما بقي التوقف في خبره بقي أصل الطهارة فلا حاجة إلى ضم التيمم. م: (وهذا جواب الحكم) ش: أي المذكور من قولنا: يتوضأ به ولا يتيمم جواب الحكم. م: (فأما في الاحتياط يتيمم بعد الوضوء لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: أما التحري فمجرد ظن. فإن قلت: لم يترجح أحد الوجهين؟ قلت: قيل: الأصل الطهارة. م: (ومنها) ش: أي ومن الديانات م: (الحل والحرمة إذا لم يكن فيه زوال الملك) ش: يعني الجزء: 12 ¦ الصفحة: 78 وفيها تفاصيل وتفريعات ذكرناها في " كفاية المنتهى ".   [البناية] يقبل في الحل والحرمة خبر الواحد إذا لم يكن فيه زوال الملك كما إذا قال: هذا الطعام أو هذا الشراب حلال أو حرام، فإذا تضمن زوال الملك لا يقبل إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين، كما إذا أخبر امرأة أو رجل عدل أن الزوجين ارتضعا من امرأة واحدة لا تثبت الحرمة؛ لأن ثبوتها زوال ملك المتعة، فيشترط العدد والعدالة جميعا، فإذا كان كذلك فلا يجب التفريق ولا يقبل خبرها إلا على قول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن يقبل خبر المرضعة فقط. وفي " فتاوى قاضي خان " و " الكافي ": والأفضل أن يتنزه؛ لأن شهادة الواحد حجة في التنزيه، فشهادة رجل عدل بالطلاق البائن أو الثلاث فالحاكم يحول بينهما. وإن كان لا يقتضي زوال الملك كذلك هنا. فإن قلت: قد تقدم من قوله؛ لأنه لما قيل له: إن قول المجوسي في الحل والحرمة يقبل وهو يدل على أن العدالة في الخبر بالحل والحرمة غير شرط فكان كلامه متناقضا. قلت: ذاك كان ضامنا وكم من شيء ثبت ضمنا لا يثبت قصدا، فلا يتناقض؛ لأن المراد هنا ما كان قصديا. م: (وفيها) ش: أي وفي " أخبار الديانات " وغيرها م: (تفاصيل) ش: يعني في كل مسألة منها تفصيلا في البيان م: (وتفريعات) ش: للمسائل مثل مسألة أن الماء نجس، ومثل مسألة أن هذا اللحم ذبيحة مجوسي ومثل مسألة رؤية الهلال في رمضان أو الفطر ومثل مسألة أن الزوجين ارتضعا من واحدة ونحو ذلك. م: (ذكرناها في " كفاية المنتهى ") ش: أي ذكرنا تلك التفاصيل والتفريعات في الكتاب الموسوم " بكفاية المنتهى ". ومن جملة التفريعات: ما لو اشترى مسلم لحما فأخبره مسلم ثقة أنه ذبيحة مجوسي يكره له بيعه وأكله؛ لأنه أخبره بحرمة العين وهو خبر ديني فتمت الحجة بخبر الواحد، وتبقى العين مملوكة متقومة؛ لأن نقض الملك لا يجوز بخبر الواحد وحرمة الأكل تنفصل عن زوال الملك كالدهن النجس. وكالمباح له الطعام إذ نهي من أكله يحرم عليه الأكل بدون زوال الملك فهذا الاعتبار يوجب الحرمة لكن الحل في هذا العين ثبت بسببه الملك لا بسبب الإباحة كما في النكاح. فإذا اجتمع ما يوجب الحل وما يوجب الحرمة أثبتنا أمرا بين أمرين وهو الكراهة، بخلاف النكاح فإذا أثبتنا فيه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 79 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] التنزه لا غير لما قلنا أن الحرمة لا تنفصل عن زوال الملك. وفي " المحيط ": رجل دخل على قوم من المسلمين يأكلون ويشربون فدعوه إليهم، فقال مسلم قد عرفه ثقة: هذا اللحم ذبيحة مجوسي وهذا الشراب خالطه خمر، فقال الذي دعاه: ليس الأمر كما قال بل هو حلال، فإنه ينظر في حالهم، فإن كانوا عدولا، لا يلتفت إلى قول المخبر بالحرمة؛ لأن خبر الواحد لا يعارض خبر الجماعة، فإن خبر الواحد حجة في الديانات والأحكام، وخبر الواحد ليس بحجة في الأحكام، ولأن الظاهر من حال المسلمين التحرز عن ذبيحة المجوسي وعن مخالطة خمر، فيكون خبر الواحد في معارضة خبرهم خبرا مستنكرا فلا يقبل، وإن كانوا متهمين فإنه يؤخذ بقول المخبر ولا يسعه التناول؛ لأن خبر الواحد باعتبار حاله مستقيم صالح، ولا معتبر بخبرهم في حكم العمل به لفسقهم. وإن كان في القوم رجلان ثقتان أخذ بقولهم؛ لأن خبر الواحد لا يعارض خبرهم، فإن كان فيهم واحد ثقة يعمل فيه بأكثر رأيه، فإن لم يكن له رأي واستوت الحالات عنه فلا بأس بأن يأكل ويشرب ويتوضأ. فإن أخبره بأحد الأمرين مملوكان ثقتان أخذ بقولهما لاستواء الحر والعبد في الخبر الديني. ولو أخبره بأحد الأمرين عبد ثقة وبالآخر ثقة عمل فيه بأكثر الرأي للمعارضة بين الحر والعبد فيصار إلى الترجيح بأكبر الرأي. وإن أخبره بأحد الأمرين مملوكان ثقتان وبالأمر الآخر حران ثقتان يأخذ بقول الحرين؛ لأن الحجة تتم بقولهما دون المملوكين فعند التعارض بترجح قول الحرين. وإن أخبره بأحد الأمرين ثلاثة عبيد ثقات وبالأمر الآخر مملوكان ثقتان يأخذ بقول العبيد. وكذلك إن أخبره بأحد الأمرين رجل وامرأتان وبالآخر رجلان يأخذ بقول رجل وامرأتان. والحاصل في جنس هذه المسائل: أن خبر المملوك والحر في الأمر الديني على السواء بعد الاستواء في العدالة، فيطلب الترجيح أولى من حيث العدد، وإن استوى العدد أن يطلب الترجيح لكونه حجة في الأحكام في الجملة، فإذا استويا، طلب الترجيح من حيث التحري، فعلى هذا إذا كان المخبر بأحد الأمرين من أربعة من الأحرار، وبالأمر الآخر حرين يؤخذ بقول الأربعة انتهى. ومن التفاصيل ما ذكره الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الكافي ": إذا حضر المسافر الصلاة ولم يجد ماء إلا في إناء وأخبره رجل أنه قذر وهو عند مسلم مرضي لم يتوضأ به، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 80 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وكذلك إذا كان المخبر عبدا أو امرأة حرة أو أمة. فإن كان المخبر غير ثقة أو كان لا يدري أنه ثقة أو غير ثقة نظر فيه، فإن كان أكبر رأيه أنه صادق تيمم ولم يتوضأ به، وإن كان عنده غير صادق توضأ ولم يلتفت إلى قوله وأجزأه ذلك ولا يتيمم. ألا ترى أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حين ورد حياض ماء المدينة فقال عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لرجل من أهل الماء: أخبرنا عن السباع أتردكم هذا؟ فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لا تخبرنا عن شيء نكره أن يخبر، ولولا أنه عد خبره خبرا ما نهى، فإن كان الذي أخبره بنجاسته رجل من أهل الذمة لم يقبل قوله، وإذا وقع في قلبه أنه صادق فأحب إلي أن تهريق الماء ثم يتيمم ويصلي فإن توضأ به وصلى أجزأه؛ لأن هذا شيء من الدين ولا يلزم به الحجة فيه إلا بمسلم. وكذلك الصبي والمعتوه إذا عقلا ما يقولان. ومنها: رجل تزوج امرأة فجاء مسلم ثقة فأخبرهما أنهما ارتضعا من امرأة واحدة فأحب إلي أن تنزه منها فطلقها ويعطيها نصف الصداق إن لم يكن دخل بها، وأحب إلي أن لها أن لا يأخذ منه صداقا وإن تنزه منه إن كان لم يدخل بها وإن أقاما على نكاحهما لم يحرم ذلك عليهما. ومنها رجل اشترى جارية فأخبره عدل ثقة أنها حرة لأبوين أو أنها أخته من الرضاعة فإن تنزه عن وطئها فهذا أفضل وإن لم يفعل ذلك واسع له. وإنما فارق هذا ما قاله في الوضوء والطعام؛ لأن جميع ذلك يحل بغير ملك. ألا ترى أن رجلا لو قال لرجل كل طعامي هذا أو توضأ بمائي هذا أو اشربه وسعه أن يفعل ذلك. ولو قال: جاريتي هذه فقد أذنت لك فيها، أو قال له تلك حرة في نفسها لم يحل له الوطء حتى يتزوج الحرة أو يملك الأمة. ومنها: اشترى رجل طعاما أو جارية أو ملك ذلك بهبة أو ميراث أو وصية فجاء مسلم ثقة فشهد أن هذا الفلان الفلاني غصبه منه البائع أو الواهب أو الميت فأوجب إلينا أن يتنزه عن أكله وشربه ووطئ الجارية، وإن لم يتنزه كان في سعة. وكذلك طعام أو شراب في يد رجل أذن له في أكله وشربه، وقال له مسلم ثقة هذا غصب في يديه من فلان والذي في يديه يكذبه ويزعم أنه له وهو متهم غير ثقة، فأحب إلينا أن يتنزه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 81 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عنه فإن أكله أو شربه أو توضأ به كان في سعة، وإن لم يجد وضوء غيره وهو في سفر توضأ ولم يتيمم. ومنها: أن رجلا مسلما شهد عند رجل أن هذه الجارية التي في يد فلان المقر له بالرق أمة لفلان غصبها، والذي في يده يجحد ذلك وهو غير مأمون فأحب إلي أن يشتريها، وإن اشتراها ووطئها فهو في سعة من ذلك؛ لأن هذا أخبر في موضع المنازعة فوجب الإجشان منه ديانة لا قضاء، ولو أخبره أنها حرة الأصل، وإنها كانت أمة لهذا الذي في يديه فأعتقها، والذي أخبره بذلك مسلم ثقة فأحب إلي أن لا يفعل. وإن كانت الجارية لرجل فأخذها رجل آخر فأراد بيعها لم ينبغ لمن عرفها الأولى أن يشتريها من هذا حتى يعلم أنها قد خرجت من ملكه إلى ملك وهذا الذي في يده بشراء أو هبة أو صدقة أو يعلم أنه قد وكله بيعها، وإن قال الذي هو في يديه: إني قد اشتريتها منه أو وهبها أو تصدق بها علي أو وكلني ببيعها، فإن كان القائل لذلك عدلا فلا بأس أن يصدقه على ذلك ويشتريها منه. وكذلك إن وهبها له أو تصدق بها عليه حل له قبولها أو وطئها وإن كان غير ثقة إلا أن أكبر رأيه فيه أنه صادق، فكذلك أيضا، وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب لم يقع له أن يتعرض لشيء من ذلك. 1 - وكذلك الطعام والشراب في جميع ذلك، وكذلك لو لم يعلم أن ذلك الشيء لغير الذي هو في يده حتى أخبره الذي هو في يديه أنه لغيره، وإن وكله ببيعه أو تصدق به عليه أو وهبه أو اشتراه. فإن كان مسلما ثقة صدقه فيما قاله وإن كان غير ثقة وأكبر رأيه أنه صادق فيه صدقه أيضا، وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب فيه لم يقبل ذلك ولم يشتره. وإن كان لم يخبره أن ذلك الشيء لفلان فلا بأس بشرائه وقبوله منه. وإن كان غير ثقة إلا أن يكون مثله لا يملك مثل ذلك فأوجب له أن يشتريه منه ولا يتعرض له بشراء ولا غيره، وإن اشترى وهو لا يعلم أنه لغيره أو أخبره أنه له وجوز أن يكون في سعة من شرائه وقبوله التنزه عنه أفضل. فإن كان الذي أتى به عبدا أو امرأة لم يسع له أن يشتريه ولا يقبله حتى يسأله عن ذلك، فإن ذكر له أن مولاه قد أذن له فيه وهو ثقة مأذون فلا بأس بشرائه منه وقبوله، وإن كان أكبر رأيه أنه صادق فيما قاله صدقه بقوله، وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب لم يتعرض لشيء من ذلك، وإن كان لا رأي له فيه لم يتعرض لشيء من ذلك. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 82 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وكذا الغلام الذي لم يبلغ حرا كان أو مملوكا فيه بحر أنه أذن له ببيعه أو أن فلانا أرسل إليه معه هدية أو صدقة فإن أكبر رأيه أنه صادق، وسعه أن يصدقه عن مولاه، وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب لم ينبغ أن يقبل منه شيئا. وكذلك الفقير إذا أتاه عبد أو أمة يصدقه من مولاه. ولو أن رجلا علم أنها جارية لرجل يدعيها ثم رآها في يدي آخر يبيعها ويزعم أنها كانت في يدي فلان وذلك كان يدعيها أنها له وكانت مقرة له بالرق غير أنها كانت لي وإنما أمرتها بذلك لأمر خصته وصدقته الجارية بذلك والرجل ثقة مسلم فلا بأس بشرائها منه. وإن كان عنده كاذب فيما قال لم يبلغ له أن يشتريها منه ولا يقبلها ولو لم يقل هذا، ولكنه قال: ظلمني وغصبني فأخذها لم تسع له أن يتعرض له بشراء ولا قبول؛ لأنه خبره متى وقع في موضع المنازعة كان دعوى، والعدالة غير مرعية في باب الدعوى والخصومات. وإن قال: إنه كان غصبني وظلمني ثم رجع عن ظلمه فأقر لي بها ودفعها إلي فإن كان عنده أنه ثقة مأمون فلا بأس بتصديقه؛ لأنه أخبر عن انقطاع المنازعة، وإن قال: خاصمته إلى القاضي فقضى لي بها ببينة أقمتها عليه أو ينكر له عن اليمين، فكذلك إن كان غير ثقة وأكبر رأيه أنه صادق وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب لم يشترها منه. وكذلك في جميع هذه الوجوه إن قال: قضى لي القاضي عليه فأخذها منه ودفعها إلي، أو قال: قضى لي بها فأخذها من منزله أو بغير إذنه؛ لأنه أخبر عن انقطاع المنازعة، وإن كان قضى لي بها فجحد في قضائه فأخذها منه لم يسع له أن يشتريها منه؛ لأنه أخبر عن قيام المنازعة وإنما هذا بمنزلة قوله اشتريتها منه ونقدته ثمنها ثم أخذتها بغير أمره من منزله فهذا لا بأس بشرائها منه إذا كان عنده أنه صادق في قوله. وإن قال: اشتريتها منه ونقدته الثمن فجحد في الشراء وأخذتها من منزله بغير إذنه لم يسع له أن يشتريها منه، ولو قال: اشتريتها من فلان وقبضتها بأمره ونقدته الثمن وكان ثقة عنده بأمرها جاز الشراء منه. ولو قال له رجل آخر: إن فلانا قد جحد هذا الشراء وزعم أنه لم يبع بهذا شيئا والذي قال هذا أيضا ثقة مأمون لم يبلغ له أن يتعرض لشيء من ذلك بشراء ولا بغيره. وكذلك إن كان الذي أخبره الخبر الثاني غير ثقة إلا أن أكبر رأيه أنه صادق، وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب، وإن كان غير ثقة فلا بأس بشرائها منه وقبولها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 83 قال: ومن دعي إلى وليمة أو طعام، فوجد ثمة لعبا أو غناء فلا بأس بأن يقعد ويأكل قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ابتليت بهذا مرة فصبرت، وهذا لأن إجابة الدعوة سنة.   [البناية] وإن كان جميعا غير ثقة وأكبر رأيه أن الثاني صادق لم يتعرض لشيء من ذلك؛ لأن هذا من أمر الدين وعليه أمور الناس ولو لم يعلم في هذا إلا بشاهدين لضاق الأمر على الناس. ألا ترى أن تاجرا لو قدم بلدا بجواز أو طعام أو ثياب فقال: أنا مضارب فلان أو قال: أنا شريكه، وسع للناس أن يشتروا منه ذلك، وكذلك العبد يقدم على بلد للتجارة ويدعي أن مولاه أذن له في التجارة. قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وكذلك سمعت أبا حنيفة يقول في المأذون، وهذه الجملة كلها من " الكافي " للحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [يدعى إلى الوليمة والطعام فيجد ثمة اللعب والغناء] م: (قال: ومن دعي إلى وليمة) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": والوليمة طعام الزفاف م: (أو طعام) ش: هذا أمر في عطف العام على الخاص؛ لأن الطعام أعم من أن يكون وليمة أو غيرها. والوليمة خاص وهو طعام العرس كما ذكرنا. والوكرة طعام البناء، والحرس طعام الولادة وما يطعمه النفساء بعينها حرسه. والأعزاز طعام الختان، والبعيصة طعام القادم من سفره وعلى كل طعام صنع له دعواه حاربة وماربة جميعا، والدعوة الخاصة البقري والعامة الجعلي والأجيلي. م: (فوجد ثمة) ش: أي هناك م: (لعبا أو غناء) ش: بكسر الغين المعجمة وبالمد يثبت بالألف، والغني بالكسر، والفضل ضد الفقر يثبت بالياء، ومنه قول ابن زيد في المقصور والممدود ورأي الغني يدعو المغني للملاهي والغناء م: (فلا بأس بأن يقعد ويأكل وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ابتليت بهذا مرة فصبرت) . ش: وروي في " الجامع الصغير " محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الرجل يدعى إلى الوليمة والطعام فيجد ثمة اللعب والغناء قال: لا بأس بأن يقعد فيأكل منها. وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ابتليت بهذا مرة إلى آخره، وهذه من الخواص، وذلك لأن الطعام حلال وإجابة الدعوة سنة والحرام غير ذلك، فلا تترك السنة لأجل حرام اقترن بها وهو في غيرها على ما يجيء الآن. م: (وهذا) ش: أي جواز القعود هناك والأكل فيه م: (لأن إجابة الدعوة سنة) ش: سواء كانت وليمة أو غيرها، وبه قال أحمد ومالك - رحمهما الله - في رواية، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إجابة وليمة العرس واجبة وغيرها مستحبة، وبقه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 84 قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم» .   [البناية] ثم غير الوليمة من الدعوات فالإجابة إليها مستحبة عندنا والشافعي. وعند أحمد ومالك: جائزة غير مستحبة، وأما دعوة يقصد بها قصدا مذموما من التطاول وابتغاء المحمدة والشكر وما أشبه ذلك فليس ينبغي إجابتها، لاسيما أهل العلم؛ لأن في الإجابة إذلال أنفسهم قبل وما وضع أحد يده في قصعة غيره إلا ذل له. م: (قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم، بأثم منه ولكن لفظه: «من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله» . أخرجه في (كتاب النكاح) عن ثابت بن عياض عن الأعرج - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «شر الطعام طعام الوليمة؛ يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله» . هكذا رواه مسلم - رَحِمَهُ اللَّهُ - مرفوعا، ورواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه موقوفا من حديث ابن شهاب عن الأعرج - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يقول: «شر الطعام طعام الوليمة؛ يدعى إليها الأغنياء، ويترك الفقراء، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله» أخرجه البخاري وابن ماجه - رحمهما الله - في " كتاب النكاح " وأبو داود في الأطعمة، والنسائي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الوليمة، ولكنه موقوف في حكم المرفوع. حديث آخر رواه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأطعمة: حدثنا مسدد بن مسرهد عن درست بن زياد عن أبان بن طارق عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ومن دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله، ومن دخل على غير دعوة دخل سارقا وخرج مغيرا» . وأبان بن طارق: قال أبو زرعة: هو شيخ مجهول، وقال ابن عدي: لا يعرف إلا بهذا الحديث ولا الحديث إلا به. ودرست بن زياد أيضا لا يحتج بحديثه، وقيل: هو درست بن حمزة، وقيل: بل هما اثنان ضعيفان. قاله المنذري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لكن رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده ": حدثنا زهير حدثنا يونس بن محمد، حدثنا عبد الله بن عمر عن نافع - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليجبها ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 85 فلا يتركها لما اقترنت به من البدعة من غيره كصلاة الجنازة واجبة الإقامة، وإن حضرتها نياحة، فإن قدر على المنع منعهم وإن لم يقدر يصبر، وهذا إذا لم يكن مقتدى به، فإن كان مقتدى ولم يقدر على منعهم يخرج ولا يقعد؛ لأن في ذلك شين الدين وفتح باب المعصية على المسلمين. والمحكي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الكتاب كان قبل أن يصير مقتدى به، ولو كان ذلك على المائدة لا ينبغي له أن يقعد وإن لم يكن   [البناية] م: (فلا يتركها) ش: أي إجابة الدعوة م: (لما اقترنت به من البدعة من غيره) ش: كان حق الترتيب أن يقول: لما اقترن بها من البدعة من غيرها، المعنى: أنه لا يترك السنة لأجل حرام اقترن بها وهو في غيرها. والضمير في اقترنت يرجع إلى الدعوة والذي في به وغيرها يرجع إلى ما في قوله وكله من بيانته. م: (كصلاة الجنازة واجبة الإقامة، وإن حضرتها نياحة) ش: فلا يترك لأجل النياحة التي في غيرها، لا يقال قياس السنة على الواجب وهو غير مستقيم فإنه لا يلزم من يحمل المحظور لإقامة الواجب يحمل المحظور لإقامة السنة؛ لأننا نقول: هذه سنة في قوة الواجب لورود الوعيد على تاركها كما ذكرنا في الأحاديث المذكورة، ويجوز أن يقال: وجه التشبيه اقتران العبادة بالبدعة مع قطع النظر على صفة تلك العبادة. م: (فإن قدر على المنع منعهم) ش: بأن كان صاحب شوكة أو ذا جاه أو عالما مقتدى مسموع الكلمة فإنه يجب عليه منعهم؛ لأن إزالة المنكر واجبة م: (وإن لم يقدر يصبر) ش: أي وإن لم يقدر على منعهم فإن كان ضعيف الحال غير مسموع الكلمة يصير ولا يخرج لما قلنا م: (وهذا) ش: أي الصبر م: (إذا لم يكن مقتدى به) ش: لأنه لأبويه له م: (فإن كان مقتدى) ش: أي فإن كان مقتدى م: (ولم يقدر على منعهم) ش: بسبب استيلاء المظلمة على المجلس م: (يخرج ولا يقعد؛ لأن في ذلك شين الدين) ش: أي قبحا للدين م: (وفتح باب المعصية على المسلمين) ش: لأن الناس ينعقدون به ويجلسون مجالس اللعب والغناء والفسق، فإذا منعوا يحتجون بحضور المقتدى، ففيه مفسدة عظيمة م (والمحكي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الكتاب كان قبل أن يصير مقتدى به) ش: هذا جواب عما يقال: إنكم قلتم: إنه إذا كان مقتدى ولم يقدر على منعهم يخرج. وقد ذكر في الكتاب - أي في " الجامع الصغير ": أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ابتلي بمرة وصبر ولم يخرج ذلك الجواب أن ذلك قبل أن يصير أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مقتدى فإنه في ذلك الوقت ما كان يقتدى به فلا يصير حجة. م: (ولو كان ذلك) ش: أي اللعب والغناء م: (على المائدة لا ينبغي له أن يقعد وإن لم يكن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 86 مقتدى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68] . وهذا كله بعد الحضور، ولو علم قبل الحضور لا يحضر؛ لأنه لم يلزمه حق الدعوة بخلاف ما إذا هجم عليه؛ لأنه قد لزمه ودلت المسألة على أن الملاهي كلها حرام حتى التغني بضرب القضيب,   [البناية] مقتدى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68] ش: لأنه إذا كان على المائدة وقعد يكون قاعدا مع الظالمين، وكذا إذا كان على المائدة قوم يغتابون لا يقعد؛ لأن الغيبة أشد من اللهو. قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الغيبة أشد من الزنا» . م: (وهذا كله بعد الحضور) ش: أي هذا الذي ذكرناه كله إذا كان بعد الحضور والدخول في المنزل م: (ولو علم قبل الحضور لا يحضر؛ لأنه لم يلزمه حق الدعوة) ش: لأن إجابتها إنما تلزم إذا كانت على وجه السنة وسواء كان مقتدى أو لا، وبه قالت الثلاثة. وعن أبي حفص الكبير: إن كان مما لا يحترم ولا يترك المعصية لأجله فترك الإجابة أولى؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كثر سواد قوم فمنهم» . وإن كان محترما ويتركون المعصية لأجله يحضر. م: (بخلاف ما إذا هجم عليه) ش: أي بغتة غير عالم بذلك حين دعي إلى الوليمة م: (لأنه قد لزمه) ش: بحضوره فتعذر فيه لعدم علمه م: (ودلت المسألة على أن الملاهي كلها حرام) ش: لأن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أطلق اسم اللعب والغناء بقوله: فوجد ثمة اللعب والغناء، واللعب وهو اللهو حرام بالنص؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لهو المؤمن باطل إلا في ثلاث: تأديبه فرسه، وفي رواية ملاعبته فرسه، ورميه عن قوسه، وملاعبته مع أهله» . وهذا الذي ذكرناه ليس من هذه الثلاثة فيكون باطلا. م: (حتى التغني بضرب القضيب) ش: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 87 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قال تاج الشريعة: عنى به قصب الحارس، أراد أن التحريم لا يختص بالمزامير، وإن الضرب بالقصب والتغني مع ذلك حرام أيضا. قلت: أهل الحجاز ومصر يضربون بالقصب كثيرا، وأما أهل الحجاز فإنهم يأخذون قصبتين طويلتين طول كل واحدة قدر باع في غلظ إبهام فحين يضربون بعضها ببعض ويغنون به ولا يحسن كل واحد منهم أن يفعل ذلك؛ لأنه يحتاج في ذلك إلى معرفة مواقع الضرب بعضهما ببعض مع علمه بالأصول. وعند أهل الروم نوع من ذلك ولكن بغير هذه الصفة، وهو أنهم يأخذون أربع قطع خشبات بطول قدر شبر في غلظ أصبعين، وهي منحوتة مصقولة، فيأخذ المغني منهم من الرجال والنساء كل قضيب في يد ويحركها ويضرب بعضها ببعض بأصول، ويسمى بالفارسية جهارباره "، والكل حرام بالنص. ثم قال بعض المشائخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: دلت المسألة على أن مجرد الغناء والاستماع إليه معصية، لما روى صدر الشهيد في الكراهية في كتاب " الواقعات " عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «استماع الملاهي معصية، والجلوس عليها فسق، والتلذذ بها من الكفر» . وإنما قال ذلك على وجه التشديد. وقال ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن صوت اللهو والغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت النبات بالماء. وروي في " فردوس الأخبار " عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: " احذروا الغناء، فإنه من قبل إبليس، وهو شرك عند الله، ولا يغني إلا الشيطان " فلهذا قال مشائخنا: استماع القرآن بالألحان معصية، والتالي والسامع آثمان. وقال بعضهم: إذا كان يغني بشد نظم القوافي، أو يدفع الوحشة عن نفسه فلا بأس به. وبه أخذ شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والمكروه إذا كان على سبيل اللهو، بحديث عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أنه كان من صغار الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وكان يغني في مرضه وكان لا يفعل ذلك تلهيا ولكن يدفع الوسواس عن نفسه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 88 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قال شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - جميع ذلك مكروه عند علمائنا؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] جاء في التفسير: أن المراد به الغناء. وأما حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أنه كان ينشد الأشعار المباحة وهي التي فيها الموعظة والحكمة ولا بأس بإنشاد هذه الأشعار، ولو كان في الشعر صفة امرأة إن كانت بعينها وهي حية يكره، وإن كانت ميتة لا يكره، وإن كانت غير معينة لا يكره. كذا في " الذخيرة "، وفي " فتاوى قاضي خان " و " جامع المحبوبي ": وعند الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: قراءة القرآن بالألحان حرام، وفصل الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في ذلك فقال: إن كان الألحان لا يغير الحروف عن موضعها ونظمها جاز، وإن كانت تغير لا يجوز، وكذا قال مشائخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وأنه يباح السماع ولكن ترد شهادة القوال والرقاص. وفي " التتمة ": ومن السحت ما يأخذ الشاعر على الشعر والضحك للناس أو السخرية منهم ويحدث بمغازي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه، لا سيما بأحاديث العجم مثل الرستم وأسفنديار، وما تأخذه المغنية والنائحة والكاهنة، والواشمة، والواشرة، والمقامر، والمتوسط لعقد النكاح، والقواد، والمصلح بين المتشاحنين، وثمن الخمر والمسكر، وعسب التيس، وثمن جلود الميتات قبل الذبائح، ومهر البغي، وأجر الحجام بشرط. والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - جوز أجر الحجام، ولكن قال الآبي: وإن ينزه وأصحاب جميع المحارف ولا يعلم فيه خلاف. وفي " الأجناس " قال في كتاب الكراهية: لما سألت أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن الدف أنكره في غير العرس، مثل المرأة في منزلها والصبي. قال: فلا أكرهه وأنا الذي يحسب منه اللعب الفاحش والغناء فإني أكرهه، ولو بنى الرجل بامرأته ينبغي أن يولم، والوليمة حسنة، ويدعو الجيران والأصدقاء، ويصنع لهم طعاما ويذبح لهم، ولا بأس أن يكون ليلة العرس دف يضرب به يشتهر ذلك ويعلن به النكاح، وينبغي للرجل أن يجيب، وإن لم يفعل فهو آثم، وإن كان صائما أجاب ودعا، وإن كان غير صائم أكل، ولا بأس يدعو يومئذ ومن الغد وبعد الغد ثم انقطع العرس. وفيه أيضا نقل عن كتاب الكراهية - إملاء -: كره للرجل أن يدع دعوة جاره وقريبه إذا كانت عندهم العيدان والمزامير، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أحبه إلى أن لا يجيبهم وليس لهؤلاء حرمة الدعوة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 89 وكذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ابتليت؛ لأن الابتلاء بالمحرم يكون.   [البناية] قلت: وإن كان ذلك في جانب المنزل وأنت في جانب؟ قال: أحب إلي أن لا يجيبهم. م: (وكذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ابتليت) ش: هذا معطوف على قوله: ودلت المسألة. وهذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ابتليت على أن الملاهي كلها حرام م: (لأن الابتلاء بالمحرم يكون) ش: يعني في المباح لا يقول ابتليته. والله أعلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 90 فصل في اللبس قال: لا يحل للرجال لبس الحرير ويحل للنساء؛ لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن لبس الحرير والديباج، وقال: «إنما يلبسه من لا خلاق له في الآخرة» .   [البناية] [فصل في اللبس] [لبس الحرير للرجال] م: (فصل في اللبس) ش: هذا فصل في بيان أحكام اللبس. م: (قال: لا يحل للرجال لبس الحرير ويحل للنساء) ش: قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": الحرير هو الإبريسم المصنوع يسمى الثوب المتخذ منه حريرا. وفي " جمع التفاريق ": الحرير ما كان مضمنا. م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن لبس الحرير والديباج، وقال: «إنما يلبسه من لا خلاق له في الآخرة» ش: هنا حديثان: فالأول: أخرجه الجماعة عن حذيفة وعن البراء بن عازب. فحديث حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب ولا الفضة، ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» . وقد تقدم قريبا. وحديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسبع ونهانا عن سبع " وفيه: " وعن الديباج والحرير» . والثاني: أخرجه البخاري ومسلم - رحمهما الله - عن نافع عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رأى حلة سيراء على باب المسجد فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك؟، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة ". ثم جاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها حلل فأعطى منها حلة لعمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقال عمر: يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت ما قلت؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إني لم أكسكها لتلبسها " فكساها عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخا له مشركا» انتهى. وهذا الأخ كان أخا لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من أمه، صرح بذلك في الحديث عند " النسائي " قال: فكساها عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخا له من أمه مشركا قيل: إن اسمه عثمان بن حكيم، فأما أخوه زيد بن الخطاب فإنه أسلم قبل عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 91 وإنما حل للنساء بحديث آخر، وهو ما رواه عدة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، منهم علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خرج وبإحدى يديه حرير، وبالأخرى ذهب، وقال: هذان محرمان على ذكور أمتي، حلال لإناثهم ". ويروى " حل لإناثهم» .   [البناية] ورواه في الجمعة واللباس قوله: " ولا الديباج " أي ولا تلبسوا الديباج وهو اسم الثوب سداه ولحمته إبريسم، وقيل حرير غليظ. قوله: " من لا خلاق له " أي من لا نصيب له. قوله: " في صحفها " جمع صحفة وهي القصعة. قوله: " حلة سيراء " بكسر السين المهملة وفتح الياء آخر الحروف والراء المخففة وبالمد، وهي التي تكون فيها خطوط. فهذه الأحاديث بعمومها تدل على حرمة لبس الحرير للرجال والنساء جميعا ولكن رخص للنساء بأحاديث أخر على ما يأتي. وقال بعض الناس: يحل للرجال القباء؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى وعليه قباء من حرير، وفي حديث مخرمة: «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج ليلة وعليه قباء ديباج مزود بذهب فقال: " يا مخرمة هذا خبأته لك " فأعطاه إياه» . وأخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار ". قلنا: هذا منسوخ بما ذكرنا. م: (وإنما حل للنساء بحديث آخر) ش: أي وإنما حل لبس الحرير للنساء م: (وهو ما رواه عدة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أي الحديث الآخر ما رواه جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، يدل على أن لبسه حلال للنساء فتكون الأحاديث المذكورة مخصوصة على ما يأتي. وقال بعضهم: حرام للنساء أيضا لعموم النهي. وللعامة أحاديث عدة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (منهم علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج وبإحدى يديه حرير وبالأخرى ذهب وقال: هذان محرمان على ذكور أمتي، حلال لإناثهم» ويروى «حل لإناثهم» .) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 92 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ش: الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه في اللباس، والنسائي في الزينة، وأحمد في " مسنده ". وابن حبان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " صحيحه " عن عبد الله بن زرير الغافقي عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ حريرا فجعله في يمينه وأخذ ذهبا فجعله في شماله فقال: " إن هذين حرام على ذكور أمتي» . زاد ابن ماجه - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «حل لإناثهم» . واعلم أن حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذا له وجهان: أحدهما: من جهة الليث، فاختلف عليه فيه، فرواه قتيبة عنه عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي أفلح الهمداني، عن عبد الله بن زرير أنه سمع علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هكذا أخرجه أبو داود والنسائي - رحمهما الله -، ورواه ابن المبارك عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن أبي الصعبة، عن رجل من همدان يقال له: أبو أفلح عن أبي زرير، هكذا أخرجه النسائي وقال: حديث ابن المبارك أولى بالصواب إلا قوله: عن " أفلح " فإن أبا أفلح أولى بالصواب. الوجه الثاني من جهة أبي إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد العزيز بن أبي الصعبة عن أبي أفلح الهمداني، ورواه محمد بن إسحاق عن يزيد بن هارون ومن جهته أخرجه النسائي وعبد الرحيم بن سليمان، ومن جهته أخرجه ابن ماجه - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال عن أبي الأفلح بالتعريف. وذكر عبد الحق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أحكامه ": هذا الحديث من جهة النسائي، ونقل عن ابن المديني أنه قال فيه: حديث حسن ورجاله معروفون، وقال ابن القطان في كتابه: أبو أفلح مجهول، وعبد الله بن زرير مجهول الحال. وقال الشيخ في " الإمام ": وعبد الله بن زرير ذكره ابن سعد في " الطبقات " ووثقه وقال: توفي سنة إحدى وثمانين في خلافة عبد الملك بن مروان. ومن الصحابة الذين رووا حل الحرير للنساء: عمر بن الخطاب، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وزيد بن أرقم، وواثلة بن الأسقع وعقبة بن عامر الجهني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أما حديث عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأخرجه البزار في " مسنده " وقال: حدثنا داود بن سليمان أبو سليمان المؤدب قال: حدثنا عمرو بن جرير، عن إسماعيل بن خالد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 93 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ، عن قيس بن أبي حازم، عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج عليهم وفي إحدى يديه حرير وفي الأخرى ذهب فقال: " هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم» . وهذا الحديث لا نعلم رواه غير إسماعيل عن قيس عن عمر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إلا أن عمرو بن جرير لين الحديث وقد احتمل حديثه. وقد روي هذا الكلام عن غير عمر ولا يعلم فيما روي عن ذلك حديثا ثابتا عند أهل النقل. وأما حديث أبو موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأخرجه الترمذي والنسائي عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن سعيد بن أبي هند - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي موسى الأشعري: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم» . قال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث حسن صحيح، ورواه أحمد في " مسنده "، وابن أبي شيبة في " مصنفه "، وقال ابن حبان في " صحيحه ": خبر سعيد بن أبي هند عن أبي موسى في هذا الباب معلول لا يصح. وقال الدارقطني في كتاب " العلل ": وقد رواه أسامة بن زيد عن سعيد بن أبي هند عن أبي مرة مولى عقيل عن أبي موسى - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ورواه عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن رجل عن أبي موسى قال: وهذا أشبه بالصواب؛ لأن سعيد بن أبي هند لم يسمع من أبي موسى المقبري عن أبي موسى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ووهم في موضعين: في قوله: سعيد المقبري وإنما هو سعيد بن أبي هند، ورواه سويد بن عبد العزيز، عن عبيد الله عن سعيد بن أبي هند - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي تركه نافعا من الإسناد. وأما حديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه إسحاق بن راهويه والبزار وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم "، وابن أبي شيبة في " مصنفه "، والطبراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " معجمه " من حديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي إحدى يديه ثوب من حرير وفي الأخرى ذهب فقال: «إن هذين محرم على ذكور أمتي حل لإناثهم» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 94 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وأما حديث عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: فأخرجه البزار - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مسنده " حدثنا إبراهيم بن زياد الصائع، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثنا إسماعيل بن مسلم عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بنحوه سواء. ورواه الطبراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " معجمه " عن إسماعيل بن مسلم به. وأما حديث زيد بن أرقم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه "، ثنا سعيد بن سليمان، حدثنا عباد، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، أخبرنا بن أرقم: أخبرتني أنيسة بنت زيد عن أبيها قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذهب والحرير حل لإناث أمتي، حرام على ذكورها» . وأما حديث واثلة بن الأسقع فأخرجه الطبراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " معجمه "، حدثنا إسماعيل بن قيراط، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن، حدثنا محمد بن عبد الرحمن، حدثتني أسماء بنت واثلة، عن أبيها: بنحو حديث زيد بن أرقم سواء. وأما حديث عقبة بن عامر الجهني - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأخرجه أبو سعيد بن يونس في " تاريخ مصر "، حدثنا أحمد بن حماد زغبة حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا يحيى بن أيوب، حدثني الحسن بن ثوبان وعمرو بن الحارث، عن هشام بن أبي رقية، سمعت مسلمة بن مخلد - رَحِمَهُ اللَّهُ - سمعت عقبة بن عامر الجهني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول بلفظ حديث زيد بن أرقم. انتهى. ولما روى الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وقال: في الباب عن عمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وعقبة بن عامر، وأم هانئ، وأنس وحذيفة، وعبد الله بن عمر، وعمران بن الحصين، وعبد الله بن الزبير، وجابر، وابن ريحانة، وابن عمر، والبراء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - انتهى. فالجميع يكون سبعة عشر صحابيا وقد ذكرنا أحاديث ثمانية وهم: علي بن أبي طالب، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 95 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وعمر بن الخطاب، وأبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وزيد بن أرقم، وواثلة بن الأسقع، وعقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وبقي منهم تسعة أنفس وهم: أنس بن مالك، وحذيفة بن اليمان، وعمران بن الحصين، وعبد الله بن الزبير، وجابر بن عبد الله، وأبو ريحانة، وعبد الله بن عمر، والبراء بن عازب، وأم هانئ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وبعض الناس كره للنساء أيضا؛ لما حدث الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي بكرة، عن أبي داود عن شعبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الله - قال: أخبرني أبو ديسان قال: سمعت ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يخطب، يقول: يا أيها الناس لا تلبسوا نساءكم الحرير، فإني سمعت عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» ، قال ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - من لا يلبسه في الآخرة لا يدخل الجنة، ومراده: أن الجواب منه الرجال دون النساء، وليس المراد منه العموم بدليل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حل لإناثهم» . فإن قلت: المحرم مع النسخ إذا اجتمعا يجعل المحرم متأخرا كيلا يلزم النسخ مرتين، وهنا لو تأخر قوله: " هذان حرامان " الحديث يلزمه النسخ مرتين في حق الإناث، فجعل قوله " حل لإناثهم " مقدما. قلت: في قوله " إنما يلبسه " يحتمل أن يكون بيانا؛ لقوله: " حرامان على ذكور أمتي "؛ لأن هذا وعيد لا بيان حكم فيحمل عليه تعليلا للنسخ ". ولأن قوله: " هذان " الحديث نص لبيان التفرقة في حق الحل والحرمة للذكور والإناث. وقوله: " إنما يلبسه من لا خلاق له في الآخرة " لبيان الوعيد في حق من لبس الحرير، فكانا كالظاهر، والنصح راجح على المظاهر، أو نقول: الدليل على أن يقتضي الحل للإناث متأخر، وهو استعمال الإناث من لدن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا من غير نكير وهذا آية قاطعة على تأخره وتكرار النسخ إذا كان بدليل غير ممتنع. فإن قلت: وقع التعارض بين قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هذان حرامان " الحديث وبين نهيه عن لبس الحرير والديباج فلم تركتم العام بالخاص. قلت: لما تعارضا وجعل التاريخ جعل كأنهما وردا معا. وإذا جعلا تعارضان يجعله الخاص بيانا للعام ولا يثبت العام في قدر ما يتناوله العام كما في قوله سبحانه وتعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 96 قال: إلا أن القليل عفو، وهو مقدار ثلاثة أصابع أو أربعة كالأعلام والمكفوف بالحرير لما روي أنه " - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نهى عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاثة، أو أربعة» .   [البناية] فإن قلت: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هذان حرامان " إشارة إلى حرمتين، فمن أين العموم؟. قلت: المراد الجنس ولئن كان شخصا فغيره ملحق به بالدلالة. [العلم في عرض الثوب] م: (قال: إلا أن القليل عفو) ش: هذا استثناء من قوله: «لا يحل للرجال لبس الحرير» م: (وهو مقدار ثلاثة أصابع أو أربعة) ش: أي مقدار العفو ثلاثة أصابع أو أربعة أصابع، وفي الغنية عمامة طرفها قدر أربع أصابع أبريسم من أصابع عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فاللبس لسريد مرخص، وقال تاج الشريعة أخو حسام الدين الشهيد: المعتبر قدر أربع أصابع على هاهنا كما هي لا أصابع السلف، وقال الكرماني: أربع أصابع منشورة. وقال الكرابيسي: هذا أولى. وقال الحلواني وأبو حامد - رحمهما الله -: لا يجمع. وقال تاج الشريعة: مضمومة لا منشورة، وقال الأسبيجابي: في الغابرة كذلك، وقال محمد: لا يمنع في القلنسوة؛ لأن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رخص في العلم في عرض الثوب، وقال صاحب " المجتبى ": وهذا يدل على أن القليل في طوله يكره، وقال محمد في " السير الكبير ": العلم عفو أي مقدار كان. م: (كالأعلام والمكفوف بالحرير) ش: والأعلام جمع علم الثوب، ويقال: ثوب مكفوف كف جيبه وأطراف كمه توشي من الديباج، م: (لما روي «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم عن قتادة عن الشعبي، عن سويد بن غفلة أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - خطب بالجابية فقال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع» . وقال الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يرفعه عن الشعبي غير قتادة، وهو مدلس، فأصله بلغه عنه. وقد رواه بيان، وداود بن أبي هند، وابن أبي السفر، عن الشعبي عن سويد بن غفلة، عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قوله: ورواه النسائي موقوفا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 97 أراد الأعلام، وعنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " «أنه كان يلبس جبة مكفوفة بالحرير» . قال: ولا بأس بتوسده والنوم عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] م: (أراد الأعلام) ش: أراد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قوله: إلا موضعين أصبعين أو ثلاث أو أربع الأعلام. والدليل عليه ما أخرجه الجماعة إلا الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: عن ابن عثمان النهدي قال: أتانا كتاب عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ونحن مع عتبة بن فرقد بأذربيجان: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الحرير إلا هكذا وأشار بأصبعيه التي تليان الإبهام» . قال أبو عثمان فيما علمنا يعني: الأعلام، وزاد أبو داود وابن ماجه فيه إلا هكذا وهكذا أصبعين أو ثلاثة أو أربعة. م: (وعنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: «أنه كان يلبس جبة مكفوفة بالحرير» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمر عن مولى بنت أبي بكر قال: قالت: رأيت ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - في السوق وقد اشترى ثوبا شاميا فرأى فيه خيطا أحمر فرده فأتيت أسماء فذكرت ذلك لها فقالت: يا جارية ناوليني جبة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخرجت لي جبة طاليسة كسروانية بها لبنة ديباج وفرجاها مكفوفان بالديباج فقالت: كانت هذه عند عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - حتى قبضت، فلما قبضت أخذتها، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يلبسها فنحن نغسلها للمرضى فيستشفى بها. ورواه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولفظه فأخرجت لي جبة مكفوفة الجيب والكمين والفرجين بالديباج. ورواه البخاري في كتابه " الأدب المفرد " ولفظه ": أخرجت لي أسماء - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - جبة طيالسة عليها لبنة شبر من ديباج وأن فرجاها مكفوفان به، فقالت هذه جبة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يلبسها للوفد وللجمعة. قوله: " جبة طيالسة " والدليل عليه الرواية الأخرى. وقوله: كسروانية " نسبة إلى كسرى وزيدت فيه النون على غير القياس. قوله لها " لبسه " بضم اللام - ومن " الصحيح ": اللبسة حرمان القميص، وفي " العباب ": جريان القميص بالضم والتشديد، وهو فارسي معرب، وهو بالفارسية كسريون. [توسد الحرير والنوم عليه] م: (قال: ولا بأس بتوسده والنوم عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قال القدوري: ولا بأس بتوسد الحرير، وهو أن يتخذه وسادة، أي مخدة، يقال: توسدت الشيء إذا جعلته تحت رأسك، والنوم عليه، إذا جعله فراشا ينام عليه أو يقعد. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 98 وقالا: يكره وفي " الجامع الصغير ": ذكر قول محمد وحده، ولم يذكر قول أبي يوسف، وإنما ذكره القدوري وغيره من المشايخ. وكذا الاختلاف في ستر الحرير وتعليقه على الأبواب لهما: العمومات، ولأنه من زي الأكاسرة والجبابرة والتشبه بهم حرام.   [البناية] م: (وقالا: يكره) ش: أي وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: يكره ذلك ويستوي فيه الرجل والمرأة بخلاف اللبس ذكره في " الخلاصة ". وقالت الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وأكثر أهل العلم: حرام للرجال دون النساء. م: (وفي " الجامع الصغير " ذكر قول محمد وحده ولم يذكر قول أبي يوسف) ش: وصورته في " الجامع الصغير " محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة: أنه لا يكره ذلك كله، ولم يذكر فيه قول أبي يوسف كما ترى وهو من الخواص. م: (وإنما ذكره القدوري وغيره من المشايخ) ش: ذكره الكرخي في " مختصره " قول أبي يوسف مع محمد - رحمهما الله - وتبعه القدوري على ذلك، وكذا ذكره أبو عاصم القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وذكره الفقيه أبو الليث قول أبي يوسف مع أبي حنيفة - رحمهما الله - في " شرح الجامع الصغير " م: (وكذا الاختلاف في ستر الحرير وتعليقه على الأبواب) ش: يعني لا بأس به عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد. م: (العمومات) ش: أي عمومات الأحاديث التي مر ذكرها في تحريم الحرير؛ لأنها تشمل اللبس والتوسد والافتراش جميعا م: (ولأنه من زي الأكاسرة والجبابرة والتشبه بهم حرام) ش: أي ولأن كل واحد من التوسد والنوم عليه من زينة الأكاسرة، وهو جمع كسرى بفتح الكاف وكسرها، وهو اسم كل من ملك فارس من العجم والجبابرة جمع جبار وهو المنكسر. والتشبه بهم حرام لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من تشبه بقوم فهو منهم» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 99 وقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إياكم وزي الأعاجم، وله ما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «جلس على مرفقة حرير» . وقد كان على بساط عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرفقة حرير؛   [البناية] م: (وقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إياكم وزي الأعاجم) . هذا الأثر رواه ابن حبان في " صحيحه " من حديث شعبة عن قتادة قال: سمعت أبا عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: أخبرنا كتاب عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد: " أما بعد فتدثروا وارتدوا فتعلوا وارموا بالخفاف واقطعوا السراويلات وعليكم بلبس أبيكم، وإياكم والتعمم وزي العجم، وعليكم بالشمس فإنها حمام العرب، وتعددوا وأحسوا شنوا وأحلوا لغوا وارموا الأغراض وامشوا ما بينهما وانزوا الخيل على الخيل، وإن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهانا عن الحرير إلا هكذا " وضم أصبعه السبابة والوسطى» . وأخرجه البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شعب الإيمان " عن الحاكم بسنده عن الحارث بن أبي أسامة حدثنا أبو النصري، حدثنا شعبة بن سواد، وأخرجه مسلم في " صحيحه " بلفظ: «وإياكم والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير» انتهى. ولو استدل المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - منها بحديث حذيفة لكان أولى، وهو ما أخرجه البخاري عن ابن أبي ليلى عن أبي حذيفة قال: «نهانا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل، وعن لبس الحرير والديباج وأن يجلس عليه» ، وهو من آداب البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولم أجد الحميدي ذكره، وذكره عبد الحق " في الجمع بين الصحيحين ". وهذا صريح في تحريم الجلوس عليه، فإذا كان الجلوس عليه حراما فالتوسد مثله. قوله " معددا ": أي تشهد بعد الفسق والخصومة. قوله: " أحسوا شنوا ": أحسوا من الشيء إذا أسدن حسوسه، وهو صيغة المبالغة. وقوله: " وأحلوا لغوا ": من أحلولة الرسم إذا استوى بالأرض. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (ما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " جلس على مرفقة حرير ") ش: هذا لم يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصلا ولا ذكره أحد من أرباب النقل لا بسند صحيح ولا بسند ضعيف. والمرافقة، بكسر الميم، وسادة الاتكاء. حديث حذيفة الذي ذكرناه حديث صحيح يروي هذا. م: (وقد كان على بساط عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرفقة حرير) ش: هذا أخرجه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 100 ولأن القليل من الملبوس مباح كالأعلام، فكذا القليل من اللبس والاستعمال، والجامع كونه نموذجا على ما عرف. قال: ولا بأس بلبس الحرير والديباج في الحرب عندهما،   [البناية] ابن سعد في " الطبقات " في ترجمة ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، حدثنا سعد عن راشد مولى بني عامر قال: رأيت على فراش ابن عباس مرفقة من حرير. أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا نسر بن أبي المقدام عن موزث بني زاودعة قال: دخل على عبد الله بن عباس وهو متكئ على مرفقة حرير وسعيد بن جبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عند رجليه وهو يقول له: انظر كيف يحدث عني فإنك حفظت عني كثيرا. م: (ولأن القليل من الملبوس مباح كالأعلام، فكذا القليل من اللبس والاستعمال) ش: وهو التوسيد والافتراش؛ لأنه ليس باستعمال كامل م: (والجامع كونه نموذجا على ما عرف) ش: أي الجامع بين القيل من اللبس والقليل من الملبوس كونه نموذجا يريد به أن المستعمل يعلم بهذا المقدار وما وعد له في الآخرة منه ليرغب في تحصيل سبب توصله إليه، والنموذج بفتح النون معرب نموده، وكذا الأنموذج بفتح الهمزة، وفي العباب النموذج مثال الشيء الذي يعلم عليه وبغير الهمزة وهو الصواب. فإن قيل: الجلوس على كرسي الفضة لا يحل ولا يحل افتراشه أيضا في الأصح وقد حل القليل منه وهو لبس الخاتم. قلنا: ما أطلقنا القليل إلا ليكون أنموذجا، فإذا انقلب مقصودا يكون حراما كالخمر، وهذا لأن الحرير لباس أهل الجنة قال الله تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحج: 23] ، فوجب إطلاق القليل منه، وهو العلم، والقليل من لبسه وهو الافتراش، ليكون أنموذجا إلى ذلك الكثير الكامل. فأما الفضة فلا يكون لباسا في الدار الآخرة. وإنما يكون منها الكراسي ونحوها. فلو أطلقها لصار عينها مطلقا، وعين الشيء لا يصلح أنموذجا. وفي " الحقائق ": وأكثر مشائخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أخذوا بقولهما؛ لأن مآله للتخير، ونقل فخر الإسلام عن " نوادر هشام " عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: أكره ما يكره الديباج والإبريسم. وفي " الفتاوى الصغرى ": ولا بأس سكة الحرير عند أبي حنيفة. [لبس الحرير والديباج في الحرب] م: (قال: ولا بأس بلبس الحرير والديباج في الحرب عندهما) ش: أي قال القدوري: وقد مر الجزء: 12 ¦ الصفحة: 101 لما روى الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رخص في لبس الحرير، والديباج في الحرب» . ولأن فيه ضرورة، فإن الخالص منه أدفع لمعرة السلاح وأهيب في عين العدو لبريقه، قال: ويكره عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه لا فصل فيما رويناه. والضرورة اندفعت بالمخلوط وهو الذي لحمته حرير، وسداه غير ذلك.   [البناية] تفسير الحرير والديباج، قوله: عندهما، أي عند أبي يوسف ومحمد م: «لما روى الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رخص في لبس الحرير والديباج في الحرب ") » ش: هذا لم يثبت عن الشعبي واسمه عامر بن شراحبيل، وهو من التابعين الكبار، ونسبه إلى شعب جبل باليمن ذو شعبي وكان مولده بست سنين مضت من خلافة عثمان ومات سنة خمس ومائة وهو ابن سبع وسبعين سنة. لكن روى ابن عدي في " الكامل " من حديث بقية عن عيسى بن إبراهيم بن طهمان الهاشمي، عن موسى بن حبيب، عن الحكم بن عمير، وكان من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «رخص رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في لباس الحرير عند القتال» . وأعله عبد الحق في " أحكامه " بعيسى هذا، وقال: إنه ضعيف عندهم. بل متروك. وقال ابن القطان في كتابه: وبقية لا يحتج به وعيسى ضعيف وموسى بن أبي حبيب ضعيف أيضا، وروى ابن سعد في " الطبقات " في ترجمة عبد الرحمن بن عوف، أخبرنا القاسم بن مالك المزني عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن قال: " كان المسلمون يلبسون الحرير في الحرب ". م: (ولأن فيه ضرورة) ش: أي في لبس الحرير في الحرب م: (فإن الخالص منه أدفع لمعرة السلاح) ش: أي شدته وقيل المعرة المار الأدي مفعله من العرر وهو الحرب أو من عره إذا ألطخه بالمعرة وهو السرقين وهو بضم العين المهملة وتشديد الواو. وفي " العباب " المعرة والعرا البعر والسرحين وسلخ الطير. م: (وأهيب في عين العدو لبريقه) ش: ولمعانه، وبقولهما قال ابن الماجشون المالكي. ورخص ابن القاسم المالكي الأعلام منه في أرض العدو. م: (قال: ويكره عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه لا فصل فيما رويناه) ش: أراد به قوله: هذان حرامان على ذكور أمتي يعني أنه عام ولم يفصل بين الحرب وغيره. م: (والضرورة اندفعت بالمخلوط وهو الذي لحمته حرر وسداه غير ذلك) ش: فلا حاجة إلى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 102 والمحظور لا يستباح إلا بالضرورة. وما رواه محمول على المخلوط. قال: ولا بأس بلبس ما سداه حرير ولحمته غير حرير كالقطن والخز في الحرب وغيره؛ لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا يلبسون الخز، والخز مسدى بالحرير.   [البناية] المصير إلى الحرير الخالص والمخلوط، وإن كان حريرا في الحكم فيه شبه العزل فكان دون الحرير الخالص، والضرورة اندفعت بالأدنى فلا يصار إلى الأعلى. والبريق يكون بظاهره واللحمة يكون على الظاهر وبه تندفع معرة السلاح م: (والمحظور لا يستباح إلا بالضرورة) ش: أي الحرام لا يباح إلا عند الضرورة، ولا ضرورة هنا لأنها تندفع بالمخلوط كما ذكرنا. م: (وما رواه محمول على المخلوط) ش: هذا جواب عما روياه من حديث الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وإنما حمل على المخلوط توفيقا بين الدليلين هذا الذي ما فيه الشراح ولكن الجواب عنه أنه غير صحيح ولا ثابت أصلا نعم يجاب بما ذكروا من حديث الحكم بن عمير وأثر الحسن عن تقدير صحتهما، وبقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال أكثر أهل العلم. [ما سداه حرير ولحمته غير حرير كالقطن والخز لبسه في الحرب وغيره] م: (قال: ولا بأس بلبس ما سداه حرير ولحمته غير حرير كالقطن والخز في الحرب وغيره) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": والخز - بفتح الخاء وتشديد الزاي المعجمتين - وهو صوف حيوان من الماء. وقال تاج الشريعة: الخز ثوب سداه حرير ولحمته شعر حيوان يكون في الماء. وقيل: الخز مسديا بالحرير كما قاله المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وهذا الحكم لا خلاف فيه لأحد من الأئمة م: (لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا يلبسون الخز، والخز مسدى بالحرير) ش: فيه آثار منها ما رواه البخاري في كتابه " الأدب المفرد " في القراءة خلف الإمام: حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة عن قتادة، عن زرارة قال: رأيت عمران بن الحصين يلبس الخز، ومنها ما رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه ". حدثنا إسماعيل - رَحِمَهُ اللَّهُ - ابن علية عن يحيى بن أبي إسحاق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: رأيت على أنس بن مالك مطرف خز. ورواه عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن عبد الكريم الجزري، قال: رأيت على أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جبة خز وكساء خز وأنا أطوف بالبيت مع سعيد بن جبير. ومن طريق عبد الرزاق رواه البيهقي في " شعب الإيمان "، ومنها ما رواه ابن أبي شيبة أيضا: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: رأيت حسين بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وعليه كساء خز. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 103 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ورواه البزار في " معجمه " حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحمامي، حدثنا المطلب بن زياد - عن السدي - قال: رأيت الحسين بن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وعليه عمامة خز وقد أخرج شعره من تحت العامة. ومنها: ما أخرجه الحاكم في " مستدركه " عن سفيان عن عمرو بن دينار سمع صفوان بن عبد الله بن صفوان - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: استأذن سعد على ابن عامر وتحته مرافق من حرير فأمر بها فرفعت، فدخل سعد وعليه مطرف خز فقال له ابن عامر: استأذنت علي وتحتي مرافق من حرير فأمرت به فرفعت فقال له: نعم الرجل أنت يا ابن عامر. وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ولم يخرجاه. ومنها: ما أخرجه عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عبد الله بن عمر العمري، أخبرني وهب بن كيسان قال: رأيت ستة من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يلبسون الخز: سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبا سعيد، وأبا هريرة، وأنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. ومنها: ما أخرجه البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الشعب " عن عبد السلام بن حرب، عن مالك بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنه كان يلبس الخز، وقال: إنما يكره المصمت من الحرير. ومنها: ما أخرجه ابن أبي شيبة: حدثنا أبو داود الطيالسي عن عمران القطان، أخبرني عمار قال: رأيت على أبي قتادة مطرف خز، ورأيت على أبي هريرة مطرف خز، ورأيت على ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ما لا أحصي. ومنها: ما أخرجه ابن أبي شيبة أيضا: حدثنا علي بن مسهر - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن الشيباني، ورأيت على عبيد بن أبي أوفى مطرف خز، ورواه ابن سعد في " الطبقات ": أخبرنا عبد الحميد بن عبد الرحمن الحمامي عن أبي سعد البقال قال: رأيت عبد الله بن أبي أوفى وعليه برنس خز. ومنها: ما أخرجه بن أبي شيبة أيضا، حدثنا وكيع عن عيينة بن عبد الرحمن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبيه قال: كان لأبي بكرة مطرف خز سداه حرير فكان يلبسه، ورواه ابن سعد في " الطبقات "، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا عيينة بن عبد الرحمن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبيه. ومنها: ما أخرجه الطبراني في " معجمه "، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، حدثنا زيد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 104 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ابن أحزم، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي عن يونس عن عمار بن أبي عمار قال: رأيت زيد بن ثابت وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وأبا هريرة، وأبا قتادة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يلبسون مطارف الخز، ذكره في ترجمة أبي قتادة واسمه الحارث بن ربعي. ومنها: ما أخرجه البيهقي في " الشعب " عن عبد الله بن محمد بن أسماء قال: حدثني جويرية بن أسماء عن نافع أن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كان ربما يلبس المطرف الخز ثمنه خمسمائة درهم. ومنها: ما أخرجه إسحاق بن راهوية في " مسنده " أخبرنا الفضل بن موسى، حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن، قال: رأيت السائب بن يزيد وهو ابن أربع وسبعين سنة وكان جدلا معتدلا، وكان عليه كساء خز وجبة خز وقطيفة خز ملتحفا بها. ومنها: ما أخرجه إسحاق أيضا. أخبرنا العقل بن دكين الملائي، حدثنا قطر بن خليفة مولى عمرو بن حريث قال: رأيت على عمرو بن حريث - رَحِمَهُ اللَّهُ - مطرف خز. ومنها: ما أخرجه النسائي في كتاب " الكنى "، أخبرنا أحمد بن علي بن سعيد، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا محمد بن يزيد، أخبرنا أبو بلج جارية - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: رأيت أنا رجلا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليه مطرف خز. ومنها: ما أخرجه ابن سعد في " الطبقات "، أخبرنا عفان بن مسلم، حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا ثابت البناني: أن عائذ بن عمرو كان يلبس الخز. ومنها: ما أخرجه الطبراني في كتاب " مسند الشاميين "، حدثنا يحيى بن عبد الباقي، حدثنا إدريس بن أبي الرباب - رَحِمَهُ اللَّهُ -، حدثنا رديح بن عطية، حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة قال: رأيت أبا أبي بن أم حرام، وأخبرني أنه صلى إلى القبلتين مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليه كساء خز، وابن أم حرام اسمه: عبد الله وهو ابن امرأة عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. أخبرنا الواقدي ومنها: خبر رواه فيه أيضا، حدثنا موسى بن عيسى بن المنذر - رَحِمَهُ اللَّهُ - حدثنا أبي، حدثنا بقية عن إبراهيم بن أبي عبلة قال: أدركت رجلا من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقال له: الأفطس؛ فرأيت عليه ثوب خز. ومنها: ما أخرجه ابن سعد في " الطبقات " في ترجمة عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. أخبرنا الواقدي، حدثنا ابن أبي سبرة عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى حدثني الأعرج عن محمد بن ربيعة بن الحارث - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: رأيت على عثمان بن عفان - رضي الله الجزء: 12 ¦ الصفحة: 105 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] تعالى عنه - مطرف خز ثمنه مائتي درهم. ومنها: ما أخرجه أبو داود وفي " سننه " من حديث عبد الله بن سعد الدشتكي عن أبيه قال: رأيت رجلا ببخارى على بغلة بيضاء عليه عمامة خز سوداء وقال: كسانيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وذكره عبد الحق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أحكامه " من جهة أبي داود وسكت عنه. وتعقبه ابن القطان فقال: وعبد الله بن سعد وأبوه والرجل الذي ادعى الصحبة كلهم لا يعرفون، أما سعد ولد عبد الله: فلا يعرف روى عنه غير ابنه عبد الله هذا الحديث الواحد. وأما ابنه عبد الله: فقال روى عنه جماعة وله ابن يقال له عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد الدشتكي مروزي، صدوق، وله ابن اسمه أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو شيخ لأبي داود، يروى عنه هذا الحديث. الأحاديث المرفوعة: أخرجه أبو داود في " سننه " عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: «إنما نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الثوب المصمت من الحرير، فأما العلم من الحرير، وسدا الثوب فلا بأس به» ، وخصيف بن عبد الرحمن - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضعفه غير واحد. فإن قلت: أخرج أبو داود أيضا في " سننه " عن عطية بن قيس، عن عبد الرحمن بن غنم حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير» ، وذكر كلاما، قال: «يمسخ منهم آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة» . وذكره البخاري في " صحيحه " تعليقا فقال: في " كتاب الأشربة ": وقال هشام بن عمار - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حدثنا صدقة بن خالد عن عبد الرحمن بن يزيد بن قيس عن عبد الرحمن بن غنم به. قيل: ورواه البرقاني والإسماعيلي في " صحيحيهما المخرجين على الصحيح " بهذا الإسناد. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 106 ولأن الثوب إنما يصير ثوبا بالنسج، والنسج باللحمة فكانت هي المعتبرة دون السدى. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أكره ثوب القز يكون القز بين الفرو والظهارة، ولا أرى بحشو القز بأسا؛ لأن الثوب ملبوس، والحشو غير ملبوس. قال: وما كان لحمته حريرا وسداه غير حرير لا بأس به في الحرب للضرورة. قال: ويكره في غيره لانعدامها، والاعتبار للحمه على ما بينا.   [البناية] قلت: قال عبد الحق في " أحكامه ": وقد روي هذا بوجهين «يستحلون الحر» بحاء مهملة وراء مهملة، وقال: وهو الزنا، وروي بخاء وزاي قال: والأول هو الصواب. وقال الأصمعي: الحر بكسر الحاء وتخفيف الراء المهملتين، وأصله الفرج فيقتصر في الواحد ويستوي في الجمع. وقالوا: إخراج فإن كانت رواية المهملتين صحيحة فلا كلام، وإن كانت غيرها فالجواب: أنه محمول على ما كان سداه خزا ولحمته حرير فهذا حرام؛ لأن الاعتبار للحمة. والذي ذكر في " الآثار " ما كان سداه حريرا ولحمته على ما قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والخز سدى بالحرير وهو الذي يباح لبسه فافهم. م: (ولأن الثوب إنما يصير ثوبا بالنسج، والنسج باللحمة فكانت هي المعتبرة دون السدي) ش: لأن الشيء إذا تعلق وجوده بعلة ذات وصفين يضاف إلى آخرهما وجودا. وقال في تعليل هذه المسألة: أن السدى يصير مستورا باللحمة، فكان بمنزلة الحشو، بخلاف ما لو كانت لحمته من الحرير؛ لأن اللحمة تكون على ظاهر الثوب ترى وتشاهد ويلاقي الحشوة فكان تدينا باللبس، هذا نقل عن الإمام أبي منصور الماتريدي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وهذه النكتة تقتضي أن السداء إذا كان ظاهرا كالعتابي يكره لبسه. وهذه النكتة الأولى تقتضي إباحة العتابي ونحوه. [لبس ما كان لحمته حريرا وسداه غير حرير] م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أكره ثوب القز يكون القز بين الفرو والظهارة) ش: بكسر الظاء، وهو ضد البطانة بكسر الباء، والقز اسم للحرير التي تصنعها دود القز. وفي " العباب ": القز من الإبريسم يعرب، وقال ابن دريد عربي م: (ولا أرى بحشو القز بأسا؛ لأن الثوب ملبوس والحشو غير ملبوس) ش: أراد بالحشو الذي يحشى بي الظهارة والبطانة. م: (قال: وما كان لحمته حريرا وسداه غير حرير) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": قوله: غير حرير مثل القطن ونحوه. م: (لا بأس به في الحرب) ش: أي فلا بأس بلبسه في الحرب م: (للضرورة. قال: ويكره في غيره لانعدامها) ش: أي في غير الحرب لانعدام الضرورة م: (والاعتبار للحمه على ما بينا) ش: أراد به قوله: لأن الثوب إنما يصير ثوبا بالنسج باللحمة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 107 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وفي " الذخيرة ": ذكر هشام - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لم يرد باللباس المرتفع جدا، وقال: «خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم وعليه رداء قيمته أربعة آلاف درهم، ودخل عليه رجل من أصحابه وعليه رداء آخر فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن الله إذا أنعم على عبد أحب أن يرى آثار نعمته عليه» . وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان يرتدي برداء قيمته أربعمائة دينار، وأباح الله سبحانه وتعالى الزينة بقوله سبحانه وتعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} [الأعراف: 32] . قيل لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أليس أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كان يلبس قميصا كان عليه كذا وكذا رقعة؟ قال: ذلك كالحكمة وهو أمير المؤمنين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلو لبس ثيابا نفيسة أو اتخذ لنفسه ألوانا من الطعام لعماله وحشمه يقتدوا به في ذلك، وربما لا يكون لهم فيأخذوه ظلما، فاختار ذلك لهذه المصلحة. وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكره للرجال لبس الثوب المعصفر والمزعفر، وقيل لا بأس به. وذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " السير الكبير ": لا بأس أن ينقش بيته ويتجمل بالثياب الفاخرة والأواني، ثم لا يجعله كأستار الكعبة ولكن يؤزر بإزار، وعند الثلاثة بالإبريسم: لا يجوز إلا في أستار الكعبة، والستر الذي فيه صور الحيوان. وعن بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان للحاجة لا بأس به كستر على الباب وكذا لو كانت الصورة صغيرة لا تبدو للناظر، يجوز التجمل بالأواني من الذهب والفضة بشرط أن لا يريد التفاخر والتكابر؛ لأن فيه إظهار نعم الله تعالى ولا يكره النكتة من الحرير. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكره، وبه قال مالك: واختلف في عصب الخراج بالحرير. وقيل: لا يحل استعمال منطقة وفي وسطها ديباج، وقيل: يحل إذا لم يبلغها عرضها قدر أصابع، كذا في " المجتبى ". وفي " القنية ": قال القاضي عبد الجبار: أما العمامة الطويلة ولبس الثياب الواسعة يباح في حق الفقهاء الذين هم أعلام الهدى دون النساء. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 108 قال: ولا يجوز للرجال التحلي بالذهب لما روينا. قال: ولا بالفضة؛ لأنها في معناه.   [البناية] [التحلي بالذهب للرجال] م: (قال: ولا يجوز للرجال التحلي بالذهب) ش: أي قال القدوري في " مختصره " م: (لما روينا) ش: أشار به إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هذان حرامان على ذكور أمتي» . ومن الناس من أباح التختم بالذهب لما روى الطحاوي في " شرح الآثار " بإسناده إلى محمد بن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - «قال: رأيت في يد البراء - رَحِمَهُ اللَّهُ - خاتما من ذهب فقيل له: يقال: قسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسنة، وقال: " البس ما كساك الله - عز وجل - ورسوله» . وحديث الطحاوي أيضا بإسناده إلى مصعب بن سعد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: رأيت في يد طلحة بن عبد الله خاتما من ذهب، وحدث الطحاوي بإسناده، ورأيت في يد صهيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خاتما من ذهب، ورأيت في يد سعد خاتما من ذهب. وحديث الطحاوي أيضا بإسناده إلى يحيى بن سعيد بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قيل: وفي يده خاتم من ذهب، ولأن النهي عن استعمال الذهب والفضة والشرب في آنية الذهب والفضة سواء، ثم لإجازة التختم بالفضة دل على جواز التختم بالذهب لعلة وجه قول العامة. فحدث البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الصحيح " مسندا إلى نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتخذا خاتما من ذهب، جعل فصه مما يلي باطن كفه، ونقش فيه محمد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاتخذ الناس مثله، فلما رآهم اتخذوها رمى به وقال: لا ألبسه أبدا. ثم اتخذ خاتما من فضة، فاتخذ الناس خواتم الفضة ". قال ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فلبس الخاتم بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبو بكر ثم عمر ثم عثمان حتى وقع من عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في بئر أريس» . وروى الطحاوي أيضا بإسناده إلى البراء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن خاتم الذهب» ورواه أيضا بإسناد إلى عمران بن الحصين وإلى أبي هريرة قالا: «نهانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن خاتم الذهب» ، والترجيح للمحرم وما رووا كان قبل النهي ولباس التختم بخاتم الذهب والترجيح للمحرم بالذهب على التختم بالفضة فاسد، فإن جواز التختم بالفضة عرف بالنص أو يكون نموذجا وهي تندفع بالفضة فبقي الذهب على الحرمة. م: (قال: ولا بالفضة) ش: أي ولا يجوز للرجال التحلي بالفضة م: (لأنها في معناه) ش: أي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 109 قال: إلا بالخاتم والمنطقة وحلية السيف من الفضة.   [البناية] لأن التحلي بالفضة في معنى التحلي بالذهب م: (قال: إلا بالخاتم والمنطقة وحلية السيف من الفضة) ش: هذا استثناء من قوله: " ولا يجوز للرجال إلخ) أي إلا التختم بالخاتم، والمنطق بالمنطقة بكسر الميم وهي التي تسمى بالحياصة. واتخاذ حلية السيف قوله: من الفضة بيان فللثلاثة المذكورة. أما الخاتم من الفضة فلما رواه الأئمة الستة في كتبهم عن ابن شهاب الزهري عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتخذ خاتما من فضة له فص حبشي ونقش فيه محمد رسول الله» ورواه الأئمة الثلاثة أيضا إلا ابن ماجه، عن قتادة، عن أنس: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أراد أن يكتب إلى بعض الأعاجم، فقيل: إنهم لا يقرءون كتابا إلا بخاتم، فاتخذ خاتما من فضة ونقش فيه محمد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان في يده حتى قبض، وفي يد أبي بكر حتى قبض، وفي يد عمر حتى قبض، وفي يد عثمان حتى سقط منه في بئر أريس. ثم أمر به فنزحت فلم يقدر عليه» وقد ذكر الآن حديث ابن عمر فيه. وأما المنطقة من الفضة فلما روى الواقدي في كتاب " المغازي ": حدثني ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله عن عمر بن الحكم - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: «ما علمنا أحدا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذين أغاروا على الذهب يوم أحد فأخذوا ما أخذوا من الذهب بقي معه من ذلك شيء رجع حيث غشينا المشركون إلا رجلين أحدهما: عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح جاء بمنطقة وجدها في العسكر فيها خمسون دينارا شدها على حقويه تحت ثيابه. وعباد بن بشر - رَحِمَهُ اللَّهُ - جاء بصرة فيها ثلاثة عشر مثقالا فنفلهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك ولم يخمسه» فإن هذا لا يدل على إباحة المنطقة؛ لأنه لا يجوز أن يكون هذا نظير ما أعطى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من الديباج الذي أهدي له، ونظير ما أعطى عليا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حريرا، وأمره أن يقطعه خمرا للفواطم الأربع. والخمر جمع خمار وهي ما تغطي المرأة بها رأسها، والفواطم: جمع فاطمة، وهي أم علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - واسمها فاطمة، وفاطمة الزهراء، وفاطمة بنت حمزة، وفاطمة بنت عتبة بن ربيعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ -. قلت: هذا احتمال، والأصل أن يكون قد أعطاه للاستعمال ولئن سلمنا بقول الراوي شدها على حقويه يدل على إباحة استعمالها، وذلك لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رآه هكذا، ولم ينكر عليه، إذ لو كان حراما لأنكره عليه، على أن الشيخ أبا الفتح ابن سيد الناس المعمري ذكر في كتاب " عيون الجزء: 12 ¦ الصفحة: 110 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الأثر ": وقال: كان للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منطقة من أديم مبشور حلقها وإبزيمها وطرفيها فضة. وأما حلية السيف فلما روى أبو داود، والترمذي في الجهاد، والنسائي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الزينة، عن جرير بن حازم، عن قتادة، عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قال: كانت قبيعة سيف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فضة» . وفي لفظ للنسائي: «كان نعل سيف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقبيعة سيفه فضة، وما بين ذلك حلق، وفضة» . وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث حسن غريب، وهكذا رواه همام عن قتادة، عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وبعضهم رواه عن قتادة عن أنس، وبعضهم رواه عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كانت قبيعة سيف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من فضة» . وحديث همام الذي أشار إليه هو عند النسائي، أخرجه عن عمرو بن عاصم، عن همام، وجرير، عن قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال النسائي: هذا حديث منكر، والصواب قتادة عن سعيد مرسلا، وما رواه عن همام غير عاصم بن عمرو. انتهى. وهذا المرسل الذي أشار إليه أخرجه أبو داود، والنسائي، عن هشام الدستوائي، عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: كانت فتذكرة. وقال عبد الحق في " أحكامه ": الذي أسنده ثقة، وهو جرير بن حازم. انتهى. وقال الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " علله ": هذا حديث قد اختلف فيه على قتادة، فرواه جرير بن حازم، عن قتادة، عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان حلية سيف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من فضة» وكذلك رواه عمرو بن عاصم، عن همام، عن قتادة، عن أنس، ورواه هشام الدستوائي، ورواه نضر بن طريف، عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن، أخي الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرسلا. انتهى. وأخرج الترمذي أيضا عن طالب بن حجير، عن هود بن عبد الله بن سعد عن جده مزيدة العصري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الفتح، وعلى سيفه ذهب وفضة.» وقال: حديث حسن غريب. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 111 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قال ابن القطان في كتابه: وإنما حسنه الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا يقبل المسانيد على عادته في ذلك، وهو عند ابن القطان ضعيف لا حسن، فإن هود بن عبد الله بن سعيد بصري، لا مزيد فيه على ما في الإسناد من رواية عن جده، ورواية طالب بن حجير عنه، فهو مجهول الحال. وطالب بن حجير أبو حجير كذلك، وإن كان روى عنه أكثر من واحد، وسئل عنه الذاريان فقالا: شيخ ليس من أهل العلم، وإنما هو صاحب رواية، وقال الذهبي في " ميزانه ": صدق ابن القطان في تضعيفه لهذا الحديث فإنه منكر، فيه طالب بن حجير عنه، فهو مجهول الحال، وطالب من قال: حلية سيف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذهبا. وأخرج الطبراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " معجمه " عن محمد بن حماد، حدثنا أبو الحكم، «حدثني مرزوق الصيقل: أنه صقل سيف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذا الفقار، وكانت له قبيعة من فضة وحلقة من فضة» . وأخرجه البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " سننه الكبرى "، وقال الذهبي في " مختصره ": إسناده ضعيف. وأخرج عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه " من الجهاد «عن جعفر بن محمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: رأيت سيف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قائمته من فضة، ونعله من فضة، وبين ذلك حلق من فضة، وهو عند هؤلاء - يعني بني العباس -» . وأخرج البخاري في " صحيحه " عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: كان سيف ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - محلا بفضة، وكان سيف عروة محلى بفضة. وأخرج البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن المسعودي قال: رأيت في بيت القاسم بن عبد الرحمن سيفا قيعته من فضة، فقلت: سيف من هذا؟ قال: سيف عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وأخرج البيهقي أيضا عن عثمان بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر: أنه تقلد سيف عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يوم قتل عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وكان محلى، قلت: كما كانت حليته؟ قال: أربعمائة. قوله: بئر أريس بفتح الهمزة، وكسر الراء بعدها ياء آخر الحروف، وسين مهملة، وهي بئر مشهورة في المدينة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 112 تحقيقا لمعنى النموذج، والفضة أغنت عن الذهب، إذ هما من جنس واحد، كيف وقد جاء في إباحة ذلك آثار. وفي " الجامع الصغير ": ولا يتختم إلا بالفضة،   [البناية] قوله: مبشورة من بشرت الأديم أبشره وأبشره إذا أبشرت بشرته. وقال ابن السكيت: بشر الأديم وهو أن يوجه باطنه بعنوة. قوله: كان نعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بفتح النون وسكون العين المهملة، وفي آخره لام وهو ما يكون في أسفله حفنة من حديد، أو فضة. قوله: قبيعة بفتح القاف، وكسر الباء الموحدة، وهو ما على مقبض السيف من فضة أو حديد م: (تحقيقا لمعنى النموذج) ش: أي لأجل التحقيق بمعنى النموذج، وقد فسرنا معناه عن قريب. م: (والفضة أغنت عن الذهب) ش: لأن الضرورة إذا اندفعت بالأدنى لا يصار إلى الأعلى كما قدمناه. م: (إذ هما) ش: أي الذهب والفضة م: (من جنس واحد) ش: جعل كونهما من جنس واحد علة للاستغناء بالفضة عن الذهب، والجنسية بينهما في " التحية " كذا لا في الذات م: (كيف وقد جاء في إباحة ذلك آثار) ش: يعني كيف لا يستغنى بالفضة عن الذهب، والحال أنه قد جاء في إباحة التختم بالفضة، أخبار عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وقد ذكرناها الآن مفصلة. فإن قلت: كما جاء بالفضة جاء أيضا بالذهب على ما رواه الترمذي الذي ذكرناه آنفا؟. قلت: قد ذكرنا أنه منكر لا يعمل به. فإن قلت: قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} [الأعراف: 32] الآية عامة تقتضي جواز ذلك، وأخبار الآحاد كيف تعارضها؟. قلت: أخبار التحريم بالذهب، والفضة للرجال مشهورة صحيحة تلقتها الأمة بالقبول، فجاز التقييد بها. [التختم بالحجر والحديد والصفر] م: (وفي " الجامع الصغير ": ولا يتختم إلا بالفضة) ش: إنما أتى بلفظ أداة الحصر فيه. وصورته محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: لا يتختم إلا بالفضة، وكان لا يرى بأسا بالفص، يكون فيه الحجر فيه مسمار ذهب انتهى. وهي من الخواص. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 113 وهذا نص على أن التختم بالحجر والحديد والصفر حرام، «ورأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على رجل خاتم صفر، فقال: " ما لي أجد منك رائحة الأصنام ". ورأى على آخر خاتم حديد " فقال: " ما لي أرى عليك حلية أهل النار» . ومن الناس من أطلق في الحجر الذي يقال له: يشب   [البناية] م: (وهذا) ش: أي المذكور في " الجامع الصغير " م: (نص على أن التختم بالحجر والحديد والصفر حرام) ش: لأنه ذكر فيه بكلمة الحصر فينحصر الجواز في الفضة. والصفر بضم الصاد، وقال أبو عبيد: بكسرها، وهو الذي يتخذ منه الأواني. م: «ورأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على رجل خاتم صفر، فقال: " ما لي أجد منك رائحة الأصنام» ش: أخرجه أبو داود في كتاب " الخاتم "، والترمذي في " اللباس "، والنسائي في " الزينة " عن زيد بن الخباب، عن عبد الله بن مسلم السلمي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: «جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليه خاتم من حديد، فقال: ما لي أرى عليك حلية أهل النار، ثم جاءه وعليه خاتم من شبه، فقال: ما لي أرى منك ريح الأصنام، قال: يا رسول الله من أي شيء اتخذه؟ قال: " اتخذه من ورق لا تتمنه مثقالا» . زاد الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثم جاءه وعليه خاتم من ذهب، فقال: ما لي أرى عليك حلية أهل الجنة، وقال: صفر موضع شبه، وقال: حديث غريب. وعبد الله بن مسلم يكنى أبا طيبة، رواه أحمد، والبزار، وأبو يعلى الموصلي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مسانيدهم "، وابن حبان في " صحيحه "، وذكر فيه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - زيادة الترمذي دون الباقين. م: (ورأى على آخر خاتم حديد، فقال: «مالي أرى عليك حلية أهل النار» ش: هذا ليس كذلك، بل هو رجل واحد كما هو في الحديث. م: (ومن الناس من أطلق في الحجر الذي يقال له: يشب) ش: أي: ومن العلماء منهم شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من جواز استعمال الخاتم من الحجر الذي يقال له: يشب بفتح الياء آخر الحروف، وسكون الشين المعجمة، وفي آخره باء موحدة، ويقال له: يشم أيضا بالميم عوض الباء. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 114 لأنه ليس بحجر، إذ ليس له ثقل الحجر. وإطلاق الجواب في الكتاب يدل على تحريمه. قال: والتختم بالذهب على الرجال حرام، لما روينا. وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: نهى عن التختم بالذهب "   [البناية] قال شمس الأئمة في " شرح الجامع الصغير ": ثم الظاهر لفظ الكتاب، كره بعض مشائخنا التختم باليشب، والأصح أنه لا بأس به، وإن مراده كراهة التختم بالذهب، والحديد على ما ورد به الأثر أنه زي أهل النار، قلنا: يشب ونحوه فلا بأس بالتختم به كالعقيق «. وقد ورد الأثر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتختم بالعقيق وقال: " تختموا به فإنه مبارك ".» م: (لأنه) ش: أي لأن اليشب م: (ليس بحجر إذ ليس له ثقل الحجر) ش: وفيه نظر لأنه لا يلزم من خفته أن لا يكون حجرا، فإن العقيق أيضا خفيف مع أنه من أنواع الحجر. م: (وإطلاق الجواب في الكتاب) ش: أي في " الجامع الصغير " م: (يدل على تحريمه ") ش: أي تحريم اليشب؛ لأنه قد يتخذ منه الصنم، فيؤخذ منه ريح الأصنام وهو المعول عليه في النهي على تحريم الصفر، على ما وقعت الإشارة النبوية إليه. وفي " الأجناس ": لا بأس للرجل أن يتخذ خاتما من فضة فصه منه، وإن جعل فصه من جزع أو عقيق أو فيروز، أو ياقوت أو زمرد، فلا بأس إن نقش عليه اسمه، واسم أبيه، أو ما بدا له كقوله: ربي الله، أو نعم القادر الله فلا بأس. وقال بعضهم: نقش الخاتم بالعربية يكره، وبغير العربية لا بأس به، وقد صح أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نقش على خاتمه ثلاثة أسطر: " محمد " سطر، و " رسول " سطر، و " الله " سطر. وفي " السمة ": ولا ينبغي أن ينقش فيه مثال المناف أو طير. [التختم بالذهب على الرجال] م: (قال: والتختم بالذهب على الرجال حرام لما روينا) ش: أشار به إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هذان حرامان» الحديث. م: (وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن التختم بالذهب» ش: هذا الحديث رواه الجماعة إلا البخاري، من حديث عبد الله بن حنين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن التختم بالذهب، وعن لباس القسي، والمعصفر، وعن القراءة في الركوع، والسجود» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 115 ولأن الأصل فيه التحريم، والإباحة ضرورة الختم أو النموذج، وقد اندفعت بالأدنى وهو الفضة، والحلقة هي المعتبرة؛ لأن قوام الخاتم بها، ولا معتبر بالفص حتى يجوز أن يكون من حجر، ويجعل الفص إلى باطن كفه   [البناية] وأخرجه الأربعة أيضا عن هبيرة بن يريم عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن التختم بالذهب، وعن القسي، وعن الميثرة الحمراء» وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. ورواه ابن حبان في " صحيحه "، وأخرج مسلم أيضا عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن خاتم الذهب» . وأخرج البخاري ومسلم - رحمهما الله - أيضا عن البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسبع، ونهانا عن سبع، وفيه: نهانا عن خواتيم، أو عن التختم بالذهب» . قوله: القسي: بفتح القاف، وكسر السين، وتشديد الياء، وهو ثوب رقيق النسج منسوب إلى قرية بأرض مصر تسمى قسا، والمسرة مسرة السرج، وفي " العباب ": وهو غير مهجورة لأنها من الوباثرة، والجمع مباثر، ومواثر. م: (ولأن الأصل فيه التحريم) ش: أي في استعمال الذهب، والأولى أن يقال في كل واحد من الذهب والفضة؛ لأن كليهما حرام للرجال، إلا ما استثنى منه الخاتم من الفضة؛ لأجل الضرورة، أشار إليه بقوله: م: (والإباحة ضرورة الختم) ش: أي إباحة استعمال الفضة في الخاتم لضرورة التختم م: (أو النموذج) ش: أي لأجل النموذج م: (وقد اندفعت) ش: أي الضرورة م: (بالأدنى وهو الفضة) ش: فلا يصار إلى الأعلى فبقي الذهب على حكم التحريم. وذكر المحبوبي أنهم قالوا: إن قصد به التزين يكره، وإلا فلا. م: (والحلقة هي المعتبرة لأن قوام الخاتم بها) ش: أي بالحلقة م: (ولا معتبر بالفص حتى يجوز أن يكون من حجر) ش: أي حجر كان على ما ذكرنا من " الأجناس ". وفي " الدراية ": وحلقة العظم والحديد والنحاس وفي المنطقة لا يكره. م: (ويجعل الفص إلى باطن كفه) ش: لا إلى ظاهره لما روى مسلم من حديث الزهري عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «اتخذ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاتما من فضة في يمينه فيه فص حبشي كان يجعل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 116 بخلاف النسوان؛ لأنه تزين في حقهن.   [البناية] فصه مما يلي كفه» . م: (بخلاف النسوان؛ لأنه تزين في حقهن) ش: لأنه ذكر أنه لضرورة التختم، وذلك لا يكون إلا في الرجال. وفي النساء ليس للضرورة بل هو زينة لهن، فيجعل فصه إلى ظاهر الكف، ولم يذكر هل تتختم في اليمين أو في اليسار. فقال في " الأجناس ": وينبغي أن يلبس خاتمه في خنصره اليسرى ولا يلبس في اليمين ولا في غير خنصره اليسرى من أصابعه. وسوى الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الصغير " بين اليمين واليسار. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو الحق؛ لأنه اختلفت الروايات عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك. وروي في " السنن " بإسناده إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتختم في يمينه» . وروى أيضا بإسناده إلى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتختم في يساره وكان فصه في باطن كفه» . وروى أصحاب " السنن " بإسناده إلى محمد بن إسحاق قال: رأيت على الصلت بن عبد الله بن نوفل بن عبد المطلب خاتما في خنصره اليمنى فقلت: ما هذا؟ قلت: " رأيت ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لبس خاتمه هكذا، وجعل فصه على ظهرها، ولا يخال ابن عباس إلا قد كان يذكر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يلبس خاتمه كذلك ". وما قال بعضهم: إن التختم في اليمين من علامات أهل البغي، ليس بشيء؛ لأن النقل الصحيح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينفي ذلك. انتهى كلامه. قلت: الحق أن اليسار أفضل لما روى مسلم في صحيحه من حديث ثابت عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كأني أنظر إلى وميض خاتم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأومأ بيساره» وفي لفظ: «وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى» نعم وقد ثبت أيضا في " الصحيح ": «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تختم في اليمين، ولكن استقر الأمر على اليسار» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 117 وإنما يتختم القاضي والسلطان لحاجته إلى الختم، فأما غيرهما فالأصل أن يترك لعدم الحاجة إليه. قال: ولا بأس بمسمار الذهب يجعل في حجر الفص أي في ثقبه؛ لأنه تابع.   [البناية] وروى البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " سننه " من حديث سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تختم خاتما من ذهب في يده اليمنى على خنصره ثم رجع إلى البيت فرماه فما لبسه، ثم تختم خاتما من ورق فجعله في يساره، وأن أبا بكر وعمر وعليا والحسن والحسين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا يتختمون في يسارهم» . وذكر في " جامع قاضي خان " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وما قال للنعمان بن بشير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اتخذه في اليمين ولا تزده على مثقال كان في ابتداء الإسلام ثم صار من علامات أهل البغي لقسمة الحكمين. م: (وإنما يتختم القاضي والسلطان لحاجته إلى الختم فأما غيرهما فالأصل أن يترك لعدم الحاجة إليه) ش: قال الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الصغير ": ثم التختم إنما يكون سنة إذا كان له حاجة إلى التختم بأن يكون سلطانا أو قاض، أما إذا لم يكن محتاجا إلى التختم فالترك أفضل. انتهى. وقال قوم: كره لبس الخاتم لغير السلطان أو القاضي لما روي عن أبي ريحانة أنه قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن لبوس الخاتم إلا لذي سلطان» . قلنا: المراد من النهي التنزيه على تقدير صحة الحديث، وروي أن كثيرا من الصحابة تختموا. م: (قال: ولا بأس بمسمار الذهب يجعل في حجر الفص أي في ثقبه) ش: قال في " الجامع الصغير ": والحجر - بضم الجيم وسكون الحاء المهملة - وقد فسرناه بالثقب وهو بالفارسية، سوارخ "، والمراد الفض الذي يجعل فيه الفص. قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي لا بأس بأن يسمر للفص بمسمار الذهب ليحفظ به، والمسمار في الأصل كالوتد من الحديد، يقال: سمر الباب أي أوثقه بالمسمار م: (لأنه تابع) ش: أي لأن مسمار الذهب تابع فصار كالمستهلك، أو كالأسنان المتخذة من الذهب على حواشي خاتم الفضة، فإن الناس يجوزونه من غير نكير ويلبسون ذلك الخواتيم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 118 كالعلم في الثوب فلا يعد لابسا له. قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا تشد الأسنان بالذهب وتشد بالفضة، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بالذهب أيضا. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قول كل منهما.   [البناية] م: (كالعلم في الثوب فلا يعد لابسا له) ش: فإن العلم في الثوب تابع للثوب، قوله " لا يعد لابسا " لا يجوز أن يرجع إلى مسمار الذهب ويجوز أن يرجع إلى العلم ويجوز أن يرجع إلى الجميع فافهم. [شد الأسنان بالذهب الفضة] م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا تشد الأسنان بالذهب وتشد بالفضة) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": أراد بالأسنان المتعلقة م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي المذكور هو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بالذهب أيضا وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قول كل منهما) ش: أي مثل قول كل واحد من أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله. وقال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - البزدوي: قول أبي يوسف مثل قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما أشار إليه في " الجامع ". وروي عنه في " الإملاء " مثل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قوله الآخر الذي رجع إليه. وذكر في " الأمالي " عن أبي حنيفة: أنه لم ير بالذهب بأسا أيضا، وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": قال بشر عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب الأشربة من " الإملاء ": ولو أن رجلا تحركت ثنيته ولم تسقط فخاف سقوطها فشدها بذهب أو فضة لم يكن به بأس في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وفي قول أبي يوسف: وليس هذا يشبه المسمار في الفص، ثم قال الكرخي فيه: فإن سقطت ثنية رجل فإن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان يكره أن يعيدها ويشد بفضة أو ذهب، ويقول: هي كسن ميتة أخذها فشدها مكانها ولكن يأخذ من شاة زكية يشدها مكانها. وخالفه أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقال: لا بأس أن يشد ثنيته في موضعها ولا يشد منه بسن ميت استحسن ذلك، وبينهما فصل وإن لم يحضر ذلك، ثم قال الكرخي: وقال بشر - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي يوسف في " نوادر أبي يوسف ": قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بشدها بالفضة ما لم تقع فإن وقعت فلا خير أن يشدها يذهب ولا فضة، فإذا لم يقع فإنه يكره الذهب وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم رجع أبو يوسف وقال: لا بأس أن يشدها بالذهب. وقال: سوغه في موضع آخر من " نوادره "، قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا بأس به؛ لأنه ليس بحلية، فلا بأس أن يشدها إذا وقعت، ولا بأس أن يعيد إذنه، انتهى. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 119 لهما: «أن عرفجة بن أسعد الكناني " أصيب أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من فضة فأنتن فأمره النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بأن يتخذ أنفا من ذهب» .   [البناية] ونقل في " الأجناس " في كتاب الكراهية: أما لو قطع قطعة من الأذن محيطة والتأمت تترك بحالها ولا تقلع. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: «أن عرفجة بن أسعد الكناني أصيب أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من فضة فأنتن فأمره النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بأن يتخذ أنفا من الذهب» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود في الخاتم، والترمذي في اللباس والنسائي في الزينة، عن أبي الأشهب عن عبد الرحمن بن طرفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن جده عرفجة بن أسعد أصيب أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من ورق فأنتن عليه فأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاتخذ أنفا من ذهب» . هكذا رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن أبي الأشهب به، ورواه أيضا عن إسماعيل ابن علية عن أبي الأشهب به، ورواه أيضا عن يزيد بن هارون عن أبي الأشهب عن عبد الرحمن بن طرفة عن عرفجة بنحوه، وزاد: قال يزيد: فقلت لأبي الأشهب: أدرك عبد الرحمن بن طرفة جده عرفجة؟ قال: نعم. وأخرج الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن علي بن هاشم بن البريد عن أبي الأشهب عن عبد الرحمن بن طرفة عن عرفجة قال: أصيب أنفي، فذكره، وعن محمد بن يزيد الواسطي عن أبي الأشهب، عن عبد الرحمن بن طرفة، عن عرفجة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نحوه. وقال: حديث حسن وإنما نعرفه من حديث حسن، وإنما نعرفه من حديث عبد الرحمن بن طرفة، ورواه عنه أبو الأشهب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ورواه أحمد في " مسنده "، وابن حبان في " صحيحه "، عن أبي الوليد الطيالسي حدثنا أبو الأشهب، عن عبد الرحمن بن طرفة أن جده عرفجة. ورواه أبو داود الطيالسي في " مسنده "، حدثنا أبو الأشهب جعفر بن حبان - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه فقال ابن القطان في كتابه: وهذا حديث لا يصح، فإنه من رواية أبي الأشهب - رَحِمَهُ اللَّهُ - واختلف [فيه] قال: أكثره يقول عنه، عن عبد الرحمن بن طرفة بن عرفجة، عن جده، وابن علية يقول عنه، عن عبد الرحمن بن نافع عن أبيه عن عرفجة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قال: فعلى: طريقة المحدثين ينبغي أن تكون رواية الأكثرين منقطعة فإنها معنعنة. وقد زاد فيها ابن علية واحدا. قلت: حسن الترمذي رواية الحديث وصححه ابن حبان وكفى بها حجة على أنه قد روى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 120 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] في هذا الباب أحاديث وأخبار غير ذلك. منها: ما أخرجه الطبراني في " معجمه الأوسط "، حدثنا موسى بن زكريا، حدثنا شيبان بن فروخ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، حدثنا أبو الربيع السمان، عن هشام بن عروة عن أبيه، «عن عبد الله بن عمر: أن أباه سقطت ثنيته فأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يشدها بذهب» وقال: لم يروه عن هشام - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ابن عروة إلا أبو الربيع السمان. ومنها: ما أخرجه ابن قانع في " معجم الصحابة ": حدثنا محمد بن الفضل بن جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حدثنا إسماعيل بن علية ذرارة، حدثنا عاصم بن عمارة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول قال: «انقدت ثنيتي يوم أحد فأمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أتخذ ثنية من ذهب» . وفي " الأخبار ": ما رواه الطبراني في " معجمه " حدثنا يزيد بن هارون القزاز، حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، حدثنا محمد بن سعدان عن أبيه قال: رأيت أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يطوف به بنوه حول الكعبة على سواعدهم، وقد شدوا أسنانه بذهب. ومنها: ما رواه في " مسند " أحمد عن واقد بن عبد الله التميمي عمن رأى عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه " ضببت أسنانه بذهب " وليس من رواية أحمد. ومنها: ما رواه النسائي في كتاب " الكنى "، حدثنا النفيلي، حدثنا هشيم، حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن أبو سهيل مولى موسى بن طلحة قال: رأيت موسى بن طلحة بن عبيد الله قد شد أسنانه بذهب. ومنها: ما رواه ابن سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " الطبقات " في ترجمة عبد الملك بن مروان: أخبرنا حجاج عن ابن جريج أن ابن شهاب الزهري سئل عن شد الأسنان؟ فقال: لا بأس به، قد شد عبد الملك بن مروان أسنانه بالذهب. قوله: يوم الكلاب - بضم الكاف وتخفيف اللام -: وهو اسم واد بين الكوفة البصرة، كانت فيه وقعة عظيمة للعرب. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 121 ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الأصل فيه التحريم، والإباحة للضرورة وقد اندفعت بالفضة وهي الأدنى، فبقي الذهب على التحريم.   [البناية] وقال الجوهري: الكلاب اسم ما كانت عنده وقعة، وللعرب فيها أشعار كثيرة، منها قول امرئ القيس بن حجر الكندي: وقد طوقت في الآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإياب وأعلم أنني عما قليل ... سأنشب في شبا طرف وباب كما لاقى أبي حجر وجدي ... ولا أنسى ثقيلا بالكلاب الإياب الرجوع، قوله: سأنشب أي سأتعلق، وشبا - بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة - وهو حد كل شيء. وقال شيوخ منهم عدس بن سعد وسفيان الذي ورد الكلاب، وقال الفرزدق: هما أن كلاب ابن عمي اللذان مالك للملوك وفك الأغلال، وقال الأخطل: وأخوهما السفاح كما خيلة ... حتى وردن حتى الكلاب نهالا [وفي هذا المحل سقط من نسخة المؤلف روح الله روحه] يخرجن من ثغر الكلاب عليهم ... حب السباع تبادر الأشبالا وقال في " ديوانه ": أحد عميه أبو حسن قاتل شرحبيل بن الحارث بن عمر آكل المرار يوم الكلاب الأول والآخر: روكس بن الغدوكس والسفاح وهو سلمة بن خالد بن كعب بن زهير سمي به؛ لأنه لما دنى من الكلاب عمد إلى جرار أصحابه وسعفها وسفح ماءها، وقال: ما لكم إلا القوم فقاتلوا أو دعوا، قوله جبى الكلاب - بكسر الجيم وفتح الباء الموحدة - وهو مادة من جبه إذا جمعته، والنهار العطاش، والأوشال جمع وشل - بفتح الواو والشين المعجمة - هو الماء في الجبل ينحدر انحدارا ضعيفا. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الأصل فيه التحريم) ش: لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حرامان على ذكور أمتي» وهذا عام على قبوله راجح على الخاص المختلف في قبوله، ولعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خص عرفجة بذلك كما خص الزبير بن العوام - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بلبس الحرير لحكة كانت به. م: (والإباحة للضرورة وقد اندفعت بالفضة وهي الأدنى) ش: فلا يصار إلى الأعلى م: (فبقي الذهب على التحريم) ش: لاندفاع الضرورة بدونه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 122 والضرورة فيما روي لم تندفع في الأنف دونه حيث أنتن. قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويكره أن يلبس الذكور من الصبيان الذهب والحرير؛ لأن التحريم لما ثبت في حق الذكور وحرم اللبس، حرم الإلباس كالخمر لما حرم شربها حرم سقيها. قال: وتكره الخرقة التي تحمل فيمسح بها العرق؛   [البناية] م: (والضرورة فيما روي لم تندفع في الأنف دونه حيث أنتن) ش: يعني لما كانت الإباحة للضرورة، والضرورة لم تندفع في حديث عرفجة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دونه، أي دون الذهب؛ لأنه أنتن، فلذلك أمره بالذهب. ومسألة الأنف على الاتفاق إذا أنتن أو خيف ذلك. وأما تضبيب الأسنان فتحال عن هذا القدر. وقال تاج الشريعة: يعني أن الضرورة لم تندفع بالفضة؛ لما روي من النتن ولو كان كذلك فأبو حنيفة يجوز ذلك أيضا، هكذا أشار إليه محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " السير الكبير ". م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويكره أن يلبس الذكور من الصبيان الذهب والحرير) ش: أي قال القدوري في " مختصره ": وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز تحلية الصبيان، وعن بعض الصحابة: لا يجوز كما قلنا. وكذا عندنا: يكره أن يخضب يده أو رجليه بالحناء من غير حاجة، كما يكره للرجل. وفي " فتاوى العتابي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في " الدراية ": وعن الثلاثة: لا بأس بتحلية الصبي م: (لأن التحريم لما ثبت في حق الذكور وحرم اللبس، حرم الإلباس كالخمر لما حرم شربها حرم سقيها) ش: وهذا ظاهر. وفي شرح " الأقطع ": لأن الصبي يجوز أن يعرف ما يجوز في الشريعة دون ما لا يجوز ليألف ذلك، أما ترى إنما يمنعهم من شرب الخمر ويأخذهم بالصوم الصلاة ليألفوا ذلك. وكذلك يمنعهم لبس الحرير والذهب ليألفوا ذلك. [الخرقة التي تحمل فيمسح بها العرق] م: (قال: وتكره الخرقة التي تحمل فيمسح بها العرق) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": وصورته محمد عن يعقوب: عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه كان يكره هذه الخرقة التي يمسح بها العرق وهذه من الخواص. قال فخر الإسلام البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": وكذلك الخرقة التي يمسح بها الوضوء محدثة بدعة يجب أن تكره لأنها لم تكن في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا أحد من الصحابة والتابعين قبل ذلك وإنما كانوا يتمسحون بأطراف أرديتهم. وقد قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " الآثار ": وأخبرنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن حماد عن إبراهيم - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في الرجل يتوضأ ويمسح وجهه بالثوب، قال: لا بأس، ثم الجزء: 12 ¦ الصفحة: 123 لأنه نوع تجبر وتكبر. قال: وكذا التي يمسح بها الوضوء أو يتمخط بها وقيل: إذا كان عن حاجة لا يكره وهو الصحيح، وإنما يكره إذا كان عن تكبر وتجبر وصار كالتربع في الجلوس.   [البناية] قال: أرأيت لو اغتسل بالماء البارد في ليلة باردة أيقوم حتى يجف قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وبه نأخذ ولا نرى بذلك بأسا، وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لأنه نوع تجبر وتكبر) ش: لأنه يشبه زي العجم فيكره، وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الصغير "، وكان الفقيه أبو جعفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إنما يكره ذلك إذا كان شيئا نفيسا؛ لأن في ذلك فخر أو تكبر، وأما إذا لم تكن الخرقة نفيسة فلا بأس؛ لأنه لا يكون فيه كبر. م: (قال: وكذا التي يمسح بها الوضوء) ش: أي وكذا تكره الخرقة التي يمسح بها الوضوء بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به م: (أو يتمخط بها) ش: أي بالخرقة م: (وقيل: إذا كان عن حاجة لا يكره) ش: أي حمل الخرقة واستعمال المنديل عقيب الوضوء إذا كان عن ضرورة التنشيف لا يكره م: (وهو الصحيح) ش: أي هذا القول هو الصحيح. وكذا قال في " جامع قاضي خان " و " المحبوبي "، وذلك لأن المسلمين قد استعملوا في عامة البلدان مناديل الوضوء، كيف وقد روى الترمذي في " جامعه ": حديث سفيان بن وكيع، قال حدثنا عبد الله بن وهب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عن زيد بن حباب عن أبي معاذ عن الزهري، عن عروة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرقة ينشف بها بعد الوضوء» . ثم قال: وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ليس بالقائم، ولا يصح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا الباب شيء. ثم قال أبو عيسى: وقد رخص قوم من أهل العلم من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن بعدهم في التمندل بعد الوضوء، ومن كره فإنما كرهه من قبل أنه قيل: إن الوضوء يوزن، وروي ذلك عن سعيد بن المسيب والزهري - رحمهما الله - وقال الزهري: إنما أكره المنديل بعد الوضوء فإن الوضوء يوزن. م: (وإنما يكره إذا كان عن تكبر وتجبر وصار كالتربع في الجلوس) ش: فإن كان يفعله تجبرا أو الجزء: 12 ¦ الصفحة: 124 قال: ولا بأس بأن يربط الرجل في أصبعه أو خاتمه الخيط للحاجة ويسمى ذلك الرتم والرتيمة، وكان ذلك من عادة العرب، قال قائلهم: لا ينفعنك اليوم إن هممت بهم ... كثرة ما توصي وتعقاد الرتم   [البناية] تكبرا فيكره، وأن يفعله للضرورة والحاجة فلا يكره. وقد روى أبو داود مسندا إلى جابر بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس» . وكذلك الاتكاء إن كان تكبرا يكره، وإن كان لضرورة فلا. م: (قال: ولا بأس بأن يربط الرجل في أصبعه أو خاتمه الخيط للحاجة) ش: هذه من خواص " الجامع الصغير " صورتها فيه محمد عن يعقوب، عن أبي حنيفة: أنه كان لا يرى بأسا بربط الرجل في أصبعه الخيط أو في خاتمه للحاجة انتهى. وذلك لأنه لو كره إنما يكره لكونه عبثا وهذا ليس بعبث؛ لأنه تعلق به ضرب فائدة وهو التأكيد في رعاية حق المسلمين ليكون ذلك أقرب للذكر وأبعد عن النسيان والتقصير، فلما كان كذلك لم يكن به بأس. م: (ويسمى ذلك الرتم والرتيمة) ش: أي ويسمى ذلك الخيط الذي يعقد على الأصبع للتذكرة الرتم - بفتح الراء وفتح التاء المثناة من فوق وفي آخره ميم - وهو الجمع رتمة - بالفتحات أيضا - وكذلك سمي رتيمة - بالياء آخر الحروف بع الميم - ويجمع على رتائم، يقال: أرتمت الرجل إرتاما، إذا عقدت في أصبعه خيطا يستذكره حاجة، كذا قال أبو عبيد في " غريب المسند ". وقال ابن دريد في " الجمهرة ": والرتمة شيء كان يفعله أهل الجاهلية كان الرجل إذا أراد سفرا عمدا إلى شجرتين متقاربتين فعقد غصنين منهما، فإذا رجع من سفره فإذا كان الغصان بحالهما علم أنه لم يخن في أهله، وإن كانا منحلين ظن بأهله ظن السوء يقال ارتمت رتمت إذا فعلت ذلك. م: (وكان ذلك من عادة العرب) ش: أي ربط الخيط على الأصبع للتذكرة كان من عادة العرب، م: (قال قائلهم) ش: أي قائل العرب، قال الكاكي: قائل شعر الكتاب ابن السكيت وليس كذلك بن قائلة من العرب، وإنما استشهد به ابن السكيت: م: (لا ينفعنك اليوم إن هممت بهم ... كثرة ما توصي وتعقاد الرتم) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 125 وقد روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أمر بعض أصحابه بذلك.   [البناية] استدل أبو عبيد بهذا البيت على أن الرتم. والرتيمة هو الخيط الذي يعقد على الإصبع للتذكرة كما قد ذكره الآن. وقال ابن السكيت: الرتم شجرة ثم أنشد هذا البيت ثم قال: كان الرجل إذا أراد سفرا عمد إلى هذه الشجرة فعقد بعض أغصانها ببعض فإذا رجع من سفره وأصابها على تلك الحالة قال: لم تخن امرأتي، وإن أصابه قد انحل قال: خانتني امرأتي. ومعنى البيت: هل منعتك أن همت امرأتك أن تخونك وصيتك لها وإقامتك من يحفظها وبعقادك الشجرة، قوله إن هممت بهم أي بشيء تريده، يعني أنها إن كانت عفيفة حفظت نفسها وإن لم يكن كذلك لا حيلة فيها. كذا قال أبو محمد يوسف بن الحسن بن عبيد الله السيرافي كتاب " الربيع شرح الاصطلاح ". وقوله: بعقاد الرتم، التعقاد - بفتح التاء - مصدر بمعنى على وزن التفعال كالمتعلقات والتشهاد، وهو مضاف إلى الرتم، والرتم مجرور بالإضافة، ثم البيت المذكور مروي عن الثقات. هل ينفعنك بلفظ هل الاستفهامية وهو القياس؛ لأن الأصل في نون التأكيد أن لا يدخل النفي. والفقهاء يردونه بحرف النفي كما في رواية المصنف كذلك وقال بعضهم: بالغ الإنكار فيه. قلت: لا مجال للإنكار في ذلك؛ لأن حرف التوكيد قد يدخل النفي أيضا في الشعر كما في قول العمر بن مولت: فلا إيجاره الدنيا بها بلحيتها فهذه نون التوكيد بعد لا النافية. ثم اعلم أن قوله: إن هممت بتاء التأنيث في رواية الثقاة، وقد رواه بعضهم همت بتاء الخطاب المذكر وحذف أحد الميمين وهمت على لغة من يقول: ظلت من ظللت، ومست من مست وأحست من أحسست. قال الشاعر: أحسنت إليه سوس أي أحسن به. م: (وقد روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أمر بعض أصحابه بذلك) ش: أي بالرتم يعني عقد الخيط في الأصبع للتذكرة، ولم يثبت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بذلك ولكنه قد روي فيه أحاديث كلها ضعيفة. منها: ما رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " من حديث سالم بن عبد الأعلى عن نافع الجزء: 12 ¦ الصفحة: 126 ولأنه ليس بعبث لما فيه من الغرض الصحيح، وهو التذكر عند النسيان.   [البناية] عن ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أشفق من الحاجة أن ينساها ربط في أصبعه خيطا ليذكرها» ، ورواه ابن عدي في " الكامل "، والعقيلي في " الضعفاء "، وابن حبان أيضا في " الضعفاء " وأسند ابن عدي عن ابن معين والبخاري والنسائي: في سالم هذا أنه متروك، وأسنده العقيلي عن البخاري فقط، وقال ابن حبان: كان سالم هذا يضع الحديث، لا يحل كتب حديثه ولا الرواية عنه. وقال الترمذي في " علله الكبرى ": سألت البخاري عن هذا الحديث: يقال: سالم بن عبد الأعلى، ويقال سالم بن غيلان منكر الحديث. وقال ابن أبي حاتم في " علله ": سألت أبي عن هذا الحديث قال: حديث باطل، وسالم هذا ضعيف وهذا منه. ومنها ما رواه الطبراني في " معجمه الأوسط " عن بشر بن إبراهيم الأنصاري: حدثنا الأوزاعي عن مكحول، عن واثلة بن الأسقع «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أراد الحاجة أوثق في خاتمه خيطا» . ورواه ابن عدي في " الكامل "، وأعله ببشر هذا، وقال: إنه عندي ممن يضع الحديث. ومنها ما رواه الطبراني في " معجمه " عن غياث بن إبراهيم الكوفي، حدثنا عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، عن سعيد المقبري، عن رافع بن خديج - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ربط في أصبعه خيطا، فقلت: يا رسول الله ما هذا؟ فقال: " شيء أستذكر به» . وذكر ابن الجوزي في " الموضوعات " الأحاديث الثلاثة، ونقل في الأول كلام ابن حبان في سالم، ونقل في الثاني كلام ابن عدي في بشر، ونقل في الثالث عن السعدي وابن حبان في غياث هذا أنه كان يضع الحديث، وعن أحمد والبخاري: أنه متروك الحديث. فإن قلت: أخرج ابن عدي في " الكامل " عن بشر بن حسين الأصبهاني، عن الزبير بن عدي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حول خاتمه أو عمامته أو علق خيطا لتذكره، فقد أشرك بالله، إن الله هو يذكر الحاجات» . قلت: هذا أيضا حديث ضعيف؛ لأن ابن عدي أعله ببشر بن الحسين فإذن ليس الدليل إلا ما ذكره بقوله م: (ولأنه ليس بعبث لما فيه من الغرض الصحيح، وهو التذكر عند النسيان) ش: والفعل إذا تعلق بغرض صحيح لا يكره ولا يمنع، وقد جرت بذلك عادة الناس من غير نكير والله أعلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 127 فصل: في الوطء والنظر واللمس قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] ،   [البناية] [فصل في الوطء والنظر واللمس] [النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها] م: (فصل في الوطء والنظر واللمس) ش: هذا فصل في بيان أحكام الوطء وأحكام النظر والمس والقبلة. وقد فصل الأكل لكثرته، ثم فصل اللبس قدم على هذا الفصل لكثرة شدة الاحتياج إليه بالنسبة إلى هذا الفصل. م (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية) ش: أي قال القدوري في " مختصره ": أي إلى المرأة الأجنبية. وبه قال مالك والشافعي - رحمهما الله - والأصل فيه قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30] {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] . وموضع الزينة الرأس؛ لأنه موضع الإكليل. والشعر؛ لأنه موضع الفصاص الدريهمات. والأذن؛ لأنها موضع القرط. والعنق؛ لأنه موضع القلادة. والصدر؛ لأنه موضع الوشاح. والعضد؛ لأنه موضع الدملج. والذراع؛ لأنه موضع السوار. والساق؛ لأنه موضع الخلخال، وذكر الزينة وأراد موضعها من قبيل ذكر الحال وإرادة المحل للمبالغة في الستر. م: (إلا إلى وجهها وكفيها) ش: استثناء من قوله: لا يجوز، والمعنى يجوز النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] ش: أي لا يظهرن أي النساء أي مواضع زينتهن وقد بينتها الآن. م: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] ش: استثنى من قوله: ولا يبدين، إلا ما ظهر من الزينة، ثم اختلفوا فيها: يعني فيما ظهر ما هو؟ فقال بعضهم: المراد الملاءة والبرقع والخفاف لا يحل النظر للأجانب إلا إلى ملاءتها وبرقعها وخفيها الظاهرة، وهو قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. وقد روى الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بإسناده إلى أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: " وما ظهر منها: الثياب والجلبات " وقال بعضهم: هو ما فوق الدرع. روى الطحاوي بإسناده إلى أبي منصور - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن إبراهيم قال: هو ما فوق الدرع. وقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: المراد منه إحدى عينيها؛ لأنها مضطرة إلى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 128 قال علي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: ما ظهر منها الكحل والخاتم. والمراد موضعهما وهو الوجه والكف. كما أن المراد بالزينة المذكورة موضعها؛ ولأن في إبداء الوجه والكف ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال أخذا وإعطاء وغير ذلك.   [البناية] كشف عين واحدة للمشي، ولا ضرورة في غير ذلك، فلا يباح بها إلا بدا ولا بغيرها النظر إلا في عين واحدة للمشي. واختار العلماء قول علي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فكذلك اختاره المصنف وقال: م: (قال علي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: ما ظهر منها الكحل والخاتم) . ش: أخرج الطبراني في رواية ابن عباس - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "تفسيره" وقال: حدثنا أبو كريب حدثنا مروان بن معاوية حدثنا مسلم الملائي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قال: هي الكحل والخاتم. وأخرجه البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا عن جعفر بن عون: أخبرنا مسلم الملائي به، ثم أخرجه عن المراد بالضعيف هو عبد الله بن مسلم بن هرمز، عن عكرمة، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: نحوه سواه. وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" في النكاح، عن عكرمة وأبي صالح وسعيد بن جبير - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - من قولهم: وأما الرواية عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فغريب. م: (والمراد موضعهما) ش: أي موضع الكحل والخاتم كما قلنا من قبيل ذكر الحال وإرادة المحل م: (وهو الوجه والكف) ش: أي موضع الكحل هو الوجه، وموضع الخاتم الكف. م: (كما أن المراد بالزينة المذكورة موضعها) ش: أراد بالمذكورة في قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] كما ذكرناه. م: (ولأن في إبداء الوجه) ش: أي في إظهارهما وهذا دليل معقول م: (والكف ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال أخذا وإعطاء) ش: أي من حيث الأخذ ومن حيث الإعطاء م: (وغير ذلك) ش: مثل كشف وجهها عند الشهادة، وعند المعرض لمن يريد نكاحها، وعند المحاكمة. ومثل كشف الكفين عند الخبز ونحوه. ولو استدل في ذلك بالحديث المرفوع لكان أولى وأحسن وهو ما رواه أبو داود في "سننه" بإسناده إلى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أن أسماء بنت أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - دخلت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: "يا أسماء إذا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 129 وهذا تنصيص على أنه لا يباح النظر إلى قدمها. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يباح؛ لأن فيه بعض الضرورة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يباح النظر إلى ذراعيها أيضا؛ لأنه قد يبدو منها عادة. قال: فإن كان لا يأمن الشهوة لا ينظر إلى وجهها   [البناية] بلغت المرأة المحيض لا يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا» وأشار إلى وجهه وكفه. وأخرجه البيهقي أيضا في "سننه". م: (وهذا تنصيص على أنه لا يباح النظر إلى قدمها) ش: أراد به أن ما روي عن علي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - تنصيص على عدم إباحة النظر إلى قدمي الأجنبية. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يباح؛ لأن فيه بعض الضرورة) ش: هذه رواية ابن شجاع عن أبي حنيفة؛ لأن القدم موضع الزينة الظاهرة. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يباح النظر إلى ذراعيها أيضا؛ لأنه قد يبدو منها عادة) ش: خصوصا إذا جردت نفسها للخبز والطبخ، ذكره شمس الأئمة البيهقي في "كفايته". م: (قال: فإن كان لا يأمن الشهوة لا ينظر إلى وجهها) ش: أي قال القدوري والحاصل أن الذي ذكره من جواز النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها إذا أمن الشهوة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] ، وأما إذا لم يأمن الشهوة لم يجز النظر إلى وجهها أيضا ولا إلى كفيها. والدليل على ما رواه البخاري ومسلم -رحمهما الله- عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: رأيت أسسه باللمم. قال أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنى العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه» . وأخرج مسلم وأبو داود -رحمهما الله- من حديث أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، يدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليدان زناهما البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذب» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 130 إلا لحاجة لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من نظر إلى محاسن امرأة أجنبية عن شهوة صب في عينيه الآنك يوم القيامة» . فإن خاف الشهوة لم ينظر من غير حاجة تحرزا عن المحرم، وقوله: لا يأمن يدل على أنه لا يباح إذا شك في الاشتهاء كما إذا علم أو كان أكبر رأيه ذلك، ولا يحل أن يمس وجهها ولا كفها وإن كان يأمن الشهوة لقيام المحمر وانعدام الضرورة والبلوى بخلاف النظر؛ لأن فيه بلوى   [البناية] م: (إلا لحاجة) ش: كالشهادة وحكم الحاكم والتزويج، فعند هذه الأشياء يباح النظر إلى وجهها، وإن يخاف الشهوة للضرورة. وقال الحاكم - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه ينظر إلى الوجه والكف منها ما أمن الشهوة فإذا أشقها لم ينظر إلا أن يكون دعي إلى شهادة عليها وأراد تزويجا وكان حاكما فينظر ليخبر إقرارها وتشهد الشهود على معرفتها، فلا بأس بالنظر إليهما وهذه المواضع م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من نظر إلى محاسن امرأة أجنبية عن شهوة صب في عينيه الآنك يوم القيامة» ش: هذا الحديث أخرجه شمس الأئمة الحلواني في شرح "الكافي " ولكنه غير صحيح والمعروف: «من استمع إلى حديث قوم له كارهون صب في أذنيه الأنك يوم القيامة» أخرجه البخاري في "صحيحه " في كتاب التعبير، وعن أيوب السجستاني، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعا: «من تحكم بحكم لم يره كلف أن يعقد بين شعر بير ولن يفعل، ومن استمع إلى قوم وهم له كارهون أو يفرون منه صب في أذنيه الآنك يوم القيامة، ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ» . قوله محاسن: جمع حسن ضد القبح على خلاف القياس وكأنه جمع محسن والأنك بفتح الهمزة وضم النون وفي آخره كاف وهو: الأشرب. قال الجوهري وأفعل من ألسنة الجمع ولم يجيء عليه الواحد الأنك وفيه نظر. م: (فإن خاف الشهوة لم ينظر من غير حاجة تحرزا عن المحرم) ش: أي لأجل الاحتراز عن الوقوع في المحرم م: (قوله: لا يأمن يدل على أنه لا يباح إذا شك في الاشتهاء) ش: أي قال القدوري: فإن كان لا يأمن الشهوة يدل على أن النظر إلى وجهها لا يباح إذا شك في الشهوة م: (كما إذا علم) ش: أي كما إذا تيقن وجود الشهوة، م: (أو كان أكبر رأيه ذلك) ش: أي وجود الشهوة. م: (ولا يحل أن يمس وجهها ولا كفها وإن كان يأمن الشهوة لقيام المحرم) ش: وهو النص على ما يأتي م: (وانعدام الضرورة والبلوى) ش: في مس وجهها وكفيها؛ لأنه أبيح النظر إلى الوجه والكف لدفع الحرج، ولا حرج في ترك مسها فبقي على أصل القياس م: (بخلاف النظر؛ لأن فيه بلوى) ش: وهي الحاجة إليه كما ذكرنا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 131 والمحرم قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من مس كف امرأة ليس منها بسبيل وضع على كفه جمرة يوم القيامة» ، وهذا إذا كانت شابة تشتهى، أما إذا كانت عجوزا لا تشتهى، فلا بأس بمصافحتها ولمس يدها؛ لانعدام خوف الفتنة.   [البناية] [مصافحة العجوز التي لا تشتهى ولمس يدها] م: (والمحرم) ش: -بكسر الراء- أراد به المحرم الذي قال في قوله لقيام المحرم م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من مس كف امرأة ليس منها بسبيل وضع على كفه جمرة يوم القيامة» ش: وهذا لم يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يذكره أحد من أرباب الصحاح والحسان. م: (وهذا إذا كانت شابة تشتهى) ش: أي هذا الذي ذكرنا من حرمة وجه الأجنبية وكفيها إذا كانت شابة تشتهي منها الرجال، م: (أما إذا كانت عجوزا لا تشتهى فلا بأس بمصافحتها ولمس يدها لانعدام خوف الفتنة) ش: قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن قلت هذا تعليل في مقابلة النص وهو ما ذكرناه في الكتاب من مس كف امرأة. الحديث. قلت: المرأة أمرة تدعو النفس إلى مسها أما إذا هربت العين من رؤيتها واترادى يجد الحاثر من لعابها فلا إثم. ثم قال: أباح للرجال المس هنا إذا كانت عجوزا ولم يشترط كون المساس لا يجامع مثله ولا يشتهى مثله. وقد ذكر مثل هذا ووضع المسألة فيما إذا كانت المرأة هي الماسة لما فوق الإزار فقال: إن كانت المرأة عجوزا لا تجامع مثلها والرجل شيخ كبير لا يجامع مثله لا بأس فالمصافحة حينئذ. فصار في المسألة روايتان، في رواية: أباح المصافحة إذا لم يشته أحدهما، وفي رواية: يشترط أن يكون كل واحد منهما لا يشتهي. وجه الأولى: أن العجوز ألحقت بالصغيرة ويجوز مصافحتها وإن اشتهى الماس. وجه الأخرى: وهو الفرق بينهما أن أحد المصافحين إذا كان صغيرا لا تؤدي المصافحة، إلى الاشتهاء من الجانبين، أما في حق البالغ فلأنه غير بالغ مسته وأما في حق الصغيرة فلأنها لا تعلم الاشتهاء. أما إذا كان بالغين فالشاب إن لم يشته بمس العجوز فهي تشتهي بمس الشاب؛ لأنها قد علمت بذلك فتؤدي إلى الاشتهاء وهو حرام ما يؤدي إليه كذلك. ثم قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقد كنت سمعت من بعض أساتذتنا طيب الله ثراه أبياتا يليق استشهادها في هذا الموضع فأوردتها تذكرة، طيب الله مرقد الماضين آمين (شعر) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 132 وقد روي أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يدخل بعض القبائل التي كان مسترضعا فيهم، وكان يصافح العجائز. وعبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استأجر عجوزا لتمرضه، وكانت تغمز رجليه وتفلي رأسه. وكذا إذا كان شيخا يأمن على نفسه وعليها   [البناية] وهي عجوز ترجى أن تكون فتنة ... وقد يبس الجنبان واحتدب الظهر تروح إلى العطار تبغي شبابها ... وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر وما غرني إلا خضاب بكفها ... وكحل بعينيها وأثوابها الصفر بنيت بها قبل المحاق بليلة ... فصار محاق كله ذلك الشهر قلت: هذا الذي ذكره تاج الشريعة كله من " المبسوط " و " الذخيرة ". م: (وقد روي أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يدخل بعض القبائل التي كان مسترضعا فيهم وكان يصافح العجائز) ش: هذا غريب لم يثبت وإنما الذي روي عن أبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: أنهما كانا يزوران أم أيمن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكانت حاضنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رواه البيهقي وغيره. م: (وعبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استأجر عجوزا لتمرضه وكانت تغمز رجليه وتفلي رأسه) ش: هذا أيضا غريب لم يثبت قوله تمرضه من التمريض يقال: مرضه أي قام عليه في مرضه. قوله: تفلي من فلى رأسه تفلي إذا أخذ القمل منه وفلى يفلو أيضا وفليت الشعر إذا تدبرته واستخرجت معائنه والمناسب هنا أن يكون قوله تفلي رأسه من المعنى الثاني على معنى أنها كانت تدبر شعر ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتصلحه وتدهنه وتسرحه لأن هذا هو المناسب بحاله؛ لأنه كان ملكا ادعى الخلافة بأرض الحجاز فمن كانت هذه صفته لا تقمل رأسه فافهم. م: (وكذا إذا كان شيخا يأمن على نفسه وعليها) ش: أي وكذا لا بأس بمصافحتها إذا كان الرجل شيخا كبيرا يأمن على نفسه وعلى نفس المرأة؛ لأن الشيخ الكبير لم يبق له إربة كالصغير. قال سبحانه وتعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور: 31] . وروى البيهقي في "سننه " عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: هو الرجل يتبع القوم وهو مغفل في غفلة لا يكترث النساء ولا يشتهيهن. وروي عن التيمي أنه قال: هو الذي ليس له إرب أي حاجة في النساء. ولا شك أن الشيخ الكبير ليس له إرب في النساء كما قلنا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 133 لما قلنا، وإن كان لا يأمن عليها لا تحل مصافحتها لما فيه من التعريض للفتنة. والصغيرة إذا كانت لا تشتهى يباح مسها والنظر إليها لعدم خوف الفتنة. قال: ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها، وللشاهد إذا أراد الشهادة عليها النظر إلى وجهها، وإن خاف أن يشتهي للحاجة إلى إحياء حقوق الناس بواسطة القضاء وأداء الشهادة، ولكن ينبغي أن يقصد به أداء الشهادة أو الحكم عليها لا قضاء الشهوة تحرزا عما يمكنه التحرز عنه، وهو قصد القبيح،   [البناية] م: (لما قلنا) ش: أراد به قوله: لانعدام خوف الفتنة م: (وإن كان لا يأمن عليها لا تحل مصافحتها لما فيه من التعريض للفتنة. والصغيرة إذا كانت لا تشتهى يباح مسها والنظر إليها لعدم خوف الفتنة) ش: لأنه ليس لبدنها حكم العورة، ولأن العادة ترك التكليف بستر عورتها إن لم تبلغ حد الشهوة كذا في " المبسوط ". فإن قلت: ما حكم الأمر؟ وقلت: روى البيهقي عن بقية من الوصيين عن بعض المشيخة قال: يكره أن يحد النظر إلى الغلام الأمرد الجميل الوجه، وقد روي هذا عن بقية الوازع وهو ضعيف عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا والمشهور بقية عن الوصيين. وقد روى أبو حفص الطحان في معناه حديثا موضوعا عن الثوري عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا، قال البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفتنة الأمرد ظاهرة لا يحتاج إلى خبر، وقد أفتى الشيخ محيي الدين النووي بمنع النظر إليه سواء كان بشهوة أو بغير شهوة. وبعضهم فصلوا فقالوا: إن كان بشهوة لا يباح وإن كان بغير شهوة فلا بأس. قلت: الأولى في هذا الزمان أن يفتي بقول الشيخ محيي الدين لظهور الفسق والشناعة بين الناس. وذكر في " فتاوى الإمام ناصر الحسامي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ": الغلام إذا بلغ مبلغ الرجال ولم يكن صبيحا فحكمه حكم الرجال وإن كان صبيحا فحكمه حكم النساء وهو عورة من قرنه إلى قدمه. قال العبد الضعيف: لا يحل النظر إليه عن شهوة فأما الخلوة به والنظر إليه لا عن شهوة لا بأس به ولهذا لم يأمر بالتقارب. [نظر القاضي للمرأة للحكم عليها] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها، وللشاهد إذا أراد الشهادة عليها النظر إلى وجهها، وإن خاف أن يشتهي للحاجة إلى إحياء حقوق الناس بواسطة القضاء وأداء الشهادة، ولكن ينبغي أن يقصد به أداء الشهادة أو الحكم عليها لا قضاء الشهوة تحرزا عما يمكنه التحرز عنه، وهو قصد القبيح) ش: هذا كالظاهر، وهكذا كما يجوز للشهود النظر إلى الصورة عند الزنا ليقيموا الشهادة وكما يجوز للمسلمين أن يرموا صبيان المسلمين وأسرابهم الجزء: 12 ¦ الصفحة: 134 وأما النظر لتحمل الشهادة إذا اشتهى، قيل: يباح، والأصح: أنه لا يباح؛ لأنه يوجد من لا يشتهي فلا ضرورة بخلاف حالة الأداء. ، ومن أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس بأن ينظر إليها وإن علم أنه يشتهيها لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيه: «أبصرها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» .   [البناية] إذا اندس بهم الكفار ولكن يقصدون المشركين وإن علموا أنه يصيب المسلمين. م: (وأما النظر لتحمل الشهادة إذا اشتهى، قيل: يباح) ش: ولكن يقصد عمل الشهادة لا قضاء الشهوة كشهود الزنا م: (والأصح: أنه لا يباح؛ لأنه يوجد من لا يشتهي فلا ضرورة بخلاف حالة الأداء) ش: لأنه التزم هذه الأمانة بالتحمل وهو متعين لأدائها. [نظر الخاطب] م: (ومن أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس بأن ينظر إليها وإن علم أنه يشتهيها لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيه: «أبصرها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» ش: هذا الحديث أخرجه الترمذي في النكاح عن عاصم بن سليمان، عن أبي بكر بن عبد الله المزني، «عن المغيرة بن شعبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه خطب امرأة فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» وقال الترمذي: حديث حسن. قوله أبصرها: الخطاب للمغيرة بن شعبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو أمر من أبصر يبصر إبصارا أي أنظرها، وهكذا هو في رواية الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي رواية الزمخشري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الفائق ": «لو نظرت إلهيا فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» . والضمير فإنه يرجع إلى الإبصار الذي دل عليه قوله أبصرها، كما في قَوْله تَعَالَى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] أي العدل أقرب. قوله: أن يؤدم: أصله بأن يؤدم، فحذفت الباء وحذفها مع أن كثير، والمعنى فإن الإبصار أحرى أي أولى بالمؤادمة منكما، أي بالموافقة، من أدم الطعام إذا أصلحه بالإدام وجعله موافقا للطعام. وأن مصدرية فكذلك أولت الوادم بالمؤادمة ويجوز أن يكون الضمير فإنه للشأن، وعلى التقديرين: الضمير اسم أن، وقوله أحرى أن يؤدم خبرها فتكون هذه الجملة محلها الرفع. وعلى رواية" الفائق ": أو بمعنى ليت فلذلك دخلت الفاء في جوابها كأنه قيل ليت ليتك نظرت إليها، والغرض الحث على النظر، والله سبحانه وتعالى أعلم. ولما أخرج الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا الحديث قال: وفي الباب عن أبي هريرة وجابر وأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ومحمد بن سلمة وأبي جند. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 135 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: أما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم عن أبي هريرة قال: «خطب رجل امرأة من الأنصار فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اذهب فانظر إلهيا فإن في أعين الأنصار شيئا» . وأما حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه أبو داود من طريق ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن واقد بن عبد الرحمن، «عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل" فخطبت جارية فكنت أتخفى لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها» . قال ابن القطان: هذا حديث لا يصح فإن واقدا هذا لا يعرف حاله، وواقد المعروف إنما هو واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ أبو عبد الله الأنصاري الأشهلي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الذي يروي عنه يحيى بن سعيد وداود بن الحصين ومحمد بن زياد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وغيرهم من المدنيين. وروى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن يحيى بن سعيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه وهدمه في ثقة، قاله أبو زرعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأما واقد بن عبد الرحمن فلا أعرفه. وأما حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه ابن حبان في "صحيحه "، والحاكم في "مستدركه "، وقال: على شرط الشيخين وأحمد والبزار وأبو يعلى الموصلي وعبد بن حميد والدارمي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في "مسانيدهم". والطبراني في "معجمه " والدارقطني في "سننه "، كلهم من طريق عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن ثابت عن أنس: «أن المغيرة بن شعبة خطب امرأة فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» . وأما حديث محمد بن سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه ابن حبان في "صحيحه "، أخبرنا أبو يعلى، حدثنا محمد بن حازم «عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة عن عمه محمد بن سلمة - الجزء: 12 ¦ الصفحة: 136 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: خطب امرأة فجعلت أتخفى إليها حتى نظرت إليها في نخل فقيل له: أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إذا ألقى الله في قلب امرئ منكم خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها» . وأخرج الحاكم من حديث إبراهيم بن صرمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة [عن عمه سهل بن أبي حثمة] قال: " كنت جالسا مع محمد بن سلمة فمرت ابنة الضحاك فجعل يطاردها ببصره ". الحديث. وقال: هذا حديث غريب وإبراهيم بن صرمة ضعفه الدارقطني. وأخرج البيهقي من حديث أبي شهاب عبد ربه عن حجاج عن ابن أبي مليكة، عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة عن عمه سهل بن أبي حثمة، قال: رأيت محمد بن سلمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يطارد امرأة ببصره على إجار يقال لها: ثبيتة بنت الضحاك أخت أبي جبيرة. الحديث. وقال الذهبي في "مختصره ": حجاج لين، وإسناده مختلف فيه، وأخرجه ابن ماجه عن الحجاج بن أرطاة عن محمد بن سليمان، الحديث. ورواه أحمد وإسحاق بن راهويه وأبو داود الطيالسي في مسانيدهم وابن أبي شيبة، وعبد الرزاق في "مصنفيهما" في اسم المرأة، في " مسند أحمد ": نبيهة بنت الضحاك وسماها عند ابن أبي شيبة نبيشة، كما سماها في " مسند البيهقي "، وفي نسخة أخرى: بثنية. وأما حديث أبي حميد فأخرجه الطبراني في "معجمه "، حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا زهير بن معاوية، حدثنا عبد الله بن عيسى، عن موسى بن عبد الله بن يزيد، عن أبي حميد الساعدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها للخطبة» . ورواه إسحاق بن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 137 ولأن مقصوده إقامة السنة لا قضاء الشهوة. ويجوز للطبيب أن ينظر إلى موضع المرض منها للضرورة، وينبغي أن يعلم امرأة مداواتها؛ لأن نظر الجنس إلى الجنس أسهل فإن لم يقدروا يستر كل عضو منها سوى موضع المرض ثم ينظر ويغض بصره ما استطاع؛ لأن ما ثبت بالضرورة يتقدر بقدرها   [البناية] راهويه في "مسنده " من حديث عبد الله بن عيسى الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (ولأن مقصوده إقامة السنة لا قضاء الشهوة) ش: فيعتبر المقصود وهو إقامة النكاح المسنون لا قضاء الشهوة النهي المحرم. [نظر الطبيب للمرأة الأجنبية] م: (ويجوز للطبيب أن ينظر إلى موضع المرض منها) ش: أي من المرأة م: (للضرورة) ش: لأن للضرورة تأثير في إباحة المحرمات بدليل إباحة الميتة والخمر عند الضرورة وخشية التلف م: (وينبغي أن يعلم المرأة مداواتها؛ لأن نظر الجنس إلى الجنس أسهل فإن لم يقدروا يستر كل عضو منها سوى موضع المرض ثم ينظر ويغض بصره ما استطاع؛ لأن ما ثبت بالضرورة يتقدر بقدرها) ش: أي يتعذر بالضرورة أراد بأن يكون بقدر الضرورة ولا يتجاوز عنها لاندفاع الحاجة بقدرها. وفي " فتاوى الولوالجي ": لا يحل النظر إلى ما تحت السرة إلى الركبة من الرجل والمرأة لأحد من غير عذر، فإذا جاء العذر حل النظر. والأعذار: منها حالة الولادة فلا بأس للقابلة أن تنظر إلى فرجها. ومنها حالة الاختتان: للرجل أن ينظر من الرجل موضع الاختتان منه عند الحاجة. ومنها: إذا أصابه قولنج واحتيج إلى حقنه. ومنها: إذا أصاب امرأة قرحة في موضع لا يحل للرجال أن ينظر إليها وعملت المرأة ذلك لتداويها وإن لم تعلم أو لم يجدوا امرأة وخافوا عليها أن تهلك أو يصيبها بلاء، أو دخل من ذلك وجع لا تتحمله، ولم يكن للعلاج بد من الرجل، يباح للرجل أن ينظر لكن يستر منها كل شيء إلا موضع القرحة؛ لأن الضرورة تندفع بها وسواء فيها ذات المحرم وغيرها. ومنها: امرأة العنين إذا قالت بعد سنة: لم يصل إلي وأنا بكر، فالقاضي يريها النساء. ومنها: رجل اشترى جارية على أنها بكر فقبضها فقال: وجدتها ثيبة فأراد ردها على البائع بيمينه على أنه باعها وسلمها وهي بكر، نظر إليها النساء، فإن قلن: إنها بكر فلا يمين على البائع، وإن قلن: هي ثيب استحلف البائع على أنه باعها وسلمها وهي بكر فإن حلف لم ترد عليه. وقال شيخ الإسلام الأسبيجابي في " شرح الكافي ": قال بعض مشائخنا: هذا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 138 وصار كنظر الخافضة والختان وكذا يجوز للرجل النظر إلى موضع الاحتقان من الرجل؛ لأنه مداواة ويجوز للمرض. وكذا للهزال الفاحش على ما روي عن أبي يوسف؛   [البناية] الجواب إنما يستقيم فيما إذا اختلفا قبل القبض، أما بعده فلا؛ لأنه يجعل زوال البكارة عند المشتري فلا فائدة في أن ترى النساء إن وقع الاختلاف بعد القبض؛ لأنه يحتاج إلى توجيه الخصومة، ولا يمكن من ذلك إلا بعد ظهور الحال فكان في إرائه فائدة. م: (وصار كنظر الخافضة والختان) ش: إليه يعني صار نظر الطبيب إلى موضع لا يحل النظر إليها كنظر الخافضة والختان إليه، أي إلى ما لا يجوز النظر إليه كالعورة الغليظة فإن النظر إليها لا يجوز إلا في حالة العذر، والختان عذر؛ لأنه سنة مؤكدة من شعائر الإسلام لا يجوز تركها في حق الرجل والمرأة جميعا، فكذا نظر الطبيب لأجل العذر. والخافضة فاعلة من الخفض وهو قطع بظر المرأة كالختان في حق الرجل، وهو قطع جلدة الحشفة، يقال امرأة مخفوضة ورجل مختون. [النظر إلى موضع الاحتقان من الرجل] م: (وكذا يجوز للرجل النظر إلى موضع الاحتقان من الرجل؛ لأنه مداواة) ش: أي لأن الاحتقان مداواة يحصل بها إسهال الفضلات والإخلاطة الروية وإذا جاز الاحتقان يجوز للحاقن النظر إلى موضع الاحتقان. م: (ويجوز للمرض) ش: أي يجوز الاحتقان لأجل المرض م: (وكذا للهزال الفاحش) ش: أي وكذا يجوز الاحتقان للهزال الفاحش؛ لأن آخره الدق م: (على ما روي عن أبي يوسف) ش: احترز به عما روي عن شمس الأئمة الحلواني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الحقنة إنما تجوز إذا كان يخشى من الهزال المتلو وإلا فلا. وفي " الكافي ": والصحيح ما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه نوع مرض يكون آخره الدق والسل. وقال الحلواني: فلو كان في الحقنة منفعة ولا ضرورة فيها بأن يتقوى على الإجماع لا يحل عندنا. وذكر أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد بن مقاتل: أنه لا بأس أن يتولى صاحب الحمام عورة إنسان بيده عند التنوير إذا كان يغض بصره. كما أنه لا بأس به إذا كان يداوي جرحا أو قرحا. قال أبو الليث: هذا في حالة الضرورة وينبغي لكل أحد أن يتولى عانته إذا تنور، كذا في " الذخيرة ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 139 لأنه إمارة المرض. قال: وينظر الرجل من الرجل إلى جميع بدنه إلا إلى ما بين سرته إلى ركبته؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام ُ -: «عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته".» ويروى: «ما دون سرته حتى يجاوز ركبتيه» وبهذا ثبت أن السرة ليست بعورة، خلافا لما يقوله أبو عصمة   [البناية] م: (لأنه إمارة مرض) ش: أي لأن الهزال علامة المرض وهو السل كما ذكرنا. [ما ينظر إليه الرجل من الرجل] م: (قال: وينظر الرجل من الرجل إلى جميع بدنه إلا إلى ما بين سرته إلى ركبته) ش: أي قال القدوري وقال الكرخي -رحمهما الله- في "مختصره ": لا ينبغي أن ينظر الرجل من الرجل إلى ما بين سرته وركبته ولا بأس أن ينظر إلى سرته، ويكره النظر منه إلى الركبة. وكذلك المرأة من المرأة. وبلغنا عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: أنه كان إذا ائتزر أبدى عن سرته، انتهى. وقال أبو القاسم بن الجلاب المالكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " التفريع ": وعورة الرجل فرجاه وفخذاه ويستحب له أن يستر من سرته وركبتيه. وقال في " وجيز الشافعية ": وعورة الرجل ما بين السرة والركبة م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته» . ش: وروى الدارقطني في "سننه " عن يوسف بن يعقوب بن بهلول: حدثنا جدي عن أبيه، عن سعيد بن راشد، عن عباد بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي أيوب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «ما في الركبتين من العورة، وما أسفل من السرة من العورة» . وسعيد بن راشد ضعيف. م: (ويروى: ما دون سرته حتى يجاوز ركبته) ش: وهذه الرواية إن صحت تدل على أن كلمة "إلى" في الرواية السابقة بمعنى مع عملا بالحديثين مم: (وبهذا) ش: أي بالحديث المذكور م: (ثبت أن السرة ليست بعورة) ش: لأن في كل واحدة من الروايتين يكون ابتداء العورة من تحت السرة، فتكون السرة خارجة من العورة م: (خلافا لما يقوله أبو عصمة) ش: وهو سعد بن معاذ المروزي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من كبار أصحابنا. وقد قال أبو عصمة: السرة عورة؛ لأنها حد إحدى العورة فيكون من العورة كالركبة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 140 والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والركبة عورة خلافا لما قاله الشافعي، والفخذ عورة خلافا لأصحاب الظواهر. وما دون السرة إلى منبت الشعر عورة خلافا لما يقوله الإمام أبو بكر محمد بن الفضل الكماري - رَحِمَهُ اللَّهُ - معتمدا فيه العادة؛ لأنه لا معتبر بها مع النص بخلافه.   [البناية] م: (والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: بالرفع عطفا على أبي عصمة، أي وخلافا لما يقوله الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا كما يقول أبو عصمة. قيل: عطف الشافعي على أبي عصمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - غير مستقيم؛ لأن هذا التعليل إنما يستقيم على قول من يقول الركبة عورة وهو لا يقول به. وهذا ساقط؛ لأن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يعلل بهذا التعليل في هذا الكتاب، وإنما ذكر المذهب فيجوز أن يكون مذهبهما واحدا والمأخذ متعددا فالمذكور يكون تعليلا لأبي عصمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وتعليل الشافعي غير ذلك وهي أن السرة محل الاشتهاء. [عورة الرجل] م: (والركبة عورة خلافا لما قاله الشافعي) ش: فإنه يقول: الركبة ليست بعورة واستدل بما روي عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «ما أبدى ركبة بين جليس قط» إنما قصد بهذا ذكر الشمائل، فلو كانت الركبة عورة لم يكن هذا من الشمائل؛ لأن ستر العورة فرض على كل أحد. [والفخذ هل تعتبر عورة أم لا] م: (والفخذ عورة خلافا لأصحاب الظواهر) ش: فإنهم قالوا: الفخذ ليس بعورة واستدلوا بقوله سبحانه وتعالى: {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [الأعراف: 22] ، والمراد منها العورة الغليظة. م: (وما دون السرة إلى منبت الشعر عورة خلافا لما يقوله الإمام أبو بكر محمد بن الفضل الكماري - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه يقول: ما دون السرة إلى منبت شعر العانة ليس بعورة، إنما قال ذلك حال كونه م: (معتمدا فيه العادة) ش: لأن الإزار قد ينحط في العمل إلى ذلك الموضع إن كان فيه ضرورة فأبيح النظر إلى ذلك للتعامل. وكما روي: -بضم الكاف وتخفيف الميم بعدها ألف ساكنة-، وهو اسم قرية ببخارى نسب إليها الإمام المذكور أبو بكر. لأنه لا يعبر بها مع النص بخلافه. هذا جواب عما يقوله الإمام أبو بكر المذكور ويتعلق بقوله ودون السرة إلى منبت الشعر عورة م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن لا اعتبار بالعادة مع وجود النص بخلافها، وفي بعض النسخ؛ لأنها أي لأن العادة م: (لا معتبر بها مع النص بخلافه) ش: والمعتبر -بضم الميم-، مصدر ميمي بمعنى الاعتبار. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 141 وقد روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه قال: «الركبة من العورة» ، وأبدى الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سرته فقبلها أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال لجرهد: «وار فخذك، أما علمت أن الفخذ عورة» .   [البناية] م: (وقد روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه قال: «الركبة من العورة» ش: هذا جواب على قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ودليل على كون الركبة عورة، ولكن الحديث غريب لم يثبت عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنما روي من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عند الدارقطني وفيه ضعيف أيضا وقد تقدم في شروط الصلاة. م: (وأبدى الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سرته فقبلها أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: هذا بقوله جواب عما يقوله أبو عصمة والشافعي والحديث أخرجه أحمد في "مسنده "، وابن حبان في "صحيحه "، والبيهقي في "سننه " عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق، قال: كنت أمشي مع الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - في بعض طرق المدينة فلقينا أبو هريرة فقال للحسن. اكشف لي عن بطنك -جعلت فداك- حتى أقبل حيث رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبله. قال: وكشف عن بطنه فقبل سرته ولو كانت من العورة ما كشفها، انتهى. وكذا رواه ابن أبي شيبة في "مسنده " وفي " معجم الطبراني " خلاف هذا، حدثنا أبو مسلم الكشي، حدثنا أبو عاصم عن أبي عون عن عمير بن إسحاق: أن أبا هريرة لقي الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فقال له: ارفع ثوبك حتى أقبل حيث رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبل، فرفع عن بطنه ووضع يده على سرته. م: «وقال لجرهد: وار فخذك، أما علمت أن الفخذ عورة» ش: هذا جواب عن قول أهل الظاهر. والحديث أخرجه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الحمام" من طريق مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي النظر عن زرعة «عن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه قال: كان جرهد من أصحاب الصفة أنه قال: جلس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عندنا وفخذي منكشفة فقال: "أما علمت أن الفخذ عورة» . وأخرج الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الاستئذان". عن سفيان، عن أبي النضر، عن زرعة بن مسلم بن جرهد عن جده جرهد قال: «مر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بجرهد في المسجد، وقد انكشف فخذه فقال: "إن الفخذ عورة» وقال: حديث حسن وما أرى إسناده بمتصل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 142 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ثم أخرجه عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن أبي الزناد قال: «أخبرنا ابن جرهد عن أبيه: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر به وهو كاشف عن فخذه فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "غط فخذك فإنها من العورة» . وقال أيضا: حديث حسن، ثم أخرجه عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عبد الله بن جرهد الأسلمي عن أبيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الفخذ عورة» وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه. وبسند أبي داود رواه أحمد في " مسنده " وابن حبان في " صحيحه "، وزرعة بن عبد الرحمن بن جرهد الأسلمي وثقه النسائي وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: من زعم أنه زرعة بن مسلم بن جرهد فقد وهم، ورواه الدارقطني في "سننه في آخر الطهارة " من حديث سفيان بن عيينة عن أبي الزناد، وحدثني آل جرهد عن مجاهد. ورواه الحاكم في " المستدرك "في كتاب "اللباس " عن سفيان عن سالم بن أبي النضر عن زرعة بن مسلم بن جرهد عن جده جرهد فذكره وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال ابن القطان في "كتابه ": وحديث جرهد له علتان: إحداهما: الاضطراب المؤدي لسقوط الثقة به وذلك أنهم يختلفون فيه، فمنهم من يقول: زرعة بن عبد الرحمن، ومنهم من يقول: زرعة بن عبد الله، ومنهم من يقول: زرعة بن مسلم، ثم من هؤلاء من يقول: عن أبيه، عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومنهم من يقول: عن أبيه عن جرهد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومنهم من يقول: زرعة عن آل جرهد عن جرهد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: وإن كنت لا أرى الاضطراب في الإسناد علة فإنما ذلك إذا كان من يدور عليه الحديث ثقة، فحينئذ لا يضره اختلاف الثقة فيه إلى مرسل ومسند، أو رافع وواقف، أو واصل وقاطع. وأما إذا كان الذي اضطرب عليه الحديث غير ثقة أو غير معروف فالاضطراب يوهنه أو يزيده وهنا وهذه حال هذا الخبر. والعلة الثانية: أن زرعة وأباه غير معروفي الحال ولا مشهوري الرواية، انتهى. قلت: قال البيهقي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذه أسانيد صحيحة. وقال الذهبي في "مختصره " لا تصل إلى الصحة بل هي صالحة الحجر بانضمام بعضها إلى بعض. فإن قلت: قد قال القاضي علاء الدين في " الجواهر ": النفي في حديث جرهد ثلاث علل، أحدها: أن في سنده اضطراب وقد بينه ابن القطان، والثانية: أن زرعة مجهول الحال، والثالثة: أن الترمذي أخرجه ثم قال ما أرى إسناده متصل. قلت: الجواب ما قاله الذهبي الذي ذكرناه الآن على أن في هذا الباب أحاديث أخرى. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 143 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] منها: ما أخرجه أبو داود عن حجاج عن ابن جريج قال: أخبرت عن حبيب عن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تكشف فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت» . وقال أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث فيه نكارة، وأخرجه ابن ماجه في "الجنائز" عن زوج ابن عبادة، عن ابن جريج، عن حبيب به. وقال الشيخ في " الإمام ": ورواية أبي داود تقتضي أن ابن جريج لم يسمعه من حبيب وأن بينهما رجلا مجهولا، انتهى. ورواه الحاكم في "مستدركه في اللباس" وسكت عنه، ورواه الدارقطني في "سننه " في آخر الصلاة، وفيه: أخبرني حبيب بن أبي ثابت. وقال ابن القطان في "كتابه ": وقد ضعف أبو حاتم هذا الحديث في "علله". وقال: إن ابن جريج لم يسمعه من حبيب ولا حبيب من عاصم، وعاصم وثقة العجلي وابن المديني وابن معين. وقال النسائي: ليس به بأس وتكلم فيه ابن عدي وابن حبان -رحمهما الله. ومنها: ما أخرجه الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن إسرائيل، عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الفخذ عورة» . وقال: حديث حسن غريب. وأخرجه الحاكم في " المستدرك " ولفظه: قال: «مر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على رجل فرأى فخذه مكشوفة فقال: "غط فخذك فإن فخذ الرجل من عورته» . وسكت عنه. وقال ابن القطان في "كتابه ": وأبو يحيى القتات اختلف في اسمه فقيل: زاذان، وقيل: دينار، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: غير ذلك، ضعفه شريك، ويحيى في رواية، ووثقه في رواية أخرى وقال: أحمد روى عنه إسرائيل أحاديث كثيرة مناكير جدا. وقال النسائي: ليس الجزء: 12 ¦ الصفحة: 144 ولأن الركبة ملتقى عظم الفخذ والساق، فاجتمع المحرم والمبيح، وفي مثله يغلب المحرم، وحكم العورة في الركبة أخف منه في الفخذ، وفي الفخذ أخف منه في السوءة، حتى إن كاشف الركبة ينكر عليه برفق، وكاشف الفخذ يعنف عليه،   [البناية] بالقوي، وقال ابن حبان: فحش خطؤه وكثر وهمه حتى سلك غير مسلك العدول في الروايات. ورواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مسنده "، والبيهقي في "سننه " والطبراني في "معجمه ". ومنها: ما أخرجه أحمد في "مسنده ": حدثنا هشيم، حدثنا حفص بن ميسرة، عن العلاء بن عبد الرحمن بن أبي كثير مولى محمد بن عبد الرحمن بن جحش «عن محمد بن عبد الله بن جحش قال: كنت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمر على معمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو جالس على باب داره وفخذه مكشوفة فقال: "يا معمر غط فخذك؛ فإن الفخذ عورة» وهذا مسند صالح، ورواه الطبراني في "معجمه " في ست طرق دائرة على العلاء، ورواه الطحاوي، وصححه، ورواه الحاكم في "المستدرك " في "الفضائل" وسكت عنه. ورواه البخاري في "تاريخه الكبير ". فإن قلت: يخالف هذه كلها ما رواه البخاري في "صحيحه "، عن عبد العزيز بن صهيب، «عن أنس بن مالك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غزا خيبر، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة فجرى نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في زقاق خيبر ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني أنظر إلى بياض فخذ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما دخل القرية قال: "الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» . قلت: المراد من الحسر الانحسار بغير اختياره لضرورة الجري، والدليل على صحة ذلك ما رواه مسلم - رَحِمَهُ اللَّهُ - بلفظ: فانحسر الإزار. وقال النووي في "الخلاصة ": وهذه الرواية تبين رواية البخاري، أن المراد بالحسر الانحسار بغير اختياره كضرورة الجري، مثل ما قلنا والله سبحانه وتعالى أعلم. م: (ولأن الركبة ملتقى عظم الفخذ والساق، فاجتمع المحرم والمبيح) ش: هذا دليل على أن الركبة عورة، أراد بالمحرم: عظم الفخذ، وبالمبيح: عظم الساق. م: (وفي مثله) ش: أي في مثل اجتماع المحرم والمبيح م: (يغلب المحرم) ش: احتياطا في أمور الدين م: (وحكم العورة في الركبة أخف منه في الفخذ، وفي الفخذ أخف منه في السوءة) ش: أراد بها العورة الغليظة وهي الفرجان. م: (حتى إن كاشف الركبة ينكر عليه برفق) ش: وبين لوجود المعنيين وهما دليل الإباحة ودليل الحظر، م: (وكاشف الفخذ يعنف عليه) ش: أي إن كاشف الفخذ يغلظ عليه في الإنكار، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 145 وكاشف السوءة يؤدب إن لج. وما يباح النظر إليه للرجل من الرجل يباح المس؛ لأنهما فيما ليس بعورة سواء. : ويجوز للمرأة أن تنظر من الرجل إلى ما ينظر الرجل إليه منه إذا أمنت الشهوة . لاستواء الرجل والمرأة في النظر إلى ما ليس بعورة كالثياب والدواب، وفي كتاب الخنثى من "الأصل ": أن نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي بمنزلة نظر الرجل إلى محارمه؛ لأن النظر إلى خلاف الجنس أغلظ، فإن كان في قلبها شهوة أو أكبر رأيها أنها تشتهي أو شكت في ذلك -   [البناية] ولا يضرب إن ألج؛ لوجود الاختلاف، م: (وكاشف السوءة يؤدب إن لج) ش: أي وإن كاشف العورة الغليظة يؤدب بضرب إن علمه ولم يسمع؛ لأن حرمتها يجمع عليه. [ما يباح النظر إليه للرجل من الرجل] م: (وما يباح النظر إليه للرجل من الرجل يباح المس) ش: يعني إذا كان المس بغير شهوة. وبه صرح في " التحفة " م: (لأنهما فيما ليس بعورة سواء) ش: أي لأن النظر والمس فيه سواء فلما يجوز النظر إليه يجوز مسه بغير شهوة. وفي " المجتبى ": اختلف في غمز الرجل فخذ الرجل فوق الإزار قيل: يجوز إذا كان الإزار كشفا، وبه أخذ الحلواني والاحتياط تركه. ومس ما تحت الإزار على ما اعتاد الجهلة في الحمام حرام ولو نظر إلى عورة غيره وهي غير بادية لم يأثم. [ما تنظر إليه المرأة من الرجل الرجل] م: (قال: ويجوز للمرأة أن تنظر من الرجل إلى ما ينظر الرجل إليه منه إذا أمنت الشهوة) ش: أي قال القدوري في "مختصره ": يعني يجوز للمرأة الحرة الأجنبية أن تنظر إلى ما ينظر الرجل إليه منه أي من الرجل، والضمير في إليه يرجع إلى ما في قوله: ما ينظر الرجل، وقيد بقوله: إذا أمنت الشهوة؛ لأنها إذا لم تأمن لم يجز لها النظر إليه. وفي " فتاوى الولوالجي ": أما إذا نظرت إلى الرجل فوقعت في قلبها شهوة أو كان ذلك أكب رأيها أو شكت في ذلك فالمستحب أن تغض بصرها منه. وفي الرجل إذا نظر إلى المرأة فوقع في قلبه شهوة، أو كان ذلك أكبر رأيه، أو شك يحرم عليه النظر، ويجيء الفرق بينهما عن قريب إن شاء الله سبحانه وتعالى. [نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي] م: (لاستواء الرجل والمرأة في النظر إلى ما ليس بعورة) ش: وهذا التعليل خلاف ما ذكر الولوالجي، ويجيء الآن وجه ما ذكره م: (كالثياب والدواب) ش: أي كنظرها إلى الثياب والدواب ونحو ما ليس بعورة، فإن الرجل والمرأة في ذلك متساويان. م: (وفي كتاب الخنثى من " الأصل ") ش: أي " المبسوط " م: (أن نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي بمنزلة نظر الرجل إلى محارمه) ش: يعني لا ينظر إلى ظهره وبطنه م: (لأن النظر إلى خلاف الجنس أغلظ) ش: ألا ترى أنه لا يحل للمرأة غسل الرجل الأجنبي بعد موته ويحل للرجل ذلك. م: (فإن كان في قلبها شهوة أو أكبر رأيها أنها تشتهي أو شكت في ذلك) ش: أي في الاشتهاء والشك الجزء: 12 ¦ الصفحة: 146 يستحب لها أن تغض بصرها. ولو كان الناظر هو الرجل إليها وهو بهذه الصفة لم ينظر، وهذا إشارة إلى التحريم، ووجه الفرق أن الشهوة عليه غالبة، وهو كالمتحقق اعتبارا. فإذا اشتهى الرجل كانت الشهوة موجودة في الجانبين، ولا كذلك إذا اشتهت المرأة؛ لأن الشهوة غير موجودة في جانبه حقيقة واعتبارا، فكانت من جانب واحد، والمتحقق من الجانبين في الإفضاء إلى المحرم أقوى من المتحقق من جانب واحد. قال: وتنظر المرأة من المرأة إلى ما يجوز للرجل أن ينظر إليه من الرجل -   [البناية] استواء الطرفين م: (يستحب لها أن تغض بصرها. ولو كان الناظر هو الرجل إليها وهو بهذه الصفة) ش: أي كان في قلبه شهوة أو كان في أكبر رأيه أنه يشتهي أو شك في الاشتهاء م: (لم ينظر) ش: يعني لا يجوز له النظر إليها. م: (وهذا) ش: وفي بعض النسخ: وهذه، أشار به إلى قوله: لم ينظر م: (إشارة إلى التحريم) ش: أي تحريم نظره إليها في هذه الصورة بخلاف المرأة. م: (ووجه الفرق) ش: أي بين الرجل والمرأة حيث كان النظر إلى الرجل مراما وغض بصرها مستحب هو م: (أن الشهوة عليهن غالبة وهو كالمتحقق اعتبارا) ش: أي الغالب المتحقق من حيث الاعتبار. م: (فإذا اشتهى الرجل كانت الشهوة موجودة في الجانبين) ش: أي من جانب الرجل وجانب المرأة، أما من جانب الرجل فحقيقة لوجودها، وأما من جانب المرأة فكالمتحقق باعتبار الغلبة فيقتضي ذلك إلى زيادة القبح. م: (ولا كذلك إذا اشتهت المرأة) ش: يعني ليس الأمر كما ذكر إذا وجدت الشهوة من المرأة حقيقة م: (لأن الشهوة غير موجودة في جانبه حقيقة واعتبارا) ش: أما حقيقة فظاهر وأما اعتبارا فلعدم غلبة الشهوة فيه م: (فكانت) ش: أي الشهوة م: (من جانب واحد) ش: فلا يؤدي إلى زيادة قبح. م: (والمتحقق من الجانبين في الإفضاء إلى المحرم أقوى من المتحقق من جانب واحد) ش: فكذلك قالوا لها الاستحسان في جانب المرأة وبالحرمة في جانب الرجل. [نظر المرأة من المرأة] م: (قال: وتنظر المرأة من المرأة إلى ما يجوز للرجل أن ينظر إليه من الرجل) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لوجود المجانسة وانعدام الشهوة غالبا، والغالب كالمتحقق في شرح "الكافي "، وكرهه بعض الناس وقال: إنه لا ضرورة إليه. قلنا: المراد تحتاج إلى دخول الحمام وأن تعمل في نفسها والنساء يدخلن عليها فلو لم يجز ذلك لأدى إلى تضييق الأمر على الناس فقلنا بالجواز كما في نظر الرجل إلى الرجل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 147 لوجود المجانسة وانعدام الشهوة غالبا كما في نظر الرجل إلى الرجل، وكذا الضرورة قد تحققت إلى الانكشاف فيما بينهن. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن نظر المرأة إلى المرأة كنظر الرجل إلى محارمه، بخلاف نظرها إلى الرجل؛ لأن الرجال يحتاجون إلى زيادة الانكشاف للاشتغال بالأعمال، والأول أصح. قال: وينظر الرجل من أمته التي تحل له وزوجته إلى فرجها، وهذا إطلاق في النظر إلى سائر بدنها عن شهوة وغير شهوة.   [البناية] م: (لوجود المجانسة وانعدام الشهوة غالبا كما في نظر الرجل إلى الرجل، وكذا الضرورة قد تحققت إلى الانكشاف فيما بينهن) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي في الحمام فصار كغسلها بها بعد موتها، وعن بعض الناس يمنعن عن الدخول في الحمام؛ لأنه - «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى النساء عن الدخول في الحمامات بمئزر وغير مئزر» . قلنا: العرف ظاهر في جميع البلدان بناء الحمامات للنساء، وحاجتهن للدخول فوق حاجة الرجال على الخصوص في أيام البرد، فإن الرجل متمكن من الاغتسال في الحياض والأنهار، والمرأة لا. ولأن المقصود من الدخول تحصل الزينة والمرأة إليها أحوج كذا في " المبسوط ". م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن نظر المرأة إلى المرأة كنظر الرجل إلى محارمه) ش: يعني لا تنظر المرأة إلى المرأة إلى ظهرها وبطنها أيضا بخلاف نظرها إلى الرجل أي بخلاف نظر المرأة إلى المرأة إلى ظهرها وبطنها أيضا (بخلاف نظرها إلى الرجل) ش: أي بخلاف نظر المرأة إلى الرجل حيث جاز نظرها إلى ظهر الرجل وبطنه م: (لأن الرجال يحتاجون إلى زيادة الانكشاف للاشتغال بالأعمال والأول أصح) ش: وهو جواز نظر المرأة إلى ظهر المرأة وبطنها لئلا يضيق الأمر على الناس. [نظر الرجل من أمته التي تحل له وزوجته] م: (قال: وينظر الرجل من أمته التي تحل له وزوجته إلى فرجها) ش: أي قال القدوري م: (وهذا إطلاق في النظر) ش: أي قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - إطلاق في نظر الرجل م: (إلى سائر بدنها عن شهوة وغير شهوة) ش: واستدل الأترازي في ذلك بما رواه البخاري في "صحيحه " بإسناده إلى عروة «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: كنت أغتسل أنا والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من إناء واحد من قدح يقال له الفرق» . والفرق مكيال يسع ستة عشر رطلا، فلو لم يجز النظر لم يتجردا في مكان واحد. قلت: لا يتم الاستدلال بهذا؛ لأنه لا يلزم أن يكون اغتسالهما مقابل بجوار أن يكونا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 148 والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «غض بصرك إلا عن أمتك وامرأتك» . ولأن ما فوق ذلك من المسيس والغشيان مباح، فالنظر أولى إلا أن الأولى أن لا ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ما استطاع، ولا يتجردان تجرد العير» .   [البناية] متعاقبين ولكن في ساعة واحدة، ولئن سلمنا فلا يدل ذلك على أن كلا منهما كان ينظر إلى فرج الآخر، وكيف وقد روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: أنها قالت: قبض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم ير مني ولم أر منه» . وقيد بقوله: من أمته التي تحل له، احترازا عن الأمة المجوسية والأمة التي هي أخته من الرضاعة؛ لأن حكمهما في النظر كأم الغير. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في وجه ستر العورة حال الخلوة: واجب كمنا يجب على أعين الناس م: (والأصل فيه) ش: أي في جواز نظر الرجل من أمته التي تحل له وزوجته إلى فرجها. م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «غض بصرك إلا عن أمتك وامرأتك» ش: هذا الحديث أخرجه الأربعة: أبو داود في "الحمام"، والترمذي في "الاستئذان"، والنسائي في "عشرة النساء ":، وابن ماجه في "النكاح"، «عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ومعاوية بن حيدة قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" قال: قلت يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أرأيت لو كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: "إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها" قال: قلت: يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا؟ قال: "الله أحق أن يستحي من الناس» . قال الترمذي: حديث حسن. ورواه الحاكم في "المستدرك في اللباس" وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. م: (ولأن ما فوق ذلك من المسيس والغشيان مباح، فالنظر أولى) ش: هذا دليل معقول، أي ولأن ما فوق النظر من الجماع والغشيان مباح، فالنظر الذي هو أدنى منه أولى أن يكون مباحا. م: (إلا أن الأولى أن لا ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ما استطاع ولا يتجردان تجرد العير» ش: هذا الحديث رواه خمسة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 149 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الأول: عتبة بن عبد السلمي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أخرج حديثه ابن ماجه في "النكاح"، حدثنا إسحاق بن وهب الواسطي عن الوليد بن قاسم الهمداني، عن الأحوص بن حكيم، عن أبيه وراشد بن سعد وعبد الأعلى بن عدي، عن عتبة بن عبد الله السلمي قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجرد تجرد العير» . رواه الطبراني في "معجمه " حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى، حدثنا بشر بن عمارة، عن الأحوص بن حكيم عن عبد الله بن عامر عن عتبة بن عبد. الثاني: عبد الله بن سرجس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه النسائي في "عشرة النساء"، عن صدقة بن عبد الله السمين عن زهير بن محمد عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أتى أحدكم أهله فليلق على عجزه وعجزها شيئا ولا يتجردان تجرد العيرين» . وقال: حديث منكر، وصدقه ضعيف. ورواه ابن عدي في "الكامل " عن زهير بن محمد، عن ابن جريج، عن عاصم الأحول به، وأعله عبد الحق في "أحكامه" بصدقة وقال: إنه ليس بالقوي، وأعله ابن القطان بعده بزهير وقال: إنه ضعيف. ورواه الطبراني في "معجمه "، حدثنا الحسين بن إسحاق التستري حدثنا زيد بن أخرم، حدثنا محمد بن عباد الهنائي، حدثنا عباد بن كثير عن عاصم الأحول به. الثالث: عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرج حديثه ابن أبي شيبة والبزار في "مسنديهما"، وابن عدي والعقيلي في "كتابيهما"، والطبراني في "معجمه " عن مندل بن علي، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله مرفوعا بلفظ النسائي، وقال البزار: لا نعلم رواه عن الأعمش هكذا إلا مندل بن علي فأخطأ فيه، وذكر شريك أنه كان عند الأعمش وعنده عاصم ومندل فحدث به عاصم عن أبي قلابة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلا. ورواه عبد الرزاق في "مصنفه في النكاح"، حدثنا الثوري عن عاصم به كذلك، وأعله الجزء: 12 ¦ الصفحة: 150 ولأن ذلك يورث النسيان لورود   [البناية] ابن عدي بمندل، وأسند تضعيفه عن ابن معين والسعدي والنسائي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال ابن أبي حاتم في "علله ": قال: أبو زرعة: أخطأ فيه مندل ونقل العقيلي عن الأعمش أنه كذب فيه مندل بن علي، وقال: أنا أخبرت به عن عاصم عن أبي قلابة، انتهى. قلت: رواه الطبراني في "معجمه "، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو غسان، حدثنا إسرائيل عن الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا باللفظ المذكور سواء. الرابع: أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج الطبراني في "معجمه الأوسط "، حدثنا أحمد بن حماد بن زغبة، حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا يحيى بن أيوب، حدثني عبد الله بن زحر عن ابن المسيب، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أتى أحدكم أهله فليستتر؛ فإنه إذا لم يستتر استحيت الملائكة فخرجت وبقي الشيطان، فإذا كان بينهما ولد كان للشيطان فيه نصيب» . ورواه البزار في"مسنده "، حدثنا عمر بن الخطاب السجستاني حدثنا سعيد بن أبي مريم، وقال: إسناده ليس بالقوي ولا نعلمه يروى عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا بهذا الإسناد. الخامس: أبو أمامة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه الطبراني في "معجمه " حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا عفير بن معدان، عن سليم بن عامر عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أتى أحد أهله فليستترا ولا يتجردان تجرد العيرين» . قوله: العير - بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء مهملة -وهو الحمار الوحشي، وخص بذكره؛ لأن في الأهلي نوع ستر من الألعاب والشعر، وقيل: هو الأهلي أيضا، وهذا كما ترى وقع في رواية بعضهم بلفظ الواحد، وفي رواية البعض بلفظ التثنية. م: (ولأن ذلك يورث النسيان) ش: أي ولأن النظر إلى الفرج يورث النسيان م: (لورود الجزء: 12 ¦ الصفحة: 151 الأثر وكان ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يقول: "الأولى أن ينظر ليكون أبلغ في تحصيل معنى اللذة   [البناية] الأثر) ش: وهو ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: "من أكثر النظر إلى عورته عوقب بالنسيان " هكذا ذكر في كتبنا، ولم أر من ذكره من أرباب النقل. وقد ورد حديثان ضعيفان: بأنه يورث العمى هكذا أخرجه، أحدهم [أخرجه] ابن عدي في " الكامل "، وابن حبان في كتاب " الضعفاء " عن بقية، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا جامع أحدكم زوجته فلا ينظر إلى فرجها فإن ذلك يورث العمى» وجعلاه من منكرات بقية. ومن طريق ابن عدي رواه ابن الجوزي في " الموضوعات "، وقال: قال ابن حبان: كان بقية يروي عن كذابين وثقات ويدلس، وكان له أصحاب يسقطون الضعفاء من حديثه ويسوونه فيشبه أن يكون سمع هذا من بعض الضعفاء عن ابن جريج، ثم دلس عنه فالتزق به وهذا موضوع. وقال ابن أبي حاتم في كتاب " العلل ": سألت أبي عن هذا الحديث فقال: هذا حديث موضوع وبقية كان يدلس. والحديث الآخر رواه ابن الجوزي في " الموضوعات " من طريق أبي الفتح الأزدي: ثنا زكريا بن يحيى المقدسي، حدثنا إبراهيم بن محمد الفريابي حدثنا محمد بن عبد الرحمن القشيري، عن جعفر بن كدام، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا جامع أحدكم فلا ينظر إلى الفرج فإنه يورث العمى، ولا يكثر الكلام فإنه يورث الخرس» . ثم قال: قال الأزدي: إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي ساقط. م: (وكان ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يقول: "الأولى أن ينظر ليكون أبلغ في تحصيل معنى اللذة ") ش: هذا لم يثبت عن ابن عمر أصلا لا بسند صحيح ولا بسند ضعيف. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سألت أبا حنيفة عن الرجل يمس فرج امرأته وهي تمس فرجه ليتحرك عليهما فما ترى بذلك بأسا. قال: "إني لأرجو أن يعظم الأجر". كذا في " الذخيرة " وفي جميع التفاريق. قال أبو بكر الرازي: لا بأس بوطء المنكوحة بمعاينة الأمة دون العكس، ولا بأس بالوطء ومعه قوم نيام إذا ظن أنهم لا يعلمون. وفي " القيمة ": كره محمد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 152 قال: وينظر الرجل من ذوات محارمه إلى الوجه والرأس والصدر والساقين والعضدين، ولا ينظر إلى ظهرها وبطنها وفخذها، والأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] الآية، والمراد والله أعلم مواضع الزينة   [البناية] الجمع بين المرأتين والأمتين في فراش واحد ويطأ إحداهما بمرأى الأخرى. وقال أبو يوسف: لا بأس به. [نظر الرجل من ذوات محارمه] م: (قال: وينظر الرجل من ذوات محارمه إلى الوجه والرأس والصدر والساقين والعضدين) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال الكرخي في "مختصره ": قال محمد بن الحسن: لا بأس بأن ينظر الرجل من أمه وأخته البالغة ومن كل ذات رحم محرم منه، ومن كل محرم من رضاع أو نكاح أو وطء، وكذلك ما حرم بوطء ابنه وأبيه أو نكاح ابنه وإن لم يكن بينهما رحم إلى شعرها، وإلى صدرها، وإلى ثديها، وعضدها، وساقها، وقدمها. ولا ينبغي أن ينظر إلى بطنها، ولا إلى ظهرها، ولا إلى ما بين سرتها حتى يجاوز الركبة، وإن كان ينظر إلى شيء من ذلك بشهوة فليس له أن ينظر إلى ذلك، وكذلك إن كان أكبر رأيه أنه إن نظر اشتهى. فينبغي له أن يغض بصره، وإن أمن على نفسه فلا بأس. ولا بأس أن يسافر بها ويكون محرما لها، أو تسافر معه لا محرم غيره، فإن خاف على نفسه لا يسافر معها ولا يخلو بها، ولا ينبغي لها إن خافت ذلك منه أن تخلو معه في بيت، ولا تسافر معه فإذا أمنا ذلك، أو كان غلبة أكبر رأيهما فلا بأس بالخلوة معها والسفر بها. وكل شيء من هذا الذي وصفت لك مما لا بأس بالنظر إليه من أمته أو من ذات محرم، فلا بأس من مسه منها، ولا بأس أن يمس شعر رأسها ويقبله ويدهنه، ويمس ساقها ورجلها، أو يغمز ذلك منها، ويمس صدرها وثديها وعضدها ووجهها وذراعها وكفها. ويكره أن يمس ما كرهنا النظر إليه إذا كان مجردا وإن كانت غير مجردة واحتاج إلى حملها والنزول بها، فلا بأس أن يحملها وينزلها، ويأخذ بطنها وظهرها، وإن كان يخاف أن يشتهي أن يمس شيئا من ذلك أو كان غلبة أكبر رأيه يتحسب ذلك ويجهده، انتهى. م: (ولا ينظر إلى ظهرها وبطنها وفخذها) ش: وكذا لا يجوز مسها. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "القديم" يجوز مسها. وبقولنا قال القاضي حسين من أصحابه حيث قال: ولا يجوز أن يمس ذات الرحم وإن لم يكن عورة في حقه. م: (والأصل فيه) ش: أي في جواز ما جاز وعدم جواز ما لم يجز. م: (قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] الآية والمراد والله أعلم مواضع الزينة) ش: ذكر الحال وأراد المحل مبالغة في النهي عن الإبداء؛ لأن الإبداء كان منفصلا إذا كان منهيا عنه فإبداء المتصل أولى م: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 153 وهي ما ذكرنا في الكتاب، ويدخل في ذلك الساعد والأذن والعنق والقدم؛ لأن كل ذلك مواضع الزينة، بخلاف الظهر والبطن والفخذ؛ لأنها ليست مواضع الزينة ولأن البعض يدخل على البعض من غير استئذان، واحتشام، والمرأة في بيتها في ثياب مهنتها عادة، فلو حرم النظر إلى هذه المواضع أدى إلى الحرج،   [البناية] (وهي ما ذكرنا في الكتاب) ش: أي مواضع الزينة هي التي ذكره القدوري من الوجه والرأس والصدر والساقين والعضدين. م: (ويدخل في ذلك) ش: أي في مواضع الزينة م: (الساعد والأذن والعنق والقدم؛ لأن كل ذلك مواضع الزينة) ش: أما الرأس فلأنه موضع التاج والإكليل، والشعر موضع العقاص، والعنق موضع القلادة، والصدر كذلك، والأذن موضع القرط، والعضد موضع الدملج، والساعد موضع السوار، والكف موضع الخاتم والخضاب، والساق موضع الخلخال، والقدم موضع الخضاب. فإن قلت: ينبغي أن ينظر إلى ظهرها؛ لأنه موضع القراميل، كما في هذه المواضع. قلت: القراميل فوق اللباس عادة، ولا يجوز النظر إلى ثوبها الواقع على بطنها وظهرها للأجنبي فضلا عن المحارم م: (بخلاف الظهر والبطن والفخذ؛ لأنها ليست مواضع الزينة) ش: الظاهرة ولا الباطنة، ولأنه لا ضرورة في النظر إلى ذلك. ثم اعلم أن معنى قوله سبحانه وتعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] أي لا يظهر مواضع زينتهن الظاهرة والباطنة إلا لأزواجهن. والبعولة جمع بعل وهو الزوج أو آباؤهن ويدخل في الأجداد وآباء بعولتهن وقد صاروا محارم، أو أبنائهن، ويدخل فيهم النوازل أو أبناء بعولتهن فقد صاروا محارم أيضا، أو إخوانهن، أو بني أخواتهن، ويدخل فيهن نوازل الإخوة والأخوات أيضا، وإذا ثبت في هؤلاء المحارم ثبت في سائر المحارم من الأعمام والإخوان، وفي المحارم بالرضاع؛ لأن ذكر بعضهم تنبيه على سائرهم كذا في " التيسير ". م: (ولأن البعض يدخل على البعض) ش: أي ولأن بعض المحارم يدخل بعضهم على بعض م: (من غير استئذان واحتشام، والمرأة في بيتها) ش: أي والحال أن المرأة قاعدة في بيتها م: (في ثياب مهنتها عادة) ش: أي في ثياب خدمتها وخلقانها، والمهنة بكسر الميم وفتحها، وعن الأصمعي: لا يجوز إلا الفتح. م: (فلو حرم النظر إلى هذه المواضع أدى إلى الحرج) ش: لأن ثياب المهنة لا تستر لجميع بدنها لأنها في أعمال بيتها فيها، ففي تحريم النظر إليها حرج ومشقة عظيمة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 154 وكذا الرغبة تقل للحرمة المؤبدة، فقلما تشتهى بخلاف ما وراءها؛ لأنها لا تنكشف عادة، والمحرم من لا تجوز المناكحة بينه وبينها على التأبيد بنسب كان أو بسبب كالرضاع والمصاهرة لوجود المعنيين فيه. وسواء كانت المصاهرة بنكاح أو سفاح في الأصح لما بينا. قال: ولا بأس بأن يمس ما جاز أن ينظر إليه منها   [البناية] م: (وكذا الرغبة تقل) ش: ما تشتهى بل ينعدم أصلا بالكلية عند أرباب الدين والطبع السليم م: (للحرمة المؤبدة، فقلما تشتهى) ش: فلا يحرم م: (بخلاف ما وراءها) ش: أي ما وراء المواضع المذكورة م: (لأنها لا تنكشف عادة) ش: فلا يكون في منع النظر إليها حرجا م: (والمحرم من لا تجوز المناكحة بينه وبينها) ش: أي بين الرجل والمرأة م: (على التأبيد بنسب كان أو بسبب كالرضاع والمصاهرة لوجود المعنيين فيه) ش: أي في المحرم، وأراد بالمعنيين الحرج، وقلة الرغبة. فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن لا يقطع من إذا سرق من بيت أمه من الرضاع بجواز الدخول من غير احتشام واستئذان فوقع نقصان في الحرز. قلت: لا يقطع عند البعض، وأما جواز الدخول من غير احتشام واستئذان فممنوع، ذكر خواهر زاده أن المحارم من جهة الرضاع لا يكون لهم الدخول من غير استئذان ولهذا يقطعون بسرقة بعضهم من بعض. م: (وسواء كانت المصاهرة بنكاح أو سفاح) ش: أي زنا م: (في الأصح) ش: احترز به عن قول بعض المشائخ فإنهم قالوا: إذا كانت حرمة المصاهرة بالزنا لا يحل النظر والمس؛ لأن ثبوت الحرمة بطريق العقوبة على الزاني لا بطريق النعمة. والأصح: أنه لا بأس بذلك لأنه حرمة على التأبيد م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله لوجود المعنيين؛ لأن بالمصاهرة ثبت المحرمية كيف ما كانت وبالمحرمية تعلل الرغبة، فلو حرم النظر لأدى إلى الحرج. [يمس الموضع الذي يجوز له النظر إلى ذلك الموضع من ذوات المحارم] م: (قال: ولا بأس بأن يمس ما جاز له أن ينظر إليه منها) ش: أي قال القدوري، أي لا بأس للرجل أن يمس الموضع الذي يجوز له النظر إلى ذلك الموضع من ذوات المحارم. وبه قالت الثلاثة. وقال القاضي حسين من أصحاب الشافعي: لا يجوز مسها، وإن لم تكن عورة في حقه لما فيه من خوف الفتنة. ولنا ما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقبل رأس فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - ويقول: "أجد منها ريح الجنة"، وكان إذا قدم من سفر بدأ بها فعانقها، وقبل رأسها» . وعن الحسن بن علي - الجزء: 12 ¦ الصفحة: 155 لتحقق الحاجة إلى ذلك في المسافرة وقلة الشهوة للمحرمية، بخلاف وجه الأجنبية وكفيها حيث لا يباح المس، وإن أبيح النظر؛ لأن الشهوة متكاملة إلا إذا كان يخاف عليها أو على نفسه الشهوة فحينئذ لا ينظر ولا يمس، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «العينان تزنيان، وزناهما النظر، واليدان تزنيان، وزناهما البطش» .   [البناية] - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: أنه كان يقبل رأس أمه. وعن محمد ابن الحنيفة: أنه كان يمشط شعر أمه. وفي " شرح الكافي ": وعن محمد بن المنكدر أنه قال: بت أغمز رجل أمي، وبات أخي يصلي، وما أحب أن تكون ليلتي بليلته. م: (لتحقق الحاجة إلى ذلك في المسافرة) ش: أي المس في المسافرة؛ لأنه يحتاج إلى إركابها وإنزالها وخدمتها. وتخصيص المسافرة باعتبار الغلبة، وإلا في الحضر أيضا، وربما تتحقق الحاجة. م: (وقلة الشهوة للمحرمية) ش: أي ولتحقق قلة الشهوة لأجل تحقق المحرمية م: (بخلاف وجه الأجنبية وكفيها حيث لا يباح المس، وإن أبيح النظر؛ لأن الشهوة متكاملة) ش: فلو جوز المس أدى إلى الفساد م: (إلا إذا كان يخاف عليها أو على نفسه الشهوة فحينئذ لا ينظر ولا يمس) ش: هذا استثنى من قوله: وينظر الرجل من ذوات محارمه. إلخ. وقال صاحب " العناية ": هذا استثناء من قوله: ولا بأس وفيه نظر؛ لأنه إذا كان استثناء من هذا يلزم أن لا يجوز المس عند الخوف، ولكن يجوز النظر، وليس كذلك، بل عند الخوف لا يجوز كلاهما، كما صرح المصنف بقوله: فحينئذ لا ينظر ولا يمس إذا كان الاستثناء على ما ذكرنا، يجوز نظر الرجل من ذوات محارمه إلى كذا، وكذا إلا إذا خاف لا ينظر، فإذا انتفى النظر عند الخوف فالمس بطريق الأولى، وذلك حذرا عن الوقوع في الفساد. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «العينان تزنيان، وزناهما النظر، واليدان تزنيان وزناهما البطش» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم في "كتاب القدر" عن سهيل بن أبي صالح، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان تزنيان وزناهما النظر، والأذنان تزنيان وزناهما الاستماع، واللسان يزني وزناه الكلام، واليدان تزنيان وزناهما البطش، والرجلان تزنيان وزناهما المشي، والقلب يهوى ويتمنى، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 156 وحرمة الزنا بذوات المحارم أغلظ فيجتنب، ولا بأس بالخلوة والمسافرة بهن لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تسافر المرأة فوق ثلاثة أيام ولياليها إلا ومعها زوجها، أو ذو رحم محرم منها» .   [البناية] ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه» . وأخرج البخاري، ومسلم فيه، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: ما رأيت شيئا أشبه باللمم: مما قال أبو هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه» . [الزنا بذوات المحارم] م: (وحرمة الزنا بذوات المحارم أغلظ فيجتنب) ش: أي النظر والمس عند الخوف لأنه ربما يوقعه في الزنا، والزنا بالمحرم أغلظ من الزنا بالأجنبية. م: (ولا بأس بالخلوة والمسافر بهن) ش: أي بذوات محارمه م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تسافر المرأة فوق ثلاثة أيام ولياليها إلا ومعها زوجها، أو ذو رحم محرم منها» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم عن قزعة عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تسافر المرأة فوق ثلاثة أيام إلا ومعها زوجها أو ذو رحم محرم منها» وفي لفظ له: ثلاثا. ورواه البخاري بلفظ: يومين، وأخرجا عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرفوعا: «لا تسافر المرأة فوق ثلاث» . وفي لفظ للبخاري: «ثلاثة أيام» وأخرجا عن أبي سعيد عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله، واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها» . وفي لفظ لمسلم: «مسيرة ليلة» وفي لفظ: " يوم"، وفي لفظ لأبي داود - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «بريدا» وهي عند ابن حبان في "صحيحه "، والحاكم في " المستدرك "، وقال: صحيح على شرط مسلم. وقال المنذري في " مختصر السنن ": في هذه الروايات تباين. وقد أخرج الطحاوي هذه الروايات كلها في " شرح معاني الآثار " ثم قال: وفي توقيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالثلاث دليل على ما حل دون الثلاث بخلافها، وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقد اتفقت الآثار على مسافرتها بلا محرم مسيرة مدة ثلاثة أيام ولياليها. واختلفت فيما دونها، والأخذ بالمتفق عليه أولى من الأخذ بالمختلف فيه. انتهى. قلت: أشار بذلك إلى اختلاف العلماء في هذا الباب حيث قال بعضهم: لا يجوز لها السفر قريبا، أو بعيدا إلا بذي رحم، واحتجوا في ذلك بما رواه الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بإسناده إلى أبي سعيد مولى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يقول: قال ابن عباس - الجزء: 12 ¦ الصفحة: 157 وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ألا لا يخلون رجل بامرأة ليس منها بسبيل، فإن ثالثهما الشيطان» .   [البناية] - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: خطب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الناس فقال: «لا تسافر المرأة إلا ومعها ذو رحم، ولا يدخل عليها إلا ومعها ذو رحم محرم» . وقال بعضهم: كل سفر دون البريد، واحتجوا بلفظ أبي داود الذي ذكرناه. وقال بعضهم: كل سفر دون اليوم فلها أن تسافر بلا محرم، وكل سفر يوما فصاعدا ليس لها أن تسافر إلا بمحرم، واحتجوا بلفظ لمسلم مسيرة يوم كما ذكرناه. وقال بعضهم: كل سفر يكون دون ليلتين فلها أن تسافر بغير محرم. واحتجوا بلفظ البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: "يومين" الذي ذكرناه، واحتج أصحابنا بلفظ "الثلاث" كما ذكرناه. وكلمة: "فوق" في قوله: "فوق ثلاث" صلة، إذ حرمة المسافرة ثابتة في الثلاث أيضا فصار كقوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] . م: (وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ألا لا يخلون رجل بامرأة ليس منها بسبيل، فإن ثالثهما الشيطان» ش: هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وليس في حديث واحد منهم: "ليس منها بسبيل": منهم عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أخرج حديثه الترمذي في "أوائل الفتن"، والنسائي في "عشرة النساء"، عن عبد الله بن عمر: «أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - خطب بالجابية، وقال: "يا أيها الناس قمت فيكم، كما قام فينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل، ولا يستحلف، يستشهد الشاهد ولا يشهد، ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان، عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد» وقال: حديث حسن صحيح غريب. وأخرج ابن حبان في "صحيحه "، والحاكم في "مستدركه في كتاب العلم"، وسكت عنه. وأعاده عن سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فذكره، وقال: صحيح الإسناد. ومنهم جابر بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه ابن حبان في "صحيحه " عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما» مختصر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 158 والمراد إذ لم يكن محرما، فإن احتاجت إلى الإركاب والإنزال، فلا بأس بأن يمسها من وراء ثيابها، ويأخذ ظهرها وبطنها، دون ما تحتهما إذا أمنا الشهوة، فإن خافها على نفسه أو عليها تيقنا أو ظنا أو شكا   [البناية] ومنهم عامر بن ربيعة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرج حديثه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مسنده " عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه مرفوعا نحوه. ومنهم عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أخرج حديثه الطبراني في "معجمه الأوسط "، عن حجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عمر مرفوعا بنحوه. وقال: تفرد به حجاج بن محمد. ومنهم جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرج حديثه مسلم، وهو معنى حديث الكتاب، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يبيتن رجل عند امرأة إلا أن يكون ناكحها أو ذا محرم» . م: (والمراد إذا لم يكن محرما) ش: أي المراد من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يخلون رجل بامرأة» إذا لم يكن الرجل محرما. م: (فإن احتاجت إلى الإركاب والإنزال فلا بأس أن يمسها من وراء ثيابها) ش: أي فإن احتاجت المرأة في السفر إلى من يركبها على الدابة وينزلها عنها فلا بأس لمحرمها بأن يمس من خارج ثوبها. م: (ويأخذ ظهرها وبطنها دون ما تحتهما) ش: إلى الركبة حيث لا يجوز مسه فوق الثياب؛ لأن الإباحة للضرورة، وهي ترتفع بمس الظهر والبطن لأن ما تحت السرة عورة في حق جميع الناس، بخلاف الظهر والبطن فإنهما ليسا بعورة في حق النساء، والضرورة ترتفع بالأدنى، فلا يثبت الإباحة في الإعلاء الحرمتين، كذا في " الذخيرة ". وقيد بقوله: م: (إذا أمنا الشهوة) ش: لأنها إذا لم يأمنا لا يأخذ ظهرها وبطنها م: (فإن خافها على نفسه أو عليها) ش: أي فإن خاف المحرم الشهوة على نفسه، أو على نفس المرأة م: (تيقنا أو ظنا أو شكا) ش: أي من حيث اليقين، أو من حيث الظن، أو من حيث الشك، وأشار بهذا إلى أن الكل سواء عند الخوف، واليقين هو الأمر الجازم، والظن الطرف الراجح، والشك هو استواء الطرفين، والطرف المرجوح هو الوهم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 159 فليتجنب ذلك بجهده. ثم إن أمكنها الركوب بنفسها يمتنع عن ذلك أصلا، وإن لم يمكنها يتكلف بالثياب كيلا تصيبه حرارة عضوها. وإن لم يجد الثياب يدفع الشهوة عن قلبه بقدر الإمكان. قال: وينظر الرجل من مملوكة غيره إلى ما يجوز له أن ينظر إليه من ذوات محارمه؛ لأنها تخرج لحوائج مولاها وتخدم أضيافه، وهي في ثياب مهنتها فصار حالها خارج البيت في حق الأجانب كحال المرأة داخلة في حق محارم الأقارب. وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا رأى جارية متقنعة علاها بالدرة، وقال: ألق عنك الخمار يا دفار أتتشبهين بالحرائر.   [البناية] م: (فليتجنب ذلك بجهده) ش: أي فحينئذ فليمتنع من المس بقدر جهده وطاقته تحرزا عن الوقوع في الفتنة. م: (ثم إن أمكنها الركوب بنفسها يمتنع عن ذلك أصلا) ش: أي إن أمكن المرأة الركوب على الدابة بنفسها يمنع الرجل المحرم عن مسها بالكلية. م: (وإن لم يمكنها بالثياب كيلا تصيبه حرارة عضوها) ش: أي إن لم يكن في مقدور المرأة الركوب بنفسها، يتكلف المحرم في مسها بالثياب حتى لا يصيبه شيء من حرارة جسمها م: (وإن لم يجد الثياب يدفع الشهوة عن قلبه بقدر الإمكان) ش: أي وإن لم يجد المحرم الثياب ليمتنع بها وصول شيء من حرارة عضوها، يركبها ويتدبر أمرها، ولكن بدفع الشهوة عن قلبه مهما أمكن للضرورة. [نظر الرجل من مملوكة غيره] م: (قال: وينظر الرجل من مملوكة غيره إلى ما يجوز له أن ينظر إليه من ذوات محارمه) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره ": وما يجوز أن ينظر منه إلى محارمه وهو الوجه، والرأس، والصدر، والساقان، والعضدان كما مر. م: (لأنها تخرج لحوائج مولاها وتخدم أضيافه، وهي في ثياب مهنتها) ش: أي خدمتها، وهي الثياب الخلقة التي تلبس لأجل الخدمة. م: (فصار حالها خارج البيت في حق الأجانب كحال المرأة داخله) ش: أي فصار حال الأمة خارج البيت في حق الأجانب كحال المرأة الحرة داخل البيت م: (في حق محارم الأقارب) ش: حيث يجوز للمحارم والأقارب أن ينظروا إلى المواضع المذكورة من المرأة. م: (وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا رأى جارية متقنعة علاها بالدرة، وقال: ألق عنك الخمار يا دفار أتتشبهين بالحرائر) ش: وروى أبو عبيد القاسم بن سلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - بمعناه: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -رأى جارية مكمكمة، فسأل عنها، فقالوا: أمة آل فلان، فضربها بالدرة، وقال: يا لكع، أتتشبهين بالحرائر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 160 ولا يحل النظر إلى بطنها وظهرها خلافا لما يقوله محمد بن مقاتل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنه يباح إلا ما دون السرة إلى الركبة؛ لأنه لا ضرورة كما في المحارم،   [البناية] وأخرج البيهقي عن نافع: أن صفية بنت أبي عبيد حدثته قالت: خرجت امرأة مختمرة متجلببة، فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: من هذه المرأة؟ فقيل: جارية لفلان، لرجل من بيته، فأرسل إلى حفصة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، فقال لها: ما حملك على أن تخمري هذه الأمة، وتجلببيها، حتى هممت أن أقع بها، لا أحسبها إلا من المحصنات؟ لا تشبهوا الإماء بالمحصنات. وقال الذهبي في "مختصره ": سنده قوي. قوله: متقنعة: أي متلففة في مقنعة. قوله: علاها بالدرة: أي ضرب على رأسها بالدرة. والخمار: بكسر الخاء المعجمة: ما تخمر به المرأة رأسها أي تعصبها، قوله: يا دفار بفتح الدال المهملة، يعني: يا منبتة من الدفر وهو النتن، وهو على وزن فعال مبني على الكسر. قوله: مختمرة: أي لابسة الخمار. متجلببة: أي لابسة الجلباب. قوله: مكمكمة: أي متقنعة متلففة في ثيابها لا يبدو منها شيء، وذلك من شأن الحرائر. قوله: لكنا، بمعنى لكاع بمعنى تسمية. وقال أبو عبيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي هذا الحديث من الفقه: أنه رأى أن تخرج الأمة بلا قناع، فإذا برزت الناس كذلك فينبغي أن تكون في الصلاة بلا قناع. ولهذا قال إبراهيم - رَحِمَهُ اللَّهُ - في صلاة الأمة: تصلي كما تخرج إلى الأسواق، ويدل عليه أيضا ما روي أن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مر بجارية تباع فضرب في صدرها ذراعها، وقال: اشتروا. وكذا في المس ضرورة؛ لأن في أمة امرأة الرجل يحتاج إلى أن تخدم زوج مولاتها وتغمز رجله، وكذا أمة الابن يحتاج إلى أن تخدم المولى فمست الضرورة إلا الإباحة. [النظر إلى ظهر الأمة الأجنبية] م: (ولا يحل النظر إلى بطنها وظهرها) ش: أي إلى ظهر الأمة الأجنبية وبطنها م: (خلافا لما يقوله محمد بن مقاتل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يباح إلا ما دون السرة إلى الركبة) ش: أراد أن حكمها في النظر كحكم الرجل عند محمد بن مقاتل الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وبه قال الشافعي في ظاهر مذهبه، لما روينا عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، أنه قال في حديث طويل: ومن أراد أن يشتري جارية فلينظر إليها إلا موضع الإزار، ولتعامل أهل الحرمين. ولنا ما ذكره بقوله: م: (لأنه لا ضرورة كما في المحارم) ش: أي لا ضرورة في النظر الجزء: 12 ¦ الصفحة: 161 بل أولى لقلة الشهوة فيهن وكذلك في الإماء ولفظة المملوكة تنتظم المدبرة والمكاتبة وأم الولد لتحقق الحاجة، والمستسعاة كالمكاتبة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما عرف. وأما الخلوة بها والمسافر معها، فقد قيل: يباح كما في المحارم، وقد قيل: لا يباح لعدم الضرورة. وفي الإركاب والإنزال اعتبر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل الضرورة فيهن، وفي ذوات المحارم مجرد الحاجة. قال: ولا بأس بأن يمس ذلك إذا أراد الشراء وإن خاف أن يشتهي كذا ذكره في " المختصر ".   [البناية] إلى الظهر، والبطن من الأمة كما لا ضرورة في المحارم م: (بل أولى) ش: أي في الأمة م: (لقلة الشهوة فيهن، وكذلك في الإماء) ش: أي لقلة الشهوة في المحارم، وكمال الشهوة في الإماء. م: (ولفظة المملوكة) ش: أي في عبارة القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: وينظر الرجل من مملوكة غيره م: (تنتظم المدبرة والمكاتبة وأم الولد لتحقق الحاجة) ش: فيهن كما في القنة. ولا خلاف لأحد في المدبرة. وعن ابن سيرين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن أم الولد مثل الحرة حتى تصل منفعة. وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويحكى عن أحمد مثله. م: (والمستسعاة كالمكاتبة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لأن عنده الإعتاق يتحرى وعندهما حرة وعليها دين، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (على ما عرف) ش: في كتاب الإعتاق. م: (وأما الخلوة بها) ش: أي بأمة الغير م: (والمسافرة معها فقد قيل: يباح كما في المحارم) ش: أي كما يباح في المحارم ولكن إذا أمن عليه وعليها م: (وقد قيل: لا يباح لعدم الضرورة) ش: أي للأجنبي في السفر معها م: (وفي الإركاب والإنزال اعتبر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل الضرورة فيهن) ش: يعني إذا لم تقدر الأمة الأجنبية على الركوب إلا بمشقة وضرر يلحقها فحينئذ يركبا الأجنبي وينزل بها، وهو معنى قوله: اعتبر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل أي في " المبسوط ": الضرورة فيهن أي في الإماء. قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أراد الضرورة التي لا مدفع بها. م: (وفي ذوات المحارم مجرد الحاجة) ش: أي اعتبر محمد في ذوات المحارم مجرد الحاجة يعني بمجرد حاجتها إلى الركوب والنزول سواء كان في ركوب نفسها ونزولها ضرورة أو لا. [مس الأمة إذا أراد شراءها] م: (قال: ولا بأس بأن يمس ذلك إذا أراد الشراء وإن خاف أن يشتهي) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا بأس للأجنبي أن يمس المواضع التي يجوز النظر إليها إذا أراد شراءها وإن خاف على نفسه الشهوة م: (كذا ذكره في " المختصر ") ش: أي كذا ذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجزء: 12 ¦ الصفحة: 162 وأطلق أيضا في " الجامع الصغير " ولم يفصل. قال مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يباح النظر في هذه الحالة وإن اشتهى للضرورة، ولا يباح المس إذا اشتهى أو كان أكبر رأيه ذلك؛ لأنه نوع استمتاع، وفي غير حالة الشراء يباح النظر والمس بشرط عدم الشهوة. : وإذا حاضت الأمة لم تعرض في إزار واحد، ومعناه: بلغت وهذا موافق لم بينا أن الظهر والبطن منها عورة. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها إذا كانت تشتهى ويجامع مثلها فهي كالبالغة لا تعرض في إزار واحد لوجود الاشتهاء.   [البناية] "مختصره " م: (وأطلق أيضا في " الجامع الصغير " ولم يفصل) ش: يعني بين الاشتهاء وعدمه؛ لأنه قال في " الأصل الجامع ": عن محمد عن يعقوب، عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الرجل يريد شراء جارية فلا بأس بأن يمس ساقها، وصدرها، وذراعها، وينظر إلى ذلك كله مكشوفا، انتهى. فدل على جواز من يريد الشراء بالاشتهاء؛ لأن إطلاق اللفظ يشمل ذلك. م: (قال مشايخنا: يباح النظر في هذه الحالة) ش: أي حالة الشراء م: (وإن اشتهى للضرورة، ولا يباح المس إذا اشتهى أو كان أكبر رأيه ذلك) ش: أي الاشتهاء م: (لأنه نوع استمتاع) ش: أي لأن المس نوع استمتاع؛ لأن المس بشهوة جماع معنى، والجماع حقيقة حرام، وإن أراد الشراء فكذا الجماع معنى. م: (وفي غير حالة الشراء يباح النظر والمس بشرط عدم الشهوة) ش: فإذا كانت بشهوة لا يباح شيء من ذلك. وقال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح "الجامع الصغير ": وذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد: أنه يكره للشاب مس شيء من ذلك؛ لأن النظر كفاية، ولم ير أبو حنيفة بأسا لضرورة العلم ينسر بها. م: (قال: وإذا حاضت الأمة لم تعرض في إزار واحد) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ". م: (ومعناه: بلغت) ش: أي معنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإذا حاضت: بلغت، وذلك لأن الحيض رديف البلوغ، فأراد به المردوف كناية. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا من باب إطلاق السبب على المسبب؛ لأن غالب بلوغهن بالحيض. وقوله: لم تعرض في إزار واحد، يعني تؤمر بلبس القميص لأن ظهرها وبطنها عورة. والمراد بالإزار ما يستر به من السرة إلى الركبة. م: (وهذا) ش: أي عدم جواز عرضها في إزار واحد م: (موافق لما بينا أن الظهر والبطن منها عورة) ش: أي من الأمة. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها إذا كانت تشتهى ويجامع مثلها فهي كالبالغة لا تعرض في إزار واحد لوجود الاشتهاء) ش: فيه بهذا على أنها إذا كانت لا تشتهى ولا يجامع مثلها، فلا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 163 قال: والخصي في النظر إلى الأجنبية كالفحل لقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: الخصاء مثلة فلا يبيح ما كان حراما قبله؛ ولأنه فحل يجامع، وكذا المجبوب؛ لأنه يساحق وينزل، وكذا المخنث في الرديء من الأفعال؛ لأنه فحل فاسق.   [البناية] بأس بعرضها في إزار واحد لعدم الاشتهاء. [نظر الخصي إلى الأجنبية] م: (قال: والخصي في النظر إلى الأجنبية كالفحل) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والخصي، منزوع الخصيتين، من خصاه إذا نزع خصيته. قال: خصيت الفحل خصاء ممدودا: إذا سللت خصيته. م: (لقوله عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: الخصاء مثلة) ش: هاهنا إيرادان على المصنف: الأول: إن هذا لم يثبت عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وإنما أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه "، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فقال: حدثنا أسباط بن محمد، ابن فضل عن مطرف، عن رجل، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: خصاء البهائم مثلة ثم تلا: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119] . وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه "، عن مجاهد وعن شهر بن حوشب: "الخصاء مثلة ". ذكره في "كتاب الحج". الثاني: أن هذا لا يدل على مدعاكم، فإن كون الخصاء مثلة لا يدل على أن نظر الخصي إلى الأجنبية كالفحل؛ لأنه فحل وشهوته موجودة، فصار كغير الخصي في الحالتين. قوله الخصاء: على وزن فعال بكسر الخاء من خصاه وأخصى بزيادة الهمزة خصاء قوله بضم الميم. م: (فلا يبيح ما كان حراما قبله) ش: أي فلا يبيح الخصاء ما كان حراما قبله، يعني أن الحرام موجود في الحالتين. م: (ولأنه فحل يجامع) ش: أي ولأن الخصي فحل يجامع حتى قيل أشد الجماع جماع الخصي؛ لأن آلته لا تفتر. [نظر المجبوب إلى الأجنبية] 1 م: (وكذا المجبوب) ش: وهو مقطوع الذكر والخصيتين، من جبه إذا قطعه، أي كذا المجبوب في النظر إلى الأجنبية كالفحل م: (لأنه يساحق وينزل) ش: أي المني من الإنزال، وبهذا لو جاءت امرأته بولد ثبت نسبه منه، فصار هو والفحل بمنزلة واحدة. وإن كان مجبوبا قد جف ماؤه فقد رخص بعض مشائخنا الاختلاط بالنساء لوقوع الأمن من الفتنة. وقد قال سبحانه وتعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور: 31] قيل: هو المجبوب الذي جف ماؤه، والأصح: أنه لا يحل لعموم النصوص. [نظر المخنث إلى الأجنبية] م: (وكذا المخنث في الرديء من الأفعال؛ لأنه فحل فاسق) ش: أراد به المخنث الذي يمكن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 164 والحاصل: أنه يؤخذ فيه بحكم كتاب الله المنزل فيه، والطفل الصغير مستثنى بالنص. وقال: لا يجوز للمملوك أن ينظر من سيدته إلا إلى ما يجوز للأجنبي النظر إليه منها.   [البناية] غيره من نفسه، وقيد به؛ لأن المخنث الذي في أعضائه لين، وفي لسانه تكسر، ولا يشتهي النساء أصلا وبه عنانة. فإنه قد رخص بعض مشائخنا في ترك مثله مع الفساد وهو أحد تأويل قوله سبحانه وتعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} [النور: 31] ، وقيل المراد: الأبله الذي لا يدري ما يصنع بالنساء، إنما همه بطنه، والأصح أنه في المثابة. م: (والحاصل: أنه يؤخذ فيه بحكم كتاب الله تعالى) ش: وهو قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] وهذا محكم، وقوله سبحانه وتعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} [النور: 31] متشابه فيؤخذ بالحكم دون المشابهة. ويدل على صحة هذا ما روي في " صحيح البخاري " وغيره مسند إلى هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أمها «أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: دخل على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعندي مخنث، فسمعه يقول لعبد الله بن أمية: يا عبد الله، أرأيت إن فتح الله عليكم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان. وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يدخلن هؤلاء عليكم» . قال أبو عبيدة في " غريب الحديث ": قوله: «تقبل بأربع وتدبر بثمان» ، يعني أربع عكن في بطنها، فهي تقبل بهن، وقوله تدبر بثمان يعني أطراف هذه العكن الأربع، وذلك لأنها محيط بالجانبين حتى لحقت بالردفين من مؤخرها، من هذا الجانب أربع أطراف، ومن الجانب الآخر مثلها، فهذه ثمان. والعكن - بضم العين وفتح الكاف-: جمع عكنة وهي الطي الذي يكون في البطن من السمن. وفي " صحيح البخاري " عن ابن جريج - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن اسم المخنث بهيت وقيل: اسمه نافع. فإن قلت: ما كان وجه دخوله على أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قلت: كان عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير أولي الإربة من الرجال، لقوله سبحانه وتعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور: 31] وبهذا كان تركه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يدخل على نسائه. فلما وصف الذي وصف من المرأة، علم أنه ليس من أولئك وأمر بإخراجه ونهى عن دخوله. م: (المنزل فيه، والطفل الصغير مستثنى بالنص) ش: وهو قوله سبحانه وتعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور: 31] . [نظر العبد إلى سيدته] م: (وقال: لا يجوز للمملوك أن ينظر من سيدته إلا إلى ما يجوز للأجنبي النظر إليه منها) ش: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 165 وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو كالمحرم، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] . ولأن الحاجة متحققة لدخوله عليها من غير استئذان. ولنا: أنه فحل غير محرم ولا زوج، والشهوة متحققة لجواز النكاح في الجملة والحاجة قاصرة؛ لأنه يعمل خارج البيت، والمراد بالنص الإماء. قال سعيد والحسن وغيرهما: "لا تغرنكم سورة النور فإنها في الإناث دون الذكور ".   [البناية] أي قال القدوري: والضمير في إليه يرجع إلى ما في قوله ما يجوز: والذي في "منها" إلى السيدة، وفي بعض النسخ "النظر منه إليها" أي من الأجنبي إلى المرأة. م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو كالمحرم، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي العبد كالمحرم من سيدته، وفي بعض النسخ كالمحارم م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] ش: لأن كلمة ما عامة، تتناول الذكور والإناث فيحل لهن إبداء مواضع زينتهن إلى مماليكهن. م: (ولأن الحاجة متحققة لدخوله عليها من غير استئذان) ش: أي لدخول العبد على سيدته، وهي كاشفة شعرها، وقدمها، ونحو ذلك: فلو لم يجز النظر أدى إلى الحرج. م: (ولنا: أنه فحل غير محرم ولا زوج، والشهوة متحققة لجواز النكاح في الجملة) ش: يعني حرمة نكاحها عليه ليست للتأبيد، والذي يؤثر في التحريم في محل النظر ما كان على التأبيد، ولم يوجد، فحرم الخلوة معها، والنظر إلى مواضع زينتها، أنهما داعيان إلى الفساد ولتحقق الشهوة في العبد ومولاته. م: (والحاجة قاصرة؛ لأنه يعمل خارج البيت) ش: هذا جواب عن قوله: ولأن الحاجة تتحقق، وتقديره أن العبد يخدم ظاهر البيت لا داخل البيت عادة وعرفا، فلم تمس الحاجة إليه. م: (والمراد بالنص الإماء) ش: هذا جواب عن استدلال مالك والشافعي رحمهما الله: أنه أي المراد من قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] إلا ما دون الغلمان. م: (قال سعيد والحسن وغيرهما: لا تغرنكم سورة النور فإنها في الإناث دون الذكور) ش: أما قول سعيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فأخرجه ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مصنفه في كتاب النكاح" وقال: حدثنا أبو أسامة، حدثنا يونس عن ابن أبي إسحاق عن طارق، عن سعيد بن المسيب قال: لا تغرنكم الآية {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] إنما عني به الإماء ولم يعن به العبيد. وأما قول الحسن البصري - فأخرجه أيضا بمعناه وقال: حدثنا عبد الأعلى عن هشام، عن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه كره أن يدخل المملوك على مولاته بغير إذنه. قوله: وغيرهما، أي غير أبي سعيد والحسن مثل الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو عامر بن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 166 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] شرحبيل، فقد أخرج الطحاوي في " شرح الآثار ": حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال: حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا مغيرة عن الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويونس عن الحسن: أنهما كرها أن ينظر العبد إلى شعر مولاته. ونقل نجم الدين النسفي في "تفسيره "، عن سمرة بن جندب، مثل قول سعيد. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولنا فيه نظر؛ لأنه لو كان صحيحا - وسمرة من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لنقل عنه الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لشدة سفر في "الأخبار والآثار" قلت: هذا نظر عليه غشاوة لأن عدم نقل الطحاوي لا يدل على عدم صحة ما روي عن سمرة، ولا شدة سفره يستلزم وقوفه على جميع الأخبار، وقال السفناقي: أطلق السعيد ولم يقيده بالنسبة يتناول السعيد بن أبي سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ومعه على ذلك الكاكي وصاحب " العناية ". وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه نظر؛ لأنه يلزم حينئذ أن يكون للمشترك عموم في موضع الإثبات وهو فاسد. قلت: نظره وارد، ولكن تعليله غير مستقيم، أما وروده فلأنه لم يستعمل أحد من السلف لفظ سعيد من غير تشبه، وإرادته سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير. وأما تعليله غير مستقيم، فإنه ادعى فيه لزوم عموم المشترك، ولا نسلم الاشتراك هاهنا؛ لأن الاشتراك ما وقع لمعنى، وهنا شيء آخر نزل كلام السغناقي، وهو أن قول سعيد بن المسيب أخرجه ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما ذكرنا. وأما قول سعيد بن جبير مثل قول سعيد بن المسيب، لم ينقله أحد لا بسند صحيح، ولا بسند ضعيف، فكيف يذكر المصنف سعيدا دون نسبة ويريد به السعيد؟. والحق هنا أن يقال: أما أن النساخ أسقطوا ابن المسيب، واستمرت النسخ على سعيد بغير نسبة، أو مصطلح على ذلك، حيث ذكر سعيدا على الإطلاق، وأراد به سعيد بن المسيب، كما قال المحدثون وغيرهم: قال: " عبد الله " من غير نسبة، ويريدون به عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإن كان يتناول غيره بحسب الظاهر. وكذلك يقولون: قال ابن عمر، ونحو ذلك، ويريدون به عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، مع أن عمرا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - له أولاد غير عبد الله، فافهم ذلك. فإن قلت: نظر الإماء إلى نسائهن استفيد من قوله سبحانه وتعالى في تلك الآية: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31] ، فلو حملت هذه الآية على الإماء لزم التكرار. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 167 قال: ويعزل عن أمته بغير إذنها، ولا يعزل عن زوجته إلا بإذنها؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها، وقال لمولى أمة: «اعزل عنها إن شئت»   [البناية] وقلت: دعوى التكرار غير مسلم، فإن المراد من قوله: أو نسائهن الحرائر المسلمات التي في صحبتهن؛ لأنه ليس لمؤمنة أن تتجرد بين يدي مشركة أو كتابية، كذا عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. فإن قلت: لو لم يكن مراده من قوله: أو نسائهن، وجب أن لا يكون مراده من قوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] أيضا؛ لأن البيان بالحكم إنما يكون في موضع الإشكال ولا يشكل لأحد أن للأمة أن تنظر إلى سيدتها كالأجنبيات، والمالك إن لم يرد توسعة فلا أقل أن لا يزيد تضييقا. قلت: الموضع موضع الإشكال؛ لأن حالة الأمة يقرب من حالة الرجال حتى تسافر من غير محرم، فكان يشكل أنه يباح لها التكشف بين يدي أمتها، ولم يزل هذا الإشكال بقوله: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31] لأن مطلق هذا اللفظ يتناول الحرائر دون الإماء. [العزل عن الأمة بغير إذنها] م: (قال: ويعزل عن أمته بغير إذنها، ولا يعزل عن زوجته إلا بإذنها) ش: أي قال القدوري م: (لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها» ش: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في "سننه في النكاح"، عن إسحاق بن عيسى عن ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن الزهري، عن محرز بن أبي هريرة عن أبيه، عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها» . ورواه أحمد في "مسنده "، والدارقطني ثم البيهقي في "سننيهما"، قال الدارقطني: تفرد به إسحاق الطباع عن ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن الزهري، عن محرز بن أبي هريرة، عن أبيه، عن عمر، قال: ووهم فيه أيضا خالفه عبد الله بن وهب فرواه عن ابن لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه، ووهم فيه أيضا. والصواب عن حمزة عن عمر ليس فيه عن أبيه، وقال الذهبي في "مختصره ": الحديث ضعيف. م: (وقال لمولى أمة: «اعزل عنها إن شئت» ش: أي: وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هذا الحديث أخرجه مسلم في "النكاح"، عن أبي الزبير عن جابر. قال: «جاء رجل من الأنصار إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إن لي جارية أطوف عليها، وأنا أكره أن تحمل، فقال: "اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها". فلبث الرجل. ثم أتاه فقال: "إن الجارية قد حملت، قال: قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها» . وأخرجه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا. فالحديث دل على أن له أن يعزل بلا إذن الأمة لأنه فوض المشيئة إلى المولى. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 168 ولأن الوطء حق الحرة قضاء للشهوة، وتحصيلا للولد ولهذا تخير في الجب والعنة، ولا حق للأمة في الوطء، فلهذا لا ينقص حق الحرة بغير إذنها ويستبد به المولى، ولو كانت تحته أمة غيره، فقد ذكرناها في النكاح.   [البناية] م: (ولأن الوطء حق الحرة قضاء للشهوة، وتحصيلا للولد) ش: يعني في المرأة الأولى بطريق الوجوب، وفي الثانية بطريق الاستحباب والديانة، والعزل يحل بلذة الجماع إليهما م: (ولهذا) ش: أي كون الوطء حقها لأجل قضاء الشهوة وتحصيل الولد م: (تخير) ش: أي المرأة م: (في الجب والعنة) ش: يعني فيما إذا وجدت زوجها مجبوبا أو عنينا م: (ولا حق للأمة في الوطء فلهذا) ش: أي فلأجل الوطء حق الحرة، ولا حق للأمة م: (لا ينقص) ش: أي الزوج م: (حق الحرة) ش: يعني في الوطء بأن يعزل عنها م: (بغير إذنها) ش: أي بغير إذن الحرة. م: (ويستبد به المولى) ش: أي يستقل بالعزل المولى. م: (ولو كانت تحته أمة غيره فقد ذكرناها في النكاح) ش: هل يعزل بإذن مولاها أم لا؟ وقد ذكرناه هناك مستوفى فلا فائدة في إعادته، والله سبحانه وتعالى أعلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 169 فصل في الاستبراء وغيره قال: ومن اشترى جارية فإنه لا يقربها، ولا يلمسها، ولا يقبلها، ولا ينظر إلى فرجها بشهوة حتى يستبرئها. والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في سبايا أوطاس: «ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن حملهن، ولا الحيالى حتى يستبرئن بحيضة» .   [البناية] [فصل في الاستبراء وغيره] [تعريف الاستبراء] م: (فصل في الاستبراء وغيره) ش: أي: هذا فصل في بيان أحكام الاستبراء: وهو طلب براءة الرحم عن الحمل، وأراد بغيره مسألة المعانقة، والمصافحة، والقبلة. وأخر فصل الاستبراء لأنه احترز عن وطء مقيد فالمقيد بمنزلة المركب، والمركب مؤخر عن المفرد. وفي فتاوى " قاضي خان ": اختلف فيمن أنكر وجوب الاستبراء، هل يكفر. قيل: لأنه أنكر إجماع المسلمين. وقال عامة المشائخ: لا يكفر لأن ظاهر قوله سبحانه وتعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] يقتضي إباحة الوطء مطلقا. وعرف وجوب الاستبراء بالخبر فلا يكفر جاحده. م: (قال: ومن اشترى جارية فإنه لا يقربها، ولا يلمسها، ولا يقبلها، ولا ينظر إلى فرجها بشهوة حتى يستبرئها) ش: أي قال في " الجامع الصغير " قوله: لا يقربها أي لا يطأها. ولا يمسها من اللمس باليد من باب نصر، وضرب، وقوله: بشهوة يرجع إلى أصل المجموع. م: (والأصل فيه) ش: أي في وجوب الاستبراء م: «قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في سبايا أوطاس: "ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن حملهن، ولا الحبالى حتى يستبرئن بحيضة» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود في "النكاح"، عن شريك، عن قيس بن وهب - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ورفعه أنه «قال في سبايا أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة» . رواه الحاكم في " المستدرك " وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وأعله ابن القطان - رَحِمَهُ اللَّهُ - بشريك، وقال: إنه مدلس، وهو ممن ساء حفظه بالقضاء، وعن الحاكم: رواه البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " السنن "، وفي " المعرفة ". وروى أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا: حدثنا النفيلي، حدثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن أبي مرزوق، «عن حنش الصنعاني: أن رويفع ابن ثابت الأنصاري قام فينا خطيبا فقال: أما إني ما أقول لكم إلا ما سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 12 ¦ الصفحة: 170 أفاد وجوب الاستبراء على المولى.   [البناية] يقول يوم حنين: "لا يحل لامرئ يؤمن بالله، واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره -يعني إتيان الحبالى- ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر، أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله، واليوم الآخر أن يبيع مغنما حتى يقسم» . حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا أبو معاوية عن بن إسحاق بهذا الحديث، وقال: «حتى يستبرئها بحيضة» ، وقال أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ -: [الحيضة] ليست بمحفوظة، ورواه ابن حبان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "صحيحه ". وأخرج ابن أبي شيبة في"مصنفه " حدثنا حفص عن حجاج، عن عبد الله بن زيد عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن توطأ الحامل حتى تضع أو الحائل حتى تستبرأ بحيضة» . وأخرج الدارقطني في "سننه "، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن مسلم الجنهدر، عن عكرمة، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن توطأ الحامل حتى تضع، أو حائل حتى تحيض» . قوله: في سبايا أوطاس، السبايا جمع سبية، وهي الجارية التي تسبى، وأوطاس: اسم موضع على ثلاث مراحل من مكة، ولرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غزوة مشهورة وهي غزوة حنين، وكلمة إلا للسبية. والحبالى جمع حبلى، والأصل في الجمع كسر اللام؛ لأن كل جمع ثالثه ألف يتكرر الحرف الذي بعدها، نحو مساجد وجوامع، ومن ثم أبدلوا من الياء المنقلبة من ألف التأنيث ألفا. وقالوا: حبالى بالفتح ليفرقوا بين الألفين، كما قلنا في الصحاري. قوله: ولا الحيالى بالياء آخر الحروف بعد الحامل جمع حايل وهي التي لا حمل بها جاء على خلاف القياس للأزواج الحبالى، والقياس حوايل كما فعلوا ذلك في الغدايا والعشايا، والقياس الغدوات. قوله: حتى يستبرأ، أن الهمز لا غير من استبراء الجارية، وهو طلب براءة رحمها. م: (أفاد وجوب الاستبراء على المولى) ش: لأن النهي عن الوطء مع الملك المطلق يدل على الجزء: 12 ¦ الصفحة: 171 ودل على السبب في المسبية، وهو استحداث الملك واليد؛ لأنه هو الموجود في مورد النص، وهذا لأن الحكمة فيه التعرف عن براءة الرحم صيانة للمياه المحترمة عن الاختلاط، والأنساب عن الاشتباه، وذلك عند حقيقة الشغل، أو توهم الشغل بماء محترم، وهو أن يكون الولد ثابت النسب   [البناية] وجوب الاستبراء، أو لأنه لو لم يجب لما منع المالك عن استيفاء حقه، والنفي أبلغ من النهي، أو لأن حل الوطء بقي إلى غاية وجود الاستبراء فكان الحل موقوفا على وجوده م: (ودل على السبب في المسبية) ش: أي ودل الحديث أيضا على سبب وجوب الاستبراء في الجارية المسبية. م: (وهو استحداث الملك واليد) ش: أي المسبب هو استحداث الملك واليد م: (لأنه هو الموجود في مورد النص) ش: وهو قوله: لا توطأ الحبالى، ليس إلا استحداث الملك، واليد فيكون هو السبب. م: (وهذا) ش: أي وجوب الاستبراء كون استحداث الملك سببا م: (لأن الحكمة فيه) ش: أي في وجوب الاستبراء م: (التعرف عن براءة الرحم صيانة للمياه المحترمة عن الاختلاط) ش: بغيرها م: (والأنساب) ش: أي وصيانة الأنساب، م: (عن الاشتباه) ش: أي عن استيهانها، ولا يجوز أن يكون الحكمة موجبة؛ لأنها متعقبة، والعلة سابقة فحينئذ تعلق الحكم شرعا بالسبب الظاهر، وهو حدوث ملك الحل بسبب ملك الرقبة فيدار الحكم عليه فتستبرأ. وذكر البزدوي في "مبسوطه ": إن علة وجوب الاستبراء إرادة الوطء فإنه متى أراد الوطء لا يحل إلا في محل فارغ يجب أن يعرف براءة الرحم حتى لا يصير ساقيا ماءه زرع غيره، وفيه حكمة صيانة الولد عن إرادة الوطء لا يوقف عليها حقيقة، فيضاف الحكم إلى التمكن من الوطء، فأقيم التمكن منه مقام إرادة الوطء، وذلك إنما يتحقق بالملك والقبض، ولهذا لا يخبر بالحقيقة قبل القبض من الاستبراء لما إنه لم يوجد علة. م: (وذلك) ش: إشارة إلى شرط وجوب الاستبراء م: (عند حقيقة الشغل) ش: بفتح الشين بأن يكون حاملا م: (أو توهم الشغل بماء محترم وهو) ش: أي توهم الشغل بماء محترم م: (أن يكون الولد ثابت النسب) ش: احترز به عن الزنا، ولمعنى أن يمكن إثبات نسبه من الغير لتقدم ملك الغير في المحل، فمن استحدث ملك الوطء بملك اليمين من قبل الغير بأي سبب استحداث، وتمكن منه حقيقة بالقبض وجب عند ذلك وجوب الاستبراء، وشرطه فيجب عليه الاستبراء، لا يقال: الموجب كونها مبيتة إضافة، والإضافات لا مدخل لها في العلة؛ لأنه لو اعتبر ذلك انسد باب القياس، وأنه مفتوح بالنصوص فلم يبق هاهنا إلا كونها مملوكة رقبة ويدا، وهو المؤثر كما ذكر في الكتاب، وإنما قيده بماء محترم، وإن كان الحكم في غير المحترم كذلك. فإن الجارية إذا كانت حاملا من الزنا لا يحل وطئها؛ لأنه أخرج الكلام مخرج أوضاع الشرع؛ لأنه وضع لا يكون إلا في الحلال. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 172 ويجب على المشتري لا على البائع؛ لأن العلة الحقيقية إرادة الوطء، والمشتري هو الذي يريده دون البائع، فيجب عليه غير أن الإرادة أمر مبطن فيدار الحكم.   [البناية] وهذا كما قلنا في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نام عن صلاة أو نسيها» الحديث، والحكم في الترك عامدا كذلك. إلا أن الظاهر لما كان من حال المسلم أن لا تفوت منه الصلاة إلا بالنسيان فذكره، هكذا كذلك هاهنا. وعلم من كلامه وجوب الاستبراء، وسببه، وعلته، وحكمته، أما الوجوب: ففيها الحديث المذكور، وأما سببه: فاستحداث الملك، واليد، وأما علته: فإرادة الوطء، وأما حكمته: فالتعريف عن براءة الرحم، ولكن لما كانت الإرادة خفية أقيم دليلها الظاهر وهو التمكن عن الوطء بالملك، واليد قائما مقامها تيسرا فجعل استحداث الملك، واليد علة كما في السفر مع المشقة، ثم تعدى الحكم إلى سائر باب ملك اليمين، ملك حتى وجب عليه الاستبراء بأي سبب ملك سواء كان شراء أو هبة أو وصية، أو ميراثا أو خلعا، أو كتابة، وإذا ثبت وجوب الاستبراء وحرم الوطء حرم دواعيه أيضا من اللمس والقبلة والنظر إلى الفرج بشهوة. وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الجامع الصغير ": روي عن أبي مطيع: أنه كان لا يرى بالقبلة، والملامسة بأسا، وذلك لأن القربان إنما لا يجوز لأنه يؤدي إلى اختلاط الأنساب، وليس في القبلة والملامسة هذا المعنى، قلنا: قياسا على الطهارة، وكما في غير الملك لأنها تفضي إليه، وسبب الحرام حرام. وقال فخر الإسلام: روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: يحل الدواعي لأنها لا تحتمل الوقوع في غير الملك؛ لأن المالك الأول لا يملك الدعوى، وإنما حرم الوطء بمعنى السقي زرع غيره، وهذا لا يوجد في الدواعي. [على من يجب الاستبراء] م: (ويجب على المشتري لا على البائع) ش: أي يجب الاستبراء على المشتري دون البائع، وبه قالت الثلاثة، وقال النخعي، والثوري، والحسن البصري، وابن سيرين - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يجب على البائع دون المشتري؛ لأنه الصيانة كما تجب على المشتري تجب على البائع. وقال الليثي: هذا صيانة عن ماء البائع فيجب عليه. ولنا ما أشار إليه بقوله: م: (لأن العلة الحقيقة إرادة الوطء) ش: لأن الشارع نهى عن الوطء، والنهي إنما يستقيم عند تمكن الوطء، وتمكن للمشتري لأنه هو المتملك لا البائع، وهو معنى قوله: م: (والمشتري هو الذي يريده) ش: الوطء لتمكنه منه م: (دون البائع فيجب عليه) ش: أي على المشتري م: (غير أن الإرادة أمر مبطن) ش: أي خفي على ما ذكرنا؛ لأن بعض الناس يريد الوطء، وبعضهم لا يريده م: (فيدار الحكم الجزء: 12 ¦ الصفحة: 173 على دليلها، وهو التمكن من الوطء، والتمكن إنما يثبت بالملك واليد فانتصب سببا وأدير الحكم عليه تيسيرا، فكان السبب استحداث ملك الرقبة المؤكد باليد وتعدي الحكم إلى سائر أسباب الملك، كالشراء والهبة والوصية والميراث والخلع والكتابة وغير ذلك، وكذا يجب على المشتري من مال الصبي، ومن المرأة، ومن المملوك   [البناية] على دليلها) ش: أي على دليل الإرادة م: (وهو التمكن من الوطء، والتمكن إنما يثبت بالملك واليد فانتصب سببا) ش: أي انتصب التمكن سبب في الوطء لوجوب الاستبراء. م: (وأدير الحكم عليه) ش: أي على التمكن من الوطء م: (تيسيرا) ش: أي لأجل التيسير. فإن قلت: الإرادة ليست بأمر مبطن، ولهذا جعلت إرادة الصلاة سببا لوجوب الطهارة. قلت: لأن إرادة الصلاة متحققة كفرضية الصلاة، ولا كذلك إرادة الوطء. م: (فكان السبب استحداث ملك الرقبة المؤكد باليد) ش: أي إذا كان ذلك سبب وجوب الاستبراء استحداث سبب ملك يمين الرقبة الذي تأكده باليد م: (وتعدى الحكم إلى سائر أسباب الملك كالشراء) ش: بأن اشترى أمة م: (والهبة) ش: بأن وهب له رجل أمة م: (والوصية) ش: بأن أوصى له رجل بأمة فقبضها بعد موته م: (والميراث) ش: بأن مات مورثه فورث منه أمة م: (والخلع) ش: بأن خالع امرأة على أمة فقبضها م: (والكتابة) ش: بأن كاتب عبده على جارية فإنه لا يحل للزوج والمولى وطء الجارية قبل الاستبراء م: (وغير ذلك) ش: بأن تصدق عليه بجارية فإنه لا يطأها حتى يستبرئها، أو أجر داره إلى سنته وجعل الأجرة جارية وقبضها، فإنه لا يحل له الوطء إلا بعد الاستبراء، أو دفع إليه الجاني جارية عوض أرش الجناية. فكذلك لا يحل له الوطء إلا بعد الاستبراء. م: (وكذا يجب على المشتري من مال الصبي) ش: يعني إذا باع أب الصبي، أو وصية جارية الصبي، فإنه يجب على المشتري الاستبراء م: (ومن المرأة) ش: أي وكذا يجب على المشتري من المرأة م: (ومن المملوك) ش: أي وكذا يجب على المشتري من المملوك بأن يشتري من عبده المأذون، وعليه دين مستغرق. وفي " المبسوط ": لو اشترى من عبده المأذون الاستبراء عليه، إن كانت قد حاضت بعدما اشتراها. ولا دين عليه؛ لأن المالك ملك رقبتها من وقت الشراء فتكفي تلك الحيضة كما في يد الوكيل. وإن كان على العبد دين محيط برقبته وكسبه فكذلك الجواب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يستبرئها استحسانا. وفي القياس: لا؛ لأن المولى أحق بها حتى يملك استخلاصها لنفسه بقضاء الدين من الجزء: 12 ¦ الصفحة: 174 وممن لا يحل له وطؤها. وكذا إذا كانت المشتراة بكرا لم توطأ؛ لتحقق السبب وإدارة الأحكام على الأسباب دون الحكم لبطونها، فيعتبر تحقق السبب عند توهم الشغل،   [البناية] مواضع أخرى يجبر بتلك الحيضة. والعبد لا يثبت له الحل ولا الغرماء في الاستحسان يجب استبراءها؛ لأن المولى قبل الشراء لا يملك رقبتها عنده حتى لو أعتقه لا ينفذ عتقه. وإنما حدث له ملك الحل بسبب ملك الرقبة. وفي " شرح الطحاوي ": ولو اشترى من ابنه الصغير وجب عليه الاستبراء م: (وممن لا يحل له وطؤها) ش: أي وكذا لا يجب الاستبراء على المشتري ممن لا يحل له وطؤها، كما لو اشتراها أخوها من الرضاع أو ورثها من أبيه، وأبوه استمتع بها، أو كان البائع مكاتبا أو جاريته وطئ البائع أمها أو باع الابن موطوءة أبيه، والأب موطوءة ابنه، أو كانت مجوسية. فإن قلت: الموجب ورد في السببية على خلاف القياس لتحقق المطلق كما ذكرتم فهل لا اقتصر عليها؟. قلت: غيرها في معناه حكما وعلة وسببا فألحق بها دلالة. [الاستبراء إذا كانت الأمة المشتراة بكرا لم توطأ] م: (وكذا إذا كانت المشتراة بكرا لم توطأ) ش: أي وكذا يجب الاستبراء إذا كانت الأمة المشتراة بكرا لم توطأ. وبه قال الشافعي وأحمد. وقال مالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إن كانت ممن يوطأ مثلها لزمه الاستبراء، وإن كانت ممن لا توطأ مثلها لا يجب الاستبراء. وقال داود - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كانت بكرا لا يجب لعدم توهم الشغل، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيما إذا تيقن بفراغ رحمها من ماء البائع، لا يجب الاستبراء. وقال في " شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال الاستبراء في البكر، م: (لتحقق السبب) ش: وهو استحداث الملك م: (وإدارة الأحكام على الأسباب دون الحكم) ش: -بكسر الحاء وفتح الكاف- جمع حكمة، يعني أن العلة في وجوب الاستبراء استحداث ملك اليمين واليد. والحكمة تعرف ببراءة الرحم، والحكمة تدور على السبب لا على الحكمة م: (لبطونها) ش: أي لبطون الحكم، أراد به حقيقته كما ذكرنا م: (فيعتبر تحقق السبب عهد توهم الشغل) ش: كماء محترم كما ذكرنا. فإن قلت: كيف يتوهم الشغل في الصور الثلاث؟ قلت: يحتمل أن يكون جارية الصبي أو المرأة موطوءة بشبهة فيثبت النسب من الوطئ، فيثبت توهم الشغل أيضا لهذا الطريق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 175 وكذا لا يجتزأ بالحيضة التي اشتراها في أثنائها، ولا بالحيضة التي حاضتها بعد الشراء أو غيره من أسباب الملك قبل القبض، ولا بالولادة الحاصلة بعدها قبل القبض خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن السبب استحداث الملك واليد، والحكم لا يسبق السبب. وكذا لا يجتزأ بالحاصل قبل الإجازة في بيع الفضولي، وإن كانت في يد المشتري،   [البناية] م: (وكذا لا يجتزأ بالحيضة التي اشتراها في أثنائها) ش: وكذا لا يكتفى بالحيضة التي كانت في حالة البيع، يعني اشتراها وهي حائض فطهرت من تلك الحيضة فلا تجزئها. م: (ولا بالحيضة التي حاضتها بعد الشراء) ش: أي وكذا لا يجتزأ بالحيضة التي رأتها بعد الشراء قبل القبض؛ لأن الحكم لا يسبق السبب. وروي عن أبي يوسف: أنه كان يقول: تجزأ بتلك الحيضة. كذا في " شرح الطحاوي ". م: (أو غيره من أسباب الملك) ش: مثل الهبة والصدقة، والوصية، والإرث ونحو ذلك. م: (قبل القبض) ش: قيد للمسألتين جميعا م: (ولا بالولادة الحاصلة بعدها قبل القبض) ش: أي ولا يجزء أيضا بالولادة الحاصلة بعد أسباب الملك مثل البيع والهبة ونحوهما قبل القبض، بأن اشترى أمة، وأن وهبت له، أو تصدق بها عليه، أو ورثها فولدت قبل قبضها، فإنه لا بد من الاستبراء. م: (خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده تجزأ بتلك الحيضة. وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه؛ لأن تباين فراغ رحمها يحصل بتلك الحيضة. ثم الشراح كلهم صرفوا قوله خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى قوله: وكذا لا تجزأ تماما الحيضة التي استبرأها في أثنائها مع أن المذكور ثلاث مسائل: الأولى: قوله: وكذا لا تجزأ بالحيضة التي اشتراها. والثانية: قوله: ولا بالحيضة التي حاضتها بعد الشراء، والثالثة: قوله: ولا بالولادة الحاصلة بعدها قبل القبض. ولكن تعليل تاج الشريعة لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يدل على أن خلافه في الكل، حيث قال: يعني أن عنده لا يجب الاستبراء إذا كان يتيقن فراغ رحمها من ماء البائع لحصول المقصود وهو فراغ الرحم، كما في المطلقة قبل الدخول لا يلزمها العدة، كذا هذا فافهم. م: (لأن السبب استحداث الملك واليد) ش: وقد وجد هذا جواب الاسبتراء، وفي المسائل الثلاث أي لأن سبب وجوب الاستبراء استحداث الملك واليد وقد وجد م: (والحكم لا يسبق السبب) ش: أراد بالحكم الاستبراء، وبالسبب هو استحداث الملك؛ لأن المعلول لا يسبق العلة على ما عرف م: (وكذا لا يجتزأ بالحاصل قبل الإجازة في بيع الفضولي، وإن كانت في يد المشتري) ش: أي وكذا لا يكتفي بالاستبراء الحاصل قبل إجازة البائع في عقد الفضولي. وإن كانت الجارية في يد المشتري وصورته: فضولي باع جارية فقبضها المشتري. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 176 ولا بالحاصل بعد القبض في الشراء الفاسد قبل أن يشتريها شراء صحيحا لما قلنا. ويجب في جارية للمشتري فيها شقص فاشترى الباقي؛ لأن السبب قد تم الآن، والحكم يضاف إلى تمام العلة، ويجتزأ بالحيضة التي حاضتها بعد القبض وهي مجوسية أو مكاتبة بأن كاتبها بعد الشراء، ثم أسلمت المجوسية أو عجزت المكاتبة؛ لوجودها بعد السبب، وهو استحداث الملك واليد، إذ هو مقتض للحل والحرمة لمانع كما في حالة الحيض، ولا يجب الاستبراء إذا رجعت الآبقة،   [البناية] وحاضت عنده حيضة، ثم أجاز البائع البيع لا يكتفي بتلك الحيضة؛ لأن العلة هي استحداث الملك واليد ولم يوجد قبل الإجازة م: (ولا بالحاصل بعد القبض في الشراء الفاسد قبل أن يشتريها شراءا صحيحا) ش: لعدم وجود العلة، وحكم الشيء لا يسبق عليه فكان الاستبراء قبل السبب كأن لم يكن م: (لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: ولأن السبب استحداث الملك واليد أو الحكم لا يسبق السبب. م: (ويجب في جارية للمشتري فيها شقص) ش: أي يجب الاستبراء في جارية للمشتري فيها نصيب م: (فاشترى الباقي) ش: صورته جارية مشتركة بين اثنين أو أكثر فاشترى أحد الشريكين أو الشركاء بقية الجارية يجب عليه الاستبراء م: (لأن السبب قد تم الآن) ش: لأن حدوث الملك الحل مسبب ملك الرقبة وإذا يملك جميع الرقبة؛ لأن تملك بعض الرقبة سبب له بعض العلة. م: (والحكم يضاف إلى تمام العلة) ش: فإذا ملك جميع الجارية تمت العلة وترتب عليها الحكم وهو وجوب الاستبراء م: (ويجتزأ بالحيضة التي حاضتها بعد القبض وهي مجوسية) ش: أي تكتفي بالحيضة التي رأتها الأمة بعد قبض المشتري والحال أنها مجوسية م: (أو مكاتبة بأن كاتبها بعد الشراء، ثم أسلمت المجوسية أو عجزت المكاتبة) ش: صورته اشترى رجل أمة مجوسية فحاضت عنده في مجوستها حيضة ثم أسلمت أجزأت تلك الحيضة تلك الحيضة من الاستبراء أو اشترى أمة مسلمة فكاتبها قبل أن تستبرأ ثم حاضت في حال كتابتها ثم عجزت عن الكتابة وردت إلى الرق أجزأت تلك الحيضة من الاستبراء. م: (لوجودها بعد السبب) ش: أي لوجود الحيضة بعد السبب م: (وهو استحداث الملك واليد، إذ هو مقتض للحل والحرمة لمانع) ش: أي الحرمة كانت لمانع وهو التمجس أو الكتابة، وذا لا يمنع الاعتداد بالاستبراء كما لو اشترى أمة محرمة فحاضت من حال إحرامها م: (كما في حالة الحيض) ش: أي كما كانت الحرمة في حالة الحيض لمانع وهو الحيض م: (ولا يجب الاستبراء إذا رجعت الآبقة) ش: أي الجارية الآبقة. وفي " فتاوى قاضي خان ": هذا إذا أبقت، ولم تخرج من دار الإسلام، فلو دخلت بدار الجزء: 12 ¦ الصفحة: 177 أو ردت المغصوبة أو المؤاجرة، أو فكت المرهونة لانعدام السبب، وهو استحداث الملك واليد، وهو سبب متعين فأدير الحكم عليه وجودا وعدما، ولها نظائر كثيرة كتبناها في " كفاية المنتهى ".   [البناية] الحرب ثم خرجت بغنيمة، أو اشترى، ثم أخذها المولى لا يجب الاستبراء عند أبي حنيفة وعندهما، وبه قالت الثلاثة. م: (أو ردت المغصوبة) ش: أي الجارية المغصوبة إلى مولاها م: (أو المؤاجرة) ش: أي الجارية المستأجرة - بفتح الجيم- إلى مولاها المؤجر. م: (أو فكت المرهونة) ش: أي الجارية المرهونة م: (لانعدام السبب، وهو استحداث الملك واليد، وهو سبب متعين فأدير الحكم عليه وجودا وعدما) ش: أي من حيث الوجود ومن حيث العدم والمعنى كلما وجد السبب. واستحداث الملك يدار عليه الحكم وهو الاستبراء كلما عدم لما ترتب عليه شيء؛ لأن هذا بيان السبب والمسبب. م: (ولها نظائر كثيرة كتبناها في " كفاية المنتهى ") ش: أي لهذه المسائل نظائر وأخوات كتبناها في كتابنا الموسوم " بكفاية المنتهى " منها: أن فرج الأمة إذا حرم عليه ولكن لم يخرج من ملكه كما في الحيض والنفاس والردة والكتابة ثم زالت هذه العوارض، حلت له بغير استبراء. وعند الثلاثة: يجب في الكتابة إذا عجزت وردت إلى الرق، ومنها: إذا باع جارية من رجل ثم تقايلا البيع قبل التسليم فعادت إلى القياس أنه يجب على البائع الاستبراء لوجود العلة. وفي الاستحسان: لا يجب، لأن ملك المشتري لم يكن ثم عليها. وروي عن أبي حنيفة: أنه أخذها بالقياس، ولو تقايلا بعد القبض وجب على البائع الاستبراء قياسا واستحسانا. وكذا في " شرح الطحاوي ". ومنها: أن الجارية إذا ردت على البائع بخيار رؤية أو عيب، وجب عليه الاستبراء؛ لأن خيار العيب، وخيار الرؤية، لا يمنعان وقوع الملك للمشتري. وأما إذا ردت إلى البائع بخيار الشرط، فإن كان الخيار للبائع، فلا يجب عليه الاستبراء؛ لأنها لم تخرج عن ملكه، ويجب على المشتري بعد إجارة البائع المبيع بعد القبض، وإذا حاضت قبل ذلك تجزأ بتلك الحيضة. وإن كان خيار الشرط للمشتري فسخ، وعادت الجارية إلى ملك البائع، فإن كان الفسخ قبل القبض، لم يجب على البائع بالإجماع، وإن كان بعده. فكذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا يجب على البائع. ومنها: أن البيع إذا كان فاسدا أو فسخ البيع وردت على البائع، فإن كان قبل القبض فلا استبراء على البائع في قولهم، وإذا كان بعده فعلى البائع الاستبراء في قولهم. كذا في " شرح الطحاوي ". ومنها: إذا أسرها لعدد ثم عادت إليه بعد الإحراز بدار الحرب فعليه الاستبراء، ولو الجزء: 12 ¦ الصفحة: 178 وإذا ثبت وجوب الاستبراء وحرمة الوطء، حرم الدواعي لإفضائها إليه أو   [البناية] أخذت من العبد وقبل الإحراز بدراهم، فردت إلى صاحبها فلا استبراء عليه. ومنها: إذا اشترى جارية وهي في عدة من زوج، أو عدة وفاة، أو عدة طلاق، وقد بقي من عدتها يوم أو بعض يوم، أو انقضت عدتها بعد قبض المشتري، فلا استبراء عليها. وإن انقضت قبل القبض فلا تحل إلا بالاستبراء. ومنها: إذا نقل الإمام الجند وقال: من أصاب منكم جارية فهي له، فأصاب واحد من الجند جارية فاستبرأها بحيضة، فأراد أن يطأها في دار الحرب، أو قسم الإمام الغنائم في دار الحرب، فأصاب واحد منهم جارية، فاستبرأ بحيضة وأراد أن يطأها، أو باع الإمام الجارية من الغنيمة من رجل فاستبرأها المشتري بحيضة، وأراد أن يطأها في دار الحرب، قال أبو حنيفة وأبو يوسف -رحمهما الله-: يكره أن يطأها قبل الإحراز بالدار، فإذا أحرزها بالدار، فعليه أن يستبرئها ثم يطأها. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس أن يطأها. وإذا خل واحد غازيا فغنم جارية واستبرأها بدار الحرب، فليس له وطؤها بالإجماع. ومنها: إذا تزوج أمة فطلقها قبل الدخول يستبرئها المولى؛ لأن ملك المتعة زائل، وفي رواية لا يستبرئها وهو الصحيح؛ لأن ملك اليمين لم يحدث. ومنها: أنه لو باع مدبرته وقبضها المشتري ثم ردها لا يستبرئها البائع؛ لأن الملك لم يثبت للمشتري، ولهذا لو أعتقها لا ينفذ إعتاقه، المسألتان في " الشامل ". ومنها: ذمي اشترى أمة لا يستبرئ؛ لأنه واجب حقا لله - سبحانه وتعالى-، وإنه غير مخاطب، فإن أسلم قبل أن يطأها استبرأها إن لم تكن حائضة استحسانا؛ لأنه صار من أهله وقت الاستبراء فيخاطب به حتى لو وطئها. لم يجب؛ لأن الوقت فات. ومنها: إذا زنت أمته فلا استبراء عليه، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لعدم سببه، وهو استحداث الملك واليد. ومنها إذا باع جارية أو أعادها لا يجب الاستبراء لعدم سببه. م: (وإذا ثبت وجوب الاستبراء وحرمة الوطء، حرم الدواعي) ش: وحرم القبلة واللمس والنظر بشهوة، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه م: (لإفضائها إليه) ش: أي لإفضاء الدواعي إلى الوطء، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحرم، وبه قال أكثر الفقهاء م: (أو الجزء: 12 ¦ الصفحة: 179 لاحتمال وقوعها في غير الملك على اعتبار ظهور الحبل ودعوة البائع، بخلاف الحائض حيث لا تحرم الدواعي فيها؛ لأنها لا تحتمل الوقوع في غير الملك؛ ولأنه زمان نفرة، فالإطلاق في الدواعي لا يفضي إلى الوطء والرغبة في المشتراة قبل الدخول أصدق الرغبات فتفضي إليه، ولم يذكر الدواعي في المسبية. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها لا تحرم؛ لأنها لا يحتمل وقوعها في غير الملك؛ لأنه لو ظهر بها حبل لا تصح دعوى الحربي، بخلاف المشتراة على ما بينا.   [البناية] لاحتمال وقوعها) ش: أي وقوع الدواعي م: (في غير الملك على اعتبار ظهور الحبل ودعوة البائع) ش: بأن تكون قد حبلت من البائع فتصير أم ولده بدعواه والبيع باطل، فتصير الدواعي في غير ملكه. م: (بخلاف الحائض حيث لا تحرم الدواعي فيها) ش: أي في الحائض م: (لأنها لا تحتمل الوقوع في غير الملك) ش: لا تحتمل الدواعي في غير الملك في الحائض؛ لأنها في ملكه، يعني في ملك المتعة، م: (ولأنه زمان نفرة) ش: الطبيعة لأجل الدم م: (فالإطلاق في الدواعي لا يفضي إلى الوطء) ش: لوجود النفرة م: (والرغبة في المشتراة قبل الدخول أصدق الرغبات) ش: وأقواها؛ لأنها جديدة كما ملكها وفي قلبها منه حركات، فلو أبيح له الدواعي ربما يوقعه في الجماع وهو معنى قوله م: (فتفضي إليه) ش: أي فتفضي الرغبات إلى الوطء م: (ولم يذكر الدواعي في المسبية) ش: يعني لم يذكر الدواعي في ظاهر الرواية في المسبية. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها لا تحرم؛ لأنها لا يحتمل وقوعها في غير الملك؛ لأنه لو ظهر بها حبل لا تصح دعوة الحربي) ش: فلا تقع الدواعي في غير الملك متخل واستشكل حيث تعدى الحكم من الأصل وهي المسبية إلى الفرع وهو غيرها بغير خبث حرمة الدواعي في غير المسبية، ودونها واجبها بأن ذلك باعتبار اقتضاء الدليل المذكور في الكتاب وفيه نظر من وجهين: أحدهما: أن التعدي إن كان بالقياس فالجواب المذكور غير دافع؛ لأن عدم التغير شرط القياس كما عرف في موضعه، وانتفاء الشرط أن يلزم انتفاء المشروط. والثاني: أن ما دل على حرمة الدواعي في غير المسبية الأمر أن الاقتضاء والوقوع في غير الملك، وإن لم يحرم بالثاني فتحرم بالأول، إذ الحرمة توجد بالاحتياط، ويمكن أن يجاب عنه بأن التعدية هاهنا بطريق الدلالة كما تقدم، ولا يبعد أن يكون اللاحق دلالة حكم الدليل لم يكن ليلحق به لعدم الدليل هاهنا؛ لأن حرمة الدواعي في هذا الباب مجتهد فيه لم يقبل بها الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأكثر الفقهاء، فلما كان علتها في المسبية أمرا واحدا لم يعتبر فلما كان في غيرها أمران تفاضلا اعتبرت. م: (بخلاف المشتراة على ما بينا) ش: أشار به إلى قوله: والرغبة في المشتراة أصدق الجزء: 12 ¦ الصفحة: 180 والاستبراء في الحامل بوضع الحمل لما روينا. وفي ذوات الأشهر بالشهر؛ لأنه أقيم في حقهن مقام الحيض كما في المعتدة، وإذا حاضت في أثنائه بطل الاستبراء بالأيام للقدرة على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل كما في المعتدة فإن ارتفع حيضها تركها حتى إذا تبين أنها ليست بحامل وقع عليها، وليس فيه تقدير في ظاهر الرواية. وقيل: يتبين بشهرين أو ثلاثة، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أربعة أشهر وعشرة أيام، وعنه: شهران وخمسة أيام اعتبارا بعدة الحرة   [البناية] الرغبات. [استبراء الحامل] م: (والاستبراء في الحامل بوضع الحمل لما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولا الحبالى حتى يضعن» . وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كانت حاملا تحيض استبراؤها بقرء، وفي القرء قولان عنده، في قوله: ثلاث حيض، وهو الأصح، وفي قول: ثلاثة أطهار، والأصل عنده: أن الحامل تحيض، والعجب منه أن خالف النص الصريح. م: (وفي ذوات الأشهر بالشهر) ش: أي والاستبراء في ذوات الأشهر بشهر واحد، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول: وقال في آخر ثلاثة أشهر م: (لأنه أقيم في حقهن مقام الحيض) ش: لأن الشهر أقيم في حق ذوات الأشهر مقام الحيض م: (كما في المعتدة) ش: أي كما أن الشهر يقوم مقام الحيض في حق المعتدة إذا كانت من ذوات الأشهر. م: (وإذا حاضت في أثنائه) ش: أي في أثناء الشهر م: (بطل الاستبراء بالأيام للقدرة على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل) ش: يبطل حكم الحلف م: (كما في المعتدة) ش: أي كما في المرأة إذا كانت عدتها بالأشهر فرأت الدم في خلالها، يجب عليها الاعتداد بالحيض، فكذا هذا يجب الاستبراء بالحيضة. م: (فإن ارتفع حيضها) ش: فإن صارت ممتدة الطهر م: (تركها حتى إذا تبين أنها ليست بحامل وقع عليها) ش: أي واقعها، أي جامعها. م: (وليس فيه) ش: أي مقدار الترك م: (تقدير في ظاهر الرواية) ش: لأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ -روى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عن أبي حنيفة أنه قال: لا يطأها حتى يعلم أنها غير حامل ولم يقدر ذلك بشيء، وفي " المبسوط ": وهو الأصح؛ لأن ينصب المقادير بالرأي لا تجوز، وفيه نص. م: (وقيل: يتبين بشهرين أو ثلاثة وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أربعة أشهر وعشرة أيام) ش: لأنه أقضى ما يقع به الاستبراء بالشهور أربعة، فإذا مضت ولم يظهر الحمل حل الوطء. م: (وعنه) ش: أي وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (شهران وخمسة أيام اعتبارا بعدة الحرة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 181 والأمة في الوفاة. وعن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سنتان، وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قال: ولا بأس بالاحتيال لإسقاط الاستبراء عند أبي يوسف خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقد ذكرنا الوجهين في الشفعة، والمأخوذ قول أبي يوسف فيما إذا علم البائع لم يقربها في طهرها ذلك، وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا قربها، والحيلة إذا لم تكن تحت المشتري حرة أن يتزوجها قبل الشراء، ثم يشتريها   [البناية] والأمة في الوفاة) ش: قوله اعتبارا بعدة الحرة يرجع إلى قوله: أربعة أشهر وعشر. وقوله: أو الأمة يرجع إلى قوله: شهران وخمسة أيام بطريق اللف والنشر، وقوله: في الوفاة، يرجع إلى الحرة والأمة جميعا. وفي " الأسبيجابي ": وفي " فتاوى قاضي خان ": وخمسة أيام بطريق اللف وعليه الفتوى. م: (وعن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - سنتان) ش: لأن الاستبراء يجوز أن يكون خوفا من أن تكون حاملا ولأثر زوال الحمل إلا بأكثر مضي مدته وجب اعتبار ذلك م: (وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه قال الثوري، وعند أبي مطيع البلخي: أنه قدر بتسعة أشهر، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه قدر بثلاثة أشهر. [الحيلة في إسقاط الاستبراء] م: (قال: ولا بأس بالاحتيال لإسقاط الاستبراء عند أبي يوسف خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (وقد ذكرنا الوجهين في الشفعة) ش: أي وجهين قول أبي يوسف وقول محمد -رحمهما الله-، يعني سبيل الإشارة هما قالا في الشفعة وهو: أن هذا منع عن وجوب الاستبراء ودفع لثبوته، فلا يكره الاحتيال في الإسقاط عند أبي يوسف وجه قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إنما يجب صيانة للمياه المحترمة عن الاختلاط والاشتباه فيكره م: (والمأخوذ قول أبي يوسف) ش: أي المفتى به قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (فيما إذا علم البائع لم يقربها في طهرها ذلك، وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا قربها) ش: أي المأخوذ قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا علم أن البائع قربها في طهرها م: (والحيلة) ش: في صورة الحيلة في إسقاط الاستبراء م: (إذا لم تكن تحت المشتري حرة أن يتزوجها) ش: أي الأمة التي يريد شراؤها م: (قبل الشراء، ثم يشتريها) ش: قبل الشراء ثم يشتريها فيبطل النكاح ويحل له وطئها من ساعته ويسقط الاستبراء. وفي " الفتاوى الصغرى " ناقلا عن بيوع واقعات الناطفي: الحيلة في إسقاط الاستبراء: أن يزوج البائع الجارية أولا من الذي يريد شراءها إن لم يكن له امرأة حرة ثم يبيعها منها فيبطل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 182 ولو كانت فالحيلة أن يزوجها البائع قبل الشراء، أو المشتري قبل القبض ممن يوثق به، ثم يشتريها ويقبضها، أو يقبضها ثم يطلق الزوج؛ لأن عند وجود السبب وهو استحداث الملك المؤكد بالقبض إذا لم يكن فرجها حلالا له لا يجب الاستبراء، وإن حل بعد ذلك؛ لأن المعتبر أوان وجود السبب كما إذا كانت معتدة الغير.   [البناية] النكاح ويحل له وطئها من ساعته ويسقط الاستبراء. ثم قال فيها: قال ظهير الدين: رأيت في كتاب الاستبراء لبعض المشائخ أنه إنما يحل للمشتري وطئها في هذه الصورة أن لو تزوجها ووطئها ثم اشتراها؛ لأنه حينئذ يملكها وهي في عدتها، أما إذا اشتراها قبل أن يطأها، فكما اشتراها بطل النكاح ولا نكاح حال ثبوت الملك فيجب الاستبراء لتحقيق سببه وهو استحداث حل الوطء بملك اليمين. قال: وهذا لم يذكر في الكتاب وهو دقيق حسن م: (ولو كانت) ش: أي حرة تحت المشتري م: (فالحيلة أن يزوجها البائع قبل الشراء، أو المشتري قبل القبض) ش: أي أو تزوجها المشتري قبل القبض م: (ممن يوثق به) ش: أي يعتمد عليه ولا يخاف عليه أن لا يطلقها؛ لأنه إذا لم يوثق به ربما لا يطلقها. وفي " فتاوى قاضي خان ": ولو وقع أن لا يطلقها الزوج بعد قبض المشتري إذ الشرطان أن يكون طلاق زوجها بعد قبض المشتري فإن في طلاقها قبل قبضه لا فائدة لوجوب الاستبراء بعد القبض في الأصح، الحيلة: أن يزوجها على أن يكون أمرها بيدها يطلقها متى شاء. م: (ثم يشتريها ويقبضها، أو يقبضها) ش: هذا لف ونشر يعني يشتريها ويقبضها إذا زوجها البائع أو يقبضها إذا تزوجها المشتري قبل القبض. م: (ثم يطلق الزوج) ش: يعني بعد القبض وقيد به؛ لأنه إن طلقها قبله كان على المشتري الاستبراء إذا قبضها في أصح الروايتين عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه إذا طلقها قبل القبض، فإذا قبضها والقبض بحكم العقد بمنزلة العقد فصار كأنه اشتراها في هذه الحالة، وليست في نكاح ولا عدة فيلزمه الاستبراء. م: (لأن عند وجود السبب وهو استحداث الملك المؤكد بالقبض إذا لم يكن فرجها حلالا له لا يجب الاستبراء وإن حل بعد ذلك) ش: لأن القبض إذ ذاك ليس ممكنا من الوطء والممكن منه جزء العلة، ألا ترى أن تزويج المشتري وإن كان قبضا حكما لم يعتبر لكونه مزيلا للتمكن. م: (لأن المعتبر أوان وجود السبب كما إذا كانت) ش: أي الأمة م: (معتدة الغير) ش: يعني: إذا اشترى أمة معتدة وقبضها وانقضت مدتها بعد القبض لا يجب الاستبراء؛ لأن استحداث الملك المؤكد بالقبض لم يكن فرجها حلالا للمشتري فلما لم يجب وقت الإحداث لم يجب بعده الجزء: 12 ¦ الصفحة: 183 قال: ولا يقرب المظاهر، ولا يلمس ولا يقبل ولا ينظر إلى فرجها بشهوة حتى يكفر؛ لأنه لما حرم الوطء إلى أن يكفر حرم الدواعي للإفضاء إليه؛ لأن الأصل أن سبب الحرام حرام كما في الاعتكاف والإحرام، وفي المنكوحة إذا وطئت بشبهة بخلاف حالة الحيض والصوم؛ لأن الحيض يمتد شطر عمرها.   [البناية] لعدم تجرد السبب. ثم اعلم أنه إذا تزوجها قبل الشراء، ثم اشتراها يسقط عنه جميع المهر، وفيها إذا تزوجها غير المشتري قبل قبضه يجب نصف المهر على الزوج إذا طلقها قبل دخول المولى الجارية وله أن يبرئه من ذلك. م: (قال: ولا يقرب المظاهر) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": المراد من عدم القربان ترك الجماع. فإن قلت: هذه المسألة ليست من مسائل الاستبراء فلم يذكر هاهنا بدون المناسبة. قلت: ذكرها في " الجامع الصغير " استطرادا: فإن الكلام لما انساق في الاستبراء إلى حرمة الدواعي، وفي هذه المسألة أيضا حرمة الدواعي، وذكرها المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - كذلك اتباعا له، وقد قيل: يجوز أن يقال: صدر هذا الفصل بالاستبراء وغيره، وهذه من غيره وفيه نظر؛ لأن مراده من غير أن يكون من جنسه وقد بينا منه. [لمس المظاهر وتقبيله قبل التكفير] م: (ولا يلمس ولا يقبل ولا ينظر إلى فرجها بشهوة حتى يكفر؛ لأنه لما حرم الوطء إلى أن يكفر) ش: لقوله - سبحانه وتعالى-: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وقد أوجب كفارة قبل المسيس: وهو الوطء، فإذا وطئها قبل الكفارة يلزم ترك المأمور به قطعا، فكان حراما، فلما حرم الوطء إلى أن يكفر، م: (حرم الدواعي للإفضاء إليه) ش: أي إلى الوطء م: (لأن الأصل أن سبب الحرام حرام) ش: لا محالة؛ لأنه لو كان السبب حلالا كان السبب أيضا حلالا؛ لأن المقصود من شرعية السبب هو المسبب م: (كما في الاعتكاف) ش: لما حرم الوطء ودواعيه م: (والإحرام) ش: أي كما في حالة الإحرام لما حرم الوطء حرم الدواعي أيضا. م: (وفي المنكوحة) ش: أي وكما في المنكوحة م: (إذا وطئت بشبهة) ش: حرم وطئها قبل انقضاء العدة، وكذلك حرم الدواعي م: (بخلاف حالة الحيض والصوم) ش: حيث يحرم الوطء فيها ولا يحرم الدواعي، ولكن في الصوم إذا أمن الصائم على نفسه وعليها، م: (لأن الحيض يمتد شطر عمرها) ش: أي يمتد قريب شطر عمرها، وهو الثلث، والمراد من الشطر: البعض، أي لبعض عمرها فتحريم الدواعي يفضي إلى الحرج. وقال السغناقي: أي يقرب من شطر عمرها، وهو عشرة أيام في كل شهر، فكان قريبا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 184 والصوم يمتد شهرا فرضا وأكثر العمر نفلا، ففي المنع عنها بعض الحرج ولا كذلك ما عددناها، لقصور مددها، وقد صح أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كان يقبل وهو صائم ويضاجع نساءه وهن حيض.»   [البناية] بخمسة عشر يوما، وهي نصف الشهر. وقال صاحب " العناية ": وفيه نظر؛ لأنه يشير إلى أن الشطر هو النصف ويتقوى بذلك استدلال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - علينا بالحديث على أن أكثر الحيض خمسة عشر يوما. قلت: لم يشر السغناقي إلى أن الشطر من النصف، بل المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو الذي أشار إلى ذلك، والنظر وارد عليه؛ لأن شطر الشيء في اللغة كنصفه، وقد قال: يمتد شطر عمرها فأوقع الشطر مفعول يمتد، ولكن كلامه أول بما ذكرنا؛ لأنهم كثيرا ما يطلقون الشطر على أقل من النصف. م: (والصوم يمتد شهرا فرضا وأكثر العمر نفلا) ش: أي يمتد أكثر العمر حال كونه نفلا م: (ففي المنع عنها) ش: أي عن الدواعي حالة كونها في حالة الحيض والصوم م: (بعض الحرج) ش: والحرج مدفوع شرعا م: (ولا كذلك ما عددناها) ش: وهي الطهارة والاعتكاف والإحرام والموطوءة بشبهة م: (لقصور مددها) ش: أي مدد هذه الأشياء؛ لأنها تقع في أوقات مخصوصة. م: (وقد صح أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كان يقبل وهو صائم» «ويضاجع نساءه وهن حيض» ش: هذان حديثان، الأول: رواه الجماعة في "كتبهم": عن الأسود وعلقمة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إلا ابن ماجه فإنه أخرجه عن القاسم بن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنها، قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم ولكنه أملككم لإربه» . وأخرجوه إلا البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عمرو بن ميمونة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبل في شهر رمضان» . وفي لفظ لهما بهذا الإسناد، قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبل في رمضان وهو صائم» . وأخرجه مسلم - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن حفصة قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبل وهو صائم» . وأخرجه البخاري ومسلم عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقبلها وهو صائم» ، وأخرج أبو داود عن محمد بن دينار، عن سعد بن أوس عن مصدع أبي يحيى، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقبلها وهو صائم ويمص الجزء: 12 ¦ الصفحة: 185 قال: ومن له أمتان أختان فقبلهما بشهوة، فإنه لا يجامع واحدة منهما ولا يقبلها ولا يمسها بشهوة ولا ينظر إلى فرجها بشهوة حتى يملك فرج الأخرى غيره بملك أو نكاح، أو يعتقها،   [البناية] لسانها» . وبوب عليه: "باب الصيام ويبتلع الريق"، فهو منازع في ذلك وإذ لا يلزم من المص الابتلاع، فقد يمكن أن يمصه ويمجه، هكذا قيل: وفيه نظر؛ لأن الذي يمص لسان شخص إنما يمصه من غاية المحبة، وكيف يمص لسانه ثم يبصق فإن هذا بعيد جدا، فإن الشخص إنما يبصق شيئا يكرهه غاية الكراهية، ولو كره لما مصه. ورواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مسنده " وهو حديث ضعيف. قال ابن عدي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويمص لسانه لا يقوله إلا محمد بن دينار وقد ضعفه يحيى بن معين، وسعد بن أوس قال ابن معين فيه أيضا: بصري ضعيف، قال عبد الحق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "أحكامه ": هذا حديث لا يصح، فإن ابن دينار وابن أوس لا يحتج بهما، وقال ابن الأعرابي: بلغني عن أبي داود أنه قال: هذا حديث غير صحيح، انتهى كلام عبد الحق. وأعله ابن القطان في "كتابه " بمصدع فقط. وقال: قال السعدي: كان مصدع زائغا حائدا عن الطريق، يعني في التشيع. وقال ابن الجوزي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " العلل المتناهية ": محمد بن دينار، وسعد بن أوس ومصدع: ضعفاء الحديث. الثاني: أخرجه الجماعة أيضا عن الأسود عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر ثم يضاجعها، وفي لفظ ثم يباشرها» . وأخرج البخاري ومسلم عن زينب بنت أم سلمة عن أمها «أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: بينما أنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مضطجعة معه في الجميلة، حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي، فقال: أنفست؟ قلت: نعم، فدعاني فاضطجعت معه في الجميلة» . [له أمتان أختان فقبلهما بشهوة] م: (قال: ومن له أمتان أختان فقبلهما بشهوة فإنه لا يجامع واحدة منهما ولا يقبلها ولا يمسها بشهوة ولا ينظر إلى فرجها بشهوة حتى يملك فرج الأخرى غيره بملك أو نكاح أو يعتقها) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": أيضا هذه ثلاثة أوجه: إما قبلها أو لم يقبلها، أو قبل إحداهما، فإن لم يقبلهما أصلا كان له أن يقبل ويطأ أيهما شاء سواء إن كان اشتراهما الجزء: 12 ¦ الصفحة: 186 وأصل هذا: أن الجمع بين الأختين المملوكتين لا يجوز وطئا لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] ولا يعارض بقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] لأن الترجيح للمحرم، وكذا لا يجوز الجمع بينهما في الدواعي لإطلاق النص؛ ولأن الدواعي إلى الوطء بمنزلة الوطء في التحريم على ما مهدناه من قبل، فإذا قبلهما فكأنه وطأهما، ولو وطأهما ليس له أن يجامع إحداهما، ولا أن يأتي بالدواعي فيهما، فكذا إذا قبلهما، وكذا إذا مسهما بشهوة أو نظر إلى فرجيهما بشهوة لما بيناه؛   [البناية] معا أو على التعاقب وإن كان قبل إحداهما كان له أن يطأ المقبلة دون الأخرى، وأما إذا قبلها بشهوة وقيد بذلك؛ لأنه إذا لم يكن بشهوة لا يكون معتبرا. [الجمع بين الأختين المملوكتين] م: (وأصل هذا أن الجمع بين الأختين المملوكتين لا يجوز وطئا) ش: أي من حيث الوطء لا يجوز م: (لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] ش: والمراد تحريم العقد والوطء بالإجماع، والمعطوف يشارك المعطوف عليه في الحكم تحقيقا لقضية العطف، وهو المروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وعليه أكثر الصحابة. م: (ولا يعارض بقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] لأن الترجيح للمحرم) ش: أراد بذلك أن قوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] يدل على الحل، وقوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا} [النساء: 23] على الحرمة والمحرم مع المباح إذا اجتمعا، فالمحرم أولى؛ لأن الحرام يجب تركه، والمباح لا يجب فعله، ومذهب عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أنه يجوز؛ لأنه أحلتهما آية وحرمتهما آية. والأصل في الأبضاع الحل بعد وجود سبب الحل، وقد وجد وهو سبب ملك اليمين. فإن قلت: الأصل في الدلائل الجمع، وأمكن هنا بأن يحمل قوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا} [النساء: 23] على النكاح. وقوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] على ملك اليمين. قلت: المعنى الذي يحرم الجمع بين الأختين نكاحا وجد هنا وهو قطيعة الرحم فيثبت الحكم، هذا أيضا؛ لأن قوله سبحانه وتعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] مخصوص إجماعا، فإن أمه وأخته من الرضاع، والأمة المجوسية حرام، فلا يعارض ما ليس بمخصوص وهو المحرم للجمع. م: (وكذا لا يجوز الجمع بينهما في الدواعي لإطلاق النص، ولأن الدواعي إلى الوطء بمنزلة الوطء في التحريم على ما مهدناه من قبل) ش: أشار به إلى قوله: لأن الأصل أن سبب الحرام حرام م: (فإذا قبلهما فكأنه وطأهما، ولو وطأهما ليس له أن يجامع إحداهما، ولا أن يأتي بالدواعي فيهما، فكذا إذا قبلهما وكذا إذا مسهما بشهوة أو نظر إلى فرجيهما بشهوة لما بيناه) ش: أشار به إلى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 187 إلا أن يملك فرج الأخرى غيره بملك أو نكاح أو يعتقها؛ لأنه لما حرم عليه فرجها لم يبق جامعا. وقوله: بملك أراد به: ملك يمين فينتظم التمليك بسائر أسبابه بيعا أو غيره. وتمليك الشقص فيه كتمليك الكل؛ لأن الوطء يحرم به، وكذا إعتاق البعض من إحداهما كإعتاق كلها. وكذا الكتابة كالإعتاق في هذا لثبوت حرمة الوطء بذلك كله، وبرهن إحداهما وإجارتها وتدبيرها لا تحل الأخرى؛ ألا ترى أنها لا تخرج بها عن ملكه.   [البناية] قوله: لأن الدواعي إلى الوطء بمنزلة الوطء م: (إلا أن يملك فرج الأخرى غيره بملك) ش: بأن يبيعها أو يهديها أو يتصدق بها م: (أو نكاح) ش: بأن يزوجها غيره م: (أو يعتقها؛ لأنه لما حرم عليه فرجها لم يبق جامعا) ش: بين الأختين. م: (وقوله: بملك أراد به: ملك يمين) ش: أي قول القدوري في "مختصره ": حتى يملك فرج الأخرى بملك أراد بملك يمين م: (فينتظم التمليك بسائر أسبابه) ش: أي ينتظم التمليك بسائر أسباب التمليك م: (بيعا أو غيره) ش: أي من حيث البيع أو غيره نحو الهبة والصدقة. م: (وتمليك الشقص فيه كتمليك الكل) ش: أي تمليك بعض الأخرى في هذا الباب كتمليك كلها م: (لأن الوطء يحرم به) ش: أي بتمليك الشقص. م: (وكذا إعتاق البعض من إحداهما كإعتاق كلها) ش: أي وكذا إعتاق بعض من إحداهما كإعتاق كلها لحرمة الوطء به. م: (وكذا الكتابة كالإعتاق) ش: أي وكذا لو كاتب إحداهما فإن الكتابة كالإعتاق لثبوت حرمة الوطء بها حتى لو وطئها يعزم العقد لها. وقال صاحب " العناية ": وكلمة كذا زائدة. قلت: زيادة كذا في كلام العرب غير مشهورة م: (في هذا) ش: أي في أنه تحل الأخرى. فإن قلت: بالكتابة لم يخرج من ملك المولى حتى يستلزمه استبراء جديد بعد العجز، ولم يجعل فرجها للغير، فكان ينبغي أن لا يحل له وطء الأخرى. قلت: الحل يزول بالكتابة كما ذكرنا، فجعل زوال الحل عنها بالكتابة كزواله بالتزويج، فيحل له أن يطأ الأخرى م: (لثبوت حرمة الوطء بذلك كله) ش: أي كما ذكرنا في الصور، وهو تمليك الشقص وإعتاق البعض والكتابة. م: (وبرهن إحداهما) ش: أي إحدى الأمتين الأختين م: (وإجارتها) ش: أي إجارة إحداهما م: (وتدبيرها) ش: أي تدبير إحداهما م: (لا تحل الأخرى ألا ترى أنها) ش: أي لأن التي رهنها أو أجرها أو دبرها م: (لا تخرج بها) ش: أي بالأشياء المذكورة م: (عن ملكه) ش: فيكون جامعا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 188 وقول: أو نكاح أراد به النكاح الصحيح. أما إذا زوج إحداهما نكاحا فاسدا، لا يباح له وطء الأخرى إلا أن يدخل الزوج بها فيه؛ لأنه يجب العدة عليها، والعدة كالنكاح الصحيح في التحريم. ولو وطئ إحداهما حل له وطء الموطوءة دون الأخرى؛ لأنه يصير جامعا بوطء الأخرى لا بوطء الموطوءة. وكل امرأتين لا يجوز الجمع بينهما نكاحا فيما ذكرناه بمنزلة الأختين. قال: ويكره أن يقبل الرجل فم الرجل أو يده أو شيئا منه، أو يعانقه، وذكر الطحاوي أن هذا قول أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بالتقبيل والمعانقة   [البناية] م: (وقول: أو نكاح) ش: أي وقول القدوري: أو نكاح م: (أراد به النكاح الصحيح. أما إذا زوج إحداهما نكاحا فاسدا لا يباح له وطء الأخرى إلا أن يدخل الزوج بها فيه) ش: أي في النكاح الفاسد. م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (يجب العدة عليها، والعدة كالنكاح الصحيح في التحريم) ش: على المولى فيجعل له حينئذ أن يطأ أختها م: (ولو وطئ إحداهما) ش: أي لو وطأ إحدى الأمتين الأختين م: (حل له وطء الموطوءة دون الأخرى) ش: أي غير الموطوءة م: (لأنه يصير جامعا بوطء الأخرى لا بوطء الموطوءة) ش: أي لأن بالوطئ إنما يصير جامعا بين الأختين، إذا جمعت الأخرى، أما إذا اقتصر على وطء الموطوءة لا يصير جامعا، وهذا ظاهر. م: (وكل امرأتين لا يجوز الجمع بينهما نكاحا) ش: أي من حيث النكاح كما إذا كانت إحداهما عمة الأخرى أو خالتها م: (فيما ذكرناه بمنزلة الأختين) ش: يعني تكونان بمنزلة الجمع بين الأختين في قضاء الشهوة، فإذا قبلهما أو لمسهما، أو نظر إلى فرجهما بشهوة، لا يجوز له وطء واحدة منهما حتى يحرم فرج الأخرى عليه بوجه من الوجوه، وكذا الحكم فيما إذا كانت إحداهما أم الأخرى أو بينهما لا يجوز الجمع بينهما في قضاء الشهوة. [يقبل الرجل فم الرجل أو يده أو شيئا منه أو يعانقه] م: (قال: ويكره أن يقبل الرجل فم الرجل أو يده أو شيئا منه أو يعانقه) ش: قال في " الجامع الصغير ": وصورتها فيه: محمد عن يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: أكره أن يقبل الرجل من الرجل فمه، أو يده، أو شيئا منه، وأكره المعانقة ولا أرى بالمصافحة، ولم يذكر الخلاف كما ترى، ولهذا قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وذكر الطحاوي) ش: أي في " شرح الآثار ": م: (أن هذا قول أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله- وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا بأس بالتقبيل والمعانقة) ش: ذكره الطحاوي في " شرح الآثار " بإسناده إلى «أنس بن مالك قال: قالوا يا رسول الله: "أينحني بعضنها بعضا إذا التقينا؟ قال: "لا"، قالوا: فيعانق بعضنا بعضا؟ قال: "لا"، قالوا: فيصافح بعضنا بعضا؟ قال: "تصافحوا» . قال الطحاوي: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 189 لما «روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عانق جعفرا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين قدم من الحبشة وقبل بين عينيه» .   [البناية] وذهب قوم إلى هذا فكرهوا المعانقة، منهم أبو حنيفة ومحمد -رحمهما الله-، وخالفهم آخرون ولم يروا به بأسا، منهم أبو يوسف، وأخذ الطحاوي يقول أبي يوسف في " شرح معاني الآثار " فمن أراد ذلك فليعاود إليه في " شرح الآثار "، وقد أمعنا الكلام في هذا الباب في " شرح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار ": فمن أراد ذلك فليعاود إليه. م: (لما روي أن «النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عانق جعفرا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين قدم من الحبشة وقبل بين عينيه» ش: هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، منهم: عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، أخرج حديثه الحاكم في "مستدركه "، عن حيوة ابن شريح، عن يزيد بن أبي حبيب عن نافع، عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: «وجه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعفر بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلى بلاد الحبشة، فلما قدم منها اعتنقه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقبل بين عينيه» . قال الحاكم: إسناده صحيح. ومنهم جابر أخرج حديثه - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الحاكم أيضا عن الأجلح، عن الشعبي عن جابر قال: «لما قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من خيبر، وقدم جعفر من الحبشة، تلقاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقبل جبهته، وقال: "والله ما أدري بأيهما أفرح؟ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر وسكت عنه» . ثم أخرجه عن سفيان، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، وزكريا بن أبي زائدة عن الشعبي قال: لما قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الحديث، وقال: هذا مرسل صحيح، وأخرجه الطحاوي أيضا مرسلا، ورواه البيهقي في " دلائل النبوة في باب: غزوة خيبر "، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا الحسن بن إسماعيل أبي العلوي، حدثنا أحمد بن محمد البيروني، حدثنا محمد بن أحمد بن أبي طيبة حدثني مكي بن إبراهيم الرعيني حدثنا سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فذكره، وقال: في إسناده إلى الثوري من لا يعرف. ومنهم أبو جحيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرج حديثه الطبراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجزء: 12 ¦ الصفحة: 190 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] "معجمه الأوسط والصغير "، حدثنا أحمد بن خالد بن مسرح الحراني، حدثنا عمي الوليد بن عبد الملك بن مسرح، حدثنا مخلد بن يزيد، حدثنا مسعر بن كدام، عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: «قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة فقيل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعانقه» وقال: تفرد به الوليد بن عبد الملك. وأخرجه ابن عدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الكامل ": محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: «لما قدم جعفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأصحابه قبل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما بين عينيه وقال: "ما أدري أبقدوم جعفر أسر أو بفتح خيبر؟» . ومنهم عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أخرج حديثها الدارقطني في "سننه " عنها قالت: «لما قدم جعفر بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأصحابه استقبله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقبله بين عينيه» . ومن طريق ابن عدي - رَحِمَهُ اللَّهُ -رواه البيهقي في " شعب الإيمان "، وروى البزار - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مسنده "، حدثنا أحمد، حدثنا عبد الله بن شبيب حدثنا إسماعيل بن أبي أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك حدثنا عبد الرحمن بن أبي مليكة، عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه قال: «لما قدم جعفر من الحبشة، أتاه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقبل بين عينيه، وقال: "ما أنا بفتح خيبر أشد فرحا مني بقدوم جعفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» . وقال: لا نعلمه يروى عن عبد الله بن جعفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا من هذا الوجه، وقد رواه الشعبي عن عبد الله بن جعفر، عن أبيه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ورواه البيهقي في " شعب الإيمان "، أخبرنا أبو الحسين بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيد، أخبرنا إسماعيل بن الفضل، حدثنا خليفة بن خياط، حدثنا زياد بن عبد الله البهي، حدثنا مجاهد بن سعيد، عن الشعبي، عن عبد الله بن جعفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «لما قدم جعفر من الحبشة استقبله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقبل شفتيه» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 191 ولهما ما «روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن المكامعة وهي المعانقة؛ وعن المكاعمة وهي التقبيل» ،   [البناية] قال البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هكذا وجدته، والمعروف: بين عينيه. وحديث آخر رواه الترمذي، وفي "الاستئذان" حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد المديني، حدثني أبي، عن محمد بن إسحاق عن الزهري، عن عروة، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بيتي، فأتاه فقرع الباب، فقام إليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عريانا يجر ثوبه، والله ما رأيته عريا قبله ولا بعده، فاعتنقه وقبله» قال: حديث حسن غريب. ورواه أبو نعيم في " دلائل النبوة " بالإسناد المذكور، قال: «بلغ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن امرأة من بني فزارة يقال لها: " أم قرفة " جهزت ثلاثين راكبا من ولدها وولد ولدها وقالت: اذهبوا إلى المدينة فاقتلوا محمدا، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اللهم أثكلها بولدها"، وبعث إليهم بزيد بن حارثة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فالتقوا، فقتل زيد بني فزارة وقتل أم قرفة وولدها. فأقبل زيد حتى قدم المدينة» . الحديث. الآخر رواه ابن سعد في " الطبقات ": أخبرنا الواقدي حدثني يعقوب بن عمر، عن نافع العدوي عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم العدوي، قال: «أسلم نعيم بن عبد الله بن النحام بعد عشرة، وكان يكتم إسلامه ثم هاجر إلى المدينة في أربعين نفر من أهله، فأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاعتنقه وقبله» . م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نهى عن المكامعة وهي المعانقة، وعن المكاعمة وهي التقبيل» ش: هذا الحديث رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" و"مسنده " جميعا، حدثنا زيد بن الحباب حدثني يحيى بن أيوب المصري، أخبرني عياش بن عباس الحميري، عن أبي الحصين الهيثم، عن عامر الحجري، قال: سمعت أبا ريحانة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صاحب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كان رسول الجزء: 12 ¦ الصفحة: 192 وما رواه محمول على ما قبل التحريم.   [البناية] الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهى عن مكامعة". أو مكاعمة: المرأتين ليس بينهما شيء. وعن مكامعة، أو مكاعمة الرجلين ليس بينهما شيء» . ورواه أبو عبيد القاسم بن سلام في "غريبه ": حدثني أبو النضر عن الليث بن سعد عن عياش بن عباس رفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أن نهى عن المكامعة والمكاعمة» . قال أبو عبيد: والمكاعمة أن يلثم الرجل فاه صاحبه، مأخوذ من كعام البعير، وهو أن يشد فاه إذا هاج والمكامعة أن يضاجع الرجل صاحبه في ثوب واحد. وكذلك قيل لزوج المرأة: كميع. قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي تفسير المكامعة بالمواثقة فيه نظر؛ لأن المضاجع هوالمعانق غالبا، ولا يضاجع أحدا غيره إلا والغالب أنه يعانقه. قوله: عياش بن عباس، الابن - بالياء آخر الحروف المشددة، وبالشين المعجمة-، والأب - بالباء الموحدة والسين المهملة-. وأبو الحصين - بضم الحاء، وفتح الصاد المهملتين-، واسمه: الهيثم بن شفي. قوله: عن عامر الحجري، ويقال: أبو عامر الحجري، وهو الصواب، واسمه عبد الله بن جابر الحجري، وقيل: المعافري. والحجري: -بفتح الحاء المهملة، وسكون الجيم- نسبة حجر عين من اليمن. ثم اعلم أن أبا داود والنسائي: - رحمهما الله- أخرجا حديث المكامعة فقط، فأبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخرجه في "اللباس"، والنسائي في "الزينة" عن المفضل بن فضالة، عن عياش بن عباس، عن أبي الحصين الهيثم بن شفي، عن أبي عامر المعافري، عن أبي ريحانة، قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عشرة: عن الوشر والوشم والنتف، ومكامعة الرجل الرجل بغير شعار، ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار، وأن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريرا مثل الأعاجم، وأن يجعل على منكبيه حريرا، وعن النهي وركوب النمور، ولبس الخاتم إلا لذي سلطان» . ورواه أحمد في "مسنده "، ورواه ابن ماجه - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن ابن أبي شيبة بسنده المتقدم سواء: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كان ينهى عن ركوب النمور» ، وأخطأ الحافظ عبد العظيم المنذري في عزوه الحديث بتمامه لابن ماجه، ولكنه قلد أصحاب " الأطراف ". م: (وما رواه) ش: أي أبو يوسف م: (محمول على ما قبل التحريم) ش: أي كان قبل تحريم التقبيل والمعانقة، والشيخ أبو منصور وفق بين الأحاديث فقال: المكروه من المعانقة ما كان على وجه الشهوة، أشار إليه المصنف بقوله. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 193 قالوا: الخلاف في المعانقة في إزار واحد، أما إذا كان عليه قميص أو جبة فلا بأس بها بالإجماع وهو الصحيح، قال: ولا بأس بالمصافحة؛ لأنه هو المتوارث. وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من صافح أخاه المسلم وحرك يده تناثرت ذنوبهما» .   [البناية] [المعانقة في إزار واحد] م: (قالوا: الخلاف في المعانقة في إزار واحد) ش: أي قال المشايخ منهم: أبو منصور الخلاف المذكور فيما إذا عانق رجلا في إزار واحد؛ لأنه سبب يفضي إلى الشهوة م: (أما إذا كان عليه) ش: أي على المعانق م: (قميص أو جبة فلا بأس بها) ش: أي بالمعانقة ذكر الضمير باعتبار العناق. م: (بالإجماع) ش: بين أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (وهو الصحيح) ش: أي للذي قاله المشائخ هو الصحيح؛ لأنه - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكون على وجه البر والكرامة، وهو أمر ممدوح بين الناس. م: (قال: ولا بأس بالمصافحة) ش: أي قال في " الجامع الصغير "، م: (لأنه هو المتوارث) ش: أي لأن المصافحة هو التوارث بين الناس أراد به سنة قديمة بين الناس في البيعة وغيرها. وذكر الضمير باعتبار التصافح. م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من صافح أخاه المسلم وحرك يده تناثرت ذنوبهما» ش: رواه الطبراني في "معجمه الأوسط "، عن أحمد بن رشدين، عن يعقوب الخريقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن حذيفة بن اليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه، تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر» . وأخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " عن صفوان بن سليم، عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، حدثنا ابن أبي ليلى، عن حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا نحوه سواء. وأخرج أيضا عن «يزيد بن البراء بن عازب عن أبيه قال: دخلت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فرحب بي وأخذ بيدي ثم قال: "يا براء أتدري لم أخذت بيدك؟ " قال: قلت: خيرا يا رسول الله، قال: "لا يلقى مسلم مسلما فيرحب به ويأخذه بيده، إلا تناثرت الذنوب بينهما، كما يتناثر ورق الشجر» . وأخرج أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - والترمذي، وابن ماجه، عن الأجلح، عن أبي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 194 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] إسحاق، عن البراء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا» . وقال الترمذي: حسن غريب. ورواه أحمد في "مسنده "، والأجلح: اسمه يحيى بن عبد الله أبو حجية. فيه مقال. وأخرج أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا عن «رجل من عنزة أنه قال لأبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أريد أن أسألك عن حديث، هل كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: "ما لقيته قط إلا صافحني» . وفيه مجهول. وأخرج الترمذي عن خيثمة، عن رجل، عن ابن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: «من تمام التحية الأخذ باليد» . وقال: غريب. وسألت محمد بن إسماعيل عنه فلم يعده محفوظا. قلت: وفيه مجهول أيضا. وأخرج الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته، ومن تمام التحية المصافحة» وقال: إسناده ليس بقوي، وعلي بن يزيد ضعيف. وفي "الصحيحين" في حديث كعب بن مالك: «فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني ولا أنساها لطلحة» ، وعند البخاري عن قتادة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: قلت لأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أكانت المصافحة في أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: نعم. ثم اعلم أن الكلام في هذا الباب على فصول: الأول: في أنواع القبل. قال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الصغير ": يقال: القبلة على خمسة أوجه: قبلة تحية، وقبلة شفقة، وقبلة رحمة، وقبلة مودة، وقبلة شهوة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 195 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فأما قبلة التحية: فكان المؤمنون يقبل بعضهم بعضا على اليد. وقبلة الرحمة: الوالد لولده، والوالدة لولدها على الخد. وقبلة الشفقة: قبلة الولد لوالده أو لوالدته يقبله على الرأس. وأما قبلة المودة: يقبل أخاه وأخته على الخد. وأما قبلة الشهوة: قبلة الزوج لزوجته على الفم. وفي " كفاية" تاج الشريعة: وزاد بعضهم قبلة ديانة، وهي القبلة على الحجر الأسود، انتهى. قلت: روى أحاديث كثيرة منها ما أخرجه أبو داود في "الجهاد" و"الأدب" والترمذي في "الجهاد"، وابن ماجه في "الأدب"، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن «ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "أنه كان في سرية من سرايا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .... "، فذكر قصته، قال: فدنونا من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقبلنا يده» . قال الترمذي: حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي زياد. ولم يذكر ابن ماجه القصة. ومنها ما أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن عائشة بنت طلحة، عن «عائشة أم المؤمنين - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قالت: "ما رأيت أحدا أشبه سمتا وهديا ودلا برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من فاطمة ابنته - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: وكانت إذا دخلت عليه قام إليها يقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا دخل عليها قامت له فقبلته وأجلسته في محلها» . وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث حسن، وفي بعض النسخ: حسن صحيح. ومنها: ما أخرجه الترمذي في "الاستئذان"، والنسائي في السير، وابن ماجه عن عبد الله بن سلمة - بكسر اللام-، عن صفوان بن عسال: «أن قوما من اليهود قبلوا يد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورجليه» . وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث حسن صحيح. قال النسائي: حديث منكر. وقال المنذري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وكان إنكاره له من جهة عبد الله بن سلمة فإن فيه مقالا. ومنها: ما أخرجه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ -، حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع، عن مطر الجزء: 12 ¦ الصفحة: 196 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بن عبد الرحمن الأعتق، حدثتني أم أبان بنت الوازع بن زارع، عن جدها «الزارع بن عامر قال: "فجعلنا نتبادر من رواحلنا، ونقبل يد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورجله» . ورواه البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتابه " الأدب المفرد "، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا مطر، به. ومنها: ما أخرجه الترمذي وابن ماجه في "الجنائز" عن عاصم بن عبيد الله، عن القاسم بن محمد، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل على عثمان بن مظعون وهو ميت، فأكب عليه وقبله ثم بكى حتى رأيت دموعه تسيل على وجنتيه» . وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث حسن صحيح. ورواه الحاكم في "المستدرك " وقال: إن الشيخين لم يحتجا بعاصم بن عبد الله. وشاهده: حديث ابن عباس، وجابر، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: «أن الصديق - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قبل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو ميت» . ثم أعاده في " الفضائل " بالسند المذكور، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي في "مختصره " وقال: سنده واه. ومنها: ما أخرجه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن «أسيد بن حضير قال: "بينا هو يحدث القوم يضحكهم وكان فيه مزاج إذ طعنه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خاصرته بعود فقال: أصبرني يا رسول الله، قال: اصطبر. قال: إن عليك قميصا وليس علي قميص فرفع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قميصه فاحتضنه وجعل يقبل كشحه، وقال: إنما أردت هذا يا رسول الله» . قوله: اصطبرني؛ أي أقدني، وقوله: اصطبر: استقد. ومنها: ما أخرجه الحاكم في "مستدركه في البر والصلة" عن عاصم بن حبان عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن «رجلا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله أرني شيئا أزداد به يقينا، فقال: اذهب إلى تلك الشجرة فادعها، فذهب إليها فقال لها: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعوك، فجاءت حتى سلمت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال لها: ارجعي. فرجعت". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 197 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قال: ثم أذن له فقبل رأسه ورجليه، وقال: "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» ، وقال: صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي فقال: صالح بن حبان متروك، ورواه البزار في "مسنده " وقال فيه: " فقبل رأسه ويديه ورجليه " وقال: لا يعلم في تقبيل الرأس غير هذا الحديث. قلت: هذا عجيب منه كيف غفل عن حديث الإفك؟! «قال أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: "قومي فقبلي رأس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» الحديث. وقال الحافظ المنذري في "مختصره ": وقد صنف الحافظ أبو بكر الأصبهاني المعروف بابن المقرئ جزء في الرخصة في تقبيل اليد ذكر فيه أحاديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وآثار عن الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين. فعلم من مجموع ما ذكرنا إباحة قبلة اليد والرجل والرأس والكشح، كما علم من الأحاديث المتقدمة إباحتها من الجبهة المتقدمة وبين العينين وعلى الشفتين، كما علم من حديث عبد الله بن جعفر الذي أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان ". وقد ذكرناه عن قريب في جملة أحاديث التقبيل ولكن كل ذلك إذا كان على وجه المبرة والإكرام، وأما إذا كان على وجه الشهوة لا يجوز إلا في حق الزوجين. وذكر في " الواقعات " تقبيل يد الإمام أو السلطان العادل جائز لما روى سفيان أنه قال: "تقبيل يد العالم والسلطان العادل سنة" فقام عبد الله بن المبارك وقبل رأسه وقال: "من يحسن هذا غيرك ". [تقبيل الأرض بين يدي العلماء] 1 وأما تقبيل يد غيرهم فتكلموا فيه، فمنهم من قال: إن كان الرجل يأمن على نفسه وينوي حسنة وهي تعظيم المسلم وإكرامه، ولا بأس به. ثم قال في " الواقعات ": والمختار أنه لا رخصة فيه عن المتقدمين. قلت: هذا خلاف في الأحاديث، وفي " الغاية ": وأما تقبيل الأرض بين يدي العلماء وغيرهم، قالوا: إنه حرام لا إشكال فيه والفاعل والراضي به كذلك آثم؛ لأنه يشبه عبادة الوثن. وفي " شرح الطحاوي ": وأما ما يفعله الجهال من تقبيل يد نفسه إذا لقي غيره: فهو مكره فلا رخصة فيه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 198 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وفي " الكافي ": ورخص بعض المتأخرين - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تقبيل يد العالم والمتورع. قلت: كذلك تقبيل يد الوالدين والأستاذ وكل من يستحق التعظيم والإكرام. الفصل الثاني: في قيام الرجل اختلفوا فيه، فمنهم من منع ذلك لما روى أبو داود بإسناده إلى أبي أمامة قال: «خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متكئا على عصا فقمنا له، فقال: "لا تقوموا كما تقوم الأعاجم عظم بعضهم بعضا» . ومنهم من أباحه استدلالا بقيام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لابنته فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وهو الذي ذكرناه عن قريب. ومنهم من فضل على من قال في " قاضي خان ": قوم يقرؤون القرآن أو واحد، فدخل عليهم واحد من الأشراف، فقالوا: إن دخل عليه عالم أو أبواه أو أستاذه جاز أن يقوم لأجله، وفيما سوى ذلك لا يجوز، انتهى. ومنهم من قال: إن كان الداخل على قوم أو على أحد ممن يتوقع القيام له ينبغي أن يقوم حتى لا يتضرر بتركه، وإن كان يتوقع ذلك يتركه. كما حكي عن الشيخ أبي القاسم السمرقندي الحكيم - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه كان إذا دخل عليه أحد من الأغنياء يقوم له ويعظمه ولا يقوم للفقراء وطلبة العلم، فقيل له في ذلك، فقال: لأن الأغنياء يتوقعون مني التعظيم فلو تركت تعظيمهم انزعجوا، والفقراء وطلبة العلم لا يطمعون في ذلك وإنما يطمعون جواب السلام والتكلم معهم في العلم ونحوه فلا يتضررون بترك القيام. الفصل الثالث: في السجود لغير الله: ذكر المحبوبي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح؛ "الجامع الصغير ": أما السجود لغير الله سبحانه وتعالى فهو كفر إذا كان من غير إكراه وما يفعله الجهال من الصوفية بين يدي شيخهم فحرام محض أقبح البدع فينهون عن ذلك لا محالة، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تفعلوا، لو كنت آمر أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق» ، أخرجه أبو داود وغيره، أي: لا تسجدوا، وذلك حين قالوا له: أنت أحق أن نسجد لك. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 199 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وفي " الواقعات ": إذا قيل للمسلم: اسجد للملك وإلا قتلناك، فالأفضل أن لا يسجد، لأنه كفر، والأفضل أن لا يأتي بما هو كفر صورة. وإذا كان في حالة الإكراه، وإن كان السجود سجود التحية، فالأفضل أن يسجد، لأنه ليس بكفر، وهذا دليل على أن السجود إذا كانت سنة التحية، إذا كان خائفا لا يكون كفرا، فعلى هذا القياس لا يصير من سجد عند السلطان على وجه التحية كافرا، انتهى ألفاظ " الواقعات ". قلت: في هذا الزمان لا يسجدون لسلطان إلا تعظيما وإجلالا فلا يشك في كفرهم. وفي " فتاوى الحسيني ": التواضع لغير الله حرام. وفي " الكافي ": قال شمس الأئمة السرخسي: السجود لغير الله في وجه التعظيم كفر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 200 فصل في البيع قال: ولا بأس ببيع السرقين، ويكره ببيع العذرة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز بيع السرقين أيضا؛ لأنه نجس العين، فشابه العذرة وجلد الميتة قبل الدباغ. ولنا: أنه منتفع به؛ لأنه يلقى في الأراضي لاستكثار الريع فكان مالا، والمال محل للبيع بخلاف العذرة؛ لأنه ينتفع بها مخلوطا، ويجوز بيع المخلوط هو المروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الصحيح. وكذا يجوز الانتفاع بالمخلوط لا بغير المخلوط في الصحيح والمخلوط بمنزلة زيت خالطته النجاسة.   [البناية] [فصل في البيع] [ببيع السرقين] م: (فصل في البيع) ش: أخر هذا الفصل عن فصل الأكل والشرب واللمس والوطء لأن أمر تلك الأفعال متصل ببدن الإنسان، وهذا لأن ما كان أكثر اتصالا كان أحق بالتقديم. م: (قال: ولا بأس ببيع السرقين) ش: أي قال في " الجامع الصغير " والسرقين بكسر السين هو السرجين، ويقال له: العوة بضم العين المهملة وتشديد الواو والهاء. وفي حديث سعيد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أنه كان بدليل أرضه بالعوة. أي يصلح أرضه ويحسن معالجتها، ومنه سمى الدمال لأن الأرض تصلح به. وفسر العوة في الفائق: بالسرجين، وفسرها الأصمعي بعذرة الناس. وقال في " الجمهرة ": العودة البعر وما أشبه مما تشابه الأرض. م: (ويكره ببيع العذرة) ش: وهو رجيع الآدمي م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز بيع السرقين أيضا؛ لأنه نجس العين فشابه العذرة وجلد الميتة قبل الدباغ) ش: وبه قال مالك وأحمد -رحمهما الله. م: (ولنا: أنه) ش: أي السرقين م: (منتفع به؛ لأنه يلقى في الأراضي لاستكثار الريع فكان مالا، والمال محل للبيع بخلاف العذرة؛ لأنه ينتفع به مخلوطا) ش: لأن العادة لم تجر بالانتفاع بها إلا مخلوطا بالتراب أو الرماد م: (ويجوز بيع المخلوط) ش: لأنه مال ونجاسة العين يمنع الأكل ولا يمنع الانتفاع م: (هو المروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الصحيح) ش: واحترز به عن ما روي عن أبي حنيفة أنه قال: لا بأس ببيع غير المخلوط أيضا. [الانتفاع بالمخلوط] م: (وكذا يجوز الانتفاع بالمخلوط لا بغير المخلوط في الصحيح) ش: احترز به عما روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: لا بأس بالانتفاع بالعذرة الخالصة. والروايتان نقلهما الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح "الجامع الصغير ". م: (والمخلوط بمنزلة زيت خالطته النجاسة) ش: أي الخلوط من العذرة بالتراب بمنزلة زيت خالطته النجاسة حيث يجوز بيعه والانتفاع به كالاستصباح ونحوه اتفاقا فذلك العذرة المخلوطة بالتراب الغالب يجوز بيعه قياسا عليه، والجامع كونهما منتفعا بها لأن الناس ينتفعون بها مخلوطة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 201 قال: ومن علم بجارية أنها لرجل فرأى آخر يبيعها، وقال: وكلني صاحبها ببيعها، فإنه يسعها أن يبتاعها ويطأها؛ لأنه أخبر بخبر صحيح لا منازع له، وقول الواحد في المعاملات مقبول على أي وصف كان لما مر من قبل. وكذا إذا قال: اشتريتها منه أو وهبها لي أو تصدق بها علي لما قلنا، وهذا إذا كان ثقة، وكذا إذا كان غير ثقة وأكبر رأيه أنه صادق؛ لأن عدالة المخبر في المعاملات غير لازمة للحاجة على ما مر. وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب لم يسع له أن يتعرض لشيء من ذلك؛   [البناية] م: (قال: ومن علم بجارية أنها لرجل فرأى آخر يبيعها، وقال: وكلني صاحبها ببيعها، فإنه يسعه أن يبتاعها ويطأها) ش: أي قال في " الجامع الصغير "؛ م: (لأنه أخبر بخبر صحيح) ش: لأنه صدر عن عقل ودين مع اعتقاد حرمة الكذب م: (لا منازع له) . م: (وقول الواحد من المعاملات مقبول على أي وصف كان) ش: يعني حرا كان أو عبدا، مسلما كان أو كافرا، رجلا كان أو امرأة، عدلا كان أو غير عدل، صبيا كان أو بالغا، بعد أن كان عاقلا مميزا م: (لما مر من قبل) ش: أي في فصل الأكل والشرب أن قول الواحد يقبل في المعاملات دفعا للحرج. م: (وكذا إذا قال: اشتريتها منه) ش: أي وكذا الحكم إذا قال الذي في يده الجارية: اشتريتها من فلان وهو الذي كان يعلم الرجل أنها له م: (أو وهبها لي أو تصدق بها علي لما قلنا) ش: أشار بها إلى قوله لأنه أخبر بخبر صحيح لا منازع له. م: (وهذا) ش: أي قبول قوله، وصحة العمل به م: (إذا كان ثقة) . فإن قلت: هذا مناقض قوله: على أي وصف كان؟. قلت: معنى قوله ثقة، أن يكون من يعتمد كلامه، وإن كان فاسقا يجوز أن لا يكذب الفاسق لمروءته ولوجاهته. م: (وكذا إذا كان غير ثقة وأكبر رأيه أنه صادق) ش: أي وكذا الحكم إذا كان المخبر غير ثقة، والحال أن أكبر رأيه أن المخبر صادق. م: (لأن عدالة المخبر في المعاملات غير لازمة للحاجة على ما مر) ش: أي في فصل الأكل والشرب. م: (وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب لم يسع له أن يتعرض لشيء من ذلك) ش: وفي ضبط تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يسع له أن يعرض، ثم فسره بقوله: أن يتعرض. وفي "شرح الأترازي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لم يسع له أن يعزم بشيء موضع قوله: لا يسع له أن يتعرض لشيء من ذلك. ثم فسره بقوله: أي يقصد بشيء من الانتفاع والوطء يعني لا يشتريها ولا يطأها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 202 لأن أكبر الرأي يقام مقام اليقين، وكذا إذا لم يعلم أنها لفلان ولكن أخبره صاحب اليد أنها لفلان، وأنه وكله ببيعها أو اشتراها منه والمخبر ثقة قبل قوله، وإن لم يكن ثقة يعتبر أكبر الرأي؛ لأن إخباره حجة في حقه، وإن لم يخبره صاحب اليد بشيء، فإن كان عرفها للأول لم يشترها حتى يعلم انتقالها إلى ملك الثاني؛ لأن يد الأول دليل ملكه، وإن كان لا يعرف ذلك له أن يشتريها، وإن كان ذو اليد فاسقا؛ لأن يد الفاسق دليل الملك في حق الفاسق والعدل   [البناية] قال في " الكافي ": وكذلك الطعام والشراب في جميع ذلك م: (لأن أكبر الرأي يقام مقام اليقين) ش: فيما هو أعظم من هذا كالفروج. ألا ترى أن من تزوج امرأة فأدخلها عليه إنسان، وأخبره أنها امرأته فله أن يعتمد على خبره ويطأها إذا كان ثقة عنده، أو كان أكبر رأيه أنه صادق. وكذا إذا دخل رجل على غيره ليلا شاهرا سيفه فلصاحب المنزل أن يقتله، وإن كان أكبر رأيه أنه لص قصد قتله وأخذ ماله، وإن كان أكبر رأيه أنه هارب من لص لم يعجل بذلك، مؤيده ما ذكرنا من قوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] جعل أكبر الرأي بمنزلة اليقين إذ العلم بإيمان الغير يقينا لا يكون إلا بأكبر الرأي فاسقا أو عدلا، «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لوابصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "ضع يدك على صدرك واستفت قلبك، فما حاك في صدرك فدعه وإن أفتاك الناس به» . م: (وكذا إذا لم يعلم أنها لفلان ولكن أخبره صاحب اليد أنها لفلان) ش: أي وكذا الحكم إذا لم يعلم الرجل أن الجارية لفلان، ولكن الذي في يده أخبره أنها لفلان. م: (وأنه) ش: أي وأن فلانا م: (وكله ببيعها أو اشتراها منه) ش: أي وأخبره أنه اشترى الجارية من فلان م: (والمخبر ثقة) ش: أي والحال أن المخبر ثقة م: (قبل قوله، وإن لم يكن ثقة يعتبر أكبر الرأي؛ لأن إخباره حجة في حقه) ش: أي في حق نفسه فيما يرجع إليه وهو قوله، ليس لي، بل لفلان، ولكن غير حجة فيما لا يرجع إليه وهو قوله: وكلني أو اشتريت منه، فلا بد من حجة وهو أكبر الرأي. م: (وإن لم يخبره صاحب اليد بشيء، فإن كان عرفها للأول) ش: هذا أيضا في الصورة المذكورة وهو أن يعلم بجارية أنها لفلان مثلا ثم رآها في غير يده ولم يخبره بشيء، فإنه لا يشتريها حتى يعلم انتقالها إليه، وهو معنى قوله: فإن كان عرفها للأول، م: (لم يشترها حتى يعلم انتقالها إلى ملك الثاني) ش: بشيء من أسباب الملك. م: (لأن يد الأول دليل ملكه، وإن كان لا يعرف ذلك) ش: أي كونها للأول. م: (له أن يشتريها، وإن كان ذو اليد فاسقا؛ لأن يد الفاسق دليل الملك في حق الفاسق والعدل) ش: يعني هذا التركيب أن يد المتصرف دليل شرعي للملك وفي حق هذا الدليل الفاسق والعدل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 203 ولم يعارضه معارض، ولا معتبر بأكبر الرأي عند وجود الدليل الظاهر، إلا أن يكون مثله لا يملك مثل ذلك، فحينئذ يستحب له أن يتنزه ومع ذلك لو اشتراها يرجى أن يكون في سعة من ذلك لاعتماده الدليل الشرعي، وإن كان الذي أتاه بها عبدا، أو أمة لم يقبلها ولم يشترها حتى يسأل؛ لأن المملوك لا ملك له، فيعلم أن الملك فيها لغيره، فإن أخبره أن مولاه أذن له وهو ثقة قبل، وإن لم يكن ثقة يعتبر أكبر الرأي. وإن لم يكن له رأي لم يشترها لقيام الحاجر فلا بد من دليل.   [البناية] سواء حتى إذا تنازعه اثنان فالقول له، وكان حق التركيب أن يقول: لأن اليد دليل الملك في حق الفاسق والعدل. أو نقول: لأن يد الفاسق دليل الملك والفاسق والعدل فيه سواء. م: (ولم يعارضه معارض) ش: فيعتمد على كلامه يشتريها ويطأها م: (ولا معتبر بأكبر الرأي عند وجود الدليل الظاهر) ش: لأن الدليل الظاهر أقوى من أكبر الرأي م: (إلا أن يكون مثله لا يملك مثل ذلك) ش: كدرة في يد الفقير لا يملك شيئا أو كتاب في يد جاهل لم يكن في إيابه وهو أهل لذلك م: (فحينئذ يستحب له أن يتنزه) ش: ويترك الشراء لأنه وقع التردد في حالة يوجب التنزه والاحتياط م: (ومع ذلك لو اشتراها يرجى أن يكون في سعة من ذلك) ش: أي من الشراء م: (الشرعي) ش: وهو اليد ظاهر لأن صاحب اليد يزعم أنه مالك. فالقول قوله شرعيا فيما زعم فالذي يريد الشراء يعتمد دليلا إلا أن حاله يخالف هذا الدليل فلم يثبت الجواز وعلة لذلك. [بيع وشراء الصبي] م: (وإن كان الذي أتاه بها عبدا أو أمة لم يقبلها ولم يشترها حتى يسأل) ش: وإن كان الذي أتى الرجل بالجارية عبدا أو أمة وقال: وهاهنا شك لم يقبلها ولم يشترها حتى يسأل عن ذلك لأنه عالم أنها لغيره واليد من حق الملك ليس بمطلق للتصرف م: (لأن المملوك لا ملك له) ش: فلا يصلح يده دليلا للملك لأن الرق منان للملك، م: (فيعلم أن الملك فيه لغيره) ش: أي فهو يعلم أن الملك في الذي أتاه به وهو الجارية لغيره لكونه مملوكا. وكان الواجب أن يقول: فيعلم أن الملك فيها لغيره، ولكن تأويله ما ذكرناه. م: (فإن أخبره أن مولاه أذن له وهو ثقة قبل) ش: قوله لأن الاسم الواحد مقبول في المعاملات، وهذا إخبار في غير موضع المنازعة فيقبل م: (وإن لم يكن ثقة يعتبر أكبر الرأي) ش: فإن كان أكبر رأيه أنه صادق صدقه. وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب لم يتعرض لشيء من ذلك م: (وإن لم يكن له رأي لم يشترها لقيام الحاجر فلا بد من دليل) ش: بالراء المهملة؛ لأن الرق حاجر عن التصرف أي مانع عنه، فما لم يوجد نوع دليل لا يعمل مجرد اليد. وفي " الكافي " للحاكم: وكذا الصبي الذي لم يبلغ حرا كان أو مملوكا فيما يخبر أنه أذن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 204 قال: ولو أن امرأة أخبرها ثقة أن زوجها الغائب مات عنها، أو طلقها ثلاثا، أو كان غير ثقة وأتاها بكتاب من زوجها بالطلاق ولا تدري أنه كتابه أم لا، إلا أن أكبر رأيها أنه حق، يعني بعد التحري، فلا بأس بأن تعتد ثم تتزوج؛ لأن القاطع طارئ، ولا منازع   [البناية] له وسعه، وأن فلانا بعث إليه معه هدية أو صدقة، فإن كان أكبر رأيه أنه صادق وسعه أن يصدقه، وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب لم يسع أن يقبل منه شيئا وذلك لأن أكبر الرأي فيما لا يوقف على حقيقته كاليقين. وقال شمس الأئمة السرخسي في " شرح الكافي ": كان شيخنا الإمام يقول يعني شمس الأئمة الحلواني: الصبي إذا أتى بقالا بفلوس يشتري منه، وأخبره أن أمه أمرته بذلك فإن طلب الصابون ونحوه، فلا بأس ببيعه منه، وإن طلب الزبيب وما يأكله الصبيان عادة لا ينبغي أن يبيعه منه؛ لأن الظاهر أنه كاذب فيما يقوله، وقد عثر على فلوس أمه، فأراد أن يشتري بها حاجة نفسه. وفي العيون ولو أن صبيا جاء إلى القاضي بفلوس أو بخبز وغير ذلك فإن طلب منه شيء ينتفع به في البيت مثل الملح والفلفل ونحو ذلك فلا بأس أن يبيع منه، ولو أراد أن يشتري منه جوازا أو فستقا مثل ما يشتري به الصبيان فالأفضل أن لا يبيع منه حتى يسأل هل أذن له أبوه في ذلك أم لا. [أخبرها ثقة أو غيره أن زوجها الغائب مات عنها أو طلقها ثلاثا] م: (قال: ولو أن امرأة أخبرها ثقة أن زوجها الغائب مات عنها، أو طلقها ثلاثا، أو كان غير ثقة وأتاها بكتاب من زوجها بالطلاق ولا تدري أنه كتابه أم لا، إلا أن أكبر رأيها أنه حق يعني بعد التحري) ش: يعني بعد أن تحرت علمت أنه كتابه حق م: (فلا بأس بأن تعتد ثم تتزوج؛ لأن القاطع طارئ) ش: لأن القاطع للزوجية طارئ أي عارض، وهو الموت أو الطلاق والزوجية السابقة لا تنازعه؛ لأنها لا تدل على البقاء وهو معنى قوله م: (ولا منازع) ش: يعني ولا منازع موجود هنا. وفي بعض النسخ فلا منازع بالفاء، فيكون شرط محذوف أي إذا كان كذلك القاطع طارئا فلا منازع حينئذ. وقيد بقوله طارئ لأن القاطع إذا كان مقارنا فلا بد من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين. والأصل أن الأصل إذا لم يكن له منازع ولا يلزم عن الغير مفسد سواء كان المخبر رجلا أو امرأة، عبدا كان أو أمة، عدلا أو فاسقا. أما في المنكوحة فالإلزام يكون ضمنا لا قصدا. فإن قلت: إن خبر جعل الواحد في إفساد النكاح بعد الصحة من هذا الوجه، فوجه آخر فيه يوجب عدم القبول، وهو أن الملك للزوج ثابت، والملك الثابت للغير فيها لا يبطل بخبر الواحد. قلت: إن ذلك كان ثابتا بدليل موجب وملكه فيها ليس كذلك بل باستصحاب الحال، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 205 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وخبر الواحد أقوى منه ثم هذا الذي ذكره في الأخبار، أما في الشهادة فلا يصح، وإن كان الشاهد اثنين حتى لا يقضي القاضي بالفرقة لأنه قضاء على الغائب ذكره في " الفصول " للأستروشني، وفي " التتمة ": إذا شهد اثنين أن فلانا طلق امرأته والزوج غائب لا يقبل، وإن شهد عند المرأة حل لها أن تعتد وتتزوج بآخر، وكذا إذا شهد عندها رجل عدل ووقع في قلبها أنه صادق. وفي " شرح الكافي " رجل تزوج امرأة فلم يدخل بها حتى غاب عنها فأخبر مخبر أنها قد ارتدت عن الإسلام، فإن كان المخبر عدلا ثقة حل له أن يتزوج بأختها أو بأربع نسوة سواها لعدم المنازع في أمر يتصور وقوعه وإن غلب على ظنه أنه كاذب لا يعمل بخبره. وكذا إذا كانت صغيرة فأخبر أنها ارتضعت من أمه أو أخته؛ لأن هذا من باب الديانة فقبل في خبر الواحد، ولو قال تزوجتها يوم تزوجتها وهي مرتدة أو معتدة أو بعدما ارتضعت من أهلك لم يسعه أن يتزوج بأختها أو أربع سواها. وإن كان المخبر عدلا لأن هذا الخبر في موضع المنازعة لأن الظاهر من حال العاقل أنه يدعي صحة عقده وهذا يدعي فساده فلا يقبل إلا إذا شهد عنده شاهدان عدلان على ذلك. ولو قالت المرأة لرجل: قد طلقني زوجي وانقضت عدتي يحل له أن يتزوجها إذا غلب على ظنه صدقها. وكذلك المطلقة ثلاثا إذا أخبرت أنها استحلت بزوج ثان وطلقها وانقضت عدتها حل للزوج أن يتزوجها لأنها أخبرت عن أمر لا منازع لها فيه. ولو أتاها رجل فأخبر أن أصل نكاحها فاسد، وإن زوجها كان أخاها من الرضاعة، أو مرتدا، لم يسعها أن تتزوج بزوج آخر، وإن غلب على ظنها؛ لأنه في موضع المنازعة إذ الزوج يدعي صحة العقد، فلا يكون مقبولا. وكذلك جارية صغيرة لا تعبر عن نفسها في يدي رجل يدعي أنها له فلما كبرت، لقيها رجل فقالت: إن سيدي أعتقني، حل له أن يزوجها. ولو قالت: أنا حرة الأصل لم تحل له أن يتزوجها لأن الخبر الأول في غير موضع المنازعة، والثاني في موضع المنازعة. وكذلك الحرة نفسها لو تزوجت رجلا ثم أتت غيره فأخبرته أن نكاحها كان فاسدا لم يحل له أن يتزوجها، ولو ادعت أنه طلقها، حل لمن سمع مقالتها أن يتزوجها لهذا المعنى. وكذلك لو قالت ارتد عن الإسلام بعد ما تزوجني أو أقر بعد النكاح أنه كان مرتدا حين تزوجني؛ لأنها ادعت أمرا عارضا في غير محل التنازع فيقبل. وقد أشار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى هذه المسائل على ما يأتيك مفصلة، وهذه المسائل من الجزء: 12 ¦ الصفحة: 206 وكذا لو قالت الرجل: طلقني زوجي وانقضت عدتي فلا بأس بأن يتزوجها. وكذا إذا قالت المطلقة الثلاث: انقضت عدتي وتزوجت بزوج آخر ودخل بي ثم طلقني وانقضت عدتي، فلا بأس بأن يتزوجها الزوج الأول. وكذا لو قالت جارية: كنت أمة لفلان فأعتقني لأن القاطع طارئ، ولو أخبرها مخبر أن أصل النكاح كان فاسدا، أو كان الزوج حين تزوجها مرتدا أو أخاها من الرضاعة لم يقبل قوله حتى يشهد بذلك رجلان أو رجل وامرأتان، وكذا إذا أخبره مخبر: أنك تزوجتها وهي مرتدة أو أختك من الرضاعة لم يتزوج بأختها أو أربع سواها، حتى يشهد بذلك عدلان؛ لأنه أخبر بفساد مقارن، والإقدام على العقد يدل على صحته وإنكار فساده، فثبت المنازع بالظاهر، بخلاف ما إذا كانت المنكوحة صغيرة فأخبر الزوج أنها ارتضعت من أمه أو أخته حيث يقبل قول الواحد فيه؛ لأن القاطع طارئ والإقدام الأول لا يدل على انعدامه،   [البناية] قوله: ولو أن امرأة أخبرها ثقة إلى قوله وإذا باع المسلم خمرا، من مسائل كتاب " الاستحسان "، ذكرها تفريعا على مسائل " الجامع الصغير ". وكذا لو قالت لرجل: طلقني زوجي وانقضت عدتي فلا بأس بأن يتزوجها. وكذا إذا قالت المطلقة الثلاث: انقضت عدتي وتزوجت بزوج آخر ودخل بي ثم طلقني وانقضت عدتي، فلا بأس بأن يتزوجها الزوج الأول. وكذا لو قالت جارية: كنت أمة لفلان فأعتقني لأن القاطع طارئ، ولو أخبرها مخبر أن أصل النكاح كان فاسدا، أو كان الزوج حين تزوجها مرتدا أو أخاها من الرضاعة لم يقبل قوله حتى يشهد بذلك رجلان أو رجل وامرأتان، وكذا إذا أخبره مخبر: أنك تزوجتها وهي مرتدة أو أختك من الرضاعة لم يتزوج بأختها أو أربع سواها، حتى يشهد بذلك عدلان؛ لأنه أخبر بفساد مقارن، والإقدام على العقد يدل على صحته وإنكار فساده، فثبت المنازع بالظاهر، بخلاف ما إذا كانت المنكوحة صغيرة فأخبر الزوج أنها ارتضعت من أمه أو أخته حيث يقبل قول الواحد فيه؛ لأن القاطع طارئ والإقدام الأول لا يدل على انعدامه. قوله: ولو أن امرأة أخبرها ثقة إلى قوله وإذا باع المسلم خمرا، من مسائل كتاب "الاستحسان"، ذكرها تفريعا على مسائل " الجامع الصغير ". م: (وكذا لو قالت لرجل: طلقني زوجي وانقضت عدتي فلا بأس أن يتزوجها) ش: المخبر إذا غلب على ظنه صدقها. [قالت انقضت عدتي وتزوجت بآخر ودخل بي ثم طلقني وانقضت عدتي] م: (وكذا إذا قالت المطلقة الثلاث: انقضت عدتي وتزوجت بزوج آخر ودخل بي، ثم طلقني وانقضت عدتي، فلا بأس بأن يتزوجها الزوج الأول) ش: لأنها أخبرت عن أمر لا منازع فيه. م: (وكذا لو قالت جارية: كنت أمة لفلان فأعتقني) ش: يحل للمخبر له أن يتزوجها م: (لأن القاطع طارئ) ش: أي القاطع للرقبة، عارض وهو العتق ولا منازع. م: (ولو أخبرها مخبر أن أصل النكاح كان فاسدا، أو كان الزوج حين تزوجها مرتدا أو أخاها من الرضاعة لم يقبل قوله حتى يشهد بذلك رجلان أو رجل وامرأتان) ش: لأن هذا خبر في موضع المنازعة. م: (وكذا إذا أخبره مخبر: أنك تزوجتها وهي مرتدة أو أختك من الرضاعة، لم يتزوج بأختها أو أربع سواها حتى يشهد بذلك عدلان؛ لأنه أخبر بفساد مقارن) ش: للعقد. م: (والإقدام على العقد يدل على صحته وإنكار فساده) ش: أي العقد. م: (فثبت المنازع بالظاهر) ش: فلا يقبل قوله. م: (بخلاف ما إذا كانت المنكوحة صغيرة فأخبر الزوج أنها ارتضعت من أمه أو أخته حيث يقبل قول الواحد فيه) ش: أي في الإخبار بالارتضاع م: (لأن القاطع طارئ) ش: أي القاطع للزوجة عارض وهو الرضاع. م: (والإقدام الأول) ش: وهو ما تقدم من صحة عقد النكاح بدليل موجب له وهو العقد الذي م: (لا يدل على انعدامه) ش: أي على انعدام الارتضاع دل عليه قوله ارتضعت م: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 207 فلم يثبت المنازع. فافترقا، وعلى هذا الحرف يدور الفرق، ولو كانت جارية صغيرة لا تعبر عن نفسها في يد رجل يدعي أنها له، فلما كبرت لقيها رجل في بلد آخر، فقالت: أنا حرة الأصل، لم يسعه أن يتزوجها لتحقق المنازع وهو ذو اليد، بخلاف ما تقدم. قال: وإذا باع المسلم خمرا وأخذ ثمنها وعليه دين فإنه يكره لصاحب الدين أن يأخذ منه، وإن كان البائع نصرانيا فلا بأس به، والفرق   [البناية] (فلم يثبت المنازع) ش: فلم يقبل قوله. فإن قلت: ينبغي أن لا يقبل لما أن الملك الثابت فيها للغير لا يبطل بخبر الواحد، كما لو اشترى لحما، ثم أخبر واحدا أنه ذبيحة مجوسي حيث لا يبطل بهذا الخبر ملك المشتري ولا يرجع بالثمن على البائع؛ لأن ملك الغير لا يبطل بخبر الواحد. قلت: قد أجيب لك في السؤال الماضي: أن ملك الغير في الحال ليس بدليل موجب بل باستصحاب الحال، وخبر الواحد أقوى منه. أما الخبر بكون ذبيحة المجوسي بخبر بالمقصد الطارئ، بل هو خبر بفساد البيع من الأول والإقدام على الشراء منازعة منه بصحة البيع فلا يقبل خبر الواحد بدون شهادة شاهدين. م: (فافترقا) ش: أي حكم هذه المسألة. وحكم الشيء قبلها لوجود المنازعة في الأولى دون هذه فافهم. م: (وعلى هذا الحرف يدور الفرق) ش: أي على هذه الثلاثة يدور الفرق بين هذه المسائل التي فيها قبول قول الواحد، والتي ليس فيها ذلك، يعني إذا كان الإخبار في غير موضع المنازعة، ويقبل قول الواحد، وإذا كان في المنازعة لا يقبل. م (ولو كانت جارية صغيرة لا تعبر عن نفسها في يد رجل يدعي أنها له، فلما كبرت) ش: بكسر الباء، يقال كبر بالكسر في السن، وكبر بالضم في الجثة والشرف. م: (لقيها رجل في بلد آخر، فقالت: أنا حرة الأصل، لم يسعه أن يتزوجها لتحقق المنازع وهو ذو اليد، بخلاف ما تقدم) ش: أراد به قوله أنها لو قالت: كنت أمة لفلان فأعتقني، حيث يقبل قولها؛ لأن الخبر الأول في غير موضع المنازعة. وفي " النوازل " اشترى أمة فقالت: أنا حرة لا يرد بها على البائع، ولكن يتزوجها وحل له وطئها؛ لأنها أمة أو امرأة. وكان شداد إذا اشترى أمة يتزوجها ويقول: لا أدري لعلها حرة أو لعل جرى كلام الحرية على لسان أنسبائها هذا بطريق الاحتياط، ولكن لا يعتق بذلك. م: (قال: وإذا باع المسلم خمرا وأخذ ثمنها وعليه دين فإنه يكره لصاحب الدين أن يأخذ منه، وإن كان البائع نصرانيا فلا بأس به) ش: أي قال في " الجامع الصغير " م: (والفرق) ش: بين الجزء: 12 ¦ الصفحة: 208 أن البيع في الوجه الأول قد بطل؛ لأن الخمر ليس بمال متقوم في حق المسلم فبقي الثمن على ملك المشتري فلا يحل أخذه من البائع. وفي الوجه الثاني: صح البيع؛ لأنه مال متقوم في حق الذمي، فملكه البائع فيحل الأخذ منه. قال: ويكره الاحتكار في أقوات الآدميين والبهائم إذا كان ذلك في بلد يضر الاحتكار بأهله.   [البناية] الوجهين م: (أن البيع في الوجه الأول قد بطل؛ لأن الخمر ليس بمال متقوم في حق المسلم فبقي الثمن على ملك المشتري فلا يحل أخذه من البائع) ش: يعني أن العقد على الخمر غير منعقد في حق المسلمين فيكون الثمن المقبوض مستحق الرد على البائع شرعا، فصار كالمغصوب في يده، ومن قضى بالدراهم المغصوبة لا يحل للقابض أن يقبضه إذا علم به فهذا مثله. م: (وفي الوجه الثاني: صح البيع؛ لأنه مال متقوم في حق الذمي، فملكه البائع فيحل الأخذ منه) ش: لأن الخمر لهم كالعصير لنا لأنه رخص لهم في البيع. قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: ولو هم ببيعها وأخذوا العشر من أثمانها. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا إذا كان القضاء والاقتضاء بالتراضي، فأما إن كان بالقضاء بأن قضى القاضي عليه بهذا الثمن، ولم يعلم القاضي بكونه ثمن الخمر يطيب له ذلك بقضائه، وإنما حرم عند الاقتضاء بالتراضي. وفي " فتاوى الولوالجي ": رجل مات وكسبه من بيع البازق إن تورع الورثة عن أخذ ذلك كان أولى، ويردون على أربابها؛ لأنها ممكن فيه نوع حيث وإن لم يعرفوا أربابها تصدقوا بها، وكذلك الجواب فيما أخذ رشوة وظلما إن تورع الورثة كان أولى. وأما المغني والنائحة والقول والأمل فيه أيسر؛ لأن فيه أعطى بالرضا من غير شرط وعقد، وأما الإهدار والضيافة فينظر إن كان غالبا المهدي والضيف لا يقبله ما لم يجز أن ذلك المال حلال، وإن كان غالب ماله حلالا فلا بأس بأن يقبل حتى يتبين عنده أنه حرام. رجل مات وابنه يعتمد أنه كان يكتسب من حيث لا يحل لكن لا يعلم ذلك بعينه ليرد عليه، فالميراث له حلال في الحكم لوجود المطلق وانعدام المانع بعينه فيتصرف فيه حيث شاء ولا يؤمر بالتصدق، فإن تورع وتصدق كان أولى لكن يصدق بينه خصى أبيه. رجل جمع المال وهو مطرب مغن، هل يباح له ذلك إن كان أخذ المال من غير شرط يباح له لأنه أعطى المال عن طوع، كذا في " فتاوى الولوالجي ". وفي " الدراية " ولو قضى دينه بدراهم أو دنانير مغصوبة لا يحل للقابض قبضه إذا علم. [الاحتكار في أقوات الآدميين والبهائم] م: (قال: ويكره الاحتكار في أقوات الآدميين والبهائم إذا كان ذلك في بلد يضر الاحتكار بأهله) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 209 وكذلك التلقي. فأما إذا كان لا يضر فلا بأس به، والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الجالب مرزوق والمحتكر ملعون".»   [البناية] ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والاحتكار الجمع والحبس، يقال: احتكر الطعام وغيره إذا جمعه يتربص به الغلاء، كذا في " ديوان الأدب ". وفي " المجمل ": الحكر حبس الطعام إرادة غلائية وهو الحكر، والحكر أيضا. وفي " الكافي ": الاحتكار حبس الطعام للغلاء، افتعال من حكر، إذا ظلم. وقيل حبس وحكر الشيء إذا استبد به وحبسه عن غيره. وفي اصطلاح أهل الشرع: حبس أقوات الناس والبهائم عن البيع يتربص الغلاء شهرا فما زاد فيهما اشتراه في المصروفية إضرارا بالناس. م: (وكذلك التلقي) ش: أي وكذا يكره التلقي: الجلب، إذا كان في بلد يضر أهله، وإلا فلا، والمراد منه أن يخرج من البلدة إلى القافلة التي جلبت الطعام، فاشتراها خارج البلد، يكره وإلا فلا، إذا كان لا يضر فلا بأس به. م: (فأما إذا كان لا يضر فلا بأس به) ش: وكذا التلقي كما ذكرنا م: (والأصل فيه) ش: أي في كون الاحتكار مكروها، وفي التلقي أيضا، والأحسن أن يقال: والأصل في كون كل واحد من الاحتكار والتلقي مكروها إذا كانا يضران بالبلد. فإن قلت: كيف يقول الأحسن هذا؟ والحديث لا يدل على كراهته الاحتكار وحديث التلقي باي. قلت: علة كراهة الاحتكار، التضييق على الناس وهي موجودة في التلقي، فصح أن يكون حديث الاحتكار أصلا في البابين، وحديث التلقي الذي يأتي فيما بعد يكون زيادة بيان وتوضيح لأنه صريح في بابه فافهم. م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الجالب مرزوق والمحتكر ملعون» ش: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في التجارات، عن علي بن سالم بن ثوبان، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد ابن المسيب عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الجالب مرزوق والمحتكر ملعون» . رواه إسحاق بن راهويه والدارمي، وعبد بن حميد وأبو يعلى الموصلي في "مسانيدهم" الجزء: 12 ¦ الصفحة: 210 ولأنه تعلق به حق العامة، وفي الامتناع عن البيع إبطال حقهم وتضييق الأمر عليهم فيكره إذا كان يضر بهم ذلك بأن كانت البلدة صغيرة، بخلاف ما إذا لم يضر بأن كان المصر كبيرا؛ لأنه حابس ملكه من غير إضرار بغيره،   [البناية] والبيهقي في " شعب الإيمان ". ورواه العقيلي في كتاب " الضعفاء "، وأعله بعلي بن سالم وقال: لا يتابعه عليه أحد بهذا اللفظ. وقد روي بغير هذا السند، والمتن عن معمر بن عبد الله العدوي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «لا يحتكر إلا خاطئ» . وحديث معمر هذا أخرجه مسلم - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "صحيحه " باللفظ المذكور في كتاب "البيوع". روى حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الحاكم في "المستدرك في البيوع" ولم يذكر فيه الجالب. ورواه إبراهيم الحربي في كتاب " غريب الحديث " عن عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حدثنا أبو خيثمة حدثنا يحيى بن أبي بكير عن إسرائيل، عن علي بن سالم، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن عثمان بن عفان مثله سواء. وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " تنبيه الغافلين ": وروي عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الجالب مرزوق والمحتكر ملعون» . قال الفقيه أبو الليث - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "وأراد بالجالب الذي يشتري الطعام للبيع فيجلبه إلى بلده، فيبيعه فهو مرزوق لأن الناس ينتفعون به فيناله بركة دعاء المسلمين، والمحتكر يشتري الطعام للمنع ويضر بالناس لأن في ذلك تعنيفا على المسلمين. فإن قلت: ما معنى اللعن هنا؟ قلت: اللعن هنا على نوعين، أحدهما: الطرد عن رحمة الله سبحانه وتعالى، وذلك لا يكون إلا للكافر، والثاني: الإبعاد عن درجة الأبرار، ومقام الصالحين، وهو المراد هنا؛ لأن عند أهل السنة والجماعة: المؤمن لا يخرج عن الإيمان بارتكاب الكبيرة. م: (ولأنه تعلق به حق العامة) ش: أي ولأن الشيء الذي احتكره المحتكر تعلق به حق الناس جميعهم. م: (وفي الامتناع عن البيع إبطال حقهم وتضييق الأمر عليهم فيكره إذا كان يضر بهم ذلك) ش: أي الاحتكار أو الحبس م: (بأن كانت البلدة صغيرة، بخلاف ما إذا لم يضر بأن كان المصر كبيرا؛ لأنه حابس ملكه من غير إضرار بغيره) ش: لأن العلة هي الإضرار، فإذا انتهى الإضرار ينبغي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 211 وكذا التلقي على هذا التفصيل؛ لأن «النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن تلقي الجلب، وعن تلقي الركبان» ، قالوا: هذا إذا لم يلبس المتلقي على التجار سعر البلدة، فإن لبس فهو مكروه في الوجهين؛ لأنه غادر بهم، وتخصيص   [البناية] الكراهة. [تلقي الركبان] م: (وكذا التلقي على هذا التفصيل) ش: يعني أن أضر بأهل البلدة يكره، وإلا فلا م: (لأن «النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن تلقي الجلب» ، «وعن تلقي الركبان» ش: هذان حديثان، فالأول أخرجه مسلم - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن تلقي الجلب» . وفي لفظ: «لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشتراه، فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار» . الثاني أخرجه البخاري ومسلم عن طاوس عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تتلقوا الركبان ولا يبيع حاضر لبادي» ، انتهى. والجلب، بفتح الجيم بمعنى المجلوب، ومن جلب الشيء جلبه من بلد إلى بلد التجارة جلبا وجلبا والركبان الجماعة من أصحاب الإبل في السفر، وكذلك الركبان أصحاب الإبل دون الدواب، وهم العشرة فما فوقها والجمع أراكب، والركبة أقل من الركب والأركوب أكثر من الركب. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فلو كانت الرواية على طريق الجمع يكون ذكر الأول على سبيل العموم، وذكر الثاني على الخصوص كما في قوله سبحانه وتعالى: {وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] ولو لم يكن كذلك يكون حديثين، ويكون التقدير نهى عن تلقي الركبان قيل في معنى تلقي الركبان، يستقبل الركب فيشتري الطعام منهم بما دون السعر في المصر، وهم لا يشعرون بذلك ثم يبيع بما هو سعر المصر فيكون للضرر بالناس انتهى كلامه. قلت: قد بينا أن هذين حديثان لا اختلاط لأحدهما بالآخر، الأول رواه أبو هريرة والثاني ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كما بينا، فلا يحتاج إلى التكلف الذي ذكره. م: (قالوا: هذا إذا لم يلبس المتلقي على التجار سعر البلدة، فإن لبس فهو مكروه في الوجهين) ش: أي قال المشائخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - هذا الذي ذكرناه من الكراهة فيما إذا أضر بأهل البلدة، وعدم الكراهة فيما إذا لم يضر بهم، فيما إذا اشترى المتلقي بلا تلبيس السعر على التجار، وأما إذا لبس عليهم فإنه يكره سواء أضر بأهل البلدة أو لم يضر، وهو معنى قوله في الوجهين أي في صورة الإضرار وعدم الإضرار. م: (لأنه غادر بهم) ش: أي لأن المتلقي حينئذ غادر بهم بالتجارة والغدر حرام م: (وتخصيص الجزء: 12 ¦ الصفحة: 212 الاحتكار بالأقوات كالحنطة والشعير والتبن والقت قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كل ما أضر بالعامة حبسه فهو احتكار، وإن كان ذهبا أو فضة أو ثوبا، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: لا احتكار في الثياب، فأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبر حقيقة الضرر، إذ هو المؤثر في الكراهة، وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبر الضرر المعهود المتعارف.   [البناية] الاحتكار بالأقوات) ش: أي تخصيص القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالاحتكار بالأقوات وهو جمع قوت. م: (كالحنطة والشعير والتبن والقت) ش: بفتح القاف وتشديد التاء. قال في " العباب ": هو الفصفصة إذا جفت وهو جمع قتة كتمر وتمرة. ثم قال في باب الفصفصة الرطبة وأصلها بالفارسية أمست. قلت: المراد منه الفرط اليابس وهو الذي يسميه أهل مصر الدريس، ويسمون الرطب الفرط والبرسيم. م: (قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: خبر لقوله و"تخصيص الاحتكار" م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كل ما أضر بالعامة حبسه فهو احتكار، وإن كان ذهبا أو فضة أو ثوبا، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: لا احتكار في الثياب) ش: قال الكرخي في "مختصره ": وقال ابن سماعة، عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الاحتكار في كل ما يضر بالعامة احتكاره. قال: والاحتكار أن يحبسه عنده أكثر من سنة فإن حبسه عنده شهرا أو نحو ذلك فإثمه على قدر ما يحبسه. وقال هشام: الحكرة في الحنطة والشعير والتمر الذي هو قوت الناس والقت الذي هو قوت البهائم، وليس في الثياب حكرة، ولا في العسل، ولا في الثمن، ولا في الزيت حكرة. وقال أبو يوسف: في الزيت حكرة م: (فأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبر حقيقة الضرر إذ هو المؤثر في الكراهة) ش: أي وحقيقة الضرر موجودة في كل شيء ولعموم النهي أيضا. م: (وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبر الضرر المعهود المتعارف) ش: غالبا بين الناس، وذكر في " الكافي " محمد مع أبي حنيفة -رحمهما الله- قال: وعليه الفتوى. والحاصل أنهما اعتبرا الأمر الغالب العام، وذلك لا يكون إلا فيما هو ضرر مطلق. وقال القدوري: في " شرح الكرخي ": وأما قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن حبس الأرز ليس باحتكار فهو محمول على البلاد التي لا يتقوتون به، وأما الموضع الذي هو قوتهم مثل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 213 ثم المدة إذا قصرت لا يكون احتكارا لعدم الضرر، وإذا طالت يكون احتكارا مكروها لتحقق الضرر، ثم قيل: هي مقدرة بأربعين يوما لقول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه» .   [البناية] طبرستان فهو احتكار، وأما الثياب فلأن قوام الأبدان وبقاء الحياة لا يقف عليها. وقوت الحياة ما كان قيامه به من المأكول. م: (ثم المدة إذا قصرت لا يكون احتكارا لعدم الضرر، وإذا طالت يكون احتكارا مكروها لتحقق الضرر، ثم قيل: هي مقدرة بأربعين يوما لقول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه» . ش: هذا الحديث أخرجه أحمد وابن أبي شيبة والبزار وأبو يعلى الموصلي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في "مسانيدهم"، والحاكم - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المستدرك "، والدارقطني في " غرائب مالك "، والطبراني في "معجمه الأوسط "، وأبو نعيم في " الحلية " كلهم من حديث أصبغ بن زيد حدثنا أبو بشر عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة الحضرمي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه، وأيما أهل عرصة بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله» . وكلهم رووه عن يزيد بن هارون، عن أصبغ بن زيد إلا الحاكم فإنه أخرجه عن عمرو بن الحصين، عن أصبغ بن زيد، به ... وأصبغ بن زيد مختلف فيه فوثقه أحمد والنسائي وابن معين، وضعفه ابن سعد وذكره ابن عدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الكامل " وساق له ثلاثة أحاديث منها هذا الحديث، وقال: ليس بمحفوظ. قال: ولا أعلم روى عنه يزيد بن هارون وقال الذهبي في "الميزان ": قلت: روى عنه عشرة أنفس، وقال في " مختصر المستدرك ": عمرو بن الحصين تركوه، وأصبغ بن يزيد فيه لين. وقال ابن حاتم في كتاب " العلل ": سألت أبي عن حديث رواه يزيد بن هارون، عن أصبغ بن زيد به سندا أو متنا؟ فقال أبي: هذا حديث منكر وأبو بشر لا أعرفه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 214 وقيل: بالشهر؛ لأن ما دونه قليل عاجل والشهر وما فوقه كثير آجل، وقد مر في غير موضع. ويقع التفاوت في المأثم بين أن يتربص العسرة، وبين أن يتربص القحط والعياذ بالله. وقيل: المدة للمعاقبة في الدنيا، أما يأثم وإن قلت المدة. والحاصل أن التجارة في الطعام غير محمودة. قال: ومن احتكر غلة ضيعته أو ما جلبه من بلد آخر فليس بمحتكر، أما الأول فلأنه خالص حقه لم يتعلق به حق العامة. ألا ترى أن له أن لا يزرع، فكذلك له أن لا يبيع. وأما الثاني: فالمذكور قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن حق العامة إنما يتعلق بما جمع في المصر وجلب إلى فنائها.   [البناية] م: (وقيل: بالشهر) ش: أي قيل هي مقدرة بالشهر. م: (لأن ما دونه قليل عاجل والشهر وما فوقه كثير آجل) ش: لهذا سقط الصوم بالجنون شهرا بخلاف ما دونه، وكذا إذا جن الوكيل والموكل جنونا مطبقا بطلت الوكالة، وحده شهرا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولو قال: لا قصير دينه عن قريب، فهو ما دون الشهر لأن الأشهر، وما زاد عليه بعيد، ولهذا كان الشهر أدنى الأجل في الحكم وما دونه في حكم الحال. م: (وقد مر في غير موضع) ش: أي قد مر بيان أن الشهر كثير وما دونه قليل في غير موضع من الكتاب في الصلاة، والسلم والوكالة واليمين وغيرها. م: (ويقع التفاوت في المأثم) ش: أي الإثم وهو مصدر أثم م: (بين أن يتربص العسرة) ش: أي بين أن يترقب ثمرة الطعام م: (وبين أن يتربص القحط والعياذ بالله) ش: أراد أن إثم من يتربص القحط أعظم من إثم من يتربص عسرة الطعام وهي الغلاء. م: (وقيل: المدة للمعاقبة في الدنيا) ش: يعني ضرب المدة في الاحتكار لأجل المعاقبة في الدنيا يعني يقدر الإمام المحتكر ويهدده م: (أما يأثم وإن قلت المدة) ش: تقديره أما الإثم فإنه يأثم. وإن قلت: المدة وهذا تركيب تأباه قواعد العربية إلا بالتأويل. م: (والحاصل أن التجارة في الطعام غير محمودة) ش: يعني بطريق الاحتكار، أما الاسترباح فيه بلا احتكار فلا بأس به كذا في الفوائد الشاهية. [احتكر غلة ضيعته أو ما جلبه من بلد آخر] م: (قال: ومن احتكر غلة ضيعته أو ما جلبه من بلد آخر فليس بمحتكر) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أما الأول) ش: وهو ما إذا احتكر غلة ضيعته م: (فلأنه خالص حقه لم يتعلق به حق العامة. ألا ترى أن له أن لا يزرع فكذا له أن يبيع) ش: فإذا كان كذلك لا يكون مبطلا حق العامة. م: (وأما الثاني) ش: وهو ما جلبه من بلد آخر م: (فالمذكور قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن حق العامة إنما يتعلق بما جمع في المصر وجلبه إلى فنائها) ش: بكسر الفاء، وفي غير ذلك لا يتعلق حقهم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 215 وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكره لإطلاق ما روينا. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كل ما يجلب منه إلى المصر في الغالب، فهو بمنزلة فناء المصر يحرم الاحتكار فيه لتعلق العامة به بخلاف ما إذا كان البلد بعيدا لم تجر العادة بالحمل منه إلى المصر؛ لأنه لم يتعلق به حق العامة.   [البناية] م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكره لإطلاق ما روينا) ش: أشار به إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «والمحتكر ملعون» . م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كل ما يجلب منه إلى المصر في الغالب، فهو بمنزلة فناء المصر، يحرم الاحتكار فيه لتعلق حق العامة به بخلاف ما إذا كن البلد بعيدا لم تجر العادة بالحمل منه إلى المصر؛ لأنه لم يتعلق به حق العامة) . ش: وذكر الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح "الجامع الصغير ": أن هذا على ثلاثة أوجه: في وجه: لا بأس به، وفي وجه: مكروه، وفي وجه: اختلفوا فيه. فأما الذي هو مكروه: هو: أن يشتري طعاما في مصر ويمتنع عن مبيعه، وفي ذلك ضرر بالناس فإنه مكروه. وروي عن محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: أجبره على البيع فإن امتنع عن ذلك أغره ولا أشعره ويقول: بعه كما يبيعه الناس. وأما الذي لا بأس به: فهو: ما إذا كان له طعام دخل من ضيعته أو حمله من مصر آخر، أو اشترى من مصر، ولا يضر ذلك بالناس. يعلم من هذا أن ما ذكره صاحب " الهداية " بقوله: والمذكور قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكره، يعني فيما جلبه من بلد آخر فيه نظر؛ لأن الفقيه أورده في القسم المتفق عليه. وقال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا في كتاب " التقريب ": روى هشام عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيمن جلب طعاما ثم احتكره لم يكره وكره وإنما الحكرة أن يشتري في المصر وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن جلبه من نصف ميل فليس بحكرة، فإذا لم يكن في هذه حكرة؟ فيكف يكون فيما إذا جلبه من مصر آخر؟ نص عليه الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره ". وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا جلبه من نصف ميل فليس بحكرة. وأما الوجه الذي اختلفوا فيه فهو: أنه إذا اشتراه من الرساتيق وحبسه في المصر، قال الفقيه - رَحِمَهُ اللَّهُ -: روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه: قال لا بأس به. وفي قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو محتكر، لأن أهل المصر يتوسعون بالرساتيق فصار حكمها حكم المصر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 216 قال: ولا ينبغي للسلطان أن يعسر على الناس، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تسعروا فإن الله هو المسعر، القابض، الباسط، الرازق» .   [البناية] قال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وبه نأخذ. [تسعير الوالي] م: (قال: ولا ينبغي للسلطان أن يسعر على الناس) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب التسعير على الوالي دفعا للضرر عن العامة، هكذا نقل خلافه الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الكاكي: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التسعير لا يحل بلا خلاف للعلماء فيه إلا في صورة تعدي أرباب الطعام فإنه لا يكره عندنا، والصواب ما ذكره الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لقوله عليه الصلاة السلام: «لا تسعروا، فإن الله هو المسعر، القابض، الباسط، الرازق» ش: هذا الحديث رواه أربعة من الصحابة: الأول، أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه أبو داود والترمذي في البيوع، وابن ماجه في التجارات، عن حماد بن سلمة، عن قتادة وثابت وحميد، ثلاثتهم عن أنس «قال الناس: يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله هو المسعر، القابض، الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة من دم ولا مال» . قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ورواه الدارمي، والبزار، وأبو يعلى الموصلي في "مسانيدهم"، ورواه ابن حبان في "صحيحه "، ولم يذكر فيه: "السعر" هكذا وجدته في نسختين. الثاني: أبو جحيفة، أخرج حديثه الطبراني في "معجمه "، حدثنا عبد الله بن محمد بن عزيز الموصلي، حدثنا غسان بن الربيع، حدثنا أبو إسرائيل عن الحكم عن أبي جحيفة قال: «قالوا يا رسول الله سعر لنا، فقال: "المعسر هو الله، وإني لأرجو أن ألقى الله ولس أحد منكم يطالبني بعرض ولا مال» . الثالث: عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، أخرج حديثه الطبراني في "معجمه الصغير "، حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الوارث، حدثنا يحيى بن صالح الوحاظي، حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش، عن أبي سالم بن أبي الجعد، عن أبي كريب، عن ابن عياش بلفظ حديث أبي جحيفة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 217 ولأن الثمن حق العاقد فإليه تقديره، فلا ينبغي للإمام أن يتعرض لحقه إلا إذا تعلق به دفع ضرر العامة على ما نبين. وإذا رفع إلى القاضي هذا الأمر يأمر المحتكر ببيع ما فضل عن قوته وقوت أهله على اعتبار السعة في ذلك، وينهاه عن الاحتكار فإن رفع إليه مرة أخرى حبسه وعزره على ما يرى زجرا له، ودفعا للضرر عن الناس، فإن كان أرباب الطعام يتحكمون ويتعدون عن القيمة تعديا فاحشا، وعجز القاضي عن صيانة حقوق المسلمين إلا بالتسعير، فحينئذ لا بأس به بمشورة من أهل الرأي والبصيرة، فإذا فعل ذلك وتعدى رجل عن ذلك   [البناية] الرابع: أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الطبراني في "معجمه الأوسط "، حدثنا محمد بن محمد التمار، حدثنا أبو معن الرقاشي، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا سعيد الجريري، عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: «غلا السعر على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: يا رسول الله سعر لنا. فقال: "إن الله هو المسعر، إني لأرجو الله أن ألقاه وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دين ولا دنيا» . م: (ولأن الثمن حق العاقد فإليه تقديره، فلا ينبغي للإمام أن يتعرض لحقه إلا إذا تعلق به دفع ضرر العامة) ش: بأن يتعدى المعتاد تعديا فاحشا يبيع ما يساوي خمسين بمائة فحينئذ يمنع منه دفعا للضرر عن المسلمين ، وأما المتعارف فليس به بأس م: (على ما نبين) ش: يعني عن قريب بعد سطرين م: (وإذا رفع إلى القاضي هذا الأمر) ش: يعني الأمر الذي وقع بين الناس من الاحتكار م: (يأمر المحتكر ببيع ما فضل عن قوته وقوت أهله على اعتبار السعة في ذلك) ش: يعني في قوله: وقوت أهله. م: (وينهاه عن الاحتكار، فإن رفع إليه مرة أخرى حبسه وعزره على ما يرى زجرا له، ودفعا للضرر عن الناس) ش: وذلك حتى يمتنع عن سوء عمله لأنه ارتكب أمرا محرما. وقوله: زجرا ودفعا كلاهما منصوبان على التعليل، وإنما ذكر العاطف، لأن زجرا تعليل للتغرير ودفعا تعليل الزجر وليس فيه حد مقدر فيعذر بحسب ما يراه الحاكم. [عجز القاضي عن صيانة حقوق المسلمين إلا بالتسعير] م: (فإن كان أرباب الطعام يتحكمون ويتعدون عن القيمة تعديا فاحشا) ش: بأن يبيعوا قفيزا بمائة مشتراه خمسون. م: (وعجز القاضي عن صيانة حقوق المسلمين إلا بالتسعير، فحينئذ لا بأس به) ش: أي بالتسعير م: (بمشورة من أهل الرأي والبصيرة) ش: أي البصيرة والمشورة بفتح الميم وبضم الشين وهو استخراج ما في البطن بالرأي، ومحل الياء فيها النصب على الحال من الضمير المجرور في به. م: (فإذا فعل ذلك) ش: أي القاضي م: (وتعدى رجل عن ذلك) ش: أي عن التسعير الذي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 218 وباع بأكثر منه أجازه القاضي، وهذا ظاهر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه لا يرى الحجر على الحر، وكذا عندهما إلا أن يكون الحجر على قوم بأعيانهم. ومن باع منهم بما قدره الإمام صح؛ لأنه غير مكره على البيع، وهل يبيع القاضي على المحتكر طعامه من غير رضاه؟ قيل: هو على الاختلاف الذي عرف في بيع مال المديون وقيل: يبيع بالاتفاق؛ لأن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرى الحجر لدفع ضرر عام،   [البناية] سعره م: (وباع بأكثر منه) ش: أي من الذي سعره م: (أجازه القاضي) ش: يعني لا ينقضه م: (وهذا ظاهر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي الذي ذكرناه من إجازة القاضي ببيعه، ظاهر عند أبي حنيفة م: (لأنه لا يرى الحجر على الحر) ش: وفي إبطال بيعه رأي حجر عليه م: (وكذا عندهما) ش: أي وكذا هو ظاهر عندهما، لأنهما وإن رأيا الحجر، ولكن على حر معين أو قوم بأعيانهم، أما على قوم مجهولين فلا، وهاهنا كذلك فلا يصح، وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وفي " المحيط ": سعر السلطان، وقال: لا تنقصوا فاشترى أحد شيئا والخيار يخاف إن نقص ذلك يضربه السلطان لا يحل أكله وحيله يعني أن يقول المشتري بعني بما تجب. م: (إلا أن يكون الحجر على قوم بأعيانهم) ش: وهذا استثناء من محذوف تقديره، وكذا عندهما لا يكون الحجر إلا أن يكون الحجر على قوم بأعيانهم، وقد ذكرنا أن الحجر على قوم مجهولين لا يصح. م: (ومن باع منهم بما قدره الإمام صح؛ لأنه غير مكره على البيع) ش: وقال الكرخي: قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أجبر المحتكر على بيع ما احتكره وأعزره ولا أسعر عليه. وقوله: بع له كما يبيع الناس وبزيادة فيما يتغابن الناس بينهم، ولا أتركه يبيع القفيز بمائة وهو يباع بأربعين. وقال القدوري في "شرحه ": وينبغي أن يكون قوله أجبره على قولهما على أصلهما في جواز الحجر على الحر. وأما على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب أن لا يجبر على البيع، لأن الحجر على الحر لا يجوز. [هل يبيع القاضي على المحتكر طعامه من غير رضاه] م: (وهل يبيع القاضي على المحتكر طعامه من غير رضاه؟ قيل: هو على الاختلاف الذي عرف في بيع مال المديون) ش: أشار به إلى اختلاف المشائخ فيه قال بعضهم: لا يبيع على مذهب أبي حنيفة ويبيع على قولهما في بيع مال المديون المفلس إذا امتنع عن البيع. م: (وقيل: يبيع بالاتفاق) ش: وإليه ذهب القدوري في "شرحه " م: (لأن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرى الحجر لدفع ضرر عام ) ش: كالحجر على الطيب الجاهل والمكاري المفلس والمفتي الماجن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 219 وهذا كذلك. قال: ويكره بيع السلاح في أيام الفتنة، معناه: ممن يعرف أنه من أهل الفتنة؛ لأنه تسبيب إلى المعصية، وقد بيناه في " السير "، وإن كان لا يعرف أنه من أهل الفتنة لا بأس بذلك؛ لأنه يحتمل أن لا يستعمله في الفتنة فلا يكره بالشك. قال: ولا بأس ببيع العصير ممن يعلم أنه يتخذه خمرا؛ لأن المعصية لا تقام بعينه، بل بعد تغييره بخلاف بيع السلاح في أيام الفتنة؛ لأن المعصية تقوم بعينه. قال: ومن أجر بيتا ليتخذ فيه بيت نار أو كنيسة أو بيعة أو يباع فيه الخمر بالسواد   [البناية] لأن ضررهم يرجع إلى العامة. م: (وهذا كذلك) ش: أي وهذا الحكم وهو بيع القاضي طعام المحتكر بغير رضاه كالحجر لدفع ضرر عام لأن ضرره يرجع على العامة. [بيع السلاح في أيام الفتنة] م: (قال: ويكره بيع السلاح في أيام الفتنة) ش: أي قال القدوري: م: (معناه) ش: أي معنى كلام القدوري يكره بيع السلاح في أيام الفتنة م: (ممن يعرف أنه من أهل الفتنة؛ لأنه تسبب إلى المعصية) ش: وهو الإعانة على العدوان وقد نهينا عنه، قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . م: (وقد بيناه في " السير ") ش: أي في آخر كتاب " السير " م: (وإن كان لا يعرف أنه من أهل الفتنة لا بأس بذلك، لأنه يحتمل أن لا يستعمله في الفتنة فلا يكره بالشك) ش: لأن أمور المسلمين محمولة على الصلاح والاستقامة، فصار كبيع الحرير والديباج إلى الرجل، وإن جاز أن يلبسه لاحتمال أن يرفعه إلى امرأته وأولاده الإناث. [ببيع العصير ممن يعلم أنه يتخذه خمرا] م: (قال: ولا بأس ببيع العصير ممن يعلم أنه يتخذه خمرا) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن المعصية لا تقام بعينه) ش: أي بعين العصير م: (بل بعد تغييره) ش: واستحالته إلى الخمر م: (بخلاف بيع السلاح في أيام الفتنة؛ لأن المعصية تقوم بعينه) ش: أي بعين السلاح. وفي " فتاوى الولوالجي ": رجل له عبد أمرد أراد أن يبيعه من فاسق يعلم أنه يعصي الله فيه، يكره هذا البيع لأنه إعانة على المعصية. [أجر بيتا ليتخذ فيه بيت نار] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (ومن أجر بيتا ليتخذ فيه بيت نار) ش: للمجوس م: (أو كنيسة) ش: للنصارى م: (أو بيعة) ش: لليهود م: (أو يباع فيه الخمر) ش: لأهل الذمة أو الفسقة من المسلمين م: (بالسواد) ش: يتعلق بالجميع تقديره: من أجر بيتا في السواد ليتخذ فيه بيت نار وكذلك البواقي، وإنما قيد بالسواد لأن أهل الذمة يمنعون عن إحداث البيع، والكنائس وبيع الخمر في الأمصار ولا يمنعون عن ذلك في السواد لأن عامة شعائر الإسلام من الجمع والجماعات والأعياد وإقامة الحدود وغير ذلك يختص بالأمصار، ففي هذه الأشياء الجزء: 12 ¦ الصفحة: 220 فلا بأس به، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال: لا ينبغي أن يكريه لشيء من ذلك، لأنه إعانة على المعصية. وله: أن الإجارة ترد على منفعة البيت، ولهذا تجب الأجرة بمجرد التسليم ولا معصية فيه، وإنما المعصية بفعل المستأجر وهو مختار فيه فقطع نسبته عنه،   [البناية] استحقاق بالمسلمين بخلاف السواد. وقالوا أيضا في سواد الكوفة، لأن الغالب فيها أهل الذمة والروافض، أما في سوادنا فيمتنعون عن إحداث ذلك، لأن الغلبة في سوادنا لأهل الإسلام فيمنعون عن ذلك في السواد والأمصار جميعا. م: (فلا بأس به) ش: أي بما ذكر من الأشياء م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي هذا الذي ذكرناه من الجواز عند أبي حنيفة. م: (وقالا: لا ينبغي أن يكريه لشيء من ذلك) ش: أي يؤجره، يقال: أكراني داره أو دابته، أي أجرنيها، والمعنى: أنه لا يجوز أن يكري بيته بشيء من الذي ذكرناه، وبه قالت الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لأنه إعانة على المعصية) ش: والمعين على المعصية عاص. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الإجارة ترد على منفعة البيت ولهذا تجب الأجرة بمجرد التسليم، ولا معصية فيه) ش: أي في إجارة البيت م: (وإنما المعصية بفعل المستأجر وهو مختار فيه) ش: أي المستأجر مختار في فعل المعصية يعني أن ذلك باختياره، م: (فقطع نسبته عنه) ش: أي قطع نسبة المعصية عن العقد. وفي بعض النسخ: فيقطع نسبه عنه، وهذا كما إذا أخذ من هرب ممن قصده بالقتل حتى قتله لا شيء على الآخر لتخلل فعل فاعل مختار، وكذلك هذا الإثم على الآخر بهذا المعنى. وقال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في باب الإجارة الفاسدة من " الأصل ": وهو كمن باع جارية ممن لا يستبرئها أو يأتيها من غير المأتى لم يأثم من فعل المشتري. وكذا قوله: فيمن باع غلاما قصد الفاحشة. فإن قلت: ألا ترى أن قوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنعام: 108] الآية، حرم المسبب وإن تخلل فعل فاعل مختار. وقلت: الكلام في المسبب المحض، أما إذا كان سببا بعمل العلة فلا وسب الكافر والضم كذلك، لأنه يبعث لهم ذلك على الفعل القبيح، بخلاف إجارة البيت، لأنه لا يحمل المستأجر على اتخاذه بيت نار، ولهذا لو أجر داره ليضع فيها متاعا، أو ليكن تحت الأجرة، لأنه لم يتعلق الإجارة بما قال، بخلاف بيع السلاح من أهل الفتنة، لأن البائع يعمل العلة، لأنهم لا يتمكنون من إنارة الفتنة إلا بالسلاح ليكون البيع منهم بمنزلة علة العلة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 221 وإنما قيده بالسواد؛ لأنهم لا يمكنون من اتخاذ البيع والكنائس وإظهار بيع الخمور والخنازير في الأمصار، لظهور شعائر الإسلام فيها بخلاف السواد، قالوا: هذا كان في سواد الكوفة؛ لأن غالب أهلها أهل الذمة، فأما في سوادنا فأعلام الإسلام فيها ظاهرة، فلا يمكنون فيها أيضا وهو الأصح. قال: ومن حمل لذمي خمرا، فإنه يطيب له الأجر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله-: يكره له ذلك، لأنه إعانة على المعصية، وقد صح أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لعن في الخمر عشرا: حاملها، والمحمول إليه» .   [البناية] م: (وإنما قيده بالسواد؛ لأنهم لا يمكنون من اتخاذ البيع والكنائس وإظهار بيع الخمور والخنازير في الأمصار، لظهور شعائر الإسلام فيها) ش: أي في الأمصار وهي الجمع والجماعات والأعياد، وإقامة الحدود على ما ذكرنا عن قريب. م: (بخلاف السواد) ش: أي أهل القرى، لأنه ليست فيه شعائر الإسلام كالأمصار. م: (قالوا) ش: أي المشائخ م: (هذا كان في سواد الكوفة؛ لأن غالب أهلها أهل الذمة، فأما في سوادنا فأعلام الإسلام فيه ظاهرة، فلا يمكنون فيها أيضا وهو الأصح) ش: وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي، وفخر الإسلام البزدوي، عند الفضلي: لا يمنعون من ذلك في السواد، واحترز بقوله: " في الأصح " عن قوله. [استأجر من مسلم دابة أو سفينة لينقل عليها خمرا] م: (قال: ومن حمل لذمي خمرا فإنه يطيب له الأجر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قال في " الجامع الصغير ". م: (وقال أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله-: يكره له ذلك) ش: وبه قالت الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لا يجوز العقد عندهم أصلا، وعلى هذا الخلاف إذا استأجر من مسلم دابة أو سفينة لينقل عليها خمرا أو استأجره ليرعى خنازيره، ذكره شيخ الإسلام م: (لأنه إعانة على المعصية وقد صح أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لعن في الخمر عشرا: حاملها والمحمول إليه» ش: هذا الحديث رواه أربعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: الأول: عبد الله بن عمر، أخرج أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "سننه " حديثه عن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي وأبي علقمة مولاهم أنهما سمعا عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لعن الله: الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، وآكل ثمنها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمول إليه» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 222 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ورواه أحمد وابن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، والبزار في "مسانيدهم". قال المنذري في "مختصره ": وسئل ابن معين عن عبد الرحمن الغافقي قال: لا أعرفه. وذكره ابن يونس في "تاريخه " وقال: إنه روى عن ابن عمر، وروى عنه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز وعبد الله بن عياض، وأنه كان أمير الأندلس، قتله الروم بالأندلس سنة خمسة عشر ومائة، وأبو علقمة مولى ابن عباس ذكر ابن يونس أنه يروي عن ابن عمر وغيره من الصحابة وأنه كان على قضاء أفريقية وكان أحد فقهاء الموالي، انتهى. وأخرجه الحاكم في " المستدرك في الأشربة" من طريق ابن وهب، أخبرني عبد الرحمن ابن شريح الخولاني عن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفيه قصة وقال: صحيح الإسناد. ورواه إسحاق بن ر اهويه في "مسنده "، أخبرنا أبو عامر العقدي، حدثنا محمد بن أبي حميد، عن أبي حميد، عن أبي توبة المصري، سمعت ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله لعن: الخمر وغارسها لا يغرسها إلا للخمر، ولعن مجتنيها ولعن حاملها إلى المعصرة وعاصرها، وشاربها وبائعها وآكل ثمنها ومدرها» . الثاني: أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرج حديثه الترمذي وابن ماجه عن أبي عاصم عن شبيب بن بشر عن أنس بن مالك: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعن في الخمر عشرة .... » فذكره إلا أن فيه عوض: الخمر والمشتراة له. قال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث غريب من حديث أنس. الثالث: عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه ابن حبان في "صحيحه " عن مالك بن سعيد التجيبي أنه سمع ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «أتاني جبرائيل فقال لي: يا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن الله لعن الخمر» فذكره باللفظ الأول، إلا أن فيه عوض: «آكل ثمنها والمسقاة له» . ورواه الحاكم في " المستدرك "، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وشاهده الجزء: 12 ¦ الصفحة: 223 وله: أن المعصية في شربها وهو فعل فاعل مختار، وليس الشرب من ضرورات الحمل ولا يقصد به. والحديث محمول على الحمل المقرون بقصد المعصية. قال: ولا بأس ببيع بناء بيوت مكة ويكره بيع أرضها، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا بأس ببيع أرضها أيضا، وهذا رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛   [البناية] حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثم أخرج حديث عمر، ورواه أحمد في "مسنده ". الرابع: عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه أحمد والبزار - رحمهما الله- في "مسنديهما"، أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، حدثنا عيسى بن أبي عيسى، عن الشعبي، عن علقمة عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا بلفظ أبي داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - سواء. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن المعصية في شربها وهو فعل فاعل مختار، وليس الشرب من ضرورات الحمل) ش: لأن الشرب قد يوجد بدون الحمل، والحمل قد يوجد بلا شرب بل يكون الحمل للإراقة أو للصب في النخل ليتخلل فلم تكن المعصية من لوازمه، بل المعصية توجد باختيار الفاعل، فلا يوجب كراهية الحمل، فصار كما لو استأجره لعصر العنب أو لقطعه. م: (ولا يقصد به) ش: أي لا يقصد الحامل بالحمل شرب الذمي، بل تحصيل الأجرة. م (والحديث محمول على الحمل المقرون بقصد المعصية) ش: هذا جواب عن استدلالهما بالحديث، والمقرون بقصد المعصية هو شرب الخمر. ولنا كلام فيه، فإن ذلك مكروه. قلت: محمد هذا التأويل رواية إسحاق بن راهويه، فليتأمل فإنه موضع نظر [بيع أرض مكة] م: (قال: ولا بأس ببيع بناء بيوت مكة ويكره بيع أرضها) ش: أي قال في " الجامع الصغير "، م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي كراهية بيع أرض مكة عند أبي حنيفة وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله- في رواية. م: (وقالا: لا بأس ببيع أرضها أيضا) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله- في رواية. م: (وهذا رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قولهما رواية عن أبي حنيفة. وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن بيع دور مكة جائزة فيها الشفعة، كذا ذكره الكرخي في الجزء: 12 ¦ الصفحة: 224 لأنها مملوكة لهم لظهور الاختصاص الشرعي بها فصار كالبناء.   [البناية] الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن بيع دور مكة جائز فيها الشفعة، كذا ذكره الكرخي في "مختصره ". وقال في كتاب " التقريب ": روى هشام عن أبي يوسف عن أبي حنيفة - رحمهما الله-: أنه كره إجارة بيوت مكة في الموسم ورخص في غير الموسم. وكذلك قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال هشام: أخبرني محمد عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يكره كراء بيوت مكة في الموسم، ويقول: لهم أن ينزلوا عليهم في دورهم إذا كان فيها فضل، وإن لم يكن فيها فلا، وهو قول محمد، انتهى. وقال الطحاوي في "مختصره ": وكره أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيع أرض مكة، وهو قول مالك، ورواه محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقد روى غيره عن أبي يوسف: أن ذلك لا بأس به. وقال أبو جعفر: هذا أجود، والطحاوي أخذ بقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في جواز بيع الأرض في " شرح الآثار "، كما أخذ بقوله في "مختصره". ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخذ في كتاب " الآثار " بقول أبي حنيفة: أنه لا يجوز بيعها. م: (لأنها) ش: أي لأن أرض مكة م: (مملوكة لهم لظهور الاختصاص الشرعي بها، فصار كالبناء) ش: أراد بالاختصاص الشرعي التوارث، وقسمتها في المواريث من الصدر الأول إلى يومنا، يريد بما رواه الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "شرح الآثار " بإسناده «عن أسامة بن زيد أنه قال: يا رسول الله انزل في دارك بمكة، فقال: "وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور» أخرجه البخاري ومسلم ولفظهما: «هل ترك لنا عقيل منزلا» ، وكان عقيل ورث أبا طالب ولم يرثه جعفر ولا علي، لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل وطالب كافرين، فكان عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول من أجل ذلك: "لا يرث المؤمن الكافر ". ففي هذا الحديث ما يدل على أن أرض مكة تملك، وتورث. لأنه قد ذكر فيها ميراث عقيل وطالب لما تركه أبو طالب فيها من رباع ودور. الرباع جمع ربع وهو دار الإقامة. وذكر البيهقي في "المعرفة ": أخبرنا الحاكم بسنده عن إسحاق بن راهويه قال: كنا بمكة ومعي أحمد بن حنبل فقال لي أحمد يوما: تعال أريك رجلا لم تر عيناك مثله، يعني الشافعي، فذهب معه، فرأيت من إعظام أحمد للشافعي، فقلت له: إني أريد أن أسأله عن مسألة، فقال: هات. فقلت للشافعي: يا أبا عبد الله ما تقول في أجور بيوت مكة؟ فقال: لا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 225 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] - بأس به، قلت: وكيف وقد قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يا أهل مكة لا تجعلوا على دوركم أبوابا، لينزل البادي حيث شاء، وكان سعيد بن جبير ومجاهد ينزلان ويخرجان ولا يعطيان أجرا، فقال: السنة في هذا أولى بنا، فقلت. قال: أو في هذا سنة؟ قال: نعم. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وهل ترك لنا عقيل منزلا» لأن عقيلا ورث أبا طالب ولم يرثه علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا جعفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنهما كانا مسلمين، فلو كانت المنازل في مكة لا تملك كيف كان يقول: «وهل ترك لنا عقيل؟» وهي غير مملوكة. قال: فاستحسن ذلك أحمد وقال: لم يقع هذا بقلبي، فقال إسحاق وللشافعي: أليس قد قال الله سبحانه وتعالى: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي} [الحج: 25] ؟ فقال له الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اقرأ أول الآية: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي} [الحج: 25] إذ لو كان كما تزعم لما جاز لأحد أن ينشد فيها ضالة، ولا ينحر فيها بدنة، ولا يدفع فيها الأرواث، ولكن هذا في المسجد خاصة، قال: فسكت إسحاق. وروى الواقدي في كتاب " المغازي ": حدثني معاوية بن عبد الله عن أبيه، عن أبي رافع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «قيل للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين دخل مكة يوم الفتح: ألا تنزل منزلك من الشعب؟ قال: فهل ترك لنا عقيل منزلا؟ ". وكان عقيل قد باع منزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومنزل إخوته من الرجال والنساء بمكة، فقيل له: فانزل في بعض بيوت مكة فأبى، وقال: "لا أدخل البيوت" فلم يزل مضطربا بالحجون لم يدخل بيتا، وكان يأتي المسجد من الحجون» . قال السهيلي في " الروض الأنف ": وقد اشترى عمر بن الخطاب الدور من الناس الذي ضيقوا الكعبة وألصقوا دورهم بها، ثم هدمها وبنى المسجد الحرام حول الكعبة، ثم كان عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اشترى دورا بأغلى ثمن وزاد في سعة المسجد، وهذا دليل على أن رباع مكة مملوكة لأهلها بيعا وشراء. وقال أبو الفتح اليعمري في "سيرته عيون الأثر ": وهذا الخلاف هنا يبتني على خلاف آخر، وهو أن مكة هل فتحت عنوة أو أخذت بالأمان؟ فذهب الشافعي إلى أنها مؤمنة، يعني فتحت بالأمان، وهو كالصلح يملكها أهلها فيجوز لهم كراءها وبيعها وشراءها، لأن المؤمن يحرم دمه وماله وعياله. وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عهد إلى المسلمين أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم وقال: «من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن» إلا الذين استثناهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان هذا أمان منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 226 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وأكثر أهل العلم إلى أنها فتحت عنوة، لأنها أخذت بالخيل والركاب. وجاء في حديث عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - من طريق إبراهيم بن مهاجر: في «مكة: أنها مناخ من سبق» ، ولا خلاف في أنه لم يجر فيها قسم ولا غنيمة ولا شيء من أهلها أخذ لما عظم الله من حرمتها. قال أبو عمر: والأصح، والله سبحانه وتعالى أعلم: أنها بلدة مؤمنة آمن أهلها على أنفسهم وكانت أموالهم تبعا لهم، انتهى. وكذلك قال ابن الجوزي في " التحقيق ": بيع رباع مكة مبني على أنها إن فتحت عنوة فيكون وقفا على المسلمين فلا يجوز بيعها، وإن فتحت صلحا فهي باقية على أهلها فيجوز، انتهى. قلت: حديث: «مكة مناخ من سبق» ، رواه أبو عبيد القاسم بن سلام، حدثنا عبد الرحمن عن إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن يوسف بن ماهك، «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قلت: يا رسول الله: ألا نبني لك بيتا - يعني بمكة -؟ قال: " لا، إنما هي مباح لمن سبق» . وقال الحاكم في "مستدركه " عقيب حديث عبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من أكل كراء بيوت مكة فإنما يأكل نارا» : وقد صحت الروايات أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل مكة صلحا. فمنها: ما حدث وأسند -يعني الحاكم - عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين سار إلى مكة ليفتحها قال لأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: اهتف بالأنصار، فقال: يا معشر الأنصار أجيبوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجاءوا، فكأنما كانوا على ميعاد. ثم قال: اسلكوا هذا الطريق، فساروا، ففتحها الله عليهم، وطاف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالبيت، فصلى ركعتين، ثم خرج من الباب الذي يلي الصفا، فصعد الصفا، فخطب الناس، والأنصار أسفل منه، فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرجل فقد أخذته رأفة بقومه ورغبة في قرابته، قال: "فمن أنا إذا؟ كلا والله، إني عبد الله ورسوله حقا، فالمحيا محياكم، والممات مماتكم". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 227 ولأبي حنيفة قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ألا إن مكة حرام لا تباع رباعها، ولا تورث» .   [البناية] قالوا: والله يا رسول الله: ما قلنا ذلك إلا مخافة أن يعادونا. قال: "أنتم صادقون عند الله وعند رسوله". فقال: والله ما منهم أحد إلا بل نحره بالدموع» . قلت: قال الشيخ محيي الدين النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال مالك، وأحمد، وأبو حنيفة، وجماهير العلماء، وأهل السير: ففتحت عنوة، واحتجوا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " احصروهم حصرا "، وبقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: [ ... ] وبتسمية هذه الغزوة غزوة الفتح، [ومما] يدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] ، وقوله سبحانه وتعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] والمراد بهما عند الجمهور فتح مكة، وهذا اللفظ لا يستعمل في الصلح، إنما يستعمل في الغلبة والقهر، وأيضا فإن أهل السير عدوا الفتح من جملة الغزوات التي قاتل فيها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعدها ابن سعد تسعا منها الفتح، وادعى الماوردي أن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - انفرد بقوله: فتحت صلحا. م: (ولأبي حنيفة قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ألا إن مكة حرام لا تباع رباعها، ولا تورث» ش: هذا الحديث أخرجه الحاكم في "مستدركه " في "البيوع"، والدارقطني في "سننه "، عن إسماعيل ابن مهاجر عن أبيه عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مكة مناخ، لا تباع رباعها، ولا يؤاجر بيوتها» . وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وقال الدارقطني: إسماعيل بن مهاجر ضعيف ولم يروه غيره، وذكره ابن القطان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "كتابه " من جهة الدارقطني وأعله بإسماعيل بن مهاجر، قال: قال البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: منكر الحديث. ورواه ابن عدي، والعقيلي في "كتابيهما"، وأعلاه بإسماعيل وأبيه، قالا في إسماعيل: لا يتابع عليه. وقال صاحب " التنقيح ": إسماعيل بن مهاجر هذا هو البجلي الكوفي، وهو من رجال مسلم. وقال النووي: لا بأس به، وضعفه ابن معين، وكذلك أبوه ضعفوه. وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أبوه أقوى منه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 228 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وأخرجه الحاكم، والدارقطني أيضا عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبي نجيح عن عبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله حرم مكة، فحرم بيع رباعها، وأكل ثمنها» . وقال: «من أكل من أجر بيوت مكة فإنما يأكل نارا» . وفي لفظ الدارقطني قال: «مكة حرام، وحرام بيع رباعها، وحرام أجر بيوتها» . سكت عنه الحاكم، وجعله شاهدا لحديث مهاجر. وقال الدارقطني: هكذا رواه أبو حنيفة، ووهم في موضعين: أحدهما قوله: عبيد الله بن أبي يزيد، وإنما هو ابن أبي زياد القداح، والثاني: في رفعه، والصحيح أنه موقوف. ثم أخرجه عن عيسى بن يونس، حدثنا عبيد الله بن أبي زياد حدثني أبي نجيح عن عبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وقال: «الذي يأكل كراء بيوت مكة، إنما يأكل في بطنه نارا» . وذكر ابن القطان حديث أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - من رواية محمد بن الحسن، عنه، وقال: علته ضعف أبي حنيفة، ووهم في قوله " عبيد الله بن أبي يزيد "، وإنما هو " ابن أبي زياد "، فلعل الوهم من صاحبه محمد بن الحسن. انتهى. قلت: أخرجه الدارقطني في آخر "الحج" عن أيمن بن نايل، عن عبيد الله بن أبي زياد عن أبي نجيح، عن عبيد الله بن عمر، ورفع الحديث. قال: «من أكل كراء بيوت مكة أكل الربا» . وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه "، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن مجاهد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مكة حرام حرمها الله، لا يحل بيع رباعها، ولا إجارة بيوتها» . حدثنا معتمر بن سليمان، عن ليث، عن مجاهد، وعطاء، وطاوس: كانوا يكرهون أن يباع شيء من رباع مكة، وأما قول الدارقطني: هكذا رواه أبو حنيفة، ووهم في موضعين غير صحيح ولا مسلم، لأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواه في " الآثار " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عبيد الله بن أبي زياد عن أبي نجيح، عن عبد الله بن عمرو، به، وليس فيه وهم، وبهذا أيضا سقط كلام ابن القطان حيث نسب الوهم إلى محمد بن الحسن. وأما قوله: والثاني في رفعه والصحيح موقوف، فمردود أيضا لأن رفع الثقات صحيح، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 229 ولأنها حرة محترمة؛ لأنها فناء الكعبة، وقد ظهر آية أثر التعظيم فيها، حتى لا ينفر صيدها، ولا يختلى خلاها، ولا يعضد شوكها، فكذا في حق البيع بخلاف البناء؛ لأنه خالص ملك الباني، ويكره إجارتها أيضا، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من أجر أرض مكة فكأنما أكل الربا»   [البناية] ولا سيما مثل هذا الإمام. وأما قول ابن القطان: وعلته ضعف أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإساءة أدب، وقلة حياء منه، فإن مثل الإمام الثوري، وابن المبارك وأضرابهما وثقوه وأثنوا عليه خيرا، فما مقدار من يضعفه عند هؤلاء الأعلام الأشنان، وقد أشبعنا الكلام فيه، وفي مناقبه التي جمعناها في "تاريخنا الكبير". م: (ولأنها) ش: أي ولأن مكة م: (حرة) ش: أي خالصة لله تعالى ووقف الخليل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - موضع الحرم م: (محترمة) ش: أي لها حرمة عظيمة، وقد حرمها إبراهيم الخليل - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه وسلامه-. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا إن مكة حرام منذ خلق الله السماوات والأرضين» الحديث. م: (لأنها فناء الكعبة) ش: أي لأن مكة فناء الكعبة م: (وقد ظهر آية أثر التعظيم فيها) ش: أي قد ظهر أثر تعظيم الكعبة في مكة م: (حتى لا ينفر صيدها) ش: أي لا يزعج من موضعه ولا يخوف م: (ولا يختلى خلاها) ، ش: الخلاء مقصور الرطبة من الحشيش الواحدة خلاة. ومعنى قوله: «لا يختلى خلاها» ، أي لا يقطع خلاها م: (ولا يعضد شوكها) ش: أي لا يقطع من العضد. وهو القلع فيما إذا ظهر في هذا، فلأن يظهر في حرمة البيع كان أولى، لأن جعلها عرضة التمليك والتملك أبلغ في الإنابة من عضد الشوك وأصل الخلاء، وشغر الصيد أشار إليه بقوله: م: (فكذا في حق البيع) ش: أي فكذا يظهر في أثر تعظيمها في حق البيع م: (بخلاف البناء لأنه خالص ملك الباني) ش: فيجوز بيعه، وكمن غرس شجرا في أرض الحرم أو في أرض الوقف، أو في طريق العامة يجوز بيعه. [إجارة بيوت مكة] م: (ويكره إجارتها أيضا) ش: أي إجارة بيوت مكة م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من أجر أرض مكة فكأنما أكل الربا» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ غريب، وإنما روى محمد بن الحسن في " الآثار " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عبيد الله بن أبي زياد عن أبي نجيح، عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أكل من أجور بيوت مكة شيئا فإنما يأكل نارا» . وتتقدم حديث الدارقطني عن أيمن بن نابل. وروى عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا ابن جريح قال: كان عطاء ينهى أن تؤجر بيوت الجزء: 12 ¦ الصفحة: 230 ولأن أراضي مكة تسمى السوائب على عهد رسول الله -- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - من احتاج إليها سكنها، ومن استغنى عنها أسكن غيره   [البناية] مكة، وقال: أخبرنا معمر عن منصور، عن مجاهد أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: يا أهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابا، لينزل البادي حيث شاء. قال معمر: وأخبرني بعض أهل مكة، قال: لقد استخلف معاوية وما لدور مكة باب قال: وأخبرني من سمع عطاء يقول {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي} [الحج: 25] ، قال: ينزلون حيث شاءوا. م: (ولأن أراضي مكة تسمى السوائب على عهد رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - من احتاج إليها سكنها ومن استغنى عنها أسكن غيره) ش: السوائب جمع سائبة، وهي التي لا مالك لها ينتفع من شاء. وروى الطحاوي بإسناده إلى علقمة قال: «توفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأبو بكر وعمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - ورباع مكة تدعى السوائب، من احتاج سكن ومن استغنى أسكن» . وروي أيضا بإسناده إلى علقمة بن نضلة قال: «كانت الدور على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - ما تباع ولا تكرى، ولا تدعى إلى السوائب» . وأخرجه ابن ماجه - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد بن أبي حسين، عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة بن نضلة قال: «كانت الدور والمساكن حين توفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر وعمر وعثمان وما تدعى رباع مكة إلا السوائب، من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن» . وكذلك رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" و"مسنده "، ومن طريقه رواه الطبراني في "معجمه " والدارقطني في "سننه "، ورواه أبو الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي في كتابه " تاريخ مكة ": حدثني جدي أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي، حدثنا يحيى بن سليم، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين، عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة بن نضلة قال: " «كانت الدور والمساكن بمكة على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأبي بكر وعمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ما تكرى ولا تباع ولا تدعى إلا السوائب، من احتاج سكن ومن استغنى أسكن» . قال يحيى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فقلت لعمر إنك تكري قال: قد أحل الميتة للمضطر إليها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 231 ومن وضع درهما عند بقال يأخذ منه شاء يكره له ذلك؛ لأنه ملكه قرضا جر به نفعا، وهو أن يأخذ منه ما شاء حالا فحالا، ونهى رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عن قرض جر نفعا.   [البناية] وأخرج الدارقطني أيضا عن معاوية بن هشام حدثنا سفيان عن عمر بن سعيد عن عثمان بن أبي سليمان عن نافع بن جبير بن مطعم عن علقمة بن نضلة الكناتي قال: «كانت بيوت مكة تدعى على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - السوائب، لا تباع، من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن» . فإن قلت: قال البيهقي: هذا الحديث فيه انقطاع ورفعه وهم، والصحيح وقفه. قلت: فهذا ابن ماجه أخرجه بسند صحيح على شرط مسلم وأخرجه الطحاوي والدارقطني وغيرهما، وعلقمة هذا صحابي، كذا ذكره على هذا الشأن، وإذا قال الصحابي مثل هذا الكلام كان مرفوعا على ما عرف، وفيه تصريح عثمان بالسماع من علقمة فأين الانقطاع!. [وضع درهما عند بقال يأخذ منه ما يشاء] م: (ومن وضع درهما عند بقال يأخذ منه ما يشاء يكره له ذلك) ش: البقال هو الذي يبيع قوابل الطعام وغيرها، وهذا في اصطلاح تلك البلاد، وأهل الشام يسمونه: القاضي وأهل مصر: الزيات. م: (لأنه ملكه قرضا وجريه نفعا وهو أن يأخذ منه ما شاء حالا فحالا) ش: أي لأن وضع الدرهم ملك البقال ذلك الدرهم من حيث القرض. فإن قلت: قوله: عند بقال يدل على أنه وديعة لأنه عنه للوديعة فلا فرق حينئذ بين صورة الوديعة والقرض، مع أنه فرق بينهما. قلت: يجوز أن يكون قوله يأخذ منه ما شاء خارجا مخرج الشرط، يعني وضعه بشرط أن يأخذ منه ما شاء، وأما إذا وضعه ولم يشترط شيئا فهو وديعة إن هلك لا يضمن البقال شيئا. م: «ونهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قرض جر نفعا» ش: روى سعيد بن منصور في "سننه "، ثم البيهقي من حديث إسماعيل بن عياش عن عتبة بن حميد الضبي عن يحيى بن أبي إسحاق الهنائي قال: سألت أنس بن مالك فقلت: يا أبا حمزة: الرجل منا يقرض أخاه المال فيهدي إليه، فقال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أقرض أحدكم أخاه قرضا فأهدى إليه طبقا فلا يقبله، أو حمله على دابة فلا يركبها إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك» الجزء: 12 ¦ الصفحة: 232 وينبغي أن يستودعه ثم يأخذ منه ما شاء جزءا فجزءا؛ لأنه وديعة وليس بقرض حتى لو هلك لا شيء على الآخذ، والله أعلم.   [البناية] أخرج البيهقي هذا من رواية الحسن بن علي العامري، عن هشام بن عمار عن إسماعيل بن عياش، ثم قال العامري: قال هشام: يحيى بن أبي إسحاق والهنائي، وما أراه إلا وهم. وهذا حديث يحيى بن يزيد الهنائي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قلت: ذكر الذهبي في إخراجه هذا الحديث من رواية يحيى بن إسحاق الهنائي وعزاه إلى ابن ماجه ثم ذكر يحيى بن يزيد الهنائي، وأخرج له حديثا عن أنس وعزاه إلى مسلم وأبي داود، وهو غير هذا الحديث. وذكرهما الذهبي في " الكاشف " في ترجمتين، وعلم لابن أبي إسحاق الهنائي علامة ابن ماجه، ولابن يزيد الهنائي علامة مسلم وأبي داود. وذكر عبد الحق في "الأحكام " هذا الحديث من طريق [ ... ] مخلد عن هشام بن عمار وفيه يحيى بن إسحاق الهنائي، وبهذا ظهر أن الحديث لابن أبي إسحاق، ولابن يزيد. وأخرج البيهقي أيضا من حديث إدريس بن يحيى عن عبد الله بن عياش حدثنا يزيد بن حبيب، عن أبي مرزوق النخعي عن فضالة بن عبيد أنه قال: كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا. م: (وينبغي أن يستودعه ثم يأخذ منه ما شاء جزءا فجزءا؛ لأنه وديعة وليس بقرض حتى لو هلك، لا شيء على الأخذ والله أعلم) ش: لأنه أمانة لم يوجد فيه القعدي. ومعنى قوله: هلك، ضاع حتى لو استهلك هو يضمن لأنه يتعدى. وفي " النوازل ": عجل البقال درهما فيأخذ منه شيئا فشيئا لا بأس به، ما لم يشترط عليه، لأنه إنما يدفعه ليأخذ منه متفرقا، ولو أقرضه بلا شرط لا بأس به، وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأصحابه - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 233 "مسائل متفرقة " قال: ويكره التعشير والنقط في المصحف، لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: جردوا القرآن.   [البناية] [مسائل متفرقة] [التعشير والنقط في المصحف] م: (مسائل متفرقة) ش: أي هذه مسائل متفرقة وارتفاع مسائل على أنه خبر مبتدأ محذوف ومتفرقة صفتها. وأراد بالمتفرقة: من أنواع شتى. م: (قال: ويكره التعشير والنقط في المصحف) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": والتعشير جمع العواشر في المصحف، وهو كتابة العلامة عند منتهى عشر آيات. والنقط: بفتح النون وسكون القاف مصدر من نقط المكتوب ينقط وبعضهم ضبطه بضم النون وفتح القاف، وقال: جمع نقطة، وهو تصحيف على ما لا يخفى. م: (لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جردوا القرآن) ش: رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه " في فضائل القرآن، حدثنا وكيع عن سفيان، عن الأعمش عن إبراهيم، قال: قال عبد الله: جردوا القرآن. حدثنا سهيل بن يوسف عن حميد الطويل، عن معاوية بن قرة، عن أبي المغيرة، عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فذكره. حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء، عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: جردوا القرآن، ولا تلحقوا به ما ليس منه. وبهذا السند رواه عبد الرزاق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في "مصنفه " في أواخر الصوم، أخبرنا الثوري عن سلمة بن كهيل - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في "معجمه ". ومن طريق ابن أبي شيبة رواه إبراهيم الحربي في كتابه " غريب الحديث " وقال: "قوله جردوا القرآن " يحتمل فيه أمران أحدهما: أي جردوه في التلاوة لا تخلطوا به غيره. والثاني: أي جردوه في الخط من النقط والتعشير. قلت: التأويل الثاني أولى، لأن الطبراني أخرج في "معجمه " عن مسروق عن ابن مسعود أنه كان يكره التعشير في المصحف. وأخرج البيهقي في كتاب " المدخل "، عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل به: جردوا القرآن. قال أبو عبيد: كان إبراهيم يذهب به إلى نقط المصحف ويروى عن عبد الله: أنه كره الجزء: 12 ¦ الصفحة: 234 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] التعشير في المصاحف. وروى أبو عبيد بإسناده إلى عبد الله بن مسعود قال: جردوا القرآن، أرى فيه صغيركم عند كبيركم، فإن الشيطان يخرج من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة. وقال أبو عبيد: اختلف الناس في تفسير قوله: جردوا القرآن، فكان إبراهيم يذهب به إلى نقط المصاحف، ويقول: جردوا القرآن ولا تخلطوا به غيره وإنما يرى كره ذلك مخافة أن ينشأ نشئ يدركون المصاحف منقوطة، فيرون أن النقط من القرآن. ولهذا كره من كره الفواتح والعواشر. وقال أبو عبيد: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين عن يحيى بن وثاب، عن مسروق، عن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه كره التعشير في المصاحف، وقيل: إن رجلا قرأ عنده، فقال: استعذ بالله من الشيطان الرجيم. فقال عبد الله: "جردوا القرآن ". وقد ذهب كثير من الناس إلى أن يتعلم القرآن وحده ويترك الأحاديث. قال أبو عبيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا باطل وليس له عندي وجه، وكيف يكون عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أراد به هذا؟ وهو يحدث عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأحاديث كثيرة، لكنه عندي ما ذهب إليه إبراهيم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وما ذهب إليه عبد الله نفسه. وفيه وجه آخر وهو عندي من أحسن هذه الوجوه و [هو:] أنه حثهم على أن لا يتعلم شيء من كتب غيره، لأن ما خلا القرآن من كتب الله إنما يؤخذ عن اليهود والنصارى، وليسوا بها معرفين عليها، وذلك بين في أحاديث: حدثنا محمد بن عبيد، عن هارون بن عبيدة، عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال: أصبت أنا وعلقمة صحيفة، فانطلقنا إلى عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقلنا: هذه صحيفة فيها حديث حسن. قال، فجعل عبد الله يمحوها بيده ويقول: نحن نقص عليك أحسن القصص. ثم قال: هذه القلوب أوعية، فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيره. وكذا حديثه الآخر: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فيحدثوكم بحق فتكذبوا أو باطل فتصدقوا؛ فإنه كيف يهدونكم وقد أضلوا أنفسهم؟!. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 235 ويروى: جردوا المصاحف، وفي التعشير والنقط ترك التجريد؛ لأن التعشير يخل بحفظ الآي، والنقط يحفظ الإعراب اتكالا عليه فيكره. قالوا: في زماننا لا بد للعجم من دلالة. فترك ذلك إخلال بالحفظ وهجران القرآن، فيكون حسنا.   [البناية] ومنهم حديث «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين أتاه عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بصحيفة أخذها من بعض أهل الكتاب فغضب فقال: " أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب!» ، انتهى كلامه. وفي " الفائق " ومعناه: خصوا القرآن بأن ينشأ على تعلمه صغاركم وبأن لا يتباعد عن تلاوته وتدبره كباركم، فإن الشيطان لا يقر في مكان يقرأ فيه القرآن. وما كره أبو حنيفة التعشير والنقط لأحد الوجوه التي ذهب إليها إبراهيم في حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولأن التعشير أمر غير مقيد إلا للتقصير في حفظ الآيات ومعرفته اعتمادا على الخط. م: (ويروى: جردوا المصاحف) ش: هذه رواية غريبة ليس لها وجود في الكتب المشهورة. م: (وفي التعشير والنقط ترك التجريد؛ لأن التعشير يخل بحفظ الآي) ش: حيث يعتمد عليه، م: (والنقط يحفظ الإعراب اتكالا عليه) ش: أي لأجل الاتكال على النقط م: (فيكره) ش: أي إذا كان كذلك يكره كل واحد من التعشير والنقط. م: (قالوا) ش: أي المشائخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: م: (في زماننا لا بد للعجم من دلالة) ش: يدل على الإعراب لأنه ليس في وسع العجم معرفة الإعراب من غير دلالة على ذلك. م: (فترك ذلك) ش: أي ترك ما يدل على الإعراب م: (إخلال بالحفظ وهجران القرآن) ش: لأنه تعشير عليه فيتركه م: (فيكون حسنا) ش: أي كل واحد من النقط والإعراب يكون حسنا لما ذكرنا. وكذلك التعشير، لأن بالتعشير يحفظ الآي، وبالنقط والإعراب يحفظ الكلام من التغيير فكانا حسنين، وعلى هذا أكتب أسماء السور وعدد الآي فهي وإن كن إحداثا فهو بدعة حسنة، وكم من شيء يختلف باختلاف الزمان، كذا ذكره التمرتاشي. وفي " شرح الطحاوي " لأبي بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وكان الشيخ أبو الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: لا يكره ما تليت من تراحم التواسم حسب ما جرت به العادة، لأن في ذلك أمان عن معنى السورة، وهو بمنزلة كتابة التسمية في أوائلها للفصل. وفي " المحيط ": قراءة القرآن أشرف الأذكار، ولهذا قالوا: إنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كره دفع الجزء: 12 ¦ الصفحة: 236 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الصوت عند قراءة القرآن عند الجنائز. ومن عادة أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كراهة رفع الصوت عند الجنائز وقراءة القرآن والذكر. ومن المشائخ من قال: قراءة القرآن بالجماعة بالأجزاء الثلاثين مكروهة لما فيه من الغلط. وفي " المجتبى ": والعامة جوزوه بدعة حسنة ضرورة إحراز فضل الختم في ساعة، وقراءة القرآن للدنيا مكروهة، والأفضل أن لا يعطى القارئ شيئا. وفي " الواقعات ": يمنع القارئ والآخذ والمعطي آثمان، وكتابته على الجدران والمحاريب ليس بمستحسن، والذكر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس أفضل من قراءة القرآن. وقيل: تستحب القراءة عند طلوع الشمس وعند غروبها، ولو تغنى بالقرآن ولم يخرج بإلحاقه عن قدر صحيح في العربية مستحسن. وقال فخر الإسلام: قراءة الماشي والمحترف يجوز إذا لم يشغله ذلك، ولا بأس بقراءة الإمام عقيب الصلاة آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة جهرا، والإخفاء أفضل. ومد الرجل إلى مصحف ليس بحذائه أو معلق فوقه لا يكره. وقراءة الفاتحة لغير الصلاة للمهمات بدعة، لكنها مستحسنة للعادة، ولا يجوز المنع منها، ويجوز كتابة الآية والآيتين بالفارسية، والأكثر منها لا يجوز. وقال الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أخاف أن يكون زنديقا أو مجنونا فالمجنون يشد والزنديق يقتل. ويكره كتابة التعشير بالفارسية في المصحف كما يعتاده البعض، ورخص فيه الهندواني - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وما كتب سلمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: الفاتحة بالفارسية كان للضرورة لأهل فارس. وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: القصص مكروه أو يحدث الناس بما ليس له أصل معروف في أحاديث الأولين أو يزيد أو ينقص أو يعظ الناس بما لا يتعظ به وقلبه ساه، فأما ما سواء فغير مكروه. قال نجم الدين الحفصي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يريد به الزيادة في أصله والنقصان منه أما التزيين بالعبارات اللطيفة المرفقة، والشرح للفوائد التي يتضمنها الكلام فذلك حسن، ولا بأس بسبك الدراهم التي كتب فيها اسم الله ولا بأس بوضع القرطاس الذي كتب فيه اسم الله تعالى تحت الطقسة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 237 قال: ولا بأس بتحلية المصحف لما فيه من تعظيمه وصار كنقش المسجد وتزيينه بماء الذهب، وقد ذكرناه من قبل. قال: ولا بأس بأن يدخل أهل الذمة المسجد الحرام وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكره ذلك. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكره في كل مسجد، للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] ولأن الكافر لا يخلو عن جنابة؛ لأنه لا يغتسل اغتسالا يخرجه عنها، والجنب يجنب المسجد، وبهذا يحتج مالك، والتعليل بالنجاسة عام فينتظم المساجد كلها.   [البناية] وفي " جامع شمس الأئمة ": الرسائل والآثار والكتب التي لا منفعة فيها يمحى عنها اسم الله وملائكته ورسله، ويحرق بالنار فلو ألقاها في الماء الجاري أو دفنها لا بأس به. والدفن أحسن كما في الأنبياء والأولياء إذا ماتوا، وكذا جميع الكتب إذا بليت وخرجت عن الانتفاع. [تحلية المصحف] م: (قال: ولا بأس بتحلية المصحف لما فيه من تعظيمه وصار كنقش المسجد وتزيينه بماء الذهب، وقد ذكرناه من قبل) ش: أي في كتاب الصلاة قبل باب صلاة الوتر. [دخول أهل الذمة المسجد الحرام] م: (قال: ولا بأس بأن يدخل أهل الذمة المسجد الحرام) ش: أي قال في " الجامع الصغير ". م: (وقال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكره ذلك) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكره في كل مسجد) ش: يعني سواء كان في المسجد الحرام أو غيره. م: (للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] ش: والنجس مصدره ومعناه، فهم أنجاس ولا يحجوا ولا يعتمروا كما كانوا يفعلون في الجاهلية، بعد حج عامهم هذا: وهو عام تسع من الهجرة. وكذا في " الكشاف " ومذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظاهر، لأن ظاهر الآية يدل على النهي لهم أن يقربوا المسجد الحرام لا غير. والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخذ بقول الزهري، وكذا قال الفقيه أبو الليث. م: (ولأن الكافر لا يخلو عن جنابة لأنه لا يغتسل اغتسالا يخرجه عنها) ش: أي عن الجنابة لأنه لا يراعي الكيفية المسنونة، ولا يزال جنبا م: (والجنب يجنب المسجد) ش: أي يبتعد عنه تطهيرا له عن القذر. م: (وبهذا) ش: أي بقوله: ولأن الكافر لا يخلو عن الجنابة إلى آخره، م: (يحتج مالك) ش: وفي بعض النسخ احتج مالك. م: (والتعليل بالنجاسة عام فينتظم المساجد كلها) ش: لأن اجتناب كل مسجد عن النجاسة واجب فتعليل مالك يعم سائر المساجد، فلا يجوز قبوله في الجزء: 12 ¦ الصفحة: 238 ولنا ما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنزل وفد ثقيف في مسجده وهم كفار ولأن الخبث في اعتقادهم فلا يؤدي إلى تلويث المسجد، والآية محمولة على الحضور استيلاء واستعلاء،   [البناية] سائر المساجد. م: (ولنا ما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أنزل وفد ثقيف في مسجده وهم كفار» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود في "سننه " في كتاب الخراج في باب خبر الطائف عن حماد بن سلمة، عن حميد عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص: أن «وفد ثقيف لما قدموا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم، فاشترطوا أن لا يحشروا ولا يعشروا ولا يجبوا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لكم أن لا تحشروا ولا تعشروا ولا خير في دين ليس فيه ركوع» . ورواه أحمد في مسنده حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة به. وكذلك الطبراني في "معجمه ". وقال المنذري في "مختصره ": قيل: إن الحسن البصري قد سمعه من عثمان بن أبي العاص. ورواه أبو داود في "مراسيله " عن الحسن: أن «وفد ثقيف جاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فضرب لهم قبة في المسجد لينظروا إلى صلاة المسلمين، فقيل: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتنزلهم في المسجد وهم مشركون؟ فقال: "إن الأرض لا تنجس، إنما ينجس ابن آدم» . وأخرجه الطبراني في "معجمه " عن محمد، عن عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية بن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: «قدم وفد ثقيف في رمضان على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فضرب لهم قبة في المسجد فلما أسلموا صاموا معه، قوله: لا تحشروا أي إلى الجهاد والنفر له. وقيل: أي إلى المصدق ولكن تؤخذ منهم الصدقة في مواطنهم قولهم "ولا تعشروا": أي ولا يأخذ عشر أموالهم» . قولهم: ولا تجثوا قال الخطابي: أي ولا يصلون وأصل التجثية أن يكتب الإنسان على مقدمه ويرفع. وفي " الصحاح " التجثية أن يقوم قيام الراكع. م: (ولأن، الخبث في اعتقادهم فلا يؤدي إلى تلويث المسجد) ش: ولا تلويث هاهنا لأن المنهي عنه تلويث المسجد م: (والآية محمولة على الحضور استيلاء واستعلاء) ش: هذا جواب عما استدل به الجزء: 12 ¦ الصفحة: 239 أو طائفين عراة كما كانت عادتهم في الجاهلية. قال: ويكره استخدام الخصيان،   [البناية] الشافعي من الآية المذكورة فأجاب عنه نحوا بين الأول: أن الآية محمولة على منعهم أن يدخلوها مستولين عليها ومستعلين على أهل الإسلام من حيث التدبير والقيام بعبادة المسجد. فإن قيل: قبل الفتح كانت الولاية والاستعلاء لهم، ولم يبق ذلك بعد الفتح. وقوله: استيلاء واستعلاء منصوبان على التمييز، ويجوز أن يكونا حالين. والتقدير كما قلنا مستولين ومستعلين. فإن قلت: المساق والحال؟ قلت: هو فاعل المصدر المحذوف لأن تقديره: قوله على الحضور، على حضورهم، فافهم الجواب النافي في قوله. م: (أو طائفين عراة) ش: أو الآية محمولة على كونهم طائفين بالكعبة حال كونهم عراة. م: (كما كانت عادتهم في الجاهلية) ش: فإنهم كانوا يطوفون بها عراة فأراد الله سبحانه وتعالى تنزيه المسجد الحرام عن ذلك لا على أن نفس الدخول ممنوع، والدليل عليه ما رواه البخاري في "صحيحه " بإسناده إلى حميد بن عبد الرحمن بن عوف: «أن أبا هريرة أخبره أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بعثه في حجته التي أمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل حجة الوداع في رهط يؤذن الناس: ألا لا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان» . [استخدام الخصيان] م: (قال: ويكره استخدام الخصيان) ش: أي قال القدوري: أي استعمالهم في الخدمة المعهودة منهم وهو الدخول في الحرم لأن ذلك لا يخلو عن اطلاعهم على ما وراء الوجه والكف والقدمين من النساء، وذلك حرام. فكان هذا الاستخدام سببا للحرام، وما كان سببا للحرام فهو حرام. والخصيان، بضم الخاء، جمع خصي كالصبيان جمع صبي. م: (لأن الرغبة في استخدامهم حث الناس على هذا الصنيع) ش: أي على الاختصاء. وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لولا استخدام الناس إياهم لما أخصاهم الذين يخصونهم. وقال الشافعي: في " الأجناس " عن كتاب "الحج" لمحمد بن الحسن على أهل المدينة، قال محمد: لا بأس باقتناء الخصيان وأن يدخلوهم على النساء ما لم يبلغوا الخبث واقتناء الواحد والكثير سواء. وفسره الناطفي في "واقعاته " بخمس عشرة سنة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 240 لأن الرغبة في استخدامهم، حث الناس على هذا الصنيع، وهو مثلة محرمة. قال: ولا بأس بإخصاء البهائم   [البناية] م: (وهو مثلة محرمة) ش: أي وهذا الصنيع مثلة وهي حرام بالإجماع ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا خصاء في الإسلام» . وإليه ذهب بعض المفسرين في قوله سبحانه وتعالى: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119] ، كذا في " الكشاف " وغيره، وهو قول عكرمة. وقال الحافظ في كتاب "الخصيان" بعد ندمتهم: فأي ذي مروءة وغيرة على أهل وحشم وأي ذي دين ينزع نفسه إلى اتخاذ هؤلاء الأرض برحلبان العقل وما شعر ثوب الغفلة فلا يكن منهم واثق، هذه الأمة الملعونة التي أول أمرها معصية الله حين يخرجون من حد الرجال إلى حد لا هم رجال ولا هم نساء، انتهى. ورأيت في بعض المجاميع أن الخصيان مخصوصون بأمور: منها أنهم لا يخرجون من صلب مسلم ولا يخرج من صلبهم مسلم، ومنها أنهم أقوياء على تأديبهم غيرهم وهم أقل الناس أدبا ومنهم أنهم لا يكونون قط في مجلس من مجالس النساء إلا يتمنون لو كانوا نساء. منها أنهم أشد الناس حرصا على جمع المال، وأكثرهم بخلا مع علمهم بعدم الأولاد. [خصاء البهائم] م: (قال: ولا بأس بإخصاء البهائم) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وليس في النسخ الكثيرة لفظه. قال: واعلم أن خصاء البهائم إذا كان لإرادة صلاحها فهو مباح في قول عامة العلماء، وقال قوم: لا يحل خصاء البهائم من الفحول. روى الطحاوي في " شرح الآثار " مسندا إلى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: أنه نهى أن تخصى الإبل والبقر والغنم، وكان يقول: منها نشأت الخلق، فلا تصلح الإناث إلا بالذكور. ووجه الإباحة ما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحى بكبشين حرين» وهو المنصوص خصاهما، والمفعول به ذلك منقطع النسل لا محالة، فلو كان ذلك مكروها لما ضحى بهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لينتهي الناس عن ذلك ولا يفعلوه، والجواب عن حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: أنه موقوف عليه، ولئن صح فالمراد منه الخصاء بحيث لا يبقى شيء من ذكور البهائم فذلك مكروه لانقطاع النسل. وروى الطحاوي بإسناده إلى عروة عن أبيه: أنه أخصى بغلا له. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 241 وإنزاء الحمير على الخيل؛ لأن في الأول منفعة البهيمة والناس، وقد صح أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ركب البغلة.   [البناية] وروى أيضا بإسناده إلى طاوس: أن أباه أخصى جملا له. وروى أيضا بإسناده إلى هشام بن عطاف قال: لا بأس بإخصاء الفحل إذا خشي عضه. وفي " الجواهر " للمالكية: أن مالكا لا يبيح ذلك في الخيل، وقال: لأنه يضعفها في الغزو وهو المقصود الأعظم ويقطع نسلها. وفي " الفتاوى ": لا بأس بكي البهائم للعلامة لأن فيه منفعة، ولا بأس بنصب آذان الأطفال من البنات لأنهم كانوا يفعلون ذلك في زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير إنكار وكذا لا بأس بكي الصبيان إذا كان لداء أصابهم لأن ذلك مداواة. [إنزاء الحمير على الخيل] م: (وإنزاء الحمير على الخيل) ش: أي ولا بأس بإنزاء الحمير على الخيل، والإنزاء ارتكاب الحمر على الخيل وثلاثيته: نزاء، ينزا. نزاء، يقال نزء الذكر على الأنثى إذا وثب وركب عليها وإنزاه غيره. م: (لأن في الأول منفعة البهيمة والناس) ش: أراد بالأول خصاء البهائم ومنفعة البهائم تسمينها ومنفعة الناس إزالة جماحها وشماسها. م: (وقد صح أن «النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ركب البغلة» ش:. أخرج الطحاوي ومسلم في "الجهاد"، عن أبي إسحاق قال: «سمعت البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وسأله رجل من قيس: أفررتم عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم حنين. فقال البراء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: والله إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يفر وكانت هوازن يومئذ رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلونا بالسهام، فلقد رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على بغلته البيضاء، وأن أبا سفيان بن الحارث آخذ بلجامها وهو يقوده وهو يقول: " أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب» . وأخرج مسلم أيضا في "الجهاد"، عن «كثير بن العباس بن عبد المطلب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: شهدت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم حنين، فلزمت أنا وأبا سفيان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم نفارقه، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على بغلة له بيضاء أهداها له فروة الجذامي. فلما التقى المسلمون والكفار، ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يركض بغلته قبل الكفار. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 242 فلو كان هذا الفعل حراما لما ركبها؛ لما فيه من فتح بابه.   [البناية] قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأنا آخذ بلجام بغلته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والعباس آخذ بركابه، إلى أن قال: فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هذا حتى حمى الوطيس" ثم أخذ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بيده حصيات فرمى بهن في وجوه الكفار، ثم قال: "انهزموا ورب الكعبة". قال: فما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى أمرهم مدبرا حتى هزمهم الله، فكأني أنظر إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يركض خلفهم على بغلته» ، مختصر. وأخرج في "الفضائل" عن «سلمة بن الأكوع قال: "لقد قدت نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والحسن والحسين - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - على بغلته الشهباء حتى أدخلتهم حجرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا قدامه وهذا خلفه» . وأخرج في آخر التوبة قبيل الفتن: عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «بينما النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حائط لبني النجار على بغلة له فذكره، وفيه قال: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن» ، مختصر. وأخرج البخاري عن عمرو بن الحارث ختن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخي جويرية بنت الحارث قال: «ما ترك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند موته دينارا ولا درهما، ولا عبدا، ولا أمة، ولا شيئا، إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه، وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة» . ولم يخرج مسلم لعمرو بن الحارث شيئا غيره. وفي " سيرة ابن إسحاق ": «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يركب بغلته الدلدل في أسفاره وعاشت بعده حتى كبرت وزالت أسنانها، وكان يجش لها الشعير وماتت بالبقيع في زمن معاوية - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -» . قوله: الوطيس - بفتح الواو وكسر الطاء المهملة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة وفي آخره سين مهملة-: وأراد به الحرب، وفي " الأصل ": هو اسم للتنور المحمى بالنار. م: (فلو كان هذا الفعل) ش: أي إنزاء الحمير على الخيل م: (حراما لما ركبها) ش: أي لما ركب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - البغلة والتذكير باعتبار المذكور وباعتبار البغل م: (لما فيه من فتح بابه) ش: أي لما في ركوب البغلة من فتح باب إنزاء الحمير على الخيل. فإن قيل: رواه أبو داود في "الجهاد" مسندا إلى علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «أهديت إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بغلة فركبها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 243 قال: ولا بأس بعيادة اليهودي والنصراني؛ لأنه نوع بر في حقهم، وما نهينا عن ذلك.   [البناية] قال علي: "لو حملت الحمير على الخيل لكانت لنا مثل هذه. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون» . قلت: قد صح ركوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - البغلة بما ذكرنا من الأحاديث، فلو كان الإنزاء مكروها لم يركب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى يمتنع الناس عن إنزاء الحمير. ومعنى قوله: يفعل ذلك الذين لا يعلمون أن الخيل قد جاء في ارتباطها الأجر ولم يرد مثل ذلك في البغال وكانت الخيل في بني هاشم قليلة، فأحب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكثر فيهم. كذا ذكر الطحاوي في "شرح الآثار ". [عيادة اليهودي والنصراني] م: (قال: ولا بأس بعيادة اليهودي والنصراني) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": وهذه من الخواص قيد باليهودي والنصراني لأن في عيادة المجوسي اختلافا، قيل: لا بأس به لأنهم من أهل الذمة كاليهود والنصارى. ونص محمد في المجوسي على: أنه لا بأس بعيادته. وقيل: لا يجوز لأن المجوسي أبعد عن الإسلام من اليهود والنصارى، ألا ترى أنه لا يباح ذبيحة المجوسي ولا نكاحهم بخلاف اليهود والنصارى. وعن بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: الإسلام شرط لجواز عيادة المريض. قال صاحب " الحلية ": والصواب عندي أن يقال: عيادة الكافر جائزة والقربة فيها موقوفة على أنواع حرمة يقترن بها من جواز أو قرابة انتهى. واختلفوا في عيادة الفاسق أيضا، والأصح: أنه لا بأس به لأنه مسلم، والعيادة من حقوق المسلمين. وفي " النوادر ": لو مات يهودي أو مجوسي جاز لجاره أو قريبه أن يعزيه ويقول: أخلف الله عيك خيرا منه وأصلحك، يعني أصلحك بالإسلام ورزقك ولدا مسلما. فإن قلت: لم قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا بأس بعيادة اليهودي؟ قلت: إشارة إلى أن تركها أفضل. م: (لأنه نوع بر في حقهم) ش: أي لأن عيادتهم نوع إحسان في حقهم، وتذكير الضمير باعتبار المذكور، وإن العيادة مصدر فيستوي فيه التذكير والتأنيث. م: (وما نهينا عن ذلك) ش: أعني البر في حقهم لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8] بيانه أن الله تعالى قال: أن تبروهم بالآية، فكان البر مشروعا، والعيادة والتواصل فتكون الجزء: 12 ¦ الصفحة: 244 وقد صح أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: عاد يهوديا مرض بجواره.   [البناية] مشروعة: بخلاف الحربي فإنا نهينا عن بره بالآية التي بعدها. م: (وقد صح أن «النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عاد يهوديا مرض بجواره» ش: هذا أخرجه البخاري في صحيحه في الجنائز، عن حماد بن يزيد، عن ثابت عن أنس قال: «كان غلام يخدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمرض، فأتاه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعوده فقعد عند رأسه فقال له: "أسلم" فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: "أطع أبا القاسم " فأسلم فخرج وقد أعتقه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو يقول: "الحمد لله الذي أعتقه من النار» . ورواه الحاكم في "المستدرك " في الجنائز أيضا وزاد: «فلما مات قال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صلوا على صاحبكم» . وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووهم في ذلك. فقد رواه البخاري في الموضعين في الجنائز وفي الطب. ورواه أحمد في "مسنده " ولفظه: «كان غلام يهودي يخدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضع له وضوءه ويناوله بغلته وليس في ألفاظه أنه كان جاره» ولكن رواه ابن حبان في "صحيحه " بالإسناد المذكور: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عاد جارا له يهوديا» انتهى. ورواه عبد الرزاق في "مصنفه " في كتاب "أهل الكتاب": أخبرنا ابن جريج، أخبرنا ابن عبد الله بن عمرو بن علقمة عن ابن أبي الحسين: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان له جار يهودي، فمرض فعاده رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأصحابه، فعرض عليه الشهادتين ثلاث مرات فقال له أبوه في الثالثة: افعل ما قال لك ففعل ثم مات. فأرادت اليهود أن تليه فقام له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكفنه وحنطه وصلى عليه» . وروى محمد بن الحسن في كتاب "الآثار ": أخبرنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة يزيد عن أبيه قال: «كنا جلوسا عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال لنا: "قوموا بنا نعود جارنا اليهودي"، قال: فأتيناه. فقال له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كيف أنت يا فلان؟ " وعرض عليه الشهادتين ثلاث مرات فقال أبوه في الثالثة: يا بني اشهد، فشهد. فقال له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الحمد لله الذي أعتق بي نسمة من النار» . ومن طريقه رواه ابن السني في كتاب " عمل اليوم والليلة ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 245 قال: ويكره أن يقول الرجل في دعائه: أسألك بمعقد العز من عرشك وللمسألة عبارتان: هذه، ومقعد العز. ولا ريب في كراهية الثانية؛ لأنه من القعود، وكذا الأولى؛ لأنه يوهم تعلق عزه بالعرش وهو محدث، والله تعالى بجميع صفاته قديم.   [البناية] وأخرج البيهقي في " شعب الإيمان ": أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف، حدثنا بشر بن محمد، حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني، حدثنا يونس بن بكير، حدثني سعيد بن ميسرة القيسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سمعت أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يقول: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا عاد رجلا على غير الإسلام لم يجلس عنده، وقال: "كيف أنت يا يهودي؟ وكيف أنت يا نصراني؟ " بدينه الذي هو عليه» . [يقول الرجل في دعائه أسألك بمعقد العز من عرشك] م: (قال: ويكره أن يقول الرجل في دعائه: أسألك بمعقد العز من عرشك) ش: أي قال في " الجامع الصغير ". قوله: معقد العز: أي موضع عقده. م: (وللمسألة عبارتان) ش: أي للمسألة المذكورة لفظان: م: (هذه) ش: أي إحدى العبارتين هذه، وهي قوله: أسألك بمعقد العز من عرشك، بتقديم العين. م: (ومقعد العز) ش: العبارة الثانية، وهي قوله: أسألك بمقعد العز من عرشك، بتقديم القاف على العين، من القعود. م: (ولا ريب في كراهية الثانية؛ لأنه من القعود) ش: أي لا شك في كراهية العبارة الثانية، وهي قول: أسألك بمقعد العز من عرشك لأنه من القعود، وهو التمكن على العرش، وذلك قول المجسمة وهو باطل. م: (وكذا الأولى) ش: أي: وكذا تكره العبارة الأولى وهي: أسألك بمقعد العز من عرشك بتقديم العين على القاف. م: (لأنه يوهم تعلق عزه بالعرش وهو محدث) ش: أي العرش محدث، م: (والله تعالى بجميع صفاته قديم) . ش: فإذا علق عزه القديم بالعرش الحادث يتوهم أن عزه حادث لتعلقه بالحادث. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 246 وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا بأس به، وبه أخذ الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه مأثور عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - روي أنه كان من دعائه: «اللهم إني أسألك بمعقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، وباسمك الأعظم، وجدك الأعلى، وكلماتك التامة» .   [البناية] م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا بأس به) ش: أي بالقول الأول وهو أسألك بمعقد العز، بتقديم العين على القاف. م: (وبه أخذ الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي: وبما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخذ الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -. نص عليه في " شرح الجامع الصغير ". م: (لأنه مأثور عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي: لأن القول الأول أجابه الأثر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أشار إليه بقوله: م: (روي أنه «كان من دعائه: "اللهم إني أسألك بمعقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، وباسمك الأعظم، وجدك الأعلى، وكلماتك التامة» ش: وفي بعض النسخ: "من دعائه" موضع "في دعاء" كل المتقدمين اسم كان هو قوله اللهم، وقوله: "في دعائه" أو "من دعائه" هو الخبر ثم الأثر المذكور. ورواه البيهقي في كتاب " الدعوات الكبير ": وأخبرنا أبو طاهر الزيادي، أخبرنا أبو عثمان البصري، حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب، أخبرنا عامر بن خداش - رَحِمَهُ اللَّهُ - حدثنا عمر بن هارون البلخي، عن ابن جريج عن داود، عن ابن أبي عاصم، عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «اثنتا عشرة ركعة تصليهن من ليل أو نهار وتتشهد" بين كل ركعتين، فإذا تشهدت في آخر صلاتك فأثن على الله عز وجل، وصل على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات، وآية الكرسي سبع مرات، وقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات ثم قال: اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك، واسمك الأعظم وكلماتك التامة، ثم اسل حاجتك، ثم ارفع رأسك، ثم سلم يمينا وشمالا، ولا تعلمها السفهاء فإنهم يدعون بها فيستجاب» . ورواه ابن الجوزي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " الموضوعات " من طريق أبي عبد الله الحاكم، حدثنا محمد بن القاسم بن عبد الرحمن العتكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حدثنا محمد بن أشرس، حدثنا عامر بن خداش به مسندا ومتنا. وقال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع بلا شك، وإسناده مخبط كما ترى. وفي إسناده عمر بن هارون قال ابن معين فيه: كذاب. وقال ابن حبان: يروي عن الثقات المعضلات، ويدعي شيوخا لم يرهم، وقد صح «عن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 247 ولكنا نقول: هذا خبر الواحد فكان الاحتياط في الامتناع. ويكره أن يقول في دعائه: بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك؛ لأنه لا حق للمخلوق على   [البناية] النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النهي عن القراءة في السجود» . انتهى. وعزاه السروجي " للحلية " وليس فيها، والعجب العجائب من " شراح الهداية "، وهم أئمة أجلاء كيف يغضون أبصارهم ويمرون في مثل هذه المواضع والبعدى لشرح كلام الناس لا يكون كذلك. أما الأترازي الذي له دعوى عريضة في الباب فلم يتعرض قط لهذا ولا ذكر اسم الصحابي الذي رواه، بل قال: لأنه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه كان يدعو بذلك، وهذا لم يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يدعو بذلك لا بسند صحيح ولا بسند ضعيف. وأما الكاكي وتاج الشريعة -رحمهما الله- والسغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنهم قالوا: روي عن ابن مسعود أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «اثنتي عشرة ركعة من صلاها في ليل أو نهار قصر في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة وتشهد في كل ركعتين وسلم ثم سجد بعد التشهد من الركعتين الأخيرتين قبل السلام يقرأ فاتحة الكتاب سبع مرات وآية الكرسي سبع مرات ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات ثم يقول: اللهم إني أسألك بمعقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك، وباسمك الأعظم وجدك الأعلى، وكلماتك التامة أن تقضي حاجتي، فإن الله يقضي حاجته". ثم قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تعلموها السفهاء، لأنها دعوة مستجابة» ولكن الذي ذكره تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - غير ما ذكره حيث قال: روي عن ابن مسعود أنه قال: «اثنتا عشرة ركعة من صلاها في ليل أو نهار وقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب سبع مرات وآية الكرسي سبع مرات، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحي ويميت، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات ثم يقول إني أسألك بمعقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك واسمك الأعظم، وجدك الأعلى وكلماتك التامة أن تقضي حاجتي، فإن الله عز وجل يقضي حاجته". قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تعلموها السفهاء فإنها دعوة مستجابة» . وأما صاحب " العناية " فلم يذكر المسألة رأسا فضلا عن بيان حال الحديث. م: (ولكنا نقول: هذا خبر الواحد فكان الاحتياط في الامتناع) ش: أراد أن الاحتياط واجب في هذا لما فيه من الإبهام، فتعلق عزه بالعرش بما ذكرنا، ولا يلزم الحكم في مثل هذا بالخبر الواحد، وكذا نص عليه في " جامع قاضي خان " والمحبوبي والتمرتاشي. م: (ويكره أن يقول في دعائه: بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك؛ لأنه لا حق للمخلوق على الجزء: 12 ¦ الصفحة: 248 الخالق. قال: ويكره اللعب بالشطرنج والنرد والأربعة عشر وكل لهو؛ لأنه إن قامر بها، فالميسر حرام بالنص وهو اسم لكل قمار، وإن لم يقامر بها، فهو عبث ولهو، وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لهو المؤمن باطل إلا الثلاث: تأديبه لفرسه، ومناضلته عن قوسه، وملاعبته مع أهله» .   [البناية] الخالق) ش: وكذا الحق والمشعر الحرام هذا مما توهم أن على الله حقا للمخلوقين، وإن كانت عادة الناس جرت بذلك. وفي " الكافي ": ولو قال رجل لغيره بحق الله أو بالله أن تفعل كذا لا يجب على ذلك الغير أن يفعل ذلك شرعا، وإن كان الأولى أن يأتي به. [اللعب بالشطرنج والنرد] م: (قال: ويكره اللعب بالشطرنج والنرد) ش: أي قال في " الجامع الصغير " والشطرنج بكسر الشين. وقد يقال بكسر الشين المهملة. وفي " العباب ": ولا يقال بالفتح وهو من الشطار أو من الشطر لأنه يعبأ ويشطر. والنرد، قال ابن دريد: هو فارسي معرب، ويقال له: النردشير، كما جاء في الحديث على ما نبين إن شاء الله سبحانه وتعالى. م: (والأربعة عشر) ش: قيل: هو شيء يستعمله اليهود، ويجوز أن يراد به اللعب الذي يلعبه عوام الناس، وهو قطعة لوح يخط عليه أربعة عشر خطا في العرض وثلاثة خطوط في الطول، فيصير جملة العيون سبعين عينا، ويرد في كل طوفة خمس عشرة حصاة بالجملة ثلاثون حصاة، والقوم الذين يلعبون به فرقتان: كل فرقة من ناحية متقابلين، ويسمون هذا طابا، وربما يسمى طاب ودك. م: (وكل لهو) ش: أي ويكره كل اللعب بكل اللهو، وهذا يعم سائر أنواع اللعب والملاهي ما خلا الأشياء الثلاثة التي استثناها في الحديث على ما يأتي. م: (لأنه) ش: أي لأن اللعب م: (إن قامر بها) ش: أي بهذه الأشياء المذكورة م: (فالميسر حرام بالنص) ش: وهو قوله سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} [البقرة: 219] والذي فيه الإثم يكون حراما م: (وهو اسم لكل قمار) ش: الميسر اسم لكل قمار م: (وإن لم يقامر بها، فهو عبث ولهو) ش: أي وإن لم يقامر بهذه الأشياء فهو عبث واشتغال بما لا يفيد وهو لهو، واللهو باطل بالحديث، أشار إليه بقوله: م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لهو المؤمن باطل إلا الثلاث: تأديبه لفرسه، ومناضلته عن قوسه، وملاعبته مع أهله» ش: هذا الحديث رواه أربعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 249 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الأول: عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه الطبراني في "معجمه الأوسط "، من حديث المنذر بن زياد الطائي، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل لهو يكره، إلا ملاعبة الرجل زوجته، ومشيته بين الهدفين، وتعليمه فرسه» . ورواه ابن حبان في كتاب "الضعفاء "، وأعله بالمنذر وقال: إنه يقلب الأسانيد وينفرد بالمناكير عن المشاهير. لا يحتج به إذا انفرد. الثاني: عقبة بن عامر الجهني - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرج حديثه الأربعة: أبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثني أبو سلام عن خالد بن زيد عن عقبة بن عامر، والترمذي وابن ماجه عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلام عن عبد الله بن الأزرق، عن عقبة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله ليدخل بالسهم الواحد الثلاثة الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، ومنبله، وارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا، ليس من اللهو ثلاث: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله، ومن ترك الرمي بعدما علمه فإنها نعمة تركها" أو قال "كفرها» . ورواه أحمد في "مسنده " بالسندين المذكورين، وكذلك الطبراني في "معجمه ". الثالث: جابر بن عبد الله أخرج حديثه النسائي في عشرة النساء من ثلاث طرق دائرة على عطاء بن أبي رباح قال: رأيت جابر بن عبد الله، وجابر بن عمير الأنصاريين يرميان فمل أحدهما فقال الآخر: أكسلت قال: نعم. فقال أحدهما للآخر: أما سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو ولعب» وفي لفظ: «فهو سهو ولهو إلا أربعة: ملاعبة الرجل أهله، وتأديب الرجل فرسه ومشي الرجل بين الغرضين، وتعلم الرجل السباحة» . ورواه إسحاق بن راهويه في "مسنده ": حدثنا محمد بن سلمة الجزري عن أبي عبد الرحمن خالد بن أبي يزيد، عن عبد الوهاب بن بخت المكي، عن عطاء بن أبي رباح به. ومن طريق إسحاق رواه الطبراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "معجمه "، وكذلك رواه البزار في " الجزء: 12 ¦ الصفحة: 250 وقال بعض الناس: يباح اللعب بالشطرنج لما فيه من تشحيذ الخواطر وتذكية الأفهام، وهو محكي عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] مسنده "، وجعله من مسند جابر بن عمير، وكذلك ابن عساكر. الرابع: أبو هريرة، أخرج حديثه الحاكم في "مستدركه " في الجهاد عن سويد بن عبد العزيز - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عن محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «كل شيء من لهو الدنيا باطل إلا ثلاثة انتضالك بقوسك، وتأديبك فرسك وملاعبتك أهلك، فإنهن من الحق» . وقال: حديث صحيح على شرط مسلم. وتعقبه الذهبي في "مختصره ". وقال: سويد بن عبد العزيز متروك. وقال ابن أبي حاتم في كتاب " العلل ": سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه سويد بن عبد العزيز، عن ابن عجلان عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال، فذكره. فقالا: هذا خطأ وهم فيه سويد، وإنما هو عن ابن عجلان، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين قال: بلغني أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال، فذكره هكذا. رواه الليث وحاتم بن إسماعيل وجماعة وهو الصحيح مرسلا. قال أبي: ورواه ابن عيينة، ابن أبي حسين، عن رجل، عن أبي الشعثاء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو أيضا مرسل. قال: والمناضلة وهي المراماة بالنبل. م: (وقال بعض الناس: يباح اللعب بالشطرنج لما فيه من تشحيذ الخواطر وتذكية الأفهام) ش: أي لما في اللعب بالشطرنج من تشحيذ الخواطر وهو من شحذت السكين، شحذه شحذا، أي حده. والشحيذ: المسن، ومادته: الشين معجمة وحاء مهملة وذال معجمة، ومن فعل يفعل بالفتح فيهما. م: (وهو محكي عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي القول المذكور محكي عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال سهل بن محمد الصعلوكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يباح إذا أسلمت اليد من الخسران، والصلاة من النسيان، واللسان من الهذيان، فهو إذن بين الحلال. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 251 ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من لعب بالشطرنج والنردشير فكأنما غمس يده في دم الخنزير» .   [البناية] وفي " الحلية ": ويكره اللعب بالشطرنج ولا يحرم إذا لم يكن على عوض: ولم يترك به فرض صلاة ويتكلم سحق. وهو معنى قول الصعلوكي، ولو أكثر به ردت شهادته. وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ وكذا لو لعب به على الطريق ومع الأوباش يحرم، أما لو لعب به مع الأمناء ففيه تشحيذ الخواطر وتذكية الأفهام من غير إدمان لا يحرم. وفي " المجتبى ": قول الشافعي رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من لعب بالشطرنج والنردشير فكأنما غمس يده في دم الخنزير» ش: هذا الحديث في مسلم، ولكن ليس فيه ذكر الشطرنج، أخرجه عن سليمان بن بريدة، عن أبيه بريدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من لعب بالنردشير فكأنما أصبغ يده في لحم خنزير ودمه» . وأخرج العقيلي في " الضعفاء "، عن مطهر بن الهيثم، حدثنا شبل المصري عن عبد الرحمن بن معمر عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «مر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوم يلعبون بالشطرنج فقال: "ما هذه الكوبة ألم أنه عنها، لعن الله من يلعب بها» . وأعله بمظهر بن الهيثم، وقال: لا يصح حديثه. قال: وشبل وعبد الرحمن مجهولان. وذكره ابن حبان في كتاب " الضعفاء " وأعله بمظهر وقال: إنه منكر الحديث، يروي عن الثقات ما ليس بحديث الأثبات. وروى ابن حبان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " الضعفاء ": عن محمد بن الحجاج، حدثنا حزام بن يحيى، عن مكحول، عن واثلة بن الأسقع، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة لا ينظر فيها إلى صاحب الشاه» يعني الشطرنج. ثم قال: ومحمد بن الحجاج أبو عبد الله المصغر: منكر الحديث جدا، لا تحل الرواية عنه. ورواه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " من طريق الدارقطني، عن ابن حبان بسنده المذكور، ثم قال: ومحمد بن الحجاج يقال له: أبو عبد الله المصغر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 252 ولأنه نوع لعب يصد عن ذكر الله وعن الجمع والجماعات فيكون حراما؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما ألهاك عن ذكر الله فهو ميسر» . ثم إن قامر به تسقط عدالته، وإن لم يقامر لا تسقط؛ لأنه متأول فيه، وكره أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله- التسليم عليهم تحذيرا لهم، ولم ير أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - به بأسا ليشغلهم عما هم فيه   [البناية] قال الإمام أحمد: تركت حديثه. وقال يحيى: ليس بثقة. وقال مسلم والنسائي والدارقطني: متروك. وروى ابن موسى محمد بن أبي بكر المدني في كتاب " الأمالي في أسامي الرجال " بإسناده إلى حية بن مسلم - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ملعون من لعب بالشطرنج والناظر إليها كالآكل لحم الخنزير» . قلت: أحسن ما يستدل به على تحريمه أنه لهو وأنه خارج عن الثلاث التي ذكرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (ولأنه) ش: أي ولأن اللعب بالشطرنج م: (نوع لعب يصد) ش: أي يمنع، م: (عن ذكر الله وعن الجمع والجماعات فيكون حراما؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما ألهاك عن ذكر الله فهو ميسر» ش: هذا الحديث غير مرفوع على ما رواه أحمد في كتاب الزهد، من قول القاسم بن محمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: حدثنا ابن نمير، حدثنا حفص عن عبيد الله عن القاسم بن محمد قال: «كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر» . ورواه البيهقي في " شعب الإيمان ": أخبرنا أبو الحصين بن بشران، أخبرنا ابن صفوان، حدثنا عبد الله بن أبي الدنيا، حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا أبو معاوية عن عبد الله بن عمر أنه قال للقاسم بن محمد: هذه النرد تكرهونها فما بال الشطرنج؟ قال: «كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر» ، انتهى. أي قمار، والقمار حرام. م: (ثم إن قامر به تسقط عدالته) ش: ولا تقبل شهادته م: (وإن لم يقامر لا تسقط) ش: أي عدالته وتقبل شهادته. م: (لأنه متأول فيه، وكره أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله- التسليم عليهم) ش: أي على اللاعبين بالشطرنج م: (تحذيرا لهم) ش: أي لأجل تحذيرهم عما هم فيه. م: (ولم ير أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - به بأسا ليشغلهم عما هم فيه) ش: أي لم ير أبو حنيفة بأسا بالسلام عليهم حتى يشغلهم عما هم فيه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 253 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقيل: كره أبو يوسف ذلك إهانة لهم. وأورد الفقيه أبو الليث في " شرح الصغير " سؤالا وجوابا: فإن قيل: إذا لعب بالشطرنج، يريد بذلك تعلم الحرب. قيل له: يكون وزره أشد لأنه اتخذ آيات الله هزوا يرتكب المعصية، ويظهر في نفسه أنه يريد الطاعة. ثم اعلم أن المسابقة في الخيل والإبل والرمي جائز بالسنة وإجماع الأمة. فإن شرط المال من جانب واحد بأن يقول أحدهما لصاحبه: إن سبقتني فلك كذا، وإن سبقتك فلا شيء لي، وحكي عن مالك: لا يجوز لأنه قمار. وإن كان اشتراط العرض من الإمام يجوز بالإجماع لأن هذا مما يحتاج إليه، لأنه حث على الجهاد. وحرم لو شرط المال من الجانبين بالإجماع، إلا إذا أدخلا ثالثا بينهما، وقال للثالث إن سبقتنا فمالك، وإن سبقناك فلا شيء لك، هو فيما بينهما أيهما سبق أخذ الجعل عن صاحبه. وسأل أشهب مالك عن المحلل؟ [فقال:] لا أحبه. ولنا ما رواه أبو هريرة أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق، فليس قمارا. وإن أمن أن يسبق فهو قمار» رواه أبو داود. فلهذا يشترط أن يكون فرس المحلل أو بغيره مكافئا لفرسهما أو بغيرهما، وإن لم يكن مكافئا بأن كان أحدهما أبطأ: فهو قمار. قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أدخل الثالث أن يكون حيلة، إذا توهم سبقه، كذا في " التتمة ". ويشترط في المسابقة بالحيوان تحديد المسافة، وكذا في المناضلة بالرمي. والمسابقة بالأقدام تجوز إذا كان المال مشروطا من جانب واحد. وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول، وقال في المنصوص: لا يجوز. وبه قال مالك وأحمد -رحمهما الله- إذا كان يجعل لما روى أبو هريرة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: «لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر» . رواه أبو داود: فبقي السبق في الأقدام من غير الثلاثة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 254 قال: ولا بأس بقبول هدية العبد التاجر وإجابة دعوته واستعارة دابته، وتكره كسوته الثوب وهديته الدراهم والدنانير، وهذا استحسان، وفي القياس: كل ذلك باطل؛ لأنه تبرع، والعبد ليس من أهله وجه الاستحسان أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قبل هدية سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -   [البناية] ولنا: «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سابق عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، وصارع ركانة» . وراوي الحديث أبو هريرة: أنه لا حاجة في المسابقة في الجهاد إلا في هذه الثلاثة. وقال مالك وأحمد -رحمهما الله-: ممكن أن يكون المراد نفي الجعل، ولا يجوز المسابقة في البغال والحمير. وبه قال الشافعي في قول وأحمد ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إذا كان يجعل. وقال الشافعي في قول: يجوز. وفي " الذخيرة " و" التتمة ": إذا قال واحد منهم لآخر إن كان الجواب كما قلت أعطيتك كذا، وإن كان الجواب كما قلت فلا آخذ منك شيئا يجوز. والقياس: كله باطل ويجوز استحسانا لما فيه حيث معنى يرجع إلى الجهاد، وكذا في " التتمة " حث على الجهد في التعلم. [قبول هدية العبد التاجر] م: (قال: ولا بأس بقبول هدية العبد التاجر) ش: أي قال في " الجامع الصغير "، وأراد به الهدية اليسيرة. م: (وإجابة دعوته) ش: أي ضيافته، فأراد به البشيرة. ولم يقدر محمد مقدار ما يتخذ من الضيافة. وروي عن محمد بن سلمة أنه قال: على قدر مال تجارته، فإن كان مال تجارته مثل عشرة آلاف درهم فاتخذ مقدار ضيافة عشرة دراهم كان يسيرا. وإن كان مال تجارته عشرة دراهم كان دانق كثيرا. وقد مر الكلام فيه في كتاب " المأذون ". م: (واستعارة دابته) ش: أي دابة العبد التاجر للعرف والعادة. م: (وتكره كسوته الثوب) ش: أي تمليكه م: (وهديته الدراهم والدنانير) ش: لعدم الضرورة في ذلك م: (وهذا استحسان. وفي القياس: كل ذلك باطل) ش: وبه قالت الثلاثة، إلا أن أحمد يجوز دعوته فقط. م: (لأنه تبرع) ش: أي لأن المذكور في هذه الأشياء تبرع، م: (والعبد ليس من أهله) ش: لعدم ملكه. م: (وجه الاستحسان: «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قبل هدية سلمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الجزء: 12 ¦ الصفحة: 255 حين كان عبداً   [البناية] حين كان عبدا» ش: حديث سلمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. رواه ثلاثة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: الأول: من نفس سلمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وله طرق: منها: ما أخرجه ابن حبان في "صحيحه " عن عبد الله بن رجاء، أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن أبي قرة الكندي «عن سلمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: كان أبي من الأساورة وكنت أختلف إلى الكتاب، وكان معي غلامان إذا رجعا من الكتاب دخلا على قس فأدخل معهما، فلم أزل أختلف إليه معهما حتى صرت أحب إليه منهما وكان يقول لي: يا سلمان إذا سألك أهلك: من حبسك؟ فقل: معلمي. وإذا سألك معلمك: من حبسك؟ فقل: أهلي. فلم يلبث أن حضرته الوفاة، فلما مات واجتمع إليه الرهبان والقسيسون فسألت فقلت: يا معشر القسيسين، دلوني على عالم أكون معه، قالوا: ما نعلم في الأرض أعلم من رجل كان يأتي بيت المقدس وإن انطلقت الآن وجدت حماره على باب بيت المقدس. قال: فانطلقت فإذا أنا بحمار، فجلست عنده حتى خرج فقصصت عليه القصة فقال: اجلس حتى أرجع إليك. قال: فلم أره إلى الحول، وكان لا يأتي بيت المقدس في السنة إلا مرة في ذلك الشهر. فلما جاء قلت له: ما صنعت في أمري؟ قال: أنت إلى الآن هاهنا بعد؟ قلت: نعم. قال: والله لا أعلم اليوم أحدا أعلم من يتم خرج من أرض تهامة وإن انطلقت الآن توافيه، وفيه ثلاثة أشياء: يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، وعند غروة كتفه اليمنى خاتم النبوة مثل البيضة، لونه لون جلده. قال: فانطلقت ترفعني أرض وتخفضي أخرى حتى أصابني قوم من الأعداء فأخذوني فباعوني حتى وقعت بالمدينة فسمعتهم يذكرون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان الطعام عزيزا. فسألت قومي أن يهبوني يوما، ففعلوا فانطلقت فاحتطبت فبعته بشيء يسير ثم صنعته طعاما واحتملته حتى جئت به فوضعته بين يديه. فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما هذا؟ " فقلت: صدقة. فقال لأصحابه: "كلوا" وأبى هو أن يأكله. فقلت في نفسي: هذه واحدة. ثم مكثت ما شاء الله، ثم استوهبت قومي يوما آخر ففعلوا. فانطلقت، فاحتطبت، فبعته بأفضل من ذلك، فصنعت طعاما وأتيته به فقال: "ما هذا؟ ". فقلت: هدية. فقال بيده "باسم الله، كلوا" فأكل وأكلوا معه. وقمت إلى خلفه، فوضع رداءه على كتفه، فإذا خاتم النبوة كأنه بيضة قلت: أشهد أنك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 256 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قال: " وما ذاك؟ " فحدثته حديثي، ثم قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القس الذي أخبرني أنك نبي يدخل الجنة؟ قال: " لن تدخل الجنة إلا نفس مسلمة ". فقلت: إنه زعم أنك نبي. قال: " لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة» . ومنها طريق آخر: أخرجه الحاكم في " المستدرك " في كتاب الفضائل عن علي بن عاصم، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة عن سماك بن حرب «عن زيد بن صوجان أنه سأل سلمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كيف كان بدء إسلامك؟ فقال سلمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كنت يتيما من رامهرمز فذكره مطولا - إلى أن قال: فقال لي: - يعني الراهب الذي لازمه سلمان -: يا سلمان إن الله عز وجل باعث رسولا اسمه أحمد يخرج بتهامة، علامته: يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم، وهذا زمانه فقد تقارب. قال: فخرجت في طلبه، فكلما سألت عنه قالوا إلى أمامك، حتى لقيني ركب من كلب فأخذوني فأتوا بي بلادهم فباعوني لامرأة من الأنصار جعلتني في حائط لها وقدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخذت شيئا من تمر حائطي فجعلته على شيء وأتيته به، فوضعته بين يديه، وحوله أصحابه وأقربهم إليه أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: " ما هذا " قلت: صدقة. قال للقوم: " كلوا " ولم يأكل. ثم لبثت ما شاء الله وذهبت وصنعت مثل ذلك، فلما وضعته بين يديه فقال: " ما هذا؟ ". قلت: هدية، قال: " بسم الله " فأكل وأكل القوم. ودرت خلفه ففطن لي فألقى ثوبه فرأيت الخاتم في ناحية كتفه الأيسر ثم درت فجلست بين يديه وقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. قال: " من أنت؟ " قلت: مملوك. قال: " لمن؟ " قلت: لامرأة من الأنصار جعلتني في حائط لها، فسألني فحدثته بجميع حديثي. فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي بكر. " يا أبا بكر اشتره " واشتراني أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأعتقني» . مختصرا. وقال: حديث صحيح ولم يخرجاه. قال الذهبي في " مختصره ": بل مجمع على ضعفه، ثم أخرجه الحاكم عن عبد الله بن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 257 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عبد القدوس عن عبيد المكتب، حدثني أبو الطفيل، حدثني سلمان فذكره بزيادات ونقص. وقال: صحيح الإسناد. وقال الذهبي: وابن عبد القدوس ساقط. ومنها: طريق أخرجه أبو نعيم في " دلائل النبوة "، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا القاسم بن فورك، حدثنا عبد الله ابن أخي زياد، حدثنا سيار بن حاتم، حدثنا موسى بن سعيد الراسبي أبو معاذ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن «عن سلمان الفارسي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: ولدت برامهرمز ونشأت بها وكان أبي من أهل أصبهان، وكان لأمي غناء وعيش قال: فأسلمتني إلى الكتاب فكنت أنطلق إليه كل يوم مع غلمان فارس وكان في طريقنا جبل فيه كهف فمررت يوما وحدي. فإذا أنا فيه برجل طوال عليه ثيابه شعر، فأشار إلي فدنوت منه، فقال لي: أتعرف المسيح عيسى بن مريم - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -؟. فقلت له: لا ولا سمعت به. فقال: هو روح الله من آمن به أخرجه الله من غم الدنيا إلى نعيم الآخرة وقرأ علي شيئا من الإنجيل. قال: فعلقه قلبي، ودخلت حلاوة الإنجيل في صدري، وفارقت أصحابي، وجعلت كلما ذهبت ورجعت قعدت نحوه. إلى أن قال: فخرجت إلى القدس، فلما دخلت بيت المقدس، إذا أنا برجل في زاوية من زواياه عليه مسوح. قال: فجلست له: وقلت له: أتعرف فلانا الذي كان بمدينة فارس، فقال لي: نعم أعرفه، وأنا أنتظر نبي الرحمة الذي وصفه لي. قلت: كيف وصفه لك؟. فقال: وصفه لي فقال له: إن نبي الرحمة يقال له محمد بن عبد الله، يخرج من جبال تهامة. يركب الحمار والبغلة، الرحمة في قلبه وجوارحه، يكون الحر والعبد عنده سواء، ليس للدنيا عنده مكان، بين كتفيه خاتم النبوة كبيضة الحمامة، مكتوب في باطنه: الله وحده لا شريك له، وفي ظاهره: توجه حيث شئت فإنك منصور، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، ليس بحقود ولا حسود، ولا يظلم مؤمنا ولا كافرا. فمن صدقه ونصره كان يوم القيامة معه من الأمر الذي يعطاه. قال سلمان: فقمت من عنده وقلت: لعلي أقدر على هذا الرجل. فخرجت من بيت المقدس غير بعيد، فمر بي أعراب من كلب فاحتملوني إلى يثرب وسموني ميسرة. قال: فباعوني لامرأة يقال لها: حليسة بنت فلان حليف بني النجار، بثلاثمائة درهم وقالت لي: سق هذا الجوص واسع علينا فيه. قال: فمكثت على ذلك ستة عشر شهرا حتى قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة فسمعت به وأنا في أقصى المدينة ألتقط الخلال. فجئت إليه أسعى حتى دخلت إليه في بيت أبي أيوب الأنصاري فوضعت بين يديه شيئا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 258 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] من الخلال فقال لي: " ما هذا؟ ". قلت: صدقة قال: " إنا لا نأكل الصدقة " فرفعته من بين يديه. ثم تناولت من إزاري شيئا آخر، فوضعته بين يديه، فقال: " ما هذا؟ " قلت: هدية، فأكل منها وأطعم من حوله. ثم نظر إلي فقال لي: " أحر أنت أم مملوك؟ ". فقلت: مملوك. فقال: " لم وصلتني بهذه الهدية؟ ". قلت: كان لي صاحب من أمره كيت وكيت، وذكرت له قصتي كلها. فقال لي: " إن صاحبك كان من الذين قال الله في حقهم: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} [القصص: 52] {وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ} [القصص: 53] الآية. قال لي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هل رأيت فيما قال لك؟ ". قلت: نعم، إلا شيئا بين كتفيك. قال: فألقى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رداءه عن كتفيه، فرأيت الخاتم مثلما قاله فقبلته ثم قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثم قال لعلي بن أبي طالب: " يا علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اذهب مع سلمان إلى حليسة فقل لها: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول لك: إما أن تبيعي هذا وإما أن تعتقيه فقد حرمت عليك خدمته ". فقلت: يا رسول الله إنها لم تسلم. فقال: " يا سلمان إنك لم تدر ما حدث بعدك عليها، دخل عليها ابن عم لها يعرض عليها الإسلام، فأسلمت ". قال سلمان: فانطلقنا إليها أنا وعلي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فرأيناها تذكر محمدا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأخبرها علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بما قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت له: اذهب فقل له: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إن شئت فأعتقته وإن شئت فهو لك. قال: فأعتقني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وصرت أغدو إليه وأروح» . مختصرا. ثم رواه من طريق آخرى مرسلة فقال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب: «أن سلمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كان قد خالط أناسا من أصحاب دانيال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بأرض فارس قبل الإسلام فسمع بذكر رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصفته منهم فإذا في حديثهم: يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وبين كتفيه خاتم النبوة. فأراد أن يلحق به فسجنه أبوه ما شاء الله، ثم هلك أبوه ثم خرج إلى الشام، فكان هناك في كنيسة. ثم خرج يلتمس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخذه أهل تيماء فاسترقوه ثم خرج، ثم قدموا به إلى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 259 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] المدينة، فباعوه ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة لم يهاجر إلى المدينة. فلما قدم المدينة أتاه سلمان بشيء فقال " ما هذا يا سلمان؟ ". قال: صدقة فلم يأكل منه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم جاء من الغد بشيء آخر فقال: " ما هذا يا سلمان؟ ". قال: هدية، فأكل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - منه، ونظر سلمان إلى خاتم النبوة بين كتفي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأكب وقبله ثم أسلم. ثم أخبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه عبد مملوك فقال له: كاتبهم يا سلمان، فكاتبهم سلمان على مائتين ودية، فرماه الأنصار من ودية ووديتين حتى أوفاهم» وهذا مرسل. الثاني بريدة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. أخرج حديث الحاكم في " المستدرك " في كتاب " البيوع "، عن زيد بن الحباب - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أخبرنا حسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه: «أن سلمان الفارسي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لما قدم المدينة أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمائدة عليها رطب فقال له: " ما هذا يا سلمان؟ " قال: صدقة أتصدق بها عليك وعلى أصحابك. قال: " إنا لا نأكل الصدقة ". حتى إذا كان من الغد جاء بمثلها فوضعها بين يديه وقال: " يا سلمان ما هذا؟ ". فقال: هدية. قال: " كلوا "، وأكل، ونظر إلى خاتم النبوة في ظهره ثم قال له: إنه ملك لقوم قال فاطلب إليهم أن يكاتبوك على كذا وكذا نخلة أغرسها لهم وتقوم عليها أنت حتى تطعم. قال: ففعلوا. فجاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فغرس النخل كلها بيده وغرس عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - منها نخلة فأطعمت كلها في السنة إلا تلك النخلة. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " من غرس هذه؟ " فقالوا: عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فغرسها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده فحملت من سنتها» انتهى. ورواه إسحاق بن راهويه وأبو يعلى الموصلي والبزار في " مسانيدهم ". قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قال البزار: لا نعلمه يروى إلا عن بريدة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ورواه الطبراني في " معجمه ". الثالث: ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه الحاكم أيضا من طريق ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس قال: حدثني «سلمان الفارسي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان، وكان أبي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 260 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] دهقان قريته وكنت أحب الخلق إليه، وكنت أجتهد في المجوسية، أوقد النار لا أتركها تخمد أبدا اجتهادا في ديني. فأرسلني أبي يوما إلى ضيعة له في بعض عمله، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم وهم يصلون فدخلت عليهم أنظر ماذا يصنعون، فأعجبني ما رأيت من دينهم، ورغبت عن ديني. فلما رجعت إلى أبي أخبرته الخبر فأخافني وجعل في رجلي قيدا وحبسني في بيتي أياما، ثم أخبرت بقوم من النصارى خرجوا تجارا إلى الشام، قال فألقيت القيد من رجلي وخرجت معهم حتى قدمت الشام فسألت عن الأسقف من النصارى، فدلوني عليه في كنسية فجئت إليه وخدمته ولازمته وكنت أصلي معه. فلم يلبث أن مات وكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة، فإذا جمعوا له شيئا أخذه لنفسه ولم يعط المساكين شيئا. فلما جاءوا ليدفنوه أخبرتهم بخبره ودللتهم على موضع كنزه، فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وفضة، فصلبوه ورجموه بالحجارة. ثم جاءوا بآخر فوضعوه مكانه، فما رأيت أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة ولا أدوم في العبادة ليلا ونهارا منه. فلم يلبث أن حضرته الوفاة، فسألته فأوصى بي إلى رجل بنصيبين فلحقت به فلزمته، فوجدته على أمر صاحبه فلم يلبث أن حضرته الوفاة، فسألته فأوصى بي إلى رجل في عمورية من أرض الروم. فلحقت به فوجدته على هدي أصحابه، فلم يلبث أن حضرته الوفاة، فسألته فقال: والله يا بني ما أعلم أصبح اليوم على أمرنا أحد من الناس ولكنه قد أظللك زمان نبي بأرض العرب يبعث بدين إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، به علامات لا تخفى: يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل. ثم مات ودفن، فمكثت بعمورية ما شاء الله ثم مر بي قوم تجار، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقري وغنمي، فقد اكتسبت بقرا وغنما. فقالوا: نعم. فأعطيتهم وحملوني حتى إذا قدموا بي على وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل يهودي، فكنت عنده ما شاء الله، إذ قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة، فابتاعني منه، وحملني إلى المدينة فأقمت بها وبعث الله رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة، فأقمت بها ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، حتى قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة فذهبت إليه، فدخلت عليه فقلت له: بلغني أنك رجل صالح وأصحابك غر حاجة ومعي شيء عندي للصدقة رأيتك الجزء: 12 ¦ الصفحة: 261 وقبل هدية بريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وكانت مكاتبة،   [البناية] أحق به ثم قربته إليه فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصحابه: " كلوا " وأمسك يده ولم يأكل. فقلت في نفسي: هذه واحدة ومضيت. ثم جئته من الغد ومعي شيء آخر، فقلت له: إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية أكرمك بها فأكل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمر أصحابه، فأكلوا. قال: قلت في نفسي: هاتان ثنتان. قال: ثم جئت يوما وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصفه لي صاحبي. فعرف الذي أريد فألقى رداءه على ظهره فنظرت الخاتم بين كتفيه فقبلته ثم تحولت فجلست بين يديه فقصصت عليه حديثي، فأعجبني أن يسمعه أصحابه، ثم قال لي: " يا سلمان كاتب عن نفسك "، فقال: فكاتبت هؤلاء عن نفسي بثلاثمائة نخل وأربعين أوقية ورجعت إليه فأخبرته فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصحابه: " أعينوا أخاكم " فجعل الرجل يعينني بثلاثين ودية، والرجل بخمسة عشر، والرجل بعشر، والرجل بقدر ما عنده حتى جمعوا إلي ثلاثمائة ودية. فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معي، فجعلت أقرب له الودي وهو يغرسه بيده. قال: وبقي علي المال. قال: فأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمثل بيضة الدجاجة من الذهب. وقال لي يا سلمان خذ هذه فأدها بما عليك، فقلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأين تقع هذه مما علي؟، قال: خذها فإنها ستؤدي عنك، قال سلمان: فوالذي نفس سلمان بيده لقد وزنت لهم منها بيدي أربعين أوقية وأوفيتهم حقهم. وعتق سلمان. وشهدت الخندق حرا ثم لم يفتني مشهد» مختصرا من كلام طويل. ورواه أبو نعيم في " دلائل النبوة " وابن سعد في " الطبقات " في ترجمة سلمان. ورواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب " الأموال "، مختصرا بالإسناد المذكور عن سلمان قال: «أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بطعام وأنا مملوك، فقلت له: هذه صدقة، فأمر أصحابه أن يأكلوا ولم يأكل. ثم أتيته بطعام آخر فقلت: هذا هدية أهديه لك أكرمك به، فإني لا أراك تأكل الصدقة فأمر أصحابه أن يأكلوا وأكل معهم» والله سبحانه وتعالى أعلم. م: (وقبل هدية بريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وكانت مكاتبة) ش: هذا الحديث في الكتب الستة: عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: «كان في بريرة ثلاث سنن، أراد أهلها أن يبيعوها ويشترطوا ولاءها فذكرت ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " اشتريها ثم أعتقيها فإن الولاء لمن أعتق " الجزء: 12 ¦ الصفحة: 262 وأجاب رهط من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - دعوة مولى أبي أسيد وكان عبدا،   [البناية] وعتقت فخيرها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من زوجها، فاختارت نفسها، وكان الناس يتصدقون عليها وتهدي لنا، فذكرت ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " هو عليها صدقة، ولنا هدية» . أخرجه البخاري في النكاح والطلاق. ومسلم في العتق. وأبو داود في الطلاق، والنسائي فيه وفي العتق، أربعتهم عن القاسم عن عائشة. والترمذي في الرضاع، وابن ماجه في الطلاق. عن الأسود، عن عائشة وألفاظها متقاربة. وأخرجا نحوه عن قتادة، عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه مسلم في الزكاة وليس في شيء من طرق الحديث: أن الهدية وقعت حين كانت مكاتبة. ولكن روى عبد الرزاق في " مصنفه " في الطلاق: أخبرنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير أنه سمع عروة بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: «جاءت وليدة لبني هلال يقال لها: بريرة فسألت عائشة في كتابتها، فسامت عائشة بها أهلها، فقالوا: لا نبيعها إلا ولنا ولاؤها، فتركتها. فقالت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا يقبلون بيعها إلا ولهم الولاء. قال: " لا يمنعك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق "، فابتاعتها عائشة وأعتقتها، وخيرت بريرة فاختارت نفسها، وقسم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شاة فأهدت لعائشة منها. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هل عندكم من طعام؟ " قالت: لا، إلا من الشاة التي أعطيت بريرة. ثم نظر ساعة ثم قال: " قد وقعت موقعها هي عليها صدقة ولنا هدية " فأكل منها. قال: وزعم عروة أنها ابتاعتها مكاتبة على ثمانية أواق ولم تعط من كتابتها شيئا.» ورواه البزار في " مسنده " كذلك. وروى عبد الرزاق في المكاتب: أخبرنا ابن جريج عن أبي الزبير، عن عروة: أن «عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - ابتاعت بريرة مكاتبة على ثمان أواق لم تعط من كتابتها شيئا» . م: (وأجاب رهط من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - دعوة مولى أبي أسيد وكان عبدا) ش: أبو أسيد اسمه أسيد بن ربيعة الساعدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصحابي، ذكره ابن أكول - بضم الهمزة وفتح السين -. ثم قال: ذكر أحمد بن حنبل عن أبي مهدي، عن سفيان عن أبي الزناد عن أبي سلمة، عن أبي أسيد الساعدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني بفتح الهمزة وكسر السين -. وقال أبو عبد الله: قال عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - ووكيع - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وأبو أسيد، - يعني بضم الهمزة وكسر السين -، وهو الصواب. ومولاه اسمه: أسد بن علي بن عبيدة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل: هو أبوه، والأكثر أنه مولاه وهو -بفتح الهمزة وكسر السين - وقيد فيه بالضم. وذكر " شرح الجامع الصغير " عنه أنه قال: «أعرست وأنا عبد، فدعوت رهطا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيهم أبو ذر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فأجابوني» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 263 ولأن في هذه الأشياء ضرورة لا يجد التاجر بدا منها، ومن ملك شيئا يملك ما هو من ضروراته، ولا ضرورة في الكسوة وإهداء الدراهم فبقي على أصل القياس. قال: ومن كان في يده لقيط لا أب له، فإنه يجوز قبضه الهبة، والصدقة له وأصل هذا التصرف أن التصرف على الصغار أنواع ثلاثة. نوع هو من باب الولاية،   [البناية] ولو استدل المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ذلك بالحديث المرفوع لكان أولى وأجدر. وهو ما أخرجه الترمذي في الجنائز، وابن ماجه في الزهد: عن مسلم الأعور عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعود المريض، ويتبع الجنائز، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار. ولقد كان يوم خيبر ويوم قريظة على حمار خطامه حبل من ليف، وتحته أكان من ليف» . وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا نعرفه إلا من حديث مسلم بن كيسان: الأعور، وهو ضعيف. وأخرجه الحاكم في " المستدرك في الأطعمة " وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. م: (ولأن في هذه الأشياء ضرورة لا يجد التاجر بدا منها) ش: أي لا يجد عنها معازفة وانقطاعا. م: (ومن ملك شيئا يملك ما هو من ضروراته) ش: لأن التاجر يجتمع عنده في دكانه جمع من الناس، فلا يخلو من أن يطلب واحد منهم شربة ماء أو نحوه، فلو امتنع من ذلك ينسبونه إلى البخل ولا يختلفون إليه وينسد باب التجارة، فتكون هذه الأشياء من ضروريات التجارة. م: (ولا ضرورة في الكسوة وإهداء الدراهم فبقي على أصل القياس) ش: وهو أن العبد ليس من أهل التبرع. وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو تصدق المأذون بقدر حبة أو نصف دانق وجب أن يحرز. [قبض الملتقط اللقيط الهبة أو الصدقة] م: (قال: ومن كان في يده لقيط لا أب له، فإنه يجوز قبضه الهبة والصدقة له) ش: أي قال في " الجامع الصغير ". وقوله: لا أب له، قيد اتفاقي غير لازم، فإن الصغيرة لو كانت عند زوجها يعولها ولها أب فالزوج يقبض الهبة لها، يجوز لأنها نفع محض، فلا يشترط الولاية، كذا ذكر فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وأصل هذا التصرف) ش: أي هذا الحكم وهو: صحة قبض الملتقط اللقيط الهبة أو الصدقة م: (أن التصرف على الصغار أنواع ثلاثة: نوع من باب الولاية) ش: أي الأول: نوع الجزء: 12 ¦ الصفحة: 264 لا يملكه إلا من هو ولي كالإنكاح والشراء والبيع لأموال القنية؛ لأن الولي هو الذي قام مقامه بإنابة الشرع، ونوع آخر: ما كان من ضرورة حال الصغار، وهو شراء ما لا بد للصغير منه وبيعه وإجارة الأظآر، وذلك جائز ممن يعوله وينفق عليه كالأخ والعم والأم،   [البناية] هو من باب الولاية على الصغار م: (لا يملكه إلا من هو ولي كالإنكاح والشراء والبيع لأموال القنية) ش: - بكسر القاف، وسكون النون، وفتح الياء آخر الحروف، وفي آخره تاء - وهي: أصل إبل للنسل لا للتجارة، وأصلها من قنى: إذا حفظ. م: (لأن الولي هو الذي قام مقامه) ش: أي مقام الصغير م: (بإنابة الشرع) ش: مثابة. م: (ونوع آخر) ش: وهو النوع الثاني م: (ما كان من ضرورة حال الصغار، وهو شراء ما لا بد للصغير منه وبيعه) ش: أي بيع ما لا بد منه. م: (وإجارة الأظار) ش: قال الأترازي: وفي بعض النسخ، وإجارة الصغار، والنسخة الأولى هي الصحيحة، لأن إجارة الصغار ليس من ضرورات حال الصغار لا محالة، ولهذا لم يذكرها الصدر الشهيد وفخر الدين قاضيخان في " شرحهما ". فأما إجارة الأظارة فمن ضرورات حال الصغار كسرا، ما لا بد للصغير منه كالطعام والكسوة، وأيضا يلزمه التناقض على رواية " الجامع الصغير "، لأنه صرح فيه: أن الملتقط لا يجوز له أن يؤاجر الملتقط، نعم على رواية القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز ذلك لتثقيف الصبي وحفظه عن الضياع. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله: وإجارة الصغار تناقض ذكره بعد النظر، ولا يجوز للملتقط، ولا يجوز للعم. قلت: فيه روايتان، الأصح: الولاية. وقال السغناقي: لا يقال هذه المسألة مناقضة كرواية تذكر بعدها بقوله، ولا يجوز للملتقط أن يؤاجره، لأن كل واحدة محمولة على حالة، فجواز إجارته محمولة على حالة الضرورة، بدليل عدها من الضرورة، وعدم جوازها في غير حالة الضرورة، أو في المسألة روايتان. أو يقال المراد بقوله وإجارة الصغار تسليمهم للصناعة حتى يكون من حبس ما لا بد للصغار منه. وبعضهم لم يقدروا على رفع المناقضة غير، ولفظ الكتاب بقوله وإجارة الأظار. والأول أصح. قلت: هذا يناقض كلام الأترازي، ولكن كلامه أوجه بالتعليل الذي ذكره. قال الأترازي: وفي بعض النسخ إجارة الإظارة للصغار، وهو أوضح. م: (وذلك جائز) ش: أي هذا النوع جائز م: (ممن يعوله وينفق عليه) ش: أي على الصغير م: (كالأخ والعم والأم الجزء: 12 ¦ الصفحة: 265 والملتقط إذا كان في حجرهم، وإذا ملك هؤلاء هذا النوع فالولي أولى به، إلا أنه لا يشترط في حق الولي أن يكون الصبي في حجره. ونوع ثالث: ما هو نفع محض كقبول الهبة والصدقة، والقبض فهذا يملكه الملتقط والأخ والعم والصبي بنفسه إذا كان يعقل؛ لأن اللائق بالحكمة فتح باب مثله نظرا للصبي، فيملك بالعقل والولاية والحجر وصار بمنزلة الإنفاق. قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا يجوز للملتقط أن يؤاجره، ويجوز للأم أن تؤاجر ابنها إذا كان في حجرها، ولا يجوز للعم ذلك؛ لأن الأم تملك إتلاف منافعه باستخدامه، ولا كذلك الملتقط والعم. ولو أجر الصبي نفسه لا يجوز؛ لأنه مشوب بالضرر إلا إذا فرغ من العمل؛ لأن عند ذلك تمحض نفعا فيجب المسمى، وهو نظير العبد المحجور يؤاجر نفسه،   [البناية] والملتقط إذا كان في حجرهم، وإذا ملك هؤلاء هذا النوع فالولي أولى به، إلا أنه لا يشترط في حق الولي أن يكون الصبي الصبي في حجره) ش: بخلاف الأخ والعم والأم والملتقط فإنه يشترط أن يكون الصغير في حجرهم كما ذكره. م: (ونوع ثالث: ما هو نفع محض كقبول الهبة والصدقة والقبض، فهذا) ش: النوع م: (يملكه الملتقط والأخ والعم والصبي بنفسه إذا كان يعقل؛ لأن اللائق بالحكمة فتح باب مثله نظرا للصبي، فيملك بالعقل والولاية) ش: في الولي م: (والحجر) ش: في العم ونحوه م: (وصار بمنزلة الإنفاق) ش: أي صار هذا النوع بمنزلة الإنفاق على الصغير لكونه نفعا محضا فيملك بهذه الأشياء. [حكم إجارة الملتقط] م: (قال: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا يجوز للملتقط أن يؤاجره) ش: أي قال في " الجامع الصغير " م: (ويجوز للأم أن تؤاجر ابنها إذا كان في حجرها، ولا يجوز للعم ذلك) ش: أي إجارة أباه، والحاصل أن إجارة الملتقط والعم لا تجوز مطلقا وإجارة الأم تجوز إذا كان في حجرها. م: (لأن الأم تملك إتلاف منافعه باستخدامه) ش: يعني أن الأم تملك إتلاف منافعه من غير عوض ولأن يملك بعوض كان أولى. ولا يقال: الصبي يملك إتلاف منفعة نفسه بغير عوض، فينبغي أن يملك الإجارة كالأم، لأنا نقول: لزوم العقد لا يكون بدون الولاية، والأم من أهلها في الجملة من حيث الشهادة وغيره ولا كذلك الصبي. م: (ولا كذلك الملتقط والعم) ش: أي لا يملكان إتلاف منافع الصغير من غير عوض، فلا يملكان إجارته. م: (ولو أجر الصبي نفسه لا يجوز؛ لأنه مشوب) ش: أي مختلط م: (بالضرر إلا إذا فرغ من العمل) ش: يعني: ومع هذا لو أجر نفسه وأدى العمل المستحق عليه وجب المسمى استحسانا م: (لأن عند ذلك تمحض نفعا) ش: أي لأن عند فراغه من العمل صار ما عمله نفعا محضا في حقه م: (فيجب المسمى) ش: أي إذا كان كذلك يجب الذي سمى له في العقد م: (وهو نظير العبد المحجور يؤاجر نفسه) ش: أي الصبي الذي يؤاجر نفسه حيث لا يجوز لانعدام الإذن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 266 وقد ذكرناه. قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويكره أن يجعل الرجل في عنق عبده الراية، ويروى الداية وهو طوق الحديد الذي منعه من أن يحرك رأسه، وهو معتاد بين الظلمة؛ لأنه عقوبة أهل النار، فيكره كالإحراق بالنار ولا يكره أن يقيده؛ لأنه سنة المسلمين في السفهاء، وأهل الدعارة. فلا يكره في العبد تحرزا عن إباقه، وصيانة لماله. قال: ولا بأس بالحقنة يريد به التداوي؛ لأن التداوي مباح بالإجماع، وقد ورد بإباحته الحديث.   [البناية] وقيام الحجر، ومع هذا لو أجر نفسه ولا فرغ من العمل صح استحسانا، لأنه انقلب نفعا محضا، م: (وقد ذكرناه) ش: أي في باب إجارة العبد. [الرجل يجعل في عنق عبده الراية] م: (قال: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكره أن يجعل الرجل في عنق عبده الراية) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": بالراء المهملة وهو ما يجعل في عنق العبد من الحديد علامة على أنه آبق م: (ويروى الداية) ش: بالدال المهملة. قال الشراح هذا غلط من الكتاب. قلت: بتاني غلط الكاتب في نفس حرف الداية، بأن تصحيف الراء دالا. وأما قوله: ويروي كيف يزيله من عنده، وبعضهم قد صحح هذه اللفظة. م: (وهو طوق الحديد الذي منعه من أن يحرك رأسه، وهو معتاد بين الظلمة؛ لأنه عقوبة أهل النار، فيكره كالإحراق بالنار) ش: لأنه أمر محدث وشر الأمور محدثاتها. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» . وقال الفقيه أبو الليث في " شرح الجامع الصغير ": وكان هذا في الزمن الأول، أما في زماننا هذا فقد جرت العادة في الراية إذا خيف منه، وقد يحتاج إليه وخاصة في العبد الهندي. م: (ولا يكره أن يقيده) ش: أي العبد م: (لأنه سنة المسلمين في السفهاء، وأهل الدعارة) ش: بالدال المهملة المفتوحة، وهو الفساد والخبث، ومنه الداعر الخبيث المفسد من دعر، يدعر، دعارة. م: (فلا يكره في العبد تحرزا عن إباقه وصيانة لماله) ش: أي لأجل الاحتراز عن هربه، ولأجل الصيانة أي لحفظ ماله. [حكم التداوي] م: (قال: ولا بأس بالحقنة) ش: أي قال في " الجامع الصغير "، م: (يريد به التداوي) ش: أي: يريد المحتقن بالحقنة التداوي قيد به، لأنه إذا أراد بها التسمين لا يباح. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس به لأن الإزال إذا تناهى يورث السل، وإنما ذكر الضمير في: به على تأويل الاحتقان. م: (لأن التداوي مباح بالإجماع، وقد ورد بإباحته الحديث) ش: يشير بذلك إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 267 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] «تداووا؛ فإن الله عز وجل جعل لكل داء دواء» . وقد رواه ستة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: الأول: عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أخرج حديثه إسحاق بن راهويه - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعبد بن حميد في " مسنديهما " قال: الأول: حدثنا الفضل بن موسى. وقال الثاني: حدثنا محمد بن عبيد، قالا: حدثنا طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا أيها الناس تداووا فإن الله عز وجل لم يخلق داء إلا وقد خلق له شفاء إلا السام» . والسام: الموت. ورواه الطبراني في " معجمه " عن طلحة بن عمرو. به ورواه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان) من طريق عبد الله بن وهب، عن طلحة. الثاني: عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، أخرج حديثه البيهقي في " شعب الإيمان "، حدثنا علي بن أحمد بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيد، حدثنا الحسن بن علي بن المتوكل، حدثنا أبو الربيع، حدثنا أبو وكيل الجراح بن مليح، عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب، عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «قال رجل: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتتداوى. قال: " نعم تداووا، فإن الله عز وجل لم ينزل داء إلا وأنزل له شفاء» . وقال البيهقي: وقد تابعه أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأيوب بن عابد عن قيس في دفعه. قلت: كذلك أخرجه أبو نعيم في كتابه المفرد في " الطب " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - النعمان بن ثابت الكوفي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وأيوب بن عابد الطائي عن قيس - رَحِمَهُ اللَّهُ - منه مرفوعا، والله سبحانه وتعالى أعلم. الثالث: أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج القضاعي حديثه في " مسند الشهاب "، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر الصفار، أخبرنا أحمد بن محمد بن زياد، حدثنا سعيد بن غياث بن أبي سمينة، حدثنا ابن بكار، حدثنا شعبة عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تداووا فإن الله عز وجل أنزل الداء وأنزل الدواء» . رواه أبو نعيم في كتاب " الطب " من حديث معتمر بن سليمان، عن طلحة بن عمر الجزء: 12 ¦ الصفحة: 268 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عن عطاء، عن أبي هريرة مرفوعا نحو هذا سواء. الرابع: أسامة بن شريك - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرج حديثه الأربعة، عن زياد بن علاقة، «عن أسامة بن شريك، قال: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه كأنما على رءوسهم الطير فسلمت ثم قعدت فجاء الأعراب من هنا وها هنا فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟. فقال: " تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء الهرم» قال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث حسن صحيح. ورواه أحمد وابن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم "، ولفظ ابن راهويه فيه: «فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل الله له دواء إلا الموت ". قالوا: يا رسول الله فما أفضل ما أعطي العبد. قال: " خلق حسن ". قال: فلما قاموا من عنده جعلوا يقبلون يده. قال شريك: فضممت يده إلي فإذا أطيب من المسك» . وبلفظ السنن رواه البخاري في كتاب " المفرد من الأدب "، والطبراني في " معجمه " وابن حبان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " صحيحه ". والحاكم في " المستدرك " في كتاب العلم وقال: حديث صحيح، ولم يخرجاه. وعلته عندهما أن أسامة بن شريك، لا يروي عنه غير زياد بن علاقة، قال: وله طرق أخرى نذكرها في كتاب " الطب " عن مسعر بن كدام، عن زياد بن علاقة به، وقال: صحيح الإسناد. وقد رواه عشرة من أئمة المسلمين وثقاتهم عن زياد بن علاقة، مالك بن مغول، وعمر بن قيس الملائي وشعبة ومحمد بن حجادة، وأبو حمزة محمد بن ميمون السكري، وأبو عوانة، وسفيان بن عيينة، وعثمان بن حكيم الأودي، وشيبان بن عبد الرحمن النحوي وورقاء بن عمر والسكري وزهير بن معاوية، وإسرائيل بن يونس السبيعي، ثم أخرج أحاديثهم الجميع. ثم قال: فانظر هل يترك مثل هذا الحديث اشتهاره، وكثرة رواته بأن لا يوجد له عن الصحابي إلا تابعي واحد. قال: وسألني الإمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني: لم أسقط الشيخان حديث أسامة بن شريك من الكتابين؟. فقلت له: لأنهما لم يجدا لأسامة بن شريك الجزء: 12 ¦ الصفحة: 269 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] راويا غير زياد بن علاقة. فقال لي أبو الحسن وكتبه لي بخطه: قد أخرجا جميعا حديث قيس بن أبي حازم عن عدي بن عميرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من استعملناه على عمل» الحديث، وليس لعدي بن عميرة راو غير قيس. وأخرجا أيضا حديث الحسن عن عمرو بن تغلب، وليس له راو غير الحسن. وأخرجا أيضا حديث مجزأة بن زهير الأسلمي، عن أبيه، عن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في النهي عن لحوم الحمر الأهلية» . وليس لزهير راو غير مجبرا. وقد أخرج البخاري حديث قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يذهب الصالحون أسلافا» وليس لمرداس راو غير قيس. وقد أخرج البخاري أيضا حديثين عن زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام بن زهرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليس لعبد الله راو غير زهرة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وحديث أسامة بن شريك أصح وأشهر وأكثر رواة من هذه الأحاديث، مع أن أسامة بن شريك قد روى عنه، عن علي بن الأقمر ومجاهد. وقال الحاكم في " المستدرك في كتاب الإيمان "، في حديث أبي الأحوص عن أبيه مرفوعا: «إن الله تعالى إذا أنعم نعمة على عبد أحب أن ترى عليه» . لم يخرج الشيخان هذا الحديث إلا أن مالك بن نضلة ليس له راو غير ابنه أبي الأحوص وقد أخرج عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه، وليس له راو غير أبيه، وكذلك ابن مالك الأشجعي عن أبيه، وليس له راو غير أبيه. الخامس: أبو الدرداء، أخرج حديثه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " سننه " عن إسماعيل بن عياش عن ثعلبة بن مسلم، عن ابن عمر، عن الأنصاري عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداووا بالحرام» . السادس: أنس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرج حديثه أحمد في " مسنده "، وابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، في " مصنفه "، قالا: حدثنا يونس بن محمد، حدثنا حرب بن ميمون قال: سمعت أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله عز وجل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 270 ولا فرق بين الرجال والنساء إلا أنه لا ينبغي أن يستعمل المحرم كالخمر ونحوها؛ لأن الاستشفاء بالمحرم حرام.   [البناية] حيث خلق الداء خلق الدواء، فتداووا» . وعن ابن أبي شيبة رواه يعلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مسنده ". م: (ولا فرق بين الرجال والنساء) ش: لعموم الآثار فلذلك لم يفرق بين الرجال والنساء. وفي " الجامع الصغير " فيجوز لهما التداوي جميعا بالحقنة لأنه لا يستعمل المحرم فيها. م: (إلا أنه لا ينبغي أن يستعمل المحرم كالخمر ونحوها؛ لأن الاستشفاء بالمحرم حرام) ش: لما مر، لأن في حديث أبي الدرداء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «ولا تتداووا بالحرام» . وبه قال مالك وأحمد -رحمهما الله -، وفي " التهذيب " للبغوي: يجوز للتعليل شرب البول والدم والميتة للتداوي إذا أخبره طبيب مسلم أن شفاءه فيه، ولم يجد من المباح ما يقوم مقامه. وإن قال الطبيب يتعجل شفاؤك؟ فيه وجهان، وهل يجوز شرب القليل من الخمر للتداوي؟ فيه وجهان، انتهى. وقال فخر الإسلام البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فعل الاستشفاء بالحرام إنما لا يجوز إذا لم يعلم أن فيه شفاء، أما إذا علم أن فيه شفاء وليس له دواء آخر غيره، يجوز الاستشفاء به. وقال في " الفتاوى ": التداوي بلبن الأتان إذا أشار إليه لا بأس به. وفي " خلاصة الفتاوى " رجل استضعف بدنه ورمدت عيناه فلم يعالج حتى أضعفه ومات لا إثم عليه بخلاف ما إذا صام ولم يأكل وهو قادر حتى مات فإنه يأثم وذلك لأن الأكل قدر قوته فرض فإذا ترك متلفا نفسه والصحة بالمعالجة غير معلومة لا يقال: إن التداوي ينافي التوكل، ونحن أمرنا بالتوكل، لأنا نقول الأمر بالتوكل محمول على اكتساب الأسباب. قال الله سبحانه وتعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: 25] والله سبحانه وتعالى يقدر على أن يرزقها من غير هذا، وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بقوله شعر: توكل على الرحمن ثم اطلب الغنى ... فإني رأيت الفخر في ترك الطلب ألم تر أن الله قال لمريم ... وهزي إليك الجذع تساقط الرطب ولو شاء مال الجذع من غير هزها ... إليها ولكن الأمور لها سبب توكل على الرحمن في كل حاجة ... ولا تتركن الجهد في كثرة التعب الجزء: 12 ¦ الصفحة: 271 قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا بأس برزق القاضي؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بعث عتاب بن أسيد إلى مكة وفرض له.   [البناية] فإن قلت: في الحقيقة كشف العورة؟. قلت: لا نسلم ذلك فإنها قد تيسر بدون ذلك ولئن سلمنا بكشف العورة فهو يباح للضرورة. [حكم رزق القاضي] م: (قال: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا بأس برزق القاضي) ش: أي قال في " الجامع الصغير "، م: (لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بعث عتاب بن أسيد إلى مكة وفرض له» . ش: قلت: صح بعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - به إلى مكة، وأما فرضه له فقد قال الزيلعي في " التخريج [الأحاديث الهداية "] : هذا غريب، ثم قال: روى الحاكم في " مستدركه " في كتاب الفضائل من طريق إبراهيم الحربي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، حدثني مصعب بن عبد الله الزبيري قال: «استعمل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عتاب بن أسيد - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - على مكة، وتوفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو عامله عليها، ومات عتاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بمكة في جمادى الأخرى سنة ثلاث عشرة» . ثم أسند إلى عمرو بن أبي عقرب قال: سمعت عتاب بن أبي أسيد وهو مسند ظهره إلى الكعبة يقول: والله ما أصبت في عملي هذا الذي ولاني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا ثوبين معقدين فكسوتهما مولاي. وروى ابن سعد في " الطبقات " في ترجمة عتاب: أخبرنا محمد بن عمر الواقدي، حدثنا إبراهيم بن جعفر عن أبيه قال: سمعت عمر بن عبد العزيز في خلافته يقول: قبض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعتاب بن أسيد عامله على مكة كان ولاه يوم الفتح فلم يزل عامله عليها حتى توفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. انتهى. وأصحابنا هم الذين ذكروا أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرض له أربعين أوقية والأوقية أربعون درهما. قلت: كيف يقول هذا غريب وقد أخرج البيهقي في " سننه "، من حديث أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، حدثنا إسماعيل بن أمية عن الزهري قال: «رزق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عتاب بن أسيد حين استعمله على مكة أربعين أوقية في كل سنة» . فإن قلت: قال الذهبي في " مختصره ": لم يصح هذا؟ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 272 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] قلت: روى البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا في " سننه "، من حديث إسحاق بن الحصين الرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حدثنا سعيد بن مسلم عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعمل عتاب بن أسيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على مكة. وفرض له عمالته أربعين أوقية من فضة.» وينبغي أن لا يشك في صحة هذا فإن الذي يعمل عملا يحتاج إلى كفايته وكفاية عياله، فإن لم يرزق من جهة عمله وإلا يضيع ماله ولا يرضى أحد بعمل على جهة فتفرغ أحوال المسلمين، والدليل على صحة ما ذكره البخاري في باب: رزق الحكام والعاملين عليها. وكان شريح يأخذ على القضاء أجرا قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: يأكل الوصي بقدر عمالته، وأكل أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وفي " مصنف " عبد الرزاق: أخبرنا الحسن بن عمارة، عن الحكم: أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رزق شريحا، وسلمان بن ربيعة الباهلي على القضاء، وروى ابن سعد في " الطبقات " في ترجمة شريح: أخبرنا الفضل بن دكين، حدثنا الحسن بن صالح عن ابن أبي ليلى قال: بلغني أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رزق شريحا خمسمائة. وروى في ترجمة زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخبرنا عفان بن مسلم، حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن الحجاج بن أرطاة، عن نافع قال: استعمل عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - زيد بن ثابت على القضاء وفرض له رزقا. وقال أيضا: أخبرنا محمد بن عمر الواقدي، أخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: بويع أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يوم قبض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وكان رجلا تاجرا يغدو كل يوم إلى السوق فيبيع ويبتاع فلما بويع للخلافة قال: والله ما يصلح للناس إلا التفرغ لهم والنظر في شأنهم ولا بد لعيالي ما يصلحهم فترك التجارة وفرض من مال المسلمين ما يصلحه ويصلح عياله يوما بيوم، وكان الذي فرضه له في كل سنة ستة آلاف درهم، فلما حضرته الوفاة قال لهم: ردوا ما عندنا إلى مال المسلمين، وإن أرضي التي هي بمكان كذا وكذا للمسلمين بما أصبت من أموالهم، فدفع ذلك إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقال: لقد والله أتعبت من بعدك. فإن قلت: من أي مال فرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يكن يومئذ الدواوين ولا بيت المال وإنما كانت الدواوين في زمان عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 273 وبعث عليا إلى اليمن وفرض له، ولأنه محبوس لحق المسلمين فتكون نفقته في مالهم، وهو مال بيت المال، وهذا لأن الحبس من أسباب النفقة، كما في الوصي والمضارب إذا سافر بمال المضاربة، وهذا فيما يكون كفاية،   [البناية] قلت: هي له ذلك من الفيء، وقيل: مما أخذه من نصارى نجران ومن الجزية التي أخذت من مجوس هجر. قال أبو يوسف في كتاب " الخراج " بإسناده إلى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ الجزية من مجوس أهل هجر، انتهى. وعتاب: بفتح العين المهملة وتشديد التاء المثناة من فوق، وفي آخره باء موحدة -، وأسيد - بفتح الهمزة وكسر السين المهملة - وهو ابن العيص بن أمية بن عبد شمس وأخوه خالد بن أبي أسيد وهما صحابيان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. م: «وبعث عليا إلى اليمن وفرض له» ش: بعثه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليا إلى اليمن صحيح وأما فرضه له فلم يثبت عند أهل النقل، ولكن الكلام فيه كالكلام في قصة عتاب بن أسيد. أما بعثه فقد رواه أبو داود عن شريك عن سماك، عن حسن، عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: «بعثني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى اليمن قاضيا فقلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء؟. فقال: " إن الله يستهدي قلبك ويثبت لسانك فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يبين لك القضاء " فما زلت قاضيا أو ما شككت في القضاء بعد» . ورواه أحمد وإسحاق بن راهويه وأبو داود الطيالسي في " مسانيدهم ". ورواه الحاكم في " المستدرك "، وقال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه وقد مر الكلام فيه من ذلك في " أدب القاضي ". م: (ولأنه) ش: أي القاضي م: (محبوس لحق المسلمين فتكون نفقته في مالهم وهو مال بيت المال) ش: قالوا هذا إذا كان بيت المال حلالا، فأما إذا كان حراما جمع بباطل لم يحل أخذه بحال لأن سبل الحرام والغصب رده على أهله وليس ذلك بمال عامة المسلمين. م: (وهذا) ش: أي كون نفقته منه بحبسه لمصالح المسلمين م: (لأن الحبس من أسباب النفقة، كما في الوصي والمضارب إذا سافر بمال المضاربة) ش: لأنهما يحبسان أنفسهما بمال اليتيم ومال رب المال وكذلك نفقة المرأة سواء كانت في العصمة أو في العدة لأنها محبوسة بحق الزوج. م: (وهذا فيما يكون كفاية) ش: أي هذا الذي ذكره محمد في " الجامع الصغير " من قوله: ولا بأس برزق القاضي فيما إذا كان كفاية ومؤنة للنفقة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 274 فإن كان شرطا فهو حرام؛ لأنه استئجار على الطاعة، إذ القضاء طاعة، بل هو أفضلها. ثم القاضي إذا كان فقيرا، فالأفضل، بل الواجب الأخذ؛ لأنه لا يمكنه إقامة فرض القضاء إلا به، إذ الاشتغال بالكسب يقعده عن إقامته. وإن كان غنيا فالأفضل الامتناع على ما قيل رفقا ببيت المال. وقيل: الأخذ، وهو الأصح صيانة للقضاء عن الهوان. ونظرا لمن يولي بعده من المحتاجين؛ لأنه إذا انقطع زمانا يتعذر إعادته ثم تسميته رزقا تدل على أنه بقدر الكفاية،   [البناية] م: (فإن كان شرطا) ش: ومعاقدة في ابتداء الأمر بأن قال: لا أقبل القضاء إلا إذا رزقني الوالي في كل سنة كذا وكذا بمقابلة قضائي، م: (فهو حرام؛ لأنه استئجار على الطاعة إذ القضاء طاعة، بل هو أفضلها) ش: والقضاء طاعة بل أفضلها، أي أفضل الطاعات لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «القضاء أشرف العبادات» ، فإذا بطل الاستئجار على سائر الطاعات فعلى هذا أولى. ألا ترى أن حكم القاضي بالرشوة لا ينفذ، وإن كان القاضي لا ينعزل عنها بالجور والفسق والارتشاء، ولكن يستحق العزل فيعزله، خلافا للمعتزلة فإن عندهم يعزل بالفسق، وهو رواية للأصحاب. م: (ثم القاضي إذا كان فقيرا، فالأفضل بل الواجب الأخذ) ش: أي أخذ رزقه وكفايته م: (لأنه لا يمكنه إقامة فرض القضاء إلا به، إذ الاشتغال بالكسب يقعده عن إقامته) ش: أي يؤخره عن إقامة فرض القضاء ولاشتغاله بالكسب كما ذكرنا في قصة أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن قريب. م: (وإن كان غنيا فالأفضل الامتناع) ش: عن أخذ الرزق في بيت المال م: (على ما قيل رفقا ببيت المال) ش: أي لأجل الرفق ببيت مال المسلمين. م: (وقيل: الأخذ، وهو الأصح صيانة للقضاء عن الهوان) ش: أي لأجل صيانة القضاء عن الهوان، أي لأجل صيانة القضاء عن الذلة، لأنه إذا لم يأخذ لا يلتفت إلى أمور القضاء كما ينبغي لاعتماده على غنائه، فإذا أخذ يلزمه حينئذ إقامة أمور القضاء. م: (ونظرا لمن يولى بعده من المحتاجين) ش: أي ولأجل النظر في حق من يأتي بعده من القضاة الفقراء م: (لأنه إذا انقطع) ش: أي لأن رزق القاضي وهو معلومة إذا انقطع من بيت المال بترك القاضي الغني وامتناعه عنه م: (زمانا يتعذر إعادته) ش: لأن متولي أمور بيت المال يحتج عليه بعدم جري العادة فيه منذ زمان فيتضرر القاضي الفقير. م: (ثم تسميته رزقا) ش: أي ثم تسميته، قال محمد في " الجامع الصغير ": معلوم القاضي رزقا م: (تدل على أنه بقدر الكفاية) ش: له ولعياله ولا يعطى أكثر من الكفاية لقوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] الآية، وإن كان نزولها في وصي اليتيم لكون الوصي عليها ليتيم حابسا نفسه، لذلك الحكم لكل من يعمل لغيره بطريق الحسبة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 275 وقد جرى الرسم بإعطائه في أول السنة؛ لأن الخراج يؤخذ من أول السنة وهو يعطى منه، وفي زماننا الخراج يؤخذ من آخر السنة، والمأخوذ من الخراج خراج السنة الماضية هو الصحيح. ولو استوفى رزق سنة وعزل قبل استكمالها، قيل: هو على اختلاف معروف في نفقة المرأة إذا ماتت في السنة بعد استعجال نفقة السنة، والأصح: أنه يجب الرد. ة قال: ولا بأس بأن تسافر الأمة وأم الولد بغير محرم؛ لأن الأجانب في حق الإماء فيما يرجع إلى النظر والمس بمنزلة المحارم على ما ذكرنا من قبل، وأم الولد أمة لقيام الملك فيها   [البناية] م: (وقد جرى الرسم بإعطائه) ش: أي وقد جرت العادة بإعطاء رزق القاضي م: (في أول السنة؛ لأن الخراج يؤخذ من أول السنة وهو يعطى منه) ش: أي القاضي يعطى من الخراج، هذا كان في أول الزمان. م: (في زماننا الخراج يؤخذ في آخر السنة، والمأخوذ من الخراج خراج السنة الماضية) ش: أي أن الذي يأخذه الإمام من الخراج في أول السنة هو خراج السنة الماضية وعليه الفتوى، أشار إليه بقوله: م: (هو الصحيح) ش: قال الكاكي: أيضا عليه الفتوى. م: ولو استوفى) ش: أي القاضي م: رزق سنة وعزل قبل استكمالها) ش: أي قبل تمام السنة م: (قيل: هو على اختلاف معروف في نفقة المرأة إذا ماتت) ش: أي الزوج م: (في السنة بعد استعجال نفقة السنة) ش: حيث يجب رد ما بقي من السنة عند محمد خلافا لأبي يوسف، وإليه أشار الخصاف في " نفقاته "، فكذلك يجب على القاضي رد ما بقي عند محمد خلافا لأبي يوسف، وكذا الكلام في موت القاضي في أثناء السنة، م: (والأصح: أنه يجب الرد) ش: كذا ذكر الصدر الشهيد وفخر الدين قاضي خان. [سفر الأمة وأم الولد بغير محرم] م: (قال: ولا بأس بأن تسافر الأمة وأم الولد بغير محرم) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": م: (لأن الأجانب في حق الإماء فيما يرجع إلى النظر والمس بمنزلة المحارم) ش: أي لأن الأجانب في حق الإماء كالمحارم في حق الجوار في حق النظر والمس، فجاز السفر بهما مع الأجانب كما جاز للحرائر مع المحارم. وقيل: هذا في زمانهم. وأما في زماننا: لا يحل لغلبة أهل الفسق، كذا في " المحيط " و " التتمة "، وأجمعوا على أن العجوز الحرة لا تسافر مع غير محرم، ولا تخلو برجل م: (على ما ذكرنا من قبل) ش: أشار به إلى ما ذكر قبل فصل الاستبراء بقوله: وأما الخلوة بها والمسافر فقد قيل: يباح كما في المحارم. م: (وأم الولد أمة لقيام الملك فيها) ش: هذا جواب عما يقال: إنكم قلتم إن الأجانب في حق الإمام كالمحارم وأم الولد ليست بأمة، لأن ولدها ابنتها؟. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 276 وإن امتنع بيعها، والله أعلم بالصواب.   [البناية] فأجاب: بأن أم الولد أمة لقيام الملك فيها، ولهذا أجاز استخدامها وحل وطؤها بلا نكاح، ولا يحل الوطء بأحد الملكين. م: (وإن امتنع بيعها) ش: واصل بما قبله، يعني امتناع بيعها لا يخرجها عن قيام الملك فيها، لأن امتناع البيع لاستحقاقها الحرية. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 277 كتاب إحياء الموات قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الموات ما لا ينتفع به من الأراضي لانقطاع الماء عنه أو لغلبة الماء عليه، أو ما أشبه ذلك مما يمنع الزراعة، سمي بذلك لبطلان الانتفاع به. قال: فما كان منها عاديا   [البناية] [كتاب إحياء الموات] [تعريف إحياء الموات] م: (كتاب إحياء الموات) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام إحياء الموات، قال الشراح: مناسبة هذا الكتاب بكتاب الكراهة. يجوز أن يكون من حيث أن في مسائل هذا الكتاب ما يكره وما لا يكره. وهذا ليس بشيء، لأنه قل كتاب من الكتب أن يخلو عما يكره وما لا يكره، وأبعد من هذا ما قاله الكاكي. أو لأن إحياء الأرض إحياء صورة فكان فيه التسبب للحياة النامية فكان قريبا إلى حقيقة الإحياء. كما أن الكراهة حرمة صورة وقريب إلى الحرمة القطعية والأوجه أن يقال إن هذا الكتاب فيه بيان الموات وهو أن من الأراضي ما لا ينتفع به، وكذلك الذهب والفضة والحرير ما لا ينفع له شرعا حيث يحرم الأكل والشرب ونحوهما في الذهب والفضة في حق الرجال والنساء جميعا، ويحرم لبس الحرير وافتراشه وتوسده في حق الرجال فحكم هذه الأشياء كالموات في عدم الانتفاع به عادة في الموات، وشرعا: في الأشياء المذكورة، وكذلك كل مكروه فيه كالموات حيث لا ينتفع به شرعا. م: (قال: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الموات ما لا ينتفع به من الأراضي) ش: أي قال القدوري في " مختصره ". وقوله: الموات: ما لا ينتفع به، وهو المعنى اللغوي، وقوله: من الأراضي إنما زيد إشارة إلى معناه الشرعي وأشار إلى علة عدم الانتفاع به لقوله: م: (لانقطاع الماء عنه) ش: الضمير في عنه يرجع إلى ما لا ينتفع به، ومن الأراضي بيان له وكذلك الضمير في به، كذلك في عليه في قوله م: (أو لغلبة الماء عليه) ش: بأن غطاه حتى لم يبق محلا للزراعة. م: (أو ما أشبه ذلك مما يمنع الزراعة) ش: بأن صار سبخة أو غلب عليها الرمال فصارت زراعتها متعذرة م: (سمي بذلك لبطلان الانتفاع به) ش: أي سمي الموات ما لا ينتفع به من الأراضي لأجل بطلان الانتفاع به، تشبيها بالحيوان إذا مات بطل الانتفاع به، وإحياؤه عبارة عن جعله منتفعا به. م: (قال: فما كان منها عاديا) ش: أي قال القدوري: وقال الشراح المراد من العادي ما كان خرابة قديما ولا يعرف له ملك إلا أن يكون منسوبا لعاد. لأن جميع الأراضي الموات لم تكن لعاد وإنما كني بذلك عن القديم خرابا، لأن عادا كان في قديم الأيام، وكذا ذكره المصنف على ما يأتي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 278 لا مالك له، أو كان مملوكا في دار الإسلام، لا يعرف له مالك بعينه، وهو بعيد من القرية بحيث إذا وقف إنسان في أقصى العامر فصاح لا يسمع الصوت فيه فهو موات.   [البناية] قلت: لا شك أن العادي بتشديد الياء، هو نسبة إلى عاد، وإنما لم يكن جميع الأراضي الموات منسوبة لعاد فأكثره منسوب إليه. وقد ذكر أهل التاريخ أن عادا استولى على كثير من بلاد الشام والعراق والهند، وهو عاد بن أوص بن أرم بن سام بن نوح - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. أو يكون هذه النسبة أن كل أثر قديم ينسب إلى عاد وقومه لقدمهم فتكون النسبة صحيحة على كل حال م: (لا مالك له أو كان مملوكا في دار الإسلام لا يعرف له مالك بعينه، وهو بعيد من القرية) . ش: أي والحال أنه بعيد من القرية، وهذا الذي شرطه القدوري هو اختيار الطحاوي وهو غير ظاهر الرواية لا يشترط البعد من القرية. وقال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": الأصل أن من ملك شيئا من مسلم أو ذمي بأي سبب ملك، فإنه لا يزول ملكه عنه بالترك كما إذا ملك دارا أو أرضا ثم خربها فمضت عليه السنون والقرون فهو على ملك مالكه الأول لا تكون تلك الأرض موات. وأرض الموات: التي لم تملك ملكا لأحد ولم تكن من مرافق البلدة وكانت خارج البلدة، قربت من البلدة أو بعدت. حتى إن بحرا خارج البلدة قريبا منها لو حرز ماؤه، أو أكمة عظيمة لم يكن ملكا لأحد كانت تلك الأرض أرض موات في ظاهر الرواية. وقال الطحاوي: وما قرب من العامر فليس بموات. وفي " خلاصة الفتاوى ": وأما في بخارى ليست بموات، لأنها دخلت في القسمة ويصرف لأقصى مالك أو منتفع في الإسلام أو إلى ورثته، فإن لم يعلم فالتصرف إلى القاضي. وفي " الذخيرة ": الأراضي المملوكة في دار الإسلام إذا انقرض أهلها فهي كاللقطة فلا يجوز إحياؤها، وبه قال الشافعي في قول، وأحمد في رواية، لأن لها مالكا فلم يجز إحياءها كما لو كان مالكها معينا. وقيل: كالموات فيملك بالإحياء وبه قال الشافعي في قول، وأحمد في رواية ومالك لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أحيا أرضا ميتة فهي له» . م: (بحيث إذا وقف إنسان في أقصى العامر فصاح لا يسمع الصوت فيه) ش: هذا تفسير لقوله، هو بعيد من القرية. هكذا روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فالحد الفاصل بين القريب والبعيد على ما روي عنه: أن يقوم رجل جهري الصوت أقصى العمرانات، على مكان عال فينادي بأعلى صوته. فالموضع الذي يسمع منه صوته يكون قريبا منه، وإذا كان لا يسمع صوته منه يكون بعيدا من العمرانات، م: (فهو موات) ش: جملة في محل الرفع على أنها خبر عن قوله فما كان عاديا ودخلت الفاء لتضمين المبتدأ معنى الشرط. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 279 قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هكذا ذكره القدوري. ومعنى العادي ما قدم خرابه، والمروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يشترط أن لا يكون مملوكا لمسلم أو ذمي مع انقطاع الارتفاق بها لتكون ميتة مطلقا. فأما التي هي مملوكة لمسلم أو ذمي لا تكون مواتا، وإذا لم يعرف مالكه يكون لجماعة المسلمين، ولو ظهر له مالك يرد عليه ويضمن الزارع نقصانها والبعد عن القرية على ما قال شرطه أبو يوسف؛ لأن الظاهر أن ما يكون قريبا من القرية لا ينقطع ارتفاق أهلها عنه   [البناية] م: (قال: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هكذا ذكره القدوري) ش: أي قال المصنف؛ هكذا ذكر القدوري في " مختصره ". م: (ومعنى العادي ما قدم خرابه) ش: معنى قول القدوري، فما كان عاديا ما كان خرابه قديما وقد مر الكلام فيه آنفا م: (والمروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يشترط أن لا يكون مملوكا لمسلم أو ذمي مع انقطاع الارتفاق بها) ش: أي مع انقطاع الانتفاع بها. قال خواهر زاده في " شرح كتاب الشرب ": قال محمد: كل أرض لا يملكها أحد وقد انقطع عنها الماء وارتفاق أهل المصر والقرية بها كان مواتا وإن كانت قريبا من العمرانات. وأراد بقوله أن لا يكون مملوكا لمسلم أو ذمي، أنه إذا كان مملوكا لها فصار خرابا وانقطع عنها الماء وارتفاق الناس بها من حيث المرعى والاحتطاب فإنه لا يكون مواتا حتى لا يملك بإذن الإمام عندهما جميعا، لأن ما كان مملوكا لمسلم أو ذمي لا يزول الملك عنها بالخراب وانقطاع الماء والمرافق. على ما بينا عن قريب. م: (لتكون ميتة مطلقا) ش: يعني بشرط مدة الشروط لتكون الأرض الميتة على الإطلاق لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر الميتة على الإطلاق ومطلق الاسم يتصرف إلى الكامل، والكامل في المسمى أن لا يكون الأرض مملوكة لأحد م: (فأما التي هي مملوكة) ش: - هذا من تتمة قول محمد - أي فأما الأرض التي هي مملوكة م: (لمسلم أو ذمي لا تكون مواتا، وإذا لم يعرف مالكه يكون لجماعة المسلمين) ش: كمن مات وترك مالا ولم يترك وارثا فلا يكون لواحد أن يتملك على التخصيص فكذا هذا م: (ولو ظهر له مالك يرد عليه) ش: أي ظهر للموات مالك بعد أن أحياه رجل يرد على مالكه؛ لأنه أحق به من غيره. [شرط إحياء الموات] م: (ويضمن الزارع نقصانها) ش: أي النقصان الذي حصل بالزراعة بعد الإحياء. لا يقال: المنافع حصلت بفعل فلا يضمن بإتلافها لأنا نقول أنه تبرع في ذلك فيصير لصاحب الأرض، لأنها صارت صفة لأرضه ولهذا لو ظهر لها مالك قبل الزراعة فعلى المحيي أن يسلمها إلى مالكها. ولا يقال: إنه فعل بإذن الشرع فلا يضمن، لأن إذن الشرع لا ينافي الضمان، فإن الجمل الصائل يباح قتله بإذن الشرع ثم يضمن والملتقط يجب عليه التصدق ويضمن إذا ظهر صاحبها م: (والبعد عن القرية على ما قال شرطه أبو يوسف؛ لأن الظاهر أن ما يكون قريبا من القرية لا ينقطع ارتفاق أهلها عنه) ش: البعد مرفوع بالابتداء وخبره قوله شرطه أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 280 فيدار الحكم عليه. ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبر انقطاع ارتفاق أهل القرية عنها حقيقة، وإن كان قريبا من القرية، كذا ذكره الإمام المعروف بخواهر زاده، وشمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتمد على ما اختاره أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ثم من أحياه بإذنه الإمام ملكه، وإن أحياه بغير إذنه لم يملكه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يملكه، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أحيا أرضا ميتة فهي له» .   [البناية] بسطنا الكلام فيه عن قريب. م: (فيدار الحكم عليه) ش: أي على القرب الذي هو دليل الارتفاق أراد أن عدم الارتفاق وانقطاعه أمر خفي لا يطلع بعض الناس، فجعلنا الدليل الظاهر وهو بعض الأرض من العامر قائما مقامه فأدير الحكم عليه فلم يعتبر انقطاع الارتفاق حقيقة كما اعتبر محمد. والحاصل: أن عند أبي يوسف يدار الحكم على القريب والبعيد، وعند محمد على حقيقة الارتفاق وعدمها وبه قالت الثلاثة وهو معنى قوله: م: (ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبر انقطاع ارتفاق أهل القرية عنها حقيقة، وإن كان قريبا من القرية، كذا ذكره الإمام المعروف بخواهر زاده) ش: واسمه: محمد بن الحسين بن محمد بن الحسن البخاري المعروف بخواهر زاده صاحب " المبسوط "، مات في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة م: (وشمس الأئمة السرخسي اعتمد على ما اختاره أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني أخذ بقوله: وهو أن ما قرب من العامر لا يكون مواتا وعليه اعتمد القدوري أيضا وشمس الأئمة اسمه محمد بن أحمد بن أبي سهل أبو بكر السرخسي الإمام الكبير صاحب " المبسوط " المشهور في خمسة عشر مجلدا. توفي في حدود الأربعة مائة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: ثم من أحياه) ش: أي الموات م: (بإذن الإمام ملكه وإن أحياه بغير إذنه لم يملكه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فهذه أيضا من مسائل القدوري. م: (وقالا: يملكه) ش: يعني مطلقا وبه قال الشافعي وأحمد وأصبغ وسحنون المالكي، وقال مالك: إن كان قريبا من العامر في موضع يتسامح الناس فيه افتقر إلى الإذن من الإمام وإلا فلا، م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من أحيا أرضا ميتة فهي له» ش: هذا الحديث رواه تسعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الأول: عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، أخرج حديثه الطبراني في " معجمه " عن عمر بن رباح عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرفق ظالم حق» رواه ابن عدي في " الكامل "، وقال: عمر بن رباح مولى بن طاوس يحدث عنه بالبواطيل لا يتابع عليه. ثم أسند عن البخاري أنه قال: عمر بن رباح هو ابن أبي عمر العبدي دجال، وكذلك الجزء: 12 ¦ الصفحة: 281 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] نقل عن الفلاس ووافقهما. الثاني: عائشة أم المؤمنين - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أخرج حديثها البخاري في " صحيحه " في المزارعة عن محمد بن عبد الرحمن عن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها» . وقال عروة: قضى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في خلافته به، ورواه أبو يعلى الموصلي بلفظ المصنف وقال: حدثنا زهير حدثنا إسماعيل عن أبي أويس حدثني عن أبي هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرف ظالم حق» وكذلك رواه أبو داود الطيالسي في " مسنده ". حدثنا رفعة بن صالح عن الزهري عن عائشة مرفوعا بلفظ أبو يعلى، ومن طريق الطيالسي رواه الدارقطني في " سننه ". ورواه ابن عدي وابن زمعة وقال أرجو أنه لا بأس به. والثالث سعيد بن زيد أخرج حديثه أبو داود في " الخراج " والترمذي في " الأحكام " والنسائي في " الموات " عن عبد الوهاب بن السقفي عن أيوب عن هشام بن عروة عن سعيد بن زيد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرف ظالم حق» وقال الترمذي: حديث حسن غريب، وقد رواه بعضهم عن هشام عن عروة مرسلا. ورواه البزار في " مسنده " وقال: لا نعلم أحدا روى عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد إلا عبد الوهاب عن أيوب عن هشام والمرسل الذي أشار إليه الترمذي أخرجه أبو داود. من طريق ابن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال قتله، وزاد: قال عروة: فلقد أخبرني الذي حدثني هذا الحديث «أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر فقضى لصاحب الأرض بأرضه، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها. فلقد رأيتها وإنها لتضرب أصولها بالقوس» . وفي لفظ آخر: «فقال رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأكبر ظني أبو سعيد -: فأنا رأيت الرجل يضرب في أصول النخل» وأخرجه النسائي أيضا عن الليث عن يحيى بن سعيد عن هشام بن عروة عن أبيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: الحديث مرسلا كذلك ورواه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الموطأ " في كتاب الأقضية أخبرنا هشام الجزء: 12 ¦ الصفحة: 282 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ابن عروة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الرابع: جابر أخرج حديثه الترمذي والنسائي أيضا عن عبد الوهاب النفعي عن أيوب عن هشام عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أحيا أرضا ميتة فهي له» وقال الترمذي حديث حسن صحيح وفي لفظ النسائي بهذا الإسناد: «من أحيا أرضا ميتة فهي له فيها أجر وما أكلت العاقبة منها فهو له صدقة» . ورواه ابن حبان في " صحيحه " بهذا اللفظ عن حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثم قال: وفي هذا الخبر دليل على أن الذمي إذا أحيا أرضا ميتة لم تكن له، لأن الصدقة لا تكون إلا لمسلم وأعاده في النوع الثالث قال أربعين من القسم الثالث وقال: إن هذا الخطاب للمسلمين لأن الصدقة إنما تكون منهم -والعاقبة: طلاب الرزق - ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا وكيع، حدثنا هشام بن عروة، عن ابن أبي رافع عن جابر بن عبد الله مرفوعا. الخامس: عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الطبراني في " معجمه الأوسط " حدثنا أحمد بن القاسم بن مسادر حدثنا محمد بن عبد الوهاب الحارثي، حدثنا مسلم بن خالد الرياحي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمر مرفوعا بحديث سعيد بن زيد، وقال: تفرد به مسلم بن خالد عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن عمرو. السادس: فضالة بن عبيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الطبراني في " معجمه " حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن بحيرة الحويطي، حدثنا يحيى بن صالح الوطاطي، حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن مكحول عن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الأرض لله والعباد عباد الله، من أحيا أرضا مواتا فهي له» . السابع: مروان بن الحكم، أخرج حديثه الطبراني في " معجمه الأوسط " حدثنا موسى بن هارون حدثنا حجاج بن الشاعر، حدثنا موسى بن داود، حدثنا نافع بن عمر الحمي عن ابن أبي مليكة عن عروة بن الزبير عن عبد الملك بن مروان عن عمران بن الحكم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلفظ حديث فضالة، وقال: تفرد به حجاج بن الشاعر. الثامن: عمرو بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه بن أبي شيبة والبزار في " مسنديهما " والطبراني في " معجمه " عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده الجزء: 12 ¦ الصفحة: 283 ولأنه مال مباح سبقت يده إليه فيملكه، كما في الحطب والصيد. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ليس للمرء إلا ما طابت نفس إمامه به» .   [البناية] مرفوعا بحديث سعيد بن زيد، ورواه ابن عدي في " الكامل " وأعله بكثير وضعفه عن أحمد وعن النسائي وابن معين جدا. التاسع: سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الطحاوي بإسناده إليه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أحاط على شيء فهو له» . م: (ولأنه مال مباح سبقت يده إليه فيملكه) ش: فلا يفتقر إلى إذن الإمام م: (كما في الحطب والصيد) ش: يعني لو أخذ حطبا أو صيدا أو حشيشا يملكه بدون إذن الإمام وكذا لو وجد معدنا أو ركازا في موضع لا حق فيه يكون له بدون إذنه م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ليس للمرء إلا ما طابت نفس إمامه به» ش: هذا الحديث أخرجه الطبراني من حديث معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفيه ضعف، وقد تقدم في السيرة والأولى أن يستدل لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بما أخرجه أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتابه المسمى " بالخراج "، عن ليث عن طاوس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عادي الأرض لله ولرسوله ثم لكم من بعدي فمن أحيا أرضا ميتة فهي له وليس للمحتجر حق بعد ثلاث سنين» ورواه أيضا سعيد بن منصور في " سننه " وأبو عبيد والبيهقي في " سننه " من حديث فضيل عن ليث عن طاووس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عادي الأرض لله ولرسوله ثم لكم من بعدي فمن أحيا شيئا من موتان الأرض فله رقبتها» ، وروي أيضا من حديث معاوية بن هشام حدثنا سفيان عن ابن طاووس عن أبيه. عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «موتان الأرض لله ولرسوله، فمن أحيا منها شيئا فهي له» . تفرد معاوية بوصله وقال الذهبي: هذا مما أنكر عليه وجه الاستدلال به: أنه إضافة إلى الله وإلى الرسول، وكل ما أضيف إلى الله ورسوله لا يجوز أن يختص أحد بشيء منه إلا بإذن الإمام كالخمس في باب القيمة، إنما أضيف إلى الله ورسوله لم يخص أحد بشيء منه إلا بإذن الإمام، فعلم أن المراد من قوله «من أحيا أرضا ميتة فهي له» : ما إذا كان بإذن الإمام لأنه ليس فيه ما ينفي هذا الشرط، فيكون المراد من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أحيا أرضا» الحديث لبيان السبب وبه نقول وقد دل الدليل على اشتراط الإذن وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس لعرق ظالم حق» لأن السبق على رأي الإمام والأخذ بطريق التغالب في معنى عرف ظالم فينبغي أن يشترط. وقال الطحاوي: إن رجلا بالبصرة قال لأبي موسى: أقطعني أرضا لا تضر بأحد من المسلمين ولا أرض خراج الجزء: 12 ¦ الصفحة: 284 وما روياه يحتمل أنه إذن لقوم لا نصب لشرع، ولأنه مغنوم لوصوله إلى يد المسلمين بإيجاف الخيل والركاب، فليس لأحد أن يختص به بدون إذن الإمام كما في سائر الغنائم، ويجب فيه العشر؛   [البناية] أن أتخذها قضبا وزيتونا، فكتب أبو موسى إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فكتب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إليه: أقطعه إياها فإن رقاب الأرض لنا، فدل أن رقاب الأرض لأئمة المسلمين وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لا حكم إلا لله ورسوله " متفق عليه، فدل أن حكم الأراضي للإمام. م: (وما روياه) ش: جواب عما استدلا به أي ما رواه أبو يوسف ومحمد، م: (يحتمل أنه أذن لقوم) ش: يعني يحتمل أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أذن لقوم مخصوص م: (لا نصب لشرع) ش: أي لأنه نصب لشرع ابتداء وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قتل قتيلا فله سلبه» فإنه ليس نصب لشرع بل لتحريض بعض المقاتلة على القتال، حتى لو قتل الغازي في زماننا لا يكون السلب له إلا أن يفعله الإمام كذا هذا. فإن قلت: العبرة لعموم اللفظ. قلت: إذا سلم عن المعارض وهذا وجد المعارض وهو ما رواه أبو حنيفة، ولئن سلمنا أن ما رويناه يحتمل نصب الشرع ولكنه يحتمل فلم يصح معارضا لما رواه، لأنه لا يحتمل إلا وجها واحدا فيحمل ذلك على الإذن عملا بالدليلين. فإن قلت: ما روياه عام خاص منه الحطب والحشيش وما روياه لم يخص فيكون العمل به أولى قلت الحطب والحشيش لا يحتاج فيه إلى إذن الإمام فلم يتناولهما عموم الحديث فلم يصر مخصوصا، والأرض مما يحتاج فيها إلى رأي الإمام لأنها صارت من الغنائم بإيجاف الحد والضياع الركاب كسائر الأموال أشار إليه المصنف بقوله: م: (ولأنه مغنوم) ش: أي: ولأن الموات مغنوم، لأنه كان في أيدي المشركين ثم صار الركاب في أيدي المسلمين بإيجاف الخيل والركاب وهو معنى قوله: م: (لوصوله إلى يد المسلمين بإيجاف الخيل والركاب) ش: بأن الإيجاف مصدر وجف قال الله سبحانه تبارك وتعالى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6] أي ما علمتم وثلاثيه وجفه، ووجيف: هو ضرب من سير الخيل والإبل. م: (فليس لأحد أن يختص به بدون إذن الإمام) ش: أي بالموات م: (كما في سائر الغنائم) ش: يعني قبل القسمة وفي بعض النسخ: كما في سائر المغانم م: (ويجب فيه العشر) ش: ذكره تفريعا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 285 لأن ابتداء توظيف الخراج على المسلم لا يجوز إلا إذا سقاه بماء الخراج؛ لأنه حينئذ يكون إبقاء الخراج على اعتبار الماء، فلو أحياها ثم تركها، فزرعها غيره فقد قيل: الثاني أحق بها، لأن الأول ملك استغلالها لا رقبتها، فإذا تركها كان الثاني أحق بها،   [البناية] على مسألة القدوري أي يجب في الموات الذي أحياه وزرعه العشر. م: (لأن ابتداء توظيف الخراج على المسلم لا يجوز إلا إذا سقاه بماء الخراج؛ لأنه حينئذ يكون إبقاء الخراج على اعتبار الماء) ش: قال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": وإذا ملك أرض الموات بإذن الإمام أو بغير إذنه على الاختلاف فررعها وإنه ينظر إن زرعها بماء السماء فهي أرض العشر وإن زرعها بماء هو من أنهار المسلمين فعلى قول أبي يوسف حكمها: حكم تلك الأرض التي فيها ذلك إن كانت من أرض الخراج فهي من أرض الخراج وإن كانت من أرض العشر فهي من أرض العشر. وعند محمد: إن كان الماء الذي ساقه إليها من الأنهار العظام كالنيل والفرات وما أشبههما فهي أرض العشر، وإن كان ذلك الماء من نهر حفرها الإمام من ماء الخراج فهي أرض خراج، وبه أخذ الطحاوي، انتهى. وفي كتاب " الخراج ": قال أبو يوسف: ومن أحيا أرضا مواتا مما كان المسلمون افتتحوها فما كان في أيدي أهل الشرك عنوة، وقد كان الإمام قسمها بين الجند الذين افتتحوها وخمسها فهي أرض عشر فيؤدي عنها الذي أحياها العشر، كما يؤدي هؤلاء الذين قسمها الإمام بينهم. وإن كان الإمام حين افتتح تركها في أيدي أهلها ولم يكن قسمها بين من افتتحها كما كان عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ترك السواد في أيدي أهله ففي أرض الخراج الذي أحيا منها شيئا يؤدي عنها الخراج، كما يؤدي الذي كان الإمام أخرها في أيديهم. وأيما رجل أحيا أرضا من أراضي الموات من أرض الحجاز أو أراضي العرب التي أسلم أهلها عليها فهي أرض عشر وهي له، وإن كانت من الأرضين التي افتتحها المسلمون مما كان في أيدي أهل الشرك فإن أحياها وساق الماء من المياه التي كانت في أيدي أهل الشرك فهي أرض خراج، وإن أحياها بغير ذلك الماء ببئر حفرها فيها أو عين استخرجها منها فهي أرض عشر، وإن كان يستطيع أن يسوق الماء إليها التي كانت في أيدي الأعاجم فهي أرض خراج ساقه أو لم يسقه. إلى هنا لفظ أبي يوسف في كتاب " الخراج ". [من أحيا أرضا ميتة هل يملك رقبتها] م: (فلو أحياها) ش: أي أرض الموات م: (ثم تركها فزرعها غيره فقد قيل: الثاني أحق بها) ش: وهو قول الفقيه أبي القاسم أحمد بن محمد البلخي م: (لأن الأول ملك استغلالها لا رقبتها) ش: أي استغلال الأرض لا رقبة الأرض. م: (فإذا تركها كان الثاني أحق بها) ش: أي بالأرض التي أحياها الأول وتركها، وأصل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 286 والأصح أن الأول ينزعها من الثاني؛ لأنه ملكها بالإحياء على ما نطق به الحديث، إذ الإضافة فيه بلام التمليك وملكه لا يزول بالترك، ومن أحيا أرضا ميتة ثم أحاط الإحياء بجوانبها الأربعة من أربعة نفر على التعاقب فعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن طريق الأول في الأرض الرابعة لتعينها لتطرقه. وقصد الرابع إبطال حقه. قال: ويملكه الذمي بالإحياء كما يملكه المسلم؛   [البناية] هذا: أن من أحيا أرضا ميتة هل يملك رقبتها؟ قال بعضهم منهم أبو القاسم المذكور: لا يملك وإنما يملك استغلالها وبه قال الشافعي في قول: لأنه قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث: «فهو أحق به» فدل أي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهي إضافة التخصيص أي هو المنتفع بدون ملك. وعند عامة المشائخ. يملك رقبته وبه قال الشافعي في قول، ومالك وأحمد وأشار إليه بقوله: م: (والأصح أن الأول ينزعها من الثاني) ش: أي يأخذها من الثاني نزعا. م: (لأنه ملكها بالإحياء على ما نطق به الحديث) ش: وهي قوله: فهي له. م: (إذ الإضافة فيه بلام التمليك) ش: إذا قرئ الاختصاص به م: (وملكه لا يزول بالترك) ش: كمن أخرب داره أو عطل بستانه وتركه حتى مرت عليه سنين فإنه لا يخرج من ملكه ولقائل أن يقول: الاستدلال بهذا الحديث على مذهبهما صحيح، أما على مذهب أبي حنيفة: ففيه نظر، لأنه حمله على كونه إذنا لا شرعا فكيف يصح الاستدلال. والجواب: أنه وإن كان إذنا لكنه إذا أذن له الإمام كان شرعا ألا ترى أن من قال له الإمام: من قتل قتيلا فله سلبه؛ ملك سلب من قتله. م: (ومن أحيا أرضا ميتة ثم أحاط الإحياء بجوانبها الأربعة من أربعة نفر على التعاقب فعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن طريق الأول في الأرض الرابعة لتعينها) ش: ولتعين الأرض الرابعة م: (لتطرقه) ش: أي لتطرق الأول لأنه حين سكت عن الأول والثاني والثالث صار الباقي طريقا له، وإذا أحياه الرابع فقد أحيا طريقه من حيث المعنى فيكون له فيه طريق، نظيره: من ترك شيئا عند جماعة مقام واحد بعد واحد ووهب حتى بقي واحد فإنه يتعين للحفظ. م: (وقصد الرابع إبطال حقه) ش: أي إبطال حق الأول بعدما تعين تطرقه فيها؛ فإن من أحياها أرضا يملك مرافق الحياة تبعا له، ففي الأرض يملك طريقها ويقبض ماؤها ويبذر زرعها وما لا يستغنى عنه من مرافقها بالإجماع فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مرافقها إلى ما لم يبلغه ماؤها وبعد عنها، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حرمتها ما ينتهي إليه صوت المنادي من حدودها. [الذمي هل يملك بالإحياء في دار الإسلام] م: (قال: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويملكه الذمي بالإحياء كما يملكه المسلم) ش: أي قال القدوري، وبه قال مالك وأحمد، وقال الشافعي وأحمد في رواية: لا يملك الذمي بالإحياء في دار الإسلام لقوله الجزء: 12 ¦ الصفحة: 287 لأن الإحياء سبب الملك إلا أن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذن الإمام من شرطه فيستويان فيه كما في سائر أسباب الملك حتى الاستيلاء على أصلنا. قال: ومن حجر أرضا ولم يعمرها ثلاث سنين أخذها الإمام ودفعها إلى غيره؛ لأن الدفع إلى الأول كان ليعمرها فتحصل المنفعة للمسلمين من حيث العشر أو الخراج فإذا لم تحصل يدفعه إلى غيره تحصيلا للمقصود، ولأن التحجير ليس بإحياء ليملكه به؛ لأن الإحياء إنما هو العمارة، والتحجير الإعلام سمي به لأنهم كانوا يعلمونه بوضع الأحجار حوله، أو يعلمونه   [البناية] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «موات الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم» فيجعل الموات بعده للمسلمين، ولأن موات الدار من حقوقها والدار للمسلمين فكان مواتها لهم للمرافق المملوكة وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عادي الأرض لله ورسوله ثم لكم بعدي» رواه سعيد بن منصور وهو مرسل كما قدمنا. قال الكاكي: والعجب من الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لم يعمل بالمرسل وقد عمل به؟، قلت: له أن يستدل بحديث جابر الذي أخرجه الترمذي وغيره: «من أحيا أرضا ميتة فهي له فيها أجر وما أكلت العاقبة منها فله صدقة» والصدقة لا تكون إلا لمسلم وقد ذكرنا هذا فيما مضى عن قريب، ولنا: أن النصوص لم تفصل والذمي إنما يعقد الذمة ليصير من أهل دارنا، وله مرافق دار الإسلام فيملك بالإحياء كما يملك لمباحاتها وإنما قضى في الدار إلى المسلمين لكون الغلبة لهم. م: (لأن الإحياء سبب الملك إلا أن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذن الإمام من شرطه فيستويان فيه) ش: أي يستوي المسلم والذمي في الإحياء م: (كما في سائر أسباب الملك) ش: مثل الشفعة ونحوها م: (حق الاستيلاء على أصلنا) ش: أي حتى إن الكافر إذا استولى على مال المسلم يملكه على أصلنا كما يملكه المسلم خلافا للشافعي. [حجر أرضا ولم يعمرها ثلاث سنين] م: (قال: ومن حجر أرضا ولم يعمرها ثلاث سنين أخذها الإمام ودفعها إلى غيره) ش: أي قال القدوري: قوله حجر - بتشديد الجيم - يجوز أن يكون من الحجر -بفتح الجيم - ويجوز أن يكون من الحجر -بسكون الجيم - فعلى الأول: معناه أعم بوضع الأحجار حوله، لأنهم كانوا يفعلون ذلك وعلى الثاني: معناه يمنع الغير من إحيائها، لأن الحجر في اللغة: المنع فكان التحجير ما هو إلا الأعلام على ما يشير إليه المصنف الآن. م: (لأن الدفع إلى الأول كان ليعمرها فتحصل المنفعة للمسلمين من حيث العشر أو الخراج فإذا لم تحصل يدفعه إلى غيره تحصيلا للمقصود، ولأن التحجير ليس بإحياء ليملكه به) ش: أي بالتحجير م: (لأن الإحياء إنما هو العمارة والتحجير الإعلام سمي به) ش: أي بالتحجير. م: (لأنهم كانوا يعلمونه بوضع الأحجار حوله) ش: أشار بهذا إلى أن معنى التحجير من الحجر بفتح الجيم م: (أو يعلمونه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 288 لحجر غيرهم عن إحيائه، فبقي غير مملوك كما كان هو الصحيح، وإنما شرط ترك ثلاث سنين لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " ليس لمحتجر بعد ثلاث سنين حق   [البناية] لحجر غيرهم عن إحيائه) ش: وأشار بهذا إلى أن معنى التحجير من الحجر -بسكون الجيم - الذي معناه المنع أي يعلمونه لمنع غيرهم عن إحياء الموات الذي احتاط عليه. م: (فبقي غير مملوك كما كان) ش: أي إذا كان الأمر كذلك بقي الموات حال كونه غير مملوك كما كان أولا إذا لم يفد بحجره م: (هو الصحيح) ش: احترز عما روي عن بعض مشائخنا: أنه يصير مملوكا للحجر، ذكره في " المحيط " وذكر خواهر زاد: أن التحجير ملكا مؤقتا إلى ثلاث سنين. وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح وأحمد، ويصير هو أحق به لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من سبق إلى مال لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به» . رواه أبو داود. وقال الأترازي: ثم الاحتجار هل يفيد الملك أم لا؟ فيه اختلاف المشائخ قيل: يفيد ملكا مؤقتا إلى ثلاث سنين وقيل: لا يفيد وثمرة الخلاف تظهر في إذا جاء إنسان آخر قبل مضي ثلاث سنين فأحياه من قال إن الأحجار لا يفيد ملكا قال ملكه الثاني، ومن قال يفيد لا يملكه الثاني ويزرعه الأول في يده، احتج من قال بإفادة الملك بما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أشار إليه المصنف بقوله: م: (وإنما شرط ترك الثلاث سنين لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليس لمحتجر بعد ثلاث سنين حق) ش: فيكون له الحق من ثلاث سنين والحق إذا أطلق يراد به الملك لا مجرد الحق من غير ملك بدليل ما قال في كتاب الإقرار: إذا قال: لفلان حق في هذه الدار وبين شيئا من حقوقها، لأن حق الرقبة لا يصدق المقر في ذلك وجه من قال لا يفيد ملك إن الاحتجار ليس بإحياء وإنما هو بمنزلة الاستيام على الإحياء فلا يفيد ملكا كاستيام في باب البيع، إلا أنه يكره إحياء الثاني قبل مضي ثلاث سنين مراعاة لحق الحجر ونفيا للوحشة عنه، ثم أثر عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه أبو يوسف في " كتاب الخراج " حدثني الحسن بن عمارة عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: قال عمر: من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين. والحسن بن عمارة ضعيف وسعيد عن عمر فيه كلام. ورواه أيضا في " سننه " أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: من تحجر أرضا فعطلها ثلاث سنين فجاء قوم فغمروها فهم أحق بها. ورواه البيهقي في " سننه الكبرى " من حديث معمر الجزء: 12 ¦ الصفحة: 289 ولأنه إذا أعلمه لا بد من زمان يرجع فيه إلى وطنه، وزمان يهيئ أموره فيه ثم زمان يرجع إلى ما يحجر، فقدرناه بثلاث سنين لأن ما دونها من الساعات والأيام والشهور لا يفي بذلك، وإذا لم يحضر بعد انقضائها، فالظاهر أنه تركها. قالوا: هذا كله ديانة فأما إذا أحياها غيره قبل مضي هذه المدة ملكها؛ لتحقق الإحياء منه دون الأول فصار كالاستيام، فإنه يكره، ولو فعل يجوز العقد، ثم التحجير قد يكون بغير الحجر بأن غرز حولها أغصانا يابسة، أو نقى الأرض وأحرق ما فيها من الشوك، أو خضد   [البناية] عن ابن نجيح عن عمرو بن شعيب: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جعل التحجر ثلاث سنين فإن تركها حتى يمضي ثلاث سنين فأحياها غيره فهو أحق بها. والاحتجار: من احتجرت الأرض إذا ضربت عليها منارا أو علمت علما في حدودها للخيار. م: (ولأنه إذا أعلمه) ش: أي ولأن المحيي إذا أعلم الموات م: (لا بد من زمان يرجع فيه إلى وطنه وزمان يهيئ أموره فيه ثم زمان يرجع إلى ما يحجر، فقدرناه بثلاث سنين لأن ما دونها من الساعات والأيام والشهور لا يفي بذلك) ش: أي بما ذكرنا من الرجوع إلى وطنه لتهيؤ أمره إلى الزراعة ورجوعه إلى ما يحجره، لأن دار الإسلام من أدناها إلى أقصاها يقطع في سنة للعلة، إنما حجر في أقصى طرق دار الإسلام وبلده في الطرف الآخر من دار الإسلام. ولاصطلاح أموره في بلده سنة وللرجوع إلى ذلك الموضع سنة فلا ينبغي أن يشتغل بإحياء ذلك الموضع غيره إلى ثلاث سنين وينظره، وبعد هذا المعنى الظاهر أنه قد بدا له ولا يريد الرجوع إليها فجاز إحياؤه غيره. م: (وإذا لم يحضر بعد انقضائها، فالظاهر أنه تركها) ش: وقد ذكرناه، م: (قال: وا: هذا كله ديانة) ش: قالت المشائخ: هذا الذي ذكرناه من اشتراط الترك ثلاث سنين لإحياء غيره ديانة، يعني فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى. وأما في الحكم: إذا أحياها إنسان قبل مضي هذه المدة فهي أشار إليه بقوله: م: (فأما إذا أحياها غيره) ش: أي غير المحتجر م: (قبل مضي هذه المدة) ش: أي ثلاث سنين م: (ملكها لتحقق الإحياء منه دون الأول) ش: وهو الحجر م: (فصار كالاستيام) ش: في باب البيع م: (فإنه يكره) ش: لورود النهي. م: (ولو فعل) ش: أي الاستيام م: (يجوز العقد) ش: فكذا هنا وإن كان يكره ولكنه إذا أحياها يملكها. م: (ثم التحجير قد يكون بغير الحجر بأن غرز حولها أغصانا يابسة) ش: أي بأن نصب حول الأرض الموات أغصانا يابسة م: (أو نقى الأرض) ش: من الحصى والشوك، لأنهما يمنعان الزراعة. وأشار إلى معنى قوله " نقى الأرض " بقوله: م: (وأحرق ما فيها من الشوك) ش: حيث عطف أحرق على نقى للتفسير م: (أو خضد) ش: أي قطع بالخاء والضاد المعجمتين ومنه قوله الجزء: 12 ¦ الصفحة: 290 ما فيها من الحشيش أو الشوك وجعلها حولها وجعل التراب عليها من غير أن يتم المثناة؛ ليمنع الناس من الدخول، أو حفر من بئر ذراعا أو ذراعين، وفي الأخير ورد الخبر، ولو كربها وسقاها فعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إحياء، لو فعل أحدهما يكون تحجيرا، ولو حفر أنهارا ولم يسقها يكون تحجيرا، وإن كان سقاها مع حفر الأنهار كان إحياء لوجود الفعلين، ولو حوطها أو سمنها بحيث   [البناية] سبحانه وتعالى: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} [الواقعة: 28] م: (ما فيها) ش: أي في أرض الموات م: (من الحشيش أو الشوك وجعلها حولها وجعل التراب فوقها من غير أن يتم المثناة) ش: وهي ما يبنى للسائل ليرد الماء م: (ليمنع الناس من الدخول، أو حفر من بئر ذراعا أو ذراعين) ش: فكل ذلك بحجر. م: (وفي الأخير) ش: أراد بالأخير ما إذا حفر من بئر ذراعا أو ذراعين م: (ورد الخبر) ش: قالت الشراح: أراد به قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حفر من بئر ذراعا فهو متحجر» قال الزيلعي في " تخريجه ": هذا الحديث ما رأيته ولا أعرفه ولم أر من ذكره. قلت: لا يلزم من عدم معرفة الزيلعي أن لا يكون هذا حديثا ولا يلزم أيضا أن يكون ما ذكره الشراح هو مراد المصنف في قوله: وفي الأخير ورد الخبر، بل يجوز أن يكون مراده ما رواه الشافعي عن عبد الرحمن بن حسن بن القاسم الأزرقي عن أبيه عن علقمة بن نضلة: أن أبا سفيان بن حرب قام بفناء داره فضرب برجله وقال: سيام الأرض أن لها سياما ما زعم ابن فرقد الأسلمي أني لا أعرف حقي من حقه لي بياض المردة وله سوادها ولي ما بين كذا إلى كذا، فبلغ ذلك عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقال: ليس لأحد إلا ما أحاطت عليه جدرانه، إن إحياء الموات ما يكون زرعا أو حفرا أو يخلط بالجدارات. ورواه البيهقي في " سننه " من طريق الشافعي. فهذا عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جعل الحفر من جملة التحجير، والحفر في الموات غالبا لا يكون إلا في البئر، وإنما قيد المصنف بذراع أو ذراعين شبها على أن خروج الماء من البئر، ليس بشرط التحجير فإنه بالحفر يصير محجرا سواء خرج ماء أو لا. وعند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما لم يخرج الماء فهو متحجر، وإن خرج لا يكون. فهذا هو التحقيق في هذا الموضع الذي غض الشراح كلهم أبصارهم [عنه] . م: (ولو كربها) ش: من كرب الأرض إذا قلبها للحراثة م: (وسقاها فعن محمد أنه إحياء، ولو فعل أحدهما) ش: بأن كربها ولم يسقها م: (يكون تحجيرا، ولو حفر أنهارها ولم يسقها يكون تحجيرا، وإن كان سقاها مع حفر الأنهار كان إحياء لوجود الفعلين) ش: أي السقي والحفر م: (ولو حوطها) ش: أي جعل لها حائطا م: (أو سنمها) ش: أو جعل لها السنام مأخوذ من سنام البعير م: (بحيث الجزء: 12 ¦ الصفحة: 291 يعصم الماء يكون إحياء؛ لأنه من جملة البناء، وكذا إذا بذرها. قال: ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر ويترك مرعى لأهل القرية ومطرحا لحصائدهم لتحقق حاجتهم إليها، حقيقته، أو دلالة على ما بيناه، فلا يكون مواتا لتعلق حقهم بها بمنزلة الطريق والنهر. وعلى هذا قالوا: لا يجوز للإمام أن يقطع ما لا غنى بالمسلمين عنه كالملح والآبار التي يستقي الناس منها لما ذكرنا.   [البناية] يعصم الماء يكون إحياء) ش: أي يحفظه من السيلان إلى غيرها. وفي بعض النسخ: بحيث يعصم الماء أي الذي يمر من الدخول فيها م: (لأنه من جملة البناء) ش: أي لأن لكل واحد من التحويط والسنم من جملة البناء. م: (وكذا إذا بذرها) ش: أي الأرض الموات، ألقى البذار فيها. وفي " المحيط ": عن أبي حنيفة: إن حفر فيها بئرا أو ساق إليها ماء، فقد أحياها، زرعها ومرعاها. [إحياء ما قرب من العامر] م: (قال: ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر) ش: أي قال القدوري: ولا نعلم فيه خلافا لأهل العلم م: (ويترك مرعى لأهل القرية) ش: أي مرعى لمواشيهم م: (ومطرحا لحصائدهم) ش: وهو جمع حصيد، وحصيدة، وهما الزرع المحصود ومطرح الحصائد هو الموضع الذي يلقى فيه الزرع المحصود للدرس م: (لتحقق حاجتهم إليها) ش: أي إلى ما قرب من العامر، والتأنيث باعتبار الأرض. م: (حقيقته) ش: بالجر على أنه بدل من حاجتهم أي لتحقق حقيقة الحاجة عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (أو دلالة) ش: عطف عليه أي أو لتحقق دليل الحاجة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (على ما بيناه) ش: أراد به قوله: ومحمد اعتبر الارتفاق .... إلى آخره. م: (فلا يكون مواتا لتعلق حقهم بها) ش: أي إذا كان كذلك فيكون ما قرب من العامر مواتا، لتعلق حق أهل القرية، فيكون م: (بمنزلة الطريق والنهر) ش: تعلق بهما حق أهل القرية، فلا يجوز احتجارها. م: (وعلى هذا قالوا) ش: أي على ما ذكرنا من تعلق حق الناس، قالت المشائخ: م: (لا يجوز للإمام أن يقطع ما لا غنى بالمسلمين عنه كالملح والآبار التي يستقي الناس منها) ش: أي ما لا بد لهم منه يقال: أقطع السلطان رجلا أيضا إذا أعطاه إياها وخصصه بها. م: (لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله: فتعلق حقهم بها، ولا نعلم فيه خلافا، وروى الترمذي وأبو داود -رحمهما الله - من حديث ثمامة بن شراحيل عن سمي بن قيس، عن شمير بن عبد المدان، عن أبيض بن حمال: «أنه وفد إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستقطعه الملح الذي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 292 قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ومن حفر بئرا في برية فله حريمها ومعناه إذا حفر في أرض موات   [البناية] بمأرب، فقطعه فلما أن ولى قال رجل من المجلس: أتدري ما قطعت له؟ إنما قطعت له الماء العد. قال: فانتزع منه» . وأخرجه البيهقي وغيرهما من حديث ابن المبارك، عن معمر، عن يحيى بن قيس المازني، عن رجل [يدعى] أبيض: «أنه استقطع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الملح الذي بمأرب فأراد أن يقطعه إياه، فقال رجل: إنه كالماء العد فأبى أن يقطعه» . وقال الأصمعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الماء العد الدائم الذي لا انقطاع له هو كماء العين، وماء البئر، وعن هذا قال مشائخنا: من السحت ما يأخذه المرعاة، فالولاة على الماء، والكلأ، والجبال، والمردح، والمعادن، والملح، وجميع ذلك ذكره في " التتمة "، و " الغنية "، و " المجتبى " وغيرها. وأما الحمى: وهو أن يحمي السلطان أرضا من الموات يمنع الناس رعي ما فيها يخص بها نفسه رؤوسهم كالعرب في الجاهلية يفعلون ذلك، فعندنا: لا يجوز. وأما لو حمى مرعى خيل المجاهدين، ونعم الجزية، وأهل الصدقة، وحيوان الناس التي يقوم الإمام بحفظها، وماشية الضعيف من الناس: فيجوز، وبه قال الشافعي في قول، وفي آخر: ليس لغير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يحمي لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا حمى إلا لله ورسوله» . قلنا: إن عمر، وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حميا، واشتهر ذلك في الصحابة، ولم ينكر عليهما أحد فكان إجماعا. وقال مالك: بلغني أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يحمي في كل عام أربعين ألفا من الظهر، ولأن ما كان من مصالح المسلمين فالأئمة قائمة مقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما أطعم الله لنبي طعمة إلا جعلها طعمة لمن بعده» . وأما الخبر فمعناه أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يختص بفعل الحمى لا لكل أحد، والأئمة بعده تقوم مقامه، إذ الحمى لنفسه مخصوص به. م: (قال: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ومن حفر بئرا في برية فله حريمها) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وحريم البئر نواحيها م: (ومعناه) ش: أي معنى كلام القدوري: م: (إذا حفر في أرض موات الجزء: 12 ¦ الصفحة: 293 بإذن الإمام عنده، أو بإذنه أو بغير إذنه عندهما؛ لأن حفر البئر إحياء. قال: فإن كانت للعطن فحريمها أربعون ذراعا لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من حفر بئرا فله مما حولها أربعون ذراعا عطنا لماشيته»   [البناية] بإذن الإمام عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (أو بإذنه أو بغير إذنه عندهما) ش: أي عند أبي يوسف، محمد - رحمهما الله - م: (لأن حفر البئر إحياء) ش: لأنه يصير منتفعا به، فإذا كان إحياء فقد ملكها، ومن ملك شيئا ملك ما هو من ضروراته، والحريم من ضرورات الانتفاع بالبئر فيملكه. م: (قال: فإن كانت للعطن فحريمها أربعون ذراعا) ش: أي قال القدوري: والعطن مناخ الإبل ومبركها حول الماء، والمراد من بئر العطن العطن الذي يستلقي منها بالبدر من بئر الناضح: الذي تسقى منها البعير، كذا قالوا. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مصنفه المسمى بكتاب " الخراج ": وتفسير الناضح: الذي تسقى منها البعير للزرع، وبئر العطن وهي: بئر الماشية التي يستقي الرجل منها لماشيته ولا تسقى منها الزرع، وكل بئر يستقي منها الزرع والإبل فهي بئر الناضح م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من حفر بئرا فله مما حولها أربعون ذراعا طعنا لماشيته» ش: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن عبد الوهاب بن عطاء حدثنا إسماعيل بن مسلم المكي، عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «من حفر بئرا فله أربعون ذراعا عطنا لماشيته» . وأخرجه أيضا عن محمد بن عبد الله بن المثنى، عن إسماعيل بن مسلم به. فإن قلت: قال ابن الجوزي في " التحقيق ": هذا ضعيف؛ لأن عبد الوهاب بن عطاء قال الرازي فيه: كان يكذب. وقال النسائي: متروك الحديث. قلت: قال في " التنقيح ": هذا الذي فعله ابن الجوزي في هذا الحديث من أقبح الأشياء؛ لأن ابن ماجه من رواية اثنين عن إسماعيل بن مسلم، فذكره، وهو من رواية أحدهما، ثم إنه وهم فيه، فإن عبد الوهاب هذا هو الخفاف، مع أن الخفاف لم ينفرد به عن إسماعيل فقد أخرجه ابن ماجه أيضا عن محمد بن عبد الله بن المثنى عن إسماعيل، انتهى. قلت: وقد صرح بنسبة الخفاف إسحاق بن راهويه في " مسنده " فقال: حدثنا عبد الوهاب بن عطا الخفاف عن إسماعيل بن مسلم، به، ومن طريق إسحاق بن راهويه في " مسنده "، فقال: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 294 ثم قيل: الأربعون من كل الجوانب.   [البناية] حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، عن إسماعيل بن مسلم، به، ومن طريق إسحاق رواه الطبراني في " معجمه ". فإن قلت: قال صاحب " التنقيح ": ويكفي في ضعف الحديث إسماعيل بن مسلم المكي. قلت: قد تابعه أشعث، كما أخرجه الطبراني في " معجمه " عن أشعث عن الحسن عن عبد الله بن مغفل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه. وروى أحمد في " مسنده ": حدثنا هشيم عن عوف عن رجل حدثه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حريم البئر أربعون ذراعا من حواليها كلها لأعطان الإبل والغنم وابن السبيل أو الشارب ولا يمنع فضل ماء ليمنع به الكلأ» . وأخرجه البيهقي أيضا في " سننه "، ومذهب الشافعي ومالك حريم البئر ما لا بد لها منه، وبه قال القاضي، وأبو الخطاب الجيلبان. وعن أحمد: خمسة وعشرون ذراعا، واستدل له ابن الجوزي بما رواه الدارقطني عن محمد بن يوسف المقري: حدثنا إسحاق بن أبي حمزة، حدثنا يحيى بن أبي الخصيب، حدثنا هارون بن عبد الرحمن، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حريم البئر البدي خمسة وعشرون ذراعا، وحريم البئر العادية خمسون ذراعا» . قلت: قال الدارقطني: الصحيح مرسل عن ابن المسيب، ومن أسنده فقد وهم. وقال صاحب " التنقيح ": قال الدارقطني عن محمد بن يوسف المقري: وضع نحوا من ستين نسخة، ووضع من الأحاديث المسندة، والنسخ ما لا يضبط، وقد رواه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المراسيل " -عن محمد بن كثير عن سفيان الثوري، عن إسماعيل بن أمية، عن الزهري، عن سعيد مرسلا، وهو الصواب المراد من البدي الذي أحدث في الإسلام، ولم يكن عاديا، والعادي بتشديد الياء ما كان قديما. م: (ثم قيل: الأربعون من كل الجوانب) ش: يعني من كل جانب عشرة أذرع فظاهر قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حفر بئرا فله مما حولها أربعون ذراعا عطنا لماشيته» فإنه بظاهره يجمع الجوانب الأربع م: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 295 والصحيح أنه من كل جانب؛ لأن في الأراضي رخوة ويتحول الماء إلى ما حفر دونها. وإن كانت للناضح فحريمها ستون ذراعا، وهذا عندهما، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أربعون ذراعا. لهما قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «حريم العين خمسمائة ذراع، وحريم بئر العطن أربعون ذراعا، وحريم بئر الناضح ستون ذراعا» .   [البناية] (والصحيح أنه من كل جانب) ش: أي أربعون من كل جانب لما روى أبو يوسف من كتاب " الخراج "، وقال: حدثنا أشعث بن قيس، عن الشعبي، أنه قال: حريم البئر أربعين ذراعا، وها هنا لا يدخل أحد في حريمه ولا في مائه. م: (لأن في الأراضي رخوة ويتحول الماء إلى ما حفر دونها) ش: فيصير حينئذ حريم كل واحد أقل من الأربعين، فيضيق العطن وتدخل الحفر م: (وإن كانت للناضح) ش: أي وإن كانت البئر للناضح وهو البئر الذي يسقي عليه م: (فحريمها ستون ذراعا) ش: هكذا هو في بعض النسخ م: (وهذا عندهما) ش: أي كون حريم بين الناضح ستون ذراعا عند أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله. م: (وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أربعون ذراعا) ش: لم يذكر القدوري، ولا الطحاوي في " مختصرهما " الخلاف ..... وبين الناضح، بل ذكرا مطلقا أنه ستون ذراعا. وذكر القدوري في كتاب " التقريب "، وشيخ الإسلام خواهر زاده في " مبسوطه "، والإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": أنه أربعون ذراعا. م: (لهما قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «حريم العين خمسمائة ذراع، وحريم بئر العطن أربعون ذراعا، وحريم بئر الناضح ستون ذراعا» ش: هذا الحديث متصلا لم يصح، وإنما رواه أبو يوسف في كتاب " الخراج " عن الحسن بن عمارة، عن الزهري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حريم العين خمسمائة ذراع، وحريم البئر العطن أربعون ذراعا، وحريم بئر الناضح ستون ذراعا» . وأخرج أبو داود من " مراسيله " عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حريم البئر العادية خمسون ذراعا، وحريم البئر البدي خمسة وعشرون ذراعا» . قال سعيد -من قبل نفسه -: وحريم قليب الزرع ثلاثمائة ذراع. وزاد الزهري: وحريم العين خمسمائة ذراع من كل ناحية. ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه ". حدثنا وكيع، عن سفيان، عن إسماعيل بن أمية، عن الشعبي، عن سعيد بن المسيب، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فذكره، بدون زيادة الزهري. رواه عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا محمد بن مسلم، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب، قال: «جعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حريم البئر المحدثة خمسة وعشرون ذراعا، وحريم البئر الجزء: 12 ¦ الصفحة: 296 ولأنه قد يحتاج فيه إلى أن يسير دابته للاستقاء، وقد يطول الرشاء، وبئر العطن للاستقاء منه بيده، فقلت الحاجة فلا بد من التفاوت. وله ما رويناه من غير فصل.   [البناية] العادية خمسون ذراعا» . قال ابن المسيب: وأرى أن حريم بئر الزرع ثلاثمائة ذراع. فإن قلت: أخرج الدارقطني في " سننه " عن الحسن بن أبي جعفر عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة -رضوان الله تعالى عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «حريم البئر البدي خمسة وعشرون ذراعا، وحريم البئر العادية خمسون ذراعا، وحريم العين السائحة ثلاثمائة ذراع، وحريم عين الزرع ثلاثمائة ذراع» . قلت: هذا معلول بابن أبي جعفر؛ لأنه ضعيف. فإن قلت: روى الدارقطني أيضا عن محمد بن يوسف المقري: حدثنا إسحاق بن أبي حمزة، حدثنا يحيى بن أبي الخطيب، حدثنا هارون بن عبد الرحمن، عن إبراهيم بن عبلة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة مرفوعا نحوه. قلت: قال الدارقطني: الصحيح عن ابن المسيب المرسل، ومن أسنده فقد وهم. م: (ولأنه قد يحتاج فيه) ش: أي في الناضح م: (إلى أن يسير دابته للاستقاء، وقد يطول الرشاء) ش: وهو الحبل م: (وبئر العطن للاستقاء منه بيده، فقلت الحاجة فلا بد من التفاوت) ش: بين بئر العطن، وبئر الناضح. وعن محمد في " النوادر ": إن كان الحبل سبعون ذراعا، يكون الحريم سبعون ذراعا، لأن في بعض البلاد الناضح لا يدور حول البئر كما في الطاحونة، بل يسد أحد طرفيه على البعير، والآخر على الدولاب فوق الماء، ثم يساق البعير فكل ما سار مقدار الحبل ارتفع الدلو إلى رأس البئر، فلو قدرناه بالسبعين لا يمكنه الانتفاع بها. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (ما رويناه) ش: أشار إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حفر بئرا فله مما حولها أربعون ذراعا عطنا لماشية العطن» م: (من غير فصل) ش: أي بين العطن والناضح، احترز بأنه مقيد بقوله: عطنا لماشيته، فيكون قد فصل بين العطن والناضح. وأجيب: بأن ذكر ذلك اللفظ للتغليب لا للتقييد، فإن الغالب في انتفاع الآبار في الفلوات هذا الطريق ليكون ذكر العطن ذكرا لجميع الانتفاعات، كما في قَوْله تَعَالَى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] (الجمعة: الآية 9) ، قيد بالبيع لما أن الغالب في ذلك اليوم البيع، وكذلك قوله -سبحانه وتعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] (النساء: الآية 10) ، والوعيد ليس الجزء: 12 ¦ الصفحة: 297 والعام المتفق على قبوله والعمل به أولى عنده من الخاص المختلف في قبوله والعمل به. ولأن القياس يأبى استحقاق الحريم لأن عمله في موضع الحفر والاستحقاق به، ففيما اتفق عليه الحديثان تركناه، وفيما تعارضا فيه حفظناه،   [البناية] مخصوصا بالأكل، ولكن الغالب أمره الأكل فأخرجه على ما عليه الغالب. م: (والعام المتفق على قبوله) ش: وهو قوله: من حفر بئرا فله مما حوله أربعون ذراعا، وعمومه مستفاد من كلمة " من " لأنها تفيد العموم، وكونه متفقا على قبوله، لأن له موجبين: أحدهما: أن يكون الحريم أربعون ذراعا، والثاني: أن لا يكون زائدا عليه، لأنه ذكر بكلمة من وهي للتبعيض، والتبيين ممتنع عليه الزيادة، وهي قد عملا بأحد الموجبين. وإن لم يعملا بالموجب الآخر وهو ممتنع الزيادة، وفي الستين يكون أربعون وزيادة، وهذا كما اعتبر في باب العشر قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما سقته السماء ففيه العشر» للاتفاق على قبوله، وترك العمل بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» للاختلاف في قبوله. م: (والعمل به) ش: أي بالعام المتفق على قبوله م: (أولى عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (من الخاص المختلف في قبوله والعمل به) ش: أراد بالخاص حديث الزهري، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حريم العين .... » إلى آخره. فإن قلت: لا نسلم عموم الأول، لأن معناه من حفر بئر العطن فله مما حولها أربعون ذراعا، وهو خاص بالعطن كما ترى. قلت: ليس عطنا صفة لبئر حتى يكون مخصصا، وإنما هو بيان الحاجة إلى الأربعين، فيكون دافعا لمقتضى القياس، فإنه ينافي استحقاق الحريم، لأن عمل الحافر في موضع الحفر استحقاقه بالعمل، ففي موضع الحفر استحقاقه كما تركناه به. فإن قيل: ما تركه في الناضح أيضا حديث الزهري لئلا يلزم التحكم. قلنا: حديثه فيه معارض بالعموم، فيجب المعين إلى ما بعده وهو القياس فحفظناه، وهذا كله حاصل معنى قوله: م: (ولأن القياس يأبى استحقاق الحريم لأن عمله في موضع الحفر والاستحقاق به) ش: أي بالحفر م: (ففيما اتفق عليه الحديثان) ش: وهو أربعون ذراعا م: (تركناه) ش: أي القياس م: (وفيما تعارضا) ش: أي الحديثان م: (فيه) ش: أي فيما زاد على الأربعين إلى الستين م: (حفظناه) ش: أي القياس تحقيقه أن الحديثين اتفقا على الأربعين. فترك القياس في هذا القدر. وفيما وراء الأربعين تعارضا، لأن العام ينفيه، والخاص يثبته فتساقطا، فعملنا بالقياس. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 298 ولأنه قد يستقي من العطن بالناضح، ومن بئر الناضح باليد فاستوت الحاجة فيهما، ويمكنه أن يدير البعير حول البئر، فلا يحتاج إلى زيادة مسافة. قال: وإن كانت عينا فحريمها خمسمائة ذراع لما روينا،   [البناية] فإن قلت: كيف يتعارضان، وقد ذكر القبول في أحدهما، والاختلاف في الآخر؟. قلت: يعني به صورة المعارضة كما يقال: إذا تعارضا المشهور مع خبر الواحد ترجح المشهور، وعدم التعارض معلوم. م: (ولأنه قد يستقي من العطن بالناضح، ومن بئر الناضح باليد فاستوت الحاجة فيهما) ش: أي في العطن والناضح، وهذا في الحقيقة جواب عما قالا، فلا بد من التفاوت لا يقال: إن بئر الناضح الغالب فيها البعير لا اليد للحرج؛ لأنا نقول: بئر الناضح عندهم لا على حسب ما يكون في بلادنا أن البعير يدور حول البئر كما في الطاحونة، ولكن عندهم بئر الناضح أن يشد الحبل في وسط البعير، ويشد الدلو في الطرف الآخر في الحبل، ثم يساق فإذا ساق مقدار الحبل يقع الدلو في رأس البئر فيؤخذ الماء، فإذا كان بئر الناضح عندهم على هذا التفسير يمكنه نزح الماء باليد، ويمكن في العطن بالناضح أيضا فاستويا، كذا في " المبسوط " و " الذخيرة ". م: (ويمكنه أن يدير البعير) ش: أي يمكن أن يستقي بإدارة البعير م: (حول البئر، فلا يحتاج إلى زيادة مسافة) ش: لعدم الامتداد، وهذا ظاهر م: (قال: وإن كانت عينا فحريمها خمسمائة ذراع) ش: أي قال القدوري: وعند الأئمة الثلاثة يقدر ما لا بد منه في الارتفاق بحسب العلاة م: (لما روينا) ش: أشار به إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حريم العين خمسمائة ذراع» . ولفظ القدوري مختلف؛ في بعض النسخ: خمسمائة ذراع، وفي بعضها: ثلاثمائة ذراع، وعلى الثاني اعتمد في " شرح الأقطع "، فلأجل اختلاف النسخ قال صاحب " النافع ": وإن كان عينا فحريمها خمسمائة في رواية، وفي رواية ثلاثمائة، وشيخ الإسلام خواهر زاده لم يذكر في " مبسوطه " سوى خمسمائة. قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والأصح عندي خمسمائة، لأنه يوافق لحديث الزهري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «حريم العين خمسمائة ذراع» وهذا هو التوفيق، نص عليه الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره "، فقال: ومن حفر عينا في أرض موات، وملكها بما يملك مما ذكرنا فله حريمها وهو خمسمائة ذراع من كل جانب من جوانبها، انتهى. والتقدير بثلاثمائة بالاجتهاد حتى يأمن من الضرر بإثبات هذا القدر من الحريم إذا حفر الجزء: 12 ¦ الصفحة: 299 ولأن الحاجة فيه إلى زيادة مسافة؛ لأن العين تستخرج للزراعة فلا بد من موضع يجري فيه الماء، ومن حوض يجمع فيه الماء، ومن موضع يجري فيه إلى المرزعة، فلهذا يقدر بالزيادة، والتقدير بخمسمائة بالتوقيف. والأصح أنه خمسمائة ذراع من كل جانب كما ذكرنا في العطن والذراع هو المكسرة، وقد بيناه من قبل.   [البناية] إنسان بعينه بئرا أو عينا كيلا يذهب ماءها ولا ينقص، انتهى كلام الأترازي. قلت: قد روى البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث يحيى بن آدم حدثنا إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: حريم البئر خمسون ذراعا، وحريم العين مائة ذراع. فكان ينبغي أن يكون هذا هو الأصح، لأنه قول حبر الأمة عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. م: (ولأن الحاجة فيه إلى زيادة مسافة؛ لأن العين تستخرج للزراعة فلا بد من موضع يجري فيه الماء، ومن حوض يجمع فيه الماء) ش: كالغدير م: (ومن موضع) ش: أي ولا بد من موضع م: (يجري فيه إلى المزرعة) ش: أي يجري الماء من ذلك الموضع إلى المزارع، وفي بعض النسخ: إلى المزارعة م: (فلهذا) ش: أي فلأجل ما ذكرنا من المعاني م: (يقدر بالزيادة، والتقدير بخمسمائة بالتوقيف) ش: على حريم البئر، هذا كأنه جواب عن سؤال مقدر تقديره: أن يقال: لما كان حريم العين محتاجا إلى زيادة لما ذكر من المعاني، فلم قدرت بخمسمائة وعينت بها؟. فأجاب: أن التقدير بها بالتوفيق أي بالأثر الوارد بها، وقد ذكرناه. م: (والأصح أنه خمسمائة ذراع من كل جانب) ش: أشار بهذا إلى الاختلاف فيه أنها من كل الجوانب، ومن كل جانب كما اختلفوا في حريم البئر، ونص على أن الصحيح أنها من كل جانب. م: (كما ذكرنا في العطن) ش: أي كما ذكرنا الأصح من العطن أن الأربعين من كل جانب م: (والذراع هو المكسرة) ش: وهي ذراع العامة، وهي ذراع الكرباس أقصر من ذراع المساحة التي هي ذراع الملك، لأن المساحة بيع فيضات بدون ارتفاع الإبهام، وهذا هو اختيار خواهر زاده. وبعضهم اختار ذراع المساحة، لأنها أليق بالممسوحات، هكذا ذكر أصحابنا ذراع المساحة، ولكن فيه نظر، لأن أصحاب المساحة ذكروا في كتبهم أن الذراع هي الهاشمية وهي ثمان قبضات، والقبضة أربع أصابع، والأصبع شعيرات بطون بعضها ملاصقة لظهور بعض الشعير يثبت شعرات من شعر البرذون. فإن قلت: ما معنى قول " المكسرة "، وتوصيف الذراع بها لأنها نقضت عن ذراع الملك وهم بعض الأكاسرة بقبضته، وكان ذراعه سبع قبضات م: (وقد بيناه من قبل) ش: أشار به إلى ما ذكره في كتاب الطهارة من قوله: بذراع الكرباس وتوسعة للأمر على الناس فإنها هي المكسرة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 300 وقيل: إن التقدير في العين والبئر بما ذكرناه في أراضيهم لصلابة بها، وفي أراضينا رخاوة فيزداد كيلا يتحول الماء إلى الثاني فيتعطل الأول. قال: فمن أراد أن يحفر بئرا في حريمها منع منه كيلا يؤدي إلى تفويت حقه والإخلال به، وهذا لأنه بالحفر ملك الحريم ضرورة تمكنه من الانتفاع به، فليس لغيره أن يتصرف في ملكه، فإن احتفر آخر بئرا في حد حريم الأولى للأول أن يصلحه ويكبسه تبرعا. ولو أراد أخذ الثاني فيه قيل له أن يأخذه بكبسه؛   [البناية] قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قد بينا الوجه في أن الخمسمائة يعتبر من كل جانب، لأنه لم يذكر بيان الذراع المكسرة فيما تقدم، وتبعه الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ذلك وهي أو كلاهما في ذلك وهما فاحشا. م: (وقيل: إن التقدير في العين والبئر بما ذكرناه في أراضيهم) ش: أي في أراضي العرب، وقوله في أراضيهم هو خبران، وما ذكره في العين هو: خمسمائة، وفي البئر: أربعون أو ستون م: (لصلابة بها) ش: أي لأجل الصلابة الكائنة بأراضيهم م: (وفي أراضينا رخاوة فيزداد) ش: على الأربعين والخمسمائة م: (كيلا يتحول الماء إلى الثاني) ش: أي إلى البئر الثاني، أو العين الثاني على اعتبار حفر الآخر م: (فيتعطل الأول) ش: وهو البئر الأول، أو العين الأولى، والتوصيف بالتذكير في الموضعين على تأويل المكان أو الموضع. [احتفر آخر بئرا في حد حريم الأولى] م: (قال: فمن أراد أن يحفر بئرا في حريمها منع منه) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي في الحريم البئر الأول، أو العين الأولى. قوله: منع منه، أي منع ذلك الحافر من الحفر م: (كيلا يؤدي إلى تفويت حقه، والإخلال به) ش: أي وكيلا يؤدي إلى الإخلال بحقه باعتبار نقص بئره أو عينه م: (وهذا) ش: أي عدم جواز حفر الثاني في حريم الأولى م: (لأنه بالحفر ملك الحريم) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والقاضي الحنبلي: لا تملك؛ بل هو أحق. م: (ضرورة تمكنه من الانتفاع به، فليس لغيره أن يتصرف في ملكه، فإن احتفر آخر بئرا في حد حريم الأولى) ش: أي البئر الأول م: (للأول أن يصلحه ويكسبه) ش: أي يصلحه بالكبس، وقوله: ويكبسه عطف تفسير كما في قولنا: أعجبني زيد وكرمه، والتقدير: أعجبني كرم زيد م: (تبرعا) ش: أي حال كونه متبرعا أراد به إصلاح ما أفسده من الأرض من عنده، ولا يأخذه الثاني شيئا لأجل ذلك. م: (ولو أراد أخذ الثاني فيه) ش: أي: ولو أراد الأول من أخذه الثاني فيما فعل له ذلك، ولكن اختلف المشايخ فيه م: (قيل: له أن يأخذه بكبسه) ش: يعني بأمر الثاني بكبس البئر التي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 301 لأن إزالة جناية حفره به كما في الكناسة يلقيها في دار غيره، فإنه يؤخذ برفعها، وقيل: يضمنه النقصان ثم يكبسه بنفسه، كما إذا هدم جدار غيره. وهذا هو الصحيح ذكره في " أدب القاضي " للخصاف، وذكر طريق معرفة النقصان، وما عطب في الأولى؛ فلا ضمان فيه؛ لأنه غير متعد إن كان بإذن الإمام فظاهر، وكذا إن كان بغير إذنه عندهما، والعذر لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجعل الحفر تحجيرا، وهو بسبيل منه بغير إذن الإمام، وإن كان لا يملكه بدونه. وما عطب في الثانية ففيه الضمان؛ لأنه متعد فيه   [البناية] حفرها وإزالة الجناية حفره م: (لأن إزالة جناية حفره به) ش: أي بالكبس م: (كما في الكناسة) ش: بضم الكاف، وهي الزيادة م: (يلقيها في دار غيره، فإنه يؤخذ برفعها) ش: أي فإن الملقي يؤاخذ برفع الكناسة لإزالة الضرر. م: (وقيل: يضمنه النقصان) ش: أي يضمن الأول الثاني نقصان حريمه م: (ثم يكبسه) ش: أي ثم يكبس الأول بنفسه ما حفر الثاني م: (كما إذا هدم جدار غيره) ش: حيث يلزم نقصان الهدم ثم سببه بنفسه م: (وهذا هو الصحيح) ش: أي القول الثاني هو الصحيح م: (ذكره في " أدب القاضي " للخصاف) ش: أراد أن الخصاف ذكره في كتابه " أدب القاضي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (وذكر طريق معرفة النقصان) ش: أي وذكر الخصاف كيفية معنى فيه النقصان، وهو أن يقوم ما قبل الحفر، ويقوم ما بعد الحفر فيضمن نقصان ما بينهما م: (وما عطب في الأولى فلا ضمان فيه) ش: أي والذي هلك في البئر الأولى لا ضمان فيه م: (لأنه غير متعد إن كان بإذن الإمام فظاهر، وكذا إن كان بغير إذنه عندهما) ش: أي عند أبي يوسف، ومحمد -رحمهما الله - لأن له أن يحفر بغير إذن الإمام عندهما، ولهذا ملك البئر في الحالتين، فإذا كان له ولاية الحفر لا يكون متعديا فلا يضمن ما تولد من حفره، كما لو حفر في داره. م: (والعذر لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أراد بذلك جواب الإشكال الذي يرد على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا كان الأول حفرها بلا إذن الإمام، والإشكال لا يرد إلا على هذا الوجه؛ لأنه إذا كان بإذن الإمام لا يرد شيء م: (أنه يجعل الحفر تحجيرا) ش: أي أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجعل الحفر تحجيرا م: (وهو بسبيل منه) ش: أي من التحجير م: (بغير إذن الإمام، وإن كان لا يملكه بدونه) ش: أي بدون الإذن. الحاصل: أن له ولاية التحجير بغير إذن الإمام، وإن لم يكن له الإحياء بغير إذنه، فيجعل حفره بغير إذن الإمام تحجيرا لا إحياء، فإذا كان كذلك فقد فعل ما له فعله فلا يكون متعديا فلا يضمن ما تولد فيه. [حفر الثاني بئرا وراء حريم الأولى فذهب ماء البئر الأولى] م: (وما عطب في الثانية) ش: أي والذي هلك في البئر الثانية م: (ففيه الضمان، لأنه متعد فيه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 302 حيث حفر في ملك غيره. وإن حفر الثاني بئرا وراء حريم الأولى فذهب ماء البئر الأولى فلا شيء عليه؛ لأنه غير متعد في حفرها، وللثاني الحريم في الجوانب الثلاثة دون الجانب الأول لسبق ملك الحافر الأول فيه والقناة لها حريم بقدر ما يصلحها. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه بمنزلة البئر في استحقاق الحريم.   [البناية] حيث حفر في ملك غيره) ش: فصار كما إذا حفر على قارعة الطريق م: (وإن حفر الثاني بئرا وراء حريم الأولى فذهب ماء البئر الأولى فلا شيء عليه؛ لأنه غير متعد في حفرها) ش: لأن له أن يحفر بئرا خارج حريم الأولى، والحافر مسبب، فإذا لم يكن متعديا في السبب لا ضمان عليه. والأصل فيه: أن الماء تحت الأرض غير مملوك لأحد فليس له أن يخاصمه في تحويل ماء بئره إلى بئر الثاني كالتاجر إذا كان له حانوت وآخر أخذ بجنبه حانوت آخر مثل تلك الحانوت فكسد من تجارة الأول لم يكن له أن يخاصمه. وكذا لو حفر بئرا في ملكه أعمق من البئر التي في دار جاره فجرى إليها الماء. أما لو بنى في داره حماما فضر الجار بدخانه، أو حفر بئرا مزبلة في جنب دار جاره يتضرر برائحته، أو جعل داره مخبزا في وسط العطاوس ونحوه مما يؤذي جاره منه خلافا للشافعي، وأحمد -رحمهما الله - في رواية. وعنه في رواية كقولنا، الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه تصرف في ملكه فأشبه بنائه ونقضه. ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ضرر، ولا ضرار في الإسلام» وهو إضرار بجاره فيمنع كمنع الدق الذي يهز الحيطان ويخربها، وكإلقاء السماد، والرماد، والتراب ونحوه في أصل حائطه على وجه يضر به. م: (وللثاني الحريم من الجوانب الثلاثة دون الجانب الأول لسبق ملك الحافر الأول فيه) ش: لأن ذلك القدر ملكه لسبق يده وحيازته بإذن الإمام م: (والقناة) ش: وهي مجرى الماء تحت الأرض وارتفاعها بالابتداء وخبرها الجملة، أعني قوله م: (لها حريم) ش: والضمير العائد، أي القناة باعتبار المجري م: (بقدر ما يصلحها) ش: أي بقدر ما يصلح القناة، هذا من مسائل الأصل، ذكره تفريعا، ذكر فيه: إذا خرج قناة في أرض فرات فهي بمنزلة البئر فلها من الحريم ماء للبئر ولم يزد على هذا. وقال في " الشامل ": القناة لها حريم مفوض إلى رأي الإمام، لأنه لا نص في الشرع. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه بمنزلة البئر في استحقاق الحريم) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه. وفي " شرح الوجيز ": حريمه المقدار الذي لو حفر نقض ماءه أو جفت الجزء: 12 ¦ الصفحة: 303 وقيل: هو عندهما، وعنده لا حريم لها ما لم يظهر الماء على الأرض؛ لأنه نهر في التحقيق، فيعتبر بالنهر الظاهر قال: عند ظهور الماء على الأرض هو بمنزلة عين فوارة فيقدر حريمه بخمسمائة ذراع والشجرة تغرس في أرض موات لهم حريم أيضا، حتى لم يكن لغيره أن يغرس شجرا في حريمها؛ لأنه يحتاج إلى حريم له يجد فيه ثمره، ويضعه فيه، وهو مقدر بخمسة أذرع من كل جانب، به ورد الحديث.   [البناية] أنهاره والكناسة، ويختلف ذلك باختلاف صلابة الأرض ورخاوتها. م: (وقيل: هو عندهما) ش: أي الذي ذكره في " الأصل " هو قول أبي يوسف، ومحمد -رحمهما الله -، م: (وعنده) ش: أي وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لا حريم لها ما لم يظهر الماء على الأرض؛ لأنه نهر في التحقيق) ش: أي لأن القناة نهر في الحقيقة، ولا حريم للنهر عنده، أشار إليه بقوله: م: (فيعتبر بالنهر الظاهر) ش: حيث لا حريم له. م: (قالوا) ش: أي المشايخ: م: (عند ظهور الماء على الأرض فهو بمنزلة عين فوارة فيقدر حريمه بخمسمائة ذراع) ش: وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " الخراج ": وأجعل للقناة من الحريم ما لم يمسح عل وجه الأرض، مثل ما أجعل للآبار، فإذا ظهر الماء على وجه الأرض جعلت حريمه كحريم النهر. وقال أيضا في كتاب " الخراج ": ولو أن رجلا له قناة فاحتفر رجل بجنبها قناة فأجراهما من تحتها أو من فوقها كان لصاحب القناة أن يمنعه من ذلك ويأخذه لطمها، فإذا كان أذن له في احتفارها فحفرها فله أن يمنعه بعد ذلك إن شاء، ولا غرم عليه في الإذن ما خلا خصلة أن يكون أذن له ووقت وقتا ثم منعه من ذلك قبل أن يجيء الوقت، فإذا كان على هذا: ضمن له قيمة البناء، ولم يضمن قيمة الحفر. م: (والشجر تغرس في أرض موات لها حريم أيضا، حتى لم يكن لغيره) ش: أي لغير الغارس م: (أن يغرس شجرا في حريمها؛ لأنه يحتاج إلى حريم له يجد فيه ثمره ويضعه فيه) ش: أي لأن الغارس يحتاج إلى حريم يقطع فيه ثمرة الشجرة ويضعه فيه م: (وهو مقدر بخمسة أذرع من كل جانب) ش: أي حريم الشجرة مقدر بخمسة أذرع م: (وبه ورد الحديث) ش: أي بهذا المقدار ورد الحديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وهو ما رواه أبو داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " سننه " - في آخر الأقضية " عن عبد العزيز بن محمد، عن أبي طوالة، عمرو بن يحيى بن عمارة، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «اختصم إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلان في حريم نخلة. في حديث أحدهما: فأمر بها فذرعت فوجدت سبعة أذرع، وفي حديث آخر: فوجدت خمسة أذرع، فقضي بذلك، قال عبد العزيز: فأمر بجريدة من جريدها فذرعت» انتهى. سكت عليه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم المنذري بعده. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 304 قال: وما ترك الفرات أو الدجلة، وعدل عنه الماء، ويجوز عوده إليه لم يجز إحياؤه لحاجة العامة إلى كونه نهرا. وإن كان لا يجوز أن يعود إليه فهو كالموات إذا لم يكن حريما لعامر لأنه ليس في ملك أحد؛ لأن قهر الماء يدفع قهر غيره   [البناية] ورواه الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الآثار " ولفظه قال: «اختصم رجلان إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نخلة فقطع منها جريدة ثم ذرع بها النخلة فإذا فيها خمسة أذرع فجعلها حريمها» . ومن جهة الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره عبد الحق في " أحكامه " قال: قال أبو داود: خمسة أذرع أو سبعة. وروى الحاكم - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مستدركه " في كتاب " الأحكام " عن موسى بن عقبة، عن إسحاق بن يحيى، عن عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في النخلة أن حريمها مبلغ جريدها» وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأخرجه الطبراني في " معجمه " عن محمد بن ثابت العبدي عن عمرو بن دينار عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل حريم النخلة مد جريدها» وأخرجه أبو داود في " المراسيل " عن عروة بن الزبير قال: «قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حريم النخلة طول عسيبها» . م: (قال: وما ترك الفرات أو الدجلة) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الفرات نهر أصله في شمالي أرض الروم من جهة الشرق يسير منها إلى أن يجاوز قلعة الروم من جهة شمال حصنها وشرقيها ثم يسير إلى البئر قبلها، ثم يشرق إلى بالس وقلعة حصن، ثم الرقة، ثم الرحبة، ثم إلى عانة، ثم هيت، ثم إلى الكوفة، ثم يخرج إلى قضاء العراق ويصب في بطائح كبار. وأما دجلة فهي بكسر الدال مخرجه من بلاد الروم، ثم يمر في آمن وحصن كيفا وجزيرة ابن عمر، والموصل، وتكريت، وبغداد، وواسط، والبصرة، ثم يصب في بحر خراسان م: (وعدل عنه الماء) ش: أي ما ترك الفرات أو دجلة، ومعنى عدل عنه: انكشف عنه وأخذ موضعا غيره. م: (ويجوز عوده إليه) ش: أي والحال أنه يجوز عوده إليه، أي إلى ما ترك عنه، ومعنى يجوز: يمكن، م: (لم يجز إحياؤه لحاجة العامة إلى كونه نهرا، وإن كان لا يجوز) ش: أي لا يمكن م: (أن يعود إليه فهو كالموات إذا لم يكن حريما لعامر؛ لأنه ليس في ملك أحد؛ لأن قهر الماء يدفع قهر غيره) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 305 وهو اليوم في يد الإمام. قال: ومن كان له نهر في أرض غيره، فليس له حريم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يقيم بينة على ذلك. وقالا: له مسناة النهر يمشي عليها ويلقي عليها طينه. قيل: هذه المسألة بناء على أن من حفر نهرا في أرض موات بإذن الإمام لا يستحق الحريم عنده، وعندهما يستحقه؛   [البناية] ش: لأن شرط الإحياء أن تكون الأرض في قهر آدمي م: (وهو اليوم في يد الإمام) ش: أي متروك الفرات ودجلة اليوم في يد الإمام فيقف إحياؤه على إذن الإمام. وقال أبو يوسف في كتاب " الخراج ": إذا نضب الماء عن جزيرة في دجلة فليس لأحد أن يحدث فيها شيئا ما؛ ولأن رمال يسع مثل هذه الجزيرة إذا خصصت وزرعت كان ذلك ضررا على أهل المنازل، فلا يسع الإمام أن يفعل شيئا من هذه، ولا يحدث فيه حدث، فأما إن كان خارجا عن المدينة فهي بمنزلة يجنبها الرجل ويؤدي عنها حق السلطان. ولو أن رجلا أتى طائفة في البطيحة مما ليس فيه ملك لأحد قد غلب عليه الماء فضرب عليه المنيات واستخرجه وأحياه وقطع ما فيه من القصب فإنها بمنزلة الأرض الميتة، وكذا كل ما عالج في أجمة أو بحر أو بر بعد أن لا يكون فيه ملك لإنسان فاستخرجه رجل وعمره فهو له وهو بمنزلة الموات. ولو أن رجلا أحيا من ذلك ما كان له مالك قبله رددت ذلك إلى الأول ولم أجعل للثاني فيه حقا، فإن كان الثاني قد زرع فيه قبله نزعه وهو ضامن لما نقص من الأرض، وليس عليه أجر وهو ضامن لما قطع من قصبها، فكذلك ولو كانت هذه الأرض في البرية فيها نبات؛ لأنها بمنزلة القصب، إلى هنا لفظ كتاب " الخراج ". م: (قال: ومن كان له نهر في أرض غيره، فليس له حريم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فمن كشف الغوامض الخلاف في نهر كبير لا يحتاج إلى كريه في كل وقت. أما إذا كان صغيرا بحيث يحتاج إلى كريها في كل وقت فله حريم بالاتفاق اعتبارا بالبراء م: (إلا أن يقيم بينة على ذلك) ش: أي على أن له حريما. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف، ومحمد -رحمهما الله -: م: (له مسناة النهر يمشي عليها ويلقي عليها طينه) ش: قال في " الصحاح ": المسناة العرم وهو ما يبنى على حافة المسيل لرد الماء م: (قيل: هذه المسألة بناء على أن من حفر نهرا في أرض موات بإذن الإمام لا يستحق الحريم عنده، وعندهما يستحقه) ش: قال فخر الإسلام وغيره في " شرح الجامع الصغير " من أصحابنا: من قال أصل هذه المسألة أن من أحيا نهرا في أرض موات هل يستحق له حريمها؟ قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يستحقه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 306 لأن النهر لا ينتفع به إلا بالحريم لحاجته إلى المشي لتسييل الماء، ولا يمكنه المشي عادة في بطن النهر وإلى إلقاء الطين، ولا يمكنه النقل إلى مكان بعيد إلا بحرج فيكون له الحريم اعتبارا بالبئر. وله: أن القياس يأباه على ما ذكرناه، وفي البئر عرفناه بالأثر والحاجة إلى الحريم فيه فوقها إليه في النهر؛ لأن الانتفاع بالماء في النهر ممكن بدون الحريم، ، ولا يمكن في البئر إلا بالاستقاء، ولا استقاء إلا بالحريم فتعذر الإلحاق.   [البناية] وقال عامتهم: الصواب أنه يستحق للنهر حريما بالإجماع استدلالا بنص صاحب الشرع في حريم البئر؛ لأن النهر لا يستغني عن الحريم، كما لا يستغني البئر عنه. وإنما اختلف أبو حنيفة وصاحباه في وضع الاشتباه وهو أن يكون الحريم موازنا للأرض لا فاصل بينهما، وأن لا يكون الحريم مشغولا بحق أحدهما كالطين والغرس. وأما إذا كان مشغولا بحق أحدهما فهو أحق به بالإجماع؛ لأنه ظهرت يده عليه بالشغل. وقال فخر الدين قاضي خان: وكذلك إذا كانت المسناة ترتفع من الأرض فهي لصاحب النهر؛ لأن الظاهر أن ارتفاعه لإلقاء طينه. م: (لأن النهر لا ينتفع به إلا بالحريم لحاجته إلى المشي لتسييل الماء، ولا يمكنه المشي عادة في بطن النهر) ش: أي ولا يمكنه المشي في باطن النهر عادة، وهذا ظاهر م: (وإلى إلقاء الطين) ش: أي وحاجته إلى إلقاء طين النهر م: (ولا يمكنه النقل إلى مكان بعيد إلا بحرج، فيكون له الحريم اعتبارا بالبئر) ش: أي قياسا على حريم البئر. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن القياس يأباه لما ذكرناه) ش: أي يأتي، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حفر بئرا فله مما حولها أربعون ذراعا» . م: (وفي البئر عرفناه بالأثر والحاجة إلى الحريم فيه) ش: أي في البئر، والتذكير باعتبار القليب أو الجب م: (فوقها إليه في النهر) ش: أي فوق الحاجة إلى الحريم في النهر، وهذا جواب عمن قاس النهر على البئر، تقريره: أن الحاجة في النهر متحققة في الحال، وفي النهر موهومة باعتبار الإكراء، وقد لا يحتاج إليه، والانتفاع في البئر لا يأتي بدون الحريم، وفي النهر يتأتى م: (لأن الانتفاع بالماء في النهر ممكن بدون الحريم) ش: غير أنه يلحقه بعض الحرج في نقل الطين والمشي في وسطه. [الانتفاع في البئر بالحريم] م: (ولا يمكن في البئر إلا بالاستقاء) ش: أي لا يمكن الانتفاع في البئر إلا بنزح الماء م: (ولا استقاء إلا بالحريم) ش: لأنه يحتاج إلى مد الحبل ودوران الحيوان ونحوهما م: (فتعذر الإلحاق) ش: إذا كان ذلك يتعذر إلحاق النهر بالبئر، لأن البئر منصوصة، والنهر غير منصوص، فأخذنا فيه بالقياس. ألا ترى أن من بنى قصرا في مفازة لا يستحق بذلك حريما وإن كان يحتاج إلى ذلك لإلقاء الكناسة فيه لعدم ورود النص، إذ الحريم عندهما اعتبار، أي من حيث اعتبار الاستحقاق الجزء: 12 ¦ الصفحة: 307 ووجه البناء أن باستحقاق الحريم تثبت اليد عليه اعتبارا تبعا للنهر والقول لصاحب اليد وبعدم استحقاقه تنعدم اليد، والظاهر يشهد لصاحب الأرض على ما نذكره إن شاء الله تعالى، وإن كانت مسألة مبتدأة، فلهما: أن الحريم في يد صاحب النهر باستمساكه الماء به، ولهذا لا يملك صاحب الأرض نقضه، وله: أنه أشبه بالأرض صورة، ومعنى أما صورة فلاستوائهما،   [البناية] لا حقيقة، لأن حقيقة أن يكون طينة ملقى فيه يحتاج إلى التقدير، فنصب المقادير لا يكون بالرأي، كذا في " المبسوط ". م: (ووجه البناء) ش: أي وجه بناء مسألة المختصر على مسألة من أحيا نهرا على المذهبين بالرأي، كذا في " المبسوط ": م: (أن باستحقاق الحريم تثبت اليد عليه اعتبارا تبعا للنهر) ش: أي لأجل التبعية للنهر الذي عليه اليد حقيقة م: (والقول لصاحب اليد) ش: في المنازعة، وقوله ووجه البناء إلى ها هنا من جهة أبي يوسف ومحمد وقوله م: (وبعدم استحقاقه تنعدم اليد، والظاهر يشهد لصاحب الأرض على ما نذكره إن شاء الله تعالى من جهة أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي وبعدم استحقاق صاحب النهر الحريم تنعدم اليد) ش: أي يد صاحب النهر على الحريم، والظاهر يشهد لصاحب الأرض، يعني الحريم. وإن اتصل بالنهر أيضا فالظاهر أنه لصاحب الأرض فالقول لمن يشهد له الظاهر. والتحقيق في هذا الموضع: أن عند أبي حنيفة إذا لم يكن له حريم فيما إذا أحيا نهرا في أرض موات بإذن الإمام ولم يكن مدعي الحريم صاحب اليد في الحريم، فلا يكون الحريم له، بل يكون لصاحب الأرض، لأنه أشبه بالأرض، فيكون الظاهر يشهد له. وعندهما كان له حريم تبعا للنهر، فإذا ثبتت يده يكون القول لصاحب اليد. م: (وإن كانت مسألة مبتدأة) ش: يعني وإن كان مسألة من له نهر في حريم غيره مسألة ابتدائية غير مبنية على مسألة من أحيا نهرا في أرض موات م: (فلهما) ش: أي فلأبي يوسف ومحمد -رحمهما الله - م: (أن الحريم في يد صاحب النهر باستمساكه الماء به) ش: أي بالحريم، فيكون مستعملا لحريم النهر والاستعمال يد، فباعتبار أنه في يده جعل القول قوله كما لو تنازعا في ثوب وأحدهما لابسه م: (ولهذا لا يملك صاحب الأرض نقضه) ش: أي ولأجل ذلك لا يملك صاحب الأرض نقض الحريم. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي أن الحريم م: (أشبه بالأرض صورة ومعنى) ش: أي من حيث الصورة ومن حيث المعنى م: (أما صورة فلاستوائهما) ش: أي أما الصورة فلاستواء الأرض، وأشار بهذا إلى أن الخلاف فيما إذا لم يكن المسناة مرتفعة على الأرض، فأما إذا كانت المسناة أرفع من الأرض فهي لصاحب النهر إذ الظاهر أن ارتفاعها لإلقاء طينه م: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 308 ومعنى من حيث صلاحيته للغرس والزراعة. والظاهر شاهد لمن في يده ما هو أشبه به كاثنين تنازعا في مصراع باب ليس في يدهما، والمصراع الآخر معلق على باب أحدهما يقضى للذي في يده ما هو أشبه بالمتنازع فيه والقضاء في موضع الخلاف قضاء ترك، ولا نزاع فيما به استمساك الماء إنما النزاع فيما وراءه مما يصلح للغرس على أنه إن كان مستمسكا به ماء نهره، فالآخر دافع به الماء عن أرضه،   [البناية] [تنازعا في مصراع باب ليس في يدهما] (ومعنى من حيث صلاحيته للغرس والزراعة) ش: أي وأما معنى من حيث صلاحية الحريم لغرس الأشجار وزراعة الزارع. م: (والظاهر شاهد لمن في يده ما هو أشبه به) ش: أي بالحريم م: (كاثنين تنازعا في مصراع باب ليس في يدهما، والمصراع الآخر معلق على باب أحدهما يقضى للذي في يده ما هو أشبه بالمتنازع فيه) ش: وهو المصراع الذي ليس في يد أحدهما، فإنه أشبه بالمصراع الذي في باب أحدهما، فيقضى له، لأن الظاهر يشهد له، وهذا هو الذي وعده بقوله على ما نذكره إن شاء الله تعالى م: (والقضاء في موضع الخلاف قضاء ترك) ش: أي قضاء في مسألة من كان له نهر في أرض غيره قضاء ترك لا قضاء ملك استحقاق. فلو أقام صاحب النهر البينة بعد هذا على المسناة ملكه يقبل بينته. ولو كان قضاء ملك لما قبلت بينته، لأن المقضي عليه في حادثة قضاء ملك لا يصير مقضيا له فيها. وقال تاج الشريعة: ويعني بقضاء الترك أن يترك في يد صاحب الأرض، وعندهما في يد صاحب النهر، والفرق بين قضاء الترك وقضاء الإلزام: أن في قضاء الإلزام من صار مقضيا عليه في حادثة لا يصير مقضيا له بعد ذلك في تلك الحادثة أبدا. وفي قضاء الترك: يجوز أن يكون مقضيا له وفرق آخر أنه لو ادعى ثالث لا يقبل بينته في قضاء الإلزام إلا بالتلقي من جهة صاحب اليد، وفي قضاء الترك: تقبل. م: (ولا نزاع فيما به استمساك الماء) ش: هذا جواب عن قولهما: أن النهر لا ينتفع به إلا بالحريم لحاجته، كذا قال الأترازي. والصواب: أنه جواب عن قولهما أن الحريم في يد صاحب النهر باستمساكه الماء به، كما ذهب إليه الكاكي وغيره م: (إنما النزاع فيما وراءه مما يصلح للغرس) ش: الشجر هل له ذلك أم لا؟ م: (على أنه إن كان مستمسكا به) ش: أي على أن صاحب النهر إن كان مستمسكا بالحريم م: (ماء نهره فالآخر) ش: وهو صاحب الأرض م: (دافع به الماء عن أرضه) ش: فقد استويا في استعمال الحريم وترجح صاحب الأرض من الوجه الذي قدرنا، ولكن ليس له أن يهدمه، لأن لصاحب النهر حق استمساك الماء في نهره، فلا يكون لصاحب الأرض أن يبطله. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 309 والمانع من نقضه تعلق به حق صاحب النهر لا ملكه كالحائط لرجل، ولآخر عليه جذوع لا يتمكن من نقضه وإن كان ملكه. وفي " الجامع الصغير ": نهر لرجل إلى جنبه مسناة، ولآخر خلف المسناة أرض تلزقها، وليست المسناة في يد أحدهما فهي لصاحب الأرض عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: هي لصاحب النهر حريما لملقى طينه وغير ذلك وقوله: وليست المسناة في يد أحدهما معناه: ليس لأحدهما عليه غرس، ولا طين ملقى، فينكشف بهذا اللفظ موضع الخلاف، أما إذا كان لأحدهما عليه ذلك فصاحب الشغل أولى؛ لأنه صاحب يد، ولو كان عليه غرس لا يدري من غرسه فهو من مواضع الخلاف أيضا، وثمرة الاختلاف أن ولاية الغرس لصاحب الأرض عنده، وعندهما لصاحب النهر، وأما إلقاء الطين فقد قيل: إنه على الخلاف،   [البناية] م: (والمانع من نقضه) ش: جواب عن قولهما: ولهذا لا يملك صاحب الأرض نقضه، يعني المانع من عدم تمكن صاحب الأرض من نقض الحريم وهو المسناة م: (تعلق به حق صاحب النهر لا ملكه كالحائط لرجل، ولآخر عليه جذوع لا يتمكن من نقضه) ش: أي ولا يتمكن صاحب الحائط من نقض الحائط لأجل تعلق صاحب الجذوع مع أن الحائط ملك لصاحبه أشار إليه بقوله م: (وإن كان ملكه) ش: أي وإن كان الحائط ملك صاحب الحائط وإن هذه واصلة. م: (وفي " الجامع الصغير ": نهر لرجل إلى جنبه مسناة، ولآخر خلف المسناة أرض تلزقها وليست المسناة في يد أحدهما فهي لصاحب الأرض عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: هي لصاحب النهر حريما لملقى طينه وغير ذلك) ش: إنما ذكر عبارة " الجامع الصغير " ليبين موضع الخلاف، وصورتها فيه: محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في نهر لرجل إلى جنبه مسناة في يد أحدهما. م: (وقوله) ش: أي وقول محمد في " الجامع " م: (وليست المسناة في يد أحدهما معناه: ليس لأحدهما عليه غرس ولا طين ملقى) ش: أي على المسناة، والتذكير باعتبار الحريم وملقى -بضم الميم وسكون اللام وفتح القاف - وهو مفعول من الإلقاء م: (فينكشف بهذا اللفظ) ش: أي بقوله وليست المسناة في يد أحدهما م: (موضع الخلاف) ش: بين أبي حنيفة وصاحبيه. م: (أما إذا كان لأحدهما عليه ذلك) ش: أي على المسناة بتأويل الحريم كما ذكرنا ذلك، أي الغرس أو الطين الملقى م: (فصاحب الشغل أولى، لأنه صاحب يد فهو أولى بلا خلاف ولو كان عليه غرس) ش: أي على المسناة بتأويل الحريم م: (لا يدري من غرسه فهو من مواضع الخلاف أيضا) ش: يعني عند أبي حنيفة: الغرس لصاحب الأرض. وعندهما: لصاحب النهر. م: (وثمرة الاختلاف أن ولاية الغرس) ش: والزرع على المسناة م: (لصاحب الأرض عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (وعندهما لصاحب النهر، وأما إلقاء الطين فقد قيل: إنه على الخلاف) ش: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 310 وقيل: إن لصاحب النهر ذلك ما لم يفحش. وأما المرور فقد قيل: يمنع صاحب النهر عنده، وقيل: لا يمنع للضرورة. قال الفقيه أبو جعفر: أخذ بقوله في الغرس، وبقولهما في إلقاء الطين. ثم عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن حريمه مقدار نصف بطن النهر من كل جانب. وعن محمد: مقدار بطن النهر من كل جانب. وهذا أرفق بالناس.   [البناية] المذكور م: (وقيل: إن لصاحب النهر ذلك ما لم يفحش) ش: وفي " الكافي " هو الصحيح م: (وأما المرور فقد قيل: يمنع صاحب النهر عنده) ش: أي عند أبي حنيفة خلافا لهما. م: (وقيل: لا يمنع للضرورة) ش: لأنه لا يجد بدا من إلقاء الطين ونقله إلى موضع بعيد حرج عظيم م: (قال: الفقيه أبو جعفر) ش: وهو: محمد بن عبد الله بن محمد الهندواني تمليذ أبي بكر الأعمش تلميذ أبي بكر الإسكاف تلميذ محمد بن سلمة تلميذ ابن سليمان الجرجاني تلميذ محمد بن الحسن توفي سنة اثنين وستين وثلاثمائة م: (أخذ بقوله) ش: أي بقول أبي حنيفة م: (في الغرس، وبقولهما في إلقاء الطين) ش: أراد: أن لصاحب الأرض أن يغرس، ولصاحب النهر أن يلقي الطين على حافته، وكل منهما يفعل ما لا يمنع الآخر عن حقه. م: (ثم عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن حريمه) ش: أي حريم النهر م: (مقدار نصف بطن النهر من كل جانب) ش: يعني يمسح بطن النهر فيجعل مقدار ذلك نصفه من هذا الجانب م: (وعن محمد: مقدار بطن النهر من كل جانب) ش: يعني يجعل مقدار بطن النهر من هذا الجانب م: (وهذا أرفق بالناس) ش: أي ما روي عن محمد: أرفق بالناس الذين هم أهل النهر، ولم يذكر قدر الحريم على قولهما في " الأصل "، بل قال له من الحريم قدر ما يستغني عنه النهر. وكذلك لم يقدر في " الجامع الصغير " فقال خواهر زاده في " مبسوطه ": قالوا: قد ذكر في " النوادر " في تقدير الحريم خلافا بينهما، فعلى قول محمد: يمسح بطن النهر لم يجعل له من كل جانب نصف بطن أرض النهر. وقال أبو يوسف: من كل جانب مقدار بطن النهر. وذكر أبو الليث خلاف هذا، وهذا الذي ذكره المصنف وعليه اعتمد في " شرح الطحاوي " و " المختلف ". وقال بعض المشايخ: ينظر إلى مقدار ما يحتاج إليه بغير تقدير، كذا قال أبو الليث في " شرحه ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 311 فصول في مسائل الشرب فصل في المياه وإذا كان لرجل نهر أو بئر أو قناة فليس له أن يمنع شيئا من الشفة، والشفة: الشرب لبني آدم والبهائم، اعلم أن المياه أنواع، منها: ماء البحار، ولكل واحد من الناس فيها حق الشفة وسقي الأرض، حتى إن من أراد أن يكري نهرا منها إلى أرضه لم يمنع من ذلك، والانتفاع بماء البحر كالانتفاع بالشمس والقمر والهواء، فلا يمنع من الانتفاع به على أي وجه شاء.   [البناية] [فصول في مسائل الشرب] [الانتفاع بماء البحر] م: (فصول في مسائل الشرب) ش: أي هذه فصول في بيان أحكام مسائل الشرب هذه الفصول كلها ليست بمذكورة في " البداية "، لأنها ليست في " الجامع الصغير " و " مختصر القدوري "، وإنما ذكرها شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده في " شرح كتاب الشرب ". وإنما ذكر إحياء الموات عقيب مسائل الشرب الاحتياج إلى الماء، وقد فصل المياه عن الكري، لأن الماء هو المقصود، والشرب بكسر الشين وهو الصب من الماء. م: (فصل في المياه) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام المياه وهو جمع ماء، ويجمع على أمواه أيضا، وهو جوهر سيال مروي للعطش منبت للزرع. م: (وإذا كان لرجل نهر أو بئر أو قناة فليس له أن يمنع شيئا من الشفة، والشفة: الشرب لبني آدم والبهائم) ش: أصل الشفة شفهة ولهذا يقال في تصغيرها شفيهة، وفي جمعها شفاه، وحذفت الهاء تخفيفا، والمراد هنا: الشرب بالشفاه، ويقال هم أهل الشفة أي لهم حق الشرب سقاءهم، وأن يسقوا دوابهم. م: (اعلم أن المياه أنواع، منها: ماء البحار، ولكل واحد من الناس فيها حق الشفة وسقي الأرض، حتى إن من أراد أن يكري نهرا) ش: أي يحفر م: (منها إلى أرضه لم يمنع من ذلك، والانتفاع بماء البحر كالانتفاع بالشمس والقمر والهواء، فلا يمنع من الانتفاع به على أي وجه شاء) ش: ينبغي أن يكون المراد من البحار ها هنا الأنهار العظيمة جدا كالنيل الذي بمصر، ونهر الأيل الذي ببلاد دمشق، ونهر تان بالتاء المثناة من فوق التي عرى الإبل. ونهر طناء -بضم الطاء المهملة وبالنون - الذي بالبلاد الشمالية. ونهر أشغلة الذي بالأندلس، وأمثال ذلك بأن كل نهر منها يطلق عليه بحر، وليس المراد بها البحار الملح فإنها لا ينتفع بها أصلا لا في الشفة ولا في سقي الأراضي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 312 والثاني: ماء الأودية العظام كجيحون، وسيحون، ودجلة، والفرات للناس فيه حق الشفة على الإطلاق، وحق سقي الأراضي، فإن أحيا واحد أرضا ميتة وكرى منها نهرا ليسقيها إن كان لا يضر بالعامة، ولا يكون النهر في ملك أحد له ذلك؛ لأنها مباحة في الأصل إذ قهر الماء يدفع قهر غيره. وإن كان يضر بالعامة، فليس له ذلك؛ لأن دفع الضرر عنهم واجب، وذلك في أن يميل الماء إلى هذا الجانب إذا انكسرت ضفته فيغرق القرى والأراضي، وعلى هذا نصب الرحى عليه " لأن شق النهر للرحى كشقه للسقي به ". والثالث: إذا دخل الماء في المقاسم   [البناية] م: (والثاني) ش: أي النوع الثاني م: (ماء الأودية العظام كجيحون، وسيحون، ودجلة، والفرات) ش: قال تاج الشريعة: جيحون نهر خوارزم، وسيحون نهر الترك، ودجلة بغير حرف التعريف نهر بغداد، والفرات نهر الكوفة، وتبعه الشراح على هذا، وقال الكسائي: في " الملكوت ": سيحون نهر المصعصة، وجيحون نهر بلخ. قلت: الحق في هذا الذي ذكره المحدثون في تفسير قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فجرت أربعة أنهار من الجنة النيل والفرات وسيحان وجيحان» ، رواه أحمد وغيره أن جيحون يقال له: جيحان، وتسميها العامة جاحان أصله في بلاد الروم ويسير من بلاد الصين من الشمال إلى الجنوب، ثم يجمع هو وسيحون عند أريونصان في بحر الروم بين أياس وطرسوس. وأما دجلة والفرات وقد ذكرناهما نحن قريبا عند قوله: وما ترك الفرات أو دجلة. م: (للناس فيه حق الشفة على الإطلاق) ش: يعني في جميع الأحوال م: (وحق سقي الأراضي، فإن أحيا واحد أرضا ميتة وكرى منها نهرا ليسقيها) ش: أي حفر منه نهرا لسقي الأرض التي أحياها، وإنما يجوز ذلك م: (إن كان لا يضر العامة، ولا يكون النهر في ملك أحد له ذلك؛ لأنها مباحة) ش: أي لأن ماء الأودية العظام مباحة م: (في الأصل إذ قهر الماء يدفع قهر غيره) ش: أشار بذلك إلى أن أحدا ليس له قهر في هذا الموضع بقوة المياه فيها. م: (وإن كان) ش: أي كون النهر منها م: (يضر بالعامة، فليس له ذلك؛ لأن دفع الضرر عنهم واجب، وذلك) ش: أشار إلى بيان الضرر م: (في أن يميل الماء إلى هذا الجانب إذا انكسرت ضفته) ش: أي حافته، وهي بكسر الضاد وفتحها، كذا في " المغرب ". وذكر في " الديوان " بالكسر جانب النهر وبالفتح جماعة الناس. قلت: هذا انتهى م: (فيغرق القرى والأراضي، وعلى هذا نصب الرحى عليه) ش: أي وعلى التفصيل المذكور نصب الطاحون على النهر الذي يسيل من ماء الأودية العظام إن كان لا يضر بالعامة جاز وإلا فلا م: (لأن شق النهر للرحى كشقه للسقي به) ش: أي ليسقي الأراضي. م: (والثالث) ش: أي النوع الثالث: م: (إذا دخل الماء في المقاسم) ش: أي إذا دخل في قسمة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 313 فحق الشفة ثابت، والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» .   [البناية] قوم فقسمه الإمام بينهم م: (فحق الشفة ثابت) ش: في هذا القسم فالناس شركاء فيه في حق الشفة والسقي أنفسهم ودوابهم، وإن أتى في ذلك على المأكلة وليس لأهله أن يمنعوا أحدا من الشفة والسقي. [الشركة في الماء والكلأ والنار] م: (والأصل فيه) ش: أي فيما ذكر من الأنواع م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» ش: هذا الحديث رواه ثلاثة من الصحابة: الأول: عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرج حديثه ابن ماجه في " سننه " عن عبد الله بن خداش عن العوام بن حوشب عن مجاهد عن ابن عباس قال، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» . قال عبد الحق في " الأحكام ": قال البخاري: عبد الله بن خداش عن العوام أن حوشب: منكر الحديث، وضعفه أيضا أبو زرعة، وقال فيه أبو حاتم: ذاهب الحديث. الثاني: عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أخرج حديثه الطبراني في " معجمه " حدثنا الحسين بن إسحاق التستري حدثنا يحيى الحماني حدثنا قيس بن الربيع عن زيد بن جبير عن ابن عمر قال، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» . الثالث: رجل من الصحابة أخرج حديثه أبو داود في " سننه في البيوع " عن علي بن الجعد عن حريز بن عثمان «عن أبي خداش بن حبان بن زيد عن رجل من الصحابة قال: غزوت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثا، أسمعه يقول: " المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» . ورواه أحمد في " مسنده " وابن أبي شيبة في " مصنفه - في الأقضية "، وأسند ابن عدي في " الكامل " عن أحمد، وابن معين أنهما قالا في حريز: ثقة، وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة أبي داود وقال: لا أعلم روى عن أبي خداش إلا حريز بن عثمان، وقد قيل فيه: مجهول. وقال البيهقي في " المعرفة ": وأصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلهم ثقات، وترك ذكر أسمائهم في الإسناد لا يضر إن لم يعارضه ما هو أصح منه. قلت: حريز بن عثمان -بفتح الحاء وكسر الراء المهملة وفي آخره زاي معجمة -. وأبو الجزء: 12 ¦ الصفحة: 314 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] خداش -بكسر الخاء المعجمة وبالدال المهملة وفي آخره شين معجمة - واسمه حبان بن زيد السرعني الحمصي. وحبان -بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة -. وروى أبو يوسف في كتاب " الخراج " حدثنا المعلى بن كثير عن مكحول قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تمنعوا ماءا ولا كلأ ولا نارا، فإنه متاع للمقوين وقوة للمستضعفين» . قوله: " ثلاث " قال الشراح: القياس أن يقول في ثلاثة تغليبا للمذكر، ولكن إذا لم يذكر المعدود يجوز أن يؤنث، ونظيره: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال» . وستة إنما يستعمل في الليلة، ولكن لما لم يذكر المعدود وهو الأيام أنث. قلت: فيه نظر، لأن ها هنا معدود وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «في الماء والكلأ والنار» . وأما حديث صوم رمضان وأتبعه بستة من شوال فلم يذكر المعدود فيه فلا يصح التنظير. قوله: " والكلأ " -بفتح الكاف واللام، وفي آخره همزة - على وزن فعل كشجر وشجر. وقال الإمام خواهر زاده: الكلأ كل ما ينجم على وجه الأرض، أي يبسط وينشر، ولا يكون له ساق كالإذخر ونحوه، وما كان له ساق يكون شجر الأكل، والدليل على صحة ذلك: قوله سبحانه وتعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] (الرحمن: الآية 6) . قالوا: ما قام الساق والنجم ما انبسط وانتشر على وجه الأرض، فعلى هذا قالوا: الشوك الأحمر من الشجر لا من الكلأ، وكذلك الشوك الأبيض الذي يقال له: العرقد من الشجر، لأنه يقوم بساق حتى لو نشأ في أرض مملوكة فجاء إنسان وأخذ ذلك كان لصاحب الأرض أن يسترد منه. وأما الشوك الأخضر الذي يأكله الإبل ويقال له: الخارج ففيه اختلاف المشايخ، حكي عن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل كان يقول: من جملة الكلأ والحشيش. والفقيه أبو جعفر الهندواني يقول: من جملة الشجر، قالوا: روي عن محمد فيه في " النوادر " روايتان: في رواية: جعله من الكلأ، وفي رواية: جعله من جملة الشجر. واختلف الجواب لاختلاف الموضوع، لأنه أراد برواية الكلأ ما ينبسط منه على وجه الأرض، ولا يكون له ساق، وأراد بالرواية الأخرى ما قام على الساق ولا ينجم على وجه الأرض، والسويق من الشجر لأنه يقوم على ساق، انتهى كلام خواهر زاده. وقال الجوهري: الكلأ والعشب وقد أكلت الأرض كلئت الأرض وأكلأت فهي أرض مكلئة وواسية وكلئية، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 315 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أي ذات كلأ، سواء كانت رطبة أو يابسة. وقال في " المغرب ": والظاهر أنه يقع على ذي ساق وغيره، وفسر في " العزيز " الكلأ بالنبات، ثم إن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الناس شركاء في ثلاث» شركة إباحة لا شركة ملك ممن سبق إلى أخذ شيء من ذلك في وعاء أو غيره وأحرزه فهو أحق به، وهو ملك له دون من سواه، ويجوز له تمليكه بجميع وحدة التمليك، وهو موروث عنه، ويجوز فيه وصاياه كما يجوز في أملاكه، فإن أخذه منه أخذ بغير إذنه ضمنه كما يضمن سائر أملاكه، وما لم يسبق إليه أحد فهو لجماعة المسلمين فهو مباح على ما كان إليه أو لا، هكذا ذكره الكرخي في " مختصره ". ثم إنك قد عرفت الماء على أربعة أنواع كما ذكره المصنف مستقصى. وأما الشركة في الكلأ على أوجه بعضها أعم من بعض، والأعم أن يكون الحشيش في أرض لا تكون مملوكة لأحد يكون الناس شركاء في ذلك من الرعي والاحتشاش، فليس لأحد أن يمنع إنسانا من ذلك وهي كالشركة في ماء البحار وشركة أخرى أخص من هذه. وهو أن يكون الكلأ في أرض مملوكة بنفسه لا بإنبات صاحب الأرض يكون للناس فيه شركة، حتى لو أخذه إنسان كان ما أخذه ملكا له، إلا أن لصاحب الأرض أن يمنعه من الدخول في أرضه لأجل الكلأ، ذكر محمد هذا القدر في الكتاب، ولم يزد عليه، إلا أن مشايخنا زادوا على ذلك، قال: إذا وفق المنازعة بين صاحب الأرض والذي يريد الكلأ لا بد من اعتبار منازعتها، لأن صاحب الأرض يمنعه من الدخول في ملكه، وهذا الطلب حقه، لأن له شركة في الكلأ. وإذا وجب اعتبار المنازعة يقول إن كان يجد المريد الكلأ في موضع آخر غير مملوك لأحد قريب من تلك الأرض، يقال له: خذ من ذلك. وإن لم يجد يقال لصاحب الأرض: إما أن تعطيه بيدك أو ائذن له حتى يدخل فيأخذ حقه، كمن أتى كرم إنسان وفي حوضه ماء وأراد الدخول في كرمه ليأخذ الماء فمنعه صاحب الكرم، إن كان يجدها في موضع آخر غير مملوك لأحد قريب منه يقال له: ائت ذلك المكان خذ منه، وإن كان لا يجد يقال لصاحب الأرض: إما أن تعطيه بيدك أو ائذن له حتى يدخل ويأخذ منه، وشركة أخرى أخص من ذلك كله وهو: أن يحشر الكلأ أو ينبت الكلأ في أرضه، فإنه لا يكون مملوكا له وينقطع حق غيره ولا يكون لأحد أخذ ذلك بوجه، إلا أنه تبقى شبهة الشركة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الناس شركاء في ثلاثة» ، حتى لو سرقه لا تقطع يده. وأما الشركة في النار فعامة، قال شيخ الإسلام خواهر زاده في كتاب الشرب: وهو أن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 316 وأنه ينتظم الشرب، والشرب خص منه الأول، وبقي الثاني وهو الشفة، ولأن البئر ونحوها ما وضع للاحتراز، ولا يملك المباح بدونه كالظبي إذا تكنس في أرضه، ولأن في إبقاء الشفة ضرورة؛ لأن الإنسان لا يمكنه استصحاب الماء إلى كل مكان وهو محتاج إليه لنفسه وظهره، فلو منع عنه أفضى إلى حرج عظيم، ، وإن أراد رجل أن يسقي بذلك أرضا أحياها كان لأهل النهر أن يمنعوه عنه أضر بهم أو لم يضر؛ لأنه حق خاص لهم ولا ضرورة، ولأنا لو أبحنا ذلك لانقطعت منفعة الشرب. والرابع: الماء المحرز في الأواني، وأنه صار مملوكا له بالإحراز،   [البناية] الرجل إذا أوقد نارا في مفازة، فإن هذه النار مشتركة بينه وبين الناس أجمع حتى لو جاء إنسان وأراد أن يستضيء بضوء هذه النار، أو أراد أن يخيط ثوبا له حول النار أو يصطلي بها في زمن البرد، أو يتخذ منه سراجا لا يكون لصاحب النار العرض منه، إلا أن يكون أوقد النار في موضع مملوك له فإن له أن يمنعه من الانتفاع بملكه لا بالنار، فأما إذا أراد أن يأخذ من قبيله سراجه أو شيئا من الجمرة فإن لصاحب النار أن يمنعه من ذلك لأنه ملكه، ولو أطلقناه للناس لم يبق له نار يصطلي بها ويخبز بها، وهذا وجه له. م: (وأنه) ش: أي قوله: شركاء م: (ينتظم الشرب، والشرب) ش: أي يشمل بكسر الشين وهو النصيب من الماء، والشرب بضم الشين وهو فعل الشارب م: (خص منه الأول) ش: بالإجماع وهو النصيب من الماء م: (وبقي الثاني) ش: وهو الشرب بضم الشين م: (وهو الشفة) ش: أي والثاني هو الشفة وهو الشرب لبني آدم والبهائم. م: (ولأن البئر ونحوها) ش: كالحوض م: (ما وضع للإحراز) ش: أي لإحراز الماء م: (ولا يملك المباح بدونه) ش: أي بدون الإحراز م: (كالظبي إذا تكنس في أرضه) ش: أي دخل في الكناس بكسر الكاف، وهو الموضع الذي تأوي إليه، يقال: كنس الظبي إذا تغيب واستمر في كناسه. م: (ولأن في إبقاء الشفة ضرورة؛ لأن الإنسان لا يمكنه استصحاب الماء إلى كل مكان وهو محتاج إليه لنفسه وظهره) ش: أي مركبه م: (فلو منع عنه أفضى إلى حرج عظيم) ش: والحرج مدفوع شرعا. [الشركة في الماء المحرز في الأواني] م: (وإن أراد رجل أن يسقي بذلك أرضا أحياها كان لأهل النهر أن يمنعوه عنه أضر بهم أو لم يضر؛ لأنه حق خاص لهم ولا ضرورة) ش: في ذلك م: (ولأنا لو أبحنا ذلك) ش: أي سقي أرضه م: (لانقطعت منفعة الشرب) ش: بضم الشين وهو الشفة. م: (والرابع) ش: أي النوع الرابع من الأنواع المذكورة: م: (الماء المحرز في الأواني) ش: كالحباب والدنان والجوار ونحوها م: (وأنه) ش: أي هذا النوع من الماء م: (صار مملوكا له بالإحراز الجزء: 12 ¦ الصفحة: 317 وانقطع حق غيره عنه كما في الصيد المأخوذ، إلا أنه بقيت فيه شبهة الشركة نظرا إلى الدليل، وهو ما روينا حتى لو سرقه إنسان في موضع يعز وجوده وهو يساوي نصابا لم تقطع يده. ولو كان البئر أو العين أو الحوض أو النهر في ملك رجل له أن يمنع من يريد الشفة من الدخول في ملكه إذا كان لا يجد ماء آخر يقرب من هذا الماء في غير ملك أحد، وإن كان لا يجد يقال لصاحب النهر: إما أن تعطيه الشفة، أو تتركه يأخذه بنفسه بشرط أن لا يكسر ضفته، وهذا مروي عن الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] وانقطع حق غيره عنه كما في الصيد المأخوذ) ش: لأنه يأخذه دخل في ملكه وانقطع حق الغير عنه كما في الصيد المأخوذ، لأنه يأخذه دخل في ملكه وانقطع حق عنه حتى لو أتلفه رجل يضمن قيمته. م: (إلا أنه بقيت فيه شبهة الشركة) ش: أي لكن بقيت في هذا الماء شبهة الشركة م: (نظرا إلى الدليل، وهو ما روينا) ش: أراد قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الناس شركاء ...... » الحديث م: (حتى لو سرقه إنسان في موضع يعز وجوده وهو ما يساوي نصابا) ش: أي نصاب السرقة، وهو عشرة دراهم م: (لم تقطع يده) ش: للشبهة. فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن لا يقطع في شيء ماء، لأنه سبحانه وتعالى قال: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] فيورث شبهة بهذا الطريق. قلت: ليس لها نظير ذلك، لأن فيما نحن فيه شركة في الأشياء المخصوصة بعد ثبوت الشركة العامة، ولهذا لم تورث الشركة العامة لشبهة في سقوط حد الزنا، لأنه لو زنى بأمة الغير يجب الحد، ولو زنى بأمة مشتركة بينه وبين غيره لم يجب الحد إذ لو عملنا بعموم قوله سبحانه وتعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] (البقرة: الآية 69) ، يلزم انسداد باب الحدود كلها وبطل العموم بالآيات الدالة عليها من نحو قوله سبحانه وتعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] (النور: الآية 2) ، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] (المائدة: الآية 38) ، وهذا لا يصح، لأن العمل بخبر الواحد وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ادرءوا الحدود ما استطعتم» إنما يصح أن لو بقي الكتاب معمولا عند العمل بخبر الواحد، فعلم أن المراد بالشبهة الخاصة لا العامة. وقال تاج الشريعة: في جواب هذا الاعتراض مقابلة الجمع يقتضي انقسام الأخذ في قوله سبحانه وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) ، وقوله سبحانه وتعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] (النساء الآية 24) ، ولا يجوز الزائد على الأربع، فكان معنى الشركة للناس عامة. [النهر في ملك رجل أيمنعه ممن يريد الشفه] م: (ولو كان البئر أو العين أو الحوض أو النهر في ملك رجل له أن يمنع من يريد الشفة من الدخول في ملكه إذا كان يجد ماء آخر يقرب من هذا الماء في غير ملك أحد، وإن كان لا يجد يقال لصاحب النهر: إما أن تعطيه الشفة، أو تتركه حتى يأخذ بنفسه بشرط أن لا يكسر ضفته) ش: أي جانبه. م: (وهذا مروي عن الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي هذا الذي ذكرناه منقول عن الإمام الحافظ الفقيه أبو الجزء: 12 ¦ الصفحة: 318 وقيل: ما قاله صحيح فيما إذا احتفر في أرض مملوكة له. أما إذا احتفرها في أرض موات فليس له أن يمنعه؛ لأن الموات كان مشتركا والحفر والإحياء حق مشترك، فلا يقطع الشركة في الشفة، ولو منعه عن ذلك وهو يخاف على نفسه، أو ظهره العطش له أن يقاتله بالسلاح؛ لأنه قصد إتلافه بمنع حقه، وهو الشفة والماء في البئر مباح غير مملوك، بخلاف الماء المحرز في الإناء، حيث يقاتله بغير السلاح؛ لأنه قد ملكه، وكذا الطعام عند إصابة المخمصة، ، وقيل في البئر ونحوها: الأولى. أن يقاتله بغير سلاح بعصا؛ لأنه ارتكب معصية فقام ذلك مقام التعزير له، والشفة إذا كان يأتي على الماء كله بأن كان جدولا صغيرا،   [البناية] جعفر أحمد بن حميد بن سلامة الطحاوي المصري. م: (وقيل: ما قاله صحيح) ش: أي قيل ما قال أبو جعفر الطحاوي: صحيح، م: (فيما إذا احتفر في أرض مملوكة له. أما إذا احتفرها في أرض موات: فليس له أن يمنعه؛ لأن الموات كان مشتركا والحفر ولإحياء حق مشترك، فلا يقطع الشركة في الشفة) ش: أي لأجل إحياء حق مشترك، فإن العلة الحاصلة من هذا الشرب تكون مشتركة بين المالك ومصرف العشر أو مصرف الخراج إن كان الماء خراجيا. م: (ولو منعه عن ذلك وهو يخاف على نفسه أو ظهره العطش له) ش: أي ومنعه صاحب البئر أو العين أو الحوض أو النهر في ملكه عن الدخول فيه، والحال أنه يخاف على نفسه أو مركبه العطش له م: (أن يقاتله بالسلاح؛ لأنه قصد إتلافه بمنع حقه، وهو الشفة والماء في البئر مباح غير مملوك) ش: لأنه لم يوجد منه آخر، أو كان مشتركا بين الناس، فإذا منعه منع حقه، ومنع حقا مستحقا لغيره كان لصاحب الحق أن يقاتل المانع بالسلاح ليصل إلى حقه، كما لو منع طعاما مشتركا بينه وبين المانع كان له أن يقاتل المانع بالسلاح. م: (بخلاف الماء المحرز في الإناء، حيث يقاتله بغير السلاح؛ لأنه قد ملكه) ش: لأنه إذا أحرزه في قربة أوجب، أو كان شركة الغير وكان المريد للماء مضطرا إلى ذلك، فإنه يقاتله بلا سلاح نحو العصا م: (وكذا الطعام عند إصابة المخمصة) ش: أي وكذا حكم الطعام إذا منعه عن المريد عند المخمصة، فإنه يقاتله بدون سلاح. م: (وقيل في البئر ونحوها: الأولى: أن يقاتله بغير سلاح بعصا؛ لأنه ارتكب معصية) ش: حيث ترك إحياء نفس قدر على إحيائها م: (فقام ذلك) ش: أي القتال معه بنحو العصا م: (مقام التعزير له) ش: لأن مرتكب المعصية يستحق التعزير تأديبا وزجرا عنه. م: (والشفة إذا كان يأتي على الماء كله) ش: أي شرب الناس والدواب إذا كان نفي الماء ويستأصله م: (بأن كان جدولا صغيرا) ش: أي بأن كان النهر جدولا صغيرا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 319 وفيما يرد من الإبل والمواشي كثرة ينقطع الماء بشربها، قيل: لا يمنع منه؛ لأن الإبل لا تردها في كل وقت، فصار كالمياومة، وهو سبيل في قسمة الشرب، وقيل: له أن يمنع اعتبارا بسقي المزارع، والمشاجر والجامع تفويت حقه، ولهم أن يأخذوا الماء منه للوضوء وغسل الثياب في الصحيح؛ لأن الأمر بالوضوء والغسل فيه، كما قيل: يؤدي إلى الحرج، وهو مدفوع،   [البناية] [يرد من الإبل والمواشي كثرة ينقطع الماء بشربها ألصاحب النهر المملوك منعه] م: (وفيما يرد من الإبل والمواشي كثرة ينقطع الماء بشربها) ش: أي وكان في ورود الإبل والمواشي على هذا النهر كثرة بحيث ينقطع الماء عنه بشرب هؤلاء، خص بذكر الإبل وإن كانت داخلة في المواشي لاختصاصها بكثرة شرب الماء عند الورود لأنها غالبا لا ترد الماء إلا بعد عطش شديد، فتحمل ماء كثيرا. م: (قيل: لا يمنع منه؛ لأن الإبل لا تردها في كل وقت، فصار كالمياومة) ش: أي فصار الجدول بينه وبينهم كالمياومة والمسابعة والمشاهرة م: (وهو سبيل في قسمة الشرب) ش: أي كونه كالمياومة طريق في قسمة الشرب بكسر الشين، قال سبحانه وتعالى: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] (الشعراء: الآية 155) . م: (وقيل: له أن يمنع اعتبارا يسقي المزارع، والمشاجر) ش: جمع المشجر وهو موضع الشجرة في " المبسوط " وعليه أكثر المشايخ م: (والجامع تفويت حقه) ش: أي الجامع بين منع الشفة من الجدول عند الاستئصال وبين منع سقي المزارع والمشاجر تفويت الحق في كل منهما، وذلك لأن النهر والقناة إنما يشق لسقي الأرض والشجر والزرع، فليس لغيره أن يسوي نفسه بالمستحق، ويضره فيما هو المقصود. فكما له أن يمنع غيره من سقي أرضه وكسر ضفته باعتبار ذلك، فكذلك يمنع فيما نحن فيه، لأنه يتضرر به صاحب الحق. وعن أحمد: له سقي أرضه على وجه لا يكسر الضفة، وبقولنا قال أصحابنا والشافعي ومالك والقاضي الحنبلي. م: (ولهم) ش: أي ولأهل الشفة م: (أن يأخذوا الماء منه) ش: أي عن النهر المملوك، أو عن البئر المملوك م: (للوضوء وغسل الثياب في الصحيح) ش: احتراز به عن ماء، قال بعض المشايخ: يتوضأ في النهر ويغسل الثياب فيه من الحرج ما لا يخفى م: (لأن الأمر بالوضوء والغسل فيه) ش: أي في النهر والبئر م: (كما قيل: إلى الحرج، وهو مدفوع) ش: أي الحرج مدفوع شرعا. واختلفوا في التوضؤ بماء السقاية فقال بعضهم يجوز، وقال بعضهم: إن كان الماء كثيرا يجوز وإلا فلا وكذا كل ما أعد للشرب حتى قالوا في الحياض التي أعدت للشرب: لا يجوز منه التوضؤ، ويمنع فيه وهو الصحيح. ويجوز أن يحمل من ماء السقاية إلى بيته للشرب، كذا في " الفتاوى ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 320 وإن أراد أن يسقي شجرا أو خضرا في داره حملا بجراره له ذلك في الأصح، لأن الناس يتوسعون فيه، ويعدون المنع في الدناءة، وليس له أن يسقي أرضه ونخله وشجره من نهر هذا الرجل، وبئره وقناته إلا بإذنه نصا. وله أن يمنعه من ذلك؛ لأن الماء متى دخل في المقاسم انقطعت شركة الشرب بواحدة؛ لأن في إبقائه قطع شرب صاحبه ولأن المسيل حق صاحب النهر، والضفة تعلق بها حقه، فلا يمكنه التسييل فيه، ولا شق الضفة، فإن أذن له صاحبه في ذلك أو أعاره فلا بأس به؛ لأنه حقه فتجري فيه الإباحة كالماء المحرز في إنائه، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.   [البناية] [أراد أن يسقي شجرا أو خضرا في داره حملا بجراره من نهر غيره] م: (وإن أراد أن يسقي شجرا أو خضرا في داره حملا بجراره) ش: أي حال كونه حاملا الماء بجراره وهو جمع جرة م: (له ذلك في الأصح) ش: احترز به عن قول بعض المتأخرين من أئمة بلخ، فإنهم قالوا: ليس له ذلك إلا بإذن صاحب النهر، لأنه ليس من الشفة م: (لأن الناس يتوسعون فيه) ش: أي في حمل الماء بالجرار. م: (ويعدون المنع من الدناءة) ش: أي الخساسة م: (وليس له أن يسقي أرضه ونخله وشجره من نهر هذا الرجل، وبئره وقناته إلا بإذنه نصا) ش: أي صريحا بأن يقول له: خذوا .... ، ونحو ذلك. م: (وله أن يمنعه من ذلك) ش: أي لصاحب النهر والبئر أو القناة أن يمنع غيره من سقي أرضه ونخيله م: (لأن الماء متى دخل في المقاسم) ش: أي في قسمة رجل بعينه م: (انقطعت شركة الشرب بواحدة؛ لأن في إبقائه قطع شرب صاحبه) ش: أي في إبقاء شركة الشرب، والتذكير باعتبار الاشتراك. م: (ولأن المسيل حق صاحب النهر، والضفة تعلق بها حقه) ش: أي حق صاحب النهر م: (فلا يمكنه التسييل فيه، ولا شق الضفة) ش: أي فلا يمكن صاحب النهر غيره من تسيل ماءه في مسيله، أي ولا يمكنه أيضا من شق ضفة نهره. م: (فإن أذن له صاحبه في ذلك) ش: أي فإن أذن للغير صاحب النهر في مسيل الماء أو في شق ضفة نهره م: (أو أعاره فلا بأس به؛ لأنه حقه) ش: أي المنع كان لحقه، فإذا أذن أو أعار زال المانع م: (فتجري فيه الإباحة) ش: أي يجري من ماء النهر أو البئر أو القناة للإباحة م: (كالماء المحرز في إنائه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب) ش: أي كما يجري الإباحة في الماء الذي أحرزه في قربة أو كوز ونحوهما. فروع: وفي " الذخيرة " و " المنية ": عبد أو أمة أو صبي إذا ملأ الكوز من ماء الحوض وأراق بعض ذلك من الحوض لا يحل أن يشرب الماء من ذلك الحوض، لأن الماء الذي في الكوز يصير ملكا للآخذ، فإذا اختلط بالمباح ولا يمكن التمييز لا يحل شربه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 321 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ولو أمر صبيا أبوه أو أمه بإتيان الماء من الوادي أو الحوض في الكوز فجاء به لا يحل لأبويه أن يشربا من ذلك الماء إن لم يكونا فقيرين، لأن الماء مملوكا له، ولا يحل لهما الأكل من ماله بغير حاجة، فكذا الشرب. وعن محمد يحل لأبويه شربه، وإن كانا غنيين اعتبارا للعرف والعادة بيع الخمر، اختلف فيه المشايخ، قال بعضهم: لا يجوز، لأنه باع شيئا لا يقدر على تسليم جميعه إلى المشتري، لأنه يذوب بعضه. وقال أبو نصر محمد بن سلام: بأن البيع جائز، وقال أبو بكر الإسكاف: إذا سلم الخمرة إلى المشتري: أولا ثم باعه منه: فإنه يجوز. وإن باع ثم سلمه إليه في يومه ذلك: فإنه يجوز أيضا. وإذا لم يسلمه إلى المشتري حتى مضى عليه أيام فسد البيع، لأن في القليل لا ينتقض نقصان تبين له حصته من الثمن، وبه أخذ الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -، كذا في " شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 322 فصل في كري الأنهار قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الأنهار ثلاثة: نهر غير مملوك لأحد ولم يدخل ماؤه في المقاسم بعد كالفرات ونحوه، ونهر مملوك دخل ماؤه في القسمة إلا أنه عام، ونهر مملوك دخل ماؤه في القسمة وهو خاص، والفاصل بينهما استحقاق الشفعة به وعدمه.   [البناية] [فصل في كري الأنهار] [أحكام كري الأنهار] م: (فصل في كري الأنهار) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام كري الأنهار وهو حفرها. م: (قال: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الأنهار ثلاثة) ش: أي ثلاثة أقسام م: (نهر غير مملوك لأحد) ش: أي أحدها نهر غير مملوك لأحد م: (ولم يدخل ماؤه في المقاسم بعد) ش: يعني بعدما قسموا ما بعد م: (كالفرات ونحوه) ش: مثل جيحون وسيحون والنيل والفرات م: (ونهر) ش: أي الثاني م: (مملوك يدخل ماؤه في القسمة إلا أنه عام) ش: بين الناس م: (ونهر) ش: أي الثالث م: (مملوك دخل ماؤه في القسمة وهو خاص) ش: أي والحال أنه خاص بين جماعة متعينين. م: (والفاصل بينهما) ش: أي بين النهر العام والنهر الخاص م: (استحقاق الشفعة به) ش: أي بالنهر م: (وعدمه) ش: أي عدم استحقاق الشفعة به، وقد ذكرنا ذلك في الشفعة أن كل بحر يجري فيه السفن لا يستحق به الشفعة، وما لا يجري يستحق عندهما. وعن أبي يوسف: الخاص ما يسقى فيه قراحان أو ثلاثة، وما زاد عام. وفي " فتاوى " قاضي خان تكلموا في الخاص قبل العشرة فما دونها، أو عليه قرية واحدة، يعني ماؤه فهو نهر خاص يستحق به الشفعة ولما فوق العشرة عام. وقيل: لما دون الأربعين فهو خاص. وإن كان فوق الأربعين فهو عام. وقيل: الفاصل المائة وقيل: الألف، والأصح ما قيل فيه: إنه مفوض إلى رأي المجتهد حتى يختار أي الأقاويل شاء. وقال الإمام خواهر زاده في " شرح كتاب الشرب ": وأحسن ما قيل فيه من التجديد: إن الشركاء في النهر إن كان ما دون المائة فالشركة خاصة يستحق بها الشفعة. وإن كان مائة فصاعدا فالشركة عامة لا تجب الشفعة للكل، وإنما يكون للجار. وفي " الأجناس ": حق الشرب في الأرض يجري مجرى الطريق في الأرض، وفي استحقاق الشفعة لا من حقوق الأرض. فإن كانت بحيث يجري في النهر السفن لا شفعة بحق الشرب، كما لا شفعة بطريق الاستطراف في الطريق فأخذ. وإذا كان النهر يجري فيه السماويات دون السفن تعلق بحق الشرب الشفعة كما يتعلق بطريق غير نافذة الشفعة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 323 فالأول: كريه على السلطان من بيت مال المسلمين؛ لأن منفعة الكري لهم فتكون مؤنته عليهم، ويصرف إليه من مؤنة الخراج والجزية دون العشور والصدقات؛ لأن الثاني للفقراء، والأول للنوائب. فإن لم يكن في بيت المال شيء فالإمام يجبر الناس على كريه إحياء لمصلحة العامة، إذ هم لا يقيمونها بأنفسهم، وفي مثله قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لو تركتم لبعتم أولادكم، إلا أنه يخرج له من كان يطيقه، ويجعل مؤنته على المياسير الذين لا يطيقونه بأنفسهم. وأما الثاني: فكريه على أهله لا على بيت المال؛ لأن الحق لهم، والمنفعة تعود إليهم على الخصوص،   [البناية] م: (فالأول) ش: أي القسم الأول هو: النهر غير المملوك لأحد م: (كريه على السلطان من بيت مال المسلمين؛ لأن منفعة الكري لهم فتكون مؤنته عليهم، ويصرف إليه) ش: أي على الكري م: (من مؤنة الخراج والجزية دون العشور والصدقات؛ لأن الثاني) ش: أي العشور والصدقات م: (للفقراء، والأول) ش: وهو الخراج والجزية م: (للنوائب) ش: وهو جمع نائبة، وهي التي تنوب المسلمين من الخراج كبناء القناطر وسد الثغور ونحو ذلك. م: (فإن لم يكن في بيت المال شيء فالإمام يجبر الناس على كريه إحياء لمصلحة العامة، إذ هم لا يقيمونها بأنفسهم) ش: أي إذ الناس لا يقيمون مصلحة العامة بأنفسهم لأن العوام كل ما ينفقون من غير إحياء، وأي إمام نصب ناظرا في أحوال الناس فيجبرهم على ذلك م: (وفي مثله قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لو تركتم لبعتم أولادكم) ش: وقوله: أي وفي مثل هذه الأخبار قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: (فإنه أخبرني مثل هذا فكلموه في ذلك فقال: لو تركتم لبعتم أولادكم) . ش: وقوله: لو تركتم على صيغة المجهول، يعني لو تركتم في مثل هذه النائبة التي تلحق المسلمين ولم يجبروا على إقامة المصلحة العامة في مثل هذه الصورة لفسدت مياه المسلمين ولم يحصل شيء من زارع الأرض ووقع الغلاء إلى أن يؤول الأمر إلى بيع أولادكم. فإن قلت: ما حال هذا الأثر؟. قلت: لم أقف عليه في الكتب المشهورة في كتب الحديث، وإنما ذكره أصحابنا في كتبهم ولم أدر من أين أخذوه؟. م: (إلا أنه يخرج له من كان يطيقه) ش: أي إلا أن الإمام يخرج للكري أي لأجله من كان يطيق الكري، أي عمله بنفسه م: (ويجعل مؤنته على المياسير) ش: أي على الأغنياء م: (الذين لا يطيقونه) ش: أي الكري م: (بأنفسهم) ش: كما جعل في تجهيز الجيش، فإن الإمام يخرج من أطاق القتال ويجعل مؤنتهم على الأغنياء. م: (وأما الثاني) ش: أي النوع الثاني وهو النهر المملوك الذي دخل ماؤه تحت القسمة، إلا أنه عام م: (فكريه على أهله لا على بيت المال؛ لأن الحق لهم، والمنفعة تعود إليهم على الخصوص) ش: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 324 والخلوص. ومن أبى منهم يجبر على كريه دفعا للضرر العام، وهو ضرر بقية الشركاء، وضرر الآبي خاص، ويقابله عوض فلا يعارض به. ولو أرادوا أن يحصنوه خيفة الانبثاق، وفيه ضرر عام كغرق الأراضي وفساد الطرق يجبر الآبي، وإلا فلا؛ لأنه موهوم بخلاف الكري؛ لأنه معلوم. وأما الثالث: وهو الخاص من كل وجه فكريه على أهله لما بينا، ثم قيل: يجبر الآبي كما في الثاني، وقيل: لا يجبر؛   [البناية] دون الاشتراك بالعامة م: (والخلوص) ش: دون أن يكون للإمام شيء فيه م: (ومن أبى منهم) ش: أي امتنع من أهل هذا النهر عن الإنفاق عن الكري م: (يجبر على كريه دفعا للضرر العام، وهو ضرر بقية الشركاء) ش: لأنهم يتضررون، ولو لم يجبر الآبي لأنهم يحتاجون إلى كري نصيبه م: (وضرر الآبي خاص، ويقابله عوض) ش: هذا هو جواب عما يقال: إن الآبي إذا أجبر عليه يتضرر أيضا، حيث يحتاج إلى إنفاق مال، فقال: ضرر الآبي خاص ويقابله عوض، أي يقابل الآبي عوض وهو حصته من الشرب م: (فلا يعارض به) ش: الآبي فلا يعارض الضرر العام بالضرر الخاص؛ لأن ضرر العامة أعلى الضرر فيحتمل أدنى الضررين لدفع الضرر الأعلى إن ضرر العامة لا عوض له فلا يستوي الضرران فلا تعارض، بل جانب الضرر العام غالب فيجب السعي في إعدامه. م: (ولو أرادوا) ش: أي أهل هذا النهر م: (أن يحصنوه) ش: أي النهر م: (خيفة الانبثاق) ش: أي لأجل الخوف من الانبثاق وهو انتقاص ممسك الماء وهو انتقاله من المنبثق، يقال: بثق الماء والسيل موضع كذا أي جريه وبثقه، ومادته الأصول، والبثق -بباء موحدة وتاء مثلثة وقاف -: وفسرها الكاكي بفارسية، دائران نذاب، م: (وفيه ضرر عام) ش: أي والحال أن في الانبثاق ضرر عام م: (كغرق الأراضي وفساد الطرق يجبر الآبي) ش: لأنه موهوم، أي الممتنع منهم م: (وإلا فلا) ش: أي وإن لم يكن فيه ضرر عام لا يجبر الأبي م: (لأنه موهوم) ش: أي لأن الانبثاق موهوم غير معلوم الوقوع، فإذا لم يكن فيه ضرر عام لا يجبر الآبي. [ومؤنة كري النهر المشترك على من تكون] م: (بخلاف الكري؛ لأنه معلوم) ش: لأن حاجة النهر إلى الكري في كل وقت معلوم عادة، وقد التزموه عادة فيجبر الآبي هنا لا محالة، لأنه يأباه يريد قطع منفعة الماء عن نفسه وشركائه فليس له ذلك، فكذلك يجبر عليه. م: (وأما الثالث) ش: أي النوع الثالث: م: (وهو الخاص من كل وجه فكريه على أهله لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأن الحق لهم والمنفعة تعود إليهم على الخلوص م: (ثم قيل: يجبر الآبي) ش: وهو قول أبي بكر الإسكاف م: (كما في الثاني) ش: أي في النهر الثاني كما بينا م: (وقيل: لا يجبر) ش: وهو قول أبي بكر بن سعيد البلخي. وقال الفقيه أبو جعفر: ويقول أستاذي أبو الجزء: 12 ¦ الصفحة: 325 لأن كل واحد من الضررين خاص، ويمكن دفعه عنهم بالرجوع على الآبي بما أنفقوا فيه إذا كان بأمر القاضي، فاستوت الجهتان بخلاف ما تقدم، ولا يجبر بحق الشفعة كما إذا امتنعوا جميعا، ومؤنة كري النهر المشترك عليهم من أعلاه، فإذا جاوز أرض رجل رفع عنه، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] بكر البلخي آخذ م: (لأن كل واحد من الضررين خاص) ش: لأنهما مستويان فيترك ما كان على ما كان كما تعذر دفع أحدهما بالأخرى لا يجبر كما في الحائط بين اثنين إذا انهدم أو انهدم علو وسفل، فأراد أحدهما أن يبني فأبى الآخر لا يجبر الآبي، بل يقال للآخر: ابن أنت إن شئت، وأشار إلى استواء الضررين هذا بقوله: م: (ويمكن دفعه عنهم) ش: أي يمكن لدفع الضرر عن رقبة الآبي م: (بالرجوع على الآبي بما أنفقوا فيه إذا كان بأمر القاضي) ش: بأن يستوفوا من نصيب الآبي من الشرب قدر ما يبلغ قيمته ما أنفقوا في نصيبه في الكري م: (فاستوت الجهتان) ش: أي إذا كان الأمر كذلك استوى جنسه الآبي وجنسه رفقته، أراد به استواء الضرر أن لكل واحد منهما بعوض فامتنع التعارض. م: (بخلاف ما تقدم) ش: وهو الإجبار في النهر الثاني، فإن من أبى من أهله يجبر عليه لما ذكرنا أن هناك أحد الجهتين عام فيجبر الآبي دفعا للضرر العام م: (ولا يجبر بحق الشفعة) ش: هذا هو جواب إشكال، وهو أن يقال: إن كان لا يجبر الآبي على كرائه بحق الشركاء، فلم يجبر بحق الشفعة كما قيل أنه يجبر بحق الشفعة، وهو قول بعض المتأخرين من أصحابنا، فقال: لا يجبر بحق الشفعة، لأن الجبر بحق الشفعة لا يستقيم. م: (كما إذا امتنعوا جميعا) ش: عن الكري فإنهم لا يجبرون على الكري بحق أصحاب الشفة م: (ومؤنة كري النهر المشترك عليهم) ش: أي على الشركاء م: (من أعلاه) ش: أي من أعلى النهر م: (فإذا جاوز) ش: أي الكري م: (أرض رجل رفع عنه) ش: أي رفع الكري عن الرجل وصورته. ما ذكره في " الكافي " و " التحفة " أن النهر إذا كان بين عشرة لكل واحد منهم عليه أرض كان الكري من أول النهر إلى أن يجاوز شرب أولهم بينهم على عشرة أسهم على كل واحد منهم العشر. فإذا تجاوز شرب الثاني خرج هو من الكري، ويكون الكري على الباقين على تسعة أسهم، فإذا تجاوز شرب الثاني سقط عنه الشفعة، ويكون الكري على الباقين على ثمانية أسهم، وعلى هذا الترتيب قالا إن المؤنة بينهم على عشرة أسهم من أول النهر إلى آخره م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي دفع مؤنة الكري عند أبي حنيفة، وبه قال الشافعي وأحمد، وفي " فتاوى قاضي خان " وبقوله: أخذوا في الفتوى. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 326 وقالا: هي عليهم جميعا من أوله إلى آخره بحصص الشرب والأرضين؛ لأن لصاحب الأعلى حقا في الأسفل لاحتياجه إلى تسييل ما فضل من الماء فيه. وله: أن المقصد من الكري الانتفاع بالسقي، وقد حصل لصاحب الأعلى، فلا يلزمه إنفاع غيره، وليس على صاحب المسيل عمارته، كما إذا كان له مسيل على سطح غيره، كيف وأنه يمكنه دفع الماء عن أرضه فيسده من أعلاه   [البناية] م: (وقالا: هي عليهم جميعا من أوله إلى آخره بحصص الشرب والأرضين) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد: مؤنة الكري على الشركاء جميعا من أول النهر إلى آخره م: (لأن لصاحب الأعلى حقا في الأسفل) ش: أي في أسفل النهر م: (لاحتياجه إلى تسييل ما فضل من الماء فيه) ش: لأنه إذا أسند ذلك فانجر الماء على أرضه فأفسد زرعه فعلم أن كل واحد ينتفع بالنهر من أوله إلى آخره. ولهذا تستحق الشفعة مثل هذا النهر وحق أهل الأعلى والأسفل في ذلك سواء، فإذا استووا في القسم يستوون في الغرم وهو مؤنة الكري. م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن المقصد من الكري الانتفاع بالسقي، وقد حصل لصاحب الأعلى فلا يلزمه إنفاع غيره) ش: قال السغناقي: الصواب نفع غيره، لأن الانتفاع في معنى النفع غير مسموع، وتبعه على ذلك الكاكي. وقال صاحب " العناية ": ولم يرد أشياء عليه فقال الأترازي: استعمال الانتفاع في معنى النفع وهو ضد الضرر، وتبعه على ذلك الكاكي، وقال الأترازي: واستعمال الانتفاع في معنى النفع وهو ضد الضرر، ولم يسمع ذلك من قوانين اللغة، وجاء أرجعته بمعنى رجعته في لغة هذيل، ويجوز على قياسه أنفقه بمعنى نفقته ولكن اللغة لا تصح بالقياس. ويجوز أن يكون ذلك سهوا من الكاتب من أن يكون الأصل انتفاع غيره من باب الافتعال. قلت: لا يلزم أن تكون الهمزة هنا للتعدية لكون النفع متعديا بدون الهمزة، بل يجوز أن يكون للتعريض من باب أبعته فإن باع متعد. ولما قصدوا منه التعريض أدخلوا الهمزة عليه على قصد أن يكون المفعول معرضا لأصل الفعل، فإن معنى أبعته عرضته للبيع وجعلته منتسبا إليه وكذلك هنا يكون المصر فلا يلزمه أن يجعل غيره معرضا للنفع ولا منتسبا إليه، وقد جاء أنفع الرجل. قاله أبو زيد، ولكن بمعنى الجر في النفقات، وهو الوصي وهو نفع جمعته بالفتح وهو الوصي. [من له مسيل على سطح غيره هل له عمارته] م: (وليس على صاحب المسيل عمارته) ش: هذا جواب عن قولهما: لأن لصاحب الإخفاء إلى آخره، يعني لا يلزمه شيء باعتبار مسيل ما فضل م: (كما إذا كان له مسيل على سطح غيره) ش: حيث لا يلزمه عمارة سطح جاره م: (كيف وأنه يمكنه دفع الماء من أرضه فيسده من أعلاه) ش: أي كيف يلزم صاحب المسيل عمارته والحال أنه يمكنه رفع الماء عن أرضه بأن يسد فوهة النهر من الجزء: 12 ¦ الصفحة: 327 إنما يرفع عنه إذا جاوز أرضه كما ذكرناه، وقيل: إذا جاوز فوهة نهره وهو مروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والأول أصح؛ لأن له رأيا في اتخاذ الفوهة من أعلاه وأسفله، فإذا جاوز الكري أرضه حتى سقطت عنه مؤنته، قيل: له أن يفتح الماء ليسقي أرضه لانتهاء الكري في حقه، وقيل: ليس له ذلك ما لم يفرغ شركاؤه نفيا لاختصاصه، وليس على أهل الشفقة من الكري شيء؛ لأنهم لا يحصون ولأنهم أتباع.   [البناية] أعلاه إذا استغنى عن الماء م: (إنما يرفع عنه) ش: أي ثم إنما يرفع مؤنة الكري عن الرجل الذي يقدم ذكره م: (إذا جاوز أرضه كما ذكرناه) ش: أشار به إلى قوله: فإذا جاوز أرض رجل رفع عنه. م: (وقيل: إذا جاوز فوهة نهره) ش: أي يرفع إذا جاوز فوهة نهره وهو بضم الفاء وتشديد الواو، وهو أول النهر، وكذلك فوهة الطريق وفوهة الزقاق م: (وهو مروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي هذا القول مروي عن محمد ذكره في " النوادر " م: (والأول أصح) ش: كما أشار إليه في " الأصل " وإليه ذهب الكرخي م: (لأن له رأيا في اتخاذ الفوهة من أعلاه وأسفله) ش: أي من أعلى النهر وأسفله م: (فإذا جاوز الكري أرضه حتى سقطت عنه مؤنته) ش: أي مؤنة الكري م: (قيل: له أن يفتح الماء ليسقي أرضه لانتهاء الكري في حقه) ش: هذه المسألة لم يذكرها محمد في " الأصل ". وقال المشايخ: إذا جاوز الكري أرضه وأراد أن يفتح رأس النهر حتى يسقي أرضه فله ذلك على قول أبي حنيفة، لأنه سقط عنه مؤنة الكري، وعلى قولهما لا يكون له ذلك لأنه لم يسقط عنه مؤنة الكري، كذا ذكره خواهر زاده في " شرحه ". م: (وقيل: ليس له ذلك ما لم يفرغ نفيا لاختصاصه) ش: أي بالانتفاع بالمأذون شركاءه وللتحرز عن هذا الخلاف اختار المتأخرون بالبداية بالكري من أسفل النهر أو ترك بعض النهر من أعلاه حتى يفرغ من أسفله. م: (وليس على أهل الشفة من الكري شيء؛ لأنهم) ش: أي لأن أهل الشفة م: (لا يحصون) ش: لأن جميع أهل الدنيا أهل فلاة يمكنهم جمعهم للكري، وليس البعض أولى من البعض، ولهذا لا يستحقون الشفعة حتى يلزم الغرم بإزاء الغنم م: (ولأنهم أتباع) ش: لأنهم لا ملك لهم في رقبة الأرض والمؤنة تجب على الأصول على الأتباع، ولهذا كانت مؤنة قتل المحلة على عاقلة أصحاب الحنطة دون المشترين والسكان، كذا في " المبسوط "، والله سبحانه وتعالى أعلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 328 فصل في الدعوى والاختلاف والتصرف فيه قال: وتصح دعوى الشرب بغير أرض استحسانا لأنه قد يملك بدون الأرض إرثا، وقد يبيع الأرض ويبقى الشرب له، وهو مرغوب فيه فيصح فيه الدعوى.   [البناية] [فصل في الدعوى والاختلاف والتصرف فيه] [حكم دعوى الشرب بغير أرض] م: (فصل في الدعوى والاختلاف والتصرف فيه) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الدعوى والاختلاف والتصرف في الشرب. م: (قال: وتصح دعوى الشرب بغير أرض استحسانا) ش: وفي القياس: لا يصح، لأن شرط صحة الدعوى إعلام المدعي في الدعوى والشهادة والشرب مجهول جهالة لا تقبل الإعلام م: (لأنه قد يملك بدون الأرض إرثا) ش: هذا وجه الاستحسان، أي أن الشرب قد يملك بدون الأرض من جهة الأرض والوصية م: (وقد يبيع الأرض ويبقى الشرب له، وهو مرغوب فيه) ش: أي الشرب مرغوب فيه ينتفع به، فإذا استولى عليه غيره له دفع الظلم عن نفسه بإثبات حقه م: (فيصح فيه الدعوى) ش: أي إذا كان كذلك فيصح فيه الدعوى. وفي باب الشهادات في الشرب في " الأصل " وإذا كان نهر لرجل في أرضه فادعى رجل فيه الشرب في يوم في الشهر وأقام على ذلك شاهدين عدلين: فإنه تقبل هذه الشهادة ويقضى له بذلك استحسانا، لأنهم شهدوا له بشرب يوم من ثلاثين يوما، وهو معلوم. وكذا مسيل الماء ولو ادعى يومين في الشهر فجاء بشاهدين فشهد أحدهما بيوم في رقبة النهر يريد بقوله: في رقبة النهر، لأن له شرب يوم من هذا النهر في شهر، وشهد الآخر على يومين ذكر أن في قياس قول أبي حنيفة لا يقضى به، وفي قياس قولهما يقضى بالأقل وهو شربه يوما، فإن شهد أحدهما أن المدعي قبله أقر بشرب يومين وشهد الآخر شرب أنه أقر بشرب يوم فالمسألة على الاختلاف. وإن لم يشهدا على الإقرار بل أشهد أحدهما أن له شرب يوم من الشهر من هذا الشهر وشهد الآخر شرب يومين يجب أن يقبل على الأقل وإن شهدوا أن له شرب يوم ولم يسموا عدد ولم يشهدوا أن له في رقبة النهر شيء ولا يقبل، لأنهم شهدوا بشرب مجهول، لأنه لا يدري أن له شرب يوم من الشهر أو من الأسبوع أو من السنة. ولو شهدوا له بعشر النهر تقبل الشهادة كما لو شهدوا بعشر هذه الأرض. قال: ولو ادعى رجل عشر عين أو قناة فشهد له شاهدان أحدهما بالعشر وشهد الآخر بأقل من ذلك بجزء من أحد عشر جزءا، فإن شهدوا على الإقرار لا يقبل في قياس قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعندهما: يقبل استحسانا على الأقل. وإن لم يشهدوا على الإقرار يقبل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 329 قال: وإذا كان نهر لرجل يجري في أرض غيره فأراد صاحب الأرض أن لا يجري النهر في أرضه ترك على حاله لأنه مستعمل له بإجراء مائه فعند الاختلاف يكون القول قوله. فإن لم يكن في يده ولم يكن جاريا فعليه البينة أن هذا النهر له، أو أنه قد كان مجراه له في هذا النهر يسوقه إلى أرضه ليسقيها، فيقضي له لإثباته بالحجة ملكا له، أو حقا مستحقا فيه، وعلى هذا المصب في نهر، أو على سطح، أو الميزاب، أو الممشى في دار غيره فحكم الاختلاف فيها نظيره في الشرب.، قال: وإذا كان نهر بين قوم واختصموا في الشرب، كان الشرب بينهم على قدر أراضيهم؛   [البناية] بالاتفاق على الأقل، لأنهم شهدوا بالعين. [نهر لرجل يجري في أرض غيره فأراد صاحب الأرض أن لا يجري النهر في أرضه] م: (قال: وإذا كان نهر لرجل يجري في أرض غيره فأراد صاحب الأرض أن لا يجري النهر في أرضه ترك على حاله) ش: أي لم يكن له ذلك، بل يترك على حاله م: (لأنه مستعمل له بإجراء مائه) ش: أي لأن صاحب النهر مستعمل للنهر بإجراء مائه، وهو في يده م: (فعند الاختلاف يكون القول قوله) ش: أنه ملكه م: (فإن لم يكن في يده ولم يكن جاريا فعليه البينة أن هذا النهر له أو أنه قد كان مجراه له) ش: بأن لم يكن له أشجار على طرف النهر ولم يعرف جريان مائه فيه من قبل، وهو معنى قوله: مجراه، أي موضع الإجراء م: (في هذا النهر يسوقه إلى أرضه ليسقيها) ش: هذه الجملة حال من مجراه، واللام في " ليسقيها " للتعليل م: (فيقضى له لإثباته بالحجة ملكا له) ش: أي حال كونه ملكا للمدعي فيما إذا أقام البينة أن هذا النهر له م: (أو حقا مستحقا) ش: أي أو حال كونه جميعا مستحقا م: (فيه) ش: أي في النهر فيما إذا أقام البينة أن له مجراه في هذا النهر. م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الحكم المذكور م: (المصب في نهر) ش: هو موضع صب الماء أي جريه، ومراده: ما اجتمع من فضلات الماء في سقائه وغيره م: (أو على سطح) ش: أي أو انصب على سطح وهو مجرى الميزاب على سطح م: (أو الميزاب، أو الممشى) ش: بالرفع عطفا على المرفوع بأن ادعى أن ممشاه م: (في دار غيره فحكم الاختلاف فيها) ش: أي فحكم اختلاف المدعيين أو المتخاصمين من هذه الأشياء المذكورة. وفي بعض النسخ فيه، أي في كل واحد من هذه الأشياء في المصب والميزاب والممشى م: (نظيره في الشرب) ش: أي نظير الاختلاف في الشرب. والحاصل في هذا الباب: أن هذه الأشياء إذا كانت موجودة وقت الدعوى فالقول قول المدعي، وإلا فعليه البيان. [نهر بين قوم اختصموا في الشرب منه] م: (قال: وإذا كان نهر بين قوم واختصموا في الشرب، كان الشرب بينهم على قدر أراضيهم؛ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 330 لأن المقصود الانتفاع بسقيها، فيتقدر بقدره. بخلاف الطريق؛ لأن المقصود التطرق وهو في الدار الواسعة والضيقة على نمط واحد، فإن كان الأعلى منهم لا يشرب حتى يسكر النهر لم يكن له ذلك لما فيه من إبطال حق الباقين، ولكنه يشرب بحصته   [البناية] لأن المقصود الانتفاع بسقيها، فيتقدر بقدره) ش: أي بقدر الانتفاع؛ لأن الحاجة في ذلك تختلف بقلة الأراضي وبكثرتها، فالظاهر أن حق كل واحد من الشرب بقدر أرضه، وقدر حاجته، فالبناء على الظاهر واجب حتى تبين خلافه. فإن قلت: إنهم قد استووا في إثبات اليد على الماء الذي في النهر، والمساواة في اليد توجب المساواة في الاستحقاق؟ قلت: إثبات اليد على الماء إنما هو بالانتفاع بالماء، وانتفاع من له عشرة قطع لا يكون مثل انتفاع من له قطعة واحدة، فلا يتحقق التساوي في إثبات اليد. وفي " الأجناس ": وحكي عن علي بن الدقاق صاحب كتاب " الحيض ": أنه يكون بينهم على قدر حاجتهم، وفائدته أنه إذا كان لأحدهم عشرة أجر به، وللآخر عشرة، إلا أن أرضه لا تكتفي في الزراعة بقدر الماء الذي يأخذه فعلى ما قال محمد في " الأصل " الماء بينهما نصفان، وعلى ما قال الدقاق: له أخذ الماء زيادة. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده: ومن الناس من قال: يقسم بينهم على عدد الخراج، والصحيح ما قاله علماؤنا، وهذا إذا لم يعلم كيف كان الشرب بينهم، فأما إذا علم على ما كان يقسم على ما كان كما في الطريق يقسم على عدد الرؤوس إذا لم يعلم حقهم، أما إذا علم يقسم على ما كان في الأصل. م: (بخلاف الطريق) ش: يعني إذا اختصم فيه الشركاء فإنهم يستوون في ملك رقبة الأرض، ولا يعتبر سعة باب الدار وضيقها م: (لأن المقصود التطرق وهو في الدار الواسعة والضيقة على نمط واحد) ش: أي على نهج واحد. وفي بعض النسخ على صفة واحدة م: (فإن كان الأعلى منهم لا يشرب حتى يسكر النهر) ش: يعني لا يمكنه حتى يسقي أرضه بتمامها إلا بالسكر، وهو من سكرت النهر سكرا إذا سددته من باب نصر ينصر، والسكر بالكسر القوم وهو المسناة م: (لم يكن له ذلك) ش: أي لم يكن للأعلى أن يسكر النهر على الأسفل م: (لما فيه) ش: أي في سكره م: (من إبطال حق الباقين، ولكنه يشرب بحصته) ش: أي من غير سكر. وفي " الأجناس ": قال تلميذ محمد بن شجاع: زاد محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بهذا: إذا كان نصيب صاحب أعلى النهر لا يكفيه لجميع أرضه، حتى يسكر النهر فساق كل الماء إليه ليس له الجزء: 12 ¦ الصفحة: 331 فإن تراضوا على أن يسكر الأعلى النهر حتى يشرب بحصته، أو اصطلحوا على أن يسكر كل رجل منهم في نوبته جاز؛ لأن الحق له إلا أنه إذا تمكن من ذلك بلوح لا يسكر بما ينكبس به النهر من غير تراض لكونه إضرارا بهم.   [البناية] ذلك إلا أن يكون أرض صاحب الأعلى من بقعة لا يصل الماء إليه، إلا أن يتخذ في الماء سكر، وأرباب الأرضين مقرون أن شربها من هذا النهر، فلهذا لا بد أن يتخذ في النهر سكر حتى يرتفع الماء إليها. وإن رضوا على أن يجعلوا ذلك مقاومة على أن يسكر كل واحد منهم يوما يسوق الماء كله إلى أرضه جاز. [تراضوا على أن يسكر الأعلى النهر حتى يشرب بحصته] م: (فإن تراضوا على أن يسكر الأعلى النهر حتى يشرب بحصته، أو اصطلحوا على أن يسكر كل رجل منهم في نوبته جاز؛ لأن الحق له إلا أنه) ش: أي الأعلى م: (إذا تمكن من ذلك) ش: أي من السكر م: (بلوح لا يسكر بما ينكبس به النهر) ش: نحو الطين أو الترب؛ لأنه ينكبس النهر به عادة، وفيه إضرار م: (من غير تراض) ش: من الشركاء م: (لكونه إضرارا بهم) ش: أي بالشركاء. وفي " فتاوى قاضي خان ": ولو كان الماء في النهر بحيث لا يجري إلى أرض كل واحد إلا بالسكر فإنه قيد بأهل الأسفل ثم بعد ذلك لأهل الأعلى أن يسكر، ويرجع الماء إلى عراضهم. وفي " المبسوط ": عن ابن مسعود: أهل الأسفل أمراء على أهل الأعلى حتى يردوا. وفيه دليل على: أن ليس لأهل الأعلى أن يسكروا النهر ويحبسوا الماء على أهل الأسفل. وفي " المغني " لابن قدامة: ولو كان نهرا صغيرا أو سيلا، فيشاء أهل الأرضين الشاربة فيه، فإنه يبدأ بأهل الأعلى، ويسقي حتى يبلغ الكعب ثم يرسل للذي يليه، كذلك إلى انتهاء الأراضي، فإن لم يفضل عن الأول شيء أو الثاني أو الثالث لا شيء للباقين لأنه ليس لهم إلا ما فضل. فمنهم كالعصبة في الميراث، وهو قول فقهاء المدينة، ومالك، والشافعي، ولا نعلم فيه مخالفا. والأصل فيه ما روى ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير في شراح الحرة التي يسقونه بها إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اسق يا زبير؛ ثم يسيل الماء» متفق عليه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 332 وليس لأحدهم أن يكري منه نهرا أو ينصب عليه رحى ماء إلا برضاء أصحابه؛ لأن فيه كسر ضفة النهر وشغل موضع مشترك بالبناء، إلا أن يكون رحى لا يضر بالنهر ولا بالماء ويكون موضعها في أرض صاحبها؛ لأنه تصرف في ملك نفسه، ولا ضرر في حق غيره، ومعنى الضرر بالنهر ما بيناه من كسر ضفته، وبالماء أن يتغير عن سننه الذي كان يجري عليه، والدالية والساقية نظير الرحى، ولا يتخذ عليه جسرا ولا قنطرة بمنزلة طريق خاص بين قوم، بخلاف ما إذا كان لواحد نهر خاص يأخذ من نهر خاص بين قوم فأراد أن يقنطر عليه ويستوثق منه له ذلك، أو كان مقنطرا مستوثقا   [البناية] م: (وليس لأحدهم أن يكري منه) ش: أي من النهر م: (نهرا أو ينصب عليه رحى ماء إلا برضاء أصحابه؛ لأن فيه كسر ضفة النهر وشغل موضع مشترك بالبناء، إلا أن يكون رحى لا يضر بالنهر ولا بالماء ويكون موضعها في أرض صاحبها) ش: بأن يكون بطن النهر وحصاه مملوكا له، وللآخر حق السيل، كذا في " المحيط "، و " المبسوط "، م: (لأنه تصرف في ملك نفسه، ولا ضرر في حق غيره، ومعنى الضرر بالنهر ما بيناه من كسر ضفته) ش: لأنه شيء على حافة النهر فكسر به م: (وبالماء) ش: أي ومعنى الضرر بالماء م: (أن يتغير عن سننه الذي كان يجري عليه) ش: لأن فيه تفريغ الماء عن موضعه حتى يصل إلى الرحى م: (والدالية، والساقية نظير الرحى) ش: في الحكم، والجواب، الدالية جذع طويل مركب تركيب مدق الأرز، وفي رأسه مغرفة كبيرة يسقى بها، والساقية البعير الذي يسقى عليه، أي كسقي. وفي " المثل ": سير السواقي بيض، ولا ينقطع. [اتخاذ القنطرة علي النهر] م: (ولا يتخذ عليه جسرا ولا قنطرة) ش: أي على النهر، والجسر ما يوضع، ويرفع عن الألواح والأخشاب. والقنطرة ما يتخذ من الآجر، والحجر لا يرفع. وفي " المغرب ": القنطرة ما يبنى على الماء المحصور، والجسر العام، فإن الجسر ما يعبر به النهر مبنيا كان أو غير مبني، والفتح لغة. وكذلك عين بين قوم لهم عليها أرضون فهو مثل هذا النهر، وكذلك بئر بين قوم يسقون منها أراضيهم. وكذلك البركة بين قوم ليس لأحدهم أن يكري منهم نهرا، وأن يحدث حدثا إلا بإذن أضر بهم أو لا مال، لأن أهل اللغة قالوا: البركة الحوض م: (بمنزلة طريق خاص بين قوم) ش: أي لا يجوز أن يتصرف أحد فيه. م: (بخلاف ما إذا كان لواحد نهر خاص يأخذ من نهر خاص بين قوم) ش: وهو الذي يكون بحال تجري فيه الشفعة م: (فأراد أن يقنطر عليه) ش: أي يتخذ عليه قنطرة م: (ويستوثق منه) ش: أي يشد جانبي القنطرة من النهر م: (له ذلك، أو كان مقنطرا مستوثقا) ش: أي أو كان النهر عليه قنطرة وهو مستوثق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 333 فأراد أن ينقص ذلك، ولا يزيد ذلك في أخذ الماء حيث يكون له ذلك لأنه يتصرف في خالص ملكه وضعا ورفعا ولا ضرر بالشركاء بأخذ زيادة الماء، ويمنع من أن يوسع فم النهر؛ لأنه يكسر ضفة النهر ويزيد على مقدار حقه في أخذ الماء، وكذا إذا كانت القسمة بالكوى، وكذا إذا أراد أن يؤخرها عن فم النهر، فيجعلها في أربعة أذرع منه لاحتباس الماء فيه، فيزداد دخول الماء فيه، بخلاف ما إذا أراد أن يسفل كواه أو يرفعها   [البناية] م: (فأراد أن ينقص ذلك، ولا يزيد ذلك في أخذ الماء) ش: أي أو كان النهر عيه قنطرة، أي لا يزيد نقض القنطرة في دخول الماء في نهره، ولا ضرر بالشركاء بأخذ زيادة الماء هذا اللفظ يحتمل وجهين أحدهما: أنه لا ضرر بالشركاء يأخذ القنطرة زيادة إلا لعدم زيادة الماء كقوله، ولا يرى الصب بها متحجرا، أي يتخذ لنفسه حجرا وهذا عبارة عن عدم الصب ثمة إلا إذا كان صبا لا يتحجر كذا ها هنا لا ضرر بأخذ زيادة الماء. والثاني: لا ضرر بالشركاء بأخذهم زيادة الماء؛ لأنه إذا رفعت القنطرة يتصور حصول زيادة الماء لهم م: (حيث يكون له ذلك) ش: يتعلق بقوله: بخلاف ما إذا كان م: (لأنه يتصرف في خالص ملكه وضعا ورفعا) ش: أي من حيث الوضع في صورة البناء، ومن حيث الرفع في صورة النقض. م: (ولا ضرر بالشركاء بأخذ زيادة الماء) ش: والواو للحال؛ لأن الكلام فيه حتى إذا أضر بهم يمنع، وإن كان تصرف في خالص ملكه لأنه أضر بغيره م: (ويمنع من أن يوسع فم النهر؛ لأنه يكسر ضفة النهر ويزيد على مقدار حقه في أخذ الماء) ش: لأنه حينئذ يكون غاصبا شيئا من مال أصحابه فيمتنع. م: (وكذا إذا كانت القسمة بالكوى) ش: كذا ليس له أن يوسع الكوة إذا كانت القسمة بالكوى، والكوى -بفتح الكاف، وتشديد الواو - وهو ثقب البيت، والجمع كوى -بسكر الكاف - كبدرة وبدر، وقد يضم الكاف في المفرد، ثم استعير الكوى لمفاتيح الماء إلى المزارع، والجداول، فيقال: كوى النهر -بالكسر والضم. [المتصرف في ملكه إذا أضر بغيره] م: (وكذا إذا أراد أن يؤخرها) ش: أي كذا ليس له ذلك، أي أن يؤخر الكوى م: (عن فم النهر فيجعلها في أربعة أذرع منه) ش: أي من فم النهر إلى أسفل. وقال تاج الشريعة: هذا التقدير وقع اتفاقا كما إذا كان اللوح الذي منه الكوى على فم النهر، فأراد أن يجعله في وسطه، ويزيح فوهة النهر بغير اللوح م: (لاحتباس الماء فيه، فيزداد دخول الماء فيه) ش: أي لاحتباس الماء في رأس النهر وإعتاقه، فيجتمع الماء، ويزداد دخوله في الكوى أكثر مما كان يدخل. م: (بخلاف ما إذا أراد أن يسفل كواه) ش: أي نصفها أعمق كان م: (أو يرفعها) ش: ما كان الجزء: 12 ¦ الصفحة: 334 حيث يكون له ذلك في الصحيح؛ لأن قسمة الماء في الأصل باعتبار سعة الكوة وضيقها من غير اعتبار التسفل والترفع، وهو العادة، فلم يكن فيه تغيير موضع القسمة، ولو كانت القسمة وقعت بالكوى، فأراد أحدهم أن يقسم بالأيام ليس له ذلك، لأن القديم يترك على عدمه لظهور الحق فيه، ولو كان لكل منهم كوى مسماة في نهر خاص، ليس لواحد أن يزيد كوة وإن كان لا يضر بأهله؛ لأن الشركة خاصة. بخلاف ما إذا كانت الكوى في النهر الأعظم؛ لأن لكل منهم أن يشق نهرا منه ابتداء، فكان له أن يزيد في الكوى بالطريق الأولى.   [البناية] إلى فوق م: (حيث يكون له ذلك في الصحيح؛ لأن قسمة الماء في الأصل باعتبار سعة الكوة وضيقها من غير اعتبار التسفل والترفع وهو العادة، فلم يكن فيه تغيير موضع القسمة) ش: وفسر الكوى في " الأجناس " بقوله: يعني السواقي. فإن قيل: وإنه وإن تصرف في خالص ملكه مضر بأصحابه وليس له ذلك؛ لأنه يأخذ الماء أكثر من حقه، والمتصرف في ملكه إذا أضر بغيره يمنع كعبد بين شريكين كاتب أحدهما نصيبه، فالجواب عنه: أن يقال: لا يخلو إما أن يكون مقدار عمق نهره وقت القسمة معلوما أو لا، فإن كان معلوما فله أن يسفل حتى يعود إلى الحالة الأولى، ولا يمكن من الزيادة على ما كان في القديم كيلا يضر بغيره بأخذ الماء أكثر من حقه. وإن لم يعلم مقدار عمقه في القديم قالوا: سفل مقدار ما يكري مثل هذا النهر في العرف، والعادة وإن أراد الزيادة منه منع منه، هكذا قال الفقيه أبو جعفر. م: (ولو كانت القسمة وقعت بالكوى، فأراد أحدهم أن يقسم بالأيام ليس له ذلك) ش: يعني إذا لم يرض الشركاء بذلك، فإذا رضوا كان له ذلك م: (لأن القديم يترك على قدمه لظهور الحق فيه) ش: أي في القديم، لا يثبت إلا بحجة. وفي " كفاية المنتهي ": نهر بين قوم يأخذ من النهر العظيم لكل واحد منهم كوى على التفاوت، فقال أصحاب السفل: تأخذون أكثر من نصيبكم؛ لأن كثرة الماء في أول النهر فينقصكم بقدر ذلك، فيجعل لنا ولكم أياما معلومة ويسد كواكم في أيامنا ليس لهم ذلك لأنه حق ثبت وضعا لذلك، فلا يعتبر. م: (ولو كان لكل منهم كوى مسماة) ش: أي معدودة م: (في نهر خاص ليس لواحد أن يزيد كوة وإن كان لا يضر بأهله، لأن الشركة خاصة) ش: لأن إحداث التصرف فيما هو مشترك إلا بإذن الشركاء. م: (بخلاف ما إذا كانت الكوى في النهر العظيم) ش: كالفرات ودجلة والنيل، حيث لا يمنع أن يزيد في الكوى إذا لم يضر بغيره م: (لأن لكل منهم أن يشق نهرا منه) ش: أي من النهر العظيم م: (ابتداء) ش: أي في ابتداء الأمر م: (فكان له أن يزيد في الكوى بالطريق الأولى) ش: واستشهد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 335 قال: وليس لأحد الشركاء في النهر أن يسوق شربه إلى أرض له أخرى ليس لها في ذلك شرب لأنه إذا تقادم العهد يستدل به على أنه حقه. . قال: وكذا إذا أراد أن يسوق شربه في أرضه الأولى، حتى ينتهي إلى هذه الأرض الأخرى لأنه يستوفي زيادة على حقه، إذ الأرض الأولى تنشف بعض الماء قبل أن تسقى الأخرى، وهو نظير طريق مشترك إذا أراد أحدهم أن يفتح فيه بابا إلى دار أخرى ساكنها غير ساكن هذه الدار التي يفتحها في هذا الطريق. ولو أراد الأعلى من الشريكين في النهر الخاص وفيه كوى   [البناية] محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا بطريق خاص بين قوم ليس لأحد منهم أن يبني ولا يفتح فيه بابا من دار أخرى، ولا يسيل فيه ماء، ولا يشرع فيه ميزابا ولا كنيفا أضر بهم أو لم يضر، فكذا في النهر الخاص. م: (قال: وليس لأحد من الشركاء في النهر أن يسوق شربه إلى أرض له أخرى ليس لها في ذلك شرب؛ لأنه إذا تقادم العهد) ش: أي الزمان م: (يستدل به على أنه حقه) ش: أي يسوق الماء إليه، لأنه حقه، وبه قال الشافعي ومالك والقاضي الحنبلي. وعن أحمد في رواية: جاز له ذلك إذا كان على وجه لا يتصرف في حافة النهر، وكذا يجوز أن يهديه أو يهبه. م: (قال: وكذا إذا أراد أن يسوق شربه إلى أرضه الأولى) ش: أي التي لها شرب م: (حتى ينتهي إلى هذه الأرض؛ لأنه يستوفي زيادة على حقه، إذ الأرض الأولى تنشف بعض الماء) ش: أي تشربه م: (قبل أن تسقي الأخرى) ش: هذا الذي ذكره فيما إذا ملأ صاحب الأرضين أرضه التي لها حق الشرب وسقاها بالماء الذي ملأ أرضه الأولى. أما إذا أجرى الماء من الأرض الأولى حتى بلغ إلى الأخرى يمنع أيضا لا باعتبار كثرة الماء وقلته، بل باعتبار أن حقه ليسقي أرضه، وبهذا يصير حقه يسقي أرضين إليه، أشار في " المبسوط ". م: (وهو نظير طريق مشترك) ش: أي المذكورة من الحكم نظير طريق مشترك بين قوم من حيث أنه يزيد في الشرب ما ليس له في حق المرور م: (إذا أراد أحدهم أن يفتح فيه بابا إلى دار أخرى ساكنها غير ساكن هذه الدار التي يفتحها في هذا الطريق) ش: يعني إذا كان له داران وهو ساكن في أحدهما وفي الأخرى ساكن آخر ومرور الدار التي هو يسكنها في طريق مشترك فأراد أن يفتح بابا للدار الأخرى فمن هذا الطريق ليس له ذلك، وقيد بقوله: " ساكنها " غير ساكن هذه الدار؛ لأنه إذا كان ساكن الداران واحد كان له أن يفتح بابا إلى دار أخرى، لأن الماء لا يزداد متى كان ساكن الدارين واحدا ويفتح بابا من جداره لأنه يتصرف في خالص ملكه. م: (ولو أراد الأعلى من الشريكين في النهر الخاص وفيه كوى) ش: أي وفي النهر كوى م: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 336 بينهما أن يسد بعضها دفعا لفيض الماء عن أرضه كيلا تنز، ليس له ذلك لما فيه من الضرر بالآخر. وكذا إذا أراد أن يقسم الشرب مناصفة بينهما؛ لأن القسمة بالكوى تقدمت، إلا أن يتراضيا لأن الحق لهما، وبعد التراضي لصاحب الأسفل أن ينقض ذلك، وكذا لورثته من بعده؛ لأنه إعارة الشرب، فإن مبادلة الشرب بالشرب باطلة؛ والشرب مما يورث   [البناية] (بينهما أن يسد بعضها) ش: أي بعض الكوى م: (دفعا لفيض الماء عن أرضه) ش: أي لأجل دفع فيض الماء عن أرضه م: (كيلا تنز) ش: النز -بالنون وتشديد الزاي المعجمة: - ما تجلب الأرض من الماء، وقد نزت الأرض إذا جاءت ذات نزو تجلت بها الماء م: (ليس له ذلك لما فيه من الضرر بالآخر) . ش: صورته. ما ذكر في " الأصل " وهو: أن نهرا بين رجلين له خمس كوى من هذا النهر الأعظم ولأحد الرجلين أرضه في أعلى النهر، وللآخر أرضه في أسفل النهر فقال صاحب الأعلى: أريد أن أسد من هذه الكوة واحدة أو اثنتين، لأن ماء النهر يكثر في أرض فيفيض وينز منه، قال: ليس له ذلك، إلا إن سد الكوى أو أحدث تصرفا في مكان مشترك فلا يكون له إلا برضاء صاحبه، كما لو أراد أن يوسع الكوى. م: (وكذا إذا أراد أن يقسم الشرب مناصفة بينهما) ش: أي ليس ذلك قوله مناصفة، أي بالأيام أو بالشهور، وصورته: أن يقول صاحب الأعلى لصاحب الأسفل: اجعل لي نصف النهر ولك نصفه، فإذا كان في حصتي سددت منها ما بدا لي. وإذا كان في حصتك فتحبسها كلها ليس له ذلك إلا برضى صاحبه م: (لأن القسمة بالكوى تقدمت، إلا أن يتراضيا لأن الحق لهما) ش: كالمهايأة في الدار إذ أن صاحبه لا يجبر ما إذا تراضيا جاز م: (وبعد التراضي لصاحب الأسفل أن ينقض ذلك) ش: أي ما قسماه، لأن المهايأة غير لازمة، لأنها عادية، لأن تجويزها بطريق الإجازة متعذر، لأنه تكون مبادلة منفعة بمنفعة من جنسها وهو باطل، فيجوز بطريق الإعارة، وللمعير أن يرجع في عاريته متى بدا له ذلك. [مبادلة الشرب بالشرب] م: (وكذا لورثته من بعده) ش: أي وكذا لهم أن ينقضوا ذلك، لأنهم خلفاؤه في ذلك م: (لأنه إعارة الشرب) ش: أي لأن هذا الفعل إعارة، يعني كل واحد منهما يصير لصاحبه نصيبه من الشرب م: (فإن مبادلة الشرب بالشرب باطلة) ش: الهاء فيه للتقليل، لأنه بيع الجنس بالجنس وقد ذكرناه م: (والشرب مما يورث) ش: هذا يحتمل وجهين، أحدهما أن يكون تعليلا لقوله: وكذا لورثته من بعده، وإليه مال تاج الشريعة في " شرحه " حيث قال: لأن الورثة يقومون مقام الوارث في أملاكه وحقوقه. وقد ملك بالإرث ما لا يملك بغيره من أسباب الملك كالقصاص والدين والخمر، فإنها تملك بالإرث وإن لم يملك بالبيع والآخر: أن تكون مسألة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 337 ويوصي بالانتفاع بعينه، بخلاف البيع والهبة والصدقة والوصية بذلك، حيث لا تجوز العقود إما للجهالة، أو للغرر، أو لأنه ليس بمال متقوم حتى لا يضمن إذا سقى من شرب غيره،   [البناية] مبتدأة برأسها، وإليه مال الأترازي في " شرحه "، حيث نقل عن " الأصل ": قال محمد: سألت أبا يوسف عن رجل مات ممن له هذا الشرب؟ فقال: يصير شربه ميراثا، وإن كان بغير أرض وذلك لأن الملك بالأرض يقع حكما لا قصدا، ويجوز أن يثبت الشيء حكما وإن كان لا يثبت قصدا كالخمر ملك بالميراث حكما، وإن كان لا يملك قصدا كسائر أسباب الملك. [حكم الوصية بالشرب] م: (ويوصي بالانتفاع بعينه) ش: أي بعين الشرب، يعني إذا أوصى أن يسقي أرض فلان يوما أو شهرا أو سنة أخذت من الثلث، لأن الوصية بالشرب كالوصية بالعلة المجهولة، وذلك ينفذ من الثلث. وإن مات بطلت الوصية في الشرب بمنزلة ما إذا أوصى بخدمة عبده لإنسان فمات الموصى له بطلت الوصية. وإنما قيد الوصية بعين الشرب احترازا عن الوصية ببيع الشرب وهبته، فإن ذلك وصية بالباطل والوصية بالباطل باطل. م: (بخلاف البيع والهبة والصدقة) ش: أي لا يجوز، وقال محمد: سألت أبا يوسف عن الهبة والصدقة والعمرى والرقبى؟ قال: لا، أي: لا يجوز، لأن الشرب لا يملك بالبيع بدون الأرض، فكذا لا يملك أرض الصدقة والهبة م: (والوصية بذلك) ش: أي وبخلاف الوصية ببيع الشرب وصدقته وهبته م: (حيث لا تجوز العقود) ش: أي البيع والصدقة والهبة ونحوها م: (إما للجهالة) ش: أي كان الماء مجهولا ولا يصير معلوما إلا بالإشارة أو الكيل أو الوزن ولم يوجد شيء منها فكان مجهولا جهالة تفضي إلى المنازعة م: (أو للغرر) ش: فإنه على خطر الوجود، لأن الماء يجيء وينقطع. م: (أو لأنه ليس بمال متقوم) ش: لأن الشرب عبارة عن النصيب من الماء، والماء لا يملك قبل الاحتراز م: (حتى لا يضمن إذا سقى من شرب غيره) ش: يعني من لا شرب له من هذا النهر إذا سقى أرضه بشرب غيره لا يضمن ولو كان مملوكا ضمن، وإذا لم يكن مملوكا قبل الإحراز لا يجوز بيعه. وذكر شيخ الإسلام خواهر زاده -رحمة الله عليه - من مشايخ بلخ كأبي بكر الإسكاف ومحمد بن سلمة وغيرهما: يجوز. وفي بيع الشرب يوم أو يومين، لأن أهل بلخ تعاملوا ذلك والقياس ترك التعامل كما في الاستغناء. وكان الفقيه أبو جعفر وأستاذه أبو بكر البلخي لا يجوزان ذلك. وقالا: هذا تعامل أهل بلدة واحدة، والقياس يترك بتعامل البلاد كلها كما في الاستصناع، ولا يترك بتعامل أهل بلدة واحدة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 338 وإذا بطلت العقود فالوصية بالباطل باطلة. وكذا لا يصلح مسمى في النكاح حتى يجب مهر المثل، ولا في الخلع حتى يجب رد ما قبضت من الصداق لتفاحش الجهالة، ولا يصلح بدل الصلح عن الدعوى لأنه لا يملك بشيء من العقود، ولا يباع الشرب في دين صاحبه بعد موته بدون أرض كما في حال حياته، وكيف يصنع الإمام؟   [البناية] [تزوج امرأة على شرب بغير أرض] م: (وإذا بطلت العقود فالوصية بالباطل باطلة) ش: أي الوصية بهذه العقود بأن يوصي أن يبيع شربه من هذا الرجل أو يوهب له أو يتصدق عليه باطل. وفي بعض النسخ: باطل باعتباره الإيصاء م: (وكذا لا يصلح) ش: أي الشرب. م: (مسمى في النكاح) ش: أي تزوج امرأة على شرب بغير أرض م: (حتى يجب مهر المثل) ش: لعدم صحة التسمية م: (ولا في الخلع) ش: أي وكذا لا يصح مسمى في الخلع بأن خالع امرأته على شرب لها بغير أرض كانت التسمية باطلة، حتى لا يكون له من الشرب شيء. وأما الطلاق فواقع م: (حتى يجب رد ما قبضت من الصداق) ش: لأنها أطمعت الزوج بهذه التسمية فتصير عادة له. وفي الغرر في الخلع يلزمها رد ما قبضت. كما لو اختلعت على ما في يدها من المال أو على ما في بيتها من المتاع وليس في يدها وبيتها شيء. بخلاف ما لو خالعها على خمر أو خنزير فإنه يقع الخلع مجانا، لأن المسمى ليس بمال متقوم م: (لتفاحش الجهالة) ش: يعني في الشرب، وهذا يرجع إلى الكل. [ادعى شيئا ثم صالح على شرب بدون أرض] م: (ولا يصلح بدل الصلح عن الدعوى) ش: بأن ادعى شيئا ثم صالح على شرب بدون أرض فالصلح باطل وصاحب الدعوى على دعواه. وإن كان الصلح عن دم العمد على شرب بدون أرض فإن القصاص يسقط إذا قتل القاتل، لأن سقوط القصاص يعتمد وجود القبول لا وجود المقبول. ألا ترى أنه لو صالح عن دم العمد على خمر أو خنزير يسقط القصاص لوجود القبول وإن لم يجب القبول فكذا هذا. ولا يكون له الشرب من الشرب شيء لعدم صحة التسمية، إلا أنه لا يقع الصلح مجانا، بل يجب على القاتل رد الدية م: (لأنه لا يملك بشيء من العقود) ش: أي لأن الشرب لا يملك بشيء من العقود، أي لأن الشرب لا يملك بشيء من الصلح متى وقع على خلاف الجنس كان فيه معنى البيع، وبيع الشرب بلا أرض لا يجوز، وكذا الصلح عليه بدون أرض، فإن كان المدعي قد شرب من ذلك الشرب سنة أو سنتين فلا ضمان عليه. م: (ولا يباع الشرب في دين صاحبه) ش: أي صاحب الشرب م: (بعد موته بدون أرض كما في حال حياته) ش: أي كما لا يجوز بيعه بدون أرض في حياة صاحبه م: (وكيف يصنع الإمام؟ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 339 الأصح أن يضمه إلى أرض لا شرب لها فيبيعها بإذن صاحبها، ثم ينظر إلى قيمة الأرض مع الشرب وبدونه، فيصرف التفاوت إلى قضاء الدين، وإن لم يجد ذلك اشترى على تركه الميت أرضا بغير شرب، ثم ضم الشرب إليها وباعهما فيصرف من الثمن إلى ثمن الأرض ويصرف الفاضل إلى قضاء الدين. وإذا سقى الرجل أرضه أو مخرها ماء أي ملأها فسال من مائها في أرض رجل فغرقها، أو نزت أرض جاره من هذا الماء لم يكن عليه ضمانها لأنه غير متعد فيه. والله أعلم.   [البناية] الأصح أن يضمه إلى أرض لا شرب لها فيبيعها بإذن صاحبها، ثم ينظر إلى قيمة الأرض مع الشرب وبدونه) ش: أي وبدون الشرب م: (فيصرف التفاوت إلى قضاء الدين) . ش: هذا قول أكثر المشايخ في معرفة قيمة الشرب، كذا قال خواهر زاده في " شرحه " وهو: أن يضم هذا الشرب إلى جريب من الأرض أقرب ما يكون من هذا الشرب فيباع بإذن صاحبها، ثم ينظر بكم يشتري مع الشرب وبدون الشرب بكم يشتري فيكون فرق ما بينهما قيمة الشرب. فإن كان يشتري مع الشرب بمائة وخمسين وبدون الشرب يشتري بمائة يعرف أن قيمة الشرب خمسون درهما فيصرف الخمسين إلى الدين، وإنما قال: " الأصح " لأن فيه اختلاف المشايخ فقال بعضهم: إن الإمام يتخذ حوضا ويجمع ذلك الماء في كل نوبة ثم يبيع الماء الذي جمعه في الحوض ويقضي به الدين. وقال آخرون: يقال للمقومين: إن العلماء لو اتفقوا على جواز بيع الشرب بلا أرض بكم كان يشتري هذا الشرب وهو نظير ما قاله بعض أئمة بلخ أنه إذا وطئ امرأة بشبهة فعليه عقرها فينظر بكم كانت تستأجر على الزنا، لو كان الاستئجار على الزنا جائزا فيجعل ذلك عقرها. م: (وإن لم يجد ذلك) ش: أي وإن لم يجد الإمام ببيع تلك الأرض بأن لم يرض صاحبها م: (اشترى على تركه الميت أرضا بغير شرب، ثم ضم الشرب إليها وباعهما) ش: أي الأرض والشرب جميعا م: (فيصرف الثمن إلى ثمن الأرض ويصرف الفاضل إلى قضاء الدين) ش: أي يصرف الفاضل من ثمن الأرض إلى أرباب الديون. [كانت في أرضه جحر فأر فتعدى إلى أرض جاره فغرقت أرض جاره] م: (وإذا سقى الرجل أرضه أو مخرها ماء، أي ملأها) ش: وفي " الصحاح ": مخرت الأرض إذا أرسلت فيها الماء وفي " ديوان الأدب " مخرت السفينة الماء، أي سفينة يجريها م: (فسال من مائها في أرض رجل فغرقها، أو نزت أرض جاره من هذا الماء لم يكن عليه ضمانها؛ لأنه غير متعد فيه، والله أعلم) ش: أي في السقي والمخر، قال الفقيه أبو جعفر: تأويل ما قال محمد: إذا سقى أرضه سقيا بمثله في العرف والعادة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 340 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وأما إذا سقى سقيا غير مثله في العرف والعادة، فإنه يضمن وهكذا كما قالوا فيمن أوقد نارا في داره يوقد مثلها في الدور في العرف والعادة لا يضمن إذا احترق دار جاره، لأنه سبب غير متعد، وإن أوقد نارا لا يوقد مثلها في العرف والعادة، فإنه يضمن، لأنه متعد في السبب. وأما إذا كانت في أرضه جحر فأر فتعدى إلى أرض جاره فغرقت أرض جاره فإن كان لا يعلم بجحر الفأر لا يضمن، وإن علم يضمن، وعلى هذا قالوا: إذا فتح رأس نهره فسال من النهر شيء إلى أرض جاره فغرقت قالوا: إن فتح من الماء مقدار ما يفتح من الماء في مثل ذلك النهر في العرف والعادة لا يضمن. وإن كان فتح مقدار ما لا يفتح مثل ذلك المقدار في مثل ذلك النهر فإنه يضمن. وحكي عن الشيخ الإمام إسماعيل الزاهد بأنه كان يقول: إذا سقى مثله، إنما لا يضمن إذا كان محقا في السقي بأن سقاه في نوبته مقدار حقه، فأما إذا سقى من غير نوبته أكثر من حقه يضن؛ لأنه مسبب ومتعد، وفي " الأصل ": ولو أن رجلا أوقد نارا أو أحرق كلاء في أرضه فذهبت النار يمينا وشمالا لغيره لم يضمن رب الأرض، وقال خواهر زاده: تأويله: إذا أوقد نارا توقد مثلها في العرف والعادة، فأما إذا أوقد نارا لا يوقد مثلها فإنه يضمن. وفي " فتاوى البقالي ": ولو تعدى الماء إلى الأرض جاره وهو يرى ولم يخبر: يضمن. وفي " المحيط ": لو انبثق نهر فجرى في أرض قوم، وخرب أراضيهم فليس لهم أن يأخذوا أصحاب النهر بعمارة الأرضين ولهم أن يأخذوهم بعمارة النهر. ولو كان له مجرى ماء على سطح غيره فخرب السطح فإصلاح المجرى على صابح المجرى. وذكر " الهندواني ": لو ألقى رجل شاة في أرض طاحونة فسار الماء بها إلى الطاحونة إن كان النهر لا يحتاج إلى الكري فلا ضمان عليه، وإن كان يحتاج ضمن إن علم أنها خربت من ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 341 كتاب الأشربة سمي بها، وهي جمع شراب لما فيه من بيان حكمها. قال: الأشربة المحرمة أربعة:   [البناية] [كتاب الأشربة] [تعريف الأشربة] م: (كتاب الأشربة) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الأشربة. وجه المناسبة بين الكتابين: أن إحياء الموات فيه الشرب بالكسر، وهذا الكتاب فيه الشرب بالضم، وكلاهما سقيا عرق واحد لفظا ومعنى، غير أنه قدم الأول لكونه فيه حلالا، وهذا فيه حرام، كذا أورد في عامة الكتب من " المبسوط "، و " الذخيرة، و " المغني "، و " التحفة "، و " القدوري "، وهي جمع شراب كالأطعمة جمع طعام، وهو اسم لما يشرب كالطعام اسم لما يطعم، أي يؤكل ثم محاسن حرمة الأشربة المحرمة ظاهرة لأنها مزيلة للعقل الذي هو أشرف الأشياء وأغربها بتعلق خطابات الشرع به، إلا أن الخمر أبيحت للأمم الماضية لطول أعمارهم وجسامة أبدانهم فيتحملون آفة الشراب، ولا يتسارع إليهم السكر، ففي إباحتها صلاح لهم لكثرة نفعها، أما هذه الأمة فقصيرة الأعمار ضعيفة الأبدان، فيسارع إليهم السكر بشرب قليل منها، فصلاحهم في حرمة قليلها وكثيرها. وإنما أبيحت في ابتداء الإسلام ليعاينوا الفساد في الخمر، حتى إذا حرمت عليهم عرفوا منه الحق لدينهم، وليس الخبر كالعيان، وقيل: لتدريج النصارى لئلا ينفروا عن الإسلام. وفي " شرح الأقطع ": والأشربة كلها مباحة بالعقل إلا ما ورد الشرع بتحريمه لأن الأشياء كلها على الإباحة في الأصل عندنا. م: (سمي بها) ش: أي سمي الكتاب بالأشربة م: (وهي) ش: أي الأشربة م: (جمع شراب لما فيه) ش: أي لما في هذا الكتاب م: (من بيان حكمها) ش: أي حكم الأشربة من الحرام، والمباح كما سمي كتاب البيوع لما فيه من بيان أحكامها، وكتاب الحدود لما فيه من بيان أحكام الحدود ونحو ذلك من الكتب المذكورة. [الأشربة المحرمة] م: (قال: الأشربة المحرمة أربعة:) ش: أي قال القدوري في " مختصره "، وفي " المحيط ": الأعيان التي يتخذ منها الأشربة: العنب، والزبيب، والتمر، والحبوب كالحنطة، والشعير، والذرة، والدخن، والفواكه، كالإجاص، والبرصاء، وكالشهد، والفانيد، والألبان. أما العنب فالمتخذ منه خمسة: الخمر، والباذق، والمنصف، والمثلث، والملحح، والمتخذ من الزبيب شيئان: نقيع، ونبيذ. والمتخذ من التمر ثلاثة: السكر، والنضج، والنبيذ. والمتخذ من الحبوب والفواكه وغيرهما شيء واحد. وإن اختلف أسماء النقيع كنبيذ العسل، والحقة كنبيذ الشعير، والمبذر كنبيذ الذرة، كذا ذكره " قاضي خان "، والتمرتاشي، فينتهي إلى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 342 الخمر، وهي عصير العنب إذا غلي واشتد وقذف بالزبد. . والعصير إذا طبخ حتى يذهب أقل من ثلثيه وهو الطلاء المذكور في " الجامع الصغير " " ونقيع التمر، وهو السكر، ونقيع الزبيب إذا اشتد وغلي   [البناية] أحد عشر اسما، أو أكثر كما يجيء في الكتابة. ثم العنب إذا عصر سمي ماؤه عصيرا ما دام حلوا، فإذا اشتد صار مرا، وسمي خمرا، وإذا مال إلى الحموضة سمي خلا، فإذا طبخ أدنى طبخة، وصار شديدا سمي باذقا، وإذا طبخ على النصف يسمى منصفا، وإذا طبخ حتى ذهب ثلثاه يسمى مثلثا، وإذا رفق بالماء ثم طبخ يسمى يعقوبيا أو يوسفيا لأنه - رَحِمَهُ اللَّهُ - قد رتبه للرشيد فيما يقال. وقد سمي جمهوريا؛ لأن جمهور الناس وجماعتهم يشربونه. ويسمى حميديا لأنه محمود عندهم، أو لأن حميدا رجل داوم على شربه أو علمهم ذلك، والذي يتخذ من الزبيب زبيبا. والرطب إذا عصر فذلك العصير يسمى دبسا، فإذا تغير عن حاله أو اشتد يسمى سكرا، والتمر إذا نبذ في الماء، أي ألقي فيه يسمى نبيذا، وإذا أخذ من رأسه، واستخرجت حلاوته بعد ذلك يسمى فضيخا. وما يتخذ من العسل يسمى بقعا. وما يتخذ من القمح يسمى مزرا. وما يتخذ من الشعير يسمى حقة. وما يتخذ من الذرة يسمى سكر -بضم الكاف، وسكون الراء -. [من الأشربة المحرمة الخمر] م: (الخمر) ش: أي أحدها الخمر م: (وهي عصير العنب إذا غلى واشتد) ش: أي صار قويا وكثر غليانه وحصل فيه قوة الإسكار. وقيل: صار بحال يمنع حواس شاربه من الفهم، والدرك. وقيل: صلاحيته للإسكار م: (وقذف بالزبد) ش: أي رمي به، وهذا قيد للمعنى الشرعي لأن معنى الخمر وحده في اللغة: شراب مسكر معصور من العنب، وفي الشرع: شيء من الماء والعنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد. [من الأشربة المحرمة العصير] م: (والعصير) ش: أي الثاني من الأشربة المحرمة العصير، عصير العنب م: (إذا طبخ حتى يذهب أقل من ثلثيه، وهو الطلاء المذكور في " الجامع الصغير ") ش: الطلاء كل ما يطلى به من قطران أو نحوه، ويقال لكل ما أخذ من الأشربة طلاء على التشبيه حتى يسمى به المثلث، كذا في " المغرب "، وفي " تاج الأسامي ": الطلاء شراب ذهب بالطبخ ثلثاه، وفي " ديوان الأدب ": الطلاء ممدود، وفي " الصحاح ": ما يطبخ من عصير العنب حتى يذهب ثلثاه، وتسميه العجم: المسجد، وفسره الفقيه أبو الليث: الطلاء في " شرح الجامع الصغير " بالمصنف. [من الأشربة المحرمة نقيع التمر] م: (ونقيع التمر) ش: أي الثالث من الأشربة المحرمة: نقيع التمر م: (وهو السكر) ش: السكر بفتح السين والكاف. م: (ونقيع الزبيب إذا اشتد وغلى) ش: أي الرابع من الأشربة المحرمة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 343 أما الخمر فالكلام فيها في عشرة مواضع: أحدها: في بيان مائيتها وهي التي من ماء العنب إذا صار مسكرا، وهذا عندنا، وهو المعروف عند أهل اللغة وأهل العلم. وقال بعض الناس: هو اسم لكل مسكر؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كل مسكر خمر» . وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الخمر من هاتين الشجرتين» ، وأشار إلى الكرمة والنخلة   [البناية] نقيع الزبيب بشرط الشدة، والغليان. م: (أما الخمر فالكلام فيها في عشرة مواضع: أحدها: في بيان مائيتها) ش: أي ماهيتها في اصطلاح الفقهاء: المائية مكان الماهية، وهو مائية الشيء كماهية الإنسان وهو حيوان ناطق م: (وهي التي من ماء العنب) ش: خاصة م: (إذا صار مسكرا) ش: أي ماهية الخمر هذا، وأشار بقوله: " خاصة " إلى: أن هذه الماهية مخصوصة بالخمر وأن غير الخمر يسمى باسم آخر. م: (وهذا عندنا) ش: أي هذا الإطلاق عند علمائنا الحنفية م: (وهو المعروف عند أهل اللغة وأهل العلم) ش: أراد بأهل العلم: الفقهاء، وبأهل اللغة: أهل اللسان م: (وقال بعض الناس) ش: أي من علماء الفقه، وأراد بهم الأئمة الثلاثة، وأصحاب الظاهر م: (هو اسم لكل مسكر) ش: أي الخمر اسم لكل مسكر في أي شيء كان. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كل مسكر خمر» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم عن أيوب السختياني عن رافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام» وعند أحمد في " مسنده ": «وكل خمر حرام» وكذلك عند ابن حبان في " صحيحه ". وكذلك رواه عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا ابن جريج عن أيوب السختياني، ومن طريقه رواه الدارقطني في " سننه " وهو عند مسلم أيضا لكن على الظن. ولفظه عن نافع عن ابن عمر قال: ولا أعلمه إلا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام» م: (وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الخمر من هاتين الشجرتين: وأشار إلى الكرمة والنخلة» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري عن يزيد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخمر من هاتين الشجرتين، النخلة، والعنبة» . وفي لفظ لمسلم: الكرمة والنخرة، ولهم أحاديث أخر في هذا الباب منها ما أخرجه البخاري، ومسلم عن ثابت «عن أنس بن مالك قال: كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة، وما أشربهم إلا فضيح البسرة التمر، فإذا مناد ينادي فقال: اخرج فانظر، فخرجت فنظرت فإذا مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت. قال: نحرت في سكك المدينة، فقال أبو طلحة: اخرج فأهرقها؛ فخرجت فأهرقتها» . ومنها ما رواه البخاري من حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مرفوعا: «نزل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 344 ولأنه مشتق من مخامرة العقل، وهو موجود في كل مسكر، ولنا: أنه اسم خاص بإطباق أهل اللغة فيما ذكرناه، ولهذا اشتهر استعماله فيه، وفي غيره؛ ولأن حرمة الخمر قطعية، وهي في غيرها ظنية، وإنما سمي خمرا لتخمره لا لمخامرته العقل على أن ما ذكرتم لا ينافي كون الاسم خاصا فيه.   [البناية] تحريم الخمر وهي خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير» . ومنها قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: الخمر ما خامر العقل. رواه البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولأنه مشتق من مخامرة العقل) ش: أي ولأن الخمر مشتق من مخامرة العقل. يقال: خامره إذا خالطه. والكلام في اشتقاق الخمر الذي هو ثلاثي من المخامرة الذي هو مزيد فيه كالكلام في اشتقاق الوجه من المواجهة، وقد مر الكلام فيه في أول الكتاب مستقصى م: (وهو موجود في كل مسكر) ش: أي هذا المعنى موجود في كل ما كان مسكرا م: (ولنا: أنه) ش: أي لفظ الخمر م: (اسم خاص بإطباق أهل اللغة فيما ذكرناه) ش: أي اسم مخصوص للتي من ماء العنب إذا صار مسكرا حقيقة باتفاق أهل اللغة، قوله: فيما ذكرناه في التي من ماء العنب م: (ولهذا) ش: أي، ولأجل استعمال الخمر في التي من ماء العنب إذا صار مسكرا م: (اشتهر استعماله فيه) ش: أي في استعمال لفظ الخمر في التي من ماء العنب المسكر م: (وفي غيره) ش: أي واشتهر في غير التي من ماء العنب غير اسم الخمر، حيث يسمى مثلثا وباذنا ونحوهما فكان استعمال هذا الاسم لغيره مجازا؛ لأن الترادف خلاف الأصل، وقد أريدت الحقيقة، فبطل المجاز. وقال أبو عبيد، وأبو زيد، وابن السكيت: ما اتخذ من غير العنب ليس بخمر م: (ولأن حرمة الخمر قطعية) ش: يعني لا يصح أن يصرف في تحريمها إلا إلى حين تثبت الحرمة في تلك العين قطعا، وغير التي ليس بهذه المثابة لمكان الاجتهاد فيه أشار إليه بقوله: م: (وهي في غيرها ظنية) ش: أي وفي غير التي من ماء العنب إذا أسكر الحرمة ظنية لما قلنا. م: (وإنما سمي خمرا لتخمره) ش: هذا جواب عن قولهم: لأنه مشتق من مخامرة العقل، يعني لا نسلم أنه مشتق من المخامرة بل هو مشتق من التخمر، وهو الشدة والقوة فإن بها شدة قوة وليست بغيرها حتى سميت أم الخبائث ما تسميته بهذا المعنى م: (لا لمخامرته العقل) ش: يعني ليست تسميته التي من ماء العنب إذا أسكر لمخالطته العقل، وهذا هو تحقيق كلام المصنف. وقال صاحب " العناية ": قوله: " وإنما سمي " يعني غير التي خمرا لتخمره أي لصيرورته ماء كالخمر لا لمخامرته وهذا كلام فيه ما فيه تأمل وتدبر. وأما التوابع فإنما غضا بصرهما في هذا الموضع م: (على أن ما ذكرتم لا ينافي كون الاسم خاصا فيه) ش: هذا جواب بطريق التسليم يعني: ولئن سلمنا أن يكون من مخامرة العقل، ولكن قد يكون موضع الاشتقاق عاما، والمشتق منه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 345 فإن النجم مشتق من النجوم، وهو الظهور. ثم هو اسم خاص للنجم المعروف لا لكل ما ظهر، وهذا كثير النظير، والحديث الأول طعن فيه يحيى بن معين - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] خاصا وهو معنى قوله: لا ينافي كون الاسم أي اسم الخمر خاصا فيه أي في التي من ماء العنب إذا أسكر م: (فإن النجم مشتق من النجوم، وهو الظهور) ش: يعني مشتق من نجم إذا ظهر. م: (ثم هو اسم خاص للنجم المعروف) ش: وهو الثريا م: (لا لكل ما ظهر) ش: أي ليس هو باسم لكل ما ظهر م: (وهذا كثير النظير) ش: نحو القارورة فإنها مشتقة من القرار، وليست باسما لكل ما يقر فيه شيء، والجرجر فإنه مشتق من الجرجرة وهو التحرك، ولا يسمى كل ما يتحرك جرجرا وهو الفرس الذي أحد شقيه أبيض، والآخر أسود ويسمى أبلق. ولا يسمى الثوب الذي فيه سواد، وبياض بهذا الاسم فعلم أن القياس لا مدخل له في اللغة. م: (والحديث الأول طعن فيه يحيى بن معين - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أراد به قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل مسكر خمر» وذكر علاء الدين العالم طريقة الخلافة. وروي عن يحيى بن معين أنه قال: الأحاديث الثلاثة ليست بثابتة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أحدها: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» ، والثاني: «من مس ذكره فليتوضأ» ، والثالث: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام» . ويحيى بن معين: هو الحافظ المستقر الذي قال فيه أحمد بن حنبل: كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين فهو ليس بحديث، ولد سنة ثمان وخمسين ومائة، وتوفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين في ذي القعدة بالمدينة. قلت: الأحسن أن يقال: منها هذا الحديث. رواه سائر أصحاب مالك عنه موقوفا غير روح فإنه رفعه، وذكر أبو عمر في " التمهيد " هذا موقوفا في " الموطأ " لم يختلف فيه الرواية عن مالك إلا الماجشون فإنه رواه عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرفعه. ولهذا رواه مسلم بالظن فقال: لا أعلمه إلا مرفوعا، ولئن سلمنا أنه مرفوع وأنه ثابت. والمراد منه: بيان حكم لا اللغة؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلم الأحكام لا اللغة فكأنه قال: كل ما يسكر كثيره فحكمه كحكم الخمر في الحرمة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 346 والثاني: أريد به بيان الحكم، إذ هو اللائق بمنصب الرسالة. والثاني: في حق ثبوت هذا الاسم، وهذا الذي ذكره في الكتاب قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما: إذا اشتد صار خمرا، ولا يشترط القذف بالزبد؛ لأن الاسم يثبت به،   [البناية] م: (والثاني) ش: أي والحديث الثاني وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخمر من هاتين الشجرتين» م: (أريد به بيان الحكم) ش: والحرمة لا بيان الحقيقة، وفيه نزاع. م: (إذ هو اللائق بمنصب الرسالة) ش: أي لأن بيان الحكم هو اللائق بحال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه بعث لبيان الأحكام، لا لبيان الحقائق، وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز أن يراد بقوله: «الخمر من هاتين الشجرتين» أحدهما فعمهما الخطاب، وأراد أحدهما كما في قوله سبحانه وتعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] وإنما يخرج من أحدهما، وقد اخترق ابن حزم وشفع على الطحاوي منها، وقال: صدق الله -عز وجل - وكذب الطحاوي. قال: كليهما يخرجان من البحرين، وهذا سفاهة نمه وقلة فهم، فإن الطحاوي قال: هكذا قالت أئمة التفسير، ويجوز ذلك بطريق التغليب فكان الحديث محتملا، والمحتمل لا يصلح حجة. وكذا الجواب عن قوله: نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة وأشباه ذلك أنها محمولة على الحالة التي يتولد منها السكر لأنها تعمل عمل الخمر في توليد السكر، واستحقاق الحد، وعليه أيضا يحمل قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: الخمر ما خامر العقل؛ لأن المخامرة التغطية، والقليل من الأنبذة لا يخامر العقل، وقد نفى أبو الأسود الديلمي اسم الخمر على الطلا بقوله: دع الخمر يشربها الغواة ... فإنني رأيت أخاها معنيا لمكانها فإن لا يكنها أو تكنه ... فإنه أخوها غذته أمه بلبانها جعل الطلاء أخا للخمر وأخوه التي غيره أراد أنهما معا من الكرم. م: (والثاني) ش: أي موضع الثاني من العشرة م: (في حق ثبوت هذا الاسم) ش: أي ثبوت اسم الخمر، م: (وهذا الذي ذكره في الكتاب) ش: أي في " مختصر القدوري ": وهو قوله: وهو عصير العنب إذا غلا، وإذا اشتد وقذف بالزبد. م: (قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي هذا المذكور، وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في حد الخمر م: (وعندهما: إذا اشتد) ش: أي وعند أبي يوسف، ومحمد: الخمر هي التي من العنب. م: (صار خمرا، ولا يشترط القذف بالزبد؛ لأن الاسم يثبت به) ش: أي لأن اسم الخمر يثبت بالاشتداد والغليان؛ لأنه حينئذ مسكرا خمرا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 347 وكذا المعنى المحرم، وهو المؤثر في الفساد بالاشتداد. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: - أن الغليان بداية الشدة، وكمالها بقذف الزبد وسكوته، إذ به يتميز الصافي من الكدر، وأحكام الشرع قطعية فتناط بالنهاية كالحد وإكفار المستحل وحرمة البيع. وقيل: يؤخذ في حرمة الشرب بمجرد الاشتداد احتياطا. والثالث: أن عينها حرام غير معلول بالسكر ولا موقوف عليه، ومن الناس من أنكر حرمة عينها، وقال: إن السكر منها حرام؛ لأن به يحصل الفساد وهو الصد عن ذكر الله،   [البناية] م: (وكذا المعنى المحرم) ش: وهو الإسكار م: (وهو المؤثر في الفساد بالاشتداد) ش: أي المعنى المحرم المؤثر في الفساد، وهو يكون بالاشتداد ويتعلق التحريم. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الغليان بداية الشدة وكمالها) ش: أي كمال الشدة، وفي بعض النسخ: وكماله. م: (بقذف الزبد وسكونه) ش: أي وسكون الغليان. والتحقيق فيه: أن مطلق اسم الغليان ينصرف إلى الكامل، والغليان لا يتكامل ما لم يقذف بالزبد، فيكون الغليان موجودا من وجه دون وجه، فلا بد من قذف الزبد. م: (إذ به يتميز الصافي من الكدر) ش: لأن أسفله يصير أعلاه فيتميز من كدره. م: (وأحكام الشرع قطعية) ش: أي أمهات أحكام الشرع قطعية لا مجال للظن والاحتمال فيها م: (فتناط بالنهاية) ش: أي يتعلق بالنهاية. وحكم الإباحة كان ثانيا للعصير بيقين، فلا يزل إلا بيقين آخر مثله لم يثبت بسبب الحرمة، فبكماله لا ترتفع الإباحة؛ لأن بعض السبب لا عبرة م: (كالحد) ش: أي كحد الخمر، حيث يتعلق بالنهاية والغاية، وكذا حد الزنا، والسرقة لا تجب إلا بكمال الفعل اسما وصورة ومعنى من كل وجه؛ لأن في النقصان شبهة العدم، والحدود تندرئ بالشبهات م: (وإكفار المستحل) ش: أي مستحل الخمر م: (وحرمة البيع) ش: أي وحرمة بيع الخمر. وبهذا أن أحكام الخمر مقطوع بها كالحد، وتكفير المستحل، وحرمة البيع، والنجاسة فتناط بالنهاية، لما في النقصان من شبهة العمل، فلا يصح إثباتها بالشبهة. م: (وقيل: يؤخذ في حرمة الشرب بمجرد الاشتداد احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط، ويعني بالحد لقذف الزنا احتياطا لا للدرء. م: (والثالث) ش: أي الموضع الثالث: م: (أن عينها) ش: أي عين الخمر م: (حرام غير معلول بالسكر ولا موقوف عليه) ش: أي على السكر م: (ومن الناس من أنكر حرمة عينها. وقال: إن السكر منه حرام) ش: قيل: هو مروي عن بعض أهل الشام، وقدامة بن مظعون؛ م: (لأن به) ش: أي بالسكر م: (لأنه يحصل الفساد وهو الصد عن ذكر الله) ش: سبحانه وتعالى، الصد: المنع، يقال: صد عنه إذا منعه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 348 وهذا كفر؛ لأنه جحود الكتاب. فإنه تعالى سماه رجسا، والرجس ما هو محرم العين، وقد جاءت السنة متواترة أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حرم الخمر   [البناية] م: (وهذا كفر) ش: أي هذا القول كفر م: (لأنه جحود الكتاب، فإنه تعالى سماه رجسا) ش: وهو قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ} [المائدة: 90] م: (والرجس ما هو محرم العين) ش: يعني: الرجس اسم للحرام النجس عينا بلا شبهة، ودليله: قوله سبحانه وتعالى: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] ولحمه حرام نجس عينا بلا شبهة، فكذا الخمر، وفي الآية دليل على حرمتها من اثني عشر وجها على ما ذكر في " التيسير "، و " الكشاف " وهي: التأكيد بإنما، والجملة الإسمية، والمقارنة بالقمار والمقارنة بعبادة الأوثان، وهي الأصنام لأن الأنصاب جمع نصب، وهي ما نصب فعبد من دون الله. وجعلها رجسا وهو اسم للحرام النجس عينا كالميتة، والدم وجعلها من عمل الشيطان. ولا يأتي منه إلا الشر البحت، والأمر بالاجتناب نص على التحريم، وجعل الاجتناب من الفلاح. فإذا كان الاجتناب فلاحا، كان الارتكاب خيبة وذكر ما ينتج منهما من وقوع التعادي والتباغض بين أصحاب الخمر فما يؤدي القول للصد عن ذكر الله وعن مراعاة أوقات الصلاة، والأمر بالانتهاء؛ لأن معنى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] انتهوا، وهذه الصيغة من أبلغ ما ينهى عنه. م: (وقد جاءت السنة متواترة) ش: أي متكاثرة ومتتابعة، وليس معناه التواتر الاصطلاحي أو يقول معناه: جاء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث كلها تدل على حرمة الخمر. وكل واحد منها إذا لم يبلغ حد التواتر، فالقدر المشترك منها متواترة كشجاعة علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وجود حاتم. وسمي هذا التواتر بالمعنى م: (أن «النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حرم الخمر» ش: منها ما أخرجه البخاري، ومسلم، عن ثابت «عن أنس قال: " كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر» ، وقد ذكرناه. ومنها: ما أخرجه أحمد في " مسنده " عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إن الله حرم الخمر، والميسر، والكرمة، والعنب» . ومنها: ما أخرجه أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب " ذم المسكر " عن محمد بن عبد الله بن مربع، عن المفصل بن سليمان التمري، عن عمرو بن سعيد، عن الزهري، حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن حارث بن هشام، أن أبان قال: سمعت عثمان بن عفان -رضي الله تعالى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 349 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عنه - يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث إنه كان رجل ممن خلا قبلكم يتعبد، ويعتزل الناس، فطمعت به امرأة غوية، فأرسلت إليه جاريتها، فقالت: إنما أدعوك لشهادة. فدخل معها يطفق كلما دخل بابا أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام، وباطية خمر، فقالت: والله إني ما دعوتك إلا لتقع علي، أو لتقتل هذا الغلام، أو تشرب الخمر. فسقته كأسا، فقال: زيديني، فلم يبرح حتى وقع عليها، وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر، فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبدا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبته ".» ورواه البيهقي في " سننه " موقوفا على عثمان، وهو أصلح. ومنها: ما أخرجه أبو يعلى الموصلي في " مسنده ": حدثنا جعفر بن حميد الكوفي، حدثنا يعقوب العمي عن عيسى بن حارثة بن عبد الله قال: «جاء رجل يحمل الخمر من خيبر إلى المدينة فيبيعها من المسلمين، فقال: يا فلان: الخمر قد حرمت فوضعها حيث انتهى على كل وسجاها بأكبسة، ثم أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله بلغني أن الخمر قد حرمت؟، فقال: " أجل " قال: هل لي أن أردها على من ابتعتها منه؟. قال: " لا " قال: فأؤديها إلى من يكافئني منها؟. قال: " لا ". قال: فإن فيها ليتامى في حجري، قال: " إذا أتاني مال البحرين، فإني أعوض أيتامك عن مالهم ". ثم نادى بالمدينة، فقال رجل: يا رسول الله: الأوعية ينتفع بها، قال: " فحلو أوكيتها " فانصبت حتى استقرت في بطن الوادي» . ومنها: ما أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مدمن خمر كعابد وثن» . وفي " صحيح ابن حبان " عن ابن عباس نحوه. وأخرج البزار في " مسنده " عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا: «شارب الخمر كعابد وثن» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 350 وعليه انعقد الإجماع؛ ولأن قليله يدعو إلى كثيره،   [البناية] ومنها ما أخرجه ابن ماجه أيضا عن أبي الدرداء: «أوصاني خليلي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر» . وأخرج أيضا عن خباب بن الأرت قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إياك والخمر، فإن خطيئتها أرفع الخطايا كما أن شجرتها أسرع الشجرة» . ومنها ما أخرجه الترمذي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب لم يتب الله عليه وسقي من نهر الخبال ". قيل: يا أبا عبد الرحمن: وما نهر الخبال؟. قال: نهر من صديد أهل النار» . وقال: حديث حسن، وعند أبي داود نحوه عن ابن عباس، وعن ابن ماجه نحوه عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وعند أحمد نحوه عن أسماء بنت زيد، ومنها: ما رواه البخاري عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من شرب الخمر في الدنيا، ثم لم يتب منها، حرمها في الآخرة» . ومنها: ما أخرجه النسائي من حديث وهب، أخبرنا عمرو بن محمد، عن عبد الله بن يسار، سمع سالم بن عبد الله يقول: قال ابن عمر، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، العاق والديه، والمدمن الخمر، والمنان بما أعطى» . والأحاديث من الصحاح والحسنة كثيرة جدا م: (وعليه انعقد الإجماع) ش: أي على تحريم الخمر انعقد إجماع الأمة، فكل مسلم يعتقد حرمتها قطعا، إلا من خلع ربقة الإسلام من الدهرية والفلاسفة خذلهم الله -عز وجل -. [علة تحريم قليل الخمر] م: (ولأن قليله يدعو إلى كثيره) ش: أي قليل الخمر يدعو إلى كثيره، ولهذا قيل: ما من شراب وطعام، إلا ولذته في الابتداء تزيد على لذته في الانتهاء، إلا الخمر، فإن اللذة لشاربها تزداد بالإكثار. ولهذا يزداد حرمته إذا أصاب منها شيئا فكان القليل داعيا إلى الكثير فيكون الجزء: 12 ¦ الصفحة: 351 وهذا من خواص الخمر. ولهذا تزداد لشاربه اللذة بالاستكثار منه بخلاف سائر المطعومات، ثم هو غير معلوم عندنا حتى لا يتعدى حكمه إلى سائر المسكرات، والشافعي رحمه الله يعديه إليها، وهذا بعيد لأنه خلاف السنة المشهورة، وتعليله لتعدية الاسم،   [البناية] محرما ألا ترى إن الزنا لما حرم، حرم دواعيه، وإن المشي على قصد المعصية معصية م: (وهذا من خواص الخمر) . ش: أي دعاء قليله إلى كثيره. م: (ولهذا) ش: أي: ولأجل ذلك، م: (تزداد لشاربه اللذة بالاستكثار منه بخلاف سائر المطعومات) ش: حيث تشمئز النفس منها عند الاستكثار. وهذا كله ظاهر بالمشاهدة. وقال الأترازي: ولو قال " بخلاف سائر المسكرات "، أو قال " بخلاف سائر المشروبات " كان أولى لأنه يريد الفرق بين الخمر، وسائر المسكرات، لا إلى سائر المطعومات. قلت: الذي قاله المصنف هو الأولى؛ لأن مراده: بيان الفرق بين الخمر وغيره مما له طعم، سواء كان مطعوما أو مشروبا في كون دعاء قليله إلى كثيره حيث وجد هذا المعنى في الخمر دون غيره مطلقا. على أن الطعم يذكر، ويراد به الشرب كما في قوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249] . وأما الذي يتعلق بالنزاع مع الشافعي، فإنه ذكر فيه لفظ المسكرات حيث قال: لا يتعدى حكمه إلى المسكرات م: (ثم هو غير معلول عندنا) ش: أي القليل غير معلول عندنا. ويقال: إن هذا اللفظ، أعني الخمر، غير معلول م: (حتى لا يتعدى حكمه) ش: وهو الحرمة م: (إلى سائر المسكرات) ش: أي إلى قليله سائر المسكرات حتى لا يجب الحد بشراب قطرة من غير الخمر من المسكرات م: (والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعديه إليها) ش: أي تعدي هذا اللفظ إلى المسكرات لأن الخمر اسم لما يخامر العقل، ولهذا لا يسمى العصير خمرا قبل التخمر ولا بعد التخلل. وكل مسكر مخامر فيكون خمرا م: (وهذا بعيد) ش: أي قول الشافعي بعيد م: (لأنه خلاف السنة المشهورة، وتعليله لتعدية الاسم) ش: أي لأن تعليل الشافعي يخامره العقل، أو بالسنة المضطربة خلاف السنة المشهورة، وهي ما روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - موقوفا عليه، ومرفوعا: «حرمة الخمر لعينها، والسكر من كل شراب» . ولما كانت حرمتها لعينها لا يصح التعليل بمعنى المخامرة لتعدية اسمها إلى غيرها. ثم إن هذا الحديث أخرجه النسائي في " سننه " موقوفا على ابن عباس من طرق فأخرجه عن ابن شبرمة عن عبد الله بن شداد، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: «حرمت الخمر لعينها قليلها وكثيرها، والمسكر من كل شراب» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 352 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وفي لفظ النسائي قال: وابن شبرمة لم يسمعه عن شداد. ثم أخرجه عن هشيم، عن ابن شبرمة، حدثني الثقة عن ابن شداد، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «حرمت الخمر لعينها قليلها، وكثيرها. والمسكر من كل شراب» . وفي لفظ: «وما أسكر من كل شراب» ، وقال: هذا أولى بالصواب من حديث ابن شبرمة. ورواه البزار في " مسنده ": حدثنا محمد بن حرب، حدثنا أبو سفيان الحميري، حدثنا هشام، عن ابن شبرمة، عن عمار الذهبي، عن عبد الله بن شداد، ورواه عن ابن عون مسعر، والثوري، وشريك، ولا يعلم رواه عن ابن شبرمة عن عمار الذهبي عن ابن شداد عن ابن عباس إلا هشيم، ولا عن هشيم إلا أبو سفيان. ولم يكن هذا الحديث إلا عند محمد بن حرب، وكان واسطيا ثقة، حدثنا زيد بن أجرم أبو طالب الطائي، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، عن مسعر، عن أبي عون، عن عبد الله بن شداد: فذكره. حدثنا أحمد بن منصور، حدثنا يزيد بن أبي حكيم، حدثنا سفيان، عن أبي سلمة، عن أبي عون، عن ابن شداد، عن ابن عباس، قال: وشعبة يقول: " والمسكر ". وقد رواه جماعة عن أبي عون فاقتصرنا على رواية مسعر ولا نعلم روى الثوري عن مسعر حديثا مسندا إلا هذا الحديث، وأخرجه الطبراني في " معجمه " عن أبي عون، عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس موقوفا: «حرمت الخمر لعينها القليل منها، والكثير، والمسكر من كل شراب» . وأخرجه عن سعيد بن المسيب، عن ابن عباس: مرفوعا نحوه، وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " في ترجمة مسعر عن قلاد بن يحيى عن مسعر. عن أبي عون به، وقد رواه عن مسعر سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وسفيان، وإبراهيم: أخبرنا عيينة، ورفعه سفيان بن عيينة، عن مسعر فقال: عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتفرد شعبة عن مسعر فقال: «والسكر من كل شراب» . وأخرجه الدارقطني في " سننه " من طريق أحمد بن حنبل، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن مسعر، عن أبي عون، عن ابن شداد، عن ابن عباس موقوفا: «إنما حرمت الخمر لعينها، والسكر من كل شراب» قال: وهذا هو الصواب عن ابن عباس؛ لأنه قد روى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل مسكر حرام» . ورواه طاوس وعطاء ومجاهد، عن ابن عباس: «قليل ما أسكر وكثيره حرام» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 353 والتعليل في الأحكام لا في الأسماء   [البناية] وأخرج قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، عن مسعر، عن ابن عون، عن عبد الله بن شداد، عن ابن عباس قال: «حرمت الخمر لعينها، القليل منها، والكثير، والمسكر من كل شراب» . قال ابن حزم: صحيح، وتابع أبا نعيم جعفر بن عون، فرواه عن مسعر كذلك، ونافع عن مسعر عن سفيان الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - فرواه عن ابن عون كذلك، وأخرجه الطبراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " التهذيب ". حدثنا محمد بن سمن الجرسي: حدثنا عبد الله بن عيسى، حدثنا داود بن هند عن عكرمة، عن ابن عباس قال: «حرم الله الخمر لعينها، والسكر من كل شراب» . وروي هذا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أيضا، أخرجه العقيلي في كتاب " الضعفاء " في ترجمة محمد بن الفرات، حدثنا عمرو بن أحمد بن عمر بن شرح، حدثنا يوسف بن عدي، حدثنا محمد بن الفرات الكوفي، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث، عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «طاف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين الصفا والمروة أسبوعا ثم استند إلى حائط من حيطان مكة قال: هل شربة؟، فأتي بقعبة من نبيذ فذاقه، فقطب، ورده. فقام إليه رجل من آل خطب، فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا شراب أهل مكة. قال: فصب عليه الماء ثم شرب، ثم قال: " حرمت الخمر بعينها، والسكر من كل شراب» . وأعله محمد بن الفرات، ونقل عن يحيى بن معين أنه قال فيه: ليس بشيء. ونقل عن البخاري أنه قال: منكر الحديث، وقال العقيلي: لا يتابع عليه. وأخرجه العقيلي أيضا عن عبد الرحمن بن بشر العطفاني عن أبي إسحاق عن الحارث، «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الأشربة عام حجة الوداع فقال: " حرم الله الخمر بعينها، والسكر من كل شراب» . وقال عبد الرحمن: هذا مجهول في الرواية والسبب. وحديثه غير محفوظ إنما يروى هذا عن ابن عباس في قوله؛ أي ولأنه تعليل للتعدية الاسم يعني ما ذهب إليه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تعليل لتعدية الاسم، فلا يصح لأن التعليل لا يكون إلا في الأحكام أشار إليه بقوله: م: (والتعليل في الأحكام لا في الأسماء) ش: أي يكون التعليل للتعدية في الأحكام، لا يكون في الأسماء؛ لأن الأسماء الموضوعة للأعيان والأشخاص يكون المعقود منها تعريف المسمى وإحضاره بذلك الاسم، لا تحقيق ذلك الوصف من الشيء، فلا يمكن التعدية. وهب أن الخمر سمي به لمخامرته العقل، ولكن لا يدل على أن كل مخامرة مسمى خمرا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 354 والرابع: أنها نجسة نجاسة غليظة كالبول لثبوتها بالدلائل القطعية على ما بينا. والخامس: أنه يكفر مستحلها لإنكاره الدليل القطعي. والسادس: لسقوط تقومها في حق المسلم حتى لا يضمن متلفها وغاصبها، ولا يجوز بيعها؛ لأن الله تعالى لما نجسها فقد أهانها، والتقوم يشعر بعزتها. وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن الذي حرم شربها حرم بيعها وأكل ثمنها»   [البناية] كما مر من قبل ولأنه تعدية من التفاوت في المعنى. [نجاسة الخمر] 1 (والرابع) ش: أي الموضع الرابع: م: (أنها) ش: أي الخمر م: (نجسة نجاسة غليظة كالبول لثبوتها بالدلائل القطعية على ما بينا) ش: أشار به إلى قوله: سماه رجسا فكان كالبول والدم المسفوح، م: (والخامس) ش: أي الموضع الخامس م: (أنه يكفر مستحلها) ش: أي مستحل الخمر م: (لإنكاره الدليل القطعي) ش: وهو الكتاب، وكذلك الأحاديث المشهورة، وكذلك الإجماع م: (والسادس) ش: أي الموضع السادس م: (لسقوط تقومها في حق المسلم حتى لا يضمن متلفها) ش: بالإجماع، قالوا: عدم الضمان في إتلافها لا يدل على إباحة إتلافها، فكذلك اختلفوا: هل يباح إتلافها، قال مجد الأئمة السرخسي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وقيل: يباح، والأصح: أنه لا يباح الإتلاف إلا لغرض صحيح، بأن كانت الشرب يشربها غالبا لو تركت عنده حتى لو كانت عند صالح لا يباع فإنها مملوكة، وفي بقائها فائدة وهو التخليل. كذا ذكره المحبوبي. م: (وغاصبها) ش: أي ولا يضمن غاصبها أيضا من مسلم م: (ولا يجوز بيعها؛ لأن الله تعالى لما نجسها فقد أهانها، والتقوم يشعر بعزتها) ش: لأن معنى قولنا أن الشيء متقوم أي إنه مما يجب إبقاؤه بعينه، أو بمادته م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن الذي حرم شربها حرم بيعها وأكل ثمنها» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم «عن عبد الرحمن بن وعلة، قال: سألت ابن عباس عما يعمل من العنب؟ فقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: - إن رجلا أهدى إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - راوية خمر، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هل علمت أن الله حرم شربها؟ " قال: لا، قال: فساره إنسان. فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " بم ساررته؟ ". فقال: أمرته ببيعها، فقال: " إن الله حرم شربها، وحرم بيعها "، قال: ففتح المزادة حتى ذهب ما فيها» . وأخرج البخاري، ومسلم عن عطاء، «عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام الفتح وهو يقول بمكة: " إن الله ورسوله حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام ". فقيل: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟. فقال: " لا. هو حرام " ثم قال: " قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فجملوها فباعوها، وأكلوا ثمنها» . وأخرج أحمد في " مسنده "، «عن نافع بن كيسان، أن أباه أخبره أنه كان ينحل في الخمر في زمن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنه أقبل في الشام، ومعه زقاق خمر يريد بها التجارة، فأتى رسول الجزء: 12 ¦ الصفحة: 355 واختلفوا في سقوط ماليتها، والأصح أنه مال؛ لأن الطباع تميل إليها وتضن بها. ومن كان له على مسلم دين فأوفاه ثمن خمر لا يحل له أن يأخذه، ولا للمديون أن يؤديه؛ لأنه ثمن بيع باطل. وهو غصب في يده أو أمانة على حسب ما اختلفوا فيه كما في بيع الميتة. ولو كان الدين على ذمي، فإنه يؤديه من ثمن الخمر، والمسلم الطالب يستوفيه؛ لأن بيعها فيما بينهم جائز. والسابع: حرمة الانتفاع بها؛ لأن الانتفاع بالنجس حرام.   [البناية] الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إني أتيت بشراب جيد؟، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يا كيسان إنها حرمت بعدك ". قال: أفأبيعها يا رسول الله؟ قال: " إنها حرمت، وحرم ثمنها ". فانطلق كيسان إلى الزقاق فأخذ بأرجلها فأهرقها» . وأخرج أيضا «عن عبد الحميد بن جعفر، عن بشر بن حوشب، عن تميم الداري: أنه كان يهدي كل عام رواية خمر، فلما أنزل الله تحريم الخمر، جاء بها؛ فلما رآه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحك. قال: " أشعرت أنها قد حرمت؟ " قال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفلا أبيعها، وأنتفع بثمنها؟. قال: " إن الله حرم الخمر، وثمنها» . [سقوط مالية الخمر] 1 (واختلفوا في سقوط ماليتها) ش: أي اختلف العلماء في سقوط مالية الخمر م: (والأصح أنه مال) ش: غير متقوم م: (لأن الطباع تميل إليها وتضن بها) ش: أي تبخل به، وهذا هو حقيقة المال م: (ومن كان له على مسلم دين فأوفاه ثمن خمر) . ش: وفي بعض النسخ. فأوفاه من ثمن خمر م: (لا يحل له أن يأخذه، ولا للمديون أن يؤديه؛ لأنه ثمن بيع باطل) ش: عنده إنما كان باطلا؛ ولأن الخمر مبيع، فكان باطلا م: (وهو غصب في يده أو أمانة) ش: أي هذا الثمن غصب في يده، وعلى قول أبي سعيد البرذعي: لأنه أخذه بغير إذن الشرع، [أما] على مذهب أبي نصر أحمد الطواويسي: لأنه أخذه برضى صاحبه م: (على حسب ما اختلفوا فيه) ش: أي في ثمن البيع الباطل على ما ذكرناه م: (كما في بيع الميتة) ش: يرجع إلى قوله: لأنه ثمن بيع باطل. [الانتفاع بالنجس] (ولو كان الدين على ذمي فإنه يؤديه من ثمن الخمر، والمسلم الطالب يستوفيه؛ لأن بيعها فيما بينهم جائز) ش: لأنها مال متقوم في حق الكافر، وبيعها جائز عنده م: (والسابع) ش: أي الموضع السابع م: (حرمة الانتفاع بها؛ لأن الانتفاع بالنجس حرام) . ش: قال صاحب " العناية ": يريد بحرمة الانتفاع التداوي بالاحتقان، وسقي الدواب، والإقطار في الإحليل. قلت: أخذ هذا من كلام الكاكي. والكاكي من تاج الشريعة. ولكن قوله: حرمة الانتفاع أعم من هذه الثلاثة، والتخصيص بها تحكم، بل لا يجوز استعمالها في دهن أو طيب ونحوهما، ولا يجوز الإسقاط بها، وكذا التداوي بحقيقة وغيرها، ولا يجوز الجزء: 12 ¦ الصفحة: 356 ولأنه واجب الاجتناب، وفي الانتفاع به اقتراب والثامن: أن يحد شاربها وإن لم يسكر منها لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه»   [البناية] سقيها للدواب، فإن سقى شاة فذبحت من ساعته أكل لحمها لأنه لم يؤثر في لحمها، فإن اعتادت شرب الخمر، وصارت بحال يوجد ريح الخمر من حلقها، فإن كان إبلا، يحبس شهرا ثم يؤكل، وإن كان بقرا يحبس عشرين يوما، وإن كان شاة يحبس عشرة أيام، والدجاجة تحبس ثلاثة أيام. فإن صب في حنطة، لم يؤكل، كما لو صب فيها بول، فإن غسلت فطبخت حل أكلها إذا لم يوجد ريح الخمر، وطعمها لزوال النجاسة. قالوا: هذا إذا لم تنتفخ، فإن انتفخت هل تطهر بالغسل؟. على قول أبي يوسف: تطهر إذا غسلت ثلاث مرت وجففت في كل مرة. وعلى قول محمد: لم تطهر أبدا. وعلى قول أبي يوسف: تغلى ثلاث مرات بماء طاهر، وتبرد في كل مرة. كذا ذكره قاضي خان في " شرح الجامع الصغير "، م: (ولأنه واجب الاجتناب) ش: أي ولأن الخمر واجب الاجتناب بالنص لكونه حراما م: (وفي الانتفاع به اقتراب) ش: وهو خلاف النص. [الحد في شرب الخمر] م: (والثامن) ش: أي الموضع الثامن م: (أن يحد شاربها وإن لم يسكر منها) ش: أي من الخمر؛ لأن حرمتها لعينها، فلا يشترط فيه السكر م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه» . ش: هذا الحديث رواه أبو داود عن عاصم، عن أبي صالح، عن معاوية، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا شربوا الخمر فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاقتلوهم» . حدثنا موسى، حدثنا حماد، عن حميد بن يزيد، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال بهذا المعنى، قال: وأحسبه قال في الخامسة: «إن شربها فاقتلوه» . وروى أبو داود، والنسائي أيضا، عن ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، فإن عاد الرابعة فاضربوا عنقه» . وقال أبو داود: وكذا حديث عمر بن أبي سملة عن أبيه، وقال: «فإن عاد في الرابعة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 357 إلا أن حكم القتل قد انتسخ فبقي الجلد مشروعا،   [البناية] فاضربوا عنقه» . وكذا حديث سهل، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن شربوا الرابعة فاقتلوهم ". وكذا حديث ابن أبي نعيم عن ابن عمر، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وكذا حديث عبد الله بن عمر، والمريد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وفي حديث [ .... ] عن معاوية مرفوعا: «وإن عاد في الثالثة [فاجلدوه] ، والرابعة فاقتلوه» م: (إلا أن حكم القتل قد انتسخ) ش: بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى معان ثلاث » الحديث. ورواه البيهقي من حديث ابن عيينة، عن الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب في الرابعة فاقتلوه " فأتي برجل قد شرب الخمر فجلدوه، ثم أتي به فجلدوه، ثم أتي به في الرابعة فجلده فرفع القتل عن الناس» وكانت رخصة. ورواه الشافعي عن سفيان، وفيه: «فإن شرب فاقتلوه» لا يدري الزهري بعد الثالثة أو الرابعة. وقال في آخره: ووضع القتل، وصارت رخصة. وروي أيضا من حديث محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن قبيصة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، وإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه ". فأتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجل من الأنصار يقال: له نعيمان، فضربه أربع مرات، فرأى المسلمون أن القتل قد أخر وأن الضرب قد وجب» . وروى الحاكم، وقال: أخبرنا ابن أبي دارم الحافظ بالكوفة، حدثنا المنذر بن محمد القابوسي، حدثنا أبي، حدثنا الحسن بن صالح، عن محمد بن إسحاق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن عبد الله بن أبي بكر، عن ابن المنكدر، عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: جلد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نعيمان أربع مرات في الخمر، فرأى المسلمون حرجا عظيما أن الحد قد وقع، وأن القتل أخر م: (فبقي الجلد مشروعا) ش: بالأحاديث المذكورة، وقد مر بيانه مستوفى في كتاب الحدود، فإن شربها إنسان لخوف العطش لا بأس به كما لو شرب البول. وقال الشافعي: يكره، فإن شربها بهذه الصورة لم يحد؛ لأن الضرورة كما أثرت في الشرب أثرت في سقوط الحد. فإن زاد على قدر الحاجة فسكر حد لانعدام الضرورة، وكذا إذا أكره على شرب الخمر فسكر لم يحد، فأما إذا خلط الماء بالخمر، فإن كان الماء أقل، أو كان الماء سواء يحد شاربه إذا دخل إلى جوفه. وإن كان الغلبة للماء فلا يحد شاربه إلا إذا سكر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 358 وعليه انعقاد إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -   [البناية] كذا في " شرح الطحاوي " م: (وعليه انعقد إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أي على أنها حرام، ويحد بشرب قليلها. كذا قاله الكاكي. والصواب أن يقال: أي وعلى الجلد انعقد الإجماع من الصحابة؛ لأن بين انعقاد الإجماع على تحريمها فيما قضي من قريب وهو قوله: وقد جاءت السنة المتواترة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حرم الخمر، وعليه انعقد الإجماع. قال الكاكي: وما حكي عن قدامة بن مظعون، وعمرو بن معد كرب، وابن حدل بن سهم، بأنهم قالوا بحلها. فقد روى الجوزجاني بإسناده إلى ابن عباس: أن قدامة بن مظعون، وعمرو بن مظعون شرب الخمر، وقال له عمر: ما حملك على ذلك. فقال: إن الله سبحانه وتعالى يقول: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] وأتي بالمهاجرين الأولين من أهل بدر، فقال عمر: أجيبوا الرجل. فسكتوا. فقال لابن عباس: أجبه. فقال: إنما أنزل الله عذرا للماضين لمن شربها قبل أن تحرم. ثم سأل عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن الجلد فيها. فقال علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذا شرب هذى، وإذا هذى افترى، فعليه حد المفترين ثمانين جلدة. فجلده عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثمانين، فقال: أخطأت التأويل. وروي أن أناسا شربوا الخمر بالشام، فقال لهم يزيد بن أبي سفيان: شربتم الخمر، قالوا: نعم، بقوله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 93] الآية. فكتب فيهم إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فكتب عمر: أن ابعثهم إلي سريعا لئلا يفتنوا عباد الله. فبعث بهم إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقال لعلي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: ما ترى؟. فقال: أرى إن زعموا أنها حلال، شرعوا في دين الله فاقتلهم، وإن زعموا أنها حرام فاجلدوهم ثمانين. فجلدهم عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثمانين. ورجعوا إلى تحريمها فانعقد الإجماع. انتهى. قلت: انعقاد الإجماع على تحريم الخمر كان قبل ذلك بالكتاب، والسنن المشهورة. وهؤلاء الذين ذكرهم إنما شربوا الخمر متأولين بالآية المذكورة مع كونهم مخطئين في هذا التأويل. فلهذا قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لقدامة: أخطأت التأويل. ولم يكونوا مخالفين للصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - حتى يكون الإجماع وقت إقامة الحد عليهم على أن هذا الخبر لم ينته إلى الصحة. وقد رواه البيهقي في " سننه " من طريق سعيد بن عفير، حدثنا يحيى بن فليح، أخذ محمد، عن ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: " أن الشراب كانوا يضربون على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يعني بالأيدي، والنعال، والعصي - ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 359 وتقديره ما ذكرناه في الحدود والتاسع: أن الطبخ لا يؤثر فيها؛ لأنه للمنع من ثبوت الحرمة لا لرفعها بعد ثبوتها إلا أنه لا يحد فيه ما لم يسكر منه على ما قالوه؛   [البناية] وكانوا في خلافة أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أكثر منهم في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال: لو فرضنا لهم حدا افتراضي نحو ما كان يضربون على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يجلدهم أربعين حتى توفي. ثم كان عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - من بعدهم يجلدهم أربعين حتى أتي برجل من المهاجرين الأولين قد شرب، فأمر به أن يجلد، فقال: لم تجلدوني بيني وبينك كتاب الله. قال: وفي أي كتاب الله تجد أني لا أجلدك. فقال: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] الآية. شهدت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدرا، وأحد، والخندق، والمشاهد. فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: ألا تردون عليه ما يقول؟. فقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: إن هؤلاء الآيات أنزلت عذرا للماضين، وحجة على الباقين؛ لأنه يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ} [المائدة: 90] فإن كان من الذين آمنوا، وعملوا الصالحات ثم اتقوا وأحسنوا، فإن الله قد نهى أن يشرب الخمر. فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: فماذا ترون؟. فقال علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: نرى أنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون جلدة. فأمر عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فجلد ثمانون. وقال الذهبي في " مختصره ": لا أعرف ابن فليح. م: (وتقديره ما ذكرناه في الحدود) ش: أي، وتقدير الجلد ذكرناه في كتاب الحدود. [الخمر إذا طبخت حتى ذهب ثلثاها] م: (والتاسع) ش: أي الموضع التاسع م: (أن الطبخ لا يؤثر فيها) ش: أي في الخمر بعد أن صار خمرا. يعني أن الخمر إذا طبخت حتى ذهب ثلثاه لا يحل م: (لأنه للمنع من ثبوت الحرمة لا لرفعها بعد ثبوتها) ش: أي لرفع الحرمة بعد ثبوتها لأن أثر الطبخ في إزالة صفة الإسكار والخمر حرام، وموجب للحد بعينها لا لإسكارها. وفي " القنية ": قيل: لو زالت حرارتها بالطبخ، يحل شربها؛ لأنها ما بقيت خمرا م: (إلا أنه لا يحد فيه ما لم يسكر منه) ش: أي إلا أن الشأن لا يحد في المطبوخ من الخمر ما لم يسكر. م: (على ما قالوا) ش: أي المشائخ. وإنما قال هكذا لأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يذكر أنه إذا شرب بعد الطبخ ولم يسكر. ثم قالوا: قيل: يجب الحد. ثم قالوا: لا يجب لأنه ليس بخمر لغة، فإنه الخمر لغة: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 360 لأن الحد بالقليل في النيء خاصة لما ذكرناه. وهذا قد طبخ. والعاشر: جواز تخليلها، وفيه خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وسنذكره من بعد إن شاء الله هذا هو الكلام في الخمر. وأما العصير إذا طبخ حتى يذهب أقل من ثلثيه وهو المطبوخ أدنى طبخة، ويسمى البازق والمنصف.   [البناية] النيء من ماء العنب، وهذا مطبوخ، وليس بنيء أشار إليه بقوله: م: (لأن الحد بالقليل في النيء خاصة لما ذكرناه، وهذا قد طبخ) ش: أي صار مطبوخا. وقال شمس الأئمة السرخسي: يحد من شرب منه قليلا كان أو كثيرا بالنص لأنه يوجب الحد في قليل الخمر. [تخليل الخمر] م: (والعاشر: جواز تخليلها) ش: أي الموضع العاشر في جواز تخليل الخمر م: (وفيه) ش: أي وفي هذا الموضع م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وسنذكره من بعد إن شاء الله) ش: يعني في آخر هذا الباب. م: (هذا هو الكلام في الخمر) ش: يعني الذي ذكرناه إلى هذا الموضع هو الكلام في أحكام الخمر م: (وأما العصير) ش: هذا عطف على قوله أما الخمر. وقد فصل بها قوله: الأشربة المحرمة أربعة؛ لأن التفصيل يكون بعد الإجمال. م: (إذا طبخ حتى يذهب أقل من ثلثيه وهو المطبوخ أدنى طبخة ويسمى البازق) ش: قيل: إنها كلمة معربة تعريب باده بالفارسي. وكما سئل ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عن البازق؛ فقال: سبق محمد البازق. وما أسكر فهو حرام. كذا في " الفائق ": إن لم يكن البازق في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ويجوز أن يكون معناه: سبق قوله في البازق وغيره في " المغرب ". هذا ضعيف: بل البازق عصير عنب طبخ أدنى طبخة فصار شديدا. م: (والمنصف) ش: يجوز بالنصب عطفا على قوله: البازق، أي يسمى الذاهب أقل من الثلثين: البازق، والمنصف، وأيضا: أنه قد حصر الأشربة المحرمة على أربعة وهي: الخمر، والعصير الذاهب أقل من الثلثين، ونقيع التمر، ونقيع الزبيب. ولو كان المنصف غير البازق، يلزم أن تكون الأشربة المحرمة خمسة، ويجوز المنصف بالرفع لأنه نوع من الذاهب أقل من الثلثين؛ لأنه أعم أن يكون منصفا أو غيره. ولهذا جعل شيخ الإسلام خواهر زاده البازق قسما، والمنصف قمسا حيث قال: أما الذي يتخذ من العنب، والرطب: قالوا: ستة: الخمر، والبازق، والمنصف، والمثلث، والتجيج، والجمهوري، والحميدي، وسمي أبا يوسفي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 361 وهو ما ذهب نصفه بالطبخ، فكل ذلك حرام عندنا إذا غلي، واشتد وقذف بالزبد، أو إذا اشتد على الاختلاف.   [البناية] فإن قلت: أيهما أوجه؟. قلت: الأول أوجه معنى. وهذا أوجه لفظا؛ لأنه لو كان منصوبا يقال أيضا م: (وهو ما ذهب نصفه بالطبخ) ش: أي المنصف هو الذي ذهب نصفه بالطبخ. م: (فكل ذلك حرام عندنا) ش: يعني القليل، والكثير. ولكن م: (إذا غلى واشتد وقذف بالزبد) ش: على مذهب أبي حنيفة م: (أو إذا اشتد) ش: يعني من غير قذف بالزبد على مذهبهما أشار إلى ذلك بقوله م: (على الاختلاف) ش: المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه في اشتراط القذف بالزبد. ثم تبين ما ذكره خواهر زاده من أنواع ما يعمل من العنب: الأول: الخمر: وقد مر بيانه. والثاني: البازق: فحكمه أنه حلال شربه ما دام حلوا، فإذا غلا، واشتد، وقذف بالزبد، فإنه يحرم قليله، وكثيره في قول علمائنا، وعامة العلماء. وعند بشر، وكذا أصحاب الظواهر، والأصفهاني، وغيرهم: يحل شربه، ولا يفسق شاربه، ولا يكفر مستحله، ولا يحد شاربه. وعندنا: ما لم يسكر منه. وعند الشافعي: يحد إذا شرب قطرة، ونجاسته غليظة. وقال شيخ الإسلام: ينبغي أن تكون خفيفة على مذهبيهما لتعارض الأخبار في إباحته وحرمته. والثالث: المنصف: وهو الذي طبخ من نيء العنب حتى بقي نصفه، فما دام حلوا يحل شربه، وإذا غلا واشتد، وقذف بالزبد، لا يحل شربه عندنا خلافا لبشر، وأهل الظاهر. والرابع: المثلث، وسيجيء حكمه. والخامس: المتبجج: واختلفوا في تفسيره، فقال الإمام أبو حنيفة الكعبي: هو العصير الذي صب فيه الماء، وطبخ حتى ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه فيكون الذاهب من العصير أقل من الثلثين، وأنه لما دام حلوا يحل شربه، وإذا غلا واشتد لا يحل شربه قليله، وكثيره عند علمائنا جميعا. وهو الذي سمي جمهوريا أيضا. وقال بعضهم: التبجيج الحميد وهو أن يصب الماء على المثلث، ويترك حتى يشتد فإنه يحل شربه. قال شيخ الإسلام خواهر زاده: وهو الأصح. ويسمى أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان كثيرا يستعمله، وهل يشترط لإباحته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأبي يوسف بعدما صب الماء فيه، أو في طبخه؟ اختلف المشائخ فيه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 362 وقال الأوزاعي: إنه مباح. وهو قول بعض المعتزلة؛ لأنه مشروب طيب وليس بخمر. ولنا: أنه رقيق ملذ مطرب، ولهذا يجتمع عليه الفساق فيحرم شربه دفعا للفساد المتعلق به.   [البناية] قال شيخ الإسلام: كان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل يقول: يشترط أدنى طبخة لإباحته عندهما. وكان الشيخ الإمام الجوهري والإمام الحاكم أبو محمد الكفيني يقولان: لا يشترط. ومن حكمه: أنه يحل شربه ما دام حلوا. وكذا إذا غلا، واشتد ما دون السكر عند أبي حنيفة، وأبي يوسف -رحمهما الله -. ولا يحل السكر منه، ويحد على ذلك، ولا يحد إذا شرب قطرة خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وقال الأوزاعي) ش: وهو عبد الرحمن بن عمرو، إمام أهل الشام الأوزاعي نسبة إلى أوزاع: وهي من قبائل شتى. وقال ابن أبي خيثمة: الأوزاعي بطن من همدان. وقيل: بطن من ذي الكلاع. وقيل: اسمه مريد بن زيد بطن من حمير. وقيل غير ذلك. م: (إنه مباح) ش: أي العصير الذي طبخ حتى ذهب أقل من ثلثيه يباح شربه. م (وهو قول بعض المعتزلة) ش: وهو: بشر المريسي، وهو قول أصحاب الظاهر أيضا كداود الأصفهاني وغيره. م: (لأنه مشروب طيب) ش: إذ الطيب ما يستطيبه الطبع م: (وليس بخمر) ش: صورة لأنه نيء، ولا معنى؛ لأن الخمر مشتق من المخامرة. ولهذا قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: الخمر ما يخامر العقل، بخلاف القدح المسكر، فإنه يخامر العقل فيكون خمرا من حيث المعنى. م: (ولنا: أنه رقيق) ش: أي أن العصير المذكور رقيق، واحترز به عن المثلث، والدبس، فإنهما غليظان م: (ملذ) ش: من الإلذاذ أراد به أنه جانب اللذة م: (مطرب) ش: من الإطراب فيدعو قليله إلى كثيره. م: (ولهذا) ش: أي ولكونه ملذا مطربا م: (يجتمع عليه الفساق فيحرم شربه دفعا للفساد المتعلق به) ش: وقد اجتمع الفساق عليه، ودعا قليله إلى كثيره بخلاف المثلث؛ لأنه ليس بخمر حقيقة، ولا معنى؛ لأنه لا يؤدي إلى المخامرة غالبا، فإن شرب القليل منه لا يدعو إلى الكثير لغلاظته، وكثافته، ولا يفسق شاربه للاختلاف فيه. ولم يثبت الحرمة فيه بدليل قاطع بخلاف ما لو أكل متروك التسمية عمدا حيث يفسق مع الاختلاف في الحرمة لثبوتها بدليل قطعي. والحرمة متى تثبت ولم يثبت متى: لم يثبت بدليل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 363 وأما نقيع التمر، وهو السكر، وهو النيء من ماء التمر أي الرطب، فهو حرام مكروه، وقال شريك بن عبد الله: إنه مباح لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 67] .   [البناية] قطعي لا يعتبر الاختلاف بعد ذلك. [نقيع التمر وما يتخذ من التمر] م: (وأما نقيع التمر) ش: عطف على قوله: وأما العصير م: (وهو السكر) ش: بفتح السين، والكاف جميعا، وما يتخذ من التمر أنواعه ثلاثة: السكر، والنبيذ، والفضيخ: وهو المراد بالنقيع، وإنه حرام كالبازق. والنقيع من أنقع التمر، والزبيب في الخابية إذا أبقاه فيها ليبتل ويخرج منه الحلاوة في الماء، وأهمه الشراب النقيع. م: (وهو النيء من ماء التمر) ش: أي النقيع الذي هو السكر وهو النيء من ماء العنب م: (أي الرطب) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تفسير " صاحب الهداية ": التمر بالرطب فيه نظر؛ لأن التمر إذا نقع في الماء يسمى نقيعا، ولا حاجة إلى أن ينقع الرطب لا محالة يعني يسمى نقيعا. وقياس كلامه هنا: أن يقول: في نقيع الزبيب؛ أي نقيع العنب، وليس بقوي. قلت: هذا التفسير لا بد منه لأن الشراب المتخذ من التمر اسمه نبيذ التمر، لا السكر، وهو حلال على قول أبي حنيفة، وأبي يوسف -رحمهما الله - على ما يجيء إن شاء الله تعالى. وقال تاج الشريعة: وفائدة تفسير التمر بالرطب: أن في نقيع اليابس ينبغي أن يكون خلاف الأوزاعي كما في المطبوخ قليلا من عصير العنب، والجامع أن في الأول ذهب البعض بالنار، وفي الثاني بالشمس، والحاصل: أنه ذكر خلاف الأوزاعي في الزبيب؛ لأنه ذهب بعضه بالشمس. وهذا المعنى ثابت في التمر. ولم يذكر الخلاف فيه، علم أن المراد من التمر الرطب لأنه لا يخالفون في الرطب، وإنما يخالفنا في اليابس من التمر م: (فهو حرام مكروه) ش: أردف الحرام بالمكروه ليعلم أن درجة حرمته أدنى من الخمر؛ لأن حرمة السكر اجتهادية، وحرمة الخمر بالإجماع قطعية. ولهذا لا يكفر مستحل السكر، ويكفر مستحل الخمر. م: (وقال شريك بن عبد الله) ش: ابن أبي شريك ساب بن عبد الله النخعي الكوفي من أصحاب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وممن أخذ منه ببخارى، ومات بالكوفة يوم السبت في ذي القعدة سنة سبع وسبعين ومائة، وروى له مسلم متابعة، تولى القضاء بواسط سنة وخمسين ومائة ثم تولى الكوفة بعد ذلك. م: (إنه مباح) ش: أي السكر مباح م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 67] ش: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 364 امتن علينا به وهو بالمحرم لا يتحقق. ولنا إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -   [البناية] أول الآية، ومن ثمرات النخيل، والأعناب تتخذون سكرا ورزقا حسنا أي يسقيكم من ثمرات النخيل، والأعناب أي من عصيرها. وحذف الدلالة يسقيكم قليله عليه. وقوله: تتخذون منه سكرا بيان وكشف عن كيفية الإسقاء. والسكر: النبيذ: وهو خمر التمر، والرزق الحسن: الدبس، والخل، والتمر، والزبيب، وغير ذلك. والرزق الحسن شرعا ما هو حلال. وحكم المعطوف، والمعطوف عليه واحد؛ لأن الآية لبيان الامتناع. ويجوز أن يجعل السكر رزقا حسنا كأنه قيل: تتخذون ما هو سكر، ورزق حسن. م: (امتن علينا به) ش: أي بالسكر م: (وهو بالمحرم لا يتحقق) ش: أي الامتنان بالحرام لا يتحقق من الحكم. م: (ولنا إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: يعني على تحريم السكر. وروى عبد الرزاق في " مصنفه "، أخبرنا الثوري، عن منصور، عن أبي وائل قال: اشتكى رجل منا بطنه فوصف له السكر: فقال عبد الله بن مسعود: «إن الله لم يكن ليجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» . أخبرنا معمر عن منصور به وزاد قال معمر: والسكر يكون من التمر، و [من] الطريق عبد الرزاق [عن] . روى الطبراني في " معجمه " بالسند الأول. ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه "، حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور به حدثنا جرير عن مغيرة، عن إبراهيم قال: قال عبد الله: السكر خمر. حدثنا عفص بن غياث، عن ليث، عن حرب، عن سعيد بن جبير، قال ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنه سئل عن السكر، فقال: الخمر. وفي " السنن " للدارقطني، عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: كان عبد الله يحلف بالله: أن التي أمر بها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكسر دنانه حين حرمت الخمر سكر التمر، والزبيب. وروى البيهقي من حديث سفيان بن الأسود بن قيس، عن عمر بن سفيان، عن ابن عباس أنه سئل عن قول الله سبحانه وتعالى: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 67] ؟. قال: السكر ما حرم من ثمرتها؛ والرزق الحسن من ثمرتها. وروي عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله سبحانه وتعالى: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} [النحل: 67] فحرم الله السكر بعد ذلك السكر مع تحريم الخمر لأنه منها. قال: رزقا حسنا فهو حلال من الخل والرب والنبيذ، وأشباه ذلك. فأقره الله، وجعله حلالا لنا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 365 ويدل عليه ما رويناه من قبل. والآية محمولة على الابتداء إذ كانت الأشربة مباحة كلها. وقيل: أراد به التوبيخ. معناه والله أعلم: تتخذون منه سكرا وتدعون رزقا حسنا.   [البناية] م: (ويدل عليه ما رويناه من قبل) ش: أي يدل على إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ما رويناه من قبل، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخمر من هاتين الشجرتين» . وأشار إلى الكرمة والنخلة ولم يرو به بيان الإثم، فإنه ما بعث لذلك فيكون المراد بيان حكم الحرمة أن ما يكون من هاتين الشجرتين سواء في الحرمة. ثم التي من ماء العنب إذا غلا واشتد خمرا. فكذا التي من ماء التمر. إلا أنه لا يحد بنفس الشرب، لأن اختلاف العلماء أورثت فيها شبهة. م: (والآية محمولة على الابتداء إذ كانت الأشربة مباحة كلها) ش: أشار بهذا إلى أن الآية منسوخة. قال مقاتل: نزلت الآية قبل تحريم الخمر لأن السورة مكية، وتحريم الخمر بالمدينة، وروى البيهقي من حديث شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم الشعبي، وأبي رزين: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 67] هي منسوخة، فإذا كانت منسوخة فلا يجوز الاحتجاج به. وفي " الكشاف "، وقيل: السكر: النبيذ، وهو عصير العنب، والزبيب، والتمر إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه ثم يترك حتى يشتد، وهو حلال عند أبي حنيفة إلى حد السكر. ويحتج بهذه الآية. م: (وقيل: أراد به التوبيخ) ش: أي أراد بالآية الشريفة التوبيخ، أي أراد بالآية المذكورة التوبيخ لا الامتنان م: (معناه: والله أعلم: تتخذون منه سكرا وتدعون رزقا حسنا) ش: يعني بسفاهتكم تتخذون منه سكرا حراما وتدعون رزقا حسنا: أي تتركون، والله سبحانه وتعالى أعلم. وفي " الذخيرة ": ما يتخذون من الشراب، من الخمر ثلاثة للسكر والعصير وهو الذي يسمى فضيخا، والنبيذ. أما السكر فهو الذي من باب الرطب، فإنه حلال ما دام حلوا. وإذا اشتد وقذف بالزبد فهو حرام عندنا، وهو الصحيح خلافا للبعض وأما الفضيخ، فهو التي من ماء البسر المذنب، والاسم مشتق من الفضخ وهو الكسر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 366 وأما نقيع الزبيب وهو النيء من ماء الزبيب، فهو حرام إذا اشتد وغلي. ويتأتى فيه خلاف الأوزاعي، وقد بينا المعنى من قبل، إلا أن حرمة هذه الأشربة دون حرمة الخمر التي لا يكفر مستحلها ويكفر مستحل الخمر؛ لأن حرمتها اجتهادية وحرمة الخمر قطعية. ولا يجب الحد بشربها حتى يسكر. ويجب بشرب قطرة من الخمر ونجاستها خفيفة في رواية،   [البناية] فالبسر المذنب بكسر ويجعل في جب، ويصب عليه الماء فيخرج حلاوته، وسيجيء فضيخا ولكونه مستخرجا من البسر المفضوخ فإنه حلال ما دام حلوا، فإذا اشتد وقذف بالزبد فهو حرام عندنا وأكثر أهل العلم. ولكن حرمته عندنا دون حرمة الخمر، فإن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز بيع السكر، ولا يجب الحد بشرب قليله، ولا يمنع جواز الصلاة بإصابة الثوب أكثر من قدر الدرهم. وأما نبيذ التمر وهو نقيعه، إذا طبخ أدنى طبخة وغلا واشتد وقذف بالزبد فإنه حلال عند أبي حنيفة وأبي يوسف، لاستمرار الطعام والتداوي، والسكر منه حرام. وهو قول محمد أولا، ثم رجع وقال: لا يحل شربه. وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [من الأشربة المحرمة نقيع الزبيب] م: (وأما نقيع الزبيب) ش: عطف على قوله: وأما نقيع التمر، وهو النوع الرابع من الأشربة المحرمة، وقيد نقيع الزبيب، لأنه نبيذ الزبيب، وهو الذي طبخ أدنى طبخة يحل شربه إلى السكر عند أبي حنيفة، وأبي يوسف -رحمهما الله - كالمثلث العيني عندهما. م: (وهو النيء من ماء الزبيب فهو حرام إذا اشتد وغلى) ش: أي غلا بنفسه، لا بالنار. م: (ويتأتى فيه خلاف الأوزاعي) ش: أي يجيء خلافه على تقليله أنه مشروب طيب وليس بخمر، وهو قول شريك والظاهرية أيضا، م: (وقد بينا المعنى من قبل) ش: أشار به إلى قوله: إنه رقيق، ملذ، مطرب .... إلى آخره. م: (إلا أن حرمة هذه الأشربة) ش: يعني البازق، والمنصف، ونقيع التمر، ونقيع الزبيب م: (دون حرمة الخمر التي لا يكفر مستحلها ويكفر مستحل الخمر؛ لأن حرمتها) ش: أي حرمة هذه الأشربة م: (اجتهادية وحرمة الخمر قطعية) ش: لعدم الاختلاف فيها. م: (ولا يجب الحد بشربها) ش: أي بشرب هذه الأشربة م: (حتى يسكر) ش: بخلاف الخمر، فإن بشرب قطرة منها يجب الحد وهو معنى قوله: م: (ويجب بشرب قطرة من الخمر) ش: لأن الحرمة لعينها كما بينا. م: (ونجاستها) ش: أي نجاسة هذه الأشربة م: (خفيفة في رواية) ش: لقصور دليل الحرمة عن القطع، واختلاف العلماء. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 367 وغليظة في أخرى. ونجاسة الخمر غليظة رواية واحدة. ويجوز بيعها ويضمن متلفها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، خلافا لهما فيهما؛ لأنه مال متقوم. وما شهدت دلالة قطعية بسقوط تقومها. بخلاف الخمر، غير أن عنده يجب قيمتها لا مثلها   [البناية] قال الفضلي: وهو قياس قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وغليظة في أخرى) ش: أي في رواية أخرى رواها هشام عن أبي حنيفة، وأبي يوسف -رحمهما الله -: لأنه لما ألحق بالخمر في حق الحرمة، ألحق في حق النجاسة. م: (ونجاسة الخمر غليظة رواية واحدة) ش: لقطع حرمتها. ومنه بقوله: رواية واحدة، على أن تغليظ نجاسة الخمر ليس فيه إلا قول واحد يتغلظ بنجاستها. فإن قلت: نصب رواية بماذا؟ قلت: على المصدرية، تقديره: روي ذلك رواية واحدة. [بيع الأشربة المحرمة] م: (ويجوز بيعها) ش: بيع الأشربة المذكورة سوى الخمر م: (ويضمن متلفها) ش: أي متلف هذه الأشربة م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يرجع إلى المسألتين. م: (خلافا لهما فيهما) ش: أي خلافا لأبي يوسف، ومحمد -رحمهما الله - في البيع والإتلاف وبقولهما قالت الثلاثة؛ لأنه غير محرم التناول فلا يجوز بيعه كالخمر. وهذا لأن جواز البيع باعتبار صفة المالية والتقوم، وهما باعتبار كون العين منتفعا به شرعا. ولا منفعة بهذا المشروب سوى الشرب، فإذا حرم شربه شرعا كان بيعه فاسدا قياسا على الخمر م: (لأنه مال متقوم) ش: هذا دليل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي: لأن هذه الأشربة مال متقوم، وتذكير الضمير باعتبار الحال أو باعتبار المذكور أو باعتبار كل واحد أما كونه مالا فلجريان الصيغة فيه، وأما كونه متقوما، فلعدم القطع في حرمته أشار إليه بقوله: م: (وما شهدت دلالة قطعية بسقوط تقومها) ش: لأن الناس اختلفوا في إباحة شربه، فيجوز بيعه كالمثلث. وهذا لأنه ليس من ضرورة حرمة التناول حرمة البيع، فإن الدهن النجس لا يحل تناوله ويجوز بيعه، وكذا بيع السرقين يجوز وإن حرم تناوله. م: (بخلاف الخمر) ش: حيث لا يجوز بيعها ولا يضمن متلفها إذا كانت لمسلم، لقيام الدليل لسقوط تقومها م: (غير أن عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يجب قيمتها) ش: أي قيمة هذه الأشربة عند الإتلاف م: (لا مثلها) ش: أي لا يجب مثلها كما إذا أتلف المسلم خمر الذمي حيث يجب القيمة لا المثل، وإن كانت الخمر من ذوات الأمثال لأن المسلم ممنوع من تملكها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 368 على ما عرف ولا ينتفع بها بوجه من الوجوه لأنها محرمة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجوز بيعها إذا كان الذاهب بالطبخ أكثر من النصف دون الثلثين. وقال في " الجامع الصغير ": وما سوى ذلك من الأشربة، فلا بأس به. قالوا: هذا الجواب على هذا العموم، والبيان لا يوجد في غيره وهو نص على أن ما يتخذ من الحنطة والشعير والعسل والذرة حلال عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولا يحد شاربه عنده وإن سكر منه، ولا يقع طلاق السكران منه بمنزلة النائم ومن ذهب عقله بالبنج   [البناية] م: (على ما عرف) ش: أي كما عرف أن المسلم ممنوع عن التصرف في الحرام فلا يكون مأمورا بإعطاء المثل. حتى لو أعطى، يخرج عن العهدة إلا أنه مكروه م: (ولا ينتفع بها) ش: أي بالأشربة المذكورة م: (بوجه من الوجوه لأنها محرمة) ش: فلا يجوز الانتفاع بالحرام، ألا ترى أن شيخ الإسلام ذكر في شرح كتاب الأشربة: أن رجلا أتى عبد الله بن مسعود، فقال: في بطني صفرة، فوصف إلي السكر، فقال عبد الله: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم. وقد ذكرنا نحو هذا عن قريب في رواية البيهقي، وفي " ديوان الأدب ": الصفرة: حية تكون في البطن. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجوز بيعها إذا كان الذاهب بالطبخ أكثر من النصف دون الثلثين) ش: قال الكرخي في " مختصره ": ما رواه الحسن عن أبي يوسف جواز البيع، خلاف المشهور عنه، والمشهور عنه: أن بيعه لا يجوز. م: (وقال في " الجامع الصغير ": وما سوى ذلك من الأشربة فلا بأس به) ش: إنما أورد هذا لبيان أن العموم المذكور فيه لا يوجد في غيره، أي: فيما سوى الأشربة المحرمة، وهي: الخمر، والسكر، ونقيع الزبيب، والعصير الذي ذهب بالطبخ أقل من ثلثيه: فلا بأس بشربه. م: (قالوا) ش: أي قال شراح " الجامع الصغير " مثل فخر الإسلام وغيره: م: (هذا الجواب على هذا العموم) ش: يعني في جميع الأشربة غير المستثناة. م: (والبيان) ش: والتصريح م: (لا يوجد في غيره) ش: أي في غير " الجامع الصغير " م: (وهو نص) ش: أي الذي ذكره في " الجامع الصغير " نص م: (على أن ما يتخذ من الحنطة والشعير والعسل والذرة حلال عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولا يحد شاربه عنده وإن سكر منه، ولا يقع طلاق السكران منه بمنزلة النائم) ش: أي النائم إذا طلق امرأته لا يقع، فكذا طلاق السكران من المتخذ من هذه الأشياء. م: (ومن ذهب عقله بالبنج) ش: أي وبمنزلة من ذهب عقله بالبنج فإنه لا يقع طلاقه، ولا يصح بيعه، ولا إقراره. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنما لا يقع الطلاق البنجي إذا لم يعلم أنه بنج. أما إذا علم وأقدم على أكله: يقع طلاقه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 369 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ذكر صاحب " المحيط ": أن هذا التفصيل منقول عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وذكر أيضا: أن السكر من البنج حرام، وأن طلاق البنجي واقع. وقيل: أكل البنج حرام وإن لم يسكر؛ لما روي: «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الميسر، والخمر، والكوية» ، والعنبر. قيل: هو البنج، والكوية: الطيل. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده في " شرحه ": أكل قليل السقمونيا، والبنج مباح للتداوي. وما زاد على ذلك إذا كان يقتل أو يذهب العقل حرام. فإن قلت: ما البنج؟ قلت: قال في " البيان ": البنج بالفتح نبت له حب يسلب ويخلط العقل، وهو فارسي معرب، وهو بالفارسية بنك. وذكر القاضي في " كتاب النبات ": أن البنج حشيش له قضبان غلاظ، وورق عراض، صافحة الطوال، مشققة الأطراف عليها زغب، وعلى القضبان ثمر يشبه الجلبان في شكله، متفرق في طول القضبان بواحد بعد واحد. كل واحد منها مطبق بشيء يشبه بالمطرس وهذا التمر فلأنه من بذر يشبه بذر الخشخاش، وهو ثلاثة أصناف: منها ما له بذر أسود: فهو يحدث جنونا وصرعا. ومنها: بذر أحمر حمرة معتدلة، وهو قريب من هذا في القوة، ولذلك ينبغي أن يتوقاهم الإنسان جميعا لأنهما يقتلان. ومنها: ما له بذر أبيض، وزهر أبيض وهو من أنفع علاج في الطب، تنبت بالقرب من الشجر والخرابات. انتهى. فعلم من هذا أن الذي يدعي أن البنج هو النبات الذي يستعمله القبلة التي يسمى بين الناس بالحشيش بلغة العرب خطأ، وأن البنج غير هذا لأن الحشيش غير قتال، لكن مخدر، ومفتر، ومكسل. وفيه أوصاف ذميمة فكذلك وقع إجماع المتأخرين - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - على تحريم أكله، وهو نبات أخضر يشبه القرط، وبه بذر يشبه السدانق منه بري، ومنه ما يزرع. وأكثره يزرع؛ وله رائحة ذكية جدا. ومنهم من يقول إنه صنف من القنب. قال العانقي: القنب الشهد إلى آخره ... : بالفارسية، وهو نبات يعمل منه حبال قوية، وله ورق منتن الرائحة، وقضبان طوال، وبذر مستدير يؤكل. فعلى كل تقدير البنج غير الحشيشة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 370 ولبن الرماك. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه حرام ويحد شاربه إذا سكر منه، ويقع طلاقه إذا سكر منه كما في سائر الأشربة المحرمة. وقال فيه أيضا: وكان أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: ما كان من الأشربة يبقى بعد ما يبلغ عشرة أيام ولا يفسد فإني أكرهه. ثم رجع إلى قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقوله الأول مثل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كل مسكر حرام، إلا أنه تفرد بهذا الشرط. ومعنى قوله يبلغ: يغلي ويشتد، ومعنى قوله: ولا يفسد: لا يحمض، ووجهه أن بقاءه هذه المدة من غير أن يحمض دلالة قوته وشدته فكان آية حرمته، ومثل ذلك مروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر حقيقة الشدة على الحد الذي ذكرناه فيما يحرم أصل شربه، وفيما يحرم السكر منه على ما نذكره إن شاء الله تعالى. وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - رجع إلى قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلم يحرم كل مسكر. ورجع عن هذا الشرط أيضا وقال في " المختصر ": ونبيذ التمر والزبيب إذا طبخ كل واحد منهما أدنى طبخة، حلال وإن اشتد إذا شرب منه ما يغلب على ظنه أنه لا يسكره من غير لهو ولا طرب. وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعند محمد والشافعي -رحمهما الله -: حرام. والكلام فيه كالكلام في المثلث العنبي، ونذكره إن شاء الله تعالى.   [البناية] [السكر من لبن الرماك] م: (ولبن الرماك) ش: أي وبمنزلة من ذهب عقله بلبن الرماك، وهو جمع رمكة، وهي الأنثى من الخيل. وفي " الاختيار " قيل: يجب ألا يحل لبن الرماك عند أبي حنيفة اعتبارا بلحمها؛ إذ هو متولد منه. وجوابه: أن كراهية اللحم لاحترامه، أو لما في إباحته من تعليل آلة الجهاد، فلا يتعدى إلى لبنه. وسيجيء هو في متن الكتاب منقولا عن أبي حنيفة: المتخذ من لبن الرماك لا يحل اعتبارا للجهاد، إذ هو متولد منه. والأصح: أنه يحل عنده. وذكر في بعض شروح " الكنز ": لبن الرمكة حلال بالإجماع. قلت: الذي يفعله ترك مصر من لبن الرماك ينبغي أن يكون حراما، لأنهم يأخذون اللبن الخالص من الرمكة، ويتركونه أياما حتى يشتد جدا، ويخلطون به السكر، ويشربونه للهو والطرب، ويسكرون منه كما يسكر أحدنا من غيره من المسكرات. وربما يضيفون إليه أشياء أخرى ويسمونه قمزا ويسكرون منه كالخمر. وهذا لا شك حرام. وقد روى أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [وفي هذا المحل سقط من نسخة المؤلف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ورقة كاملة فقدت سنة من دخول سلطان الأعظم سليمان خان بن عثمان سقى الله ثراه جنوب " الرحمة ". هكذا أخبرني بذلك الشمس العلامة محمد بن الإمام الجليل الشيخ شهاب الدين الشهير ب: " ابن سلمى " - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -] . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 371 قال: ولا بأس بالخليطين لما روي عن ابن زياد أنه قال: سقاني ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شربة، ما كدت أهتدي إلى منزلي فغدوت إليه من الغد فأخبرته بذلك فقال: ما زدناك على عجوة وزبيب.   [البناية] وأما الذي فيه اختلاف العلماء -أي علمائنا -: فهو نبيذ التمر إذا طبخ أدنى طبخة ثم اشتد. فإن اشتد قبل الطبخ، فهو نبيذ التمر، وهو السكر، أما إذا طبخ أدنى طبخة، ثم اشتد، فإن في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف -رحمهما الله - الآخر: لا بأس بالقليل لاستمراء الطعام. وفي قول أبي يوسف الأول، ومحمد الآخر فيه: وبه يأخذ. واتفقوا أنه لو شرب للهو لا يجوز: وهكذا روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأمالي ". وقال: ولو أراد أن يشرب السكر، فقليله وكثيره حرام. والقعود إليه حرام، ومشيه إليه حرام. وإنما يجوز إذا قصد به استمراء الطعام. [شرب الخليطان نقيع التمر ونقيع الزبيب] م: (قال: ولا بأس بالخليطين) ش: أي قال القدوري في " مختصره ": والخليطان عبارة عن نقيع التمر، ونقيع الزبيب، يخلطان فيطبخ بعد ذلك أدنى طبخة، ويترك إلى أن يغلي ويشتد. م: (لما روي عن ابن زياد أنه قال: سقاني ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شربة ماء كدت أهتدي إلى منزلي، فغدوت إليه من الغد فأخبرته بذلك فقال: ما زدناك على عجوة وزبيب) . ش: وهذا ما رواه محمد بن إياس في كتابه " الآثار ": أخبرنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي إسحاق سليمان الشيباني عن ابن زياد أن أنه أفطر عند عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فسقاه شرابا، فكأنه أخذ منه، فلما أصبح غدا إليه فقال له: ما هذا الشراب، ما كدت أهتدي إلى منزلي؟. فقال ابن عمر: ما زدناك على عجوة وزبيب. انتهى. وابن زياد وهو عبد الله بن زياد، والعجوة: التمر الذي يصب فيه الفرس لجودته. وروى أبو داود عن عبد الله الخريبي، عن مسعر، عن موسى بن عبد الله، عن امرأة من بني أسد، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان ينبذ له نبيذ فتلقى فيه تمرا وتمر فتلقى فيه زبيب» . وروي أيضا عن زياد الحساني، حدثنا أبو بكر، أخبرنا عتاب بن عبد العزيز «عن صفية -يعني صفية بنت عطية - قالت: دخلت مع نسوة من عبد القيس على عائشة، فسألنا عن التمر، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 372 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] والزبيب؟، فقالت: كنت آخذ قبضة من تمر، وقبضة من زبيب فألقيه في إناء، فأمرسه ثم أسقيه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وفي هذا كله دليل على أن شرب الخليطين لا بأس به، يدل على ذلك قول ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: ما زدناك على عجوة وزبيب. «وقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: فتلقي فيه تمرا، وتمر ليلقي فيه زبيب» . وكذلك قوله: «أخذ قبضة من تمر، وقبضة من زبيب.» الحديث. وقال تاج الشريعة: والمتقشفة يقولون: لا يحل شربه، وإن كان حلوا؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن شراب الخليطين، وعن القران بين التمر، وعن الجمع بين اللقمتين» ، وروي: «أنه نهى عن الجمع بين التمر، والزبيب، والرطب، والبسر» . وتأويل ذلك أنه كان في زمن الجدب. وكره الأغنياء الجمع بين اللقمتين، والدليل على أنه لا بأس به في غير زمن القحط: ما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كنت أنبذ لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تمر البسرة فأمرني فألقيت فيه زبيبا» . يريد ما ذكرنا بما روي من حديث ابن زياد المذكور، وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كان معروفا بالزهد، والفقه بين الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فلا نظن به أنه كان يسقي غيره ما لا يشربه. ولا أنه يشرب ما كان يتناوله نص التحريم وقد ذكرناه. إنما سقاه كان مشتدا حتى أثر فيه على وجه ما كان يهتدي إلى أهله، وإنما كان هذا على سبيل المبالغة في بيان التأثير فيه لا حقيقة السكر فإن ذلك لا يحل. وفي قوله: " ما زدناك على عجوة وزبيب " دليل على أنه لا بأس بشرب القليل من المطبوخ بماء الزبيب والتمر وإن كان مشتدا؛ ولأنه لما جاز اتخاذ الشراب من كل واحد بانفراده جاز الجمع بمنزلة السكر، والعانيد. انتهى كلامه. وفيه: روي أيضا لقول أصحاب الظواهر بعض الروافض. وأحمد في رواية أنهم لا يحلون شرب الخليطين، وإن كان حلوا، وإن كانوا لا يحلون الجمع بين اللقمتين بخلاف المرقة والإدام. والجمع بين التمرتين بعد الطعام والمستقيم على التعاقب فإنه لا يكره بالإجماع. ولنا حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وقوله سبحانه وتعالى: {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168] بلا تفصيل بين حالة وحالة. والحديث محمول على الشدة والقحط. وكذا روي عن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 373 وهذا نوع من الخليطين وكان مطبوخا؛ لأن المروي عنه حرمة نقيع الزبيب وهو النيء منه، وما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن الجمع بين التمر والزبيب، والزبيب والرطب، والرطب والبسر محمول على حالة الشدة وكان ذلك في الابتداء   [البناية] إبراهيم النخعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكان في ابتداء الإسلام. م: (وهذا نوع من الخليطين وكان مطبوخا) ش: أي: وهذا الذي سقاه ابن عمر لابن زياد كان من الخليطين، والحال أنه كان مطبوخا لا نيئا م: (لأن المروي عنه حرمة نقيع الزبيب وهو النيء منه) ش: أي لأن المروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حرمة نقيع الزبيب، والمراد منه هو: النيء منه. وأشار بذلك إلى ما روي أنه في نقيع الزبيب خمر أحسها، فكذلك يحمل ما روي عن ابن زياد على المطبوخ حتى لا يناقض قول ابن عمر فعله، وهذا تأويل " صاحب الهداية " غير مستقيم؛ لأن حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الذي ذكرناه الآن صريح على أن ما كان من الخليطين كان نيئا، وما روي عن ابن عمر من حرمة نقيع الزبيب لم يثبت، ولم يذكره أهل النقل، فكيف هذا دليلا على أن المراد ما ذكر من حديث ابن زياد كان مطبوخا لا نيئا؟ م: (وما روي «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى عن الجمع بين التمر والزبيب، والزبيب والرطب، والرطب والبسر» محمول على حالة الشدة وكان ذلك في الابتداء) . ش: هذا جواب عما استدرك به المحرمون الجمع بين التمر، والزبيب، والرطب، والبسر من نهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الجمع بين هذه الأشياء وهو ما روي عن البخاري، ومسلم، وبقية الستة، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه نهى أن ينبذ الزبيب والتمر جميعا، ونهى أن يخلط بين البسر، والرطب جميعا» . وأخرج الجماعة إلا الترمذي عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن خليط الزبيب، والتمر، وعن خليط البسر، والتمر، وعن خليط الزبيب، والتمر، وقال: " انتبذوا كل واحدة على حدة» وفي لفظ لمسلم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تنتبذوا الزهر والرطب والزبيب جميعا ولكن انتبذوا كل واحد على حدته» ولم يذكر البخاري فيه الرطب والبسر. وأخرج مسلم عن يزيد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يخلط التمر، والزبيب جميعا، وأن يخلط التمر، والرطب جميعا» . وأخرج أيضا عن نافع بن عمر قال: «نهي أن ينبذ البسر والرطب جميعا، والتمر والزبيب جميعا» . وأخرج أيضا عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري قال: «نهانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نخلط بسرا بتمر، وزبيبا ببسر، وقال: من شرب منكم النبيذ فليشرب زبيبا فردا، أو تمرا فردا، أو بسرا فردا» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 374 قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ونبيذ العسل والتين، ونبيذ الحنطة والذرة والشعير حلال وإن لم يطبخ وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله - إذا كان من غير لهو وطرب لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الخمر من هاتين الشجرتين» ، وأشار إلى الكرمة والنخلة خص التحريم بهما، والمراد بيان الحكم.   [البناية] قوله: محمول على حال الشدة أي القحط، وإن كان ذلك في الابتداء أي في ابتداء الإسلام، ويؤيده ما رواه أحمد بن الحسن في كتاب " الآثار الحسان " عن أبي حنيفة: أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن سليمان عن إبراهيم النخعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: لا بأس بنبيذ خليط التمر، والزبيب، وإنما كرهها لشدة العيش في زمن الأول كما كره السمن، واللحم، وما كره الإقران. فأما إذا وسع الله سبحانه وتعالى من المسلمين فلا بأس به. وأخرج ابن عدي في " الكامل " عن عمر بن دريد حدثنا عطاء بن أبي ميمونة «عن أم سليم وأبي طلحة: " أنهما كانا يشربان نبيذ الزبيب والبسر يخلطانه، فقيل له: يا أبا طلحة إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن هذا؟. قال: نهانا عن العوز في ذلك الزمان، كما نهى عن الإقران» . وأعله بعمر بن ذريح. [شرب نبيذ العسل والتين ونبيذ الحنطة والذرة والشعير] م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ونبيذ العسل والتين ونبيذ الحنطة والذرة والشعير حلال وإن لم يطبخ) ش: أي قال القدوري في " مختصره " م: (وهذا) ش: أي قوله حلال م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله - إذا كان من غير لهو وطرب) ش: قيد بهذا القيد لأنه إذا شرب لأجل اللهو، والطرب يحرم بالاتفاق م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الخمر من هاتين الشجرتين " وأشار إلى الكرمة والنخلة» خص التحريم بهما، والمراد بيان الحكم) ش: قد تقدم في أول الباب أن هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري عن يزيد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة» وفي لفظ لمسلم: «الكرمة والنخلة» . قوله: خص التحريم، أي بالكرمة، والنخلة فبقي ما وراءهما على أصل الإباحة، وفي " شرح الأقطع " ولأن هذه الأطعمة مقتات فلا يعتبر بما يحدث فيها من الشدة والسكر، كما لا يعتبر السكر الذي يوجد في الخبز في بعض البلاد، والسكر الذي يوجد في اللبن. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده في " شرح كتاب الأشربة ": الذي يتخذ من العسل، والشهد، والفرصاد، والفانيذ، والسكر، والأجاص، ومن الحبوب كالحنطة، والشعير، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 375 ثم قيل: يشترط الطبخ فيه لإباحته. وقيل: لا يشترط، وهو المذكور في الكتاب، ولأن قليله لا يدعو إلى كثيره كيفما كان. وهل يحد في المتخذ من الحبوب إذا سكر منه؟ قيل: لا يحد، . وهل يحد في المتخذ من الحبوب إذا سكر منه؟ قيل: لا يحد،   [البناية] والذرة، فإنه يحل شربه قبل أن يشتد بلا خلاف، فأما إذا غلى واشتد، وقذف بالزبد، وطبخ أدنى طبخة يحل عند أبي حنيفة، وأبي يوسف -رحمهما الله -، وقالوا: لا رواية لهذا على قول محمد. وقد اختلف المشايخ المتأخرون على قوله، منهم من قال: يحل شربه، على قوله " ما دون السكر "، ومنهم من قال: لا يحل. وحكي عن القاضي الإمام أبي جعفر أنه كان يقول: وجدت رواية عن محمد أنه قال: أكره هذا إذا طبخ أدنى طبخة، وأما إذا لم يطبخ وقد غلى واشتد هل يحل شربه على قول أبي حنيفة، وأبي يوسف؟ . قالوا: فيه روايتان في رواية: يشترط أدنى طبخة للإباحة، لأن الأشربة المتخذة من هذه الأشياء بمنزلة نقيع التمر، والزبيب، والطبخ، يشترط فيها للإباحة، فكذا هذا. وفي رواية: لا يشترط، لأن حال هذه الأشربة دون نقيع الزبيب، والتمر؛ لأن نقيع التمر اتخذهما هو أصل للخمر شرعا، فإن أصل الخمر شرعا التمر، والعنب على ما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخمر من هاتين الشجرتين» ، وقد شرط أدنى طبخة في نقيع الزبيب، والتمر، فيجب أن يشترط أدنى طبخة في هذه الأشربة ثم ظهر نقصان هذه الأشربة عن نقيع الزبيب والتمر، هذا إذا لم يسكر من هذه الأشربة. أما السكر منه فحرام بالإجماع. م: (ثم قيل: يشترط الطبخ فيه) ش: أي في نبيذ كل واحد من الأشياء المذكورة م: (لإباحته) ش: أي لأجل إباحته، يعني يكون مباحا م: (وقيل: لا يشترط) ش: أي الطبخ م: (وهو المذكور في الكتاب) ش: أي في " مختصر القدوري " م: (لأن قليله لا يدعو إلى كثيره كيفما كان) ش: يعني مطبوخا كان أو غير مطبوخ، أما إذا طبخ أدنى طبخة فلأن المتخذ من ماء الزبيب إذا طبخ أدنى طبخة يحل ما دون السكر مع أنه متخذ من أصل الخمر، فهذا أولى. وأما إذا لم يطبخ أدنى طبخة فكذلك الجواب إظهار التفاوت بين المتخذ من أصل الخمر وغيره. [هل يحد في المتخذ من الحبوب إذا سكر منه] م: (وهل يحد في المتخذ من الحبوب إذا سكر منه؟ قيل: لا يحد) ش: وهو قول الفقيه أبي جعفر؛ لأنه متخذ مما ليس بأصل الخمر، فكان بمنزلة البنج، ولبن الرماك، والسكر منهما حرام، فلا يحد، فكذا هنا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 376 وقد ذكرنا الوجه من قبل. قالوا: والأصح أنه يحد، فإنه روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيمن سكر من الأشربة: أنه يحد من غير تفصيل، وهذا لأن الفساق يجتمعون عليه في زماننا اجتماعهم على سائر الأشربة، بل فوق ذلك، وكذلك المتخذ من الألبان إذا اشتد فهو على هذا وقيل: إن المتخذ من لبن الرماك لا يحل عند أبي حنيفة اعتبارا بلحمه، إذ هو متولد منه. قالوا: والأصح أنه يحل؛ لأن كراهة لحمه لما في إباحته من قطع مادة الجهاد أو لاحترامه فلا يتعدى إلى لبنه. -: وعصير العنب إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه حلال وإن اشتد،   [البناية] م: (وقد ذكرنا الوجه من قبل) ش: أشار به إلى قوله: لأن قليله يدعو إلى كثيره. وقيل: يجوز أن يكون هذا إشارة إلى قوله: " بمنزلة النائم "، وهو مذهب عقله بالبنج، ولبن الرماك. وقيل: يجوز أن يكون إشارة إلى المعنى المستفاد من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخمر من هاتين الشجرتين» ، يعني أن هذه الأنبذة ليست بمتخذة مما هو أصل الخمر. م: (قالوا: والأصح أنه يحد) ش: أي قال المشايخ: الأصح: أنه يحد، وهو قول الحسن بن زياد؛ م: (فإنه روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيمن سكر من الأشربة: أنه يحد من غير تفصيل) ش: بين شراب وشراب، كذا في " مبسوط شيخ الإسلام ". م: (وهذا) ش: يعني كون وجود الحد صحيحا م: (لأن الفساق) ش: بضم الفاء جمع فاسق م: (يجتمعون عليه في زماننا اجتماعهم) ش: بنصب العين على نزع الخافض، أي كاجتماعهم م: (على سائر الأشربة، بل فوق ذلك) ش: أي: بل يجتمعون على المتخذ من هذه الأشياء فوق اجتماعهم على غيره من الأشربة، وهذا بالمشاهدة ظاهر في كل البلاد، وذلك إما لسهولة حصوله، وإما لكثرته، وإما لاعتقادهم إباحته. [المتخذ من الألبان إذا اشتد هل يحد بشربه] م: (وكذلك المتخذ من الألبان إذا اشتد فهو على هذا) ش: أي على اختلاف الروايتين، قيل: يحد، وقيل: لا يحد، يعني: إذا سكر، قوله " من الألبان " عام يتناول سائر الألبان التي شرب م: (وقيل: إن المتخذ من لبن الرماك لا يحل عند أبي حنيفة اعتبارا بلحمه) ش: لأنه يؤكل عنده، واللبن هو اللحم، أشار إليه بقوله: م: (إذ هو متولد منه) ش: أي لأن اللبن متولد من اللحم. م: (قالوا) ش: أي المشايخ: م: (والأصح أنه يحل؛ لأن كراهة لحمه لما في إباحته من قطع مادة الجهاد أو لاحترامه، فلا يتعدى إلى لبنه) ش: أي لا يتعدى هذا التعليل إلى لبنه، لأن كلا من الوجهين لا يوجد في اللبن. وفي " فتاوى قاضي خان "، وعامة المشايخ قالوا: هو مكروه كراهة التحريم، إلا أنه لا يحد شاربه. [حكم شرب عصير العنب إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه] م: (قال: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وعصير العنب إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه حلال وإن اشتد) ش: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 377 وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله -، وقال محمد ومالك والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: حرام، وهذا الخلاف فيما إذا قصد به التقوي، أما إذا قصد به التلهي لا يحل بالاتفاق. وعن محمد مثل قولهما. وعنه أنه كره ذلك، وعنه أنه توقف فيه. لهم في إثبات الحرمة قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كل مسكر خمر» ، وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» .   [البناية] أي قال القدوري: وهذا هو المدعو بالمثلث العنبي م: (وهذا) ش: أي كونه حالا م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله -) ش: م: (وقال محمد ومالك والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: حرام) ش: وبه قال أحمد، وأبو عبيد، وأبو ثور، وإسحاق، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء، ومجاهد، وقتادة، وطاوس، وأصحاب الظواهر. وفي " النوازل ": وبقول محمد نأخذ. م: (وهذا الخلاف فيما إذا قصد به) ش: أي بشرب المثلث م: (التقوي) ش: في البدن واستمر الطعام م: (أما إذا قصد به التلهي لا يحل بالاتفاق) ش: لأنه يكون للمعصية، وسئل أبو حفص الكبير عنه، فقال: لا يحل شربه، فقيل له: لما خالفت أبا حنيفة، وأبا يوسف؟، فقال: لأنهما يحلان للاستمرار، والناس في زماننا يشربون للفجور والتلهي، فعلم أن الخلاف فيما إذا قصد التقوي، وإذا قصد التلهي لا يحل بالاتفاق، وعن أبي يوسف في " أماليه ": لو أراد أن يشرب بها للسكر: فقليله وكثيره حرام، وقعوده لذلك حرام، ومشيه إليه حرام. م: (وعن محمد مثل قولهما) ش: أي روي عن محمد مثل قول أبي حنيفة، وأبي يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وفي " نوادر هشام ": وعصير العنب إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه حلال شربه في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، كذا في " الأجناس ". وبهذا القول أخذ محمد في " الآثار "، والمشهور من مذهبه أنه كرهه، أشار إليه بقوله: م: (وعنه أنه كره ذلك) ش: روي عن محمد أنه كره المثلث العنبي م: (وعنه أنه توقف فيه) ش: أي روي عن محمد أنه يوقف في حكم المثلث العنبي. وقال: لا أحرمه، ولا أبيحه، لتعارض الآثار. م: (لهم) ش: أي لمحمد، ومالك، والشافعي م: (في إثبات الحرمة قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كل مسكر خمر» ش: فقدم في أول الباب أن هذا الحديث أخرجه مسلم عن أيوب السختياني عن نافع، عن ابن عمر قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لما بعث أبا موسى، ومعاذا إلى اليمن قال لأبي موسى: إن شرابا يصنع بأرضنا من العسل يقال له: النقيع، ومن الشعير يقال له: المزر، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " كل مسكر خمر» . م: (وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» ش: هذا الحديث رواه ثمانية الجزء: 12 ¦ الصفحة: 378 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. الأول: عبد الله بن عمرو بن العاص، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه، عن عبد الله بن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» . ورواه عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا عبد الله بن عمرو عن عمرويه. والثاني: جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، عن داود بن بكير، عن محمد بن المنكدر، عن جابر مرفوعا نحوه سواء. وقال الترمذي: حديث حسن غريب من حديث جابر. وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " عن موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر به، وداود بن بكير بن أبي الفرات الأشجعي قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به، ليس بالمتين، وقد تابعه موسى بن عقبة كما أخرجه ابن حبان. الثالث: سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه النسائي عن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي عن الوليد بن كثير عن الضحاك بن عثمان، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن سعد: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن قليل ما أسكر كثيره» . ورواه ابن حبان في " صحيحه "، وقال المنذري: أجود أحاديث هذا الباب حديث سعد، فإنه من رواية محمد بن عبد الله الموصلي، وهو أحد الثقات عن الوليد بن كثير، وقد احتج به الشيخان عن الضحاك، وقد احتج به مسلم عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عامر بن سعد، وقد احتج بهما الشيخان. الرابع: علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه الدارقطني في " سننه " عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي حدثني أبي عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل مسكر حرام، وما أسكر كثيره، فقليله الجزء: 12 ¦ الصفحة: 379 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] حرام» . وعيسى بن عبد الله عن آبائه متروك. الخامس: عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أخرج حديثها أبو داود، والترمذي، عن أبي عثمان بن عمرو بن سالم الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أنها سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «كل مسكر حرام، وما أسكر الفرق فملء الكف منه حرام» . وفي لفظ الترمذي: " فالحشوة منه "؛ قال الترمذي: حديث حسن. ورواه ابن حبان في " صحيحه "، وأحمد في " مسنده "، وقال المنذري: رجاله كلهم محتج بهم في " الصحيحين " إلا عثمان سالم الأنصاري، وهو مشهور لم أجد فيه كلاما. قلت: قال ابن القطان في كتابه، وأبو عثمان: هذا لا يعرف حاله، وتعقبه صاحب " التنقيح "، فقال: وثقه أبو داود، وذكره ابن حبان في " الثقات "، انتهى. وأخرجه الدارقطني في " سننه " من طرق أخرى عديدة كلها ضعيفة. السادس: عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرج حديثه إسحاق بن راهويه في " مسنده ": أخبرنا أبو عامر العقدي، حدثنا أبو معشر، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن بن عبد الله بن محمد، عن أبيه مرفوعا: «ما أسكر كثيره، فقليله حرام» . ورواه الطبراني في " معجمه ": حدثنا علي بن سعيد الرازي: حدثنا أبو مصعب، حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة به. ورواه في " الوسط ": من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمرو من طريق ابن إسحاق عن نافع به. السابع: خوات بن جبير أخرج حديثه الحاكم في " المستدرك " في كتاب الفضائل عن عبد الله بن إسحاق بن صالح بن خوات بن جبير حدثني أبي عن أبيه عن جده خوات بن جبير الجزء: 12 ¦ الصفحة: 380 ويروى عنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما أسكر الجرة منه فالجرعة منه حرام» ولأن المسكر يفسد العقل، فيكون حراما قليله وكثيره كالخمر. ولهما: قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " حرمت الخمر لعينها "، ويروى " بعينها قليلها وكثيرها، والسكر من كل شراب " خص السكر بالتحريم في غير الخمر، إذ العطف للمغايرة،   [البناية] مرفوعا نحوه سواء وسكت عنه. ورواه الطبراني في " معجمه "، والدارقطني في " سننه "، والعقيلي في " ضعفائه "، وأعله بعبد الله بن إسحاق هذا، وقال: لا يتابع عليه بهذا الإسناد، والحديث معروف بغير هذا الإسناد. الثامن: زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الطبراني في " معجمه " حدثنا محمد بن عبد الله بن عرس المروزي، حدثنا يحيى بن سليمان المدني حدثنا إسماعيل بن قيس عن أبيه عن خارجة بن زيد عن ثابت عن أبيه زيد بن ثابت مرفوعا نحوه سواء. قلت: خوات بفتح الخاء المعجمة، وتشديد الواو في آخره تاء مثناة من فوق، وجبير بضم الجيم، وفتح الباء الموحدة، وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره راء مهملة. م: (ويروى عنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما أسكر الجرة منه فالجرعة منه حرام» ش: هذه رواية غريبة بهذه اللفظة، ولكن معناها في حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الذي تقدم آنفا. م: (ولأن المسكر يفسد العقل، فيكون حراما قليله وكثيره كالخمر) ش: بيانه أن ما يؤدي إلى الحرام يكون حراما، ألا ترى أن القليل، وإن لم يكن مسكرا فهو مؤد إليه، وما يؤدي إلى الحرام يكون حراما. ألا ترى أن القليل من البازن المشتد، والمنصف المشتد حرام وإن كان القليل منه لا يسكر؛ لأنه يؤدي إلى السكر، فكذا هذا. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة، ولأبي يوسف -رحمهما الله -، وفي بعض النسخ: ولنا م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «حرمت الخمر لعينها» ، ويروى «بعينها قليلها وكثيرها، والسكر من كل شراب» ش: تقدم الكلام عليه في هذا الباب أنه روي عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا، والوقف أصح م: (خص السكر بالتحريم في غير الخمر، إذ العطف للمغايرة) ش: تقريره أنه: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أطلق الحرمة في الخمر حيث قال: حرمت الخمر لعينها فاقتضى أن يكون قليلها، وكثيرها حراما، بخلاف غيرها من الأشربة، فإنه خص بالتحريم فيها حيث قال: «والسكر من كل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 381 ولأن المفسد هو القدح المسكر وهو حرام عندنا، وإنما يحرم القليل منه؛ لأنه يدعو لرقته ولطافته إلى الكثير، فأعطي حكمه،   [البناية] شراب» بواو العطف، ولا شك أن المعطوف غير المعطوف عليه، فيكون ما نحن فيه من الشراب غير الخمر لا يكون حراما إلا بالسكر. م: (ولأن المفسد هو القدح المسكر، وهو حرام عندنا) ش: أي المفسد للعقل هو القدح، وهو حرام عندنا فيما سوى الأشربة المحرمة لا ما قبله. فإن قلت: القدح الأخير ليس بمسكر على انفراد، بل مما تقدم ينبغي أن يحرم ما تقدم أيضا؟. قلت: أجيب: بأن الحكم يضاف إلى العلة معنى وحكما، وفيه نظر؛ لأن الإضافة إلى العلة اسما، ومعنى، حكما أولى، والمجموع بهذه الصفة، والأولى أن يقال: الحرام هو المسكر، وإطلاقه على ما تقدم مجاز، وعلى القدح الأخير حقيقة وهو مراد، فلا يكون المجاز مرادا. وقد قال تاج الشريعة: السكر ما يتصل به السكر بمنزلة المتخم من الطعام، وهو ما يتصل به من التخمة، فإن تناول الطعام بقدر ما يغذيه، وهو به حلال، وهو ما يتخم، وهو الأكل فوق الشبع حرام، ثم المحرم منهما وهو المتخم وإن كان لا يكون ذلك متخما إلا باعتبار ما تقدمه من الأكلات. وكذلك في الشراب. قد قال أبو يوسف: مثل ذلك: كمثل دم في ثوب ما دام قليلا فلا بأس بالصلاة فيه، فإذا كثر لم يحل، ومثل رجل ينفق على نفسه وأهله من كسبه فلا بأس بذلك، فإذا أسرف في النفقة لم يصلح له ذلك، ولا ينبغي، وكذلك النبيذ لا بأس أن يشربه على طعامه، ولا خير في السكر منه؛ لأنه إسراف، وأظهر من ذلك أن الضمان من ذلك أن الضمان يضاف إلى واضع المن الأخير في السفينة وإن لم يحصل الفرق بدون ما تقدم من الأمناء، وهذا لأنه لم يوجد التلف حكما بما تقدم من كلامنا، وإنما وجد ذلك، بفعل فاعل مختار، فأضيف الفرق لولي المن الأخير، فكذا هنا أضيف السكر على القدح الأخير الذي يحصل به السكر حقيقة لا ما تقدم من الأقداح. [الحكمة من تحريم الخمر] م: (وإنما يحرم القليل منه) ش: أي من الخمر، هذا جواب سؤال مقدر يمكن تقديره على هذا الوجه، وهو أن يقال: لما كان المفسد هو الأخير دون ما تقدم وجب أن يكون في الخمر كذلك، ويجوز أن يكون جوابا عن قولهم؛ ولأن المسكر يفسد العقل، فيكون حراما قليله وكثيره؟. ووجه الجواب عن الأول: أن القياس ذلك، ولكن تركناه م: (لأنه يدعو لرقته ولطافته إلى الكثير) ش: أي لأن الخمر لرقتها ولطافتها تدعو إلى الكثير م: (فأعطي حكمه) ش: أي فأعطي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 382 والمثلث لغلظه لا يدعو وهو في نفسه غذاء فبقي على الإباحة. والحديث الأول غير ثابت على ما بيناه،   [البناية] القليل حكم الكثير، والمثلث ليس كذلك لغلظه، وهو معنى قوله: م: (والمثلث لغلظه لا يدعو) ش: أي قليله لكثيره م: (وهو في نفسه غذاء) ش: أي والمثلث في نفسه غذاء م: (فبقي على الإباحة) ش: لأن الحاصل الإباحة وجه الجواب عن الثاني بطريق الفرق وهو واضح. م: (والحديث الأول) ش: يعني قوله: «كل مسكر خمر» م: (غير ثابت على ما بيناه) ش: أي في أول الكتاب من طعن يحيى بن معين، وقد تقدم الكلام فيه مستوفى، فما المراد تشبيه المسكر بالخمر في حق الحكم وهو الحد؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث مبينا للأحكام لا واضعا للأسامي والمسكر وهو المسكر، وهو القدح الأخير كالخمر في أنه يجب الحد بشربه. وعن إبراهيم النخعي قالوا: ما يرويه الناس عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل مسكر حرام» خطأ، وزادوا فيه الميم، والصحيح من الرواية: " كل سكر حرام " وكذا ما يرويه الناس عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» ، لم يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ولأن الخلاف في ذلك مشهور بين الصحابة، ولم يحتج بهما أحد؛ ولأن الأخبار لما تعارضت يتمسك بالقياس، وهو شاهد؛ لأن في قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90] الآية، بين الحكمة في تحريم الخمر، وهو: الصد عن ذكر الله تعالى وإيراث العداوة، والبغضاء، وهذه المعاني لا تحصل بشرب القليل. ولو خلينا ظاهر الآية لقلنا بأن القليل من الخمر لا يحرم أيضا، لكن تركناه في قليل الخمر بالإجماع فيما عداه، فبقي على ظاهر الآية، لأنه قلما لا يورث العداوة والبغضاء ولا الصد عن ذكر الله سبحانه وتعالى، وعن الصلاة. وقال محمد في كتاب " الآثار ": أخبرنا أبو حنيفة قال: حدثنا أبو إسحاق الشعبي، عن عمر بن ميمون الأودي، عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إن للمسلمين جزورا لطعامهم، وإن العتق منها، لأن عمر قال: وإنه لا يقطع لحوم هذه الإبل في بطونها إلا النبيذ الشديد. وروى الطحاوي في " شرح الآثار " بإسناده إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه: أنه كان في سفر فأتي بنبيذ الطائف له عزام، فذكر شدة لا أحفظها، ثم دعا بماء فصب عليه ثم شرب. وروى الطحاوي أيضا: حدثنا أبو أمية قال: حدثنا عبد السلام عن ليث عن عبد الملك بن أخي القعقاع بن ثور «عن ابن عمر، قال: شهدت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتي بشراب فأومأ إلى فيه فقطب فرده، فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هو فرد الشراب، ثم دعا بماء فصبه عليه مرتين أو ثلاثا، ثم قال: إذا علمت منه الأشربة عليكم فأكثروا متونها بالماء» . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 383 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وأخرجه النسائي أيضا عن عبد الملك بن نافع، ثم قال: وعبد الملك بن نافع غير مشهور لا يحتج بحديثه، والمشهور عن ابن عمر خلاف هذا. ثم أخرج عن ابن عمر حديث المسكر من غير وجه. وقال البخاري: لا يتابع عليه، وقال أبو حاتم: هذا حديث منكر، وعبد الملك بن نافع: هو مجهول، وقال البيهقي: هذا حديث يعرف لعبد الملك بن نافع، وهو رجل مجهول، واختلفوا في اسمه، واسم أبيه، فقيل: هكذا، وقيل: عبد الملك بن القعقاع، وقيل: ابن أبي القعقاع، وقيل: مالك بن أبي القعقاع. قلت: عبد الملك بن نافع هذا ما ذكره ابن حبان في " الثقات " من التابعين، وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا أبو الأحوص عن إسحاق عن عمر بن ميمون، قال: قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنا نشرب هذا الشراب الشديد لنقطع به لحوم الإبل في بطوننا أن يؤذينا، فمن رأى من شرابه شيئا فليمزجه بالماء. وقال أيضا: حدثنا وكيع حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، حدثني عتبة بن فرقد، قال: قدمت على عمر فدعى بشراب نبيذ قد كان يصير خلا، فقال: اشرب فأخذته فشربته، فما كنت أن أسيغه ثم أخذه فشربه، ثم قال: يا عتبة إنا نشرب هذا النبيذ الشديد لنقطع به لحوم الإبل في بطوننا أن يؤذينا. وقال عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا معمر عن أيوب، عن ابن سيرين، قال: كتب لنوح {مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} [الرحمن: 52] ، وفيه: إن الملك قال له: ويطبخه حتى يذهب ثلثاه، ويبقى الثلث، قال ابن سيرين: فوافق ذلك كتاب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وروي عن معمر عن عاصم عن الشعبي قال: كتب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى عمار: أما بعد: فإذا جاءنا أشربة من الشام كأنها طلاء الإبل قد طبخ حتى ذهب ثلثاه الذي فيه خبث الشيطان وريح جنوبه، وبقي ثلثه فأومر من قبلك أن يصطنعوه. ما خرج أيضا عن ابن الليمي عن منصور عن إبراهيم، عن سويد بن غفلة، قال: كتب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى عماله: أن يرزقوا الناس الطلاء ما ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه. وفي " مصنف ابن أبي شيبة " حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن داود بن أبي هند، سألت سعيد بن المسيب عن الشراب الذي كان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أجازه للناس؟، قال: هو الطلاء الذي قد طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثا، حدثنا علي بن مسهر عن سعيد بن أبي عروبة، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 384 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] عن قتادة، عن أنس: "أن أبا عبيدة، ومعاذ بن جبل، وأبا طلحة، كانوا يشربون من الطلاء ماء ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه ". حدثنا أبو فضيل، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن، قال: كان علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يرزقنا الطلاء، فقلنا له: ما هيئته؟ قال: أسود، ويأخذه أحدنا بأصبعه. حدثنا وكيع عن سعيد بن أوس، عن أنس بن سيرين، قال: كان أنس بن مالك عقيم البطن فأمرني أن أطبخ له طلاء حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه، فكان يشرب منه الشربة على أثر الطعام. حدثنا ابن نمير، حدثنا إسماعيل عن مغيرة، عن شريح عن خالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كان يشرب الطلاء بالشام، فهذا كله يقتضي جواز شرب المطبوخ، وقد قال صاحب " الاستذكار ": لا أعلم خلافا بين الفقهاء في جواز شرب العصير إذا طبخ فذهب ثلثاه وبقي ثلثه، فعلمنا بدلالة هذه الآثار أن المراد من الحديث الذي رووه القدر المسكر لا للقليل منه توفيقا بين الآثار حتى لا يقع التضاد فيها، فهذا كما رأيت أن الأكابر من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأهل بدر كعمر، وعلي، وغيرهما ممن ذكر فيما ذكرنا كانوا يحللون شرب النبيذ، وكذا من بعدهم جماعة من التابعين الكبار كالشعبي وأمثاله. وكذا إبراهيم النخعي وأمثاله، وكذا علقمة، والأسود، وابن أبي ليلى، وعبيد الله بن عبد الله بن مسعود، وسفيان الثوري مع ورعه وتقواه كان يشرب من النبيذ الصلب حتى تحمر وجنتاه. وعن وكيع: أنه كان يشرب في ليالي رمضان تقويا على العبادة. وقال في " شرح الأقطع ": وقد سلك بعض الجهال في هذه المسألة طريقة قصد بها التشنيع، والفروق عند العوام لما ضاقت عليه الحجة، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنه قال لبشر: ناس من أمتي يسمونها بأسماء طريق، قال هذا القائل: وهم أصحاب أبي حنيفة، وهذا كلام جاهل الأحكام، والنقل، والآثار، أو متعصب قليل الورع لا يبالي بما قال. ثم يقال لهذا القائل: ما رميت بهذا القول أصحاب أبي حنيفة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وإنما رميت السلف الصالح، أردت بذلك، ولم يمكنك التصريح بذلك؛ لأن أصحاب أبي حنيفة لم يبدعوا في ذلك قولا، بل قالوا ما قال أئمة أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووجوه التابعين وزهادهم. وكيف يظن بابن عمر، وعلي وابن مسعود، وابن عباس، وعمار بن ياسر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وعلقمة، والأسود، وإبراهيم، أنهم شربوا خمرا غليظا في اسمها حتى استدرك عليهم هذا القائل حقيقة الاسم، والظن بنفسه، ونسي الظن بسلفه أن هذا لجرأة في الدين. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 385 ثم هو محمول على القدح الأخير، إذ هو المسكر حقيقة، والذي يصب عليه الماء بعدما ذهب ثلثاه بالطبخ حتى يرق، ثم يطبخ طبخة حكمه حكم المثلث   [البناية] وذكر الإمام الزاهد نجم الدين عمر النسفي: أن إباحة نبيذ التمر والزبيب يجب اعتقادها كيلا يؤدي إلى تفسيق الصحابة والتابعين. وروي عن أبي حنيفة أنه قال: من إحدى شرائط مذهب أهل السنة والجماعة أنه لا يحرم نبيذ التمر. وروي عنه أنه قال: لا أحرمها ديانة، ولا أشربها مروءة. م: (ثم هو محمول على القدح الأخير، إذ هو المسكر حقيقة) ش: هذا جواب بطريق التسليم، يعني سلمنا أن هذا الحديث صحيح، ولكنه محمول على القدح الأخير؛ لأن المسكر هو القدح الأخير حقيقة واردة ما قبله من الأقداح مجاز، وإذا أمكن العمل بالحقيقة لا يصار إلى المجاز، وقد مضى تحقيق الكلام فيه. ومما يدل على أن المراد وهو القدح المسكر لا القليل ما ذكره ابن قتيبة في كتابه الأشربة «عن زيد بن علي بن الحسين بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: أنه شرب هو وأصحابه نبيذا شديدا في وليمة، فقيل له: يا ابن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حدثنا بحديث سمعته من أبي بكر عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في النبيذ. قال: حدثني أبي عن جدي علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "ينزل أمتي على منازل بني إسرائيل حذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل، إن الله سبحانه وتعالى ابتلى بني إسرائيل بنهر طالوت، أحل لهم منه الغرفة، وحرم منه الشرب، وإن الله سبحانه وتعالى ابتلاكم بهذا النبيذ، وأحل منه القليل، وحرم منه السكر» . ومن ذلك ما ذكره في " المحيط ": أنه روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كل مسكر حرام" فقيل: يا رسول الله: إن هذا الشراب إذا أكثرنا منه سكرنا، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس كذلك إذا شرب تسعة فلم يسكر فلا بأس به، وإذا شرب العاشر فسكر فذلك حرام» ولهذا قال أبو يوسف: لو شرب تسعة أقداح من النبيذ فلم يسكر فأوجر العاشر وسكر فلا حد عليه، ولو أوجر التاسعة وشرب القدح العاشر بالاختيار وسكر يحد. م: (والذي يصب عليه الماء بعدما ذهب ثلثاه بالطبخ حتى يرق، ثم يطبخ طبخة حكمه حكم المثلث) ش: إنما لم يذكر اسم هذا النوع من الأشربة لاختلاف وقع فيه، قال منهم من سماه: يا يوسفي، ويعقوبي، لأن أبا يوسف كان كثيرا ما يستعمله، ومنهم من سماه نجيحا، وحميديا؛ لأنه منسوب إلى رجل اسمه حميد بن هانئ، ومنهم من يقول: جمهوري منسوب إلى الجزء: 12 ¦ الصفحة: 386 لأن صب الماء لا يزيده إلا ضعفا. بخلاف ما إذا صب الماء على العصير، ثم يطبخ حتى يذهب ثلثا الكل؛ لأن الماء يذهب أولا للطافته، أو يذهب منهما، فلا يكون الذاهب ثلثي ماء العنب، ولو طبخ العنب كما هو ثم يعصر يكتفى بأدنى طبخة في رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي رواية عنه: لا يحل ما لم يذهب ثلثاه بالطبخ، وهو الأصح؛ لأن العصير قائم فيه من غير تغير، فصار كما بعد العصر   [البناية] جمهور الناس؛ فصارت له خمسة أسامي. وهل يشترط لإباحته عند أبي حنيفة، وأبي يوسف بعدما صب الماء فيه أدنى طبخة؟، اختلف المشايخ فيه، كان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل: يشترط، وعند البعض: لا يشترط، واختار المصنف الأول. م: (لأن صب الماء لا يزيده إلا ضعفا) ش: لأنه يرقق بالماء فتضعف قوته م: (بخلاف ما إذا صب الماء على العصير، ثم يطبخ حتى يذهب ثلثا الكل) ش: حيث لا يحل م: (لأن الماء يذهب أولا للطافته، أو يذهب منهما) ش: أي من الماء والعصير معا، وفاعل يذهب محذوف وليس هو الماء لفساد المعنى، وإنما التقدير: أو يذهب شيء، أو ذاهب ويجوز ذلك، وفيه ضعف لا يخفى م: (فلا يكون الذاهب ثلثي ماء العنب) ش: يعني: إذا كان كذلك فلا يكون الذي يذهب ثلثي ماء العنب، فلا يحل. فإن قلت: إذا ذهبا معا كان ينبغي أن يحل شربه كما يحل شرب المثلث؟ قلت: نعم؛ لأنهما لما ذهبا معا كان الذاهب من العصير ثلثين كالماء، لكن لما لم يتيقن بذهابهما معا، واحتمل ذهاب الماء أولا للطافته، قلنا، بحرمة شربه احتياطا؛ لأنه إذا ذهب الماء أولا: كان الذاهب أقل من ثلثي العصير، وهو حرام عندنا، وهو الباذق. [طبخ ماء العنب بعد عصر العنب] م: (ولو طبخ العنب كما هو ثم يعصر يكتفى بأدنى طبخة في رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواها الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه، وقد روى عنه: إذا طبخ أدنى طبخة يحل شربه إذا غلا واشتد كما في نقيع الزبيب والتمر. م: (وفي رواية عنه) ش: أي: وفي رواية أخرى عن أبي حنيفة، رواها الحسن بن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أنه لا يحل ما لم يذهب ثلثاه بالطبخ، وهو الأصح؛ لأن العصير قائم فيه من غير تغير، فصار كما بعد العصر) ش: يعني: إذا طبخ ماء العنب بعد عصر العنب، لا يحل ما لم يذهب ثلثاه، فكذا إذا طبخ العنب أولا ثم عصر ماؤه لا يحل بالطبخ بعد ذلك إلا إذا ذهب ثلثاه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 387 ولو جمع في الطبخ بين العنب والتمر أو بين التمر والزبيب لا يحل حتى يذهب ثلثاه؛ لأن التمر إن كان يكتفى فيه بأدنى طبخة فعصير العنب لا بد أن يذهب ثلثاه، فيعتبر جانب العنب احتياطا، وكذا إذا جمع بين عصير العنب ونقيع التمر لما قلنا   [البناية] [جمع في الطبخ بين العنب والتمر وبين التمر والزبيب] م: (ولو جمع في الطبخ بين العنب والتمر، وبين التمر والزبيب لا يحل حتى يذهب ثلثاه؛ لأن التمر إن كان يكتفي فيه بأدنى طبخة فعصير العنب لا بد أن يذهب ثلثاه، فيعتبر جانب العنب احتياطا) ش: قال - أي: الأترازي -: ولنا في قوله: "أو بين التمر والزبيب" نظر؛ لأن ماء الزبيب كماء التمر يكتفى فيهما بأدنى طبخة، وقد صرح القدوري: بذلك قبل هذا، وهو قوله: ونبيذ التمر والزبيب إذا طبخ كل واحد منهما أدنى طبخة حلال وإن اشتد. قلت: إن هذا على ما رواه هشام في " النوادر " عن أبي حنيفة، وأبي يوسف - رحمهما الله: أنه لا يحل ما لم يذهب ثلثاه بالطبخ. وقال الفقيه أبو جعفر: يحتمل أن يكون في المسألة روايتان، ويحتمل أن يكون في المسألة رواية واحدة. واختلف الجواب لاختلاف الموضوع، فيكون موضوع ما ذكر في ظاهر الرواية ما إذا كان ماء الزبيب قبل الطبخ غلط فيه المصنف، فيلحقه أدنى طبخة بالمثلث موضوع ما ذكر في " النوادر " ما إذا كان ماء الرطب قبل النضج في رقة العصير فلا يلحق بالمثلث بأدنى طبخة. وإن كان في المسألة روايتان فوجه ما ذكر في ظاهر الرواية أن التي من ماء الزبيب دون التي من ماء العنب؛ لأن ماء العنب لا يخالط ماء آخر، وإنما يخرج ماؤه بالأقدام. وماء الزبيب إنما يستخرج بماء آخر فيختلط به. ولهذا قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: كل شراب استخرج ماؤه بمائه فهو حرام لا تشربوه؛ وكل شراب استخرج ماؤه بغير مائه فهو حلال فاشربوه. ولهذا لا يفسق شارب النقيع من ماء الزبيب، وإذا كان دون التي من ماء العنب لا يشترط لحله ما يشترط لحل ماء العنب من الطبخ. [جمع بين عصير العنب ونقيع التمر] 1 م: (وكذا إذا جمع بين عصير العنب ونقيع التمر لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: فعصير العنب لا بد أن يذهب ثلثاه. قال في " الأصل ": رأيت التمر المطبوخ يمزج العنب فيه فيقلبان جميعا والعنب غير مطبوخ؟، قال: أكره ذلك، وأنهى عنه. قال شيخ الإسلام في "شرحه: وذلك لأنه اختلط الحرام بالحلال، والتمييز غير ممكن، فيحرم الكل. وإنما قلنا ذلك لأن نبيذ التمر بعدما طبخ بأن كان حلالا وإن غلا واشتد، والتي من ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد لا يحل، وقد اختلط أحدهما بالآخر وتعذر تمييز الحلال من الحرام، فيحرم الكل، قال: أيحد من يشرب منه؟، قال: لا، إلا أن يسكر منه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 388 ولو طبخ نقيع التمر والزبيب أدنى طبخة، ثم أنقع فيه تمرا أو زبيبا، إن كان ما أنقع فيه شيئا يسيرا لا يتخذ النبيذ من مثله لا بأس به، وإن كان يتخذ النبيذ من مثله لم يحل كما إذا صب في المطبوخ قدح من النقيع، والمعنى تغليب جهة الحرمة ولا حد في شربه؛ لأن التحريم للاحتياط، وهو للحد من درئه. ولو طبخ الخمر أو غيره بعد الاشتداد حتى يذهب ثلثاه لم يحل؛ لأن الحرمة قد تقررت، فلا ترتفع بالطبخ. قال: ولا بأس بالانتباذ في الدباء والحنتم والمزفت والنقير؛   [البناية] قال شيخ الإسلام: وهذا إذا كان التمر المطبوخ غالبا، والعنب مغلوبا به، فأما إذا كان العنب غالبا على التمر فإنه يجب الحد، كما لو خلط الخمر بالماء اعتبر الغالب والمغلوب، فكذا هذا، قال: أرأيت الرجل يخلط الخمر بعينها مع النبيذ ثم يشرب منه جميعا ولا يسكر أيجب الحد؟. والجواب: فيما لو خلط بالماء إن كان الخمر غالبا وجب الحد، وإن كان النبيذ غالبا لم يجب ما لم يسكر، قال: أرأيت التمر والعنب يخلطان جميعا في قدر ثم يطبخان جميعا، حتى يذهب ثلثا العنب فيمرسان وينبذان؟، قال: لا بأس بذلك إذا كان قد ذهب من ماء العنب يحل إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه. [طبخ نقيع التمر والزبيب أدنى طبخة ثم أنقع فيه تمرا أو زبيبا] م: (ولو طبخ نقيع التمر والزبيب أدنى طبخة، ثم أنقع فيه تمرا أو زبيبا إن كان ما أنقع فيه شيئا يسيرا لا يتخذ النبيذ من مثله لا بأس به) ش: هذه المسائل كلها ذكرت تفريعا على مسألة " المختصر " من قوله كما هو، م: (وإن كان يتخذ النبيذ من مثله لم يحل) ش: لأنه في معنى نقيع ومطبوخ. م: (كما إذا صب في المطبوخ قدح من النقيع) ش: لأنه أفسده كله م: (والمعنى تغليب جهة الحرمة) ش: يعني الوجه في تحريمه تغليب جهة الحرمة على جهة الحل احتياطا م: (ولا حد في شربه؛ لأن التحريم للاحتياط، وهو للحد في درئه) ش: أي رفعه؛ لأن مبناه على الدرء والسقوط. [طبخ الخمر أو غيره بعد الاشتداد حتى يذهب ثلثاه] 1 م: (ولو طبخ الخمر أو غيره) ش: أي غير الخمر من الأشربة المحرمة م: (بعد الاشتداد حتى يذهب ثلثاه لم يحل؛ لأن الحرمة قد تقررت، فلا يرتفع بالطبخ) ش: لأن النار أثرها في دفع الحرمة لا في رفعها، ولكن مع هذا لا يجب الحد في شربه قبل السكر؛ لأن الخمر هي التي من ماء العنب، وهذا مطبوخ لا نيئ، فلا يكون شاربه شارب خمر. [الانتباذ في الدباء والحنتم والمزفت والنقير] م: (قال: ولا بأس بالانتباذ في الدباء والحنتم والمزفت والنقير) ش: أي قال القدوري في "مختصره": والدباء القرع جمع دباه، والحنتم: بفتح الحاء المهملة، وسكون النون، وفتح التاء المثناة من فوق: وهو جرار حمر، وقال أبو عبيد خضر: وقد يجوز أن يكونا جميعا، وهو جمع حنتمة، والمزفت المطلي بالزفت، وهذا الذي ذكره القدوري، وهو قول أكثر أهل العلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 389 لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث فيه طول بعد ذكر هذه الأوعية: «فاشربوا في كل ظرف، فإن الظرف لا يحل شيئا ولا يحرمه، ولا تشربوا المسكر» .   [البناية] وعن أحمد في رواية: كره الانتباذ فيها؛ لنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال مالك: أكره أن ينتبذ في الدباء والمزفت، وأباح الجر كله غير المزفت، والحنتم، والنقير. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث طول بعد ذكر هذه الأوعية: «فاشربوا في كل ظرف، فإن الظرف لا يحل شيئا ولا يحرمه، ولا تشربوا المسكر» ش: أراد بهذا الحديث الذي فيه طول، وفيه: النهي عن الانتباذ في الظرف المذكور. ثم الأشربة فيها هو ما رواه محمد بن أساس في " كتاب الآثار " أخبرنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: حدثنا علقمة بن مزيد عن أبي بريدة عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، وهؤلاء يقولوا هجرا، وقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه، وعن لحوم الأضاحي أن يمسكوها فوق ثلاثة أيام فأمسكوها ما بدا لكم، وتزودوا فإنما نهيتكم ليوسع موسعكم على فقيركم، وعن النبيذ في الدباء والحنتم، والمزفت، فاشربوا في كل ظرف، فإن الظرف لا يحل شيئا ولا يحرمه، ولا تشربوا المسكر» . وفي بعض الروايات جاء النقير بعد المزفت. وأخرج الجماعة إلا البخاري عن بريدة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم، فاشربوا في كل وعاء، غير أن لا تشربوا مسكرا» وفي لفظ لمسلم: «نهيتكم عن الظروف، وإن الظرف، أو ظرفا لا يحل شيئا ولا يحرمه، وكل مسكر حرام» . وأخرج ابن حبان في "صحيحه" عن مسروق عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إني نهيتكم عن نبيذ الأوعية، ألا وإن الوعاء لا يحرم شيئا، وكل مسكر حرام» . وأخرج البخاري، ومسلم عن ابن عيينة، عن سليمان الأحول، عن مجاهد، عن ابن عياض، عن عبد الله بن عمر، فقال: «لما نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الأوعية قالوا: ليس كل الناس يجد سقاء فأرخص لهم في الجر غير المزفت"، وفي لفظ: "فأذن" بدل "فأرخص» . وأخرج أبو داود عن شريك، عن زياد بن فياض، عن أبي عياض، عن عبد الله بن عمرو، قال: «ذكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدباء، والحنتم، والمزفت، والنقير، فقال أعرابي: إنه لا ظروف لنا، قال: "اشربوا ما حل"، وفي لفظ ليحيى بن آدم، عن شريك فقال: "اجتنبوا ما أسكر» . وأخرج البخاري من حديث جابر قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الظروف، فقالت الأنصار: إنه لا بد لنا منها، فقال: فلا إذا» وأخرج البيهقي من حديث يحيى بن محمد بن حبان الجزء: 12 ¦ الصفحة: 390 وقال ذلك بعدما أخبر عن النهي عنه، فكان ناسخا له. وإنما ينتبذ فيه بعد تطهيره، فإن كان الوعاء عتيقا يغسل ثلاثا   [البناية] بن واسع بن حسان حدثه أن أبا سعيد الخدري حدثه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «نهيتكم عن النبيذ ألا فانتبذوا، ولا أحل مسكرا» قوله: ولا تقولوا: " هجرا " بضم الهاء، وسكون الجيم، وهو الإفحاش في النطق والخناء. م: (وقال ذلك بعدما أخبر عن النهي عنه، فكان ناسخا له) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «انتبذوا واشربوا في كل ظرف» بعدما أخبر عن الانتباذ في الظروف، فكان أمره بذلك ناسخا لنهيه المتقدم، ففيه دليل على جواز نسخ السنة بالسنة، والمراد من النهي: هو ما رواه البخاري، ومسلم، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الدباء، والمزفت.» وروى مسلم من حديث سعيد بن جبير، «عن ابن عمر، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أنهما شهدا: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الدباء، والحنتم، والنقير، والمزفت» . وروي أيضا من حديث الزهري أخبرني أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تنتبذوا في الدباء، والمزفت» وروي أيضا عن حديث الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تنتبذوا في الدباء، ولا المزفت» . وروى أيضا: ثم يقول أبو هريرة: اجتنبوا الحناتم، والنقير، وروي أيضا من حديث شعبة، أخبرني عمرو بن مرة، سمعت زادان يقول: قلت لابن عمر: أخبرنا بما نهى عنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأوعية، أخبرنا بلغتكم، وفسره لنا بلغتنا، قال: نهى عن الحنتم وهي الجرة، ونهى عن المزفت وهو النقير، ونهى عن الدباء وهو القرع، ونهى عن النقير وهي أصل النخلة ينقر نقرا ويمسح مسحا، وأمر أن ينتبذ في الأسقية. قالوا: إنما نهى عن هذه الأوعية على الخصوص؛ لأن الأنبذة تشتد في هذه الظروف أكثر مما تشتد في غيرها، وفيه دليل واضح لأبي حنيفة، وأبي يوسف على إباحة شرب النبيذ الشديد دون المسكر، وعلى حرمة ما يقع به السكر. فإن قلت: ما كان المعنى في النهي في زيارة القبور؟ قلت: كانوا في ابتداء الإسلام إذا زاروا المقابر يقربون عنه، ويقولون "هجرا" على رسمهم في الجاهلية، ويصفون موتاهم بالبطالة وسفك الدماء وشرب الخمر، فنهاهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن زيارة القبور فطاما لهم عن الهجر، فلما انتهوا على ذلك أباح لهم زيارة القبور بعد ذلك. م: (وإنما ينتبذ فيه بعد تطهيره) ش: إن كان فيه خمر م: (فإن كان الوعاء عتيقا يغسل ثلاثا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 391 فيطهر، وإن كان جديدا لا يطهر عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لتشرب الخمر فيه، بخلاف العتيق. وعند أبي يوسف يغسل ثلاثا ويجفف في كل مرة، وهي مسألة ما لا ينعصر بالعصر، وقيل: عند أبي يوسف: يملأ ماء مرة بعد أخرى، حتى إذا خرج الماء صافيا غير متغير يحكم بطهارته. قال: وإذا تخللت الخمر حلت سواء صارت خلا بنفسها أو بشيء يطرح فيها، ولا يكره تخليلها.   [البناية] فيطهر) ش: لأنها تشرب كما لو نجس الظرف بالدم أو البول، فإنه يطهر بالغسل ثلاثا م: (وإن كان جديدا لا يطهر عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لتشرب الخمر فيه، بخلاف العتيق) ش:. م: (وعند أبي يوسف: يغسل ثلاثا ويجفف في كل مرة، وهي مسألة ما لا ينعصر بالعصر) ش: والخلاف فيه مشهور، فإن عند محمد: إذا تنجس ما لا ينعصر بالعصر لا يطهر أبدا. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يطهر بالغسل ثلاث مرات مع تجفيفه في كل مرة، وقد مر مستوفى في: كتاب الطهارة. وقال شيخ الإسلام: هذا مثل ظرف الخمر بعدما صب منه الخمر، أما إذا لم يصب منه الخمر حتى صار الخمر خلا ما حال الظرف لم يذكر محمد هذا في " الأصل ". وقد حكي عن الحاكم أبي نصر محمد بن مهرويه أنه كان يقول: ما يواري الإناء من الخل لا شك أنه يطهر، لأن ما يواري الإناء من الخل فيه أجزاء الخل، وإنه طاهر. فأما على الجب الذي انتقض من الخمر. وقيل: صيرورته خلا: فإنه يكره؛ لأن ما تداخل أجزاء الجب من الخمر لم يصر خلا؛ بل يلبث فيه كذلك جزءا، فيكون نجسا، فيجب أن يغسل أعلاه بالخل حتى يطهر الكل؛ لأن غسل النجاسة الحقيقية بما سوى الخمر من المائعات التي تزيل النجاسة جائز عندنا فإذا غسل الجب بالخل صار ما حل فيه من أجزاء الخمر خلا من ساعته، فيطهر الجب بهذا الطريق، فإذا لم يفعل كذا حتى ملأ به من العصر بعد ذلك فإنه ينجس العصير ولا يحل شربه؛ لأنه عصير خالطه الخمر، إلا أن يصير خلا، فكذا قاله خواهر زاده - رحمة الله عليه -. م: (وقيل عند أبي يوسف: يملأ ماء مرة بعد أخرى، حتى إذا خرج الماء صافيا غير متغير يحكم بطهارته) ش: أشار بهذا القول أنه إذا لم يجفف في كل مرة من الغسل، ولكن ملأ ماء مرة بعد أخرى إلى آخره ما ذكره، فإنه يطهر ولا يحتاج إلى التجفيف في كل مرة من الغسل. م: (قال: وإذا تخللت الخمر حلت سواء صارت خلا بنفسها أو بشيء يطرح فيها، ولا يكره تخليلها) ش: أي قال القدوري في "مختصره": أراد أن التخليل يجوز مطلقا، سواء صارت خلا بنفسها أو بعلاج، كإلقاء الملح أو بغير الملح كالنقل من الظل إلى الشمس أو بالعكس أو الجزء: 12 ¦ الصفحة: 392 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكره التخليل ولا يحل الخل. الحاصل به إن كان التخليل بإلقاء شيء فيه قولا واحدا، وإن كان بغير إلقاء شيء فيه فله في الخل. الحاصل به قولان له: أن في التخليل اقترابا من الخمر على وجه التمول، والأمر بالاجتناب ينافيه. ولنا: قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «نعم الإدام الخل» .   [البناية] بإيقاد النار بالقرب منه. ولا يكره هذا الغسل عندنا، (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكره التخليل ولا يحل الخل. الحاصل به إن كان التخليل بإلقاء شيء فيه قولا واحدا) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله -. م: (وإن كان بغير إلقاء شيء فيه فله) ش: أي فللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في الخل الحاصل به) ش: أي بإلقاء شيء م: (قولان) ش: في قول: يحل كقولنا، وفي قول: لا يحل، وبه قال مالك وأحمد أما إذا صار خلا بطول المدة بدون علاج يحل بلا خلاف لهم. م: (له) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن في التخليل اقترابا من الخمر على وجه التمول، والأمر بالاجتناب ينافيه) ش: بيانه أن سبحانه وتعالى أمر بالاجتناب على الخمر بقوله سبحانه وتعالى: {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] والأمر للوجوب، وفي التخليل اقتراب منه، وبينهما منافاة فلا يجوز. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «نعم الإدام الخل» ش: هذا الحديث رواه الجماعة من الصحابة الأول جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الجماعة إلا البخاري ومسلم والنسائي عن طلحة بن نافع والباقون عن محارب بن دثار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نعم الإدام الخل» ، أخرجه النسائي في الوليمة والباقون في الأطعمة. الثاني: عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نعم الإدام الخل» ، قال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، لا يعرف من حديث هشام بن عروة إلا عن سليمان بن بلال. الثالث: أم هانئ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرج حديثها الحاكم في " المستدرك " في الفضائل عن عطاء بن عباس «عن أم هانئ بنت أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هل عندك طعام آكله وكان جائعا؟ فقلت: إن عندي كسرة يابسة، وإني أستحي أن أقربها إليك، فقال: هلميها، فكسرتها ونثرت عليها الملح، فقال: هل من إدام؟ فقلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما عندي إلا شيء من خل، فقال: هلميه، فلما جئته به صبه على الجزء: 12 ¦ الصفحة: 393 ولأن بالتخليل يزول الوصف المفسد، وتثبت صفة الصلاح من حيث تسكين الصفراء وكسر   [البناية] طعامه فأكل منه ثم حمد الله تعالى ثم قال: نعم الإدام الخل يا أم هانئ، لا يفتقر بيت فيه خل» . الرابع: أيمن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه البيهقي في " شعب الإيمان " عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال: «نزل بجابر ضيوف فجاءهم بخبز وخل، فقال: كلوا فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "نعم الإدام الخل، هلاك بالقوم أن يحتقروا ما قدم إليهم، وهلاك بالرجل أن يحتقر ما في بيته أن يقدمه إلى أصحابه» . الخامس: أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرج حديثها الدارقطني في "سننه" عن فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن عمرة «عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنها كانت لها شاة تحتلبها ففقدها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ما فعلت الشاة؟ "، قالوا: ماتت، قال: "أفلا انتفعتم بإهابها؟ "، فقلنا: إنها ميتة، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن دباغها يحل كما يحل خل الخمر» . وقال الدارقطني: تفرد به فرج بن فضالة وهو ضعيف روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري أحاديث لا يتابع عليها. حديث آخر: «خير خلكم: خل خمركم» . قال البيهقي في " المعرفة " رواه المغيرة بن زياد عن أبي الزبير عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «خير خلكم خل خمركم» تفرد به المغيرة بن زياد وليس بالقوي. وجه الاستدلال بهذا الحديث: أنه عام يتناول جميع ما يطلق عليه اسم الخل، لأنه لم يفصل بين خل وخل. م: (ولأن بالتخليل يزول الوصف المفسد) ش: وهو الخمرية، لأن التخليل إصلاح لجوهر فاسد، فيجوز، لأن الجوهر خمر فاسد، فإصلاحه بإزالة صفة الخمرية عنه، والتخليل إزالة لتلك الصفة، فيكون إصلاحا م: (وتثبت صفة الصلاح من حيث تسكين الصفراء وكسر الجزء: 12 ¦ الصفحة: 394 الشهوة والتغذي به والإصلاح مباح، وكذا الصالح للمصالح اعتبارا بالمتخلل بنفسه وبالدباغ والاقتراب لإعدام الفساد، فأشبه الإراقة، والتخليل لما فيه من إحراز مال يصير حلالا في الثاني: فيختاره من ابتلي به   [البناية] الشهوة والتغذي به) ش: ذكر في ثبوت صفة الصلاح ثلاثة أشياء: الأول: تسكين الصفراء، لأن الجوهر البارد فيه أكثر من الجوهر الحار، لأنه مركب من جوهرين مختلفين، أعني من جوهر حار وجوهر بارد، وكلاهما لطيف، ولهذا فيه تخفيف بليغ، حتى إنه من التخفيف في الدرجة الثالثة عند منتهاها إذا كان خلا ثقفا. الثاني: فيه كسر الشهوة لما قلنا: إن فيه تخفيفا بليغا، ذكر أصحاب الطبائع: أنه يفيق الشهوة. الثالث: فيه التغذي، لأنه صالح للمعدة، والجوع يصلح من هيجان الحرارة في المعدة، وهو أسرع إلى إطفاء الحرارة وحدته، قالوا: إنه يضعف البصر م: (والإصلاح مباح) ش: أي إصلاح المفسد يباح كالدباغ، وهذا بالإجماع. م: (وكذا الصالح للمصالح) ش: وكذا مباح الصالح للمصالح وهو جمع مصلحة والمصالح هي الأشياء المذكورة ونحوها م: (اعتبارا بالمتخلل بنفسه) ش: أي قياسا على التخلل بنفسه، فإنه يباح بالإجماع لأجل المصالح المذكورة وغيرها. وكذا الذي يحل بالعلاج ونحوه م: (وبالدباغ) ش: أي واعتبارا بالدباغ أيضا، فإن عين الجلد نجس، ولهذا لا يجوز بيعه كالثوب النجس والدبغ إصلاح له من حيث إنه يعصمه من النتن والفساد وقد جاز الدباغ فيجوز التخليل قياسا عليه م: (والاقتراب لإعدام الفساد) ش: وهذا جواب عن قول الشافعي: أن في التخليل اقترابا من الخمر على وجه التمول. ووجهه: لا نسلم أنه على جهة التمول، بل المنظور إليه إعدام الفساد م: (فأشبه الإراقة) ش: فإن فيها اقترابا أيضا م: (والتخليل أولى) ش: أي من الإراقة مع وجود الاقتراب في كل منهما م: (لما فيه) ش: أي في التخليل م: (من إحراز مال يصير حلالا في الثاني) ش: أي في الزمن الثاني م: (فيختار من ابتلي به) ش: أي فيختار التخليل على الإراقة من ابتلي بالخمر، كما إذا درت خمرا مثلا. فإن قلت: هي لنجس العين فيحرم التصرف فيها قياسا على الميتة والبول والدم؟. قلت: ليس كذلك فذاتها ذات العصير وهو طاهر قبل التخمر، والنجاسة باعتبار الشدة وما هي عينها بل وصفها وهو يقبل الزوال كالصبي في الصبي، ولهذا لو تخللت بنفسها يحل. فإن قلت: ما تقول فيما رواه مسلم عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 395 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] الخمر أيتخذ خلا، قال: "لا".» وروي أيضا عن أنس «أن أبا طلحة سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أيتام ورثوا خمرا، قال: "أهرقها"، قال: أفلا نجعلها خلا؟ قال: "لا» . وروى المزني أيضا في كتاب " العلل ": «أن أبا طلحة كان في حجره يتامى فاشترى لهم خمرا فنزل تحريم الخمر فسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك وقال: أفنخللها؟، قال: "لا، ولكن أهرقها» ، قال المزني: فلو كان التخليل جائزا لما أمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالإراقة، لأن فيها يضيع مال اليتيم، بل كان يأمره بالتخليل خصوصا كان الخمر ليتامى. قالوا: أو لأن الصحابة أراقوها حين نزلت آية التحريم كما ورد في الصحيح، فلو جاز التخليل لبينه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما بين لأهل الشاة الميتة على دباغها. قلت: أما الجواب عن الحديث الأول: أن المعنى لا يستعملوها استعمال الخل بأن تؤدم ويوضع على المائدة كما يوضع الخل، وهو نظير ما روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه نهى عن تحليل الحرام وتحريم الحلال، وأن يتخذ الدواب كراس» ، المراد الاستعمال. «ولما نزل قوله سبحانه وتعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] (التوبة: الآية 31) . قال عدي بن حاتم: ما عبدناهم قط، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أليس كانوا يأمرون وينهون وتطيعونهم؟ "، قال: نعم، فقال: "هو ذاك» فقد فسر الإلحاد بالاستعمال. وأما عن الثاني: فقد أجاب الطحاوي - رحمة الله عليه - بأنه محمول على التغليظ والتشديد، لأنه كان في ابتداء الإسلام كما ورد ذلك في سؤر الكلب، بدليل أنه ورد في بعض طرقه الأمر بكسر الدبار وتقطيع الزقاق. ورواه الطبراني في "معجمه" حدثنا معاذ بن المثنى، حدثنا مشدد حدثنا معتمر حدثنا ليث عن يحيى بن عباد عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عن أبي طلحة قال: قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إني اشتريت خمرا لأيتام في حجري؟، فقال: "أهرق الخمر واكسر الدنان".» وروى أحمد في "مسنده" حدثنا الحاكم بن نافع حدثنا أبو بكر بن أبي مريم عن حمزة بن حبيب عن ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شق زقاق الخمر بيده في أسواق المدينة» ، وهذا صريح في تغليظ الأمر، لأن فيه إتلاف مال الغير، وقد كان يمكنه الإراقة بدون كسر الدنان وشق الزقاق وتطهيرها، ولكن قصد بإتلافها التشديد ليكون أبلغ في الردع، وقد ورد عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه حرق بيت خمار، كما رواه ابن سعد في " الطبقات " أخبرنا يزيد بن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 396 وإذا صار الخمر خلا يطهر ما يوازيها من الإناء، فأما أعلاه وهو الذي نقص منه الخمر قيل: يطهر تبعا، وقيل: لا يطهر؛ لأنه خمر يابس إلا إذا غسل بالخل فيتخلل من ساعته، فيطهر، وكذا إذا صب منه الخمر ثم ملئ خلا يطهر في الحال على ما قالوا. قال: ويكره شرب دردي الخمر والامتشاط به   [البناية] هارون أخبرنا ابن أبي دريب عن سعد بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حرق بيت روشيد السعفي وكان حاويا للشراب، قال: فلقد رأيته ملتهبا نارا. وقد ورد في حديث عن جابر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عوض الأيتام عن خمرهم مالا» كما رواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده" حدثنا جعفر بن حميد الكوفي حدثنا يعقوب القمي عن عيسى بن حارثة عن جابر، فذكر. وفيه قال: «إذا أتانا مال البحرين فإنا نعوض أيتاما في مالهم» ، وقد تقدم فيما مضى من هذا الباب. م (وإذا صار الخمر خلا يطهر ما يوازيها من الإناء) ش: يجوز فيما يواريها بالراء المهملة من المواراة، وهي الستر، ويجوز بالزاي المعجمة من الموازاة، وهي المساواة أي يطهر ما يستر الخمر من الإناء أو ما يساويها من الإناء بمعنى قدر ارتفاعها في الإناء م: (فأما أعلاه) ش: أي أعلى الإناء م: (وهو الذي نقص منه الخمر) ش: مثلا إذا كانت الخمر في نصف الإناء لا يكون المشغول منه بالخمر إلا النصف التحتاني، فإذا صارت خلا يطهر النصف التحتاني لصيرورة الخمرة خلا. وأما النصف الفوقاني هل بالخل يطهر؟ م: (قيل: يطهر تبعا) ش: أي من إرادة الخل، وبه أخذ الهندواني وأبو عبيد والصدر الشهيد. م: (وقيل: لا يطهر لأنه خمر يابس) ش: فيكون نجسا م: (إلا إذا غسل بالخل فيتخلل من ساعته فيطهر) ش: يعني يدار فيه الخل حتى يصيب جميع الظرف، فإذا فعل ذلك فقد طهر وإن لم يشب فيه الخمر كذا في " الذخيرة "، وقد مر الكلام فيه عن قريب. م: (وكذا إذا صب منه الخمر ثم ملئ خلا يطهر في الحال على ما قالوا) ش: أي المشايخ، لأن آثار الخمر التي فيه تستحيل خلا في ساعته فيطهر. [شرب دردي الخمر] م: (قال: ويكره شرب دردي الخمر) ش: أي قال في " الجامع الصغير "، ودردي الخمر ما يرسب في أسفله، وكذا دردي الزبيب ونحوه م: (والامتشاط به) ش: أي بدردي الخمر إنما خص الامتشاط، لأن له تأثير في تحسين الشعر، وقد صح عن عائشة: أنها كانت تنهى النساء الجزء: 12 ¦ الصفحة: 397 لأن فيه أجزاء الخمر والانتفاع بالمحرم حرام، ولهذا لا يجوز أن يداوي به جرحا أو دبرة دابة، ولا أن يسقي ذميا، ولا أن يسقي صبيا للتداوي، والوبال على من سقاه. وكذا لا يسقيها الدواب، وقيل: لا تحمل الخمر إليها. أما إذا قيدت إلى الخمر فلا بأس به، كما في الكلب والميتة. ولو ألقى الدردي في الخل لا بأس به؛ لأنه يصير خلا، لكن يباح حمل الخل إليه لا عكسه لما قلنا. قال: ولا يحد شاربه، أي شارب الدردي إن لم يسكر. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحد؛ لأنه شرب جزءا من الخمر. ولنا: أن قليله لا يدعو إلى كثيره لما في الطباع من النبوة   [البناية] عن ذلك أشد النهي. م: (لأن فيه) ش: أي في الدردي م: (إجزاء الخمر والانتفاع بالمحرم حرام، ولهذا لا يجوز أن يداوي به) ش: أي بالخمر م: (جرحا) ش: لحديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» م: (أو دبرة دابة) ش: أي أو يداوي دبر دابة، والدبر بفتحتين جرح الدابة أو عقرها من دبرت الدابة تدبر دبرا من باب علم يعلم، والدبر بفتح الدال وكسر الباء هو الحيوان الذي فيه دبر بفتحتين م: (ولا أن يسقي ذميا) ش: أي ولا يجوز، لأن فيه اقترابا للخمر، وهو مأمور بالاجتناب عنه وإعانة على المعصية م: (ولا أن يسقي صبيا للتداوي) ش: أي ولا يجوز أن يسقي صبيا لأجل التداوي لما ذكرنا من حديث ابن مسعود م: (والوبال) ش: أي الإثم والخطيئة م: (على من سقاه) ش: لأن الصبي غير مخاطب، فالإثم يبنى على الخطاب. م: (وكذا لا يسقيها الدواب) ش: لأنه نوع انتفاع بالخمر وأقرب منه م: (وقيل: لا تحمل الخمر إليها) ش: أي إلى الدواب م: (أما إذا قيدت) ش: أي الدواب م: (إلى الخمر فلا بأس به) ش: لعدم المعنى الذي ذكرناه م: (كما في الكلب والميتة) ش: أي لا تحمل الميتة إلى الكلب. ولو قيد الكلب إليها لا بأس به، وكذا الفأرة لا تحمل إلى الهرة، ولكن الهرة تحمل إلى الفأرة كيلا يصير حاملا للنجاسة بلا ضرورة. وفي " الذخيرة ": ويكره أن يبل الطين بالخمر. م: (ولو ألقي الدردي في الخل لا بأس به لأنه يصير خلا، لكن يباح حمل الخل إليه) ش: أي إلى الدردي م: (لا عكسه) ش: وهو حمل الدردي إلى الخل م: (لما قلنا) ش: أشار به إلى التعليل المستفاد من قوله كما في الكلب والميتة. م: (قال: ولا يحد شاربه، أي شارب الدردي إن لم يسكر. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحد) ش: وبه قال مالك وأحمد وأكثر أهل العلم م: (لأنه شرب جزءا من الخمر) ش: أي الدردي لا يخلو منه، وفي الخمر يجب الحد من القليل والكثير. م: (لنا أن قليله لا يدعو إلى كثيره لما في الطباع من النبوة) ش: أي من النفرة، لأن الطباع لا تميل إلى شرب الدردي، بل من يعتاد شرب الجزء: 12 ¦ الصفحة: 398 عنه، فكان ناقصا، فأشبه غير الخمر من الأشربة ولا حد فيها إلا بالسكر، ولأن الغالب عليه الثفل فصار كما إذا غلب عليه الماء بالامتزاج، ويكره الاحتقان بالخمر وإقطارها في الإحليل؛ لأنه انتفاع بالمحرم، ولا يجب الحد لعدم الشرب، وهو السبب، ولو جعل الخمر في مرقة لا تؤكل لتنجسها بها ولا حد ما لم يسكر منه، لأنه أصابه الطبخ. ويكره أكل خبز عجن عجينه بالخمر لقيام أجزاء الخمر فيه.   [البناية] الخمر يعاف الدردي م: (عنه فكان ناقصا، فأشبه غير الخمر من الأشربة ولا حد فيها إلا بالسكر، ولأن الغالب عليه الثفل فصار كما إذا غلب عليه الماء بالامتزاج) ش: حيث لا يحد إذا كان الماء هو الغالب كما ذكرنا. م: (ويكره الاحتقان بالخمر وإقطارها في الإحليل) ش: وهو ثقب الذكر م: (لأنه انتفاع بالمحرم ولا يجب الحد) ش: وفي بعض النسخ ولا يحد م: (لعدم الشرب وهو السبب) ش: أي الشرب هو السبب في وجوب الحد ولم يوجد، وبه قال الشافعي ومالك. وعن أحمد: يجب الحد بالاحتقان، لأنه أدخله إلى جوفه، قال ابن قدامة: والأصح أنه لا يجب لعدم الشرب. م: (ولو جعل الخمر في مرقة لا تؤكل لتنجسها بها) ش: أي لتنجس المرقة بالخمر م: (ولا حد ما لم يسكر منه؛ لأنه أصابه الطبخ) ش: لأنه مطبوخ، والخمر هو الذي من ماء العنب. وعند أحمد: يحد، لأن عين الخمر موجود فيها، ولو لم يطبخ يعتبر الغالب والمغلوب، كما لو مزج الخمر بالماء. وقال شيخ الإسلام في "شرحه": وهذه المسألة تدل على أن الخمر إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه أنه لا يجب الحد بشربه ما لم يسكر، لأنه بعد الطبخ لم يبق بناء. م: (ويكره أكل خبز عُجِنَ عجينه بالخمر لقيام أجزاء الخمر فيه) ش: أي في العجين، وأما اللحم إذا طبخ بالخمر، فعند محمد: لا يطهر أبدا، وعند أبي يوسف: يغلى بالماء الطاهر ثلاث مرات ويبرد في كل مرة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 399 فصل في طبخ العصير والأصل أن ما ذهب بغليانه بالنار وقذفه بالزبد يجعل كأن لم يكن، ويعتبر ذهاب ثلثي ما بقي ليحل الثلث الباقي، بيانه عشرة دوارق من عصير طبخ فذهب دورق بالزبد يطبخ الباقي حتى يذهب ستة دوارق ويبقى الثلاث فيحل؛ لأن الذي يذهب زبدا هو العصير أو ما يمازجه، وأيا ما كان جعل كان العصير تسعة دوارق، فيكون ثلثها ثلاثة، وأصل آخر أن العصير إذا صب عليه ماء قبل الطبخ، ثم طبخ بمائه إن كان الماء أسرع ذهابا لرقته ولطافته يطبخ الباقي بعدما ذهب مقدار ما صب فيه من الماء حتى يذهب ثلثاه، لأن الذاهب الأول هو الماء والثاني العصير، فلا بد من ذهاب ثلثي العصير.   [البناية] [فصل في طبخ العصير] [كيفية طبخ العصير إلى أن يذهب ثلثاه] م: (فصل في طبخ العصير) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام العصير وكيفيته، ولما ذكر فيها معنى أن العصير لا يحل ما لم يذهب ثلثاه، شرع يبين كيفية طبخ العصير إلى أن يذهب ثلثاه، وما في هذا الفصل ليس بمذكور في " الجامع الصغير "، ولا في القدوري، وإنما هو مذكور في " المباسيط "، ذكره تفريعا على ما ذكر قبل هذا. م: (والأصل أن ما ذهب بغليانه بالنار وقذفه بالزبد يجعل كأن لم يكن) ش: يعني ما ذهب من القدر ومن غاية الغليان وقذفه بالزبد لا يعتبر م: (ويعتبر ذهاب ثلثي ما بقي ليحل الثلث الباقي) ش: لأن نصيب الشيطان في الثلثين فيما لم يذهب الثلثان لا يحل م: (بيانه) ش: أي بيان ما ذكر م: (عشرة دوارق) ش: وهو جمع دورق - بفتح الدال المهملة وسكون الواو وفتح الراء وفي آخره قاف -، وهو مكيال الشراب أعجمي معرب. قيل: تسعة عشر أمناء. وقال تاج الشريعة: تسعة أربعة أمناء م: (من عصير طبخ فذهب دورق بالزبد يطبخ الباقي) ش: وهو تسعة دوارق م: (حتى يذهب ستة دوارق ويبقى الثلاث) ش: وهو ثلاثة دوارق م: (فيحل؛ لأن الذي يذهب زبدا) ش: أي حال كونه زائدا م: (هو العصير) ش: يعني من نفس العصير م: (أو ما يمازجه) ش: أي والذي ذهب زائدا هو ما يمازج العصير من الثفل والشراب والدردي. م: (وأيا ما كان) ش: أي النوعين كان م: (جعل العصير تسعة دوارق، فيكون ثلثها ثلاثة) ش: أي فيكون ثلث التسعة ثلاثة دوارق، فيكون الذهب ستة والباقي ثلاثة فيحل. م: (وأصل آخر أن العصير إذا صب عليه ماء قبل الطبخ بمائه إن كان الماء أسرع ذهابا لرقته ولطافته يطبخ الباقي بعدما ذهب مقدار ما صب فيه من الماء حتى يذهب ثلثاه؛ لأن الذاهب الأول هو الماء والثاني العصير، فلا بد من ذهاب ثلثي العصير) ش: بيان ذلك ما قاله شيخ الإسلام خواهر زاده في الجزء: 12 ¦ الصفحة: 400 وإن كانا يذهبان معا تغلى الجملة حتى يذهب ثلثاها ويبقى ثلثها فيحل، لأنه ذهب الثلثان ماء وعصيرا والثلث الباقي ماء وعصير، كما إذا صب الماء فيه بعد ما ذهب من العصير بالغلي ثلثاه، بيانه عشرة دوارق من عصير وعشرون دورقا من ماء، ففي الوجه الأول يطبخ حتى يبقى تسع الجملة؛ لأنه ثلث العصير، وفي الوجه الثاني حتى يذهب ثلثا الجملة لما قلنا.   [البناية] "شرحه"، وهو: أن يجعل كل عشرة من الماء والعصير على ثلاثة أسهم بحاجتك إلى الثلث والثلثين، فيكون الماء ستة من تسعة وما ذهب يجعل كأن لم يكن، لأن ما بقي العصير لا غير، وهو ثلاثة أسهم فيطبخ حتى يذهب ثلثاه فقد ذهب مرة ستة ومرة اثنان فذهب ثمانية وبقي واحد هو تسع الكل وهو الحاصل ثلاثة دوارق وهو ثلث. م: (وإن كانا يذهبان معا) ش: أي وإن كان الماء والعصير يذهبان معا م: (تغلي الجملة حتى يذهب ثلثاها، ويبقى ثلثها فيحل) ش: قال شيخ الإسلام: كأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - علم أن العصير على نوعين منه ما لو صب فيه الماء وطبخ يذهب الماء أولا منه ما إذا صب فيه الماء يذهبان معا، وكذلك فصل الجواب فيه مفصلا؛ م: (لأنه ذهب الثلثان ماء وعصيرا) ش: أي حال كون الثلثين ماء وعصيرا، وهذا مثل قولك جاء القوم ركبانا ومشاة، يعني حال كونهم بعضهم راكبين وبعضهم ماشين م: (والثلث الباقي ماء وعصير) ش: وقد ذهب الحرام من العصير وهو الثلثان، وبيانه فيما قال شيخ الإسلام: وهو: أن يطبخ حتى يذهب ثلثاه وهو عشرون ويبقى ثلاثة وهو عشرة، لأنه متى بقي عشرة كان يليه ماء ويليه عصير إذا كانا يذهبان معا، فيكون ثلث العصير ثلاثة، وقد كان العصير عشرة، وقد رد العصير إلى الثلث فيحل. م: (كما إذا صب الماء فيه بعدما ذهب من العصير بالغلي ثلثاه) ش: يعني صار حكم هذا كحكم ماء لو صب في العصير بعدما صار مثلثا بحيث يحل فكذا هذا. م: (بيانه) ش: أي بيان ما ذكر م: (عشرة دوارق من عصير وعشرون دورقا من ماء، ففي الوجه الأول) ش: أي فيما إذا ذهب الماء أولا م: (يطبخ حتى يبقى تسع الجملة؛ لأنه ثلث العصير) ش: تسع الجملة وهي ثلاثة، وذلك بعد ذهاب الدورق بالزبد والثلاثة ثلث العصير، لأن العصير عشرة، ولكن ذهب منها دورق بالزبد فبقي تسعة ثلثها ثلاثة. م: (وفي الوجه الثاني) ش: أي فيما إذا كان الماء والعصير يذهبان معا م: (حتى يذهب ثلثا الجملة) ش: أي يطبخ حتى يذهب ثلثا الجملة وهو عشرون وبقي عشرة ثلاثة، فمتى بقي عشرة كان ثلثاه ماء وثلثه عصير، أو كان الباقي ثلث العصير وثلث الماء م: (لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله: لأن الباقي ثلث الماء وثلث العصير. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 401 والغلي بدفعة أو دفعات سواء إذا حصل قبل أن يصير محرما، ولو قطع عنه النار فغلي حتى ذهب الثلثان يحل؛ لأنه أثر النار. وأصل آخر: أن العصير إذا طبخ فذهب بعضه ثم أهريق بعضه كم تطبخ البقية حتى يذهب الثلثان فالسبيل فيه أن تأخذ ثلث الجميع فتضربه في الباقي وبعد المنصب، ثم تقسمه على ما بقي بعد ذهاب ما ذهب بالطبخ قبل أن ينصب منه شيء فما يخرج بالقسمة فهو حلال بيانه عشرة أرطال عصير طبخ حتى ذهب رطل ثم أهرق منه ثلاثة أرطال تأخذ ثلث العصير كله، وهو ثلاثة وثلث وتضربه فيما بقي بعد المنصب وهو ستة، فيكون عشرين ثم تقسم العشرين على ما بقي بعدما   [البناية] م: (والغلي بدفعة أو دفعات سواء إذا حصل) ش: أي الغلي م: (قبل أن يصير محرما) ش: قال في الأصل: إذا طبخ الرجل عصيرا حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثاه ثم ترك حين يبرد، ثم أعاد عليه الطبخ حتى يذهب نصف ما بقي فإن كان أعاد عليه قبل أن يغلي ويتغير عن حال العصير فلا بأس به، لأن الطبخ وجد في حالة الحلاوة وإن كان يغير عن حالة العصير وإلا فلا خير فيه لأن الطبخ وجد بعد ثبوت الحرمة. م: (ولو قطع عنه النار فغلي حتى ذهب الثلثان يحل؛ لأنه أثر النار) ش: صورته إذا طبخ العصير حتى ذهب] ثلاثة أخماسه مثلا وبقي خمساه ثم قطع عنه النار فلم يبرد حتى نقص عليه تمام الثلثين وبقي الثلث حل، لأن ما ذهب بعد قطع النار ذهب بحرارة النار فصار كما إذا شمس العصير وذهب ثلثاه بحرارة الشمس، فيصير مثلثا، لأن المقصود ذهاب الثلثين وصار كما لو صار مثلثا والنار تحته. بخلاف ما لو برد مشتدا محرما ثم طبخ حتى ذهب ثلثاه حيث لا يحل، كذا في " الذخيرة " و" المبسوط ". م: (وأصل آخر: أن العصير إذا طبخ فذهب بعضه ثم أهريق بعضه كم تطبخ البقية حتى يذهب الثلثان) ش: ذكر أولا الأصل الذي فيه: أن ما ذهب بالزبد لا يعتبر. ثم ثانيا: الأصل الذي فيما إذا صب فيه الماء بالوجهين المذكورين. ثم ثالثا: يذكر معرفة قدر طبخ للبقية بعد إراقة البعض فقال: م: (فالسبيل فيه أن تأخذ ثلث الجميع فتضربه في الباقي وبعد المنصب) ش: أي المسكوب م: (ثم تقسمه على ما بقي بعد ذهاب ما ذهب بالطبخ قبل أن ينصب منه شيء. فما يخرج بالقسمة فهو حلال. بيانه: عشرة أرطال عصير طبخ حتى ذهب رطل، ثم أهرق منه ثلاثة أرطال تأخذ ثلث العصير كله، وهو ثلاثة وثلث) ش: لأن كل العصير عشرة، وثلثها ثلاثة وثلث. م: (وتضربه فيما بقي بعد المنصب وهو ستة، فيكون عشرين) ش: لأن الستة ثلاث مرات ثمانية عشر، والثلاث مرات اثنان، فالجملة عشرون م: (ثم تقسم العشرين على ما بقي بعدما الجزء: 12 ¦ الصفحة: 402 ذهب بالطبخ منه قبل أن ينصب منه شيء، وذلك تسعة فيخرج لكل جزء من ذلك اثنان وتسعان فعرفت أن الحلال ما بقي منه رطلان وتسعان، وعلى هذا تخرج المسائل. ولها طريق آخر،   [البناية] ذهب بالطبخ منه قبل أن ينصب منه شيء، وذلك تسعة، فيخرج لكل جزء من ذلك اثنان وتسعان) ش: وهذا لأن الرطل الذاهب بالطبخ في المعنى داخل فيما بقي، وكان الباقي إن لم ينصب منه شيء تسعة أرطال، فعرفنا أن كل رطل من ذلك فسر معنى رطل وتسع رطل، لأن الذاهب بالغليان يقسم على ما بقي أتساعا، فإذا انصب فيه ثلاثة أرطال، فهذا في المعنى ثلاثة أرطال وثلاثة أتساع رطل، فيكون الباقي منه ستة أرطال وستة أتساع رطل فيطبخه حتى يذهب الثلثان، ويبقى منه الثلث وهو رطلان وتسعا رطل، وهو معنى قوله: م: (فعرفت أن الحلال ما بقي منه رطلان وتسعان) ش: بضم التاء، أي تسعا رطل كما ذكرنا م: (وعلى هذا تخرج المسائل) ش: أي وعلى المسائل المذكورة تخرج مسائل كثيرة، منها: إذا كان الذاهب بالغليان رطلين وبقي ثمانية أرطال ثم أهريق منه رطلان ثم يطبخ حتى يزول الثلثان ينبغي أن يطبخ حتى تزول الثلاثة أرطال ونصف رطل، لكن تأخذ ثلث الجميع، وذلك ثلاثة وثلث، فتضربه في الباقي بعد الغليان والإراقة، وهو ذلك ستة، فيصير عشرين، ثم يقسم العشرون على الباقي بعد الغليان قبل الإراقة، وذلك ثمانية يخرج رطلان ونصف رطل، وهذا المقدار هو الذي يجب أن ينتهي الطبخ إليه بعد الغليان والإراقة، وهو الثلث. ومنها: إذا كان الذاهب بالغليان خمسة أرطال وبقي خمسة، ثم جاء رجل وأخذ منه رطلا وبقي أربعة لم يطبخ حتى يذهب الثلثان ويبقى الثلث ينبغي أن يطبخه حتى يبقى رطلان وثلثا رطل، لأنك تضرب ثلثا الجملة وهي ثلاثة وثلث في الباقي بعد الإراقة وهي أربعة، فيكون ثلاثة عشر وثلثا لأن الثلاثة في الأربعة اثنا عشر وثلث في الأربعة منهم وثلث سهم، فيقسم ثلاثة عشر وثلث على الباقي بعد الغليان قبل الإراقة، وذلك خمسة يخرج من القسمة رطلان وثلاثة أخماس رطل وثلث خمس رطل، وقال: إن العشرة إذا قسمت علي الخمسة فيخرج سهمان، والثلاثة إذا قسمت على الخمسة يخرج ثلاثة أخماس والثلث إذا قسم على الخمسة يخرج ثلث خمس رطل، لأنك تضرب الصحيح وهي الخمسة في مخرج الكسر وهي ثلاثة تصير خمسة عشر ثم يقسم عليه الكسر وهو الثلث يخرج ثلث الخمس ثم ثلاثة أخماس الشيء وثلث خمسه مساو مع ثلث الشيء. ألا ترى أن عشرة من خمسة عشر ثلثاه وهي ثلاثة أخماسه وثلث خمسه لأن ثلاثة أخماسه تسعة وثلث خمسه واحد. م: (ولها طريق آخر) ش: أي للمسألة المذكورة طريق آخر في استخراجها. قيل: هو: أن يجعل الذاهب بالغليان من الحرام، لأنه إنما يطبخ ليذهب الحرام ويبقى الحلال فثلثاه عشر الجزء: 12 ¦ الصفحة: 403 وفيما اكتفينا به كفاية وهداية إلى تخريج غيرها من المسائل، والله أعلم بالصواب.   [البناية] أرطال حرام وهو ستة أرطال وثلثا رطل وثلثه حلال وهو ثلاثة أرطال وثلث رطل، والذاهب بالطبخ ذاهب من الحرام، والباقي تسعة أرطال الحلال منها ثلاثة أرطال وثلث رطل، والحرام خمسة أرطال وثلثا رطل، فإذا أهريق ثلاثة فهو من الحلال والحرام جميعا وكان الذاهب منهما على السواء، فذهب من الحلال ثلاثة وهو رطل وتسع رطل، فيبقى ثلثاه رطلان وتسعا رطل. ولو رمت زيادة الانكشاف فاجعل كل رطل تسعة لاحتياجه إلى حساب له ثلث ولثلثه ثلث وهو تسعة، فصارت أرطال الحلال ثلاثين سهما، وقد أريق ثلاثة وهو عشرة فيبقى عشرون وهو رطلان وتسعا رطل، وهذا معنى قول الشيخ، ولهذا طريق آخر. م: (وفيما اكتفينا به كفاية) ش: للذكي الفطن م: (وهداية) ش: أي طريق موصل م: (على تخريج غيرها) ش: أي غير المسائل التي ذكرناها م: (من المسائل) ش: لمن يستهدي بذلك ويحفظه وهو ما ذكرنا من الأصول. واعلم أن القدر الذي يطبخ فيها العصير ينبغي أن يكون قدرا قاعدتها مسطحة غير مقعرة، وجدارها المحيط مستديرا في ارتفاعه على الاستقامة، وارتفاعه مقسوم بثلاثة أقسام متساوية، فتملأ ويطبخ إلى أن يذهب ثلثاه ويرجع الباقي في المقدار إلى العلامة السفلى على قدر الثلث، كذا قال بعد الحساب في كتابه، م: (والله أعلم بالصواب) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 404 كتاب الصيد الصيد لغة هو: الاصطياد؛ ويطلق على ما يصاد، والفعل مباح لغير المحرم في غير الحرم، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وإذا حللتم فاصطادوا} [المائدة: 2] (المائدة: الآية 2)   [البناية] [كتاب الصيد] [تعريف الصيد] م: (كتاب الصيد) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الصيد. وجه المناسبة بين الكتابين هو: اشتمالهما على نوع من السرور والنشاط، إلا أن الأول أقوى، لأنه باطني، فكذلك قدمه. وقيل: لأن منهما قد يصير من أسباب التلهي، إلا أن التلهي بالأشربة حرام، وبالصيد مكروه فقد حرم الحرام لقوته على المكروه ومحاسن الصيد محاسن المكاسب وسببه مختلف باختلاف حال الصائد، فقد تكون الحاجة إليه، وقد لا يكون لإظهاره حلاوة. وقد يكون للتفرج والتنزه. م: (الصيد لغة هو: الاصطياد) ش: أراد أن الصيد في اللغة مصدر بمعنى الاصطياد، وقد سمي الصيد صيدا للتسمية بالمصدر. ويقال: صاد يصيد صيدا فهو صائد، وذلك مصيد وأصله مصيود، كما أن مبيعا أصله مبيوع فاعل بالنقل والقلب والصيد اسم لحيوان ممتنع متوحش لا يؤخذ إلا بالحيلة، قال الشاعر: وإذا ركبت فصيدي الأبطال أطلق اسم الصيد على البطل، وهو الشجاع، وإن كان آدميا لكونه ممتنعا لا يمكن أخذه إلا بالحيلة. وشرعيته بالكتاب والسنة والإجماع. م: (ويطلق) ش: أي لفظ الصيد الذي هو المصدر م: (على ما يصاد) ش: من الحيوان مجازا إطلاقا لاسم المصدر على المفعول م: (والفعل مباح) ش: أراد بالفعل الاصطياد وهو مباح م: (لغير المحرم في غير المحرم) ش: المحرم محرم عليه الصيد بالآية، وكذلك صيد الحرام حرام بالنص، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ينفر صيدها» ، فإذا كان بيعه حرام فصيده بطريق الأولى، لأن فيه تفويت الأمن المستحق. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] (المائدة: الآية 2) ش: هذا دليل لمشروعية الصيد، ويفهم منه أيضا عدم مشروعيته لغير الحلال، وهو المحرم، والأمر هاهنا للإباحة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 405 ولقوله عز وجل: {وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرما} [المائدة: 96] (المائدة: الآية 96) . ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لعدي بن حاتم الطائي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه فكل، ون أكل منه فلا تأكل؛ لأنه إنما أمسك على نفسه، وإن شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك» . وعلى إباحته انعقد الإجماع، ولأنه نوع اكتساب وانتفاع بما هو مخلوق لذلك، وفيه استيفاء المكلف وتمكينه من إقامة التكاليف، فكان مباحا بمنزلة الاحتطاب.   [البناية] م: (ولقوله عز وجل: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] (سورة المائدة: الآية 96) ش: هذا التحريم إلى غاية، فاقتضى الإباحة فيما وراء ذلك. م: (وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لعدي بن حاتم الطائي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل، وإن أكل منه فلا تأكل؛ لأنه إنما أمسك على نفسه، وإن شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة «عن عدي بن حاتم، قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إني أرسل كلبي وأسمي، فقال: "إذا أرسلت كلبك وسميت فأخذ فقتل فكل -، فإن أكل منه، فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه". قلت: إني أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر ولا أدري أيهما أخذه؟، فقال: "لا تأكل، فإنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب آخر".» م: (وعلى إباحته) ش: أي إباحة الصيد م: (انعقد الإجماع) ش: أي إجماع الأمة، وهو من أقوى الحجج، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تجتمع أمتي على الضلالة» . م: (ولأنه) ش: أي الصيد م: (نوع اكتساب وانتفاع بما هو مخلوق لذلك) ش: أي لأجل الانتفاع، لأن ما سوى الآدمي خلق لمصالح الآدمي م: (وفيه) ش: أي في الانتفاع بالشيء المخلوق الانتفاع م: (استيفاء المكلف وتمكينه من إقامة التكاليف) ش: لأنه لو لم ينتفع بما فيه نفعه يهلك ولا يتمكن من إقامة التكاليف م: (فكان مباحا) ش: أي إذا كان الأمر كذلك كان الاصطياد مباحا م: (بمنزلة الاحتطاب) ش: والاحتشاش في كونه مباحا. فإن قلت: كان ينبغي أن يكون واجبا لما فيه من التمكن من إقامة التكاليف؟ قلت: هو غير متعين لإقامتها فكان مباحا، ولهذا قالوا: يباح، إذا كان مقصوده إقامة التكاليف وإن كان مقصود التلهي يكره. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 406 ثم جملة ما يحويه الكتاب فصلان، أحدهما في الصيد بالجوارح، والثاني في الاصطياد بالرمي.   [البناية] م: (ثم جملة ما يحويه الكتاب) ش: أي ما يجمعه كتاب الصيد م: (فصلان أحدهما في الصيد بالجوارح) ش: وهو جمع جارحة، وأراد بها هاهنا الجوارح من الحيوان كالكلب والفهد والبازي والصقر ونحوها م: (والثاني) ش: أي الفصل الثاني م: (في الاصطياد: بالرمي) ش: بالسهام والمعراض ونحوهما من الآلة التي تجرح نحو السيف والرمح. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 407 فصل في الجوارح قال: يجوز الاصطياد بالكلب المعلم والفهد والبازي وسائر الجوارح المعلمة. وفي " الجامع الصغير ": وكل شيء علمته من ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور، فلا بأس بصيده ولا خير فيما سوى ذلك، إلا أن تدرك ذكاته. والأصل فيه   [البناية] [فصل في الجوارح] [الاصطياد بالكلب المعلم والفهد والبازي وسائر الجوارح المعلمة] م: (فصل في الجوارح) ش: أي هذا فصل في بيان الجوارح، وقدم فعلها على الرمي لأن آلة الصيد هنا حيوان، وفي الرمي جماد، وللحيوان فضل على الجماد مع أن الحيوان هاهنا متصف بالعلم، فكان أفضل من الرمي الذي لا صلاحية له في العلم. م: (قال: يجوز الاصطياد بالكلب المعلم والفهد والبازي وسائر الجوارح المعلمة) ش: أي قال القدوري في "مختصره": وأراد سائر الجوارح المعلمة من الحيوان الذي له ناب نحو النمر والثعلب والضبع على ما يجيء، ومن الحيوان الذي له مخلب كالصقر والعقاب والباشق ونحوها. م: (وفي " الجامع الصغير ": وكل شيء علمته من ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور، فلا بأس بصيده) ش: وإنما أورد رواية " الجامع الصغير "، لأن رواية القدوري تدل على الإثبات لا غير، ورواية " الجامع الصغير " تدل على الإثبات والنفي جميعا، وأراد بذي ناب: الذي يصيد بنابه، وبذي مخلب: الذي يصيد بمخلبه، لا ماله ناب ومخلب. فإن قلت: لم ذكر كلمة "لا بأس" مع ثبوت الإباحة بالكتاب؟. قلت: لأن قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] مخصوص في الخنزير والذئب، فصار شبهة في تناول الآية كل معنى، لأن العام إذا خص منه البعض يصير ظنيا، وعند البعض لا يبقى حجة، فلهذا قال لا بأس. م: (ولا خير) ش: أي لا يجوز م: (فيما سوى ذلك) ش: أي فيما سوى المعلم من ذي ناب، والمعلم من ذي مخلب يعني إذا أخذ كلبا غير معلم صيدا فلا خير فيه م: (إلا أن تدرك ذكاته) ش: وكذا البازي وغيره. وقيل: أراد ما لا ناب له ولا مخلب لأنه لا يجرح، وإنما يقتل غما وخنقا، والله سبحانه وتعالى شرط الجرح إلا أن يدرك ذكاته أي ذبحه، فحينئذ يكون مضافا إلى ذبحه. م: (والأصل فيه) ش: أي في اشتراط كون الجارح من ذوات الناب والمخلب التي يصيد بها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 408 قَوْله تَعَالَى: {وما علّمتم من الجوارح مكلّبين} [المائدة: 4] (المائدة: الآية 3) ، والجوارح الكواسب في تأويل المكلبين المسلطين، فيتناول الكل بعمومه   [البناية] م: (قَوْله تَعَالَى) ش: لا إله إلا هو م: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] (المائدة: الآية 3) ش: كلمة ما بمعنى الذي، وهو عطف على الطيبات، أي أحل لكم الطيبات وصيد ما علمتم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ويجوز أن تكون ما شرطية وجزاؤها فكلوا. م: (والجوارح الكواسب في تأويل) ش: أي الكواسب من سباع البهائم، كالكلب والفهد والنمر والعقاب والطير كالصقر والبازي والشاهين، سميت بذلك لأنها كواسب بنفسها، يقال: جرح وأجرح إذا كسب، وفيه قوله سبحانه وتعالى: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: 60] (سورة الأنعام: الآية 60) ، أي كسبتم في الأيام، وقال سبحانه وتعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} [الجاثية: 21] (سورة الجاثية: الآية 21) أي اكتسبوها. وقيد بقوله: "في تأويل بعض العلماء"، لأنه في تأويل آخرين من الجوارح. م: (المكلبين المسلطين) ش: أي المسلطين الجوارح على الصيد، وفي " الكشاف ": الكلب المؤدب الجوارح، ومضربها بالصيد فصائدها ورابطها كذلك بما علم من الحبل، وطرف التأديب والتنظيف واشتقاقه من الكلب؛ لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب، فاشتق من لفظه لكثرته في جنسه. ولأن السبع يسمى كلبا، ومنه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللهم سلط عليه كلبا من كلابك، فافترسه الأسد» . ومن الكلب الذي هو بمعنى الفرارة يقال: هو كلب بكذا إذا كان ضاربا به. فإن قلت: مكلبين منصوب بماذا؟. قلت: على الحال من علمتم. فإن قلت: ما فائدة الحال، وقد استغنى عنها ب "علمتم"؟. قلت: فائدتها أن يكون من يعلم الجوارح تحريرا في علمه قدرنا فيه موصوفا بالتكليب، ويعلمونهن حال ثانية، أو استئناف، وفيه فائدة جليلة وهي: كل من أخذ علما لا يأخذه إلا من أقبل أهله علما، وأوسعهم دراية، وأغوصهم على ألطافه وحقائقه، فكم أخذ من غير متقن قد ضيع زمانه، وغفل عن التقاط التجاريم بنابه بما علمكم الله من علم التكليب، إنه إلهام من الله أو مما عرفكم أن تعلموه من اتباع الصيد بإرسال صاحبه، وانزجاره بزجره، وانصرافه بدعائه، وإمساكه الصيد عليه، وأن لا تأكل منه. م: (فيتناول الكل بعمومه) ش: أي إذا كان المعنى ما ذكرنا يتناول قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] كل ذي ناب جارح، وكل ذي مخلب جارح بعموم اللفظ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 409 دل عليه ما روينا من حديث عدي بن حاتم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، واسم الكلب في اللغة يقع على كل سبع حتى الأسد، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه استثنى من ذلك الأسد والدب؛ لأنهما لا يعملان لغيرهما، الأسد لعلو همته، والدب لخساسته، وألحق بهما بعضهم الحدأة لخساسته، والخنزير مستثنى؛ لأنه نجس العين فلا يجوز الانتفاع به.   [البناية] وفيه إشارة إلى نفي ما ذهب إليه ابن عمر، ومجاهد: أنه لا يجوز الاصطياد إلا بالكلب، مستدلين بلفظ مكلبين. م: (دل عليه) ش: أي العموم م: (ما روينا من حديث عدي بن حاتم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: فإنه قال فيه: «إذا أرسلت كلبك» م: (واسم الكلب في اللغة يقع على كل سبع حتى الأسد) ش: ألا ترى «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في عتبة بن أبي لهب: "اللهم سلط عليه كلبا من كلابك" فسلط الله عليه الأسد فقتله» ومعنى حقيقة هذا الاسم موجود في الكل، فكان عاما بطريق الحقيقة. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه استثنى من ذلك الأسد والدب؛ لأنهما لا يعملان لغيرهما، الأسد لعلو همته، والدب لخساسته) ش: هذا يتعلق بقوله: فيتناول العموم بعمومه. وفي " الإيضاح ": ولا يجوز الاصطياد بالأسد والدب، والخنزير، وإن كان عموم الآية يتناولها؛ لأن التعليم منها لا يتصور، فإنا نستدل على التحريم للتعليم بترك الأكل، ومن عادة الأسد والدب أن يمسكا صيدهما فلا يأكلانه في الحال، حتى لو تصور التعلم منهما جاز. وأما الخنزير فإنه نجس العين، وكان الانتفاع به محرما. وعن أحمد، والحسن البصري، والنخعي، وقتادة، وإسحاق، وأصحاب الظاهر: لا يؤكل ما صيد بالكلب الأسود إذا كان بهيما، والبهيم الذي لا يخالطه لون سواه؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "هو شيطان" وأمر بقتله، وما وجب قتله حرام إقتناؤه وتعليمه، فلم يبح صيده كغير المعلم. ولنا عموم الآية والخبر والقياس على غيره من الكلاب. م: (وألحق بهما) ش: أي بالأسد والدب م: (بعضهم الحدأة لخساسته) ش: بكسر الحاء وفتح الدال والهمزة، وجمعها حدأ على وزن فعل بكسر الفاء وفتح العين م: (والخنزير مستثنى) ش: أي من عموم الآية م: (لأنه نجس العين، فلا يجوز الانتفاع به) ش: لقوله سبحانه وتعالى: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] الجزء: 12 ¦ الصفحة: 410 ثم لا بد من التعليم؛ لأن ما تلونا من النص ينطق باشتراط التعليم والحديث به وبالإرسال ولأنه إنما يصير آلة بالتعليم ليكون عاملا له فيترسل بإرساله ويمسكه عليه، قال: وتعليم الكلب أن يترك الأكل ثلاث مرات، وتعليم البازي أن يرجع ويجيب إذا دعوته وهو مأثور عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -،   [البناية] (الأنعام: الآية 145) ، والرجس: النجس، والانتفاع بالنجس حرام. [تعليم الكلب] م: (ثم لا بد من التعليم؛ لأن ما تلونا من النص ينطق باشتراط التعليم) ش: وهو قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] (المائدة: الآية 4) م: (والحديث به) ش: بالجر عطفا على قوله: النص باشتراط التعليم، أي: وما ذكرنا من الأحاديث وهو حديث عدي بن حاتم - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أي بالتعليم، أي من اشتراط الحديث بالتعليم م: (وبالإرسال) ش: أي وباشتراط الحديث أيضا بالإرسال، وهو «قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعدي: "إذا أرسلت كلبك المعلم» ؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر الإرسال والتعليم جميعا. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الحيوان م: (إنما يصير آلة بالتعليم ليكون عاملا له) ش: أي آلة الاصطياد بتعليمه إياه ليكون عاملا للصيد، أو عاملا للصائد بما يريد من الصيد م: (فيترسل بإرساله) ش: بالنصب عطفا على ليكون م: (ويمسكه عليه) ش: أي ويمسك الصيد على صاحبه لا لنفسه. م: (قال: وتعليم الكلب أن يترك الأكل ثلاث مرات، وتعليم البازي أن يرجع ويجيب إذا دعوته) ش: أي قال القدوري م: (وهو مأثور عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: أي لفظ الرواية مأثور عنه، وما رواه محمد في كتاب " الآثار "، وقال: أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: "ما أمسك عليك كلبك فإن كان عالما فكل، فإن أكل فلا تأكل منه، فإنه أمسك على نفسه" وأما الصقر والبازي فكل وإن أكل، فإن تعليمه إذا دعوته أن يجيبك فلا يستطيع ضربه حتى تفرغ الأكل، قال محمد: وبه نأخذ، وهو قول أبي حنيفة، انتهى. وفي " صحيح البخاري ": وقال ابن عباس: إن أكل الكلب فقد أفسده، إنما أمسك على نفسه، والله سبحانه وتعالى يقول: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 4] (المائدة: الآية 4) ، فيضرب ويعلم حتى يترك الأكل. وروى ابن جرير الطبري في "تفسيره" في سورة المائدة: حدثنا أبو كريب ثنا أسباط بن محمد، حدثنا أبو إسحاق الشيباني، عن حماد، عن إبراهيم، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنه قال في الطير: إذا أرسلته فقتل، فكل، فإن الكلب إذا ضربته لم يعد، فإن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 411 ولأن بدن البازي لا يحتمل الضرب وبدن الكلب يحتمله فيضرب ليتركه؛ ولأن آية التعليم ترك ما هو مألوف عادة، والبازي متوحش متنفر، فكانت الإجابة آية تعليمه، وأما الكلب فهو ألوف يعتاد الانتهاب فكان آية تعليمه ترك مألوفه، وهو الأكل والاستلاب، ثم شرط ترك الأكل ثلاثا، وهذا عندهما، وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن فيما دونه مزيد الاحتمال، فلعله تركه مرة أو مرتين شبعا، فإذا   [البناية] تعليم الطير أن يرجع إلى صاحبه، وليس يضرب فإن أكل من الصيد، ونتف الريش، فكل. م: (ولأن بدن البازي لا يحتمل الضرب وبدن الكلب يحتمله فيضرب ليتركه) ش: أي يترك الأكل، وتعذر ترك الأكل في البازي؛ لأنه لا يحتمل الضرب حتى يترك، فأقيم مقامه ما يدل عليه، وهو الإجابة عند الدعي. م: (ولأن آية التعليم ترك ما هو مألوف عادة، والبازي متوحش متنفر، فكانت الإجابة) ش: عند الدعي م: (آية) ش: لأنه آية التعليم م: (تعليمه، وأما الكلب فهو ألوف يعتاد الانتهاب فكان آية تعليمه ترك مألوفه، وهو الأكل والاستلاب) ش: لأن حقيقة التعليم، والجهل في الحيوان أمر مستبطن، فأقيم تبدل العادة المألوفة مقام العلم، والجري على العادة الأصلية مقام الجهل، وذلك في الكلب يترك الأكل، والمسك على صاحبه لا بالإلف والإجابة لصاحبه داعيا ومرسلا؛ لأن الكلب في الأصل ألوف بحيث إذا دعي أجاب. والبازي متنفر بطبعه، فالإجابة علامة علمه لأنه خلاف طبعه. وقيل: وفيه نظر؛ لأن هذا العرف لا يتأتى في الفهد، والنمر، فإنه متوحش كالبازي، ثم الحكم فيه، وفي الكلب سواء، فالمعتمد هو الأول؟. أجيب: بأنه غير وارد؛ لأنه إنما ذكره فرق بين الكلب والبازي لا غير، وذلك صحيح، وإذا أريد الفرق عموما فالعمدة هو الأول، ثم ترك الأكل ليس بشرط في الطير عند العامة، وبه قال ابن عباس، ونص الشافعي: أنه يشترط كالكلب في تحريم ما أكل من صيده؛ لأن مجالدا روى عن السيفي عن عدي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إن أكل الكلب والبازي: فلا تأكل» ولنا إجماع الصحابة على ما ذكرنا. وقال أحمد: روايات مجالد غير صحيحة. م: (ثم شرط ترك الأكل ثلاثا) ش: أي ثم شرط القدوري ترك أكل الكلب ثلاث مرات م: (وهذا) ش: أي هذا الشرط م: (عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قولنا رواية عن أبي حنيفة م: (لأن فيما دونه) ش: أي فيما دون ثلاث مرات م: (مزيد الاحتمال) ش: أي زيادة الاحتمال، وبين ذلك بقوله م: (فلعله تركه مرة أو مرتين شبعا) ش: أي فلعل الكلب ترك الأكل مرة أو مرتين لأجل الشبع فلا يدل على ترك علمه م: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 412 تركه ثلاثا دل على أنه صار عادة له، وهذا لأن الثلاث مدة ضربت للاختبار وإيلاء الأعذار كما في مدة الخيار، وفي بعض قصص الأخيار ولأن الكثير هو الذي يقع أمارة على العلم دون القليل والجمع هو الكثير وأدناه الثلاث فقدر بها، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما ذكر في الأصل: لا يثبت التعليم ما لم يغلب على ظن الصائد أنه معلم ولا يقدر بالثلاث؛ لأن المقادير لا تعرف اجتهادا بل نصا وسماعا ولا سمع فيفوض إلى رأي المبتلى به كما هو أصله   [البناية] (فإذا تركه ثلاثا دل على أنه صار عادة له) ش: لعلة الاحتمال في الثلاث جدا. م: (وهذا) ش: بمعنى دلالة الثلاث على كونه عادة له م: (لأن الثلاث مدة ضربت للاختبار) ش: أي الامتحان م: (وإيلاء الأعذار كما في مدة الخيار) ش: لأنها ثلاثة أيام م: (وفي بعض قصص الأخيار) ش: أراد به موسى، والخضر - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حيث قال موسى للخضر في المرة الثالثة: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي} [الكهف: 76] وأمثال ذلك كثيرة، قال سبحانه وتعالى: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} [هود: 65] وقال سبحانه وتعالى في قصة زكريا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} [آل عمران: 41] (آل عمران: الآية 41) . وروى أبو داود بإسناده إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع» . وروى القدوري في "شرحه" عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من اتجر في شيء ثلاث مرات فلم يربح فليشغل إلى غيره» وتقدير مدة المسافر، وإمهال المرتد، ومدة أقل الحيض، ونحو ذلك م: (ولأن الكثير هو الذي يقع أمارة على العلم) ش: وفي بعض النسخ على العلم م: (دون القليل) ش: أي لا يقع القليل عالة على ذلك م: (والجمع هو الكثير وأدناه الثلاث فقدر بها) ش: يعني أدنى الجمع هو الثلاث؛ لأن ما فوقه من أفراد الجمع ليس بعضه أولى من بعض، فقدرنا الأدنى لأنه متيقن. م: (وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما ذكر في الأصل) ش: أي " المبسوط " م: (لا يثبت التعليم ما لم يغلب على ظن الصائد أنه معلم ولا يقدر بالثلاث؛ لأن المقادير لا تعرف اجتهادا بل نصا وسماعا) ش: أي بل يعرف من حيث النص من الشارع ومن حيث السماع منه م: (ولا سمع) ش: أي ولا سماع موجود هاهنا، وفي بعض النسخ: ولا سمع؛ م: (فيفوض إلى رأي المبتلى به) ش: أي إذا كان ذلك فيفوض أمر التعليم إلى رأي الصياد؛ لأنه هو الذي ابتلي به م: (كما هو أصله الجزء: 12 ¦ الصفحة: 413 في جنسها. وعلى الرواية الأولى عنده يحل ما اصطاده ثالثا، وعندهما: لا يحل؛ لأنه إنما يصير معلما بعد تمام الثلاث. وقبل التعليم غير معلم فكان الثالث صيد كلب جاهل، وصار كالتصرف المباشر في سكوت المولى. وله: أنه آية تعليمه عنده فكان هذا صيد جارحة معلمة بخلاف تلك المسألة؛ لأن الإذن إعلام ولا يتحقق دون علم العبد وذلك بعد المباشرة.   [البناية] في جنسها) ش: أي كما هو أصل أبي حنيفة في جنس المقادير نحو حبس الغريم، وحد التقادم، وتقدير ما غلب في نزح البئر العين، ولم يقدر أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عدد المرات؛ لأن التقدير بالتوقيف ولا توقيف، بل قدروه بما يصير به معلما في العرف، وبه قال أحمد، إلا أنه قال: أقل ذلك ثلاث، وحكي عن مالك، وربيعة: لا يعتبر الأكل. وقال بعض أصحاب أحمد: لا يشترط التكرار في المعلم؛ لأنه خنقه فلا يعتبر فيه التكرار كسائر الصنائع. ولنا: أن ترك الأكل ثلاث مرات دليل علمه. م: (وعلى الرواية الأولى) ش: وهي التي قدر بالثلاث وهي رواية القدوري م: (عنده) ش: أي عند أبي حنيفة، م: (يحل ما اصطاده ثالثا) ش: يعني إذا أخذ صيدا فلم يأكل ثم أخذ ثانيا فلم يأكل، ثم أخذ ثالثا فلم يأكل يحل أكل الثالث عند أبي حنيفة م: (وعندهما: لا يحل) ش: أكل الثالث، ويحل أكل ما بعده. وقال في " المجرد " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يأكل أول ما يصيد، ولا الثاني، ثم يحل الثالث وما بعده، وهو رواية محمد بن شجاع عن الحسن عن أبي حنيفة م: (لأنه إنما يصير معلما بعد تمام الثلاث) ش: أي لأن الكلب إنما يصير معلما بعد تمام ثلاث مرات عن ترك الأكل. م: (وقبل التعليم غير معلم، فكان الثالث صيد كلب جاهل) ش: لأنه إنما حكم بتعليمه عين ترك الأكل من الثلاث، وما صاده قبل الثلاث ليس بصيد كلب معلم م: (وصار كالتصرف المباشر في سكوت المولى) ش: يعني إذا رأى المولى العبد يتصرف فسكت يكون إذنا له فيما بعد، والتصرف الذي يباشره غير صحيح بالاتفاق. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه آية تعليمه عنده) ش: أي ترك الأكل علامة تعليمه عند الثلاث؛ لأنه إنما يحكم بكونه معلما بطريق تعيين إمساكه. الثالث على صاحبه، وإذا حكمنا أنه أمسكه على صاحبه، وقد أخذه بعد إرسال صاحبه فيحل؛ م: (فكان هذا صيد جارحة معلمة) ش: فيحل أكله م: (بخلاف تلك المسألة) ش: أراد بها مسألة ما إذا رآه المولى يتصرف فسكت م: (لأن الإذن إعلام) ش: بفك الحجر م: (ولا يتحقق دون علم العبد وذلك بعد المباشرة) ش: أي علم العبد لا يكون إلا بعد المباشرة، وما باشره قبل العلم يكون تصرف محجور فلا ينفذ. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 414 قال - رحمة الله عليه -: وإذا أرسل كلبه المعلم أو بازيه وذكر اسم الله تعالى عند إرساله، فأخذ الصيد وجرحه فمات حل أكله لما روينا من حديث عدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ولأن الكلب أو البازي آلة، والذبح لا يحصل بمجرد الآلة إلا بالاستعمال، وذلك فيهما بالإرسال، فنزل منزلة الرمي وإمرار السكين فلا بد من التسمية عنده، ولو تركه ناسيا حل أيضا على ما بيناه، وحرمة متروك التسمية عامدا في الذبائح، ولا بد من الجرح في ظاهر الرواية   [البناية] [أرسل صيده وذكر اسم الله تعالى عند إرساله فأخذ الصيد وجرحه فمات] م: (قال - رحمة الله عليه -: وإذا أرسل كلبه المعلم أو بازيه وذكر اسم الله تعالى عند إرساله فأخذ الصيد، وجرحه، فمات حل أكله) ش: أي قال القدوري في "مختصره": م: (لما روينا من حديث عدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: حيث قال فيه: «إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه فكل» ، وقد ذكر شرط الإرسال والتسمية جميعا. م: (ولأن الكلب والبازي آلة، والذبح لا يحصل بمجرد الآلة إلا بالاستعمال) ش: أي باستعمالهما للذبح، ولهذا قال: لو انقلب الصيد أو الشاة على سكين وأصاب مذبحها لا يحل؛ لأن الاستعمال لم يوجد م: (وذلك فيهما بالإرسال) ش: أي الاستعمال يكون بإرسال في الكلب، والبازي، فلا بد من الإرسال، وبه قالت الثلاثة، وأكثر أهل العلم. وعن عطاء، والأوزاعي: يؤكل إذا أخرجه للصيد؛ لأن الإخراج له كالإرسال. وقال إسحاق - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا سمى عند انتقاله يباح صيده، ولو استرسل وسمى صاحبه وزاجره، وزاد في عدوه أبيح، وبه قال أحمد. وقال الشافعي: لا يباح لعدم الانزجار. وعن مالك كالمذهبين. قلنا: لما زجره صار كأنه أرسله، وكذا لو أرسله ثم سمى، وزجره فزاد في عدوه: أبيح صيده. م: (فنزل منزلة الرمي، وإمرار السكين) ش: أي ترك الإرسال منزلة رمي الطير بالسهم، وإمرار السكين على حلق الشاة، فكذلك يشترط التسمية عند الإرسال، وهو معنى قوله: م: (فلا بد من التسمية عنده) ش: أي عند الإرسال م: (ولو تركه ناسيا حل أيضا) ش: أي: ولو ترك ذكر التسمية حال كونه ناسيا حل كما في وجود التسمية، وهو معنى قوله أيضا: م: (على ما بيناه) ش: أي على ما بينا أن ترك التسمية ناسيا لا يضر م: (وحرمة متروك التسمية عامدا) ش: ينصب حرمة عطف على الضمير المنصوب في بيناه، أي وعلى ما بينا حرمة متروك التسمية حال كون عامدا م: (في الذبائح) ش: يرجع إلى الاثنين. م: (ولا بد من الجرح) ش: أي جرح الكلب الصيد، أو البازي، حتى لو قتله الكلب، أو البازي بلا جرح لا يحل، وكذا أذكره من غير جرح لا يحل م: (في ظاهر الرواية) ش: أشار به إلى رواية الزيادات حيث اشترط الجرح، وأشار في " الأصل " إلى: أنه يحل بذلك الجرح كما الجزء: 12 ¦ الصفحة: 415 ليتحقق الذكاة الاضطراري وهو الجرح في أي موضع كان من البدن بانتساب ما وجد من الآلة إليه بالاستعمال، وفي ظاهر قَوْله تَعَالَى: {وما علّمتم من الجوارح} [المائدة: 4] (المائدة: الآية 4) ما يشير إلى اشتراط الجرح، إذ هو من الجرح بمعنى الجراحة في تأويل قوله فيحمل على الجارح الكاسب بنابه ومخلبه ولا تنافي، وفيه أخذ باليقين.   [البناية] روي عن أبي يوسف، وهو قول عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي قول آخر: لا يحل كما في ظاهر الرواية، وبه قال مالك، وأحمد. وفي " الذخيرة ": الفتوى على ظاهر الرواية، قال شيخ الإسلام: قال الشافعي في القديم: يؤكل، وإن قتل صيدا بلا جرح. والجرح ليس بشرط للإباحة، وقد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة، وأبي يوسف في رواية الأصول مثل قول الشافعي في القديم م: (ليتحقق الذكاة الاضطراري وهو الجرح في أي موضع كان من البدن بانتساب ما وجد من الآلة إليه بالاستعمال) ش: تقريره أن الذكاة لا بد منه إما حقيقة أو حكما، وهاهنا يتعذر الذكاة الحقيقة فتقوم مكانها الذكاة الاضطرارية، فالذكاة الاضطرارية هي أن يوجد الجرح في أي موضع كان من بدن الصيد بانتساب ما وجد من آلة إليه، أي إلى الصيد باستعماله، يعني يكون استعمله مضافا إلى الصائد باعتبار الإرسال، وصار الإرسال كالذكاة، فلهذا اشترط التسمية، وأهلية المرسل عند ذلك فلا بد من الجرح ليكون ذكاة. م: (وفي ظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] (المائدة: الآية 4) ما يشير إلى اشتراط الجرح إذ هو من الجرح بمعنى الجراحة في تأويل قوله) ش: ما يشير مبتدأ. وخبره قوله: في ظاهر الرواية، قوله: إذ هو، أي قوله في الجوارح مشتق من الجرح الذي بمعنى الجراحة لا بمعنى الجرح الذي بمعنى الكسب على أحد التأويلين، وقد ذكر أحدهما، وهو الجرح بمعنى الكسب فيما مضى، والآخر هذا م: (فيحمل على الجارح الكاسب) ش: أي إذا كان كذلك فيحمل الجارح الذي دل عليه قوله سبحانه وتعالى: {مِنَ الْجَوَارِحَ} [المائدة: 4] على أنه موصوف بصفتين، الجارح من الجرح بمعنى الجراحة، والكاسب م: (بنابه ومخلبه) ش: يتعلق باللفظين، أعني الجارح والكاسب، أي الجارح بنابه في السباع، ومخلبه في الطيور، والكاسب أيضا بنابه ومخلبه م: (ولا تنافي) ش: أي: ولا منافاة بين الجرح والكسب، فيحمل عليهما، يعني يجمع في معنى الآية بين التأويلين لعدم التنافي بينهما، وذلك لأن النص أورد فيه اختلاف المعاني، فإن كان بينهما تناف يحمل على أحدهما بدليل يوجب الترجيح. وإن لم يكن بينهما تناف يثبت الجميع أخذا بالمتيقن، وهو معنى قوله: م: (وفيه أخذ باليقين) ش: أي في الجمع بين المعنيين غير المتنافيين أخذا باليقين، كما في قوله سبحانه وتعالى: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 416 وعن أبي يوسف: أنه لا يشترط رجوعا إلى التأويل الأول، وجوابه ما قلنا. قال: فإن أكل منه الكلب أو الفهد لم يؤكل، وإن أكل منه البازي أكل، والفرق ما بنياه في دلالة التعليم وهو مؤيد بما روينا م: (حديث عدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعلى الشافعي في قوله القديم في إباحة ما أكل الكلب منه.   [البناية] {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) ، قيل: أريد به الحبل، وقيل: الحيض، والصحيح أنهما مرادان؛ لأنهما لا تنافي هاهنا، وفيه نظر؛ لأن الجرح إما أن يكون مشتركا بين الكسب والجرح، يعني الجراحة، أو يكون حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر، والمشترك لا عموم له، والجمع بين الحقيقة والمجاز عندنا لا يجوز. بخلاف قوله سبحانه وتعالى: {مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] فإنه لفظ عام يتناول الجمع بالتعاطي. وقال الكاكي: لا يلزم ذلك؛ بل الجوارح أخص من الكواسب، فليتأمل ذلك. م: (وعن أبي يوسف أنه لا يشترط) ش: أي الجرح م: (رجوعا إلى التأويل الأول) ش: وهو أن المراد من الجوارح الكواسب، فيحصل صيده بأي وجه كان لعموم النص. م: (وجوابه ما قلنا) ش: أي جواب قول أبي يوسف ما قلناه، أشار به إلى قوله: فيحمل على الجارح الكاسب، إلى آخره. م: (قال: فإن كان أكل منه الكلب) ش: أي من الصيد م: (أو الفهد) ش: أي أكل الفهد م: (لم يؤكل، وإن أكل من البازي أكل والفرق) ش: بين المسألتين م: (ما بيناه في دلالة التعليم) ش: يعني أن التعليم شرط فيما يصاد به من الجوارح، وهو في الكلب يترك الأكل، وفي البازي بالإجابة، وقد مر بيانه مستوفى م: (وهو) ش: أي الفرق م: (مؤيد بما روينا من حديث عدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فيه: «وإن أكل منه فلا تأكل» م: (وهو حجة) ش: أي حديث عدي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حجة م: (على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعلى الشافعي في قوله القديم في إباحة ما أكل الكلب منه) ش: وهو قول ربيعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضا. واحتجوا بما روى أبو ثعلبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه فكل» ورواه أبو داود. وقلنا: حديث عدي متفق عليه، فكان أولى بالتقديم؛ ولأنه متضمن الزيادة، وهو ذكر الحكم معللا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 417 قال: ولو أنه صاد صيودا ولم يأكل منها، ثم أكل من صيد لا يؤكل هذا الصيد، لأنه علامة الجهل، ولا ما يصيده بعده حتى يصير معلما على اختلاف الروايات كما بيناها في الابتداء. وأما الصيود التي أخذها من قبل فما أكل منها لا تظهر الحرمة فيه لانعدام المحلية، وما ليس بمحرز بأن كان في المفازة بأن لم يظفر صاحبه بعد تثبت الحرمة فيه بالاتفاق وما هو محرر في بيته يحرم عنده خلافا لهما، هما يقولان: إن الأكل ليس يدل على الجهل فيما تقدم؛ لأن الحرفة قد تنسى، ولأن فيما أحرزه قد أمضى الحكم فيه بالاجتهاد فلا ينقض باجتهاد مثله؛ لأن المقصود قد حصل بالأول. بخلاف غير المحرز؛ لأنه ما حصل المقصود من كل وجه؛ لبقائه صيدا من وجه لعدم الإحراز فحرمناه احتياطا.   [البناية] [الكلب صاد صيودا ولم يأكل منها شيئا ثم أكل من صيد] م: (قال: ولو أن صاد صيودا ولم يأكل منها، ثم أكل من صيد لا يؤكل هذا الصيد) ش: ذكره تفريعا على مسألة القدوري، وهي من مسائل الأصل، أي: ولو أن الكلب صاد صيودا، ولم يأكل منها شيئا ثم أكل من صيد لا يؤكل من هذا الصيد، أي الذي يأكل منه م: (لأنه علامة الجهل) ش: أي أكله علامة الجهل، وصيد الكلب الجاهل لا يؤكل م: (ولا ما يصيده بعده) ش: أي: ولا يؤكل أيضا ما صاده بعد ذلك م: (حتى يصير معلما على اختلاف الروايات) ش: فعنده باجتهاد الكلاب، وعنده يترك الأكل ثلاثا م: (كما بيناها في الابتداء) ش: أراد به ما ذكر أنه يحله عندهما ما اصطادوا بالنابح. م: (وأما الصيود التي أخذها من قبل فما أكل منها لا تظهر الحرمة فيه لانعدام المحلية) ش: لأن الحكم بالحرمة لا يتصور إلا في محل قائم، وقد فات المحل بالأكل. م: (وما ليس بمحرز بأن كان في المفازة لم يظفر صاحبه بعد) ش: لم يأخذه الصياد م: (تثبت الحرمة فيه بالاتفاق ما هو محرز في بيته محرم عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (خلافا لهما) ش: أي لأبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله. م: (هما يقولان: إن الأكل ليس يدل على الجهل فيما تقدم؛ لأن الحرفة قد تنسى) ش: كما في بني آدم، فلم يحرز تحريم ما تقدم بالشك م: (ولأن فيما أحرزه قد أمضى الحكم فيه بالاجتهاد) ش: فلأن علم الكلب يثبت بالاجتهاد م: (فلا ينقض باجتهاد مثله) ش: كالقاضي إذا قضى في حادثة بالاجتهاد ثم أحدث له اجتهادا آخر في المستقبل فإنه يعمل في المستقبل بالحادث، ولا ينقض الماضي م: (لأن المقصود قد حصل بالأول) ش: أي بالاجتهاد الأول. م: (بخلاف غير المحرز؛ لأنه ما حصل المقصود من كل وجه؛ لبقائه صيدا من وجه لعدم الإحراز) ش: تقريره أن الإباحة غير محكومة فيها بعد من كل وجه. قالا: إنما يحكم بها إذا خرج الصيد من الصيدية من كل وجه، وشيء من معناها باق، وهو أنه في المفازة بعد م: (فحرمناه احتياطا) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 418 وله: أنه آية جهله من الابتداء؛ لأن الحرفة لا ينسى أصلها، فإذا أكل تبين أنه كان تركه الأكل للشبع لا للعلم وتبدل الاجتهاد قبل حصول المقصود   [البناية] ش: أي إذا كان كذلك، فحرمناه بطريق الاحتياط. فإن قلت: الصيد اسم للمتوحش المنفر، ولم يبق من هذا المعنى شيء؟. قلت: بقي ما يلازمه وهو عدم الإحراز على أنا نقول: التنفر، والتوحش ليس بلازم للصيدية، فإن البيض صيد باعتبار ماله مع انعدام هذا المعنى فيه، فلا يكون هذا صيدا باعتبار ما كان بالطريق الأولى. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه آية جهله) ش: أي لأن أكله علامة جهله م: (من الابتداء) ش: أشار بهذا إلى أنه يحكم بجهله عنده مستندا، وعندهما مقتصرا، وبه قالت الثلاثة م: (لأن الحرفة لا ينسى أصلها) ش: هذا جواب عن نكتة غير مذكورة في الكتاب يحتجان بها: وهي أن الأكل في الحال لا يدل على كونه جاهلا في الماضي، لجواز أنه كان عاملا، إلا أنه جهل، والحرفة قد تنسى. فأجاب: بأنه لو كان عالما لما جهل إذ أصل الحرفة لا تنسى، وإنما تنسى وقائعها بالترك كالخياطة ونحوها في الآدمي، وبه يتبين أن تركه الأكل كان للشبع لا للعلم، وهو معنى قوله م: (فإذا أكل تبين أنه كان تركه الأكل كان للشبع لا للعلم) ش: أي كان لأجل الشبع لا لكونه عالما. ومن أصحابنا من حمل هذا الخلاف على أن الأكل كان مقارنا لزمان التعليم؛ لأنه إذا كان كذلك دل على فقد التعليم؛ لأن المدة القصيرة تنسى فيها، وإنما ترك الأكل فيما تقدم للشبع ولم يأكل. وأما إذا طالت المدة فيجوز أن يكون أكل للنسيان فلا يستدل بذلك على فقد التعليم في الأصل، فكذلك أكل. وقال القدوري في "مختصره": وظاهر الرواية يقتضي: أنه لا يؤكل بكل حال، وذلك لأن الاصطياد ليس بعلم مكتسب، وإنما هو من الضرورات، ومثل ذلك لا ينسى، وإنما يضعف بالترك كالخياطة والرمي، فإذا أكل الكلب علم أنه لم يكن معلما في الأصل. م: (وتبدل الاجتهاد قبل حصول المقصود) ش: هذا جواب عما قالا أو لأن فيما أحرزه وقد أمضى الحكم فيه بالاجتهاد، ولا حقيقة أن حكم الإباحة في المحرز إنما ثبت عند ترك الأكل، لأنها مبنية على كون الطلب معلما، وذلك ثابت بالاجتهاد على ما قال، فكان وهما واحتمالا، والموهوم يعتبر عند الضرورة، وذلك عند الأكل، فلم تكن الإباحة ثابتة قبله، فلو اعتبر هكذا بالاجتهاد لأدى إلى نقض حكم أي باجتهاد مثله، بل يؤدي إلى المنع، فصار كظهور اجتهاد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 419 لأنه بالأكل فصار كتبدل اجتهاد القاضي قبل القضاء. قال: ولو أن صقرا فر من صاحبه فمكث حينا ثم صاد لا يؤكل صيده، لأنه ترك ما صار به عالما، فيحكم بجهله كالكلب إذا أكل من الصيد. قال: ولو شرب الكلب من دم الصيد ولم يأكل منه أكل، لأنه ممسك للصيد عليه، وهذا من غاية علمه حيث شرب ما لا يصلح لصاحبه وأمسك عليه ما يصلح له. قال: ولو أخذ الصيد من المعلم ثم قطع منه قطعة وألقاها إليه فأكلها   [البناية] طرأ للقاضي قبل القضاء م: (لأنه بالأكل) ش: أي لأن المقصود بالأكل ولم يوجد. م: (فصار كتبدل اجتهاد القاضي قبل القضاء) ش: أي قبل الحكم بالاجتهاد الأول، وما قال أبو حنيفة أقرب إلى الاحتياط، وعليه مبنى الحل والحرمة، ولم يذكر ما إذا باع شيئا من صيوده المقدرة، والحكم فيه كالذي فيه الخلاف إذا تصادق البائع والمشتري على جهالة الكلب. م: (قال: ولو أن صقرا فر من صاحبه فمكث حينا ثم صاد لا يؤكل صيده) ش: ذكره تفريعا وهو من مسائل الأصل، ثم معنى المسألة أنه رجع إلى صاحبه ثم عاد لا يؤكل، أما ما صاد قبل الرجوع إلى صاحبه فلا شك أنه لا يؤكل لعدم الإرسال. وقال تاج الشريعة: دعاه فلم يجبه فمكث حينا، أي زمانا، وسميت الغيبة فيه فرارا. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": وإذا أرسل بازيه المعلم على صيد فوقع على شيء ثم اتبع الصيد فأخذه وقتله قال: لا بأس بأكله. وقال في " شرح الكافي ": لأن هذا من غاية علمه أن ينهز الفرصة حتى يمكنه الاصطياد فيصاد فلا يعد ذلك فاصلا، أي قاطعا للإرسال. فصل الولوالجي في "فتاواه" في الجواب فقال: وإن مكث طويلا للاستراحة حتما انقطع فور الإرسال لا يؤكل، وإن مكث قليلا ثم ساعة للكمين يؤكل؛ لأن بهذا القدر لا ينقطع فور الإرسال كما في الكلب إذا أمسك طويلا ينقطع فور الإرسال. م: (لأنه ترك ما صار به عالما) ش: وهو إجابته إلى صاحبه م: (فيحكم بجهله كالكلب إذا أكل من الصيد) ش: يحكم بجهله م: (قال: ولو شرب الكلب من دم الصيد ولم يأكل منه أكل؛ لأنه ممسك للصيد عليه) ش: أي على صاحبه، وفيه خلاف لبعض الناس، كذا قال الأترازي. قلت: هو قول الشعبي والثوري: أنه يكره أكله؛ لأنه في معنى الأكل منه م: (وهذا من غاية علمه حيث شرب ما لا يصلح لصاحبه وأمسك عليه ما يصلح له) ش: فلا يجوز أن يجعل هذا علامة جهله ولو أخذ الصيد من المعلم. [أخذ الصيد من المعلم ثم قطع منه قطعة وألقاها إليه فأكلها] م: (قال: ولو أخذ الصيد من المعلم ثم قطع منه قطعة وألقاها إليه فأكلها) ش: أي فأكل الكلب الجزء: 12 ¦ الصفحة: 420 يؤكل ما بقي؛ لأنه لم يبق صيدا، فصار كما إذا ألقى إليه طعاما غيره، وكذا إذا وثب الكلب فأخذه منه وأكل منه؛ لأنه ما أكل من الصيد، والشرط ترك الأكل من الصيد، فصار كما إذا افترس شاته، بخلاف ما إذا فعل ذلك قبل أن يحرزه المالك لأنه بقيت فيه جهة الصيدية. قال: ولو نهس الصيد فقطع سنّه بضعة فأكلها ثم أدرك الصيد فقتله ولم يأكل منه لم يؤكل لأنه صيد كلب جاهل حيث أكل من الصيد. قال: ولو ألقى ما نهسه وأتبع الصيد فقتله ولم يأكل منه وأخذه صاحبه ثم مر بتلك البضعة فأكلها يؤكل الصيد؛ لأنه لو أكل من نفس الصيد في هذه الحالة لم يضره، فإذا أكل ما بان منه وهو لا يحل لصاحبه أولى،   [البناية] تلك القطعة م: (يؤكل ما بقي؛ لأنه لم يبق صيدا) ش: لأنه خرج على الصيدية م: (فصار كما إذا ألقى إليه طعاما غيره) ش: أي غير الصيد، أي أكل من غير الصيد. م: (وكذا إذا وثب الكلب فأخذه منه وأكل منه) ش: أي وكذا يؤكل إذ نط الكلب فأخذه أي من يد صاحبه وأكل منه م: (لأنه ما أكل من الصيد) ش: لأن الصيد اسم لمتوحش غير محرز وقد زال التوحش بالقتل، وزال عدم إحرازه بالإحراز والتحق بسائر الأطعمة وتناوله من سائر الأطعمة لا يدل على جهله، وهاهنا كذلك م: (والشرط ترك الأكل من الصيد) ش: وقد وجد م: (فصار كما إذا افترس شاته) ش: أي فصار حكم هذا كما إذا خطف شاة من شياهه حيث لا يحكم بجهله، فكذا هذا. م: (بخلاف ما إذا فعل ذلك قبل أن يحرزه المالك لأنه بقيت فيه جهة الصيدية) ش: لأنه لما أكل قبل الإحراز صار كأنه أكل حالة الاصطياد فلا يؤكل. م: (قال: ولو نهس الصيد) ش: أي عضه بأن قبض على لحمه ومده بالفم وهو بالسين المهملة، وأما نهشه الحية فبالشين المعجمة م: (فقطع سنُّه بضعة) ش: أي قطعة، وهي بفتح الباء الموحدة م: (فأكلها ثم أدرك الصيد فقتله ولم يأكل منه) ش: لأنه صيد كلب جاهل حيث أكل من الصيد؛ لأنه لما نهش منه قطعة وأكلها بجهله، وترك الأكل للباقي لشبعه م: (لم يؤكل؛ لأنه صيد كلب جاهل حيث أكل من الصيد. قال: ولو ألقى ما نهسه واتبع الصيد فقتله ولم يأكل منه وأخذه صاحبه ثم مر بتلك البضعة فأكلها يؤكل الصيد) ش: لأن هذا من غاية علمه حيث لم يأكل وقت العمل لصاحبه، وقد أكل بعد الفراغ منه م: (لأنه لو أكل من نفس الصيد في هذه الحالة) ش: وهي بعد إحراز صاحبه وأخذ م: (لم يضره، فإذا أكل ما بان منه وهو لا يحل لصاحبه) ش: أي فإذا أكل ما فضل من الصيد، والحال: أنه لا يحل لصاحبه؛ لأن ما أبين من الحي فهو ميت م: (أولى) ش: بأن لا يضره. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 421 بخلاف الوجه الأول؛ لأنه أكل في حالة الاصطياد، فكان جاهلا ممسكا لنفسه. ولأن نهس البضعة قد يكون ليأكلها وقد يكون حيلة في الاصطياد ليضعف بقطع القطعة منه فيدركه، فالأكل قبل الأخذ يدل على الوجه الأول وبعده على الوجه الثاني، فلا يدل على جهله. قال: وإن أدرك المرسل الصيد حيا وجب عليه أن يذكيه، وإن ترك تذكيته حتى مات لم يؤكل، وكذا البازي والسهم، لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل، إذ المقصود هو الإباحة ولم تثبت قبل موته فبطل حكم البدل. وهذا إذا تمكن من ذبحه، أما إذا وقع في يده ولم يتمكن من ذبحه وفيه من الحياة فوق ما يكون من المذبوح لم يؤكل في ظاهر   [البناية] م: (بخلاف الوجه الأول) ش: وهو ما إذا أكل البضعة حيث قطعها م: (لأنه أكل في حالة الاصطياد، فكان جاهلا ممسكا لنفسه) ش: وصيد الجاهل لا يؤكل م: (ولأن نهس البضعة قد يكون ليأكلها) ش: هذه إشارة إلى فرق آخر بين المسألتين، أي يجوز أن يكون نهشه البضعة لأجل الأكل م: (وقد يكون حيلة في الاصطياد ليضعف) ش: أي الصيد م: (بقطع القطعة منه) ش: عن الهرب والنجاة م: (فيدركه) ش: عطف على قوله ليضعف، أي بأن يدركه بسبب الاتخاذ. م: (فالأكل قبل الأخذ يدل على الوجه الأول) ش: أي قبل أخذ المالك الصيد يدل على الوجه الأول، وهو أنه نهشه فيأكلها، فدل على جهل الكلب م: (وبعده على الوجه الثاني) ش: أي الأكل بعد أخذ المالك للصيد يدل على الوجه الثاني وهو: أنه نهش الصيد، وقطع بضعة حيلة في الاصطياد لتضعيف الصيد، فكان ذلك من غاية حداقته م: (فلا يدل على جهله) ش: فيؤكل. [أدرك المرسل الصيد حيا] م: (قال: وإن أدرك المرسل الصيد حيا وجب عليه أن يذكيه، وإن ترك تزكيته حتى مات لم يؤكل) ش: أي قال القدوري: أي لو أدرك مرسل الكلب للصيد حال كونه حيا وجب عليه ذبحه لقدرته على الذكاة الاختيارية، حتى لو لم يذبح ومات الصيد لم يحل. م (وكذا البازي والسهم) ش: أي وكذا الحكم في التفضيل لو أدرك مرسل البازي الصيد حيا فذبحه حل، وأن لم يذبح حتى مات لا يحل، وكذا لو رماه بسهم فأدركه حيا م: (لأنه قدر على الأصل) ش: وهو الذكاة الاختيارية م: (قبل حصول المقصود بالبدل) ش: وهو الذكاة الاضطرارية م: (إذ المقصود هو الإباحة) ش: أي إباحة الأكل م: (ولم تثبت قبل موته فبطل حكم البدل) ش: كالتيمم إذا رأى الماء قبل الشروع في الصلاة. م: (وهذا) ش: أي هذا الذي قلنا فوق ما يكون من الحياة في المذبوح لم يؤكل من عدم الأكل م: (إذا تمكن من ذبحه) ش: ولم يدركه م: (أما إذا وقع في يده ولم يتمكن من ذبحه وفيه من الحياة فوق ما يكون في المذبوح لم يؤكل) ش: أي والحال: أنه لم يتمكن من ذبحه بأن لم يتمكن من آلة الذبح، والحال: أن في الصيد من الحياة فوق ما يكون في الحيوان المذبوح لم يؤكل م: (في ظاهر الجزء: 12 ¦ الصفحة: 422 الرواية. وعن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: أنه يحل، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه لم يقدر على الأصل، فصار كما إذا رأى الماء ولم يقدر على الاستعمال، ووجه الظاهر: أنه قدر اعتبارا؛ لأنه ثبت يده على المذبوح، وهو قائم مقام التمكن من الذبح، إذا لا يمكن اعتباره؛ لأنه لا بد له من مدة والناس يتفاوتون فيها على حسب تفاوتهم في الكياسة والهداية في أمر الذبح فأدير الحكم على ما ذكرناه. بخلاف ما إذا بقي فيه من الحياة مثل ما يبقى في المذبوح لأنه ميت حكما، ألا ترى أنه لو وقع في الماء وهو بهذه الحالة لم يحرم، كما إذا وقع وهو ميت، والميت ليس بمذبح. وفصل بعضهم فيه تفصيلا   [البناية] الرواية) . م: (وعن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: أنه يحل) ش: وفي غير رواية الأصول م: (وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقول مالك وأحمد أيضا م: (لأنه لم يقدر على الأصل) ش: وهو الذكاة الاختيارية م: (فصار كما إذا رأى الماء ولم يقدر على الاستعمال) ش: أي صار هذا نظير المتيمم إذا رأى الماء ولم يقدر على استعماله كحيال سبع ونحوه، فإنه لا يبطل بتيممه؛ لأنه لم يقدر على الأصل. م: (ووجه الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية م: (أنه قدر اعتبارا) ش: يعني أنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل من حيث الاعتبار والحكم م: (لأنه ثبت يده على المذبوح) ش: يعني وقع الصيد في يده حيا فثبت يده على الذبح م: (وهو قائم مقام التمكن من الذبح) ش: أي ثبوت يده على الذبح قائم مقام التمكن على الذبح م: (إذ لا يمكن اعتباره) ش: يعني لا يمكن اعتبار التمكن يعني حقيقة التمكن من الذبح غير تمكن، لأنه لا بد للتمكن من الذبح من تقدير مدة، وهو معنى قوله: م: (لأنه لا بد له من مدة) ش: أي لأن الذابح لا بد له من تقدير مدة يتمكن فيها م: (والناس يتفاوتون فيها على حسب تفاوتهم في الكياسة والهداية في أمر الذبح) ش: فمنهم من يتمكن في ساعة لطيفة، ومنهم من لا يتمكن إلا بأكثر من ساعة، وما كان كذلك لا يدار الحكم عليه مدة انضباطه م: (فأدير الحكم على ما ذكرناه) ش: يعني من ثبوت اليد على المذبوح كما أقيم السفر مقام المشقة، فدار الحكم وجدت المشقة أو لا. م: (بخلاف ما إذا بقي فيه من الحياة مثل ما يبقى في المذبوح لأنه ميت حكما) ش: فلم يبق محلا للذبح م: (ألا ترى أنه لو وقع في الماء وهو بهذه الحالة) ش: يعني في حياته هو مثل ما بقي في المذبوح م: (لم يحرم، كما إذا وقع وهو ميت) ش: أي والحال أنه ميت حقيقة م: (والميت ليس بمذبح) ش: أي ليس بمحل الذبح. م: (وفصل بعضهم) ش: أي بعض المشايخ م: (فيه) ش: أي في الحكم المذكور م: (تفصيلا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 423 وهو أنه إن لم يتمكن لفقد الآلة لم يؤكل، وإن لم يتمكن لضيق الوقت لم يؤكل عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه إذا وقع في يده لم يبق صيدا فبطل حكم ذكاة الاضطرار، وهذا إذا كان يتوهم بقاؤه، أما إذا شق بطنه وأخرج ما فيه ثم وقع في يد صاحبه حل؛ لأن ما بقي اضطراب المذبوح فلا يعتبر، كما إذا وقعت شاة في الماء بعدما ذبحت، وقيل: هذا قولهما، أما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلا يؤكل أيضا؛ لأنه وقع في يده حيا فلا يحل إلا بذكاة الاختيار ردا إلى المتردية على ما نذكره إن شاء الله تعالى، هذا الذي ذكرناه إذا ترك التذكية، فلو أنه ذكاه حل أكله عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] وهو أنه إن لم يتمكن لفقد الآلة لم يؤكل، إن لم يتمكن لضيق الوقت لم يؤكل عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقال أحمد في رواية الحسن بن زياد ومحمد بن مقاتل: فإن عندهم يؤكل استحسانا، وبه أخذ قاضي خان م: (لأنه إذا وقع في يده لم يبق صيدا فبطل حكم ذكاة الاضطرار) ش: هذا وجه القياس، ووجه الاستحسان الذي ذهب إليه هؤلاء المذكورون: أنه لم يقدر على الأصل وهو ذكاة الاختيار لضيق الوقت، وما جاء منه بتفريط وهو اختيار ابن شجاع أيضا. فإن قيل: وضع المسألة فيما يكون الحياة فيه فوق ما يكون في المذبوح فكيف يتصور ضيق الوقت عن الذبح؟. وأجيب: بأن المقدار الذي يكون في المذبوح بمنزلة العدم لكون الصيد في حكم الميت، والزائد على ذلك قد لا يسع الذبح فيه، فكان عدم التمكن متصورا. م: (وهذا) ش: أي ما ذكرنا من إقامة ثبوت اليد مقام التمكن حتى لا يحل بدون الذكاة فيها م: (إذا كان يتوهم بقاؤه، أما إذا شق بطنه) ش: أي أما إذا شق الكلب بطن الصيد م: (وأخرج ما فيه ثم وقع في يد صاحبه حل) ش: لأنه لا يتوهم بقاؤه بعد ذلك م: (لأن ما بقي اضطراب المذبوح فلا يعتبر) ش: ذلك م: (كما إذا وقعت شاة في الماء بعدما ذبحت) ش: فإنها لا تحرم، فكذا هذا. م: (وقيل: هذا قولهما، أما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلا يؤكل أيضا؛ لأنه وقع في يده حيا فلا يحل إلا بذكاة الاختيار ردا على ما نذكره إن شاء الله تعالى) ش: أي اعتبارا بالمتردية، وانتصابه على أنه مصدر بفعل محذوف، أي يرده ردا، أو يكون على الحال على تأويل دارين إلى المتردية، أو متعبرين لها فافهم. م: (هذا الذي ذكرناه) ش: أي هذا الذي ذكرنا أنه لا يؤكل عنده إذا شق بطنه وأخرج ما فيه م: (إذا ترك التذكية، فلو أنه ذكاه حل أكله عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لأنه إن كانت فيه حياة مستقرة فالذكاة وقعت موقعها بالإجماع، وأن لم يكن فيه حياة مستقرة فعند أبي حنيفة: ذكاة الذبح، وقد وجد عندهما بلا ذبح. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 424 وكذا المتردية والنطيحة والموقوذة والذي بقر الذئب بطنه وفيه حياة خفية أو بينة، وعليه الفتوى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلّا ما ذكّيتم} [المائدة: 3] استثناء مطلقا من غير فصل، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان بحال لا يعيش مثله لا يحل؛ لأنه لم يكن موته بالذبح، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن كان يعيش مثله فوق ما يعيش المذبوح يحل وإلا فلا؛ لأنه لا معتبر بهذه الحياة على ما قررناه.   [البناية] م: (وكذا المتردية) ش: وهي التي تردت من جبل أو سقطت في بئر فماتت، يعني لو ذبحت المتردية وليس فيها من الحياة قدر ما يكون في المذبوح: يحل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما، ولو كان بحال يعيش مثله وذبحه يحل بالإجماع فأبو حنيفة يعتبر نفس الحياة وقد وجد هنا، وهما اعتبرا الجناية الموصوفة، لأن عند أبي يوسف: إذا كان بحال يعيش مثله، وعند محمد فوق ما في المذكي، وهذا المعنى معدوم في المتردية ولا تحل الذبح، لأنه ذبح ميتة م: (والنطيحة) ش: أي التي نطحتها أخرى فماتت بالنطح م: (والموقوذة) ش: التي ألحقوها ضربا بعصي أو حجر حتى ماتت، وهو بالذال المعجمة (والذي بقر الذئب) ش: أي شق الذئب م: (بطنه وفيه حياة خفية) ش: وهو القدر الذي يعلم به أنه حي م: (أو بينة) ش: أي أو ظاهرة، وهو القدر الذي فوق الخفية، ولا تفاوت في الحكم بينهما عند أبي حنيفة، وعندهما إن كانت خفية لا يؤكل، وإن كانت بينة يؤكل. وتفسير البينة عند أبي يوسف أن يكون بحال يعيش منه فيه، وعند محمد إن كان له من حياة فوق ما في المذكي. م: (وعليه الفتوى) ش: أي على حل الأكل إذا ذكي الصيد وفيه حياة في جميع الأحوال وهو قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] استثناء مطلقا من غير فصل) ش: أي باستثناء ما ذكيتم عن المحرمات مطلقا. م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان بحال لا يعيش مثله لا يحل؛ لأنه لم يكن موته بالذبح. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان يعيش مثله فوق ما يعيش المذبوح يحل وإلا فلا؛ لأنه لا معتبر بهذه الحياة على ما قررناه) ش: أشار به إلى قوله لأنه ميت حكما. وقيل: قوله: "لأن ما بقي" هي اضطراب المذبوح، فلا يعتبر. وفي " الذخيرة ": الكلام في مثله أربعة مواضع أحدهما: الشاة وغيرها إذا مرض وبقي فيه من الحياة ما بقي في المذبوح. والثاني: إذا قطع الذئب بطن الشاة وسعى فيها من الحياة ما يبقى في المذبوح وأخذه المالك. الثالث: الكلب المعلم والبازي المعلم إذا أخذ المالك صيده وبقي فيه من الحياة بقدر حياة المذبوح. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 425 قال: ولو أدركه ولم يأخذه فإن كان في وقت لو أخذه أمكنه ذبحه لم يؤكل، لأنه صار في حكم المقدور عليه. قال: وإن كان لا يمكنه ذبحه أكل، لأن اليد لم تثبت به، والتمكن من الذبح لم يوجد. قال: وإن أدركه فذكاه حل له، لأنه إن كانت فيه حياة مستقرة فالذكاة وقعت موقعها بالإجماع، وإن لم يكن فيه حياة مستقرة، فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذكاته الذبح على ما ذكرناه وقد وجد، وعندهما: لا يحتاج إلى الذبح. : وإذا أرسل كلبه المعلم على صيد وأخذ غيره حل.   [البناية] والرابع: الصيد بعد رميه وأصابه السهم وبقي فيه من الحياة بقدر حياة المذبوح ورماه آخر فقتله. ففي الأول والثاني عندهما: لا يفيد الذكاة حتى لو ذكاها لا تحل. واختلف المشايخ على قول أبي حنيفة. قال الأسبيجابي: يفيد حتى إذا ذكاها تحل، وبه كان يفتي شمس الأئمة السرخسي والصدر الشهيد. وقال شيخ الإسلام: لا يفيد حتى لو ذبحها لا تحل على قوله. فالحاصل أن للحياة عبرة عنده. إن قلت: وعندهما لا يعتبر القليل وقدر القليل بما بقي في المذبوح، واتفق أبو يوسف مع أبو حنيفة في أكثر منه، ومحمد فرق بين القليل والكثير بيوم. وفي الثالث، والرابع: إذا بقي من الحياة بقدر حياة المذبوح لا يفيد الذكاة بالإجماع، حتى لو لم يذكه يحل، وبه قالت الثلاثة وأكثر أهل العلم. م: (قال: ولو أدركه ولم يأخذه) ش: أي ولو أدرك الصيد ولم يأخذه م: (فإن كان في وقت) ش: أي فإن وجد في وقت، وكان هنا تامة فلا تحتاج إلى خبر م: (لو أخذه أمكنه ذبحه لم يؤكل؛ لأنه صار في حكم المقدور عليه) ش: المقدور عليه إذا لم يذبح لا يؤكل، فكذا هذا م: (قال: وإن كان لا يمكنه ذبحه أكل؛ لأن اليد لم تثبت به، والتمكن من الذبح لم يوجد) ش: وهذا بلا خلاف بين العلماء م: (قال: وإن أدركه فذكاه حل له؛ لأنه إن كانت فيه حياة مستقرة فالذكاة وقعت موقعها بالإجماع، إن لم تكن فيه حياة مستقرة فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكاته الذبح على ما ذكرناه) ش: أشار به إلى قوله: " لأنه وقع في يده حيا" فلا يحل إلا بذكاة الاختيار ردا إلى المتردية م: (وقد وجد) ش: أي الذبح فحل. م: (وعندهما لا يحتاج إلى الذبح) ش: يعني حل بدونه على ما مر. [أرسل كلبه المعلم على صيد وأخذ غيره] م: (قال: وإذا أرسل كلبه المعلم على صيد وأخذ غيره حل) ش: وفي بعض النسخ وإذا أرسل، وفي بعضها أيضا كلبه المعلم. قوله إلى صيد، أي صيد معين وأخذ غيره حل، أي ما دام في سير إرساله، ذكره في " المبسوط ". وفي " المحيط ": أرسل إلى الصيد فأخذ واحدا أو عددا من الصيد وأخذوا بعد واحد في ذلك الفور فكله حلال. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 426 وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحل؛ لأنه أخذه بغير إرسال، إذ الإرسال مختص بالمشار إليه. ولنا: أنه شرط غير مفيد؛ لأن مقصوده حصول الصيد إذ لا يقدر على الوفاء به؛ إذ لا يمكنه تعليمه على وجه بأخذ ما عينه فسقط اعتباره. قال: ولو أرسله على صيد كثير وسمى مرة واحدة حالة الإرسال، فلو قتل الكل يحل بهذه التسمية الواحدة، لأن الذبح يقع بالإرسال على ما بيناه، ولهذا تشترط التسمية عنده والفعل واحد فتكفيه تسمية واحدة، بخلاف ذبح الشاتين بتسمية واحدة، لأن الثانية تصير مذبوحة بفعل غير الأول، فلا بد من تسمية أخرى حتى لو أضجع إحداهما فوق   [البناية] ولو قتل صيدا فجثم عليه طويلا ثم أخذ آخر لم يحل، وكذا لو عدل عن ذلك الصيد يمنة ويسرة وتشاغل في غير طلبه ثم اتبع صيدا وأخذه لم يؤكل إلا إذا زجره صاحبه فانزجر ثم أخذ: حل، وبه قال الشافعي وأحمد في قول. وقال في قول: وإن كان عدوله لصيد حل، وإن كان لغير صيد لم يحل لخروجه عن كونه معلما. وقال الماوردي: والأصح عندي: أنه إن خرج وعاد لا عن جهة إرساله إلى غيره لم يؤكل صيده، وإن خرج في جهة إرساله خلف صيد فعدل إلى غيره فأخذ صيدا حل، وفي " وجيز الشافعية ": ولو قصد سربا من ظبي فأصاب واحدا منه فأصاب آخر: فوجهان. م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحل؛ لأنه أخذه بغير إرسال، إذ الإرسال مختص بالمشار إليه) ش: يعني بالذي وقعت عليه الإشارة. وقال ابن أبي ليلى التعيين ليس بشرط، لكن إذا عين اعتبر تعيينه، حتى إذا ترك ذلك وأخذه لا يحل. م (ولنا: أنه شرط غير مفيد) ش: أي شرط التعيين غير مفيد م: (لأن مقصوده حصول الصيد إذ لا يقدر على الوفاء به) ش: أي ولا يقدر الكلب على الوفاء بأخذ العين م: (إذ لا يمكنه تعليمه على وجه بأخذ ما عينه) ش: من الصيود م: (فسقط اعتباره) ش: التعيين كما قلنا في البازي: أنه يسقط اعتبار ترك الأكل لاستحالة تعليمه. [أرسله على صيد كثير وسمى مرة واحدة حالة الإرسال] م: (ولو أرسله على صيد كثير وسمى مرة واحدة حالة الإرسال فلو قتل الكل يحل بهذه التسمية الواحدة) ش: هذه من مسائل الأصل، ذكرها تفريعا والتي قبلها أيضا م: (لأن الذبح يقع بالإرسال على ما بيناه) ش: أي في أوائل كتاب الذبائح، أراد ما تقدم في الصيد يشترط عند الإرسال والرمي م: (ولهذا تشترط التسمية عنده) ش: أي عند الإرسال م: (والفعل واحد) ش: أراد بالفعل الإرسال م: (فتكفيه تسمية واحدة) ش: لاتحاد الفعل. م: (بخلاف ذبح الشاتين بتسمية واحدة) ش: حيث لا تحل شاته بتسمية أخرى م: (لأن الثانية تصير مذبوحة بفعل غير الأول، فلا بد من تسمية أخرى) ش: للباقي م: (حتى لو أضجع إحداهما فوق الجزء: 12 ¦ الصفحة: 427 الأخرى وذبحهما بمرة واحدة تحلان بتسمية واحدة. قال: ومن أرسل فهدا فكمن حتى يستكمن ثم أخذ الصيد فقتله يؤكل، لأن مكثه ذلك حيلة منه للصيد لا استراحة فلا يقطع الإرسال. قال: وكذا الكلب إذا اعتاد عادته.   [البناية] الأخرى، وذبحهما بمرة واحدة تحلان بتسمية واحدة) ش: لأنه حصل ذبحهما بفعل واحد، وكان بمنزلة ما لو رمى سهما وأصاب صيدين يحلان، لأن ذبحهما حصل بفعل واحد عليه التسمية، فكذا هذا. م: (قال: ومن أرسل فهدا فكمن) ش: هذه أيضا من مسائل الأصل بقوله كمن مر، أي استتر واستخفى، ومنه كمين الجيش م: (حتى يستكمن) ش: أي يطلب المكنة. وفي بعض النسخ يتمكن م: (ثم أخذ الصيد فقتله يؤكل؛ لأن مكثه ذلك حيلة منه للصيد لا استراحة فلا يقطع الإرسال. قال: وكذا الكلب إذا اعتاد عادته) ش: أي وكذا حكم الكلب إذا اعتاد عادة العجل. قال الكرخي في "مختصره": وكذا الكلب إذا أرسله الرجل وصنع كما يصنع الفهد: فلا بأس بأكل ما صاد، وذلك لأن المكث منه ساعة حيلة للإصطياد لا للاستراحة فيعد ذلك من غاية حذاقة الإنسان، فلا يكون قاطعا للإرسال، بل يكون من أسباب الاصطياد، كما لو دب بالعدو. قال السرخسي - ناقلا عن شيخه شمس الأئمة الحلواني - أنه قال: للفهد خصال ينبغي لكل عاقل أن يأخذ ذلك منه: منها: أنه يتمكن للصيد حتى يستمكن، وهذا حيلة منه للصيد، فينبغي للعاقل أن لا يجاهر الخلاف مع عدوه، ولكن يطلب الفرصة حتى يحصل مقصوده من غير إتعاب نفسه. ومنها: أن لا يعدو خلف صاحبه حتى يركبه وهو يقول محتاج إلى فلا أذل له وكذا ينبغي للعاقل أن لا يذل نفسه فيما يفعل بغير مؤنتها أنه لا يتعلم بالضرب، ولكن يضرب الكلب بين يديه، إذ أكل من الصيد فيتعلم بذلك، وهكذا ينبغي على العاقل أن يتعظ بغيره، كما قيل: السعيد من وعظ بغيره. ومنها: أنه لا يتناول الخبيث، وإنما يطلب من صاحبه اللحم الطيب. وهكذا ينبغي للعاقل أن لا يتناول إلا الطيب. ومنها: أنه يثبت ثلاثا أو خمسا فإن تمكن من الصيد أخذه وإلا تركه، ويقول: لا أمثل لنفسي فيما أعمل لغيري، وهكذا ينبغي للعاقل، كذا في " المبسوط ". وهكذا ذكر شيخ الإسلام خواهر زاده في "شرحه"، ومن جملة ما قال منها: أنه يثق بما الجزء: 12 ¦ الصفحة: 428 ولو أخذ الكلب صيدا فقتله ثم أخذ آخر فقتله وقد أرسله صاحبه أكلا جميعا، لأن الإرسال قائم لم ينقطع، وهو بمنزلة ما لو رمى سهما إلى صيد فأصابه وأصاب آخر. قال: ولو قتل الأول فجثم عليه طويلا من النهار ثم مر به صيد آخر فقتله لا يؤكل الثاني، لانقطاع الإرسال بمكثه، إذ لم يكن ذلك حيلة منه للأخذ، وإنما كان استراحة بخلاف ما تقدم. قال: ولو أرسل بازيه المعلم على صيد فوقع على شيء ثم اتبع الصيد فأخذه وقتله فإنه يؤكل، وهذا إذا لم يمكث زمانا طويلا للاستراحة، وإنما مكث ساعة للتمكين لما بيناه في الكلب. قال: ولو أن بازيا معلما أخذ صيدا فقتله ولا يدري أرسله إنسان أم لا، لا يؤكل، لوقوع الشك في الإرسال، ولا تثبت الإباحة بدونه.   [البناية] ضمن له صاحبه، ويحمل في الطلب، كالذي رؤي من وثوب الفهد ثلاثا على الصيد ثم يتركه، فيشبه ما روي في "المثل" حدث المرأة حديثين فإن أبت فأربع. م: (ولو أخذ الكلب صيدا فقتله ثم أخذ آخر فقتله وقد أرسله صاحبه أكلا جميعا) ش: هذه أيضا من مسائل الأصل، أي والحال أن صاحبه قد أرسله كلبا، إلى صيدين جميعا م: (لأن الإرسال قائم لم ينقطع، وهو بمنزلة ما لو رمى سهما إلى صيد فأصابه وأصاب آخر) ش: أي صيدا آخر، حيث يحلان جميعا. م: (قال: ولو قتل الأول فجثم عليه طويلا من النهار) ش: من الجثومة وهو البروك عليه م: (ثم مر به صيد آخر فقتله لا يؤكل الثاني لانقطاع الإرسال بمكثه إذ لم يكن ذلك) ش: أي جثومه عليه م: (حيلة منه للأخذ) ش: أي لأخذ الثاني م: (وإنما كان) ش: أي جثومه عليه م: (استراحة بخلاف ما تقدم) ش: وهو ما إذا مكث للكمين، لأن المكث حينئذ حيلة للأخذ لا استراحة، فيكون هذا المكث منه والذهاب سواء. م: (قال: ولو أرسل بازيه المعلم على صيد فوقع على شيء ثم اتبع الصيد فأخذه وقتله فإنه يؤكل) ش: هذه أيضا من مسائل الأصل م: (وهذا إذا لم يمكث زمانا طويلا) ش: أي حل أكله إنما يكون إذا لم يمكث زمانا طويلا م: (للاستراحة، وإنما مكث ساعة للتمكين) ش: حق اللفظ أن يقال للكمون، ولكن ذكر الكمين، وأراد به الكمون وهو التواري والإخفاء كما ذكرنا م: (لما بيناه في الكلب) ش: عن قريب. م: (قال: ولو أن بازيا معلما أخذ صيدا فقتله ولا يدري أرسله إنسان أم لا، لا يؤكل لوقوع الشك في الإرسال، ولا تثبت الإباحة بدونه) ش: هذه أيضا من مسائل الأصل، أي لا يثبت الإباحة بدون الإرسال، ولا يعلم فيه خلاف، والبازي - بتخفيف الباء - جمعه بزاة، والباز لغة فيه وجمعه أبواز وبيزان. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 429 قال: وإن خنقه الكلب ولم يجرحه لم يؤكل؛ لأن الجرح شرط على ظاهر الرواية على ما ذكرناه، وهذا يدلك على أنه لا يحل بالكسر، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا كسر عضوا فقتله لا بأس بأكله؛ لأنه جراحة باطنة فهي كالجراحة الظاهرة. وجه الأول: أن المعتبر جرح ينتهض سببا لإنهار الدم، ولا يحصل ذلك بالكسر فأشبه التخنيق قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإن شاركه كلب غير معلم أو كلب مجوسي أو كلب لم يذكر اسم الله عليه يريد به عمدا لم يؤكل   [البناية] م: (قال: وإن خنقه ولم يجرحه لم يؤكل) ش: أي قال القدوري في بعض النسخ لا يؤكل م: (لأن الجرح شرط على ظاهر الرواية على ما ذكرناه) ش: ظاهر الرواية هو رواية: الزيادات، وفي رواية الأصل: يؤكل. وقال القدوري في " شرح مختصر الكرخي ": وأما إذا خنق الصيد فمات، والمشهور عنهم: أنه لا يؤكل. وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يؤكل، وقوله: على ما ذكرناه إشارة إلى قوله ولا بد من الجرح في ظاهر الرواية م: (وهذا يدلك على أنه لا يحل بالكسر) ش: أي ظاهر الرواية يدل على أن الكلب كسر عضوا من الصيد فمات لا يحل. قال القدوري: أما إذا لم يجرحه ولم يخنقه لكنه كسر عضوا منه فمات فإن أبا الحسن الكرخي ذكر أنه لم يحل عند أبي حنيفة شيئا مصرحا. فقد حكي عن محمد المسألة في الزيادات، وأجاب فيها جوابا مطلقا: أنه إذا لم يجرح لا يؤكل، وهذا يقتضي أنه لا يحل بالكسر. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا كسر عضوا فقتله لا بأس بأكله؛ لأنه جراحة باطنة فهي كالجراحة الظاهرة) ش: قال الكرخي في "مختصره" وذكر أبو يوسف في أثره حكاية عن أبي حنيفة: وأن قتله من غير أن يجرحه بناب ولا مخلب فإنه لا يؤكل، ولذلك لو صدمه فقتله ولم يكسره ولم يجرح، فإن جرح بناب أو مخلب أو كسر عضوا فقتله فلا بأس بأكله. قال القدوري في "شرحه": وظاهر هذا الكلام يقتضي أن الكسر كالجرح، ووجهه على ما ذكره المصنف. م: (وجه الأول) ش: وهو أنه لا يحل بالكسر م: (أن المعتبر جرح ينتهض سببا لإنهار الدم، ولا يحصل ذلك بالكسر فأشبه التخنيق) ش: الإنهار بكسر الهمزة الإسالة من أنهرت الدم إذا أسلته قوله ذلك إلى الإنهار. [شاركه كلب غير معلم أو كلب مجوسي أو كلب لم يذكر اسم الله عليه يريد به عمدا] م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإن شاركه كلب غير معلم أو كلب مجوسي أو كلب لم يذكر اسم الله عليه يريد به عمدا لم يؤكل) ش: أي قال القدوري في "مختصره" وقوله يريد به عمدا من كلام الجزء: 12 ¦ الصفحة: 430 لما روينا في حديث عدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولأنه اجتمع المبيح والمحرم، فيغلب جهة الحرمة نصا أو احتياطا. ولو رده عليه الكلب الثاني ولم يجرحه معه ومات بجرح الأول يكره أكله، لوجود المشاركة في الأخذ وفقدها في الجرح   [البناية] المصنف، قيد به لأنه لو تركه ناسيا يؤكل م: (لما روينا في حديث عدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: في أول الباب، حيث قال فيه: «وإن شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل» . م: (ولأنه اجتمع المبيح والمحرم فيغلب جهة الحرمة نصا) ش: أي من جهة النص، قال الشراح أراد به قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما اجتمع الحلال والحرام إلا قد غلب الحرام الحلال» . قلت: هذا موقوف على ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه عبد الرزاق في "مصنفه" في الطلاق حدثنا سفيان الثوري عن جابر عن الشعبي قال: قال عبد الله: ما اجتمع حرام وحلال إلا غلب الحرام الحلال. قال سفيان: وذلك في الرجل يفجر بامرأة وعنده ابنتها أو أمها: فإنه فارقها. وقال البيهقي في "سننه": رواه جابر الجعفي عن الشعبي عن ابن مسعود وجابر ضعيف، والشعبي عن ابن مسعود منقطع، م: (أو احتياطا) ش: أي من جهة الاحتياط، لأنه لما دار بين كونه حراما وحلالا فالاحتياط في تركه لئلا يستعمل الحرام في وجه، والاحتياط افتعال من الحوط وهو الحفظ، ومنه الحائط لأنه يمنع الغير من الدخول فيه. م: (ولو رده عليه الكلب الثاني ولم يجرحه ومات بجرح الأول يكره أكله) ش: هذه من مسائل الأصل، ذكره تفريعا، أي ولو رد الصيد على الكلب الأول الكلب الثاني والحال: أنه لم يخرج الصيد معه ومات الصيد بجرح الكلب الأول يكره أكله م: (لوجود المشاركة في الأخذ وفقدها) ش: أي وفقد المشاركة م: (في الجرح) ش: لأن المعلم تعود الجرح فتثبت الكراهة لا غير، ثم قيل: كراهة تنزيه، وقيل: كراهة تحريم، هو اختيار السرخسي والحلواني. وعند الثلاثة: يحل لانفراد الكلب المسلم بجرحه، ولهذا لو صاد مسلم بكلب مجوسي يحل عند أكثر أهل العلم. وعن أحمد في رواية: لا يباح، وكرهه جابر والحسن والنخعي والثوري ومجاهد لقوله سبحانه وتعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] (سورة المائدة: الآية 4) ، وهذا لم يعلمه. قلنا: يحل كما لو صاد بقوسه أو سهمه أو ذبح بشفرته، وهاهنا ثلاثة فصول، أحدهم: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 431 وهذا بخلاف ما إذا رده المجوسي عليه بنفسه حيث لا يكره؛ لأن فعل المجوسي ليس من جنس فعل الكلب فلا تتحقق المشاركة وتتحقق بين فعلي الكلبين لوجود المجانسة. ولو لم يرده الكلب الثاني على الأول لكنه أشد على الأول حتى اشتد على الصيد فأخذه وقتله لا باس بأكله، لأن فعل الثاني أثر في الكلب المرسل دون الصيد، حيث ازداد به طلبا فكان تبعا لفعله؛ لأنه بناء عليه فلا يضاف الأخذ إلى التبع. بخلاف ما إذا كان رده عليه؛ لأنه لم يصر تبعا فيضاف إليهما. قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإذا أرسل المسلم كلبه فزجره مجوسي فانزجر بزجره فلا بأس بصيده، والمراد بالزجر الإغراء بالصياح عليه وبالانزجار إظهار زيادة الطلب   [البناية] ما اشترك فيه الكلبان في الأخذ والجرح ففيه الكراهة. والثالث: ما لم يشتركا في شيء، لكن الثاني حمل على الأول حتى استدعى الصيد وفيه الإباحة على ما يجيء. م: (وهذا بخلاف ما إذا رده المجوسي عليه بنفسه حيث لا يكره؛ لأن فعل المجوسي ليس من جنس فعل الكلب فلا تتحقق المشاركة) ش: هذا أيضا من مسائل " الأصل "، أي هذا الحكم المذكور بخلاف ما إذا رد الصيد المجوسي على الكلب، والباقي واضح. م: (وتتحقق) ش: لحينئذ المشاركة م: (بين فعلي الكلبين لوجود المجانسة) ش: أراد الكلب المعلم والكلب الجاهل أو كلب المسلم وكلب المجوسي. م: (ولو لم يرده الكلب الثاني على الأول لكنه اشتد على الأول) ش: أي كلب الثاني وهو كلب المجوسي أو الكلب الجاهل اشتد، أي صال على الكلب الأول حتى ازداد طلبه. وفي " ديوان الأدب ": اشتد عليه، أي عدا م: (حتى اشتد على الصيد) ش: أي حتى اشتد الكلب الأول على الصيد م: (فأخذه وقتله لا بأس بأكله؛ لأن فعل الثاني أثر في الكلب المرسل دون الصيد، حيث ازداد به طلبا) ش: أي حيث ازداد الكلب المرسل باشتداد الكلب الثاني طلبا للصيد م: (فكان تبعا لفعله) ش: لفعل الأول م: (لأنه بناء عليه) ش: أي لأن فعل الثاني بناء على الأول، أي مؤكدا له م: (فلا يضاف الأخذ إلى التبع) ش: أي أخذ الصيد إلى التبع، وهو فعل الثاني. م: (بخلاف ما إذا كان رده عليه) ش: أي بخلاف ما إذا كان الكلب الثاني رد الصيد على الأول حيث يكره كما مر م: (لأنه لم يصر تبعا) ش: لأنه غير مؤكد للأول م: (فيضاف إليهما) ش: أي ويضاف القتل إلى الكلبين. م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإذا أرسل المسلم كلبه فزجره مجوسي فانزجر بزجره فلا بأس بصيده) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": يقال: زجر الكلب فانزجر، أي هيجه فهاج م: (والمراد بالزجر الإغراء بالصياح عليه، وبالانزجار إظهار زيادة الطلب) ش: أي طلبا للكلب للصيد، هذا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 432 ووجهه أن الفعل يرفع بما هو فوقه أو مثله كما في نسخ الآي، والزجر دون الإرسال لكونه بناء عليه. قال ولو أرسله مجوسي فزجره مسلم فانزجر بزجره لم يؤكل، لأن الزجر دون الإرسال، ولهذا لم تثبت به شبهة الحرمة فأولى أن لا يثبت به الحل، وكل من لا تجوز ذكاته كالمرتد والمحرم وتارك التسمية عامدا في هذا بمنزلة المجوسي، وإن لم يرسله أحد فزجره مسلم فانزجر فأخذ الصيد فلا بأس بأكله، لأن الزجر مثل الانفلات؛ لأنه إن كان دونه   [البناية] تفسير لأصل الفعل ومطاوعة، ولا شك أن الانزجار مطوع الزجر كالانكسار. م: (ووجهه) ش: أي وجه جواب المسألة المذكورة وهو كونه لا بأس به م: (أن الفعل يرفع بما هو فوقه) ش: أي بالأقوى نسخ الحكم المفسر م: (أو مثله) ش: أو بالمساوي لنسخ المفسر المفسر م: (كما في نسخ الآي) ش: أي القرآن وهي جمع آية، فإن النسخ فيه إما بالأقوى أو بالمساوي كما عرف في أصول الفقه. م: (والزجر دون الإرسال لكونه بناء عليه) ش: أي لكون الزجر مبنيا على الإرسال، فكانت العبرة لإرسال المسلم دون صياح المجوسي لبنائه عليه، ونوقض بالمحرم إذا زجر كلب حلال فإنه يجب عليه الجزاء. وأجيب: بأن الجزاء في المحرم بدلالة النص، فإنه أوجب عليه الجزاء بما دونه، وهو الدلالة فوجب بالزجر بطريق الأولى. م: (قال: ولو أرسله مجوسي فزجره مسلم فانزجر بزجره: لم يؤكل؛ لأن الزجر دون الإرسال، ولهذا) ش: أي ولأن الزجر دون الإرسال م: (لم تثبت به) ش: أي بالزجر م: (شبهة الحرمة) ش: يعني في الصورة الأولى مع أن الحرمة أسرع ثبوتا لغلبة الحرمة على الحل دائما م: (فأولى أن لا يثبت به الحل) ش: أي بزجر المسلم م: (وكل من لا تجوز ذكاته كالمرتد والمحرم وتارك التسمية عامدا في هذا بمنزلة المجوسي) ش: في الفصول كلها. م: (وإن لم يرسله أحد) ش: أي وإن لم يرسل الكلب أحد م: (فزجره مسلم فانزجر فأخذ الصيد فلا بأس بأكله) ش: والقياس أن لا يحل، قال خواهر زاده: وبالقياس أخذ مالك في رواية. وقال الشافعي: إن وقف بعده وزجره: ثم امتلاه واشتلى وأخذ الصيد: حل وإن لم يقف، لكن زاد في عدوه بزجره لم يحل، وبه قال مالك في رواية. فإن قلت: لما لا يجعل المحرم غالبا على المبيح؟ قلت: هذا إذا لم يعلم زاجر المبيح، أما إذا علم أن المبيح هو زاجر ناسخ يجعل ناسخا للأول لا محالة، وهاهنا الزجر متأخر فجعل ناسخا. م: (لأن الزجر مثل الانفلات) ش: الانفلات خروج الشيء فلتة أي بعضه، والمراد هنا خروج الكلب من يد صاحبه بغتة م: (لأنه إن كان دونه) ش: أي لأن الزجر إن كان دون الجزء: 12 ¦ الصفحة: 433 من حيث إنه بناء عليه فهو فوقه من حيث إنه فعل المكلف فاستويا فصلح ناسخا. ولو أرسل المسلم كلبه على صيد وسمى فأدركه فضربه ووقذه ثم ضربه فقتله أكل، وكذا إذا أرسل كلبين فوقذه أحدهما ثم قتله الآخر أكل لأن الامتناع عن الجرح بعد الجرح لا يدخل تحت التعليم فجعل عفوا. ولو أرسل رجلان كل واحد منهما كلبا فوقذه أحدهما وقتله الآخر أكل لما بينا والملك للأول، لأن الأول أخرجه عن حد الصيدية إلا أن الإرسال من الثاني حصل على الصيد، والمعتبر في الإباحة والحرمة حالة الإرسال   [البناية] الانفلات م: (من حيث إنه بناء عليه) ش: أي من حيث إن الزجر بناء على الانفلات م: (فهو فوقه من حيث إنه فعل المكلف) ش: أي الزجر فوق الانفلات من وجه آخر، وهو أنه فعل المكلف، أي الزجر فعل المكلف، بخلاف الانفلات م: (فاستويا) ش: أي الزجر والانفلات م: (فصلح ناسخا) ش: فصلح الزجر ناسخا الانفلات، لأنه متأخر، لأن الزجر أحد المستويين، والنسخ يثبت بما يساويه كما في نسخ الآي، وبقولنا قال مالك وأحمد في رواية. وقال الشافعي: إن وقف بعده وزجره شدة فاشتد وأخذ الصيد: حل، وإن لم يقف لكل زاد في عدوه بزجره لم يحل، وبه قال مالك في رواية. فإن قلت: لم يجعل المحرم غالبا على المبيح. قلت: هذا إذا لم يعلم زاجر المبيح، أما إذا علم أن المبيح يجعل ناسخا للأول لا محالة. وهاهنا الزجر متأخر، فجعل ناسخا. م: (ولو أرسل المسلم كلبه على صيد وسمى فأدركه فضربه ووقذه) ش: أي أثخنه وأضعفه ووهنه لجراحه، ومنه الموقوذة م: (ثم ضربه فقتله: أكل، وكذا إذا أرسل كلبين فوقذه أحدهما ثم قتله الآخر: أكل؛ لأن الامتناع على الجرح بعد الجرح تحت التعليم فجعل عفوا) ش: لأنه ليس في وسعه تعليمه على وجه يمتنع عن الجرح بعد الجرح، فجعل ذلك عفوا، وقوله: "لأن الامتناع جواب شبهة" تردف المسألتين، وهي أن الضربة الثانية التي قتل الكلب بها إنما حصل بعد الإثخان الذي أخرجه من الصيد، فينبغي أن لا يحل. فأجاب عنه فقال: لأن الامتناع ... إلخ. م: (ولو أرسل رجلان كل واحد منهما كلبا فوقذه أحدهما وقتله الآخر: أكل؛ لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأن الامتناع عن الجرح بعد الجرح لا يدخل تحت التعليم؛ فجعل عفوا م: (والملك للأول؛ لأن الأول أخرجه عن حد الصيدية) ش: لأن جراحته أخرجت من الصيد من خير الامتناع، ثم بعد ذلك لا يزيل جراحة الثاني ملك صاحب الأول. م: (إلا أن الإرسال من الثاني حصل على الصيد، والمعتبر في الإباحة والحرمة حالة الإرسال) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 434 فلم يحرم، بخلاف ما إذا كان الإرسال من الثاني بعد الخروج عن الصيدية بجرح الكلب الأول.   [البناية] ش: هذا جواب إشكال، وهو: أن الثاني إنما قتله بعد الخروج من الصيد، ينبغي أن يحرم، فأجاب: بأنه صيد بدلالة الإرسال م: (فلم يحرم) . م: (بخلاف ما إذا كان الإرسال من الثاني بعد الخروج عن الصيدية بجرح الكلب الأول) ش: حيث يحرم، وهذا الذي ذكره بخلاف ما إذا رمى صيدا بسهم فأثخنه بحيث أخرجه عن حيز الامتناع ثم رماه ثانيا فقتله لا يؤكل لأنه لما أثخنه فصار ذكاته ذكاة الأهلي، ويمكنه الاحتراز عن الرمية الثانية فلا يكون عفوا، وفي الكلب ليس كذلك، لأنه لا يمكن تعليمه على وجه لا يجرح ثانيا بعد أن جرح مرة، وما تعذر دفعه، تعذر رفعه، والله سبحانه وتعالى أعلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 435 فصل في الرمي ومن سمع حسا ظنه حس صيد فرماه أو أرسل كلبا أو بازيا عليه فأصاب صيدا ثم تبين أنه حس صيد حل المصاب، أي صيد كان؛ لأنه قصد الاصطياد. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه خص من ذلك الخنزير   [البناية] [فصل في الرمي] [حس صيد فرماه أو أرسل كلبا أو بازيا عليه فأصاب صيدا] م: (فصل في الرمي) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الرمي قد مر أنه ذكر أن هذا الكتاب مشتمل على فصلين، الأول: الجوارح وقد بينه، وهذا هو الثاني في الرمي ونوه عن حكم الآلة الحيوانية، ثم شرع في بيان حكم الآلة الجمادية والمزيد الحيوان على الجماد، قدم ذاك على هذا، والآلة ما يستعان به على تحصيل أمر. م: (ومن سمع حسا) ش: قد وقع في بعض النسخ هاهنا لفظة "قال" وليس ينتفي ذكرها، لأن هذه المسائل من أول الفصل إلى قوله: وإذ سمى الرجل عند الرمي أكل ليست بمذكورة في " البداية "، لأنها لم تذكر في " الجامع الصغير " و" مختصر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - " وأما ما ذكره القدوري في " شرح مختصر الشيخ أبو الحسن الكرخي "، وذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تكثيرا للفائدة، فعرفت أن لفظة "قال" ليس له محل هاهنا، لأنه لم يذكره إلا إذا كان عن القدوري أو " الجامع الصغير "، أو كان كناية عن نفسه والحس الصوت الخفي وكذلك الحسيس م: (ظنه) ش: أي ظن ذلك الحس م: (حس صيد فرماه أو أرسل كلبا أو بازيا عليه فأصاب صيدا) ش: أي غير الذي سمع صوته لأن النكرة إذا أعيدت نكرة كان الثاني غير الأول. م: (ثم تبين أنه حس صيد) ش: أي ثم ظهر أن الحسن الذي سمعه حس صيد م: (حل المصاب) ش: أي الصيد المصاب بالرمي أو بالكلب أو بالبازي م: (أي الصيد كان) ش: يعني سواء كان مأكول اللحم أو غيره، كذا في " مبسوط شيخ الإسلام " و" المحيط "، وبه قالت الثلاثة، وكلمة "أي" منصوب على أنه خبر كان مقدما. وقال السغناقي: لا بد هاهنا من قيد وإلا يلزم على إطلاقه ما لو كان المسموع حس سمكة فظنه طير الماء أو حس جراد فظنه صيدا ثم أصاب الرمي الصيد: لم يحل المصاب ذكره في " المغني "، وذلك المقيد هو أن يقال: تبين أنه حس صيد يحتاج في حل أكله إلى ما يشترط ذبحه أو جرحه من الصيود م: (لأنه قصد الاصطياد) ش: أي لأن الرمي أو المرسل قصد برميه أو إرساله الاصطياد. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه خص من ذلك الخنزير) ش: يعني لو كان الحس حس الجزء: 12 ¦ الصفحة: 436 لتغليظ التحريم، ألا ترى أنه لا تثبت الإباحة في شيء منه. بخلاف السباع؛ لأنه يؤثر في جلدها، وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - خص منها ما لا يؤكل لحمه؛ لأن الإرسال فيه ليس للإباحة، ووجه الظاهر: أن اسم الاصطياد لا يختص المأكول فوقع الفعل اصطياد، وهو فعل مباح في نفسه، وإباحة التناول ترجع إلى المحل فتثبت بقدر ما يقبله لحما وجلدا، وقد لا تثبت إذا لم يقبله   [البناية] خنزير: لا يحل المصاب، بخلاف سائر السباع. وقال تاج الشريعة: يعني ظن أن المسموع حس الخنزير، فرمى فإذا هو ظبي فرمي: لا يحل الصيد المصاب، لأنه بناء عليه م: (لتغليظ التحريم) ش: يعني حرمه الخنزير تغليظه لا يجوز الانتفاع به بوجه. م: (ألا ترى أنه لا تثبت الإباحة في شيء منه) ش: هذا توضيح لتغليظ التحريم منه، أي من الخنزير م: (بخلاف السباع) ش: يعني بخلاف ما لو كان من السباع، حيث يؤكل الصيد م: (لأنه يؤثر في جلدها) ش: أي لأن الاصطياد يؤثر في طهارة جلده، وكان ينبغي أن يقول: في جلدها على ما لا يخفى، فإذا أثر الاصطياد في طهارة جلدها جاز أن يؤثر في إباحة لحم ما أصابه، كذا في " الذخيرة" و" المحيط ". م: (وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - خص منها ما لا يؤكل لحمه) ش: أي خص من جملة المسموع حس ما لا يؤكل لحمه. يعني إذا كان الحس حس صيد لا يؤكل لحمه كالسباع وما أشبهها لا يؤكل المصاب؛ م: (لأن الإرسال فيه ليس للإباحة) ش: أي لأن الإرسال فيما لا يؤكل لحمه لا يتعلق له حكم الإباحة، فكان هو والآدمي سواء. م: (ووجه الظاهر: أن اسم الاصطياد لا يختص بالمأكول) ش: قال الشاعر: صيد الملوك أرانب وثعالب ... وإذا ركبت فصيدي الأبطال م: (فوقع الفعل اصطيادا) ش: فعل الرمي أو المرسل م: (وهو فعل مباح في نفسه) ش: أي الاصطياد فعل مباح في نفسه لقوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] والاصطياد: أخذ الصيد، والصيد اسم لممتنع متوحش في الأصل فكانت الآية دليلا بعمومها على إباحة عموم الاصطياد، إلا أن الاصطياد إذا كان فيما حل أكله كان الغرض منه الانتفاع بجلده أو شعره أو ريشه أو دفع أذنيه، وهذا معنى قوله: م: (وإباحة التناول ترجع إلى المحل، فتثبت بقدر ما يقبله لحما وجلدا) ش: أي يثبت التناول بقدر ما يقبل المحل المتناول من حيث اللحم ومن حيث الجلد يعني إذا كان يقبل المحل تناول اللحم يثبت تناول من اللحم، وإذا كان يقبل تناول الجلد، لأن اللحم يثبت ذلك: ينتفع بجلده. وإن لم يقبل تناولهما جميعا كما في الخنزير، فحينئذ يكون الاصطياد لدفع أذنيه، فإذا كان الاصطياد مباحا حل المصاب إذا كان مأكول اللحم، وإن كان المسموع حسه لا يحل أكله م: (وقد لا تثبت إذا لم يقبله) ش: أي وقد لا يثبت التناول إذا لم الجزء: 12 ¦ الصفحة: 437 وإذا وقع اصطيادا صار كأنه رمى إلى صيد فأصاب غيره. وإن تبين أنه حس آدمي أو حيوان أهلي لا يحل المصاب، لأن الفعل ليس باصطياد. والطير الداجن الذي يأوي البيوت أهلي والظبي الموثق بمنزلته لما بينا. ولو رمى إلى طائر فأصاب صيدا ومر الطائر ولا يدري وحشي هو أو غير وحشي حل الصيد؛ لأن الظاهر فيه التوحش. ولو رمى إلى بعير فأصاب صيدا ولا يدري ناد هو أم لا، لا يحل الصيد لأن الأصل فيه الاستئناس.   [البناية] يقبله المحل وقد بيناه. م: (وإذا وقع اصطيادا) ش: أي إذا وقع قبله قوله "اصطيادا" م: (صار كأنه رمى إلى صيد فأصاب غيره) ش: أي غير الصيد الذي رمى إليه م: (وإن تبين أنه حس آدمي) ش: أي وإن ظهر أن الحس حس آدمي م: (أو حيوان أهلي لا يحل المصاب؛ لأن الفعل ليس باصطياد) ش: لأنه رمى أو شل إلى غير صيد فلم يتعلق به حكم الإباحة، فصار كأنه رمى إلى صيد فأصاب غيره، أي غير الصيد الذي رمى إليه إلى آدمي يعلم به فأصاب صيد البر يؤكل. فإن قلت: أليس قصد الاصطياد؟. قلت: فعله ليس باصطياد وإن كان قصده الاصطياد بناء على ظنه، لأن الرمي إليه صيد، لأن المحل لا يقبل الاصطياد لنفي ظنه. م: (والطير الداجن الذي يأوي البيوت أهلي) ش: الداجن من دجن قوله "يأوي البيوت: "، أي يسكنها وينزل فيها، وقوله "أهلي" أي حكمه حكم الأهلي في أنه لا يحل المصاب، لأن ما آواه البيوت وقد ثبت اليد عليه م: (والظبي الموثق) ش: أي المشدود يقال: وثقه أي شده بالوثاق م: (بمنزلته) ش: أي بمنزلة الآدمي. وقيل بمنزلة الطير الداجن م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأن الفعل ليس باصطياد وحل الصيد لوجود فعل الاصطياد. م: (ولو رمى إلى طائر فأصاب صيدا ومر الطائر ولا يدري وحشي هو أو غير وحشي: حل الصيد؛ لأن الظاهر فيه التوحش) ش: أي لأن الظاهر في الطائر التوحش حتى يعلم الاستئناس فتعلق برميه الإباحة. م: (ولو رمى إلى بعير فأصاب صيدا ولا يدري ناد هو أم لا) ش: أي البعير ناد أم لا من ند البعير ندا، وندودا، إذا ذهب على وجهه شاردا، كذا في الجمهور م: (لا يحل الصيد، لأن الأصل فيه الاستئناس) ش: وهو لا يحل في الصحر في العقر إلا إذا علم أنه ناد فحينئذ يحل المصاب لأنه حينئذ يحل بالعقر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 438 ولو رمى إلى سمكة أو جرادة فأصاب صيدا يحل في رواية عن أبي يوسف لأنه صيد، وفي أخرى عنه لا يحل؛ لأنه لا ذكاة فيهما. ولو أصاب المسموع حسه وقد ظنه آدميا فإذا هو صيد يحل؛ لأنه لا معتبر بظنه مع تعينه.   [البناية] م: (ولو رمى إلى سمكة أو جرادة فأصاب صيدا يحل في رواية عن أبي يوسف؛ لأنه صيد) ش: أي لأن كل واحد من السمك والجراد صيد، وإن كان لا ذكاة لهما، وهذه رواية ابن مالك، وهي الصحيحة نص عليها قاضي خان. م: (وفي أخرى عنه) ش: أي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواها عنه ابن رستم: أنه م: (لا يحل؛ لأنه لا ذكاة فيهما) ش: فالرمي وعدمه سواء وبه قالت الثلاثة، ولو رمى إلى بعير أو بقر أو معز أهلي أو آدمي فأصاب صيدا لا رواية في الأصل لهذا. ولأبي يوسف قولان: في قول: يحل، وفي قول: لا يحل، وبه قالت الثلاثة لعدم قصده إلى الإرسال إلى الصيد. م: (ولو أصاب المسموع حسه وقد ظنه آدميا فإذا هو صيد: يحل) ش: أي ولو أصاب السهم المسموع حسه والحال أنه قد كان ظنه آدميا، فإذا ظهر صيدا: يحل. وقال مالك وأحمد ومحمد في رواية: لا يحل، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الرمي: يحل في الكلب وجهان، وكذا لو ظنه خنزيرا أو كلبا لا يحل المصاب عندهم م: (لأنه لا معتبر بظنه مع تعينه) ش: اصطيادا حقيقة، والحقيقة لا تعين بالظن. فإن قلت: ما الفرق بين هذه المسألة وبين التي تقدمت، وهي أن من سمع حسا ظنه صيدا فرماه فأصاب صيدا ثم تبين أنه حس آدمي أو حيوان أهلي لا تحل المصاب مع أنه لم يقصد إلا رمي الآدمي، وفي هذه المسألة قصد رمي الآدمي، ورمي الآدمي ليس بالاصطياد وقد حل المصاب، والقياس إما شمول الحل أو شمول عدمه وانعكاس الجواب في المسألتين، وذلك لأنه لما حصل المصاب مع اقتران ظنه بأنه آدمي، فعنها: إذا اقترن ظنه بأنه صيد أوله، أو لأنه لم يقع فعله اصطياد نظرا إلى قصده فلا يحل المصاب هاهنا، كما لا يحل هاهنا نظرا إلى قصده وحل هناك كذلك؟. قلت: أشار المصنف إلى الفرق بقوله: "لأنه يعتبر بظنه مع تعيينه"، أي تعيين كونه صيدا، بيانه أن المسألة الأولى أصاب السهم غير المسموع حسه، وكان قصده إلى المسموع حسه، والمسموع حسه ليس بصيد، فكان فعله متوجها إلى غير الصيد نظرا إلى فعله الذي توجه إلى المسموع وهو ليس بصيد، فلم يكن بفعله اصطيادا، وحل الصيد إنما يحصل بوجود فعل الاصطياد؛ فلم يحل أكله لانعدام فعل الاصطياد. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 439 وإذا سمى الرجل عند الرمي أكل ما أصاب إذا جرح السهم فمات؛ لأنه ذابح بالرمي لكون السهم آلة له، فتشترط التسمية عنده وجميع البدن محل لهذا النوع من الذكاة، ولا بد من الجرح ليتحقق معنى الذكاة على ما بيناه. قال: وإن أدركه حيا ذكاه وقد بيناها بوجوهها، والاختلاف فيها في الفصل الأول فلا نعيده. قال: وإذا وقع السهم بالصيد فتحامل حتى غاب عنه ولم يزل في طلبه حتى أصابه ميتا أكل   [البناية] وأما هاهنا فسهم أصاب غير المسموع حسه وعينه صيدا فكان الفعل واقعا على الصيد وهو الاصطياد بحقيقة كلما وجد الاصطياد بحقيقته لم يعتبر بعد ذلك ظنه المخالف لفعله الذي هو اصطياد بحقيقته، والظن إذا وقع مخالفا بحقيقة فعله كان الظن لغوا، فيحل أكل المصاب لوجود فعل الاصطياد. [التسمية عند الرمي] م: (وإذا سمى الرجل عند الرمي أكل ما أصاب إذا جرح السهم فمات) ش: هذا لفظ القدوري في "مختصره" م: (لأنه ذابح بالرمي لكون السهم آله له، فتشترط التسمية عنده) ش: أي عند الرمي م: (وجميع البدن محل لهذا النوع من الذكاة، ولا بد من الجرح ليتحقق معنى الذكاة على ما بيناه) ش: أي في فصل الجوارح عند قوله: ولا بد من الجرح في ظاهر الرواية، وهو قول أكثر أهل العلم. م: (قال: وإن أدركه حيا ذكاه) ش: أي قال القدوري: وإن أدرك الصيد وهو بالحياة ذكاه، لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل، فبطل حكم البدل م: (وقد بيناها بوجوهها، والاختلاف فيها في الفصل الأول) ش: وهو فصل الجوارح، قوله: والاختلاف بالنصب عطف على الضمير المنصوب في بيناه، قاله الأترازي، ثم قال: وهو السماع. قلت: الأولى: أن تكون نصبا على أنه مفعول معه، أي وقد بينا الحكم بوجوه المسألة مع الاختلاف فيها، أي مع بيان اختلاف فيها. ويجوز الجر عطفا على قوله: "بوجوهها"، م: (فلا نعيده) ش: أي الاختلاف خوفا من التكرار. م: (قال: وإذا وقع السهم بالصيد فتحامل حتى غاب عنه) ش: أي قال القدوري: فتحامل، أي تكلف الطيران من الحمل، يعني حمل الصيد نفسه على تكلف المشي والطيران وأصل التحامل في المشي: أن يكلفه على مشقة وإعياء، وفائدة ذكره. أنه لو غاب وتوارى بدونه فوجده ميتا لا يحل ما لم يعلم جرحه يقينا م: (ولم يزل في طلبه حتى أصابه ميتا أكل) ش: استحسانا والقياس أن لا يحل، وهو قول الشافعي وأحمد في رواية وعطاء والثوري. ومن أصحاب الشافعي من قال فيه قولان: في قول: يؤكل وفي قول لا يؤكل، ولم يعتبر الوقود والطلب في القولين جميعا، كذا ذكره في " مختصر الأسرار ". وقال ابن الجلاب المالكي في كتاب " التفريع "، ولا بأس بأكل الصيد وإن غاب عن الصائد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 440 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] بعصر ما لم يبت عنه، فإن بات عنه لم يجز أكله، وقال الحرمي - من أصحاب أحمد -: إذا رماه فغاب عن عينه وأصابه ميتا وسهمه فيه ولا أثر به غيره جاز أكله. وجه قول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظاهر، وهو ما رواه الترمذي والنسائي عن أبي بشر عن سعيد بن جبير «عن عدي بن حاتم قال، قلت: يا رسول الله إنّا أهل صيد، وإن أحدنا يرمي الصيد فيغيب عنه الليلة والليلتين فيتبع الأثر فيجده ميتا، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا وجدت السهم فيه ولم تجد فيه أثرا غيره وعلمت أن سهمك قتله، فكله» قال الترمذي: حديث حسن صحيح. أخرجه الدارقطني في "سننه" عن عاصم الأحول عن الشعبي «عن عدي بن حاتم أنه سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال أرمي بسهمي فأصيب فلا أقدر عليه إلا بعد يوم أو يومين، فقال: "إذا قدرت عليه وليس فيه أثر ولا خداش إلا رميتك: فكل، وإن وجدت فيه أثرا غير رميتك: فلا تأكله فإنك لا تدري أنت قتلته أم غيرك» وقال في " التنقيح ": إسناده صحيح، وبه قال أحمد: يباح أكله [إذا غاب] مطلقا. وأخرج البخاري ومسلم «عن عدي بن حاتم، وفيه: "وإن رميت بسهمك فاذكر اسم الله، فإن غاب عنك يوما فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت". وقال البخاري: "وإن رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين» ، وعند البخاري «عن عدي أيضا أنه قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يرمي الصيد فيقتفي أثره اليومين أو الثلاثة ثم يجده ميتا وفيه سهمه؟ قال: يأكل إن شاء» ولم يصل سنده بهذا. وأخرج مسلم عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: في الذي يدرك صيده بعد ثلاث قال: "كله ما لم ينتن» ، وزاد في لفظ آخر «وقال في الكلب أيضا: "كله بعد ثلاثة إلا أن ينتن فدعه» . واحتج مالك بأنه سمع أهل العلم قالوا كذلك والشافعي احتج بقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: كل ما أصبت ودع ما أنميت: قال في " الفائق ": الأصل أن يقتله فكأنه والاتما، كذا أن يصيبه إصابة غير موقعة، ولأنه يحتمل إذا توارى أن يموت بعارض آخر كالتروي. وقال الأترازي: ولنا ما روى أصحابنا في كتبهم كالقدوري وغيره: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر بالروحاء على حمار وحش عقير، فتبادر أصحابه إليه فقال: دعوه فسيأتي صاحبه فجاء رجل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 441 وإن قعد عن طلبه ثم أصابه ميتا لم يؤكل،   [البناية] فقال هذه رميتي يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا في طلبها، وقد جعلتها لك، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقسمها بين الرفاق» . قلت: هذا الحديث أخرجه البيهقي في "سننه" من حديث حماد بن زيد حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة الضمري: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج حتى أتى الروحاء وبها حمار عقير فقيل: يا رسول الله هذا حمار عقير، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دعوه، فإن الذي أصابه سيجيء"، فجاء رجل من بهز فقال: يا رسول الله: إني أصبت هذا فشأنكم به، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقسمه بين الرفاق، ثم سار حتى إذا كان بالأثاية - بين العرج والروبثة - إذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلا أن يقيم عنده حتى يجيز آخر الناس، لا يعرض له» . وقال الذهبي في "مختصره" خرجه النسائي من حديث علي بن محضر عن ابن الهاد وعن محمد به. وأخرج النسائي أيضا ثم البيهقي من حديث عبد الوهاب الثقفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سمعت يحيى بن سعيد أخبرني محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة أخبره عن البهزي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج وهو محرم، حتى إذا كان ببعض أفناء الروحاء إذا حمار وحش عقير، فذكره القوم لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .... " الحديث. قوله: " الأثاية " - بضم الهمزة بعدها الثاء المثلثة المخففة وبعد الألف ياء آخر الحروف - وقال البكري: هي محددة في رسم الروثية، ثم ذكر الحديث المذكور والروثية - بضم الراء وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة - قال البكري: هي قرية جامعة من كورة العقيق بينها وبين المدينة سبعة عشر فرسخا، وبينها وبين العرج ثلاثة أميال، والعرج بالعين المهملة وسكون الراء وهي قرية جامعة بينها وبين الروثية أربعة عشر ميلا. م: (وإن قعد عن طلبه ثم أصابه ميتا لا يؤكل) ش: وقال الشافعي في قول وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يؤكل إذا غاب نهارا. وعن مالك: إن وجده في يومه يحل وبعده لا. عن أحمد في رواية: أنه يحل بعده أيضا، وبه قال بعض أصحاب الظاهر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 442 لما روي عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أنه كره أكل الصيد إذا غاب عن الرامي، وقال: «لعل هوام الأرض قتلته»   [البناية] م: (لما روي «عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أنه كره أكل الصيد إذا غاب عن الرامي، وقال: "لعل هوام الأرض قتلته» ش: هذا الحديث روي مرسلا ومسندا، فالمسند رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" حدثنا ابن نمير ويحيى بن آدم عن سفيان عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن أبي رزين عن أبيه «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "في - الصيد يتوارى عن صاحبه -: قال: "لعل هوام الأرض قتلته".» وكذلك رواه الطبراني في "معجمه". ورواه ابن أبي شيبة أيضا حدثنا جرير بن عبد الحميد عن موسى بن أبي عائشة عن أبي رزين. فذكره، ورواه كذلك أبو داود في "مراسيله "، ومن جهة أبي داود ذكره عبد الحق في "أحكامه" وأعله بالإرسال. وروي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أيضا مسندا، أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن علي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن رجلا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بظبي قد اصطاده بالأمس، وهو ميت، فقال: يا رسول الله: عرفت فيه سهمي وقد رميته بالأمس، فقال: "لو أعلم أن سهمك قتله أكلته، ولكن لا أدري، وهوام الأرض كثيرة» ، وابن أبي المخارق واه. وأما المرسل فرواه أبو داود في "مراسيله" عن عطاء بن السائب عن الشعبي: «أن أعرابيا أهدى إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظبيا فقال: "من أين أصبت هذا؟ " فقال: رميته فطلبته فأعجزني حتى أدركني المساء، فرجعت فلما أصبحت اتبعت أثره فوجدته في غار، وهذا مشقصي فيه أعرفه، قال: بات عنك ليلة، فلا آمن أن تكون هامة أعانتك عليه لا حاجة لي فيه.» وروى عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا معمر عن عبد الكريم الجزري عن زياد بن أبي مريم قال: «أتى رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فقال يا رسول الله رميت صيدا فتغيب عني ليلة؟، فقال النبي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 443 ولأن احتمال الموت بسبب آخر قائم فما ينبغي أن يحل أكله؛ لأن الموهوم في هذا) كالمتحقق لما روينا، إلا أنا أسقطنا اعتباره ما دام في طلبه ضرورة أن لا يعري الاصطياد عنه. ولا ضرورة فيما إذا قعد عن طلبه لإمكان التحرز عن توار يكون بسبب عمله، والذي رويناه حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: إن ما توارى عنه إذا لم يبت يحل، فإذا بات ليلة لم يحل.   [البناية] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إن هوام الأرض كثيرة".» م: (ولأن احتمال الموت بسبب آخر قائم فما ينبغي أن يحل أكله؛ لأن الموهوم في هذا) ش: أي في باب الصيد م: (كالمتحقق) ش: في حق الحل والحرمة م: (لما روينا) ش: أشار به إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لعل هوام الأرض قتلته» . وقال الكاكي: في قوله "لأن الموهوم في هذا": جواب عن قول الشافعي: أن الموهوم لا يعارض المتحقق. قلت: لم يذكر المصنف خلاف الشافعي في الكتاب، وإنما ذكره الشراح فكيف يكون هذا جوابا عن قول من لم يذكره إلا أنا أسقطنا اعتباره، هذا جواب عما يقال: هذا الاحتمال باق إذا كان في طلبه أيضا؟. فأجاب بقوله: م: (إلا أنا أسقطنا اعتباره) ش: أي اعتبار الموهوم م: (ما دام في طلبه) ش: أي ما دام الصياد في طلب الصيد م: (ضرورة أن لا يعري الاصطياد عنه) ش: أي لأجل الضرورة، لأن الاصطياد لا يخلو عن التغيب عن بصره خصوصا في الغياض، والمستأجر والطير بعدما أصابه السهم يتحامل ويطير حتى يغيب عن بصره، فيسقط اعتباره ضرورة إذا كان في طلبه؛ لأن الطلب كالواحد. ولو اعتبرنا هذا لزم إفساد هذا الباب م: (ولا ضرورة فيما إذا قعد عن طلبه لإمكان التحرز عن توار) ش: أي تغيب واختفاء م: (يكون بسبب عمله) ش: أي بسبب عمل الصياد وإمكان التحرز هو أن يتبع أثره ولا يشتغل بعمل آخر. م: (والذي رويناه) ش: وهو «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كره أكل الصيد إذا غاب» م: (حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: إن ما توارى عنه إذا لم يبت يحل، فإذا بات ليلة لم يحل) ش: كونه حجة عليه، لأن فيه أنه كره أكل الصيد إذا غاب عن الرامي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 444 ولو وجد به جراحة سوى جراحة سهمه لا يحل؛ لأنه موهوم يمكن الاحتراز عنه فاعتبر محرما بخلاف وهم الهوام. والجواب في إرسال الكلب في هذا كالجواب في الرمي في جميع ما ذكرناه. قال: وإذا رمى صيدا فوقع في الماء أو وقع على سطح أو جبل ثم تردى منه إلى الأرض لم يؤكل؛ لأنه المتردية وهي حرام بالنص، ولأنه احتمل الموت بغير الرمي، إذ الماء مهلك وكذا السقوط من عال   [البناية] فإن قلت: إن كان هذا حجة عليه فقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لعل هوام الأرض قتلته» ، حجة له؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاله لمن حال بينه وبين الصيد ظلمة الليل. قلت: الأصل أن خصوص الطلب السبب غير معتبر، واحتمال قتل الهوام عند العتمة موجود فيكون حراما. م: (ولو وجد به جراحة سوى جراحة سهمه: لا يحل؛ لأنه موهوم) ش: فقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لعل هوام الأرض قتلته» حجة له م: (يمكن الاحتراز عنه) ش: إذ يتصور خلو الاصطياد عنه، فاجتمع فيه بوجوده موجب الحل وموجب الحرمة، فيغلب المحرم احتياطا، مع أن الموهوم كالمتحقق في هذا الباب م: (فاعتبر محرما) ش: أي فاعتبر الموهوم محرما للصيد كالمتحقق كما ذكرنا م: (بخلاف وهم الهوام) ش: لأن الاحتراز عنه غير ممكن؛ لأن الصيد لا بد أن يقع على الأرض والأرض لا تخلو عن الهوام، فسقط اعتبار هذا الوهم، فلا يجعل محرما إذا لم يغفل الطلب. م: (والجواب في إرسال الكلب في هذا كالجواب في الرمي في جميع ما ذكرناه) ش: يعني إذا أرسل الكلب والبازي المعلم على الصيد فجرحه فغاب ثم وجد ميتا فإن كان لم يقعد عن طلبه: حل إذا لم يكن به جراحة أخرى، فإن قعد عن طلبه أو كان به جراحة أخرى: لا يحل. [رمى صيدا فوقع في الماء أو وقع على سطح أو جبل ثم تردى منه إلى الأرض] م: (قال: وإذا رمى صيدا فوقع في الماء أو وقع على سطح أو جبل ثم تردى منه إلى الأرض لم يؤكل) ش: أي قال القدوري في "مختصره"؛ تردى أي تدحرج، وقيد بقوله: ثم تردى إلى الأرض؛ لأنه لو وقع على جبل أو السطح ابتداء واستقر عليه ولم يترد: يحل بلا خلاف، وهذا أيضا إذا تردى ولم يقع الجرح مهلكا في الحال، أما لو وقع الجرح مهلكا وبقي فيه من الحياة قدر ما في المذبوح ثم تردى: يحل أيضا كما يجيء م: (لأنه المتردية وهي حرام بالنص) ش: وهو قوله سبحانه وتعالى: {والْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ .... } [المائدة: 3] الآية (المائدة: الآية 4) . م: (ولأنه احتمل الموت بغير الرمي، إذ الماء مهلك) ش: لأنه اجتمع فيه سبب الحرمة والإباحة، فيغلب جانب الحرمة احتياطا م: (وكذا السقوط من عال) ش: أي وكذا لا يؤكل إذا سقط من مكان عال فيه ثمان لغات ذكرها الجوهري وغيره. يقال: أتيته من على الدار، ومن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 445 يؤيد ذلك قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لعدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «وإن وقعت رميتك في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري أن الماء قتله أو سهمك» . وإن وقع على الأرض ابتداء أكل؛ لأنه لا يمكن الاحتراز عنه. وفي اعتباره سد باب الاصطياد، بخلاف ما تقدم؛ لأنه يمكن التحرز عنه، فصار الأصل أن سبب الحرمة والحل إذا اجتمعا وأمكن التحرز عما هو سبب الحرمة ترجح جهة الحرمة احتياطا، وإن كان مما لا يمكن التحرز عنه جرى وجوده مجرى عدمه، لأن التكليف بحسب الوسع، فيما يمكن التحرز عنه إذا وقع على شجر أو حائط أو آجرة ثم وقع على الأرض أو رماه وهو على جبل   [البناية] علا، ومن عل، ومن عال، ومن متعال بضم الميم، ومن علو [ ... ] م: (يؤيد ذلك) ش: أي قولنا: لا يؤكل، يعني يريد الحرمة م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لعدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «وإن وقعت رميتك في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري أن الماء قتله أو سهمك» ش: الحديث أخرجه البخاري ومسلم عنه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: «إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله عليه، فإن وجدته قد قتل: فكل، إلا أن تجده قد وقع في الماء، فإنك لا تدري أن الماء قد قتله أو سهمك» : انتهى. والرَّمِيَّة بفتح الراء وكسر الميم وتشديد الياء آخر الحروف: ما ترميه من الحيوان ذكرا كان أو أنثى. م: (وإن وقع على الأرض ابتداء أكل) ش: يعني رمى صيدا على رأس الجبل، أو على شجر أو في الهواء فوقع على الأرض ومات: حل، وبه قال الشافعي وأحمد، وأبو ثور. وقال مالك: لا يحل إلا أن تكون الجراحة مهلكة، أو يموت قبل سقوطه لقوله سبحانه وتعالى: {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} [المائدة: 3] ، ولأنه اجتمع المحرم والمبيح فيغلب المحرم كما في غرقه بالماء. قلت: إنه صيد مات بالإصابة م: (لأنه لا يمكن الاحتراز عنه) ش: أي عن سقوطه ووقوعه على الأرض م: (وفي اعتباره سد باب الاصطياد، بخلاف ما تقدم) ش: وهو ما إذا وقع على جبل ونحوه ثم تردى إلى الأرض م: (لأنه يمكن التحرز عنه) ش: أي عن وقوعه على سطح أو جبل أو نحوهما م: (فصار الأصل) ش: في هذا الباب م: (أن سبب الحرمة والحل إذا اجتمعا وأمكن التحرز عما هو سبب الحرمة ترجح جهة الحرمة احتياطا، وإن كان ما لا يمكن التحرز عنه جرى وجوده) ش: أي وجود سبب الحرمة م: (مجرى عدمه؛ لأن التكليف بحسب الوسع) ش: والطاقة وتكليف ما لا يسعه لا يحسن من حكيم. م: (فيما يمكن التحرز عنه) ش: هذا فرع على الأصل المذكور، فلذلك ذكر بالفاء، أي فمن القبيل الذي يجتمع فيه سبب الحرمة والحل م: (إذا وقع) ش: أي الصيد م: (على شجر أو حائط أو آجرة) ش: منصوب على الأرض وهي الطوب المحروق بالنار م: (ثم وقع على الأرض) ش: أي ثم وقع في هذه المسائل المواضع على الأرض م: (أو رماه وهو على جبل) ش: أي إذا رمى الصيد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 446 فتردى من موضع إلى موضع حتى تردى إلى الأرض أو رماه فوقع على رمح منصوب أو على قصبة قائمة أو على حرف آجرة لاحتمال أن حد هذه الأشياء قتله، ومما لا يمكن الاحتراز عنه إذا وقع على الأرض كما ذكرناه أو على ما هو في معناه كجبل أو ظهر بيت أو لبنة موضوعة أو صخرة فاستقر عليها؛ لأن وقوعه عليه وعلى الأرض سواء، وذكر في " المنتقى ": لو وقع على صخرة فانشق بطنه لم يؤكل لاحتمال الموت بسبب آخر، وصححه الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وحمل مطلق المروي في الأصل على غير حالة الانشقاق، وحمله شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما أصابه حد الصخرة فانشق بطنه بذلك، وحمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - المروي في الأصل على أنه ما لم يصبه من الآجرة إلا ما يصيبه من الأرض لو وقع عليها وذلك عفو وهذا أصح   [البناية] والحال أنه على جبل م: (فتردى من موضع إلى موضع حتى تردى إلى الأرض أو رماه فوقع على رمح منصوب أو على قصبة قائمة أو على حرف آجرة) ش: ففي هذه الأشياء كلها لا يؤكل م: (لاحتمال أن حد هذه الأشياء قتله) ش: فهذا سبب الحرمة، ورميه سبب الإباحة فاجتمع السببان والتحرز ممكن، فيغلب سبب الحرمة على سبب الإباحة فحرم. م: (ومما لا يمكن الاحتراز عنه إذا وقع على الأرض كما ذكرناه) ش: أشار به إلى قوله: وإن وقع على الأرض ابتداء: أكل، لأنه لا يمكن الاحتراز عنه م: (أو على ما هو في معناه) ش: أي إن وقع على ما هو في معنى الأرض م: (كجبل أو ظهر بيت أو لبنة موضوعة أو صخرة فاستقر عليها؛ لأن وقوعه عليه وعلى الأرض سواء) ش: أي وقوع الصيد على أحد الأشياء المذكورة ووقوعه على الأرض سواء إذا استقر، وقيد به لأنه إذا لم يستقر، بل وقع من الجبل على الأرض ونحو ذلك، فإنه لا يحل كما مر. م: (وذكر في " المنتقى ") ش: أي ذكروا، وأراد بذلك الإشارة إلى وقوع الاختلاف بين رواية الأصل، وهي قوله: أي صخرة، فاستقر عليها وبين رواية " المنتقى " م: (ولو وقع على صخرة فانشق بطنه لم يؤكل لاحتمال الموت بسبب آخر) ش: وهذا يخالف ما في الأصل؛ لأنه في الأصل لم يفصل بين إن شقت بطنه أو لم تشق م: (وصححه الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي الحاكم ما ذكره في " المنتقى " لذلك م: (وحمل مطلق المروي في الأصل) ش: من قوله له: فاستقر عليها م: (على غير حالة الانشقاق، وحمله شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ما روي في " المنتقى " م: (على ما أصابه حد الصخرة فانشق بطنه بذلك، وحمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - المروي في الأصل على أنه لم يصبه من الآجرة إلى ما يصيبه من الأرض لو وقع عليها) ش: أي على ما يصيبه من الأرض م: (وذلك عفو) ش: كما إذا وقع على الأرض وانشق بطنه والمقصود في المسألة روايتان م: (وهذا أصح) ش: أي ما فعل شمس الأئمة أصح، لأن المذكور في " الأصل " مطلق، فيجري الجزء: 12 ¦ الصفحة: 447 وإن كان الطير مائيا فإن كانت الجراحة لا تنغمس في الماء أكل، وإن انغمست لا يؤكل، كما إذا وقع في الماء. قال: وما أصابه المعراض بعرضه لم يؤكل، وإن جرحه يؤكل   [البناية] على إطلاقه وحمله على غير حالة الانشقاق يخرج إلى الفرق بين الجبل والأرض في الانشقاق، فإنه لو انشق لوقوعه على الأرض أكل، وقد ذكر أنه في معناه. وقال الكرخي في "مختصره": لو وقع على حرف آجرة في الأرض، أو حرف حجر، ثم وقع على الأرض: لم يؤكل، لأنه قد شرك السقوط غيره. ولو كانت الآجرة مبطوحة على الأرض، واللبنة فوقع عليها ثم مات: أكل، وذلك لأن الآجرة المطبوخة كالأرض مرفوعة عليها كوقوعه على الأرض، ولو وقع على جبل فاستقر عليه: أكل، وذلك لأن استقراره على الجبل كاستقراره على الأرض. ولو سقط من الرمية في ماء فمات: لا يؤكل، ولا أعلم في هذا خلافا، لأنه قد يجوز أن يكون خنق بالماء. وقال بشر، وعلي بن الجعد، عن أبي يوسف: إذا رمى رجل صيدا وهو في السماء بنشابة، وسمى، فأصابه فوقع على الأرض فمات: أكل، وليس هذا بمترد، ولذلك لو كان على جدار أو حائط أو رأسه أو جبل فوقع منها على الأرض، ولكن المتردي الذي لا يؤكل أن يقع فوق الشيء من السماء أو من موضع فوقه ثم يقع من ذلك الموضع إلى موضع آخر، فهذا لا يؤكل، فهذا مترد - إلى هنا لفظ الكرخي. وقال القدوري: وهذا صحيح؛ لأن المتردي هو المتردد، ولكن لما اجتمع الحرفان قلبوا أحدهما كما في قولهم لمقفي البازي "وإنما هو بعصعص"، والمتردي وهو أن يقع على شيء ثم منه على شيء، قال القدوري: ذكر في " المنتقى " عن أبي يوسف قال: ولو رمى صيدا على قمة جبل وأثخنه حتى لا يتحرك ولم يستطع أن يأخذه فرماه فقتله ووقع: لم يأكله، وذلك لأنه خرج من حيز الامتناع بالرمي من الأول، فصار الرمي الثاني إلى غير ممتنع: فلا يؤكل. م: (وإن كان الطير مائيا فإن كانت الجراحة لا تنغمس في الماء أكل وإن انغمست) ش: في الماء م: (لا يؤكل) ش: يعني إذا رمى طيرا في الماء م: (كما إذا وقع في الماء) ش: وهو مجروح، فإن كانت الجراحة لم تنغمس في الماء يؤكل، وإن انغمست الجراحة في الماء لا يؤكل لاحتمال الموت بالماء، وبه قالت الثلاثة، وإن كانت الجراحة غير مهلكة: يحل عند الشافعي، ومالك - رحمهما الله -، كما إذا وقع من الماء، أي كما إذا وقع طير غير الماء في الماء: لا يحل لاحتمال الموت بسبب آخر. [رمي بالمعراض الصيد فأصيب] م: (قال: وما أصابه المعراض بعرضه لم يؤكل، وإن جرحه يؤكل) ش: أي قال القدوري، والمعراض سهم بلا ريش ولا نصل يمضي عرضا فيصيب بعرض السهم لا بحده. وفي " مجمل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 448 لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيه: «ما أصاب بحده فكل، وما أصاب بعرضه فلا تأكل» ، ولأنه لا بد من الجرح ليتحقق معنى الذكاة على ما قدمناه. قال: ولا يؤكل ما أصابته البندقة فمات بها لأنها تدق وتكسر ولا تجرح، فصار كالمعراض إذا لم يخزق   [البناية] اللغة ": المعراض سهم طويل له أربع قدد إذا رمى رمى به عرض م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيه: «ما أصاب بحده فكل، وما أصاب بعرضه فلا تأكل» ش: هذا الحديث رواه الجماعة في كتبهم «عن عدي بن حاتم، قال: قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إني أرسل الكلاب المعلمة فيمسك علي وأذكر اسم الله؟ قال: "إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك". قلت: وإن قتل؟، قال: "وإن قتل ما لم يشركه كلب ليس معه". قلت: فإذا رمي بالمعراض الصيد فأصيب؟، قال: "إن أصاب بحده فكل، وإن أصاب بعرض نصل فلا تأكل منه» " وقيد. م: (ولأنه لا بد من الجرح ليتحقق معنى الذكاة على ما قدمناه) ش: أشار به إلى ما ذكره في الفصل الأول، ولا بد من الجرح لتحقق معنى الذكاة في ظاهر الرواية؛ لأنه إذا لم يجرح يتمزق بإصابة عرض المعراض، ويكون ذلك رماه وكسر إلا جراحا وبضعا وذكاة الاضطرار هي الجرح أو البضع. م: (قال: ولا يؤكل ما أصابته البندقة فمات بها) ش: أي قال القدوري، والبندقة بضم الباء الموحدة وسكون النون طينة مدورة يرمى بها، ويقال لها: الجلامق م: (لأنها تدق وتكسر ولا تجرح، فصار كالمعراض إذا لم يخزق) ش: بالخاء والزاي المعجمتين، يقال: خزق المعراض إذا نفذ، وبالراء المهملة تصحيف. وفي " المبسوط ": بالزاي يستعمل في الحيوان، وبالراء المهملة في الثوب، والأصل فيه ما روي «عن عدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيد المعراض، فقال: "ما خزق بالزاي: فكل، وما قتل بعرضه: فلا نهر" وفيه: "لا يؤكل» متفق عليه، وهو قول أكثر أهل العلم. وقال الأوزاعي وأهل الشام: يباح ما قتله بعرضه وحده. وقال ابن عمر: كلاهما موقوذة، وبه قال الحسن، ولا خلاف في سائر آلات الجراحة أنها إن قتلته بعرضها ولم تجرح: لا تحل، وإن جرحت تحل ولأنها إذا لم تجرح فإنها تقتل بثقله فأشبه ما أصاب بعرض المعراض. وقال الحاكم الشهيد في " مختصر الكافي ": ولا يحل صيد البندقة والحجر والمعراض والعصي، وما أشبه ذلك، وإن جرح لأنه لا يخزق إلا أن يكون شيء من ذلك قد حددوه وطوله كالسهم، انتهى. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 449 وكذلك إن رماه بحجر، وكذلك إن جرحه، قالوا: تأويله إذا كان ثقيلا وبه حدة، لاحتمال أنه قتله بثقله، وإن كان الحجر خفيفا وبه حدة يحل لتعيين الموت بالجرح، ولو كان الحجر خفيفا وجعله طويلا كالسهم وبه حدة، فإنه يحل لأنه يقتله بجرحه، ولو رماه بمروة حديدة ولم تبضع بضعا لا يحل؛ لأنه   [البناية] وذكر فخر الإسلام في " شرح الزيادات ": في باب الصيد: ويحل أكله إذا رمى فأصاب غيره؛ لأن الحجر والبندقة إذا جرح: حل، وكذا المعراض. م: (وكذلك إن رماه بحجر، وكذلك إن جرحه) ش: أي إن جرحه الحجر، وهذا من مسائل الأصل، ذكره تفريعا، لأن الحجر يمزق ولا يقطع إذا لم يكن له حد فيكون كالمعراض إذا أصاب بعرضه. م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (تأويله) ش: أي تأويل ما ذكره محمد في الأصل م: (إذا كان ثقيلا وبه حدة، لاحتمال أنه قتله بثقله) ش: أي الحجر لا يحل له م: (وإن كان الحجر خفيفا وبه حدة يحل لتعيين الموت بالجرح، ولو كان الحجر خفيفا وجعله طويلا كالسهم وبه حدة، فإنه يحل؛ لأنه يقتله بجرحه) ش: وفي " الأصل ": وإن مات بالجرح فإن كان الجرح مدميا: فإنه يحل بلا خلاف، وإن جرح ولم يدم اختلف المشايخ فيه. قال بعضهم: لا يحل لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أنهر الدم وأفرى الأوداج» فكل شرط الإنهار وهذا ضعيف عندي؛ لأنه كما شرط الإنهار شرط فري الأوداج، وفي ذكاة الاضطرار: لم يشترط فري الأوداج فكذلك لا يشترط الإنهار. قال بعضهم: يحل إذا كانت الجراحة صغيرة يشترط الإدماء، وإن كانت كبيرة: تحل بلا إدماء لأنها إذا كانت صغيرة فعدم خروج الدم يدل على ضيق المنفذ لا على عدم الدم في الحيوان، وخروج الدم عند وجود الدم شرط للإباحة. وإن كانت كبيرة لا يكون عدم الخروج لضيق المنفذ بل لعدم الدم فيه أصلا كما إذا كان علقه ورق العناب فاحتبس دمه، وخروج الدم حال عدم فيه فليس بشرط للإباحة. م: (ولو رماه بمروة حديدة) ش: أي ولو رمى الصيد بمروة وهو حجر رقيق أبيض كالسكين يذبح به م: (ولم تبضع بضعا) ش: أي ولم يقطع قطعا من البضع وهو القطع م: (لا يحل؛ لأنه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 450 قتله دقا، وكذا إذا رماه بها فأبان رأسه أو قطع أوداجه؛ لأن العروق تنقطع بثقل الحجر كما تنقطع بالقطع فوقع الشك، أو لعله مات قبل قطع الأوداج، ولو رماه بعصا أو بعود حتى قتله لا يحل؛ لأنه يقتله ثقلا لا جرحا اللهم إلا إذا كان له حدة يبضع بضعا، فحينئذ لا بأس به؛ لأنه بمنزلة السيف والرمح. والأصل في هذه المسائل: أن الموت إذا كان مضافا إلى الجرح بيقين كان الصيد حلالا، وإذا كان مضافا إلى الثقل بيقين كان حراما، وإن وقع الشك ولا يدري مات بالجرح أو بالثقل كان حراما احتياطا، وإن رماه بسيف أو بسكين فأصابه بحده فجرحه حل، وإن أصابه بقفا السكين أو بمقبض السيف لا يحل؛ لأنه قتله دقا، والحديد وغيره فيه سواء.   [البناية] قتله دقا) ش: فصار كالوقيذ، م: (وكذا إذا رماه بها) ش: أي وكذا لا يحل إذا رمى الصيد بمروة م: (فأبان رأسه أو قطع أوداجه؛ لأن العروق تنقطع بثقل الحجر كما تنقطع بالقطع فوقع الشك، أو لعله مات قبل قطع الأوداج) ش: وقد مر أن جانب الحرمة يغلب على جانب الإباحة عند الشك احتياطا. م: (ولو رماه بعصا) ش: أي ولو رمى صيدا بعصا م: أو بعود) ش: وهو غصن شجرة م: (حتى قتله: لا يحل؛ لأنه يقتله ثقلا لا جرحا) ش: والجرح شرط م: (اللهم) ش: أصله: يا الله، فلما حذف حرف النداء عوض عنه الميم، ولهذا لا يقال: يا اللهم، حتى لا يجتمع العوض والمعوض عنه، واستعماله في الكلام على ثلاثة أنحاء: الأول: إذا كان [ .... ..... ] . والثالث: أنه يؤتى به قبل المستثنى إذا كان المستثنى عزيزا نادرا استظهارا لمشيئة الله سبحانه وتعالى. م: (إلا إذا كان له حدة يبضع بضعا) ش: أي يقطع قطعا م: (فحينئذ لا بأس به؛ لأنه بمنزلة السيف والرمح) ش: لأنه لا يكون بالجرح مباحا م: (والأصل في هذه المسائل: أن الموت إذا كان مضافا إلى الجرح بيقين كان الصيد حلالا، وإذا كان مضافا إلى الثقل بيقين كان حراما، وإن وقع الشك ولا يدري مات بالجرح أو بالثقل: كان حراما احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط، وهذا كله واضح. م: (وإن رماه بسيف أو بسكين فأصابه بحده فجرحه: حل) ش: لوجود القتل بحدة الآلة ووجود الجرح م: (وإن أصابه بقفا السكين أو بمقبض السيف) ش: أو بالحديد ونحو ذلك إن كان جرحه ومات بسبب الجرح، فإن كان الجرح مدميا أي بفتح الميم وسكون القاف وكسر الباء الموحدة حيث يقبض عليه بجميع الكف م: (لا يحل؛ لأنه قتله دقا) ش: لا جرحا م: (والحديد وغيره فيه سواء) ش: أي في القتل بالثقل، حتى لو ضربه بقطعة حديد فقطعه بثقلها: لا يحل، وفي " الشامل ": أخذ عودا وحدده إن أصاب بحده: يحل، وإلا فلا، فعلم أن العبرة للحد. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 451 ولو رماه فجرحه ومات بالجرح إن كان الجرح مدميا يحل بالاتفاق، وإن لم يكن مدميا فكذلك عند بعض المتأخرين، سواء كانت الجراحة صغيرة أو كبيرة؛ لأن الدم قد يحتبس بضيق المنفذ أو غلظ الدم، وعند بعضهم: يشترط الإدماء لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما أنهر الدم وأفرى الأوداج فكل» شرط الإنهار، وعند بعضهم: إن كانت كبيرة حل بدون الإدماء، وإن كانت صغيرة لا بد من الإدماء. ولو ذبح شاة ولم يسل منه الدم، قيل: لا تحل، وقيل: تحل، ووجه القولين دخل فيما ذكرناه. وإذا أصاب السهم ظلف الصيد أو قرنه فإن أدماه حل وإلا فلا   [البناية] [رمى الصيد بقفاء السكين أو بمقبض السيف أو بالحديد] م: (ولو رماه فجرحه ومات بالجرح) ش: أي ولو رمى الصيد بقفاء السكين أو بمقبض السيف أو بالحديد ونحو ذلك إن كان جرحه ومات بسبب الجرح م: (إن كان الجرح مدميا: يحل بالاتفاق، وإن لم يكن مدميا فكذلك) ش: يحل م: (عند بعض المتأخرين سواء كانت الجراحة صغيرة أو كبيرة؛ لأن الدم قد يحتبس بضيق المنفذ أو غلظ الدم، وعند بعضهم: يشترط الإدماء لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما أنهر الدم وأفرى الأوداج فكل» ش: قد مر الكلام في هذا الحديث مستوفى في الذبائح، قوله: أنهر من الإنهار، وهو الإسالة، وأفرى بالفاء، أي قطع، والأوداج جمع ودج، والمراد به الودجين، والمروي بطريق التغليب م: (شرط الإنهار) ش: أي شرط - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنهار الدم، وهو إسالته، فما لم يسل لم يحل م: (وعند بعضهم إن كانت) ش: أي الجراحة م: (كبيرة حل بدون الإدماء) ش: لأنها إن كانت صغيرة فعدم الجرح لضيق المنفذ لا لعدم الدم. بخلاف ما إذا كانت كبيرة، وهذا ظاهر. م: (وإن كانت صغيرة لا بد من الإدماء، ولو ذبح شاة ولم يسل منه الدم قيل: لا تحل) ش: وهو قول أبي القاسم الصفار م: (وقيل: تحل) ش: وهو قول أبي بكر الإسكاف م: (ووجه القولين دخل فيما ذكرناه) ش: أراد بالقولين: قول أبي القاسم الصفار وقول أبي بكر الإسكاف، وأراد بقوله " فيما ذكرناه" الإنهار والاحتياط، فإن الصفار يشترط الإنهار، لأن الذكاة لا تحل بدون نزول الدم النجس، وأبو بكر الإسكاف لا يشترط لوجود فعل الذكاة وهو قطع الأوداج، وقد يمتنع خروج الدم بمحابس حبسه، كما إذا أكل ورق العناب. وفي " الذخيرة ": ذبح شاة فتحركت وخرج منها دم مسفوح: حلت لوجود علامة الحياة فيها، فإن خرج دم مسفوح ولم يتحرك، أو تحركت ولم يخرج منها دم فكذلك، لأن علامة الحياة أحد الأمرين، وهذا إذا لم يعلم لحياتها وقت الذبح، أما إذا علم حلت، وإن لم يتحرك ولم يخرج منها الدم أصلا. م: (وإذا أصاب السهم ظلف الصيد أو قرنه فإن أدماه: حل وإلا فلا) ش: يعني وإن لم يدمه: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 452 وهذا يؤيد بعض ما ذكرناه. قال: وإذا رمى صيدا فقطع عضوا منه أكل الصيد لما بيناه، ولا يؤكل العضو. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أكلا إن مات الصيد منه؛ لأنه مبان بذكاة الاضطرار، فيحل المبان والمبان منه كما إذا أبين الرأس بذكاة الاختيار، بخلاف ما إذا لم يمت؛ لأنه ما أبين بالذكاة. ولنا: قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما أبين من الحي فهو ميت»   [البناية] لم تحل م: (وهذا يؤيد بعض ما ذكرناه) ش: أي هذا الذي ذكرناه يؤيد قول أبي القاسم الصفار، فإنه يشترط سيلان الدم للحل. م: (قال: وإذا رمى صيدا فقطع عضوا منه أكل الصيد) ش: أي قال القدوري، لوجود الجرح وهو المبيح في ذكاة الاضطرار م: (لما بيناه) ش: أي لما بيناه أن الجرح مع الرمي مبيح وقد وجد م: (ولا يؤكل العضو) ش: المبان عندنا إذا كان الصيد يمكنه أن يعيش بعد الإبانة، وإن كان لا يعيش يؤكل المبان والمبان منه، وبه قال مالك وأحمد في رواية. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أكلا إن مات الصيد) ش: أي أكل المبان م: (منه) ش: أي مالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فمات الصيد من القطع، وبه قال أحمد في روايته، وابن أبي ليلى م: (لأنه مبان بذكاة الاضطرار، فيحل المبان والمبان منه كما إذا أبين الرأس بذكاة الاختيار، بخلاف ما إذا لم يمت) ش: يعني من القطع م: (لأنه ما أبين بالذكاة) ش: ومما أبين من الحي لا سبب الذكاة لإجماعنا فهو حرام، فصار يعتبر قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أبين من الحي فهو ميت» ، أي ما أبين منه لا سبب الذكاة أن المبان بسبب الذكاة يحل. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما أبين من الحي فهو ميت» ش: هذا الحديث أخرجه جماعة من الصحابة: منهم: أبو واقد الليثي أخرج حديثه أبو داود والترمذي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي واقد الليثي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة» ، ولفظ الترمذي أتم، قال: «قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة وهم يجبون أسنمة الإبل ويقطعون أليات الغنم، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة» وقال: حديث حسن غريب، لا نعرفه، إلا من حديث زيد بن أسلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 453 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ورواه أحمد وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه والدارمي وأبو يعلى الموصلي في "مسانيدهم "، والطبراني في "معجمه"، والدارقطني في "سننه - في آخر الضحايا"، والحاكم في " المستدرك - في الذبائح" وقال: حديث حسن صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه، وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، قال ابن معين: ضعيف، وقال أبو حاتم: لا يحتج به. ومنهم: عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه ابن ماجه في "سننه" حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب عن معن بن عيسى به، وكذلك رواه الدارقطني في "سننه" والحاكم في "مستدركه" وسكت عنه. وقال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا من هذا الوجه. قلت: رواه الطبراني في "معجمه الأوسط" حدثنا محمود بن علي المروزي حدثنا يحيى بن المغيرة حدثنا ابن نافع عن عاصم بن عمر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرفوعا نحوه. ومنهم: أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الحاكم في " المستدرك " عن سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن قطع أليات الغنم وجب أسنمة الإبل، فقال: "ما قطع من حي فهو ميت» . وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. أخرجه أيضا عن المسور بن الصلت عن زيد بن أسلم به، وسكت عنه، وبهذا الإسناد رواه البزار في "مسنده" وقال: هكذا رواه المسور بن الصلت مسندا وخالفه سليمان بن بلال فأرسله عن عطاء بن يسار عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لم يذكر أبا سعيد، ولم نعلم أحدا قال فيه "عن أبي سعيد "، إلا المسور بن الصلت، وليس بالحافظ، انتهى. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 454 ذكر الحي مطلقا فينصرف إلى الحي حقيقة وحكما. والعضو المبان بهذه الصفة؛ لأن المبان منه حي حقيقة لقيام الحياة فيه، وكذا حكما؛ لأنه تتوهم سلامته بعد هذه الجراحة، ولهذا اعتبره الشرع حيا حتى لو وقع في الماء وفيه حياة بهذه الصفة يحرم. وقوله: أبين بالذكاة. قلنا: حال وقوعه لم تقع ذكاة لبقاء الروح في الباقي   [البناية] وفيه نظر من وجهين: أحدهما: أن سليمان بن بلال أسنده عن أبي سعيد كما تقدم عند الحاكم ولم أجده مرسلا إلا في " مصنف عبد الرزاق " أخرجه في "كتاب الحج" حدثنا معمر عن زيد بن أسلم قال: كان أهل الجاهلية يقطعون أليات الغنم وأسنمة الإبل .... ، فذكره. الثاني: قوله: لا نعلم أحدا قال فيه عن أبي سعيد إلا المسور، وقد تابع المسور عليه سليمان بن بلال كما تقدم، وتابعه أيضا خارجة بن مصعب كما أخرجه الحافظ أبو نعيم في " الحلية " في ترجمة يوسف بن أسباط عن خارجة بن مصعب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كل شيء قطع من الحي فهو ميت» . وقال: تفرد به خارجة فيما أعلم. ورواه كذلك ابن عدي في " الكامل "، وضعف خارجة عن البخاري والنسائي وأحمد، وابن معين ومشاه، فقال: يكتب حديثه فإنه يغلط ولا يعتمد. ومنهم: تميم الداري أخرج حديثه الطبراني في "معجمه " عن سفيان عن أبي بكر الهذلي عن شهر بن حوشب «عن تميم الداري قال: يا رسول الله: إن أناسا يجبون أليات الغنم وهي أحياء، قال: "ما أخذ من البهيمة وهي حية فهو ميتة» . ورواه ابن عدي في " الكامل "، وابن الهذلي اسمه: سلمى بن عبد الله، ولم يضعفه عن أحد. م: (ذكر الحي مطلقا فينصرف إلى الحي حقيقة وحكما) ش: هذا بيان وجه الاستدلال وهو أنه ذكر الحي مطلقا، والمطلق ينصرف إلى الكامل، والكامل هو الحي حقيقة وهو أن تكون الحياة فيه قائمة وحكما، وهو أن يتوهم سلامته إذا أصابته آفة. م: (والعضو المبان بهذه الصفة) ش: يعني أبين حق الحي حقيقة وحكما م: (لأن المبان منه حي حقيقة لقيام الحياة فيه، وكذا حكما لأنه تتوهم سلامته بعد هذه الجراحة، ولهذا) ش: ولكونه حيا حكما م: (اعتبره الشرع حيا حتى لو وقع في الماء وفيه حياة بهذه الصفة يحرم) ش: لجواز موته أن يكون سبب وقوعه في الماء م: (وقوله أبين بالذكاة) ش: أي قول الشافعي في تعليله أبين بالذكاة حيث قال لأنه مبان بذكاة الاضطرار ذكر هذا المجيب عنه بقوله م: (قلنا: حال وقوعه لم تقع ذكاة) ش: تقريره سلمنا أن ما أبين بالذكاة يؤكل، ولكن لا ذكاة هاهنا، لأن هذا الفعل وهو إبانة العضو حال وقوعه لم يقع ذكاة م: (لبقاء الروح في الباقي) ش: على وجه يمكن الحياة بعده إذ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 455 وعند زواله لا تظهر في المبان لعدم الحياة فيه ولا تبعية لزوالها بالانفصال، فصار هذا الحرف هو الأصل أن المبان من الحي حقيقة وحكما لا يحل، والمبان من الحي صورة لا حكما يحل، وذلك بأن يبقى في المبان منه حياة بقدر ما يكون في المذبوح فإنه حياة صورة لا حكما، ولهذا لو وقع في الماء وبه هذا القدر من الحياة، أو تردى من جبل أو سطح لا يحرم فتخرج عليه المسائل فنقول: إذا قطع يدا أو رجلا أو فخذا أو ثلثه مما يلي القوائم أو أقل من نصف الرأس يحرم المبان ويحل المبان منه؛ لأنه يتوهم بقاء الحياة في الباقي. ولو قده بنصفين أو قطعه أثلاثا والأكثر مما يلي العجز، أو قطع نصف رأسه أو أكثر منه   [البناية] الفرض ذلك بجرح يعتبر ذكاة إذا كان فيه، ولهذا لو وجده وفيه من الحياة فوق ما في المذبوح لا بد من ذبحه. م: (وعند زواله) ش: أي زوال الروح م: (لا تظهر في المبان لعدم الحياة فيه) ش: أي في المبان منه م: (ولا تبعية لزوالها بالانفصال) ش: هذا جواب عما يقال: ليكن إذكاة للمبان بتبعيته الأكثر إذا مات من ذلك القطع، وتقريره: أن يقال: ولا تبعية يعني الأقل يتبع الأكثر إذا لم يفصل عنه، وهاهنا قد انفصل فزالت التبعية، وقال الكاكي: هذا جواب عن قول الشافعي، وما ذكره أوجه. م: (فصار هذا الحرف) ش: أي النكتة م: (هو الأصل) ش: هاهنا م: (لأن المبان من الحي حقيقة وحكما: لا يحل، والمبان من الحي صورة لا حكما: يحل) ش: أي من حيث الصورة وهي قيام الحياة فيه لا من حيث الحكم، وهو أن لا يتوهم سلامته بعد القطع، ثم أشار إلى بيان ذلك بقوله م: (وذلك بأن يبقى في المبان منه حياة بقدر ما يكون في المذبوح فإنه حياة صورة لا حكما) ش: أما صورة: فلقيام الحياة فيه، وأما أنه لا حكما: فلأنه لم يتوهم سلامته بعد هذا القطع فحينئذ يحل المبان والمبان منه جميعا. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل الحياة فيه صورة لا حكما م: (لو وقع في الماء، وبه هذا القدر من الحياة) ش: أي والحال أن به حياة قدر ما يكون في المذبوح م: (أو تردى من جبل أو سطح لا يحرم) ش: في هذه الحالة لأن الشرط في الحرمة وجود الحيلة حقيقة أو حكما ولم يوجد هاهنا إلا حقيقة فقط م: (فتخرج عليه المسائل) ش: أي على الأصل المذكور م: (فنقول: إذا قطع يدا أو رجلا أو فخذا أو ثلثه مما يلي القوائم أو أقل من نصف الرأس يحرم المبان ويحل المبان منه؛ لأنه يتوهم بقاء الحياة في الباقي) ش: بعد هذا القطع ولا سيما في قطع اليد أو الرجل، فإنه ربما لا يموت ويصح منه. م: (ولو قده بنصفين) ش: أي ولو شق الصيد نصفين م: (أو قطعه أثلاثا والأكثر مما يلي العجز) ش: أي والحال أن أكثر الصيد مما يلي مؤخرا م: (أو قطع نصف رأسه أو أكثر منه) ش: أي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 456 يحل المبان والمبان منه، لأن المبان منه حي صورة لا حكما. إذ لا يتوهم بقاء الحياة بعد هذا الجرح، والحديث وإن تناول السمك وما أبين منه فهو ميت إلا أن ميتته حلال بالحديث الذي رويناه. ولو ضرب عنق شاة فأبان رأسها يحل لقطع الأوداج، ويكره هذا الصنيع لإبلاغه النخاع، وإن ضربه من قبل القفا إن مات قبل قطع الأوداج لا يحل، وإن لم يمت حتى قطع الأوداج حل. ولو ضرب صيدا فقطع يدا أو رجلا ولم يبنه، إن كان يتوهم الالتئام والاندمال. فإذا مات حل أكله؛ لأنه بمنزلة سائر أجزائه، وإن كان لا يتوهم بأن بقي متعلقا بجلده حل ما سواه لوجود الإبانة معنى   [البناية] من الرأس م: (يحل المبان والمبان منه؛ لأن المبان منه حي صورة لا حكما، إذ لا يتوهم بقاء الحياة بعد هذا الجرح) ش: لأن من المحال أن يعيش بعد شقه قطعتين أو قطعه أثلاثا والأكثر مما يلي المؤخر، وقيد به لأنه إذا قطعه أثلاثا والأكثر مما يلي الرأس يتوهم فيه الحياة. م: (والحديث وإن تناول السمك وما أبين منه فهو ميت إلا أن ميتته حلال بالحديث الذي رويناه) ش: أراد أن الحديث وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أبين من الحي فهو ميت» يتناول بعمومه السمك أيضا إذا قطع منه عضوا أو هو ميتة، ولكن ميتة السمك حلال بالحديث الذي ذكره في كتاب الذبائح وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أحلت لنا ميتتان ودمان أما الميتتان السمك والجراد» . م: (ولو ضرب عنق شاة) ش: بسيف ونحوه وسمى م: (فأبان رأسها) ش: أي أفصلها من جسدها م: (يحل لقطع الأوداج، ويكره هذا الصنيع لإبلاغه النخاع) ش: لما روي: «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن ينخع الشاة إذا ذبحت» ، وقد مر الكلام فيه مستوفى في كتاب الذبائح. م: (وإن ضربه من قبل القفا إن مات قبل قطع الأوداج لا يحل) ش: لأن الذكاة إنما تحصل إذا قطع الأوداج وهي حية، وقطع الأوداج حصلت وهي ميتة، م: (وإن لم يمت حتى قطع الأوداج حل) ش: لوجود الذكاة الشرعية. م: (ولو ضرب صيدا فقطع يدا أو رجلا ولم يبنه) ش: أي لم يفصل منه م: (إن كان يتوهم الالتئام) ش: أي الانضمام م: (والاندمال) ش: من اندمل على الجرح م: (فإذا مات حل أكله) ش: أي مقطوع اليد أو الرجل م: (لأنه بمنزلة سائر أجزائه) ش: لأنه لم يوجد الإبانة لا حقيقة ولا اعتبارا فتحل كما تحل سائر الأجزاء. م: (وإن كان لا يتوهم) ش: الالتئام والاندمال م: (بأن بقي متعلقا بجلده: حل ما سواه) ش: أي ما سوى المبان م: (لوجود الإبانة معنى) ش: حيث لا يمكن انضمامه والاندمال وإن لم يوجده الجزء: 12 ¦ الصفحة: 457 والعبرة للمعاني، قال: ولا يؤكل صيد المجوسي والمرتد والوثني؛ لأنهم ليسوا من أهل الذكاة على ما بيناه في الذبائح ولا بد منها في إباحة الصيد بخلاف النصراني واليهودي؛ لأنهما من أهل الذكاة اختيارا فكذا اضطرارا. ، قال: ومن رمى صيدا فأصابه ولم يثخنه ولم يخرجه عن حيز الامتناع، فرماه آخر فقتله فهو للثاني ويؤكل؛ لأنه هو الآخذ، وقد قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الصيد لمن أخذه» . وإن كان الأول أثخنه فرماه الثاني   [البناية] من حيث الصورة م: (والعبرة للمعاني) . [صيد المجوسي والمرتد والوثني] م: (قال: ولا يؤكل صيد المجوسي والمرتد والوثني) ش: قال القدوري ولم يقطع لفظه، قال في بعض النسخ: وفي بعض النسخ: والمحرم م: (لأنهم ليسوا من أهل الذكاة على ما بيناه في الذبائح ولا بد منها) ش: أي من أهلية الذكاة م: (في إباحة الصيد) ش: لأن الجرح في الصيد بمنزلة الذكاة م: (بخلاف النصراني واليهودي؛ لأنهما من أهل الذكاة اختيارا فكذا اضطرارا) ش: أي لأن النصراني واليهودي من أهل الذكاة في حالة الاختيار حتى يجوز أكل ذبيحته، فكذا في حالة الاضطرار. [رمى صيدا فأصابه ولم يثخنه فرماه آخر فقتله] م: (قال: ومن رمى صيدا فأصابه ولم يثخنه) ش: أي قال القدوري، أثخن الصيد إذا ضعفه وأخرجه من حيز الامتناع م: (ولم يخرجه عن حيز الامتناع) ش: هذا تفسير لقوله ولم يثخنه م: (فرماه آخر فقتله فهو للثاني) ش: أي الصيد الثاني لأنه صاده م: (ويؤكل لأنه هو الآخذ) ش: الذكاة؛ لأن الثاني قتله قبل أن يخرج الصيد عن حيز الامتناع بإصابة الأول. م: (وقد قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الصيد لمن أخذه» ش: هذا غريب لم أجده في كتب الحديث، وإنما ذكر أبو عبد الله محمد بن حمدون في كتاب " التذكرة " فقال: قال إسحاق الموصلي: كنت يوما عند الرشيد أغنيه، وهو يشرب فدخل الفضل بن الربيع فقال له: ما وراءك؟ قال: خرج إلي ثلاث جوار: إحداهن مكية، والأخرى مدنية، والثالثة عراقية، فقبضت المدنية على آلتي، فلما انعظ قبضت المكية عليه، فقالت المدنية: ما هذا التعدي؟ ألم تعلمي أن مالكا حدثنا عن الزهري عن عبد الله بن ظالم عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أحيا أرضا ميتة فهي له» فقالت المكية: ألم تعلمي أنت أن سفيان حدثنا عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «الصيد لمن أخذه لا لمن أثاره» ، فدفعتهما الثالثة عنه ثم أخذته وقالت: هذا لي وفي يدي حتى تصطلحا. م: (وإن كان الأول قد أثخنه) ش: أي أضعفه وأخرجه عن حيز الامتناع م: (فرماه الثاني الجزء: 12 ¦ الصفحة: 458 فقتله فهو للأول ولم يؤكل لاحتمال الموت بالثاني، وهو ليس بذكاة للقدرة على ذكاة الاختيار بخلاف الوجه الأول، وهذا إذا كان الرمي الأول بحال ينجو منه الصيد؛ لأنه حينئذ يكون الموت مضافا إلى الرمي الثاني. وأما إذا كان الأول بحال لا يسلم منه الصيد بأن لا يبقى فيه من الحياة إلا بقدر ما يبقى في المذبوح، كما إذا أبان رأسه يحل؛ لأن الموت لا يضاف إلى الرمي الثاني؛ لأن وجوده وعدمه بمنزلة، وإن كان الرمي الأول بحال لا يعيش منه الصيد إلا أنه يبقى فيه من الحياة أكثر مما يكون بعد الذبح، بأن كان يعيش يوما أو دونه، فعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحرم بالرمي الثاني؛ لأن هذا القدر من الحياة لا عبرة بها عنده. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحرم؛ لأن هذا القدر من الحياة معتبر عنده على ما عرف من مذهبه، فصار الجواب فيه والجواب فيما إذا كان الأول بحال لا يسلم منه الصيد سواء فلا يحل.   [البناية] فقتله فهو للأول ولم يؤكل لاحتمال الموت بالثاني) ش: لأن الأول لما أثخنه قد صار أهليا فذكاته بالذبح لا بالرمي، بل الرمي في مثله يوجب الحرمة، أشار إلى هذا بقوله م: (وهو ليس بذكاة) ش: قتل الثاني ليس بذكاة م: (للقدرة على ذكاة الاختيار بخلاف الوجه الأول) ش: حيث كان قتل الثاني فيه ذكاة، لأن رمي الأول لم يخرج عن حكم الصيدية. م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرنا من أنه لا يؤكل م: (إذا كان الرمي الأول بحال ينجو منه الصيد؛ لأنه حينئذ يكون الموت مضافا إلى الرمي الثاني، وأما إذا كان الأول بحال لا يسلم منه الصيد بأن لا يبقى فيه من الحياة إلا بقدر ما يبقى في المذبوح كما إذا أبان رأسه يحل؛ لأن الموت لا يضاف إلى الرمي الثاني؛ لأن وجوده وعدمه بمنزلة) ش: أراد أن وجوده وعدمه سواء. م: (وإن كان الرمي الأول بحال لا يعيش منه الصيد إلا أنه يبقى فيه من الحياة أكثر مما يكون بعد الذبح، بأن كان يعيش يوما أو دونه، فعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحرم بالرمي الثاني؛ لأن هذا القدر من الحياة لا عبرة بها عنده) ش: أي عند أبي يوسف. وفي بعض النسخ: لا معتبر بها كما لا عبرة فيه من الحياة ما بقي في المذبوح بعد الذبح. م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحرم؛ لأن هذا القدر من الحياة معتبر عنده على ما عرف من مذهبه) ش: فإذا كان معتبرا على مذهبه. م: (فصار الجواب منه) ش: أي في الفصل الثاني م: (والجواب فيما إذا كان الأول بحال لا يسلم منه الصيد سواء) ش: أي فيما إذا كان الرمي الأولى أثخنه، وكان بحال يتوهم أن يسلم الصيد منها، فمتى رماه الثاني لا يحل، فكذا وهو معنى قوله: م: (فلا يحل) ش: أي أكل الصيد المذكور. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 459 قال: والثاني ضامن لقيمته للأول لقيمته للأول غير ما نقصته جراحته؛ لأنه بالرمي أتلف صيدا مملوكا له؛ لأنه ملكه بالرمي المثخن وهو منقوص بجراحته الأول وقيمة المتلف تعتبر يوم الإتلاف. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تأويله إذا علم أن القتل حصل بالثاني بأن كان الأول بحال يجوز أن يسلم الصيد منه، والثاني بحال لا يسلم الصيد منه ليكون القتل كله مضافا إلى الثاني، وقد قتل حيوانا مملوكا للأول منقوصا بالجراحة، فلا يضمنه كاملا، كما إذا قتل عبدا مريضا، وإن علم أن الموت يحصل من الجراحتين أو لا يدري، قال في الزيادات: يضمن الثاني ما نقصته جراحته، ثم يضمنه نصف قيمته مجروحا بجراحتين، ثم يضمن نصف قيمة لحمه.   [البناية] م: (قال: والثاني ضامن لقيمته للأول غير ما نقصته جراحته) ش: أي قال القدوري، أي جراحة الأول م: (لأنه) ش: أي لأن الثاني م: (بالرمي أتلف صيدا مملوكا له) . م: (لأنه ملكه بالرمي المثخن وهو) ش: الذي أخرجه عن حيز الامتناع م: (منقوص بجراحته الأول) ش: فلم يزل الثاني في نقصانها م: (وقيمة المتلف تعتبر يوم الإتلاف) ش: لأن ضمان الإتلاف يعتبر فيه القيمة يوم الإتلاف، وكان في ذلك الوقت منقوصا بجراحة الأول فيلزم الثاني قيمته غير ما جرحته الرمية الأولى، توضيح ذلك: أن الرامي الأول إذا رمى صيدا يساوي عشرة فنقصه درهمين ثم مات: يضمن بالثاني ثمانية ويسقط عنه من قيمته درهمان، لأن ذلك تلف بالجرح الأول. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (تأويله) ش: أي تأويل قول القدوري م: (إذا علم أن القتل حصل بالثاني بأن كان الأول بحال يجوز أن يسلم الصيد منه، والثاني بحال لا يسلم الصيد منه ليكون كله مضافا إلى الثاني، وقد قتل حيوانا مملوكا للأول منقوصا بالجراحة، فلا يضمنه كاملا، كما إذا قتل عبدا مريضا) ش: فإنه لا يضمن قيمته صحيحا. م: (وإن علم أن الموت حصل من الجراحتين) ش: أي جراحة الأول وجراحة الثاني م: (أو لا يدري، قال في " الزيادات ": يضمن الثاني ما نقصته جراحته، ثم يضمنه نصف قيمته مجروحا بجراحتين، ثم يضمن نصف قيمة لحمه) ش: توضيح ذلك: أن الرامي الأول إذا رمى صيدا يساوي عشرة مثلا فنقصه درهمين ثم رماه الثاني فنقصه درهمين: يضمن الثاني للأول ما نقصته جراحته وهو درهمان، وبقي من قيمته ستة دراهم فيضمن الثاني أيضا نصفها، وهو ثلاثة دراهم وهي نصف قيمته مجروحا بجراحتين، ثم إذا مات يضمن النصف للآخر وهو ثلاثة أيضا، لأنه فوت عليه اللحم، ولا يضمن النصف الآخر من اللحم بعد الموت. وإن كان تفويت اللحم فيه موجودا بقتله لأنه ضمن ذلك النصف حيا، فلو ضمنه بعد الموت تكرر الضمان بأن يضمن قيمته حيا ثم يضمن قيمته لحما بعد الموت، وهذا لا يجوز، فافهم. ولم أر أحدا من الشراح أوضح ذلك؛ فذكرته زيادة للفائدة والإيضاح. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 460 أما الأول؛ فلأنه جرح حيوانا مملوكا للغير وقد نقصه فيضمن ما نقصه أولا، وأما الثاني؛ فلأن الموت حصل بالجراحتين فيكون متلفا نصفه، وهو مملوك لغيره، فيضمن نصف قيمته مجروحا بالجراحتين، لأن الأولى ما كانت بصنعه، والثانية ضمنها مرة فلا يضمنها ثانيا. وأما الثالث فلأن بالرمي الأول صار بحال يحل بذكاته الاختيار لولا رمي الثاني، فهذا بالرمي الثاني أفسد عليه نصف اللحم فيضمنه ولا يضمن النصف الآخر؛ لأنه ضمنه مرة فدخل ضمان اللحم فيه. وإن كان رماه الأول ثانيا، فالجواب في حكم الإباحة كالجواب فيما إذا كان الرامي   [البناية] م: (أما الأول) ش: وهو نقصان ضمان الجراحة م: (فلأنه) ش: أي الثاني م: (جرح حيوانا ملوكا للغير وقد نقصه فيضمن ما نقصه أولا، وأما الثاني) ش: وهو ضمان نصف القيمة مجروحا بجراحتين م: (فلأن الموت حصل بالجراحتين فيكون هو) ش: أي الثاني م: (متلفا نصفه، وهو مملوك لغيره، فيضمن نصف قيمته مجروحا) ش: أي حال كونه مجروحا م: (بالجراحتين؛ لأن الأولى ما كانت بصنعه) ش: أي بصنع الثاني، وإنما كانت بصنع الأول م: (والثانية ضمنها مرة) ش: أي والجراحة الثانية ضمنها الثاني مرة م: (فلا يضمنها ثانيا) ش: أي بأي مرة لئلا يتكرر الضمان، وقد ذكرناه آنفا. م: (وأما الثالث) ش: وهو ضمان نصف قيمة اللحم م: (فلان بالرمي الأول صار بحال يحل بذكاته الاختيار لولا رمي الثاني) ش: لأن الأول قد كان أخرجه من حيز الامتناع، فصار كالأهلي، م: (فهذا) ش: أي الثاني م: (بالرمي الثاني أفسد عليه) ش: أي على الأول م: (نصف اللحم فيضمنه ولا يضمن النصف الآخر؛ لأنه ضمنه مرة) ش: حيث ضمنه حيا م: (فدخل ضمان اللحم فيه) ش: أي في الضمان الأول، لا يقال: لا ينبغي أن يضمن نصف اللحم ونصف الصيد مجروحا بجراحة واحدة، ويدخل ضمان الجراحة في ضمان الصيد، كما إذا قتل صيدا مجروحا لغيره، لأنا نقول: إنه ضمن الجراحة الثانية. ولو حصل كما قلت يضمن نصفها؛ لأنه يضمن نصف قيمته مجروحا بجراحة واحدة، فدخل ضمان جراحة الثانية في ضمان الصيد. فإن قلت: ينبغي أن يدخل قيمة نصف اللحم في نصف قيمة الصيد؟. قلت: لما ضمن نصف قيمة الصيد ملك نصف الذي ضمنه، ومع ذلك أفسد جميع اللحم حتى حرم جميعه، والنصف مملوك للأول، فيضمن نصف اللحم الذي لصاحبه ولا يضمن ما هو مملوك بالضمان. م: (وإن كان رماه الأول ثانيا) ش: يعني أن ما تقدم كان قيما إذا كان الرامي الثاني غير الرامي الأول، وهذا فيما إذا كان رماه الأول ثانيا م: (فالجواب في حكم الإباحة) ش: يعني في حكم الضمان، لأن الإنسان لا يضمن ملك نفسه لفعله لنفسه م: (كالجواب فيما إذا كان الرامي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 461 غيره، ويصير كما إذا رمى صيدا على قمة جبل فأثخنه، ثم رماه ثانيا فأنزله لا يحل؛ لأن الثاني محرم، كذا هذا،   [البناية] غيره، ويصير كما إذا رمى صيدا على قمة جبل فأثخنه، ثم رماه ثانيا فأنزله لا يحل؛ لأن الثاني محرم، كذا هذا) ش: يكون الرامي الثاني فيه محرم. ثم اعلم: أن الرجلين إذا رميا صيدا فذاك ينقسم إلى قسمين: إما أن رميا معا أو متعاقبا، والأول على أوجه فإنه إذا رمياه معا فإما أن يصيباه معا أو يصيب أحدهما أولا، فإن أصابه فإما أن يثخنه قبل إصابة الثاني أو لا، والثاني كذلك، فإنه إما أن يرميه الثاني قبل إصابة السهم الأول أو بعدها، فإن كان الثاني فإما أن يثخنه الأول أو لا يثخنه الأول بوجوهه، فالوجه الأول من الثاني غير مذكور في الكتاب، فنذكرها بكلمة للفائدة فيقول: بأن رميا معا وأصابا معا فقتلاه: فهو لهما جميعا، ويؤكل، لأن كلا منهما رمى صيدا مباحا، فيحل تناوله اعتبارا بحالة الرمي، كما أنه كان صيدا حال رميهما يقع فعل كل منهما ذكاة. وإن أصابت الرميتان معا فاستويا في السببية وذلك يوجب المساواة في الملك. وإن رمياه معا فأصابه سهم أحدهما أولا فأثخنه، ثم أصابه سهم الآخر فقتله؛ فهو للأول، وحل أكله عندنا خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو يعتبر حالة الاتصال بالمحل والسهم الثاني أصابه وهو غير ممتنع فصار كما لو رمى شاة. ونحن نعتبر للحل حالة الإرسال، لأن الإصابة بالمحل، وهذا معتبر التسمية حالة الإرسال، والإرسال قد حصل منهما، والمحل صيد ممتنع، فلم يتعلق بالثاني نظرا للملك حال الاتصال، لأن الملك يتصل بالمحل. ومنهم: الأول أخرجه عن حيز الامتناع قبل أن يتصل به الثاني، وإن لم يذبحه فهو للثاني. وإن رماه الثاني بعدما رماه الأول قبل أن يصيب سهمه وهو الأول من القسم الثاني فحكمه حكم ما لو رمياه معا هو لهما وحل أكله. وقال الشافعي وأحمد: إن تمكن من ذبحه بعد الجرح ولم يذبحه حتى مات: لم يحل، وإن لم يتمكن من ذبحه وجرحه الثاني فأماته: ضمن قيمته مجروحا واختلف أصحابه فيما يجب من ضمانه، قال الإصطخري: يجب على الثاني كمال قيمته للأول بعد جراحته. وفي " الحلية ": والمذهب: أنه يجب عليه ما يخص جنايته من قيمته وتسقط القيمة على الجنايتين، وفرض أصحابنا المسألة في الجملتين المتصورتين لتعرف ما يجب على كل واحد منهما ويسقط من الأول، فقال: صيد مملوك يساوي عشرة، جرحه رجل فنقص درهم ومات الصيد من جراء الجنايتين؛ فاختلف أصحابنا على ستة طرائق، أصحها: أن أرش جناية كل واحد يدخل في جنايته فيضمن قيمة الصيد عن جناية الأول إلى قيمته عند جناية الثاني، فيكون تسعة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 462 قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويجوز اصطياد ما يؤكل لحمه من الحيوان وما لا يؤكل لإطلاق ما تلونا، والصيد لا يختص بمأكول اللحم. قال قائلهم: صيد الملوك أرانب وثعالب ... وإذا ركبت فصيدي الأبطال ولأن صيده سبب للانتفاع بجلده أو شعره أو ريشه، أو لاستدفاع شره وكل ذلك مشروع، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.   [البناية] ثم يقسم قيمة الصيد وهو عشرة على تسعة عشر فيما يقابل عشرة يجب على الأول وما يقابل تسعة على الثاني، هذا طريق ابن حران. الثاني: وهو قول المزني أنه يثبت على كل واحد منهما أرش جنايته، ثم يجب عليهما قيمته بعد الجنايتين، فيجب على الأول خمسة ونصف. والثالث: على كل واحد نصف أرش، ونصف قيمته يوم جنى عليه فيجب على الأول خمسة ونصف، وعلى الثاني خمسة، ثم يرجع الأول على الثاني بنصف درهم. والرابع: أنه يجب على كل واحد منهما نصف قيمته حال جنايته، ونصف أرش جنايته، ولا يثبت الرجوع للأول على الثاني. والخامس: أنه يجب على الأول أرش جنايته، ثم يجب بعد ذلك قيمته بينهما نصفين، ولا يجب على الثاني أرش جنايته. والسادس: وهو قول ابن أبي هريرة: أن الأرش يدخل في قيمة الصيد فيجب على الأول نصف قيمته حال جنايته، وعلى الثاني نصف قيمته حال حياته، فيذهب نصف درهم من قيمة الصيد. [صيد ما يؤكل لحمه من الحيوان وما لا يؤكل] م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويجوز اصطياد ما يؤكل لحمه من الحيوان وما لا يؤكل) ش: أي قال القدوري، م: (لإطلاق ما تلونا) ش: وهو قوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] (سورة المائدة: الآية 2) . م: (والصيد لا يختص بمأكول اللحم. قال قائلهم) ش: أي قائل العرب: م: صيد المملوك أرانب وثعالب ... وإذا ركبت فصيدي الأبطال م: (ولأن صيده) ش: أي صيد ما لا يؤكل لحمه م: (سبب للانتفاع بجلده أو شعره أو ريشه) ش: في الطيور التي لا تؤكل م: (أو لاستدفاع شره، وكل ذلك مشروع) ش: أي كل ما ذكره من هذه الأنواع مشروع، أي ثابت شرعا م: (والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 463 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فروع: نصب أحبولة فوقع فيها صيد ومات، إن مات بالشبكة والحبل: لا يحل باتفاق أكثر أهل العلم، إلا عند الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه قال: لو سمى على الحبل ودخل فيه وجرحه: يحل، وهذا قول شاذ مخالف لعامة أهل العلم. أما لو كان فيها آلة جارحة مثل المنجل وسمى عليها وجرحه: يحل، وهذا قول شاذ مخالف لعامة أهل العلم. أما لو كان فيها آلة جارحة وهذا عندنا وعند أحمد، وبه قال الحسن وقتادة: وقال الشافعي: لا يحل. ولو تعلق صيد بشرك الثاني أو بشبكته ملكه لثبوت يده على الصيد، وكل من أخذه بعد رده. ولو كان شيء من الشبكة أو طاف معها على وجه لا يقدر على الامتناع فهو لصاحبها، ولو قدر على الامتناع لا يملكه صاحب الشبكة، وكذا لو رمى صيدا فأثخنه فدخل في دار إنسان فأخذه صاحب الدار لم يملكه لأن الرامي ملكه بالإثخان، ولو أرسل صيده لم يزل عنه ملكه، وبه قال الشافعي وأحمد، كما لو أرسل بعيره أو فرسه. وقال الشافعي في وجه: يزول ملكه، وبه قال أحمد في رواية. ولو اصطاد طيورا أو جعلها في برج وطار إلى برج غيره لم يزل ملكه عنه. وقال مالك: إن لم يكن أنس ببرجه بطول مكثه صار ملكا لمن انتقل إلى برجه، وإن عاد إلى برج الأول عاد إلى ملكه. ولو أرسل بازيه صيدا أو أمسكه بحيلة ولم يثخنه فقتل بازي الثاني: فالصيد لصاحب البازي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 464 كتاب الرهن الرهن لغة: حبس الشيء بأي سبب كان. وفي الشريعة: جعل الشيء محبوسا بحق يمكن استيفاؤه من الرهن كالديون. وهو مشروع بقوله تعالى: {فرهان مقبوضة} [البقرة: 283] (البقرة: الآية 283) ،   [البناية] [كتاب الرهن] [تعريف الرهن] م: (كتاب الرهن) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الرهن. وجه المناسبة بين كتاب الرهن وكتاب الصيد: من حيث كونهما سببا لتحصيل المال. وله معنى لغة وشرعا وسبب وركن وحكم وحكمة. وأما معناه لغة: فما ذكره المصنف بقوله: م: (الرهن لغة) ش: أي من حيث اللغة م: (حبس الشيء بأي سبب كان) ش: من الأسباب، كما في قَوْله تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] (سورة المدثر: الآية 38) أي محبوسة بوبال ما كسبت من المعاصي. ويقال: فلان رهن كذا، أو رهين، فرهينة أي مأخوذ به، والرهن يجيء بمعنى المرهون تسميته بالمصدر، والجمع رهون ورهان، وترى بهما في الآية والتركيب يدل على الثبات والدوام. وقيل: هو معناه لغة، يقال: ماء راهن أي راكد، ونعمة راهنة أي ثابتة. وأما معناه شريعة: فما ذكره بقوله: م: (وفي الشريعة: جعل الشيء) ش: أي رهن جعل الشيء م: (محبوسا بحق) ش: إنما قيده بقوله "بحق" لأن الرهن كما يصح بالدين يصح بالغصب أيضا، والحق يشملها م: (يمكن استيفاؤه) ش: أي استيفاء الحق م: (من الرهن) ش: أي من المرهون م: (كالديون) ش: احترز به عن ارتهان الخمر، وعن الرهن عن الحدود والقصاص. وقال القدوري في "شرحه ": الرهن في الشرع: عبارة عن عقد وثيقة وبذلك يفضل من الكفالة والحوالة، لأنهما عقد وثيقة بذمة، ويفصل من المبيع في يد البائع ولأنه وثيقة وليس بعقد. وأما سببه: فهو مطالبة رب الدين الرهن. وأما ركنه: الإيجاب فقط عندنا، وعند البعض: الإيجاب والقبول كما يجيء إن شاء الله تعالى. وأما حكمه: فهو ملك حبس المرهون وحق المطالبة بالبيع. وأما حكمته: فحصول النظر من الجانبين. م: (وهو) ش: أي الرهن م: (مشروع بقوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] (سورة البقرة: الآية 283) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 465 ولما روي: «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اشترى من يهودي طعاما ورهنه به درعه» . وقد انعقد على ذلك الإجماع، ولأنه عقد وثيقة لجانب الاستيفاء   [البناية] ش: أوله: قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وهو جمع رهن كعباد جمع عبد، وقد تعلق مجاهد وداود الظاهري بظاهر الآية أن الرهن لا يجوز إلا في السفر، لأن التعلق بالشرط ينفي الوجود عند عدمه. قلنا: ليس المراد به الشرط حقيقة، بل ذكر ما يعتاد بأنهم في الغالب يميلون إلى الرهن عند تعذر إمكان التوثق بالكتاب والشهود. والغالب أن ذلك يكون في السفر وتوارث من لدن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا جوازه في الحضر والسفر، فعلم أن ذلك على سبيل العادة. وفيه دليل على: جواز الشراء بالنسيئة إن كان يمكنه الشراء بالنقد خلافا لما يقوله المتعشقة، فإنهم قالوا: يكره عند القدرة على النقد. قلنا: إنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان قادرا على أن يشتري بالنقد بأن يبيع درعه ثم يشتري طعاما، مع أنه رهن درعه على ما يجيء الآن وبما روي، أي ومشروع أيضا. م: (ولما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «اشترى من يهودي طعاما ورهنه به درعه» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن الأسود عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشترى من يهودي طعاما إلى أجل ورهنه درعا له من حديد ". وفي رواية للبخاري: "ثلاثين صاعا من شعير» . قوله: "ورهنه به" أي بالطعام. قال الكاكي: وفي بعض النسخ: أي بالقيمة. وقال تاج الشريعة: أي بالدراهم أو الدنانير التي هي ثمن الطعام وفيه فوائد، أحدها: أنه لا باس بالبيع والشراء نسيئة، ولا كراهة فيه وقد مر الكلام فيه الآن. الثانية: جواز الاستدانة، ولا يجوز الشراء نسيئة. الثالثة: جواز المعاملة مع أهل الذمة. الرابعة: جواز رهن السلاح منهم، هذا إذا لم يكن لهم قوة، أما إذا كان لهم قوة يكره ذلك كما يكره البيع منهم. كذا ذكر شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في شرح "الكافي ". م (وقد انعقد على ذلك) ش: أي على كون الرهن مشروعا م: (الإجماع) ش: أي الأمة اجتمعت على جواز الرهن من غير نكير إلى يومنا هذا م: (ولأنه) ش: أي ولأن الرهن، أشار به إلى جوازه بالدليل العقلي م: (عقد وثيقة) ش: أي عقد وثيقة، والوثيقة ما توثق به الشيء ويؤكد به م: (لجانب الاستيفاء) ش: أما أنه عقد وثيقة لأن حق الرهن يتأكد به ويأمن من القوي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 466 فيعتبر بالوثيقة في طرف الوجوب، وهي الكفالة. قال: الرهن ينعقد بالإيجاب والقبول ويتم بالقبض. قالوا: الركن الإيجاب بمجرده؛ لأنه عقد تبرع فيتم بالمتبرع كالهبة   [البناية] بالمجهرون المماطلة ومن أخذ سائر الغرماء بعد موت الراهن. وأما لجانب الاستيفاء: فلأنه يرد على المال، وطرف الاستيفاء وهو المختص بالأموال فوهب أن يكون مشروعا، وإذا كان كذلك م: (فيعتبر بالوثيقة في طرف الوجوب) ش: الذي يختص بالذمم. وتقريره: أن الدين طرفان، طرف الوجوب وطرف الاستيفاء، لأنه يجب أولا في الذمة ثم تستوفي المال بعد ذلك. ثم الوثيقة لطرف الوجوب الذي يختص بالذمة م: (وهي الكفالة) ش: جائزة، فكذا الوثيقة التي تختص بالمال، بل بطريق الأولى، لأن الاستيفاء هو المقصود من الوجوب وسيلة إليه. [انعقاد الرهن] م: (قال) ش: أي القدوري م: (الرهن ينعقد بالإيجاب والقبول) ش: وبه قال مالك، وأحمد في رواية. واختلف المشايخ في القبول، قال بعضهم: إنه شرط، وظاهر ما ذكره في " المحيط " يشير إلى أنه ركن. وقال في الأيمان في الإجارة: بدون القبول ليست بإجارة، وكذا الرهن حتى لا يحنث من حلف لا يؤاجر ولا يرهن بدون القبول. وقال بعضهم: الإيجاب ركن، والقبول شرط، أما القبض شرط اللزوم. وقال محمد في الكتاب: لا يجوز الرهن إلا مقبوضا، فقد أشار إلى القبض شرط الجواز. وقال شيخ الإسلام: شرط اللزوم كما في الهبة، وبه قال أكثر العلماء. م: (ويتم بالقبض) ش: أي يتم عقد الرهن بقبض المرهون. وقال مالك: يصح بالإيجاب والقبول بدون القبض. ونحن نقول: قال الله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وصف الرهن بكونها مقبوضة، والنكرة إذا وصفت عمت. م: (قالوا) ش: أي قال المشايخ، يعني بعض المشايخ، وأشار به إلى ما قال شيخ الإسلام خواهر زاده؛ لأنه قال: إن الرهن قبل القبض جائز، إلا أنه غير لازم، وإنما يصير لازما في حق الراهن بالقبض، فكان القبض شرط اللزوم لا شرط الجواز كما في الهبة م: (الركن الإيجاب بمجرده) ش: يعني ركن الرهن مجرد الإيجاب بدون القبول، الإيجاب هو: قول الراهن: رهنتك هذا المال بدين لك علي وما أشبه. والقبول هو قول المرتهن قبلت. وقال المصنف عن خواهر زاده ما ذكرناه، ثم علله بقوله: م: (لأنه) ش: أي لأن الرهن م: (عقد تبرع) ش: لأن الراهن لم يستوجب بمقابلة ما أثبت للمرتهن من اليد على الرهن شيئا، فكان تبرعا م: (فيتم بالمتبرع) ش: أي فيتم الرهن بالمتبرع، فإذا كان كذلك يكون م: (كالهبة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 467 والصدقة، والقبض شرط اللزوم على ما نبينه إن شاء الله تعالى. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يلزم بنفس العقد؛ لأنه يختص بالمال من الجانبين، فصار كالبيع، ولأنه عقد وثيقة فأشبه الكفالة. ولنا ما تلوناه والمصدر المقرون بحرف الفاء في محل الجزاء يراد به الأمر   [البناية] والصدقة) ش: لأنهما عقد تبرع، فالقبض فيهما شرط اللزوم لا شرط الجواز م: (والقبض شرط اللزوم) ش: كأنه تفسير لقول القدوري: ويتم القبض، فيكون الرهن قبل القبض جائزا، ولا يلزم إلا بالقبض. وهذا الذي ذكره المصنف مخالف لرواية عامة الكتب. قال محمد: لا يجوز الرهن إلا مقبوضا. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": لا يجوز الرهن غير مقبوض. وقال الطحاوي في "مختصره": ولا يجوز الرهن إلا مقبوضا مفرغا محرزا. م: (على ما نبينه إن شاء الله تعالى. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يلزم) ش: أي الرهن م: (بنفس العقد) ش: يعني بدون شرط القبض م: (لأنه) ش: أي لأن الرهن م: (يختص بالمال من الجانبين) ش: أي من جانب الراهن والمرتهن م: (فصار كالبيع) ش: بأنه يلزم بنفس العقد. م: (ولأنه عقد وثيقة فأشبه الكفالة) ش: في عدم اشتراط القبض. م: (ولنا ما تلوناه) ش: أراد به قَوْله تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] م: (والمصدر المقرون بحرف الفاء) ش: أراد به لفظ رهان، فإنه جعله مصدرا م: (في محل الجزاء يراد به الأمر) ش: كما في قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) ، أي فتحرير. فيكون تقديره والله أعلم: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ} [البقرة: 283] أي ارهنوا، لكن ترك كونه معمولا به في حق ذلك، حيث لم يجب الرهن على المديون ولا قبوله على الدائن بالإجماع، فوجب أن يعمل في شرطه وهو القبض كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحنطة بالحنطة مثلا بمثل» بالنصب، أي يقفوا، فلم يعمل الأمر في نفس البيع؛ لأن البيع مباح بطريق إلى شرطه وهو المماثلة في أموال الربا، فكذا هذا وفيه نظر من وجوه: الأول: في تسمية الرهان مصدرا؛ لأن في كتب اللغات: الرهان جمع رهن كالنعل والنعال، ويدله على ذلك قوله مقبوضة بالتأنيث. الثاني: أنه يجوز أن يكون الأمر للإباحة بقرينة الإجماع، فيصرف إلى الرهن لا إلى القبض. والثالث: أن الآية متروكة الظاهر؛ لأن ظاهرها يدل على أن الرهن إنما يكون في السفر، كما قال به داود، ومجاهد، والضحاك، وقد ترك ذلك، ومتروك الظاهر لا يصلح حجة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 468 ولأنه عقد تبرع لما أن الراهن لا يستوجب بمقابلته على المرتهن شيئا، ولهذا لا يجبر عليه، فلا بد من إمضائه كما في الوصية، وذلك بالقبض ثم يكتفى فيه بالتخلية في ظاهر الرواية؛ لأنه قبض بحكم عقد مشروع فأشبه قبض المبيع، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يثبت في المنقول إلا بالنقل؛ لأنه قبض موجب الضمان ابتداء بمنزلة الغصب. بخلاف الشراء؛   [البناية] فأجاب عن الأول في " الفوائد الظهيرية ": بأن الرهان يجوز أن يكون مصدرا كالضراب والفعال، وتأنيث المقبوضة بتأويله السلعة كما يؤنث الصوب بتأويل الصحة. وأجيب عن الثاني: بأن الأمر في الوجوب حقيقة، والإجماع قرينة للمجاز؛ لأن المجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له بقرينة. والإجماع لم يكن حال استعمال هذا اللفظ. وعن الثالث بأنا لا نسلم أن متروك الظاهر بدليل ليس بحجة؛ لأن النصوص المأولة متروك الظاهر وهي عامة الدلائل. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الرهن وهذا دليل معقول على اشتراط القبض م: (عقد تبرع لما أن الراهن لا يستوجب بمقابلته على المرتهن شيئا، ولهذا) ش: أي ولأجل كون الرهن عقد تبرع م: (لا يجبر) ش: أي الراهن م: (عليه) ش: أي على الرهن م: (فلا بد من إمضائه) ش: أي إنفاذ الرهن، فإمضاؤه بالقبض، يعني لا بد لثبوت الاستحقاق من الإمضاء م: (كما في الوصية) ش: لأنها عقد تبرع لا يستحق إلا بالإمضاء، ولكن إمضاءه بأن لا يرجع عنها صريحا أو دلالة م: (وذلك بالقبض) ش: أي بالإمضاء في الرهن بالقبض م: (ثم يكتفي فيه) ش: أي في القبض م: (بالتخلية) ش: وعلى رفع الموانع عن القبض، يعني أن الراهن إذا خلى بين المرتهن والمرهون يعتبر قابضا، كما إذا فعل البائع مثل ذلك في البيع والمشتري، وبه قال الشافعي، ومالك م: (في ظاهر الرواية) ش: قيد به لأنه روى عن أبي يوسف اشتراط شيء آخر على ما يجيء الآن. م: (لأنه) ش: أي لأن القبض الرهن م: (قبض بحكم عقد مشروع) ش: أي حكم عقد مشروع. وقال تاج الشريعة: قوله "مشروع" احترازا عن المقبوض في البيع الفاسد، فإنه لا يكتفي فيه بالتخلية، لأن الفاسد واجب الإعدام، فيكون السعي في نقضه هو اللائق، م: (فأشبه قبض المبيع) ش: حيث يكتفي فيه بالتخلية. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي أن القبض م: (لا يثبت في المنقول إلا بالنقل) ش: إلى داؤده، وبه قال أحمد م: (لأنه) ش: أي لأن هذا القبض م: (قبض موجب الضمان ابتداء) ش: أراد بابتداء الضمان أن لا يكون مضمونا قبل العقد، فكان قبض الرهن م: (بمنزلة الغصب) ش: وفي الغصب: يشترط النقل للضمان، ولا يثبت بالتخلية، فكذا هذا. م: (بخلاف الشراء) ش: جواب عن قياس وجه الظاهر بأن القبض في الشراء ناقل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 469 لأنه ناقل للضمان من البائع إلى المشتري، وليس بموجب ابتداء، والأول أصح. قال: وإذا قبضه المرتهن محوزا مفرغا متميزا. ثم العقد فيه لوجود القبض بكماله، فلزم العقد وما لم يقبضه فالراهن بالخيار إن شاء سلمه وإن شاء رجع عن الرهن لما ذكرنا أن اللزوم بالقبض إذ المقصود لا يحصل قبله. قال: وإذا سلمه إليه فقبضه دخل في ضمانه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو أمانة في يده ولا يسقط شيء من الدين بهلاكه   [البناية] للضمان، وهو معنى قوله م: (لأنه) ش: أي لأن القبض في الشراء م: (ناقل للضمان من البائع إلى المشتري) ش: يكون المبيع بعد العقد قبل التسليم إلى المشتري مضمونا على البائع بالثمن، وبالتسليم إليه ينتقل الضمان منه إليه. م: (وليس بموجب ابتداء) ش: أي وليس العقد بموجب للضمان في ابتداء الأمر. وقال تاج الشريعة: قوله: "ليس بموجب ابتداء"، يعني لا يقوم التمكن من القبض مقامه، فإن التمكن من القبض لم يتعمد سببا للضمان ابتداء، فلا يجعل المرهون مضمونا عليه، ما لم يوجد القبض حقيقة م: (والأول أصح) ش: أي ظاهر الرواية، وهو ثبوت القبض بمجرد التخلية بدون اشتراط النقل أصح، لأن حقيقة الاستيفاء يثبت بالتخلية فالقبض الموجب ليد الاستيفاء يثبت بالتخلية. م: (قال) ش: أي قال القدوري م: (وإذا قبضه المرتهن محوزا) ش: احترز به عن رهن الثمر على النخل وعن رهن الزرع في الأرض، لأن المرتهن لم يحرز م: (مفرغا) ش: احترز عن رهن النخل دون الثمر، ورهن الأرض دون الزرع، لأن المرهون لم ينزع عما لم يقع عليه عقد الرهن، بل هو مشغول بغيره م: (متميزا) ش: احترز به عن رهن المشاع كرهن نصف الدار أو العبد أو الثوب م: (تم العقد فيه) ش: أي تم عقد الرهن في المرهون م: (لوجود القبض بكماله، فلزم العقد، وما لم يقبضه فالراهن بالخيار إن شاء سلمه) ش: أي الراهن إلى المرتهن م: (وإن شاء رجع عن الرهن) ش: لأن الرهن لا يلزم قبل القبض م: (لما ذكرنا أن اللزوم) ش: أي لزوم الرهن م: (بالقبض إذ المقصود) ش: من الرهن ملك يد والحبس بجهة الاستيفاء، وهذا المعنى م: (لا يحصل قبله) ش: أي قبل القبض. [سلم الراهن الرهن إلى المرتهن فقبضه] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا سلمه إليه) ش: أي فإذا سلم الراهن الرهن إلى المرتهن م: (فقبضه) ش: أي المرتهن م: (دخل في ضمانه) ش: وكيفية الضمان تأتي، م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو أمانة في يده ولا يسقط شيء من الدين بهلاكه) ش: وبه قال أحمد وأصحاب الظاهر. وقال مالك: إن كان تلفه بأمر ظاهر كالموت والحريق: فضمانه على الراهن حتى يرجع الجزء: 12 ¦ الصفحة: 470 لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يغلق الرهن" قالها ثلاثا "لصاحبه غنمه وعليه غرمه» . قال: ومعناه لا يصير مضمونا بالدين. ولأن الرهن وثيقة بالدين، فبهلاكه لا يسقط الدين   [البناية] المرتهن بحقه، وإن ادعى تلفه بأمر خفي كما في الثياب ونحوها لم يقبل م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا يغلق الرهن» قالها ثلاثا، "لصاحبه غنمه وعليه غرمه ") ش: هذا الحديث أخرجه ابن حبان في "صحيحه " والحاكم في "مستدركه" عن سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يغلق الرهن ممن رهنه، له غنمه وعليه غرمه» ، وقوله في الكتاب: "قالها ثلاثا" لم أجده في شيء من طرق الحديث، وقوله: "له غنمه وعليه غرمه "، قال أبو داود: هذا من كلام سعيد نقله عن الزهري، قال: وهذا هو الصحيح. م: (قال) ش: أي الشافعي م: (ومعناه) ش: أي معنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يغلق الرهن» م: (لا يصير مضمونا بالدين) ش: أي لا يصير مضمونا بسبب الدين بدليل قوله: لصاحبه غنمه، والزوائد للراهن وعليه غرمه. وقال: ثبت بذلك أن الرهن لا يقع بالدين، وإن لصاحبه غنمه وهو سلامته وعليه غرمه، وهو غرم الدين بعد ضياع الرهن، وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا تأويل أنكره أهل العلم جميعا، وإن زعموا أنه لا وجه له عندهم. وقال الطحاوي: ذهبوا في تفسير قول سعيد بن المسيب -يعني أن أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا -: «له غنمه وعليه غرمه» ، إلى أن ذلك في البيع إذا بيع الرهن بثمن فيه نقص عن الدين غرم الراهن ذلك النقص، وهو غرمه المذكور في الحديث. وإن بيع بفضل عن الدين أخذ الراهن ذلك الفضل وهو غنمه المذكور في الحديث. وقال أصحابنا في طريقة الخلاف له تأويلان، أحدهما: أن له زوائده من الصوف واللبن، وعليه نقصه. والثاني: أن له زيادة ثمنه وعليه نقصانه عند البيع، وهذا إذا أريد بالصاحب الراهن، فإن أريد المرتهن فغنمه له، يعني أن زوائده تكون رهنا عنده غرمه عليه، يعني إذا هلك الرهن سقط دينه. م: (ولأن الرهن وثيقة بالدين) ش: أي ولأن الرهن شرع وثيقة بالدين لصيانته م: (فبهلاكه) ش: أي فبهلاك الرهن م: (لا يسقط الدين) ش: لأنه يضاد الصيان، فلو هلك الدين بهلاكه عاد الجزء: 12 ¦ الصفحة: 471 اعتبارا بهلاك الصك، وهذا لأن بعد الوثيقة يزداد معنى الصيانة والسقوط بالهلاك يضاد ما اقتضاه العقد إذا لحق به يصير بعرض الهلاك، وهو ضد الصيانة، ولنا «قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - للمرتهن بعدما نفق فرس الرهن عنده: "ذهب حقك» .   [البناية] على موضوعه بالنقض على ما يجيء م: (اعتبارا بهلاك الصك) ش: يعني إذا هلك الصك، وهو كتاب الإقرار بالمال وغيره، فإذا هلك لا يسقط الدين، فكذا إذا هلك الرهن قياسا عليه. م: (وهذا) ش: إيضاح لما قبله م: (لأن بعد الوثيقة يزداد معنى الصيانة والسقوط بالهلاك) ش: أي سقط الدين بهلاك الرهن م: (يضاد ما اقتضاه العقد) ش: أي عقد الرهن م: (إذا لحق به) ش: أي لأن الحق، أي الدين بسبب الرهن م: (يصير بعرض الهلاك وهو) ش: أي كونه بعرض الهلاك م: (ضد الصيانة) ش: ألا ترى أن ما زاد على قدر الدين أمانة في يد المرتهن والقبض في الكل واحد، فلا يجوز أن يثبت حكم الضمان بهذا القبض في البعض دون البعض. م: (ولنا قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (للمرتهن بعدما نفق فرس الرهن عنده: " ذهب حقك ") ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود في "مراسيله " عن ابن المبارك عن مصعب بن ثابت قال: سمعت عطاء يحدث «أن رجلا رهن لرجل فرسا فنفق في يده، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمرتهن: ذهب حقك» وقال عبد الحق في "أحكامه ": هو مرسل ضعيف. وقال ابن القطان في "كتابه ": ومصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ضعيف، كثير الغلط، وإن كان صدوقا. ورواه الطحاوي أيضا بهذا الإسناد، ولفظه: «أن رجلا ارتهن فرسا فمات الفرس في يد المرتهن، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ذهب حقك» ، ثم قال الطحاوي: فدل هذا من قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على بطلان الدين بضياع الرهن. وقال: فإن قيل: هذا منقطع، قيل له: والذي تأولته أيضا منقطع والخطاب للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن كان المنقطع حجة لك علينا والمنقطع أيضا حجة لنا عليك. وقال الطحاوي: أيضا فإن قال: إنما قبلته وإن كان منقطعا، لأنه عن سعيد بن المسيب، ومنقطع سعيد يقوم مقامه. قيل له: ومن جعل لك أن تخص سعيدا بهذا وتمنع مثله من أهل المدينة مثل أبي سلمة والقاسم وسالم وعروة وسليمان بن يسار وأمثالهم من أهل المدينة، والشعبي وإبراهيم النخعي وأمثالهما من أهل الكوفة والحسن وابن سيرين وأمثالهما من أهل البصرة، وكذلك من كان في عصر من ذكرنا من سائر فقهاء الأمصار ومن كان فوقهم من الطبقة الأولى من التابعين مثل علقمة والأسود وعمرو بن شرحبيل وعبيدة وشريح؛ ليس كان هذا لك مطلقا في سعيد بن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 472 وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا عمي الرهن فهو بما فيه» معناه على ما قالوا: إذا اشتبهت قيمة الرهن بعدما هلك   [البناية] المسيب، فإنه يطلق لغيرك فيمن ذكرنا، وإن كان غيرك ممنوعا من ذلك فإنك ممنوع من مثله، لأن هذا حكم وليس لأحد أن يحكم في دين الله بالتحكيم. م: (وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «إذا عمي الرهن فهو بما فيه» ش: هذا رواه الطحاوي، ولكن لفظه ليس كذلك، فإنه قال عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبي بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وعبيد الله بن مشيخة موقوفا ومرفوعا أنهم قالوا: «الراهن بما فيه إذا هلك وسميت قيمته» . وقال مخرج الأحاديث: هذا روي مسندا ومرسلا، أما مسندا: فقد رواه الدارقطني في "سننه " حدثنا محمد بن مخلد، حدثنا أحمد بن غالب، حدثنا عبد الكريم بن روح، عن هشام بن زياد، عن حميد، عن أنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الرهن بما فيه» . وأما مرسلا: فرواه أبو داود في "مراسيله" حدثنا علي بن سهيل الرملي حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي عن عطاء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الرهن بما فيه» ثم قال المخرج: قال الدارقطني: حديث حميد عن أنس لا يثبت، وفيهم ضعفاء، وقال ابن الجوزي: أحمد بن محمد بن غالب، وهو غلام خليل، كان كذابا يضع الحديث. وعبد الكريم بن روح ضعفه الدارقطني، وقال أبو حاتم الرازي مجهول. وقال يحيى بن معين: هشام بن زياد: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث. قلت: مرسل أبي داود صحيح، كذا قال ابن القطان. م: (معناه) ش: أي معنى قوله " فهو بما فيه " م: (على ما قالوا) ش: أي العلماء بشرح الأحاديث م: (إذا اشتبهت قيمة الرهن بعدما هلك) ش: يعني إذا قال الراهن: لا أدري كم كانت قيمته والمرتهن كذلك يكون الرهن بما فيه، حكي هذا التأويل عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال تاج الشريعة: قوله: «إذا عمي الرهن فهو بما فيه» عمي عليه الخبر، أي خبر مجاز عن عمى البصر، فكأنه أريد به الهلاك، لأن اشتباه القيمة يكون فيه. وقوله: " وهو بما فيه " أنه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 473 وإجماع الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - على أن الرهن مضمون مع اختلافهم في كيفيته فالقول بالأمانة خرق له، والمراد بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يغلق الرهن» على ما قالوا الاحتباس الكلي بأن يصير مملوكا له، كذا ذكر الكرخي عن السلف   [البناية] هلاك مضمون بما فيه، وهو الدين أو القيمة بالنقل من أئمة الفقه والحديث، والباء للمقابلة والمعاوضة. م: (وإجماع الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - على أن الرهن مضمون) ش: لأنه لم يرد عن أحد منهم أن الرهن في مقدار الدين غير مضمون، بل هم اتفقوا على أنه مضمون في مقدار الدين م: (مع اختلافهم في كيفيته) ش: أي في كيفية الضمان، يعني ليس اختلافهم إلا في كيفية الضمان، فقال أبو بكر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: مضمون بالقيمة. وقال ابن عمر وابن مسعود وعمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: هو مضمون بأقل من قيمته ومن الدين. وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: هو مضمون بالدين، وهو قول شريح، قلت قيمته أو كثرت. وهكذا اختلف التابعون، واختلافهم على ذلك إجماع منهم على أنه ليس قول رابع، إلا أن الشافعي أحدث قولا رابعا أنه أمانة، فيكون خرقا للإجماع، كذا في " المبسوط ". وأشار إليه المصنف بقوله: م: (فالقول بالأمانة خرق له) ش: أي فقول الشافعي بأن الرهن أمانة خرق للإجماع م: (والمراد بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: هذا جواب عن الحديث الذي احتج به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أي المراد بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا يغلق الرهن» على ما قالوا) ش: أي شرح الأحاديث والآثار م: (الاحتباس الكلي بأن يصير مملوكا له) ش: أي للمرتهن، والاحتباس الكلي أن لا يمكن لافتكاكه بعد صيرورته ملكا له م: (كذا ذكر) ش: أي كذا ذكر، يعني الحديث المذكور م: (الكرخي عن السلف) ش: مثل طاوس وإبراهيم وغيرهما أنهم قالوا: إن المراد به لا يحبس الرهن عند المرتهن احتباسا لا يمكن فكاكه بأن يصير ملكا للمرتهن، فيكون ذلك نفيا لما في الجاهلية. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي: قوله: «لا يغلق الرهن» قد جاء تفسيره عن غير واحد من الفقهاء، قال: حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم في رجل دفع إلى رجل رهنا وأخذ منه دراهم فقال: إن جئتك بحقك إلى كذا وكذا وإلا فالرهن لك بحقك، فقال إبراهيم: لا يغلق الرهن، فقال أبو عبيد: فجعله جوابا للمسألة. وقد روي عن طاوس نحو هذا المعنى، ذلك عن ابن عيينة عن عمرو عن طاووس، وفي " الفائق " يقال: غلق الرهن غلوقا إذا بقي في يد المرتهن لا يقدر على تخليصه، وكان من أفاعيل الجزء: 12 ¦ الصفحة: 474 ولأن الثابت للمرتهن يد الاستيفاء وهو ملك اليد والحبس، لأن الرهن ينبئ عن الحبس الدائم، قال الله تعالى: {كلّ نفس بما كسبت رهينة} [المدثر: 38] (المدثر: الآية 38) ، وقال قائلهم: وفارقتك برهن لا فكاك له ... يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا والأحكام الشرعية تنعطف على الألفاظ على وفق الأنباء، ولأن الرهن وثيقة لجانب الاستيفاء، وهو أن تكون موصلة إليه   [البناية] الجاهلية أن الراهن إذا لم يؤد ما عليه في الوقت المؤقت ملك المرتهن الرهن. م: (ولأن الثابت للمرتهن) ش: دليل عقلي على المطلوب وتقريره الثابت للمرتهن م: (يد الاستيفاء) ش: أي استيفاء حقه من الرهن م: (وهو) ش: أي يد الاستيفاء م: (ملك اليد والحبس، لأن الرهن ينبئ عن الحبس الدائم، قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] (سورة المدثر: الآية 38)) ش: أي محبوسة بوبال ما اكتسبت من المعاصي. م: (وقال قائلهم) ش: القائل هو زهير [ .... ..... ] . هنا أيضا وجد البياض في أكثر النسخ، والله أعلم [ .... ..] . تذكر امرأة: م: وفارقتك برهن لا فكاك له ... يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا ش: أي ارتهنت المحبوسة قليلة يوم الوداع، وأحبس قلبه عندها على وجه لا يمكن فكاكه وليس فيه ضمان ولا هلاك، وهو كما ترى يدل على الحابس الدائم. فإن قيل: الداوم إنما لزم من قوله: "لا فكاك له" لا من لفظ الرهن؟. وأجيب: بأنه ما دام وتأبد فبقي الإفكاك دل على أنه ينبئ عن الدوام، إذ لو لم يكن موجبا لذلك لما دام ينفي ما يعترضه، بل كان الدوام يثبت بإثبات ما يوجبه، فثبت أن اللغة تدل على إثبات الرهن عن الحبس الدائم. م: (والأحكام الشرعية تنعطف على الألفاظ على وفق الأنباء) ش: أي الأحكام الشرعية تنسحب على الألفاظ اللغوية، أي الأصل ورود الشرع على مطابقة حقيقته اللغوية، تدل على أن الرهن يوجب الحبس بالدين دائما، وذا إنما يكون بملك الحبس واليد وذا لا يكون إلا بالضمان. م: (ولأن الرهن وثيقة لجانب الاستيفاء) ش: أي استيفاء الدين م: (وهو) ش: أي كون الرهن وثيقة لجانب الاستيفاء م: (أن تكون) ش: أي الوثيقة م: (موصلة إليه) ش: أي إلى الاستيفاء م: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 475 وذلك ثابت له بملك اليد والحبس ليقع الأمن من الجحود مخافة جحود المرتهن الرهن، وليكون عاجزا عن الانتفاع به فيتسارع إلى قضاء الدين لحاجته أو لضجره. وإذا كان كذلك يثبت الاستيفاء من وجه وقد تقرر بالهلاك، فلو استوفاه ثانيا يؤدي إلى الربا، بخلاف حالة القيام؛ لأنه ينقض هذا الاستيفاء بالرد على الراهن، فلا يتكرر، ولا وجه إلى استيفاء الباقي بدونه؛ لأنه لا يتصور والاستيفاء يقع بالمالية.   [البناية] (وذلك) ش: أي كونه موصلة إليه م: (ثابت له بملك اليد والحبس ليقع الأمن من الجحود) ش: أي ليقع الأمن عن جحود الدائن م: (مخافة جحود المرتهن الرهن) ش: معناه: أن الحبس يفضي إلى أداء الحق، لأن الراهن يخشى إن جحد الدين أن يجحد المرتهن الرهن، لأن قيمة الرهن قد تكون أكثر من الدين، فيحتاج إلى إيفاء الأقل ليخلص الأكثر. م: (وليكون) ش: أي الراهن م: (عاجزا عن الانتفاع به) ش: باعتبار الحبس الدائم م: (فيتسارع إلى قضاء الدين لحاجته) ش: إلى العين م: (أو لضجره) ش: عن المطالبة م: (وإذا كان كذلك) ش: أي وإذا ثبت، أي الرهن يدل على اليد والحبس م: (يثبت الاستيفاء من وجه) ش: لأن الاستيفاء إنما يكون باليد والرقبة وقد حصل بعضه م: (وقد تقرر بالهلاك) ش: أي وقد تقرر الاستيفاء بهلاك الرهن م: (فلو استوفاه ثانيا) ش: أي فلو استوفى المرتهن دينه ثانيا م: (يؤدي إلى الربا) ش: فلا يجوز، لأنه يكون أخذ حقه مرتين. م: (بخلاف حالة القيام) ش: أي حالة قيام الرهن، حيث لا يؤدي إلى التكرار المؤدي إلى الربا م: (لأنه ينقض هذا الاستيفاء بالرد) ش: أي برد العين م: (على الراهن فلا يتكرر) ش: أي الاستيفاء م: (ولا وجه إلى استيفاء الباقي) ش: هذا جواب إشكال تقديري، وهو أن يقال: يستوفي المرتهن اليد على وجه لا يؤدي إلى الربا، وهو أن يستوفي رقبة لا يدا. فأجاب بقوله: ولا وجه إلى استيفاء الباقي وهو ملك الرقبة م: (بدونه) ش: أي بدون ملك اليد م: (لأنه لا يتصور) ش: أي لأن استيفاء المرتهن دينه من الرهن بدون ملك اليد لا يتصور، لأنه محال. فإذا لم يمكن الاستيفاء وطولب الراهن بأداء الدين: لا يلزم الربا، لأنه لم يتكرر الاستيفاء م: (والاستيفاء يقع بالمالية) ش: هذا جواب عما يقال: لو كان بالرهن استيفاء بالدين لكان بعين الدين أو البدل لا وجه للأول؛ لأن الرهن ليس من جنس الدين واستيفاء الدين لا يكون إلا من جنسه، ولا وجه للثاني أيضا، لأن الرهن ببدل الصرف والسلم جائز للاستدلال بها غير جائز. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 476 أما العين فأمانة حتى كانت نفقة المرهون على الراهن في حياته وكفنه بعد مماته، وكذا قبض الرهن لا ينوب عن قبض الشراء إذا اشتراه المرتهن؛ لأن العين أمانة فلا تنوب عن قبض ضمان، وموجب العقد ثبوت يد الاستيفاء، وهذا يحقق الصيانة. وإن كان فراغ الذمة من ضروراته كما في الحوالة. فالحاصل: أن عندنا حكم الرهن صيرورة الرهن محتبسا بدينه بإثبات   [البناية] وتقرير الجواب: أنا نختار الأول، وقوله: "ليس من جنس الدين". قلنا: ليس من جنسه من حيث الصورة أو المالية، والأول مسلم. وليس الاستيفاء من حيث الصورة، بل هو من حيث الصورة أمانة، وهو معنى قوله: م: (أما العين فأمانة حتى كانت نفقة المرهون على الراهن في حياته وكفنه بعد مماته) ش: إيضاح هذا: أن المجانسة ثابتة باعتبار صيغة المالية، فكانت العين كالكيس، فلو كان أوفى حقه من الدراهم في الكيس يكون ما في الكيس مضمونا دون الكيس، فكذا هاهنا ما في العين من صفة المالية مضمون دون العين، فإنها أمانة، لأنها ملك الراهن حتى نفقتها عليه. م: (وكذا قبض الرهن لا ينوب عن قبض الشراء إذا اشتراه) ش: أي الرهن م: (المرتهن، لأن العين أمانة فلا تنوب عن قبض ضمان) ش: بخلاف العكس، والثاني ممنوع، فإنه من جنس الدين مالية والاستيفاء يقع بها م: (وموجب العقد ثبوت يد الاستيفاء) ش: هذا جواب عما قال الشافعي: الرهن وثيقة بالدين شرع صيانة للدين والشرط بالهلاك أيضا. والصيانة. وتقدير الجواب: أن موجب العقد، أي عقد الرهن والسقوط ثبوت يد الاستيفاء كما مر م: (وهذا) ش: أي ثبوت يد الاستيفاء م: (يحقق الصيانة) ش: لأنه ليس فيه التواء. م: (وإن كان فراغ الذمة من ضروراته) ش: هذه واصلة بما قبله، أي وإن كان فراغ ذمة الراهن عند الهلاك من ضرورات الاستيفاء، لأنه إذا حصل الاستيفاء حصل الفراغ ضرورة وإلا لم يكن الاستيفاء استيفاء. م: (كما في الحوالة) ش: أنها شرعت وثيقة لصيانة حق الطالب، ثم بالحوالة يفرغ ذمة المحيل عن الدين، ولا تضاد فراغها، يعني الوثيقة والصيانة فكذا هنا، وبه فارق هلاك الشهود والصك، لأن سقوط الدين عندنا باعتبار ثبوت يد الاستيفاء عند الهلاك، وذا لا يوجد في الصك والشهود. م: (فالحاصل: أن عندنا حكم الرهن) ش: أي حاصل الخلاف الذي بيننا وبين الشافعي: أن حكم عقد الرهن عند أصحابنا م: (صيرورة الرهن محتبسا بدينه) ش: أي بدين المرتهن م: (بإثبات الجزء: 12 ¦ الصفحة: 477 يد الاستيفاء عليه. وعنده تعلق الدين بالعين استيفاء منه عينا بالبيع، ويخرج على هذين الأصلين عدة من المسائل المختلف فيها بيننا وبينه عددناها في " كفاية المنتهى " جملة، منها: أن الراهن ممنوع عن الاسترداد للانتفاع؛ لأنه يفوت موجبه وهو الاحتباس على الدوام. وعنده لا يمنع منه؛ لأنه لا ينافي موجبه وهو تعينه للبيع، وسيأتيك البواقي في أثناء المسائل إن شاء الله تعالى.   [البناية] يد الاستيفاء عليه) ش: أي على الرهن. م: (وعنده) ش: أي وعند الشافعي: م: (تعلق الدين بالعين) ش: أراد بالعين عين الرهن، وبالدين المال الذي أخذه الراهن م: (استيفاء) ش: نصب على التعليل م: (منه) ش: أي من الرهن م: (عينا) ش: أي حال كونه متعينا م: (بالبيع) ش: يتعلق بالاستيفاء. حاصل المعنى: أن تعلق الدين بالرهن كتعلق العين بالدين لأجل استيفاء حقه من عين الرهن بواسطة البيع. م: (ويخرج على هذين الأصلين) ش: أي أصلنا وأصل الشافعي م: (عدة من المسائل المختلف فيها بيننا وبينه) ش: أي بين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (عددناها في " كفاية المنتهي " جملة) ش: " كفاية المنتهي ": لم تقع في هذه الديار، م: (منها) ش: أي من المسائل المتفرعة على الأصلين المذكورين م: (أن الراهن ممنوع عن الاسترداد للانتفاع) ش: أي عن استرداد الرهن من المرتهن لأجل الانتفاع م: (لأنه) ش: أي لأن الاسترداد م: (يفوت موجبه) ش: أي موجب الرهن م: (وهو الاحتباس على الدوام) ش: أي يوجب الرهن هو احتباس الرهن عند المرتهن على الدوام إلى أن يوفي الراهن دينه. م: (وعنده) ش: أي وعند الشافعي م: (لا يمنع منه) ش: أي لا يمنع الراهن من استرداد رهنه لأجل الانتفاع، م: (لأنه) ش: أي لأن الاسترداد م: (لا ينافي موجبه) ش: أي موجب الرهن م: (وهو تعينه) ش: أي موجب تعينه للبيع لقضاء الدين في ثمنه م: (للبيع وسيأتيك البواقي) ش: أي المسائل البقية المتفرعة على الأصلين المذكورين. م: (في أثناء المسائل إن شاء الله تعالى) ش: يعني في هذا الباب. ومنها: أن الرهن أمانة عنده، فإذا هلك لا يسقط الدين كما مر. ومنها: أن حكم الرهن لا يسري إلى الولد عنده، وعندنا: يسري. ومنها: أن للراهن أن يشرب لبن المرهونة عنده، لأنه باق على ملكه، وعندنا: لا يملك. ومنها: أن الراهن إذا أعتق عبده المرهون يبطل إعتاقه، وعندنا: ينفذ وتضمن قيمته إن كان موسرا، ويكون رهنا مكانه، وإن كان معسرا بقي العبد في قيمته الجزء: 12 ¦ الصفحة: 478 قال: ولا يصح الرهن إلا بدين مضمون؛ لأن حكمه ثبوت يد الاستيفاء، والاستيفاء يتلو الوجوب، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ويدخل على هذا اللفظ الرهن بالأعيان المضمونة بأنفسها، فإنه يصح الرهن بها ولا دين. ويمكن أن يقال:   [البناية] [الرهن بالدرك] م: (قال) ش: أي قال القدوري م: (ولا يصح الرهن إلا بدين مضمون) ش: وفي " شرح الأقطع ": قوله "مضمون" للتأكيد، وإلا فجميع الديون مضمون. وقيل: أريد بالدين المضمون ما كان واجبا للحال، أي لا يصح إلا بدين واجب للحال لا بدين مستحب، واحترز به عن الرهن بالدرك فإنه لا يصح، وهو عبارة عن ضمان الثمن عند استحقاق المبيع. وقيل: احتراز عن بدل الكتابة، فإن الرهن به لا يصح. وفي " الفتاوى ": يجوز الرهن ببدل الكتابة. وعند الثلاثة: لا يجوز أخذ الرهن ببدل الكتابة بعد لزومه. وقال الكاكي: وما نقل احترازا عن بدل الكتابة غير صحيح، لأنه ذكر في " فتاوى قاضي خان " وغيره: أن المولى لو أخذ رهنا ببدل الكتابة جاز، ولا يجوز أخذ الكفيل ببدل الكتابة. م: (لأن حكمه) ش: أي حكم الرهن: م: (ثبوت يد الاستيفاء، والاستيفاء يتلو الوجوب) ش: أي الضمان، فلا بد من وجوب سابق، ليكون الاستيفاء مبينا عليه م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ويدخل على هذا اللفظ) ش: وهو قوله "إلا بدين مضمون" م: (الرهن بالأعيان المضمونة بأنفسها) ش: أي بالقيمة كالمغصوب بنفسه ما يجب المثل عند إهلاكه إذا كان له مثل أو القيمة إن لم يكن مثليا، وهو كالمغصوب، فإن الغاصب إذا رهن به يصح، مع أنه ليس بدين، والمقبوض على سوم الشراء أو المقبوض في البيع الفاسد. قال تاج الشريعة: المضمون بنفسه ما يجب المثل عند إهلاكه إن كان له مثل، أو القيمة إن لم يكن مثليا، وهو كالمغصوب، فإن الغاصب إذا رهن به يصح مع أنه ليس بدين، والمقبوض على سوم الشراء والمقبوض بحكم البيع الفاسد والمهر وبدل الخلع والصلح عن دم العمد والمضمون بغيره كالبيع في يد البائع، فإنه مضمون بالثمن لا بقيمته والمستأجر ومال المضاربة والشركة. م: (فإنه) ش: أي فإن الشأن م: (يصح الرهن بها ولا دين) ش: أي والحال أن لا دين فيها، وصحة الرهن بها عندنا خلافا للشافعي وأحمد. وعن مالك: أن الرهن بالأعيان المضمونة يجوز، وهو وجه لأصحاب الشافعي. م: (ويمكن أن يقال) ش: جواب عما يقال: إن قوله "ولا يصح الرهن إلا بدين مضمون" الجزء: 12 ¦ الصفحة: 479 إن الموجب الأصلي فيها هو القيمة ورد العين مخلص على ما عليه أكثر المشايخ وهو دين، ولهذا تصح الكفالة بها، ولئن كان لا يجب إلا بعد الهلاك ولكنه يجب عند الهلاك بالقبض السابق، ولهذا تعتبر قيمته يوم القبض فيكون رهنا بعد وجود سبب وجوبه، فيصح كما في الكفالة، ولهذا لا تبطل الحوالة المقيدة به بهلاكه، بخلاف الوديعة. قال: وهو مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين   [البناية] يشكل عليه الأعاين المضمونة بنفسها، فإن الرهن بها صحيح ولا دين. وتقرير الجواب: أن يقال فيه م: (إن الموجب الأصلي فيها هو القيمة) ش: أي في الأعيان المضمونة بنفسها م: (ورد العين مخلص على ما عليه أكثر المشايخ وهو دين) ش: أي والحال أن الموجب الأصلي دين م: (ولهذا) ش: أي ولكون الموجب الأصلي هو القيمة م: (تصح الكفالة بها) ش: أي بالعين المضمون بنفسه م: (ولئن كان لا يجب إلا بعد الهلاك) ش: أي بعد هلاك العين م: (ولكنه يجب عند الهلاك بالقبض السابق، ولهذا) ش: أي ولكون وجوب القيمة بالقبض السابق م: (تعتبر قيمته يوم القبض) ش: أي يوم قبض الغاصب المغصوب من المالك. م: (فيكون رهنا بعد وجود سبب) ش: جواب عما اختاره بعض آخر من المشايخ، وتقريره: أن سبب وجوبه قد انعقد فكأنه كالموجود فصح، وهو معنى قوله "بعد وجود سبب" م: (وجوبه، فيصح) ش: أي الرهن م: (كما في الكفالة) ش: أي كما صح في الكفالة. واعترض بأن صحة الكفالة لا تستلزم صحة الرهن، فإنها صحيحة بدين سيجب كما لو قال: "ما ذاب لك على فلان فعلى دون الرهن". وأجيب: بأن قوله "ما ذاب لك" إضافة الكفالة كفالة، ويصح أن يقال: قولك "دون الرهن" يريد به دينا ما انعقد سبب وجوبه أو دينا انعقد ذلك، فإن كان الأول: فليس ينافيه، وإن كان الثاني: فهو ممنوع، فإنه عين ما نحن فيه. م: (ولهذا) ش: ويجوز أن يكون توضيحا على كل شيء من الخبرين، أما على الأول فتقديره ولكون الموجب الأصلي فيها القيمة م: (لا تبطل الحوالة المقيدة به) ش: أي بالعين المضمون بنفسه م: (بهلاكه) ش: فلو أحال على الغاصب فهلك المغصوب لم تبطل الحوالة، لأن الموجب الأصلي لما كان القيمة كان هلاك العين كهلاكه لقيام القيمة في ذمته ورد العين كان مخلصا، ولم يحصل. وأما على الثاني: فتقديره: ولكون سبب وجوب القيمة قد انعقد جعلت كالموجودة، فهلاك العين لا يبطل الحوالة. م: (بخلاف الوديعة) ش: فإن الحوالة عليها تبطل بهلاكها، لأنه لا وجوب هنا للقيمة ولا سبب الوجوب م: (قال: وهو مضمون بالأقل من قيمته) ش: أي ما هو الأقل من قيمة الرهن يوم القبض م: (ومن الدين) ش: ووقع في بعض نسخ القدوري: بأقل من قيمته ومن الدين وليس الجزء: 12 ¦ الصفحة: 480 فإذا هلك في يد المرتهن وقيمته والدين سواء صار المرتهن مستوفيا لدينه حكما، وإن كانت قيمة الرهن أكثر فالفضل أمانة في يده؛ لأن المضمون بقدر ما يقع به الاستيفاء، وذلك بقدر الدين، فإن كانت أقل سقط من الدين بقدره، ورجع المرتهن بالفضل؛ لأن الاستيفاء بقدر المالية. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الرهن مضمون بالقيمة، حتى لو هلك الرهن وقيمته يوم رهن ألف وخمسمائة، والدين ألف رجع الراهن على المرتهن بخمسمائة، له حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: يترادان الفضل في الرهن، ولأن الزيادة على الدين مرهونة لكونها محبوسة به، فتكون مضمونة اعتبارا بقدر الدين. ومذهبنا مروي عن عمر وعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -،   [البناية] بصحيح، لأن معنى المعروف واحد منهما، ومعنى المنكر ثالث، واعتبر هذا بقول الرجل: مررت بأعلم من زيد وعمرو، ويكون الأعلم غيرهما، ولو قال: الأعلم من زيد وعمرو، يكون الأعلم واحد منهما، فافهم. وهذا الذي ذكره القدوري في كيفية الضمان أشار إليه بقوله: م: (فإذا هلك) ش: أي الرهن م: (في يد المرتهن وقيمته) ش: أي والحال أن قيمة الرهن م: (والدين سواء صار المرتهن مستوفيا لدينه حكما) ش: أي من حيث الحكم م: (وإن كانت قيمة الرهن أكثر فالفضل) ش: أي الفضل من الرهن م: (أمانة في يده؛ لأن المضمون بقدر ما يقع به الاستيفاء وذلك بقدر الدين) ش:. م: (فإن كانت أقل) ش: أي وإن كانت قيمة الرهن أقل من الدين م: (سقط من الدين بقدره ورجع المرتهن بالفضل) ش: من الدين على الراهن م: (لأن الاستيفاء بقدر المالية) ش: لأن المضمون بقدر ما يقع به الاستيفاء أن الضمان بقدر الاستيفاء، والاستيفاء بقدر الدين. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الرهن مضمون بالقيمة) ش: أي بجميع القيمة م: (حتى لو هلك الرهن وقيمته يوم رهن ألف وخمسمائة والدين ألف: رجع الراهن على المرتهن بخمسمائة له) ش: أي زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: يترادان الفضل في الرهن) ش: رواه عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا سفيان الثوري عن منصور عن الحكم عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: يترادان بينهما الفضل، انتهى. والتراد ما يكون بين اثنين، فلا جرم برد المرتهن فضل الرهن كما يرد الراهن فضل الدين. م: (ولأن الزيادة على الدين مرهونة لكونها) ش: أي لكون الزيادة م: (محبوسة به، فتكون مضمونة اعتبارا بقدر الدين، ومذهبنا مروي عن عمر وعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: روى الطحاوي في " شرح الآثار " بإسناده إلى عبيد بن عمير عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال في الرجل يرتهن الرهن فيضيع، قال: إن كان أقل مما فيه رد عليه تمام حقه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 481 ولأن يد المرتهن يد الاستيفاء، فلا توجب الضمان إلا بالقدر المستوفى كما في حقيقة الاستيفاء والزيادة مرهونة به ضرورة امتناع حبس الأصل بدونها، ولا ضرورة في حق الضمان، والمراد بالتراد فيما يروى حالة البيع، فإنه روي عنه أنه قال: المرتهن أمين في الفضل.   [البناية] وإن كان أكثر فهو أمين بالفضل. فإن قلت: قال البيهقي: بعد أن أخرجه هذا ليس بمشهور. وقال ابن حزم: لم يصح هذا عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لأنه من رواية عبيد بن عمير، وعبيد لم يولد إلا بعد موت عمر، أو أدركه صغيرا ولم يسمع منه؟. قلت: قول البيهقي هذا ليس بمشهور لتسليم منه، وهذا ليس يخرج. وقول ابن حزم يرده قول مسلم: ولد عبيد بن عمير في زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وذكر البخاري: أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والرواية عن ابن مسعود غريب. م: (ولأن يد المرتهن يد الاستيفاء، فلا توجب الضمان إلا بالقدر المستوفى) ش: ولما كان الضمان بقدر المستوفي تقرر مضمونه بالأقل من قيمة العين ومن الدين، لأنه بهذا القدر يستوفي م: (كما في حقيقة الاستيفاء) ش: مثل ما إذا أعطاه ألفي درهم في كيس وقال: استوف حقك في هذا وحقه ألف، فإنه يصير ضامنا قدر الدين، والزيادة على قدر الدين أمانة هكذا. م: (والزيادة مرهونة به) ش: هذا جواب عن قول زفر، يعني لو لم يجعلها مرهونة يؤدي إلى الشيوع، أو لأنه لا يمكنه حبس قدر الدين إلا حبس الباقي، وهو معنى قوله: م: (ضرورة امتناع حبس الأصل بدونها) ش: أي بدون الزيادة، لأن رهن المشاع لا يجوز، والزيادة إذا لم تتميز لا يمكن حبس قدر الدين إلا بحبس الباقي كما إذا رهن عبدا قيمته أزيد من الدين حيث لا يتميز من الأصل فيثبت له حبس الكل حتى لو تميزت الزيادة من قدر الدين لا يثبت له حبس الزيادة بأن رهن عبدا قيمته ألفا درهم يوم الرهن بألف، ثم قتل خطأ قيمته يوم القتل ألفا درهم فأخذ المرتهن ألفين من القاتل وأراد حبس الكل ليس له ذلك، لأنه أمكن حبس قدر الدين بدون الزيادة بخلاف ما نحن فيه. م: (ولا ضرورة في حق الضمان) ش: لصحة الرهن بدون الضمان، كما إذا استعاد الراهن من المرتهن فالرهن باق، والضمان من المرتهن منتف على ما يجيء إن شاء الله تعالى: م: (والمراد بالتراد فيما يروى حالة البيع) ش: يعني إذا باع المرتهن الرهن بإذن الراهن يرد المرتهن، ما زاد على الدين ولو كان الدين زائدا على الثمن يرد الراهن زيادة الدين، وحملناه على البيع م: (فإنه روي عنه) ش: أي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (أنه قال: المرتهن أمين في الفضل) ش: رواه محمد ابن الحنفية عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فيحب حمل الأولى على البيع الجزء: 12 ¦ الصفحة: 482 قال: وللمرتهن أن يطالب الراهن بدينه ويحبسه به؛ لأن حقه باق بعد الرهن، والرهن لزيادة الصيانة فلا تمتنع به المطالبة والحبس جزاء الظلم، فإذا ظهر مطله عند القاضي يحبسه كما بيناه على التفصيل فيما تقدم. وإذا طلب المرتهن دينه يؤمر بإحضار الرهن؛ لأن قبض الرهن قبض استيفاء، فلا يجوز أن يقبض ماله مع قيام يد الاستيفاء، لأنه يتكرر الاستيفاء على اعتبار الهلاك في يد المرتهن وهو محتمل. وإذا أحضره أمر الراهن بتسليم الدين إليه أولا، ليتعين حقه كما تعين حق الراهن تحقيقا للتسوية كما في تسليم المبيع والثمن يحضر المبيع ثم يسلم الثمن أولا. وإن طالبه بالدين   [البناية] توفيقا بينهما. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وللمرتهن أن يطالب الراهن بدينه ويحبسه به) ش: أي بسبب الدين. وقال الكرخي في "مختصره ": وللمرتهن مطالبة الراهن بدينه إذا كان حالا، ولا يمنعه الارتهان به من ذلك، ولا يكون الرهن في يديه. وكذلك إذا كان آجلا وحل فإن خاصمه إلى الحاكم أوجب عليه دفع الدين، فإن امتنع: حبس به م: (لأن حقه) ش: أي حق المرتهن م: (باق بعد الرهن، والرهن لزيادة الصيانة فلا تمتنع به المطالبة، والحبس) ش: يعني عند الامتناع م: (جزاء الظلم فإذا ظهر مطله عند القاضي يحبسه كما بيناه على التفصيل فيما تقدم) ش: أي في فصل الحبس من كتاب " أدب القاضي ". وتفصيله: أنه لا يعجل بحبسه، وإذا ثبت الدين بالإقرار هل يحبسه؟: إذا ظهر برهان أعيد إلى مجلسه ثانيا، بخلاف ما إذا ثبت بالبينة حيث تعجل بحبسه، لأن البينة يحتاج إليها عند الجحود فيه يكون ظالما، وجزاء الظلم الحبس، وعلى قول الخصاف في "البينة" أيضا لا يحبسه في أول الرهان، ثم إذا امتنع إنما يحبسه في كل دين لزمه بدلا عن مال أصل في يده كثمن المبيع، أو التزمه بعقد كالمهر والكفالة، ولا يحبسه فيما سوى ذلك نحو بدل الغصب وأرش الجناية ونفقة الزوجات إذا قال: إني فقير، إلا أن يثبت غريمه أن له مالا. م: (وإذا طلب المرتهن دينه يؤمر بإحضار الرهن) ش: هذه المسألة وما بعدها من مسائل " الزيادات " إلى قوله قال: وإن كان الرهن في يده، ذكرها تفريعا على مسألة " مختصر القدوري " م: (لأن قبض الرهن قبض استيفاء، فلا يجوز أن يقبض ماله مع قيام يد الاستيفاء؛ لأنه يتكرر الاستيفاء على اعتبار الهلاك في يد المرتهن وهو محتمل) ش: أي الهلاك محتمل. م: (وإذا أحضره) ش: أي وإذا أحضر المرتهن الرهن م: (أمر الراهن بتسليم الدين إليه أولا ليتعين حقه) ش: أي حق المرتهن م: (كما تعين حق الراهن تحقيقا للتسوية) ش: بين الراهن والمرتهن، والرهن والدين م: (كما في تسليم المبيع والثمن يحضر المبيع ثم يسلم الثمن أولا، وإن طالبه بالدين) ش: أي وإن طالب المرتهن الراهن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 483 في غير البلد الذي وقع العقد فيه إن كان الرهن مما لا حمل له ولا مؤنة فكذلك الجواب؛ لأن الأماكن كلها في حق التسليم كمكان واحد فيما ليس له حمل ومؤنة، ولهذا لا يشترط بيان مكان الإيفاء فيه في باب السلم بالإجماع. وإن كان له حمل ومؤنة يستوفي دينه ولا يكلف إحضار الرهن؛ لأن هذا نقل والواجب عليه التسليم بمعنى التخلية لا النقل من مكان إلى مكان؛ لأنه لا يتضرر به زيادة الضرر ولم يلتزمه. ولو سلط الراهن العدل على بيع المرهون فباعه بنقد أو نسيئة جاز، لإطلاق الأمر. فلو طالب المرتهن بالدين لا يكلف المرتهن إحضار الرهن؛ لأنه لا قدرة له على الإحضار. وكذا إذا أمر المرتهن ببيعه فباعه ولم يقبض الثمن؛ لأنه صار دينا بالبيع بأمر الراهن، فصار كأن الراهن رهنه وهو دين. ولو قبضه يكلف إحضاره لقيام   [البناية] بالدين م: (في غير بالبلد الذي وقع العقد فيه إن كان الرهن مما لا حمل له ولا مؤنة فكذلك الجواب) ش: أي يؤمر المرتهن بإحضار الرهن أولا م: (لأن الأماكن كلها في حق التسليم كمكان واحد فيما ليس له حمل ومؤنة) ش: لأجل كون الأماكن هي حق التسليم كمكان واحد. م: (ولهذا لا يشترط بيان مكان الإيفاء فيه) ش: أي فيما لا حمل له م: (في باب السلم بالإجماع، وإن كان له حمل ومؤنة يستوفي دينه ولا يكلف إحضار الرهن؛ لأن هذا نقل، والواجب عليه التسليم بمعنى التخلية لا النقل من مكان إلى مكان؛ لأنه) ش: أي لأن المرتهن م: (لا يتضرر به زيادة الضرر ولم يلتزمه) ش: لأن الرهن أمانة في يده، لكن للراهن أن يحلفه: بالله ما هلك. م: (ولو سلط الراهن العدل على بيع المرهون فباعه بنقد أو نسيئة جاز لإطلاق الأمر) ش: أي أمر الراهن، ويشير به إلى أنه لو قيده بالنقد لا يصح بيعه نسيئة م: (فلو طالب المرتهن بالدين لا يكلف المرتهن إحضار الرهن؛ لأنه لا قدرة له على الإحضار) ش: لأن الرهن بيع بأمر الراهن فلم يبق له قدرة على إحضاره. م: (وكذا إذا أمر المرتهن ببيعه) ش: أي وكذا لا يكلف المرتهن إحضار الرهن؛ لأن الرهن بيع بأمر الراهن، فلم يبق له قدرة على إحضاره إذا أمر الراهن المرتهن ببيع الرهن م: (فباعه ولم يقبض الثمن؛ لأنه) ش: أي لأن الرهن بالبيع م: (صار دينا بالبيع بأمر الراهن، فصار كأن الراهن رهنه وهو دين) ش: لأنه لما باعه بإذنه صار كأنهما تفاسخا الرهن وصار الثمن رهنا بتراضيهما ابتداء لا بطريق انتقال حكم الرهن إلى الثمن. ألا ترى أنه لو باع الرهن بأقل من الدين لم يسقط من دين المرتهن شيء، فصار كأنه رهنه ولم يسلمه إليه، بل وضعه على يد عدل. م: (ولو قبضه يكلف إحضاره) ش: أي ولو قبض المرتهن الثمن يكلف إحضاره م: (لقيام الجزء: 12 ¦ الصفحة: 484 البدل مقام المبدل، لا أن الذي يتولى قبض الثمن هو المرتهن، لأنه هو العاقد فترجع الحقوق إليه، وكما يكلف إحضار الرهن لاستيفاء كل الدين يكلف لاستيفاء نجم قد حل لاحتمال الهلاك. ثم إذا قبض الثمن يؤمر بإحضاره لاستيفاء الدين لقيامه مقام العين، وهذا بخلاف ما إذا قتل رجل العبد الرهن خطأ حتى قضى بالقيمة على عاقلته في ثلاث سنين لم يجبر الراهن على قضاء الدين حتى يحضر كل القيمة؛ لأن القيمة خلف عن الرهن فلا بد من إحضارها كلها كما لا بد من إحضار كل عين الرهن، وما صارت قيمته بفعله، وفيما تقدم صار دينا بفعل الراهن، فلهذا   [البناية] البدل) ش: أي الذي هو الثمن م: (مقام المبدل) ش: الذي هو الرهن م: (لا أن الذي يتولى قبض الثمن هو المرتهن) ش: استثناء من قوله فصار كأن الراهن رهنه وهو دين، جوابا عما يقال: لو كان الأمر كذلك لما كان للمرتهن أن يقبض الثمن من المشتري، كما لو كان الرهن في يد عدل لكن له ذلك. وتقرير الجواب: ما ذكره بقوله: م: (لأنه هو العاقد فترجع الحقوق إليه، وكما يكلف إحضار الرهن لاستيفاء كل الدين يكلف) ش: أي مكلف م: (لاستيفاء نجم) ش: قسط من الدين م: (قد حل) ش: بأن كان الدين مقسطا فادعى قسطا واحدا يكلف إحضار الرهن م: (لاحتمال الهلاك) ش: أي هلاك الرهن، فيؤمر بإحضاره لأن فيه فراغ قلب الراهن عن توهم الهلاك، لكن لا يسلم إلى أن يقبض جميع الدين بإجماع العلماء. وفي " الزيادات " و" المحيط ": لا يجبر بإحضاره لعدم فائدة الإحضار في القياس وفي الاستحسان يجبر بإحضاره إذا كان في المصر الذي لفراغ قلب الراهن عن توهم الهلاك، وهذا إذا ادعى الراهن هلاك الرهن؛ أما إذا لم يدع فلا فائدة في الإحضار. م: (ثم إذا قبض) ش: أي المرتهن م: (الثمن يؤمر بإحضاره) ش: أي بإحضار الثمن م: (لاستيفاء الدين لقيامه مقام العين) ش: أي لقيام الثمن مقام الرهن م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله: يكلف لاستيفاء نجم فدخل، بخلاف مسألة القتل، كذا قاله الكاكي ناقلا عن " النهاية ". وقال الأكمل: وهو كما ترى متعسف. ثم قال: وهذا إشارة إلى قوله: وكذا أمر المرتهن ببيعه إلى آخره، فإنه لا يجبر المرتهن على الإحضار، بل يجبر الراهن على الأداء بدون إحضار شيء. م: (بخلاف ما إذا قتل رجل العبد الرهن خطأ حتى قضى بالقيمة على عاقلته في ثلاث سنين لم يجبر الراهن على قضاء الدين حتى يحضر) ش: أي المرتهن م: (كل القيمة؛ لأن القيمة خلف عن الرهن، فلا بد من إحضارها كلها كما لا بد من إحضار كل عين الرهن، وما صارت) ش: وما صارت قيمة العبد المقتول م: (قيمته بفعله) ش: أي بفعل الراهن، بل بفعل الأجنبي م: (وفيما تقدم) ش: أي في بيع العدل المرتهن م: (صار دينا بفعل الراهن) ش: لأنه تسليط من جهة م: (فلهذا) ش: أي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 485 افترقا. ولو وضع الرهن على يد العدل وأمر أن يودعه غيره ففعل ثم جاء المرتهن يطلب دينه لا يكلف إحضار الرهن؛ لأنه لم يؤمن عليه حيث وضع على يد غيره فلم يكن تسليمه في قدرته، ولو وضعه العدل في يد من في عياله وغاب وطلب المرتهن دينه والذي في يده يقول: أودعني فلان ولا أدري لمن هو يجبر الراهن على قضاء الدين، لأن إحضار الرهن ليس على المرتهن؛ لأنه لم يقبض شيئا، وكذلك إذا غاب العدل بالرهن ولا يدري أين هو، لما قلنا. ولو أن الذي أودعه العدل جحد الرهن وقال: هو مالي لم يرجع المرتهن على الراهن بشيء حتى يثبت كونه رهنا؛ لأنه لما جحد الرهن فقد توى المال، والتوى على المرتهن، فيتحقق استيفاء الدين ولا يملك المطالبة به. قال: وإن كان الرهن في يده ليس عليه أن يمكنه من البيع حتى يقضيه الدين؛ لأن حكمه الحبس الدائم إلى أن يقضي الدين على ما بيناه. ولو قضاه البعض فله أن يحبس كل الرهن حتى يستوفي البقية اعتبارا بحبس المبيع فإذا قضاه الدين قيل له: سلم الرهن إليه؛ لأنه زال المانع من التسليم لوصول الحق إلى مستحقه. فلو هلك قبل التسليم   [البناية] فلأجل ذلك م: (افترقا) ش: أي الحكمان في الصورتين المذكورتين. م: (ولو وضع الرهن على يد العدل وأمره أن يودعه غيره ففعل) ش: أي أودعه. وفي " الإيضاح ": وكذا إذا لم يودعه وكان في يد العدل، م: (ثم جاء المرتهن يطلب دينه لا يكلف إحضار الرهن؛ لأنه لم يؤمن عليه حيث وضع على يد غيره فلم يكن تسليمه في قدرته. ولو وضعه العدل في يد من في عياله وغاب وطلب المرتهن دينه والذي في يده يقول: أودعني فلان ولا أدري لمن هو يجبر الراهن على قضاء الدين لأن إحضار الرهن ليس على المرتهن؛ لأنه لم يقبض شيئا، وكذلك إذا غاب العدل بالرهن ولا يدري أين هو لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله: لم يقبض شيئا، أي شيئا من الرهن. م: (ولو أن الذي أودعه العدل جحد الرهن وقال: هو مالي لم يرجع المرتهن على الراهن بشيء حتى يثبت كونه رهنا؛ لأنه لما جحد الرهن فقد توى المال) ش: أي هلك م: (والتوى على المرتهن، فيتحقق استيفاء الدين، ولا يملك المطالبة به) ش: أي بالدين. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإن كان الرهن في يده) ش: أي في يد المرتهن م: (ليس عليه أن يمكنه) ش: أي الراهن م: (من البيع حتى يقضيه الدين؛ لأن حكمه الحبس الدائم إلى أن يقضي الدين على ما بيناه) ش: فيما تقدم أن حكم الدين الحبس الدائم. م: (ولو قضاه البعض) ش: أي بعض الدين م: (فله) ش: أي وللمرتهن م: (أن يحبس كل الرهن حتى يستوفي البقية اعتبارا بحبس البيع) ش: يعني في المبيع، فاقتضى بعض الثمن يقبض شيئا من المبيع، فكذا هنا م: (فإذا قضاه الدين قيل له) ش: أي للمرتهن م: (سلم الرهن إليه) ش: أي إلى الراهن م: (لأنه زال المانع من التسليم لوصول الحق إلى مستحقه، فلو هلك قبل التسليم) ش: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 486 استرد الراهن ما قضاه؛ لأنه صار مستوفيا عند الهلاك بالقبض السابق، فكان الثاني استيفاء بعد استيفاء فيجب رده. وكذلك لو تفاسخا الرهن له حبسه ما لم يقبض الدين أو يبرئه، ولا يبطل الرهن إلا بالرد على الراهن على وجه الفسخ؛ لأنه يبقى مضمونا ما بقي القبض والدين. ولو هلك في يده سقط الدين إذا كان به وفاء بالدين لبقاء الرهن. وليس للمرتهن أن ينتفع بالرهن لا باستخدام ولا بسكنى ولا لبس إلا أن يأذن له المالك؛ لأن له حق الحبس دون الانتفاع   [البناية] أي فلو هلك الرهن قبل تسليم المرتهن الرهن إلى الراهن م: (استرد الراهن ما قضاه) ش: أي ما أداه إلى المرتهن م: (لأنه صار مستوفيا عند الهلاك بالقبض السابق، فكان الثاني) ش: أي بالقبض الثاني م: (استيفاء بعد استيفاء فيجب رده) ش: أي ما أداه إلى المرتهن احترازا عن الربا. م: (وكذلك) ش: الحكم م: (لو تفاسخا الرهن له) ش: أي للمرتهن م: (حبسه ما لم يقبض الدين أو يبرئه) ش: أي أو يبرئ الراهن من الدين؛ لأن الرهن لا ينفسخ مقصودا بالمناقضة بالقول حتى يكون للراهن حق الأخذ بغير رضى المرتهن بعد أن قبضه، وصار وجود هذه المناقضة وعدمها بمنزلته. م: (ولا يبطل الرهن إلا بالرد على الراهن على وجه الفسخ) ش: احتراز عما إذا رده على وجه العارية، فإنه لا يبطل الرهن م: (لأنه) ش: أي لأن الرهن م: (يبقى مضمونا ما بقي القبض والدين) ش: أي بقي القبض والدين معا، حتى لو بقي أحدهما، وانتفى الآخر لا يبقى مضمونا، لأن كون الرهن مضمونا ثبت بعلة ذات وصفين، وهما القبض والدين، فلا يبقى مضمونا بأحدهما. م: (ولو هلك) ش: أي الرهن بعدما تفاسخا م: (في يده) ش: أي في يد المرتهن م: (سقط الدين إذا كان به وفاء بالدين لبقاء الرهن) ش: أي قيد بقوله: إذا كان به وفاء [ .... هذا البياض أيضا وجد في أكثر النسخ المعتبرة الصحيحة، والله أعلم بحقيقة الحال .... ..] . م: (وليس للمرتهن أن ينتفع بالرهن لا باستخدام، ولا بسكنى، ولا لبس إلا أن يأذن له المالك؛ لأن له حق الحبس دون الانتفاع) ش: فإذا استعمله بوجه من الوجوه المذكورة كان غاصبا، وضمن قيمته بالغة ما بلغت. وإن كان بإذن الراهن فلا ضمان عليه؛ لأن الحجر لحقه وقد رضي به، ثم كما لا يجوز استخدام الجارية المرهونة من المرتهن، فكذلك لا يجوز وطؤها، ومع هذا لو وطئها لا يجب عليه الحد على رواية كتاب الرهن، ويجب مهرها لمولاها؛ لأنها محبوسة للاستيفاء فأشبه الجارية المبيعة في يد البائع، وعلى رواية كتاب " الحدود ": يجب الحد إذا قال: علمت أنها علي حرام. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 487 وليس له أن يبيع إلا بتسليط من الراهن، وليس له أن يؤاجر ويعير؛ لأنه ليس له ولاية الانتفاع بنفسه، فلا يملك تسليط غيره عليه، فإن فعل كان متعديا ولا يبطل عقد الرهن بالتعدي. قال: وللمرتهن أن يحفظ الرهن بنفسه وزوجته وولده وخادمه الذي في عياله. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معناه أن يكون الولد في عياله أيضا، وهذا لأن عينه أمانة في يده فصار كالوديعة. وإن حفظه بغير من في عياله أو أودعه ضمن، وهل يضمن الثاني؟ فهو على الخلاف، وقد بينا جميع ذلك بدلائله في الوديعة.   [البناية] م: (وليس له) ش: أي للمرتهن م: (أن يبيع) ش: أي الرهن م: (إلا بتسليط من الراهن) ش: لأن الرهن لا يقتضي البيع فلا يثبت له بدون الوكالة م: (وليس له أن يؤاجر ويعير؛ لأنه ليس له ولاية الانتفاع بنفسه، فلا يملك تسليط غيره عليه، فإن فعل كان متعديا ولا يبطل عقد الرهن بالتعدي) ش: من المرتهن، فإن فعل شيئا من ذلك: فسخ ورد الرهن في يد المرتهن. وفي " شرح الأقطع ": وقال الشافعي: للراهن أن يسكن الدار، يؤجرها، ويركب الدابة، ويعيرها، ويزرع الأرض، ويحلب اللبن، ويجز الصوف، ولا يطأ الجارية، ولا يلبس الثوب. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وللمرتهن أن يحفظ الرهن بنفسه وزوجته وولده وخادمه الذي في عياله. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف م: (معناه) ش: أي معنى قول القدوري م: (أن يكون الولد في عياله أيضا) ش: قال الأترازي: المراد "بمن في عياله" أن ساكن معه سواء كان في نفقته أو لا، فلو أن امرأة أودعت وديعة فدفعت إلى زوجها: لا يضمن، وإن لم يكن الزوج في عيالها لأن العبرة في هذا الباب للمساكنة دون النفقة. ألا ترى إذا كان معها ساكنا وليس في عيالها فخرج من المنزل وتركا المنزل على الابن: لا يضمنان، والمراد من الأجير أجير المشاهرة أو المسانهة دون المياومة. م: (وهذا) ش: إشارة إلى اشتراط كون الخادم والولد في عياله. م: (لأن عينه) ش: أي عين الرهن م: (أمانة في يده فصار كالوديعة) ش: فيشترط فيه كما يشترط في الوديعة. م: (وإن حفظه بغير من في عياله أو أودعه ضمن) ش: لتعديه م: (وهل يضمن الثاني) ش: أي المودع الثاني م: (فهو على الخلاف) ش: فعند أبي حنيفة لا ضمان عليه، وعندهما: عليه الضمان كالأول. وعند ابن أبي ليلى: لا ضمان على واحد منهما، م: (وقد بينا جميع ذلك بدلائله في الوديعة) ش: فليرجع إليها. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 488 وإذا تعدى المرتهن في الرهن ضمنه ضمان الغصب بجميع قيمته، لأن الزيادة على مقدار الدية أمانة، والأمانات تضمن بالتعدي ولو رهنه خاتما فجعله في خنصره فهو ضامن، لأنه متعد بالاستعمال، لأنه غير مأذون فيه، وإنما الإذن بالحفظ واليمنى واليسرى في ذلك سواء؛ لأن العادة فيه مختلفة. ولو جعله في بقية الأصابع كان رهنا بما فيه، لأنه لا يلبس كذلك عادة، فكان من باب الحفظ، وكذا الطيلسان إن لبسه لبسا معتادا ضمن، وإن وضعه على عاتقه لم يضمن. ولو رهنه سيفين أو ثلاثة فتقلدها لم يضمن في الثلاثة وضمن في السيفين، لأن العادة جرت بين الشجعان بتقلد السيفين في الحرب ولم تجر بتقلد الثلاثة. وإن لبس خاتما فوق خاتم، إن كان هو ممن يتجمل بلبس خاتمين ضمن، وإن كان لا يتجمل بذلك فهو حافظ فلا يضمن. قال: وأجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن على المرتهن، وكذلك أجرة الحافظ وأجرة الراعي ونفقة الرهن.   [البناية] [تعدى المرتهن في الرهن] م: (وإذا تعدى المرتهن في الرهن ضمنه ضمان الغصب بجميع قيمته؛ لأن الزيادة على مقدار الدين أمانة، والأمانات تضمن بالتعدي. ولو رهنه خاتما فجعله في خنصره فهو ضامن؛ لأنه متعد بالاستعمال؛ لأنه غير مأذون فيه، وإنما الإذن بالحفظ واليمنى واليسرى في ذلك سواء، لأن العادة فيه مختلفة. ولو جعله في بقية الأصابع كان رهنا بما فيه) ش: أي بما في الرهن من الدين م: (لأنه لا يلبس كذلك عادة، فكان من باب الحفظ، وكذلك الطيلسان إن لبسه لبسا معتادا ضمن، وإن وضعه على عاتقه لم يضمن) ش:. م: (ولو رهنه سيفين) ش: أي ولو رهن رجل عند رجل سيفين م: (أو ثلاثة) ش: أي أو رهن ثلاثة سيوف م: (فتقلدها: لم يضمن في الثلاثة) ش: أي في تقليد الثلاثة سيوف م: (وضمن في السيفين) ش: أي في تقليد السيفين م: (لأن العادة جرت بين الشجعان بتقليد السيفين في الحرب ولم تجر بتقلد الثلاثة) ش: فكان ذلك حفظا. م: (وإن لبس خاتما فوق خاتم، إن كان هو ممن يتجمل بلبس خاتمين ضمن، وإن كان لا يتجمل بذلك فهو حافظ فلا يضمن) ش: وفي " الفتاوى الصغرى ": ولو كان المرتهن امرأة فتختمت به، أي أصبع كان ضمنت؛ لأن النساء يتختمن بجميع أصابعهن، ثم ينبغي أن يعرف أن المراد بعدم الضمان فيما يعد حفظا لا استعمالا: أن يضمن ضمان الغصب لا أنه لا يضمن أصلا؛ لأنه مضمون بالدين فيسقط الدين بهلاكه بما هو الأقل من قيمته، ومن الدين كالخاتم إذا جعله في أصبع لا يتختم به في العرف، والعادة. وكالثوب إذا ألقاه على عاتقه، وبه صرح في " شرح الطحاوي ". م: (قال) ش: أي القدوري م: (وأجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن على المرتهن، وكذلك أجرة الحافظ) ش: أي حافظ الرهن على المرتهن ما كان مضمونا منه، وما لم يكن م: (وأجرة الراعي) ش: كذلك على المرتهن، وكذلك المساوي للبقر والغنم لا على الراهن م: (ونفقة الرهن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 489 على الراهن. والأصل أن ما يحتاج إليه لمصلحة الرهن وتبقيته فهو على الراهن، سواء كان في الرهن فضل أو لم يكن؛ لأن العين باق على ملكه. وكذلك منافعه مملوكة له فيكون إصلاحه وتبقيته عليه لما أنه مؤنة ملكه كما في الوديعة، وذلك مثل النفقة في مأكله ومشربه وأجرة الراعي في معناه؛ لأنه علف الحيوان. ومن هذا الجنس كسوة الرقيق وأجرة ظئر ولد الرهن وسقي البستان وكري النهر وتلقيح نخيله وجذاذه والقيام بمصالحه وكل ما كان لحفظه أو لرده إلى يد المرتهن أو لرد جزء منه فهو على المرتهن مثل أجرة الحافظ؛ لأن الإمساك حق له والحفظ واجب عليه، فيكون بدله عليه [ ..... ] .   [البناية] على الراهن والأصل) ش: في هذا الباب م: (أن ما يحتاج إليه لمصلحة الرهن وتبقيته فهو على الراهن، سواء كان في الرهن فضل أو لم يكن؛ لأن العين) ش: أي عين الرهن م: (باق على ملكه) ش: أي على ملك الراهن. م: (وكذلك منافعه مملوكة له فيكون إصلاحه وتبقيته عليه لما أنه مؤنة ملكه كما في الوديعة) ش: أنه على المودع م: (وذلك مثل النفقة في مأكله ومشربه) ش: وليس هذا كالعبد الموصي بخدمته، فإن نفقته على الموصى له لا على الوارث، لأن الموصي به له أحق بمنافعه م: (وأجرة الراعي في معناه) ش: أي معنى الإنفاق، والمأكل والمشرب م: (لأنه علف الحيوان) ش: أي لأن الأجر على الحيوان لأنه سببه. وقال تاج الشريعة: فإن قلت: كما أن الراعي ليسوق الدابة للعلف يحفظها أيضا، والحفظ على المرتهن، والعلف على الراهن، فيجب أن يكون الأجر عليهما؟. قلت: الراعي للأعلاف لا للحفظ، ألا ترى أن السارق من المرعى لا يقطع، ولأن الحفظ تبع، والأجر بالأصل فالبر سائل دون الأطراف. وعند البعض: أجرة الراعي على المرتهن؛ لأنه محبوس لأجله فيكون نفقته عليه كنفقة المبيع على البائع لا على المالك وهو المشتري؛ لأنه محبوس على البائع، لكنا نقول: إن معظم المنافع في إمساك الرهن حاصل للراهن، فتكون نفقته عليه، ونفقة المستأجر على الآجر لهذا المعنى. م: (ومن هذا الجنس) ش: أي من جنس ما يحتاج إليه لمصلحة الرهن وبتبقيته م: (كسوة الرقيق وأجرة ظئر ولد الرهن وسقي البستان) ش: أي حفره من كريت كريا م: (وكري النهر وتلقيح نخيله) ش: وهو وضع طلع الذكر في طلع الأنثى أو ما ينشق م: (وجذاذه) ش: بالجيم المكسورة وبالذالين المعجمتين ما قطع من الشيء م: (والقيام بمصالحه وكل ما كان لحفظه) ش: أي لحفظ الرهن م: (أو لرده إلى يد المرتهن) ش: مثل جعل الآبق م: (أو لرد جزء منه) ش: كمداومة الجراح م: (فهو على المرتهن مثل أجرة الحافظ؛ لأن الإمساك حق له والحفظ واجب عليه، فيكون بدله عليه [ .... .... ] ) ش: هذا بياض وجد من قلم الناسخين. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 490 وكذلك أجرة البيت الذي يحفظ الرهن فيه، وهذا في ظاهر الرواية. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن كراء المأوى على الراهن بمنزلة النفقة؛ لأنه سعى في تبقيته. ومن هذا القسم جعل الآبق، فإنه على المرتهن؛ لأنه محتاج إلى إعادته يد الاستيفاء التي كانت له ليرده، فكانت مؤنة الرد فيلزمه، وهذا إذا كانت قيمة الرهن والدين سواء، وإن كانت قيمة الرهن أكثر فعلية بقدر المضمون، وعلى الراهن بقدر الزيادة عليه؛ لأنه أمانة في يده، والرد لإعادة اليد، ويده في الزيادة يد المالك إذ هو كالمودع فيها، فلهذا يكون على المالك، وهذا بخلاف أجرة البيت الذي ذكرناه، فإن كلها تجب على المرتهن، وإن كان في قيمة الرهن فضل؛ لأن وجوب ذلك بسبب الحبس، وحق الحبس في الكل ثابت له. فأما الجعل إنما يلزمه.   [البناية] وجعل الآبق لازم للمرتهن إذا كان في الرهن والدين سواء، وإن كان قيمة الرهن أكثر كان على المرتهن بقدر المضمون، وعلى الراهن بقدر الأمانة. وذكر ابن سماعة عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الجعل في رقبة العبد إن أداه الراهن حسب ما قضاه من المرتهن فإنما أصلح رهنه ودينه على حال ثابت، م: (وكذلك أجرة البيت الذي يحفظ الرهن فيه، وهذا في ظاهر الرواية) . م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن كراء المأوى) ش: أي المكان الذي تأوي إليه الدواب م: (على الراهن بمنزلة النفقة، لأنه سعى في تبقيته) ش: وقال الأترازي: وروى ابن سماعة عن أبي يوسف في الراهن والمرتهن اختلفا في مأوى البقر والغنم والدواب الذي تأوي إليه: فإن كان عند المرتهن سعة فهو في منزله، وإن أبى ذلك يكتري لها ويكون الكراء على الراهن م: (ومن هذا القسم) ش: أي من القسم الذي تجعلونه على المرتهن م: (جعل الآبق، فإنه على المرتهن لأنه محتاج إلى إعادة يد الاستيفاء التي كانت له ليرده، فكانت مؤنة الرد: فيلزمه) ش: وعند الأئمة الثلاثة: الكل على الراهن، لأن الملك له. م: (وهذا) ش: أي جعل الآبق الذي على المرتهن م: (إذا كانت قيمة الرهن والدين سواء، وإن كانت قيمة الرهن أكثر فعليه) ش: أي على المرتهن م: (بقدر المضمون، وعلى الراهن بقدر الزيادة عليه؛ لأنه أمانة في يده والرد لإعادة اليد) ش: أي يد المرتهن م: (ويده في الزيادة يد المالك إذ هو كالمودع فيها) ش: أي المرتهن كالمودع في الزيادة م: (فلهذا يكون على المالك، وهذا) ش: أي المذكور م: (بخلاف أجرة البيت الذي ذكرناه) ش: يعني فيما تقدم من قوله: وأجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن على المرتهن م: (فإن كلها) ش: أي كل الأجرة م: (تجب على المرتهن، وإن كان في قيمة الرهن فضل) ش: كلمة "إن" واصلة بما قبلها م: (لأن وجوب ذلك بسبب الحبس) ش: عند المرتهن م: (وحق الحبس في الكل ثابت له) ش: أي للمرتهن م: (فأما الجعل إنما يلزمه) ش: أي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 491 لأجل الضمان، فيتقدر بقدر المضمون. قال: ومداواة الجراحة والقروح. ومعالجة الأمراض والفداء من الجناية تنقسم على المضمون والأمانة والخراج على الراهن خاصة، لأنه مؤن الملك. قال: والعشر فيما يخرج مقدم على حق المرتهن لتعلقه بالعين، ولا يبطل الرهن في الباقي؛ لأن وجوبه لا ينافي ملكه، بخلاف الاستحقاق.   [البناية] المرتهن م: (لأجل الضمان) ش: على المرتهن، وإذا كان كذلك م: (فيتقدر بقدر المضمون) ش: من الدين. م: (قال: ومداواة الجراحة والقروح ومعالجة الأمراض والفداء من الجناية تنقسم على المضمون والأمانة) ش: هذا إذا حدثت هذه الأشياء عند المرتهن، أما إذا حدثت عند الراهن كان عليه، قاله تاج الشريعة ناقلا عن المشايخ. وقال الأترازي: والفداء من الجناية والدين الذي يلحق الرهن بالأموال الذي يضمنها بالاستهلاك إذا وجب ذلك في الرهن، وأن ذلك في حقها في حق كل واحد من الراهن والمرتهن، لأن جناية المضمون في يد الضامن يجري مجرى جناية الضامن، فيكون من ماله. وأما جناية الأمانة فإنها كجناية الوديعة، فتكون على الراهن. م: (والخراج على الراهن خاصة؛ لأنه من مؤن الملك. قال: والعشر فيما يخرج مقدم على حق المرتهن لتعلقه بالعين) ش: أي لتعلق العشر بالعين، فيكون مقدما على حق المرتهن، لأن حق المرتهن يتعلق بالرهن من حيث المالية لا من حيث العين، والعين مقدم على المالية. صورة المسألة: أن في الرهن أرضا فيها نخل وشجر وزرع ارتهن ذلك معها وهي من أرض العشر فأخذ السلطان العشر من الزرع، فإن ذلك لا يسقط شيئا من الدين إذ لو سقط أدى إلى أن يصير قابضا بمال واحد حقين الدين والعشر، وهذا لا يجوز. م: (ولا يبطل الرهن في الباقي) ش: هذا النفي ترد على قوله: لتعلق العشر بالعين، يعني لما كان متعلقا بالعين يصير كما لو استحق بعض العين، فأجاب عن هذا بقوله: ولا يبطل الرهن في الباقي بعد أخذه من العشر م: (لأن وجوبه) ش: أي وجوب العشر م: (لا ينافي ملكه) ش: في جميع ما رهنه، ألا ترى أنه لو باعه جاز، ولو أدى العشر من موضع آخر جاز، فصح الرهن في الكل ثم خرج فعين لم يتمكن الشيوع في الرهن لا مقارنا ولا طارئا م: (بخلاف الاستحقاق) ش: يعني إذا ظهر مستحق بقدر لم يصح الرهن فيه، لأنه ملك الغير فلم يصح الرهن فيه، وكذا فيما وراءه لأنه مشاع. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 492 قال: وما أداه أحدهما مما وجب على صاحبه فهو متطوع، وما أنفق أحدهما مما يجب على الآخر بأمر القاضي رجع عليه، كأن صاحبه أمره به؛ لأن ولاية القاضي عامة. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يرجع إذا كان صاحبه حاضرا وإن كان بأمر القاضي. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يرجع في الوجهين، وهي فرع مسألة الحجر، والله أعلم.   [البناية] م: (قال: وما أداه أحدهما) ش: أي من الراهن، والمرتهن م: (مما وجب على صاحبه) ش: من أجرة وغيرها م: (فهو متطوع) ش: لأنه قضى دين غيره بغير أمره م: (وما أنفق أحدهما مما يجب على الآخر بأمر القاضي رجع عليه) ش:. وفي " الذخيرة ": لا يكفي مجرد الأمر بالاتفاق، ولا بد أن يجعله دينا على الراهن، وعليه أكثر مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (كأن صاحبه أمره به؛ لأن ولاية القاضي عامة. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يرجع إذا كان صاحبه حاضرا وإن كان بأمر القاضي) ش: رواه الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف وعن أبي حنيفة - رحمهما الله -. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرجع في الوجهين) ش: يعني في حضرة صاحبه وغيبته م: (وهي فرع مسألة الحجر، والله أعلم) ش: فمذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن القاضي لا يلي على الحاضر، وعندهما: يلي عليه، وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": فأبو حنيفة لا يرى حجر القاضي على الحر، فلا يكون نافذا حال غيبته وحضوره، وعندهما: للقاضي ولاية حجره حال غيبته وحضوره، فينفذ عليه أمر القاضي حال غيبته وحضوره. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 493 باب في بيان ما يجوز ارتهانه والارتهان به وما لا يجوز قال: ولا يجوز رهن المشاع، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز. ولنا فيه وجهان: أحدهما: يبتنى على حكم الرهن فإنه عندنا ثبوت يد الاستيفاء، وهذا لا يتصور فيما يتناوله العقد وهو المشاع، وعنده المشاع يقبل ما هو الحكم عنده، وهو تعينه للبيع.   [البناية] [باب في بيان ما يجوز ارتهانه والارتهان به وما لا يجوز] [رهن المشاع] م: (باب في بيان ما يجوز ارتهانه والارتهان به وما لا يجوز) ش: أي هذا باب في بيان ما يجوز ارتهانه وما لا يجوز الارتهان به، وفي بيان ما لا يجوز ارتهانه. ولما ذكر الرهن مطلقا شرح هنا في بيانه مفصلا، لأن التفصيل بعد الإجمال. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يجوز رهن المشاع) ش: سواء كان شائعا فيما ينقسم أو لا ينقسم فلا يجوز رهن نصف دار ولا نصف أرض ولا نصف عهد ولا سهم من سهام ذلك وسواء رهن المشاع من شريكه في ذلك أو من غيره، ذكر الكرخي كل ذلك في "مختصره ". وذكر القدوري عدم جواز رهن المشاع ولم يتعرض أنه باطل أو فاسد، وفي " المغني " و" الذخيرة " إشارة إلى أنه فاسد لا باطل، حيث قال: فالمقبوض بحكم الرهن الفاسد مضمون في الصحيح وفي الرهن باطل، لأن الباطل لا ينعقد أصلا. فكان كالبيع الباطل والفاسد ينعقد، فكان كالبيع الفاسد. وشرط انعقاد الرهن أن يكون مالا والمقابل به مالا مضمونا، فإذا وجد شرائط الجواز ينعقد صحيحا، وإذا فقد شرطا من شرائط جوازه ينعقد فاسدا وفي كل موضع لم يكن الرهن مالا، أو لم يكن المقابلة به مضمونة لا ينعقد الرهن أصلا. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز) ش: وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور والأوزاعي وابن أبي ليلى والبستي. م: (ولنا فيه) ش: أي في أمر الرهن م: (وجهان) ش: أي طريقان م: (أحدهما) ش: أي أحد الوجهين م: (يبتنى على حكم الرهن، فإنه) ش: أي في بيانه حكم الرهن م: (عندنا ثبوت يد الاستيفاء، وهذا) ش: أي ثبوت يد الاستيفاء م: (لا يتصور فيما يتناوله العقد وهو المشاع) ش: لأن حكم الرهن هو الحبس الدائم، وحبس المشاع لا يتصور فلا يصح رهن المشاع. م: (وعنده) ش: أي وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أدرج المصنف دليل الشافعي بين الوجهين، وهو: أن عنده: م: (المشاع يقبل ما هو الحكم عنده وهو تعينه للبيع) ش: والمشاع عين يجوز بيعه فيجوز رهنه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 494 والثاني: أن موجب الرهن هو الحبس الدائم؛ لأنه لم يشرع إلا مقبوضا بالنص أو بالنظر إلى المقصود منه وهو الاستيثاق من الوجه الذي بيناه، وكل ذلك يتعلق بالدوام، ولا يفضي إليه إلا استحقاق الحبس. ولو جوزناه في المشاع يفوت الدوام، لأنه لا بد من المهايأة، فيصير كما إذا قال: رهنتك يوما ويوما لا، ولهذا لا يجوز فيما يحتمل القسمة وما لا يحتملها بخلاف الهبة حيث تجوز فيما لا يحتمل القسمة؛ لأن المانع في الهبة غرامة القسمة وهو فيما يقسم، أما حكم الهبة الملك والمشاع يقبله، وهاهنا الحكم ثبوت يد الاستيفاء والمشاع لا يقبله وإن كان لا يحتمل القسمة، ولا يجوز من شريكه؛ لأنه لا يقبل حكمه على الوجه الأول، وعلى الوجه الثاني يسكن يوما بحكم الملك ويوما بحكم الرهن، فيصير كأنه رهن يوما ويوما لا   [البناية] م: (والثاني) ش: أي الوجه الثاني: م: (أن موجب الرهن هو الحبس الدائم) ش: يعني موجب حكمه، يعني لازمه الحبس الدائم، لأن معناه الحس لغة من أي سبب كان م: (لأنه) ش: أي لأن الرهن م: (لم يشرع إلا مقبوضا بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] (البقرة: الآية 283) م: (أو بالنظر) ش: ولم يشرع إلا بالنظر م: (إلى المقصود منه وهو الاستيثاق من الوجه الذي بيناه) ش: وهو قوله فيما تقدم ليكون عاجزا عن الانتفاع به، فيتسارع إلى قضاء الدين لحاجته أو لضجره م: (وكل ذلك) ش: أي من يد الاستيفاء والحبس الدائم والاستيثاق م: (يتعلق بالدوام) ش: أي دوام اليد م: (ولا يفضي إليه) ش: أي إلى دوام الحبس م: (إلا استحقاق الحبس، ولو جوزناه) ش: أي الرهن م: (في المشاع يفوت الدوام) ش: أي استحقاق دوام اليد م: (لأنه لا بد من المهايأة) ش: مع المالك في الإمساك م: (فيصير كما إذا قال: رهنتك يوما ويوما لا) ش: وأنه لا يجوز. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن الدوام ثبوت في المشاع م: (لا يجوز فيما يحتمل القسمة وما لا يحتملها) ش: في الرهن م: (بخلاف الهبة حيث تجوز فيما لا يحتمل القسمة؛ لأن المانع في الهبة غرامة القسمة وهو فيما يقسم) ش: لا فيما لا يقسم، م: (أما حكم الهبة الملك والمشاع يقبله) ش: أي يقبل الملك م: (وهاهنا) ش: أي في الرهن م: (الحكم ثبوت يد الاستيفاء والمشاع لا يقبله، وإن كان لا يحتمل القسمة) ش: لأن اليد لا تثبت حقيقة إلا على جزء معين. م: (ولا يجوز) ش: أي الرهن م: (من شريكه؛ لأنه لا يقبل حكمه) ش: وهو ثبوت يد الملك م: (على الوجه الأول) ش: وهو ثبوت يد الاستيفاء م: (وعلى الوجه الثاني) ش: أي موجب الرهن هو الحبس الدائم م: (يسكن يوما بحكم الملك ويوما بحكم الرهن، فيصير كأنه رهن يوما ويوما لا) ش: فلو صرح بذلك بأن قال: رهنتك يوما ويوما: لا يجوز فكذا هنا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 495 والشيوع الطارئ يمنع بقاء الرهن في رواية الأصل، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يمنع، لأن حكم البقاء أسهل من حكم الابتداء، فأشبه الهبة. وجه الأول: أن الامتناع لعدم المحلية وما يرجع إليه فالابتداء والبقاء سواء كالمحرمية في باب النكاح، بخلاف الهبة؛ لأن المشاع يقبل حكمها وهو الملك، واعتبار القبض في الابتداء لنفي الغرامة على ما بيناه. ولا حاجة إلى اعتباره في حالة البقاء، ولهذا يصح الرجوع في بعض الهبة ولا يجوز فسخ العقد في بعض الرهن.   [البناية] م: (والشيوع الطارئ يمنع بقاء الرهن في رواية الأصل) ش: صورته: أن يوكل الراهن العدل بيع الرهن كيف رأى مجتمعا ومتفرقا فيبيع بعض العين أو يرهن فلبائعه عشرون درهما فضة بعشرة دراهم، فيكسر فيضمن المرتهن نصف القلب وهي حصة المضمون، وتبقى حصة الأمانة رهنا فيقطع حتى لا يكون مشاعا، والشيوع الطارئ كالمقارن، فلا يصح، وهو الصحيح. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه ابن سماعة عنه: م: (أنه) ش: أي أن الشيوع الطارئ م: (لا يمنع؛ لأن حكم البقاء أسهل من حكم الابتداء) ش: بدليل أن العدل يبيع الرهن فيصير الثمن في ذمة المشتري رهنا. ولو رهنه في الابتداء دينا لم يجز، فكذلك لا يمنع أن يصح الرهن في المشاع في حال البقاء، وإن لم يصح في حال الابتداء، أو لأنه عقد من شرط صحة القبض، والإشاعة الطارئة لا تؤثر فيه م: (فأشبه الهبة) ش: حيث لا يمنع الإشاعة الطارئة من بقاء الهبة. م: (وجه الأول) ش: وهو رواية الأصل: م: (أن الامتناع لعدم المحلية) ش: أي محلية الاستيفاء م: (وما يرجع إليه) ش: أي المحل م: (فالابتداء والبقاء سواء) ش: فيه م: (كالمحرمية في باب النكاح) ش: فإنه لا يفرق فيه بين الابتداء والبقاء م: (بخلاف الهبة؛ لأن المشاع يقبل حكمها) ش: أي حكم الهبة م: (وهو الملك، واعتبار القبض في الابتداء لنفي الغرامة) ش: أي غرامة القسمة. بيانه: أنا لو ثبتنا الملك قبل القبض يطلب الراهن بالتسليم فيلزم مؤنة القسمة، وهو لم يلتزم بذلك م: (على ما بيناه) ش: إشارة إلى قوله: غرامة القيمة وهي فيما يقسم، م: (ولا حاجة إلى اعتباره) ش: أي اعتبار القبض م: (في حالة البقاء) ش: لما مر أنه شرط تمام العقد. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن الملك حكم الهبة والمشاع لا ينافيه م: (يصح الرجوع في بعض الهبة) ش: بخلاف الرهن، فإن حكمه ملك الحبس الدائم والإشاعة تنافيه فلم يصح التفاسخ في بعض الرهن، وهو معنى قوله: م: (ولا يجوز فسخ العقد في بعض الرهن) ش: لأن دوام القبض حكمه والشيوع ينافي ذلك، فإذا كان كذلك لا يجوز فسخه في البعض. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 496 قال: ولا رهن ثمرة على رؤوس النخيل دون النخيل، ولا زرع الأرض دون الأرض، ولا رهن النخيل في الأرض دونها، لأن المرهون متصل بما ليس بمرهون خلقة، فكان في معنى الشائع. قال: وكذا إذا رهن الأرض دون النخيل أو دون الزرع أو النخيل دون الثمر، لأن الاتصال يقوم بالطرفين، فصار الأصل أن المرهون إذا كان متصلا بما ليس بمرهون لم يجز؛ لأنه لا يمكن قبض المرهون وحده. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن رهن الأرض بدون الشجر جائز؛ لأن الشجر اسم للنابت فيكون استثناء الأشجار بمواضعها، بخلاف ما إذا رهن الدار دون البناء، لأن البناء اسم للمبنى، فيصير راهنا جميع الأرض وهي مشغولة بملك الراهن. قال: ولو رهن النخيل بمواضعها جاز، لأن هذه مجاورة وهي لا تمنع الصحة.   [البناية] [رهن ثمرة على رؤوس النخل دون النخل] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا رهن ثمرة) ش: بهذا عطف على قوله: ولا يجوز رهن المشاع، أي ولا يجوز رهن ثمرة م: على رؤوس النخل دون النخل) ش: أي دون رهن النخل م: (ولا زرع الأرض) ش: أي ولا يجوز رهن زرع في الأرض م: دون الأرض) ش: أي دون رهن الأرض م: (ولا رهن النخيل) ش: أي ولا يجوز رهن النخيل م: في الأرض دونها) ش: دون الأرض م: (لأن المرهون متصل بما ليس بمرهون خلقة) ش: أي من حيث الخلقة م: (فكان في معنى الشائع) ش: وذلك غير جائز، لأنه لا يتأتى القبض فيه وحده. م: (وكذا) ش: أي وكذا لا يجوز م: (إذا رهن الأرض دون النخيل أو دون الزرع أو النخيل) ش: أي أو رهن م: (دون الثمر؛ لأن الاتصال يقوم بالطرفين) ش: أي الاتصال بين الأرض والنخيل أو الزرع يقوم بطرف كل واحد منهما، فيكون المرهون متصلا بغيره لا يمكن حبسه دونه، فكان في معنى رهن المشاع فلا يجوز م: (فصار الأصل أن المرهون إذا كان متصلا بما ليس بمرهون لم يجز؛ لأنه لا يمكن قبض المرهون وحده) ش: للاتصال بين المرهون وغيره. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن رهن الأرض بدون الشجر جائز) ش: رواه الحسن عنه م: (لأن الشجر اسم للنابت) ش: على الأرض، ولهذا يسمى بعد القطع جذعا لا شجرا م: (فيكون استثناء الأشجار بمواضعها) ش: من الأرض، فكان عقد الرهن متناولا ما سوى ذلك من الموضع من الأرض معين معلوم غير مشاع. وقال القدوري في "شرحه ": والمشهور أن الرهن باطل. ووجهه: أن الرهن مشغول بما ليس برهن، فصار كرهن الأرض التي فيها متاع للراهن م: (بخلاف ما إذا رهن الدار دون البناء؛ لأن البناء اسم للمبنى، فيصير راهنا جميع الأرض وهي مشغولة بملك الراهن) ش: فلا يجوز. م: (قال: ولو رهن النخيل بمواضعها جاز، لأن هذه) ش: أي مواضعها م: (مجاورة) ش: لمكان النخل لأن مواضع النخل بقعة معينة مجاورة لغيرها م: (وهي لا تمنع الصحة) ش: لأنها لا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 497 قال: ولو كان فيه ثمر يدخل في الرهن، لأنه تابع لاتصاله به فيدخل تبعا تصحيحا للعقد، بخلاف البيع، لأن بيع النخيل بدون الثمر جائز ولا ضرورة إلى إدخاله من غير ذكره. وبخلاف المتاع في الدار حيث لا يدخل في رهن الدار من غير ذكر، لأنه ليس بتابع بوجه ما. وكذا يدخل الزرع والرطبة في رهن الأرض، ولا يدخل في البيع لما ذكرنا في الثمرة. قال: ويدخل البناء والغرس في رهن الأرض والدار والقرية، لما ذكرنا. قال: ولو رهن الدار بما فيها جاز ولو استحق بعضه إن كان الباقي يجوز ابتداء الرهن عليه وحده بقي رهنا بصحته   [البناية] تكون في معنى المشاع م: (قال: ولو كان فيه) ش: أي في النخل الذي رهنه بمواضعه م: (ثمر يدخل في الرهن؛ لأنه تابع لاتصاله به) ش: أي لاتصال الثمر بالنخل م: (فيدخل تبعا تصحيحا للعقد) ش: إذ لو لم يدخل التمر في الرهن كان في معنى رهن المشاع. م: (بخلاف البيع) ش: حيث لا يدخل الثمار إلا بالذكر، لأن تصحيح البيع في النخل ممكن، لأن الشيوع لا يمنع صحة البيع، بخلاف الرهن م: (لأن بيع النخيل بدون الثمر جائز، ولا ضرورة إلى إدخاله من غير ذكره، وبخلاف المتاع في الدار حيث لا يدخل في رهن الدار من غير ذكر) ش: هذا عطف على قوله: بخلاف البيع، يعني كما أن الثمر لا يدخل من غير ذكر في بيع النخل، فكذلك لا يدخل المتاع في الدار في رهن الدار بلا ذكر م: (لأنه ليس بتابع بوجه ما) ش: أي بوجه من الوجوه. م: (وكذا يدخل الزرع والرطبة) ش: وهي البرسيم في لغة أهل مصر م: (في رهن الأرض، ولا يدخل في البيع لما ذكرنا في الثمرة) ش: إشارة إلى قوله: لأنه تابع، م: (قال: ويدخل البناء والغرس في رهن الأرض والدار والقرية) ش: بأن قال: رهنتك هذه الدار أو هذه الأرض أو هذه القرية. وأطلق القول ولم يخص شيئا يدخل البناء والغرس م: (لما ذكرنا) ش: أنه تبع، ويدخلان في الرهن ولا يشبه الرهن البيع، لأن الرهن لم يخرج من ملك الراهن بعقد الرهن، وخرج ملك البائع بالبيع. [رهن الدار بما فيها] م: (قال: ولو رهن الدار بما فيها جاز، ولو استحق بعضه إن كان الباقي يجوز ابتداء الرهن عليه وحده بقي رهنا بحصته) ش: يعني إذا كان الباقي معززا بقي الرهن فيه بحصته، أي مضمونا بحصته من الدين، للراهن حكمان، وصيرورة الرهن محبوسا بالدين ومضمونا بالأقل من قيمته ومن الدين. فإذا استحق بعضا بعينه بقي الباقي مضمونا بالأقل مما بصحته من الدين. ومن قيمته، ويبقى محبوسا بجميع الدين، ولكنه يكون محبوسا مضمونا بحصته من الدين بأن يقسم الدين على قيمة الباقي وقيمة المستحق، فما أصاب الباقي فهلك بحصته. وما أصاب المستحق بقي دينا في ذمته. وإن كان في قيمة الباقي وفاء بالدين لا يذهب الجزء: 12 ¦ الصفحة: 498 وإلا بطل كله، لأن الرهن جعل كأنه ما ورد إلا على الباقي، ويمنع التسليم كون الراهن أو متاعه في الدار المرهونة، وكذا متاعه في الوعاء المرهون، ويمنع تسليم الدابة المرهونة الحمل عليها، فلا يتم حتى يلقي الحمل؛ لأنه شاغل لها. بخلاف ما إذا رهن الحمل دونها حيث يكون رهنا تاما إذا دفعها إليه؛ لأن الدابة مشغولة به، فصار كما إذا رهن متاعا في دار أو في وعاء دون الدار والوعاء. بخلاف ما إذا رهن سرجا على دابة أو لجاما في رأسها ودفع الدابة مع السرج واللجام، حيث لا يكون رهنا حتى ينزعه منها ثم يسلمه إليه؛ لأنه من توابع الدابة بمنزلة الثمرة للنخيل   [البناية] جميع الدين، بخلاف ما لو رهن الباقي ابتداء وفيه وفاء بالدين م: (وإلا بطل كله) ش: يعني وإن لم يكن الباقي يجوز ابتداء الرهن عليه وحده بأن كان شائعا بطل جميعه، م: (لأن الرهن جعل كأنه ما ورد إلا على الباقي) ش: أي من المستحق، فصار راهنا لما بقي وهو مقدر. م: (ويمنع التسليم) ش: أي تسليم الرهن إلى المرتهن م: (كون الراهن أو متاعه) ش: أي أو كون متاعه م: (في الدار المرهونة) ش: قال القدوري في "شرحه ": قال الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا رهنه دارا والراهن والمرتهن جميعا في جوفها فقال: قد سلمتها إليك ودفعتها إليك رهنا، فقال المرتهن: قد قبلت، لم يكن رهنا حتى يخرج الراهن من الدار، فإن خرج من الدار بعد ذلك لم يتم الرهن، إلا أن يقول الراهن: قد سلمتها بعدما خرج، وذلك أنهما إذا كانا في الدار، فيد صاحب الدار ثابتة فيها فلم يصح تسليمه إلى المرتهن. وإذا لم يصح ذلك التسليم حتى يخرج يحتاج إلى تجديد تسليم آخر. م: (وكذا) ش: أي وكذا يمنع التسليم كون م: (متاعه في الوعاء المرهون) ش: وفي " شرح الطحاوي " الحيلة لصحة التسليم أن يودع أولا ما فيه عند المرتهن لم يسلم إليه ما رهن م: (ويمنع تسليم الدابة المرهونة الحمل، عليها فلا يتم) ش: أي الرهن م: (حتى يلقى الحمل؛ لأنه شاغل لها) ش: أي للدابة كشغل الدار بالمتاع. وقال الشافعي وأحمد -رحمهما الله -: يصح تسليمه في جميع ما ذكر من المسائل إلى قوله: ولا يصح الرهن بالأمانات. م: (بخلاف ما إذا رهن الحمل دونها) ش: أي دون الدابة م: (حيث يكون رهنا تاما إذا دفعها إليه، لأن الدابة مشغولة به) ش: أي بالحمل والرهن ليس بمشغول بغيره ولا تابع له م: (فصار كما إذا رهن متاعا في دار أو في وعاء دون الدار والوعاء) ش: فيه لف ونشر م: (بخلاف ما إذا رهن سرجا على دابة أو لجاما في رأسها) ش: أي رهن لجاما كائنا في رأس الدابة م: (ودفع الدابة مع السرج واللجام، حيث لا يكون رهنا حتى ينزعه منها ثم يسلمه إليه؛ لأنه) ش: أي لأن كل واحد من السرج واللجام م: (من توابع الدابة) ش: فلا يصح إفراده عنها بالرهن م: (بمنزلة الثمرة للنخيل) ش: حيث الجزء: 12 ¦ الصفحة: 499 حتى قالوا: يدخل فيه من غير ذكر. قال: ولا يصح الرهن بالأمانات كالودائع والعواري والمضاربات. قال: ومال الشركة، لأن القبض في باب الرهن قبض مضمون، فلا بد من ضمان ثابت ليقع القبض مضمونا، ويتحقق استيفاء الدين منه. قال: وكذلك لا يصح بالأعيان المضمونة بغيرها كالمبيع في يد البائع، لأن الضمان ليس بواجب، فإنه إذا هلك العين لم يضمن البائع شيئا، لكنه يسقط الثمن وهو حق البائع فلا يصح الرهن، فأما الأعيان المضمونة بعينها وهو أن يكون مضمونا بالمثل أو بالقيمة عند هلاكه مثل المغصوب وبدل الخلع والمهر وبدل الصلح عن دم العمد يصح الرهن بها؛ لأن الضمان متقرر، فإنه إذا كان قائما وجب تسليمه، وإن كان هالكا تجب قيمته، فكان رهنا بما هو مضمون فيصح.   [البناية] لا يدخل في البيع إلا بذكرها. م: (حتى قالوا) ش: أي المشايخ م: (يدخل فيه) ش: أي في الرهن م: (من غير ذكر) ش: يعني لو رهن دابة عليها سرج أو لجام دخل ذلك في الرهن من غير ذكر تبعا. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا يصح الرهن بالأمانات كالودائع والعواري والمضاربات. قال: ومال الشركة) ش: ولا خلاف فيه، والفرق بين الوديعة والأمانة أن في الوديعة إثبات اليد قصدا. بخلاف الأمانة، لأن فيها إثبات اليد ضمنا، كما إذ هب ريح وألقى ثوبا في حجر غيره. وأيضا أن في الوديعة إذا خالف ثم عاد إلى الوفاق وعن الضمان بخلاف الأمانة م: (لأن القبض في باب الرهن قبض مضمون، فلا بد من ضمان ثابت ليقع القبض مضمونا، ويتحقق استيفاء الدين منه) ش: وإذا كان كذلك فلا يصح بهذه الأشياء. م: (قال: وكذلك لا يصح بالأعيان المضمونة بغيرها كالمبيع في يد البائع؛ لأن الضمان ليس بواجب، فإنه إذا هلك العين لم يضمن البائع شيئا، لكنه يسقط الثمن وهو حق البائع فلا يصح الرهن. فأما الأعيان المضمونة بعينها وهي أن يكون مضمونا بالمثل) ش: في المثليات م: (أو بالقيمة) ش: في ذوات القيم م: (عند هلاكه مثل المغصوب وبدل الخلع والمهر وبدل الصلح عن دم العمد يصح الرهن بها؛ لأن الضمان متقرر، فإنه إذا كان قائما وجب تسليمه، وإن كان هالكا تجب قيمته، فكان رهنا بما هو مضمون فيصح) ش: أي الرهن. وفي " شرح الطحاوي ": ولو هلك الرهن في يده قبيل استرداد العين والعين المضمون قائم في يد الراهن، يقال له: سلم العين الذي في يدك وخذ من المرتهن الأقل من قيمة الرهن ومن قيمة ما رهن، لأن الرهن مضمون عندنا كذلك. ولو هلك العين المضمون قبل هلاك الرهن فيصير الرهن رهنا بقيمة العين المضمون، فإذا هلك الرهن بعد ذلك هلك بالأقل من قيمته ومن قيمة الرهن الذي كان رهنا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 500 قال: والرهن بالدرك باطل، والكفالة بالدرك جائزة. والفرق أن الرهن للاستيفاء ولا استيفاء قبل الوجوب، وإضافة التمليك إلى زمان في المستقبل لا تجوز. أما الكفالة فلالتزام المطالبة والتزام الأفعال يصح مضافا إلى المال كما في الصوم والصلاة. ولهذا تصح الكفالة بما ذاب له على فلان ولا يصح الرهن، فلو قبضه قبل الوجوب فهلك عنده يهلك أمانة؛ لأنه لا عقد حيث وقع باطلا. بخلاف الرهن بالدين الموعود، وهو أن يقول: رهنتك هذا لتقرضني ألف درهم، وهلك في يد المرتهن حيث يهلك بما سمى من المال بمقابلته   [البناية] [والرهن بالدرك] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (والرهن بالدرك باطل) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وصورته: أن يأخذ المشتري من البائع رهنا بالثمن لو أدركه درك فإنه باطل، حتى إذا حبس الرهن فهلك عنده هلك أمانة حل إدراك أو لم يحل، والدرك في اللغة: عبارة عن التبعية من كل شيء ويراد به ضمان الثمن عند استحقاق المبيع م: (والكفالة بالدرك جائزة) ش: بلا خلاف إلا في قول الشافعي: لا يصح، وأحمد في رواية. م: (والفرق) ش: بين الدركين م: (أن الرهن للاستيفاء ولا استيفاء قبل الوجوب) ش: أي قبل وجوب الحق م: (وإضافة التمليك إلى زمان في المستقبل لا تجوز) ش: بيانه أن الرهن فيه معنى التمليك، لأن الارتهان استيفاء، والرهن إيفاء، فكان فيه معنى المبادلة، والتمليك لا يصح تعليقها بالأخطار م: (أما الكفالة فلالتزام المطالبة) ش: يعني عقد التزام م: (والتزام الأفعال يصح مضافا إلى المال) ش: أي إلى زمان الاستقبال م: (كما في الصوم والصلاة) ش: يعني لو نذر بالصوم والصلاة يصح. وكذا لو نذر بالصدقة فإنها يحتمل تعليقا بالخطر، ويحتمل الإضافة إلى زمان الاستقبال. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون الكفالة التزام المطالبة وصحة التزام الأفعال مضاف إلى المال م: (تصح الكفالة بما ذاب له على فلان) ش: أي بما وجب له أو ظهر له ولم يجز الرهن بما تذوب له عليه، وهو معنى قوله: م: (ولا يصح الرهن، فلو قبضه قبل الوجوب) ش: أي فلو قبض المشتري الرهن في الدرك قبل حلول الدرك م: (فهلك عنده يهلك أمانة) ش: وكذا لو هلك بعد حلول الدرك م: (لأنه لا عقد حيث وقع باطلا) ش: أي لأن الشأن لا عقد للرهن، لكونه باطلا فلا ضمان. م: (بخلاف الرهن بالدين الموعود) ش: متصل بقوله يهلك أمانة عسى أنه لا يهلك أمانة، بل يهلك مضمونا. وبين المصنف صورة الدين الموعود بقوله م: (وهو أن يقول: رهنتك هذا لتقرضني ألف درهم، وهلك في يد المرتهن حيث يهلك بما سمى من المال بمقابلته) ش: أي بمقابلة الرهن. قال الأترازي: وفيه تسامح، لأنه يهلك بالأقل من قيمته، ومما سمى له من القيمة. ثم الجزء: 12 ¦ الصفحة: 501 لأن الموعود جعل كالموجود باعتبار الحاجة، ولأنه مقبوض بجهة الرهن الذي يصح على اعتبار وجوده، فيعطى كله حكمه كالمقبوض على سوم الشراء فيضمنه. قال: ويصح الرهن برأس مال السلم وبثمن الصرف والمسلم فيه. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز؛ لأن حكمه الاستيفاء، وهذا استبدال لعدم المجانسة وباب الاستبدال فيها مسدود. ولنا: أن المجانسة ثابتة في المالية، فيتحقق الاستيفاء من حيث المال وهو المضمون   [البناية] نقل عن الإمام الأسبيجابي أنه قال: هكذا في " شرح الطحاوي " م: (لأن الموعود جعل كالموجود) ش: في حالة عقد الرهن م: (باعتبار الحاجة) ش: فإن الرجل يحتاج إلى استقراض شيء، وصاحب المال لا يعطيه قبل قبض الرهن، فيجعل الدين الموعود موجودا احتياطا للجواز دفعا للحاجة عن المستقرض. م: (ولأنه مقبوض) ش: أي ولأن المأخوذ من القرض (بجهة الرهن الذي يصح على اعتبار وجوده) ش: لأنه جعل كالموجود م: (فيعطى كله حكمه) ش: أي حكم الدين المقبوض م: (كالمقبوض على سوم الشراء) ش: حيث أعطى له حكم الشراء، إلا أن المقبوض على سوم الشراء مضمون بالقيمة بالغة ما بلغت لا بالمسمى من الثمن والمقبوض على سوم الرهن مضمون بما سمى لا بالقيمة م: (فيضمنه) ش: أي إذا كان المقبوض بجهة الرهن الذي أعطى له حكم الدين المقبوض فيضمنه المرتهن القابض على سوم الرهن عن الدين الموعود؟ فإن قيل: قياس هذا بالمقبوض على سوم الشراء غير صحيح، لأن الواجب فيه القيمة وفيما نحن فيه الموعود. فالجواب: أن التساوي بين المقيس والمقيس عليه في جميع الوجوه ليس بلازم، واعتباره به من حيث إنه يهلك مضمونا لا أمانة. وأما الفرق بينهما فقد ذكرناه الآن. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويصح الرهن برأس مال السلم وبثمن الصرف والمسلم فيه) ش: ولا يعلم فيه خلاف للأئمة الثلاثة م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز؛ لأن حكمه) ش: أي حكم كل واحد من الثلاثة م: (الاستيفاء) ش: يعني إذا هلك الرهن كان المرتهن مستوفيا لدينه من الرهن واستيفاء غير رأس المال وبدل الصرف والمسلم فيه لا يجوز م: (وهذا) ش: أي الرهن م: (استبدال لعدم المجانسة) ش: يعني استبدال هذه الأشياء من غير جنسه لا يجوز، أشار إليه بقوله: م: (وباب الاستبدال فيها) ش: أي في هذه الأشياء م: (مسدود) ش: يعني لا يجوز أصلا. م: (ولنا: أن المجانسة ثابتة في المالية) ش: يعني من جنس حقه معنى، وهو المالية والمضمون في الرهن معناه لا صورة، لأنه صورة أمانة م: (فيتحقق الاستيفاء من حيث المال وهو المضمون) الجزء: 12 ¦ الصفحة: 502 على ما مر. قال: والرهن بالمبيع باطل لما بينا أنه غير مضمون بنفسه. قال: فإن هلك ذهب بغير شيء، لأنه لا اعتبار للباطل، فبقي قبضا بإذنه. قال: وإن هلك الرهن بثمن الصرف ورأس مال السلم في مجلس العقد تم الصرف والسلم، وصار المرتهن مستوفيا لدينه حكما لتحقيق القبض حكما. قال: وإن افترقا قبل هلاك الرهن بطلا لفوات القبض حقيقة وحكما. قال: وإن هلك الرهن بالمسلم فيه بطل السلم بهلاكه، ومعناه: أنه يصير مستوفيا للمسلم فيه فلم يبق السلم.   [البناية] ش: أي المال وهو المضمون في الرهن، فإذا هلك الرهن في المجلس ثم العقد، وصار مستوفيا لحقه م: (على ما مر) ش: إشارة إلى ما ذكر في أوائل كتاب الرهن والاستيفاء يقع بالمالية لا بالعين أمانة. [الرهن بالمبيع] م: (قال: والرهن بالمبيع باطل لما بينا أنه غير مضمون بنفسه) ش: لأنه ليس في مقابلته حق مضمون بنفسه، ألا ترى أن المبيع إذا هلك سقط ضمانه، ولا يجوز أن يكون رهنا بالثمن، لأن الثمن حق للبائع على المشتري، فلا يجوز أن يعطي به رهنا م: (قال: فإن هلك) ش: أي الرهن في يد المشتري م: (ذهب بغير شيء) ش: يعني سقط ضمانه م: (لأنه لا اعتبار للباطل) ش: وهو الرهن بالمبيع. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي " مبسوط شيخ الإسلام خواهر زاده " - رَحِمَهُ اللَّهُ - المشتري إذا أخذ رهنا من البائع من المبيع، فإن الرهن باطل، فلو هلك الرهن في يد المرتهن من غير فعله يهلك مضمونا بالأقل من قيمته ومن المبيع، لأن المرهون مال. فإذا كان باطلا م: (فبقي قبضا بإذنه قال: وإن هلك الرهن بثمن الصرف ورأس مال السلم في مجلس العقد تم الصرف والسلم وصار المرتهن مستوفيا لدينه حكما لتحقيق القبض حكما) ش: أي من حيث الحكم ولاتحاد الجنس من حيث المالية. وعند الثلاثة لا. م: (قال: وإن افترقا) ش: أي وإن افترق العاقدان في الصرف والسلم م: (قبل هلاك الرهن بطلا) ش: أي بطل الصرف والسلم م: (لفوات القبض حقيقة) ش: وهو ظاهر م: (وحكما) ش: لأن المرتهن إنما يصير قابضا بالهلاك، وكان بالتفريق فلا يثبت قبله، بخلاف ما إذا افترقا بعد هلاك الرهن، لأنه وجد القبض حكما فاستحكم العقد بالاستيفاء بالقبض السابق. م: (قال: وإن هلك الرهن بالمسلم فيه بطل السلم بهلاكه) ش: أي بهلاك الرهن. قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومعناه: أنه يصير مستوفيا للمسلم فيه فلم يبق السلم) ش: وقال الأترازي: هذا ليس على إطلاقه، لأنه إنما يصير مستوفيا للمسلم فيه إذا كان في الرهن وفاء به، أما إذا كان الرهن أقل منه فلا. ألا ترى إلى ما قال في باب السلم من" شرح الطحاوي ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 503 قال: ولو تفاسخا السلم وبالمسلم فيه رهن يكون ذلك رهنا برأس المال حتى يحبسه، لأنه بدله، فصار كالمغصوب إذا هلك وبه رهن يكون رهنا بقيمته. قال: ولو هلك الرهن بعد التفاسخ يهلك بالطعام السلم فيه لأنه رهنه به، وإن كان محبوسا بغيره كمن باع عبدا وسلم المبيع وأخذ بالثمن رهنا ثم تقايلا المبيع له أن يحبسه لأخذ البيع؛ لأن الثمن بدله، ولو هلك المرهون يهلك بالثمن لما بينا. وكذا لو اشترى عبدا شراء فاسدا وأدى ثمنه له أن يحبسه ليستوفي الثمن،   [البناية] فإن هلك الرهن في يده صار مستوفيا، وفي الزيادة يكون استيفاء. وإن كان قيمته أقل من المسلم فيه صار مستوفيا لذلك القدر، ويرجع عليه بالباقي. م: (قال: ولو تفاسخا السلم وبالمسلم فيه رهن) ش: أي والحال أن بالمسلم فيه رهن م: (يكون ذلك رهنا برأس المال حتى يحبسه) ش: يرجع بحبسه، لأن حتى بمعنى الغاية، هذا جواب الاستحسان، وفي القياس لا يكون رهنا به حتى لا يحبسه، وهو مذهب الأئمة الثلاثة م: (لأنه بدله) ش: أي لأن رأس المال بدل المسلم فيه، وبدل الشيء يقوم مقامه م: (فصار كالمغصوب) ش: أي يصير هذا كحكم المغصوب م: (إذا هلك وبه رهن) ش: أي والحال أن بالمغصوب رهنا م: (يكون رهنا بقيمته) ش: لأن الواجب بالغصب استرداد العين عند قيامه، والقيمة عند هلاكه. م: (قال: ولو هلك الرهن) ش: أي في يد رب السلم م: (بعد التفاسخ يهلك بالطعام السلم فيه) ش: حتى لم يبق لرب السلم مطالبة المسلم إليه بالطعام م: (لأنه رهنه به) ش: أي لأن المسلم إليه رهنه بالطعام. م: (وإن كان محبوسا بغيره) ش: أي بغير المسلم فيه وهو رأس المال، يعني أن الرهن محبوس برأس المال، وليس بمضمون به، بل هو مضمون بالطعام المسلم فيه، وعليه أن يعطي مثل الطعام الذي كان على المسلم إليه ويأخذ رأس المال م: (كمن باع عبدا) ش: استشهد به على أن كون الشيء محبوسا شيء لا ينافي كونه مضمونا لغيره ولم يرد بالاستشهاد تحقيق كونه مضمونا حالة الهلاك بعدما كان محبوسا حالة العقد، ولهذا بعدما استشهد به أفرد بالذكر قوله ولو هلك المرهون إلى آخره. م: (وسلم المبيع وأخذ بالثمن رهنا) ش: ثم قيد به، لأن الرهن بالبيع لا يجوز م: (ثم تقايلا المبيع له أن يحبسه) ش: أي البيع الذي أخذ رهنا أن يحبس الرهن م: (لأخذ البيع؛ لأن الثمن بدله) ش: أي بدل العبد. م: (ولو هلك المرهون يهلك بالثمن لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: كان الثمن بدله م: (وكذا لو اشترى عبدا شراء فاسدا وأدى ثمنه له أن يحبسه ليستوفي الثمن) ش: يعني أدى ثمنه ثم أراد فسخه للمشتري أن يحبس العبد لاستيفاء الثمن. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 504 ثم لو هلك المشتري في يد المشتري يهلك بقيمته، فكذا هذا. قال: ولا يجوز رهن الحر والمدبر والمكاتب وأم الولد، لأن حكم الرهن ثبوت يد الاستيفاء، ولا يتحقق الاستيفاء من هؤلاء لعدم المالية في الحر وقيام المانع في الباقين. ولا يجوز الرهن بالكفالة بالنفس، وكذا بالقصاص في النفس وما دونها لتعذر الاستيفاء، بخلاف ما إذا كانت الجناية خطأ؛ لأن استيفاء الأرش من الرهن ممكن. قال: ولا يجوز الرهن بالشفعة، لأن المبيع غير مضمون على المشتري. قال: ولا بالعبد الجاني   [البناية] م: (ثم لو هلك المشتري) ش: - بفتح الراء - م: (في يد المشتري يهلك بقيمته) ش: لأن العبد هناك بمنزلة الرهن عند المشتري لاستيفاء ثمنه من البائع، فإن هلك المشتري بعد الحبس في يده يهلك بقيمته، أي بقيمة المشتري شراء فاسدا وفي بعض النسخ م: (فكذا هذا) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو بعيد يعرف بالتأمل. [رهن الحر والمدبر والمكاتب وأم الولد] م: (قال) ش: أي المصنف - وليس في كثير من النسخ لفظ قال -: م: (ولا يجوز رهن الحر والمدبر والمكاتب وأم الولد؛ لأن حكم الرهن ثبوت يد الاستيفاء، ولا يتحقق الاستيفاء من هؤلاء لعدم المالية في الحر وقيام المانع في الباقين) ش: وهم: المدبر والمكاتب وأم الولد والمانع هو حق الحرية. وقال مالك وأحمد يجوز رهن المدبر. واختلف أصحاب الشافعي فقال بعضهم: لا يجوز قولا واحد، وقال بعضهم: يجوز قولا واحدا. وقال بعضهم: فيه الوجهان، أحدهما: أنه يحكم بفساد الرهن، والثاني: هو الأصح أنه يباع في الدين ورهن المكاتب يجوز عند مالك وأحمد في رواية ويجوز بيعه. وعندنا والشافعي في الأصح: لا يجوز بيعه. م: (ولا يجوز الرهن بالكفالة بالنفس، وكذا بالقصاص في النفس وما دونها لتعذر الاستيفاء) ش: أي لتعذر المكفول به من الرهن، لأنه غير ممكن. وأما لو رهن عن بدل الصلح فيها، فإنه صحيح، لأن البدل مضمون بنفسه. م: (بخلاف ما إذا كانت الجناية خطأ؛ لأن استيفاء الأرش من الرهن ممكن) ش: ولو صالح عنها على عين ثم رهن به رهنا لا يصح، لأنه غير مضمون، فإنه إذا هلك ينفسخ الصلح، فكان كالبيع. م: (قال: ولا يجوز الرهن بالشفعة) ش: صورته أن يطلب الشفيع الشفعة ويقضي القاضي بذلك فيقول للمشتري أعطني رهنا بالدار المشفوعة م: (لأن المبيع غير مضمون على المشتري) ش: للشفيع ألا ترى أن المبيع إذا هلك لا يلزم المشتري ضمان م: (قال: ولا بالعبد الجاني) ش: لأنه إذا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 505 والعبد المأذون المديون، لأنه غير مضمون على المولى، فإنه لو هلك لا يجب عليه شيء. قال: ولا بأجرة النائحة والمغنية، حتى لو ضاع لم يكن مضمونا، لأنه لا يقابله شيء مضمون. قال: ولا يجوز للمسلم أن يرهن خمرا أو يرتهنه من مسلم أو ذمي لتعذر الإيفاء والاستيفاء في حق المسلم، ثم الراهن إذا كان ذميا فالخمر مضمون عليه للذمي كما إذا غصبه. وإن كان المرتهن ذميا لم يضمنها للمسلم كما لا يضمنها بالغصب منه. بخلاف ما إذا جرى ذلك فيما بينهم؛ لأنها مال في حقهم. أما الميتة فليست بمال عندهم فلا يجوز رهنها وارتهانها فيما بينهم، كما لا يجوز فيما بين المسلمين بحال.   [البناية] مات بطل حق المجني عليه. ولا يلزم المولى من ذلك شيء م: (والعبد المأذون المديون) ش: بأن يطلب الغريم من المولى رهنا برقبته، لأن الرقبة ليست مضمونة على أحد. ألا ترى أن العبد المديون إذا مات لم يجب بموته شيء على أحد م: (لأنه) ش: أي لأن العبد م: (غير مضمون على المولى، فإنه لو هلك لا يجب عليه شيء) ش: أي على المولى. م: (قال: ولا بأجرة النائحة والمغنية، حتى لو ضاع) ش: أي الرهن م: (لم يكن مضمونا؛ لأنه لا يقابله شيء مضمون) ش: ولهذا لو تخاصما إلى القاضي قبل الرهن، فإن القاضي لا يأمر للمستأجر بتسليم الأجر. وقال الكرخي في "مختصره ": رجل استأجر نائحة أو مغنية بأجر معلوم وأعطاها بالأجر رهنا فضاع في يدها لم يكن عليه في ذلك الرهن ضمان أخذ بدين غير واجب، انتهى. وذلك، لأن الإجارة على ذلك باطلة، والأجرة غير مضمونة، والرهن إذا لم يكن في مقابلته شيء مضمون كان باطلا. م: (قال: ولا يجوز للمسلم أن يرهن خمرا أو يرتهنه من مسلم أو ذمي لتعذر الإيفاء) ش: إذا كان هو الراهن م: (والاستيفاء) ش: إذا كان هو المرتهن م: (في حق المسلم) ش: بيان لما قبله م: (ثم الراهن إذا كان ذميا والمرتهن مسلما فالخمر مضمون عليه) ش: أي على المسلم م: (للذمي كما إذا غصبه) ش: أي كما إذا غصب المسلم الخمر من الذمي م: (وإن كان المرتهن ذميا لم يضمنها للمسلم كما لا يضمنها بالغصب منه) ش: أي من المسلم. م: (بخلاف ما إذا جرى ذلك) ش: أي عقد الرهن م: (فيما بينهم) ش: أي بين أهل الذمة م: (لأنها) ش: أي لأن الخمر م: (مال في حقهم) ش: أي عند أهل الذمة، وكذلك الحكم في الخنزير، لأن الخمر لهم كالعصير لنا، والخنزير لهم كالشاة لنا م: (أما الميتة فليست بمال عندهم فلا يجوز رهنها وارتهانها) ش: أي بالميتة م: (فيما بينهم، كما لا يجوز فيما بين المسلمين بحال) ش: وفي " الأجناس " عن " نوادر هشام " عن محمد قال: نصراني رهن عند نصراني خمرا قيمته الجزء: 12 ¦ الصفحة: 506 قال: ولو اشترى عبدا ورهن بثمنه عبدا أو خلا أو شاة مذبوحة ثم ظهر العبد حرا أو الخل خمرا أو الشاة ميتة فالرهن مضمون، لأنه رهنه بدين واجب ظاهرا. وكذا إذا قتل عبدا ورهن بقيمته رهنا ثم ظهر أنه حر، وهذا كله على ظاهر الرواية. وكذا إذا صالح على إنكار ورهن بما صالح عليه رهنا ثم تصادقا أن لا دين فالرهن مضمون. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافه، وكذا قياسه فيما تقدم من جنسه.   [البناية] عشرة دراهم بعشرة له عليه فأسلم الراهن فأفسد الرهن ولو هلك الخمر لانثنى على صاحب الدين ولو كان المسلم المرتهن ذهب بالعشرة. [اشترى عبدا ورهن بثمنه عبدا ثم ظهر العبد حرا] م: (قال) ش: أي المصنف، وليس في أكثر النسخ لفظ قال م: (ولو اشترى عبدا ورهن بثمنه) ش: أي رهن بثمن العبد فظهر أن العبد المبيع م: (عبدا أو خلا أو شاة مذبوحة ثم ظهر العبد) ش: أي العبد المشترى م: (حرا أو الخل خمرا) ش: أي ظهر الخل خمرا م: (أو الشاة) ش: أي وظهر أن الشاة م: (ميتة فالرهن مضمون) ش: أي بالأقل من قيمته ومن قيمة الرهن م: (لأنه رهنه بدين واجب ظاهرا) ش: ولهذا لو اختصما قبل ظهور الحرية وظهور الخل خمرا أو الشاة ميتة فالقاضي يقضي بالثمن. م: (وكذا إذا قتل عبدا ورهن بقيمته رهنا ثم ظهر أنه حر) ش: أي ثم ظهر أن العبد المقتول حر وقد هلك الرهن فإنه لك بالأقل من قيمته وقيمة الرهن م: (وهذا كله) ش: أي وهذا المذكور كله من وجوب الضمان م: (على ظاهر الرواية) ش: في الأصول، وكذا قاله القدوري. ثم قال: ولا يجب على قول أبي يوسف، أي لا يضمن، لأنه قبضه وليس هناك ضمان. م: (وكذا) ش: أي وكذا الحكم م: (إذا صالح على إنكار) ش: من وجوب الضمان، صورته ادعى رجل على آخر ألف درهم قرضا فجحدها المدعى عليه، ثم إنه صالح المدعي م: (ورهن بما صالح عليه رهنا) ش: من ذلك على خمسمائة درهم فضاع عنده م: (ثم تصادقا أن لا دين) ش: أي ثم تصادقا جميعا بعد ذلك على أن ذلك باطلا ولم يكن للمدعى عليه شيء م: (فالرهن مضمون) ش: في ظاهر الرواية، لأنه قبض على جهة الضمان، والمقبوض على جهة الشيء كالمقبوض على حقيقته. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافه) ش: أي خلاف هذا الحكم، يعني ليس عليه أن يرد شيئا، رواه بشر عنه، لأنهما لما تصادقا أن لا دين فقد تصادقا على عدم الضمان م: (وكذا قياسه) ش: أي وكذا قياس أبي يوسف في عدم الضمان م: (فيما تقدم من جنسه) ش: أي فيما تقدم من المسائل من جنس هذا المذكور من حيث إن الرهن لم يكن بدين مضمون في الحقيقة، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 507 قال: ويجوز للأب أن يرهن بدين عليه عبدا لابنه الصغير، لأنه يملك الإيداع، وهذا أنظر في حق الصبي منه؛ لأن قيام المرتهن بحفظه أبلغ خيفة الغرامة. ولو هلك يهلك مضمونا، والوديعة تهلك أمانة، والوصي بمنزلة الأب في هذا الباب لما بينا. وعن أبي يوسف وزفر - رحمهما الله -: أنه لا يجوز ذلك منهما، وهو القياس اعتبارا بحقيقة الإيفاء. ووجه الفرق على الظاهر وهو الاستحسان أن في حقيقة الإيفاء إزالة ملك الصغير من غير عوض يقابله في الحال   [البناية] وأراد بما تقدم ما إذا ظهر العبد حرا والخل خمرا والمذبوح ميتة ففي كل ذلك لا يجب الضمان في قياس قول أبي يوسف وإن لم تكن الرواية محفوظة عنه. م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (ويجوز للأب أن يرهن بدين عليه) ش: أي على الأب م: (عبدا لابنه الصغير) ش: قيد الصغير، لأنه لو رهن عبد ابنه الكبير لا يجوز بدون إذنه، ثم جواز الرهن المذكور استحسان، والقياس عدم الجواز، وعن أبي يوسف: أنه أخذ بالقياس، وهو قول الشافعي أيضا. وجه القياس أنه قضى دينه من مال ابنه وليس له ذلك. ووجه الاستحسان ما قاله المصنف بقوله، م: (لأنه) ش: أي لأن الأب م: (يملك الإيداع) ش: أي إيداع مال ابنه الصغير م: (وهذا) ش: أي رهنه م: (أنظر في حق الصبي منه) ش: أي من الإيداع م: (لأن قيام المرتهن بحفظه أبلغ) ش: من حفظه المودع الوديعة م: (خيفة الغرامة) ش: أي لأجل الخوف عن الغرامة. وبين ذلك بقول م: (ولو هلك) ش: أي الرهن م: (يهلك مضمونا، والوديعة تهلك أمانة) ش: وفيه ضياع المال الصغير، بخلاف الرهن، فإنه إذا هلك في يد المرتهن، وفيه وفاء بالدين صار المرتهن مستوفيا دينه، ويضمن الأب قيمته لولده م: (والوصي بمنزلة الأب في هذا الباب) ش: يعني إذا رهن الوصي متاع اليتيم بدينه جاز، لأن الرهن لا يزيد الملك في حال الكتابة، وهو ضامن له، كذا في " المسائل " والفقيه أبو الليث ذكر القياس والاستحسان في الوصي كالأب م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: وهذا أنظر في حق الصبي. م: (وعن أبي يوسف وزفر - رحمهما الله -: أنه لا يجوز ذلك منهما) ش: أي من الأب والوصي، وهو قول الثلاثة أيضا م: (وهو) ش: أي عدم الجواز م: (القياس اعتبارا بحقيقة الإيفاء) ش: أي قياسا على ما إذا أوفيا دينهما من مال الصغير فإنه لا يجوز، فكذا رهنهما، لأنه صرف إلى الصغير إلى منفعته تسهما فلا يجوز. م: (ووجه الفرق على الظاهر وهو الاستحسان) ش: أي وجه الفرق بين الرهن وبين حقيقة الإيفاء على ظاهر الرواية م: (أن في حقيقة الإيفاء إزالة ملك الصغير من غير عوض يقابله في الحال، الجزء: 12 ¦ الصفحة: 508 وفي هذا نصب حافظ لماله ناجزا مع بقاء ملكه فوضح الفرق. وإذا جاز الرهن يصير المرتهن مستوفيا دينه لو هلك في يده، ويصير الأب أو الوصي موفيا له ويضمنه للصبي، لأنه قضى دينه بماله، وكذا لو سلطا المرتهن على بيعه؛ لأنه توكل بالبيع وهما يملكانه. قالوا: أصل هذه المسألة البيع، فإن الأب أو الوصي إذا باع مال الصبي من غريم نفسه جاز، وتقع المقاصة ويضمنه للصبي عندهما. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقع المقاصة، وكذا وكيل البائع بالبيع والرهن نظير البيع نظرا إلى عاقبته من حيث وجوب الضمان.   [البناية] وفي هذا) ش: أي وفي الرهن م: (نصب حافظ لماله) ش: أي لمال الصغير حال كون الحفظ م: (ناجزا) ش: يعني في الحال ظاهرا م: (مع بقاء ملكه) ش: أي ملك الصغير، لأن بالرهن لا يخرج المال عن الملك، فإذا كان كذلك م: (فوضح الفرق) ش: أي فظهر الفرق بين الإيفاء والرهن. م: (وإذا جاز الرهن) ش: أي رهن متاع الصغير م: (يصير المرتهن مستوفيا دينه لو هلك في يده) ش: أي لو هلك الرهن في يد المرتهن م: (ويصير الأب أو الوصي موفيا له) ش: أي موفيا دينه بالرهن م: (ويضمنه للصبي؛ لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الأب والوصي م: (قضى دينه بماله) ش: أي بمال الصغير. م: (وكذلك لو سلطا المرتهن على بيعه) ش: أي كما أن الأب والوصي يضمنان للصبي إذا هلك متاعه الذي رهناه عند المرتهن، فكذلك يضمنان إذا سلط المرتهن على بيع الرهن فباعه م: (لأنه توكل بالبيع وهما) ش: أي الأب والوصي م: (يملكانه) ش: التوكيل بالبيع. م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (أصل هذه المسألة البيع) ش: أي أصل مسألة الرهن من الأب أو الوصي بدين نفسه متاع الصغير البيع م: (فإن الأب أو الوصي إذا باع مال الصبي من غريم نفسه جاز، وتقع المقاصة) ش: أي بين الدين والثمن م: (ويضمنه للصبي عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد يضمنان للغير. م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقع المقاصة) ش: بل يبقى دين الغريم على الأب والوصي كما كان، ويكون الثمن للصغير على المشتري، فإذا ثبت هذا الخلاف في البيع ثبت في الرهن أيضا، لأن الرهن معاقبة بالنظر إلى كونه مضمونا نظير البيع. م: (وكذا وكيل البائع بالبيع) ش: يعني إذا باع الوكيل ممن له عليه دين تقع المقاصة عندهما خلافا لأبي يوسف م: (والرهن نظير البيع نظرا إلى عاقبته من حيث وجوب الضمان) ش: وفي بعض النسخ والبيع نظير الرهن، يعني أنه يصير عند الهلاك قاضيا دينه من مال الصغير ضامنا له مثله، وفي البيع كذلك، فإنه يصير قاضيا دينه من دين الصغير ضامنا له مثله. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 509 وإذا رهن الأب متاع الصغير من نفسه أو من ابن له صغير أو عبد له تاجر لا دين عليه جاز، لأن الأب لوفور شفقته أنزل منزلة شخصين وأقيمت عبارته مقام عبارتين في هذا العقد كما في بيعه مال الصغير من نفسه فتولى طرفي العقد. ولو ارتهنه الوصي من نفسه أو من هذين، أو رهن عينا له من اليتيم بحق لليتيم عليه لم يجز، لأنه وكيل محض، والواحد لا يتولى طرفي العقد في الرهن، كما لا يتولاهما في البيع وهو قاصر الشفقة، فلا يعدل عن الحقيقة في حقه إلحاقا   [البناية] م: (وإذا رهن الأب متاع الصغير من نفسه) ش: أي رهن متاع الصبي بدين له من نفسه م: (أو من ابن له صغير) ش: أي رهن من ابن آخر صغير متاع الصغير م: (أو عبد) ش: أي أو رهن من عبد م: (له تاجر لا دين عليه جاز) ش: أي لا دين على العبد التاجر، قيد به ليكون هذا التصرف من الجانبين، لأن العبد المديون يكون الولي منه كالأجنبي، فيكون الرهن جائزا بلا شبهة م: (لأن الأب لوفور شفقته أنزل منزلة شخصين) ش: يعني أنزل بمنزلة الصغير في جانب الصغير في تولي القبول منه، وفي حق الإيجاب هو عاقل لنفسه، بخلاف الوصي فإنه لقصور شفقته لم يعدله عن الحقيقة في عدم إنزال الشخص الواحد منزلة شخصين م: (وأقيمت عبارته) ش: أي عبارة الأب م: (مقام عبارتين في هذا العقد كما في بيعه مال الصغير من نفسه، فتولى طرفي العقد) ش: وهما الإيجاب والقبول. الأصل في هذا: أن الواحد لا يتولى طرفي العقد إلا الأب، فإنه يتولى طرفي بيع مال اليتيم من نفسه، وبيع مال نفسه من اليتيم استحسانا. والقياس أنه باطل، وهو قول زفر، وعند الشافعي يجوز أن يبيع من ولده، ولا يجوز أن يشتري منه، وإذا باع الوصي ماله من يتيم في حجره أو اشترى مال اليتيم لنفسه لم يصح عندهما على كل حال، لأنه أجنبي. وقال أبو حنيفة: لا يصح إلا بنفع ظاهر، وهو أن يبيع ما يساوي درهمين بدرهم، أو يشتري ما يساوي درهما بدرهمين أو بدرهم ونصف، وكذا ما يعد غبنا فاحشا، فإنه يعد نفعا ظاهرا هنا، كذا ذكر فخر الإسلام في " شرح الزيادات ". م: (ولو ارتهنه الوصي من نفسه) ش: أي لو ارتهن الوصي متاع الصغير بدين للوصي على الصغير م: (أو من هذين) ش: أي لو ارتهن متاع الصغير بدين ابنه الصغير على الصغير اليتيم وعبد تاجر له م: (أو رهن عينا له) ش: أي لليتيم م: (من اليتيم بحق لليتيم عليه) ش: أي على الوصي م: (لم يجز؛ لأنه وكيل محض) ش: أي لأن الوصي وكيل محض فلا يباشر شيئا فيه ضرر للصغير م: (والواحد لا يتولى طرفي العقد في الرهن، كما لا يتولاهما في البيع وهو) ش: أي الوصي م: (قاصر الشفقة، فلا يعدل عن الحقيقة) ش: وهي جعل الواحد واحدا م: (في حقه إلحاقا الجزء: 12 ¦ الصفحة: 510 له بالأب، والرهن من ابنه الصغير وعبده التاجر الذي ليس عليه دين بمنزلة الرهن من نفسه، بخلاف ابنه الكبير وأبيه وعبده الذي عليه دين؛ لأنه لا ولاية له عليهم، بخلاف الوكيل بالبيع إذا باع من هؤلاء؛ لأنه متهم فيه، ولا تهمة في الرهن لأن له حكما واحدا. وإن استدان الوصي لليتيم في كسوته وطعامه فرهن به متاعا لليتيم جاز، لأن الاستدانة جائزة للحاجة والرهن يقع إيفاء للحق فيجوز. وكذلك لو اتجر لليتيم فارتهن أو رهن، لأن الأولى له التجارة تثميرا لمال اليتيم فلا يجد بدا من الارتهان والرهن، لأنه إيفاء واستيفاء. وإذا رهن الأب متاع الصغير فأدرك الابن ومات الأب   [البناية] له بالأب) ش: أي لأجل إلحاق الوصي بالأب، وهذا في حيز النفي والمعنى أن الوصي لا يلحق الأب في جواز تولي طرفي العقد، لأنه قاصر الشفقة م: (والرهن من ابنه الصغير) ش: أي من ابن الوصي م: (وعبده) ش: أي ومن عبد الوصي م: (التاجر الذي ليس عليه دين بمنزلة الرهن من نفسه) ش: فلا يجوز، ما لو رهن من نفسه. م: (بخلاف ابنه الكبير وأبيه وعبده الذي عليه دين) ش: الضمائر كلها راجعة إلى الوصي حيث يجوز م: (لأنه لا ولاية له عليهم) ش: أي لا ولاية للوصي على الابن الكبير وابنه وعبده الذي عليه دين، لأنه في كسبهم بمنزلة الأجنبي، وهم أحق بالكسب منه. م: (بخلاف الوكيل بالبيع إذا باع من هؤلاء) ش: المذكورين حيث لا يجوز م: (لأنه) ش: أي لأن الوكيل م: (متهم فيه) ش: أي في البيع من هؤلاء م: (ولا تهمة في الرهن؛ لأن له حكما واحدا) ش: أي لأن الرهن حكما واحدا، وهو أنه مضمون بأقل من قيمته ومن الدين سواء رهنه عند هؤلاء أو عند الأجنبي كذا في " المبسوط ". م: (وإن استدان الوصي) ش: من يعني وإن استقرض الوصي م: (لليتيم في كسوته وطعامه فرهن به متاعا لليتيم جاز؛ لأن الاستدانة جائزة للحاجة، والرهن يقع إيفاء للحق فيجوز) ش: أي لأجله الإيفاء للحق فيجوز للوصي أن يوفي الحق الذي على الصغير من مال الصغير. م: (وكذلك) ش: يجوز م: (لو اتجر) ش: الوصي م: (لليتيم فارتهن أو رهن؛ لأن الأولى له التجارة تثميرا) ش: أي لأجل التثمير م: (لمال اليتيم فلا يجد بدا) ش: فلا يستغني م: (من الارتهان والرهن؛ لأنه إيفاء واستيفاء) ش: أي لأن الرهن إيفاء للدين عند الرهن، واستيفاء عند الارتهان. م: (وإذا رهن الأب متاع الصغير فأدرك الابن ومات الأب) ش: قيد الموت اتفاقي، إذا لا تأثير للموت، لأنه إذا عقد الأب ثم بلغ الصبي ليس له نقض رهنه، ذكر في " مبسوط شيخ الإسلام " الجزء: 12 ¦ الصفحة: 511 ليس للابن أن يرده حتى يقضى الدين. لوقوعه لازما من جانبه، إذ تصرف الأب بمنزلة تصرفه بنفسه بعد البلوغ لقيامه مقامه. ولو كان الأب رهنه لنفسه فقضاه الابن رجع به في مال الأب، لأنه مضطر فيه لحاجته إلى إحياء ملكه، فأشبه معير الرهن. وكذا إذا هلك قبل أن يفتكه؛ لأن الأب يصير قاضيا دينه لماله فله أن يرجع عليه. ولو رهنه بدين على نفسه وبدين على الصغير جاز لاشتماله على أمرين جائزين، فإن هلك ضمن الأب حصته من ذلك للولد، لإيفائه دينه من ماله بهذا المقدار، وكذلك الوصي، وكذلك الجد أب الأب إذا لم يكن الأب أو وصي الأب. ولو رهن الوصي متاعا لليتيم في دين استدانه عليه وقبض المرتهن ثم استعاره الوصي   [البناية] و" شرح الطحاوي "، وكذا ذكر الأب اتفاقي، لأن حكم رهن الوصي كذلك م: (ليس للابن أن يرده حتى يقضي الدين) ش: وإنما أطلق رهن الأب ولم يذكر أن رهنه بدين نفسه أو بدين الصغير، لأن الحكم واحد في الوجهين م: (لوقوعه لازما من جانبه، إذ تصرف الأب بمنزلة تصرفه بنفسه بعد البلوغ لقيامه مقامه) ش: أي لقيام الأب مقام الصغير. م: (ولو كان الأب رهنه لنفسه فقضاه الابن رجع به في مال الأب، لأنه مضطر فيه لحاجته إلى إحياء ملكه، فأشبه معير الرهن) ش: أي فأشبه الابن معير الرهن م: (وكذلك) ش: أي وكذلك يرجع م: (إذا هلك) ش: أي الرهن م: (قبل أن يفتكه) ش: أي قبل فكاك الرهن م: (لأن الأب يصير قاضيا دينه لماله) ش: أي يصير قاضيا دين نفسه من مالية مال الابن م: (فله أن يرجع عليه) ش: أي على الأب. م: (ولو رهنه) ش: أي ولو رهن الأب متاع ولده م: (بدين على نفسه وبدين على الصغير جاز لاشتماله على أمرين جائزين) ش: أراد بهما رهن الأب متاع الصغير بدين على نفسه وبدين على الصغير، كذا قاله الأترازي. وقال الأكمل: يريد به رهن الأب والوصي متاع الصغير لهذين على نفسه ورهنهما متاعه للدين على اليتيم، كذا قاله الكاكي، م: (فإن هلك) ش: أي الرهن م: (ضمن الأب حصته) ش: أي حصة نفسه م: (من ذلك للولد لإيفائه دينه من ماله) ش: أي من مال الولد م: (بهذا المقدار) ش: أي مقدار حصته. م: (وكذلك الوصي) ش: أي وكذلك حكم الوصي إذا رهن متاع الصغير بدين على نفسه وبدين على الصغير م: (وكذلك الجد) ش: واحترز به عن أب الأم فإنه لا ولاية له أصلا، أي حكم الجد فيما ذكرنا لوجود أمرين، أحدهما هو قوله م: (أب الأب، إذا لم يكن الأب) ش: والثاني عدم الوصي أشار إليه بقوله: م: (أو وصي الأب) ش: أي وإذا لم يكن وصي الأب. م: (ولو رهن الوصي متاعا لليتيم في دين استدانه عليه وقبض المرتهن ثم استعاره الوصي الجزء: 12 ¦ الصفحة: 512 لحاجة اليتيم فضاع في يد الوصي فإنه خرج من الرهن وهلك من مال اليتيم؛ لأن فعل الوصي كفعله بنفسه بعد البلوغ، لأنه استعاره لحاجة الصبي والحكم فيه. هذا على ما نبينه إن شاء الله تعالى. والمال دين على الوصي، معناه هو المطالب به، ثم يرجع بذلك على الصبي، لأنه غير متعد في هذه الاستعارة، إذ هي لحاجة الصبي، ولو استعاره لحاجة نفسه ضمنه للصبي، لأنه متعد، إذ ليس له ولاية الاستعمال في حاجة نفسه، ولو غصبه الوصي بعدما رهنه فاستعمله لحاجة نفسه حتى هلك عنده فالوصي ضامن لقيمته، لأنه متعد في حق المرتهن بالغصب والاستعمال، وفي حق الصبي بالاستعمال في حاجة نفسه فيقضي به الدين إن كان قد حل. فإن كانت قيمته مثل الدين أداه إلى المرتهن ولا يرجع على اليتيم، لأنه وجب لليتيم عليه مثل ما وجب على اليتيم فالتقيا قصاصا.   [البناية] لحاجة اليتيم فضاع في يد الوصي فإنه خرج من الرهن وهلك من مال اليتيم؛ لأن فعل الوصي كفعله بنفسه بعد البلوغ) ش: أي كفعل اليتيم بنفسه، لأن رهن الوصي كرهن اليتيم واستعارته كاستعارته. ولو فعل ذلك اليتيم بنفسه بعد البلوغ ثم هلك الرهن لم يهلك على المرتهن، فكذا هذا. م: (لأنه) ش: أي لأن الوصي م: (استعاره) ش: أي الرهن م: (لحاجة الصبي والحكم فيه. هذا) ش: يعني ولو كان اليتيم بالغا فرهن بنفسه ثم استعاره من المرتهن فهلك في يده لم يسقط الدين م: (على ما نبينه إن شاء الله تعالى) ش: أشار به إلى ما ذكره بعد عدة أوراق في باب التصرف في الرهن عند قوله: وإذا ادعى المرتهن الرهن للراهن م: (والمال دين على الوصي) ش: أي مال المرتهن دين عليه م: (معناه) ش: أي معنى والمال دين على الوصي م: (هو المطالب به) ش: أي بالدين م: (ثم يرجع) ش: الوصي م: (بذلك على الصبي؛ لأنه غير متعد في هذه الاستعارة، إذ هي لحاجة الصبي) ش: أي لأن الاستعارة كانت لمصلحة الصبي، وإنه قضى دين الصبي فيرجع عليه. م: (ولو استعاره) ش: أي ولو استعار الوصي الرهن م: (لحاجة نفسه ضمنه) ش: يعني إذا هلك في يده ضمنه م: (للصبي لأنه متعد، إذ ليس له ولاية الاستعمال في حاجة نفسه) ش: أي لأنه لم يكن له ولاية استعمال في مال الصغير في حاجة نفسه، فكان متعديا فيضمن. م: (ولو غصبه الوصي بعدما رهنه فاستعمله لحاجة نفسه حتى هلك عنده فالوصي ضامن لقيمته؛ لأنه متعد في حق المرتهن بالغصب والاستعمال، وفي حق الصبي) ش: أي ولأنه متعد في حقه م: (بالاستعمال في حاجة نفسه فيقضي به الدين إن كان قد حل) ش: أي الدين م: (فإن كانت قيمته مثل الدين أداه إلى المرتهن ولا يرجع على اليتيم؛ لأنه وجب لليتيم عليه مثل ما وجب على اليتيم فالتقيا قصاصا) ش: يعني الجزء: 12 ¦ الصفحة: 513 وإن كانت قيمته أقل من الدين أدى قدر القيمة إلى المرتهن، وأدى الزيادة من مال اليتيم، لأن المضمون عليه قدر القيمة لا غير. وإن كانت قيمة الرهن أكثر من الدين أدى قدر الدين إلى المرتهن والفضل لليتيم، وإن كان لم يحل الدين فالقيمة رهن، لأنه ضامن للمرتهن بتفويت حقه المحترم، فتكون رهنا عنده، ثم إذا حل الأجل كان الجواب على التفصيل الذي فصلناه. ولو أنه غصبه واستعمله لحاجة الصغير حتى هلك في يده يضمنه لحق المرتهن ولا يضمنه لحق الصغير، لأن استعماله لحاجة الصغير ليس بتعد، وكذا الأخذ لأن له ولاية أخذ مال اليتيم، ولهذا قال في كتاب الإقرار: إذا أقر الأب أو الوصي بغصب مال الصغير لا يلزمه شيء؛ لأنه لا يتصور غصبه لما أن له ولاية الأخذ، فإذا هلك في يده يضمنه للمرتهن يأخذه بدينه إن كان قد حل   [البناية] أن الوصي وجب عليه باستعمال مال اليتيم في حاجة نفسه لليتيم كما وجب على اليتيم للوصي بقضاء الوصي دين اليتيم، فصار آخر الدينين قصاصا عن الأول. م: (وإن كانت قيمته أقل من الدين أدى قدر القيمة إلى المرتهن) ش: قال الكاكي: قوله أدى قدر الدين إلى المرتهن. وفي بعض النسخ: أدى قدر القيمة، وهذا سهو وقع من الكاتب، وهذا ظاهر لا خفاء لأحد أن حق المرتهن بقدر الدين لا قيمة الرهن، فكان الصحيح ما أثبته في المتن، وكذلك قاله الأترازي، وفي نسخة شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن مثل ما قالا أدى قدر الدين. وفي نسخة العرف وقع السهو، والعمدة على ما قالوا، م: (وأدى الزيادة من مال اليتيم، لأن المضمون عليه قدر القيمة لا غير. وإن كانت قيمة الرهن أكثر من الدين أدى قدر الدين إلى المرتهن والفضل) ش: أي أدى الفضل م: (لليتيم وإن كان لم يحل الدين فالقيمة رهن) ش: لأنها تقوم مقام الرهن م: (لأنه ضامن للمرتهن بتفويت حقه المحترم، فتكون رهنا عنده) ش: أي عند المرتهن م: (ثم إذا حل الأجل كان الجواب على التفصيل الذي فصلناه) ش: أراد به قوله فإن كانت قيمته مثل الدين، إلى آخره. م: (ولو أنه غصبه واستعمله لحاجة الصغير حتى هلك في يده يضمنه لحق المرتهن ولا يضمنه لحق الصغير؛ لأن استعماله لحاجة الصغير ليس بتعد، وكذا الأخذ) ش: أي وكذا حكم أخذ الوصي الرهن من المرتهن مثل ما ذكر م: (لأن له) ش: أي للوصي م: (ولاية أخذ مال اليتيم، ولهذا) ش: أي ولأجل كونه ولاية الأخذ م: (قال في كتاب الإقرار: إذا أقر الأب أو الوصي بغصب مال الصغير لا يلزمه شيء؛ لأنه لا يتصور غصبه لما أن له ولاية الأخذ، فإذا هلك في يده يضمنه للمرتهن يأخذه بدينه) ش: أي يأخذه المرتهن ما تضمنه الوصي بمقابلة دينه م: (إن كان قد حل) ش: أي الدين م: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 514 ويرجع الوصي على الصغير؛ لأنه ليس بمتعد؛ بل هو عامل له، وإن كان لم يحل يكون رهنا عند المرتهن، ثم إذا حل الدين يأخذ دينه منه ويرجع الوصي على الصبي بذلك لما ذكرنا. قال: ويجوز رهن الدراهم والدنانير والمكيل والموزون، لأنه يتحقق الاستيفاء منه، فكان محلا للرهن. فإن رهنت بجنسها فهلكت هلكت بمثلها من الدين وإن اختلفا في الجودة، لأنه لا معتبر بالجودة عند المقابلة بجنسها، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن عنده يصير مستوفيا باعتبار الوزن دون القيمة، وعندهما يضمن القيمة من خلاف جنسه، ويكون رهنا مكانه. وفي " الجامع الصغير ": فإن رهن إبريق فضة وزنه عشرة بعشرة فضاع فهو بما فيه، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معناه أن تكون قيمته مثل وزنه أو أكثر، هذا الجواب في الوجهين بالاتفاق،   [البناية] (ويرجع الوصي على الصغير؛ لأنه ليس بمتعد، بل هو عامل له) . م: (وإن كان) ش: أي الدين م: (لم يحل يكون رهنا) ش: أي تكون القيمة رهنا م: (عند المرتهن، ثم إذا حل الدين يأخذ دينه منه) ش: أي من القيمة م: (ويرجع الوصي على الصبي بذلك) ش: أي بما أخذ المرتهن م: (لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله لأنه ليس بتعد بل هو عامل له. [رهن الدراهم والدنانير والمكيل والموزون] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويجوز رهن الدراهم والدنانير والمكيل والموزون؛ لأنه يتحقق الاستيفاء منه) ش: أي من رهن هذه الأشياء م: (فكان) ش: أي حل كل واحد من هذه الأشياء م: (محلا للرهن، فإن رهنت) ش: أي هذه الأشياء م: (بجنسها فهلكت هلكت بمثلها من الدين وإن اختلفا في الجودة، لأنه لا معتبر بالجودة عند المقابلة بجنسها) ش: لأن الجودة لا قيمة لها إذا لاقت جنسها فيما يجري فيه الربا. م: (وهذا) ش: أي المذكور م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (يصير) ش: أي المرتهن م: (مستوفيا باعتبار الوزن دون القيمة، وعندهما يضمن القيمة من خلاف جنسه، ويكون رهنا مكانه) . م: (وفي " الجامع الصغير ": فإن رهن إبريق فضة وزنه عشرة بعشرة فضاع فهو بما فيه) ش: صورته في " الجامع " قال محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل عليه عشرة دراهم لرجل فرهنه بها إبريق فضة قيمته عشرة دراهم فضاع، قال: هو بما فيه. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (معناه) ش: أي معنى قوله هو بما فيه م: (أن تكون قيمته مثل وزنه أو أكثر) ش: فإن كان مثله فلا يشكل، لأنه لا ربا فيه ولا ضرر، وإن كان أكثر فكذلك عندهم جميعا، أشار إليه بقوله م: (هذا الجواب) ش: أي قوله هو بما فيه م: (في الوجهين بالاتفاق) ش: وأراد بالوجهين ما كانت قيمته مثل وزنه أو أكثر على ما الجزء: 12 ¦ الصفحة: 515 لأن الاستيفاء عنده باعتبار الوزن، وعندهما باعتبار القيمة، وهي مثل الدين في الفصل الأول وزيادة عليه في الثاني فيصير بقدر الدين مستوفيا. فإن كانت قيمته أقل من الدين فهو على الخلاف المذكور. لهما: أنه لا وجه إلى الاستيفاء بالوزن لما فيه من الضرر بالمرتهن ولا إلى اعتبار القيمة؛ لأنه يؤدي إلى الربا فصرنا إلى التضمين بخلاف الجنس لينتقض القبض ويجعل مكانه ثم يتملكه. وله: أن الجودة ساقطة العبرة في الأموال الربوية عند المقابلة بجنسها واستيفاء الجيد بالرديء جائز، كما إذا تجوز به   [البناية] ذكره في الكتاب، وفي بعض النسخ: "في الفصلين". م: (لأن الاستيفاء عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (باعتبار الوزن، وعندهما باعتبار القيمة، وهي مثل الدين في الفصل الأول وزيادة عليه في الثاني فيصير) ش: أي على الدين م: (بقدر الدين مستوفيا) ش: وتسقط الزيادة لكونه أمانة م: (فإن كانت قيمته أقل من الدين فهو على الخلاف المذكور) ش: يعني عند أبي حنيفة: يهلك بالدين، وعندهما: يضمن القيمة من خلاف جنسه. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أنه لا وجه إلى الاستيفاء بالوزن لما فيه من الضرر بالمرتهن) ش: وهو إسقاط حقه في الجودة م: (ولا) ش: أي ولا وجه أيضا م: (إلى اعتبار القيمة؛ لأنه يؤدي إلى الربا فصرنا إلى التضمين بخلاف الجنس لينتقض القبض) ش: أي قبض المرتهن في قيمة الهالك م: (ويجعل مكانه) ش: أي ويجعل قيمة الإبريق مكان الإبريق رهنا، وقال تاج الشريعة: أي يجعل الضمان مكان الهالك م: (ثم يتملكه) ش: أي يتملك الراهن الرهن الذي جعل مكان الرهن الأول، كذا فسره الأكمل. وقال الأترازي: ثم يتملك الراهن تلك القيمة، ويرجع المرتهن عليه بدينه، أو يتملك المرتهن الإبريق الذي ضاع فضمنه، لأنه أدى بدله، وهذا وجه عندي. وقال الكاكي: وما ذكر في بعض الحواشي: ثم يتملكه - أي المرتهن - غير صحيح، لأن تملك المرتهن لا يخلو، إما أن يجعل ذلك المضمون مكان الرهن الأول ثم يتملكه المرتهن أو يتملكه قبل أن يجعل رهنا مكان الأول، فإن جعله رهنا ثم يتملكه لا يصح، لأن ذلك حكم جاهلي، وإن تملكه قبل جعله رهنا كان مخالفا لجميع الروايات من " مبسوط شيخ الإسلام " و" شروح الجامع ". م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الجودة ساقطة العبرة في الأموال الربوية عند المقابلة بجنسها واستيفاء الجيد بالرديء جائز، كما إذا تجوز به) ش: قال الكاكي: هذا وقع في النسخ، ولكن الأصح أن يقال: استيفاء الرديء بالجيد جائز، لأن الاستدلال بقوله "كما إذا تجوز به" يعني في بدل الصرف والسلم، أن الأصح ما قلنا، لأن التجوز يستعمل فيما إذا أخذ الرديء الجزء: 12 ¦ الصفحة: 516 وقد حصل الاستيفاء بالإجماع، ولهذا يحتاج إلى نقضه، ولا يمكن نقضه بإيجاب الضمان، لأنه لا بد له من مطالب ومطالب، وكذا الإنسان لا يضمن ملك نفسه، ويتعذر التضمين بتعذر النقض، وقيل: هذه فريعة ما إذا استوفى الزيوف مكان الجيد فهلكت. ثم   [البناية] مكان الجيد، ولأن في جواز استيفاء الجيد بالرديء لا شبهة لأحد فيه فلا يحتاج إلى الاستدلال بشيء آخر، ولأن وضع المسألة فيما إذا استوفى المرتهن بعشرة قيمة إبريق هي أقل من العشرة لروايته، فكان المرتهن مستوفيا الرديء بمقابلة جيده. وقال الأترازي: وصوابه أن يقال: واستيفاء الرديء بالجيد جائز بدلالة السياق، أما الأول: فإن المسألة في استيفاء الإبريق الذي قيمته أقل من عشرة له ذاته بالعشرة الجيدة. وأما الثاني: فلأن قوله" تجوز به" دليل على ذلك، لأن التجوز يستعمل في المسامحة في الاستيفاء، وإنما المسامحة في استيفاء الرديء بالجيد، ولا حاجة إلى المسامحة في عكسه، انتهى. قلت: الذي سبق بهذا صاحب " النهاية "، ونقل عن الأكمل مثل ما ذكرنا، ثم قال: وأولى أن ما في النسخ حق ولم أدر ما وجه ذلك. م: (وقد حصل الاستيفاء بالإجماع) ش: لأن المرتهن متى يصير مستوفيا بالهلاك فقد رضي بوقوعه استيفاء، فكأنه رضي بدون حقه، وصار كما لو استوفى الرديء مكان الجيد وهو عالم، كذا في " المبسوط ". م: (ولهذا يحتاج إلى نقضة) ش: أي ولأجل حصول الاستيفاء بالهلاك يحتاج إلى نقضه والغرض عدمه، وأشار إليه بقوله: م: (ولا يمكن نقضه بإيجاب الضمان) ش: بيانه أن الاستيفاء لا يرتفع إلا بنقض الاستيفاء يرد الرهن إلى الراهن، فلم يوجد النقض بالرد، ولا يمكن نقضه بالضمان، لأنه تعذر، وهو معنى قوله م: (لأنه لا بد له) ش: أي للضمان م: (من مطالب) ش: بكسر اللام م: (ومطالب) ش: بفتح اللام، ولا يمكنه تحقيق هذا المعنى في الشخص الواحد لتنافي توضيحه المطالب - بكسر اللام - لا يخلو إما أن يكون الراهن أو المرتهن لا سبيل إلى الأول لكونه متعينا في طلبه ما يضره، ولا المرتهن، لأنه يطالب - بفتح اللام -، فلا يكون مطالبا - بكسر اللام. م: (وكذا الإنسان) ش: دليل آخر م: (لا يضمن ملك نفسه) ش: لأن الإنسان إنما يضمن لأجل غيره وضمان المرتهن، هذا لأجل نفسه، ولا نظير له في الشرع فلم يستقم القول به م: (ويتعذر التضمين بتعذر النقض) ش: فيتقرر الاستيفاء. م: (وقيل: هذه) ش: أي هذه المسألة م: (فريعة ما إذا استوفى الزيوف مكان الجياد فهلكت ثم الجزء: 12 ¦ الصفحة: 517 علم بالزيافة يمنع الاستيفاء، وهو معروف، غير أن البناء لا يصح على ما هو المشهور، لأن محمدا فيها مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي هذا مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والفرق لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قبض الزيوف ليستوفي من عينها، والزيافة لا تمنع الاستيفاء وقد تم بالهلاك وقبض الرهن ليستوفى من محل آخر، فلا بد من نقض القبض، وقد أمكن عنده بالتضمين. ولو انكسر الإبريق ففي الوجه الأول، وهو ما إذا كانت قيمته مثل وزنه عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: لا يجبر على الفكاك، لأنه   [البناية] علم بالزيافة يمنع الاستيفاء) ش: وجه كونه فرعا أن المرتهن يصمد مستوفيا حكما بهلاك الرهن، فيعتبر بما لو استوفى حقيقة كما في هذه المسألة حقيقة، ولا يكون نقض استيفائه حقيقة، فكذا فيما نحن فيه م: (وهو معروف) ش: أي حكم استيفاء الديون عن الجياد معروف م: (غير أن البناء) ش: أي بناء هذه المسألة، على مسألة قبض الدين زيفا مكان الجيد م: (لا يصح على ما هو المشهور) ش: من الرواية م: (لأن محمدا فيها مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: على ما قيل: إن عيسى بن أبان روى: أن محمدا مع أبي يوسف في تلك فلا يصح البناء. والحاصل: أنه لو كانت هذه المسألة بناء على تلك المكان قول محمد هنا مثل ما كان ثمة، وليس كذلك، لأن محمدا ثمة مع أبي حنيفة، وهنا مع أبي يوسف، وهو معنى قوله " لأن محمدا هنا مع أبي حنيفة "، م: (وفي هذا مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإذا كان كذلك لم يصح البناء بأن تكون هذه المسألة ابتدائية. م: (والفرق لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني على تقدير أن تكون هذه المسألة بناء على تلك المسألة م: (أنه) ش: أي أن رب الدين م: (قبض الزيوف ليستوفي) ش: أي دينه م: (من عينها) ش: أي يكون عينها قدام ماله من الدين عليه م: (والزيافة لا تمنع الاستيفاء) ش: فكان الدين من جنس حقه م: (وقد تم) ش: أي الاستيفاء م: (بالهلاك) ش: أي الرهن. وفي مسألة الرهن: ما قبض الرهن ليستوفي حقه من عين الرهن، بل قبضه وثيقة حتى يستوفي حقه من غير الرهن، وهو معنى قوله م: (وقبض الرهن ليستوفي من محل آخر) ش: يعني من غير الرهن، فإذا كان كذلك م: (فلا بد من نقض القبض، وقد أمكن) ش: أي نقض القبض م: (عنده) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (بالتضمين) ش: أي بتضمين المرتهن. م: (ولو انكسر الإبريق) ش: يعني هذا الذي ذكرنا فيما إذا هلك الرهن، أما إذا انكسر م: (ففي الوجه الأول، وهو ما إذا كانت قيمته) ش: أي قيمة الإبريق الرهن م: (مثل وزنه عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - لا يجبر على الفكاك) ش: أي لا يجبر الراهن على فك الرهن م: (لأنه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 518 لا وجه إلى أن يذهب شيء من الدين؛ لأنه يصير قاضيا دينه بالجودة على الانفراد، ولا إلى أن يفتكه مع النقصان لما فيه من الضرر فخيرناه إن شاء أفتكه بما فيه، وإن شاء ضمنه قيمته من جنسه أو خلاف جنسه، وتكون رهنا عند المرتهن والمكسور للمرتهن بالضمان، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن شاء أفتكه ناقصا، وإن شاء جعله بالدين اعتبارا لحالة الانكسار بحالة الهلاك وهذا لأنه لما تعذر الفكاك مجانا صار بمنزلة الهلاك، وفي الهلاك الحقيقي مضمون بالدين بالإجماع، فكذا فيما هو في معناه. قلنا: الاستيفاء عند الهلاك بالمالية، وطريقه أن يكون مضمونا بالقيمة، ثم تقع المقاصة. وفي جعله بالدين إغلاق الرهن   [البناية] لا وجه إلى أن يذهب شيء من الدين؛ لأنه) ش: أي لأن المرتهن م: (يصير قاضيا دينه بالجودة على الانفراد) ش: فإنه لم ينقض عن الدين إلا في مقابلة ما فات من جودة الإبريق بالكسر، وذلك ربا. م: (ولا إلى أن يفتكه مع النقصان) ش: أي ولا أيضا إلى أن يمسك الراهن الرهن مع النقصان م: (لما فيه من الضرر) ش: بالراهن، لأن المرتهن قبض الرهن سليما من العيب، وبالانكسار صار معيبا، فيصل إليه حقه ناقصا إذا لم يسقط شيء من دينه، وذلك ضرر به لا محالة، فإذا كان كذلك م: (فخيرناه) ش: أي الراهن م: (إن شاء أفتكه بما فيه) ش: أي بالدين الذي في الكسور، يعني: انفك الراهن الإبريق المنكسر ناقصا لما هو بالدين الذي هو مرهون فيه يعني بجميع الدين. م: (وإن شاء ضمنه قيمته) ش: أي المرتهن م: (من جنسه أو خلاف جنسه) ش: أي خلاف جنسه مصنوعا م: (وتكون رهنا عند المرتهن والمكسور للمرتهن بالضمان) ش: وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن شاء أفتكه ناقصا، وإن شاء جعله بالدين اعتبارا لحالة الانكسار بحالة الهلاك) ش: فثمة مضمون بالدين لا بالقيمة بالإجماع، فكذا هنا. م: (وهذا لأنه لما تعذر الفكاك مجانا) ش: يعني لما تقدم أنه لا وجه إلا أن يذهب - يعني: من الدين ولا أن يفتكه من النقصان، بقي أن يفتكه مجانا، وهو متعذر، فإذا كان كذلك م: (صار بمنزلة الهلاك) ش: في تعذر الهلاك، وهو متعذر، فإذا كان كذلك م: (وفي الهلاك الحقيقي مضمون بالدين بالإجماع فكذا فيما هو في معناه) ش: أي في معنى الانفكاك الحقيقي. م: (قلنا: الاستيفاء عند الهلاك) ش: أي عند هلاك الرهن م: (بالمالية) ش: وكل ما استوفى عند الهلاك بالمالية له طريقه م: (وطريقه أن يكون مضمونا بالقيمة) ش: لفوات عينه م: (ثم تقع المقاصة) ش: بين الدينين يعني ما له وما له عليه، وهو مشروع م: (وفي جعله بالدين) ش: أي وفي جعل الرهن مضمونا بالدين حال قيامه م: (إغلاق الرهن) ش: وهو الإجناس الكلي بأن يصير الجزء: 12 ¦ الصفحة: 519 وهو حكم جاهلي، فكان التضمين بالقيمة أولى. وفي الوجه الثالث: وهو ما إذا كانت قيمته أقل من وزنه ثمانية يضمن قيمته جيدا من خلاف جنسه أو رديئا من جنسه، وتكون رهنا عنده، وهذا بالاتفاق، أما عندهما فظاهر، وكذلك عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه يعتبر حالة الانكسار بحالة الهلاك، والهلاك عنده بالقيمة. وفي الوجه الثاني: وهو ما إذا كانت قيمته أكثر من وزنه اثني عشر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن جميع قيمته، وتكون رهنا عنده؛ لأن العبرة للوزن عنده لا للجودة والرداءة، فإن كان باعتبار الوزن كله مضمونا يجعل كله مضمونا، وإن كان بعضه فبعضه، وهذا لأن   [البناية] الرهن مملوكا للمرتهن. م: (وهو حكم جاهلي) ش: مردود في الشرع، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يغلق الرهن» ، ولو جعلناه مضمونا بالقيمة لا يؤدي إلى غلوق الرهن لانتقال حكم الرهن إلى مثله، فإذا كان كذلك م: (فكان التضمين بالقيمة أولى) ش: وفي هذه العبارة تسامح، والحق أن يقال: فكان التضمين بالقيمة واجبا أو صوابا أو الصحيح أو ما شاء كل ذلك. م: (وفي الوجه الثالث: وهو ما إذا كانت قيمته أقل من وزنه ثمانية) ش: بأن يكون الوزن عشرة كالدين وقيمته ثانية، وإنما قدم الوجه الثالث على الوجه الثاني لأنه له مناسبة بالوجه الأول من جهة أنهما قالا: هو ما يصلح أن يكون مضمونا بالقيمة فيما إذا كان وزنه وقيمته سواء، كما إذا كانت قيمته أقل من وزنه م: (يضمن قيمته جيدا من خلاف جنسه أو رديئا من جنسه وتكون رهنا عنده) ش: أي عند المرتهن م: (وهذا) ش: أي المذكور م: (بالاتفاق) ش: بين أصحابنا الثلاثة. م: (أما عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف: م: (فظاهر) ش: كما إذا كانت قيمته مثل وزنه في حال الانكسار م: (وكذلك عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه يعتبر حالة الانكسار بحالة الهلاك، والهلاك عنده بالقيمة) ش: يعني في هذا الفصل، وهو ما إذا كانت قيمة الإبريق أقل من وزنه لا بالدين، فكذا الانكسار. م: (وفي الوجه الثاني: وهو ما إذا كانت قيمته أكثر من وزنه اثني عشر) ش: لجودة صناعته فيه م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن جميع قيمته وتكون رهنا عنده؛ لأن العبرة) ش: في الأموال الربوية م: (للوزن عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (لا للجودة والرداءة، فإن كان) ش: أي الرهن م: (باعتبار الوزن كله مضمونا يجعل كله مضمونا) ش: كما إذا وزن الرهن مثل وزن الدين جعل الرهن كله مضمونا من حيث القيمة م: (وإن كان بعضه فبعضه) ش: أي وإن كان بعضه مضمونا كما إذا كان وزن الرهن أكثر من وزن الدين فبعضه مضمون، وهو مقدار الدين لا الزائد عليه، وتنقسم الجودة على المضمون، ولأن حصة المضمون مضمونة، وغيرها أمانة. م: (وهذا لأن الجزء: 12 ¦ الصفحة: 520 الجودة تابعة للذات، ومتى صار الأصل مضمونا استحال أن يكون التابع أمانة. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن خمسة أسداس قيمته، ويكون خمسة أسداس الإبريق له بالضمان وسدسه يفرز حتى لا يبقى الرهن شائعا، ويكون مع قيمته خمسة أسداس المكسور رهنا، فعنده تعتبر الجودة والرداءة، وتجعل زيادة القيمة كزيادة الوزن كأن وزنه اثنا عشر، وهذا لأن الجودة متقومة في ذاتها حتى تعتبر عند المقابلة بخلاف جنسها وفي تصرف المريض وإن كانت لا تعتبر عند المقابلة بجنسها سمعا فأمكن اعتبارها.   [البناية] الجودة تابعة للذات، ومتى صار الأصل مضمونا استحال أن يكون التابع أمانة) ش: لا يخالف الأصل م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن خمسة أسداس قيمته، ويكون خمسة أسداس الإبريق له بالضمان وسدسه) ش: أي سدس المنكسر م: (يفرز حتى لا يبقى الرهن شائعا) ش: بطرءان الشيوع، فإن الطارئ [ .... .] لأنه فيه كالمقارن. م: (ويكون مع قيمته خمسة أسداس المكسور رهنا، فعنده) ش: أي فعند أبي يوسف م: (تعتبر الجودة والرداءة، وتجعل زيادة القيمة كزيادة الوزن كأن وزنه اثنا عشر، وهذا لأن الجودة متقومة في ذاتها حتى تعتبر عند المقابلة بخلاف جنسها وفي تصرف المريض) ش: مرض الموت، فإنه إذا باع قلبا وزنه عشرة وقيمته عشرون بعشرة لم يسلم للمشتري ويعتبر خروجه من الثلث، كما لو تبرع من العين. م: (وإن كانت لا تعتبر عند المقابلة بجنسها) ش: كلمة إن واصلا إليه بقوله م: (سمعا) ش: أي من حيث السماع من الشارع، وهو قوله: جيدها ورديئها سواء م: (فأمكن اعتبارها) ش: يعني اعتبار الجودة، لأن زيادة القيمة بالجودة كالزيادة في الوزن، فأمكن اعتبارها، وسدسه أمانة، فالمعتبر بالانكسار فيما هو مضمونه تعتبر، وحالة الانكسار ليست بحالة الاستيفاء عنده أيضا، فيضمن قيمته خمسة أسداسه من خلاف جنسه، وطريق معرفته خمسة أسداس الوزن أن ينفصل من الوزن الذي هو عشرة سدسه وهو درهم وثلثا درهم يبقى خمسة أسداسه وهي ثمانية دراهم وثلث درهم، وذلك لأن العشرة ستة أسداس، فيكون خمسة أسداس الإبريق عشرة. وفي بيان قول محمد نوع طول يعرف في موضعه من " المبسوط " و" الزيادات " مع جميع شعبها وشعبها ستة وعشرون فصلا، ونذكر أولا أصولا في هذا الباب: منها: أنه إذا رهن فضة من فضة، أو ذهبا بذهب، أو حنطة بحنطة، أو شعيرا بشعير، فهلك الرهن وقيمته بمثل الدين وقدره كقدره هلك بالدين في قولهم جميعا، وإذا كانت قيمته أكثر من قيمة الدين وقدره مثل وزن الدين هلك بالدين في قولهم، وإن كانت قيمته أقل من قيمة الدين فهلك ذهب بالدين عند أبي حنيفة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 521 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وقالا: يقوم المرتهن بمثله إن كان له مثل قيمته إن لم يكن له مثله من غير جنسه، ويرجع بالدين. وإذا دخل في الرهن نقص بغير فعل المرتهن فقد ذكر في " الأصل " عند أبي حنيفة أنه يضمن قيمته، فيكون رهنا، وإن كان وزنه أكثر من الدين ضمن بقدر الدين. وروى ابن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة في " الإملاء " وفي "نوادره": أنه لا ضمان على المرتهن، ويقال للراهن: هات الدين كله وخذ الرهن. وكذلك روي عن ابن الزبير عن أبي يوسف عن أبي حنيفة والحسن بن زياد عن أبي حنيفة، وقال محمد في " الزيادات ": هو قياس قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: إذا كانت قيمته مثل الدين ضمنه المرتهن. وإن كانت قيمته أكثر من الدين ووزنه كوزن الدين فقد اختلفت الروايات عن أبي يوسف، فروى محمد عنه: أنه يضمن منه مقدار المضمون من القيمة. وروى بشر عنه: أنه يضمن قيمته. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في الرهن إذا دخله عيب وجودته مثل الدين أو أكثر: أن للراهن أن يتركه على المرتهن بدينه، ومنع أبو حنيفة وأبو يوسف ذلك. وإذا ثبتت هذه الأصول قلنا: لا يخلو إما أن يكون وزن الرهن مثل الدين أو أقل أو أكثر، فإن كان مثل الدين فلا يخلو إما أن يكون مثله في الجودة، أو دون، أو أجود، وإن كان وزنه أكثر من الدين فلا يخلو إما أن يكون قيمته أكثر من وزنه، أو مثل وزنه، أو أقل من وزنه ومثل الدين، أو أقل من وزنه وأقل من الدين، أو أقل من وزنه من الدين، أو أكثر من الدين فهذه ثلاثة عشر فصلا، كل واحد منها لا يخلو الرهن فيه من هلاك أو نقص، فذلك ستة وعشرون فصلا. وبيان هذه الفصول: أنه إذا كان وزن الرهن مثل الدين، وقيمته كذلك هو أن يكون الدين عشرة ووزن الرهن عشرة، وقيمته عشرة فلا يخلو إما أن يهلك أو ينكسر، فإن هلك هلك بالدين في قولهم جميعا، وإن انكسر ضمن قيمته بالانكسار في إحدى الروايتين عن أبي حنيفة، وهو قول أبي يوسف. وقال محمد: للراهن أن يملكه بدينه، وإن كان وزنه مثل الدين وقيمته أقل، وهو أن يكون ثمانية، فإن هلك هلك بالدين، وعند أبي حنيفة وعندهما: يضمن قيمته من الذهب ويرجع بدينه، وإن انكسر ضمن قيمته عند أبي حنيفة في رواية، وهو قول أبي يوسف، ولا يمكن التمليك عند محمد، لأنه أدون من حق المرتهن إلا أن يرضى المرتهن بذلك، وإذا كانت قيمته أكثر من الوزن مثل أن يكون اثني عشر، فإن هلك هلك بالدين عند أبي حنيفة، لأن الجودة لا قيمة لها عنده. وعند محمد: أن الجودة لا اعتبار بها هاهنا، لأنها فاضلة عن الدين الجزء: 12 ¦ الصفحة: 522 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] فهو أمانة، وأما على قول أبي يوسف فالجودة مضمونة كالوزن فقد قيل على قوله: يهلك خمسة أسداسه بالدين، وسدسه بالأمانة، وقيل على قوله يضمن المرتهن خمسة أسداس انقلب من الذهب، ويرجع بدينه حتى لا يؤدي ذلك إلى الربا، وأما إذا انكسر فله ثلاثة أحوال إما أن يذهب بالانكسار بعض الجودة فبقي قيمته أحد عشر، وكل الجودة فتبقى قيمته عشرة أو أكثر من الجودة فتبقى قيمته ثمانية، ففي جميع الأحوال عند أبي حنيفة يضمن جميعه. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يضمن خمسة أسداسه، وفي رواية: يضمن جميعه. وعند أبي يوسف في رواية: يضمن جميعه، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن نقص من القيمة درهم، أو درهمان، ولا ضمان على المرتهن ويفكه الراهن بجميع دينه. وقد قيل على قوله: له أن يضمنه، وإن كان الدين عشرة والوزن ثمانية فإن كانت قيمته أقل من وزنه مثل أن يكون ستة، فإن هلك هلك بثمانية عند أبي حنيفة. وعندهما يقوم قيمته من الذهب ويرجع بدينه، وإن انكسر ضمن قيمته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما يقوم قيمته من الذهب، وعند محمد لا يجزه في التمليك فلا بد من التضمين على قوله، وإن كانت قيمته مثل وزنه فهلك هلك بمثل وزنه في قولهم: وإن انكسر ضمن عندهما. وعند محمد: له أن يملكه بثمانية من الدين لأنه مثلها في الوزن والجودة. وإن كانت قيمته أكثر من وزنه وأقل من الدين مثل أن يكون تسعة هلك بثمانية عند أبي حنيفة، وعندهما يضمن قيمته. وإن انكسر ضمن قيمته في قولهم، وإن كانت قيمته مثل الدين وهو أن يكون عشرة فالكلام في الهلاك والانكسار كالكلام فيه إذا كانت قيمته تسعة، وإن كانت قيمته أكثر من الدين وهو أن يكون اثني عشر، فإن هلك هلك بثمانية عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن خمسة أسداسه، وقد قيل: يهلك خمسة أسداسه بالدين. وإن كان أقل من الدين وزنا. وقد قيل عنه: إنه يضمن قيمته خمسة أسداسه من الذهب ويرجع بدينه على الراهن حتى لا يؤدي إلى الربا، وإن انكسر فجميعه مضمون عند أبي حنيفة، وأبي يوسف يضمن خمسة أسداسه. وعند محمد: إن نقص بالانكسار درهم أو درهمان لم يضمن. وإن نقص أكثر من ذلك ضمن، إلا أن يختار تمليكه بدينه وإسقاط الجودة. وإذا كان وزنه أكثر من الدين، وهو أن يكون اثني عشر، فإذا كانت قيمته مثل وزنه فهلك ذهب خمسة أسداسه بالدين، وسدسه بالأمانة في قولهم، فإن انكسر ضمن خمسة أسداسه في قولهما. وعند محمد: له أن يملكه خمسة أسداسه بالدين، وإن كانت قيمته أقل من وزنه وأكثر من الدين مثل أن يكون وزنه اثني عشر، وقيمته أحد عشر، فإذا هلك هلك الجزء: 12 ¦ الصفحة: 523 قال: ومن باع عبدا على أن يرهنه المشتري شيئا بعينه جاز استحسانا، والقياس: أن لا يجوز، وعلى هذا القياس والاستحسان إذا باع شيئا على أن يعطيه كفيلا معينا حاضرا في المجلس فقبل، وجه القياس أنه صفقة في صفقة وهو   [البناية] بالدين خمسة أسداسه عند أبي حنيفة، ولا رواية عنهما في هذا الفضل. وإن انكسر ضمن خمسة أسداسه عند أبي حنيفة؛ لأنه لا يعتد بالجودة، وكذا يجب أن يكون على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه لا جودة في الرهن، فيعتبر الوزن. وعلى قول محمد: لا يجوز التمليك بأن الوزن أوزن من الدين. وإن كانت قيمته مثل من الدين عشرة فهلك: هلك خمسة أسداسه بالدين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعندهما يقوم جميع قيمته. وإن كانت قيمته أقل من الدين مثل أن يكون قيمته ثمانية، فإن هلك: ذهب خمسة أسداسه بالدين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وإن انكسر ضمن خمسة أسداسه. وعندهما: يضمن قيمته في الحالين، وإن كانت قيمته خمسة عشر فهلك بخمسة أسداسه بالدين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقيل: على قول أبي يوسف: إنه يضمن مقدار الدين من القيمة. وعلى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له أن يملكه إن اختار، وإن انكسر ضمن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خمسة أسداسه. وعند أبي يوسف: يضمن ثلثيه. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن نقص مقدار الجودة لم يعتد به، وإن نقصه من الوزن فإن شاء ملكه خمسة أسداسه بالدين، وإن شاء أفتكه بجميع الدين وإن شاء غرمه قيمة خمسة أسداسه حتى لا يسقط حقه من الجودة، وبقي الكلام هنا في فصل واحد، وهو أن كل موضع ضمن بالمرتهن بعض القلب بالانكسار ملك ما ضمن بالضمان، وصار شريكا في بقية الرهن. [باع عبدا على أن يرهنه المشتري شيئا بعينه] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن باع عبدا على أن يرهنه المشتري شيئا بعينه جاز استحسانا) ش: هذه المسألة مرت في البيوع، فالبيع بشرط الرهن المعين، والكفيل المعين جائز، ولا نعلم فيه خلافا. وإذا لم يكن الرهن معينا، وكذا الكفيل لا يجوزه وكذا إذا كان الكفيل غائبا عندنا، والشافعي، وأحمد. وحكي عن مالك وأبي ثور: يصح شرط الرهن المجهول، ويلزمه أن يدفع إليه رهنا بقدر الدين. م: (والقياس: أن لا يجوز، وعلى هذا القياس والاستحسان إذا باع شيئا على أن يعطيه كفيلا معينا حاضرا في المجلس فقبل) ش: أي قبل الكفيل الكفالة م: (وجه القياس: أنه صفقة في صفقة، وهو الجزء: 12 ¦ الصفحة: 524 منهي منه، ولأنه شرط لا يقتضيه العقد، وفيه منفعة لأحدهما ومثله يفسد البيع، وجه الاستحسان: أنه شرط ملائم للعقد؛ لأن الكفالة والرهن للاستيثاق، وأنه يلائم الوجوب، فإذا كان الكفيل حاضرا في المجلس والرهن معينا، اعتبرنا فيه المعنى، وهو ملائم، فصح العقد. وإذا لم يكن الرهن ولا الكفيل معينا أو كان الكفيل غائبا حتى افترقا لم يبق معنى الكفالة والرهن للجهالة، فبقي الاعتبار لعينه فيفسد. ولو كان غائبا فحضر في المجلس وقبل صح. ولو امتنع المشتري عن تسليم الرهن لم يجبر عليه. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجبر؛ لأن الرهن إذا شرط في البيع صار حقا من حقوقه كالوكالة المشروطة في الرهن فيلزمه بلزومه. ونحن نقول: الرهن عقد تبرع من جانب الراهن على ما بيناه ولا جبر على التبرعات، ولكن البائع بالخيار إن شاء رضي بترك الرهن، وإن شاء فسخ البيع، لأنه   [البناية] منهي عنه ولأنه شرط لا يقتضيه العقد) ش: قيد به لأنه لو كان شرطا يقتضيه العقد، وهو الذي يجب بالعقد من غير شرطه كما لو شرط تسليم المبيع على البائع أو على المشتري تسليم الثمن لا يفسد م: (وفيه منفعة لأحدهما) ش: أي في الشرط المذكور، وهو شرط رهن شيء بعينه منفعة لأحد المتعاقدين؛ لأنه شرط مؤكد موجب العقد، لأن المقصود بالرهن، والكفالة التوثق بالثمن، فصار كاشتراط الجودة م: (ومثله) ش: أي مثل هذا الشرط م: (يفسد البيع) . م: (وجه الاستحسان: أنه شرط) ش: أي أن هذا الشرط م: (ملائم العقد؛ لأن الكفالة والرهن للاستيثاق، وأنه يلائم الوجوب) ش: أي وإن الاستيثاق ملائم وجوب الثمن، إذ هو شرط استيفاء الثمن، فيلائم العقد. م: (فإذا كان الكفيل حاضرا في المجلس والرهن معينا اعتبرنا فيه المعنى) ش: وهو عقد وثيقة م: (وهو ملائم، فصح العقد. وإذا لم يكن الرهن ولا الكفيل معينا، أو كان الكفيل غائبا حتى افترقا) ش: أي المتعاقدان م: (لم يبق معنى الكفالة والرهن) ش: وهو التوثق م: (للجهالة فبقي الاعتبار لعينه) ش: أي لعين الشرط م: (فيفسد، ولو كان) ش: أي الكفيل م: (غائبا فحضر في المجلس وقبل) ش: أي الكفالة م: (صح) ش: أي العقد م: (ولو امتنع المشتري عن تسليم الرهن لم يجبر عليه) ش: أي على التسليم، وبه قال الشافعي وأحمد، م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجبر) ش: وبه قال مالك، وأبو ثور، وابن أبي ليلى، والقاضي الحنبلي فيما عدا الكفيل م: (لأن الرهن إذا شرط في البيع صار حقا من حقوقه) ش: أي من حقوق البيع م: (كالوكالة المشروطة في الرهن فيلزمه بلزومه) ش: أي فيلزم المشتري بلزوم البيع. م: (ونحن نقول: الرهن عقد تبرع من جانب الراهن على ما بيناه) ش: في أوائل كتاب الرهن م: (ولا جبر على التبرعات، ولكن البائع بالخيار إن شاء رضي بترك الرهن، وإن شاء فسخ البيع؛ لأنه الجزء: 12 ¦ الصفحة: 525 وصف مرغوب فيه وما رضي إلا به فيتخير بفواته، إلا أن يدفع المشتري الثمن حالا لحصول المقصود أو يدفع قيمة الرهن رهنا، لأن يد الاستيفاء تثبت على المعنى وهو القيمة. قال: ومن اشترى ثوبا بدراهم فقال للبائع: أمسك هذا الثوب حتى أعطيك الثمن فالثوب رهن، لأنه أتى بما ينبئ عن معنى الرهن وهو الحبس إلى وقت الإعطاء، والعبرة في العقود للمعاني، حتى كانت الكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة، والحوالة في ضد ذلك كفالة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون رهنا، ومثله عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن قوله: أمسك يحتمل الرهن، ويحتمل الإيداع، والثاني أقلهما فيقضى بثبوته. بخلاف ما إذا قال: أمسكه بدينك أو بمالك؛ لأنه لما قابله بالدين فقد عين جهة الرهن، قلنا: لما مده.   [البناية] وصف مرغوب فيه، وما رضي إلا به فيتخير بفواته) ش: أي بفوات الوصف المرغوب فيه م: (إلا أن يدفع المشتري الثمن حالا لحصول المقصود) ش: وهو حضور الثمرة م: (أو يدفع قيمة الرهن رهنا؛ لأن يد الاستيفاء تثبت على المعنى وهو القيمة) ش: قال تاج الشريعة: قوله: أو يدفع قيمة الرهن رهنا لا يراد بالقيمة الدراهم والدنانير، لأن قيمة الشيء قائمة مقامه، فكأنها هو، أما إن أراد أن يرهن مكانه عينا آخر فحينئذ يحتاج إلى رهن المرتهن. م: (قال) ش: أي قال محمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى ثوبا بدراهم فقال للبائع: أمسك هذا الثوب حتى أعطيك الثمن فالثوب رهن) ش: أي يكون الثوب رهنا عند البائع. قيل: يريد به ثوبا غير الثوب المشترى، والصواب أنه وغيره سواء. قلت: القائل الكاكي؛ فإنه قال: أي ثوبا آخر غير المبيع، والصواب: القائل هو الأكمل، فإن التمرتاشي ذكر في "جامعه ": اشترى ثوبا وقبضه ثم أعطى البائع وقال: أمسك أعطيك الثمن فهو رهن عند أبي حنيفة ووديعة عند أبي يوسف، فحينئذ لا تفاوت بين المبيع وغيره. م: (لأنه) ش: أي لأن المشتري م: (أتى بما ينبئ عن معنى الرهن وهو الحبس إلى وقت الإعطاء) ش: أي إعطاء الثمن م: (والعبرة في العقود للمعاني، حتى كانت الكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة؛ والحوالة في ضد ذلك كفالة، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون رهنا، ومثله) ش: أي ومثل قول زفر روي م: (عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن قوله أمسك يحتمل الرهن، ويحتمل الإيداع، والثاني أقلهما) ش: أي الإيداع أقل، لكون الوديعة غير مضمونة م: (فيقضى بثبوته) ش: أي بثبوت الإيداع. م: (بخلاف ما إذا قال: أمسكه بدينك أو بمالك) ش: أي أو قال أمسكه بمالك م: (لأنه لما قابله الجزء: 12 ¦ الصفحة: 526 إلى الإعطاء علم أن مراده الرهن.   [البناية] بالدين فقد عين جهة الرهن. قلنا) ش: هذا جواب عن قول زفر، وهو أنه م: (لما مده) ش: أي مد الإمساك م: (إلى الإعطاء) ش: أي إلى وقت الإعطاء م: (علم أن مراده الرهن) ش: لأن التكلم بحكم الرهن كالتكلم بصفته كرجل قال: ملكتك عبدي هذا بألف درهم، فإنه يكون بيعا لأن العبرة في العقود للمعاني كما مر، وقول محمد في هذا الباب مضطرب. كذا في " المختلف ". الجزء: 12 ¦ الصفحة: 527 فصل ومن رهن عبدين بألف فقبض حصة أحدهما لم يكن له أن يقبضه حتى يؤدي باقي الدين، وحصة كل واحد منهما إذا قسم الدين على قيمتهما، وهذا لأن الرهن محبوس بكل الدين فيكون محبوسا بكل جزء من أجزائه مبالغة في حمله على قضاء الدين، وصار كالمبيع في يد البائع، فإن سمى لكل واحد من أعيان الرهن شيئا من المال الذي رهنه به، فكذا الجواب في رواية الأصل، وفي " الزيادات ": له أن يقبضه إذا أدى ما سمي له، وجه الأول: أن العقد متحد لا يتفرق بتفرق التسمية كما في المبيع.   [البناية] [فصل في رهن العبدين بقيمة معينة فيقبض حصة أحدهما] [رهن عبدين بألف فقبض حصة أحدهما] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان رهن الواحد، شرع في بيان الرهن أو الراهن أو المرتهن إذا كانا اثنين، لأن الواحد قبل الاثنين. م: (ومن رهن عبدين بألف فقبض حصة أحدهما لم يكن له أن يقبضه حتى يؤدي باقي الدين) ش: هذا لفظ القدوري. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وحصة كل واحد منهما ما يحصه) ش: بالحاء المهملة، يقال حصتي من المال الثلث أو الربع بالحاء المهملة، أي أصابني، فصار معي أو في حصتي م: (إذا قسم الدين على قيمتهما) ش: مثلا إذا كان الدين ألفا وقيمة أحدهما ألفان، وقيمة الآخر ألف، فحصة الأول من الدين ستمائة وستة وستون وثلثا درهم، والفضل أمانة، وحصة الآخر ثلاثمائة، ثلاثة وثلاثون وثلث درهم، والباقي أمانة. م: (وهذا) ش: إيضاح لما قبله م: (لأن الرهن محبوس بكل الدين، فيكون محبوسا بكل جزء من أجزائه مبالغة في حمله على قضاء الدين، وصار كالمبيع في يد البائع) ش: في أن المشتري إذا أدى حصة أحدهما من الثمن في البيع لا يتمكن من أخذه حتى يؤدي باقي الثمن. م: (فإن سمى لكل واحد من أعيان الرهن شيئا من المال الذي رهنه به، فكذلك الجواب) ش: يعني لم يتمكن من أخذه حتى يوفى المال كله م: (في رواية الأصل) ش: يعني " المبسوط ". م: (وفي " الزيادات ": له أن يقبضه إذا أدى ما سمي له) ش: إنما يقبضه إذا كان قد سمي له، وهو قياس قول أئمة الثلاثة م: (وجه الأول) ش: أي وجه رواية " الأصل " م: (أن العقد متحد) ش: يعني أنه عقد واحد وليس بعقدين لاتحاد الإيجاب والقبول، حيث قال: رهنتك هذين الجزء: 12 ¦ الصفحة: 528 وجه الثاني: أنه لا حاجة إلى الاتحاد؛ لأن أحد العقدين لا يصير مشروطا في الآخر، ألا يرى أنه لو قبل الرهن في أحدهما جاز. قال: فإن رهن عينا واحدة عند رجلين بدين لكل واحد منهما عليه جاز، وجميعها رهن عند كل واحد منهما، لأن الرهن أضيف إلى جميع العين في صفقة واحدة، ولا شيوع فيه، وموجبه صيرورته محتبسا بالدين، وهذا مما لا يقبل الوصف بالتجزئ، فصار محبوسا بكل واحد منهما،   [البناية] العبدين بألف، والتفصيل لا يجعله في معنى العقدين لاتحاد العقد م: (لا يتفرق) ش: أي العقد المتحد م: (بتفرق التسمية كما في المبيع) ش: أي كما لا يتفرق في البيع، فإنه إذا قال بعت منك هذين العبدين كل واحد منهما بخمسمائة ليس للمشتري أن يقبل العقد في أحدهما دون الآخر، وكذلك ليس له أن يقبض أحدهما إذا فقد ثمنه. م: (وجه الثاني) ش: أي وجه رواية الزيادات: م: (أنه لا حاجة إلى الاتحاد؛ لأن أحد العقدين لا يصير مشروطا في الآخر) ش: بخلاف البيع، فإن العادة جرت بضم الرديء إلى الجيد للترويج، فلو جاز قبول أحدهما يتضرر البائع، بخلاف الرهن، فإنه لا يزيل ملك الراهن، فقبول المرتهن العقد في أحدهما لا يضر الراهن. وقال تاج الشريعة: واختلف المشايخ في الأصح منهما، قلت: قال: شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي: والصحيح ما ذكر في " الأصل ". م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإن رهن عينا واحدة عند رجلين بدين لكل واحد منهما عليه جاز) ش: سواء كانا شريكين في الدين أو لا، فإن لم يكونا شريكين ولأحدهما دراهم وللآخر دنانير فإنه جائز أيضا، ولا يعلم فيه خلاف م: (وجميعها) ش: أي جميع العين الواحدة م: (رهن عند كل واحد منهما؛ لأن الرهن أضيف إلى جميع العين في صفقة واحدة، ولا شيوع فيه) ش: أي في المرهون بسبب عدد المستحقين كقصاص يجب لجماعته على شخص، فإنه لا يتمكن الشيوع في المحل باعتبار عدد المستحقين. فإن قلت: بل فيه شيوع، لأن إضافة الرهن إلى اثنين يوجب الانقسام بينهما نصفين، ألا ترى أنه ينقسم حالة الهلاك؟. الجواب: أن الكل محبوس بحق كل واحد منهما على الكمال تحريا للجواز، والمقصود من الرهن الحبس والعين الواحد يجوز أن يكون محبوسا على محل دين كل منهما على الكمال. م: (وموجبه صيرورته) ش: أي موجب الرهن أنه يصير م: (محتبسا بالدين، وهذا) ش: أي الاحتباس م: (مما لا يقبل الوصف بالتجزئ، فصار محبوسا بكل واحد منهما) ش: ولا تنافي، كما إذا قتل واحد جماعة فحضر أحد من أولياء المقتولين واستوفى القصاص يكون ذلك لنفسه وللباقين. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 529 وهذا بخلاف الهبة من رجلين حيث لا تجوز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: فإن تهايأ فكل واحد منهما في نوبته كالعدل في حق الآخر والمضمون على كل واحد منهما حصته من الدين؛ لأن عند الهلاك يصير كل واحد منهما مستوفيا حصته، إذ الاستيفاء مما يتجزأ. قال فإن أعطى أحدهما دينه كان كله رهنا في يد الآخر، لأن جميع العين رهن في يد كل واحد منهما من غير تفرق، وعلى هذا حبس المبيع إذا أدى أحد المشتريين حصته من الثمن. : قال   [البناية] م: (وهذا بخلاف الهبة من رجلين حيث لا تجوز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لأن المقصود بالهبة الملك، ويستحيل أن يكون جميع العين مالكا لهذا. م: (قال) ش: أي المصنف: وليس في كثير من النسخ لفظ "قال" هذا م: (فإن تهايأ) ش: بأن أمسك أحدهما يوما والآخر يوما م: (فكل واحد منهما في نوبته كالعدل في حق الآخر) ش: وفائدة كونه كالعدل في حق الآخر أن يكون الرهن في ضمان كل واحد منهما، حتى لو هلك الرهن عند أحدهما يكون المضمون على واحد منهما نصيبه. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والمضمون على كل واحد منهما حصته من الدين) ش: هذا من تتمة قول القدوري الذي مر معنا وهو قوله فإن رهن عينا واحدة عند رجلين صورته أن يكون لأحدهما عشرة على الراهن للآخر خمسة عليه، وللراهن ثلاثون درهما فهلك عشرون من الرهن فتبقى العشرة من الرهن في يدهما ثلاثا، ويسقط من صاحب العشرة ثلثاه ومن صاحب الخمسة ثلاثة فيكون على الرهن لصاحب العشرة ثلث العشرة، وهي ثلاث وثلث، ولصاحب الخمسة ثلث الخمسة وهو درهم وثلثا درهم. م: (لأن عند الهلاك يصير كل واحد منهما مستوفيا حصته، إذ الاستيفاء مما يتجزأ) ش: أي الراهن؛ لأن الاستيفاء مما يتجزأ، فلذلك يصير كل واحد مستوفيا حصته. م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإن أعطى) ش: أي الرهن م: (أحدهما) ش: أي أحد المرتهنين م: (دينه كان كله) ش: أي كل الرهن م: (رهنا في يد الآخر؛ لأن جميع العين رهن في يد كل واحد منهما من غير تفرق) ش: وعند الثلاثة نصف رهن ونصفه وديعة. وفي " المبسوط " لو هلك العين عند الآخر الذي أدى دينه أن يسترد ما أدى خلافا للأئمة الثلاثة، لأن ارتهان كل واحد منهما في نوبته كالعدل في حق الآخر، فيصير كل واحد منهما عند الهلاك مستوفيا دينه من مالية الرهن مستردا ما أعطاه كيلا يتكرر الاستيفاء. م: (وعلى هذا حبس المبيع إذا أدى أحد المشتريين حصته) ش: أي وعلى حكم المذكور إذا اشترى الاثنان من الواحد فأدى أحدهما حصته م: (من الثمن) ش: كان للبائع أن يحبس المبيع بنصيب الآخر. [رهن رجلان بدين عليهما رجلا رهنا واحدا] م: (قال) ش: أي المصنف إن هذه المسألة ليست مذكورة في " الجامع الصغير " الجزء: 12 ¦ الصفحة: 530 وإن رهن رجلان بدين عليهما رجلا رهنا واحدا فهو جائز، والرهن رهن بكل الدين، فللمرتهن أن يمسكه حتى يستوفي جميع الدين لأن قبض الرهن يحصل في الكل من غير شيوع، فإن أقام الرجلان كل واحد منهما البينة على رجل أنه رهنه عبده الذي في يده وقبضه فهو باطل، لأن كل واحد منهما أثبت بينته أنه رهنه كل العبد، ولا وجه إلى القضاء لكل واحد منهما بالكل؛ لأن العبد الواحد يستحيل أن يكون كله رهنا لهذا، وكله رهنا لذلك في حالة واحدة، ولا إلى القضاء بكله لواحد بعينه لعدم الأولوية، ولا إلى القضاء لكل واحد منهما بالنصف؛ لأنه يؤدي إلى الشيوع فتعذر العمل بهما وتعين التهاتر،   [البناية] و" مختصر القدوري "، وإنما ذكرها الكرخي في "مختصره " م: (وإن رهن رجلان بدين عليهما رجلا رهنا واحدا فهو جائز، والرهن رهن بكل الدين، فللمرتهن أن يمسكه حتى يستوفي جميع الدين؛ لأن قبض الرهن يحصل في الكل من غير شيوع) ش: وعند الأئمة الثلاثة بالشيوع لما أن رهن المشاع جائز عندهم. م: (فإن أقام الرجلان) ش: قال تاج الشريعة: أي اللذان سبق ذكرهما عند قوله إن رهن عينا واحدة عند رجلين، وفي بعض النسخ فإن أقام رجلان، وحينئذ لا حاجة، إلى هذا التكلف. صورته: عبد في يد رجل وأقام الرجلان م: (كل واحد منهما البينة على رجل) ش: أي الذي هو العبد في يده م: (أنه رهنه عبده الذي في يده وقبضه فهو باطل) ش: أي قيام كل واحد من البينتين بالرهن باطل، أي قال الفقيه أبو الليث: وقال في كتاب الشهادات: الرهن في القياس باطل، وفي الاستحسان جائز، وبالقياس. فأخذ وجه الاستحسان أنه يجوز أن يكون الشيء رهنا عند رجلين فيكون لكل واحد منهما نصفه بنصف حقه. وجه القياس ما ذكره المصنف بقوله: م: (لأن كل واحد منهما) ش: أي من الرجلين م: (أثبت بينته أنه رهنه كل العبد، ولا وجه إلى القضاء) ش: أي لا وجه أيضا إلى الحكم م: (لكل واحد منهما بالكل) ش: أي بكل العبد م: (لأن العبد الواحد يستحيل أن يكون كله رهنا لهذا، وكله رهنا لذلك في حالة واحدة) ش: والاستحالة فيه ظاهرة م: (ولا إلى القضاء) ش: أي ولا وجه إلى الحكم م: (بكله) ش: أي بكل العبد م: (لواحد) ش: من الاثنين م: (بعينه لعدم الأولوية) ش: أي لعدم من يكون أولى منهما، أي من الاثنين م: (ولا إلى القضاء لكل واحد منهما بالنصف) ش: أي بنصف العبد م: (لأنه يؤدي إلى الشيوع فتعذر العمل بهما) ش: أي لأن القضاء لكل منهما أي بالبينتين م: (وتعين التهاتر) ش: أي تهاتر البينتين، أي تساقطها والترك، فالحكم لعدم الترجيح، ولا أن القضاء، أي ولا وجه أيضا إلى الحكم لكل واحد منهما. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 531 ولا يقال: إنه يكون رهنا لهما، كأنهما ارتهانه معا إذا جهل التاريخ بينهما وجعل في كتاب الشهادات، هذا وجه الاستحسان، لأنا نقول: هذا عمل على خلاف ما اقتضته الحجة؛ لأن كلا منهما أثبت ببينته حبسا يكون وسيلة إلى مثله في الاستيفاء، وبهذا القضاء يثبت حبس يكون وسيلة إلى شطره في الاستيفاء، وليس هذا عملا على وفق الحجة، وما ذكرناه وإن كان قياسا لكن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخذ به لقوته، وإذا وقع باطلا فلو هلك يهلك أمانة، لأن الباطل لا حكم له. قال: ولو مات الراهن والعبد في أيديهما فأقام كل واحد منهما البينة على ما وصفنا كان في يد كل واحد منهما نصفه رهنا يبيعه بحقه.   [البناية] م: (ولا يقال: إنه) ش: أي أن العبد م: (يكون رهنا لهما) ش: أي للاثنين م: (كأنهما ارتهناه معا إذا جهل التاريخ بينهما) ش: أي لأن التاريخ لم يعلم بين بينتي الاثنين، فإذا كان كذلك يصح أن يكون رهنا بينهما، وهذا وجه الاستحسان، أشار إليه بقوله: م: (وجعل في كتاب الشهادات، هذا وجه الاستحسان) ش: أي جعل محمد في كتاب الشهادات من " المبسوط " هذا الذي ذكره من قوله لا يقال إلا أن وجه الاستحسان في الجواز. م: (لأنا نقول: هذا عمل على خلاف ما اقتضته الحجة، لأن كلا منهما أثبت ببينته حبسا) ش: سماه حبسا، لأن الرهن حبس م: (يكون وسيلة إلى مثله) ش: أي إلى مثل حبس يكون وسيلة في الاستيفاء ش: أي استيفاء كل الرهن م: (وبهذا القضاء يثبت حبس يكون وسيلة إلى شطره) ش: أي إلى شطر الحبس م: (في الاستيفاء وليس هذا) ش: أي ليس القضاء ثبوت حق يكون وسيلة إلى شطر الحبس م: (عملا على وفق الحجة) ش: التي يقوم بها كل واحد منهما، لأن كلا منهما يثبت حبسا يكون وسيلة إلى استيفاء تمام حقه. ولو جعل هذا يكون وسيلة إلى نصف حقه. م: (وما ذكرناه) ش: قال تاج الشريعة: أي ما ذكرنا في الجواب، وهو أنه باطل م: (وإن كان قياسا لكن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخذ به) ش: أي بالقياس وترك الاستحسان، وهذا عزيز جدا حيث قدم القياس على الاستحسان م: (لقوته) ش: أي لقوة القياس، وضعف وجه الاستحسان له أنه عمل بخلاف ما قامت به البينة فلا يصح م: (وإذا وقع) ش: أي الرهن المذكور م: (باطلا فلو هلك يهلك أمانة؛ لأن الباطل لا حكم له) ش: فلا يلزم لأحد شيء. م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير " م: (ولو مات الراهن) ش: أشار بهذا إلى أن المسألة المتقدمة فيما إذا كان الراهن حيا، وهذه المسألة في بيان ما إذا مات الراهن م: والعبد في أيديهما) ش: أي الحال أن العبد في أيد المرتهنين م: فأقام كل واحد منهما البينة على ما وصفنا) ش: أي على أن كل منهما ارتهنه م: (كان في يد كل واحد منهما رهنا يبيعه بحقه) ش: الجزء: 12 ¦ الصفحة: 532 استحسانا، وهو قول أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله - وفي القياس هذا باطل، وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الحبس للاستيفاء حكم أصلي لعقد الرهن، فيكون القضاء به قضاء بعقد الرهن، وأنه باطل للشيوع كما في حالة الحياة. وجه الاستحسان: أن العقد لا يراد لذاته، وإنما يراد لحكمه وحكمه في حالة الحياة الحبس والشيوع يضره، وبعد الممات الاستيفاء بالبيع في الدين والشيوع لا يضره، وصار كما إذا ادعى الرجلان نكاح امرأة، أو ادعت أختان النكاح على رجل وأقاموا البينة تهاترت في حالة الحياة ويقضى بالميراث بينهم بعد الممات؛ لأنه يقبل الانقسام، والله أعلم.   [البناية] أي يبيعه كل واحد نصف حقه م: (استحسانا) ش: أي من حيث وجه الاستحسان م: (وهو) ش: أي الاستحسان م: (قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، وفي القياس: هذا باطل، وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الحبس للاستيفاء حكم أصلي لعقد الرهن، فيكون القضاء به) ش: أي بالحبس للاستيفاء م: (قضاء بعقد الرهن، وأنه باطل) ش: أي القضاء بعقد الرهن باطل م: (للشيوع كما في حالة الحياة) ش: لأنه لا يتمكن من القضاء لكل واحد منهما إلا في النصف فيلزم الشيوع. م: (وجه الاستحسان: أن العقد لا يراد لذاته، وإنما يراد لحكمه وحكمه في حالة الحياة الحبس والشيوع يضره) ش: لأن الحبس في الشيوع لا يجوز، م: (وبعد الممات الاستيفاء بالبيع في الدين والشيوع لا يضره، وصار) ش: أي حكم هذا كما قالوا جميعا في كتاب النكاح م: (كما إذا ادعى الرجلان نكاح امرأة) ش: أنه تزوجها م: (أو ادعت أختان النكاح على رجل) ش: أنه تزوجهما م: (وأقاموا) ش: أي الرجلان والأختان م: (البينة) ش: على دعواهم م: (تهاترت) ش: أي البينة منهم (في حالة الحياة) يعني لا يقضى لهم، لأن المقصود في حالة الحياة الحل، وهو لا تحل الشركة وبعد الممات تقبل البينة (ويقضى بالميراث بينهم بعد الممات؛ لأنه) ش: أي لأن الميراث م: (يقبل الانقسام) ش: لأنه قال: تحل الشركة والشياع، ويقضى لكل رجل منهما بالنصف، وهو ميراث الزوج، ويقضى للأختين لكل واحد منهما بالمهر وبنصف الميراث. م: (والله أعلم) . تم الجزء الثاني عشر من: " البناية في شرح الهداية ". ويليه: الجزء الثالث عشر مبتدئا بالباقي من كتاب الرهن أيضا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 533 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ باب الرهن الذي يوضع على يد العدل قال: وإذا اتفقا على وضع الرهن على يد العدل جاز. وقال مالك: لا يجوز، ذكر قوله في بعض النسخ؛ لأن يد العدل يد المالك، ولهذا يرجع العدل عليه عند الاستحقاق فانعدم القبض.   [البناية] [باب الرهن الذي يوضع على يد العدل] [اتفقا الراهن والمرتهن على وضع الرهن على يد العدل] م: (باب الرهن الذي يوضع على يد العدل) ش: أي هذا باب في بيان حكم الرهن الذي يوضع على يد الراهن، ولما ذكر حكم الرهن إذا كان في يد المرتهن ذكر حكمه إذا كان في يد العدل، وهو الذي من الراهن والمرتهن يكون الرهن في يده؛ لأنه نائب عن المرتهن، والنائب يقوم مقام المنوب لا محالة. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا اتفقا) ش: أي الراهن والمرتهن م: (على وضع الرهن على يد العدل جاز) ش: وهو قول أكثر أهل العلم خلافا لابن أبي ليلى والحكم والحارث العكلي وداود - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. قال الحاكم الشهيد في " مختصر الكافي ": وقبض العدل الرهن بمنزلة قبض المرتهن في حكم صحته وضمانه بالدين إذا هلك، بلغنا ذلك عن إبراهيم والشعبي وعطاء والحسن. وقال ابن أبي ليلى: إن هلك في يد العدل لم يبطل الدين، وإن مات الراهن فالمرتهن أسوة الغرماء فيه. م: (وقال مالك: لا يجوز ذكر قوله) ش: أي ذكر قول مالك م: (في بعض النسخ) ش:، أشار به إلى أن في بعضها ليس كذلك، فإنه ذكر في " المبسوط " و " شرح الأقطع " ابن أبي ليلى بدل مالك. قال الأكمل: وكأنه شك في هذه الرواية عن مالك، فإن القبض ليس بشرط عنده كما مر في أول هذا الكتاب، فإنه [ ... ] روايتان. وقال الكاكي: ولمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه رواية. وقال الشيخ أبو الفضل الكرماني في " إشارات الأسرار ": والرهن يتم بقبض العدل خلافا لمالك. لأن يده يد المالك فلا يتم به الرهن م: (لأن يد العدل يد المالك) ش: أي الراهن. وفي " الكافي ": هذا الدليل مشعر بأن على قول مالك القبض شرط، وقد شرط في كتبه شرطا؛ فيمكن أن يكون له روايتان حتى يصح ذلك. ولكنه لا خلاف لمالك في جواز وضعه على يد العدل. قلت: ذكر مالك في " المدونة " ولا يتم رهن إلا بقبضه. م: (ولهذا) ش: أي ولكون يد العدل يد المالك م: (يرجع العدل عليه) ش: أي على الراهن م: (عند الاستحقاق) ش: يعني إذا هلك الرهن في يد العدل ثم استحق وضمن العدل قيمته يرجع على الراهن بما ضمن، ولو لم يكن يده يد الراهن لما رجع م: (فانعدم القبض) ش:، إيضاحه: أن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 3 ولنا: أن يده على الصورة يد المالك في الحفظ، إذ العين أمانة، وفي حق المالية يد المرتهن؛ لأن يده ضمان والمضمون هو المالية فنزل منزلة الشخصين تحقيقا لما قصداه من الرهن، وإنما يرجع العدل على المالك في الاستحقاق؛ لأنه نائب عنه في حفظ العين كالمودع. قال: وليس للمرتهن ولا للراهن أن يأخذه منه لتعلق حق الراهن في الحفظ بيده أمانته، وتعلق حق المرتهن به استيفاء فلا يملك أحدهما إبطال حق الآخر. فلو هلك في يده هلك في ضمان   [البناية] رجوع العدل على الراهن عند الاستحقاق لوقوع الفعل له، يدل على أن الرهن غير مقبوض؛ لأن الأصل أن ما عمل الإنسان بأمره ولحقه الغرم يرجع على الذي وقع له العمل، وهنا يرجع على الراهن بعدم القبض، فإذا كان كذلك لا يجوز وضعه على يد العدل؛ لأن وجود الرهن بقبض المرتهن ولم يوجد لا حقيقة ولا تقديرا؛ لأن العدل نائب عن الراهن لا عن المرتهن؛ لأن المالك هو الراهن لا المرتهن، كيف يكون نائبا عن المرتهن، والعدل نصب ليحفظ عنه في حال لا يؤتمن عليه، ولهذا لحقه ضمان فإن هلك في يده ثم جاء مستحق يرجع به على الراهن دون المرتهن. م: (ولنا: أن يده) ش: أي يد العدل م: (على الصورة) ش: يعني بالنظر إلى الظاهر م: (يد المالك في الحفظ، إذ العين أمانة، وفي حق المالية يد المرتهن؛ لأن يده ضمان والمضمون هو المالية) ش: إذ الاستيفاء يكون منها م: (فنزل) ش: أي العدل م: (منزلة الشخصين) ش: لأنه يجوز أن تجعل اليد الواحدة في الحكم بدين كمن أدى ماله إلى الساعي قبل الحول يده يد المالك من وجه، ويد الفقير من وجه، حتى لو هلك المؤدى في يده وبقي النصاب إلى آخر الحول يقع المؤدى زكاة كما لو دفعه إلى الفقير م: (تحقيقا لما قصداه من الرهن) ش: يعني لأجل تحقيق ما قصداه؛ لأن غرضهما تحقيق عرض عقد الرهن. م: (وإنما يرجع العدل على المالك) ش: هذا بيان لقوله ولهذا يرجع العدل عليه، توضيحه أن رجوع العدل على المالك م: (في الاستحقاق؛ لأنه نائب عنه) ش: أي لأن العدل نائب عن المالك م: (في حفظ العين) ش: في حال لا يؤتمن عليه م: (كالمودع) ش: إذا كانت الوديعة في يده ثم استحقت ضمن المودع، ثم يرجع على المودع. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وليس للمرتهن ولا للراهن أن يأخذه منه) ش: أي أن يأخذ الرهن من العدل م: (لتعلق حق الراهن في الحفظ بيده أمانته) ش: أي أمانة العدل م: (وتعلق حق المرتهن به استيفاء) ش: أي من حيث الاستيفاء م: (فلا يملك أحدهما) ش: أي الراهن أو المرتهن م: (إبطال حق الآخر، فلو هلك في يده) ش: أي فلو هلك الرهن في يد العدل م: (هلك في ضمان الجزء: 13 ¦ الصفحة: 4 المرتهن لأن يده في حق المالية يد المرتهن وهي المضمونة، ولو دفع العدل إلى الراهن أو المرتهن ضمن؛ لأنه مودع الراهن في حق العين ومودع المرتهن في حق المالية وأحدهما أجنبي عن الآخر والمودع يضمن بالدفع إلى الأجنبي وإذا ضمن العدل قيمة الرهن بعدما دفع إلى أحدهما وقد استهلكه المدفوع إليه أو هلك في يده لا يقدر أن يجعل القيمة رهنا في يده؛ لأنه يصير قاضيا ومقتضيا، وبينهما تناف، لكن يتفقان على أن يأخذاها منه، ويجعلاها رهنا عنده أو عند غيره. وإن تعذر اجتماعهما يرفع أحدهما إلى القاضي ليفعل كذلك.   [البناية] المرتهن؛ لأن يده) ش: أي يد العدل م: (في حق المالية يد المرتهن وهي المضمونة) ش: أي يد المرتهن في حق المالية مضمونة بالأقل من قيمة الرهن ومن الدين. م: (ولو دفع العدل إلى الراهن أو المرتهن ضمن؛ لأنه) ش: أي لأن العدل م: (مودع الراهن في حق العين ومودع المرتهن في حق المالية وأحدهما) ش: أي الراهن أو المرتهن م: (أجنبي عن الآخر والمودع يضمن بالدفع إلى الأجنبي) ش: وإذا كان العدل رجلين والرهن مما لا يقسم فوضعاه عند أحدهما كان جائزا، ولا ضمان فيه؛ لأنهما أتيا بالحفظ المطلوب، وإن كان مما لا يقسم فاقتسماه فوضعاه عند أحدهما ضمن الذي وضع حصته عند صاحبه في قول أبي حنيفة. وقالا: لا ضمان عليه، وقد مر في كتاب الوديعة. م: (وإذا ضمن العدل قيمة الرهن بعدما دفع إلى أحدهما) ش: أي إلى الراهن أو المرتهن م: (وقد استهلكه المدفوع إليه) ش: وهو الراهن أو المرتهن م: (أو هلك في يده) ش: أي في يد المدفوع إليه م: (لا يقدر) ش: أي العدل م: (أن يجعل القيمة رهنا في يده) ش: أي في يد نفسه م: (لأنه) ش: أي لأن العدل حينئذ م: (يصير قاضيا) ش: أي ما وجب عليه بالضمان م: (ومقتضيا، وبينهما تناف) ش: لكون الواحد مسلما ومسلما إليه م: (لكن يتفقان) ش: أي الراهن والمرتهن م: (على أن يأخذاها) ش: أي القيمة م: (منه) ش: أي العدل م: (ويجعلاها) ش: أي القيمة م: (رهنا عنده) ش: أي العدل. م: (أو عند غيره وإن تعذر اجتماعهما) ش: أي اجتماع الراهن والمرتهن م: (يرفع) ش: أي العدل، هكذا قاله الكاكي وغيره م: (أحدهما) ش: إما الراهن أو المرتهن. قال الأترازي: أحدهما برفع الدال؛ لأنه فاعل وظن بعضهم أن أحدهما منصوب، يعني أن العدل برفع أحدهما وذاك ليس بشيء؛ لأن العدل هو ضامن القيمة فبعيد أن يرفع ضامن المطالبة نفسه الخصم إلى القاضي. قلت: هذا ليس بوجه أنه ليس بعيد من العدل ما نفاه عنه م: (إلى القاضي ليفعل كذلك) ش: يعني يأخذ القيمة الواجبة على العدل بالضمان منه، ثم يصير رهنا عنده. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 5 ولو فعل ذلك ثم قضى الراهن الدين وقد ضمن العدل القيمة بالدفع إلى الراهن فالقيمة سالمة له لوصول المرهون إلى الراهن ووصول الدين إلى المرتهن، ولا يجتمع البدل والمبدل في ملك واحد وإن كان ضمنها بالدفع إلى المرتهن فالراهن يأخذ القيمة منه لأن العين لو كانت قائمة في يده يأخذها إذا أدى الدين فكذلك يأخذ ما قام مقامها ولا جمع فيه بين البدل والمبدل. قال: وإذا وكل الراهن المرتهن أو العدل أو غيرهما ببيع الرهن عند حلول الدين، فالوكالة جائزة؛ لأنه توكيل ببيع ماله. وإن شرطت في عقد الرهن، فليس للراهن أن يعزل الوكيل، وإن عزله لم ينعزل؛ لأنها لما شرطت في ضمن عقد الرهن صار وصفا من أوصافه وحقا من حقوقه، ألا ترى أنه لزيادة الوثيقة فيلزم بلزوم أصله؛ ولأنه تعلق به حق المرتهن،   [البناية] م: (ولو فعل) ش: أي القاضي م: (ذلك ثم قضى الراهن الدين وقد ضمن العدل القيمة بالدفع إلى الراهن فالقيمة سالمة له) ش: أي للعدل م: (لوصول المرهون إلى الراهن، ووصول الدين إلى المرتهن، ولا يجتمع البدل والمبدل في ملك واحد) ش: لأنه إذا أخذ الراهن القيمة يلزم اجتماع البدل والمبدل في ملك رجل واحد. م: (وإن كان) ش: العدل م: (ضمنها بالدفع إلى المرتهن فالراهن يأخذ القيمة منه) ش: أي من العدل م: (لأن العين لو كانت قائمة) ش: فيه بين البدل والمبدل؛ لأن العين لو كان قائما م: (في يده يأخذها إذا أدى الدين فكذلك يأخذ ما قام مقامها ولا جمع فيه بين البدل والمبدل) ش: يعني لا يجمع هذا البدل والمبدل في ملك واحد ثم هلك يرجع العدل بذلك على المرتهن. قال في " الذخيرة ": إن كان العدل رفع الرهن إلى المرتهن: على المرتهن العارية أو الوديعة وهلك في يده لا يرجع وإن استهلكه المرتهن يرجع عليه. [وكل الراهن المرتهن أو العدل أو غيرهما ببيع الرهن عند حلول الدين] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا وكل الراهن المرتهن أو العدل أو غيرهما) ش: أي وكل غير المرتهن والعدل م: (ببيع الرهن عند حلول الدين، فالوكالة جائزة) ش: ولا خلاف فيه للأئمة الثلاثة م: (لأنه توكيل ببيع ماله، وإن شرطت) ش: أي الوكالة م: (في عقد الرهن، فليس للراهن أن يعزل الوكيل، وإن عزله لم ينعزل) ش: وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينعزل، وبه قال أحمد. وكذا لو مات الراهن انفسخت الوكالة عندهما م: (لأنها لما شرطت) ش: الوكالة م: (في ضمن عقد الرهن صار) ش: أي عقد الوكالة م: (وصفا من أوصافه) ش: أي من أوصاف الرهن م: (وحقا من حقوقه) ش: أي من حقوق الرهن فلزم كأصله؛ لأن حكم التبع لا يفارق حكم الأصل. م: (ألا ترى أنه) ش: أي أن عقد الوكالة م: (لزيادة الوثيقة فيلزم بلزوم أصله) ش: أي فيلزم عقد الوكالة بلزوم أصل عقد الرهن م: (لأنه) ش: أي وأن عقد الوكالة م: (تعلق به حق المرتهن، الجزء: 13 ¦ الصفحة: 6 وفي العزل إتواء حقه، وصار كالوكيل بالخصومة بطلب المدعي. ولو وكله بالبيع مطلقا حتى ملك البيع بالنقد والنسيئة، ثم نهاه عن البيع نسيئة لم يعمل نهيه لأنه لازم بأصله. فكذا بوصفه لما ذكرنا وكذا إذا عزله المرتهن لا ينعزل؛ لأنه لم يوكله وإنما وكله غيره. وإن مات الراهن لم ينعزل لأن الرهن لا يبطل بموته؛ ولأنه لو بطل إنما يبطل لحق الورثة وحق المرتهن مقدم. قال: وللوكيل أن يبيعه بغير محضر من الورثة كما يبيعه في حال حياته بغير محضر منه، وإن مات المرتهن فالوكيل على وكالته؛ لأن العقد لا يبطل بموتهما، ولا بموت أحدهما فيبقى بحقوقه وأوصافه. وإن مات الوكيل انتقضت الوكالة ولا يقوم وارثه ولا وصيه مقامه؛ لأن الوكالة لا يجري فيها الإرث؛ ولأن الموكل رضي برأيه لا برأي غيره.   [البناية] وفي العزل إتواء حقه) ش: أي إعدام حق المرتهن م: (وصار كالوكيل بالخصومة) ش: أي كوكيل المدعى عليه بالخصومة م: (بطلب المدعي) ش: حيث لم يجز للوكيل عزله م: (ولو وكله بالبيع مطلقا) ش: أي ولو وكل الراهن العدل ببيع الرهن مطلقا بغير قيد شيء م: (حتى ملك البيع بالنقد والنسيئة، ثم نهاه عن البيع نسيئة لم يعمل نهيه) ش: يعني لا ينعزل الوكيل م: (لأنه) ش: أي لأن عقد الوكالة م: (لازم بأصله) ش: وهو الرهن م: (فكذا بوصفه) ش: وهو الإطلاق م: (لما ذكرنا) ش: أنه صار حقا من حقوقه. م: (وكذا إذا عزله المرتهن لا ينعزل؛ لأنه لم يوكله وإنما وكله غيره، وإن مات الراهن لم ينعزل؛ لأن الرهن لا يبطل بموته؛ ولأنه) ش: أي ولأن الوكالة م: (لو بطل إنما يبطل لحق الورثة) ش: كما في سائر الوكالات، ويبطل بموت الموكل حيث ينتقل الملك إلى الورثة، ولا رضي لهم بالبيع، وأما هاهنا فلا اعتبار لحق الورثة م: (وحق المرتهن مقدم) ش: يقدم على حق الورثة. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وللوكيل أن يبيعه بغير محضر من الورثة) ش: أي للوكيل الذي هو عدل أن يبيع الرهن بالوكالة المشروطة في عقد الرهن بغير محضر من ورثة الراهن الذي مات م: (كما يبيعه في حال حياته بغير محضر منه) ش: أي من الراهن م: (وإن مات المرتهن فالوكيل على وكالته؛ لأن العقد لا يبطل بموتهما) ش: أي لأن عقد الرهن لا يبطل بموت الراهن والمرتهن م: (ولا بموت أحدهما) ش: أي ولا يبطل أيضا بموت الراهن والمرتهن م: (فيبقى) ش: أي عقد الرهن م: (بحقوقه) ش: وهي الحبس والاستيفاء والوكالة م: (وأوصافه) ش: وهي اللزوم وجبر الوكيل على البيع إذا أبى والبيع بالنسيئة وصرف الدراهم وحق بيع ولد الرهن. م: (وإن مات الوكيل انتقضت الوكالة ولا يقوم وارثه ولا وصيه مقامه؛ لأن الوكالة لا يجري فيها الإرث؛ ولأن الموكل رضي برأيه) ش: أي برأي الذي وكله م: (لا برأي غيره) ش: وفي " الذخيرة ": الوكيل بالبيع إذا أوصى رجلا ببيعه لم يجز، إلا أن يكون الراهن قال له في أصل الوكالة: وكلتك الجزء: 13 ¦ الصفحة: 7 وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن وصي الوكيل يملك بيعه؛ لأن الوكالة لازمة فيملكه الوصي كالمضارب إذا مات بعدما صار رأس المال أعيانا يملك وصي المضارب بيعها لما أنه لازم بعدما صار أعيانا. قلنا: التوكيل حق لازم، لكن عليه والإرث يجري فيما له، بخلاف المضاربة لأنها حق المضارب. وليس للمرتهن أن يبيعه إلا برضا الراهن؛ لأنه ملكه وما رضي ببيعه، وليس للراهن أن يبيعه إلا برضا المرتهن؛ لأن المرتهن أحق بماليته من الراهن فلا يقدر الراهن على تسليمه بالبيع.   [البناية] ببيع الرهن وأجزت لك ما صنعت فيه، ويجوز لوصيه بيعه ولا يجوز لوصيه أن يوصي إلى غيره. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن وصي الوكيل يملك بيعه) ش: أي بيع الرهن عند حلول الدين م: (لأن الوكالة لازمة فيملكه الوصي) ش: لأن هذا حق واجب، ولو أراد الراهن أن يحجر عليه لم يكن له ذلك، فصار م: (كالمضارب إذا مات بعدما صار رأس المال أعيانا يملك وصي المضارب بيعها لما أنه) ش: أي أن البيع م: (لازم بعدما صار) ش: أي رأس المال م: (أعيانا) ش: لأجل حق رب المال. م: (قلنا التوكيل حق لازم، لكن عليه) ش: لأنه لا يجري فيه الإرث م: (والإرث يجري فيما له) ش: ما له لا فيما عليه م: (بخلاف المضاربة لأنها) ش: أي لأن المضاربة م: (حق المضارب) ش: وله ولاية التوكيل في حياته فجاز أن يقوم وصيه بها بعد موته كالأب في مال الصغير، والوكيل ليس له حق التوكيل في حياته فلا يقوم غيره مقامه بعد مماته. م: (وليس للمرتهن أن يبيعه) ش: أي الرهن م: (إلا برضا الراهن؛ لأنه ملكه) ش: لأن الرهن ملك الراهن م: (وما رضي ببيعه، وليس للراهن أن يبيعه إلا برضا المرتهن؛ لأن المرتهن أحق بماليته من الراهن، فلا يقدر الراهن على تسليمه بالبيع) ش: لأن حكم الرهن ملك العين في حق الحبس حتى يكون المرتهن أحق بإمساكه إلى وقت إيفاء الدين. وفي " شرح الطحاوي " وليس للمرتهن أن يبيع الرهن بغير إذن الراهن، وإن باعه بغير إذنه توقف على إجازة صاحبه، فإن أجازه جاز، ويكون الثمن رهنا وإن لم يجز، ولا يجوز البيع، وله أن يبطله ويعيده رهنا، وإن هلك في يد المشتري قبل الإجازة فلا يجوز، والإجازة بعده، ولكن الراهن له أن يضمنه أيهما شاء، فإن ضمن المرتهن جاز البيع والثمن له، ويكون ضمانه رهنا، وإن ضمن المشتري بطل البيع، ويكون الضمان رهنا ثم يرجع المشتري على البائع بالثمن. وفي " مختصر الكرخي " وليس للمرتهن أن يبيع الرهن في دينه إذا لم يكن للراهن سلطة على الجزء: 13 ¦ الصفحة: 8 قال: فإن حل الأجل وأبى الوكيل الذي في يده الرهن أن يبيعه، والراهن غائب أجبر على بيعه لما ذكرنا من الوجهين في لزومه. وكذلك الرجل يوكل غيره بالخصومة وغاب الموكل فأبى أن يخاصم أجبر على الخصومة للوجه الثاني، وهو أن فيه إتواء الحق، بخلاف الوكيل بالبيع؛ لأن الموكل يبيع بنفسه فلا يتوي حقه. أما المدعي لا يقدر على الدعوى والمرتهن لا يملك بيعه بنفسه، فلو لم يكن التوكيل مشروطا في عقد الرهن وإنما شرط بعده، قيل: لا يجبر اعتبارا بالوجه الأول. وقيل: يجبر رجوعا إلى الوجه الثاني، وهذا أصح. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الجواب في الفصلين واحد، ويؤيده: إطلاق الجواب في   [البناية] بيعه أو أذن له فيه وليس له أن يؤاجره ولا أن يعيره، فإن فعل شيئا من ذلك فسخ البيع ورد إلى يد المرتهن رهنا. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (فإن حل الأجل وأبى الوكيل الذي في يده الرهن أن يبيعه، والراهن غائب أجبر على بيعه) ش: يعني يحبس أياما حتى يبيعه، فإن أبى بعد ما حبسه أياما ذكر في " الزيادات ": أن القاضي يبيعه عليه، وهو على قولهما ظاهر. أما على قول أبي حنيفة فقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم لا يبيع قياسا على مال المديون. وقال آخرون يبيعه؛ لأن جهة البيع تعينت م: (لما ذكرنا من الوجهين) ش: أحدهما: أنه وصف من أوصافه، والآخر: أن فيه إتواء حقه م: (في لزومه) ش: أي لزوم عقد الوكالة. م: (وكذلك الرجل يوكل غيره بالخصومة وغاب الموكل فأبى أن يخاصم أجبر على الخصومة للوجه الثاني) ش: وبينه بقوله م: (وهو أن فيه إتواء الحق) ش: أي حق المدعي م: (بخلاف الوكيل بالبيع) ش: حيث لا يجبر بالبيع إذا امتنع م: (لأن الموكل يبيع بنفسه فلا يتوي حقه. أما المدعي لا يقدر على الدعوى) ش: لأنه إنما خلى سبيل الخصم اعتمادا على أن الوكيل يخاصمه، فإذا امتنع الوكيل بالشيء المذكور يلحق الضرر بالمدعي كان فيه إبطال حقه م: (والمرتهن لا يملك بيعه بنفسه) ش: فإذا امتنع الوكيل عن البيع يلحق الضرر المرتهن م: (فلو لم يكن التوكيل مشروطا في عقد الرهن وإنما شرط بعده، قيل: لا يجبر) ش: أي الوكيل بالبيع م: (اعتبارا بالوجه الأول) ش: وهو أن المرتهن لا يتضرر بامتناعه. م: (وقيل: يجبر رجوعا إلى الوجه الثاني) ش: وهو أن فيه إتواء حقه م: (وهذا أصح) ش: أي القول الثاني أصح. وقال شيخ الإسلام وفخر الإسلام وقاضي خان:، وهذه الرواية أصح؛ لأن المشروط بعد العقد يلحق بأصل العقد، ويصير كالمشروط فيه. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الجواب في الفصلين واحد) ش: أي فيما كان مشروطا في الرهن وفيما لا يكون أي يجبر فيهما م: (ويؤيده) ش: أي يؤيد قول الثاني م: (إطلاق الجواب في الجزء: 13 ¦ الصفحة: 9 " الجامع الصغير "، وفي الأصل. وإذا باع العدل الرهن فقد خرج من الرهن والثمن قائم مقامه، فكان رهنا وإن لم يقبض بعد لقيامه مقام ما كان مقبوضا. وإذا توى كان مال المرتهن لبقاء عقد الرهن في الثمن؛ لقيامه مقام المبيع المرهون، وكذلك إذا قتل العبد المرهون وغرم القاتل قيمته؛ لأن المالك يستحقه من حيث المالية، وإن كان بدل الدم، فأخذ حكم ضمان المال في حق المستحق فبقي عقد الرهن. وكذلك لو قتله عبد فدفع به؛ لأنه قائم مقام الأول لحما ودما. قال: وإن باع العدل الرهن فأوفى المرتهن الثمن ثم استحق الرهن فضمنه العدل كان بالخيار إن شاء ضمن الراهن قيمته، وإن شاء ضمن المرتهن الثمن الذي أعطاه، وليس له أن يضمنه غيره   [البناية] " الجامع الصغير ". وفي الأصل) ش: أي " المبسوط " أن يؤيد القول الثاني، حيث قال فيهما: وإذا أبى الوكيل عن البيع يجبر من غير فصل أن يكون مشروط في العقد أو لا. وقال الشافعي وأحمد: لا يجبر الوكيل على البيع، وإن كان في ضمن الرهن لما ذكرنا أن عقدهما غير لازم. [باع العدل الرهن] م: (وإذا باع العدل الرهن فقد خرج من الرهن والثمن قائم مقامه، فكان رهنا وإن لم يقبض) ش: أي الثمن م: (بعد لقيامه مقام ما كان مقبوضا. وإذا توى) ش: أي إذا هلك م: (كان مال المرتهن) ش: أي كان الثمن التاوي مال المرتهن، وقوله مال المرتهن منصوب على أنه خبر كان على ما قدرناه، وبقولنا قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: من ضمان الراهن والعدل أمين بالاتفاق فلا ضمان عليه. وقال مالك لا ضمان على العدل، ولكن المشتري يرجع إلى المرتهن ويعود دينه في ذمة الراهن كما كان. م: (لبقاء عقد الرهن في الثمن؛ لقيامه مقام المبيع المرهون وكذلك إذا قتل العبد المرهون وغرم القاتل قيمته؛ لأن المالك يستحقه من حيث المالية، وإن كان بدل الدم) ش: كلمة إن واصلة بما قبله، يعني أن قيمة العبد المقتول يكون رهنا مقامه، وإن كان ضمان القيمة مقابلا بالدم، ولهذا لا يزاد على دية الحر م: (فأخذ حكم ضمان المال في حق المستحق) ش: وهو المالك م: (فبقي عقد الرهن) ش: أي قامت القيمة رهنا مقام العبد المقتول. م: (وكذلك لو قتله عبد) ش: أي لو قتل العبد المرهون عبد مثله م: (فدفع به؛ لأنه) ش: أي لأن العبد القاتل م: (قائم مقام الأول لحما ودما) ش: أي من حيث اللحم والدم، فتعلق به من الحكم ما تعلق به. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإن باع العدل الرهن فأوفى المرتهن الثمن ثم استحق الرهن فضمنه العدل كان بالخيار، إن شاء ضمن الراهن قيمته، وإن شاء ضمن المرتهن الثمن الذي أعطاه، وليس له أن يضمنه غيره) ش: أي ليس للعدل أن يضمن المرتهن غير الثمن الذي أعطاه الجزء: 13 ¦ الصفحة: 10 وكشف هذا أن المرهون المبيع إذا استحق، إما أن يكون هالكا أو قائما، ففي الوجه الأول: المستحق بالخيار إن شاء ضمن الراهن قيمته؛ لأنه غاصب في حقه، وإن شاء ضمن العدل؛ لأنه متعد في حقه بالبيع والتسليم، فإن ضمن الراهن نفذ البيع وصح الاقتضاء؛ لأنه ملكه بأداء الضمان فتبين أنه أمره ببيع ملك نفسه، وإن ضمن البائع ينفذ البيع أيضا؛ لأنه ملكه بأداء الضمان، فتبين أنه باع ملك نفسه. وإذا ضمن العدل، فالعدل بالخيار إن شاء رجع على الراهن بالقيمة؛ لأنه وكيل من جهته عامل له، فيرجع عليه بما لحقه من العهدة ونفذ البيع وصح الاقتضاء فلا يرجع المرتهن عليه بشيء من دينه، وإن شاء رجع على المرتهن بالثمن؛ لأنه تبين أنه أخذ الثمن بغير حق؛ لأنه ملك العبد بأداء الضمان ونفذ بيعه عليه، فصار الثمن له، وإنما أداه إليه على حسبان أنه ملك الراهن، فإذا تبين أنه ملكه لم يكن راضيا به، فله أن يرجع به عليه. وإذا رجع بطل الاقتضاء، فيرجع المرتهن على الراهن بدينه. وفي الوجه الثاني: وهو أن يكون قائما في يد المشتري فللمستحق أن يأخذه من يده؛ لأنه وجد   [البناية] م: (وكشف هذا) ش: أي إيضاح هذا الحكم م: (أن المرهون المبيع إذا استحق إما أن يكون هالكا أو قائما، ففي الوجه الأول) ش: أي فيما إذا كان المرهون المبيع هالكا م: (المستحق بالخيار إن شاء ضمن الراهن قيمته؛ لأنه غاصب في حقه) ش: أي في حق المستحق، م: (وإن شاء ضمن العدل؛ لأنه متعد في حقه بالبيع والتسليم، فإذا ضمن الراهن نفذ البيع وصح الاقتضاء) ش: أي صح قبض المرتهن الثمن مقابلة دينه. م: (لأنه ملكه بأداء الضمان فتبين أنه أمره ببيع ملك نفسه، وإن ضمن البائع ينفذ البيع أيضا؛ لأنه ملكه بأداء الضمان، فتبين بأنه باع ملك نفسه، وإذا ضمن العدل، فالعدل بالخيار إن شاء رجع على الراهن بالقيمة؛ لأنه وكيل من جهته عامل له، فيرجع عليه بما لحقه من العهدة ونفذ البيع وصح الاقتضاء، فلا يرجع المرتهن عليه) ش: أي على الراهن م: (بشيء من دينه، وإن شاء رجع على المرتهن بالثمن؛ لأنه تبين أنه أخذ الثمن بغير حق؛ لأنه) ش: أي لأن العدل م: (ملك العبد بأداء الضمان ونفذ بيعه عليه، فصار الثمن له) ش: أي العدل. م: (وإنما أداه إليه) ش: أي وإنما أدى المشتري الثمن إلى العدل م: (على حسبان أنه ملك الراهن، فإذا تبين أنه ملكه) ش: أي ملك العدل م: (لم يكن راضيا به) ش: أي لم يكن العدل راضيا بأداء الثمن إلى المرتهن م: (فله أن يرجع به عليه) ش: أي فللعدل أن يرجع بالثمن الذي أداه إلى المرتهن على المرتهن م: (وإذا رجع بطل الاقتضاء) ش: أي بطل قبض المرتهن م: (فيرجع المرتهن على الراهن بدينه) . م: (وفي الوجه الثاني: وهو أن يكون قائما في يد المشتري فللمستحق أن يأخذه من يده؛ لأنه وجد الجزء: 13 ¦ الصفحة: 11 عين ماله، ثم للمشتري أن يرجع على العدل بالثمن؛ لأنه العاقد فتتعلق به حقوق العقد، وهذا من حقوقه حيث وجب بالبيع، وإنما أداه ليسلم له المبيع ولم يسلم، ثم العدل بالخيار إن شاء رجع على الراهن بالقيمة؛ لأنه هو الذي أدخله في هذه العهدة فيجب عليه تخليصه. وإذا رجع عليه صح قبض المرتهن؛ لأن المقبوض سلم له، وإن شاء رجع على المرتهن؛ لأنه إذا انتقض العقد بطل الثمن وقد قبضه ثمنا، فيجب نقض قبضه ضرورة. وإذا رجع عليه وانتقض قبضه عاد حقه في الدين كما كان فيرجع به على الراهن. ولو أن المشتري سلم الثمن إلى المرتهن لم يرجع على العدل؛ لأنه في البيع عامل للراهن، وإنما يرجع عليه إذا قبض ولم يقبض فبقي الضمان على الموكل. وإن كان التوكيل بعد عقد الرهن غير مشروط في العقد فما لحق العدل من العهدة يرجع به على الراهن قبض الثمن المرتهن أم لا؛ لأنه لم يتعلق بهذا التوكيل حق المرتهن فلا رجوع كما في الوكالة المفردة عن الرهن إذا باع الوكيل ودفع الثمن إلى من   [البناية] عين ماله، ثم للمشتري أن يرجع على العدل بالثمن؛ لأنه العاقد فتتعلق به) ش: أي بالعاقد م: (حقوق العقد، وهذا) ش: أي الرجوع بالثمن م: (من حقوقه) ش: أي من حقوق البيع؛ لأن ولاية الرجوع إليه م: (حيث وجب بالبيع، وإنما أداه ليسلم له المبيع) ش: أي إنما أدى المشتري الثمن إلى العدل. م: (ولم يسلم) ش: أي للمشتري المبيع والحال أنه لم يسلم م: (ثم العدل بالخيار إن شاء رجع على الراهن بالقيمة) ش: وفي بعض النسخ بالثمن م: (لأنه هو الذي أدخله في هذه العهدة فيجب عليه تخليصه. وإذا رجع عليه صح قبض المرتهن؛ لأن المقبوض سلم له) ش: أي لأن الثمن المقبوض من العدل سلم للمرتهن. م: (وإن شاء) ش: أي العدل م: (رجع على المرتهن) ش: بالثمن الذي أداه إليه م: (لأنه إذا انتقض العقد بطل الثمن وقد قبضه ثمنا فيجب نقض قبضه ضرورة، وإذا رجع عليه) ش: أي على المرتهن م: (وانتقض قبضه عاد حقه في الدين كما كان، فيرجع به) ش: أي فيرجح بحقه الذي هو دينه م: (على الراهن. ولو أن المشتري سلم الثمن إلى المرتهن لم يرجع على العدل؛ لأنه) ش: أي لأن العدل م: (في البيع عامل للراهن، وإنما يرجع عليه) ش: أي وإنما يرجع المرتهن على العدل م: (إذا قبض ولم يقبض، فبقي الضمان على الموكل) ش: المراد بالموكل المرتهن، وسماه موكلا كأن البيع وقع لأجله، وبالضمان للثمن، أو المراد بالموكل الراهن وبالضمان الدين قاله الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وإن كان التوكيل بعد عقد الرهن غير مشروط في العقد، فما لحق العدل من العهدة يرجع به على الراهن قبض الثمن المرتهن أم لا؛ لأنه لم يتعلق بهذا التوكيل حق المرتهن فلا رجوع) ش: أي على المرتهن م: (كما في الوكالة المفردة عن الرهن إذا باع الوكيل ودفع الثمن إلى من الجزء: 13 ¦ الصفحة: 12 أمره الموكل ثم لحقه عهدة لا يرجع به على المقتضي. بخلاف الوكالة المشروطة في العقد؛ لأنه تعلق به حق المرتهن، فيكون البيع لحقه. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هكذا ذكره الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا يؤيد قول من لا يرى جبر هذا الوكيل على البيع. قال: وإن مات العبد المرهون في يد المرتهن ثم استحقه رجل فله الخيار إن شاء ضمن الراهن، وإن شاء ضمن المرتهن؛ لأن كل واحد منهما متعد في حقه بالتسليم أو بالقبض. فإن ضمن الراهن فقد مات بالدين؛ لأنه ملكه بأداء الضمان فصح الإيفاء. وإن ضمن المرتهن يرجع على الراهن بما ضمن من القيمة وبدينه أما القيمة فلأنه مغرور من جهة الراهن، وأما بالدين فلأنه انتقض اقتضاؤه، فيعود حقه كما كان.   [البناية] أمره الموكل ثم لحقه عهده لا يرجع به على المقتضي) ش: أي على القابض. م: (بخلاف الوكالة المشروطة في العقد؛ لأنه تعلق به حق المرتهن، فيكون البيع لحقه) ش: فإذا وقع البيع لحقه لو سلم له وجاز أن يلزمه الضمان. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (هكذا ذكره الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أراد به ما ذكره في " مختصره " م: (وهذا) ش: أي الذي ذكره الكرخي م: (يؤيد قول من لا يرى جبر هذا الوكيل على البيع) ش: أي قول من لا يرى من المشايخ أن الوكيل إذا كانت وكالته غير مشروطة في عقد الرهن لا يجبر على البيع إذا أبى ذلك. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإن مات العبد المرهون في يد المرتهن ثم استحقه رجل فله الخيار، إن شاء ضمن الراهن، وإن شاء ضمن المرتهن؛ لأن كل واحد منهما) ش: أي من الراهن والمرتهن م: (متعد في حقه) ش: أي في حق المستحق م: (بالتسليم أو بالقبض) ش: يعني الراهن بالتسليم والمرتهن بالقبض، فكان كالغاصب وغاصب الغاصب، فالراهن كالغاصب، والمرتهن كغاصب الغاصب فله أن يضمن أيهما شاء. م: (فإن ضمن الراهن فقد مات بالدين) ش: أي سقط بالدين يعني أي سقط الدين أيضا؛ م: (لأنه) ش: أي لأن الراهن م: (ملكه بأداء الضمان) ش: من وقت القبض، فتبين أنه رهن ملك نفسه م: (فصح الإيفاء، وإن ضمن المرتهن) ش: القيمة م: (يرجع على الراهن بما ضمن من القيمة وبدينه) ش: أي ورجع بدينه أيضا م: (أما القيمة) ش. أي أما الرجوع بالقيمة م: (فلأنه) ش: أي فلأن المرتهن م: (مغرور من جهة الراهن) ش: حيث رهن ملك غيره، وصار كأنه هو الذي أوجب عليه الضمان. م: (وأما بالدين) ش: أي وأما الرجوع بالدين م: (فلأنه انتقض اقتضاؤه) ش: أي قبضه لأن الرهن لم يكن ملك الراهن حتى يكون بهلاكه مستوفيا، فإذا كان كذلك م: (فيعود حقه كما كان) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 13 فإن قيل: لما كان قرار الضمان على الراهن برجوع المرتهن عليه، والملك في المضمون يثبت لمن عليه قرار الضمان، فتبين أنه راهن ملك نفسه، فصار كما إذا ضمن المستحق الراهن ابتداء. قلنا: هذا طعن أبي خازم القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والجواب عنه: أنه يرجع عليه بسبب الغرور، والغرور بالتسليم كما ذكرناه أو بالانتقال من المرتهن إليه كأنه وكيل عنه، والملك بكل ذلك متأخر عن عقد الرهن،   [البناية] ش: لأن الدين إنما يسقط بهلاكه الرهن إذا رهن ملك نفسه ولم يوجد ذلك. م: (فإن قيل لما كان قرار الضمان على الراهن برجوع المرتهن عليه، والملك في المضمون يثبت لمن كان عليه قرار الضمان، فتبين أنه رهن ملك نفسه، فصار كما إذا ضمن المستحق الراهن ابتداء) ش: فلا ينتقض اقتضاء المرتهن م: (قلنا هذا) ش: يعني هذا السؤال م: (طعن أبي خازم القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: على محمد بن الحسن، بيان طعنه أنه قال لما كان قرار الضمان على الراهن كان الملك في المضمون له، فتبين أنه كان راهنا ملك نفسه فكان هذا. وأما إذا ضمن المستحق الراهن من الابتداء على السواء. فأبو خازم بالخاء المعجمة وبالزاي اسمه عبد الحميد بن عبد العزيز القاضي الحنفي، أصله من البصرة وسكن بغداد، وكان ولي القضاء بالشام والكوفة والكرخ من مدينة السلام، ثم استقضاه الخليفة المقتصد بالله على الشرقية سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وتوفي في جمادى الأولى سنة اثنين وتسعين ومائتين، وكان أخذ العلم عن هلال بن يحيى وهو هلال الراوي البصري، وهلال أخذ عن أبي يوسف وزفر ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وكان أبو خازم أستاذ أبي طاهر الدباس وقرائه، وكان دينا ورعا ثقة عالما بمذهب أهل العراق، قدوة في العلم. م: (والجواب عنه: أنه يرجع عليه) ش: أي المرتهن رجع على الراهن م: (بسبب الغرور، والغرور بالتسليم كما ذكرناه) ش: يعني بقوله: لأن كل واحد منهما متعد في حقه بالتسليم م: (أو بالانتقال) ش: عطف على قوله بسبب الغرور م: (من المرتهن إليه) ش: أي إلى الراهن م: (كأنه وكيل عنه) ش: أي كان المرتهن وكيلا عن الراهن من حيث انتقال الملك منه إليه كانتقال الملك من الوكيل إلى الموكل م: (والملك بكل ذلك) ش: أي بكل واحد من التسليم والانتقال م: (متأخر عن عقد الرهن) ش: أما بالتسليم فظاهر؛ لأن التسليم كان بعد العقد، فتبين أنه رهن غير ملكه. وأما بالانتقال فلأن المرتهن غاصب في حق المستحق، فإذا ضمن الملك المضمون، ولكن لما كان قرار الضمان على الراهن انتقل إليه فيملكه من جهة المرتهن، والمرتهن ملكه من حين القبض؛ لأنه صار غاصبا منه، فيملك الرهن بعد ذلك من جهة، فيكون ملك الراهن متأخرا عن عقد الرهن، فكأنه رهن غير ملكه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 14 بخلاف الوجه الأول؛ لأن المستحق يضمنه باعتبار القبض السابق على الرهن، فيستند الملك إليه، فتبين أنه رهن ملك نفسه، وقد طولنا الكلام في " كفاية المنتهي " والله أعلم بالصواب.   [البناية] م: (بخلاف الوجه الأول) ش: وهو ما إذا ضمن المستحق الراهن ابتداء م: (لأن المستحق يضمنه) ش: أي الراهن م: (باعتبار القبض السابق على الرهن، فيستند الملك إليه، فتبين أنه رهن ملك نفسه) ش: لأنه لما ثبت الملك للراهن سابقا على عقد الرهن مستندا إلى زمان القبض فتبين أنه رهن ملك نفسه م: (وقد طولنا الكلام) ش: أي في هذا المقام م: (في " كفاية المنتهي "، والله أعلم بالصواب) ش: قال صاحب " النهاية ": يحتمل أن يكون في الذي طول الكلام فيه ما لو كان الرهن عبدا فأبق وضمن المستحق الرهن قيمته ورجع المرتهن على الراهن بتلك القيمة بحكم الغرور وبالدين؛ لأنه قد استحق وبطل الرهن، وقال الأكمل: قيل مراده مسألة المضاربة والفرق بينهما وبين مسألة الرهن. قلت: المضاربة ليست بعقد لازم، فيكون لدوامها، ويصير كالمتجدد في كل ساعة والرهن عقد لازم، فلا يمكن لدوامه حكم الابتداء، فمتى وقع باطلا لا ينفذ بعد ذلك كسائر العقود اللازمة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 15 باب التصرف في الرهن والجناية عليه وجنايته على غيره قال: وإذا باع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن فالبيع موقوف؛ لتعلق حق الغير به وهو المرتهن، فيتوقف على إجازته. وإن كان الراهن يتصرف في ملكه، كمن أوصى بجميع ماله تقف على إجازة الورثة فيما زاد على الثلث لتعلق حقهم به فإن أجاز المرتهن جاز؛ لأن   [البناية] [باب التصرف في الرهن والجناية عليه وجنايته على غيره] [باع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن] م: (باب التصرف في الرهن والجناية عليه وجنايته على غيره) ش: أي هذا باب في بيان أحكام التصرف في الرهن وفي حكم الجناية على الرهن وحكم جناية الرهن على غيره. ولما كانت هذه الأشياء بعد كون الرهن كانت متأخرة طبعا، فأخرها وضعا؛ لأن كل ترتيب يجب طبعا يجب وضعا للمناسبة. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا باع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن فالبيع موقوف) ش: سواء لم يعلم المرتهن بالبيع أو علم ولم يأذن. وفي " المبسوط " لم يجز البيع. وقال في موضع آخر: البيع فاسد. وقال في موضع: جائز، والصحيح أنه موقوف، وتأويل قوله: " إنه فاسد " أي يفسده القاضي إذا خوصم فيه إليه، وتأويل قوله: " إنه جائز "، أي إذا أجازه المرتهن وسلمه إليه، وإذا فسخه المرتهن ففيه روايتان كما ذكر في الكتاب وعند الأئمة الثلاثة: البيع باطل، وكذا قال محمد في " الجامع الصغير ": البيع باطل، إلا أن يجيزه المرتهن. وقال أبو المعين النسفي في " شرح الجامع ": أنه سيبطل إذا لم يجزه المرتهن؛ لأنه وقع باطلا لا يتصور بقاؤه بالإجازة. قال: وروي عن أبي يوسف في " الأمالي ": أن البيع نافذ حتى إن المشتري لو أعتقه قبل العقد نفذ عتقه، وإذا لم يعتقه المشتري بقي رهنا عند المرتهن فيستوفي المرتهن دينه. وفي " فتاوى الولوالجي " بيع المرهون، يعني أنه غير نافذ في حق المرتهن، وليس للراهن حق الفسخ بمنزلة بيع المستأجر، وذكر في بعض المواضع أن بيعهما سواء أنه يصح لكن ينفذ وبه يفتى. وذكر في " جامع عصام " وفرق بينهما وقال: بيع المستأجر باطل، وبيع المرهون موقوف م: (لتعلق حق الغير به) ش: أي بالرهن م: (وهو المرتهن، فيتوقف على إجازته. وإن كان الراهن يتصرف في ملكه) ش: كلمة " إن " واصلة بما قبلها م: (كمن أوصى بجميع ماله تقف على إجازة الورثة فيما زاد على الثلث لتعلق حقهم به) ش: أي بما زاد على الثلث. م: (فإن أجاز المرتهن) ش: البيع م: (جاز لأن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 16 التوقف لحقه وقد رضي بسقوطه. وإن قضاه الراهن دينه جاز أيضا؛ لأنه زال المانع من النفوذ والمقتضى موجود وهو التصرف الصادر من الأهل في المحل. وإذا نفذ البيع بإجازة المرتهن ينتقل حقه إلى بدله هو الصحيح لأن حقه تعلق بالمالية، والبدل له حكم المبدل، فصار كالعبد المديون المأذون إذا بيع برضا الغرماء ينتقل حقهم إلى البدل؛ لأنهم رضوا بالانتقال دون السقوط رأسا، فكذا هذا. وإن لم يجز المرتهن البيع وفسخه انفسخ في رواية، حتى لو أفتك الراهن الرهن لا سبيل للمشتري عليه؛ لأن الحق الثابت للمرتهن بمنزلة الملك، فصار كالمالك، له أن يجيز، وله أن يفسخ، وفي أصح الروايتين لا ينفسخ بفسخه؛ لأنه لو ثبت حق الفسخ له إنما يثبت ضرورة صيانة حقه، وحقه في الحبس لا يبطل بانعقاد هذا العقد فبقي موقوفا، فإن شاء المشتري صبر حتى يفتك الراهن الرهن إذ العجز على شرف الزوال،   [البناية] التوقف لحقه) ش: أي لحق المرتهن م: (وقد رضي بسقوطه) ش: أي بسقوط حقه م: (وإن قضاه الراهن دينه جاز أيضا؛ لأنه زال المانع) ش: بإسقاط حقه م: (من النفوذ) ش: أي نفوذ البيع م: (والمقتضى) ش: أي للجواز م: (موجود وهو) ش: أي المقتضى م: (التصرف الصادر من الأهل) ش: وهو كونه عاقلا بالغا م: (في المحل) ش: وهو كونه ملكا له. م: (وإذا نفذ البيع بإجازة المرتهن ينتقل حقه) ش: أي حق المرتهن م: (إلى بدله) ش: وهو الثمن يكون رهنا، فكان المبيع المرهون م: (هو الصحيح) ش: احترز به عن رواية القاضي أبي خازم عن أبي يوسف أنه قال: إنما يصير الثمن رهنا إذا شرط المرتهن عند الإجازة أن يكون الثمن رهنا عنده لا عند عدم الشرط. وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (لأن حقه) ش: أي حق المرتهن م: (تعلق بالمالية والبدل له حكم المبدل) ش: البدل هو الثمن، والمبدل هو العين المرهون م: (فصار) ش: حكم المذكور م: (كالعبد المديون المأذون إذا بيع برضا الغرماء ينتقل حقهم إلى البدل؛ لأنهم رضوا بالانتقال دون السقوط رأسا) ش: يعني بالكلية م: (فكذا هذا) ش: يعني رضي بنفاذ البيع لا يسقط حقه في الرهن. م: (وإن لم يجز المرتهن البيع وفسخه، انفسخ في رواية، حتى لو أفتك الراهن الرهن لا سبيل للمشتري عليه؛ لأن الحق الثابت للمرتهن بمنزلة الملك، فصار كالمالك، له أن يجيز، وله أن يفسخ. وفي أصح الروايتين لا ينفسخ بفسخه؛ لأنه لو ثبت حق الفسخ له) ش: أي للمرتهن م: (إنما يثبت ضرورة صيانة حقه، وحقه في الحبس لا يبطل بانعقاد هذا العقد فبقي موقوفا) ش: وفي " المبسوط " لا حق للمرتهن، وبهذا العقد، ولا ضرر له في إنفاذه فليس له ولاية الفسخ. م: (فإن شاء المشتري صبر حتى يفتك الراهن الرهن إذ العجز على شرف الزوال) ش: أي لأن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 17 وإن شاء رفع الأمر إلى القاضي، وللقاضي أن يفسخ لفوات القدرة على التسليم، وولاية الفسخ إلى القاضي لا إليه، وصار كما إذا أبق العبد المشترى قبل القبض، فإنه يتخير المشتري لما ذكرنا كذلك هذا. ولو باعه الراهن من رجل ثم باعه بيعا ثانيا من غيره قبل أن يجيزه المرتهن فالثاني موقوف أيضا على إجازته؛ لأن الأول لم ينفذ، والموقوف لا يمنع توقف الثاني، فلو أجاز المرتهن البيع الثاني جاز الثاني. ولو باع الراهن ثم أجر أو وهب أو رهن من غيره وأجاز المرتهن هذه العقود جاز البيع الأول. والفرق أن المرتهن ذو حظ من البيع الثاني؛ لأنه يتعلق حقه ببدله   [البناية] العجز عن تسليم المبيع على شرف الزوال م: (وإن شاء رفع الأمر إلى القاضي، وللقاضي أن يفسخ) ش: أي البيع م: (لفوات القدرة على التسليم، وولاية الفسخ إلى القاضي لا إليه) ش: أي لا إلى المرتهن؛ لأن هذا الفسخ لقطع المنازعة، وهو إلى القاضي م: (وصار) ش: هذا م: (كما إذا أبق العبد المشترى قبل القبض، فإنه يتخير المشتري) ش: إما أن يصير إلى زوال العجز، وإما أن يرفع الأمر إلى القاضي فيفسخ البيع م: (لما ذكرنا) ش: من قوله: لفوات القدرة على التسليم م: (كذلك هذا) ش: أي حكم الرهن المذكور. م: (ولو باعه الراهن) ش: أي ولو باع الرهن الراهن م: (من رجل ثم باعه بيعا ثانيا من غيره قبل أن يجيزه المرتهن فالثاني) ش: أي البيع الثاني م: (موقوف أيضا على إجازته؛ لأن الأول) ش: أي البيع الأول م: (لم ينفذ، والموقوف لا يمنع توقف الثاني، فلو أجاز المرتهن البيع الثاني جاز الثاني) ش: وقال الشيخ أبو المعين النسفي في " شرح الجامع الكبير "، وهذه الرواية إنما تستقيم على رواية " الجامع " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن البيع لا ينفذ بدون إجازة المرتهن كما هو مذهب أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - على رواية صاحب " الأمالي " عن أبي يوسف: أن البيع ينعقد بدون إجازة المرتهن فلا يتوقف البيع الثاني على المشتري الأول؛ لأنه ملكه بالعقد الأول لا على المرتهن. م: (ولو باع الراهن ثم أجر أو رهن أو وهب من غيره وأجاز المرتهن هذه العقود) ش: وهي الإجارة والرهن والهبة م: (جاز البيع الأول) ش: قال تاج الشريعة سماه أولا إن لم يكن بيعا بالنسبة إلى هذه العقود؛ لأنها لا تتأخر عن البيع، ويجوز أن يكون باعه من واحد ثم من آخر ثم باشر هذه العقود وأجاز المرتهن هذه صح البيع الأول دون الثاني لرجحانه بالسبق. م: (والفرق) ش: أي بين البيع الثاني وبين العقود المذكورة: فإنه بإجازتها يصح العقد الأول وهو البيع، ولم تصح هي وبإجازة البيع الثاني لا يصح البيع الأول، وإن كان سابقا ويصح هو أي الفرق م: (أن المرتهن ذو حظ من البيع الثاني) ش: في المسألة الأولى م: (لأنه يتعلق حقه ببدله الجزء: 13 ¦ الصفحة: 18 فيصح تعيينه لتعلق فائدته به، إما لا حق له في هذه العقود؛ لأنه لا بدل في الهبة والرهن والذي في الإجارة بدل المنفعة لا بدل العين، وحقه في مالية العين لا في المنفعة، فكانت إجارته إسقاطا لحقه، فزال المانع فنفذ البيع الأول فوضح الفرق. قال: ولو أعتق الراهن عبد الرهن نفذ عتقه. وفي بعض أقوال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا ينفذ عتقه إذا كان المعتق معسرا؛ لأن في تنفيذه إبطال حق المرتهن، فأشبه البيع، بخلاف ما إذا كان موسرا حيث ينفذ على بعض أقواله؛ لأنه لا يبطل حقه معنى بالتضمين، وبخلاف إعتاق المستأجر؛ لأن الإجارة تبقى مدتها إذ الحر يقبلها، أما ما لا يقبل الرهن فلا يبقى   [البناية] فيصح تعيينه لتعلق فائدته به) ش: وهو زيادة الثمن في البيع الثاني، ولعله يحصله تلك الزيادة له ففي البيع الثاني دون الأول، فيجعل لتعيينه فائدة. م: (إما لا حق له) ش: أي للمرتهن م: (في هذه العقود) ش: التي ذكرناها م: (لأنه لا بدل في الهبة والرهن والذي في الإجارة بدل المنفعة لا بدل العين، وحقه في مالية العين لا في المنفعة، فكانت إجارته إسقاطا لحقه، فزال المانع) ش: من الثاني م: (فنفذ البيع الأول فوضح الفرق) ش: بالوجه الذي ذكره. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولو أعتق الراهن عبد الرهن نفذ عتقه) ش: وبه قال أحمد والشافعي في قول الشريك والحسن بن صالح، م: (وفي بعض أقوال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا ينفذ عتقه إذا كان المعتق معسرا) ش: والحاصل أن للشافعي أقوالا، ولم يذكر المصنف له إلا قولين، فنقول قال الشافعي: في الأصح إن كان الراهن معسرا لا ينفذ، وبه قال أحمد، وإن كان موسرا فينفذ. وقال الشافعي في قول: لا ينفذ عتقه موسرا كان أو معسرا، وبه قال أبو ثور وعطاء والبتي م: (لأن في تنفيذه) ش: أي في مسألة العتق في الإعسار م: (إبطال حق المرتهن فأشبه البيع) ش: بل أولى؛ لأنه أسرع نفوذا من العتق، حيث جاز من المكاتب دون العتق. م: (بخلاف ما إذا كان موسرا حيث ينفذ على بعض أقواله؛ لأنه لا يبطل حقه) ش: أي حق المرتهن م: (معنى بالتضمين) ش: يعني أي بتضمين الراهن قيمته. م: (وبخلاف إعتاق المستأجر) ش: أي العبد المستأجر حيث يجوز م: (لأن الإجارة تبقى مدتها) ش: بالنصب، أي تبقى الإجارة في مدة الإجارة م: (إذ الحر يقبلها) ش: أي لأن الحر يقبل الإجارة، فلا مانع أن يكون العبد المستأجر بعد أن يكون حرا إن بقي في مدة الإجارة إلى أن تنتهي المدة م: (أما ما لا يقبل الرهن فلا يبقى) ش: أراد بما لا يقبل الرهن الحر فإنه لا يجوز رهنه قوله فلا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 19 ولنا: أنه مخاطب أعتق ملك نفسه، فلا يلغو تصرفه بعدم إذن المرتهن، كما إذا أعتق العبد المشترى قبل القبض، أو أعتق الآبق أو المغصوب ولا خفاء في ملك الرقبة لقيام المقتضى، وعارض الرهن لا ينبئ عن زواله. ثم إذا زال ملكه في الرقبة بإعتاقه يزول ملك المرتهن في اليد بناء عليه، كإعتاق العبد المشترك بل أولى؛ لأن ملك الرقبة أقوى من ملك اليد فلما لم يمنع الأعلى. لا يمنع الأدنى بالطريق الأولى، وامتناع النفاذ في البيع والهبة لانعدام القدرة على التسليم، وإعتاق الوارث العبد الموصى برقبته لا يلغو، بل يؤخر إلى أداء السعاية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] يبقى إلى الراهن بالاتفاق. م: (ولنا: أنه) ش: أي الراهن م: (مخاطب أعتق ملك نفسه، فلا يلغو تصرفه بعدم إذن المرتهن، كما إذا أعتق العبد المشترى قبل القبض، أو أعتق الآبق) ش: أي العبد الآبق م: (أو المغصوب ولا خفاء في ملك الرقبة لقيام المقتضى) ش: وهو التصرف الصادر عن أهله وهو الحر العاقل البالغ المالك في محله وهو الرقيق المملوك م: (وعارض الرهن لا ينبئ عن زواله) ش: تقريره: أن موجب عقد الرهن إما ثبوت يد الاستيفاء كما قلنا، أو حق البيع كما هو مذهب الشافعي وشيء من ذلك لا يزيل ملك العين. فتبقى العين على ملك الراهن كما كان، وإذا كان باقيا على ملكه وقد أزاله بالإعتاق صح. م: (ثم إذا زال ملكه في الرقبة بإعتاقه يزول ملك المرتهن في اليد بناء عليه كإعتاق العبد المشترك) ش: إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه، فإن نفوذ عتقه في نصيبه أوجب نصيب الشريك حكما ولم تمنع عليه صحة التصرف م: (بل أولى؛ لأن ملك الرقبة أقوى من ملك اليد) ش: الذي للمرتهن م: (فلما لم يمنع الأعلى) ش: وهو حقه للملك للشريك عند صحة العتق م: (لا يمنع الأدنى) ش: وهو يد المرتهن م: (بالطريق الأولى) ش: ولا خفاء فيه م: (وامتناع النفاذ) ش: هذا جواب عما يقال: وليس المانع منحصرا فيما يزيل الملك، بل مجرد تعلق الحق مانع، ولهذا منع النفاذ م: (في البيع والهبة) ش: وتقرير الجواب أن امتناع النفاذ في حق المرتهن إنما صلح م: (لانعدام القدرة على التسليم) ش: المشروط لصحة العقدين، ولا قدرة للراهن عليه، بخلاف العتق؛ لأنه شرع لإسقاط الملك والإسقاطات لا تفتقر إلى التسليم. م: (وإعتاق الوارث) ش: هذا جواب عما تمسك به الشافعي في بعض المواضع وادعى أن إعتاقه لغو صورته: مريض أوصى برقبة عبده لشخص ولا مال له غيره، ثم مات فأعتق الوارث العبد، قال الشافعي لم ينفذ لحق الموصى له، فكذا يجب أن يكون في الرهن، فأجاب بقوله: وإعتاق م: (العبد الموصى برقبته لا يلغو، بل يؤخر إلى أداء السعاية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 20 وإذا نفذ الإعتاق بطل الرهن لفوات محله، ثم بعد ذلك إن كان الراهن موسرا والدين حالا طولب بأداء الدين؛ لأنه لو طولب بأداء القيمة تقع المقاصة بقدر الدين فلا فائدة فيه. وإن كان الدين مؤجلا أخذت منه قيمة العبد، وجعلت رهنا مكانه حتى يحل الدين؛ لأن سبب الضمان متحقق، وفي التضمين فائدة، فإذا حل الدين اقتضاه بحقه إذا كان من جنس حقه ورد الفضل. وإن كان معسرا سعى العبد في قيمته وقضى به الدين، إلا إذا كان بخلاف جنس حقه؛ لأنه لما تعذر الوصول إلى عين حقه من جهة المعتق يرجع إلى من ينتفع بعتقه وهو العبد؛ لأن الخراج بالضمان.   [البناية] وأما عندهما فلا إشكال؛ لأنه يعتق في الحال. م: (وإذا نفذ الإعتاق) ش: هذا راجع إلى أول الكلام، يعني فإذا ثبت تحقق المقتضى وانتفاء المانع نفذ الإعتاق، أي إعتاق الرهن م: (بطل الوهن لفوات محله) ش: وهو كون العبد مملوكا م: (ثم بعد ذلك) ش: أي بعد نفاذ الإعتاق م: (إن كان الراهن موسرا والدين حالا طولب) ش: أي الراهن م: (بأداء الدين؛ لأنه لو طولب بأداء القيمة تقع المقاصة بقدر الدين، فلا فائدة فيه) ش: لأنه يجب عليه رد الزيادة إذا كانت القيمة أكثر من الدين. م: (وإن كان الدين مؤجلا أخذت منه) ش: أي من الرهن م: (قيمة العبد وجعلت رهنا مكانه) ش: أي مكان العبد م: (حتى يحل الدين) ش: بكسر الحاء وضمها جميعا م: (لأن سبب الضمان) ش: وهو العتق م: (متحقق وفي التضمين فائدة) ش: وهو أن يكون الكل رهنا م: (فإذا حل الدين اقتضاه بحقه) ش: يعني يستوفي دينه بقدر حقه م: (إذا كان) ش: أي القيمة م: (من جنس حقه ورد الفضل) ش: أي على الدين على الراهن. م: (وإن كان معسرا سعى العبد في قيمته وقضى به الدين) ش: وفي " شرح الطحاوي " وإن كان الراهن معسرا فللمرتهن أن يستسعى في الأقل من ثلاثة أشياء سواء كان دينه حالا أو إلى أجل وينظر إلى قيمته وقت العتاق وإلى الدين رهن به فيه فيسعى العبد في الأقل من هذه الأشياء الثلاثة، ثم يرجع على الراهن إذا أيسر؛ لأنه قضى دينه مضطرا كالوارث إذا قضى دينا للميت لا يكون متبرعا، ويرجع في التركة كذلك وهاهنا، ويرجع المرتهن أيضا ببقية دينه إن بقي له شيء من دينه. م: (إلا إذا كان بخلاف جنس حقه) ش: يعني إلا إذا كان الحاصل من سعاية العبد، بخلاف جنس حق المرتهن فإنه لا يقضي به دينه، بل يدل به جنس حقه ويقضي به دينه م: (لأنه) ش: هذا دليل على وجوب السعاية على العبد م: (لما تعذر الوصول إلى عين حقه) ش: أي حق المرتهن م: (من جهة المعتق يرجع إلى من ينتفع بعتقه وهو العبد؛ لأن الخراج بالضمان) ش: الخراج ما خرج من الجزء: 13 ¦ الصفحة: 21 قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وتأويله إذا كانت القيمة أقل من الدين، أما إذا كان الدين أقل نذكره إن شاء الله تعالى ثم يرجع بما سعى على مولاه إذا أيسر لأنه قضى دينه، وهو مضطر فيه بحكم الشرع فيرجع عليه بما تحمل عنه، بخلاف المستسعى في الإعتاق؛ لأنه يؤدي ضمانا عليه؛ لأنه إنما يسعى لتحصيل العتق عنده، وعندهما لتكميله، وهنا يسعى في ضمان على غيره بعد تمام إعتاقه، فصار كمعير الرهن. ثم أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أوجب السعاية في المستسعى المشترك في حالتي اليسار والإعسار،   [البناية] غلة الأرض أو الغلام دينه الخراج بالضمان، يعني الغلة سبب إن ضمنه. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وتأويله) ش: أي تأويل قول القدوري سعى العبد في قيمته م: (إذا كانت القيمة أقل من الدين) ش: لأنه إذا كان الدين أقل من القيمة سعى في الدين. ونبه عليه بقوله: م: (أما إذا كان الدين أقل نذكره إن شاء الله تعالى) ش: يريد به ما نذكره عن قريب في استيلاد الأمة المرهونة بقوله بخلاف العتق حيث يسعى في الأقل من الدين ومن القيمة م: (ثم يرجع) ش: أي العبد م: (بما سعى على مولاه إذا أيسر) ش: أي المولى م: (لأنه قضى دينه وهو مضطر فيه بحكم الشرع، فيرجع عليه بما تحمل عنه) ش: وقد مر الكلام فيه عن قريب. م: (بخلاف المستسعى في الإعتاق) ش: يعني بخلاف العبد المشترك بين اثنين إذا أعتق أحدهما نصيبه فاستسعى، والساكت لا يرجع بما سعى على المعتق م: (لأنه يؤدي ضمانا عليه) ش: هذه إشارة إلى بيان الفرق بين العبد المرهون يسعى في رقبته تخلصت ويقضي دينا على الراهن فلهذا يرجع عليه، والمستسعى في الإعتاق يسعى في تخليص رقبته من الرق وهو منفعة خالصة له، فلهذا لا يرجع، أشار إليه بقوله " لأنه "، أي لأن المستسعى يؤدي ضمان ما عليه لأنه يؤدي الضمان عن نفسه لأنه أصل فيه م: (لأنه إنما يسعى لتحصيل العتق عنده) ش: أي عند أبي حنيفة، يعني سعيه لأجل عتقه. م: (وعندهما) ش: أي وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (لتكميله) ش: أي لتكميل العتق؛ لأنه كان في عتقه نقصان؛ لكونه مطالبا بالسعاية، فإذا أداها كمل العتق نظرا للعبد، ولكنه لما كان أصلا في الضمان جاز أن لا يرجع على غيره، وهنا، أي في حكم العبد المرهون م: (وهنا يسعى في ضمان على غيره بعد تمام إعتاقه، فصار كمعير الرهن) ش: يعني أن الرهن بالاستعارة إذا عجز عن فكاك الرهن فأفتكه المعير رجع بذلك على الراهن المستعير؛ لأنه قضى دينه مضطرا. م: (ثم أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أوجب السعاية في المستسعى المشترك في حالتي اليسار والإعسار، الجزء: 13 ¦ الصفحة: 22 وفي العبد المرهون شرط الإعسار؛ لأن الثابت للمرتهن حق الملك، وأنه أدنى من حقيقته الثابتة للشريك الساكت، فوجبت السعاية هنا في حالة واحدة إظهارا لنقصان رتبته، بخلاف المشترى قبل القبض إذا أعتقه المشتري حيث لا يسعى للبائع إلا رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والمرهون يسعى لأن حق البائع في الحبس أضعف؛ لأن البائع لا يملكه في الآخرة، ولا يستوفى من عينه، وكذلك يبطل حقه في الحبس بالإعارة من المشتري، والمرتهن ينقلب حقه ملكا، ولا يبطل حقه بالإعارة من الراهن حتى يمكنه الاسترداد، فلو أوجبنا   [البناية] وفي العبد المرهون شرط الإعسار؛ لأن الثابت للمرتهن) ش: في الرهن م: (حق الملك) ش: لا حقيقة الملك، وذلك بثبوت يد الاستيفاء م: (وأنه) ش: أي وأن الثابت للمرتهن م: (أدنى من حقيقته) ش: أي حقيقة الملك م: (الثابتة للشريك الساكت) ش: فإذا كان كذلك م: (فوجبت السعاية هنا في حالة واحدة) ش: وهي حالة الإعسار م: (إظهارا لنقصان رتبته) ش: أي رتبة حق المرتهن عن رتبة الشريك الساكت. م: (بخلاف العبد المشترى قبل القبض) ش: يعني بخلاف العبد المشترى قبل قبضه م: (إذا أعتقه المشتري) ش: وهو مفلس م: (حيث لا يسعى البائع) ش: يعني ليس للبائع؛ ولأنه استسعاء بقدر الثمن وإن كان هو محبوسا عنده قبل التسليم بالثمن؛ لأن للبائع مجرد الحبس، وإذا فات بخروجه عن كونه محلا للحبس بالعتق بطل أصلا وبقي حقه مطالبة المشتري بالثمن فحسب م: (إلا رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والمرهون يسعى) ش: أنه يسعى إذا كان المشتري معسرا. وقال الناطفي في " الأجناس " وقال أبو يوسف في " نوادر هشام " يسعى العبد الراهن، وهذا الذي ذكره لبيان الفرق بينه وبين المبيع المستوفى قبل القبض م: (لأن حق البائع في الحبس أضعف؛ لأن البائع لا يملكه في الآخرة) ش: وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: " لأن البائع لا يملكه في الآخرة " يعني إلا أن يملك ملكا يزيل اليد المتقومة وهي اليد الثابتة بالحبس " بخلاف يد المرتهن لأنه يملك ملكا يؤيد المتقوم، أي عند الاستهلاك، بل ينفسخ البيع بخلاف الرهن. م: (ولا يستوفي من عينه) ش: أي ولا يستوفي البائع من عين الرهن، لا يتعلق استيفاؤه بهذا المحل وإنما يثبت له حق الحبس ليستوفي من محل آخر م: (وكذلك يبطل حقه) ش: أي حق البائع م: (في الحبس بالإعارة من المشتري، والمرتهن ينقلب حقه ملكا) ش: في حالة الهلاك. بيانه: إذا هلك الرهن عند المرتهن يملك بدينه مضمونا بالأقل من قيمته ومن قيمة الدين، فيكون المرتهن مالكا لذلك الأقل من مالية الرهن، فأما حق البائع فلا يصير ملكا له من جهة المشتري أصلا. م: (ولا يبطل حقه) ش: أي حق المرتهن م: (بالإعارة من الراهن حق يمكنه الاسترداد، فلو أوجبنا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 23 السعاية فيهما لسوينا بين الحقين، وذلك لا يجوز. ولو أقر المولى برهن عبده بأن قال له: رهنتك عند فلان وكذبه العبد ثم أعتقه تجب السعاية عندنا، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو يعتبره بإقراره بعد العتق، ونحن نقول: أقر بتعلق الحق في حال يملك التعليق فيه لقيام ملكه فيصح، بخلاف ما بعد العتق؛ لأنه حال انقطاع الولاية. قال: ولو دبره الراهن صح تدبيره بالاتفاق، أما عندنا: فظاهر، وكذا عنده؛ لأن التدبير لا يمنع البيع على أصله. ولو كانت أمة فاستولدها الراهن صح الاستيلاد بالاتفاق؛ لأنه يصح بأدنى الحقين، وهو ما للأب في جارية الابن فيصح بالأعلى.   [البناية] السعاية فيهما) ش: أي في المبيع المعتق قبل القبض وفي المرهون المعتق م: (لسوينا بين الحقين) ش: أي من حق البائع وهو ضعيف، وبين حق المرتهن وهو قوي م: (وذلك لا يجوز) ش: أي جعل التسوية بينهما لا يجوز مع وجود الفارق، وفي " المبسوط " هذا أمر يأباه العقل. م: (ولو أقر المولى برهن عبده بأن قال له: رهنتك عند فلان وكذبه العبد ثم أعتقه تجب السعاية) ش: ثم أعتق المولى المقر بالرهن والحال أنه معسر لزم العبد السعاية م: (عندنا؛ خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فعنده لا تجب السعاية م: (هو) ش: أي زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يعتبره) ش: أي يقيسه م: (بإقراره) ش: أي بإقرار المولى بذلك م: (بعد العتق) ش: والجامع وجود الإقرار. م: (ونحن نقول: أقر بتعلق الحق) ش: وهو أداء السعاية م: (في حال يملك التعليق فيه) ش: أي يملك تعلق الدين برقبته م: (لقيام ملكه) ش: من رقبته م: (فيصح، بخلاف ما بعد العتق؛ لأنه حال انقطاع الولاية) ش: لأنه لا ولاية لها بعد العتق فلا يصح. م: (قال) ش: أي المصنف، ذكره تفريعا على مسألة القدوري وقد ذكرها الكرخي في " مختصره ": م: (ولو دبره) ش: العبد المرهون م: (الراهن صح تدبيره بالاتفاق، أما عندنا فظاهر) ش: لأنه يملك إعتاقه ويملك تدبيره بالطريق الأولى م: (وكذا عنده) ش: أي عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن التدبير لا يمنع البيع على أصله) ش: لأن بيع المدبر يجوز عنده، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - ونص الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على أن التدبير موقوف، فإن حلف تركه قضى الدين وعتق المدبر بالتدبير، وقال بعض أصحابه إن التدبير مبني على عتق المرهون. م: (ولو كانت أمة) ش: أي ولو كانت المرهونة أمة م: فاستولدها الراهن) ش: أي ولدت فادعاه المولى م: (صح الاستيلاد بالاتفاق) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - سواء كان الراهن موسرا أو معسرا، وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه أقوال مذكورة في الإعتاق، م: (لأنه) ش: أي لأن الاستيلاد م: (يصح بأدنى الحقين، وهو) ش: أي أدنى الحقين م: (ما للأب) ش: أي الذي يثبت للأب م: (في جارية الابن) ش: إذا استولدها؛ لأنه يملكها قبل الرهن، وهو أدنى الحقين؛ لأن أعلاهما حق الابن؛ لأنه مالك حقيقة، فإذا ثبت الاستيلاد الأدنى م: (فيصح بالأعلى) ش: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 24 وإذا صحا خرجا من الرهن، لبطلان المحلية، إذ لا يصح استيفاء الدين منهما، فإن كان الراهن موسرا ضمن قيمتهما على التفصيل الذي ذكرناه في الإعتاق. وإن كان معسرا استسعى المرتهن المدبر وأم الولد في جميع الدين؛ لأن كسبهما مال المولى، بخلاف المعتق حيث يسعى في الأقل من الدين ومن القيمة؛ لأن كسبه حقه، والمحتبس عنده ليس إلا قدر القيمة، فلا يزاد عليه، وحق المرتهن بقدر الدين فلا تلزمه الزيادة ولا يرجعان بما يؤديان على المولى بعد يساره؛ لأنهما أدياه من مال المولى والمعتق يرجع؛ لأنه أدى ملكه عنه، وهو مضطر على ما مر. وقيل: الدين إذا كان مؤجلا يسعى المدبر في قيمته قنا؛ لأنه عوض الرهن حتى تحبس مكانه، فيتقدر بقدر العوض، بخلاف ما إذا كان حالا لأنه يقضى به الدين. ولو أعتق الراهن المدبر وقد قضى عليه بالسعاية أو لم يقض لم يسع إلا بقدر القيمة؛ لأن كسبه بعد العتق ملكه، وما أداه قبل العتق لا يرجع به على مولاه؛ لأنه أداه من مال المولى. قال: وكذلك لو استهلك الراهن الرهن   [البناية] بالطريق الأولى م: (وإذا صحا) ش: أي الاستيلاد والتدبير م: (خرجا من الرهن لبطلان المحلية، إذ لا يصح استيفاء الدين منهما) ش: " وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله -. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مدبرا، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - وعند الشافعي م: (فإن كان الراهن موسرا ضمن قيمتهما على التفصيل الذي ذكرناه في الإعتاق) ش: يعني إن كان الدين حالا طولب بأداء الدين في الحال، وإن كان مؤجلا فقيمته يكون رهنا مكانه. م: (وإن كان الراهن معسرا استسعى المرتهن المدبر وأم الولد في جميع الدين؛ لأن كسبهما مال المولى، بخلاف المعتق، حيث يسعى في الأقل من الدين ومن القيمة؛ لأن كسبه) ش: أي كسب المعتق م: (حقه والمحتبس عنده) ش: أي عند المعتق م: (ليس إلا قدر القيمة، فلا يزاد عليه) ش: أي على قدر القيمة م: (وحق المرتهن بقدر الدين، فلا تلزمه الزيادة ولا يرجعان بما يؤديان على المولى بعد يساره؛ لأنهما أدياه من مال المولى والمعتق يرجع؛ لأنه أدى ملكه عنه) ش: أي عن المولى م: (وهو مضطر على ما مر) ش: فيما مضى في هذا الكتاب. م: (وقيل: الدين) ش: فقوله في " الإيضاح " م: (إذا كان مؤجلا) ش: وفي أكثر النسخ الدين إذا كان مؤجلا م: (يسعى المدبر في قيمته) ش: أي من حيث كونه م: (قنا لأنه عوض الرهن حتى تحبس مكانه، فيتقدر بقدر العوض، بخلاف ما إذا كان حالا؛ لأنه يقضى به الدين. ولو أعتق الراهن المدبر وقد قضى عليه بالسعاية أو لم يقض لم يسع إلا بقدر القيمة؛ لأن كسبه بعد العتق ملكه، ما أداه قبل العتق لا يرجع به على مولاه؛ لأنه أداه من مال المولى) . م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وكذلك لو استهلك الراهن الرهن) ش: وهو عطف على قوله فإن كان الدين حالا طولب بأداء الدين، وإن كان مؤجلا إلى آخره، كذا قاله الأترازي. وقال الجزء: 13 ¦ الصفحة: 25 لأنه حق محترم مضمون عليه بالإتلاف، والضمان رهن في يد المرتهن لقيامه مقام العين. فإن استهلكه أجنبي فالمرتهن هو الخصم في تضمينه، فيأخذ القيمة وتكون رهنا في يده؛ لأنه أحق بعين الرهن حال قيامه، فكذا في استرداد ما قام مقامه، والواجب على هذا المستهلك قيمته يوم هلك، فإن كانت قيمته يوم استهلكه خمسمائة ويوم رهن ألفا غرم خمسمائة، وكانت رهنا وسقط من الدين خمسمائة، فصار الحكم في الخمسمائة الزيادة كأنها هلكت بآفة سماوية، والمعتبر في ضمان الرهن القيمة يوم القبض لا يوم الفكاك؛ لأن القبض السابق مضمون عليه؛ لأنه قبض استيفاء، إلا أنه يتقرر عند الهلاك. ولو استهلكه المرتهن والدين مؤجل غرم القيمة؛ لأنه أتلف ملك الغير، وكانت رهنا في يده حتى يحل الدين؛ لأن الضمان بدل العين فأخذ حكمه. وإذا حل الدين وهو على صفة القيمة استوفى المرتهن منها قدر حقه؛ لأنه   [البناية] الأكمل قوله: " وكذلك لو استهلك الراهن الرهن " معطوف على قوله: " فإن كان موسرا ضمن قيمتها "، وكذلك قاله الكاكي. وقال تاج الشريعة قوله وكذلك إذا استهلك الراهن الرهن، يعني أن حكم الاستهلاك حكم الإعتاق على التفصيل المذكور م: (لأنه) ش: أي لأن الرهن م: (حق محترم مضمون عليه) ش: أي على الراهن م: (بالإتلاف والضمان رهن في يد المرتهن لقيامه مقام العين، فإن استهلكه أجنبي فالمرتهن هو الخصم في تضمينه) ش: " وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: الراهن هو الخصم في تضمينه؛ لأنه مالكه. قلنا: المرتهن أحق في البدل، وهو عين الرهن، فيكون أحق ببدله وبالخصومة وبالاسترداد م: (فيأخذ القيمة) ش: أي المرتهن يأخذها م: (وتكون رهنا في يده؛ لأنه أحق بعين الرهن حال قيامه، فكذا في استرداد ما قام مقامه، والواجب على هذا المستهلك) ش: يعني الأجنبي م: (قيمته يوم هلك) ش: أي يوم الاستهلاك، وإنما قيد بقوله على هذا المستهلك احترازا عن استهلاك المرتهن، فإن عليه قيمته يوم قبضه كما يجيء، وكذلك أي الهلاك يعتبر قيمته يوم القبض لا يوم الهلاك. م: (فإن كانت قيمته يوم استهلكه خمسمائة ويوم رهن ألفا غرم خمسمائة وكانت رهنا وسقط من الدين خمسمائة، فصار الحكم في الخمسمائة الزيادة كأنها هلكت بآفة سماوية، والمعتبر في ضمان الرهن القيمة يوم القبض لا يوم الفكاك؛ لأن القبض السابق مضمون عليه؛ لأنه قبض استيفاء، إلا أنه يتقرر عند الهلاك، ولو استهلكه المرتهن والدين مؤجل) ش: أي والحال أن الدين مؤجل م: (غرم القيمة؛ لأنه أتلف ملك الغير وكانت رهنا في يده حتى يحل الدين؛ لأن الضمان بدل العين فأخذ حكمه. وإذا حل الدين وهو على صفة القيمة) ش: أي في الجنسية والجودة م: (استوفى المرتهن منها قدر حقه؛ لأنه الجزء: 13 ¦ الصفحة: 26 جنس حقه. ثم إن كان فيه فضل يرده على الراهن؛ لأنه بدل ملكه وقد فرغ في حق المرتهن. وإن نقصت عن الدين بتراجع السعر إلى خمسمائة وقد كانت قيمته يوم الرهن ألفا وجب بالاستهلاك خمسمائة وسقط عن الدين خمسمائة: لأن ما انتقص كالهالك، وسقط الدين بقدره وتعتبر قيمته يوم القبض فهو مضمون بالقبض السابق لا بتراجع السعر، ووجب عليه الباقي بالإتلاف وهو قيمته يوم أتلف. قال: وإذا أعار المرتهن الرهن للراهن ليخدمه أو ليعمل له عملا فقبضه خرج من ضمان المرتهن لمنافاة بين يد العارية ويد الرهن. فإن هلك في يد الراهن هلك بغير شيء لفوات القبض المضمون، وللمرتهن أن يسترجعه إلى يده؛ لأن عقد الرهن باق إلا في حكم الضمان في الحال، ألا ترى   [البناية] جنس حقه ثم إن كان فيه فضل يرده على الراهن؛ لأنه بدل ملكه وقد فرغ في حق المرتهن) . م: (وإن نقصت عن الدين بتراجع السعر إلى خمسمائة، وقد كانت قيمته) ش: أي والحال أنه كانت قيمته م: (يوم الرهن ألفا وجب بالاستهلاك خمسمائة وسقط من الدين خمسمائة؛ لأن ما انتقص كالهالك وسقط الدين بقدره، وتعتبر قيمته يوم القبض فهو مضمون بالقبض السابق لا بتراجع السعر) ش: وهذا جواب إشكال، وهو أن يقال لو سقط بقدر ما انتقص كان الرهن مضمونا على الرهن بتراجع السعر وليس لتراجع السعر أثر في إسقاط شيء من الدين. والجواب: أنه مضمون بالقبض السابق لا بتراجع السعر م: (ووجب عليه) ش: أي على الراهن م: (الباقي) ش: وهو الخمسمائة الزائدة م: (بالإتلاف وهو قيمته يوم أتلف) ش: أي الراهن. [أعار المرتهن الرهن للراهن] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا أعار المرتهن الرهن للراهن) ش: فيه تسامح؛ لأن الإعارة تمليك المنافع بغير عوض، والمرتهن لا يملكها، فكيف يملكها غيره، ولكن لما عومل بمعاملة الإعارة من عدم الضمان، ويمكن استرداد المغير أطلق الإعارة م: (ليخدمه أو ليعمل له عملا) ش: لا يوجد في عامة " مختصر القدوري "، م: (فقبضه خرج من ضمان المرتهن) ش: هذا من لفظ القدوري. وعلله المصنف بقوله: م: (لمنافاة بين يد العارية وبين يد الرهن) ش: وهو يد المرتهن؛ لأن يد المرتهن مضمونة، ويد العارية ليست بمضمونة، فلما صحت الإعارة انتفى حكم الرهن، وهو كونه مضمونا. م: (فإن هلك في يد الراهن هلك بغير شيء) ش: هذا لفظ القدوري وعلله المصنف بقوله م: (لفوات القبض المضمون وللمرتهن أن يسترجعه إلى يده) ش: من كلام القدوري، وعلله م: (لأن عقد الرهن باق إلا في حكم الضمان في الحال) ش: أي في حال كون الرهن في يد المرتهن م: (ألا ترى الجزء: 13 ¦ الصفحة: 27 أنه لو هلك الراهن قبل أن يرده على المرتهن كان المرتهن أحق به من سائر الغرماء، وهذا لأن يد العارية ليست بلازمة، والضمان ليس من لوازم الرهن على كل حال، ألا ترى أن حكم الرهن ثابت في ولد الرهن وإن لم يكن مضمونا بالهلاك، وإذا بقي عقد الرهن فإذا أخذه عاد الضمان؛ لأنه عاد القبض في عقد الرهن فيعود بصفته. وكذلك لو أعاره أحدهما أجنبيا بإذن الآخر سقط حكم الضمان لما قلنا. ولكل واحد منهما أن يرده رهنا كما كان؛ لأن لكل واحد منهما حقا محترما فيه. وهذا بخلاف الإجارة والبيع والهبة من أجنبي إذا باشرها أحدهما بإذن الآخر حيث يخرج من الرهن فلا يعود إلا بعقد مبتدأ. ولو مات الراهن قبل الرد إلى المرتهن يكون المرتهن أسوة للغرماء؛ لأنه تعلق بالرهن حق لازم بهذه   [البناية] أنه لو هلك الراهن قبل أن يرده على المرتهن كان المرتهن أحق به) ش: أي بالرهن م: (من سائر الغرماء) ش: وهذا توضيح لما قبله بالإشارة م: (وهذا لأن يد العارية ليست بلازمة) ش: والرهن لازم، والشيء لا ينتقض بما دونه م: (والضمان ليس من لوازم الرهن على كل حال) ش: هذا جواب عما يقال كيف أمكن القول ببقاء الرهن، وأنه لم يبق مضمونا؟ فأجاب: بقوله: والضمان ... إلى آخره. ثم أوضحه بقوله: م: (ألا ترى أن حكم الرهن ثابت في ولد الرهن) ش: أي في ولد المرهونة، فإن حكم الرهن ثابت فيه، فإذا هلك م: (وإن لم يكن مضمونا بالهلاك) ش: وقد وجد الرهن ولا ضمان ثمة. م: (وإذا بقي عقد الرهن فإذا أخذه عاد الضمان؛ لأنه عاد القبض في عقد الرهن، فيعود بصفته) ش: وهي الضمان م: (وكذلك لو أعاره) ش: أي الرهن م: (أحدهما) ش: أي الراهن أو المرتهن م: (أجنبيا بإذن الآخر سقط حكم الضمان لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله: لمنافاة بين يد العارية ويد الرهن م: (ولكل واحد منهما أن يرده رهنا كما كان؛ لأن لكل واحد منهما حقا محترما فيه) ش: أي في الرهن حق للراهن الرقبة وحق للمرتهن في اليد م: (وهذا) ش: أي ما ذكرنا من إجازة أحدهما بإذن الآخر أجنبيا. م: (بخلاف الإجارة والبيع والهبة من أجنبي إذا باشر أحدهما بإذن الآخر حيث يخرج من الرهن فلا يعود إلا بعقد مبتدأ) ش: أي جديد، وذلك لأن بهذه العقود تعلق حق لازم للغير، بخلاف الإعارة، فإنه لم يتعلق بها حق لازم، فإذا استرجعوا المرتهن إلى يده عاد الضمان، فلم يقع حاجة إلى العقد المبتدأ. م: (ولو مات الراهن قبل الرد إلى المرتهن) ش: أي قبل رد عين الرهن إلى المرتهن فيما إذا باشر أحدهما الإجارة أو البيع أو الهبة م: (يكون المرتهن أسوة للغرماء؛ لأنه تعلق بالرهن حق لازم بهذه الجزء: 13 ¦ الصفحة: 28 التصرفات فيبطل به حكم الرهن، أما بالعارية لم يتعلق به حق لازم فافترقا. وإذا استعار المرتهن الرهن من الراهن ليعمل به فهلك قبل أن يأخذ في العمل هلك على ضمان الرهن لبقاء يد الرهن، وكذا إذا هلك بعد الفراغ من العمل لارتفاع يد العارية. ولو هلك في حالة العمل هلك بغير ضمان، لثبوت يد العارية بالاستعمال وهي مخالفة ليد الرهن فانتفى الضمان. وكذا إذا أذن الراهن للمرتهن بالاستعمال لما بيناه. ومن استعار من غيره ثوبا ليرهنه فما رهنه به من قليل أو كثير فهو جائز لأنه متبرع بإثبات ملك اليد فيعتبر بالتبرع بإثبات ملك العين واليد هو قضاء الدين. ويجوز أن ينفصل ملك اليد عن ملك العين ثبوتا للمرتهن كما ينفصل زوالا في حق البائع   [البناية] التصرفات فيبطل به حكم الرهن) ش: فإذا بطل كان المرتهن وسائر الغرماء سواء م: (أما بالعارية لم يتعلق به حق لازم) ش: يعني فيما إذا أعاره أحدهما بإذن الآخر، فمات الراهن قبل الرد إلى المرتهن يكون المرتهن أحق به من سائر الغرماء؛ لأن الرهن لم يبطل بالعارية م: (فافترقا) ش: أي الحكمان المذكوران الإجارة والبيع والهبة وحكم العارية. م: (وإذا استعار المرتهن الرهن من الراهن ليعمل به فهلك قبل أن يأخذ في العمل هلك على ضمان الرهن لبقاء يد الرهن، وكذا إذا هلك بعد الفراغ من العمل لارتفاع يد العارية، ولو هلك في حالة العمل هلك بغير ضمان لثبوت يد العارية بالاستعمال، وهي مخالفة ليد الرهن فانتفى الضمان) ش: وذكر قاضي خان أنهما لو اختلفا في وقت الهلاك فادعى المرتهن أنه هلك حالة العمل وادعى الراهن أنه هلك في غير حالة العمل كان القول قول المرتهن والبينة بينة الراهن. م: (وكذا إذا أذن الراهن للمرتهن بالاستعمال لما بيناه) ش: يعني في صورة العارية م: (ومن استعار من غيره ثوبا ليرهنه فما رهنه به من قليل أو كثير فهو جائز) ش: هذه المسألة إلى قوله وجناية الراهن على الرهن مضمونة من مسائل الأصل، ذكرها على سبيل التفريع. وقال الكرخي: إذا استعار الرجل من الرجل شيئا ليرهنه ثوبا أو عبدا أو غير ذلك من العروض فأعاره فله أن يرهنه بأي شيء من الدين شاء وبما شاء منه قليلا كان ذلك أو كثيرا إذا لم يكن سمى له ما يرهنه. وإن سمى له قدرا من الدين فليس له أن يرهنه بصنف غيره، فإن رهنه بغير ما سمى من القدر وبصنوف الدين فهو ضامن من القيمة الثوب إن هلك في يد المرتهن م: (لأنه متبرع بإثبات ملك اليد) ش: وهو إعادة الرهن م: (فيعتبر بالتبرع بإثبات ملك العين واليد، وهو قضاء الدين، ويجوز أن ينفصل ملك اليد عن ملك العين ثبوتا للمرتهن كما ينفصل زوالا في حق البائع) ش: أي لا يفصل ملك اليد عن ملك العين من حيث الزوال في حق البائع، يعني: أي لو باع بشرط الخيار وسلمه للمشتري تزول يده لا ملكه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 29 والإطلاق واجب الاعتبار خصوصا في الإعارة؛ لأن الجهالة فيها لا تفضي إلى المنازعة. ولو عين قدرا لا يجوز للمستعير أن يرهن بأكثر منه ولا بأقل منه لأن التقييد مفيد وهو ينفي الزيادة؛ لأن غرضه الاحتباس بما تيسر أداؤه، وينفي النقصان أيضا؛ لأن غرضه أن يصير مستوفيا للأكثر بمقابلته عند الهلاك ليرجع به عليه وكذلك التقييد بالجنس وبالمرتهن وبالبلد؛ لأن كل ذلك مفيد لتيسر البعض بالإضافة إلى البعض، وتفاوت الأشخاص في الأمانة والحفظ، فإذا خالف كان ضامنا، ثم إن شاء المعير ضمن المستعير، ويتم عقد الرهن فيما بينه   [البناية] م: (والإطلاق واجب الاعتبار) ش: هذا جواب عما يقال كيف يجوز في الإعارة أن يرهن المستعير بالقليل والكثير وبأي جنس شاء؟ وتقرير الجواب أن إطلاق الإذن يجب اعتباره إلا بدليل يخصه م: (خصوصا في الإعارة؛ لأن الجهالة فيها لا تفضي إلى المنازعة) ش: لأن مبناها على المسامحة. م: (ولو عين) ش: أي المعين م: (قدرا لا يجوز للمستعير أن يرهنه بأكثر منه) ش: أي من ذلك القدر م: (ولا بأقل منه؛ لأن التقييد مفيد وهو) ش: أي تقييد المعير بقدر معين م: (ينفي الزيادة) ش: على ذلك القدر م: (لأن غرضه الاحتباس بما تيسر أداؤه) ش: للمعير عند الاحتياج إلى فكاكه م. (وينفي النقصان أيضا) ش: مثلا أذن أن يرهن بمائة فرهنه بخمسين لا يجوز رهنه. وقال أحمد يجوز؛ لأن من أذن بمائة فقد أذن بخمسين. وقال في وجه يبطل في الكل م. (لأن غرضه) ش: أي غرض المعير م: (أن يصير مستوفيا للأكثر) ش: أي لأكثر المالين م: (بمقابلته) ش: أي بمقابلة الرهن م: (عند الهلاك ليرجع به عليه) ش: أي على المستعير بالكثير بمقابلة الهلاك، لا بالقليل. م: (وكذلك التقييد بالجنس) ش: بأن قال ارهنه بالدراهم أو بالدنانير م: (وبالمرتهن) ش: بأن قالا أرهن عند فلان وعينه م: (وبالبلد) ش: بأن قال: أرهن بالبصرة مثلا م: (لأن كل ذلك مفيد لتيسر البعض بالإضافة إلى البعض) ش: أي لتيسر البعض على المعير بالنسبة إلى البعض، وهذا لأنه ربما يكون الانفكاك بالجنس الذي عينه أيسر مما لا يعينه، فالرضا بجنس لا يكون برضا بآخر م: (وتفاوت الأشخاص في الأمانة والحفظ) ش: فالرضى بالوضع عند رجل لا يكون رضا بالوضع عند آخر، والرضا أيضا بالحفظ في موضع بعينه لا يكون رضا بالحفظ في موضع آخر؛ لأن الأماكن ربما تتفاوت في معنى الحفظ والصيانة. م: (فإذا خالف) ش: أي المستعير م: (كان ضامنا) ش: أي قيمة الشيء الذي استعاره للرهن؛ لأنه صار غاصبا حيث تصرف فيه بغير إذن صاحبه في غير ما سمى المعير من الجنس والمرتهن والبلد وللمعير أن يأخذه من المرتهن؛ لأن الرهن لم يصح م: (ثم إن شاء المعير ضمن المستعير) ش: يعني بعد وجوب الضمان، بخلاف المستعير م: (ويتم عقد الرهن فيما بينه) ش: أي الجزء: 13 ¦ الصفحة: 30 وبين المرتهن؛ لأنه ملكه بأداء الضمان، فتبين أنه رهن ملك نفسه، وإن شاء ضمن المرتهن ويرجع المرتهن بما ضمن وبالدين على الراهن. وقد بيناه في الاستحقاق. وإن وافق بأن رهنه بمقدار ما أمره به إن كانت قيمته مثل الدين أو أكثر فهلك عند المرتهن يبطل المال عن الراهن لتمام الاستيفاء بالهلاك ووجب مثله لرب الثوب على الراهن؛ لأنه صار قاضيا دينه بماله بهذا القدر وهو الموجب للرجوع دون القبض بذاته؛ لأنه برضاه، وكذلك إن أصابه عيب ذهب من الدين بحسابه ووجب مثله لرب الثوب على الراهن على ما بيناه.   [البناية] بين المستعير الذي هو الراهن م: (وبين المرتهن؛ لأنه ملكه بأداء الضمان فتبين أنه رهن ملك نفسه) ش: لأنه ملكه بالضمان سابقا على الراهن. م: (وإن شاء ضمن المرتهن ويرجع المرتهن بما ضمن) ش: لأنه غيره في ذلك م: (وبالدين على الراهن) ش: أي يرجع به أيضا وهو ظاهر م: (وقد بيناه في الاستحقاق) ش: أي قد بينا ذلك، قبل هذا الباب في استحقاق الرهن في يد المرتهن وتضمنه، فإنه يرجع بالدين وبما ضمن. م: (وإن وافق) ش: أي المستعير م: (بأن رهنه بمقدار ما أمره به إن كانت قيمته) ش: أي قيمة الذي رهنه م: (مثل الدين أو أكثر فهلك عند المرتهن يبطل المال عن الراهن لتمام الاستيفاء بالهلاك، ووجب مثله لرب الثوب على الراهن) ش: أي مثل ما تم به الاستيفاء، وهو مقدار الدين لا مثل قيمة الثوب إن كانت أكبر م: (لأنه صار قاضيا دينه بماله بهذا القدر) ش: أي لأن المستعير صار قاضيا لدينه بمال الغير بهذا القدر؛ لأنه لما استعاره فقد أمره بقضاء دينه من ماله والمأمور قضاء الدين يرجع على الآمر بما قضاه وهو الموجب للرجوع، أي أمره بقضاء دينه م: (وهو الموجب للرجوع) ش: على الآمر بما قضى. وفي " الإيضاح ": المعير بمنزلة رجل أذن لآخر أن يقضي دينه من وديعته عنده فما مضى صار مضمونا، وما لم يقبض فهو أمانة م: (دون القبض بذاته لأنه برضاه) ش: لأن قبض المستعير برضا المالك فلا يتعلق به الضمان. فإن قلت: قبض الثوب وتسليمه برضا المعير، فينبغي أن لا يوجب الضمان؟ قلت: ما توجبه بالقبض بل بإيفاء الدين من مالية العين، ومن قضى دين نفسه من مال الغير برضاه يضمن مثل ذلك. م: (وكذلك إن أصابه) ش: أي الثوب م: (عيب ذهب من الدين بحسابه) ش: أي بقدر حصة المعيب م: (ووجب مثله) ش: أي مثل ما ذهب م: (لرب الثوب على الراهن على ما بيناه) ش: وهو أنه صار قاضيا دينه بماله بهذا القدر. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 31 وإذا كانت قيمته أقل من الدين ذهب بقدر القيمة وعلى الراهن بقيمة دينه للمرتهن؛ لأنه لم يقع الاستيفاء بالزيادة على قيمته، وعلى الراهن لصاحب الثوب ما صار به موفيا لما بيناه. ولو كانت قيمته مثل الدين فأراد المعير أن يفتكه جبرا عن الراهن لم يكن للمرتهن إذا قضى دينه أن يمتنع؛ لأنه غير متبرع حيث يخلص ملكه، ولهذا يرجع على الراهن بما أدى المعير فأجبر المرتهن على الدفع بخلاف الأجنبي إذا قضى الدين لأنه متبرع إذ هو لا يسعى في تخليص ملكه ولا في تفريغ   [البناية] م: (وإذا كانت قيمته) ش: أي قيمة الثوب م: (أقل من الدين، ذهب بقدر القيمة) ش: لأن القيمة إذا كانت أكثر من الدين، يهلك الزائد على قدر الدين أمانة م: (وعلى الراهن بقيمة دينه للمرتهن؛ لأنه لم يقع الاستيفاء بالزيادة على قيمته، وعلى الراهن لصاحب الثوب ما صار به موفيا) ش: بيانه: إذا كان الثوب يساوي خمسة، وقد رهن بعشرة فأعسر الراهن، ولم يجد ما أفتكه فهلك الثوب في يد المرتهن ذهب بخمسة، وعلى الراهن خمسة للمرتهن بقية دينه؛ لأن الرهن يهلك بالأقل من قيمته ومن الدين، وخمسة لرب الثوب على الراهن؛ لأنه صار معترضا إياه بهذا القدر م: (لما بيناه) ش: وهو أنه صار قاضيا دينه بماله بهذا القدر. م: (ولو كانت قيمته مثل الدين فأراد المعير أن يفتكه جبرا عن الراهن) ش: قال الكاكي: أي بغير رضاه. قال الأكمل: هذا ليس بظاهر. وقيل معناه نيابة ولعله من الجبران، يعني جبرانا لما فات عن الراهن من القضاء بنفسه. وقال تاج الشريعة في هذا الموضع: ولفظ محمد في المسألة: فأراد المعير أن يفتكه حين عسر الراهن. وفي " مبسوط السر خسي " و " البزدوي ": ولو كانت قيمته مثل الدين فأراد المعير أن يفتكه حين عسر الراهن م: (لم يكن للمرتهن) ش: أن يمتنع من دفعه إليه م: (إذا قضى دينه) ش: انتهى. قلت: يفهم من هذا الكلام أن جبرا هنا من الجبران، لا من الجبر الذي معناه القهر لم يكن للمرتهن إن قضى دينه م: (أن يمتنع لأنه غير متبرع حيث يخلص ملكه) ش: لأن المعير هنا بالإيفاء يقصد تخليص ملكه، فإن كان بمنزلة المديون حيث يقصد بالإيفاء تفريغ ذمته. م: (ولهذا) ش: أي ويكون غير متبرع م: (يرجع على الراهن بما أدى فأجبر المرتهن على الدفع) ش: قال صاحب " النهاية ": هذا غير مجرى على إطلاقه ولا بد هاهنا من قيد معناه يرجع بما أدى إذا كان ما أداه بقدر الدين؛ لأنه أكثر منه بيانا قيمة الرهن ألف ورهنه بألفين فأفتكه المعير بألفين يرجع على الراهن بقدر الدين وهو ألف، ولا يرجع بأكثر من الألف؛ لأنه لو هلك لم يضمن الراهن للمعير أكثر من ذلك، فكذلك إذا أفتكه وكان متبرعا بالزيادة. م: (بخلاف الأجنبي إذا قضى الدين؛ لأنه متبرع إذ هو لا يسعى في تخليص ملكه ولا في تفريغ الجزء: 13 ¦ الصفحة: 32 ذمته، فكان للطالب أن لا يقبله. ولو هلك الثوب العارية عند الراهن قبل أن يرهنه أو بعدما أفتكه فلا ضمان عليه؛ لأنه لا يصير قاضيا بهذا، وهو الموجب على ما بينا، ولو اختلفا في ذلك فالقول للراهن؛ لأنه ينكر الإيفاء بدعواه الهلاك في هاتين الحالتين، كما لو اختلفا في مقدار ما أمره بالرهن به فالقول للمعير؛ لأن القول قوله في إنكار أصله، فكذا في إنكار وصفه، ولو رهنه المستعير بدين موعود، وهو أن يرهنه به ليقرضه كذا فهلك في يد المرتهن قبل الإقراض والمسمى والقيمة سواء   [البناية] ذمته) ش: بخلاف الأجنبي إذا قضى الدين م: (فكان للطالب أن لا يقبله ولو هلك الثوب العارية عند الراهن قبل أن يرهنه أو بعدما أفتكه) ش: أي لو هلك بعد الفكاك م: (فلا ضمان عليه؛ لأنه لا يصير قاضيا دينه بهذا) ش: أي بهذا الرهن؛ لأن الهلاك لم يوجد إلا والراهن عارية محضة فلا يوجد فيه معنى قضاء الدين، فلا يجب الضمان م: (وهو الموجب) ش: أي الموجب هو قضاء الدين أو الهلاك عند المرتهن م: (على ما بيناه) ش: وهو قوله: لأنه صار قاضيا دينه. م: (ولو اختلفا في ذلك) ش: أي لو اختلف المعير والمستعير في ذلك، فقال المعير: هلك في يد المرتهن، وقال المستعير: هو الراهن؛ هلك قبل أن أرهنه أو بعدما أفتكه م: (فالقول للراهن) ش: وهو المستعير م: (لأنه ينكر الإيفاء بدعواه الهلاك في هاتين الحالتين) ش: أراد بهما قبل الرهن وما بعد الفكاك م: (كما لو اختلفا في مقدار ما أمره بالرهن به) ش: أي ولو اختلف المعير والمستعير في رد ما أمر المستعير المعير بالرهن بالثوب بأن قال رب الثوب أمرتك أن ترهنه بخمسة، وقال المعير بعشرة م: (فالقول للمعير) ش: وفي بعض النسخ: وقع هذا كما لو اختلفا في مقدار ما أمره بالرهن به، وهذا ليس بصحيح. والصحيح ما ذكر، وهو كما ولو اختلفا؛ لأن الغرض مختلف؛ لأن في الأول القول قول الراهن وهو المستعير، وفي الثاني: القول قول المعير لا المستعير، فكيف يصح التشبه به م: (لأن القول قوله) ش: أي قول المعير م: (في إنكار أصله) ش: أي في العارية بتأويل عقد العارية م: (فكذا) ش: أي فكذا القول قوله م: (في إنكار وصفه) ش: أي وصف عقد العارية من الزيادة والنقصان. م: (ولو رهنه المستعير بدين موعود وهو أن يرهنه به ليقرضه كذا) ش: صورته ما قال الحاكم الشهيد في " الكافي ": استعار عبدا يساوي ألف درهم ليرهنه بألف درهم فلم يقبضها حتى صار العبد في يد المرتهن فعلى المرتهن ألف درهم للراهن؛ لأنه صار مستوفيا لمالية الرهن عند الهلاك من قبل الراهن، وعلى الراهن ألف درهم لصاحبه وهو المعير؛ لأنه صار مقرضا إياه هذا القدر، م: (فهلك) ش: أي الراهن م: (في يد المرتهن قبل الإقراض والمسمى والقيمة سواء) ش: أي الجزء: 13 ¦ الصفحة: 33 يضمن قدر الموعود المسمى لما بينا أنه كالموجود ويرجع المعير على الراهن بمثله؛ لأن سلامة مالية الرهن باستيفائه من المرتهن كسلامته ببراءة ذمته عنه. ولو كانت العارية عبدا فأعتقه المعير جاز؛ لقيام ملك الرقبة. ثم المرتهن بالخيار إن شاء رجع بالدين على الراهن؛ لأنه لم يستوفه، وإن شاء ضمن المعير قيمته؛ لأن الحق قد تعلق برقبته برضاه وقد أتلفه بالإعتاق، وتكون رهنا عنده إلى أن يقبض دينه فيردها إلى المعير لأن استرداد القيمة كاسترداد العين. ولو استعار عبدا أو دابة ليرهنه فاستخدم العبد أو ركب الدابة قبل أن يرهنهما ثم رهنهما بمال مثل قيمتهما ثم قضى المال فلم يقبضهما حتى هلكا عند المرتهن فلا ضمان على الراهن؛   [البناية] والحال أن المسمى وهو الرهن وقيمته سواء م: (يضمن) ش: أي المرتهن الراهن م: (قدر الموعود المسمى لما بينا أنه) ش: أي الموعود م: (كالموجود) ش: أشار به إلى ما ذكر في باب ما يجوز ارتهانه عند قوله: والرهن بالدرك باطل بقوله: لأن الموعود جعل كالموجود. م: (ويرجع المعير على الراهن بمثله) ش: أي بمثل قدر الموعود المسمى الذي أخذه الراهن من المرتهن م: (لأن سلامة مالية الرهن باستيفائه) ش: أي باستيفاء الراهن م: (من المرتهن كسلامته) ش: أي كسلامة الراهن م: (ببراءة ذمته عنه) ش: أي عن الدين، يعني لو سلم الرهن للراهن بأن تبرأ ذمته من الدين بأن كانت ذمته مشغولة بالدين فهلك الرهن عند المرتهن كأن يرجع معير الرهن على الراهن المستعير، فكذا يرجع عليه بأن يسلم الرهن للراهن باستيفاء الراهن مالية الرهن من المرتهن. م: (ولو كانت العارية عبدا فأعتقه المعير جاز؛ لقيام ملك الرقبة، ثم المرتهن بالخيار إن شاء رجع بالدين على الراهن لأنه لم يستوفه) ش: لأن الدين عليه م: (وإن شاء ضمن المعير قيمته) ش: أي قيمة العبد م: (لأن الحق قد تعلق برقبته برضاه وقد أتلفه) ش: أي وقد أتلف المعتق حق المرتهن م: (بالإعتاق وتكون) ش: أي قيمة العبد م: (رهنا عنده) ش: أي عند المرتهن م: (إلى أن يقبض دينه فيردها) ش: أي إلى أن يقبض المرتهن دينه فيرد القيمة المرهونة عنده م: (إلى المعير؛ لأن استرداد القيمة كاسترداد العين) ش: لأن المرتهن استرد قيمة الرهن من المعير، واسترداد القيمة كاسترداد العين. م: (ولو استعار عبدا أو دابة ليرهنه فاستخدم العبد أو ركب الدابة قبل أن يرهنهما ثم رهنهما بمثل قيمتهما ثم قضى المال فلم يقبضهما) ش: أي العبد والدابة م: (حتى هلكا) ش: أي واحد من العبد والدابة م: (عند المرتهن فلا ضمان على الراهن) ش:، وفي " المبسوط " لا ضمان على الراهن، والمرتهن ضامن للألف يرده على مولى العبد، وهو رواية أبي حفص. وقال عيسى: هذا خطأ، ولكن الصحيح أن الراهن ضامن للألف للمعير صاحب العبد الجزء: 13 ¦ الصفحة: 34 لأنه قد برئ من الضمان حين رهنهما، فإنه كان أمينا خالف ثم عاد إلى الوفاق. وكذا إذا أفتك الرهن ثم ركب الدابة أو استخدم العبد فلم يعطب ثم عطب بعد ذلك من غير صنعه لا يضمن؛ لأنه بعد الفكاك بمنزلة المودع لا بمنزلة المستعير لانتهاء حكم الاستعارة بالفكاك، وقد عاد إلى الوفاق فيبرأ عن الضمان. وهذا بخلاف المستعير؛ لأن يده يد نفسه فلا بد من الوصول يد المالك. أما المستعير في الرهن فيحصل مقصود الآمر وهو الرجوع عليه عند الهلاك وتحقق الاستيفاء. قال: وجناية الراهن على الرهن مضمونة؛ لأنه تفويت حق لازم محترم وتعلق مثله بالمال يجعل المالك كالأجنبي في حق الضمان كتعلق حق الورثة بمال المريض مرض الموت يمنع نفاذ تبرعه فيما وراء الثلث والعبد الموصى بخدمته إذا أتلفه الورثة ضمنوا قيمته   [البناية] والمرتهن ضامن للألف للراهن؛ لأن لما هلك في يد المرتهن تم الاستيفاء، وعلى المرتهن رد ما استوفى، وإنما استوفاه من الراهن فيرد عليه، والراهن صار قاضيا دينه بملك الغير فيغرم مثله. م: (لأنه قد برئ من الضمان حين رهنهما، فإنه كان أمينا خالف) ش: أي بالاستخدام والركوب م: (ثم عاد إلى الوفاق) ش: بالرهن برئ من الضمان م: (وكذا إذا أفتك الرهن ثم ركب الدابة أو استخدم العبد فلم يعطب) ش: يعني بالركوب أو الاستخدام م: (ثم عطب بعد ذلك من غير صنعه لا يضمن؛ لأنه بعد الفكاك بمنزلة المودع لا بمنزلة المستعير لانتهاء حكم الاستعارة بالفكاك، وقد عاد إلى الوفاق فيبرأ عن الضمان) . م: (وهذا بخلاف المستعير) ش: غير الراهن حيث لا يبرأ عن الضمان إذا خالف ثم عاد إلى الوفاق ما لم يرد العين إلى مالكها م: (لأن يده) ش: أي يد المستعير م: (يد نفسه فلا بد من الوصول إلى يد المالك. أما المستعير في الرهن فيحصل مقصود الآمر وهو الرجوع عليه عند الهلاك وتحقق الاستيفاء) ش: أي وعند تحقق الاستيفاء، وهذا الذي اختاره المصنف هو مختار شمس الأئمة السرخسي، وأما اختيار شيخ الإسلام خواهر زاده وهو أن المستعير يبرأ عن الضمان بالعود إلى الوفاق واستدلالا بمسألة مستعير الرهن. [جناية الراهن على الرهن] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وجناية الراهن على الرهن مضمونة؛ لأنه تفويت حق لازم) ش: يعني باللازم ما لا يقدر على إسقاطه بانفراده م: (محترم) ش: يعني بالمحترم أن يكون العين ممنوعا عن إبطاله، ولا نعلم فيه خلافا م: (وتعلق مثله) ش: أي تعلق مثل الحق اللازم م: (بالمال يجعل المالك) ش: أي مالك المال م: (كالأجنبي في حق الضمان) ش: وأوضح ذلك بقوله: م: (كتعلق حق الورثة بمال المريض مرض الموت يمنع نفاذ تبرعه) ش: أي تبرع المريض م: (فيما وراء الثلث) ش: لأن ما وراء الثلث حق الورثة م: (والعبد الموصى بخدمته إذا أتلفه الورثة ضمنوا قيمته الجزء: 13 ¦ الصفحة: 35 ليشتري بها عبد يقوم مقامه. قال: وجناية المرتهن عليه تسقط من دينه بقدرها، ومعناه: أن يكون الضمان على صفة الدين، وهذا لأن العين ملك المالك وقد تعدى عليه المرتهن فيضمنه لمالكه. قال وجناية الرهن على الراهن والمرتهن وعلى ما لهما هدر، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: جنايته على المرتهن معتبرة، والمراد بالجناية على النفس ما يوجب المال، أما الوفاقية فلأنها جناية المملوك على المالك، ألا ترى أنه لو مات كان الكفن عليه، بخلاف جناية المغصوب على المغصوب منه؛ لأن الملك عند أداء الضمان يثبت للغاصب مستندا حتى يكون الكفن عليه، فكانت جناية على غير المالك فاعتبرت.   [البناية] ليشتري بها عبد يقوم مقامه) ش: لتعلق الحق اللازم به. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وجناية المرتهن عليه) ش: أي وعلى الراهن م: (تسقط من دينه بقدرها) ش: أي بقدر الجناية م: (ومعناه) ش: أي معنى قول القدوري م: (أن يكون الضمان على صفة الدين) ش: يعني من جنسه جودة ورداءة ويسقط من الدين بقدرها. ولو كان بخلاف الجنس يكون رهنا مع الأصل، قاله تاج الشريعة. م: (وهذا) ش: أي السقوط من دين المرتهن بقدرها م: (لأن العين ملك المالك) ش: وهو الراهن م: (وقد تعدى عليه المرتهن فيضمنه لمالكه) ش: لأن دينه إتلاف ملك الغير. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وجناية الرهن على الراهن والمرتهن وعلى ما لهما هدر) ش: أي ساقط لا يعتبر به م: (وهذا) ش: أي كونها هدرا م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا) ش: أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (جنايته) ش: أي جناية الرهن م: (على المرتهن معتبرة، والمراد بالجناية على النفس ما يوجب المال) ش: وهي ما إذا كان خطأ في النفس أو فيما دونها، أما ما يوجب القصاص فيعتبر بالإجماع، ولا نعلم فيه خلافا. م: (أما الوفاقية) ش: وهي المسألة الوفاقية وهي الجناية على الراهن م: (فلأنها جناية المملوك على المالك، ألا ترى أنه لو مات) ش: أي العبد الرهن م: (لكان الكفن عليه) ش: أي على مولاه، وكل ما كان كذلك فهو هدر؛ لأنه لو جنى على غيره وجب على مولاه من ماله، فإذا جنى عليه فلو وجب عليه شيء لكان واجبا له عليه وذلك باطل. م: (بخلاف جناية المغصوب على المغصوب منه) ش: هذا جواب عن نقض يرد بالمغصوب إذا جنى على مالكه المغصوب منه، فإنها توجب الضمان. وتقرير الجواب به: ما قاله بقوله: م: (لأن الملك عند أداء الضمان يثبت للغاصب مستندا) ش: من وقت الغصب، وأوضح ذلك بقوله: م: (حتى يكون الكفن عليه) ش: أي على الغاصب م: (فكانت جناية على غير المالك فاعتبرت) ش: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 36 ولهما في الخلافية: أن الجناية حصلت على غير مالكه، وفي الاعتبار فائدة. وهو دفع العبد إليه بالجناية فتعتبر، ثم إن شاء الراهن والمرتهن أبطلا الرهن ودفعاه بالجناية إلى المرتهن. وإن قال المرتهن: لا أطلب الجناية فهو رهن على حاله. ولو أن هذه الجناية لو اعتبرناها للمرتهن كان عليه التطهير من الجناية؛ لأنها حصلت في ضمانه، فلا يفيد وجوب الضمان له مع وجوب التخليص عليه وجنايته على مال المرتهن لا تعتبر بالاتفاق إذا كانت قيمته والدين سواء؛ لأنه لا فائدة في اعتبارها؛ لأنه لا يتملك العبد وهو الفائدة.   [البناية] أي جنايته. م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (في الخلافية) ش: أي في المسألة الخلافية م: (أن الجناية حصلت على غير مالكه) ش: لأن العبد في الحال ملك المغصوب منه وقد جنى غير المالك فيعتبر م: (وفي الاعتبار فائدة) ش: جواب عما يقال إن ماليته تحتبسه بدينه فلا فائدة في إيجاب الضمان، وتقرير الجواب أن في الاعتبار فائدة م: (وهو دفع العبد إليه بالجناية) ش: أي المرتهن م: (فتعتبر) ش: وإن كان يسقط حقه في الدين، فإن أبقاه رهنا وجعله بالدين لم يثبت له ملك العين، وربما يكون له غرض في ملك العين فيحصل له باعتبار الجناية، وإن لم يكن له غرض في ذلك تترك طلب الجناية ويستبقه رهنا كما كان. م: (ثم إن شاء الراهن والمرتهن أبطلا الرهن) ش: بالدفع، وهذا التفريع على قولهما م: (ودفعاه) ش: فيه تسامح؛ لأن المرتهن لا يدفع العبد إلى نفسه ومخلصه المشاكلة، فإنه وإن كان قابلا ذكره بلفظ الدافع لوقوعه في ضمنه، أو لتعليله سماه دافعا وبناه م: (بالجناية إلى المرتهن. وإن قال المرتهن: لا أطلب الجناية فهو رهن على حاله) . م: (ولو) ش: أي لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن هذه الجناية لو اعتبرناها للمرتهن كان عليه) ش: أي على المرتهن م: (التطهير من الجناية) ش: يعني هو مخاطب أيضا بالدفع أو الفداء م: (لأنها) ش: أي لأن الجناية م: (حصلت في ضمانه، فلا يفيد وجوب الضمان له مع وجوب التخليص عليه) ش: ولا فائدة فيه. م: (وجنايته) ش: أي وجناية الرهن م: (على مال المرتهن لا تعتبر بالاتفاق إذا كانت قيمته والدين سواء؛ لأنه لا فائدة في اعتبارها؛ لأنه لا يتملك العبد) ش: أي لا منفعة للمرتهن في اعتبار تلك الجناية، فإنه لا يستحق بها الملك، ولكن يستحق بالدين مالية العبد يباع فيه، وذلك يستحق له بدينه م: (وهو الفائدة) ش: أي تملك العبد هو الفائدة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 37 وإن كانت القيمة أكثر من الدين، فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر بقدر الأمانة؛ لأن الفضل ليس في ضمانه فأشبه جناية العبد الوديعة على المستودع. وعنه: أنها لا تعتبر؛ لأن حكم الرهن وهو الحبس فيه ثابت، فصار كالمضمون، وهذا بخلاف جناية الرهن على ابن الراهن أو ابن المرتهن؛ لأن الأملاك حقيقة متباينة، فصار كالجناية على الأجنبي. قال: ومن رهن عبدا يساوي ألفا بألف إلى أجل فنقص في السعر فرجعت قيمته إلى مائة ثم قتله رجل وغرم قيمته مائه ثم حل الأجل فإن المرتهن يقبض المائة قضاء عن حقه، ولا يرجع على الراهن بشيء. وأصله: أن النقصان من حيث السعر لا يوجب سقوط الدين عندنا خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -،   [البناية] م: (وإن كانت القيمة أكثر من الدين) ش: بأن كانت القيمة ألفين والدين ألفا م: (فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر بقدر الأمانة) ش: أي إن حكم الجناية يثبت في مقدار الأمانة م: (لأن الفضل ليس في ضمانه فأشبه جناية العبد الوديعة على المستودع) ش: فإن جنايته على المودع معتبرة. م: (وعنه) ش: أي وعن أبي حنيفة رواه عنه أبو يوسف: م: (أنها لا تعتبر) ش: أي أن حكم الجناية لا يعتبر م: (لأن حكم الرهن وهو الحبس فيه ثابت، فصار كالمضمون) ش: لأن مقدار الأمانة رهن في يده، فصار لمقدار المضمون م: (وهذا) ش: أي ما ذكرنا من كون الجناية على الراهن والمرتهن هدر. م: (بخلاف جناية الرهن على ابن الراهن أو ابن المرتهن) ش: فإنها معتبرة بالاتفاق م: (لأن الأملاك حقيقة متباينة) ش: أي بين الأب والابن م: (فصار) ش: أي حكم الجناية م: (كالجناية على الأجنبي) ش: وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يعتبر جنايته على ابن الراهن ولا على ابن المرتهن. [رهن عبدا يساوي ألفا بألف إلى أجل فنقص العبد في السعر] م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن رهن عبدا يساوي ألفا بألف إلى أجل فنقص) ش: أي العبد م: (في السعر فرجعت قيمته إلى مائة ثم قتله رجل وغرم قيمته مائة ثم حل الأجل فإن المرتهن يقبض المائة قضاء عن حقه، ولا يرجع على الراهن بشيء) ش: أي من تسع مائة. م: (وأصله) ش: أي أصل حكم هذه المسألة: م: (أن النقصان) ش: أي أن نقصان الرهن م: (من حيث السعر لا يوجب سقوط الدين) ش: يعني لا يذهب به شيء من الدين م: (عندنا) ش: وهنا ثلاث فصول: الأول: هو المذكور وفيه خلاف زفر، أشار إليه بقوله: م: (خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . الفصل الثاني: هو قوله: وإن أمره الراهن أن يبيعه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 38 هو يقول: إن المالية قد انتقصت فأشبه انتقاص العين. ولنا: أن نقصان السعر عبارة عن فتور رغبات الناس وذلك لا يعتبر في البيع، حتى لا يثبت به الخيار، ولا في الغصب حتى لا يجب الضمان، بخلاف نقصان العين؛ لأن بفوات جزء منه يتقرر الاستيفاء فيه، إذ اليد يد الاستيفاء، وإذا لم يسقط شيء من الدين بنقصان السعر بقي مرهونا بكل الدين، فإذا قتله حر غرم قيمته مائة؛ لأنه تعتبر قيمته يوم الإتلاف في ضمان الإتلاف؛ لأن الجابر بقدر الفائت وأخذه المرتهن؛ لأنه بدل المالية في حق المستحق. وإن كان مقابلا بالدم على أصلنا، حتى لا يزداد على دية الحر؛ لأن المولى استحقه بسبب المالية وحق المرتهن متعلق بالمالية، فكذا فيما قام مقامه، ثم لا يرجع على الراهن بشيء: لأن يد الرهن يد الاستيفاء من الابتداء وبالهلاك يتقرر،   [البناية] والفصل الثالث: هو قوله: وهو ما إذا قتله عبد قيمته مائة، وفيه خلاف على ما يأتي إن شاء الله تعالى خلافا لزفر م: (هو) ش: أي زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يقول إن المالية قد انتقصت فأشبه انتقاص العين) ش: فإذا انتقص من عينه شيء ذهب قسطه من الدين اتفاقا. م: (ولنا: أن نقصان السعر عبارة عن فتور رغبات الناس، وذلك لا يعتبر في البيع حتى لا يثبت به الخيار، ولا في الغصب حتى لا يجب الضمان) ش: ونقصان السعر لا تعلق له بالرهن؛ لأن ذلك شيء يحدث في قلوب العباد بقلة الرغبات، وتحدث زيادة السعر بكثرة الرغبات، ولهذا لم يعتبر نقصان السعر في المبيع إذا انتقض قبل قبض المشتري، حتى لا يكون له خيار الرد وكذلك لا يعتبر في الغصب أيضا حتى إذا رده الغاصب إلى المالك لا يضمن نقصان السعر. م: (بخلاف نقصان العين؛ لأن بفوات جزء منه يتقرر الاستيفاء فيه، إذ اليد يد الاستيفاء، وإذا لم يسقط شيء من الدين بنقصان السعر بقي) ش: أي العبد م: (مرهونا بكل الدين، فإذا قتله حر غرم قيمته مائة؛ لأنه تعتبر قيمته يوم الإتلاف في ضمان الإتلاف؛ لأن الجابر بقدر الفائت وأخذه المرتهن؛ لأنه بدل المالية) ش: أي لأن حقه متعلق بمالية الرهن م: (في حق المستحق) ش: أي المرتهن. م: (وإن كان مقابلا بالدم على أصلنا) ش: أي وإن كان البدل مقابلا بالدم، وأوضح ذلك بقوله: م: (حتى لا يزداد) ش: أي البدل م: (على دية الحر) ش: لأنه إذا زيد ينتفي المقابلة م: (لأن المولى استحقه بسبب المالية) ش: هذا دليل قوله: لأنه بدل المالية في حق المستحق. م: (وحق المرتهن متعلق بالمالية، فكذا فيما قام مقامه) ش: أي فكذا يتعلق حقه فيما يقوم مقام حقه بالمالية، حتى لا يرجع على الراهن بشيء من التسعمائة، وهو معنى قوله: م: (ثم لا يرجع على الراهن بشيء) ش: أي بشيء زائد على المالية م: (لأن يد الرهن يد الاستيفاء من الابتداء) ش: أي من أول الأمر م: (وبالهلاك يتقرر) ش: أي وبهلاك الرهن يتقرر أن الاستيفاء من الابتداء، الجزء: 13 ¦ الصفحة: 39 وقيمته كانت في الابتداء ألفا فيصير مستوفيا للكل من الابتداء. أو نقول: لا يمكن أن يجعل مستوفيا الألف بمائة؛ لأنه يؤدي إلى الربا، فيصير مستوفيا المائة وبقي تسعمائة في العين، فإذا هلك يصير مستوفيا تسعمائة بالهلاك، بخلاف ما إذا مات من غير قتل أحد؛ لأنه يصير مستوفيا الكل بالعبد؛ لأنه لا يؤدي إلى الربا. قال: وإن كان أمره الراهن أن يبيعه فباعه بمائة وقبض المائة قضاء من حقه فيرجع بتسعمائة؛ لأنه لما باعه بإذن الراهن صار كأن الراهن استرده وباعه بنفسه. ولو كان كذلك يبطل الرهن ويبقى الدين إلا بقدر ما استوفى، وكذا هذا. قال: وإن قتله عبد قيمته مائة فدفع مكانه أفتكه بجميع الدين، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو بالخيار إن شاء أفتكه بجميع الدين، وإن   [البناية] أي من أول الأمر م: (وقيمته كانت في الابتداء ألفا فيصير) ش: أي المرتهن م: (مستوفيا للكل من الابتداء) ش: أي من الرهن فلا يأخذ شيئا غير المالية. م: (أو نقول) ش: هذا دليل آخر م: (لا يمكن أن يجعل) ش: أي المرتهن م: (مستوفيا الألف بمائة؛ لأنه يؤدي إلى الربا، فيصير مستوفيا المائة وبقي تسعمائة في العين) ش: أي في عين الرهن قبل الهلاك م: (فإذا هلك) ش: أي الباقي وهو التسعمائة م: (يصير) ش: أي المرتهن م: (مستوفيا تسعمائة بالهلاك) ش: لأن بالهلاك يصير مساويا ويسقط بقية الدين. م: (بخلاف ما إذا مات) ش: أي العبد المرهون م: (من غير قتل أحد؛ لأنه) ش: أي لأن المرتهن م: (يصير مستوفيا الكل) ش: أي كل الدين م: (بالعبد) ش: أي الناقص في السعر م: (لأنه لا يؤدي إلى الربا) ش: لأنه لا يتحقق الربا من العبد والدين. م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن كان أمره الراهن أن يبيعه) ش: أي إذا أمر الراهن المرتهن ببيع العبد الرهن المذكور م: فباعه بمائة وقبض المائة قضاء من حقه) ش: أي لأجل القضاء من حقه، أي الدين. م: (فيرجع بتسعمائة؛ لأنه لما باعه) ش: أي لأن المرتهن لما باع العبد م: (بإذن الراهن صار كأن الراهن استرده) ش: أي العبد م: (وباعه بنفسه. ولو كان كذلك يبطل الرهن ويبقى الدين إلا بقدر ما استوفى، وكذا هذا) ش: وفي بعض النسخ: كذلك هذا. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن قتله عبد) ش: أي فإن قتل العبد المرهون الذي كان يساوي ألفا بألف في ابتداء الرهن ثم نقص سعره فرجعت قيمته إلى مائة فقتله عبد مثله م: (قيمته مائة فدفع) ش: السيد م: (مكانه أفتكه) ش: أي الراهن م: (بجميع الدين) ش: من غير خيار م: (وهذا) ش: أي هذا الحكم م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو بالخيار) ش: أي الراهن مخير م: (إن شاء أفتكه بجميع الدين، وإن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 40 سلم العبد المدفوع إلى المرتهن بماله. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصير رهنا بمائة، له: أن يد الراهن يد استيفاء وقد تقرر بالهلاك، إلا أنه أخلف بدلا بقدر العشر فبقي الدين بقدره. ولأصحابنا على زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن العبد الثاني قائم مقام الأول لحما ودما. ولو كان الأول قائما وانتقص السعر لا يسقط شيء من الدين عندنا لما ذكرنا، فكذلك إذا قام المدفوع مكانه. ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الخيار: أن المرهون تغير في ضمان المرتهن فيخير الراهن كالمبيع إذا قتل قبل القبض، والمغصوب إذا قتل في يد الغاصب يخير المشتري والمغصوب منه، كذا هذا. ولهما: أن التغير لم يظهر في نفس العبد لقيام الثاني مقام الأول لحما ودما كما ذكرناه مع زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -،   [البناية] شاء سلم العبد المدفوع إلى المرتهن بماله. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصير رهنا بمائة) ش: ويفتكه بمائة ويسقط تسعة أعشار الدين م: (له) ش: أي لزفر م: (أن يد الراهن يد استيفاء وقد تقرر بالهلاك) ش: أي قد تقرر الاستيفاء بهلاك الرهن وهو العبد المقتول م: (إلا أنه) ش: أي أن العبد المقتول م: (أخلف بدلا بقدر العشر فبقي الدين بقدره) ش: أي بقدر عشر الدين. م: (ولأصحابنا على زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن العبد الثاني قائم مقام الأول) ش: أي مقام العبد الأول م: (لحما ودما) ش: يعني صورة ومعنى، أما صورة: فظاهر، وأما معنى: فلأن القاتل كالمقتول في الآدمية، والشرع اعتبره حراما من حيث الآدمية دون المالية، ألا ترى إلى استوائهما في حق القصاص، فكذا في الرفع أيضا. م: (ولو كان الأول قائما وانتقص السعر لا يسقط شيء من الدين عندنا لما ذكرنا) ش: أشار إلى قوله أن نقصان السعر عبارة عن فتور رغبات الناس إلى آخره، م: (فكذلك إذا قام المدفوع) ش: أي العبد المدفوع م: (مكانه) ش: أي مكان العبد الأول. م: (ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الخيار: أن المرهون تغير في ضمان المرتهن) ش: لأنه غيره في الحقيقة والتغير لا بد من أن يوجب الخيار، فإذا كان كذلك م: (فيخير الراهن كالمبيع) ش: أي في العبد المبيع م: (إذا قتل قبل القبض) ش: فدفع به العبد القاتل مكانه. م: (والمغصوب) ش: أي وكان المغصوب م: (إذا قتل في يد الغاصب) ش: يعني إذا غصب عبدا قيمته ألف فقتله عبد قيمته مائة فدفع م: (يخير المشتري) ش: في مسألة البيع م: (والمغصوب منه) ش: في مسألة الغصب والمشتري يتخير بين أن يأخذ المدفوع وبين أن يفسخ البيع لتغير المبيع، وإن شاء أخذ المدفوع مكانه، م: (كذا هذا) ش: أي أن يخير الراهن في مسألة الرهن إذا تغير في ضمان المرتهن. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: م: (أن التغير لم يظهر في نفس العبد لقيام الثاني مقام الأول لحما ودما كما ذكرناه، مع زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فلو كان الأول الجزء: 13 ¦ الصفحة: 41 وعين الرهن أمانة عندنا، فلا يجوز تمليكه منه بغير رضاه؛ ولأن جعل الرهن بالدين حكم جاهلي وأنه منسوخ، بخلاف البيع لأن الخيار فيه حكمه الفسخ، وهو مشروع، وبخلاف الغصب؛ لأن تملكه بأداء الضمان مشروع، ولو كان العبد تراجع سعره حتى صار يساوي مائة ثم قتله عبد يساوي مائة فدفع به فهو على هذا الخلاف. وإذا قتل العبد الرهن قتيلا خطأ فضمان الجناية على المرتهن وليس له أن يدفع؛ لأنه لا يملك التمليك. قال: ولو فدى طهر المحل فبقي الدين على حاله، ولا يرجع على الراهن بشيء   [البناية] قائما وتراجع سعره لم يكن له خيار كذلك هنا م: (وعين الرهن أمانة عندنا) ش: كما مر في أول كتاب الرهن، م: (فلا يجوز تمليكه منه بغير رضاه) ش: أي بغير رضا المرتهن. م: (ولأن جعل الرهن بالدين حكم جاهلي) ش: رواه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله «لا يغلق الرهن» م: (وأنه منسوخ) ش: أي الشرع نسخ ذلك، فلا يجوز المصير إليه م: (بخلاف البيع) ش: هذا جواب عن قياس محمد بالبيع، بيانه: أن القياس بالبيع في الخيار لا يصح م: (لأن الخيار فيه حكمه الفسخ، وهو مشروع، وبخلاف الغصب؛ لأن تملكه بأداء الضمان مشروع) ش: بخلاف ما نحن فيه. م: (ولو كان العبد تراجع سعره حتى صار يساوي مائة ثم قتله عبد يساوي مائة فدفع به فهو على هذا الخلاف) ش: وقال الأترازي: هذا تكرار لا محالة؛ لأن وضع المسألة في الفصل الثالث، وهو قوله فإن قتله عبد قيمته مائة فدفع مكانه أفتكه بجميع الدين، فلا حاجة بعد ذلك بعينه فهو على الخلاف. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيل في بعض الشروح: هذا تكرار لا محالة. قلت: أراد به الأترازي، ثم ذكر قوله لما ذكرنا إلى قوله فهو على الخلاف، ثم قال: وكذلك قال صاحب " النهاية " جعل الصورة الثالثة فيما إذا تراجع السعر، لكنه لم يتعرض لوقوع التكرار، وهو لازم عليه أيضا، وفي ذلك سوء ظن بمثل صاحب " الهداية " الذي جاز قصبات السبق في التحقيق، وإنما الصورة الثالثة: في غير تراجع السعر كما ذكرنا، وهذه المسألة في صورة التراجع ولا تكرار به. [قتل العبد الرهن قتيلا خطأ] م: (وإذا قتل العبد الرهن قتيلا خطأ فضمان الجناية على المرتهن) ش: لأن العبد كله في ضمانه ودينه مستغرق لرقبته؛ لأن المسألة فيما إذا كانت قيمته والدين سواء لأن قيمته لو كانت أكثر من الدين بعدها م: (وليس له أن يدفع) ش: أي وليس للمرتهن دفع العبد م: (لأنه) ش: أي لأن الرهن م: (لا يملك التمليك) ش: لأن الدفع تمليك الرقبة وهو لا يملك تمليكها. م: (قال: ولو فدى) ش: أي لو فدى المرتهن م: (طهر المحل) ش: بالطاء المهملة، أي طهر العبد عن الجناية م: (فبقي الدين) ش: في الرهن م: (على حاله، ولا يرجع على الراهن بشيء من الجزء: 13 ¦ الصفحة: 42 من الفداء؛ لأن الجناية حصلت في ضمانه، فكان عليه إصلاحها. قال: ولو أبى المرتهن أن يفدي قيل للراهن ادفع العبد أو افده بالدية؛ لأن الملك في الرقبة قائم له، وإنما أبى المرتهن الفداء لقيام حقه. قال: فإذا امتنع عن الفداء يطالب الراهن بحكم الجناية، ومن حكمها التخيير بين الدفع والفداء. فإن اختار الدفع سقط الدين؛ لأنه استحق المعنى في ضمان المرتهن، فصار كالهلاك. قال: وكذلك إن فدى لأن العبد كالحاصل له بعوض كان على المرتهن وهو الفداء. بخلاف ولد الرهن إذا قتل إنسانا أو استهلك مالا حيث يخاطب الراهن بالدفع أو الفداء في الابتداء؛ لأنه غير مضمون على المرتهن، فإن دفع خرج من الرهن ولم يسقط شيء من الدين، كما لو هلك في الابتداء، وإن فدى فهو رهن مع أمه على حالهما. قال: ولو استهلك العبد المرهون مالا يستغرق رقبته، فإذا أدى المرتهن الدين الذي لزم العبد فديته على حاله كما في الفداء، وإن أبى قيل للراهن: بعه في الدين إلا أن يختار أن يؤدى عنه،   [البناية] الفداء؛ لأن الجناية حصلت في ضمانه، فكان عليه إصلاحها. قال: ولو أبى المرتهن أن يفدي، قيل للراهن ادفع العبد أو افده بالدية؛ لأن الملك في الرقبة قائم له) ش: أي للراهن م: (وإنما أبى المرتهن الفداء لقيام حقه. قال: فإذا امتنع عن الفداء يطالب الراهن بحكم الجناية ومن حكمها) ش: أي من حكم الجناية م: (التخيير بين الدفع والفداء. قال: فإن اختار الدفع سقط الدين؛ لأنه) ش: أي لأن العبد م: (استحق المعنى) ش: وهو الجناية م: (في ضمان المرتهن، فصار كالهلاك) ش: أي كهلاك العبد، والجامع زوال ملك الراهن عن الرهن في ضمان المرتهن. م: (قال: وكذلك إن فدى) ش: أي وكذلك يقسط الدين إن فدى م: (لأن العبد كالحاصل له بعوض كان على المرتهن وهو الفداء) ش: يعني إذا كان على المرتهن دين وقد أداه الراهن وجب على المرتهن مثل ما أدى إلى ولي الجناية، وللمرتهن على الراهن دين فالتقيا قصاصا فيسلم الرهن للراهن. ولا يكون متبرعا في أداء الفداء، لا أنه يسعى في تخليص ملكه كعير الرهن. م: (بخلاف ولد الرهن إذا قتل إنسانا أو استهلك مالا حيث يخاطب الراهن بالدفع أو الفداء في الابتداء) ش: أي في أول الأمر م: (لأنه غير مضمون على المرتهن، فإن دفع) ش: أي الراهن إلى المرتهن م: (خرج من الرهن ولم يسقط شيء من الدين، كما لو هلك في الابتداء) ش: أي في أول الأمر هلك بدون الجناية يخرج من الرهن ولم يسقط شيء من الدين م: (وإن فدى) ش: أي الراهن م: (فهو) ش: أي الابن م: (رهن مع أمه على حالهما) ش: تبعا لها. م: (قال: ولو استهلك العبد المرهون مالا يستغرق رقبته، فإذا أدى المرتهن الدين الذي لزم العبد فديته على حاله كما في الفداء) ش: أي كما ينبغي الدين على حاله إذا فداه م: (وإن أبى) ش: أي المرتهن م: (قيل للراهن بعه) ش: أي العبد م: (في الدين إلا أن يختار أن يؤدى عنه) ش: الدين م: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 43 فإن أدى بطل دين المرتهن كما ذكرنا في الفداء. قال: وإن لم يؤد وبيع العبد فيه يأخذ صاحب دين العبد دينه؛ لأن دين العبد مقدم على دين المرتهن وحق ولي الجناية لتقدمه على حق المولى.   [البناية] (فإن أدى بطل دين المرتهن) ش: على الراهن م: (كما ذكرنا في الفداء) ش: وهو قوله: وكذلك إن فدى. م: (قال: وإن لم يؤد) ش: أي الراهن م: (وبيع العبد فيه) ش: أي في الدين م: (يأخذ صاحب دين العبد دينه؛ لأن دين العبد مقدم على دين المرتهن وحق ولي الجناية) ش: وعلى حق ولي الجناية أيضا، حتى لو جنى وعليه دين يدفع إلى ولي الجناية، ولفظه: وحق الجناية مجرور؛ لأنه عطف على دين المرتهن. وحاصل المعنى: دين العبد مقدم على حق ولي الجناية أيضا، حتى لو جنى وعليه دين يدفع إلى ولي الجناية ثم يباع للغرماء على ما يأتي في جناية المملوك في الديات، قاله الكاكي. وكذا قاله الأكمل وتاج الشريعة. وقال الأترازي: قوله: " وحق ولي الجناية " بالنصب أو بالرفع عطفا على لفظ " للدين ومحله "، معناه: أن دين العبد مقدم على دين المرتهن. وكذلك حق ولي الجناية أيضا مقدم على دين المرتهن؛ لأن كل واحد منهما مقدم على حق الولي فلأنه مقدم على حق المرتهن أولى. لأن حق المالك أقوى. ثم قال: وقال بعضهم في شرحه: قوله: " وحق ولي الجناية "، بالجر، أي دين العبد مقدم على دين المرتهن، ويقدم أيضا على حق ولي الجناية، حتى لو جنى وعليه دين يدفع إلى ولي الجناية. ثم يباع للغرماء فالقول هذا في غاية الضعف. لأن المسألة التي استشهد بها يدفع كلامه؛ لأنه قال: دين العبد مقدم على حق ولي الجناية وفي المسألة قدم حق ولي الجناية ثم رتب عليه حق الغرماء. فإنه مناقضة لا محالة. قلت أراد بقوله: " وقال وبعضهم " في " شرح الكاكي ": كما ذكر كلامه في إعراب وحق غير موجه يعرف بالتأمل. وأما اعتراضه عليه في المسألة المستشهد بها فلا وجه لأنه يجيء. م: (لتقدمه على حق المولى) ش: أي لتقدم كل واحد منها من دين العبد ومن حق ولي الجناية على حق المولى، كذا فسره الأترازي، وقال الكاكي: أي لتقدم حق العبد على حق المولى يكون مقدما على حق من يقوم مقامه وهو المرتهن وولي الجناية؛ لأن المرتهن يقوم مقام الولي في المالية وولي الجناية مقام الولي في ملك العين. وكذا فسره الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والفرق بين التفسيرين بحسب تفسيرهم قوله: " وحق الجناية ". الجزء: 13 ¦ الصفحة: 44 قال: فإن فضل شيء ودين غريم العبد مثل دين المرتهن أو أكثر فالفضل للراهن وبطل دين المرتهن لأن الرقبة استحقت لمعنى هو في ضمان المرتهن فأشبه الهلاك. قال: وإن كان دين العبد أقل سقط من دين المرتهن بقدر دين العبد وما فضل من دين العبد يبقى رهنا كما كان. ثم إن كان دين المرتهن قد حل أخذه به لأنه من جنس حقه. وإن كان لم يحل أمسكه حتى يحل. وإن كان ثمن العبد لا يفي بدين الغريم أخذ الثمن ولم يرجع بما بقي على أحد حتى يعتق العبد؛ لأن الحق في دين الاستهلاك يتعلق برقبته، وقد استوفيت فيتأخر إلى ما بعد العتق. قال: ثم إذا أدى بعده لا يرجع على أحد؛ لأنه وجب عليه بفعله. قال: وإن كانت قيمة العبد ألفين وهو رهن بألف وقد جنى العبد، يقال لهما: افدياه: لأن النصف منه مضمون، والنصف أمانة، والفداء في المضمون على المرتهن. وفي الأمانة على الراهن،   [البناية] م: (قال: فإن فضل شيء) ش: أي من ثمن العبد الذي بيع م: (ودين غريم العبد) ش: الواو فيه للحال م: (مثل دين المرتهن أو أكثر فالفضل للراهن وبطل دين المرتهن؛ لأن الرقبة استحقت لمعنى هو في ضمان المرتهن فأشبه الهلاك) ش: أي هلاك العبد حيث يبطل دين المرتهن به. م: (قال: وإن كان دين العبد أقل) ش: من دين المرتهن م: (سقط من دين المرتهن بقدر دين العبد) ش: لأن ذلك استحق بسبب كان في يد المرتهن م: (وما فضل من دين العبد يبقى رهنا كما كان) ش: رهنا أو لا. م: (ثم إن كان دين المرتهن قد حل أخذه به) ش: أي بدينه م: (لأنه من جنس حقه) ش: فلا معنى لحسن الدرهم بالدرهم فيستوفيه م: (قال: وإن كان) ش: أي دينه م: (لم يحل أمسكه) ش: أي أمسك الباقي م: (حتى يحل) ش: دينه م: (وإن كان ثمن العبد لا يفي بدين الغريم أخذ الثمن ولم يرجع بما بقي) ش: من دينه م: (على أحد حتى يعتق العبد) ش: فإذا أعتق رجع عليه م: (لأن الحق في دين الاستهلاك يتعلق برقبته وقد استوفيت) ش: أي الرقبة قد استحقت بسبب كان في يده م: (فيتأخر) ش: أي الدين الباقي م: (إلى ما بعد العتق. قال: ثم إذا أدى بعده) ش: أي ثم إذا أدى العبد الباقي بعد العتق م: (ولا يرجع) ش: أي العبد م: (على أحد) ش: بما أدى م: (لأنه وجب عليه بفعله) ش: لأن الباقي وجب عليه بفعل نفسه. م: (قال: وإن كان قيمة العبد ألفين وهو) ش: أي العبد م: (رهن بألف وقد جنى العبد) ش: جناية على النفس م: (يقال لهما) ش: أي للراهن والمرتهن م: (افدياه؛ لأن النصف منه مضمون، والنصف أمانة، والفداء في المضمون على المرتهن. وفي الأمانة على الراهن) ش: لأن النصف الجناية في الأمانة يلزم المالك للرقبة كما يلزم المودع وحكمها في المضمون يتعلق بالراهن، فلذلك قيل لهما: افديا فديا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 45 فإن أجمعا على الدفع دفعاه وبطل دين المرتهن والدفع لا يجوز في الحقيقة من المرتهن لما بينا، وإنما منه الرضا به. قال: فإن تشاحا فالقول لمن قال: أنا أفدي راهنا كان أو مرتهنا. أما المرتهن فلأنه ليس في الفداء إبطال حق الراهن، وفي الدفع الذي يختاره الراهن إبطال حق المرتهن، وكذا في جناية ولد الرهن إذا قال المرتهن: أنا أفدي له ذلك وإن كان المالك يختار الدفع؛ لأنه إن لم يكن مضمونا فهو محبوس بدينه وله في الفداء غرض صحيح ولا ضرر على الراهن، فكان له أن يفدي. وأما الراهن فلأنه ليس للمرتهن ولاية الدفع لما بينا، فكيف يختاره. قال: ويكون المرتهن في الفداء متطوعا في حصة الأمانة، حتى لا يرجع على الراهن؛ لأنه يمكنه أن لا يختاره فيخاطب الراهن   [البناية] م: (فإن أجمعا على الدفع دفعاه) ش: ولفظ " دفعاه " يجوز؛ لأنه لدفع تمليك لا بملك المرتهن ذلك، وإنما معنى أن المرتهن رضي بالدفع حين امتنع من الفداء فدفع إلى الراهن وأضاف الدفع إليهما؛ لأنه تم باختيارهما، وإن لم يقم بفعله كذا ذكر القدوري في " شرحه "، م: (وبطل دين المرتهن والدفع لا يجور في الحقيقة من المرتهن لما بينا) ش: إشارة إلى قوله لأنه يملك التمليك. وفي بعض النسخ: لما ذكرنا م: (وإنما منه الرضا به) ش: أي من المرتهن الرضا بالدفع وقد ذكرنا هذا من شرح القدوري آنفا. م: (قال: فإن تشاحا) ش: أي الراهن والمرتهن فقال المرتهن أنا أفدي، وقال الراهن أنا أدفع م: (فالقول لمن قال أنا أفدي راهنا كان أو مرتهنا. أما المرتهن فلأنه ليس في الفداء إبطال حق الراهن، وفي الدفع الذي يختاره الراهن إبطال حق المرتهن، وكذا في جناية ولد الرهن) ش: أي وكذا الحكم في جناية ولد الرهن م: (إذا قال المرتهن: أنا أفدي له ذلك وإن كان المالك يختار الدفع) ش: كلمة " إن " واصلة بما قبلها م: (لأنه) ش: أي لأن الولد م: (إن لم يكن مضمونا فهو محبوس بدينه) ش: أي بدين المرتهن، أي وللمرتهن م: (وله في الفداء غرض صحيح) ش: وهو أن يكون الولد رهنا كأصله، وكذا قاله شيخي العلاء. وقال تاج الشريعة: عوض صحيح، أي حبس الرقبة لجانب الاستيفاء. م: (ولا ضرر على الراهن) ش: لأن المرتهن لم يرجع عليه بشيء م: (فكان له أن يفدي. وأما الراهن فلأنه ليس للمرتهن ولاية الدفع لما بينا) ش: يعني به أن الرقبة ليست له، فكيف يملكها من غيره وهو معنى قوله م: (فكيف يختاره. قال: ويكون المرتهن في الفداء متطوعا في حصة الأمانة حتى لا يرجع على الراهن) ش: يعني إن كان الذي يختار الفداء هو المرتهن كان متطوعا في حصة الأمانة؛ لأن اختار مع تمكينه من الامتناع لحصول الراهن، فكان كالأجنبي م: (لأنه) ش: أي لأن المرتهن م: (يمكنه أن لا يختاره) ش: أي الفداء م: (فيخاطب الراهن) ش: لأنه بعدما التزم الجزء: 13 ¦ الصفحة: 46 فلما التزمه والحالة هذه كان متبرعا، وهذا على ما روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يرجع مع الحضور، وسنبين القولين إن شاء الله تعالى. قال: ولو أبى المرتهن أن يفدي وفداه الراهن، فإنه يجب على المرتهن نصف الفداء من دينه؛ لأن سقوط الدين أمر لازم فدى أو دفع فلم يجعل الراهن في الفداء متطوعا، ثم ينظر إن كان نصف الفداء مثل الدين أو أكثر بطل الدين، وإن كان أقل سقط من الدين بقدر نصف الفداء، وكان العبد رهنا بما بقي؛ لأن الفداء في النصف كان عليه، فإذا أداه الراهن وهو ليس بمتطوع كان له الرجوع عليه، فيصير قصاصا بدينه كأنه أوفى نصفه، فيبقى العبد رهنا بما بقي. قال: ولو كان المرتهن فدى والراهن حاضر فهو متطوع، وإن كان غائبا لم يكن متطوعا، وهذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف ومحمد والحسن وزفر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: المرتهن متطوع في الوجهين؛ لأنه فدى ملك غيره بغير أمره، فأشبه الأجنبي.   [البناية] المرتهن الفداء لا يتمكن الراهن من الدفع، فتغير الفداء يخاطب به م: (فلما التزمه والحالة هذه كان متبرعا) ش: أي فلما التزم الفداء المرتهن مع تمكينه الفداء يكون متبرعا. م: (وهذا) ش: أي المذكور م: (على ما روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه) ش: أي أن المرتهن م: (لا يرجع مع الحضور) ش: أي مع حضور الراهن أو كان غائبا م: (وسنبين القولين إن شاء الله تعالى) ش: والقولان وهما قول أبي حنيفة وقول مخالفيه؛ لأنه المذكور بعد هذا، فافهم، أي بعد هذا بخطوط عند قوله م: (قال: ولو أبى المرتهن أن يفدي وفداه الراهن) ش: حاضر، ولو أبى المرتهن أن يفدي وفداه الراهن م: (فإنه يجب المرتهن نصف الفداء من دينه؛ لأن سقوط الدين أمر لازم فدى أو دفع فلم يجعل الراهن في الفداء متطوعا، ثم ينظر إن كان نصف الفداء مثل الدين أو أكثر بطل الدين) ش: يعني أن موجب الجناية الدفع أو الفداء أو على التقديرين. م: (وإن كان أقل سقط من الدين بقدر نصف الفداء، وكان العبد رهنا بما بقي؛ لأن الفداء في النصف كان عليه، فإذا أداه الراهن وهو ليس بمتطوع كان له الرجوع عليه، فيصير قصاصا بدينه كأنه أوفى نصفه، فيبقى العبد رهنا بما بقي. قال: ولو كان المرتهن فدى والراهن حاضر فهو متطوع، وإن كان غائبا) ش: أي غيبته منقطعة، ذكره في " الأسرار " م: (لم يكن متطوعا، وهذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف ومحمد والحسن وزفر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: المرتهن متطوع في الوجهين) ش: أي الحضور والغيبة. وبه قالت الأئمة الثلاثة. وروي عن أبي حنيفة عكس هذا، وهو: الراهن إذا كان حاضرا لا يكون متطوعا، وإن كان غائبا يكون متطوعا م: (لأنه فدى ملك غيره بغير أمره فأشبه الأجنبي) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 47 وله: أنه إذا كان الراهن حاضرا أمكنه مخاطبته، فإذا أفداه المرتهن فقد تبرع كالأجنبي، فأما إذا كان الراهن غائبا تعذر مخاطبته، والمرتهن يحتاج إلى إصلاح المضمون، ولا يمكنه ذلك إلا بإصلاح الأمانة فلا يكون متبرعا. قال: وإذا مات الراهن باع وصية الرهن وقضى الدين؛ لأن الوصي قائم مقامه. ولو تولى الموصي حيا بنفسه كان له ولاية البيع بإذن المرتهن، فكذا الوصية. قال: وإن لم يكن له وصي نصب القاضي له وصيا وأمره ببيعه؛ لأن القاضي نصب ناظرا لحقوق المسلمين إذا عجزوا عن النظر لأنفسهم، والنظر في نصب الوصي ليؤدي ما عليه لغيره ويستوفي ماله من غيره. قال: وإن كان على الميت دين فرهن الوصي بعض التركة عند غريم من غرمائه لم يجز وللآخرين أن يردوه؛ لأنه آثر بعض الغرماء بالإيفاء الحكمي   [البناية] م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة: م: (أنه إذا كان الراهن حاضرا أمكنه مخاطبته، فإذا أفداه المرتهن فقد تبرع كالأجنبي، فأما إذا كان الراهن غائبا تعذر مخاطبته، والمرتهن يحتاج إلى إصلاح المضمون) ش: وهو تظهير الرهن عند الجناية م: (ولا يمكنه ذلك إلا بإصلاح الأمانة) ش: لأن الفداء للمرتهن لا يجزئ لكونه غائبا م: (فلا يكون متبرعا) . م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا مات الراهن باع وصية الرهن وقضى الدين؛ لأن الوصي قائم مقامه. ولو تولى الموصي حيا) ش: أي حال كونه حيا م: (بنفسه كان له ولاية البيع بإذن المرتهن، فكذا الوصية) ش: أي البيع بإذن المرتهن وبلا إذنه لا يجوز؛ لأنه ولاء للوصي. م: (قال: وإن لم يكن له) ش: أي للراهن الميت م: (وصي نصب القاضي له وصيا وأمره ببيعه؛ لأن القاضي نصب ناظرا لحقوق المسلمين إذا عجزوا عن النظر لأنفسهم، والنظر في نصب الوصي ليؤدي ما عليه لغيره ويستوفي ماله من غيره. قال: وإن كان على الميت دين فرهن الوصي بعض التركة عند غريم من غرمائه لم يجز للآخرين) ش: أي ولبقية الغرماء م: (أن يردوه؛ لأنه) ش: أي لأن الولي م: (آثر) ش: أي اختار م: (بعض الغرماء بالإيفاء الحكمي) ش: يعني أن موجب عقد الرهن ثبوت يد الاستيفاء للمرتهن. وليس للوصي أن يخص بعض الغرماء بذلك، كذا قال تاج الشريعة. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": لأن في الرهن معنى إيفاء الدين من وجه على وجه طلب الحقيقة عند الهلاك، والوصي لا يكون بحل من إيفاء حق بعض الغرماء دون البعض لتعلق حقهم على السواء في التركة، إلا إذا قضى ديونهم قبل أن يردوه كما في الإيفاء الحقيقي. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 48 فأشبه الإيثار بالإيفاء الحقيقي. قال: فإن قضى دينهم قبل أن يردوه جاز؛ لزوال المانع بوصول حقهم إليهم. قال: ولو لم يكن للميت غريم آخر جاز الرهن اعتبارا بالإيفاء الحقيقي. قال: وبيع في دينه؛ لأنه يباع فيه قبل الرهن فكذا بعده. قال: وإذا ارتهن الوصي بدين الميت على رجل جاز؛ لأنه استيفاء وهو يملكه، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وفي رهن الوصي تفصيلات نذكرها في كتاب الوصايا إن شاء الله تعالى.   [البناية] وهذا الشرح لكلام المصنف قوله: م: (فأشبه الإيثار بالإيفاء الحقيقي) ش: فلا يجوز. م: (قال: فإن قضى) ش: أي الوصي م: (دينهم) ش: أي دين الغرماء م: (قبل أن يردوه جاز لزوال المانع) ش: وهو إيثارهم بالإيفاء الحكمي م: (بوصول حقهم إليهم. قال: ولو لم يكن للميت غريم آخر) ش: غير الغرماء المذكورين م: (جاز الرهن اعتبارا بالإيفاء الحقيقي. قال: وبيع في دينه؛ لأنه يباع فيه قبل الرهن فكذا بعده) ش: لأنه لا مزاحم له. م: (قال: وإذا ارتهن الوصي بدين للميت على رجل جاز؛ لأنه استيفاء) ش: أي لأن ارتهان الوصي من باب استيفاء الحقوق م: (وهو يملكه) ش: أي الوصي بملك الاستيفاء؛ لأنه نصب لاستيفاء الحقوق وإيفائها. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف: م: (في رهن الوصي تفصيلات، نذكرها في كتاب الوصايا إن شاء الله تعالى) ش: قال الأترازي: هذه حوالة غير رائجة؛ لأن رهن الوصي لم يذكره في كتاب الوصايا فضلا عن تفصيلاته، ثم طول الكلام فيه، وملخصه: أن الورثة إذا كانوا كلهم كبارا حضورا لا يجوز، وإن كانوا صغارا وكبارا إن كان الكبار حضورا ملك بدين على الميت في قول أبي حنيفة، وعندهما: لا يصح وإن كان بدين استدانه عليهم أو على الصغار: لم يصح في حق الكل بالإجماع، سواء كان الكبار حضورا أو غيبا. وإن كان بدين على الميت فلا يكون النظر واقعا للميت، بل يقع للوارث فلا يستقيم إثبات الولاية على غيره بتقدير النظر في حقه، ولو كان الرهن بدين استدانه في بقية الرقيق فالجواب فيه كالجواب فيما إذا كان الرهن بدين على الميت. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 49 فصل قال: ومن رهن عصيرا بعشرة قيمته عشرة فتخمر، ثم صار خلا يساوي عشرة فهو رهن بعشرة؛ لأن ما يكون محلا للبيع يكون محلا للرهن، إذ المحلية بالمالية فيهما، والخمر وإن لم يكن محلا للبيع ابتداء فهو محل له بقاء، حتى إن من اشترى عصيرا فتخمر قبل القبض يبقى العقد، إلا أنه يتخير في البيع لتغير وصف المبيع بمنزلة ما إذا تعيب.   [البناية] [فصل في بيان المسائل المتفرقة في كتاب الرهن] [رهن عصيرا بعشرة قيمته عشرة فتخمر ثم صار خلا يساوي عشرة] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان المسائل المتفرقة التي نذكرها في أواخر الكتب. م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن رهن عصيرا بعشرة قيمته عشرة فتخمر) ش: أي صار خمرا م: (ثم صار خلا يساوي عشرة فهو رهن بعشرة) ش: لكن هذا إذا لم ينقص من مقداره بالتخمر، والغالب النقصان، فإذا انتقص سقط من الدين بقدره، وإذا انتقص سعره لا مقدار هلا يسقط شيء من الدين، ولكن الراهن يتخير، كما إذا انكسر القلب إن شاء أفتكه ناقصا بجميع الدين، وإن شاء ضمنه قيمته ويكون قيمته رهنا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وعند محمد: إن شاء أفتكه ناقصا، وإن شاء أفتكه بالدين، وإن لم ينقص قيمته لا يخير فيه، فيبقى رهنا كما كان؛ لأنه لا ضرر في الجبر على الفكاك م: (لأن ما يكون محلا للبيع يكون محلا للرهن، إذ المحلية بالمالية فيهما) ش: أي في البيع والرهن. م: (والخمر وإن لم يكن محلا للبيع ابتداء فهو محل له بقاء، حتى إن من اشترى عصيرا فتخمر قبل القبض يبقى العقد) ش: أي لا ينقض م: (إلا أنه) ش: أي أن المشتري م: (يتخير في البيع لتغير وصف المبيع بمنزلة ما إذا تعيب) ش: المبيع قبل القبض. والحاصل هنا: أن رهن العصير جائز لبيعه بلا خلاف، فإذا تخمر وهما مسلمان يفسد الرهن بلا خلاف، فإذا فسد فسد الرهن فللمرتهن أن يخللها وليس للراهن أن يبيعه بالاسترداد، فإن خللها المرتهن أو صارت خلا فقد عادت المالية ويعود حكم الرهن عندنا، وبه قال مالك. وعند الشافعي وأحمد: لا يجوز بالتخليل. ويعود بأن صارت خلا بنفسه. ولو كانا كافرين يبقى الرهن بتخمره لبقاء ماليته عندهما. ولو كان الراهن مسلما والمرتهن كافرا فتخمر يفسد الرهن. ولو كان الراهن كافرا والمرتهن مسلما فله أن يأخذ الرهن والدين على حاله. وليس للمسلم أن يخللها لبقاء المالية في حق الراهن. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 50 قال: ولو رهن شاة قيمتها عشرة بعشرة فماتت، فدبغ جلدها فصار يساوي درهما فهو رهن بدرهم؛ لأن الرهن يتقرر بالهلاك، فإذا حيي بعض المحل يعود حكمه بقدره، بخلاف ما إذا ماتت الشاة المبيعة قبل القبض فدبغ جلدها، حيث لا يعود البيع؛ لأن البيع ينتقض بالهلاك قبل القبض والمنتقض لا يعود. أما الرهن يتقرر بالهلاك على ما بيناه. ومن مشايخنا من يمنع مسألة البيع ويقول: يعود البيع. قال: ونماء الرهن للراهن وهو مثل الولد والثمر واللبن والصوف؛ لأنه متولد من ملكه، ويكون رهنا مع الأصل لأنه تبع له، والرهن حق لازم فيسري إليه. قال: فإن هلك يهلك بغير شيء   [البناية] م: (قال: ولو رهن شاة قيمتها عشرة بعشرة فماتت فدبغ جلدها فصار يساوي درهما فهو رهن بدرهم؛ لأن الرهن يتقرر بالهلاك) ش: لأن المرتهن يصير مستوفيا لهلاك وبالاستيفاء تأكد عقد الرهن. وقوله فهو رهن بدرهم معناه إن كانت قيمة الجلد يوم الرهن درهما. وأما إذا كانت قيمته يومئذ درهمين فهو رهن بدرهمين، ويعرف ذلك بأن ينظر إلى قيمة الشاة حية ومسلوخة، فإن كانت قيمتها حية عشرة، وقيمتها مسلوخة تسعه كانت قيمة الجلد يوم الارتهان درهما. وإن كانت قيمتها مسلوخة ثمانية كانت درهمين. م: (فإذا حيي بعض المحل) ش: بأن عادت المالية بالدباغ م: (يعود حكمه بقدره) ش: يعني يسقطه م: (بخلاف ما إذا ماتت الشاة المبيعة قبل القبض فدبغ جلدها حيث لا يعود البيع؛ لأن البيع ينتقض بالهلاك) ش: أي بهلاك المبيع م: (قبل القبض والمنتقض لا يعود. أما الرهن يتقرر بالهلاك على ما بيناه) ش: أشار به إلى قوله " لأن الرهن يتقرر بالهلاك " فيما مضى بسطرين. م: (ومن مشايخنا من يمنع مسألة البيع ويقول: يعود البيع) ش: كالرهن. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ونماء الرهن للراهن) ش: أي الزيادة الحاصلة في الرهن للراهن وقد بين المصنف ذلك بقوله: م: (وهو مثل الولد) ش: أي بأن كان الراهن أمة فولدت ولدا م: (والثمر) ش: بأن كان الرهن شجرا فظهرت فيه ثمرة م: (واللبن) ش: بأن كان الرهن حيوانا من ذوات الألبان م: (والصوف) ش: بأن كان الرهن غنما فنمى فيه صوف، أو جملا فنمى فيه وبر ونحو ذلك كله رهن مع الأصل م: (لأنه متولد من ملكه) ش: أي من ملك الراهن م: (ويكون رهنا مع الأصل؛ لأنه) ش: أي لأن المتولد م: (تبع له، والرهن حق لازم) ش: يعني مستنفر في العين م: (فيسري إليه) ش: أي فيسري التبع إلى الأصل. م: (قال: فإن هلك) ش: أي النماء م: (يهلك بغير شيء) ش: والرهن على حاله بجميع الدين. وفي " المحيط " و " المبسوط ": الأصل عندنا أن كل ما يتولد من عين الرهن كالوالد والتمر يسري حكم الرهن إليهم. وكذا كل ما كان بدل جزء منه وما كان بدل المنفعة أو به لا يتولد منه الجزء: 13 ¦ الصفحة: 51 لأن الأتباع لا قسط لها مما يقابل بالأصل؛ لأنها لم تدخل تحت العقد مقصودا، إذ اللفظ لا يتناولها.   [البناية] كالعلة، والكسب لا يسري حكم الرهن إليه، وبقولنا قال الثوري. وقال أحمد المتولد منه وما حدث منه بسبب حادث كالغلة والكسب يدخل الكل، وهو قول النخعي والشعبي. وقال مالك: يدخل الولد خاصة دون غيره. وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر: لا يدخل شيء في الرهن من النماء المنفصل ولا من الكسب لحق الجناية، حتى قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو رهنه ماشية مخاضا فنتجت فالنتاج خارج من الرهن، وخالف أبو ثور وابن المنذر. فإن قلت احتجوا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يغلق الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه» والنماء غنم فيكون من الراهن. قلت قد ذكرنا تأويله فيما مضى، لئن سلم فنقول به إن النماء ملكه، لكن حق المرتهن متعلق به وله حبسه، حتى يستوفي جميع حقه من الدين ولا سبيل للراهن عليه قبل ذلك، ولهذا قالت الفقهاء الأوصاف القارة في الأمهات تسري إلى الأولاد والرهن من الأوصاف القارة في الأمهات، فتسري إلى الأولاد. ولا يلزم على هذا الأصل ولد المغصوبة وولد المشاجرة وولد المنكوحة وولد الموصى بها بالخدمة وولد الجانية وولد التي تثبت حق الزكاة بعد الحول. وكذا ولد التي كفلت حيث لا تسري هذه الأحكام إلى الولد؛ لأن المراد من الأوصاف: الأوصاف الزانية في الأم لكونها بقيعة وحرة وقنة ومدبرة ومكاتبة ومرهونة لا الأوصاف التي تثبت في ذمتها كما في كفالة الحر ولا في ذمة مالك الأم كما في الزكاة وأن يكون الولد هنا لكان حكم ذلك الوصف كالمبيع والتحرير، والكتابة والتدبير والرهن، أما الولد لا يثبت فيه حكم الغصب عندنا، وكذا لا يقبل حكم الإجارة؛ لأن حكم المتاجر في المنفعة لا في العين، وكذا ولد المنكوحة لا يقبل للمحل في حق الزوج وكذا ولد الموصى بخدمتها لا يكون صالحا للخدمة حتى ينفصل، وكذا ولد الجناية والدفع به غير لازم. م: (لأن الأتباع لا قسط لها مما يقابل بالأصل؛ لأنها لم تدخل تحت العقد مقصودا) ش: أي لفظ العقد م: (إذ اللفظ لا يتناولها) ش: أي الأتباع، وذلك كولد المبيع فإنها تصير مبيعا تبعا، فلا يكون له حصة في الثمن، إلا إذا صار مقصودا بالنص، فكذا في الرهن إذا صار مقصودا بالفكاك، فلا يكون له حصة من الضمان قبله. كذا في " الإيضاح ": وغيره. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 52 قال: وإن هلك الأصل وبقي النماء أفتكه الراهن بحصته يقسم الدين على قيمة الرهن يوم القبض وقيمة النماء يوم الفكاك؛ لأن الرهن يصير مضمونا بالقبض، والزيادة تصير مقصودة بالفكاك إذا بقي إلى وقته والتبع يقابله شيء إذا صار مقصودا كولد المبيع، فما أصاب الأصل يسقط من الدين؛ لأنه يقابله الأصل مقصودا، وما أصاب النماء أفتكه الراهن لما ذكرنا، وصور المسائل على هذا الأصل تخرج، وقد ذكرنا بعضها في " كفاية المنتهي "، وتمامه في " الجامع " و " الزيادات ".   [البناية] م: (قال: وإن هلك الأصل وبقي النماء أفتكه الراهن بحصته يقسم الدين على قيمة الرهن يوم القبض وقيمة النماء يوم الفكاك؛ لأن الرهن يصير مضمونا بالقبض، والزيادة تصير مقصودة بالفكاك إذا بقي إلى وقته) ش: أي وقت الفكاك م: (التبع يقابله شيء إذا صار مقصودا كولد المبيع) ش: صورته: المبيعة إذا ولدت ولدا في يد البائع قبل التسليم إلى المشتري ثم قبضها المشتري يكون الولد مقصودا بالقبض، ويقسم الثمن على الأم، والولد وفائدته لو هلكت الأم أو الولد قبل التسليم يسقط بحصته من الثمن. م: (فما أصاب الأصل يسقط من الدين لأنه يقابله الأصل مقصودا، وما أصاب النماء أفتكه الراهن) ش: أي بما أصاب النماء م: (لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله تصير مقصودة بالفكاك. وقال الكرخي: ويقسم الدين على قيمة الرهن يوم وقع عليه العقد، وعلى ما نما منه يوم يفتكه هذه حقيقة القسمة، وما وقع من القسمة قبل ذلك فإنما هو على الظاهر إلى أن ينظر ما يؤول إليه قيمة النماء يوم الفكاك فإن كانت قيمته زائدة يوم الفكاك، فصارت العين سعرا وبدين كان في الولد ثلث الدين وفي الأم ثلث، فلو كانت لما ولدت الولد قيمته مثل قيمتها، إن كانت اعورت بعد الولادة، أو كانت اعورت قبلها ذهب من الدين بعورها ربعه مائتان وخمسون. فإن مات الولد وقد اعورت الأم قبل الولادة أو بعدها ذهب نصف الدين، فإن اعور الولد لم يذهب بعوره شيء، فإن كانت الأم اعورت قبل الولادة أو بعدها أو قبل اعورار الولد أو بعده ذهب بعورها أيضا ثلث الدين؛ لأن قيمتها يوم العقد ألف وقيمة الولد يوم الفكاك وهو أعور خمسمائة وفيه ثلث الدين وفيها ثلث الدين، فلما اعورت ذهب نصف ما فيها وهو ثلث الدين ويفتكها وولدها بثلث الدين. م: (وصور المسائل على هذا الأصل) ش: يعني ما ذكرنا من قسمة الدين على قيمتها يوم القبض والفكاك م: (تخرج، وقد ذكرنا بعضها في " كفاية المنتهي "، وتمامه في " الجامع " و " الزيادات ") ش: وفي ذلك كثرة وتطويل، فأعرض عنها المصنف هاهنا. قال الأكمل: وتابعناه في ذلك. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 53 قال: ولو رهن شاة بعشرة وقيمتها عشرة، وقال الراهن للمرتهن: احلب الشاة فما حلبت فهو لك حلال فحلب وشرب فلا ضمان عليه في شيء من ذلك، أما الإباحة فيصح تعليقها بالشرط والخطر؛ لأنها إطلاق وليس بتمليك فتصح مع الخطر. قال: ولا يسقط بشيء من الدين؛ لأنه أتلفه بإذن المالك. قال: فإن لم يفتك الشاة حتى ماتت في يد المرتهن قسم الدين على قيمة اللبن الذي شرب وعلى قيمة الشاة. فما أصاب الشاة سقط، وما أصاب اللبن أخذه المرتهن من الراهن؛ لأن اللبن تلف على ملك الراهن بفعل المرتهن، والفعل حصل بتسليط من قبله، فصار كأن الراهن أخذه وأتلفه فكان مضمونا عليه، فيكون له حصته من الدين فبقي بحصته، وكذلك ولد الشاة إذا أذن له الراهن في أكله، وكذلك جميع النماء الذي يحدث على هذا القياس. قال: وتجوز الزيادة في الرهن،   [البناية] قلت: نحن أيضا تابعناه؛ لأن المقصود من شرح هذا الكتاب حل ألفاظه وبيان صورة مسائله، وليس المقصود أن يذكر فيه ما ذكره المتقدمون من المجمل والمفصل. م: (قال: ولو رهن شاة بعشرة وقيمتها عشرة، وقال الراهن للمرتهن احلب الشاة فما حلبت فهو لك حلال فحلب وشرب فلا ضمان عليه في شيء من ذلك. أما الإباحة فيصح تعليقها بالشرط والخطر) ش: أراد بالشرط قوله: فما حلبت فإن كلمة ما تضمنت معنى الشرط، ولهذا دخلت الفاء في جرها، كما في قَوْله تَعَالَى {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] (النحل الآية: 53) م: (لأنها) ش: أي الإباحة م: (إطلاق، وليس بتمليك فتصح مع الخطر. قال: ولا يسقط بشيء من الدين؛ لأنه أتلفه بإذن المالك) ش: وفيه إشارة إلى أنه لو أتلفه بغير إذن ضمن، وكانت القيمة رهنا مع الشاة. وكذلك لو فعل الراهن ذلك بدون إجازة المرتهن، وبه قالت الأئمة الثلاثة إلا أحمد في رواية عنه: أنه لو حلبها بعرض فنقصه فإنه لا يحتسب عليه. م: (قال: فإن لم يفتك الشاة حتى ماتت في يد المرتهن قسم الدين على قيمة اللبن الذي شرب وعلى قيمة الشاة. فما أصاب الشاة سقط، وما أصاب اللبن أخذه المرتهن من الراهن؛ لأن اللبن تلف على ملك الراهن بفعل المرتهن، والفعل حصل بتسليط من قبله) ش: أي من قبل الراهن م: (فصار كأن الراهن أخذه وأتلفه فكان مضمونا عليه، فيكون له حصته من الدين، فبقي بحصته) ش: فإن كانت قيمة اللبن خمسة صار بإضافة ثلث الدين، فيسقط ثلث الدين بهلاك الشاة، ويؤدي ثلثه. م: (وكذلك ولد الشاة إذا أذن له الراهن في أكله، وكذلك جميع النماء الذي يحدث على هذا القياس) ش: يعني إن كان بإذن الراهن لا يضمن، وإن كان بغير إذنه يضمن، ولا يعلم فيه خلاف، ويكون ضمانه رهنا عندنا. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وتجوز الزيادة في الرهن) ش: صورته أن يرهن ثوبا بعشرة الجزء: 13 ¦ الصفحة: 54 ولا تجوز في الدين عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، ولا يصير الرهن رهنا بها. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجوز الزيادة في الدين أيضا. وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا تجوز فيهما. والخلاف معهما في الرهن والثمن والمثمن والمهر والمنكوحة سواء، وقد ذكرناه في البيوع. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الخلافية الأخرى: أن الدين في باب الرهن كالثمن في البيع، والرهن كالمثمن فتجوز الزيادة فيهما كما في البيع. والجامع بينهما الالتحاق بأصل العقد للحاجة   [البناية] قيمته عشرة، ثم زاد الراهن ثوبا ليكون رهنا مع الأول بعشرة، وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (ولا تجوز في الدين عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش:، وبه قال الشافعي في الجديد، م: (ولا يصير الرهن رهنا بها) ش: أي بالدين. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجوز الزيادة في الدين أيضا) ش: بأن رهن عبدا بألف ثم حدث للراهن دين آخر بالشراء والاستقراض، فيجعلان العبد رهنا بالدين القديم، الحادث، وبه قال مالك والشافعي - رحمهما الله - في القديم، واختاره المزني. وعن بعض أصحابه: أن للشافعي قولين كالقديم. م: (وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا تجوز فيهما) ش: أي زيادة الرهن في الرهن وزيادة الدين في الدين م: (والخلاف معها) ش: أي مع زفر والشافعي - رحمهما الله - م: (في الرهن والثمن والمثمن) ش: أما الخلاف في الرهن، أي في الزيادة في الدين فيه الخلاف أيضا م: (والمهر والمنكوحة سواء) ش: قوله سواء خبر، أعني قوله: " والخلاف بينهما " أي وفي المهر والمنكوحة الخلاف أيضا، صورة زيادة المنكوحة: رجل زوج أمته من رجل بمهر مقدر، ثم زوجه أمة أخرى بذلك المهر وقبل الزوج يصح، ويقسم الألف عليهما عندنا. وقال الكاكي: ولو قال المولى: " زوجتك أمة أخرى بتلك الألف " لا يجوز، كذا وجد بخط العلامة حافظ الدين. وفي " النهاية ": في " الأسرار " ما يدل على جوازه. وقال الأكمل عن حميد الدين الضرير: أنه قال يجوز أن يكون مرادهم من قولهم: " لا يحوز الزيادة في المنكوحة " أن يقول المولى رددت لك أمة أخرى بذلك المهر. أما لو قال: " زوجتك هذه الأمة الأخرى بذلك المهر " لزم أن يصح م: (وقد ذكرناه في البيوع) ش: أي في الفصل الذي ذكره في المرابحة والتولية. م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الخلافية الأخرى) ش: أي مسألة الزيادة في الدين م: (أن الدين في باب الرهن كالثمن في البيع، والرهن كالمثمن فتجوز الزيادة فيهما) ش: أي في الدين والرهن. م: (كما في البيع) ش: أي كما تجوز الزيادة في الثمن والمبيع في البيع م: (والجامع بينهما) ش: أي بين الرهن والبيع في الزيادة فيهما م: (الالتحاق بأصل العقد للحاجة) ش: فيهما إلى مال الجزء: 13 ¦ الصفحة: 55 والإمكان. ولهما وهو القياس: أن الزيادة في الدين توجب الشيوع في الرهن، وهو غير مشروع عندنا، والزيادة في الرهن توجب الشيوع في الدين، وهو غير مانع من صحة الرهن، ألا ترى أنه لو رهن عبدا بخمسمائة من الدين جاز وإن كان الدين ألفا، وهذا شيوع في الدين، والالتحاق بأصل العقد غير ممكن في طرف الدين؛ لأنه غير معقود عليه، ولا معقود به، بل وجوبه سابق على الرهن. وكذا يبقى بعد انفساخه، والالتحاق بأصل العقد في بدلي العقد، بخلاف البيع؛ لأن الثمن بدل يجب بالعقد، ثم إذا صحت الزيادة في الرهن وتسمى هذه زيادة قصدية يقسم الدين على قيمة الأول يوم القبض، وعلى قيمة الزيادة يوم قبضت، حتى لو كانت قيمة الزيادة يوم قبضها خمسمائة، وقيمة الأول يوم   [البناية] آخر فيأخذه من المرتهن فيجعلانه رهنا م: (والإمكان) ش: أي والإمكان في الإلحاق بأصل العقد؛ لأن العقد بعد الإلحاق مغير إلى أصل مشروع بأن يصير قيمة الرهن مثل الدين أو أقل، فإنه مشروع في الابتداء، فكذا إذا تغير في الانتهاء. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (وهو القياس) ش: أي وقولهما القياس: م: (أن الزيادة في الدين توجب الشيوع في الرهن، وهو غير مشروع عندنا، والزيادة في الرهن توجب الشيوع في الدين، وهو غير مانع من صحة الرهن، ألا ترى أنه لو رهن عبدا بخمسمائة من الدين) ش: الذي هو ألف جاز، ولو رهن ثوبا بعشرين، نصفه بعشرة ونصفه بعشرة لم يصح، وهنا شيوع في الدين م: (جاز) . م: (وإن كان الدين ألفا وهذا شيوع في الدين، والالتحاق بأصل العقد) ش: هذا إفساد للجامع الذي ذكره أبو يوسف، بيانه: أن الالتحاق بأصل العقد م: (غير ممكن في طرف الدين؛ لأنه) ش: أي لأن الدين م: (غير معقود عليه ولا معقود به، بل وجوبه) ش: أي وجوب الدين م: (سابق على الرهن. وكذا يبقى بعد انفساخه) ش: أي الرهن م: (والالتحاق بأصل العقد في بدلي العقد) ش: هذا جواب عن قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، يعني أن الالتحاق بأصل العقد إنما يكون فيها هو المعقود عليه كالبيع، أو معقود به كالثمرة، ولهذا جازت الزيادات في الرهن إلحاقا بأصل العقد؛ لأنه معقود عليه، والدين غير معقود، وعليه عقد الرهن. ولهذا لا يسقط بفسخ الرهن، ولهذا لم يجز الزيادات في الدين. م: (بخلاف البيع؛ لأن الثمن بدل يجب بالعقد، ثم إذا صحت الزيادة في الرهن، وتسمى هذه زيادة قصدية) ش: أي بخلاف نماء الرهن، فإنه ليس بزيادة قصدية، بل قيمته، فلهذا اختلفا حكما، وقوله م: (يقسم الدين) ش: جواب، أما قوله: " وتسمى هذه زيادة قصدية " معترضة بينهما " أي يقسم الدين م: (على قيمة الأول) ش: وفي بعض النسخ على قيمة الأصل م: (يوم الجزء: 13 ¦ الصفحة: 56 القبض ألفا والدين ألفا، يقسم الدين أثلاثا في الزيادة ثلث الدين. وفي الأصل ثلثا الدين اعتبارا بقيمتهما في وقتي الاعتبار، وهذا لأن الضمان في كل واحد منهما يثبت بالقبض، فتعتبر قيمة كل واحد منهما وقت القبض. وإذا ولدت المرهونة ولدا ثم إن الراهن زاد مع الولد عبدا وقيمة كل واحد ألف، فالعبد رهن مع الولد خاصة يقسم ما في الولد عليه، وعلى العبد الزيادة؛ لأنه جعله زيادة مع الولد دون الأم. ولو كانت الزيادة مع الأم يقسم الدين على قيمة الأم يوم العقد، وعلى قيمة الزيادة يوم القبض، فما أصاب الأم قسم عليها وعلى ولدها؛ لأن الزيادة دخلت على الأم. قال: فإن رهن عبدا يساوي ألفا بألف، ثم أعطاه عبدا آخر قيمته ألف رهنا مكان الأول، فالأول رهن حتى يرده إلى الراهن والمرتهن في الآخر، أمين حتى يجعله مكان الأول لأن الأول إنما دخل في ضمانه بالقبض والدين، وهما باقيان فلا   [البناية] القبض، وعلى قيمة الزيادة يوم قبضت، حتى لو كانت قيمة الزيادة يوم قبضها خمسمائة، وقيمة الأول يوم القبض ألفا والدين ألفا، يقسم الدين أثلاثا في الزيادة ثلث الدين وفي الأصل ثلثا الدين اعتبارا بقيمتهما في وقتي الاعتبار) ش: وهما وقت القبض. م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن الضمان في كل واحد منهما يثبت بالقبض، فتعتبر قيمة كل واحد منهما وقت القبض) ش: ثم ذكر على سبيل التفريع. قوله م: (وإذا ولدت المرهونة ولدا ثم إن الراهن زاد مع الولد عبدا وقيمة كل واحد ألف، فالعبد رهن مع الولد خاصة يقسم ما في الولد عليه، وعلى العبد الزيادة؛ لأنه جعله زيادة مع الولد دون الأم. ولو كانت الزيادة مع الأم) ش: بأن قال: رهنتك هذا العبد مع الأم م: (يقسم الدين على قيمة الأم يوم العقد، وعلى قيمة الزيادة يوم القبض، فما أصاب الأم قسم عليها وعلى ولدها؛ لأن الزيادة دخلت على الأم) ش: قال الكرخي: ولم يزد الغلام مع الأم وزاده مع ولده هذه زيادة في الولد نماء في عتق الولد من الرهن، ثم زاد الولد حتى صار يساوي ألفين كان هو والغلام رهنا بثلثي الألف. فإن مات الولد صار الغلام رهنا بغير شيء ورده على الراهن. ولو ماتت الأم وبقي ولدها وقيمته ألف مثل قيمة الأم فإن الأم تذهب بمائتين وخمسين، وبذلك لأن الدين انقسم فيها، وفي الزيادة نصفين فأصابها خمسمائة فانقسمت فيها وفي ولدها نصفين. ولو زادت قيمة الأم ثم يعتبر ما في الزيادة ولم ينقص ذلك ولم يزد. [رهن عبدا يساوي ألفا بألف ثم أعطاه عبدا آخر قيمته ألف رهنا مكان الأول] م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (فإن رهن عبدا يساوي ألفا بألف، ثم أعطاه عبدا آخر قيمته ألف رهنا مكان الأول فالأول رهن حتى يرده إلى الراهن والمرتهن في الآخر أمين حتى يجعله مكان الأول؛ لأن الأول إنما دخل في ضمانه بالقبض والدين، وهما باقيان فلا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 57 يخرج عن الضمان إلا بنقض القبض ما دام الدين باقيا، وإذا بقي الأول في ضمانه لا يدخل الثاني في ضمانه؛ لأنهما رضيا بدخول أحدهما فيه لا بدخولهما، فإذا رد الأول دخل الثاني في ضمانه، ثم قيل: يشترط تجديد القبض؛ لأن يد المرتهن على الثاني يد أمانة، ويد الرهن يد استيفاء وضمان، فلا ينوب عنه، كمن له على آخر جياد فاستوفى زيوفا ظنها جيادا ثم علم بالزيافة وطالبه بالجياد وأخذها، فإن الجياد أمانة في يده ما لم يرد الزيوف ويجدد القبض، وقيل: لا يشترط؛ لأن الرهن تبرع كالهبة على ما بيناه من قبل. وقبض الأمانة ينوب عن قبض الهبة، ولأن الرهن عينه أمانة، والقبض يرد على العين فينوب قبض الأمانة عن قبض العين ولو أبرأ المرتهن الراهن عن الدين أو وهبه منه ثم هلك الرهن في المرتهن يهلك بغير شيء استحسانا خلافا لزفر: لأن الرهن مضمون بالدين أو بجهته عند توهم الوجود كما في الدين الموعود. ولم يبق الدين بالإبراء أو الهبة ولا جهة   [البناية] يخرج عن الضمان، إلا بنقض القبض) ش: وهذا احتراز عن الإبراء على ما يجيء، فإن الإبراء يرتفع الضمان، وإن لم ينقض القبض بالرد إلى الراهن م: (ما دام الدين باقيا، وإذا بقي الأول في ضمانه لا يدخل الثاني في ضمانه؛ لأنهما رضيا بدخول أحدهما فيه لا بدخولهما، فإذا رد الأول دخل الثاني في ضمانه) . م: (ثم قيل: يشترط تجديد القبض؛ لأن يد المرتهن على الثاني يد أمانة، ويد الرهن يد استيفاء وضمان، فلا ينوب عنه، كمن له على آخر جياد فاستوفى زيوفا ظنها جيادا ثم علم بالزيافة وطالبه بالجياد وأخذها، فإن الجياد أمانة في يده ما لم يرد الزيوف ويجدد القبض، وقيل: لا يشترط) ش: أي تجديد القبض م: (لأن الرهن تبرع كالهبة على ما بيناه من قبل) ش: أي في صدر الكتاب م: (وقبض الأمانة ينوب عن قبض الهبة؛ ولأن الرهن عينه أمانة، والقبض يرد على العين) أي قصدا، وعلى المالية ضمنا م: (فينوب قبض الأمانة عن قبض العين) . وقوله: م: (ولو أبرأ المرتهن الراهن) ش: إلى آخر كتاب الرهن، ذكرت على سبيل التفريع م: (عن الدين أو وهبه منه ثم هلك الرهن في يد المرتهن يهلك بغير شيء استحسانا خلافا لزفر) ش: هو القياس؛ لأن الضمان في باب الرهن إنما يجب باعتبار القبض وهو قائم، فكان بعد الإبراء وقبله سواء، ولهذا كان مضمونا بعد الاستيفاء. وإن لم يبق الدين بعد قوله: م: (لأن الرهن مضمون بالدين) ش: دليل أصحابنا وبه قالت الأئمة الثلاثة، بيانه أنه لما كان مضمونا بالدين فات بالإبراء. م: (أو بجهته) ش: دليل آخر، أي أو الرهن مضمون بحصة الدين م: (عند توهم الوجود كما في الدين الموعود) ش: أي عند وجود الدين، كما إذا قبض الرهن ليفرضه فهلك قبل الإقراض هلك مضمونا م: (ولم يبق الدين بالإبراء أو الهبة) ش: أي بسببها م: (ولا جهة) ش: أي في جهة الجزء: 13 ¦ الصفحة: 58 لسقوطه، إلا إذا أحدث منعا؛ لأنه يصير به غاصبا إذ لم يبق له ولاية المنع. وكذا إذا ارتهنت المرأة رهنا بالصداق فأبرأته أو وهبته أو ارتدت والعياذ بالله قبل الدخول، أو اختلعت منه على صداقها ثم هلك الرهن في يدها يهلك بغير شيء في هذا كله ولم تضمن شيئا لسقوط الدين كما في الإبراء. ولو استوفى المرتهن الدين بإيفاء الراهن أو بإيفاء متطوع ثم هلك الرهن في يده يهلك بالدين ويجب عليه رد ما استوفى إلى ما استوفى منه، وهو من عليه أو المتطوع، بخلاف الإبراء ووجه الفرق: أن بالإبراء يسقط الدين أصلا كما ذكرنا، وبالاستيفاء لا يسقط لقيام الموجب، إلا أنه يتعذر الاستيفاء لعدم الفائدة؛ لأنه يعقب مطالبة مثله، فأما هو في نفسه فقائم، فإذا هلك يتقرر الاستيفاء الأول فانتقض الاستيفاء الثاني.   [البناية] الدين م: (لسقوطه) ش: أي لسقوط الدين، قيد به لأن الدين بالاستيفاء ينتهي ولا يسقط كما يجيء. م: (إلا إذا أحدث) ش: جواب عما يقال سقوط الدين لا يوجب سقوط الضمان، فإنه إذا طالبه الراهن ومنع المرتهن بعد الإبراء فإنه يضمن وقد سقط الدين، وبيان الجواب بقوله إلا إذا أحدث م: (منعا؛ لأنه يصير به غاصبا إذ لم يبق ولاية المنع، وكذا) ش: أي الحكم م: (إذا ارتهنت المرأة رهنا بالصداق فأبرأته أو وهبته أو ارتدت والعياذ بالله قبل الدخول، أو اختلعت منه على صداقها ثم هلك الرهن في يدها يهلك بغير شيء في هذا كله) ش: أي في هذا المذكور كله م: (ولم تضمن) ش: أي المرأة م: (شيئا لسقوط الدين كما في الإبراء) ش: أي كما لا تضمن في الإبراء. م: (ولو استوفى المرتهن الدين بإيفاء الراهن أو بإيفاء متطوع ثم هلك الرهن في يده يهلك بالدين، ويجب عليه) ش: أي على المرتهن م: (رد ما استوفى إلى ما استوفى منه، وهو من عليه أو المتطوع) ش: وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - والأئمة الثلاثة: لا يجب عليه ذلك؛ لأن الرهن بعد الاستيفاء أمانة في يده م: (بخلاف الإبراء) ش: يعني في صورة الإبراء يهلك بغير شيء. م: (ووجه الفرق) ش: أي بين هلاك الرهن بعد استيفاء الدين حيث يهلك بالدين، وبين هلاكه بعد الإبراء حيث يهلك بغير شيء: م: (أن بالإبراء يسقط الدين أصلا كما ذكرنا، وبالاستيفاء لا يسقط لقيام الموجب) ش: للضمان، وهو قبض الرهن م: (إلا أنه) ش: أي غير أنه م: (يتعذر الاستيفاء) ش: أي الاستيفاء المرتهن م: (لعدم الفائدة) ش: لأنه لما استوفى ثانيا يطالبه الراهن بمثله، وهو معنى قوله: م: (لأنه يعقب مطالبة مثله، فأما هو) ش: يعني تعدد الاستيفاء م: (في نفسه فقائم، فإذا هلك) ش: يعني الرهن م: (يتقرر الاستيفاء الأول) ش: وهو الاستيفاء الحكمي، فأما هو، أي الدين باستيفاء حكم الاستيفاء إلى وقت قبض الرهن، م: (فانتقض الاستيفاء الثاني) ش: وهو الاستيفاء الحقيقي لئلا يتكرر الاستيفاء. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 59 وكذا إذا اشترى بالدين عينا أو صالح عنه على عين لأنه استيفاء. وكذلك إذا أحال الراهن المرتهن بالدين على غيره، ثم هلك الرهن بطلت الحوالة ويهلك بالدين لأنه في معنى البراءة بطريق الأداء؛ لأنه يزول به عن ملك المحيل مثل ما كان له على المحتال عليه، أو ما يرجع عليه به إن لم يكن للمحيل على المحتال عليه دين؛ لأنه بمنزلة الوكيل. وكذا لو تصادقا على أن لا دين ثم هلك الرهن يهلك بالدين لتوهم وجوب الدين بالتصادق على قيامه فتكون الجهة باقية، بخلاف الإبراء، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.   [البناية] م: (وكذا إذا اشترى بالدين عينا أو صالح عنه على عين) ش: هذا معطوف على قوله ولو استوفى المرتهن الدين، إلى قوله ويجب عليه رد ما استوفى، يعني إذا اشترى المرتهن بالدين عينا من الراهن سقط الدين عن المرتهن بطريق المقاصة، ويجب على المرتهن رد الرهن على الراهن، فلو هلك قبل أن يرده يجب عليه رد قيمته، وكذا إذا صالح المرتهن مع الراهن عن الدين على عين يجب عليه رد الرهن إن كان قائما وقيمته إن هلك بعد الصلح، م: (لأنه) ش: أي لأن الصلح عن الدين على العين م: (استيفاء) ش: للدين. م: (وكذلك إذا أحال الراهن المرتهن بالدين على غيره، ثم هلك الرهن بطلت الحوالة ويهلك بالدين؛ لأنه في معنى البراءة) ش: أي لأن الحوالة على تأويل عقد الحوالة، وإنما قال في معنى الإبراء إشارة إلى الجواب عما يقال في ذمة المحيل تبرأ بالحوالة عما عليه، فكان ينبغي أن يكون معنى الإبراء فيهلك أمانة. ووجه ذلك: ما أشار إليه أن الحوالة وإن كانت إبراء لكنها م: (بطريق الأداء) ش: دون الإسقاط م: (لأنه يزول به) ش: أي بعقد الحوالة م: (عن ملك المحيل مثل ما كان له على المحتال عليه أو ما يرجع عليه) ش: أي أو يزول ما يرجع، أي المحتال م: (به إن لم يكن للمحيل على المحتال عليه دين) ش: أي على المحيل في المال م: (لأنه) ش: أي لأن المحتال عليه م: (بمنزلة الوكيل) ش: بقضاء الدين عن المحيل. م: (وكذا لو تصادقا على أن لا دين ثم هلك الرهن يهلك بالدين لتوهم وجوب الدين بالتصادق على قيامه) ش: يعني بعد التصادق على عدمه بجواز أن يتذاكرا، ووجوبه بعد التصادق على انتفائه م: (فتكون الجهة باقية) ش: وضمان الرهن يتحقق بتوهم الوجوب م: (بخلاف الإبراء، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب) ش: هذا راجع إلى قوله ولو استوفى في ذلك؛ لأنه من ثمة إلى هاهنا بعوض على جواب الاستحسان في صورة الإبراء، والأولى أن يرجع إلى قوله فتكون الجهة باقية. وقال الأترازي: قوله: بخلاف الإبراء يتصل بقوله: يهلك بالدين. يعني أن المرتهن إذا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 60 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] أبرأ الراهن عن الدين ثم هلك الرهن في يده هلك بغير شيء. فروع: اختلفا في قيمة الرهن بعد الهلاك فالقول للمرتهن، وبه قالت الأئمة الثلاثة في صورة ضمان الرهن أن يفدي المرتهن في الرهن. ولو اختلفا في قدر الدين بأن يقول الراهن رهن بألف، ويقول المرتهن بألفين فالقول للراهن. وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور والنخعي والثوري والبستي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: القول للراهن ما لم يجاوز الثمن الرهن أو قيمته، وبه قال الحسن وقتادة. ولو اختلفا في قدر الرهن بأن يقول المرتهن الرهن بهذين العبدين، وقال الراهن أحدهما بعينه فالقول للراهن. ولا نعلم فيه خلافا. وكذلك لو اختلفا في رد الرهن فالقول للمرتهن بلا خلاف؛ لأنه ينكر. والقول له مع اليمين. ولو أعتق الراهن المرهون وادعى أنه أعتقه بإذن المرتهن، والراهن ينكر، فالقول للمرتهن ولو قال الراهن رهن بالدين المؤجل وقال المرتهن بل للحال فالقول للراهن، كما لو أنكر أصل الدين. ولو كان لأحدهما بينة حكم بها بلا خلاف في جميع هذه المسائل. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 61 كتاب الجنايات قال: القتل على خمسة أوجه عمد، وشبه عمد، وخطأ، وما أجري مجرى الخطأ، والقتل بسبب. والمراد بيان قتل تتعلق به الأحكام.   [البناية] [كتاب الجنايات] [الجناية عند الفقهاء] م: (كتاب الجنايات) ش: أي هذا كتاب بيان أحكام الجنايات، وهي جمع جناية، وهي لغة: اسم لما يجنيه من شر أي يكسبه، تسميته بالمصدر إذ هي في الأصل مصدر جنى عليه شرا، وأصله من جني الثمر وهو أخذه من الشجر، وهو عام، إلا أنه خص بما يحرم من الفعل شرعا سواء جنى بنفس، أو بمال. ويراد بإطلاق اسم الجناية عند الفقهاء، فعل حل في النفس أو الطرف. وقال شيخ الإسلام الجناية على النفس يسمى قتلا. وفيما دون النفس قطعا وجرحا. والقتل فعل مضاف إلى العباد بحيث يزول به الحياة، وزوال الحياة بدون قتل العباد يسمى موتا. وسببها سبب الحدود، وشرطها كون المحل حيوانا ولما كان ملاك الولاية الدينية والدنيوية والرياسة الإحسان أتى إلى العدل والسياسة. فإن بالإحسان يستعبد الإنسان ويرفع التباغض والعدوان. وبالسياسة تزجر السفهاء عن الطغيان، وبالعدل يستقيم الملك وتعمر البلدان. كان شرع أحكام الجنايات من معظم معاقد الأمور، فأتبعها المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالعبادات والمعاملات وأخرجها لأنها ترجع إلى العارض. فأوردها عقيب الرهن إذ كل واحد للوقاية والصيانة، فإن الرهن وثيقة لصيانة المال عن الهلاك. فكذا حكم الجناية مشروعة لصيانة المكلف عن الهلاك. م: (قال) ش: أي القدوري م: (القتل على خمسة أوجه: عمد، وشبه عمد، وخطأ، وما أجري مجرى الخطأ، والقتل بسبب) ش: إلى هنا لفظ القدوري، وقال المصنف: م: (والمراد) ش: أي مراد القدوري م: (بيان قتل تتعلق به الأحكام) ش: قيد به لأن أنوع القتل أكثر من خمسة: وقد ذكر في " مبسوط شيخ الإسلام ": أنوع القتل أكثر من خمسة، من رجم وقصاص، وقتل حربي، وقتل لقطع الطريق، وقتل المرتد. فعلم أن المراد به القتل الموجب للضمان وهو خمسة، وفي الأصل: القتل على ثلاثة أوجه: عمد، وشبه عمد، وخطأ. ونقل الطحاوي والكرخي في " مختصريهما " هذه العبارة. وقال صاحب " النافع ": القتل الجزء: 13 ¦ الصفحة: 62 قال: فالعمد ما تعمد ضربه بسلاح أو ما أجري مجرى السلاح كالمحدود من الخشب وليطة القصب والمروة المحددة والنار لأن العمد هو القصد ولا يوقف عليه إلا بدليله، وهو استعمال الآلة القاتلة، فكان متعمدا فيه عند ذلك.   [البناية] على أربعة أوجه: عمد، وشبه عمد، وخطأ، والقتل بسبب. قيل: وجه الانحصار: أن القتل لا يخلو إما أن يكون بسلاح أو بغيره. فإن صدر بسلاح فلا يخلو إما أن يكون به قصد القتل أو لا، فالأول عمد، والثاني خطأ. وإن صدر بغير سلاح، فأما إن كان معه قصد التأديب أو الضرب أم لا، فإن كان فهو شبيه العمد وإلا فلا يخلو إما أن يكون جاريا مجرى الخطأ أو لا فإن كان فهو، وإن لم يكن فهو القتل بالسبب، وقيل: وجه الحصر الاستقراء التام، ونسب هذا إلى أبي بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (قال) ش: أي القدوري م: (فالعمد ما تعمد ضربه بسلاح أو ما أجري مجرى السلاح) ش: يعني في تفريق الأجزاء م: (كالمحدود من الخشب وليطة القصب) ش: الليطة بكسر اللام قشر القصب م: (والمروة المحددة) ش: وهي القطعة من الحجر الصوان، يكون لها أطراف تقطع ما أصابته. م: (والنار) ش: التي هي أسرع للهلاك، وفي " المغني ": الحدة ليست بشرط إذا كانت الآلة من الحديد، فقال: العمد، أن يتعمد الإنسان في قتل من لا يحل قتله بالحديد سواء كان سلاحا نحو السيف، والسكين، والرمح أو لم يكن سلاحا كالإبرة والأشفار، سواء كان له حد ينصع أو لا، كالعمود وصنجة الميزان، وسواء كان الغالب منه الهلاك أو لم يكن، هذا كله على رواية الأصل. وذكر الطحاوي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو قتله بصنجة عمود أو حديد لا حد له فهو ليس بعمد محض، فلا يجب القصاص، بل هو خطأ وعمد. وفي " فتاوى قاضي خان " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في ظاهر الرواية في الحديد وما يشبه الحديد كالنحاس والصفر، والرصاص، والذهب والفضة، والإبريز لا يشتط الجرح لوجوب القصاص. وفي " المبسوط " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قتله بعمود أو صنجة حديد لا حد له فليس بعمد عنده، بل هو خطأ وعمد عندهما، إن كان الغالب منه الهلاك، فعمد محض وإلا فخطأ عمد. م: (لأن العمد هو القصد ولا يوقف عليه إلا بدليله) ش: أي بدليل العمد م: (وهو) ش: أي دليله م: (استعمال الآلة القاتلة فكان متعمدا فيه) ش: أي في عمده باستعمال الآلة القاتلة. م: (عند ذلك) ش: أي عند وجود العمد باستعمال الآلة القاتلة؛ لأن القاتلة إرقاق للحياة، الجزء: 13 ¦ الصفحة: 63 وموجب ذلك المأثم لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] الآية، وقد نطق به غير واحد من السنة،   [البناية] وهو غير محسوس. فيكون القصد إلى إرقاق الحياة بالضرب بالسلاح الذي هو خارج عامل في الظاهر والباطن جميعا م: (وموجب ذلك) ش: أي مقتضى العمد الموصوف بتلك الأوصاف م: (المأثم) ش: أي حصول الإثم العظيم. وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم» هذا حديث ذكره غالب الشراح. ولم يذكروا من رواه، ولا من أخرجه. قلت: هذا أخرجه الترمذي والنسائي - رحمهما الله - من حديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لزوال الدنيا» ... " الحديث. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] الآية) ش: (النساء: الآية 93) ويكفي هذه الآية موعظة في قتل النفس بغير حق م: (وقد نطق به غير واحد من السنة) ش: أي السنة فيه أكثر من أن يحصى، وأظهر من أن يخفى منها ما رواه الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي الحكم، عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، يذكران عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار» . ومنها: ما رواه البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما» . ومنها: ما رواه النسائي عن أبي إدريس الخولاني عائذ الله، عن معاوية: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا، أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا» . ومنها: ما رواه ابن ماجه من حديث سعيد بن المسيب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله تعالى مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله عز وجل» . والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 64 وعليه انعقد إجماع الأمة. قال: والقود لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] (البقرة: الآية 178) إلا أنه تقيد بوصف العمدية لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «العمد قود»   [البناية] م: (وعليه انعقد إجماع الأمة) ش: أي وعلى التحريم إجماع أمة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الوجه المذكور. م: (قال والقود) ش: عطف على قوله المأثم أي وموجبة أيضا وجوب القود أي القصاص. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] (البقرة: الآية 178) ش: وما كتب على عباده فهو فرض. م: (إلا أنه تقيد بوصف العمدية) ش: يعني أن الآية بظاهرها لم تفرق بين العمد والخطأ، إلا أنه، أي غير أن القتل تقيد بوصف العمدية. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «العمد قود» ش: هذا الحديث رواه ابن أبي شيبة في " مسنده " من حديث طاوس، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العمد قود إلا أن يعفو ولي المقتول» . ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أيضا طويلا، وفيه: «من قتل عمدا فهو قود» . والحديث مشهور زيد به على الكتاب، فما بقي الكتاب على إطلاقه فصار كالمجمل. فيجوز عندنا أن يكون الحديث بيانا له وإن كان خبرا واحدا كما في بيان قدر مسح الرأس. وفسر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العمد قود» بقوله: م: (أي موجبة) ش: أي موجب العمد أي الذي يقتضيه قود. أي قصاص لأن غير العمد ليس بقصاص. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 65 أي موجبة؛ ولأن الجناية بها تتكامل وحكمة الزجر عليهما تتوفر، والعقوبة المتناهية لا شرع لها دون ذلك. قال: إلا أن يعفو الأولياء أو يصالحوا لأن الحق لهم، ثم هو واجب علينا، وليس للولي أخذ الدية إلا برضا القاتل، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن له حق العدول إلى المال من غير مرضاة القاتل؛ لأنه تعين مدفعا للهلاك فيجوز بدون رضاه.   [البناية] م: (ولأن الجناية بها) ش: أي بالعمدية م: (تتكامل) ش: ليجب القصاص لأن قتل الخطأ ليس بجناية محضة. م: (وحكمة الزجر) ش: مبتدأ م: (عليهما) ش: أي على الجناية، م: (تتوفر) ش: خبر مبتدأ من توفر على الشيء إذا ادعى حرماته ووفر عليه حقه توفيرا، واستوفره إذا استوفاه كاملا، وحاصل المعنى: أن العمدية تحصل بالجناية الكاملة، كل ما تتكامل به الجناية كانت حكمة الزجر عليها أكمل؛ لأن حكمة الزجر المنع عن الإقدام على الجنايات، لمراعاة حرمتها لا للمجاراة المحضة إذ الدنيا ليست بدار الجزاء ودار الجزاء هي الآخرة. م: (والعقوبة المتناهية لا شرع لها) ش: هذه حجة أخرى، وأراد بالعقوبة المتناهية القصاص. قوله م: (دون ذلك) ش: أي دون قيد العمدية. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: العقوبة المتناهية إزالة حياة لا تشرع بدون تكامل الجناية. م: (قال) ش: أي القدوري م: (إلا أن يعفو الأولياء) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقوله م: (أو يصالحوا) ش: لفظ المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني إذا عفا الأولياء عن القصاص أو يصالحوا على مال فيسقط القصاص م: (لأن الحق لهم) ش: أي للأولياء. م: (ثم هو) ش: أي القصاص م: (واجب علينا) ش: أي من حيث التعين من الشارع. ونتيجته تظهر من قوله: م: (وليس للولي أخذ الدية إلا برضا القاتل) ش: لأن حقه القصاص بتعيين الشارع، وليس هو المخير بين أخذ الدية والقصاص. م: (وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وهو قول إبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، والحسن بن حي، وابن شبرمة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (إلا أن له) ش: أي للولي م: (حق العدول إلى المال من غير مرضاة القاتل؛ لأنه) ش: أي المال م: (تعين مدفعا للهلاك) ش: وصيانة النفس عن الهلاك فرض بقدر الإمكان. وقال تاج الشريعة: قوله: من غير مرضاة القاتل م: (فيجوز بدون رضاه) ش: أي يجوز بغير رضاه لأنه ملكه ما يجيء، به نفسه، فيلزم هذا التمليك شاء القاتل أو أبى، كمن أصابه مخمصة، فبذل له إنسان طعاما بثمن المثل، يلزمه هذا التمليك. وهذا لأن إحياء النفس فرض على الإنسان ما أمكن. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 66 وفي قول: الواجب أحدهما لا بعينه، ويتعين باختياره؛ لأن حق العبد شرع جابرا وفي كل واحد نوع جبر فيتخير، ولنا ما تلونا من الكتاب وروينا من السنة؛ ولأن المال لا يصلح موجبا لعدم المماثلة، والقصاص يصلح للتماثل وفيه مصلحة الأحياء زجرا وجبرا فيتعين،   [البناية] [القتل العمد] م: (وفي قول) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (الواجب أحدهما) ش: أي إما القصاص أو أخذ المال م: (لا بعينه) ش: يعني من غير تعيين م: (ويتعين) ش: أي أحدهما م: (باختياره) ش: أي باختيار القاتل. م: (لأن حق العبد شرع جابرا) ش: يعني النظر للولي تشرعه لا يبقى الضمان الأصلي ولم يمكن الجمع بينهما. م: (وفي كل واحد) ش: من القصاص وأخذ المال م: (نوع جبر فيتخير) ش: وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وأبو ثور وإسحاق ومحمد بن سيرين وسعيد بن المسيب والأوزاعي وأبو سليمان وجمهور أصحاب الحديث - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - واحتجوا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قتل قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا العقل - أي الدية» وهذا تنصيص على أن كل واحد منهما يوجب القتل. قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا الحديث رواه شريح والكعبي. قلت: الجواب عنه أنه خبر واحد فلا يعارض الكتاب، والسنة المشهورة. وأيضا هو محمول على الرضاء. وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول آخر ذكره تاج الشريعة حيث قال: في المسألة ثلاثة أقاويل، يعني للشافعي: في قول: الواجب هو القصاص إلا أن يعفو الولي، وفي قول: الواجب أحدهما والتعيين إلى الولي، وفي قول: بالعكس. م: (ولنا ما تلونا من الكتاب) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] ، {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] . م: (وروينا من السنة) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «العمد قود» . م: (ولأن المال) ش: دليل عقلي وبيانه: أن المال م: (لا يصلح موجبا) ش: في القتل العمد. م: (لعدم المماثلة) ش: أي لعدم المماثلة بين المال والآدمي؛ لأن المال مملوك مبتذل، والآدمي مالك يتبذل فأنى يتماثلان. م: (والقصاص يصلح للتماثل) ش: لأنه لغة روح بإزاء روح مثله. م: (وفيه) ش: أي وفي القصاص م: (مصلحة الأحياء زجرا) ش: للغير عن وقوعه فيه، م: (وجبرا) ش: للورثة، م: (فيتعين) ش: أي القصاص. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 67 وفي الخطأ وجوب المال ضرورة صون الدم عن الإهدار، ولا يتيقن بعدم قصد الولي بعد أخذ المال، فلا يتعين مدفعا للهلاك، ولا كفارة فيه عندنا، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب لأن الحاجة إلى التكفير في العمد أمس منها إليه في الخطأ، فكان أدعى إلى إيجابها. ولنا: أنه كبيرة محضة وفي الكفارة معنى العبادة، فلا تناط بمثلها،   [البناية] م: (وفي الخطأ) ش: هذا جواب عما يقال كيف يصلح موجبا في الخطأ، والفائت فيه مثل الفائت في العمد؟ وتقرير الجواب أن: م: (وجوب المال ضرورة صون الدم عن الإهدار) ش: والآدمي مكرم لا يجوز إهدار دمه وأنه لما لم يكن الاقتصاص فيه هدر الدم لو لم يجب المال م: (ولا يتيقن بعدم قصد الولي بعد أخذ المال) ش: هذا جواب عن قوله: م: (فلا يتعين مدفعا للهلاك) ش: تقريره أنه متعين بعدم قصد الولي القتل بعد أخذ المال؛ لأنه يجوز أن يأخذ المال، ثم تهيجه الضغينة وتحركه العداوة على ارتكاب قتله، وإن لم يكن له ذلك شرعا، فإذا كان كذلك فلا يتعين مدفعا للهلاك. فإن قيل: هذا الوهم موجود فيما إذا أخذ المال صلحا، وقد جاز؟ أجيب: بأن في الصلح المراضاة، والقتل بعده ظاهر العدم. م: (ولا كفارة فيه) ش: أي في القتل العمد سواء كان عمدا يجب فيه القصاص، أو لا يجب كالأب إذا قتل ابنه عمدا، ومسلم قتل من أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا عمدا. م: (عندنا) ش:، وبه قال مالك وأحمد في المشهور عنه، وبه قال الثوري وأبو ثور وابن المنذر م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. ولا خلاف في وجوب الكفارة في الخطأ، إلا ما حكي عن مالك أنه قال: لا تجب الكفارة في القتل العمد أو الكفارة خطأ. وللشافعي وجهان في سقوط الكفارة عن القاتل إذا قتل قصاصا، والأصح أنه لا يسقط ويؤدى من تركته. م: (لأن الحاجة إلى التكفير في العمد أمس منها إليه) ش: أي إلى التكفير م: (في الخطأ) ش: لأنها لستر الذنب، والذنب في العمد أعظم. م: (فكان أدعى إلى إيجابها) ش: أي فكان الذنب أدعى إلى إيجاب الكفارة م: (ولنا: أنه) ش: أي القتل أو العمد م: (كبيرة محضة) ش: أي ليس فيه جهة الإباحة. م: (وفي الكفارة معنى العبادة) ش: يعني دائرة بين العبادة والعقوبة فلا بد أن يكون سببها دائرا بين الخطر والإباحة كما في الغموس. م: (فلا تناط) ش: أي الكفارة م: (بمثلها) ش: أي بمثل الكبيرة المحضة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 68 ولأن الكفارة من المقادير، وتعينها في الشرع لدفع الأدنى لا يعينها لدفع الأعلى، ومن حكمه حرمان الميراث لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا ميراث لقاتل» . قال: وشبه العمد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا ما أجري مجرى السلاح   [البناية] م: (ولأن الكفارة) ش: جواب عن قياس الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني إلحاقه العمد بالخطأ. تقديره أن الكفارة م: (من المقادير وتعينها في الشرع لدفع الأدنى لا يعينها لدفع الأعلى) ش: وهو القصاص، فلا يمكن إلحاق العمد بالخطأ؛ لأنه لا مدخل للرأي في تقدير العقوبات والجناية. فإن قلت: يشكل بكفارة قتل صيد الحرم، فإنه كبيرة محضة. ومع هذا يجب فيه الكفارة؟ قلت: هو جناية على المحل، ولهذا لو اشترك حلالان في قتل صيد الحرم يلزم جزاء واحدا. ولو كان جناية الفعل، لوجب جزاء. والجناية على المحل يستوي فيها العمد والخطأ. م: (ومن حكمه) ش: أي حكم القتل العمد م: (حرمان الميراث لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا ميراث لقاتل» ش: هذا أخرجه ابن ماجه، من حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مطولا، وفيه: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «ليس لقاتل ميراث» . ورواه مالك في " الموطأ "، وعن مالك رواه الشافعي في " مسنده "، وعبد الرزاق في " مصنفه "، وأخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «القاتل لا يرث» . وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا حديث لا يصح لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وفيه إسحاق عن عبد الله بن أبي فروة تركه بعض أهل العلم، منهم أحمد بن حنبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [القتل شبه العمد] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وشبه العمد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا ما أجري مجرى السلاح) ش: سواء كان الدلالة به غالبا كالحجر والعصا الكبيرين ومدقة القصار أو لم يكن كالعصا الصغيرة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 69 وقال أبو يوسف ومحمد وهو قول الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إذا ضربه بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة، فهو عمد، وشبه العمد: أن يتعمد ضربه بما لا يقتل به غالبا؛ لأنه يتقاصر معنى العمدية باستعمال آلة صغيرة لا يقتل بها غالبا لما أنه يقصد بها غيره كالتأديب ونحوه، فكان شبه العمد، ولا يتقاصر باستعمال آلة لا تلبث؛ لأنه لا يقصد به إلا القتل كالسيف، فكان عمدا موجبا للقود   [البناية] وفي " المبسوط " سمي به هذا الفعل الذي لا يوجب القود ويشبه العمد أي خطأ يشبه العمد لما فيه من معنى العمد بالنظر إلى قصد الفاعل إلى الضرب. ومعنى الخطأ باعتبار انعدام قصد القتل وبالنظر إلى الآلة التي استعملها هي آلة الضرب للتأديب دون القتل والعاقل إنما يقصد إلى كل فعل بآلته، فكان ذلك خطأ يشبه العمد بلا خلاف. وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية إن قصد القتل يجب القود، والخلاف في تفسير شبه العمد وفي " الأوضح ": شبه العمد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن يتعمده بكل آلة لم توضع للقتل. م: (وقال أبو يوسف ومحمد وهو قول الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إذا ضربه بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة فهو عمد، وشبه العمد: أن يتعمد ضربه بما لا يقتل به غالبا؛ لأنه يتقاصر معنى العمدية باستعمال آلة صغيرة لا يقتل بها غالبا لما أنه يقصد بها غيره) ش: أي غير القتل م: (كالتأديب ونحوه) ش: كالتحريق م: (فكان شبه العمد، ولا يتقاصر باستعمال آلة لا تلبث؛ لأنه لا يقصد به إلا القتل كالسيف، فكان عمدا موجبا للقود) ش: أي القصاص. وقال صاحب (" المجتبى ": يشترط عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يقصد التأديب دون الإتلاف، وعندهما: إن كان متعمدا بما كان الإتلاف غالبا فعمد محض. وعند الشافعي ومالك وأحمد: بكل آلة لا تصلح للقتل، فلو ضربه بسوط صغير، سوطا أو سوطين فمات فهو شبه العمد عند الكل، ولو والى في الضربات إلى أن مات. فإن كان جملة ما والى بحيث يقتل مثله غالبا، فهو عمد محض عندهما. وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وقال بعضهم هو شبه العمد على قولهما، كقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولو خيفة فمات، فهو شبه عمد لا قصاص فيه، إلا أن يكون معروفا بذلك. وعند الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يجب القود. وقال بعضهم: شبه العمد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يتعمده بكل آلة لم توضع للقتل. وعندهما: بكل آلة لا تقتل غالبا. وقد ذكرنا هذا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 70 وله قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ألا إن قتيل خطأ العمد، قتيل السوط والعصا وفيه مائة من الإبل» ، ولأن الآلة غير موضوعة للقتل ولا مستعملة فيه إذ لا يمكن استعمالها على غرة من المقصود قتله، وبه يحصل القتل غالبا، فقصرت العمدية نظرا إلى الآلة   [البناية] م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا وفيه مائة من الإبل» ش: هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالعصا مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها» . وروي أيضا عن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، أخرجه الثلاثة المذكورون عنه: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب يوم الفتح بمكة، الحديث. وفيه: " ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط أو العصا مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها» . ورواه أحمد والشافعي وإسحاق في " مسانيدهم "، ورواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في " مصنفيهما " والتمسك به أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقصد بين الصغير والكبير، وعليهما عملا بالإطلاق. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في إعراب حديث الباب أي " قتله " بالنصب على البدل. وخبر إن " فيه مائة من الإبل ". وروي بالرفع فيكون هو خبر المبتدأ. ويكون قوله: " فيه مائة " كلاما مستأنفا. م: (ولأن الآلة) ش: سواء كانت كبيرة أو صغيرة م: (غير موضوعة للقتل ولا مستعملة فيه، إذ لا يمكن استعمالها) ش: أي في القتل لأنه لا يمكن استعمال هذه الآلة م: (على غرة) ش: بكسر الغين المعجمة، وتشديد الراء على غفلة. م: (من المقصود قتله، وبه) ش: أي وبالاستعمال على غرة م: (يحصل القتل غالبا، فقصرت العمدية نظرا إلى الآلة) ش: يعني القصد إلى القتل أمر باطن لا يوقف الأمر عليه، فأقام الشرع الضرب بآلة وضعت للقتل مقام القصد إلى القتل، وأقام الضرب بآلة وضعت للتأديب مقام عدم القصد، فسقط اعتبار حقيقة القصد، واعتبر السبب القائم مقامه. كذا في " مبسوط شيخ الإسلام ". الجزء: 13 ¦ الصفحة: 71 فكان شبه العمد كالقتل بالسوط والعصا الصغيرة. قال وموجب ذلك على القولين الإثم لأنه قتل وهو قاصد في الضرب والكفارة لشبهه بالخطأ والدية مغلظة على العاقلة والأصل أن كل دية وجبت بالقتل ابتداء لا بمعنى يحدث من بعد فهي على العاقلة اعتبارا بالخطأ، وتجب في ثلاث سنين لقضية عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتجب مغلظة، وسنبين صفة التغليظ من بعد إن شاء الله تعالى. ويتعلق به حرمان الميراث لأنه جزاء القتل، والشبهة تؤثر في سقوط القصاص   [البناية] م: (فكان شبه العمد كالقتل بالسوط والعصا الصغيرة) ش: لأن تتقاصر الآلة بتقاصر معنى العمدية. فيكون شبه العمد م: (قال وموجب ذلك) ش: أي موجب شبه العمد م: (على القولين) ش: أي على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقولهما: م: (الإثم لأنه قتل وهو قاصد في الضرب) ش: قتل على صيغة فعل الماضي، والواو في وهو للحال. م: (والكفارة) ش: بالرفع عطفا على قوله: " الإثم ". أي وموجبه أيضا وجوب الكفارة م: (لشبهه بالخطأ) ش: أي بالنظر إلى الآلة. وبه قالت الأئمة الثلاثة. وفي " الإيضاح ": وجدت في كتب أصحابنا أن لا كفارة في شبه العمد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الإثم كامل متناه. وتناهيه يمنع شرع الكفارة لأن ذلك من باب التخفيف. وفي " الكافي ": والصحيح أنها تجب عنده. ذكره الطحاوي والجصاص. م: (والدية) ش: بالرفع أيضا. أي وموجب ذلك أيضا وجوب الدية حال كونها م: (مغلظة) ش: أي دية مغلظة وسيجيء تفسيرها إن شاء الله تعالى م: (على العاقلة والأصل) ش: أي في هذا الباب م: (أن كل دية وجبت بالقتل ابتداء) ش: يعني كل دية يوجبها القتل من الابتداء م: (لا بمعنى يحدث من بعد) ش: احترز به بما يصالحوا فيه على الدية، وعن قتل الوالد ولده عمدا وعن إقرار القاتل بالقتل خطأ، وقد كان قتله عمدا. فإن في هذه الصور تجب الدية على القاتل في ماله. وقوله: " من بعد " بضم الدال لأنه لما بعد من الكسر بالإضافة بني على الضم. وقوله م: (فهي على العاقلة) ش: خبر أن. وسيجيء تفسير العاقلة في باب مستقبل م: (اعتبارا بالخطأ) ش: أي قياسا عليه. م: (وتجب في ثلاث سنين لقضية عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتجب مغلظة) ش: أي الدية حال كونها مغلظة. م: (وسنبين صفة التغليظ من بعد إن شاء الله تعالى) ش: في كتاب الديات. م: (ويتعلق به) ش: أي شبه العمد م: (حرمان الميراث لأنه جزاء القتل، والشبهة تؤثر) ش: أي لأن حرمان الميراث م: (في سقوط القصاص) ش: كان ينبغي أن يؤثر أيضا في حرمان الميراث. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 72 دون حرمان الميراث، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن أنكر معرفة شبه العمد فالحجة عليه ما أسلفناه. قال: والخطأ على نوعين: خطأ في القصد، وهو أن يرمي شخصا يظنه صيدا فإذا هو آدمي، أو يظنه حربيا فإذا هو مسلم. وخطأ في الفعل، وهو أن يرمي غرضا فيصيب آدميا. وموجب ذلك الكفارة والدية على العاقلة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) ، وهي على عاقلته في ثلاث سنين لما بيناه. قال: ولا إثم فيه يعني في الوجهين، قالوا: المراد إثم القتل.   [البناية] وتقرير الجواب: أن شبه العمد تؤثر في سقوط القصاص للشبهة م: (دون حرمان الميراث) ش: لأن الحرمان جزاء القتل بالنص وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ميراث للقاتل» . م: (ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن أنكر معرفة شبه العمد فالحجة عليه ما أسلفناه) ش: وفي " المبسوط ": وكان مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: لا أدري ما شبه العمد وأن القتل عمد وخطأ. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فالحجة عليه، أي على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما أسلفناه. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيل: أراد به قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ألا إن قتيل العمد قتيل السوط والعصا» ، ولكن المعهود من المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مثله أن يقول ما روينا والحق أن يقال إنما قال أسلفنا نظرا إلى الحديث والمعنى المنقول. قلت: كان الأوجه أن يقول: لما ذكرنا على ما لا يخفى. [القتل الخطأ] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والخطأ على نوعين: خطأ في القصد، وهو أن يرمي شخصا يظنه صيدا فإذا هو آدمي، أو يظنه حربيا فإذا هو مسلم) ش: قوله: " يظنه " جملة حالية. والفاء في " فإذا " في الموضعين للمفاجآت. م: (وخطأ في الفعل، وهو أن يرمي غرضا) ش: بفتح الغين المعجمة والراء، وبالضاد المعجمة وهو الهدف. م: (فيصيب آدميا. وموجب ذلك) ش: أي ما يقتضيه الخطأ بنوعيه م: (الكفارة والدية على العاقلة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) وهي على عاقلته في ثلاث سنين لما بيناه) ش: أراد به قوله: ويجب في ثلاث سنين بقضية عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. م: (قال: ولا إثم فيه) ش: من كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (يعني في الوجهين) ش: يعني عدم وجوب الإثم في الوجهين المذكورين لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» . م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (المراد إثم القتل) ش: أي إثم قصد القتل، بحذف المضاف لأن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 73 فأما في نفسه فلا يعرى عن الإثم من حيث ترك العزيمة والمبالغة في التثبت في حال الرمي إذ شرع الكفارة يؤذن باعتبار هذا المعنى ويحرم من الميراث لأن فيه إثما فيصح تعليق الحرمان به، بخلاف ما إذا تعمد الضرب موضعا من جسده فأخطأ فأصاب موضعا آخر فمات حيث يجب القصاص؛ لأن القتل قد وجد بالقصد إلى بعض بدنه، وجميع البدن كالمحل والواحد. وقال: وما أجرى مجرى الخطأ مثل النائم ينقلب على رجل فيقتله، فحكمه حكم الخطأ في الشرع. وأما القتل بسبب كحافر البئر وواضع الحجر في غير ملكه وموجبه إذا تلف فيه آدمي، الدية على العاقلة لأنه سبب التلف، وهو متعد فيه فأنزل موقعا دافعا فوجبت الدية. ولا كفارة فيه ولا يتعلق به حرمان الميراث. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -:   [البناية] إثم القتل غير منفي وهو معنى قوله: م: (فأما في نفسه فلا يعرى عن الإثم من حيث ترك العزيمة والمبالغة في التثبت في حال الرمي، إذ شرع الكفارة يؤذن باعتبار هذا المعنى) ش: الإثم لأنه لم يباشر الرخصة بطريق السلامة والمباح مفيد بهذا كالمرور في الطريق، وإذا كان فيه نوع إثم يستقيم تعليق حرمان الميراث به، وهو معنى قوله: م: (ويحرم من الميراث لأن فيه إثما فيصح تعليق الحرمان به) ش: أي بالقتل الخطأ بنوعيه. م: (بخلاف ما إذا تعمد الضرب) ش: هذا متصل بقوله ويوجب ذلك الكفارة والدية، وصورة ذلك أن يتعمد الرجل أن يضرب م: (موضعا) ش: بأن قصد ضرب يده م: (من جسده فأخطأ فأصاب موضعا آخر) ش: بأن أصاب عنقه م: (فمات حيث يجب القصاص؛ لأن القتل قد وجد بالقصد إلى بعض بدنه، وجميع البدن كالمحل الواحد) ش: حتى إذا أصاب عنق غيره فهو خطأ. [ما أجري مجرى الخطأ في القتل والقتل بسبب] م: (قال:) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وما أجري مجرى الخطأ مثل النائم ينقلب على رجل فيقتله، فحكمه حكم الخطأ في الشرع) ش: لكنه دون الخطأ حقيقة، فإنه ليس من أهل القصد أصلا، وإنما وجبت الكفارة لتحرك التحرز عن نومه، في موضع يتوهم أن يصير قاتلا، والكفارة في قتل الخطأ إنما تجب لترك التحرك أيضا. وإنما جعل محروما عن الميراث لجواز أن يكون تقاوم ولم يكن قائما حقيقة. وهذا معتبر في حق الحرمان. وفي الأوضح: لو وقع من سطح على إنسان فقتله، أو كان على دابة فأوطأت إنسانا فمات، أو كان في يده لبنة أو خشبة فسقطت على إنسان فقتله، فهذا مثل النائم ينقلب لكونه قتلا معصوما فأجري مجرى الخطأ. م: (وأما القتل بسبب كحافر البئر وواضع الحجر في غير ملكه وموجبه إذا تلف فيه آدمي، الدية على العاقلة لأنه سبب التلف؛ وهو متعد فيه فأنزل موقعا) ش: يعني في البئر م: (دافعا) ش: يعني في الحجر م: (فوجبت الدية، ولا كفارة فيه ولا يتعلق به حرمان الميراث. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 74 يلحق بالخطأ في أحكامه لأن الشرع أنزله قاتلا. ولنا: أن القتل معدوم منه حقيقة فألحق به في حق الضمان فبقي في حق غيره على الأصل، وهو إن كان يأثم بالحفر في غير ملكه، لا يأثم بالموت على ما قالوا، وهذه كفارة ذنب القتل، وكذا الحرمان بسببه وما يكون شبه عمد في النفس فهو عمد فيما سواها؛ لأن إتلاف النفس يختلف باختلاف الآلة، وما دونها لا يختص إتلافه بآلة دون آلة، والله أعلم   [البناية] يلحق بالخطأ في أحكامه) ش: أي في أحكام الخطأ. فيجب الكفارة ويحرم عن الميراث. وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ م: (لأن الشرع أنزله قاتلا) ش: يعني في الضمان فكان كالمباشرة فعندهم المسبب كالمباشر. م: (ولنا: أن القتل معدوم منه حقيقة) ش: لأنه ليس بمباشر للقتل حقيقة لأن مباشرة القتل إيصال فعل من القاتل بالمقتول ولم يوجد م: (فألحق به) ش: أي بالمباشر م: (في حق الضمان) ش: صيانة للدم عن الهدر على خلاف الأصل م: (فبقي في حق غيره) ش: وهو حق الكفارة وحرمان الميراث. م: (على الأصل) ش: وهو عدم القتل، وهو إن كان يأثم، هذا جواب عما يقال: الحافر في غير ملكه يأثم. وما فيه إثم من الفعل يصح تعليق الحرمان به، كما ذكرتم في الخطأ. وتقرير الجواب: هو أنه م: (وهو إن كان يأثم بالحفر في غير ملكه، لا يأثم بالموت على ما قالوا) ش: أي المشايخ م: (وهذه كفارة) ش: أي الكفارة التي ينازعها فيها كفارة م: (ذنب القتل) ش: هنا ولا كفارة. م: (وكذا الحرمان) ش: عن الميراث م: (بسببه) ش: أي بسبب القتل ولا قتل هنا فلا حرمان. م: (وما يكون شبه العمد في النفس فهو عمد فيما سواها) ش: يعني ليس فيما دون النفس شبه عمد إنما هو عمد أو خطأ م: (لأن إتلاف النفس يختلف باختلاف الآلة) ش: فإن إتلاف النفس لا يقصد إلا بالسلاح وما يجري مجراه م: (وما دونها) ش: أي ما دون النفس م: (لا يختص إتلافه بآلة دون آلة، والله أعلم) ش: ألا ترى أن فقء العين كما يقصد بالسكين، يقصد بالسوط والعصا الصغيرة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 75 باب ما يوجب القصاص وما لا يوجبه قال: القصاص واجب بقتل كل محقون الدم على التأبيد إذا قتل عمدا أما العمدية فلما بيناه. وأما حقن الدم على التأبيد فلتنتفي شبهة الإباحة وتتحقق المساواة.   [البناية] [باب ما يوجب القصاص وما لا يوجبه] [القصاص واجب بقتل كل محقون الدم] م: (باب ما يوجب القصاص وما لا يوجبه) ش: أي هذا باب في بيان ما يوجب القصاص، وفي بيان ما لا يوجب القصاص. ولما فرغ من بيان أقسام القتل وكان من جملتها العمد: وهو قد يوجب القصاص، وقد لا يوجبه، احتاج إلى التفصيل ذلك في باب على حدة. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (القصاص واجب بقتل كل محقون الدم) ش: من حقن دمه: إذا منعه أن يسفك من وجه دخل على التأبيد احترز به عن المستأمن، ولا يشكل بقتل الأب ابنه، فإنه قتل مسلم لمسلم محقون الدم، مع أنه لا يجب القصاص لأن ذلك من العوارض فلا يدخل تحت القواعد والكلام في الأصول. م: (على التأبيد إذا قتل عمدا) ش: قيد به لأنه إذا قتل خطأ لا يجب القصاص. م: (أما العمدية فلما بيناه) ش: في أوائل كتاب الجنايات من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «العمد قود» ، وأن الجناية شامل بها. م: (وأما حقن الدم على التأبيد) ش: احترز به عن المستأمن؛ لأن فيه شبهة الإباحة، والعود إلى دار الحرب أشار إليه بقوله م: (فلتنتفي شبهة الإباحة وتتحقق المساواة) ش: بين القاتل والمقتول. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه بحث من أوجه: الأول: أن العفو مندوب إليه وذلك ينافي وصف القصاص بالوجوب. الثاني: أن حقن الدم على التأبيد غير متصور لأنه انتهى ما يتصور منه أن يكون المسلم في دار الإسلام، وهو يزول بالارتداد والعياذ بالله. الثالث: أنها منقوضة بمسلم قتل ابنه المسلم، فإنها موجودة فيه ولا قصاص. الرابع: أن قيد التأبيد لثبوت المساواة، وإذا قتل المستأمن مسلما وجب القصاص ولا مساواة بينهما. والجواب عن الأول: أن المراد بالوجوب ثبوت حق الاستيفاء. ولا منافاة بينه وبين العفو. وعن الثاني: أن المراد بالحقن على التأبيد، ما هو بحسب الأصل والارتداد عارض لا يعتبر به، ورجوع الحزبي إلى داره أصل لا عارض. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 76 قال: ويقتل الحر بالحر، والحر بالعبد للعمومات. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقتل الحر بالعبد لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] . ومن ضرورة هذه المقابلة أن لا يقتل حر بعبد؛ ولأن مبنى القصاص على المساواة،   [البناية] وعن الثالث: بأن القصاص ثابت، ولكنه انقلب ما لا شبهة الأبوة. وعن الرابع: بأن التفاوت إلى نقصان غير مانع من الاستيفاء بخلاف العكس. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويقتل الحر بالحر، والحر بالعبد للعمومات) ش: يريد به قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] ، وقوله: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] ، وقوله: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العمد قود» . وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والحر بالعبد، وكذا بالأمة. ولكن لا يقتل بعبد نفسه عندنا. وقال النخعي وداود: يقتل بعبد نفسه أيضا. لما روى الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من قتل عبده قتلناه، ومن جدعه جدعناه» . قلنا: الحسن ما سمع: " من قتل " من سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولئن صح كان محمولا على الزجر دون إرادة الإيقاع. وقيل: هذا منسوخ بدليل سقوط القصاص بين الحر والعبد بالإجماع. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقتل الحر بالعبد) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد: بل يضمن قيمته. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] ، ومن ضرورة هذه المقابلة) ش: وهي مقابلة: الحر بالحر، والعبد بالعبد م: (أن لا يقتل الحر بعبد؛ ولأن مبنى القصاص على المساواة) ش: بين القاتل الجزء: 13 ¦ الصفحة: 77 وهي منتفية بين المالك والمملوك، ولهذا لا يقطع طرف الحر بطرفه بخلاف العبد بالعبد؛ لأنهما يستويان، وبخلاف العبد حيث يقتل بالحر لأنه تفاوت إلى نقصان. ولنا: أن القصاص يعتمد المساواة في العصمة، وهي بالدين أو بالدار ويستويان فيهما، وجريان القصاص بين العبدين يؤذن بانتفاء شبهة الإباحة. والنص تخصيص بالذكر فلا ينفي ما عداه.   [البناية] والمقتول م: (وهي) ش: أي المساواة م: (منتفية بين المالك والمملوك، ولهذا لا يقطع طرف الحر بطرفه) ش: أي بطرف العبد م: (بخلاف العبد بالعبد؛ لأنهما يستويان) ش: في المملوكة. م: (وبخلاف العبد حيث يقتل بالحر لأنه تفاوت إلى نقصان) ش: أي لأن التفاوت بين العبد والحر تفاوت إلى نقصان، فيجوز أن يستوفي بالكل دون عكسه كما في الطرف. م: (ولنا: أن القصاص يعتمد المساواة في العصمة، وهي) ش: أي العصمة م: (بالدين) ش: يعني عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أو بالدار) ش: يعني عندنا، م: (ويستويان) ش: أي الحر والعبد م: (فيهما) ش: أي في الدين والدار، فيجري القصاص بينهما م: (وجريان القصاص بين العبدين) ش: هذا جواب عما يقال للرق أثر الكفر، وحقيقة الكفر تورث شبهة الإباحة، ولهذا لا يقتل المسلم بالكافر مطلقا عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فكذا أثره تورث شبهة الإباحة، وتقدير الجواب أن يقال: لا يورث شبهة الإباحة، وهو معنى قوله: وجريان القصاص بين العبدين. م: (يؤذن) ش: أي يعلم بإيفاء شبهة الإباحة، والدليل على ذلك: أنه لو كان كما قلتم لما جاز جريان القصاص بين العبدين، ولهذا لا يجري بين المستأمنين. م: (بانتفاء شبهة الإباحة. والنص تخصيص بالذكر) ش: هذا جواب عما استدل من المقابلة في الآية، وجهه: أن النص الذي فيه المقابلة تخصيص بذكرها. م: (فلا ينفي ما عداه) ش: أي ما عدا المنصوص، كما في قوله: {وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178] فإنه لا ينفي الذكر بالأنثى ولا العكس بالإجماع. وفائدة التخصيص: الرد على من أراد قتل غير القاتل بالمقتول، ذلك أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - روى: أن قبيلتين من العرب تدعي إحداهما مقتلا على الأخرى اقتتلتا، فقالت مدعية الفضل: لا نرضى إلا بقتل الذكر منهم بالأنثى، والحر منهم بقتل العبد منا. فأنزل الله تعالى هذه الآية ردا عليهم. ولم يذكر الجواب عن الأطراف، وقد أجيب: بأن القصاص في الأطراف معتمد المساواة في الجزاء، فإنه لا يقطع اليد الصحيحة بالشلاء، ولا مساواة بينهما في ذلك لأن الرق ثابت في أجزاء الجسم بخلاف النفوس، فإن القصاص فيها يقعدها في العصمة، وقد تساويا فيها. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 78 قال: والمسلم بالذمي خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. له قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يقتل مؤمن بكافر» ولأنه لا مساواة بينهما وقت الجناية. وكذا الكفر مبيح فيورث الشبهة. ولنا: ما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «قتل مسلما بذمي»   [البناية] [قتل المسلم بالذمي] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والمسلم بالذمي) ش: أي بقتل المسلم بالذمي. وبه قال النخعي والشعبي - رحمهما الله - م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأبي ثور، والثوري، والأوزاعي، وزفر، وأصحاب الظواهر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وهو قول عطاء والحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي " المبسوط ": الخلاف فيما إذا كان القاتل حال القتل مسلما، أما لو قتل ذمي ذميا ثم أسلم القاتل يقتص بالإجماع. وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا قتل المسلم الذمي غيلة يقتل به. لما روي: أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أمر به في هذه الصورة، والغيلة: أن يخدع الرجل حتى يدخل بيته أو نحوه، فيقتله أو يأخذ ماله إن كان معه. م: (له) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا يقتل مؤمن بكافر» ش: هذا الحديث رواه البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - «عن أبي جحيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: سألت عليا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هل عندكم مما ليس في القرآن؟ فقال: " العقل وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر» . وأخرجه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - والنسائي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مطولا وفيه: «ألا لا يقتل مؤمن بكافر» . وروى أبو داود وابن ماجه أيضا، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يقتل مؤمن بكافر» . م: (ولأنه لا مساواة بينهما) ش: أي بين المسلم والذمي م: (وقت الجناية) ش: قيد به لأن القاتل إذا كان ذميا وقت القتل ثم أسلم، فإنه يقتص منه بالإجماع. وقد ذكرناه. م: (وكذا الكفر مبيح) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] أي فتنة الكفر. م: (فيورث الشبهة) ش: أي كون الكفر مبيحا يورث الشبهة في عدم المساواة. م: (ولنا ما روي «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " قتل مسلما بذمي» ش: هذا روي مسندا ومرسلا، أما المسند فأخرجه الدارقطني. وفي " سننه " عن عمار بن مطر، حدثنا إبراهيم بن محمد الأسلمي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن بن السلماني، عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قتل مسلما بمعاهد، وقال: (أنا أكرم من وفى ذمته» . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 79 ولأن المساواة في العصمة ثابتة نظرا إلى التكليف أو الدار. والمبيح كفر المحارب   [البناية] وأما المرسل: فأخرجه من طريق عبد الرزاق، عن الثوري عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن السلماني - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.. فذكره. فإن قلت: قال الدارقطني: ابن السلماني ضعيف لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث فكيف عما يرسله؟. وقال: عمار بن مطر الزهاوي يقلب الأسانيد، ويسرق الأحاديث حتى كثر ذلك في رواياته فسقط من حد الاحتجاج به؟ قلت: ابن السلماني وثقه ابن حبان وذكره في " الثقات ". وهو رجل معروف من التابعين، فإذا كان كذلك يكون حديثه صحيحا. والمرسل حجة عندنا، ومالك وأحمد وأكثر العلماء حتى قال محمد بن جرير الطبري: أجمع التابعون على قبول المرسل. ولم يزل الأمر كذلك إلى رأس المائتين فحدث رد المرسل حتى قيل رد المرسل بدعة. وقال ابن عبد البر: من رد المرسل فقد رد أكثر السنن. ولنا: ما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مسنده " أيضا: أخبرنا محمد بن الحسن الشيباني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنا قيس بن الربيع الأسدي، عن أبان بن ثعلب، عن الحسين بن ميمون، عن عبد الله بن عبد الله مولى بني هاشم، عن أبي الجنوب الأسدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: أتي علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - برجل من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة قال: فقامت عليه البينة فأمر بقتله، فجاء أخوه فقال: قد عفوت، فقال: لعلهم فزعوك أو هددوك؟. قال: لا، ولكن قتله لا يرد علي أخي وعوضوني، فقال: أنت أعرف من كان له ذمتنا فدمه كدمنا وديته كديتنا. وذكر صاحب " التنقيح " أن حسين بن ميمون هو الخندقي، قال ابن المديني: ليس بمعروف قل من روى عنه. وقال ابن حبان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس بالقوي في الحديث، يكتب حديثه. وذكره البخاري في " الضعفاء ". قلت: ذكره ابن حبان في " الثقات "، قال: وربما يخطئ. م: (ولأن المساواة) ش: أي بين المسلم والذمي م: (في العصمة ثابتة نظرا إلى التكليف أو الدار) ش: يعني عندنا، فإن كان كذلك يثبت العصمة، حاصله: أنه يستحق البقاء لإقامة التكاليف، ولا يمكن من إقامتها إلا بأن تكون محرم الفرض مرفوع أسباب الهلاك. م: (والمبيح كفر المحارب) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وكذا الكفر مبيح، وتقريره أنا لا نسلم أن مطلق الكفر بل المبيح كفر المحاربة. قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 80 دون المسالم، والقتل بمثله يؤذن بانتفاء الشبهة. والمراد بما روى الحربي لسياقه ولا ذو عهد في عهده، والعطف للمغايرة   [البناية] م: (دون المسالم) ش: أي دون كفر المسلم لأنه يعقد الكفر الذمة صار من أهل دارنا، فلم يبق كفره مبيحا. ولهذا كفر المرأة لا يبيح القتل؛ لأن كفرها غير ثابت على الحرب لأنها بنفسها غير صالحة له، والعصمة بالدار تؤثر في النفس والمال جميعا حتى يجب القطع بسرقة مال الذمي، وحقن دمه أيضا لعقد الذمة. م: (والقتل بمثله) ش: هذا دفع لقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " فيورث الشبهة "، بيانه: أن القتل بمثله، أي قتل الذمي بالذمي م: (يؤذن بانتفاء الشبهة) ش: يعني بأن كفر الذي لا يورث الشبهة إذا ورد لما جرى القصاص بينهما كما لا يجري بين الحربيين. فإن قيل: يورث الشبهة إذا قتله مسلم؟. قلنا: يكون قبل قتله المسلم معصوما كالمسلم فيجب القصاص. م: (والمراد بما روى) ش: هذا جواب عما استدل به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. أي المراد عما روى الشافعي من قوله: «لا يقتل المؤمن بكافر» م: (الحربي) ش: أي الكافر الحربي م: (لسياقه) ش: أي لسياق الحديث. وقوله: م: (ولا ذو عهد في عهده) ش: بيانه: ما ذكره الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الآثار ": أن الذي حكاه أبو جحيفة عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لم يكن مفردا، ولو كان مفردا لاحتمل ما قالوا، ولكن موصلا بغيره، وهو قوله: (ولا ذو عهد في عهده ". ووجه ذلك: أنه عطف هذا على الأول. م: (والعطف للمغايرة) ش: لأن المعطوف غير المعطوف عليه. وفي " المبسوط " و " الأسرار ": الواو للعطف حقيقة خصوصا فيما لا يكون مستقلا بنفسه، ووجه الأول بقي القتل قصاصا لا بقي مطلق القتل، فيكون الثاني نفي القتل قصاصا، وإلا فلا مناسبة بين الجملتين، فيصير كقوله في حسن الديات محطوط، وكذا [ ... ] في غاية الطول فيكون وكيلا. وفي " مبسوط شيخ الإسلام " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا ذو عهد في عهده، جملته ناقصة، فيكون خبره خبر الجملة الكاملة، وخبر الكاملة في القتل قصاصا، فيكون معناه: ولا يقتل ذو عهد في عهده بكافر، فلو كان الكافر في الكاملة مطلقا لا يصح هذا؛ لأنه يصير معناه: لا يقتل ذو عهد مطلق بالكافر. وليس كذلك بالإجماع، فإن الذمي يقتل بالذمي بالإجماع. فإن قيل: قد روي في بعض الروايات: " ولا بذي عهد في عهده " أي ولا يقتل مسلم بكافر ولا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 81 قال: ولا يقتل بالمستأمن لأنه غير محقون الدم على التأبيد، وكذلك كفره باعث على الحراب؛ لأنه على قصد الرجوع، ولا يقتل الذمي بالمستأمن لما بينا. ويقتل المستأمن بالمستأمن قياسا للمساواة ولا يقتل استحسانا لقيام المبيح، ويقتل الرجل بالمرأة، والكبير بالصغير، والصحيح بالأعمى والزمن وبناقص الأطراف وبالمجنون للعمومات،   [البناية] ذمي عهد. قلنا: هي رواية شاذة مجهولة. ولئن صح فنقول أنه معطوف على المؤمن لا على الكافر، والجر على الجواز كما في جحر ضب خرب. والمرد بذي عهد مستأمن وبه نقول، أي: المستأمن لا يقتل بالمستأمن. م: (قال: ولا يقتل بالمستأمن) ش: أي لا يقتل المسلم بالمستأمن. م: (لأنه غير محقون الدم على التأبيد، وكذلك كفره باعث على الحراب لأنه على قصد الرجوع) ش: إلى داره، فكان كالحربي. م: (ولا يقتل الذمي بالمستأمن لما بينا) ش: لأنه غير محقون الدم على التأبيد. قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قتله هو إشارة إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولا ذو عهد في عهده» وليس بواضح لأن المعهود منه في مثله لما روينا؛ ولأننا قدرنا ذلك بكافر حربي إلا إذا أريد هناك بالحربي أعم من أن يكون مستأمنا أو محاربا، وهو الحق، ويغنينا عن السؤال عن كيفية قتل المسلم الحربي، والجواب عنه بقوله: " لما بينا " لأن التقدير المذكور ليس بمروي، وإنما هو تأويل فلم يقل: " لما روي ". م: (ويقتل المستأمن بالمستأمن قياسا) ش: لأنهما حقنا دمهما بالأمان م: (للمساواة) ش: بينهما من حيث حقن دمهما، فصارا متكافئين. وبه قالت الأئمة الثلاثة. م: (ولا يقتل استحسانا لقيام المبيح) ش: وهو الكفر الباعث على الحراب، لما قلنا: إنه على قصد الرجوع. [الحكم إذا قتل الرجل امرأة] م: (ويقتل الرجل بالمرأة، والكبير بالصغير، والصحيح بالأعمى، والزمن وبناقص الأطراف وبالمجنون للعمومات) ش: أراد بها قوله: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] وغير ذلك من الآيات الدالة بعمومها على وجوب القصاص. وهذا الذي ذكرناه من قوله: " ويقتل الرجل.. " إلى آخره قول أكثر أهل العلم. وعن عطاء عن الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا قتل الرجل امرأة فوليها إن شاء أخذ بديتها ستة آلاف درهم، وإن شاء دفع إلى ولي القاتل ستة آلاف وقتله. هكذا روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 82 ولأن في اعتبار التفاوت فيما وراء العصمة امتناع القصاص وظهور التقاتل والتفاني، قال: ولا يقتل الرجل بابنه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يقاد الوالد بولده» وهو بإطلاقه حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: يقاد إذا ذبحه ذبحا،   [البناية] وذكر في " الكشاف " في تفسير قَوْله تَعَالَى: {وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178] قال مالك والشافعي - رحمهما الله -: لا يقتل الذكر بالأنثى، لكن هذا مخالف لعامة كتب الشافعي ومالك. م: (ولأن في اعتبار التفاوت فيما وراء العصمة امتناع القصاص وظهور التقاتل والتفاني) ش: وهذا كله يصلح لجميع ما خالفنا فيه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا يقتل الرجل بابنه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا يقاد الوالد بولده» ش: هذا الحديث رواه الترمذي، وابن ماجه، من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا يقاد الوالد بولده» . وروى الترمذي، وابن ماجه أيضا من حديث طاوس، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تقام الحدود في المساجد، ولا يقتل الوالد بالولد» . وفي سنده إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف. م: (وهو) ش: أي هذا الحديث م: (بإطلاقه حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: يقاد) ش: أي الوالد م: (إذا ذبحه) ش: أي الابن م: (ذبحا) ش: يعني إذا قصد قتله. أما لو رماه بالسيف أو السكين ولم يرد قتله، فلا قصاص. وفي " الجواهر " للمالكية: قال أشهب - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقتل الأب بالابن بكل حال للشبهة، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنت ومالك لأبيك» . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 83 ولأنه سبب لإحيائه؛ فمن المحال أن يستحق له إفناؤه، ولهذا لا يجوز له قتله وإن وجده في صف الأعداء مقاتلا أو زانيا وهو محصن. والقصاص يستحقه المقتول ثم يخلفه وارثه، والجد من قبل الرجال أو النساء وإن علا في هذا بمنزلة الأب، وكذا الوالدة والجدة من قبل الأب أو الأم قربت أم بعدت لما بينا ويقتل الولد بالوالد لعدم المسقط. قال: ولا يقتل الرجل بعبده، ولا مدبره، ولا مكاتبه، ولا بعبد ولده؛ لأنه لا يستوجب لنفسه على نفسه القصاص، ولا ولده عليه،   [البناية] وقال الليثي وداود وابن المنذر، وابن الحكم - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يقتل بابنه للعمومات والأم كالأب، وكذا الأجداد والجدات. وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الأب م: (سبب لإحيائه) ش: أي لإحياء الولد، م: (فمن المحال أن يستحق له إفناؤه، ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك، م: (لا يجوز له) ش: أي للابن م: (قتله) ش: أي قتل الأب. م: (وإن وجده في صف الأعداء) ش: حال كونه م: (مقاتلا أو زانيا) ش: أي ووجده زانيا م: (وهو محصن) ش: أي والحال أنه محصن. وكذا لو وجده مرتدا ليس له أن يقتله شرعا. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أو راميا موضع قوله: " زانيا ". ثم قال: يعني لا يجوز للابن أن يرمي بالحجر نحو أبيه. م: (والقصاص يستحقه المقتول) ش: هذا جواب عما يقال: لو استوفى القصاص منه لا يكون استيفاء من الولد، فإن استيفاء القصاص يمنع من وارث الوالد، وتقدير الجواب أن القصاص يستحقه المقتول أولا، ولهذا لو عفي يصح. م: (ثم يخلفه وارثه) ش: أي ثم يخلف المقتول وارثه، والابن ليس من يستوجب ذلك على أبيه، وبدون الأهلية لا يثبت الحكم. م: (والجد من قبل الرجال أو النساء وإن علا في هذا) ش: الحكم م: (بمنزلة الأب، وكذا الوالدة والجدة من قبل الأب أو الأم قربت أم بعدت لما بينا) ش: أشار به إلى قوله لأنه سبب لإحيائه، م: (ويقتل الولد بالوالد لعدم المسقط) ش: أي لعدم مسقط القصاص، وهو قيام الواجب وهو سبب الإحياء، وحكي عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية شاذة: أنه لا يقتل. م: (قال: ولا يقتل الرجل بعبده، ولا مدبره، ولا مكاتبه، ولا بعبد ولده) ش: ولا يعلم فيه خلاف م: (لأنه لا يستوجب لنفسه على نفسه) ش: أي لأن الرجل لا يستحق لأجل نفسه م: (القصاص ولا ولده عليه) ش: بالرفع معطوفة على الضمير المستكن في يستوجب. وجاز ذلك بلا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 84 وكذا لايقتل بعبد ملك بعضه، لأن القصاص لا يتجزأ. قال: ومن ورث قصدا على أبيه سقط لحرمة الأبوة قال: ولا يستوفي القصاص إلا بالسيف. وقال الشافعي - رحمه لله -: يفعل به مثل ما فعل إن كان فعلا مشروعا، فإن مات وإلا تحز رقبته لأن مبنى القصاص على المساواة.   [البناية] تأكيد المنفصل لوقوع الفصل يعني: ولا يستوجب ولده على أبيه إذا قتل الأب عبد ولده، كذا قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: العطف على الضمير المستكن فيه خلاف بين الكوفيين والبصريين على ما لا يخفى على من له يد في علم النحو. م: (وكذا لا يقتل بعبد ملك بعضه) ش: أي إذا كان عبد بين شريكين، فقتله أحدهما: لا يقتل به، م: (لأن القصاص لا يتجزأ) ش: فيضمن لشريكه قيمته وما يخصه من العبد. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن ورث قصاصا على أبيه) ش: مثل أن يقتل الرجل أم ابنه مثلا م: (سقط) ش: أي القصاص م: (لحرمة الأبوة) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: - «أنت ومالك لأبيك» فظاهره يوجب كونه مملوكا لأبيه. فحقيقة الملك يمنع القصاص كما في المولى إذا قتل عبده. وكذا شبهة الملك باعتبار الظاهر. [لاط بصبي أو وطء صغيرة حتى قتلهما أو سقاه خمرا حتى مات] م: (قال: ولا يستوفي القصاص إلا بالسيف) ش: للحديث الذي يأتي م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يفعل به مثل ما فعل إن كان فعلا مشروعا) ش: مثل أن يقطع يد رجل فمات منه فعل به وذلك، ويمثل مثل تلك المدة م: (فإن مات وإلا تحز رقبته) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - وأصحاب الظاهر ولو كان ذلك الفعل غير مشروع، بأن لاط بصبي أو وطء صغيرة حتى قتلهما أو سقاه خمرا حتى مات، اختلف أصحابه. قيل: يحز رقبته، وقيل في اللواطة: يشحذ آلة على مثل هذا الذكر فيقتل به مثل ما فعل. وقيل في الخمر: يسقى الماء حتى يموت، في " الحلية ": فالمذهب أنه يحز رقبته. وكذا نهشته حية يقتل بمثله. وإذا حبسه في بيت فيه سبع فافترسه ففيما يقتص به وجهان: ولو فعل به ما فعل ولم يمت ففيه قولان: أحدهما: أنه يكرر عليه ذلك الفعل حتى يموت. وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والثاني: أنه يعدل إلى السيف. م: (لأن مبنى القصاص على المساواة) ش: وذلك فيما ذكرنا لأن فيه مساواة في الأصل والوصف، أي الفعل والمقصود به. فإن قيل: قد احتج الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ومن معه بقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] وقَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] . وبما روي عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «أن جارية وجدوا رأسها قد رض الجزء: 13 ¦ الصفحة: 85 ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا قود إلا بالسيف»   [البناية] بين الحجرين، فسألوها من فعل بك هذا، فلان وفلان؟ حتى ذكروا يهوديا فأومأت برأسها. فأخذوا اليهودي. فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرض رأسه بالحجارة» . وبحديث العرنيين فإنهم سملوا أعين الرعاة فسمل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعينهم. قلت: أما قَوْله تَعَالَى: فعاقبوا الآية، فروى الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن مقسم، عن ابن عباس " وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: لما قتل حمزة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ومثل به: " لئن ظفرت بهم لأمثلن بسبعين رجلا ". وفي رواية: " والله لأمثلن بسبعين رجلا منهم ". فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} [النحل: 126] الآية، فصبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكفر عن يمينه» فعلم أن الآية نزلت في هذا المعنى لا فيما ذكروا. وأما قَوْله تَعَالَى: فاعتدوا - الآية، فإنها نزلت على المماثلة لا على الزيادة، وفيما قالوا: الزيادة في الاستيفاء، فلا يجوز. وأما حديث اليهودي فكان بطريق السياسة لأنه كان مشهورا بذلك، فأمر برضه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لكونه ساعيا في الأرض بالفساد، لا بطريق القصاص إذ بإشارة الجارية برأسها لا يجب القصاص. فإن قيل: اليهودي أقر بذلك؟. قلنا: ولئن سلمنا فقد نسخ، ونسخ المثلة كما في حديث العرنيين. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا قود إلا بالسيف» ش: هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، منهم: أبو بكر، أخرج حديثه ابن ماجه عنه، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا قود إلا بالسيف» . ومنهم: نعمان بن بشير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه ابن ماجه - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثله. وفيه جابر الجعفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو ضعيف. قاله ابن الجوزي، وفي موضع آخر قال: وقد وثقه الثوري وشعبة. ومنهم: ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، أخرج حديثه الطبراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجزء: 13 ¦ الصفحة: 86 والمراد به السلاح، ولأن فيما ذهب إليه استيفاء الزيادة.   [البناية] معجمه عنه مرفوعا نحوه سواء، وفيه عبد الكريم ضعفوه. ومنهم: أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه، وفيه سلمان بن أرقم قال الدارقطني: هو متروك. ومنهم: علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرج حديثه الدارقطني أيضا عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا قود في النفس وغيرها إلا بحديدة» . وفيه معلى بن هلال. قال الدارقطني: متروك م: (والمراد به السلاح) ش: أي المراد بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إلا بالسيف " إلا بالسلاح، ويؤيده حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - المذكور آنفا. وقال تاج الشريعة: قوله: والمراد به السلاح هكذا فهمت الصحابة بالمعنى المفهوم دلالة وهو الحز والقطع. كما يقال: المراد من نهي الاستيفاء حرمة الإيذاء. وأصحاب عبد الله بن مسعود كانوا يقولون: لا قود إلا بالسلاح؛ لفهمهم من اللفظ المظهر النبوي. وذلك لأن المراد من السلاح في الاستيفاء الحديد المحدد كالخنجر والسكين. وإنما كنى بالسيف عن السلاح لأن المعد للقتال على الخصوص من بين الأسلحة السيف. فإنه لا يراد به لشيء آخر سوى القتال. وقد يراد بسائر الأسلحة منافع سواه. وهو معنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بعثت بالسيف بين يدي الساعة» يعني السلاح الذي هو آلة القتال. م: (ولأن فيما ذهب إليه) ش: أي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (استيفاء الزيادة) ش: وهو دليل معقول يتضمن الجواب عن قوله: ولأن مبنى القصاص على المساواة. ووجهه: لا نسلم وجود المساواة فيما ذهب إليه لأن فيه الزيادة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 87 لو لم يحصل المقصود بمثل ما فعل فيحز، فيجب التحرز عنه كما في كسر العظام. قال: وإذا قتل المكاتب عمدا وليس له وارث إلا المولى وترك وفاء فله القصاص عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا أرى في هذا قصاصا لأنه أشبه سبب الاستيفاء، فإنه الولاء إن مات حرا والملك إن مات عبدا، وصار كمن قال لغيره: بعني هذه الجارية بكذا، وقال المولى: زوجتها منك، لا يحل له وطئها لاختلاف السبب كذا هذا، ولهما: أن حق الاستيفاء للمولى بيقين على التقديرين وهو معلوم والحكم متحد، واختلاف السبب لا يفضي إلى المنازعة ولا إلى اختلاف حكم، فلا يبالى   [البناية] م: (لو لم يحصل المقصود بمثل ما فعل فيحز) ش: بعد فعل ما فعل به فيجب التحرز عنه لأنه أدى إلى انتفاء القصاص م: (فيجب التحرز عنه كما في كسر العظام) ش: فإن من كسر عظم إنسان سوى السن عمدا، فإنه لا تقبض منه فإذا جاز ترك القصاص كله عند توهم الزيادة، فلأن يجوز ترك البعض أولى. [قتل المكاتب عمدا وليس له وارث إلا المولى وترك وفاء] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا قتل المكاتب عمدا وليس له وارث إلا المولى وترك وفاء فله) ش: أي فللمولى م: (القصاص عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة. إذا كان قاتله عبدا، أما لو كان قاتله حرا لا يجب القصاص على الحر، يقتل العبد عندهم، وسواء ترك وفاء عندهم أو لا، وعندنا: إذا لم يترك وفاء لا يجب القصاص كما يجيء. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا أرى في هذا قصاصا لأنه أشبه سبب الاستيفاء، فإنه) ش: أي فإن سبب الاستيفاء م: (الولاء إن مات حرا والملك إن مات عبدا وصار) ش: هذا م: (كمن قال لغيره: بعني هذه الجارية بكذا، وقال المولى: زوجتها منك، لا يحل له وطئها لاختلاف السبب كذا هذا) . ش: وقال الأكمل: كأنه حام حول الدرء بالشبهات م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: م: (أن حق الاستيفاء للمولى بيقين على التقديرين) ش: أي على تقدير أن يموت حرا وعلى تقدير أن يموت عبدا. م: (وهو) ش: أي المولى م: (معلوم والحكم متحد) ش: وهو استيفاء القصاص م: (واختلاف السبب لا يفضي إلى المنازعة ولا إلى اختلاف حكم، فلا يبالي به) ش: أي باختلاف السبب، كما لو قال المقر لك علي ألف من ثمن عبد، وقال المقر له: من قرض يجب الألف على المقر، ولا يبالي اختلاف السبب. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 88 به بخلاف تلك المسألة لأن حكم ملك اليمين يغاير حكم النكاح ولو ترك وفاء وله وارث غير المولى فلا قصاص وإن اجتمعوا مع المولى؛ لأنه اشتبه من له حق لأنه المولى إن مات عبدا والوارث إن مات حرا، إذ ظهر الاختلاف بين الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في موته على نعت الحرية أو الرق بخلاف الأولى؛ لأن المولى متعين فيها وإن لم يترك وفاء وله ورثة أحرار وجب القصاص للمولى في قولهم جميعا؛ لأنه مات عبدا بلا ريب لانفساخ الكتابة بخلاف معتق البعض إذا مات ولم يترك وفاء لأن العتق في البعض لا ينفسخ بالعجز، وإذا قتل عبد الرهن في يد المرتهن لم يجب القصاص حتى يجتمع الراهن والمرتهن لأن المرتهن   [البناية] م: (بخلاف تلك المسألة) ش: أي مسألة الجارية م: (لأن حكم ملك اليمين يغاير حكم النكاح) ش: لأن ملك اليمين يثبت الحل تبعا، والنكاح مقصود فالحل ثابت مقصود غير الحل الثابت تبعا ويختلف أحكامهما. ولما لم يتفقا على أحد الحكمين لم يثبت الحل م: (ولو ترك وفاء وله وارث غير المولى) ش: أي ولو ترك المكاتب المقتول وفاء، والحال أن له وارثا غير مولاه. م: (فلا قصاص) ش: أي عند أصحابنا بلا خلاف خلافا للأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (وإن اجتمعوا مع المولى؛ لأنه اشتبه من له حق لأنه) ش: أي لأن من له الحق م: (المولى إن مات عبدا والوارث) ش: أي من له الحق الوارث م: (إن مات حرا إذ ظهر الاختلاف) ش: أي لأنه ظهر الاختلاف م: (بين الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في موته على نعت الحرية أو الرق) ش: أي على وصف الحرية، فإن مات حرا أو على وصف الرقية، بأن مات عبدا فعند علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وعبد الله بن مسعود - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يموت حرا إذا أديت كتابته، فيكون الاستيفاء لورثته. وعند زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يموت عبدا. وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد، فيكون الاستيفاء للمولى، فلهذا الاختلاف لا يجب القصاص م: (بخلاف الأولى) ش:، أي المسألة الأولى م: (لأن المولى متعين فيها) ش: فيجب القصاص على الاختلاف. م: (وإن لم يترك وفاء وله ورثة أحرار وجب القصاص للمولى في قولهم جميعا لأنه مات عبدا بلا ريب لانفساخ الكتابة) ش: بموته. ولم يذكر ما إذا مات ولم يترك وفاء له ورثة أرقاء لعدم الفائدة في ذكره؛ لأن حكمه حكم المذكور في الكتاب. م: (بخلاف معتق البعض إذا مات ولم يترك وفاء) ش: أي لا يجب القصاص للمولى م: (لأن العتق في البعض لا ينفسخ بالعجز) ش: لأن ملك الولي لا يعود بموته، ولا ينفسخ بالعجز ما عتق عنه، وهذا على قول من قال: يتجزأ الإعتاق. [قتل عبد الرهن في يد المرتهن] م: (وإذا قتل عبد الرهن في يد المرتهن لم يجب القصاص حتى يجتمع الراهن والمرتهن لأن المرتهن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 89 لا ملك له فلا يليه، والراهن لو تولاه لبطل حق المرتهن في الدين فيشترط اجتماعهما ليسقط حق المرتهن برضاه. قال: وإذا قتل ولي المعتوه فلأبيه أن يقتل لأنه من الولاية على النفس شرع لأمر راجع إليها، وهو تشفي الصدر فيليه كالإنكاح   [البناية] لا ملك له فلا يليه) ش: أي القصاص م: (والراهن لو تولاه) ش: أي القصاص م: (لبطل حق المرتهن في الدين فيشترط اجتماعهما ليسقط حق المرتهن برضاه) ش:. وفي " المغني " و " الجامع الصغير " لفخر الإسلام وغيرهما: لا يثبت لهما القصاص وإن اجتمعا كما إذا قتل عبد المكاتب، فاجتمع المولى مع المكاتب ويجب الدية في مال القاتل في ثلاث سنين. وفي " الإيضاح ": إذا اجتمع للراهن أن تقبل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما لا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: استيفاء القصاص للراهن لأنه هو المالك، فإذا استوفى لم يجب للمرتهن عليه شيء عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يجب عليه قيمته فيكون رهنا مكانه. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا قتل ولي المعتوه) ش: يعني قريبه وهو ابنه م: (فلأبيه) ش: أي فلأب المعتوه وهو جد المقتول م: (أن يقتل) ش:، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لم يكن لوليه استيفاءه لأن فيه بطلان حق الصغير والمعتوه، بل ينتظر بلوغ الصغير، وإفاقة المجنون ويحبس القاتل م: (لأنه) ش: أي لأن استيفاء القصاص م: (من الولاية على النفس شرع لأمر راجع إليها) ش: أي إلى النفس م: (وهو تشفي الصدر فيليه كالإنكاح) . ش: ولا يتوهم أن كل من ملك الإنكاح ملك استيفاء القصاص كالأخ، فإنه يملك الإنكاح دون القصاص لأنه شرع للتشفي. وللأب شفقة كاملة بعد ضرر الولد ضرر نفسه. فجعل ما يحصل له من التشفي كالحاصل للأب بخلاف الأخ. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال بعض الشارحين في هذا الموضع: كل من ملك الإنكاح لا يملك استيفاء القصاص، فإن الأخ يملك الإنكاح، ولا يملك استيفاء القصاص. فأقول هذا ليس بشيء لأن الأخ يملك استيفاء القصاص إذا لم يكن ثمة ولي أقرب منه. انتهى. قلت: أراد ببعض الشارحين الكاكي والأكمل - رحمهما الله -، فإنهما اللذان ذكرا ذلك فيمن ذكرناه مثل ما ذكرا امرأة، أمعن نظره فيها أن رده غير موجه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 90 وله أن يصالح لأنه أنظر في حق المعتوه، وليس له أن يعفو لأن فيه إبطال حقه، وكذلك إن قطعت يد المعتوه عمدا لما ذكرنا. والوصي بمنزلة الأب في جميع ذلك، إلا أنه لا يقتل لأنه ليس له ولاية على نفسه، وهذا من قبيله ويندرج تحت الإطلاق الصلح عن النفس واستيفاء القصاص في الطرف، فإنه لم يستثن إلا القتل،   [البناية] م: (وله) ش: أي وللأب م: (أن يصالح) ش: أي القاتل م: (لأنه أنظر في حق المعتوه) ش: لكن هذا فيما إذا صالح على قدر الدين، ولو صالح بأقل منه لم يجر الخطأ وإن قل. ويجب كمال الدية. وقال الأترازي: قال بعضهم في شرحه: هذا إذا صالح على مثل الدية فذكر ما ذكرناه الآن ناقلا عن الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم قال: ولنا فيه نظر؛ لأن لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " مطلق حيث جوز صلح أب المعتوه عن دم قريبه مطلقا؛ لأنه قال: وله أن يصالح من غير قيد بقدر الدية انتهى. قلت: في نظره نظر؛ لأنه يجوز أن يكون مراد محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وله أن يصالح، مقيدا بهذا القيد على ما لا يخفى. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المنصوص "، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: لا يجوز؛ لأنه لا يملك إسقاط قصاصه. وقال الشافعي في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يجوز إذا كان الصغير والمجنون محتاجين إلى النفقة، ولا مال لهما لحاجته إلى المال للحفظ. م: (وليس له أن يعفو لأن فيه إبطال حقه وكذلك) ش: أي الحكم م: (إن قطعت يد المعتوه عمدا لما ذكرنا) ش: أي من قوله لأنه من باب الولاية على النفس على تأويل المذكور ويندرج تحت هذا الإطلاق وهو قوله: م: (والوصي بمنزلة الأب في جميع ذلك) ش: أي فيما ذكر من الأحكام م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن الوصي م: (لا يقتل لأنه ليس) ش: لأن ليس م: (له ولاية على نفسه) ش: أي على نفس المعتوه. م: (وهذا) ش: أي استيفاء القصاص م: (من قبيله) ش: أي من قبيل الولاية على النفس على تأويل المذكور. م: (ويندرج تحت الإطلاق) ش: وهو قوله: والوصي بمنزلة الأب م: (الصلح عن النفس واستيفاء القصاص في الطرف، فإنه لم يستثن إلا القتل) ش: أي فإن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يستثن إلا القتل، والمسألة مذكورة في " الجامع الصغير " كما ذكرنا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 91 وفي كتاب الصلح: أن الوصي لا يملك الصلح؛ لأنه تصرف في النفس بالاعتياض عنه فينزل منزلة الاستيفاء، ووجه المذكور هاهنا أن المقصود من الصلح المال، وأنه يجب بعقده كما يجب بعقد الأب بخلاف القصاص؛ لأن المقصود التشفي وهو مختص بالأب ولا يملك العفو؛ لأن الأب لا يملكه لما فيه من الإبطال، فهو أولى، وقالوا: القياس أن لا يملك الوصي الاستيفاء في الطرف كما لا يملكه في النفس؛ لأن المقصود متحد، وهو التشفي. وفي الاستحسان: يملكه لأن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال، فإنها خلقت وقاية للأنفس كالمال على ما عرف، فكان استيفاؤه بمنزلة التصرف في المال   [البناية] م: (وفي كتاب الصلح) ش: أي ذكر في كتاب " الصلح " من الأصل: م: (أن الوصي لا يملك الصلح؛ لأنه تصرف في النفس بالاعتياض عنه) ش: ملحقا به وهو معنى قوله م: (فينزل منزلة الاستيفاء) ش: فلا يجوز حينئذ صلح الوصي. م: (ووجه المذكور هاهنا) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (أن المقصود من الصلح: المال وأنه يجب بعقده) ش: أي بعقد الوصي. م: (كما يجب بعقد الأب) ش: فوجب القول بصحته م: (بخلاف القصاص) ش: حيث لا يملك الوصي استيفاءه في النفس م: (لأن المقصود) ش: من القصاص م: (التشفي وهو) ش: أي التشفي م: (مختص بالأب) ش: لقربه وكمال شفقته، وهذا أمر معهود من الأب، والوصي لا ينزل منزلته في التشفي ودرك الثأر. م: (ولا يملك) ش: أي الوصي م: (العفو؛ لأن الأب لا يملكه لما فيه من الإبطال) ش: أي لما في العفو من إبطال حقه فإذا كان كذلك م: (فهو أولى) ش: أي فالعفو من الوصي أولى من الإبطال. حاصل الفصل: أن الروايات اتفقت في الأب أنه يستوفي القصاص في النفس وما دونها. وأنه يصالح في البابين جميعا، ولا يصح عفوه في البابين. واتفقت الروايات في الوصي أنه لا يملك استيفاء النفس، وأنه يملك استيفاء ما دونها. وأنه يملك الصلح فيما دونها، ولا يملك العفو في البابين. وإنما اختلفت الروايات في الوصي في فصل واحد وهو صلحة في النفس على مال. فقال في " الجامع الصغير ": يصح صلحه. وقال في كتاب الصلح: لا يصح، م: (وقالوا) ش: أي المشائخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: م: (القياس أن لا يملك الوصي الاستيفاء في الطرف كما لا يملكه في النفس؛ لأن المقصود متحد وهو التشفي. وفي الاستحسان: يملكه لأن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال، فإنها) ش: أي فإن الأطراف م: (خلقت وقاية للأنفس كالمال على ما عرف) ش: في الأصول م: (فكان استيفاؤه) ش: أي استيفاء الوصي. م: (بمنزلة التصرف في المال) ش: فيجوز. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 92 والصبي بمنزلة المعتوه في هذا، والقاضي بمنزلة الأب في الصحيح، ألا ترى أن من قتل ولا ولي له يستوفيه السلطان والقاضي بمنزلته فيه. قال: ومن قتل وله أولياء صغار وكبار، فللكبار أن يقتلوا القاتل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] وفي " المحيط ": القياس هو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، في رواية، وهو الأظهر على قولهما: لأنهما يجعلان الطرف كالنفس في حكم القصاص فالنكول. وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما لا يملكه في النفس، وفي " الاستحسان ": يملكه، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي " جامع أبي الليث " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا إذا أدرك معتوها، فإن أدرك عاقلا فلا. ثم عنه: لا ولاية للوصي في ماله ولا في نفسه في قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حكمه حكم الذي أدرك معتوها سواء. وفي " المبسوط ": لو كان يجن ويفنى فهو كالصحيح، ولو جن بعد القتل إن كان هذا الجنون الحادث مطبقا يسقط القود، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولو جن بعد القتل لا بقتل. وكذا: لو عته بعد القتل ولو قضى عليه بالقتل لا يقتل قياسا. قال في موضع آخر: وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قبل الرفع إلى الوالي لا يقتل قياسا، وبعد الرفع يقتل استحسانا. م: (والصبي بمنزلة المعتوه في هذا) ش: أي في القتل والصلح وعدم جواز المعتوه. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي في هذا المعنى للأب أن يستوفي القصاص الواجب للصغير في النفس وما دونها. وقال الشافعي: ليس له ذلك. م: (والقاضي بمنزلة الأب في الصحيح) ش: يملك الاستيفاء في النفس، وفيما دون النفس؛ لأن له ولاية في النفس والمال جميعا. م: (ألا ترى أن من قتل ولا ولي له يستوفيه السلطان والقاضي بمنزلته فيه) ش: أي بمنزلة السلطان، وفي " المحيط " قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس للسلطان أن يقتص إذا كان المقتول من أهل دار الإسلام كما للقيط، كما ليس له أن يعفو بغير مال. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: للسلطان أن يقتل قاتل من لا ولي له أن يصالح، وكذلك إذا قتل اللقيط في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [قتل وله أولياء صغار وكبار] م: (قال) ش: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن قتل وله أولياء صغار وكبار، فللكبار أن يقتلوا القاتل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قبل بلوغ الصغار. وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، والليث بن سعد، وحماد بن سليمان، الجزء: 13 ¦ الصفحة: 93 وقالا: ليس لهم ذلك حتى يدرك الصغار؛ لأن القصاص مشترك بينهم، ولا يمكن استيفاء البعض لعدم التجزؤ، وفي استيفائهم الكل إبطال حق الصغار فيؤخر إلى إدراكهم، كما إذا كان بين الكبيرين وأحدهما غائب، أو كان بين الموليين. وله: أنه حق لا يتجزأ لثبوته بسبب لا يتجزأ وهو القرابة، واحتمال العفو من الصغير منقطع. فيثبت لكل واحد كملا كما في ولاية الإنكاح، بخلاف الكبيرين؛ لأن احتمال العفو من الغائب ثابت   [البناية] والأوزاعي وزاد مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال: إن كان للمقتول ولد صغير وأخ كبير أو أخت كبيرة فالأخ أختان يقتصان قبل بلوغ الصغير. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ليس لهم ذلك) ش: أي ليس للكبار أن يقتصوا م: (حتى يدرك الصغار) ش: وبه قال الشافعي. - رَحِمَهُ اللَّهُ - " وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأظهر، وإسحاق، وعمر بن عبد العزيز، وابن شبرمة، وابن أبي ليلى - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (لأن القصاص مشترك بينهم) ش: أي بين الصغار والكبار. م: (ولا يمكن استيفاء البعض لعدم التجزؤ) ش: لأنه تصرف في الروح، وذا لا يقبل الوصف بالتجزؤ. م: (وفي استيفائهم الكل إبطال حق الصغار فيؤخر) ش: أي القصاص م: (إلى إدراكهم) ش: أي إلى بلوغهم م: (كما إذا كان) ش: أي القصاص م: (بين الكبيرين وأحدهما غائب) ش: فإنه لا يقتص حتى يحضر الغائب م: (أو كان) ش: أي القصاص م: (بين الموليين) ش: صورته: معتق رجلين قتل وأحد مولييه غائب، فليس للحاضر استيفاء القصاص حتى يحضر الغائب. وفي " المبسوط ": صورته: عبد مشترك بين الصغير والكبير، فقتل، ليس للكبير استيفاء القصاص قبل أن يدرك الصغير بالإجماع. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أنه) ش: أي أن القصاص م: (حق لا يتجزأ لثبوته بسبب لا يتجزأ وهو القرابة، واحتمال العفو من الصغير منقطع) ش: أي والحال ولايته والشبهة في المال. م: (فيثبت) ش: أي حق القصاص م: (لكل واحد كملا) ش: أي على الكمال. م: (كما في ولاية الإنكاح) ش: حيث يجوز لأحد أولياء الصغير أن يزوجه لأن لكل واحد منهم ذلك م: (بخلاف الكبيرين) ش: إذا كان أحدهما غائبا فليس للحاضر أن يقبض م: (لأن احتمال العفو من الغائب ثابت) ش: بلا شبهة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 94 ومسألة الموليين ممنوعة. قال: ومن ضرب رجلا بمر فقتله، فإن أصابه بالحديد قتل به، وإن أصابه بالعود فعليه الدية. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا إذا أصابه بحد الحديد لوجود الجرح، فكمل السبب. وإن أصابه بظهر الحديد فعندهما: يجب،   [البناية] م: (ومسألة الموليين ممنوعة) ش: هذا جواب عن قوله: أو كان بين الموليين قالوا: إنه لا ولاية في هذا فيمنع. ونقول: لا نسلم أن لا ينفرد أحدهما للاستيفاء، ولئن سلمنا فنقول: إن أحد الموليين إنما لم ينفرد بالاستيفاء لأن السبب لم يكمل في حقه لأن بعض الملك، وبعض الولاء ليس بسبب أصلا، فصارا جميعا كشخص واحد، فثبت ملك قصاص واحد لشخص واحد، بخلاف السعاية، فإنها سبب كامل لاستحقاق كل القصاص. وفي " المبسوط ": احتج أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا بما روي: أن الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قتل عبد الرحمن بن ملجم حين قتل عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وفي أولاد علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صغار ولم ينتظر بلوغهم. وفي " الأسرار ": روي عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أنه لما أصابه ابن ملجم قال في وصيته: " أما أنت يا حسن فإن شئت أن تقتص فاقتص بضربة واحدة وإياك والمسألة ". فلما مات علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قتل به، وفي ورثة علي صغار منهم العباس بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وكان له أربع سنين. وذلك بحضرة الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من غير نكير. [ضرب رجلا بمرفقتله] م: (قال) ش: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن ضرب رجلا بمر) ش: بفتح الميم وتشديد الراء. قال " صاحب المغرب ": هو الذي يعمل به في الطين. م: (فقتله فإن أصابه بالحديد) ش: أي بالحديد الذي في أحد طرفي المر، م: (قتل به) ش: بلا خلاف لوجود القتل على وجه الكمال. م: (وإن أصابه بالعود) ش: الذي هو أحد طرفي المر م: (فعليه الدية، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا) ش: أي وجوب القصاص م: (إذا أصابه بحد الحديد لوجود الجرح فكمل) ش: أي الجرح هو م: (السبب) ش: أي سبب القصاص. م: (وإن أصابه بظهر الحديد فعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (يجب) ش: أي القصاص. وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 95 وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا منه للآلة وهو الحديد، وعنه: إنما يجب إذا جرح وهو الأصح على ما نبينه إن شاء الله تعالى، وعلى هذا الضرب بسنجات الميزان. وأما إذا ضربه بالعود، فإنما تجب الدية لوجود قتل النفس المعصومة وامتناع القصاص حتى لا يهدر الدم. ثم قيل: هو بمنزلة العصا الكبيرة، فيكون قتلا بالمثقل، وفيه خلاف أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما نبين. وقيل: هو بمنزلة السوط، وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي مسألة الموالاة. له: أن الموالاة في الضربات إلى أن مات دليل العمدية   [البناية] م: (وهو) ش: أي قولهما م: (رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا منه للآلة وهو الحديد) ش: لأن الحديد سلاح كله حده وعرضه في ذلك سواء. م: (وعنه) ش: أي وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (إنما يجب) ش: أي القصاص م: (إذا جرح) ش: كذا ذكره الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهو الأصح على ما نبينه إن شاء الله تعالى) . ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في هذه الحوالة نظر. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو قوله بعد ذلك: ولا يماثل بين الجرح والدق، لقصور الثاني عن تخريب الظاهر إلى آخره. م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الاختلاف م: (الضرب بسنجات الميزان) ش: يعني إذا كانت من حديد م: (وأما إذا ضربه بالعود، فإنما تجب الدية لوجود قتل النفس المعصومة وامتناع القصاص حتى لا يهدر الدم) ش: يعني لما وجد قتل النفس المعصومة وامتناع وجوب القصاص، وجبت الدية حتى لا يهدر دم المقتول. م: (ثم قيل: هو) ش: أي عود المر إذا كان لا يلبث م: (بمنزلة العصا الكبيرة، فيكون قتلا بالمثقل) ش: كمدقة القصابين وحجر الرحى، لا يجب القصاص عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإليه أشار بقوله: م: (وفيه خلاف أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما نبين) ش: إن شاء الله تعالى، فتجب الدية في ماله في ثلاث سنين؛ لأنه عمد. وعندهما: يجب القصاص لأنه قتل عمد. وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (وقيل: هو بمنزلة السوط) ش: يعني إذا كان العود مما يثبت م: (وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي مسألة الموالاة) ش:، يعني في الضرب بالعصا الصغيرة أو الحجر الصغير، إذا والى الضربات، لا يجب القصاص به. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب إذا والى الضربات على وجه لا تحمله النفس عادة؛ لأنه دلالة القصد إلى القتل. وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو معنى قوله. م: (له) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الموالاة في الضربات إلى أن مات دليل العمدية الجزء: 13 ¦ الصفحة: 96 فيتحقق الموجب. ولنا: ما روينا " ألا إن قتيل خطأ العمد " ويروى " شبه العمد " الحديث. ولأن فيه شبهة عدم العمدية؛ لأن الموالاة قد تستعمل للتأديب أو لعله اعتراه القصد في خلال الضربات فيعرى أول الفعل عنه، وعساه أصاب المقتل والشبهة دارئة للقود فوجبت الدية. قال: ومن غرق صبيا أو بالغا في البحر، فلا قصاص عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يقتص منه، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - غير أن عندهما يستوفي حزا. وعنده يغرق كما بيناه من قبل. لهم   [البناية] فيتحقق الموجب) ش: للقصاص. م: (ولنا: ما روينا: «لا إن قتيل خطأ العمد» ش: قتيل السوط والعصا، ولم يفصل بين الموالاة وغيرها. م: (ويروى " شبه العمد " الحديث) ش: وقد مضى من حديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: «ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا» الحديث. م: (ولأن فيه شبهة عدم العمدية؛ لأن الموالاة قد تستعمل للتأديب) ش: لأنه قد يشرع حدا وتعزيرا في مواضع لا يكون القتل مشروعا، فلو كان ذلك دلالة القصد لم يشرع في موضع لا يكون القتل مشروعا. م: (أو لعله اعتراه القصد في خلال الضربات) ش: أي: أو لعل الضارب شبه القصد في أثناء الضربات م: (فيعرى أول الفعل عنه) ش: أي: فيخلو أول الضرب عن القصد، فيتمكن الخلل في العمدية. م: (وعساه أصاب المقتل) ش: أي: لعل أول الفعل، وهو الضربة، أصاب المقتل، فالشبهة إلى القتل فلا يدل ذلك على العمد. م: (والشبهة دارئة للقود) ش: فلا يجب القصاص. م: (فوجبت الدية) ش: في ثلاث سنين. [غرق صبيا أو بالغا في البحر] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن غرق صبيا أو بالغا في البحر فلا قصاص عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يقتص منه، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - غير أن عندهما) ش: أي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (يستوفي حزا) ش: أي تحز الرقبة بالسيف. م: (وعنده) ش: أي وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (يغرق كما بيناه من قبل) ش: وهو أنه يفعل به بمثل ما فعل. م: (لهم) ش: قال شيخنا العلاء: للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولهما، لكن استدلال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالحديث المذكور واستدلالهما بالقول. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: النص يقتضي التفريق " وهو مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ويكون حجة لهما أيضا على أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في نفي وجوب الدية. والحديث الجزء: 13 ¦ الصفحة: 97 قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " من غرق غرقناه "؛ ولأن الآلة قاتلة فاستعمالها أمارة العمدية، ولا مراء في العصمة، وله قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا " وفيه: " وفي كل خطأ أرش "؛ ولأن الآلة غير معدة للقتل ولا مستعملة فيه لتعذر استعمالها فتمكنت شبهة عدم العمدية؛ ولأن القصاص ينبئ عن المماثلة.   [البناية] رواه البيهقي في " سننه "، وفي " المعرفة " من حديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من عرض عرضنا له، ومن حرق حرقناه، ومن غرق غرقناه» . قال " صاحب التنقيح " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في هذا الإسناد من يجهل حاله. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الحديث غير موصول إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولئن صح فهو محمول على السياسة بإضافة التفريق إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حيث م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من غرق غرقناه» ش: ولم يقل: من غرق. قلت: الحديث مرفوع ولكنه ضعيف على ما يجيء عن قريب في " الجامع الصغير ". ولو أحمى تنورا فألقاه في النار ولا يستطيع الخروج منها، فأحرقته ففيه القود. وفيه إشارة إلى أن الإحماء يكفي للقود وإن لم تكن فيه النار. وفي " جمع التفاريق ": هو الصحيح، ولو ألقاه في نار ثم أخرج وبه رمق فمكث مضني منه حتى مات ففيه القود، وإن كان يجيء ويذهب فلا. ولو أوجره سما كارها أو تأويله. أو أكرهه على شربه فلا قود فيه. م: (ولأن الآلة قاتلة) ش: هذا استدلالهما، بيانه: أن الماء الذي لا ينجى منه عادة قاتل. قيل: هذا الماء أدى القتل م: (فاستعمالها أمارة العمدية) ش: أي باستعمال هذه الآلة علامة العمدية. م: (ولا مراء) ش: أي ولا شك م: (في العصمة) ش: أي عصمة المحل لأن كلامنا فيما إذا كان المقتول محقون على التأبيد وقد وجد فيجب القصاص. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا» . وفيه: «وفي كل خطأ أرش» ش: وقد مر الحديث في أوائل الكتاب. م: (ولأن الآلة) ش: وهي: الماء الذي جعل كالآلة م: (غير معدة للقتل ولا مستعملة فيه) ش: أي: في القتل م: (لتعذر استعماله فتمكنت شبهة عدم العمدية؛ ولأن القصاص ينبئ عن المماثلة) ش: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 98 ومنه يقال: اقتص أثره، ومنه المقصة للجملين، ولا تماثل بين الجرح والدق لقصور الثاني عن تخريب الظاهر، وكذا لا يتماثلان في حكمة الزجر لأن القتل بالسلاح غالب وبالمثقل نادر، وما رواه غير مرفوع أو هو محمول على السياسة، وقد أومت إليه إضافته إلى نفسه فيه   [البناية] هذا لأنه ألحق بالقتل إلى القصاص في لغة العرب يبنى على المماثلة واستدل عليه بقوله م: (ومنه يقال: اقتص أثره) ش: أي تبعه م: (ومنه المقصة) ش: وهو المقراض يقال م: (للجلمين) ش: الجلم الذي يجز به وهما جلمان، يعني: سميت المقصة مقصة لأن كل واحد من الجلمين يماثل الآخر، وقال شيخي العلاء - رحمة الله عليه -: قوله: " للجملين "، هكذا بتصحيح شيخي - رحمة الله عليه -. ووقع في النسخ: للحكمين. ولا وجه له لأن الحكم الذي يجريه كما ذكرناه. م: (ولا تماثل بين الجرح والدق) ش: لأن الدق يعمل في الباطن دون الظاهر، والجرح بالسيف يعمل في الظاهر والباطن، والتغريق لا يعمل في الظاهر والباطن جميعا، أشار إليه بقوله: م: (لقصور الثاني) ش: أي الدق م: (عن تخريب الظاهر، وكذا لا يتماثلان) ش: أي الجرح والدق. م: (في حكمة الزجر لأن القتل بالسلاح غالب وبالمثقل نادر) ش: وشرعية الزجر في الغالب لا في النادر، ولهذا شرع الحد في شرب الخمر لا في شرب البول. م: (وما رواه) ش: أي ما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله: «من غرق غرقناه» م: (غير مرفوع) ش: أي غير مرفوع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي غير ثابت، وإنما هو من كلام رواية: ولا يلزم التحريق، وهو منهي. قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يعذب بالنار إلا رب النار» . قلت: قد ذكرنا أن البيهقي رواه مرفوعا ولكنه ضعيف لا تقوم به الحجة، وأجاب عنه المصنف بجواب آخر وهو قوله: م: (أو هو محمول على السياسة) . ش: هذا جواب بطريق التسليم، يعني: ولئن سلمنا أنه مرفوع، ولكنه محمول على السياسة، وقد مر الكلام فيه عن قريب. م: (وقد أومأت إليه إضافته إلى نفسه فيه) ش: أي إشارة إلى الحمل على السياسة إضافة الجزء: 13 ¦ الصفحة: 99 وإذا امتنع القصاص وجبت الدية، وهي على العاقلة، وقد ذكرناه واختلاف الروايتين في الكفارة. قال: ومن جرح رجلا عمدا فلم يزل صاحب فراش حتى مات فعليه القصاص لوجود السبب وعدم ما يبطل حكمه في الظاهر، فأضيف إليه. قال: وإذا التقى الصفان من المسلمين والمشركين فقتل مسلم مسلما ظن أنه مشرك، فلا قود عليه، وعليه الكفارة لأن هذا أحد نوعي الخطأ على ما بيناه، والخطأ بنوعيه لا يوجب القود، ويوجب الكفارة،   [البناية] النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل التغريق إلى نفسه بإسناد الفعل حيث قال: " غرقناه " وقد مر الكلام فيه، وقيل: هو منسوخ بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يعذب بالنار إلا رب النار» وقد ذكرنا أن تمام الحديث: «من حرق حرقناه» . ولا يقال إن بعض حديث واحد منسوخ دون البعض. م: (وإذا امتنع القصاص) ش: أي في التغريق (وجبت الدية، وهي على العاقلة) ش: أي: عاقلة الذي غرق في ثلاث سنين؛ لأنه شبه العمد، وقد مر حكم شبه العمد أشار إليه بقوله: م: (وقد ذكرناه) ش: أي فيما مضى عند ذكر شبه العمد. م: (واختلاف الروايتين في الكفارة) ش: " اختلاف الروايتين " بالرفع لأنه مبتدأ، وقوله في الكفارة خبره يعني اختلاف الروايتين عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا في شبه العمد في الكفارة في القتل في المثقل. في رواية: تجب، وفي رواية: لا تجب، لا في الدية فإن الدية تجب بلا تردد، ورواية وجوب الكفارة هي الصحيحة. [جرح رجلا عمدا فلم يزل صاحب فراش حتى مات] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن جرح رجلا عمدا فلم يزل صاحب فراش حتى مات فعليه القصاص) ش: إلى هذا كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لوجود السبب) ش: وهو سفك دم محقون على التأبيد عمدا م: (وعدم ما يبطل حكمه) ش: أي: ولعدم ما يبطل حكمه، أي: حكم الدم المحقون على التأبيد من العفو أو الشبهة م: (في الظاهر، فأضيف إليه) ش: أي إلى الظاهر؛ لأن الظاهر أنه مات بذلك الكسب لعدم تحلل البرء، فأضيف إليه، فوجب القصاص. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا التقى الصفان من المسلمين والمشركين فقتل مسلم مسلما ظن أنه مشرك، فلا قود عليه) ش: أي فلا قصاص عليه م: (وعليه الكفارة لأن هذا أحد نوعي الخطأ) ش: وهو الخطأ في القصد، م: (على ما بيناه) ش: فيما مضى في بيان تقسيم القتل في أول كتاب الجنايات. م: (والخطأ بنوعيه) ش: أي: الخطأ في القصد والخطأ في الفعل، وقد مر فيما مضى. وقوله: " والخطأ " مبتدأ. وقوله م: (لا يوجب القود) ش: خبره: أي القصاص م: (ويوجب الكفارة، الجزء: 13 ¦ الصفحة: 100 وكذا الدية على ما نطق به نص الكتاب، ولما اختلفت سيوف المسلمين على اليمان أبي حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قضى رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بالدية، قالوا: إنما تجب الدية إذا كانوا مختلطين، فإن كان في صف المشركين لا تجب لسقوط عصمته بتكثير سوادهم قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من كثر سواد قوم فهو منهم» .   [البناية] وكذا الدية) ش: بالنصب عطفا على قوله الكفارة، وكذا يوجب الدية م: (على ما نطق به نص الكتاب) ش: وهو قوله - عز وجل -: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] . م: (ولما اختلفت سيوف المسلمين على اليمان) ش: بفتح الياء أول الحروف، وتخفيف الميم، وفي آخره نون، وهو اسم لوالد م: (أبي حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: ولهذا بينه بقوله: أبي حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وهذا بحسب الظاهر على ألسنة الناس. وفي نفس الأمر على ما قال ابن شاهين في " المعجم ": حدثنا عبد الله بن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: حدثني عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبي عبيدة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قال: حذيفة بن حنبل - رَحِمَهُ اللَّهُ - بن جابوس ابن ربيعة بن عمرو بن اليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإنما قيل: حذيفة بن اليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنه من بلد اليمان، من خردة بن الحارث بن قطيعة بن عبس، مات حذيفة بالمدائن سنة ست وثلاثين. فاليمان: إن كان اسما موضوعا له يجب أن يجري بوجوب الإعراب، وإن كان منسوبا إلى اليمن يجب كسر نونه لأنه حذفت منه ياء النسبة، وعوض منها الألف، وبقيت النون على حالها. وأما قصته: فإنه قتل في غزوة الخندق، قتله المسلمون وهم يظنون أنه مشرك. م: (قضى رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بالدية) ش: فوهبها حذيفة لهم. م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (إنما تجب الدية إذا كانوا مختلطين) ش: أي المسلمون والكفار م: (فإن كان) ش: أي المسلم م: (في صف المشركين لا تجب لسقوط عصمته بتكثير سوادهم. قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش:، أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من كثر سواد قوم فهو منهم» ش: هذا الحديث رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده "، حدثنا أبو همام، حدثنا ابن وهب، أخبرني بكر بن نصر، عن عمرو بن الحارث: أن رجلا دعا عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلى وليمة، فلما جاء ليدخل سمع لهوا، فلم يدخل، فقال له: لم رجعت؟ قال: إني سمعت رسول الله الجزء: 13 ¦ الصفحة: 101 قال: ومن شج نفسه وشجه رجل وعقره أسد وأصابته حية فمات من ذلك كله، فعلى الأجنبي ثلث الدية؛ لأن فعل الأسد والحية جنس واحد لكونه هدرا في الدنيا والآخرة، وفعله بنفسه هدر في الدنيا معتبر في الآخرة حتى يأثم عليه، وفي " النوادر ": أن عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: يغسل ويصلى عليه، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يغسل ولا يصلى عليه، وفي " شرح السير الكبير " ذكر في الصلاة عليه اختلاف المشايخ على ما كتبناه في كتاب " التجنيس " و " المزيد "، فلم يكن هدرا مطلقا وكان جنسا آخر، وفعل الأجنبي معتبر في الدنيا والآخرة. فصارت ثلاثة أجناس، فكأن النفس تلفت بثلاثة أفعال، فيكون   [البناية] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " من كثر سواد قوم فهو منهم، ومن رضي عمل قوم كان شريك من عمل به ". وفي " المجتبى ": وهذا حال من كثر سوادهم ولم يتزيا بزيهم ولم يتخلق بأخلاقهم، فكيف حال المتزيا بزيهم والمتخلق بأخلاقهم في زماننا. وأخرج أبو داود في " سننه " من حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: قال رسو ل الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من تشبه بقوم فهو منهم» . م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن شج نفسه وشجه رجل وعقره أسد وأصابته حية فمات من ذلك كله، فعلى الأجنبي ثلث الدية؛ لأن فعل الأسد والحية جنس واحد، لكونه هدرا في الدنيا والآخرة وفعله بنفسه هدر في الدنيا معتبر في الآخرة) ش: وفعله بنفسه هدر في الدنيا معتبر في الآخرة م: (حتى يأثم عليه) ش: قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول: يجب على الأجنبي الدية لأنه عمد محض. م: (وفي " النوادر ": أن عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش: يعني هذا الرجل الذي شج نفسه م: (يغسل ويصلى عليه، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يغسل ولا يصلى عليه) ش: لأنه باغ على نفسه. م: (وفي " شرح السير الكبير ": ذكر في الصلاة عليه اختلاف المشايخ على ما كتبناه في كتاب " التجنيس "، و " المزيد ") ش: وهما كتابان من جملة مصنفات المصنف، وفي بعض النسخ: على ما كتبناه. وفي " تجنيس " المصنف: قال الحلواني: يصلى عليه لأنه لو تاب قبلت توبته، وقال السعدي: لا يصلى عليه لأنه لا تقبل توبته لما أنه باغ على نفسه. م: (فلم يكن) ش: أي دم الرجل المذكور م: (هدرا مطلقا) ش: يعني في أحكام الدنيا م: (وكان جنسا آخر، وفعل الأجنبي معتبر في الدنيا والآخرة فصارت) ش: أي الجناية م: (ثلاثة أجناس، فكأن النفس تلفت بثلاثة أفعال) ش: فعل نفسه، وفعل الأجنبي، وفعل الأسد والحية، م: (فيكون الجزء: 13 ¦ الصفحة: 102 التالف بفعل كل واحد ثلثه فيجب عليه ثلث الدية، والله أعلم بالصواب.   [البناية] التالف بفعل كل واحد ثلثه فيجب عليه ثلث الدية والله أعلم بالصواب) ش: يعني: في ماله؛ لأن فعله وقع عمدا، والعاقلة لا تتحمله. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 103 فصل قال: ومن شهر على المسلمين سيفا فعليهم أن يقتلوه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من شهر على المسلمين سيفا فقد أحل دمه» ، ولأنه باغ فتسقط عصمته ببغيه، ولأنه تعين طريقا لدفع القتل عن نفسه فله قتله. وقوله:   [البناية] [فصل في بيان ما هو بمنزلة التبع للقصاص] [شهر على المسلمين سيفا] م: (فصل) ش: أي: هذا فصل في بيان ما هو بمنزلة التبع للقصاص، وهو القصاص في الأطراف. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن شهر على المسلمين سيفا فعليهم أن يقتلوه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من شهر على المسلمين سيفا فقد أحل دمه» ش: هذا الحديث غريب بهذا اللفظ، وروى النسائي في "سننه " من حديث طاوس عن ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من شهر سيفه ثم وضعه فهو هدر» . ومن طريقه رواه الطبراني في "معجمه "، وزاد: يعني وصعد: ضرب به، وروى أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مسنده "، والحاكم في " المستدرك " من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من أشار بحديدة إلى أحد من المسلمين يريد قتله وجب دمه» . قوله: "أحل دمه " أي: أهدر دمه، إذا هدره صار دمه مباحا. م: (ولأنه باغ) ش: أي ولأنه شاهر السيف، باغ لأنه شهر سيفه عليهم وقصد قتلهم. صار حربا عليهم فكان باغيا. م: (فتسقط عصمته ببغيه) ش: أي: فبطلت عصمة دمه للمحاربة. قال الله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] . م: (ولأنه) ش: أي ولأن القتل م: (تعين طريقا لدفع القتل عن نفسه) ش: أي عن نفس المشهور عليه فإذا كان كذلك م: (فله قتله) ش: أي قتل الشاهر حتى لو أمكنه بطريق آخر لا يسعه قتله، ولا يعلم فيه خلاف. م: (وقوله) ش: قال الكاكي: أي قال صاحب " المختصر ". قلت: إن أراد بالمختصر الجزء: 13 ¦ الصفحة: 104 فعليهم، وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في " الجامع الصغير ": فحق على المسلمين أن يقتلوه إشارة إلى الوجوب، والمعنى: وجوب دفع الضرر. وفي سرقة " الجامع الصغير ": ومن شهر على رجل سلاحا ليلا أو نهارا، أو شهر عليه عصا ليلا في مصر، أو نهارا في طريق في غير مصر فقتله المشهور عليه عمدا: فلا شيء عليه لما بينا، وهذا لأن السلاح لا يلبث فيحتاج إلى دفعه بالقتل والعصا الصغيرة وإن كانت تلبث ولكن في الليل لا يلحقه الغوث فيضطر إلى دفعه بالقتل، وكذا في النهار في غير المصر في الطريق لا يلحقه الغوث، فإذا قتله كان دمه هدرا. قالوا: فإن كان عصا لا تلبث يحتمل أن تكون مثل السلاح عندهما. قال: وإن شهر المجنون على غيره سلاحا فقتله المشهور عليه عمدا فعليه الدية في ماله. وقال الشافعي   [البناية] " مختصر القدوري "، فالقدوري لم يذكر هذه المسألة، وإنما ذكرها في " الجامع الصغير ". والصواب ما ذكره تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المبسوط ". م: (فعليهم. وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " فحق على المسلمين أن يقتلوه) ش: والحاصل في هذا: أن لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عبارتين: إحداهما التي ذكرها في " المبسوط " بقوله: فعليهم. والأخرى: التي ذكرها في " الجامع الصغير " بقوله: فحق على المسلمين، والعبارتان تدلان على معنى واحد وهو وجوب قتل الشاهر الباغي المذكور. وقول المصنف: " وقوله ": أي قول محمد: مبتدأ، وقول محمد عطف عليه. وقوله: م: (إشارة) ش: خبر المبتدأ. أي: يشير القولان بأن قتله واجب م: (إلى الوجوب والمعنى) ش: من كلام المصنف " أي: معنى الوجوب م: (وجوب دفع الضرر) ش: لأن دفع الضرر واجب لا أن يكون غير القتل واجبا. وهذا قتل الحربي لا بعينه، بل لرفع كلمة الله - عز وجل -. م: (وفي سرقة " الجامع الصغير ": ومن شهر على رجل سلاحا ليلًا أو نهارا، أو شهر عليه عصا ليلا في مصر، أو نهارا في طريق في غير مصر فقتله المشهور عليه عمدا، فلا شيء عليه لما بينا) ش: إشارة إلى الحديث المذكور وإلى المعنى المعقول. م: (وهذا) ش: أي عدم شيء عليه م: (لأن السلاح لا يلبث) ش: يعني ليس فيه مهلة للرفع بغير قتل م: (فيحتاج إلى دفعه بالقتل والعصا الصغيرة، وإن كانت تلبث ولكن في الليل لا يلحقه الغوث) ش: يعني لا يلحقه من يخلصه منه م: (فيضطر إلى دفعه بالقتل، وكذا في النهار في غير المصر في الطريق لا يلحقه الغوث، فإذا قتله كان دمه هدرا) ش: يعني لا يلزمه شيء. م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (فإن كان عصا لا تلبث يحتمل أن تكون مثل السلاح عندهما) ش: إذا ضربه بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة فهو عمد. [شهر المجنون على غيره سلاحا فقتله المشهور عليه عمدا] م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإن شهر المجنون على غيره سلاحا فقتله المشهور عليه عمدا فعليه الدية في ماله، وقال الشافعي - الجزء: 13 ¦ الصفحة: 105 - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء عليه، وعلى هذا الخلاف الصبي والدابة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجب الضمان في الدابة، ولا يجب في الصبي والمجنون. للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه قتله دفاعا عن نفسه فيعتبر بالبالغ الشاهر، ولأنه يصير محمولا على قتله بفعله فأشبه المكره. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن فعل الدابة غير معتبر أصلا حتى لو تحقق لا يوجب الضمان. أما فعلهما فمعتبر في الجملة حتى لو حققاه يجب عليهما الضمان، وكذا عصمتهما لحقهما   [البناية] - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء عليه) . وكذا الصبي والدابة على ما يجيء الآن، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - وأكثر أهل العلم، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المضطر كذلك. أما لو كان العامل عبدا أو صيد الحرم لا يضمن بلا خلاف. م: (وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور بيننا وبين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (الصبي) ش: إذا مال على إنسان م: (والدابة) ش: أي للحمل مثلًا أو لغيره صال على إنسان فقتله المصول عليه، لا يضمن عندنا، خلافا للشافعي. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجب الضمان في الدابة، ولا يجب في الصبي والمجنون) ش: وقال الطحاوي في "مختصره ": وقال أبو يوسف: إني أستقبح في هذا أن أضمنه قيمته، يعني في البعير إذا صال على إنسان. م: (للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه قتله دفاعا) ش: أي للشر م: (عن نفسه فيعتبر بالبالغ الشاهر، ولأنه) ش: أي: ولأن المشهور عليه م: (يصير محمولًا على قتله) ش: أي: قتل الشاهر م: (بفعله) ش: أي بفعل الشاهر م: (فأشبه المكره) ش: يعني مع علمه أن هذا الفعل يسقط عصمة دمه، صار كأنه أكرهه على قتله، فيكون المشهور عليه مكرها بهذا الطريق، هكذا ذكره [ ... ] . وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: " فأشبه المكره " يعني: أن المكره لما صار مسلوب الاختيار من جهة المكره"، أضيف التلف إلى المكره، فكذلك المصول عليه. وقيل: معناه فأشبه المكره يعود على المكره فيقتله. م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن فعل الدابة غير معتبر أصلًا حتى لو تحقق) ش: أي: فعل الدابة م: (لا يوجب الضمان) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جرح العجماء جبار» . م: (أما فعلهما) ش: أي فعل الصبي والمجنون م: (فمعتبر في الجملة حتى لو حققاه) ش: أي: الفعل وأتلفا مالا أو نفسا م: (يجب عليهما الضمان، وكذا عصمتهما) ش: أي: عصمة الصبي، والمجنون م: (لحقهما) ش: أي لأنفسهما لا لحق الغير. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 106 وعصمة الدابة لحق مالكها، فكان فعلهما مسقطا للعصمة دون فعل الدابة. ولنا أنه قتل شخصا معصوما أو أتلف مالا معصوما حقا للمالك وفعل الدابة لا يصلح مسقطا. وكذا فعلهما وإن كانت عصمتهما حقهما لعدم اختيار صحيح، ولهذا لا يجب القصاص بتحقق الفعل منهما بخلاف العاقل البالغ لأن له اختيارا صحيحا، وإنما لا يجب القصاص لوجود المبيح، وهو دفع الشر فتجب الدية. قال: ومن شهر على غيره سلاحا في المصر فضربه، ثم قتله الآخر، فعلى القاتل القصاص. معناه: إذا ضربه فانصرف لأنه خرج من أن يكون محاربا بالانصراف فعادت عصمته.   [البناية] م: (وعصمة الدابة لحق مالكها، فكان فعلهما مسقطا للعصمة دون فعل الدابة. ولنا: أنه) ش: أي: أن المشهور عليه م: (قتل شخصا معصوما) ش: بالعصمة الأبدية م: (أو أتلف مالا معصوما حقا للمالك) ش: فيجب الضمان. م: (وفعل الدابة لا يصلح مسقطا) ش: للعصمة الثابتة حقا للمالك، والأذى وجد في الدابة لا من المالك، فلا يجب بطلان العصمة الثابتة للمالك ولا يرد عليه العبد الصائل لأن عصمة دم العمد تثبت حقا له، ولهذا ليس للمولى سفك دمه وأما صيد الحرم فلأن عصمته إنما تثبت بالشرع لحرمته أو لحرمة الحرم مؤقتا، أي: إلى غاية الأذى، فإذا وجد الأذى من جهته لم يبق معصوما. م: (وكذا فعلهما) ش: أي: وكذا فعل الصبي والمجنون لا يصلح مسقطا م: (وإن كانت عصمتهما حقهما) ش: يعني لأنفسهما لا لحق الغير م: (لعدم اختيار صحيح، ولهذا) ش: أي: ولأجل عدم الاختيار الصحيح منهما م: (لا يجب القصاص بتحقق الفعل منهما) ش: أي من الصبي والمجنون. م: (بخلاف العاقل البالغ؛ لأن له اختيارا صحيحا) ش: فيجب القتل بتحقق الفعل منه م: (وإنما لا يجب القصاص) ش: على المشهور عليه م: (لوجود المبيح وهو دفع الشر) ش: فإذا لم يجب القصاص م: (فتجب الدية) ش: فصار كأكل مال الغير حال المخمصة، فإنه يحل ويجب الضمان فكذا هنا. م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن شهر على غيره سلاحا في المصر فضربه) ش: أي: الشاهر م: (ثم قتله الآخر، فعلى القاتل القصاص) ش:. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (معناه) ش: أي معنى هذا م: (إذا ضربه فانصرف) ش: يعني أشهر سيفه وضربه، ثم انصرف وترك الضرب ثم قتله المشهور عليه، فعليه القصاص ولا قصاص على الشاهر؛ م: (لأنه خرج من أن يكون محاربا بالانصراف فعادت عصمته) ش: لأنه لما شهر حل دمه دفعا لشره فلما لم يقتله وكف عنه، اندفع شره وعادت عصمته فعلى القاتل القصاص. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 107 قال: ومن دخل عليه غيره ليلا وأخرج السرقة فاتبعه وقتله فلا شيء عليه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «قاتل دون مالك» . ولأنه يباح له القتل دفعا في الابتداء، فكذا استردادا في الانتهاء. وتأويل المسألة إذا كان لا يتمكن من الاسترداد إلا بالقتل، والله أعلم   [البناية] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن دخل عليه غيره ليلًا وأخرج السرقة) ش: أي: التي سرقها م: (فاتبعه وقتله فلا شيء عليه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «قاتل دون مالك» ش: هذا جواب من حديث طويل أخرجه البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تاريخه الأوسط "، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «أتى رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الحديث، وفيه: "قاتل دون مالك» . روى مسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «جاء رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أرأيت إن جاء رجل يريد أن يأخذ مالي؟، قال: - فلا تعطه مالك ". قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله"، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "أنت شهيد ". قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار".» م: (ولأنه) ش: أي: ولأن المدخل عليه ليلًا م: (يباح له القتل) ش: أي قتل الداخل م: (دفعا في الابتداء) ش: أي: دفعا لشره في ابتداء الأمر م: (فكذا استردادا) ش: أي: فكذا له القتل لأجل استرداد ما أخذه م: (في الانتهاء) ش: لأنه أسهل في الابتداء. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وتأويل المسألة إذا كان لا يتمكن من الاسترداد إلا بالقتل والله أعلم) ش: يعني: فحينئذ يباح له القتل، وأما إذا علم أنه لو صاح به يترك ما أخذه ويذهب فلم يفعل هكذا، ولكن إن قتله كان عليه القصاص لأنه قتله بغير حق، كالمالك إذا قتل الغاصب؛ لأنه يتمكن من استرداد المال من يده بدون القتل، كذا ذكره فخر الدين قاضي خان. والعجب من الأترازي: أنه قال: الأصل في هذا ما روى الترمذي في "جامعه " بإسناده إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من قتل دون ماله فهو شهيد» الحديث. قال: وذكر مسلم أيضا بإسناده إلى عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من قتل دون ماله فهو شهيد» . فمن أين يؤخذ من هذا الحديث جواز قتل من دخل عليه ليلا وأخرج ما أخذه؟ فالمصنف استدل بالحديث الذي ذكرناه، وكان ينبغي أن يستدل بالحديث المذكور في المتن، وبين وجهه، فالظاهر أنه لم يقف عليه واستدل بالحديث الذي ذكره بالجر الثقيل، وهذا ينافي دعواه الطويلة العريضة في هذا الباب، والله أعلم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 108 باب القصاص فيما دون النفس قال: ومن قطع يد غيره عمدا من المفصل قطعت يده، وإن كانت يده أكبر من اليد المقطوعة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وهو ينبئ عن المماثلة، فكل ما أمكن رعايتها فيه يجب فيه القصاص، وما لا فلا.   [البناية] [باب القصاص فيما دون النفس] [قطع يد غيره عمدا من المفصل] م: (باب القصاص فيما دون النفس) ش: أي: هذا باب في بيان أحكام القصاص فيما دون النفس وهو الأطراف لأنه لما ذكر أحكام النفس أعقبها ببيان حكم ما دون النفس، والجزء يتبع الكل. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن قطع يد غيره عمدا من المفصل قطعت يده) ش: هذا كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال المصنف: م: (وإن كانت يده أكبر من اليد المقطوعة) ش: أي: وإن كانت يد القاطع أكبر من يد المقطوع، وقال الكرخي في "مختصره": وكل عمد بآلة جارحة من مفصل ففيه القصاص، وما كان من غير المفاصل فلا قصاص فيه. فإذا بان الكف من الزند ومن مفصل الذراع أو القدم من مفصل القدم أو إصبعا في الكف من المفصل، أو مفصلًا من مفاصل الإصبع، ففيه القصاص وسواء كانت الجناية فيما دون النفس بسلاح أو غيره وذلك سواء، وفيه القصاص إذا اعتمد ذلك م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] ش: وفي " الإيضاح ": وغيره: القصاص فيما دون النفس مشروع بهذه الآية «لحديث ربيع عمة أنس بن مالك: "أنها كسرت سن جارية من الأنصار فأتوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمر بالقصاص» وهو مشهور وبإجماع الأئمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (وهو) ش: أي القصاص م: (ينبئ عن المماثلة فكل ما أمكن رعايتها فيه) ش: أي: في رعاية المماثلة فيه م: (يجب فيه القصاص، وما لا فلا) ش: أي: وما لم يكن فيه رعاية المماثلة فلا يجب القصاص كما إذا كسر عظما أو ساعدا أو كسر ضلعا أو ترقوة أو ما أشبه ذلك ففيه حكومة عدل، وإذا أجرى الأطراف مجرى الأموال، اعتبرت المماثلة ولأنهم أجمعوا أن الصحيحة لا تؤخذ بالشلاء ولا بالنشاء قصة الأصابع لعدم المماثلة، وأجمعوا أيضا أن اليمنى لا تؤخذ باليسرى، ولا اليسرى باليمنى، ولا يؤخذ شيء من الأعضاء إلا بمثله من القاطع، الإبهام بالإبهام، والسبابة بالسبابة، والوسطى بالوسطى، والخنصر بالخنصر، والبنصر بالبنصر. وكذلك الأسنان: الثنية بالثنية، والناب بالناب، والضرس بالضرس. ولا يؤخذ الأعلى بالأسفل، ولا الأسفل بالأعلى. وكذلك الشجاج والجراحات لا تقتضي فيما يجب القصاص منه إلا في موضع الشجة والجراحة في المشجوج والمجروح. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 109 وقد أمكن في القطع من المفصل فاعتبر ولا معتبر بكبر اليد وصغرها؛ لأن منفعة اليد لا تختلف بذلك، وكذلك الرجل ومارن الأنف والأذن لإمكان رعاية المماثلة. قال: ومن ضرب عين رجل فقلعها لا قصاص عليه لامتناع المماثلة في القلع، وإن كانت قائمة فذهب ضوؤها فعليه القصاص لإمكان المماثلة على ما قال في الكتاب: تحمى له المرآة ويجعل على وجهه قطن رطب وتقابل عينه بالمرآة فيذهب ضوؤها، وهو مأثور عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.   [البناية] م: (وقد أمكن في القطع) ش: أي في قطع اليد م: (من المفصل فاعتبر) ش: لإمكان م: (ولا معتبر بكبر اليد وصغرها؛ لأن منفعة اليد لا تختلف بذلك) ش: أي: بكونها صغيرة أو كبيرة لأن منفعة اليد وهو البطش لا يختلف بالصغر والكبر، ولا يعلم فيه خلاف. قال القدوري م: (وكذلك الرجل) ش: أي: وكذلك يجب القصاص إذا قطع رجل إنسان عمدا من مفصل م: (ومارن الأنف) ش: وهو ما لان منه م: (والأذن لإمكان رعاية المماثلة) ش: وإنما قيد بالمارن لأنه إذا قطع قصبة الأنف لا يجب القصاص لأنها عظم، ولا قصاص في العظم سوى السن، وأما الأذن إذا قطع كلها وجب القصاص لإمكان المماثلة، وإن قطع بعضها. والقطع: حد يعرف أمكنه المماثلة فيجب القصاص " وإن لم يكن يعرف سقط القصاص كذا ذكره القدوري في "شرحه ". م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن ضرب عين رجل فقلعها لا قصاص عليه لامتناع المماثلة في القلع، وإن كانت قائمة فذهب ضوؤها فعليه القصاص لإمكان المماثلة على ما قال في الكتاب) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (تحمى له المرآة ويجعل على وجهه قطن رطب وتقابل عينه بالمرآة فيذهب ضوؤها، وهو مأثور عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: هذا الحكم بهذه الصورة نقلت عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "شرحه ": روي أن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حكم بذلك بحضرة الصحابة من غير خلاف لأن هذا حدث في زمن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " فسأل عنه الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فلم يكن عندهم فيه شيء حتى جاء علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فقضى بذلك، وعمل عليه عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وروى عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا معمر عن رجل، عن الحكم ابن علية، قال لهم رجل رجلًا فذهب بصره وعينه قائمة، فأرادوا أن يقيدوا منه ما عليه وعليهم وعلى الناس كيف يقيدونه، وجعلوا لا يدرون كيف يصنعون، فأتاهم علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأمر أن يجعل على عينه كرسف، ثم استقبل به الشمس وأدنى من عينه مرآة، فقطع بصره وعينه قائمة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 110 قال: وفي السن القصاص لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] وإن كانت سن من يقتص منه أكبر من سن الآخر لأن منفعة السن لا تتفاوت بالصغر والكبر. قال: وفي كل شجة تتحقق فيها المماثلة القصاص لما تلوناه. قال: ولا قصاص في عظم إلا في السن وهذا اللفظ مروي عن عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -   [البناية] وفي: " المحيط ": لا قصاص في العين إذا قورت وانخسفت، ولو كانت قائمة ذهب ضوؤها بجب القصاص. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب القصاص، وقالت الأئمة الثلاثة: تقلع عينه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45] . [سن من يقتص منه أكبر من سن الآخر] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي السن القصاص لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] وإن كانت) ش: حكم إن واصلة بما قبله م: (سن من يقتص منه أكبر من سن الآخر لأن منفعة السن لا تتفاوت بالصغر والكبر) ش: ومنفعة السن القطع في الثنايا، والطحن في الأضراس لا يختلف. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي كل شجة تتحقق فيها المماثلة القصاص لما تلوناه) ش: إشارة إلى قَوْله تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] . وفي بعض النسخ: "لما ذكرنا" إشارة إلى قوله وهي تنبئ عن المماثلة، وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره ": والشجاج كلها لا قصاص فيها إلا الموضحة " والسمحاق إن أمكن القصاص في السمحاق، وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والسمحاق: هي التي بينها وبين العظم وجلده. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل إن القصاص يجب في الموضحة والسمحاق والرامية والباضعة وما فوق الموضحة وهي الهاشمة والمثقلة والأمة " ولا قصاص فيها عند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من أهل العلم. م: (قال) ش: القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا قصاص في عظم إلا في السن وهذا اللفظ) ش: أي قولهم: ولا قصاص في عظم إلا في السن م: (مروي عن عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: هذا اللفظ غريب. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في "شرحه": المروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: لا قصاص في عظم إلا في السن. وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لا قصاص في عظم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 111 وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا قصاص في عظم» ، والمراد غير السن. ولأن اعتبار المماثلة في غير السن متعذر لاحتمال الزيادة والنقصان بخلاف السن لأنه يبرد بالمبرد، ولو قلع من أصله يقلع الثاني فيتماثلان. قال: وليس فيما دون النفس شبه عمد إنما هو عمد أو خطأ؛ لأن شبه العمد يعود إلى الآلة، والقتل هو الذي يختلف باختلافها دون ما دون النفس؛ لأنه لا يختلف إتلافه باختلاف الآلة   [البناية] قلت: روى ابن أبي شيبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في "مصنفه " حدثنا حفص عن أشعث عن الشعبي والحسن قال: ليس في العظام قصاص ما خلا السن والرأس انتهى. فإن كان السن عظما فلا استثناء، ولا بد من فرق بينهما وبين غيرهما من العظام. وهو إمكان القصاص فيها بأن يبرد بالمبرد بقدر ما كسر منها، أو إلى أصلها إن قلعها، ولا يقلع لتعذر المماثلة، فربما يفسد به لسانه، كذا في " المبسوط ". وإن كان غير عظم، كما أشار إليه بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا قصاص في عظم» لم يستثن السن، فالاستثناء منقطع. وقد اختلف الأطباء في ذلك فمنهم من قال: هو طرف عصب يابس لأنه يحدث وينمو بعد تمام الخلقة، ومنهم من قال: هو عظم وكأنه وقع، عند المصنف أنه عظم حتى قال المراد منه غير السن. م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا قصاص في عظم» ش: هذا غريب ولم يثبت. وروى ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه ": حدثنا حفص بن غياث عن حجاج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: ليس في العظام قصاص. وأخرج نحوه عن الشعبي والحسن - رحمهما الله -. م: (والمراد غير السن) ش: أي المراد من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا قصاص في العظم غير السن» ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] . م: (ولأن اعتبار المماثلة في غير السن متعذر لاحتمال الزيادة والنقصان بخلاف السن لأنه يبرد بالمبرد ولو قلع من أصله يقلع الثاني فيتماثلان) ش: فيبرد من سن الجاني بقدر ذلك ولا يقلع لما ذكرنا. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وليس فيما دون النفس شبه عمد، إنما هو عمد أو خطأ لان شبه العمد يعود إلى الآلة) ش: أي لأن شبه العمد في النفس إنما يثبت بالنظر إلى الآلة؛ لأن الآلة لم توضع للقتل، فلم يجب القصاص، بل تجب الدية المغلظة نظرا إلى المتعمد. م: (والقتل هو الذي يختلف باختلافها) ش: أي باختلاف الآلة م: (دون ما دون النفس؛ لأنه لا يختلف إتلافه) ش: أي إتلاف ما دون النفس م: (باختلاف الآلة) ش: يعني يستوي السلاح وغير الجزء: 13 ¦ الصفحة: 112 فلم يبق إلا العمد والخطأ. ولا قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس، ولا بين الحر والعبد، ولا بين العبدين خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في جميع ذلك إلا في الحر يقطع طرف العبد، ويعتبر الأطراف بالأنفس لكونها تابعة لها. ولنا: أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال، فينعدم التماثل بالتفاوت في القيمة، وهو معلوم قطعا بتقويم الشرع، فأمكن اعتباره بخلاف التفاوت في البطش؛   [البناية] السلاح في إتلافه، فإذا تعمد بأي شيء كان سلاحا أو غير سلاح، فما بان من المفصل يجب القصاص، فماذا كانت الإبانة من غير تعمد الأرش، ولكن لا يجب القصاص فيما دون النفس حتى يبرأ منه أو يموت، ولا يعجل بل يترقب خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ذكره في " الأسرار " وغيره. فإذا كان الأمر كذلك م: (فلم يبق إلا العمد والخطأ) ش: وكان المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قد ذكر هذا فيما مضى، لكنه ذكر هناك أنه عمد، وهنا أنه عمد أو خطأ، فيحمل الأول على أن المراد به إن أمكن القصاص، وذلك لأنه شبه العمد إذا حصل فيما دون النفس، وإن أمكن القصاص جعله عمدا وإن لم يمكن جعل خطأ، ووجب الأرش. [القصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس] م: (ولا قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس، ولا بين الحر والعبد، ولا بين العبدين) ش: أي في حق الطرف، لا في حق النفس م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في جميع ذلك) ش: وبه قال مالك وأحمد وإسحاق - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (إلا في الحر يقطع طرف العبد) ش: فإنه لا يجرى القصاص على الحر عنده هو أيضا أي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ويعتبر الأطراف بالأنفس لكونها) ش: أي لكون الأطراف م: (تابعة لها) ش: أي للأنفس. م: (ولنا: أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال) ش: لكونها وقاية للأنفس كالأموال م: (فينعدم التماثل بالتفاوت في القيمة) ش: يعني في العبد، ومبنى القصاص على المساواة، ولا مساواة في الأطراف بين العبد. م: (وهو) ش: أي التفاوت م: (معلوم قطعًا بتقويم الشرع) ش: فإن الشرع قوم اليد الواحدة للحر بخمسمائة دينار قطعا ويقينا، لا تبلغ قيمة العبد إلى ذلك، فإن بلغت كان بالحذر والظن فلا تكون مساوية ليد الحر يقينا، فإذا كان التفاوت معلوما قطعا م: (فأمكن اعتباره بخلاف التفاوت في البطش) ش: لأن التفاوت بين طرفي المرأة وطرف الرجل ظاهر؛ لأن يد المرأة تصلح لنوع من المنافع لا تصلح ليد الرجل، فصارت كاليمين واليسار. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 113 لأنه لا ضابط له، فاعتبر أصله وبخلاف الأنفس؛ لأن المتلف إزهاق الروح ولا تفاوت فيه. ويجب القصاص في الأطراف بين المسلم والكافر للتساوي بينهما في الأرش. قال: ومن قطع يد رجل من نصف الساعد، أو جرحه جائفة فبرأ منها فلا قصاص عليه؛ لأنه لا يمكن اعتبار المماثلة فيه، إذ الأول كسر العظم ولا ضابط فيه. وكذا البرء نادر، فيفضي الثاني إلى الهلاك ظاهرا. قال: وإذا كانت يد المقطوع صحيحة، ويد القاطع   [البناية] م: (لأنه لا ضابط له فاعتبر أصله) ش: أي أصل البطش. فإن قيل: إن استقام في الحر والعبد لم يستقم بين العبدين لإمكان التساوي في قيمتها بتقويم المقومين؟. وأجيب: بأن التساوي إنما يكون بالحذر والظن والمماثلة المشروطة شرعا لا تثبت بذلك كالمماثلة في الأموال الربوية عند المقابلة بجنسها. م: (وبخلاف الأنفس) ش: حيث لا يسلك بها مسلك الأموال م: (لأن المتلف) ش: وفي نسخة شيخي العلاء - رحمة الله عليه -: " لأن المتعلق " م: (" إزهاق الروح ولا تفاوت فيه) ش: أي في إزهاق الروح. م: (ويجب القصاص في الأطراف بين المسلم والكافر للتساوي بينهما) ش: أي في المسلم والكافر م: (في الأرش) ش: أي في أرش الطرف فصار كالحرين المسلمين. [قطع يد رجل من نصف الساعد أو جرحه جائفة فبرأ منها] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن قطع يد رجل من نصف الساعد، أو جرحه جائفة فبرأ منها فلا قصاص عليه) ش: بل يجب حكومة عدل م: (لأنه لا يمكن اعتبار المماثلة فيه، إذ الأول) ش: أي: لأن الأول وهو القطع من نصف الساعد م: (كسر العظم) ش: لأن الفعل وقع فيه ليس له حد معلوم وينتهي إليه القطع. م: (ولا ضابط فيه) ش: أي في كسر العظم، وفي بعض النسخ ولا ضابط في الثاني وهو الجرح الجائفة؛ لأنها تصل إلى البطن من الصدر والظهر م: (وكذا البرء نادر) ش: أي في الجائفة والهلاك فيهما غالب، فلا يمكن المماثلة بين الثانية والأولى لوجوب البرء في الأولى دون الثانية، فإذا اقتص م: (فيفضي الثاني) ش: وهو الجرح الجائفة م: (إلى الهلاك ظاهرا) ش: فلا يجب القصاص لانتفاء شروط القصاص، بل يجب ثلث الدية في ماله، ولا تكون الجائفة إلا فيما يصل إلى البطن، ولا يكون في الرقبة، ولا في الحلق، ولا في اليدين، ولا في الرجلين. فإن كانت الجراحة بين الاثنين والمدية فهي جائفة، ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "شرحه ". م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا كانت يد المقطوع صحيحة، ويد القاطع الجزء: 13 ¦ الصفحة: 114 شلاء أو ناقصة الأصابع، فالمقطوع بالخيار إن شاء قطع اليد المعيبة، ولا شيء له غيرها. وإن شاء أخذ الأرش كاملا؛ لأن استيفاء الحق متعذر، فله أن يتجوز بدون حقه. وله أن يعدل إلى العوض كالمثلي إذا انصرم على أيدي الناس بعد الإتلاف. ثم إذا استوفاها ناقصا فقد رضي به، فيسقط حقه كما إذا رضي بالرديء مكان الجيد ولو سقطت المؤنة قبل اختيار المجني عليه أو قطعت ظلما فلا شيء له عندنا لأن حقه متعين في القصاص، وإنما ينتقل إلى المال باختياره، فيسقط بفواته   [البناية] شلاء أو ناقصة الأصابع، فالمقطوع بالخيار إن شاء قطع اليد المعيبة، ولا شيء له غيرها، وإن شاء أخذ الأرش كاملًا) ش: ولا يعلم فيه خلاف في الشلاء، وفي ناقصة الأصابع ليس له مع القطع أرش أو كروبة. قال أبو بكر الحنبلي: وقال الشافعي، ومالك، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فالمقطوع يجوز له أن يقتص ويأخذ أرش المعقود، وله أن يعفو ويأخذ دية اليد كاملة، وذكر في " المبسوط ". وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له الأرش مطلقا، ولم يفرق بين الشلل ونقصان الأصابع. م: (لأن استيفاء الحق متعذر، فله أن يتجوز بدون حقه) ش: ويرضى بقطع المعيبة. م: (وله أن يعدل إلى العوض) ش: وهو الأرش ومثله في ذلك م (كالمثلي إذا انصرم) ش: أي إذا انقطع م: (على أيدي الناس بعد الإتلاف) ش: صورته رجل أتلف على رجل ماله مثلي فانقطع عن أيدي الناس فلم يبق منه إلا هو ناقص الصفة عن المتلف، فصاحب الحق بالخيار إن شاء أخذ الموجود، وإن شاء عدل إلى القيمة؛ لأنه لم يقدر على استيفاء جنس حقه بكماله فكذا هذا. م: (ثم إذا استوفاها ناقصا فقد رضي به) ش: أي ثم إذا استوفى المقطوع قطع اليد الناقصة فقد رضي بحقه م: (فيسقط حقه كما إذا رضي بالرديء مكان الجيد) ش: في المثلي إذا انقطع. م: (ولو سقطت المؤنة) ش: أي اليد التي أصابتها الإصابة وهي الشلاء م: (قبل اختيار المجني عليه) ش: أخذها م: (أو قطعت ظلما) ش: أي أو قطعت المعروفة، أي الشلاء، من جهة الظلم م: (فلا شيء له عندنا) ش: احترز به عن قول الشافعي وأحمد - رحمهما الله -؛ لأن عندهما تجب الدية. م: (لأن حقه متعين في القصاص) ش: فيه لأنه متعين باليد بدلالة ليس له العدول إلى الأرش مع القدرة م: (وإنما ينتقل) ش: أي حقه م: (إلى المال باختياره) ش: لأجل العيب م: (فيسقط بفواته) ش: يعني إذا لم يحترز حتى تلف، فتسقط بفواته؛ لأن ما تعلق به حقه قد هلك، فيسقط بفواته وصار كالصحيحة إذا تلفت. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 115 بخلاف ما إذا قطعت بحق عليه من قصاص أو سرقة، حيث يجب عليه الأرش؛ لأنه أوفى حقا مستحقا فصارت سالمة له معنى. قال: ومن شج رجلا فاستوعبت الشجة ما بين قرنيه، وهي لا تستوعب ما بين قرني الشاج، فالمشجوج بالخيار؛ إن شاء اقتص بمقدار شجته يبتدئ من أي الجانبين شاء، وإن شاء أخذ الأرش. لأن الشجة موجبة لكونها مشينة فقط فيزداد الشين بزيادتها. وفي استيفائه ما بين قرني الشاج زيادة على ما فعل،   [البناية] م: (بخلاف ما إذا قطعت) ش: اليد الشلاء م: (بحق عليه) ش: أي بحق م: (من قصاص أو سرقة، حيث يجب عليه الأرش لأنه أوفى به حقا مستحقا فصارت) ش: أي يد القاطع م: (سالمة له معنى) ش: من حيث المعنى، لا من حيث الصورة إيضاح هذا: إذا ذهبت الجارية معيبة قبل أن يختار المجني عليه أخذها، فالكلام فيه على وجهين: - فإن قطعت يده بحق عليه مثل أن يقتص منها، أو يقطع في سرقة فعليه أرش اليد المقطوعة. - ولئن تلفت يده بغير حق عليه سقط حق صاحب القصاص مثل أن يقطعها رجل ظلما أو تتلف بآفة سماوية. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب الأرش في الوجهين، لا يقال: إنه كان مخيرا بين أمرين، فإذا مات أحدهما تعين على الآخر لأن حقه لم يثبت إلا في اليد، وكان له أن يعدل عن هذا الحق أي يد له، فإذا أتلف لم يجز له المطالبة بالسر له عنه مع تلفه، كذا في "شرح مختصر الكرخي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال صاحب " المجتبى ": وعلى هذا السن والأطراف التي يجب فيها القصاص إذا كان طرف الضارب والقاطع معيبة، يتخير المجني عليه بين أخذ الدية كاملة، وبين استيفاء المعيبة. وقال برهان الأئمة والد الصدر الشهيد - رحمهما الله -: هذا إذا كانت الشلاء لا ينتفع بها، لا يكون محلًا للقصاص، فله دية كاملة من غير خيار، وعليه الفتوى. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن شج رجلًا فاستوعبت الشجة ما بين قرنيه) ش: أي ما بين ناحيتيه م: (وهي لا تستوعب ما بين قرني الشاج، فالمشجوج بالخيار إن شاء اقتص بمقدار شجته يبتدئ من أي الجانبين شاء، وإن شاء أخذ الأرش) ش: أي هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال المصنف: م: (لأن الشجة موجبة) ش: للقصاص م: (لكونها مشينة فقط) ش: أي مقبحة، من الشين وهو التقبيح م: (فيزداد الشين بزيادتها) ش: أي بزيادة الشجة. م: (وفي استيفائه) ش: أي وفي استيعاب المشجوج م: (ما بين قرني الشاج زيادة على ما فعل) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 116 ولا يلحقه من الشين باستيفائه قدر حقه ما يلحق المشجوج فينتقص فيخير كما في الشلاء والصحيحة، وفي عكسه يخير أيضا؛ لأنه يتعذر الاستيفاء كملا للتعدي إلى غير حقه، وكذا إذا كانت الشجة في طول الرأس، وهي تأخذ من جبهته إلى قفاه ولا تبلغ إلى قفا الشاج، فهو بالخيار لأن المعنى لا يختلف. قال: ولا قصاص في اللسان ولا في الذكر. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا قطع من أصله يجب لأنه يمكن اعتبار المساواة. ولنا: أنه ينقبض وينبسط فلا يمكن اعتبار المساواة. إلا أن تقطع الحشفة لأن موضع القطع معلوم كالمفصل،   [البناية] ش: يعني: إذا كان رأس الشاج كبيرا م: (ولا يلحقه من الشين باستيفائه قدر حقه ما يلحق المشجوج فينتقص) ش: يعني ينتقص حق المشجوج إذا لم تستوعب الشجة ما بين قرني الشاج إذا كان رأسه صغيرا، فإذا كان كذلك م: (فيخير) ش: أي المشجوج رأسه بين الاقتصاص بمقدار شجته وبين أخذ الأرش م: (كما في الشلاء والصحيحة. وفي عكسه) ش: أي: وفيما إذا كان رأس المشجوج أكبر من رأس الشاج، م: (يخير أيضا؛ لأنه يتعذر الاستيفاء كملًا للتعدي إلى غير حقه) ش: لأنه يكون الشين في الثانية أزيد من الأولى. م: (وكذا) ش: أي بالخيار م: (إذا كانت الشجة في طول الرأس، وهي تأخذ من جبهته إلى قفاه، ولا تبلغ إلى قفا الشاج فهو بالخيار) ش: أي المشجوج بالخيار م: (لأن المعنى لا يختلف) ش: أي المعنى الموجب للتخيير بين أرش الموضحة وبين الاقتصاص بالشجة لا يختلف. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: لأن المعنى لا يختلف: وهو أن بلوغه إلى قفاه زيادة على ما فعل، وباستيفائه حقه لا يلحق الشين. [القصاص في اللسان والذكر] م: (قال) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا قصاص في اللسان ولا في الذكر) ش: هذا الذي ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية الأصل. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه بشر عنه: م: (أنه إذا قطع من أصله يجب) ش: أي القصاص؛ م: (لأنه يمكن اعتبار المساواة) ش: وبقول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وأبو إسحاق من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اللسان، وقال الشافعي ومالك - رحمهما الله - في رواية، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يجب القود في الكل وفي البعض بقدره. م: (ولنا: أنه) ش: أي أن اللسان م: (ينقبض وينبسط فلا يمكن اعتبار المساواة، إلا أن تقطع الحشفة لأن موضع القطع معلوم) ش: لأن هناك حد يقع فيه القصاص م: (كالمفصل) ش: لأن موضع الجزء: 13 ¦ الصفحة: 117 ولو قطع بعض الحشفة أو بعض الذكر فلا قصاص فيه لأن البعض لا يعلم مقداره بخلاف الأذن إذا قطع كله أو بعضه لأنه لا ينقبض ولا ينبسط وله حد يعرف، فيمكن اعتبار المساواة، والشفة إذا استقصاها بالقطع يجب القصاص لإمكان اعتبار المساواة، بخلاف ما إذا قطع بعضها لأنه يتعذر اعتبارها.   [البناية] القطع فيه معلوم م: (ولو قطع بعض الحشفة أو بعض الذكر فلا قصاص فيه لأن البعض لا يعلم مقداره) ش: فتبقى المساواة. وعند الأئمة الثلاثة: يؤخذ بعضه ببعض، ويعتبر ذلك بالأجزاء دون المساحة، فيؤخذ النصف بالنصف، والربع بالربع، وما زاد ونقص في حساب من ذلك كما في الأذن والأنف. م: (بخلاف الأذن إذا قطع كله أو بعضه لأنه لا ينقبض ولا ينبسط وله حد يعرف، فيمكن اعتبار المساواة) ش: عن بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب القود في بعض الأذن. وحكي عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا تؤخذ أذن السمع بأذن الأصم، ولو قطع الختان أو بعض الحشفة في الصبي أو في العبد، فعليه حكومة عدل. وإن قطع الحشفة كلها فإن برأ فعليه في العبد كمال القيمة، والصبي كمال الدية. فإذا مات ففي الصبي نصف الدية. وفي العبد نصف القيمة. م: (والشفة إذا استقصاها بالقطع يجب القصاص لإمكان اعتبار المساواة، بخلاف ما إذا قطع بعضها لأنه يتعذر اعتبارها) ش: أي اعتبار المساواة. وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، واختار أبو حامد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يجب القود، وفي " شرح الطحاوي ": إذا قطع شفة رجل، وكان يستطاع أن يقتص منه فعليه القصاص السفلى بالسفلى والعليا بالعليا، ولا تؤخذ السفلى بالعليا ولا العليا بالسفلى. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 118 فصل قال: وإذا اصطلح القاتل وأولياء القتيل على مال سقط القصاص، ووجب المال قليلا كان أو كثيرا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] الآية، على ما قيل: نزلت الآية في الصلح. وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "من قتل له قتيل " الحديث،   [البناية] [فصل في بيان أحكام الصلح في القصاص وفي بيان العفو عنه] [اصطلح القاتل وأولياء القتيل على مال] م: (فصل) ش: أي: هذا فصل في بيان أحكام الصلح في القصاص، وفي بيان العفو عنه، وأخر ذكرهما عن بيان القصاص لأنهما لا يتبعانه إلا بعد وجوب القصاص. م: (قال: وإذا اصطلح القاتل وأولياء القتيل على مال سقط القصاص، ووجب المال قليلًا كان أو كثيرا) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] الآية، على ما قيل: نزلت الآية في الصلح) ش: يعني الآية نزلت على قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، والحسن البصري، والضحاك - رحمهما الله -، ومجاهد في الصلح، أي فمن أعطى على سهولة ويريد به ولي القتيل، يقال: خذ ما أتاك عفوا أي سهلًا. وقوله: {مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] : أي من جهة أخيه المقتول، وقوله شيء: أي شيء من المال بطريق الصلح وتكره لأنه بحصول القدر فإنه يتعذر بما تراضيا عليه. وقَوْله تَعَالَى: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] : أي: فله اتباع، أي: فلولي القتيل اتباع المصالح بالمعروف، أي: مطالبة بدل الصلح على مماثلة وحسن معاملة. وقَوْله تَعَالَى: {وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] أي: على المصالح إذا أدى إلى ولي القتيل بإحسان في الأداء، وقال جماعة وهو مروي عن عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: الآية نزلت في عفو بعض الأولياء. ويدل عليه قوله: شيء، فإنه يراد به البعض، وتقديره: فمن عفي عنه وهو القاتل من أخيه في الدين، وهو المقتول شيء من القصاص، بأن كان للقتيل أولياء فعفا بعضهم فقد بقي نصيب الباقين مالا، وهو الدية على قدر حصصهم في الميراث، وهو قوله: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] أي فليتبع الذين لم يعفوا عن القاتل بطلب حصصهم بالمعروف أي بقدر حقوقهم من غير زيادة. وقوله: {وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] أي القاتل إلى غير الموفي حقه وافيا غير ناقص. م: (وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من قتل له قتيل» الحديث) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 119 والمراد - والله أعلم - الأخذ بالرضا على ما بيناه، وهو الصلح بعينه، ولأنه حق ثابت للورثة يجري فيه الإسقاط عفوا، فكذا تعويضا لاشتماله على إحسان الأولياء وإحياء القاتل فيجوز بالتراضي والقليل والكثير فيه سواء؛   [البناية] ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في كتبهم، عن يحيى بن كثير - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عن أبي سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «لما فتح الله على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة، قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه، الحديث بطوله، وفي آخره: "ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يعطى الدية، وإما أن يقاد أهل القتيل» . هذا لفظ مسلم في كتاب الحج. ولفظ البخاري في كتاب العلم: «إما أن يعقل، وإما أن يقاد لأهل القتيل» ، ولفظه في [موضع آخر] : " إما أن يفدي، وإما أن يقيد ". ولفظه في الديات: «إما أن يؤدي، وإما أن يقاد» . ولفظ الترمذي: «وإما أن يعفو، وإما أن يقتل» . ولفظ النسائي في القود: " إما أن يقاد، وإما أن يفدي ". ولفظ ابن ماجه: «إما أن يقتل، وإما أن يفدي» . م: (والمراد والله أعلم الأخذ بالرضا) ش: أي برضا القاتل م: (على ما بيناه) ش: أي في أول الكتاب، أي عندها ليس لولي القتيل أخذ الدية إلا برضا القاتل. م: (وهو الصلح بعينه) ش: أي أخذ الدية هو الصلح بعينه؛ لأن الصلح عبارة عن قطع النزاع، ففي أخذ الدية قطع النزاع م: (ولأنه) ش: أي ولأن القصاص م: (حق ثابت للورثة يجري فيه الإسقاط عفوا، فكذا تعويضًا) ش: من حيث أخذ العوض وهو الدية م: (لاشتماله على إحسان الأولياء وإحياء القاتل) ش: أي الاشتراك بأخذ العوض على شيئين: أولهما: الإحسان إلى أولياء المقتول، والثاني: فيه إحياء القاتل لأنه كان قد تعين للقتل وأشرف عليه في الصلح، استمرت فيه الحياة، والإضافة في كل من قوله: "على إحسان الأولياء"، "وإحياء القاتل" إضافة المصدر إلى المفعول. م: (فيجوز بالتراضي) ش: أي فإذا كان الأمر كذلك، فيجوز الصلح وأخذ المال بالتراضي من الجانبين م: (والقليل والكثير فيه) ش: أي في أخذ العوض م: (سواء) ش: يعني يجوز أخذ العوض سواء كان قليلًا أو كثيرا، لكن الصلح على مال يجوز على أكثر من الدية في القصاص في النفس وفيما دونها، وهو حال في حال الجاني، ولا يكون ذلك على العاقلة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 120 لأنه ليس فيه نص مقدر فيفوض إلى اصطلاحهما كالخلع وغيره. وإن لم يذكروا حالا ولا مؤجلا فهو حال لأنه مال واجب بالعقد، والأصل في أمثاله الحلول نحو المهر والثمن بخلاف الدية لأنها ما وجبت بالعقد. قال: وإن كان القاتل حرا أو عبدا فأمر الحر ومولى العبد رجلا بأن يصالح عن دمهما على ألف درهم ففعل، فالألف على الحر ومولى العبد نصفان لأن عقد الصلح أضيف إليهما. وإذا عفا أحد الشركاء من الدم أو صالح من نصيبه على عوض، سقط حق الباقين عن القصاص، وكان لهم نصيبهم من الدية وأصل هذا   [البناية] وأما الصلح على أكثر من الدية في القتل الخطأ، لا يجوز إذا كان الصلح على جنس ما تعرضت فيه الدية، وإذا كان الصلح خلاف على الجس يجوز، وإن جاز زاد على قدر الدية، نص عليه الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب - الصلح ". م: (لأنه ليس فيه) ش: أي في أخذ المعوض م: (نص مقدر) ش: بكسر الدال من التقدير، فإذا كان كذلك م: (فيفوض) ش: أي التقدير م: (إلى اصطلاحهما) ش: أي اصطلاح القاتل وولي المقتول م: (كالخلع) ش: على مال فإنه ليس فيه شيء مقدر، بل يرجع ذلك إلى رضا الزوجين عن القليل والكثير. م: (وغيره) ش: أي وغير الخلع وهو الإعتاق على مال الكتابة م: (وإن لم يذكروا) ش: أي أولياء المقتول والقاتل، وإن لم يذكروا مالا م: (حالًا ولا مؤجلًا فهو حال لأنه مال واجب بالعقد) ش: أي بعقد الصلح م: (والأصل في أمثاله) ش: أي أمثال الصلح م: (الحلول نحو المهر والثمن) ش: فإن الأصل فيهما حلول الحال، وإن كان التأجيل جائزا. م: (بخلاف الدية) ش: في قتل الخطأ، حيث لا تجب حالة م: (لأنها) ش: أي لأن الدية والتذكير على تأويل المال م: (ما وجبت بالعقد) ش: العارض على القتل، بل وجب القتل ابتداء، فوجبت مؤجلة إلى ثلاث سنين. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإن كان القاتل حرا أو عبدا) ش: يعني اشترك حر وعبد في قتل شخص م: (فأمر الحر ومولى العبد رجلًا بأن يصالح عن دمهما على ألف درهم ففعل، فالألف على الحر، ومولى العبد نصفان لأن عقد الصلح أضيف إليهما) ش: أي إلى الحر والعبد فيجب على الحر خمسمائة وعلى مولى العبد خمسمائة. م: (وإذا عفا أحد الشركاء من الدم أو صالح من نصيبه على عوض، سقط حق الباقين عن القصاص، وكان لهم نصيبهم من الدية) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره". وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وأصل هذا) ش: أي أصل هذا الحكم الذي ذكره الجزء: 13 ¦ الصفحة: 121 أن القصاص حق جميع الورثة. وكذا الدية خلافا لمالك والشافعي - رحمهما الله - في الزوجين. لهما أن الوراثة خلافة وهي بالنسب دون السبب لانقطاعه بالموت. ولنا: أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أمر بتوريث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها أشيم   [البناية] القدوري في هذه المسألة م: (أن القصاص حق جميع الورثة) ش: من الذكر والأنثى، والزوج والزوجة، نص عليه الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره ". م: (وكذا الدية) ش: حق الورثة م: (خلافا لمالك والشافعي - رحمهما الله - في الزوجين) ش: هذا اللفظ يدل على أنه ليس للزوجين حق في القصاص والدية، والمشهور عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن القصاص موروث للعصبات خاصة. وبه قال بعض أصحاب الشافعي. وقال بعض أصحابه: لذوي الأنساب دون الزوجين. وقال الليث، والزهري، وابن سيرين، والأوزاعي، والحسن، وقتادة: ليس للنساء عفو. وقال بعض أهل المدينة: القصاص لا يسقط بعفو بعض الورثة. وقيل: هو رواية عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي " شرح الكافي ": القصاص والدية تصير ميراثا لكل الورثة عندنا بالسبب والنسب جميعا. وقال الشافعي: وهو قول ابن أبي ليلى: يورث بالنسب ولا يورث بالسبب، هو الزوجية، حتى لا يورث الزوج من قصاص زوجته لو قتلت، وكذا من ديتها، وكذا الزوجة من قصاص زوجها ولا من ديته. م: (لهما) ش: أي لمالك والشافعي - رحمهما الله - م: (أن الوراثة خلافة وهي بالنسب دون السبب لانقطاعه) ش: أي لانقطاع السبب م: (بالموت) ش: لأن الزوجية تقطع بالموت. م: (ولنا: أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والسلام) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «أمر بتوريث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها أشيم» ش: هذا الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، «عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه كان يقول: الدية للعاقلة، لا ترث المرأة من دية زوجها شيء، حتى قال الضحاك بن سفيان: كذب، فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها، فرجع عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -» وقال الترمذي. حديث حسن صحيح. وأخرجه الدارقطني في " سننه" عن محمد بن عبد الله الشعثي، عن زفر بن وثيمة، عن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 122 ولأنه حق يجري فيه الإرث حتى إن من قتل وله ابنان، فمات أحدهما عن ابن، كان القصاص بين الصلبي وابن الابن فيثبت كسائر الورثة. والزوجية تبقى بعد الموت حكما في حق الإرث أو يثبت بعد الموت مستندا إلى سببه وهو الجرح، وإذا ثبت للجميع فكل منهم يتمكن من الاستيفاء والإسقاط عفوا وصلحا. ومن ضرورة سقوط حق البعض في القصاص سقوط حق الباقين فيه؛ لأنه لا يتجزأ، بخلاف   [البناية] المغيرة بن شعبة، أن سعد بن زرارة الأنصاري قال لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كتب إلى الضحاك بن سفيان أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها» . وقال الطبرانى: وسعد بن زرارة صحابي يكنى أبا أمامة، توفي على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السنة الأولى من الهجرة. قلت: قد ذكره الذهبي في " تجريد الصحابة " - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وقال: أشيم الضبابي الذي قتل فورث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زوجته من ديته، وذكر عليه علامة أحمد بن حنبل - يعني أخرجه في" مسنده ". والضبابي: بكسر الضاد، وبالبائين الموحدتين، نسبة إلى ضباب، بطن من العرب، ذكره ابن دريد. م: (ولأنه) ش: أي ولأن القصاص م: (حق يجري فيه الإرث أن من قتل وله ابنان، فمات أحدهما عن ابن، كان القصاص بين الصلبي) ش: وهو ابن الميت وبين م: (وابن الابن فيثبت كسائر الورثة) ش: فمن كان وارثا فله حق في القصاص. م: (والزوجية تبقى) ش: هذا جواب عما قال مالك والشافعي من قولهما. لانقطاعه بالموت، تقريره: أن الزوجية تبقى م: (بعد الموت حكما) ش: أي من حيث الحكم م: (في حق الإرث) ش: فإذا كانت الزوجية باقية في حق الإرث كموت أحدهما لكل من الزوجين حق من قصاص الميت. م: (أو يثبت بعد الموت) ش: الإرث دليل آخر، أي ويثبت الإرث حال كونه م: (مستندا إلى سببه وهو الجرح) ش: فصار له كمال آخر في ثبوته قبل الموت. ألا ترى لو أنه أوصى بثلث ماله دخلت ديته في الوصية وقضى من ديونه. م: (وإذا ثبت للجميع) ش: أي جميع الورثة م: (فكل منهم يتمكن من الاستيفاء والإسقاط عفوا وصلحا) ش: فقوله عفوا: يرجع إلى الإسقاط. وقوله: "صلحا " يرجع إلى الاستيفاء. م: (ومن ضرورة سقوط حق البعض في القصاص سقوط حق الباقين فيه) ش: يعني في القصاص م: (لأنه) ش: أي لأن القصاص م: (لا يتجزأ) ش: استيفاء وينقل حق الباقين إلى المال. م: (بخلاف الجزء: 13 ¦ الصفحة: 123 ما إذا قتل رجلين وعفا أحد الوليين؛ لأن الواجب هناك قصاصان من غير شبهة لاختلاف القتل والمقتول، وهاهنا واحد لاتحادهما، وإذا سقط القصاص ينقلب نصيب الباقين مالا؛ لأنه امتنع لمعنى راجع إلى القاتل، وليس للعافي شيء من المال؛ لأنه أسقط حقه بفعله ورضاه، ثم يجب ما يجب من المال في ثلاث سنين، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب في سنتين فيما إذا كان بين الشريكين وعفا أحدهما؛ لأن الواجب نصف الدية، فيعتبر بما إذا قطعت يده خطأ. ولنا: أن هذا بعض بدل الدم وكله مؤجل إلى ثلاث سنين فكذلك بعضه، والواجب في اليد كل بدل الطرف وهو في سنتين في الشرع ويجب في ماله لأنه عمد. قال: وإذا قتل جماعة واحدا عمدا اقتص من جميعهم   [البناية] ما إذا قتل رجلين وعفا أحد الوليين) ش: أي ولي القصاص حيث لا يسقط حق الآخر في القصاص. م: (لأن الواجب هناك قصاصان من غير شبهة لاختلاف القتل والمقتول، وهاهنا) ش: أي في مسألة ما إذا قتل وله ابنان م: (واحد) ش: أي القصاص م: (لاتحادهما) ش: أي لاتحاد القاتل والمقتول. م: (وإذا سقط القصاص ينقلب نصيب الباقين مالا؛ لأنه امتنع لمعنى راجع إلى القاتل) ش: وهو العجز عن استيفاء قصاص من نفسه لأن من قسمه أن إزهاق الروح لا يتجزأ. م: (وليس للعافي) ش: حقه في القصاص م: (شيء من المال لأنه أسقط حقه بفعله ورضاه، ثم يجب ما يجب من المال في ثلاث سنين، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب في سنتين فيما إذا كان بين الشريكين وعفا أحدهما؛ لأن الواجب نصف الدية، فيعتبر بما إذا قطعت يده خطأ) ش: لأن الواجب فيها نصف الدية مؤجلًا إلى ثلاث سنين. م: (ولنا: أن هذا) ش: أي بعض ما يجب من المال م: (بعض بدل الدم وكله) ش: أي: وكل الدم م: (مؤجل إلى ثلاث سنين فكذلك بعضه) ش: يؤجل إلى ثلاث سنين م: (والواجب في اليد) ش: جواب عن اعتبار زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - بما إذا قطعت يده خطأ، تقديره أن الواجب في اليد، أي في قطع اليد خطأ م: (كل بدل الطرف وهو في سنتين في الشرع ويجب في ماله) ش: أي يجب المال في المال القاتل في المسألة المذكورة أولًا م: (لأنه عمد) ش: والعاقلة لا يتحمل العمد. [قتل جماعة واحدا عمدا] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا قتل جماعة واحدا عمدا اقتص من جميعهم) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقال ابن الزبير - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والزهري، وابن سيرين، وابن أبي ليلى، وعبد الملك، وربيعة، وداود، وابن المنذر، وأحمد الجزء: 13 ¦ الصفحة: 124 لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم، ولأن القتل بطريق التغالب غالب، والقصاص مزجرة للسفهاء فيجب تحقيقا لحكمة الإحياء. وإذا قتل واحد جماعة فحضر أولياء المقتولين قتل لجماعتهم ولا شيء لهم غير ذلك، فإن حضر واحد منهم قتل له وسقط حق الباقين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقتل بالأول منهم ويجب للباقين المال، وإن اجتمعوا ولم يعرف الأول قتل لهم وقسمت الديات بينهم، وقيل: يقرع بينهم فيقتل لمن خرجت قرعته.   [البناية] في رواية: لا يقتلون به ويجب عليهم الدية، وهذا الذي ذكره القدوري استحسان. والقياس: أن لا تقتل الجماعة بالواحد لأن القصاص يبنى عن المساواة، ولا مساواة بين الواحد والجماعة، وجه الاستحسان: ما أشار إليه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: م: (لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم) ش: هذا رواه مالك في " الموطأ "، أخبر به يحيى بن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قتل نفرا خمسة أو سبعة برجل قتلوه قتل غيلة، وقال: لو تمالًا عليه أهل صنعاء لقتلتهم. ورواه محمد بن الحسن أيضا عن مالك. قوله: " تمالأ " أصله المعاونة في ملء الدلو ثم عم تعاونوا تمالوا " أي تعاونوا، وصنعاء قصبة باليمن. والغيلة: بكسر الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف، فإذا صار معه قتله، وقوله: "قتل غيلة " مضاف ومضاف إليه. م: (ولأن القتل بطريق التغالب غالب) ش: أراد أن القتل بغير حق لا يكون في العادة إلا بالتغالب والاجتماع لأن الواحد يقاوم الواحد غالبا م: (والقصاص مزجرة للسفهاء فيجب تحقيقا لحكمة الإحياء) ش: أراد أن الحكمة الموضوعة في القصاص إحياء النفس، فلو لم يجب القصاص على الجماعة بقتل الواحد أدى إلى سد باب القصاص، وفيه إبطال الحكمة المذكورة. م: (وإذا قتل واحد جماعة فحضر أولياء المقتولين قتل لجماعتهم ولا شيء لهم غير ذلك، فإن حضر واحد منهم قتل له وسقط حق الباقين) ش: هذا كله لفظ القدوري. قال أصحابنا: الواحد يقتل بالجماعة اكتفاء بالقصاص. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقتل بالأول منهم ويجب للباقين المال) ش: يعني إذا كان قتلهم على التعاقب م: (وإن اجتمعوا ولم يعرف الأول قتل لهم وقسمت الديات بينهم، وقيل: يقرع بينهم فيقتل لمن خرجت قرعته) ش: ويجب للباقين بالمال، وقد أوضح هذه في الطريقة العلانية حيث الجزء: 13 ¦ الصفحة: 125 له: أن الموجود من الواحد قتلات، والذي تحقق في حقه قتل واحد فلا تماثل، وهو القياس في الفصل الأول إلا أنه عرف بالشرع. ولنا: أن كل واحد منهم قاتل بوصف الكمال، فجاء التماثل أصله الفصل الأول إذ لو لم يكن كذلك لما وجب القصاص، ولأنه وجد من كل واحد منهم خرج صالح للإزهاق فيضاف إلى كل منهم إذ هو لا يتجزأ، ولأن القصاص شرع مع المنافي لتحقيق الإحياء وقد حصل بقتله، فاكتفى به.   [البناية] قال: وقال الشافعي: لا يقتل اكتفاء، غير أن الواحد إن قتلهم على التعاقب يقتل بالأول اكتفاء، ويجب دية الباقين، وإن قتلهم على المقارنة له فيه قولان: في قول يقتل بالواحد عبر عين ويجب دية الباقين مشتركة بينهم، وفي قول: يقرع فيقتل لمن خرجت قرعته، ويجب الديات للباقين. وقال الكاكي: وبقولنا قال مالك، وقال الشافعي، واستوفى الباقون بالديات من تركته. وقال أحمد: إن طلبوا القصاص بجماعتهم فلا شيء للواحد الذي قتل له، وإن طلب بعضهم القصاص والبعض الدية، قتل لمن طلب القود، وللآخرين الدية. وعن مالك رواية كقول أحمد. م: (له) ش: أي للشافعي: م: (أن الموجود من الواحد قتلات) ش: لأنه قتل جماعة م: (والذي تحقق في حقه) ش: أي في حق الواحد م: (قتل واحد فلا تماثل) ش: أي بين قتل واحد وبين قتلات م: (وهو القياس في الفصل الأول) ش: وهو أن لا تقتل الجماعة بالواحد إلا أنهم قتلوا به م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن الجماعة تقتل بالواحد اتفاقا م: (عرف بالشرع) ش: على خلاف القياس. م: (ولنا: أن كل واحد منهم) ش: أي من الأولياء (قاتل بوصف الكمال) ش: يعني قاتل للقاتل قصاصا م: (فجاء التماثل) ش: في قتل الواحد بالجماعة فصح القياس. م: (أصله الفصل الأول) ش: وهو أنه تقتل الجماعة بالواحد اتفاقا، فلو لم يكن التماثل لما قتلوا به وهو معنى قوله: م: (إذ لو لم يكن كذلك لما وجب القصاص) ش:؛ لأن التماثل شرط م: (ولأنه وجد من كل واحد منهم) ش: أي من الأولياء م: (خرج صالح للإرهاق) ش: يعني أن القتل صالح لإزهاق الروح. وقد وجد من كل واحد منهم. وقد وجد من كل واحد منهم م: (فيضاف إلى كل منهم إذ هو) ش: أي إزهاق الروح م: (لا يتجزأ) ش: فيضاف إلى كل منهم كملًا لأن ما لا يتجزأ إذا أضيف يضاف كملًا م: (ولأن القصاص شرع مع المنافي) ش: أي شرع بالكتاب والسنة مع وجود المنافي، وهو أن الآدمي بنيان الرب، فلا يجوز تجزئته، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الآدمي بنيان الرب، ملعون من بدله» . وإنما شرع م: (لتحقيق الإحياء) ش: أي لمعنى الإحياء م: (وقد حصل) ش: أي تحقيق الإحياء م: (بقتله) ش: أي بقتل القاتل م: (فاكتفى به) ش: ولا شيء لهم غير ذلك. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 126 قال: ومن وجب عليه القصاص إذا مات سقط القصاص لفوات محل الاستيفاء فأشبه موت العبد الجاني، ويتأتى فيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذ الواجب أحدهما عنده. قال: وإذا قطع رجلان يد رجل فلا قصاص على واحد منهما، وعليهما نصف الدية. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تقطع يد أحدهما والمفروض إذا أخذا سكين وأمراه على يده حتى انقطعت له: الاعتبار بالأنفس، والأيدي تابعة لها فأخذت حكمها. أو يجمع بينهما بجامع الزجر. ولنا: أن كل واحد - منهما قاطع بعض اليد لأن الانقطاع حصل باعتماديهما والمحل متجزئ فيضاف إلى كل واحد منهما البعض، فلا مماثلة   [البناية] [من وجب عليه القصاص إذا مات] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن وجب عليه القصاص إذا مات سقط القصاص لفوات محل الاستيفاء فأشبه موت العبد الجاني) ش: إذا مات لا يلزمه شيء على أحد م: (ويتأتى فيه) ش: أي في هذا الحكم م: (خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فعنده تجب الدية في ماله م: (إذ الواجب أحدهما عنده) ش: أي لأن الواجب القصاص أو الدية عنده، أي عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهذا مردود بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: 178] وقد مر بيانه في أول كتاب الجنايات. [قطع رجلان يد رجل] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا قطع رجلان يد رجل فلا قصاص على واحد منهما، وعليهما نصف الدية) ش: وبه قال الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والحسن والزهري - رحمهما الله -، وابن المنذر. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تقطع يد أحدهما والمفروض) ش: أي: وموضع فرض المسألة الخلافية م: (إذا أخذا) ش: أي الاثنان الإنسان المذكور م: (سكينًا وأمراه) ش: بتشديد الراء م: (على يده حتى انقطعت) ش: يعني إذا وضعا السكين من جانب من المفصل، والآخر من جانب الحر، وأمر كل واحد سكينه حتى التقيا وانقطعت اليد، لا قصاص عنده أيضا. م: (له) ش: أي للشافعي: م: (الاعتبار بالأنفس) ش: لأن طريق جريان القصاص على الأنفس إن جعل كل واحد منهم منفردا بالقتل لزجر القاتل سد باب العدوان فيجب القصاص عليهم م: (والأيدي تابعة لها) ش: أي للأنفس م: (فأخذت حكمها) ش: أي حكم الأنفس م: (أو يجمع بينهما) ش: أي بين الطرف والنفس م: (بجامع الزجر) ش: سدا لباب العدوان. وبقوله قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (ولنا: أن كل واحد منهما قاطع بعض اليد لأن الانقطاع حصل باعتماديهما والمحل متجزئ) ش: المحل هو اليد، وهي تتجزأ، فإذا كان كذلك م: (فيضاف إلى كل واحد منهما البعض) ش: أي بعض القطع م: (فلا مماثلة) ش: بين قطع اليدين واليد الواحدة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 127 بخلاف النفس؛ لأن الإزهاق لا يتجزأ، ولأن القتل بطريق الاجتماع غالب حذار الغوث والاجتماع على قطع اليد من المفصل في حيز الندرة لافتقاره إلى مقدمات بطيئة فيلحقه الغوث. قال وعليهما نصف الدية؛ لأنه دية اليد الواحدة وهما قطعاها وإن قطع واحد يمنى رجلين فحضرا فلهما أن يقطعا يده، ويأخذا منه نصف الدية يقتسمانها نصفين؛ سواء قطعهما معا أو على التعاقب. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التعاقب: يقطع بالأول، وفي القران: يقرع لأن اليد استحقها الأول فلا يثبت الاستحقاق فيها للثاني كالرهن بعد الرهن وفي القران اليد الواحدة لا تفي بالحقين فترجح بالقرعة.   [البناية] م: (بخلاف النفس؛ لأن الإزهاق لا يتجزأ) ش: أي بخلاف قتل الأنفس بالنفس الواحدة؛ لأن قتل النفس يضاف إلى كل واحد منهم، كما يتحلل كل منهم قاتلا على الكمال، فحصلت المماثلة بين الأنفس والنفس الواحدة م: (ولأن القتل بطريق الاجتماع غالب) ش: هذا جواب عما جمع الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بين النفس والطرف، بيانه أن القتل بوصف الاجتماع غالب. م: (حذار الغوث) ش: أي لأجل الحذر عن لحق الغوث م: (والاجتماع على قطع اليد من المفصل في حيز الندرة لافتقاره إلى مقدمات بطيئة فيلحقه الغوث) ش: من أخذ السكين والإمرار على المفصل إلى أن ينقطع، والثاني فيه من الجانبين فيلحقه الغوث لأنه لا يقدر. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعليهما) ش: أي على الرجلين القاطعين م: (نصف الدية؛ لأنه) ش: أي نصف الدية م: (دية اليد الواحدة وهما قطعاها) ش: ويجب في مالها لأنه عمد. وكذلك الحكم في بيان الأطراف كالعين والسن والرجل ونحوها. [قطع واحد يمنى رجلين] م: (وإن قطع واحد يمنى رجلين فحضرا فلهما أن يقطعا يده، ويأخذا منه نصف الدية يقتسمانها نصفين سواء قطعهما معا أو على التعاقب) ش: هذا لفظ القدوري. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التعاقب: يقطع بالأول، وفي القران: يقرع) ش: وفي " شرح الكافي " للحاكم الشهيد، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن قطع اليمين على التعاقب يقتص للأول ويغرم الدية للآخر، وإن قطعهما معا فالقاضي يقرع بينهما أيا خرجت قرعته يقتص له، والدية للآخر. وقال الكاكي: قوله: يمنى رجلين، وكذا الحكم لو قطع يسار رجلين وقيد به لأنه لو قطع يمين رجل ويسار آخر قطعت يداه في الكل، والمحل موجودة. ذكره في " المبسوط " ولا يعلم فيه خلاف؟ م: (لأن اليد استحقها الأول؛ فلا يثبت الاستحقاق فيها للثاني كالرهن من بعد الرهن) ش: فإن المرتهن الثاني لا يستحقه. م: (وفي القران اليد الواحدة لا تفي بالحقين فترجح بالقرعة) ش: تطييبا لقلبيهما لأن أحدهما الجزء: 13 ¦ الصفحة: 128 ولنا: أنهما استويا في سبب الاستحاق فيستويان في حكمه، كالغريمين في التركة والقصاص ملك: الفعل يثبت مع المنافي، فلا يظهر إلا في حق الاستيفاء. أما المحل فخلو عنه فلا يمنع ثبوت الثاني بخلاف الرهن؛ لأن الحق ثابت في المحل وصار كما إذا قطع العبد يمينيهما على التعاقب فتستحق رقبته لهما، وإن حضر واحد منهما فقطع يده فللآخر عليه نصف الدية؛ لأن للحاضر أن يستوفي لثبوت حقه وتردد حق الغائب. وإذا استوفى لم يبق محل الاستيفاء فيتعين حق الآخر في الدية؛ لأنه أوفى به حقا مستحقا.   [البناية] ليس بأولى من الآخر في تعيين القصاص له، ولا الدية للآخر ولا يأتي الترجيح إلا بالقرعة م: (ولنا: أنهما استويا في سبب الاستحقاق) ش: وهو قطع معصوم م: (فيستويان في حكمه كالغريمين في التركة) ش: وهو القصاص؛ لأن الاستواء في العلة يوجب الاستواء في الحكم، كالشريكين في التركة، وإن كان دين أحدهما أقدم. وفي بعض النسخ: كالشفيعين في الشفعة، فلا يتقدم أحدهما على الآخر. م: (والقصاص ملك: الفعل) ش: هذا جواب عن قوله: لأن اليد استحقها الأول، تقريره: أن يقال: إن القصاص ملك الفعل، والإطلاق في الفعل لا يقتضي حقا في المحل، كما في الاصطياد والاحتشاش، فإن الفعل مملوك والمحل خلو عن الملك، ولهذا يجب القصاص على قاتل من وجب عليه القصاص م: (يثبت مع المنافي) ش: يعني أن من عليه القصاص جن م: (فلا يظهر إلا في حق الاستيفاء) ش: لأنه ثابت بطريق الضرورة م: (أما المحل فخلو عنه) ش: أي من ذلك الفعل م: (فلا يمنع ثبوت الثاني) ش: أي حق الثاني، وذلك لأن ملك الفعل لما ثبت ضرورة الاستيفاء لا يتعدى إلى شغل المحل الخالي بحرمته عنه، فإن لم يكن المحل مشغولا لم يمنع عن ثبوت الثاني م: (بخلاف الرهن لأن الحق ثابت في المحل) ش: لكونه مملوكا، فإذا ثبت للأول استحال ثبوته للثاني كما في الاستيفاء الحقيقي. م: (وصار) ش: أي هذا م: (كما إذا قطع العبد يمينيهما) ش: أي يميني الرجلين م: (على التعاقب فتستحق رقبته لهما) ش: جميعا ولا يكون الأول بها م: (وإن حضر واحد منهما) ش: أي من الرجلين اللذين قطع واحد يمينهما م: (فقطع يده) ش: أي يد القاطع م: (فللآخر) ش: أي الذي لم يحضر م: (عليه) ش: أي على القاطع م: (نصف الدية؛ لأن للحاضر أن يستوفي لثبوت حقه وتردد حق الغائب) ش: أي في العقود في الاستيفاء م: (وإذا استوفى) ش: أي الحاضر م: (لم يبق محل الاستيفاء فيتعين حق الآخر في الدية لأنه أوفى به حقًا مستحقا) ش: يعني إن قضى جميع طرفه حقا مستحقا عليه فيقضي للآخر بالأرش، بخلاف النفس فإن هناك لو استوفى أحدهما القصاص ثم حضر الآخر لا يقضى بشيء لأن حقه في الاستيفاء فات لغيبته، فإنهما إذا اجتمعا واستوفيا صار الجزء: 13 ¦ الصفحة: 129 قال: وإذ أقر العبد بقتل العمد لزمه القود. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصح إقراره؛ لأنه يلاقي حق المولى بالإبطال، فصار كما إذا أقر بالمال. ولنا: أنه غير متهم فيه لأنه مضر به فيقبل. ولأن العبد يبقى على أصل الحرية في حق الدم عملا بالآدمية حتى لا يصح إقرار المولى عليه بالحدود والقصاص، وبطلان حق المولى بطريق الضمن فلا يبالي به. ومن رمى رجلا عمدا فنفذ السهم منه إلى آخر فماتا، فعليه القصاص للأول والدية للثاني على عاقلته؛ لأن الأول عمد والثاني أحد نوعي الخطأ.   [البناية] كل واحد مستوفيا على الكمال، فلا يجب مع الدية، وليس في الطرف الواحد وفاء لحقهما، فإذا استوفى الحاضر لم يبق للغائب إلا الأرش. [أقر العبد بقتل العمد] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا أقر العبد بقتل العمد لزمه القود) ش: أي القصاص، وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وقيد بالعمد لأنه إذا أقر بالخطأ، لا يصح إقراره بالاتفاق سواء كان مأذونا أو محجورا لأن إقراره بالخطأ ليس من باب التجارة، فكان إقراره على مولاه لا يصح، ذكره في " المبسوط ". م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصح إقراره؛ لأنه يلاقي حق المولى بالإبطال، فصار) ش: أي إقراره به م: (كما إذا أقر بالمال) ش: فإنه لا يصح اتفاقا. م: (ولنا: أنه) ش: أي أن العبد م: (غير متهم فيه) ش: أي في إقراره بالقتل العمد م: (لأنه مضر به) ش: أي لأن إقراره ذاك يضر بنفسه، لأنه إقرار بالعقوبة على نفسه فلا يتهم، فإذا كان كذلك م: (فيقبل) ش: أي إقراره م: (ولأن العبد يبقى على أصل الحرية في حق الدم عملًا بالآدمية حتى لا يصح إقرار المولى عليه بالحدود والقصاص) ش: قوله " حتى. . . " إلى آخره: توضيح لبقائه على الحرية، وكل ما لا يصح إقرار المولى على العبد فيه فهو بمنزلة الحرية، ولهذا وقع طلاق زوجته بالإقرار لوقوعه بالإيقاع، وإذا أقر بسبب يوجب الحد يحد به. [بطلان حق المولى في إقراره بقتل العمد] م: (وبطلان حق المولى) ش: هذا جواب عن قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، تقريره: أن بطلان حق المولى في إقراره بقتل العمد م: (بطريق الضمن) ش: يعني ضمني م: (فلا يبالي به) ش: لأن الضمنيات لا تعتبر، كما إذا تزوج رجل في مرض الموت على مهر معين، ومات فهو أسوة للغرماء والتزام المهر يضر بهم، إلا إن ثبت ضمنا للنكاح فلا يبالي به بخلاف إقراره بالمال، لأنه يتضرر به المولى في ضمن شيء فيهم في إقراره ولا يضرهم، أما هاهنا أقر هو به: فلا يقبل منه. م: (ومن رمى رجلًا عمدًا فنفذ السهم منه إلى آخر فماتا، فعليه القصاص للأول، والدية للثاني على عاقلته لأن الأول عمد) ش: لأنه قصد بالرمي فمات منه م:، والثاني أحد نوعي الخطأ) ش: لأنه لم الجزء: 13 ¦ الصفحة: 130 كأنه رمى إلى صيد فأصاب آدميا، والفعل يتعدد بتعدد الأثر.   [البناية] يقصد بالرمي، حيث قصد الرامي غيره ولكنه أصاب بالنفاذ من الأول فصار قتله خطأ م: (كأنه رمى إلى صيد فأصاب آدميا) ش: فوجب الدية على عاقلته م: (والفعل يتعدد بتعدد الأثر) ش: أي الفعل الواحد يتعدد بتعدد أثره، فإن الرمي إذا أصاب حيوانا ومزق جلده يسمى جرحا، وإذا قتل يسمى قتلًا، وإن أصاب كوزا أو خرق أجزاءه سمي كسرا باعتبار اختلاف المحل، فجاز أن يكون الفعل الواحد عمدا بالعينة لا محلًا، وخطأ بنسبة محل آخر. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 131 فصل قال: ومن قطع يد رجل خطأ ثم قتله عمدا قبل أن تبرأ يده أو قطع يده، عمدا ثم قتله خطأ، أو قطع يده خطأ فبرأت يده ثم قتله خطأ أو قطع يده عمدا فبرأت ثم قتله عمدا؛ فإنه يؤخذ بالأمرين جميعا. والأصل فيه أن الجمع بين الجراحات واجب ما أمكن تتميما للأول؛ لأن القتل في الأعم يقع بضربات متعاقبة، وفي اعتبار كل ضربة بنفسها بعض الجرح، إلا أن لا يمكن الجمع فيعطى كل واحد حكم نفسه، وقد تعذر الجمع في هذه الفصول في الأولين لاختلاف حكم الفعلين   [البناية] [فصل في بيان حكم الفعلين في الجنايات] [قطع يد رجل خطأ ثم قتله عمدا] م: (فصل) ش: أي: هذا فصل في بيان حكم الفعلين، وذكر هذا بعد الفراغ من بيان الفعل الواحد، والاثنان يذكران بعد الواحد. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في (الجامع الصغير) : م: (ومن قطع يد رجل خطأ ثم قتله عمدا قبل أن تبرأ يده، أو قطع يده عمدا ثم قتله خطأ، أو قطع يده خطأ، فبرأت يده ثم قتله خطأ، أو قطع يده عمدا فبرأت ثم قتله عمدا فإنه يؤخذ بالأمرين جميعا) ش: القطع والقتل إذا حصل في شخص واحد كانا على وجوه أربعة مثل ما ذكر في الكتاب، ثم إن كل واحد منها إما أن يكون قبل البرء له وبعده، فذلك ثمانية أوجه، وكل ذلك إما أن يتحقق من شخص واحد أو شخصين، فذلك ستة عشر وجها، فإن كان من شخصين يفعل بكل واحد منهما موجب فعله من القصاص وأخذ الأرش مطلقا، لأن التداخل إنما يكون عند اتحاد المحل لا غير. وإن كانا من شخص واحد فإيجاب يوجب القصاص أو إهدار أحدهما أمين على أصل ذكره المصنف بقوله: م: (والأصل فيه) ش: أي في الحكم المذكور م: (أن الجمع بين الجراحات واجب) ش: فيعني الاكتفاء، بموجب أحدهما واجب م: (ما أمكن) ش: أي مهما أمكن م: (تتميما للأول) ش: لأن الأصل في العقوبات التداخل، ويحل الآخر متمما للأول، لآن القتل عادة لا يحصل بضربة واحدة ظاهرا، بل بأكثر من ذلك، وهو معنى قوله م: (لأن القتل في الأعم) ش: أي أعم الأحوال م: (يقع بضربات متعاقبة) ش: فيجعل الثاني متمما للأول ويجعل الكل قتلًا واحدا. م: (وفي اعتبار كل ضربة بنفسها بعض الجرح، إلا أن لا يمكن الجمع فيعطى كل واحد حكم نفسه وقد تعذر الجمع في هذه الفصول) ش: المذكورة م: (في الأولين) ش: أي في الفصلين الآخرين وعدم إمكان الجمع م: (لاختلاف حكم الفعلين) ش: كما إذا كان القطع خطأ، والقتل عمدا أو على العكس. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 132 وفي الآخرين لتخلل البرء، وهو قاطع للسراية حتى لو لم يتخلل، وقد تجانسا بأن كانا خطأين يجمع بالإجماع لإمكان الجمع واكتفى بدية واحدة وإن كان قطع يده عمدا ثم قتله عمدا قبل أن تبرأ يده فإن شاء الإمام قال: اقطعوه ثم اقتلوه، وإن شاء قال: اقتلوه. وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: يقتل ولا تقطع يده لأن الجمع ممكن لتجانس الفعلين وعدم تخلل البرء فيجمع بينهما. وله: أن الجمع متعذر إما للاختلاف بين هذين الفعلين؛ لأن الموجب القود وهو يعتمد المساواة في الفعل، وذلك بأن يكون القتل بالقتل والقطع بالقطع، وهو متعذر، أو لأن الحز يقطع إضافة السراية إلى القطع حتى لو صدر من   [البناية] م: (وفي الآخرين) ش: أي وفي الفصلين الآخرين عدم إمكان الجمع م: (لتخلل البرء، وهو) ش: أي تخلل البرء م: (قاطع للسراية حتى لو لم يتخلل) ش: لأن بتخلل البرء ينتهي الفعل الأول لانتهاء أثره فلا يمكن جعل الثاني متمما للأول م: (وقد تجانسا) ش: أي الفعلان م: بأن كانا خطأين يجمع بالإجماع لإمكان الجمع واكتفى بدية واحدة، وإن كان قطع يده عمدا ثم قتله عمدا قبل أن تبرأ يده، فإن شاء الإمام قال: اقطعوه ثم اقتلوه، وإن شاء قال: اقتلوه، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وأبو ثور. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مقتله م: (يقتل ولا تقطع يده) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وبه قال الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعطاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن الجمع ممكن لتجانس الفعلين وعدم تخلل البرء فيجمع بينهما) ش: لأن الثاني يصبح متمما للأول؛ لأن القطع يصلح مزهقا للروح بالسراية، والقتل متمما له قبل تخلل البرء، م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الجمع متعذر) ش: معنى الجمع هنا الاكتفاء بالقتل م: (إما للاختلاف بين هذين الفصلين) ش: أي القتل والقطع يعني بالنظر إلى صورتهما، وإن كانا عمدين، وإنما قلنا بالنظر إلى صورتهما لأن القطع إبانة لتجزأته عن الجملة ويسلك مسلك الأموال. والقتل إزهاق الروح م: (لأن الموجب) ش: الفعلين م: (القود وهو) ش: أي القود م: (يعتمد المساواة في الفعل) ش: قال الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] وقال: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] . م: (وذلك) ش: أي اعتماد المساواة م: (بأن يكون القتل بالقتل والقطع بالقطع، وهو) ش: أي القود الذي يعتمد المساواة م: (متعذر) ش: لأنه يكون استيفاء الفعلين في فعل واحد، والتعذر فيه ظاهر م: (أو لأن الحز) ش: أي حز الرقبة م: (يقطع إضافة السراية إلى القطع حتى لو صدر من الجزء: 13 ¦ الصفحة: 133 شخصين: يجب القود على الحاز. فصار كتخلل البرء، بخلاف ما إذا قطع وسرى لأن الفعل واحد، وبخلاف ما إذا كانا خطأين. لأن الموجب الدية وهي بدل النفس من غير اعتبار المساواة، ولأن أرش اليد إنما يجب عند استحكام أثر الفعل وذلك بالحز القاطع للسراية فيجتمع ضمان الكل وضمان الجزء في حالة واحدة، ولا يجتمعان. أما القطع والقتل قصاصا يجتمعان. قال: ومن ضرب رجلا مائة سوط فبرأ عن تسعين ومات من عشرة ففيه دية واحدة؛ لأنه لما برأ منها لا تبقى معتبرة في حق الأرش، وإن بقيت معتبرة في حق التعزير فبقي الاعتبار للعشرة. وكذلك كل جراحة اندملت ولم يبق لها أصل على أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] شخصين يجب القود على الحاز فصار كتخلل البرء) ش: ولا جمع فيه بالاتفاق م: (بخلاف ما إذا قطع وسرى لأن الفعل واحد، وبخلاف ما إذا كانا) ش: أي القتل والقطع م: (خطأين لأن الموجب الدية وهو بدل النفس من غير اعتبار المساواة) ش: بدليل أن عشرة لو قتلوا رجلًا خطأ: يجب عليهم دية واحدة. م: (ولأن أرش اليد إنما يجب عند استحكام أثر الفعل) ش: يعني القطع بانقطاع توهم السراية م: (وذلك) ش: إنما يكون م: (بالحز القاطع للسراية) ش: وبه يجب ضمان الكل م: (فيجتمع ضمان الكل وضمان الجزء في حالة واحدة) ش: وهي حالة الجزء. م: (ولا يجتمعان) ش: أي والحال أنهما لا يجتمعان م: (أما القطع والقتل قصاصا يجتمعان) ش: لأن مبنى العمد على التغليظ والتشديد، ولهذا تقتل الجماعة بالواحد، وليس كذلك الخطأ لأن مبناه على التحقيق، وهذا لا تتعدد الدية بتعدد القاتلين. [ضرب رجلا مائة سوط فبرأ عن تسعين ومات من عشرة] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في - الجامع الصغير -: م: (ومن ضرب رجلا مائة سوط فبرأ عن تسعين ومات من عشرة ففيه دية واحدة) ش: ومعنى هذا ضربه في موضع تسعين، وفي موضع آخر عشرة فبرأ موضع التسعين ولم يبرأ موضع العشرة م: (لأنه لما برأ منها) ش: أي من التسعين م: (لا تبقى معتبرة في حق الأرش) ش: لأنه لما لم يبق أثر جعل كأنها لم توجد في حق الضمان. م: (وإن بقيت معتبرة في حق التعزير فبقي الاعتبار للعشرة) ش: فلا يجب إلا دية واحدة. م: (وكذلك) ش: أي الجواب في م: (كل جراحة اندملت ولم يبق لها أصل) ش: مثل إن كانت شجة فالتحمت ونبت الشعر، فإنها لا تبقى معتبرة لأن حق الأرش ولا في حكومة عدل وإنما تبقى في حق التعزير، م: (على أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: إنما قيد بقوله، ولم يبق لها أثر حتى لو بقي أثر الجراحة من نقصان أو غيره، تجب حكومة العدل بلا خلاف لأحد، أما إذا لم يبق أثر لأنه لا قيمة بمجرد الألم، وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الجزء: 13 ¦ الصفحة: 134 وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في مثله حكومة عدل. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجب أجرة الطبيب. وإن ضرب رجلا مائة سوط وجرحه وبقي له أثر تجب حكومة العدل لبقاء الأثر، والأرش إنما يجب باعتبار الأثر في النفس.   [البناية] ألا ترى أنه لو ضربه، أو لطمه، أو وكزه فتألم، ولم يؤثر فيه، لا يجب شيء، ذكره المحبوبي وهو ظاهر الجواب وعليه التقرير. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في مثله: حكومة عدل) ش: وتفسير حكومة العدل يجيء في آخر فصل الشجاج. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجب أجرة الطبيب) ش: وثمن الأدوية، وذكر الاختصاص في الضربة واللطمة بالسوط لأنه لا يمكن اعتبار المساواة إلا إذا رضي الضارب به فيستوي؛ لأن الامتناع لحقه كيلا يكون يستوفي منه بأكثر مما جنى عليه، فإذا رضي فقد أسقط حقه من الزيادة. وفي" النوازل ": قال لآخر: خبيث جاز له أن يقول: بل أنت، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148] ، وكذا في كل كلمة لا يجب الحد. وقيل: معنى الآية: هو الرجل يشتمك فتشتمه، ولكن إن افترى عليك فلا تفتر عليه. كذا ذكره التمرتاشي. [ضرب رجل مائة سوط وجرحه وبقي له أثر] م: (وإن ضرب رجل مائة سوط وجرحه وبقي له أثر تجب حكومة عدل) ش: هذه من مسائل " الجامع الصغير "، وصورتها فيه: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عن يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في الرجل يضرب الرجل مائة سوط فيجرحه ويبرأ منها، قال: على الضارب أرش الضرب. انتهى. وقال الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وغيره: وهذا إذا بقي أثر الضرب، فإن لم يبق، لا يجب شيء عند أبي حنيفة كما في المسألة المتقدمة، وهذا إذا جرح ثم برأ، فأما إذا لم يجرح في الابتداء لا يجب شيء بالاتفاق. وقال أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعرف الضرب بأنه لو كان عبدا لم ينقص من قيمته، فيجب عليه الدية، ذلك المقدار م: (لبقاء الأثر، والأرش إنما يجب باعتبار الأثر في النفس) ش: إذا لم يبرأ وليس بموجود. وهذا يشير إلى أنه إذا لم يجرح في الابتداء لا يجب شيء بالاتفاق، وإن جرح، واندمل ولم يبق لها أثر فكذلك كما هو أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه لم يكن إلا بمجرد الألم وهو لا يجب شيئا كما لو ضربه ضربا مؤلمًا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 135 قال: ومن قطع يد رجل فعفا المقطوعة يده عن القطع ثم مات من ذلك، فعلى القاطع الدية في ماله، وإن عفا عن القطع وما يحدث منه ثم مات من ذلك: فهو عفو عن النفس. ثم إن كان خطأ فهو من الثلث، وإن كان عمدا فهو من جميع المال. وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: إذا عفي عن القطع فهو عفو عن النفس أيضا، وعلى هذا الخلاف إذا عفا عن الشجة ثم سرى النفس ومات، لهما: أن العفو عن القطع عفو عن موجبه، وموجبه: القطع لو اقتصر أو القتل إذا سرى، فكان العفو عنه عفوا عن أحد موجبيه أيهما كان، ولأن اسم القطع يتناول الساري والمقتصر فيكون العفو عن القطع عفوا عن نوعيه، وصار كما إذا عفا عن الجناية، فإنه يتناول الجناية السارية والمقتصرة،   [البناية] [قطع يد رجل فعفا المقطوعة يده عن القطع ثم مات من ذلك] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن قطع يد رجل فعفا المقطوعة يده عن القطع ثم مات من ذلك، فعلى القاطع الدية في ماله، وإن عفا عن القطع وما يحدث منه ثم مات من ذلك، فهو عفو) ش: أي عفو م: (عن النفس) ش: سواء عفا بلفظ العفو أو الوصية. وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد، وطاوس - رحمهما الله -، والحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقتادة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والأوزاعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا قال عفوت عن الجناية وما يحدث منها، ففيها قولان: أحدهما: لا يصح فيجب دية النفس إلا دية الجرح. والثاني: أنه يصح فإن جرحت من الثلث سقط، وإلا سقط منها ما يخرج من الثلث، ووجه الباقي، والقول الثاني ليس بوصية لأنه إسقاط في حق الجناية، فلا يصح، ويلزمه دية النفس إلا دية الجرح. م: (ثم إن كان خطأ فهو من الثلث، وإن كان عمدا فهو من جميع المال وهذا) ش: قوله م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: إذا عفي عن القطع فهو عفو عن النفس أيضا، وعلى هذا الخلاف إذا عفا عن الشجة ثم سرى إلى النفس ومات) ش:، وكذلك الاختلاف في الضرب والشجة والجراحة وما أشبه ذلك، وكذلك الاختلاف في الصلح والتزوج. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (أن العفو عن القطع عفو عن موجبه) ش: لأن نفس الفعل لا تحمل العفو، وموجبه أحد الشيئين: ضمان النفس إن سرى، وضمان الطرف إن اقتصر، وهو معنى قوله: م. (وموجبه القطع لو اقتصر أو القتل إذا سرى، فكان العفو عنه) ش: أي عن القطع م: (عفوا عن أحد موجبيه أيهما كان) ش: أي أيهما يوجد. م: (ولأن اسم القطع يتناول) ش: المقتصر فيكون العفو عن القطع عفوا عن أحد نوعيه، أي أحد نوعي القطع وهما: م: (الساري والمقتصر فيكون العفو عن القطع عفوا عن نوعيه، وصار كما إذا عفيا عن الجناية؛ فإنه يتناول الجناية السارية والمقتصرة) ش: بلا خلاف. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 136 كذا هذا، وله: أن سبب الضمان قد تحقق وهو قتل نفس معصومة متقومة، والعفو لم يتناوله بصريحه؛ لأنه عفا عن القطع وهو غير القتل. وبالسراية تبين أن الواقع قتل وحقه فيه، ونحن نوجب ضمانه، وكان ينبغي أن يجب القصاص وهو القياس لأنه هو الموجب للعمد إلا أن في الاستحسان تجب الدية؛ لأن صورة العفو أورثت شبهة وهي دارئة للقود. ولا نسلم أن الساري نوع من القطع، أن السراية صفة له، بل الساري قتل من الابتداء، وكذا لا موجب له من حيث كونه قطعا، فلا يتناوله العفو بخلاف العفو عن الجناية لأنه اسم جنس، وبخلاف العفو عن الشجة وما يحدث منها لأنه صريح في العفو عن السراية والقتل. ولو كان القطع خطأ فقد أجراه مجرى العمد في هذه الوجوه   [البناية] م: (كذا هذا، وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن سبب الضمان قد تحقق وهو قتل نفس معصومة متقومة والعفو لم يتناوله بصريحه؛ لأنه عفا عن القطع وهو غير القتل. وبالسراية تبين أن الواقع قتل وحقه فيه، ونحن نوجب ضمانه) ش: أي ضمان القتل. م: (وكان ينبغي أن يجب القصاص وهو القياس لأنه هو الموجب للعمد، إلا أن في الاستحسان تجب الدية؛ لأن صورة العفو أورثت شبهة وهي دارئة للقود) ش: أي الشبهة مسقطة للقصاص. م: (ولا نسلم) ش: هذا جواب عن قولهما: فيكون العفو عفوا عنه، أي لا نسلم م: (أن الساري نوع من القطع، وأن السراية صفة له) ش: قيل فيه نظر، فإنه منع كون السراية صفة له، يقال: سرى القطع وقطع سار، فكيف يصح؟ ففي ذلك أجيب عنه: بأن المراد صفة منوعة وهي ليست كذلك، بل هي مخرجة عن حقيقتها، كما يقال: عصير مسكر. م: (بل الساري قتل من الابتداء) ش: هذا إضراب عن قوله: نوع من القطع، وذلك أن القتيل فعل مزهق للروح، وبه عرفنا أنه كان قتلًا. م: (وكذا لا موجب له) ش: أي للقطع الساري م: (من حيث كونه قطعا) ش: لأنه إذا سرى ومات تبين أن هذا القطع لم يكن له موجب أصلًا، إنما الثابت موجب القتل وهو الدية فكان العفو المضاف إلى القطع، مضاف إلى غير محله فلا يصح، وإذا لم يصح العفو عن القطع لا يكون عفوا عن القطع، وهو معنى قوله: م: (فلا يتناوله العفو بخلاف العفو عن الجناية لأنه) ش: أي لأن لفظ الجناية م: (اسم جنس) ش: يتناول الساري وغيره. م: (وبخلاف العفو عن الشجة وما يحدث منها لأنه صريح في العفو عن السراية والقتل) ش: وهذا ظاهر م: (ولو كان القطع خطأ فقد أجراه) ش: أي فقد أجراه محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (مجرى العمد في هذه الوجوه) ش: وهو العفو عن القطع مطلقا وما يحدث منه، والعفو عن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 137 وفاقا وخلافا آذن بذلك إطلاقه إلا أنه إن كان خطأ فهو من الثلث، وإن كان عمدا فهو من جميع المال؛ لأن موجب العمد القود، ولم يتعلق به حق الورثة لما أنه ليس بمال، فصار كما إذا أوصى بإعارة أرضه. أما الخطأ فموجبه المال، وحق الورثة يتعلق به فيعتبر من الثلث.   [البناية] الشجة والعفو عن الجناية م: (وفاقا) ش: أي من حيث الوفاق أي الاتفاق وهو في موضعين أحدهما: أن العفو عن القطع وما يحدث منه عفو عن الدية بالاتفاق فيما إذا كان القتل خطأ، والثاني: العفو عن الجناية فإنه عفو عن الدية أيضا م: (وخلافا) ش: أي من حيث الخلاف بين، أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبين صاحبيه، وهو أيضا في موضعين: أحدهما: أن العفو عن القطع مطلقا عفو عن الدية عندهما إذا كان خطأ، وعند أبي حنيفة يكون عفوا عن أرش اليد لا غيره، والثاني: أن العفو عن الشجة عفو عن الدية إذا سرت عندهما. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عن أرش الشجة لا غير م: (آذن) ش: بالمد أي أعلم وهو فعل ماض من الإيذان م: (بذلك إطلاقه) ش: أي إطلاق محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع " حيث قال: ومن قطع يد رجل فعفا المقطوعة يده، لأنه ذكره مطلقا من غير وصف العمدية والخطأ. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن قلت: الوضع في القتل العمدية بدليل قوله: فعلى القاطع الدية في ماله، فلا يكون مطلقا. قلت: الوضع مطلق، إلا أن قوله: فعلى القاطع الدية في ماله جواب لأحد نوعيه، أي عليه الدية في ماله إن كان عمدا. م: (إلا أنه إن كان خطأ فهو من الثلث، وإن كان عمدا فهو من جميع المال؛ لأن موجب العمد القود، ولم يتعلق به حق الورثة لما أنه ليس بمال، فصار كما إذا أوصى بإعارة أرضه. أما الخطأ فموجبه المال وحق الورثة يتعلق به فيعتبر من الثلث) ش: يعني أنه إذا تبرع بمنافع أرضه في مرضه بالعارية وانتفع بها المستعير ثم مات المعير، ذلك من جميع المال لأن المنافع ليست بأموال. قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه بحث من أوجه: الأول: أن القصاص مورث بالاتفاق فكيف لم يتعلق به حق الورثة؟ الثاني: أن الوصية بإعارة أرضه باطلة ولئن صحت. فحكمه الثاني، يسكن الموصى له يوما والورثة يومين إن لم يقبل القسمة، وإن قبلها تقرر بالثلث للموصى له. والثالث: أن المنافع أموال فكيف صارت نظير المالين بمال؟ . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 138 قال: وإذا قطعت المرأة يد رجل فتزوجها على يده ثم مات فلها مهر مثلها وعلى عاقلتها الدية إن كان خطأ، وإن كان عمدا ففي مالها. وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن العفو عن اليد إذا لم يكن عفوا عما يحدث منه عنده، فالتزوج على اليد لا يكون تزوجا على ما يحدث منه.   [البناية] الجواب عن الأول: أن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - نفى تعلق حق الورثة به لا لكونه موروثا، ولا تنافي بينهما لأن حق الورثة إنما يثبت بطريق الخلافة، وحكم الخلف لا يثبت مع وجود الأصل، والقياس في المال أيضا: أن لا يثبت فيه تعلق حقهم ألا يتكففون الناس وتركهم أغنياء، إنما يتحقق تعلق حقهم بما يتعلق التي وهو المال، فلو لم يتعلق به لتصرف فيه فتركهم بماله يتكففون الناس. والقصاص ليس بمال، فلا يتعلق به لكنه مورث؛ لأن الإرث خلافة ذي نسب الميت الحقيقي أو الحكمي أو نكاحه أو ولاية حقيقة أو حكما في ماله أو حق قابل له بعد موته. وعن الثاني: بأن المراد من قوله: " أوصى " تبرع كما عبرنا عنه آنفا والوصية تبرع خاص، فيجوز أن يستعار لمطلقه. وعن الثالث: أن المنافع أموال إذا كانت في عقد فيه معاوضة. وقوله: " فيعتبر من الثلث " فيه إشكال وهو أنه إذا اعتبره من الثلث كان وصية. والقاتل من العاقلة، والوصية للقاتل باطلة، فيجب أن لا يصح في حصته. وأجيب: بأن المجروح لم يقل أوصيته بثلث الدية، وإنما عفا عن المال بعد سبب الوجوب فكان تبرعا مبتدأ ولا مانع عنه، ألا ترى أنه لو وهب له شيئا وسلم جاز. [قطعت المرأة يد رجل فتزوجها على يده ثم مات] م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا قطعت المرأة يد رجل فتزوجها على يده ثم مات فلها مهر مثلها، وعلى عاقلتها الدية إن كان خطأ، وإن كان عمدا ففي مالها) ش:. قوله: " على يده ": أي على موجب يده وقيد بقوله ثم مات الزوج في وجوب مهر المثل لأنه إذا لم يمت فتزوجها على اليد صحت التسمية، ويصير الأرش اليد مهرا لها بالإجماع سواء كان القطع عمدا أو خطأ، فتزوجها على القطع وما يحدث منه أو على الجناية لأن لما برأ تبين أن موجبها الأرش دون القصاص، لأن القصاص لا يجري في الأطراف بين الرجل والمرأة عندنا، والأرش يصلح صداقا، كذا ذكره المحبوبي وقاضي خان - رحمهما الله. م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي هذا الحكم عنده م: (لأن العفو عن اليد إذًا لم يكن عفوا عما يحدث منه عنده، فالتزوج على اليد لا يكون تزوجا على ما يحدث منه) ش: فيكون ما الجزء: 13 ¦ الصفحة: 139 ثم القطع إذا كان عمدا يكون هذا تزوجا على القصاص في الطرف، وهو ليس بمال فلا يصلح مهرا لا سيما على تقدير السقوط فيجب مهر المثل، وعليها الدية في مالها؛ لأن التزوج وإن كان يتضمن العفو على ما نبين إن شاء الله تعالى، لكن عن القصاص في الطرف في هذه الصورة وإذا سرى تبين أنه قتل النفس ولم يتناوله العفو، فتجب الدية وتجب في مالها لأنه عمد، والقياس: أن يجب القصاص على ما بيناه، وإذا وجب لها مهر المثل وعليها الدية تقع المقاصة إن كانا على السواء، وإن كانا في الدية فضل ترده على الورثة، وإن كان في المهر فضل ترده الورثة عليها، وإذا كان القطع خطأ يكون هذا تزوجا على أرش اليد، وإذا سرى إلى النفس تبين أنه لا أرش لليد وأن المسمى معدوم، فيجب مهر المثل كما إذا تزوجها على ما في اليد ولا شيء فيها، ولا يتقاصان لأن الدية تجب على العاقلة في الخطأ والمهر لها.   [البناية] لها من المهر غير ما عليها مما يحدث منه م: (ثم القطع إذا كان عمدا يكون هذا تزوجا على القصاص في الطرف، وهو ليس بمال فلا يصلح مهرا لا سيما على تقدير السقوط) ش: أي سقوط القصاص م: (فيجب مهر المثل، وعليها الدية في مالها) ش:. فإن قيل: قبولها التزوج يتضمن العفو، والعفو لا يتضمن، فلا يجب عليها الدية. فأجاب المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: م: (لأن التزوج وإن كان يتضمن العفو على ما نبين إن شاء الله تعالى) ش: إشارة إلى قوله: وقد رضي بسقوط حقه م: (لكن عن القصاص) ش: أي لكن يتضمن العفو عن القصاص م: (في الطرف في هذه الصورة) ش: أي فيما نحن فيه م: (وإذا سرى تبين أنه قتل النفس ولم يتناوله العفو) ش: بمعنى العفو لم يتعرض لذلك م: (فتجب الدية وتجب في مالها لأنه عمد) ش: والعاقلة لا يتحمل العمد م: (والقياس أن يجب القصاص على ما بيناه) ش: يريد به قوله لأنه هو الموجب العمد. م: (وإذا وجب لها مهر المثل وعليها الدية) ش: أي والحال أن عليها الدية م: (تقع المقاصة إن كانا) ش: أي مهر المثل والدية م: (على السواء فإن كانا في الدية فضل ترده) ش: أي ترده المرأة (على الورثة) ش: أي على ورثة الميت م: (وإن كان) ش: أي الفضل م: (في المهر فضل ترده الورثة عليها) ش: أي على المرأة م: (وإذا كان القطع خطأ يكون هذا) ش: أي التزوج م: (تزوجا على أرش اليد وإذا سرى إلى النفس تبين أنه لا أرش لليد وأن المسمى معدوم فيجب مهر المثل كما إذا تزوجها على ما في اليد ولا شيء فيها) ش: أي والحال أنه لا شيء في اليد. م: (ولا يتقاصان) ش:. أي لا يتقاص ما على الزوج من مهر المثل، وما على المرأة من الدية لاختلاف الذمم. م: (لأن الدية تجب على العاقلة في الخطأ) ش: والقتل هنا خطأ. م: (والمهر لها) ش: أي ويجب مهر المثل هنا، ولا يتقاصان، وإنما تكون المقاصة إذا اتحدت الذمة في الوجوب لها وعليها، كما إذا قطعت عمدا أو الجزء: 13 ¦ الصفحة: 140 قال: ولو تزوجها على اليد وما يحدث منها أو على الجناية ثم مات من ذلك، والقطع عمدا فلها مهر مثلها لأن هذا تزوج على القصاص وهو لا يصلح مهرا فيجب مهر المثل على ما بيناه. وصار كما إذا تزوجها على خمر أو خنزير ولا شيء له عليها لأنه لما جعل القصاص مهرا فقد رضي بسقوطه بجهة المهر فيسقط أصلا كما إذا أسقط القصاص بشرط أن يصير مالا فإنه يسقط أصلا، وإن كان خطأ يرفع عن العاقلة مهر مثلها. ولهم ثلث ما ترك وصية؛ لأن هذا تزوج على   [البناية] سرى إلى النفس؛ لأن الدية تجب عليها لا على العاقلة لأنه عمد، والمهر لها أيضا؟ فاتحدت الذمة فوقعت المقاصة. م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في (الجامع الصغير) : م: (ولو تزوجها على اليد وما يحدث منها أو على الجناية) ش: أي أو تزوجها على الجناية أو على الجراحة، م: (ثم مات من ذلك، والقطع عمدا فلها مهر مثلها) ش:. وفي بعض النسخ: فلها مهر مثلها م: (لأن هذا تزوج على القصاص وهو) ش: أي القصاص م: (لا يصلح مهرا) ش: فإذا كان كذلك م: (فيجب مهر المثل على ما بيناه) ش: وفي بعض النسخ فلها مهر مثلها لأن هذا تزوج على القصاص، وهو أي القصاص لا يصلح مهرًا فإذا كان كذلك فيجب مهر المثل لأنه سمى ما لا يصلح مهرا. م: (وصار) ش: أي هذا م: (كما إذا تزوجها على خمر أو خنزير) ش: حيث يجب مهر المثل في هذا م: (ولا شيء له عليها) ش: أي على المرأة، لا القصاص ولا الدية، وهذا هو فائدة التعميم بقوله: ولا شيء. 50 م: (لأنه لما جعل القصاص مهرا فقد رضي بسقوطه بجهة المهر) ش: هذا كان جوابا لما قال: ينبغي أن يجب القصاص لأنه ما رضي بسقوطه مطلقا بل بسقوطه من جهة المهر، وحاصل الجواب أنه جعل القصاص مهرا فقد سمى ما لا يصلح مهرا. م: (فيسقط أصلًا كما إذا سقط القصاص بشرط أن يصير مالا) ش: أي بشرط أن يصير القصاص مالا بأن يقول أسقطت القصاص بشرط أن يصير مالًا م: (فإنه يسقط) ش: أن يكون م: (أصلًا) ش: إن مضى كلامه م: (بشرط أن يصير الدم مالًا فإنه يسقط أصلًا) ش: والدم ليس بمال في دين سماوي، فكان شرطا باطلًا فصار إسقاطا مطلقا م: (وإن كان) ش: أي القطع م: (خطأ يرفع عن العاقلة مهر مثلها) ش: أي قدر مثلها. م: (ولهم) ش: أي وللعاقلة م: (ثلث ما ترك) ش: أي الميت من الدية م: (وصية) ش: أي من حيث الوصية لهم م: (لأن هذا) ش: أي التزوج على اليد، وما يحدث منها، م: (تزوج على الجزء: 13 ¦ الصفحة: 141 الدية وهي تصلح مهرا لأنه يعتبر بقدر مهر المثل من جميع المال؛ لأنه مريض مرض الموت والتزوج من الحوائج الأصلية، ولا يصح في حق الزيادة على مهر المثل لأنه محاباة، فيكون وصية. فيرفع عن العاقلة لأنهم يتحملون عنها، فمن المحال أن ترجع عليهم بموجب جنايتها، وهذه الزيادة وصية لهم لأنهم من أهل الوصية لما أنهم ليسوا بقتلة، فإن كانت تخرج من الثلث تسقط، وإن لم تخرج يسقط ثلثه. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: كذلك الجواب فيما إذا تزوجها على اليد لأن العفو عن اليد عفو عما يحدث منه عندهما، فاتفق جوابهما في الفصلين. قال: ومن قطعت يده فاقتص له من اليد ثم مات فإنه يقتل المقتص منه لأنه تبين أن الجناية كانت قتل عمد، وحق المقتص له القود، واستيفاء القطع لا يوجب سقوط القود كمن له.   [البناية] الدية، وهي) ش: أي الدية م: (تصلح مهرا لأنه يعتبر بقدر مهر المثل من جميع المال لأنه مريض مرض الموت والتزوج من الحوائج الأصلية) ش: والمريض إذا تزوج امرأة بمال كان لها مقدار مهر مثلها م: (ولا يصح في حق الزيادة على مهر المثل لأنه محاباة فيكون وصية) ش: لها، والوصية للقاتل لا تصح م: (فيرفع عن العاقلة) ش: أي قدر مهر مثلها. م: (لأنهم) ش: أي لأن العاقلة م: (يتحملون عنها) ش: ولا يتحملون لها م: (فمن المحال أن ترجع) ش: أي المرأة م: (عليهم بموجب جنايتها، وهذه الزيادة وصية لهم) ش: أي للعاقلة م: (لأنهم من أهل الوصية لما أنهم ليسوا بقتلة، فإن كانت) ش: أي الزيادة م: (تخرج من الثلث تسقط) ش: عنهم. م: (وإن لم تخرج) ش: من الثلث م: (يسقط ثلثه) ش: أي ثلث ما زاد وعلى مهر المثل إلى تمام الدية ويردون ما بقي إلى الورثة واعلم أن هذا كله من قوله: وإذا قطعت المرأة يد رجل، إلى هنا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وأما قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: فهو ما أشار إليه بقوله: م: (وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله) ش: فهو ما أشار إليه بقوله م: (كذلك الجواب) ش: أي كجواب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فيما إذا تزوجها على اليد) ش: أي موجب اليد م: (لأن العفو عن اليد عفو عما يحدث منه عندهما، فاتفق جوابهما في الفصلين) ش: أي فيما لو تزوجها على اليد إذا كان القطع خطأ، وفيما إذا تزوجها على اليد وما يحدث منها أو على الجناية، وعبر "بالفصلين" باعتبار المتفق والمختلف وإلا فالفصول ثلاثة. [قطعت يده فاقتص له من اليد ثم مات] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن قطعت يده فاقتص له من اليد ثم مات) ش: أي المقطوعة يده م: (فإنه يقتل المقتص منه) ش: وبه قالت الثلاثة م: (لأنه تبين أن الجناية كانت قتل عمد، وحق المقتص له القود، واستيفاء القطع لا يوجب سقوط القود كمن له الجزء: 13 ¦ الصفحة: 142 القود إذا استوفى طرف من عليه القود. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يسقط حقه في القصاص لأنه لما أقدم على القطع فقد أبرأه عما وراءه، ونحن نقول: إنما أقدم على القطع ظنا منه أن حقه فيه، وبعد السراية تبين أنه في القود فلم يكن مبرئا عنه بدون العلم به. قال: ومن قتل وليه عمدا فقطع يد قاتله ثم عفا وقد قضى له بالقصاص أو لم يقض فعلى قاطع اليد دية اليد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا شيء عليه لأنه استوفى حقه فلا يضمنه، وهذا لأنه استحق إتلاف النفس بجميع أجزائها، ولهذا لو لم يعف لا يضمنه، وكذا إذا سرى وما برأ   [البناية] القود) ش: أي حق القصاص م: (إذا استوفى طرف من عليه القود) ش: فإنه لا يسقط حقه من القصاص. (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يسقط حقه في القصاص لأنه لما أقدم على القطع فقد أبرأه عما وراءه، ونحن نقول) ش: أي في الجواب عما قاله أبو يوسف م: (إنما أقدم على القطع ظنا منه أن حقه فيه) ش: يعني في حق اليد م: (وبعد السراية) ش: أي بعد سراية القطع إلى الموت م: (تبين أنه) ش: أي أن حقه م: (في القود فلم يكن مبرئا عنه) ش: أي عن القود م: (بدون العلم به) ش: أي بدون حقه في القود. [قتل وليه عمدا فقطع يد قاتله ثم عفا] م (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن قتل وليه عمدا فقطع يد قاتله ثم عفا وقد قضى له بالقصاص أو لم يقض: فعلى قاطع اليد دية اليد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد، ولو قتله لا شيء عليه عنده. وعند أحمد: عليه الدية، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه القصاص. م (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (لا شيء عليه) ش: لا القصاص ولا الدية. وبه قال الشافعي م: (لأنه استوفى حقه فلا يضمنه، وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأنه استحق إتلاف النفس بجميع أجزائها) ش: لأن اليد كانت جميعا للولي تبعا للنفس فبطل حقه بالنفس مما بقي لا مما استوفى. م (ولهذا) ش: أي ولأجل استحقاقه إتلاف النفس بجميع أجزائه م: (لو لم يعف لا يضمنه) ش: أي لو لم يعف وسرى لا يجب الضمان عليه، هذا إلزام على أبي حنيفة لا على أحمد ومالك؛ لأنهما قالا بضمان اليد بعد الاستيفاء، ويدل عليه أحكام منها قوله: م: (وكذا إذا سرى) ش: أي بعد العفو م: (وما برأ) ش: تأكيد لقوله: إذا سرى - أي لم - يعف، وسرى. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 143 أو ما عفا وما سرى، أو قطع ثم حز رقبته قبل البرء أو بعده؛ وصار كما إذا كان له قصاص في الطرف فقطع أصابعه ثم عفا، لا يضمن الأصابع. وله: أنه استوفى غير حقه؛ لأن حقه في القتل وهذا قطع وإبانة، وكان القياس أن يجب القصاص إلا أنه سقط للشبهة فإن له أن يتلفه تبعا، وإذا سقط وجب المال، وإنما لا يجب في الحال؛ لأنه يحتمل أن يصير قتلا بالسراية فيكون مستوفيا حقه، وملك القصاص في النفس ضروري لا يظهر إلا عند الاستيفاء أو العفو أو الاعتياض لما أنه تصرف فيه.   [البناية] ومنها قوله: م: (أو ما عفا) ش: يعني قطع وما عفا م: (وما سرى) ش: يعني ما ظهر حاله بعد القطع. ومنها قوله: م: (أو قطع ثم حز رقبته قبل البدء أو بعده) ش: لا يضمن م: (وصار كما إذا كان له قصاص في الطرف فقطع أصابعه ثم عفا) ش: عن الكف م: (لا يضمن الأصابع) ش: فكذا في الطرف مع النفس، وهذا لأن حقه ثابت في النفس، وكل حق ظهر في النفس يظهر في حق الأطراف طبعا لأنهما من جملة النفس. م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة: م: (أنه استوفى غير حقه؛ لأن حقه في القتل وهذا قطع وإبانة) ش: القطع هو الإبانة، والقتل إزهاق بينهما مغايرة. م: (وكان القياس أن يجب القصاص) ش: يعني في اليد م: (إلا أنه سقط للشبهة) ش: أي غير أن القصاص سقط للشبهة، وعلل الشبهة بقوله: م: (فإن له أن يتلفه تبعا) ش: أي يتلف الطرف تبعا للنفس. م: (وإذا سقط) ش: أي القصاص م: (وجب المال، وإنما لا يجب) ش: أي المال م: (في الحال) ش: هذا جواب عما يقال لما سقط القصاص ووجب المال كان ينبغي أن يثبت المال في الحال، ولا يتوقف على البرء كما في الجنايات. فأجاب بقوله: م: (لأنه يحتمل أن يصير قتلًا بالسراية فيكون مستوفيا حقه) ش: فلا يبقى له شيء م: (وملك القصاص في النفس ضروري) ش: هذا جواب عن قولهما إنه استوفى حقه فقال: ليس كذلك؛ لأن ثبوت القصاص لما كان ضروريا لثبوته مع المنافي، وهو الحرمة لأن الآدمي بنيان الرب، فلا يحل تخريبه. فإذا كان كذلك م: (لا يظهر) ش: إلا في أحوال ثلاثة، أشار إليها بقوله م: (إلا عند الاستيفاء) ش: وهو استيفاء النفس بالقصاص. م: (أو العفو أو الاعتياض) ش: عنه وهو عفو من وجه م: (لما أنه تصرف فيه) ش: أي لما أن كل واحد من هذه الأشياء الثلاثة تصرف في القاتل، فلا يجوز التصرف بغيرها.. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 144 فأما قبل ذلك لم يظهر لعدم الضرورة بخلاف ما إذا سرى لأنه استيفاء. وأما إذا لم يعف وما سرى. قلنا: إنما تبين كونه قطعا بغير حق بالبرء حتى لو قطع وما عفا، وبرأ، الصحيح إنه على هذا الخلاف. وإذا قطع ثم حز رقبته قبل البرء فهو استيفاء، ولو حز بعد البرء فهو على هذا الخلاف هو الصحيح، والأصابع وإن كانت تابعة قياما بالكف، فالكف تابعة لها عرضا بخلاف الطرف لأنها تابعة للنفس من كل وجه.   [البناية] م: (فأما قبل ذلك) ش: أي قبل التصرف بهذه الأشياء الثلاثة م: (لم يظهر) ش: أي ملك القصاص م: (لعدم الضرورة) ش: أي إظهاره. فإذا كان الملك عندما قبل الاستيفاء في حق المحل، فلا يظهر في الأطراف قبل الاستيفاء. إذ القتل به الاستيفاء بحكم، إلا أن بظهوره في حق الأطراف فلم يكن هذا الاستيفاء لحقه. م: (بخلاف ما إذا سرى) ش: جواب عن قولهما: "وكذا إذا سرى" أي القطع. م: (لأنه استيفاء وأما إذا لم يعف وما سرى) ش: جواب عن قولهما: أو ما عفا، وما سرى. م: (قلنا إنما تبين كونه قطعا بغير حق بالبرء حتى لو قطع وما عفا وبرأ، الصحيح أنه على هذا الخلاف) ش: فلا يكون مستشهدا به. وقال الإمام علاء الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو قطع وما عفا وبرأ اختلف المشايخ فيه، والصحيح أنه على الخلاف. م: (وإذا قطع ثم حز رقبته) ش: جواب عن قولهما: أو قطع ثم حز رقبته إلى آخره، تقرير الجواب: أن حزه الرقبة إن كان م: (قبل البرء فهو استيفاء) ش: فلا يضمن لأن الطرف صار مستحقا في حق القتل وهذا الفعل صار قتلًا. م: (ولو حز بعد البرء فهو على هذا الخلاف هو الصحيح) ش: أي كونه على الخلاف هو الصحيح فلا يكون مستشهدا به. م: (والأصابع وإن كانت تابعة) ش: جواب عن قولهما: وصار كما إذا كان له قصاص في الطرف. . . إلى آخره. تقديره: أن الأصابع وإن كانت تابعة، يعني للكف حال كونها م: (قياما بالكف) ش: من حيث إنها تقوم بالكف م: (فالكف تابعة لها) ش: أي للأصابع م: (عرضا) ش: أي من حيث العرض لأن منفعة البطش تقوم بالأصابع، والكف كالشرط له. وهو اختيار بعض المشايخ، فإنهم تبرعوا بالفرق. ومنعه صاحب " الأسرار " وقال: لا نسلم أنه لا يلزمه ضمان الأصابع، بل يلزمه إذا عفي عن الكف. م: (بخلاف الطرف) ش: مع النفس م: (لأنها تابعة للنفس من كل وجه) ش: فلم يكن مستحقا أصلًا فكان قطع اليد قطعا بغير حق، فوجب الضمان. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 145 قال: ومن له القصاص في الطرف إذا استوفاه ثم سرى إلى النفس ومات، يضمن دية النفس عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا يضمن لأنه استوفى حقه وهو القطع، ولا يمكن التقييد بوصف السلامة لما فيه من سد باب القصاص، إذ الاحتراز عن السراية ليس في وسعه، فصار كالإمام والبزاغ والحجام والمأمور بقطع اليد. وله: أنه قتل بغير حق؛ لأن حقه في القطع، وهذا وقع قتلا، ولهذا الوقع ظلما كان قتلا. ولأنه جرح أفضى إلى فوات الحياة في مجرى العادة، وهو مسمى القتل. إلا أن القصاص سقط للشبهة فوجب المال بخلاف ما استشهدا به من المسائل؛ لأنه مكلف فيها بالفعل إما تقليدا كالإمام أو عقدا   [البناية] قال: أي في الأصل، لأن هذه من مسائل الأصل ذكرها تفريعًا، وليست بمذكورة في البداية، فعلى هذا لم يقع لفظ. [من له القصاص في الطرف إذا استوفاه ثم سرى إلى النفس ومات] م: (قال) ش: في أول المسألة مناسبًا م: (ومن له القصاص في الطرف إذا استوفاه ثم سرى إلى النفس ومات يضمن دية النفس عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا يضمن) ش:. وبه قال الشافعي ومالك - رحمهما الله - وأحمد؛ م: (لأنه استوفى حقه وهو القطع، ولا يمكن التقييد بوصف السلامة لما فيه من سد باب القصاص، إذ الاحتراز عن السراية ليس في وسعه، فصار كالإمام) ش: أي القاضي، إذا قطع يد السارق ومات من ذلك. م: (والبزاغ) ش: من بزغ البيطار الدابة شقها بالمبزغ، وهو مثل شرط الحجام م: (والحجام) ش: هو الذي يحجم م: (والمأمور بقطع اليد) ش: إذا مات المقطوع، لأن كل واحد من هؤلاء مأذون بما فعله فلا يوصف بالتعدي، فلا يضمن. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أنه) ش: أي أن القاطع م: (قتل بغير حق؛ لأن حقه في القطع، وهذا وقع قتلًا، ولهذا الوقع ظلمًا) ش: أي ولكونه قطعا بغير حق لو وقع هذا القطع ظلما من غير قصاص، وسرى إلى النفس م: (كان قتلًا) ش: موجبا للقصاص أو الدية في حق النفس. م: (ولأنه) ش: أي ولأن هذا الفعل م: (جرح أفضى إلى فوات الحياة في مجرى العادة) ش: يعني أن الموت من الجرح ليس على خلاف العادة وهو مسمى القتل، أي الجرح الذي يقضي فوات الحياة هو المسمى بالقتل، وكان القياس أن يكون فيه القصاص. م: (إلا أن القصاص سقط للشبهة فوجب المال بخلاف ما استشهدا به من المسائل؛ لأنه) ش: أي لأن الذي باشر فكان فيها أي في المسائل م: (مكلف فيها بالفعل إما تقليدا) ش: أي من حيث التقلد م: (كالإمام) ش: فإنه إذا تقلد وجب عليه أن يحكم. م: (أو عقدا) ش: أي من حيث العقد م: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 146 كما في غيره منها، والواجبات لا تتقيد بوصف السلامة كالرمي إلى الحربي. وفيما نحن فيه لا التزام ولا وجوب. إذ هو مندوب إلى العفو فيكون من باب الإطلاق فأشبه الاصطياد والله أعلم بالصواب.   [البناية] (كما في غيره) ش: أي غير الإمام وهو البزاغ والحجام والختان م: (منها) ش: أي المسائل م: (والواجبات) ش: أي الأمور التي يجب فعلها م: (لا تتقيد بوصف السلامة كالرمي إلى الحربي) ش: فإنه إذا رمى إلى الحربي فأصاب أسيرا مسلما لم يضمن. م: (وفيما نحن فيه) ش: بأن الاستيفاء م: (لا التزام) ش: من الذي فعل م: (ولا وجوب) ش: من حيث الشرع م: ((إذ هو مندوب إلى العفو) ش: قال الله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] . م: (فيكون من باب الإطلاق) ش: أي الإباحة م: (فأشبه الاصطياد) ش: فإنه إذا رمى إلى صيد فأصاب إنسانا ضمن كذا هذا. فإن قيل: ما الفرق بين هذه وبين المستعير والمستأجر، ويعلم ضرب الصبي بإذن الأب، فمات. وقاطع يد حربي أو مرتد أسلم بعد القطع، فإنه لا يجب على المستعير والمستأجر الركوب إذا نفقت الدابة منه، وعلى المعلم والقاطع ضمان وهاهنا يجب إذا سرى؟ . وأجيب: بأن في الثلاثة الأول حصل سبب الهلاك بإذن فنقل إلى الآذن، ولو أهلك المالك دابته لم يجب عليه شيء، فكذا إذا أذن بسبب الهلاك. والأب إذا قتل ابنه يجب عليه الدية، فكذلك هنا، بخلاف القصاص فإنه يقع بالملك دون الإذن. ولما قطع وسرى كان القطع قتلًا وليس له ملك القتل، فكان متصرفا في غير ملكه وهو يوجب الضمان. وأما الرابع: فلأن القطع مع السراية يصير قتلًا من الابتداء، ولو وقع ابتداء وقع القتل قبل الإسلام في مباح الدم، وذلك لا يوجب الضمان، فكذا إذا صار قتلًا في الانتهاء لأنه مستند إلى ابتداء القطع. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 147 باب الشهادة في القتل قال: ومن قتل وله ابنان حاضر وغائب، فأقام الحاضر البينة على القتل، ثم قدم الغائب فإنه يعيد البينة عند أبي حنيفة. وقالا: لا يعيد وإن كان خطأ لم يعدها بالإجماع وكذلك الدين يكون لأبيهما على آخر. لهما في الخلافية: أن القصاص طريقه طريق الوارثة كالدين وهذا لأنه عوض عن نفسه فيكون الملك فيه لمن له الملك في المعوض كما في الدية. ولهذا لو انقلب مالا يكون للميت، ولهذا يسقط بعفوه بعد الجرح قبل الموت   [البناية] [باب الشهادة في القتل] [قتل وله ابنان حاضر وغائب فأقام الحاضر البينة على القتل ثم قدم الغائب] م: (باب الشهادة في القتل) ش: أي: هذا باب في بيان حكم الشهادة في القتل، ولما كانت الشهادة فيه متعلقا بالقتل ذكرها بعد ذكر حكم القتل، لأنه لما تعلق به صار كالتابع له. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن قتل وله ابنان حاضر وغائب، فأقام الحاضر البينة على القتل، ثم قدم الغائب فإنه يعيد البينة عند أبي حنيفة) ش: يعني إذا أقام الحاضر البينة أنه قتل أباه عمدًا، قبلت البينة وحبس القاتل، فإذا حضر الغائب كلفا جميعا إعادة البينة. م: (وقالا لا يعيد) ش: وهو قياس الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (وإن كان) ش: أي القتل م: (خطأ لم يعدها) ش: أي البينة م: (بالإجماع. وكذلك الدين يكون لأبيهما على آخر) ش: لا يكلف بإقامة البينة بالإجماع، ويكون الحاضر خصمًا عن نفسه وعن أخيه الغائب. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (في الخلافية) ش: أي في المسألة الخلافية: م: (أن القصاص طريقه طريق الوراثة) ش: أي على معنى أنه يثبت للميت أولًا، ثم ينتقل عنه إلى الوارث فصار م: (كالدين) ش: وثمة أحد الورثة ينتصب خصمًا عن الميت في إثباته. ولهذا يحبس القاتل بهذه البينة، لأن الوارث خصم في إثباته. م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله، أي كونه بطريق الوراثة م: (لأنه) ش: أي لأن القصاص م: (عوض عن نفسه) ش: أي نفس الميت، لأن النفس نفس م: (فيكون الملك فيه) ش: أي في العوض م: (لمن له الملك في المعوض) ش: وهو النفس. م: (كما في الدية) ش: إذا ادعى الحاضر الدية لم يكلف إعادة البينة بالاتفاق وإذا حضر الغائب. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون طريق القصاص طريق الوراثة م: (لو انقلب) ش: أي القصاص م: (مالا يكون للميت) ش: يقضى به دينه وينفذ منه وصاياه. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (يسقط) ش: أي القصاص م: (بعفوه) ش: أي بعفو المجروح م: (بعد الجرح قبل الموت) ش: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 148 فينتصب أحد الورثة خصما عن الباقين، وله: أن القصاص طريقه طريق الخلافة دون الوراثة، ألا ترى أن ملك القصاص يثبت بعد الموت، والميت ليس من أهله بخلاف الدين والدية: لأنه من أهل الملك في الأموال، كما إذا نصب شبكة فتعلق بها صيد بعد موته فإنه يملكه. وإذا كان طريقه الإثبات ابتداء لا ينتصب أحدهم خصما عن الباقين فيعيد البينة بعد حضوره. فإن كان أقام القاتل البينة أن الغائب قد عفا فالشاهد خصم ويسقط القصاص، لأنه ادعى على الحاضر سقوط حقه في القصاص إلى مال ولا يمكنه إثباته إلا بإثبات العفو من الغائب، فينتصب الحاضر خصما عن الغائب. وكذلك عبد بين رجلين قتل عمدا وأحد الرجلين غائب فهو على هذا لما بيناه. قال: فإن كان الأولياء ثلاثة فشهد اثنان منهم على الآخر أنه قد عفا   [البناية] فإذا كان كذلك م: (فينتصب أحد الورثة خصمًا عن الباقين) ش: لأنهم كالوكلاء عن الميت فينفر كل منهم بإثبات حقوقه. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن القصاص طريقه طريق الخلافة دون الوراثة) ش: وهو أن يثبت الملك ابتداء للوارث دون المورث لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أن ملك القصاص يثبت بعد الموت، والميت ليس من أهله) ش: أي من أهل القصاص، لأنه شرع للتشفي ودرك الثأر كالعبد إذا نصب فإنه يثبت الملك للمولى ابتداء بطريق الخلافة لأن العبد ليس بأهل للملك. م: (بخلاف الدين والدية) ش: هذا جواب عن قولهما "كالدين " م: (لأنه) ش: أي لأن الميت م: (من أهل الملك في الأموال، كما إذا نصب شبكة فتعلق بها صيد بعد موته فإنه يملكه وإذا كان طريقه الإثبات ابتداء لا ينتصب أحدهم خصما عن الباقين فيعيد) ش: أي الغائب م: (البينة بعد حضوره، فإن كان أقام القاتل البينة أن الغائب قد عفا فالشاهد خصم) ش: أي الحاضر خصم في ذلك. م: (ويسقط القصاص؛ لأنه ادعى على الحاضر سقوط حقه في القصاص إلى مال ولا يمكنه إثباته إلا بإثبات العفو من الغائب، فينتصب الحاضر خصمًا عن الغائب، وكذلك عبد بين رجلين قتل عمدا وأحد الرجلين غائب فهو على هذا) ش: الحكم المذكور م: (لما بيناه) ش: وهو: أن القود مشترك بينهما، فالقاتل يدعي بطلان حق الحاضر واتباعًا له، ولا يمكنه إثبات ذلك إلا بإثبات العفو عن الغائب، فصار الغائب مقضيا عليه، ويحتمل أن يكون قوله: "على ما بيناه" من أن ملك القود يثبت عندهما بطريق الوراثة؛ لأن العفو تبقى في حق الدم على أصل الحرية وعنده بطريق الخلافة. [الأولياء ثلاثة فشهد اثنان منهم على الآخر أنه قد عفا] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجامع الصغير م: (فإن كان الأولياء ثلاثة) ش: أي وإن كان أولياء المقتول عمدًا ثلاثة النفس. م: (فشهد اثنان منهم على الآخر أنه قد عفا) ش: أي عن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 149 فشهادتهما باطلة وهو عفو منهما لأنهما يجران بشهادتهما إلى أنفسهما مغنما، وهو انقلاب القود مالا فإن صدقهما القاتل فالدية بينهم أثلاثا. معناه إذا صدقهما وحده، لأنه لما صدقهما فقد أقر بثلثي الدية لهما فصح إقراره، إلا أنه يدعى سقوط حق المشهود عليه، وهو ينكر فلا يصدق ويغرم نصيبه، وإن كذبهما فلا شيء لهما وللآخر ثلث الدية ومعناه إذا كذبهما القاتل أيضا، وهذا لأنهما أقرا على أنفسهما بسقوط القصاص فقبل وادعيا انقلاب نصيبهما مالا فلا يقبل إلا بحجة، وينقلب نصيب المشهود عليه مالا لأن دعواهما العفو عليه وهو ينكر بمنزلة ابتداء العفو منهما في حق المشهود عليه؛ لأن سقوط القود مضاف إليهما، وإن صدقهما المشهود عليه وحده غرم القاتل ثلث الدية للمشهود عليه لإقراره له   [البناية] القصاص م: (فشهادتهما باطلة وهو عفو) ش: لأنهما زعما أن القود قد سقط وزعمهما معتبر فيه. م: (منهما لأنهما يجران) ش: هذا تعليل لقوله (فشهادتهما باطلة) ولم يذكر تعليل قوله: وزعمهما معتبر في حقهما، ونحن ذكرناه الآن: أن الوليين من الأولياء الثلاثة يجران م: (بشهادتهما إلى أنفسهما مغنما وهو انقلاب القود مالا فإن صدقهما القاتل فالدية بينهم أثلاثا) ش: هذا لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " أن جميع الدية للأولياء الثلاثة أثلاثًا وتتأتى فيه القسمة الفعلية؛ لأنه إما أن يصدقهم القاتل، والمشهود عليه جميعا أو يكذبهما أو يصدقهما القاتل دون المشهود عليه أو بالعكس، والمذكور في الكتاب أولا: أن يصدقهما القاتل وحده وفيه الدية بينهم أثلاثًا. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (معناه: إذا صدقهما وحده) ش: يعني إذا صدق القاتل الشاهدين وحده ولم يصدق المشهود عليه بل كذبهما قيد به لأنه إذا صدق المشهود عليه مع القاتل أيضًا سقط حقه في الدية لإقراره بالعفو. م: (لأنه لما صدقهما فقد أقر بثلثي الدية لهما فصح إقراره، إلا أنه يدعي سقوط حق المشهود عليه، وهو ينكر فلا يصدق ويغرم نصيبه. وإن كذبهما) ش: أي وإن كذبهما القاتل م: (فلا شيء لهما) ش: أي للشاهدين م: (وللآخر) ش: وهو المشهود عليه م: (ثلث الدية، ومعناه إذا كذبهما القاتل) ش: والمشهود عليه م: (أيضا) . ش: وفي بعض النسخ: معناه: إذا كذبهما القاتل أيضًا، فعلى تلك النسخة يكون تقدير قوله: "وإن كذبهما " أي المشهود عليه والأول أصح. م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأنهما أقرا على أنفسهما بسقوط القصاص فقبل وادعيا انقلاب نصيبهما مالًا فلا يقبل إلا بحجة، وينقلب نصيب المشهود عليه مالًا لأن دعواهما العفو عليه وهو ينكر بمنزلة ابتداء العفو منهما في حق المشهود عليه، لأن سقوط القود مضاف إليهما وإن صدقهما المشهود عليه وحده) ش: يعني وكذبهما القاتل م: (غرم القاتل ثلث الدية للمشهود عليه لإقراره له بذلك) ش: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 150 بذلك. قال: وإذا شهد الشهود أنه ضربه فلم يزل صاحب فراش حتى مات فعليه القود إذا كان عمدا: لأن الثابت بالشهادة كالثابت معاينة، وفي ذلك القصاص على ما بيناه، والشهادة على قتل العمد تتحقق على هذا الوجه، لأن الموت بسبب الضرب إنما يعرف إذا صار بالضرب صاحب فراش حتى مات، وتأويله إذا شهدوا   [البناية] أي لإقرار القاتل للمشهود عليه بذلك: أي بثلث الدية إذا أنكر عفو المشهود عليه بعد انقلاب القصاص مالًا بشهادة صاحبه، ولكنه يصرف إلى الشاهد، وفي بعض النسخ: ولكنه يصرف ذلك إلى الشاهدين وهذا استحسان. والقياس: أن لا يلزمه شيء، لأن ما ادعاه الشاهدان على القاتل لم يثبت لإنكاره، وما أقر به القاتل للمشهود عليه قد بطل بتكذيبه، أي بتكذيب المشهود عليه القاتل في إنكاره العفو، يعني لما صدق المشهود عليه الشاهدين، صار تصديقه تكذيبًا منه للقاتل في إنكاره العفو بعدد بالقياس. قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وجه الاستحسان أن القاتل بتكذيبه الشاهدين أقر للمشهود عليه بثلث الدية، لزعمه أن القصاص سقط بدعواهما العفو على الغائب، وانقلب نصيبه مالا. والغائب لما صدق الشاهدين في العفو فقد زعم أن نصيبهما انقلب مالًا فصار مقرًا لهما، أو صار الغائب وهو المشهود عليه بالعفو مقرًا للشاهدين بما أقر به القاتل، وهو ثلث الدية له، أي للغائب، فيجوز إقراره بذلك بمنزلة ما لو أقر رجل لرجل بألف درهم، فقال المقر له هذه الألف ليست لي ولكنها لفلان، جاز وصار الألف لفلان، وكذا هذا حاصله: أن من أقر لإنسان بشيء فأقر المقر له لغيره لا يصير ردًا للإقرار، ولكن يتحول الحق إلى المقر له الثاني. [شهد الشهود أنه ضربه فلم يزل صاحب فراش حتى مات] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا شهد الشهود أنه ضربه فلم يزل) ش: أي المضروب م: (صاحب فراش) ش: يعني لم يحصل له البرء أصلًا م: (حتى مات فعليه القود) ش: أي القصاص، إلى هنا لفظ محمد في " الجامع ". وقال المصنف م: (إذا كان عمدا) ش: احترز به عن الخطأ وتفسير العمد أن يضربه عمدًا فيموت بسبب ذلك الضرب، حتى لو كان يوم ويذهب في حوائجه بعد الضرب لا يقبل، وإن كان صاحب فراش بذلك الضرب ومات، فقد مات بذلك السبب فوجب الحكم به. م: لأن الثابت بالشهادة كالثابت معاينة، وفي ذلك القصاص على ما بيناه) ش: في القتل العمد م: (والشهادة على قتل العمد تتحقق على هذا الوجه؛ لأن الموت بسبب الضرب إنما يعرفه إذا صار بالضرب صاحب فراش حتى مات. وتأويله) ش: أي وتأويل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (إذا شهدوا) ش: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 151 أنه ضربه بشيء جارح. قال: وإذا اختلف شاهدا القتل في الأيام أو في البلد أو في الذي كان به القتل فهو باطل لأن القتل لا يعاد ولا يكرر، والقتل في زمان أو في مكان غير القتل في زمان أو في مكان آخر، والقتل بالعصا غير القتل بالسلاح لأن الثاني عمد والأول شبه العمد ويختلف أحكامهما، فكان على كل قتل شهادة فرد. وكذا إذا قال أحدهما: قتله بعصا، وقال الآخر: لا أدري بأي شيء قتله، فهو باطل؛ لأن المطلق يغاير المقيد. قال: وإن شهدا أنه قتله وقالا: لا ندري بأي شيء قتله ففيه الدية استحسانا. والقياس أن لا   [البناية] الشهود أنه ضربه إلى آخره م: (أنه ضربه بشيء جارح) ش: يعني مثل السيف وما يجري مجراه في تفريق الأجزاء لأن في غير ذلك لا يجب القود عند أبي حنيفة. وإنما أول بذلك لتكون المسألة مجمعًا عليها، لا يقال: الضرب بسلاح قد يكون خطأ، فكيف يجب القود) لأنا نقول: لما شهدوا أنه ضربه بسلاح ثبت العمد لا محالة؛ لأنه كان خطأ لقالوا إنه قصد غيره فأصابه. [اختلف شاهدا القتل في الأيام] م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا اختلف شاهدا القتل في الأيام) ش: بأن قال أحد الشاهدين إنه قتل يوم الخميس، وقال الآخر: يوم الجمعة م: (أو في البلد) ش: بأن قال أحدهما: (اقتله بالبصرة، وقال الآخر: بالكوفة م: (أو في الذي كان به القتل) ش: أي واختلف في شيء الذي كان به القتل أحدهما بالعصا. وقال الآخر: بالسيف م: (فهو باطل) ش: أي لا تسمع هذه الشهادة م: (لأن القتل لا يعاد ولا يكرر) ش: (وهذا ظاهر. م: (والقتل في زمان أو في مكان غير القتل في زمان أو في مكان آخر. والقتل بالعصا غير القتل بالسلاح لأن الثاني) ش: أي القتل بالسلاح م: (عمد، والأول) ش: أي القتل بالعصا م: (شبه عمد، ويختلف أحكامهما، فكان على كل قتل شهادة فرد) ش: ولم يوجد الاتفاق من الشاهدين على قتل واحد فلم تقبل شهادتهما. م: (وكذا) ش: الحكم م: (إذا قال أحدهما) ش: أي أحد الشاهدين م: (قتله بعصا، وقال الآخر: لا أدري بأي شيء قتله، فهو باطل لأن المطلق يغاير المقيد) ش: لأن المقضي به إن كان القتل بعصا فالدية على العاقلة، وإن كان المقضي به لا يعلم فالدية في ماله. كذا ذكره شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن شهدا أنه قتله، وقالا: لا ندري بأي شيء قتله، ففيه الدية) ش: لأن أحدهما - شهد بقتل معلوم لا يوجب القصاص، والآخر بقتل محمول فلم يتفقا على قتل واحد، فإذا كان كذلك فعليه الدية، م: استحسانا، والقياس: أن لا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 152 تقبل هذه الشهادة، لأن القتل يختلف باختلاف الآلة، فجهل المشهود به. وجه الاستحسان: أنهم شهدوا بقتل مطلق، والمطلق ليس بمجمل، فيجب أقل موجبيه وهو الدية، ولأنه يحمل إجمالهم في الشهادة على إجمالهم بالمشهود عليه سترا عليه. وأولوا كذبهم في نفي العلم بظاهر ما ورد بإطلاقه   [البناية] تقبل هذه الشهادة؛ لأن القتل يختلف باختلاف الآلة فجهل المشهود به) ش: لأنه غفلة من الشاهدين م: (وجه الاستحسان: أنهم شهدوا بقتل مطلق، والمطلق ليس بمجمل) . ش: ولهذا وجب التحرير في التكثير بقوله: "فتحرير رقبة "، ولو كان مجملًا لما وجب الكل فإذا كان كذلك م: (فيجب أقل موجبيه) ش: أي أقل موجبي القتل وهو القصاص والدية. قال شيخنا العلاء أدنى موجبيه وفيه صفة التجنيس التام كما في قَوْله تَعَالَى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55] . الأول: بمعنى الإبهام، والثاني: بمعنى الإحسان. وصرح في المبسوط بأحد موجبيه م: (وهو: الدية، ولأنه يحمل إجمالهم) ش: أي إجمال المشهود م: (في الشهادة على إجمالهم) ش: أي إحسانهم م: (بالمشهود عليه سترًا عليه) ش:، أي لأجل الستر عليه حتى لا يجب عليه القصاص. وهذا في الحقيقة جواب عما يرد على وجه الاستحسان، وهو أن يقول المشهود في قولهم: لا ندري بأي شيء قتله. إما صادقون وإما كاذبون لعدم الواسطة بين الصدق والكذب. وعلى كل التقدير يجب أن لا تقبل شهادتهم؛ لأنهم إن صدقوا امتنع العصابة لاختلاف موجب السيف والعصا. وإن كذبوا فكذلك، لأنهم صاروا فسقة. وقال في جوابه: جعلوا عالمين بأنه قتله بالسيف لكنهم بقولهم لا ندري ستروا عليه. م: (وأولوا كذبهم) ش: أي المشائخ أولوا كذب الشهود م: (في نفي العلم) ش: أي في قولهم: لا ندري م: (بظاهر ما ورد) ش: نصب بنزع الخافض، أي بظاهر ما ورد م: (بإطلاقه) ش: أي بإطلاق الكذب أي تجويزه على ما ورد في الحديث من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس بكذاب من أصلح الوصل وأنهى البين الوصل» ، قاله الجوهري، والشراح كلهم ذكروا هذا الحديث ولم يتعرض أحد منهم من أخرجه ولا من رواه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: الحديث رواه ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولفظه: حدثنا يزيد بن هارون حدثنا سفيان بن حسين عن الزهري، عن عبد الرحمن عن أبيه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لم يكذب من قال خيرا أو أصلح بين اثنين» الجزء: 13 ¦ الصفحة: 153 في إصلاح ذات البين، وهذا في معناه فلا يثبت الاختلاف بالشك، وتجب الدية في ماله؛ لأن الأصل في الفعل العمد فلا يلزم العاقلة. قال: وإذا أقر رجلان كل واحد منهما أنه قتل فلانا، فقال الولي: قتلتماه جميعا، فله أن يقتلهما، وإن شهدوا على رجل أنه قتل فلانا وشهد آخرون على آخر بقتله، وقال الولي: قتلتماه جميعا بطل ذلك كله. والفرق أن الإقرار والشهادة يتناول كل واحد منهما وجود كل القتل ووجوب القصاص، وقد حصل التكذيب في الأولى   [البناية] وروى أبو داود والترمذي - رحمهما الله - من حديث أبي الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ " قالوا: بلى. قال: "إصلاح ذات البين» . وروى البيهقي في " شعب الإيمان " من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما عمل ابن آدم شيئا أفضل من الصلاة» . م: (في إصلاح ذات البين وهذا في معناه) ش: أي ستر الشاهد على المشهود عليه ما يوجب القتل في معنى إصلاح ذات البين، لأن العفو مندوب هنا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] . كما أن الإصلاح مندوب ثمة فكان تجويز الكذب ثمة تجويزًا هنا. م: (فلا يثبت الاختلاف بالشك) ش: يعني إذا احتمل أن يكونوا عالمين وأجملوا، واحتمل أن لا يكونوا كذلك وقع الشك، والاختلاف لا يثبت بالشك. م: (وتجب الدية في ماله؛ لأن الأصل في الفعل العمد فلا يلزم العاقلة) ش: لأن العاقلة لا تتحمل العمد. [أقر رجلان كل واحد منهما أنه قتل فلانا فقال الولي قتلتماه جميعا] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا أقر رجلان كل واحد منهما أنه قتل فلانا، فقال الولي قتلتماه جميعا، فله أن يقتلهما) ش: أما لو قال صدقتهما في هذه الصورة لا يقتل واحد منهما. ذكره التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وإن شهدوا على رجل أنه قتل فلانًا وشهد آخرون على آخر بقتله، وقال الولي: قتلتماه جميعا بطل ذلك كله. والفرق أن الإقرار والشهادة يتناول كل واحد منهما) ش: أي من الإقرار والشهادة، م: (وجود كل القتل ووجوب القصاص، وقد حصل التكذيب في الأولى) ش: أي في الوجه الأول م: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 154 من المقر له، وفي الثاني من المشهود له غير أن تكذيب المقر له المقر في بعض ما أقر به لا يبطل إقراره في الباقي، وتكذيب المشهود له الشاهد في بعض ما شهد به يبطل شهادته أصلا؛ لأن التكذيب تفسيق، وفسق الشاهد يمنع القبول، أما فسق المقر فلا يمنع صحة الإقرار.   [البناية] (من المقر له، وفي الثاني من المشهود له غير أن تكذيب المقر له المقر في بعض ما أقر به) ش: قيد به لأن تكذيب المقر له في كل ما أقر به المقر بطل لإقراره م: (لا يبطل إقراره في الباقي) ش: فإن من أقر بألف درهم فصدق المقر له في النصف وكذبه في النصف صح الإقرار فيما صدقه. م: (وتكذيب المشهود له الشاهد في بعض ما شهد به يبطل شهادته أصلًا، لأن التكذيب تفسيق) ش: للشاهد م: (وفسق الشاهد يمنع القبول، أما فسق المقر فلا يمنع صحة الإقرار) ش: فافترقا أي الوجهان المذكوران. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 155 باب في اعتبار حالة القتل قال: ومن رمى مسلما فارتد المرمي إليه - والعياذ بالله - ثم وقع به السهم فعلى الرامي الدية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا شيء عليه؛ لأنه بالارتداد أسقط تقوم نفسه فيكون مبرئا للرامي عن موجبه، كما إذا أبرأه بعد الجرح قبل الموت، وله: أن الضمان يجب بفعله وهو الرمي، إذ لا فعل منه بعده، فتعتبر حالة الرمي، والمرمي إليه فيها متقوم، ولهذا تعتبر حالة الرمي في حق الحل حتى لا يحرم برده الرامي بعد الرمي. وكذا في حق التكفير حتى جاز بعد الجرح قبل الموت والفعل وإن   [البناية] [باب في اعتبار حالة القتل] [رمى مسلما فارتد المرمي إليه والعياذ بالله ثم وقع به السهم] م: (باب في اعتبار حالة القتل) ش: أي هذا باب في اعتبار حالة القتل والحالة من الصفات لزومها فلذلك ذكرها بعد ذكر نفس القتل وما يتعلق. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن رمى مسلمًا فارتد المرمي إليه - والعياذ بالله - ثم وقع به السهم) ش: هو مرتد م: (فعلى الرامي الدية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي لورثة المرتد. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (لا شيء عليه) ش: من الدية والقصاص. وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لأنه بالارتداد أسقط تقوم نفسه فيكون مبرئا للرامي عن موجبه) ش: أي عن موجب القتل سقوط عصمة نفسه م: (كما إذا أبرأه بعد الجرح قبل الموت) ش: أي كما أبرأ الرامي بعد جرحه إياه حقه أي بعد انعقاد سببه، وهو المرمي قبل أن يصيبه السهم كما لو أعتق المالك عبد المغصوب يصير مبرئًا الغاصب عن الضمان كذا ذكره صدر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الضمان يجب بفعله وهو الرمي، إذ لا فعل منه بعده) ش: وما هو كذلك م: (فتعتبر حالة الرمي، والمرمي إليه فيها) ش: أي في حالة الرمي م: (متقوم) ش: ثم استوضح ذلك بقوله: م: (ولهذا) ش: أي ولأجل اعتبار حالة الرمي م: (تعتبر حالة الرمي في حق الحل) ش: أي حل الصيد م: (حتى لا يحرم برده الرامي بعد الرمي) ش: إيضاحه لو رمى مسلم إلى صيد قد ارتد - والعياذ بالله - وأصاب الصيد وهو مرتد فجرحه ومات: لا يحل أكله؛ لأن المعتبر وقت الرمي وذمة الرامي إن كان مجوسيًا وكذلك إرسال الكلب على هذا التفصيل. م: (وكذا في حق التكفير) ش: يعني لو كانت الجناية خطأ فكفر بعد الرمي قبل الإصابة م: (حتى جاز) ش: أي التكفير م: (بعد الجرح قبل الموت) ش: لأن الاعتبار حالة الفعل م: (والفعل وإن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 156 كان عمدا، فالقود سقط للشبهة ووجبت الدية. ولو رمى إليه وهو مرتد فأسلم ثم وقع به السهم فلا شيء عليه في قولهم جميعا، وكذا إذا رمى حربيا فأسلم؛ لأن الرمي ما انعقد موجبا للضمان لعدم تقوم المحل فلا ينقلب موجبا لصيرورته متقوما بعد ذلك. قال: وإن رمى عبدا فأعتقه مولاه ثم وقع السهم به فعليه قيمته للمولى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عليه فضل ما بين قيمته مرميا إلى غير مرمى، وقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] كان عمدا) ش: هذا جواب عما يقال إن كان ما ذكرتم صحيحًا بجميع مقدماته، والفعل عمد فالواجب القصاص. وأجاب بقوله: والفعل وإن كان عمدًا يقع، وإن وقع على جهة العمد والقصد م: (فالقود سقط للشبهة) ش: الناشئة عن اعتبار حالة الإصابة م: (ووجبت الدية) ش: أي في ماله. م: (ولو رمى إليه وهو مرتد) ش: أي: والحال أنه مرتد وقت الرمي م: (فأسلم ثم وقع به السهم فلا شيء عليه في قولهم جميعا) ش: أي في قول أصحابنا، وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: يجب عليه في المرتد، والحربي إذا أصابتهما الرمية بعد إسلامهما الدية، لأن الاعتبار لحالة الإصابة. م: (وكذا إذا رمى حربيًا فأسلم) ش: ثم وقع به السهم لا يجب شيء م: (لأن الرمي ما انعقد موجبا للضمان لعدم تقوم المحل فلا ينقل موجبًا لصيرورته متقومًا بعد ذلك) ش: لأن الفعل واحد. فإن قلت: يشكل بما إذا رمى إلى صيد الحل فدخل الحرم ثم أصابه السهم فقتله يجب الجزاء على الرامي؟ قلت: جزاء صيد الحرم لا يختص بالفعل ولهذا يجب بدلالة المحرم وإشارته. [رمى عبدا فأعتقه مولاه ثم وقع السهم به] م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: وإن رمى عبدًا فأعتقه مولاه ثم وقع السهم به فعليه قيمته للمولى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . ش: فقال الشافعي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب عليه دية حر لورثته لأن الاعتبار الضمان عندهما حالة الإصابة، وبقولهما قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه فضل ما بين قيمته مرميًا إلى غير مرمي) . ش: قالوا في تفسير قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنه ينظر بكم يشترى لو لم يكن ذلك الرأي، وبكم يشترى في تلك الحالة فيجب فضل ما بينهما، بيانه: أن قيمته إن كانت قبل الرمي ألف درهم وبعد الرمي ثمانمائة درهم يلزمه مائتا درهم. م: (وقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه حسن، كذا قاله الجزء: 13 ¦ الصفحة: 157 له: أن العتق قاطع للسراية، وإذا انقطعت بقي مجرد الرمي وهو جناية ينتقض بها قيمة المرمي إليه بالإضافة إلى ما قبل الرمي فيجب ذلك. ولهما: أنه يصير قاتلا من وقت الرمي؛ لأن فعله الرمي وهو مملوك في تلك الحالة فتجب قيمته، بخلاف القطع والجرح لأنه إتلاف بعض المحل وأنه يوجب الضمان للمولى، وبعد السراية لو وجب شيء لوجب للعبد فتصير النهاية مخالفة للبداية. أما الرمي قبل الإصابة ليس بإتلاف شيء منه لأنه لا أثر له في المحل. وإنما قلت الرغبات فيه فلا يجب به ضمان فلا تتخالف البداية والنهاية فتجب قيمته للمولى، وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن كان يخالفنا في وجوب القيمة نظر إلى حالة الإصابة، فالحجة عليه ما   [البناية] فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير ". م: (له) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن العتق قاطع للسراية) ش: لاشتباه من له الحق لأن المستحق حال ابتداء الجناية للمولى وحال الإصابة للعبد لحريته فصار العتق بمنزلة البرء م: (وإذا انقطعت) ش: أي السراية بالعتق م: (بقي مجرد الرمي وهو جناية ينتقض بها قيمة المرمي إليه بالإضافة إلى ما قبل الرمي فيجب ذلك) ش: أي فصل ما بين قيمته مرميًا إلى غير مرمي. ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (ولهما: أنه يصير قاتلًا من وقت الرمي لأن فعله الرمي وهو مملوك في تلك الحالة فتجب قيمته) ش: وقت المرمى للمولى. ألا ترى أن رجلا لو كان مولى لرجل بالموالاة فرمى رجلًا ثم تحول ولاؤه إلى غيره، فالضمان على مولاه الأول، ولا يجب على الآخر شيء، فكذلك هاهنا. م: (بخلاف القطع والجرح) ش: جواب عما ذكر لمحمد من صورة القطع والجرح استشهادا على قطع السراية فأجاب بقوله: م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من القطع والجرح م: (إتلاف بعض المحل وأنه يوجب الضمان للمولى، وبعد السراية لو وجب شيء لوجب للعبد فتصير النهاية مخالفة البداية) ش: فيعتبر ذلك كتبدل المحل وعند تبدله لا تتحقق السراية كذا هاهنا. م: (أما الرمي قبل الإصابة ليس بإتلاف شيء منه) ش: أي من المرمي إليه، م: (لأنه) ش: الرمي م: (لا أثر له) ش: أي الرمي م: (في المحل) ش: لعدم إصابته إلى المحل م: (وإنما قلت الرغبات فيه فلا يجب به الضمان فلا تتخالف البداية والنهاية فتجب قيمته للمولى) ش: بخلاف الجرح فإن هناك اتصل بالمحل ووجب الجرح للمولى في الحال وعند السراية لو قلنا بوجوب ضمان النفس كان ذلك للعبد الميت فخالفت النهاية البداية. فكذلك قطع العتق السراية. م: (وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن كان يخالفنا في وجوب القيمة نظر إلى حالة الإصابة) ش: وهو الجرح في تلك الحالة فتجب الدية عنده لا القيمة، م: (فالحجة عليه) ش: أي على زفر م: (ما الجزء: 13 ¦ الصفحة: 158 حققناه. قال: ومن قضى عليه بالرجم فرماه رجل ثم رجع أحد الشهود ثم وقع به السهم فلا شيء على الرامي لأن المعتبر حالة الرمي، وهو مباح الدم فيها. وإذا رمى المجوسي صيدا ثم أسلم ثم وقعت الرمية بالصيد لم يؤكل، وإن رماه وهو مسلم ثم تم تمجس والعياذ بالله أكل لأن المعتبر حال الرمي في حق الحل والحرمة، إذ الرمي هو الزكاة فتعتبر الأهلية وانسلابها عنده، ولو رمى المحرم صيدا ثم حل فوقعت الرمية بالصيد فعليه الجزاء، وإن رمى حلال صيدا ثم أحرم فلا شيء عليه لأن الضمان إنما يجب بالتعدي، وهو رميه في حالة الإحرام وفي الأول هو محرم وقت الرمي، وفي الثاني حلال فلهذا افترقا، والله أعلم بالصواب.   [البناية] حققناه) ش: أراد به قوله من الدلائل لأصحابنا الثلاثة. [قضى عليه بالرجم فرماه رجل ثم رجع أحد الشهود ثم وقع به الحجر] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن قضى عليه بالرجم فرماه رجل ثم رجع أحد الشهود ثم وقع به الحجر فلا شيء على الرامي لأن المعتبر حالة الرمي، وهو مباح الدم فيها) ش: أي في حالة الرمي هكذا هو عند أبي حنيفة، ولكن يجب الضمان على الراجع إن رجعوا جميعا يجب عليهم الدية، وإن رجع واحد ترجع الدية، وأما عندهما فلأن هذا الفعل لما وقع هدرًا لم ينقلب معتبرا؛ لأن الأصل عندهما أنه إذا وقع معتبرا ثم طلب عصمته يبطل الضمان، وإذا وقع هدرًا ثم صار متقومًا لا ينقلب معتبرا. [رمى المجوسي صيدا ثم أسلم ثم وقعت الرمية بالصيد] 1 م: (وإذا رمى المجوسي صيدًا ثم أسلم ثم وقعت الرمية بالصيد لم يؤكل، وإن رماه وهو مسلم ثم تمجس - والعياذ بالله - أكل؛ لأن المعتبر حال الرمي في حق الحل والحرمة، إذ الرمي هو الزكاة فتعتبر الأهلية وانسلابها) ش: أي سقوط الأهلية م: (عنده) ش: أي عند الرمي م: (ولو رمى المحرم صيدا ثم حل فوقعت الرمية بالصيد فعليه الجزاء، وإن رمى حلال صيدًا ثم أحرم فلا شيء عليه لأن الضمان إنما يجب بالتعدي، وهو رميه في حالة الإحرام وفي الأول) ش: وهو رمي المحرم صيدًا م: (هو محرم وقت الرمي، وفي الثاني) ش: وهو رمية حلالا هو م: (حلال فلهذا افترقا) ش: أي الوجهان بالتعليل المذكور وفي هذا الفعل اعتبر حالة الرمي بالإجماع م: (والله أعلم بالصواب) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 159 كتاب الديات قال: وفي شبه العمد دية مغلظة على العاقلة وكفارة على القاتل وقد بيناه أول الجنايات. قال: وكفارته عتق رقبة مؤمنة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] الآية. فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، بهذا النص ولا يجزئ فيه الإطعام لأنه لم يرد به نص، والمقادير   [البناية] [كتاب الديات] [تعريف الديات] م: (كتاب الديات) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الديات، وهي جمع دية، وأصلها ودية، لأنها من وديت القتيل أديه دية إذا أعطيت ديته. وحذفت الواو تبعا ليدي لأن أصله يودي، فحذفت الواو منه لوقوعها بين الكسرة والياء، كما في يعدي ونحوه. ولما حذفت الواو من ودية عوضت عنها الهاء كما في عدة ونحوها. وإذا أمرت منه قلت: وديا، دوا. وأما الدية اسم لضمان تجب بمقابلة الآدمي أو طرف منه، سمي بها لأنها يودى عادة لأنه قدر ما يجري فيه العفو العظيم حرمة الآدمي. ولم يسم قيمته لأن قيمة اسم لما يقام مقام الفائت. وفي قيامه مقام الفائت قصورًا لعدم المماثلة بينهما وضمان المال سمي قيمة، ولا يسمى دية، لأن معنى القيام فيه أكمل لوجود المماثلة المطلقة. وأما وجه المناسبة في ذكر الديات بعد الجنايات: فطالما أن الدية إحدى موجبي الجناية لدفع الشر وعين الصيانة، لكن القصاص أشد صيانة فقدم. [دية وكفارة شبه العمد] 1 م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي شبه العمد دية مغلظة على العاقلة وكفارة على العاقل وقد بيناه أول الجنايات) ش: وهي الكلام فيه مستوفيًا. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وكفارته) ش: أي كفارة شبه العمد م: (عتق رقبة مؤمنة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] الآية) ش: وشرط الإيمان في كفارة القتل دون سائر الكفارات؛ لأنه منصوص عليه بالآية المذكورة، وإن كان ورد في الخطأ، ولكن لما كان شبه فيه معنى الخطأ ثبت فيه حكم الخطأ م: (فإن لم يجد) ش: أي فإن لم يقدر على إعتاق الرقبة المؤمنة م: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] ش: أي فعليه صوم شهرين على التتابع. م: (بهذا النص) ش: أي النص المذكور م: (ولا يجزئ فيه) ش: أي في شبه العمد م: (الإطعام؛ لأنه لم يرد به نص) ش: قال الشافعي في قول وأحمد في رواية: فإن لم يقدر على الصيام يجب إطعام ستين مسكينا، عند عدمهما، م: (والمقادير) ش: أي المقدرات الشرعية م: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 160 تعرف بالتوقيف، ولأنه جعل المذكور كل الواجب بحرف الفاء، أو لكونه كل المذكور على ما عرف ويجزئه رضيع أحد أبويه مسلم لأنه مسلم به، والظاهر سلامة أطرافه ولا يجزئ ما في البطن لأنه لم تعرف حياته ولا سلامته. قال: وهو الكفارة في الخطأ لما تلوناه وديته عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -   [البناية] (تعرف بالتوقيف) ش: على ورود النص بخلاف كفارة اليمين وكفارة الظهار وكفارة الصوم، فإن النص ورد فيها بالإطعام، ولأن استدلاله من الآية بوجهين آخرين: أحدهما: هو قوله : م: (ولأنه) ش: أي ولأن النص م: (جعل المذكور كل الواجب بحرف الفاء) ش: بيانه أن الواقع بعد فاء الجزاء يجب أن يكون كل الجزاء، إذ لو لم يكن كذلك للقياس، فلا يعلم أنه هو نحو الجزاء، وبقي منه شيء ومثله محل. ألا ترى أنه لو قال إن رمت الدار فأنت طالق، وفي نية أن يقول: وزينب طالق وعبده حر ولكن لم يقله يجعله قوله: فأنت طالق جزاء كاملًا من غير أن يقدر فيه وزينب طالق أيضًا، وعبدي حر أيضًا. الوجه الثاني: هو قوله: م: (أو لكونه) ش: أي لكون الصيام م: (كل المذكور) ش: لا غير م: (على ما عرف) ش: يعني في أصول الفقه. م: (ويجزئه) ش: أي يجزي الذي عليه عتق رقبة إعتاق م: (رضيع أحد أبويه مسلم) ش: قيد به لأنه لو كانا كافرين لم يجزه م: (لأنه) ش: أي لأن الرضيع م: (مسلم به) ش: أي بأحد أبويه؛ لأن شرط هذا الإعتاق الإسلام وسلامة الأطراف، والأول: يحصل بإسلام أحد الأبوين، والثاني بالظاهر، وأشار إليه بقوله: م: (والظاهر سلامة أطرافه) ش: أي أطراف الصغير، لأن الأصل هو السلامة. وتأويل المسألة أنه أعتق، ثم عاش حتى ظهرت سلامة أعضائه وأطرافه حتى إنه لو مات قبل أن يظهر ذلك لم تتأد به الكفارة. كذا قال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ". م: (ولا يجزئ) ش: أي لا يجزئ إعتاق م: (ما في البطن؛ لأنه لم تعرف حياته ولا سلامته) ش: ظاهر. م: (قال) ش: المصنف: م: (وهو الكفارة) ش: أي تحرير رقبة مؤمنة هو الكفارة م: (في الخطأ لما تلوناه) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] . م: (وديته) ش: أي ودية شبه العمد م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: كذا في نسخة شيخ العلاء " أبي يوسف " مذكور مع أبي حنيفة. وفي " الهداية ": فقال الأترازي: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 161 مائة من الإبل أرباعا: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة. وقال محمد والشافعي - رحمهما الله -: أثلاثا، ثلاثون جذعة وثلاثون حقة وأربعون ثنية كلها خلفات في بطونها أولادها؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا، وفيه مائة   [البناية] وغيره لم يذكر أبو يوسف سهو القلم عن صاحب " الهداية " أو عن الكاتب. وقال الكاكي: الاقتصار على قول أبي حنيفة مخالف لعامة روايات الكتب من " المباسيط " و" الجوامع " و" الأسرار " و" الإيضاح "، فإن المذكور فيها عن أبي حنيفة وأبي يوسف. وثبت في بعض النسخ عند أبي حنيفة وأبي يوسف موافقًا لعامة الروايات. م: (مائة من الإبل أرباعا) ش: أي من حيث الأرباع، وبين ذلك بقوله: م: (خمس وعشرون بنت مخاض) ش: بنت منصوب؛ لأنه مميز أحد عشر إلى تسعة وتسعين يجيء منصوبًا. وبنت مخاض هي التي طعنت في السنة الثانية. سميت بها؛ لأن أمها صارت ذات مخاض بأخرى. م: (وخمس وعشرون بنت لبون) ش: وهي التي طعنت في السنة الثالثة، سميت بها لأن أمها تلد أخرى، ولبون: ذات لبن. م: (وخمس وعشرون حقة) ش: وهي التي طعنت في السنة الرابعة، وحق لها أن تركب وتحمل. م: (وخمس وعشرون جذعة) ش: وهي التي طعنت في السنة الخامسة، سميت به لمعنى في أسنانها يعرفه أرباب الإبل، وهي أكبر سن يؤخذ في الزكاة. م: (وقال محمد والشافعي - رحمهما الله -: أثلاثا، ثلاثون جذعة، وثلاثون حقة، وأربعون ثنية) ش: وهي التي طعنت في السادسة، والذكر ثني. م: (كلها) ش: أي كل الثنايا م: (خلفات) ش: جمع خلفة وهي الحامل من النوق. م: (في بطونها أولادها) ش: صفة كاملة، قاله الأكمل. وقال الكاكي: الخلفة الحامل من النوق وجمعها مخاض من غير لفظها، وقد يقال خلفات. فعلى هذا التفسير يكون قوله: " في بطونها أولادها " صفة مقدرة، كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ما ألقته الفرائض فلأول رجل ذكر» ، وبقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال أحمد في رواية، وبقول أبي حنيفة قال مالك وأحمد في رواية، وهو قول الزهري وربيعة وسليمان بن يسار م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا، وفيه مائة الجزء: 13 ¦ الصفحة: 162 من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها» وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ثلاثون حقة وثلاثون جذعة. ولأن دية شبه العمد أغلظ، وذلك فيما قلنا، ولهما قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «في نفس المؤمن مائة من الإبل» وما روياه غير ثابت لاختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في صفة التغليظ، وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال بالتغليظ أرباعا كما ذكرنا.   [البناية] من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها» ، وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثلاثون حقة وثلاثون جذعة) ش: هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وقد تقدم في الجنايات. م: (ولأن دية شبه العمد أغلظ، وذلك فيما قلنا) ش: يعني أغلظ من حرمة الخطأ المحض، فإن الإبل يجب فيه أخماسًا، وذلك أي كونه أغلظ من دية الخطأ المحض؛ لأننا نقول: أثلاثا، وأنتم تقولون: أرباعًا. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف: م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «في نفس المؤمن مائة من الإبل» ش: تقدم في الزكاة في كتاب عمرو بن حزم قال: «وإن في نفس المؤمن مائة من الإبل في الزكاة» ، ورواه ابن حبان في "صحيحه ". ووجه الاستدلال به: أن الثابت عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا وليس فيه دلالة على صفة من التغليظ م: (وما روياه) ش: أي محمد والشافعي م: (غير ثابت) ش: احتج المصنف على عدم ثبوت هذا الحديث بقوله: م: (لاختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في صفة التغليظ) ش: فإن عمر وزيدا والمغيرة بن شعبة وأبا موسى الأشعري قالوا مثل ما قال أبو حنيفة وأبو يوسف م: (وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي وعبد الله بن مسعود م: (قال بالتغليظ أرباعًا كما ذكرنا) ش: يعني أرباعًا. وأخرج حديثه أبو داود عن علقمة والأسود قال: قال عبد الله: في شبه العمد خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض. وسكت عنه أبو داود ثم المنذري بعده. وروي مرفوعا أخرجه الأربعة عن حجاج بن أرطاة عن زيد بن جبير عن خشف بن مالك الضبابي عن عبد الله بن مسعود قال: " قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون بنو مخاض ذكر» . قال الترمذي: لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه. وقد روي عن عبد الله موقوفا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 163 وهو كالمرفوع فيعارض به. قال: ولا يثبت التغليظ إلا في الإبل خاصة لأن التوقيف فيه   [البناية] وقال الدارقطني: هذا حديث ضعيف غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث من وجوه: الأول: أنه مخالف لما رواه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه بالسند الصحيح أنه قال: دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنات لبون وعشرون بنو لبون. ولم يذكر فيه: بني مخاض. الثاني: أن خشف بن مالك مجهول، لم يروه عنه إلا زيد بن جبير بن جريد الحسبي. وأهل العلم بالحديث لا يحتجون بما ينفرد بروايته رجل غير معروف. والثالث: أنه روي عن أحمد أن خبر خشف بن مالك لا يعلم أحد رواه زيد بن جبير إلا الحجاج بن أرطاة، وهو رجل مشهور بالتدليس. وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، فكيف جاز للدارقطني أن يسقط ذكر هذا؟ وخشف وثقه النسائي وابن حبان، وزيد بن جبير وثقه ابن معين وغيره، وأخرجا له في - الصحيحين ". م: (وهو) ش: أي الذي قال ابن مسعود م: (كالمرفوع) ش: لأن الرأي لا مدخل له في المقادير م: (فيعارض) ش: ما روياه م: (به) ش: أي بقول ابن مسعود، فإذا تعارضا كان الأخذ بالمتيقن أولى. ثم على قول محمد والشافعي: لو اختلف في حملها يرجع إلى أهل الخبرة كما يرجع في حمل المرأة إلى قول القوابل. ولو اختلف الولي والجاني بعد أخذ قول أهل الخبرة فقال الولي: لم يكن حوامل، وقال الجاني: ولدت عندك، فالقول للجاني، وإن أخذنا بغير قولهم فالقول للولي. [التغليظ في الإبل في الدية] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا يثبت التغليظ إلا في الإبل خاصة) ش: يعني لا يزاد في الدراهم والدنانير على عشرة آلاف درهم وألف دينار. وقال الثوري والحسن بن صالح: فيغلظ في النوعين الآخرين أي الدراهم والدنانير؛ بأن ينظر إلى قيمة أسنان الإبل في دية الخطأ فما زاد على أسنان دية الخطأ زاد على عشرة آلاف درهم إن كان الرجل من أهل الورق، وإن كان من أهل الذهب. ونحن قلنا بما ذكر في الكتاب وهو: أن التغليظ في الإبل ثبت توقيفًا ولا يثبت في غيره قياسًا. م: (لأن التوقيف فيه) ش: أي لأن الشرع ورد فيه، وعليه الإجماع والمقدرات لا تعرف إلا سماعًا، فلم تتغلظ بغيره حتى لو قضى القاضي به لا ينفذ قضاؤه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 164 فإن قضى بالدية في غير الإبل لم تتغلظ لما قلنا. قال: وقتل الخطأ تجب به الدية على العاقلة، والكفارة على القاتل لما بينا من قبل. قال: والدية في الخطأ مائة من الإبل أخماسا عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون وعشرون ابن مخاض، وعشرون حقة وعشرون جذعة، وهذا قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإنما أخذنا نحن والشافعي به لروايته: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في قتيل قتل خطأ أخماسا» على نحو ما قال.   [البناية] م: (فإن قضى بالدية في غير الإبل لم تتغلظ لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله: "لأن التوقيف منه ". [الدية في الخطأ والكفارة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وقتل الخطأ تجب به الدية على العاقلة والكفارة على القاتل) ش: وبه قال الشافعي وأحمد في الظاهر، وهو قول الثوري وإسحاق والنخعي والحكم وحماد والشعبي. وقال ابن سيرين وابن شبرمة وأبو ثور وقتادة والزهري والحارث [. . .] وأحمد في رواية: على القاتل. وهكذا يجب أن يكون قول مالك، لأن شبه العمد عنده من باب العمد م: (لما بينا من قبل) ش: يعني في أول كتاب الجنايات. م: (قال) ش: أي قال القدوري م: (والدية في الخطأ مائة من الإبل أخماسا) ش: قيل: هو منصوب بإضمار " كان "، وقال الأكمل: يجوز أن يكون حالا من الضمير الذي في قوله: "في الخطأ ". قلت: يحمل أن يكون تمييزًا على ما لا يخفى. م (عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن مخاض وعشرون حقة وعشرون جذعة، وهذا قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) . ش: أجمعت الصحابة على المائة ولكنهم اختلفوا في سنها: خمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون ابن لبون وخمس وعشرون ابنة مخاض. وقال عثمان وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: في دية الخطأ ثلاثون جذعة وثلاثون بنات لبون وعشرون بنو لبون وعشرون بنات مخاض ذكر. ذكر ذلك كله أبو يوسف في كتاب " الخراج ". م: (وإنما أخذنا نحن والشافعي به) ش: أي بقول ابن مسعود م: (لروايته) ش: أي لرواية ابن مسعود م: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في قتيل قتل خطأ أخماسا، على نحو ما قال» ش: قد ذكرنا هذا عن الأربعة أصحاب " السنن " عن قريب. ولفظ النسائي وابن ماجه بلفظ المصنف على نحو ما قال ابن مسعود. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 165 ولأن ما قلناه أخف فكان أليق بحالة الخطأ؛ لأن الخاطئ معذور. غير أن عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقضي بعشرين ابن لبون مكان ابن مخاض، والحجة عليه ما رويناه. قال: ومن العين ألف دينار ومن الورق عشرة آلاف درهم. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من الورق اثنا عشر ألفا لما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى بذلك.   [البناية] م: (ولأن ما قلناه أخف فكان أليق بحالة الخطأ؛ لأن الخاطئ معذور) ش: فيعذر في فعله. ولهذا لا تجب الدية الخطأ إلا على العاقلة. م: (غير أن عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: استثناء من قوله أخذنا نحن والشافعي به. م: (يقضي بعشرين ابن لبون مكان ابن مخاض، والحجة عليه) ش: أي على الشافعي. م: (ما رويناه) ش: من قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقضاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن العين) ش: أي دية الخطأ من الذهب م: (ألف دينار ومن الورق) ش: أي الفضة م: (عشرة آلاف درهم، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من الورق اثنا عشر ألفا) ش: وبه قال مالك وأحمد وإسحاق م: (لما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى بذلك) ش: أي باثني عشر ألفًا. خرج هذا أصحاب " السنن " الأربعة عن محمد بن مسلم عن عروة بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أن رجلًا من بني عدي قتل، فجعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ديته اثني عشر ألفا» . وقال أبو داود: رواه ابن عيينة عن عكرمة، ولم يذكر ابن عباس. وقال الترمذي: لا نعلم أحدًا يذكر في هذا الإسناد ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - غير محمد بن مسلم، أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن عن سفيان عن عمر عن عكرمة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه. ورواه النسائي أخبرنا محمد بن ميمون المكي عن سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة سمعناه مرة يقول عن ابن عباس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى باثني عشر ألفًا في الدية» . قال: محمد بن ميمون ليس بقوي، وكذا رواه الدارقطني في " سننه " قال أبو حاتم: كان محمد بن ميمون أبو عبد المكي الخياط أمينًا نبيلًا. وذكره ابن حبان في " الثقات "، قال: وربما وهم. وقال النسائي: صالح. ومحمد بن مسلم هذا الطائفي أخرج له البخاري في المتابعة ومسلم في الاستشهاد، وضعفه أحمد. وقال النسائي: الصواب أنه مرسل، وقال ابن حبان: المرسل الجزء: 13 ¦ الصفحة: 166 ولنا ما روى عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى بالدية في قتيل بعشرة آلاف درهم» ، وتأويل ما روى أنه قضى من دراهم كان وزنها وزن ستة، وقد كانت كذلك.   [البناية] أصح. م: (ولنا ما روى عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قضى بالدية في قتيل بعشرة آلاف درهم» ش: هذا الحديث غريب. وروى محمد بن الحسن في كتاب "الآثار " وقال: أخبرنا أبو حنيفة عن الهيثم عن عامر الشعبي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: على أهل الورق من الدية عشرة آلاف درهم، وعلى أهل الذهب ألف دينار. وجه الاستدلال به: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى بذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من غير نكير، فحل بمحل الإجماع. م: (وتأويل ما روى) ش: أي الشافعي م: (أنه قضى من دراهم كان وزنها وزن ستة) ش: أي وزن ستة مثاقيل. فإن في ابتداء عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان وزن الدراهم وزن ستة، ثم صار وزن سبعة. م: (وقد كانت) ش: أي الدراهم. م: (كذلك) ش: أي وزن ستة إلى عهد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثم صار وزن سبعة كما ذكرنا. وقال تاج الشريعة: وتأويل ما روى: أنه أوجب اثني عشر محمول على أنه أوجب من دراهم كانت توزن ستة واثني عشر بوزن ستة تبلغ عشرة آلاف بوزن سبعة. والدليل على صحة ما ذكرنا من التأويل: ما روي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "أنه أوجب في دية القتيل اثني عشر ألفًا ". وكانت الدراهم يومئذ وزن خمسة أو ستة. فإن قيل: اثنا عشر بوزن الستة يكون أكثر من عشرة آلاف فكيف يفيد هذا التأويل؟ الجواب: أن شيخ الإسلام قال في "مبسوطه ": يحتمل أن الدراهم كانت وزن ستة إلا شيئا إلا أنه أضيف الوزن إلى ستة تقريبًا. فإن قيل: احتج الشافعي ومن معه بما روى يزيد الرقاشي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لئن أحبس مع قوم يذكرون الله بعد صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس أحب إلي من أن أعتق ثمانية من ولد إسماعيل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دية كل واحد منهم اثنا عشر ألفا» الجزء: 13 ¦ الصفحة: 167 قال: ولا تثبت الدية إلا من هذه الأنواع الثلاثة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: منها ومن البقر مائتا بقرة، ومن الغنم ألف شاة، ومن الحلل مائتا حلة كل حلة ثوبان لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هكذا جعل على أهل كل مال منها، وله: أن التقدير إنما يستقيم بشيء معلوم المالية، وهذه الأشياء مجهولة المالية، ولهذا لا يقدر بها ضمان.   [البناية] وعن الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قرأ بخمسمائة إلى الغاية أصبح وله قنطار في الآخرة، والقنطار دية أحدكم اثنا عشر ألف درهم» . وأجيب بأن حديث الرقاشي ضعيف عند الثقات، وحديث الحسن مرسل، والعجب من الشافعي أنه لا يعمل بالمرسل ثم يحتج به. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا تثبت الدية إلا من هذه الأنواع الثلاثة) ش: وهي الإبل، والذهب والفضة م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد والشافعي في القديم، وقال الكاكي: اختلف العلماء في الأصل في الدية، فقال الشافعي، وأحمد في رواية محمد بن المنذر: الإبل فقط فتجب قيمة الإبل بالغة ما بلغت. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (منها) ش: أي من هذه الثلاثة. م: (ومن البقر مائتا بقرة، ومن الغنم ألف شاة، ومن الحلل مائتا حلة كل حلة ثوبان) ش: وبه قال أحمد في رواية وقال الكرخي في "مختصره ": والحلة ثوبان إزار ورداء والإزار المئزر، وقيل في زماننا قميص وسراويل. وقال الإمام الأسبيجابي قيمة كل حلة خمسون درهمًا وقيمة كل بقرة خمسون درهما وقيمة كل شاة خمسة دراهم م: (لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هكذا جعل على أهل كل مال منها) ش: أي من المذكورة. وروى أبو يوسف في كتاب " الخراج " وقال: حدثنا ابن أبي ليلى عن الشعبي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن عبيدة السلماني قال: وضع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق عشرة آلاف وعلى أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل البقر مائة بقرة وعلى أهل الشاة ألف شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن التقدير إنما يستقيم بشيء معلوم المالية، وهذه الأشياء مجهولة المالية) ش: وأوضح ذلك بقوله: م: (ولهذا لا يقدر بها ضمان) ش: أي ضمان العدوان. وفائدة هذا الخلاف في اختيار القاتل، فعند أبي حنيفة فله الخيار من أنواع الثلاثة، وفي الصلح فإن عنده يجوز الصلح على أكثر من مائتي بقرة في رواية، وفي رواية لا يجوز الجزء: 13 ¦ الصفحة: 168 والتقدير بالإبل عرف بالآثار المشهورة وعدمناها في غيرها، وذكر في المعاقل: أنه لو صالح على الزيادة على مائتي حلة أو مائتي بقرة لا يجوز، وهذا آية التقدير بذلك، ثم قيل: هو قول الكل فيرتفع الخلاف، وقيل: هو قولهما خاصة قال: «ودية المرأة على النصف من دية الرجل» ، وقد ورد هذا اللفظ   [البناية] ، كقولهما: كما لو صالح على أكثر من مائة من الإبل وألف دينار. م: (والتقدير بالإبل) ش: جواب عما يقال: فالإبل كذلك. وتقدير الجواب أن التقدير بالإبل ليس كذلك لأنه م: (عرف بالآثار المشهورة) ش: كما ذكرت فيما مضى. م: (وعدمناها في غيرها) ش: أي عدمها بالآثار المشهورة في غير الإبل. م: (وذكر في المعاقل) ش: أي ذكر محمد في كتاب " معاقل المبسوط "، ورد هذا شبهة على ما روى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله: ولا تثبت الدية إلا من هذه الأمور الثلاثة، ووجه وروده أن محمدًا ذكر في المعاقل م: (أنه لو صالح على الزيادة على مائتي حلة أو مائتي بقرة لا يجوز، وهذا آية التقدير بذلك) ش: أي وهذا الصلح علامة التقدير بذلك. وأجاب بوجهين أحدهما هو قوله م: (ثم قيل: هو قول الكل فيرتفع الخلاف) ش: أي قوله لا يجوز الصلح على الزيادة قول الكل لأنه ذكر في " المعاقل " أن الولي لو صالح على أكثر من مائة فالفضل باطل بالإجماع. وقال الأكمل: وذكر الجواب على وجهين: أحدهما: تقدير الشبهة ورفع الخلاف. ولا أرى صحته لأنه يناقض رواية كتاب الديات. الوجه الثاني: هو قوله م: (وقيل: هو قولهما خاصة) ش: أي ما ذكر في كتاب " المعاقل " قولهما. أما عند أبي حنيفة فينبغي أن يجوز الصلح على أكثر من ذلك وإليه ذهب شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في " شرح الكافي ". وقال تاج الشريعة: فكان الخلاف ثابتا. وقال الأكمل: والوجه الثاني برفع الشبهة يحمله رواية " المعاقل " على أنه قولهما، وحمل بعض مشايخنا على أن المسألة عنده روايتان. [دية المرأة] م: (قال) ش: أي محمد في الأصل، ولم يذكره في " الجامع " ولا ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ودية المرأة على النصف من دية الرجل) ش: وقال ابن عبد البر وابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن ديتها نصف دية الرجل. وحكى غيرهما عن ابن علية والأصم أنهما قالا: هما سواء م: (وقد ورد هذا اللفظ) ش: أي الجزء: 13 ¦ الصفحة: 169 موقوفا على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ومرفوعا - إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما دون الثلث لا يتنصف وإمامه فيه زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.   [البناية] قوله «دية المرأة على النصف من دية الرجل» م: (موقوفا على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ومرفوعا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أما الموقوف فأخرجه البيهقي عن إبراهيم النخعي عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: عقل المرأة على النصف من عقل الرجل في النفس وفيما دونها. قلت: هذا منقطع لأن إبراهيم لم يحدث عن أحد من الصحابة مع أنه أدرك جماعة منهم. وأما المرفوع فأخرجه البيهقي أيضًا عن معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دية المرأة على النصف من دية الرجل» م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما دون الثلث لا يتنصف) ش: يعني إذا كان جناية أرشها ما دون الثلث لا تنصف وفي غيره تنصف. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال الشافعي ما دون الثلث لا يتنصف وكذلك الثلث قاله في القدم وبه قال مالك وأحمد وهو قول الفقهاء السبعة وابن المسيب وعمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير والزهري وقتادة والأعرج وربيعة، وهكذا روي عن عمر وابنه وزيد بن ثابت. وعندنا والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ظاهر مذهبه واختاره ابن المنذر وأبو ثور: على التنصيف فيما قل وكثر، وبه قال الثوري والليث وابن أبي ليلى وابن شبرمة وابن سيرين. وفي " النهاية ". والصواب أن يقال: الثلث وما دونه لا يتنصف عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم كما ذكرنا. م: (وإمامه فيه) ش: أي إمام الشافعي في هذا م: (زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) . ش: أخرجه البيهقي عن الشعبي عن زيد بن ثابت قال: جراحات الرجال والنساء سواء إلى الثلث، فما زاد فعلى النصف. وهو منقطع. وذكر الكاكي في " حجة الشافعي " ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عقل المرأة عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها» أخرجه النسائي. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 170 والحجة عليه ما رويناه لعمومه، ولأن حالها أنقص من حال الرجل ومنفعتها أقل، وقد ظهر أثر النقصان بالتنصيف في النفس، فكذا في أطرافها وأجزائها اعتبارا بها وبالثلث وما فوقه. قال: ودية المسلم والذمي سواء وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ودية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم، ودية المجوسي ثمانمائة درهم. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دية اليهودي والنصراني ستة آلاف درهم لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عقل الكافر نصف عقل المسلم» .   [البناية] قلت: هذا رواه النسائي وفي إسناده إسماعيل بن عياش عن ابن جريج. قال صاحب " التنقيح ": ابن جريج حجازي وإسماعيل بن عياش ضعيف في رواية الحجازيين. م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي م: (ما رويناه لعمومه) ش: أشار به إلى قوله: وقد روي بهذا اللفظ موقوفًا على علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ومرفوعًا م: (ولأن حالها أنقص من حال الرجل) ش: قال الله تعالى {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228] م: (ومنفعتها أقل) ش: لأنها لا تتمكن من التزوج ما دامت زوجت لرجل. م: (وقد ظهر أثر النقصان بالتنصيف في النفس، فكذا في أطرافها وأجزائها اعتبارًا بها) ش: أي بالنفس م: (وبالثلث وما فوقه) ش: أي اعتبارًا بتنصيف الثلث وما فوقه لئلا يلزم مخالفة الفرع للأصل. [دية اليهودي والنصراني والمجوسي] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ودية المسلم والذمي سواء) ش: وقال الكرخي في " مختصره ": والمسلم والذمي الكتابي وغير الكتابي والحربي المستأمن وكل من كانت نفسه محظورة فإن قدر دياتهم سواء. وفي الإناث في جميعهن على النصف مما يجب في المذكور. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ودية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم، ودية المجوسي ثمانمائة درهم) ش: وبه قال أحمد، وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وعكرمة وعمرو ابن دينار وإسحاق وأبي ثور، وروي عن عمر وعثمان أيضًا. م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دية اليهودي والنصراني ستة آلاف درهم) ش: وبه قال عمر بن عبد العزيز وعروة وعمرو بن شعيب م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «عقل الكافر نصف عقل المسلم» ش: هذا الحديث رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث عمرو الجزء: 13 ¦ الصفحة: 171 والكل عنده اثنا عشر ألفا. وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل دية النصراني واليهودي أربعة آلاف درهم ودية المجوسي ثمانمائة درهم، ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار» وكذلك قضى أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يعرف راويه ولم يذكر في كتب الحديث.   [البناية] ابن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «دية المعاهد نصف دية المسلم» ، هذا لفظ أبي داود، ولفظ الترمذي: «دية عقل الكافر نصف عقل المسلم» ، وقال حديث حسن. ولفظ النسائي: «عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين» ، وهم اليهود والنصارى. م: (والكل عنده اثنا عشر ألفا) ش: أي كل الدية عند مالك اثنا عشر ألف درهم. فلذلك قال: دية اليهودي والنصراني ستة آلاف درهم. م: (وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما روى أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل دية النصراني واليهودي أربعة آلاف درهم ودية المجوسي ثمانمائة درهم» ش: هذا ذكره عبد الرزاق في " مصنفه ". أخبرنا ابن جريج أخبرني عمرو بن شعيب: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فرض على كل مسلم قتل رجلًا من أهل الكتاب أربعة آلاف» . لفظ [. . .] من أهل التخريج وقع هذا مفصلًا. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار» ش: هذا أخرجه أبو داود في "المراسيل " عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار» ووقفه الشافعي في "مسنده " على سعيد قال: أخبرنا محمد بن الحسن الشيباني، أخبرنا محمد بن زيد، أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: دية كل معاهد في عهده ألف دينار. م: (وكذلك قضى أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: روى محمد بن الحسن في كتاب "الآثار " قال أخبرنا أبو حنيفة عن الهيثم بن أبي الهيثم «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر وعمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قالوا: دية المعاهد دية الحر المسلم» . قال محمد: وبهذا قالوا. م: (وما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يعرف راويه ولم يذكر في كتب الحديث) ش: وفيه نظر لأنا ذكرنا عن عبد الرزاق أخرجه ورواه الدارقطني في " سننه " وأراد: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل الجزء: 13 ¦ الصفحة: 172 وما رويناه أشهر مما رواه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإنه ظهر به عمل الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والله أعلم   [البناية] عقل أهل الكتاب من اليهود والنصارى على النصف من عقل المسلمين» . م: (وما رويناه) ش: وهو قوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وكل ذي عهد في عهده ألف دينار» م: (أشهر مما رواه مالك) ش: وهو قوله: عقل الكافر نصف عقل المسلم م: (فإنه) ش: أي فإن الذي رويناه م: (ظهر به عمل الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والله أعلم) ش: وقد ذكرنا عن محمد عن أبي حنيفة عن الهيثم عن أبي الهيثم: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر وعمر وعثمان قالوا: دية المعاهد دية الحر المسلم» . وروى عبد الرزاق في "مصنفه " عن مجاهد عن ابن مسعود قال: دية المعاهد مثل دية المسلم. وقال ذلك علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضًا. وروى عبد الرزاق أخبرنا أبو حنيفة عن الحكم بن عتبة عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: دية كل ذمي مثل دية المسلم. قال أبو حنيفة هو قولي. وروى عبد الرزاق أيضًا عن ابن جريج عن يعقوب بن عتبة وإسماعيل بن محمد وصالح قالوا: «عقل كل معاهد من أهل الكفر كعقل المسلمين، جرت بذلك السنة في أهل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 173 فصل فيما دون النفس قال: وفي النفس الدية وقد ذكرناه. قال: وفي المارن الدية، وفي اللسان الدية، وفي الذكر الدية. والأصل فيه ما روى سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «في النفس الدية، وفي اللسان الدية وفي المارن الدية» . وهكذا هو في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -   [البناية] [فصل فيما دون النفس] [الدية في النفس] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان الأحكام م: (وفيما دون النفس) ش: وأعقب ذكر النفس بذكر ما هو تبع لها وهو ما دون النفس. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي النفس الدية) ش: أي تجب الدية في النفس بسبب إتلافها كما يقال في النكاح حل وكلمة في يجيء النظر فيه فيما كان معناه الاحتواء ومعنى على في ما كان معناه الاستعلاء لقوله: في جذوع النخل. ومعنى السببية كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أربعين شاة، وهو قليل نادر م: (وقد ذكرناه) ش: أي في أول الجنايات بقوله: والدية متغلظة على القاتل. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي المارن الدية) ش: وهو قصبة الأنف م: (وفي اللسان الدية، وفي الذكر الدية) ش: أي وتجب كما ذكرنا. والأصل أن ما في الإنسان من الأعضاء إن كان واحدًا ففيه الدية كاملة، وإن كان اثنين ففيهما الدية وفي إحداهما نصف الدية، وإن كان أربعة ففيها الدية وفي أحدها ربع الدية، وإن كان عشرة ففيها الدية وفي أحد الدية، وما فوت جنس المنفعة ففيه الدية لأن بفواته يفوت الآدمي من وجه ذكره في" المبسوط "، ولا نعلم فيه خلافا. وذكر الكرخي في " مختصره " الأعضاء التي يجب بكل عضو فيها دية هي ثلاثة أعضاء: اللسان والأنف والذكر. فإذا استوعب الأنف جذعًا أو قطع منه المارن وحده وهو ما لان من الأنف عن العظم ففيه الدية كاملة. وكذلك إذا استوعب اللسان أو قطع منه ما يذهب بالكلام كله. وكذلك الذكر إذا استوعب أو لم يستوعب بالكلام أي أو قطع الحشفة وحدها ففيه الدية م: (والأصل فيه) ش: أي في هذا الباب م: (ما روى سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «في النفس الدية، وفي اللسان الدية، وفي المارن الدية» ش: هذا غريب. م: (وهكذا هو في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش:. هذا أخرجه النسائي في "سننه " وأبو داود في " مراسيله " عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن أبي بكر ابن محمد بن حزم عن أبيه عن جده: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب كتابًا إلى أهل اليمن فيه الجزء: 13 ¦ الصفحة: 174 والأصل في الأطراف أنه إذا فوت جنس المنفعة على الكمال أو أزال جمالا مقصودا في الآدمي على الكمال يجب كل الدية لإتلافه النفس من وجه، وهو ملحق بالإتلاف من كل وجه تعظيما للآدمي، وأصله قضاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالدية كلها في اللسان والأنف.   [البناية] الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم المكنى أبا الضحاك استعمله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على نجران اليمن وهو يومئذ ابن سبع عشرة سنة وتوفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو على نجران، وبقي إلى أن أدرك بيعة معاوية بن أبي سفيان لابنه يزيد. ومات بعد ذلك بالمدينة» . م: (والأصل في الأطراف أنه إذا فوت جنس المنفعة على الكمال أو أزال جمالًا مقصودًا في الآدمي على الكمال) ش: قيد بالكمال فيهما احترازًا مما ليس بكامل منهما حيث لا يجب كل الدية. فإن كان بفوت عضوًا مقصود كقطع لسان أخرس فإنه لا تجب فيه الدية لأنه لم يفت جنس منفعته ولا فوت جمالًا على الكمال. ذكره في " الذخيرة ". وكذلك في آلة الخصي والعنين واليد الشلاء والرجل العرجاء والعين العوراء والسن السوداء لا يجب القصاص في العبد ولا في الدية في الخطأ وإنما فيه حكومة عدل. فإن قيل: يشكل على قوله فوت جمالًا على الكمال كما لو سلخ جلد الوجه فإنه لا يجب كمال الدية وقد فوت جمالًا على الكمال؟ . قلنا: ذكر شيخ الإسلام في " شرحه ": لا رواية في هذا ولكن مذهبنا وجوب الدية. فإن قيل: يشكل بما لو قطع الأظفار حيث لا تجب الدية وقد فوت الجمال على الكمال. قلت: لا رواية في هذا، فقد اختلف المشايخ فيه. [الدية لإتلاف النفس] م: (يجب كل الدية لإتلاف النفس من وجه، وهو ملحق بالإتلاف من كل وجه تعظيما للآدمي) ش: والشرع ألحق الإتلاف من وجه بالإتلاف من كل وجه م: (وأصله قضاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي حكمه عرفنا هذا لقضاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (بالدية كلها في اللسان والأنف) ش: فقسنا غيره عليه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 175 وعلى هذا تنسحب فروع كثيرة. فنقول: في الأنف الدية لأنه أزال الجمال على الكمال وهو مقصود، وكذا إذا قطع المارن أو الأرنبة لما ذكرنا، ولو قطع المارن مع القصبة لا يزاد على دية واحدة لأنه عضو واحد، وكذا اللسان لفوات منفعة مقصودة وهو النطق، وكذا في قطع بعضه إذا منع الكلام لتفويت منفعة مقصودة وإن كانت الآلة قائمة، ولو قدر على التكلم ببعض الحروف، قيل: يقسم على عدد الحروف، وقيل: على عدد حروف تتعلق باللسان، فبقدر ما لا يقدر يجب.   [البناية] م: (وعلى هذا) ش: أي على هذا الأصل م: (تنسحب فروع كثيرة) ش: بين منها بقوله م: (فنقول: في الأنف الدية لأنه أزال الجمال على الكمال وهو مقصود) ش: لأنه يعني مطلوب في الآدمي سواء قطع المارن دون القصبة أو قطع الأرنبة، ولو قطعهما لا يزاد على دية واحدة لأنهما عضو واحد م: (وكذا إذا قطع المارن أو الأرنبة) ش: أي أو قطع الأرنبة م: (لما ذكرنا) ش: وهو قوله: وقد فوت الجمال على الكمال. وقال الشافعي: في المارن الدية وفي القصبة حكومة عدل. م: (ولو قطع المارن مع القصبة لا يزاد على دية واحدة لأنه عضو واحد) ش: وقد ذكرناه، لو قطع أنفه فذهب شمه فعليه ديتان لأن الشم في غير الأنف، فلا يدخل أحدهما في الآخر، كالسمع مع الأذن م: (وكذا اللسان) ش: يعني فيه الدية بلا خلاف لأحد م: (لفوات منفعة مقصودة وهو النطق) ش: والتكلم، والآدمي لا يفارق بهيميته إلا بالنطق. م: (وكذا في قطع بعضه) ش: يعني قيمة الدية. م: (إذا منع الكلام لتفويت منفعة مقصودة، وإن كانت الآلة قائمة) ش:، لأن الدية تجب بتفويت البعض فتجب الدية كاملة. م: (ولو قدر على التكلم ببعض الحروف) ش: اختلف المشايخ فيه. م: (قيل: يقسم) ش: الدية م: (على عدد الحروف) ش: أي الحروف الثمانية والعشرين من حروف المعجم، وهو قول الأئمة الثلاثة. م: (وقيل: على عدد حروف تتعلق باللسان) ش: وهي الألف والتاء والثاء والجيم والدال والذال والراء والزاي والسين والشين والصاد والضاد والطاء والظاء واللام والنون. قيل كون الألف من ذلك فيه نظر لأنه من أقصى الحلق على ما عرف. م: (فبقدر ما لا يقدر يجب) ش: أي فيقدر ما لا يمكنه إتيان حرف منها يلزمه ما يخصه من الدية. روي: أن رجلًا قطع طرف لسان رجل في زمن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأمره أن يقرأ ألف ب، ت، ث، فكلما قرأ حرفًا أسقط من الدية بقدر ذلك، وما لم يقرأ أوجب من الدية بحسابه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 176 وقيل: إن قدر على أداء أكثرها يجب حكومة عدل لحصول الإفهام مع الاختلاف، وإن عجز عن أداء الأكثر يجب كل الدية لأن الظاهر أنه لا تحصل منفعة الكلام، وكذا الذكر لأنه يفوت به منفعة الوطء والإيلاد واستمساك البول والرمي به ودفق الماء والإيلاج الذي هو طريق الإعلاق عادة، وكذا في الحشفة الدية كاملة؛ لأن الحشفة أصل في منفعة الإيلاج والدفق والقصبة كالتابع له. قال: وفي العقل إذا ذهب بالضرب الدية لفوات منفعة الإدراك إذ به ينتفع بنفسه في معاشه ومعاده. قال: وكذا إذا ذهب سمعه أو بصره أو شمه أو ذوقه لأن كل واحد منها منفعة مقصودة، وقد روي: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى بأربع ديات في ضربة واحدة. ذهب بها العقل والكلام والسمع والبصر.   [البناية] [دية الذكر] م: (وقيل: إن قدر على أداء أكثرها يجب حكومة عدل لحصول الإفهام مع الاختلاف، وإن عجز عن أداء الأكثر يجب كل الدية لأن الظاهر أنه لا تحصل منفعة الكلام، وكذا الذكر) ش: أي تجب فيه الدية بلا خلاف. م: (لأنه يفوت به منفعة الوطء والإيلاد واستمساك البول والرمي به) ش: أي رمي البول بالذكر م: (ودفق الماء والإيلاج الذي هو طريق الإعلاق عادة) ش: قيد بالعادة أو قد يحصل الإعلاق بالسحق أيضًا، إلا أنه خلاف العادة، فإن البكر لو حملت بالسحق تعسر عليها الولادة فعلم أن بقطعه يفوت الإيلاد م: (وكذا في الحشفة) ش: أي وفي قطع الحشفة تجب م: (الدية كاملة لأن الحشفة أصل في منفعة الإيلاج والدفق والقصبة كالتابع له) ش: أي للحشفة والتذكير باعتبار المذكور. وفي " شرح الكافي ": وفي الأنثيين مع الذكر قالوا إذا قطع الكل بدفعة يجب ديتان، ولو قطعهما بدفعتين، أي قطع الذكر أولًا ثم الأنثيين تجب ديتان أيضًا، ولو قطع الأنثيين أولا ثم الذكر تجب في الأنثيين الدية وفي الذكر حكومة عدل فصار كذكر الخصي والضعيف. [دية العقل إذا ذهب بالضرب] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي العقل إذا ذهب بالضرب الدية) ش: يعني إذا ضرب رأسه فذهب عقله يجب فيه الدية م: (لفوات منفعة الإدراك إذ به) ش: أي بالعقل م: (ينتفع بنفسه في معاشه) ش: أي في دنياه، م: (ومعاده) ش: أي وفي آخرته إذ العقل من أعظم ما يختص به الآدمي، يدرك الأشياء وبه يمتاز عن البهائم، فكان فيه منفعة مقصودة. م: (قال: وكذا) ش: أي وكذا تجب الدية م: (إذا ذهب سمعه أو بصره أو شمه أو ذوقه لأن كل واحد منهما منفعة مقصودة، وقد روي: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى بأربع ديات في ضربة واحدة ذهب بها العقل والكلام والسمع والبصر) ش: روى ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا أبو خالد عن عوف الأعرابي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت شيخًا في زمن الجماجم فعنت فعنة فقيل ذاك أبو مهلب عم أبي قلابة قال رمى رجل رجلًا بحجر في رأسه في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله الجزء: 13 ¦ الصفحة: 177 قال: وفي اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية لأنه يفوت به منفعة الجمال. قال: وفي شعر الرأس الدية لما قلنا، وقال مالك، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب فيهما حكومة عدل؛ لأن ذلك زيادة في الآدمي، ولهذا يحلق شعر الرأس كله واللحية بعضها في بعض البلاد.   [البناية] عنه - فذهب سمعه وعقله ولسانه وذكره فلم يضرب النساء، فقضى بها عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بأربع ديات، وهو حر، انتهى. واختلف في طريق التفسير في معرفة ذهاب هذه الحواس فقيل: إذا صدقه الجاني. أو استحلف على الثبات ونكل ثبت فواتها وقيل: يعتبر فيه الدلائل الموصلة إلى ذلك، فإن لم يحصل العلم بذلك يعتبر فيه الدعوى والإنكار وطريق معرفة السمع أن يتغافل وينادى فإن أجاب علم أنه يسمع. وحكى الناطفي عن أبي حازم القاضي والقدوري عن إسماعيل بن حماد أن رجلًا ضرب على رأس امرأته، فزعمت أن سمعها ذهب، فاشتغل إسماعيل بالقضاء ثم التفت إليها وهي غافلة فقال: استري عورتك، فجعلت تلم ثيابها فعلم أنها سامعة. وقال أبو يوسف في " المنتقى ": لا نعرف ذهاب السمع والقول فيه للجاني، وأما طريق معرفة ذهاب البصر قال محمد بن مقاتل الرازي يستقبل الشمس مفتوح العين فإن دمعت عينه علم أن البصر باق فإن لم تدمع علم أن البصر ذاهب، وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يلقى بين يديه حية، فإن هرب من الحية علم أنه لم يذهب بصره، وقال محمد في الأصل: إن لم يعلم بما ذكرنا يعتبر فيه الدعوى والقول للجاني مع يمينه على الثبات. وفي " شرح الكافي ": يدخل أرش الأمة في الدية لأن هذا جناية واحدة في موضع واحد فإذا وجب في العقل الدية لم يجب فيها شيء، وطريق معرفة ذهاب الشم أن يوضع بين يديه ما له رائحة كريهة، فإن اتقى من ذلك علم أنه لم يذهب شمه، قاله في " شرح الطحاوي ". [دية اللحية إذا حلقت فلم تنبت] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي اللحية إذا حلقت فلم تنبت) ش: أي عرضها يجب م: (الدية لأنه يفوت به منفعة الجمال. قال وفي شعر الرأس الدية) ش: سواء كان شعر رجل أو امرأة أو كبير أو صغير، ويؤجل سنة فإن نبت لم تجب الدية، وإن مات قبل مضي السنة لا شيء فيه، وبه قال الثوري وأحمد. م: (لما قلنا) ش: وهو أنه يفوت به الجمال. م: (وقال مالك، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب فيهما) ش: أي في اللحية وشعر الرأس، م: (حكومة عدل) ش: إذا حلقا ولم ينبتا م: (لأن ذلك زيادة في الآدمي، ولهذا يحلق شعر الرأس كله واللحية بعضها) ش: أي يحلق بعض اللحية م: (في بعض البلاد) ش: لو كان جمالا لم يحلقوا. وقد يكون عدم اللحية جمالًا في بعض الأحوال، وأهل الجنة كلهم أمرد. فلو كان ذلك من جملة الجمال الأصلي الجزء: 13 ¦ الصفحة: 178 وصار كشعر الصدر والساق، ولهذا يجب في شعر العبد نقصان القيمة. ولنا: أن اللحية في وقتها جمال وفي حلقها تفويته على الكمال فتجب الدية كما في الأذنين الشاخصتين، وكذا شعر الرأس جمال، ألا ترى أن من عدمه خلقة يتكلف في ستره بخلاف شعر الصدر والساق لأنه لا يتعلق به جمال. وأما لحية العبد: فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجب فيها كمال القيمة، والتخريج على الظاهر أن المقصود بالعبد المنفعة بالاستعمال دون الجمال بخلاف الحر   [البناية] لكان أهل الجنة أولى به. م: (وصار) ش: أي حكم هذا م: (كشعر الصدر والساق) ش: إذا ليس فيه الجمال. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون شعر الرأس زيادة في الآدمي م: (يجب في شعر العبد نقصان القيمة) ش: يعني إذا حلق شعره يجب فيه ما ينقص من قيمته. م: (ولنا: أن اللحية في وقتها جمال وفي حلقها تفويته على الكمال فتجب الدية) ش: وروي: أن لله تعالى ملائكة يسبحون سبحان من زين الرجال باللحى والنساء بالذوائب، والدليل على أن اللحية جمال أن الرجل إذا بلغ حد الكهولة والشيخوخة ولم يثبت له لحية يسمج في الأعين، وإنما لا يسمج في حالة الطراوة والصغر، وأما في حالة الضمور والكبر فلا شك أنه يعد شيئًا. والرأس إذا حلق ولم ينبت يظهر فيه القرع بعد زمن عليه، فإن القرع عيب في الناس ولهذا يتكلف الأقرع في ستر رأسه كما يتكلف بستر سائر عيوبه. م: (كما في الأذنين الشاخصتين) ش: أي المرتفعتين من شخص بالفتح: ارتفع، فإن فيه تفويت منفعة الجمال مع بقاء السمع، وتجب الدية كاملة. م: (وكذا شعر الرأس جمال، ألا ترى أن من عدمه) ش: أي من عدم شعر الرأس م: (خلقة) ش: أي من حيث الخلقة م: (يتكلف في ستره بخلاف شعر الصدر والساق لأنه لا يتعلق به جمال) ش: أي وقد ذكرناه الآن م: (وأما لحية العبد فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجب فيها كمال القيمة) . وهي رواية الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارًا بالدية في الحر لفوات الجمال. م: (والتخريج على الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية م: (أن المقصود بالعبد المنفعة بالاستعمال دون الجمال) ش: فيجب نقصان القيمة م: (بخلاف الحر) ش: فإن المقصود فيه الجمال ولو حلق بعض اللحية ولم ينبت قيل يجب فيه حكومة عدل. وفي " شرح الكافي ": والصحيح أنه يجب فيه كل الدية لأن هذا في الشين فوق ملا لحية له الجزء: 13 ¦ الصفحة: 179 قال: وفي الشارب حكومة عدل هو الأصح لأنه تابع للحية فصار كبعض أطرافها. وقال: لحية الكوسج إن كان على ذقنه شعرات معدودة فلا شيء في حلقه لأن وجوده يشينه ولا يزينه وإن كان أكثر من ذلك وكان على الخد والذقن جميعا لكنه غير متصل ففيه حكومة عدل، لأن فيه بعض الجمال وإن كان متصلا ففيه كمال الدية لأنه ليس بكوسج وفيه معنى الجمال، وهذا كله إذا فسد المنبت، فإن نبتت حتى استوى كما كان لا يجب شيء؛ لأنه لم يبق أثر الجناية ويؤدب على ارتكابه ما لا يحل، وإن نبتت بيضاء فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يجب شيء في الحر لأنه   [البناية] أصلا. وكان أبو جعفر الهندواني يقول في اللحية: إنما يجب بها كمال الدية إذا كانت لحيته كاملة يتجمل بها، وأما إذا كانت طاقات متفرقة لا يتجمل بها فلا شيء فيها وإن كانت غير متوفرة، ولا يقع بها جمال كامل وليست مما يشين ففيها حكومة عدل، ولو حلق فنبت أبيض إن كان في أوانه لا يجب شيء، وإن كان في غير أوانه اختلف مشايخنا فيه. والصحيح أنه يجب فيه حكومة عدل. وقال في " شرح الطحاوي ": ولو حلق رأسه فنبت أبيض والرجل شاب. قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الحر لا يجب شيء وفي العبد يجب النقصان، وقال: يجب حكومة العدل في الحر والعبد، وفي " الواقعات " رجل حلق لحية رجل، فإن كانت لحية متصلة أو خفيفة أو رقيقة أو كثيفة ففيه الدية إن لم تنبت، وإن كان كوسجًا فعليه فيها حكومة عدل بعدما ينتظر سنه فلم تنبت، فإن كان عمدًا ففي ماله لأن العاقلة لا تعقل العمد، وإن كان خطأ فعلى عاقلته كما في قتل الخطأ والعمد. م: (قال) ش: أي المصنف م: (وفي الشارب حكومة عدل) ش: ناقله الناطفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأجناس م: (هو الأصح) ش: احترز به عن قول بعض المشايخ أنه يجب فيه كمال الدية لأنه عضو على حدة. قال المصنف: م: (لأنه) ش: أي لأن الشارب م: (تابع للحية فصار كبعض أطرافها) ش: أي كبعض أطراف اللحية فإذا حلق بعض أطراف اللحية يجب حكومة عدل فكذا هذا. [دية حلق لحية الكوسج] م: (قال: ولحية الكوسج إن كان على ذقنه شعرات معدودة فلا شيء في حلقه لأن وجوده يشينه ولا يزينه، وإن كان أكثر من ذلك وكان على الخد والذقن جميعا لكنه غير متصل ففيه حكومة عدل لأن فيه بعض الجمال، وإن كان متصلًا ففيه كمال الدية لأنه ليس بكوسج وفيه معنى الجمال وهذا كله إذا فسد المنبت فإن نبتت حتى استوى كما كان لا يجب شيء لأنه لم يبق أثر الجناية ويؤدب) ش: أي الحالق م: (على ارتكابه ما لا يحل وإن نبتت بيضاء فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجب شيء في الحر لأنه الجزء: 13 ¦ الصفحة: 180 يزيده جمالا، وفي العبد تجب حكومة عدل، لأنه ينقص قيمته، وعندهما تجب حكومة عدل لأنه في غير أوانه يشينه ولا يزينه، ويستوي العمد والخطأ، على هذا الجمهور. وفي الحاجبين الدية، وفي إحداهما نصف الدية وعند مالك والشافعي - رحمهما الله - تجب حكومة عدل، وقد مر الكلام فيه في اللحية. قال: وفي العينين الدية، وفي اليدين الدية، وفي الرجلين الدية، وفي الشفتين الدية، وفي الأذنين الدية، وفي الأنثيين الدية، كما روي في حديث سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «وفي كل واحد من هذه الأشياء نصف الدية» وفيما كتبه النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لعمرو بن حزم: «وفي العينين الدية، وفي إحداهما نصف الدية»   [البناية] يزيده جمالا، وفي العبد تجب حكومة عدل لأنه ينقص قيمته، وعندهما تجب حكومة عدل) ش: في الحر أيضا م: (لأنه في غير أوانه يشينه ولا يزينه، ويستوي العمد والخطأ) ش: يعني في شعر الرأس واللحية، وكذا في شعر الحاجب. م: (على هذا الجمهور) ش: احترز به عن رواية " النوادر "، وقاله الأترازي، وقال الكاكي: وقال بعض الناس وهم أصحاب الظاهر: يجب في شعر الحاجب واللحية في العمد القصاص. قيل: صورة حلق شعر الرأس واللحية خطأ هي: أن يظنه مباح الدم فحلق ثم ظهر أنه غير مباح. م: (وفي الحاجبين الدية، وفي إحداهما: نصف الدية) ش: يعني إذا حلق الحاجبين أو تبعا فلم ينبتا تجب الدية لأنه أزال الجمال على الكمال. م: (وعند مالك والشافعي - رحمهما الله -: تجب حكومة عدل) ش: لأنهما لا يوجبانه في الشعر ولا يجب القصاص بالاتفاق م: (وقد مر الكلام فيه وفي اللحية) ش: أي عند قوله: وفي اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية. [دية العينين واليدين والرجلين والشفتين والأذنين] م: (قال) ش: أي القدوري م: «وفي العينين الدية، وفي اليدين الدية، وفي الرجلين الدية، وفي الشفتين الدية، وفي الأذنين الدية، وفي الأنثيين الدية» ، كما روى في حديث سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: هذا غريب. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي كل واحد من هذه الأشياء نصف الدية وفيما كتبه النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لعمرو بن حزم: «وفي العينين الدية، وفي إحداهما نصف الدية» ش: تقدير هذا في الفصل المذكور، وفيما كتب لعمرو بن حزم: «وفي العين الواحدة نصف الدية، وفي اليد الواحدة نصف الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية» . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 181 ولأن في تفويت الاثنين من هذه الأشياء تفويت جنس المنفعة أو كمال الجمال فيجب كل الدية، وفي تفويت إحداهما تفويت النصف فيجب نصف الدية. قال: وفي ثديي المرأة لما فيه من تفويت جنس المنفعة وفي إحداهما نصف دية المرأة لما بينا بخلاف ثديي الرجل حيث تجب حكومة عدل لأنه ليس فيه تفويت جنس المنفعة والجمال وفي حلمتي المرأة الدية كاملة لفوات جنس منفعة الإرضاع وإمساك اللبن وفي إحداهما نصفها لما بيناه. قال: وفي أشفار العينين الدية، وفي إحداها ربع الدية. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يحتمل أن مراده الأهداب مجازا كما ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل   [البناية] م: (ولأن في تفويت الاثنين من هذه الأشياء تفويت جنس المنفعة أو كمال الجمال، فيجب كل الدية، وفي تفويت إحداهما تفويت النصف فيجب نصف الدية) . [دية ثديي المرأة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي ثديي المرأة الدية لما فيه من تفويت جنس المنفعة، وفي إحداهما نصف دية المرأة لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأن تفويت الاثنين من هذه الأشياء إلى قوله: فيجب نصف الدية. م: (بخلاف ثدي الرجل) ش: بضم الثاء المثلثة وكسر الدال وتشديد الياء جمع ثدي م: (حيث تجب حكومة عدل لأنه ليس فيه تفويت جنس المنفعة والجمال، وفي حلمتي المرأة الدية كاملة لفوات جنس منفعة الإرضاع وإمساك اللبن) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال الثوري ومالك: إن ذهب اللبن وجبت الدية وإلا تجب حكومة عدل. م: (وفي إحداهما) ش: أي في إحدى الحلمتين م: (نصفها) ش: أي نصف الدية م: (لما بيناه) ش: أي عند قوله: لأن في تفويت الاثنين إلى آخره. وقال الكرخي: وإن قطع الحلمة من ثدي المرأة وحدها أو قطع الثدي وفيه الحلمة فيه نصف الدية للحلمة والثدي، وسواء كان ذلك بضربة أو ضربتين إذا كان ذلك قبل البرء من الأول. وفي " الجمهرة ": حلمتا الثدي النابتتان في طرفه، وهما أول الحياة. [دية أشفار العينين] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي أشفار العينين) ش: الأشفار جمح الشفر بالضم وهو منبت الأهداب، وهو جمع هدب، وهو الشعر الذي على الأجفان م: (الدية) ش: أي تجب الدية، م: (وفي إحداهما) ش: أي في أحد الأشفار م: (ربع الدية) ش: هذا عند أكثر أهل العلم. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:) ش: أي المصنف م: (يحتمل أن مراده) ش: أي مراد القدوري من الأشفار م: (الأهداب مجازا) ش: أي من حيث المجاز م: (كما ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل) ش: حيث جعل الأشفار اسما للشعر الذي ينبت على حروف العين، وقد خطأه أهل الجزء: 13 ¦ الصفحة: 182 للمجاورة كالرواية للقربة وهي حقيقة في البعير، وهذا لأنه يفوت الجمال على الكمال وجنس المنفعة، وهي منفعة دفع الأذى والقذى عن العين إذ هو يندفع بالهدب، وإذا كان الواجب في الكل كل الدية وهي أربعة كان في أحدها ربع الدية، وفي ثلاثة منها ثلاثة أرباعها، ويحتمل أن يكون مراده منبت الشعر والحكم فيه هكذا، ولو قطع الجفون بأهدابها ففيه دية واحدة؛ لأن الكل كشيء واحد وصار كالمارن مع القصبة. قال: وفي كل أصبع من أصابع اليدين والرجلين عشر الدية لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «في كل أصبع عشر من الإبل»   [البناية] اللغة في هذا كما لو استعار منابت الشعور والشعور تسمى أهدابا. وقال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دفعا لتخطئتهم محمدا بقول: يحتمل أن يكون بطريق المجاز م: (للمجاورة) ش: من طريق إطلاق اسم المحل على الحال، والمجاز تتابع في كلام العرب لا ينكره إلا من لا معرفة له من العلوم. وذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - نظيرا لهذا المجاز بقوله: م: (كالرواية للقربة وهي حقيقة في البعير) ش: أي الرواية حقيقة في البعير لأن البعير الذي يحمل عليه الماء الرواية وكثر ذلك حتى سموا القربة رواية مجازا للمجاورة كما سمي المطر سماء. م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرنا من وجوب الدية في أشفار العينين وفي أحدهما ربع الدية م: (لأنه يفوت الجمال على الكمال وجنس المنفعة، وهي منفعة دفع الأذى والقذى) ش: وهو الذي يقع في العين. م: (عن العين إذ هو يندفع بالهدب، وإذا كان الواجب في الكل) ش: أي في كل الأشفار م: (كل الدية وهي أربعة كان في أحدها ربع الدية، وفي ثلاثة منها ثلاثة أرباعها) ش: أي ثلاثة أرباع الدية. م: (ويحتمل أن يكون مراده منبت الشعر) ش: هذا عطف على قوله: يحتمل مراده الأهداب مجازا أي ويحتمل أن يكون مراد القدوري من الأشفار الحقيقة وهو منبت الشعر م: (والحكم فيه هكذا) ش: والحاصل كلام القدوري يحتمل الحقيقة والمجاز جميعا، والحكم في الكل واحد. قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولو قطع الجفون بأهدابها ففيه دية واحدة لأن الكل كشيء واحد وصار كالمارن مع القصبة) ش: أي قصبة الأنف، وفي " التحفة ": إذا قطع الأجفان التي لا أشفار لها تجب حكومة العدل. [دية أصابع اليدين والرجلين] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي كل أصبع من أصابع اليدين والرجلين عشر الدية لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «في كل أصبع عشر من الإبل» ش: هذا روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، منهم أبو موسى الأشعري - الجزء: 13 ¦ الصفحة: 183 ولأن في قطع الكل تفويت جنس المنفعة وفيه دية كاملة، وهي عشر فتنقسم الدية عليها. قال: والأصابع كلها سواء لإطلاق الحديث، ولأنها سواء في أصل المنفعة فلا تعتبر الزيادة فيه كاليمين مع الشمال، وكذا أصابع الرجلين لأنه يفوت بقطع كلها منفعة المشي فتجب الدية كاملة ثم فيهما عشر أصابع فتنقسم الدية عليها أعشارا   [البناية] - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرجه أبو داود والنسائي - رحمهما الله - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الأصابع سواء في كل أصبع عشر من الإبل» ومنهم ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أخرجه عنه الترمذي قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دية أصابع اليدين والرجلين سواء عشرة من الإبل في كل أصبع» وقال: حديث حسن صحيح غريب. ومنهم عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه ابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الأصابع كلها سواء في كل أصبع واحد عشر من الإبل» م: (ولأن في قطع الكل تفويت جنس المنفعة وفيه دية كاملة، وهي عشر فتنقسم الدية عليها) ش: أعشارا أي على الأصابع عشرا في كل أصبع عشر من الإبل م: (قال) ش: أي القدوري م: (والأصابع كلها سواء) ش: أي أصابع اليدين وأصابع الرجلين كلها سواء م: (لإطلاق الحديث) ش: المذكور، وهو مذهب علي " وعبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. ولا نعلم فيه خلافا إلا رواية عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قضى في الإبهام بثلاثة عشر إبلًا، وفي التي تليها اثني عشر، وفي الوسطى بعشرة وفي التي تليها تسعة وفي الخنصر ستة. وروي عنه كقول العامة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (ولأنها) ش: أي ولأن الأصابع م: (سواء في أصل المنفعة فلا تعتبر الزيادة فيه) ش: أي في البعض م: (كاليمين مع الشمال) ش: يعني هما سواء في إيجاب الحكم حيث تجب الدية فيهما على السواء، وإن كانت منفعة اليمين أكثر م: (وكذا أصابع الرجلين لأنه يفوت بقطع كلها منفعة المشي فتجب الدية كاملة ثم فيهما) ش: أي في الرجلين م: (عشر أصابع فتنقسم الدية عليها أعشارا) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 184 قال: وفي كل أصبع فيها ثلاثة مفاصل، ففي أحدها ثلث دية الأصبع، وما فيها مفصلات ففي أحدهما نصف دية الأصبع وهو نظير انقسام دية اليد على الأصابع. قال: وفي كل سن خمس من الإبل لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «وفي كل سن خمس من الإبل» والأسنان والأضراس كلها سواء لإطلاق ما روينا، ولما روي في بعض الروايات: والأسنان كلها سواء   [البناية] ش: أي عشر في كل أصبع. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي كل أصبع فيها ثلاثة مفاصل، ففي أحدها ثلث دية الأصابع، وما فيها مفصلان ففي أحدهما نصف دية الأصبع، وهو نظير انقسام دية اليد على الأصابع) ش: هذا ليس فيه خلاف إلا ما حكي عن مالك أنه قال: للإبهام أيضا ثلاثة أحدها بباطنه، وليس بصحيح لأن الاعتبار يقتضي وجوب العشر في الظاهر لا ما بطن منها، وأصابع اليدين والرجلين سواء بلا خلاف. [دية الأسنان والأضراس] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي كل سن خمس من الإبل لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في حديث أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «وفي كل سن خمس من الإبل» ش: وأخرج ابن ماجه من حديث عكرمة عن ابن عباس: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في السن خمسا من الإبل» . م: (والأسنان والأضراس كلها سواء لإطلاق ما روينا) ش: أشار به إلى حديث عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال فيه: «وفي السن خمس من الإبل» . م: (ولما روي في بعض الروايات: «والأسنان كلها سواء» ش: هذا رواه البزار في مسنده من حديث عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الثنية والضرس سواء والأسنان كلها سواء، وهذه سواء» . وقال الأترازي: قال القدوري: والأسنان والأضراس كلها سواء، وكان من حق الكلام أن يقال: والأسنان كلها سواء بلا ذكر الأضراس، ويقال: والأنياب والأضراس سواء، لأن الضرس دخل تحت السن لأن السن يشمله والعطف يوهم المغايرة بين السن والضرس. انتهى. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 185 ولأن كلها في أصل المنفعة سواء فلا يعتبر التفاضل كالأيدي والأصابع، وهذا إذا كان خطأ فإن كان عمدا ففيه القصاص، وقد مر في الجنايات. قال: ومن ضرب عضوا فأذهب منفعته ففيه دية كاملة كاليد إذا شلت، والعين إذا ذهب ضوؤها لأن المتعلق تفويت   [البناية] وقال الأكمل: قوله: والأسنان والأضراس كلها سواء، قالوا: فيه نظر، والصواب: وكان من حق الكلام أن يقال: والأسنان كلها سواء، ويقال: والأنياب والأضراس كلها سواء لأن السن اسم جنس يدخل تحته اثنان وثلاثون أربع منها ثنايا وهي الأسنان المتقدمة اثنان فوق واثنان أسفل، ومثلها رباعيات، وهي ما يلي الثنايا ومثلها أنياب تلي الرباعيات، ومثلها أضراس تلي الأنياب، واثنتي عشرة سنا تسمى الطواحين من كل جانب ثلاث فوق وثلاث أسفل وبعدهن اثنان أخريان، وهي آخر الأسنان، وتسمى النواجذ، وهي في أقصى الأسنان وهي جمع ناجذ، وتسمى سن الحلم لأنه ينبت بعد البلوغ وقت كمال العقل، فلا يصح أن يقال: الأسنان والأضراس سواء لعوده إلى معنى الأسنان وبعضها سواء. انتهى. قلت: يمكن منع النظر من حيث المغايرة بين الأضراس والأسنان حاصلة من جهة التسمية، لأن غير الضرس من الأسنان، فمن هذه الحيثية لا تتوهم المغايرة. وفي " الخلاصة ": لو ضرب سن رجل حتى تحولت وسقطت إن كان خطأ تجب خمسمائة على العاقلة، وإن كان عمدا يقتص وفي التساوي الصغير إذا قلع سن البالغ لا يستأني لأن النبات بعد البلوغ نادر، ولو قطع سن الصبي يستأنى حولًا لأن النبات ليس بنادر. ومع هذا لو قلع سن البالغ ثم نبت لا شيء عليه " وفي " الخلاصة ": إشارة إلى أنه يؤجل في البالغ. وفي نسخة الإمام السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يستأنى حولًا في الكبير الذي لا يرجى نباته في الكسر والقطع " وهكذا في " شرح الشافي " وهكذا في" المنتقى " قال: وبالأول يقضي أنه لا يؤجل ولو قطع جميع أسنانه يجب ستة عشر ألفا، لأن أسنانه تكون ثمانية وعشرين. حكي عن امرأة قالت لزوجها: يا كوسج " فقال: إن كنت كوسجا فأنت طالق. سئل أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن ذلك فقال: تعد أسنانه إن كانت ثمانية وعشرين فهو كوسج م: (ولأن كلها) ش: أي كل الأسنان م: (في أصل المنفعة سواء فلا يعتبر التفاضل كالأيدي والأصابع) ش: أي كما لا يعتبر التفاوت في الأيدي والأصابع لأن كلها سواء في جنس المنفعة. م: (وهذا) ش: أي الذي ذكره كله م: (إذا كان خطأ فإن كان عمدا ففيه القصاص، وقد مر في الجنايات) . [دية من ضرب عضوا فأذهب منفعته] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن ضرب عضوا فأذهب منفعته ففيه دية كاملة كاليد إذا شلت والعين إذا ذهب ضوؤها لأن التعلق) ش: أي الموضع الذي يتعلق به وجوب كل الدية م: (تفويت الجزء: 13 ¦ الصفحة: 186 جنس المنفعة لا فوات الصورة ومن ضرب صلب غيره فانقطع ماؤه تجب الدية لتفويت جنس المنفعة. وكذا لو أحدبه لأنه فوت جمالا على الكمال وهو استواء القامة فلو زالت الحدوبة لا شيء عليه لزوالها لا عن أثر   [البناية] جنس المنفعة لا فوات الصورة) ش: لأن الصورة قائمة. فإن قيل: ذكر في " المبسوط " أن في اليد الشلاء وفقء العين العوراء حكومة عدل، وذكر هنا أن في إذهاب منفعة اليدين مع بقاء الصورة كمال الدية فعلم أن الصورة والمعنى كل واحد متعين يوجب شيئا يحق له. فينبغي أن يحب بقطع اليدين الصحيحتين الدية مع الحكومة، فالدية لإزالة المنفعة والحكومة لإزالة الصورة قلنا نعم، كذلك، إلا أنه أدخل الأقل في الأكثر كما لو شج فذهب العقل دخل أرش الموضحة في الدية. م: (ومن ضرب صلب غيره فانقطع ماؤه تجب الدية لتفويت جنس المنفعة) ش: وهو النسل م: (وكذا) ش: أي تجب الدية م: (لو أحدبة) ش: أي ضرب ظهره فحدث من ذلك م: (لأنه فوت جمالا على الكمال وهو استواء القامة، ولو زالت الحدوبة لا شيء عليه لزوالها لا عن أثر) ش: ولو بقي أثر الضربة بعد زوال الحدبة، ويلزم حكومة عدل لأنه زال به النفع الذي تجب به كل الدية. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 187 فصل في الشجاج قال: الشجاج عشرة: الحارصة: وهي التي تحرص الجلد أي تخدشه ولا تخرج الدم. والدامعة: وهي التي تظهر الدم ولا تسيله كالدمع في العين. والدامية: وهي التي تسيل الدم. والباضعة: وهي التي تبضع الجلد أي تقطعه. والمتلاحمة: وهي التي تأخذ في اللحم   [البناية] [فصل في الشجاج] [أنواع الشجاج] م: (فصل في الشجاج) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الشجاج وهو جمع شجة، ولما كان الشجاج نوعا من أنوع ما دون النفس وتكاثرت مسألة ذكرها في فصل. م: (قال) ش: أي القدوري م: (الشجاج عشرة) ش: أي عشرة أنواع وجه انحصارها في العشرة يظهر بحسب على تعاقب آثارها الأولى م: (الحارصة) ش: بالحاء والصاد المهملتين ومنه قولهم: حرص القصار الثوب، إذا خرفه في الدق م: (وهي التي تحرص الجلد أي تخدشه) ش: من الخدش بالخاء والشين المعجمتين وهو قطع الجلد م: (ولا تخرج) ش: أي الحاصرة لا يخرج م: (الدم، والدامعة) ش: أي الثانية من الشجاج هي التي تسمى بالدامعة م: (وهي التي تظهر الدم ولا تسيله) ش: بضم التاء من الإسالة فهي لا تسيل الدم ولكن يظهر م: (كالدمع في العين) ش: يظهر ولا يسيل. م: (والدامية) ش: وهو بالتحريك. وقال سيبويه: دمي بالتسكين، وقال المبرد: بالتحريك. وقال الجوهري: يقال: دمى الشيء يدمي دمي ودميا فهو دم مثل فرق يفرق فرقا فهو فرق. قلت: لم يقل " فهو دام " فدل على أن الفاعل منه لا يجيء إلا على وزن الصفة المشبهة وعلى ما ذكره الفقهاء يكون دام وأصله دامي فاعل إعلال ماض. وللتأنيث يقال: دامية م: (وهي التي تسيل الدم) ش: بضم التاء من الإسالة م: (والباضعة) ش: أي الشجة الرابعة هي التي تسمى بالباضعة م: (وهي التي تبضع الجلد أي تقطعه) ش: من البضع وهو الشق والقطع، وفي " المغرب ": الباضعة هي التي جرحت الجلد وشقت اللحم. م: (والمتلاحمة) ش: أي الشجة الخامسة التي تسمى بالمتلاحمة م: (وهي التي تأخذ في اللحم) ش: وفي " المغرب ": المتلاحمة من الشجاج التي تشق اللحم دون العظم ثم يتلاحم بعد شقها أي تتلاحم وتتلاصق. وقال الأزهري: الوجه أن يقال: اللاحمة، أي القاطعة اللحم، وإنما سميت بذلك على التأول إليه، أي على التفاؤل، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هي قبل الباضعة، وهي التي يتلاحم الجزء: 13 ¦ الصفحة: 188 والسمحاق: وهي التي تصل إلى السمحاق، وهي جلدة رقيقة بين اللحم وعظم الرأس. والموضحة: وهي التي توضح العظم أي تبينه. والهاشمة: وهي التي تهشم العظم. والمنقلة: وهي التي تنقل العظم بعد الكسر، أي تحوله. والآمة: وهي التي تصل إلى أم الرأس، وهو الذي فيه الدماغ. قال: ففي الموضحة القصاص، إن كانت عمدا لما روي: «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قضى بالقصاص في الموضحة» .   [البناية] فيها الأحمر الدم ويسود. ولا يبضع اللحم. م: (والسمحاق) ش: أي الشجة السادسة هي التي تسمى بالسمحاق م: (وهي التي تصل إلى السمحاق، وهي جلدة رقيقة بين اللحم وعظم الرأس) . ش: وفي " المغرب ": السمحاق، جلدة رقيقة فوق عظم الرأس إذا انتهت إليه الشجة يسمى سمحاق ومنه قيل للعظم الرقيق سماحيق م: (والموضحة) ش: أي الشجة السابعة تسمى بالموضحة م: (وهي التي توضح العظم أي تبينه) ش: وفي " المغرب ": يقال أوضحت الشجة في رأسه وأوضح فلان في رأس فلان إذا شج هذه الشجة، وإما قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " أنه شجه فأوضحه " فلم أجده إلا في رسالته م: (والهاشمة) ش: أي الشجة الثامنة هي التي تسمى بالهاشمة م: (وهي التي تهشم العظم) ش: من الهشم، وهو كسر الشيء الرخو من باب ضرب. م: (والمنقلة) ش: أي الشجة التاسعة، هي التي تسمى بالمنقلة م: (وهي التي تنقل العظم بعد الكسر، أي تحوله) ش: من وضع إلى موضع آخر. م: (والآمة) ش: بالمد وتشديد الميم، وهي الشجة العاشرة م: (وهي التي تصل إلى أم الرأس، وهو الذي فيه الدماغ) ش: وفي " المغرب " وإنما قيل للشجة: آمة، ومأمومة، على معنى ذات أم كعيشة راضية، وجمعهما: أوام ومأمومات. وقال القدوري في "شرحه ": ثم الدامغة وهي التي تجرح الجلد وتصل إلى الدماغ. فهذه إحدى عشرة شجة. ولم يذكر فيها محل الحارصة ولا الدامية، لأن الحارصة لم يبق لها أثر في الغالب. والشجة التي لا أثر لها في الغالب لا حكم لها. ولم يذكر الدامغة، لأن الإنسان لا يعيش معها، فلا معنى لإثبات حكم الشجاج فيها. وما سوى ذلك فالحكم فيه مختلف على ما يجيء، إن شاء الله تعالى. [القصاص في الموضحة إن كانت عمدا] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ففي الموضحة القصاص إن كانت عمدا لما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «قضى بالقصاص في الموضحة» ش: هذا حديث غريب. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 189 ولأنه يمكن أن ينتهي السكين إلى العظم فيتساويان، فيتحقق القصاص. قال: ولا قصاص في بقية الشجاج لأنه لا يمكن اعتبار المساواة فيها لأنه لا حد ينتهي السكين إليه، ولأن فيما فوق الموضحة كسر العظم ولا قصاص فيه. وهذه رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال محمد في " الأصل " - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو ظاهر الرواية -: يجب القصاص فيما قبل الموضحة؛ لأنه يمكن اعتبار المساواة فيه، إذ ليس فيه كسر العظم، ولا خوف هلاك غالب فيسبر غورها بمسبار، ثم تتخذ حديدة بقدر   [البناية] وأخرج البيهقي، عن عطاء قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا طلاق قبل ملك ولا قصاص فيما دون الموضحة من الجراحات» . وهو مرسل. وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه " عن الحسن وعمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عنهم «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقض فيما دون الموضحة بشيء» ، م: (ولأنه يمكن أن ينتهي السكين إلى العظم فيتساويان، فيتحقق القصاص) ش: لأن عند المساواة تتحقق المماثلة، فيتحقق القصاص لأن عند المساواة تتحقق المماثلة، فيتحقق الاستيفاء. [القصاص فيما قبل الموضحة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا قصاص في بقية الشجاج لأنه لا يمكن اعتبار المساواة فيها) ش: أي في بقية الشجاج م: (لأنه لا حد ينتهي السكين إليه) ش: فلا يوجد المساواة م: (ولأن فيما فوق الموضحة كسر العظم ولا قصاص فيه) ش: أي في العظم. م: (وهذه) ش: أي المذكور. م: (رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواها الحسن عنه وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل) ش: أي " المبسوط " م: (وهو ظاهر الرواية: يجب القصاص فيما قبل الموضحة) ش: أي دون الموضحة في الأثر كالسمحاق ونحوه. وفي " الكافي ": هذا هو الصحيح، لظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] . ويمكن اعتبار المساواة كما ذكره في المتن، وهو قول مالك م: (لأنه يمكن اعتبار المساواة فيه، إذ ليس فيه كسر العظم، ولا خوف هلاك غالب فيسبر غورها بمسبار) . ش: يقال: سبرت الجرح أسبره إذا نظرت ما غوره، والمسبار، بكسر الميم ما يسبر به الجرح، والتسبار مثله. وكل أمر رزوته فقد سبرته واستبرته. كذا في " الصحاح " قوله: رزوته بالراء ثم بالزاي قاله الجوهري رزوته أروزه روازة أي خبرته وخبرته م: (ثم تتخذ حديدة بقدر الجزء: 13 ¦ الصفحة: 190 ذلك فيقطع بها مقدار ما قطع فيتحقق استيفاء القصاص. قال: وفيما دون الموضحة حكومة عدل؛ لأنه ليس فيها أرش مقدر، ولا يمكن إهداره، فوجب اعتباره بحكم العدل، وهو مأثور عن النخعي وعمر بن عبد العزيز - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. قال: وفي الموضحة، إن كانت خطأ نصف عشر الدية، وفي الهاشمة عشر الدية، وفي المنقلة عشر الدية ونصف عشر الدية، وفي الآمة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، فإن نفذت فهما جائفتان ففيهما ثلثا الدية لما روي في كتاب عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «وفي الموضحة خمس من الإبل، وفي الهاشمة عشر، وفي المنقلة خمسة عشر، وفي الآمة، ويروى المأمومة: ثلث الدية» . وقال- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «في الجائفة ثلث الدية» . وعن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أنه حكم في جائفة نفذت إلى الجانب الآخر بثلثي الدية ".   [البناية] ذلك، فيقطع بها مقدار ما قطع فيتحقق استيفاء القصاص) . م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وفيما دون الموضحة حكومة عدل) ش: أي فيما دون الموضحة من حيث الأثر، وقيل: الموضحة من حيث الذكر " وهي من الخارصة إلى السمحاق. م: (لأنه ليس فيها أرش مقدر، ولا يمكن إهداره، فوجب اعتباره بحكم العدل، وهو مأثور عن النخعي وعمر بن عبد العزيز - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) . ش: أما [أثر] إبراهيم النخعي، فرواه عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا سفيان الثوري، عن حماد عن إبراهيم، قال: فيما دون الموضحة حكومة. ورواه ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان به " وأما أثر عمر بن عبد العزيز فغريب [في الموضحة خمس من الإبل وفي الهاشمة عشروفي المنقلة خمسة عشر] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي الموضحة، إن كانت خطأ، نصف عشر الدية. وفي الهاشمة عشر الدية. وفي المنقلة عشر الدية ونصف عشر الدية. وفي الآمة ثلث الدية. وفي الجائفة ثلث الدية، فإن نفذت فهما جائفتان، ففيهما ثلثا الدية لما روي في كتاب عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «وفي الموضحة: خمس من الإبل، وفي الهاشمة عشر، وفي المنقلة خمسة عشر، وفي الآمة، ويروى المأمومة، ثلث الدية» ش: وقد تقدم هذا في كتاب عمرو بن حزم. م: (وقال- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «في الجائفة ثلث الدية» ش: هذا أيضا تقدم في حديث عمرو بن حزم. وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه ": حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن محمد بن إسحاق عن مكحول عن أشعث عن الزهري: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في الجائفة بثلث الدية» . م: (وعن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه حكم في جائفة نفذت إلى الجانب الآخر بثلثي الدية) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 191 ولأنها إذا نفذت نزلت منزلة جائفتين: إحداهما من جانب البطن، والأخرى من جانب الظهر، وفي كل جائفة ثلث الدية، فلهذا وجب في النافذة ثلثا الدية. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه جعل المتلاحمة قبل الباضعة، وقال: هي التي يتلاحم فيها الدم ويسود، وما ذكرناه بدءا مروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهذا اختلاف عبارة لا يعود إلى معنى وحكم   [البناية] ش: رواه عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا ابن جريج عن داود بن أبي عاصم قال: سمعت ابن المسيب قال: قضى أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في الجائفة تكون نافذة بثلثي الدية. وقال: إنهما جائفتان. قال سفيان: ولا تكون الجائفة إلا في الجوف. م: (ولأنها) ش: أي ولأن الجائفة م: (إذا نفذت نزلت منزلة جائفتين إحداهما من جانب البطن والأخرى من جانب الظهر، وفي كل جائفة ثلث الدية، فلهذا وجب في النافذة ثلثا الدية) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأكثر أهل العلم، وقال ابن عبد البر: لا أعلمهم يختلفون في ذلك. وحكي عن بعض أصحاب الشافعي وعن أبي حنيفة في رواية أنه جائفة واحدة. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه جعل المتلاحمة قبل الباضعة) ش: أي في الذكر م: (وقال) ش: أي محمد م: (هي التي يتلاحم فيها الدم ويسود) ش: وقال تاج الشريعة: وليس معناه أنها قبل الباضعة من حيث إن تحته دونه، بل من حيث إن المتلاحمة عند محمد ما يظهر اللحم ولا تقطعه من قولهم: التحم السنان إذا اتصل أحدهما بالآخر، والباضعة بعدها. وفي ظاهر الرواية: المتلاحمة ما يعمل في قطع أكثر اللحم وهي بقدر الباضعة وهي تقطع بعض اللحم. م: (وما ذكرناه بدءا) ش: أي أولا، قال الجوهري: البدء والبدء أيضا الأول، ومنه قولهم: أفعله بادي على وزن فاعل، وبادي بديء على وزن فعيل، أي أول شيء. م: (مروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو ظاهر الرواية. م: (وهذا) ش: أي هذا المذكور من رواية أبي يوسف ومحمد م: (اختلاف عبارة لا يعود إلى معنى وحكم) ش: أي الذي روي عن محمد أن المتلاحمة قبل الباضعة، والذي روي عن أبي يوسف الباضعة قبل المتلاحمة، اختلاف في الاسم لا في المعنى والحكم؛ لأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يمنع أن تكون الشجة التي ذهب فيه اللحم أرشها، وكذلك أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يمنع أن تكون الشجة التي قبل الباضعة أقل منها أرشا، وإنما الخلاف في الاسم. قال محمد: المتلاحمة مأخوذة من الاجتماع، يقال: التحم الحيان إذا اجتمعا، وقال أبو يوسف: إنها مأخوذة من الذهاب في اللحم، كذا ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرحه ". الجزء: 13 ¦ الصفحة: 192 وبعد هذا شجة أخرى تسمى الدامغة، وهي التي تصل إلى الدماغ، وإنما لم يذكرها لأنها تقع قتلا في الغالب لا جناية مقتصرة منفردة بحكم على حدة، ثم هذه الشجاج تختص بالوجه والرأس لغة، وما كان في غير الوجه والرأس يسمى جراحة والحكم مرتب على الحقيقة في الصحيح، حتى لو تحققت في غيرهما نحو الساق واليد لا يكون لها أرش مقدر، وإنما تجب حكومة العدل لأن التقدير بالتوقيف، وهو إنما ورد فيما يختص بهما؛ ولأنه إنما ورد الحكم فيها لمعنى الشين الذي يلحقه ببقاء أثر الجراحة، والشين يختص بما يظهر منها في الغالب، وهو العضوان هذان لا سواهما، وأما اللحيان فقد قيل: ليسا من الوجه وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] م: (وبعد هذا) ش: أي بعد ذكر الآمة التي هي عاشرة الشجاج م: (شجة أخرى تسمى الدامغة) ش: بالغين المعجمة م: (وهي التي تصل إلى الدماغ، وإنما لم يذكرها) ش: يعني محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل م: (لأنها تقع قتلًا في الغالب لا جناية مقتصرة منفردة بحكم على حدة) ش: وقد مر بيان هذا عن قريب م: (ثم هذه الشجاج) ش: لما ذكر قبل هذا حكم الشجاج شرع بذكر مواضع الشجاج م: (تختص بالوجه والرأس لغة) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة وأكثر أهل العلم، وعلى ما ذكر في " الإيضاح " مختص بالوجنتين والرأس أيضا. وقال أبو الليث: يثبت حكم هذه الشجاج في كل البدن. م: (وما كان في غير الوجه والرأس يسمى جراحة والحكم مرتب على الحقيقة) ش: أي حكم الشجاج يثبت في الوجه والرأس على ما هو حقيقة اللغة م: (في الصحيح) ش: احترازا عن قول أبي الليث، ثم أوضح ذلك بقوله: م: (حتى لو تحققت) . ش: وقال تاج الشريعة: حتى لو تحققت الموضحة والهاشمة والمنقلة م: (في غيرهما) ش: أي في غير الرأس والوجه م: (نحو الساق واليد لا يكون لها أرش مقدر. وإنما تجب حكومة العدل لأن التقدير بالتوقيف) ش: يعني لأن التقدير من أمرين والأمور لا تكون إلا بالتوقيف على الشرع م: (وهو) ش: أي التوقيف م: (إنما ورد فيما يختص بهما) ش: أي بالوجه والرأس م: (ولأنه إنما ورد الحكم فيها لمعنى الشين الذي يلحقه ببقاء أثر الجراحة، والشين يختص بما يظهر منها) ش: أي من الأعضاء م: (في الغالب، وهو العضوان هذان) ش: أي الوجه والرأس. م: (لا سواهما) ش: أي لأن ما سواهما يغطى في العادة فلا يلحقه الشين كما يلحق في الوجه والرأس م: (وأما اللحيان) ش: بفتح اللام تثنية اللحي، وهو الذي عليه اللحية. م: (فقد قيل: ليسا من الوجه وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . ش: وقال صاحب: " الذخيرة ": والذقن من الوجه بلا خلاف، والعظم الذي تحت الذقن، الجزء: 13 ¦ الصفحة: 193 حتى لو وجد فيهما ما فيه أرش مقدر لا يجب المقدر، وهذا لأن الوجه مشتق من المواجهة، ولا مواجهة للناظر فيهما إلا أن عندنا: هما من الوجه لاتصالهما به من غير فاصلة وقد يتحقق فيه معنى المواجهة أيضا، وقالوا: الجائفة تختص بالجوف - جوف الرأس أو جوف البطن - وتفسير حكومة العدل على ما قاله الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يقوم مملوكا بدون هذا الأثر ويقوم به الأثر ثم ينظر إلى تفاوت ما بين القيمتين، فإن كان نصف عشر القيمة يجب   [البناية] وهو اللحيان من الوجه عنده، حتى لو وجدت الشجاج الثلاث الموضحة والهاشمة والمنقلة في اللحيين كان لها أرش مقدر عندنا خلافا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو معنى قوله: م: (حتى لو وجد فيهما) ش: أي في اللحيين م: (ما فيه أرش مقدر) ش: وهو الشجاج الثلاثة المذكورة م: (لا يجب المقدر، وهذا) ش: أي عدم الأرش المقدر فيهما م: (لأن الوجه مشتق من المواجهة، ولا مواجهة للناظر فيهما) ش: أي في اللحيين. م: (إلا أن عندنا: هما من الوجه لاتصالهما به) ش: أي لاتصال اللحيين بالوجه م: (من غير فاصلة وقد يتحقق فيه معنى المواجهة أيضا) ش: أي في اللحم يعني المواجهة أيضًا، فيكون من الوجه حقيقة، قيل عليه [. . .] أن يكون غسلهما فرضًا في الطهارة، وأجيب بأنه ترك هذه الحقيقة بالإجماع والإجماع هنا فبقيت العبرة للحقيقة. م: (وقالوا) ش: أي المشايخ: م: (الجائفة تختص بالجوف، جوف الرأس أو جوف البطن) . ش: وفي " الأجناس ": الجائفة وإن نفذت من رواية ففيها ثلث الدية إن كان عمدًا ففي ماله، وإن كان خطأ فعلى عاقلته. والجائفة تكون ما بين اللبة والعانة ولا يكون فوق الذقن، ولا يكون تحت العانة بين الفخذين والرجلين. وقال الكرخي في " مختصره ": ولا تكون الجائفة في الرقبة ولا في الحلق، ولا تكون إلا فيما يصل إلى الجوف من الصدر والظهر والبطن والجبين، وكل ما وصل إلى الفم ففيه حكومة عدل وليس بجائفة، ولا يكون في اليدين ولا في الرجلين، ثم في الشجاج كلها إذا برأت ولم يبق لها أثر بعد البرء لا يجب شيء في العمد والخطأ، إلا رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: يجب مقدار أجر الطبيب. كذا في " شرح الطحاوي ". وأما إذا بقي لها أثر بعد البرء في الخطأ في الموضحة وما فوقها أروش مقدرة وقبلها حكومة عدل. أما في العمد فلا يجب القصاص إلا في الموضحة وفيما قبلها حكومة عدل، وفيما فوقها الأروش، م: (وتفسير حكومة العدل على ما قاله الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يقوم مملوكا بدون هذا الأثر ويقوم به الأثر ثم ينظر إلى تفاوت ما بين القيمتين، فإن كان نصف عشر القيمة الجزء: 13 ¦ الصفحة: 194 نصف عشر الدية، وإن كان ربع عشر فربع عشره، وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ينظر كم مقدار هذه الشجة من الموضحة، فيجب بقدر ذلك من نصف عشر الدية؛ لأن ما لا نص فيه يرد إلى المنصوص عليه والله أعلم.   [البناية] يجب نصف عشر الدية، وإن كان ربع العشر فربع عشره) . م: (وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ينظر كم مقدار هذه الشجة من الموضحة فيجب بقدر ذلك من نصف عشر الدية لأن ما لا نص فيه يرد إلى المنصوص عليه والله أعلم) ش: بيان قوله: كم مقدار هذه الشجة أن هذه الشجة لو كانت باضعة مثلا فإنه ينظر كم مقدار الباضعة من الموضحة، فإن كان مقدارها ثلث الموضحة يجب ثلث أرش الموضحة وإن كان ربع الموضحة يجب ربع أرش الموضحة، وإن كان ثلاثة أرباع الموضحة يجب ثلاثة أرباع أرش الموضحة. قال شيخ الإسلام: هذا هو الأصح، وفي " فتاوى قاضي خان ": وعلى قول الطحاوي الفتوى، وبه أخذ الحلواني، وبه قالت الأئمة الثلاثة وأهل العلم، وقال ابن المنذر: وهو قول كل من يحفظ عنه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 195 فصل قال: وفي أصابع اليد نصف الدية لأن في كل أصبع عشر الدية على ما روينا فكان في الخمس نصف الدية، ولأن في قطع الأصابع تفويت جنس منفعة البطش وهو الموجب على ما مر، فإن قطعها مع الكف ففيه أيضا نصف الدية لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وفي اليدين الدية وفي إحداهما نصف الدية» ولأن الكف تبع للأصابع لأن البطش بها، وإن قطعها مع نصف الساعد ففي الأصابع والكف نصف الدية، وفي الزيادة حكومة عدل، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعنه أن ما زاد على أصابع اليد والرجل فهو تبع للأصابع إلى المنكب وإلى الفخذ لأن الشرع أوجب في اليد الواحدة نصف الدية، واليد اسم لهذه الجارحة إلى المنكب فلا يزاد على تقدير الشرع.   [البناية] [فصل في بيان مسائل الجراح التي فيما دون النفس فيما دون الرأس] [في اليدين الدية وفي إحداهما نصف الدية] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان مسائل الجراح التي فيما دون النفس فيما دون الرأس م: (قال: وفي أصابع اليد نصف الدية) ش: هذا قول القدوري في " مختصره " لما روينا، وفي بعض النسخ: على ما روينا في فصل الشجاج في حديث عمرو بن حزم: «في كل أصبع عشر من الإبل» فإذا وجب م: (لأن في كل أصبع عشر الدية) ش: من الإبل، وهو عشر الدية م: (على ما روينا) ش: يكون في أصابع اليد الواحدة إذا قطعت خطأ نصف الدية لأن فيها خمس أصابع م: (فكان في الخمس) ش: أي في خمس الأصابع م: (نصف الدية، ولأن في قطع الأصابع تفويت جنس منفعة البطش وهو الموجب) ش: أي الموجب للدية تفويت جنس المنفعة م: (على ما مر) ش: أي في فصل مما دون النفس م: (فإن قطعها) ش: أي الأصابع م: (مع الكف ففيه أيضا نصف الدية لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «وفي اليدين الدية» ش: تقدم من ذلك (ما) فيه الكفاية م: (وفي إحداهما) ش: أي في إحدى اليدين م: (نصف الدية) ش: هو أيضا لفظ الحديث م: (ولأن الكف تبع للأصابع لأن البطش بها) ش: أي بالأصابع م: (وان قطعهما) ش: أي اليد م: (مع نصف الساعد ففي الأصابع والكف نصف الدية، وفي الزيادة حكومة عدل، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . وبه قال الشافعي - ظاهر مذهبه - والقاضي الحنبلي، م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف: م: (أن ما زاد على أصابع اليد والرجل فهو تبع للأصابع إلى المنكب وإلى الفخذ لأن الشرع أوجب في اليد الواحدة نصف الدية، واليد اسم لهذه الجارحة إلى المنكب فلا يزاد على تقدير الشرع) ش: وبه قال مالك وأحمد وابن أبي ليلى - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وأصحاب الشافعي وهو قول النخعي وقتادة وعطاء، لأن الشرع أوجب في اليد الواحدة نصف الدية، واليد اسم لهذه الجارحة إلى المنكب الجزء: 13 ¦ الصفحة: 196 ولهما: أن اليد آلة باطشة والبطش يتعلق بالكف والأصابع دون الذراع، فلم يجعل الذراع تبعا في حق التضمين، ولأن لا وجه إلى أن يكون تبعا للأصابع لأن بينهما عضوا كاملا ولا إلى أن يكون تبعا للكف لأنه تابع، ولا تبع للتابع. قال: وإن قطع الكف من المفصل وفيها أصبع واحدة ففيه عشر الدية، وإن كان أصبعان فالخمس ولا شيء في الكف، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: ينظر إلى أرش الكف والأصبع فيكون عليه الأكثر، ويدخل القليل في الكثير لأنه لا وجه إلى الجمع بين الأرشين لأن الكل شيء واحد، ولا إلى إهدار أحدهما؛ لأن كل واحد منهما   [البناية] فلا يزاد على تقدير الشرع. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد: م: (أن اليد آلة باطشة والبطش يتعلق بالكف والأصابع دون الذراع، فلم يجعل الذراع تبعا في حق التضمين) ش: بيان هذا: أن اليد آلة باطشة بمعنى أرش اليد يجب باعتبار إزالة البطش. والأصل في البطش الأصابع، والكف تبع لها، وأما الساعد فلا يتبعها لأنه غير متصل بها فلم يجعل تبعا لها في التضمين. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الذراع م: (لا وجه إلى أن يكون تبعا للأصابع لأن بينهما) ش: أي بين الذراع والأصابع م: (عضوا كاملا) ش: وهو الكف م: (ولا إلى أن يكون) ش: أي لا وجه إلى أن يكون م: (تبعا للكف لأنه) ش: أي لأن الكف م: (تابع، ولا تبع للتابع) ش: بيانه: أن الذراع لا يجوز أن يتبع الأصابع لأنه يفصل بينهما عضو فلا يكون تبعا، ولا يجوز أن يستتبع الكف لأنه تبع في نفسه فلا يثبت له تبع. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن قطع الكف من المفصل وفيها أصبع واحدة ففيه) ش: أي في الأصبع الواحدة م: (عشر الدية) . ش: وفي بعض النسخ: ففيها، فالأصبع يذكر ويؤنث م: (وإن كان أصبعان فالخمس) ش: أي الواجب خمس الدية م: (ولا شيء في الكف وهذا) ش: أي وهذا الحكم م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: ينظر إلى أرش الكف والأصبع) ش: أي حكومة العدل في الكف والأصبع م: (فيكون عليه الأكثر، ويدخل القليل في الكثير لأنه لا وجه إلى الجمع بين الأرشين) ش: أي أرش الكف وأرش الأصبع يعني الجمع بين هذين الأرشين جمع اتفاق م: (لأن الكل شيء واحد) ش: لأن ضمان الأصابع ضمان الكف والأصابع، فهذا شيء واحد، م: (ولا إلى إهدار أحدهما) ش: أي ولا وجه أيضا إلى إهدار أحدهما م: (لأن كل واحد منهما) ش: من الكف والأصابع) م: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 197 أصل من وجه فرجحنا بالكثرة، وله: أن الأصابع أصل والكف تابع حقيقة وشرعا لأن البطش يقوم بها. وأوجب الشرع في أصبع واحدة عشرا من الإبل، والترجيح من حيث الذات والحكم أولى من الترجيح من حيث مقدار الواجب، ولو كان في الكف ثلاثة أصابع يجب أرش الأصابع، ولا شيء في الكف بالإجماع لأن الأصابع أصول في التقوم وللأكثر حكم الكل فاستتبعت الكف كما إذا كانت الأصابع قائمة بأسرها.   [البناية] (أصل من وجه) ش: أما الأصابع فظاهر وأما الكف فأصل من حيث إن قيام الأصابع به م: (فرجحنا بالكثرة) ش: كما قلنا فيمن شج رأس شخص وتناثر بعض شعره حيث يدخل هناك الأقل في الأكثر. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الأصابع أصل والكف تابع حقيقة) ش: أي من حيث الحقيقة م: (وشرعا) ش: أي من حيث الشرع وبين وجه الحقيقة بقوله: م: (لأن البطش يقوم بها) ش: أي بالأصابع. وبين وجه الشرع بقوله: م: (وأوجب الشرع في أصبع واحدة عشرا من الإبل، والترجيح من الذات والحكم) ش: أي من حيث الحقيقة والشرع م: (أولى من الترجيح من حيث مقدار الواجب) ش: كما أن التقدير الشرعي ثابت بالنص، وما لم يثبت فيه تقدير يكون تقديره بالرأي، والرأي لا يعارض النص، وأما قولهما: " إن بالكثرة أولى نقلنا " إنما يصار إلى الترجيح عند المساواة في القوة ولا مساواة بين النص والرأي. وأما مسألة الشعر فلا يكون تبعا للآخر وفيما نحن فيه الكف تبع، كذا ذكره قاضي خان، فلما كان الاعتبار عند أبي حنيفة للنص وتقدير الشرع، لا يتفاوت بين أن يكون الباقي أصبعا أو أكثر، ولهذا قال أبو حنيفة: إذا لم يبق من الأصبع إلا مفصل واحد ففي ظاهر الرواية عنده أرش ذلك المفصل أو يجعل الكف تبعا له لأن أرش المفصل مقدر شرعا، وما بقي شيء من الأصل، وإن قل لا حكم للتبع كما إذا بقي واحد من أصحاب الخطر في المحل لا يعتبر المكان. وروى الحسن عن أبي حنيفة: إذا كان الباقي دون أصبع يعتبر فيه الأقل والأكثر كقولهما فيدخل الأقل في الأكثر والأول أصح. م: (ولو كان في الكف ثلاثة أصابع يجب أرش الأصابع، ولا شيء في الكف بالإجماع لأن الأصابع أصول في التقوم وللأكثر حكم الكل فاستتبعت الكف كما إذا كانت الأصابع قائمة بأسرها) ش: ثم قطعت مع الكف. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 198 قال: وفي الأصبع الزائدة حكومة عدل تشريفا للآدمي لأنه جزء من يده ولكن لا منفعة فيه ولا زينة. وكذلك السن الشاغية لما قلنا وفي عين الصبي وذكره ولسانه إذا لم تعلم صحته حكومة عدل. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب فيه دية كاملة لأن الغالب فيه الصحة فأشبه قطع المارن والأذن. ولنا: أن المقصود من هذه الأعضاء المنفعة، فإذا لم تعلم صحتها لا يجب   [البناية] ويقال: هذا الشيء بأسره أي بجميعه، كما يقال يومئذ. م: (قال: وفي الأصبع الزائدة) ش: أي وفي قطع الأصبع الزائدة م: (حكومة عدل) ش: وبه قال الشافعي، وأحمد، والثوري، ولا يعلم لهم مخالف، وعن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: فيها ثلث دية الأصبع. وفي " الذخيرة ": فيها الحكومة سواء كان في العمد أو في الخطأ، وسواء كان للقاطع أصبع زائد أم لا. م: (تشريفا للآدمي) ش: أي لأجل تشريفه لأنه مكرم م: (لأنه) ش: أي لأن الأصبع الزائدة م: (جزء من يده ولكن لا منفعة فيه ولا زينة) ش: أي ولا جمال فيه قيل عليه أنه منقوص بما إذا كان من ذقن رجل شعراته منفردة وأزالها رجل، ولم ينبت مثلها فإنه لم يجب فيه حكومة عدل، وإن كان الشعر جزءا من الآدمي بدليل أنه لا يحل الانتفاع به، وأجيب بأن إزالة جزء الآدمي إنما يوجب حكومة عدل إذا بقي من أثره ما يشينه كما في قطع الأصبع الزائدة، وإزالة الشعرات تزينه ولا تشينه، فلا يوجبها، كما لو قص ظفر غيره بغير إذنه. م: (وكذلك السن الشاغية) ش: بالشين والغين المعجمة، أي الزائدة، يقال: شغيت أسنانه إذا اختلف بينها وتراكبت، وقيل: الشغى أن تقع الأسنان العليا على السفلى، ورجل أشغى وامرأة شغياء ومنه سميت العقاب شغياء لأن مقدم مسيرها مطبق على الآخر جزءا منها بكسر الميم لسباع الطير بمنزلة المستعار لغيرها م: (لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله: " لأنه جزء من يده "، يعني كما الأصبع الزائدة جزء من المجني عليه، كذلك السن الشاغية جزء فلا تجب الحكومة، فكذا هنا. م: (وفي عين الصبي وذكره ولسانه إذا لم تعلم صحته حكومة عدل) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره "، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب فيه دية كاملة) ش: وبه قال أحمد، وهو قول الثوري م: (لأن الغالب فيه الصحة فأشبه قطع المارن والأذن) ش: من الصبي م: (ولنا: أن المقصود من هذه الأعضاء المنفعة، فإذا لم تعلم صحتها لا يجب الجزء: 13 ¦ الصفحة: 199 الأرش الكامل بالشك والظاهر لا يصلح حجة للإلزام بخلاف المارن والأذن الشاخصة؛ لأن المقصود هو الجمال وقد فوته على الكمال، وكذا لو استهل الصبي لأنه ليس بكلام وإنما هو مجرد صوت ومعرفة الصحة فيه بالكلام، وفي الذكر بالحركة، وفي العين بما يستدل به على النظر فيكون حكمه بعد ذلك حكمه حكم البالغ في العمد والخطأ. قال: ومن شج رجلا فذهب عقله أو شعر رأسه دخل أرش الموضحة في الدية   [البناية] الأرش الكامل بالشك) ش: لأن السلامة بالدليل وبالظاهر تثبت السلامة. م: (والظاهر لا يصلح حجة للإلزام) ش: إنما قيد بالإلزام لأن مثل هذا الظاهر يصلح حجة لغير الإلزام، حتى إنه لو أعتق صغيرا لا يعلم صحة هذه الأعضاء منه يقينا يخرج عن عهدة الكفارة لأن الغالب هو السلامة. وقد تقدم من قبل في قوله: " ويجزيه رضيع "، وفي ذكر الخصى والعنين حكومة عدل عنده. وبه قال أحمد في رواية، قال الشافعي: فيها دية كاملة، وبه قال مالك وأحمد في رواية في ذكر الخصى مثل قولنا، وهو قول الثوري، وقتادة، وإسحاق م: (بخلاف المارن والأذن الشاخصة لأن المقصود هو الجمال وقد فوته على الكمال) ش: ومعنى الشاخصة المرتفعة عن شخص بالفتح شخوصا، وقال في " الجمهرة ": شخص من مكان إلى مكان إذا سار في ارتفاع. م: (وكذا لو استهل الصبي) ش: يعني يكون في لسان الصبي حكومة عدل ما لم يتكلم، وإن استهل م: (لأنه) ش: أي لأن استهلال الصبي م: (ليس بكلام وإنما هو مجرد صوت) ش: بكاء م: (ومعرفة الصحة فيه بالكلام) ش: أي في الصوت. م: (وفي الذكر بالحركة) ش: أي ومعرفة الصحة في الذكر بالحركة عند البول. م: (وفي العين) ش: أي ومعرفة الصحة وفي العين م: (بما يستدل به على النظر فيكون حكمه بعد ذلك) ش: أي بعد ما ذكر من الأشياء المذكورة م: (حكمه) ش: أي حكم الصبي م: (حكم البالغ في العمد والخطأ) ش: لأنه حينئذ يتبين أنه أتلف منفعة العضو كاملة فيترتب للصبي على الجاني مثل ما يترتب للبالغ في حالة العمد وحالة الخطأ. [شج رجلا فذهب عقله أو شعر رأسه] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن شج رجلا فذهب عقله أو شعر رأسه دخل أرش الموضحة في الدية) ش: وبه قال الشافعي في القديم وقال في الجديد: لا يدخل، وبه قال مالك، وأحمد، والحسن، وزفر في رواية. قال القدوري: فإن قيل: من أين يعرف ذهاب السمع والشم والبصر؟ قيل له: يعرف الجزء: 13 ¦ الصفحة: 200 لأن بفوات العقل تبطل منفعة جميع الأعضاء، فصار كما إذا أوضحه فمات، وأرش الموضحة يجب بفوات جزء من الشعر حتى لو نبت يسقط، والدية تجب بفوات كل الشعر وقد تعلقا بسبب واحد فدخل الجزء في الجملة كما إذا قطع أصبع رجل فشلت يده. وقال زفر: لا يدخل لأن كل واحد منها جناية فيما دون النفس فلا يتداخلان كسائر الجنايات، وجوابه ما ذكرناه. قال: وإن ذهب سمعه وبصره، أو كلامه فعليه أرش الموضحة مع الدية. قالوا: هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الشجة تدخل في دية السمع والكلام ولا تدخل في دية البصر.   [البناية] ذلك باعتراف الجاني وتصديقه للمجني عليه أو بنكوله عن اليمين وغير ذلك من الوجوه، م: (لأن بفوات العقل تبطل منفعة جميع الأعضاء) ش: لأنه يكون كالميت والملحق بالبهائم م: (فصار كما إذا أوضحه فمات، وأرش الموضحة يجب بفوات جزء من الشعر حتى لو نبت يسقط) ش: أي لو نبت الشعر في موضع الشجة يسقط الأرش. [قطع أصبع رجل فشلت يده] م: (والدية تجب بفوات كل الشعر وقد تعلقا بسبب واحد) ش: أي تعلق أرش الموضحة والدية جميعا بسبب واحد وهو فوات الشعر لكن سبب الموضحة البعض وسبب الدية الكل م: (فدخل الجزء في الجملة كما إذا قطع أصبع رجل فشلت يده) ش: فيجب أرش اليد لا أرش الأصبع، والأصل فيه وما أشبه أن الجزء يدخل في الكل. م: (وقال زفر: لا يدخل) ش: أرش الموضحة في الدية م: (لأن كل واحد منها جناية فيما دون النفس فلا يتداخلان كسائر الجنايات، وجوابه ما ذكرناه) ش: قيل: يعني به قوله لأن بفوات العقل تبطل منفعة جميع الأعضاء، وقيل قوله: وقد تعلقا بسبب واحد، وهو أشمل من الأول. م: (قال: وإن ذهب سمعه وبصره أو كلامه فعليه أرش الموضحة مع الدية، قالوا) ش: أي المشايخ م: (هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) . ش: قال في " النهاية ": ذكر أبي يوسف مع أبي حنيفة وقع سهوا لكونه مخالفا لجميع روايات الكتب المتداولة فينبغي أن يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مكان أبي يوسف م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الشجة تدخل في دية السمع والكلام ولا تدخل في دية البصر) ش: روى هذه الرواية عن أبي يوسف الحسن بن زياد. فإن قيل: من أين يعلم ذهاب البصر والسمع والكلام؟ قيل له: يعرف ذلك باعتراف الجاني وتصديقه للمجني عليه أو بنكوله عن اليمين وغير الجزء: 13 ¦ الصفحة: 201 وجه الأول أن كلا منها جناية فيما دون النفس والمنفعة مختصة به فأشبه الأعضاء المختلفة بخلاف العقل لأن منفعته عائدة إلى جميع الأعضاء على ما بينا، ووجه الثاني: أن السمع والكلام مبطن فيعتبر بالعقل والبصر ظاهر فلا يلحق به. قال: وفي " الجامع الصغير ": ومن شج رجلا موضحة فذهبت عيناه فلا قصاص في ذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قالوا: وينبغي أن تجب الدية فيهما. وقالا: في الموضحة القصاص. قالوا: وينبغي أن تجب الدية في العينين. قال: وإن قطع أصبع رجل من المفصل الأعلى فشل ما بقي من الأصبع أو اليد كلها   [البناية] ذلك من الوجوه في معرفة ذلك. م: (وجه الأول) ش: هو: أن أرش الموضحة لا يدخل في الدية الواجبة بذهاب السمع والبصر والكلام م: (أن كلا منها جناية فيما دون النفس والمنفعة مختصة به فأشبه الأعضاء المختلفة) ش: فلا يدخل بعضه في بعض م: (بخلاف العقل) ش: يعني أن العقل ليس كذلك. م: (لأن منفعته عائدة إلى جميع الأعضاء) ش: فصار كالروح ولزوال الروح في الشجة دخل أرشها في دية الروح فكذا إذا ذهب العقل م: (على ما بينا) ش: أراد به قوله: لأن بفوات العقل تبطل منفعة جميع الأعضاء. م: (ووجه الثاني) ش: يعني قوله: وعن أبي يوسف م: (أن السمع والكلام مبطن) ش: يعني كل واحد منهما باطن م: (فيعتبر بالعقل) ش: فيدخل أرش الموضحة في ديته م: (والبصر ظاهر فلا يلحق به) ش: أي بالعقل فلا يدخل أرش الموضحة فيه كاليد والرجل. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: والكلام مبطن، قيل: يريد به الكلام النفسي بحيث لا يفهم منها المعاني ولا يقدر على نظم المتكلم، وإن كان المراد ذلك كان الفرق بينه وبين ذهاب العقل عسير جدا وإن كان المراد به التكلم بالحروف والأصوات نفي جعله مبطنا وظاهرا. [شج رجلا موضحة فذهبت عيناه] م: (قال: وفي " الجامع الصغير ": من شج رجلا موضحة فذهبت عيناه فلا قصاص في ذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: قال أبو الليث: ولكن يجب عليه أرش الموضحة ودية العينين م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (وينبغي أن تجب الدية فيهما) ش: أي في الموضحة والعينين يعني أنه يجب أرش الموضحة ودية العينين. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (في الموضحة القصاص، قالوا) ش: أي المشايخ في شروحهم م: (وينبغي أن تجب الدية في العينين) ش: أي على قولهما، وإنما كرر لفظ " قالوا " لأن الأول في قول أبي حنيفة والثاني في قولهما. م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن قطع أصبع رجل من المفصل الأعلى فشل ما بقي من الأصبع أو اليد كلها) ش: أي أو شلت اليد كلها، والشلل فساد في اليد الجزء: 13 ¦ الصفحة: 202 لا قصاص عليه في شيء من ذلك وينبغي أن تجب الدية في المفصل الأعلى وفيما بقي حكومة عدل، وكذلك لو كسر بعض سن رجل فاسود ما بقي ولم يحك خلافا، وينبغي أن تجب الدية في السن كله ولو قال: اقطع المفصل واترك ما يبس أو اكسر القدر المكسور أو اترك الباقي لم يكن له ذلك لأن الفعل في نفسه ما وقع موجبا للقود فصار كما لو شجه منقلة فقال أشجه موضحة وأترك الزيادة لهما في الخلافية أن الفعل في محلين. فيكون جنايتين مبتدأتين، فالشبهة في إحداهما لا تتعدى إلى الأخرى.   [البناية] من باب علم م: (لا قصاص عليه في شيء من ذلك) ش: أي باتفاق أصحابنا. وقال الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا يسقط القود عن الأصبع لأنه عمد يمكن في الاعتبار المساواة فيه، ولا يجب القصاص في الثاني في قول عن الشافعي، وفي رواية عن أحمد م: (وينبغي أن تجب الدية في المفصل الأعلى، وفيما بقي حكومة عدل) ش: وإنما قال: " ينبغي " لأن محمدا لم يذكر هذا في " الجامع "، والمشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في الشروح قالوا هذا. م: (وكذلك) ش: أي الحكم وهو عدم القصاص م: (لو كسر بعض سن رجل فاسود ما بقي) ش: من السن المكسورة م: (ولم يحك) ش: أي محمد م: (خلافا) ش: في المسألتين وأحمد في رواية والشافعي في قول إن لم يذهب نفعها وهو المختار عند أصحاب الشافعي م: (وينبغي أن تجب الدية في السن كله ولو قال) ش: أي المجني عليه م: (اقطع المفصل واترك ما يبس) ش: من أرش اليد أو السن أو قال م: (أو اكسر القدر المكسور) ش: من السن م: (أو اترك الباقي لم يكن له ذلك؛ لأن الفعل في نفسه ما وقع موجبا للقود فصار) ش: حكم هذا م: (كما لو شجه) ش: أي كما إذا شج رجل رجلا شجة م: (منقلة فقال: أشجه) ش: شجة م: (موضحة وأترك الزيادة) ش: ليس له ذلك لأن الجناية الأولى كانت سارية وهي ليست في وسع المجنى عليه، والمماثلة شرط وجوب القصاص فلم تنعقد تلك الجناية موجبة القصاص في الابتداء، وإنما انعقدت موجبة للمال، ولا يكون له على القصاص سبيل م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (في الخلافية) ش: أي في المسألة الخلافية وهي: ما إذا شج موضحة فذهبت عيناه م: (أن الفعل) ش: وقع م: (في محلين) ش: مختلفين حقيقة. م: (فيكون جنايتين مبتدأتين، فالشبهة في إحداهما) ش: أي في إحدى الجنايتين م: (لا تتعدى إلى الأخرى) ش: أي إلى الجناية الأخرى، والأصل في هذا أن الجناية إذا وقعت في مجلسين متباينين حقيقة فوجوب المال في أحدهما لا يمنع وجوب القود في الآخر وهو قول الأئمة الثلاثة أيضا، ومتى وقعت في محل واحد وأتلف شيئين، أحدهما يوجب القود والآخر يوجب المال، يجب بلا خلاف بين أصحابنا خلافا للأئمة الثلاثة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 203 كمن رمى إلى الرجل عمدا فأصابه ونفذ منه إلى غيره فقتله يجب القود في الأول. وله: أن الجراحة الأولى سارية والجزاء بالمثل، وليس في وسعه الساري فيجب المال، ولأن الفعل واحد حقيقة وهو الحركة القائمة، وكذا المحل متحد من وجه لاتصال أحدهما بالآخر، فأورثت نهايته شبهة الخطأ في البداية، بخلاف النفسين، لأن أحدهما ليس من سراية صاحبه. وبخلاف ما إذا وقع السكين على الأصبع لأنه ليس فعلا مقصودا   [البناية] م: (كمن رمى إلى الرجل عمدا فأصابه ونفذ) ش: أي رميه م: (منه إلى غيره فقتله يجب القود في الأول) ش: دون الثاني، وتجب الدية في الثاني، وكذا إذا قطع أصبعا فاضطرب السكين فأصاب أصبعا آخر خطأ منه فإنه يقتص في الأولى بالإجماع دون الثانية. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الجراحة الأولى سارية والجزاء بالمثل، وليس في وسعه الساري فيجب المال) ش: لأن الجراحة التي يعمل القصاص قد لا تكون سارية، إذ ليس في وسعه، فعلى ذلك لا يكون مثلا للأولى ولا قصاص بدون المماثلة م: (ولأن الفعل واحد حقيقة وهو الحركة القائمة) ش: أي الثابتة حالة الشج م: (وكذا المحل) ش: أي محل الجنايتين م: (متحد من وجه لاتصال أحدهما بالآخر، فأورثت نهايته شبهة الخطأ في البداية) ش: والشبهة تعمل على الحقيقة فيما يندرئ بالشبهة أن لا يعمل في المال، لأنه يثبت مع الشبهة فكيف يسقط بها فيجب ديتان. م: (بخلاف النفسين) ش: هذا جواب عن قولهما كمن رمى إلى رجل عمدا فأصابه ونفذت إلى غيره فقتله، ووجه ذلك هو قوله م: (لأن أحدهما ليس من سراية صاحبه) ش: ولا تصور سراية الفعل من شخص إلى شخص ويتصور ذلك في شخص واحد. م: (وبخلاف ما إذا وقع السكين على الأصبع) ش: هذا جواب عما قال: إذا قطع أصبع رجل عمدا فاضطرب السكين فوقع على أصبع آخر فقطعها يقتص للأولى دون الثانية، فما بال مسألتنا لم تكن كذلك، ووجهه أن القطع الثاني إنما لم يورث الشبهة في القصاص، لأنه فعل مقصود، وأما ذهاب العين بالسراية فليس بفعل مقصود، وهو معنى قوله: م: (لأنه ليس فعلا مقصودا) ش: في مسألتنا، وفيما إذا وقع سكين على الأصبع قد صار فعلا مقصودا. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الضمير في لأنه عائد إلى ذهاب العين بالسراية، وبهذا التوجيه يندفع ما قال في " النهاية " أن في قوله لأنه ليس فعلا مقصودا نظر، وإن الصواب ما ذكره في " الذخيرة " أنه مقصود، ولكن ليس من أمره، فإنه رجع الضمير إلى الفعل الثاني الجزء: 13 ¦ الصفحة: 204 قال: وإن قطع إصبعا فشلت إلى جنبها أخرى، فلا قصاص في شيء من ذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا هما وزفر والحسن - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يقتص من الأولى، وفي الثانية أرشها، والوجه من الجانبين قد ذكرناه. وروى ابن سماعة عن محمد في المسألة الأولى، وهو ما إذا شج موضحة فذهب بصره: أنه   [البناية] فاختل الكلام، وقد ذكر المصنف فرقين بناء على ما ذكر من الدليل الأول بالنسبة إلى الأول، والثاني إلى الثاني. وقال الكاكي: قوله " وبخلاف السكين إذا اتصل بالأخرى " لأن القطع في الأصبع الأخرى ليس من أثر الفعل الأول، بل الفعل وقع عليه مقصودا، فيتقرر بحكمه، يعني أن القطع في الأصبع الأخرى لا يقصد من الأولى، إذ الخطأ لا تصل من العمد ولا يمكن أن يجعل القطع الثاني تتمة الأول، فلا يورث شبهة، وكذا قال فخر الإسلام وصاحب " الإيضاح ". وذكر في " النهاية " وبهذا يعلم أن فيما قاله في الكتاب ليس مقصودا نظر، وأن الصواب فيما ذكره فخر الإسلام وصاحب " الإيضاح "، أجيب عن كلامه بما ذكره في الكتاب من حيث المعنى، والتأويل ما قالاه فيكون صحيحا لما قلنا أن الضمير في " لأنه " يرجع إلى القطع في أصبع أخرى. وقال الأترازي: قوله " بخلاف السكين إذا انسل إلى الأصبع الأخرى فقطعها "، لأن قطع الأخرى حصل ابتداء بالانسلال لا بالسراية، فلم يكن ذلك شبهة بالأصبع الأولى لعدم اتحاد الفعل، وهذا هو الفرق الصحيح، وما قاله صاحب " الهداية " بقوله وبخلاف ما إذا وقع السكين على الأصبع؛ لأنه ليس فعلا مقصودا: فيه نظر، انتهى. قلت: قد أجيب عن النظر فيما ذكرنا يعلم بالإمعان في التأمل. [قطع أصبعا فشلت إلى جنبها أخرى] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن قطع أصبعا فشلت إلى جنبها أخرى، فلا قصاص في شيء من ذلك) ش: وعليه دية الأصبعين م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا هما وزفر والحسن - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: يعني ابن زياد نقله عنه الأكمل وقالا وزفر فكذلك قال، ولو قال: " وقالا فيها وزفر " كان صوابا، وذلك أنه لا يجوز أن يعطف على الضمير المرفوع إلا إذا أكد إلا في صورة الشعر م: (يقتص من الأولى) ش: في الأصبع الأولى م: (وفي الثانية) ش: أي وفي الأصبع الثانية يجب م: (أرشها، والوجه من الجانبين) ش: أي من جانب أبي حنيفة وجانب هؤلاء م: (قد ذكرناه) ش: يريد به قوله ومن شج رجلا موضحة فذهبت عيناه. . . إلى آخره. م: (وروى ابن سماعة عن محمد في المسألة الأولى، وهو ما إذا شج موضحة فذهب بصره: أنه الجزء: 13 ¦ الصفحة: 205 يجب القصاص فيهما؛ لأن الحاصل بالسراية مباشرة كما في النفس والبصر يجري فيه القصاص، بخلاف الخلافية الأخيرة؛ لأن الشلل لا قصاص فيه، فصار الأصل عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على هذه الرواية: أن سراية ما يجب فيه القصاص إلى ما يمكن فيه القصاص يوجب الاقتصاص، كما لو آلت إلى النفس وقد وقع الأول ظلما. ووجه المشهور: أن ذهاب البصر بطريق التسبيب، ألا يرى أن الشجة بقيت موجبة في نفسها ولا قود في التسبيب. بخلاف السراية إلى النفس لأنه لا تبقى الأولى فانقلبت الثانية مباشرة. قال: ولو كسر بعض السن فسقطت فلا قصاص إلا على رواية ابن سماعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولو أوضحه موضحتين فتآكلتا فهو على الروايتين هاتين.   [البناية] يجب القصاص فيهما؛ لأن الحاصل بالسراية مباشرة كما في النفس والبصر يجري فيه القصاص، بخلاف الخلافية الأخيرة؛ لأن الشلل لا قصاص فيه، فصار الأصل عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على هذه الرواية: أن سراية ما يجب فيه القصاص إلى ما يمكن فيه القصاص يوجب الاقتصاص، كما لو آلت إلى النفس وقد وقع الأول ظلما. ووجه المشهور: أن ذهاب البصر بطريق التسبيب، ألا يرى أن الشجة بقيت موجبة في نفسها ولا قود في التسبيب. بخلاف السراية إلى النفس لأنه لا تبقى الأولى فانقلبت الثانية مباشرة. قال: ولو كسر بعض السن فسقطت فلا قصاص إلا على رواية ابن سماعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولو أوضحه موضحتين فتآكلتا فهو على الروايتين هاتين. يجب القصاص فيهما) ش: أي في الموضحة والبصر جميعا م: (لأن الحاصل بالسراية مباشرة) ش: يعني بمنزلة المباشرة ثم نظر ذلك بقوله م: (كما في النفس) ش: يعني ألا ترى أنه لو قطع يد إنسان فسرى إلى نفسه يجب القصاص م: (والبصر يجري فيه القصاص) ش: ألا ترى أنه لو شجه موضحة وباشر سبب ذهاب البصر يجب القصاص فيهما كذلك هنا. م: (بخلاف الخلافية الأخيرة) ش: وهي قوله فإن قطع أصبعا فشلت إلى جنبها أخرى م: (لأن الشلل لا قصاص فيه) ش: ويجب الأرش م: (فصار الأصل عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على هذه الرواية) ش: أي رواية ابن سماعة: م: (أن سراية ما يجب فيه القصاص إلى ما يمكن فيه القصاص يوجب الاقتصاص، كما لو آلت إلى النفس) ش: قال شيخنا العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي كما لو آلت الجراحة ووصلت إلى النفس، فإن قطع أصبع رجل عمدا فسرى ومات يجب القصاص م: (وقد وقع الأول ظلما) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيكون موجبا للقصاص. م: (ووجه المشهور) ش: أي القول المشهور عن محمد: م: (أن ذهاب البصر بطريق التسبيب، ألا يرى أن الشجة بقيت موجبة في نفسها ولا قود في التسبيب) ش: عندنا وأكثر أهل العلم إلا في رواية عن مالك، وعن الشافعي في قول م: (بخلاف السراية إلى النفس لأنه لا تبقى الأولى) ش: أي لا تبقى الجناية الأولى معتبرة، فإذا كان كذلك م: (فانقلبت الثانية مباشرة) ش: أي فانقلبت الجناية الثانية بطريق المباشرة، فيجب القصاص. [كسر بعض السن فسقطت] م: (قال) ش: أي المصنف، ذكر هذه المسألة والتي تليها أيضا على سبيل التفريع: م: (ولو كسر بعض السن فسقطت فلا قصاص إلى على رواية ابن سماعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولو أوضحه موضحتين) ش: أي ولو شجه شجتين موضحتين م: (فتآكلتا) ش: أي صارتا واحدة بالأكل م: (فهو على الروايتين هاتين) ش: أي الرواية المشهورة ورواية ابن سماعة عن محمد، يعني لا قصاص على المشهور، وفيها القصاص على رواية ابن سماعة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 206 قال: ولو قلع سن رجل فنبتت مكانها أخرى سقط الأرش في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: عليه الأرش كاملا لأن الجناية قد تحققت، والحادث نعمة مبتدأة من الله تعالى. وله: أن الجناية انعدمت معنى، فصار كما إذا قلع سن صبي فنبتت لا يجب الأرش بالإجماع؛ لأنه لم يفت عليه منفعة ولا زينة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه تجب حكومة عدل لمكان الألم الحاصل   [البناية] وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا ضربه بعضا فأوضحه ثم عاد فضربه إلى جانبها ثم تآكلتا حتى صارتا واحدة منهما موضحتان يقتص منه وفي " السير " وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فمن ضرب سن رجل عمدا فكسر بعضها وحركت ما بقي فإنه يؤجل سنة، فإن سقطت أو اسودت فلا قصاص فيه، وقال أبو يوسف: إن سقطت فيه القصاص. [قلع سن رجل فنبتت مكانها أخرى] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولو قلع سن رجل فنبتت مكانها أخرى سقط الأرش) ش: أي هاهنا لفظ القدوري، ولم يذكر خلاف أصحابنا عنه، وقال المصنف: سقط الأرش م: (في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وإن كان أخذها ردها، وبه قال أحمد والشافعي - رحمهما الله - في قول. م: (وقالا عليه الأرش كاملا) ش: ولا يردها لو أخذها، وبه قال مالك والشافعي رحمهما الله - في قول م: (لأن الجناية قد تحققت) ش: والعادة عدم العود م: (والحادث نعمة مبتدأة من الله تعالى) ش: بخلاف سن الصبي، فإنها معرضة للنبات، ولهذا قيل يستأنى في سن الصبي حولا دون البالغ. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة: م: (أن الجناية انعدمت معنى) ش: لأنه عاد مكانها مثل الذي تلفت فلم يجب شيء م: (فصار كما إذا قلع سن صبي فنبتت لا يجب الأرش بالإجماع) ش: قيد بالأرش لأنه روى في " مختصر الكرخي " عن أبي يوسف أنه يجب فيه حكومة العدل وفي " الأجناس " عن " المجرد " قال أبو حنيفة: لو نزع سن رجل فنبت نصف السن كان عليه نصف قيمتها م: (لأنه لم يفت عليه) ش: أي على المنزوع سنة م: (منفعة ولا زينة) . م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هذا متعلق بقوله: وقالا عليه الأرش كاملا، أي روي عن أبي يوسف: م: (أنه تجب حكومة عدل لمكان الألم الحاصل) ش: أي يقوم بالألم وبدون الألم فيجب ما انتقص. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 207 قال: ولو قلع سن غيره فردها صاحبها في مكانها ونبت عليه اللحم فعلى القالع الأرش بكماله لأن هذا مما لا يعتد به، إذ العروق لا تعود، وكذا إذا قطع أذنه فألصقها فالتحمت لأنها لا تعود إلى ما كانت عليه، قال: ومن نزع سن رجل فانتزع المنزوعة سنه سن النازع فنبتت سن الأول، فعلى الأول لصاحبه خمسمائة درهم لأنه تبين أنه استوفى بغير حق؛ لأن الموجب فساد المنبت ولم يفسد حيث نبت مكانها أخرى فانعدمت الجناية، ولهذا يستأنى حولا بالإجماع، وكان ينبغي أن ينتظر اليأس في ذلك للقصاص، إلا أن في اعتبار ذلك تضييع الحقوق،   [البناية] م: (قال) ش: أي المصنف: م: (ولو قلع سن غيره، فردها صاحبها في مكانها ونبت عليه اللحم فعلى القالع الأرش بكماله) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - في رواية القاضي، وقال أحمد في رواية: تجب الدية، وعليه الحكومة لنقصانها م: (لأن هذا مما لا يعتد به، إذ العروق لا تعود) ش: لأن هذا السن يكون في حكم الميت. قال محمد: إن كانت أكثر من قدر الدرهم لم يجز الصلاة فيها ولم يكن عوضا عن الفائت، وقال أبو يوسف: إذا أعادها إلى موضعها يجوز الصلاة فيها، وفي سن غيره لا يجوز ذلك م: (وكذا) ش: أي وكذا يجب الأرش بكماله م: (إذا قطع أذنه) ش: أي أذن غيره م: (فألصقها) ش: بأن خاطها م: (فالتحمت) ش: وبه قال الشافعي في قول وأحمد في رواية، وقال الشافعي في قول وأحمد في رواية: تجب الحكومة ولا تجب الدية م: (لأنها) ش: أي لأن الأذن م: (لا تعود إلى ما كانت عليه) ش: وهذا ظاهر. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن نزع سن رجل فانتزع المنزوعة سنه سن النازع فنبتت سن الأول، فعلى الأول لصاحبه خمسمائة درهم) ش: أي المنزوع منه م: (لأنه تبين أنه استوفى بغير حق) ش: وبه قال الشافعي في قول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول هو هبة مبتدأة، فلا تجب عليه شيء، فهو قياس قول مالك في " جامع " المحبوبي. هذا إذا نبت السن المنزوعة كالأول، فإن نبت معوجا يجب حكومة العدل م: (لأن الموجب فساد المنبت ولم يفسد حيث نبت مكانها أخرى فانعدمت الجناية، ولهذا يستأني حولا) ش: أي يؤجل سنة لاستئناء الانتظار، يقال استيناء نبته، أي انتظرته، ومنه يستأن الجراحات، أي ينظر ما لها، وأصله من أنى يأني م: (بالإجماع) . ش: قال الكاكي: قوله " بالإجماع " يخالفه رواية " التتمة "، فإنه ذكر فيها أن سن البالغ إذا سقط ينتظر حتى يبرأ موضع السن لا الحول، هو الصحيح؛ لأن نبات سن البالغ نادر فلا يقدر التأجيل إلا أن قبل البرء لا يقتص ولا يؤخذ الأرش لأنه لا يدري عاقبته. م: (وكان ينبغي أن ينتظر اليأس في ذلك للقصاص، إلا أن في اعتبار ذلك تضييع الحقوق، الجزء: 13 ¦ الصفحة: 208 فاكتفينا بالحول؛ لأنه تنبت فيه ظاهرا، فإذا مضى الحول ولم تنبت قضينا بالقصاص، وإذا نبتت تبين أنا أخطأنا فيه، والاستيفاء كان بغير حق، إلا أنه لا يجب القصاص للشبهة فيجب المال. قال: ولو ضرب إنسان سن إنسان فتحركت يستأني حولا ليظهر أثر فعله فلو أجله القاضي سنة ثم جاء المضروب وقد سقطت سنه فاختلفا في السنة فيما سقط بضربه فالقول للمضروب ليكون التأجيل مفيدا " وهذا بخلاف ما إذا شجه موضحة فجاء وقد صارت منقلة فاختلفا حيث يكون القول قول الضارب؛ لأن الموضحة لا تورث المنقلة.   [البناية] فاكتفينا بالحول) ش: لأنه مشتمل على الفصول الأربعة التي تشمل علي الطباع الأربعة الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، فلعل فصلا منها وافق طبع المجني عليه فتبرأ جراحته وتلتئم م: (لأنه تنبت فيه ظاهرا، فإذا مضى الحول ولم تنبت قضينا بالقصاص، وإذا نبتت تبين أنا أخطأنا فيه والاستيفاء كان لغير حق، إلا أنه لا يجب القصاص للشبهة) ش: لأن فعله في الظاهر حين استوفى القصاص كان حقا فصار ذلك شبهة في سقوط القصاص م: (فيجب المال) ش: حينئذ، وقول الناطفي في " الأجناس " من " نوادر أبي يوسف " رواية ابن سماعة. قال أبو يوسف: رجل قلع سن رجل فانتظر بها حولا، أي انتظر بسن الصغير وقضى عليه بأرشها، وإلى هذه الرواية قال بعض أصحابنا مثل خواهر زاده وغيره. وقال الناطفي أيضا: قال في " المجرد ": ولو قلع سن رجل ينبغي للقاضي أن يأخذ ضمينا من النازع للمنزوع سنة، ويؤجل سنة منذ يوم نزع سنه، فإذا مضت سنة ولم تنبت اقتص له، وعلى هذه الرواية لم يفرق كثير من مشايخنا بين سن البالغ وسن الصغير، بل قالوا بالاستيناء فيهما جميعا، وإليه ذهب القدوري والسرخسي وغيرهما. [ضرب إنسان سن إنسان فتحركت] م: (قال) ش: أي المصنف: ذكره على سبيل التفريع وهو مسائل الأصل إلى قوله ومن شج رجلا فالتحمت: م: (ولو ضرب إنسان سن إنسان فتحركت يستأني) ش: أي ينتظر م: (حولا ليظهر أثر فعله، فلو أجله القاضي سنة ثم جاء المضروب وقد سقط سنه فاختلفا) ش: أي الضارب والمضروب م: (في السنة فيما سقط بضربه) ش: فقال الضارب سقطت بضربة غيري، وقال المجني عليه بضربك م: (فالقول للمضروب) ش: وبه قال الشافعي في الأصح وأحمد م: (ليكون التأجيل مفيدا) ش: يعني لو لم يقبل قوله كان التأجيل وعدمه سواء، إذا التأجيل لظهور عاقبة الأمر. م: (وهذا) ش: أي وهذا الذي ذكرناه م: (بخلاف ما إذا شجه موضحة فجاء وقد صارت) ش: أي الموضحة م: (منقلة فاختلفا) ش: أي وقال المشجوج صارت منقلة من ضربك، وأنكر الضارب م: (حيث يكون القول قول الضارب؛ لأن الموضحة لا تورث المنقلة) ش: لأن الشجة الجزء: 13 ¦ الصفحة: 209 أما التحريك فيؤثر في السقوط فافترقا، وإن اختلفا في ذلك بعد السنة فالقول للضارب، لأنه ينكر أثر فعله وقد مضى الأجل الذي وقته القاضي لظهور الأثر، فكان القول للمنكر، ولو لم تسقط لا شيء على الضارب. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه تجب حكومة الألم، وسنبين الوجهين بعد هذا إن شاء الله تعالى، ولو لم تسقط ولكنها اسودت يجب الأرش في الخطأ على العاقلة، وفي العمد في ماله ولا يجب القصاص، لأنه لا يمكنه أن يضربه ضربا تسود منه. وكذا إذا كسر بعضه واسود الباقي لا قصاص لما ذكرنا. وكذا لو احمر أو اخضر.   [البناية] الموضحة بعدما وقعت موضحة لا يكون سببا لنقلة العظم عادة، بل يكون ذلك أثر بسب حادث فلا يبقى الظاهر شاهدا للمضروب، فلا يكون القول قوله. م: (أما التحريك فيؤثر في السقوط) ش: أي أما تحريك السن فله تأثير في سقوطه فيكون القول قول المضروب " وبهذا حصل الفرق بين المسألتين، أشار إليه بقوله: م: (فافترقا) ، ش: أي الحكم المذكور في المسألة الأولى والحكم المذكور في المسألة الثانية، وكان القياس أن يكون القول للضارب فيهما، لأنه منكر، ولكن في " الاستحسان " فرق بينهما في الوجه الذي ذكره المصنف. م: (وإن اختلفا في ذلك) ش: أي وإن اختلف الضارب والمضروب في سقوط السن م: (بعد السنة) ش: فقال المضروب: سقطت بضربك " وقال الضارب: بل سقطت بأمر حادث، (فالقول للضارب؛ لأنه ينكر أثر فعله وقد مضى الأجل الذي وقته القاضي لظهور الأثر، فكان القول للمنكر، ولو لم تسقط) ش: يعني إذا تحركت السن، ولو لم تسقط ولم يحصل فيها عيب كالاسوداد ونحوه م: (لا شيء على الضارب، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه تجب حكومة الألم) ش: وفي بعض النسخ: وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مكان أبي يوسف، والأول أصح، لأنه ذكر في " الذخيرة " وغيرها قول أبي يوسف في هذا الموضع م: (وسنبين الوجهين. بعد هذا إن شاء الله تعالى) ش: والوجهان هما قوله: ولا شيء على الضارب، وقوله: حكومة الألم والموعود فيما بعد هذا هو قوله: سقط الأرش عند أبي حنيفة. . . إلى آخره. م: (ولو لم تسقط) ش: أي السن م: (ولكنها اسودت يجب الأرش في الخطأ على العاقلة، وفي العمد في ماله ولا يجب القصاص؛ لأنه لا يمكنه أن يضربه ضربا تسود منه، وكذا إذا كسر بعضه واسود الباقي لا قصاص عليه لما ذكرنا) ش: أراد به قوله لأنه لا يمكنه أن يضربه ضربا يسود منه. م: (وكذا) ش: أي وكذا لا قصاص م: (لو احمر) ش: أي السن م: (أو اخضر) ش: بل يجب الأرش في الخطأ على العاقلة، وفي العمد في ماله، وقالت الأئمة الثلاثة يجب الحكومة الجزء: 13 ¦ الصفحة: 210 ولو اصفر فيه روايتان قال: ومن شج رجلا فالتحمت ولم يبق لها أثر ونبت الشعر سقط الأرش عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لزوال الشين الموجب. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب عليه أرش الألم وهو حكومة عدل؛ لأن الشين إن زال فالألم الحاصل ما زال فيجب تقويمه. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه أجرة الطبيب وثمن الدواء، لأنه إنما لزمه أجرة الطبيب وثمن الدواء بفعله، فصار كأنه أخذ ذلك من ماله، إلا أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إن المنافع على أصلنا لا تتقوم إلا بعقد أو بشبهة ولم يوجد في حق الجاني. فلا يغرم شيئا. قال: ومن ضرب رجلا مائة سوط فجرحه فبرأ منها فعليه أرش الضرب، معناه إذا بقي أثر الضرب.   [البناية] في الاصفرار وفي الاحمرار وفي الاخضرار كذلك عند الشافعي ومالك وأحمد، وفي رواية عن أحمد يكون كالاسوداد، م: (ولو اصفر فيه روايتان) ش: روى أبو يوسف عن أبي حنيفة أن فيه الحكومة. وذكر هاشم عن محمد عن أبي حنيفة قال: لا يجب شيء، وفي المملوك يجب الحكومة، وقال محمد: ففيها إذا اصفرت حكومة حرا كان المضروب أو عبدا، وقال أبو يوسف أيضا: فيها حكومة، وقال أبو يوسف: إن كثرت الصفرة حتى يكون عيبا كعيب الخضرة والحمرة ففيها بمثلها تاما، وقال زفر: إذا اصفرت ففيها أرشها تاما، الكل ذكره الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [شج رجلا فالتحمت ولم يبق لها أثر ونبت الشعر] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن شج رجلا فالتحمت ولم يبق لها أثر ونبت الشعر سقط الأرش عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لزوال الشين الموجب، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب عليه أرش الألم وهو حكومة عدل؛ لأن الشين) ش: أي لأن الشين الموجب م: (إن زال فالألم الحاصل ما زال، فيجب تقويمه) . [ ...... ] م: (وقال محمد عليه أجرة الطبيب لأنه إنما لزمه أجرة الطبيب وثمن الدواء لأنه إنما لزمه أجرة الطبيب وثمن الدواء بفعله، فصار كأنه أخذ ذلك من ماله) ش: أي من مال المجني عليه، لأنه ألجأه إلى هذا م: (إلا أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إن المنافع على أصلنا لا تتقوم إلا بعقد) ش: أي مطلق الشبهة العقد كالإجارة الصحيحة والمضاربة الصحيحة م: (أو بشبهة) ش: أي بشبهة العقد المطلق كالإجارة الفاسدة والمضاربة الفاسدة م: (ولم يوجد في حق الجاني) ش: عقد ولا شبهة م: (فلا يغرم شيئا) ش: كما لو لطمه وألهمه. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن ضرب رجلا مائة سوط فجرحه فبرأ منها فعليه أرش الضرب، معناه إذا بقي أثر الضرب) ش: قال الأترازي: وقع بيانها مكررا في الجزء: 13 ¦ الصفحة: 211 فأما إذا لم يبق أثره فهو على اختلاف قد مضى في الشجة الملتحمة. قال: ومن قطع يد رجل خطأ ثم قتله قبل البرء فعليه الدية وسقط أرش اليد؛ لأن الجناية من جنس واحد، والموجب واحد وهو الدية، وأنها بدل النفس بجميع أجزائها فدخل الطرف في النفس كأنه قتل ابتداء. قال: ومن جرح رجلا جراحة لم يقتص منه حتى يبرأ. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقتص منه في الحال اعتبارا بالقصاص في النفس، وهذا لأن الموجب قد تحقق فلا يعطل. ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يستأنى في الجراحات سنة» ؛   [البناية] " الهداية " لأنه استوفى بيانها في فصل قبل الشهادة في القتل، وأراد بالأرش أرش الضرب وهو حكومة العدل. قال الصدر الشهيد: هذا إذا بقي أثر الضرب م: (فأما إذا لم يبق أثره فهو على اختلاف قد مضى في الشجة الملتحمة) ش: والذي مضى هناك أنه لا يلزمه شيء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويجب أرش الألم عند أبي يوسف وأجرة الطبيب عند محمد، وإنما قيد بقوله " جرحه " لأنه إذا لم يجرحه في الابتداء لا يجب شيء بالاتفاق. [قطع يد رجل خطأ ثم قتله قبل البرء] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن قطع يد رجل خطأ ثم قتله قبل البرء) ش: أي قتله خطأ أيضا، لأنه إذا كان القتل عمدا يؤخذ بالأمرين جميعا، وقيد بما قبل البرء، لأنه بعد البرء يؤخذ بالأمرين جميعا م: (فعليه الدية وسقط أرش اليد؛ لأن الجناية من جنس واحد) ش: لأن الجنايات المتفقة بمنزلة الجناية الواحدة، لأن كل واحد منها خطأ م: (والموجب واحد وهو الدية، وأنها) ش: أي وأن الدية م: (بدل النفس بجميع أجزائها فدخل الطرف في النفس كأنه قتله ابتداء) ش: فلو قتله ابتداء لم يكن الواجب إلا دية لا غير، فكذا هذا، ولا شبهة هنا إذا قطع يده خطأ ثم قتله عمدا، لأنهما جنايتان مختلفتان، واختلاف الجنايتين كاختلاف الجانيين. [جرح رجلا جراحة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن جرح رجلا جراحة لم يقتص) ش: من الجارح حتى يبرأ، وبه قال مالك وأحمد وأكثر أهل العلم، م: (منه حتى يبرأ) ش: وقال ابن المنذر: كل من يحفظ العلم يرى الانتظار م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقتص منه في الحال اعتبارا بالقصاص في النفس) ش: أي قياسا عليه م: (وهذا) ش: أي وجوب القصاص في الحال م (لأن الموجب قد تحقق فلا يعطل) ش: أي بعد التحقق. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «يستأنى في الجراحات سنة» ش: هذا أخرجه الدارقطني في " سننه " يزيد عن ابن عياض عن أبي الزبير عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تقاس الجراحات ثم يستأنى بها سنة، ثم يقضى فيها بقدر ما الجزء: 13 ¦ الصفحة: 212 ولأن الجراحات يعتبر فيها مآلها لا حالها؛ لأن حكمها في الحال غير معلوم، فلعلها تسري إلى النفس فيظهر أنه قتل، وإنما يستقر الأمر بالبرء. قال: وكل عمد سقط القصاص فيه بشبهة فالدية في مال القاتل، وكل أرش وجب بالصلح فهو في مال القاتل لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تعقل العواقل عمدا» الحديث.   [البناية] أبهت» قال الدارقطني: يزيد بن عياض ضعيف متروك، وأخرجه البيهقي عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا، وأعله بابن لهيعة، وقال الأترازي: ولنا ما روى أصحابنا في كتبهم عن جابر، ثم ذكر الحديث الذي ذكره المصنف. قلت: الخصم لا يرضى بهذا وهو يعلم بذلك، لكنه كان لم يقف على من أخرجه. م: (ولأن الجراحات يعتبر فيها مآلها لا حالها) ش: أي لا يعتبر حالها م: (لأن حكمها في الحال غير معلوم، فلعلها تسري إلى النفس، فيظهر أنه قتل، وإنما يستقر الأمر بالبرء) ش: أو بالسراية، فإذا استوفينا القصاص في الحال استوفينا ما ليس يستقر فلا يجوز ذلك. وقوله: إن العلة تحققت فلا نسلم ذلك، لأن الجراحة علة لوجوب القصاص فيما دون النفس بعد البرء أو علة لوجوب القصاص في النفس بعد السراية إلى النفس فلا ينعقد علة لأحد الأمرين قبل أن يظهر الحال أنه قيل لم يقطع، فينبغي أن ينتظر ليعلم الواجب فيه. [دية العمد الذي سقط القصاص فيه شبهة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وكل عمد سقط القصاص فيه بشبهة فالدية في مال القاتل، وكل أرش وجب بالصلح فهو في مال القاتل لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا تعقل العواقل عمدا» ، الحديث) ش: هذا الحديث غريب مرفوع. وأخرجه البيهقي عن الشعبي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «العمد والعبد والصلح والاعتراف لا تفعله العاقلة» . وأخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في آخر كتابه " غريب الحديث " كذلك من قول الشعبي. واختلفوا في تأويل العبد فقال محمد بن الحسن الشيباني: معناه أن يقتل العبد حرا فليس على عاقلة مولاه شيء من جنايته، وإنما هي في رقبته، وقال ابن أبي ليلى: معناه أن يكون العبد مجني عليه فيقتله حر أو جرحه فليس على عاقلة الجاني إنما عنه في ماله خاصة م: (الحديث) ش: أي الحديث بتمامه، وأقر الحديث. . . إلى آخره، وتمامه «لا تفعل العواقل عمدا ولا عبدا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 213 وهذا عمد غير أن الأول يجب في ثلاث سنين؛ لأنه مال وجب بالقتل ابتداء فأشبه شبه العمد، والثاني يجب حالا؛ لأنه مال وجب بالعقد فأشبه الثمن في البيع. قال: وإذا قتل الأب ابنه عمدا فالدية في ماله في ثلاث سنين، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب حالة؛ لأن الأصل: أن ما يجب بالإتلاف يجب حالا، والتأجيل للتخفيف في الخاطئ، وهذا عامد فلا يستحقه، ولأن المال وجب جبرا لحقه. وحقه في نفسه حال فلا ينجبر بالمؤجل. ولنا أنه مال واجب بالقتل، فيكون مؤجلا كدية الخطأ وشبه العمد، وهذا لأن القياس يأبى تقوم الآدمي بالمال لعدم التماثل،   [البناية] ولا صلحا ولا اعترافا» م: (وهذا عمد) ش: أشار به إلى قوله: أو كل عمد سقط فيه القصاص. . . إلى آخره. م: (غير أن الأول) ش: أراد به دية العمد الذي سقط القصاص فيه شبهة م: (يجب في ثلاث سنين، لأنه مال وجب بالقتل ابتداء) ش: يعني لا يفعل يحدث بعد القتل كالصلح م: (فأشبه شبه العمد، والثاني) ش: أي الأرش الواجب بالصلح م: (يجب حالا؛ لأنه مال وجب بالعقد) ش: أي بالصلح فأشبه الثمن في البيع. فإن شرط فيه أجل كان مؤجلا، وإن لم يشترط كان حالا م: (فأشبه الثمن في البيع) ش: فإن شرط فيه أجل كان مؤجلا وإن لم يشترط كان حالا. والحاصل أن كل ذلك في مال العاقل في الوجهين، غير أن في الأول مؤجل في ثلاث سنين وفي الثاني حال في مال العاقل أيضا. [قتل الأب ابنه عمدا فالدية هل تجب حالة أم مؤجلة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا قتل الأب ابنه عمدا فالدية في ماله في ثلاث سنين، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب حالة) ش: وبه قال مالك وأحمد م: (لأن الأصل أن ما يجب بالإتلاف يجب حالا، والتأجيل للتخفيف في الخاطئ، وهذا عامد فلا يستحقه) ش: أي فلا يستحق التخفيف م: (ولأن المال) ش: دليل آخر للشافعي، أي ولأن المال فيما ذكر م: (وجب جبرا لحقه) ش: أي لحق المقتول الجبر إن لم يسمع، بل المسموع الجبر. قال الجوهري: الجبر أن يبني الرجل من نقر أو يصلح عظمها من كسر وقال جبرت العظم جبرا وجبر العظم بنفسه جبورا، أي يجبر م: (وحقه) ش: أي وحق المقتول م: (في نفسه حال فلا ينجبر بالمؤجل) ش: أي فلا ينجبر الحال بالمؤجل لعدم المماثلة. م: (ولنا أنه) ش: أي أن المال الذي وجب بقتل الأب ابنه م: (مال واجب بالقتل) ش: أي بنفسه اختل ابتداء م: (فيكون مؤجلا كدية الخطأ وشبه العمد) ش: حيث يجب مؤجلا م: (وهذا) ش: يشير به إلى بيان هذا بقوله م: (لأن القياس يأبى تقوم الآدمي بالمال لعدم التماثل) ش: أي الجزء: 13 ¦ الصفحة: 214 والتقوم ثبت بالشرع، وقد ورد به مؤجلا لا معجلا، فلا يعدل عنه لا سيما إلى زيادة، ولما لم يجز التغليظ باعتبار العمدية قدرا لا يجوز وصفا. وكل جناية اعترف بها الجاني فهي في ماله ولا يصدق على عاقلته لما روينا. ولأن الإقرار لا يتعدى المقر لقصور ولايته عن غيره فلا يظهر في حق العاقلة. قال: وعمد الصبي والمجنون خطأ وفيه الدية على العاقلة، وكذلك كل جناية موجبها خمسمائة فصاعدا، والمعتوه كالمجنون.   [البناية] الآدمي والمال م: (والتقوم ثبت بالشرع، وقد ورد به مؤجلا لا معجلا، فلا يعدل عنه لا سيما إلى زيادة) ش: حيث سقط القصاص بشبهة الأبوة، وليس في الإسلام دم هدر، والمال إن وجب ابتداء وجب من حيث الوصف في المالية م: (ولما لم يجز التغليظ باعتبار العمدية قدرا) ش: أي من حيث القدر م: (لا يجوز وصفا) ش: أي من حيث الوصف. بيانه: لم يجز العدول في التغليظ بزيادة القدر بأن يزاد على مائة بعير، فكذلك لا يجوز العدول فيه بزيادة الوصف وهو صفة الحلول، لأن وجوب المال بخلاف القياس، فيقتصر على ما ورد الشرع به وهو التأجيل، ثم اعلم أنه لا يجب القصاص على الأب لا يجب أيضا على الأجداد والجدات في قتل الولد وجرحه، ولكن تجب الدية عليهم في مالهم في ثلاث سنين، وفي الخطأ الدية على العاقلة وعلى القاتل الكفارة، كذا ذكره الحاكم الشهيد في " الكافي ". م: (وكل جناية اعترف بها الجاني فهي في ماله) ش: أراد بقوله: " كل جناية " ما يوجب الدية، لأنه إذا اعترف العمد يقتص به إذا لم يكن ثمة ما يمنع القصاص م: (ولا يصدق على عاقلته) ش: لأنه يصدق على نفسه غيره معترف على عاقلته، فإذا لم يصدق عليهم بقيت الدية في ذمته كما كانت، وتكون مؤجلة يؤدي عنه انقضاء كل سنة ثلثها، لأنه مال يؤجل بالحول كالدين يؤجل والزكاة م: (لما روينا) ش: أشار به إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يعقل العاقلة عمدا. . .» الحديث. وفيه: ولا اعترافا. م: (ولأن الإقرار لا يتعدى المقر) ش: لأنه حجة قاصرة م: (لقصور ولايته عن غيره فلا يظهر في حق العاقلة) ش: لعدم ما يجاوزه عنه. [عمد الصبي والمجنون خطأ وفيه الدية على العاقلة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وعمد الصبي والمجنون خطأ وفيه الدية على العاقلة، وكذلك كل جناية موجبها خمسمائة فصاعدا) ش: وهو منصوب على الحال والحال محذوف، تقديره: ولو زاد خمسمائة حال كونه الزائد فصاعدا م: (والمعتوه كالمجنون) ش: أي حكمهما واحد. وفي " المغرب ": المعتوه الناقص العاقل، وقيل: المدهوش من غير جنون، وقرئ عتاهية وعتاهية وعتها. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 215 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عمده عمد حتى تجب الدية في ماله حالة؛ لأنه عمد حقيقة " إذ العمد هو القصد، غير أنه تخلف عنه أحد حكميه وهو القصاص، فينسحب عليه حكمه الآخر وهو الوجوب في ماله " ولهذا تجب الكفارة به ويحرم من الميراث على أصله: لأنهما يتعلقان بالقتل. ولنا ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه جعل عقل المجنون على عاقلته، وقال: عمده وخطؤه سواء، ولأن الصبي مظنة المرحمة والعاقل الخاطئ لما استحق التخفيف حتى وجبت الدية على العاقلة فالصبي وهو أعذر أولى بهذا التخفيف، ولا نسلم تحقق العمدية فإنها تترتب على العلم، والعلم بالعقل، والمجنون عديم العقل، والصبي قاصر العقل، فأنى يتحقق منهما القصد، وصار كالنائم. وحرمان الميراث.   [البناية] م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عمده) ش: أي عمد كل واحد من الصبي والمجنون والمعتوه م: (عمد حتى تجب الدية في ماله حالة؛ لأنه عمد حقيقة، إذ العمد هو القصد) ش: أي لأن العمد في اللغة القصد، فمن تحقق منه الخطأ ويتحقق منه القصد وقصده معتبر شرعا في الجملة، ولهذا يؤدب ويعذر م: (غير أنه تخلف عنه أحد حكميه) ش: أي أحد حكمي القتل وهما القصاص ووجوب المال م: (وهو القصاص، فينسحب عليه حكمه الآخر وهو الوجوب في ماله، ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (تجب الكفارة به) ش: أي بالمال، قيد به لأنه يجب الصوم بالإجماع، ووجوب الكفارة على الصبي والمجنون على أصل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذلك م: (ويحرم من الميراث على أصله) ش: أي على أصل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنهما) ش: أي لأن وجوب الكفارة بالمال والحرمان من الميراث م: (يتعلقان بالقتل) ش: ومذهب مالك وأحمد كمذهبنا، وفي قول للشافعي أيضا كقولنا. م: (ولنا ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه جعل عقل المجنون على عاقلته، وقال: عمده وخطؤه سواء) ش: هذا أخرجه البيهقي، قال: روي أن مجنونا سعى على رجل بسيف وضربه فبلغ ذلك إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فجعل عقله على عاقلته وقال عمده وخطؤه سواء م: (ولأن الصبي مظنة المرحمة والعاقل الخاطئ لما استحق التخفيف حتى وجبت الدية على العاقلة فالصبي وهو أعذر) ش: أي والحال أن الصبي أقوى عذرا م: (أولى بهذا التخفيف ولا نسلم) ش: جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لأنه عمدا حقيقة، أي يمنع م: (تحقق العمدية فإنها) ش: أي فالعمدية م: (تترتب على العلم، والعلم بالعقل، والمجنون عديم العقل، والصبي قاصر العقل، فأنى يتحقق منهما القصد) ش: أي من أين يتحقق من المجنون والصبي القصد م: (وصار كالنائم) ش: الذي يرفع عنه القلم ما دام نائما. م: (وحرمان الميراث) ش: جواب عن قوله: ويحرم الميراث، بيانه: أن حرمان الميراث من الجزء: 13 ¦ الصفحة: 216 عقوبة وهما ليسا من أهل العقوبة والكفارة كاسمها ستارة ولا ذنب تستره لأنهما مرفوعا عنهما القلم   [البناية] مورثهما م: (عقوبة) ش: أي للصبي والمجنون م: (وهما ليسا من أهل العقوبة) ش: فلا يحرمان م: (والكفارة) ش: جواب عن قوله والكفارة به، بيانه: أن الكفارة م: (كاسمها ستارة) ش: لأنها مشتقة من الكفر وهو الستر م: (ولا ذنب تستره) ش: أي ولا ذنب لهما حتى تسترهما الكفارة م: (لأنهما مرفوعا عنهما القلم) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رفع القلم عن ثلاث. .» الحديث. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 217 فصل في الجنين قال: وإذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا ففيه غرة وهي نصف عشر الدية. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معناه دية الرجل، وهذا في الذكر، وفي الأنثى عشر دية المرأة، وكل منهما خمسمائة درهم، والقياس: أن لا يجب شيء لأنه لم يتيقن بحياته، والظاهر لا يصلح حجة للاستحقاق   [البناية] [فصل في الجنين] [تعريف الجنين] م: (فصل في الجنين) ش: أي هذا فصل في أحكام الجنين هو على وزن فعيل بمعنى مفعول مجنون، أي مستور من جنه إذا ستره من باب طلب، والجنين اسم الولد في بطن الأم ما دام فيه، والجمع أجنة، فإذا ولد يسمى ولدا ثم رضيعا، إلى غير ذلك على ما عرف في موضعه، ولما ذكر أحكام القتل المتعلقة بالآدمي من كل وجه شرع في بيانها في الآدمي من وجه دون وجه وهو الجنين. وقال السرخسي: الجنين ما دام في بطن أمه ليست له ذمة صالحة لكونه في حكم جزء من الأم، ولكنه منفرد بالحياة بعد ليكون نفسا له ذمة، فباعتبار هذا الوجه يكون أهلا لوجوب الحق له من عتق أو إرث أو نسب أو وصية ولا اعتبار للوجه الأول يكون أصلا لوجوب الحق عليه، فأما بعدما يولد فله ذمة صالحة، ولهذا لو انقلب على مال إنسان فأتلفه كان ضامنا له ويلزمه مهر امرأته بعقد الولي عليه. [ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا: ففيه غرة وهي نصف عشر الدية) ش: إلى هنا لفظ القدوري. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معناه دية الرجل، وهذا في الذكر) ش: أي في الجنين الذكر م: (وفي الأنثى عشر دية المرأة، وكل منهما خمسمائة درهم) ش: لأن كل واحد من نصف عشر دية الرجل ومن عشر دية المرأة خمسمائة درهم أو بغرة بضم الغين المعجمة وتشديد الراء وهو خيار المال كالفرس والبعير النجيب والعبد والأمة الفارهة، كذا في " المغرب ". وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": سمي بدل الجنين غرة لأن الواجب عبد والعبد يسمى غرة. وقيل: لأنه أول مقدار ظهر في باب الدية، وغرة الشيء أوله كما سمي أول الشهر غرة، وسمي وجه الإنسان غرة؛ لأن أول شيء يظهر منه الوجه. م: (والقياس أن لا يجب شيء) ش: أي في الجنين م: (لأنه لم يتيقن بحياته) ش: لأنه يحتمل أنه مات في بطن أمه بفعله، ويحتمل أنه كان ميتا قبل ذلك فلا يجب الضمان بالشك، ولهذا لا يجب شيء في أجنة البهائم، ألا ترى أنه من ضرب شاة فزلقت جنينا ميتا كان عليه نقصانها ولا شيء عليه في الجنين م: (والظاهر لا يصلح حجة للاستحقاق) ش: هذا جواب عما يقال: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 218 وجه الاستحسان: ما روي أن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «في الجنين غرة عبد أو أمة قيمته خمسمائة» ويروى " أو خمسمائة " فتركنا القياس بالأثر، وهو حجة على من قدرهما بستمائة نحو مالك والشافعي وهي على العاقلة عندنا إذا كانت   [البناية] الظاهر أنه حي أو معد للحياة، فأجاب بقوله: والظاهر لا يصلح أن يكون حجة لاستحقاق شيء كما في جنين البهيمة كما ذكره، يعني لا يصلح حجة للإلزام على الغير، وإنما قيد به لأن الظاهر يعتبر إذا لم يكن فيه إلزام الغير كما في رضيع أحد أبويه مسلم أعتقه عن كفارة القتل، فأجاب: لأن الظاهر به سلامة الأعضاء من ذلك في أول كتاب الديات، وبالقياس قال زفر، ذكره في " الذخيرة ". م: (وجه الاستحسان ما روي أن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «في الجنين غرة عبد أو أمة قيمته خمسمائة» ،) ش: هذا غريب م: (ويروى أو خمسمائة) ش: هذا رواه الطبراني في معجمه، من حديث أبي المليح عن أبيه مطولا وفيه: «غرة عبد أو أمة أو خمسمائة» . والحديث في " الصحيحين " عن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرة عبد أو أمة وليس فيه ذكر الخمسمائة» . وروى محمد بن الحسن في " موطئه " عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة، فقال الذي قضى عليه: كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا استهل ومثل ذلك، بطل؟ ! فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما هذا من إخوان الكهان» ، قوله: غرة عبد أو أمة بالرفع، لأنه صفة الغرة وتغيرها، ويروى بالإضافة، والأول أحسن م: (فتركنا القياس بالأثر) ش: أي بالحديث من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبالأثر من غيره. وروى ابن أبي شيبة في (مصنفه) حدثنا إسماعيل بن عياش عن زيد بن أسلم: أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قوم الغرة خمسمائة دينار. وأخرج أبو داود في " سننه - عن إبراهيم النخعي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: الغرة خمسمائة، يعني درهما. م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (حجة على من قدرهما) ش: عشر الدية لا اختلاف فيه بيننا وبينهم في ذلك بحسب الاختلاف في الدية، فعندهم أن الدية اثنا عشر ألفا، فالغرة م: (بستمائة نحو مالك والشافعي) ش: عندنا عشرة آلاف بغرة خمسمائة. م: (وهي) ش: أي الغرة م: (على العاقلة) ش: أي على عاقلة الضارب م: (عندنا إذا كانت الجزء: 13 ¦ الصفحة: 219 خمسمائة درهم. وقال مالك تجب في ماله لأنه بدل الجزء. ولنا: «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: قضى بالغرة على العاقلة» ، ولأنه بدل النفس، ولهذا سماه، - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دية، حيث قال: " دوه " وقالوا: «أندي من لا صاح ولا استهل» . الحديث.   [البناية] خمسمائة درهم) ش: يحترز به عن جنين الأمة إذا كان لا يبلغ خمسمائة، ولكن هذا لا يصلح لأنها تجب في جنين الأمة في مال الضارب، ذكره في " الإيضاح " و " الذخيرة " وغيرهما. وقال الأترازي: وقوله إذا كان خمسمائة كأنه سهو القلم، وينبغي أن يكون إذ بسكون الذال بلا ألف بعدها، يعني أنها إنما تجب على العاقلة، لأنها مقدرة بخمسمائة، والعاقلة تعقل بخمسمائة ولا تعقل ما دونها، ثم قال: ويكلف بعضهم في توجيه ذلك، وقال: إنه احتراز عن جنين الأمة إذا لم يبلغ خمسمائة فذاك ليس بشيء، لأن ما يجب في جنين الأمة فهو في مال الضارب حالا ولا تتحمله العاقلة، وبه صرح الكرخي في " مختصره " وقال الكرخي أيضا: ولا كفارة على الضارب والغرة ورثة الجنين ولا يرث الضارب منها شيئا إن كان من ورثة الجنين، ونقل الأكمل كلام الاثنين في " شرحه " م: (وقال مالك تجب) ش: أي الغرة م: (في ماله لأنه بدل الجزء) ش: أي الجزء الآدمي، فصار كقطع أصبع من أصابعه. م: (ولنا أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قضى بالغرة على العاقلة» ش: أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حكم بوجوب الغرة على عاقلة الضارب» ، رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " من حديث الشعبي عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل الجنين غرة على عاقلة القاتل» ، م: (ولأنه بدل النفس) ش: أي، ولأن الغرة بدل النفس، وذكر الضمير باعتبار المذكور م: (ولهذا) ش: أي ولكونه بدل النفس م: (سماه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، دية حيث قال: " دوه ") ش: أي أدوا ديته، وهو أمر للجماعة، وأصله أرديوه، لأنه من راده يدية إذا أدى ديته، وأصل بديه يوديه، فحذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة كما حذف في يعد، أصله يوعد حذفت منه الواو، ولذلك حذفت من الأمر تبعا لفعله، فلما حذفت استغنت عن الهمزة، فحذفت منها فصار دون على وزن غرة. م: «وقالوا: أندي» ش: أي قال الذي أمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالدية أندي م: «من لا صاح ولا استهل. . .» الحديث) ش: أي أقر الحديث بتمامه، وتمامه ما رواه الطبراني في " معجمه ": حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا محمد بن أبي عبد الله بن ليلى حدثني ابن أبي ليلى عن الحكم عن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 220 إلا أن العواقل لا تعقل ما دون خمسمائة وتجب في سنة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في ثلاث سنين لأنه بدل النفس، ولهذا يكون موروثا بين ورثته. ولنا ما روي عن محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: بلغنا أن رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جعل على العاقلة في سنة. ولأنه إن كان بدل النفس من حيث إنه نفس.   [البناية] مجاهد عن «حمل بن مالك بن النابغة الهذلي: أنه كانت عنده امرأة فتزوج عليها أخرى فتغايرتا، فضربت إحداهما الأخرى بعمود فسطاط فطرحت ولدا ميتا، فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " دوه "، فجاء وليها فقال: أندي من لا شرب ولا أكل ولا استهل، فمثل ذلك بطل، فقال: " رجز الأعراب؛ نعم دوه، فيه غرة عبد أو أمة أو وليدة» ، انتهى. وحمل بفتح الحاء المهملة وبفتح الميم واللام اسم إحدى المرأتين: مليكة، والأخرى: أم غطيف، وقال أبو موسى المدني الحافظ في كتاب " الأمالي " في باب الغين المعجمة: أم غطيف الهذلية هي التي ضربتها أم مليكة فأسقطت. م: (إلا أن العواقل لا تعقل ما دون خمسمائة) ش: قال الأترازي: هذا يتعلق بقوله: " وهي على العاقلة عندنا إذا كانت خمسمائة "، وكأنه يقول إذا كانت الغرة أقل من خمسمائة درهم لا تعقل العاقلة كما في جنين الأمة، وقال الأكمل: قوله: " إلا أن العواقل " جواب عما يقال الحديث يدل على أن الدية على العاقلة قليلة كانت أو كثيرة، وأنتم قيدتم بقولكم: "إذا كان خمسمائة درهم "، وقد علمتم ما يرد عليه من النظر، انتهى. قلت: أراد به ما نقلناه عن الكاكي وعن الأترازي: أنها م: (وتجب في سنة) ش: أي تجب الغرة على العاقلة في سنته. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في ثلاث سنين) ش: أي تجب في ثلاث سنين. فإن قلت: ذكر في " وجيزهم ": أن غرة الجنين تجب في سنته كمذهبنا. وأجيب بأنه يحتمل أن يكون عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان فليتأمل م: (لأنه) ش: أي لأن الغرة م: (بدل النفس) ش: أي نفس الجنين، وما وجب في قتل النفس مؤجل إلى ثلاث سنين م: (ولهذا) ش: أي ولكونها بدل النفس م: (يكون موروثا بين ورثته) ش: أي ورثة الجنين سوى الضارب. م: (ولنا ما روى عن محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال بلغنا أن رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جعل على العاقلة في سنة» ش: هذا غريب م: (ولأنه إن كان بدل النفس من حيث إنه نفس الجزء: 13 ¦ الصفحة: 221 على حدة فهو بدل العضو من حيث الاتصال بالأم، فعملنا بالشبه الأول في حق التوريث، وبالثاني في حق التأجيل إلى سنة؛ لأنه بدل العضو إذا كان ثلث الدية أو أقل أو أكثر من نصف العشر يجب في سنة، بخلاف أجزاء الدية؛ لأن كل جزء منها على من وجب يجب في ثلاث سنين. ويستوي فيه الذكر والأنثى لإطلاق ما روينا، ولأن في الحيين إنما ظهر التفاوت لتفاوت معاني الآدمية، ولا تفاوت في الجنينين فيقدر بمقدار واحد وهو خمسمائة   [البناية] على حدة فهو بدل العضو من حيث الاتصال بالأم) ش: حاصل الكلام: أن الجنين له شبهان بالنفس وبالعضو من حيث إنه حي بحياة ونفسه نفس على حدة، ومن حيث إنه متصل بالأم فهو كعضو من أعضائها م: (فعملنا بالشبه الأول في حق التوريث، وبالثاني) ش: أي وعملنا بالشبه الثاني م: (في حق التأجيل إلى سنة؛ لأنه بدل العضو إذا كان ثلث الدية أو أقل أو أكثر من نصف العشر يجب في سنة) ش: أي تجب الغرة في سنة واحدة، وقوله: بدون الواو العاطفة في أوله هو الصحيح من النسخ، وفي بعضها أو أكثر وكلاهما غير صحيح، لأن المراد أن يكون الأقل من ثلث الدية أكثر من نصف العشر، وإنما يكون إذا كان أكثر صفة لأقل أو بدلا منه. وقال الأكمل: وهل العطف بالواو يقيد ذلك أيضا؟ ولكن لم يبين وجهه. وقال الأترازي: ولنا التقييد بالأكثر فيه نظر، لأنه إذا لم يكن أكثر من نصف عشر الدية بل كانت قدر نصف عشر الدية تجب في سنة، وكان ينبغي أن يقول: إذا كان بدل العضو نصف عشر الدية، أي ثلثها تجب في سنة. م: (بخلاف أجزاء الدية؛ لأن كل جزء منها على من وجب يجب في ثلاث سنين) ش: صورته: أن يشترك عشرون رجلا في قتل رجل خطأ، فإنه يجب على كل واحد منهم نصف عشر الدية في ثلاث سنين م: (ويستوي فيه) ش: أي في وجوب قدر الغرة م: (الذكر والأنثى) ش: ولا يفضل الذكر على الأنثى في إيجاب الغرة م: (لإطلاق ما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «في الجنين غرة عبد أو أمة» ، وبه قال الشافعي وأحمد وعامة أهل العلم. م: (ولأن في الحيين) ش: هذا دليل معقول على التساوي بين الذكر والأنثى في الغرة، وقوله: " الحيين " بالحاء المهملة تثنية حي وإرادتهما للذكرين المنفصلين الحيين أو أحدهما ذكر والأخرى أنثى م: (إنما ظهر التفاوت لتفاوت معاني الآدمية) ش: بأن كان دية الذكر ألف دينار، ودية الأنثى خمسمائة دينار م: (ولا تفاوت في الجنينين) ش: تثنية جنين بالجيم ومالكية التصرفات والشهادة وغيرها في الذكر ولا وجود هذا في الجنين حتى يتصور فيه معنى التفضيل، فينبغي وصف الآدمية فحسب، فإذا كان كذلك م: (فيقدر بمقدار واحد وهو خمسمائة) ش: لأنهما سواء في وصف الآدمية فقط به. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 222 فإن ألقت حيا ثم مات ففيه دية كاملة؛ لأنه أتلف حيا بالضرب السابق وإن ألقته ميتا ثم ماتت الأم فعليه دية بقتل الأم وغرة بإلقائها وقد صح: «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قضى في هذا بالدية والغرة» . وإن ماتت الأم من الضربة ثم خرج الجنين بعد ذلك حيا ثم مات فعليه دية في الأم ودية في الجنين؛ لأنه قاتل شخصين. وإن ماتت ثم ألقت ميتا فعليه دية في الأم ولا شيء في الجنين. وقال الشافعي: تجب الغرة في الجنين؛ لأن الظاهر موته بالضرب فصار كما إذا ألقته ميتا وهي   [البناية] [ماتت الأم من الضربة ثم خرج الجنين بعد ذلك حيا ثم مات] قال أي القدوري: م: (فإن ألقت حيا ثم مات ففيه دية كاملة لأنه) ش: أي لأن الضارب م: (أتلف حيا بالضرب السابق) ش: ولا خلاف لأهل العلم فيه، قاله ابن المنذر، ولكنهم اختلفوا في هذه المسألة في ثلاثة فصول، أحدها: أنه أثبتت جناية بكل أمارة تدل عليها من الاستهلال والإرضاع أو النفس أو العطاس أو غيره، وهو قولنا وقول الشافعي واحد. وقال مالك وأحمد في رواية والزهري وقتادة وإسحاق: ولا يثبت له حكم الحياة إلا بالاستهلال وهو الصياح وهو قول ابن عباس والحسن بن علي وجابر وعمر في رواية عنه للشافعي. وقال أحمد والمزني: لو كان سقوطه لستة أشهر فصاعدا تجب الدية الثالثة، قال أحمد إنما تجب دية إذا علم موته بسبب الضربة لسقوطه في الحال وبقائه سالما إلى أن يموت أو بقاء أمه متألمة إلى أن تسقطه. م: (وإن ألقته ميتا ثم ماتت الأم فعليه دية بقتل الأم وغرة بإلقائها) ش: هذا أيضا من القدوري م: (وقد صح أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قضى في هذا بالدية والغرة) ش: لم يذكر أحد من الشراح هذا الحديث، حتى قال المخرج: نظرت في الكتب الستة فلم أجد بهذا المعنى، والذي فيها: عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرة عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت، فقضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ميراثها لها ولزوجها، وأن العقل على عصمتها» . م: (وإن ماتت الأم من الضربة ثم خرج الجنين بعد ذلك حيا ثم مات فعليه دية في الأم ودية في الجنين) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري م: (لأنه قاتل شخصين) ش: وذلك لأنه لما انفصل عنها حيا اعتبر حكمه بنفسه بدلالة أنه يجب فيه أرش كامل فصار قاتلا للاثنين، م: (وإن ماتت ثم ألقت ميتا فعليه دية في الأم ولا شيء في الجنين) ش: هذا لفظ القدوري، وبه قال مالك. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب الغرة في الجنين) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (لأن الظاهر موته) ش: أي موت الجنين م: (بالضرب فصار كما إذا ألقته) ش: حال كونه م: (ميتا وهي الجزء: 13 ¦ الصفحة: 223 حية. ولنا أن موت الأم أحد سببي موته؛ لأنه يختنق بموتها، إذ تنفسه بتنفسها فلا يجب الضمان بالشك. قال: وما يجب في الجنين موروث عنه لأنه بدل نفسه فيرثه ورثته ولا يرثه الضارب، حتى لو ضرب بطن امرأته فألقت ابنه ميتا فعلى عاقلة الأب غرة ولا يرث منها لأنه قاتل بغير حق مباشرة ولا ميراث للقاتل. قال: وفي جنين الأمة إذا كان ذكرا نصف عشر قيمته لو كان حيا وعشر قيمته لو كان أنثى. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيه عشر قيمة الأم؛ لأنه جزء من وجه، وضمان الأجزاء يؤخذ مقدارها من الأصل.   [البناية] حية) ش: أي والحال أن الأم بالحياة. م: (ولنا أن موت الأم أحد سببي موته) ش: أي موت الجنين، والسبب الآخر الضرب م: (لأنه يختنق بموتها، إذ تنفسه بتنفسها) ش: فيتمكن الاشتباه م: (فلا يجب الضمان بالشك) ش: في سبب هلاكه حين الانفصال، وقال تاج الشريعة: فإن قلت: عموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «غرة عبد أو أمة» يتناول المتنازع فيه. قلت: لا بد من إضماره كأنه قال في إتلاف الجنين والشك وقع في ذلك. [غرة الجنين بين ورثته] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وما يجب في الجنين موروث عنه) ش: يعني غرة الجنين بين ورثته. وقال الليث: غرة الجنين لأم الجنين م: (لأنه بدل نفسه فيرثه ورثته ولا يرثه الضارب، حتى لو ضرب بطن امرأته فألقت ابنه ميتا فعلى عاقلة الأب غرة ولا يرث منها) ش: أي ولا يرث الأب من الغرة م: (لأنه قاتل بغير حق مباشرة) ش: أي من حيث المباشرة لا من حيث التسبب م: (ولا ميراث للقاتل) ش: بالنص. [دية جنين الأمة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي جنين الأمة إذا كان ذكرا نصف عشر قيمته لو كان حيا وعشر قيمته لو كان أنثى) ش: بيانه: أنه يقوم الجنين بعد انفصاله ميتا على لونه وهيئته لو كان حيا ينظر كم قيمته بهذا المكان، فإذا ظهر فيعد هذا إذا كان ذكرا أوجب نصف عشر قيمته. وإن كان أنثى وجب عشر قيمته، ولو لم يعلم ذكورة الجنين ولا أنوثته يؤخذ بالمتيقن كالخنثى المشكل كمن قتل عمدا خطأ والمقتول خنثى مشكل فإنه يجب المتيقن، كذا هاهنا. ولو ضاع الجنين ولا يمكننا تقويمه باعتبار لونه وهيئته لو كان حيا ووقع التنازع في قيمته كان القول للضارب؛ لأنه منكر للزيادة كما لو قتل عبدا خطأ ووقع في قيمته التنازع وعجز القاضي عن تقويمه باعتبار حاله وهيئته لو كان حيا كان القول للقاتل مع اليمين، كذا هنا، الكل من " الذخيرة ". م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيه عشر قيمة الأم لأنه جزء من وجه، وضمان الأجزاء يؤخذ مقدارها من الأصل) ش: لأنه جنين مات بالجناية في بطن الأم فلم يختلف ضمانه بالذكورة الجزء: 13 ¦ الصفحة: 224 ولنا أنه بدل نفسه؛ لأن ضمان الطرف لا يجب إلا عند ظهور النقصان ولا معتبر به في ضمان الجنين، فكان بدل نفسه فيقدر بها. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب ضمان النقصان لو انتقصت الأم اعتبارا بجنين البهائم، وهذا لأن الضمان في قتل الرقيق ضمان مال عنده على ما نذكره - إن شاء الله تعالى - فصح الاعتبار على أصله. قال: فإن ضربت   [البناية] والأنوثة كجنين الحرة لإطلاق النصوص، وبه قال مالك وأحمد وابن المنذر، وهو قول الحسن والنخعي والزهري وقتادة وإسحاق. وعن بعض أصحاب الشافعي: يعتبر قيمته يوم أسقطت. م: (ولنا أنه بدل نفسه) ش: أي أن الغرة بدل نفس الجنين، ويذكر الضمير على معنى وجوب الغرة م: (لأن ضمان الطرف لا يجب إلا عند ظهور النقصان) ش: حتى لو قطع سنا ثم نبت مكانه أخرى لم يجب شيء م: (ولا معتبر به) ش: أي بظهور النقصان في الأم م: (في ضمان الجنين، فكان) ش: أي ضمان الجنين م: (بدل نفسه فيقدر بها) ش: أي بقيمة نفس الجنين ولا بقيمة الأم، لأن وجوبه باعتبار معنى النفسية الخبرية. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب ضمان النقصان) ش: أي ضمان نقصان الأم م: (لو انتقصت الأم اعتبارا بجنين البهائم) ش: أي قياسا على جنين البهائم، فإن النقصان يجب فيها بلا خلاف لأحد، هذا غير ظاهر الرواية عن أبي يوسف، قال في " المبسوط ": ثم وجوب البدن في وجوب الأمة قول أبي حنيفة ومحمد، وهو ظاهر من قول أبي يوسف. وعن أبي يوسف في رواية أنه لا يجب القصاص في الأم إن تمكن فيها نقص، وإن لم يتمكن لا يجب شيء كما في البهيمة. م: (وهذا) ش: أي هذا الخلاف م: (لأن الضمان في قتل الرقيق ضمان مال عنده) ش: أي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما ضمان الجنايات م: (على ما نذكره إن شاء الله تعالى) ش: أشار به إلى ما ذكره في باب: جنايات المملوك في أول الفصل الذي بعده في مسألة قتل العبد خطر بقوله لها إن الضمان بدل المالية. وقال الكاكي: وهذا بناء على اختلافهم في ضمان الجناية على المماليك، فعند أبي يوسف هو بمنزلة ضمان المال حتى يجب بالغا ما بلغ، وعندهما بدل النفس. ولهذا لا يزاد على مقدار المالية، كذا في المبسوط م: (فصح الاعتبار على أصله) ش: أي صح اعتبار البهائم على أصل أبي يوسف. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (فإن ضربت) ش: أي فإن ضرب بطن أمة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 225 فأعتق المولى ما في بطنها ثم ألقته حيا ثم مات ففيه قيمته حيا، ولا تجب الدية وإن مات بعد العتق؛ لأنه قتله بالضرب السابق، وقد كان في حالة الرق، فلهذا تجب القيمة دون الدية وتجب قيمته حيا، لأنه بالضرب صار قاتلا إياه وهو حي، فنظرنا إلى حالتي السبب والتلف. وقيل: هذا عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تحب قيمته ما بين كونه مضروبا إلى كونه غير مضروب، لأن الإعتاق قاطع للسراية على ما يأتيك بعد إن شاء الله تعالى. قال: ولا كفارة في الجنين وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب لأنه نفس من وجه فتجب الكفارة احتياطا. ولنا أن الكفارة فيها معنى العقوبة وقد عرفت في النفوس المطلقة فلا تتعداها.   [البناية] وفي بعض النسخ: فإن ضربت بصيغة المجهول، أي الأمة. وكذا في نسخة شيخنا العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فأعتق المولى ما في بطنها ثم ألقته حيا ثم مات ففيه قيمته حيا، ولا تجب الدية وإن مات بعد العتق لأنه قتله بالضرب السابق، وقد كان في حالة الرق، فلهذا تجب القيمة دون الدية وتجب قيمته حيا، لأنه بالضرب صار قاتلا إياه وهو حي، فنظرنا إلى حالتي السبب والتلف) ش: يعني أوجبنا القيمة دون الدية اعتبارا لحالة الضرب، وأوجبنا قيمته حيا لا مشكوكا في حياته اعتبارا بحالة التلف، ولا يقال: إن هذا اعتبار بحالة الضرب فحسب، لأن الواجب في تلك الحال قيمته حيا أيضا، لأن نقول جاز أن يكون حيا فلا يجب قيمته حيا هناك، بل تجب الغرة. م: (وقيل: هذا عندهما) ش: يعني قول محمد في " الجامع الصغير ": ضمنه قيمته حيا عند أبي حنيفة وأبي يوسف م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب قيمته ما بين كونه مضروبا إلى كونه غير مضروب) ش: أي تجب تفاوت ما بينهما، حتى لو كانت قيمته غير مضروب ألف درهم وقيمته مضروبا ثمانمائة تجب على الضارب مائتا درهم م: (لأن الإعتاق قاطع للسراية على ما يأتيك بعد إن شاء الله تعالى) ش: أي في باب جناية المملوك في مسألة من قطع يد عبد فأعتقه المولى ثم مات من ذلك. [كفارة قتل الجنين] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا كفارة في الجنين) ش: قال الكرخي في " مختصره ": ولا كفارة على الضارب وإن سقط كامل الخلق ميتا لا كفارة فيه، إلا إن شاء ذلك، فإن فعل ذلك فهو فصل وليس ذلك عليه عندنا بواجب وليتقرب إلى الله تعالى بما استطاع من خير وليستغفر الله تعالى مما صنع. م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب) ش: الكفارة، وبه قال مالك وأحمد وأكثر أهل العلم م: (لأنه نفس من وجه فتجب الكفارة احتياطا. ولنا أن الكفارة فيها معنى العقوبة وقد عرفت في النفوس المطلقة) ش: أي الكاملة، والشرع قدر بإيجابها فيها م: (فلا تتعداها) ش: أي فلا يتعدى وجوبها النفوس المطلقة، ولأن الجنين جزء من وجه، بدليل أنه يعتق بعتق الأم يتغذى الجزء: 13 ¦ الصفحة: 226 ولهذا لم يجب كل البدل، قالوا: إلا أن يشاء ذلك لأنه ارتكب محظورا، فإذا تقرب إلى الله تعالى كان أفضل له ويستغفر مما صنع. والجنين الذي قد استبان بعض خلقه بمنزلة الجنين التام في جميع هذه الأحكام لإطلاق ما روينا. ولأنه ولد حق أمومية الولد وانقضاء العدة والنفاس وغير ذلك. فكذا في حق هذا الحكم. ولأن بهذا القدر يتميز عن العلقة والدم، فكان نفسا، والله أعلم.   [البناية] بغذائها، ويتنفس بنفسها، ولا يكمل أرشه كسائر الأعضاء، حيث لا يجب فيه دية كاملة، أشار إليه بقوله: م: (ولهذا لم يجب كل البدل قالوا) ش: أي المشايخ م: (إلا أن يشاء ذلك) ش: أي الضارب إذا شاء إعطاء الكفارة م: (لأنه ش: أي لأن الضارب م: (ارتكب محظورا، فإذا تقرب إلى الله تعالى كان أفضل له ويستغفر مما صنع) ش: وقد ذكرنا هذا عن الكرخي عن قريب. م: (والجنين الذي قد استبان بعض خلقه) ش: قيد به لأنه لو لم يستبن شيء من خلقه لا يكون بمنزلة الولد وهو إن كان علقة فلا حكم لها في حق هذه الأحكام ولا يعلم فيه خلاف. أما لو ألقت مضغة ولم يبن فيه شيء من خلقه فشهدت ثقاة من القوابل أنه مبتدأ خلق آدمي، ولو بقي التصور فلا غرة فيه، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح وأحمد في رواية لأنه كالعلقة، والنطفة، وعندنا فيه حكومة، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وأحمد في رواية: فيه الغرة، وبه قال مالك م: (بمنزلة الجنين التام في جميع هذه الأحكام) ش: نحو انقضاء العمد، وكون المرأة نفساء، وكون الأمة أم ولد إذا ادعاه المولى وانقطاع الرجعة وعدم جواز الوطء في نفاسها م: (لإطلاق ما روينا) ش: وهو: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في الغرة في الجنين ولم يفصل» حيث قال: «وفي الجنين غرة» . م: (ولأنه) ش: أي ولأن الجنين م: (ولد في حق أمومية الولد وانقضاء العدة والنفاس وغير ذلك) ش: مما ذكرنا الآن م: (فكذا في حق هذا الحكم) ش: أي في وجوب العدة. م: (ولأن بهذا القدر) ش: أي باستبانة بعض خلقه م: (يتميز عن العلقة والدم، فكان نفسا والله أعلم) ش: لأنه ليس بعد العلقة إلا أن يكون نفسا. وفي " الفتاوى الصغرى ": المرأة إذا ضربت بطن نفسها متعمدة أو شربت دواء يسقط ولدها فسقط يضمن عاقلتها الغرة، ونقله عن " الزيادات " وفي " الواقعات ": على عاقلتها الدية في ثلاث سنين، أما إن كانت لها عاقلة وإن لم تكن فذاك من مالها ولا ترث منها شيئا وعليها الكفارة. ولو ألقت جنينا ميتا تجب الغرة على العاقلة في سنة واحدة. ولو كان الشرب لإصلاح البدن فلا شيء عليها فلا ترث منه شيئا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 227 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وفي " الذخيرة ": شربت أو حملت حملا ثقيلا أو وضعت في قبلها شيئا حتى ألقت جنينا فعلى عاقلتها الغرة خمسمائة في سنة، أو قبلت متعمدة بغير إذن الزوج، وإن قبلت بإذنه فلا ضمان، وعند الأئمة الثلاثة، وأكثر أهل العلم تجب الغرة على عاقلتها بالإذن وبغير الإذن، ويجب الكفارة أيضا كما في غيره. وفي " الذخيرة ": اشترى جارية فحبلت منه ثم ضربت بطن نفسها أو شربت دواء أو عالجت قبلها متعمدة فسقط الجنين ميتا ثم استحقت وقضى المستحق بالجارية وعقرها على المشتري. ويقال للمستحق لقد قتلت ولدها وإنه ولد هذا المشتري لأنه ولد المغرور جريا بالقيمة فالجنين مضمون بالغرة فادفع أمتك أو ردها الغرة الجنين الحر، ولا يعلم فيه خلاف. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 228 باب ما يحدثه الرجل في الطريق قال: ومن أخرج إلى الطريق الأعظم كنيفا أو ميزابا أو جرصنا أو بنى دكانا فلرجل من عرض الناس أن ينزعه؛ لأن كل واحد صاحب حق بالمرور بنفسه وبدوابه، فكان له حق النقض   [البناية] [باب ما يحدثه الرجل في الطريق] [أخرج إلى الطريق الأعظم كنيفا أوميزابا] م: (باب ما يحدثه الرجل في الطريق) ش: أي هذا باب في بيان حكم ما يحدثه الرجل في طريق الناس من أنواع الأشياء التي ذكرها المصنف. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن أخرج إلى الطريق الأعظم كنيفا) ش: وهو المستراح وهو بيت الماء م: (أو ميزابا) ش: ذكره الجوهري في مادة وزب، وقال الميزاب: الثعب فارسي معرب، وقد عرب بالهمز وربما لم يهمز، والجمع المآزيب إذا همزت، وميازيب إذا لم تهمز. وذكر أيضا في باب أزب وقال: الميزاب، وربما لم يهمز. وقال في مادة رزب بالراء ثم الزاي: المرزاب لغة في الميزاب، وليست بالفصيحة. وقال: الثعب بالفتح واحد مثاعب الحياض، والمثعب بالميم مسيل الماء في الوادي، وجمعه ثعبان. م: (أو جرصنا) ش: بضم الجيم وسكون الراء وضم الصاد وبالنون الخفيفة. وفي " المغرب " الجرصن دخيل، أي ليس بعربي أصلي وهو الجذع يخرجه الإنسان من الحائط إلى الطريق ليبني عليه، وفسره الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالبرج الذي يكون في الحائط. وقال فخر الإسلام اختلف فيه فقال بعضهم: هو البرج. وقال بعضهم: هو مجرى ماء مركب في الحائط فكيف ما كان فهو بعد حق المسلمين، وهو فارسي معرب، إذ ليس في العربية كلام على هذا التركيب، أعني الجيم والراء والصاد، بل مهمل في كلامهم. م: (أو بنى دكانا) ش: قال الجوهري: الدكان واحد الدكاكين وهي الحوانيت فارسي معرب م: (فلرجل من عرض الناس) ش: العرض بالضم الجانب وفلان من عرض العشيرة أي من شقها لا من صميمها. وقيل: المراد من العرض هنا أبعد الناس منزلة، أي أضعفهم وأرذلهم م: (أن ينزعه؛ لأن كل واحد صاحب حق بالمرور بنفسه وبدوابه، فكان له) ش: أي لعرض الناس م: (حق النقض) ش: سواء كان فيه ضررا أو لا، إذا وضع بغير إذن الإمام، لأن اليد فيما يكون للعامة للإمام، وله ولاية المنع قبل الوضع أيضا. وقال أبو يوسف: لكل أحد المنع قبل الوضع. وقال محمد: ليس له أن يمنع ابتداء ولا أن يخاصم بالدفع بعد الوضع إذا لم يكن فيه ضرر، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد والنخعي والأوزاعي وإسحاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفيما يضر لا يجوز بلا خلاف أذن الإمام أو لم يأذن. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 229 كما في الملك المشترك، فإن لكل واحد حق النقض لو أحدث غيرهم فيه شيئا، فكذا في الحق المشترك. قال: ويسع للذي عمله أن ينتفع به ما لم يضر بالمسلمين؛ لأن له حق المرور ولا ضرر فيه فيلحق ما في معناه به، إذ المانع متعنت. فإذا أضر بالمسلمين كره له ذلك لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» .   [البناية] واختلف فيما لا يضر قيل: إن كان شارعا يمر فيه الجيوش والأحمال فيكون بحيث إذا سار فيه الفارس ورمحه منصوب لا يبلغه. وقال الأكثرون: لا يقدر بذلك، بل يكون لا يضر بالعمارات والمحامل. وفي " المبسوط ": لا يقضي عليه بالهدم بخصومة العبيد والصبيان والمهجورين وينقض لمخاصمته الذمي فإن له حقا في الطريق، فإن بنى مشعبا للعامة لا يضر المسلمين لا ينقض، كذا روي عن محمد. وكذا لو قعد بالبيع والشراء لا يضر بالمسلمين لا يمنع، وإن كان يضر يمنع. وأما الضمان فالذي أخرجه ضامن لما تلف به، لكن المتلف إن كان آدميا فالضمان على عاقلته. م: (كما في الملك المشترك، فإن لكل واحد حق النقض لو أحدث غيرهم فيه شيئا، فكذا في الحق المشترك) ش: لكل واحد منعه م: (قال: ويسع للذي عمله أن ينتفع به ما لم يضر بالمسلمين، لأن له حق المرور ولا ضرر فيه فيلحق) ش: أي بالمرور م: (ما في معناه به) ش: أي فيلحق ما في معنى المرور، قال الأترازي: يعني يجوز له الانتفاع بالجرصن ونحوه ما لم يضر بغيره كالمرور م: (إذ المانع متعنت) ش: أي المانع من الانتفاع بما لا ضرر فيه لأحد متعنت وهو الذي يخاصم فيما لا ضرر فيه لنفسه أو لغيره. م: (فإذا أضر بالمسلمين كره له ذلك لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - منهم جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وروى حديثه الطبراني قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» ، ومنهم عبادة بن الصامت روى حديثه ابن ماجه عن عبادة: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى أن لا ضرر ولا ضرار» . ومنهم ابن عباس روى حديثه ابن ماجه أيضا. ومنهم أبو سعيد الخدري روى حديثه الحاكم في " المستدرك " ولفظه: «لا ضرر ولا ضرار، من ضر ضره الله، ومن شق شق الله عليه» . ومنهم أبو هريرة روى حديثه الدارقطني في " سننه " ولفظه: «لا ضرر ولا ضرورة» -. ومنهم عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، وروى حديثها الدارقطني نحو لفظ المصنف. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 230 قال: وليس لأحد من أهل الدرب الذي ليس بنافذ أن يشرع كنيفا ولا ميزابا إلا بإذنهم لأنها مملوكة لهم، ولهذا وجبت الشفعة لهم على كل حال، فلا يجوز التصرف أضر بهم أو لم يضر إلا بإذنهم، وفي الطريق النافذ له التصرف، إلا إذا أضر لأنه يتعذر الوصول إلى إذن الكل، فجعل في حق كل واحد كأنه هو المالك وحده حكما كيلا يتعطل عليه طريق الانتفاع، ولا كذلك غير النافذ، لأن الوصول إلى إرضائهم ممكن فبقي على الشركة حقيقة وحكما. قال: وإذا أشرع في الطريق روشنا أو ميزابا أو نحوه فسقط على إنسان فعطب فالدية على عاقلته؛ لأنه مسبب لتلفه متعد بشغله هواء الطريق، وهذا من أسباب   [البناية] وقال ابن الأثير الضر ضد النفع ضره يضره أو أضر به يضره إضرارا. معنى قوله لا ضرر، أي لا يضر الرجل أخاه فينقص من حقه شيئا، والضرار فعال من الضرر أي يجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه. وقيل: الضرر ما تضر به صاحبك، وتنتفع به أنت، والضرار أن تضره من غير أن تنتفع. وقيل هما بمعنى واحد، والتكرار للتأكيد. وقيل الضرر يكون من واحد، والضرار بمعنى المضارة وهو يكون من اثنين م: (قال: وليس لأحد من أهل الدرب) ش: وهو الباب الواسع، والمراد هنا السكة الواسعة م: (الذي ليس بنافذ) ش: قال فخر الإسلام: والمراد بغير النافذة المملوكة وليس ذلك بعلة الملك. وقد تنفذ وهي المملوكة وقد يسيل منفذها، وهي للعامة، لكن ذلك دليل على الملك غالبا، فأقيم مقامه ووجب العمل به حتى يقوم الدليل على خلافه م: (أن يشرع كنيفا ولا ميزابا إلا بإذنهم؛ لأنها مملوكة لهم، ولهذا وجبت الشفعة لهم على كل حال) ش: يعني سواء كانوا متلازقين أو لم يكونوا م: (فلا يجوز التصرف أضر بهم أو لم يضر إلا بإذنهم، وفي الطريق النافذ له التصرف، إلا إذا أضر لأنه يتعذر الوصول إلى إذن الكل، فجعل في حق كل واحد كأنه هو المالك وحده حكما كيلا يتعطل عليه طريق الانتفاع، ولا كذلك غير النافذ؛ لأن الوصول إلى إرضائهم ممكن فبقي على الشركة حقيقة وحكما) ش: أي من حيث الحقيقة والحكم، وهو ظاهر. [أشرع بابا في الطريق أوميزابا أو نحوه فسقط على إنسان فعطب] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا أشرع) ش: يقال أشرع بابا في الطريق، أي فتحه، وأشرع رمحه أي رفعه م: (في الطريق روشنا) ش: هو الممر على العلو، وقيل هو مثل الرف، وقيل: الروشن هو أن يضع الخشبة على جداري السطحين ليتمكن من المرور. وقال الجوهري: الروشن الكرة، ذكره في باب روشن فيدل على أن الواو زائدة م: (أو ميزابا أو نحوه) ش: مثل إن وضع جزعا أو صخرة شاخصة أو وضع جناحا م: (فسقط على إنسان فعطب فالدية على عاقلته؛ لأنه مسبب لتلفه متعد بشغله هواء الطريق، وهذا) ش: أي التسبب بطريق التعدي م: (من أسباب الجزء: 13 ¦ الصفحة: 231 الضمان وهو الأصل. وكذلك إذا سقط شيء مما ذكرنا في أول الباب وكذا إذا تعثر بنقضه إنسان أو عطبت به دابة، وإن عثر بذلك رجل فوقع على آخر فماتا فالضمان على الذي أحدثه فيهما؛ لأنه يصير كالدافع إياه عليه. وإن سقط الميزاب نظر، فإن أصاب ما كان منه في الحائط رجلا فقتله فلا ضمان عليه؛ لأنه غير متعد فيه لما أنه وضعه في ملكه. وإن أصابه ما كان خارجا من الحائط فالضمان على الذي وضعه فيه لكونه متعديا فيه، ولا ضرورة؛ لأنه يمكنه أن يركبه في الحائط، ولا كفارة عليه ولا يحرم عن الميراث لأنه ليس بقاتل حقيقة. ولو أصابه الطرفان جميعا وعلم ذلك وجب نصف الدية وهدر النصف، كما إذا جرحه سبع وإنسان ولو لم يعلم أي طرف أصابه يضمن النصف اعتبارا للأحوال.   [البناية] الضمان) ش: ولا خلاف لأحد فيه م: (وهو الأصل) ش: أي التعدي أصل في باب الضمان. م: (وكذلك) ش: أي وكذا تجب الدية على العاقلة م: (إذا سقط شيء مما ذكرنا في أول الباب) ش: وهي الكنيف والميزاب والجرصن والدكان المبني على الطريق (وكذا) أي وكذا تجب الدية على العاقلة م: (إذا تعثر بنقضه) ش: بضم النون، وسكون القاف، وهو اسم البناء المنقوض، وكذا في " ديوان الأدب "، وروي عن بعضهم بكسر النون م: (إنسان أو عطبت به دابة) ش: ففي عطوب الدابة يجب ضمانها في ماله م: (وإن عثر بذلك رجل فوقع على آخر فماتا فالضمان على الذي أحدثه فيهما) ش: أي في الرجلين، يعني ضمان الرجلين، يعني ضمان الرجلين على المحدث في الطريق م: (لأنه يصير كالدافع إياه عليه) ش: وإذا نحى رجل شيئا من ذلك عن موضعه فعطب به آخر فالضمان على الذي نحاه وقد خرج الأول من الضمان. فإن قيل: إذا احتسب حيث أماط الأذى عن الطريق. أجيب: بلى ولكنه أخطأ الحسنة حيث شغل موضعا آخر من الطريق. [ميزاب رجل سقط على رجل فقتله] م: (وإن سقط الميزاب) ش: أي ميزاب رجل سقط على رجل فقتله م: (نظر، فإن أصاب ما كان منه في الحائط رجلا فقتله فلا ضمان عليه؛ لأنه غير متعد فيه لما أنه وضعه في ملكه، وإن أصابه ما كان خارجا من الحائط فالضمان على الذي وضعه فيه لكونه متعديا فيه، ولا ضرورة؛ لأنه يمكنه أن يركبه في الحائط، ولا كفارة عليه) ش: أي على محدث الميزاب، ويضره في الطريق إذا مات به إنسان م: (ولا يحرم عن الميراث لأنه ليس بقاتل حقيقة) ش: وتندفع الضرورة من غير شغل طريق المسلمين، والكفارة وحرمان الميراث مسببان بالقتل حقيقة ولم يوجد. م: (ولو أصابه الطرفان جميعا) ش: أي الطرفان الداخل في الحائط والخارج عنه م: (وعلم ذلك وجب نصف الدية وهدر النصف) ش: أي سقط النصف م: (كما إذا جرحه سبع وإنسان) ش: يجب النصف ويهدر النصف م: (ولو لم يعلم أي طرف أصابه يضمن النصف اعتبارا للأحوال) ش: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 232 ولو أشرع جناحا إلى الطريق ثم باع الدار فأصاب الجناح رجلا فقتله، أو وضع خشبة في الطريق ثم باع الخشبة وبرئ إليه منها فتركها المشتري حتى عطب بها إنسان فالضمان على البائع؛ لأن فعله وهو الوضع لم ينفسخ بزوال ملكه وهو الموجب. ولو وضع في الطريق جمرا فأحرق شيئا يضمنه؛ لأنه متعد فيه. ولو حركته الريح إلى موضع آخر، ثم أحرق شيئا لم يضمنه لنسخ الريح فعله، وقيل: إذا كان اليوم ريحا؛ يضمنه لأنه فعله مع علمه بعاقبته وقد أفضى إليها فجعل كمباشرته. ولو استأجر رب الدار الفعلة لإخراج الجناح أو الظلة فوقع فقتل إنسانا قبل أن يفرغوا من العمل فالضمان عليهم؛ لأن التلف بفعلهم وما لم يفرغوا لم يكن العمل مسلما إلى رب الدار، وهذا لأنه انقلب فعلهم قتلا حتى وجبت عليهم الكفارة والقتل غير داخل في عقده، فلم يتسلم فعلهم إليه فاقتصر   [البناية] يعني يضمن في حال بالنظر إلى الخارج عن الحائط ولا يضمن في حال بالنظر إلى الداخل فيضمن نصف الضمان. م: (ولو أشرع جناحا إلى الطريق ثم باع الدار فأصاب الجناح رجلا فقتله، أو وضع خشبة في الطريق ثم باع الخشبة وبرئ إليه منها) ش: أي برئ البائع بتسليمه للمشتري مما يحدث من الخشبة م: (فتركها المشتري حتى عطب بها إنسان فالضمان على البائع؛ لأن فعله) ش: أي فعل الواضع م: (وهو الوضع لم ينفسخ بزوال ملكه وهو الموجب) ش: أي الموجب الضمان هو الوضع. م: (ولو وضع في الطريق جمرا فأحرق شيئا يضمنه؛ لأنه متعد فيه، ولو حركته الريح إلى موضع آخر ثم أحرق شيئا فلم يضمنه لنسخ الريح فعله، وقيل إذا كان اليوم ريحا يضمنه) ش: يعني إذا كانت الريح متحركة حين وضع الجمر على الطريق ثم حركت الريح الجمر يضمنه م: (لأنه فعله مع علمه بعاقبته) ش: وهي الحريق بواسطة الريح م: (وقد أفضى إليها) ش: أي إلى العاقبة م: (فجعل كمباشرته) ش: أي كمباشرة ذلك بنفسه، وهو اختيار الإمام السرخسي، وكان شمس الأئمة الحلواني لا يقول بالضمان إذا حركته الريح عن مكانه من غير تفصيل وهو قياس قول الأئمة الثلاثة. م: (ولو استأجر رب الدار الفعلة) ش: وهو جمع فاعل كالقتلة جمع قاتل م: (لإخراج الجناح أو الظلة فوقع فقتل إنسانا قبل أن يفرغوا من العمل فالضمان عليهم) ش: أي على الفعلة لا على المستأجر الذي هو رب الدار م: (لأن التلف بفعلهم، وما لم يفرغوا لم يكن العمل مسلما إلى رب الدار، وهذا) ش: أي وجوب الضمان على الفعلة م: (لأنه انقلب فعلهم) ش: أي فعل الفعلة م: (قتلا) ش: حقيقة لظهور أثر فعلهم وهو التلف بالسقوط عليه م: (حتى وجبت عليهم الكفارة والقتل غير داخل في عقده) ش: أي في عقد المستأجر م: (فلم يتسلم فعلهم إليه فاقتصر) ش: أي الجزء: 13 ¦ الصفحة: 233 عليهم. وإن سقط بعد فراغهم فالضمان على رب الدار استحسانا؛ لأنه صح الاستئجار حتى استحقوا الأجر وقع فعلهم عمارة وإصلاحا فانتقل فعلهم إليه، فكأنه فعل بنفسه، فلهذا يضمنه. وكذا إذا صب الماء في الطريق فعطب به إنسان أو دابة، وكذا إذا رش الماء أو توضأ؛ لأنه متعد فيه بإلحاق الضرر بالمارة. بخلاف ما إذا فعل ذلك في سكة غير نافذة وهو من أهلها أو قعد أو وضع متاعه؛ لأن لكل واحد أن يفعل ذلك فيها لكونه من ضرورات السكنى كما في الدار المشتركة. قالوا: هذا إذا رش ماء كثيرا بحيث يزلق به عادة، أما إذا رش ماء قليلا كما هو المعتاد، والظاهر أنه لا يزلق به عادة لا يضمن. ولو تعمد المرور في موضع صب الماء فسقط لا يضمن الراش لأنه صاحب علة، وقيل: هذا إذا رش بعض الطريق لأنه يجد موضعا للمرور لا أثر للماء فيه، فإذا تعمد المرور على موضع صب الماء مع علمه بذلك لم يكن على الراش شيء، وإن رش جميع الطريق يضمن؛ لأنه مضطر في المرور،.   [البناية] الضمان م: (عليهم) ش: أي على الفعلة. م: (وإن سقط بعد فراغهم فالضمان على رب الدار استحسانا؛ لأنه صح الاستئجار حتى استحقوا) ش: أي الفعلة م: (الأجر وقع فعلهم عمارة وإصلاحا فانتقل فعلهم إليه، فكأنه فعل بنفسه، فلهذا يضمنه) ش: أي رب الدار استحسانا للأثر الذي جاء في مثله عن شريح: أنه قضى بالضمان على رب الدار. م: (وكذا) ش: يضمن الفاعل م: (إذا صب الماء في الطريق فعطب به إنسان أو دابة، وكذا إذا رش الماء أو توضأ لأنه متعد فيه بإلحاق الضرر بالمارة، بخلاف ما إذا فعل ذلك) ش: أي صب الماء أو رشه أو وضعوه م: (في سكة غير نافذة) ش: فإنه لا يضمن م: (وهو من أهلها) ش: أي والحال أنه من أهل السكة م: (أو قعد أو وضع متاعه؛ لأن لكل واحد أن يفعل ذلك فيها لكونه من ضرورات السكنى كما في الدار المشتركة) ش: فإن لكل واحد من الشركاء أن يفعل ذلك. م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (هذا) ش: أي وجوب الضمان م: (إذا رش ماء كثيرا بحيث يزلق به عادة، أما إذا رش ماء قليلا كما هو المعتاد، والظاهر أنه لا يزلق به عادة لا يضمن) ش: لأنه إذا زلق يكون ذلك من خوفه م: (ولو تعمد المرور في موضع صب الماء فسقط لا يضمن الراش لأنه) ش: أي لأن الذي تعمد المرور م: (صاحب علة) ش: لأن السقوط من فعله وهو متعمد، كالذي رش الماء، وإضافة الحكم إلى العلة المحضة أولا فلا يجود به صاحب الشرط. م: (وقيل: هذا) ش: أي عدم وجوب الضمان على الراش م: (إذا رش بعض الطريق لأنه يجد موضعا للمرور لا أثر للماء فيه، فإذا تعمد المرور على موضع صب الماء مع علمه بذلك لم يكن على الراش شيء، وإن رش جميع الطريق يضمن؛ لأنه) ش: أي لأن الماء م: (مضطر في المرور) ش: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 234 وكذلك الحكم في الخشبة الموضوعة في الطريق في أخذها جميعه أو بعضه. ولو رش فناء حانوت بإذن صاحبه. فضمان ما عطب على الآمر استحسانا، وإذا استأجر أجيرا ليبني له في فناء حانوته فتعقل به إنسان بعد فراغه من العمل فمات يجب الضمان على الآمر استحسانا، ولو كان أمره بالبناء في وسط الطريق فالضمان على الأجير لفساد الأمر قال: ومن حفر بئرا في طريق المسلمين أو وضع حجرا فتلف بذلك إنسان فديته على عاقلته، وإن تلفت به بهيمة فضمانها في ماله؛ لأنه متعد فيه فيضمن ما يتولد منه، غير   [البناية] وفي " الواقعات " وإذا رأى سائق الدابة أن الماء قد رش في الطريق فساق وكذلك فعطب به فلا ضمان على الذي رش، وإن لم يره بأن كان ذلك في الليل فالراش ضامن. م: (وكذلك الحكم في الخشبة الموضوعة في الطريق) ش: أي مثل حكم رش الماء في بعض الطريق وحكم رشه في كل الطريق م: (في أخذها) ش: أي في أخذ الخشبة م: (جميعه) ش: أي جميع الطريق م: (أو بعضه) ش: أي في أخذها بعض الطريق، فإن كانت موضوعة في جميع الطريق ففيه الضمان، وإن كانت في بعض الطريق فلا ضمان فيه، لأن المار يجد موضعا للمرور. [استأجر أجيرا ليبني له في فناء حانوته فتعقل به إنسان بعد فراغه من العمل فمات] م: (ولو رش فناء حانوت) ش: الفناء بكسر الفاء أعد لحوائج الدار كربط الدابة وكسر الحنطة، وهو سعة أمام الدار م: (بإذن صاحبه، فضمان ما عطب على الآمر استحسانا) ش: لأن أمره قد صح لما له من زيادة انتقال الفعل إليه. . وفي " الفتاوى الصغرى ": ولو أمر الأجير فرش فناء وكان الآمر ضمن الآمر دون الراش، والحارض يضمن كيفما كان إذا رش الماء، وفي " الخلاصة ": لو أمره بالوضع في الطريق فتوضأ في الطريق فالضمان على المتوضئ. م: (وإذا استأجر أجيرا ليبني له في فناء حانوته فتعقل به) ش: أي تشبك وتعقل ويكن بالبناء م: (إنسان بعد فراغه من العمل فمات يجب الضمان على الآمر استحسانا، ولو كان أمره بالبناء في وسط الطريق) ش: وفي " الجامع المحبوبي ": والذي ذكره في الكتاب فيما إذا لم يعلم الأجير أن الفناء للغير، أما إذا علم فالضمان على الأجير، وبه قالت الأئمة الثلاثة، وقال شيخ الإسلام: إن كان الطريق معروفا للعامة م: (فالضمان على الأجير لفساد الأمر) ش: لأنه لا حق للآمر في وسط الطريق نفسه أمره، فلذلك لم ينقل فعل الأجير إليه، فكان الأجير هو المتعدي في البناء فوجب عليه ضمان. [حفر بئرا في طريق المسلمين فتلف بذلك إنسان فعلى من تكون ديته] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن حفر بئرا في طريق المسلمين أو وضع حجرا. فتلف بذلك إنسان فديته على عاقلته، وإن تلفت به بهيمة فضمانها في ماله؛ لأنه متعد فيه فيضمن ما يتولد منه، غير الجزء: 13 ¦ الصفحة: 235 أن العاقلة تتحمل النفس دون المال، فكان ضمان البهيمة في ماله، وإلقاء التراب واتخاذ الطين في الطريق بمنزلة إلقاء الحجر والخشبة لما ذكرنا، بخلاف ما إذا كنس الطريق فعطب بموضع كنسه إنسان حيث لم يضمن؛ لأنه ليس بمتعد، فإنه ما أحدث شيئا فيه إنما قصد ورفع الأذى عن الطريق، حتى لو جمع الكناسة في الطريق وتعقل بها إنسان كان ضامنا لتعديه بشغله. ولو وضع حجرا فنحاه غيره عن موضعه فعطب به إنسان فالضمان على الذي نحاه؛ لأن حكم فعله قد انفسخ لفراغ ما يشغله، وإنما اشتغل بالفعل الثاني موضع آخر. وفي " الجامع الصغير " في البالوعة يحفرها الرجل في الطريق، فإن أمره السلطان بذلك أو أجبره عليه لم يضمن؛ لأنه غير متعد حيث فعل ما فعل بأمر من له الولاية في حقوق العامة، وإن كان بغير أمره فهو متعد إما بالتصرف في حق غيره أو بالافتيات على رأي الإمام أو هو مباح مقيد بشرط السلامة.   [البناية] أن العاقلة تتحمل النفس دون المال، فكان ضمان البهيمة في ماله) ش: وقال الحاكم في " الكافي ": الحر والعبد سواء فالضمان على عاقلة الحافر، ولا كفارة عليه ولا يحرم من الميراث. م: (وإلقاء التراب واتخاذ الطين في الطريق بمنزلة إلقاء الحجر والخشبة) ش: يعني في وجوب الضمان م: (لما ذكرنا) ش: أي لأنه متعد فيه م: (بخلاف ما إذا كنس الطريق فعطب بموضع كنسه إنسان حيث لم يضمن؛ لأنه ليس بمتعد، فإنه ما أحدث شيئا فيه إنما قصد رفع الأذى عن الطريق، حتى لو جمع الكناسة في الطريق وتعقل بها إنسان) ش: أي تعلق به م: (كان ضامنا لتعديه بشغله) ش: لأنه شغل طريق المسلمين. [وضع حجرا فنحاه غيره عن موضعه فعطب به إنسان فمن يضمن] م: (ولو وضع حجرا فنحاه غيره عن موضعه فعطب به إنسان فالضمان على الذي نحاه؛ لأن حكم فعله قد انفسخ لفراغ ما يشغله، وإنما اشتغل بالفعل الثاني موضع آخر) . م: (وفي الجامع الصغير: في البالوعة) ش: وهو ما يحفر في وسط الدار ليجمع ماء الوضوء وماء المطر، وفي " الصحاح ": البالوعة نقب في وسط الدار م: (يحفرها الرجل في الطريق، فإن أمره السلطان بذلك أو أجبره عليه) ش: أي على حفر البالوعة م: (لم يضمن؛ لأنه غير متعد، حيث فعل ما فعل بأمر من له الولاية في حقوق العامة، وإن كان بغير أمره فهو متعد إما بالتصرف في حق غيره، أو بالافتيات على رأي الإمام) ش: وهو الاستعداء بالرأي، وهو افتعال من الفوت وهو السبق م: (أو هو) ش: أي حفر البالوعة م: (مباح مقيد بشرط السلامة) ش: قال في " شرح الأقطع ": وقالوا: لو تعدى في الطريق يستريح أو لمرض أو ضعف فعثر به إنسان يضمن، لأن المشي في الطريق مباح بشرط السلامة، كما أن الله تعالى أباح الرمي إلى الصيد، لو رمى صيدا أو أصاب إنسانا أو شاة ضمن، واعتبر فيه السلامة، فكذلك هاهنا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 236 وكذلك الجواب على هذا التفصيل في جميع ما فعل في طريق العامة مما ذكرناه وغيره؛ لأن المعنى لا يختلف. وكذا إن حفره في ملكه لا يضمن لأنه غير متعد. وكذا إذا حفره، في فناء داره، لأن له ذلك لمصلحة داره والفناء في تصرفه، وقيل: هذا إذا كان الفناء مملوكا له أو كان له حق الحفر فيه؛ لأنه غير متعد. أما إذا كان لجماعة المسلمين أو مشتركا بأن كان في سكة غير نافذة فإنه يضمنه؛ لأنه مسبب متعد، وهذا صحيح. ولو حفر في الطريق ومات الواقع فيه جوعا أو غما لا ضمان على الحافر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه مات لمعنى في نفسه فلا يضاف إلى الحفر، والضمان إنما يجب إذا مات من الوقوع. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن مات جوعا فكذلك.   [البناية] م: (وكذلك الجواب على هذا التفصيل) ش: وهو أنه لو فعله بأمر من له الولاية في الأمر لا يضمن وبغير أمره ضمن، ويحل للإمام أن يأمر بذلك إذا لم يضر بالعامة إذا كان الطريق واسعا، وإن كان الطريق ضيقا لا يحل له ذلك م: (في جميع ما فعل في طريق العامة مما ذكرناه) ش: أي من أول الباب إلى هاهنا من شراع الجناح وإحداث الكنيف أو الميزاب والجرصن أو حفر البئر في طريق المسلمين م: (وغيره) ش - كبناء الظلة وغرس الأشجار ورمي الثلج والجلوس للبيع م: (لأن المعنى لا يختلف) ش: أي فصار هالك م: (وكذا إن حفره في ملكه لا يضمن؛ لأنه غير متعد، وكذا إذا حفره في فناء داره؛ لأن له ذلك لمصلحة داره، والفناء في تصرفه، وقيل. هذا) ش. أي عدم الضمان م. (إذا كان الفناء مملوكا له أو كان له حق الحفر فيه؛ لأنه غير متعد. أما إذا كان لجماعة المسلمين أو مشتركا) ش: أي أو كان البناء مشتركا م. (بأن كان في سكة غير نافذة فإنه يضمنه؛ لأنه مسبب متعد، وهذا صحيح) ش. أي التفصيل صحيح. وقال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في " شرح الكافي ": وإذا احتفر الرجل بئرا في طريق مكة أو غير ذلك من الفيافي فلا ضمان عليه في ذلك، وليس هذا كالأمصار، لأنه غير متعد فيما فعل، ألا ترى أنه لو ضرب هناك فسطاطا أو اتخذ تنورا يخبز فيه، أو ربط دابة لم يضمن ما أصابه ذلك، ولو قالوا هذا إذا حفر في غير ممر المسلمين، أما إذا حفر في ممرهم ينبغي أن يضمن لأنه متعد فيه. م. ولو حفر في الطريق ومات الواقع فيه جوعا) ش: أي من أجل الجوع م. (أو غما) ش: أي اختناقا من العفونة. قال الجوهري: يوم غم إذا كان يأخذ النفس من شدة الحر م. (لا ضمان على الحافر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لأنه مات لمعنى في نفسه فلا يضاف إلى الحفر والضمان إنما يجب إذا مات من الوقوع، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن مات جوعا فكذلك) ش: أي لأن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 237 وإن مات غما فالحافر ضامن له؛ لأنه لا سبب للغم سوى الوقوع، أما الجوع فلا يختص بالبئر. وقال محمد: هو ضامن في الوجوه كلها؛ لأنه إنما حدث بسبب الوقوع، إذ لولاه لكان الطعام قريبا منه. قال: وإن استأجر أجراء فحفروها له في غير فنائه فذلك على المستأجر ولا شيء على الأجراء إن لم يعلموا أنها في غير فنائه؛ لأن الإجارة صحت ظاهرة إذا لم يعلموا، فنقل فعلهم إليه لأنهم كانوا مغرورين، فصار كما إذا أمر آخر بذبح هذه الشاة فذبحها ثم ظهر أن الشاة لغيره، إلا أن هناك يضمن المأمور ويرجع على الآمر؛ لأن الذابح مباشر، والأمر مسبب، والترجيح للمباشرة فيضمن المأمور ويرجع المغرور، وهنا يجب الضمان على المستأجر ابتداء؛ لأن كل واحد منهما مسبب، والأجير غير متعد والمستأجر متعد فيرجح جانبه. وإن علموا ذلك فالضمان على الأجراء، لأنه لم يصح أمره بما ليس بمملوك له، ولا غرور، فبقي الفعل مضاف إليهم. وإن قال لهم: هذا فنائي وليس لي فيه حق الحفر فحفروه فمات فيه إنسان.   [البناية] الضمان على الحافر م: (وإن مات غما فالحافر ضامن له؛ لأنه لا سبب للغم سوى الوقوع، أما الجوع فلا يختص بالبئر. وقال محمد: هو ضامن في الوجوه كلها؛ لأنه إنما حدث بسبب الوقوع، إذ لولاه) ش: أي الوقوع م: (لكان الطعام قريبا منه) ش: وهو قياس قول الأئمة الثلاثة، ولا يتوهم من تقديم قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على عادة تأخر الراجح، فإن الفقه معه، ألا ترى أنه لو حبس رجلا في بئر حتى مات غما فإنه لا ضمان عليه، بخلاف ما لو مات فيه من الوقوع، لأن أثر فعله وهو العمل أثر في نفس الواقع فلا بد من أثر الوقوع لوجوب الضمان. م: (قال) ش: أي المصنف وليس لفظة: (قال) في غالب النسخ: م: (وإن استأجر أجراء فحفروها له في غير فنائه فذلك على المستأجر ولا شيء على الأجراء إن لم يعلموا أنها في غير فنائه؛ لأن الإجارة صحت ظاهرة إذا لم يعلموا، فنقل فعلهم إليه) ش: أي فنقل فعل الأجر إلى المستأجر م: (لأنهم كانوا مغرورين، فصار) ش: حكم هذا م: (كما إذا أمر آخر بذبح هذه الشاة فذبحها ثم ظهر أن الشاة لغيره) ش: أي لا يغير الأمر. م: (إلا أن هناك) ش: أي في الأمر بذبح الشاة م: (يضمن المأمور ويرجع على الآمر، لأن الذابح مباشر، والآمر مسبب، والترجيح للمباشرة فيضمن المأمور، ويرجع المغرور، وهنا يجب الضمان على المستأجر ابتداء) ش: أي من أول الأمر م: (لأن كل واحد منهما مسبب، والأجير غير متعد، والمستأجر متعد فيرجح جانبه) ش: في التعدي. (وعلى) المستأجر فيه الضمان. م: (وإن علموا بذلك فالضمان على الأجراء؛ لأنه لم يصح أمره بما ليس بمملوك له، ولا غرور، فبقي الفعل مضافا إليهم، وإن قال لهم: هذا فنائي وليس لي فيه حق الحفر فحفروه فمات فيه إنسان الجزء: 13 ¦ الصفحة: 238 فالضمان على الأجراء قياسا؛ لأنهم علموا بفساد الأمر فما غرهم. وفي الاستحسان: الضمان على المستأجر لأن كونه فناء له بمنزلة كونه مملوكا له لانطلاق يده في التصرف فيه من إلقاء الطين والحطب وربط الدابة والركوب وبناء الدكان، فكان الأمر بالحفر في ملكه ظاهرا بالنظر إلى ما ذكرنا، فكفى ذلك لنقل الفعل إليه. قال: ومن جعل قنطرة بغير إذن الإمام، فتعمد رجل المرور عليها فعطب فلا ضمان على الذي عمل القنطرة، وكذلك إذا وضع خشبة في الطريق فتعمد رجل المرور عليها؛ لأن الأول تعد هو تسبيب، والثاني تعد هو مباشرة، فكانت الإضافة إلى المباشر أولى، ولأن تخلل فعل فاعل مختار يقطع النسبة كما في الحافر مع الملقي. قال: ومن حمل شيئا في الطريق فسقط على إنسان فعطب به إنسان فهو ضامن، وكذا إذا سقط فتعثر به إنسان. وإن كان رداء قد لبسه فسقط عنه فعطب به إنسان لم يضمن، وهذا اللفظ يشمل الوجهين،.   [البناية] فالضمان على الأجراء قياسا، لأنهم علموا بفساد الأمر فما غرهم. وفي الاستحسان الضمان على المستأجر، لأن كونه فناء له بمنزلة كونه مملوكا له لانطلاق يده في التصرف فيه من إلقاء الطين والحطب وربط الدابة والركوب وبناء الدكان، فكان الأمر بالحفر في ملكه ظاهرا بالنظر إلى ما ذكرنا) ش: أي باعتبار ظاهر اليد من إلقاء الطين ونحوه م: (فكفى ذلك لنقل الفعل إليه) ش: أي إلى المستأجر. [جعل قنطرة بغير إذن الإمام فتعمد رجل المرور عليها فعطب] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن جعل قنطرة) ش: القنطرة ما أحكم بناؤه ولا يرفع، والجسر ما يوضع ويرفع م: (بغير إذن الإمام، فتعمد رجل المرور عليها فعطب فلا ضمان على الذي عمل قنطرة، وكذلك إذا وضع خشبة في الطريق فتعمد رجل المرور عليها؛ لأن الأول) ش: يعني جعل القنطرة م: (تعد هو تسبيب، والثاني) ش: يعني وضع الخشبة م: (تعد هو مباشرة، فكانت الإضافة إلى المباشرة أولى) ش: لأن الحكم إنما يضاف إلى صاحب السبب إذا لم يكن صاحب العلة صالحا لإضافة الحكم إليه إن كانت مباحة، فأما إذا استويا في العدوانية فالإضافة إلى صاحب العلة، لأنها بالإضافة أولى لكونها أقوى. م: (ولأن تخلل فعل فاعل مختار) ش: بين السبب والحكم م: (يقطع النسبة) ش: أي نسبة الحكم إلى السبب م: (كما في الحافر مع الملقي) ش: أي كما في حافر البئر على قارعة الطريق مع الذي ألقاه، أي دفعه إلى البئر حيث يضاف الضمان إلى الدافع لا إلى الحافر. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن حمل شيئا في الطريق فسقط على إنسان فعطب به إنسان فهو ضامن، وكذا إذا سقط) ش: أي من الحامل شيء م: (فتعثر به إنسان. وإن كان رداء قد لبسه فسقط عنه فعطب به إنسان لم يضمن، وهذا اللفظ يشمل الوجهين) ش: وهما تلف الإنسان بسقوط اللباس عليه أو بعثوره عليه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 239 والفرق أن حامل الشيء قاصد حفظه، فلا حرج في التقييد بوصف السلامة، واللابس لا يقصد حفظ ما يلبسه، فيخرج بالتقييد بما ذكرناه فجعلناه مباحا مطلقا. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا لبس ما لا يلبسه عادة فهو كالحامل لأن الحاجة لا تدعو إلى لبسه. قال: وإذا كان المسجد للعشيرة فعلق رجل منهم فيه قنديلا أو جعل فيه بواري أو حصاة فعطب به رجل لم يضمن، وإن كان فعل ذلك من غير العشيرة ضمن قالوا   [البناية] م: (والفرق) ش: أي بين الشيء المحمول حيث يجب الضمان به فيما إذا هلك إنسان وبين الثوب الملبوس حيث لا يجب الضمان فيه وإن هلك إنسان بوقوعه عليه: م: (أن حامل الشيء قاصد حفظه، فلا حرج في التقييد بوصف السلامة) ش: فإذا أضيف إليه التلف كان ضامنا م: (واللابس لا يقصد حفظ ما يلبسه، فيخرج بالتقييد بما ذكرناه) ش: يعني وصف السلامة م: (فجعلناه مباحا مطلقا) ش: يعني من غير شرط السلامة. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا لبس ما لا يلبسه عادة) ش: للبدو والجوالق ودرع الحرب في غير موضع الحرب، والثوب الذي لا يحتاج إليه من حيث الزينة، أو من حيث دفع الحر والبرد م: (فهو كالحامل) ش: شيئا في الطريق حيث يضمن إذا سقط على إنسان فعطب به م: (لأن الحاجة لا تدعو إلى لبسه) ش: وذكر المحبوبي: لو لبس ثوبا زيادة على قدر الحاجة لم يذكره محمد في الكتاب. وروى ابن سماعة أنه قال: يضمن إذا سقط وعطب به إنسان لأنه لا يعلم به البلوى، وقياس قول الأئمة الثلاثة: لا يضمن بعدم التعدي. [كان المسجد للعشيرة فعلق رجل منهم فيه قنديلا فعطب به رجل] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا كان المسجد للعشيرة) ش: العشيرة: القبيلة ذكره في " الصحاح "، والمراد هاهنا أهل المسجد م: (فعلق رجل منهم) ش: أي من العشيرة م: (فيه قنديلا) ش: أي في المسجد م: (أو جعل فيه بواري) ش: جمع بوريا قال الأصمعي: البوريا بالفارسية وهو بالعربية جاري وبوري. وقال الجوهري: الباريا والبوريا التي من القصب وكذلك السبارية م: (أو حصاة) ش: أي أو جعل فيه حصاة م: (فعطب به) ش: أي بواحد من هذه الأشياء م: (رجل لم يضمن) ش: يعني وإن كان بغير إذن الإمام وبه قال أحمد والشافعي - رحمهما الله - في وجه وقال الشافعي في وجه: بغير إذن الإمام يضمن. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": وإذا حفر أهل المسجد فيه بئرا لماء المطر ووضعوا فيه جبا نضب فيه الماء أو طرحوا فيه بواري أو حصا أو ركبوا بابا وعلقوا فيه قنديلا أو ظللوه فلا ضمان فيمن عطب بذلك عليهم م: (وإن كان الذي فعل ذلك من غير العشيرة ضمن قالوا) ش: أي الجزء: 13 ¦ الصفحة: 240 هذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا يضمن في الوجهين جميعا؛ لأن هذه من القرب وكل أحد مأذون في إقامتها فلا يتقيد بشرط السلامة كما إذا فعله بإذن واحد من أهل المسجد. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الفرق: أن التدبير فيما يتعلق بالمسجد لأهله دون غيرهم كنصب الإمام واختيار المتولي وفتح بابه وإغلاقه وتكرار الجماعة إذا سبقهم بها غير أهله فكان فعلهم مباحا مطلقا غير مقيد بشرط السلامة، وفعل غيرهم تعديا أو مباحا مقيدا بشرط السلامة. وقصد القربة لا ينافي الغرامة إذا أخطأ الطريق كما إذا تفرد بالشهادة على الزنا.   [البناية] المشايخ م: (هذا) ش: يعني هذا التفصيل م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا يضمن في الوجهين) ش: وهما إذن الإمام أو إذن العشيرة أو عدم إذنهما، وبه قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في وجه. وقال الحلواني: أكثر مشايخنا أخذوا بقولهما في هذه المسألة وعليه الفتوى كذا في " الذخيرة "، وفيها وضع الجب لشرب الماء على هذا الاختلاف م: (لأن هذه) ش: أي المذكور من الأشياء م: (من القرب) ش: بضم القاف وفتح الراء جمع قربة. م: (وكل أحد) ش: من أهل المسجد م: (مأذون في إقامتها) ش: أي بإقامة هذه الأشياء م: (فلا يتقيد بشرط السلامة كما إذا فعله بإذن واحد من أهل المسجد) ش: بإذن واحد من أهل المسجد حيث لا يضمن. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الفرق) ش: بين الوجهين: م: (إن التدبير فما يتعلق بالمسجد لأهله دون غيرهم) ش: أي غير أهل المسجد م: (كنصب الإمام) ش: أي غير أهل المسجد يعني لو صلى فيه غير أهل المسجد بجماعة لا يكون لغير أهله أن يصلوا فيه بجماعة. م: (واختيار المتولي وفتح بابه وإغلاقه وتكرار الجماعة إذا سبقهم بها) ش: أي بالصلاة بالجماعة م: (غير أهله) ش: يعني: إذا لم يكن الثاني موجودا، وأما إذا كان موجودا فنصب الإمام إليه وهو مختار " الإسكاف ". قال أبو الليث: وبه نأخذ إلا أن ينصب الإمام شخصا والقوم يريدون من هو أصلح منه فيجوز أن يكون المنصف اختار قول ابن سلام أن القوم أولى بنصب إمام، والمؤذن والباني، أولى بالعمارة م: (فكان فعلهم مباحا مطلقا غير مقيد بشرط السلامة، وفعل غيرهم تعديا أو مباحا مقيدا بشرط السلامة. وقصد القربة لا ينافي الغرامة) . ش: هذا جواب عن قولهما " لأن هذا من القرب " بيانه: أن قصد القربة لا ينافي الضمان م: (إذا أخطأ الطريق) ش: أي في طريق القربة م: (كما إذا تفرد بالشهادة على الزنا) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 241 فالطريق فيما نحن فيه الاستئذان من أهله. قال: وإن جلس فيه رجل منهم فعطب به رجل لم يضمن إن كان في الصلاة، وإن كان في غير الصلاة ضمن، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا يضمن على كل حال، ولو كان جالسا لقراءة القرآن أو للتعليم أو للصلاة أو نام فيه في أثناء الصلاة أو نام في غير.   [البناية] ش: يعني إذا شهد وحده بالزنا يحد حد القذف، وإن كان بأداء شهادته حسبة لله تعالى متقربا ولكن لما لم يكن نصاب الشهادة في الزنا، وهي شهادة الأربعة اعتبر ذلك قذفا م: (فالطريق فيما نحن فيه الاستئذان من أهله) ش: أي من أهل المسجد لأنه لا يمنع أن يكون المسجد لجماعة المسلمين، ويختص تدبيره بأهله. ألا ترى «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ مفاتيح الكعبة من بني شيبة فأمره الله تعالى بردها عليهم بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] » والكعبة حق لجميع المسلمين وإن اختص قوم بتدبيره، وقال التمرتاشي: لو ضاق المسجد بأهله لأهله أن يمنعوا من ليس من أهله الصلاة فيه. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن جلس فيه رجل منهم) ش: أي من أهل المسجد م: (فعطب به) ش: أي بالجالس م: (رجل لم يضمن إن كان في الصلاة) ش: سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا. ذكر شيخ الإسلام م: (وإن كان في غير الصلاة ضمن، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي هذا التفصيل الذي ذكرنا، وكونه في غير الصلاة يضمن عنده، مطلقا ليس بصحيح على إطلاقه، فإن شمس الأئمة قال في " جامعه ": لو جلس لانتظار الصلاة لا يضمن لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المنتظر الصلاة في صلاة» ، وإنما الخلاف فيمن جلس لعمل ليس له اختصاص بالمسجد كدرس وقراءة القرآن، وفي " الذخيرة ": لو جلس للدرس أو لقراءة القرآن أو للذكر والتسبيح أو لاعتكاف لا رواية لهذا في الكتاب. واختلف المتأخرون قال أبو بكر الرازي: يضمن عنده، وقال أبو بكر البلخي: إن جلس لقراءة القرآن أو معتكف في المسجد لا يضمن بالإجماع، وذكر فخر الإسلام والصدر الشهيد: لو جلس للحديث يضمن بالإجماع لأنه غير مباح له، وفي " النهاية ": هذا ما ذكره في المتن، ولو كان جالسا لقراءة القرآن أو التعليم أو للصلاة إلى قوله فهو على اختلاف مخالف لهذه الروايات، أجيب: يمكن أن يكون مختار أبي بكر الرازي، ولكن فيه بعد كما ترى. م: (وقالا: لا يضمن على كل حال) ش: وبه قالت الثلاثة م: (ولو كان جالسا لقراءة القرآن أو للتعليم) ش: أي تعليم الفقه والحديث م: (أو للصلاة أو نام فيه في أثناء الصلاة أو نام في غير الجزء: 13 ¦ الصفحة: 242 الصلاة أو مر فيه مار أو قعد فيه لحديث، فهو على هذا الاختلاف. وأما المعتكف فقد قيل على هذا الاختلاف، وقيل: لا يضمن بالاتفاق. لهما: أن المسجد إنما بني للصلاة والذكر، ولا يمكنه أداء الصلاة بالجماعة إلا بانتظارها فكان الجلوس فيه مباحا لأنه من ضرورات الصلاة، أو لأن المنتظر للصلاة في الصلاة حكما بالحديث فلا يضمن كما إذا كان في الصلاة، وله: أن المسجد إنما بني للصلاة، وهذه الأشياء.   [البناية] الصلاة أو مر فيه مار) ش: قال شيخنا العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الأول خاص، والثاني عام: يعني حال كونه مارا لأجل أمر آخر سوى أمر الصلاة بأن مر لأخذ الماء من غير بئر المسجد. م: (أو قعد فيه لحديث فهو على هذا الاختلاف) ش: وهو اختيار بعض أصحابنا، واختاره أبو بكر الرازي. وقال بعضهم: وهو اختيار أبي عبد الله الجرجاني ليس فيها خلاف بل لا ضمان فيه بالاتفاق، ولقائل أن يقول: في عبارة الكتاب تكرار، لأنه قال: وإن كان في غير الصلاة ضمن، وغير الصلاة يشمل هذا المذكور كله. والجواب: أن قوله: وإن كان في غير الصلاة ضمن لفظ " الجامع الصغير ". وقوله: ولو كان حال قراءة القرآن من لفظ المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيان كذلك، لكن قوله: " فهو على هذا الاختلاف " يفيد اتفاق المشايخ على ذلك وليس كذلك، بل هو على الاختلاف، كما رأيت وكان من حق الكلام أن يقول: فقد قيد على هذا الاختلاف، وقيل: لا يضمن بلا خلاف كما قال في الاعتكاف. م: (وأما المعتكف فقد قيل على هذا الاختلاف، وقيل: لا يضمن بالاتفاق) . ش: وقال فخر الإسلام البزدوي في شرح " الجامع الصغير ": وإن قعد معتكفا قال مشايخنا: اختلفوا فيه، فقال بعضهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن لأنه جلس لغير الصلاة، وقال بعضهم: لا يضمن لأنه متقرب به، وم: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد رحمهما الله -: م: (أن المسجد إنما بني للصلاة والذكر) . قال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور: 36] {رِجَالٌ} [النور: 37] . وقال {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: 114] م: (ولا يمكنه أداء الصلاة بالجماعة إلا بانتظارها، فكان الجلوس فيه مباحا لأنه من ضرورات الصلاة، أو لأن المنتظر للصلاة في الصلاة حكما بالحديث) ش: وقد مر الحديث عن قريب م: (فلا يضمن كما إذا كان في الصلاة. وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن المسجد إنما بني للصلاة وهذه الأشياء) ش: أشار به إلى ما ذكره من الجزء: 13 ¦ الصفحة: 243 ملحقة بها فلا بد من إظهار التفاوت فجعلنا الجلوس للأصل مباحا مطلقا، والجلوس لما يلحق به مباحا مقيدا بشرط السلامة، ولا غرو أن يكون الفعل مباحا أو مندوبا إليه، وهو مقيد بشرط السلامة كالرمي إلى الكافر أو إلى الصيد، والمشي في الطريق والمشي في المسجد إذا وطئ غيره، والنوم فيه إذا انقلب على غيره، وإن جلس رجل من غير العشيرة فيه للصلاة فتعقل به إنسان ينبغي ألا يضمن لأن المسجد بني للصلاة، وأمر الصلاة بالجماعة إن كان مفوضا إلى أهل المسجد فلكل واحد من المسلمين أن يصلي فيه وحده، والله سبحانه وتعالى أعلم.   [البناية] قوله كقراءة القرآن إلى آخره م: (ملحقة بها) ش: أي بالصلاة، يعني يؤتى بها في المسجد بطريق التبعية للصلاة هي المقصودة في بناء المسجد. م: (فلا بد من إظهار التفاوت) ش: بين الملحق والملحق به م: (فجعلنا الجلوس للأصل) ش: الذي هو الصلاة م: (مباحا مطلقا) ش: يعني من غير قيد بشرط السلامة، ألا ترى أن المسجد إذا ضاق على المصلي كان له إزعاج القاعد فيه المشتغل بالذكر والقراءة والتدريس، لأنه يطلب موضعه الأصلي. وقال التمرتاشي: لو ضاق المسجد بأهله (فلهم) أن يمنعوا من ليس بأهله عن الصلاة فيه م: (والجلوس لما يلحق به) ش: أي جعلنا الجلوس لما يلحق به م: (مباحا، مقيدا بشرط السلامة، ولا غرو) ش: أي ولا عجب، قال القائل: ولا غرو إن حرق نار الهوى كبدي ... فالنار حق على من يعبد الوثنا م: (أن يكون الفعل مباحا أو مندوبا إليه، وهو مقيد بشرط السلامة) ش: أي والحال أنه مقيد بشرط السلامة ونظر لذلك بقوله: م: (كالرمي إلى الكافر أو إلى الصيد؛ والمشي في الطريق والمشي في المسجد إذا وطئ غيره والنوم فيه إذا انقلب على غيره) ش: فكل ذلك يقيد بشرط السلامة. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله: " كالرمي إلى الكافر "، نظير المندوب، وإلى الصيد نظير المباح، ومع ذلك، إذا أصاب مسلما يضمن م: (وإن جلس رجل من غير العشيرة فيه للصلاة فتعقل به إنسان) ش: أي فنشب به وتعلق م: (ينبغي أن لا يضمن؛ لأن المسجد بني للصلاة وأمر الصلاة بالجماعة إن كان مفوضا إلى أهل المسجد، فلكل واحد من المسلمين أنه يصلي فيه وحده، والله سبحانه وتعالى أعلم) . ش: وقال فخر الإسلام: وإن كان الرجل الجالس رجلا من غير العشيرة فقوله " لهما فيه " لا يشكل، لأنه بمنزلة الرجل من العشيرة، قالا: فيه بسط البواري والحصا، فأما في قول أبي حنيفة فيحتمل أن يضمن بكل حال وقال بعضهم: بل هو عنده في الصلاة بمنزلة العشيرة، لأن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 244 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] المساجد أعدت للصلاة العامة من غير خصوص، وإنما الخصوص فيما يرجع إلى الرأي والتدبير، ولذلك لم يكن لغيرهم حق إقامة الجماعة لأنه مما يفتقر إلى الرأي والتدبير، وأما نفس الصلاة فيستغنى عن ذلك، بخلاف تعليق القناديل وبسط البواري والبساط والحصا. قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا القول أشبه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 245 فصل في الحائط المائل قال: وإذا مال الحائط إلى طريق المسلمين، فطولب صاحبه بنقضه وأشهد عليه فلم ينقضه في مدة يقدر على نقضه حتى سقط؛ ضمن ما تلف به من نفس أو مال. والقياس أن لا يضمن لأنه لا صنع منه مباشرة ولا مباشرة شرط هو متعد فيه؛ لأن أصل البناء كان في ملكه، والميلان وشغل الهواء ليس من فعله، فصار كما قبل الإشهاد.   [البناية] [فصل في الحائط المائل] م: (فصل في الحائط المائل) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الحائط المائل، ولما فرغ من بيان الأحكام التي تتعلق بمباشرة الإنسان وثنيه، شرع في بيان أحكام القتل الذي يتعلق بالجماد الذي لا اعتبار له أصلا وهو الحائط المائل، وإنما ذكره بالفصل لأنه يلحق بالباب الذي قبله. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا مال الحائط إلى طريق المسلمين، فطولب صاحبه بنقضه وأشهد عليه فلم ينقضه في مدة يقدر على نقضه حتى سقط ضمن ما تلف به من نفس أو مال) ش: هذا كلام القدوري في " مختصره ". وقال الكرخي في " مختصره ": وإذا مال حائط من دار رجل على طريق نافذ أو دار رجل فلم يطالب بنقضه ولم يشهد عليه فيه حتى سقط على رجل فقتله أو على متاع فأفسده أو على حيوان فعطب به، فلا ضمان على صاحب الحائط في شيء من ذلك، وإن تقدم إليه في هدمه وأشهد عليه ثم سقط في مدة قد أمكنه نقضه فيها بعد الإشهاد فهو ضامن، وإن كان لم يفرط في نقضه وذهب يطلب من يهدمه فكان في طلبه ذلك حتى استأجر من يهدمه فسقط الحائط فقتل إنسانا أو عقر دابة أو أفسد متاعا فلا ضمان عليه. قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والإشهاد، أن يقول الرجل: اشهدوا أني قد تقدمت إلى هذا الرجل في هدم حائطه هذا، فإذا فعل فقد لزمه نقضه على حال الإمكان، فإن أخر ذلك وفرط عما وصفت لك ضمن ما جنى عليه الحائط فإن كانت جنايته على إنسان، فهو على العاقلة إذا كانت نفسا أو دونها إذا بلغ من دية الرجل نصف عشر دية إذا كان المجني عليه رجلا. وإن كان المجني عليه امرأة، فإذا بلغ أرش جنايتها عشر ديتها، وما كان أقل من ذلك فهو في ماله. وما كان في غير بني آدم فهو في ماله حال. م: (والقياس أن لا يضمن) ش: وبه قال الشافعي وأحمد رحمهما الله في المنصوص عنه، لأنه بناه في ملكه ولا تعدي منه م: (لأنه لا صنع منه مباشرة، ولا مباشرة شرط هو متعد فيه؛ لأن أصل البناء كان في ملكه، والميلان وشغل الهواء ليس من فعله، فصار كما قبل الإشهاد) ش: أي في صنعته مباشرة، أما كونه لا صنع فيه فظاهر، وأما كونه لا مباشرة وهو القتل بسبب كحفر الجزء: 13 ¦ الصفحة: 246 وجه الاستحسان: أن الحائط لما مال إلى الطريق فقد اشتغل هواء طريق المسلمين بملكه ورفعه في يده، فإذا تقدم إليه وطولب بتفريغه، يجب عليه، فإذا امتنع صار متعديا بمنزلة ما لو وقع ثوب إنسان في حجره يصير متعديا بالامتناع عن التسليم إذا طولب به كذا هذا، بخلاف ما قبل الإشهاد لأنه بمنزلة هلاك الثوب قبل الطلب؛ ولأنا لو لم نوجب عليه الضمان يمتنع عن التفريغ فينقطع المارة حذرا على أنفسهم فيتضررون به. ودفع الضرر العام من الواجب وله تعلق بالحائط   [البناية] البئر، ونحوه قوله: " هو متعد فيه " جملة وقعت صفة كمباشرة شرط المسألة مصورة فيما إذا بناه مستويا. ثم صار مائلا. وأوضح ذلك تاج الشريعة. - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قبله، والقياس أن لا يضمن لأن ضمان الجناية بالمباشرة أو التسبب، ولم يوجد شيء منها. أما المباشرة: فلأنه لم يتصل بالمؤلف فعل من صاحب الحائط. ألا ترى أنه لم يجب عليه الكفارة، ولا يحرم عن الميراث وإن شهد عليه. وأما التسبب: فلأنه أبطل أثر فعل، وهو يعد من المتلف كحفر للبئر والحائط. وإن كان أثر فعل إلا أنه مباح. لأنه إن فعل حصل في ملكه، وفعل الإنسان في ملكه مباح وأثر فعله المباح لا يصلح سببا للضمان كحفر البئر في ملكه، غاية ما في الباب أنه ترك معروفا وأنه لا يوجب الضمان، كما لو أرسل إنسان دابته في مراع فدخل في زرع إنسان فأخبر بذلك فلم يخرجه حتى أفسد زرعه لم يضمن لهذا المعنى كذا هذا. م: (وجه الاستحسان: أن الحائط لما مال إلى الطريق فقد اشتغل هواء طريق المسلمين بملكه ورفعه في يده، فإذا تقدم) ش: على صيغة المجهول م: (إليه وطولب بتفريغه، يجب عليه، فإذا امتنع صار متعديا) ش: وتوجه الاستحسان. قال مالك وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وغيرهم من أئمة التابعين كشريح والشعبي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وروي ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: م: (بمنزلة ما لو وقع ثوب إنسان في حجره يصير متعديا بالامتناع عن التسليم إذا طولب به) ش: حتى يضمن إذا ملك في يده م: (كذا هذا، بخلاف ما قبل الإشهاد) ش: فإنه لا يضمن بالإجماع. وعن بعض أصحاب أحمد وجه: أنه يضمن قبل الإشهاد أيضا، وبه قال ابن أبي ليلى، وأبو ثور وإسحاق م: (لأنه بمنزلة هلاك الثوب قبل الطلب، ولأنا لو لم نوجب عليه الضمان يمتنع عن التفريغ فينقطع المارة حذرا على أنفسهم فيتضررون به. ودفع الضرر العام من الواجب وله) ش: أي ولصحاب الحائط م: (تعلق بالحائط) ش: هذا جواب إشكال وهو أن يقال: الهواء حق العامة، وقد اشتغل بهذا الحائط فينبغي أن يكون تفريغه عليهم، فأجاب بقوله: وله تعلق بالحائط يعني الجزء: 13 ¦ الصفحة: 247 فيتعين لدفع هذا الضرر، وكم من ضرر خاص يتحمل لدفع العام منه، ثم فيما تلف به من النفوس تجب الدية، وتتحملها العاقلة لأنه في كونه جناية دون الخطأ، فيستحق فيه التخفيف بالطريق الأولى كيلا يؤدي إلى استئصاله والإجحاف به وما تلف به من الأموال كالدواب والعروض يجب ضمانها في ماله؛ لأن العواقل لا تعقل المال والشرط التقدم إليه، وطلب النقض منه دون الإشهاد. وإنما ذكر الإشهاد ليتمكن من إثباته عند إنكاره، فكان من باب الاحتياط. وصورة الإشهاد أن يقول الرجل: اشهدوا أني قد تقدمت إلى هذا الرجل في هدم حائطه هذا، ولا يصح الإشهاد قبل أن يهيئ الحائط.   [البناية] نقضا وإبقاء فكأنه هو أولى بذلك م: (فيتعين لدفع هذا الضرر) ش: لتعلق الحائط به على الوجه الذي ذكرناه م: (وكم من ضرر خاص يتحمل لدفع العام منه) ش: أي من الضرر. هذا أيضا جواب عما يقال لو وجب عليه نقض الجدار لدفع الضرر العام يتضرر صاحب الجدار أيضا. فأجاب بقوله: وكم من ضرر. . . إلى آخره، كالحجر على المفتي المتاجر والمتطبب الجاهل، والمكاري المفلس، فإنهم يحجرون لدفع الضرر العام، وإن كان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يرى الحجر على البالغ العاقل الحر. م: (ثم فيما تلف به من النفوس تجب الدية، وتتحملها العاقلة لأنه في كونه جناية دون الخطأ، فيستحق فيه التخفيف بالطريق الأولى كيلا يؤدي إلى استئصاله) ش: أي انقطاعه بالكلية. م: (والإجحاف به وما تلف به من الأموال كالدواب والعروض يجب ضمانها في ماله؛ لأن العواقل لا تعقل المال، والشرط التقدم إليه) ش: أي بشرط الضمان يقدم الطالب إلى صاحب الحائط وهو أن يقول له: إن حائطك هذا مخوف. أو يقول: مائل فانقضه أو اهدمه حتى لا يسقط ولا يتلف شيئا، ولو قال: ينبغي أن تهدمه فذاك مشهود، ويشترط أن يكون المتقدم من صاحب حق لواحد من العامة مسلما كان أو ذميا أو صبيا أو امرأة إن مال إلى طريقهم وواحد من أصحاب السكة الخاصة إن مال إليها وصاحب الدار أو سكانها إن مال إليها، وأن يكون إلى من له الولاية التفريغ حتى لو تقدم إلى من يسكن الدار بإجارة أو إعارة، فلم ينقض حتى سقط على إنسان، فلا ضمان على أحد م: (وطلب النقض منه) ش: أي وطلب نقض الحائط من صاحبه م: (دون الإشهاد) ش: أي ليس بشرط. م: (وإنما ذكر الإشهاد ليتمكن من إثباته عند إنكاره) ش: أي إنكار المطلوب بالهدم م: (فكان) ش: أي الإشهاد م: (من باب الاحتياط) ش: ولهذا لو اعترف صاحبه أي طولب بنقضه، وجب عليه الضمان وإن لم يشهد عليه ذكره في " التحفة " م: (وصورة الإشهاد: أن يقول الرجل: اشهدوا أني قد تقدمت إلى هذا الرجل في هدم حائطه هذا، ولا يصح الإشهاد قبل أن يهيئ الحائط) ش: أي الجزء: 13 ¦ الصفحة: 248 لانعدام التعدي. قال: ولو بنى الحائط مائلا في الابتداء. . . قالوا: يضمن ما تلف بسقوطه من غير إشهاد؛ لأن البناء تعد ابتداء كما في إشراع الجناح. قال: وتقبل شهادة رجلين أو رجل وامرأتين على التقدم لأن هذه ليست بشهادة على القتل. وشرط الترك في مدة يقدر على نقضه فيها لأنه لا بد من إمكان النقض ليصير بتركه جانيا، ويستوي أن يطالبه بنقضه مسلم أو ذمي؛ لأن الناس كلهم شركاء في المرور، فيصح التقدم إليه من كل واحد منهم، رجلا كان أو امرأة، حرا كان أو مكاتبا. ويصح التقدم إليه عند السلطان وغيره؛ لأنه مطالبة بالتفريغ فينفرد كل صاحب حق به قال: وإن مال إلى دار رجل فالمطالبة إلى.   [البناية] قبل أن يميل الحائط إلى السقوط وهو من وهي يهي، أصله يوهي فحذفت الواو فصار يهي، وذلك لوقوع الواو بين الياء والكسرة كما في يعد أصله يوعد م: (لانعدام التعدي) . ش: أي قيل: وهي الحائط إلى السقوط م: (قال: ولو بنى الحائط مائلا في الابتداء قالوا) ش: أي المشايخ م: (يضمن ما تلف بسقوطه من غير إشهاد؛ لأن البناء تعد ابتداء) ش: أي في ابتداء الأمر م: (كما في إشراع الجناح) ش: أي لا يعد فيه ابتداء م: (قال وتقبل شهادة رجلين أو رجل وامرأتين على التقدم؛ لأن هذه ليست بشهادة على القتل) ش: يعني لو كانت شهادة على نفس القتل لم يقبل شهادة النساء بشبهة البدلية بل هي شهادة على ميلان الحائط فتقبل شهادة رجل وامرأتين. م: (وشرط الترك) ش: أي بشرط القدوري ترك النقض م: (في مدة يقدر على نقضه فيها لأنه لا بد من إمكان النقض ليصير بتركه جانيا) ش: لأنه ربما لا يتمكن من النقض إما لجهله بذلك أو لعدم الآلة، فلا بد من زمان يقدر فيه على النقض حتى يكون بتركه بعد ذلك متعديا م: (ويستوي أن يطالبه بنقضه مسلم أو ذمي؛ لأن الناس كلهم شركاء في المرور، فيصح التقدم إليه من كل واحد منهم، رجلا كان أو امرأة، حرا كان أو مكاتبا) . ش: وقال الأقطع في " شرحه ": وكذلك لو طالبت به امرأة أو صبي أو غريب من بلد آخر؛ لأن جميع هؤلاء لهم المرور في الطريق فصحت مطالبتهم. وفي " شرح الطحاوي ": والخصومة إلى كل واحد من الناس، مسلما كان أو ذميا بعد أن يكون حرا بالغا عاقلا، أو كان صغيرا أذن له وليه في الخصومة أو كان عبدا أذن له مولاه. م: (ويصح التقدم إليه) ش: أي إلى صاحب الحائط م: (عند السلطان وغيره) ش: أي وغير السلطان م: (لأنه مطالبة بالتفريغ فينفرد كل صاحب حق به) ش: أي بالطلب حتى إذا لم يأخذ في نقضه عند ذلك فهو ضامن لما أصاب. [أشرع جناحا إلى الطريق ثم باع الدار فأصاب الجناح رجلا] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن مال) ش: أي الحائط م: (إلى دار رجل فالمطالبة إلى الجزء: 13 ¦ الصفحة: 249 مالك الدار خاصة لأن الحق له على الخصوص، وإن كان فيها سكان لهم أن يطالبوه لأن لهم المطالبة بإزالة ما شغل الدار، فكذا بإزالة ما شغل هواءها ولو أجله صاحب الدار أو أبرأه منها أو فعل ذلك ساكنوها فذلك جائز ولا ضمان عليه فيما تلف بالحائط لأن الحق لهم، بخلاف ما إذا مال إلى الطريق فأجله القاضي أو من أشهد عليه حيث لا يصح لأن الحق لجماعة المسلمين وليس إليهما إبطال حقهم، ولو باع الدار بعدما أشهد عليه وقبضها المشتري برئ من ضمانه؛ لأن الجناية بترك الهدم مع تمكنه، وقد زال تمكنه بالبيع، بخلاف إشراع الجناح لأنه كان جانيا بالوضع ولم ينفسخ بالبيع فلا يبرأ على ما ذكرنا، ولا ضمان على المشتري لأنه لم يشهد عليه، ولو أشهد عليه بعد شرائه فهو ضامن لتركه التفريغ مع تمكنه بعدما طولب به، والأصل: أنه يصح التقدم إلى كل من يتمكن من نقض الحائط وتفريغ الهواء، ومن لا يتمكن منه لا يصح التقدم إليه كالمرتهن والمستأجر والمودع وساكن الدار. ويصح التقدم إلى الراهن لقدرته على ذلك بواسطة الفكاك.   [البناية] مالك الدار خاصة لأن الحق له على الخصوص، وإن كان فيها) ش: أي في الدار م: (سكان لهم) ش: كالمستأجر والمستعير لهم م: (أن يطالبوه لأن لهم المطالبة بإزالة ما شغل الدار فكذا بإزالة ما شغل هواءها، ولو أجله صاحب الدار) ش: يعني إذا كان الميلان إلى دار رجل فأجله صاحب الدار م: (أو أبرأه منها) ش: أي من الجناية م: (أو فعل ذلك) ش: أي التأجيل م: (ساكنوها فذلك) ش: أي التأجيل أو الإبراء م: (جائز ولا ضمان عليه فيما تلف بالحائط لأن الحق لهم، بخلاف ما إذا مال إلى الطريق فأجله القاضي أو من أشهد عليه حيث لا يصح لأن الحق لجماعة المسلمين وليس إليهما إبطال حقهم) ش: أي حق جماعة المسلمين. م: (ولو باع الدار بعدما أشهد عليه وقبضها المشتري برئ) ش: أي البائع م: (من ضمانه لأن الجناية بترك الهدم مع تمكنه، وقد زال تمكنه بالبيع، بخلاف إشراع الجناح لأنه كان جانيا بالوضع ولم ينفسخ بالبيع فلا يبرأ على ما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله في باب ما يحدثه الرجل في الطريق: ولو أشرع جناحا إلى الطريق ثم باع الدار فأصاب الجناح رجلا فالضمان على البائع. م: (ولا ضمان على المشتري لأنه لم يشهد عليه. ولو أشهد عليه بعد شرائه فهو ضامن لتركه التفريغ مع تمكنه بعد ما طولب به، والأصل) ش: في هذا الباب م: (أنه يصح التقدم إلى كل من يتمكن من نقض الحائط وتفريغ الهواء ومن لا يتمكن منه لا يصح التقديم إليه كالمرتهن والمستأجر والمودع وساكن الدار) ش: وفي بعض النسخ وسكان الدار م: (ويصح التقدم إلى الراهن لقدرته على ذلك بواسطة الفكاك) ش: أي فكاك الرهن. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 250 وإلى الوصي وإلى أب اليتيم أو أمه في حفظ الصبي لقيام الولاية، وذكر الأم في الزيادات والضمان في مال اليتيم لأن فعل هؤلاء كفعله، وإلى المكاتب لأن الولاية له.   [البناية] فإن قلت: لو كان الراهن مفلسا لا يقدر على قضاء الدين؟ قلت: يبيع الدار ويقضي الدين من ثمنها حتى ينقضه المشتري. فإن قلت: من لم يجد من يشتري؟ قلت: سئل الجصاص عن هذه المسألة بعينها؛ قال: يكون التقدم إليه وإلى الأجنبي سواء، ويجوز أن يتقدم إليه برفع الأمر إلى القاضي بأمر المرتهن بتمكنه من النقض إن كان المرتهن حاضرا وإن كان غائبا يأذن له بالنقض. وإذا ترك ذلك فأمكنه النقض بهذا الطريق يكون متعديا، الكل من تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإلى الوصي) ش: أي ويصح التقدم أيضا إلى الوصي م: (وإلى أب اليتيم) ش: قال شيخنا العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المراد من اليتيم الصبي لأن اليتيم لا أب له والمراد من الأب الجد، لأن الجد يسمى الأب عند عدم الأب م: (أو أمه) ش: أي أو الصبي م: (في حفظ الصبي لقيام الولاية) ش: للوصي والأب والأم م: (وذكر الأم في الزيادات) ش: يعني إذا تقدم إلى أم الصبي في حائط مال لصغير لزم الضمان. قال الأترازي: وفيه نظر لأنه لم يذكر في الزيادات الأم، بل ذكر الأب، والوصي كما ذكر في الأصل. فقال في " الزيادات ": حائط الصبي أشهد على أبيه أو على وصيه، فالضمان على أبيه أو عاقلة الصبي، فإن لم يسقط حتى كبر أو مات من أشهد عليه لم يكن فيه ضمان حتى يستأنف الإشهاد. وإن أشهد على صحيح في حائط ثم جزأ وارتد ولحق بدار الحرب بطل الإشهاد، إلى هنا لفظ زيادات محمد برواية الزعفراني - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [مكاتب له حائط مائل إلى الطريق الأعظم فأشهد عليه ثم سقط فأتلف إنسانا] م: (والضمان في مال اليتيم لأن فعل هؤلاء) ش: أي فعل الوصي والأب والأم م: (كفعله) ش: أي كفعل الصبي والتقدم إليهم كالتقدم إلى الصبي م: (وإلى المكاتب) ش: أي يصح التقدم إلى المكاتب في حائط له مائل م: (لأن الولاية له) ش: أي للمكاتب. قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الزيادات ": مكاتب له حائط مائل إلى الطريق الأعظم فأشهد عليه ثم سقط فأتلف إنسانا. فعلى المكاتب الأقل من قيمته ومن دية المقتول، فإن أدى المكاتب فعتق ثم سقط فأتلف إنسانا ففيه دية القتل على عاقلة مولاه. وقال: وإذا عجز المكاتب ثم سقط الحائط المائل فأتلف إنسانا فدمه هدر ولا شيء على المولى لعدم الإشهاد عليه م: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 251 وإلى العبد التاجر سواء أكان عليه دين أو لم يكن؛ لأن ولاية النقض له ثم التالف بالسقوط إن كان مالا فهو في عنق العبد، وإن كان نفسا فهو على عاقلة المولى؛ لأن الإشهاد من وجه على المولى وضمان المال أليق بالعبد، وضمان النفس بالمولى ويصح التقدم إلى أحد الورثة في نصيبه وإن كان لا يتمكن من نقض الحائط وحده لتمكنه من إصلاح نصيبه بطريقه وهو المرافعة إلى القاضي، ولو سقط الحائط المائل على إنسان بعد الإشهاد فقتله فتعثر بالقتيل غيره فعطب لا يضمنه لأن التفريغ عنه إلى الأولياء، لا إليه. قال: وإن عطب بالنقض ضمنه لأن التفريغ إليه، إذ النقض ملكه والإشهاد على الحائط إشهاد على النقض، لأن المقصود امتناع الشغل، قال: ولو عطب بجرة كانت على الحائط فسقطت بسقوطه وهي ملكه ضمنه لأن   [البناية] وإلى العبد التاجر) ش: أي يصح التقدم إلى العبد التاجر في الحائط المائل م: (سواء أكان عليه دين أو لم يكن؛ لأن ولاية النقض له ثم التالف بالسقوط إن كان مالا فهو في عنق العبد) ش: حتى يباع فيه كديون التجارة م: (وإن كان) ش: أي التالف م: (نفسا فهو على عاقلة المولى؛ لأن الإشهاد من وجه على المولى) ش: لأن الحائط مملوك المولى والعبد متصرف للمولى م: (وضمان المال أليق بالعبد) ش: لأنه ملحق بالأموال م: (وضمان النفس) ش: أليق م: (بالمولى) ش: لأن دية العبد غير قابلة لموجب جناية الدم لأنه يشبه الصلاة والعبد ليس بأهل لذلك. [سقط الحائط المائل على إنسان بعد الإشهاد فقتله فتعثر بالقتيل غيره فعطب] م: (ويصح التقدم إلى أحد الورثة في نصيبه وإن كان لا يتمكن من نقض الحائط وحده لتمكنه من إصلاح نصيبه بطريقه وهو المرافعة إلى القاضي) ش: بمطالبة شركائه، وحيث لم يفعل ذلك صار مفرطا فوجب الضمان بقسطه م: (ولو سقط الحائط المائل على إنسان بعد الإشهاد فقتله فتعثر بالقتيل غيره فعطب، لا يضمنه) ش: أي لا يضمن صاحب الحائط الذي تعثر فهلك م: (لأن التفريغ عنه إلى الأولياء لا إليه) ش: أي التفريغ عن القتيل الأول مفوض إلى الأولياء لأنهم الذين يتولون دفنه لا إلى صاحب الحائط. م: (قال: وإن عطب النقض ضمنه) ش: أي صاحب الحائط م: (لأن التفريغ إليه) ش: أي لأن تفريغ الطريق عن نقض الحائط إلى صاحب الحائط م: (إذ النقض ملكه والإشهاد على الحائط. إشهاد على النقض؛ لأن المقصود امتناع الشغل) ش: عن الهواء. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يضمن صاحب الحائط إلا إذا تقدم إليه بعد سقوط النقض بالتفريغ. وروي عن محمد أنه يضمن، وإن لم يتقدم إليه التفريغ م: (قال: ولو عطب بجرة كانت على الحائط فسقطت بسقوطه) ش: أي بسقوط الحائط م: (وهي) ش: أي الجرة م: (ملكه ضمنه لأن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 252 التفريغ إليه، وإن كان ملك غيره لا يضمنه لأن التفريغ إلى مالكها. قال: وإذا كان الحائط بين خمسة رجال أشهد على أحدهم فقتل إنسانا ضمن خمس الدية، ويكون ذلك على عاقلته، وإن كانت دار بين ثلاثة نفر فحفر أحدهم فيها بئرا والحفر كان بغير رضا الشريكين الآخرين، أو بنى حائطا فعطب به إنسانا فعليه ثلثا الدية على عاقلته، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: عليه نصف الدية على عاقلته في الفصلين، لهما أن التلف بنصيب من أشهد عليه معتبر وبنصيب من لم يشهد عليه هدر، فكانا قسمين فانقسم نصفين كما مر في عقر الأسد ونهش الحية وجرح الرجل. وله أن الموت حصل بعلة واحدة وهو الثقل المقدر والعمق المقدر.   [البناية] التفريغ إليه وإن كان) ش: أي الجرة م: (ملك غيره لا يضمنه لأن التفريغ إلى مالكها) . ش: وفي بعض النسخ: إذا كانت الجرة على تأويل المسمى، قوله: لا يضمنه، أي لا يضمن صاحب الحائط لو عثر إنسان على الجرة، ولا يضمن صاحب الجرة لأنه لم يوجد الإشهاد عليه حتى لو كانت الجرة لصاحب الحائط يضمن لقدرته على رفعها كالنقض. وفي " المبسوط ": وضع شيئا على حائطه فدفع ذلك الشيء فأصاب إنسانا، فلا ضمان عليه لأنه وضعه في ملكه فلا يكون معتديا فيما يحدثه سواء كان الحائط مائلا أو لم يكن؛ لأن في الوضعين لا يكون ممنوعا من وضع متاعه على ملكه، ولكن ذكر في " المبسوط " سقوط الجرة فقط. وفي رواية الكتاب ذكر سقوط الحائط مع سقوط الجرة. [الحائط بين خمسة رجال أشهد على أحدهم فقتل إنسانا] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان الحائط بين خمسة رجال أشهد على أحدهم فقتل إنسانا ضمن خمس الدية ويكون ذلك على عاقلته وإن كانت دار بين ثلاثة نفر فحفر أحدهما فيها بئرا والحفر كان بغير رضاء الشريكين الآخرين، أو بنى حائطا فعطب به إنسانا، فعليه ثلثا الدية على عاقلته، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . م: (وقالا: عليه نصف الدية على عاقلته في الفصلين) ش: أي في فصل الحائط المشترك بين خمسة وفصل دار بين ثلاثة نفر، وبه قال أحمد. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد: م: (أن التلف بنصيب من أشهد عليه معتبر وبنصيب من لم يشهد عليه هدر فكانا قسمين فانقسم نصفين كما مر في عقر الأسد ونهش الحية وجرح الرجل) . ش: فإنه يكون نصفين النصف على الخارج والنصف هدر م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الموت حصل بعلة واحدة وهو الثقل المقدر) ش: أراد بالقتل المهلك م: (والعمق المقدر) ش: المهلك لا مجرد الثقل، ومجرد العمق لأن اليسير من ذلك لا يصلح علة للتلف. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 253 لأن أصل ذلك ليس بعلة وهو القليل حتى يعتبر كل جزء علة فتجتمع العلل، وإذا كان كذلك يضاف إلى العلة الواحدة ثم تقسم على أربابها بقدر الملك بخلاف الجراحات، فإن كل جراحة علة للتلف بنفسها صغرت أو كبرت على ما عرف، إلا أن عند المزاحمة أضيف إلى الكل لعدم الأولوية.   [البناية] م: (لأن أصل ذلك ليس بعلة وهو القليل حتى يعتبر كل جزء علة فتجتمع العلل وإذا كان كذلك يضاف إلى العلة الواحدة ثم تقسم على أربابها بقدر الملك بخلاف الجراحات، فإن كل جراحة علة للتلف بنفسها صغرت) ش: أي الجراحة م: (أو كبرت على ما عرف، إلا أن عند المزاحمة أضيف إلى الكل لعدم الأولوية) ش: في الإضافة إلى البعض. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 254 باب جناية البهيمة والجناية عليها قال: الراكب ضامن لما أوطأت الدابة ما أصابت بيدها أو رجلها أو رأسها أو كدمت أو خبطت وكذا إذا صدمت، ولا يضمن ما نفحت برجلها أو ذنبها. والأصل أن المرور في طريق المسلمين مباح مقيد بشرط السلامة؛ لأنه يتصرف في حقه من وجه، وفي حق غيره من وجه لكونه مشتركا بين كل الناس، فقلنا بالإباحة مقيدا بما ذكرنا ليعتدل النظر من الجانبين ثم إنما يتقيد بشرط السلامة فيما يمكن الاحتراز عنه، ولا يتقيد بها فيما لا يمكن التحرز عنه لما فيه من المنع عن.   [البناية] [باب جناية البهيمة والجناية عليها] [جناية البهيمة من يضمنها] م: (باب جناية البهيمة والجناية عليها) ش: أي هذا باب في بيان أحكام جناية البهيمة وفي بيان جناية الآدمي على البهيمة وكان من حق هذا الباب أن يذكر بعد جناية المملوك لتفضيل النطق في المملوك الذي هو العبد، ولكن لما كانت البهيمة ملحقة بالجمادات من حيث عدم الفعل والنطق ألحق هذا الباب بباب ما يحدثه الرجل في الطريق. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (الراكب ضامن لما أوطأت الدابة ما أصابت بيدها أو رجلها أو رأسها أو كدمت أو خبطت) ش: الكدم العض بمقدم الأسنان كما يكدم الحمار، والخبط الضرب باليد. م: (وكذا) ش: أي وكذا يضمن الراكب م: (إذا صدمت) ش: الصدم: الضرب بالجسد، ومنه: إذا قتل الكلب الصيد صدما لا يؤكل. واصطدم الفارسان يعني: ضرب أحدهما الآخر بنفسه م: (ولا يضمن ما نفحت برجلها أو ذنبها) ش: نفحت الدابة الشيء إذا ضربته بحافرها. م: (والأصل) ش: أي في هذا: م: (أن المرور في طريق المسلمين مباح مقيد بشرط السلامة؛ لأنه يتصرف في حقه من وجه، وفي حق غيره من وجه لكونه مشتركا بين كل الناس، فقلنا بالإباحة مقيدا بما ذكرنا) ش: من شرط السلامة م: (ليعتدل النظر من الجانبين) ش: أي من بين صاحب الدابة وجانب الرجل الذي جني عليه من جهة الدابة، ولا يضمن ما كان من الغبار بالمشي أو بسير الدابة لأنه لا يمكن الاحتراز عنه. وكذا ما أثارت الدابة بسنابكها من الحصى الصغار لأنه لا يمكن أن يحترز عنه في السير. فأما الحصى الكبار فإن الراكب يضمن ما تولد منه لأن ذلك لا يكون إلا بالعنف على الدابة في السير وقالوا في شروح " الجامع الصغير ": وإن أوقفها في الطريق ضمن النفحة أيضا م: (ثم إنما يتقيد بشرط السلامة فيما يمكن الاحتراز عنه، ولا يتقيد بها فيما لا يمكن التحرز عنه لما فيه من المنع عن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 255 التصرف وسد بابه وهو مفتوح، والاحتراز عن الإبطاء وما يضاهيه ممكن، فإن ليس من ضرورات التسيير فقيدناه بشرط السلامة عنه والنفحة بالرجل والذنب ليس يمكنه الاحتراز عنه مع السير على الدابة فلم يتقيد به. قال: فإن أوقفها في الطريق، ضمن النفحة أيضا لأنه يمكنه التحرز عن الإيقاف، وإن لم يمكنه عن النفحة فصار متعديا في الإيقاف وشغل الطريق به: فيضمنه. قال: وإن أصابت بيدها أو برجلها حصاة أو نواة، أو أثارت غبارا أو حجرا صغيرا ففقأ عين إنسان أو فسد ثوبه لم يضمن، وإن كان حجرا كبيرا ضمن؛ لأنه في الوجه الأول لا يمكن التحرز عنه إذ سير الدواب لا يعرى عنه، وفي الثاني ممكن لأنه ينفك عن السير عادة. وإنما ذلك بتعنيف الراكب، والمرتدف فيما ذكرنا كالراكب لأن المعنى لا يختلف.   [البناية] التصرف وسد بابه) ش: أي باب التصرف م: (وهو مفتوح) ش: أي والحال أنه مفتوح. م: (والاحتراز عن الإبطاء وما يضاهيه) ش: أي وما يشابهه م: (ممكن فإنه ليس من ضرورات التسيير فقيدناه بشرط السلامة عنه والنفحة بالرجل والذنب ليس يمكنه الاحتراز عنه مع السير على الدابة فلم يتقيد به) ش: أي بشرط السلامة. م: (قال: فإن أوقفها في الطريق، ضمن النفحة أيضا لأنه يمكنه التحرز عن الإيقاف، وإن لم يمكنه عن النفحة فصار متعديا في الإيقاف وشغل الطريق به فيضمنه) ش: ولو كانت سائرة وصاحبها معها قائدا أو سائقا أو راكبا تضمن جميع ما جنت إلا النفحة بالرجل أو الذنب. وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وعند الشافعي وأحمد - رحمهما الله في رواية: يضمنها أيضا وهو قول ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يضمنها. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإن أصابت بيدها أو برجلها حصاة أو نواة، أو أثارت غبارا أو حجرا صغيرا ففقأ عين إنسان أو أفسد ثوبه لم يضمن، وإن كان حجرا كبيرا ضمن لأنه في الوجه الأول) ش: وهو ما إذا كان الحجر صغيرا م: (لا يمكن التحرز عنه إذ سير الدواب لا يعرى عنه وفي الثاني) ش: وهو ما إذا كان الحجر كبيرا م: (ممكن) ش: أي الاحتراز م: (لأنه ينفك عن السير عادة وإنما ذلك) ش: لأن الظاهر أنه نشأ م: (بتعنيف الراكب) ش: في أمر السوق فيوصف بالتعدي، فيؤخذ به. م: (المرتدف فيما ذكرنا كالراكب) ش: أراد بالمرتدف، الرديف، وقوله فيما ذكرنا يعني في موجب الجناية م: (لأن المعنى لا يختلف) ش: لأن الدابة في أيديهما ويسيرانها ويوجهانها كيف شاءوا، هذا ويروى عن شريح: وتجب الكفارة عليهما، لأنهما كذا بخلاف القائد والسائق كذا في " المبسوط "، وبه قال مالك وقال الشافعي وأحمد وإسحاق - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يضمن الرديف. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 256 قال: فإن راثت أو بالت في الطريق وهي تسير، فعطب به إنسان لم يضمن لأنه من ضرورات السير فلا يمكنه الاحتراز عنه. قال: وكذا إذا أوقفها لذلك لأن من الدواب ما لا يفعل ذلك إلا بالإيقاف. وإن أوقفها لغير ذلك فعطب إنسان بروثها أو بولها ضمن لأنه متعد في هذا الإيقاف لأنه ليس من ضرورات السير " ثم هو أكثر ضررا بالمارة من السير لما أنه أدوم منه، فلا يلحق به. قال: والسائق ضامن لما أصابت بيدها أو رجلها والقائد ضامن لما أصابت بيدها دون رجلها. والمراد النفحة. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هكذا ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " وإليه مال بعض المشايخ. ووجهه: أن النفحة بمرأى عين السائق فيمكنه الاحتراز عنه وغائب عن بصر القائد فلا يمكنه التحرز عنه. وقال أكثر المشايخ: إن السائق لا يضمن النفحة أيضا، وإن كان يراها، إذ ليس على رجلها ما يمنعها به فلا يمكن التحرز عنه، بخلاف الكدم.   [البناية] وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أرجو أن لا شيء عليه إذا كان أمامه من يمسك العنان [راثت الدابة في الطريق وهي تسيرفعطب به إنسان] م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإن راثت أو بالت في الطريق وهي تسير، فعطب به إنسان لم يضمن لأنه من ضرورات السير، فلا يمكنه الاحتراز عنه. قال: وكذا) ش: أي لا يضمن م: (إذا أوقفها) ش: أي الدابة م: (لذلك) ش: أي لأجل البول أو الروث. م: (لأن من الدواب ما لا يفعل ذلك) ش: أي البول وإلقاء الروث م: (إلا بالإيقاف وإن أوقفها لغير ذلك) ش: أي لغير البول ورمى الروث م: (فعطب إنسان بروثها أو بولها ضمن لأنه متعد في هذا الإيقاف لأنه ليس من ضرورات السير، ثم هو) ش: أي الإيقاف م: (أكثر ضررا بالمارة من السير لما أنه أدوم منه) ش: أي من السير م: (فلا يلحق به) ش: أي بالسير والأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لا يفرقون ويوجبون الضمان بالروث والبول في الطريق مطلقا. وقال ابن قدامة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقياس المذهب أنه لا يضمن ما تلف بذلك لأنه لا يمكن الاحتراز عنه م: (والسائق ضامن لما أصابت بيدها أو رجلها، والقائد ضامن لما أصابت بيدها دون رجلها) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والمراد النفحة) ش: أي المراد من قوله أو رجلها النفحة بالرجل. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هكذا ذكر، القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره "، وإليه مال بعض المشايخ) ش: أي بعض مشايخ الطرق م: (ووجهه) ش: أي وجه ما ذكره القدوري م: (أن النفحة بمرأى عين السائق فيمكنه الاحتراز عنه وغائب عن بصر القائد فلا يمكنه التحرز عنه وقال أكثر المشايخ) ش: أي مشايخ ديارنا، ذكره في " الذخيرة " وهم مشايخ ما وراء النهر م: (إن السائق لا يضمن النفحة أيضا وإن كان يراها، إذ ليس على رجلها ما يمنعها به فلا يمكن التحرز عنه، بخلاف الكدم الجزء: 13 ¦ الصفحة: 257 لإمكانه كبحها بلجامها، وبهذا ينطق أكثر النسخ وهو الأصح. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمنون النفحة كلهم؛ لأن فعلها مضاف إليهم والحجة عليه ما ذكرنا. وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الرجل جبار» ومعناه: النفحة بالرجل، وانتقال الفعل بتخويف القتل كما في المكره، وهذا تخويف بالضر   [البناية] لإمكانه كبحها بلجامها) ش: يقال: كبح الدابة بلجامها هو أن يجذبها إلى نفسه لتقف. م: (وبهذا) ش: أي بقول أكثر المشائخ م: (ينطق أكثر النسخ) ش: أي نسخ القدوري م: (وهو الأصح. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمنون النفحة كلهم) ش: أي الراكب والسائق والقائد. وبه قال مالك وأحمد وابن أبي ليلى - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لأن فعلها) ش: أي فعل الدابة م: (مضاف إليهم) ش: أي إلى الراكب والسائق والقائد. م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ما ذكرنا) ش: أشار إلى قوله: وغائب عن بصر القائد فلا يمكنه التحرز عنه م: (وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: عطف على قوله ما ذكرناه أي الحجة عليه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «الرجل جبار» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي - رحمهما الله - عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الرجل جبار» . وقال الخطابي: تكلم الناس في هذا الحديث. قيل إنه غير محفوظ، وسفيان بن حسين معروف بسوء الحفظ. قلت: استشهد به البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأخرج له مسلم - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المقدمة، ورواه محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " الآثار ": أخبرنا أبو حنيفة، حدثنا حماد، عن إبراهيم النخعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العجماء جبار والقليب جبار والرجل جبار والمعدن جبار. وفي الركاز الخمس» وهو يفصل قوله جبار ( ...... ) : أي هذا يعني النفحة هدر وهو معنى قوله م: (ومعناه النفحة بالرجل) . ش: لأن الوطء مضمون بالإجماع م: (وانتقال الفعل) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن فعلها يضاف إليهم بالقياس على الإكراه بيانه أن انتقال الفعل إلى غيره إنما يكون م: (بتخويف القتل كما في المكره، وهذا تخويف بالضرب) ش: لأن القتل لا يلحق به. قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه ضعف لأنه لم يقل بذلك قياسا على الإكراه، وإنما قال بناء على أصل آخر وهو أن سير الدابة مضاف إلى راكبها ولا كلام فيه، وإنما الكلام في النفحة، ومع الجزء: 13 ¦ الصفحة: 258 قال: وفي " الجامع الصغير ": وكل شيء ضمنه الراكب ضمنه السائق والقائد لأنهما مسببان بمباشرتهما شرط التلف وهو تقريب الدابة إلى مكان الجناية فيتقيد بشرط السلامة فيما يمكن الاحتراز عنه كالراكب، قال: إلا أن على الراكب الكفارة فيما أوطأته الدابة بيدها أو برجلها. قال: ولا كفارة عليهما ولا على الراكب فيما وراء الإيطاء لأن الراكب مباشر فيه؛ لأن التلف بثقله وثقل الدابة تبع له؛ لأن سير الدابة مضاف إليه وهي آلة له وهما مسببان لأنه لا يتصل منهما إلى المحل شيء، وكذا الراكب في غير الإيطاء والكفارة حكم المباشرة لا حكم التسبيب، وكذا يتعلق بالإيطاء في حق الراكب حرمان الميراث والوصية دون السائق والقائد لأنه يختص بالمباشرة قال: ولو كان راكب وسائق، قيل: لا.   [البناية] ذلك لا يخلو عن ضعف. والجواب القوي: ما ذكره بقوله: والحجة عليه ما ذكرنا. وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الرجل جبار» . [سار في ملكه على دابته فوطئت بيدها أو رجلها وقتلت] م: (قال: وفي " الجامع الصغير ") ش: إنما أتى برواية " الجامع الصغير " لاشتمالها على الضابط الكلي وبيان الكفارة م: (وكل شيء ضمنه الراكب ضمنه السائق والقائد لأنهما مسببان بمباشرتهما شرط التلف وهو تقريب الدابة إلى مكان الجناية فيتقيد بشرط السلامة فيما يمكن الاحتراز عنه كالراكب قال: إلا أن على الراكب الكفارة فيما أوطأته الدابة بيدها أو برجلها. قال: ولا كفارة عليهما) ش: أي على القائد والسائق. م: (ولا على الراكب فيما وراء الإيطاء) ش: كالنفحة بالرجل والذنب في ذلك، وإنما الكفارة عليه في الإيطاء، لأنه مباشر فيه، وهو معنى قوله: م: (لأن الراكب مباشر فيه؛ لأن التلف بثقله وثقل الدابة تبع له؛ لأن سير الدابة مضاف إليه) ش: أي إلى الراكب. ألا ترى أنه يقال: سار فرسخا، وإن كان هو جالسا في سرجه لا يتحرك؟! ولهذا، لو سار في ملكه على دابته فوطئت - بيدها أو رجلها وقتلت، فعليه الكفارة والدية، إذ المباشرة في الملك وغيره سواء ذكره في " المبسوط " م: (وهي آلة له) ش: أي الدابة آلة للركب م: (وهما) ش: أي السائق والقائد م: (مسببان لأنه لا يتصل منهما إلى المحل شيء) ش: أي إلى محل الهلاك م: (وكذا الراكب في غير الإيطاء) ش: أي لا كفارة عليه في غير الإيطاء " لأنه سبب في ذلك. م: (والكفارة حكم المباشرة لا حكم التسبيب) ش: فيجب عليه الكفارة في الإيطاء، لأنه مباشر فيه م: (وكذا يتعلق بالإيطاء في حق الراكب حرمان الميراث والوصية دون السائق والقائد لأنه) ش: لأن كل واحد من حرمان الميراث والوصية م: (يختص بالمباشرة قال: ولو كان راكب وسائق. قيل: لا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 259 يضمن السائق ما أوطأت الدابة لأن الراكب مباشر فيه لما ذكرناه، والسائق مسبب، والإضافة إلى المباشر أولى، وقيل: الضمان عليهما لأن كل ذلك سبب الضمان. قال: وإذا اصطدم فارسان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر، وقال زفر والشافعي - رحمهما الله يجب على عاقلة كل واحد منهما نصف دية الآخر؟ لما روي ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولأن كل واحد منهما مات بفعله وفعل صاحبه لأنه بصدمته آلم نفسه وصاحبه، فيهدر نصفه ويعتبر نصفه كما إذا كان الاصطدام عمدا، أو جرح كل واحد منهما نفسه وصاحبه جراحة، أو حفرا على قارعة الطريق بئرا فانهار عليهما، يجب على كل واحد منهما النصف، فكذا هذا.   [البناية] يضمن السائق ما أوطأت الدابة لأن الراكب مباشر فيه لما ذكرناه) ش: من قوله، لأن التلف بثقله م: (والسائق مسبب والإضافة إلى المباشر أولى) ش: لأنه لا عبرة للتسبب مع المباشرة. ألا ترى إلى الدفع مع الحفر م: (وقيل: الضمان عليهما) ش: أي على الراكب والسائق م: (لأن كل ذلك سبب الضمان) ش: أي كل واحد منهما بانفراده عامل في الإتلاف، لأن كل واحد لو انفرد أوجب الضمان. وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": ولو أمر بنخسها وهو يسير فوطئت إنسانا فقتلته، فالدية عليهما نصفان، لأنهما الآن راكب وسائق يعني أن الناخس كالسائق ولو كان ثمة سائق وراكب مشتركان في الضمان. وكذا الناخس، يعني أن الناخس كالسائق، وقال الإمام الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فإن كان سائق وراكب، أو سائق وقائد أو راكب وقائد فالضمان عليهما جميعا، غير أن الكفارة على الراكب وحده. [اصطدم فارسان فماتا] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (وإذا اصطدم فارسان) ش: تقييد بالفارسين اتفاقي، إلا أن الحكم في الماشيين كذلك أو قيده بحسب الغالب م: (فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر، وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: يجب على عاقلة كل واحد منهما نصف دية الآخر) ش: به قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لما روي ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: هذا غريب على ما نبينه إن شاء الله تعالى. م: (ولأن كل واحد منهما مات بفعله وفعل صاحبه لأنه بصدمته آلم نفسه وصاحبه، فيهدر نصفه ويعتبر نصفه، كما إذا كان الاصطدام عمدا أو جرح كل واحد منهما نفسه وصاحبه جراحة أو حفرا على قارعة الطريق بئرا فانهارا) ش: أي سقط م: (عليهما، يجب على كل واحد منهما النصف، فكذا هذا) ش: وهذا الذي ذكره زفر والشافعي - رحمهما الله - هو القياس، والاستحسان ما ذكره الجزء: 13 ¦ الصفحة: 260 ولنا: أن الموت مضاف إلى فعل صاحبه؛ لأن فعله في نفسه مباح وهو المشي في الطريق فلا يصلح مستندا. للإضافة في حق الضمان كالماشي إذا لم يعلم بالبئر ووقع فيها لا يهدر شيء من دمه وفعل صاحبه وإن كان مباحا، لكن الفعل المباح في غيره سبب للضمان كالنائم إذا انقلب على غيره. وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه أوجب على كل واحد منهما كل الدية، فتعارضت روايتاه فرجحنا بما ذكرنا، وفيما ذكر من المسائل الفعلان محظوران فوضح الفرق،   [البناية] أصحابنا وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قوله. م: (ولنا: أن الموت مضاف إلى فعل صاحبه؛ لأن فعله في نفسه مباح، وهو المشي في الطريق فلا يصلح مستندا للإضافة في حق الضمان كالماشي إذا لم يعلم بالبئر ووقع فيها لا يهدر شيء من دمه) ش: بأن يقال: لولا مشيه لم يقع في البئر، فكذا هنا لا يهدر شيء من دمه أيضا بأن يقال: لولا تقرب به نفسه من الصدوم لم يهلك. م: (وفعل صاحبه وإن كان مباحا لكن الفعل المباح في غيره) ش: أي في غير نفسه م: (سبب للضمان كالنائم إذا انقلب على غيره) ش: فأهلكه: يجب عليه الضمان. م: (وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أوجب على كل واحد منهما كل الدية) ش: هذا رواه، ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه ": حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن أشعث، عن حماد عن إبراهيم، عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: في فارسين اصطدما فمات أحدهما: أنه ضمن الحي للميت م: (فتعارضت روايتاه) ش: أي رواية علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (فرجحنا) ش: أي هذه الرواية م: (بما ذكرنا) ش: من الدليل. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذ يقول ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أوجب النصف " محمول على ما إذا كانا عامدين؟ حيث يجب نصف دية كل منهما في العمد كما ذكر في الكتاب. قلت: هذا كله تكلف، وقد ذكرنا أن الذي احتج به زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - المذكور غريب، يعني لم يثبت، فمن أين يأتي التعارض أو لم يؤول، وهذا من قلة الاطلاع في كتب الأحاديث. م: (وفيما ذكر) ش: أي الخصم م: (من المسائل) ش: المذكورة م: (الفعلان) ش: وهما: الاصطدام عمدا والجرح م: (محظوران) ش: أي غير مشروعين إذا كان كذلك م: (فوضح الفرق) ش: بين المقيس والمقيس عليه. وفي " الأجناس ": قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في - نوادر هشام ": في رجلين علوا حبلا، فوقعا على وجههما جميعا فماتا، إنه يضمن كل أحد منهما دية صاحبه، ولو وقع الجزء: 13 ¦ الصفحة: 261 هذا الذي ذكرنا إذا كانا حرين في العمد والخطأ " ولو كانا عبدين يهدر الدم في الخطأ؛ لأن الجناية تعلقت برقبته دفعا وفداء، وقد فاتت لا إلى خلف من غير فعل المولى فهدر ضرورة وكذا في العمد؛ لأن كل واحد منهما هلك بعد ما جنى ولم يخلف بدلا. ولو كان أحدهما حرا والآخر عبدا، ففي الخطأ تجب على عاقلة الحر المقتول قيمة العبد فيأخذها ورثة المقتول الحر، ويبطل حق الحر المقتول في الدية فيما زاد على القيمة؛ لأن على أصل أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - تجب القيمة على العاقلة.   [البناية] أحدهما على قفاه والآخر على وجهه فماتا، ضمن صاحب القفا دية صاحب الوجه، ولو انقطع الحبل فوقعا جميعا على أقفيتهما فماتا ضمن القاطع ديتهما، وضمن الحبل. فقيل لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن وقعا على وجههما إذا قطع الحبل؟ قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا من قطع الحبل، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " نوادر رستم ": أو وقعا على أقفيتهما وماتا، لا ضمان على قاطع الحبل م: (هذا الذي ذكرنا) ش: هو أنه يجب دية كل على عاقلة الآخر م: (إذا كانا حرين في العمد والخطأ، ولو كانا عبدين يهدر الدم) ش: أي يسقط م: (في الخطأ) ش: يعني إذا اصطدم " العبدان خطأ يعني فماتا هدر الدم. م: (لأن الجناية تعلقت برقبته) ش: أي برقبة العبد الجاني م: (دفعا وفداء) ش: أي من حيث دفع المولى إياه ومن حيث أن يفديه، ولما مات قبل ذلك فات محل الجناية إن خلف لا يضمن المولى شيئا، وهو معنى قوله: م: (وقد فاتت) ش: أي العبد م: (لا إلى خلف) ش: لفوات محل الجناية م: (من غير فعل المولى) ش: في العبدين م: (فهدر) ش: أي فسقط الدم م: (ضرورة) ش: وفي بعض النسخ: فهدر ضرورة. م: (وكذا في العمد) ش: يعني فيما إذا وقع الاصطدام عمدا منها م: (لأن كل واحد منهما هلك بعدما جنى ولم يخلف بدلا) ش: لأن العبد لا مال له م: (ولو كان أحدهما) ش: أي أحد المصطدمين م: (حرا والآخر عبدا، ففي الخطأ تجب على عاقلة الحر المقتول قيمة العبد) ش: لأن كل شيء من الحر فيه الدية، ففيه القيمة من العبد، وكل شيء من الحر فيه نصف الدية، ففيه من العبد نصف القيمة. م: (فيأخذها) ش: أي فيأخذ القيمة م: (ورثة المقتول الحر، ويبطل حق الحر المقتول في الدية فيما زاد على القيمة) ش: أي على قيمة العبد لأنه لم يخلف شيئا فيما زاد م: (لأن على أصل أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: تجب القيمة على العاقلة) ش: أراد أن الأصل أن العبد المقتول خطأ، تجب قيمته على العاقلة عندهما. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 262 لأنه ضمان الآدمي فقد أخلف بدلا بهذا القدر فيأخذه ورثة الحر المقتول ويبطل ما زاد عليه لعدم الخلف، وفي العمد تجب على عاقلة الحر نصف قيمة العبد لأن المضمون هو النصف في العمد، وهذا القدر يأخذه ولي المقتول وما على العبد في رقبته وهو نصف دية الحر يسقط بموته إلا قدر ما أخلف من البدل وهو نصف القيمة. قال: ومن ساق دابة فوقع السرج على رجل فقتله ضمن، وكذا على هذا سائر أدواته كاللجام ونحوه، وكذا ما يحمل عليها لأنه متعد في هذا التسبيب؛ لأن الوقوع بتقصير منه وهو ترك الشد أو الإحكام فيه بخلاف الرداء لأنه لا يشد في العادة ولأنه قاصد لحفظ هذه الأشياء كما في المحمول على عاتقه دون اللباس على ما مر من قبل فيقيد بشرط السلامة.   [البناية] وروي عن أبي يوسف أنه قال في مال القاتل: وإنما تجب قيمة العبد على القاتل عندهما م: (لأنه ضمان الآدمي فقد أخلف بدلا بهذا القدر فيأخذه) ش: أي بدل العبد م: (ورثة الحر المقتول ويبطل ما زاد عليه لعدم الخلف) ش: أي لعدم الخلف بموت العبد من غير خلف م: (وفي العمد تجب على عاقلة الحر نصف قيمة العبد لأن المضمون هو النصف في العمد، وهذا القدر يأخذه ولي المقتول، وما على العبد في رقبته وهو نصف دية الحر يسقط بموته إلا قدر ما أخلف من البدل وهو نصف القيمة) ش: فيأخذه الورثة من مولى العبد. [ساق دابة فوقع السرج على رجل فقتله] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في (الجامع الصغير) : م: (ومن ساق دابة فوقع السرج على رجل فقتله ضمن) ش: هنا لفظ " الجامع ": وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وكذا على هذا) ش: يعني وصول الضمان على السائق إذا وقعت م: (سائر أدواته كاللجام ونحوه) ش: مثل الركب والمهرة وغير ذلك؛ لأن ذلك كتقصير منه لأنه لو أحكمها لم تقع. م: (وكذا) ش: الحكم في وقوع م: (ما يحمل عليها) ش: أي على الدابة م: (لأنه متعد) ش: أي لأن السائق قد تعدى م: (في هذا التسبيب؛ لأن الوقوع) ش: أي وقوع هذه الأشياء م: (بتقصير منه) ش: أي من السائق م: (وهو) ش: أي التقصير م: (ترك الشد أو الإحكام فيه) ش: أي في " الشرح "، كما لو وقع الشيء المحمول على العاتق على إنسان فقتله م: (بخلاف الرداء) ش: الملبوس إذا سقط فأتلف شيئا حيث لا يجب الضمان م: (لأنه) ش: أي لأن الرداء م: (لا يشد في العادة) ش: ولو تعثر اللابس فسقط الرداء، ثم تعثر به إنسان، لم يضمن فكذا إذا سقط رداؤه. م: (ولأنه) ش: أي ولأن السائق م: (قاصد لحفظ هذه الأشياء) ش: يعني السرج وسائر الأدوات م: (كما في المحمول على عاتقه) ش: إذا وقع على شيء فأتلفه فإنه يجب الضمان م: (دون اللباس) ش: يعني لا يجب الضمان فيه، لأنه لا يقصد حفظه م: (على ما مر من قبل) ش: أي في باب: ما يحدثه الرجل في الطريق. م: (فيقيد بشرط السلامة) ش: يعني في حكم السائق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 263 قال: ومن قاد قطارا. فهو ضامن لما أوطأ فإن وطئ بعير إنسانا ضمن به القائد والدية على العاقلة لأن القائد عليه حفظ القطار كالسائق وقد أمكنه ذلك وقد صار متعديا بالتقصير فيه والتسبيب بوصف التعدي سبب للضمان إلا أن ضمان النفس على العاقلة فيه وضمان المال في ماله وإن كان معه سائق فالضمان عليهما؛ لأن قائد الواحد قائد الكل وكذا سائقه لاتصال الأزمة وهذا إذا كان السائق في جانب من الإبل. أما إذا كان توسطها وأخذ بزمام واحد يضمن ما عطب بما هو خلفه ويضمنان ما تلف بما بين يديه لأن القائد لا يقود ما   [البناية] [قاد قطارا فوطئ شيئا] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن قاد قطارا) ش: القطار: الإبل يقطر على نسق واحد والجمع قطر. م: (فهو) ش: أي القائد م: (ضامن لما أوطأ) ش: أي القطار م: (فإن وطئ بعير) ش: أي من القطار م: (إنسانا ضمن به القائد والدية على العاقلة؛ لأن القائد عليه حفظ القطار كالسائق وقد أمكنه ذلك وقد صار متعديا بالتقصير فيه والتسبيب بوصف التعدي سبب للضمان، إلا أن ضمان النفس على العاقلة فيه وضمان المال في ماله، وإن كان معه) ش: أي مع القائد م: (سائق فالضمان عليهما لأن قائد الواحد قائد الكل وكذا سائقه) ش: أي سائق الواحد م: (لاتصال الأزمة) ش: أي أزمة القطار وهو جمع زمام. وفي " المبسوط ": السائق تعرف للإبل مما أصاب بالصدمة وغيرها. وكذا القائد مقرب في ذلك فيشتركان في الضمان لا سواهما في التسبب، وإن كان بينهما سائق الإبل في وسط القطار فالضمان في جميع ذلك عليهم أثلاثا. وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " إملاء الكتابي ": لو أن رجلا كان يقود قطارا وآخر من خلف القطار ليسوقه ويزجر الإبل مزجر يسوقه، وعلى الإبل قوم في الحامل نيام أو غير نيام، فوطأ بعير إنسانا فقتله، فالدية على عاقلة القائد والسائق والراكبين على البعير الذي وطئ جميعا اللذين قدام البعير الذي وطئ على عواقلهم جميعا عدد الرءوس، والكفارة على الراكبين خاصة. وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وممن كان من الركبان خلف البعير الذي وطئ لا يزجر الإبل ولا يسوقها راكبا على بعير فيها أو غير راكب فلا ضمان على أحد منهم، لأنهم ليسوا بقادة ولا ساقة. م: (وهذا) ش: أي وجوب الضمان على السائق والقائد جميعا فيها م: (إذا كان السائق في جانب من الإبل أما إذا كان توسطها وأخذ بزمام واحد يضمن ما عطب بما هو خلفه ويضمنان) ش: أي القائد الأول والثاني م: (ما تلف بما بين يديه) ش: أي بين يدي السائق م: (لأن القائد لا يقود ما الجزء: 13 ¦ الصفحة: 264 خلف السائق لانفصام الزمام والسائق يسوق ما يكون قدامه قال: وإن ربط رجل بعيرا إلى القطار والقائد لا يعلم، فوطئ المربوط إنسانا فقتله، فعلى عاقلة القائد الدية لأنه يمكنه صيانة القطار عن ربط غيره. فإذا ترك الصيانة، صار متعديا، وفي التسبيب: الدية على العاقلة كما في القتل الخطأ، ثم يرجعون بها على عاقلة الرابط؛ لأنه هو الذي أوقعهم في هذه العهدة، وإنما لا يجب الضمان عليهما في الابتداء، وكل منهما مسبب لأن الربط من القود بمنزلة التسبيب من المباشرة لاتصال التلف بالقود دون الربط قالوا: هذا إذا ربط والقطار تسير! لأنه أمر بالقود دلالة فإذا لم يعلم به، لا يمكنه التحفظ من ذلك فيكون قرار الضمان علي الرابط. أما إذا ربط والإبل قيام ثم قادها ضمنها القائد لأنه قاد بعير غيره بغير إذنه لا   [البناية] خلف السائق لانفصام الزمام) ش: أي لانقطاعه. م: (والسائق يسوق ما يكون قدامه) ش: حتى لو لم يسق ما كان قدامه يكون الضمان على القائد الأول لا غير، كذا ذكر في " المغني ". م: (قال: وإن ربط رجل بعيرا إلى القطار والقائد لا يعلم) ش: فوطئ المربوط إنسانا فقتله، فعلى عاقلة القائد الدية قيد به إذ لو علم القائد بالربط حال السير فالدية على عاقلته ولا يرجعون بها على عاقلة الرابط؛ لأن القائد لما علم بالربط فقد رضي بما يلحقه من الضمان، فلا يرجع الحاصل أن زيل القائد بالربط لا بقي ابتداء وجوب الضمان عنه لوجود الإتلاف منه والجهل يزيل الإثم دون الضمان، كالنائم إذا انقلب على إنسان. م: (فوطئ المربوط إنسانا فقتله فعلى عاقلة القائد الدية لأنه يمكنه صيانة القطار عن ربط غيره، فإذا ترك الصيانة صار متعديا، وفي التسبيب: الدية على العاقلة كما في القتل الخطأ ثم يرجعون بها على عاقلة الرابط لأنه هو الذي أوقعهم في هذه العهدة، وإنما لا يجب الضمان عليهما) ش: أي على القائد والرابط م: (في الابتداء وكل منهما) ش: أي والحال أن كل منهما م: (مسبب لأن الربط من القود بمنزلة التسبيب من المباشرة) ش: ولا شك أن المباشرة أقوى كالحافر مع الرافع. م: (لاتصال التلف بالقود دون الربط، قالوا) ش: أي المشائخ م: (هذا) ش: أي رجوع عاقلة القائد على عاقلة الرابط م: (إذا ربط والقطار تسير) ش: الواو فيه للحال م: (لأنه) ش: أي لأن الرابط م: (أمر بالقود دلالة) ش: يعني أمر القائد بقود بعيره حين سار دلالة، يعني من حيث الدلالة وان لم يكن صريحا. وإذا لم يعلم به م: (فإذا لم يعلم به، لا يمكنه التحفظ من ذلك فيكون قرار الضمان على الرابط. أما إذا ربط والإبل قيام ثم قادها ضمنها القائد) ش: أي بلا رجوع م: (لأنه قاد بعير غيره بغير إذنه لا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 265 صريحا ولا دلالة، فلا يرجع بما لحقه عليه. قال: ومن أرسل بهيمة وكان لها سائقا فأصابت في فورها يضمنه؛ لأن الفعل انتقل إليه بواسطة السوق. قال: ولو أرسل طيرا وساقه، فأصاب في فوره لم يضمن. والفرق: أن بدن البهيمة يحتمل السوق، فصار وجود السوق وعدمه بمنزلة. وكذا لو أرسل كلبا ولم يكن له سائق لم يضمن، ولو أرسله إلى صيد ولم يكن له سائق فأخذ الصيد وقتله حل، ووجه الفرق أن البهيمة   [البناية] صريحا ولا دلالة. فلا يرجع بما لحقه عليه) . م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن أرسل بهيمة وكان لها سائقا) ش: قال الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وغيره: أراد بالبهيمة الكلب. وأراد بكونه سائقا أن يكون خلفه م: (فأصابت في فورها) ش: أي في فور الإرسال. فإن قتل صيدا مملوكا م: (يضمنه، لأن الفعل انتقل إليه بواسطة السوق) . [أرسل طيرا وساقه فأصاب في فوره] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ولو أرسل طيرا وساقه، فأصاب في فوره، لم يضمن. والفرق) ش: بين المسألتين: م: (أن بدن البهيمة يحتمل السوق) ش: فاعتبر سوقه والطير لا يحتمل السوق م: (فصار وجود السوق وعدمه سواء بمنزلة) ش: واحدة. ولهذا: لو أدخل بازيا في الحرم أو صقرا وأرسله فجعل يقتل حمام الحرم لا يلزمه شيء. لأن الباز لا يحتمل السوق. ولو أشلى كلبا على رجل حتى عقره أو مزق ثيابه لا يضمن لأن بسوقه أراد به إذا كان خلفه لما مر، وقيل: إذا لم يكن خلفه، فعقر وتعلق بإنسان إن كان غير معلم لا يضمن، لأن غير المعلم إنما يذهب بطبع نفسه لا بالإرسال وإن كان معلما، فإن ذهب يمينا وشمالا وعن الوجه الذي أرسله ثم أتلف إنسانا لا يضمن. لأنه لا يضاف إلى السائق، وإن أصابه من الوجه الذي ساقه وأرسله كان ضامنا. لأنه ذهب بإرسال صاحبه، فكان مضافا إلى المرسل. كذا ذكر فخر الدين قاضي خان. م: (وكذا لو أرسل كلبا ولم يكن له سائق لم يضمن) ش: يعني إذا كان خلفه م: (ولو أرسله إلى صيد ولم يكن له سائق فأخذ الصيد وقتله حل، ووجه الفرق) ش: بين المسألتين: م: (أن البهيمة) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 266 مختارة في فعلها ولا تصلح نائبة عن المرسل فلا يضاف فعلها إلى غيرها " هذا هو الحقيقة إلا أن الحاجة مست في الاصطياد فأضيف إلى المرسل لأن الاصطياد مشروع ولا طريق له سواه، ولا حاجة في حق ضمان العدوان. وروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أوجب الضمان في هذا كله احتياطا صيانة لأموال الناس قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وذكر في " المبسوط ": إذا أرسل دابة في طريق المسلمين فأصابت في فورها فالمرسل ضامن؛ لأن سيرها مضاف إليه ما دامت تسير على سننها، ولو انعطفت يمنة أو يسرة انقطع حكم الإرسال إلا إذا لم يكن له طريق آخر سواه، وكذا إذا وقفت ثم سارت " بخلاف ما إذا وقفت بعد الإرسال في الاصطياد ثم سارت فأخذت الصيد؛ لأن تلك الوقفة تحقق مقصود المرسل لأنه لتمكنه من الصيد وهذه تنافي مقصود المرسل وهو السير.   [البناية] ش: أي الكلب م: (مختارة في فعلها) ش: وفي بعض النسخ: مختارة في فعله. م: (ولا تصلح نائبة عن المرسل فلا يضاف فعلها) ش: أي فلا يضاف فعله م: (إلى غيرها، هذا هو الحقيقة) ش: أي فعل أحد لا يضاف إلى غيره م: (إلا أن الحاجة مست في الاصطياد فأضيف إلى المرسل لأن الاصطياد مشروع ولا طريق له سواه، ولا حاجة في حق ضمان العدوان) ش: أي لا ضرورة في وجوب العدوان فلا تسقط عبرتها. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه أوجب الضمان في هذا كله احتياطا صيانة لأموال الناس) ش: وجعل شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا نسخة يعني يوجد هذا في بعض النسخ م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف م: (وذكر في " المبسوط ": إذا أرسل دابة في طريق المسلمين فأصابت في فورها فالمرسل ضامن؛ لأن سيرها مضاف إليه ما دامت تسير على سننها) ش: فيضمن. قال الصدر الشهيد: وعليه الفتوى، وبه قال الشافعي وأحمد. وعند مالك: فعل العجماء جبار بأي وجه كان. م: (ولو انعطفت) ش: أي الدابة م: (يمنة أو يسرة انقطع حكم الإرسال إلا إذا لم يكن له طريق آخر سواه) ش: أي سوى طريق اليمنة واليسرة بأن كان على الجادة ما أوصل الطريق لا ينقطع حكم الإرسال. م: (وكذا) ش: أي كذا لا ينقطع حكم الإرسال م: (إذا وقفت ثم سارت بخلاف ما إذا وقفت بعد الإرسال في الاصطياد ثم سارت فأخذ الصيد؛ لأن تلك الوقفة تحقق مقصود المرسل لأنه لتمكنه من الصيد وهذه) ش: أي وقفة الدابة م: (تنافي مقصود المرسل وهو السير) ش: فإن المقصود من الإرسال هو السير لا الوقوف. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 267 فينقطع حكم الإرسال، وبخلاف ما إذا أرسله إلى صيد فأصاب نفسا أو مالا في فوره لا يضمنه من أرسله، وفي الإرسال في الطريق يضمنه لأن شغل الطريق تعد فيضمن ما تولد منه. أما الإرسال للاصطياد فمباح ولا تسبيب إلا بوصف التعدي. قال: ولو أرسل بهيمة فأفسدت زرعا على فوره ضمن المرسل، وإن مالت يمينا أو شمالا وله طريق آخر لا يضمن لما مر ولو انفلتت دابة فأصابت مالا أو آدميا ليلا أو نهارا لا ضمان على صاحبها لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:   [البناية] فإذا كان كذلك م: (فينقطع حكم الإرسال وبخلاف) ش: معطوف على قوله بخلاف ما إذا وقفت م: (ما إذا أرسله إلى صيد فأصاب نفسا أو مالا في فوره لا يضمنه من أرسله وفي الإرسال في الطريق يضمنه) ش: يريد بهذا: الفرق بين الإرسالين: الإرسال إلى الطريق، والإرسال إلى الصيد. ففي الأول لا ضمان عليه. وفي الثاني: يجب الضمان إذا كان على الفور. م: (لأن شغل الطريق تعد فيضمن ما تولد منه. أما الإرسال للاصطياد فمباح ولا تسبيب إلا بوصف التعدي) ش: وقالوا في رجل له كلب عقور كلما مر عليه شيء عضه، فلأهل القرية أن يقتلوه. فإن عض، هل يجب الضمان على صاحبه. إن لم يتقدموا عليه قبل القبض لا ضمان عليه، وإن كان تقدموا إلى صاحب الكلب فعليه الضمان بمنزلة الحائط المائل، وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: يضمن وإن لم يتقدم إليه. وكذا في سنور معروف بأكل الطيور، وفي " المنتقى ": لو طَرح رجلا قدام أسد أو سبع فقتله ليس على الطارح قود ولا دية ولكن يعزر ويضرب وبعدها يحبس حتى يتوب ويموت، وقال أبو يوسف: أنا أرى أن يحبس حتى يموت، وعند الأئمة الثلاثة: إن كان الغالب القتل يجب القود، وإن كان لا يقتل غالبا فعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قولان في قول يجب القود، وفي قول لا يجب، ولكن تجب الدية وبه قال أحمد، وقياس قول مالك أنه يجب القود. [أرسل بهيمة فأفسدت زرعا على فوره] م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وليس في كثير من النسخ لفظ قال م: (ولو أرسل بهيمة فأفسدت زرعا على فوره) ش: أي فور الإرسال والمراد بفور الإرسال أن لا يميل يمينا ولا شمالا م: (ضمن المرسل، وإن مالت يمينا أو شمالا وله طريق آخر لا يضمن لما مر) ش: وفي (الفتاوى الصغرى -: أرسل حماره فدخل زرع إنسان فأفسده، فإن ساقه إلى الزرع ضمن، وإن لم يسقها بأن لم يكن خلفها وإن لم تنعطف الدابة يمينا ولا شمالا وذهب إلى الوجه الذي أرسله صاحبه فأصاب الزرع ضمن أيضا، وإن انعطف يمينا وشمالا فأصاب الزرع إن كان له طريق آخر لم يضمن وإلا يضمن في ديار شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولو انفلتت دابة فأصابت مالا أو آدميا ليلا أو نهارا لا ضمان على صاحبها لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول الجزء: 13 ¦ الصفحة: 268 «جرح العجماء جبار» . وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هي المنفلتة ولأن الفعل غير مضاف إليه لعدم ما يوجب النسبة إليه من الإرسال وأخواته. قال: شاة لقصاب فقئت عينها ففيها ما نقصها لأن المقصود منها هو اللحم، فلا يعتبر إلا النقصان " وفي عين بقرة الجزار وجزوره ربع القيمة، وكذا في عين الحمار والبغل والفرس.   [البناية] النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «جرح العجماء جبار» ش: الحديث رواه أبو داود وابن ماجه عن الليث بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العجماء جرحها جبار» " الحديث، قال أبو داود: المنفلتة أي العجماء التي لا تكون معها أحد ويكون بالنهار لا بالليل " وقال ابن ماجه: الجبار الهدر الذي لا يغرم، وفي " الموطأ " عن مالك: الجبار الدية. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هي المنفلتة) ش: التي أهدر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعلها هي المنفلتة لا التي أرسلت فإن فساد المرسلة إذا كان في فور الإرسال ليس بجبار وإنما ذكر التفسير لئلا يجري الحديث على عمومه كما قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال القدوري في " شرحه " وسواء كان انفلاتها في ملك صاحبها أو في الطريق أو في ملك غيره لأنه لا صنع له في انفلاتها ولا يمكنه الاحتراز عن فعلها فلا يضمن ما تولد منه. انتهى. وقال الشافعي: إن كانت ذهبت نهارا لا يضمن، به قال مالك وأحمد وأكثر فقهاء الحجاز. م: (ولأن الفعل) ش: أي فعل الدابة المثقلة م: (غير مضاف إليه) ش: أي إلى صاحب الدابة م: (لعدم ما يوجب النسبة إليه من الإرسال وأخواته) ش: من السوق والقود والركوب، وفي بعض النسخ: قال: م: (شاة لقصاب) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير " م: (فقئت عينها ففيها ما نقصها) ش: أي ما نقص الشاة من قيمتها م: (لأن المقصود منها) ش: أي من شاة القصاب م: (هو اللحم فلا يعتبر إلا النقصان، وفي عين بقرة الجزار وجزوره) ش: بفتح الجيم وهو ما اتخذ للنحر يقع على الذكر والأنثى كذا في " الطحاوي " والجزر القطع وجزر الجزور نحرها، والجزار هو الذي يجزر البقرة أي ينحرها م: (ربع القيمة) ش: الواجب ربع قيمة بقرة الجزار وجزوره. م: (وكذا) ش: أي يجب ربع القيمة م: (في عين الحمار والبغل والفرس) ش: وفي " جامع البزدوي - إنما وضع المسألة على هذا الوجه عين لم يقل في عين البقرة والجزور مطلقا لبيان أن البقرة والجزور وإن أعدا للحم كما في شاة لا يختلف الجواب فيهما أعني يجب ربع قيمتها سواء الجزء: 13 ¦ الصفحة: 269 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيه النقصان أيضا اعتبارا بالشاة. ولنا ما روي: «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قضى في عين الدابة بربع القيمة» وهكذا قضى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولأن فيها مقاصد سوى اللحم كالحمل والركوب والزينة والجمال والعمل، فمن هذا الوجه تشبه الآدمي وقد تمسك للأكل فمن هذا الوجه تشبه المأكولات فعملنا بالشبهين، بشبه الآدمي في إيجاب الربع وبالشبه الآخر في نفي النصف " ولأنه إنما يمكن إقامة العمل بها بأربعة أعين عيناها وعينا المستعمل فكأنها   [البناية] كانا معدين للحم أو للحرث والحمل والركوب كما في الذي لا يؤكل لحمه كالحمار والبغل، والفرق: أن الشاة لا ينتفع بها للحمل بل ينتفع بها كالأمتعة فيضمن النقصان من غير تقدير وأما البهائم فإنها عاملة كالآدمي فينتفع بها بغير العمل أيضا فأشبه الآدمي من وجه والمسألة من وجه فوجب لنصف التقدير الواجب في الإنسان عملا بهما. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيه النقصان أيضا اعتبارا بالشاة) ش: وهو القياس قول مالك وأحمد م: (ولنا ما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «قضى في عين الدابة بربع القيمة» ش: هذا رواه الطبراني في " معجمه " من حديث زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في عين الدابة بربع قيمتها» ورواه العقيلي في " الضعفاء ". م: (وهكذا قضى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: رواه عبد الرزاق " مصنفه ": أخبرنا سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن الشعبي عن شريح: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كتب إليه في عين الدابة ربع ثمنها. ورواه كذلك ابن أبي شيبة م: (ولأن فيها) ش: دليل معقول على ذلك أي في الدابة م: (مقاصد سوى اللحم كالحمل والركوب والزينة والجمال والعمل فمن هذا الوجه) ش: أي من وجه الزينة والجمال م: (تشبه الآدمي، وقد تمسك للأكل فمن هذا الوجه) ش: أي من وجه إمساكها للأكل م: (تشبه المأكولات فعملنا بالشبهين بشبه الآدمي في إيجاب الربع وبالشبه الآخر في نفي النصف) ش: أي في نفي نصف الإيجاب وفيه إشارة إلى الجواب عن القياس على الشاة، فإن المقصود منها اللحم وفقء العين لا يفوته بل هو عيب يسير فيلزم نقصان المالية. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الشاة، هذا دليل آخر أي ولأن الشاة أيما يكن إلى آخره على ما تبين ولكن الاعتماد على الدليل الأول الأقوى أن العينين لا يضمنان نصف القيمة، كذا قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإنما قال ذلك لأن المعمول به في هذا الباب النص وهو ورد في عين واحدة فيقتصر عليه، قوله: م: (إنما يمكن إقامة العمل بها) ش: أي بالقيمة م: (بأربعة أعين عيناها) ش: أي باعتبار الدابة م: (وعينا المستعمل) ش: أي مستعمل الدابة فإذا كان كذلك م: (فكأنها) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 270 ذات أعين أربعة فيجب الربع بفوات إحداها. قال: ومن سار على دابة في الطريق فضربها رجل أو نخسها فنفحت رجلا أو ضربته بيدها أو نفرت فصدمته فقتلته كان ذلك على الناخس دون الراكب هو المروي عن عمر، وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " ولأن الراكب والمركب مدفوعان بدفع الناخس فأضيف فعل الدابة إليه كأنه فعله بيده، ولأن الناخس متعد.   [البناية] ش: أي فكأن الدابة تكون م: (ذات) ش: فإذا كانت ذات م: (أعين أربعة فيجب الربع) ش: أي ربع القيمة م: (بفوات إحداها) ش: أي أحد الأعين الأربعة. [سار على دابة في الطريق فضربها رجل أو نخسها فقتلت رجلا] م: (قال) ش: وإنما قلنا (قال المصنف " لأن هذه المسألة وما بعدها ليست مذكورة في " الهداية "، وإنما هي من مسائل الأصل. ذكرها المصنف تفريعا. م: (ومن سار على دابة في الطريق فضربها رجل أو نخسها) ش: من النخس وهو الطعن بالعود ونحوه وهو من باب منع يمنع ومنه النخاس دلال الدواب م: (فنفحت رجلا) ش: يقال: نفح برجله إذا ضربه بالحاء المهملة من باب منع م: (أو ضربته بيدها أو نفرت فصدمته فقتلته كان ذلك على الناخس) ش: يعني إذا نخسها بغير إذن الراكب والسائق وبه صرح في " المبسوط " ولا يعلم فيه خلاف م: (دون الراكب) ش: أي لا يلزم الراكب شيء، فإن قيل: القياس يقتضي هو أن يكون الزمان على الراكب لكونه مباشرا فإن لم يكن متعديا لأن التعدي ليس من شرط فإن لم يختص به فلا أقل من الشركة، والجواب: أن القياس يترك بالأثر أشار إليه بقوله م: (هو) ش: أي المذكور هو الذي م: (المروي عن عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: في رجل نخس دابة عليها راكب فصدمت آخر قتلته أنه على الناخس لا على الراكب هذا غريب. وقال الأترازي: لما ذكر المسألة المذكورة الأصل قال: بلغنا ذلك عن عمر وعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " وروى عبد الرزاق في " مصنفه " عن معمر عن ابن مسعود وفيه: إنما يضمن الناخس، وروى ابن أبي شيبة في (مصنفه " نحوه عن شريح والشعبي، ولأن الراكب دليل معقول. م: (ولأن الراكب والمركب) ش: الذي هو الدابة م: (مدفوعان بدفع الناخس فأضيف فعل الدابة إليه كأنه فعله بيده) ش: أما فعل الراكب فلأنه انتقل إلى الدابة لأن الوثبة المهلكة إنما كانت منها فكان مضطرا في حركته، وأما فعل الدابة فقد انتقل إلى النخاس لكونه الحامل على ذلك ملحا فكان الحامل الناخس مميزا له. الرابع: للدابة والراكب معا على ما فعلت الدابة والمدفوع إلى الشيء، وإن كان مباشرا لا يعتبر مباشرا كما في الإيضاع الإكراه الكامل فلا يجب عليه جزاء المباشر أن فرض مباشرا ولا التسبب أيضا لأنه متعمد التعدي وهو منفرد م: (ولأن الناخس متعد) الجزء: 13 ¦ الصفحة: 271 في تسبيبه والراكب في فعله غير متعد فيترجح جانبه في التغريم للتعدي. حتى لو كان واقفا دابته على الطريق يكون الضمان على الراكب والناخس نصفين لأنه متعد في الإيقاف أيضا. قال: وإن نفحت الناخس كان دمه هدرا. لأنه بمنزلة الجاني على نفسه " وإن ألقت الراكب فقتلته كانت ديته على عاقلة الناخس لأنه متعد في تسبيبه وفيه الدية على العاقلة. قال: ولو وثبت بنخسة على رجل أو وطئته فقتلته كان ذلك على الناخس دون الراكب لما بيناه. والواقف في ملكه والذي يسير في ذلك سواء.   [البناية] ش: دليل آخر أي الناخس متعد م: (في تسبيبه) ش: لأن الدابة عادتها عند النخس النفحة والوثبة م: (والراكب في فعله غير متعد) ش: لعدم ضرر شيء منه. م: (فيترجح جانبه) ش: أي جانب الناخس م: (في التغريم للتعدي) ش: قيل: فيه نظر لأن الراكب إن كان فعله معتبرا فهو مباشر والتعدي ليس من شرطه في وجوب الضمان كالنائم إذا انقلب على إنسان فأهلكه يجب الضمان عليه، والنائم ليس يوصف بالتعدي وإن لم يكن قتله معتبرا لكونه مرفوعا فقد استغنى عن ذكره بذلك الدليل الأول. وأجيب: أن الراكب مباشر فيما إذا أتلف بالوطء لأنه يحصل التلف بالفعل وليس الكلام هاهنا في ذلك وإنما هو في النفح بالرجل والضرب باليد والصدمة فكان شيئين ورجح الناخس في التغريم وفي استعمال الترجيح هاهنا تسامح لأن الشرط إذا كان منفردا لا يصلح معارضا حتى تحتاج إلى الترجيح، قال الأكمل: ولعل معناه فاعتبر موجبا في التغريم لأن الترجيح بسبب الاعتبار فكان ذكر التسبب وإرادة المسبب. م: (حتى لو كان واقفا) ش: أي حتى لو كان الراكب واقفا م: (دابته) ش: ودابة منصوبة بقوله واقفا لأنه من الوقوف لا من الوقف م: (على الطريق يكون الضمان على الراكب والناخس نصفين لأنه) ش: أي لأن صاحب الدابة م: (متعد في الإيقاف أيضا. قال: وإن نفحت الناخس كان دمه هدرا لأنه بمنزلة الجاني على نفسه وإن ألقت الراكب) ش: يعني بالنخس م: (فقتلته كانت ديته على عاقلة الناخس لأنه متعد في تسبيبه وفيه الدية على العاقلة. قال: ولو وثبت بنخسه على رجل أو وطئته فقتلته كان ذلك على الناخس دون الراكب لما بيناه) ش: إشارة إلى قوله: لأنه متعد في تسبيبه، كذا قاله الكاكي، وقال الأكمل: لما بينا إشارة إلى قوله: لأنه متعد في. تسبيبه. ولأن الراكب والمركب مرفوعان، وقال في " النهاية ": هو قوله لأنه متعد في تسبيبه، قلت: وهو مثل ما قاله الكاكي فكأنه نقله عن صاحب " النهاية ". وقال الأكمل: ليس بشيء وسكت عليه فليتأمل. م: (والواقف في ملكه والذي يسير في ذلك سواء) ش: أي في ملكه يعني يجب الضمان على الجزء: 13 ¦ الصفحة: 272 وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجب الضمان على الناخس والراكب نصفين؛ لأن التلف حصل بثقل الراكب ووطء الدابة، والثاني مضاف إلى الناخس فيجب الضمان عليهما. وإن نخسها بإذن الراكب كان ذلك بمنزلة فعل الراكب لو نخسها، ولا ضمان عليه في نفحتها لأنه أمره بما يملكه إذ النخس في معنى السوق فصح أمره به وانتقل إليه لمعنى الأمر. قال: ولو وطئت رجلا في سيرها وقد نخسها الناخس بإذن الراكب فالدية عليهما نصفين جميعا، إذا كانت في فورها الذي نخسها لأن سيرها في تلك الحالة مضاف إليهما. والإذن يتناول فعله السوق ولا يتناوله من حيث إنه إتلاف، فمن هذا الوجه يقتصر عليه، والركوب وإن كان علة للوطء، فالنخس ليس بشرط لهذه العلة بل هو شرط أو علة السير، والسير علة الوطء.   [البناية] الناخس في كل حال وقيد بقوله في ملكه احترازا عما تقدم من الإيقاف من غير الملك فإنه ينتصف الضمان هناك على ما قبلها م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه ابن سماعة عنه. م: (أنه يجب الضمان على الناخس) ش: في كل حال وقيد بقوله في ملكه احترازا عما تقدم من الإيقاف في غير الملك، فرواية ابن سماعة عنه أنه يجب الضمان على الناخس م: (والراكب نصفين لأن التلف حصل بثقل الراكب ووطء الدابة والثاني) ش: أي وطء الدابة م: (مضاف إلى الناخس فيجب الضمان عليهما، وإن نخسها بإذن الراكب كان ذلك) ش: أي النخاس من الناخس م: (بمنزلة فعل الراكب لو نخسها ولا ضمان عليه) ش: أي على الناخس م: (في نفحتها لأنه) ش: أي لأن الراكب م: (أمره) ش: أي الناخس م: (بما يملكه) ش: وهو النخس م: (إذ الناخس في معنى السوق فصح أمره به) ش: أي أمر الراكب بالنخس م: (وانتقل) ش: أي النخس م: (إليه لمعنى الأمر) ش: أي إلى الراكب. م: (قال: ولو وطئت رجلا في سيرها وقد نخسها الناخس بإذن الراكب فالدية عليهما نصفين جميعا) ش: أي على الراكب والناخس م: (إذا كانت) ش: أي النخسة م: (في فورها الذي نخسها لأن سيرها في تلك الحالة مضاف إليهما) ش: أي إلى الراكب والناخس " وفي بعض النسخ: " إليها " أي إلى النفحة م: (والإذن يتناول فعله) ش: أي فعل الناخس هذا جواب عن قوله " ينبغي أن لا يضمن الناخس " لأنه متى أذن بالنخس وفعله أي الراكب فلم يبق متعديا، بيان الجواب: الإذن يتناول فعل الناخس الذي هو م: (السوق ولا يتناوله) ش: أي ولا يتناوله فعله م: (من حيث إنه إتلاف، فمن هذا الوجه يقتصر عليه) ش: أي على الناخس فكان متعديا م: (والركوب وإن كان علة للوطء) ش: هذا جواب سؤال آخر، وهو أن الراكب صاحب علة إذ الركوب علة للوطء وإضافة الحكم إلى العلة أولى من إضافته إلى الشرط وتقرير الجواب أن يقال: إن الركوب وإن كان علة لوطء الراكب م: (فالنخس ليس بشرط لهذه العلة بل هو شرط أو علة السير والسير علة للوطء) ش: أي ويكون علة العلة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 273 وبهذا لا يترجح صاحب العلة كمن جرح إنسانا فوقع في بئر حفرها غيره على قارعة الطريق ومات فالدية عليهما لما أن الحفر شرط علة أخرى فوق علة الجرح كذا هذا. ثم قيل: يرجع الناخس على الراكب بما ضمن في الإيطاء لأنه فعل بأمره " وقيل: لا يرجع وهو الأصح فيما أراه لأنه لم يأمره بالإيطاء والنخس ينفصل عنه وصار كما إذا أمر صبيا يستمسك على الدابة بتسييرها فوطئت إنسانا ومات حتى ضمن عاقلة الصبي فإنهم لا يرجعون على الأمر لأنه أمره بالتسيير والإيطاء ينفصل عنه، وكذا إذا ناوله سلاحا فقتل به آخر حتى ضمن لا يرجع على الآمر ثم الناخس إنما يضمن إذا كان الإيطاء في فور النخس حتى يكون السوق مضافا إليه، وإذا لم يكن في فور ذلك فالضمان على الراكب لانقطاع أثر   [البناية] م: (وبهذا لا يترجح صاحب العلة) ش: على الشرط ونظر المصنف لذلك بقوله م: (كمن جرح إنسانا فوقع) ش: أي المجروح م: (في بئر حفرها غيره على قارعة الطريق ومات فالدية عليهما) ش: أي على الجارح وحافر البئر م: (لما أن الحفر شرط علة أخرى) ش: وهي القتل م: (فوق علة الجرح كذا هذا) ش: لأن الركوب وإن كان علة للوطء فالنخس ليس بشرط لهذه العلة بل هو شرط للسير والسير علة للوطء فكان الوطء ثابتا بعلتين فيجب الضمان. م: (ثم قيل: يرجع الناخس على الراكب بما ضمن في الإيطاء لأنه) ش: أي لأن الناخس م: (فعل بأمره) ش: أي بأمر الراكب فيرجع عليه بما لحقه من العهدة م: (وقيل: لا يرجع وهو الأصح) ش: أي عدم الرجوع هو الأصح قاله صاحب " الهداية " وقال م: (فيما أراه) ش: بضم الهمزة أي فيما أظنه م: (لأنه) ش: أي لأن الراكب م: (لم يأمره بالإيطاء) ش: بل أمره بالنخس م: (والنخس ينفصل عنه) ش: أي عن الإيطاء م: (وصار) ش: حكم هذا م: (كما إذا أمر صبيا يستمسك) ش: أي يقدر على استمساك نفسه على فعل شيء وهو معنى قوله: يستمسك م: (على الدابة بتسييرها فوطئت الدابة إنسانا ومات حتى ضمن عاقلة الصبي فإنهم) ش: أي فإن العاقلة م: (لا يرجعون على الآمر لأنه) ش: أي لأن الآمر م: (أمره بالتسيير، والإيطاء ينفصل عنه) ش: أي عن التسيير. وقيد الصبي بصفة الاستمساك لأنه إذا لم يكن مستمسكا على الدابة وحمله رجل على الدابة والدابة واقفة ثم سارت فأوطأت لا ضمان على عاقلة الصبي ولا على الحامل لأنه لم يسير الدابة فكانت الدابة كالمتعلقة فيكون فعله هدرا لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فعل العجماء جبار» والمراد المنفلتة، كذا في " الذخيرة " ولا نعلم فيه خلافا. م: (وكذا إذا ناوله) ش: أي الصبي م: (سلاحا فقتل به آخر) ش: أي فقتل الصبي بالسلاح شخصا آخر م: (حتى ضمن لا يرجع على الآمر، ثم الناخس إنما يضمن إذا كان الإيطاء في فور النخس حتى يكون السوق مضافا إليه، وإذا لم يكن في فور ذلك فالضمان على الراكب لانقطاع أثر الجزء: 13 ¦ الصفحة: 274 النخس فبقي السوق مضافا إلى الراكب على الكمال. ومن قاد دابة فنخسها رجل فانفلتت من يد القائد فأصابت في فورها فهو على الناخس " وكذا إذا كان لها سائق فنخسها غيره لأنه مضاف إليه " والناخس إذا كان عبدا فالضمان في رقبته، وإن كان صبيا ففي ماله لأنهما مؤاخذان بأفعالهما " ولو نخسها شيء منصوب في الطريق فنفحت إنسانا فقتلته فالضمان على من نصب ذلك الشيء؛ لأنه متعد بشغل الطريق فأضيف إليه كأنه نخسها بفعله، والله أعلم.   [البناية] النخس فبقي السوق مضافا إلى الراكب على الكمال) . م: (ومن قاد دابة فنخسها رجل فانفلتت من يد القائد فأصابت في فورها فهو على الناخس) ش: لا على القائد م: (وكذا إذا كان لها سائق فنخسها غيره) ش: أي غير السائق فالضمان على الناخس لا على السائق م: (لأنه) ش: أي لأن التلف م: (مضاف إليه) ش: أي إلى الناخس إذ الانفلات أثر فعل الناخس وهو بشرط التلف م: (والناخس إذا كان عبدا فالضمان في رقبته) ش: أي في رقبة العبد يدفع بها أو يفدي هذا إذا نخسه بغير إذن الراكب، أما إذا نخسه بإذنه، فإن كان التلف بالنفحة فلا ضمان على الراكب، والقيد إذا كان يسير في الطريق ولو كان بالوطأة في فور النخسة فعلى عاقلة الراكب يضمن نصف الدية، وعتق العبد نصف الدية يدفعه مولاه أو يفديه بمنزلة السائق مع الراكب؛ لأن الولي يرجع على الآمر بالأقل من قيمة العبد ومن نصف الدية. م: (وإن كان) ش: أي الناخس م: (صبيا ففي ماله) ش: يحتمل أن يراد به إذا كانت الجناية على المال أو فيما دون إرث الموضحة لأن الجناية إذا كانت موجبة الدية فعلى عاقلته م: (لأنهما) ش: أي لأن العبد والصبي م: (مؤاخذان بأفعالهما، ولو نخسها) ش: أي الدابة م: (شيء منصوب في الطريق فنفحت إنسانا فقتلته فالضمان على من نصب ذلك الشيء لأنه متعد بشغل الطريق فأضيف إليه) ش: أي فأضيف التلف إلى الناصب م: (كأنه نخسها بفعله، والله أعلم) ش: أي فكأن الناصب نخس الدابة بفعله. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 275 باب جناية المملوك والجناية عليه قال: وإذا جنى العبد جناية خطأ، قيل لمولاه: إما أن تدفعه بها أو تفديه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جنايته في رقبته يباع فيها إلا أن يقضي المولى الأرش، وفائدة الاختلاف في اتباع الجاني بعد العتق.   [البناية] [باب جناية المملوك والجناية عليه] [جنى العبد على غيره خطأ] م: (باب جناية المملوك والجناية عليه) ش: أي هذا باب في بيان جناية المملوك على غيره وفي بيان جناية شخص على المملوك ولما فرغ من جناية الحر وهو المالك شرع في بيان العبد الذي هو المملوك. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا جنى العبد) ش: على حر أو على عبد م: (جناية خطأ قيل لمولاه إما أن تدفعه) ش: أي العبد إلى ولي الجاني م: (بها) ش: أي بالجناية م: (أو تفديه) ش: إنما قيد بالخطأ لأن في العمد في النفس يجب القصاص عليه، وفيما دون النفس تجب الدية خطأ أو عمدا، لأن القصاص لا يجري فيه بين العبد والعبيد ولا بين العبيد والأحرار فيما دون النفس م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جنايته في رقبته يباع فيها إلا أن يقضي المولى الأرش) ش: وذكر شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الكافي مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - كذلك، وقال مالك: يجب ذلك في عتق العبد يباع فيه إلا أن يقضي السيد " وقال الخرقي في " مختصره " وإذا جنى العبد على سيده أن يدفعه، أو يفديه فإن كانت الجناية أكثر من قيمة العبد لم يكن على سيده أن يطالب بأكثر من قيمته م: (وفائدة الاختلاف) ش: أي الخلاف بيننا وبين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تظهر م: (في اتباع الجاني بعد العتق) ش: يعني أن المجني عليه عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتبع العبد بعد العتق، يعني إذا كانت قيمته غير معادلة للأرش تبعه بعد العتق، أما لو كان الأرش بقدر القيمة يكون على الولي والمولى يختار الفداء بعد العتق " وعندنا الوجوب على المولى دون العبد فلا يتبعه بعد العتق لأنه بعد العتق صار مختارا للفداء في " مبسوط " بكر و" الأسرار "، حاصل الخلاف أن موجب جناية العبد على الآدمي على العبد عند الشافعي. وعندنا يجب على المولى الدفع والفداء إلا أن الموجب الأصلي الدفع، وله أن يختار الفداء حتى لو هلك العبد قالوا: برئ المولى، ولو كان الواجب أحد الشيئين والخيار إليه ينبغي أن يتعين الأرش بعد هلاكه، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - موجب جناية عليه كموجب جناية على المال ومن حكم الدين إذا وجب على العبد يخير المولى بين البيع والدفع في الدين وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، فعلى هذا لو كان قيمة قدر الأرش أو دونه فالسيد يخير بين الفداء والدفع، وهو قول الحسن والثوري والشعبي وعطاء ومجاهد والزهري وحماد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يلزم السيد دفعه، وهو قول مالك والشافعي في قول إلا أن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 276 والمسألة مختلفة بين الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، له أن الأصل في موجب الجناية أنه على المتلف لأنه هو الجاني إلا أن العاقلة تتحمل عنه، ولا عاقلة للعبد لأن العقل عنده بالقرابة ولا قرابة بين العبد ومولاه، فتجب في ذمته كما في الدين، ويتعلق برقبته، يباع فيه كما في الجناية على المال. ولنا: أن الأصل في الجناية على الآدمي حالة الخطأ أن تتباعد عن الجاني   [البناية] يفديه بالأرش بالغا ما بلغ. م: (والمسألة مختلفة بين الصحابة رضوان الله تعالى عليهم) ش: وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مثل مذهبنا قال: إذا جنى العبد إن شاء دفعه وإن شاء فداه، وهكذا روي عن علي ومعاذ بن جبل وغيرهما وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مثل مذهبه، قال: عبيد الناس أموالهم جنايتهم في قيمتهم أي في أثمانهم لأن الثمن قيمة العبد، وقال الكاكي: والمسألة مختلفة بين الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: عبيد الناس أموالهم جزاء جنايتهم في رقاب الناس كمذهبنا، هكذا روي عن ابن عباس ومعاذ بن جبل وأبي عبيدة بن الجراح وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مثل مذهبه نذكره مثل ما ذكرنا، وقال الأترازي: ولنا ما روى أصحابنا في كتبهم كالقدوري وغيره عن ابن عباس أنه قال: عبيد الناس أموالهم وجنايتهم في قيمتهم، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مثله قلت مخرج الأحاديث - لم يذكر إلا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقط فقال: روى ابن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا حفص عن حجاج عن حصين الحارثي عن الشعبي عن الحارثي عن علي قال: إذا جنى العبد ففي رقبته، ويخير مولاه إن شاء فداه وإن شاء دفعه م: (وله) ش: أي الشافعي م: (أن الأصل في موجب الجناية أنه على المتلف لأنه هو الجاني إلا أن العاقلة تتحمل عنه) ش: أي عن الجاني م: (ولا عاقلة للعبد لأن العقل عنده بالقرابة ولا قرابة بين العبد ومولاه، فتجب في ذمته كما في الدين) ش: وهو ظاهر كما قلنا، وفي بعض النسخ: كما في الذمي، يعني إذا قتل الذمي خطأ يجب دية المقتول في ذمته لا على عاقلته كما في إتلاف المال. وقوله بعد هذا: بخلاف الذمي الذي يدل على صحة هذه النسخة م: (ويتعلق برقبته) ش: أي برقبة العبد م: (يباع فيه كما في الجناية على المال) ش: أي كما في الضمان لاستهلاك الأموال م: (ولنا: أن الأصل في الجناية على الآدمي حالة الخطأ أن تتباعد عن الجاني) ش: لكونه معذورا، والخطأ موضوع شرعا، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في قوله: ولنا أن الأصل ثبت وهو أن الحكم في مسألة مختلف، فإن حكمها عندنا الوجوب على المولى وعندهم الوجوب على العبد لما ذكر، وهو بناء على الأصل، ونحن على أصل فمن أين يقوم لأحدنا حجة على الآخر؟ الجزء: 13 ¦ الصفحة: 277 تحرزا عن استئصاله والإجحاف به إذ هو معذور فيه حيث لم يتعمد الجناية وتجب على عاقلة الجاني إذا كان له عاقلة والمولى عاقلته لأن العبد يستنصر به. والأصل في العاقلة عندنا النصرة حتى تجب على أهل الديوان بخلاف الذمي؛ لأنهم لا يتعاقلون فيما بينهم فلا عاقلة فتجب في ذمته صيانة للدم عن الهدر. وبخلاف الجناية على المال؛ لأن العواقل لا تعقل المال إلا أنه يخير بين الدفع والفداء لأنه واحد، وفي إثبات الخيرة نوع تخفيف في حقه كي لا يستأصل،   [البناية] ويمكن أن يقال: الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - جعل وجوب موجب جنايته في ذمته وكوجوب الجناية على المال " فنحن إذا بينا الفرق بينهم فبقي أصله، بلا أصل فيبطل. وقد بين المصنف ذلك بقوله: بخلاف الذمي إلى آخره م: (تحرزا عن استئصاله) ش: أي لأجل التحرز عن انقطاعه بالكلية م: (والإجحاف به إذ هو) ش: أي الإضرار به إذ هو أي الجاني في حالة الخطأ م: (معذور فيه حيث لم يتعمد الجناية) ش: ولكن لما وجب دفعا لوحشة القتل عند الأولياء وصونا للدم عن الهدر فلا يهدر م: (وتجب على عاقلة الجاني إذا كان له عاقلة والمولى عاقلته) ش: أي عاقلة العبد م: (لأن العبد يستنصر به) ش: أي بالمولى م: (والأصل في العاقلة عندنا النصرة حتى تجب على أهل الديوان) ش: وأهل الديوان أهل الرايات وهم الجيش الذين كتبت أساميهم في الديوان على ما يجيء بيانه في كتاب " المعاقل " إن شاء الله تعالى م: (بخلاف الذمي) ش: جواب عن قياس الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجوب موجب جناية العبد عليه قياسا على الذمي حيث يجب عليه، بيانه أن الذمي لا يصح أن يقاس عليه م: (لأنهم) ش: أي لأن أهل الذمة م: (لا يتعاقلون فيما بينهم) ش: أي لا يتناصرون م: (فلا عاقلة فتجب في ذمته) ش: أي في ذمة الذمي م: (صيانة للدم عن الهدر) ش: لأنه إذا لم يجب عليه ولا عاقلة له فيجب عليها لكون الدم هدرا فلا يجوز إهداره. م: (وبخلاف الجناية على المال) ش: هذا جواب عن قياس الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - موجب جناية العبد عليه قياسا على الجناية في المال، بيانه: أن هذا القياس أيضا غير صحيح م: (لأن العواقل لا تعقل المال) ش: كما مر بيانه م: (إلا أنه) ش: أي أن المولى، هذا استثناء من قوله " والمولى عاقلة " لأن العبد يستنصر به فإذا كان عاقلة م: (يخير بين الدفع والفداء) ش: يعني إن شاء دفع العبد وان شاء فداه. فإن قيل: إذا كان المولى عاقلته ينبغي أن لا يخير بين الدفع والفداء، كما لا يثبت الخيار في سائر العواقل، فالجواب عنه ما قاله المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: م: (لأنه واحد) ش: أي لأن المولى واحد هاهنا في كونه عاقلته. م: (وفي إثبات الخيرة) ش: للمولى م: (نوع تخفيف في حقه) ش: بخلاف سائر العواقل؛ لأن فيهم كثرة ويثبت التخفيف بالتوزيع عليهم فلا يثبت الخيار لهم م: (كي لا يستأصل) ش: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 278 غير أن الواجب الأصلي هو الدفع في الصحيح، ولهذا يسقط الموجب بموت العبد لفوات محل الواجب، وإن كان له حق النقل إلى الفداء كما في مال الزكاة بخلاف موت الجاني الحر لأن الواجب لا يتعلق بالحر استيفاء فصار كالعبد في صدقة الفطر. قال: فإن دفعه ملكه ولي الجناية، وإن فداه فداه بأرشها وكل ذلك يلزمه حالا، أما الدفع فلأن التأجيل في الأعيان باطل وعند اختياره الواجب عين، وأما الفداء   [البناية] موجب الجناية م: (غير أن الواجب الأصلي) ش: هذا جواب سؤال مقدر، وهو أن يقال: لو كان موجب جناية على ذمة المولى ينبغي أن لا يسقط بموت العبد كما في الحر الجاني إذا مات لا يسقط العقل عن عاقلته. تقرير الجواب: أن الواجب الأصلي في جناية العبد م: (هو الدفع) ش: أي دفعه إلى ولي الجناية وأشار بقوله م: (في الصحيح) ش: أي لخلاف فيه، فإن البعض قالوا: الواجب الأصلي هو الفداء، واختاره شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في " شرح الكافي " لأن الأصل هو ضمان المتلف، ولكن الدافع خلص عنه، وأشار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أن الأصل هو الدفع واختاره أيضا. م: (ولهذا) ش: أي ولكون الواجب الأصلي هو الدفع م: (يسقط الموجب بموت العبد لفوات محل الواجب وإن كان له) ش: أي للمولى م: (حق النقل إلى الفداء كما في مال الزكاة) ش: فإن الموجب الأصلي فيه جزء من النصاب وللمالك أن ينتقل إلى القيمة م: (بخلاف موت الجاني الحر) ش: هذا جواب عما يذكر هاهنا مستشهدا به كما ذكرناه آنفا كما في الحر الجاني، بيانه أن الواجب لا يسقط بموت الجاني الحر م: (لأن الواجب لا يتعلق بالحر استيفاء) ش: أي من حيث الاستيفاء بخلاف العبد الجاني حيث يسقط الموجب بموته؛ لأن الواجب يتعلق به استيفاء حيث يدفع في الجناية م: (فصار) ش: أي الحر م: (كالعبد في صدقة الفطر) ش: أنها تجب عن العبد على المولى ولا يسقط بموت العبد. [دفع المولى العبد في جناية خطأ] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن دفعه ملكه ولي الجناية) ش: أي فإن دفع المولى العبد في جناية خطأ ملكه أي ملك العبد ولي الجناية وسقطت المطالبة عن المولى م: (وإن فداه فداه بأرشها) ش: أي بأرش الجناية م: (وكل ذلك) ش: أي الدفع والفداء م: (يلزمه حالا) ش: أي يلزم المولى على وجه الحلول م: (أما الدفع فلأن التأجيل في الأعيان باطل) ش: لأن التأجيل إنما شرع للتحصيل [ .... ] وتحصيل الحاصل محال م: (وعند اختياره) ش: أي اختيار المولى الدفع م: (الواجب عين) ش: أي عين العبد م: (وأما الفداء) ش: عطف على الجزء: 13 ¦ الصفحة: 279 فلأنه جعل بدلا عن العبد في الشرع، وإن كان مقدر. بالمتلف، ولهذا سمي فداء يقوم مقامه، ويأخذ حكمه فلهذا وجب حالا كالمبدل وأيهما اختاره وفعله لا شيء لولي الجناية غيره، أما الدفع فلأن حقه متعلق به، فإذا خلى بينه وبين الرقبة سقط حقه، وأما الفداء فلأنه لا حق له إلا الأرش، فإذا أوفاه حقه سلم العبد له " فإن لم يختر شيئا حتى مات العبد بطل حق المجني عليه لفوات محل حقه على ما بيناه، وإن مات بعدما اختار الفداء لم يبرأ لتحول الحق من رقبة العبد إلى ذمة المولى. قال: فإن عاد فجنى كان حكم الجناية الثانية كحكم الجناية الأولى، معناه: بعد الفداء؛   [البناية] قوله أما الدفع م: (فلأنه) ش: أي فلأن الفداء م: (جعل بدلا عن العبد في الشرع) ش: فكان قائما مقامه فإذا كان كذلك يأخذ حكمه فلم: يصح التأجيل كما لا يصح في الدفع. م: (وإن كان مقدرا بالمتلف) ش: كلمة " إن " واصلة بما قبلها يعني وإن كان الفداء مقدرا بالأرش قليلا كان أو كثيرا وهذا لا يمنع أن يكون بدلا عن العبد قائما مقامه م: (ولهذا) ش: أي لكونه بدلا عن العبد م: (سمي فداء يقوم مقامه) ش: أي مقام العبد م: (ويأخذ حكمه) ش: أي حكم العبد إذا وقع فيكون حالا مثله م: (فلهذا) ش: أي فلكونه قائما مقامه ويأخذ حكمه م: (وجب حالا كالمبدل) ش: في كونه واجبا حالا م: (وأيهما) ش: أي الواحد من الدفع والفداء م: (اختاره) ش: أي المولى م: (وفعله) ش: إما الدفع وإما الفداء م: (لا شيء لولي الجناية غيره) ش: أي غير الذي اختاره المولى م: (أما الدفع فلأن حقه متعلق به) ش: أي بالدفع م: (فإذا خلى) ش: أي فإذا خلى المولى بين ولي الجناية م: (بينه وبين الرقبة) ش: أي رقبة العبد م: (سقط حقه) ش: أي حقه لوصوله إليه م: (وأما الفداء فلأنه لا حق له إلا الأرش فإذا أوفاه، حقه سلم العبد له) ش: أي للمولى م: (فإن لم يختر شيئا حتى مات العبد بطل حق المجني عليه لفوات محل حقه) ش: لأن حقه كان في الرقبة فإذا تلفت سقط ما لزمه بالهلاك كهلاك المال بعد وجوب الزكاة فيه ولا الجناية من العبد تسقط بموته كما في العبد م: (على ما بيناه) ش: إشارة إلى قوله: الواجب الأصلي الدفع م: (وإن مات) ش: أي العبد م: (بعدما اختار الفداء لم يبرأ لتحول الحق من رقبة العبد إلى ذمة المولى) ش: فإذا مات العبد لم يسقط ما في ذمة المولى من الدين كسائر ديونه. [فدى المولى عبده من جناية فعاد العبد بعد ذلك فجنى جناية أخرى خطأ] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن عاد فجنى كان حكم الجناية الثانية كحكم الجناية الأولى) ش: هذا لفظ القدوري، وقال المصنف م: (معناه: بعد الفداء) ش: يعني إذا فدى المولى عبده من جناية فعاد العبد بعد ذلك فجنى جناية أخرى خطأ كان حكمها حكم الأول، يعني يخاطب المولى بالدفع أو الفداء، وإنما فسره المصنف بهذا لأنه إذا جنى ثانيا قبل الفداء كانت هي مثل الجزء: 13 ¦ الصفحة: 280 لأنه لما طهر من الجناية بالفداء جعل كأن لم تكن، وهذا ابتداء جناية. قال: وإن جنى جنايتين قيل للمولى: إما أن تدفعه إلى ولي الجنايتين يقتسمانه على قدر حقيهما، وإما أن تفديه بأرش كل واحد منهما لأن تعلق الأولى برقبته لا يمنع تعلق الثانية بها كالديون المتلاحقة، ألا ترى أن ملك المولى لم يمنع تعلق الجناية فحق المجني عليه الأول أولى أن لا يمنع. ومعنى قوله: على قدر حقيهما: على قدر أرش جنايتيهما، وإن كانوا جماعة يقتسمون العبد المدفوع على قدر حصصهم وإن فداه فداه بجميع أروشهم لما ذكرنا، ولو قتل واحدا وفقأ عين آخر يقتسمانه أثلاثا، لأن أرش العين على النصف من أرش النفس،   [البناية] المسألة التي قبلها م: (لأنه لما طهر) ش: بالطاء المهملة م: (عن الجناية بالفداء جعل كأن لم تكن، وهذا) ش: أي الذي وقع ثانيا م: (ابتداء جناية) ش: فحكمه حكم الجناية التي وقعت أولا م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن جنى) ش: أي العبد م: (جنايتين قيل للمولى: إما أن تدفعه إلى ولي الجنايتين يقتسمانه على قدر حقيهما، أما أن تفديه بأرش كل واحد منهما) ش: أي من حقه كاملا أي بالرقبة م: (لأن تعلق الأولى) ش: أي الجناية الأولى م: (برقبته) ش: أي برقبة العبد م: (لا يمنع تعلق الثانية) ش: أي الجناية الثانية م: (بها) ش: أي بالرقبة والتذكير باعتبار العتق أو باعتبار المذكور م: (كالديوان المتلاحقة) ش: فإن الدين الذي يلحق الدين لا يمانع أحدهما الآخر، وبه قالت الثلاثة الحسن وحماد وربيعة، وعن شريح: يدفع إلى ولي الجناية الأولى إلا أن يفديه مولاه ثم يدفع إلى الثاني والثالث وبه قال الشعبي وقتادة م: (ألا ترى) ش: توضيح لما قبله م: (أن ملك المولى لم يمنع تعلق الجناية فحق المجني عليه الأول أولى أن لا يمنع) ش: لأن الملك أقوى من الحق م: (ومعنى) ش: أي معنى م: (قوله) ش: (أي:) القدوري: م: (على قدر حقيهما: على قدر أرش جنايتيهما) ش: لأن المستحق يستحقه عوضا عما فات فلا بد أن يقسم على قدر العوض كذا في " الإيضاح " م: (وإن كانوا جماعة) ش: يعني إن كان أولياء القتيل جماعة م: (يقتسمون العبد المدفوع على قدر حصصهم، وإن فداه) ش: أي وإن فدى المولى عبده لهم م: (فداه بجميع أروشهم) ش: أي مقابلا لجميع أروشهم م: (لما ذكرنا) ش: يعني قوله لأن تعلق الأول برقبته لا يمنع تعلق الثاني م: (ولو قتل) ش: أي العبد م: (واحدا وفقأ عين آخر) ش: أي شخص آخر م: (يقتسمانه) ش: أي ولي القتيل، والذي فقئ عينه يقتسمان العبد م: (أثلاثا) ش: بيانه: قتل رجلا خطأ وفقأ عين آخر ثم اجتمعا، واختار الولي الدفع فإنه يدفع العبد إليهما أثلاثا م: (لأن أرش العين) ش: أي العين الواحدة م: (على النصف من أرش النفس) ش: لأن ولي المقتول ثبت في الدية وهي عشرة آلاف، وثبت حق المفقوء عينه في نصف الدية وكل واحد منهما يدلي بسبب صحيح، فيصرف بجميع حقه، فيقتسمان أثلاثا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 281 وعلى هذا حكم الشجات. وللمولى أن يفدي من بعضهم ويدفع إلى بعضهم مقدار ما تعلق به حقه من العبد؛ لأن الحقوق مختلفة باختلاف أسبابها، وهي الجنايات المختلفة، بخلاف مقتول العبد إذا كان له وليان لم يكن له أن يفدي من أحدهما ويدفع إلى الآخر؛ لأن الحق متحد لاتحاد سببه وهي الجناية المتحدة، والحق يجب للمقتول، ثم للوارث خلافة عنه فلا يملك التفريق في موجبها. قال: فإن أعتقه المولى وهو لا يعلم بالجناية ضمن الأقل من قيمته ومن أرشها   [البناية] م: (وعلى هذا حكم الشجات) ش: جمع شجة، وفي بعض النسخ: حكم الشجات فالأول جمع كثرة، والثاني جمع قلة، بيانه: شج رجلا موضحة وآخر هاشمة، وآخر منقلة، ثم اختار الولي الدفع يدفع إلى صاحب الموضحة سدس العبد، لأن له خمسمائة، وإلى صاحب الهاشمة ثلثه، لأن له ألفا وإلى صاحب المنقلة نصفه، لأن له ألفا وخمسمائة فيقتسمون الرقبة هكذا م: (وللولي أن يفدي من بعضهم ويدفع إلى بعضهم مقدار ما تعلق به حقه من العبد) ش: أشار لهذا إلى أن للمولى أن يخالف في الاختيار، فيفدي من بعضهم إلى آخر ما ذكره م: (لأن الحقوق مختلفة باختلاف أسبابها، وهي الجنايات المختلفة) ش: لأن كل واحد منهم لا يتعلق حقه بحق صاحبه " فجاز أن يختار في أحدهم خلاف ما يختار في حق الآخر، كما لو انفرد كل واحد منهم. م: (بخلاف مقتول العبد إذا كان له وليان لم يكن له) ش: أي للمولى م: (أن يفدي من أحدهما ويدفع إلى الآخر؛ لأن الحق متحد لاتحاد سببه وهي الجناية المتحدة) ش: أي جناية واحدة خير فيها بين الدفع فلم يملكه ببعض موجبها م: (والحق يجب للمقتول) ش: أو قيل: هذا جواب إشكال، وهو أن يقال: الحق إن كان متحدا بالنظر إلى سببه فهو متعدد بالنظر إلى المستحقين " فينبغي أن يكون حكم هذه المسألة مثل المسألة الأولى، فأجاب بقوله: أن الحق يجب للمقتول أولا م: (ثم للوارث خلافة عنه) ش: أي عن الميت، لأن الأصل في الاستحقاق الميت، وهو واحد والوارثان خلف عنه، فكان الاعتبار (في) الاتحاد الأصل، فإذا كان كذلك م: (فلا يملك التفريق في موجبها) ش: أي في موجب الجناية المتحدة. [أعتق العبد الجاني مولاه وهو لا يعلم] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن أعتقه المولى) ش: أي فإن أعتق العبد الجاني مولاه م: (وهو لا يعلم بالجناية) ش: أي والحال أنه ما علم بالجناية م: (ضمن الأقل من قيمة ومن أرشها) ش: أي ضمن المولى الأقل من قيمة العبد الجاني ومن أرش جناية أيهما كان أقل من الآخر يلزمه ذلك، وبه قال الشافعي، وفي قول مالك: يلزمه تمام الأرش، وبه قال أحمد في رواية، وهو قول مالك. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 282 وإن أعتقه بعد العلم بالجناية وجب عليه الأرش؛ لأن في الأول فوت حقه، فيضمنه وحقه في أقلهما ولا يصير مختارا للفداء؛ لأنه لا اختيار بدون العلم " وفي الثاني: صار مختارا؛ لأن الإعتاق يمنعه من الدفع فالإقدام عليه اختيار منه للآخر " وعلى هذين الوجهين البيع والهبة والتدبير والاستيلاد؛ لأن كل ذلك مما يمنع الدفع لزوال الملك به. بخلاف الإقرار على رواية الأصل، لأنه لا يسقط به حق ولي الجناية فإن المقر له يخاطب بالدفع إليه وليس فيه نقل الملك لجواز أن يكون الأمر كما قاله المقر،   [البناية] م: (وإن أعتقه بعد العلم بالجناية وجب عليه الأرش) ش: قليلا كان أو كثيرا، وقال الكرخي: وإذا قتل عبد قتيلا خطأ فأخرجه المولى من ملكه ببيع إلى غيره أو عتقه، أو دبره، أو كانت أمة فاستولدها أو أقر به لرجل وهو يعلم فعليه أرش الجناية م: (لأن في الأول) ش: أي فيما أعتقه الولي وهو لا يعلم بالجناية م: (فوت حقه) ش: أي حق المجني عليه م: (فيضمنه وحقه في أقلهما) ش: أي من الأقل من القيمة ومن الأرش م: (ولا يصير مختارا للفداء؛ لأنه لا اختيار بدون العلم، وفي الثاني) ش: أي فيما إذا أعتقه بعد العلم بالجناية م: (صار مختارا، لأن الإعتاق يمنعه من الدفع فالإقدام عليه) ش: أي على العتق م: (اختيار منه للآخر) ش: أي الفداء. م: (وعلى هذين الوجهين) ش: وهو العلم بالجناية وعدم العلم بها م: (البيع) ش: بأن باع العبد الجاني م: (والهبة) ش: بأن وهبه لأحد م: (والتدبير) ش: بأن دبره م: (والاستيلاد) ش: بأن كانت أمة فاستولدها م: (لأن كل ذلك مما يمنع الدفع لزوال الملك به) ش: أي بالمذكور من هذه الأشياء م: (بخلاف الإقرار على رواية الأصل) ش: يعني إذا أقر في يده العبد الجاني بأن العبد لفلان لا يصير مختارا للفداء. توضيحه: إذا جنى العبد جناية يقال لوليه: هو عبدك فادفعه أو افده فقال: هو لفلان الغائب وديعة عندي أو جارية أو أجير أو رهن لا يصير مختارا للفداء م: (لأنه لا يسقط به حق ولي الجناية، فإن المقر له يخاطب بالدفع إليه وليس فيه نقل الملك؛ لجواز أن يكون الأمر كما قاله المقر) ش: ولم يندفع عنه الخصومة حتى يقيم على ذلك بينة، فإن أقامها آخر الأمر إلى قدوم الغائب، وان لم يقمها خوطب بالدفع أو الفداء ولا يصير مختارا للدية مع تمكينه من الدفع. وقال القدوري في " شرحه ": فإن اختار الفداء ثم حضر الغائب وصدقه فهو مقطوع في الفداء، لأنه أقر ملك غيره بغير أمره، وقد كان يمكنه أن يتخلص من الفداء بالدفع. فإذا اختاره كان متبرعا، وإن اختار الدفع ثم حضر الغائب فصدقه قيل له: إن شئت فأفسخ الدفع، لأن التصديق استند إلى الإقرار الأول، فصار ملكا للعبد من ذلك الوقت وقد دفعه من ليس بمالك " فإن شاء اختار دفعه، وإن شاء فسخ وفدى. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 283 وألحقه الكرخي بالبيع وأخواته؛ لأنه ملكه في الظاهر فيستحقه المقر له بإقراره فأشبه البيع، وإطلاق الجواب في الكتاب ينتظم النفس وما دونها، وكذا المعنى لا يختلف، وإطلاق البيع ينتظم البيع بشرط الخيار للمشتري؛ لأنه يزيل الملك. بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع ونقضه، وبخلاف العرض على البيع؛ لأن الملك ما زال. ولو باعه بيعا فاسدا لم يصر مختارا حتى يسلمه؛ لأن الزوال به بخلاف الكتابة الفاسدة؛ لأن موجبه يثبت قبل قبض البدل " فيصير بنفسه مختارا.   [البناية] م: (وألحقه الكرخي) ش: أي ألحق الإقرار أبو الحسن الكرخي م: (بالبيع وأخواته) ش: الهبة والتدبير والاستيلاد، يعني في صيرورته مختارا م: (لأنه ملكه في الظاهر فيستحقه المقر له بإقرار، فأشبه البيع) ش: وفي " الإيضاح ": رواية الكرخي خارجة عن الأصول وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإطلاق الجواب في الكتاب) ش: وهو قوله: ضمن الأقل من قيمته ومن أرشها، وأراد بالكتاب القدوري م: (ينتظم النفس وما دونها) . ش: لأن الجناية أعم من أن يكون على النفس أو على ما دونها فيكون مختارا للفداء من هذه الأشياء بعد العلم بالجناية على النفس أو على ما دونها، فإن فعل قبل العلم يلزم الأقل من قيمة الجاني والأرش. م: (وكذا المعنى لا يختلف) ش: أي المعنى الذي يكون به مختارا للفداء أو لا يكون مختارا في النفس وما دونه لأنه لا يصح الاختيار بدون العلم، فإذا علم فعل ذلك بعد الإعتاق ونحوه كان مختارا. وإن فعل ويعلم لم يكن مختارا ويلزمه الأقل، لأنه لا حق لولي الجناية فيما زاد على الأرش إذا كان الأرش أقل، وإذا كان تقيمة الجاني أقل يلزم المولى ذلك، لأنه لم يفوت بفعله غير ذلك. م: (وإطلاق البيع ينتظم البيع بشرط الخيار للمشتري؛ لأنه يزيل الملك) ش: البيع بشرط الاختيار للمشتري ملك البائع بالإجماع، وإن كانوا اختلفوا في ثبوت الملك للمشتري م: (بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع ونقضه، وبخلاف العرض على البيع) ش: يعني لا يكون مختارا به م: (لأن الملك ما زال) ش: فبقي الدفع ممكنا كما كان. وقال القدوري في (شرحه) : وقال زفر: العوض اختيار لأنه يدل على سعة الملك. [كاتبه بعد العلم بالجناية كتابة فاسدة بأن كاتبه على خمر أو خنزير] م: (ولو باعه بيعا فاسدا لم يصر مختارا حتى يسلمه؛ لأن الزوال به، بخلاف الكتابة الفاسدة) ش: يعني إذا كاتبه بعد العلم بالجناية كتابة فاسدة بأن كاتبه على خمر أو خنزير حيث يكون مختارا م: (لأن موجبه) ش: وهو استحقاق العتق عند أداء العوض المشروط م: (يثبت قبل قبض البدل) ش: أي بدل الكتابة م: (فيصير بنفسه) ش: أي بنفس العقد م: (مختارا) ش: وفي " الإيضاح " الجزء: 13 ¦ الصفحة: 284 ولو باعه مولاه من المجني عليه فهو مختار، بخلاف ما إذا وهبه منه؛ لأن المستحق له أخذه بغير عوض وهو متحقق في الهبة دون البيع، وإعتاق المجني عليه بأمر المولى بمنزلة إعتاق المولى فيما ذكرنا؛ لأن فعل المأمور مضاف إليه، ولو ضربه، فنقصه فهو مختار إذا كان عالما بالجناية؛ لأنه حبس جزءا منه، وكذا إذا كانت بكرا فوطئها، وإن لم يكن معلقا لما قلنا، بخلاف التزويج لأنه عيب من حيث الحكم " وبخلاف وطء الثيب على ظاهر الرواية؛ لأنه لا ينقص من غير إعلاق، وبخلاف الاستخدام لأنه لا   [البناية] كاتبه وهو يعلم بالجناية ثم عجز. فإن كان خوصم قبل أن يعجز وقضى بالدية ثم عجز لم يرتفع القضاء، لأن وجوب البدل استحكم بالقضاء، وإن لم يحكم فيه حتى عجز كان له أن يدفعه، لأن الدفع بالعجز. وعن أبي يوسف: يصير مختارا بالعقد لتعذر الدفع باعتبار فوات اليد. م: (ولو باعه مولاه من المجني عليه فهو مختار، بخلاف ما إذا وهبه منه) ش: أي من المجني عليه م: (لأن المستحق له أخذه بغير عوض، وهو متحقق في الهبة دون البيع) ش: حيث لا يكون إلا بعوض، لأنه تمليك بعوض. م: (وإعتاق المجني عليه) ش: يعني إذا أعتق المجني عليه العبد الجاني م: (بأمر المولى بمنزلة إعتاق المولى فيما ذكرنا) ش: أي في العلم بالجناية وعدمه م: (لأن فعل المأمور مضاف إليه) ش: أي إلى الآمر، فكأنه أعتقه بنفسه. م: (ولو ضربه) ش: أي ولو ضرب عبده الجاني م: (فنقصه) ش: بأن أثر الضرب فيه حتى صار مهزولا، وقلت قيمته بتغير أثر الضرب م: (فهو مختار إذا كان عالما بالجناية؛ لأنه) ش: أي لأن المولى م: (حبس جزءا منه) ش: أي من العبد، فصار كما لو حبس الكل م: (وكذا) ش: أي يكون مختارا م: (إذا كانت بكرا فوطئها، وإن لم يكن معلقا لما قلنا) ش: من الإعلاق، وقيد به لإثبات الفرق بين وطء البكر والثيب، حيث توطأ بدون الإعلاق لا يصير مختارا للفداء في ظاهر الرواية، قاله الكاكي. م: (بخلاف التزويج) ش: أي لا يكون مختارا للفداء بالتزويج م: (لأنه عيب من حيث الحكم) ش: ولكنه ليس ينقص حقيقة وحكما، وهو ظاهر م: (وبخلاف وطء الثيب) ش: أي لا يكون مختارا للفداء بوطء الثيب م: (على ظاهر الرواية) ش: وروي عن أبي يوسف: أن الوطء اختيار كالثيب، وبه قال زفر م: (لأنه) ش: أي لأن وطء الثيب م: (لا ينقص من غير إعلاق، وبخلاف الاستخدام) ش: أي لا يكون مختارا للفداء أيضا م: (لأنه) ش: أي لأن الاستخدام م: (لا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 285 يختص بالملك، ولهذا لا يسقط به خيار الشرط، ولا يصير مختارا بالإجارة والرهن في الأظهر من الروايات. وكذا بالإذن في التجارة وإن ركبه دين " لأن الإذن لا يفوت الدفع ولا ينقص الرقبة إلا أن لولي الجناية أن يمتنع من قبوله؛ لأن الدين لحقه من جهة المولى فلزم المولى قيمته. قال: ومن قال لعبده: إن قتلت فلانا أو رميته أو شججته فأنت حر فهو مختار للفداء إن فعل ذلك. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصير مختارا للفداء، لأنه وقت تكلمه لا جناية ولا علم له بوجوده، وبعد الجناية لم يوجد منه فعل يصير به مختارا ألا ترى أنه لو علق الطلاق أو العتاق بالشرط ثم حلف أن لا يطلق أو لا يعتق ثم وجد الشرط وثبت العتق والطلاق لا يحنث في يمينه تلك، كذا هذا.   [البناية] يختص بالملك) ش: فلا يدل على اختيار الملك. م: (ولهذا) ش: أي: ولكون الاستخدام لا يختص بالملك م: (لا يسقط به خيار الشرط) ش: فيما إذا كان العبد المشروط فيه الخيار استخدمه المشتري فخياره باق، حتى لو هلك في الخدمة لا ضمان عليه، وكذا لو كان عليه دين في استخدامه فهلك لا يضمن للغرماء. م: (ولا يصير مختارا بالإجارة والرهن في الأظهر من الروايات) ش: لأن الإجارة تنقص بالأعذار " فيكون قيام حق ولي الجناية فيه عذرا في نقص الإجارة والرهن يمكن من قضاء الدين واسترداد الرهن متى شاء، فلم يتحقق عجزه دون الدفع، وقوله " في الأظهر " احتراز عما ذكر، ذكر في بعض نسخ الأصل: أنه يكون مختارا في الإجارة والرهن، لأنه أثبت عليه يدا مستحقة، وصار كالبيع. م: (وكذا بالإذن في التجارة) ش: يعني لا يكون مختارا لأنه لا يعجزه عن الدفع م: (وإن ركبه دين) ش: كلمة " إن " واصلة بما قبلها م: (لأن الإذن لا يفوت الدفع) ش: لقيام ملكه م: (ولا ينقص الرقبة إلا أن لولي الجناية أن يمتنع من قبوله؛ لأن الدين لحقه من جهة المولى فلزم المولى قيمته) ش: لأنه لما أبطل الدفع من حين اختياره توجبت القيمة. [قال لعبده إن قتلت فلانا أو رميته أو شججته فأنت حر] م: (قال) ش: أي محمد في، الجامع الصغير ": م: (ومن قال لعبده: إن قتلت فلانا أو رميته أو شججته فأنت حر فهو مختار للفداء إن فعل ذلك) ش: تلك الأفعال م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصير مختارا لفداء، لأنه وقت تكلمه لا جناية ولا علم له بوجوده، وبعد الجناية لم يوجد منه فعل يصير به مختارا، ألا ترى أنه لو علق الطلاق أو العتاق بالشرط ثم حلف أن لا يطلق أو لا يعتق ثم وجد الشرط وثبت العتق والطلاق لا يحنث في يمينه تلك) ش: أي اليمين الموجودة بعد تعليق العتاق والطلاق بالشرط م: (كذا هذا) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 286 ولنا: أنه علق الإعتاق بالجناية والمعلق بالشرط ينزل عند وجود الشرط كالمنجز، فصار كما إذا أعتقه بعد الجناية، ألا ترى أن من قال لامرأته: إن دخلت الدار فوالله لا أقربك، يصير ابتداء الإيلاء من وقت الدخول. وكذا إذا قال لها: إذا مرضت فأنت طالق ثلاثا فمرض حتى طلقت ومات من ذلك المرض يصير فارا لأنه يصير مطلقا بعد وجود المرض، بخلاف ما إذا أورد لأن غرضه طلاق أو عتق يمكنه الامتناع عنه، إذ اليمين للمنع فلا يدخل تحته ما لا يمكنه الامتناع عنه، ولأنه حرضه على مباشرة الشرط بتعليق أقوى الدواعي إليه، والظاهر أنه يفعله، فهذا دلالة الاختيار. قال: وإذا قطع العبد يد رجل عمدا فدفع إليه بقضاء أو بغير قضاء فأعتقه ثم مات من قطع اليد فالعبد صلح بالجناية " وإن كان لم يعتقه   [البناية] م: (ولنا: أنه علق الإعتاق بالجناية والمعلق بالشرط ينزل عند وجود الشرط كالمنجز) ش: عند وجوده م: (فصار كما إذا أعتقه بعد الجناية) ش: أي فصار كأن العبد قتل رجلا خطأ، .... ) المعلق المولى. فأعتقه بعد ذلك يكون مختارا للفداء " فكذا هذا. ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أن من قال لامرأته إن دخلت الدار فوالله لا أقربك يصير ابتداء الإيلاء من وقت الدخول) ش: لأن من وقت القول، فكذا هنا يصير كأنه أعتقه بعد الجناية وهو يعلم بذلك. م: (وكذا إذا قال لها إذا مرضت فأنت طالق ثلاثا فمرض حتى طلقت ومات من ذلك المرض يصير فارا) ش: فترث المرأة م: (لأنه يصير مطلقا بعد وجود المرض) ش: لأنه لما أضاف الطلاق إلى المرض صار كأنه طلقها بعد مرضه م: (بخلاف ما إذا أورد لأن غرضه طلاق أو عتق يمكنه الامتناع عنه، إذ اليمين للمنع) ش: لأنه غرض أراد من يمينه المنع م: (فلا يدخل تحته ما لا يمكنه الامتناع عنه) ش: لأنه لا يقدر على الامتناع مما علقه قبل الحلف، فلم يكن ذلك داخلا تحت يمينه، ولم يكن ذلك مرادا بيمينهم، بل كان المراد منها ما يمكن الامتناع عنه مما يحدث في المستقبل فلم يرد ذلك علينا. م: (ولأنه) ش: دليل آخر، أي ولأن المولى م: (حرضه) ش: أي حرض العبد م: (على مباشرة الشرط) ش: وهو القتل أو الرمي أو الشج م: (بتعليق أقوى الدواعي إليه) ش. أي الشرط وهو الحرية م: (والظاهر أنه يفعله) ش: رغبة منه في الحرية م: (فهذا دلالة الاختيار) . [قطع العبد يد رجل عمدا فدفع إليه بقضاء أو بغير قضاء فأعتقه ثم مات من اليد] م: (قال) ش: أي محمد في (الجامع) : م: (وإذا قطع العبد يد رجل عمدا فدفع إليه بقضاء أو بغير قضاء فأعتقه) ش: أي المجني عليه م: (ثم مات من اليد فالعبد صلح بالجناية، وإن كان لم يعتقه الجزء: 13 ¦ الصفحة: 287 رده على المولى، وقيل للأولياء: اقتلوه أو اعفوا عنه. ووجه ذلك، وهو أنه إذا لم يعتقه وسرى تبين أن الصلح وقع باطلا؛ لأن الصلح كان عن المال؛ لأن أطراف العبد لا يجري القصاص بينها. وبين أطراف الحر " فإذا سرى تبين أن المال غير واجب، وإنما الواجب هو القود، فكان الصلح واقعا بغير بدل فبطل والباطل لا يورث الشبهة، كما إذا وطئ المطلقة الثلاث في عدتها مع العلم بحرمتها عليه فوجب القصاص بخلاف ما إذا أعتقه؛ لأن إقدامه على الإعتاق يدل على قصده تصحيح الصلح؛ لأن الظاهر أن من أقدم على تصرف يقصد تصحيحه، ولا صحة له إلا أن يجعل صلحا عن الجناية وما يحدث منها. ولهذا لو نص عليه ورضي المولى به يصح وقد رضي المولى به؛ لأنه لما رضي يكون العبد عوضا عن القليل يكون أرضى بكونه عوضا عن الكثير، فإذا أعتق يصح الصلح في ضمن الإعتاق ابتداء، وإذا لم يعتق لم يوجد الصلح ابتداء، والصلح الأول وقع باطلا فيرد.   [البناية] رده على المولى " وقيل للأولياء: اقتلوه أو اعفوا عنه. ووجه ذلك) ش: يريد به بيان الفرق بينهما إذا أعتق وبينهما إذا لم يعتق م: (وهو أنه إذا لم يعتقه وسرى تبين أن الصلح) ش: أي الدفع م: (وقع باطلا) ش: وسماه صلحا بناء على ما اختاره بعض المشايخ، أن الموجب الأصلي هو الفداء " فكان الدفع بمنزلة الصلح لسقوط موجب الجناية به، وإنما وقع باطلا م: (لأن الصلح كان عن المال؛ لأن أطراف العبد لا يجري القصاص بينها وبين أطراف الحر، فإذا سرى تبين أن المال غير واجب، وإنما الواجب هو القود) ش: أي القصاص م: (فكان الصلح واقعا بغير بدل فبطل) ش: لأن الذي كان وقع الصلح عنه وهو المال قد زال، والذي وجد من القتل لم يكن وقت الصلح فبطل م: (والباطل لا يورث الشبهة، كما إذا وطئ المطلقة الثلاث في عدتها مع العلم بحرمتها عليه) ش: فإنه لا يصير شبهة لدرء الحد م: (فوجب القصاص) . م: (بخلاف ما إذا أعتقه؛ لأن إقدامه على الإعتاق يدل على قصده تصحيح الصلح؛ لأن الظاهر) ش: من حال المعقد له م: (أن من أقدم منهم على تصرف يقصد تصحيحه) ش: لإظهار الصحيح قرارا من الباطل م: (ولا صحة له) ش: لهذا الصلح م: (إلا أن يجعل صلحا عن الجناية وما يحدث منها) ش: فيجعل مصالحا عن ذلك فبقي الإقدام على الإعتاق. م: (ولهذا لو نص عليه) ش: أي على أن يكون العبد صلحا عن الجناية وما يحدث منها م: (ورضي المولى به يصح وقد رضي المولى به؛ لأنه لما رضي يكون العبد عوضا عن القليل) ش: وهو اليد م: (يكون أرضى بكونه عوضا عن الكثير) ش: وهو السراية إلى النفس م: (فإذا أعتق يصح الصلح في ضمن الإعتاق ابتداء، وإذا لم يعتق لم يوجد الصلح ابتداء، والصلح الأول وقع باطلا فيرد الجزء: 13 ¦ الصفحة: 288 العبد إلى المولى والأولياء على خيرتهم في العفو والقتل. وذكر في بعض النسخ رجل قطع يد رجل عمدا فصالح القاطع المقطوعة يده على عبد ودفعه إليه فأعتقه المقطوعة يده ثم مات من ذلك، قال: العبد صلح بالجناية إلى آخر ما ذكرنا من الرواية، وهذا الوضع يرد إشكالا فيما إذا عفا عن اليد ثم سرى إلى النفس ومات حيث لا يجب القصاص هنالك، وهاهنا قال يجب " قيل: ما ذكر هاهنا جواب القياس فيكون الوضعان جميعا - على القياس والاستحسان، وقيل: بينهما فرق، ووجهه أن العفو عن اليد صح ظاهرا؛ لأن الحق كان له في اليد من حيث الظاهر فيصح العفو ظاهرا، فبعد ذلك وإن بطل حكما يبقى موجودا حقيقة فكفى ذلك لمنع وجوب القصاص. أما هاهنا الصلح لا يبطل الجناية، بل يقررها حيث صالح عنها على مال،   [البناية] العبد إلى المولى والأولياء على خيرتهم في العفو والقتل وذكر في بعض النسخ) ش: أي: نسخ " الجامع الصغير "، وبه صرح فخر الإسلام في " جامعه " وصاحب " الكافي " فيه: م: (رجل قطع يد رجل عمدا فصالح القاطع المقطوعة يده على عبد ودفعه إليه فأعتقه المقطوعة يده ثم مات من ذلك، قال) ش: أي المصنف: م: (العبد صلح بالجناية إلى آخر ما ذكرنا من الرواية) ش: يعني وإن لم يعتقه رد إلى مولاه، ويجعل الأولياء على خيرتهم بين القتل والعفو م: (وهذا الوضع) ش: قيل: إن الموضع الثاني وهو النسخة الغير المعروفة. وقال الأترازي: أي وضع " الجامع الصغير " في النسخة المعروفة، وفي النسخة الأخرى جميعا م: (يرد إشكالا) ش: في هذه المسألة وهي قوله: م: (فيما إذا عفا عن اليد ثم سرى إلى النفس ومات حيث لا يجب القصاص هنالك) ش: يعني ثمة هل تجب الدية لكون العفو عن اليد شبهة؟ م: (وهاهنا) ش: أي في هذه المسألة م: (قال يجب) ش: أي القصاص، وهذا وجه الإشكال، ثم أشار المصنف إلى وجه دفع هذا الإشكال بقوله: م: (قيل: ما ذكر هاهنا) ش: من وجوب القصاص م: (جواب القياس) ش: وما ذكر هناك جواب الاستحسان م: (فيكون الوضعان جميعا على القياس) ش: في الأول م: (والاستحسان) ش: في الثاني فاندفع التدافع، وحصل التوافق. م: (وقيل: بينهما فرق) ش: أي بين الوضعين فرق ظاهر، يعني: بين هذه المسألة ومسألة العفو عن اليد حيث وجب القصاص هنا ولم يجب ثمة، بل وجبت الدية. م: (ووجهه) ش: أي وجه الفرق م: (أن العفو عن اليد صح ظاهرا؛ لأن الحق كان له في اليد من حيث الظاهر فيصح العفو ظاهرا) ش: ويبطل به الجناية، لأن العفو عنها يبطله م: (فبعد ذلك وإن بطل حكما) ش: أي حكم العفو بالسراية م: (يبقى موجودا حقيقة، فكفى ذلك لمنع وجوب القصاص. أما هاهنا الصلح لا يبطل الجناية، بل يقررها حيث صالح عنها على مال) ش: وجب القصاص، الجزء: 13 ¦ الصفحة: 289 فإذا لم يبطل الجناية لم تمتنع العقوبة، هذا إذا لم يعتقه، أما إذا أعتقه فالتخريج ما ذكرناه من قبل. قال: وإذا جنى العبد المأذون له جناية وعليه ألف درهم فأعتقه المولى ولم يعلم بالجناية فعليه قيمتان، قيمة لصاحب الدين، وقيمة لأولياء الجناية لأنه أتلف حقين كل واحد منهما مضمون بكل القيمة على الانفراد: الدفع للأولياء، والبيع للغرماء، فكذا عند الاجتماع ويمكن الجمع بين الحقين إيفاء من الرقبة الواحدة بأن يدفع إلى ولي الجناية ثم يباع للغرماء فيضمنهما بالإتلاف،   [البناية] ومعنى قوله م: (فإذا لم تبطل الجناية لم تمتنع العقوبة) ش: يعني القصاص. م: (هذا) ش: الذي ذكرناه م: (إذا لم يعتقه، أما إذا أعتقه فالتخريج ما ذكرناه من قبل) ش: وهو قوله لأن إقدامه على الإعتاق يدل على قصده تصحيح الصلح. [جنى العبد المأذون له جناية وعليه ألف درهم فأعتقه المولى ولم يعلم بالجناية] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا جنى العبد المأذون له جناية وعليه ألف درهم فأعتقه المولى ولم يعلم بالجناية) ش: قيد بعدم العلم ليبني عليه م: (فعليه) ش: أي فعلى المولى م: (قيمتان، قيمة لصاحب الدين، وقيمة لأولياء الجناية) ش: وبه قال الشافعي في قول وأحمد في رواية ومالك م: (لأنه) ش: أي لأن المأذون م: (أتلف حقين كل واحد منهما مضمون بكل القيمة على الانفراد: الدفع للأولياء، والبيع للغرماء، فكذلك عند الاجتماع) ش: أي اجتماع الحقين م: (ويمكن الجمع بين الحقين) ش: هذا جواب عما يقال: لا يلزم من كون كل واحد منهما مضمونا بكل القيمة على الانفراد كونه كذلك عند الاجتماع يجوز أن يكونا متنافيين فلا يجتمعان ليكون الإتلاف وارد عليهما. وتقرير الجواب: الجمع بينهما ممكن م: (إيفاء) ش: أي من حيث الإيفاء م: (من الرقبة الواحدة بأن يدفع إلى ولي الجناية تم يباع للغرماء فيضمنهما) ش: أي يضمن المولى القيمتين م: (بالإتلاف) ش: والأصل أن العبد إذا جنى وعليه دين يخير المولى بين الدفع والفداء، فإن دفع في دين الغرماء، فإن فضل شيء كان لأصحاب الجناية، وإنما بدأنا بالدفع لأنه به يوفى الحقين، فإن حق ولي الجناية يصير وفي بالدفع، ثم يباع بعده لأرباب الديون، ومتى بدأنا يبيعه في الدين تعذر الدفع بالجناية، لأنه تجدد للمشتري الملك ولم يوجد في مدة جنايته. فقيل: ما فائدة الدفع إذا كان البيع بالدين بعده واجبا) وأجيب: بأنها إثبات حق الاستخلاص لولي الجناية بالفداء بالدين، فإن للناس في الأعيان أغراضا، وإنما لم يبطل الدين لحدوث الجناية، لأن موجبها صيرورته حرا، فإذا كان مشغولا وجب دفعه مشغولا، ثم إذا بيع وفضل من ثمنه شيء صرف إلى أولياء الجناية، لأنه بيع على ملكهم، فإن لم يثبت بالدين تأخر إلى حال الحرية كما لو بيع على ملك المولى الأول، وإنما قيد المسألة بعدم العلم الجزء: 13 ¦ الصفحة: 290 بخلاف ما إذا أتلفه أجنبي حيث تجب قيمة واحدة للمولى ويدفعها المولى إلى الغرماء؛ لأن الأجنبي إنما يضمن للمولى بحكم الملك فلا يظهر في مقابلته الحق؛ لأنه دونه. وهاهنا يجب لكل واحد منهما بإتلاف الحق فلا ترجيح فيظهران فيضمنهما. قال: وإذا استدانت الأمة المأذون لها أكثر من قيمتها ثم ولدت، فإنه يباع الولد معها في الدين، وإن جنت جناية لم يدفع الولد معها، والفرق أن الدين وصف حكمي فيها واجب في ذمتها متعلق برقبتها استيفاء، فيسري إلى الولد كولد المرهون، بخلاف الجناية؛ لأن وجوب الدفع في ذمة المولى لا في ذمتها، وإنما يلاقيها أثر الفعل الحقيقي   [البناية] ليبني عليه كما قلنا، وهو قول المصنف فعليه قيمتان، لأنه لو أعتقه وهو عالم بالجناية كان عليه الدية إذا كانت الجناية في النفس لأوليائها وقيمة العبد لصاحب الدين، لأن الإعتاق بعد العلم بالجناية يوجب الأرش دون القيمة. م: (بخلاف ما إذا أتلفه أجنبي) ش: أي إذا أتلف العبد المأذون أجنبي لا يضمن للغرماء م: (حيث تجب قيمة واحدة للمولى ويدفعها المولى إلى الغرماء؛ لأن الأجنبي إنما يضمن للمولى بحكم الملك فلا يظهر في مقابلته الحق؛ لأنه دونه) ش: أي لأن الحق دون الملك، يعني لا يضمن الأجنبي سوى قيمة العبد. م: (وهاهنا يجب لكل واحد منهما بإتلاف الحق فلا ترجيح فيظهران) ش: أي فلا ترجيح لأحدهما على الآخر، لأن حقهما مرجوع بالنسبة إلى ملك المولى، فلا يظهر حكمهما م: (فيضمنهما) ش: أي فيضمن الولي الإعتاق لصاحب الدين وولي الجناية، لأنه أتلف حقهما. [استدانت الأمة المأذون لها أكثر من قيمتها ثم ولدت] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا استدانت الأمة المأذون لها أكثر من قيمتها ثم ولدت) ش: أي من زوجها م: (فإنه يباع الولد معها في الدين، وإن جنت جناية لم يدفع الولد معها) ش: أي مع الأم الأمة م: (والفرق) ش: بين المسألتين م: (أن الدين وصف حكمي فيها) ش: أي في الأمة م: (واجب في ذمتها متعلق برقبتها استيفاء) ش: أي من حيث الاستيفاء، يعني صار المولى ممنوعا من التصرف في رقبتها ببيع أو غيرهما، فكانت من الأوصاف الشرعية إلقاء في الأم م: (فيسري إلى الولد كولد المرهون) ش: أي كولد الجارية المرهونة، فإنه يباع مع أمه. م: (بخلاف الجناية) ش: حيث لم يدفع الولد معها م: (لأن وجوب الدفع في ذمة المولى لا في ذمتها) ش: أي في ذمة الأمة ورقبتها خالية عن الحق فلا يتعلق بالولد م: (وإنما يلاقيها أثر الفعل الحقيقي) ش: الحسي. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 291 وهو الدفع والسراية في الأوصاف الشرعية دون الأوصاف الحقيقية قال: وإذا كان العبد لرجل زعم رجل آخر أن مولاه أعتقه فقتل العبد وليا لذلك الرجل خطأ فلا شيء له؛ لأنه لما زعم أن مولاه أعتقه فقد ادعى الدية على العاقلة وأبرأ العبد والمولى، إلا أنه لا يصدق على العاقلة من غير حجة. قال: وإذا أعتق العبد فقال لرجل قتلت أخاك خطأ وأنا عبد، وقال الآخر: قتلته وأنت حر، فالقول قول العبد لأنه منكر للضمان لما أنه أسنده إلى حالة معهودة منافية للضمان، إذ الكلام فيما إذا عرف رقه، والوجوب في جناية العبد على المولى دفعا أو فداء، وصار كما إذا قال البالغ العاقل: طلقت امرأتي وأنا صبي " أو بعت داري وأنا صبي، أو قال: طلقت امرأتي وأنا مجنون، أو بعت داري وأنا مجنون وقد كان جنونه معروفا،   [البناية] م: (وهو الدفع والسراية في الأوصاف الشرعية دون الأوصاف الحقيقية) ش: أي سراية الحكم من الأم إلى الولد في الوصف الشرعي لا الحقيقي من وجوب الدفع أثر الفعل الحقيقي، فلذلك لم يسر إلى الولد " ولهذا لو كانت الأمة سوداء لا يلزم أن يكون ولدها أسود. [العبد لرجل زعم رجل آخر أن مولاه أعتقه فقتل العبد وليا لذلك الرجل خطأ] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان العبد لرجل زعم رجل آخر أن مولاه أعتقه فقتل العبد وليا لذلك الرجل خطأ فلا شيء له) ش: أي الذي زعم أنه أعتقه لا قليل ولا كثير م: (لأنه لما زعم أن مولاه، أعتقه فقد ادعى الدية على العاقلة وأبرأ العبد والمولى) ش: أي وادعى أيضا إبراء العبد وإبراء المولى، لأن الإنسان مؤاخذ بزعمه م: (إلا أنه) ش: أي غير أن هذا الزاعم م: (لا يصدق على العاقلة من غير حجة) ش: فلا يكون له شيء أصلا. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا أعتق العبد فقال لرجل قتلت أخاك خطأ وأنا عبد، وقال الآخر: قتلته وأنت حر، فالقول قول العبد) ش:، أي مع يمينه بالإجماع. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: فيه وجهان، أحدهما وهو نص الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن القول للمولى مع يمينه، والثاني: أن القول للجاني م: (لأنه منكر للضمان لما أنه أسنده إلى حالة معهودة) ش: أي معلومة م: (منافية للضمان، إذ الكلام فيما إذا عرف رقه، والوجوب في جناية العبد على المولى دفعا أو فداء) ش: أي من حيث الدفع إلى ولي الجناية، ومن حيث الفداء " واعترض بأن العبد قد ادعى تاريخا سابقا في إقراره والمقر له منكر لذلك التاريخ فينبغي أن يكون القول قوله. وأجيب: بأن اعتبار التاريخ للترجيح بعد وجود أصل الإقرار، وهاهنا هو منكر لأصله، فصار كمن يقول لعبده أعتقتك قبل أن تخلق أو أخلق. م: (وصار) ش: أي حكم هذا م: (كما إذا قال البالغ العاقل طلقت امرأتي وأنا صبي " أو بعت داري وأنا صبي، أو قال: طلقت امرأتي وأنا مجنون أو بعت داري وأنا مجنون، وقد كان جنونه معروفا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 292 كان القول قوله لما ذكرنا. قال: ومن أعتق جارية ثم قال لها: قطعت يدك وأنت أمتي، وقالت: قطعتها وأنا حرة فالقول قولها " وكذلك كل ما أخذ منها إلا الجماع والغلة استحسانا وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد: لا يضمن إلا شيئا قائما بعينه يؤمر برده عليها لأنه منكر وجوب الضمان لإسناده الفعل إلى حالة معهودة منافية له كما في المسألة الأولى وكما في الوطء والغلة، وفي الشيء القائم أقر بيدها حيث اعترف بالأخذ منها ثم ادعى التملك عليها وهي منكرة، والقول قول المنكر، فلهذا يؤمر بالرد إليها. ولهما: أنه أقر بسبب الضمان ثم ادعى ما يبرئه فلا يكون القول قوله، كما إذا قال لغيره: فقأت عينك اليمنى وعيني اليمنى صحيحة، ثم فقئت وقال المقر له: لا؛ بل فقأتها وعينك اليمنى مفقوءة.   [البناية] كان القول قوله لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله " لما أنه أسنده " إلى حالة معهودة منافية للضمان، لأن الصبي والمجنون ينافي ذلك. وكذا إذا قال: أقررت بهذا المال لفلان وأنا صبي، وقال المقر له: بل أقررت وأنت بالغ فالقول قول المقر، لأن الصبي ينافي وجوب الإقرار. [أعتق جارية ثم قال لها قطعت يدك وأنت أمتي وقالت قطعتها وأنا حرة] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن أعتق جارية ثم قال لها: قطعت يدك وأنت أمتي، وقالت: قطعتها وأنا حرة فالقول قولها، وكذلك كل ما أخذ منها إلا الجماع والغلة) ش: بأن قال جامعتك وأنت أمتي، أو قال: أخذت منك غلة عملك وأنت أمتي، فقالت: بل كان ذلك بعد العتق فإن القول للمولى م: (استحسانا) ش: أي من حيث الاستحسان م: (وهذا) ش: أي كون القول للمولى م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) . م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يضمن إلا شيئا قائما بعينه) ش: أي لا يضمن المولى إلا إذا أقر بأخذ شيء بعينه والمأخوذ قائم في يده، واختلف فيه على هذا الوجه أجمعوا فيه م: (يؤمر برده عليها) ش: وبقول محمد قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه) ش: أي لأن المولى م: (منكر وجوب الضمان لإسناده الفعل إلى حالة معهودة منافية له كما في المسألة الأولى) ش: أشار بها إلى قوله: وإذا أعتق العبد فقال للرجل: قتلت أخاك خطأ وأنا عبد، وقال الآخر: قتلته وأنت حر فالقول قول العبد. م: (وكما في الوطء والغلة، وفي الشيء القائم أقر بيدها حيث اعترف بالأخذ منها ثم ادعى التملك عليها وهي منكرة، والقول قول المنكر، فلهذا يؤمر بالرد إليها. ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي أن المولى م: (أقر بسبب الضمان ثم ادعى ما يبرئه فلا يكون القول قوله، كما إذا قال لغيره: فقأت عينك اليمنى وعيني اليمنى صحيحة، ثم فقئت) ش: يريد به براءته عن ضمان العين قصاصا وأرشا م: (وقال المقر له: لا؛ بل فقأتها وعينك اليمنى مفقوءة) ش: يدعي وجوب نصف الدية عليه لما أن العضو التالف إن كان صحيحا ثم سقط يسقط القصاص الجزء: 13 ¦ الصفحة: 293 فإن القول قول المقر له، وهذا لأنه ما أسنده إلى حالة منافية للضمان؛ لأنه يضمن يدها لو قطعها وهي مديونة، وكذا يضمن مال الحربي إذا أخذه وهو مستأمن، بخلاف الوطء والغلة؛ لأن وطء المولى أمته المديونة لا يوجب العقر. وكذا إذا أخذه من غلتها، وإن كانت مديونة لا يوجب الضمان عليه فحمل الإسناد إلى حالة معهودة منافية للضمان. قال: وإذا أمر العبد المحجور عليه صبيا حرا بقتل رجل فقتله فعلى عاقلة الصبي الدية؛ لأنه هو القاتل حقيقة، وعمده وخطؤه سواء على ما بينا من قبل،   [البناية] ولم يدخل حق التلف إلى الأرش لأنه حقه ابتداء في القصاص من غير تخير عندنا خلافا للأئمة الثلاثة، لكن ذكر في " الإيضاح " و" الذخيرة ": لا قصاص في العين إذا فقئت عمدا أو خطأ، وإنما يجب القصاص إذا كانت قائمة وذهب ضوؤها. وفي " المستصفى ": لا قصاص في الحدقة، إنما القصاص إذا ضربها وذهب ضوؤها، ولكن ذكر في " الذخيرة " بعد ذكر هذه الروايات إلى " الأجناس ": أنه لو ضرب غير إنسان بإصبع ضربة حقيقة فذهب ضوؤها وجد بعد ذلك ففيه القصاص، يحمل ما ذكر في الكتاب على تلك الرواية م: (فإن القول قول المقر له، وهذا) ش: يشير به إلى قوله أقر بسبب الضمان ثم ادعى ما يبرئه، فلا يكون القول له م: (لأنه) ش: أي لأن المقر م: (ما أسنده) ش: أي ما أسند سبب الضمان وهو الأخذ أو القطع م: (إلى حالة منافية للضمان؛ لأنه يضمن يدها) ش: أي يد الأمة م: (لو قطعها وهي مديونة) ش: أي والحال أنها مديونة. م: (وكذا يضمن مال الحربي إذا أخذه وهو مستأمن) ش: أي والحال أنه مستأمن. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا ليس له تعلق مما نحن فيه من مسألة القطع، لكنه ذكره بيانا لمسألة أخرى، صورتها: مسلم دخل دار الحرب بأمان وأخذ مال حربي ثم أخرجا إلينا، فقال له المسلم أخذت منك مالا وأنت حربي فقال: لا بل أخذت مني وأنا مسلم فإنها على الخلاف. م: (بخلاف الوطء والغلة) ش: هذا يتصل بقوله: " كما في الوطء والغلة " وهو جواب عما قاسه محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن وطء المولى أمته المديونة لا يوجب العقر) ش: وكذا وطء الأمة المرهونة لا يوجب العقر م: (وكذا إذا أخذه من غلتها، وإن كانت مديونة لا يوجب الضمان عليه فحمل الإسناد إلى حالة معهودة منافية للضمان) ش: أي للضمان. [أمر العبد المحجور عليه صبيا حرا بقتل رجل فقتله] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في: (الجامع الصغير) .: و: (وإذا أمر العبد المحجور عليه صبيا حرا بقتل رجل فقتله فعلى عاقلة الصبي الدية؛ لأنه هو القاتل حقيقة، وعمده وخطؤه سواء على ما بينا من قبل) ش: وسواء كان أيضا مأذونا أو مكاتبا، وقيد بأن يكون الصبي حرا؛ لأنه لو كان عبدا فمولاه مخير بين الدفع والفداء الجزء: 13 ¦ الصفحة: 294 ولا شيء على الآمر. وكذا إذا كان الآمر صبيا لأنهما لا يؤخذان بأقوالهما؛ لأن المؤاخذة فيها باعتبار الشرع، وما اعتبر قولهما، ولا رجوع لعاقلة الصبي على الصبي الآمر أبدا ويرجعون على العبد الآمر بعد الإعتاق لأن عدم الاعتبار لحق المولى وقد زال، لا لنقصان أهلية العبد، بخلاف الصبي؛ لأنه قاصر الأهلية. قال: وكذلك إن أمر عبدا، معناه: أن يكون الآمر عبدا والمأمور عبدا محجورا عليهما يخاطب مولى القاتل بالدفع أو الفداء ولا رجوع له على الأول في الحال، ويجب أن يرجع بعد العتق بأقل من الفداء وقيمة العبد؛ لأنه غير مضطر في دفع الزيادة، وهذا إذا كان القتل خطأ، وكذا إذا كان عمدا والعبد القاتل صغيرا؛ لأن عمده خطأ، أما إذا كان كبيرا يجب القصاص لجريانه بين الحر   [البناية] ثم بعد الدفع والفداء يرجع مولاه على المحجور الآمر بعد الإعتاق بقيمة عبده، إشارة إلى ما ذكره قبيل فصل الجنين م: (ولا شيء على الآمر، وكذا إذا كان الآمر؛ لأنهما لا يؤخذان بأقوالهما؛ لأن المؤاخدة فيها باعتبار الشرع، وما اعتبر) ش: أي الشرع م: (قولهما، ولا رجوع لعاقلة الصبي على الصبي الآمر أبدا، ويرجعون على العبد الآمر بعد الإعتاق) . وفي" النهاية ": وفي هذه الرواية ضعف، لأنه ذكر في " الجامع المحبوبي " و" التمرتاشي ": ولا رجوع لهم على العبد لا في الحال، ولا بعد العتق. وإذا كان العبد المأذون في التجارة، لأن هذا الضمان ليس بضمان الغصب؛ لأن الحر لا يغصب، وإنما هو ضمان جناية، وجناية العبد لا تلزمه بعد العتق، وكذا ذكر في" المغني " محالا إلى [ .... ] لذا نعلم أن ما ذكر في الكتاب نوع ضعف لمحالة هذه الروايات. م: (لأن عدم الاعتبار لحق المولى وقد زال، لا لنقصان أهلية) ش: أي لأن عدم الاعتبار لحق الولي، وقد زال لنقصان أهلية: م: (العبد بخلاف الصبي لأنه قاصر الأهلية) ش: وقد زال حق المولى بعد العتق فيؤخذ لزوال المانع، وفي الصبي لم يعتبر قوله لقصور أهليته. م: (قال) ش: أي محمد في" الجامع الصغير ": م: (وكذلك إن أمر عبدا) ش: أي وكذلك الحكم إن أمر العبد المحجور عليه، أشار إليه المصنف بقوله: م: (معناه أن يكون الآمر عبدا والمأمور عبدا محجورا عليهما يخاطب مولى القاتل بالدفع أو الفداء، ولا رجوع له على الأول في الحال، ويجب أن يرجع بعد العتق بأقل من الفداء وقيمة العبد؛ لأنه غير مضطر في دفع الزيادة) ش: أي لا ضرورة في إعطاء الزيادة لأنه يتخلص عن عهدة الضمان باعتبار الأقل من الفداء وقيمة العبد لأنه إنما أتلف بأمره ما هو الأقل منها م: (وهذا) ش: أي الذي ذكرنا م: (إذا كان القتل خطأ، وكذا إذا كان عمدا والعبد القاتل) ش: أي وكذا الحكم إذا كان القتل عمدا والحال أن العبد هو القاتل، وكان م: (صغيرا؛ لأن عمده خطأ، أما إذ كان كبيرا يجب القصاص لجريانه بين الحر والعبد) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 295 والعبد. قال: وإذا قتل العبد رجلين عمدا ولكل واحد منهما وليان فعفا أحد وليي كل واحد منهما، فإن المولى يدفع نصفه إلى الآخرين أو يفديه بعشرة آلاف درهم؛ لأنه لما عفا أحد وليي كل واحد منهما سقط القصاص وانقلب مالا فصار كما لو وجب المال من الابتداء، وهذا لأن حقهم في الرقبة أو في عشرين ألفا وقد سقط نصيب العافيين وهو النصف وبقي النصف. فإن كان قتل أحدهما عمدا والآخر خطأ فعفا أحد وليي العمد، فإن فداه المولى فداه بخمسة عشر ألفا، خمسة آلاف للذي لم يعف من وليي العمد وعشرة آلاف لوليي الخطأ؛ لأنه لما انقلب العمد مالا كان حق ولي الخطأ في كل الدية عشرة آلاف، وحق أحد وليي العمد في نصفها خمسة آلاف ولا تضايق في الفداء فيجب خمسة عشر ألفا، وإن دفعه، دفعه إليهم أثلاثا، ثلثاه لوليي الخطأ وثلثه لغير العافي من وليي العمد عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تعالى -. وقالا: يدفعه أرباعا ثلاثة أرباعه لوليي الخطأ وربعه لوليي العمد فالقسمة عندهما بطريق المنازعة، فيسلم النصف لوليي الخطأ بلا منازعة، واستوت منازعة   [البناية] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامح الصغير ": م: (وإذا قتل العبد رجلين عمدا، ولكل واحد منهما وليان فعفا أحد وليي كل واحد منهما، فإن المولى يدفع نصفه إلى الآخرين أو يفديه بعشرة آلاف درهم؛ لأنه لما عفا أحد وليي كل واحد منهما سقط القصاص وانقلب مالا، فصار كما لو وجب المال من الابتداء) ش: ولو وجب المال في بداية الأمر بسبب القتيلين لكان بالنصف فكذا هنا. م: (وهذا لأن حقهم) ش: أي حق الأولياء م: (في الرقبة أو في عشرين ألفا وقد سقط نصيب العافيين) ش: من الأولياء الأربعة م: (وهو النصف وبقي النصف، فإن كان قتل أحدهما عمدا) ش: أي فإن قتل أحد الرجلين عمدا م: (والآخر) ش: أي وقتل الرجل الآخر. م: (خطأ فعفا أحد وليي العمد، فإن فداه المولى فداه بخمسة عشر ألفا، خمسة آلاف للذي لم يعف من وليي العمد، وعشرة آلاف لوليي الخطأ؛ لأنه لما انقلب العمد مالا كان حق ولي الخطأ في كل الدية عشرة آلاف، وحق أحد وليي العمد في نصفها خمسة آلاف ولا تضايق في الفداء) ش: لأنه يجب في الذمة، والذمة صالحة أن يثبت فيها أموال كثيرة م: (فيجب خمسة عشر ألفا، وإن دفعه، دفعه إليهم أثلاثا، ثلثاه لولي الخطأ، وثلثه لغير العافي من وليي العمد عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) . م: (وقالا: يدفعه أرباعا، ثلاثة أرباعه لوليي الخطأ، وربعه لوليي العمد فالقسمة عندهما بطريق المنازعة، فيسلم النصف لوليي الخطأ بلا منازعة) ش: وبقي النصف الآخر م: (واستوت منازعة الجزء: 13 ¦ الصفحة: 296 الفريقين في النصف الآخر، فيتنصف، فلهذا يقسم أرباعا، وعنده: يقسم بطريق العول والمضاربة أثلاثا؛ لأن الحق تعلق بالرقبة أصله التركة المستغرقة بالديون، فيضرب هذان بالكل، وذلك بالنصف، ولهذه المسألة نظائر وأضداد ذكرناها في " الزيادات ". قال: وإذا كان عبد بين رجلين فقتل مولى لهما أي قريبا لهما فعفا أحدهما بطل الجميع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يدفع الذي عفا نصف نصيبه إلى الآخر، أو يفديه بربع   [البناية] الفريقين في النصف الآخر) ش: وكل واحد من ولي الخطأ وشريك العافي يدعيه م: (فيتنصف) ش: أي فيجعل هذا النصف بينهما نصفين. م: (فلهذا يقسم أرباعا) ش: أي فلأجل هذا كانت القسمة بينهما بطريق المنازعة أرباعا، ومعنى المنازعة أن كل جزء وقع من دعوى قد سلم للآخر بلا منازعة. وقال الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير ": وفي قول زفر: لصاحب الخطأ النصف، ولصاحب العمد الذي لم يبق الربع، وبقي الربع للمولى. م: (وعنده) ش: أي وعند أبي حنيفة: م: (يقسم بطريق العول والمضاربة أثلاثا) ش: ومعنى العول أن يضرب كل واحد منهم بسهمه فيجمع السهام كلها ويقسم السهام على مبلغ السهام ألفين. م: (لأن الحق تعلق بالرقبة) ش: لأن أصل حقها ليس في غير العبد، بل في أرش الذي هو بدل المتلف، والقسمة في غير العين تكون بطريق العول والمضاربة، ولهذا لأن حق ولي الخطأ في عشرة آلاف وحق الشريك العافي في خمسة فيضرب كل واحد منهما بحصته. م: (أصله) ش: أي أصل أبي حنيفة: م: (التركة المستغرقة بالديون) ش: كما لو كانت ألفا ولرجلين على الميت ثلاثة آلاف، لأحدهما ألف والآخر ألفان، فإن التركة تقسم بينهما بطريق العول المضاربة أثلاثا فثلثا التركة لصاحب الألفين، وثلثها لصاحب الألف م: (فيضرب هذان) ش: أي ولي الخطأ. م: (بالكل وذلك) ش: أي ولي العمد م: (بالنصف) ش: أي يضرب بالنصف م: (ولهذه المسألة نظائر) ش: أي أمثال م: (وأضداد) ش: يعني خلافها م: (ذكرناها في " الزيادات ") ش: أي في كتاب " الزيادات " [من] تصنيفه، وقد مضى في كتاب " الدعوى " بشيء مما ذكر في " الزيادات " في باب ما يدعيه رجلان. [عبد بين رجلين فقتل مولى لهما] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان عبد بين رجلين فقتل مولى لهما، أي قريبا لهما) ش: كأخيهما أو عمهما م: (فعفا أحدهما بطل الجميع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي بطل الدم كله عنده م: (وقالا: يدفع الذي عفا نصف نصيبه إلى الآخر، أو يفديه بربع الجزء: 13 ¦ الصفحة: 297 الدية، وذكر في بعض النسخ قتل وليا لهما، والمراد القريب أيضا. وذكر في بعض النسخ قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وذكر في " الزيادات " عبد قتل مولاه وله ابنان فعفا أحد الابنين بطل ذلك كله عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجواب فيه كالجواب في مسألة الكتاب ولم يذكر اختلاف الرواية. لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن حق القصاص ثبت في العبد على سبيل الشيوع لأن ملك المولى لا يمنع استحقاق القصاص له، فإذا عفا أحدهما انقلب نصيب الآخر وهو النصف مالا غير أنه شائع في الكل فيكون نصفه في نصيبه، والنصف في نصيب صاحبه فما يكون في نصيبه سقط ضرورة أن المولى لا يستوجب على عبده مالا، وما كان في نصيب صاحبه بقي ونصف النصف هو الربع، فلهذا يقال: ادفع نصف نصيبك أو افتده بربع الدية. ولهما: أن ما يجب من المال يكون حق المقتول، لأنه بدل دمه، ولهذا تقضى منه ديونه وتنفذ به وصاياه، ثم الورثة يخلفونه فيه عند الفراغ من حاجته والمولى لا يستوجب على عبده دينا فلا تخلفه الورثة فيه   [البناية] الدية وذكر في بعض النسخ) ش: " الجامع الصغير ". م: (قتل وليا لهما) ش: والولي القريب والمولى م: (والمراد القريب أيضا) ش: وقال الله تعالى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5] (سورة مريم: الآية 5) ، والمولى ابن العم والعصبة، والجمع موالي، كذا في التفسير. وقال الأترازي: ويحتمل أنه أراد به المعتق الذي أعتقاه، فصارا عصبة له بالولاء، وقد ذكره فخر الإسلام. م: (وذكر في بعض النسخ) ش: " الجامع الصغير " م: (قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الأشهر) ش: ذكر في بعض النسخ أي نسخ " الجامع " قول محمد مع قول أبي حنيفة - رحمهما الله - وقال القدوري في كتاب " التقريب ": ويراد الصحيح أنه مع أبي حنيفة، لا قول محمد مع أبي حنيفة. [ ..... ] الجزء: 13 ¦ الصفحة: 298 فصل ومن قتل عبدا خطأ فعليه قيمته لا تزاد على عشرة آلاف درهم، فإن كانت قيمته عشرة آلاف درهم أو أكثر قضي له بعشرة آلاف إلا عشرة وفي الأمة إذا زادت قيمتها على الدية خمسة آلاف إلا عشرة، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله - تجب قيمته بالغة ما بلغت. ولو غصب عبدا قيمته عشرون ألفا فهلك في يده تجب قيمته بالغة ما بلغت بالإجماع. لهما: أن الضمان بدل المالية، ولهذا يجب للمولى وهو لا يملك العبد إلا من حيث المالية. ولو قتل العبد المبيع قبل القبض يبقى العقد،   [البناية] [فصل ومن قتل عبدا خطأ] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في أحكام الجناية على العبد. ولما فرغ من جنايته على غيره شرع في حكم الجناية عليه، وقدم الأول لأن الفاعل متقدم على المفعول. م: (ومن قتل عبدا خطأ فعليه قيمته لا تزاد على عشرة آلاف درهم، فإن كانت قيمته عشرة آلاف درهم أو أكثر قضي له بعشرة آلاف إلا عشرة، وفي الأمة إذا زادت قيمتها علي الدية خمسة آلاف إلا عشرة) ش: أي هنا لفظ القدوري. وقال المصنف: م: (وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش: وبه قال النخعي والشعبي والثوري وأحمد في رواية. م: (وقال أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله -: تجب قيمته بالغة ما بلغت) ش: وبه قال مالك وأحمد، وهو قول سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز والزهري وإسحاق ومكحول وإياس بن معاوية والحسن. وقال الكرخي: وروي عن علي وابن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: فيه القيمة بالغا ما بلغ م: (ولو غصب عبدا قيمته عشرون ألفا فهلك في يده تجب قيمته بالغة ما بلغت بالإجماع) . م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف والشافعي: م: (أن الضمان بدل المالية، ولهذا يجب للمولى وهو لا يملك العبد إلا من حيث المالية) ش: لا من حيث الآدمية، فلو كان الضمان بدل الدم لوجب الضمان للعبد، لأنه في حق الدم مبني على أصل الحرية. م: (ولو قتل العبد المبيع قبل القبض يبقى العقد) ش: ذكرت هذا أيضا على سبيل الإيضاح عطفا على قوله: " يجب للمولى "، يعني أن بقاء العقد باعتبار المالية لا باعتبار الآدمية، دل على أن الضمان بدل المالية. بيان هذه المسألة كما قاله القدوري في كتاب " التقريب ": قال أبو يوسف: إذا قتل المبيع في يد البائع فاختار المشتري إجازة للبيع كان له القصاص، وكذلك إذا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 299 وبقاؤه ببقاء المالية أصلا أو بدلا، وصار كقليل القيمة وكالغصب. ولأبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله - قَوْله تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) ، أوجبها مطلقا وهي اسم للواجب بمقابلة الآدمية ولأن فيه معنى الآدمية متى كان مكلفا وفيه معنى المالية، والآدمية أعلاهما، فيجب اعتبارها بإهدار الأدنى عند تعذر الجمع بينهما   [البناية] اختار فسخ البيع كان للبائع القصاص، وهذا حفظ عن أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: ليس للبائع القصاص. وروى ابن زياد عنه: لا قصاص للمشتري أيضًا م: (وبقاؤه) ش: أي بقاء العقد م: (ببقاء المالية أصلا) ش: يعني إن بقي العين م: (أو بدلا) ش: يعني إن هلكت م: (وصار) ش: أي العبد م: (كقليل القيمة) ش: يعني لو كان العبد قليل القيمة يجب ذلك القدر ولا يبلغ إلى الدية، م: (وكالغصب) ش: أي وكان كالغصب يعني في الغصب كذلك لا يجب إلا قدر القيمة لا يبلغ إلى الدية. م: (ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - قَوْله تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92)) ش: وجه الاستدلال به أن الله تعالى م: (أوجبها) ش: أي الدية م: (مطلقا) ش: من غير فصل بين الحر والعبد من قتل خطأ م: (وهي) ش: أي الدية م: (اسم للواجب بمقابلة الآدمية) ش: تقريره: أن الله تعالى رتب في قتل الخطأ حكمين الكفارة والدية والعبد داخل في حقوق وجوب الكفارة بالإجماع، فيجب أن يكون في حق الدية كذلك، لأنه قال: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا} [النساء: 93] والعبد مؤمن فيكون ما وجب بقتله الدية، ولا يجوز الزيادة على النص بالرأي أن المراد حر مؤمن. م: (ولأن فيه) ش: أي في العبد م: (معنى الآدمية متى كان مكلفا) ش: بالإيمان والشرائع التي تجب عليه من الصلاة والصوم والعقوبات م: (وفيه) ش: أي في العبد م: (معنى المالية) ش: حتى ورد عليه الملك بلا خلاف م: (والآدمية أعلاهما) ش: لا محالة. م: (فيجب اعتبارها) ش: أي اعتبار الآدمية م: (بإهدار الأدنى عند تعذر الجمع بينهما) ش: أي بين معنى المالية ومعنى الآدمية، لأنهم أجمعوا على: أن الضمان إما بدل المالية أو بدل الآدمية، والعكس يعني إلى إهدارهما جميعا، لأن الآدمية أصل لقيام المالية بها، في إهداره الأصل إهدار للبائع وإهدار أحدهما أولى من إهدارهما. فإن قيل: لا نسلم أن الجمع بينهما متعدد، بإيجاب القيمة بالغة ما بلغت لوجود الجمع بينهما. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 300 وضمان الغصب بمقابلة المالية، إذ الغصب لا يرد إلا على المال، وبقاء العقد يتبع الفائدة حتى يبقى بعد قتله عمدا، وإن لم يكن القصاص بدلا عن المالية، فكذلك أمر الدية وفي قليل القيمة الواجب بمقابلة الآدمية، إلا أنه لا سمع فيه فقدرناه بقيمته رأيا بخلاف كثير القيمة؛ لأن قيمة الحر مقدرة بعشرة آلاف درهم، ونقصنا منها في العبد إظهارا لانحطاط رتبته وتعيين العشرة بأثر عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.   [البناية] أجيب: بأن الجمع إنما يوجد بإيجاب الدية مع كمال القيمة وذلك لا يجوز [ .... ] لخروجه عن الإجماع. م: (وضمان الغصب) ش: هذا جواب عن قولهما وكان كالغصب، بيانه: أن ضمان الغصب لا يجب إلا م: (بمقابلة المالية، إذ الغصب لا يرد إلا على المال) ش: وهو ظافر م: (وبقاء العقد) ش: هذا جواب عن قولهما: لو قتل العبد المبيع، بيانه: أن بقاء العقد في قتل العبد المبيع م: (يتبع الفائدة) ش: وهي انقلاب القصاص مالا بالعقد والصلح، فبقاؤه يدل على أنه يبقى لأجل الفائدة أو هي تمكن المشتري من الصلح والعقر، وجوب العفو عليه. م: (حتى يبقى) ش: العقد إيضاح لبيان بقاء العقد لأجل الفائدة، أي حتى يبقى العقد م: (بعد قتله عمدا وإن لم يكن القصاص بدلا عن المالية) ش: أي في حق المشتري م: (فكذلك أمر الدية) ش: أي الدية يبقى لفائدة المشتري م: (وفي قليل القيمة الواجب بمقابلة الآدمية) ش: يعني أن الواجب في قليل القيمة بدل الآدمية م: (إلا أن لا سمع فيه) ش: أي في قليل القيمة، لأنه لم يرد فيه شيء. فإن قيل: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا إن قتيل خطأ العمد» مطلق يتناول الحر والعبد، فيكون السماع فيه موجودا؟. قلنا: خص من ذلك الحديث المرأة، لأنه لا يجب بقتلها مائة من الإبل فيخص العبد منه، لأن المعنى المخصوص موجود فيه وهو التفاوت في المالية كالتفاوت بين الرجل والمرأة. م: (فقدرناه بقيمته رأيا) ش: مقدر بالقليل بقيمة العبد من حيث الرأي، لأنه يمكن معرفة نقصان بدل نفسه من بدل نفس الحر بالرجوع إلى تقويم المالية، ولا كذلك في كثير القيمة لأنه تعذر ذلك فيه. ومعنى قوله م: (بخلاف كثير القيمة؛ لأن قيمة الحر مقدرة بعشرة آلاف درهم، ونقصنا منها في العبد إظهارا) ش: أي لأجل الإظهار م: (لانحطاط رتبته) ش: أي رتبة العبد عن رتبة الحر م: (وتعيين العشرة) ش: كأنه جواب عما يقال لما قدرتم القليل بالقيمة رأيا فيم قدرتم العشرة في قيمة الحر؟ فأجاب بأن تعيين العشرة في ذلك م: (بأثر عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: قال الجزء: 13 ¦ الصفحة: 301 قال: وفي يد العبد نصف قيمته لا يزاد على خمسة آلاف إلا خمسة   [البناية] المخرج: هذا ضعيف. وقال الأترازي روى القدوري في " شرح مختصر الكرخي " عن عبد الله بن مسعود أنه قال: في قيمة العبد لا يزاد على عشرة آلاف إلا عشرة. وقال الأكمل وغيره: وقع في بعض النسخ " ابن عباس " وهو ما روي عنه لا يبلغ قيمة العبد دية الحر، وينقص منه عشرة دراهم وهو الأصح لموافقته لأكثر النسخ. وقال الأترازي: ذكر ابن عباس موضع ابن مسعود غير صحيح، لأن مذهب ابن عباس مثل قول أبي يوسف رواه الكرخي كذلك. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: واعترض بما روي: أن عمرو وعليا وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أوجبوا في العبد قيمته بالغة ما بلغت. وأجيب: بأن المروي عن ابن مسعود راجح، لأن فيه ذكر المقدار وهو ما لا يهتدي إليه العقل، وليس فيما روي عنه غير ذلك، بل في قياس سائر الأموال من تبلغ قيمته بالغة ما بلغت، فكان محمولا على أنهم قالوا بالرأي ومثله لا يعارض ما هو بمنزلة السمع من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، انتهى. قلت: روى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في " مصنفيهما " عن النخعي والشعبي قالا: لا يبلغ قيمة العبد دية الحر. [في يد العبد نصف قيمته لا يزاد على خمسة آلاف إلا خمسة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وفي يد العبد نصف قيمته لا يزاد على خمسة آلاف إلا خمسة) ش: أي لا يزاد نصف الحر قيمة العبد في تضمين الجاني على خمسة آلاف درهم منقوصا منه خمسة دراهم. وفي " النهاية " هذا خلاف ظاهر الرواية، لأنه ذكر في " المبسوط " ففي طرف المملوك يعتبر قيمة المالية فقط. وبهذا لا يضمن بالقصاص ولا بالكفارة إلا أن محمدا قال في بعض الروايات القول بهذا يروى إلى أنه يجب بقطع طرفه ما يجب بقتله الجاني. قال: فلهذا لا يزاد على نصف بدل نفسه فيكون الواجب فيه خمسة آلاف إلا خمسة. وذكر في " الأسرار ": أن جانب المالية أغلب. وفي " فتاوى الظهيرية " و" جامع المحبوبي " ما يوافق رواية المتن حيث قالا: موضحة العبد مثل موضحة الحر يقضي بخمسمائة درهم إلا نصف درهم. ولو قطع إصبع عبد عمدا أو خطأ الجزء: 13 ¦ الصفحة: 302 لأن اليد من الآدمي نصفه فتعتبر بكله، وينقص هذا المقدار إظهارا لانحطاط رتبته، وكل ما يقدر من دية الحر فهو مقدر من قيمة العبد؛ لأن القيمة في العبد كالدية في الحر، إذ هو بدل الدم على ما قررنا. وإن غصب أمة قيمتها عشرون ألفا فماتت في يده فعليه تمام قيمتها لما بينا أن ضمان الغصب ضمان المالية. قال: ومن قطع يد عبد فأعتقه المولى ثم مات من ذلك، فإن كان له ورثة غير المولى فلا قصاص فيه وإلا اقتص منه، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا قصاص في ذلك، وعلى القاطع أرش اليد وما نقصه ذلك إلى أن يعتقه ويبطل الفضل، وإنما لم يجب القصاص في الوجه الأول لاشتباه من له الحق؛   [البناية] وقيمته عشرة آلاف أو أكثر فعليه عشر الدية إلا درهما، فكأن الشيخ اختار رواية محمد، وبه قال الكاكي. م: (لأن اليد من الآدمي نصفه فتعتبر بكله، وينقص هذا المقدار إظهارا لانحطاط رتبته، وكل ما يقدر من دية الحر فهو مقدر من قيمة العبد) ش: يعني إذا وجب في الحر كل الدية يجب في العبد كل القيمة، وكل شيء من الحر يجب فيه نصف الدية ففيه من العبد القيمة. م: (لأن القيمة في العبد كالدية في الحر، إذ هو بدل الدم على ما قررنا) ش: أشار به إلى قوله: ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - قَوْله تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] (سورة النساء: الآية 92) ، أوجبها مطلقا، وهو اسم للواجب بمقابلة الآدمية إلى آخر ما قال. [غصب أمة قيمتها عشرون ألفا فماتت في يده] م: (وإن غصب أمة قيمتها عشرون ألفا فماتت في يده فعليه تمام قيمتها لما بينا) ش: فيما مضى م: (أن ضمان الغصب ضمان المالية) ش: لأن الغصب يرد عليه من حيث أنه مال لا من حيث إنه آدمي فتعتبر المالية بالغا قيمتها ما بلغت. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن قطع يد عبد فأعتقه المولى ثم مات من ذلك فإن كان له ورثة غير المولى فلا قصاص فيه) ش: على القاطع، أي وإن لم يكن له ورثة غير المولى م: (وإلا اقتص منه) ش: أي من القاتل م: (وهذا) ش: أي المذكور من الحكم م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) . م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا قصاص في ذلك، وعلى القاطع أرش اليد وما نقصه ذلك إلى أن يعتقه ويبطل الفضل) ش: أي ما في القيمة، وبه قالت الأئمة الثلاثة، إلا أن عندهم تجب قيمته بالغة ما بلغت للسيد، وعن أحمد في رواية يجب دية الحر اعتبارا بحالة الموت م: (وإنما لم يجب القصاص في الوجه الأول) ش: أي فيما إذا كان له ورثة غير المولى م: (لاشتباه من له الحق) ش: يعنى المستوفى، وجهالته تمنع القصاص. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 303 لأن القصاص يجب عند الموت مستندا إلى وقت الجرح، فعلى اعتبار حالة الجرح يكون الحق للمولى، وعلى اعتبار الحالة الثانية يكون للورثة، فتحقق الاشتباه وتعذر الاستيفاء، فلا يجب على وجه يستوفى، وفيه الكلام واجتماعهما لا يزيل الاشتباه؛ لأن الملكين في الحالين بخلاف العبد الموصى بخدمته لرجل وبرقبته لآخر إذا قتل؛ لأن ما لكل منهما من الحق ثابت من وقت الجرح إلى وقت الموت، فإذا اجتمعا زال الاشتباه، ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الخلافية وهو ما إذا لم يكن للعبد ورثة سوى المولى: أن سبب الولاية قد اختلف لأنه الملك   [البناية] م: (لأن القصاص يجب عند الموت مستندا إلى وقت الجرح، فعلى اعتبار حالة الجرح يكون الحق للمولى، وعلى اعتبار الحالة الثانية) ش: وهي حالة الموت م: (يكون للورثة، فتحقق الاشتباه وتعذر الاستيفاء، فلا يجب على وجه يستوفى) ش: الاشتباه من له الحق م: (وفيه الكلام) ش: أي فيما إذا كان له ورثة غير المولى. وقيل: أي في رجوعه يستوفى، ولا كلام في أصل الوجوب لإفادة الاستيفاء، وإذا فات مقصوده سقط اعتباره. وقيل: أي في تعذر الاستيفاء. وقيل: أي في تحقق الاشتباه من له القصاص. وقال شيخي العلاء: ووصل شيخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بخطه الضمير في " فيه "، أي تعذر الاستيفاء، وشيخه بهاء الدين الخطابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (واجتماعهما لا يزيل الاشتباه) ش: هذا جواب عما يقال سلمناه، أي من له الحق مشتبه، لكن يزول الاشتباه باجتماعهما. فأجاب: اجتماعهما أي اجتماع المولى والورثة لا يزيل الاشتباه المذكور. م: (لأن الملكين) ش: أي ملك المولى للقصاص، فالنظر إلى حالة الجرح وملك الورثة فالنظر إلى حالة الموت م: (في الحالين) ش: أي في حال الجرح وحال الموت مختلف، فإن الملك للمولى وقت الجرح دون الموت وللورثة بالعكس، وعند الاجتماع لا يثبت الملك لكل واحد منهما على الدوام في الحالين فلا يفيد الاجتماع. م: (بخلاف العبد الموصى بخدمته لرجل وبرقبته لآخر إذا قتل؛ لأن ما لكل منهما من الحق ثابت من وقت الجرح إلى وقت الموت، فإذا اجتمعا زال الاشتباه) ش: حاصله: أن الموصى له بالخدمة لا ملك له في الرقبة، والموصى له بالرقبة إذا استوفى القصاص سقط حق الموصى له بالخدمة، لأن الرقبة ثابتة لا إلى بدل، فلا يملك إبطال حق عليه، ولكن إذا اجتمعا فقد رضي الموصى له بالخدمة بفوات حقه، فيستوفي الآخر لزوال الاشتباه. م: (ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الخلافية) ش: أي في المسألة المختلف فيها م: (وهو ما إذا لم يكن للعبد ورثة سوى المولى: أن سبب الولاية قد اختلف لأنه الملك) ش: أي لأن سبب الولاية الملك م: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 304 على اعتبار إحدى الحالتين والوراثة بالولاء على اعتبار الأخرى، فنزل منزلة اختلاف المستحق فيما يحتاط فيه، كما إذا قال لآخر: بعتني هذه الجارية بكذا، فقال المولى: زوجتها منك لا يحل له وطؤها، ولأن الإعتاق قاطع للسراية، وبانقطاعها يبقى الجرح بلا سراية، والسراية بلا قطع فيمتنع القصاص. ولهما: أنا تيقنا بثبوت الولاية للمولى فيستوفيه، وهذا لأن المقضي له معلوم، والحكم متحد فوجب القول بالاستيفاء، بخلاف الفصل الأول؛ لأن المقضي له مجهول ولا معتبر باختلاف السبب هاهنا، لأن الحكم لا يختلف بخلاف تلك المسألة،   [البناية] (على اعتبار إحدى الحالتين والوراثة بالولاء على اعتبار الأخرى) ش: أراد بها حالة الموت م: (فنزل منزلة اختلاف المستحق فيما يحتاط فيه) ش: أي في الأمر الذي لا يثبت الشبهات، يعني القصاص ونظر لذلك بقوله: م: (كما إذا قال لآخر بعتني هذه الجارية بكذا؛ فقال المولى زوجتها منك لا يحل له وطؤها) ش: لأن في التزوج يبالي بها باختلاف السبب ولا يبالى به في الأموال، كما لو أقر بألف من قرض، وقال المقرض له: من ثمن مبيع فإنه يقضى بالألف وإن اختلف السبب، لأن في الأموال يجري البدل والإباحة فلا يبالى باختلاف السبب. م: (ولأن الإعتاق قاطع للسراية، وبانقطاعها يبقى الجرح بلا سراية، والسراية بلا قطع فيمتنع القصاص) ش: بين هذا بها دليل آخر، حاصله أنه كما تلف بآفة سماوية. فإن قيل: ينبغي أن يجب أرش اليد للمولى لكونه جرحا بلا سراية؟ أجيب: بأنه لا يجب نظرا إلى حقيقة الجناية وهو القتل، لأنه إذا سرى تبين أن الجناية قتل لا قطع. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أنا تيقنا بثبوت الولاية للولي فيستوفيه، وهذا لأن المقضي له معلوم) ش: وهو الولي لأنه لا وارث للعبد غيره م: (والحكم) ش: وهو القصاص م: (متحد فوجب القول بالاستيفاء، بخلاف الفصل الأول) ش: يعني إذا كان له ورثة غير المولى حيث لم يجب القصاص بالاتفاق م: (لأن المقضي له مجهول) ش: لأنا لو اعتبرنا حالة الجرح كان المقضي له هو الولي، ولو اعتبرنا حالة الموت كان للورثة. م: (ولا معتبر باختلاف السبب هاهنا) ش: أي في الفصل الثاني، وهو ما إذا لم يكن له ورثة غير المولى م: (لأن الحكم) ش: وهو استيفاء القصاص م: (لا يختلف) ش: لأنه في الحالين لواحد وهو المولى. م: (بخلاف تلك المسألة) ش: أراد بها المسألة التي قاس عليها محمد، وهي ما إذا قال: بعني الجزء: 13 ¦ الصفحة: 305 لأن ملك اليمين يغاير ملك النكاح حكما، والإعتاق لا يقطع السراية لذاته بل لاشتباه من له الحق، وذلك في الخطأ دون العمد؛ لأن العبد لا يصلح مالكا للمال، فعلى اعتبار حالة الجرح يكون الحق للمولى، وعلى اعتبار حالة الموت يكون للميت لحريته فيقضي منه ديونه وينفذ وصاياه، فجاء الاشتباه. أما العمد فموجبه القصاص والعبد مبقي على أصل الحرية فيه، وعلى اعتبار أن يكون الحق له فالمولى هو الذي يتولاه، إذ لا وارث له سواه، فلا اشتباه فيمن له الحق. وإذا امتنع القصاص في الفصلين عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب أرش اليد وما نقصه من وقت الجرح إلى وقت الإعتاق كما ذكرنا؛ لأنه حصل على ملكه ويبطل الفضل. وعندهما الجواب في الفصل الأول كالجواب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الثاني. قال: ومن قال لعبديه أحدكما حر ثم شجا فأوقع   [البناية] هذه الجارية بكذا، وقال المولى: زوجتها منك لا يحل له وطؤها م: (لأن ملك اليمين يغاير ملك النكاح حكما) ش: لأن ملك النكاح يثبت الحل مقصودا، وملك اليمين لا يثبته، ولو أثبته لم يكن مقصودا فاختلف الحكم كما اختلف السبب. م: (والإعتاق لا يقطع السراية لذاته) ش: هذا جواب عن قول محمد: الإعتاق قاطع للسراية معناه: الإعتاق قاطع للسراية في صورة الخطأ دون العمد، وذلك لأنه لا يقطع السراية لذاته. م: (بل لاشتباه من له الحق، وذلك في الخطأ دون العمد؛ لأن العبد لا يصلح مالكا للمال) ش: فيكون الحق حالة الجرح للمولى لكونه قبل العتق م: (فعلى اعتبار حالة الجرح يكون الحق للمولى، وعلى اعتبار حالة الموت يكون للميت لحريته فيقضى منه ديونه وينفذ وصاياه، فجاء الاشتباه. أما العمد فموجبه القصاص والعبد مبقي على أصل الحرية فيه) ش: ولهذا لم يكن لمولاه أن يسفك دمه بلا حق. م: (وعلى اعتبار أن يكون الحق له فالمولى هو الذي يتولاه، إذ لا وارث - له سواه، فلا اشتباه فيمن له الحق. وإذا امتنع القصاص في الفصلين عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: في الفصلين، أي فيما إذا كان له ورثة عند المولى أو لم يكن له ورثة غيره م: (يجب أرش اليد وما نقصه من وقت الجرح إلى وقت الإعتاق كما ذكرنا؛ لأنه حصل على ملكه ويبطل الفضل) ش: من بقية القيمة. م: (وعندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: م: (الجواب في الفصل الأول) ش: وهو ما إذا كان العبد وارث غير المولى م: (كالجواب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الثاني) ش: أي في الفصل الثاني، وهو ما إذا لم يكن له وارث. [قال لعبديه أحدكما حر ثم شجا فأوقع العتق على أحدهما] م: (قال) ش: أي محمد في" الجامع الصغير ": م: (ومن قال لعبديه: أحدكما حر ثم شجا فأوقع الجزء: 13 ¦ الصفحة: 306 العتق على أحدهما فأرشهما للمولى، لأن العتق غير نازل في المعين، والشجة تصادف المعين فبقيا مملوكين في حق الشجة، ولو قتلهما رجل تجب دية حر وقيمة عبد، والفرق أن البيان إنشاء من وجه وإظهار من وجه على ما عرف، وبعد الشجة بقي محلا للبيان، فاعتبر إنشاء في حقهما، وبعد الموت لم يبق محلا للبيان، فاعتبرناه إظهارا محضا، وأحدهما حر بيقين فتجب قيمة عبد ودية حر، بخلاف ما إذا قتل كل واحد منهما رجل حيث تجب قيمة المملوكين؛ لأنا لم نتيقن بقتل كل واحد منهما حرا، وكل منهما ينكر ذلك، ولأن القياس يأبى ثبوت العتق في المجهول؛ لأنه لا يفيد فائدة، وإنما صححناه ضرورة صحة التصرف،   [البناية] العتق على أحدهما فأرشهما للمولى) ش: أي بين العتق إليهم بالتعيين في أحدهما، وإنما قال: " فأوقع " - ليدل به على أن العتق لم ينزل على أحدهما في حق الأرش، وإن كان ظهر وقوع العتق على أحدهما في بعض الصور كما في الموت والقتل وغيرهما، فإنه يتعين العتق في الحي بالموت والعبد لخروج الميت عن محل إيقاع العتق عليه، والعتق لهم في حق العتق كالنازل عنه البيان، فلا بد من بقاء المحل. م: (لأن العتق غير نازل في المعين) ش: لأنه أوقع في المنكر والعتق في المنكر فلا يكون بالعتق نازلا في المعين م: (والشجة تصادف المعين فبقيا مملوكين في حق الشجة) ش: فيكون أرشها للمملوكين. م: (ولو قتلهما رجل تجب دية حر وقيمة عبد) ش: لا قيمة عبدين ولا دية حرين م: (والفرق) ش: أي بين قتلهما وشجهما م: (أن البيان إنشاء من وجه) ش: أي في حق المحل م: (وإظهار من وجه على ما عرف) ش: في أصول الفقه أن البيان إنشاء من وجه حتى يشترط صلاحية المحل للإنشاء، فلو فات أحدهما وبين المعتق ففيه لا يصلح، وإظهار من وجه حتى يجبر عليه. ولو كان إنشاء من كل وجه لما أجبر عليه، لأن الولي لا يجبر على إنشاء العتق م: (وبعد الشجة بقي محلا للبيان، فاعتبر إنشاء في حقهما، وبعد الموت لم يبق محلا للبيان، فاعتبرناه إظهارا محضا، وأحدهما حر بيقين فتجب قيمة عبد ودية حر، بخلاف ما إذا قتل كل واحد منهما رجل حيث تجب قيمة المملوكين؛ لأنا لم نتيقن بقتل كل واحد منهما حرا، وكل منهما ينكر ذلك) ش: أي من القاتلين ينكر ذلك، أي ينكر أنه قتل الحر. م: (ولأن القياس) ش: عطف على قوله: (إن البيان) إنشاء من وجه يريد به الفرق ثانيا بين الشجة والقتل، يعني أن القياس م: (يأبى ثبوت العتق في المجهول؛ لأنه لا يفيد فائدة) ش: أي فائدة العتق وهي أهلية الولاية من القضاء والشهادات. م: (وإنما صححناه) ش: أي العتق نازلا في أحدهما م: (ضرورة صحة التصرف) ش: أي الجزء: 13 ¦ الصفحة: 307 وأثبتنا له ولاية النقل من المجهول إلى المعلوم، فيتقدر بقدر الضرورة وهي في النفس دون الأطراف فبقي مملوكا في حقها. قال: ومن فقأ عيني عبد فإن شاء المولى دفع عبده وأخذ قيمته، وإن شاء أمسكه ولا شيء له من النقصان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: إن شاء أمسك العبد وأخذ ما نقصه، وإن شاء دفع العبد وأخذ قيمته. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمنه كل القيمة ويمسك الجثة؛ لأنه يجعل الضمان مقابلا بالفائت فبقي الباقي على ملكه، كما إذا قطع إحدى يديه أو فقأ إحدى عينيه. ونحن نقول: إن المالية قائمة في الذات، وهي معتبرة في حق الأطراف لسقوط اعتبارها في حق الذات قصرا عليه.   [البناية] تصرف العتق لئلا يلغو كلامه الذي امتاز عن سائر الحيوانات م: (وأثبتنا له ولاية النقل من المجهول إلى المعلوم) ش: بطريق البيان تعينا للواقع بأن يظهر ذلك العتق المبهم في أحدهما في واحد منها بعينه، فإذا كان ثبوت العتق في المنكر ثابتا بالضرورة. م: (فيتقدر بقدر الضرورة وهي) ش: أي الضرورة م: (في النفس) ش: أي في حق النفس م: (دون الأطراف) ش: أي دون حق الأطراف. لأن محل العتق هو النفس لا الأطراف، إنما يثبث العتق في الأطراف تبعا للنفس لا مقصودا م: (فبقي) ش: أي العبد م: (مملوكا في حقها) ش: أي في حق الأطراف التي وقعت عليها الشجة على أصل القياس فكان أرشها للمولى. [فقأ عيني عبد] م: (قال) ش: أي محمد في (الجامع الصغير) : م: (ومن فقأ عيني عبد فإن شاء المولى دفع عبده وأخذ قيمته، وإن شاء أمسكه ولا شيء له من النقصان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: إن شاء أمسك العبد وأخذ ما نقصه، وإن شاء دفع العبد وأخذ قيمته) . م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمنه كل القيمة) ش: أي يضمن المالك الفاقئ كل القيمة م: (ويمسك الجثة) ش: وبه قال مالك وأحمد م: (لأنه) ش: أي لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يجعل الضمان مقابلا بالفائت) ش: وهو العينان، وقدر الشافعي الضمان مثل القيمة م: (فبقي الباقي على ملكه، كما إذا قطع إحدى يديه أو فقأ إحدى عينيه) ش: فإنه يأخذ كل الدية له. م: (ونحن نقول: إن المالية قائمة في الذات، وهي معتبرة في حق الأطراف لسقوط اعتبارها) ش: أي اعتبار الأطراف م: (في حق الذات قصرا عليه) ش: أي اعتبارها في جميع البدن وحده مقتصرا عليه ساقطا بالإجماع، فإن الشرع قد أوجب كمال الدية بتفويت الأطراف. حاصل الكلام: لا يقال: إن اعتبار المالية مقصودا على الذات فحسب، بل المالية في الذات والأطراف جميعا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 308 وإذا كانت معتبرة وقد وجد إتلاف من وجه بتفويت جنس المنفعة، والضمان يتقدر بقيمة الكل فوجب أن يتملك الجثة دفعا للضرر ورعاية للمماثلة، بخلاف ما إذا فقأ عيني حر لأنه ليس فيه معنى المالية. وبخلاف عيني المدبر لأنه لا يقبل الانتقال من ملك إلى ملك، وفي قطع إحدى اليدين وفقء إحدى العينين لم يوجل فيه تفويت جنس المنفعة. ولهما: أن معنى المالية لما كان معتبرا وجب أن يتخير المولى على الوجه الذي قلناه كما في سائر الأموال، فإن من خرق ثوب غيره خرقا فاحشا، إن شاء المالك دفع الثوب إليه وضمنه قيمته، وإن شاء أمسك الثوب وضمنه النقصان. وله: أن المالية وإن كانت معتبرة في الذات فالآدمية   [البناية] م: (وإذا كانت معتبرة وقد وجد إتلاف النفس من وجه) ش: استحقاق ضمان الجناية بالمالية وجب في تفويت اليدين، أي المعنيين م: (بتفويت جنس المنفعة) ش: وذلك يستدعي الجاني م: (والضمان يتقدر بقيمة الكل) ش: أي الذات والأطراف، فإذا كان كذلك م: (فوجب أن يتملك) ش: أي الجاني م: (الجثة دفعا للضرر) ش: لئلا يلزم اجتماع البدل والمبدل في ملك رجل واحد، لأنه لا نظير له في الشرع م: (ورعاية للمماثلة) ش: أي ولأجل رعاية المماثلة في دفع الجثة للجاني. : (بخلاف ما إذا فقأ عيني حر) ش: هذا جواب عما يقال من جهة الخصم لا يراعون ما قلتم في المالك فقأ عيني حر، فأجاب بقوله: م: (لأنه ليس فيه معنى المالية) ش: إذ لا يجتمع البدل والمبدل في ملك واحد، وليس فيه إلا ضمان الجناية. م: (وبخلاف عيني المدبر) ش: إذا فقأهما ليس فيه تسلم الجثة م: (لأنه) ش: أي لأن المدبر م: (لا يقبل الانتقال من ملك إلى ملك) ش: لأنه ملك نفسه من وجه م: (وفي قطع إحدى اليدين) ش: هذا جواب قياس الشافعي المسألة المتنازع فيها على قطع إحدى يدي العبد. م: (وفقء إحدى العينين) ش: أي أحد عينيه، فقال: القياس غير صحيح، لأن في قطع إحدى اليدين. أي إحدى يدي العبد وفقأ، إحدى العينين، أي إحدى عينيه م: (لم يوجد فيه تفويت جنس المنفعة) ش: لأن الفائت وهو النصف، والباقي هو النصف. ولما فرغ من الاستدلال على الشافعي شرع في بيان استدلال أصحابنا، اختلفوا فيها فقال: م: (ولهما) ش: أي ولأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أن معنى المالية لما كان معتبرا وجب أن يتخير المولى على الوجه الذي قلناه) ش: وهو قوله وقالا: إن شاء أمسك العبد إلى آخره، وبين الملازمة فيه بقوله: م: (كما في سائر الأموال، فإن من خرق ثوب غيره خرقا فاحشا إن شاء المالك دفع الثوب إليه وضمنه قيمته وإن شاء أمسك الثوب وضمنه النقصان) ش: أي نقصان الثوب بحسب التخريق. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن المالية وإن كانت معتبرة في الذات فالآدمية الجزء: 13 ¦ الصفحة: 309 غير مهدرة فيه وفي الأطراف أيضًا. ألا ترى أن عبدا لو قطع يد عبد آخر يؤمر المولى بالدفع أو الفداء، وهذا من أحكام الآدمية؛ لأن موجب الجناية على المال أن تباع رقبته فيها، ثم من أحكام الأولى أن لا ينقسم على الأجزاء، ولا يتملك الجثة. ومن أحكام الثانية أن ينقسم ويتملك الجثة فوفرنا على الشبهين حظهما من الحكم   [البناية] غير مهدرة فيه وفي الأطراف أيضًا) ش: أي غير مهدرة، ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أن عبدا لو قطع يد عبد آخر يؤمر المولى بالدفع أو الفداء، وهذا) ش: أي الدفع أو الفداء م: (من أحكام الآدمية؛ لأن موجب الجناية على المال أن تباع رقبته فيها) ش: أي في الجناية م: (ثم من أحكام الأولى) ش: أي من أحكام الآدمية م: (أن لا ينقسم على الأجزاء) ش: أي لا يوزع الضمان على الفائت وعلى الباقي، بل يكون المولى بمقابلته م: (ولا يتملك الجثة) ش: حكما في عين الحر. م: (ومن أحكام الثانية) ش: أي ومن أحكام المالية: م: (أن ينقسم) ش: أي الضمان على الفائت والباقي م: (ويتملك) ش: أي المولى م: (الجثة) ش: كما في تخريق الثوب. وقال الأترازي: فإن قلت: كيف أراد صاحب " الدراية " بالأولى والآدمية مذكورة بعد المالية، وكيف أراد بالثانية المالية والمالية مذكورة قبل الآدمية،. ثم قلت: إنما فعل ذلك لأنه دليل الشافعي أولا، وهو اعتبر معنى الآدمية، ثم ذكره دليل أبي يوسف ومحمد وهما اعتبرا المالية، فكان دفع الأولى والثانية في غير موضعهما. وقال الكاكي: وإنما قال "الأولى" اعتبارا بالابتداء لا بوضع الكتاب م: (فوفرنا على الشبهين حظهما من الحكم) ش: يعني بالنظر إلى المالية ليس له أن يأخذ كل بدل العين مع إمساك الجثة، كما أنه ليس له ذلك في المال. وفيما قالا الفاء بجانب الآدمية، حيث جعلاه كالثوب المحروق، وفيما قاله الشافعي الفاء بجانب المالية أصلا حيث جعله كحر فقأ عينيه موقوفا في الشبهين حظهما. وقلنا: إن شاء المولى دفع عبده وأخذ ثمنه نظرا إلى المالية، وإن شاء أمسكه ولا شيء نظرا إلى آدميته، والوسط العدل ما قاله أبو حنيفة، لأن فيه رعاية الجانبين وتوفير الشبهين. [فصل في جناية المدبر وأم الولد] 3 - الجزء: 13 ¦ الصفحة: 310 فصل في جناية المدبر وأم الولد قال: وإذا جنى المدبر أو أم الولد جناية ضمن المولى الأقل من قيمته ومن أرشها، لما روي عن أبي عبيدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قضى بجناية المدبر على مولاه.   [البناية] م: (فصل في جناية المدبر وأم الولد) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام جناية المدبر وأم الولد، ولما ذكر جناية الكامل في المملوكية، شرع يذكر في جناية من هو نقص فيها وقدم الأول لكماله. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا جنى المدبر أو أم الولد جناية ضمن المولى الأقل من قيمته ومن أرشها) ش: وعند الشافعي المدبر كالمعتق في الجناية، فكان في رقبته، والمولى يتخير بين أن يدفعه فيباع بالجناية وبين أن يفديه، فلو أراد الفداء ففيه قولان، أحدهما: يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ، وهو قول مالك في القن ورواية عن أحمد، والثاني: يفديه بأقل من قيمته من أرش الجناية. وقال مالك في المدبر لم يبع في جناية فيستحقه المجني عليه من يقدر جنايته إن شاء السيد وإن شاء أفدى خدمته بقدر أرش الجناية، ولو استوفى المجني عليه من خدمته بقدر أرش جنايته رجع إلى سيده مدبرا. وقال الكرخي في "مختصره ": وجناية المدبر على سيده في ماله دون عاقلته حالة، ولا يلزم المولى بجناية المدبر أكثر من قيمة واحدة مرة واحدة، وإن كثرت الأرش وجاوزت إلى مائة ألف فيشترك من جنى عليه المدبر أولا وآخرا ففاوت ما بين الجنايات أو تفاوت سواء كانت على المولى لم يقبض منه، أو كانت قبضت منه فيضاربون بالقيمة بقدر كل واحد منهم من أرش جنايته. م: (لما روي عن أبي عبيدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قضى بجناية المدبر على مولاه) ش: هذا رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه ": حدثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن ابن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن السلولي عن معاذ بن جبل عن أبي عبيدة بن الجراح - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: جناية المدبر على مولاه. وأخرج نحوه عن النخعي والشعبي وعمر بن عبد العزيز والحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وذكر محمد في الجنايات: أن أبا عبيدة بن الجراح - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى بجناية المدبر على مولاه، وذلك بحضرة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من غير خلاف، وقد كان أبو عبيدة أمير الشام، وقضاياه تظهر بين الصحابة فكان إجماعا. وعند الشافعي ومالك وأحمد في جناية الولد: ضمن المولى الأقل من قيمتها ومن الأرش كمذهبنا لتعذر دفعها وبيعها بالإجماع. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 311 ولأنه صار مانعا عن تسليمه في الجناية بالتدبير أو الاستيلاد من غير اختياره الفداء، فصار كما إذا فعل ذلك بعد الجناية وهو لا يعلم، وإنما يجب الأقل من قيمته ومن الأرش؛ لأنه لا حق لولي الجناية في أكثر من الأرش ولا منع من المولى في أكثر من القيمة ولا تخيير بين الأقل والأكثر؛ لأنه لا يفيد في جنس واحد لاختياره الأقل لا محالة، بخلاف القن؛ لأن الرغبات صادقة في الأعيان فيفيد التخيير بين الدفع والفداء. وجنايات المدبر وإن توالت لا توجب إلا قيمة واحدة؛ لأنه لا منع منه إلا في رقبة واحدة، ولأن دفع القيمة كدفع العبد، وذلك لا يتكرر، فهذا كذلك ويتضاربون بالحصص فيها، وتعتبر قيمته لكل واحد في   [البناية] م: (ولأنه) ش: أي ولأن المولى م: (صار مانعا عن تسليمه) ش: أي تسليم كل واحد من المدبر وأم الولد م: (في الجناية بالتدبير أو الاستيلاد من غير اختياره الفداء) ش: لأن عند التدبير والاستيلاد ما كان علم أنه يجني. م: (فصار كما إذا فعل ذلك بعد الجناية وهو لا يعلم، وإنما يجب الأقل من قيمته ومن الأرش؛ لأنه لا حق لولي الجناية في أكثر من الأرش ولا منع من المولى في أكثر من القيمة) ش: وقال القدوري في " التقريب ": قال أبو يوسف: يضمن الولي قيمة المدبر بالجناية مدبرا. وقال زفر: يضمن قيمته عبدا، وروى ابن أبي مالك عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثله. م: (ولا تخيير بين الأقل والأكثر) ش: هذا جواب عما يقال: ينبغي أن يخير المولى بين الأقل والأكثر كما أنه يخير في الضمن بين الدفع والفداء، والقيمة في المدبر بمنزلة الدفع، فقال: لا يخير بين الأقل والأكثر م: (لأنه) ش: أي لأن التخيير م: (لا يفيد في جنس واحد لاختياره الأقل لا محالة، بخلاف القن) ش: أي العبد القن، يعني أن المولى يتخير في جناية القن بين الدفع والفداء وإن كان الأرش أكثر م: (لأن الرغبات صادقة في الأعيان فيفيد التخيير بين الدفع والفداء) ش: لأجل الرغبة في الأعيان م: (وجنايات المدبر وإن توالت) ش: يعني وإن كثرت م: (لا توجب إلا قيمة واحدة) ش: وعند الأئمة الثلاثة: هو كالقن. وكذا في أم الولد عندنا، وبه قال الشافعي في قول، وفي قول بعيد: كالأخت، وهو اختيار المزني م: (لأنه لا منع منه إلا في رقبة واحدة) ش: أي ولأن المولى لا منع منه إلا في رقبة واحدة فلا يمنع فيها. م: (ولأن دفع القيمة كدفع العبد، وذلك) ش: أي دفع القيمة م: (لا يتكرر، فهذا كذلك) ش: أيضًا، أي والمدبر كذلك في عدم التكرر، فكأن الجنايات منه اجتمعت ثم دبره م: (ويتضاربون) ش: أي أصحاب الجنايات يتنازعون م: (بالحصص فيها) ش: أي في القيمة. م: (وتعتبر قيمته) ش: أي وقيمة المدبر م: (لكل واحد) ش: من أصحاب الجنايات م: (في الجزء: 13 ¦ الصفحة: 312 حال الجناية عليه، لأن المنع في هذا الوقت يتحقق. قال: فإن جنى جناية أخرى وقد دفع المولى القيمة إلى ولي الأولى بقضاء فلا شيء عليه؛ لأنه مجبور على الدفع. قال: فإن كان المولى دفع القيمة بغير قضاء فالولي بالخيار إن شاء اتبع المولى، وإن شاء اتبع ولي الجناية، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا شيء على المولى؛ لأنه حين دفع لم تكن الجناية الثانية موجودة، فقد دفع كل الحق إلى مستحقه، وصار كما إذا دفع بالقضاء.   [البناية] حال الجناية عليه، لأن المنع في هذا الوقت يتحقق) ش: ومن صورتها: ما ذكر في " المبسوط ". وقال: وإذا قتل المدبر رجلا خطأ وقيمته ألف درهم ثم ازدادت قيمته إلى ألفين ثم قتل آخر ثم أصابه عيب فرجعت قيمته إلى خمسمائة ثم قتل آخر، فعلى مولاه ألفا درهم، لأنه جنى على الثاني وقيمته ألفان. ولو لم يكن منه إلا تلك الجناية لكان المولى ضامنا قيمته ألفان فسلم الألف من هذين، ولي القتل الأوسط خاصة، لأن لولي الجناية الأولى حقه في الألفين، لأن قيمته يوم جنايته ألف، خمسمائة من هذا الألف، أي الألف الأولى، والباقي لولي الجناية الأول والأوسط خاصا. لأن لولي القتل الثالث حقه في خمسمائة، لأن قيمته يوم جنايته خمسمائة، ثم الأول والأوسط يضربان في الخمسمائة التي بينهما، فيضرب الأول بعشرة آلاف، والأوسط بتسعة آلاف، لأنه وصل إليه من حقه ألف فيجعل خمسمائة سعرا منهما فيضرب الأول بعشرة، والأوسط بتسعة، والخمس الباقية بينهم جميعا، يضرب الأول بعشر الآلاف إلا بما أخذ، لأنه وصل إليه شيء من حقه فلا يضرب به. وكذا الأوسط لا يضرب بما أخذ في المرتين. وإنما يضرب بما بقي من حقه، والثالث يضرب بعشرة آلاف. [جنى العبد جناية أخرى وقد دفع المولى القيمة إلى ولي الأولى بقضاء] م: (قال) ش: أي قال القدوري: م: (فإن جنى جناية أخرى وقد دفع المولى القيمة إلى ولي الأولى بقضاء فلا شيء عليه) ش: أي على المولى م: (لأنه مجبور على الدفع) ش: فلم يبق عليه شيء. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن كان المولى دفع القيمة) ش: إلى ولي الجناية الأولى م: (بغير قضاء فالولي بالخيار إن شاء اتبع المولى، وإن شاء اتبع ولي الجناية) ش: أي ولي الجناية الثانية فتخير، إن شاء رجع على المولى بنصف قيمته، ثم المولى يرجع على ولي القتيل الأول بما دفع لولي الثاني م: (وهذا) ش: أي هذا المذكور من الحكم م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . م: (وقالا: لا شيء على المولى لأنه حين دفع لم تكن الجناية الثانية موجودة، فقد دفع كل الحق إلى مستحقه، وصار كما إذا دفع بالقضاء) ش: لأنه فعل عين ما يفعله القاضي فيكون القضاء وعدمه الجزء: 13 ¦ الصفحة: 313 ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المولى جان بدفع حق وولي الجناية الثانية طوعا وولي الأولى ضامن بقبض حقه ظلما فيتخير، وهذا لأن الثانية مقارنة حكما من وجه، ولهذا يشارك ولي الجناية الأولى ومتأخرة حكما من حيث إنه تعتبر قيمته يوم الجناية الثانية في حقها، فجعلت كالمقارنة في حق التضمين لإبطاله ما تعلق به من حق ولي الثانية عملا بالشبهين، وإذا أعتق المولى المدبر وقد جنى جنايات لم تلزمه إلا قيمة واحدة. لأن الضمان إنما وجب عليه بالمنع، فصار وجود الإعتاق من بعد وعدمه بمنزلة وأم الولد بمنزلة المدبر في جميع ما وصفنا؛ لأن الاستيلاد مانع من الدفع كالتدبير. وإذا أقر المدبر بجناية الخطأ لم يجز إقراره ولا يلزمه به شيء   [البناية] سواء كما في الرجوع في الهبة وأخذ الدار بالشفعة بعد وجوبها. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المولى جان بدفع حق ولي الجناية الثانية طوعا وولي الأولى ضامن بقبض حقه ظلما) ش: لأنه انقلب بسبب المزاحم والرجوع على الجاني جائز م: (فيتخير، وهذا) ش: في الرجوع، وبين ذلك قوله م: (لأن الثانية مقارنة) ش: أي للجناية الأولى م: (حكما من وجه) ش: بسبب المراجعة م: (ولهذا يشارك) ش: أي ولأجل مقارنة الثاني للأول يشارك. م: (ولي الجناية الأولى ومتأخرة حكما من حيث إنه تعتبر قيمته يوم الجناية الثانية في حقها) ش: أي في حق الجناية الثانية م: (فجعلت) ش: أي الثانية م: (كالمقارنة في حق التضمين لإبطاله) ش: أي إبطال الولي م: (ما تعلق به من حق ولي الثانية) ش: وذلك لأنه تجب عليه الضمان باعتبار منع الرقبة بالتدبير السابق، وذلك في حق أولياء الجنايتين سواء، فجعل كأن الدفع كان بعد وجود الجنايتين جميعا، وهناك لو دفع إلى أحدهما جميع القيمة بغير قضاء كان للآخر الخيار فلذلك هنا. م: (عملا بالشبهين) ش: يعني كما عملنا بشبهة التأخر في ضمان الجناية حتى اعتبرنا قيمته يوم الجناية الثانية في حقها، وجب أن يعمل بشبهة المقارنة في حق تضمين الجناية نصف المدفوع، وقيل: جعلت الثانية كالمقارنة في التضمين إذا دفع بغير قضاء، لأنه يبطل ما تعلق به حق الثاني ولم يجعل كالمقارنة إذا دفع بقضاء، لأنه يجوز بالدفع عملا بشبهي المقارنة والتأخر. م: (وإذا أعتق المولى المدبر وقد جنى جنايات لم تلزمه إلا قيمة واحدة؛ لأن الضمان إنما وجب عليه بالمنع، فصار وجود الإعتاق من بعد وعدمه بمنزلة) ش: وعند الأئمة الثلاثة الإعتاق في القن وإعتاق أم الولد كإعتاق المدبر عندنا والشافعي في قول. أشار إليه بقوله م: (وأم الولد بمنزلة المدبر في جميع ما وصفنا؛ لأن الاستيلاد مانع من الدفع كالتدبير) ش: لأن المولى منع من تسليمهما بالاستيلاد السابق من غير اختيار م: (وإذا أقر المدبر بجناية الخطأ لم يجز إقراره ولا يلزمه به شيء الجزء: 13 ¦ الصفحة: 314 عتق أو لم يعتق. لأن موجب جناية الخطأ على سيده، وإقراره به لا ينفذ على السيد، والله أعلم   [البناية] عتق أو لم يعتق. لأن موجب جناية الخطأ على سيده، وإقراره به لا ينفذ على السيد، والله أعلم) ش: ولا يعلم فيه خلاف. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 315 باب غصب العبد والمدبر والصبي والجناية في ذلك قال: ومن قطع يد عبده ثم غصبه رجل ومات في يده من القطع فعليه قيمته أقطع، وإن كان المولى قطع يده في يد الغاصب فمات من ذلك في يد الغاصب لا شيء عليه. والفرق أن الغصب قاطع للسراية لأنه سبب الملك كالبيع، فيصير كأنه هلك بآفة سماوية فتجب قيمته أقطع ولم يوجد القاطع في الفصل الثاني، فكانت السراية مضافة إلى البداية فصار المولى متلفا فيصير مستردا، كيف وأنه استولى عليه وهو استرداد فيبرأ الغاصب عن الضمان.   [البناية] [باب غصب العبد والمدبر والصبي والجناية في ذلك] [قطع يد عبده ثم غصبه رجل ومات في يده من القطع] م: (باب غصب العبد والمدبر والصبي والجناية في ذلك) ش: أي هذا باب في بيان أحكام غصب المدبر إلى آخره، قوله: م: (في ذلك) ش: أي في العبد والمدبر، ولما ذكر جناية العبد والمدبر ذكر في هذا الباب جنايتهما مع غصبهما، لأن الفرد قبل المركب، ثم جر كلامه إلى بيان غصب الصبي. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن قطع يد عبده ثم غصبه رجل ومات في يده من القطع فعليه قيمته أقطع، وإن كان المولى قطع يده في يد الغاصب فمات من ذلك في يد الغاصب لا شيء عليه، والفرق) ش: بين المسألتين م: (أن الغصب قاطع للسراية، لأنه) ش: أي لأن الغصب م: (سبب الملك) ش: لأن المضمونات تملك عند أداء الضمان مستندا إلى أول الغصب. ولما كان الغصب من أسباب الملك كان محلل الغصب بين الجناية والسراية قاطعا للسراية م: (كالبيع) ش: إذا تحلل م: (فيصير) ش: أي العبد المغصوب م: (كأنه هلك بآفة سماوية فتجب قيمته أقطع) ش: أي حال كونه مقطوع اليد م: (ولم يوجد القاطع في الفصل الثاني) ش: أي ولم يوجد قاطع السراية في المسألة الثانية م: (فكانت السراية مضافة إلى البداية) ش: أي إلى أول الأمر م: (فصار المولى متلفا، فيصير مستردا، وكيف) ش: أي وكيف لا يكون مستردا. م: (وأنه استولى عليه) ش: أي والحال أن المولى استولى على العبد بالقطع م: (وهو استرداد) ش: أي الاستيلاء عليه استردادا، فإذا كان كذلك م: (فيبرأ الغاصب عن الضمان) ش: واعترض الإمام قاضي خان بأن هذا مخالف مذهبنا، فإن الغصب لا يقطع السراية، ولم يملك البدل على الغاصب بقضاء أو رضاء. لأن السراية إنما يقطع به باعتبار تبدل الملك إذا ملك البدل على الغاصب، أما قبله فلا نص عليه في آخر وهذا الجامع، إلا أنه يضمن الغاصب هنا قيمة عبد أقطع، لأن السراية وإن لم تقطع بالغصب ورد على مال متقوم فانعقد سبب الضمان فلا يبرأ الغاصب عنه، إلا إذا ارتفع الغصب ولم يرفع، لأن الشيء إنما يرتفع بما فوقه أو بمثله، ويد الغاصب ثابتة عليه حقيقة الجزء: 13 ¦ الصفحة: 316 قال: وإذا غصب العبد المحجور عليه عبدا محجورا عليه فمات في يده فهو ضامن؛ لأن المحجور عليه مؤاخذ بأفعاله. قال: ومن غصب مدبرا فجنى عنده جناية ثم رده على المولى فجنى عنده جناية أخرى، فعلى المولى قيمته بينهما نصفان؛ لأن المولى بالتدبير السابق أعجز نفسه عن الدفع من غير أن يصير مختارا للفداء، فيصير مبطلا حق أولياء الجناية، إذ حقهم فيه ولم يمنع إلا رقبة واحدة فلا يزاد على قيمتها، ويكون بين وليي الجنايتين نصفين لاستوائهما في الموجب. قال: ويرجع المولى بنصف قيمته على الغاصب: لأنه استحق نصف   [البناية] وحكما، ويد المالك الغاصب باعتبار السراية ثبتت عليه حكما، والثابت حكما دون الثابت حقيقة وحكما، فلم يرتفع الغصب باتصال السراية إلى فعل المولى فيقرر عليه الضمان، بخلاف ما لو جنى عليه بعد الغصب، لأن الغصب يرتفع بها. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه نظر، لأنا لا نسلم أن يد الغاصب عليه ثابتة حكما، فإن يد المولى ثابتة عليه حكما، ولا تثبت على الشيء الواحد يدان حكما بكمالهما، واليد الحقيقية واجبة الدفع لكونها عدوانا محضا لا يصلح معارضا ولا مرجحا. [غصب العبد المحجور عليه عبدا محجورا عليه فمات في يده] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا غصب العبد المحجور عليه عبدا محجورا عليه فمات في يده فهو ضامن) ش: هذا إذا كان الغصب ظاهرا فيضمن في الحال يباع فيه، لأن أفعال العبد معتبرة. ولو كان الغصب ظهر بإقراره لا يجب إلا بالعتق، كذا قال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذلك لأن الرق يوجب الحجر في الأقوال دون الأفعال، وإن أقر العبد المحجور بحد أو قصاص لزمه في الحال، لأنه يبقى في ذلك على أصل الحرية م: (لأن المحجور عليه مؤاخذ بأفعاله) ش: أي في حال رقه، أما الأقوال فمؤاخذ بها بعد العتق، فكان ذكر المحجور احترازا عن المأذون، فإنه يؤاخذ بالأقوال أيضًا عندنا. [غصب مدبرا فجنى عنده جناية ثم رده على المولى فجنى عنده جناية أخرى] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (ومن غصب مدبرا فجنى عنده جناية ثم رده على المولى فجنى عنده جناية أخرى، فعلى المولى قيمته بينهما) ش: أي بين ولي الجنايتين م: (نصفان؛ لأن المولى بالتدبير السابق أعجز نفسه عن الدفع من غير أن يصير مختارا للفداء) ش: لعدم علمه وقت التدبير بجنايته يحدث عنده في المستقبل م: (فيصير مبطلا حق أولياء الجناية إذ حقهم فيه ولم يمنع إلا رقبة واحدة فلا يزاد على قيمتها) ش: أي على قيمة الرقبة م: (ويكون بين وليي الجنايتين نصفين لاستوائهما في الموجب) ش: أي في المستحق من الجناية. م: (قال) ش: أي محمد: م: (ويرجع المولى بنصف قيمته على الغاصب: لأنه استحق نصف الجزء: 13 ¦ الصفحة: 317 البدل بسبب كان في يد الغاصب، فصار كما إذا استحق نصف العبد بهذا السبب. قال: ويدفعه إلى ولي الجناية الأولى ثم يرجع بذلك على الغاصب، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرجع بنصف قيمته فيسلم له؛ لأن الذي يرجع به المولى على الغاصب عوض ما سلم لولي الجناية الأولى فلا يدفعه إليه كي لا يؤدي إلى اجتماع البدل والمبدل في ملك رجل واحد كي لا يتكرر الاستحقاق. ولهما: أن حق الأول في جميع القيمة لأنه حين جنى في حقه لا يزاحمه أحد، وإنما انتقص باعتبار مزاحمة الثاني، فإذا وجد شيئا من بدل العبد في يد المالك فارغا يأخذه ليتم حقه، فإذا أخذه منه يرجع إلى المولى بما أخذه على الغاصب؛ لأنه استحق من يده بسبب كان في يد الغاصب.   [البناية] البدل بسبب كان في يد الغاصب، فصار كما إذا استحق نصف العبد بهذا السبب) ش: أي بسبب كان في يد الغاصب إذا غصب عبدا فجنى في يده فرده إلى المولى فجنى جناية فدفع إلى ولي الجناية، لأن للمولى أن يأخذ من الغاصب نصف قيمته، كذا هذا. [جنى عند المولى فغصبه رجل فجنى عنده جناية أخرى] م: (قال) ش: أي محمد: م: (ويدفعه) ش: أي النصف المأخوذ من الغاصب م: (إلى ولي الجناية الأولى ثم يرجع بذلك) ش: أي بالمدفوع إلى ولي الجناية م: (على الغاصب، وهذا) ش: أي وهذا الدفع الثاني والرجوع الثاني. م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرجع بنصف قيمته فيسلم له) ش: أي للمولى، أي لا يدفعه إلى ولي الجناية الأولى وهو قياس قول الأئمة الثلاثة. م: (لأن الذي يرجع به المولى على الغاصب عوض ما سلم لولي الجناية الأولى فلا يدفعه إليه كي لا يؤدي إلى اجتماع البدل والمبدل في ملك رجل واحد كي لا يتكرر الاستحقاق) ش: يدفعه إلى ولي الجناية عند المولى بأن كانت الجناية الأولى عند المولى ثم غصبه غاصب فجنى عنده جناية أخرى، فإن المولى يدفع قيمته إلى وليي الجنايتين نصفين ثم يرجع به على الغاصب بنصف القيمة ويدفع إلى ولي الجناية الأولى، ولا يرجع به على الغاصب مرة أخرى، وهذا بالإجماع. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف: م: (أن حق الأول في جميع القيمة لأنه حين جنى في حقه لا يزاحمه أحد، وإنما انتقص) ش: أي حقه م: (باعتبار مزاحمة الثاني، فإذا وجد) ش: أي إذا وجد ولي الجناية الأولى م: (شيئا من بدل العبد في يد المالك فارغا) ش: أي من غير مزاحمة ولي الجناية الثانية م: (يأخذه) ش: لأنه يتقدم على المولى م: (ليتم حقه) ش: أي لأجل إتمام حقه م: (فإذا أخذه منه يرجع إلى المولى بما أخذه على الغاصب؛ لأنه استحق من يده بسبب كان في يد الغاصب) ش: فلهذا رجع عليه ثانيا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 318 قال: وإن كان جنى عند المولى فغصبه رجل فجنى عنده جناية أخرى، فعلى المولى قيمته بينهما نصفان، ويرجع بنصف القيمة على الغاصب لما بينا في الفصل الأول، غير أن استحقاق النصف حصل بالجناية الثانية إذ كانت هي في يد الغاصب فيدفعه إلى ولي الجناية الأولى ولا يرجع به على الغاصب، وهذا بالإجماع. ثم وضع المسألة في العبد فقال: ومن غصب عبدا فجنى في يده ثم رده فجنى جناية أخرى، فإن المولى يدفعه إلى وليي الجنايتين، ثم يرجع على الغاصب بنصف القيمة فيدفعه إلى الأول ويرجع به على الغاصب، وهذا عند أبي حنيفة وأبى يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرجع بنصف القيمة فيسلم له. وإن جنى عند المولى ثم غصبه فجنى في يده دفعه المولى نصفين ويرجع بنصف قيمته فيدفعه إلى الأول ولا يرجع به. والجواب في العبد كالجواب في المدبر   [البناية] م: (قال) ش: أي محمد: م: (وإن كان جنى عند المولى فغصبه رجل فجنى عنده جناية أخرى، فعلى المولى قيمته بينهما نصفان، ويرجع بنصف القيمة على الغاصب لما بينا في الفصل الأول) ش: أي فيما إذا جنى المدبر في يد الغاصب ثم في يد المولى م: (غير أن استحقاق النصف) ش: ذكر هذا الاستثناء لبيان الفرق بين المسألة الأولى والثانية عندهما حيث لا يرجع عندهما أيضًا. بيانه: أن استحقاق النصف إذا استحق النصف الذي أخذ المولى من الغاصب م: (حصل بالجناية الثانية إذ كانت هي في يد الغاصب فيدفعه إلى ولي الجناية الأولى ولا يرجع به على الغاصب، وهذا بالإجماع) ش: أي رجوع المولى على الغاصب في المسألة الثانية بالإجماع. بخلاف المسألة الأولى. فإن ثم كان يرجع المولى عليه عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - مرة ثانية. وذكر القدوري في كتاب " التقريب " قول أبي حنيفة وحده، وقول زفر وأبي يوسف مع محمد. (ثم وضع المسألة في العبد) ش: أي وضع محمد هذه المسألة في " الجامع الصغير " في العبد فقال " القن " بعدما وضعها في المدبر م: (فقال) ش: أي محمد م: (ومن غصب عبدا فجنى في يده ثم رده فجنى جناية أخرى فإن المولى يدفعه إلى وليي الجنايتين، ثم يرجع على الغاصب بنصف القيمة فيدفعه إلى الأول ويرجع به على الغاصب، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله.) م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرجع بنصف القيمة فيسلم له. وإن جنى عند المولى ثم غصبه فجنى في يده دفعه المولى نصفين ويرجع بنصف قيمته فيدفعه إلى الأول ولا يرجع به، والجواب في العبد) ش: أي في العبد القن م: (كالجواب في المدبر) ش: أي في العبد المدبر في الاختلاف الجزء: 13 ¦ الصفحة: 319 في جميع ما ذكرنا، إلا أن في هذا الفصل يدفع المولى العبد وفي الأول يدفع القيمة. قال: ومن غصب مدبرا فجنى عنده جناية ثم رده على المولى ثم غصبه ثم جنى عنده جناية، فعلى المولى قيمته بينهما نصفان لأنه منع رقبة واحدة بالتدبير فيجب عليه قيمة واحدة ثم يرجع بقيمته على الغاصب. لأن الجنايتين كانتا في يد الغاصب فيدفع نصفها إلى الأول لأنه استحق كل القيمة؛ لأن عند وجود الجناية عليه لا حق لغيره، وإنما انتقص بحكم المزاحمة من بعد. قال: ويرجع به على الغاصب؛ لأن الاستحقاق بسبب كان في يده ويسلم له ولا يدفعه إلى ولي الجناية الأولى ولا إلى ولي الجناية الثانية؛ لأنه لا حق له إلا في النصف لسبق حق الأول وقد وصل ذلك إليه. ثم قيل: هذه المسألة على الاختلاف كالأولى. وقيل: على الاتفاق.   [البناية] والاتفاق سواء م: (في جميع ما ذكرنا، إلا أن في هذا الفصل يدفع المولى العبد وفي الأول) ش: أي في المدبر م: (يدفع القيمة) ش: لأنه لا يحتمل النقل من ملك إلى ملك، وفي العبد يدفع نفس العبد لعدم المانع. [غصب مدبرا فجنى عنده جناية ثم رده على المولى ثم غصبه ثم جنى عنده جناية] م: (قال) ش: أي محمد: م: (ومن غصب مدبرا فجنى عنده جناية ثم رده على المولى ثم غصبه ثم جنى عنده جناية، فعلى المولى قيمته بينهما نصفان، لأنه منع رقبة واحدة بالتدبير فيجب عليه قيمة واحدة ثم يرجع بقيمته على الغاصب؛ لأن الجنايتين كانتا في يد الغاصب فيدفع نصفها إلى الأول) ش: أي نصف القيمة إلى ولي الجناية الأولى م: (لأنه استحق كل القيمة لأن عند وجود الجناية عليه لا حق لغيره، وإنما انتقص بحكم المزاحمة من بعد) ش: أي مزاحمة الثاني. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويرجع به) ش: أي بالنصف م: (على الغاصب؛ لأن الاستحقاق بسبب كان في يده) ش: أي عند الغاصب م: (ويسلم له) ش: أي يسلم النصف للمولى م: (ولا يدفعه إلى ولي الجناية الأولى ولا إلى ولي الجناية الثانية؛ لأنه لا حق له) ش: أي لولي الجناية الثانية م: (إلا في النصف لسبق حق الأول وقد وصل ذلك إليه) ش: أي وصل النصف إلى ولي الجناية الثانية. م: (ثم قيل: هذه المسألة على الاختلاف كالأولى) ش: يعني قال بعض المشايخ: يتحقق في هذه المسألة خلاف محمد أيضًا كما في المسألة الأولى، حيث يسلم للمولى ما رجع به من القيمة على الغاصب ولا يؤخذ ولي الجناية الأولى ( ... ،) م: (وقيل: على الاتفاق) ش: يعني لا خلاف لمحمد في هذه المسألة بل يأخذ ولي الجناية الأولى تمام حقه وهو نصف القيمة من الولي إذا رجع على الغاصب، وهذا هو الصحيح، لأن محمدا ذكر هذه المسألة في " الجامع الصغير " بلا خلاف، وهكذا أفرد هذه المسألة فخر الإسلام وغيره في شرح " الجامع الصغير ". الجزء: 13 ¦ الصفحة: 320 والفرق لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن في الأولى الذي يرجع به عوض عما سلم لولي الجناية الأولى؛ لأن الجناية الثانية كانت في يد المالك. فلو دفع إليه ثانيا يتكرر الاستحقاق. فأما في هذه المسألة فيمكن أن يجعل عوضا عن الجناية الثانية لحصولها في يد الغاصب فلا يؤدي إلى ما ذكرناه. قال: ومن غصب صبيا حرا فمات في يده فجأة أو بحمى فليس عليه شيء، وإن مات من صاعقة أو نهشته حية فعلى عاقلة الغاصب الدية. وهذا استحسان، والقياس: أن لا يضمن في الوجهين، وهو قول زفر والشافعي - رحمهما الله - لأن الغصب في الحر لا يتحقق، ألا يرى أنه لو كان مكاتبا صغيرا لا يضمن مع أنه حر، فإذا كان الصغير حرا رقبة ويدا أولى. وجه الاستحسان: أنه لا يضمن بالغصب، ولكن يضمن بالإتلاف، وهذا إتلاف تسبيبا؛ لأنه نقله إلى أرض مسبعة أو إلى مكان الصواعق.   [البناية] فعلى هذا يحتاج محمد إلى الفرق بين المسألتين، أشار إليه المصنف بقوله: م: (والفرق لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن في الأولى) ش: وهي ما إذا كانت الجناية الأولى عند الغاصب، والثانية عند المالك م: (الذي يرجع به) ش: أي الولي م: (عوض عما سلم لولي الجناية الأولى؛ لأن الجناية الثانية كانت في يد المالك. فلو دفع إليه ثانيا يتكرر الاستحقاق) ش: لأن هذا بدل ما وقع إليه وبدل الشيء يقوم مقامه، فلو استحق البدل بعدما استحق المبدل يتكرر الاستحقاق. م: (فأما في هذه المسألة فيمكن أن يجعل عوضا عن الجناية الثانية لحصولها في يد الغاصب فلا يؤدي إلى ما ذكرناه) ش: أي إلى تكرار الاستحقاق. قال الأكمل: قوله: " أما في هذه المسألة " فيه نظر، فإن الجناية الثانية وإن حصلت في يد الغاصب، لكن أخذ الولي منه حقها أول مرة ولم يبق لوليها استحقاق، حتى يجعل المأخوذ من الغاصب ثانيا في مقابلة ما أخذه. [غصب صبيا حرا فمات فجأة] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن غصب صبيا حرا) ش: أي ذهب به بغير إذن وليه فيكون ذكر الغصب في هذا الموضع بطريق المشاكلة، وهو أن يذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في زمنه م: (فمات في يده فجاة أو بحمى فليس عليه شيء، وإن مات من صاعقة أو نهشته حية فعلى عاقلة الغاصب الدية، وهذا استحسان، والقياس: أن لا يضمن في الوجهين، وهو قول زفر والشافعي - رحمهما الله -) ش: وبه قال مالك وأحمد م: (لأن الغصب في الحر لا يتحقق، ألا يرى أنه لو كان مكاتبا صغيرا لا يضمن مع أنه حر يدا، فإذا كان الصغير حرا رقبة ويدا أولى) . م: (وجه الاستحسان: أنه لا يضمن بالغصب، ولكن يضمن بالإتلاف، وهذا إتلاف تسبيبا) ش: أي من حيث السببية م: (لأنه نقله إلى أرض مسبعة) ش: أي إلى أرض تأوي إليها السباع م: (أو إلى مكان الصواعق) ش: أي إلى مكان تنزل فيه الصواعق عادة وهو جمع صاعقة معروف. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 321 وهذا لأن الصواعق والحيات والسباع لا تكون في كل مكان، فإذا نقله إليه فهو متعد فيه، وقد أزال حفظ الولي فيضاف إليه؛ لأن شرط العلة ينزل منزلة العلة إذا كان تعديا كالحفر في الطريق، بخلاف الموت فجأة أو بحمى؛ لأن ذلك لا يختلف باختلاف الأماكن، حتى لو نقله إلى موضع يغلب فيه الحمى والأمراض نقول بأنه يضمن فتجب الدية على العاقلة لكونه قتلا تسبيبا. قال: وإذا أودع صبي عبدا فقتله فعلى عاقلته الدية، وإن أودع طعاما فأكله لم يضمن، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله -: يضمن في الوجهين جميعا،   [البناية] م: (وهذا) ش: أي كونه إتلافا م: (لأن الصواعق والحيات والسباع لا تكون في كل مكان، فإذا نقله إليه) ش: أي إلى موضع تكون فيه الأشياء المذكورة م: (فهو متعد فيه) ش: الواو فيه للحال أو في نقله م: (وقد أزال حفظ الولي) ش: الواو فيه أيضًا للحال. وقوله: م: (فيضاف إليه) ش: جواب الشرط، أي يضاف الإتلاف إلى القاتل م: (لأن شرط العلة ينزل منزلة العلة إذا كان تعديا كالحفر في الطريق، بخلاف الموت فجأة أو بحمى، لأن ذلك لا يختلف باختلاف الأماكن، حتى لو نقله إلى موضع يغلب فيه الحمى والأمراض نقول بأنه يضمن فتجب الدية على العاقلة لكونه قتلا تسبيبا) ش: أي من حيث السببية. [أودع صبي عبدا فقتله] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا أودع صبي عبدا فقتله فعلى عاقلته الدية) ش: أي على عاقلة الصبي الدية. قيل المراد القيمة وبها صرح فخر الإسلام والصدر الشهيد - رحمهما الله - وأثر لفظ الدية لأنها بإزالة الآدمية والقيمة بإزالة المالية، وفي العبد بإزالة الآدمية عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. م: (وإن أودع) ش: أي الصبي م: (طعاما فأكله لم يضمن، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله -، وقال أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله -: يضمن في الوجهين جميعا) ش: وبه قال مالك وأحمد. وفي " شرح الطحاوي ": أودع عند صبي مالا فهلك في يده فلا ضمان عليه بالإجماع، وإذا استهلك الصبي إن كان الصبي مأذونا له في التجارة يضمن الصبي بالإجماع، وإن كان محجورا قبل الوديعة بإذن وليه ضمن بالإجماع. وإن قيل: بغير إذن وليه فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة ومحمد -، لا في الحال ولا بعد الإدراك. وقال أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله -: يضمن في الحال، وأجمعوا على أنه لو استهلك مال الغير بلا وديعة يضمن في الحال بالإجماع. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 322 وعلى هذا إذا أودع العبد المحجور عليه مالا فاستهلكه لا يؤاخذ بالضمان في الحال عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، ويؤاخذ به بعد العتق. وعند أبي يوسف والشافعي - رحمهما الله -: يؤاخذ به في الحال، وعلى هذا الخلاف الإقراض والإعارة في العبد والصبي. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أصل " الجامع الصغير ": صبي قد عقل. وفي " الجامع الكبير " وضع المسألة في صبي ابن اثنتي عشرة سنة، وهذا يدل على أن غير العاقل يضمن بالاتفاق؛ لأن التسليط غير معتبر وفعله معتبر. ولهما: أنه أتلف مالا متقوما معصوما حقا لمالكه، فيجب عليه الضمان كما إذا كانت الوديعة عبدا، وكما إذا أتلفه غير الصبي في يد الصبي المودع. ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - أنه أتلف مالا غير معصوم   [البناية] م: (وعلى هذا إذا أودع العبد المحجور عليه مالا فاستهلكه لا يؤاخذ الضمان في الحال عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - ويؤاخذ به بعد العتق. وعند أبي يوسف والشافعي - رحمهما الله يؤاخذ به في الحال، وعلى هذا الخلاف الإقراض) ش: يعني إذا أقرض الصبي شيئا وسلم إليه واستهلكه لا يضمن عندهما. خلافا لأبي يوسف م: (والإعارة) ش: يعني إذا أعار الصبي شيئا فاستهلكه لا يضمن م: (في العبد والصبي) ش: يعني حكمهما واحد والمراد من المحجور. وقال فخر الإسلام: الاختلاف في الإيداع والإعارة والقرض والبيع وكل وجه من وجوه التسليم واحد. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أصل " الجامع الصغير ": صبي قد عقل. وفي " الجامع الكبير ". وضع المسألة في صبي ابن اثنتي عشرة سنة، وهذا يدل على أن غير العاقل يضمن بالاتفاق) ش: فساعده فيه فخر الإسلام حيث ذكر في "جامعه " هكذا. وأما غيره من شروح " الجامع الصغير " " كجامع أبي اليسر " و" قاضي خان " و" التمرتاشي " فالحكم على خلاف هذا، حيث قال: هذا الخلاف فيما إذا كان الصبي عاقلا، وإن لم يكن عاقلا فلا يضمن في قولهم جميعا م: (لأن التسليط غير معتبر وفعله معتبر) ش: لأن تسليط الصبي غير العاقل هدر وفعله معتبر فيؤاخذ به. م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف والشافعي - رحمهما الله -: م: (أنه أتلف مالا متقوما معصوما حقا) ش: قوله: حقا " متعلق بقوله: "معصوما "، أي معصوما لأجل المالك م: (لمالكه) ش: بغير إذنه م: (فيجب عليه الضمان كما إذا كانت الوديعة عبدا) ش: فأتلفه يجب عليه الضمان بالاتفاق م: (وكما إذا أتلفه غير الصبي في يد الصبي المودع) ش: فيجب الضمان على المتلف، فعلم أن المال معصوم في يد الصبي. م: (ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - أنه أتلف مالا غير معصوم) ش: لأنه سلطه على الجزء: 13 ¦ الصفحة: 323 فلا يجب الضمان، كما إذا أتلفه بإذنه ورضاه، وهذا لأن العصمة تثبت حقا له وقد فوتها على نفسه حيث وضع المال في يد مانعة فلا يبقى مستحقا للنظر إلا إذا أقام غيره مقام نفسه في الحفظ ولا إقامة هاهنا؛ لأنه لا ولاية له على الاستقلال على الصبي، ولا للصبي على نفسه، بخلاف البائع والمأذون له؛ لأن لهما ولاية على أنفسهما. وبخلاف ما إذا كانت الوديعة عبدا لأن عصمته لحقه، إذ هو مبقي على أصل الحرية في حق الدم. وبخلاف ما إذا أتلفه غير الصبي في يد الصبي، لأنه سقطت العصمة بالإضافة إلى الصبي الذي وضع في يده المال دون غيره. قال: وإن استهلك مالا ضمن، يريد به من غير إيداع لأن الصبي يؤاخذ بأفعاله،   [البناية] الإتلاف م: (فلا يجب الضمان، كما إذا أتلفه بإذنه ورضاه، وهذا) ش: أي عدم وجوب الضمان م: (لأن العصمة تثبت حقا له) ش: أي للمالك م: (وقد فوتها على نفسه حيث وضع المال في يد مانعة) ش: أي من الإيداع والإعارة ومن فعل ذلك م: (فلا يبقى مستحق للنظر) ش: لأنه أوقع ماله في يد يمنع يد غيره عليه باختياره م: (إلا إذا أقام غيره مقام نفسه في الحفظ ولا إقامة هاهنا، لأنه لا ولاية له على الاستقلال على الصبي، ولا للصبي على نفسه) ش: فكان تعينا من جهة. م: (بخلاف البالغ والمأذون له، لأن لهما ولاية على أنفسهما) ش: فصح الإيداع عندهما، فيضمنان بالإجماع م: (وبخلاف ما إذا كانت الوديعة عبدا لأن عصمته لحقه) ش: أي لأن عصمة العبد لحق العبد لا باعتبار أن المالك لعصمته م: (إذ هو مبقي على أصل الحرية في حق الدم) ش: فلا يوجد التسليط في حقه، فإذا لم يوجد يضمن سواء كان صغيرا أو كبيرا. بخلاف سائر الأموال، فإن للمالك أن يستهلكها فيجوز تمكين غيره من استهلاكها بالتسليط. م: (وبخلاف ما إذا أتلفه غير الصبي في يد الصبي) ش: يعني إذا أتلف الوديعة والتذكير باعتبار المودع غير الصبي المودع حال كونه في يد الصبي حيث يضمنها العصمة م: (لأنه سقطت العصمة) ش: أي عصمة الوديعة م: (بالإضافة إلى الصبي الذي وضع في يده المال) ش: المودع فحسب ولا يسقط في حق غيره، وهو معنى قوله م: (دون غيره) ش: حاصله: أن المالك بالإيداع عند الصبي إنما سقط عصمة ماله عن الصبي لا عن غيره وماله معصوم في حق غيره كما كان، فصار مال الوديعة عند الصبي بمنزلة من له القصاص فإنه غير معصوم الدم في حق من له القصاص، ومعصوم في حق غيره، فكذا هنا. [استهلك الصبي مالا لرجل] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن استهلك مالا ضمن) ش: أي فإن استهلك الصبي مالا لرجل ضمن، وهذا في غير الوديعة وهو معنى قوله: م: (يريد به من غير إيداع) ش: أي يريد محمد بقوله: لا ضمن، في غير الوديعة، وفيه اتفاق. وفي الوديعة إذا استهلكها خلاف سبق آنفا م: (لأن الصبي يؤاخذ بأفعاله) ش: فإن قلت: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 324 وصحة القصد لا معتبر بها في حقوق العباد، والله أعلم بالصواب   [البناية] رفع القلم عن الصبي بالحديث، فكيف وجب عليه الضمان؟ قلت: رفع القلم يدل على رفع الإثم، ولا يلزم من رفع الإثم نفي الضمان كما في النائم إذا انفلت على شيء فأتلفه. م: (وصحة القصد لا معتبر بها في حقوق العباد، والله أعلم بالصواب) ش: هذا كله جواب عما يقال: إن الصبي ليس له قصد صحيح، فكان ينبغي أن لا يضمن فقال: لا اعتبار لصحة العقد في حق العباد. ألا ترى أن البالغ أيضًا إذا استهلك مالا لإنسان فيضمن، سواء كان له قصد صحيح في ذلك أو لم يكن، فعلى أي وجه كان يلزمه الضمان. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 325 باب القسامة قال: وإذا وجد القتيل في محلة ولا يعلم من قتله: استحلف خمسون رجلا منهم يتخيرهم الولي بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا.   [البناية] [باب القسامة] [تعريف القسامة] م: (باب القسامة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام القسامة. وقال الكاكي: القسامة لغة: مصدر أقسم قسامة أو اسم وضع موضع الأقسام. قلت: اسم وضع موضع الأقسام. وفي الشرع: أيمان يقسم بها على أهل محلة أو دار وجد فيها قتيل به أثر كل منهم ويقول ما فعلت ولا علمت له قاتلا. وقيل: القسامة الأيمان المتكررة في دعوى القتل على أهل محلة أو دار أو موضع قريب. كما يقال: رجل عدل، وأي الأمرين كان، هو من القسم الذي هو الحلف، وقسمها وجود القتيل في المحلة أو في معناها، وركنها قولهم بالله ما قتلناه وما علمنا له قاتلا. وشرطها أن يكون المقسم رجلا بالغا عاقلا، والنساء لا يدخلن في القسامة عند أكثر أهل العلم إلا عند مالك، فإنه قال لمن يدخل في القسامة الخطأ دون العمد. وحكمها القضاء بوجوب الدية بعد الحلف، وسواء كانت الدعوى في القتل الخطأ أو العمد عند أكثر أهل العلم. وقال مالك والشافعي في القديم وأحمد: إن كانت الدعوى في القتل العمد إذا حلفوا الأولياء بعد يمين أهل المحلة يستحقون القود، ومحاسنها والحكمة فيها: تعظيم الدماء وصيانتها عن الإهدار وخلاص المتهم بالقتل عن القصاص. ودليل شرعيتها الأحاديث المذكورة على ما يجيء إن شاء الله تعالى. [وجد القتيل في محلة ولا يعلم من قتله] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا وجد القتيل في محلة ولا يعلم من قتله استحلف خمسون رجلا منهم يتخيرهم الولي بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا) ش: بشرط أن يكون في القتيل أثر القتل من جراحة أو ضرب أو خنق أو نحوه. وأما إذا وجد ميتا لا أثر فيه فلا قسامة ولا دية، وهذا ميت. - وقوله: "في محلة " ليس بقيد. وكذا لو وجد في دار رجل. وقوله لا يعلم من قتله لأنه إذا علم القاتل فلا قسامة، والحكم يتعلق به. وقوله: "استحلف خمسون رجلا " قال الكرخي: ليس فيهم عبد ولا صبي لم يبلغ ولا امرأة. قوله: منهم أي من أهل المحلة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 326 وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان هناك لوث استحلف الأولياء خمسين يمينا ويقضى لهم بالدية على المدعى عليه عمدا كانت الدعوى أو خطأ.   [البناية] وقال الكرخي: وإن كان في أهل المحل الفاسق والصالح، فالخيار فيهم إلى الورثة يختارون أهل الصالح حتى يستحلفوهم، فإن كان أهل الصالح لا يتمون خمسين وأرادوا أن يردوا عليهم الأيمان فليس لهم ذلك، ولهم أن يتخيروا من الباقين تمام خمسين رجلا. وذكر ابن الجلاب المالكي في كتابه " التفريع والأيمان ": القسامة مغلظة بخلافها في سائر الحقوق، ويحلف الحالف فيها في المسجد الأعظم بعد الصلاة عند اجتماع الناس فيه، ويجلب إلى مكة والمدينة وبيت المقدس من وجبت عليه قسامة من أهلها، ولا يجلب إلى غيرها إلا المكان القريب. وقوله: " بالله ما قتلناه " على طريق الحكاية عن الجمع. وأما عند الحلف فيحلف كل واحد منهم: بالله ما قتلت، ولا يحلف بالله ما قتلنا؛ لجواز أنه باشر القتل بنفسه فيجترئ على اليمين " بالله ما قتلنا ". م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان هناك لوث استحلف الأولياء خمسين يمينا) ش: قبل يمين أهل المحلة م: (ويقضى لهم بالدية على المدعى عليه عمدا كانت الدعوى أو خطأ) ش: وقال الكاكي: استحلف الأولياء خمسين يمينا قبل يمين أهل المحلة يقضى بالدية على المدعى عليه عمدا كان أو خطأ، وهو قوله الجديد. وقال مالك وأحمد والشافعي في القديم: إذا استحلف الأولياء وحلفوا واستحلفوا القود في دعوى العمد على المدعى عليه جماعة كان أو واحد أو شرطه اللوث عندهم، وعند عدم اللوث كسائر الدعاوى. وقال الغزالي في " وجيزه ": وكيفية القسامة: أن يحلفوا المدعي خمسين يمينا متوالية في مجلس واحد بقصد التحذير والتغليظ، ولو كان في مجلسين فوجهان. وقال ابن الجلاب المالكي: ويبدأ في القسامة بالمدعين دون المدعى عليهم، فيحلفون خمسين يمينا ويستحقون القود نفسا منهم. وإذا كان ولاة الدم أكثر من خمسين رجلا ففيها روايتان، إحداهما يقتصر على خمسين منهم فيحلفون خمسين يمينا، والأخرى أنهم يحلفون كلهم وإن زادت عدة الأيمان على خمسين. وإذا نكل المدعون للدم عن القسامة وردت الأيمان على المدعى عليهم فنكلوا حبسوا حتى يحلفوا، فإن طال حبسهم تركوا على كل واحد منهم جلد مائة وحبس سنة، انتهى. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 327 وقال مالك: يقضى بالقود إذا كانت الدعوى في القتل العمد، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. واللوث عندهما: أن يكون هناك علامة القتل على واحد بعينه، أو ظاهر يشهد للمدعي من عداوة ظاهرة أو شهادة عدل أو جماعة غير عدول أن أهل المحلة قتلوه. وإن لم يكن الظاهر شاهدا له فمذهبه مثل مذهبنا، غير أنه لا يكرر اليمين بل يردها على الولي. فإن حلفوا لا دية عليهم.   [البناية] وقال الخرقي، من أصحاب أحمد بن حنبل - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": وإذا وجد قتيل فادعى أولياؤه على قوم لا عداوة بينهم ولم يكن لهم بينة لم يحكم لهم بيمين ولا غيرها، وإن كان بينهم عداوة ولوث وادعى أولياؤه على واحد منهم وأنكر المدعى عليه ولم يكن للأولياء بينة حلف الأولياء خمسين يمينا على قاتله واستحقوا دمه إن كانت الدعوى عمدا. فإن لم يحلف الأولياء حلف المدعى عليه خمسين يمينا، وبرئ، فإن لم يحلف المدعون ولم يرضوا بيمين المدعى عليه فداه الإمام من بيت المال، فإن شهدت البينة العادلة أن المجروح قال: " دمي عند فلان " فليس يوجب القسامة ما لم يكن لوث. م: (وقال مالك: يقضى بالقود إذا كانت الدعوى في القتل العمد، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقد ذكرنا أن هذا هو القول القديم للشافعي م: (واللوث عندهما) ش: أي عند الشافعي ومالك - رحمهما الله -: م: (أن يكون هناك علامة القتل على واحد بعينه، أو ظاهر يشهد للمدعي من عداوة ظاهرة أو شهادة عدل أو جماعة غير عدول أن أهل المحلة قتلوه. وإن لم يكن الظاهر شاهدا له فمذهبه) ش: أي فمذهب الشافعي م: (مثل مذهبنا، غير أنه لا يكرر اليمين بل يردها على الولي، فإن حلفوا لا دية عليهم) ش: فنتكلم أولا في اللوث ثم نحرر مذهب الثلاثة. فاللوث: من لوث الماء كدره، ولوث ثيابه الطين فتلوث، ومنه قولهم " لوث وعداوة " أي شر أو طلب بحقد، والمراد به عندهم قرينة ظاهرة توقع في القلب صدق المدعي بأن يكون هناك علامة القتل في واحد بعينه من أثر الدم على ثيابه وغيره كما ذكر في المتن. وقال الغزالي في " وجيزه ": واللوث قرينة حال تغلب الظن كقتيل في محلة بينهم عداوة، أو قتيل دخل عليهم ضيفا، أو قتيل تفرق عنه جماعة معفرون، أو قتل في صف الخصم القاتل، أو قتيل في الصحراء وعلى رأسه رجل معه سكين. وقول المجروح: " قتلني فلان " ليس بلوث، وقول واحد من أهل القتيل، روايتهم لوث. والقياس: أن قول واحد منهم لوث، وأما عدة من الصبية والفسقة ففيهم خلاف، انتهى. وقال ابن الجلاب المالكي: واللوث شيئان الشاهد العدل، وقول المجروح: دمي عند فلان، وفي الثالث مذهبان يعني الذي يرى معه سيفه، وشهادة الواحد لوث توجب القسامة، الجزء: 13 ¦ الصفحة: 328 للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، في البداءة بيمين الولي قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - للأولياء: «فيقسم منكم خمسون أنهم قتلوه» ؛ ولأن اليمين تجب على من يشهد له الظاهر. ولهذا تجب على صاحب اليد، فإذا كان الظاهر شاهدا للولي يبدأ بيمينه، ورد اليمين على المدعي أصل له كما في النكول، غير أن هذه دلالة فيها نوع شبهة، والقصاص لا يجامعها، والمال يجب معها، فلهذا وجبت الدية دون القصاص. ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر، وفي رواية: على المدعى عليه» .   [البناية] وفي شهادة النساء روايتان إحداهما: أنه لوث توجب القسامة، والأخرى أنها لا توجبها. وكذلك شهادة الواحد والجماعة إذا لم يكونوا عدولا، وفي شهادة العبد روايتان إحداهما: أنه لوث، وقيل: لا يكون لوثا. وإذا وجد رجل مقتول ووجد بقربه رجل معه سيف أو في يده شيء من آلة القتل وعليه آثار القتل، فهو لوث موجب القسامة والدية لولاته. م: (للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في البداءة بيمين الولي قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - للأولياء: «فيقسم منكم خمسون أنهم قتلوه» ، ولأن اليمين تجب على من يشهد له الظاهر) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن سهل بن أبي حثمة قال: «خرج عبد الله بن سهل بن زيد ومحيصة بن مسعود بن زيد حتى إذا كانا بخيبر تفرقا ... الحديث مطولا. وفيه فقال لهم - أي لأولياء القتيل -: " أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم؟» ". وجه الاستدلال به أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدأ على من شهد له الظاهر، يعني كما في سائر الدعاوى، فإن الظاهر يشهد للمدعى عليه، لأن الأصل براءة ذمته. فأما في القسامة فالظاهر يشهد للمدعي عند قيام اللوث، فيكون اليمين حجة له. م: (ولهذا تجب على صاحب اليد، فإذا كان الظاهر شاهدا للولي يبدأ بيمينه، ورد اليمين على المدعي أصل له) ش: أي للشافعي م: (كما في النكول) ش: يعني إذا نكل المدعى عليه عن اليمين رد على المدعي م: (غير أن هذه) ش: أشار به إلى الدعوى التي هنا م: (دلالة) ش: أي على الصدق م: (فيها نوع شبهة، والقصاص لا يجامعها) ش: أي لا يثبت القصاص مع الشبهة م: (والمال يجب معها) ش: أي مع الشبهة م: (فلهذا وجبت الدية دون القصاص) . م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر. وفي رواية: " على المدعى عليه» ش: هذا الحديث أخرجه الترمذي عن محمد بن عبيد الله عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في خطبته «البينة علي الجزء: 13 ¦ الصفحة: 329 وروى سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بدأ باليهود بالقسامة، وجعل الدية عليهم لوجود القتيل بين أظهرهم» ،   [البناية] المدعي واليمين على المدعى عليه» . انتهى. فإن قلت: قال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا حديث في إسناده محمد بن عبيد الله العرزمي يضعف في الحديث من قبل حفظه، ضعفه ابن المبارك وغيره. وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب به. وقال صاحب " التنقيح ": وحجاج بن أرطاة ضعيف، ولم يسمعه من عمرو بن شعيب، وإنما أخذه من العرزمي عنه، والعرزمي متروك؟ قلت: شطر الحديث في الكتب الستة من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ولكنه مفرق، ففي لفظ مسلم: «ولكن اليمين على المدعى عليه» . وفي لفظ الباقين: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى أن اليمين على المدعى عليه» ، وبهذا يعلم أن وظيفة المدعى عليه اليمين، وليست هي وظيفة المدعي، وبهذا يقوى حديث الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وروى سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدأ باليهود بالقسامة، وجعل الدية عليهم لوجود القتيل بين أظهرهم» ش: هذا رواه عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه " أخبرنا معمر عن الزهري «عن سعيد بن المسيب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنهم قال: كانت القسامة في الجاهلية فأقرها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قتيل من الأنصار وجد في جب لليهود، قال: فبدأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باليهود، فكلفهم قسامة خمسين، فقالت اليهود: لن نحلف، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للأنصار: أفتحلفون، فأبت الأنصار أن تحلف، فأغرم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليهود ديته» لأنه قتل بين أظهرهم. ورواه ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه ": حدثنا عبد الأعلى عن معمر به. وكذلك رواه الواقدي في " المغازي " في غزوة خيبر حدثني معمر به. وقال الأترازي: سعيد بن المسيب من أعلى طبقات التابعين، ولكن في ذكره نظر؛ لأنه لم يذكر روايته في كتب الحديث في هذا الباب مثل " الموطأ " و" الصحيح " والسنن " و" شرح الآثار " وغير ذلك نعم، فروي عن الزهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذلك في " شرح الآثار ". وأشار به إلى ما رواه الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حدثنا أبو بشر الدرقي حدثنا أبو معاوية الضرير عن ابن أبي ذئب عن الزهري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قضى بالقسامة على المدعى عليهم» ، فدل ذلك أن القسامة على المدعى [عليهم] لا على المدعين على ما بين الزهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، انتهى. قلت: عدم الاطلاع في كتب الحديث يؤدي إلى هذه المقالة، فكيف ينكر الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا، وقد روى عبد الرزاق وابن أبي شيبة والواقدي عن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 330 ولأن اليمين حجة للدفع دون الاستحقاق وحاجة الولي إلى الاستحقاق، ولهذا لا يستحق بيمينه المال المبتذل، فأولى أن لا يستحق به النفس المحترمة. وقوله " يتخيرهم الولي " إشارة إلى أن خيار تعيين الخمسين إلى الولي؛ لأن اليمين حقه، والظاهر أن يختار من يتهمه بالقتل أو يختار صالحي أهل المحلة، لما أن تحرزهم عن اليمين الكاذبة أبلغ التحرز، فيظهر القاتل، وفائدة اليمين النكول، فإن كانوا لا يباشرون ويعلمون يفيد يمين الصالح على العلم بأبلغ مما يفيد يمين الطالح. ولو اختاروا أعمى أو محدودا في قذف جاز؛ لأنه يمين وليس بشهادة.   [البناية] سعيد بن المسيب به ولم يذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سعيدا، بل اقتصر على الزهري وفي كل منهما كفاية للحجة، ومعمر بفتح الميمين ابن راشد. وأبو معاوية الضرير محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين. وابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذئب، واسم أبي ذئب هشام بن شعبة بن عبد الله بن قيس القرشي العامري المدني. والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب. م: (ولأن اليمين حجة للدفع) ش: قد مضى الدعوى أن اليمين ليست بحجة صالحة لاستحقاق بنفسه، فكيف يصلح حجة صالحة لاستحقاق بنفس محترمة خصوصا في موضع يتيقن بأن الحالف مجازف يحلف ما لم يعاينه بأمر مجهول وهو اللوث، وإنما شرعت اليمين لاتقاء ما كان، فلا يستحق بها ما لم يكن مستحقا، يشير إلى هذا بقوله: حجة الدفع م: (دون الاستحقاق وحاجة الولي إلى الاستحقاق، ولهذا) ش: أي ولكون حاجة الولي إلى الاستحقاق م: (لا يستحق بيمينه المال المبتذل، فأولى أن لا يستحق به النفس المحترمة) ش: قال شيخنا العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا معنى قول مالك وأحمد وقول الشافعي - رحمهما الله - في إيجاب القصاص، وبقي قوله الآخر " يستحق بيمينه النفس "، أي القصاص، إلا أنه سقط باعتبار الشبهة، فصار إلى الدية بدلا عن القصاص. م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري م: (يتخيرهم الولي، إشارة إلى أن خيار تعيين الخمسين إلى الولي، لأن اليمين حقه، والظاهر أنه يختار من يتهمه بالقتل) ش: مثل الفسقة والشبان، لأن تهمة القتل فيهم أكثر م: (أو يختار صالحي أهل المحلة) ش: أي يختار الصالحين من أهل المحلة م: (لما أن تحرزهم) ش: أي أن تحرز الصالحين م: (عن اليمين الكاذبة أبلغ التحرز فيظهر القاتل، وفائدة اليمين النكول، فإن كانوا لا يباشرون ويعلمون) ش: أي القاتل م: (يفيد يمين الصالح على العلم بأبلغ مما يفيد يمين الطالح) ش: بالطاء المهملة، وهو نقيض الصالح. م: (ولو اختاروا أعمى أو محدودا في قذف جاز؛ لأنه يمين وليس بشهادة) ش: احترز به عن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 331 قال وإذا حلفوا قضى على أهل المحلة بالدية ولا يستحلف الولي وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجب الدية لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث عبد الله بن سهل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «تبرئكم اليهود بأيمانها» ، ولأن اليمين عهدت في الشرع مبرائا للمدعى عليه لا ملزما كما في سائر الدعاوى. ولنا: أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جمع بين الدية والقسامة في حديث ابن سهل وفي حديث زياد بن أبي مريم، وهكذا جمع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بينهما على وادعة.   [البناية] اللعان حيث لا يجوز اللعان منهما لما أن اللعان شهادة والأعمى أو المحدود في القذف ليسا من أهل أدائها. [القسامة والدية على العاقلة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا حلفوا قضى على أهل المحلة بالدية) ش: أي على عاقلتهم في ثلاث سنين، لأن حالهم هنا دون حال من باشر بالقتل خطأ، والدية هناك على العاقلة في ثلاث سنين، فهنا أولى. وذكر اختلاف زفر ويعقوب - رحمهما الله - قال زفر: القسامة والدية على العاقلة. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا قسامة على العاقلة بل الدية عليهم، لأن التحمل يجري في الدية ولا يجري في اليمين م: (ولا يستحلف الولي) . م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجب الدية) ش: إذا حلف المدعى عليه، وبه قال مالك وأحمد وأبو الليث وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في حديث عبد الله بن سهل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «تبرئكم اليهود بأيمانها» ش: هذا قطعة من حديث عبد الله بن سهل، وقد مرت قطعة منه عن قريب. وقال أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رواه بشر بن الفضل ومالك عن يحيى بن سعيد فقال فيه: «أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم؟» ، رواه ابن عيينة عن يحيى فبدأ بقوله: «تبرئكم يهود بخمسين يمينا» ". م: (ولأن اليمين عهدت في الشرع مبرئا للمدعى عليه لا ملزما كما في سائر الدعاوي) ش: فكذا هنا ليكون موافقا للأصول. م: (ولنا أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جمع بين الدية والقسامة في حديث ابن سهل) ش: ابن زيد، قد مر أنه أخرجه الأئمة الستة، وفيه: «أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم؟» ، وفي آخره: «فوداه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمائة من إبل الصدقة» ". قال سهل فلقد ركضتني منها ناقة حمراء. والمقتول كان عبد الله بن سهل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (وفي حديث زياد بن أبي مريم) ش: فقال المخرج: غريب، يعني لم يثبت م: (وهكذا جمع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بينهما) ش: أي بين الدية والقسامة م: (على وادعة) ش: وهي بطن من همدان، وذكره في " الجمهرة "، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا الثوري عن مجالد الجزء: 13 ¦ الصفحة: 332 وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تبرئكم اليهود» محمول على الإبراء عن القصاص والحبس. وكذا اليمين مبرئة عما وجب له اليمين، والقسامة ما شرعت لتجب الدية إذا نكلوا، بل شرعت ليظهر القصاص بتحرزهم عن اليمين الكاذبة فيقروا بالقتل، فإذا حلفوا حصلت البراءة عن القصاص ثم الدية تجب بالقتل الموجود منهم ظاهرا لوجود القتيل بين أظهرهم لا بنكولهم، أو وجبت   [البناية] بن سعيد وسليمان الشيباني عن الشعبي: أن قتيلا وجد بين وادعة وشاكر فأمر عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يقيسوا ما بينهما، فوجدوه إلى وادعة أقرب، فحلفهم عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خمسين يمينا، كل رجل ما قتلت ولا علمت له قاتلا ثم غرمهم الدية. وأخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا وكيع حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث بن الأزمع قال وجد قتيل بين وادعة وأرحب، فذكره بنحوه. م: (وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تبرئكم اليهود» ش: هذا جواب عن استدلال الشافعي بحديث عبد الله بن سهل المذكور أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تبرئكم اليهود» م: (محمول على الإبراء عن القصاص والحبس) ش: تقريره أن قول الخصم الحلف مبرئ. قلنا نحن نقول بموجبه ولكن يبرئ عما وجب لأجله الحلف وهو القصاص لا عن غيره، كما إذا كانت الدعوى على شيء فحلف المدعى عليه على ذلك الشيء انقطعت الخصومة عنه، وهنا فيما نحن فيه استحلف كل واحد منهم على دعوى القتل، فباليمين انقطعت الخصومة عن دعوى القتل، فلم يجب القصاص، ولكن وجب عليه شيء آخر لا لكونه قاتلا بل لتقصيرهم في صيانة المحلة عن فساد القتل، لأنه لولا تقصيرهم لما وقع هذا الأمر، والتسبيب في القتل بهذا الطريق موجب الدية في الشرع. ألا ترى أن العاقلة يؤخذون بالدية وهم ما قتلوا ولكن قصروا في صيانة الدم عن الإهدار، هذا الذي قاله الأترازي وغيره، وأحسن منه في الجواب عنه ما قاله أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - في حديث سهل المذكور، رواه بشر بن المفضل ومالك عن يحيى بن سعيد قالا فيه «أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم؟» ، رواه ابن عيينة عن يحيى قيدا بقوله: «تبرئكم يهود بخمسين يمينا» وهو وهم من ابن عيينة. م: (وكذا اليمين مبرئة عما وجب له اليمين، والقسامة ما شرعت لتجب الدية إذا نكلوا، بل شرعت ليظهر القصاص بتحرزهم عن اليمين الكاذبة، فيقروا بالقتل، فإذا حلفوا حصلت البراءة عن القصاص ثم الدية تجب بالقتل الموجود منهم ظاهرا لوجود القتيل بين أظهرهم لا بنكولهم، أو وجبت الجزء: 13 ¦ الصفحة: 333 بتقصيرهم في المحافظة كما في القتل الخطأ. ومن أبى منهم اليمين حبس حتى يحلف؛ لأن اليمين فيه مستحقة لذاتها تعظيما لأمر الدم، ولهذا يجمع بينه وبين الدية، بخلاف النكول في الأموال؛ لأن اليمين بدل عن أصل حقه، ولهذا يسقط ببذل المدعي، وفيما نحن فيه لا يسقط ببذل الدية، هذا الذي ذكرنا إذا ادعى الولي القتل على جميع أهل المحلة، وكذا إذا ادعى على البعض لا بأعيانهم والدعوى في العمد أو الخطأ، لأنهم لا يتميزون عن الباقي. ولو ادعى على البعض بأعيانهم أنه قتل وليه عمدا أو خطأ، فكذالك الجواب يدل عليه إطلاق الجواب في الكتاب،   [البناية] بتقصيرهم في المحافظة كما في القتل الخطأ) ش: هذا جواب آخر عن حديث الخصم، وقد قررناه عن قريب. م: (ومن أبي منهم اليمين) ش: أي ومن امتنع عن اليمين من الخمسين الذين اختارهم الولي م: (حبس حتى يحلف، لأن اليمين فيه مستحقة لذاتها تعظيما لأمر الدم) ش: فمن نكل عن حق مستحق لذاته فقد ظلم، وجزاء الظالم الحبس، وإنما قال: مستحق لذاته ليسلم، لأنه بدل عن الدية م: (ولهذا يجمع بينه وبين الدية) ش: ولو كان بدلا عن الدية لما جاز [الجمع] بينهما. م: (بخلاف النكول في الأموال؛ لأن اليمين) ش: في الأموال م: (بدل عن أصل حقه) ش: أي حق المدعي، وأصل حقه في المال م: (ولهذا) ش: أي ولكون أصل حقه في المال م: (يسقط) ش: أي اليمين م: (ببذل المدعي، وفيما نحن فيه لا يسقط) ش: أي اليمين م: (ببذل الدية) ش: بل تجب اليمين المكررة م: (هذا الذي ذكرنا) ش: أي من وجوب القسامة والدية م: (إذا ادعى الولي القتل على جميع أهل المحلة، وكذا إذا ادعى على البعض لا بأعيانهم، والدعوى في العمد أو في الخطأ لأنهم) ش: أي لأن البعض لا بأعيانهم م: (لا يتميزون عن الباقي) ش: فصار كما إذا ادعى على البعض. م: (ولو ادعى على البعض بأعيانهم أنه قتل وليه) ش: سنذكره من بعد إن شاء الله، أي سنذكر حكم من ادعى على واحد من غير أهل المحلة بعد ورقتين عند قوله: وإن ادعى على واحد منهم سقط عنهم، هذا وقع في بعض النسخ، وفي بعضها وقع مثل ما ذكر هاهنا. ولو ادعى على البعض بأعيانهم أنهم قتلوا .... إلى آخره م: (عمدا أو خطأ فكذلك الجواب) ش: يعني تجب القسامة والدية م: (يدل عليه إطلاق الجواب في الكتاب) ش: أي في كتاب القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه قال: وإذا وجد قتيل في محلة لا يعلم من قتله استحلف خمسون رجلا منهم.. إلى آخره. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 334 وهكذا الجواب في " المبسوط " وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصل: أن في القياس تسقط القسامة والدية عن الباقين من أهل المحلة، ويقال للولي: ألك بينة، فإن قال لا، يستحلف المدعى عليه يمينا واحدة. ووجهه: أن القياس يأباه لاحتمال وجود القتل في غيرهم، وإنما عرف بالنص فيما إذا كان في مكان ينسب إلى المدعى عليهم والمدعي يدعي القتل عليهم، وفيما وراءه بقي على أصل القياس، وصار كما إذا ادعى القتل على واحد من غيرهم. وفي الاستحسان تجب القسامة والدية على أهل المحلة؛ لأنه لا فصل في إطلاق النصوص بين دعوى ودعوى فنوجبه بالنص لا بالقياس. بخلاف ما إذا ادعى على واحد من غيرهم؛ لأنه ليس فيه نص، فلو أوجبناهما لأوجبناهما بالقياس وهو ممتنع، ثم حكم ذلك أن يثبت ما ادعاه إذا كان له بينة، وإن لم تكن استحلفه   [البناية] وأطلق وجوب القسامة والدية على أهل المحلة ولم يقيد الدعوى بالوقوع على الجميع أو على البعض بأعيانهم أو لا بأعيانهم م: (وهكذا الجواب في " المبسوط ") ش: يعني أوجب القسامة والدية مطلقا. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصل: أن في القياس تسقط القسامة والدية عن الباقين من أهل المحلة، ويقال للولي ألك بينة، فإن قال لا، يستحلف المدعى عليه على قتله يمينا واحدة. ووجهه) ش: أي وجه ما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن القياس يأباه) ش: أي يأبى الحلف. م: (لاحتمال وجود القتل من غيرهم، وإنما عرف) ش: أي الحلف م: (بالنص فيما إذا كان في مكان ينسب إلى المدعى عليهم والمدعي يدعي القتل عليهم، وفيما وراءه) ش: وهو ما إذا كان الدعوى على البعض بعينه م: (بقي على أصل القياس) ش: فلم تجب القسامة م: (وصار كما إذا ادعى القتل على واحد من غيرهم) ش: فإن فيه البينة من المدعي أو اليمين من المدعى عليه. م: (وفي الاستحسان تجب القسامة والدية على أهل المحلة؛ لأنه لا فصل في إطلاق النصوص بين دعوى، ودعوى فنوجبه) ش: أي نوجب كل واحد من القسامة والدية. وفي بعض النسخ: فنوجبها، أي القسامة والدية م: (بالنص) ش: الذي ذكر م: (لا بالقياس. بخلاف ما إذا ادعى على واحد من غيرهم؛ لأنه ليس فيه نص، فلو أوجبناهما) ش: أي القسامة م: (لأوجبناهما بالقياس وهو ممتنع، ثم حكم ذلك) ش: أي حكم ما إذا ادعى على واحد منهم من غيرهم م: (أن يثبت ما ادعاه إذا كان له بينة، وإن لم تكن استحلفه) ش: أي المدعى عليه الجزء: 13 ¦ الصفحة: 335 يمينا واحدة؛ لأنه ليس بقسامة لانعدام النص وامتناع القياس، ثم إن حلف برئ، وإن نكل والدعوى في المال ثبت به، وإن كان في القصاص فهو على اختلاف مضى في كتاب الدعوى. قال: وإن لم يكمل أهل المحلة كررت الأيمان عليهم حتى تتم خمسين، لما روي: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما قضى في القسامة وافى إليه تسعة وأربعون رجلا فكرر اليمين على رجل منهم حتى تمت خمسين ثم قضى بالدية. وعن شريح والنخعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مثل ذلك،   [البناية] م: (يمينا واحدة؛ لأنه ليس بقسامة لانعدام النص وامتنع القياس، ثم إن حلف) ش: أي المدعى عليه م: (برئ، وإن نكل والدعوى في المال ثبت به) ش: أي بالنكول سواء كانت الدعوى في القتل خطأ أو في القتل عمدا فالمال يثبت. م: (وإن كان) ش: أي الدعوى والتذكير على تأويل الادعاء م: (في القصاص فهو) ش: أي الحكم فيه م: (على اختلاف مضى في كتاب الدعوى) ش: في باب اليمين، بيانه أنه إذا ادعى قصاصا على غيره فجحد استحلف لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «واليمين على من أنكر» فإن نكل عن اليمين فيما دون النفس لزمه القصاص عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - فعندهما يجب الأرش، وقد مر هناك مفصلا. [إن لم يكمل أهل المحلة كررت الأيمان عليهم حتى تتم خمسين في القسامة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن لم يكمل أهل المحلة كررت الأيمان عليهم حتى تتم خمسين، لما روي أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما قضى في القسامة وافى إليه تسعة وأربعون رجلا فكرر اليمين على رجل منهم حتى تمت خمسين ثم قضى بالدية) ش: روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " بلفظ روى معنى ما ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقال: حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن عبد الله بن زيد الهذلي عن أبي مليح: أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رد عليهم الأيمان حتى وفوا. وروى الكرخي في " مختصره " بإسناده إلى ابن الأعرج، قال حدثنا الحارث بن الأزمع: أنه كان فيمن حلف فأقسموا بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا، وكانوا تسعة وأربعين رجلا، فأخذ عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - منهم رجلا حتى أتموا خمسين، فقالوا: أيماننا وأموالنا. قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: فبم يبطل دم هذا؟ قول المصنف: حتى تتم الخمسين، أي حتى تتم القسامة خمسين رجلا، قوله وافى إليه، هكذا ذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأهل اللغة، يقولون وافاه بدون الصلة، أي أتاه. م: (وعن شريح والنخعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مثل ذلك) ش: أما حديث شريح القاضي فرواه ابن أبي شيبة: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن أشعث عن ابن سيرين بلغ عن شريح، الجزء: 13 ¦ الصفحة: 336 ولأن الخمسين واجب بالسنة فيجب إتمامها ما أمكن، ولا يطلب فيه الوقوف على الفائدة لثبوتها بالسنة، ثم فيه استعظام أمر الدم، فإن كان العدد كاملا فأراد الولي أن يكرر على أحدهم فليس له ذلك؛ لأن المصير إلى التكرار ضرورة الإكمال. قال: ولا قسامة على صبي ولا مجنون لأنهما ليسا من أهل القول الصحيح، واليمين قول صحيح. قال: ولا امرأة ولا عبد لأنهما ليسا من أهل النصرة، واليمين على أهلها. قال وإن وجد ميتا لا أثر به فلا قسامة ولا دية، لأنه ليس بقتيل، إذ القتيل في العرف من فاتت حياته بسبب يباشره حي، وهذا ميت حتف أنفه   [البناية] قال: جاءت قسامة فلم يوفوا خمسين فردت عليهم القسامة حتى أوفوا، وأما حديث إبراهيم النخعي فرواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا الثوري عن مغيرة عن إبراهيم النخعي، قال: إذا لم تبلغ القسامة كرروا حتى يحلفوا خمسين يمينا. م: (ولأن الخمسين واجب بالسنة فتجب إتمامها ما أمكن، ولا يطلب فيها الوقوف على الفائدة) ش: يعني لا يقال ما الفائدة في تعيين الخمسين ولا يطلب في الخمسين؟ والوقوف على الفائدة م: (لثبوتها بالسنة) ش: أي لثبوت الخمسين بالأحاديث الآثار. م: (ثم فيه) ش: أي في الخمسين م: (استعظام أمر الدم) ش: ولهذا يكرر اليمين في اللعان وأمر الدم أقوى. م: (فإن كان العدد كاملا فأراد الولي أن يكرر على أحدهم) ش: أي على أحد الخمسين لظنه فيه بالأمر الذي حصل م: (فليس له ذلك، لأن المصير إلى التكرار ضرورة الإكمال) ش: فإذا كان كاملا فلا ضرورة إلى الزيادة. [لا قسامة على صبي ولا مجنون] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا قسامة على صبي ولا مجنون؛ لأنهما ليسا من أهل القول الصحيح، واليمين قول صحيح، قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا امرأة ولا عبد) ش: أي ولا قسامة على امرأة ولا على عبد. م: (لأنهما ليسا من أهل النصرة واليمين على أهلها) ش: أي على أهل النصرة، ولأن هؤلاء أتباع وليسوا بأصول، وقد قال أحمد وربيعة والثوري والأوزاعي، وقال مالك: النساء يدخلن في قسامة الخطأ دون العمد. وقال ابن القاسم لا يقسم إلا اثنان فصاعدا، لما أنه لا يقبل إلا شاهدين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقسم كل وارث بالغ، لأنها يمين في دعوى فيشرع في حق النساء. م: (قال وإن وجد ميتا لا أثر به فلا قسامة ولا دية؛ لأنه ليس بقتيل، إذ القتيل في العرف من فاتت حياته بسبب يباشره حي، وهذا ميت حتف أنفه) ش: وبه قال أحمد في رواية وحماد والثوري. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 337 والغرامة تتبع فعل العبد والقسامة تتبع احتمال القتل ثم يجب عليهم القسم فلا بد من أن يكون به أثر يستدل به على كونه قتيلا، وذلك بأن يكون به جراحة أو أثر ضرب أو خنق، وكذا إذا كان خرج الدم من عينه أو أذنه؛ لأنه لا يخرج منهما إلا بفعل من جهة الحي عادة. بخلاف ما إذا خرج من فيه أو دبره أو ذكره، لأن الدم يخرج من هذه المخارج عادة بغير فعل أحد، وقد ذكرناه في الشهيد. ولو وجد بدن القتيل أو أكثر من نصف البدن أو النصف ومعه الرأس في محلة، فعلى أهلها القسامة والدية وإن وجد نصفه مشقوقا بالطول أو وجد أقل من   [البناية] وقالت الأئمة الثلاثة: الأثر ليس بشرطه بعد ثبوت اللوث م: (والغرامة تتبع فعل العبد) ش: يعني وجوب الغرامة، أي الدية إنما تكون بفعل العبد، ولا شيء هنا يدل على فعله م: (والقسامة تتبع احتمال القتل) ش: وهذا تحمل الموت حتف أنفه، بل الظاهر هذا عند عدم الأثر. م: (ثم يجب عليهم القسم) ش: أي يجب على العبد واليمين م: (فلا بد من أن يكون به أثر يستدل به على كونه قتيلا، وذلك) ش: أي الأثر الذي يدل على كونه قتيلا م: (بأن يكون به جراحة أو أثر ضرب أو خنق، وكذا إذا كان خرج الدم من عينه أو أذنه) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صاحب " الهداية " لم يذكر فيها الأنف، والغالب أنه سهو القلم، لأنه ذكره في " البداية " كما ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ". قلت: لا سهو هناك، لأن الدم يخرج من الأنف غالبا، من الرعاف، فلا تصلح دليلا مع أن الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في " شرحه ": وخروج الدم من موضع يخرج منه الدم عادة من غير ضرب لا يكون أثر القتل، كما إذا خرج من فمه أو أنفه، لأنه قد يكون ذلك من رعاف فلا يصلح أن يكون دليلا على وجود ضرب في المحلة م: (لأنه) ش: أي لأن الدم م: (لا يخرج منهما) ش: أي من العين والأذن م: (إلا بفعل من جهة الحي عادة) . م: (بخلاف ما إذا خرج من فيه) ش: أي فمه م: (أو دبره أو ذكره؛ لأن الدم يخرج من هذه المخارج عادة بغير فعل أحد، وقد ذكرناه في الشهيد) ش:، يعني في حال الصلاة في باب الشهيد، والدم الذي يخرج من الدبر لا يكون دليلا على القتل، فإنه قد يكون لعلة في الباطن وقد يكون أكل شيء غير موافق، وكذلك إذا خرج الدم من الإحليل لا يكون دليلا على القتل لأنه قد يكون ذلك لعرق انفجر في الباطن أو لضعف في الكلى، أو لضعف الكبد وقد يقع من شدة الحرق أيضًا. م: (ولو وجد بدن القتيل أو أكثر من نصف البدن أو النصف) ش: أي أو وجد نصف البدن م: (ومعه الرأس في محلة، فعلى أهلها القسامة والدية، وإن وجد نصفه مشقوقا بالطول أو وجد أقل من الجزء: 13 ¦ الصفحة: 338 النصف ومعه الرأس أو وجد يده أو رجله أو رأسه، فلا شيء عليهم، لأن هذا حكم عرفناه بالنص، وقد ورد به في البدن، إلا أن للأكثر حكم الكل تعظيما للآدمي. بخلاف الأقل؛ لأنه ليس ببدن ولا ملحق به فلا تجري فيه القسامة، ولأنا لو اعتبرناه تتكرر القسامتان والديتان بمقابلة نفس واحدة ولا تتواليان. والأصل فيه   [البناية] النصف ومعه الرأس أو وجد يده أو رجله أو رأسه، فلا شيء عليهم) ش: هذا كله من مسائل الأصل، ذكرها تفريعا على مسألة القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن هذا حكم) ش: أي لأن وجوب القسامة على أهل المحلة ووجوب الدية على عواقلهم م: (عرفناه بالنص) ش: بخلاف القياس. م: (وقد ورد به) ش: أي ورد الحكم م: (في البدن، إلا أن للأكثر حكم الكل) ش: هذا كأنه جواب عما يقال: إذا كان النص ورد في البدن كان ينبغي أن يقتصر الحكم على البدن فقط، فأجاب بأن لأكثر البدن حكم كله، لأن الأكثر في كثير من المواضع يقوم مقام الكل، ولا سيما هاهنا م: (تعظيما للآدمي) ش: في أمر دمه وما سواء على أصل القياس في عدم وجوب القسامة والدية. م: (بخلاف الأقل؛ لأنه ليس ببدن ولا ملحق به، فلا تجري فيه القسامة، ولأنا لو اعتبرناه) ش: أي الأقل م: (تتكرر القسامتان والديتان) ش: أي على تقدير أن يوجد الباقي في محلة أخرى م: (بمقابلة نفس واحدة ولا تتواليان) ش: أي القسامة والدية، لأنه إذا وجب بالأقل وجب بالأكثر إذا وجد، وكذلك لو وجب بالنصف الآخر فيتكرر القسامتان والديتان مقابل نفس واحدة، وذلك لا يجوز. فإن قيل: ينبغي أن تجب القسامة إذا وجد الرأس، لأنه يعبر به عن جميع البدن. أجيب: بأن ذلك بطريق المجاز، والمعتبر هو الحقيقة، ولأنه لو وجبت بالبدن بطريق الأولى، فلزم التكرار. وقال الأكمل: وقيل كان ينبغي أن يقول بتكرر القسامة والدية بلفظ المفرد دون التثنية لأن غرضه ثبوت القسامة تكرر أو ثبوت الدين تكرر أو عبارة التثنية يستلزم أن يكون أكثر من القسامتين والديتين، انتهى. قلت القائل بهذا الأترازي في " شرحه "، وقيل الأكمل، ثم قال: ويجوز أن يكون مراده القسامتان والديتان على القطعتين يتكرران في خمسين نفسا. م: (والأصل فيه) أي في وجوب القسامة والدية. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 339 أن الموجود الأول إن كان بحال لو وجد الباقي تجري فيه القسامة لا تجب فيه، وإن كان بحال لو وجد الباقي لا تجري فيه القسامة تجب، والمعنى ما أشرنا إليه، وصلاة الجنازة في هذا تنسحب على هذا الأصل؛ لأنها لا تتكرر. ولو وجد فيهم جنين أو سقط ليس به أثر الضرب فلا شيء على أهل المحلة؛ لأنه لا يفوق الكبير حالا وإن كان به أثر الضرب وهو تام الخلق وجبت القسامة والدية عليهم؛ لأن الظاهر أن تام الخلق ينفصل حيا. وإن كان ناقص الخلق فلا شيء عليهم؛ لأنه ينفصل ميتا لا حيا.   [البناية] وقال تاج الشريعة: أي الأصل في جريان القسامة م: (أن الموجود الأول إن كان بحال لو وجد الباقي تجري فيه القسامة لا تجب فيه، وإن كان بحال لو وجد الباقي) ش: من البدن م: (لا تجري فيه القسامة) ش: والدية لا يجريان في الموجود أولا وإن كان الموجود بحال لو وجد الباقي لا يجريان في الباقي، ويجريان في الموجود أولا م: (تجب، والمعنى ما أشرنا إليه) ش: أي المعنى في وجوبهما وعدم وجوبهما تكرر القسامة، والدية وعدم تكررهما. م: (وصلاة الجنازة في هذا) ش: أي في وجود بعض الميت م: (تنسحب على هذا الأصل) ش: يعني إذا وجد الأكثر لا يصلى عليه، وهذا أشار إلى أنه إذا كان معه الرأس يصلى عليه وإلا فلا، وإنما تنسحب على الأصل المذكور م: (لأنها) ش: أي لأن صلاة الجنازة م: (لا تتكرر) ش: كما أن القسامة لا تتكرر. وفي " الفتاوى ": إذا وجد من الميت أقل من النصف وليس فيه الرأس وحده لا يصلى عليه، ولو وجد يصلى عليه، ولو وجد النصف مشقوقا بنصفين مع كل نصف، نصف من الرأس لا يغسل ولا يصلى عليه، ولو وجد الكل إلا الرأس يصلى عليه، فكذا في القسامة إذا وجد الرأس وحده في المحلة لا تجب القسامة، وإذا وجد البدن كله إلا الرأس يجب. إلى هنا لفظ " الفتاوى الصغرى ". م: (ولو وجد فيهم) ش: أي في أهل المحلة م: (جنين أو سقط ليس به أثر الضرب فلا شيء على أهل المحلة؛ لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الجنين والسقط م: (لا يفوق الكبير حالا) ش: بتخفيف اللام، أي من حيث المال، يعني إذا وجد الكبير ولا أثر به لا يجب فيه شيء فكذا هذا. م: (وإن كان به) ش: أي الجنين م: (أثر الضرب وهو تام الخلق وجبت القسامة والدية عليهم) أي: على أهل المحلة م: (لأن الظاهر أن تام الخلق ينفصل حيا) . ش: فإن قيل: الظاهر يصلح للدفع دون الاستحقاق، ولهذا قلنا في عين الصبي وذكره الجزء: 13 ¦ الصفحة: 340 قال: وإذا وجد القتيل على دابة يسوقها رجل فالدية على عاقلته دون أهل المحلة؛ لأنه في يده، فصار كما إذا كان في داره. وكذا إذا كان قائدها أو راكبها، فإن اجتمعوا فعليهم، لأن القتيل في أيديهم، فصار كما إذا وجد في دارهم. قال: وإن مرت به دابة بين القريتين وعليها قتيل فهو على أقربهما؛ لما روي «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أتى بقتيل وجد بين قريتين،   [البناية] ولسانه إذا لم يعلم صحته حكومة عدل عندنا. وأجيب: بأن الجنين نفس من وجه عضو من وجه فاعتبر جهة النفس، إذا انفصل حيا،. فيستدل عليه بتمام الخلق، فكان الظاهر هنا بمنزلة القتيل الموجود في المحلة وله أثر الجراحة، وإن كان يحتمل أنه مات حتف أنفه لا بسبب الجراحة، أما الأعضاء يسلك مسلك الأموال ولا تعظيم للأموال كتعظيم النفس، فكان فيها شبه المالية فلم يوجب الدية التي لها خطر إلا عند اليقين م: (وإن كان ناقص الخلق فلا شيء عليهم؛ لأنه ينفصل ميتا لا حيا) ش: وفي الميت لا يجب شيء. [وجد القتيل على دابة يسوقها رجل] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا وجد القتيل على دابة يسوقها رجل فالدية على عاقلته دون أهل المحلة؛ لأنه في يده، فصار كما إذا كان في داره) ش: ولا فرق بين أن تكون الدابة ملكا للسائق والقائد أو الراكب، لأن القتيل في يده، فكان أخص به من أهل المحلة. ومن المشايخ من قال: هذا إذا لم يكن للدابة مالك معروف، والأصح إطلاق الجواب. م: (وكذا إذا كان قائدها أو راكبها) ش: تكون الدية عليه مطلقا م: (فإن اجتمعوا فعليهم) ش: أي فإن اجتمع السائق والراكب والقائد فالدية عليهم م: (لأن القتيل في أيديهم، فصار كما إذا وجد في دارهم) . م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع ": م: (وإن مرت به دابة بين القريتين) ش: فأمر أن يذرع، هذا الحديث رواه أبو داود الطيالسي وإسحاق بن راهويه والبزار في " مسانيدهم " والبيهقي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في " سننه " عن أبي إسرائيل الملائي واسمه إسماعيل بن أبي إسحاق عن عطية عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أن قتيلا وجد بين حيين فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقاس إلى أيهما أقرب» م: (وعليها قتيل فهو على أقربهما؛ لما روي «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أتى بقتيل وجد بين قريتين» ش: «فوجد أقرب إلى أحد الحيين بشبر، قال أبو سعيد الخدري: كأني أنظر إلى شبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فألقى ديته عليهم» . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 341 فأمر أن يذرع» . وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أنه لما كتب إليه في القتيل الذي وجد بين وادعة وأرحب، كتب بأن يقيس بين قريتين فوجد القتيل إلى وادعة أقرب فقضى عليهم بالقسامة ". قيل: هذا محمول على ما إذا كان بحيث يبلغ أهله الصوت، لأنه إذا كان بهذه الصفة يلحقه الغوث فتمكنهم النصرة وقد قصروا. قال وإن وجد القتيل في دار إنسان فالقسامة عليه، لأن الدار في يده والدية على عاقلته؛ لأن نصرته منهم وقوته بهم. قال: ولا تدخل السكان في القسامة مع الملاك عند أبي حنيفة، وهو قول محمد. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] فإن قلت: هذا رواه ابن عدي والعقيلي في " كفايتهما " بلفظ: «فألقى ديته على أقربهما وأعلاه» أبي إسرائيل "، وضعفه ابن عدي عن قوم، وقال البزار: ليس بقوي في الحديث، وقال النسائي ليس ثقة، وكان يسب عثمان. قلت: وثقه ابن معين، ووثقه أيضًا ابن عدي وقوم آخرين م: «فأمر أن يذرع» . م: (وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لما كتب إليه في القتيل الذي وجد بين وادعة وأرحب كتب بأن يقيس بين قريتين فوجد القتيل إلى وادعة أقرب، فقضى عليهم بالقسامة) ش: هذا رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا وكيع حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث بن الأزمع قال: وجد قتيل باليمن بين وادعة وأرحب، فكتب عامل عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إليه فكتب إليه عمر أن قس ما بين الحيين، فإلى أيهما كان أقرب فخذهم به. قال: فقاسوا فوجدوه أقرب إلى وادعة فأخذنا، الحديث، قوله: وادعة وأرحب بالحاء المهملة حيان من همدان م: (قيل: هذا محمول على ما إذا كان بحيث يبلغ أهله الصوت؛ لأنه إذا كان بهذه الصفة يلحقه الغوث فتمكنهم النصرة وقد قصروا) ش: في النصرة مع إمكانها، فصار كأنهم قتلوه تقديرا، فيلزمهم القسامة والدية. [وجد القتيل في دارإنسان] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإن وجد القتيل في دار إنسان فالقسامة عليه) ش: أي على صاحب الدار، وقال مالك: لا قسامة ولا غرامة في قتيل وجد في دار قوم، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكون تعمدا للوث م: (لأن الدار في يده والدية على عاقلته؛ لأن نصرته منهم وقوته بهم) ش: أي بالعاقلة. [السكان في القسامة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا تدخل السكان في القسامة مع الملاك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول محمد) ش: عند أبي حنيفة ليظهر [ ... ] خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال محمد: مضطرب. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو) ش: أي القسامة، ذكر الضمير بالتذكير على تأويل الجزء: 13 ¦ الصفحة: 342 سهو عليهم جميعا لأن ولاية التدبير كما تكون بالملك تكون بالسكنى، ألا ترى أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جعل القسامة والدية على اليهود، وإن كانوا سكانا بخيبر. ولهما: أن المالك هو المختص بنصرة البقعة دون السكان؛ لأن سكنى الملاك ألزم، وإقرارهم أدوم، فكانت ولاية التدبير إليهم، فيتحقق التقصير منهم. وأما أهل خيبر فالنبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أقرهم على أملاكهم، فكان يأخذ منهم على وجه الخراج. قال: وهي على أهل الخطة دون المشترين،   [البناية] القسم أو الحلف قاله الأترازي، رأيت في بعض النسخ هي على الأصل فلا يحتاج إلى التكلف م: (عليهم جميعا) ش: أي على المذكورين في القسامة على السكان والملاك، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد وابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكان أبو يوسف يقول أولا كقولهما، ثم رجع م: (لأن ولاية التدبير كما تكون بالملك تكون بالسكنى، ألا ترى أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (جعل القسامة والدية على اليهود، وإن كانوا سكانا بخيبر) ش: في قصة عبد الله بن سهل لما وجد قتيلا في خيبر وقد كانوا سكانها، لأنها كانت للمسلمين، وكان اليهود عمالهم. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن المالك هو المختص بنصرة البقعة دون السكان؛ لأن سكنى الملاك ألزم، وإقرارهم أدوم، فكانت ولاية التدبير إليهم، فيتحقق التقصير منهم. وأما أهل خيبر) ش: هذا جواب عما تمسك أبو يوسف بما ذكره تقريره أن يقال: م: (فالنبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أقرهم على أملاكهم، فكان يأخذ منهم) ش: الذي يأخذه م: (على وجه الخراج) . ش: وقد روى الطحاوي بإسناده إلى سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد: أن خيبر يومئذ كانت صلحا، فإذا ثبت ذلك كانت خيبر ملكا لليهود، فعلم أن القتيل كان قبل الفتح، ولئن سلمنا أنه كان بعده فتقول: إن اليهود كانت لهم أملاك، ولهذا عوضهم عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لما أجلاهم، كذا قاله القدوري في " التجريد ". [القسامة والدية على أهل الخطة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهي) ش: أي القسامة والدية، وفي بعض النسخ وهو قاله الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي المذكور من وجوب القسامة والدية م: (على أهل الخطة) ش: يريد ما خطه الإمام حين فتح البلد، والخطة المكان المحيط بناء دار أو غيرها من العمارات. ومعناه على أصحاب الأملاك القديمة الذين كانوا يملكونها حين فتح الإمام البلد وقسمها بين الغانمين، فإنه يخط خطة لتمييز أنصبائهم م: (دون المشترين) ش: يعني ليس عليهم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 343 وهذا قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الكل مشتركون لأن الضمان إنما يجب بترك الحفظ ممن له ولاية الحفظ، وبهذا الطريق يجعل جانيا مقصرا، والولاية باعتبار الملك وقد استووا فيه. ولهما: أن صاحب الخطة هو المختص بنصرة البقعة هو المتعارف. ولأنه أصيل، والمشتري دخيل وولاية التدبير إلى الأصيل. وقيل: أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بنى ذلك على ما شاهد بالكوفة. قال: وإن بقي واحد منهم فكذلك، يعني من أهل الخطة لما بينا، وإن لم يبق واحد منهم بأن باعوا كلهم فهو على المشترين؛ لأن الولاية انتقلت إليهم   [البناية] م: (وهذا) ش: أي المذكور م: (قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الكل مشتركون لأن الضمان إنما يجب بترك الحفظ ممن له ولاية الحفظ، وبهذا الطريق يجعل جانيا مقصرا، والولاية) ش: أي ولاية الحفظ م: (باعتبار الملك) ش: وفيما يجب باعتبار الملك لا يختلف باختلاف أسباب الملك كاستحقاق الشفعة، فإنه مبني على الملك ولا تفاوت فيه بين أهل الخطة والمشترين، فكذا هنا، فإذا كان كذلك م: (وقد استووا) ش: أي أهل الخطة والمشترين م: (فيه) ش: أي في الملك، لأنهم مالكون جميعا، ولهذا إذا تحول الملك من أهل الخطة جميعا ولم يبق واحد منهم كانت القسامة على المشترين. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أن صاحب الخطة هو المختص بنصرة البقعة هو المتعارف) ش: فإن العرف أن أصحاب الخطة يقومون بحفظ المحلة وتدبيرها دون المشترين م: (ولأنه) ش: أي ولأن صاحب الخطة م: (أصيل، والمشتري دخيل) ش: لأنه بمنزلة التبع. م: (وولاية التدبير إلى الأصيل، وقيل: أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بنى ذلك) ش: أي ما ذهب إليه م: (على ما شاهد بالكوفة) ش: أي من عادة أهل الكوفة في زمانه، وهو أن أصحاب الخطة في كل محلة كانوا هم الذين يقومون بتدبير المحلة، وأبو يوسف بنى على عادة بلده أن التدبير إلى الأشراف من أهل الخطة كانوا أولا، كذا في " التحفة ". م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن بقي واحد منهم) ش: أي من أهل الخطة م: (فكذلك) ش: الحكم، وفسر المصنف يرجع الضمير في قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى واحد منهم بقوله م: (يعني من أهل الخطة) ش: وقوله: م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله ولهما أن صاحب الخطة هو المختص بنصرة البقعة، وإلى قوله ولأنه أصيل والمشتري دخيل. م: (وإن لم يبق واحد منهم بأن باعوا كلهم) ش: أي من أهل الخطة م: (فهو) ش: أي المذكور من القسامة والدية م: (على المشترين، لأن الولاية انتقلت إليهم) ش: أي إلى المشترين، الجزء: 13 ¦ الصفحة: 344 أو خلصت لهم لزوال من يتقدمهم أو يزاحمهم. وإذا وجد قتيل في دار فالقسامة على رب الدار وعلى قومه وتدخل العاقلة في القسامة إن كانوا حضورا، وإن كانوا غيبا فالقسامة على رب الدار يكرر عليه الأيمان وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا قسامة على العاقلة، لأن رب الدار أخص به من غيره فلا يشاركه غيره فيها كأهل المحلة لا يشاركهم فيها عواقلهم. ولهما: أن الحضور   [البناية] هذا مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد من أن المشترين لم يكن لهم ولاية مع وجود واحد من أهل الخطة عندهما، فإذا لم يبق أحد منهم بأن باع كلهم انتقلت الولاية إلى المشترين. م: (أو خلصت لهم) ش: هذا على مذهب أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن الولاية كانت لأهل الخطة والمشترين جميعا، فإذا لم يبق من أهل الخطة أحد حصلت الولاية للمشترين م: (لزوال من يتقدمهم) ش: يتعلق بقوله: انتقلت إليهم م: (أو يزاحمهم) ش: يتعلق بقوله حصلت لهم بطريق اللف والنشر. م: (وإذا وجد قتيل في دار فالقسامة على رب الدار وعلى قومه وتدخل العاقلة في القسامة إن كانوا حضورا) ش: وهو جمع حاضر، لأن عاقلا إذا كان صفة يجوز جمعه على فعول كمفعول في جمع فاعل م: (وإن كانوا غيبا) ش: بضم الغين وتشديد الياء جمع غائب م: (فالقسامة على رب الدار يكرر عليه الأيمان) . قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا وجد القتيل في دار فالدية على صاحبها باتفاق الروايات، وفي القسامة روايتان ففي إحداهما يجب على صاحب الدار، وفي الأخرى: على عاقلته، ولهذا يندفع من التدافع بين قوله. قيل: هذا وإن وجد القتيل في دار إنسان فالقسامة عليه، وبين قوله هنا فالقسامة على رب الدار، وعلى قومه يحمل ذلك على رواية، وهذا على رواية أخرى، وحكي عن الكرخي أنه كان يوافق بينهما، ويقول الرواية التي يوجبها على صاحبها: محمولة على ما إذا كان قومه غيبا والرواية التي يوجبها على قومه محمولة على ما إذا كانوا حضورا، كذا في " الذخيرة " م: (وهذا) ش: أي الحكم المذكور م: (عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) . م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا قسامة على العاقلة، لأن رب الدار أخص به من غيره) ش: وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وتذكير الضمير في به على تأويل الموضع م: (فلا يشاركه غيره فيها) ش: أي في القسامة م: (كأهل المحلة لا يشاركهم فيها عواقلهم) . م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: م: (أن الحضور) ش: أي الجزء: 13 ¦ الصفحة: 345 لزمتهم نصرة البقعة كما تلزم صاحب الدار، فيشاركونه في القسامة. قال: وإن وجد القتيل في دار مشتركة نصفها لرجل وعشرها لرجل ولآخر ما بقي فهو على رءوس الرجال؛ لأن صاحب القليل يزاحم صاحب الكثير في التدبير فكانوا سواء في الحفظ والتقصير، فيكون على عدد الرءوس بمنزلة الشفعة. قال: ومن اشترى دارا ولم يقبضها حتى وجد فيها قتيل فهو على عاقلة البائع، وإن كان في البيع خيار لأحدهما فهو على عاقلة الذي في يده وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: إن لم يكن فيه خيار فهو على عاقلة المشتري، وإن كان فيه خيار فهو على عاقلة الذي تصير له؛ لأنه إنما أنزل قاتلا باعتبار التقصير في الحفظ، ولا يجب إلا على من له ولاية الحفظ والولاية تستفاد بالملك، ولهذا كانت الدية على عاقلة صاحب الدار دون المودع، والملك للمشتري قبل القبض في البيع البات، وفي المشروط فيه الخيار يعتبر قرار الملك   [البناية] الحاضرين م: (لزمتهم نصرة البقعة، كما تلزم صاحب الدار، فيشاركونه) ش: أي صاحب الدار م: (في القسامة) . [وجد القتيل في دار مشتركة] م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإن وجد القتيل في دار مشتركة نصفها لرجل وعشرها لرجل ولآخر ما بقي فهو) ش: أي العقل م: (على رءوس الرجال، لأن صاحب القليل يزاحم صاحب الكثير في التدبير، فكانوا سواء في الحفظ والتقصير، فيكون على عدد الرؤوس) ش: أي رءوس الرجال لا على عدد الأنصباء م: (بمنزلة الشفعة) ش: يكون على عدد الرؤوس. [اشترى دارا ولم يقبضها حتى وجد فيها قتيل] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى دارا ولم يقبضها حتى وجد فيها قتيل فهو) ش: أي المذكور وهو الدية م: (على عاقلة البائع، وإن كان في البيع خيار لأحدهما) ش: أي للبائع والمشتري م: (فهو على عاقلة الذي) ش: أي الدار م: (في يده، وهذا) ش: أي الحكم المذكور م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . م: (وقالا: إن لم يكن فيه خيار فهو على عاقلة المشتري، وإن كان فيه خيار فهو على عاقلة الذي تصير له؛ لأنه) ش: أي لأنه الذي يصير له الدار. م: (إنما أنزل قاتلا باعتبار التقصير في الحفظ، ولا يجب إلا على من له ولاية الحفظ والولاية) ش: أي ولاية الحفظ م: (تستفاد بالملك ولهذا) ش: أي ولكون ولاية الحفظ تستفاد بالملك م: (كانت الدية) ش: في هذا الموضع م: (على عاقلة صاحب الدار دون المودع) ش: لعدم ملكه، وكذلك المستعير والمستأجر والغاصب والمرتهن حيث امتنع وجوب الدية على هؤلاء لهذا المعنى. م: (والملك للمشتري قبل القبض في البيع البات، وفي المشروط فيه الخيار يعتبر قرار الملك) ش: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 346 كما في صدقة الفطر. وله: أن القدرة على الحفظ باليد لا بالملك. ألا يرى أنه يقتدر على الحفظ باليد دون الملك ولا يقتدر بالملك دون اليد، وفي البات اليد للبائع فبل القبض، وكذا فيما فيه الخيار لأحدهما قبل القبض، لأنه دون البات. ولو كان المبيع في يد المشتري والخيار له فهو أخص الناس به تصرفا. ولو كان الخيار للبائع فهو في يده مضمون عليه بالقيمة كالمغصوب، فتعتبر يده، إذ بها يقدر على الحفظ. قال: ومن كان في يده دار فوجد فيها قتيل لم تعقله العاقلة حتى تشهد الشهود أنها للذي في يده؛ لأنه لا بد من الملك لصاحب اليد حتى تعقل العواقل عنه، واليد وإن كانت دليلا على الملك لكنها محتملة،   [البناية] إن كان الصادر من ذلك الملك عليه، بخلاف ما لو جنى العبد في الباب قبل القبض حيث يخير المشتري بين رد البيع وإمضائه، وهنا لا يخير، لأن الدار لم تصر مستحقة بوجود القتيل فيها، بخلاف العبد، لأنه يصير مستحقا بالجناية والاستحقاق من أفحش العيوب م: (كما في صدقة الفطر) ش: حيث يجب على من يحصل الملك فيه. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة: م: (أن القدرة على الحفظ) ش: تكون م: (باليد لا بالملك) ش: غير أن الملك سبب اليد، فإذا وجد الملك لأحدهما واليد للآخر كان اعتبار اليد أولى، ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا يرى أن يقتدر على الحفظ باليد دون الملك) ش: كالمودع. م: (ولا يقتدر بالملك دون اليد) ش: في المضمون، لأن الملك باق فيه لا قدرة عليه م: (وفي البات) ش: بتشديد التاء، أي البيع البات م: (اليد للبائع قبل القبض، وكذا) ش: أي وكذا الخيار للبائع م: (فيما فيه الخيار لأحدهما قبل القبض؛ لأنه دون البات) ش: أي لأن فيما فيه الخيار دون البيع البات. م: (ولو كان المبيع في يد المشتري والخيار له فهو أخص الناس به تصرفا) ش: أي من حيث التصرف م: (ولو كان الخيار للبائع فهو في يده مضمون عليه بالقيمة) ش: احترز به عن يد المودع فالقسامة على المشتري أيضًا، لأنه باليد يقوى الحفظ والتدبير م: (كالمغصوب) ش: فإنه مضمون بالقيمة. م: (فتعتبر يده) ش: أي يد المشتري، فتكون الدية على عاقلة المشتري الذي في يده الدار، لأن القدرة على الحفظ باليد م: (إذ بها يقدر على الحفظ) ش: أي باليد والتذكير على اعتبار العضو، وفي بعض النسخ: إذ بها فلا حاجة إلى التأويل. [كان في يده دار فوجد فيها قتيل] 1 م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن كان في يده دار فوجد فيها قتيل لم تعقله العاقلة حتى تشهد الشهود أنها) ش: أي أن الدار ملك م: (للذي في يده؛ لأنه لا بد من الملك لصاحب اليد حتى تعقل العواقل عنه، واليد وإن كانت دليلا على الملك لكنها محتملة) ش: بأن تكون الجزء: 13 ¦ الصفحة: 347 فلا تكفي لإيجاب الدية على العاقلة كما لا تكفي لاستحقاق الشفعة به في الدار المشفوعة فلا بد من إقامة البينة. قال: وإن وجد قتيل في سفينة فالقسامة على من فيها من الركاب والملاحين. لأنها في أيديهم، واللفظ يشمل أربابها حتى تجب على الأرباب الذين فيها وعلى السكان. وكذا على من يمدها، والمالك في ذلك وغير المالك سواء، وكذا العجلة. وهذا على ما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظاهر، والفرق لهما: أن السفينة تنقل وتحول   [البناية] يده على طريق العارية أو الإجارة ونحوها. وإن كان كذلك م: (فلا تكفي لإيجاب الدية على العاقلة كما لا تكفي لاستحقاق الشفعة به) ش: أي بالملك م: (في الدار المشفوعة) ش: لما عرف م: (فلا بد من إقامة البينة) ش: على الملك. وقال فخر الإسلام البزدوي في " شرحه ": يريد به إذا أنكرت العواقل أن تكون الدار له. وقالوا: هي وديعة في يدك فأقول قولهم إلا أن يقيم بينة على الملك لما عرف أن الظاهر حجة للدفع لا للاستحقاق وقد احتجنا إلى الاستحقاق هاهنا، فوجب إثباته بالبينة كمن طلب شفعة بالجوار في دار بيعت فأنكر المشتري الدار التي في يد المدعي ملكا له فإنه لا يستحق الشفعة بيده عليها حتى يقيم البينة على الملك، فكذلك هاهنا. [وجد قتيل في سفينة] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن وجد قتيل في سفينة فالقسامة على من فيها من الركاب والملاحين؛ لأنها) ش: أي لأن السفينة م: (في أيديهم واللفظ) ش: أي لفظ القدوري، وهو قوله: على من فيها م: (يشمل أربابها حتى تجب على الأرباب الذين كانوا فيها وعلى السكان) . وقال شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال بعض المشايخ: إنما يجب على الركاب إذا لم يكن للسفينة مالك معروف، فإذا كان لها مالك معروف فإن القسامة تجب على مالك السفينة ومنهم من يقول: يجب في الحالين على الذين كانت السفينة في أيديهم، ومثل هذا التفصيل مر في الدابة. م: (وكذا على من يمدها) ش: أي السفينة م: (والمالك في ذلك وغير المالك سواء) ش: يعني مالك السفينة في وجوب القسامة على من فيها وغير مالكها سواء م: (وكذا العجلة) ش: أي وكذلك الحكم في العجلة إذا وجد فيها قتيل يجب القسامة والدية على من فيها من مالك العجلة وغيرها. م: (وهذا) ش: أي كون المالك وغيرهم سواء في القسامة م: (على ما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظاهر) ش: لأنه يجعل السكان والملاك في القتيل الموجود في المحلة سواء. م: (والفرق لهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن السفينة تنقل وتحول الجزء: 13 ¦ الصفحة: 348 فيعتبر فيها اليد دون الملك كما في الدابة. بخلاف المحلة والدار؛ لأنها لا تنقل. قال: وإن وجد في مسجد محلة فالقسامة على أهلها؛ لأن التدبير فيه إليهم. وإن وجد في المسجد الجامع أو الشارع الأعظم فلا قسامة فيه والدية على بيت المال. لأنه للعامة لا يختص به واحد منهم. وكذلك الجسور للعامة ومال بيت المال مال عامة المسلمين.   [البناية] فيعتبر اليد دون الملك، كما في الدابة) ش: يعني كما في القتيل الموجود على الدابة تعتبر اليد دون الملك، لأنها تنقل وتحول. م: (بخلاف المحلة والدار، لأنها لا تنقل) ش: وفي " الذخيرة ": المعتبر في هذا الباب التصرف والرأي والتدبير، وكل ذلك يعرض إلى صاحب الخطة في الدار، لأن يده غير منقطع عنها ولهذا لا يتحقق الغصب فيها، بخلاف الدابة والسفينة فإن الرأي والتدبير إلى الكل. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن وجد) ش: أي القتيل م: (في مسجد محلة فالقسامة على أهلها، لأن التدبير فيه) ش: أي في المسجد م: (إليهم) ش: أي إلى أهل المسجد م: (وإن وجد في المسجد الجامع أو الشارع الأعظم) ش: وفي " المغرب ": الشارع هو الطريق الذي يشرع فيه الناس عامة على الإسناد المجازي، أي من قولهم شرع الطريق إذا تبين. م: (فلا قسامة فيه) ش: لأن القسامة عرف وجوبها بالنص، والنص أوجبها في موضع خاص لا لأقوام معروفين. م: (والدية على بيت المال؛ لأنه) ش: أي لأن بيت المال م: (للعامة لا يختص به واحد منهم) ش: فإنه روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فيمن قتل بزحام الناس بعرفة فجاء أهله إلى عمر فقال: بينتكم على من قتل، وقال علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يا أمير المؤمنين لا يبطل دم امرئ مسلم إن علمت قاتله وإلا فأعط ديته من بيت المال، وكذا إذا وجد في زحام مسجد الجامع يوم الجمعة، وهو قول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال مالك: دمه هدر ومثله عن عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وعند الشافعي الزحام لوث. وفي " الذخيرة ": لو وجد في مسجد جماعة في السوق وهو لعامة المسلمين لا لأهل هذه السوق فهو كمسجد الجامع. م: (وكذلك الجسور للعامة) ش: يعني إذا وجد القتيل فيها تكون الدية على بيت المال ولا قسامة فيه، كما إذا وجد في الشارع الأعظم م: (ومال بيت المال مال عامة المسلمين) ش: فالكل مشتركون فيها فلعنة الله تعالى على الظلمة الذين استولوا عليه وحرموا مستحقيه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 349 ولو وجد في السوق إن كان مملوك فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب على السكان، وعندهما على المالك وإن لم يكن مملوكا كالشوارع العامة التي بنيت فيها فعلى بيت المال؛ لأنه لجماعة المسلمين. ولو وجد في السجن فالدية على بيت المال، وعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الدية والقسامة على أهل السجن؛ لأنهم سكان وولاية التدبير إليهم، والظاهر أن القتل حصل منهم، وهما يقولان: إن أهل السجن مقهورون فلا يتناصرون، فلا يتعلق بهم ما يجب لأجل النصرة، ولأنه بني لاستيفاء حقوق المسلمين، فإذا كان غنمه يعود إليهم فغرمه يرجع عليهم. قالوا: وهذه فريعة المالك والساكن، وهي مختلف فيها بين أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. قال: وإن وجد في برية ليس بقربها عمارة فهو هدر وتفسير القرب ما ذكرنا من استماع الصوت؛   [البناية] م: (ولو وجد) ش: أي القتيل م: (في السوق إن كان) ش: أي السوق م: (مملوكا فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب على السكان) ش: سواء كانوا ملاكا أو لا م: (وعندهما) ش: تجب م: (على المالك، وإن لم يكن مملوكا كالشوارع العامة التي بنيت) ش: أي السوق م: (فيها فعلى بيت المال؛ لأنه لجماعة المسلمين. ولو وجد في السجن فالدية على بيت المال، وعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الدية والقسامة على أهل السجن، لأنهم سكان وولاية التدبير إليهم، والظاهر أن القتل حصل منهم) ش: قالت الأئمة الثلاثة: إذا كان هناك لوث. م: (وهما) ش: أي أبو حنيفة ومحمد م: (يقولان إن أهل السجن مقهورون فلا يتناصرون، فلا يتعلق بهم ما يجب لأجل النصرة) ش: أي لأجل ترك النصرة م: (ولأنه) ش: أي ولأن السجن م: (بني لاستيفاء حقوق المسلمين، فإذا كان غنمه يعود إليهم فغرمه يرجع عليهم، قالوا) ش: أي المشايخ: م: (وهذه) ش: أي وهذه المسألة م: (فريعة المالك والساكن) ش: يعني وأصلها في اعتبار الساكن دون المالك فكأنهما جعلا عامة المسلمين كالملاك وأهل السجن بمنزلة السكان، كذا في " شرح الإرشاد ". م: (وهي) ش: أي هذه القرينة م: (مختلف فيها بين أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: وذكر الكرخي قول محمد مع أبي حنيفة - رحمهما الله - وكذا ذكر القدوري في كتاب " التجريد " فقال: قال أبو حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا وجد القتيل في السجن فالدية على بيت المال. وقال أبو يوسف: على السجن. [في برية ليس بقربها عمارة وجد قتيل] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن وجد) ش: أي القتيل م: (في برية ليس بقربها عمارة فهو هدر) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة إذا لم يكن لوث م: (وتفسير القرب ما ذكرنا من استماع الصوت) ش: يعني الاعتبار في القرب أن يكون بحيث يسمع منه الصوت، لأن الصوت إذا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 350 لأنه إذا كان بهذه الحالة لا يلحقه الغوث من غيره فلا يوصف أحد بالتقصير، وهذا إذا لم تكن مملوكة لأحد، أما إذا كانت فالدية والقسامة على عاقلته. وإن وجد بين قريتين كان على أقربهما، وقد بيناه وإن وجد في وسط الفرات يمر به الماء فهو هدر؛ لأنه ليس في يد أحد ولا في ملكه. وإن كان محتبسا بالشاطئ فهو على أقرب القرى من ذلك المكان على التفسير الذي تقدم؛ لأنه اختص بنصرة هذا الموضع فهو كالموضوع على الشط والشط في يد من هو أقرب منه. ألا ترى أنهم يستقون منه الماء ويوردون بهائمهم فيها. بخلاف النهر الذي يستحق به الشفعة   [البناية] سمع منه، والغوث يلحق تلك البقعة من العمارة في الغالب، فيتعلق بها الحكم، لأنه ينسب حينئذ أهل العمارة إلى التقصير، وإن لم يبلغ الصوت لا يلحق بالغوث فلا يجب شيء، وهو معنى قوله: م: (لأنه إذا كان بهذه الحالة لا يلحقه الغوث من غيره، فلا يوصف أحد بالتقصير) ش: فلا يجب شيء م: (وهذا إذا لم تكن) ش: أي الحكم المذكور، وإذا لم تكن البرية م: (مملوكة لأحد، أما إذا كانت مملوكة لأحد فالدية والقسامة) ش: يجبان م: (على عاقلته) ش: أي على عاقلة المالك. م: (وإن وجد بين قريتين كان على أقربهما) ش: أي أقرب القريتين م: (وقد بيناه) ش: أشار به إلى ما ذكر عند قوله: وإن مرت دابة بين قريتين وعليها قتيل، ولكن هذا محمول على ما إذا كان يبلغ الصوت إليه. م: (وإن وجد) ش: أي القتيل م: (في وسط الفرات يمر به الماء فهو هدر) ش: ذكر الفرات ليس للتحصيل، بل المراد به النهر العظيم يجري فيه الماء. وفي " مبسوط شيخ الإسلام " و" الذخيرة " هذا إذا كان منبع الماء في يد الكفار سواء كان يجري في وسطه أو شطه. وأما إذا كان في يد المسلمين فاعتبرنا موضع انبعاث الماء وموضع ظهور القتيل م: (لأنه) ش: أي لأن الفرات م: (ليس في يد أحد ولا في ملكه، وإن كان محتبسا بالشاطئ فهو على أقرب القرى من ذلك المكان على التفسير الذي تقدم) ش: أراد به قوله: هذا محمول على ما إذا كان بحيث يبلغ أهله الصوت. م: (لأنه اختص بنصرة هذا الموضع فهو كالموضوع على الشط والشط في يد من هو أقرب منه) ش: أي من الشط، ثم أوضح ذلك بقوله م: (ألا ترى أنهم يستقون منه الماء ويوردون بهائمهم فيها. بخلاف النهر الذي يستحق به الشفعة) ش: يعني إذا وجد القتيل في النهر الصغير يجب فيه القسامة والدية على عاقلة أرباب النهر ولا يكون هدرا لنسبة التقصير إليهم، لأنه في أيديهم م: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 351 لاختصاص أهلها به لقيام يدهم عليه فتكون القسامة والدية عليهم. قال: وإن ادعى الولي على واحد من أهل المحلة بعينه لم تسقط القسامة عنهم، وقد ذكرناه. وذكرنا فيه القياس والاستحسان. قال: وإن ادعى على واحد من غيرهم سقط عنهم، ووجه الفرق قد بيناه من قبل وهو: أن وجوب القسامة عليهم دليل على أن القاتل منهم فتعيينه واحدا منهم لا ينافي ابتداء الأمر لأنه منهم، بخلاف ما إذا عين من غيرهم؛ لأن ذلك بيان أن القاتل ليس منهم، وهو أنهم يغرمون إذا كان القاتل منهم لكونهم قتلة تقديرا حيث لم يأخذوا على يد الظالم، ولأن أهل المحلة لا يغرمون بمجرد ظهور القتيل بين أظهرهم إلا بدعوى الولي، فإذا ادعى القتل على غيرهم امتنع دعواه عليهم   [البناية] (لاختصاص أهلها به لقيام يدهم عليه فتكون القسامة والدية عليهم) . [ادعى الولي على واحد من أهل المحلة بعينه] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن ادعى الولي على واحد من أهل المحلة بعينه لم تسقط القسامة عنهم، وقد ذكرناه) ش: أي في مسألة ولو ادعى على البعض م: (وذكرنا فيه) ش: أي في المذكور م: (القياس والاستحسان) ش: سقوط القسامة وهو القياس وهو رواية ابن المبارك عن أبي حنيفة - رحمهما الله -. وروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي الاستحسان لا تسقط وهو رواية الأصل وقد مر تمام الكلام عند قوله هذا الذي ذكرنا: إذا ادعى الولي القتل على جميع أهل المحلة، وكذا إذا ادعى على البعض لا بأعيانهم. م: (وقال: وإذا ادعى على واحد من غيرهم) ش: أي من غير أهل المحلة بعينه م: (سقط) ش: أي سقط كل واحد من القسامة والدية م: (عنهم) ش: أي عن أهل المحلة ويحلف المدعى عليه يمينا واحدة. وقالت الأئمة الثلاثة: إن كان هناك لوث تكرر اليمين عليه، وقد بيناه من قبل، يريد به قوله هذا الذي ذكرناه إذا ادعى الولي القتل على جميع أهل المحلة م: (ووجه الفرق قد بيناه من قبل) ش: أي بين المسألتين م: (وهو أن وجوب القسامة عليهم دليل على أن القاتل منهم فتعيينه واحدا منهم لا ينافي ابتداء الأمر) ش: أي ابتداء القسامة، لأن الشرع أوجب القسامة على أهل المحلة م: (لأنه) ش: أي لأن الواحد الذي عينه م: (منهم) ش. م: (بخلاف ما إذا عين من غيرهم) ش: أي من غير أهل هذه المحلة م: (لأن ذلك بيان أن القاتل ليس منهم، وهو أنهم يغرمون إذا كان القاتل منهم لكونهم قتلة تقديرا حيث لم يأخذوا على يد الظالم، ولأن أهل المحلة لا يغرمون بمجرد ظهور القتيل بين أظهرهم إلا بدعوى الولي، فإذا ادعى القتل على غيرهم امتنع دعواه عليهم) ش: فلا تسمع بعد ذلك دعواه للتناقض. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 352 وسقط لفقد شرطه. قال: وإذا التقى قوم بالسيوف فأجلوا عن قتيل فهو على أهل المحلة؛ لأن القتيل بين أظهرهم والحفظ عليهم، إلا أن يدعي الأولياء على أولئك، أو على رجل منهم بعينه فلم يكن على أهل المحلة شيء؛ لأن هذه الدعوى تضمنت براءة أهل المحلة عن القسامة. قال: ولا على أولئك حتى يقيموا البينة؛ لأن بمجرد الدعوى لا يثبت الحق للحديث الذي رويناه أما يسقط به الحق عن أهل المحلة، لأن قوله حجة على نفسه. ولو وجد قتيل في معسكر أقاموا بفلاة من الأرض لا ملك لأحد فيها، فإن وجد في خباء أو فسطاط   [البناية] م: (وسقط) ش: أي الدعوى م: (لفقد شرطه) ش: أي شرط الدعوى، لأنه ادعى على غير أهل المحلة فقد أبرأهم عن ذلك فلا تسمع بعد ذلك دعواه واعلم أن قوله: وللفرق إلى قوله قال: وإذا التقى قوم بالسيوف لا يوجد في كثير من النسخ، ولهذا لم يشرحه أكثر الشراح. [التقى قوم بالسيوف فأجلوا عن قتيل] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا التقى قوم بالسيوف فأجلوا) ش: بالجيم أي انكشفوا م: (عن قتيل فهو على أهل المحلة؛ لأن القتيل بين أظهرهم) ش: أي بينهم، لفظ الأظهر مقحم للتأكيد م: (والحفظ عليهم، إلا أن يدعي الأولياء على أولئك، أو على رجل منهم بعينه، فلم يكن على أهل المحلة شيء لأن هذه الدعوى تضمنت براءة أهل المحلة عن القسامة) . م: (قال) ش: أي محمد: م: (ولا على أولئك) ش: أي أولئك القوم المتقاتلين أي لم تكن القسامة على أهل المحلة، ولا على المتقاتلين م: (حتى يقيموا البينة؛ لأن بمجرد الدعوى لا يثبت الحق للحديث الذي رويناه) ش: أي في أول باب القسامة، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لو أعطي الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر» ولا يقال: الظاهر أنهم قتلوه، لأن الظاهر حجة لدفع الاستحقاق لا للاستحقاق. م: (أما يسقط به الحق عن أهل المحلة؛ لأن قوله حجة على نفسه، ولو وجد قتيل في معسكر) ش: بفتح الكاف موضع العسكر، يقال: عسكر الرجل أي جعل عسكرا، وهو معسكر بكسر الكاف، والموضع معسكر. وفي " ديوان الأدب " يقال: عسكر يعسكر عسكرة إذا هيأ العسكر، والعسكر هو الجند، قاله الأترازي، وكان من حق الكلام أن يقال: في عسكر م: (أقاموا بفلاة من الأرض) ش: أي نزلوا وسكنوا بها، لأن المعسكر بفتح الكاف منزل العسكر، وإلا أن يقال أراد العسكر المهيأ م: (لا ملك لأحد فيها) . م: (فإن وجد في خباء) ش: وهي الخيمة من الصوف م: (أو فسطاط) ش: وهي الخيمة العظيمة، وعن ابن الكلبي: بيوت العرب ستة: قبة من أدم، ومظلة من شعر، وخباء من الجزء: 13 ¦ الصفحة: 353 فعلى من يسكنها الدية والقسامة، وإن كان خارجا من الفسطاط فعلى أقرب الأخبية اعتبارا لليد عند انعدام الملك. وإن كان القوم لقوا قتالا   [البناية] صوف، ولحاد من وبر، وخيمة من شجر، وفية وافية من هجر م: (فعلى من يسكنها الدية والقسامة) ش: أي على عاقلتهم. م: (وإن كان) ش: أي القتيل م: (خارجا من الفسطاط فعلى أقرب الأخبية) ش: القسامة والدية م: (اعتبارا لليد عند انعدام الملك) ش: وقال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في " شرح الكافي ": وإذا وجد القتيل في العسكر، والعسكر في أرض فلاة فهو على القبيلة الذين وجد في رحالهم، لأنهم إذا نزلوا في فلاة صار كل قبيلة، كمحلة، على حدة، فيكون صيانة ذلك الموضع عليهم هذا إذا نزلوا قبيلة قبيلة، أما إذا نزلوا مختلطين تجب على أقرب أهل الأخبية على من في الخباء جميعا، لأنه يصير كدور متفرقة ليس في موضع قوم مجتمعين. وإن كان العسكر في ملك رجل فعلى عاقلة رب الأرض القسامة والدية، لأن صاحب الملك أقدر على الصيانة بمنزلة دار مملوك لرجل وفيها ساكن، وإن كان العسكر في فلاة من الأرض فوجد قتيل في فسطاط رجل فعليه القسامة تكرر عليه الأيمان، وعلى عاقلته الدية، لأنه بمنزلة دار وجد فيها قتيل في المحلة، فإن القسامة تجب على صاحب الدار والدية على عاقلته، لأن أمر الصيانة إليه، فكذا هنا. م: (وإن كان القوم لقوا قتالا) ش: قال الكاكي: انتصاب قتالا، على المفعولية أي لقي المسلمون مع المشركين قتالا، ويحتمل أن يكون على الحال، أي مقاتلين. وقال الأكمل: قتالا يجوز أن يكون حالا، أي مقاتلين، ويجوز أن يكون مفعولا مطلقا، لأن لقوا في معنى المقاتلة، لأنهم لقوا له، أي القتال. وقال الأترازي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما ملخصه أنه فيه وجوه أن يكون مفعولا به، وأن يكون حالا والمفعول به محذوف وأن يقع قتالا يعني مقاتلين مفعولا به أيضًا صفة لمحذوف، فإنه مقامه، أي لقوا عدوا مقاتلين مفعولا به أيضًا تقاتلوا مقاتلة، وأن يكون تمييزا، أي لقوا العدو من حيث المقاتلة، لأن في لقائهم أنه ما يجوز أن يكون ذلك بسبيل الصلح أو بسبيل العداوة والمقاتلة، وأن يقع مفعولا له، انتهى. قلت: الأقرب من هذه الوجوه أن يكون مفعولا به أو حالا، والتمييز بعيد فليتأمل. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 354 ووجد قتيل بين أظهرهم فلا قسامة ولا دية، لأن الظاهر أن العدو قتله فكان هدرا، وإن لم يلقوا عدوا فعلى ما بيناه. وإن كان للأرض مالك فالعسكر كالسكان فيجب على المالك عند أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف - رحمهما الله - وقد ذكرناه. قال: وإذا قال المستحلف: قتله فلان استحلف بالله ما قتلت ولا عرفت له قاتلا غير فلان؛ لأنه يريد إسقاط الخصومة عن نفسه بقوله فلا يقبل، فيحلف على ما ذكرنا؛ لأنه لما أقر بالقتل على واحد صار مستثنى عن اليمين، فبقي حكم من سواه فيحلف عليه. قال: وإذا شهد اثنان من أهل المحلة على رجل من غيرهم أنه قتل لم تقبل شهادتهما وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: تقبل لأنهم كانوا بعرضية أن يصيروا خصماء، وقد بطلت العرضية بدعوى الولي القتل على غيرهم فتقبل شهادتهم كالوكيل بالخصومة إذا عزل قبل الخصومة.   [البناية] م: (ووجد قتيل بين أظهرهم فلا قسامة ولا دية، لأن الظاهر أن العدو قتله فكان هدرا) ش: لا شيء فيه م: (وإن لم يلقوا عدوا فعلى ما بيناه) ش: أشار به إلى قوله: إن القتيل إذا وجد في العسكر بفلاة، فإن وجد في الخباء فهو على ساكنه، وإن وجد خارج الخباء فعلى أقرب الأخبية. م: (وإن كان للأرض مالك فالعسكر كالسكان، فيجب على المالك عند أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف - رحمهما الله -، وقد ذكرناه) ش: أشار به إلى ما ذكر عند قوله ولا يدخل السكان مع الملاك في القسامة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أجمعوا عليهم جميعا. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا قال المستحلف) ش: بفتح اللام م: (قتله فلان استحلف بالله ما قتلت ولا عرفت له قاتلا غير فلان؛ لأنه يريد إسقاط الخصومة عن نفسه بقوله فلا يقبل فيحلف على ما ذكرنا) ش: على أنه ما قتله ولا أعرف له قاتلا غير فلان م: (لأنه لما أقر بالقتل على واحد صار مستثنى عن اليمين فبقي حكم من سواه فيحلف عليه) ش: حاصله: أن لا يسقط عنه اليمين بقوله قتله فلان، لأن هذا لا يبقى أن يكون للمقر شريك معه في القتل، أو يكون غير شريك معه، فإن كان كذلك يحلف على أنه ما قتله ولا عرف قاتلا غيره. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا شهد اثنان من أهل المحلة) ش: يعني إذا ادعى الولي م: على رجل من غيرهم) ش: أي من غير أهل المحلة وشهد اثنان من أهل المحلة م: (أنه قتل لم تقبل شهادتهما، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: تقبل لأنهم كانوا بعرضية أن يصيروا خصماء، وقد بطلت العرضية بدعوى الولي القتل على غيرهم فتقبل شهادتهم كالوكيل بالخصومة) ش: أي كشهادة الوكيل م: (إذا عزل قبل الخصومة) ش: عن الوكالة فشهد موكله، فإن شهادته تقبل الجزء: 13 ¦ الصفحة: 355 وله: أنهم خصماء بإنزالهم قاتلين للتقصير الصادر منهم فلا تقبل شهادتهم، وإن خرجوا من جملة الخصوم كالوصي إذا خرج من الوصاية بعد ما قبلها ثم شهد. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وعلى هذين الأصلين يتخرج كثير من المسائل من هذا الجنس. قال: ولو ادعى على واحد من أهل المحلة بعينه فشهد شاهدان من أهلها عليه لم تقبل الشهادة؛ لأن الخصومة قائمة مع الكل على ما بيناه، والشاهد يقطعها عن نفسه فكان متهما. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الشهود يحلفون بالله ما قتلناه ولا يزدادون على ذلك؛ لأنهم أخبروا أنهم عرفوا القاتل.   [البناية] وهو قياس الأئمة الثلاثة. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنهم خصماء بإنزالهم قاتلين للتقصير الصادر منهم) ش: فإذا كان كذلك م: (فلا تقبل شهادتهم، وإن خرجوا من جملة الخصوم كالوصي إذا خرج من الوصاية) ش: بأن بلغ الغلام أو عزله القاضي م: (بعد ما قبلها) ش: أي كالوصية م: (ثم شهد) ش: فلا تقبل. شهادته. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وعلى الأصلين هذين) ش: المجمع عليهما. أحدهما: أن من انتصب خصما في حادثة لا تقبل شهادته في تلك الحادثة أبدا بالإجماع. والثاني: أن من له العرضية أن يصير خصما ثم بطلت العرضية فشهد فتقبل بالإجماع م: (يتخرج كثير من المسائل من هذا الجنس) ش: منها الشفيعان إذا شهدا بالشراء على المشتري وهما لا يطلبان الشفعة تقبل شهادتهما، هذا على الأصل الثاني. ومنها أن الوارثين شهدا بالدين على الميت وله وارث آخر لم يطلب الميراث قبلت الشهادة، لأن الوارث مع الدين لا يصير خصما والدين مقدم، ولكن بعرضية أن يصير خصما، ومن المسائل التي على الأصل الأول مسألة الوكيل، وقد مرت. [ادعى على واحد من أهل المحلة بعينه فشهد شاهدان من أهلها عليه] م: (قال: ولو ادعى على واحد من أهل المحلة بعينه فشهد شاهدان من أهلها عليه لم تقبل الشهادة؛ لأن الخصومة قائمة مع الكل على ما بيناه) ش: أشار إلى ما ذكر في مسألة، وإن ادعى الولي على واحد من أهل المحلة في بيان الفرق م: (والشاهد يقطعها) ش: أي يقطع الخصومة م: (عن نفسه فكان متهما) ش: فلا تقبل شهادته. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الشهود يحلفون بالله ما قتلناه ولا يزدادون) ش: ولفظ زاد يجيء لازما ومتعديا، يقال: زاد الشيء يزيد، أي ازدادوا، فعلى هذا قوله: ولا يزدادون غير مستقيم وينبغي أن يقول: ولا يزيدون م: (على ذلك) ش: أي على قولهم: ما قتلناه م: (لأنهم أخبروا أنهم عرفوا القاتل) ش: وعن محمد: يحلفون ولا عينا له قاتلا غير الذي شهدنا عليه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 356 قال: ومن جرح في قبيلة فنقل إلى أهله فمات من تلك الجراحة، فإن كان صاحب فراش حتى مات فالقسامة والدية على القبيلة، وهذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا قسامة ولا دية؛ لأن الذي حصل في القبيلة أو المحلة ما دون النفس ولا قسامة فيه، فصار كما إذا لم يكن صاحب فراش. وله: أن الجرح إذا اتصل به الموت صار قتلا، ولهذا وجب القصاص، فإن كان صاحب فراش أضيف إليه، وإن لم يكن احتمل أن يكون الموت من غير الجراح فلا يلزم بالشك. قال: ولو أن رجلا معه جريح به رمق حمله إنسان إلى أهله فمكث يوما أو يومين ثم مات لم يضمن الذي حمله إلى أهله في قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي قياس قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن؛ لأن يده بمنزلة المحلة فوجوده جريحا في يده كوجوده فيها، وقد ذكرنا وجهي القولين   [البناية] [جرح في قبيلة] م: (قال: ومن جرح في قبيلة) ش: ولم يعلم الجارح، لأنه لو علم سقطت القسامة، بل فيه القصاص على الجارح إن كان عمدا، والدية على العاقلة إذا كان خطأ م: (فنقل إلى أهله فمات من تلك الجراحة، فإن كان صاحب فراش حتى مات) ش: يعني إذا صار صاحب فراش حين جر ح في تلك القبيلة ثم نقل إلى أهله فمات قيد به، لأنه لو كان صحيحا يجيء ويذهب حين جرح ثم مات في أهله فلا شيء فيه كذا في " المبسوط " م: (فالقسامة والدية على القبيلة، وهذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا قسامة ولا دية، لأن الذي حصل في القبيلة أو المحلة ما دون النفس ولا قسامة فيه، فصار كما إذا لم يكن صاحب فراش) ش: وبه قال ابن أبي ليلى. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الجرح إذا اتصل به الموت صار قتلا، ولهذا وجب القصاص، فإن كان صاحب فراش) ش: ومات بعده م: (أضيف إليه، وإن لم يكن) ش: صاحب فراش م: (احتمل أن يكون الموت من غير الجراح فلا يلزم بالشك) ش: وعلى هذا الخلاف مسألة الجريح إذا وجد على ظهر إنسان يحمله إلى بيته فمات بعد يوم أو يومين، فإن كان صاحب فراش حتى مات فالدية والقسامة على الذي حمله عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما لم يضمن. [حمل رجلا جريح به رمق إلى أهله فمكث يوما أو يومين ثم مات] م: (ولو أن رجلا معه جريح به رمق) ش: أي الرمق بقية الروح م: (حمله إنسان إلى أهله فمكث يوما أو يومين ثم مات لم يضمن الذي حمله إلى أهله في قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو قياس ابن أبي ليلى م: (وفي قياس قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن؛ لأن يده بمنزلة المحلة فوجوده جريحا في يده كوجوده فيها) ش: أي في المحلة م: (وقد ذكرنا وجهي القولين) ش: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 357 فيما قبله من مسألة القبيلة. ولو وجد رجل قتيلا في دار نفسه فديته على عاقلته لورثته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف ومحمد وزفر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا شيء فيه، لأن الدار في يده حين وجد الجرح فيجعل كأنه قتل نفسه فيكون هدرا. وله: أن القسامة إنما تجب بناء على ظهور القتل، ولهذا لا يدخل في الدية من مات قبل ذلك، وحال ظهور القتل الدار للورثة فتجب على عاقلتهم.   [البناية] أي قول أبي حنيفة وقول أبي يوسف - رحمهما الله - م: (فيما قبله من مسألة القبيلة) ش: وهو الذي ذكر هذا بقوله. [وجد رجل قتيلا في دار نفسه] ومن جرح في قبيلة م: (ولو وجد رجل قتيلا في دار نفسه فديته على عاقلته لورثته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهذا قياس قول أحمد والأوزاعي، فإن عندهما: لو قتل نفسا خطأ يجب ديته على عاقلته خلافا لباقي العلماء. م: (وقال أبو يوسف ومحمد وزفر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا شيء فيه) ش: يعني يهدر دمه، وبه قال الشافعي ومالك م: (لأن الدار في يده حين وجد الجرح فيجعل كأنه قتل نفسه فيكون هدرا) ش: يعني لا شيء فيه. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة: م: (أن القسامة إنما تجب بناء على ظهور القتل، ولهذا لا يدخل في الدية من مات قبل ذلك) ش: أي قبل ظهور القتل م: (وحال ظهور القتل الدار للورثة فتجب على عاقلتهم) ش: أي عاقلة الورثة. قال الأكمل: قال المصنف: فديته على عاقلته. قال المصنف: قال في دليله: وحال ظهور القتل الدية للورثة فيجب على عاقلتهم، وفيه تناقض ظاهر مخالفة بين الدليل والمدلول، ودفع ذلك بأن يقال عاقلة الميت: إما أن يكون عاقلة الورثة أو غيرهم، فإن كان الأول: كانت الدية على عاقلة الميت وهم عاقلة الورثة ولا تنافي بينهما. وإن كان الثاني: كانت الدية على عاقلة الورثة، ولما كان كل منهما ممكنا، أشار إلى الأول في حكم المسألة وإلى الثاني في دليلها، وعلى التقدير الثاني تعذر في قوله فالدية على عاقلته يضاف أي على عاقلة ورثته. وقال الأترازي: فإن قلت: كيف يستقيم أن ينعقل عاقلة الورثة للورثة، وليس بمعقول أن يعقلوا عن أنفسهم لأنفسهم؟ قلت: العاقلة أعم من غير أن يكون ورثة أو غير ورثة فما وجب على غير الورثة من العاقلة يجب للورثة منهم، وهذا لأن عاقلة الرجل أهل ديوانه عندنا، وعند الشافعي الجزء: 13 ¦ الصفحة: 358 بخلاف المكاتب إذا وجد قتيلا في دار نفسه لأن حال ظهور قتله بقيت الدار على حكم ملكه فيصير كأنه قتل نفسه فيهدر دمه.   [البناية] أقرباؤه. م: (بخلاف المكاتب) ش: لما استشعر المصنف ورود مسألة المكاتب م: (إذا وجد قتيلا في دار نفسه) ش: كالنقض على ما ذكر، أشار إلى الجواب بقوله بخلاف المكاتب حيث يهدر دمه إذا وجد قتيلا في دار نفسه م: (لأن حال ظهور قتله بقيت الدار على حكم ملكه فيصير كأنه قتل نفسه فيهدر دمه) ش: لأن الكتابة لا تنفسخ إذا مات وله مال، بل يقضى ما عليه منه، فإذا كانت الدار له حين ظهور قتله جعل قاتلا نفسه تقديرا لقيام ملكه والحر حال ظهور قتله انتقل منه ملكه إلى ورثته، فلم يجعل قاتلا نفسه تقديرا لزوال ملكه. وقال الكرخي: في " مختصره ": إذا وجد في دار المكاتب قتيل فهو عليه يسعى في الأقل من قيمته ومن الدية. وكذلك لو وجد مولاه في دار المكاتب قتيلا كان عليه الأقل من ديته والقيمة. ولو وجد المكاتب قتيلا في دار مولاه فعلى مولاه قيمته في ثلاث سنين ولا تحمله العاقلة. وقال القدوري في كتاب " التقريب ": قال أبو يوسف: إذا وجد المكاتب قتيلا في دار سيده فعلى السيد القيمة في ماله، وإن لم يترك وفاء ولا دين عليه فهو هدر، وإن كان عليه دين ولم يدع وفاء فعلى السيد الأقل من القيمة والدين لغرمائه. وقال زفر: دمه هدر ترك وفاء أو لم يترك. وقال الكرخي في " مختصره ": وإذا وجد في دار عبد مأذون له في التجارة وعليه دين أو لا دين عليه أو غير مأذون له وجد في داره قتيل فعلى عاقلة مولاه قتيل، فإن كان عليه دين فإن على الولي قيمته لغرمائه في ماله حالا، وكذلك لو قتله عمدا فعليه قيمته حالا. وكذلك لو كان العبد جنى جناية ثم وجد قتيلا في دار مولاه فعلى المولى قيمته حالا، وكذلك لو قتله المولى خطأ وهو لا يعلم بالجناية، فإن كان يعلم فعليه الدية وقال محمد: إذا وجد أبو الرجل أو أخوه قتيلا في داره فإن عاقلته تعقل دية أبيه ودية أخيه، وإن كان هو وارثه، لأن الدية لم تجب له، وإنما وجب كغيره. وقال بشر عن أبي يوسف: في العبد الرهن يوجد في دار الراهن أو المرتهن قتيلا فالدية على رب الدار دون العاقلة. قال الأسبيجابي في " شرح الكافي ": وإذا وجد العبد أو المكاتب أو المدبر أو أم الولد الجزء: 13 ¦ الصفحة: 359 ولو أن رجلين كانا في بيت وليس معهما ثالث فوجد أحدهما مذبوحا. قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن الآخر الدية. وقال محمد: لا يضمنه؛ لأنه يحتمل أنه قتل نفسه فكان التوهم، ويحتمل أنه قتله الآخر فلا يضمنه بالشك. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الظاهر أن الإنسان لا يقتل نفسه، فكان التوهم ساقطا كما إذا وجد قتيل في محلة. ولو وجد قتيل في قرية لامرأة، فعند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - عليها القسامة تكرر عليها الأيمان، والدية على عاقلتها أقرب القبائل إليها في النسب. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: القسامة على العاقلة أيضا؛ لأن القسامة إنما تجب على من كان من أهل النصرة، والمرأة ليست من أهلها، فأشبهت الصبي. ولهما: أن القسامة لنفي التهمة، وتهمة القتل من المرأة متحققة. قال المتأخرون: إن المرأة تدخل مع العاقلة في التحمل في هذه المسألة؛ لأنا أنزلناها قاتلة، والقاتل يشارك العاقلة.   [البناية] قتيلا في محلة: وجبت القسامة والقيمة في ثلاث سنين. [رجلين كانا في بيت وليس معهما ثالث فوجد أحدهما مذبوحا] م: (ولو أن رجلين كانا في بيت وليس معهما ثالث فوجد أحدهما مذبوحا. قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن الآخر الدية. وقال محمد: لا يضمنه، لأنه يحتمل أنه قتل نفسه فكان التوهم، ويحتمل أنه قتله الآخر فلا يضمنه بالشك. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الظاهر أن الإنسان لا يقتل نفسه، فكان التوهم ساقطا) ش: يعني وقوع القتل من نفسه وهم لا يلتفت إليه م: (كما إذا وجد قتيل في محلة) ش: حيث يكون توهم قتل نفسه ساقطا، فكذا هذا. م: (ولو وجد قتيل في قرية لامرأة، فعند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: عليها القسامة تكرر عليها الأيمان والدية على عاقلتها، أقرب القبائل إليها في النسب. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: القسامة على العاقلة أيضًا؛ لأن القسامة إنما تجب على من كان من أهل النصرة، والمرأة ليست من أهلها، فأشبهت الصبي) ش: حيث لا يكون من أهل الصيانة، وإنما القسامة مخاطب بها على أهل الصيانة فالمرأة والصبي سواء. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله: م: (أن القسامة لنفي التهمة وتهمة القتل في المرأة متحققة) ش: لأن في حق العاقلة، لأنهم لم يكونوا في القرية فيلزمها القسامة. م: (قال المتأخرون) ش: أي من المشايخ لأصحابنا م: (إن المرأة تدخل مع العاقلة في التحمل في هذه المسألة) ش: قيد بقوله " في هذه المسألة " لأنها لا تدخل في غير هذه المسألة على ما يجيء في العاقلة م: (لأنا أنزلناها قاتلة، والقاتل يشارك العاقلة) ش: إنما أنزلوها قاتلة تقريرا حيث دخلت في القسامة، فكما دخلت في العقد أيضًا، بخلاف غيرها من الصور، فإنها لا تدخل فيه في القسامة، بل يجب على الرجال، فلا تدخل في العقل أيضًا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 360 ولو وجد رجل قتيلا في أرض رجل إلى جانب قرية ليس صاحب الأرض من أهلها، قال: هو على صاحب الأرض؛ لأنه أحق بنصرة أرضه من أهل القرية، والله أعلم.   [البناية] [وجد رجل قتيلا في أرض رجل إلى جانب قرية ليس صاحب الأرض من أهلها] م: (ولو وجد رجل قتيلا في أرض رجل إلى جانب قرية ليس صاحب الأرض من أهلها) ش: أي من أهل القرية م: (قال: هو على صاحب الأرض) ش: أي وجوب القسامة والدية على صاحب الأرض م: (لأنه أحق بنصرة أرضه من أهل القرية) ش: لأن الحفظ والتدبير في الأرض إلى صاحب الأرض لا إلى أهل القرية. وقال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في " شرح الكافي " القرية إذا كانت لرجل من أهل الذمة فإنه يكرر عليه الأيمان، لأنه من أهل القسامة، والقرية في صيانته، فيكون موجب التقصير عليهم، وعليه الدية، لأنه لا عاقلة له، حتى لو كانت له عاقلة يجب عليه. ولو كان الذمي نازلا في قبيلة من القبائل فوجد فيها قتيل لم يدخل الذمي في القسامة ولا في الغرم، لأنه تابع لأهل القرية، وكذلك السكان والنوازل فيها من غيرهم، لأنهم أتباع. وقال شيخ الإسلام أيضًا: ولو وجد القتيل في قرية اليتامى وهم صغار ليس في تلك القرية من عشيرتهم أحد، فالقسامة والدية على عاقلة اليتامى، لأنهم ليسوا من أهل الصيانة فيلزم ذلك على عاقلتهم، وعاقلتهم أقرب القبائل إليهم إذا لم يكن في ذلك البلد عشيرتهم، وإن كان فيهم مدرك فعلى القسامة وتكرار اليمين، لأنه من أهل ذلك، على أقرب القبائل منهم الدية في الوجهين إذا لم يكن في تلك البلد عشيرتهم، م: (والله أعلم) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 361 كتاب المعاقل المعاقل جمع معقلة وهي الدية، وتسمى الدية عقلا؛ لأنها تعقل الدماء من أن تسفك، أي: تمسك قال: والدية في شبه العمد والخطأ، وكل دية تجب بنفس القتل على العاقلة،   [البناية] [كتاب المعاقل] [تعريف المعاقل] م: (كتاب المعاقل) ش: أي هذا الكتاب في بيان أحكام المعاقل. م: (المعاقل جمع معقلة) ش: بفتح الميم وضم القاف كالمكارم جمع مكرمة بضم الراء م: (وهي الدية) ش: أي المعقلة هي الدية في الاصطلاح. وأما في اللغة فمعنى العقل: المنع م: (وتسمى الدية عقلا؛ لأنها تعقل الدماء من أن تسفك، أي: تمسك) ش: وقيل: إنما سميت الدية عقلا ومعقلة باعتبار أن إبل الديات كانت تعقل بفناء دار المقتول، ثم عم هذا الاسم فسميت الدية معقلة وإن كانت دراهم أو دنانير أو البقر أو الغنم أو الجبل وغيرها على الخلاف الذي يأتي. ومعاقل الجبال المواضع المنيعة فيها العقل من الجبل، حيث يمتنع منه. ويقال: عقل الدواء بطنه يعقله عقلا إذا أمسكه، وعقل الوعل في الجبل إذا علا فيه وامتنع يعقل عقولا، وسميت آلة الإدراك عقلا لهذا المعنى أيضًا، لأنه يمنع من السفه والهوى والمعنى الجامع اللغوي: المنع. وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": طعن بعض الملحدين من مبطلي الرسل على هذا. وقال لا جناية من العاقلة وجوب الدية باعتبارها، فيكون في مال القاتل. وحكي ذلك عن أبي بكر الأصم والخوارج أنهم قالوا: تجب الدية في مال القاتل، يؤيد ذلك قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] ألا ترى أن من أتلف دابة قيمتها تجحف مال المتلف كثرة لا يجب الضمان. قلنا: إيجاب الدية على العاقلة مشهورة ثبتت بالأحاديث المشهورة وعليه عمل الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - والتابعين من بعدهم فيزاد على كتاب الله تعالى، فدل على أنه لا يحمل وازرة وزر أخرى، وإنما ذكر هذا الكتاب في آخر كتاب الجنايات والأبواب والفصول، لأنه لم يبق شيء من أحكام هذه الكتب إلا بيان أحكام المعاقل فيها على الترتيب. [وجوب الدية في شبه العمد والقتل الخطأ] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والدية في شبه العمد والخطأ) ش: أي وجوب الدية في شبه العمد والقتل الخطأ م: (وكل دية تجب بنفس القتل على العاقلة) ش: كل دية مرفوع، لأنه مبتدأ، وخبره قوله على العاقلة، وإنما قال: بنفس القتل، أي ابتداء واحترز على ما وجبت الدية في الجزء: 13 ¦ الصفحة: 362 والعاقلة الذين يعقلون، يعني: يؤدون العقل وهو الدية، وقد ذكرناه في الديات. والأصل في وجوبها على العاقلة قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث حمل بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: للأولياء «قوموا فدوه» . ولأن النفس محترمة لا وجه إلى الإهدار، والخاطئ معذور، وكذا الذي تولى شبه العمد نظرا إلى الآلة فلا وجه إلى إيجاب العقوبة عليه، وفي إيجاب مال عظيم إجحافه واستئصاله فيصير عقوبة، فضم إليه   [البناية] ثاني الحال لا ابتداء، كما إذا قتل الأب ابنه حيث يكون موجب القتل القصاص ابتداء، ولكنه يسقط ذلك إلى الدية بشبهة الأبوة فتجب الدية في مال الأب لا على العاقلة. وكذا إذا وجبت الدية صلحا من العمد يجب ذلك في مال القاتل حالة إلا إذا اشترط التأجيل، بخلاف ما يجب على الأب فإنه يجب في ثلاث سنين. م: (والعاقلة الذين يعقلون، يعني: يؤدون العقل وهو الدية، وقد ذكرناه في الديات) ش: أي ذكرنا الدية على تأويل العقل في حديث حمل بن مالك وقد مر قصته في فصل الجنين. م: (والأصل في وجوبها) ش: أي في وجوب الدية م: (على العاقلة قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (في حديث حمل بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: للأولياء «قوموا فدوه» ش:، وحمل بالحاء المهملة والميم المفتوحتين ابن مالك بن النابغة الهذلي. قوله: فدوه بضم الدال وسكون الواو، أي أدوا ديته من يدي، وقد مر الكلام فيه مستقصى فيما مضى. م: (ولأن النفس محترمة لا وجه إلى الإهدار) ش: أي إلى الإسقاط لأنه ليس في الإسلام دم مهدر م: (والخاطئ معذور) ش: لأنه لم يقصد القتل م: (وكذا الذي تولى شبه العمد) ش: وهو الذي ضربه بالسوط الصغير حتى قتله م: (نظرا إلى الآلة) ش: لأن آلته ليست بموضوعة للقتل، فكان في معنى الخطأ م: (فلا وجه إلى إيجاب العقوبة عليه، وفي إيجاب مال عظيم إجحافه) ش: أي إجحاف الخاطئ، يقال أجحف بالشيء إذا ذهب به م: (واستئصاله) . قال الأكمل: فيه الإجحاف بقوله: " واستئصاله ". قلت: ليس كذلك، لأن الإجحاف الذهاب بالشيء كما ذكرنا، ومنه سيل جحاف إذا ذهب بكل شيء، والاستئصال قلع الشيء من أصله، ومادته همزة وصاد، ولام، وأصل واستئصال بكسر التاء وسكون الهمزة فقلبت الهمزة ياء للتخفيف م: (فيصير عقوبة) ش: إذا وجب هذا المال العظيم كله على القاتل يكون عقوبة فلا يستحق هذه العقوبة م: (فضم إليه الجزء: 13 ¦ الصفحة: 363 العاقلة تحقيقا للتخفيف، وإنما خصوا بالضم؛ لأنه إنما قصر لقوة فيه، وتلك بأنصاره وهم العاقلة، فكانوا هم المقصرين في تركهم مراقبته فخصوا به، قال: والعاقلة أهل الديوان إن كان القاتل من أهل الديوان يؤخذ من عطاياهم في ثلاث سنين، وأهل الديوان: أهل الرايات وهم الجيش الذين كتبت أساميهم في الديوان، وهذا عندنا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الدية على أهل العشيرة؛   [البناية] العاقلة تحقيقا للتخفيف، وإنما خصوا) ش: أي العاقلة م: (بالضم) دون غيرهم. م: (لأنه إنما قصر لقوة فيه) ش: أي لأن القاتل إنما قصر حالة الرمي في التثبت والتوثق بقوته م: (وتلك) ش: أي تلك القوة حاصلة م: (بأنصاره وهم العاقلة، فكانوا هم المقصرين في تركهم مراقبته فخصوا به) ش: أي بالضم. [العاقلة أهل الديوان] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والعاقلة أهل الديوان) ش: الديوان الجريدة من دون الكتب إذا جمعها، لأنه قطع من القراطيس مجموعة م: (إن كان القاتل من أهل الديوان يؤخذ من عطاياهم في ثلاث سنين) ش: العطايا جمع أعطية، والأعطية جمع عطاء، والعطاء اسم ما يعطى. وقيل: العطاء ما يخرج للجندي من بيت المال سنة مرة أو مرتين، والرزق ما يخرج له كل شهر. وعن الحلواني كل ستة أشهر. وقيل كل يوم م: (وأهل الديوان أهل الرايات وهم الجيش الذين كتبت أساميهم وأرزاقهم في الديوان) ش: وقال الأسبيجابي في " شرح الكافي ": وعاقلة الرجل أهل نصرته، وكان عاقلة الرجل في ابتداء الإسلام أهل عشيرته وأهل نسبه، فلما دون عمر الدواوين فوض ذلك على أهل الديوان، وهم أهل الرايات وهم الجيش الذين كتبت أساميهم وأرزاقهم في الديوان، فمن كان من أهل الديوان فعقله عليهم إذا جنى. ومن لم يكن من أهل ذلك إن كان من أهل البادية فعقله على أقرب القبائل إليه نسبا، وإن كان من أهل المصر إن كان له أقرباء وعشيرة يقضى عليهم، وإن لم يكن اختلف المشايخ فيه فبعضهم قالوا: يجب في ماله، وبعضهم قالوا: يجب على أهل حرفته. وبعضهم قالوا: يجب على جيرانه، وبعضهم قالوا: على أهل الدية لأنه من ظهر نسبهم م: (وهذا) ش: أي وهذا الحكم الذي ذكرنا م: (عندنا) . م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الدية على أهل العشيرة) ش: وهم العصبات، وبه قال مالك وأحمد وأكثر أهل العلم، وكل من عدا العصبة ليس من العاقلة. واختلف: في الآباء الجزء: 13 ¦ الصفحة: 364 لأنه كان كذلك على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا نسخ بعده. ولأنه صلة والأولى بها الأقارب. ولنا قضية عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه لما دون الدواوين جعل العقل على أهل الديوان، وكان ذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من غير نكير منهم.   [البناية] والبنين، فقال الشافعي وأحمد في رواية ليس آباؤه وأبناؤه وإن علوا أو سفلوا من العاقلة. قال مالك وأحمد في رواية: يدخل في العاقلة أب القاتل وابنه وهو قولنا عند عدم أهل الديوان. وعن بعض مشايخنا لا يدخلون كما يجيء إن شاء الله تعالى. م: (لأنه كان كذلك على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: لما روى أبو هريرة: «أن امرأتين من هذيل اقتتلتا فرمت إحداهما بحجر فقتلت الأخرى، فاختصموا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقضى بديتها على عاقلتها، وميراثها لابنها» رواه أبو داود والنسائي، وإذا ثبت هذا في الأولاد ألحق الوالد به، لأنه في معناه م: (ولا نسخ بعده) ش: أي بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه لا يكون إلا بوحي على لسان نبي، ولا نبي بعده. م: (ولأنه صلة) ش: أي ولأن الدية صلة على تأويل العقل م: (والأولى بها) ش: أي بالصلة م: (الأقارب) ش: والصلة عبارة عن مال يجب ابتداء لا بمقابلة مال، ولهذا سميت الزكاة وشفقة الأقارب صلة. م: (ولنا قضية عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه لما دون الدواوين جعل العقل على أهل الديوان، وكان ذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من غير نكير منهم) ش: روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن حسن عن مطرف عن الحكم قال: عمر أول من جعل الدية عشرة عشرة في أعطيات المقاتلة دون الناس. وحدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن أشعث عن الشعبي عن الحكم عن إبراهيم قال: أول من فرض العطايا عمر بن الخطاب، وفرض فيه الدية كاملة في ثلاث سنين. وحدثنا غسان بن مضر عن سعيد بن زيد عن أبي نصرة عن جابر قال: أول من فرض الفرائض ودون الدواوين وعرف العرفاء عمر بن الخطاب. فإن قيل: قوله: من غير نكير منهم إجماع، فهذا إجماع على خلاف ما قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكيف يظن بهم؟ قلنا: هذا إجماع على وفاق ما قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما قضى على العشيرة باعتبار النصرة، ولهذا لا يوجب من النسوان والصبيان من عشيرته، لأنهم ليسوا من أهل النصرة، ثم لما دون عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الدواوين صارت النصرة بالديوان فقضى بالدية على الجزء: 13 ¦ الصفحة: 365 وليس ذلك بنسخ، بل هو تقرير معنى؛ لأن العقل كان على أهل النصرة، وقد كانت بأنواع بالقرابة والحلف والولاء والعدد، وفي عهد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قد صارت بالديوان فجعلها على أهله اتباعا للمعنى. ولهذا قالوا: لو كان اليوم قوم تناصرهم بالحرف فعاقلتهم أهل الحرفة، وإن كان بالحلف فأهله والدية صلة كما قال، لكن إيجابها فيما هو صلة وهو العطاء أولى منه في أصول أموالهم، والتقدير بثلاث سنين مروي عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. ومحكي عن - عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -،   [البناية] أهل الديوان. م: (وليس ذلك بنسخ) ش: جواب عن قول الشافعي ولا نسخ بعده م: (بل هو تقرير معنى) ش: أي من حيث المعنى م: (لأن العقل كان على أهل النصرة، وقد كانت) ش: أي النصرة م: (بأنواع بالقرابة والحلف) ش: بكسر الحاء، وهو العهد بين القوم، ومنه قولهم: تحالفوا على التناصر، والمراد به ولاء الموالاة م: (والولاء) ش: أي ولاء العتاق م: (والعدد) ش: في بعض النسخ والعدد هو أن يعد منهم يقال فلان عديد، قال: أي يعددهم. م: (وفي عهد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قد صارت) ش: أي النصرة م: (بالديوان فجعلها) ش: أي الدية م: (على أهله) ش: أي أهل الديوان م: (اتباعا للمعنى) ش: أي النصرة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل الاتباع للنصرة. م: (قالوا) ش: أي المشايخ: م: (لو كان اليوم قوم تناصرهم بالحرف فعاقلتهم أهل الحرفة) ش: وفي " شرح الطحاوي ": إذا لم يكن القاتل من أهل الديوان فعاقلته أنصاره. فإن كان نصرته بالمحال والدروب يحمل عليهم، وإن كان نصرته بالحرف فعاقلته المحترفون الذين هم أنصاره كالقصارين والصفارين بسمرقند والأساكفة بأسبيجاب. م: (وإذا كان بالحلف) ش: أي وإن كانت نصرته بالحلف بالكسر م: (فأهله) ش: أي فأهل الحلف، أي فعاقلته أهل الحلف م: (والدية صلة كما قال) ش: أي الشافعي: م: (لكن إيجابها) ش: أي إيجاب الدية م: (فيما هو صلة وهو العطاء) ش: وهو الذي يخرج له من بيت المال الذي هو صلة م: (أولى منه) ش: أي من الإيجاب م: (في أصول أموالهم) ش: نظرا في حاله وتخفيفا عليه. م: (والتقدير) ش: أي تقدير الدية في الخطأ بالتأجيل م: (بثلاث سنين مروي عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ومحكي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: تقدم كلاهما فيما مضى أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل دية الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين، وأن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الجزء: 13 ¦ الصفحة: 366 ولأن الأخذ من العطاء للتخفيف، والعطاء يخرج في كل سنة مرة. فإن خرجت العطايا في أكثر من ثلاث سنين أو أقل أخذ منها لحصول المقصود. وتأويله: إذا كانت العطايا للسنين المستقبلة بعد القضاء، حتى لو اجتمعت في السنين الماضية قبل القضاء ثم خرجت بعد القضاء ولا يؤخذ منها؛ لأن الوجوب بالقضاء على ما نبين إن شاء الله تعالى. ولو خرج للقاتل   [البناية] فرض كذلك م: (ولأن الأخذ) ش: أي أخذ الدية م: (من العطاء للتخفيف، والعطاء يخرج في كل سنة مرة واحدة) ش: فتؤخذ في ثلاث سنين. م: (فإن خرجت العطايا في أكثر من ثلاث سنين أو أقل منها أخذ منها) ش: هذا لفظ القدوري، يعني إن خرجت العطايا في أكثر من ثلاث سنين تؤخذ الدية منهم في أكثر من ثلاث سنين، حتى إذا خرجت عطاياهم الثلاث في ست سنين تؤخذ منهم الدية في كل سنة السدس. وإذا خرجت عطاياهم الثلاث في سنة واحدة تؤخذ جميع الدية في سنة واحدة، لأن وجوبها في العطايا وقد حصلت م: (لحصول المقصود) ش: يعني أن المقصود أن يكون المأخوذ منهم من الأعطية، وذلك يحصل بالأخذ من عطاياهم سواء كانت في أكثر من ثلاث سنين أو في أقل منها. م: (وتأويله) ش: أي وتأويل كلام القدوري م: (إذا كانت العطايا للسنين المستقبلة بعد القضاء) ش: أي بعد قضاء القاضي. فالدية على العاقلة م: (حتى لو اجتمعت في السنين الماضية قبل القضاء) ش: بالدية م: (ثم خرجت بعد القضاء ولا يؤخذ منها؛ لأن الوجوب بالقضاء) ش: لأن من عليه الدية قبل القضاء غير معلوم لكونه مجتهدا فيه، لأن في العاقلة كلاما فبعضهم يقول: أهل الديوان، وبعضهم يقول: أهل العشيرة فلا يحكم إلا بالقضاء. وكذا الواجب في نفسه غير معلوم، فإن ولاية التعيين منه إلى القاضي إن شاء قضى بالإبل، وإن شاء قضى بالدراهم أو الدنانير، لأن من الناس من قال: الواجب الإبل فحسب. وقال قوم: الإبل والأثمان جميعا. وزاد قوم على هذا: البقر والغنم والخيل، وإنما قال المصنف: تأويله لأن القدوري أطلق ذكر السنين، وإنما تؤخذ منهم في ثلاث سنين بعد القضاء، فيكون المراد ثلاث سنين في المستقبل، فلا بد من التأويل م: (على ما نبين إن شاء الله تعالى) ش: أشار به إلى ما ذكر بعد عشرة خطوط بقوله لأن الواجب الأصلي المثل والتحول إلى القيمة بالقضاء. م: (ولو خرج للقاتل) ش: أي للعامل القاتل، وفي النسخ للعامل، والأول هو الأصح الجزء: 13 ¦ الصفحة: 367 ثلاث عطايا في سنة واحدة، معناه في المستقبل يؤخذ منها كل الدية لما ذكرنا. وإذا كان جميع الدية في ثلاث سنين فكل ثلث منها في سنة، وإن كان الواجب بالعقل ثلث دية النفس أو أقل كان في سنة واحدة، وما زاد على الثلث إلى تمام الثلثين في السنة الثانية، وما زاد على ذلك إلى تمام الدية في السنة الثالثة، وما وجب على العاقلة من الدية أو على القاتل بأن قتل الأب ابنه عمدا فهو في ماله في ثلاث سنين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما وجب على القاتل في ماله فهو حال؛ لأن التأجيل للتخفيف لتحمل العاقلة، فلا يلحق به العمد المحض. ولنا: أن القياس يأباه، والشرع ورد به مؤجلا فلا يتعداه، ولو قتل عشرة رجلا خطأ فعلى كل واحد عشر الدية في ثلاث سنين اعتبارا للجزء بالكل، إذ هو بدل النفس، وإنما يعتبر مدة ثلاث سنين من وقت القضاء بالدية؛ لأن الواجب الأصلي المثل،   [البناية] م: (ثلاث عطايا في سنة واحدة، معناه في المستقبل يؤخذ منها كل الدية لما ذكرنا) ش: أشار به. إلى قوله: لأن الوجوب بالقضاء. [كان جميع الدية في ثلاث سنين فكل ثلث منها في سنة] م: (وإذا كان جميع الدية في ثلاث سنين فكل ثلث منها في سنة) ش: أي فيؤخذ كل ثلث من الدية في سنة واحدة م: (وإن كان الواجب بالعقل) ش: أي من الجنايات فيما دون النفس م: (ثلث دية النفس أو أقل كان في سنة واحدة، وما زاد على الثلث إلى تمام الثلثين في السنة الثانية، وما زاد على ذلك إلى تمام الدية في السنة الثالثة، وما وجب على العاقلة من الدية أو على القاتل) ش: أي أوجب على القاتل م: (بأن قتل الأب ابنه عمدا فهو في ماله في ثلاث سنين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما وجب على القاتل في ماله فهو حال) ش: وبه قال مالك وأحمد، وقد مرت المسألة م: (لأن التأجيل للتخفيف لتحمل العاقلة، فلا يلحق به العمد المحض) ش:. م: (ولنا: أن القياس يأباه) ش: أي يأبى وجوب المال لانعدام المماثلة بين المال والتالف. م: (والشرع ورد به) ش: أي بإيجاب المال م: (مؤجلا) ش: في الخطأ م: (فلا يتعداه) ش: أي فلا يتعدى الذي يوجب الشرع. فإن قيل: هذا ليس في معنى الخطأ فلا يلحق به. قلنا: هو في معناه من حيث كونه مالا وجب بالقتل ابتداء، والمساواة من جميع الوجوه غير ملتزمة، وكون التأجيل للتخفيف حكمه لا يترتب الحكم عليه. م: (ولو قتل عشرة رجلا خطأ فعلى كل واحد عشر الدية في ثلاث سنين اعتبارا للجزء بالكل) ش: أي جزء الدية بكل الدية م: (إذ هو بدل النفس) ش: أي لأن الدية بدل النفس، والتذكير باعتبار العقل م: (وإنما يعتبر مدة ثلاث سنين من وقت القضاء بالدية؛ لأن الواجب الأصلي المثل، الجزء: 13 ¦ الصفحة: 368 والتحول إلى القيمة بالقضاء، فيعتبر ابتداؤها من وقته كما في ولد المغرور. قال: ومن لم يكن من أهل الديوان فعاقلته قبيلته، لأن نصرته بهم وهي المعتبرة في التعاقل. قال: وتقسم عليهم في ثلاث سنين لا يزاد الواحد على أربعة دراهم في كل سنة وينقص منها. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كذا ذكره القدوري في "مختصره "، وهذا إشارة إلى: أنه يزاد على أربعة من جميع الدية، وقد نص محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على: أنه لا يزاد على كل واحد من جميع الدية في ثلاث سنين على ثلاثة أو أربعة، فلا يؤخذ من كل واحد في كل سنة إلا درهم أو درهم وثلث درهم، وهو الأصح.   [البناية] والتحول إلى القيمة بالقضاء) ش: هذا هو الموعود قبله، وقالت الأئمة الثلاثة: من وقت القتل م: (فيعتبر ابتداؤها) ش: أي ابتداء الدية م: (من وقته) ش: أي من وقت القضاء م: (كما في ولد المغرور) ش: وهو الذي وطأ امرأة معتمدا على ملك يمين أو نكاح فولدت ولدا ثم استحقت حيث يكون ولدها حرا بالقيمة يوم الخصومة، وهو يوم القضاء. [من لم يكن من أهل الديوان فعاقلته قبيلته] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن لم يكن من أهل الديوان فعاقلته قبيلته؛ لأن نصرته بهم، وهي) ش: أي النصرة م: (المعتبرة في التعاقل) ش: لأن الدية كانت على القبيلة في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما فعلها عمر إلى أهل الديوان لمعنى التناصر، فلما لم يكن الجاني من أهل الديوان أقر الحكم على الأصل. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وتقسم عليهم في ثلاث سنين لا يزاد الواحد منهم على أربعة دراهم في كل سنة وينقص منها) ش: أي من الأربعة، هذا إشارة على أنه يزاد على الأربعة في السنين الثلاث، لأنه قد نفى الزيادة بسنة واحدة، وجوز الأربعة على الواحد من العاقلة في السنة الواحدة، فإذا كان ما يصيب الواحد في السنة الواحدة أربعة دراهم كان ما يصيبه في السنين الثلاث اثني عشر درهما لا محالة، فكان ما يصيبه من جميع الدية زيادة على الأربعة، وقد نص محمد في " كتاب المعاقل " بخلاف ذلك. أشار إليه المصنف بقوله: م: (قال: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كذا ذكره القدوري في " مختصره "، وهذا إشارة إلى أنه يزاد على أربعة من جميع الدية) ش: أي المصنف م: (وقد نص محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على أنه لا يزاد على كل واحد من جميع الدية في ثلاث سنين على ثلاثة أو أربعة فلا يؤخذ من كل واحد في كل سنة إلا درهم أو درهم وثلث درهم وهو الأصح) ش: أي الذي قاله محمد هو الأصح. وقال الأكمل: قوله: " وهو الأصح " احتراز عما ذهب إليه بعض مشايخنا بما فهم منهم الجزء: 13 ¦ الصفحة: 369 قال: وإن لم يكن تتسع القبيلة لذلك ضم إليهم أقرب القبائل معناه نسبا كل ذلك بمعنى التخفيف، ويضم الأقرب فالأقرب على ترتيب العصبات: الإخوة ثم بنوهم، ثم الأعمام، ثم بنوهم. وأما الآباء والأبناء فقيل: يدخلون لقربهم، وقيل: لا يدخلون؛ لأن الضم لنفي الحرج حتى لا يصيب كل واحد أكثر من ثلاثة أو أربعة، وهذا المعنى إنما يتحقق عند الكثرة، والآباء والأبناء لا يكثرون، وعلى هذا حكم الرايات   [البناية] إشارة كلام القدوري. وذكر في " المبسوط " قال: وذلك غلط: وقال الأترازي: رواية القدوري هي المشهورة، وقد أثبت في " شرح الأقطع " روايته بقوله: لا يزاد الواحد على أربعة دراهم في كل سنة درهم ودانقان، وينقص منها. وعلى شرح ذلك فلا يفرق بين نص محمد وبين رواية القدوري، ويدل على صحة رواية " شرح الأقطع " ما ذكره القدوري، ففي " مختصر الكرخي " في باب أروش الجنايات على الرقيق: ولا يغرم كل رجل من العاقلة إلا ثلاثة دراهم أو أربعة في الثلاث سنين، وذلك كل ما يغرم، ولا يغرم أكثر من ذلك، انتهى. ثم أكثر ما يوضع على كل واحد من العاقلة أربعة دراهم وأقله لا يتقدر، وعند الشافعي على الغني نصف دينار وعلى المتوسط ربع دينار، وكذا في " مختصر الأسرار ". قال مالك وأحمد - رحمهما الله -: لا تقدير فيه فيحملون ما يطيقون إذ التقدير لا يثبت إلا بالتوفيق ولا نص فيه فيفوض إلى رأي الحاكم. وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية مثل قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - المذكور. [إيجاب العقل على أقرب القبائل من القاتل] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن لم يكن تتسع القبيلة لذلك ضم إليهم أقرب القبائل) ش: قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (معناه) ش: أي معنى كلام القدوري أقرب القبائل إليهم يعني م: (نسبا) ش: أي من حيث النسب على الترتيب المذكور في العصبات م: (كل ذلك بمعنى التخفيف) ش: يعني طلبا للتخفيف في حقهم، هذا الجواب إنما يستقيم في حق العربي، لأن العرب حفظت أنسابها فأمكننا إيجاب العقل على أقرب القبائل من القاتل. م: (ويضم الأقرب فالأقرب على ترتيب العصبات: الإخوة، ثم بنوهم، ثم الأعمام، ثم بنوهم) ش: هذا إذا كان له عاقلة، فإن لم يكن له عاقلة فعقله في بيت مال المسلمين. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه في مال الجاني. م: (وأما الآباء والأبناء فقيل: يدخلون لقربهم، وقيل: لا يدخلون؛ لأن الضم لنفي الحرج حتى لا يصيب كل واحد أكثر من ثلاثة أو أربعة، وهذا المعنى إنما يتحقق عند الكثرة، والآباء والأبناء لا يكثرون، وعلى هذا حكم الرايات) ش: يعني إذا كان القاتل من أهل الديوان فعاقلته من أهل الجزء: 13 ¦ الصفحة: 370 إذا لم يتسع لذلك أهل راية ضم إليهم أقرب الرايات، يعني أقربهم نصرة إذا حزبهم أمر، الأقرب فالأقرب، ويفوض ذلك إلى الإمام؛ لأنه هو العالم به ثم هذا كله عندنا. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب على كل واحد نصف دينار فيسوى بين الكل؛ لأنه صلة فيعتبر بالزكاة وأدناها ذلك، إذ خمسة دراهم عندهم نصف دينار ولكنا نقول: هي أحط رتبة منها. ألا ترى أنه لا تؤخذ من أصل المال فينتقص منها تحقيقا لزيادة التخفيف. ولو كانت عاقلة الرجل أصحاب الرزق يقضى بالدية في أرزاقهم في ثلاث سنين في كل سنة الثلث؛ لأن الرزق في حقهم بمنزلة العطاء   [البناية] الراية م: (إذا لم يتسع لذلك أهل راية ضم إليهم أقرب الرايات، يعني أقربهم نصرة إذا حزبهم أمر الأقرب) ش: لأهل الراية الأولى يقال: حزبه أمر إذا أصابه. م: (فالأقرب) ش: يعني يقدم الأقرب فالأقرب م: (ويفوض ذلك) ش: يعني تقديم الأقرب فالأقرب م: (إلى الإمام؛ لأنه هو العالم به) ش: أي بالأقرب م: (ثم هذا) ش: الذي ذكرنا م: (كله عندنا) . م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب على كل واحد نصف دينار) ش: قال أحمد: في " وجيز الشافعية ": ولا يضرب على فقير وإن كان مقملا، ويضرب على الغني نصف دينار وهو الذي ملك عشرين دينارا بعد المسكن وما يحتاج إليه، وعلى المتوسط ربع وهو الذي يملك أقل من ذلك، ولكن ملك ما فضل عن حاجته. وينظر إلى اليسار في آخر السنة، فلو طرأ اليسار قبلها أو بعدها فلا التفات إليه. م: (فيسوى بين الكل) ش: يعني الآباء والأبناء وغيرهم م: (لأنه) ش: أي الدية على تأويل العقل م: (صلة) ش: لأنه يجب على العاقلة بسبيل المواساة من غير أن يوجد منهم جناية م: (فيعتبر) ش: أي فيعتبر الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - القتل م: (بالزكاة وأدناها ذلك، إذ خمسة دراهم عندهم) ش: أي وأدنى الزكاة م: (نصف دينار) ش: لأنه كان ذلك في زمن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (ولكنا نقول: هي أحط رتبة منها) ش: أي من الدية. وأوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أنه لا تؤخذ) ش: أي العقل م: (من أصل المال فينتقص منها) ش: أي من الزكاة، والزكاة تؤخذ من أصل المال والعقل يؤخذ من نصف المال من العطاء، وذلك م: (تحقيقا لزيادة التخفيف) ش: في حق العاقلة فلم يكن تعليله حجة علينا. م: (ولو كانت عاقلة الرجل أصحاب الرزق) ش: يأخذون كل شهر م: (يقضى بالدية في أرزاقهم في ثلاث سنين في كل سنة الثلث؛ لأن الرزق في حقهم بمنزلة العطاء) ش: وقد مر الفرق الجزء: 13 ¦ الصفحة: 371 قائم مقامه، إذ كل منهما صلة من بيت المال، ثم ينظر إن كانت أرزاقهم تخرج في كل سنة، فكلما يخرج رزق يؤخذ منه الثلث بمنزلة العطاء، وإن كان يخرج في كل ستة أشهر وخرج بعد القضاء يؤخذ منه سدس الدية. وإن كان يخرج في كل شهر يؤخذ من كل رزق بحصته من الشهر، حتى يكون المستوفى في كل سنة مقدار الثلث. وإن خرج بعد القضاء بيوم أو أكثر أخذ من رزق ذلك الشهر بحصة الشهر، وإن كانت لهم أرزاق في كل شهر أو أعطية في كل سنة فرضت الدية في الأعطية دون الأرزاق؛ لأنه أيسر، إما لأن الأعطية أكثر، أو لأن الرزق لكفاية الوقت فيتعسر الأداء منه والأعطيات ليكونوا في الديوان قائمين بالنصرة فيتيسر عليهم. قال: وأدخل القاتل مع العاقلة فيكون فيما يؤدي كأحدهم، لأنه هو الفاعل فلا معنى لإخراجه ومؤاخذة غيره. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب على القاتل شيء من الدية اعتبارا للجزء بالكل في النفي عنه. والجامع كونه معذورا.   [البناية] الرزق والعطاء عن قريب م: (قائم مقامه) ش: أي مقام العطاء م: (إذ كل منهما صلة من بيت المال، ثم ينظر إن كانت أرزاقهم تخرج في كل سنة، فكلما يخرج رزق يؤخذ منه الثلث بمنزلة العطاء، وإن كان يخرج في كل ستة أشهر وخرج بعد القضاء) ش: أي بعد حكم القاضي بذلك. م: (يؤخذ منه سدس الدية. وإن كان يخرج في كل شهر يؤخذ من كل رزق بحصته من الشهر حتى يكون المستوفى في كل سنة مقدار الثلث، وإن خرج بعد القضاء بيوم أو أكثر أخذ من رزق ذلك الشهر بحصة الشهر، وإن كانت لهم أرزاق في كل شهر أو أعطية في كل سنة فرضت الدية في الأعطية دون الأرزاق؛ لأنه أيسر، إما لأن الأعطية أكثر، أو لأن الرزق لكفاية الوقت فيتعسر الأداء منه والأعطيات) ش: والأخذ منه يكون إضرارا بهم، والأعطيات ليست كذلك م: (ليكونوا في الديوان قائمين بالنصرة) يعني متى احتيج إليها م: (فيتيسر عليهم) ش: لأنه لا يحصل الضرر لهم بذلك. وأدخل القاتل، وفي أكثر النسخ. [القاتل مع العاقلة] م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وأدخل القاتل مع العاقلة فيكون فيما يؤدي كأحدهم: لأنه) ش: أي لأن القاتل م: (هو الفاعل فلا معنى لإخراجه ومؤاخذة غيره. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب على القاتل شيء من الدية اعتبارا للجزء بالكل) ش: لأن الحكم حول إلى العاقلة فلا تبقى عليه، ولهذا لا يجب الكل عليه فلا يجب الجزء أيضًا اعتبارا للجزء بالكل م: (في النفي عنه) ش: أي في نفي الوجوب عن القاتل م: (والجامع كونه معذورا) ش: أي وجه الجمع في اعتبار الجزء بالكل هو كون القاتل معذورا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 372 قلنا: إيجاب الكل إجحاف به، ولا كذلك إيجاب الجزء. ولو كان الخاطئ معذورا فالبريء منه أولى. قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] (الإسراء: الآية 15) ، وليس على النساء والذرية ممن كان له حظ في الديوان عقل لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يعقل مع العاقلة صبي ولا امرأة. ولأن العقل إنما يجب على أهل النصرة لتركهم مراقبته، والناس لا يتناصرون بالصبيان والنساء، ولهذا لا يوضع عليهم ما هو خلف عن النصرة وهو الجزية. وعلى هذا لو كان القاتل صبيا أو امرأة لا شيء عليهما من الدية،   [البناية] م: (قلنا: إيجاب الكل إجحاف به) ش: أي إذهاب بالكلية م: (ولا كذلك إيجاب الجزء، ولو كان الخاطئ معذورا فالبريء منه أولى) ش: لأن العاقلة لم يتلوثوا بالدم، لأنهم براء عن الجناية، وكان الوجوب على غير البريء أولى م: (قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] (الإسراء: الآية 15) ش: ولأنها دية وجبت بالقتل فلا تخلو ذمة القاتل عنها، كما إذا لم تتسع العاقلة ولا مال في بيت المال. [ليس على النساء والذرية ممن كان له حظ في الديوان عقل] م: (وليس على النساء والذرية ممن كان له حظ في الديوان عقل) ش: أراد بالذرية من لم يبلغ، والذرية أولاد الأولاد في اللغة مأخوذة من الذر وهو صغار النمل. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المرأة والصبي لا يعقلان مع العاقلة، وكذا على الفقير وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الظواهر، وحكى بعض أصحابنا عن مالك وأبي حنيفة: أن الفقير يدخل في التحمل، وهو رواية عن أحمد أنه من أهل النصرة، فكان كالغني، والصحيح الأول م: (لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لا يعقل مع العاقلة صبي ولا امرأة) ش: هذا غريب. وقال الأترازي: وقد روى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: لا يعقل مع العاقلة صبي ولا امرأة، كذا في " شرح الكافي ". م: (ولأن العقل إنما يجب على أهل النصرة لتركهم مراقبته) ش: أي الجاني م: (والناس لا يتناصرون بالصبيان والنساء، ولهذا لا يوضع عليهم ما هو خلف عن النصرة وهو الجزية) ش: يعني في نساء أهل الذمة وصبيانهم م: (وعلى هذا لو كان القاتل صبيا أو امرأة لا شيء عليهما من الدية) ش: وفي " فتاوى قاضي خان ": لو كان القاتل امرأة أو صبيا هل يجب عليهما شيء؟ اختلف المشايخ فيه. والصحيح: أن القاتل يشارك العاقلة سواء كان صبيا أو امرأة أو مجنونا، وكذا أبو القاتل وابنه من العاقلة؛ والزوج لا يكون عاقلة المرأة. وكذا المرأة لا تكون عاقلة الزوج، وفي الأب والابن خلاف للشافعي. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 373 بخلاف الرجل؛ لأن وجوب جزء من الدية على القاتل باعتبار أنه أحد العواقل؛ لأنه ينصر نفسه، وهذا لا يوجد فيهما، والفرض لهما من العطاء للمعونة لا للنصرة كفرض أزواج النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ورضي الله عنهن. ولا يعقل أهل مصر عن مصر آخر، يريد به أنه إذا كان لأهل كل مصر ديوانه على حدة؛ لأن التناصر بالديوان عند وجوده. ولو كان باعتبار القرب في السكنى. فأهل مصره أقرب إليه من أهل مصر آخر ويعقل أهل كل مصر من أهل سوادهم؛ لأنهم أتباع لأهل المصر، فإنهم إذا حزبهم أمر استنصروا بهم فيعقلهم أهل المصر باعتبار معنى القرب في النصرة. ومن كان منزله بالبصرة وديوانه بالكوفة عقل عنه أهل الكوفة؛ لأنه   [البناية] وقال الكاكي: وهذه المسألة مخالفة لما مر قبل كتاب المعاقل: أنه لو وجد قتيل في دار امرأة تشارك العاقلة عند المتأخرين يمكن أن يكون هذا على رواية المتقدمين أن المرأة لا تدخل بالعواقل في صورة من الصور. م: (بخلاف الرجل) ش: حيث يجب عليه مع العاقلة م: (لأن وجوب جزء من الدية على القاتل باعتبار أنه أحد العواقل؛ لأنه ينصر نفسه) ش: أي لأن الرجل ينصر نفسه، أي يمنح عنه غيره م: (وهذا) ش: أي نصر النفس أو منعه من غيره م: (لا يوجد فيهما) ش: أي من الصبي والمرأة لعجزهما عنه. م: (والفرض لهما) ش: هذا جواب عما يقال: يفرض الإمام لنساء العراية وذرياتهم من العطاء وهو يمنح النصرة، فأجاب بقوله: والفرض لهما، أي للصبي، والمرأة م: (من العطاء للمعونة) ش: أي لمعونة الجد بالطبخ والخياطة وحفظ المنزل ونحو ذلك م: (لا للنصرة) ش: لضعفهما م: (كفرض أزواج النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ورضي الله عنهن) ش: فإنه فرض لهن للمعونة لا للنصرة. [لا يعقل أهل مصر عن مصر آخر] م: (ولا يعقل أهل مصر عن مصر آخر) ش: هذه من مسائل " الأصل "، أوضحها المصنف بقوله: م: (يريد به) ش: أي بهذا الذي ذكره م: (أنه إذا كان لأهل كل مصر ديوان على حدة؛ لأن التناصر بالديوان عند وجوده. ولو كان) ش: أي التناصر، م: (باعتبار القرب في السكنى فأهل مصر أقرب إليه من أهل مصره آخر، ويعقل أهل كل مصره من أهل سوادهم؛ لأنهم أتباع لأهل المصر، فإنهم) ش: أي فإن أهل السواق أي القرى. م: (إذا حزبهم) ش: أي إذا أصابهم م: (أمر) ش: من الأمور المزعجة م: (استنصروا بهم) ش: أي: بأهل المصر م: (فيعقلهم أهل المصر باعتبار معنى القرب في النصرة. ومن كان منزله بالبصرة وديوانه بالكوفة عقل عنه أهل الكوفة؛ لأنه) ش: أي لأن من كان بمنزله بالبصرة م: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 374 يستنصر بأهل ديوانه لا بجيرانه. والحاصل أن الاستنصار بالديوان أظهر فلا يظهر معه حكم النصرة بالقرابة والنسب والولاء وقرب السكنى وغيره، وبعد الديوان النصرة بالنسب على ما بيناه، وعلى هذا يخرج كثير من صور مسائل المعاقل. ومن جنى جناية من أهل المصر وليس له في الديوان عطاء وأهل البادية أقرب إليه ومسكنه المصر عقل عنه أهل الديوان من ذلك المصر ولم يشترط أن يكون بينه وبين أهل الديوان قرابة، قيل: هو صحيح؛ لأن الذين يذبون عن أهل المصر ويقومون بنصرتهم ويدفعون عنهم أهل الديوان من أهل المصر ولا يخصون به أهل العطاء. وقيل: تأويله إذا كان قريبا لهم، وفي الكتاب إشارة إليه، حيث قال: وأهل البادية أقرب إليه من أهل   [البناية] (يستنصر بأهل ديوانه لا بجيرانه) . م: (والحاصل أن الاستنصار) ش: أي طلب النصرة م: (بالديوان أظهر) ش: عندنا خلافا للأئمة الثلاثة. وعن هذا قال في " المبسوط ": لو أن أخوين لأب وأم ديوان أحدهما بالكوفة وديوان الآخر بالبصرة لم يعقل أحدهما صاحبه، وإنما يعقل عن كل واحد أهل ديوانه م: (فلا يظهر معه) ش: أي مع الاستنصار بالديوان م: (حكم النصرة بالقرابة والنسب والولاء وقرب السكنى وغيره) ش: هو الحلف والعدد م: (وبعد الديوان النصرة بالنسب على ما بيناه) ش: أشار به إلى قوله: ومن لم يكن من أهل الديوان فعاقلته قبيلته. م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الأصل م: (يخرج كثير من صور مسائل المعاقل) ش: منها ما ذكره في " المبسوط ": ولو أن قوما من أهل خراسان من ديوان واحد مختلفين في أنسابهم منهم من له ولاء، ومنهم من له القرب جنى بعضهم جناية عقل عنه أهل رايته، وإن كان غيره أقرب إليه في النسب لأنه أمر لا يرجع في الاستنصار إلى عشيرته عادة. [جنى جناية من أهل المصر وليس له في الديوان عطاء وأهل البادية أقرب إليه] م: (ومن جنى جناية من أهل المصر وليس له في الديوان عطاء وأهل البادية أقرب إليه) ش: أي قرابة ونسبا م: (ومسكنه المصر عقل عنه أهل الديوان من ذلك المصر ولم يشترط أن يكون بينه وبين أهل الديوان قرابة، قيل: هو) ش: أي عدم الاشتراط م: (صحيح؛ لأن الذين يذبون) ش: أي يدفعون م: (عن أهل المصر ويقومون بنصرتهم ويدفعون عنهم أهل الديوان من أهل المصر) ش: مرفوع لأنه خبر لأن، أعني قوله: لأن الذين م: (ولا يخصون به أهل العطاء) ش: أي لا يخصون بالذنب أهل العطاء. م: (وقيل: تأويله) ش: أي تأويل قول من قال بعدم الاشتراط المذكور م: (إذا كان قريبا لهم) ش: أي ذا قرابة لهم م: (وفي الكتاب إشارة إليه، حيث قال: وأهل البادية أقرب إليه من أهل الجزء: 13 ¦ الصفحة: 375 المصر وهذا لأن الوجوب عليهم بحكم القرابة وأهل المصر أقرب منهم مكانا، فكانت القدرة على النصرة لهم، وصار نظير مسألة الغيبة المنقطعة. ولو كان البدوي نازلا في المصر لا مسكن له فيه لا يعقله أهل المصر؛ لأن أهل العطاء لا ينصرون من لا مسكن له فيه، كما أن أهل البادية لا تعقل عن أهل المصر النازل فيهم؛ لأنه لا ينتصر بهم. وإن كان لأهل الذمة عواقل معروفة يتعاقلون بها فقتل أحدهم قتيلا فديته على عاقلته بمنزلة المسلم؛ لأنهم التزموا أحكام الإسلام في المعاملات لا سيما في المعاني العاصمة عن الأضرار، ومعنى التناصر موجود في حقهم. وإن لم تكن لهم عاقلة معروفة فالدية في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضى بها عليه، كما في حق المسلم، لما بينا أن الوجوب على القاتل، وإنما يتحول عنه إلى العاقلة إن وجدت فإذا لم توجد بقيت عليه بمنزلة تاجرين مسلمين في دار   [البناية] المصر) ش: أي أقرب إليه نسبا من أهل المصر. م: (وهذا) ش: أي اشتراط القرابة م: (لأن الوجوب عليهم بحكم القرابة وأهل المصر أقرب منهم مكانا، فكانت القدرة على النصرة لهم) ش: لأنه إذا كان هكذا استقام الوجوب على أهل الديوان باعتبار القرابة في النسب وإن لم يكن له عطاء فيهم، وذلك لأنهم أقرب مكانا فكانوا أقدر على النصرة، وإن كان أهل البادية أقرب نسبا. م: (وصار) ش: في بعض النسخ: وصارت أي هذه المسألة م: (نظير مسألة الغيبة المنقطعة) ش: يعني أن للولي الأبعد أن يزوج إذا كان الولي الأقرب غائبا غيبة منقطعة، لأنه أقدر على إقامة مصالحها، فهذا نظير ذلك. [البدوي نازلا في المصر لا مسكن له فيه] م: (ولو كان البدوي نازلا في المصر لا مسكن له فيه) ش: أي في المصر م: (لا يعقله أهل المصر، لأن أهل العطاء لا ينصرون من لا مسكن له فيه) ش: أي في المصر لا يعقله أهل المصر م: (كما أن أهل البادية لا تعقل عن أهل المصر النازل فيهم؛ لأنه) ش: أي لأن النازل فيهم م: (لا ينتصر بهم) ش: أي إذا لم يكن مسكنه فيهم. م: (وإن كان لأهل الذمة عواقل معروفة يتعاقلون بها فقتل أحدهم قتيلا فديته على عاقلته بمنزلة المسلم؛ لأنهم التزموا أحكام الإسلام في المعاملات لا سيما في المعاني العاصمة عن الأضرار) ش: كحد السرقة والقذف والقصاص ووجوب الدية م: (ومعنى التناصر موجود في حقهم، وإن لم تكن لهم) ش: أي لأهل الذمة م: (عاقلة معروفة فالدية في ماله) ش: أي في مال الذمي. م: (في ثلاث سنين من يوم يقضى بها عليه كما في حق المسلم لما بينا أن الوجوب على القاتل، وإنما يتحول عنه إلى العاقلة إن وجدت، فإذا لم توجد بقيت عليه بمنزلة تاجرين مسلمين في دار الحرب الجزء: 13 ¦ الصفحة: 376 الحرب قتل أحدهما صاحبه يقضى بالدية عليه في ماله؛ لأن أهل دار الإسلام لا يعقلون عنه، وتمكنه من هذا القتل ليس بنصرتهم، ولا يعقل كافر عن مسلم ولا مسلم عن كافر لعدم التناصر، والكفار يتعاقلون فيما بينهم وإن اختلفت مللهم، لأن الكفر كله ملة واحدة، قالوا: هذا إذا لم تكن المعاداة فيما بينهم ظاهرة، أما إذا كانت ظاهرة كاليهود والنصارى ينبغي أن لا يتعاقلون بعضهم عن بعض، وهكذا عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لانقطاع التناصر. ولو كان القاتل من أهل الكوفة وله بها عطاء فحول ديوانه إلى البصرة ثم رفع إلى القاضي، فإنه يقضي بالدية على عاقلته من أهل البصرة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يقضي على عاقلته من أهل الكوفة، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الموجب هو الجناية وقد تحققت، وعاقلته أهل الكوفة، وصار كما إذا حول   [البناية] قتل أحدهما صاحبه يقضى بالدية عليه في ماله؛ لأن أهل دار الإسلام لا يعقلون عنه) ش: وإنما أطلق القتيل ليشمل العمد والخطأ، لأن الدية تجب في ماله سواء كان القتل عمدا أو خطأ، لأن العاقلة لا تعقل جناية وقعت في دار الحرب، وبه صرح الكرخي في " مختصره " في كتاب " السير ". م: (وتمكنه) ش: أي تمكن أحد التاجرين الداخلين في دار الحرب م: (من هذا القتل) ش: أي من قتل صاحبه م: (ليس بنصرتهم) ش: أي بنصرة أهل الإسلام فلا يعقل عنه أهل الإسلام، بل يجب في ماله. [لا يعقل كافر عن مسلم ولا مسلم عن كافرلعدم التناصر] م: (ولا يعقل كافر عن مسلم ولا مسلم عن كافر لعدم التناصر) ش: لأن بناء العقل على التناصر، ولا تناصر مع اختلاف الدين م: (والكفار يتعاقلون فيما بينهم وإن اختلفت مللهم؛ لأن الكفر كله ملة واحدة، قالوا) ش: أي المشايخ: م: (هذا إذا لم تكن المعاداة فيما بينهم ظاهرة، أما إذا كانت ظاهرة كاليهود والنصارى ينبغي أن لا يتعاقلون بعضهم عن بعض، وهكذا عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي هكذا عن أبي يوسف م: (لانقطاع التناصر) ش: عند ظهور المعاداة فيما بينهم. م: (ولو كان القاتل من أهل الكوفة وله بها عطاء فحول ديوانه إلى البصرة) ش: وفي بعض النسخ: جعل ديوانه، أي بعد القتل م: (ثم رفع إلى القاضي، فإنه يقضي بالدية على عاقلته من أهل البصرة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يقضي علي عاقلته من أهل الكوفة، وهو رواية) ش: أي قول زفر رواية م: (عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو قياس قول الأئمة الثلاثة م: (لأن الموجب هو الجناية، وقد تحققت، وعاقلته أهل الكوفة) ش: الواو للحال م: (وصار كما إذا حول بعد الجزء: 13 ¦ الصفحة: 377 بعد القضاء ولنا أن المال إنما يجب عند القضاء لما ذكرنا أن الواجب هو المثل، وبالقضاء ينتقل إلى المال، وكذا الوجوب على القاتل وتتحمل عنه عاقلته. وإذا كان كذلك يتحمل عنه من يكون عاقلته عند القضاء، بخلاف ما بعد القضاء لأن الواجب قد تقرر بالقضاء، فلا ينتقل بعد ذلك، لكن حصة القاتل تؤخذ من عطائه بالبصرة؛ لأنها تؤخذ من العطاء، وعطاؤه بالبصرة. بخلاف ما إذا قلت العاقلة بعد القضاء عليهم، حيث يضم إليهم أقرب القبائل في النسب؛ لأن في النقل إبطال حكم الأول فلا يجوز بحال، وفي الضم تكثير المتحملين لما قضي به عليهم، فكان فيه تقرير الحكم الأول لا إبطاله، وعلى هذا لو كان القاتل مسكنه بالكوفة وليس له عطاء، فلم يقض عليه حتى استوطن البصرة قضى بالدية على أهل البصرة. ولو كان قضى بها على أهل الكوفة لم ينتقل عنهم، وكذا البدوي إذا ألحق بالديوان بعد القتلى قبل القضاء يقضى بالدية على أهل الديوان، وبعد القضاء على عاقلته بالبادية لا يتحول عنهم. وهذا بخلاف ما إذا كان قوم من أهل البادية قضى بالدية عليهم في أموالهم في ثلاث   [البناية] القضاء) . م: (ولنا: أن المال إنما يجب عند القضاء لما ذكرنا أن الواجب هو المثل، وبالقضاء ينتقل إلى المال، وكذا الوجوب على القاتل وتتحمل عنه عاقلته. وإذا كان كذلك يتحمل عنه من يكون عاقلته عند القضاء، بخلاف ما بعد القضاء) ش: يعني بخلاف إذا قضي بالدية على عاقلته من أهل الكوفة ثم حول عطاؤه إلى ديوان البصرة كانت الدية على عاقلته من أهل الكوفة لا ينتقل عنهم. م: (لأن الواجب قد تقرر بالقضاء، فلا ينتقل بعد ذلك، لكن حصة القاتل تؤخذ من عطائه بالبصرة؛ لأنها) ش: أي لأن الدية م: (تؤخذ من العطاء، وعطاؤه بالبصرة) . م: (بخلاف ما إذا قلت العاقلة) ش: أي العاقلة بموت بعضهم م: (بعد القضاء عليهم، حيث يضم إليهم أقرب القبائل في النسب، لأن في النقل إبطال حكم الأول فلا يجوز بحال، وفي الضم تكثير المتحملين لما قضي به عليه، فكان فيه تقرير الحكم الأول لا إبطاله، وعلى هذا) ش: أي على هذا الحكم المذكور م: (لو كان القاتل مسكنه بالكوفة وليس له عطاء فلم يقض عليه حتى استوطن البصرة قضى بالدية على أهل البصرة ولو كان قضى بها على أهل الكوفة لم ينتقل عنهم، وكذا البدوي إذا ألحق بالديوان بعد القتل قبل القضاء يقضى بالدية على أهل الديوان، وبعد القضاء على عاقلته بالبادية لا يتحول عنهم) ش: أي أهل الديوان. م: (وهذا) ش: أي هذا الذي قلنا من عدم انتقال العقل عن أهل الكوفة بعد القضاء عليهم إلى أهل البصرة م: (بخلاف ما إذا كان قوم من أهل البادية قضي بالدية عليهم في أموالهم في ثلاث الجزء: 13 ¦ الصفحة: 378 سنين ثم جعلهم الإمام في العطاء حيث تصير الدية في أعطياتهم، وإن كان قضى بها أول مرة في أموالهم؛ لأنه ليس فيه نقض القضاء الأول؛ لأنه قضى بها في أموالهم وأعطياتهم أموالهم، غير أن الدية تقضى في أيسر الأموال أداء، والأداء من العطاء أيسر إذا صاروا من أهل العطاء، إلا إذا لم يكن مال العطاء من جنس ما قضى به عليه بأن كان القضاء بالإبل والعطاء دراهم، فحينئذ لا تتحول إلى الدراهم أبدا لما فيه من إبطال القضاء الأول، لكن يقضى ذلك من مال العطاء لأنه أيسر. قال: وعاقلة المعتق قبيلة مولاه؛ لأن النصرة بهم، يؤيد ذلك قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مولى القوم منهم» . قال: ومولى الموالاة يعقل عنه مولاه وقبيلته: لأنه ولاء يتناصر به فأشبه ولاء العتاقة، وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وقد مر في كتاب الولاء: قال: ولا تعقل العاقلة أقل من نصف عشر الدية، وتتحمل نصف العشر فصاعدا.   [البناية] سنين، ثم جعلهم الإمام في العطاء حيث تصير الدية في أعطياتهم، وإن كان قضي بها أول مرة في أموالهم؛ لأنه ليس فيه نقض القضاء الأول؛ لأنه قضي بها في أموالهم وأعطياتهم أموالهم، غير أن الدية تقضى من أيسر الأموال أداء، والأداء من العطاء أيسر إذا صاروا من أهل العطاء، إلا إذا لم يكن مال العطاء من جنس ما قضي به عليه بأن كان القضاء بالإبل والعطاء دراهم، فحينئذ لا تتحول إلى الدراهم أبدا لما فيه من إبطال القضاء الأول، لكن يقضى ذلك من مال العطاء) ش: عليهم، لكن يقضى ذلك إلى الإبل من مال العطايا م: (لأنه أيسر) ش: أي لأن الأداء منه أيسر. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وعاقلة المعتق) ش: بفتح التاء م: (قبيلة مولاه؛ لأن النصرة بهم) ش: وهذا الاختلاف فيه، ولا يعقل مولى الأسفل من الأعلى، وبه قال أصحاب مالك وأحمد والشافعي في قول: يعقل م: (يؤيد ذلك) ش: أي كون عاقلة المعتق مولاه م: (قوله: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «مولى القوم منهم» ش: هذا الحديث تقدم في الزكاة. [مولى الموالاة يعقل عنه مولاه وقبيلته] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومولى الموالاة يعقل عنه مولاه وقبيلته؛ لأنه ولاء يتناصر به فأشبه ولاء العتاقة، فيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ش: وأحمد أيضًا، وقال مالك: إذا كان الرجل في غير عشيرته فعقله على القوم الذين معهم م: (وقد مر في كتاب الولاء) ش: يعني إذ عقد الموالاة ليس بشيء عند الشافعي. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا تعقل العاقلة أقل من نصف عشر الدية وتتحمل نصف العشر فصاعدا) ش: وفي بعض النسخ: وتعقل نصف العشر فصاعدا، وذلك لما قال محمد في كتاب " الآثار ": أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن إبراهيم قال: لا تعقل العاقلة في أدنى من الموضحة و أرش الموضحة نصف عشر بدل النفس. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 379 والأصل فيه حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تعقل العواقل عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما دون أرش الموضحة» . وأرش الموضحة نصف عشر بدل النفس، ولأن التحمل للتحرز عن الإجحاف، ولا إجحاف في القليل، وإنما هو في الكثير، والتقدير الفاصل عرف بالسمع قال: وما نقص من ذلك يكون في مال الجاني، والقياس: فيه التسوية بين القليل والكثير، فيجب الكل على العاقلة كما ذهب إليه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أو التسوية في أن لا يجب على العاقلة شيء، إلا أنا تركناه بما روينا، وبما روي «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أوجب أرش الجنين على العاقلة»   [البناية] م: (والأصل فيه) ش: أي في هذا الباب م: (حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: «لا تعقل العواقل عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما دون أرش الموضحة» ") ش: ذكر الأترازي هذا بقوله: وذكر أصحابنا في كتبهم عن ابن عباس إلى آخره. ثم قال: ذكر أبو عبيد هذا الحديث بإسناده إلى الشعبي وجعله من كلامه ولم يذكر قوله ولا ما دون أرش الموضحة، انتهى. قلت: الموقوف ما ذكر محمد بن الحسن الشيباني فقال: حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: لا تعقل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما جنى المملوك. وأما المرفوع فغريب وليس في الحديث أرش الموضحة. ولكن أخرج ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن النخعي قال: لا تعقل العاقلة ما دون الموضحة، ولا يعقل العمد ولا الصلح ولا الاعتراف. [أرش الموضحة نصف عشر بدل النفس] 1 م: (وأرش الموضحة نصف عشر بدل النفس، ولأن التحمل للتحرز عن الإجحاف، ولا إجحاف في القليل، وإنما هو في الكثير، والتقدير الفاصل عرف بالسمع) ش: أراد بالفاصل هو الفصل بين أرش الموضحة وبين ما دونه في التحمل وعدمه، وهو عرف بالنص، وهو الذي ذكره ابن عباس، وإبراهيم النخعي والشعبي. [أرش الجنين] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وما نقص من ذلك يكون في مال الجاني) ش: أي ما نقص من نصف عشر الدية يكون ذلك في مال الجاني م: (والقياس فيه) ش: أي في العقل م: (التسوية بين القليل والكثير في التحمل، فيجب الكل على العاقلة كما ذهب إليه الشافعي أو التسوية في أن لا يجب على العاقلة شيء) ش: بعدم صدور الجناية عنهم م: (إلا أنا تركناه) ش: أي القياس م: (بما رويناه) ش: أشار به إلى أحاديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكرناها في كتاب الجنايات وغيره م: (وبما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «أوجب أرش الجنين على العاقلة» ش: وقد تقدم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 380 وهو نصف عشر بدل الرجل على ما مر في الديات فما دونه يسلك به مسلك الأموال؛ لأنه يجب بالتحكيم كما يجب ضمان المال بالتقويم، فلهذا كان في مال الجاني أخذا بالقياس. قال: ولا تعقل العاقلة جناية العبد، ولا ما لزم بالصلح أو باعتراف الجاني لما روينا. ولأنه لا تناصر بالعبد، والإقرار والصلح لا يلزمان العاقلة لقصور الولاية عنهم. قال: إلا أن يصدقوه؛ لأنه ثبت بتصادقهم، والامتناع كان لحقهم ولهم ولاية على أنفسهم. ومن أقر بقتل خطأ ولم يرفعوه إلى القاضي إلا بعد سنين قضي عليه بالدية في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضى؛ لأن التأجيل من وقت القضاء في الثابت بالبينة ففي الثابت بالإقرار أولى.   [البناية] هذا في الجنين أن الأئمة الستة أخرجوه. م: (وهو) ش: أي فيما دون م: (نصف عشر بدل الرجل على ما مر في الديات فما دونه) ش: أي فيما دون أرش الجنين م: (يسلك به مسلك الأموال؛ لأنه يجب بالتحكيم كما يجب ضمان المال بالتقويم) ش: أي ضمان المال المتلف بتقويم المقومين م: (فلهذا) ش: أي فلأجل ذلك م: (كان في مال الجاني أخذا بالقياس) ش: لأن الأصل وجوب ضمان الجناية على الجاني. [لا تعقل العاقلة جناية العبد] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا تعقل العاقلة جناية العبد) ش: أي جناية العبد بنفسه، وهو إضافة المصدر إلى الفاعل م: (ولا ما لزم بالصلح) ش: أي في صلح أولياء الجاني مع الجاني لقصور ولاية المصالح م: (أو باعتراف الجاني) ش: أي ولا يلزم العاقلة أيضًا ما يلزم بإقرار الجاني لقصور ولاية المقر عن العاقلة م: (لما روينا) ش: أشار به إلى ما ذكره محمد بن الحسن عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وقد مر عن قريب. م: (ولأنه) ش: دليل معقول، أي ولأن الشأن م: (لا تناصر بالعبد) ش: لعجزه م: (والإقرار) ش: أي إقرار الجاني م: (والصلح) ش: أي صلح الجاني م: (لا يلزمان العاقلة لقصور الولاية عنهم) ش: أي عن العبد والمقر بالجناية والمصالح. [أقر بقتل خطأ ولم يرفعوه إلى القاضي إلا بعد سنين] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (إلا أن يصدقوه) ش: العاقلة المقر في إقراره فحينئذ يلزمهم تحمل العقل م: (لأنه ثبت بتصادقهم) ش: أي بتصادق العاقلة م: (والامتناع) ش: أي امتناع الوجوب عليهم م: (كان لحقهم ولهم ولاية على أنفسهم) ش: فيصح تصديقهم ويلزمهم. م: (ومن أقر بقتل خطأ ولم يرفعوه إلى القاضي إلا بعد سنين قضي عليه) ش: أي على المقر م: (بالدية في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضى؛ لأن التأجيل من وقت القضاء في الثابت بالبينة ففي الثابت بالإقرار أولى) ش: يعني أن البينة حجة متعدية، والإقرار حجة قاصرة فعلى هذا تكون الجزء: 13 ¦ الصفحة: 381 ولو تصادقا القاتل وولي الجناية على أن قاضي بلد كذا قضى بالدية على عاقلته بالكوفة بالبينة وكذبهما العاقلة فلا شيء على العاقلة؛ لأن تصادقهما ليس بحجة عليهم، ولم يكن عليه شيء في ماله؛ لأن الدية بتصادقهما تقررت على العاقلة بالقضاء وتصادقهما حجة في حقهما، بخلاف الأول، إلا أن يكون له عطاء معهم، فحينئذ يلزمه بقدر حصته؛ لأنه في حق حصته مقر على نفسه، وفي حق العاقلة مقر عليهم. قال: وإذا جنى الحر على العبد فقتله خطأ كان على عاقلته قيمته؛ لأنه بدل النفس على ما عرف من أصلنا، وفي أحد قولي الشافعي: تجب في ماله؛ لأنه بدل المال عنده،   [البناية] البينة أقوى من الإقرار، ثم الدية في القتل الثابت بالبينة إذا كان خطأ يجب مؤجلة من وقت القضاء لا من وقت الموت، ففي الثابت بالإقرار أولى، لأن الإقرار أدنى من البينة. م: (ولو تصادقا القاتل وولي الجناية) ش: كذا وقع في بعض النسخ: تصادقا بذكر البينة، وهذا لا يجيء إلا على لغة الحلوى العواصب، وفي عامة النسخ: ولو تصادق القاتل وولي الجناية م: (على أن قاضي بلد كذا قضى بالدية على العاقلة بالكوفة بالبينة وكذبهما العاقلة فلا شيء على العاقلة؛ لأن تصادقهما ليس بحجة عليهم) ش: أي على العاقلة. م: (ولم يكن عليه شيء في ماله) ش: أي لم يكن على القاتل شيء أيضًا بهذا التصادق م: (لأن الدية بتصادقهما تقررت على العاقلة بالقضاء وتصادقهما حجة في حقهما، بخلاف الأول) ش: أراد به ما إذا أقر بقتل خطأ حيث يقضى عليه بالدية في ماله، لأن إقراره حجة على نفسه، ويدعي ولي القتيل عليه أيضًا. وهاهنا فيما نحن فيه لا يدعي ولي القتيل عليه، لأنه تصادق مع القاتل أن الدية على العاقلة وقد قضى بها القاضي عليهم فلا يكون على القاتل شيء م: (إلا أن يكون) ش: استثناء من قوله: ولم يكن عليه شيء. أي إلا أن يكون م: (له عطاء معهم، فحينئذ يلزمه بقدر حصته؛ لأنه في حق حصته مقر على نفسه، وفي حق العاقلة مقر عليهم) ش: فيؤخذ بما أقر على نفسه. [جنى الحر على العبد فقتله خطأ] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا جنى الحر على العبد فقتله خطأ كان على عاقلته قيمته) ش: أي كان العقل وهو الدية. وفي بعض النسخ: كانت أي الدية على عاقلته م: (لأنه بدل النفس على ما عرف من أصلنا) ش: أن الوجوب على العاقلة إذا كان القتيل خطأ. م: (وفي أحد قولي الشافعي: تجب في ماله) ش: وبه قال مالك. وفي قوله الثاني: تجب على عاقلته كقولنا، وهو اختيار المزني وقول أحمد م: (لأنه) ش: أي لأن الواجب في القتل م: (بدل المال عنده) ش: أي عند الشافعي. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 382 ولهذا يوجب قيمته بالغة ما بلغت، وما دون النفس من العبد لا تتحمله العاقلة؛ لأنه يسلك به مسلك الأموال عندنا على ما عرف، وفي أحد قوليه: العاقلة تتحمله كما في الحر، وقد مر من قبل. قال أصحابنا: إن القاتل إذا لم يكن له عاقلة فالدية في بيت المال؛ لأن جماعة المسلمين هم أهل نصرته، وليس بعضهم أخص من بعض بذلك، ولهذا لو مات كان ميراثه لبيت المال، فكذا ما يلزمه من الغرامة يلزم بيت المال. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية شاذة: أن الدية في ماله، ووجهه: أن الأصل أن تجب الدية على القاتل؛ لأنه بدل متلف، والإتلاف منه، إلا أن العاقلة تتحملها تحقيقا للتخفيف على ما مر. وإذا لم يكن له عاقلة عاد الحكم إلى الأصل. وابن الملاعنة تعقله عاقلة أمه؛ لأن نسبه ثابت منها دون الأب. فإن عقلوا عنه ثم ادعاه الأب رجعت عاقلة الأم بما أدت على عاقلة الأب في ثلاث سنين من يوم   [البناية] م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (يوجب) ش: أي الشافعي م: (قيمته بالغة ما بلغت) ش: ونحن نقول الواجب فيه الدية لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) ، م: (وما دون النفس من العبد) ش: إلى آخر كتاب المعاقل، ذكره على سبيل التفريع م: (لا تتحمله العاقلة لأنه يسلك به مسلك الأموال عندنا على ما عرف، وفي أحد قوليه) ش: أي أحد قولي الشافعي م: (العاقلة تتحمله) ش: أي العاقلة م: (كما في الحر، وقد مر من قبل) ش: أي في أول فصل بعد باب جناية المملوك. م: (قال أصحابنا: أن القاتل إذا لم يكن له عاقلة فالدية في بيت المال) ش: بأن كان لقيطا ونحوه وكان مسلما بدليل قوله: م: (لأن جماعة المسلمين هم أهل نصرته، وليس بعضهم أخص من بعض بذلك، ولهذا لو مات) ش: أي القاتل الذي ليس له عاقلة م: (كان ميراثه لبيت المال، فكذا ما يلزمه من الغرامة يلزم بيت المال) ش: لأن الغرم بالغنم. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية شاذة: أن الدية في ماله) ش: روى هذه الرواية محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة وهي رواية أحمد أيضًا، وبالأول قالت الثلاثة م: (ووجهه) ش: أي وجه ما ذكر من الرواية الشاذة م: (أن الأصل أن تجب الدية على القاتل؛ لأنه بدل متلف، والإتلاف منه، إلا أن العاقلة تتحملها تحقيقا للتخفيف على ما مر) ش: عند قوله: وإن كان لأهل الذمة عواقل ... إلى آخره م: (وإذا لم يكن له عاقلة عاد الحكم إلى الأصل) ش: وهو وجوب المال على الجاني. [ابن الملاعنة تعقله عاقلة أمه] م: (وابن الملاعنة تعقله عاقلة أمه؛ لأن نسبه ثابت منها دون الأب، فإن عقلوا عنه) ش: أي عن ابن الملاعنة م: (ثم ادعاه الأب رجعت عاقلة الأم بما أدت على عاقلة الأب في ثلاث سنين من يوم الجزء: 13 ¦ الصفحة: 383 يقضي القاضي لعاقلة الأم على عاقلة الأب؛ لأنه تبين أن الدية واجبة عليهم؛ لأن عند الإكذاب ظهر أن النسب لم يزل وكان ثابتا من الأب حيث بطل اللعان بالإكذاب، ومتى ظهر من الأصل فقوم الأم تحملوا ما كان واجبا على قوم الأب فيرجعون عليهم؛ لأنهم مضطرون في ذلك. وكذلك إن مات المكاتب عن وفاء وله ولد حر فلم يؤد كتابته حتى جنى ابنه وعقل عنه قوم أمه ثم أديت الكتابة، لأنه عند الأداء يتحول ولاؤه إلى قوم أبيه من وقت حرية الأب وهو آخر جزء من أجزاء حياته، فيتبين أن قوم الأم عقلوا عنهم فيرجعون عليهم. وكذلك رجل أمر صبيا بقتل رجل فقتله فضمنت عاقلة الصبي الدية، رجعت بها على عاقلة الأمر إن كان الآمر ثبت بالبينة، وفي مال الآمر إن كان ثبت بإقراره في ثلاث سنين من يوم يقضي بها القاضي على الآمر أو على عاقلته؛ لأن الديات تجب مؤجلة بطريق التيسير. قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هاهنا عدة مسائل ذكرها محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - متفرقة.   [البناية] يقضي القاضي لعاقلة الأم على عاقلة الأب؛ لأنه تبين أن الدية واجبة عليهم؛ لأن عند الإكذاب ظهر أن النسب لم يزل وكان ثابتا من الأب حيث بطل اللعان بالإكذاب، ومتى ظهر من الأصل فقوم الأم تحملوا ما كان واجبا على قوم الأب، فيرجعون عليهم؛ لأنهم مضطرون في ذلك) ش: أي يرجعون في ثلاث سنين، وفي " المحيط ": هذا عندهما، وعند أبي حنيفة: يرجعون حالا بما أدوا. م: (وكذلك) ش: أي الحكم م: (وإن مات المكاتب عن وفاء وله ولد حر فلم يؤد كتابته حتى جنى ابنه وعقل عنه قوم أمه ثم أديت الكتابة؛ لأنه عند الأداء يتحول ولاؤه إلى قوم أبيه من وقت حرية الأب وهو آخر جزء من أجزاء حياته فيتبين أن قوم الأم عقلوا عنهم فيرجعون عليهم) ش: في ثلاث سنين؛ لأنهم مضطرون، وبقولنا: قال مالك. وعند الشافعي وأحمد: يبطل فلا يحول الولاء. م: (وكذلك) ش: أي الحكم إذا كان م: (رجل أمر صبيا بقتل رجل فقتله فضمنت عاقلة الصبي الدية، رجعت بها على عاقلة الآمر إن كان الآمر ثبت بالبينة، وفي مال الآمر إن كان ثبت بإقراره في ثلاث سنين من يوم يقضي بها القاضي على الآمر) ش: أي إذا ثبت بإقراره (أو على عاقلته) ش: أي إذا ثبت بالبينة م: (لأن الديات تجب مؤجلة بطريق التيسير) ش: لأن الأصل في وجوب الديات هو الأجل للتيسير إلا إذا ثبتت الدية بالصلح فذلك لا أجل له إلا إذا اشترط. م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (هاهنا عدة مسائل) ش: أي في المعاقل مسائل عديدة م: (ذكرها محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - متفرقة) ش: في مواضع لا في موضع الجزء: 13 ¦ الصفحة: 384 والأصل الذي يخرج عليه أن يقال: حال القاتل إذا تبدل حكما فانتقل ولاؤه إلى ولاء آخر بسبب أمر حادث لم تنتقل جنايته عن الأولى قضى بها أو لم يقض، وإن ظهرت حالة خفية مثل دعوة ولد الملاعنة حولت الجناية إلى الأخرى وقع القضاء بها أو لم يقع. ولو لم يختلف حال الجاني ولكن العاقلة تبدلت كان الاعتبار في ذلك لوقت القضاء، فإن كان قضى بها على الأولى لم تنتقل إلى الثانية. وإن لم يكن قضى بها على الأولى فإنه يقضي بها على الثانية، وإن كانت العاقلة واحدة فلحقها زيادة أو نقصان اشتركوا في حكم الجناية قبل القضاء وبعده،   [البناية] واحد م: (والأصل الذي يخرج عليه) ش: أي الأصل [الذي] يخرج عليه تلك المسائل م: (أن يقال: حال القاتل إذا تبدل حكما) ش: أي من حيث الحكم م: (فانتقل ولاؤه إلى ولاء آخر بسبب أمر حادث لم تنتقل جنايته عن الأولى) ش: أي عن الجناية الأولى. م: (قضى بها أو لم يقض) ش: هذا هو الأصل الأول، والأصل الثاني هو قوله: م: (وإن ظهرت حالة خفية مثل دعوة ولد الملاعنة حولت الجناية إلى الأخرى وقع القضاء بها أو لم يقع. ولو لم يختلف حال الجاني) ش: هذا هو الأصل الثالث م: (ولكن العاقلة تبدلت) ش: بأن كان القاتل من أهل الكوفة وله بها عطاء ثم نقل ديوانه إلى البصرة م: (كان الاعتبار في ذلك) ش: أي في التبدل م: (لوقت القضاء) . م: (فإن كان قضى بها على الأولى لم تنتقل إلى الثانية، وإن لم يكن قضى بها على الأولى فإنه يقضي بها على الثانية) ش: نظير الفصل الأول: مولود بين حرة وعبد جنى ثم أعتق أبوه لا تتحول الجناية عن عاقلة الأم. ومن نظيره: إذا أسلم حربي ووالى مسلما ثم جنى جناية عقلت عنه العاقلة التي ولاه، فإن عقلوه عنه أو لم يقض بها حتى أمر به أبوه من دار الحرب فاشتراه رجل فأعتقه فهو حر ولاء أبيه، فصار مولى الموالي ابنه، ولكن لا ترجع عاقلة الذي كان ولاؤه على عاقلة مولى الأب لأنه أمر حادث. وصورة الفصل الثاني: قتل ابن الملاعنة رجلا خطأ تعقل عنه عاقلة الأم؛ لأن نسبه ثابت من الأم، فإن عقلوا عنه ثم أعاده الأب رجعت عاقلة الأم بما ادعت على عاقلة الأب في ثلاث سنين من يوم يقضي القاضي لعاقلة الأم على عاقلة الأب. ومن نظير الفصل الثالث: ما إذا كان القاتل من أهل الكوفة وله بها عطاء ولم يقض بالدية على عاقلته حتى حول ديوانه إلى البصرة، فإنه يقضى بالدية على عاقلته من أهل البصرة، وعلى قول زفر يقضى على عاقلته من الكوفة، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [العاقلة واحدة فلحقها زيادة أونقصان] م: (وإن كانت العاقلة واحدة فلحقها زيادة أو نقصان اشتركوا في حكم الجناية قبل القضاء وبعده، الجزء: 13 ¦ الصفحة: 385 إلا فيما سبق أداؤه، فمن أحكم هذا الأصل متأملا يمكنه التخريج فيما ورد عليه من النظائر والأضداد والله أعلم بالصواب   [البناية] إلا فيما سبق أداؤه) ش: يعني لا يشتركون فيه بل يقع ذلك من الذين أدوا أولا قبل ضم أقرب القبائل إليهم م: (فمن أحكم هذا الأصل) ش: حال كونه م: (متأملا يمكنه التخريج فيما ورد عليه من النظائر والأضداد) ش: أي ومن أضداد هذه المسائل م: (والله أعلم بالصواب) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 386 كتاب الوصايا   [البناية] [كتاب الوصايا] [تعريف الوصايا ومشروعيتها] م: (كتاب الوصايا) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الوصايا ذكرها في آخر الكتاب لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، والموت آخر أحوال الآدمي فناسب ذكرها في آخر الكتب وهو جمع وصية، والوصية والوصايا يقصر اسمان بمعنى المصدر. وسمي الموصى به وصية أيضًا، قال الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا} [النساء: 12] (النساء: الآية 12) ، والوصاية بالكسر مصدر لأوصى والإيصاء طلب شيء من غيره ليعقل على عيب منه حال حياته وبعد وفاته. ومعناها في الشرع: تمليك مضاف إلى ما بعد الموت سواء كان في المنافع أو في الأعيان وهي مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع، وشرطها: كون الموصي أهلا للتمليك والموصى به من يعد مالا قابلا للتمليك. وشرائطها: كثيرة تأتي في أثناء المسائل. وركنها: قوله: أوصيت بكذا لفلان وما يجري مجراه من الألفاظ المستعملة فيها. وحكمها: أن يملك موصى له الموصي به ملكا جديدا كما يملك بالهبة، وسببها: سبب التبرعات، والله أعلم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 387 باب في صفة الوصية ما يجوز من ذلك وما يستحب منه وما يكون رجوعا عنه قال: الوصية غير واجبة، وهي مستحبة.   [البناية] [باب في صفة الوصية] [حكم الوصية] م: (باب في صفة الوصية) م: (ما يجوز من ذلك وما يستحب منه وما يكون رجوعا عنه) ش: لما كان الكتاب مشتملا على الأبواب، والأبواب مشتملة على الفصول، ذكرها واحدا بعد واحد، أي هذا باب في بيان صفة الوصية إلى آخره. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (الوصية غير واجبة وهي مستحبة) ش: إنما قال: مستحبة بعد نفي الوجوب ردا لقول البعض: إنها واجبة لأنه لا يلزم الاستحباب من نفي الوجوب لجواز الإباحة وذلك لأن الوصية مشروعة لنا لا علينا، لما روى الطحاوي بإسناده إلى أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله قد جعل لكم ثلث أموالكم، في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم» . والمشروع لنا لا يكون فرضا ولا واجبا، بل يكون مندوبا. وقال ابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن الوصية غير واجبة إلا من عليه حقوق بغير بينة وأمانة بغير إشهاد إلا طائفة شاذة فأوجبتها. روي عن الزهري أنه قال: جعل الوصية حقا مما قل أو كثر. وقيل لأبي مجلز: على كل ميت وصية؟ قال: نعم إن ترك خيرا. وقال أبو بكر عبد العزيز: هي واجبة للأقربين الذين لا يرثون، وهو قول أصحاب الظواهر. وحكي ذلك عن مسروق [ .... ] وقتادة وابن جريج. وقول بعضهم: هي واجبة في حق الوالدين والأقربين لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] (البقرة: الآية: 80) . قلنا: الآية منسوخة بقوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: 7] (النساء: الآية 7) ، قاله ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. وقال ابن عمر: نسختها آية المواريث، وبه قال عكرمة ومجاهد ومالك والشافعي وأكثر أئمة التفسير. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 388 والقياس يأبى جوازها؛ لأنه تمليك مضاف إلى حال زوال مالكيته. ولو أضيف إلى حال قيامها بأن قيل: ملكتك غدا كان باطلا، فهذا أولى بالبطلان، إلا أنا استحسناها لحاجة الناس إليها، فإن الإنسان مغرور بأمله مقصر في عمله، فإذا عرض له المرض وخاف البيات يحتاج إلى تلافي بعض ما فرط منه من التفريط بماله على وجه لو مضى فيه يتحقق مقصده المالي، ولو أنهضه البرء يصرفه إلى مطلبه الحالي، وفي شرع الوصية ذلك فشرعناه، ومثله في الإجارة بيناه، وقد تبقى المالكية بعد الموت باعتبار الحاجة كما في قدر التجهيز والدين،   [البناية] وقال أكثر أصحابنا: نسخت بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث» ، هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - منهم أبو أمامة الباهلي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجه بإسناده إليه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خطب فقال: «إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث» . وقال الترمذي: حديث حسن، وهو حديث مشهور تلقته العلماء بالقبول، وقال الأترازي: ونسخ الكتاب بمثله جائز عندنا، وهو حجة على الشافعي حيث يعتقد عدم جواز نسخ الكتاب بالسنة وقد انتسخ بها. م: (والقياس يأبى جوازها) ش: أي جواز الوصية م: (لأنه تمليك مضاف إلى حال زوال مالكيته. ولو أضيف) ش: أي التمليك م: (إلى حال قيامها) ش: إلى قيام المالكية م: (بأن قيل: ملكتك غدا كان باطلا، فهذا أولى بالبطلان، إلا أنا استحسناها) ش: أي الوصية م: (لحاجة الناس إليها، فإن الإنسان مغرور أمله مقصر في عمله، فإذا عرض له المرض وخاف البيات) ش: أي الهلاك والموت، والبيات اسم يعني البيت، وهو أن يأتي العدو ليلا م: (يحتاج إلى تلافي بعض ما فرط منه من التفريط) ش: أي إلى تدارك بعض ما سبق منه من التقصير م: (بماله على وجه لو مضى فيه يتحقق مقصده المالي، ولو أنهضه البرء يصرفه إلى مطلبه الحالي، وفي شرع الوصية ذلك) ش: أي تلافي بعض ما فرط منه م: (فشرعناه) ش: الشارع شرعها م: (ومثله في الإجارة بيناه) ش: يعني كما أن الوصية لا تجوز في القياس، وتجوز في الاستحسان، فكذلك الإجارة لا تجوز في القياس؛ لأنها تمليك منفعة معدومة، ولكنها جوزت استحسانا دفعا لحاجة الناس. م: (وقد تبقى المالكية) ش: جواب عن وجه القياس، أي قد تبقى بعض المالكية م: (بعد الموت باعتبار الحاجة كما في قدر التجهيز) ش: أي في تجهيز الميت، فإن قدر تجهيزه على ملك الميت تقدير الحاجة إليه م: (والدين) ش: كذلك؛ لأن قدر ما عليه من الدين لا يملكه الورثة م: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 389 وقد نطق به الكتاب، وهو قول الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] (النساء: الآية 11) . والسنة وهو قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " إن «الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة لكم في أعمالكم تضعونها حيث شئتم، أو قال حيث أحببتم» .   [البناية] (وقد نطق به الكتاب) ش: أي وقد نطق بجواز الوصية القرآن م: (وهو قول الله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] (النساء: الآية 11)) ش: وكذلك قوله: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] (البقرة: الآية 180) . م: (والسنة) ش: أي وقد نطقت به السنة أيضًا م: (وهو قول النبي عليه الصلاة السلام: «إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم تضعونها حيث شئتم، أو قال: حيث أحببتم» ش: قد ذكرنا عن قريب أن هذا الحديث رواه أبو هريرة وأخرجه الطحاوي وأخرجه ابن ماجه أيضًا ولفظه: «تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم» . وروى الدارقطني بإسناده إلى أبي أمامة عن معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قال إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعلها لكم زيادة في أعمالكم» . وروى أحمد في " مسنده " عن أبي الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم» . وروى ابن عدي والعقيلي في كتابيهما عن مكحول عن الصنابحي أنه سمع أبا بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إن الله عز وجل قد تصدق عليكم بثلث أموالكم عند موتكم زيادة في أعمالكم» ، وإسناده ضعيف. وروى الطبراني في " معجمه " بإسناده إلى خالد بن عبيد السلمي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله عز وجل أعطاكم عند وفاتكم ثلث أموالكم زيادة في الجزء: 13 ¦ الصفحة: 390 وعليه إجماع الأمة. ثم تصح للأجنبي في الثلث من غير إجازة الورثة لما روينا، وسنبين ما هو الأفضل فيه إن شاء الله تعالى. قال: ولا تجوز بما زاد على الثلث لقول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «الثلث، والثلث كثير» ، بعدما نفى وصيته بالكل والنصف، ولأنه حق الورثة، وهذا لأنه انعقد سبب الزوال إليهم   [البناية] أعمالكم» ، انتهى. وانظر التفاوت بين الحديث - الذي ذكره المصنف وبين هذه الأحاديث م: (وعليه إجماع الأمة) ش: أي على كونه مشروعا أجمعت الأمة. [قدر الوصية] 1 م: (ثم تصح) ش: أي الوصية في الثلث م: (للأجنبي في الثلث من غير إجازة الورثة لما روينا) ش: أشار إلى وجه الاستحسان من المنقول والمعقول م: (وسنبين ما هو الأفضل فيه إن شاء الله تعالى) ش: أي في فعل الوصية أو في قدر الوصية، أشار بذلك إلى ما قال بعد ورقة بقوله: ويستحب أن يوصي الإنسان بدون الثلث. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا تجوز) ش: أي الوصية م: (بما زاد على الثلث) ش: وهذا عند وجود الورثة بإجماع أهل العلم عند عدم إجازة الورثة، ويجوز عند إجازتهم م: (لقول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في حديث سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «الثلث والثلث كثير» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن سعد بن أبي وقاص قال: «قلت: يا رسول الله: إن لي مالا كثيرا، وإنما ترثني ابنتي، أفأوصي بمالي كله؟ قال: لا، قال: فالثلثين؟، قال: لا، قال: فبالنصف؟ قال: لا، قال: فبالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير» . م: (بعدما نفى) ش: أي بعدما نفى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (وصيته) ش: أي وصية سعد م: (بالكل) ش: أي بكل المال م: (والنصف) ش: أي ونصف المال. يدل هذا على عدم الجواز بأكثر من الثلث، وإذا لم يكن له وارث تجوز الوصية بالكل، وبه قال الحسن البصري وشريك القاضي وإسحاق بن راهويه، وقال الشافعي ومالك وأحمد وابن شبرمة والأوزاعي والحسن بن حي وأبو سليمان وأصحاب الظاهر: ليس له أن يوصي بأكثر من الثلث. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الزائد على الثلث م: (حق الورثة، وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأنه انعقد سبب الزوال إليهم) ش: أي انعقد سبب زوال الملك عنه إلى الورثة؛ لأن المرض الجزء: 13 ¦ الصفحة: 391 وهو استغناؤه عن المال فأوجب تعلق حقهم به، إلا أن الشرع لم يظهره في حق الأجانب بقدر الثلث ليتدارك تقصيره على ما بيناه وأظهره في حق الورثة؛ لأن الظاهر أنه لا يتصدق به عليهم تحرزا عما ينفق من الإيثار على ما نبينه. وقد جاء في الحديث: «الحيف في الوصية من أكبر الكبائر»   [البناية] سبب الموت م: (وهو استغناؤه عن المال) ش: يعني أن الميت لما استغنى عن المال تعلق حق الورثة به ليعود نفعه إلى أقرب الناس منه، وهو معنى قوله: م: (فأوجب تعلق حقهم به) ش: أي بالمال م: (إلا أن الشرع) ش: أي غير أن الشرع م: (لم يظهره) ش: أي لم يظهر الاستغناء م: (في حق الأجانب بقدر الثلث ليتدارك تقصيره على ما بيناه) ش: أشار به إلى ما ذكره في وجه الاستحسان. م: (وأظهره) ش: أي وأظهر الاستغناء م: (في حق الورثة؛ لأن الظاهر أنه لا يتصدق به عليهم) ش: أي على الورثة م: (تحرزا) ش: أي احترازا م: (عما ينفق من الإيثار) ش: أي من إيثار الموصي بعض الورثة على البعض في الوصية لأنه حينئذ يتأذى البعض الآخر فيفضي ذلك إلى قطع الرحم وهو حرام بالنص م: (على ما نبينه) ش: إشارة إلى قوله عند قوله: " بعد هذا " ولا يجوز لوارثه، ولأنه يتأذى البعض بإيثار البعض م: (وقد جاء في الحديث: «الحيف في الوصية من أكبر الكبائر» ش: قال الأترازي: ولنا في صحة هذا الحديث نظر ومع هذا يروى الحيف بالحاء المهملة المفتوحة وبالياء الساكنة يعني الجور. ويروى بالجيم والنون المفتوحتين يعني الميل، ومنه قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} [البقرة: 182] (البقرة: الآية 182) . وفي الحديث إنما يرد من جنف الظالم ما ... انتهى. قلت: ذكر الكاكي هذا الحديث وسكت عنه، ولكن قال: روى الجيف بالجيم، وكذلك الأكمل ذكره، ولم أر أحدا منهم حرر هذا الموضع، والحديث لم يثبت، ولهذا قال المخرج: هذا غريب، يعني لم يثبت، ثم أخرج عن الدارقطني من حديث ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الإضرار في الوصية من الكبائر» وأخرجه النسائي موقوفا. وأخرجه عن ابن عدي بلفظ: «الحيف في الوصية من الكبائر» . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 392 وفسروه بالزيادة على الثلث وبالوصية للوارث. قال: إلا أن يجيزها الورثة بعد موته وهم كبار؛ لأن الامتناع لحقهم وهم أسقطوه. ولا معتبر بإجازتهم في حال حياته؛ لأنها قبل ثبوت الحق إذ الحق يثبت عند الموت، فكان لهم أن يردوه بعد وفاته بخلاف ما بعد الموت؛ لأنه بعد ثبوت الحق، فليس لهم أن يرجعوا عنه؛ لأن الساقط متلاش. غاية الأمر أنه يستند عند الإجازة، لكن الاستناد يظهر في حق القائم، وهذا   [البناية] م: (وفسروه) ش: أي فسروا الحديث م: (بالزيادة على الثلث وبالوصية للوارث) ش: يعني كون الحيف من الكبائر في هذين الشيئين. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (إلا أن يجيزها الورثة بعد موته وهم كبار؛ لأن الامتناع) ش: استثناء من قوله: ولا يجوز بما زاد على الثلث، أي إلا أن يجيز الوصية بأكثر من الثلث م: (لحقهم) ش: أي لحق الورثة م: (وهم أسقطوه) ش: أي الورثة أسقطوا حقهم عند الإجازة م: (ولا معتبر بإجازتهم في حال حياته) ش: أي حياة الوصي م: (لأنها) ش: أي لأن الإجازة م: (قبل ثبوت الحق، إذ الحق يثبت عند الموت، فكان لهم أن يردوه بعد وفاته) ش: وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور والحسن بن صالح وشريح وطاوس والحكم وأصحاب الظاهر، وروي ذلك عن ابن مسعود، قال ابن أبي ليلى والزهري وعطاء وحماد بن أبي سليمان وعبد الملك بن يعلى وربيعة: ليس لهم أن يرجعوا عن الإجازة سواء كان قبل الموت أو بعده. م: (بخلاف ما بعد الموت) ش: أي بخلاف ما إذا كانت الإجازة بعد الموت حيث لا يكون لهم الرد م: (لأنه) ش: أي لأن الرجوع م: (بعد ثبوت الحق فليس لهم) ش: أي الرجوع والنسخة الصحيحة فليس لهم م: (أن يرجعوا عنه؛ لأن الساقط متلاش) ش: قال الأترازي: قوله: لأن الساقط مثلا متعلق بقوله فكان لهم أن يردوه. وقال الأكمل: هذا دليل قوله: فكان لهم أن يردوه بعد وفاته، وتقديره لأن إجازتهم في ذلك الوقت كانت ساقطة لعدم مصادفتها محلها، والساقط متلاش، فإجازتهم مثلا شبهة فكان لهم أن يردوا بعد الموت ما أجازه في حال حياة المورث. م: (غاية الأمر أنه يستند) ش: هذا جواب عن شبهة ترد على هذا التقرير بأن يقال: كيف تكون إجازتهم في غير محله، مع أن موت الورثة قد تعلق بماله من أول المرض على سبيل التوقف فلما مات ظهر م: (عند الإجازة) ش: صادفت محلها فكانت إجازتهم في حياته سبب الاستناد، وكإجازتهم بعد موته بسبب الاستناد فأجاب بقوله غاية الأمر أنه يستند عند الاستغناء وفي نسخة شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - عند الإجازة قول: يغني ويتلاشى. م: (لكن الاستناد يظهر في حق القائم) ش: لا التساقط المتلاشي، وهو معنى قوله: م: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 393 قد مضى وتلاشى، ولأن الحقيقة تثبت عند الموت وقبله يثبت مجرد الحق. فلو استند من كل وجه ينقلب حقيقة قبله، والرضا ببطلان الحق لا يكون رضا ببطلان الحقيقة، وكذا إن كانت الوصية للوارث وأجازه البقية فحكمه ما ذكرناه، وكلما جاز بإجازة الوارث يتملكه المجاز له من قبل الموصي عندنا. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من قبل الوارث، والصحيح قولنا؛ لأن السبب صدر من الموصي،   [البناية] (وهذا قد مضى وتلاشى) ش: فكان لهم أن يردوا بعد الموت ما أجازوه في حال حياة المورث. م: (ولأن الحقيقة) ش: دليل آخر أن حقيقة الملك للوارث م: (تثبت عند الموت) ش: أي عند موت المورث م: (وقبله) ش: أي وقبل الموت م: (يثبت مجرد الحق) ش: أي مجرد حق الملك م: (فلو استند) ش: ملكه إلى أول المرض م: (من كل وجه ينقلب) ش: أي الحق م: (حقيقة قبله) ش: أي قبل الموت، وذلك باطل لوقوع الحكم قبل السبب وهو مرض الموت. وإنما قيد بقوله: من كل وجه دفعا لوهم من يقول: حق الوارث يتعلق بمال المورث من أول المرض حتى يمنع ذلك التعلق تصرف المورث في الثلثين بالمرض ببطلان الحق، هذا جواب عما يقال: الإجازة إسقاط من الوارث لحقه برضاه، فصار كسائر الإسقاطات، وفيها لا رجوع، فكذا هذا. وتقرير الجواب أن يقال أن: م: (الرضا ببطلان الحق) ش: بعد أن عرف أن ثمة حقا وحقيقة م: (لا يكون رضا ببطلان الحقيقة) ش: لأنه رضي ببطلان الحق لا ببطلان الحقيقة، والرضا ببطلانها يستلزم وجودها، ولا وجود لها قبل التثبت وهو مرض الموت. م: (وكذا إن كانت الوصية للوارث وأجازه البقية فحكمه ما ذكرناه) ش: وهو أن لا يجوز إجازة الوارث قبل موت الموصي وتجوز بعده م: (وكل ما جاز بإجازة الوارث يتملكه المجاز له من قبل الموصي) ش: بكسر القاف وفتح الباء م: (عندنا. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من قبل الوارث) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري، إيضاحه: إذا أوصى بجميع ماله، فأجازت الورثة كان تمليكا من الميت، كذلك الوصية للوارث وعند الشافعي يكون هبة من الوارث إن بقيت وإلا بطلت، وبه قال أحمد في رواية، واختاره المزني، وبه قال بعض أصحابنا: مالك وأصحاب الظاهر، ولكن الصحيح من مذهب الشافعي وأحمد ومالك كقولنا، وهو قول جمهور العلماء. وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": ثمرة الخلاف تظهر في اشتراط القبول والقبض والتسليم من الوارث لملك المجاز له عندهم شرط كالهبة المبتدأة، وعندنا ليس بشرط. م: (والصحيح قولنا؛ لأن السبب صدر من الموصي) ش: وهو أنه عقد على ملك نفسه مع الجزء: 13 ¦ الصفحة: 394 والإجازة رفع المانع وليس من شرطه القبض. فصار كالمرتهن إذا أجاز بيع الراهن. قال: ولا تجوز للقاتل عامدا كان أو خاطئا بعد أن كان مباشرا. لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا وصية للقاتل» .   [البناية] تعلق حق الغير ما إذا أسقط الغير حقه بعد العقد من جهته كما لو أوصى وعليه دين فأبرأه الغريم م: (والإجازة رفع المانع) ش: هذا جواب عن جعل الإجازة خارجا عن الملك، يعني أن الإجازة ليست بسبب للخروج عن الملك، وإنما هو رفع المنافع عن ثبوت الملك، والحكم يضاف إلى السبب لا لإزالة المانع. م: (وليس من شرطه) ش: أي من شرط إزالة المانع م: (القبض) ش: وهذا رد لكونها هبة كما قال الشافعي، فكأنه يقول: لو كان هبة لكان القبض شرطا وهو ممنوع م: (فصار) ش: ما نحن فيه م: (كالمرتهن إذا أجاز بيع الراهن) ش: في كون السبب صدر من الراهن والملك للمشتري يثبت من قبله وإجازة المرتهن رفع المانع وكالمؤجر يبيع المستأجر فيجيره المستأجر. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا تجوز) ش: الوصية م: للقاتل) ش: وبه قال الشافعي في قول، وأحمد في رواية، وهو قول الثوري أيضًا. وقال الشافعي في الأظهر ومالك وأبو ثور وأحمد في المنصوص: فيصح. وقال الأترازي: وعن الشافعي ثلاثة أقوال: في قول: لا يصح، وفي قول: فرق بين الوصية للخارج وبين الخارج بعد الوصية له، فإنه مستعجل لحقه كالإرث كذا في " وجيزهم " م: (عامدا كان أو خاطئا) ش: يعني سواء كان قتل القاتل عمدا كان أو خطأ. وفي بعض النسخ: عامدا أو خاطئا، وكذا في نسخة شيخي العلاء م: (بعد أن كان مباشرا) ش: إنما قيد بالمباشرة؛ لأنه إذا لم يكن مباشرا لا يتعلق به حرمان الميراث وبطلان الوصية كما في حافر البئر وواضع الجمر في غير ملكه م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «ولا وصية للقاتل» . ش: قال الأترازي: ولنا ما قال محمد في الأصل: بلغنا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أنه لم يجعل للقاتل ميراثا، وعن عمر مثله، وعن علي في " الأسرار " وغيره أنه قال: لا وصية لقاتل، ولا مخالف له فحل محل الإجماع. وروي عن عبيدة السلماني في كتب التفاسير أنه قال: لم يورث قاتل بعد صاحب البقرة. فإن قلت: المصنف ذكر الحديث مرفوعا فما للأترازي ذكره عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - موقوفا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 395 ولأنه استعجل ما أخره الله تعالى فيحرم الوصية كما يحرم الميراث. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجوز للقاتل، وعلى هذا الخلاف إذا أوصى لرجل ثم إنه قتل الموصي تبطل الوصية عندنا، وعنده: لا تبطل. والحجة عليه في الفصلين ما بيناه.   [البناية] قلت: روى الدارقطني في " سننه " عن مبشر بن عبيد عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم بن عتبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس للقاتل وصية» . ثم قال الدارقطني: مبشر متروك يضع الحديث. وقال صاحب " التنقيح ": قال أحمد: مبشر بن عبيد أحاديثه موضوعة كذاب. قلت: فكذلك اقتصر الأترازي على الموقوف. م: (ولأنه) ش: أي ولأن القاتل م: (استعجل ما أخره الله فيحرم الوصية) ش: فيحرم على صيغة المجهول، والوصية منصوب؛ لأنه مفعول ثابت بقي على حاله، فالأول: قام مقام الفاعل. وكذلك الميراث منصوب في قوله: م: (كما يحرم الميراث) ش: أي كما يحرم القاتل عن ميراث الذي قتله. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجوز) ش: أي الوصية م: (للقاتل) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - ذكرنا م: (وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور بيننا وبين الشافعي م: (إذا أوصى لرجل ثم إنه) ش: أي إن الرجل الموصى له م: (قتل الموصي تبطل الوصية عندنا، وعنده) ش: أي عند الشافعي م: (لا تبطل والحجة عليه) ش: أي على الشافعي م: (في الفصلين) ش: أي فيما كان القتل قبل الوصية أو بعدها. م: (ما بيناه) ش: وفي بعض النسخ: ما قلناه، وهكذا في نسخة شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي من الحديث المذكور، فإنه بإطلاقه لا يفصل بين تقدم الجرح على الوصية وتأخره عنها، وما قاله عن المعقول الذي ذكره واعترفوا عليه بأنه صحيح إذا كان القتل بعد الوصية، فأما إذا كان الجرح قبلها فلا استعجال ثمة. وأجيب: يجعل الجارح مستعجلا وإن تقدم جرحه على الوصية كما ذكر شيخ الإسلام أن المعتبر في كون الموصي له قاتلا أو غير قاتل لجواز الوصية وفسادها يوم الموت لا يوم الوصية، فالنظر إلى وقت الموت كان الوقت مؤخرا عن الوصية. وقال الأكمل: واعترض نقض الجزء: 13 ¦ الصفحة: 396 ولو أجازتها الورثة جاز عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجوز؛ لأن جنات باقية والامتناع لأجلها. ولهما: أن الامتناع لحق الورثة؛ لأن نفع بطلانها يعود إليهم كنفع بطلان الميراث، ولأنهم لا يرضونها للقاتل كما لا يرضونها لأحدهم. قال: ولا تجوز لوارثه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن الله تعالى أعطى كل ذي حق حقه؛ ألا لا وصية لوارث» ولأنه يتأذى البعض بإيثار البعض، ففي تجويزه قطيعة الرحم. ولأنه   [البناية] إجمالي بأن ما ذكرتم لو صح بجميع مقدماته لما أعتق المدبر إذا قتل مولاه أن التدبير وصية، ولكن لا يصح للقاتل. أجيب: بأن عتقه من حيث إن موته جعل شرطا لعتقه، وقد وجد ذلك. ولكن يسعى المدبر في جميع قيمته؛ لأن تعذر الرد من حيث الصورة لوجود شرط العتق الذي لا يقبل الرد، فيرد من حيث المعنى بإيجاب السعاية. م: (ولو أجازتها الورثة) ش: أي ولو أجاز الورثة الوصية للقاتل م: (جاز عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجوز؛ لأن جنايته باقية، والامتناع) ش: أي الامتناع من الجواز م: (لأجلها) ش: أي لأجل الجناية. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: م: (أن الامتناع لحق الورثة؛ لأن نفع بطلانها يعود إليهم كنفع بطلان الميراث، ولأنهم لا يرضونها) ش: أي المرتد تل كما لا يرضونها لأحدهم) ش: أي لأحد الورثة، وهي الوصية لأحدهم إذا أجاز البقية نفذت. وكذا القاتل. فإن قيل: ما الفرق بينهما وبين الميراث إذا جازت الوصية حيث صحت الوصية دون الميراث؟ أجيب: بأن الإجازات تصرف من العبد فيعمل فيما كان من جهة العبد والوصية من جهة العبد فيعمل بخلاف الميراث، فإنه من جهة الشرع لا منع للعبد فيه فلا يعمل فيه فلا تصرف للعبد. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا تجوز لوارثه) ش: أي لا تجوز الوصية من المورث لوارث م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «إن الله أعطى كل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث» ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - منهم أبو أمامة الباهلي وقد ذكرناه في أوائل الكتاب. م: (ولأنه يتأذى البعض بإيثار البعض، ففي تجويزه قطيعة الرحم، ولأنه) ش: أي باختيار الجزء: 13 ¦ الصفحة: 397 حيف بالحديث الذي رويناه، ويعتبر كونه وارثا أو غير وارث وقت الموت لا وقت الوصية؛ لأنه تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، وحكمه يثبت بعد الموت. والهبة من المريض للوارث في هذا نظير الوصية: لأنها وصية حكما حتى تنفذ من الثلث، وإقرار المريض للوارث على عكسه؛ لأنه تصرف في الحال فيعتبر ذلك وقت الإقرار.   [البناية] البعض في الإيصاء له بشيء م: (حيف) ش: أي جور م: (بالحديث الذي رويناه) ش: وهو قوله فيما مضى عن قريب قد جاء في الحديث «الحيف في الوصية من أكبر الكبائر» م: (ويعتبر كونه وارثا أو غير وارث وقت الموت لا وقت الوصية؛ لأنه تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، وحكمه يثبت بعد الموت) ش: وفائدته تظهر فيمن أوصى لأخيه، ولا ابن له، ثم ولد له ابن فمات الموصي تصح الوصية، ومن أوصى لأخيه وله ابن ثم مات الابن فمات الموصي تبطل الوصية. وفي " قاضي خان ": أوصى لثلاث إخوة متفرقين وله ابن جازت الوصية لهم بالسوية لأنهم لا يرثون مع الابن، وإن كان له بنت مكان الابن جازت الوصية لأخ لأب ولأخ لأم، ولا تجوز لأخ لأب وأم لأنه يرث مع البنت، وإن لم يكن له ابن ولا بنت الوصية كلها للأخ لأب؛ لأنه لا يرثه وتبطل الوصية لأخ لأب وأم، ولأخ لأم لأنهما يرثانه، وكذا لو مات الابن والبنت. [الهبة من المريض للوارث] م: (والهبة من المريض للوارث في هذا) ش: أي في هذا الحكم م: (نظير الوصية) ش: أي لأن الهبة والتذكير باعتبار الوصية م: (لأنها وصية حكما) ش: أي من حيث الحكم م: (حتى تنفذ من الثلث) ش: يعني كما أن في الوصية للوارث يعتبر كونه وارثا وقت الموت فكذلك في هبة المرتهن مرض الموت للورثة يعتبر كونه وارثا بعد الموت؛ لأن هبته جعلت وصية من حيث الحكم بدليل أنها تنفذ من الثلث إذا كانت للأجنبي فالوصية للأجنبي فنفذ من الثلث، فكانت الهبة تمليكا مضافا إلى بعد الموت. م: (وإقرار المريض للوارث على عكسه) ش: أي على عكس الحكم في الهبة، يعني يعبر كونه وارثا عند الإقرار لا عند الموت م: (لأنه تصرف في الحال فيعتبر ذلك وقت الإقرار) ش: لا وقت الموت، ولهذا لو أقر في مرض الموت لأجنبي بدين يصح من جميع المال، وذكر في " النهاية " أن اعتبار وقت الإقرار دون الموت ليس على إطلاقه، بل ذلك إذا كان كونه وارثا بسبب حادث، وأما إذا كان كونه وارثا بسبب كان وقت الإقرار فيعتبر كونه وارثا وقت الموت أيضًا، ثم بين ذلك في مريض أقر لابنه العبد فأعتق فمات الأب صح الإقرار؛ لأن وراثته تثبت بسبب حادث وهو الإعتاق، وقبله كان عبدا أو كسب العبد لمولاه، فهذا إقرار في المعنى حصل للمولى وهو أجنبي فلا تبطل بصيرورة الابن وارثا بسبب حادث. ولو أقر لأخيه وله الجزء: 13 ¦ الصفحة: 398 قال: إلا أن يجيزها الورثة. ويروى هذا الاستثناء فيما رويناه. ولأن الامتناع لحقهم فتجوز بإجازتهم. ولو أجاز بعض، ورد بعض تجوز على المجيز بقدر حصته لولايته عليه وبطل في حق الراد. قال: ويجوز أن يوصي المسلم للكافر والكافر للمسلم،   [البناية] ابن ثم مات الابن قبله حتى صار الأخ وارثا بطل إقراره عندنا لأنه لما كان وارثا بسبب قائم وقت الإقرار تبين أن إقراره حصل لوارثه، وذلك باطل، انتهى. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أرى أن إطلاق المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يغني عن ذلك التطويل وذلك لأنه قال: يعتبر إقرار المريض كونه وارثا عند الإقرار، والعبد ليس بوارث عند الإقرار لكونه محروما فلا يكون إقرارا للوارث وكلامه منافيا والأخ ليس بمحروم، فيكون وارثا عند الإقرار، وإن كان محجوبا والإقرار للوارث باطل. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (إلا أن يجيزها الورثة) ش: هذا استثناء من قوله: ولا تجوز الوصية لوارث إلا أن يجيزها الإيصاء للورثة، فحينئذ يصح. وقال المصنف: م: (ويروى هذا الاستثناء) ش: أي الاستثناء الذي ذكره القدوري م: (فيما رويناه) ش: أي في الحديث الذي رويناه، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث إلا أن يجيزها» .. " رواه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هكذا. قال الكاكي: ورواه عن ابن عباس عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هكذا، أي رواه الدارقطني أيضًا هكذا عن عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. وقال الأترازي: وفيه نظر، وسكت، ولم يبين وجه النظر، فكأنه رأى في موضع أن هذا ضعيف فاقتصر على ما قاله. قلت: لفظ الدارقطني أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: في خطبة يوم النحر: «لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة» ، وفي إسناده حبيب بن الشهيد، قال ابن عدي بعده: أرجو أن حبيب بن الشهيد مستقيم الرواية. م: (ولأن الامتناع لحقهم) ش: أي امتناع الوصية لحق الورثة م: (فتجوز بإجازتهم) ش: لعدم المانع م: (ولو أجاز بعض) ش: أي بعض الورثة م: (ورد بعض) ش: أي لم يجز م: (تجوز على المجيز بقدر حصته لولايته عليه وبطل في حق الراد) ش: لعدم رضاه. [وصية المسلم للكافر] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجوز أن يوصي المسلم للكافر والكافر للمسلم) ش: أراد بالكافر الذمي لا الحربي؛ لأن الحربي لا يجوز له الوصية على ما يأتي. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 399 فالأول لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] [الممتحنة: الآية 8] . والثاني: لأنهم بعقد الذمة ساووا المسلمين في المعاملات، ولهذا جاز التبرع من الجانبين في حالة الحياة، فكذا بعد الممات. وفي" الجامع الصغير ": الوصية لأهل الحرب باطلة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] [الممتحنة: الآية 9] . قال: وقبول الوصية بعد الموت فإن قبلها الموصى له حال الحياة أو   [البناية] م: (فالأول:) ش: هو وصية المسلم للكافر م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] م: [الممتحنة: الآية 8] ) ش: لأنهم إذا لم يخرجوكم من دياركم ولم يؤذوكم فهذا بر منهم، فالعدل معهم أن تبروهم أنتم أيضًا بحسن المعاشرة والصلة بالمال، كذا في التفسير، والوصية لهم بالمال من العين، فكانت جائزة. وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " نكت الوصايا ": وروي عن صفية بنت حيي زوجة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوصت بثلث مالها لأخيها وهو يهودي، وكان ذلك بمحضر من الصحابة فلم ينكروا عليها. م: (والثاني:) ش: وهو وصية الكافر للمسلم م: (لأنهم) ش: أي أن أهل الذمة م: (بعقد الذمة ساووا المسلمين في المعاملات، ولهذا جاز التبرع من الجانبين في حالة الحياة، فكذا بعد الممات) ش: وهذا لا خلاف فيه لأهل العلم. وأما وصية المسلم لأهل الحرب فقد أشار إليه بقوله: م: (وفي" الجامع الصغير ": الوصية لأهل الحرب باطلة) ش: وبه قال بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال مالك وأحمد وأكثر أصحاب الشافعي: يجوز م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] [الممتحنة: الآية 9] ) ش: {وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 9] قالوا في " شرح الجامع الصغير ": ما يدل على الجواز. وذكر محمد في " السير الكبير " ما يدل على جواز الوصية لهم. ووجه التوفيق بين الروايتين: أنه لا ينبغي أن يفعل، وإن فعل ثبت الملك لهم لأنهم من أهل الملك، وأما وصية الحربي بعدما دخل دارنا بأمان فإنها جائزة؛ لأن له ولاية تمليك ماله في حياته، فكذا بعد وفاته على أنه لا فرق بين وصيته بالثلث وبجميع ماله؛ لأن منع المسلم في ذلك منهي عما زاد على الثلث لحق ورثة المسلمين؛ لأنه معصوم عن الإبطال، وورثة الحربي ليس كذلك. [الوصية بعد الموت] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وقبول الوصية بعد الموت، فإن قبلها الموصى له حال الحياة أو الجزء: 13 ¦ الصفحة: 400 ردها فذلك باطل؛ لأن أوان ثبوت حكمه بعد الموت لتعلقه به، فلا يعتبر قبله كما لا يعتبر قبل العقد. قال: ويستحب أن يوصي الإنسان دون الثلث، سواء كانت الورثة أغنياء أو فقراء؛ لأن في التنقيص صلة القريب بترك ماله عليهم، بخلاف استكمال الثلث؛ لأنه استيفاء تمام حقه، فلا صلة ولا منة. ثم الوصية بأقل من الثلث أولى أم تركها؟ قالوا: إن كانت الورثة فقراء ولا يستغنون بما يرثون فالترك أولى، لما فيه من الصدقة على القريب، وقد قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» .   [البناية] ردها فذلك باطل؛ لأن أوان ثبوت حكمه بعد الموت لتعلقه به، فلا يعتبر قبله كما لا يعتبر قبل العقد) ش: ألا ترى أنه لو قال لامرأته أنت طالق غدا على ألف فالقول والرد منها يعتبر بعد مجيء الغد. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويستحب أن يوصي الإنسان بدون الثلث -، سواء كانت الورثة أغنياء أو فقراء) ش: ولا يعلم فيه خلاف لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لأن تدع ورثتك أغنياء» ... ) الحديث. وعن أبي بكر وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنهما قالا: لأن يوصى بالخمس أحب إلي من أن يوصى بالربع، ولأن يوصى بالربع أحب إلي من أن يوصى بالثلث م: (لأن في التنقيص) ش: أي من الثلث م: (صلة القريب بترك ماله عليهم، بخلاف استكمال الثلث؛ لأنه استيفاء تمام حقه، فلا صلة ولا منة) ش: لأن الموصي إذا استوفى تمام حقه الذي هو الثلث لا يبقى له منة على ورثته، ولا إيثار بالصلة. م: (ثم الوصية بأقل من الثلث أولى أم تركها؟ قالوا:) ش: أي المشايخ م: (إن كانت الورثة فقراء ولا يستغنون بما يرثون فالترك أولى، لما فيه من الصدقة على القريب، وقد قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» ش: هذا الحديث رواه الإمام أحمد في "مسنده" عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولفظه: - «إن أفضل الصدقة» .... ". الجزء: 13 ¦ الصفحة: 401 ولأن فيه رعاية حق الفقراء والقرابة جميعا، وإن كانوا أغنياء أو يستغنون بنصيبهم، فالوصية أولى: لأنه يكون صدقة على الأجنبي، والترك هبة من القريب، والأولى أولى لأنه يبتغى بها وجه الله تعالى. وقيل في هذا الوجه: يخير الموصي لاشتمال كل منهما على فضيلة، وهو الصدقة والصلة فيخير بين الخيرين.   [البناية] ورواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب " الأموال " عن أبي هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سئل أي الصدقة أفضل؟ فقال: "الصدقة على ذي الرحم الكاشح» ، انتهى. والكاشح الذي يخفي عدوانه في كشحه، والكشح ما بين الخاصرة إلى الضلع، وإنما الصدقة عليه أفضل لما فيه من مخالفة النفس وقهرها. وكذلك في ذي الرحم الصديق. ثم اعلم أن الأفضل أن يجعل وصية لأقاربه الذين لا يرثون إذا كانوا فقراء، وعليه أهل العلم. وقال ابن عبد البر: لا خلاف فيه بين العلماء. وعن طاوس والضحاك: تنتزع من الغير وترد إلى قرابته. وعن الحسن وجابر بن زيد: يعطى الثلث للغير ويرد الباقي إلى قرابته. م: (ولأن فيه) ش: أي في ترك الوصية إذا كانت الورثة فقراء م: (رعاية حق) ش: النفس م: (الفقراء والقرابة جميعا، وإن كانوا أغنياء أو يستغنون بنصيبهم) ش: من الإرث م: (فالوصية أولى؛ لأنه يكون صدقة) ش: أي لأن الإيصاء بالثلث حينئذ بمنزلة الصدقة م: (على الأجنبي، والترك) ش: أي ترك الوصية بالثلث يكون م: (هبة من القريب، والأولى أولى) ش: أي الصدقة على الأجنبي أفضل م: (لأنه يبتغى بها وجه الله تعالى) ش: لأنها صدقة في حياته. م: (وقيل في هذا الوجه:) ش: وهو ما إذا كانت الورثة أغنياء يستغنون بنصيبهم م: (يخير الموصي لاشتمال كل منهما) ش: أي من الوصية والترك م: (على فضيلة وهو) ش: أي اشتمال الفضيلة م: (الصدقة) ش: في حق الأجنبي م: (والصلة) ش: في حق الورثة، فإذا كان كذلك م: (فيخير بين الخيرين) ش: بكسر الخاء، يعني بين الخيارين. وفي " شرح الطحاوي " الأفضل لمن كان له مال قليل أن لا يوصي بشيء إذا كانت له ورثة، والأفضل لمن كان له مال كثير أن لا يجاوز الثلث فيما لا معصية فيه. وفي " خلاصة الفتاوى " عن الإمام الفضلي: إذا كانت الورثة صغارا فترك الوصية أفضل، قال: هكذا روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وإن كانوا بالغين إن كانوا فقراء ويستغنون بثلثي التركة فالوصية أفضل. وقدر الاستغناء عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا ترك لكل واحد من الورثة أربعة الجزء: 13 ¦ الصفحة: 402 قال: والموصى به يملك بالقبول، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. هو يقول: الوصية أخت الميراث، إذ كل منهما خلافة لما أنه انتقال ثم الإرث يثبت من غير قبول، فكذلك الوصية. ولنا: أن الوصية إثبات ملك جديد، ولهذا لا يرد الموصى له بالعيب ولا يرد عليه بالعيب ولا يملك أحد إثبات الملك لغيره إلا بقبوله. أما الوراثة فخلافة حتى تثبت فيها هذه الأحكام، فثبت جبرا من الشرع من غير قبول.   [البناية] آلاف. وفي الموضع الذي أراد أن يوصي ينبغي أن يبدأ بالقرابة، فإن كانوا أغنياء فالجيران. [الموصى به يملك بالقبول] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (الموصى به يملك بالقبول) ش: يملك على صيغة المجهول، وبه قال جمهور العلماء: إذا كانوا بالغين يمكن القبول منه. أما إذا كان لغير معين كالفقراء والمساكين ومن لا يمكن حصره كبني هاشم أو على مصلحة مسجد أو حج لم يفتقر إلى قبول، ولزمت بمجرد الموت؛ لأن الوصية لهم كالوقف عليهم م: (خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ش: فإن عنده لا يتوقف على القبول م: (وهو) ش: أي قول زفر م: (أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو قول غير مشهور عنه. م: (هو) ش: أي زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يقول الوصية أخت الميراث، إذ كل منهما خلافة) ش: أي لأن كل واحد من الوصية والميراث خلافة بعد الموت م: (لما أنه انتقال) ش: أي لما أن كل واحد من الإرث والوصية انتقال المال م: (ثم الإرث يثبت من غير قبول) ش: فلا يرتد بالرد م: (فكذلك الوصية) . م: (ولنا: أن الوصية إثبات ملك جديد، ولهذا لا يرد الموصى له بالعيب ولا يرد عليه بالعيب) ش: يعني لو أوصى بجميع ماله لإنسان ثم باع شيئا من التركة ووجد المشتري به عيبا لا يرده على الموصى له. ولو كان ثبوت الملك للموصى له بطريق الخلافة لثبتت ولاية الرد في الصورتين جميعا، كما في الوارث م: (ولا يملك أحد إثبات الملك لغيره إلا بقبوله) ش: ورضاه. ألا ترى أنه لو أوصى بثلث تراب في داره، فلو ملكه الموصى له من غير رضاه للحقه ضرر بفعل الموصي؛ لأنه يلزمه نقله من بيته وهو لا يجوز؛ وذلك لأن نفوذ الوصية لمنفعة الموصى له ولو أثبتنا الملك له قبل قبوله لربما تضرر، فإنه لو أوصى له بعبد أعمى وجب عليه نفقة بلا منفعة تعود إليه، وأمثال هذا كثيرة. م: (أما الوراثة فخلافة حتى تثبت فيها هذه الأحكام) ش: أشار به إلى قوله: ولهذا لا يرد الموصى له بالعيب ولا يرد بالعيب م: (فثبت) ش: أي الخلافة في الميراث م: (جبرا من الشرع من غير قبول) ش: الوارث، أي من غير اختيار منه شيئا أو أبى، وفي الوصية للموصى له الخيار الجزء: 13 ¦ الصفحة: 403 قال: إلا في مسألة واحدة وهي: أن يموت الموصي ثم يموت الموصى له قبل القبول، فيدخل الموصى به في ملك ورثته استحسانا، والقياس: أن تبطل الوصية لما بينا أن الملك موقوف على القبول. فصار كموت المشتري قبل قبوله بعد إيجاب البائع. وجه الاستحسان: أن الوصية من جانب الموصي قد تمت بموته تماما لا يلحقه الفسخ من جهته، وإنما توقفت لحق الموصى له، فإذا مات دخل في ملكه كما في البيع المشروط فيه الخيار للمشتري إذا مات قبل الإجازة. قال: ومن أوصى وعليه دين يحيط بماله لم تجز الوصية؛ لأن الدين مقدم على الوصية؛ لأنه أهم الحاجتين، فإنه فرض والوصية تبرع، وأبدا يبدأ بالأهم فالأهم، إلا أن تبرئه الغرماء؛ لأنه لم يبق الدين فتنفذ الوصية على الحد المشروع لحاجته إليها.   [البناية] ، ولهذا يرتد بالرد، ولما ارتدت بالرد وافقت على القبول كالبيع والهبة. ثم القبول على ضربين قبول بالصريح وقبول بالدليل، فالصريح أن يقول بعد موت الموصي: قبلت، والدليل أن يموت الموصى له قبل القبول والرد بعد موت الموصي، فيكون موته قبولا لوصيته، ويكون ذلك ميراثا لورثته. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (إلا في مسألة واحدة) ش: هذا استثناء من قوله: "والموصى به يملك بالقبول " يعني في المسألة المستثناة يملك بدون القبول م: (وهي أن يموت الموصي ثم يموت الموصى له قبل القبول، فيدخل الموصي به في ملك ورثته استحسانا، والقياس: أن تبطل الوصية لما بينا أن الملك) ش: أي ملك الموصي م: (موقوف على القبول) ش: وقد فات القبول بالموت فبطلت الوصية م: (فصار) ش: حكم هذا م: (كموت المشتري قبل قبوله بعد إيجاب البائع) . م: (وجه الاستحسان: أن الوصية من جانب الموصي قد تمت بموته تماما لا يلحقه الفسخ من جهته، وإنما توقفت لحق الموصى له، فإذا مات دخل في ملكه) ش: لأن موته بلا رد دليل القبول، نظيره م: (كما في البيع المشروط فيه الخيار للمشتري إذا مات قبل الإجازة) ش: فإن البيع يتم وتكون السلعة موروثة عن المشتري، فكذا هنا يكون الوصية موروثة عن الموصى له. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى وعليه دين يحيط بماله لم تجز الوصية؛ لأن الدين مقدم على الوصية؛ لأنه أهم الحاجتين، فإنه) ش: أي فإن الدين م: (فرض) ش: أي أداؤه م: (والوصية تبرع، وأبدا يبدأ بالأهم فالأهم، إلا أن تبرئه الغرماء) ش: أي أصحاب الديون م: (لأنه لم يبق الدين فتنفذ الوصية) ش: حينئذ م: (على الحد المشروع) ش: وهو الوجه الذي ذكره، وهو أن الورثة إما أن يكونوا فقراء أو أغنياء م: (لحاجته إليها) ش: أي لحاجة الموصي الميت إلى الوصية. وقال الزمخشري: إنما قدم الوصية على الدين في قَوْله تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] الجزء: 13 ¦ الصفحة: 404 قال: ولا تصح وصية الصبي. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تصح إذا كان في وجوه الخير؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أجاز وصية يفاع أو يافع، وهو الذي راهق الحلم.   [البناية] (النساء: الآية 11) ، مع أن الدين مقدم شرعا، لما أن الوصية مشابهة للميراث في كونها مأخوذة من غير عوض، فكان إخراجها مما يشق على الورثة ولا يطيب أنفسهم بها، فكان أداؤها مظنة للتفريط. بخلاف الدين، وإن نفوسهم مطمئنة إلى أدائه، فكذلك قدمت على الدين بعثا على المسارعة إلى إخراجها ووجوبها مع الدين، وكذلك جنى بكلمة أو لتسوية بينهما في الوجوب. [الوصية من المجنون والصبي] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا تصح وصية الصبي) ش: سواء مات قبل الإدراك أو بعده وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: وأصحاب الظواهر، وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تصح) ش: أي وصية الصبي م: (إذا كان في وجوه الخير) ش: وبه قال مالك وأحمد وهو قول الشعبي والنخعي وعمر بن عبد العزيز وشريح وعطاء والزهري وإياس وعبد الله بن عيينة. وقال ابن الجلاب البصري المالكي في كتاب " التفريع ": وصية الصبي المميز جائزة، وقال الغزالي في "وجيزه ": ولا تصح الوصية من المجنون والصبي الذي لا يميز، وفي الصبي المميز قولان. م: (لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أجاز وصية يفاع أو يافع، وهو الذي راهق الحلم) ش: روى مالك في " الموطأ " عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه أنه قيل لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن هاهنا غلاما يفاعا لم يحتلم من غسان ووارثه بالشام وهو ذو مال، وليس له هاهنا إلا ابنة عم له فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فليوص لها، فأوصى لها بماء يقال له: بئر جشم، قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فبيعت بثلاثين ألف درهم. وابنة عمه هي: أم عمرو بن سليم. ورواه عبد الرزاق في " مصنفه"، - أخبر سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن عمرو بن سليم الغساني أوصى وهو ابن عشر أو ثنتي عشرة ببئر له قومت بثلاثين ألفا فأجاز عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وصيته. وقال البيهقي: عمرو بن سليم لم يدرك عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، إلا أنه منتسب لصاحب القصة. قوله: " يفاع " بفتح الياء آخر الحروف وبالفاء المخففة وبعد الألف عين مهملة. وفي " الجمهرة ": غلام يفع ويافع ويفعة وقد أيفع يوفع إيفاعا إذا تحرك وشب. والجمع أيفاع، ويفاع الجزء: 13 ¦ الصفحة: 405 ولأنه نظر له بصرفه إلى نفسه في نيل الزلفى. ولو لم تنفذ يبقى على غيره. ولنا: أنه تبرع، والصبي ليس من أهله، ولأن قوله غير ملزم، وفي تصحيح وصيته قول بإلزام قوله، والأثر محمول على أنه كان قريب العهد بالحلم مجازا، أو كانت وصيته في تجهيزه وأمر دفنه، وذلك جائز عندنا، وهو يحرز الثواب بالترك على ورثته كما بيناه.   [البناية] قطعة من الجبل والعلة إيفاء فوقع عما حولها. وقال الكاكي: غلام يفاع بمعنى يافع، وجمعه يفعان، ولا يقال: صبي ولا يوفع، وهو من النوادر. قلت: ذكر في كتاب " خلق الإنسان " عن أبي عبيد: قال بعضهم: الحرور واليافع والمترعرع واحد. وإذا لم يبلغ الصبي الحلم قيل: غلام يافع وجمعه أيفاع. وقال أبو عبيد: قال الكسائي: وهو على غير قياس، والقياس أن يقال: يوفع، ويقال: غلام يفعه. م: (ولأنه) ش: أي ولأن إيصاء الصبي م: (نظر له بصرفه إلى نفسه في نيل الزلفى) ش: أي القرب إلى الله تعالى والدرجة العليا م: (ولو لم تنفذ) ش: إيصاؤه م: (يبقى) ش: ماله م: (على غيره) ش: أي على غير الصبي، ولو نفذت يبقى ماله على نفسه حيث يكون له الثواب بالوصية بماله فكانت الوصية أولى. م: (ولنا: أنه) ش: أي أن إيصاءه م: (تبرع، والصبي ليس من أهله) ش: أي من أهل التبرع، ولهذا لا يملك التبرع بماله في حال الحياة بالإجماع بالهبة أو الصدقة، فكذلك لا يملكه بطريق الوصية أيضًا قياسا على الإعتاق. م: (ولأن قوله غير ملزم. وفي تصحيح وصيته قول بإلزام قوله) ش: لأن الوصية لازمة بعد الموت م: (والأثر) ش: أي الأثر الذي روى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (محمول على أنه كان قريب العهد بالحلم مجازا) ش: أي: من حيث المجاز، يعني: كان بالغا لم يمض على بلوغه زمان كثير مثله يسمى بالغا مجازا تسمية للشيء باسم ما كان عليه م: (أو كانت وصيته) ش: جواب ثان عن الأثر المذكور، أي: أو كانت وصية يفاع المذكور م: (في تجهيزه وأمر دفنه، وذلك جائز عندنا، وهو يحرز الثواب بالترك على ورثته) ش: هذا جواب عن قوله: ولأنه نظر له بصرفه إلى نفسه في نيل الزلفى م: (كما بيناه) ش: أي عن قريب من قوله: وإن كانت الورثة فقراء ... إلى آخره. وقال الأترازي: وفي الجواب عن حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تخبيط جواب المشايخ، وبين ذلك بالجوابين اللذين ذكرهما المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثم قال: وفيهما نظر عندي؛ لأنه صرح الراوي بأنه أوصى لابنة عم له بمال، فكيف يسمي ذلك وصيته تجهيز نفسه. وكيف الجزء: 13 ¦ الصفحة: 406 والمعتبر في النفع والضرر النظر إلى أوضاع التصرفات لا إلى ما يتفق بحكم الحال اعتبره بالطلاق فإنه لا يملكه ولا وصية. وإن كان يتفق نافعا في بعض الأحوال.   [البناية] يقال: يحتمل أنه كان أدرك، لكن سمي غلاما مجازا لأنه صح في رواية الحديث: أنه كان غلاما محتلم، انتهى. قلت: نسبة التخبيط في هذا إلى نفس الأمر إلى المصنف؛ لأن الوجهين المذكورين هو الذي ذكرهما. وأجاب الأكمل عنه بقوله: بأن قوله: "كان غلاما محتلم "، يعني اليافع حقيقة، فيجوز أن يكون الراوي نقله بمعناه. وقوله: " أنه أوصى لابنة عم له بماله " لا ينافي أن يكون فيما يتعلق بتجهيزه ودفنه، انتهى. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الجواب الصحيح - وطول فيه -، وملخصه: أن من أدرك عصر الصحابة من التابعين كسعيد بن المسيب والحسن والشعبي والنخعي يعتد بخلافه في إجماع الصحابة حتى لا يتم إجماعهم مع خلافه، ثم روى أصحابنا في كتبهم عن الشعبي والنخعي والحسن أنهم قالوا: لا تجوز وصية المراهق، فبطل الاحتجاج بالإجماع؛ لأنه لا إجماع للصحابة مع خلافهم، فبقي تعليل الصحابي، وهو ليس بواجب عند الخصم فكيف يحتج به على غيره، انتهى. والجواب الصحيح ما قاله الطحاوي، والاحتجاج بهذا الأثر لا يصح من الشافعي لأنه مرسل؛ لأن رواية عمرو بن سليم وهو ممن لم يلق عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وأبلغ من هذا ما قاله ابن حزم أن هذا الأثر لم يصح عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وخالفه - ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وهو أيضًا مخالف لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] الآية، فإنها تدل على أن الصبي ممنوع من ماله. وفي " المبسوط ": والمرسل وإن كان مقبولا عندنا لكنه خالف عموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع القلم عن ثلاث» ... " الحديث، قال الأكمل: وفيه نظر؛ لأن المراد بالقلم التكليف، وما نحن فيه فليس منه، فليتأمل. م: (والمعتبر في النفع والضرر) ش: هذا تنزل في الجواب كأنه يقول: سلمنا أن الوصية يحصل الثواب دون تركها، لكن المعتبر به في النفع والضرر م: (النظر إلى أوضاع التصرفات) ش: يعني يعتبر في التصرفات أصل الوضع لا الأحوال، والوصية في أصل الوضع مزيل للملك، وقد يقع النفع فيها في بعض الأحوال، وقد لا يكون فيه نفع كأن أوصى لفاسق ينفق ذاك المال في الفسق، وهذا إعانة على المعصية لا ينبغي في نيل الزلفى م: (لا إلى ما ينفق بحكم الحال) ش: يعني لا النظر إلى ما يتفق بحكم الحال من العوارض اللاحقة م: (اعتبره) ش: أي اعتبر ما ذكرنا م: (بالطلاق؛ فإنه) ش: أي فإن الصبي م: (لا يملكه) ش: أي لا يملك طلاقه وإن طلق م: (ولا وصية. وإن كان يتفق نافعا في بعض الأحوال) ش: أي: ولا يملك وصيته أيضًا وإن نصب مانعا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 407 وكذا إذا أوصى ثم مات بعد الإدراك لعدم الأهلية وقت المباشرة. وكذا إذا قال: إذا أدركت فثلث مالي لفلان، وصية لقصور أهليته، فلا يملكه تنجيزا وتعليقا كما في الطلاق والعتاق. بخلاف العبد والمكاتب؛ لأن أهليتهما مستتمة، والمانع حق المولى فتصح إضافته إلى حال سقوطه. قال: ولا تصح وصية الكاتب وإن ترك وفاء؛ لأن ماله لا يقبل التبرع. وقيل: على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تصح، وعندهما: تصح ردا لها إلى مكاتب يقول: كل مملوك أملكه فيما استقبل فهو حر ثم عتق فملك، والخلاف فيها معروف عرف في موضعه.   [البناية] في بعض الأحوال بأن يطلق امرأة معسرة شرعا ويتزوج بأختها الموسرة الحسنى، أو يطلقها بأن كانت زانية سليطة ويتزوج بالصالحة؛ لأن ذلك من العوارض والوصية في الأصل تبرع، والصبي ليس من أهله. م: (وكذا إذا أوصى) ش: أي الصبي بوصية م: (ثم مات بعد الإدراك لعدم الأهلية وقت المباشرة) ش: أي وقت مباشرة الوصية م: (وكذا إذا قال: إذا أدركت فثلث مالي لفلان وصية) ش: لا يجوز م: (لقصور أهليته، فلا يملكه) ش: أي الإيصاء م: (تنجيزا وتعليقا) ش: أي: من حيث التنجيز كما في الوجه الأول، ومن حيث التعليق كما في الوجه الثاني م: (كما في الطلاق والعتاق) ش: حيث لا يملكهما تنجيزا ولا تعليقا. م: (بخلاف العبد والمكاتب) ش: يعني: إذا قال العبد أو المكاتب: إذا أعتقت فثلث مالي وصية يصح م: (لأن أهليتهما مستتمة) ش: أي تامة م: (والمانع حق المولى فتصح إضافته إلى حال سقوطه) ش: أي سقوط المانع. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا تصح وصية المكاتب وإن ترك وفاء؛ لأن ماله لا يقبل التبرع) ش: ولهذا لا يصح عتقه وهبته م: (وقيل: على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تصح، وعندهما: تصح ردا لها) ش: أي: قياسا لهذه المسألة م: (إلى مكاتب يقول: كل مملوك أملكه فيما أستقبل فهو حر ثم عتق فملك، والخلاف فيها معروف عرف في موضعه) ش: أي: من باب الحنث في تملك المكاتب والمأذون في أيمان " الجامع الكبير " وما عرف ثمة هو أن المكاتب إذا قال: كل مملوك أملكه فيما استقبل فهو حر فعتق فملك لم يعتق عند أبي حنيفة، وعتق عندهما. لهما: أن ذكر الملك إلى ملك الظاهر للإعتاق، وهو ما بعد الحرية، ولأبي حنيفة أن للمكاتب وعين من الملك أحدهما إلى ظاهر، وهو ما قبل العتاق، والثاني: غير ظاهر وهو ما بعد العتاق فيضرب اليمين الظاهر دون غير الظاهر. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 408 قال: وتجوز الوصية للحمل وبالحمل إذا وضع لأقل من ستة أشهر من وقت الوصية. أما الأول فلأن الوصية استخلاف من وجه؛ لأنه يجعله خليفة في بعض ماله، والجنين صلح خليفة في الإرث، فكذا في الوصية إذ هي أخته، إلا أنه يرتد بالرد لما فيه من معنى التمليك. بخلاف الهبة لأنها تمليك محض ولا ولاية لأحد عليه ليملكه شيئا. وأما الثاني: فلأنه بعرض الوجود إذ الكلام فيما إذا علم وجوده وقت الوصية، وبابها   [البناية] [الوصية للحمل] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وتجوز الوصية للحمل) ش: مثل أن يقول: أوصيت بثلث مالي لما في بطن فلانة م: (وبالحمل) ش: كما إذا أوصى بما في بطن جاريته ولم يكن من المولى م: (إذا وضع لأقل من ستة أشهر من وقت الوصية) ش: أراد أنه إذا علم أنه ثابت موجود في البطن وقت الوصية له أو به، ومعرفة ذلك بأن جاءت لأقل من ستة أشهر من وقت الوصية على ما ذكره الطحاوي واختاره المصنف وصححه الأسبيجابي في " شرح الكافي " من وقت موت الموصي على ما ذهب إليه الفقيه أبو الليث - رحمة الله عليهم -، واختاره " صاحب النهاية ". م: (أما الأول) ش: وهو الوصية للحمل م: (فلأن الوصية استخلاف من وجه) ش: دون وجه م: (لأنه يجعله خليفة في بعض ماله) ش: بعد موته إلا أنه يملكه في الحال م: (والجنين صلح خليفة في الإرث، فكذا في الوصية إذ هي أخته) ش: أي لأن الوصية أخت الإرث إلا أنه جواب عما يقال: لو كانا أختين لما جاز ردها كما لم يجز رده، وتقرير الجواب هو قوله: م: (إلا أنه) ش: أي أن فعل عقد الوصية أو الإيصاء م: (يرتد بالرد لما فيه من معنى التمليك) ش: دون الميراث تقدم ذلك فيه. م: (بخلاف الهبة) ش: متصل بقوله: وتجوز الوصية بالحمل، يعني: أن الهبة بالحمل لا تصح م: (لأنها) ش: أي لأن الهبة م: (تمليك محض) ش: والجنين ليس بصالح لذلك م: (ولا ولاية لأحد عليه) ش: أي على الجنين م: (ليملكه شيئا) ش: لأنه لا حاجة له قبل الانفصال. م: (وأما الثاني) ش: وهو الوصية به م: (فلأنه) ش: أي الحمل م: (بعرض الوجود) ش: أي بعرضية الوجود م: (إذ الكلام فيما إذا علم وجوده وقت الوصية) ش: فإن وضع المسألة فيما إذا وضعت لأقل من ستة أشهر من وقت الوصية أو الموت، وبذلك يعلم وجوده وقت الوصية لا محالة، ولقائل أن يقول: في كلام المصنف تناقض ظاهر؛ لأنه لا يعلم وجود شيء إلا بعد أن يصير موجودا، وإذا كان موجودا، لا يكون بعرض الوجود. والجواب: أن معنى قوله "بعرض الوجود": بعرض وجود يصلح الورود القبض عليه، ومعنى قوله: إذا علم وجوده حقيقة، وكونه في بطن الأم فاندفع التناقض م: (وبابها) ش: أي الجزء: 13 ¦ الصفحة: 409 أوسع لحاجة الميت وعجزه، ولهذا تصح في غير الموجود كالثمرة، فلأن تصح في الموجود أولى. قال: ومن أوصى بجارية إلا حملها صحت الوصية والاستثناء؛ لأن اسم الجارية لا يتناول الحمل لفظا ولكنه يستحق بالإطلاق تبعا، فإذا أفرد الأم بالوصية صح إفرادها. ولأنه يصح إفراد الحمل بالوصية فجاز استثناؤه، وهذا هو الأصل: أن ما يصح إفراده بالعقد يصح استثناؤه منه، إذ لا فرق بينهما، وما لا يصح إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه منه وقد مر في البيوع.   [البناية] باب الوصية م: (أوسع لحاجة الميت وعجزه، ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (تصح) ش: أي الوصية م: (في غير الموجود كالثمرة، فلأن تصح في الموجود أولى) ش: إيضاح ذلك فيما قاله الكرخي في "مختصره " في رجل أوصى له بثمرة بستان وهو يخرج من الثلث ثم مات، فإن أبا حنيفة قال في ذلك: إن كان فيه ثمرة فليس له إلا تلك الثمرة، وإن لم يكن فيه ثمرة [ ... ] ثمرته أبدا من الثلث. إن أوصى بغلته فله غلته أبدا من الثلث؛ لأن الغلة على الأبد والثمرة على القائمة بعينها ليس له غيرها. وإن كان البستان ليس له مال غيره وأوصى بغلته لرجل أبدا وفيه ثمرة أو ليس له فيه ثمرة فهو سواء، له ثلث الثمرة التي فيه، وثلث ما يستقبل من ثمره. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى بجارية إلا حملها صحت الوصية والاستثناء) ش: يعني تكون الجارية للموصى له بها، ويكون الحمل للورثة م: (لأن اسم الجارية لا يتناول الحمل لفظا) ش: أي من حيث اللفظ، ومن حيث اللغة؛ لأنه لا يفهم منها فإذا كان كذلك صح إقرار الأم بالإيصاء باستثناء الحمل م: (ولكنه يستحق بالإطلاق تبعا) ش: هذا جواب عما يقال: لا نسلم أن اسم الجارية لا يتناول الحمل، فإنه لو لم يبين استحقه للوصي له. ولو لم يتناول لما استحقه كغيره من أمواله. وتقرير الجواب بأنه يستحق الحمل بالإطلاق، يعني لم يتناول بالعموم، بل يستحق إذا أطلق الموصي عن قيد الإفراد. م: (فإذا أفرد الأم بالوصية صح إفرادها) ش: يعني إذا أفرد الأم لم يبق مطلقا بل تقيدت الأم بالإفراد فصحت الوصية بها لا مفردة م: (ولأنه يصح إفراد الحمل بالوصية فجاز استثناؤه، وهذا هو الأصل: أن ما يصح إفراده بالعقد يصح استثناؤه منه) ش: ولهذا لو قال: لفلان علي ألف درهم إلا قفيز حنطة صح الاستثناء وإن كان صدر الكلام لا يتناولها م: (إذ لا فرق بينهما) ش: أي بين صحة إفراد العقد عليه، وبين الاستثناء؛ لأن كل واحد منهما يتعلق بكونه معلوما م: (وما لا يصح إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه منه) ش: كما في شراء جارية وإلا حملها م: (وقد مر في البيوع) ش: أي في باب البيع الفاسد. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 410 قال: ويجوز للموصي الرجوع عن الوصية؛ لأنه تبرع لم يتم فجاز الرجوع عنه كالهبة، وقد حققناه في كتاب الهبة. ولأن القبول يتوقف على الموت، والإيجاب يصح إبطاله قبل القبول كما في البيع. قال: وإذا صرح بالرجوع أو فعل ما يدل على الرجوع كان رجوعا.   [البناية] [الرجوع عن الوصية] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويجوز للموصي الرجوع عن الوصية؛ لأنه) ش: أي لأن الوصية على تأويل الإيصاء. وفي بعض النسخ: لأنها، فلا يحتاج إلى التأويل م: (تبرع لم يتم) ش: لأنه مضاف إلى ما بعد الموت، والتبرع النافذ وهو الهبة يحتمل الرجوع، فالمضاف أولى واجتمع أهل العلم على جواز الرجوع للموصي في جميع ما أوصى كله أو بعضه م: (فجاز الرجوع عنه كالهبة، وقد حققناه في كتاب الهبة) ش: أي قد حققنا هذا في كتاب الهبة، إلا أن الكلام في الإعتاق إذا أوصى به فالأكثرون على جواز الرجوع في الوصية، وهو قول الأئمة الأربعة وعطاء وجابر بن زيد والزهري وقتادة وإسحاق وأبي ثور. وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: يعين الرجل ما شاء من وصيته، ولم يعلم له مخالف حل الإجماع. وعن الشعبي وابن سيرين وابن شبرمة والنخعي: يعين منها ما شاء إلا العتق. م: (ولأن القبول) ش: في الوصية م: (يتوقف على الموت) ش: أي موت الموصي م: (والإيجاب يصح إبطاله قبل القبول كما في البيع) ش: فإنه يجوز فيه رجوع البائع قبل قبول المشتري. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا صرح بالرجوع) ش: بأن قال: رجعت من وصيتي لفلان م: (أو فعل ما يدل على الرجوع كان رجوعا) . ش: وفي " الذخيرة ": الرجوع ثلاثة أنوع: أحدهما استهلاك الموصي به حقيقة أو حكما كما أوصى بثوب فقطعه وخاطه قميصا أو بقطن فغزله ونسجه، أو بحديدة فصنعها سيفا فهذه التصرفات، استهلاك حكما، ألا ترى أن حق المغصوب منه ينقطع بهذه التصرفات ونوع من ذلك أن يخلطه بغيره خلطا، أي لا يمكن التمييز أصلا كالسويق إذا لته بسمن ونوع من ذلك أن يحدث نقصانا فيه حتى خرج عن هيئة الادخار والبقاء إلى يوم الموت بأن كان شاة فذبحها. وأما الرجوع ضرورة بأن يتغير الموصى به ويتميز اسمه؛ لأنه لا يبقى بهذا موصى به بذلك إلى يوم الموت، كما لو أوصى بحنطة فهبت الريح في طاحونة فصارت دقيقا قبل موت الموصي بطلب الوصية أو أوصى بالكفوى في نخلة فصارت رطبا، أو أوصى بعنب فصار زبيبا، أو أوصى ببيض فحضنت دجاجة عليها فأخرجت فراريج بطلت الوصية. ولو كان التغير في هذه المسألة بعد موت الموصي قبل قبول الوصية أو بعده لا تبطل الوصية؛ لأن التغير حصل بعد تمام الوصية فلا يوجب بطلانها. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 411 أما الصريح فظاهر، وكذا الدلالة لأنها تعمل عمل الصريح، فقام مقام قوله قد أبطلت، وصار كالبيع بشرط الخيار، فإنه يبطل الخيار فيه بالدلالة. ثم كل فعل لو فعله الإنسان في ملك الغير ينقطع به حق المالك، فإذا فعله الموصي كان رجوعا وقد عددنا هذه الأفاعيل في كتاب الغصب، وكل فعل يوجب زيادة في الموصى به ولا يمكن تسليم العين إلا بها فهو رجوع إذا فعله، مثل السويق يلته بالسمن، والدار يبني فيه الموصي، والقطن يحشو به، والبطانة يبطن بها، والظهارة يظهر بها؛ لأنه لا يمكنه تسليمه بدون الزيادة ولا يمكنه نقضها؛ لأنه حصل في ملك الموصي من جهته، بخلاف تجصيص الدار الموصى بها وهدم بنائها؛   [البناية] م: (أما الصريح فظاهر، وكذا الدلالة) ش: أي وكذا الرجوع بالدلالة م: (لأنها تعمل عمل الصريح، فقام مقام قوله: قد أبطلت، وصار كالبيع بشرط الخيار) ش: للمشتري، فإنه إذا فعل فعلا مما يدل على إبطال خياره تبطل. م: (فإنه يبطل الخيار فيه بالدلالة) ش: كما يبطل بالصريح م: (ثم كل فعل لو فعله الإنسان في ملك الغير ينقطع به حق المالك) ش: نحو قطع الثوب وخياطته بعد قصه، فإنه يضمن قيمته وينقطع حق المالك عنه م: (فإذا فعله الموصي) ش: أي فإن فعل هذا الفعل الذي ينقطع به حق المالك م: (كان) ش: فعله هذا م: (رجوعًا) ش: عن الوصية. م: (وقد عددنا هذه الأفاعيل في كتاب الغصب) ش: الأفاعيل جمع فعل على غير القياس. وكأنه جمع أفعولة كأنه كالأباطيل جمع باطل. وفي الحقيقة كأنه جمع أبطولة. م: (وكل فعل يوجب زيادة في الموصى به) ش: بحيث لا يمكن تمييزها م: (ولا يمكن تسليم العين إلا بها) ش: أي إلا بتلك الزيادة م: (فهو رجوع) ش: عن الوصية م: (إذا فعله) ش: أي إذا فعل ذلك الفعل ثم ذكر لها صور بقوله م: (مثل السويق يلته بالسمن) ش: أي يخلطه. م: (والدار) ش: أي ومثل الدار الموصى بها م: (يبني فيه الموصي، والقطن يحشو به) ش: أي مثل قطن الموصي به يحشو به جبة ونحوها م: (والبطانة) ش: أي ومثل البطانة الموصى بها م: (يبطن بها , والظهارة) ش: أي ومثل الظهارة الموصى بها م: (يظهر بها) ش: أي يجعلها تحت الظهارة م: (لأنه لا يمكنه) ش: أي لا يمكن م: (تسليمه) ش: أي تسليم شيء من هذه الأشياء. م: (بدون الزيادة) ش: وهو ظاهر م: (ولا يمكنه نقضها) ش: أي ولا يمكن نقض هذه الأشياء م: (لأنه حصل في ملك الموصي) ش: وتصرف في ملكه م: (من جهته) ش: لا من جهة غيره. م: (بخلاف تجصيص الدار الموصى بها) ش: أي تبيضها بالجص م: (وهدم بنائها) ش: حيث الجزء: 13 ¦ الصفحة: 412 لأنه تصرف في التابع، وكل تصرف أوجب زوال ملك الموصي فهو رجوع. كما إذا باع العين الموصى به ثم اشتراه أو وهبه ثم رجع فيه؛ لأن الوصية لا تنفذ إلا في ملكه، فإذا أزاله كان رجوعا، وذبح الشاة الموصى بها رجوع؛ لأنه للصرف إلى حاجته عادة، فصار هذا المعنى أصلا أيضا. وغسل الثوب الموصى به لا يكون رجوعا؛ لأن من أراد أن يعطي ثوبه غيره يغسله عادة، فكان تقريرا. قال: وإن جحد الوصية لم يكن رجوعا. كذا ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال: أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكون رجوعا؛ لأن الرجوع نفي في الحال والجحود نفي في الماضي والحال، فأولى أن يكون رجوعا. ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الجحود نفي في الماضي والانتفاء في الحال ضرورة ذلك. وإذا كان ثابتا في الحال كان الجحود لغوا ,   [البناية] ، لا يكون رجوعا عندنا، وعند الأئمة الثلاثة يكون رجوعا؛ لأنه تصرف أوجب بغير الموصى به، ودليلنا هو قوله: م: (لأنه تصرف في التابع) ش: وهو البناء والتصرف في التابع لا يدل على إسقاط الحق على الأصل في التجصيص؛ لأنه بناء، والبناء تبع. وكذا لو غسل الثوب الموصي به م: (وكل تصرف أوجب زوال ملك الموصي فهو رجوع) ش: عن الوصية. م: (كما إذا باع العين الموصى به ثم اشتراه أو وهبه ثم رجع فيه) ش: أي فيما وهبه؛ لأن البيع والهبة أوجبا زوال ملكه، فمحال أن تبقى الوصية معه م: (لأن الوصية لا تنفذ إلا في ملكه، فإذا أزاله كان رجوعا، وذبح الشاة الموصى بها رجوع؛ لأنه) ش: أي لأن ذبحه م: (للصرف إلى حاجته عادة، فصار هذا المعنى أصلا أيضًا) ش: أراد بهذا المعنى هو التصرف لحاجته. م: (وغسل الثوب الموصي به لا يكون رجوعا؛ لأن من أراد أن يعطي ثوبه غيره يغسله عادة، فكان تقريرا) ش: أي فكان تقريرا، أي فكان غسل الثوب الموصى به تقريرا للوصية. وفي وجه للشافعية يكون رجوعا، وهذا هو الأقرب؛ لأن التعليل المذكور ضعيف؛ لأن من أراد أن يوصي ثوبا جديدا ويعطي الآخر ثوبا جديدا لا يغسله عادة على ما لا يخفى. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن جحد الوصية لم يكن رجوعا، كذا ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكون رجوعا؛ لأن الرجوع نفي في الحال) ش: أي نفي للوصية في الحال. م: (والجحود نفي في الماضي والحال، فأولى أن يكون رجوعا. ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الجحود نفي في الماضي والانتفاء في الحال ضرورة ذلك) ش: يعني أن الجحود لما كان نفيا في الماضي والانتفاء في الحال ضروري، فيكون النفي في الماضي تضمنا للانتفاء في الحال ضرورة م: (وإذا كان ثابتا في الحال كان الجحود لغوا) ش: لكونه كاذبا جحوده أن الفرض أنه أوصى ثم جحد وكان النفي في الماضي باطلا، فيبطل ما هو من ضرورة وهو الانتفاء في الحال. فكان الجحود لغوا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 413 أو لأن الرجوع إثبات في الماضي ونفي في الحال، والجحود نفي في الماضي والحال فلا يكون رجوعا حقيقة، ولهذا لا يكون جحود النكاح فرقة. ولو قال: كل وصية أوصيت بها لفلان فهو حرام وربا لا يكون رجوعا. لأن الوصف يستدعي بقاء الأصل. بخلاف ما إذا قال: فهي باطلة. لأنه الذاهب المتلاشي ولو قال: أخرتها لا يكون رجوعا: لأن التأخير ليس للسقوط كتأخير الدين.   [البناية] واعلم أن القدوري لم يذكر الخلاف في " مختصره" في هذا المسألة ولم يذكر خلاف محمد أيضًا في كتبه، ولكن جعل الجحود رجوعا في كتاب الوصايا ولم يجعله رجوعا في " الجامع الكبير "، فمن هذا اختلف المشايخ فيه، فمنهم من قال: في المسألة روايتان، ومنهم من قال: ما ذكره في " الجامع " جواب القياس. وما ذكره في كتاب الوصايا جواب الاستحسان " كذا ذكر الشيخ أبو المعين النسفي في " شرح الجامع الكبير ". م: (أو لأن الرجوع) ش: دليل آخر، أي ولأن الرجوع عن الوصية م: (إثبات في الماضي) ش: أي إثبات الوصية في الماضي م: (ونفي في الحال) ش: أي نفي للوصية في الحال م: (والجحود نفي في الماضي والحال جميعا فلا يكون رجوعا حقيقة) ش: للمنافاة بين الإثبات والنفي م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون الجحود نفيا في الماضي والحال. م: (لا يكون جحود النكاح فرقة) ش: أي طلاقا؛ لأن الطلاق يعني في الحال دون الماضي. وقال الأكمل: لا يكون جحود النكاح فرقة يعني مستعارا للطلاق، لأن الجحود يقتضي عدم النكاح في الماضي، والطلاق يقتضي وجوده فكانا متقابلين فلا يجوز استعارة أحدهما للآخر. م: (ولو قال: كل وصية أوصيت بها لفلان فهو حرام وربا لا يكون رجوعا) ش: هذه المسألة مع ما بعدها إلى الباب من مسائل " الجامع الكبير " لا مسألة تأخير الوصية م: (لأن الوصف يستدعي بقاء الأصل) ش: يعني وصف الوصية بأنها حرام اقتضى ربا يقتضي كون أصل الوصية باقيا؛ لأنه لا وجود للصفة بدون قيامها بالموصوف، فلما اقتضى الوصف بقاء الأصل لم يكن الوصف بالحرمة أو الربا دليل الرجوع. م: (بخلاف ما إذا قال: فهي باطلة) ش: بأن قال: كل وصية أوصيت بها لفلان فهي باطلة دليل الرجوع م: (لأنه الذاهب المتلاشي. ولو قال: أخرتها لا يكون رجوعا) ش: أي ولو قال: كل وصية أوصيت بها أخرتها لا يكون رجوعا عن الوصية م: (لأن التأخير ليس للسقوط) ش: يعني لا يدل على السقوط م: (كتأخير الدين) ش: فإنه لا يسقط به. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 414 بخلاف ما إذا قال: تركت؛ لأنه إسقاط. ولو قال: العبد الذي أوصيت به لفلان، فهو لفلان كان رجوعا؛ لأن اللفظ يدل على قطع الشركة. بخلاف ما إذا أوصى به لرجل ثم أوصى به لآخر؛ لأن المحل يحتمل الشركة واللفظ صالح لها. وكذا إذا قال: فهو لفلان وارثي يكون رجوعا عن الأول لما بينا. ويكون وصية للوارث وقد ذكرنا حكمه. ولو كان فلان الآخر ميتا حين أوصى فالوصية الأولى على حالها؛ لأن الوصية الأولى إنما تبطل ضرورة كونها للثاني، ولم تتحقق فبقي للأول. ولو كان فلان حين قال ذلك حيا ثم مات قبل موت الموصي فهي للورثة لبطلان الوصيتين الأولى بالرجوع، والثانية بالموت، والله أعلم بالصواب.   [البناية] م: (بخلاف ما إذا قال: تركت) ش: بأن قال: كل وصية أوصيت بها تركت م: (لأنه) ش: أي لأن الترك م: (إسقاط) ش: ألا ترى أنك لو قلت لرجل لك عليه دين: تركت عليك ديني كان تركا م: (ولو قال: العبد الذي أوصيت به لفلان فهو لفلان، كانت رجوعا؛ لأن اللفظ يدل على قطع الشركة) ش: قيل لأنه لم يذكر بينها حرف الاشتراك، وإنما جعل تلك الوصية بعينها لغيره. م: (بخلاف ما إذا أوصى به لرجل، ثم أوصى به لآخر) ش: بأن قال: أوصيت بهذا العبد لهذا الرجل. ثم قال: أوصيت به لهذا الرجل ولرجل آخر لا يكون رجوعا م: (لأن المحل يحتمل الشركة، واللفظ صالح لها) ش: لأنه يجوز أن يجتمع حقان في عبد واحد. م: (وكذا إذا قال: فهو لفلان وارثي) ش: بأن قال: كل وصية أوصيت بها لفلان فهي لفلان وارثي م: (يكون رجوعا عن الأول لما بينا) ش: أشار به إلى التعلل المذكور بقوله لأن اللفظ يدل على قطع الشركة إلى آخره م: (ويكون وصية للوارث وقد ذكرنا حكمه) ش: وهو أن يكون للوارث إذا أجازها الورثة، وإن لم تجز الورثة يكون ميراثا. م: (ولو كان فلان الآخر ميتا حين أوصى فالوصية الأولى على حالها) ش: يعني لو قال كل وصية أوصيت بها لفلان الآخر حين أوصى له ميتا لم يصح الرجوع؛ لأنه لم يصح النقل عن الوصية الأولى لأن الوصية للميت باطلة، فصار كأنه لم يوص لأحد بعد الوصية الأولى م: (لأن الوصية الأولى إنما تبطل ضرورة كونها للثاني، ولم تتحقق فبقي للأول. ولو كان فلان حين قال ذلك حيا ثم مات قبل موت الموصي فهي للورثة) ش: أي لورثة الموصي م: (لبطلان الوصيتين الأولى بالرجوع) ش: أي برجوع الوصي عنها م: (والثانية بالموت) ش: أي بموت الموصى له الثاني قبل موت الموصي م: (والله أعلم بالصواب) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 415 باب الوصية بثلث المال قال: ومن أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بثلث ماله ولم تجز الورثة فالثلث بينهما؛ لأنه يضيق الثلث عن حقهما، إذ لا يزاد عليه عند عدم الإجازة على ما تقدم، وقد تساويا في سبب الاستحقاق فيستويان في الاستحقاق، والمحل يقبل الشركة، فيكون بينهما. وإن أوصى لأحدهما بالثلث وللآخر بالسدس فالثلث بينهما أثلاثا؛ لأن كل واحد منهما يدلي بسبب صحيح وضاق الثلث عن حقيهما فيقتسمانه على قدر حقيهما كما في أصحاب الديون فيجعل الأقل سهما والأكثر سهمين، فصار ثلاثة أسهم، سهم لصاحب الأقل، وسهمان لصاحب الأكثر. وإن أوصى لأحدهما بجميع ماله وللآخر بثلث ماله ولم تجز الورثة فالثلث بينهما على أربعة أسهم عندهما.   [البناية] [باب الوصية بثلث المال] [أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بثلث ماله ولم تجزالورثة] م: (باب الوصية بثلث المال) ش: أي هذا باب في بيان حكم الوصية بثلث المال. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بثلث ماله ولم تجز الورثة فالثلث بينهما؛ لأنه يضيق الثلث عن حقهما، إذ لا يزاد عليه) ش: أي على الثلث م: (عند عدم الإجازة على ما تقدم) ش: من عدم الجواز بأكثر من الثلث م: (وقد تساويا في سبب الاستحقاق) ش: وهو الإيصاء فالثلث بينهما م: (فيستويان في الاستحقاق، والمحل يقبل الشركة، فيكون بينهما) ش: أي بين الموصى لهما بالثلث. م: (وإن أوصى لأحدهما بالثلث وللآخر بالسدس فالثلث بينهما أثلاثا؛ لأن كل واحد منهما يدلي) ش: من أدليت الدلو في البئر إذا أرخيته فيها م: (بسبب صحيح وضاق الثلث عن حقيهما فيقتسمانه على قدر حقيهما كما في أصحاب الديون فيجعل الأقل سهما والأكثر سهمين، فصار ثلاثة أسهم، سهم لصاحب الأقل) ش: أي لصاحب القليل. م: (وسهمان لصاحب الأكثر، وإن أوصى لأحدهما بجميع ماله وللآخر بثلث ماله ولم تجز الورثة فالثلث بينهما على أربعة أسهم عندهما) ش: اعتبارا لعدم حالة الإجازة بحالة الإجازة، وفيها تصح المسألة من أربعة؛ لأنهما يقولان بطريق القول. وفي المسألة الثلث ولكل واحد يخرج له ثلث صحيح ثلاثة، وكذا عما يدعي عليه. وهو واحد والموصى له بالكل يدعي جميع الثلاثة فتؤول إلى أربعة. وكذا إذا لم يجيزوا يجعل الثلث لجميع المال في حق القسمة، وإذا صار الثلث إلى أربعة فجميع المال اثنا عشر. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 416 وقال أبو حنيفة: الثلث بينهما نصفان، ولا يضرب أبو حنيفة للموصى له بما زاد على الثلث إلا في المحاباة والسعاية والدراهم المرسلة. لهما في الخلافية: أن الموصي قصد شيئين الاستحقاق والتفضيل، وامتنع الاستحقاق لحق الورثة، ولا مانع من التفضيل، فيثبت كما في المحاباة وأختيها.   [البناية] م: (وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الثلث بينهما نصفان، ولا يضرب أبو حنيفة للموصى له بما زاد على الثلث) ش: الحاصل أن عند أبي حنيفة: لا يضرب الموصى له عند عدم الإجازة بأكثر من الثلث، وبه قال أبو ثور وابن المنذر، وعندهما: يضربون بعدد سهامهما في الثلث عند عدم الإجازة، وبه قالت الأئمة الثلاثة والحسن الثوري والنخعي وابن أبي ليلى وإسحاق. م: (إلا في المحاباة) ش: صورتها عبدان لرجل قيمة أحدهما ألف ومائة، وقيمة الآخر ستمائة وأوصى بأن يباع أحدهما لفلان بمائة، والآخر لفلان بمائة، فإن حصلت المحاباة لأحدهما بألف وللآخر بخمسمائة والكل وصية؛ لأنه في حال المرض، فإن لم يكن غيرهما ولم يجز الورثة جازت المحاباة بقدر الثلث، فتكون بينهما أثلاثا يضرب الموصى له بألف بحسب وصيته وهي الألف، والموصى له الآخر بحسب وصيته وهي بخمسمائة، فلو كان هذا كسائر الوصايا - على قول أبي حنيفة -: وجب أن لا يضرب الموصى له بألف في أكثر من خمسمائة. م: (والسعاية) ش: صورتها أن يوصى بعتق عبدين قيمة أحدهما ألف، وقيمة الآخر ألفان ولا مال له غيرها إذا أجازت الورثة عتقا جميعا، وإن لم يجيزوا من الثلث وثلث ماله ألف فالألف بينهما على قدر وصيتهما ثلثا الألف للذي قيمته ألفان ويسعى في الباقي، والثلث للذي قيمته ألف ويسعى في الباقي. م: (والدراهم المرسلة) ش: أي المطلقة هي أن يوصى لرجل بألفين ولآخر بألف درهم وثلث ماله ألف درهم ولم يجز الورثة، فإنه يكون بينهما أثلاثا كل واحد منهما يضرب بجميع وصيته؛ لأن الوصية في مخرجها صحيحة لجواز أن يكون له مال آخر يخرج هذا القدر من الثلث، ولا كذلك فيما إذا أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بنصف ماله، أو بجميع ماله لأن اللفظ في مخرجه لم يصح؛ لأن ماله أكثر وخرج له مال آخر يدخل فيه تلك الوصية ولا مخرج من الثلث. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (في الخلافية) ش: أي في المسألة الخلافية م: (أن الوصي قصد شيئين الاستحقاق) ش: فيما زاد على الثلث على الورثة م: (والتفضيل) ش: أي تفضيل بعض أهل الوصايا على بعض م: (وامتنع الاستحقاق لحق الورثة، ولا مانع من التفضيل، فيثبت كما في المحاباة وأختيها) ش: وهما السعاية والدراهم المرسلة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 417 وله: أن الوصية وقعت بغير المشروع عند عدم الإجازة من الورثة، إذ لا نفاذ لها بحال، فتبطل أصلا، والتفضيل يثبت في ضمن الاستحقاق، فيبطل ببطلانه كالمحاباة الثابتة في ضمن البيع. بخلاف مواضع الإجماع؛ لأن لها نفاذا في الجملة بدون إجازة الورثة بأن كان في المال سعة، فتعتبر في التفاضل لكونه مشروعا في الجملة بخلاف ما نحن فيه. وهذا بخلاف ما إذا أوصى بعين من تركته وقيمته تزيد على الثلث فإنه يضرب بالثلث، وإن احتمل أن يزيد المال فيخرج من الثلث؛ لأن هناك الحق تعلق بعين التركة، بدليل أنه لو هلك واستفاد مالا آخر تبطل الوصية، وفي الألف المرسلة لو هلكت التركة   [البناية] م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن الوصية وقعت بغير المشروع عند عدم الإجازة من الورثة، إذ لا نفاذ لها بحال) ش: لأن الوصية فيما زاد على الثلث؛ لأنه لا يملك ذلك عند عدم إجازة الورثة. م: (فتبطل) ش: أي الوصية م: (أصلا، والتفضيل يثبت في ضمن الاستحقاق، فيبطل ببطلانه) ش: أي يبطل الفضل ببطلان الاستحقاق؛ لأنه إذا بطل الاستحقاق بطل فيما ضمنه م: (كالمحاباة الثابتة في ضمن البيع) ش: إذا صح البيع صحت المحاباة وإذا بطلت بطلت م: (بخلاف مواضع الإجماع) ش: يعني المحاباة وصية. م: (لأن لها) ش: أي الوصية م: (نفاذا في الجملة بدون إجازة الورثة بأن كان في المال سعة) ش: فيجوز خروج الألف من الثلث يكون المال كثيرا بالاكتساب قبل الموت، فيخرج هذه الوصايا من الثلث، وهو معنى قوله، م: (فتعتبر في التفاضل لكونه مشروعا في الجملة بخلاف ما نحن فيه) ش: وهو ما إذا أوصى بجميع المال لواحد والآخر بالثلث حيث لا يصح؛ لأن ماله وإن كثر لا يخرج ذلك من الثلث، فعلم أن الوصية لم تصح في مخرجه. م: (وهذا بخلاف ما إذا أوصى بعين من تركته) ش: هذا صورة نقض ترد على المسائل المجمع عليها، وهو أنه إذا أوصى بعين من التركة مثل عبد أو فرس له أو ثوب مثلا م: (وقيمته تزيد على الثلث فإنه) ش: أي فإن الموصى له م: (يضرب بالثلث) ش: ولا يضرب بأكثر منه. م: (وإن احتمل أن يزيد المال) ش: باكتساب هذا العبد مالا فتصير رقبته مساوية لثلث المال، أو يظهر له مال بحيث يصير العبد ثلث المال م: (فيخرج من الثلث؛ لأن هناك الحق) ش: أي حق الموصى له م: (تعلق بعين التركة؛ بدليل أنه) ش: أي عين التركة م: (لو هلك واستفاد مالا آخر تبطل الوصية، وفي الألف المرسلة لو هلكت التركة) ش: وحق الورثة أيضًا يتعلق بعين التركة فيما زاد الجزء: 13 ¦ الصفحة: 418 تنفذ فيما يستفاد، فلم يكن متعلقا بعين ما تعلق به حق الورثة. قال: وإذا أوصى بنصيب ابنه فالوصية باطلة. ولو أوصى بمثل نصيب ابنه جاز؛ لأن الأول وصيته بمال الغير؛ لأن نصيب الابن ما يصيبه بعد الموت، والثاني وصية بمثل نصيب الابن، ومثل الشيء غيره، وإن كان يتقدر به فيجوز. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز في الأول أيضا، فنظر إلى الحال، والكل ماله فيه. وجوابه ما قلنا. قال: ومن أوصى بسهم من ماله فله أخس سهام الورثة إلا أن ينقص عن السدس فيتم له السدس ولا يزاد عليه، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: له   [البناية] على الثلث، فتبطل التركة م: (تنفذ فيما يستفاد، فلم يكن متعلقا بعين مات تعلق به حق الورثة) ش: فلا يلزم بطلانه؛ لأن الوصية في مخرجها صحيحة، ولهذا ضرب الموصى له في الثلث بما زاد على الثلثين. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا أوصى بنصيب ابنه) ش: أي وإن أوصى م: (فالوصية باطلة) ش: وبه قال أصحاب الشافعي وأحمد، وهذا إذا كان الابن موجودا، وإن لم يكن له ابن صحت م: (ولو أوصى بمثل نصيب ابنه جاز) ش: وفي بعض النسخ وإن أوصى م: (لأن الأول) ش: وهو الذي أوصى بنصيب ابنه م: (وصيته بمال الغير؛ لأن نصيب الابن ما يصيبه بعد الموت) ش: أي بعد موت الموصي. م: (والثاني) ش: وهو الوصية بمثل نصيب ابنه م: (وصيته بمثل نصيب الابن، ومثل الشيء غيره، وإن كان يتقدر به فيجوز) ش: سواء كان له ابن أو لم يكن. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجوز في الأول أيضًا) ش: رواه الحسن بن زياد عنه م: (فنظر إلى الحال) ش: أي بالنظر إلى حال الوصية. وفي بعض النسخ: ينظر إلى الحال، أي حال الوصية، فإن المال سهم في ذلك الحال لكونه حيا بعد، وهو معنى قوله: م: (والكل ماله فيه) ش: أي مال الموصي، فينصرف فيه كيف شاء م: (وجوابه) ش: أي جواب زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ما قلنا) ش: وهو قوله: لأن الأول وصيته بمال الغير. [أوصى بسهم من ماله] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن أوصى بسهم من ماله فله أخس سهام الورثة) ش: المراد بأخس الأنصباء أقلها م: (إلا أن ينقص عن السدس فيتم له السدس ولا يزاد عليه) ش: أي على السدس م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد في رواية، ومالك في قول. وقال بعض أصحاب مالك: يعطى له الثمن. وقال أحمد في رواية: يعطى لهم سهم مما يصح منه الفريضة، وهذا قول شريح. م: (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (له) ش: أي للموصى له الجزء: 13 ¦ الصفحة: 419 مثل نصيب أحد الورثة ولا يزاد على الثلث إلا أن يجيز الورثة لأن السهم يراد به أحد سهام الورثة عرفا، لا سيما في الوصية والأقل متيقن به فيصرف إليه، إلا إذا زاد على الثلث فيرد عليه؛ لأنه لا مزيد عليه عند عدم إجازة الورثة.   [البناية] بالسهم من ماله م: (مثل نصيب أحد الورثة ولا يزاد على الثلث إلا أن يجيز الورثة) ش: وقال الشافعي وابن المنذر يعطيه الورثة ما شاء، ولأن ذلك يقع عليه السهم، كما لو أوصى بخبز أو حنطة م: (لأن السهم يراد به أحد سهام الورثة عرفا لا سيما في الوصية) ش: لأن الوصية أخت الميراث م: (والأقل متيقن به فيصرف إليه، إلا إذا زاد على الثلث فيرد عليه؛ لأنه لا مزيد عليه عند عدم إجازة الورثة) . ش: قال الكاكي: اعلم أن نسخ شروح " الجامع الصغير " و" المبسوط " لم يذكر قوله: إلا أن ينقص عن الثلث فيتم له، بل قال فيها: فله أحسن سهام الورثة، ولا يزاد على السدس إلا أن يجيزه الورثة، فكذا في غيره. وعلى رواية " شروح الجامع ": ينقص عن السدس ولا يزاد على السهم، فعلم أن هذا سهو وقع من المكاتب وجعل حكم الأفضل حكم الجامع، وعن هذا ألحق لهذا الوضع الإمام جلال الدين المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد طول الأترازي هنا بالنقل عن الكتب، فقال محمد بن يعقوب عن أبي حنيفة قال: إذا أوصى لرجل بسهم من ماله ثم يموت فله مثل نصيب أحد الورثة، إلا أن يكون ذلك أكثر من السدس فيكون له السدس. وقال أبو يوسف ومحمد: له مثل نصيب أحد الورثة، إلا أن يكون أكثر من الثلث ولا يجوز له إلا الثلث إلا أن يسلم الورثة، هذا لفظ محمد في أصل " الجامع الصغير ". وقال القدوري في كتاب " التقريب ": قال أبو حنيفة: إذا أوصى بسهم من ماله فإنه يزاد على سهام الورثة أحسن أنصبائهم، فيعطى الموصى له ما لم يجاوز السدس، فإن جاوزه لم يزد عليه، قال هذا رواية الأصل. وفي " الجامع الصغير ": لم ينقص عن السدس إلى هنا لفظ: " التقريب ". وقال الطحاوي في "مختصره ": ومن أوصى لرجل بسهم من ماله فإن أبا حنيفة كان يقول: إن كانت الفريضة أقل من ستة أسهم كان له السدس، وإن كانت الفريضة أكثر من ستة أسهم كان له أحسن سهام الورثة. وقال أبو يوسف ومحمد: له مثل أحسن سهام الورثة في هذه الوجوه كلها ما لم يجاوز ذلك الثلث، فإن جاوز الثلث جاز له منه الثلث، ولم يجز له سواه، انتهى. وقال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": ولو أوصى بسهم من ماله فعند أبي حنيفة ينظر إلى سدس جميع المال، وإلى آخر بسهام الورثة أيهما كان أقل فله ذلك. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 420 وله: أن السهم هو السدس، هو المروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد رفعه إلى النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيما يروي.   [البناية] بيان هذا إذا كانت الفريضة من أربعة أو من ثلاثة فالسدس أقل من أخس سهام الورثة فيعطى إياه. ولو كانت الفريضة أكثر من ستة فلا يعطى له السدس، وإنما يعطى له أخس سهام الورثة. وعند أبي يوسف ومحمد: يعطى أخس سهام الورثة في الأحوال كلها إلا إذا جاوز أخس سهام الثلث، فحينئذ يعطى له الثلث ولا يعطى الأخس. وكذلك هذا الاختلاف فيمن أقر بسهم من داره لفلان عند أبي حنيفة يقع ذلك على سدس داره. وعندهما السير إلى المقر، وكذلك لو أعتق سهما من عبده عند أبي حنيفة يعتق سدسه. وعندهما: يعتق كله؛ لأن العتق عندهما لا يتجزأ، كذا في " شرح الطحاوي ". وقال فخر الإسلام في شرح " الجامع الصغير ": وحامله أن السهم اسم السدس عند السدس عند أبي حنيفة وعندهما اسم للجزاء من حصة الورثة من غير تقدير بالسدس، انتهى. وقال الأكمل: واعلم أن عبارة المشايخ والشارحين في هذا الموضع اختلفت اختلافا كثيرا لا نكاد نعلم منه شيئا. وسبب ذلك اختلاف رواية " المبسوط " و" الجامع الصغير ". وفي " الكافي ": فعلى رواية " الجامع الصغير " جوز أبو حنيفة النقصان من السدس ولم تجز الزيادة على السدس ولم يجز النقصان عن السدس. ورواية المصنف مخالف كل واحد منها؛ لأن قوله إلا أن ينقص من السدس فيتم له السدس ليس في رواية " المبسوط ". وقوله: ولا يزاد عليه ليس في رواية " الجامع الصغير "، فإما أنه اطلع على رواية غيرهما، وإما أنه جمع بينهما، انتهى. قلت: وبهذا يجاب عن قولة الكاكي: إن هذا سهو وقع من الكاتب كما ذكرناه الآن. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن السهم هو السدس، هو المروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: رواه محمد في الأصل عن عبد الله بن مسعود: أنه سئل عن رجل أوصى بسهم من ماله فقال: له السدس. م: (وقد رفعه إلى النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيما يروي) ش: أي وقد رفع هذا الحديث عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وفيما يروي وهو على بناء الفاعل، والضمير فيه يرجع إلى ابن مسعود، وقد رفع المرفوع البزار في " مسنده " والطبراني في "معجمه الأوسط " عن محمد بن عبد الله العرزمي عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل عن ابن مسعود «أن رجلا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 421 ولأنه يذكر ويراد به السدس، فإن إياسا قال: السهم في اللغة عبارة عن السدس، ويذكر ويراد به سهم من سهام الورثة، فيعطى ما ذكرنا. قالوا: هذا كان في عرفهم، وفي عرفنا السهم كالجزء. قال: ولو أوصى بجزء من ماله قيل للورثة: أعطوه ما شئتم؛ لأنه مجهول يتناول القليل والكثير، غير أن الجهالة لا تمنع صحة الوصية، والورثة قائمون مقام الموصي، فإليهم البيان. قال: ومن قال: سدس مالي لفلان، ثم قال في ذلك المجلس، أو في مجلس آخر: له ثلث مالي، وأجازت الورثة فله ثلث المال ويدخل السدس فيه.   [البناية] أوصى لرجل بسهم من ماله فجعل له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السدس.» وقال: أبو قيس ليس بالقوي، وقد روى عنه شعبة والثوري والأعمش وغيرهم، واسم أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان، وذكره، عبد الحق في "أحكامه " من جهة البزار، وقال: العرزمي متروك. م: (ولأنه) ش: أي ولأن السهم م: (يذكر ويراد به السدس، فإن إياسا قال: السهم في اللغة عبارة عن السدس) ش: وإياس هو ابن معاوية بن قرة القاضي بالبصرة، ولاه عمر بن العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومات سنة اثنين وعشرين ومائة، وهو من كبار التابعين، وهكذا قال الحسن والثوري. م: (ويذكر ويراد به سهم من سهام الورثة، فيعطى ما ذكرنا) ش: وهو السدس. م: (قالوا) ش: أي المشايخ في شروح " الجامع الصغير " م: (هذا كان في عرفهم، وفي عرفنا السهم كالجزء) ش: لأنه لا يراد به نصيب أحد الورثة ولا السدس. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولو أوصى بجزء من ماله قيل للورثة: أعطوه ما شئتم؛ لأنه مجهول يتناول القليل والكثير، غير أن الجهالة) ش: أي جهالة الموصى به م: (لا تمنع صحة الوصية، والورثة قائمون مقام الموصي، فإليهم) ش: أي فإلى الورثة م: (البيان) ش: وقال الفقيه أبو الليث في كتاب " نكت الوصايا ": وإذا أوصى بجزء من ماله أو بنقص من ماله فللورثة أن يعطوا ما شاءوا. وكذا إذا أوصى بحظ من ماله. م: (قال: ومن قال: سدس مالي لفلان، ثم قال في ذلك المجلس أو في مجلس آخر: له ثلث مالي، وأجازت الورثة، فله ثلث المال ويدخل السدس فيه) ش: أي في الثلث؛ لأن الكلام الثاني يحتمل أنه أراد به زيادة السدس على الأول حتى يتم له الثلث، ويحتمل أنه أراد إيجاب ثلث على السدس، فيجعل كلامه في السدس. تكرارا حملا لكلامه على المتيقن وعلى ما يملك الإيصاء به الجزء: 13 ¦ الصفحة: 422 ومن قال: سدس مالي لفلان، ثم قال في ذلك المجلس أو في غيره: سدس مالي لفلان، فله سدس واحد؛ لأن السدس ذكر معرفا بالإضافة إلى المال، والمعرفة إذا أعيدت يراد بالثاني عين الأول، هو المعهود في اللغة. قال: ومن أوصى بثلث دراهمه أو بثلث غنمه فهلك ثلثا ذلك وبقي ثلثه، وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله فله جميع ما بقي. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: له ثلث ما بقي؛ لأن كل واحد منهما مشترك بينهم، والمال المشترك يتوى ما توي منه على الشركة، ويبقى ما بقي عليها. وصار كما إذا كانت التركة أجناسا مختلفة. ولنا: أن في الجنس الواحد يمكن جمع حق أحدهم في الواحد، ولهذا يجري فيه الجبر على القسمة، وفيه جمع.   [البناية] وهو الثلث. وقيل: إنما قال: وجازت الورثة لدفع وهم، وهو أن يقال: ينبغي للموصى له نصف المال؛ لأن الثلث مع السدس، نصف المال، وفيه نوع تأمل. م: (ومن قال: سدس مالي لفلان، ثم قال في ذلك المجلس أو في غيره: سدس مالي لفلان، فله سدس واحد؛ لأن السدس ذكر معرفا بالإضافة إلى المال، والمعرفة إذا أعيدت يراد بالثاني عين الأول، هو المعهود في اللغة) ش: أي كون المال غير الأول معلوم في استعمال أهل اللغة، يقال جاءني زيد، ثم يقال: أكرمت زيدا، أي ذلك بعينه، وهذا البحث قرر كما ينبغي في موضعه. [أوصى بثلث دراهمه أو بثلث غنمه فهلك ثلثا ذلك وبقي ثلثه] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى بثلث دراهمه أو بثلث غنمه فهلك ثلثا ذلك وبقي ثلثه، وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله فله جميع ما بقي) ش: ومعنى قوله: وهو يخرج من ثلث ماله، أي ثلث الباقي بعد هلاك الثلثين يخرج من ثلث بقية مال الموصي. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له ثلث ما بقي؛ لأن كل واحد منهما) ش: أي من الهالك والباقي م: (مشترك بينهم) ش: أي بين الورثة وبين الموصى له م: (والمال المشترك يتوى ما توي منه) ش: أي ما هلك من مال مشترك م: (على الشركة، ويبقى ما بقي عليها) ش: أي على الشركة. م: (وصار كما إذا كانت التركة أجناسا مختلفة) ش: فهلك بعضها فالذي يبقى على الشركة، وهو القياس، وبه قال أبو ثور وابن شريح من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وهو قياس قول مالك؛ لأنه يعتبر قدر المال حال الوصية لا الموت، وبقولنا قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - وقال الأترازي: وبقول زفر نأخذ. م: (ولنا: أن في الجنس الواحد يمكن جمع حق أحدهم في الواحد) ش: أي يمكن جمع حق شائع لكل واحد في فرد م: (ولهذا يجري فيه الجبر على القسمة، وفيه جمع) ش: أي والحال أن فيه الجزء: 13 ¦ الصفحة: 423 والوصية مقدمة، فجمعناها في الواحد الباقي، وصارت الدراهم كالدرهم، بخلاف الأجناس المختلفة؛ لأنه لا يمكن الجمع فيها جبرا. فكذا تقديما. قال: ولو أوصى بثلث ثيابه فهلك ثلثاها وبقي ثلثها، وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله لم يستحق إلا ثلث ما بقي من الثياب. قالوا: هذا المذكور إذا كانت الثياب من أجناس مختلفة، ولو كانت من جنس واحد فهو بمنزلة الدراهم. وكذلك المكيل والموزون بمنزلتها؛ لأنه يجري فيه الجمع جبرا بالقسمة. ولو أوصى بثلث ثلاثة من رقيقه فمات اثنان لم يكن له إلا ثلث الباقي. وكذا الدور المختلفة.   [البناية] الجمع، أي في القسمة على تأويل الأقسام م: (والوصية مقدمة) ش: أي على الميراث م: (فجمعناها في الواحد الباقي، وصارت الدراهم كالدرهم) ش: يعني إذا أوصى بالدرهم الواحد، وله ثلاث دراهم فهلك اثنان فله الدرهم الباقي بالاتفاق. م: (بخلاف الأجناس المختلفة) ش: جواب عن قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما إذا كانت الشركة أجناسا مختلفة، ووجهه ما قاله م: (لأنه لا يمكن الجمع فيها جبرا) ش: يعني من حيث الجبر، فإنه إذا تركها يطلب بعض الورثة القسمة، وأبى الباقون، فإن القاضي لا يجبرهم على القسمة. م: (فكذا تقديما) ش: أي فكذا لا يمكن من حيث تقديم الوصية على الميراث؛ لأنه إذا قدر الجمع قدر التقديم؛ لأن فيه الجمع فيبقى الكل مشتركا بين الورثة والموصى أثلاثا، فما هلك هلك على الشركة، وما بقي بقي عليها أثلاثا. [أوصى بثلث ثيابه فهلك ثلثاها وبقي ثلثها] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولو أوصى بثلث ثيابه فهلك ثلثاها وبقي ثلثها، وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله لم يستحق إلا ثلث ما بقي من الثياب، قالوا) ش: أي المشايخ م: (هذا المذكور إذا كانت الثياب من أجناس مختلفة، ولو كانت من جنس واحد فهو بمنزلة الدراهم) ش: يعني يستحق جميع الثوب الباقي إذا كان يخرج من الثلث كالدرهم الباقي م: (وكذلك المكيل والموزون بمنزلتها) ش: أي بمنزلة الدراهم، فيكون له جمع الباقي. م: (لأنه يجري فيه الجمع جبرا بالقسمة) ش: أي من حيث إن القاضي يجبر فيه بالقسمة. م: (ولو أوصى ثلث ثلاثة من رقيقه فمات اثنان لم يكن له إلا ثلث الباقي) ش: لكثرة التفاوت، ولهذا لا يصح التوكيل بشراء عبد بغير عينه إذا لم يبين الثمن م: (وكذا الدور المختلفة) ش: لأنها كالأجناس المختلفة لكثرة التفاوت بين الدارين في المنفعة في الضيق وفي السعة قريب الماء وبعيده والأمن وجنس الجيران ونحو ذلك، فكانت ملحقة بالأجناس المختلفة، فكان للموصي له ثلث الباقي، هكذا أجاب محمد في " الجامع الصغير " في الدور والرقيق بلا خلاف. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 424 وقيل: هذا على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وحده لأنه لا يرى الجبر على القسمة فيها. وقيل: هو قول الكل؛ لأن عندهما للقاضي أن يجتهد ويجمع، وبدون ذلك يتعذر الجمع، والأول أشبه للفقه المذكور. قال: ومن أوصى لرجل بألف درهم وله مال عين ودين، فإن خرج الألف من ثلث العين دفع إلى الموصى له؛ لأنه أمكن إيفاء كل ذي حق حقه من غير بخس، فيصار إليه. وإن لم يخرج دفع إليه ثلث الدين، وكلما خرج شيء من الدين أخذ ثلثه حتى يستوفي الألف؛ لأن الموصى له شريك الوارث، وفي تخصيصه بالعين بخس في حق الورثة؛ لأن للعين فضلا عن الدين؛ ولأن الدين ليس بمال في مطلق الحال، وإنما يصير مالا عند الاستيفاء، فإنما يعتدل النظر بما ذكرناه.   [البناية] م: (وقيل: هذا على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وحده) ش: أي هذا الجواب في الرقيق والدور المختلفة إذا بقي واحد وهو أن يقال: لا يكون له ثلث الباقي، وهو قول أبي حنيفة خاصة. وعندهما: له جميع الباقي م: (لأنه) ش: أي لأن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لا يرى الجبر على القسمة فيها) ش: أي في الدور والرقيق. م: (وقيل: هو قول الكل) ش: أي قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه م: (لأن عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (للقاضي أن يجتهد ويجمع، وبدون ذلك) ش: أي بدون اجتهاد القاضي وجمعه م: (يتعذر الجمع) ش: أي جمع نصيب أحدهم في العبد الواحد والدار الواحدة، وإذا هلك لم يكن لذلك فعل من القاضي، فكان المال على الشركة يأتي وما هلك م: (والأول) ش: وهو أن يكون في المسألة اختلاف م: (أشبه للفقه المذكور) ش: وهو أن أبا حنيفة لا يرى الجبر على القسمة في الرقيق والدور المختلفة؛ لأنه يجعلها أجناسا مختلفة، وهما بزمان ذلك؛ لأنهما يجعلانها جنسا واحدا. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى لرجل بألف درهم وله مال عين ودين، فإن خرج الألف من ثلث العين ودفع إلى الموصى له؛ لأنه أمكن إيفاء كل ذي حق حقه من غير بخس) ش: أي نقصان م: (فيصار إليه) ش: لأن الأصل في الشركاء أن يوفى حق كل واحد من غير إيقاع بخس في حق الآخر م: (وإن لم يخرج) ش: أي الألف من ثلث العين م: (دفع إليه ثلث الدين وكلما خرج شيء من الدين أخذ ثلثه حتى يستوفي الألف؛ لأن الموصى له شريك الوارث، وفي تخصيصه بالعين بخس في حق الورثة؛ لأن العين فضلا عن الدين، ولأن الدين ليس بمال في مطلق الحال) ش: ولهذا لو حلف لا مال له وله ديون على الناس لا يحنث؛ لأن الدين م: (إنما يصير مالا عند الاستيفاء) ش: لأنه وصف ثابت في الذمة م: (فإنما يعتدل النظر بما ذكرناه) ش: أي النظر في حق الموصى له والورثة بإيفاء كل ذي حق حقه من غير بخس في حق الآخر، وهو أن لا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 425 قال: ومن أوصى لزيد وعمرو بثلث ماله فإذا عمرو ميت فالثلث كله لزيد؛ لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا يزاحم الحي الذي هو من أهلها، كما إذا أوصى لزيد جدار. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا لم يعلم بموته فله نصف الثلث؛ لأن الوصية عنده صحيحة لعمرو فلم يرض للحي إلا نصف الثلث، بخلاف ما إذا علم بموته؛ لأن الوصية للميت لغو، فكان راضيا بكل الثلث للحي. وإن قال: ثلث مالي بين زيد وعمرو وزيد ميت كان لعمرو نصف الثلث؛ لأن قضية هذا اللفظ أن يكون لكل واحد منهما نصف الثلث، بخلاف ما تقدم، ألا ترى أن من قال: ثلث مالي لزيد وسكت كان له كل الثلث. ولو قال: ثلث مالي بين فلان وسكت لم يستحق الثلث، قال: ومن أوصى بثلث ماله ولا مال له واكتسب مالا استحق الموصى له ثلث ما يملكه عند الموت؛ لأن الوصية عقد   [البناية] يختص الموصى له بالعين إذا لم يخرج الثلث من العين. [أوصى لزيد وعمرو بثلث ماله] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى لزيد وعمرو بثلث ماله فإذا عمرو ميت فالثلث كله لزيد) ش: سواء علم بموت عمرو أو لم يعلم،. وبه قال الشافعي في قول، وأحمد وإسحاق والبصريون - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا يزاحم الحي الذي هو من أهلها) ش: أي من أهل الوصية م: (كما إذا أوصى لزيد جدار) ش: أو حمار يكون الوصية لزيد، والإضافة إلى الحمار أو الجدار لغو. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا لم يعلم) ش: أي الموصي م: (بموته) ش: أي بموت عمرو م: (فله) ش: أي فلزيد الذي هو حي م: (نصف الثلث) ش: وبه قال الشافعي في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، ومالك؛ لأن بين الاشتراك فلا يصرف إلى الحي إلا نصف الثلث. م: (لأن الوصية عنده) ش: أي عند الموصي م: (صحيحة لعمرو فلم يرض للحي إلا نصف الثلث، بخلاف ما إذا علم بموته؛ لأن الوصية للميت لغو فكان راضيا بكل الثلث للحي، وإن قال: ثلث مالي بين زيد وعمرو، وزيد ميت، كان لعمرو نصف الثلث؛ لأن قضية هذا اللفظ أن يكون لكل منهما نصف الثلث، بخلاف ما تقدم) ش: حيث يستحق الموصى له جميع الثلث لعدم المزاحمة م: (ألا ترى أن من قال: ثلث مالي لزيد وسكت كان له كل الثلث، ولو قال: ثلث مالي بين فلان وسكت لم يستحق الثلث) . م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى بثلث ماله ولا مال له) ش: أي والحال أن لا مال له وقت الوصية م: (واكتسب مالا استحق الموصى له ثلث ما يملكه عند الموت؛ لأن الوصية عقد الجزء: 13 ¦ الصفحة: 426 استخلاف مضاف إلى ما بعد الموت، ويثبت حكمه بعده فيشترط وجود المال عند الموت لا قبله، وكذلك إذا كان له مال فهلك ثم اكتسب مالا لما بينا، ولو أوصى له بثلث غنمه فهلك الغنم قبل موته أو لم يكن له غنم في الأصل، فالوصية باطلة لما ذكرنا أنه إيجاب بعد الموت، فيعتبر قيامه حينئذ. وهذه الوصية تعلقت بالعين فتبطل بفواتها عند الموت، وإن لم يكن له غنم فاستفاد ثم مات فالصحيح أن الوصية تصح؛ لأنها لو كانت بلفظ المال تصح، فكذا إذا كانت باسم نوعه، وهذا لأن وجوده قبل الموت فضل، والمعتبر قيامه عند الموت. ولو قال: له شاة من مالي وليس له غنم يعطى قيمة شاة؛ لأنه لما أضافه إلى المال علمنا أن مراده الوصية بمالية الشاة، إذ ماليتها توجد في مطلق المال. ولو أوصى بشاة ولم يضفه إلى ماله ولا غنم له قيل: لا يصح؛ لأن المصحح إضافته إلى المال وبدونها تعتبر صورة الشاة ومعناها، وقيل: تصح لأنه لما   [البناية] استخلاف مضاف إلى ما بعد الموت ويثبت حكمه بعد) ش: أي بعد الموت م: (فيشترط وجود المال عند الموت لا قبله، وكذلك الحكم إذا كان له مال فهلك ثم اكتسب مالا لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: لأن الوصية عقد استخلاف مضاف إلى ما بعد الموت. م: (ولو أوصى له بثلث غنمه فهلك الغنم قبل موته أو لم يكن له غنم في الأصل، فالوصية باطلة لما ذكرنا أنه) ش: أي أن الوصية على تأويل الإيصاء م: (إيجاب بعد الموت فيعتبر قيامه حينئذ) ش: أي قيام ما أوصى به عند الموت م: (وهذه الوصية تعلقت بالعين فتبطل بفواتها عند الموت، وإن لم يكن له غنم فاستفاد ثم مات فالصحيح أن الوصية تصح) ش: احترز به عن قول بعض المشايخ: وإن الوصية باطلة. وقال الفقيه أبو الليث: هذا القول ليس بصحيح عندنا؛ لأنه أضاف الوصية إلى غنم مرسل بغير تعيين، فصار بمنزلة إضافته إلى ثلث المال م: (لأنها) ش: أي لأن الوصية م: (لو كانت بلفظ المال تصح، فكذا إذا كانت باسم نوعه) ش: أي نوع المال. م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن وجوده) ش: أي وجود المال م: (قبل الموت فضل، والمعتبر قيامه عند الموت) ش: لما مر غير مرة م: (ولو قال: له) ش: أي لفلان م: (شاة من مالي وليس له غنم يعطى قيمة شاة؛ لأنه) ش: أي لأن الموصي م: (لما أضافه إلى المال علمنا أن مراده الوصية بمالية الشاة؛ إذ ماليتها توجد في مطلق المال) . م: (ولو أوصى بشاة ولم يضفه إلى ماله) ش: بأن لم يقل: من مالي م: (ولا غنم له، قيل: لا يصح؛ لأن المصحح إضافته إلى المال وبدونها) ش: أي بدون الإضافة إلى المال م: (تعتبر صورة الشاة ومعناها) ش: لأن الشاة اسم للصورة والمعنى، ولم يوجد فلا يصح م: (وقيل: تصح لأنه لما الجزء: 13 ¦ الصفحة: 427 ذكر الشاة وليس ملكه شاة علم أن مراده المالية. ولو قال: شاة من غنمي ولا غنم له فالوصية باطلة؛ لأنه لما أضافه إلى الغنم علمنا أن مراده عين الشاة، حيث جعلها جزءا من الغنم؛ بخلاف ما إذا أضافه إلى المال، وعلى هذا يخرج كثير من المسائل. قال: ومن أوصى بثلث ماله لأمهات أولاده وهن ثلاث، وللفقراء والمساكين فلهن ثلاثة أسهم من خمسة أسهم، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يقسم على سبعة أسهم لهن ثلاثة ولكل فريق سهمان، وأصله أن الوصية لأمهات الأولاد جائزة، والفقراء والمساكين جنسان وفسرناهما في الزكاة، لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المذكور لفظ الجمع، وأدناه في الميراث اثنان نجد ذلك في القرآن، فكان من كل فريق اثنان، وأمهات الأولاد ثلاث، فلهذا يقسم على   [البناية] ذكر الشاة وليس ملكه شاة علم أن مراده المالية) ش: أي مطلق المالية، فيعطى له شاة أو قيمة شاة. م: (ولو قال: شاة من غنمي ولا غنم له فالوصية باطلة؛ لأنه لما أضافه إلى الغنم علمنا أن مراده عين الشاة، حيث جعلها جزءا من الغنم، بخلاف ما إذا أضافه إلى المال) ش: بأن قال: له شاة من مالي ولا غنم له حيث يعطى شاة لما مر م: (وعلى هذا يخرج كثير من المسائل) ش: منها ما ذكره في " المبسوط " بقوله: لو قال له قفيز حنطة من مالي أو ثوب من مالي فإنه يصح الإيجاب، وإن لم يكن ذلك في ماله، بخلاف ما إذا قال: من حنطتي أو من ثيابي، فإنه إذا لم يوجد ذلك في ملكه أو هلك قبل موته فلا شيء للموصى له، وعلى هذا كله عرض من ماله. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى بثلث ماله لأمهات أولاده وهن ثلاث، وللفقراء والمساكين فلهن ثلاثة أسهم من خمسة أسهم، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يقسم على سبعة أسهم لهن ثلاثة ولكل فريق) ش: يعني من الفقراء والمساكين م: (سهمان، وأصله) ش: أي أصل هذا الخلاف م: (أن الوصية لأمهات الأولاد جائزة، والفقراء والمساكين جنسان وفسرناهما في الزكاة) ش: أي في كتاب الزكاة. ثم أوضح الأصل المذكور بإيراد تعليل محمد وتعليل صاحبيه فقال: م: (لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المذكور لفظ الجمع، وأدناه في الميراث اثنان) ش: أي أدنى الجمع في باب الميراث يتناول الاثنين فصاعدا م: (نجد ذلك) ش: أي عدد أدنى الجمع اثنان منهم م: (في القرآن) ش: ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] (النساء: الآية 11) ، ويحجب الاثنان منهم فصاعدا الإم من الثلث إلى السدس فعلم أن الاثنين لهما حكم الجمع م: (فكان من كل فريق اثنان) ش: أي من الفقراء والمساكين اثنان م: (وأمهات الأولاد ثلاث، فلهذا يقسم على الجزء: 13 ¦ الصفحة: 428 سبعة. ولهما أن الجمع المحلى بالألف واللام يراد به الجنس، وأنه يتناول الأدنى مع احتمال الكل لا سيما عند تعذر صرفه إلى الكل، فيعتبر من كل فريق واحد فبلغ الحساب خمسة، والثلاثة للثلاث. قال: ولو أوصى بثلثه لفلان وللمساكين فنصفه لفلان ونصفه للمساكين عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثلثه لفلان وثلثاه للمساكين، ولو أوصى للمساكين له صرفه إلى مسكين واحد عندهما، وعنده: لا يصرف إلا إلى مسكينين بناء على ما بيناه. قال: ومن أوصى لرجل بمائة درهم ولآخر بمائة، ثم قال لآخر: قد أشركتك معهما فله ثلث كل مائة؛ لأن الشركة للمساواة لغة، وقد أمكن إثباته بين الكل بما قلناه لاتحاد المال؛ لأنه يصيب كل واحد منهم ثلثا مائة، بخلاف ما إذا أوصى لرجل بأربعمائة ولآخر بمائتين، ثم كان الإشراك؛ لأنه لا يمكن تحقيق المساواة بين الكل لتفاوت المالين، فحملناه على مساواته كل واحد بتنصيف نصيبه عملا   [البناية] سبعة) . م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الجمع المحلى بالألف واللام يراد به الجنس، وأنه يتناول الأدنى مع احتمال الكل لا سيما عند تعذر صرفه إلى الكل، فيعتبر من كل فريق واحد فبلغ الحساب خمسة، والثلاث للثلاث) ش: أي أمهات الأولاد. م: (قال: ولو أوصى بثلثه لفلان) ش: أي بثلث ماله لفلان م: (وللمساكين فنصفه لفلان ونصفه للمساكين عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعلى هذا الأصل لو أوصى بثلث ماله لفلان وللمساكين يكون نصفه لفلان وثلثاه للمساكين، يصير الثلث أثلاثا. م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثلثه لفلان وثلثاه للمساكين، ولو أوصى للمساكين له صرفه إلى مسكين واحد عندهما، وعنده) ش: أي وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لا يصرفه إلا إلى مسكينين بناء على ما بيناه) ش: يعني في المسألة المتقدمة، وهو أن الجمع في باب الميراث يتناول الاثنين إلى آخره. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن أوصى لرجل بمائة درهم ولآخر بمائة ثم قال لآخر: قد أشركتك معهما فله ثلث كل مائة؛ لأن الشركة للمساواة لغة، وقد أمكن إثباته بين الكل بما قلناه) ش: من اقتضاء الشركة والمساواة م: (لاتحاد المال؛ لأنه يصيب كل واحد منهم ثلثا مائة، بخلاف ما إذا أوصى لرجل بأربعمائة ولآخر بمائتين، ثم كان) ش: أي الاشتراك، أي ثم قال: للثالث م: (الإشراك) ش: معهما فيما أوصيت بهما كان له النصف من كل واحد منهما جميعا م: (لأنه لا يمكن تحقيق المساواة بين الكل لتفاوت المالين) ش: ولا بد من العمل بمفهوم لفظ الاشتراك بقدر الإمكان م: (فحملناه على مساواته كل واحد بتنصيف نصيبه عملا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 429 باللفظ بقدر الإمكان. قال: ومن قال: لفلان علي دين فصدقوه، معناه: قال ذلك لورثته فإنه يصدق إلى الثلث وهذا استحسان، وفي القياس لا يصدق؛ لأن الإقرار بالمجهول وإن كان صحيحا، لكنه لا يحكم به إلا بالبيان. وقوله: "فصدقوه " صدر مخالف للشرع؛ لأن المدعي لا يصدق إلا بحجة فتعذر إثباته إقرارا مطلقا، فلا يعتبر، وجه الاستحسان: أنا نعلم أن من قصده تقديمه على الورثة وقد أمكن تنفيذ قصده بطريق الوصية، وقد يحتاج إليه من يعلم بأصل الحق عليه دون مقداره سعيا منه في تفريغ ذمته، فيجعلها وصية جعل التقدير فيها إلى الموصى له، كأنه قال: إذا جاءكم فلان وادعى شيئا فأعطوه من مالي ما شاء، وهذه معتبرة من الثلث، فلهذا يصدق على الثلث دون الزيادة. قال: وإن أوصى بوصايا غير ذلك يعزل الثلث لأصحاب الوصايا والثلثان للورثة؛ لأن ميراثهم معلوم، وكذا الوصايا معلومة   [البناية] باللفظ) ش: أي بقوله: أشركتك م: (بقدر الإمكان) . [قال لفلان علي دين فصدقوه] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن قال: لفلان علي دين فصدقوه) ش: أي قال لورثته، وبينه المصنف بقوله م: (معناه قال ذلك لورثته، فإنه يصدق إلى الثلث) ش: أي إذا ادعى الدين بأكثر من الثلث، وكذبه الورثة، قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا استحسان. وفي القياس: لا يصدق؛ لأن الإقرار بالمجهول، وإن كان صحيحا لكنه لا يحكم به إلا بالبيان، وقوله: "فصدقوه" صدر مخالفا للشرع: لأن المدعي لا يصدق إلا بحجة) ش: وهو قد أمرهم بتصديقه بلا حجة، فإذا كان كذلك م: (فتعذر إثباته إقرارا مطلقا) ش: يعني من كل وجه م: (فلا يعتبر وجه الاستحسان: أنا نعلم أن من قصده تقديمه على الورثة) ش: وهو مالك للكل في الثلث م: (وقد أمكن تنفيذ قصده بطريق الوصية) ش: فيتقيد، وقد يحتاج جواب عما يقال: لو كان قصده الوصية لصرح بها، وتقرير الجواب بأن يقال: م: (وقد يحتاج إليه) ش: إلى مثل هذا الكلام م: (من يعلم بأصل الحق عليه دون مقداره) ش: يعني يعلم أصل الحق ولا يعلم مقداره م: (سعيا منه) ش: أي لأصل السعي منه، م: (في تفريغ ذمته فيجعلها) ش: أي فيجعل هذه الوصية م: (وصية جعل التقدير فيها) ش: أي في هذه الوصية م: (إلى الموصى له كأنه قال: إذا جاءكم فلان وادعى شيئا فأعطوه من مالي ما شاء، وهذه) ش: أي هذه الوصية م: (معتبرة من الثلث، فلهذا) ش:، أي فلكونها معتبرة من الثلث م: (يصدق على الثلث دون الزيادة) ش: على الثلث؛ لأن جواز الوصية من الثلث. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن أوصى بوصايا غير ذلك) ش: أي غير الدين المجهول م: (يعزل الثلث لأصحاب الوصايا والثلثان للورثة؛ لأن ميراثهم معلوم) ش: وهو الثلثان م: (وكذا الوصايا معلومة) ش: وهي الثلث. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 430 وهذا مجهول فلا يزاحم المعلوم، فيقدم عزل المعلوم، وفي الإفراز فائدة أخرى، وهو أن أحد الفريقين قد يكون أعلم بمقدار هذا الحق وأبصر به، والآخر ألد خصاما وعساهم يختلفون في الفضل إذا ادعاه الخصم، وبعد الإفراز يصح إقرار كل واحد فيما في يده من غير منازعة. وإذا عزل يقال لأصحاب الوصايا: صدقوه فيما شئتم، ويقال للورثة: صدقوه فيما شئتم؛ لأن هذا دين في حق المستحق وصية في حق التنفيذ، فإذا أقر كل فريق بشيء ظهر أن في التركة دينا شائعا في النصيبين، فيؤخذ أصحاب الثلث بثلث ما أقروا والورثة بثلثي ما أقروا تنفيذا لإقرار كل فريق في قدر حقه، وعلى كل فريق منهما اليمين على العلم إن ادعى المقر له زيادة على ذلك؛ لأنه يحلف على ما جرى بينه وبين غيره. قال: ومن أوصى لأجنبي ولوارثه فللأجنبي نصف الوصية وتبطل وصية الوارث؛ لأنه أوصى بما يملك الإيصاء به وبما لا يملك، فصح في الأول وبطل في الثاني. بخلاف ما إذا أوصى لحي وميت؛ لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا يصلح مزاحما، فيكون الكل للحي والوارث من أهلها، ولهذا تصح بإجازة الورثة فافترقا،   [البناية] م: (وهذا) ش: أي دين فلان م: (مجهول فلا يزاحم المعلوم فيقدم عزل المعلوم، وفي الإفراز فائدة أخرى، وهو أن أحد الفريقين قد يكون أعلم بمقدار هذا الحق وأبصر به) ش: أي هذا الحق م: (والآخر) ش: أي الفريق الآخر م: (ألد خصاما) ش: أي شديد بين في الخصومة م: (وعساهم) ش: أي لعلهم، أي الفريق الورثة وأصحاب الوصايا م: (يختلفون في الفضل إذا ادعاه الخصم، وبعد الإفراز يصح إقرار كل واحد فيما في يده من غير منازعة) . م: (وإذا عزل يقال لأصحاب الوصايا: صدقوه فيما شئتم ويقال للورثة: صدقوه فيما شئتم؛ لأن هذا دين في حق المستحق) ش: أي المقر له م: (وصية في حق التنفيذ، فإذا أقر كل فريق بشيء ظهر أن في التركة دينا شائعا في النصيبين، فيؤخذ أصحاب الثلث بثلث ما أقروا، والورثة بثلثي ما أقروا تنفيذا لإقرار كل فريق في قدر حقه، وعلى كل فريق منهما اليمين على العلم إن ادعى المقر له زيادة على ذلك؛ لأنه يحلف على ما جرى بينه وبين غيره) ش: أي بين المقر له وبين غيره، وهو الميت. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى لأجنبي ولوارثه فللأجنبي نصف الوصية وتبطل وصية الوارث؛ لأنه أوصى بما يملك الإيصاء به وبما لا يملك، فصح في الأول) ش: أي فيما يملك م: (وبطل في الثاني) ش: أي فيما لا يملك، وبه قالت الأئمة الثلاثة وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (بخلاف ما إذا أوصى لحي وميت؛ لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا يصلح مزاحما، فيكون الكل للحي والوارث من أهلها) ش: أي من أهل الوصية م: (ولهذا تصح بإجازة الورثة فافترقا) ش: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 431 وعلى هذا إذا أوصى للقاتل وللأجنبي. وهذا بخلاف ما إذا أقر بعين أو دين لوارثه وللأجنبي حيث لا يصح في حق الأجنبي أيضا؛ لأن الوصية إنشاء تصرف والشركة تثبت حكما له، فتصح في حق من يستحقه منهما. وأما الإقرار فإخبار عن كائن، وقد أخبر بوصف الشركة في الماضي، ولا وجه إلى إثباته بدون هذا الوصف؛ لأنه خلاف ما أخبر به ولا إلى إثبات الوصف؛ لأنه يصير الوارث فيه شريكا، ولأنه لو قبض الأجنبي شيئا كان للوارث أن يشاركه، فيبطل في ذلك القدر، ثم لا يزال يقبض ويشاركه الوارث حتى يبطل الكل فلا يكون مفيدا، وفي الإنشاء حصة أحدهما ممتازة عن حصة الآخر بقاء وبطلانا. قال: ومن كان له ثلاثة أثواب   [البناية] أي حكما الصورتين م: (وعلى هذا) ش: أي على الحكم المذكور م: (إذا أوصى للقاتل وللأجنبي) ش: حيث تبطل وصيته للقاتل؛ لأنها فيمن لا يستحقها، ولا تبطل في حق الأجنبي؛ لأنها في حقه جائزة. م: (وهذا) ش: أي هذا الإيصاء م: (بخلاف ما إذا أقر بعين أو دين لوارثه وللأجنبي حيث لا يصح في حق الأجنبي أيضا؛ لأن الوصية إنشاء تصرف) ش: أي ابتداء تمليك م: (والشركة تثبت حكما له) ش: أي للإنشاء م: (فتصح في حق من يستحقه منهما) ش: أي من الوارث والأجنبي. م: (وأما الإقرار فإخبار عن كائن، وقد أخبر بوصف الشركة في الماضي) ش: فيستدعي مخبرا، والمخبر به للوالدين المشترك م: (ولا وجه إلى إثباته بدون هذا الوصف) ش: وهو الاشتراك م: (لأنه خلاف ما أخبر به) ش: المقرون لا إلى إثبات الوصف، أي لا وجه أيضا م: (ولا إلى إثبات الوصف؛ لأنه يصير الوارث فيه شريكا) ش: فيؤدي إلى إضرار بعض الورثة، فيرد أصلا كيلا يحتال الناس في إضرار الورثة بهذا الطريق. م: (ولأنه لو قبض الأجنبي شيئا كان للوارث أن يشاركه، فيبطل) ش: أي يبطل الإقرار م: (في ذلك القدر) ش: المقبوض حمل في نصيبهما معا؛ لأنه لما كان للوارث أن يشاركه فيه، فإذا شارك كان لبقية الورثة أن يأخذوا ذلك القدر منه. ثم يرجع هو على الأجنبي؛ لأن ما قبض لم يسلم له ثم إلى أن ينتهي فيبطل أصلا، وهو قوله م: (ثم لا يزال يقبض ويشاركه الوارث حتى يبطل الكل) ش: فإذا بطل الكل م: (فلا يكون مفيدا، وفي الإنشاء حصة أحدهما ممتازة عن حصة الآخر بقاء) ش: أي في حق الأجنبي م: (وبطلانا) ش: أي في حق الوارث. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن كان له ثلاثة أثواب الجزء: 13 ¦ الصفحة: 432 جيد ووسط ورديء فأوصى بكل واحد لرجل فضاع ثوب ولا يدري أيها هو، والورثة تجحد ذلك فالوصية باطلة، ومعنى جحودهم: أن يقول الوارث لكل واحد منهم بعينه: الثوب الذي هو حقك قد هلك، فكان المستحق مجهولا، وجهالته تمنع صحة القضاء وتحصيل المقصود، فبطل. قال: إلا أن يسلم الورثة الثوبين الباقيين، فإن سلموا زال المانع، وهو الجحود، فيكون لصاحب الجيد ثلثا الثوب الأجود، ولصاحب الأوسط ثلث الجيد وثلث الأدون، فثبت الأدون ولصاحب الأدون ثلثا الثوب الأدون؛ لأن صاحب الجيد لا حق له في الرديء بيقين؛ لأنه إما أن يكون وسطا أو رديئا ولا حق له فيهما، وصاحب الرديء لا حق له في الجيد الباقي بيقين؛ لأنه إما أن يكون جيدا أو وسطا ولا حق له فيهما. ويحتمل أن يكون الرديء هو الرديء الأصلي،   [البناية] جيد ووسط ورديء فأوصى بكل واحد) ش: من هذه الثياب م: (لرجل فضاع ثوب ولا يدري أيها هو، والورثة تجحد ذلك فالوصية باطلة) ش: صورة المسألة في " الجامع " عن محمد ويعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رجل أوصى لثلاثة نفر فقال: لفلان هذا الثوب الجيد ولفلان رجل آخر هذا الثوب الوسط ولفلان رجل آخر هذا الثوب الرديء ثم مات الموصي ثم هلك واحد من الثلاثة أثواب لا يدري أيها هلك، والورثة تجحد فالوصية باطلة. قال المصنف: م: (ومعنى جحودهم أن يقول الوارث لكل واحد منهم بعينه الثوب الذي هو حقك قد هلك، فكان المستحق مجهولا، وجهالته تمنع صحة القضاء) ش: كما إذا أوصى لأحد هذين الرجلين، فإن الوصية باطلة؛ لأن المستحق مجهول. م: (وتحصيل المقصود) ش: بالنصب، أي ويمنع أيضًا تحصيل المقصود، أي مقصود الوصي، وهو إتمام غرضه، فإذا كان كذلك م: (فبطل) ش: أي الإيصاء. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (إلا أن يسلم الورثة الثوبين الباقيين) ش: وهذا استثناء من قوله: " فالوصية باطلة " م: (فإن سلموا) ش: أي الورثة إن قالوا: سلمنا لكم هذين الثوبين فاقتسموا فيما بينكما م: (زال المانع، وهو الجحود، فيكون لصاحب الجيد ثلثا الثوب الأجود، ولصاحب الأوسط ثلث الجيد وثلث الأدون، فثبت الأدون ولصاحب الأدون ثلثا الثوب الأدون؛ لأن صاحب الجيد، لا حق له في الرديء بيقين؛ لأنه) ش: أي لأن الرديء م: (إما أن يكون وسطا أو رديئا ولا حق له فيهما) ش: أي لا حق لصاحب الجيد في الوسط والرديء م: (وصاحب الرديء لا حق له في الجيد الباقي بيقين؛ لأنه إما أن يكون جيدا أو وسطا، ولا حق له فيهما. ويحتمل أن يكون الرديء هو الرديء الأصلي) ش: إذ الهالك إذا كان رديئا فالثاني يكون جيدا، فيكون هو الرديء الأصلي. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 433 فيعطى من محل الاحتمال. وإذا ذهب ثلثا الجيد وثلثا الأدون فلم يبق إلا ثلث الجيد وثلث الرديء، فيتعين حق صاحب الوسط فيه بعينه ضرورة. قال: وإذا كانت الدار بين رجلين فأوصى أحدهما ببيت بعينه لرجل فإنها تقسم، فإن وقع البيت، في نصيب الموصي فهو للموصى له عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وعند محمد نصفه للموصى له، وإن وقع في نصيب الآخر فللموصى له مثل ذرع البيت، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مثل ذرع نصف البيت. له: أنه أوصى بملكه وبملك غيره؛ لأن الدار بجميع أجزائها مشتركة فينفذ الأول ويوقف الثاني، وهو أن ملكه بعد ذلك بالقسمة التي هي مبادلة لا تنفذ الوصية السالفة، كما إذا أوصى بملك الغير ثم اشتراه، ثم إذا اقتسموها ووقع البيت في نصيب الموصي تنفيذا للوصية في عين الموصى به وهو نصف البيت، وإن وقع في نصيب صاحبه له مثل ذرع نصف البيت تنفيذا للوصية في بدل الموصى به عند فواته، كالجارية   [البناية] م: (فيعطى من محل الاحتمال) ش: لأنه يحتمل أن يكون هذا وسطا ويحتمل أن يكون في الرديء الحالي بأن يكون الضائع الرديء، فيكون هذا وسطا، فيكون هذا تنفيذ وصية في محل يحتمل أن يكون حقه، كذا في " شرح الجامع " لصاحب " الهداية " م: (وإذا ذهب ثلثا الجيد وثلثا الأدون فلم يبق إلا ثلث الجيد وثلث الرديء فتعين حق صاحب الوسط فيه بعينه ضرورة) . م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كانت الدار بين رجلين فأوصى أحدهما ببيت بعينه لرجل فإنها تقسم) ش: أي فإن الدار تقسم م: (فإن وقع البيت في نصيب الموصي فهو للموصى له عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وعند محمد: نصفه للموصى له، وإن وقع في نصيب الآخر فللموصى له مثل ذرع البيت. وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مثل ذرع نصف البيت. له) ش: أي لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) ش: أي أن الموصي م: (أوصى بملكه وبملك غيره؛ لأن الدار بجميع أجزائها مشتركة فينفذ الأول) ش: وهو الوصية فيما يملكه وهو نصيبه م: (ويوقف الثاني، وهو) ش: وهو نصيب صاحبه فيتوقف على إجازة شريكه م: (أن ملكه بعد ذلك بالقسمة التي هي مبادلة) ش: لأنه أخذ البيت بدلا عن نصيبه بما في يد صاحبه م: (لا تنفذ الوصية السالفة) ش: بالملك الحادث بعد الوصية في الموصى به. م: (كما إذا أوصى بملك الغير ثم اشتراه) ش: حيث لا تصح الوصية، فكذا هذا م: (ثم إذا اقتسموها ووقع البيت في نصيب الموصي تنفيذا للوصية في عين الموصى به وهو نصف البيت، وإن وقع في نصيب صاحبه له مثل ذرع نصف البيت تنفيذا للوصية في بدل الموصى به عند فواته، كالجارية الجزء: 13 ¦ الصفحة: 434 الموصى بها إذا قتلت خطأ تنفذ الوصية في بدلها. بخلاف ما إذا بيع العبد الموصى به حيث لا تتعلق الوصية بثمنه؛ لأن الوصية تبطل بالإقدام على البيع على ما بيناه، ولا تبطل بالقسمة. ولهما: أنه أوصى بما يستقر ملكه فيه بالقسمة؛ لأن الظاهر أنه يقصد الإيصاء بملك منتفع به من كل وجه، وذلك يكون بالقسمة؛ لأن الانتفاع بالمشاع قاصر، وقد استقر ملكه في جميع البيت إذا وقع في نصيبه فتنفذ الوصية فيه. ومعنى المبادلة في هذه القسمة تابع، وإنما المقصود الإفراز تكميلا للمنفعة، ولهذا يجبر على القسمة فيه، وعلى اعتبار الإفراز يصير كأن البيت ملكه من الابتداء، وإن وقع في نصيب الآخر تنفذ في قدر ذرعان جميعه مما وقع في نصيبه، إما لأنه عوضه كما ذكرناه، أو لأن مراد الموصي من ذكر البيت التقدير به تحصيلا لمقصوده ما أمكن، إلا أنه يتعين البيت   [البناية] الموصى بها إذا قتلت خطأ تنفذ الوصية في بدلها. بخلاف ما إذا بيع العبد) ش: أي عند فوات الأصل بالحالة م: (الموصى به، حيث لا تتعلق الوصية بثمنه؛ لأن الوصية تبطل بالإقدام على البيع على ما بيناه) ش: أشار به إلى ما ذكر قبل باب الوصية بثلث المال عند قوله وإذا صرح بالرجوع أو فعل ما يدل على الرجوع كان رجوعا م: (ولا تبطل) ش: أي الوصية م: (بالقسمة) ش: لأن القسمة لتكميل المنفعة، بخلاف البيع. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى -: م: (أنه أوصى بما يستقر ملكه فيه بالقسمة؛ لأن الظاهر أنه) ش: أي أن الموصي م: (يقصد الإيصاء بملك منتفع به من كل وجه، وذلك) ش: أي الملك المنتفع به عن كل وجه م: (يكون بالقسمة) ش: لأن ملكه على اعتبار القسمة هو الملك التام المنتفع به م: (لأن الانتفاع بالمشاع قاصر، وقد استقر ملكه في جميع البيت إذا وقع في نصيبه فتنفذ الوصية فيه. ومعنى المبادلة في هذه القسمة تابع) ش: وإن كان معنى المبادلة في قسمة العروض والحيوانات أصل، والدارين عروض، ذكره المصنف في كتاب القسمة. م: (وإنما المقصود الإفراز تكميلا للمنفعة، ولهذا يجبر على القسمة فيه) ش: هذا إيضاح لقوله، وإنما المقصود الإقرار؛ لأن في الدار الواحدة المختلفة البيوت تقسم قسمة واحدة؛ لأن في تفريقها إضرارا، بخلاف الدور حيث تقسم كل واحدة على حدة، لا قسمة واحدة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما، وقد مر في القسمة. م: (وعلى اعتبار الإفراز يصير كأن البيت ملكه من الابتداء، وإن وقع في نصيب الآخر تنفذ في قدر ذرعان جميعه مما وقع في نصيبه، إما لأنه عوضه كما ذكرناه) ش: أي في الجارية الموصى بها م: (أو لأن مراد الموصي من ذكر البيت التقدير به تحصيلا لمقصوده ما أمكن، إلا أنه يتعين البيت) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 435 إذا وقع في نصيبه جمعا بين الجهتين التقدير والتمليك. وإن وقع في نصيب الآخر عملنا بالتقدير، أو لأنه أراد التقدير على اعتبار أحد الوجهين والتمليك بعينه على اعتبار الوجه الآخر كما إذا علق عتق الولد وطلاق المرأة بأول ولد تلده أمته، فالمراد في جزاء الطلاق مطلق الولد وفي العتق ولد حي. ثم إذا وقع البيت في نصيب غير الموصي، والدار مائة ذراع، والبيت عشرة أذرع: يقسم نصيبه بين الموصى له وبين الورثة على عشرة أسهم، تسعة منها للورثة، وسهم للموصى له، وهذا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فيضرب الموصى له بخمسة أذرع نصف البيت وهم بنصف الدار سوى البيت وهو خمسة وأربعون، فيجعل كل خمسة سهما، فيصير عشرة. وعندهما يقسم على أحد عشر سهما؛ لأن الموصى له يضرب   [البناية] ش: قال تاج الشريعة: " إلا أنه يتعين " هذا جواب [عن] إشكال، وهو أن يقال: ذكر البيت لما كان التقدير به ينبغي أن لا يجب وقع البيت نفسه إذا وقع في نصيب الموصي م: (إذا وقع في نصيبه جمعا بين الجهتين) ش: إحداهما: م: (التقدير) ش: وهي فيما إذا وقع البيت في نصيب شريكه، والأخرى هي قوله م: (والتمليك) ش: يعني البيت. م: (وإن وقع في نصيب الآخر عملنا بالتقدير، أو لأنه) ش: أي أو لأن الموصي م: (أراد التقدير على اعتبار أحد الوجهين) ش: يعني في وقوعه في نصيب الشريك م: (والتمليك) ش: أي وأراد التمليك م: (بعينه على اعتبار الوجه الآخر) ش: يعني في وقوعه في نصيب الموصي، ونظر لذلك بقوله: م: (كما إذا علق عتق الولد وطلاق المرأة بأول ولد تلده أمته) ش: بأن قال: إذا ولدت أمتي فهو حر وأنت طالق م: (فالمراد في جزاء الطلاق) ش: أي في جزاء الطلاق م: (مطلق الولد) ش: حتى تطلق المرأة بولادة الولد كيف كان حيا أو ميتا. م: (وفي العتق) ش: أي المراد في العتق م: (ولد حي) ش: لأن الميت ليس بمحل للطلاق، حتى إذا ولدت ميتا ثم ولدت حيا يعتق الحي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خلافا لهما. م: (ثم إذا وقع البيت في نصيب غير الموصي والدار مائة ذراع والبيت عشرة أذرع، يقسم نصيبه) ش: أي نصيب الموصي، وهو خمسون ذراعا م: (بين الموصى له وبين الورثة على عشرة أسهم، تسعة منها) ش: أي من العشرة م: (للورثة) ش: أي لورثة البيت م: (وسهم للموصى له، وهذا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فيضرب الموصى له بخمسة أذرع نصف البيت، وهم) ش: أي الورثة يضربون م: (بنصف الدار سوى البيت وهو خمسة وأربعون، فيجعل كل خمسة سهما فيصير عشرة) . م: (وعندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى -: م: (يقسم) ش: أي نصيب الموصي بين الموصى له والورثة م: (على أحد عشر سهما؛ لأن الموصى له يضرب الجزء: 13 ¦ الصفحة: 436 بالعشرة وهم بخمسة وأربعين، فتصير السهام أحد عشر، للموصى لها سهمان، ولهم تسعة. ولو كان مكان الوصية إقرار، قيل هو على الخلاف وقيل لا خلاف فيه لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والفرق له: أن الإقرار بملك الغير صحيح، حتى إن من أقر بملك الغير لغيره ثم ملكه يؤمر بالتسليم إلى المقر له، والوصية بملك الغير لا تصح، حتى لو ملكه بوجه من الوجوه ثم مات لا تصح وصيته ولا تنفذ. قال: ومن أوصى من مال رجل لآخر بألف بعينه فأجاز صاحب المال بعد موت الموصي، فإن دفعه فهو جائز وله أن يمنع؛ لأن هذا تبرع بمال الغير فيتوقف على إجازته. وإذا أجاز يكون تبرعا منه أيضا فله أن يمتنع من التسليم. بخلاف ما إذا أوصى بالزيادة على الثلث وأجازت الورثة؛ لأن الوصية في مخرجها صحيحة لمصادفتها ملك نفسه والامتناع   [البناية] بالعشرة وهم) ش: أي الورثة م: (بخمسة وأربعين فتصير السهام أحد عشر للموصى له سهمان، ولهم تسعة) ش: كذا قال فخر الإسلام البزدوي وغيره وفي " شرح الجامع الصغير ". م: (ولو كان مكان الوصية إقرار) ش: يعني لو كان الدار بين شريكين فأقر أحدهما ببيت بعينه لواحد فيقسم الدار أولا، فإن وقع البيت في نصيب المقر يسلم إلى المقر له. وإن وقع في نصيب الشريك يضرب المقر له فيما وقع في يد المقر مثل ذرع البيت. وكذلك لو أقر بطريق أو حائط. كذا في " الشامل ". وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضرب المقر له بنصف ذرع البيت. م: (قيل: هو على الخلاف) ش: أي حكم الإقرار على الخلاف المذكور بين محمد وصاحبيه. م: (وقيل: لا خلاف فيه لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي في حكم الإقرار، بل قول محمد فيه كقولهما. وجعل فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير " عدم الخلاف، وهو الأصح م: (والفرق له) ش: أي الفرق بين الوصية والإقرار لمحمد م: (أن الإقرار بملك الغير صحيح، حتى إن من أقر بملك الغير لغيره ثم ملكه يؤمر بالتسليم إلى المقر له، والوصية بملك الغير لا تصح حتى لو ملكه بوجه من الوجوه) ش: مثل الشراء والهبة والتمليك م: (ثم مات لا تصح وصيته ولا تنفذ) . م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى من مال رجل لآخر بألف بعينه فأجاز صاحب المال بعد موت الموصي، فإن دفعه إليه فهو جائز وله أن يمنع؛ لأن هذا تبرع بمال الغير، فيتوقف على إجازته. وإذا أجاز يكون تبرعا منه أيضًا فله أن يمتنع من التسليم) ش: أي: ولصاحب المال أن يمتنع مما أجازه الموصي ولا يسلم؛ لأن هذا هبة من صاحب المال والهبة لا تتم بدون التسليم، فإن وقع تمت الهبة وإلا فلا. م: (بخلاف ما إذا أوصى بالزيادة على الثلث وأجازت الورثة) ش: ثم أرادوا أن يمتنعوا من التسليم لا يكون لهم ذلك م: (لأن الوصية في مخرجها صحيحة لمصادفتها ملك نفسه، والامتناع الجزء: 13 ¦ الصفحة: 437 لحق الورثة، فإذا أجازوها سقط حقهم فنفذ من جهة الموصي. قال: وإذا اقتسم الابنان تركة الأب ألفا ثم أقر أحدهما لرجل أن الأب أوصى له بثلث ماله فإن المقر يعطيه ثلث ما في يده وهذا استحسان، والقياس أن يعطيه نصف ما في يده، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن إقراره بالثلث له تضمن إقراره بمساواته إياه والتسوية في إعطاء النصف ليبقى له النصف. وجه الاستحسان: أنه أقر له بثلث شائع في التركة وهي في أيديهما فيكون مقرا بثلث ما في يده. بخلاف ما إذا أقر أحدهما بدين لغيره؛ لأن الدين مقدم على الميراث، فيكون مقرا بتقدمه فيقدم عليه. أما الموصى له بالثلث شريك الوارث فلا يسلم له شيء إلا أن يسلم للورثة مثلاه، ولأنه لو أخذ منه نصف ما في يده فربما يقر الابن الآخر به أيضا، فيأخذ نصف ما في يده، فيصير نصف التركة فيزاد على الثلث. قال: ومن أوصى لرجل بجارية فولدت بعد موت الموصي ولدا، وكلاهما يخرجان من الثلث فهما للموصى له؛ لأن الأم دخلت في الوصية   [البناية] لحق الورثة، فإذا أجازوها سقط حقهم فنفذ من جهة الموصي) . م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا اقتسم الابنان تركة الأب ألفا ثم أقر أحدهما لرجل أن الأب أوصى له بثلث ماله فإن المقر يعطيه ثلث ما في يده) ش: وهو سدس المال م: (وهذا استحسان) ش: وبه قال الشافعي وأحمد ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه: يلزمه جميع ما في يده وخرجه صاحب " الحاوي " من القولين في الدين ليس شيء، كذا في " الحلية ". م: (والقياس أن يعطيه نصف ما في يده، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن إقراره بالثلث له تضمن إقراره بمساواته إياه والتسوية في إعطاء النصف ليبقى له النصف. وجه الاستحسان: أنه أقر له بثلث شائع في التركة وهي في أيديهما) ش: أي في أيدي الابنين م: (فيكون مقرا بثلث ما في يده. بخلاف ما إذا أقر أحدهما بدين لغيره) ش: حيث يعطي جميع ما في يده م: (لأن الدين مقدم على الميراث، فيكون مقرا بتقدمه فيقدم عليه) ش: وبه قال الشافعي في وجه. وقال الشافعي في الأصح: يلزمه في نصيبه ما يخصه وهو قول مالك وأحمد - رحمهما الله - لأن إقراره بهذه الجهة. م: (أما الموصى له بالثلث شريك الوارث فلا يسلم له شيء إلا أن يسلم للورثة مثلاه، ولأنه لو أخذ منه نصف ما في يده فربما يقر الابن الآخر به أيضًا فيأخذ نصف ما في يده، فيصير نصف التركة فيزاد على الثلث) ش: فيكون شريك الورثة بالنصف لا بالثلث. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن أوصى لرجل بجارية فولدت بعد موت الموصي ولدا وكلاهما) ش: أي الأم والولد م: (يخرجان من الثلث فهما للموصى له؛ لأن الأم دخلت في الوصية الجزء: 13 ¦ الصفحة: 438 أصالة، والولد تبعا حين كان متصلا بالأم، فإذا ولدت قبل القسمة والتركة قبلها مبقاة على ملك الميت حتى يقضي بها ديونه دخل في الوصية، فيكونان للموصى له. وإن لم يخرجا من الثلث ضرب بالثلث وأخذ ما يخصه منهما جميعا في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يأخذ ذلك من الأم، فإن فضل شيء أخذه من الولد. وفي" الجامع الصغير " عين صورة، وقال: رجل له ستمائة درهم وأمة تساوي ثلاثمائة درهم فأوصى بالجارية لرجل ثم مات فولدت ولدا يساوي ثلاثمائة درهم قبل القسمة، فللموصى له الأم وثلث الولد عنده، وعندهما: له ثلثا كل واحد منهما. لهما: ما ذكرنا أن الولد دخل في الوصية تبعا لحالة الاتصال فلا يخرج منها بالانفصال كما في البيع والعتق، فتنفذ الوصية فيهما على السواء من غير تقديم الأم،   [البناية] أصالة، والولد) ش: دخل فيها م: (تبعا حين كان متصلا بالأم، فإذا ولدت قبل القسمة والتركة قبلها مبقاة على ملك الميت حتى يقضي بها ديونه دخل) ش: أي الولد م: (في الوصية، فيكونان للموصى له) ش: يعني تكون الأم والولد للموصى له إذا ولد له قبل قسمة التركة. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: إن كانت حاملا به حين الوصية، ويعلم ذلك بأن قلده لأقل من ستة أشهر منذ أوصى يدخل الولد في الوصية، ويكون للموصى له مع الأم. وقالا في وجه: لا حكم للحل في الوصية بكل حال فلا يدخل فيها على كل حال. م: (وإن لم يخرجا من الثلث ضرب بالثلث وأخذ ما يخصه منهما جميعا في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يأخذ ذلك من الأم، فإن فضل شيء أخذه من الولد. وفي " الجامع الصغير " عين صورة) ش: أي عين محمد صورة بهذه المسألة. م: (وقال: رجل له ستمائة درهم وأمة) ش: أي الموصي فولدت ولدا أي وله أمة م: (تساوي ثلاثمائة درهم فأوصى بالجارية لرجل ثم مات) ش: أي الموصي م: (فولدت ولدا يساوي ثلاثمائة درهم قبل القسمة) ش: أي قبل قسمة التركة م: (فللموصى له الأم وثلث الولد عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعندهما: له ثلثا كل واحد منهما) ش: أي من الأم والولد. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (ما ذكرنا أن الولد دخل في الوصية تبعا لحالة الاتصال فلا يخرج منها) ش: أي عن الوصية م: (بالانفصال كما في البيع) ش: بأن باع الأمة الحامل م: (والعتق) ش: بأن أعتقها يدخل الحمل ويدخل الولد في البيع والعتق، ولا يخرج عنها بالانفصال، فإذا كان كذلك م: (فتنفذ الوصية فيهما على السواء من غير تقديم الأم) ش: في الأصالة وفي الولد تبعا لاتصاله بالأم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 439 وله: أن الأم أصل والولد تبع فيه، والتبع لا يزاحم الأصل، فلو نفذنا الوصية فيهما جميعا تنتقض الوصية في بعض الأصل، وذلك لا يجوز، بخلاف البيع؛ لأن تنفيذ البيع في التبع لا يؤدي إلى نقضه في الأصل، بل يبقى تاما صحيحا فيه، إلا أنه لا يقابله بعض الثمن ضرورة مقابلته بالولد إذا اتصل به القبض، ولكن الثمن تابع في البيع حتى ينعقد البيع بدون ذكره وإن كان فاسدا، هذا إذا ولدت قبل القسمة، فإن ولدت بعد القسمة فهو للموصى له؛ لأنه نماء خالص ملكه لتقرر ملكه فيه بعد القسمة.   [البناية] م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (أن الأم أصل والولد تبع فيه) ش: أي في الوصية على تأويل الإيصاء م: (والتبع لا يزاحم الأصل) ش: لأن الإيجاب تناول الأم قصدا، ثم سرى حكم الإيجاب إلى الولد فلا يزاحم التبع الأصل، لعدم المساواة بينهما م: (فلو نفذنا الوصية فيهما جميعا تنتقض الوصية في بعض الأصل، وذلك لا يجوز، بخلاف البيع) ش: لأن فيه إبطال الأصل بالتبع، بل يبقى تاما صحيحا فيه، إلا أنه لا يقابله بعض الثمن، هذا جواب عما يقال: لا نسلم م: (لأن تنفيذ البيع في التبع لا يؤدي إلى نقضه في الأصل، بل يبقى تاما صحيحا فيه، إلا أنه) ش: لا يقابله وفي ذلك نقص له بحصته، ووجهه إنما م: (لا يقابله بعض الثمن ضرورة مقابلته بالولد إذا اتصل به القبض) ش: فإن العوض الواحد لا يقابل بعوضين، لكن لا يوجب ذلك النقض في البيع أصلا. م: (ولكن الثمن تابع في البيع حتى ينعقد البيع بدون ذكره وإن كان فاسدا، هذا) ش: أي دخول الولد في الوصية تبعا م: (إذا ولدت قبل القسمة) ش: قبل قبول الموصى له م: (فإن ولدت بعد القسمة) ش: وبعد القبول م: (فهو للموصى له؛ لأنه نماء خالص ملكه لتقرر ملكه فيه بعد القسمة) ش: وإن ولدت بعد القبول قبل القسمة وبعد القبول فهو للموصى له؛ لأنه نماء خالص ملكه لتقرر ملكه فيه بعد القسمة. وإن ولدت بعد القبول قبل القسمة، ذكر القدوري: أنه لا يصير موصى له، ولا يعتبر خروجه في الثلث كما لو ولدت بعد القسمة. ومشايخنا قالوا: يصير موصى به ويعتبر خروجه من الثلث، كما لو ولدت قبل القبول، ولو ولدت قبل موت الموصي لم يدخل تحت الوصية وبقي على حكم ملك الميت؛ لأنه لم يدخل تحت الوصية قصدا ولا سراية، والكسب والولد في جميع ما ذكرنا. كذا في " الكافي ". وعند الشافعي وأحمد: لو انفصل قبل موت الموصي ومن حين الوصية إلى الانفصال أقل من ستة أشهر يدخل في الوصية من وجه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 440 فصل في اعتبار حالة الوصية قال: وإذا أقر المريض لامرأة بدين أو أوصى لها بشيء أو وهب لها ثم تزوجها ثم مات جاز الإقرار وبطلت الوصية والهبة؛ لأن الإقرار ملزم بنفسه وهي أجنبية عند صدوره. ولهذا يعتبر من جميع المال ولا يبطل الدين إذا كان في حالة الصحة أو في حالة المرض، إلا أن الثاني يؤخر عنه. بخلاف الوصية لأنها إيجاب عند الموت وهي وارثة عند ذلك ولا وصية للوارث، والهبة وإن كانت منجزة صورة   [البناية] [فصل في اعتبار حالة الوصية] م: (فصل في اعتبار حالة الوصية) ش: أي: هذا فصل في بيان اعتبار حالة الوصية، ولما ذكر الحكم الكلي في الوصية شرع في بيان أحكام ما يتعلق بالأحوال المتغيرة من وصف إلى وصف، أن الأحوال بمنزلة العوارض والأحكام المتعلقة بثلث المال بمنزلة الأصول، والأصلي مقدم على العارض. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا أقر المريض لامرأة بدين أو أوصى لها بشيء أو وهب لها ثم تزوجها ثم مات جاز الإقرار وبطلت الوصية والهبة؛ لأن الإقرار ملزم بنفسه) ش: فلا يتوقف على شرط زائد كتوقف الوصية إلى الموت، فصح إقراره بالدين؛ لأن إقراره حصل لأجنبية وهو معنى قوله م: (وهي أجنبية عند صدوره) ش: أي صدور الإقرار م: (ولهذا) ش: أي ولكون الإقرار ملزم بنفسه من غير توقف على شرط م: (يعتبر من جميع المال ولا يبطل بالدين) ش: بخلاف الوصية فإنها تمليك مضاف إلى الموت والمرأة عند الموت وارثة ولا وصية للوارث، فالحديث على ما يأتي م: (إذا كان) ش: أي الإقرار م: (في حالة الصحة أو في حالة المرض) ش: يعني الإقرار لا يبطل بسبب الدين سواء كان في الصحة أو في المرض. م: (إلا أن الثاني) ش: وهو الإقرار الواقع في المرض م: (يؤخر عنه) ش: أي عن الإقرار الواقع في الصحة، حتى إن المال يصرف إلى ما أقر به في حالة الصحة، فإن فضل منه شيء يصرف إلى ما أقر به في حالة المرض وإلا فلا. وعند ابن أبي ليلى والشافعي: الإقراران يستويان وقد مر في إقرار المريض. م: (بخلاف الوصية) ش: بيان لقوله: وبطلت الوصية م: (لأنها) ش: أي لأن الوصية. وفي بعض النسخ: " لأنه "، أي لأن الإيصاء م: (إيجاب عند الموت وهي) ش: أي المرأة م: (وارثة عند ذلك) ش: أي عند موت الموصي م: (ولا وصية للوارث) ش: بالحديث المذكور، وفيما مضى م: (والهبة) ش: بالجر عطف على قوله: بخلاف الوصية، أي بخلاف الهبة الواقعة من المريض المذكور يعني لأنها لا تبطل م: (وإن كانت منجزة) ش: واصلة بما قبلها م: (صورة) ش: أي من الجزء: 13 ¦ الصفحة: 441 فهي كالمضاف إلى ما بعد الموت حكما لأن حكمها يتقرر عند الموت. ألا ترى أنها تبطل بالدين المستغرق للتركة، وعند عدم الدين تعتبر من الثلث. قال: وإذا أقر المريض لابنه بدين وابنه نصراني أو وهب له أو أوصى له فأسلم الابن قبل موته بطل ذلك كله، أما الهبة والوصية فلما قلنا: إنه وارث عند الموت. وهما إيجابان عنده أو بعده، والإقرار وإن كان ملزما بنفسه كما مر، ولكن سبب الإرث وهو البنوة قائم وقت الإقرار، فيعتبر في إيراث تهمة الإيثار. بخلاف ما تقدم؛ لأن سبب الإرث الزوجية وهي طارئة، حتى لو كانت الزوجية قائمة وقت الإقرار وهي نصرانية ثم أسلمت قبل موته لا يصح الإقرار لقيام السبب حال صدوره. قال: وكذا لو كان الابن عبدا أو مكاتبا فأعتق لما ذكرنا،   [البناية] حيث الصورة، يعني لا تتوقف على شيء بحسب الصورة م: (فهي) ش: أي الهبة م: (كالمضاف إلى ما بعد الموت حكما) ش: أي من حيث الحكم م: (لأن حكمها يتقرر عند الموت) ش: وأوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أنها) ش: أي أن الهبة م: (تبطل بالدين المستغرق للتركة، وعند عدم الدين تعتبر من الثلث) ش: لأنها تبرع بتقرر حكمه عند الموت ألا ترى أن من وهب عبدا في مرض موته لأجنبي وما له غيره وسلم صحت الهبة وصارت للموهوب له، فإذا مات من ذلك المرض وجب الفسخ من الثلثين للورثة. وفي الكل حقا للغرماء أو صارت كالمتعلق بالموت. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا أقر المريض لابنه بدين وابنه نصراني أو وهب له أو أوصى له فأسلم الابن قبل موته بطل ذلك كله) ش: أي الإقرار م: (أما الهبة والوصية فلما قلنا) ش: يعني في المسألة الأولى م: (إنه) ش: أي أن الابن م: (وارث عند الموت، وهما) ش: أي الهبة والوصية م: (إيجابان عنده) ش: أي عند الموت م: (أو بعده) ش: أي بعد الموت م: (والإقرار وإن كان ملزما بنفسه كما مر. ولكن سبب الإرث وهو البنوة قائم وقت الإقرار، فتعتبر في إيراث تهمة الإيثار) ش: يعني صار باعتبار التهمة ملحقا بالوصايا. م: (بخلاف ما تقدم) ش: من الإقرار والهبة والوصية لامرأة م: (لأن سبب الإرث الزوجية كانت الزوجية وهي طارئة) ش: لأن الزوجية حصلت بعد الإقرار لها بدين فلا يبطل الإقرار م: (حتى لو كانت الزوجية قائمة وقت الإقرار وهي نصرانية ثم أسلمت قبل موته لا يصح الإقرار لقيام السبب) ش: وهو الزوجية وقت الإقرار م: (حال صدوره) ش: أي صدور الإقرار ونظيرها من أقر لأخي وله ابن ثم هلك الابن ثم هلك المقر له وإرثه يبطل الإقرار للأخ لقيام سبب الإرث وهو الأخوة وقت الإقرار. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وكذا) ش: يبطل الإقرار م: (لو كان الابن عبدا أو مكاتبا فأعتق) ش: قبل الموت م: (لما ذكرنا) ش: وهو قيام المسبب للإرث وقت الإقرار الجزء: 13 ¦ الصفحة: 442 وذكر في كتاب الإقرار إن لم يكن عليه دين يصح؛ لأنه أقر لمولاه وهو أجنبي، وإن كان عليه دين لا يصح؛ لأنه إقرار له وهو ابنه، والوصية باطلة لما ذكرنا أن المعتبر فيها وقت الموت. وأما الهبة فيروى أنها تصح لأنها تمليك في الحال وهو رقيق. وفي عامة الروايات هي في مرض الموت بمنزلة الوصية فلا تصح. قال: والمقعد والمفلوج والأشل والمسلول إذا تطاول ذلك ولم يخف منه الموت فهبته من جميع المال؛ لأنه إذا تقادم العهد صار طبعا من طباعه. ولهذا لا يشتغل   [البناية] م: (وذكر) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في كتاب الإقرار إن لم يكن عليه) ش: أي على العبد م: (دين يصح) ش: أي الإقرار م: (لأنه أقر لمولاه) ش: يعني يكون الإقرار لمولاه م: (وهو أجنبي) ش: أي والحال أنه أجنبي. م: (وإن كان عليه) ش: أي على العبد م: (دين لا يصح) ش: أي الإقرار م: (لأنه إقرار له) ش: أي العبد م: (وهو ابنه) ش: أي والحال أنه ابنه م: (والوصية باطلة لما ذكرنا) ش: والذي ذكره فيما مضى ذكره هنا بقوله م: (أن المعتبر فيها) ش: أي في الوصية م: (وقت الموت) ش: لأنها تمليك مضاف إلى بعد الموت والعبد حينئذ وارث ولا وصية للوارث. م: (وأما الهبة فيروى أنها تصح لأنها تمليك في الحال وهو رقيق) ش: فتكون الهبة للمولى فتصح م: (وفي عامة الروايات هي) ش: أي الهبة م: (في مرض الموت بمنزلة الوصية فلا تصح) ش: والتفصيل المذكور في العبد لا يتأتى في المكاتب؛ لأن المولى لا يملك كسبه في الحالين. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (والمقعد والمفلوج) ش: من فلجت الشيء فلجين أي شققته نصفين، كذا في " المغرب "، ومنه المفلوج لأنه ذهاب النصف. والفالج ذهاب الحس والحركة من أحد شقي البدن وسلامة الشق الآخر م: (والأشل) ش: من الشلل بالشين المعجمة وهو فساد في اليد يقال: شلت يده فشل، ورجل أشل م: (والمسلول) ش: بالسين المهملة. قال الجوهري: السلال بالضم السل، يقال: أسله الله فهو مسلول من السول. وقال المطرزي: المسلول الذي سل أنثياه، أي نزعت خصيتاه، وهذا لا يناسب هنا؛ لأن الكلام فيما إذا تطاول المرض ولم يحل منه موت، والذي نزعت خصيتاه بعد تطاول الزمان لا يسمى مريضا، وقال الأكمل: المسلول الذي به مرض السل، وهو عبارة عن اجتماع المرة في الصدر وبعثها، وقال الكاكي: قيل السل نوع من الدق م: (إذا تطاول ذلك فلم يخف منه الموت فهبته من جميع المال؛ لأنه إذا تقادم العهد صار طبعا من طباعه، ولهذا) ش: أي وأجل ذلك م: (لا يشتغل الجزء: 13 ¦ الصفحة: 443 بالتداوي. ولو صار صاحب فراش بعد ذلك فهو كمرض حادث. وإن وهبه عندما أصابه ذلك ومات من أيامه فهو من الثلث إذا صار صاحب فراش؛ لأنه يخاف منه الموت، ولهذا يتداوى فيكون مرض الموت. والله أعلم بالصواب   [البناية] بالتداوي) ش: ولأنه صار طبيعة فلا يحتاج إلى الدواء فكان حكمه حكم الأصحاء، فيعتبر تصرفه في جميع المال، ويصح إقراره للوارث. م: (ولو صار صاحب فراش بعد ذلك المال فهو كمرض حادث) ش: إذا مات في أيامه يكون حكمه حكم المريض يعتبر تصرفه في ثلث المال ولا يصح إقراره للوارث م: (وإن وهبه) ش: أي الذي صار صاحب فراش بعد المال م: (عندما أصابه ذلك ومات من أيامه فهو من الثلث إذا صار صاحب فراش؛ لأنه يخاف منه الموت، ولهذا يتداوى فيكون مرض الموت) ش: يكون حكمه حكم المريض الذي مات فيه. والحامل إذا ضربها المخاض وهو الطلق يكون تبرعها من الثلث، وبه قال الشافعي والنخعي والأوزاعي والثوري ويحيى الأنصاري ومكحول وابن المنذر. وقال مالك وأحمد: إذا صار لها ستة أشهر عطيتها من الثلث، وبه قال ابن المسيب وعطاء وقتادة. قال الحسن والزهري: عطيتها كعطية الصحيح، وبه قال الشافعي في قول. ولو اختلطت الطائفتان للقتال وكل منهما غير كافية للأخرى أو مقهورة في حكم مرض الموت، وبه قال مالك وأحمد والأوزاعي والثوري، ونحوه عن مكحول إذا لم يختلطوا سواء كان بينهما رمي بالسهام أو لا. وعن الشافعي قولان: أحدهما: كقول الجماعة، والثاني: ليس مخوف؛ لأنه ليس بمرض. وراكب البحر فإن كان ساكنا فليس مخوف، وإن هبت الريح أو اضطرب البحر فهو مخوف. والأسير والمحبوس إذا كان من عادته القتل فهو خائف وإلا فلا، وبه مالك وأحمد والشافعي في قول. والمجذوم وصاحب حمى الربع، وحمى العنب إذا صار صاحب فراش يكون في حكم المريض مرض الموت، وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور والأوزاعي والثوري. وقال الشافعي: الأمراض الممتدة عطية من كل المال؛ لأنه لا يخاف تعجيل الموت فيه، وإن كان لا يبرأ كالمهر م: (والله أعلم بالصواب) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 444 باب العتق في مرض الموت قال: ومن أعتق في مرضه عبدا أو باع وحابى أو وهب فذلك كله جائز، وهو معتبر من الثلث، ويضرب به مع أصحاب الوصايا. وفي بعض النسخ: " فهو وصية " مكان قوله: "جائز"، والمراد: الاعتبار من الثلث والضرب مع أصحاب   [البناية] [باب العتق في مرض الموت] م: (باب العتق في مرض الموت) ش: أي هذا باب في بيان أحكام العتق في المرض وفي بيان حكم الوصية بالعتق. ولما كان الإعتاق في المرض من أنواع الوصية، لكن لما كان له أحكام مخصوصة، أفرد بيانه على حدة وأخره عن صريح الوصية لأن الصريح هو الأصل. [أعتق في مرضه أو باع وحابى أو وهب] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أعتق في مرضه أو باع وحابى أو وهب فذلك كله جائز، وهو معتبر من الثلث، ويضرب به مع أصحاب الوصايا) ش: أو يضرب بالثلث كل واحد من هؤلاء الثلاثة وهو العبد المعتق في مرض الموت والمشتري من المريض الذي باع بالمحاباة والموهوب له مع ما يرى أصحاب الوصايا. والمراد بضربهم بالثلث مع أصحاب الوصايا استحقاقهم في الثلث كما في سائر الوصايا، فإنهم يستحقون الثلث لا غير. وليس المراد أنهم يساوون أصحاب الوصايا في الثلث ويحاصونهم؛ لأن المعتق المتقدم في المرض مقدم على الوصية بالمال في الثلث. ألا ترى إلى ما ذكر الطحاوي في "مختصره ": ومن أوصى بوصايا في مرضه فأعتق عبدا له يدلي بالعتاق، وأخرج من الثلث، فإن فضل شيء كان لأهل الوصايا. وإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم، ثم العتق أن يكون مقدما على سائر الوصايا إذا كان منفذا في المرض أو معلقا بالموت، مثل أن يقول: إن حدث في حادث من هذا المرض فهو حر. فأما إذا أوصى بعتق عبده بعد موته بوقت فلا يبدأ بالعتق بل يكون هو وسائر الوصايا سواء. وقال الفقيه أبو الليث: إذا أوصى بعتق عبده بعد موته وأوصى لآخر بألف فالثلث بينهما بالحصص ولا يبدأ بالعتق لأن الوصية بالعتق يحتمل النقص والرد، فصار حكمه حكم سائر الوصايا. ألا ترى أنه لو ظهر على الميت دين فإن العبد تبطل وصيته م: (وفي بعض النسخ) ش: أي في بعض نسخ القدوري م: (" فهو وصية " مكان قوله: " جائز ") ش: وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ورأيت في نسخة نقية مكتوبة في سنة خمس وعشرين وخمسمائة، فذلك كله وصية معتبرة من الثلث، وقال الكاكي: وقال صاحب " المجتبى ": والأول أصح؛ لأن هذا أول باعتباره من الثلث م: (والمراد) ش: من قوله: وهو وصية م: (الاعتبار من الثلث والضرب مع أصحاب الوصايا لا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 445 الوصايا لا حقيقة الوصية. لأنها إيجاب بعد الموت، وهذا منجز غير مضاف، واعتباره من الثلث لتعلق حق الورثة. وكذلك ما ابتدأ المريض إيجابه على نفسه كالضمان والكفالة في حكم الوصية؛ لأنه يتهم فيه كما في الهبة. وكل ما أوجبه بعد الموت فهو من الثلث، وإن أوجبه في حالة صحته اعتبارا بحالة الإضافة دون حالة العقد، وما نفذه من التصرف فالمعتبر فيه حالة العقد، فإن كان صحيحا فهو من جميع المال، وإن كان مريضا فمن الثلث، وكل مرض صح منه فهو كحال الصحة؛ لأن بالبرء تبين أنه لا حق لأحد في ماله، قال: وإن حابى ثم أعتق وضاق الثلث عنهما فالمحاباة أولى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [البناية] حقيقة الوصية لأنها) ش: أي الوصية م: (إيجاب بعد الموت، وهذا منجز غير مضاف، واعتباره من الثلث لتعلق حق الورثة. وكذلك ما ابتدأ المريض إيجابه على نفسه، كالضمان والكفالة في حكم الوصية) ش: إنما غاير بين الضمان والكفالة بحرف العطف؛ لأن الضمان أعم من الكفالة فإن من الضمان ما لا يكون كفالة بأن قال للأجنبي خالعها على ألف على أني ضامن. أو قال: بع هذا العبد من فلان بألف على أني ضامن لك بخمسمائة من الثمن سوى الألف كان بدل بالخلع على الأجنبي دون المرأة، والخمسمائة على الضامن دون المشتري، كذا في " شرح الأقطع " م: (لأنه) ش: أي لأن المريض متهم م: (يتهم فيه) ش: أي في إيجابه على نفسه م: (كما في الهبة) ش: أي كما يتهم. م: (وكل ما أوجبه بعد الموت فهو من الثلث، وإن أوجبه) ش: وإن كان الإيجاب في حالة الصحة، أي وإن كان واقعا م: (في حال صحته اعتبارا) ش: أي لأجل الاعتبار م: (بحال الإضافة) ش: يعني الاعتبار فيه حال الإضافة م: (دون حال العقد) ش: لأنه علقه بحال تعلق حق الورثة فيه بالمال، فكان المعتبر فيه حال الإضافة لا حال الإيجاب م: (وما نفذه) ش: وما نجزه في الحال م: (من التصرف) ش: ولم يضفه إلى ما بعد الموت م: (فالمعتبر فيه حالة العقد) ش: كالإعتاق والهبة. م: (فإن كان صحيحا فهو من جميع المال، وإن كان مريضا) ش: أي فهو يكون م: (فمن الثلث، وكل مرض صح منه) ش: أي من مرضه م: (فهو كحال الصحة؛ لأن بالبرء تبين أنه لا حق لأحد في ماله) ش: لأن حق الغريم والوارث إنما يتعلق بمرض الموت، وبالبرء ظهر أنه ليس بمرض الموت. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإن حابى ثم أعتق) ش: صورته رجل باع في مرضه عبدا وحابى بأن باعه بألف وهو يساوي ألفين م: وضاق الثلث عنهما) ش: أي عن المحاباة والعتق م: (فالمحاباة أولى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: حتى يسع العبد في جميع قيمته، وبه قال الجزء: 13 ¦ الصفحة: 446 وإن أعتق ثم حابى فهما سواء وقالا: العتق أولى في المسألتين. والأصل فيه: أن الوصايا إذا لم يكن فيها ما جاوز الثلث فكل من أصحابها يضرب بجميع وصيته في الثلث لا يقدم البعض على البعض إلا العتق الموقع في المرض، والعتق المعلق بموت الموصي كالتدبير الصحيح، والمحاباة في البيع إذا وقعت في المرض؛ لأن الوصايا قد تساوت، والتساوي في سبب الاستحقاق يوجب التساوي في نفس الاستحقاق. وإنما قدم العتق الذي ذكرناه آنفا؛   [البناية] مالك. ثم العتق يعتبر من الثلث عند الجمهور إلا ما حكي عن مسروق: أنه يعتبر من رأس المال وهو قول شاذ مخالف للأثر. [أوصى بثلث ماله لرجل ولآخر بسدسه ولآخر بربعه] م: (وإن أعتق ثم حابى فهما) ش: أي قوله أي هذه ... إلخ، ولفظ الشارح على " الكنز " فإن حابى محرر، أي المحاباة أحق من التحرير بعكسه أي وبعكس الحكم المذكور وهو أن يعتق أولا ثم يحابي استويا، أي العتق والمحاباة، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذه والتي قبلها م: (سواء) ش: عند أبي حنيفة. م: (وقالا: العتق أولى في المسألتين) ش: وبه قال الشافعي وأحمد، وهو قول الزهري والنخعي والثوري وقتادة وإسحاق، وقال الشافعي في قول وأحمد في رواية: يستوي بين كل الوصايا م: (والأصل فيه) ش: أي في هذا الباب م: (أن الوصايا إذا لم يكن فيها ما جاوز الثلث) ش: مثل أن يوصي بالربع والسدس م: (فكل من أصحابها يضرب بجميع وصيته في الثلث لا يقدم البعض على البعض) ش: بلا خلاف بين العلماء. وفي" المبسوط ": أوصى بثلث ماله لرجل ولآخر بسدسه ولآخر بربعه فأجازت الورثة يأخذ كل حقه كاملا؛ لأن في المال وفاء، ولو لم يجز وضرب كل واحد منهم في الثلث بوصيته فتكون القسمة بينهم على طريق العول بالاتفاق؛ لأن الوصايا كلها وقعت في الثلث واستوت في القوة، فيضرب كل بجميع حقه. م: (إلا العتق الموقع في المرض) ش: هذا استثناء من قول لا يقدم، أي المعجز لا العوض إلى إعتاق الورثة، مثل أن يقول: اعتقوه م: (والعتق المعلق بموت الموصى) ش: مثل أن يوصي بعتقه بعد موته م: (كالتدبير الصحيح) ش: مثل أن يقول الرجل للمملوك: أنت حر بعد موتي أو أنت حر إذا مت أو إن مت، واحترز بالصحيح عن التدبير الفاسد، كما إذا قال أنت حر بعد موتي بيوم أو بشهر، فإنه لا يكون مقدما على سائر الوصايا، بل هو وسائر الوصايا سواء م: (والمحاباة) ش: بالرفع عطف على قوله: إلا العتق الموقع في المرض م: (في البيع إذا وقعت في المرض؛ لأن الوصايا قد تساوت) ش: تعليل لقوله لا يقدم البعض على البعض م: (والتساوي في سبب الاستحقاق يوجب التساوي في نفس الاستحقاق، وإنما قدم العتق الذي ذكرناه آنفا) ش: وهو الجزء: 13 ¦ الصفحة: 447 لأنه أقوى، فإنه لا يلحقه الفسخ من جهة الموصي وغيره يلحقه، وكذلك المحاباة لا يلحقها الفسخ من جهة الموصي. وإذا قدم ذلك فما بقي من الثلث بعد ذلك يستوي فيه من سواهما من أهل الوصايا، ولا يقدم البعض على البعض. لهما في الخلافية: أن العتق أقوى؛ لأنه لا يلحقه الفسخ، والمحاباة يلحقها ولا معتبر بالتقديم في الذكر؛ لأنه لا يوجب التقدم في الثبوت. وله: أن المحاباة أقوى؛ لأنها تثبت في ضمن عقد المعاوضة، فكان تبرعا بمعناه لا بصيغته، والإعتاق تبرع صيغة ومعنى.   [البناية] العتق الموقع في المرض م: (لأنه أقوى، فإنه لا يلحقه الفسخ من جهة الموصي وغيره) ش: أي غير العتق المنفذ م: (يلحقه) ش: أي الفسخ من جهة الموصي؛ لأنه يصح الرجوع عنه. ولا يصح الرجوع في العتق. م: (وكذلك المحاباة لا يلحقها الفسخ من جهة الموصي) ش: لأنها تثبت في ضمن عقد المعاوضة ومن قضية المعاوضة اللزوم، فلزمه الوصية التي في ضمنها بمنزلة العتق م: (وإذا قدم ذلك) ش: أي العتق م: (فما بقي من الثلث بعد ذلك يستوي فيه من سواهما) ش: أي من سوى العتق المذكور، والذي له م: (من أهل الوصايا ولا يقدم البعض على البعض) ش: بل يكون بينهم على قدر وصاياهم. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (في الخلافية) ش: وهي التي قدم فيها المحاباة على العتق: م: (أن العتق أقوى؛ لأنه لا يلحقه الفسخ والمحاباة يلحقها) ش: أي الفسخ م: (ولا معتبر بالتقديم في الذكر؛ لأنه) ش: أي لأن التقديم في الذكر م: (لا يوجب التقديم في الثبوت) ش: كما إذا أوصى لفلان ولفلان بالثلث لا يكون المقدم بالذكر مقدما على غيره، بل يكون الثلث بينهم أثلاثا، كذا فيما نحن فيه لا يكون المحاباة أولى بالتقديم في الذكر. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (أن المحاباة أقوى لأنها تثبت في ضمن عقد المعاوضة) ش: لأنها حصلت في البيع والبيع عقد ضمان؛ لأن المبيع مضمون عليه يطالب بتسليم المبيع، فصارت المحاباة بمنزلة الدين. م: (فكان) ش: أي البيع بالمحاباة م: (تبرعا بمعناه) ش: يعني من حيث المعنى م: (لا بصيغته) ش: أي لا من حيث صيغته، فإن البيع بالمحاباة عقد تجارة، حتى يجب للشفيع الشفعة، فالشفعة تخصيص بالمعاوضات، ولهذا إن البيع بالمحاباة يصح من العبد المأذون والصبي المأذون والمرض لا يلحقه الحجر عن التجارة م: (والإعتاق تبرع صيغة ومعنى) ش: لا تجارة فيه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 448 فإذا وجدت المحاباة أولا دفع الأضعف، وإذا وجد العتق أولا وثبت وهو لا يحتمل الدفع كان من ضرورته المزاحمة، وعلى هذا قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا حابى ثم أعتق ثم حابى قسم الثلث بين المحاباتين نصفين لتساويهما، ثم ما أصاب المحاباة الأخيرة قسم بينها وبين العتق؛ لأن العتق مقدم عليها فيستويان. ولو أعتق ثم حابى ثم أعتق قسم الثلث بين العتق الأول والمحاباة نصفين. وما أصاب العتق قسم بينه وبين العتق الثاني وعندهما العتق أولى بكل حال. قال: ومن أوصى بأن يعتق عنه بهذه المائة عبد فهلك منها درهم لم يعتق عنه بما بقي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإن كانت وصيته بحجة يحج عنه   [البناية] م: (فإذا وجدت المحاباة أولا دفع الأضعف وإذا وجد العتق أولا وثبت وهو لا يحتمل الدفع كان من ضرورته المزاحمة) ش: يعني لما وجد العتق أولا ثم وجدت المحاباة لم ترفع المحاباة لقوة العتق الذي نفذ في الثلث؛ لأنه لا يحتمل الرفع. ولما ثبت كل واحد من الحقين ثبتت المزاحمة ضرورة، فيكونان سواء م: (وعلى هذا) ش: أي: وعلى هذا الأصل م: (قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا حابى ثم أعتق ثم حابى قسم الثلث بين المحاباتين نصفين لتساويهما) ش: في وقوعهما في ضمن عقد المعاوضة. م: (ثم ما أصاب المحاباة الأخيرة) ش: من نصف الثلث م: (قسم بينها وبين العتق؛ لأن العتق مقدم عليها فيستويان، ولو أعتق) ش: أولا م: (ثم حابى ثم أعتق قسم الثلث بين العتق الأول والمحاباة نصفين، وما أصاب العتق قسم بينه وبين العتق الثاني) ش: لتخاسرهما م: (وعندهما العتق أولى بكل حال) . ش: فإن قلت ينبغي أن تقدم المحاباة الأولى على الثانية؛ لأن الأولى تقدم على العتق عنده والأخيرة من المحاباتين يساوي العتق عنده، وما قدم على أحد المتساويين يتقدم على المتساوي الآخر. قلت: دل الدليل على تساوي المتحابين؛ لأنهما من جنس واحد والتساوي في سبب الاستحقاق يوجب التساوي في نفس الاستحقاق. ولهذا لو وجدنا متفاضلين متساويين ودل الدليل على تقدم الأول ما ذكرنا، فعملنا بهما، وقلنا بالتساوي بين المتحابين عملا بالدليل الأول، ثم ما أصاب الأخيرة يقسم بينهما وبين العتق بالدليل الثاني، فيكون عملا بالدليلين بقدر الإمكان. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى بأن يعتق عنه بهذه المائة عبد فهلك منها درهم لم يعتق عنه بما بقي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإن كانت وصيته بحجة يحج عنه الجزء: 13 ¦ الصفحة: 449 بما بقي من حيث يبلغ، وإن لم يهلك منها وبقي شيء من الحجة يرد على الورثة. وقالا: يعتق عنه بما بقي؛ لأنه وصية بنوع قربة، فيجب تنفيذها ما أمكن اعتبار بالوصية بالحج، وله: أنه وصية بالعتق لعبد يشتري بمائة، وتنفيذها فيمن يشترى بأقل منه تنفيذ لغير الموصى له، وذلك لا يجوز. بخلاف الوصية بالحج؛ لأنها قربة محضة، وهي حق لله تعالى، والمستحق لم يتبدل، فصار كما إذا أوصى لرجل بمائة فهلك بعضها يدفع الباقي إليه. وقيل: هذه المسألة بناء على أصل آخر مختلف فيه، وهو أن العتق حق لله تعالى عندهما حتى تقبل الشهادة عليه من غير دعوى فلم يتبدل المستحق. وعنده حق العبد حتى لا تقبل البينة عليه من غير دعوى، فاختلف المستحق، وهذا أشبه. قال: ومن ترك ابنين ومائة درهم وعبدا قيمته مائة درهم، وقد كان أعتقه في مرضه فأجاز الوارثان ذلك لم يسع في شيء؛ لأن العتق في مرض الموت. وإن كان في حكم الوصية وقد وقعت بأكثر من الثلث إلا أنها تجوز بإجازة الورثة لأن الامتناع لحقهم وقد أسقطوه   [البناية] بما بقي من حيث يبلغ، وإن لم يهلك منها وبقي شيء من الحجة يرد على الورثة، وقالا: يعتق عنه بما بقي لأنه وصية بنوع قربة فيجب تنفيذها ما أمكن اعتبارا بالوصية بالحج) ش: وهو قياس قول الأئمة الثلاثة، ولو فضل شيء من الحج يصرف أي الحج ولا يرد إلى الورثة عند الثلاثة. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه وصية بالعتق لعبد يشترى بمائة وتنفيذها فيمن يشترى بأقل منه تنفيذا لغير الموصى له، وذلك لا يجوز بخلاف الوصية بالحج؛ لأنها قربة محضة وهي حق لله تعالى، والمستحق لم يتبدل، فصار كما إذا أوصى لرجل بمائة فهلك بعضها يدفع الباقي إليه، وقيل: هذه المسألة بناء على أصل آخر مختلف فيه، وهو أن العتق حق لله تعالى عندهما حتى تقبل الشهادة عليه من غير دعوى، فلم يتبدل المستحق وعنده) ش: أي وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (حق العبد حتى لا تقبل البينة عليه من غير دعوى، فاختلف المستحق، وهذا أشبه) ش: أي كون هذا الخلاف في عتق القسمة بناء على أن العتق حق الله عز وجل، أو حق المملوك أشبه بالصواب؛ لأنه ثبت بالدليل أنه حق العبد عنده. فيحلف المستحق إذا هلك منه شيء وتبطل الوصية يرد المائة إلى ورثته، كذا قاله الأكمل. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن ترك ابنين ومائة درهم وعبدا قيمته مائة درهم وقد كان أعتقه في مرضه فأجاز الوارثان ذلك لم يسع في شيء؛ لأن العتق في مرض الموت. وإن كان في حكم الوصية وقد وقعت بأكثر من الثلث إلا أنها تجوز بإجازة الورثة؛ لأن الامتناع لحقهم وقد أسقطوه) ش: فصار كما إذا أوصى لرجل بنصف ماله فأجازه الورثة سلم ذلك للموصى له، فكذا هذا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 450 قال: ومن أوصى بعتق عبده ثم مات فجنى جناية ودفع بها بطلت الوصية؛ لأن الدفع قد صح لما أن حق ولي الجناية مقدم على حق الموصي، فكذلك على حق الموصى له؛ لأنه يتلقى الملك من جهته، إلا أن ملكه فيه باق، وإنما يزول بالدفع، فإذا خرج به عن ملكه بطلت الوصية، كإذا باعه الموصي أو وارثه بعد موته، فإن فداه الورثة كان الفداء في مالهم؛ لأنهم هم الذين التزموه وجازت الوصية؛ لأن العبد طهر عن الجناية بالفداء، كأنه لم يجن فتنفذ الوصية. وقال: ومن أوصى بثلث ماله لآخر فأقر الموصى له والوارث أن الميت أعتق هذا العبد، فقال الموصى له: أعتقه في الصحة. وقال الوارث: أعتقه في المرض، فالقول قول الوارث ولا شيء للموصى له، إلا أن يفضل من الثلث شيء أو تقوم له البينة أن العتق في الصحة؛ لأن الموصى له يدعي استحقاق ثلث ما بقي من التركة بعد العتق؛ لأن   [البناية] [أوصى بعتق عبده ثم مات فجنى العبد جناية ودفع بها] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن أوصى بعتق عبده ثم مات فجنى العبد جناية ودفع بها بطلت الوصية؛ لأن الدفع قد صح لما أن حق ولي الجناية مقدم على حق الموصي، فكذلك على حق الموصى له؛ لأنه يتلقى الملك من جهته) ش: أي لأن الموصى له يتلقى الملك من جهته م: (إلا أن ملكه فيه باق) ش: منه استثناء من قوله لما أن حق ولي الجناية مقدم في العبد، مع أن حق المولى مقدم معناه: أن الملك للموصى في العبد باق مع أن حق المولى مقدم. م: (وإنما يزول بالدفع) ش: فما لم يدفع يبقي حتى لو كان العبد ذا رحم محرم من الوارث لا يعتق عليه، كما إذا كان العبد أخا لامرأة الموصي مثلا، وإنما يبقى ملكه فيه إلى أن يستغني عن حاجة فيه؛ لأن ملك الورثة بسبيل الخلافة فما لم يستغن الأصل عن حاجة لا تثبت الخلافة. م: (فإذا خرج) ش: أي الدفع م: (به عن ملكه بطلت الوصية كما إذا باعه الموصي أو وارثه) ش: أي أو باع وارثه م: (بعد موته) ش: بأن يظهر على الميت دين وقد أوصى بعتق العبد يقع العبد بدينه م: (فإن فداه الورثة كان الفداء في مالهم) ش: أي كانوا متبرعين فيما فدوه به م: (لأنهم هم الذين التزموه وجازت الوصية؛ لأن العبد طهر) ش: بالطاء المهملة من الطهارة م: (عن الجناية بالفداء، كأنه لم يجن فتنفذ الوصية) . م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى بثلث ماله لآخر فأقر الموصى له والوارث أن الميت أعتق هذا العبد فقال الموصى له: أعتقه في الصحة، وقال الوارث: أعتقه في المرض، فالقول قول الوارث ولا شيء للموصى له، إلا أن يفضل من الثلث شيء أو تقوم له) ش: أي للموصى له م: (البينة أن العتق في الصحة؛ لأن الموصى له يدعي استحقاق ثلث ما بقي من التركة بعد العتق؛ لأن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 451 العتق في الصحة ليس بوصية، ولهذا ينفذ من جميع المال والوارث ينكر؛ لأن مدعاه العتق في المرض وهو وصية، والعتق في المرض مقدم على الوصية بثلث المال، فكان منكرا والقول قول المنكر مع اليمين. ولأن العتق حادث، والحوادث تضاف إلى أقرب الأوقات للتيقن بها، فكان الظاهر شاهدا للوارث فيكون القول قوله مع اليمين، إلا أن يفضل شيء من الثلث على قيمة العبد؛ لأنه لا مزاحم له فيه أو تقدم له البينة أن العتق في الصحة؛ لأن الثابت بالبينة كالثابت معاينة، وهو خصم في إقامتها لإثبات حقه. قال: ومن ترك عبدا فقال للوارث: أعتقني أبوك في الصحة، وقال رجل: لي على أبيك ألف درهم فقال: صدقتما فإن العبد يسعى في قيمته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: يعتق ولا يسعى في شيء؛ لأن الدين والعتق في الصحة ظهرا معا بتصديق الوارث في كلام واحد، فصارا كأنهما كانا معا، والعتق في الصحة لا يوجب السعاية وإن كان على المعتق دين.   [البناية] العتق في الصحة ليس بوصية، ولهذا ينفذ من جميع المال، والوارث ينكره؛ لأن مدعاه العتق في المرض وهو وصية، والعتق في المرض مقدم على الوصية بثلث المال، فكان) ش: أي الوارث م: (منكرا، والقول قول المنكر مع اليمين) . م: (ولأن العتق حادث، والحوادث تضاف إلى أقرب الأوقات للتيقن بها) ش: أي بأقرب الأوقات، وأقرب الأوقات وقت المرض م: (فكان الظاهر شاهدا للوارث، فيكون القول قوله مع اليمين) ش:. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (إلا أن يفضل شيء من الثلث على قيمة العبد لأنه لا مزاحم له فيه، أو تقوم له البينة أن العتق في الصحة؛ لأن الثابت كالثابت معاينة، وهو خصم في إقامتها لإثبات حقه) ش: قال الكاكي: هذا جواب عن إشكال وهو أن الدعوى في العتق شرط لإقامة البينة عدة، فكيف تصح إقامة البينة من غير خصم؛ فقال: هو خصم في إقامة البينة في إثبات حقه. وقال فخر الإسلام: يجب أن يستخلف الوارث إن لم يقم بينة الموصى له بالثلث. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن ترك عبدا فقال للوارث: أعتقني أبوك في الصحة، وقال رجل: لي على أبيك ألف درهم فقال: صدقتما فإن العبد يسعى في قيمته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: يعتق ولا يسعى في شيء؛ لأن الدين والعتق في الصحة ظهرا منه بتصديق الوارث في كلام واحد، فصار كأنهما كانا معا. والعتق في الصحة لا يوجب السعاية وإن كان على المعتق دين) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 452 وله: أن الإقرار بالدين أقوى لأنه يعتبر من جميع المال؛ والإقرار بالعتق في المرض يعتبر من الثلث والأقوى يدفع الأدنى فقضيته أن يبطل العتق أصلا؛ إلا أنه بعد وقوعه لا يحتمل البطلان فيدفع من حيث المعنى بإيجاب السعاية، ولأن الدين أسبق؛ لأنه لا مانع له من الإسناد؛ فيسند إلى حالة الصحة، ولا يمكن إسناد العتق إلى تلك الحالة؛ لأن الدين يمنع العتق في حالة المرض مجانا فتجب السعاية. وعلى هذا الخلاف إذا مات الرجل وترك ألف درهم فقال رجل: لي على الميت ألف درهم دين وقال الآخر: كان لي عنده ألف درهم وديعة؛ فعنده الوديعة أقوى، وعندهما سواء.   [البناية] م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الإقرار بالدين أقوى؛ لأنه يعتبر من جميع المال والإقرار بالعتق في المرض يعتبر من الثلث، والأقوى يدفع الأدنى فقضيته) ش: أي قضية هذا المذكور بالوجه المذكور م: (أن يبطل العتق أصلا) ش: لأن إسناد الإقرار بالعتق إلى الصحة إنما يصح إذا لم يوجد المانع من الإسناد وقد وجد المانع وهو أن ينقل الدين قرينة منع الإسناد إلى حالة الصحة، فاقتصر العتق على حالة المرض. فعلى هذا كان ينبغي م: (إلا أنه) ش: أي أن العتق م: (بعد وقوعه لا يحتمل البطلان، فيدفع من حيث المعنى) ش: لا من حيث الصورة م: (بإيجاب السعاية) ش: على العبد، ويقضى به الدين. م: (ولأن الدين أسبق؛ لأنه لا مانع له من الإسناد فيسند إلى حالة الصحة، ولا يمكن إسناد العتق إلى تلك الحالة؛ لأن الدين يمنع العتق في حالة المرض مجانا فتجب السعاية. وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور م: (إذا مات الرجل وترك ألف درهم فقال رجل: لي على الميت ألف درهم دين، وقال الآخر: كان لي عنده ألف درهم وديعة فعنده) ش: أي فعند أبي حنيفة م: (الوديعة أقوى وعندهما سواء) ش: أي الدين والوديعة سواء. وفي عامة الكتب نحو " المنظومة " و"شروحها" و" الكافي " ذكروا الخلاف على عكس ما ذكر صاحب " الهداية ". وقال الكاكي: والأصح ما ذكر فيها. وقال الأترازي: جعل صاحب " الهداية " و"الوديعة" أقوى عند أبي حنيفة، وجعل الدين والوديعة سواء عند صاحبيه والكبار قبل صاحب الهداية ذكروا الخلاف على عكس هذا. ونقل عن الكافي للحاكم الشهيد بعد أن ذكر صورة قال أبو حنيفة: الألف بينهما الجزء: 13 ¦ الصفحة: 453 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] نصفان، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: صاحب الوديعة أولى، ونقل هكذا عن الفقيه أبي الليث، ونقل أيضا عن القدوري أنه ذكر في " التقريب " " هكذا. وكذا نقل عن المنظومة من كتاب الإقرار في باب [ ..... ] أبي حنيفة خلافا لصاحبيه لو ترك ألفا وهذا يدعي دينا وذاك قال: هذا مدعي والابن قد صدق هذين معا استويا وأعطيا من ادعى والله أعلم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 454 فصل قال: ومن أوصى بوصايا من حقوق الله تعالى قدمت الفرائض مهما قدمها الموصي أو أخرها مثل الحج والزكاة والكفارات؛ لأن الفريضة أهم من النافلة، والظاهر منه البداءة بما هو الأهم. فإن تساوت في القوة بدئ بما قدمه الموصي إذا ضاق عنها الثلث؛ لأن الظاهر أنه يبتدأ بالأهم. وذكر الطحاوي. - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يبتدأ بالزكاة ويقدمها على الحج، وهو إحدى   [البناية] [فصل في بيان الوصايا إذا ضاق عنها الثلث] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان الوصايا إذا ضاق عنها الثلث. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن أوصى بوصايا من حقوق الله تعالى) ش: من زكاة أو صلاة أو صوم أو حج أو فطر أو كفارة ونحو ذلك م: (قدمت الفرائض مهما قدمها الموصي أو أخرها مثل الحج والزكاة والكفارات؛ لأن الفريضة أهم من النافلة، والظاهر منه) ش: أي من الموصي م: (البداءة بما هو الأهم) ش: وقال الشافعي وأحمد: ديون الله وديون العباد يتخاصان، وبه قال أصحاب الظاهر وأبو ثور وإسحاق وأبو سليمان، وهو قول الحسن وعطاء وابن المسيب والثوري. وقال الشافعي في قول: ديون الله تقدم. وقال مالك: يبدأ بالعتق في المرض ثم التدبير ثم بعدها الزكاة المفروضة ثم عتق عبد بعينه أو صبي بأن يشترى فيعتق ثم الكتابة، أي بوصيته بالكتابة لعبد ثم أداء الحج ثم الإقرار بالدين لمن لا يجوز إقراره أو عتق رقبته عن ظهار أو قبل يخلص رقبة الظهار مع رقبة العبد. ثم الموصى به الكفارة يمين ثم بالإطعام على ما فرط من قضاء رمضان ثم النذر. م: (فإن تساوت) ش: أي الوصايا م: (في القوة) ش: بأن كانت كلها فرائض أو نوافل كالجسور والرباطات والمساجد م: (بدئ بما قدمه الموصى إذا ضاق عنها الثلث؛ لأن الظاهر أنه يبتدأ بالأهم) ش: وقال الكرخي في "مختصره ": قال هشام عن محمد عن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: من الحج والصدقة والعتق وغير ذلك فأوصى رجل فكان الثلث يبلغ ذلك كله. فإن كان كله تطوعا بدئ بالأول فالأول مما نطق به حتى يأتي على آخره أو ينقضي الثلث فيبطل ما بقي، وكذلك إن كانت الوصايا كلها فريضة بدئ بالأول حتى يكون النقصان على الآخر، وإن كان بعضه فريضة وبعضه تطوعا بدئ بالفريضة وإن أخرها. وإن كان بعضه تطوعا وبعضه شيء أوجب على نفسه بدئ بالذي أوجبه على نفسه، وإن كان قد أخره، وقال هشام: إلى هنا قولهم جميعا. م: (وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يبتدأ بالزكاة ويقدمها على الحج وهو إحدى الروايتين عن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 455 الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي رواية عنه: أنه يقدم الحج، وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجه الأولى: أنهما وإن استويا في الفريضة فالزكاة تعلق بها حق العباد، فكان أولى. وجه الأخرى: أن الحج يقام بالمال والنفس والزكاة بالمال قصرا عليه، فكان الحج أقوى ثم تقدم الزكاة والحج على الكفارات لمزيتهما عليها في القوة إذ قد جاء فيهما من الوعيد ما لم يأت   [البناية] أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية عنده أنه يقدم الحج وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجه الأولى) ش: أي الرواية الأولى م: (أنهما) ش: أي إن الحج والزكاة م: (وأن استويا في الفريضة فالزكاة تعلق بها حق العباد فكان أولى. وجه الأخرى) ش: أي الرواية الأخرى م: (أن الحج يقام بالمال والنفس والزكاة بالمال قصرا عليه، فكان الحج أقوى ثم تقدم الزكاة والحج على الكفارات) ش: طريقان أي لمزية الكفارة والحج عليهما (لمزيتهما عليها في القوة) أي على الكفارات (إذ قد جاء فيهما) أي في الزكاة والحج م: (من الوعيد ما لم يأت في الكفارات) ش: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا} [التوبة: 34] (سورة التوبة: الآية 24) . وروى ابن ماجه عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرعا حتى يطوق عنقه) ثم قرأ علينا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 180] الآية» ورجاله رجال الصحيح، وقال: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من مات وعليه حجة الإسلام إن شاء مات يهوديا وإن شاء نصرانيا وإن شاء مجوسيا» انتهى هذا الحديث، ذكره الكاكي في "شرحه " هكذا، والترمذي أخرجه من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا» . وفي إسناده هلال بن عبد الله مجهول، والحارث ضعيف، وقال الترمذي: حديث غريب. ورواه الدارمي من حديث أبي أمامة وفيه: «فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا» وروى ابن عدي في " الكامل " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من مات ولم يحج حجة الإسلام في غير وجع حابس أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر فليمت أي الملتين شاء إما يهوديا وإما نصرانيا» ، الجزء: 13 ¦ الصفحة: 456 في الكفارات، والكفارات في القتل والظهار واليمين مقدمة على صدقة الفطر؛ لأنه عرف وجوبها دون صدقة الفطر، وصدقة الفطر مقدمة على الأضحية للإنفاق على وجوبها بالقرآن. والاختلاف في الأضحية، وعلى هذا القياس يقدم بعض الواجبات على البعض. قال: وما ليس بواجب قدم منه ما قدمه الموصي لما بينا. وصار كما إذا صرح بذلك، قالوا: إن الثلث يقسم جميع الوصايا ما كان لله تعالى، وما كان للعبد فما أصاب القرب صرف إليها على الترتيب الذي ذكرناه، ويقسم على عدد القرب ولا يجعل الجميع كوصية واحدة؛ لأنه إن كان المقصود بجميعها رضا الله تعالى، فكل واحدة في نفسها مقصود فتنفرد كما تنفرد وصايا   [البناية] وفي سنده عبد الرحمن بن القطان. قال الفلاس: كان كذابا، انتهى فهذا كما ترى ليس في شيء منه: " وإن شاء مجوسيا "، مع أن حال الحديث كما رأيته. م: (والكفارات في القتل والظهار واليمين مقدمة على صدقة الفطر؛ لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (عرف وجوبها) ش: أي وجوب الكفارات الثلاثة م: (دون صدقة الفطر) ش: فإن وجوبها بالأخبار وترك كفارة الإفطار؛ لأنها ليست مقدمة على صدقة الفطر لثبوتها بخبر الواحد، وثبوت صدقة الفطر بآثار مستفيضة م: (وصدقة الفطر مقدمة على الأضحية للاتفاق على وجوبها بالقرآن) ش: أي وجوب صدقة الفطر م: (والاختلاف في الأضحية) ش: فإنها غير واجبة عند الشافعي والأضحية مقدمة على النوافل؛ لأنها واجبة عندنا م: (وعلى هذا القياس يقدم بعض الواجبات على البعض) ش: كالعشر مع الخراج، فإن العشر مقدم على الخراج وصدقة الفطر تقدم على النذر، وتكون صدقة الفطر واجبة بإيجاب الشرع والنذر بإيجاب العبد. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وما ليس بواجب قدم منه ما قدمه الموصي لما بينا) ش: أشار به إلى قوله لأن الظاهر أنه يبتدئ بالأهم م: (وصار كما إذا صرح بذلك) ش: وقال: " ابدأو بما بدأت واجبة "، ولو قال كذلك لزمه تقديم ما قدم، فكذا هنا، وهو ظاهر الرواية. وروى الحسن عن أصحابنا: أنه يبدأ بالأفضل فالأفضل، يبدأ بالصدقة ثم بالحج ثم بالعتق مثلا سواء رتب هذا الترتيب أو لم يرتب. م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (إن الثلث يقسم على جمع الوصايا ما كان لله تعالى، وما كان للعبد فما أصاب القرب) ش: بضم القاف وفتح الراء جمع قربة بضم القاف وسكون الراء، وهو ما يتقرب به إلى الله تعالى من الأعمال الصحيحة م: (صرف إليها على الترتيب الذي ذكرناه) ش: أي فيما مضى في هذا الفصل م: (ويقسم على عدد القرب، ولا يجعل الجميع كوصية واحدة؛ لأنه إن كان المقصود بجميعها رضا الله تعالى، فكل واحدة في نفسها مقصود فتنفرد كما تنفرد وصايا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 457 الآدميين. قال: ومن أوصى بحجة الإسلام أحجوا عنه رجلا من بلده يحج راكبا؛ لأن الواجب لله تعالى الحج من بلده، ولهذا يعتبر فيه من المال ما يكفيه من بلده، والوصية لأداء ما هو واجب عليه، وإنما قال: " راكبا " لأنه لا يلزمه أن يحج   [البناية] الآدميين) . ش: فإن قال ثلث مالي في الحج والزكاة والكفارات، ولزيد يقسم على أربعة أسهم لما ذكره المصنف بقوله: لأنه إن كان المقصود إلى آخره. وفي " تحفة الفقهاء ": إذا كان مع الوصايا الثانية لحق الله تعالى الوصية للآدمي، فإن الموصى له يضرب مع الوصايا في القرب، ويجعل كل جهة من جهات القرب مفردة بالضرب، ولا يجعل كلها جهة واحدة ويقدم الفرض على حق الآدمي لحاجة العبد. ثم إنه يصرف الثلث إلى الحج الفرض والزكاة، والكفارات، إذا أوصى بها فأما بدون الوصية فلا يصرف الثلث إليها، بل يسقط عندنا خلافا للشافعي، وإذا أوصى يعتبر من الثلث لتعلق حق الورثة بماله في مرض الموت. وفي " شرح الطحاوي ": وإن كان ثلث ماله يحتمل جميع ما أوصى به، فإنه ينفذ وصاياه كلها من ثلث ماله، وإن كان ثلث ماله لا يحتمل جميع ذلك، فإن أجازت الورثة فكذلك وإن لم تجز الورثة فإنه ينظر إن كانت وصاياه كلها للعباد، فإنهم يضاربون بالثلث بينهم بالحصص. فإن كانت وصاياه كلها لله تعالى فإنه ينظر إن كان كلها فرائض يبدأ بما بدأ به، وإن كانت كلها واجبات فإنه يبدأ بما بدأ به أيضا. وكذلك كلها تطوعا فإن كان بعضها فرائض وبعضها واجبات، وبعضها تطوع فإنه يبدأ بالفرائض أولا. وإن كان آخرها ثم بدأ بالواجبات ثم بالنوافل، وإن جمع هذه الوصايا كلها فإنهم يتضاربون في الثلث بوصاياهم، فما أصاب العباد فهو لهم ولا يقدم بعضهم على بعض، وما كان لله بجميع ذلك كله فيبدأ منها بالفرائض ثم بالواجبات ثم بالتطوع. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى بحجة الإسلام أحجوا عنه رجلا من بلده يحج راكبا) ش: وبه قال مالك وأحمد والشافعي في قول، وقال في قول: من الميقات م: (لأن الواجب لله تعالى الحج من بلده، ولهذا يعتبر فيه من المال ما يكفيه من بلده، والوصية لأداء ما هو واجب عليه، وإنما قال راكبا لأنه لا يلزمه أن يحج) ش: لأن الموصي لم يكن يجب عليه الحج إذا لم يقدر على الراحلة، وإنما يجب عليه إذا قدر على الراحلة، فإذا وجب الحج راكبا يلزم الأداء على الذي الجزء: 13 ¦ الصفحة: 458 ماشيا فانصرف إليه على الوجه الذي وجب عليه. قال: فإن لم تبلغ الوصية النفقة أحجوا عنه من حيث تبلغ. وفي القياس: لا يحج عنه؛ لأنه أمر بالحجة على صفة عدمناها فيه، غير أنا جوزناه؛ لأنا نعلم أن الموصي قصد تنفيذ الوصية، فيجب تنفيذها ما أمكن، والممكن فيه ما ذكرناه، وهو أولى من إبطالها رأسا، وقد فرقنا بين هذا وبين الوصية بالعتق من قبل. قال: ومن خرج من بلده حاجا فمات في الطريق وأوصى أن يحج عنه يحج عنه من بلده عند أبي حنيفة، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: يحج عنه من حيث بلغ استحسانا، وعلى هذا الخلاف إذا مات الحاج عن غيره في الطريق.   [البناية] يحج عنه كذلك راكبا. وقال أبو الليث في كتاب " نكت الوصايا ": ذكر هشام عن محمد أنه قال: لو أن إنسانا قال: أنا أحج عنه من منزله بهذا المال م: (ماشيا فانصرف إليه على الوجه الذي وجب عليه) ش: لا يعطى له ذلك ويحج عنه من حيث يبلغ راكبا. وأجاب في " الواقعات " المأمور بالحج له أن يحج ماشيا فالحج عن نفسه ويضمن النفقة. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن لم تبلغ الوصية النفقة أحجوا عنه من حيث تبلغ) ش: أي النفقة، وبه قال أحمد م: (وفي القياس: لا يحج عنه؛ لأنه أمر بالحجة على صفة عدمناها فيه غير أنا جوزناه؛ لأنا نعلم أن الموصي قصد تنفيذ الوصية، فيجب تنفيذها ما أمكن والممكن فيه ما ذكرناه) ش: وهو الإحجاج عنه من حيث تبلغ النفقة م: (وهو أولى من إبطالها رأسا) ش: أي تنفيذ الوصية بقدر الإمكان أولى من إبطالها بالكلية م: (وقد فرقنا بين هذا وبين الوصية بالعتق) ش: أراد الفرق الذي على قول أبي حنيفة في الفصل المتقدم بين ما إذا أوصى بأن يعتق عنه بهذه المائة عبد فهلك منها درهم أنه لا يعتق عنه بما بقي، وبين الوصية بالحج بثلث ماله وثلث ماله لا يكفيه حيث يحج من حيث يحج. وهو أن المستحق تبدل في الأولى ولم يتبدلوا في الثانية م: (من قبل) ش: أي من باب الوصية بالعتق. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن خرج من بلده حاجا) ش: قيد بقوله حاجا لأنه لو خرج تاجرا ومات فإنه يحج من بلده بالاتفاق م: (فمات في الطريق وأوصى أن يحج عنه يحج عنه من بلده عند أبي حنيفة، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: يحج عنه من حيث بلغ استحسانا) ش: وبه قال أحمد والشافعي في قوله. وقيل: هذا الخلاف فيما إذا كان له وطن. وأما إذا لم يكن فيحج عنه من حيث مات بالاتفاق م: (وعلى هذا الخلاف إذا مات الحاج عن غيره في الطريق) ش: فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحج عنه من بلده وعندهما يحج عنه من حيث مات. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 459 لهما: أن السفر بنية الحج وقع قربة وسقط فرض قطع المسافة بقدره، وقد وقع أجره على الله، فيبتدئ من ذلك المكان كأنه من أهله، بخلاف سفر التجارة؛ لأنه لم يقع قربة فيحج عنه من بلده. وله: أن الوصية تنصرف إلى الحج من بلده على ما قررناه أداء للواجب على الوجه الذي وجب، والله أعلم.   [البناية] م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أن السفر بنية الحج وقع قربة وسقط فرض قطع المسافة بقدره وقد وقع أجره على الله) ش: قال الله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100] (النساء: الآية 100) ، فلا يجوز إبطال ذلك المقدار من الخروج م: (فيبتدئ من ذلك المكان كأنه من أهله، بخلاف سفر التجارة؛ لأنه لم يقع قربة فيحج عنه من بلده) . م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الوصية تنصرف إلى الحج من بلده على ما قررناه) ش: أشار به إلى قوله لأن الواجب لله الحج من بلده م: (أداء) ش: أي لأجل الأداء م: (للواجب على الوجه الذي وجب) ش: وهو الحج من بلده. وفي كتاب " نكت الوصايا " فإن كان للرجل أوطان شتى فإن كان مات في بعض الأوطان يحج من ذلك الوطن، وإن مات في السفر يحج من أقرب الأوطان إلى مكة م: (والله أعلم) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 460 باب الوصية للأقارب وغيرهم قال: ومن أوصى لجيرانه فهم الملاصقون عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: هم الملاصقون وغيرهم ممن يسكن محلة الموصي ويجمعهم مسجد المحلة. وهذا استحسان، وقوله قياس؛ لأن الجار من المجاورة وهي الملاصقة حقيقة ولهذا يستحق الشفعة بهذا الجوار، ولأنه لما تعذر صرفه إلى الجميع يصرف إلى أخص الخصوص وهو الملاصق.   [البناية] [باب الوصية للأقارب وغيرهم] [الوصية للجيران] م: (باب الوصية للأقارب وغيرهم) ش: أي هذا باب في بيان أحكام حكم الوصية للأقارب وغيرهم، إنما أخر هذا الباب عما تقدمه؛ لأن في هذا الباب ذكر أحكام الوصية لقوم مخصوصين. وفيما تقدمه ذكر أحكامها على العموم والخصوص يتلو العموم. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى لجيرانه فهم الملاصقون عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: هم الملاصقون وغيرهم ممن يسكن محلة الموصي ويجمعهم مسجد المحلة وهذا استحسان) ش: أي القدوري لم يذكر خلاف أبي يوسف ومحمد، وقد ذكر في (التقريب) قال: قال محمد في " الإملاء ": إذا أوصى لجيرانه فالوصية للملاصقين قربت الأبواب أو بعدت عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لمن يجمعهم مسجد في الجماعة، وذكر ابن شجاع عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبار أهل المحلة الذين يصلون في مسجد واحد. قال: هذا قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وروى بشر عن أبي يوسف، أن الجيران الذين يجمعهم محلة واحدة وإن تفرقوا في مسجدين متقاربين، وإن تباعدوا وكان واحدا عظيما جامعا لكل أهل مسجد جيران دون الآخرين، وإن كان في المصر قبائل فالجيران الأقحاء دون القبائل، إلى هنا لفظ " التقريب ". م: (وقوله) ش: أي وقول أبي حنيفة م: (قياس) ش: وبه قال زفر م: (لأنه الجار من المجاورة، وهي الملاصقة حقيقة. ولهذا) ش: أي ولكون الجار هو الملاصق م: (يستحق الشفعة بهذا الجوار) ش: أي بجوار الملاصق. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الشأن م: (لما تعذر صرفه) ش: أي صرف ما أوصى لجيرانه م: (إلى الجميع) ش: الجيران م: (يصرف إلى أخص الخصوص وهو الملاصق) ش: وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: هم أهل أربعين دارا من كل جانب. وفي الأمصار التي فيها القبائل فالجوار على الأفخاذ لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «الجار أربعون دارا هكذا وهكذا» . وفي " المغني " لابن قدامة: وهذا نص إن صح وإلا فالجار هو المقارب ويرجع في ذلك الجزء: 13 ¦ الصفحة: 461 وجه الاستحسان: أن هؤلاء كلهم يسمون جيرانا عرفا؛ وقد تأيد بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ".» وفسره بكل من سمع النداء،   [البناية] إلى العرف. م: (وجه الاستحسان أن هؤلاء) ش: أي الملاصقون وغيرهم م: (كلهم يسمون جيرانا عرفا) ش: أي من حيث عرف الناس م: (وقد تأيد ذلك بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» ش: هذا الحديث رواه الحاكم والدارقطني عن أبي هريرة مرفوعا ورواه الدارقطني أيضا عن جابر مرفوعا، ورواه ابن عباس عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مرفوعا بأسانيد ضعيفة. وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال ابن حزم: هذا حديث ضعيف، الحديث، وهو صحيح من قول علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. قلت: رواه البيهقي في " المعرفة " من طريق الشافعي أنه بلغه عن هشيم وغيره عن أبي حيان التيمي عن أبيه قرأته عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " قيل: ومن جار المسجد؟ قال: " من أسمعه المنادي ".» قال القدوري في " التهذيب ": وقد قال هلال الرأي أن الجار من أسمعه المنادي لأنه روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: لا صلاة لجار المسجد ... إلى آخره. م: (وفسره بكل من سمع النداء) ش: قال تاج الشريعة: وفسره، أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «هم الذين يجمعهم مسجد واحد» . انتهى. قلت: هذا غريب منه، وكيف يقال وفسره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والحديث لم يصح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ولئن سلمنا أنه صح ولم يفسره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هكذا، وإنما فسره علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فيما روي عنه موقوفا عليه كما ذكرنا الآن. فإن قلت: يمكن أن يقال وفسره علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؟. قلت: نعم، علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فسره هكذا، ولكن فسر حديث نفسه حين سئل كما ذكرنا، والمصنف ما أسند الحديث إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حتى يصح أن يقال: وفسره علي، ولو قال: وفسره على صيغة المجهول لكان أصوب على ما لا يخفى. م: (ولأن القصد بر الجيران) ش: أي المقصود من وصية الشخص لجيرانه وحول إحسانه الجزء: 13 ¦ الصفحة: 462 ولأن القصد بر الجيران، واستحبابه ينتظم الملاصق وغيره، إلا أنه لا بد من الاختلاط، وذلك عند اتحاد المسجد. وما قاله الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الجوار إلى أربعين دارا بعيد. وما يروى فيه ضعيف. قالوا: ويستوي فيه الساكن والمالك، والذكر والأنثى، والمسلم والذمي؛ لأن اسم الجار يتناولهم،   [البناية] إليهم م: (واستحبابه) ش: أي استحباب البر م: (ينتظم الملاصق وغيره، إلا أنه) ش: أي جيرانه م: (لا بد من الاختلاط) ش: وهذا جواب من قال: ينبغي أن يستحق غير من يجمعه المسجد فأجاب بأنه لا بد من الاختلاط م: (وذلك) ش: أي الاختلاط م: (عند اتحاد المسجد) ش: قيل: حتى لو كان في المحلة مسجدان صغيران متقاربان فالجمع جيران. م: (وما قاله الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الجوار إلى أربعين دارا بعيد) ش: باعتبار العرف م: (وما يروى فيه ضعيف) ش: أي الذي روي في أن الجار إلى أربعين دارا حديث ضعيف لم يثبت. أما الحديث فقد رواه البيهقي عن أم هانئ بنت أبي صفرة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أوصاني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالجار إلى أربعين دارا عشرة من هاهنا، وعشرة من هاهنا، وعشرة من هاهنا، وعشرة من هاهنا» انتهى. وقال: في إسناده ضعف. ورواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " عن عبد السلام بن أبي الجنوب عن أبي سلمة عن أبي هريرة، - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حق الجوار إلى أربعين دارا هكذا وهكذا وهكذا وهكذا يمينا وشمالا وقدام وخلف» . وعن أبي يعلى رواه ابن حبان في كتاب " الضعفاء " وأعله بعبد السلام بن أبي الجنوب، وقال: إنه منكر الحديث. أما قول من قال: هذا حديث لا نعرف رواته فغير صحيح، ذكره الأكمل بقوله: قيل: هذا خبر لا نعرف رواته، وكيف يقال هذا وقد عين البيهقي وأبو يعلى رواته، ولكن لم يصح لما ذكرنا؟! م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (ويستوي فيه) ش: أي فيما أوصى به رجل فجيرانه م: (الساكن) ش: بالإجارة والعارية م: (والمالك والذكر والأنثى والمسلم والذمي؛ لأن اسم الجار يتناولهم) ش: وفي " الزيادات ": قال محمد: وأما أنا فإني أحسن أن جعل الوصية لجيرانه الملازقين للساكن ممن يملك تلك الدور وغيرهم ممن لا يملكها، ومن يجمعه مسجد تلك المحلة الذي فيهم الموصي من الملازقين وغيرهم، والسكان من تلك المحلة وغيرهم سواء في الوصية الأقربون والأبعدون، والكافر والمسلم، والصبي والمرأة في ذلك سواء، وليس للمالكين والمدبرين وأمهات الأولاد في ذلك شيء. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 463 ويدخل فيه العبد الساكن عنده لإطلاقه. ولا يدخل عندهما؛ لأن الوصية له وصية لمولاه وهو غير ساكن. قال: ومن أوصى لأصهاره فالوصية لكل ذي رحم محرم من امرأته، لما «روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لما تزوج صفية أعتق كل من ملك من ذي رحم محرم منها إكراما لها. وكانوا يسمون أصهار النبي» - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -   [البناية] م: (ويدخل فيه) ش: أي فيما أوصى به لجيرانه م: (العبد الساكن عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لإطلاقه) ش: أي لإطلاق اسم الجار على المملوك وغيرهم م: (ولا يدخل عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (لأن الوصية له) ش: أي للعبد م: (وصية لمولاه، وهو) ش: أي مولاه م: (غير ساكن) ش: فلا يتناوله. [الوصية للأصهار] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى لأصهاره) ش: أي لأقرباء امرأته م: (فالوصية لكل ذي رحم محرم من امرأته) ش: أي فالوصية تكون لكل ذي رحم محرم مجرور؛ لأنه صفة ذي رحم محرم م: (لما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لما تزوج صفية أعتق كل من ملك من ذي رحم محرم منها؛ إكراما لها، وكانوا يسمون أصهار النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: قوله صفية وهم، وصوابه جويرية. أخرجه أبو داود في " سننه في العتاق " عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: «وقعت جويرية بنت الحارث بن المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن شماس وابن عم له، فكاتبت على نفسها وكانت امرأة ملاحة تأخذ العين. قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فجاءت تسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كتابتها، فلما قامت على الباب رأيتها فكرهت مكانها، وعرفت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سيرى منها سبيل الذي رأيت، فقالت: يا رسول الله: أنا جويرية بنت الحارث، وقد كان من أمري ما لا يخفى عليك، وإني وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، وإني كاتبت على نفسي فجئت أسألك في كتابتي فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فهل لك إلى ما هو خير منه؟ " قالت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما هو؟ قال: " أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك "، قالت: نعم يا رسول الله، قال: قد فعلت. قالت: فتسامع الناس أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد تزوج جويرية فأرسلوا ما بأيديهم - يعني من السبي - فأعتقوهم، وقالوا: أصهار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالت: فما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها، أعتق في سبيلها مائة أهل بيت من بني المصطلق» انتهى. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 464 وهذا التفسير اختيار محمد وأبي عبيدة - رحمهما الله -. وكذا يدخل فيه كل ذي رحم محرم من زوجة أبيه وزوجة ابنه وزوجة كل ذي رحم محرم منه؛ لأن الكل أصهار،   [البناية] ورواه الواقدي من طريق أخرى وفيه: وكان الحارث بن أبي ضرار رأس بني المصطلق وسيدهم، وكانت ابنته جويرية اسمها برة فسماها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " جويرية " لأنه كان يكره أن يقال: خرج من بيت برة، ويقال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق. ويقال: جعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صداقها عتق أربعين من قومها. م: (وهذا التفسير) ش: أشار به إلى التفسير المذكور؛ وإنما قيل بهذا؛ لأن الذي يجيء في اللغة بمعنى الختن أيضا م: (اختيار محمد وأبي عبيد - رحمهما الله -) ش: محمد هو ابن الحسن وأبو عبيد القاسم بن سلام؛ قال الأترازي: قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - حجة في اللغة استشهد بقوله أبو عبيد في غريب الحديث. وقال في " مجمل اللغة ": قال الخليل: لا يقال لأهل بيت المرأة الأصهار، وكذا قال الجوهري وقد نظم نجم الدين هو - النسفي - في نظمه لكتاب " الزيادات " يشتمل على معنى الصهر والختن، فقال: أصهار من يوصي أقارب عرسه، ويزول ذاك ببائن وحرام أختانه أزواج كل محارم، ومحارم الأزواج بالأرحام. وقال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الزيادات " أما الصهر فقد ينطلق على الختن، لكن الغالب ما ذكره محمد، قال عاصم بن عدي: ولو كنت صهرا لابن مروان قربة ... وكأني إلى المعروف والطعن الرحب ولكنني صهرا لآل محمد ... وخال بني العباس والخال كالأب سمى نفسه صهرا وكان أخا لامرأة العباس ثم قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه: ومن شرط بقاء هذا الاسم أن يموت الموصي وهذه نساؤه أو في خصمه من طلاق رجعي، أما بعد البينونة فتنقطع المصاهرة، وإنما تعتبر يوم الموت، يعني أن المرأة إذا كانت زوجة الموصي يوم موت الموصي. أو كانت معتدة من طلاق رجعي، فأما بعد البينونة فتنقطع المصاهرة وإنما يعتبر يوم الموت، يعني أن المرأة إذا كانت زوجة الموصي يوم موت الموصي، أو كانت معتدة من طلاق رجعي يستحق أقرباء المرأة الوصية باسم الصهر. وإذا كانت مبانة يوم موته لا يستحق بها؛ لانقطاع المصاهرة بالإبانة وعدم الانقطاع فيما لم يكن مبانة م: (وكذا يدخل فيه) ش: أي فيما أوصى لجيرانه م: (كل ذي رحم محرم من زوجة أبيه وزوجة ابنه وزوجة كل ذي رحم محرم منه؛ لأن الكل أصهار) ش: لما مر من حديث جويرية. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 465 ولو مات الموصي والمرأة في نكاحه أو في عدته من طلاق رجعي فالصهر يستحق الوصية، وإن كانت في عدة من طلاق بائن لا يستحقها؛ لأن بقاء الصهرية ببقاء النكاح، وهو شرط عند الموت. قال: ومن أوصى لأختانه فالوصية لزوج كل ذات رحم منه، وكذا محارم الأزواج؛ لأن الكل يسمى ختنا، قيل: هذا في عرفهم، وفي عرفنا لا يتناول الأزواج المحارم، ويستوي فيه الحر والعبد والأقرب والأبعد؛ لأن اللفظ يتناول الكل. قال: ومن أوصى لأقاربه فهي للأقرب فالأقرب من كل ذي رحم محرم منه، ولا يدخل فيه الوالدان والولد، ويكون ذلك للاثنين فصاعدا، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.   [البناية] م: (ولو مات الموصي والمرأة في نكاحه أو في عدته) ش: أي أو كانت المرأة في عدة م: (من طلاق رجعي فالصهر يستحق الوصية، وإن كانت في عدة عن طلاق بائن لا يستحقها؛ لأن بقاء الصهرية ببقاء النكاح، وهو شرط عند الموت) ش: وقد شرح هذا فخر الإسلام، وقد ذكرناه آنفا. [الوصية للأختان] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى لأختانه فالوصية لزوج كل ذات رحم محرم منه، وكذا محارم الأزواج) ش: أي المحارم أزواج كل ذي رحم محرم من الموصي. وفي شرح " الكافي ": الأختان أزواج البنات والأخوات والعمات والخالات، وكذا زوج كل ذي رحم محرم من أزواج هؤلاء، هكذا ذكره محمد م: (لأن الكل يسمى ختنا، قيل: هذا في عرفهم، وفي عرفنا لا يتناول الأزواج المحارم) ش: قال؛ أي الأترازي: إنما كان هذا في قوله بعد أن قال: وكذا محارم الأزواج؛ لأن ذاك رواية " الزيادات " المذكورة ثمة في عرفهم، لا على عرفنا؛ لأن أزواج المحارم لا يسمون أختانا وفي عرفهم يسمى الكل أختانا. وقال الكرخي في " الزيادات ": إذا أوصى الرجل لأختانه بثلث ماله ثم مات فالأختان أزواج البنات، والأخوات والعمات والخالات وكل امرأة ذات رحم محرم للموصي فزوجها من أختانه، وكل ذي رحم محرم من زوجها من ذكر وأنثى فهو أيضا من أختانه، ولا تكون الأزواج ذات رحم محرم. ومن كان من قبلهم من ذي الرحم المحرم ولا يكون الأختان ما كان من قبل نساء الموصي م: (ويستوي فيه الحر والعبد، والأقرب والأبعد؛ لأن اللفظ يتناول الكل) ش: أي لفظ الأختان يتناول الكل. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى لأقاربه فهي) ش: أي الوصية م: (للأقرب فالأقرب من كل ذي رحم محرم منه، ولا يدخل فيه الوالدان والولد، ويكون ذلك للاثنين فصاعدا وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وفي " الكافي ": وكذا إذا أوصى لذوي قرابته أو لذوي أرحامه أو لذوي أنسبائه فهم عند أبي حنيفة الأقرب فالأقرب، ومن كل ذي رحم محرم منه. ويدخل فيه الجزء: 13 ¦ الصفحة: 466 وقال صاحباه: الوصية لكل من ينسب إلى أقصى أب له في الإسلام، وهو: أول أب أسلم أو أول أب أدرك الإسلام، وإن لم يسلم على حسب ما اختلف فيه المشايخ، وفائدة الاختلاف ظهر في أولاد أبي طالب فإنه أدرك الإسلام ولم يسلم. لهما: أن القريب مشتق من القرابة، فيكون اسما لمن قامت به، فينتظم بحقيقة مواضع الخلاف.   [البناية] الجد والجدة. وكذا ولد الولد في ظاهر الرواية. وعن أبي حنيفة وأبي يوسف: أن الجد وولد الولد لا يدخل. م: (وقال صاحباه) ش: أي صاحبا أبي حنيفة وهما أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (الوصية لكل من ينسب إلى أقصى أب له في الإسلام) ش: يعني لجميع قرابته من قبل الرجال والنساء إلى أقصى أب له في الإسلام؛ لأن الطرفين جميعا يشتركون في الثلث الأقرب منهم والأبعد، والذكر والأنثى فيه سواء م: (وهو أول أب أسلم، أو أول أب أدرك الإسلام) ش: سواء أسلم أو لا. واختلف المشايخ في اشتراط إسلام أقصى الأب، قيل: يشترط، وقيل: لا يشترط، وهو معنى قوله م: (وإن لم يسلم) ش: أي أقصى الأب م: (على حسب ما اختلف فيه المشايخ) . م: (وفائدة الاختلاف تظهر في أولاد أبي طالب، فإنه أدرك الإسلام ولم يسلم) ش: قال: أقصى أب أدرك الإسلام أبو طالب فيدخل في الوصية أولاد علي وعقيل وجعفر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. ومن شرط إسلام أقصى أب - هو علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.؛ فيدخل تحت الوصية أولاد علي دون عقيل وجعفر، وقال الشافعي وأحمد في رواية قرابته من قبل أبيه وأمه الذين ينسبون إلى الأدنى، والأدنى ينسب إليه، ويستوي فيه القريب والبعيد؛ لأنهم قرابته عرفا. وقال مالك: قريبه بالاجتهاد، وقال محمد في رواية: قريبه أولاده، وأولاد ابنه وأولاد جده وأولاد جداته؛ لأن من هو أبعد منهم، ويستوي فيه الذكر والأنثى، حتى لو أوصى لقرابة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى أولاده أولاد عبد المطلب وأولاد هاشم، ولم يعط بني هاشم وبني نوفل ولم يسلم. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد. رحمهما الله -: م: (أن القريب مشتق من القرابة، فيكون) ش: أي القريب م: (اسما لمن قامت) ش: أي لمن قامت القرابة م: (به فينتظم) ش: أي يشتمل اسم القريب م: (بحقيقة مواضع الخلاف) ش: وهو ذو الرحم المحرم والرحم الأبعد. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 467 وله: أن الوصية أخت الميراث، وفي الميراث يعتبر الأقرب فالأقرب، والمراد بالجمع المذكور فيه اثنان، فكذا في الوصية والمقصد من هذه الوصية تلافي ما تفرط في إقامة واجب الصلة، وهو يختص بذي الرحم المحرم منه، ولا يدخل فيه قرابة الولاد، فإنهم لا يسمون أقرباء، ومن سمى والده قريبا كان منه عقوقا، وهذا لأن القريب في عرف اللسان من يتقرب إلى غيره بوسيلة غيره، وتقرب الوالد والولد بنفسه لا بغيره، ولا معتبر بظاهر اللفظ بعد انعقاد الإجماع على تركه، فعنده يقيد بما ذكرناه،   [البناية] م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة: م: (أن الوصية أخت الميراث، وفي الميراث يعتبر الأقرب فالأقرب) ش: فكذلك في الوصية م: (والمراد بالجمع المذكور فيه) ش: أي في الأقرب م: (اثنان) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] فإن المراد من الإخوة اثنان م: (فكذا في الوصية) ش: اثنان؛ لأن المثنى كالجمع في باب الميراث، فكذلك في باب الوصية؛ لأن الوصية أخت الميراث م: (والمقصد من هذه الوصية) ش: أي المقصود منها م: (تلافي ما تفرط) ش: أي استدراك ما قصر م: (في إقامة واجب الصلة) ش: لأن صلة ذي الرحم المحرم واجبة دون غيره بالإجماع، ولهذا لا يجوز الرجوع في هبته ويستحق النفقة دون غيره م: (وهو يختص) ش: أي تلافي ما فرط في وجوب الصلة مختص م: (بذي الرحم المحرم منه، ولا يدخل فيه) ش: أي في الإيصاء على ذوي قرابته م: (قرابة الولاد) ش: وهو الوالد والولد م: (فإنهم) ش: أي فإن الآباء والأولاد م: (لا يسمون أقرباء) ش: لأنهم أقرب من القرابة. وأوضح هذا المعنى بقوله: م: (ومن سمى والده قريبا كان منه عقوقا) ش: من حيث العرف يدل عليه قَوْله تَعَالَى: {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] (البقرة: الآية 80) ، عطف الأقربين على الوالدين، والعطف يقتضي المغايرة، فلا يكون الوالد قريبا، ولا يكون الولد قريبا أيضا؛ لأنه يلزم من قرب أحدهما إلى الآخر قرب الآخر إليه وإلا لا يثبت القرب أصلا. م: (وهذا لأن القريب في عرف اللسان من يتقرب إلى غيره بوسيلة غيره، وتقرب الوالد والولد بنفسه لا بغيره) ش: إذ لا واسطة بينهما م: (ولا معتبر بظاهر اللفظ) ش: هذا جواب عن قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: إن القريب مشتق من القرابة، فيكون اسما لمن قامت به. وتقدير الجواب: أن ظاهر اللفظ لا اعتبار به م: (بعد انعقاد الإجماع على تركه) ش: أي ترك ظاهر اللفظ، يعني أن ظاهر اللفظ وإن اقتضى صحة إطلاق اسم القريب على الوالد والولد، لكن الإجماع انعقد على ترك هذا الظاهر، وبين ذلك بقوله: م: (فعنده) ش: أي فعند أبي حنيفة م: (يقيد بما ذكرناه) ش: من الأقرب فالأقرب، فالقيود الخمسة وهي كونه ذا رحم محرم، واثنين فصاعدا، وذلك ما سوى الوالد والولد من لا يرث، والأقرب فالأقرب. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 468 وعندهما بأقصى الأب في الإسلام، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بالأب الأدنى. قال: ومن أوصى لأقاربه وله عمان وخالان فالوصية لعمه عنده اعتبارا للأقرب كما في الإرث. وعندهما بينهم أرباعا إذ هما لا يعتبران الأقرب. ولو ترك عما وخالين فللعم نصف الوصية والنصف للخالين؛ لأنه لا بد من اعتبار معنى الجمع وهو الاثنان في الوصية كما في الميراث. بخلاف ما إذا أوصى لذي قرابته حيث يكون للعم كل الوصية: لأن اللفظ للمفرد، فيحرز والواحد كلها إذ هو الأقرب. ولو كان له عم واحد فله نصف الثلث لما بيناه. ولو ترك عما وعمة وخالا وخالة فالوصية للعم والعمة بينهما بالسوية لاستواء قرابتهما وهي أقوى، والعمة إن لم تكن وارثة   [البناية] م: (وعندهما بأقصى الأب في الإسلام) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد يقيد بكل من يجمعه وأباه أقصى أب في الإسلام م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالأب الأدنى) ش: الذي ينسب إليه، وهو قول محمد أيضا. [أوصى أحد لأقاربه وله عمان وخالان] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى) ش: هذا إلى آخره تفصيل ما أجمله من القيود على مذهب أبي حنيفة، يعني وإذا أوصى أحد م: (لأقاربه وله عمان وخالان فالوصية لعمه عنده اعتبارا للأقرب كما في الإرث) ش: فإنه يكون لعميه في الإرث دون خاليه، هذا إذا أوصى أحد لأقاربه وله عمان وخالان والوصية لعميه عند أبي حنيفة. م: (وعندهما بينهم أرباعا إذ هما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (لا يعتبران الأقرب، ولو ترك عما وخالين فللعم نصف الوصية، والنصف للخالين؛ لأنه لا بد من اعتبار معنى الجمع، وهو الاثنان في الوصية كما في الميراث، بخلاف ما إذا أوصى لذي قرابته، حيث يكون للعم كل الوصية؛ لأن اللفظ للمفرد) ش: وهو قوله: لذي قرابته م: (فيحرز الواحد كلها) ش: أي كل الوصية م: (إذ هو الأقرب) ش: أي لأنه هو الأقرب، فلا يستحق الأبعد عند وجوده. م: (ولو كان له عم واحد) ش: أي فيما إذا أوصى لأقاربه وله عم واحد ولم يكن هو وارث كله، نصف الثلث؛ لأنه لا بد من اعتبار معنى الجمع وهو الاثنان ولم يوجد م: (فله نصف الثلث) ش: والنصف الباقي يرد على الورثة م: (لما بيناه) ش: أراد به قوله لأنه: لا بد من اعتبار معنى الجمع وهو الاثنان.. إلى آخره. م: (ولو ترك عما وعمة وخالا وخالة) ش: أي فيما إذا أوصى لأقاربه م: (فالوصية للعم والعمة بينهما بالسوية لاستواء قرابتهما وهي أقوى) ش: أي قرابة العمومة أقوى من قرابة الخؤولة م: (والعمة وإن لم تكن وارثة) ش: هذا جواب عما يقال: العمة لا تستحق العصوبة وتقوم الأخوات بسببهما فلم يكن قرابتهما أقرب. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 469 فهي مستحقة للوصية. كما لو كان القريب رقيقا أو كافرا. وكذا إذا أوصى لذوي قرابته أو لأقربائه أو لأنسبائه في جميع ما ذكرنا؛ لأن كل ذلك لفظ جمع. ولو انعدم المحرم بطلت الوصية؛ لأنها مقيدة بهذا الوصف. قال: ومن أوصى لأهل فلان فهي على زوجته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال: يتناول كل من يعولهم وتضمنهم نفقته اعتبارا للعرف، وهو مؤيد بالنص. قال الله تعالى: {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93] (يوسف: الآية 93) ،   [البناية] وتقرير الجواب: أن العمة وإن لم تكن وارثة في هذه الصورة م: (فهي مستحقة للوصية) ش: مساوية للعم في الدرجة وعدم استحقاقها العصوبة بوصف قائما بها وهو الوراثة لا يخرجها عن مساواتها للعم في استحقاقها هذه الوصية. م: (كما لو كان القريب رقيقا أو كافرا) ش: لما أن عدم جريان الميراث لوصف قائما بهما لا يضعف في القرابة م: (وكذا) ش: الحكم م: (إذا أوصى لذوي قرابته أو لأقربائه أو لأنسبائه) ش: أو هو جمع نسيب على وزن فعيل، وهو القريب كالأنصباء في جمع النصيب م: (في جميع ما ذكرنا) ش: يعني من القيود المذكورة على قول أبي حنيفة خلافا لهما م: (لأن كل ذلك لفظ جمع) ش: والمعتبر في كل جمع اثنان. م: (ولو انعدم المحرم) ش: يعني إن لم يكن الوصي محرم في هذه المسائل م: (بطلت الوصية) ش: عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الوصية عنده لذي الرحم، فإذا لم يكن للموصي قريب محرم كانت الوصية للمعدوم وهي باطلة، وهي معنى قوله: م: (لأنها مقيدة بهذا الوصف) ش: أي لأن الوصية مقيدة بوصف المحرمية. قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: " قال " لم يقع مناسبا؛ لأن عادة المصنف أنه لم يذكر لفظ " قال " إلا إذا كانت مسألة القدوري أو " الجامع الصغير "، أو كانت مذكورة في " البداية "، وهذه مع ما بعدها، أي قوله ومن أوصى لولد فلان ليست من تلك الجملة، وكل هذه المسائل مذكورة في " مختصر الكرخي "، انتهى. قلت: يمكن أن يقال: إن فاعل " قال " هذا المصنف؛ لأن من عادته في مواضع يقول " قال " ويكون المراد به قال المصنف، ولما أخذ هذه المسألة " مختصر الكرخي " نقل كلامه بقوله: م: (قال) ش: أي المصنف: م: (ومن أوصى لأهل فلان فهي) ش: أي الوصية م: (على زوجته) ش: أي زوجة فلان م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . م: (وقال يتناول كل من يعولهم) ش: يعني فلان م: (وتضمنهم نفقته) ش: أي يجمعهم نفقته م: (اعتبارا للعرف، وهو مؤيد بالنص. قال الله تعالى: {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93] (يوسف: الآية الجزء: 13 ¦ الصفحة: 470 وله: أن اسم الأهل حقيقة في الزوجة يشهد بذلك قَوْله تَعَالَى {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] (القصص: الآية 29) ، ومنه قولهم: تأهل ببلدة كذا، والمطلق ينصرف إلى الحقيقة. قال: ومن أوصى لآل فلان فهو لأهل بيته؛ لأن الآل القبيلة التي ينسب   [البناية] 93 - ) ش: فإنه ليس المراد به الزوجة فقط، وكذا قوله: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ} [النمل: 57] (النمل: الآية 57) لكن لا يدخل مماليكه وإن كان يضمنه نفقته؛ لأن الأهل لا يطلق عليهم في العرف. وفي " مختصر الكرخي ": قال أبو يوسف ومحمد: هذا على جميع من يعوله فلان ممن يضمنه نفقته غريبا كان أو غيره، الزوجة واليتيم في حجره، والولد إذا كان يعوله فإن كان كبيرا قد اعتزل عنه، أو كانت بنتا قد تزوجت فليس من أهله. وفي " الزيادات ": ولا يدخل في ذلك مماليكه ولا وارث للموصي، ولا يدخل فلان الموصى له أهله في معنى من هذه الوصية. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن اسم الأهل حقيقة في الزوجة يشهد بذلك قَوْله تَعَالَى: {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] (القصص: الآية 29) ش: قاله الأترازي: وفي الاستدلال بقوله نظر؛ لأنه لم يرد في الآية الزوجة خاصة؛ لأن الله تعالى قال: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} [القصص: 29] بلفظ الجمع، والآية في سورة القصص، وكذلك خاطب في سورة طه: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [طه: 9] {إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} [طه: 10] وقال الأكمل: الجواب أنه لم ينقل أنه كان معه أحد من أقاربه أو أقاربها ممن ضمتهم نفقته، فإن كان معه أحد من الأقارب لم يدخل فيه بالاتفاق على أن الحقائق لا يستدل عليها؛ لأن طريق معرفتها السماع كما عرف في الأصول. وإنما استشهد بالآية قياسا، فإن ثبت إنما في الآية ليس على معنى الحقيقة لا ينافي مطلوبه، كالآيات التي استدل بها الأترازي، فإنه قال: وجه قولهما أن اسم الأهل ينطلق على كل من يعوله ويضمنه نفقته بدليل قَوْله تَعَالَى في قصة يوسف: {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93] وقَوْله تَعَالَى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ} [النمل: 57] وقَوْله تَعَالَى: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} [ص: 43] ولم يرد في هذه المواضع الزوجة خاصة، فيحمل على الكل. م: (ومنه قولهم: تأهل ببلدة كذا) ش: أي تزوج م: (والمطلق ينصرف إلى الحقيقة) ش: يعني لغة وعرفا، فلا يعدل عنهما م: (قال: ومن أوصى لآل فلان فهو لأهل بيته: لأن الآل القبيلة التي ينسب إليها) ش: فيدخل فيه كل من ينسب إليه من قبل آبائه إلى أقصى أب له في الإسلام الأقرب والأبعد، والذكر والأنثى، والمسلم والكافر، والصغير والكبير فيه سواء، ولا يدخل فيه أولاد البنات وأولاد الأخوات ولا أحد من مراتب أمه؛ لأنهم ينسبون إليه لأن النسب يعتبر من الآباء. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 471 إليها. ولو أوصى لأهل بيت فلان يدخل فيه أبوه وجده؛ لأن الأب أصل البيت. ولو أوصى لأهل نسبه أو لجنسه فالنسب عبارة عمن ينسب إليه، والنسب يكون من جهة الآباء، وجنسه أهل بيت أبيه دون أمه؛ لأن الإنسان يتجنس بأبيه. بخلاف قرابته، حيث تكون من جانب الأم والأب. ولو أوصى لأيتام بني فلان أو لعميانهم أو لزمناهم أو لأراملهم إن كانوا قوما يحصون دخل في الوصية فقراؤهم وأغنياؤهم، ذكورهم وإناثهم؛ لأنه أمكن تحقيق التمليك في حقهم، والوصية تمليك، وإن كانوا لا يحصون فالوصية في الفقراء منهم؛ لأن المقصود من الوصية القربة وهي في سد الخلة ورد الجوعة وهذه الأسامي تشعر بتحقق الحاجة، فجاز حمله على الفقراء.   [البناية] م: (ولو أوصى لأهل بيت فلان يدخل فيه أبوه وجده؛ لأن الأب أصل البيت) ش: وعن أحمد أن أهل البيت بمنزلة قوة القرابة م: (ولو أوصى لأهل نسبه أو لجنسه فالنسب عبارة عمن ينسب إليه، والنسب يكون من جهة الآباء، وجنسه أهل بيت أبيه دون أمه؛ لأن الإنسان يتجنس بأبيه) ش: أي يتخذ الجنس من أبيه إذ الجنس عبارة عن النسب، والنسب من جانب الأب لا من جانب الأم، فإن إسماعيل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان من هاجر، وكان من جنس قوم أبيه، وإبراهيم ابن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان من جنس قريش، وكذا أولاد الخلفاء من الإماء يصلحون للخلافة م: (بخلاف قرابته، حيث تكون من جانب الأم والأب) ش: فيدخل في الوصية لقرابة كل من الجانبين. م: (ولو أوصى لأيتام بني فلان أو لعميانهم أو لزمناهم أو لأراملهم إن كانوا قوما يحصون دخل في الوصية فقراؤهم وأغنياؤهم، ذكورهم وإناثهم؛ لأنه أمكن تحقيق التمليك في حقهم، والوصية تمليك، وإن كانوا لا يحصون فالوصية في الفقراء، منهم؛ لأن المقصود من الوصية القربة وهي في سد الخلة ورد الجوعة، وهذه الأسامي تشعر بتحقق الحاجة فجاز حمله على الفقراء) ش: والأيتام جمع يتيم، وهو اسم لمن كان دون البلوغ ولا أب له، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يتم بعد احتلام» ، رواه أصحاب السنن عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. والعميان جمع أعمى، والزمني جمع زمن، والأرامل جمع أرمل، والأرمل هو الذي لا يقدر على شيء سواء كان رجلا أو امرأة من أرمل إذا افتقر من الرمل كالرفع من الرفعا وهي الثواب، ومن الناس من قال: الأرمل في النساء خاصة، والمختار عند المصنف هو الأول حيث قال: ذكورهم وإناثهم وهو اختيار الشعبي. وقال: أرمل القوم إذا فقدوا زادهم وصاروا محتاجين. ومن لا زوجة له من الرجال هل يدخل فيه؟ قال الشافعي - في وجه - وإسحاق: يدخل وهو قول الشعبي، وعند أكثر أهل العلم.: لا يدخل. قال الشعبي: هذا اللفظ يطلق على الذكر الجزء: 13 ¦ الصفحة: 472 بخلاف ما إذا أوصى لشبان بني فلان وهم لا يحصون أو لأيامى بني فلان وهم لا يحصون حيث تبطل الوصية؛ لأنه ليس في اللفظ ما ينبئ عن الحاجة فلا يمكن صرفه إلى الفقراء ولا يمكن تصحيحه تمليكا في حق الكل للجهالة المتفاحشة وتعذر الصرف إليهم،   [البناية] لغة قال الشاعر: هذي الأرامل قد قضيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر؟ قلنا: المعروف في كلام الناس بأنه النساء، وفي الشعر إطلاقه يجوز ولهذا وضعه بالذكر والأنثى والشيء لا يوصف بنفسه، ولئن كان حقيقة فقد هجرت الحقيقة بالعرف كما في سائر الحقائق العرفية. ثم حد الإحصاء عند أبي يوسف أن لا يحصون بكتاب ولا حساب فهم لا يحصون. وقيل: بحيث يحصى بهم الحصى حتى يلد فيهم مولودا ويموت فيهم، وهو قول محمد إذا كانوا أكثر من مائة فهم لا يحصون. وقال بعضهم: هو مفوض إلى رأي القاضي، وعليه الفتوى، وما قال محمد هو الأيسر، كذا في " فتاوى قاضي خان -. وعند الأئمة الثلاثة أن الوصية للكل سواء كانوا يحصون أو لا، ويدخل فيهم الأغنياء والفقراء. وقال الكرخي في " مختصره ": قال أبو يوسف ومحمد: إذا أوصى بثلث ماله لأيتام بني فلان، فإن كانوا يحصون دخل فيهم الغني والفقير، فكان الثلث بينهم بالسوية الذكر والأنثى فيه سواء وإن كانوا لا يحصون فالثلث للفقراء منهم كأنه قال أوصيت للمساكين فيعطي الموصي من شاء منهم، وكذلك لو قال: أوصيت بثلث مالي لعميان بني فلان أو لزمنى بني فلان , فإن كانوا لا يحصون فالثلث بينهم للغني والفقير كلهم بالسوية، وإن كانوا يحصون فالثلث للفقراء منهم على ما وصفت لك، وإذا أوصى لأرامل بني فلان فالوصية بينهن لكل امرأة محتاجة لأن لها زوج طلقها أو مات عنها فهذه الأرملة قد أرملت من زوجها ومالها، ولا يدخل في ذلك ذكر محتاج ولا غني، ولا يدخل في ذلك امرأة غنية، فإن لم يمكن الإحصاء قسم ذلك بينهن بالسوية، وإن كن لا يحصين فهذا على ما وصفت لك من أمر المساكين. م: (بخلاف ما إذا أوصى لشبان بني فلان وهم لا يحصون أو لأيامى) ش: أي أوصى لأيامى م: (بني فلان) ش: الأيامى جمع أيم، وهي التي لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا م: (وهم لا يحصون حيث تبطل الوصية؛ لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (ليس في اللفظ) ش: أي لفظ الشأن والأيامى م: (ما ينبئ عن الحاجة فلا يمكن صرفه إلى الفقراء، ولا يمكن تصحيحه تمليكا في حق الكل للجهالة المتفاحشة وتعذر الصرف إليهم) ش: وفي - المبسوط -: فإذا لم يكن فيه ما ينبئ عن الحاجة كان الجزء: 13 ¦ الصفحة: 473 وفي الوصية للفقراء والمساكين يجب الصرف إلى اثنين منهم اعتبارا لمعنى الجمع، وأقله اثنان في الوصايا على ما مر. ولو أوصى لبني فلان يدخل فيهم الإناث في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أول قوليه، وهو قولهما؛ لأن جمع الذكور يتناول الإناث، ثم رجع وقال: يتناول الذكور خاصة؛ لأن حقيقة   [البناية] المقصود هو التمليك، وجهالة التمليك مانعة لصحة التمليك إذ الصرف إلى الكل غير ممكن، وليس بعضهم أولى من بعض، فكانت الوصية باطلة. في " الإيضاح ": الشاب من خمسة عشر إلى خمس وعشرين سنة إلى أن يبلغ عليه الشمط. والكهل من ثلاثين سنة إلى أن يغلب عليه النمط إلى آخر عمره. والشيخ ما زاد على خمسين سنه فجعل أبو يوسف الشيخ والكهل سواء فما زاد على خمسين. وعن محمد: الغلام ما كان له أقل من خمسة عشر سنة، والفتى من بلغ خمسة عشر وفوق ذلك والكهل إذا بلغ أربعين فزاد عليه ما بين خمسين إلى ستين إلى أن يغلب عليه الشيب حتى يكون شيخا. وعند أكثر أهل العلم: الكهل ابن ثلاثين حتى يبلغ خمسين، فإذا جاوز خمسين يكون شيخا إلى أن يموت. [الوصية للفقراء والمساكين] م. (وفي الوصية للفقراء والمساكين يجب الصرف إلى اثنين منهم اعتبارا لمعنى الجمع، وأقله اثنان في الوصايا على ما مر) ش: ولم يذكر المصنف فيه الخلاف، فينبغي أن يكون هذا على قول محمد؛ لأنه لا يجوز إلا الدفع إلى اثنين فصاعدا، وعندهما: يجوز أن يدفع كله إلى فقير واحد؛ لأن الكلام يصرف إلى الجنس والجنس إلى ثلاثة؛ لأنه أقل الجمع، وعن أحمد: يكفي الواحد كما في الزكاة، ولو أوصى لبني فلانة يدخل فيه الإناث في قول أبي حنيفة أول قوليه، وهو قولهما: لأن جمع الذكور يتناول الإناث ثم رجع وقال: يتناول الذكور خاصة. إيضاح هذا م: (ولو أوصى لبني فلان) ش: فلا يخلو إما أن يريد لعمومه الإضافي، أو يكون اسم قبيلة أو فخذ، فإن كان الأول م: (يدخل فيهم الإناث في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رجع إليه، وكان يقول أولا: يدخل م: (أول قوليه، وهو قولهما؛ لأن جمع الذكور) ش: والخلاف عند الاختلاط بما إذا كن في بيت الإناث مفردات فلا يدخل بالاتفاق إلا أن يذكره المصنف؛ لأن حقيقة الاسم للذكور، وانتظامه الإناث يجوز، والكلام بحقيقته ألا ترى أنه يصح أن يبقى اسم البنين على البنات، ولا يصح في الذكور. فلو تناولهما يكون جمعا بين الحقيقة والمجاز. فإن قيل: خطاب الذكور م: (يتناول الإناث ثم رجع، وقال: يتناول الذكور خاصة؛ لأن حقيقة الجزء: 13 ¦ الصفحة: 474 لاسم للذكور، وانتظامه للإناث تجوز، والكلام لحقيقته. بخلاف ما إذا كان بنو فلان اسم قبيلة أو فخذ حيث يتناول الذكور والإناث؛ لأنه ليس يراد بها أعيانهم إذ هو مجرد الانتساب كبني آدم، ولهذا يدخل فيه مولى العتاقة والموالاة وحلفاؤهم   [البناية] الاسم للذكور وانتظامه للإناث تجوز، والكلام لحقيقته) ش: بالإجماع، مع أن الحقيقة والمجاز لا يجتمعان؟ . قلنا: خطاب المكلف دل على أن المراد العقلاء، إذ التكليف يبنى على العقل، فيتناولهم عموم المجاز، أما هاهنا لم يدخل على العموم دليل، بل دل على الخصوص، وهو أن الموصي لم يقل: لأولاد فلان، بل قال: لبني فلان. م: (بخلاف ما إذا كان بنو فلان اسم قبيلة أو فخذ) ش: القبيلة واحدة القبائل، وهو بنو أب واحد، والفخذ بفتح الفاء وكسر الخاء في العشائر أقل من البطن، وبيانه أن العرب على ست طبقات، وهي الشعب والقبيلة والعمارة والبطن والفخذ والفصيلة، والشعب يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمارة، والعمارة تجمع البطون، والبطون تجمع القبائل، خزيمة شعب، وكنانة قبيلة، وقريش عمارة، وقصي بطن، وهاشم فخذ، والعباس فصيلة وسميت الشعوب لأن القبائل تشعبت منها. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده: إذا أوصى لبني كنانة لا يدخل تحت الوصية أولاد نضر؛ لأنه فوقهم، ويدخل أولاد كنانة إلى الفصيلة. وإذا أوصى لبني قريش وهو عمارة لا يدخل تحت الوصية أولاد نضر وكنانة لأنهم فوقهم، ويدخل أولاد قريش وقصي وأولاده والعباس وأولاده؛ لأن هؤلاء دونهم، وإذا أوصى بثلث ماله لبني فلان وهو قبيلة فالثلث بينهم على السوية إذا كانوا يحصون. م: (حيث يتناول الذكور والإناث؛ لأنه ليس يراد بها أعيانهم، إذ هو مجرد الانتساب كبني آدم، ولهذا يدخل فيه مولى العتاقة والموالاة وحلفاؤهم) ش: وهو جمع حليف، وهو اسم من يأتي قبيلة فيحلف لهم ويحلفون لهم على التناصر. وقال الكرخي في " مختصره -: وإذا قال لبني فلان وبنو فلان أولئك قبيلة لا تحصى مواليهم في الوصية مولى الموالاة الذين أسلموا على أيديهم ووالوهم ومولى العتاقة وحلفاؤهم وأعدادهم معهم. وإن كان أوصى لبني فلان وهم بنو أب وليسوا بقبيلة ولا فخذ كانت الوصية لبني فلان من العرب خاصة دون الموالي والحلفاء انتهى. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 475 قال: ومن أوصى لولد فلان فالوصية بينهم، والذكر والأنثى فيه سواء؛ لأن اسم الولد ينتظم الكل انتظاما واحدا. ومن أوصى لورثة فلان فالوصية بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأنه لما نص على لفظ الورثة آذن ذلك بأن قصده التفضيل كما في الميراث. ومن أوصى لمواليه وله موال أعتقهم وموال أعتقوه فالوصية باطلة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في بعض كتبه: إن الوصية لهم جميعا، وذكر في موضع آخر: أنه يوقف حتى يصالحوا. له: أن الاسم يتناولهم؛ لأن كلا منهم يسمى مولى، فصار كالإخوة.   [البناية] والأعداد جمع عدد، يقال: فلان عديد بني فلان، أي يعد منهم. [أوصى لولد فلان] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى لولد فلان) ش: وفي بعض النسخ: وإذا أوصى لولد فلان م: (فالوصية بينهم، والذكر والأنثى فيه سواء؛ لأن اسم الولد ينتظم الكل انتظاما واحدا) ش: يعني بطريق الحقيقة؛ لأنه يتناول أحدهما حقيقة، والآخر مجازا. وقال الفقيه أبو الليث في كتاب (نكت الوصايا -: ولو أوصى لولد فلان وليس لفلان ولد صلب فالوصية لولد ولده. وإذا كان له ولد واحد من ولد الصلب فالوصية كلها له وليس لولد الولد شيء. وقال شمس الأئمة السرخسي في " شرح الكافي ": لو كان له ولد واحد ذكرا أو أنثى فجميع الوصية له، وذكر الكرخي في " مختصره " بخلاف ذلك، فإذا قال: وصيت بثلث مالي لولد فلان وله ولد لصلبه ذكور وإناث كان الثلث لهم بعد أن يكونوا اثنين فصاعدا ولم يكن لولد ولده شيء، وإن كان لصلبه واحد وله ولد كان للذي لصلبه نصف الثلث ذكرا كان أو أنثى، وكان ما بقي لولد وده من سفل منهم ومن قرب بالسوية الذكر والأنثى فيه سواء، وهذا كله على قياس أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (ومن أوصى لورثة فلان فالوصية بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ولأنه لما نص على لفظ الورثة آذن) ش: أي أعلم م: (ذلك بأن قصده التفضيل كما في الميراث) ش: ولا يعلم منه خلاف م: (ومن أوصى لمواليه وله موال أعتقهم وموال أعتقوه فالوصية باطلة) ش: هذه من مسائل " الجامع الكبير، ذكرها تفريعا على مسألة القدوري. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في بعض كتبه: أن الوصية لهم جميعا) ش: وبه قال أحمد وزفر م: (وذكر في موضع آخر أنه يوقف حتى يصالحوا) ش: أي حتى يصطلح، وله في قول آخر الوصية للأعلى لأنه أقوى. وقال أبو ثور: الكل يدخلون في الوصية، ولكن يقرع بينهما؛ لأن أحدهما ليس بأولى من الآخر م: (له) ش: أي للشافعي: م: (أن الاسم يتناولهم؛ لأن كلا منهم يسمى مولى فصار كالأخوة) ش: أي كما إذا أوصى لأخوة فلان وهم متفرقون لأب وأم الجزء: 13 ¦ الصفحة: 476 ولنا: أن الجهة مختلفة؛ لأن أحدهما يسمى مولى النعمة، والآخر منعم عليه، فصار مشتركا فلا ينتظمهما لفظ واحد في موضع الإثبات. بخلاف ما إذا حلف لا يكلم موالي فلان حيث يتناول الأعلى والأسفل؛ لأنه مقام النفي، ولا تنافي فيه،   [البناية] ولأب ولأم فالوصية لهم جميعا ولا يكون البعض أولى من البعض. م: (ولنا: أن الجهة مختلفة؛ لأن أحدهما يسمى مولى النعمة والآخر منعم عليه، فصار مشتركا فلا ينتظمهما لفظ واحد في موضع الإثبات) ش: احترز به عن موضع النفي، مبنى هذا الكلام على جواز عموم المشترك وعدم جوازه، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجيزه، فأجاز هذا، وأصحابنا ما جوزوه، فكذلك هذا. والمروي عن الشافعي رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لكن لا على جواز عموم المشترك بل على أن لفظ المولى على الأعلى والأسفل، كالأخوة على بني الأعيان وبني فلان وبني الأضياف، وليس بظاهر؛ لأن معنى الأخوة في الجمع واحد وهو اشتمال صلب الأب أو الرحم عليهم، ومعنى المولى ليس كذلك فإن معنى الأعلى منعم وهو معنى الأسفل منعم عليه، فكان في أحدهما معنى الفاعل، وفي الآخر معنى المفعول واليه أشار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: إن الجهة مختلفة، فصار مشتركا فلا يشتملها معنى واحد في موضع الاثنان، هذا اختيار شمس الأئمة وعامة أصحابنا على أن لا عموم للمشترك لا في النفي ولا في الإثبات، فالمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مال إلى ما قال شمس الأئمة قال: فلا ينتظم اللفظ واحد في موضع الإثبات. ثم أجاب عن مسألة الحلف بقوله: م: (بخلاف ما إذا حلف لا يكلم موالي فلان حيث يتناول الأعلى والأسفل؛ لأنه مقام النفي) ش: أي لأن قوله لا نكلم مقام النفي م: (ولا تنافي فيه) ش: أي في عموم النفي في المختلفين، أي نفي المختلفين في محل واحد لا يستحيل، وفي الإثبات يستحيل قال الأترازي: أن اجتماع الحنطة والشعير في معنى واحد يستحيل في حالة واحدة، ولا يستحيل انتفاؤهما، وكذا في اليوم الواحد يستحيل اجتماع صومين مختلفين لا يستحيل فيصح أن يقال: لا يوجد فيه صوم فرض ولا نفل. والجواب عن مسألة، ما ذهب إليه شمس الأئمة، وهو أن عموم المشترك لا يجوز في موضع الإثبات إذ ترك الكلام مع الموالي مطلقا ليس لوقوعه في النفي بل لأن الحامل على اليمين بعضه وهو غير مختلف بذلك المعنى كالشيء. فإن قيل: سلمنا أن لفظ المولى مشترك لكن حكمه التوقف، - قال: فالوصية باطلة الجزء: 13 ¦ الصفحة: 477 ويدخل في هذه، الوصية من أعتقه في الصحة والمرض ولا يدخل مدبروه وأمهات أولاده؛ لأن عتق هؤلاء يثبت بعد الموت، والوصية تضاف إلى حالة الموت، فلا بد من تحقق الاسم قبله. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنهم يدخلون؛ لأن سبب الاستحقاق لازم ويدخل فيه عبد، قال له مولاه: إن لم أضربك فأنت حر؛ لأن العتق يثبت قبيل الموت عند تحقق عجزه. ولو كان له موال وأولاد موال وموالي موالاة يدخل فيها معتقوه وأولادهم دون موالي الموالاة   [البناية] أجيب: بأن الكلام فيما إذا مات الموصي قبل البيان والتوقف في مثله لا يعتد. فإن قيل: الترجيح من جهة أخرى ممكن، وهو أن يصرف الوصية إلى المولى الذي أعتقه؛ لأن شكر المنعم واجب، وأما فضل الإنعام في حق المنعم عليه فمندوب، والصرف إلى الواجب أولى منه إلى المندوب، كما هو المروي عن أبي يوسف لهذا المعنى؟ أجيب: بأنها معاوضة من جهة أخرى، وهو أن العرف جاز بوصية الثلث من المال للفقهاء والغالب في المولى الأسفل الفقراء وفي الأعلى الغني، والمعروف عرفا كالمشروط شرعا كما هو المروي عن أبي يوسف، بهذا المعنى. م: (ويدخل في هذه الوصية من أعتقه في الصحة والمرض) ش: أي يدخل فيما إذا أوصى إلى مواليه المعتق في الصحة والمرض جميعا م: (ولا يدخل مدبروه وأمهات أولاده؛ لأن عتق هؤلاء يثبت بعد الموت والوصية تضاف إلى حالة الموت، فلا بد من تحقق الاسم قبله) ش: أي من تحقق الاسم المولى قبل الموت ولم يتحقق؛ لأن اسم المولى لا يتم إلا بعد عتقهم وعتقهم بعد الموت. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنهم يدخلون؛ لأن سبب الاستحقاق لازم) ش: أي استحقاق الولاء لازم، وهو التدبير والاستيلاد، وهذه الرواية ذكرها الشيخ أبو المعين النسفي في " شرح الجامع ") م: (ويدخل فيه) ش: أي في الإيصاء لمواليه م: (عبد قال له مولاه إن لم أضربك فأنت حر لأن العتق يثبت قبل الموت عند تحقق عجزه) ش: صورته: قال مولى العبد له: إن لم أضربك فأنت حر فمات قبل أن يضربه عتق قبل موته ودخل في الوصية؛ لأنه من مواليه؛ لأنه يعتق في آخر جزء من أجزاء الحياة لتحقق عدم الضرب منه في تلك الحالة ووقوع اليأس من حصوله، فيصير مولى له ثم يتعقبه الموت، ثم تنفذ الوصية فيكون مولى له وقت نفوذ الوصية وجوبها. م: (ولو كان له موال وأولاد موالي وموالي موالاة يدخل فيها معتقوه وأولادهم) ش: لأنهم مواليه حقيقة، ولهذا لا يصح، ففي ولاء أولاد الموالي عنه م: (دون موالي الموالاة) ش: أي لا يدخل، وبه قالت الأئمة الثلاثة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 478 وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنهم يدخلون أيضا , والكل شركاء؛ لأن الاسم يتناولهم على السواء. ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: الجهة مختلفة في المعتق الإنعام , وفي الموالي عقد الالتزام، والإعتاق لازم، فكان الاسم له أحق، ولا يدخل فيهم موالي الموالي؛ لأنهم موالي غيره حقيقة. بخلاف مواليه وأولادهم؛ لأنهم ينسبون إليه بإعتاق وجد منه؛ وبخلاف ما إذا لم يكن له موال ولا أولاد الموالي؛ لأن اللفظ لهم مجاز , فيصرف إليه عند تعذر اعتبار الحقيقة. ولو كان له معتق واحد وموالي الموالي فالنصف لمعتقه، والباقي للورثة , لتعذر الجمع بين الحقيقة والمجاز،   [البناية] م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنهم يدخلون أيضا، والكل شركاء؛ لأن الاسم يتناولهم على السواء) ش: لأنه باشر سبب ولاء كل وحكي عن الكرخي: أن الوصية باطلة؛ لأن الاسم يتناول كل فريق بطريق الحقيقة فلا يصح لمكان الجهالة. م: (ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: الجهة مختلفة في المعتق الإنعام وفي الموالي عقد الالتزام) ش: بين اختلاف الجهة بقوله في المعتق - بكسر التاء - الإنعام، وفي الموالي عقد الالتزام وهو ظاهر م: (والإعتاق لازم) ش: هذا جواب عما يقال: لما كانت الجهة مختلفة في المعتقين وموالي الموالاة في أحدهما الإنعام، وفي الآخر عند الالتزام كان ينبغي أن يبطل الوصية، فأجاب عنه بقوله: والإعتاق لازم لا يحتمل الفسخ م: (فكان الاسم له أحق) ش: وولاء الموالاة يحتمل الفسخ، فكان اسم المولى للمعتق أولى وأحق من مولى الموالاة. م: (ولا يدخل فيهم موالي الموالي) ش: أي في الوصية للموالي م: (لأنهم موالي غيره حقيقة) ش: وليسوا بموالي الموصي حقيقة؛ لأن مولاه حقيقة هو الذي باشر العتق، وإنما أضيفوا إليه بطريق التسبيب مجازا؛ لأنه باشر سبب ما هو سبب ولائهم عتاقة للموالي الأولين، ولهذا يصح نفي الاسم عنهم بالاتفاق لأن هؤلاء ليسوا بمواليه، وإنما هم موالي مواليه، واللفظ إذا عمل بحقيقته لا ينصرف إلى المجاز. م: (بخلاف مواليه وأولادهم؛ لأنهم ينسبون إليه) ش: أي إلى المولى م: (بإعتاق وجد منه) ش: أي من المولى م: (وبخلاف ما إذا لم يكن له موال ولا أولاد الموالي) ش: يعني إذا لم يكن للموصي موالي أعتقهم، ولا أولادهم تكون الوصية لموالي الموالي م: (لأن اللفظ لهم مجاز) ش: يعني إن اللفظ يتناولهم مجازا م: (فيصرف إليه) ش: أي فينصرف اللفظ إلى المجاز م: (عند تعذر اعتبار الحقيقة) ش: لأن الحقيقة إذا لم تكن وجب العمل بالمجاز صونا لكلام العاقل عن الإلغاء. م: (ولو كان له معتق واحد وموالي الموالي فالنصف لمعتقه، والباقي للورثة لتعذر الجمع بين الحقيقة والمجاز) ش: لأن الحقيقة موجودة فينتفي المجاز. وقال العتابي في " شرح الجامع ": فإن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 479 ولا يدخل فيه موال أعتقهم ابنه أو أبوه؛ لأنهم ليسوا بمواليه لا حقيقة، ولا مجازا، وإنما يحرز ميراثهم بالعصوبة، بخلاف معتق البعض؛ لأنه ينسب إليه بالولاء، والله أعلم بالصواب.   [البناية] كان من مواليه أو من أولادهم اثنان استحقا جميع الثلث لأن الاثنين جمع في باب الوصية كما في الميراث، وإن كان واحدا فله النصف، أي نصف الثلث؛ لأنه نصف أدنى الجمع، والنصف الآخر يصرف إلى ورثة الموصي لا إلى موالى المولى لتعذر الجمع بين الحقيقة والمجاز، فإن لم يكن أحد من الموالي ولا من أولادهم فحينئذ يصرف إلى موالي الموالي. م: (ولا يدخل فيه) ش: أي في الموالي في قوله ثلث مالي للموالي م: (موال أعتقهم) ش: هكذا في النسخ، ولكن الصواب أعتقهم م: (ابنه أو أبوه) ش: كما ذكر في " الإيضاح " و " الجامع الكبير " للصدر حميد و " الكافي "، وغيرها؛ لأن التعليل الذي ذكره لا يطابق ما ذكره، وإنما يصح فيمن أعتقهم أبوه أو ابنه، ذكر في " الإيضاح ": ولو كان له ابن وموالى أعتقه ابنه فأوصى بالثلث لمواليه لم يكن لموالي ابنه شيء م: (لأنهم ليسوا بمواليه لا حقيقة ولا مجازا) ش: فلم يدخلوا تحت اللفظ وفي نسخته: " ألا ترى " بخطه، ولا يدخل فيه بموالي قد أعتقهم ابنه م: (وإنما يجوز ميراثهم بالعصوبة) ش: هذا جواب عما روي عن أبي يوسف أن موالي ابنه تدخل إذا مات أبوه وورث ولاءه؛ لأنهم مواليه حكما، ولهذا يجوز ميراثهم. وبيانه أن احترازه الميراث ما كان لكونه مولى له، لكن كشرع أقام عصبة المعتق مقام المعتق في حق الميراث؛ لأن الولاء كالنسب لا يورث نص عليه صاحب الشرع قال: «الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث» ، وهو نص صريح في عدم الانتقال، فكان بطريق العصوبة. م: (بخلافه معتق البعض؛ لأنه ينسب إليه بالولاء، والله أعلم بالصواب) ش: قال تاج الشريعة: قيل: الصواب المعتق، وهكذا في " المبسوط " و (الإيضاح) يريد به إذا لم يكن موالي أولاد الموالي، وقال السغناقي: هكذا وقع في النسخ وليس بصواب، والصواب أن يقول: بخلاف معتق المعتق، كما هو المذكور في " الإيضاح "؛ لأنه يثبت بهذا الفرق بين موالي الموالي، وبين موال أعتقهم أبوه أو ابنه على ما ذكرنا في النسخة الصحيحة. وقال الأترازي: قوله: " بخلاف معتق البعض " يرتبط بقوله: " ولا يدخل فيه موال قد أعتقهم ابنه " يعني أن معتق البعض يدخل تحت الوصية للموالي؛ لأنه مولاه حقيقة. بخلاف موالي الابن؛ لأنهم ليسوا مواليه أصلا، ولكن يبقى أن يكون هذا على مذهبهما؛ لأن معتق الجزء: 13 ¦ الصفحة: 480 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] البعض عند أبي حنيفة كالمكاتب، والمكاتب لا يدخل تحت الوصية للمولى، فكذا معتق البعض فعن هذا غير بعضهم لفظ الكتاب وقال بخلاف معتق المعتق، يعني أن معتق المعتق يدخل تحت الوصية للموالي إذا لم يكن الموالي ولا أولادهم لأن ولاء المعتق ينسب إلى الموصي مجازا، بخلاف معتق الابن، فإنه لا ينسب إليه لا حقيقة ولا مجازا. انتهى. وقال الأكمل: وذكر بعض الشارحين أو النسخة في قوله: " ولا يدخل موالي أعتقهم بإثبات لفظ ابنه وهاهنا بخلاف معتق البعض، وجعله مرتبطا بقوله: ولا يدخل فيه موالي أعتقهم أبيه ثم ساق الأكمل كلام الأترازي إلى آخر ما ذكرنا عنه؛ لأنه أراد بقوله " بعض الشارحين " الأترازي، ثم قال الأكمل في آخر كلامه: وفيه تصحيح نسخة الكتاب في الموضعين وإن كان فيه بعد من حديث الإيراد على مذهبهما. انتهى. قلت: لا بعد فيه على ما لا يخفى. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 481 باب الوصية بالسكنى والخدمة والثمرة قال: وتجوز الوصية بخدمة عبده وسكنى داره سنين معلومة، وتجوز بذلك أبدا؛ لأن المنافع يصح تمليكها في حالة الحياة ببدل وغير بدل، فكذا بعد الممات لحاجته، كما في الأعيان ويكون محبوسا على ملكه في حق المنفعة حتى يتملكها الموصى له على ملكه كما يستوفي الموقوف عليه منافع الوقف على حكم ملك الواقف، وتجوز مؤقتا ومؤبدا كما في العارية، فإنها تمليك على   [البناية] [باب الوصية بالسكنى والخدمة والثمرة] [الوصية بخدمة عبده وسكنى داره سنين معلومة] م: (باب الوصية بالسكنى والخدمة والثمرة) ش: أي هذا باب في بيان حكم الوصية بسكنى داره وبخدمة عبده وثمرة بستانه، ولما فرغ من بيان وصية الأعيان شرع في بيان وصية المنافع التي هي الأعراض وأخرجها عن الأعيان؛ لأنها بعد الأعيان وجودا فأخرها عنها. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وتجوز الوصية بخدمة عبده وسكنى داره سنين معلومة، وتجوز) ش: الوصية بالمنفعة مؤقتا ومؤبدا " عند أكثر أهل العلم، وكذا بالعلة إلا عند ابن أبي ليلى، فإنه قال: لا تصح؛ لأن المنفعة معدومة، ولا تصح بالمعدوم. ولو وجد المنفعة والعلة بعد موت الموصي يكون ملكا للوارث واعتبارا لوصيته بعد الموت وتجوز م: (بذلك) ش: أي بإيصاء الأشياء المذكورة م: (أبدا؛ لأن المنافع يصح تمليكها في حالة الحياة ببدل) ش: كما في الإجارة م: (وغير بدل) ش: كما في الإعارة م: (فكذا بعد الممات لحاجته) ش: وهي تلاقي بعض ما فرط منه من التفريط م: (كما في الأعيان) ش: أي كما يصح تمليك المنافع في الحياة في الأعيان نحو الإجارة والإعارة. م: (ويكون) ش: أي العين م: (محبوسا على ملكه) ش: أي ملك الموصي م: (في حق المنفعة حتى يتملكها الموصى له على ملكه كما يستوفي الموقوف عليه منافع الوقف على حكم ملك الواقف) ش: وجه التشبيه بينهما من حيث أن كلا منهما استيفاء المنافع الحادثة على حكم ملك الموصي والواقف، وقد عرفت أن الواقف جنس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة وكذلك هذه الوصية حبس العين على ملك الموصي والوصية بالمنفعة إلا أن هذه إذا كانت مؤقتة تعود إلى ملك الورثة بعد انقضاء الوقت. م: (وتجوز) ش: أي الإيصاء بهذه الأشياء المذكورة حال كونه م: (مؤقتا) ش: بأن عين مؤقتا من الأيام أو الأشهر أو السنين م: (ومؤبدا) ش: أي وحال كونه مؤبدا م: (كما في العارية) ش: فإنها تجوز مؤقتة بوقت، ويجوز بغير وقت م: (فإنها) ش: أي فإن العارية م: (تمليك على الجزء: 13 ¦ الصفحة: 482 أصلنا بخلاف الميراث؛ لأنه خلافة فيما يتملكه المورث، وذلك في عين تبقى، والمنفعة عرض لا يبقى، وكذا الوصية بغلة العبد والدار؛ لأنه بدل المنفعة، فأخذ حكمها، والمعنى يشملهما. قال: فإن خرجت رقبة العبد من الثلث يسلم إليه ليخدمه؛ لأن حق الموصى له في الثلث لا يزاحمه الورثة. وإن كان لا مال له غيره خدم الورثة يومين والموصى له يوما؛ لأن حقه في الثلث وحقهم في الثلثين، كما في الوصية في العين،   [البناية] أصلنا) ش: احترز به عن أصل الشافعي، فإن أصلها عنده إباحة المنافع وهو قول الكرخي أيضا، حتى لا يملك المستعير إجارة ما استعاره ولو كان تمليكا لها لملك إجارتها. ونحن نقول: إنما لم يجز إجارتها لأنها أقوى وألزم من الإعارة، والشيء لا يستتبع مثله فبالأحرى أن لا يستتبع الأقوى، وإذا كانت الإعارة تمليك المنافع فيجوز للمستعير إعارتها لغيره، ولو كانت إباحة لما جازت وقد مر مستوفى في كتاب العارية. م: (بخلاف الميراث) ش: أراد بهذا أن الوصية تخالف الميراث حيث لا يجري الميراث في المنفعة وهي الخدمة دون الرقبة م: (لأنه) ش: أي لأن الميراث، أي الإرث م: (خلافة) ش: وتفسيرها أن يقوم الوارث مقام المورث م: (فيما يتملكه المورث) ش: يعني فيما كان ملكا له، وهذا لا يتصور إلا فيما لا يبقى وقتين، وهو معنى قوله: م: (وذلك في عين تبقى والمنفعة عرض لا يبقى) ش: فيما يبقى وقتين، بخلاف الوصية، فإنها إيجاب ملك العقل بمنزلة الإجارة والإعارة. م (وكذا) ش: أي وكذلك تجوز م: (الوصية بغلة العبد والدار) ش: كما تجوز الوصية بخدمة العبد وسكنى الدار م: (لأنه) ش: أي لأن الإيصاء بغلة م: (بدل المنفعة، فأخذ حكمها) ش: أي حكم المنفعة م: (والمعنى) ش: وهو جماعة الوصي م: (يشملهما) ش: أي يشمل جواز الوصية بغلة العبد وجوازها بخدمته، وكذلك في الدار. [أوصى بخدمة العبد مؤبدا] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن خرجت رقبة العبد من الثلث) ش: يعني إذا أوصى بخدمة العبد مؤبدا م: (يسلم إليه) ش: أي يسلم العبد إلى الموصي له م: (ليخدمه؛ لأن حق الموصى له في الثلث لا يزاحمه الورثة) ش: لأنهم لا حق لهم في الثلث. م: (وإن كان لا مال له) ش: أي للموصي م: (غيره) ش: أي غير العبد الموصى بخدمته م: (خدم الورثة يومين والموصى له) ش: أي خدم الموصى له م: (يوما؛ لأن حقه) ش: أي حق الموصى له م: (في الثلث وحقهم) ش: أي وحق الورثة م: (في الثلثين، كما في الوصية في العين) ش: أي كما أنهم يقسمون مع الموصى له بالثلث والثلثين فيما إذا أوصى بثلث في عين ولا مال له غيره. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 483 ولا تمكن قسمة العبد أجزاء؛ لأنه لا يتجزأ، فصرنا إلى المهايأة إيفاء للحقين بخلاف الوصية بسكنى الدار إذا كانت لا تخرج من الثلث حيث تقسم عين الدار أثلاثا للانتفاع؛ لأنه يمكن القسمة بالأجزاء، وهو أعدل للتسوية بينهما زمانا وذاتا، وفي المهايأة تقديم أحدهما زمانا، ولو اقتسموا الدار مهايأة من حيث الزمان تجوز أيضا؛ لأن الحق لهم إلا أن الأول وهو الأعدل أولى، وليس للورثة أن يبيعوا ما في أيديهم من ثلثي الدار. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن لهم ذلك؛ لأنه خالص ملكهم. وجه الأول: أن حق الموصى له ثابت في سكنى جميع الدار بأن ظهر للميت مال آخر، وتخرج الدار من الثلث. وكذا له حق المزاحمة فيما في أيديهم إذا خرب ما في يده، والبيع يتضمن إبطال ذلك   [البناية] م: (ولا تمكن قسمة العبد أجزاء؛ لأنه لا يتجزأ، فصرنا إلى المهايأة إيفاء للحقين) ش: أي حق الموصى له وحق الورثة، والمهايأة المشار به في المدة من حيث الزمان. م: (بخلاف الوصية بسكنى الدار إذا كانت لا تخرج من الثلث حيث تقسم عين الدار أثلاثا للانتفاع؛ لأنه يمكن القسمة بالأجزاء وهو) ش: أي قسم عين الدار م: (أعدل للتسوية بينهما) ش: أي بين الموصى له وبين الورثة لأنه يحصل التسوية بينهم. أي بين الموصى له والورثة م: (زمانا) ش: أي من حيث الزمان؛ لأن كل واحد يستوفي نصيبه من السكنى في الوقت الذي يستوفي صاحبه م: (وذاتا) ش: أي من حيث الذات وهو ظاهر. م: (وفي المهايأة تقديم أحدهما زمانا) ش: أي من حيث الزمان؛ لأن فيهما تقديم أحدهما على الآخر زمانا، فلا يصار إليها إلا عند تعذر القسمة بالأجزاء، ولكن مع هذا تهاتر على القسمة من حيث الزمان جاز أيضا، وإليه أشار بقوله: م: (ولو اقتسموا الدار مهايأة من حيث الزمان تجوز أيضا؛ لأن الحق لهم، إلا أن الأول وهو الأعدل أولى) ش: لما ذكرنا أن كل واحد يستوفي نصيبه من السكنى في الوقت الذي يستوفيه صاحبه م: (وليس للورثة أن يبيعوا ما في أيديهم من ثلثي الدار) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن لهم ذلك؛ لأنه خالص ملكهم) ش: وبه قال أحمد في المنصوص عنه م: (وجه الأول أن حق الموصى له ثابت في سكنى جميع الدار بأن ظهر للميت مال آخر، وتخرج الدار من الثلث) ش: وكان هو أحق بسكنى جميعها م: (وكذا له) ش: أي إلى الموصى له م: (حق المزاحمة) ش: مع الورثة م: (فيما في أيديهم إذا خرب ما في يده) ش: أي في يد الموصى له م: (والبيع) ش: أي بيع الورثة فيما في أيديهم م: (يتضمن إبطال ذلك) ش: أي حق المزاحمة م: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 484 فمنعوا عنه. قال: فإن كان مات الموصى له عاد إلى الورثة. لأن الموصي أوجب الحق للموصى له ليستوفي المنافع على حكم ملكه، فلو انتقل إلى وارث الموصى له استحقها ابتداء من ملك الموصي من غير مرضاته، وذلك لا يجوز. ولو مات الموصى له في حياة الموصي بطلت الوصية؛ لأن إيجابها تعلق بالموت على ما بيناه من قبل. ولو أوصى بغلة عبده أو داره فاستخدمه بنفسه أو سكنها بنفسه، قيل: يجوز ذلك؛ لأن قيمة المنافع كعينها في تحصيل المقصود، والأصح: أنه لا يجوز؛ لأن الغلة دراهم أو دنانير وقد وجبت الوصية بها، وهذا استيفاء المنافع، وهما متغايران ومتفاوتان في حق الورثة، فإنه لو ظهر دين يمكنهم أداؤه من الغلة بالاسترداد منه بعد استغلالها، ولا يمكنهم من المنافع بعد استيفائها بعينها، وليس للموصى له بالخدمة والسكنى أن يؤاجر العبد أو الدار. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -:   [البناية] (فمنعوا عنه) ش: أي منع الورثة عن البيع. [مات الموصى له في حياة الموصي] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن كان مات الموصى له عاد إلى الورثة؛ لأن الموصى أوجب الحق للموصى له ليستوفي المنافع على حكم ملكه، فلو انتقل إلى وارث الموصى له استحقها ابتداء) ش: أي في الابتداء م: (من ملك الموصي من غير مرضاته، وذلك لا يجوز. ولو مات الموصى له في حياة الموصي بطلت الوصية؛ لأن إيجابها تعلق بالموت) ش: أي لأن إيجاب الوصية يتعلق بموت الموصي م: (على ما بيناه من قبل) ش: اعتبار حالة الوصية في بيان الفرق بين جواز الإقرار وبطلان الوصية؛ لأنها إيجاب عند الموت. م: (ولو أوصى بغلة عبده أو داره فاستخدمه) ش: أي فاستخدم الموصى له العبد م: (بنفسه أو سكنها) ش: أي الدار م: (بنفسه قيل: يجوز ذلك) ش: قال الأسبيجابي: لم يذكر هذا في ظاهر الرواية، واختلف المشايخ فيه فقال بعضهم: يجوز ذلك، وبه قال أبو بكر الإسكاف م: (لأن قيمة المنافع كعينها في تحصيل المقصود) ش: وهو الانتفاع بالعبد أو الدار م: (والأصح: أنه لا يجوز) ش: وبه قال أبو بكر بن سعيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لأن الغلة دراهم أو دنانير وقد وجبت الوصية بها) ش: أي بالغلة م: (وهذا) ش: أي الاستخدام بنفسه والسكنى بنفسه م: (استيفاء المنافع) ش: من العبد والدار م: (وهما) ش: أي الغلة والمنافع م: (متغايران) ش: وهو ظاهر م: (ومتفاوتان في حق الورثة، فإنه لو ظهر دين) ش: على الميت م: (يمكنهم أداؤه من الغلة بالاسترداد منه) ش: أي من الموصى له م: (بعد استغلالها ولا يمكنهم) ش: أي الاسترداد م: (من المنافع بعد استيفائها بعينها) ش: أي بعين المنافع. م: (وليس للموصى له بالخدمة والسكنى أن يؤاجر العبد أو الدار. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 485 له ذلك؛ لأنه بالوصية ملك المنفعة فيملك تمليكها من غيره ببدل أو غير بدل لأنها كالأعيان عنده. بخلاف العارية لأنها إباحة على أصله وليس بتمليك. ولنا: أن الوصية تمليك بغير بدل مضاف إلى ما بعد الموت فلا يملك تمليكه ببدل اعتبارا بالإعارة، فإنها تمليك بغير بدل في حالة الحياة على أصلنا، ولا يملك المستعير الإجارة؛ لأنها تمليك ببدل، كذا هذا، وتحقيقه: أن التمليك ببدل لازم وبغير بدل غير لازم، ولا يملك الأقوى بالأضعف والأكثر بالأقل والوصية تبرع غير لازم، إلا أن الرجوع للمتبرع لا لغيره، والمتبرع بعد الموت لا يمكنه الرجوع، فلهذا انقطع ما هو في وضعه فغير لازم، ولأن المنفعة ليست بمال على أصلنا، وفي تمليكها بالمال إحداث صفة المالية فيها تحقيقا للمساواة في عقد المعاوضة، فإنما تثبت هذه الولاية لمن يملكها تبعا لملك الرقبة، أو   [البناية] له ذلك) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - م: (لأنه) ش: أي لأن الموصى له م: (بالوصية ملك المنفعة فيملك تمليكها من غيره ببدل أو غير بدل؛ لأنها كالأعيان) ش: لأن المنفعة كالأعيان وفي العين يصح الاعتياض عنه سواء بملك العين ببدل أو بغير بدل، فكذلك يصح الاعتياض عن المنفعة إذا تملكها م: (عنده) ش: أي عند الشافعي. م: (بخلاف العارية) ش: حيث لا يجوز م: (لأنها) ش: أي لأن العارية م: (إباحة على أصله) ش: أي على أصل الشافعي م: (وليس بتمليك. ولنا: أن الوصية تمليك بغير بدل مضاف إلى ما بعد الموت، فلا يملك تمليكه ببدل اعتبارا بالإعارة، فإنها تمليك بغير بدل) ش: ولهذا تنعقد بلفظ التمليك، حتى لو قال: ملكتك منفعة هذه الدار كانت عارية صحيحة م: (في حالة الحياة على أصلنا، ولا يملك المستعير الإجارة؛ لأنها تمليك ببدل، كذا هذا. وتحقيقه: أن التمليك ببدل لازم، وبغير بدل غير لازم، فلا يملك الأقوى بالأضعف والأكثر بالأقل والوصية تبرع غير لازم، إلا أن الرجوع للمتبرع لا لغيره) ش: هذا جواب عما يقال الوصية وإن كانت غير لازمة ابتداء، لكن تصير لازمة بعد الموت لعدم قبولها الرجوع حينئذ، فأجاب بقوله: إن الرجوع إنما يكون للمتبرع لا بغيره، أي لا يكون. م: (والمتبرع بعد الموت لا يمكنه الرجوع) ش: بعد الموت م: (فلهذا انقطع ما هو) ش: أي الوصية على تأويل الإيصاء م: (في وضعه فغير لازم) ش: والاعتبار للموضوعات الأصلية م: (ولأن المنفعة ليست بمال على أصلنا، وفي تمليكها بالمال إحداث صفة المالية فيها) ش: أي في المنفعة م: (تحقيقا للمساواة في عقد المعاوضة، فإنما تثبت هذه الولاية) ش: يعني ولاية إحداث صفة المالية في المنافع م: (لمن يملكها) ش: أي لمن تملك المنافع م: (تبعا لملك الرقبة) ش: أي في ضمن ملكها م: (أو الجزء: 13 ¦ الصفحة: 486 لمن يملكها بعقد المعاوضة حتى يكون مملكا لها بالصفة التي تملكها، أما إذا تملكها مقصودة بغير عوض ثم ملكها بعوض كان مملكا أكثر مما تملكه معنى، وهذا لا يجوز. وليس للموصى له أن يخرج العبد من الكوفة إلا أن يكون الموصى له وأهله في غير الكوفة فيخرجه إلى أهله للخدمة هنالك إذا كان يخرج من الثلث؛ لأن الوصية إنما تنفذ على ما يعرف من مقصود الموصي، فإذا كانوا في مصره فمقصوده أن يمكنه من خدمته فيه بدون أن يلزمه مشقة السفر، وإذا كانوا في غيره فمقصوده أن يحمل العبد إلى أهله ليخدمهم. ولو أوصى بغلة عبده أو بغلة داره يجوز أيضا؛ لأنه   [البناية] لمن يملكها) ش: أي المنافع م: (بعقد المعاوضة) ش: كالإجارة، فإنه يجوز للمستأجر أن يؤاجر العين، ويملك منفعتها من غيره إذا كانت العين مما يختلف باختلاف المستعمل م: (حتى يكون مملكا لها بالصفة التي تملكها، أما إذا تملكها) ش: أي المنافع م: (مقصودة بغير عوض) ش: لا في ضمن شيء آخر م: (ثم ملكها بعوض) ش: بالإجارة م: (كان مملكا أكثر مما تملكه معنى، وهذا لا يجوز) ش: يعني بناء على ما قال لا يملك الأقوى بالأضعف. واعترض عليه بإجارة الحر نفسه، فإنه لا يملك منفعته تبعا لملك رقبته ولا بعقد المعاوضة. ويجوز له أن يملكها ببدل. وأجيب بأن: كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الوصية مراده بالنفقة منفعة يجوز الوصية بها، ومنفعة الحر ليست كذلك فلا يكون واردا عليه. [أوصى بغلة عبده أو بغلة داره] م: (وليس للموصى له أن يخرج العبد من الكوفة) ش: يعني إذا أوصى رجل من أهل الكوفة بخدمة عبده لزيد مثلا فليس لزيد أن يخرج هذا العبد الموصى بخدمته من الكوفة إلى موضع آخر يستخدمه فيه م: (إلا أن يكون الموصى له وأهله في غير الكوفة فيخرجه إلى أهله للخدمة هنالك) ش: وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: له إخراجه مطلقا م: (إذا كان يخرج من الثلث) ش: احترز به عما إذا لم يخرج من الثلث فإنه ليس له الإخراج إلى أهله إلا بإجازة الورثة م: (لأن الوصية إنما تنفذ على ما يعرف من مقصود الموصي، فإذا كانوا) ش: أي الموصى له وأهله م: (في مصره) ش: أي في مصر الموصي م: (فمقصوده أن يمكنه من خدمته فيه) ش: أي في مصره م: (بدون أن يلزمه مشقة السفر، وإن كانوا في غيره) ش: مصره، أي في غير مصر الموصي م: (فمقصوده أن يحمل العبد إلى أهله ليخدمهم) ش: وهذا معلوم بدلالة الحال. م: (ولو أوصى بغلة عبده أو بغلة داره يجوز أيضا) ش: أي كما يجوز أن يوصي بخدمة العبد وسكنى الدار م: (لأنه) ش: أي لأن الغلة على تأويل المال، أو ذكره بذكر الحر وهو المال، ولا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 487 بدل المنفعة فأخذ حكم المنفعة في جواز الوصية به، كيف وأنه عين حقيقة؛ لأنه دراهم أو دنانير فكان بالجواز أولى. ولو لم يكن له مال غيره كان له ثلث غلة تلك السنة، لأنه عين مال يحتمل القسمة بالأجزاء فلو أراد الموصى له قسمة الدار بينه وبين الورثة ليكون هو الذي يستغل ثلثها لم يكن له ذلك إلا في رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإنه يقول: الموصى له شريك الوارث وللشريك ذلك، فكذلك للموصى له إلا أنا نقول المطالبة بالقسمة تبتنى على ثبوت الحق للموصى له فيما يلاقيه القسمة، إذ هو المطالب. ولا حق له في عين الدار، وإنما حقه في الغلة فلا يملك المطالبة بقسمة الدار. ولو أوصى له بخدمة عبده ولآخر برقبته، وهو يخرج من الثلث، فالرقبة لصاحب الرقبة والخدمة عليها لصاحب الخدمة؛ لأنه أوجب لكل واحد منهما شيئا معلوما عطفا منه لأحدهما على الآخر فتعتبر هذه الحالة   [البناية] نعلم فيه خلافا م: (بدل المنفعة، فأخذ حكم المنفعة في جواز الوصية به كيف) ش: أي كيف لا يجوز م: (وأنه عين حقيقة) ش: أي والحال أن الغلة على تأويل المال م: (لأنه دراهم أو دنانير، فكان بالجواز أولى) ش: أي فكان الإيصاء بالغلة أقرب إلى الجواز من الإيصاء بالخدمة؛ لأن الخدمة منفعة بحصة ليست فيها العينية، ولهذا لم يجز على قول ابن أبي ليلى، فإذا جاز الإيصاء بالخدمة جاز الإيصاء بالغلة بالطريق الأولى؛ لأنها عبارة عن مال عين وهي الدراهم أو الدنانير. م: (ولو لم يكن له مال غيره) ش: أي غير الغلة، والتذكير في الضمائر على التأويل كما ذكرنا م: (كان له) ش: أي للموصى له م: (ثلث غلة تلك السنة) ش: يعني إذا لم يجز الورثة فكانت الوصية بغلة عبده م: (لأنه عين مال يحتمل القسمة بالأجزاء، فلو أراد الموصى له قسمة الدار بينه وبين الورثة ليكون هو الذي يستغل ثلثها لم يكن له ذلك إلا في رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ذكره شمس الأئمة السرخسي في شرح " الكافي " م: (فإنه) ش: أي فإن أبا يوسف م: (يقول الموصى له شريك الوارث وللشريك ذلك) ش: أي طلب القسمة م: (فكذلك) ش: يجوز للموصى (له) ش: طلب القسمة. م: (إلا أنا نقول المطالبة بالقسمة تبتنى على ثبوت الحق للموصى له فيما يلاقيه القسمة، إذ هو المطالب، ولا حق له في عين الدار، وإنما حقه في الغلة فلا يملك المطالبة بقسمة الدار. ولو أوصى له بخدمة عبده ولآخر) ش: أي أوصى لشخص آخر م: (برقبته) ش: أي برقبة العبد م: (وهو يخرج من الثلث) ش: الواو فيه للحال م: (فالرقبة لصاحب الرقبة، والخدمة عليها لصاحب الخدمة؛ لأنه أوجب لكل واحد منهما شيئا معلوما عطفا منه لأحدهما على الآخر) ش: معناه أنه عطف قوله: لآخر برقبته بالراء، وعلى قوله: أوصى له بخدمة عبده م: (فتعتبر هذه الحالة) ش: أي حال الجزء: 13 ¦ الصفحة: 488 بحالة الانفراد، ثم لما صحت الوصية لصاحب الخدمة فلو لم يوص في الرقبة بشيء لصارت الرقبة ميراثا للورثة مع كون الخدمة للموصى له، فكذا إذا أوصى بالرقبة لإنسان آخر إذ الوصية أخت الميراث من حيث إن الملك يثبت فيهما بعد الموت. ولها نظائر، وهو ما إذا أوصى بأمة لرجل وبما في بطنها وهي تخرج من الثلث، أو أوصى لرجل بخاتم ولآخر بفصه، أو قال: هذه القوصرة لفلان وما فيها من الثمر لفلان، كان كما   [البناية] العطف م: (بحالة الانفراد) ش: إحدى الوصيتين عن الأخرى، فلا تتحقق المشاركة بينهما فيما أوجب لكل واحد منهما. وقوله: م: (ثم لما صحت الوصية لصاحب الخدمة) ش: كالبيان والتفسير لما قبله من حالة الانفراد م: (فلو لم يوص في الرقبة بشيء لصارت الرقبة ميراثا للورثة مع كون الخدمة للموصى له) ش: من غير اشتراك م: (فكذا إذا أوصى بالرقبة لإنسان آخر) ش: يكون الرقبة للموصى له بالرقبة خاصة، فكذا إذا أوصى بالرقبة لإنسان آخر م: (إذ الوصية أخت الميراث من حيث إن الملك يثبت فيهما بعد الموت) ش: ثم العبد الموصى بخدمة الشخص وبرقبته لآخر إما أن يكون أدرك حق الخدمة أو لا، فإن كان للثاني منفعة على الموصى له بالرقبة إلى أن يدرك الخدمة؛ لأن بالاتفاق عليه تنمو العين، وذلك منفعة لصاحب الرقبة. فإذا أدرك الخدمة صار كالكبير. والمنفعة في الكبير على من له الخدمة؛ لأنه إنما يتمكن من استخدامه بالاتفاق عليه إذ العبد لا يقوى على الخدمة إلا به وإن كان الاتفاق عليه رده إلى من له الرقبة كالمستعير مع المعير. وفي " المبسوط " و " الجامع " للتمرتاشي نفقة العبد الموصى لخدمته وكسوته على صاحب الخدمة، وبه قال الإصطخري من أصحاب الشافعي وأحمد - رحمهما الله - في رواية. وقال الشافعي وأحمد في ظاهر مذهبهما: على صاحب الرقبة، وفي قول للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب في كسبه، فإن لم يف ففي بيت المال. وإن جنى جناية فالفداء على من له الخدمة. وفي " المحيط ": لو أبى صاحب الخدمة أن يفديه فداه صاحب الرقبة أو يدفعه ويطلب الوصية. م: (ولها) ش: أي وبهذه المسألة م: (نظائر) ش: ذكرها المصنف واضحة م: (وهو ما إذا أوصى بأمة لرجل وبما في بطنها) ش: أي أوصى بما في بطنها لآخر م: (وهي) ش: أي الأمة م: (تخرج من الثلث أو أوصى لرجل بخاتم ولآخر بفصه أو قال: هذه القوصرة) ش: بالتشديد والتخفيف، وهي التمر يتخذ من القضب م: (لفلان وما فيها من الثمر لفلان كان كما أوصى ولا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 489 أوصى ولا شيء لصاحب الظرف في المظروف في هذه المسائل كلها، أما إذا فصل أحد الإيجابين عن الآخر فيها فكذلك الجواب عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعلى قول محمد: الأمة للموصى له بها، والولد بينهما نصفان، وكذلك في أخواتها. لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن بإيجابه في الكلام الثاني تبين أن مراده من الكلام الأول إيجاب الأمة للموصى له بها دون الولد وهذا البيان منه صحيح وإن كان مفصولا؛ لأن الوصية لا تلزم شيئا في حال حياة الموصي، فكان البيان المفصول فيه والموصول سواء كما في وصية الرقبة والخدمة. ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن اسم الخاتم يتناول الحلقة والفص، وكذلك اسم الجارية يتناولها وما في بطنها، واسم القوصرة كذلك.   [البناية] شيء لصاحب الظرف في المظروف في هذه المسائل كلها) ش: المظروف هو الولد والفص والتمر، هذا إذا كان أحد الإيجابين موصولا بالآخر. م: (أما إذا فصل أحد الإيجابين عن الآخر فيها) ش: أي في هذه المسائل م: (فكذلك الجواب عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي كان كما أوصى، ولا شيء لصاحب الظرف في المظروف م: (وعلى قول محمد الأمة للموصى له بها والولد بينهما نصفان، وكذلك في أخواتها) ش: والصواب في أختيها وهو الخاتم مع الفص، والقوصرة مع التمر كذلك، قاله الكاكي. وقال الأترازي: أي أخوات مسألة الوصية بالأمة لرجل وبما في بطنها لآخر، وأراد بأخواتها مسألة الخاتم مع الفص، ومسألة القوصرة مع التمر، ومسألة الشاة مع الصوف، ومسألة الدار مع البناء، ومسألة السيف مع الحلية، والبستان والتمر مثل ذلك، والأرض والنخل مثل ذلك. م: (لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن بإيجابه في الكلام الثاني تبين أن مراده من الكلام الأول إيجاب الأمة للموصى له بها دون الولد، وهذا البيان منه صحيح وإن كان مفصولا؛ لأن الوصية لا تلزم شيئا في حال حياة الموصي، فكان البيان المفصول فيه والموصول سواء، كما في وصية الرقبة والخدمة) ش: فإن هناك الموصول والمفصول سواء في الحكم. م: (ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -:) ش: تأخير تعليل محمد، والجواب عما استدل به أبو يوسف في الكتاب. وفي " المبسوط " دليل على أن المعمول على قول محمد: م: (أن اسم الخاتم يتناول الحلقة والفص، وكذلك اسم الجارية يتناولها وما في بطنها، واسم القوصرة كذلك) ش: يعني يطلق على التمر والظرف جميعا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 490 ومن أصلنا أن العام الذي موجبه ثبوت الحكم على سبيل الإحاطة بمنزلة الخاص فقد اجتمع في الفص وصيتان وكل منهما وصية بإيجاب على حدة، فيجعل الفص بينهما نصفين، ولا يكون إيجاب الوصية فيه للثاني رجوعا عن الأول، كما إذا أوصى للثاني بالخاتم بخلاف الخدمة مع الرقبة؛ لأن اسم الرقبة لا يتناول الخدمة، وإنما يستخدمه الموصى له بحكم أن المنفعة حصلت على ملكه، فإذا أوجب الخدمة لغيره لا يبقى للموصى له فيه حق بخلاف ما إذا كان الكلام موصولا؛ لأن ذلك دليل التخصيص والاستثناء، فتبين أنه أوجب لصاحب الخاتم الحلقة خاصة دون الفص. قال: ومن أوصى لآخر بثمرة بستانه ثم مات وفيه ثمرة فله هذه الثمرة وحدها.   [البناية] م: (ومن أصلنا أن العام الذي موجبه ثبوت الحكم على سبيل الإحاطة بمنزلة الخاص) ش: في أنه يوجب الحكم فيما يتناوله على وجه القطع، فإذا كان كذلك م: (فقد اجتمع في الفص وصيتان، وكل منهما وصية بإيجاب على حدة، فيجعل الفص بينهما نصفين، ولا يكون إيجاب الوصية فيه للثاني رجوعا عن الأول، كما إذا أوصى للثاني بالخاتم) ش: لا يكون ذلك رجوعا عن الأول بل يكون الفص بينهما. م: (بخلاف الخدمة مع الرقبة) ش: بأن أوصى برقبة العبد لإنسان وبرقبته لآخر يكون ذلك كما أوصى، ولا تكون الخدمة مشتركة بينهما م: (لأن اسم الرقبة لا يتناول الخدمة، وإنما يستخدمه الموصى له) ش: بالرقبة م: (بحكم أن المنفعة حصلت على ملكه) ش: ولا حق للغير فيه م: (فإذا أوجب الخدمة لغيره) ش: أي إذا أوصى بالخدمة لغيره م: (لا يبقى للموصى له فيه حق) ش: في الخدمة، فكان الموصى له أخص بالخدمة. م: (بخلاف ما إذا كان الكلام موصولا؛ لأن ذلك دليل التخصيص والاستثناء) ش: ذلك بيان تغير، فيصح بشرط الوصي م: (فتبين أنه أوجب لصاحب الخاتم الحلقة خاصة دون الفص) . فإن قيل: الذي أوصى له بالخاتم فقد أوصى له بالفص أيضا فلم لا يكون الفص بينهما؟. أجيب بأن وصية صاحب الفص أقوى؛ لأنه مقصود إليه، ووصيته للآخر على وجه التبع، فصار وصية صاحب الفص أولى وأقوى؛ لأنه مقصود إليه، فوجب أن يكون أولى؛ لأن في الوصايا يعتبر الأقوى فالأقوى، ولهذا كان العتق في المرض أقوى من سائر الوصايا. [أوصى لآخر بثمرة بستانه ثم مات وفيه ثمرة] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى لآخر بثمرة بستانه ثم مات وفيه ثمرة فله هذه الثمرة وحدها) ش: أي في الثمرة الموجودة وقت الموت، وإنما قيد بقوله وفيه ثمرة لأنه إذا لم يكن فيها ثمرة والمسألة بحالها، فمسألة الثمرة كمسألة الغلة في أنه يتناول المعدوم ما عاش، ذكره في " المبسوط "، ثم سقى البستان وخراجه وما فيه صلاحه على الجزء: 13 ¦ الصفحة: 491 وإن قال: له ثمرة بستاني أبدا فله هذه الثمرة وثمرته فيما يستقبل ما عاش. وإن أوصى له بغلة بستانه فله الغلة القائمة وغلته فيما يستقبل، والفرق: أن الثمرة اسم للموجود عرفا، فلا يتناول المعدوم إلا بدلالة زائدة مثل التنصيص على الأبد؛ لأنه لا يتأبد إلا بتناول المعدوم، والمعدوم مذكور وإن لم يكن شيئا. أما الغلة فتنتظم الموجود وما يكون بعرض الوجود مرة أخرى عرفا، يقال: فلان يأكل من غلة بستانه ومن غلة أرضه وداره، فإذا أطلقته يتناولهما عرفا غير موقوف على دلالة أخرى، أما الثمرة إذا أطلقت لا يراد بها إلا الموجود، فلهذا يفتقر الانصراف إلى دليل زائد. قال: ومن أوصى لرجل بصوف غنمه أبدا أو بأولادها أو بلبنها ثم مات فله ما في بطونها من الولد وما في ضروعها من اللبن وما على ظهورها من الصوف يوم يموت الموصي سواء قال   [البناية] صاحب الغلة؛ لأنه هو المنتفع به كما في النفقة. والخلاف فيه كالخلاف في النفقة. م: (وإن قال له ثمرة بستاني أبدا فله هذه الثمرة وثمرته فيما يستقبل ما عاش، وإن أوصى له بغلة بستانه فله الغلة القائمة وغلته فيما يستقبل، والفرق) ش: بين الغلة والثمرة م: (أن الثمرة اسم للموجود عرفا) ش: وفي " المبسوط " الثمرة اسم للموجود حقيقة م: (فلا يتناول المعدوم إلا بدلالة زائدة مثل التنصيص على الأبد؛ لأنه لا يتأبد إلا بتناول المعدوم والمعدوم مذكور وإن لم يكن شيئا) ش: يعني إذا نص على الأبد تدخل الثمار الموجودة باعتبار أنه مذكور لا باعتبار أن المعدوم شيء، كما إذا أوصى بثلث ماله لزيد ولا مال له ثم اكتسب مالا عند الموت يستحق ثلثه باعتبار أن المعدوم مذكور، لا باعتبار أن المعدوم شيء، وهذا بقي كقول المعتزلة واستدلالهم لهذه المسألة على أن المعدوم شيء. م: (أما الغلة فتنتظر الموجود وما يكون بعرض الوجود مرة أخرى عرفا، يقال: فلان يأكل من غلة بستانه ومن غلة أرضه وداره، فإذا أطلقت) ش: أي الغلة م: (يتناولهما عرفا) ش: أي الموجود والحادث م: (غير موقوف على دلالة أخرى، أما الثمرة إذا أطلقت لا يراد بها إلا الموجود، فلهذا يفتقر الانصراف إلى دليل زائد) ش: مثل ما إذا قال: أبدا، وما عاش، علمنا أنه أراد به الموجود والحادث جميعا، فيصرف إليهما وإن لم يكن في البستان ثمرة وقت الموت فإن في القياس لا شيء له. وفي الاستحسان لو لم يدخل فيه ثمرة البستان [ .... ] كلام الموصى، ولو دخل فيه صح كلامه، والكلام إذا احتمل الصحة والفساد حمل على الصحة كما قالوا فيمن أوصى لولد فلان وليس له ولد جاز منه الوصية لولد ولده، فكذا هذا. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى لرجل بصوف غنمه أبدا أو بأولادها أو بلبنها ثم مات فله) ش: أي فللرجل الذي أوصى له م: (ما في بطونها من الولد وما في ضروعها من اللبن وما على ظهورها من الصوف يوم يموت الموصي سواء قال الجزء: 13 ¦ الصفحة: 492 أبدا أو لم يقل؛ لأنه إيجاب عند الموت، فيعتبر قيام هذه الأشياء يومئذ، وهذا بخلاف ما تقدم. والفرق: أن القياس يأبى تمليك المعدوم؛ لأنه لا يقبل الملك إلا أن في الثمرة والغلة المعدومة جاء الشرع بورود العقد عليها كالمعاملة والإجارة فاقتضى ذلك جوازه في الوصية بالطريق الأولى؛ لأن بابها أوسع، أما الولد المعدوم وأختاه فلا يجوز إيراد العقد عليها أصلا ولا تستحق بعقد ما، فكذلك لا يدخل تحت الوصية بخلاف الموجود منها لأنه يجوز استحقاقها بعقد البيع تبعا، وبعقد الخلع مقصودا، فكذا بالوصية، والله أعلم بالصواب   [البناية] أبدا أو لم يقل؛ لأنه إيجاب عند الموت فيعتبر قيام هذه الأشياء يومئذ، وهذا) ش: أي الإيصاء بصوف الغنم على ظهورها أو نحوه م: (بخلاف ما تقدم) ش: من المذكور من الوصية بثمرة البستان والوصية بالغلة. م: (والفرق) ش: بين هذا وبين ما تقدم م: (أن القياس يأبى تمليك المعدوم) ش: من هذه الأشياء م: (لأنه) ش: المعدوم م: (لا يقبل الملك) ش: والحادث فيها متولد من أصل مملوك للوارث م: (إلا أن في الثمرة) ش: أي إلا أن في استحقاق الثمرة م: (والغلة المعدومة) ش: أي في استحقاق الغلة المعدومة م: (جاء الشرع بورود العقد عليها كالمعاملة والإجارة) ش: وفي بعض النسخ: كالإجارة والمعاملة م: (فاقتضى ذلك) ش: أي ورود الشرع فيما ذكر م: (جوازه) ش: أي جواز العقد م: (في الوصية بالطريق الأولى؛ لأن بابها أوسع) ش: لأن باب الوصية أوسع من غيرها. م: (أما الولد المعدوم وأختاه) ش: أي أختا الولد المعدوم، وهما الصوف المعدوم واللبن المعدوم م: (فلا يجوز إيراد العقد عليها أصلا ولا تستحق بعقد ما) ش: أي لا يصح استحقاقها أصلا بعقد من العقود م: (فكذلك لا يدخل تحت الوصية) ش: ولا يصح استحقاقها بعقد الوصية أيضا. م: (بخلاف الموجود منها) ش: أي من الأشياء المذكورة م: (لأنه يجوز استحقاقها بعقد البيع تبعا) ش: حيث يدخل الصوف في بيع الغنم واللبن لذلك م: (وبعقد الخلع) ش: أي يدخل بعقد الخلع م: (مقصودا) ش: صورته: قالت لزوجها خالعني على ما في بطن جاريتي أو غنمي صح وله ما في بطنها وإن لم يكن في البطن شيء له فلا شيء له وما حدث بعده للمرأة؛ لأن ما في البطن قد يكون له قيمة وقد لا يكون، فلم تغرم، حتى لو قالت: على حمل جاريتي وليس في بطنها حمل يرد المهر، كذا قال في التعامل م: (فكذا بالوصية) ش: أي فكذا تجوز بها م: (والله أعلم بالصواب) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 493 باب وصية الذمي قال: وإذا صنع يهودي أو نصراني بيعة أو كنيسة في صحته ثم مات فهو ميراث؛ لأن هذا بمنزلة الوقف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والوقف عنده يورث ولا يلزم، فكذا هذا. وأما عندهما: فلأن هذه معصية فلا تصح عندهما. قال: ولو أوصى بذلك لقوم مسمين فهو من الثلث معناه: إذا أوصى أن تبنى داره بيعة أو كنيسة فهو جائز من الثلث؛ لأن الوصية فيها معنى الاستخلاف ومعنى التمليك، وله ولاية ذلك فأمكن تصحيحه على اعتبار المعنيين.   [البناية] [باب وصية الذمي] م: (باب وصية الذمي) ش: هذا باب في بيان حكم وصية الذمي. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا صنع يهودي أو نصراني بيعة أو كنيسة) ش: للنصارى، والأصح أن البيعة للنصارى والكنيسة لليهود م: (في صحته ثم مات فهو ميراث) ش: بالاتفاق بين أصحابنا على اختلاف التخريج، أشار بقوله م: (لأن هذا بمنزلة الوقف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والوقف عنده يورث ولا يلزم) ش: إلا بحكم الحاكم لما عرف في كتاب الوقف م: (فكذا هذا) ش: يعني الوقف إذا كان لمسلم يورث، فكذا إذا كان لذمي، لكن إذا لم يكن. فإن كان مسجدا لا يورث ولا يقال البيعة في حقهم كالمسجد في حقنا والمسلم لو جعل داره مسجدا لا يورث، فينبغي أن تكون البيعة كذلك؛ لأنا نقول: المسجد محرز عن حقوق العباد فيصير لله تعالى خالصا فلا يورث، ولا كذلك البيعة؛ لأن البيع عندهم للمنافع، فإن أساقفتهم تسكن فيها وتدفن فيها موتاهم، كذا في " جامع قاضي خان " وغيره. م: (وأما عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (فلأن هذه معصية فلا تصح عندهما) ش: أي فلا تصح الوصية بالمعصية، وهو قول الأئمة الثلاثة، فإذا كان كذلك فيورث بالاتفاق بلا خلاف بين العلماء، والخلاف في التخريج كما رأته. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ولو أوصى) ش: أي الذمي م: (بذلك) ش: أي محمد في " الجامع الصغير "، أي كنيسة على ما فسره المصنف الآن م: (لقوم مسمين) ش: أي معلومين يحصى عددهم جاز بالاتفاق، وفيه خلاف الشافعي وأحمد - رحمهما الله. م: (فهو من الثلث) ش: أي فهو جائز من ثلثه، قال المصنف: م: (معناه: إذا أوصى أن تبنى داره بيعة أو كنيسة فهو جائز من الثلث؛ لأن الوصية فيها معنى الاستخلاف ومعنى التمليك وله) ش: أي وللذمي م: (ولاية ذلك فأمكن تصحيحه على اعتبار المعنيين) ش: أي معنى الاستحقاق ومعنى التمليك. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 494 قال: وإن أوصى بداره كنسية لقوم غير مسمين جازت الوصية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: الوصية باطلة؛ لأن هذه معصية حقيقة، وإن كان في معتقدهم قربة والوصية بالمعصية باطلة لما في تنفيذها من تقرير المعصية. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن هذه قربة في معتقدهم، ونحن أمرنا بأن نتركهم وما يدينون؛ فتجوز بناء على اعتقادهم، ألا يرى أنه لو أوصى بما هو قربة حقيقة معصية في معتقدهم لا تجوز الوصية اعتبارا لاعتقادهم، فكذا عكسه. ثم الفرق لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بين بناء البيعة والكنيسة وبين الوصية به: أن البناء نفسه ليس بسبب لزوال ملك الباني، وإنما يزول ملكه بأن يصير محرزا خالصا لله تعالى، كما في مساجد المسلمين، والكنيسة لم تصر محرزة لله تعالى حقيقة. فتبقى ملكا للباني فتورث عنه،   [البناية] م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن أوصى بداره كنيسة لقوم غير مسمين جازت الوصية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: الوصية باطلة؛ لأن هذه معصية حقيقة، وإن كان في معتقدهم قربة، والوصية بالمعصية باطلة) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (لما في تنفيذها) ش: أي لتنفيذ هذه الوصية م: (من تقرير المعصية) ش: وهو لا يجوز. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن هذه قربة في معتقدهم، ونحن أمرنا بأن نتركهم وما يدينون) ش: وفي بعض النسخ: وما يعتقدون م: (فتجوز بناء على اعتقادهم) ش: ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا يرى أنه لو أوصى بما هو قربة حقيقة معصية في معتقدهم لا تجوز الوصية اعتبارا لاعتقادهم، فكذا عكسه) ش: الأصل في هذا الاعتبار المعتقد، فإنهم لو أوصوا بالحج لم يعتبر، وإن كان عبادة عندنا بلا خلاف. فكذا إذا أوصوا بما هو في اعتقادهم عبادة صح، وإن كان عندنا معصية لأنا أمرنا بتركهم وما يدينون كما في الخمر والخنزير، حيث يجوز بينهم فيما بينهم؛ لأنهم يدينون جواز ذلك وهم يدينون جواز الإيصاء ببناء البيعة والكنيسة فيجوز ذلك فيما على اعتقادهم قالوا: هذا الاختلاف إذا أوصى ببناء بيعة أو كنيسة في القرى، أما في المصر فلا يجوز باتفاق؛ لأنهم لا يمكنون من إحداث ذلك في الإيصاء. م: (ثم الفرق لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بين بناء البيعة والكنيسة وبين الوصية به) ش: أي ببناء ذلك ثم مات يورث، وإذا أوصى ببناء ذلك ثم مات لا تورث: م: (أن البناء نفسه ليس بسبب لزوال ملك الباني وإما يزول ملكه بأن يصير محرز. خالصا لله تعالى كما في مساجد المسلمين والكنيسة لم تصر محرزة لله تعالى حقيقة) ش: ألا ترى أن أساقفتهم ورهبانهم يسكنون فيها في الحجرات ويدفنون فيها موتاهم، والمسمى أيضا إذا لم يكن خالصا لله تعالى يورث، كما إذا جعل داره مسجدا وتحته سرداب وفوقه بيت، وإذا كان الأمر كذلك م: (فتبقى ملكا للباني فتورث عنه) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 495 ولأنهم يبنون فيها الحجرات ويسكنونها، فلم يتحرز لتعلق حق العباد به، وفي هذه الصورة يورث المسجد أيضا لعدم تحرزه، بخلاف الوصية؛ لأنه وضع لإزالة الملك، إلا أنه امتنع ثبوت مقتضاه في غير ما هو قربة عندهم، فبقي فيما هو قربة على مقتضاه فيزول ملكه فلا يورث. ثم الحاصل أن وصايا الذمي على أربعة أقسام منها: أن تكون قربة في معتقدهم، ولا تكون قربة في حقنا، وهو ما ذكرناه. وأما إذا أوصى الذمي بأن تذبح خنازيره وتطعم المشركين، وهذه على الخلاف إذا كان لقوم غير مسمين كما ذكرناه، والوجه ما بيناه. ومنها: إذا أوصى بما يكون قربة في حقنا ولا يكون قربة في معتقدهم، كما إذا أوصى بالحج أو بأن يبني مسجدا للمسلمين أو بأن يسرج في مساجد المسلمين، فهذه الوصية باطلة بالإجماع اعتبارا لاعتقادهم، إلا إذا كان لقوم بأعيانهم لوقوعه تمليكا؛ لأنهم معلومون والجهة مشهورة.   [البناية] م: (ولأنهم يبنون فيها) ش: دليلا آخر، أي في البيع والكنائس م: (الحجرات) ش: وهي جمع حجرة م: (ويسكنونها فلم يتحرز لتعلق حق العباد به، وفي هذه الصورة يورث المسجد أيضا لعدم تحرزه، بخلاف الوصية) ش: متصل بقوله: إن البناء نفسه ليس بسبب لزوال ملك الباني م: (لأنه وضع لإزالة الملك) ش: أي لأن الوصية على تأويل الإيصاء أيضا لإزالة الملك م: (إلا أنه امتنع ثبوت مقتضاه) ش: أي مقتضى الوصية على التأويل أيضا م: (في غير ما هو قربة عندهم فبقي) ش: أي الوصية على التأويل المذكور م: (فيما هو قربة على مقتضاه، فيزول ملكه فلا يورث) . م: (ثم الحاصل) ش: في هذه: م: (أن وصايا الذمي على أربعة أقسام، منها أن تكون قربة في معتقدهم ولا تكون قربة في حقنا، وهو ما ذكرناه) ش: أراد به الوصية ببناء البيعة والكنيسة م: (وأما إذا أوصى الذمي بأن تذبح خنازيره وتطعم المشركين، وهذه على الخلاف إذا كان لقوم غير مسمين كما ذكرناه) ش: وهو قوله: وإن أوصى بداره كنيسة لقوم غير مسمين جازت الوصية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ... إلخ. م: (والوجه ما بيناه) ش: أي من الجانبين وهو المعتبر عنده اعتقادهم وعندهما: أنها وصية بمعصية. م: (ومنها: إذا أوصى بما يكون قربة في حقنا ولا يكون قربة في معتقدهم، كما إذا أوصى بالحج أو بأن يبني مسجدا للمسلمين، أو بأن يسرج في مساجد المسلمين، فهذه الوصية باطلة بالإجماع اعتبارا لاعتقادهم، إلا إذا كان لقوم بأعيانهم) ش: فإنها تصح م: (لوقوعه تمليكا؛ لأنهم معلومون والجهة مشهورة) ش: يعني أن كلامه في صرف المال الموصى به أي استضاءة المسجد وغيرها مخرج منه على الطريق المشهورة لا على طريق الإلزام. قال قاضي خان: ولو كان لقوم بأعيانهم صحت، ويكون تمليكا منهم وتبطل الجهة التي الجزء: 13 ¦ الصفحة: 496 ومنها: إذا أوصى بما يكون قربة في حقنا وفي حقهم، كما إذا أوصى بأن تسرج في بيت المقدس أو يغزي الترك وهو من الروم، وهذا جائز سواء كانت لقوم بأعيانهم أو بغير أعيانهم؛ لأنه وصية بما هو قربة حقيقة وفي معتقدهم أيضا. ومنها إذا أوصى بما لا يكون قربة لا في حقنا ولا في حقهم، كما إذا أوصى للمغنيات والنائحات فإن هذا غير جائز؛ لأنه معصية في حقنا وفي حقهم، إلا أن يكون لقوم بأعيانهم فيصح تمليكا واستخلافا، وصاحب الهوى إن كان لا يكفر فهو في حق الوصية بمنزلة المسلم؛ لأنا أمرنا ببناء الأحكام على الظاهر. وإن كان يكفر فهو بمنزلة المرتد فيكون على الخلاف المعروف في تصرفاته بين أبي حنيفة وصاحبيه - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وفي المرتدة، الأصح أنه تصح وصاياها؛ لأنها تبقى على الردة،   [البناية] عينها، إن شاء فعلوا وإن شاء تركوا، وإن كانوا لا يحصون لا تصح الوصية؛ لأنه لا يمكن تصحيحه تمليكا، وأنها ليست بقربة في اعتقادهم. ومنها: إذا أوصى بأن يكون قربة في حقنا ولا يكون قربة في معتقدهم، كما إذا أوصى بالحج، أو بأن يعني مسجد المسلمين، أو بأن يسرج في مساجد المسلمين، وهذه الوصية باطلة بالإجماع إخبارا، لاعتقادهم، إلا إذا كان لقوم بأعيانهم لوقوعه تمليكا؛ لأنهم معلومون والجهة مشهورة. م: (ومنها: إذا أوصى بما يكون قربة في حقنا وفي حقهم، كما إذا أوصى بأن تسرج في بيت المقدس أو يغزي الترك وهو) ش: الذي أوصى م: (من الروم وهذا جائز، سواء كان لقوم بأعيانهم أو بغير أعيانهم؛ لأنه وصية بما هو قربة حقيقة، وفي معتقدهم أيضا) ش: أن الديانة متفقة من الكل على ذلك؛ لأن هذا، مما يتقرب به المسلمون وأهل الذمة جميعا. م: (ومنها: إذا أوصى بما لا يكون قربة لا في حقنا ولا في حقهم، كما إذا أوصى للمغنيات والنائحات، فإن هذا غير جائز؛ لأنه معصية في حقنا وفي حقهم، إلا أن يكون لقوم بأعيانهم فيصح تمليكا واستخلافا، وصاحب الهوى إن كان لا يكفر فهو في حق الوصية بمنزلة المسلم؛ لأنا أمرنا ببناء الأحكام على الظاهر. وإن كان يكفر فهو بمنزلة المرتد فيكون على الخلاف المعروف في تصرفاته) ش: إلا أن يكون لقوم بأعيانهم؛ لأنه وصية، فتصح تمليكا واستخلافا، وصاحب الهوى إذا كان لا يكفر فهو في حق الوصية بمنزلة المسلم؛ لأنا أمرنا ببناء الأحكام على الظاهر، وإن كان يكفر فهو بمنزلة المرتد، فيكون على الخلاف المعروف م: (بين أبي حنيفة وصاحبيه - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو: أن ملكه لا يزول عنده خلافا لهما. م: (وفي المرتدة: الأصح أنه تصح وصاياها؛ لأنها تبقى على الردة) ش: ولا تقتل فصارت الجزء: 13 ¦ الصفحة: 497 بخلاف المرتد؛ لأنه يقتل أو يسلم. قال: وإذا دخل الحربي دارنا بأمان فأوصى لمسلم أو ذمي بماله كله جاز؛ لأن امتناع الوصية بما زاد على الثلث لحق الورثة، ولهذا تنفذ إجازتهم، وليس لورثته حق مرعي لكونهم في دار الحرب، إذ هم أموات في حقنا، ولأن حرمة ماله باعتبار الأمان، والأمان كان لحقه لا لحق ورثته. فلو كان أوصى بأقل من ذلك أخذت الوصية ويرد الباقي على ورثته الذين في دار الحرب وإن كانت ورثته معه حين دخل بالأمان وأوصى بماله كله يتوقف على إجازتهم، وذلك من حق المستأمن أيضا. ولو أعتق عبده عند الموت أو دبر عبده في دار الإسلام، فذلك صحيح منه من غير اعتبار الثلث لما بينا. وكذلك لو أوصى له مسلم   [البناية] كالذمية في صحة الوصية م: (بخلاف المرتد؛ لأنه يقتل أو يسلم) ش: وذكر المصنف في " زياداته " على خلاف هذا. وقال: قال بعضهم: لا يكون بمنزلة الذمية، وهو الصحيح، حتى لا يصح منها وصية. والفرق بينها وبين الذمية أن الذمية تقر على اعتقادها، أما المرتدة لا تقر على اعتقادها؛ لأنها تجبر على الإسلام بالحبس ولا منافاة بين كلاميه؛ لأنه قال هناك: " الصحيح " وهاهنا " الأصح "، وهما مصدقان. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا دخل الحربي دارنا بأمان فأوصى لمسلم أو ذمي بماله كله جاز؛ لأن امتناع الوصية بما زاد على الثلث لحق الورثة، ولهذا ينفذ بإجازتهم، وليس لورثته حق مرعي لكونهم في دار الحرب إذ هم أموات في حقنا) ش: أي حكمهم كحكم الأموات. م: (ولأن حرمة ماله باعتبار الأمان والأمان كان لحقه لا لحق ورثته. فلو كان أوصى بأقل من ذلك أخذت الوصية ويرد الباقي على ورثته الذين في دار الحرب وإن كانت ورثته معه حين دخل بالأمان وأوصى بماله كله يتوقف على إجازتهم) ش: وإليه الإشارة في الكتاب بقوله: وليس لورثته حق مرعي لكونهم في دار الحرب م: (وذلك من حق المستأمن أيضا) ش: هذا جواب عما يرد على قوله: ورد الباقي على ورثته، وهو أن يقال: قد قلت: ليس لورثته حق مرعي لكونهم في دار الحرب فكيف يرد عليهم الباقي؟ ووجهه: أن ذلك المرد على الورثة أيضا مراعاة لحق المستأمن لا من حقه تسليم ماله إلى ورثته عند الفراغ من حاجته، والزيادة على مقدار ما أوصى به فارغ عن ذلك. م: (ولو أعتق عبده) ش: أي عبد الحربي م: (عند الموت أو دبر عبده في دار الإسلام، فذلك صحيح منه من غير اعتبار الثلث لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: لأن امتناع الوصية بما زاد على الثلث لحق الورثة إلى آخره م: (وكذلك لو أوصى له مسلم) ش: أي وكذا الحكم لو أوصى للحربي الجزء: 13 ¦ الصفحة: 498 أو ذمي بوصية جاز؛ لأنه ما دام في دار الإسلام فهو في المعاملات بمنزلة الذمي، ولهذا تصح عقود التمليكات منه في حال حياته، ويصح تبرعه في حياته؛ فكذا بعد مماته، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - أنه لا يجوز؛ لأنه مستأمن من أهل الحرب إذ هو على قصد الرجوع، ويمكن منه ولا يمكن من زيادة المقام على السنة إلا بالجزية. ولو أوصى الذمي بأكثر من الثلث لبعض ورثته لا يجوز اعتبارا بالمسلمين؛ لأنهم التزموا أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات، ولو أوصى لخلاف ملته جاز اعتبارا بالإرث، إذ الكفر كله ملة واحدة. ولو أوصى لحربي في دار الإسلام لا يجوز؛ لأن الإرث ممتنع لتباين الدارين والوصية أخته، والله أعلم بالصواب.   [البناية] الذمي دخل بأمان مسلم م: (أو ذمي بوصية جاز؛ لأنه ما دام في دار الإسلام فهو في المعاملات بمنزلة الذمي، ولهذا تصح عقود التمليكات منه في حال حياته، ويصح تبرعه في حياته، فكذا بعد مماته) . م: (وعن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: أنه لا يجوز؛ لأنه مستأمن من أهل الحرب، إذ هو على قصد الرجوع، ويمكن منه) ش: أي من الرجوع م: (ولا يمكن من زيادة المقام) ش: أي الإقامة م: (على السنة إلا بالجزية) . م: (ولو أوصى الذمي بأكثر من الثلث لبعض ورثته) ش: أو أوصى بعض ورثته بوصية م: (لا يجوز اعتبارا بالمسلمين؛ لأنهم التزموا أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات، ولو أوصى لخلاف ملته) ش: بأن أوصى نصراني أو يهودي أو بالعكس م: (جاز اعتبارا بالإرث، إذ الكفر كله ملة واحدة) . م: (ولو أوصى) ش: الذمي في دار الإسلام م: (لحربي) ش: في دار الحرب، وقوله م: (في دار الإسلام) ش: ظرف لقوله: " أوصى " لا لقوله " حربي " لأن الذمي تجوز وصيته كمتسأمن في دار الإسلام قوله: م (لا يجوز) ش: جواب م: (لأن الإرث ممتنع لتباين الدارين والوصية أخته) ش: أي أخت الإرث، وعند مالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأكثر أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز م: (والله أعلم بالصواب) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 499 باب ما يتعلق بأحكام الموصي وما يملكه قال: ومن أوصى إلى رجل فقبل الوصي في وجه الموصي وردها في غير وجهه فليس برد؛ لأن الميت مضى لسبيله معتمدا عليه، فلو صح رده، في غير وجهه في حياته أو بعد مماته صار مغرورا من جهته فرد رده، بخلاف الوكيل بشراء عبد بغير عينه أو ببيع ماله، حيث يصح رده في غير وجهه؛ لأنه لا ضرر هناك؛ لأنه حي قادر على التصرف بنفسه.   [البناية] [باب ما يتعلق بأحكام الموصي وما يملكه] [أوصى إلى رجل فقبل الوصي في وجه الموصي وردها في غير وجهه] م: (باب ما يتعلق بأحكام الموصي، وما يملكه) ش: أي هذا باب في بيان ما يتعلق بأحكام الوصي، وهو الذي يوصى إليه، وفي بيان حكم ما يملك الوصي. ولما فرغ من أحكام الموصى له شرع في بيان الموصى إليه، وقدم الموصى له لكثرة وقوعه. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى إلى رجل فقبل الوصي في وجه الموصي وردها) ش: أي الوصية م: (في غير وجهه) ش: أي بغير علم الموصي م: (فليس برد) ش: يعني لا يعتبر برده م: (لأن الميت مضى لسبيله) ش: أي مات حال كونه م: (معتمدا عليه) ش: أي على الوصي الذي قبل في وجه الميت م: (فلو صح رده في غير وجهه في حياته أو بعد مماته صار مغرورا من جهته فرد رده) ش: أي رد الوصي بغير علم الموصي وبعد مماته. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - له رده بغير علمه وبعد موته. وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رواية في الرد وبعد موته مثل قولنا. م: (بخلاف الوكيل بشراء عبد بغير عينه، أو ببيع ماله حيث يصح رده في غير وجهه؛ لأنه لا ضرر هناك؛ لأنه حي قادر على التصرف بنفسه) ش: قوله: " بغير عينه " احترازا عن الوكيل بشراء عبد بعينه؛ لأنه لا يملك عزل نفسه ثمة أيضا بغير علم الموكل، كما في الوصي؛ لأنه يؤدي إلى تقرير الموكل. وفي " النهاية ": هذا الذي ذكره معنى صاحب " الهداية " مخالف لعامة روايات الكتب من " الذخيرة " وأدب القاضي " للصدر الشهيد و " جامع المحبوبي " و " فتاوى قاضي خان " - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - حيث ذكر فيها: أن الوكيل لو عزل نفسه حال غيبة الموكل وكذا من غير علمه لا ينعزل، حتى لو عزل نفسه لا يخرج عن الوكالة. وقال الأترازي: أداه كله بشراء شيء بعينه له أن يعزل نفسه بمحضر من موكله على قول بعض المشايخ، وإليه أشار صاحب " الهداية " في كتاب الوكالة في فصل الشراء بقوله ولا يملك على ما قيل إلا بمحضر من الموكل، إذ لا يملك الوكيل عزل نفسه بغير علم الموكل على قول الجزء: 13 ¦ الصفحة: 500 فإن ردها في وجهه فهو رد؛ لأنه ليس للموصي ولاية إلزامه التصرف ولا غرور فيه؛ لأنه يمكنه أن ينيب غيره. وإن لم يقبل ولم يرد حتى مات الموصي فهو بالخيار إن شاء قبل، وإن شاء لم يقبل؛ لأن الموصي ليس له ولاية الإلزام، فبقي مخيرا، فلو أنه باع شيئا من تركته فقد لزمته؛ لأن ذلك دلالة الالتزام والقبول، وهو معتبر بعد الموت وينفذ البيع لصدوره من الموصي، وسواء علم بالوصاية أو لم يعلم، بخلاف الوكيل إذا لم يعلم بالتوكيل فباع حيث لا ينفذ؛ لأن الوصاية خلافة؛ لأنه يختص بحال انقطاع ولاية الميت، فتنتقل الولاية إليه،   [البناية] بعض المشايخ، فعن هذا عرفت أن ما قال بعضهم في " شرحه " هذا الذي قاله صاحب " الهداية " مخالف لعامة رواية الكتب ك " التتمة " و " الذخيرة "، وغيرهما ليس بشيء؛ لأن مراد ما ذكر في " التتمة " وغيرها من قوله الوكيل لا يملك إخراج نفسه عن الوكالة بغير علم الموكل، فإذا كان وكيلا بشراء شيء، بعينه متوافقة الروايات جميعها، ولم يختلف. ونقل الأكمل ما قال صاحب " النهاية "، ثم نقل كلام الأترازي بقوله: قال بعض الشارحين، وسكت عليه لوصايته. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن ردها في وجهه فهو رد؛ لأنه ليس للموصي ولاية إلزامه التصرف ولا غرور فيه؛ لأنه يمكنه أن ينيب غيره، فإن لم يقبل ولم يرد حتى مات الموصي فهو بالخيار إن شاء قبله وإن شاء لم يقبل؛ لأن الموصي ليس له ولاية الإلزام فبقي مخيرا) ش: بين القبول والرد. م: (فلو أنه) ش: أي الذي أوصى إليه م: (باع شيئا من تركته) ش: أي من تركة الميت الذي أوصى إليه وهو لم يقبل ولم يرد م: (فقد لزمته) ش: أي حكم الإيصاء إليه م: (لأن ذلك) ش: أي فعل من المبيع م: (دلالة الالتزام) ش: أي التزام الوصاية م: (والقبول) ش: لأن القبول تارة يكون بالدلالة، وتارة يكون بالإيضاح فهو باع شيئا من تركته كان ذلك قبولا منه بطريق الدلالة، وكذا لو اشترى شيئا للميت من بعض ما يحتاج إليه إذا قبض مالا أو قضاه. م: (وهو معتبر بعد الموت) ش: يعني القبول يجوز أن يكون دلالة، فإنها تعمل عمل الصريح إذا لم يوجد صريح يخالفه، لكنه يتغير ذلك بعد الموت، أي بعد موت الموصي م: (وينفذ البيع) ش: أي البيع الذي باعه م: (لصدروه من الموصي، وسواء علم بالوصاية أو لم يعلم) ش: وهذه رواية " الزيادات " وبعض روايات " المأذون " فعلى هذه الرواية يحتاج إلى الفرق بين الوصاية والوكالة. أشار إلى الفرق بقوله: م: (بخلاف الوكيل إذا لم يعلم بالتوكيل فباع حيث لا ينفذ؛ لأن الوصاية خلافة؛ لأنه يختص بحال انقطاع ولاية الميت، فتنتقل الولاية إليه) ش: يعني أن الموصى له الجزء: 13 ¦ الصفحة: 501 وإذا كانت خلافة لا تتوقف على العلم كالوراثة، أما التوكيل فهو إنابة لثبوته في حال قيام ولاية المنيب، فلا يصح من غير علمه كإثبات الملك بالبيع والشراء وقد بينا طريق العلم وشرط الإخبار فيما تقدم من الكتب. وإن لم يقبل حتى مات الموصي فقال: لا أقبل ثم قال: أقبل فله ذلك إن لم يكن القاضي أخرجه من الوصية حين قال: لا أقبل؛ لأن بمجرد قوله لا أقبل لا يبطل الإيصاء؛ لأن في إبطاله ضررا بالميت، وضرر الوصي في الإبقاء مجبور بالثواب   [البناية] خليفة للموصي والخلافة كالإرث فلا يتوقف على العلم كالإرث فتثبت بلا علم وهو معنى قوله م: (وإذا كانت خلافة لا تتوقف على العلم كالوراثة) ش: أي لا يتوقف استحقاق الوارث الإرث على علمه فيثبت بلا علمه. م: (أما التوكيل فهو إبانة لثبوته في حال قيام ولاية المنيب فلا يصح من غير علمه) ش: بأنه وكيل م: (كإثبات الملك بالبيع والشراء) ش: قبل القبول، فإن باع شيئا وقال بعت هذا من فلان ولم يعلم، وكذا لو وهب من فلان ولم يعلم فلان يتوقف نفاذ العقود على القبول، كذا هذا. وعلى رواية كتاب الوكالة: لا يشترط العلم للوكالة أيضا اعتبار الوصاية؛ لأن كلا منهما إثباته الولاية. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يجوز بيع الوصي أيضا قبل العلم بالوصاية اعتبارا بالوكالة؛ لأن كلا منهما نيابة، لكن الوكالة قبل الموت وتلك بعد الموت. م: (وقد بينا طريق العلم) ش: يعني في فصل: " القضاء بالمواريث "، يعني أن العلم بالوكالة تثبت بخبر الواحد رجلا كان أو امرأة صبيا كان أو بالغا. وكذلك العزل عندهما بخبر الواحد مطلقا. وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يشترط العدد والعدالة، حتى لا يثبت العزل عنده إلا بخبر اثنين أو بخبر الواحد العدل م: (وشرط الإخبار فيما تقدم من الكتب) ش: ومن تلك الكتب ما ذكره المصنف في كتاب " أدب القاضي " في فصل " القضاء بالمواريث " بقوله: وهذا علم من الناس بالوكالة إلى آخره. م: (وإن لم يقبل) ش: أي الرجل الوصية م: (حتى مات الموصي فقال لا أقبل ثم قال: أقبل فله ذلك إن لم يكن القاضي أخرجه من الوصية حين قال: لا أقبل؛ لأن بمجرد قوله لا أقبل لا يبطل الإيصاء؛ لأن في إبطاله ضررا بالميت، وضرر الوصي في الإبقاء مجبور بالثواب) ش: هذا جواب عما يقال: كما يلزم الضرر بالميت في بطلان الإيصاء بقوله: " لا أقبل " يلزم الضرر أيضا بالوصي في بقاء الإيصاء ولزومه؛ لأنه يعجز عن القيام بذلك علم تحكيم ضرر الوصي دون ضرر الميت. حيث قلتم لا يبطل الإيصاء بقوله: " لا أقبل " فأجاب بقوله: وضرر الوصي مجبور الجزء: 13 ¦ الصفحة: 502 ودفع الأول - وهو أعلى - أولى، إلا أن القاضي إذا أخرجه عن الوصاية يصح ذلك؛ لأنه مجتهد فيه، إذ للقاضي ولاية دفع الضرر، وربما يعجز عن ذلك فيتضرر ببقاء الوصاية، فيدفع القاضي الضرر عنه، وينصب حافظا لمال الميت متصرفا فيه فيندفع الضرر من الجانبين، فلهذا ينفذ إخراجه. فلو قال بعد إخراج القاضي إياه: أقبل، لم يلتفت إليه؛ لأنه قبل بعد بطلان الوصاية بإبطال القاضي. قال: ومن أوصى إلى عبد أو كافر أو فاسق أخرجهم القاضي من   [البناية] بالثواب، بيانه: لما لم يكن دفع الضررين جميعا لا بد من أن يتحمل أدنى الضررين بدفع الضرر الأعلى، والأعلى هنا ضرر الميت؛ لأن ضرره ليس بمجبور بشيء، وضرر الوصي مجبور بالثواب. م: (ودفع الأول) ش: أي أولى الضررين، وهو ضرر الميت م: (وهو أعلى) ش: أي والحال أن ضرر الميت م: (أولى) ش: من دفع ضرر الوصي م: (إلا أن القاضي إذا أخرجه عن الوصاية يصح ذلك) ش: هذا استثناء من قوله: " ثم قال: أقبل فله ذلك "، يعني يجوز قبوله إلا إذا أخرجه القاضي من الوصاية حين قال: " لا أقبل "، يصح ذلك، أي إخراجه عن الوصاية م: (لأنه) ش: أي لأن قضاء القاضي م: (مجتهد فيه) ش: لأن عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرد بمجرد قوله: لا أقبل؛ فيصح قضاء القاضي لوقوعه في المجتهد فيه، فلما صح القضاء، بطلت الوصية، فقبوله بعد ذلك يكون بعد بطلان الوصية فلا يصح م: (إذ للقاضي ولاية دفع الضرر، وربما يعجز) ش: أي الوصي. م: (عن ذلك فيتضرر ببقاء الوصاية، فيدفع القاضي الضرر عنه، وينصب حافظا لمال الميت متصرفا فيه، فيندفع الضرر من الجانبين) ش: أي من جانب الميت وجانب الوصي الذي أخرجه القاضي م: (فلهذا) ش: أي فلأجل وقوع قضاء القاضي في مجتهد فيه م: (ينفذ إخراجه) ش: أي إخراج القاضي إياه. وكان المشايخ اختلفوا في تعليل صحة هذا الإخراج، فمنهم من علل بما ذكره المصنف وهو الذي ذهب إليه شمس الأئمة السرخسي، واختار المصنف، ومنهم من قال إنما صح إخراجه؛ لأن الوصاية لو صحت بقوله كان القاضي أن يخرجه ويصح الإخراج، فهاهنا أولى، وإليه ذهب شمس الأئمة الحلواني. م: (فلو قال بعد إخراج القاضي إياه: " أقبل " لم يلتفت إليه؛ لأنه قبل بعد بطلان الوصاية بإبطال القاضي) ش: وبعد البطلان لا يبقى شيء. [الوصية إلى العبد والفاسق والكافر] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى إلى عبد أو كافر أو فاسق أخرجهم القاضي من الجزء: 13 ¦ الصفحة: 503 الوصاية ونصب غيرهم وهذا اللفظ يشير إلى صحة الوصية؛ لأن الإخراج يكون بعدها. وذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل: أن الوصية باطلة، قيل: معناه في جميع هذه الصور أن الوصية ستبطل. وقيل معناه في العبد باطل حقيقة لعدم ولايته واستبداده، وفي غيره معناه ستبطل. وقيل: في الكافر باطل أيضا لعدم ولايته على المسلم. ووجه الصحة ثم الإخراج أن أصل النظر ثابت لقدرة العبد حقيقة، وولاية الفاسق على أصلنا، وولاية الكافر في الجملة، إلا أنه لم يتم النظر لتوقف ولاية العبد على إجازة المولى وتمكنه من الحجر بعدها،   [البناية] الوصاية ونصب غيرهم) ش: إلى هنا كلام القدوري، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا اللفظ) ش: أي لفظ القدوري م: (يشير إلى صحة الوصية؛ لأن الإخراج يكون بعدها) ش: لأن الوصية إذا كانت باطلة فمن أين يتحقق إخراجهم عن الوصية. م: (وذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل) ش: أي " المبسوط " م: (أن الوصية باطلة) ش: واختلف المشايخ في أنه باطل أصلا، ومعناه ستبطل، إليه أشار المصنف بقوله: م: (قيل: معناه) ش: أي معنى قول محمد أن الوصية باطلة م: (في جميع هذه الصور) ش: وهي الوصية إلى العبد والفاسق، والكافر م: (أن الوصية ستبطل) ش: وإليه ذهب القدوري وفخر الإسلام البزدوي وعامة المشايخ. م: (وقيل معناه: في العبد باطل حقيقة لعدم ولايته واستبداده) ش: أي ولعدم استبداده في الأمور، وإليه ذهب شمس الأئمة السرخسي م: (وفي غيره) ش: أي وفي غير العبد م: (معناه ستبطل) ش: وغير العبد الكافر والفاسق. م: (وقيل: في الكافر باطل أيضا لعدم ولايته على المسلم) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] ، (النساء: الآية 141) ، م: (ووجه الصحة ثم الإخراج أن أصل النظر ثابت لقدرة العبد حقيقة، وولاية الفاسق على أصلنا) ش: حتى ينعقد النكاح بحضوره م: (وولاية الكافر في الجملة) ش: ألا ترى أن محمدا ذكر في كتاب القسمة أن الكافر لو قاسم شيئا قبل أن يخرجه القاضي جاز ذلك، فثبت أن الإيصاء إليه صحيح، وذلك لأن الكافر يجوز أن يتصرف بالوكالة، فجاز أن يتصرف بالوصاية أيضا. ولو اشترى الكافر عبدا مسلما جاز شراؤه، ولكنه يؤمر بالبيع، وقال مالك والشافعي في وجه وأحمد في رواية كقولنا. م: (إلا أنه) ش: أي غير أنه م: (لم يتم النظر) ش: في إسناد الوصاية، إلى هؤلاء، وبين كل واحد بقوله م: (لتوقف ولاية العبد على إجازة المولى وتمكنه من الحجر بعدها) ش: أي بعد الإجازة. وعند مالك وأحمد - رحمهما الله -: تجوز الوصية إلى العبد سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره، وسيجيء مزيد الكلام فيه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 504 والمعاداة الدينية الباعثة للكافر على ترك النظر في حق المسلم واتهام الفاسق بالخيانة فيخرجه القاضي من الوصاية، ويقيم غيره مقامه إتماما للنظر. وشرط في الأصل أن يكون الفاسق مخوفا عليه في المال، وهذا يصلح عذرا في إخراجه وتبديله بغيره. قال: ومن أوصى إلى عبد نفسه وفي الورثة كبار لم تصح الوصية؛ لأن للكبير أن يمنعه أو يبيع نصيبه فيمنعه المشتري فيعجز عن الوفاء بحق الوصاية فلا يفيد فائدته، وإن كانوا صغارا كلهم فالوصية إليه جائزة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولا تجوز عندهما وهو القياس. وقيل: قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مضطرب فيه، يروى مرة مع أبي حنيفة وتارة   [البناية] م: (والمعاداة الدينية الباعثة للكافر على ترك النظر في حق المسلم واتهام الفاسق بالخيانة) ش: فإذا لم يتم النظر في إسناده الوصية إلى هؤلاء م: (فيخرجه القاضي) ش: أي يخرج كل واحد من هؤلاء يعني العبد والكافر والفاسق م: (من الوصاية ويقيم غيره مقامه إتماما للنظر) ش: في حق الميت. م: (وشرط في الأصل) ش: أي شرط محمد في " المبسوط ": م: (أن يكون الفاسق مخوفا عليه في المال، وهذا) ش: أي كون الفاسق بحيث يخاف عليه في المال لخيانته م: (يصلح عذرا في إخراجه) ش: أي في إخراج الفاسق عن الوصاية م: (وتبديله بغيره) ش: ممن يكون موصوفا بالأمانة. وعند الشافعي ومالك وأحمد في رواية لا تصح الوصاية إلى الفاسق؛ لأنه ليس من أهل الشهادة فلا يكون من أهل الولاية كالمجنون. وقال أحمد في رواية يصح، ولكن يضم إليه أمين. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى إلى عبد نفسه وفي الورثة كبار لم تصح الوصية لأن للكبير أن يمنعه) ش: لأنه يلي عليه م: (أو يبيع) ش: أي يبيع الوارث الكبير م: (نصيبه) ش: من العبد م: (فيمنعه المشتري) ش: أي يمنع العبد الذي اشتراه م: (فيعجز عن الوفاء بحق الوصاية، فلا يفيد فائدته) ش: أي فلا تحصل فائدة الإيصاء. وقال البزدوي: حتى صار بعضه متوليا عليه وهو ما لا يتجزأ بطل كله. م: (وإن كانوا) ش: أي الورثة م: (صغارا كلهم فالوصية إليه) ش: أي إلى العبد م: (جائزة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا تجوز عندهما) ش: وبه قال الشافعي وأبو ثور، وعند مالك وأحمد - رحمهما الله -: يجوز سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره. وقال إبراهيم النخعي والأوزاعي وابن شبرمة تصح إلى عبد نفسه، ولا تصح إلى عبد غيره، أي قولهما. م: (وهو القياس. وقيل: قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مضطرب فيه يروى مرة مع أبي حنيفة وتارة الجزء: 13 ¦ الصفحة: 505 مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وجه القياس: أن الولاية منعدمة لما أن الرق ينافيها. ولأن فيه إثبات الولاية للمملوك على المالك، وهذا قلب المشروع. ولأن الولاية الصادرة من الأب لا تتجزأ، وفي اعتبار هذه تجزئتها لأنه لا يملك بيع رقبته، وهذا نقض الموضوع. وله: أنه مخاطب مستبد بالتصرف، فيكون أهلا للوصاية، وليس لأحد عليه ولاية، فإن الصغار وإن كانوا أملاكا ليس لهم ولاية المنع فلا منافاة، وإيصاء المولى إليه يؤذن [أي] : يشعر بكونه ناظرا لهم، وصار كالمكاتب، والوصية قد تتجزأ   [البناية] مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجه القياس: أن الولاية منعدمة لما أن الرق ينافيها) ش: أي ينافي الولاية م: (ولأن فيه) ش: أي في جواز الإيصاء إلى العبد م: (إثبات الولاية للمملوك على المالك، وهذا قلب المشروع) ش: لأن المشروع ولاية المالك على المملوك. م: (ولأن الولاية الصادرة من الأب لا تتجزأ، وفي اعتبار هذه تجزئتها) ش: أي الوصية إلى عبد نفسه والورثة صغار تجزئة الولاية م: (لأنه لا يملك بيع رقبته) ش: التركات، ولا يملك بيع نفسه، ولا يكون وصيا فيه م: (وهذا نقض الموضوع) ش: لأن موضوع الوصية أن يتولى الوصي التصرف في جميع ما بقي من الثلث، وفي منعه من بيع رقبته تجزئة الوصية م: (وله أنه) ش: أي وللعبد، وفي بعض النسخ ولعبده، أي أن العبد م: (مخاطب) ش: احترز به عن الصبي والمجنون. م: (مستبد بالتصرف) ش: احترز به عن عبد الغير؛ لأنه لا يستبد بنفسه؛ لأن لمولاه أن يحجره عن التصرف منه فإذا كان كذلك م: (فيكون أهلا للوصاية، وليس لأحد عليه ولاية، فإن الصغار وإن كانوا أملاكا ليس لهم ولاية المنع فلا منافاة) ش: بين كونه مملوكا لهم وبين إثبات الولاية في حقهم؛ لأنهم وإن كانوا يملكون رقبته ولكنهم لا يملكون التصرف فيه حيث لا يملكون بيعه. فإن قيل: إن لم يكن لهم ذلك فللقاضي أن يبيعه فيتحقق المنع والمنافاة؟ أجيب بأنه كما ثبت الإيصاء لم يبق للقاضي ولاية المنع م: (وإيصاء المولى إليه) ش: أي إلى عبده م: (يؤذن [أي:] يشعر بكونه ناظرا لهم) ش: أي لورثته لأن من ربى عبده وأحسن إليه فالظاهر أن يختاره لما أن شفقته على الصغار من أولاده بعد موته أكثر من شفقة الأجنبي، فكذلك اختاره. م: (وصار كالمكاتب) ش: أي صار الإيصاء إلى العبد القن كالإيصاء إلى المكاتب، فذاك يجوز، وكذا هذا، ويجوز الإيصاء إلى مكاتب غيره أيضا، والخلاف في المكاتب والمدبر وأم الولد، ورقيق البعض كالخلاف في القن عند الأئمة الثلاثة م: (والوصية قد تتجزأ) ش: هذا الجزء: 13 ¦ الصفحة: 506 على ما هو المروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أو نقول: يصار إليه كيلا يؤدي إلى إبطال أصله وتغيير الوصف لتصحيح الأصل أولى. قال: ومن أوصى إلى من يعجز عن القيام بالوصية ضم إليه القاضي غيره رعاية لحق الموصي والورثة، وهذا لأن تكميل النظر يحصل بضم الآخر إليه لصيانته ونقص كفايته، في النظر بإعانة غيره، ولو شكا إليه الوصي ذلك لا يجيبه حتى يعرف ذلك حقيقة؛ لأن الشاكي قد يكون كاذبا تخفيفا على نفسه، وإذا ظهر عند القاضي عجزه أصلا استبدل به رعاية للنظر من الجانبين ولو كان قادرا على التصرف أمينا فيه ليس للقاضي أن يخرجه لأنه لو اختار غيره كان دونه، لما أنه كان مختار الميت ومرضيه، فإبقاؤه أولى، ولهذا قدم على أب الميت مع وفور شفقته، فأولى أن يقدم على غيره.   [البناية] جواب عن قولهما وفي اعتبار هذه تجزئتها وذلك أن الحسن بن زياد روى عن أبي حنيفة: أنه إذا أوصى إلى رجلين إلى أحدهما في العين، وإلى الآخر في الدين أن كلا منهما يكون وصيا فيما أوصى إليه خاصة. وأشار إلى هذا بقوله: م: (على ما هو المروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أو نقول: يصار إليه) ش: أي إلى التجزؤ م: (كيلا يؤدي إلى إبطال أصله) ش: أي أصل هذا التصرف، وهو تنصيب عبده وصيا على الصغار م: (وتغيير الوصف) ش: جواب عما يقال هذا تغيير وصفه، وهو التجزؤ، يعني جعله متجزئا بعدما لم يكن، فأجاب بقوله ويعتبر الوصف م: (لتصحيح الأصل أولى) ش: من إهداره بالكلية. [أوصى إلى من يعجز عن القيام بالوصية] م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى إلى من يعجز عن القيام بالوصية ضم إليه القاضي غيره رعاية لحق الموصى والورثة، وهذا) ش: أي ضم القاضي إليه غيره م: (لأن تكميل النظر يحصل بضم الآخر إليه) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (لصيانته) ش: أي لصيانة الوصي. م: (ونقص كفايته، فيتم النظر بإعانة غيره، ولو شكا إليه الوصي ذلك) ش: أي ولو شكا إلى القاضي: الوصي العجز م: (لا يجيبه حتى يعرف ذلك) ش: أي عجزه م: (حقيقة؛ لأن الشاكي قد يكون كاذبا تخفيفا على نفسه، وإذا ظهر عند القاضي عجزه أصلا استبدل به) ش: أي ولى غيره م: (رعاية للنظر من الجانبين) ش: أي جانب الموصي والوصي يقوم المنصوب من جهة القاضي بالتصرف في حوائج الموصي والعاجز المعزول بقضاء حقوق معه. م: (ولو كان قادرا على التصرف أمينا فيه ليس للقاضي أن يخرجه) ش: أي أن يخرج الوصي مع أنه كان عدلا م: (لأنه لو اختار غيره كان دونه لما أنه كان مختار الميت ومرضيه، فإبقاؤه أولى، ولهذا) ش: أي ولأجل أن وصي الميت مختار الميت م: (قدم على أبي الميت وفور شفقته) ش: أي شفقة الأب م: (فأولى أن يقدم على غيره) ش: ووصي القاضي الذي هو غير أب الميت. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 507 وكذا إذا شكا الورثة أو بعضهم الوصي إلى القاضي، فإنه لا ينبغي له أن يعزله حتى تبدو له منه خيانة، لأنه استفاد الولاية من الميت، غير أنه إذا ظهرت الخيانة فالميت إنما نصبه وصيا لأمانته وقد فاتت، ولو كان في الأحياء لأخرجه منها فعند عجزه ينوب القاضي منابه، كأنه لا وصي له. قال ومن أوصى إلى اثنين لم يكن لأحدهما أن يتصرف عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - دون صاحبه إلا في أشياء معدودة نبينها إن شاء الله تعالى. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ينفرد كل واحد منهما بالتصرف في جميع الأشياء؛ لأن الوصاية سبيلها الولاية، وهي وصف شرعي لا تتجزأ، فثبت لكل منهما كملا لولاية الإنكاح   [البناية] م: (وكذا) ش: أي الحكم م: (إذا شكا الورثة أو بعضهم الوصي إلى القاضي فإنه لا ينبغي له أن يعزله حتى تبدو له منه) ش: أي يظهر منه، أي من الوصي م: (خيانة؛ لأنه استفاد الولاية من الميت، غير أنه إذا ظهرت الخيانة فالميت إنما نصبه وصيا لأمانته، وقد فاتت ولو كان في الأحياء لأخرجه) ش: أي الميت. م: (منها) ش: أي الوصية م: (فعند عجزه ينوب القاضي منابه، كأنه لا وصي له) . م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى إلى اثنين لم يكن لأحدهما أن يتصرف عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - دون صاحبه) ش: قال أبو القاسم الصفار: هذا الخلاف بينهم فيما إذا أوصى لهما جميعا معا بعقد واحد، فأما إذا أوصى إلى كل واحد منهما بعقد على حدة فإنه ينفرد كل واحد منهما بالتصرف بلا خلاف. قال الفقيه أبو الليث هذا أوضح، وبه نأخذ، بمنزلة الوكيلين إذا وكل واحد منهما على الانفراد. وحكي عن أبي بكر الإسكاف أنه قال الخلاف فيهما جميعا، سواء أوصى لهما جميعا أو متفرقا. وجعل في " المبسوط " وهذا أصح؛ لأن وجوب الوصية، إنما يكون عند الموت، وحينئذ تثبت الوصية لهما معا فلا فرق بين الافتراق والاجتماع، بخلاف الوكالة. م: (إلا في أشياء معدودة نبينها إن شاء الله) ش: إنما وعد بتبيينها كلها لاختلاف أقوال العلماء فيها، فذكر في " الأسرار " ستة وذكر في عامة الكتب سبعة وهي شراء الكفن للميت وتجهيزه، وطعام الصغار وكسوتهم، ورد وديعة بعينها، وقضاء دين، وتنفيذ هبة بعينها، وعتق عبد بعينه، والخصومة في حقوق الميت. وذكر في " الجامع الصغير " لقاضي خان ثمانية، وهي السبعة المذكورة والثامن: قبول الهبة. وفي " الأسرار ": أسقط قبول الهبة وتنفيذ الوصية، فصارت ستة. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتفرد كل واحد منهما بالتصرف في جميع الأشياء؛ لأن الوصاية سبيلها الولاية، وهي وصف شرعي لا تتجزأ، فثبت لكل منهما كملا لولاية الإنكاح الجزء: 13 ¦ الصفحة: 508 للأخوين، وهذا لأن الوصاية خلافة، وإنما تتحقق إذا انتقلت الولاية إليه على الوجه الذي كان ثابتا للموصي وقد كان وصف الكمال، ولأن اختيار الأب إياهما يؤذن باختصاص كل واحد منهما بالشفقة، فينزل ذلك منزلة قرابة كل واحد منهما. ولهما: أن الولاية تثبت بالتفويض فيراعى وصف التفويض وهو وصف الاجتماع، إذ هو شرط مقيد وما رضي الموصى إلا بالمثنى، وليس الواحد كالمثنى بالتصرف، بخلاف الأخوين في الإنكاح؛ لأن السبب هنالك القرابة، وقد قامت بكل منهما كملا، ولأن الإنكاح حق مستحق لها على الولي، حتى لو طالبته بإنكاحها من كفء يخطبها يجب عليه، وهاهنا حق التصرف للوصي، ولهذا يبقى مخيرا في التصرف. ففي الأول أوفى حقا على صاحبه فصح، وفي الثاني استوفى حقا لصاحبه فلا يصح أصله الدين الذي عليهما. ولهما بخلاف الأشياء المعدودة؛ لأنها من باب الضرورة لا من باب الولاية،   [البناية] للأخوين) ش: فإن لكل واحد منهما أن ينفرد بإنكاح مولاته. م: (وهذا) ش: توضيح لما ذكر م: (لأن الوصاية خلافة، وإنما تتحقق إذا انتقلت الولاية إليه) ش: أي إلى الوصي م: (على الوجه الذي كان ثابتا للموصي وقد كان وصف الكمال، ولأن اختيار الأب إياهما يؤذن باختصاص كل واحد منهما بالشفقة، فينزل ذلك منزلة قرابة كل واحد منهما) . م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: م: (أن الولاية تثبت بالتفويض فيراعى وصف التفويض وهو وصف الاجتماع، إذ هو شرط مقيد، وما رضي الموصي إلا بالمثنى وليس الواحد كالمثنى بالتصرف، بخلاف الأخوين في الإنكاح؛ لأن السبب هنالك القرابة وقد قامت) ش: أي القرابة م: (بكل منهما) ش: أي من الأخوين م: (كملا) ش: أي على وجه الكمال والسبب [في] هذا الإيصاء وهو إليهما لا إلى واحد. م: (ولأن الإنكاح حق مستحق لها) ش: أي للمرأة م: (على الولي حتى لو طالبته) ش: أي الولي م: (بإنكاحها من كفء يخطبها يجب عليه) ش: إنكاحها منه م: (وهاهنا حق التصرف للوصي، ولهذا يبقى مخيرا في التصرف ففي الأول) ش: أي في الإنكاح أي في أحد الأخوين م: (أوفى حقا على صاحبه، فصح. وفي الثاني) ش: أي في الوصاية م: (استوفى) ش: لأن ولاية التصرف لهما، فإذا تصرف وحده م: (حقا لصاحبه) ش: أي استوفى أحد الوصيين على الآخر حقا كائنا له م: (فلا يصح أصله الدين الذي عليهما) ش: يعني إذا كان الدين لرجلين فاستوفى أحدهما نصيب الآخر. م: (ولهما بخلاف الأشياء المعدودة) ش: أشار إلى قوله إلا في أشياء معدودة نبينها إن شاء الله تعالى م: (لأنها) ش: أي لأن هذه الأشياء معدودة م: (من باب الضرورة لا من باب الولاية الجزء: 13 ¦ الصفحة: 509 ومواضع الضرورة مستثناة أبدا، وهي ما استثناه في الكتاب وأخواتها فقال إلا في شراء كفن الميت وتجهيزه لأن في التأخير فساد الميت، ولهذا يملكه الجيران عند ذلك. وطعام الصغار وكسوتهم؛ لأنه يخاف موتهم جوعا وعريا. ورد الوديعة بعينها، ورد المغصوب والمشتري شراء فاسدا وحفظ الأموال وقضاء الديون؛ لأنها ليست من باب الولاية، فإنه يملكه المالك وصاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه وحفظ المال يملكه من يقع في يده، فكان من باب الإعانة. ولأنه لا يحتاج فيه إلى الرأي وتنفيذ وصية بعينها.   [البناية] ومواضع الضرورة مستثناة أبدا وهي) ش: أي الأشياء المعدومة م: (ما استثناه في الكتاب وأخواتها) ش: أي في القدوري، وهو قوله ومن أوصى لم يجز لأحدهما أن يتصرف عند أبي حنيفة ومحمد دون صاحبه إلا في كفن الميت إلى آخره، وقد ذكرناها عن قريب. م: (فقال) ش: أي القدوري م: (إلا في شراء كفن الميت وتجهيزه) ش: هذا لفظ القدوري، والمصنف شرع يعلل الأشياء السبعة ذكرها القدوري وعلل المصنف، وهذا بقوله: م: (لأن في التأخير) ش: أي في تأخير تجهيز الميت م: (فساد الميت، ولهذا) ش: أي ولأجل أن تأخير الميت عن تجهيزه فساده م: (يملكه الجيران) ش: تجهيزه أي تجهيز الميت م: (عند ذلك) ش: أي عند إشراف الميت للفساد بسبب التأخير. م: (وطعام الصغار وكسوتهم) ش: لفظ القدوري، وقال المصنف: م: (لأنه يخاف موتهم جوعا وعريا) ش: أي من حيث الجوع والعري م: (ورد الوديعة بعينها) ش: لفظ القدوري، وقال المصنف م: (ورد المغصوب والمشترى شراء فاسدا وحفظ الأموال) ش: هذه الثلاثة لم يذكرها القدوري. م: (وقضاء الديون) ش: من لفظ القدوري، وقال المصنف م: (لأنها) ش: أي لأن هذه الأشياء الأربعة م: (ليست من باب الولاية) ش: يعني ليست من الولاية المستفادة من الموصي م: (فإنه يملكه المالك وصاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه) ش: يملك أخذه إذا كان من جنس حقه م: (وحفظ المال) ش: يرفع حفظ المال على التعليل لقوله: وحفظ الأموال وارتفاعه على الابتداء وخبره هو قوله: م: (يملكه من يقع في يده، فكان من باب الإعانة، ولأنه لا يحتاج فيه) ش: أي في حفظ المال م: (إلى الرأي) ش: هذا في قضاء الدين على الميت أما في قضاء الدين للميت فهو على الخلاف. م: (وتنفيذ وصية بعينها) ش: بالجر عطفا على آخر المعطوفات على قوله وطعام الصغار مجرور عطفا على قوله إلا في شراء الكفن وتجهيزه وكل المعطوفات عليه بالجر. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 510 وعتق عبد بعينه؛ لأنه لا يحتاج فيه إلى الرأي. والخصومة في حق الميت؛ لأن الاجتماع فيها متعذر، ولهذا ينفرد بها أحد الوكيلين. وقبول الهبة؛ لأن في التأخير خيفة الفوات، ولأنه تملكه الأم والذي في حجره، فلم يكن من باب الولاية. وبيع ما يخشى عليه التوى والتلف؛ لأن فيه ضرورة لا تخفى. وجمع الأموال الضائعة؛ لأن في التأخير خشية الفوات، ولأنه يملكه كل من وقع في يده، فلم يكن من باب الولاية. وفي " الجامع الصغير ": وليس لأحد الوصيين أن يبيع أو يتقاضى، والمراد بالتقاضي الاقتضاء. كذا كان المراد منه في عرفهم، وهذا لأنه رضي بأمانتهما جميعا في القبض، ولأنه في معنى المبادلة لا سيما عند اختلاف الجنس على ما عرف. فكان من باب الولاية.   [البناية] م: (وعتق عبد بعينه) ش: بالجر أيضا، وهو من لفظ القدوري. وقال المصنف: م: (لأنه لا يحتاج فيه إلى الرأي) ش: وكذا قوله: م: (والخصومة في حق الميت) ش: من لفظ القدوري، وهو أيضا بالجر. وقال المصنف: م: (لأن الاجتماع فيها متعذر، ولهذا) ش: أي ولأجل تعذر الاجتماع، أي بالخصومة م: (ينفرد بها أحد الوكيلين) ش: إذا كانا حاضرين حال الحياة، وكذا بعد الوفاة. م: (وقبول الهبة) ش: بالجر أيضا عطفا على المجرورات التي قبله م: (لأن في التأخير خيفة الفوات ولأنه) ش: أي ولأن قبول الهبة م: (تملكه الأم والذي في حجره) ش: أي ويملك أيضا الذي في حجره الصغير م: (فلم يكن من باب الولاية) ش: حتى يحتاج إلى الآخر م: (وبيع ما يخشى عليه التوى والتلف) ش: بالجر أيضا عطفا على المجرورات التي قبلها، والتوى الهلاك، ومعنى قوله والتلف بالرفع من تفسير التوى م: (لأن فيه ضرورة لا تخفى) . م: (وجمع الأموال الضائعة) ش: بالجر أيضا مثل ذلك م: (لأن في التأخير خشية الفوات، ولأنه يملكه كل من وقع في يده، فلم يكن من باب الولاية) ش: وهو ظاهر. م: (وفي " الجامع الصغير ": وليس لأحد الوصيين أن يبيع أو يتقاضى) ش: هذا لفظ " الجامع "، وقال المصنف: م: (والمراد بالتقاضي الاقتضاء) ش: أي القبض م: (كذا كان المراد منه في عرفهم) ش: أي في عرف أهل الكوفة. وأما في عرف ديار المصنف المراد من ذلك المطالبة: م: (وهذا لأنه رضي بأمانتهما) ش: أي لأن الموصي رضي بأمانة الاثنين م: (جميعا في القبض) ش: فلا ينفرد أحدهما م: (ولأنه) ش: أي ولأن القبض م: (في معنى المبادلة لا سيما عند اختلاف الجنس على ما عرف، فكان من باب الولاية) ش: فلا ينفرد أحدهما. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 511 ولو أوصى إلى كل واحد على الانفراد قيل: ينفرد كل واحد منهما بالتصرف بمنزلة الوكيلين إذا وكل كل واحد على الانفراد، وهذا لأنه لما أفرد فقد رضي برأي الواحد. وقيل: الخلاف في الفصلين واحد وهو الأصح؛ لأن وجوب الوصية عند الموت، بخلاف الوكيلين؛ لأن الوكالة تتعاقب، فإن مات أحدهما جعل القاضي مكانه وصيا آخر. أما عندهما: فلأن الباقي عاجز عن التفرد بالتصرف، فيضم القاضي إليه وصيا آخر نظرا للميت عند عجزه، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الحي منهما وإن كان يقدر على التصرف فالموصي قصد أن يخلفه متصرفان في حقوقه، وذلك ممكن التحقق. بنصب وصي آخر مكان الميت، ولو أن الميت منهما أوصى إلى الحي فللحي أن يتصرف وحده في ظاهر الرواية، بمنزلة ما إذا أوصى إلى شخص آخر ولا يحتاج القاضي إلى نصب وصي آخر؛ لأن رأي الميت باق حكما برأي من يخلفه.   [البناية] [مات الوصي وأوصى إلى آخر] م: (ولو أوصى لكل واحد على الانفراد قيل: ينفرد كل واحد منهما بالتصرف) ش: وهو قول أبي القاسم الصفار م: (بمنزلة الوكيلين إذا وكل واحد على الانفراد، وهذا لأنه لما أفرد قد رضي برأي الواحد. وقيل: الخلاف في الفصلين) ش: أي فصل الانفراد وفصل الاجتماع. م: (واحد وهو الأصح) ش: وهو قول أبي بكر الإسكاف م: (لأن وجوب الوصية عند الموت بخلاف الوكيلين؛ لأن الوكالة تتعاقب، فإن مات أحدهما) ش: أي أحد الوصيين م: (جعل القاضي مكانه وصيا آخر) . م: (أما عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: م: (فلأن الباقي عاجز عن التفرد بالتصرف) ش: لأن عندهما ليس لأحد الوصيين أن يتصرف دون صاحبه، فإن كان كذلك م: (فيضم القاضي إليه وصيا آخر نظرا للميت عند عجزه) ش: أي عند عجز الوصي الباقي وبه قالت الأئمة الثلاثة. م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الحي منهما) ش: أي من الوصيين م: (وإن كان يقدر على التصرف) ش: وكلمة: " إن " واصلة بما قبلها م: (فالموصى) ش: الواو فيه للحال م: (قصد أن يخلفه متصرفان) ش: وفي بعض النسخ: وصيان م: (في حقوقه، وذلك ممكن التحقق بنصب وصي آخر مكان الميت) ش: أي الوصي الميت. م: (ولو أن الميت منهما) ش: أي من الوصيين م: (أوصى إلى الحي فللحي أن يتصرف وحده في ظاهر الرواية، بمنزلة ما إذا أوصى إلى شخص آخر ولا يحتاج القاضي إلى نصب وصي آخر؛ لأن رأي الميت باق حكما برأي من يخلفه) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 512 وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا ينفرد بالتصرف؛ لأن الموصي ما رضي بتصرفه وحده، بخلاف ما إذا أوصى إلى غيره؛ لأنه ينفذ تصرفه برأي المثنى كما رضيه المتوفى. وإذا مات الوصي وأوصى إلى آخر فهو وصية في تركته وتركة الميت الأول عندنا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون وصيا في تركة الميت الأول اعتبارا بالتوكيل في حالة الحياة. والجامع بينهما: أنه رضي برأيه لا برأي غيره. ولنا: أن الوصي يتصرف بولاية منتقلة إليه فيملك الإيصاء إلى غيره كالجد، ألا يرى أن الولاية التي كانت ثابتة للموصي تنتقل إلى الوصي في المال وإلى الجد في النفس، ثم الجد قائم مقام الأب فيما انتقل إليه، فكذا الوصي. وهذا لأن الإيصاء إقامة غيره مقامه فيما له ولايته، وعند الموت كانت له ولاية في التركتين، فينزل الثاني منزلته فيهما. ولأنه لما استعان به في ذلك مع علمه أنه قد تعتريه المنية قبل تتميم مقصوده بنفسه، وهو تلافي ما فرط منه   [البناية] م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه الحسن عنه م: (أنه) ش: أي أن الحي الباقي م: (لا ينفرد بالتصرف؛ لأن الموصي ما رضي بتصرفه وحده، بخلاف ما إذا أوصى إلى غيره؛ لأنه ينفذ تصرفه برأي المثنى كما رضيه المتوفى) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة. م: (وإذا مات الوصي وأوصى إلى آخر فهو وصية في تركته وتركة الميت الأول عندنا وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون وصيا في تركة الميت الأول) ش: في أحد الوجهين: لا يجوز أن يوصي لغيره م: (اعتبارا بالتوكيل في حالة الحياة، والجامع بينهما: أنه رضي برأيه لا برأي غيره) . م: (ولنا: أن الوصي يتصرف بولاية منتقلة إليه) ش: من الميت بطريق الخلافة عنه م: (فيملك الإيصاء إلى غيره كالجد) ش: فإن وصي الجد عند عدم الأب كوصي الأب م: (ألا يرى أن الولاية التي كانت ثابتة للموصى تنتقل إلى الوصي في المال وإلى الجد في النفس) ش: حتى كان يملك تزويج الصغار والصغيرات واستيفاء القصاص م: (ثم الجد قائم مقام الأب فيما انتقل إليه) ش: لأنه خلف عنه فيوصي إلى غيره م: (فكذا الوصي) ش: لأنه خلف عن الميت أيضا م: (وهذا لأن الإيصاء إقامة غيره مقامه فيما له ولايته، وعند الموت) ش: أي موت الموصي م: (كانت له) ش: أي للوصي م: (ولاية في التركتين) ش: أي في مال نفسه الذي يتركه لوصية، وسمى للوصي تركة باعتبار ما يؤول إليه م: (فينزل الثاني) ش: أي في الإيصاء م: (منزلته) ش: أي منزلة الأول م: (فيهما) ش: أي في التركتين. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الوصي م: (لما استعان به) ش: أي بالوصي م: (في ذلك) ش: أي فيما أوصى م: (مع علمه أنه قد تعتريه المنية قبل تتميم مقصوده بنفسه) ش: أي قبل حصول مقصود الموصى منه م: (وهو) ش: أي مقصوده م: (تلافي ما فرط منه) ش: أي تدارك ما سبق الجزء: 13 ¦ الصفحة: 513 صار راضيا بإيصائه إلى غيره، بخلاف الوكيل؛ لأن الموكل حي يمكنه أن يحصل مقصوده بنفسه فلا يرضى بتوكيل غيره والإيصاء إليه. قال: ومقاسمة الوصي الموصى له عن الورثة جائزة، ومقاسمته الورثة عن الموصى له باطلة؛ لأن الوارث خليفة الميت حتى يرد بالعيب ويرد عليه به، ويصير مغرورا بشراء المورث والوصي خليفة الميت أيضا، فيكون خصما عن الوارث إذا كان غائبا، فصحت قسمته عليه حتى لو حضر وقد هلك ما في يد الوصي ليس له أن يشارك الموصى له.   [البناية] منه من التفريط في الأمور م: (صار راضيا) ش: أي الموصي وهو جواب: لما م: (بإيصائه) ش: أي بإيصاء الوصي م: (إلى غيره) ش: دلالة إلى تتميم مقصوده. م: (بخلاف الوكيل) ش: فإنه ليس كذلك م: (لأنه الموكل حي يمكنه أن يحصل مقصوده بنفسه، فلا يرضى بتوكيل غيره، والإيصاء إليه) ش: وهذا ظاهر. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومقاسمة الوصي الموصى له عن الورثة جائزة، ومقاسمة الورثة عن الموصى له باطلة) ش: المقاسمة فعل القسمة بين اثنين، وهو أن يقتسم كل واحد منهما مع الآخر شيئا، وصورة المسألة: رجل أوصى إلى رجل وأوصى لرجل آخر بثلث ماله وله ورثة صغار أو كبار غيب فأراد الوصي المقاسمة وهي على وجهين. الأول: هو أن يقاسم الموصى له نائبا عن الورثة وأعطاه الثلث وأمسك الثلثين للورثة فهذه جائزة. الوجه الثاني: أن يقاسم الورثة عن الموصى له وهي باطلة. وبيان الفرق بينهما ما ذكره المصنف بقوله: م: (لأن الوارث خليفة الميت) ش: يعني من يخلفه بعده م: (حتى يرد بالعيب) ش: يعني فيما اشتراه المورث م: (ويرد عليه به) ش: أي فيما باعه الوارث م: (ويصير مغرورا بشراء المورث) ش: كمن اشترى جارية ثم مات فاستولدها الوارث ثم استحقت الجارية فإنه يرجع على البائع الميت، ولو لم يكن الخليفة كما لو باعها المورث والمسألة بحالها لا يرجع على بائع بائعه؛ لأنه ليس بخليفة عن بائعه حتى كان غروره كغروره. م: (والوصي خليفة الميت أيضا، فيكون خصما عن الوارث إذا كان غائبا) ش: وإذا كان كبيرا؛ لأنه إذا كان صغيرا لا حاجة إلى فعله، فإذا كان كذلك م: (فصحت قسمته عليه) ش: أي على الوارث الغائب. م: (حتى لو حضر) ش: أي الغائب م: (وقد هلك ما في يد الوصي ليس له أن يشارك الموصى له) ش: لأن ولايته قاصرة على الصغار وعلى حفظ مال الكبار، والموصى له خصم، والقسمة الجزء: 13 ¦ الصفحة: 514 أما الموصى له فليس بخليفة عن الميت من كل وجه؛ لأنه ملكه بسبب جديد، ولهذا لا يرد بالعيب، ولا يرد عليه ولا يصير مغرورا بشراء الموصي فلا يكون الوصي خليفة عنه عند غيبته، حتى لو هلك ما أفرز له عند الوصي كان له ثلث ما بقي؛ لأن القسمة لم تنفذ عليه، غير أن الوصي لا يضمن؛ لأنه أمين فيه وله ولاية الحفظ في التركة، فصار كما إذا هلك بعض التركة قبل القسمة فيكون له ثلث الباقي؛ لأن الموصى له شريك الوارث فيتوي ما توى من المال المشترك على الشركة، ويبقى ما بقي على الشركة. قال: فإن قاسم الورثة وأخذ نصيب الموصى له فضاع رجع الموصى له بثلث ما بقي لما بينا.   [البناية] تصح بين الخصمين فنفذت القسمة. وأشار إلى بيان الوجه الثاني بقوله: م: (أما الموصى له فليس بخليفة عن الميت من كل وجه) ش: لأن الوصية تمليك، بسبب وهو معنى قوله م: (لأنه ملكه بسبب جديد) ش: أي لأن الموصى له ملك ما أوصى له بسبب وهو ما بقي له من ثلث مال الميت. م: (ولهذا) ش: أي ولكونه غير خليفة عن الميت م: (لا يرد بالعيب) ش: فيما اشتراه المورث م: (ولا يرد عليه) ش: فيما باعه الميت م: (ولا يصير مغرورا) ش: يعني يكون الولد رقيقا م: (بشراء الموصي) ش: فيما إذا اشترى جارية إلى آخر ما ذكرناه، فإذا كان الأمر كذلك م: (فلا يكون الوصي خليفة عنه) ش: أي عن الغائب م: (عند غيبته، حتى لو هلك ما أفرز له عند الوصي كان له ثلث ما بقي؛ لأن القسمة لم تنفذ عليه) ش: أي لم يصح م: (غير أن الوصي لا يضمن) ش: هذا جواب عما يقال إذا كانت القسمة غير صحيحة كأن صرفه غير مشروع وهلك المال بعد ذلك العقد الذي هو غير مشروع فيجب الضمان كما بعد على المال واستهلكه. وتقرير الجواب هو أن الوصي لا يضمن م: م: (لأنه أمين فيه وله ولاية الحفظ في التركة فصار كما إذا هلك بعض التركة قبل القسمة، فيكون له ثلث الباقي؛ لأن الموصي له شريك الوارث فيتوي) ش: أي يهلك م: (ما توى) ش: أي ما هلك م: (من المال المشترك على الشركة ويبقى ما بقي على الشركة) ش: وقال السغناقي في قوله فصار كما إذا هلك بعض التركة إلى آخره إشارة إلى أنه لا ضمان عليه إذا كان ما أحرزه للورثة في يده؛ لأن الحفظ إنما يتصور في ذلك، أما لو سلمه إليهم فالموصى له بالخيار إن شاء ضمن القابض بالقبض، وإن شاء ضمن الدافع بالدفع. م: (قال: فإن قاسم الورثة) ش: أي فإن قاسم الوصي الورثة م: (وأخذ نصيب الموصى له فضاع رجع الموصى له) ش: أي على الورثة م: (بثلث ما بقي) ش: وقال الأكمل: هذا كان معلوما من سياق كلامه، ولكنه ذكره لكونه لفظ " الجامع الصغير " م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله لأن القسمة لم تنفذ عليه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 515 قال: وإذا كان الميت أوصى بحجة فقاسم الورثة فهلك ما في يده حج عن الميت من ثلث ما بقي وكذلك إن دفعه إلى رجل ليحج عنه فضاع في يده. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان مستغرقا للثلث لم يرجع بشيء وإلا يرجع بتمام الثلث. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يرجع بشيء؛ لأن القسمة حق الموصي. ولو أفرز الموصي بنفسه مالا ليحج عنه فهلك لا يلزمه شيء وبطلت الوصية، فكذا إذا أفرزه وصيه الذي قام مقامه. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن محل الوصية الثلث، فيجب تنفيذها ما بقي محلها، وإذا لم يبق بطلت لفوات محلها. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن القسمة لا تراد لذاتها بل لمقصودها، وهو تأدية الحج، فلم تعتبر دونه، وصار كما إذا هلك قبل القسمة فيحج بثلث ما   [البناية] [الميت أوصى بحجة فقاسم الورثة فهلك ما في يده] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان الميت أوصى بحجة فقاسم) ش: أي الوصي م: (الورثة فهلك ما في يده) ش: أي في يد الوصي، قال الكاكي: الوصي والحاج مدلول عليهما غير مذكور بهما. قلت: لا حاجة إلى ما قاله الكاكي أن يرجع الضمير لا يختص أن يكون إلى الظاهر خاصة، بل يكون في المستتر أيضا على ما لا يخفى م: (حج عن الميت من ثلث ما بقي، وكذلك إن دفعه إلى رجل ليحج عنه فضاع في يده) ش: يحج عنه من ثلث ما بقي وهذا كله قول أبي حنيفة. قال الأكمل: صورته: رجل مات وترك أربعة آلاف درهم وصى أن يحج عنه وكان مقدار الحج ألف درهم فأخذ الوصي الألف ودفع إلى الذي يحج عنه فسرقت في الطريق حج عن الميت من ثلث ما بقي من التركة وهو ألف درهم، فإن سرقت ثانيا يؤخذ ثلث ما بقي مرة أخرى، هكذا. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن كان) ش: أي الهالك م: (مستغرقا للثلث لم يرجع بشيء وإلا) ش: فإن لم يكن الهالك مستغرقا للثلث م: (يرجع بتمام الثلث) ش: وهو ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث، فإن سرقت ثانيا يؤخذ مرة أخرى. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يرجع بشيء؛ لأن القسمة حق الموصي، ولو أفرز الموصي بنفسه مالا ليحج عنه فهلك لا يلزمه شيء وبطلت الوصية، فكذا إذا أفرزه وصيه الذي قام مقامه. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن محل الوصية الثلث، فيجب تنفيذها ما بقي محلها، وإذا لم يبق بطلت لفوات محلها) ش: أي محل الوصية. م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن القسمة لا تراد لذاتها، بل لمقصودها، وهو تأدية الحج فلم تعتبر دونه) ش: أي دون المقصود وهي أداء الحج م: (وصار كما إذا هلك قبل القسمة فيحج بثلث ما الجزء: 13 ¦ الصفحة: 516 بقي؛ لأن تمامها بالتسليم إلى الجهة المسماة، إذ لا قابض لها، فإذا لم يصرف إلى ذلك الوجه لم يتم فصار كهلاكه قبلها. قال: ومن أوصى بثلث ألف درهم فدفعها الورثة إلى القاضي فقسمها والموصى له غائب فقسمته جائزة؛ لأن الوصية صحيحة، ولهذا لو مات الموصى له قبل القبول تصير الوصية ميراثا لورثته والقاضي نصب ناظرا لا سيما في حق الموتى والغيب ومن النظر إفراز نصيب الغائب وقبضه فنفذ ذلك وصح، حتى لو حضر الغائب وقد هلك المقبوض لم يكن له على الورثة سبيل. قال: وإذا باع الوصي عبدا من التركة بغير محضر من الغرماء فهو جائز؛ لأن الوصي قائم مقام الموصي. ولو تولى حيا بنفسه يجوز بيعه بغير محضر من الغرماء. وإن كان في مرض موته فكذا إذا تولاه من قام مقامه، وهذا لأن حق الغرماء متعلق بالمالية لا بالصورة، والبيع لا يبطل المالية لفواتها إلى خلف وهو الثمن، بخلاف العبد   [البناية] بقي، ولأن تمامها) ش: أي تمام الوصية م: (بالتسليم إلى الجهة المسماة، إذ لا قابض لها، فإذا لم يصرف إلى ذلك الوجه لم يتم، فصار كهلاكه قبلها) ش: أي قبل القسمة. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى بثلث ألف درهم فدفعها الورثة إلى القاضي فقسمها، والموصى له غائب فقسمته جائزة) ش: أي قسمة القاضي جائزة، حتى لو هلك ما في يد القاضي ثم حضر الغائب لا يرجع على الورثة بشيء م: (لأن الوصية صحيحة، ولهذا لو مات الموصى له قبل القبول تصير الوصية ميراثا لورثته والقاضي نصب ناظرا لا سيما في حق الموتى والغيب، ومن النظر إفراز نصيب الغائب وقبضه، فنفذ ذلك) ش: أي الإفراز م: (وصح، حتى لو حضر الغائب وقد هلك المقبوض لم يكن له على الورثة سبيل) ش: وقال الإمام المحبوبي: هذا الجواب فيما إذا كانت التركة مما يكال أو يوزن؛ لأن القسمة فيه مبادلة كالبيع وبيع مال الغائب لا يجوز فكذا قسمته وأجيب بأن وضع المسألة في الدراهم وهي ما يوزن. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا باع الوصي عبدا من التركة بغير محضر من الغرماء فهو جائز) ش: صورته في " جامع محمد " عن يعقوب عن أبي حنيفة في الرجل يموت ويترك عبدا وعليه دين محيط بماله، فيبيع الوصي العبد بغير محضر من الغرماء. قال بيعه جائز، وأراد بذلك الدين على الميت لا على العبد م: (لأن الوصي قائم مقام الموصي، ولو تولى) ش: أي الموصي حال كونه م: (حيا بنفسه يجوز بيعه بغير محضر من الغرماء) ش: فهو جائز. م: (وإن كان في مرض موته فكذا إذا تولاه من قام مقامه وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن حق الغرماء متعلق بالمالية لا بالصورة والبيع لا يبطل المالية لفواتها إلى خلف، وهو الثمن، بخلاف العبد الجزء: 13 ¦ الصفحة: 517 المديون؛ لأن للغرماء حق الاستسعاء وأما هاهنا فبخلافه. قال: ومن أوصى بأن يباع عبده ويتصدق بثمنه على المساكين فباعه الوصي وقبض الثمن فضاع في يده فاستحق العبد ضمن الوصي؛ لأنه هو العاقد، فتكون العهدة عليه، وهذه عهدة؛ لأن المشتري منه ما رضي ببذل الثمن إلا ليسلم له المبيع ولم يسلم، فقد أخذ الوصي البائع مال الغير بغير رضاه فيجب عليه رده، قال: ويرجع فيما ترك الميت لأنه عامل له فيرجع عليه كالوكيل. وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول أولا: لا يرجع؛ لأنه ضمن بقبضه، ثم رجع إلى ما ذكرنا ويرجع في جميع التركة، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يرجع في الثلث؛ لأن الرجوع بحكم الوصية فأخذ حكمها ومحل الوصية الثلث. وجه الظاهر: أنه يرجع عليه بحكم الغرور، وذلك دين عليه   [البناية] المديون) ش: يملك بيع ما في يده بغير رضاء الغرماء، كذا ذكره الرازي في " شرح مختصر الطحاوي "، بخلاف العبد المديون المأذون حيث لا يبيعه مولاه ووصيته م: (لأن للغرماء حق الاستسعاء) ش: حتى يأخذوا كسبه، فيكون البيع مبطلا لحقهم، فلهم أن يبطلوا البيع. م: (أما هاهنا) ش: أي في بيع المولى بغير محضر من الغرماء م: (فبخلافه) ش: أي بخلاف ما ذكر فيما قبله؛ لأن فيه يجوز وهنا لا يجوز، سواء كان بيع الوصي بمحضرهم أو بغير محضرهم. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى بأن يباع عبده ويتصدق بثمنه على المساكين فباعه الوصي وقبض الثمن فضاع في يده فاستحق العبد ضمن الوصي) ش: الثمن م: (لأنه هو العاقد، فتكون العهدة عليه) ش: أي على الوصي م: (وهذه عهدة) ش: إنما قال هذه لأجل تأنيث الخبر وهو العهدة وتأنيث المبتدأ لتأنيث الخبر جائز م: (لأن المشتري منه ما رضي ببذل الثمن إلا ليسلم له المبيع ولم يسلم فقد أخذ الوصي البائع مال الغير بغير رضاه فيجب عليه رده، قال: يرجع فيما ترك الميت؛ لأنه عامل له فيرجع عليه كالوكيل، وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقول أولا: لا يرجع لأنه ضمن بقبضه) ش: أي بقبض الثمن وقبض الثمن من حقوق العقد، فصار الوصي في حق القبض كالمالك. وإذا كان بمنزلة المالك وقد لحقه الضمان يعمل عمل نفسه فلا يرجع بشيء م: (ثم رجع) ش: أي أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إلى ما ذكرناه، ويرجع في جميع التركة) . م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يرجع في الثلث؛ لأن الرجوع بحكم الوصية فأخذ حكمها) ش: أي حكم الوصية م: (ومحل الوصية الثلث) ش: يعني نفاذها من الثلث. م: (وجه الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية: م: (أنه يرجع عليه) ش: أي أن الوصي يرجع على الميت م: (بحكم الغرور، وذلك دين عليه) ش: أي على الميت؛ لأنه غره حيث أمره ببيع عبده الجزء: 13 ¦ الصفحة: 518 والدين يقضى من جميع التركة بخلاف القاضي أو أمينه إذا تولى البيع حيث لا عهدة عليه؛ لأن في إلزامها القاضي تعطيل القضاء إذ يتحامى عن تقلد هذه الأمانة حذرا عن لزوم الغرامة، فتتعطل مصلحة العامة وأمينه سفير عنه كالرسول، ولا كذلك الوصي؛ لأنه بمنزلة الوكيل، وقد مر في كتاب القضاء، فإن كانت التركة قد هلكت أو لم يكن بها وفاء لم يرجع بشيء، كما إذا كان على الميت دين آخر. قال: وإن قسم الوصي الميراث فأصاب صغيرا من الورثة عبد فباعه وقبض الثمن فهلك واستحق العبد رجع في مال الصغير لأنه عامل له ويرجع الصغير على الورثة بحصته لانتقاض القسمة باستحقاق ما أصابه. قال وإذا احتال الوصي بمال اليتيم، فإن كان خيرا لليتيم جاز   [البناية] والتصدق بثمنه، فكأنه قال: هذا العبد ملكي، فكان مغرورا من جهته. وفي " الذخيرة ": محيلا إلى " المنتقى ": أن الوصي يرجع على المساكين لا على الميت، والقياس هذا؛ لأن غنم تصرف الموصي يعود إلى المساكين، فغرمه يجب أن يكون عليهم م: (والدين يقضى من جميع التركة، بخلاف القاضي أو أمينه إذا تولى البيع حيث لا عهدة عليه؛ لأن في إلزامها القاضي) ش: أي لأن في إلزام العهدة القاضي م: (تعطيل القضاء إذ يتحامى) ش: أي لأنه يمتنع م: (عن تقلد هذه الأمانة حذرا عن لزوم الغرامة، فتتعطل مصلحة العامة وأمينه) ش: أي أمين القاضي م: (سفير عنه) ش: أي عن القاضي بامتناع القضاة عن قبول القضاء لأجل التزام العهدة في الأمور م: (كالرسول) ش: فلا يلزمه شيء. م: (ولا كذلك الوصي؛ لأنه بمنزلة الوكيل وقد مر في كتاب القضاء) ش: في آخر فصل القضاء بالمواريث م: (فإن كانت التركة قد هلكت، أو لم تكن بها وفاء) ش: بأن لم يفضل عن التكفين والتجهيز م: (لم يرجع) ش: أي الوصي لم يرجع م: (بشيء كما إذا كان على الميت دين آخر) ش: أي غير هذا الدين نحو الديون التي تكون على الموات المفاليس. [قسم الميراث فأصاب صغيرا من الورثة عبد فباعه واستحق العبد] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن قسم الوصي الميراث فأصاب صغيرا من الورثة عبد فباعه وقبض الثمن فهلك) ش: الثمن في يده م: (واستحق العبد رجع في مال الصغير) ش: يعني رجع المشتري بالثمن على الوصي؛ لأن العهدة على البائع ثم يرجع الوصي بذلك في مال الصغير م: (لأنه عامل له) ش: أي لأن الوصي عامل لأجل الصغير م: (ويرجع الصغير على الورثة بحصته لانتقاض القسمة باستحقاق ما أصابه) ش: أي ما أصاب الصغير. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا احتال الوصي بمال اليتيم فإن كان خيرا لليتيم جاز) ش: بأن كان المحال عليه أملأ وقدرته على أداء الدين من المحيل، وهو المديون، الجزء: 13 ¦ الصفحة: 519 وهو أن يكون أملأ، إذ الولاية نظرية، وإن كان الأول أملأ لا يجوز؛ لأن فيه تضييع مال اليتيم على بعض الوجوه قال: ولا يجوز بيع الوصي ولا شراؤه إلا بما يتغابن الناس في مثله؛ لأنه لا نظر في الغبن الفاحش. بخلاف اليسير؛ لأنه لا يمكن التحرز منه، ففي اعتباره انسداد بابه والصبي المأذون والعبد المأذون والمكاتب يجوز بيعهم وشراؤهم بالغبن الفاحش عند أبي حنيفة لأنهم يتصرفون بحكم المالكية، والإذن فك الحجر بخلاف الوصي؛ لأنه يتصرف بحكم النيابة الشرعية نظرا فيتقيد بموضع النظر. وعندهما لا يملكونه؛ لأن التصرف   [البناية] وهو قوله: م: (وهو أن يكون) ش: أي المحتال عليهم م: (أملأ إذ الولاية نظرية وإن كان الأول أملأ لا يجوز) ش: أي المديون أملأ لا يجوز م: (لأن فيه تضييع مال اليتيم على بعض الوجوه) ش: يعني إذا مات المحيل عليه مفلسا ولم يذكر إذا كانا سواء. وفي " الذخيرة ": اختلف الناس فيه، أشار في الكتاب إلى أنه لا يجوز، وذكر المحبوبي إذا كان الثاني مثل الأول لا يجوز. وقال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي " على أن الوصي له أن يأخذ الكفيل بدين الميت؛ لأن الكفالة لا توجب براءة الأصل، وكذلك لو أخذ رهنا بذلك يجوز، ولو احتال بماله أو أخذ كفيلا شرط براءة الأصل، فإنه ينظر حتى إن الصبي لو أدرك قبل أخذ الدين، فليس له أن يفسخ الحوالة، وإذا لم يكن أملأ من المحيل فإنه لا يجوز، هذا إذا ثبت الدين بمداينة الميت، وأما إذا ثبت بمداينة الوصي فإنه يجوز سواء كان خيرا لليتيم أو شرا له، إلا أنه إذا كان خيرا له فإنه يجوز بالاتفاق حتى إنه إذا أدرك وأراد أن ينقض ذلك فليس له ذلك، وإن كان شرا له جاز ذلك ويضمن الوصي اليتيم عندهما، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ولا يجوز بيع الوصي، ولا شراؤه إلا بما يتغابن الناس في مثله؛ لأنه لا نظر في الغبن الفاحش، بخلاف اليسير؛ لأنه لا يمكن التحرز منه، ففي اعتباره) ش: أي في اعتبار الغبن اليسير م: (انسداد بابه) ش: أي باب تصرف الوصي م: (والصبي المأذون والعبد المأذون والمكاتب يجوز بيعهم وشراؤهم بالغبن الفاحش عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنهم يتصرفون بحكم المالكية) ش: أي يتصرفون بحكم المالكية، أي يتصرفون بأهليتهم لا بإذن المولى، ولا يقال: العبد محجور عليه؛ لأن المصنف قال: م: (والإذن فك الحجر بخلاف الوصي؛ لأنه يتصرف بحكم النيابة الشرعية نظرا، فيتقيد بموضع النظر) ش: والأب والقاضي مثل الوصي؛ لأنهم يتصرفون للغير، فتجوز فيه عن الضرر. م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (لا يملكونه) ش: أي لا يملكون البيع بالغبن الفاحش ولا الشراء به، وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (لأن التصرف الجزء: 13 ¦ الصفحة: 520 بالفاحش منه تبرع لا ضرورة فيه، وهم ليسوا من أهله. وإذا كتب كتاب الشراء على وصي كتب كتاب الوصية على حدة وكتاب الشراء على حدة لأن ذلك أحوط. ولو كتب جملة عسى أن يكتب الشاهد شهادته في آخره من غير تفصيل، فيصير ذلك حملا له على الكذب. ثم قيل: يكتب اشترى من فلان ابن فلان ولا يكتب من فلان وصي فلان لما بينا. وقيل: لا بأس بذلك؛ لأن الوصاية تعلم ظاهرا. قال: وبيع الوصي على الكبير الغائب جائز في كل شيء إلا في العقار؛ لأن الأب يلي ما سواه ولا يليه، فكذا وصيته فيه، وكان القياس أن لا يملك الوصي غير العقار أيضا؛ لأنه لا يملكه الأب على الكبير، إلا أنا استحسناه لما أنه حفظ لتسارع الفساد إليه وحفظ الثمن أيسر وهو يملك الحفظ. أما العقار فمحصن بنفسه،   [البناية] بالفاحش منه تبرع لا ضرورة فيه، وهم ليسوا من أهله) ش: أي من أهل التبرع. قال: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كتب كتاب الشراء على وصي كتب كتاب الوصية على حدة وكتاب الشراء على حدة؛ لأن ذلك أحوط) ش: وبين وجه الأحوط م: (ولو كتب جملة عسى أن يكتب الشاهد شهادته في آخره) ش: أي في آخر الكتاب م: (من غير تفصيل) ش: بين الوصاية والشراء م: (فيصير ذلك حملا له على الكذب) ش: فينسب إلى شهادة الزور. م: (ثم قيل: يكتب) ش: أي القاضي والمشتري , كذا قاله الأترازي. وقال الكاكي: أي لا بأس بذلك، أي يجمع الوصية والشراء في كتاب واحد وهذا وجهه م: (اشترى من فلان بن فلان، ولا يكتب من فلان وصي فلان لما بينا) ش: أشار إلى قوله لأن ذلك أحوط. م: (وقيل: لا بأس بذلك) ش: أي لا بأس أن يكتب من فلان وصي فلان م: (لأن الوصاية تعلم ظاهرا) . م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وبيع الوصي على الكبير الغائب جائز في كل شيء إلا في العقار؛ لأن الأب يلي ما سواه) ش: أي ما سوى العقار م: (ولا يليه) ش: أي العقار م: (فكذا وصيته فيه) ش: أي في العقار م: (وكان القياس أن لا يملك الوصي غير العقار أيضا؛ لأنه لا يملكه الأب على الكبير الغائب، إلا أنا استحسناه لما أنه حفظ لتسارع) ش: أي أن بيع ما سوى العقار يتسارع م: (الفساد إليه وحفظ الثمن أيسر وهو) ش: أي الوصي م: (يملك الحفظ، أما العقار فمحصن بنفسه) ش: فلا يحتاج إلى بيعها للتحصين، هذا الذي ذكره إذا لم يكن على التركة دين فإن كان هو مستغرق فله أن يبيع الجميع؛ لأنه لا يمكنه قضاء الدين إلا بالبيع وإن كان غير مستغرق يبيع بقدر الدين من المنقول عليه من القول بالاتفاق، ومن العقار أيضا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، خلافا لهما. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 521 قال: ولا يتجر في المال لأن المفوض إليه الحفظ دون التجارة. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: وصي الأخ في الصغير والكبير الغائب بمنزلة وصي الأب في الكبير الغائب، وكذا وصي الأم ووصي العم، وهذا الجواب في تركة هؤلاء؛ لأن وصيهم قائم مقامهم وهم يملكون ما يكون من باب الحفظ، فكذا وصيهم. قال: والوصي أحق بمال الصغير من الجد. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الجد أحق؛ لأن الشرع أقامه مقام الأب حال عدمه حتى أحرز الميراث فيقدم على وصيه. ولنا: أن بالإيصاء تنتقل ولاية الأب إليه، فكانت ولايته قائمة معنى فيقدم عليه كالأب نفسه، وهذا لأن اختياره الوصي مع علمه بقيام الجد يدل على أن تصرفه أنظر لبنيه من تصرف أبيه. فإن لم يوص الأب فالجد بمنزلة الأب؛ لأنه أقرب الناس إليه وأشفقهم عليه حتى يملك   [البناية] م: (قال: ولا يتجر) ش: أي الوصي م: (في المال؛ لأن المفوض إليه الحفظ دون التجارة. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -) ش: وفي بعض النسخ وقال م: (وصي الأخ في الصغير والكبير الغائب بمنزلة وصي الأب في الكبير الغائب) ش: يعني في بيع المنقول دون العقار، ولا خلاف في هذه المسألة فإنما خص ذكرهما في " الجامع " لأنه روى عنهما ولم يرو عن أبي حنيفة، كذا قال الفقيه أبو الليث. م: (وكذا وصي الأم ووصي العم) ش: ليس لهما حق التصرف في العقار، ولهما حق التصرف في الفروض التي ورث من الأم خاصة أو من العم أو من الأخ، وليس لأحد من هؤلاء أن يتصرف فيما ورث من غير الذي أوصى إليه، وأما وصي الأب فله حق التصرف في الفرض والعقار سواء ورث من أبيه أو من غيره إذا كانت الورثة صغارا، وأما إذا كانوا كبارا وهم غيب فليس له التصرف إلا في فروض صاحبه م: (وهذا الجواب في تركة هؤلاء) ش: يعني الأخ والأم والعم، وإنما قيد بتركة هؤلاء لأن وصي هؤلاء في تركة الأب، كوصي الكبير الغائب م: (لأن وصيهم قائم مقامهم وهم يملكون ما يكون من باب الحفظ، فكذا وصيهم) . م: (قال) ش: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (والوصي أحق بمال الصغير من الجد، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الجد أحق) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - م: (لأن الشرع أقامه مقام الأب حال عدمه حتى أحرز الميراث فيقدم على وصيه. ولنا: أن بالإيصاء تنتقل ولاية الأب إليه) ش: أي إلى الوصي م: (فكانت ولايته) ش: أي ولاية الموصي م: (قائمة معنى، فيقدم عليه كالأب نفسه، وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن اختياره الوصي مع علمه بقيام الجد يدل على أن تصرفه) ش: أي تصرف الوصي م: (أنظر لبنيه من تصرف أبيه) ش: أي أب الموصي وهو الجد م: (فإن لم يوص الأب فالجد بمنزلة الأب؛ لأنه أقرب الناس إليه وأشفقهم عليه حتى يملك الجزء: 13 ¦ الصفحة: 522 الإنكاح دون الوصي، غير أنه يقدم عليه وصي الأب في التصرف لما بيناه.   [البناية] الإنكاح) ش: أي إنكاح أولاد ابنه م: (دون الوصي) ش: فإنه لا يملك م: (غير أنه يقدم عليه وصي الأب في التصرف لما بيناه) ش: إشارة إلى قوله ولنا أن بالإيصاء تنتقل ولاية الأب إليه، والله أعلم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 523 فصل في شهادة الوصي قال: وإذا شهد الوصيان أن الميت أوصى إلى فلان معهما فالشهادة باطلة؛ لأنهما متهمان فيهما لإثباتهما معينا لأنفسهما. قال: إلا أن يدعيها المشهود له، وهذا استحسان، وهو في القياس كالأول لما بينا من التهمة، وجه الاستحسان أن للقاضي ولاية نصب الوصي ابتداء أو ضم آخر إليهما برضاه بدون شهادتهما، فيسقط بشهادتهما مؤنة التعيين عنه، أما الوصاية فتثبت بنصب القاضي.   [البناية] [فصل في شهادة الوصي] م: (فصل في شهادة الوصي) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام شهادة الوصي، وإنما أخر هذه لكونها عارضة فيها غير أصلية، والأصل عدم العارض. م: (قال: وإذا شهد الوصيان أن الميت أوصى إلى فلان معهما) ش: أي مع الوصيين م: (فالشهادة باطلة لأنهما متهمان فيها) ش: أي في هذه الشهادة م: (لإثباتهما معينا لأنفسهما) ش: قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا شهادة لمتهم» وهذا لا نعلم فيه خلافا. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع ": م: (إلا أن يدعيها المشهود له) ش: ولفظه في " الجامع " محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الوصيين يشهدان: أن الميت أوصى إلى هذا معهما قال: إن ادعى ذلك فشهادتهما باطلة، وكذلك الوارثان يشهدان بذلك، قالوا في شرح " الجامع الصغير ": م: (وهذا استحسان) ش: وأخذ المصنف هذا وقال هذا، وأشار به إلى قوله: إلا أن يدعيهما المشهود استحسانا م: (وهو في القياس كالأول) ش: أي كالوجه الأول، وهو البطلان. وذكر وجه القياس بقوله: م: (لما بينا من التهمة) ش: لأنها شهادتان للشاهد أو لأبيه. م: (وجه الاستحسان: أن للقاضي ولاية نصب الوصي ابتداء أو ضم آخر إليهما) ش: أي إلى الوصيين م: (برضاه) ش: أي برضى الآخر م: (بدون شهادتهما) ش: لأن الولاية للقاضي لا تكون بهذه الشهادة، فإذا كان كذلك م: (فيسقط بشهادتهما مؤنة التعيين عنه) ش: أي عن القاضي. مثاله أن القرعة ليست بحجة، ويجوز استعمالها في تعيين الإيصاء لدفع التهمة عن القاضي فصلحت دامغة لا حجة، فكذلك هذه الشهادة تدفع عنه مؤنة التعيين. م: (أما الوصاية فتثبت بنصب القاضي) ش: فلا يحتاج إلى الشهادة؛ لأن الشاهدين لو سألا القاضي بأن يجعل هذا الرجل وصيا وهو راغب فيه أجابهما إلى ذلك بخلاف الوكالة، فإنهما لو سألاه أن يوكل هذا الرجل عن أيهما لا يفعل؛ لأنه ليس له ولاية في مال أبيهما. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 524 قال: وكذلك الابنان، معناه: إذا شهدا أن الميت أوصى إلى رجل وهو ينكر؛ لأنهما يجران إلى أنفسهما نفعا بنصب حافظ للتركة. ولو شهدا، يعني الوصيين، لوارث صغير بشيء من مال الميت أو غيره فشهادتهما باطلة؛ لأنهما يظهران ولاية التصرف لأنفسهما في المشهود به. قال: وإن شهدا لوارث كبير في مال الميت لم يجز. وإن كان في غير مال الميت جاز، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: إن شهدا لوارث كبير تجوز في الوجهين؛ لأنه لا يثبت لهما ولاية التصرف في التركة إذا كانت الورثة كبارا فعريت عن التهمة، وله: أنه يثبت لهما ولاية الحفظ وولاية بيع المنقول عند غيبة الوارث وتحققت التهمة. بخلاف شهادتهما في غير التركة لانقطاع ولاية وصي الأب عنه؛ لأن الميت أقامه مقام نفسه في تركته لا في غيرها. قال: وإذا شهد رجلان لرجلين على ميت بدين ألف درهم وشهد الآخران للأولين بمثل ذلك جازت شهادتهما، فإن كانت شهادة كل فريق للآخر بوصية ألف درهم لم تجز، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -:   [البناية] م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع ": م: (وكذلك الابنان) ش: هذا لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو معطوف على المستثنى منه، وهو قوله: فالشهادة باطلة وقال المصنف: م: (معناه) ش: أي معنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكذلك الابنان م: (إذا شهدا أن الميت أوصى إلى رجل وهو ينكر؛ لأنهما يجران إلى أنفسهما نفعا بنصب حافظ للتركة) ش: وفيه تهمة فلا تقبل. م: (ولو شهدا، يعني الوصيين، لوارث صغير بشيء من مال الميت أو غيره) ش: أي أو غير مال الميت م: (فشهادتهما باطلة؛ لأنهما يظهران ولاية التصرف لأنفسهما في المشهود به، قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن شهدا لوارث كبير في مال الميت لم يجز وإن كان في غير مال الميت جاز، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . م: (وقالا: إن شهدا لوارث كبير تجوز في الوجهين) ش: لوارث كبير في مال الميت وفي غيره مال الميت م: (لأنه لا يثبت لهما ولاية التصرف في التركة إذا كانت الورثة كبارا فعريت) ش: أي الشهادة م: (عن التهمة وله) ش: ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أنه يثبت لهما) ش: الضمير في " أنه " للشأن، وهي لهما - الوصيان - م: (ولاية الحفظ وولاية بيع المنقول عند غيبة الوارث وتحققت التهمة. بخلاف شهادتهما في غير التركة لانقطاع ولاية وصي الأب عنه؛ لأن الميت أقامه مقام نفسه في تركته لا في غيرها) . م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع ": م: (وإذا شهد رجلان لرجلين على ميت بدين ألف درهم، وشهد الآخران للأولين بمثل ذلك جازت شهادتهما، وإن كانت شهادة كل فريق للآخرين بوصية ألف درهم لم يجز، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 525 لا تقبل في الدين أيضا، وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما ذكر الخصاف مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجه القبول: أن الدين يجب في الذمة وهي قابلة لحقوق شتى فلا شركة، ولهذا لو تبرع أجنبي بقضاء دين أحدهما ليس للآخر حق المشاركة. وجه الرد: أن الدين بالموت يتعلق بالتركة، إذ الذمة خربت بالموت، ولهذا لو استوفى أحدهما حقه من التركة، يشاركه الآخر فيه، فكانت الشهادة مثبتة حق الشركة، فتحققت التهمة. بخلاف حال حياة المديون؛ لأنه في الذمة لبقائها لا في المال فلا تتحقق الشركة. قال: ولو شهدا أنه أوصى لهذين الرجلين بجاريته،   [البناية] لا تقبل) ش: الشهادة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في الدين أيضا، وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما ذكر الخصاف مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: كما قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولفظ الخصاف في كتاب " أدب القاضي " لو أن رجلا مات بدين ألف درهم وترك لورثته مالا فشهد رجلان لرجلين على الميت بدين ألف درهم، فإن أبا حنيفة وابن أبي ليلى وأبا يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قالوا: الشهادة باطلة من قبل أنهم يشتركون فيما قبض كل واحد منهم وروى محمد بن الحسن في " الجامع الصغير " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الشهادة جائزة، وروى الحسن بن أبي زياد عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنهم إن جاءوا جميعا فالشهادة باطلة. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي تجوز شهادة كل فريق في حق الدين ولا تجوز في الوصية. قال الكاكي: وإنما خص قول محمد هنا مع أنه قيل: هذا قول أبي حنيفة ومحمد؛ لتقرر قول محمد في ذلك واضطراب قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فصار عن أبي حنيفة روايتان، وعن أبي يوسف كذلك، وعن محمد رواية واحدة. م: (وجه القبول: أن الدين يجب في الذمة وهي) ش: أي الذمة م: (قابلة لحقوق شتى) ش: أي كثيرة متفرقة م: (فلا شركة) ش: أي في ذلك فلا تهمة. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عدم الشركة م: (لو تبرع أجنبي بقضاء دين أحدهما ليس للآخر حق المشاركة، وجه الرد أن الدين بالموت يتعلق بالتركة، إذ الذمة خربت بالموت، ولهذا لو استوفى أحدهما حقه من التركة يشاركه الآخر فيه) ش: أي في الذي استوفاه م: (فكانت الشهادة مثبتة حق الشركة فتحققت التهمة) ش: فلا تقبل الشهادة. م: (بخلاف حال حياة المديون؛ لأنه) ش: أي لأن الدين م: (في الذمة لبقائها لا في المال) ش: أي لبقاء الذمة، ولهذا يأخذه الآخر لا يكون للآخر فيه أن يشاركه فيه، فإذا كان كذلك م: (فلا تتحقق الشركة) . م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع ": م: (ولو شهدا أنه أوصى لهذين الرجلين بجاريته؛ الجزء: 13 ¦ الصفحة: 526 وشهد الشهود لهما أن الميت أوصى للشاهدين بعبده جازت الشهادة بالاتفاق؛ لأنه لا شركة فلا تهمة قال: ولو شهدا أنه أوصى لهذين الرجلين بثلث ماله وشهد المشهود لهما: أنه أوصى للشاهدين بثلث ماله فالشهادة باطلة. وكذا إذا شهد الأولان أن الميت أوصى لهذين الرجلين بعبد وشهد المشهود لهما أنه أوصى للأولين بثلث ماله فهي باطلة؛ لأن الشهادة في هذه الصورة مثبتة للشركة.   [البناية] وشهد الشهود لهما أن الميت أوصى للشاهدين بعبده جازت الشهادة بالاتفاق؛ لأنه لا شركة فلا تهمة. قال) ش: أي محمد م: (ولو شهدا أنه أوصى لهذين الرجلين بثلث ماله وشهد المشهود لهما أنه أوصى للشاهدين بثلث ماله فالشهادة باطلة. وكذا إذا شهد الأولان أن الميت أوصى لهذين الرجلين بعبد وشهد المشهود لهما أنه أوصى للأولين بثلث ماله فهي باطلة؛ لأن الشهادة في هذه الصورة مثبتة للشركة) ش: وذلك لأنهم يشتركون في ثلث العبد. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 527 كتاب الخنثى فصل في بيانه قال: وإذا كان للمولود فرج وذكر فهو خنثى، فإن كان يبول من الذكر فهو غلام، وإن كان يبول من الفرج فهو أنثى «لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سئل عنه كيف يورث؟ فقال: " من حيث يبول» .   [البناية] [كتاب الخنثى] [فصل في بيان الخنثى] م: (كتاب الخنثى) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الخنثى. م: (فصل في بيانه) م: (قال) ش: الأكمل: فإن قيل: الفصل إنما يذكر لقطع شيء من شيء آخر باعتبار نوع مغايرة بينهما، وهاهنا لم يتقدم شيء، فما وجه ذكر الفصل؟ قلت: كلامه في قوة أن يقال: هذا الكتاب فيه فصلان، فصل في بيان الخنثى، وفصل في أحكامه م: (وإذا كان للمولود فرج وذكر فهو خنثى) ش: أراد بالفرج هنا الحر، وهو قبل المرأة، وإلا فالفرج يطلق على قبل المرأة والرجل باتفاق أهل اللغة، كذا في " المغرب "، وفيه تركيب الخنث يدل على لين ونكس، وفيه المخنث وتخنيث في كلامه، وهو على وزن فعلى، وجمعه خناثى بالفتح كحبلى وحبالى. م: (فإن كان يبول من الذكر فهو غلام، وإن كان يبول من الفرج فهو أنثى؛ لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سئل عنه كيف يورث فقال: «من حيث يبول» ش: هذا الحديث رواه ابن عدي في " الكامل " من حديث أبي يوسف القاضي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه سئل عن مولود ولد له قبل وذكر، من أين يورث؟ فقال: " من حيث يبول» . ومن طريق ابن عدي رواه البيهقي في " المعرفة " في الفرائض وعده ابن عدي من منكرات الكلبي. وقال البيهقي: الكلبي لا يحتج به ورواه ابن الجوزي في " الموضوعات " من جهة ابن عدي وقال: البلاء فيه من الكلبي، انتهى. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 528 وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مثله، ولأن البول من أي عضو كان فهو دلالة على أنه هو العضو الأصلي الصحيح، والآخر بمنزلة العيب. وإن بال منهما فالحكم للأسبق لأن ذلك دلالة أخرى على أنه هو العضو الأصلي. وإن كانا في السبق على السواء، فلا معتبر بالكثرة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: ينسب إلى أكثرهما بولا؛ أنه علامة قوة ذلك العضو وكونه عضوا أصليا. ولأن للأكثر حكم الكل في أصول الشرع فيترجح بالكثرة، وله: أن كثرة الخروج ليس يدل على القوة؛ لأنه قد يكون لاتساع في أحدهما وضيق في الآخر   [البناية] قلت: أبو يوسف إمام مجتهد ثقة كيف يروي عن الكلبي مع علمه بأنه لا يحتج به، ولو لم يعلم أنه ثقة لما روى عنه. وقد أيده أيضا ما روي م: (عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: فقال المصنف: وعن علي م: (مثله) ش: رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا الحسن بن كثير الأحمسي عن أبيه عن معاوية أنه أتي في خنثى فأرسلهم إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: يورث من حيث يبول، ورواه الشعبي نحوه، وروى عبد الرزاق في " مصنفه " عن سعيد بن المسيب نحوه، وزاد: فإن كانا في البول سواء فمن حيث سبق. م: (ولأن البول من أي عضو كان فهو دلالة على أنه هو العضو الأصلي الصحيح، والآخر بمنزلة العيب) ش: وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول، وهكذا كان الحكم في الجاهلية، فقرره الشرع. م: (وإن بال منهما فالحكم للأسبق؛ لأن ذلك دلالة أخرى على أنه هو العضو الأصلي، وإن كانا في السبق على السواء، فلا معتبر بالكثرة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أحد الوجهين، فكان خنثى مشكلا، فقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا أدري. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (ينسب إلى أكثرهما بولا) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه وأحمد والأوزاعي والمزني م: (لأنه علامة قوة ذلك العضو وكونه عضوا أصليا. ولأن للأكثر حكم الكل في أصول الشرع، فيترجح بالكثرة) . م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن كثرة الخروج لا يدل على القوة؛ لأنه قد يكون لاتساع في أحدهما وضيق في الآخر) ش: ولما أخبر أبو يوسف أبا حنيفة - رحمهما الله - بجوابه قال أبو حنيفة: هل رأيت قاضيا يكيل البول بالأواني وتوقف أبو حنيفة في الجواب وقال: لا أدري، وهذا من علامة فقه الرجل في ورعه وعدم تخبطه في الجواب، فإنه استند عليه بطريق التمييز الجزء: 13 ¦ الصفحة: 529 وإن كان يخرج منهما على السواء فهو مشكل بالاتفاق؛ لأنه لا مرجح. قال: وإذا بلغ الخنثى وخرجت له لحية أو وصل إلى النساء فهو رجل، وكذا إذا احتلم كما يحتلم الرجل، أو كان له ثدي مستو؛ لأن هذا من علامة الذكران. ولو ظهر له ثدي كثدي المرأة أو نزل له لبن في ثديه أو حاض أو حبل أو أمكن الوصول إليه من الفرج فهو امرأة؛ لأن هذه من علامات النساء، وإن لم يظهر إحدى هذه العلامات فهو خنثى مشكل، وكذا إذا تعارضت هذه المعالم.   [البناية] بالدليل المعقول والمسموع، فتوقف كما قالوا جميعا عند استواء الكثرة: لا علم لنا بذلك. وسئل ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن مثله فقال: لا أدري، كذا في " المبسوط " و " الأسرار "، وإن استويا في الكثرة فهو مشكل عند الجمهور. وحكي عن علي والحسن أنهما قالا: يعد أضلاعه، فإن أضلاع المرأة أكثر من أضلاع الرجل. وقال جابر بن زيد: يوقف إلى جانب حائط فإن بال عليه فهو رجل، وإن سلسل بين فخذيه فهي امرأة، وكلا القولين ليس بصحيح م: (وإن كان يخرج منهما على السواء فهو مشكل بالاتفاق؛ لأنه لا مرجح) ش: حتى يحكم بالترجيح. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا بلغ الخنثى) ش: يعني هذا الذي قلنا ما دام صغيرا، فإذا بلغ م: (وخرجت لحية أو وصل إلى النساء فهو رجل. وكذا إذا احتلم كما يحتلم الرجل أو كان له ثدي مستو؛ لأن هذه من علامات الذكران. ولو ظهر له ثدي كثدي المرأة أو نزل له لبن في ثديه أو حاض أو حبل أو أمكن الوصول إليه من الفرج فهو امرأة؛ لأن هذه من علامات النساء، وإن لم يظهر إحدى هذه العلامات فهو خنثى مشكل. وكذا إذا تعارضت هذه المعالم) ش: ولو كان شخص لا مهبل له بل له مخرج واحد فيهما بين المخرجين منه يبول ويتغوط، أو لا يخرج له لا قبل له ولا دبر، وإنما يتقيأ ما يأكله ويشربه. وحكي في بعض البلاد هذا، فهو في حكم الخنثى المشكل، كذا في المغني لابن قدامة. وفي " المحيط " وفي " المنتقى " قال: أبو يوسف وأبو حنيفة - رحمهما الله -: ما أدري ما أقول في هذا، والله أعلم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 530 فصل في أحكامه قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الأصل في الخنثى المشكل أن يؤخذ فيه بالأحوط والأوثق في أمور الدين، وأن لا يحكم بثبوت حكم وقع الشك في ثبوته. قال: وإذا وقف خلف الإمام قام بين صف الرجال والنساء لاحتمال أنه امرأة فلا يتخلل الرجال كي لا يفسد صلاتهم، ولا النساء لاحتمال أنه رجل فتفسد صلاته. فإن قام في صف النساء فأحب إلي أن يعيد صلاته، لاحتمال أنه رجل، وإن قام في صف الرجال فصلاته تامة ويعيد الذي عن يمينه وعن يساره، والذي خلفه بحذائه صلاتهم احتياطا، لاحتمال أنه امرأة. وقال: وأحب إلينا أن   [البناية] [فصل في بيان أحكام الخنثى] م: (فصل في أحكامه) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الخنثى. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الأصل في الخنثى المشكل) ش: وتذكير الضمير فيه للتغليب المذكور؛ لأن فيه جهة الذكورة وجهة الأنوثة، الأصل في الخنثى المشكل م: (أن يؤخذ فيه بالأحوط والأوثق في أمور الدين، وأن لا يحكم بثبوت حكم وقع الشك في ثبوته) ش: قال المشكل ولم يقل المشكلة؛ لأنه لما لم يعلم تذكيره وتأنيثه والأصل هو الذكر؛ لأن حواء - عَلَيْهَا السَّلَامُ - خلقت من ضلع آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (إذا وقف خلف الإمام قام بين صف الرجال والنساء، لاحتمال أنه امرأة، فلا يتخلل الرجال كي لا يفسد صلاتهم، ولا النساء لاحتمال أنه رجل فتفسد صلاته، فإن قام في صف النساء فأحب إلي أن يعيد صلاته، لاحتمال أنه رجل) ش: إنما قال: أحب إلي ولم يقل أوجب مع أن فيها جهة الفساد، وفي العبادات جهة الفساد راجحة، لما أن فساد الصلاة بجهة المحاذاة مختلف فيه وفي كونه رجلا أيضا، صار بمنزلة الشبهة، فلذلك قال: أحب إلي، أشار إليه في " المبسوط " وفي " الذخيرة "، هذا حال كونه مراهقا، فأما لو كان بالغا يجب الإعادة لترجيح جهة الفساد. م: (وإن قام في صف الرجال فصلاته تامة، ويعيد الذي عن يمينه وعن يساره والذي خلفه بحذائه صلاتهم احتياطا لاحتمال أنه امرأة) ش: إنما قال: احتياطا لأن مبنى العبادة على الاحتياط، محاذاة المرأة الرجل في حقهم موهوم. م: (وقال: وأحب إلينا) ش: لفظ قال هنا لم يقع في محله؛ لأنه إنما يذكر إما لمحمد وإما للقدوري، ولم يذكر هذه المسألة إلا في الأصل، وكذلك لم يقع في نسخة شيخي العلاء م: (أن الجزء: 13 ¦ الصفحة: 531 يصلي بقناع؛ لأنه يحتمل أنه امرأة، ويجلس في صلاته جلوس المرأة؛ لأنه إن كان رجلا فقد ترك سنة وهو جائز في الجملة، وإن كان امرأة فقد ارتكب مكروها؛ لأن الستر على النساء واجب ما أمكن. وإن صلى بغير قناع أمرته أن يعيد، لاحتمال أنه امرأة، وهو على الاستحباب، وإن لم يعد أجزأه، وتبتاع له أمة تختنه إن كان له مال؛ لأنه يباح لمملوكته النظر إليه رجلا كان أو امرأة، ويكره أن يختنه رجل؛ لأنه عساه أنثى، أو تختنه امرأة؛ لأنه لعله رجل، فكان الاحتياط لما قلنا. وإن لم يكن له مال ابتاع له الإمام أمة من بيت المال؛ لأنه أعد لنوائب المسلمين، فإذا ختنته باعها ورد ثمنها في بيت المال، لوقوع الاستغناء عنها. ويكره له في حياته لبس الحلي والحرير، وأن يتكشف قدام الرجال أو قدام النساء وأن يخلو به غير محرم من رجل أو امرأة، وأن يسافر من غير محرم من الرجال؛ توقيا عن احتمال المحرم.   [البناية] يصلي بقناع؛ لأنه يحتمل أنه امرأة، ويجلس في صلاته جلوس المرأة) ش: وفسر السرخسي هذا بقوله: معناه أن يخرج رجليه من جانب ويفضي بإليته إلى الأرض؛ لأنه أقرب إلى التستر م: (لأنه إن كان رجلا فقد ترك سنة، وهو جائز في الجملة) ش: كما في حالة الضعف. م: (وإن كان امرأة فقد ارتكب مكروها؛ لأن الستر على النساء واجب ما أمكن، وإن صلى بغير قناع أمرته أن يعيد) ش: أي صلاته م: (لاحتمال أنه امرأة، وهو على الاستحباب) ش: هذا قبل البلوغ، فأما بعد البلوغ تجب الإعادة م: (وإن لم يعد أجزأه) ش: لأنه ترك الاستحباب. م: (وتبتاع له أمة تختنه إن كان له مال؛ لأنه يباح لمملوكته النظر إليه رجلا كان أو امرأة) ش: قال الكاكي: هذا التعليل يصح في حق الرجل، أما لا يصح في حق المرأة؛ لأن الأمة لا يباح لها النظر إلى مواضع العورة من سيدها مطلقا، وقال الكاكي فيه نظر؛ لأن ذلك في حالة الاحتياط لا في حالة العذر. م: (ويكره أن يختنه رجل؛ لأنه عساه أنثى) ش: أي لعله أنثى م: (أو تختنه امرأة لعله رجل، فكان الاحتياط فيما قلنا) ش: أنه في شراء الأمة م: (وإن لم يكن له مال ابتاع له الإمام) ش: أي اشترى له من بيت المال م: (أمة من بيت المال؛ لأنه) ش: بيت المال م: (أعد لنوائب المسلمين، فإذا ختنته باعها ورد ثمنها في بيت المال لوقوع الاستغناء عنها) . م: (ويكره له في حياته لبس الحلي والحرير) ش: وفي " النهاية ": وليس في قيد الحياة زيادة فائدة، لما أنه بعد الموت كذلك م: (وأن يتكشف قدام الرجال أو قدام النساء) ش: والمرأة بالانكشاف، وهو أن يكون في إزار واحد لأنه مواضع العورة؛ لأن ذلك لا يحل لغير الأنثى أيضا م: (وأن يخلو به غير محرم من رجل أو امرأة، وأن يسافر من غير محرم من الرجال توقيا من احتمال المحرم) ش: أي عن ارتكابه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 532 وإن أحرم وقد راهق، قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا علم لي في لباسه؛ لأنه إن كان ذكرا يكره له لبس المخيط، وإن كان أنثى يكره له تركه. وقال محمد يلبس لباس المرأة؛ لأن ترك لبس المخيط وهو امرأة أفحش من لبسه وهو رجل، ولا شيء عليه؛ لأنه لم يبلغ. ومن حلف بطلاق أو عتاق إن كان أول ولد تلدينه غلاما فولدت خنثى لم يقع حتى يستبين أمر الخنثى؛ لأن الخنث لا يثبت بالشك. ولو قال: كل عبد لي حر، أو قال: كل أمة لي حرة وله مملوك خنثى لم يعتق حتى يستبين أمره لما قلنا. وإن قال القولين جميعا عتق للتيقن بأحد الوصفين؛ لأنه ليس بمهمل. وإن قال الخنثى: أنا رجل أو أنا امرأة لم يقبل قوله إذا كان مشكلا؛ لأنه دعوى يخالف قضية الدليل. وإن لم يكن مشكلا ينبغي أن يقبل قوله؛ لأنه أعلم بحاله من غيره. وإن مات قبل أن يستبين أمره لم يغسله رجل ولا امرأة؛ لأن حل الغسل   [البناية] م: (وإن أحرم وقد راهق، قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا علم لي في لباسه؛ لأنه إن كان ذكرا يكره له لبس المخيط، وإن كان أنثى يكره له تركه) ش: إنما قال ذلك لاشتباه حاله وعدم مرجح. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يلبس لباس المرأة؛ لأن ترك لبس المخيط وهو امرأة أفحش من لبسه وهو رجل ولا شيء عليه؛ لأنه لم يبلغ) ش: فلا يكون جناية. م: (ومن حلف بطلاق أو عتاق إن كان أول ولد تلدينه غلاما) ش: فهو حر م: (فولدت خنثى لم يقع شيء حتى يستبين أمر الخنثى؛ لأن الخنث لا يثبت بالشك، ولو قال: كل عبد لي حر، أو قال: كل أمة لي حرة وله مملوك خنثى لم يعتق حتى يستبين أمره لما قلنا) ش: أي لأن الخنث لا يثبت بالشك م: (وإن قال القولين جميعا عتق) ش: يعني إذا قال: كل عبد لي حر، وكل أمة لي حرة عتق المملوكة الخنثى م: (للتيقن بأحد الوصفين) ش: لا فرق أن يكون ذكرا في الواقع أو أنثى، فأيا ما كان يعتق بأحد اليمينين م: (لأنه ليس بمهمل) ش: يعني أنه في الواقع ليس بخال عن أحد الحالين. م: (وإن قال الخنثى أنا رجل أو قال أنا امرأة لم يقبل قوله إذا كان مشكلا؛ لأنه دعوى يخالف قضية الدليل) ش: لأنه يقتضي بقاء الإشكال، وهو لا يعلم في ذلك من نفسه خلاف ما يعلم به غيره. حاصله: أنه مجازف فيما يخبر به عن نفسه، فإنه لم يعلم من ذلك إلا ما يعلم غيره. م: (وإن لم يكن مشكلا ينبغي أن يقبل قوله؛ لأنه أعلم بحاله من غيره) ش: وقال الأترازي: في هذا التعليل نظر؛ لأنه إنما يكون مشكلا إذا ظهرت فيه إحدى العلامات، فبعد ظهورها يحكم بأنه ذكر أو أنثى فلا حاجة إلى قول الخنثى بعد ذلك. انتهى. قيل: إنما قال: ينبغي أن يقبل بلفظ ينبغي؛ لأن حكمه غير مذكور فلم يتيقن به. م: (وإن مات) ش: أي الخنثى م: (قبل أن يستبين أمره لم يغسله رجل ولا امرأة لأن حل الغسل الجزء: 13 ¦ الصفحة: 533 غير ثابت بين الرجال والنساء، فيتوقى لاحتمال الحرمة، وييمم بالصعيد لتعذر الغسل. ولا يحضر إن كان مراهقا غسل رجل ولا امرأة لاحتمال أنه ذكر أو أنثى، وإن سجى قبره فهو أحب؛ لأنه إن كان أنثى يقيم واجبا، وإن كان ذكرا فالتسجية لا تضره. وإذا مات فصلي عليه وعلى رجل وامرأة وضع الرجل مما يلي الإمام، والخنثى خلفه، والمرأة خلف الخنثى فيؤخر عن الرجل لاحتمال أنه امرأة، ويقدم على المرأة لاحتمال أنه رجل. ولو دفن مع رجل في قبر واحد من عذر جعل الخنثى خلف الرجل لاحتمال أنه امرأة، ويجعل بينهما حاجز من صعيد، وإن كان مع امرأة قدم الخنثى لاحتمال أنه رجل. وإن كان يجعل على السرير نعش المرأة فهو أحب إلي لاحتمال أنه عورة.   [البناية] غير ثابت بين الرجال والنساء) ش: أي غسل الرجل امرأته وعكسه غير ثابت في الشرع م: (فيتوقى لاحتمال الحرمة) ش: فإن النظر إلى العورة حرام، والحرمة لم تكشف بالموت، فتعذر غسله لانعدام من يغتسله، فصار بمنزلة من تعذر غسله لانعدام ما يغسل به م: (وييمم بالصعيد لتعذر الغسل) ش: ويتيمم مع الخرقة، إن يممه الأجنبي، وبغيرها إن كان ذا رحم محرم من الميت ينظر المتيمم إلى وجهه، ويعوض وجهه عن ذراعيه لاحتمال أن يكون امرأة. م: (ولا يحضر) ش: أي الخنثى م: (إن كان مراهقا غسل رجل ولا امرأة لاحتمال أنه ذكر أو أنثى، وإن سجي قبره فهو أحب؛ لأنه إن كان أنثى يقيم واجبا، وإن كان ذكرا فالتسجية لا تضره. وإذا مات فصلي عليه وعلى رجل وامرأة وضع الرجل مما يلي الإمام والخنثى خلفه والمرأة خلف الخنثى فيؤخر عن الرجال، لاحتمال أنه امرأة، ويقدم على المرأة لاحتمال أنه رجل) . م: (ولو دفن مع رجل في قبر واحد من عذر جعل الخنثى خلف الرجل لاحتمال أنه امرأة، ويجعل بينهما حاجز من صعيد، وإن كان مع امرأة قدم الخنثى لاحتمال أنه رجل، وإن كان يجعل على السرير نعش المرأة فهو أحب إلي لاحتمال أنه عورة) ش: والنعش شبه المحفة، مشبك مطبق على المرأة إذا وضعت على الجنازة. وفي " الذخيرة ": وإن حمل الخنثى مقلوبا فهو أحب إلي، ومعنى المقلوب: أنه إذا كان للجنازة قوائم تقلب وتجعل القوائم التي أسفل الجنازة أعلاها، ثم عمل عليه؛ لأنه لا بد وأن يلقى عليه ثوب. فإذا جعلت الجنازة مقلوبة يلقى الثوب على القوائم , فيكون أستر له مما حمل على ظاهر الجنازة، وإن لم يكن لها قوائم وضع على ظاهر الجنازة ووضع عليه النعش فيكون أستر له , فإن كان امرأة فهو السنة وإن كان رجلا فالنعش لا يضره. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 534 ويكفن كما تكفن الجارية، وهو أحب إلي، يعني: يكفن في خمسة أثواب؛ لأنه إذا كان أنثى فقد أقيمت سنة، وإن كان ذكرا فقد زادوا على الثلاثة ولا بأس بذلك، ولو مات أبوه وخلف ابنا وخنثى فالمال بينهما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أثلاثا، للابن سهمان وللخنثى سهم، وهو أنثى عنده في الميراث، إلا أن يتبين غير ذلك. وقالا: للخنثى نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى، وهو قول الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. واختلفا في قياس قوله، قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المال بينهما على اثني عشر سهما، للابن سبعة   [البناية] م: (ويكفن كما تكفن الجارية وهو أحب إلي، يعني يكفن في خمسة أثواب؛ لأنه إذا كان أنثى فقد أقيمت سنة، وإن كان ذكرا فقد زادوا على الثلاثة، ولا بأس بذلك) ش: لأن عدد الكفن يعتبر بعدد الثياب حال الحياة، فالزيادة على الثلاثة في الكفن للرجل غير ضار كما في حال الحياة، فإن للرجل أن يلبس حال حياته أزيد من الثلاثة. م: (ولو مات أبوه) ش: أي أبو الخنثى م: (وخلف ابنا وخنثى فالمال بينهما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أثلاثا، للابن سهمان وللخنثى سهم، وهو) ش: أي الخنثى م: (أنثى عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (في الميراث) ش: وبه قال الشعبي، كذا ذكره بعضهم م: (إلا أن يتبين غير ذلك) ش: هذا استثناء من قوله: وهو أنثى عنده في الميراث، يعني وهو بأن يظهر فيه إحدى علامات الذكورية بلا تعارض، فحينئذ يعتبر ذكرا. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (للخنثى نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى وهو قول الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وذكر القدوري قول محمد مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذلك ذكر أبو النصر البغدادي قول محمد مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكذلك ذكره المصنف، وكذلك في عامة الكتب ذكروا قول محمد مع أبي يوسف خيفة. وقال الكاكي: ذكر في عامة كتب أصحابنا أن للخنثى المشكل أقل النصيبين، يعني سواء الحالتين عند أبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أولا، وعليه الفتوى، وهو قول عامة الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وقال أبو يوسف آخرا: له نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى، وهو قول أحمد وابن أبي ليلى والثوري وشريك والحسن بن صالح وأهل المدينة وأهل مكة وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. وقال الشافعي وأبو ثور وداود وابن جرير - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعطى له اليقين، وهو ميراث أنثى ويوقف الباقي إلى أن يتبين الأمر، ويصطلحوا. وفيه قول آخر للشافعي شاذ. م: (واختلفا في قياس قوله) ش: أي على ترجيح قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المال بينهما) ش: أي بين الابن والخنثى م: (على اثني عشر سهما للابن سبعة الجزء: 13 ¦ الصفحة: 535 وللخنثى خمسة. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المال بينهما على سبعة، للابن أربعة وللخنثى ثلاثة؛ لأن الابن يستحق كل الميراث عند الانفراد، والخنثى ثلاثة الأرباع، فعند الاجتماع يقسم بينهما على قدر حقيهما، هذا يضرب بثلاثة، وذلك يضرب بأربعة، فيكون سبعة. لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الخنثى لو كان ذكرا يكون المال بينهما نصفين، وإن كان أنثى يكون المال بينهما أثلاثا احتجنا إلى حساب له نصف وثلث وأقل ذلك ستة، ففي حال يكون المال بينهما نصفين لكل واحد ثلاثة، وفي حال يكون أثلاثا للخنثى سهمان وللابن أربعة فسهمان للخنثى ثابتان بيقين، ووقع الشك في السهم الزائد فينتصف، فيكون له سهمان ونصف فانكسر، فيضعف ليزول الكسر، فصار الحساب من اثني عشر للخنثى خمسة وللابن سبعة. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الحاجة هاهنا إلى إثبات المال ابتداء والأقل وهو ميراث الأنثى متيقن به، وفيما زاد عليه شك فأثبتنا المتيقن قصرا عليه؛ لأن المال لا يجب بالشك، وصار كما إذا كان الشك في وجوب المال بسبب آخر، فإنه يؤخذ فيه بالمتيقن، كذا هذا، إلا أن يكون نصيبه الأقل لو قدرناه ذكرا فحينئذ يعطى نصيب الابن في تلك الصورة لكونه متيقنا به،   [البناية] وللخنثى خمسة. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المال بينهما على سبعة، للابن أربعة وللخنثى ثلاثة؛ لأن الابن يستحق كل الميراث عند الانفراد، والخنثى) ش: يستحق م: (ثلاثة الأرباع، فعند الاجتماع يقسم بينهما على قدر حقيهما، هذا يضرب بثلاثة وذاك يضرب بأربعة، فيكون سبعة. ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الخنثى لو كان ذكرا يكون المال بينهما نصفين وإن كان أنثى يكون المال بينهما أثلاثا احتجنا إلى حساب له نصف وثلث، وأقل ذلك ستة، ففي حال يكون المال بينهما نصفين لكل واحد ثلاثة، وفي حال يكون أثلاثا للخنثى سهمان وللابن أربعة، فسهمان للخنثى ثابتان) ش: باتفاق م: (بيقين، ووقع الشك في السهم الزائد، فينتصف فيكون له سهمان ونصف، فانكسر فيضعف ليزول الكسر، فصار الحساب من اثني عشر، للخنثى خمسة وللابن سبعة) . م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الحاجة هاهنا إلى إثبات المال ابتداء) ش: لأنه لا بد من بيان سبب استحقاقه بالذكورة أو الأنوثة، ولا شيء منهما معلوم، وإثبات المال ابتداء بدون سبب متحقق غير مشروع، فلا بد من البناء على المتيقن م: (والأقل وهو ميراث الأنثى متيقن به، وفيما زاد عليه شك فأثبتنا المتيقن به قصرا عليه؛ لأن المال لا يجب بالشك، وصار كما إذا كان الشك في وجوب المال بسبب آخر) ش: كما في مسألة المفقود م: (فإنه يؤخذ فيه بالمتيقن، كذا هذا، إلا أن يكون نصيبه الأقل) ش: هذا استثناء من قوله: فأوجبنا المتيقن قصرا عليه، يعني أوجبنا للخنثى ميراث الأنثى للمتيقن وما تجاوزنا عنه بإثبات الزيادة؛ لأن المال لا يجب بالشك، إلا أن نصيبه الأقل م: (لو قدرناه ذكرا، فحينئذ يعطى نصيب الابن في تلك الصورة لكونه متيقنا به) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 536 وهو أن تكون الورثة زوجا وأما وأختا لأب وأم وهي خنثى، أو امرأة وأخوين لأم وأختا لأب وأم وهي خنثى فعندنا في الأولى للزوج النصف، وللأم الثلث والباقي للخنثى، وفي الثانية للمرأة الربع وللأخوين لأم الثلث والباقي للخنثى؛ لأنه أقل النصيبين فيهما، والله أعلم.   [البناية] وأشار إلى صورته بقوله: م: (وهو أن تكون الورثة زوجا وأما وأختا لأب وأم وهي خنثى) ش: هذه صورة للزوج النصف وللأم الثلث، فلو قدرنا الخنثى أنثى يكون لها النصف فتؤول المسألة إلى ثمانية. ولو قدرناه ذكرا يكون الباقي من الستة وهو السدس، فيعطى له؛ لأنه أقل من النصف. وصورة أخرى أشار إليها بقوله: م: (أو امرأة) ش: أي أو ترك امرأة م: (وأخوين لأم وأختا لأب وأم وهي خنثى) ش: أصل المسألة من اثني عشر، فللمرأة الربع وللأخوين لأم الثلث فلو قدرنا الخنثى ذكرا يكون له الباقي وهو الخمسة، ولو قدرناه أنثى يكون لها النصف وهي ستة تؤول المسألة إلى ثلاثة عشر فتعطى الخمسة؛ لأنها أقل من الستة. وأشار إلى ما يعطى في الصورة الأولى بقوله: م: (فعندنا في الأولى) ش: أي في صورة الأول م: (للزوج النصف وللأم الثلث، والباقي للخنثى) ش: وقد بيناه الآن م: (وفي الثانية) ش: أي في الصورة الثانية م: (للمرأة الربع وللأخوين لأم الثلث والباقي للخنثى؛ لأنه أقل النصيبين فيهما) ش: وهو سواء الحالتين م: (والله أعلم) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 537 مسائل شتى قال: وإذا قرئ على الأخرس كتاب وصيته فقيل له: أنشهد عليك بما في هذا الكتاب فأومأ برأسه، أي نعم، أو كتب فإذا جاء من ذلك ما يعرف أنه إقرار فهو جائز، ولا يجوز ذلك في الذي يعتقل لسانه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز في الوجهين؛ لأن المجوز إنما هو العجز، وقد شمل الفصلين. ولا فرق بين الأصلي والعارض كالوحشي والمتوحش من الأهلي في حق الذكاة. والفرق لأصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: أن الإشارة إنما تعتبر إذا صارت معهودة معلومة، وذلك في الأخرس دون المعتقل لسانه، حتى لو امتد ذلك   [البناية] [مسائل متفرقة من كل باب] [قرئ على الأخرس كتاب وصيته فقيل له أنشهد عليك بما في هذا الكتاب فأومأ برأسه أي نعم] م: (مسائل شتى) ش: أي هذه مسائل شتى، أي متفرقة من كل باب. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا قرئ على الأخرس كتاب وصيته فقيل له: أنشهد عليك بما في هذا الكتاب فأومأ برأسه، أي نعم، أو كتب) ش: أي أو كتب الأخرس نعم م: (فإذا جاء من ذلك) ش: الإيماء والكتابة والخط والعقد، وذلك أربعة الإيماء والكتابة والخط والعقد جاز. أو بالخط وبالعقد عقد الأصابع على رسم المهندسين م: (ما يعرف أنه إقرار فهو جائز) ش: يحكم بجواز وصيته، ولا يعلم فيه خلاف م: (ولا يجوز ذلك في الذي يعتقل لسانه) ش: بضم الياء وفتح القاف على صيغة المجهول، يقال: اعتقل لسانه إذا حبس عن الكلام ولم يقدر، وبه قال الثوري وأحمد والأوزاعي. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز في الوجهين) ش: أي في الإشارة والكتابة، وبه قال ابن المنذر م: (لأن المجوز إنما هو العجز وقد شمل الفصلين) ش: أي الأخرس والعقل م: (ولا فرق بين الأصلي والعارض) ش: أي لا فرق بين العجز الأصلي والعجز العارض م: (كالوحشي والمتوحش من الأهلي) ش: أي من الحيوان الأهلي م: (في حق الذكاة) ش: بالذال المعجمة، أي في الذكاة الاضطرارية. م: (والفرق) ش: أي بين الأصلي والعارضي م: (لأصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: أن الإشارة إنما تعتبر) ش: وتقوم مقام النطق في حق الأخرس م: (إذا صارت معهودة معلومة، وذلك في الأخرس دون المعتقل لسانه) ش: لاحتمال أن يزول ما به من المرض، فيطلق لسانه، فلم تقم إشارته أو كتابته مقام العبارة؛ لأن عجزه عارض على شرف الزوال م: (حتى لو امتد ذلك) ش: أي اعتقاله. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 538 وصارت له إشارات معلومة، قالوا: هو بمنزلة الأخرس، ولأن التفريط جاء من قبله حيث أخر الوصية إلى هذا الوقت، أما الأخرس فلا تفريط منه، ولأن العارضي على شرف الزوال دون الأصلي، فلا ينقاسان وفي الآبدة عرفناه بالنص. قال: وإذا كان الأخرس يكتب كتابا أو يومئ إيماء يعرف به، فإنه يجوز نكاحه وطلاقه وعتاقه وبيعه وشراؤه، ويقتص له ومنه ولا يحد له. أما الكتابة فلأنها ممن نأى بمنزلة الخطاب ممن دنا. ألا ترى أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أدى واجب التبليغ مرة بالعبارة وتارة بالكتابة إلى الغيب   [البناية] قال التمرتاشى: حده سنة م: (وصارت له إشارات معلومة، قالوا) ش: أي المشايخ م (هذا بمنزلة الأخرس) ش: وحكى الحاكم عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: إن دامت العقلة إلى وقت الموت يجوز إقراره بالإشارة، ويجوز الإشهاد عليه؛ لأنه عجز عن النطق بمعنى لا يرجى زواله، فكان كالأخرس، قالوا: وعليه الفتوى، كذا ذكره المحبوبي. م: (ولأن التفريط جاء من قبله حيث أخر الوصية إلى هذا الوقت، أما الأخرس فلا تفريط منه، ولأن العارضي على شرف الزوال دون الأصلي، فلا ينقاسان) ش: أي لا يقبلان القياس، بخلاف الصغيرة والآيسة؛ لأن امتداد الطهر وارتفاع الحيض على شرف الزوال دون الصغر والإياس. م: (وفي الآبدة) ش: من أبدت البهيمة أبد وتأبد، أي توحشت، والجمع الأوابد، وهو جواب عن قول الشافعي كالوحشي والمتوحش م: (عرفناه بالنص) ش: وقال تاج الشريعة: الضمير في عرفته عائدا إلى عدم العرف بين الوحش الأهلي والمتوحش من الأهلي في حق المذكورة، والنص هو ما رواه ابن خديج «أن بعيرا من أهل الصدقات ند فرماه رجل بسهم فقتله فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن لها أوابد كأوابد الوحش، فإذا فعلت شيئا من ذلك فافعلوا بها كما فعلتم بهذا ثم كلوه» . م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان الأخرس يكتب كتابا أو يومئ إيماء يعرف به، فإنه يجوز نكاحه وطلاقه وعتاقه وبيعه وشراؤه ويقتص له) ش: إذا قتل م: (منه) ش: أي ويقتص له إذا قتل من له القصاص فيه م: (ولا يحد له) ش: أي إذا كان الأخرس مقذوفا. م: (أما الكتابة فلأنها ممن نأى) ش: أي ممن بعد م: (بمنزلة الخطاب ممن دنا) ش: أي قرب؛ لأن الكتابة جعلت مقام العبارة في حق الغائب للعجز عن النطق باللسان، والعجز في حق الأخرس ألزم، ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أدى واجب التبليغ مرة بالعبارة، وتارة بالكتابة إلى الغيب) ش: ففي " الصحيحين " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الجزء: 13 ¦ الصفحة: 539 والمجوز في حق الغائب العجز، وهو في حق الأخرس أظهر وألزم، ثم الكتاب على ثلاث مراتب مستبين مرسوم، وهو بمنزلة النطق في الغائب والحاضر على ما قالوا، ومستبين غير مرسوم كالكتابة على الجدار وأوراق الأشجار. وينوي فيه؛ لأنه بمنزلة صريح الكتابة فلا بد من النية، وغير مستبين كالكتابة على الهواء والماء، وهو بمنزلة كلام غير مسموع فلا يثبت به الحكم. وأما الإشارة فجعلت حجة في حق الأخرس في حق هذه الأحكام للحاجة إلى ذلك؛ لأنها من حقوق العباد، ولا تختص بلفظ دون لفظ، وقد تثبت بدون اللفظ والقصاص حق العبد أيضا، ولا حاجة إلى الحدود؛   [البناية] أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، وبعث بكتابه مع دحية الكلبي» - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ... الحديث بطوله مشهور. وكتب إلى بكر بن وائل، رواه ابن حبان في " صحيحه " عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وكتب إلى يهود خيبر، رواه أبو نعيم في " دلائل النبوة " من حديث ابن عباس. م: (والمجوز في حق الغائب العجز، وهو) ش: أي العجز م: (في حق الأخرس أظهر وألزم، ثم الكتابة على ثلاث مرات مستبين) ش: أي بين م: (مرسوم) ش: أي معنون بالعنوان، والعنوان أن يكتب في صدره من فلان إلى فلان م: (وهو بمنزلة النطق في الغائب والحاضر على ما قالوا) ش: أي المشايخ. م: (ومستبين غير مرسوم كالكتابة على الجدار وأوراق الأشجار، وينوى فيه) ش: على صيغة المجهول بالتشديد، أي يطلب منه النية فيه م: (لأنه بمنزلة صريح الكتابة) ش: أي بمنزلة كتابة قوله أنت بائن م: (فلا بد من النية) . م: (وغير مستبين كالكتابة على الهواء والماء، وهو بمنزلة كلام غير مسموع، فلا يثبت به الحكم. وأما الإشارة فجعلت حجة في حق الأخرس في حق هذه الأحكام) ش: أي النكاح والطلاق، والبيع والشراء م: (للحاجة إلى ذلك؛ لأنها من حقوق العباد، ولا يختص بلفظ دون لفظ) ش: يعني هذه التصرفات من النكاح ونحوه لا يتعلق بلفظ خاص، بل يثبت بألفاظ كثيرة، ويثبت بلفظ دون لفظ، أي كما ثبت بالعربي يثبت بالفارسي وغيره م: (وقد ثبت بدون اللفظ) ش: يعني بفعل، يدل على اللفظ كالتعاطي. م: (والقصاص حق العبد أيضا) ش: أي الثابت في حق العبد، فيثبت بإشارته م: (ولا حاجة إلى الحدود) ش: أي لا حاجة إلى التوسعة في الحدود. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 540 لأنها حق الله تعالى. ولأنها تندرئ بالشبهات، ولعله كان مصدقا للقاذف، فلا يحد للشبهة، ولا يحد أيضا بالإشارة في القذف لانعدام القذف صريحا وهو الشرط، ثم الفرق بين الحدود والقصاص أن الحد لا يثبت ببيان فيه شبهة، ألا ترى أنهم لو شهدوا بالوطء، الحرام أو أقر بالوطء الحرام لا يجب الحد. ولو شهدوا بالقتل المطلق أو أقر بمطلق القتل يجب القصاص، وإن لم يوجد لفظ التعمد وهذا لأن القصاص فيه معنى العوضية؛ لأنه شرع جابرا فجاز أن يثبت مع الشبهة كسائر المعاوضات التي هي حق العبد. أما الحدود الخالصة لله تعالى فشرعت زواجر، وليس فيها معنى العوضية، فلا تثبت مع الشبهة لعدم الحاجة. وذكر في كتاب الإقرار أن الكتاب من الغائب ليس بحجة في قصاص يجب عليه ويحتمل أن يكون الجواب هنا كذلك، فيكون فيهما روايتان،   [البناية] م: (لأنها حق لله تعالى، ولأنها تندرئ بالشبهات، ولعله كان مصدقا للقاذف، فلا يحد للشبهة ولا يحد أيضا بالإشارة في القذف؛ لانعدام القذف صريحا وهو الشرط) ش: أي التصريح هو الشرط كما مر في الحدود. م: (ثم الفرق بين الحدود والقصاص أن الحد لا يثبت ببيان فيه شبهة، ألا ترى أنهم) ش: أي أن الشأن م: (لو شهدوا بالوطء الحرام أو أقر بالوطء الحرام لا يجب الحد) ش: وإن كان مطلق الحرمة ينصرف إلى الزمان لاحتمال أنه وطئ امرأته في حال الحيض، أو وطئ أمته المجوسية، ولهذا لا يجب الحد بقوله بالحرام زاده. م: (ولو شهدوا بالقتل المطلق أو أقر بمطلق القتل يجب القصاص، وإن لم يوجد لفظ التعمد، وهذا) ش: أي التصريح بالعمد م: (لأن القصاص فيه معنى العوضية) ش: لأنه يستوفي كل واحد منهما نفس الآخر م: (لأنه) ش: أي لأن القصاص م: (شرع جابرا فجاز أن يثبت مع الشبهة كسائر المعاوضات التي هي حق العبد، أما الحدود الخالصة لله تعالى فشرعت زواجر، وليس فيها معنى العوضية فلا تثبت مع الشبهة لعدم الحاجة. وذكر في كتاب الإقرار) ش: من الأصل م: (أن الكتاب من الغائب ليس بحجة في قصاص يجب عليه، ويحتمل أن يكون الجواب هنا) ش: أي في الأخرس م: (كذلك) ش: أي لا يكون حجة م: (فيكون فيهما) ش: أي في الأخرس والغائب عن الأخرس م: (روايتان) ش: وفي نسخة الأترازي: فيكون فيها بإفراد الضمير، وقال: أي في مسألة الأخرس على رواية كتاب " الجامع الصغير ": يجب عليه القصاص بالكتابة وعلى اعتبار رواية كتاب " الإقرار " في الغائب: لا يجب على الأخرس القصاص بالكتابة. ثم قال: وقال بعضهم في شرحه: فيهما تضمير التثنية، أي في الأخرس والغائب عن الأخرس، فذاك ليس بشيء؛ لأنه لم يثبت الروايتان في الغائب، بل فيه رواية كتاب " الإقرار " الجزء: 13 ¦ الصفحة: 541 ويحتمل أن يكون مفارقا لذلك؛ لأنه يمكن الوصول إلى نطق الغائب في الجملة لقيام أهلية النطق، ولا كذلك الأخرس لتعذر الوصول إلى النطق للآفة المانعة، ودلت المسألة على أن الإشارة معتبرة وإن كان قادرا على الكتابة. بخلاف ما توهمه بعض أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أنه لا تعتبر الإشارة مع القدرة على الكتابة؛ لأنه حجة ضرورية، ولا ضرورة؛ لأنه جمع هاهنا بينهما فقال: أشار أو كتب وإنما استويا لأن كل واحد منهما حجة ضرورية، وفي الكتابة زيادة بيان لم يوجد في الإشارة، وفي الإشارة زيادة أمر لم يوجد في الكتابة لما أنه أقرب إلى النطق من آثار الأقلام فاستويا. وكذلك الذي صمت يوما أو يومين بعارض.   [البناية] فحسب، ولا يجب عليه القصاص بالكتابة. قلت: أراد بقوله وقال بعضهم في شرحه، هو الكاكي، وفي بقية ما قاله نظر لا يخفى. م: (ويحتمل أن يكون مفارقا لذلك؛ لأنه يمكن الوصول إلى نطق الغائب في الجملة لقيام أهلية النطق، ولا كذلك الأخرس لتعذر الوصول إلى النطق للآفة المانعة، ودلت المسألة) ش: أي قوله: وإذا قرئ على الأخرس فأومأ برأسه، أي نعم، أو كتب م: (على أن الإشارة معتبرة، وإن كان قادرا على الكتابة، بخلاف ما توهمه بعض أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أنه لا تعتبر الإشارة مع القدرة على الكتابة؛ لأنه) ش: أي الإشارة على تأويل المذكور، أو على تأويل نقل الإشارة م: (حجة ضرورية، ولا ضرورة) ش: مع وجود الكتابة م: (لأنه) ش: أي لأن محمدا م: (جمع هاهنا) ش: في الكتابة م: (بينهما) ش: أي في " الجامع الصغير " بين الإشارة والكتابة. م (فقال: أشار أو كتب) ش: وهذا دليل على أن الإشارة معتبرة، وإن كان قادرا على الكتابة. وقال الأترازي: ولنا في دعوى الجمع بينهما؛ لأنه قال في " الجامع الصغير ": وإذا كان الأخرس يكتب أو يومئ كلمة أو لأحد الشبهين لا للجمع، على أنا نقول: قال في الأصل: وإن كان الأخرس لا يكتب، وكانت له إشارة عرف في نكاحه وطلاقه وشرائه وبيعه فهو جائز، فيعلم من إشارة رواية الأصل أن الإشارة من الأخرس لا تعتبر مع القدرة على الكتابة لأنه بين حكم إشارة الأخرس بشرط أن لا يكتب. قلت: في نظره نظر لا يخفى. م: (وإنما استويا) ش: أي الكتابة والإشارة م: (لأن كل واحد منهما حجة ضرورية، وفي الكتابة زيادة بيان لم يوجد في الإشارة، وفي الإشارة زيادة أمر لم يوجد في الكتابة لما أنه أقرب إلى النطق من آثار الأقلام فاستويا، وكذلك الذي صمت يوما أو يومين بعارض) ش: عطفا على قوله: ولا يجوز ذلك في الذي يعتقل لسانه، أي صمت يوما أو يومين بعارض من العوارض، فأشار الجزء: 13 ¦ الصفحة: 542 لما بينا في المعتقل لسانه أن آلة النطق قائمة، وقيل: هذا تفسير لمعتقل اللسان. قال: وإذا كانت الغنم مذبوحة وفيها ميتة، فإن كانت المذبوحة أكثر تحرى فيها وأكل، وإن كانت الميتة أكثر أو كانا نصفين لم يأكل وهذا إذا كانت الحالة حالة الاختيار، أما في حالة الضرورة يحل له التناول في جميع ذلك؛ لأن الميتة المتيقنة تحل له في حالة الضرورة فالتي تحتمل أن تكون ذكية أولى، غير أنه يتحرى؛ لأنه طريق يوصله إلى الذكية في الجملة فلا يتركه من غير ضرورة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز الأكل في حالة الاختيار، وإن كانت المذبوحة أكثر؛ لأن التحري دليل ضروري، فلا يصار إليه من غير ضرورة، ولا ضرورة؛ لأن الحالة حالة الاختيار. ولنا: أن الغلبة تنزل منزلة الضرورة في إفادة الإباحة. ألا ترى أن أسواق المسلمين لا تخلو عن المحرم والمسروق والمغصوب، ومع ذلك يباح التناول اعتمادا على الغالب، وهذا لأن القليل لا يمكن الاحتراز عنه، ولا يستطاع الامتناع منه، فسقط اعتباره   [البناية] برأسه أو كتب لا يجوز أن يقوم مقام إقراره. وقال الكاكي: إنه في بعض النسخ: صمت، والمصمت هو الله تعالى م: (لما بينا في المعتقل لسانه أن آلة النطق قائمة وقيل: هذا تفسير لمعتقل اللسان) ش: كذا قال فخر الإسلام البزدوي في شرح " الجامع الصغير " حيث قال: فيه وهو تأويل ما سبق ذكره في الذي اعتقل لسانه. م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كانت الغنم مذبوحة وفيها ميتة، فإن كانت المذبوحة أكثر تحرى فيها وأكل، وإن كانت الميتة أكثر أو كانا نصفين لم يأكل) ش: هذا لفظ " الجامع "، وقال المصنف: م: (وهذا إذا كانت الحالة حالة الاختيار، أما في حالة الضرورة يحل له التناول في جميع ذلك؛ لأن الميتة المتيقنة تحل في حالة الضرورة، فالتي تحمل أن تكون ذكية أولى، غير أنه يتحرى؛ لأنه طريق يوصله إلى الذكية في الجملة فلا يتركه) ش: أي التحري م: (من غير ضرورة) . م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز الأكل في حالة الاختيار، وإن كانت المذبوحة أكثر؛ لأن التحري دليل ضروري فلا يصار إليه من غير ضرورة، ولا ضرورة لأن الحالة حالة الاختيار ولنا: أن الغلبة تنزل منزلة الضرورة في إفادة الإباحة) ش: فكما أن في حالة الضرورة تباح الميتة، فكذلك يباح التناول عند غلبة الحلال على الحرام؛ لأن للغالب حكم الكل؛ لأن القليل لا يمكن الاحتراز عنه، وكل قليل لا يمكن الاحتراز عنه فهو عفو كما في النجاسة القليلة. م: (ألا ترى أن أسواق المسلمين لا تخلو عن المحرم والمسروق والمغصوب، ومع ذلك يباح التناول اعتمادا على الغالب، وهذا لأن القليل لا يمكن الاحتراز عنه، ولا يستطاع الامتناع منه، فسقط اعتباره الجزء: 13 ¦ الصفحة: 543 دفعا للحرج كقليل النجاسة وقليل الانكشاف من العورة، بخلاف ما إذا كانا نصفين أو كانت الميتة أغلب؛ لأنه لا ضرورة فيه، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.   [البناية] دفعا للحرج كقليل النجاسة. وقليل الانكشاف من العورة، بخلاف ما إذا كانا نصفين، أو كانت الميتة أغلب؛ لأنه لا ضرورة فيه، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب) ش: فلا توكل التحري، بخلاف الثياب النجسة، فإنه يتحرى فيها، وإن كان الطاهر والنجس نصفين عندنا، وبه قال الشافعي، وفي الأواني النجسة: لا يتحرى إلا إذا كانت الغلبة للطاهر. وقال الشافعي: يتحرى في التنصيف وفي الغلبة. وقال أحمد والمزني وأبو ثور: لا يتحرى في الأواني أصلا، ويتيمم ويصلي، واختلفت الرواية عن أحمد في جواب إراقة ماء الأواني قبل التيمم. وقال ابن الماجشون المالكي: لا يتحرى، ولكنه يتوضأ بأحدهما ويصلي ثم يتوضأ بالآخر ويعيد الصلاة التي صلاها. والله أعلم بالصواب. 1 - الجزء: 13 ¦ الصفحة: 544 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] وهذا آخر ما انتهيت من تأليف كتاب " البناية في شرح الهداية " في العشرين من شهر الله المحرم الحرام عام خمسين وثمانمائة بالقاهرة المحروسة في مدرسة البدرية تجاه كسامة، بالقرب من الجامع الأزهر، فنسأل الله من فضله ولطفه قبول ذلك وإلقاء الإنصاف في قلب من ينظر فيه، بحيث إنه إذا اطلع على محاسنه يترحم على مؤلفه وإذا اطلع على عيب من العيوب التي لا يخلو عنها زلل القلم وخمود الذهن بأنواع من الألم يبادر إلى إصلاحه وستر عيبه. وأما الحاسد فإنه لا يصدر منه إلا الإنكار واطلاع الناس على العثرات، وما وقع فيه من الإسقاطات خصوصا كان جمعي لهذا الشرح في زمن تأخر فيه من يستحق التقديم، وتقدم فيه من يستحق التأخير من الفجرة العظام والجهلة اللئام، وتراكب الهموم والأحزان حتى من الأصدقاء والإخوان، وخصوصا كنت في سن الذي ناهز التسعين من ضعف البصر، وغالب الكتابة في الليالي، وليس بعجيب أن يسلم شخص من السهو والنسيان، وهو في هذه الحالات، ولكن هذا يكون من الكرامات ببركة أدعية مشايخي الذين أخذت عنهم وهم أصحاب الكرامات بظهورها للأفراد والجماعات. وكان السبب في تأليف هذا الشرح أن شخصا من الفضلاء المستعربين من أبناء العجم قريبا، سألني قراءة كتاب " الهداية " فأجبته بذلك فقال: ما أقرأ إلا من أول كتاب " المضاربة " فقلت: نعم، ثم شرعت في شرح درسه أولا بأول وكتبت مجلدا في شرح كتاب المضاربة إلى كتاب القسمة وكان ابتدائي فيه في غرة صفر من سنة سبعة عشر وثمانمائة من الهجرة وكان فراغي منه في نهار الخميس الثاني والعشرين من جمادى الأولى من السنة المذكورة ثم شرعت في شرح كتاب القسمة عقيب فراغي من شرح كتاب المضاربة أي كتاب القسمة، وأتممته في سلخ رجب الأصم من سنة سبعة عشر وثمانمائة ثم تمادى الحال من هذا التاريخ إلى سنة سبعة وثلاثين وثمانمائة. ثم شرعت في شرح الكتاب من أوله لباب الطهارة وفرغت منه ليلة الأربعاء السادس عشر من جمادى الآخر من سنة سبعة وثلاثين. ثم كتبت " الجزء الثاني " وفرغت منه في السادس عشر من رمضان المعظم من السنة المذكورة. ثم شرعت في " الثالث " وفرغت منه نهار الجمعة قبل الزوال الثالث والعشرين من شوال من سنة ثمانية وثلاثين. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 545 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [البناية] ثم شرعت في " الجزء الرابع " وفرغت منه في الثالث عشر من شوال من سنة سبعة وأربعين وثمانمائة. ثم شرعت في " الجزء الخامس " وفرغت منه في اليوم الثاني من ربيع الآخر من سنة ثمانية وأربعين وثمانمائة. ثم شرعت في " الجزء السادس " وفرغت منه في نهار الخميس الثاني عشر من شهر شوال من السنة المذكورة. ثم شرعت في " الجزء السابع " وفرغت منه في يوم الأربعاء السادس عشر من شعبان من سنة تسع وأربعين وثمانمائة. وأما " الثامن والتاسع والعاشر " فقد ذكرناه؛ والذي ينظر فيه يعرف مقدار الخلو من الصيف سنين عديدة، ويعرف مقدار التكميل والإتمام مدة لطيفة كل ذلك بنظر الله وتوفيقه، فنسأل الله تعالى خاتمة الخير والاجتناب عن الشر، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير. ورأيت في آخر شرح قوام الدين الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: هذا آخر ما انتهيت إليه من تأليف " معراج الدراية في شرح الهداية " الحادي والعشرين من محرم سنة خمس وأربعين وسبعمائة، ورأيت بخط الإمام العالم العلامة قوام الدين شارح " الهداية " في آخر شرحه يقول العبد الضعيف أبو حنيفة قوام الدين أمير كاتب ابن أمير عمر العهد الغازي الأبعاني: هذا آخر " غاية البيان " نادرة الزمان في آخر الأوان في شرح كتاب " الهداية ". ثم قال بخطه أيضا: وكان افتتاح شرحنا بالقاهرة غرة شهر ربيع الآخر من سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، وبعضه عمل بالعراق وإزاه في زمن السلطان أبي سعيد - نور الله مرقده، وبرد مضجعه - وأكثره عمل ببغداد وكراماته معدودة، وآخره بدمشق إلى أن ختم في السابع عشر من ذي القعدة يوم الخميس أول يوم من آذار سنة سبع وأربعين وسبعمائة، وكان جميع مدة الشرح ستة وعشرين سنة وسبعة أشهر وسبعة عشر يوما. والحمد لله رب العالمين وصلواته على محمد وآله أجمعين. غفر الله لكاتبه وللناظر فيه وللقارئ فيه ولمن رأى فيه خللا وأصلحه ولمن دعا لكاتبه بالمغفرة وجميع المسلمين. آمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين، آمين. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 546